المجلد السادس
فصل في ذكر ذرية رسول الله صلى الله عليه و سلم ..... ص : 3
فصل في ذكر عترة رسول الله صلى الله عليه و سلم ..... ص : 13
فصل في ذكر سلالة النبي صلى الله عليه و سلم ..... ص : 17
فصل في ذكر سبط رسول الله صلى الله عليه و سلم ..... ص : 18
نبدة ..... ص : 20
فصل [في العقب و العاقب ] ..... ص : 22
فصل في ذكر أزواج رسول الله صلى الله عليه و سلم ..... ص : 24
[أم المؤمنين خديجة بنت خويلد] ..... ص : 24
[أم المؤمنين سودة بنت زمعة][1] ..... ص : 31
[أم المؤمنين عائشة بنت أبى بكر] ..... ص : 35
غزية ..... ص : 44
[أم المؤمنين حفصة بنت عمر] ..... ص : 46
[أم المؤمنين زينب بنت خزيمة] ..... ص : 52
[أم المؤمنين أم سلمة] ..... ص : 53
[أم المؤمنين زينب بنت جحش ] ..... ص : 57
[أم المؤمنين أم حبيبة] ..... ص : 63
أم المؤمنين جويرية بنت الحارث ..... ص : 82
أم المؤمنين صفية بنت حيي ..... ص : 86
أم المؤمنين ميمونة بنت الحارث ..... ص : 89
فصل [جامع لأزواج النبي صلى الله عليه و سلم ] ..... ص : 92
[أم شريك ] ..... ص : 97
[العالية] ..... ص : 97
[الكلابية] ..... ص : 98
[أسماء بنت عمرو] ..... ص : 99
[قتيلة بنت قيس ] ..... ص : 99
[الجونية] ..... ص : 100
[مليكة بنت كعب ] ..... ص : 101
[أم هانئ ] ..... ص : 102
[صفية بنت بشامة] ..... ص : 104
[ليلى بنت الخطيم ] ..... ص : 105
[خولة بنت الهذيل ] ..... ص : 106
[شراف بنت قطام ] ..... ص : 106
[ضباعة بنت عامر] ..... ص : 107
[الكلبية] ..... ص : 108
[أمامة بنت الحارث ] ..... ص : 109
[جمرة بنت الحارث ] ..... ص : 109
[درة بنت أبى سلمة] ..... ص : 110
[أمامة بنت حمزة] ..... ص : 110
[أم حبيب ] ..... ص : 111
[سناء بنت أسماء بنت الصلت ] ..... ص : 111
[فصل في ] ذكر قوة رسول الله صلى الله عليه و سلم على الجماع ..... ص : 126(1/1)
فصل [في ذكر سراري رسول الله صلى الله عليه و سلم ] ..... ص : 129
[مارية][2][3] ..... ص : 129
[ريحانة] ..... ص : 131
فصل في ذكر أسلاف رسول الله صلى الله عليه و سلم ..... ص : 134
[أسلافه صلى الله عليه و سلم من قبل خديجة] ..... ص : 134
[سلفاه صلى الله عليه و سلم من قبل سودة] ..... ص : 136
أسلافه صلى الله عليه و سلم من قبل عائشة ..... ص : 141
[أسلافه صلى الله عليه و سلم من قبل حفصة] ..... ص : 146
[سلفه صلى الله عليه و سلم من قبل زينب أم المساكين ] ..... ص : 149
[أسلافه صلى الله عليه و سلم من قبل أم سلمة] ..... ص : 149
[أسلافه صلى الله عليه و سلم من قبل زينب بنت جحش ] ..... ص : 155
[أسلافه صلى الله عليه و سلم من قبل أم حبيبة] ..... ص : 157
[أسلافه صلى الله عليه و سلم من قبل ميمونة] ..... ص : 164
[سلفه صلى الله عليه و سلم من قبل مارية] ..... ص : 171
فصل في ذكر أحماء رسول الله صلى الله عليه و سلم ..... ص : 174
[حمو رسول الله صلى الله عليه و سلم من قبل خديجة] ..... ص : 175
[حمو رسول الله صلى الله عليه و سلم من قبل سودة] ..... ص : 177
حموه صلى الله عليه و سلم من قبل عائشة ..... ص : 181
حموه صلى الله عليه و سلم من قبل حفصة ..... ص : 183
حموه صلى الله عليه و سلم من قبل أم سلمة ..... ص : 183
[حموه صلى الله عليه و سلم من قبل زينب بنت جحش ] ..... ص : 184
[حموه صلى الله عليه و سلم من قبل أم حبيبة] ..... ص : 185
[حموه صلى الله عليه و سلم من قبل جويرية] ..... ص : 186
[حموه صلى الله عليه و سلم من قبل صفية] ..... ص : 187
[حموه صلى الله عليه و سلم من قبل ميمونة] ..... ص : 188
فصل في ذكر أصهار رسول الله صلى الله عليه و سلم ..... ص : 189
[أصهاره صلى الله عليه و سلم من قبل خديجة] ..... ص : 192
[إخوة خديجة] ..... ص : 194
[أصهاره صلى الله عليه و سلم من قبل سودة] ..... ص : 197
[(1/2)
أصهاره صلى الله عليه و سلم من قبل عائشة] ..... ص : 201
[أصهاره صلى الله عليه و سلم من قبل حفصة] ..... ص : 211
[أصهاره صلى الله عليه و سلم من قبل أم سلمة] ..... ص : 220
[أولاد عم أم سلمة] ..... ص : 228
إخوة أم سلمة ..... ص : 251
أصهاره صلى الله عليه و سلم من قبل زينب بنت جحش ..... ص : 254
أصهاره صلى الله عليه و سلم من قبل أم حبيبة ..... ص : 256
إخوة أم حبيبة ..... ص : 261
صهره صلى الله عليه و سلم من قبل جويرية ..... ص : 270
أصهاره صلى الله عليه و سلم من قبل ميمونة ..... ص : 270
[أصهار رسول الله صلى الله عليه و سلم و نساء أعمامه ] ..... ص : 275
أصهاره صلى الله عليه و سلم أزواج عماته ..... ص : 278
أصهاره صلى الله عليه و سلم من قبل بناته ..... ص : 283
فصل في ذكر من كان في حجر رسول الله صلى الله عليه و سلم من أولاد نسائه ..... ص : 295
فصل في ذكر موالي رسول الله صلى الله عليه و سلم ..... ص : 302
فصل في ذكر إماء رسول الله صلى الله عليه و سلم ..... ص : 340
فصل في ذكر خدام رسول الله صلى الله عليه و سلم ..... ص : 349
فصل في ذكر من كان يلازم باب رسول الله صلى الله عليه و سلم ..... ص : 352
فصل في ذكر الحاجب الذي كان يستأذن على رسول الله صلى الله عليه و سلم ..... ص : 354
فصل في ذكر صاحب طهور رسول الله صلى الله عليه و سلم ..... ص : 356
فصل في ذكر من كان يغمز رسول الله صلى الله عليه و سلم ..... ص : 362
فصل في ذكر عدة ممن كان يخدم النبي صلى الله عليه و سلم ..... ص : 363
فصل في ذكر لباس رسول الله صلى الله عليه و سلم ..... ص : 366
[و أما الكمة و القلنسوة و القناع ] ..... ص : 372
و أما القميص ..... ص : 378
و أما الرداء ..... ص : 381
و أما القباء و المفرج ..... ص : 384
و أما البردة ..... ص : 386
و أما الجبة ..... ص : 391
و أما الحلة ..... ص : 395
إمتاع الأسماع،ج 6،ص:3
[المجلد السادس ](1/3)
بسم الله الرّحمن الرّحيم
فصل في ذكر ذرية رسول الله صلّى الله عليه و سلم
اعلم أن اشتقاق لفظ الذرية [على ] ثلاثة أقوال، أحدها: أنها مشتقة من ذرأ، قال الكسائي: و ذرية الرجل: النشؤ الذين خرجوا منه، و هو من ذروت و ذريت، و ليس بمهموز، قال أبو عبيدة: أصله مهموز و لكن العرب تركت الهمز فيه و في آخر و غيره، و هو في مذهب أبي عبيدة من ذرأ الله الخلق، كما قال تعالى: وَ لَقَدْ ذَرَأْنا لِجَهَنَّمَ كَثِيراً من الْجِنِّ وَ الْإِنْسِ 7: 179 [1] أي أنشأهم و خلقهم، قال تعالى: يَذْرَؤُكُمْ فِيهِ 42: 11 [2] أي يخلقكم، فكأن ذرية الرجل من خلق الله منه و من نسله، و من أنشأ من صلبه، و قال ابن فارس في (مقاييسه): قولهم ذرأنا الأرض بذرناها [ذرءا] ذرى ء على فعيل، و من هذا الباب: ذرأ الله الخلق يذرؤهم ذرءا، خلقهم، و في التنزيل:
يَذْرَؤُكُمْ فِيهِ 42: 11 [3]، و قال ثعلب: معناه يكثركم فيه، أي في الخلق و الذرية، و كان ينبغي أن تكون مهموزة فكثرت فأسقط الهمز.
ثانيها: أنها من الذر الّذي هو النمل الصغار، و هذا قول ضعيف.
ثالثها: أنها من ذرأ يذرأ إذا فرق، و القول الأول أصحها، لأن الاشتقاق و المعنى يشهد ان له، قال تعالى: جَعَلَ لَكُمْ من أَنْفُسِكُمْ أَزْواجاً وَ من الْأَنْعامِ أَزْواجاً يَذْرَؤُكُمْ فِيهِ 42: 11 [3]، و في الحديث، أعوذ بكلمات الله التامات
__________________________________________________
[1] الأعراف: 179.(1/4)
لكن قال ابن الجوزي في حديث «من آل محمد؟ قال: كل مؤمن تقى»: هذا الحديث لا يصح عن رسول الله صلّى الله عليه و سلم، و نافع يغلب على حديثه الوهم، قال يحى بن معين: لا يكتب حديثه، و ضعّفه هو و أحمد بن حنبل، و قال يحى مرة: كذاب، و قال الدار قطنى: متروك، و قال البيهقي: لا يحل الاحتجاج بمثله، نافع السلمي أبو هرمز بصرى، كذبه يحى بن معين، و ضعّفه أحمد بن حنبل و غيرهما من الحفاظ. (العلل المتناهية): 1/ 266- 267، حديث في تفسير آل محمد رقم (429). [2)،]
[3] الشورى: 11.
إمتاع الأسماع،ج 6،ص:4
[اللاتي ] لا يجاوزهن برّ و لا فاجر من شر ما خلق و ذرأ و برأ [1]، [قال
__________________________________________________
[1] أخرجه الإمام أحمد في (المسند): 4/ 431- 432، من حديث عبد الرحمن بن خنيش التميمي رضى الله تعالى عنه، حديث رقم (15034): حدثنا عبد الله، حدثني أبي، حدثنا سيار بن حاتم أبو سلمة العنزي قال: حدثنا جعفر- يعنى ابن سليمان- قال: حدثنا أبو التياح قال: قلت لعبد الرحمن بن خنيش التميمي و كان كبيرا: أدركت رسول الله صلّى الله عليه و سلم؟ قال: نعم، قال: قلت: كيف صنع رسول الله صلّى الله عليه و سلم ليلة كادته الشياطين؟ فقال: إن الشياطين تحدرت تلك الليلة على رسول الله صلّى الله عليه و سلم من الأودية و الشعاب، و فيهم شيطان بيده شعلة نار، يريد أن يحرق بها وجه رسول الله صلّى الله عليه و سلم، فهبط إليه جبريل عليه السّلام فقال: يا محمد قل، قال: ما أقول؟ قال: قل: أعوذ بكلمات الله التامة من شرّ ما خلق، و ذرأ، و برأ، و من شرّ ما ينزل من السماء، و من شرّ ما يعرج فيها، و من شرّ فتن الليل و النهار، و من شرّ كل طارق إلا طارقا يطرق بخير يا رحمان، قال: فطفئت نارهم، و هزمهم الله تبارك و تعالى.(1/5)
و أخرجه الإمام أحمد أيضا من حديث عبد الرحمن بن خنيش التميمي، حديث رقم (15035) لكن باختلاف يسير. و أخرجه البيهقي في (شعب الإيمان): 4/ 175، باب (33) في تعديد نعم الله عزّ و جلّ و شكرها، فصل في النوم و آدابه، حديث رقم (4710): أخبرنا أبو عبد الله الحافظ، أخبرنا أبو عبد الله محمد بن على الصنعاني، أنبأنا إسحاق بن إبراهيم، أنبأنا عبد الرزاق عن معمر، عن قتادة، عن أبى رافع، أن خالد بن الوليد جاء إلى النبي صلّى الله عليه و سلم، فشكا إليه وحشة يجدها، فقال له: ألا أعلمك ما علمني الروح الأمين، جبريل عليه السّلام، قال: إن عفريتا من الجن يكيدك، فإذا أويت إلى فراشك فقل: أعوذ بكلمات الله التامات التي لا يجاوزهن برّ و لا فاجر من شرّ ما ينزل من السماء، و ما يعرج فيها، و من شرّ ما ذرأ في الأرض، و من شرّ ما يخرج منها، و من شرّ طوارق الليل و النهار، و من شرّ كل طارق يطرق إلا بخير يا رحمان. قوله صلّى الله عليه و سلم: «أعوذ بكلمات الله التامات و أسمائه كلها من شرّ ما ذرأ و برأ، و من شرّ كل ذي شرّ، و من شرّ كل دابة ربى آخذ بناصيتها إن ربى على صراط مستقيم»، قال الحافظ العراقي: رواه أبو الشيخ في كتاب (الثواب)، من حديث عبد الرحمن بن عوف: «من قال حين يصبح: أعوذ بكلمات الله التامات التي لا يجاوزهن برّ و لا فاجر من شرّ ما خلق، و برأ، و ذرأ، اعتصم من الثقلين»، و فيه: «و إن قالهن حين يمسى كن له كذلك حتى يصبح»، و فيه ابن لهيعة.
و الكلمات، قال الهروي و غيره: القرآن، و قال أبو داود في (سننه)، باب في القرآن، و ذكر فيه حديث تعويذ النبي صلّى الله عليه و سلم الحسن و الحسين بكلمات الله التامة. و التامّات، قيل: هي النافعات، الكافيات، الشافيات من كل ما يتعوذ منه.(1/6)
و أخرج ابن أبي الدنيا في (الدعاء) من طريق إبراهيم بن أبى بكر قال: سمعت كعبا يقول: لو لا كلمات أقولهن حين أصبح و أمسى، لجعلتنى اليهود من الحمر الناهقة، و الكلاب النابحة، و الذئاب العادية: «أعوذ بوجه الله الجليل، و بكلماته التامة، الّذي لا يخفر جاره، الّذي يمسك السموات
إمتاع الأسماع،ج 6،ص:5
تعالى:] وَ لَقَدْ ذَرَأْنا لِجَهَنَّمَ كَثِيراً من الْجِنِّ وَ الْإِنْسِ 7: 179 [1] و قال تعالى:
وَ ما ذَرَأَ لَكُمْ في الْأَرْضِ مُخْتَلِفاً أَلْوانُهُ 16: 13 [2]، فالذرية منه بمعنى مفعولة، أي مذرورة، ثم أبدلوها همزها ياء فقالوا: ذرية.
و لا خلاف أن الذرية تقال على الأولاد الصغار و الكبار، قال أبو عبيدة معمر بن المثنى: الذريات عندنا إذا كانت بالألف: الأعقاب و النسل، فأما الذين في حجورهم خاصة فإنّهم الذرية، انتهى.
و قد قال تعالى: وَ إِذِ ابْتَلى إِبْراهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِماتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قال إِنِّي جاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِماماً قال وَ من ذُرِّيَّتِي 2: 124 [3]، و قال تعالى: إِنَّ الله اصْطَفى آدَمَ وَ نُوحاً وَ آلَ إِبْراهِيمَ وَ آلَ عِمْرانَ عَلَى الْعالَمِينَ ذُرِّيَّةً بَعْضُها من بَعْضٍ 3: 33- 34 [4]، و قال تعالى: وَ من آبائِهِمْ وَ ذُرِّيَّاتِهِمْ وَ إِخْوانِهِمْ وَ اجْتَبَيْناهُمْ وَ هَدَيْناهُمْ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ 6: 87 [5] و قال تعالى: وَ آتَيْنا مُوسَى الْكِتابَ وَ جَعَلْناهُ هُدىً لِبَنِي إِسْرائِيلَ أَلَّا تَتَّخِذُوا من دُونِي وَكِيلًا ذُرِّيَّةَ من حَمَلْنا مَعَ نُوحٍ إِنَّهُ كانَ عَبْداً شَكُوراً 17: 2- 3 [6].
و هل يقال الذرية على الآباء؟ فيه قولان ليس هذا موضع بسط القول فيهما، فإذا ثبت هذا فالذرية الأولاد و أولادهم، و هل يدخل فيها أولاد البنات؟ فيه قولان، أحدهما: يدخلون، و هو مذهب الشافعيّ و أحد قولي
__________________________________________________
[ ((1/7)
)] و الأرض و من فيهن أن تقع على الأرض إلا بإذنه، من شرّ ما خلق، و ذرأ، و برأ». (إتحاف السادة المتقين): 5/ 384- 385، كتاب الأذكار و الدعوات، الباب الخامس، مختصرا.
[1] الأعراف: 179.
[2] النحل: 13.
[3] البقرة: 124.
[4] آل عمران: 34.
[5] الأنعام: 87.
[6] الإسراء: 3.
قال الفيروزآبادي: و ذرأ الشي ء: كثّره، قيل: و منه الذرية مثلثة الذال، و هو اسم لنسل الثقلين، و قيل:
أصلها الصغار أي الأولاد، و إن كان يقع على الصغار و الكبار معا في التعارف، و يستعمل للواحد و الجمع و أصله للجمع، (بصائر ذوى التمييز في لطائف الكتاب العزيز): 3/ 7.
إمتاع الأسماع،ج 6،ص:6
أحمد، و دليله إجماع المسلمين على دخول أولاد فاطمة رضى الله عنها في ذرية النبي صلّى الله عليه و سلم، المطلوب لهم من الله تعالى الصلاة عليهم، لأن أحدا من بناته لم يعقب عقباً باقيا غيرها، فمن انتسب إليه صلّى الله عليه و سلم من أولاد بيته فإنما هو من جهة فاطمة رضى الله عنها خاصة.
و قد قال صلّى الله عليه و سلم في الحسن ابن بنته، إن [ابني ] هذا سيد [1]، فسماه ابنه، و لما نزلت آية المباهلة [و هي قوله تعالى:] [2] فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ من بَعْدِ ما جاءَكَ من الْعِلْمِ فَقُلْ تَعالَوْا نَدْعُ أَبْناءَنا وَ أَبْناءَكُمْ وَ نِساءَنا وَ نِساءَكُمْ 3: 61 [3]
__________________________________________________
[1] (المطالب العالية): 4/ 72، حديث رقم (4000)، و هو في (صحيح البخاري) من وجه آخر عن الحسن، عن أبي بكرة، و أخرجه البزار برجال الصحيح من حديث جابر، (المستدرك):(1/8)
3/ 191- 192، كتاب معرفة الصحابة، باب: و من فضائل الحسن بن علي بن أبي طالب رضى الله تعالى عنه، و ذكر مولده، و مقتله، حديث رقم (4809/ 407)، (4810/ 408)، و قال الذهبي في (التلخيص): أخرجهما البخاري، و أبو داود، و الترمذي، و النسائي، لكن البخاري من طريق أبى موسى إسرائيل، عن الحسن، (مسند أحمد): 6/ 17، حديث رقم (19879)، 6/ 27، حديث رقم (19935)، 6/ 30، حديث رقم (19960)، ثلاثتهم من حديث أبي بكرة نفيع بن الحارث ابن كلدة.
[2] زيادة يقتضيها السياق.
[3] آل عمران: 61.
قال أبو بكر بن مردويه: حدثنا سليمان بن أحمد، حدثنا أحمد بن داود الملكي، حدثنا بشر بن مهران، حدثنا محمد بن دينار، عن داود بن أبى هند، عن الشعبي، عن جابر، قال: قدم على النبي صلّى الله عليه و سلم العاقب و الطيب، فدعاهما إلى الملاعنة، فواعداه أن يلاعناه الغداة، فغدا رسول الله صلّى الله عليه و سلم بيد عليّ، و فاطمة، و الحسن و الحسين، ثم أرسل إليهما، فأبيا أن يجيبا، و أقرّا له بالخراج، قال: فقال رسول الله صلّى الله عليه و سلم: و الّذي بعثني بالحق لو قالا: لا، لأمطر عليهم الوادي نارا. قال جابر: و فيهم نزلت: نَدْعُ أَبْناءَنا وَ أَبْناءَكُمْ وَ نِساءَنا وَ نِساءَكُمْ وَ أَنْفُسَنا وَ أَنْفُسَكُمْ 3: 61 و قال جابر:
أَنْفُسَنا وَ أَنْفُسَكُمْ 3: 61 رسول الله صلّى الله عليه و سلم و على بن أبى طالب، و أبناءنا الحسن و الحسين، و نساءنا فاطمة. و هكذا رواه الحاكم في (المستدرك): [3/ 163، كتاب معرفة الصحابة، ذكر مقتل أمير المؤمنين على بن أبي طالب رضى الله تعالى عنه بأصحّ الأسانيد على سبيل الاختصار، حديث رقم (4719/ 317)، و قال الذهبي في (التلخيص): على شرط البخاري و مسلم ].
و قد روى عن ابن عباس و البراء نحو ذلك، ثم قال الله تعالى: إِنَّ هذا لَهُوَ الْقَصَصُ الْحَقُّ 3: 62 أي
إمتاع الأسماع،ج 6،ص:7(1/9)
الآية، دعا رسول الله صلّى الله عليه و سلم فاطمة و حسنا و حسينا للمباهلة.
و خرج الحاكم من طريق أحمد الإمام ابن عفان، حدثنا وهيب حدثنا عبد الله بن عثمان بن خيثم، عن سعيد بن أبي راشد، عن يعلى بن منية الثقفي قال: جاء الحسن و الحسين يستبقان إلى رسول الله صلّى الله عليه و سلم فضمهما إليه ثم قال: إن الولد مبخلة مجبنة محزنة [1]. قال صحيح على شرط مسلم.
__________________________________________________
[ ()] هذا الّذي قصصناه عليك يا محمد في شأن عيسى هو الحق الّذي لا معدل عنه و لا محيد وَ ما من إِلهٍ إِلَّا الله وَ إِنَّ الله لَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ فَإِنْ تَوَلَّوْا 3: 62- 63 أي عن هذا إلى غيره فَإِنَّ الله عَلِيمٌ بِالْمُفْسِدِينَ 3: 63 أي من عدل عن الحق و ولي الباطل فهو المفسد، و الله عليم به، و سيجزيه على ذلك شر الجزاء، و هو القادر الّذي لا يفوته شي ء، سبحانه، و بحمده، و نعوذ به من حلول نقمته. (تفسير ابن كثير):
1/ 378- 379 مختصرا، و ما بين الحاصرتين زيادة للسياق.
و قد أخرجه الحافظ البيهقي مطولا في (دلائل النبوة): 5/ 382- 393، باب وفد نجران و شهادة الأساقفة لنبينا صلّى الله عليه و سلم بأنه النبي الّذي كانوا ينتظرونه، و امتناع من امتنع منهم من الملاعنة، و ما ظهر في ذلك من آثار النبوة.
و انظر أيضا في وفد نجران ما ذكره كل من ابن هشام في (السيرة)، ابن سعد في (الطبقات)، البلاذري في (فتوح البلدان)، و ابن كثير في (البداية و النهاية)، النويرى في (نهاية الأرب)، الزرقانى في (شرح المواهب اللدنية).
[(1/10)
1] (المستدرك) 3/ 179، كتاب معرفة الصحابة، باب: و من مناقب الحسن و الحسين ابني بنت رسول الله صلّى الله عليه و سلم، حديث رقم (4771/ 369) و سكت عنه الذهبي في (التلخيص)، و قال محقق (المستدرك)، قال في (الفيض): أخرجه الحاكم في الفضائل عن الأسود بن خلف بن يغوث القرشي، و قال الحاكم على شرط مسلم، و قال الحافظ العراقي: إسناده صحيح، (كنز العمال):
16/ 288- 289، الباب الثاني في الترهيب عن النكاح، حديث رقم (44512): أما إن الأولاد مبخلة مجبنة محزنة، الطبراني عن الأشعث بن قيس. و حديث رقم (44513): لا تقل ذلك، فإن فيهم قرة أعين و أجرا إذا قبضوا، و لئن قلت ذلك فإن فيهم لمجبنة و محزنة و مبخلة. الطبراني عن أشعث ابن قيس أيضا و زاد فيه: قال: قلت يا رسول الله! ولد لي مولود و لوددت أن يكون لي مكانه شبع اليوم! قال- فذكره، و حديث رقم (44514): أما إن قلت ذلك إنهم لمجبنة محزنة، ثمرات القلوب و قرأت الأعين. هناد و عن خيثمة مرسلا، و حديث رقم (44515): إن قلت ذلك إنهم لمجبنة محزنة، و إنهم لثمرة القلوب و قرة الأعين. الحاكم عن الأشعث بن قيس، حديث رقم (44516): الولد محزنة مجبنة مجهلة مبخلة، و إن آخر وطاءة وطئها الله بوج [موضع بناحية الطائف ] و عزاه إلى الطبراني عن خولة بنت حكيم، حديث رقم (44517) إن الولد مبخلة مجبنة محزنة. ابن عساكر و البيهقي، عن يعلى بن أبي أمية.
إمتاع الأسماع،ج 6،ص:8
و في حديث شريك عن عبد الملك بن عمير قال: دخل يحى بن يعمر على الحجاج، و من حديث صالح من موسى، حدثنا عاصم بن بهدلة قال:(1/11)
اجتمعوا عند الحجاج فذكر الحسين بن على، فقال الحجاج: لم يكن من ذرية رسول الله صلّى الله عليه و سلم، و عنده يحى بن يعمر فقال له: كذبت أيها الأمير، فقال: لتأتينى على ما قلت بينة و مصداق من كتاب الله تعالى أو لأقتلنّك، فقال: وَ من ذُرِّيَّتِهِ داوُدَ وَ سُلَيْمانَ وَ أَيُّوبَ وَ يُوسُفَ وَ مُوسى 6: 84 [1] إلى قوله تعالى: وَ زَكَرِيَّا وَ يَحْيى وَ عِيسى 6: 85 [1] فأقرّ الله تعالى أن عيسى من ذرية إبراهيم بأمه، و الحسن بن على من ذرية محمد صلّى الله عليه و سلم بأمه، قال: صدقت، فما حملك على تكذيبي في مجلسى؟ قال: ما أخذ الله على الأنبياء ليبيّننّه للناس و لا يكتمونه، قال الله تعالى: فَنَبَذُوهُ وَراءَ [ظُهُورِهِمْ ] وَ اشْتَرَوْا به ثَمَناً قَلِيلًا 3: 187 [2]، قال: فنفاه إلى خراسان [3].
__________________________________________________
[1] الأنعام: 84- 85 وَ وَهَبْنا لَهُ إِسْحاقَ وَ يَعْقُوبَ كُلًّا هَدَيْنا وَ نُوحاً هَدَيْنا من قَبْلُ وَ من ذُرِّيَّتِهِ داوُدَ وَ سُلَيْمانَ وَ أَيُّوبَ وَ يُوسُفَ وَ مُوسى وَ هارُونَ وَ كَذلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ وَ زَكَرِيَّا وَ يَحْيى وَ عِيسى وَ إِلْياسَ كُلٌّ من الصَّالِحِينَ 6: 84- 85.
[2] آل عمران: 187.
[(1/12)
3] أورد الحافظ أبو الفداء إسماعيل بن كثير هذا الخبر هكذا: قال ابن أبي حاتم: حدثنا سهل بن يحى العسكري، حدثنا عبد الرحمن بن صالح، حدثنا على بن عباس، عن عبد الله بن عطاء المكيّ، عن أبي حرب بن أبي الأسود قال: أرسل الحجاج إلى يحى بن يعمر فقال: بلغني أنك تزعم أن الحسن و الحسين من ذرية النبي صلّى الله عليه و سلم تجده في كتاب الله، و قد قرأته من أوله إلى آخره فلم أجده؟ قال: أ ليس تقرأ سورة الأنعام وَ من ذُرِّيَّتِهِ داوُدَ وَ سُلَيْمانَ 6: 84 حتى بلغ وَ يَحْيى وَ عِيسى 6: 85 قال: بلى، قال: أ ليس عيسى من ذرية إبراهيم و ليس له أب؟ قال: صدقت. فلهذا إذا أوصى الرجل لذريته أو وقف علي ذريته أو وهبهم دخل أولاد البنات فيهم، فأما إذا أعطى الرجل بنيه أو وقف عليهم، فإنه يختص بذلك بنوه لصلبه، و بنو بنيه، و احتجوا بقول الشاعر العربيّ:
بنونا بنو أبنائنا و بناتنا بنوهن أبناء الرجال الأجانب
و قال آخرون: و يدخل بنو البنات فيهم أيضا، لما ثبت في صحيح البخاري، أن رسول الله صلّى الله عليه و سلم قال للحسن بن على: إن ابني هذا سيد، و لعل الله أن يصلح به بين فئتين عظيمتين من المسلمين. فسماه ابنا، فدل علي دخوله في الأبناء.
إمتاع الأسماع،ج 6،ص:9
و خرج من طريق عبيد الله بن موسى، أخبرنا إسرائيل عن أبي إسحاق، عن هانئ بن هانئ، عن عليّ رضى الله عنه قال: لما ولدت فاطمة الحسن رضى الله عنهما، جاء رسول الله صلّى الله عليه و سلم فقال: أرونى ابني، ما سميتموه؟(1/13)
قال: قلت: سميته حربا، قال: بل هو حسن، فلما ولدت الحسين رضى الله عنه جاء رسول الله صلّى الله عليه و سلم، فقال: أرونى ابني، ما سميتموه؟ قلت: سميته حربا، قال: بل هو حسين، ثم لما ولدت الثالث جاء رسول الله صلّى الله عليه و سلم، [فقال ]: أرونى ابني، ما سميتموه؟ قلت: سميته حربا، قال: بل هو محسن، قال: إنما أسميتهم باسم ولد هارون عليه السّلام: شبر، و شبير، و مشبر [1]. و من طريق محمد بن إسماعيل بن أبى فديك، حدثنا محمد بن موسى المخزومي، حدثنا عون بن محمد عن أبيه، عن أم جعفر أمه، عن جدتها أسماء، عن فاطمة رضى الله عنها، أن رسول الله صلّى الله عليه و سلم أتاها يوما فقال: أين ابناي؟ فقالت ذهب بهما عليّ، فتوجه رسول الله صلّى الله عليه و سلم فوجدهما يلعبان في مشربة و بين أيديهما فضل من تمر، فقال: يا عليّ! ألا تقلب ابنىّ قبل
__________________________________________________
[ ()] و قال آخرون: هذا تجوّز، و قوله: وَ من آبائِهِمْ وَ ذُرِّيَّاتِهِمْ وَ إِخْوانِهِمْ 6: 87، ذكر أصولهم، و فروعهم، و ذوى طبقتهم، و أن الهداية بالاجتباء شملهم كلهم، و لهذا قال: وَ اجْتَبَيْناهُمْ وَ هَدَيْناهُمْ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ 6: 87، ثم قال تعالى: ذلِكَ هُدَى الله يَهْدِي به من يَشاءُ من عِبادِهِ 6: 88، أي إنّما حصل لهم ذلك بتوفيق الله و هدايته إياهم. (تفسير ابن كثير): 2/ 160.
و أما رواية (خ)، فأخرجها الحاكم في (المستدرك) بسياقة قريبة منه: 3/ 180، كتاب معرفة الصحابة، باب: و من مناقب الحسن و الحسين ابني بنت رسول الله صلّى الله عليه و سلم، حديث رقم (4772/ 370)، و قد سكت عنه الذهبي في (التلخيص).
[(1/14)
1] (المستدرك): 3/ 180، كتاب معرفة الصحابة، باب: و من مناقب الحسن و الحسين ابني بنت رسول الله صلّى الله عليه و سلم، حديث رقم (4773/ 371)، و قال الذهبي في (التلخيص): صحيح. و نحوه حديث رقم (4783/ 381) لكن باختلاف يسير، و قال عنه الذهبي في (التلخيص): مرّ من حديث إسرائيل.
و هو الحديث السابق.
إمتاع الأسماع،ج 6،ص:10
الحر؟ .. و ذكر باقي الحديث. قال: محمد بن موسى هذا هو ابن مشمول مدينى ثقة، و عون هذا هو ابن محمد بن عبيد الله بن أبي رافع، هو و أبوه ثقتان، و أم جعفر هي ابنة القاسم بن محمد بن أبي بكر الصديق، و جدّتها أسماء بنت أبى بكر الصديق رضى الله عنهم، و كلهم أشراف ثقات [1].
و خرج أيضا من طريق وهب بن جرير بن حازم، حدثنا أبي، حدثنا محمد بن عبد الله بن أبي يعقوب، عن عبد الله بن شداد بن الهاد، عن أبيه قال: خرج [علينا] رسول الله صلّى الله عليه و سلم [في إحدى صلاتي العشي الظهر أو العصر] و هو حامل [أحد] ابنيه الحسن أو الحسين، فتقدم رسول الله صلّى الله عليه و سلم إلى الصلاة فوضعه عند قدمه اليمنى، فسجد رسول الله سجدة أطالها، قال أبى: فرفعت رأسي من بين الناس، فإذا رسول الله صلّى الله عليه و سلم ساجد، و إذا الغلام راكب على ظهره، فعدت فسجدت، فلما انصرف رسول الله صلّى الله عليه و سلم قال الناس: يا رسول الله! لقد سجدت في صلاتك هذه سجدة ما كنت تسجدها، أ فشي ء أمرت به أو كان يوحى إليك؟ قال: كل ذلك لم يكن، و لكن ابني ارتحلني فكرهت أن أعجله حتى يقضى حاجته. قال: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين [2].
و من طريق ابن نعيم الفضل بن دكين، حدثنا الأعمش، عن إبراهيم عن أبى ظبيان.
__________________________________________________
[1] (المرجع السابق): حديث رقم (4774/ 372)، و قال الذهبي في (التلخيص): بل محمد ضعّفوه.
[(1/15)
2] (المرجع السابق): حديث رقم (4775/ 373)، و قال الذهبي في (التلخيص): على شرط البخاري و مسلم، و ما بين الحاصرتين زيادة للسياق منه.
إمتاع الأسماع،ج 6،ص:11
عن سلمان قال: سمعت رسول الله صلّى الله عليه و سلم يقول: الحسن و الحسين ابناي، من أحبهما أحبنى، و من أحبنى أحبه [الله ]، و من أحبه الله أدخله الجنة، و من أبغضهما أبغضنى، و من أبغضنى أبغضه الله، و من أبغضه الله أدخله النار، قال هذا حديث صحيح على شرط الشيخين [1].
و من طريق عثمان بن سعيد الدارميّ، حدثنا أبو اليمان، حدثنا إسماعيل بن عياش، حدثنا عطاء بن عجلان، عن عكرمة، عن ابن عبّاس عن أم الفضل قالت: دخل عليّ رسول الله صلّى الله عليه و سلم و أنا أرضع الحسين بن على بلبن ابن كان يقال له قثم، قلت: فتناوله رسول الله صلّى الله عليه و سلم فناولته إياه، [فبال ] عليه، قالت: فأوهيت بيدي إليه [فقال ] رسول الله صلّى الله عليه و سلم لا تزرمى ابني، قالت فرشّه بالماء [2]. و قد ذكر الله تعالى عسى بن مريم عليه السّلام فيمن ذكر من ذرية إبراهيم عليه السلام، فقال تعالى: وَ تِلْكَ حُجَّتُنا آتَيْناها إِبْراهِيمَ عَلى 6: 83
__________________________________________________
[1] (المرجع السابق): حيث رقم (4776/ 374)، و قال الذهبي في (التلخيص): هذا حديث منكر، و إنما رواه بقي بن مخلد بإسناد آخر واه عن زادان عن سلمان.
[2] (المستدرك): 3/ 187- 198، حديث رقم (4829/ 427)، و زاد في آخره: قال ابن عباس: بول الغلام الّذي لم يأكل يرش، و بول الجارية يغسل. قال الحاكم: هذا حديث قد روى بأسانيد و لم يخرجاه، فأما إسماعيل بن عياش و عطاء بن عجلان، فإنّهما لم يخرجاه، و قد حذفه الذهبي من (التلخيص)، و ما بين الحاضرين زيادة للسياق من (المستدرك).
قال في (اللسان): زرم دمعه و بوله و كلامه، و ازرأم: انقطع، ما انقطع فقد زرم. قال الأصمعي:(1/16)
الإزرام القطع، أي لا تقطعوا عليه بوله، و منه حديث الأعرابي الّذي بال في المسجد، قال: لا تزرموه.
(لسان العرب): 12/ 263).
و قال الإمام النووي: الواجب في إزالة النجاسة الغسل، إلا في بول صبي لم يطعم، و لم يشرب سوى اللبن، فيكفى فيه الرش، و لا بدّ فيه من إصابة الماء جميع موضع البول، ثم لإيراده ثلاث درجات:
الأولى: النضح المجرد الثانية: النضح مع الغلبة و المكاثرة الثالثة: أن ينضم إلى ذلك السيلان، فلا حاجة في الرش إلى الثالثة قطعا، و يكفى الأولى على وجه، و يحتاج إلى الثانية على الأصح، و لا يلحق ببول الصبى بول الصبية، بل يتعين غسله على الصحيح. (روضة الطالبين):
1/ 41.
إمتاع الأسماع،ج 6،ص:12
قَوْمِهِ نَرْفَعُ دَرَجاتٍ من نَشاءُ إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَلِيمٌ وَ وَهَبْنا لَهُ إِسْحاقَ وَ يَعْقُوبَ كُلًّا هَدَيْنا وَ نُوحاً هَدَيْنا من قَبْلُ وَ من ذُرِّيَّتِهِ داوُدَ وَ سُلَيْمانَ وَ أَيُّوبَ وَ يُوسُفَ وَ مُوسى وَ هارُونَ وَ كَذلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ وَ زَكَرِيَّا وَ يَحْيى وَ عِيسى وَ إِلْياسَ كُلٌّ من الصَّالِحِينَ 6: 83- 85 [1].
و في ذكر عيسى هنا دليل على أن البنت داخلة في الذرية، و ذلك أنه تعالى شك عيسى و سائر الأنبياء المذكورين معه في كونهم من ذرية إبراهيم، مع أن عيسى إنما ينتمى إليه من جهة أمه، فدلّ على ما قلناه. و الله أعلم.
و القول الثاني: أنهم لا يدخلون، و هو مذهب أبي حنيفة و أحد قولي أحمد، و حجتهم أن ولد البنات إنما ينسبون إلى آبائهم حقيقة، فإن الهذلي و التيمي و العدوىّ إذا أولد هاشمية لم يكن ولده هاشميا، لأن الولد في النسب يتبع أباه، بخلاف الرّقّ و الحرية و الدين فإنه يتبع أمه، و قد قيل:
بنونا بنو أبنائنا و بناتنا بنوهن أبناء الرجال الأباعد(1/17)
و لو وصى أو وقف على قبيلة لم يدخل فيها أولاد بناتها من غيرها، و أما دخول أولاد فاطمة رضى الله عنها في ذرية النبي صلّى الله عليه و سلم فلشرف هذا الأصل العظيم، و الوالد الكريم، الّذي لا يدانيه أحد من العالمين، سرى و نفد إلى أولاد البنات لقوته و جلالته و عظم قدره.
و أما دخول عيسى في ذرية إبراهيم عليه السّلام، فإن المسيح لا أب له حتى يرجع إليه، فقامت أمه مقام أبيه، فنسبه الله تعالى إليها، و هكذا كل من انقطع نسبه من جهة أبيه- إما بلعان أو غيره- قامت أمه في النسب مقام أبيه، و كذا في العصبة و الولاء، كما هو مذكور في موضعه من كتب الفقه، و الله أعلم.
__________________________________________________
[1] الأنعام: 83- 85.
إمتاع الأسماع،ج 6،ص:13
فصل في ذكر عترة رسول الله صلّى الله عليه و سلم
عترة الرجل أسرته و فصيلته، من قول الله تعالى: وَ فَصِيلَتِهِ الَّتِي تُؤْوِيهِ 70: 13 [1].
و قيل: عترته- رهطه الأدنون، و العترة: أصل شجرة تبقى بعد القطع، فتنبت من أصولها و عروقها، و قيل: العترة: صخرة عظيمة يتخذ الضب عندها حجرا يأوى إليها ليهتدى، و ذلك لقلة هدايته، فكأن عترة الرجل هم أسرته و قومه الذين يأوى إليهم و يعتمد عليهم، و منه قوله صلّى الله عليه و سلم: إني تارك فيكم الثقلين: كتاب الله و عترتي، و يروى: كتاب الله و أهل بيتي، و بادلوا في العترة هنا أهل بيته، قالوا: لأنهم أسرته و فصيلته التي تؤويه، و رهطه الأدنون [2].
__________________________________________________
[1] المعارج: 13.
[(1/18)
2] قال في (اللسان): عترة الرجل: أقرباؤه من ولد و غيره، و قيل: هم قومه دنيا، و قيل: هم رهطه و عشيرته الأدنون، من مضى منهم و من غبر، و منه قول أبي بكر رضى الله عنه: نحن عترة رسول الله صلّى الله عليه و سلم، التي خرج منها، و بيضته التي تفقأت عنه، و إنما جيبت العرب عنا كما جيبت الرحى عن قطبها، قال ابن الأثير: لأنهم من قريش، و العامة تظن أنها ولد الرجل خاصة، و أن عترة رسول الله صلى الله عليه و سلم ولد فاطمة رضى الله عنها قول ابن سيده، و قال الأزهري رحمه الله: و في حديث زيد بن ثابت قال: قال رسول الله صلّى الله عليه و سلم: إني تارك فيكم الثقلين خلفي: كتاب الله و عترتي، فإنّهما لن يتفرقا حتى يردا على الحوض. قال: و قال محمد بن إسحاق: و هذا حديث صحيح، و رفعه نحوه زيد بن أرقم، و أبو سعيد الخدريّ، و في بعضها: إني تارك فيكم الثقلين: كتاب الله و عترتي أهل بيتي، فجعل العترة أهل البيت. و قال أبو عبيد و غيره: عترة الرجل و أسرته، و فصيلته رهطه الأدنون. و قال ابن الأثير: عترة الرجل أخص أقاربه. و قال ابن الأعرابي: العترة ولد الرجل، و ذريته، و عقبه من صلبه، قال: فعترة النبي صلّى الله عليه و سلم ولد فاطمة البتول عليها السلام.
و روى عن أبى سعيد قال: العترة ساق الشجرة، قال: و عترة النبي صلّى الله عليه و سلم عبد المطلب و ولده، و قيل:
عترته أهل بيته الأقربون، و هم أولاده، و على، و قيل: عترته الأقربون و الأبعدون منهم، و قيل: عترة الرجل أقرباؤه من ولد عمه دنيا، و منه حديث أبي بكر رضى الله عنه قال للنّبيّ صلّى الله عليه و سلم حين شاور أصحابه في أسارى بدر: عترتك و قومك، أراد بعترته العباس و من كان فيهم من بنى هاشم، و بقومه قريشا.
و المشهور المعروف أن عترته أهل بيته، و هم الذين حرمت عليهم الزكاة و الصدقة المفروضة، و هم ذوو القربى الذين لهم خمس الخمس المذكور في سورة الأنفال. (لسان العرب): 4/ 538.(1/19)
إمتاع الأسماع،ج 6،ص:14
خرج الترمذي من حديث زيد بن الحسن- هو الأنماطي- عن جعفر بن محمد عن أبيه عن جابر بن عبد الله رضى الله عنه قال: رأيت رسول الله صلّى الله عليه و سلم في حجته يوم عرفه و هو على ناقته [القصواء] يخطب، فسمعته يقول: يا أيها الناس إني قد تركت فيكم ما إن أخذتم [به ] لن تضلوا، كتاب الله و عترتي أهل بيتي. قال: و هذا حديث حسن غريب من هذا الوجه، قال: و زيد بن الحسن قد روى عنه سعيد بن سليمان و غير واحد من أهل العلم [1].
و خطّأ ابن قتيبة من يقتصر بالعترة على الذرية فقط، و من يجعل عترة رسول الله صلّى الله عليه و سلم ولد فاطمة خاصة، ثم قال: و عترة الرجل ذريته و عشيرته الأدنون من مضى منهم و من غبر، و يدلك على ذلك قول أبى
__________________________________________________
[1] (سلسلة الأحاديث الصحيحة للألبانى): 4/ 355- 361، حديث رقم (1761): يا أيها الناس إني قد تركت فيكم ما إن أخذتم به لن تضلوا، كتاب الله، و عترتي أهل بيتي.
أخرجه الترمذي: 2/ 308، و الطبراني (2680) عن زيد بن الحسن الأنماطي، عن جعفر، عن أبيه، عن جابر بن عبد الله قال: رأيت رسول الله صلّى الله عليه و سلم في حجته يوم عرفة، و هو على ناقته القصواء يخطب، فسمعته يقول: ... فذكره و قال: حديث حسن غريب من هذا الوجه، و زيد بن الحسن قد روى عنه سعيد بن سليمان و غير واحد من أهل العلم.
قلت: قال أبو حاتم: منكر الحديث، و ذكره ابن حبان في (الثقات) و قال الحافظ: ضعيف. قلت:
لكن الحديث صحيح، فإن له شاهدا من حديث زيد بن أرقم قال: قام رسول الله صلّى الله عليه و سلم يوما خطيباً بماء يدعى خما بين مكة و المدينة، فحمد الله، و أثنى عليه، و وعظ و ذكر. ثم قال:(1/20)
أما بعد، ألا أيها الناس، فإنما أنا بشر، يوشك أن يأتى رسول ربى فأجيب، و أنا تارك فيكم ثقلين، أولهما كتاب الله، فيه الهدى و النور، من استمسك به و أخذ به كان على الهدى، و من أخطأ ضل، فخذوا بكتاب الله و استمسكوا به، فحث على كتاب الله، و رغّب فيه ثم قال: و أهل بيتي، أذكركم الله في أهل بيتي، أذكركم الله في أهل بيتي، أذكركم الله في أهل بيتي.
أخرجه مسلم: 7/ 122- 123، و الطحاوي في (مشكل الآثار): 4/ 368، و (مسند أحمد):
4/ 366- 367، و ابن أبى عاصم في (السنة): 1550، 1551، و الطبراني: (5026)، من طريق زيد بن حبان التميمي عنه. ثم أخرج أحمد: 4/ 371، و الطبراني (5040)، و الطحاوي من طريق على بن ربيعة قال: لقيت زيد بن أرقم و هو داخل على المختار أو خارج من عنده، فقلت له: أسمعت رسول الله صلّى الله عليه و سلم
إمتاع الأسماع،ج 6،ص:15
__________________________________________________
[ ()] يقول: إني تارك فيكم الثقلين كتاب الله و عترتي؟ قال: نعم. و إسناده صحيح، و رجاله رجال الصحيح.
و له طرق أخرى عند الطبراني: 4969- 4971 و 4980 و 4980- 4982 و 5040، و بعضها عند الحاكم في (المستدرك): 3/ 109، 148، 533، و صحيح هو و الذهبي بعضها. و شاهد آخر من حديث عطية العوفيّ، عن أبى سعيد الخدريّ مرفوعا: إني أوشك أن أدعى فأجيب، و إني تركت فيكم ما إن أخذتم به لن تضلوا بعدي، الثقلين، أحدهما أكبر من الآخر، كتاب الله حبل ممدود من السماء إلى الأرض، و عترتي أهل بيتي، ألا و إنهما لن يتفرقا حتى يردا عليّ الحوض. ثم قال الألباني: و اعلم أيها القارئ الكريم، أن من المعروف أن الحديث مما يحتج به الشيعة، و يلهجون بذلك كثيرا، حتى يتوهم بعض أهل السنة أنهم مصيبون في ذلك، و هم جميعا واهمون في ذلك، و بيانه و من وجهين:(1/21)
الأول: أن المراد من الحديث في قوله صلّى الله عليه و سلم: «عترتي» أكثر مما يريده الشيعة، و لا يرده أهل السنة، بل هم مستمسكون به، ألا و أن العترة فيه هم أهل بيته صلّى الله عليه و سلم، و قد جاء ذلك موضحا في بعض طرقه، كحديث الترجمة: «و عترتي أهل بيتي»، و أهل بيته في الأصل هم نساؤه صلّى الله عليه و سلم، و فيهم الصديقة عائشة، رضى الله عنهن جميعا، كما هو صريح في قوله تعالى: إِنَّما يُرِيدُ الله لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَ يُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً 33: 33 بدليل الآية التي قبلها و التي بعدها: يا نِساءَ النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ من النِّساءِ إِنِ اتَّقَيْتُنَّ فَلا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي في قَلْبِهِ مَرَضٌ وَ قُلْنَ قَوْلًا مَعْرُوفاً وَ قَرْنَ في بُيُوتِكُنَّ وَ لا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجاهِلِيَّةِ الْأُولى وَ أَقِمْنَ الصَّلاةَ وَ آتِينَ الزَّكاةَ وَ أَطِعْنَ الله وَ رَسُولَهُ إِنَّما يُرِيدُ الله لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَ يُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً وَ اذْكُرْنَ ما يُتْلى في بُيُوتِكُنَّ من آياتِ الله وَ الْحِكْمَةِ إِنَّ الله كانَ لَطِيفاً خَبِيراً 33: 32- 34.
و تخصيص الشيعة أهل البيت في الآية بعليّ و فاطمة و الحسن و الحسين رضى الله تعالى عنهم دون نسائه صلّى الله عليه و سلم، من تحريفهم لآيات الله تعالى، انتصاراً لأهوائهم، كما هو مشروح في موضعه، و حديث الكساء و ما في معناه، غاية ما فيه توسيع دلالة الآية، و دخول على و أهله فيها.(1/22)
و الوجه الآخر: أن المقصود من أهل البيت إنما هم العلماء الصالحون منهم، و المتمسكون بالكتاب و السنة، قال الإمام أبو جعفر الطحاوي رحمه الله تعالى: «العترة» هم أهل بيته صلّى الله عليه و سلم الذين هم على دينه و على التمسك بأمره. و ذكر نحوه الشيخ على القاري في الموضع المشار إليه آنفا ثم استظهر أن الوجه في تخصيص أهل البيت بالذكر ما أفاده بقوله:
إن أهل البيت غالبا يكونون أعرف بصاحب البيت و أحواله، فالمراد بهم أهل العلم منهم المطلعون على سيرته، الواقفون على طريقته، العارفون بحكمه و حكمته، و بهذا يصلح أن يكون مقابلا لكتاب الله سبحانه كما قال: وَ يُعَلِّمُهُمُ الْكِتابَ وَ الْحِكْمَةَ 2: 129
إمتاع الأسماع،ج 6،ص:16
بكر رضى الله عنه: نحن عترة رسول الله التي خرج منها و بيضته التي تفتات عنه، و إنما جيبت العرب منا كما جيبت الرحا عن قطبها، و ما كان أبو بكر ليدعى بحضرة القوم جميعاً إلا يعرفونه. و الله سبحانه و تعالى أعلم.
__________________________________________________
[ ()] و سماهما «ثقلين»، لأن الأخذ بهما «يعنى الكتاب و السنة»، و العمل بهما ثقيل، و يقال لكل خطير نفيس «ثقل»، فسماهما «ثقلين» إعظاما لقدرهما و تفخيما لشأنهما» (سلسلة الأحاديث الصحيحة): 4/ 355- 360 مختصرا، (مشكل الآثار): 4/ 368، (النهاية): 1/ 216.
إمتاع الأسماع،ج 6،ص:17
فصل في ذكر سلالة النبي صلّى الله عليه و سلم
قال ابن سيده: و السلالة و السليل: الولد، و الأنثى سليلة، و قال غيره:
السلالة: الصفوة من كل شي ء، قال ابن فارس في (المقاييس): السليل:
الولد، كأنه سلّ من أمه سلّا، قالت امرأة في ابنها:
سل من قلبي و من كبدي قمر أين دونه قمر
و قيل للحسن و الحسين رضى الله عنهما: سلالة رسول الله صلّى الله عليه و سلم، أي هما الصفوة من ولده، و قيل: السليل: المنتوج، كأنه النقاح الخالص الصافي [1].
و الله أعلم.(1/23)
__________________________________________________
[1] و سلالة الشي ء: ما استل منه، و النطفة سلالة الإنسان، قال حسّان بن ثابت:
لجاءت به عضب الأديم غضنفرا سلالة فرج كان غير حصين
و في التنزيل العزيز وَ لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ من سُلالَةٍ من طِينٍ 23: 12 [المؤمنون:] قال الفراء السلالة الّذي سلّ من كل تربة. و قال أبو الهيثم: السلالة ما سلّ من صلب الرجل و ترائب المرأة، كما يسلّ الشي ء سلا، و السليل: الولد، سمّى سليلا لأنه خلق من السلالة، و السليل: الولد حين يخرج من بطن أمه، و روى عن عكرمة أنه قال في السلالة: إنه الماء يسلّ من الظهر سلا. و قال الأخفش: السلالة: الولد، و النطفة السلالة، و قد جعل الشماخ السلالة الماء في قوله:
طوت أحشاء مرتجة لوقت على مشج سلالته مهين
قال: و الدليل على أنه الماء قوله تعالى: وَ بَدَأَ خَلْقَ الْإِنْسانِ من طِينٍ 32: 7 يعنى آدم، ثُمَّ جَعَلَ نَسْلَهُ من سُلالَةٍ 32: 8 ثم ترجم عنه فقال: من ماءٍ مَهِينٍ 32: 8 فقوله عزّ و جلّ: وَ لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ من سُلالَةٍ 23: 12 أراد بالإنسان ولد آدم، جعل الإنسان اسما للجنس، و قوله من طِينٍ 6: 2، أراد أن تلك السلالة تولدت من طين خلق منه آدم في الأصل.
و إلى هذا ذهب الفراء، و قال الزّجاج: من سُلالَةٍ من طِينٍ 23: 12، سلالة، فعالة و السليل: الولد، و الأنثى سليلة، و قال أبو عمرو: السليلة: بنت الرجل من صلبه. (لسان العرب): 11/ 339.(1/24)
و قال الفيروزآبادي: سلّ السيف من غمده، و استله فانسلّ منه نزعه فانتزع، و سلّ الشعرة من العجبين، فانسلت انسلالا، و انسلّ من المضيق و الزحام، و استلّ و تسلّل، و سلّ الشي ء من البيت على سبيل السرقة، و سلّ الولد من الأب، و منه قيل للولد سليل، قال تعالى: يَتَسَلَّلُونَ مِنْكُمْ لِواذاً 24: 63 [النور: 63]، وَ لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ من سُلالَةٍ من طِينٍ 23: 12 [المؤمنون: 12]، أي من الصفو الّذي يسلّ من الأرض، و قيل: السلالة كناية عن النطفة، تصور فيه صفو ما يحصل منه (بصائر ذوى التمييز): 3/ 251، بصيرة رقم (38).
إمتاع الأسماع،ج 6،ص:18
فصل في ذكر سبط رسول الله صلّى الله عليه و سلم
الأسباط: ولد يعقوب- و هو إسرائيل بن إسحاق بن إبراهيم عليهم السلام- و كانوا اثنى عشر رجلا، و في الحديث المرفوع: الحسن و الحسين سبطاي من هذه الأمة، و القبائل في العرب كالأسباط في بنى إسرائيل، فكان الأسباط قبائل الأنبياء، فلذلك سمى الحسن و الحسين: السبطان، لأن أولادهما قبيلتا رسول الله صلّى الله عليه و سلم من أجل أنهما ولد فاطمة الزهراء بنت رسول الله صلّى الله عليه و سلم.
قال ابن سيده: و السبط ولد الابن و الابنة، و منه الحسن و الحسين سبطا رسول الله صلّى الله عليه و سلم، و السبط من اليهود كالقبيلة من العرب، و هم الذين يرجعون إلى أب واحد سمى سبطا ليفرق بين ولد إسماعيل و ولد إسحاق عليهما السلام، و جمعه أسباط [1].
خرج أبو بكر بن أبى شيبة و أحمد بن حنبل من حديث عفان قال:(1/25)
حدثنا وهيب، حدثنا عبد الله بن عثمان بن خيثم، عن سعيد بن أبى راشد، عن يعلى العامري، أنه خرج مع رسول الله صلّى الله عليه و سلم إلى طعام دعوا له، فإذا حسين مع غلام يلعب في طريق، فاستقبل رسول الله صلّى الله عليه و سلم أمام القوم، [و حسين مع الغلمان يلعب فأراد رسول الله صلّى الله عليه و سلم أن يأخذه [2]]. فطفق الصبى يفرّها هنا مرة، و هاهنا مرة، فجعل رسول الله صلّى الله عليه و سلم يضاحكه حتى
__________________________________________________
[1] قال في (المرجع السابق): السّبط- بالكسر-: ولد الولد، كأنه امتداد الفروع، و الجمع أسباط، و القبيلة من اليهود، و الجمع الأسباط أيضا، و قوله تعالى: وَ قَطَّعْناهُمُ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ أَسْباطاً 7: 160 بدل لا تميز، لأن تمييز العدد المركب مفردا لا جمعا (المرجع السابق): 3/ 179، بصيرة رقم (5).
[2] زيادة للسياق من (المستدرك).
إمتاع الأسماع،ج 6،ص:19
أخذه رسول الله صلّى الله عليه و سلم فوضع إحدى يديه تحت قفاه و الأخرى تحت ذقنه فوضع فاه على فيه يقبله و قال: حسين منى و أنا من حسين، أحب الله من أحب حسينا، حسين سبط من الأسباط [1]
__________________________________________________
[1] (المستدرك): 3/ 194- 195، كتاب معرفة الصحابة، أول فضائل أبى عبد الله الحسين بن عليّ الشهيد رضى الله عنهما، ابن فاطمة بنت رسول الله صلّى الله عليه و سلم، حديث رقم (4820/ 418) و قال الحاكم: هذا حديث صحيح الإسناد و لم يخرجاه، و قال الذهبي في (التلخيص): صحيح.
إمتاع الأسماع،ج 6،ص:20
نبدة
اعلم أن أهل رسول الله صلّى الله عليه و سلم و أحبته في الجملة قسمان: قسم اخترم فأجراه الله تعالى فيهم، كعمه حمزة بن عبد المطلب، و ابن عمه جعفر بن أبى طالب، و إبراهيم ابنه و من أصيب به من خديجة أم المؤمنين، و سائر أصحابه رضى الله عنهم.(1/26)
و قسم أقرّ الله بهم عينه صلّى الله عليه و سلم، كعائشة أم المؤمنين، و زينب أم المؤمنين، و أم سلمة، و جويرية، و سائر أمهات المؤمنين رضى الله عنهنّ، و كفاطمة الزهراء و الحسن و الحسين، و على بن أبى طالب، و العباس بن عبد المطلب، و الفضل، و عبد الله و القثم ابنا العباس، و أبى سفيان بن الحرث، و سائر أصحابه رضى الله عنهم، و منهم له الأحبة. و كل من القسمين يجب محبته و موالاته، و قبول رواياته، و تعظيم حقه، و الترضى عنه، لأنه قد رضى الله عنهم، [و وعدهم بالحسنى ].
خرج الحاكم من حديث محمد بن فضيل عن الأعمش، عن أبي سبرة النخعي، عن محمد بن كب [القرظي ]، عن العباس بن عبد المطلب رضى الله عنه قال: كنا نلقى النفر من قريش و هم يتحدثون فيقطعون حديثهم، فذكرنا ذلك لرسول الله صلّى الله عليه و سلم فقال: ما بال أقوام يتحدثون فإذا رأوا الرجل من أهلي قطعوا حديثهم، و الله لا يدخل قلب رجل الإيمان حتى يحبهم للَّه و لقرابتي [1].
__________________________________________________
[1] (المرجع السابق): 4/ 85، كتاب معرفة الصحابة، ذكر فضائل القبائل قريش، حديث رقم (6960/ 2558)، و قال الحاكم: هذا حديث يعرف من حديث يزيد بن أبي زياد، عن عبد الله بن الحارث، عن العباس، فإذا حصل هذا الشاهد من حديث أبى فضيل عن الأعمش، حكمنا له بالصحة. و قد سكت عنه الذهبي في (التلخيص).
إمتاع الأسماع،ج 6،ص:21
و خرجه من حديث محمد بن إسحاق الصنعاني، حدثنا يعلى بن عبيد عن إسماعيل بن أبي خالد، عن يزيد بن أبى زياد، عن عبد الله بن الحارث، عن العباس قال: قلت لرسول الله: إذا لقي قريش بعضها بعضا لقوا بالبشارة، و إذا لقيناهم لقونا بوجوه لا نعرفها، قال: فغضبت غضبا شديدا، ثم قال: و الّذي بعثني [بالحق ] لا يدخل قلب رجل الإيمان حتى يحبكم للَّه و لرسوله [1].
__________________________________________________
[(1/27)
1] (المرجع السابق): حديث رقم (6961/ 2559)، و قد سكت عنه الذهبي في (التلخيص).
إمتاع الأسماع،ج 6،ص:22
فصل [في العقب و العاقب ]
قال ابن سيده: و العقب و العقب و العاقبة: ولد الرجل و ولد ولده الباقون بعده، و قول العرب: لا عقب له، أي لم يبق له ولد ذكر. و قوله تعالى:
وَ جَعَلَها كَلِمَةً باقِيَةً في عَقِبِهِ 43: 28 [1]، أراد عقب إبراهيم عليه السّلام، يعنى لا يزال من ولده من يوحد الله تعالى، و الجمع: أعقاب، و أعقب الرجل إذا ترك عقبا، يقال: كان له ثلاثة أولاد فأعقب منهم رجلان، أي تركا عقبا و درج واحد. قال: و عقب مكان أبيه يعقب عقبا و عقب إذا خلّف، و كذلك عقبه يعقبه عقبا، الأول لازم و الثاني متعدّ، و كل ما خلف شيئا فقد عقبه، و عقبه و عقّبوا من خلفنا و عقبونا: أتوا [2].
__________________________________________________
[1] الزخرف: 28.
[2] قال في (البصائر): عاقبة كلّ شي ء: آخره، و قولهم: ليس لفلان عاقبة، أي ولد. و العاقبة أيضا:
مصدر عقب فلان مكان أبيه عاقبة، أي خلفه، و هم اسم جاء بمعنى المصدر، كقوله تعالى: لَيْسَ لِوَقْعَتِها كاذِبَةٌ 56: 2 [الواقعة: 2].
و عقب الرجل و عقبه: ولده و ولد ولده، و قوله تعالى: وَ جَعَلَها كَلِمَةً باقِيَةً في عَقِبِهِ 43: 28 [الزخرف: 28] أي جعل كلمة التوحيد باقية في ولده.
و العقب و العقب- بضمة و بضمتين-: العاقبة، قال الله تعالى: خَيْرٌ ثَواباً وَ خَيْرٌ عُقْباً 18: 44 [الكهف: 44] و تقول أيضا: جئت في عقب شهر رمضان، و في عقبانه: إذا جئت بعد ما يمضى كله.
و يعقوب اسم النبي، لا ينصرف للعجمة و التعريف، و اسمه: إسرائيل، و قيل له يعقوب، لأنه ولد مع عيصو في بطن واحد، ولد عيصو قبله، و يعقوب متعلق بعقبه، خرجا معا، فعيصو أبو الروم. قاله الليث.(1/28)
و العقبي: جزاء الأمر، و قوله تعالى: وَ لا يَخافُ عُقْباها 91: 15 [الشمس: 15]، أي لا يخاف أن يعقّب على عقوبته من يدفعها، أي يغيّرها. و قيل: لم يخف القاتل عاقبتها، و القاتل هو عاقرها أَشْقاها 91: 12 قدار بن سالف. و أعقبه بطاعته أي جازاه.
و قوله تعالى: فَأَعْقَبَهُمْ نِفاقاً 9: 77 أي أضلهم بسوء فعلهم عقوبة لهم.
و المعقبات في قوله تعالى: لَهُ مُعَقِّباتٌ من بَيْنِ يَدَيْهِ وَ من خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ من أَمْرِ الله 13: 11
إمتاع الأسماع،ج 6،ص:23
و قال أبو عمر بن عبد البر: و ليس ولد البنات من العقب و لا من الولد، إذ ليسوا من العصبات. قال ابن سيده: و العصبة الذين يرثون الرجل عن كلاله [1]. من غير والد و لا ولد، فأما في الفرائض فكل من لم تكن له فريضة مسماة فهو عصبة، إن يبقى شي ء بعد الفرض أخذ.
__________________________________________________
[ ()] [الرعد: 11]: ملائكة الليل و النهار لأنهم يتعاقبون، و إنما أنّث لكثرة ذلك منهم، نحو نسّابة. و علّامة.
و قيل: ملك معقّب، و ملائكة معقّبة، ثم معقبات جمع الجمع.
و قوله تعالى: وَلَّى مُدْبِراً وَ لَمْ يُعَقِّبْ 28: 31 [النمل: 10]، أي لم يعطف، و قيل: لم يرجع، و قيل: لم يمكث و لم ينتظر، و حقيقته لم يعقّب إقباله إدبارا و التفاتا.
و عاقبت الرجل في الراحلة: إذا ركبت أنت مرة و هو مرة.
و قوله تعالى: وَ إِنْ فاتَكُمْ شَيْ ءٌ من أَزْواجِكُمْ إِلَى الْكُفَّارِ فَعاقَبْتُمْ 60: 11 [الممتحنة: 1] أي أصبتموهم في القتال حتى غنمتكم.(1/29)
و قوله تعالى: وَ إِنْ عاقَبْتُمْ فَعاقِبُوا بِمِثْلِ ما عُوقِبْتُمْ به 16: 126 [النحل: 126] سمّى الأول عقوبة، و ما العقوبة إلا الثانية لازدواج الكلام في الفعل بمعنى واحد، و مثله قوله تعالى: ذلِكَ وَ من عاقَبَ بِمِثْلِ ما عُوقِبَ به 22: 60 [الحج: 60]، و كذلك قوله تعالى: وَ جَزاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُها 42: 40 [الشورى: 40]، و المجازاة عليها حسنة، إلا أنها سميت سيئة لأنها وقعت إساءة بالمفعول به، لأنه فعل ما يسوءه، و العقوبة، و المعاقبة، و العقاب، يخص بالعذاب، قال تعالى: فَحَقَّ عِقابِ 38: 14 [ص: 14]. و العقب، مؤخر الرجل.
و رجع على عقبه، انثنى راجعا. قال تعالى: فَكُنْتُمْ عَلى أَعْقابِكُمْ تَنْكِصُونَ 23: 66 [المؤمنون: 66] (بصائر ذوى التمييز): 4/ 81- 82 بصيرة رقم (32).
[1] قال في (المرجع السابق): و الكلالة: الرجل لا والد و لا ولد و قيل: ما لم يكن من النسب لحّا [أي لاصق بالنسب ] بنسبك، كابن العم و شبهه. و قيل: هي الإخوة لأم، و قيل: هي من العصبة من ورث معه الإخوة لأمّ. و قيل: هم بنو العم الأباعد.
و قال ابن عباس رضى الله تعالى عنهما: هي اسم لما عدا الوالد، و روى أن النبي صلّى الله عليه و سلم سئل عن الكلالة فقال: «من مات و ليس له ولد و لا والد» فجعله اسم الميت، و هو صحيح أيضاً، فإن الكلالة مصدر يجمع الوارث و الموروث جميعا، و قيل: اسم لكلّ وارث. (بصائر ذوى التمييز): 4/ 373- 374 بصيرة رقم (23).
إمتاع الأسماع،ج 6،ص:24
فصل في ذكر أزواج رسول الله صلّى الله عليه و سلم
اعلم أن رسول الله صلّى الله عليه و سلم خطب ثلاثين امرأة، منهن واحدة وهبت نفسها، و إحدى عشرة امرأة دخل بهن، و سبع عقد عليهنّ و لم يدخل بهن، و مات من نسائه في حياته اثنتان، و توفي عن تسع، و لم يتزوج بكرا غير واحدة.
[أم المؤمنين خديجة بنت خويلد]
[1]
__________________________________________________
[(1/30)
1] هي خديجة أم المؤمنين، و سيدة نساء العالمين في زمانها، أم القاسم ابنة خويلد بن أسد بن عبد العزى ابن قصي بن كلاب، القرشية الأسدية، أم أولاد رسول الله صلّى الله عليه و سلم، و أول من آمن به و صدقه قبل كل أحد، و ثبتت جأشه، و مضت به إلى ابن عمها ورقة ابن نوفل، كما جاء في حديث عائشة في البخاري: بدء الوحي، و فيه أن خديجة، قالت له صلّى الله عليه و سلم: كلا و الله لا يخزيك الله أبدا، إنك لتصل الرحم، و تحمل الكل، و تكسب المعدوم، و تقرى الضيف، و تعين على نوائب الحق. و فيه أنها انطلقت إلى ابن عمها ورقة ابن نوفل و قالت له: اسمع من ابن أخيك، و أخبره رسول الله صلّى الله عليه و سلم بما رأى، فقال له ورقة: هذا الناموس الّذي نزّل الله على موسى، يا ليتني فيها جذع، ليتني أكون حيّا إذ يخرجك قومك، فقال رسول الله صلّى الله عليه و سلم: أو مخرجيّ هم؟ قال: نعم، لم يأت رجل قط بمثل ما جئت به إلا عودي، و إن يدركني يومك أنصرك نصرا مؤزرا.
و مناقبها جمّة، و هي ممن كمل من النساء، كانت عاقلة، جليلة، ديّنة، مصونة، كريمة، من أهل الجنة، و كان النبي صلّى الله عليه و سلم يثنى عليها، و يفضلها على سائر أمهات المؤمنين، و يبالغ في تعظيمها، بحيث إن عائشة كانت تقول: ما غرت من امرأة ما غرت من خديجة، من كثرة ذكر النبي صلّى الله عليه و سلم لها.
و من كرامتها عليه صلّى الله عليه و سلم أنه لم يتزوج امرأة قبلها، و جاءه منها عدة أولاد، و لم يتزوج عليها قط، و لا تسرّى إلى أن قضت نحبها، فوجد لفقدها، فإنّها كانت نعم القرين، و كانت تنفق عليه من مالها، و يتجر هو صلّى الله عليه و سلم لها، و قد أمره الله أن يبشرها ببيت في الجنة من قصب، لا صخب فيه و لا نصب.
و القصب في هذا الحديث: لؤلؤ مجوف واسع كالقصر المنيف، و قد جاء تفسيره في (كبير الطبراني) من حديث أبي هريرة و لفظه: «بيت من لؤلؤة مجوفة»، و الصّخب: «اختلاط الأصوات»،(1/31)
إمتاع الأسماع،ج 6،ص:25
__________________________________________________
[ ()] و النصب: التعب.
قال الزبير بن بكار: كانت خديجة تدعى في الجاهلية الطاهرة، و أمها هي فاطمة بنت زائدة العامرية. كانت خديجة أولا تحت أبى هالة زرارة التميمي، ثم خلف عليها بعده عتيق بن عابد بن عبد الله بن عمر بن مخزوم، ثم بعده النبي صلّى الله عليه و سلم، فبنى بها و له خمس و عشرون سنة، و كانت أسنّ منه بخمس عشرة سنة.
و قال مروان بن معاوية، عن وائل بن داود، عن عبد الله البهي قال: قالت عائشة: كان رسول الله صلّى الله عليه و سلم إذا ذكر خديجة لم يكد يسأم من ثناء عليها، و استغفار لها، فذكرها يوما فحملتني الغيرة فقلت: لقد عوضك الله من كبيرة السن! قال: فرأيته غضب غضبا. أسقطت في خلدي، و قلت في نفسي: اللَّهمّ إن أذهبت غضب رسولك عنى لم أعد أذكرها بسوء، فلما رأى النبي صلّى الله عليه و سلم ما لقيت، قال، و الله لقد آمنت بى إذ كذبني الناس، و آوتنى إذ رفضني الناس، و رزقت منها الولد و حرمتموه منى قالت: فغدا رواح عليّ بها شهرا. [الخلد، بالتحريك: الباب و القلب و النفس ].
هشام بن عروة عن أبيه، عن عائشة: ما غرت على امرأة ما غرت على خديجة، مما كنت أسمع من ذكر رسول الله صلّى الله عليه و سلم لها، و ما تزوجني إلا بعد موتها بثلاث سنين.
محمد بن فضيل عن عمارة، عن أبى زرعة، سمع أبا هريرة يقول: أتى جبريل النبي صلّى الله عليه و سلم فقال: هذه خديجة أتتك معها إناء فيه إدام أو طعام أو شراب، فإذا هي أتتك فاقرأ عليها السلام من ربها و منى و بشرها ببيت في الجنة من قصب، لا صخب فيه و لا نصب. متفق على صحته. عبد الله بن جعفر: سمعت عليا: سمعت رسول الله صلّى الله عليه و سلم يقول: خير نسائها خديجة بنت خويلد، و خير نسائها مريم بنت عمران.(1/32)
أخرجه البخاري في فضائل أصحاب النبي: باب تزويج النبي صلّى الله عليه و سلم خديجة و فضلها، و مسلم في فضائل الصحابة باب فضائل خديجة أم المؤمنين، و الترمذي في المناقب. و قوله صلّى الله عليه و سلم: «خير نسائها»، قال القرطبي: الضمير عائد على غير مذكور، لكنه يفسره الحال و المشاهدة، يعنى به الدنيا، و المعنى أن كل واحدة منهما خير نساء الأرض في عصرها.
قال ابن إسحاق: تتابعت على رسول الله صلّى الله عليه و سلم المصائب بهلاك أبى طالب و خديجة، و كانت خديجة وزيرة صدق، و هي أقرب إلى قصىّ من النبي صلّى الله عليه و سلم برجل، و كانت متموّلة فعرضت على النبي صلّى الله عليه و سلم أن يخرج في مالها إلى الشام، فخرج مع مولاها ميسرة، فلما قدم باعث خديجة ما جاء به، فأضعف، فرغبت فيه، فعرضت نفسها عليه، فتزوجها، و أصدقها عشرين بكرة.
إمتاع الأسماع،ج 6،ص:26
__________________________________________________
[ ()] قال الشيخ عزّ الدين بن الأثير: خديجة أول خلق الله أسلم بإجماع المسلمين. و قال الزهري، و قتادة، و موسى بن عقبة، و ابن إسحاق. و الواقدي، و سعيد بن يحيى: أول من آمن باللَّه و رسوله خديجة، و أبو بكر، و عليّ، رضى الله تعالى عنهم.
قال ابن إسحاق: حدثني إسماعيل بن أبى حكيم- أنه بلغه عن خديجة أنها قالت: يا ابن عم، أ تستطيع أن تخبرني بصاحبك إذا جاءك؟ فلما جاءوه قال: يا خديجة، هذا جبريل، فقالت: اقعد على فخذي ففعل، فقالت: هل تراه؟ قال: نعم، قالت: فتحول إلى الفخذ اليسرى، ففعل، قالت: هل تراه؟ قال، نعم، فألقت خمارها، و حسرت عن صدرها، فقالت: هل تراه؟ قال: لا، قالت: أبشر، فإنه و الله ملك و ليس بشيطان. [رجاله ثقات، لكنه منقطع ].
حماد بن سلمة، عن حميد، عن عبد الله بن عبيد بن عمير، قال: وجد رسول الله صلّى الله عليه و سلم على خديجة حتى خشي عليه، حتى تزوج عائشة [رجاله ثقات لكنه مرسل ].(1/33)
معمر عن قتادة، و أبو جعفر الرازيّ، عن ثابت، و اللفظ لقتادة، عن أس مرفوعا: حسبك من نساء العالمين أربع. [إسناده صحيح و أخرجه الترمذي في المناقب، و الحاكم، و أحمد]. الدراوَرْديّ، عن إبراهيم بن عقبة، عن كريب، عن ابن عباس: قال رسول الله صلّى الله عليه و سلم: سيدة نساء أهل الجنة بعد مريم، فاطمة، و خديجة، و امرأة فرعون آسية. [رجاله ثقات ].
و روى عروة، عن عائشة قالت: توفيت خديجة قبل أن تفرض الصلاة، و قال الواقدي: توفيت في رمضان، و دفنت بالحجون. و قال قتادة: ماتت قبل الهجرة بثلاث سنين، و كذا قال عروة.
لها ترجمة في: (طبقات ابن سعد): 8/ 52، 1/ 131- 133، (المستدرك): 3/ 200- 206، كتاب معرفة الصحابة، باب و منهم خديجة بنت خويلد بن أسد بن عبد العزى رضى الله تعالى عنها، الأحاديث من رقم (4834/ 432) إلى رقم (4856/ 454)، (الاستيعاب): 4/ 1817- 1825، ترجمة رقم (2311)، (المعارف): 59، 70، 132، 144، 150، 219، 311، (جامع الأصول): 9/ 120- 125، القسم الثاني من الفرع الثاني من الباب الرابع في فضائل النساء الصحابيات رضى الله تعالى عنهن، الأحاديث من رقم (6666) إلى رقم (6670)، (الإصابة):/ 600- 605 ترجمة رقم (11086)، (كنز العمال): 13/ 690- 693 باب فضائل أزواج النبي صلّى الله عليه و سلم مفصلة، أم المؤمنين خديجة رضى الله عنها، الأحاديث أرقام من (37762) إلى (37770)، (شذرات الذهب): 1/ 14.
إمتاع الأسماع،ج 6،ص:27
فأول نسائه خديجة سعيد بن بهم، و أمها: عاتكة ابنة عبد العزى بن قصي، و أمها: الحظيّا بنت كعب بن سعد بن تيم بن مرة [بن كعب بن لؤيّ بن غالب ] [1]، و أمها نائلة ابنة حذافة بن جمح.(1/34)
و كانت خديجة عند عتيق بن عائذ بن عبد الله بن عمرو بن مخزوم، فولدت له جارية يقال لها: أم محمد هند، تزوجها ابن عمة لها يقال له صيفي بن أبى أمية بن عائذ بن عبد الله، و هلك عتيق عن خديجة، فتزوجها أبو هالة هند بن النباش بن زرارة [بن وقدان بن حبيب بن سلامة ابن غوىّ بن جروة] [2] بن أسيد بن عمرو بن تميم بن مرّ. و طابخة بن إلياس [أمه ] [2] خندف [و هي ليلى بنت حلوان بن عمران بن الحاف بن قضاعة] [2].
و قيل: أبو هالة مالك بن إلياس بن زرارة بن وقدان بن حبيب بن سلامة بن عدي- بضم العين و قيل بفتحها- ابن أسد- بضم الهمزة- ابن عمرو بن تميم بن مرّ بن أسيد، فهو أسيدى بالتخفيف، فإذا نسب إليه قيل:
اسيّدىّ بالتشديد على ما قاله سيبويه.
و ذكر الحافظ أبو محمد بن حزم [3] أن خديجة كانت عند عتيق فولدت له عبد الله، ثم خلف عليها أبو هالة فولدت له ذكرين هما هند و الحرث،
__________________________________________________
[1] زيادة للنسب من (جمهرة النسب).
[2] ما بين الحاصرتين سياقة مضطرب، و صوبناه من (المرجع السابق).
[3] قال الكلبي: كان زوج خديجة بنت خويلد قبل النبي صلّى الله عليه و سلم، فولدت له هند بن هند، و ابن ابنه هند ابن هند بن هند، شهد هند بن أبى هالة بدرا، و قالوا: بل أحدا، و قتل هند بن هند بن أبى هالة مع ابن الزبير، و انقرضوا و لا عقب لهم. (جمهرة النسب) لابن الكلبي): 269، و قال في هامشه: هند بن أبى هالة صحابىّ شهد بدرا و قيل: أحد، قتل مع على في واقعة الجمل.
و هند بن هند بن أبى هالة قتل مع مصعب بن الزبير يوم المختار بن أبى عبيد في الكوفة، و اختلف في اسم أبى هالة، فقيل: النباش بن زرارة بن وقدان بن حبيب بن سلامة بن عدي بن جردة بن أسيد،
إمتاع الأسماع،ج 6،ص:28(1/35)
و ابنة اسمها زينب، و أن هندا شهد أحدا، و الحرث قتله أحد الكفار عند الركن اليماني. قال العسكري: هو أول قتيل قتل في الإسلام، ثم تزوجها رسول الله صلّى الله عليه و سلم على ثنتى عشرة أوقية، و هي أول امرأة تزوجها [1].
و روى أنه أصدقها عشرين بكرة، زوجه إياها عمرو بن أسد بن عبد العزى، و عمرها أربعون، و قيل ست و أربعون، و قيل ثمان و أربعون، و قيل خمسون، [و قيل ] أربعون، و قيل ثلاثون، و قيل ثمان و عشرون سنة، فأقامت معه صلّى الله عليه و سلم أربعا و عشرين سنة، منها قبل الوحي خمس عشرة سنة، و كان عمره صلّى الله عليه و سلم إذ تزوجها إحدى و عشرين، و قيل: كان ابن خمس و عشرين سنة و شهران و عشرة أيام، و هو الأكثر، و قيل ابن ثلاثين.
فولدت له أربع بنات [هن:] زينب، و فاطمة، و رقية، و أم كلثوم، و ولدت له القاسم و عبد الله، و لم يتزوج عليها حتى ماتت، و هي أول من آمن باللَّه و رسوله على الصحيح، و قيل أبو بكر رضى الله عنه، و كانت وزير صدق له، آزرته على أمره، و ثبتته و خففت عنه و هوّنت عليه ما كان يلقى من قومه، و توفيت قبل الهجرة بخمس سنين، و قيل بأربع سنين، و قيل بثلاث سنين، و هو الأصح، و يقال: توفيت لعشر خلون من رمضان، و هي ابنة خمس و ستون سنة، فدفنها رسول الله صلّى الله عليه و سلم بالحجون [و نزل في قبرها و لم يتزوج ] [2] في حياتها بسواها لجلالتها و عظم محلها عنده.
و قد اختلف أيهما أفضل، هي أو عائشة؟ فرجح فضل خديجة جماعة من العلماء، و ماتت و لرسول الله صلّى الله عليه و سلم تسع و أربعون سنة و ثمانية أشهر، و تركت من الأولاد هند بن أبى هالة، و بنات رسول الله صلّى الله عليه و سلم الأربع،
__________________________________________________
[1] (جمهرة أنساب العرب لابن حزم): 16، 120، 142، 171، 210.
[2] زيادة للسياق من كتب السيرة.
إمتاع الأسماع،ج 6،ص:29
و فضائلها كثيرة رضى الله عنها.(1/36)
قال الواقدي: حدثني موسى بن شيبة، عن عميرة بنت عبد الله بن كعب عن أم سعد بن الربيع، عن نفيسة بنت منية، قالت: لما رجع رسول الله صلّى الله عليه و سلم من الشام دخل مكة، و خديجة رضى الله عنها في عليه لها فرأت ملكين يظلانه، و كانت جلدة حازمة، و هي أوسط قريش نسبا و أوسطهم مالا، و كل قومها حريص على نكاحها لو قدروا على ذلك، قد طلبوا و بذلوا لها الأموال، فأرسلتنى دسيسا إلى محمد صلّى الله عليه و سلم بعد أن رجع من الشام، فقلت: يا محمد، ما منعك أن تتزوج؟ قال: ما بيدي ما أتزوج به، قلت:
فإن كنت كذلك و دعيت إلى الجمال، و المال، و الشرف، و الكفاءة، ألا تجيب؟ قال: فمن هي؟ قلت: خديجة، قال: و كيف لي بذلك؟ قلت عليّ فأنا أفعل، فذهبت فأخبرتها، فأرسلت إليه أن ائت الساعة كذا و كذا، و أرسلت إلى عمها عمرو بن أسد ليزوجها، و دخل رسول الله صلّى الله عليه و سلم في عمومته، فتزوجها و هو ابن خمس و عشرين سنة، و خديجة يومئذ بنت أربعين سنة. و ذكر أبو الحسن أحمد بن فارس بن زكريا أن أبا طالب خطب يومئذ، فقال: الحمد للَّه الّذي جعلنا من ذرية إبراهيم، و زرع إسماعيل، و ضئضي ء معدّ، و عنصر مضر، و جعلنا حصنة بيته، و سوّاس حزبه، و جعل لنا بيتا محجوجا و حرما آمنا، و جعلنا الحكام على الناس، ثم إن ابن أخى هذا محمد بن عبد الله لا يوزن به رجل إلى رجح به، فإن كان في الكمال قل، فإن المال ظل زائل، و أمر حائل، و محمد من قد عرفتم قرابته، و قد خطب خديجة بنت خويلد، و بذل لها من الصداق ما آجله و عاجله من مالي، و هو و الله بعد هذا له نبأ عظيم، و خطر جليل.
إمتاع الأسماع،ج 6،ص:30
و قال المطرز: ألقى أبو طالب على ولىّ خديجة حلّة فقبلها، و كان قبول الحلّة تمام التزويج، قال أبو طالب: فجاءنا البشار من زوايا الدار و أعلى الجدر، و لا أدرى ديارا و لا ناثرا.(1/37)
و كانت التي غسّلت خديجة أم أيمن و أم الفضل زوجة العباس، و ذلك قبل أن تفرض الصلاة، و لم تكن يومئذ سنّة الجنازة و الصلاة عليها، و دفنت بالحجون بمكة، و نزل رسول الله صلّى الله عليه و سلم حفرتها، و اشترى معاوية منزل خديجة فجعله مسجدا.
إمتاع الأسماع،ج 6،ص:31
[أم المؤمنين سودة بنت زمعة] [1]
و سودة بنت زمعة بن قيس بن عبد شمس بن عبد ودّ بن نضر بن مالك
__________________________________________________
[1] هي سودة أم المؤمنين- بنت زمعة بن قيس القرشية العامرية، و هي أول من تزوج بها النبي صلّى الله عليه و سلم بعد خديجة، و انفردت به صلّى الله عليه و سلم نحوا من ثلاث سنين أو أكثر، حتى دخل بعائشة رضى الله عنها. و كانت سيدة جليلة، نبيلة، ضخمة، و كانت أولا عند السكران بن عمرو، أخى سهيل بن عمرو العامري.
و هي التي وهبت يومها لعائشة رضى الله عنها، رعاية لقلب رسول الله صلّى الله عليه و سلم، و كانت قد فركت [قلّ ميلها للرجال ]، و قد أخرج البخاري في النكاح، باب: المرأة تهب يومها من زوجها لضرتها، من حديث عائشة رضى الله عنها أن سودة بنت زمعة وهبت يومها لعائشة، و كان النبي صلّى الله عليه و سلم يقسم لعائشة بيومها و يوم سودة، و أخرجه أيضا في الهبة، و زاد في آخره: تبتغي بذلك رضى رسول الله صلّى الله عليه و سلم.
و أخرجه مسلم عن عائشة رضى الله عنها و فيه ... فلما كبرت جعلت يومها من رسول الله صلّى الله عليه و سلم لعائشة، قالت: يا رسول الله قد جعلت يومى منك لعائشة.(1/38)
و أخرجه أبو داود من طريق أحمد بن يونس، حدثنا عبد الرحمن بن أبى الزناد- عن هشام بن عروة عن أبيه، قال: قالت عائشة: يا ابن أختى كان رسول الله صلّى الله عليه و سلم لا يفضل بعضنا على بعض في القسم من مكثه عندنا، و كان قلّ يوم إلا و هو يطوف علينا جميعا، فيدنو من كل امرأة من غير مسيس، حتى يبلغ إلى التي هو يومها، فيبيت عندها، و لقد قالت سودة بنت زمعة حين أسنت، و فرقت أن يفارقها رسول الله صلّى الله عليه و سلم: يا رسول الله، يومى لعائشة، فقبل ذلك رسول الله صلّى الله عليه و سلم منها، قالت: تقول في ذلك أنزل الله تعالى، و في أشباهها، آراه قال: وَ إِنِ امْرَأَةٌ خافَتْ من بَعْلِها نُشُوزاً أَوْ إِعْراضاً 4: 128 [النساء: 128].
لها أحاديث، و خرّج لها البخاري، حدّث عنها: ابن عباس، و يحى بن عبد الله الأنصاري.
توفيت في آخر خلافة عمر رضى الله عنه بالمدينة في شوال سنة أربع و خمسين. و قال الواقدي: و هذا الثبت عندنا.
و روى عمرو بن الحارث، عن سعيد بن أبى هلال: أن سودة رضى الله عنها توفيت زمن عمر رضى الله عنه.
قال ابن سعد: أسلمت سودة و زوجها، فهاجرا إلى الحبشة. و عن بكير بن الأشجّ: أن السكران قدم من الحبشة بسودة، فتوفى عنها فخطبها النبي صلّى الله عليه و سلم. فقالت: أمرى إليك. قال: مري رجلا من قومك يزوجك، فأمرت حاطب بن عمرو العامري، فزوجها، و هو مهاجري بدريّ. هشام الدستوائى
إمتاع الأسماع،ج 6،ص:32
__________________________________________________
[ ()] حدثنا القاسم بن أبى بزّة: أن النبي صلّى الله عليه و سلم بعث إلى سودة بطلاقها، فجلست على طريقه فقالت:(1/39)
أنشدك بالذي أنزل عليك كتابه، لم طلقتني؟ الموجدة؟ قال: لا، قالت: فأنشدك الله لما راجعتني، فلا حاجة لي في الرجال، و لكن أحب أن أبعث في نسائك فراجعها. قالت: فإنّي قد جعلت يومى لعائشة. [أخرجه ابن سعد، و سنده صحيح، لكنه مرسل، و الصحيح أنه لم يطلقها كما تقدم ]. الأعمش، عن إبراهيم، قالت سودة: يا رسول الله، صليت خلفك البارحة، فركعت بى، حتى أمسكت بأنفي مخافة أن يقطر الدم، فضحك صلّى الله عليه و سلم. و كانت تضحكه الأحيان بالشي ء.
صالح مولى التوأمة، عن أبى هريرة، قال رسول الله صلّى الله عليه و سلم في حجة الوداع: هذه ثم ظهور الحصر. [ظهور الحصر: منصوب على تقدير: ثم الزمن، و الحصر: جمع حصير، و هو ما يفرش في البيوت، و المراد أن يلزمن بيوتهن، و لا يخرجن منها. و الحديث أخرجه ابن سعد و أحمد، و سنده قوى، و أبو داود في أول الحج من طريق عبد العزيز بن محمد، عن زيد بن أسلم، عن واقد بن أبى واقد الليثي، عن أبيه أن النبي صلّى الله عليه و سلم قال لنسائه في حجته: هذه ثم ظهور الحصر. و سنده حسن في الشواهد].
و قالت عائشة رضى الله عنها: استأذنت سودة ليلة المزدلفة، أن تدفع قبل حطمة الناس- و كانت امرأة ثبطة- أي ثقيلة، فأذن لها. [و تمامه: فدفعت قبل حطمة الناس، و أقمنا حتى أصبحنا نحن، ثم دفعنا بدفعه صلّى الله عليه و سلم، فلأن أكون استأذنت رسول الله صلّى الله عليه و سلم كما استأذنته سودة، أحب إلى من مفروح به، و الحطمة بفتح الحاء و سكون الطاء: الزحمة، أي قبل أن يزدحموا، و يحطم بعضهم بعضا. أخرجه ابن سعد، و البخاري، و مسلم، و أحمد، و النسائي ].
حماد بن يزيد عن هشام، عن ابن سيرين: أن عمر بعث إلى سودة بغرارة دراهم، فقالت: ما هذه؟ قالوا: دراهم، قالت: في الغرارة مثل التمر! يا جارية، بلّغينى القنع ففرّقتها.
يروى لسودة خمسة أحاديث: منها في الصحيحين: حديث واحد عند البخاري.(1/40)
الواقدي: حدثنا موسى بن محمد بن عبد الرحمن، عن ريطة، عن عمرة عن عائشة رضى الله عنها قالت: لما قدم النبي صلّى الله عليه و سلم المدينة بعث زيدا، و بعث معه أبا رافع مولاه، و أعطاهما بعيرين و خمسمائة درهم، فخرجنا جميعا، و خرج زيد و أبو رافع بفاطمة، و بأم كلثوم، و بسودة بنت زمعة، و بأم أيمن، و أسامة ابنه.
() لها ترجمة في: (طبقات ابن سعد): 8/ 52- 58، (طبقات خليفة). 335، (المعارف): 133، 284، 442، (الاستيعاب): 4/ 1867 ترجمة رقم (3394)، (جامع الأصول): 9/ 145، (تهذيب التهذيب): 12/ 445 ترجمة رقم (2819)، (الإصابة):/، ترجمة رقم ()، (خلاصة تذهيب الكمال): 3/ 484، ترجمة رقم (87)، (سير أعلام النبلاء): 2/ 265- 269 ترجمة رقم (40)، (شذرات الذهب): 1/ 34 و 60.
إمتاع الأسماع،ج 6،ص:33
ابن حسل بن عدي بن النجار تزوجها السكران بن عمرو بن عبد شمس بن عبد ودّ- هو أخو سهيل بن عمرو- و هاجرت معه إلى الحبشة و مات، فتزوجها رسول الله صلّى الله عليه و سلم بعد موت خديجة رضى الله عنها، ولى تزويجها أباه أبو حاطب بن عمرو بن عبد شمس- و يقال أبوها- و هو يومئذ شيخ، و أصدقها أربعمائة درهم، و تزوج بعائشة رضى الله عنها، و قيل: تزوج بعائشة قبلها، و كان تزويجه بسودة [و بناؤه ] بها في شهر رمضان سنة عشر من النبوة.(1/41)
و كانت سودة قد رأت في النوم كأن رسول الله صلّى الله عليه و سلم وطئ على عنقها، فأخبرت السكران بذلك، فقال: لئن صدقت رؤياك لأموتن و ليتزوجك رسول الله صلّى الله عليه و سلم، فقالت: حجرا و سترا! ثم رأت ليلة أخرى كأن قمرا انقضّ عليها من السماء، فتزوجها رسول الله صلّى الله عليه و سلم، و ذلك أن خولة بنت حكيم بن الأوقص السلمية- امرأة عثمان بن مظعون- قالت: يا رسول الله! إني أراك قد دخلتك خلة لفقد خديجة فقال: أجل، أمّ العيال و ربة البيت، قال: ألا أخطب عليك؟ قال: بلى، إنك معشر النساء أرفق بذلك، فخطبت عليه سودة بنت زمعة، و خطبت عليه عائشة بنت أبى بكر- و عائشة يومئذ ابنة ست سنين حتى بنى بها حين قدم المدينة-.
و كانت امرأة ثقيلة ثبطة، و كان في أذنها ثقل، و أسنّت عند رسول الله صلّى الله عليه و سلم فهمّ بطلاقها، و يقال طلقها في سنة ثمان من الهجرة تطليقة، فجمعت ثيابها و جلست له على الطريق التي كان يسلكها إذا خرج إلى الصلاة، فلما دنا منها بكت و قالت: يا رسول الله! أهل أعتددت عليّ في الإسلام بشي ء؟ فقال: اللَّهمّ لا، فقالت: أسألك باللَّه لما راجعتني، فراجعها، و جعلت يومها لعائشة رضى الله عنها، و قالت: و الله ما غايتي إلا أن أرى وجهك و أحشر مع أزواجك، و إني لا أريد ما تريد النساء.
إمتاع الأسماع،ج 6،ص:34
فأمسكها حتى توفى عنها مع سائر من توفى عنهن من أزواجه، و فيها نزلت: وَ إِنِ امْرَأَةٌ خافَتْ من بَعْلِها نُشُوزاً أَوْ إِعْراضاً فَلا جُناحَ عَلَيْهِما أَنْ [يُصْلِحا] بَيْنَهُما صُلْحاً [1] 4: 128، و توفيت سنة ثلاث و عشرين، و صلّى عليها عمر بن الخطاب رضى الله عنه، و قيل: إنها توفيت في خلافه عثمان رضى الله عنه، و لها نحو من ثمانين سنة، و كانت قد لزمت بيتها فلم تحج حتى توفيت، و هي أول امرأة وطئها رسول الله صلّى الله عليه و سلم بالمدينة.
__________________________________________________
[(1/42)
1] النساء: 128.
إمتاع الأسماع،ج 6،ص:35
[أم المؤمنين عائشة بنت أبى بكر]
[1] و عائشة بنت أبى بكر عبد الله بن أبى قحافة عثمان بن عامر بن عمرو
__________________________________________________
[1] هي عائشة أم المؤمنين، بنت الإمام الصدّيق الأكبر، خليفة رسول الله صلّى الله عليه و سلم، أبى بكر، عبد الله بن أبى قحافة، عثمان بن عامر بن عمرو بن كعب بن سعد بن تيم بن مرة بن كعب بن لؤيّ، القرشية التيمية، المكية، النبويّة، زوجة النبي صلّى الله عليه و سلم، أفقه نساء الأمة على الإطلاق، و أمها أم رومان بنت عامر بن عويمر ابن عبد شمس، بن عتاب بن أذينة الكنانية.
هاجر بعائشة أبواها، و تزوجها نبي الله صلّى الله عليه و سلم قبل مهاجره، بعد وفاة الصدّيقة خديجة بنت خويلد رضى الله عنها، و ذلك قبل الهجرة ببضعة عشر شهرا، و قيل بعامين، و دخل بها في شوال سنة اثنين، منصرفة صلّى الله عليه و سلم من غزوة بدر، و هي ابنة تسع.
روت عنه صلّى الله عليه و سلم علما كثيرا طيبا مباركا فيه، و عن أبيها، و عن عمر و فاطمة، و سعد، و حمزة بن عمر الأسلمي، و جدامة بنت وهب، رضى الله تعالي عن الجميع. و روى عنها خلق كثير.
بلغ مسند عائشة (2210) ألفين و مائتين و عشرة أحاديث، اتفق لها البخاري و مسلم على مائة و أربع و سبعين حديثا، و انفرد البخاري بأربعة و خمسين، و انفرد مسلم بتسعة و ستين.
و عائشة رضى الله عنها ممن ولد في الإسلام، و هي أصغر من فاطمة بثماني سنين، و كانت تقول:
لم أعقل أبويّ إلا و هما يدينان بالدين. و ذكرت أنها لحقت بمكة سائس الفيل شيخا أعمى يستعطى.(1/43)
و كانت امرأة بيضاء جميلة، و من ثمّ يقال لها: الحميراء، و لم يتزوج النبي صلّى الله عليه و سلم بكرا غيرها، و لا أحبّ امرأة حبّها، و لا أعلم في أمة محمد صلّى الله عليه و سلم، بل و لا في النساء مطلقا امرأة أعلم منها. و ذهب بعض العلماء إلى أنها أفضل من أبيها، و هذا مردود، و قد جعل الله لكل شي ء قدرا، بل تشهد أنها زوجة نبينا صلّى الله عليه و سلم في الدنيا و الآخرة، فهو فوق ذلك مفخر، و إن كان للصديقة خديجة شأو لا يلحق.
قال الحافظ الذهبي: و أنا واقف في أيتهما أفضل، نعم جزم بأفضلية خديجة عليها الأمور ليس هذا موضعها.
هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة، قالت: قال رسول الله صلّى الله عليه و سلم: أريتك في المنام ثلاث ليال، جاء بك الملك في سرقة من حرير فيقول: هذه امرأتك، فأكشف عن وجهك فإذا أنت فيه، فأقول: إن يك هذا من عند الله يمضه. [و السّرقة بفتح السين و الراء و القاف: هي القطعة]. أخرجه أحمد، و البخاري في مناقب الأنصار، باب تزويج النبي صلّى الله عليه و سلم عائشة رضى الله عنها، و في النكاح، باب النظر إلى المرأة قبل التزويج، و في التعبير، باب كشف المرأة في المنام، و باب ثياب الحرير في المنام، و مسلم في فضائل الصحابة، باب فضل عائشة من طرق عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة. و أخرج الترمذي من حديث عبد الله بن عمرو بن علقمة المكيّ، عن ابن أبى حسين، عن ابن
إمتاع الأسماع،ج 6،ص:36
__________________________________________________
[ ()] مليكة، عن عائشة: أن جبريل جاء بصورتها في خرقة حرير خضراء إلى النبي صلّى الله عليه و سلم فقال: هذه زوجتك في الدنيا و الآخرة. حسّنه الترمذي و قال: لا نعرفه إلا من حديث عبد الله، و رواه عبد الرحمن بن مهدي عنه مرسلا. [أخرجه الترمذي في المناقب: باب فضل عائشة رضي الله عنها، و رجاله ثقات. و ابن أبى حسين: هو عمر بن سعيد بن حسين النوفلي ].(1/44)
بشر بن الوليد القاضي: حدثنا عمر بن عبد الرحمن، عن سليمان الشيباني عن على بن زيد بن جدعان، عن جدته، عن عائشة أنها قالت: لقد أعطيت تسعا ما أعطيتها امرأة بعد مريم بنت عمران:
لقد نزل جبريل بصورتي في راحته حتى أمر رسول الله صلّى الله عليه و سلم أن يتزوجني، و لقد تزوجني بكرا، و ما تزوج بكرا، و لقد قبض و رأسه صلّى الله عليه و سلم في حجري، و لقد قبرته في بيتي، و لقد خفّت الملائكة بيتي، و إن كان الوحي لينزل عليه و إني لمعه في لحافه، و إني لابنة خليفته و صديقه، و لقد نزل عذرى من السماء، و لقد خلقت طيبة عند طيب، و لقد و عدت مغفرة و رزقا كريما. [رواه أبو بكر الآجري عن أحمد بن يحيى الحلواني، عنه، و إسناده جيد، إلا أن على بن زيد بن جدعان ضعيف ].
و كان تزويجه بها إثر وفاة خديجة، فتزوج بها و بسودة في وقت واحد، ثم دخل بسودة، فتفرد بها ثلاثة أعوام حتى بنى بعائشة، رضى الله عنها في شوال بعد وقعة بدر، فما تزوج بكرا سواها، و أحبها حبا شديدا كان يتظاهر به، بحيث إن عمرو بن العاص- و هو ممن أسلم سنة ثمان من الهجرة- سأل النبي صلّى الله عليه و سلم: أي الناس أحب إليك يا رسول الله؟ قال: عائشة، قال فمن الرجال؟ قال أبوها. [أخرجه البخاري في فضائل أصحاب النبي، باب قول النبي صلّى الله عليه و سلم: لو كنت متخذا خليلا، و في المغازي، باب غزوة السلاسل، و سلم في فضائل الصحابة، باب فضائل أبي بكر رضى الله عنه. و هذا خبر ثابت على رغم أنوف الروافض، و ما كان إلا طيبا، و قد قال: لو كنت متخذا خليلا من هذه الأمة لاتخذت أبا بكر خليلا، و لكن أخوة الإسلام أفضل. فأحب صلّى الله عليه و سلم أفضل رجل من أمته، و أفضل امرأة من أمته، فمن أبغض حبيبي رسول الله صلّى الله عليه و سلم فهوى حرىّ أن يكون بغيضا إلى الله و رسوله. و حبه عليه السّلام لعائشة كان أمرا مستفيضا، ألا تراهم كيف كانوا يتحرون بهداياهم يومها تقربا إلى مرضاته؟(1/45)
قال حماد بن زيد، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة، قالت: كان الناس يتحرون بهداياهم يوم عائشة، قالت: فاجتمعن صواحبي إلى أم سلمة، فقلن لها: إن الناس يتحرون بهداياهم يوم عائشة، و إنا نريد الخير كما تريده عائشة، فقولي لرسول الله صلّى الله عليه و سلم يأمر الناس أن يهدوا له أينما كان.
فذكرت أم سلمة له ذلك، فسكت، فلم يردّ عليها فعادت الثانية، فلم يردّ عليها، فلما كانت الثالثة قال: يا أم سلمة، لا تؤذيني في عائشة، فإنه و الله ما نزل عليّ الوحي و أنا في لحاف امرأة غيرها ..
[متفق على صحته، فقد أخرجه البخاري في فضائل الصحابة، باب فضل عائشة، و في الهبة، باب من أهدى إلى أصحابه، و تحرى بعض نسائه دون بعض، من طريق حماد بن زيد، عن هشام بن عروة عن أبيه، عن عائشة، و أخرجه مسلم مختصرا في فضائل الصحابة، من طريق عبدة، عن هشام، عن
إمتاع الأسماع،ج 6،ص:37
__________________________________________________
[ ()] أبيه عن عائشة، و أخرجه مطولا من طريق يعقوب بن إبراهيم بن سعد، عن أبيه، عن صالح، عن ابن شهاب، عن محمد بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام، عن عائشة، و فيه أن التي أرسلتها فاطمة، و ليست أم سلمة]. و هذا الجواب منه صلّى الله عليه و سلم دالّ على أن فضل عائشة على سائر أمهات المؤمنين بأمر إلهي وراء حبه لها، و أن ذلك الأمر من أسباب حبه لها صلّى الله عليه و سلم.
إسماعيل بن جعفر: أخبرنا عبد الله بن عبد الرحمن، سمع أنسا يقول: قال رسول الله صلّى الله عليه و سلم: فضل عائشة على النساء كفضل الثريد على سائر الطعام. [متفق عليه من طرق عن أبى طواله، فقد أخرجه البخاري في فضائل أصحاب النبي صلّى الله عليه و سلم، باب فضل عائشة رضى الله عنها، و في الأطعمة، باب الثريد، و باب ذكر الطعام، و مسلم في فضائل الصحابة، باب فضل عائشة رضى الله عنها، و أبو طوالة:(1/46)
هو عبد الله بن عبد الرحمن الأنصاري، راوية عن أنس رضى الله عنه. شعبة، عن عمرو بن مرّة، عن مرّة، عن أبى مرسى، عن النبي صلّى الله عليه و سلم قال: كمل من الرجال كثير، و لم يكمل من النساء إلا مريم بنت عمران، و آسية امرأة فرعون، و فضل عائشة على النساء كفضل الثريد على سائر الطعام. [أخرجه البخاري و مسلم في فضائل الصحابة، باب فضل خديجة رضى الله عنها]. شعيب، عن الزهري: حدثني أبو سلمة، أن عائشة قالت: قال رسول الله صلّى الله عليه و سلم: يا عائش، هذا جبريل و هو يقرأ عليك السلام، قالت: و عليه السّلام و رحمة الله، ترى ما لا نرى يا رسول الله. زكريا بن أبى زائدة، عن عامر، عن أبى سلمة، أن عائشة رضى الله عنها حدثته أن النبي صلّى الله عليه و سلم قال لها: إن جبريل يقرئك السلام، قالت: و عليه السّلام و رحمة الله. [أخرجهما البخاري في فضل عائشة، و في بدء الخلق، باب ذكر الملائكة، و في الأدب، باب من دعا صاحبه فنقص من اسمه حرفا، و في الإستئذان، باب تسليم الرجال على النساء و النساء على الرجال، و باب إذا قال: فلان يقرئك السلام، و مسلم في فضائل الصحابة، باب فضل عائشة رضى الله عنها، و أبو داود، و الترمذي، و أخرج النسائي من طريق معمر، عن الزهري، عن عروة، عن عائشة نحو الأول، في عشرة النساء، باب حب الرجل بعض نسائه أكثر من بعض روى هشام، عن أبيه، عن عائشة رضى الله عنها قالت: تزوجني رسول الله صلّى الله عليه و سلم متوفّى خديجة، و أنا بنت ستّ، و أدخلت عليه و أنا ابنة تسع، جاءني نسوة و أنا ألعب على أرجوحة و أنا مجمّمة، فهيأننى، و صنعنى، ثم أتين بى إليه صلّى الله عليه و سلم. [أخرجه أبو داود في الأدب، باب الأرجوحة، و إسناده صحيح. و المجممة: ذات جمة، و يقال للشعر إذا سقط عن المنكبين، جمّة، و إذا كان الشعر إلى شحمة الأذنين: وفرة.(1/47)
قال عروة: فمكثت عنده تسع سنين، و أخرج البخاري من قول عروة: أن خديجة رضى الله عنها توفيت قبل الهجرة بثلاث سنين، فلبث صلّى الله عليه و سلم سنين أو قريبا من ذلك، و نكح عائشة و هي بنت ست سنين. [أخرجه البخاري في مناقب الأنصار، باب تزويج النبي صلّى الله عليه و سلم عائشة، و قدومها المدينة و بنائه
إمتاع الأسماع،ج 6،ص:38
__________________________________________________
[ ()] بها، و تمامه: ثم بنى بها و هي بنت تسع سنين. و في خبر عروة إشكال أجاب عنه الحافظ ابن حجر في (فتح الباري)].
هشام عن أبيه، عن عائشة، أنها قالت: كنت ألعب بالبنات يعنى اللّعب- فيجي ء صواحبي فينقمعن من رسول الله صلّى الله عليه و سلم، فيخرج رسول الله صلّى الله عليه و سلم فيدخلن على، و كان يسرّبهن إليّ فيلعبن معى.
و في لفظ: فكن جوار يأتين يلعبن معى بها، فإذا رأين رسول الله صلّى الله عليه و سلم تقمّعن، فكان يسربهن إليّ.
[أخرجه البخاري في الأدب، باب الانبساط إلى الناس، و مسلم في فضائل الصحابة، باب فضل عائشة، و استدل بهذا الحديث على جواز اتخاذ صور البنات، و اللعب من أجل لعب البنات بهن، و خصّ ذلك من عموم النهى عن اتخاذ الصور، و به جزم القاضي عياض، و نقله عنه الجمهور، و أنهم أجازوا بيع اللعب للبنات.
و عن عائشة قالت: دخل عليّ رسول الله صلّى الله عليه و سلم و أنا ألعب بالبنات [أي اللعب ]، فقال: ما هذا يا عائشة؟ قلت: خيل سليمان و لها أجنحة، فضحك. [أخرجه بهذا اللفظ ابن سعد في (الطبقات) من طريق الواقدي، و أخرجه أبو داود في (السنن) في الأدب، باب اللعب بالبنات، بأطول من هذا، و النسائي في (عشرة النساء)، عن عائشة قالت: قدم رسول الله صلّى الله عليه و سلم من غزوة تبوك أو خيبر، و في سهواتها ستر، فهبت ريح، فكشفت ناحية الستر عن بنات لعائشة، فقال صلّى الله عليه و سلم: ما هذا يا عائشة؟(1/48)
قالت: بناتي، و رأى بينهن فرسا لها جناحان من رقاع فقال: ما هذا الّذي أرى وسطهن؟ قالت: فرس، قال: و ما هذا الّذي عليه؟ قالت: جناحان. قال: فرس له جناحان! قالت: أما سمعت أن لسليمان خيلا لها أجنحة؟ فضحك حتى بدت نواجذه. و إسناده صحيح ]. الزهري، عن عروة، عن عائشة، قالت: لقد رأيت رسول الله صلّى الله عليه و سلم يقوم على باب حجرتي، و الحبشة يلعبون بالحراب في المسجد، و إنه ليسترنى بردائه لكي انظر إلى لعبهم، ثم يقف من أجلى حتى أكون أنا التي أنصرف، فاقدروا قدر الجارية الحديثة السنّ الحريصة على اللهو.
و في لفظ معمر، عن الزهري: فما زلت انظر حتى كنت أنا أنصرف، فاقدروا قدر الجارية الحديثة السنّ، التي تسمع اللهو.
و لفظ الأوزاعي عن الزهري في هذا الحديث قالت: قدم وفد الحبشة على رسول الله صلّى الله عليه و سلم، فقاموا يلعبون في المسجد، فرأيت رسول الله صلّى الله عليه و سلم يسترني بردائه، و أنا انظر إليهم حتى أكون أنا التي أسأم.
[أخرجه البخاري في المساجد، باب أصحاب الحراب في المسجد، و في العيدين، باب الحراب و الدرق يوم العيد، و في النكاح، باب نظر المرأة إلى الحبش و نحوهم من غير ريبة، و مسلم، و أحمد و النسائي في العيدين، باب اللعب في المسجد يوم العيد، و نظر النساء لذلك، و الحميدي في (مسندة)، و الطحاوي في (مشكل الآثار)، و أخرج النسائي في (عشرة النساء) من حديث يونس بن عبد الأعلى، بسنده عن عائشة زوج النبي صلّى الله عليه و سلم قالت: دخل الحبش المسجد يلعبون، قال لي: يا حميراء، أ تحبين أن تنظرى إليهم؟ فقلت: نعم، فقام بالباب و جئته، فوضعت ذقني على عاتقه، فأسندت وجهي إلى خده، قالت: و من قولهم يومئذ: أبا القاسم طيبا، فقال رسول الله صلّى الله عليه و سلم: حسبك قلت:
إمتاع الأسماع،ج 6،ص:39
__________________________________________________
[ ((1/49)
)] يا رسول الله لا تعجل، فقام لي ثم قال: حسبك، فقلت: لا تعجل يا رسول الله، قالت: و ما بى حب النظر إليهم، و لكنى أحببت أن يبلغ النساء مقامه لي، و مكاني منه. إسناده صحيح كما قال الحافظ في (الفتح).
يحيى بن يمان، عن الثوري، عن إسماعيل بن أمية، عن عبد الله بن عروة، عن أبيه، عن عائشة قالت: تزوجني رسول الله صلّى الله عليه و سلم في شوال، و أعرس بى في شوال، فأى نسائه كان أحظى عنده منى.
[و كانت العرب تستحب لنسائها أن يدخلن على أزواجهن في شوال، أخرجه مسلم في النكاح، باب استحباب التزوج و التزويج في شوال، و استحباب الدخول فيه، و الدارميّ في النكاح، باب بناء الرجل بأهله في شوال، و أحمد في (المسند)، و ابن سعد في (الطبقات)، و ابن ماجة في النكاح، باب متى يستحب البناء بالنساء، و النسائي في النكاح، باب التزويج في شوال، من طرق عن سفيان بن عيينة، و فيه عندهم: و كانت عائشة رضى الله عنها تستحب أن تدخل نساءها في شوال.
و قالت عائشة رضى الله عنها ما غرت على امرأة ما غرت على خديجة من كثرة ما كان رسول الله صلّى الله عليه و سلم يذكرها. [أخرجه البخاري في فضائل أصحاب النبي صلّى الله عليه و سلم باب تزويج النبي صلّى الله عليه و سلم خديجة و فضلها، و مسلم في فضائل الصحابة، باب فضل خديجة رضى الله عنها.
قال الحافظ الذهبي في (سير الأعلام): و هذا من أعجب شي ء! أن تغار رضى الله عنها من امرأة عجوز توفيت قبل تزوج النبي صلّى الله عليه و سلم بعائشة بمديدة، ثم يحميها الله تعالى من الغيرة من عدة نسوة يشاركنها في النبي صلّى الله عليه و سلم، فهذا من ألطاف الله بها و بالنبيّ صلّى الله عليه و سلم، لئلا يتكدر عيشهما، و لعله إنما خفّف أمر الغيرة عليها حبّ النبي صلّى الله عليه و سلم لها، و ميله إليها. فرضى الله تعالى عنها و أرضاها.(1/50)
معمر عن الزهري، عن عروة، عن عائشة: دخلت امرأة سوداء على النبي صلّى الله عليه و سلم. فأقبل عليها، قالت: فقلت يا رسول الله! أقبلت على هذه السوداء هذا الإقبال؟ فقال صلّى الله عليه و سلم: إنها كانت تدخل على خديجة، و إن حسن العهد من الإيمان [رجاله ثقات، و أخرج الحاكم نحوه في (المستدرك) من طريق صالح بن رستم، عن ابن أبى مليكة، عن عائشة قالت: جاءت عجوز إلى النبي صلّى الله عليه و سلم و هو عندي، فقال لها رسول الله صلّى الله عليه و سلم: من أنت؟ قالت: أنا جثامة المزينية، فقال: بل أنت حسّانة المزينية، كيف أنتم كيف حالكم؟ كيف كنتم بعدنا؟ قالت: بخير، بأبي أنت و أمى يا رسول الله. فلما خرجت قلت: يا رسول الله! تقبل على هذه العجوز هذا الإقبال؟ قال: إنها كانت تأتينا زمن خديجة، و إن حسن العهد من الإيمان. صححه الحاكم على شرط الشيخين، و وافقه الذهبي في (التلخيص).
و أخرج البخاري في النكاح، باب غيرة النساء و وجدهن، و مسلم في فضائل الصحابة، باب فضل عائشة .. لأبى أسامة، عن هشام بلفظ: إني لأعلم إذا كنت عنى راضية و إذا كنت عليّ غضبى، قالت: و كيف يا رسول الله؟ قال: إذا كنت عنى راضية، قلت: لا و ربّ محمد، و إذا كنت عليّ غضبى، قلت: لا و ربّ إبراهيم، قلت أجل و الله، ما أهجر إلا اسمك.
إمتاع الأسماع،ج 6،ص:40
__________________________________________________
[ ((1/51)
)] هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة رضى الله عنها، قالت: سابقني النبي صلّى الله عليه و سلم، فسبقته ما شاء، حتى إذا رهقني اللحم، سابقني، فسبقني، فقال: يا عائشة، هذه بتلك. [إسناده صحيح، و هو في المسند، و أخرجه الحميدي في (مسندة)، و أبو داود في الجهاد: باب السبق على الرجل، و ابن ماجة و النسائي في عشرة النساء]. قال الإمام أحمد في (المسند): حدثنا يحيى القطان، عن إسماعيل: حدثنا قيس، قال: لما أقبلت عائشة، فلما بلغت مياه بنى عامر ليلا، نبحت الكلاب، فقالت: أي ماء هذا؟ قالوا: ماء الحوأب، قالت: ما أظننى إلا أننى راجعة. قال بعض من كان معها: بل تقدمين فيراك المسلمون، فيصلح الله ذات بينهم، قالت: إن رسول الله صلّى الله عليه و سلم قال ذات يوم: كيف بإحداكن تنبح عليها كلاب الحوأب.
[إسناده صحيح كما قال الذهبي و صححه ابن حبان، و الحاكم، و أخرجه أحمد في (المسند)، و قال الحافظ ابن كثير في (البداية). و هذا إسناد على شرط الصحيحين و لم يخرجوه، بعد أن ذكره من طريق الإمام أحمد. و الحوأب: من مياه العرب على طريق البصرة، قاله أبو الفتح نصر بن عبد الرحمن الإسكندري، فيما نقله عنه ياقوت الحموي في (معجم البلدان)، و قال أبو عبيد البكري في (معجم ما استعجم): ماء قريب من البصرة على طريق مكة إليها، سمّى بالحوأب بنت كلب بن و برة القضاعية].
قال عطاء بن أبى رباح: كانت عائشة رضى الله عنها أفقه الناس، و أحسن الناس رأيا في العامة، و قال الزهري: لو جمع علم عائشة رضى الله عنها إلى علم جميع النساء، لكان علم عائشة رضى الله عنها أفضل. [ذكره الهيثمي في (مجمع الزوائد) و نسبة إلى الطبراني. و قال: رجاله ثقات، و ذكره أبو عبد الله الحاكم في (المستدرك).(1/52)
عروة بن الزبير: أن معاوية بعث مرة إلى عائشة رضى الله عنها بمائة ألف درهم فو الله ما أمست حتى فرقتها، فقالت: لها مولاتها: لو اشتريت لنا منها بدرهم لحما؟ فقالت: ألا قلت لي. [أخرجه أبو نعيم في (الحلية) و الحاكم في (المستدرك)].
يحيى بن أبى زائدة- عن حجاج، عن عطاء: أن معاوية بعث إلى عائشة رضى الله عنها بقلادة بمائة ألف، فقسّمتها بين أمهات المؤمنين.
الأعمش، عن تميم بن سلمة، عن عروة، عن عائشة رضى الله عنها: أنها تصدقت بسبعين ألفا، و إنها لترقع جانب درعها.
أبو معاوية، عن هشام بن عروة، عن ابن المنكدر، عن أم ذرّة، قالت: بعث ابن الزبير إلى عائشة رضى الله عنها بمال في غرارتين، يكون مائة ألف، فدعت بطبق، فجعلت تقسم في الناس، فلما أمست، قال: هاتي يا جارية فطوري، فقالت أم ذرّة: يا أم المؤمنين، أما استطعت أن تشترى لنا لحما بدرهم؟
قالت: لا تعنّفينى، لو أذكرتينى لفعلت. [أخرجه ابن سعد في (الطبقات)، و أبو نعيم في
إمتاع الأسماع،ج 6،ص:41
__________________________________________________
[ ()] (الحلية)، و رجاله ثقات ].(1/53)
ابن عليّة، عن أيوب، عن ابن مليكة، قال: قالت عائشة رضى الله عنها توفى رسول الله صلّى الله عليه و سلم في بيتي، و في يومى، و ليلتي و بين تحرى و سحري، و دخل عبد الرحمن بن أبى بكر، و معه سواك رطب، فنظر إليه حتى ظننت أنه يريده، فأخذته، فمضغته، و نفضته ثم دفعته إليه، فاستنّ به كأحسن ما رأيته مستنّا قط، ثم ذهب يرفعه إليّ، فسقطت يده، فأخذت أدعو له بدعاء كان يدعو به له جبريل، و كان هو يدعو به إذا مرض، فلم يدع به في مرضه ذاك، فرفع بصره إلى السماء، و قال: الرفيق الأعلى، و فاضت نفسه صلّى الله عليه و سلم، فالحمد للَّه الّذي جمع بين ريقي و ريقه في آخر يوم من الدنيا. [أخرجه أحمد في (المسند)، و صححه الحاكم في (المستدرك)، و وافقه الذهبي في (التلخيص)، و السّحر: الرئة، و النّحر: أعلى الصدر، و استن: استاك ].
العوام بن حوشب، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس: إِنَّ الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَناتِ 24: 23 [النور: 3]، قال: نزلت في عائشة رضى الله عنها خاصة، أخرجه الحاكم في (المستدرك)، و صححه، و وافقه الذهبي في (التلخيص)، و أورده السيوطي في (الدر المنثور)، و زاد نسبته لابن أبى حاتم و ابن مردويه.
و حديث الإفك طويل و مشهور، و لذلك أمسكنا عن ذكره.
إسماعيل بن أبى خالد، عن قيس، قال: قالت عائشة- و كانت تحدث نفسها أن تدفن في بيتها- فقالت: إني أحدثت بعد رسول الله حدثا، ادفنوني مع أزواجه. فدفنت بالبقيع رضى الله عنها [ابن سعد في (الطبقات)، و صححه الحاكم في (المستدرك)، و وافقه الذهبي في (التلخيص).
قال الذهبي: تعنى بالحدث مسيرها يوم الجمل، فإنّها ندمت ندامة كلّية، و ثابت من ذلك، على أنها ما فعلت ذلك إلا متأولة، قاصدة للخير، كما اجتهد طلحة بن عبيد الله، و الزبير بن العوام، و جماعة من الكبار، رضى الله عن الجميع (سير الأعلام).(1/54)
و قد قيل إنها مدفونة بغربي جامع دمشق، و هذا غلط فاحش، لم تقدم رضى الله عنها إلى دمشق أصلا، و إنما هي مدفونة بالبقيع، و مدة عمرها: ثلاث و ستون سنة و أشهر.
و من عالى حديثها: قال الحافظ الذهبي: قرأت على ابن عساكر، عن أبى روح: أخبرنا تميم، حدثنا أبو سعد، أخبرنا ابن حمدان، أخبرنا أبو يعلى، حدثنا أبو معمر إسماعيل بن إبراهيم، عن عليّ بن هاشم، عم هشام بن عروة، عن بكر بن وائل، عن الزهري، عن عروة، عن عائشة قالت: ما ضرب رسول الله صلّى الله عليه و سلم امرأة قطّ، و لا ضرب خادما له قط، و لا ضرب بيده شيئا إلا أن يجاهد في سبيل الله، و ما نيل منه شي ء فانتقمه من صاحبه، إلا أن تنتهك محارم الله، فينتقم. [إسناده صحيح، و أخرجه مسلم في الفضائل، باب مباعدته صلّى الله عليه و سلم للآثام، و أحمد في (المسند) من طرق، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة، رضى الله عنها، و أخرج مالك و البخاري في صفة النبي، و مسلم من طريق الزهري، عن عروة بن الزبير، عن عائشة زوج النبي صلّى الله عليه و سلم، أنها قالت: ما خيّر رسول الله صلّى الله عليه و سلم
إمتاع الأسماع،ج 6،ص:42
ابن كعب بن سعيد بن تيم بن مرة بن كعب، الصديقة بنت [الصديق ] حبيبة رسول الله المبرأة من السماء، أم المؤمنين، أم عبد الله رضي عنها، أمها أم رومان بنت عامر بن عويمر بن عبد شمس بن عتاب بن أرنبة بن سبيع بن دهمان بن الحارث بن غنم بن مالك بن كنانة، و الخلاف في أبيها إلى كنانة كثير جدا، و أجمعوا أنها من بنى غنم بن مالك بن كنانة، من المهاجرات ذات الفضائل.(1/55)
ولدت في السنة الرابعة من النبوة في أولها، تزوجها رسول الله صلّى الله عليه و سلم بمكة بعد سودة بشهر، على اثنى عشرة أوقية و نش، و قيل: أربعمائة درهم، و قيل: قبل الهجرة بسنتين، و قيل بثلاث و هي بنت ست سنين، و قيل: بنت تسع سنين، و قيل تزوجها في شوال سنة عشر من النبوة، قبل الهجرة بثلاث سنين، و أعرس بها بالمدينة في شوال على رأس ثمانية عشر شهرا من مهاجره.
و قال الواقدي: بنى بها في الأولى، و صححه الدمياطيّ، و توفى عنها و هي بنت ثماني عشرة سنة، كان مكثها معه تسع سنين و خمسة أشهر، و لم ينكح بكرا غيرها، و لم يأته الوحي في لحاف واحدة من نسائه سواها، و لم يحب أحدا من النساء مثلها، و قد كانت لها مآثر و خصائص ذكرت في
__________________________________________________
[ ()] بين أمرين إلا أخذ أيسرهما ما لم يكن إثما، فإن كان إثما، كان أبعد الناس منه، و ما انتقم رسول الله صلّى الله عليه و سلم لنفسه إلا أن تنتهك حرمة الله عزّ و جلّ ].
() لها ترجمة في: (مسند أحمد): 7/ 46 و ما بعدها، (طبقات ابن سعد) 8/ 58- 81، (طبقات خليفة): 333، (تاريخ خليفة) 225، (المعارف): 134، 176، 208، 550، (المستدرك):
4/ 15- 17، (حلية الأولياء): 2/ 43، (الاستيعاب): 4/ 1881، ترجمة رقم (4029)، (جامع الأصول: 9/ 132، (تهذيب التهذيب): 12/ 461، ترجمة رقم (2840)، (الإصابة): 8/ 16، ترجمة رقم (11457)، (خلاصة تذهيب الكمال): 3/ 387، ترجمة رقم (106)، (كنز العمال): 13/ 693، (سير أعلام النبلاء): 2/ 135، ترجمة رقم (19)، (شذرات الذهب):
1/ 9، 61- 63، (المواهب اللدنيّة): 2/ 81- 83، (صفة الصفوة): 2/ 9- 27.
إمتاع الأسماع،ج 6،ص:43
القرآن و النسب، و كانت لها ليلتان، و لكل امرأة سواها ليلة، لأن سودة وهبتها ليلتها.(1/56)
و خرجت بعد قتل عثمان بن عفان رضى الله عنه إلى الكوفة تدعو الناس لأخذ ثأره من قتلته، و كانت وقعة الجمل، ثم عادت إلى المدينة و بها توفيت ليلة الثلاثاء لسبع عشر خلون من رمضان سنة ثمان و خمسين، و قيل: سبع و خمسين، و دفنت ليلا بعد الوتر بالبقيع، و صلّى عليها أبو هريرة، و نزل في قبرها خمسة: عبد الله [و عروة و القاسم بن محمد و عبد الله بن محمد بن أبى بكر، و عبد الله بن عبد الرحمن بن أبى بكر].
و كان عمرها يوم ماتت ستا و ستين سنة، و كانت أفقه الناس، و أعلم الناس، و أحسن الناس رأيا في العامة: تعرف من الطب و الشعر شيئا كثيرا، و لا نعلم امرأة في هذه الأمة بلغت من العلم مبلغها.
و روى عنها ألفا حديث و مائتا حديث و عشرة أحاديث مرفوعة، اتفقا منها على مائة و أربعة و سبعين حديثا، انفرد منها البخاري بأربعة و خمسين، و مسلم بستة و ستين و فضائلها و أخبارها كثيرة جدا.
إمتاع الأسماع،ج 6،ص:44
غزيّة
[1] و غزّية بنت دودان بن عوف بن عمرو بن عامر بن رواحة بن منقذ بن عمرو بن معيص بن عامر بن لؤيّ، و هي أم شريك التي وهبت نفسها للنّبيّ صلّى الله عليه و سلم، و قيل: هي غزية بنت عوف بن جابر بن صبابه بن حجير بن عبد بن معيص، كانت عند أبى العكر مسلم بن الحارث الأزدي،. فولدت له شريكا فكنيت به، قيل: [بنى بها] رسول الله صلّى الله عليه و سلم بمكة، و قيل: لم يدخل بها، و أنها هي أم شريك الأنصارية لأنه كره غيرة نساء الأنصار، و قيل: هي التي وهبت نفسها فلم يتزوجها و لم يردها، و قيل: رأى بغزية كبرة فطلقها،
__________________________________________________
[(1/57)
1] هي الواهبة نفسها له صلّى الله عليه و سلم، و اختلف من هي، فقيل: أم شريك القرشية العامرية، و اسمها غزية- بضم الغين المعجمة و فتح الزاى، و تشديد المثناة التحتية- بنت جابر بن عوف، من بنى عامر بن لؤيّ، و قيل: بنت دودان بن عوف، و طلقها النبي صلّى الله عليه و سلم، و اختلف في دخوله بها.
و قيل: هي أم شريك غزيّة الأنصارية من بنى النجار، و في (صفة الصفوة): هي أم شريك غزية بنت جابر الدوسية، قال: و الأكثرون على أنها هي التي وهبت نفسها له صلّى الله عليه و سلم، فلم يقبلها، فلم تتزوج حتى ماتت، و ذكر ابن قتيبة في (المعارف) عن أبى اليقظان: أن الواهبة نفسها خولة بنت حكيم السلمي، و يجوز أن يكونا وهبتا أنفسهما من غير تضاد.
و قال عروة بن الزبير: كانت خولة بنت حكيم، من اللاتي وهبن أنفسهن للنّبيّ صلّى الله عليه و سلم، فقالت عائشة رضى الله عنها: أما تستحي المرأة أن تهب نفسها للرجل؟ فلما نزلت: تُرْجِي من تَشاءُ مِنْهُنَّ وَ تُؤْوِي إِلَيْكَ من تَشاءُ 33: 51 [الأحزاب: 51]، قالت عائشة رضى الله عنها: يا رسول الله! ما أرى ربك إلا يسارع لك في هواك. [رواه الشيخان ]. و هذه خولة هي زوجة عثمان بن مظعون، و لعل ذلك وقع منها قبل عثمان.
عن قتادة: أن النبي صلّى الله عليه و سلم قال: إني أحب أن أتزوج في الأنصار، ثم إني أكره غيرتهن، قال: فلم يدخل بها [ذكره الحاكم في المستدرك ]. لها ترجمة في: (طبقات ابن سعد): 8/ 154- 157، (طبقات خليفة): 335، (الجرح و التعديل): 9/ 464، (المستدرك): 4/ 37، (الاستيعاب):
4/ 1942- 1943، ترجمة رقم (4169)، (الإصابة): 8/ 236- 237، ترجمة رقم (12097)، (خلاصة تذهيب الكمال): 498، (سير أعلام النبلاء): 2/ 255- 256، ترجمة رقم (33)، (صفة الصفوة): 2/ 37- 38، ترجمة رقم (134)، (المواهب اللدنية): 2/ 94.
إمتاع الأسماع،ج 6،ص:45(1/58)
فأوثقها أهلها. و حملوها من مكة إلى البدو، و كانت تدخل على النساء بمكة فتدعوهن إلى الإسلام، و كانت على ذلك بعد طلاقها تدعو إلى الإسلام.
و يقال: أم شريك العامرية، و يقال: الأنصارية، و يقال: الدوسية، و يقال بل اسمها عزيلة، روت عن النبي صلّى الله عليه و سلم، و روى عنها جابر بن عبد الله، و سعيد بن المسيب، و عروة بن الزبير، و شهر بن حوشب، و لها أحاديث في البخاري و مسلم، و الترمذي و النسائي، و قال ابن عبد البر: و قد ذكرها بعضهم في أزواج النبي صلّى الله عليه و سلم، و لا يصح من ذلك شي ء لكثرة الاضطراب فيه.
إمتاع الأسماع،ج 6،ص:46
[أم المؤمنين حفصة بنت عمر]
[1] و حفصة بنت عمر بن الخطاب بن نفيل بن عبد العزّى بن رباح بن عبد الله بن قرظ بن رزاح بن عدي بن كعب، أمها و أم عبد الله بن عمر زينب بنت مظعون بن حبيب بن حذافة بن جمح، فمن فضلها: أن [أباها عمر].
و عمها زيد، و أخوالها عثمان و حذافة و عبد الله بنى مظعون، و ابن خالها السائب بن عثمان، شهدوا جميعاً بدرا، و ولدت قبل المبعث بخمس سنين و قريش تبنى البيت، ثم تزوج بها خنيس بن حذافة بن قيس بن عدي السهمي.
فلما تأيمت ذكرها عمر لأبى بكر رضى الله عنهما فلم يرجع عليه أبو بكر، كلمة فغضب، ثم عرضها على عثمان رضى الله عنه- و قد ماتت رقية عليها السلام- فقال: ما أريد أن أتزوج اليوم، فانطلق إلى رسول الله صلّى الله عليه و سلم و شكا إليه ذلك، فقال: يتزوج حفصة من هو خير من عثمان، و يتزوج عثمان من هو خير من حفصة، فتزوجها رسول الله صلّى الله عليه و سلم في شعبان قبل أحد بشهرين من سنة ثلاث، و قيل: في سنة اثنتين، زوجة أبوها و أصدقها صلّى الله عليه و سلم أربعمائة درهم.
قال الدار قطنى في (العلل): هذا صحيح من حديث الزهري عن سالم عن أبيه، عن عمر رضى الله عنه، تأيمت حفصة من خنيس بن حذافة
__________________________________________________
[(1/59)
1] هي حفصة أم المؤمنين، السّتر الرّفيع، بنت أمير المؤمنين، أبى حفص عمر بن الخطاب رضى الله عنه، تزوجها النبي صلّى الله عليه و سلم بعد انقضاء عدّتها من خنيس بن حذافة السهمي، سنة ثلاث من الهجرة.
و خنيس كان من السابقين الأولين إلى الإسلام، هاجر إلى أرض الحبشة، و عاد إلى المدينة، و شهد بدرا و أحدا، و أصابه بأحد جراحات، فمات رضى الله عنه.
قالت عائشة رضى الله عنها: هي التي كانت تسامينى من أزواج النبي صلّى الله عليه و سلم، و روى أن مولدها كان قبل المبعث بخمس سنين، فعلى هذا يكون دخول النبي صلّى الله عليه و سلم بها و لها نحو من عشرين سنة.
إمتاع الأسماع،ج 6،ص:47
__________________________________________________
[ ()] روت عنه عدة أحاديث.
و كانت لما تأيمت، عرضها أبوها على أبى بكر، فلم يجبه بشي ء، و عرضها على عثمان فقال: بدا لي ألا أتزوج اليوم، فوجد عليهما و انكسر، و شكا حاله إلى النبي صلّى الله عليه و سلم، فقال: يتزوج حفصة من هو خير من عثمان، و يتزوج عثمان من هي خير من حفصة، ثم خطبها، فزوجه عمر- و زوج رسول الله صلّى الله عليه و سلم عثمان بابنته رقية بعد وفاة أختها- [أخرجه ابن سعد في (الطبقات)]، و البخاري في النكاح، باب عرض الإنسان ابنته أو أخته على أهل الخير). و لما أن زوجها عمر، لقيه أبو بكر فاعتذر، و قال: لا تجد عليّ، فإن رسول الله صلّى الله عليه و سلم، كان قد ذكر حفصة، فلم أكن لأفشى سرّه، و لو تركها لتزوجتها. [أخرجه البخاري، و هو قطعة من الحديث السابق ].(1/60)
و روى أن رسول الله صلّى الله عليه و سلم، طلّق حفصة تطليقة، ثم راجعها بأمر جبريل عليه السّلام له بذلك، و قال: إنها صوّامة قوّامة، و هي زوجتك في الجنة. [حديث صحيح أخرجه أبو داود، و ابن ماجة، من حديث عمر: أن رسول الله صلّى الله عليه و سلم طلق حفصة ثم راجعها. و أخرجه النسائي من حديث ابن عمر، و اسناده صحيح ]. و حفصة، و عائشة، هما اللتان تظاهرتا على النبي صلّى الله عليه و سلم، فأنزل الله تعالى فيهما: إِنْ تَتُوبا إِلَى الله فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُما وَ إِنْ تَظاهَرا عَلَيْهِ فَإِنَّ الله هُوَ مَوْلاهُ وَ جِبْرِيلُ وَ صالِحُ الْمُؤْمِنِينَ وَ الْمَلائِكَةُ، بَعْدَ ذلِكَ ظَهِيرٌ عَسى رَبُّهُ إِنْ طَلَّقَكُنَّ أَنْ يُبْدِلَهُ أَزْواجاً خَيْراً مِنْكُنَّ مُسْلِماتٍ مُؤْمِناتٍ قانِتاتٍ تائِباتٍ عابِداتٍ سائِحاتٍ ثَيِّباتٍ وَ أَبْكاراً 66: 4- 5 [التحريم: 4- 5] أخرجه البخاري في التفسير، باب تَبْتَغِي مَرْضاتَ أَزْواجِكَ 66: 1، و مسلم في الطلاق، باب وجوب الكفارة على من حرّم امرأته.
موسى بن على بن رباح، عن أبيه، عن عقبة، قال: طلق رسول الله صلّى الله عليه و سلم حفصة، فبلغ ذلك عمر رضى الله عنه، فحثا على رأسه التراب، و قال: ما يعبأ الله بعمر و ابنته. فنزل جبريل من الغد، و قال للنّبيّ صلّى الله عليه و سلم: إن الله يأمرك أن تراجع حفصة رحمة لعمر- رضى الله عنهما- [أخرجه الطبراني في (الكبير)].
توفيت حفصة سنة إحدى و أربعين، و قيل: توفيت سنة خمس و أربعين بالمدينة، و صلّى عليها و الى المدينة مروان. [قاله الواقدي، عن معمر، عن الزهري، عن سالم. ذكره ابن مسعود في (الطبقات)].(1/61)
و مسندها في كتاب (بقي بن مخلد) ستون حديثا، اتفق لها الشيخان على أربعة أحاديث، و انفرد مسلم بستة أحاديث، [فما اتفقا عليه هو في البخاري في الأذان، باب الأذان بعد الفجر، و مسلم في صلاة المسافرين، باب استحباب ركعتي سنة الفجر، و البخاري في الحج، باب ما يقتل المحرم من الدواب، و مسلم في الحج، باب ما يندب للمحرم و غيره قتله من الدواب في الحل و الحرم و البخاري في الحج- باب التمتع و القرآن و الإفراد بالحج، و فسخ الحج لمن لم يكن معه هدى، و مسلم في الحج، باب أن القارن لا يتحلل إلا في وقت تحلل الحج المفرد، و ما انفرد به مسلم: هو عنده في صلاة
إمتاع الأسماع،ج 6،ص:48
السهمي، رواه عنه جماعة من الثقات الحفاظ، و اتفقوا على إسناده، منهم:
شعيب بن أبى حمزة، و صالح بن كيسان، و يونس، و عقيل، و محمد بن أخى الزهراء، و سفيان بن حسين، و الوليد بن محمد الموقرى، و عبيد الله بن أبى زياد الرصافيّ، و غيرهم، و اتفقوا على لفظ واحد في قول أبى بكر لعمر رضى الله عنهما: لم يمنعني أن أرجع إليك شيئا إلا أنى قد كنت علمت أن رسول الله صلّى الله عليه و سلم ذكر حفصة.
و رواه معمر بن راشد عن الزهري بهذا الإسناد فجوّده و أسنده و قال فيه:
لم يمنعني أنى أرجع إليك شيئا إلا أنى كنت سمعت رسول الله صلّى الله عليه و سلم يذكرها، و لم أكن لأفشى سرّ رسول الله، و هو حديث صحيح عن الزهري، أخرجه البخاري في الصحيح من حديث معمر، و من حديث صالح بن كيسان و شعيب عن الزهري، إلا أن معمرا قال فيما حكى عنه هشام بن يوسف:
قال فيه خنيس بن حذافة أو حذيفة، و الصحيح أنه خنيس بن حذافة بن
__________________________________________________
[ ()] المسافرين، و في الصيام، و في الطلاق، و في الفتن ].
و يروى عن عمر رضى الله عنه: أن حفصة ولدت إذ قريش تبنى البيت، و قيل: بنى بها رسول الله صلّى الله عليه و سلم في شعبان سنة ثلاث.(1/62)
قال الواقدي: حدثني عليّ بن مسلم، عن أبيه، رأيت مروان فيمن حمل سرير حفصة، و حملها أبو هريرة من دار المغيرة إلى قبرها. [أخرجه ابن سعد في (الطبقات)، و الحاكم في (المستدرك)].
حماد بن سلمة: أخبرنا أبو عمران الجونى، عن قيس بن زيد، أن النبي صلّى الله عليه و سلم، طلّق حفصة، فدخل عليها خالاها: قدامة، و عثمان، فبكت، و قالت: و الله ما طلقني عن شبع. و جاء النبي صلّى الله عليه و سلم، فقال: قال لي جبريل: راجع حفصة، فإنّها صوّامة، قوّامة، و إنها زوجتك في الجنة. [أخرجه ابن سعد في (الطبقات)، و الحاكم في (المستدرك)، و الطبراني كما في (مجمع الزوائد). و قيس بن زيد تابعي صغير مجهول، و باقي رجاله ثقات ]. لها ترجمة في: (طبقات ابن سعد): 8/ 81- 86، (طبقات خليفة): 334، (تاريخ خليفة): 66 (المعارف): 135- 158- 184- 550، (المستدرك):
4/ 17- 18، الاستيعاب): 4/ 1811، ترجمة رقم (3297)، (تهذيب التهذيب): 12/ 439، ترجمة رقم (2763)، (الإصابة): 7/ 581، ترجمة رقم (11047)، (خلاصة تذهيب الكمال):
(كنز العمال): 13/ 697، (شذرات الذهب): 1/ 10 و 16، (صفة الصفوة): 2/ 28، ترجمة رقم (128)، (المواهب اللدنية): 2/ 83، (سير أعلام النبلاء): 2/ 2227.
إمتاع الأسماع،ج 6،ص:49
قيس، أخو عبد الله بن حذافة الّذي استعمله النبي صلّى الله عليه و سلم، و هو الّذي كان ينادى في أيام منى عن أمر رسول الله صلّى الله عليه و سلم، أنها أيام أكل و شرب، و هو الّذي قال: من أبى يا رسول الله؟ قال: أبوك حذافة.
و قال عبد الرزاق: أخبرنا معمر عن الزهري، عن سالم عن ابن عمر رضى الله عنه قال: تأيمت حفصة من رجل من قريش يقال له خنيس بن حذيفة أو حذافة، [شهد مع ] رسول الله صلّى الله عليه و سلم بدرا، مات بالمدينة، فلقى عثمان رضى الله عنه فقال: إن شئت زوجتك حفصة بنت عمر، قال: انظر في ذلك.(1/63)
فلبثت ليالي ثم لقيني فقال: ما أريد النكاح يومى هذا، فوجدت في نفسي، ثم لقيت أبا بكر رضى الله عنه فقلت: إن شئت زوجتك حفصة بنت عمر، فلم يرجع إليّ شيئا، و كان وجدي عليه أشد من وجدي على عثمان، فلبثت ليالي، فخطبها إلى رسول الله صلّى الله عليه و سلم فزوجها إياه، فلقيني أبو بكر رضى الله عنه فقال: لعلك وجدت عليّ حين عرضت عليّ حفصة فلم أرجع إليك شيئا؟ قال: قلت: نعم، قال: فإنّي كنت سمعت رسول الله صلّى الله عليه و سلم يذكرها، و لم أكن لأفشى سرّ رسول الله صلّى الله عليه و سلم و لو تركها تزوجتها.
و رواه ابن وهب فقال: أخبرنى يونس عن ابن شهاب، أن سالم بن عبد الله كان يحدث أن عمر رضى الله عنه حين تأيمته حفصة ...، ثم ذكر نحو حديث معمر، و رواه سويد بن سعيد فقال: حدثنا الوليد بن محمد عن الزهري، عن سالم، أنه سمع أباه يحدث أن عمر قال: إن حفصة كان طلّقها أبو حذافة، قال عمر: فلقيت عثمان ...، ثم ذكر الحديث، و لم يذكر ابن عمر.
و رواه صالح عن ابن شهاب، أخبرنى سالم بن عبد الله أنه سمع عبد الله ابن عمر يحدث أن عمر بن الخطاب حين تأيمته حفصة بنت عمر من
إمتاع الأسماع،ج 6،ص:50
خنيس بن حذافة السهمي- و كان من أصحاب رسول الله صلّى الله عليه و سلم فتوفي بالمدينة- فقال عمر: أتيت عثمان بن عفان ...، الحديث.
و رواه يزيد بن هارون، أخبرنا سفيان بن حسين، عن الزهري، عن سالم، عن ابن عمر قال: لما [تأيمت ] حفصة لقي عمر عثمان فعرضها عليه، فقال عثمان: ما لي في النساء من حاجة، فلقيت أبا بكر فعرضتها عليه فسكت، فغضب على أبى بكر، فإذا برسول الله صلّى الله عليه و سلم قد خطبها فتزوجها، فلقى عمر أبا بكر فقال: إني عرضت على عثمان ابنتي فردّ لي، و عرضت عليك فسكت، فأنا كنت عليك أشد غضبا حين سكت عثمان، و قد روى فقال أبو بكر رضى الله عنه [إن رسول الله ] صلّى الله عليه و سلم قد ذكر معنا شيئا و كان سرا و كرهت أن أفشى السر.(1/64)
و بعث رسول الله صلّى الله عليه و سلم إلى جاريته مارية، و قد خرجت حفصة من بيتها فجاءته، فدخلت حفصة و هي معه، فقالت: يا رسول الله! أ في بيتي و على فراشي؟ فقال: اسكتي، فلك الله ألا أقربها أبدا و لا تذكري هذا لأحد، فأخبرت به عائشة- و كانت لا تكتمها شيئا، إنما كان أمرهما واحدا- فأنزل الله: يا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ ما أَحَلَّ الله لَكَ تَبْتَغِي مَرْضاتَ أَزْواجِكَ 66: 1 [1]، الآيات، فكفر عن يمينه، فقوله تعالى: وَ إِذْ أَسَرَّ النَّبِيُّ إِلى بَعْضِ أَزْواجِهِ حَدِيثاً 66: 3 [2]، و قوله: وَ إِنْ تَظاهَرا عَلَيْهِ 66: 4 [3]، يعنى عائشة و حفصة رضى الله عنهما، فطلق حفصة تطليقة ثم راجعها [4].
خرج الحاكم من حديث عمرو بن عون، حدثنا هشيم، و أخبرنا حميد عن أنس قال: لما طلق النبي صلّى الله عليه و سلم حفصة أمر أن يراجعها فراجعها، قال
__________________________________________________
[1] التحريم: 1
[2] التحريم: 3.
[3] التحريم: 4.
[4] (تفسير ابن كثير): 4/ 412.
إمتاع الأسماع،ج 6،ص:51
الحاكم: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين و لم يخرجاه [1].
أيضا من حديث يحيى بن زكريا بن أبى زائدة، عن صالح بن صالح عن سلمة بن كهيل، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس، عن عمر رضى الله عنه أن رسول الله صلّى الله عليه و سلم طلق حفصة ثم راجعها، قال: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين و لم يخرجاه [1].
و له من حديث سليمان بن المغيرة، عم ثابت عن أنس، أن رسول الله صلّى الله عليه و سلم كانت له أمة، فلم تزل به حفصة حتى جعلها على نفسه حراما، فأنزل الله: يا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ ما أَحَلَّ الله لَكَ 66: 1 [2]. الآية قال: هذا حديث صحيح على شرط مسلم [1].(1/65)
و خرج الطبراني من حديث ابن وهب، حدثني عمرو بن صالح الحضرميّ، عن موسى بن على بن رباح، عن أبيه، عن عقبة بن عامر، أن النبي صلّى الله عليه و سلم طلق حفصة، فبلغ ذلك عمر بن الخطاب، فوضع التراب على رأسه و قال: ما يعبأ الله بابن الخطاب بعد هذا، فنزل جبريل على النبي صلّى الله عليه و سلم فقال: إن الله يأمرك أن تراجع حفصة [1].
و قيل في سبب نزول الآيات غير ذلك، و قيل هم بطلاقها و لم يطلقها، و توفيت في جمادى سنة إحدى و أربعين، و قيل خمس و أربعين، و قيل سبع و عشرين، و أثبتها سنة خمسة و أربعين، و صلّى عليها مروان بن الحكم، و نزل في قبرها عبد الله بن عمر، و عاصم بن عمر، و حمزة بن عبد الله بن عمر، و عبيد الله بن عبد الله بن عمر، و دفنت بالبقيع، و حمل مروان- و هو أمير المؤمنين يومئذ- سريرها، ثم حمله أبو هريرة [3].
__________________________________________________
[1] (المستدرك): 2/ 535، تفسير سورة التحريم، حديث رقم (3824/ 961)، و قال الذهبي في (التلخيص): على شرط مسلم، 4/ 16- 17، ذكر أم المؤمنين حفصة بنت عمر بن الخطاب رضى الله عنهما- حديث رقم (6753/ 2351)، (6754/ 2352)، و كلاهما سكت عنه الذهبي في (التلخيص).
[2] التحريم: 1.
[3] (المستدرك): 4/ 16، كتاب معرفة الصحابة، حديث رقم (6752/ 2350)، و قال الذهبي في (التلخيص): هذه رواية الواقدي، و قد استقر الإجماع على وهنه.
إمتاع الأسماع،ج 6،ص:52
[أم المؤمنين زينب بنت خزيمة]
[(1/66)
1] و زينب أم المساكين، بنت خزيمة بن الحارث بن عبد الله بن عمرو بن عبد مناف بن هلال بن عامر بن صعصعة العامرية، أخت ميمونة بنت الحارث بن حرث، لأنها تزوجها الطفيل بن الحارث بن المطلب بن عبد منافس بن قصي، أخو عبيدة بن الحارث، ثم طلقها، فخلف عليها أخوه فأصيب يوم بدر، و مات بالصفراء، فتزوجها رسول الله صلّى الله عليه و سلم في شهر رمضان سنة ثلاث، زوجه أبوها قبيصة بن عمر الهلالي، و أصدقها أربعمائة درهم، و قيل كانت تحت عبد الله بن جحش فلما قتل يوم أحد تزوجها رسول الله صلّى الله عليه و سلم، فأقامت عنده ثمانية أشهر، و قيل شهرين أو ثلاثة، و توفيت في آخر شهر ربيع الآخر، فدفنها رسول الله صلّى الله عليه و سلم بالبقيع بعد ما صلّى عليها.
__________________________________________________
[1] هي زينب بنت خزيمة بن الحارث بن عبد الله الهلالية، و تدعى: أم المساكين لكثرة معروفها. قتل زوجها عبد الله بن جحش يوم أحد، فتزوجها رسول الله صلّى الله عليه و سلم، و لكن لم تمكث عنده إلا شهرين أو أكثر، و توفيت رضى الله عنها.
و قيل: كانت أولا عند الطفيل بن الحارث، و ما روت شيئا. و قال النسّابة عليّ بن عبد العزيز الجرجاني:
كانت عند الطفيل، ثم خلف عليها أخوه الشهيد: عبيدة بن الحارث المطلبي.
لها ترجمة في: (طبقات ابن سعد): 8/ 115- 116، (المعارف): 87 و 135 و 185، (المستدرك): 4/ 37- 38، (الاستيعاب): 4/ 1853، ترجمة رقم (3359)، (الإصابة):
7/ 672، ترجمة رقم (11230)، (شذرات الذهب): 1/ 10، (المواهب اللدنية): 2/ 89، (سير أعلام النبلاء): 2/ 218.
إمتاع الأسماع،ج 6،ص:53
[أم المؤمنين أم سلمة]
[(1/67)
1] و أم سلمة هند- و قيل: رملة، و ليس بشي ء- بنت أبى أمية، حذيفة ابن المغيرة بن عبد الله بن عمر بن مخزوم، و هاجرت معه إلى أرض الحبشة، و ولدت له سلمة و عمر و زينب و درة، ثم مات عنها في جمادى الآخرة سنة أربع، فلما انقضت عدتها تزوجها رسول الله صلّى الله عليه و سلم، و أعرس بها في شوال منها، و يقال: إنه خطبها إلى نفسها فجعلت أمرها إليه.
و يقال: إنه قال لها: مري ابنك سلمة بن أبى سلمة يزوجك، فزوجها رسول الله صلّى الله عليه و سلم و هو غلام.
و يقال: إن الّذي زوجه إياها عمر بن أبى سلمة، كما رواه [النسائي و أحمد]. و قيل: إن عمر هذا هو عمر بن الخطاب رضى الله عنه، لأنه كان هو الخاطب لها. و الثابت أن سلمة زوّجه إياها.
قال أبو الحسن المدائني، عن إبراهيم بن أبى يحيى، عن حسين بن عبد الله ضمرة- مولى النبي صلّى الله عليه و سلم- عن جده، عن على رضى الله عنه قال: خطب رسول الله صلّى الله عليه و سلم أم سلمة فقالت: من يزوجني و رجالي غيّب؟ قال:
ابنك، و يشهد أصحاب النبي، فزوجها ابنها و هو غلام.
__________________________________________________
[1] هي السيدة المحجّبة، الطاهرة، هند بنت أبى أمية بن المغيرة بن عبد الله بن عمر بن مخزوم بن يقظة ابن مرة، المخزومية، بنت عم خالد بن الوليد، سيف الله، و بنت عم أبى جهل بن هشام.
من المهاجرات الأول، كانت قبل النبي صلّى الله عليه و سلم عند أخيه من الرضاعة: أبى سلمة بن عبد الأسد المخزومي، الرجل الصالح، دخل بها النبي صلّى الله عليه و سلم في سنة أربع من الهجرة، و كانت من أجمل النساء و أشرفهن نسبا، و كانت من آخر من مات من أمهات المؤمنين، عمّرت حتى بلغها مقتل الحسين الشهيد، فوجمت لذلك، و غشي عليها، و حزنت عليه كثيرا، لم تلبث بعده إلا يسيرا. و انتقلت إلى رحمة الله.(1/68)
و لها أولاد صحابيون: عمر، و سلمة، و زينب، و لها جملة، أحاديث، روى عنها سعيد بن المسيب، و شقيق بن سلمة، و الأسود بن يزيد، و الشعبىّ، و أبو صالح السمان، و مجاهد، و نافع بن جبير بن
إمتاع الأسماع،ج 6،ص:54
__________________________________________________
[ ()] مطعم، و نافع مولاها، و نافع مولى بن عمر، و عطاء بن أبى رباح، و شهر بن حوشب، و ابن أبى مليكة، و خلق كثير.
عاشت نحوا من تسعين سنة، و كانت تعدّ من فقهاء الصحابيات.
و أبوها: هو زاد الراكب، أحد الأجواد، قيل: اسمه حذيفة، و قد و هم من سماها: رملة، تلك أم حبيبة. [قال في (اللسان): و أزواد الركب من قريش: أبو أمية بن المغيرة، و الأسود بن عبد المطلب بن أسد بن عبد العزى، و مسافر بن أبى عمرو بن أمية عم عقبة. كانوا إذا سافروا فخرج معهم الناس، فلم يتخذوا زادا معهم و لم يوقدوا، يكفونهم و يغنونهم ].
الواقدي: حدثنا عمر بن عثمان، عن عبد الملك بن عبيد، عن سعيد بن يربوع، عم عمر بن أبى سلمة، قال بعث رسول الله صلّى الله عليه و سلم أبى إلى أبى قطن، في المحرّم سنة أربع، فغاب تسعا و عشرين ليلة، ثم رجع في صفر، و جرحه الّذي أصابه يوم أحد منتقض، فمات منه، لثمان خلون من جمادى الآخرة، و حلّت أمى في شوال، و تزوجها رسول الله صلّى الله عليه و سلم [ذكره ابن سعد في (الطبقات)]، إلى أن قال:
و توفيت سنة تسع و خمسين في ذي الحجة.
ابن سعد: أخبرنا أحمد بن إسحاق الخضرمي: حدثنا عبد الواحد بن زياد، حدثنا عاصم الأحول، عن زياد بن أبى مريم، قالت أم سلمة لأبى سلمة، بلغني أنه ليس امرأة يموت زوجها، و هو من أهل الجنة، ثم لم تزوج إلا جمع الله بينهما في الجنة، فتعال أعاهدك ألا تزوج بعدي، و لا أتزوج بعدك، قال: أ تطيعيننى؟ قالت: نعم: قال: إذا مت تزوجي، اللَّهمّ ارزق أم سلمة بعدي رجلا خيرا منى، لا يحزنها و لا يؤذيها.(1/69)
فلما مات قلت: من خير من أبى سلمة؟ فما لبثت، و جاء رسول الله صلّى الله عليه و سلم فقام على الباب، فذكر الخطبة إلى ابن أخيها، أو ابنها، فقالت: أردّ على رسول الله، أو أتقدم عليه بعيالي. ثم جاء الغد فخطب. [رجاله ثقات، و أخرجه ابن سعد في (الطبقات)، و فيه: ثم جاء الغد، فذكر الخطبة، فقلت مثل ذلك، ثم قالت لوليها: إن عاد رسول الله صلّى الله عليه و سلم فزوّج، فعاد رسول الله صلّى الله عليه و سلم، فتزوجها].
عفان: حدثنا حماد، حدثنا ثابت، حدثني ابن عمر بن أبى سلمة. عن أبيه: أن أم سلمة لما انقضت عدتها، خطبها أبو بكر، فردّته، ثم عمر، فردته، فبعث إليها رسول الله صلّى الله عليه و سلم فقالت: مرحبا، أخبر رسول الله أنى غيري، و أنى مصيبة، و ليس أحد من أوليائي شاهدا. فبعث إليها: أما قولك إني مصيبة، فإن الله تعالى سوف يكفيك صبيانك، و أما قولك: إني غيري، فسأدعو الله أن يذهب غيرتك، و أما الأولياء، فليس أحد منهم إلا سيرضى بى. قالت يا عمر، قم فزوج رسول الله، و قال رسول الله صلّى الله عليه و سلم: أما إني لا أنقصك مما أعطيت فلانة، رحيين، و جرتين، و وسادة من أدم حشوها ليف، قال: و كان رسول الله صلّى الله عليه و سلم يأتيها، فإذا جاء أخذت زينب فوضعتها في حجرها لترضعها، و كان رسول الله صلّى الله عليه و سلم حييا كريما، يستحى فيرجع، فعل ذلك مرارا، ففطن عمار بن ياسر لما تصنع، قال: فأقبل صلّى الله عليه و سلم ذات يوم و جاء عمار- و كان أخاها لأمها- فدخل عليها، فانتشلها من حجرها و قال: دعي هذه
إمتاع الأسماع،ج 6،ص:55
و عن الأجلح عن الشعبي قال: قال رسول الله صلّى الله عليه و سلم، أزوج بنت حمزة سلمة بن أبى سلمة مكافأة له، حيث زوجني أمه. ذكره في كتاب (من زوّج أمه).
__________________________________________________
[ ((1/70)
)] المقبوحة المشقوحة، التي اذيت بها رسول الله صلّى الله عليه و سلم، فدخل، فجعل يقلب بصرة في البيت يقول: أين زناب؟ ما فعلت زناب؟ قالت: جاء عمار فذهب بها، قال: فبنى رسول الله صلّى الله عليه و سلم بأهله، ثم قال: إن شئت أن أسبع لك سبّعت للنساء. [أخرجه ابن سعد في (الطبقات)، و أحمد، و النسائي في النكاح، باب إنكاح الابن لأمه، و إسناده صحيح كما قال الحافظ ابن حجر في (الإصابة)، و أخرجه الحاكم في (المستدرك)، و وافقه الذهبي في (التلخيص)]. قولها: غبرى: كثيرة الغبرة، و مصبية: ذات صبيان و أولاد صغار.(1/71)
أبو أسامة، عن الأعمش، عن شقيق، عن أم سلمة، قالت: لما توفى أبو سلمة، أتيت النبي صلّى الله عليه و سلم، فقلت: كيف أقول؟ قال: قولي: اللَّهمّ أغفر لنا و له، و أعقبنى منه عقبى صالحة، فقلتها، فأعقبني الله محمدا صلّى الله عليه و سلم [إسناده صحيح، و أخرجه مسلم في الجنائز، باب ما يقال عند المريض، و أبو داود في الجنائز، باب ما يستحب أن يقال عند الميت من الكلام، و الترمذي في الجنائز، باب ما جاء في تلقين المريض عند الموت و الدعاء له عنده و النسائي في الجنائز، باب ما جاء فيما يقال عند المريض إذا حضر، من طرق عن الأعمش، عن أبى وائل شقيق بن سلمة، عن أم سلمة قالت: قال رسول الله صلّى الله عليه و سلم: إذا حضرتم المريض أو الميت فقولوا خيرا، فإن الملائكة يؤمنون على ما تقولون، قالت: فلما مات أبو سلمة، أتيت النبي صلّى الله عليه و سلم فقلت: يا رسول الله صلّى الله عليه و سلم: إذا حضرت المريض أو الميت فقولوا خيرا، فإن الملائكة يؤمّنون على ما تقولون، قالت: فلما مات أبو سلمة، أتيت النبي صلّى الله عليه و سلم فقلت: يا رسول الله، إن أبا سلمة قد مات، قال: قولي: اللَّهمّ اغفر لي و له، و أعقبنى منه عقبى حسنة، قالت: فقلت، فأعقبني الله من هو خير لي منه، محمدا صلّى الله عليه و سلم. و قوله: أعقبنى، أي بدلنى و عوضني منه، أي في مقابلته عقبى حسنة، أي بدلا صالحا.] إسحاق السلولي: حدثنا عيسى بن عبد الرحمن السلمي، عن أبى إسحاق، عن صلة، عن حذيفة، أنه قال لامرأته: إن سرّك أن تكوني زوجتي في الجنة، فلا تزوجي بعدي، فإن المرأة في الجنة لآخر أزواجها في الدنيا، فلذلك حرم على أزواج النبي صلّى الله عليه و سلم أن ينكحن بعده، لأنهن أزواجه في الجنة.
[(1/72)
رجاله ثقات ]. و قد تزوجها النبي صلّى الله عليه و سلم حين حلت في شوال سنة أربع، و توفيت سنة إحدى و ستين، رضى الله تعالى عنها، و يبلغ مسندها ثلاث مائة و ثمانية و سبعين حديثا. اتفق البخاري و مسلم لها على ثلاثة عشر، و انفرد البخاري بثلاثة، و مسلم بثلاثة عشر. رضى الله تعالى عن الجميع. لها ترجمة في: (مسند أحمد): 6/ 288، (طبقات ابن سعد): 8/ 86- 96، (طبقات خليفة): 334، (المعارف): 128- 136، (الجرح و التعديل): 9/ 464، (المستدرك): 4/ 19- 22، (الاستيعاب):
4/ 1920- ترجمة رقم (4111)، (تهذيب التهذيب): 12/ 483، ترجمة رقم (2904) (الإصابة): 8/ 221، ترجمة رقم (12061)، (و خلاصة تذهيب الكمال):، (كنز العمال):
13/ 499، (شذرات الذهب): 1/ 69، (المواهب اللدنية): 2/ 84، (صفة الصفرة): 2/ 29 ترجمة رقم (129)، (سير أعلام النبلاء): 2/ 201.
إمتاع الأسماع،ج 6،ص:56
و يقال: كان السفير بن النبي صلّى الله عليه و سلم و بين أم سلمة عمر بن الخطاب رضى الله عنه، و يقال: حاطب بن أبى بلتعه، فقالت: إني مسنّة، فقال: و أنا أسنّ منك، قالت: فإنّي مصبية، قال: هم في عيال الله و رسوله، قالت:
فإنّي غيور، قال: أنا أدعوا الله أن يذهب عنك الغيرة، فدعا لها، ثم إنه تزوجها و أصدقها صلّى الله عليه و سلم فراشا حشوه ليف، و قدما، و صحفة، و مجشة، و ابنتي لها في بيت أم المساكين، فوجد فيه جرة فيها شي ء من شعير، و إذا رحاء و برمة، و فيها قعب من إهالة، فكان ذلك طعام رسول الله صلّى الله عليه و سلم و أهله ليلة عرسه، و قال لها في صبحيتها: إنه ليس بك على أهلك هوان، فإن شئت ثلّث لك أو خمّس أو سبّع، فإنّي لم أسبّع لامرأة من نسائي قط، فقالت: اصنع ما شئت، فإنما أنا امرأة من نسائك.(1/73)
و يقال: إنه قال لها: لك عندنا قطيفة تلبسينها في الشتاء و تفرشينها في الصيف، و وسادة من أدم حشوها ليف، و رحيان تطحنين بهما، و جرتان في إحداهما ماء و في الأخرى دقيق، و جفنة تعجنين و تثردين فيها، فقالت:
رضيت، فكان ذلك مهرها، و نزلت عند رسول الله صلّى الله عليه و سلم بمنزلة لطيفة.
و توفيت في شوال سنة تسع و خمسين، و دفنت بالبقيع، و نزل في قبرها ابناها سلمة و عمر، و ابن أخيها عبد الله بن عبد الله بن أبى أمية، و قيل:
توفيت في شهر رمضان منها، و قيل: توفيت يوم عاشوراء سنة إحدى و ستين، و صلّى عليها أبو هريرة، و قيل: سعيد بن زيد، و هي آخر أمهات المؤمنين [موتا]، و قال عطاء: آخرهن موتا صفية، و هي أول ظعينة دخلت المدينة مهاجرة، و قيل: بل ليلى بنت أبى خيثمة، زوج عامر بن ربيعة العنزي، خليفة الخطاب بن نفيل.
إمتاع الأسماع،ج 6،ص:57
[أم المؤمنين زينب بنت جحش ]
[1] و زينب بنت جحش بن رباب بن يعمر بن صبرة بن مرة بن كثير بن غنم
__________________________________________________
[(1/74)
1] هي زينب بنت جحش بن رباب، و ابنة عمة رسول الله صلّى الله عليه و سلم، أمها أميمة بنت عبد المطلب بن هاشم، و هي أخت حمزة، و أبى أحمد، من المهاجرات الأول، و كانت عند زيد، مولى النبي صلّى الله عليه و سلم، و هي التي يقول الله فيها: وَ إِذْ تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ الله عَلَيْهِ وَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِ أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ وَ اتَّقِ الله وَ تُخْفِي في نَفْسِكَ مَا الله مُبْدِيهِ وَ تَخْشَى النَّاسَ وَ الله أَحَقُّ أَنْ تَخْشاهُ فَلَمَّا قَضى زَيْدٌ مِنْها وَطَراً زَوَّجْناكَها لِكَيْ لا يَكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ في أَزْواجِ أَدْعِيائِهِمْ إِذا قَضَوْا مِنْهُنَّ وَطَراً وَ كانَ أَمْرُ الله مَفْعُولًا 33: 37 [الأحزاب: 37]، و الّذي أخفاه النبي صلّى الله عليه و سلم: هو إخبار الله إياه أنها ستصير زوجته، و كان يحمله على إخفاء ذلك خشية قول الناس: تزوج امرأة ابنه، و أراد الله تعالى إبطال ما كان أهل الجاهلية عليه من أحكام التبني بأمر لا أبلغ في الإبطال منه، و هو تزوج امرأة الّذي يدعى ابنا، و وقوع ذلك من النبي صلّى الله عليه و سلم ليكون أدعى لقبولهم، و قد أخرج الترمذي من طريق داود بن أبى هند، عن الشعبي، عن عائشة قالت:
لو كان رسول الله صلّى الله عليه و سلم كاتما شيئا من الوحي، لكتم هذه الآية.(1/75)
فزوجها الله تعالى بنص كتابة، بلا ولى و لا شاهد، فكانت تفخر بذلك على أمهات المؤمنين، و تقول زوجكن أهاليكن، و زوجني الله من فوق عرشه. [أخرجه البخاري في التوحيد، باب وَ كانَ عَرْشُهُ عَلَى الْماءِ 11: 7، من طريق أنس، قال: جاء زيد بن حارثة يشكو، فجعل النبي صلّى الله عليه و سلم يقول: اتّق الله و أمسك عليك زوجك. قال أنس لو كان رسول الله صلّى الله عليه و سلم كاتما شيئا لكتم هذه. قال: فكانت زينب تفخر على أزواج النبي صلّى الله عليه و سلم تقول: زوجكم أهاليكن، و زوجني الله تعالى من فوق سبع سماوات. و في رواية البخاري: كانت تقول: إن الله أنكحنى في السماء، أخرجه البخاري من حديث أنس قال: نزلت آية الحجاب في زينب بنت جحش، و أطعم عليها يومئذ خبزا و لحما، و كانت تفخر على نساء النبي صلّى الله عليه و سلم، و كانت تقول: إن الله أنكحنى في السماء.
و كانت رضى الله عنها من سادة النساء، دينا، و ورعا، و جودا، و معروفا، و حديثها في الكتب الستة، روى عنها ابن أخيها محمد بن عبد الله بن جحش، و أن المؤمنين أم حبيبة، و زينب بنت أبى سلمة، و أرسل عنها القاسم بن محمد.
توفيت في سنة عشرين، و صلّى عليها عمر رضى الله عنه، و عن ابن عمر: لما ماتت بنت جحش أمر عمر رضى الله عنه مناديا: ألا يخرج معها إلا ذو محرم، فقالت بنت عميس: يا أمير المؤمنين، ألا أريك شيئا رأيت الحبشة تصنعه بنسائهم؟ فجعلت نعشا و غشته ثوبا، فقال: ما أحسن هذا و أستره! فأمر مناديا فنادى: أن اخرجوا على أمكم. [إسناده صحيح، و هو في (طبقات ابن سعد)، لكن سقط من إسناده فيه ابن عمر، و استدركناه من (سير الأعلام).
و هي التي كان النبي صلّى الله عليه و سلم يقول: أسرعكن لحوقا بى أطولكن يدا. و إنما عنى طوال يدها بالمعروف.(1/76)
قالت عائشة: فكن يتطاولن أيهن أطول يدا، و كانت زينب تعمل و تصدّق، [و الحديث أخرجه مسلم في فضائل الصحابة، باب من فضائل زينب أم المؤمنين. من طريق عائشة بنت طلحة، عن
إمتاع الأسماع،ج 6،ص:58
__________________________________________________
[ ()] عائشة أم المؤمنين قالت قال رسول الله صلّى الله عليه و سلم: أسرعكن لحاقا بى أطولكن يدا. قالت: فكن يتطاولن أيتهن أطول يدا قالت: فكانت أطولنا يدا زينب- لأنها كانت تعمل بيدها و تصدّق.].
و روى عن عائشة قالت: كانت زينب، أتقى الله، و أصدق حديثا، و أوصل للرحم، و أعظم صدقة رضى الله عنها [أخرجه مسلم في فضائل الصحابة من طريق الزهري، أخبرنى محمد بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام، عن عائشة رضى الله عنها في خبر مطوّل، و فيه: قالت عائشة رضى الله عنها:
فأرسل أزواج النبي صلّى الله عليه و سلم زينب بنت جحش زوج النبي صلّى الله عليه و سلم، و هي التي كانت تسامينى منهن في المنزلة عند رسول الله صلّى الله عليه و سلم، و لم أر امرأة قط خيرا في الدين من زينب، و أتقى الله، و أصدق حديثا، و أوصل للرحم، و أعظم صدقة، و أشدّ ابتذالا لنفسها في العمل الّذي تصدّق به، و تقرب به إلى الله تعالى، ما عدا سورة من حدّة كانت فيها، تسرع منها الفيئة].
[و أخرجه أحمد من طريق الزهري، عن عروة، عن عائشة بلفظ: و لم أر امرأة خيرا منها، و أكثر صدقة، و أوصل للرحم، و أبذل لنفسها في كل شي ء يتقرب به إلى الله عز و جل، من زينب، ما عدا سورة من غرب حدّ كان فيها، توشك منها الفيئة].
ابن جريح عن عطاء، سمع عبيد بن عمير يقول: سمعت عائشة رضى الله عنها تزعم أن النبي صلّى الله عليه و سلم كان يمكث عن زينب بنت جحش و يشرب عندها عسلا، فتواصيت أنا و حفصة أن أيتنا ما دخل عليها، فلتقل: إني أجد منك ريح مغاير، أكلت مغافير؟ فدخل على إحداهما، فقالت له ذلك، قال:(1/77)
بل شربت عسلا عند زينب، و لن أعود له. فنزل: يا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ ما أَحَلَّ الله لَكَ تَبْتَغِي مَرْضاتَ أَزْواجِكَ وَ الله غَفُورٌ رَحِيمٌ 66: 1 إلى قوله: إِنْ تَتُوبا إِلَى الله فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُما 66: 4- الآيات من أول سورة التحريم- يعنى حفصة و عائشة، قوله: وَ إِذْ أَسَرَّ النَّبِيُّ إِلى بَعْضِ أَزْواجِهِ حَدِيثاً 66: 3: قوله بل شربت عسلا. [أخرجه البخاري في الأيمان و النذور، باب إذا حرّم طعاما. و في الطلاق، باب لِمَ تُحَرِّمُ ما أَحَلَّ الله لَكَ 66: 1، و مسلم في الطلاق، باب وجوب الكفارة على من حرّم امرأته و لم ينو الطلاق، و ابن سعد في (الطبقات)، و البخاري في التفسير عن عائشة بلفظ: كان رسول الله صلّى الله عليه و سلم يشرب عسلا عند زينب بنت جحش و يمكث عندها، فواطأت أنا و حفصة عن أيتنا يدخل عليها، فلتقل له: أكلت مغافير، إني أجد منك ريح مغاير، قال: لا، و لكنى كنت أشرب عسلا عند زينب ابنة جحش، لن أعود له، و قد حلفت ألا تخبري بذلك أحدا].
[و المغافير: شراب مصنوع من الصمغ له ريح منكرة. و ثمة سبب آخر في نزول الآية: فقد أخرج سعيد بن منصور بإسناد صحيح فيما قاله الحافظ إلى مسروق قال: حلف رسول الله صلّى الله عليه و سلم لحفصة لا يقرب أمته، و قال: هي عليّ حرام، فنزلت الكفارة ليمينه، و أمر أن لا يحرم ما أحل الله له ].
[(1/78)
و أخرج الضياء المقدس في (المختارة)، من مسند الهيثم بن كليب، ثم من طريق جرير بن حازم، عن أيوب، عن نافع، عن ابن عمر قال: قال رسول الله صلّى الله عليه و سلم لحفصة: لا تخبري أحدا أن أم إبراهيم عليّ حرام، قال: فلم يقربها حتى أخبرت عائشة، فأنزل الله تعالى: قَدْ فَرَضَ الله لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمانِكُمْ 66: 2، و أخرج الطبراني في عشرة النساء، و ابن مردويه من طريق أبى بكر بن عبد الرحمن، عن أبى سلمة، عن أبى هريرة قال: دخل رسول الله صلّى الله عليه و سلم بمارية ببيت حفصة، فجاءت فوجدتها معه، فقالت: يا رسول الله في بيتي تفعل هذا معى دون نسائك، فذكر نحوه. و للطبراني من طريق الضحاك، عن ابن عباس
إمتاع الأسماع،ج 6،ص:59
ابن دودان بن أسد بن خزيمة، أمها أميمة بنت عبد المطلب بن هاشم، عمة رسول الله صلّى الله عليه و سلم، تزوجها زيد بن حارثة- حبّ رسول الله صلّى الله عليه و سلم- و شكاها
__________________________________________________
[ ()] قال: دخلت حفصة بيتها، فوجدته صلّى الله عليه و سلم يطأ مارية، فعاتبته، فذكر نحوه. قال الحافظ: و هذه طرق يقوى بعضها بعضا، فيحتمل أن تكون الآية نزلت في السببين معا. و قد روى النسائي من طريق حماد، عن ثابت، عن أنس هذه القصة مختصرة، أن النبي صلّى الله عليه و سلم كانت له أمة يطؤها، فلم تزل به حفصة و عائشة رضى الله عنها حتى حرمها، فأنزل الله تعالى: يا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ ما أَحَلَّ الله لَكَ 66: 1].
و يروى عن عمرة عن عائشة، قالت: يرحم الله زينب، لقد نالت في الدنيا الشرف الّذي لا يبلغه شرف، إن الله زوجها، و نطق به القرآن، و إن رسول الله قال لنا: أسرعكن بى لحوقا أطولكن باعا.
فبشرها بسرعة لحوقها به، و هي زوجته في الجنة.(1/79)
قال الحافظ الذهبي: و أختها هي حمنة بنت جحش، التي نالت من عائشة في قصة الإفك، فطفقت تحامى عن أختها زينب، و أما زينب فعصمها الله تعالى بورعها، و كانت حمنة زوجة عبد الرحمن ابن عوف. و لها هجرة، و قيل: بل كانت تحت مصعب بن عمير، فقتل عنها، فتزوجها طلحة، فولدت له محمد، و عمر، و كانت زينب بنت جحش رضى الله تعالى عنها صناع اليد، فكانت تدبغ، و تخرز، و تصدّق.
و قيل: إن النبي صلّى الله عليه و سلم تزوج بزينب في ذي القعدة سنة خمس، و هي يومئذ بنت خمس و عشرين سنة، و كانت صالحة، صوامة، قوامة بارّة، و يقال لها: أم المساكين.
سليمان بن المغيرة، عن ثابت، عن أنس: أن رسول الله صلّى الله عليه و سلم قال لزيد: اذكرها عليّ، قال:
فانطلقت، فقلت لها: يا زينب، أبشرى، فإن رسول الله صلّى الله عليه و سلم أرسل يذكرك، قالت: ما أنا بصانعة شيئا حتى أؤامر ربى، فقامت إلى مسجدها، و نزل القرآن، و جاء رسول الله صلّى الله عليه و سلم، فدخل عليها بغير إذن.
[أخرجه مسلم في النكاح، باب زواج زينب بنت جحش و نزول الحجاب، و النسائي في النكاح، باب صلاة المرأة إذا خطبت و استخارت ربها]. و لزينب بنت جحش أحد عشر حديثا، اتفقا لها على حديثين. [البخاري في الجنائز، باب إحداد المرأة علي غير زوجها، و في الفتن، باب يأجوج و مأجوج، و مسلم في الطلاق، باب وجوب الإحداد في عدة الوفاة، و في أول الفتن ].
و عن عثمان بن عبد الله الجحشى، قال: باعوا منزل زينب بنت جحش من الوليد بخمسين ألف درهم، حين هدم المسجد. لها ترجمة في: (طبقات ابن سعد): 8/ 101، 115، (طبقات خليفة):
332، (المعارف): 215، 457، 555، (المستدرك): 4/ 27- 29، (الاستيعاب): 4/ 1849، ترجمة رقم (3355)، (تهذيب التهذيب): 12/ 449، ترجمة رقم (2800)، (الإصابة):(1/80)
7/ 667 ترجمة رقم (11221)، (خلاصة تذهيب الكمال): 3/ 382، ترجمة رقم 68، (كنز العمال): 13/ 700، (شذرات الذهب): 1/ 10، 31، (صفة الصفوة): 2/ 33، ترجمة رقم (131)، (المواهب اللدنية): 2/ 87، (سير أعلام النبلاء): 2/ 211- 218، ترجمة رقم (21).
إمتاع الأسماع،ج 6،ص:60
إلى رسول الله صلّى الله عليه و سلم، و قال: إنها سيئة الخلق، و استأمره في طلاقها، فقال له:
أمسك عليك زوجك يا زيد، و رآها صلّى الله عليه و سلم فأعجبته، ثم إن زيدا ضاق ذرعا بما رأى من سوء خلقها، فطلقها [1]، فزوجها الله بنبيه حين انقضت عدتها، بغير مهر، و لا تولى أمرها أحد كسائر أزواجه.
و ذكر ابن إسحاق أن [أخاها أحمد] بن جحش زوّجها، و أنه صلّى الله عليه و سلم أصدقها أربعمائة درهم، و أولم عليها بشاة واحدة، و دعا الناس في صبيحة عرسها فطعموا، ثم جلسوا يتحدثون و لم يقوموا، فآذوا النبي صلّى الله عليه و سلم، فأنزل الله تعالى آية الحجاب، و أنزل: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ إِلَّا أَنْ يُؤْذَنَ لَكُمْ إِلى طَعامٍ غَيْرَ ناظِرِينَ إِناهُ 33: 53 [2]، أي بلوغه ... الآية،
__________________________________________________
[1] قال أبو حيان الأندلسى: فجاء زيد فقال: يا رسول الله، إني أريد أن أفارق صاحبتي، فقال صلّى الله عليه و سلم:
أرابك منها شي ء؟ قال: لا و الله، و لكنها تعظم عليّ لشرفها، و تؤذيني بلسانها، فقال: أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ 33: 37، أي لا تطلقها، و هو أمر ندب، وَ اتَّقِ الله 33: 37 في معاشرتها، فطلقها، و تزوجها رسول الله صلّى الله عليه و سلم بعد انقضاء عدتها، و علل تزويجه إياها بقوله: لِكَيْ لا يَكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ 33: 37 في أن يتزوجوا زوجات من كانوا يتبنوه إذا فارقوهن، و أن هؤلاء الزوجات ليست داخلات فيما حرّم في قوله:(1/81)
وَ حَلائِلُ أَبْنائِكُمُ 4: 23، [النساء: 23] (البحر المحيط): 8/ 481.
و قال على بن الحسين: كان قد أوحى الله إليه أن زيدا سيطلقها، و أنه يتزوجها بتزويج الله إياها، فلما شكا زيد خلقها، و أنها لا تطيعه، و أعلمه بأنه يريد طلاقها، قال له: أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ وَ اتَّقِ الله 33: 37، على طريق الأدب و الوصية، و هو يعلم أنه سيطلقها، و هذا هو الّذي أخفى في نفسه، و لم يرد أنه يأمره بالطلاق، و لما علم من أنه سيطلقها، و خشي رسول الله صلّى الله عليه و سلم إن يلحقه قول من الناس في أن يتزوج زينب بعد زيد، و هو مولاه، أمره بطلاقها، فعاتبه الله على هذا القدر في شي ء قد أباحه الله بأن قال: أَمْسِكْ 33: 37، مع علمه أن يطلق، فأعلمه أن الله أحق بالخشية، أي في كل حال، (المرجع السابق): 482.
و هذا المروي عن على بن الحسين، هو الّذي عليه أهل التحقيق من المفسرين، كالزهرى، و بكر بن العلاء، و القشيري، و القاضي أبى بكر بن العربيّ، و غيرهم. و المراد بقوله: وَ تَخْشَى النَّاسَ 33: 37، إنما هو إرجاف المنافقين في تزويج نساء الأبناء، و النبي صلّى الله عليه و سلم معصوم في حركاته و سكناته. و لبعض المفسرين كلام في الآية، يقتضي النقص من منصب النبوة، ضربنا عنه صفحا (المرجع السابق): 482.
و روى أبو عصمة: نوح بن أبى مريم، بإسناد رفعه إلى زينب أنها قالت: ما كنت أمتنع منه، غير أن الله منعني منه، و قيل: إنه منذر تزوجها لم يتمكن من الاستمتاع بها. و روى أنه كان يتورم ذلك منه حين يريد أن يقربها. (المرجع السابق): 483.
[2] الأحزاب: 53.
إمتاع الأسماع،ج 6،ص:61
و قالت زينب للنّبيّ صلّى الله عليه و سلم لست كسائر نسائك، إني أدلّ بثلاث ما من نسائك من يدلّ بهن: جدك و جدي واحد، و نكحتك من السماء، و كان جبريل السفير في أمرى.(1/82)
و قالت عائشة: رضى الله عنها: يرحم الله زينب، لقد نالت الشرف الّذي لا يبلغه شرف في الدنيا: أن الله زوجها نبيّه، و نطق بذلك كتابه، و أن رسول الله صلّى الله عليه و سلم قال و نحن حوله: أسرعكن لحوقا بى أطولكن يدا- أو قال:
باعا- فبشرها بسرعة لحاقها به، و أنها زوجته في الجنة، و كانت زينب تقول لأزواج النبي صلّى الله عليه و سلم: زوجكن أولياؤكن بمهور، و زوجني الله.
و كان تزويج رسول الله صلّى الله عليه و سلم إياها في سنة خمس، و قيل في سنة ثلاث، و لما بشّرت بتزويج الله نبيه إياها، و نزول الآية في ذلك، جعلت على نفسها صوم شهرين شكرا للَّه، و أعطيت من بشّرها حليا [كانت ] عليها.
و لا خلاف أنها كانت قبل رسول الله صلّى الله عليه و سلم تحت زيد بن حارثة، و أنها التي ذكر الله تعالى في قوله: فَلَمَّا قَضى زَيْدٌ مِنْها وَطَراً زَوَّجْناكَها 33: 37 [1]، و لما دخلت عليه قال: ما اسمك؟ قالت: برّة، فسماها زينب، و لم يكن أحد من نسائه يشارك عائشة رضي الله عنها في حسن المنزلة غير زينب بنت جحش، و غضب عليها رسول الله صلّى الله عليه و سلم لقولها في صفية بنت حيّى:
حتى تلك اليهودية، و هجرها لذلك ذا الحجة و المحرم و بعض صفر، ثم أتاها بعد و عاد إلى ما كان عليه معها.
و ذكر الحاكم أنه رضى عنها في شهر ربيع الأول الّذي قبض فيه، فلما دخل عليها قالت: ما أدرى ما أجزئك، فوهبت له جارية اسمها نفيسة [2].
و خرج من حديث عبد العزيز الأريش، حدثنا عبد الرحمن بن أبى
__________________________________________________
[1] الأحزاب: 53.
[2] سبق تخريجه في ترجمتها.
إمتاع الأسماع،ج 6،ص:62
الرجال عن أبيه، عن عمرو عن عائشة قالت: أهدى لي لحم، فأمرنى رسول الله أن أهدى منه لزينب، فأهديت لها فردته، فقال: زيديها، فزدتها، فردته، فقال: أقسمت عليك إلا زدتيها، فزدته، فدخلتني غيره، فقلت:(1/83)
لقد أهانيك، [فقال ]: أنت و هي أهون على الله من أن يهينني منكن أحد، أقسمت لا أدخل عليكن شهرا.
فغاب عنا تسعا و عشرين، ثم دخل علينا مساء الثلاثين فقلت: كنت [حلفت ] أن لا تدخل شهرا، فقال: شهر هكذا و شهر هكذا، و فرق بين كفيه و أمسك في الثالث الإبهام. قال: هذا حديث صحيح على شرط البخاري و لم يخرجاه. و فيه البيان أن أقسمت على كذا يمين و قسم.
و توفيت سنة عشرين، و قيل: إحدى و عشرين، و صلّى عليها عمر رضى الله عنه، و دفنت بالبقيع، و نزل في قبرها محمد بن عمر بن جحش، و عبد الله بن أحمد بن جحش، و أسامة بن زيد، و ضرب عمر على قبرها فسطاطا من شدة الحر، فكانت أول أزواج رسول الله صلّى الله عليه و سلم وفاة بعده.
إمتاع الأسماع،ج 6،ص:63
[أم المؤمنين أم حبيبة]
[1] و أم حبيبة رملة، و قيل: هند- و رملة أثبت- ابنة أبى سفيان صخر بن
__________________________________________________
[1] هي السيدة المحجّبة: رملة بنت أبى سفيان صخر بن حرب بن أمية بن عبد شمس ابن عبد مناف بن قصي. مسندها خمسة و ستون حديثا، و اتفق لها البخاري و مسلم على حديثين، و تفرد مسلم بحديثين [البخاري في النكاح، باب وَ أَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ إِلَّا ما قَدْ سَلَفَ 4: 23، و في الطلاق، باب الكحل للحادة، و مسلم في الرضاع، باب تحريم الربيبة و أخت المرأة، و في الطلاق، باب وجوب الإحداد، و في صلاة المسافرين، باب فضل السنن الراتبة قبل الفرائض و بعدهن، و في الحج، باب استحباب تقديم دفع الضعفة من النساء و غيرهن من مزدلفة إلى مني في أواخر الليل قبل زحمة الناس ].(1/84)
و هي من بنات عم الرسول صلّى الله عليه و سلم، ليس في أزواجه من هي أقرب نسبا إليه منها، و لا في نسائه من هي أكثر صداقا منها، و لا من تزوج بها و هي نائية الدار أبعد منها، عقد له صلّى الله عليه و سلم عليها بالحبشة، و أصدقها عنه صاحب الحبشة أربعمائة دينار و جهزها بأشياء، روت عنه عدّة أحاديث، و قبرها بالمدينة.
قال ابن سعد: ولد أبو سفيان: حنظلة المقتول يوم بدر، و أم حبيبة، توفى عنها زوجها الّذي هاجر بها إلى الحبشة: عبيد الله بن جحش بن رياب الأسدي، مرتدا متنصرا.
عقد عليها للنّبيّ صلّى الله عليه و سلم بالحبشة سنة ست، و كان الولي عثمان بن عفان. [ (الاستيعاب) (و المستدرك)] معمر، عن الزهري، عن عروة، عن أم حبيبة: أنها كانت تحت عبيد الله، و أن رسول الله صلّى الله عليه و سلم تزوجها بالحبشة، زوجها إيها النجاشىّ، و مهرها أربعة آلاف درهم، و بعث بها مع شرحبيل بن حسنة، و جهازها كله من عند النجاشىّ. [إسناده صحيح، أخرجه أبو داود في النكاح، باب الصداق، و النسائي في النكاح، باب القسط في الأصدقة، و أحمد في (المسند)].
و قيل: إن أم حبيبة لما جاء أبوها إلى النبي صلّى الله عليه و سلم ليؤكد عقد الهدنة، و دخل عليها، فمنعته أن يجلس على فراش رسول الله صلّى الله عليه و سلم لمكان الشرك. [أخرجه ابن سعد في (الطبقات) من طريق الواقدي، عن محمد بن عبد الله، عن الزهري ].
و أما ما ورد من طلب أبى سفيان من النبي صلّى الله عليه و سلم أن يزوجه بأم حبيبة، فما صحّ، و لكن الحديث في مسلم، و حمله الشارحون على التماس تجديد العقد. [مسلم في فضائل الصحابة، باب من فضائل أبى سفيان بن حرب، و قد أعله غير واحد من الأئمة].(1/85)
و قد كان لأم حبيبة حرمة و جلالة، و لا سيما في دولة أخيها و لمكانه منها قيل له: خال المؤمنين [كذا قاله الذهبي في (سير الأعلام). لكن قال القسطلاني في (المواهب اللدنية): و لا يقال: بناتهن أخوات المؤمنين، و لا آباؤهن و أمهاتهن أجداد و جدات، و لا إخوتهن و لا أخواتهن أخوال و خالات ].
قال الواقدي، و أبو عبيد، و الفسوي: ماتت أم حبيبة سنة أربع و أربعين.
و قال أيضا: حدثنا محمد بن عبد الله، عن الزهري، قال: لما قدم أبو سفيان المدينة، و النبي صلّى الله عليه و سلم
إمتاع الأسماع،ج 6،ص:64
حرب بن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف، أمها صفيّا بنت أبى العاص، عمة عثمان بن عفان رضى الله عنه، تزوجها عبيد الله بن جحش، فولدت له جارية سميت حبيبة، فكنيت بها، و هاجر بها إلى الحبشة، فتنصّر، و ثبتت أم حبيبة على الإسلام، فلما هلك عبيد الله رأت في منامها أباها يقول لها: يا أم المؤمنين.
و كتب رسول الله صلّى الله عليه و سلم في سنة سبع- و هو الثابت- كتابين إلى النجاشي يدعوه في أحدهما إلى الإسلام، و يأمره في الثاني أن يخطب عليه أم حبيبة، و أن يبعث من قبله من المسلمين مع عمرو بن أمية الضمريّ، و هو كان رسوله بالكتابين.
و قال الحافظ أبو نعيم: فأما بعثة عمرو بن أمية الضمريّ من قبل رسول الله إلى النجاشي ليزوجه أم حبيبة بنت أبى سفيان و إجابته إلى ذلك، فلا أعلم خلافا أنه كان بعد مرجعه صلّى الله عليه و سلم من خيبر، و ذلك بعد خمس سنين
__________________________________________________
[ ()] يريد غزو مكة، فكلمه في أن يزيد في الهدنة، فلم يقبل عليه، فقام فدخل على ابنته أم حبيبة، فلما ذهب ليجلس على فراش النبي صلّى الله عليه و سلم طوته دونه، فقال: يا بنية! أرغبت بهذا الفراش عنى، أم بى عنه؟
قالت: بل هو فراش رسول الله صلّى الله عليه و سلم، و أنت امرؤ نجس مشرك، فقال: يا بنيه، لقد أصابك بعدي شرّ.
[أخرجه ابن سعد في (الطبقات)].(1/86)
قال عطاء: أخبرنى ابن شوال، أن أم حبيبة أخبرته، أن رسول الله صلّى الله عليه و سلم أمرها أن تنفر من جمع بليل. [أخرجه مسلم في الحج، باب استحباب تقديم دفع الضعفة من النساء و غيرهن من مزدلفة إلى منى قبل زحمة الناس، و ابن سعد في (الطبقات)، و جمع: علم للمزدلفة، و ابن شوال هو سالم مولى أم حبيبة].
قال الواقدي: حدثني أبو بكر بن أبى سبرة، عن عبد المجيد بن سهيل، عن عوف بن الحارث:
سمعت عائشة تقول: دعتني أم حبيبة عند موتها، فقالت: قد كان يكون بيننا ما يكون بين الضرائر، فغفر الله لي و لك ما كان من ذلك، فقلت: غفر الله لك ذلك كله و حلّلك من ذلك، فقالت: سررتني سرّك الله، و أرسلت إلى أم سلمة، فقالت لها مثل ذلك: [أخرجه ابن سعد في (الطبقات)، و الحاكم في (المستدرك)]. لها ترجمة في: (مسند أحمد): 7/ 577- 581، (طبقات ابن سعد):
8/ 96- 100، (طبقات خليفة): 332، (تاريخ خليفة): 79، 86، (المعارف): 136، 344، (الجرح و التعديل): 9/ 461، (المستدرك): 4/ 21- 24، (الاستيعاب): 4/ 1929، ترجمة رقم (4136)، (تهذيب التهذيب): 12/ 448، ترجمة رقم (2793)، (الإصابة): 7/ 651- 654، ترجمة رقم (11185)، (خلاصة تذهيب الكمال): (شذرات الذهب): 1/ 54، (صفة الصفوة): 2/ 31- 33 ترجمة رقم (130)، (المواهب اللدنية): 2/ 85- 87، (سير أعلام النبلاء):
2/ 218، ترجمة رقم (23).
إمتاع الأسماع،ج 6،ص:65
و أشهر مضت من هجرته إلى المدينة، و أن النجاشي أصدقها عن رسول الله صلّى الله عليه و سلم أربعمائة دينار، دفعها من ماله إليها [1].
و في صحيح ابن حبان عن ابن شهاب عن عروة، عن عائشة قالت: هاجر عبد الله بن جحش بأم حبيبة بنت أبى سفيان- و هي امرأته- إلى أرض الحبشة، فلما قدم أرض الحبشة مرض، فلما حضرته الوفاة أوصى إلى رسول الله، فتزوج رسول الله صلّى الله عليه و سلم أم حبيبة، و بعث بها النجاشي مع شرحبيل بن حسنة [2].(1/87)
فأسلم النجاشي، و وجه إلى أم حبيبة جارية له يقال لها: أبرهة لتعلمها بذلك و تبشرها بذلك و تبشرها به، فوهبت لها أم حبيبة [حلة] كانت عليها و كستها.
ثم وكلت خالد بن سعيد بن العاص بن أمية- و هو ابن عمها- بتزويجها، فخطبها عمرو بن أمية إليه، فزوجها رسول الله صلّى الله عليه و سلم، و مهرها عنه النجاشىّ أربعمائة دينار- و قيل: مائتي دينار، و قيل أربعة آلاف درهم- و بعث بها إليها مع أبرهة، فوهبتها منها خمسين مثقالا فلم تقبلها، وردت ما كانت أعطتها أولاد، و ذلك أن النجاشي أمرها برده.
و هيأ النجاشي طعاما أطعمه من حضره من المسلمين، و أهدى إلى رسول الله صلّى الله عليه و سلم كسوة جامعة، و أمر نساءه أن يبعثن إلى أم حبيبة فبعثن لها بعود و روس و عنبر و زيادة كثير، قدمت به على رسول الله، و كان يراه عندها و عليها فلا ينكره.
__________________________________________________
[1] سبق تخريجه في ترجمتها.
[2] (سنن النسائي): 6/ 429، باب (66) القسط في الأصدقة، حديث رقم (3350)، (سنن أبى داود): 2/ 583، كتاب النكاح، باب (29) الصداق، حديث رقم (2107)، (2108)، و قال الخطابي في (معالم السنن): و قد روى أصحاب السير أن الّذي عقد النكاح عليها خالد بن سعيد بن العاص، و هو ابن عم أبى سفيان- و أبو سفيان إذا ذاك مشرك- و قبل نكاحها عمرو بن أبى أمية الضمريّ، و كله رسول الله صلّى الله عليه و سلم، (مسند أحمد): 7/ 579 حديث رقم (26862)، (الإحسان في تقريب صحيح ابن حبان): 13/ 385- 386، كتاب الوصبة، باب ذكر إباحة وصية المرء و هو في بلد ناء إلى الموصى إليه في بلد آخر، حديث رقم (6027)، و إسناد صحيح على شرط البخاري.
إمتاع الأسماع،ج 6،ص:66(1/88)
فلما قدم عمرو بن أمية بأم حبيبة المدينة، ابنتي بها رسول الله صلّى الله عليه و سلم، و الثابت أنها قدمت مع عمرو في إحدى السفينتين أيام خيبر، و قيل: بل بعث رسول الله صلّى الله عليه و سلم أبا عامر الأشعري حين بلغه خطبة عمرو أم حبيبة و تزويج خالد إياها، فحملها إليه قبل قدوم أهل السفينتين و هيأ النجاشي طعاما أطعمه من حضره من المسلمين، و أهدى إلى رسول الله صلّى الله عليه و سلم كسوة جامعة، و أمر نساءه أن يبعثن إلى أم حبيبة فبعثن لها بعود و روس و عنبر و زياد كثير، قدمت به على رسول الله، و كان يراه عندها و عليها فلا ينكره.
و أن أبا سفيان قال: أنا أبوها أم أبو عامر؟ و قيل: بل بعث إليها شرحبيل بن حسنة فجاءه بها.
قال ابن المبارك: أخبرنا معمر عن الزهري، عن عروة، أن أم حبيبة بعث بها النجاشي إلى النبي صلّى الله عليه و سلم مع شرحبيل بن حسنة، و لما بلغ أبو سفيان تزوّج رسول الله صلّى الله عليه و سلم أم حبيبة قال: ذلك الفحل لا [يقدع ] أنفه [1].
و قال ابن عباس رضى الله عنه في قول الله تعالى: عَسَى الله أَنْ يَجْعَلَ بَيْنَكُمْ وَ بَيْنَ الَّذِينَ عادَيْتُمْ مِنْهُمْ مَوَدَّةً 60: 7 [2]، نزلت حين تزوج رسول الله صلّى الله عليه و سلم أم حبيبة بنت أبى سفيان بن [حرب ] [3] و قيل قدم عمرو بن أمية بأم
__________________________________________________
[1] القدع: الكفّ و المنع، و فلان لا يقدع أنفه، أي لا يرتدع، و هذا فحل لا يقدع أي لا يضرب أنفه، و ذلك إذا كان كريما، و في حديث زواجه صلّى الله عليه و سلم خديجة رضى الله عنها: قال ورقة ابن نوفل: محمد يخطب خديجة، هو الفحل لا يقدع أنفه (لسان العرب): 8/ 260.
[2] الممتحنة: 7.
[(1/89)
3] و قد قال مقاتل بن حيان: إن هذه الآية نزلت في أبى سفيان صخر بن حرب، فإن رسول الله صلّى الله عليه و سلم تزوج ابنته، فكانت هذه مودة ما بينه و بينه. و في هذا يقول العلامة محمد بن يوسف الشهير بأبي حيان الأندلسى الغرناطي: و من ذكر أن هذه المودة هي تزويج النبي صلّى الله عليه و سلم أم حبيبة بنت أبى سفيان، و أنها كانت بعد الفتح فقد أخطأ، لأن تزويجها كان وقت هجرة الحبشة، و هذه الآيات سنة ست من الهجرة، و لا يصح ذلك عن ابن عباس إلا أن يسوقه مثالا، و إن كان متقدما لهذه الآية، لأنه استمر
إمتاع الأسماع،ج 6،ص:67
حبيبة مع أصحاب السفينتين فخطبها رسول الله صلّى الله عليه و سلم إلى عثمان بن عفان رضى الله عنه، فزوجه إياها، و الأول أثبت، و توفيت رضى الله عنها سنة أربع و أربعين، و قيل سنة اثنتين و أربعين، و صلّى عليها مروان.
و قد وقع في صحيح مسلم من حديث عكرمة بن عمار قال: حدثنا أبو زميل قال: حدثني ابن عباس رضى الله عنه قال: كان المسلمون لا ينظرون إلى أبى سفيان و لا يقاعدونه، فقال للنّبيّ صلّى الله عليه و سلم يا نبي الله! ثلاثة أعطينهنّ، قال: نعم، قال: عندي أحسن العرب و أجمله أم حبيبة بنت أبى سفيان أزوجكها، قال: نعم، قال: و معاوية تجعله كاتبا بين يديك، قال: نعم، قال: و تؤمّرنى حتى أقاتل الكفار كما كنت أقاتل المسلمين، قال: نعم. قال أبو زميل: و لو لا أنه طلب ذلك من النبي صلّى الله عليه و سلم لما أعطاه ذلك، لأنه لم يكن يسأل شيئا إلا قال: نعم [1].
قال أبو عبد الله محمد بن أبى نصر الحميدي رحمه الله: قال لنا بعض الحفاظ: هذا الحديث و هم فيه بعض الرواة، لأنه لا خلاف بين اثنين من أهل المعرفة بالأخبار، أن النبي صلّى الله عليه و سلم تزوج أم حبيبة رضى الله عنها قبل الفتح بدهر و هي بأرض الحبشة، و أبوها كافر يومئذ [2].
__________________________________________________
[ ((1/90)
)] بعد الفتح كسائر ما نشأ من المؤدّات، قاله ابن عطية. (البحر المحيط): 10/ 156.
[1] (مسلم بشرح النووي): 16/ 296، كتاب (44)، فضائل الصحابة باب (40) من فضائل أبى سفيان بن حرب، رضى الله تعالى عنه، حديث رقم (168).
[2] قال الإمام محيي الدين أبو زكريا بن شرف النووي: و اعلم أن هذا الحديث من الأحاديث المشهورة بالإشكال، و وجه الإشكال أن أبا سفيان إنما أسلم يوم فتح مكة سنة ثمان من الهجرة، و هذا مشهور لا خلاف فيه، و كان النبي صلّى الله عليه و سلم قد تزوج أم حبيبة قبل ذلك بزمان طويل.
قال أبو عبيدة، و خليفة بن خياط، و ابن البرقي، و الجمهور: تزوجها سنة ست، و قيل: سنة سبع، قال القاضي عياض: و اختلفوا أين تزوجها، فقيل: بالمدينة بعد قدومها من الحبشة، و قال الجمهور: بأرض الحبشة. قال: و اختلفوا فيمن عقد له عليها هناك، فقيل: عثمان، و قيل: خالد بن سعيد بن العاص بإذنها، و قيل: النجاشىّ لأنه كان أمير الموضع و سلطانه.
إمتاع الأسماع،ج 6،ص:68
قال كاتبه: و قد استغرب من مسلم رحمه الله كيف لم ينتبه لهذا الحديث؟ فإنه لا يخفى عليه أن أبا سفيان إنما أسلم ليلة فتح مكة، و قد كان بعد تزويج رسول الله صلّى الله عليه و سلم أم حبيبة بأكثر من سنة بلا خلاف، و قد أشكل هذا الحديث على الناس و اختلفوا فيه، و وجه إشكاله أن أم حبيبة تزوجها رسول الله صلّى الله عليه و سلم قبل إسلام أبى سفيان كما تقدم، زوّجها إياه النجاشي، ثم قدمت على رسول الله صلّى الله عليه و سلم قبل أن يسلم أبوها، فكيف يقول بعد الفتح: أزوجك أمّ حبيبة؟ فقالت طائفة من أهل الحديث: هذا الحديث كذب لا أصل له.
قال أبو محمد على بن سعيد بن حزم: كذبه عكرمة بن عمار و حمل عليه، و استعظم ذلك آخرون و قالوا: إني يكون في صحيح مسلم حديث مرفوع؟ و إنما وجه الحديث أنه طلب من النبي صلّى الله عليه و سلم أن يجدد له العقد على
__________________________________________________
[ ((1/91)
)] و قال القاضي عياض: و الّذي في مسلم هنا أنه زوّجها أبو سفيان غريب جدا، و خبرها مع أبى سفيان حين ورد المدينة في حال كفره مشهور، و لم يزد القاضي على هذا.
و قال ابن حزم: هذا الحديث و هم من بعض الرواة، لأنه لا خلاف بين الناس أن النبي صلّى الله عليه و سلم تزوج أم حبيبة قبل الفتح بدهر و هي بأرض الحبشة، و أبوها كافر، و في رواية عن ابن حزم أيضا أنه قال: أنه موضوع. قال: و الآفة فيه من عكرمة بن عمار، الراويّ عن أبى زميل، و أنكر الشيخ أبو عمرو بن الصلاح رحمه الله هذا أيضا على ابن حزم، و بالغ في الشناعة عليه.
قال: و هذا القول من جسارته فإنه كان هجوما على تخطئة الأئمة الكبار، و إطلاق اللسان فيهم.
قال: و لا نعلم أحدا من أئمة الحديث نسب عكرمة بن عمار إلى وضع الحديث، و قد وثقه وكيع، و يحيى بن معين، و غيرهما، و كان مستجاب الدعوة.
قال: و ما توهمه ابن حزم من منافاة هذا الحديث لتقدم زواجها غلط منه و غفلة، لأنه يحتمل أنه سأله تجديد عقد النكاح تطييبا لقلبه، لأنه ربما يرى عليها غضاضة من رياسته و نسبه، أن تزوج بنته بغير رضاه، أو أنه ظن أن إسلام الأب في مثل هذا يقتضي تجديد العقد، و قد خفي أوضح من هذا على أكبر مرتبة من أبى سفيان ممن كثر علمه، و طالت صحبته، هذا كلام أبى عمرو رحمه الله، و ليس في الحديث أن النبي صلّى الله عليه و سلم جدّد العقد: و لا قال لأبى سفيان أنه يحتاج إلى تجديده، فلعله صلّى الله عليه و سلم أراد بقوله: نعم، أن مقصودك يحصل، و إن لم يكن بحقيقة عقد. و الله تعالى أعلم. (مسلم بشرح النووي): 16/ 296.
إمتاع الأسماع،ج 6،ص:69
ابنته ليتقى له بذلك وجهه بين المسلمين.
و اعترض على هذا القول بأن في الحديث: أن النبي صلّى الله عليه و سلم وعده و هو الصادق الوعد، و لم ينقل أحد قط أنه صلّى الله عليه و سلم جدد العقد على أم حبيبة، و مثل هذا لو كان لنقل، فحيث لم ينقله أحد قط علم أنه لم يقع.(1/92)
و لم يردّ القاضي [عياض ] على استشكال الحديث فقال: و الّذي وقع في مسلم من هذا غريب جدا عند أهل الخبر، و خبرها مع أبى سفيان عند وروده المدينة بسبب تجديد الصلح و دخوله عليها مشهور.
و قالت طائفة: ليس الحديث بباطل، و إنما سأل أبو سفيان النبي صلّى الله عليه و سلم، أن يزوجه ابنته الأخرى على أختها أم حبيبة، قالوا: و لا يبعد أن يخفى هذا على أبى سفيان لحداثة عهده بالإسلام، كما خفي على ابنته أم حبيبة حتى سألت رسول الله صلّى الله عليه و سلم أن يتزوجها، فقال: إنها لا تحل لي، فأراد أبو سفيان أن يتزوج النبي صلّى الله عليه و سلم ابنته الأخرى، و التبعة على الراويّ. و ذهب وهمه إلى أنها أم حبيبة و هذه التسمية من غلط بعض الرواة لا من قول أبى سفيان.
قال شيخنا العماد عمر بن كثير- رحمه الله-: و الصحيح في هذا أن أبا سفيان لما رأى صهر النبي صلّى الله عليه و سلم [رفع من قدره ] [1] أحب أن يزوجه ابنته الأخرى- و هي عزة- و استعان على ذلك بأختها أم حبيبة، كما أخرجاه في الصحيحين عن أم حبيبة أنها قالت: يا رسول الله! أنكح أختى بنت أبى سفيان، فقال: و تحبين ذلك؟ قلت: نعم .. الحديث [2].
__________________________________________________
[1] زيادة يقتضيها السياق، و مكانها مطموس في (خ).
[2] أخرجه البخاري في (الصحيح) قال: حدثنا عبد الله بن يوسف، حدثنا الليث عن عقيل، عن ابن شهاب، أن عروة بن الزبير أخبره أن زينب ابنة أبى سلمة أن أم حبيبة قالت: قلت: يا رسول الله، أنكح أختى بنت أبى سفيان، قال: و تحبين؟ قلت: نعم، لست لك بمخلية، و أحب من شاركني في خير أختى، فقال النبي صلّى الله عليه و سلم: إن ذلك لا يحل لي. قلت: يا رسول الله، فو الله إنا لنتحدث أنك تريد أن تنكح درة بنت أبى سلمة، قال: بنت أم سلمة؟ فقلت: نعم، قال: فو الله لو لم تكن في حجري ما
إمتاع الأسماع،ج 6،ص:70
__________________________________________________
[ ((1/93)
)] حلت لي، إنها لابنة أخى من الرضاعة، أرضعتنى و أبا سلمة ثويبة- فلا تعرضن عليّ بناتكن و لا أخواتكن. (فتح الباري): 9/ 198، كتاب النكاح، باب (27) وَ أَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ إِلَّا ما قَدْ سَلَفَ 4: 23، حديث رقم (5107)، (مسلم بشرح النووي): 9/ 278، كتاب الرضاع، باب (4) تحريم الربيبة و أخت المرأة، حديث رقم (15)،
و قال الإمام النووي: هذا الإسناد فيه أربعة تابعيون:
أولهم: بكير بن عبد الله بن الأشج، روى عن جماعة من الصحابة، و الثاني عبد الله بن مسلم الزهري أخو الزهري المشهور و هو تابعي سمع ابن عمرو آخرين من الصحابة، و هو أكبر من أخى الزهري المشهور، و الثالث: محمد بن مسلم الزهري المشهور، و هو أخو عبد الله الراويّ عنه كما ذكرنا، و الرابع: حميد بن عبد الرحمن بن عوف، و هو الزهري، تابعيان مشهوران.
ففي هذا الإسناد ثلاث لطائف من علم الإسناد: إحداها: كونه جمع أربعة تابعين بعضهم عن بعض، الثانية: أن فيه رواية الكبير عن الصغير، لأن عبد الله أكبر من أخيه محمد كما سبق، الثالثة: أن فيه رواية الأخ عن أخيه.
قوله صلّى الله عليه و سلم: «لو أنها لم تكن ربيبتي في حجري ما حلت لي إنها ابنة أخى من الرضاعة»، معناه أنها حرام عليّ بسببين: كونها ربيبة، و كونها بنت أخى، فلو فقد أحد السببين حرمت بالآخر، و الربيبة بنت الزوجة، مشتقة من الربّ، و هو الإصلاح، لأنه يقوم بأمورها، و يصلح أحوالها.
و وقع في بعض كتب الفقه أنها مشتقة من التربية، و هذا غلط فاحش، فإن من شرط الاشتقاق الاتفاق في الحروف الأصلية، و لام الكلمة، و هو الحرف الأخير مختلف، فإن آخر ربّ باء موحدة، و في آخر ربّى ياء مثناة من تحت، و الله تعالى أعلم.(1/94)
قوله صلّى الله عليه و سلم: «ربيبتي في حجري»، ففيه حجة لداود الظاهري أن الربيبة لا تحرم إلا إذا كانت في حجر زوج أمها، فإن لم تكن في حجره فهي حلال له، و هو موافق لظاهر قوله تعالى: وَ رَبائِبُكُمُ اللَّاتِي في حُجُورِكُمْ 4: 23، و مذهب العلماء كافة سوى داود أنها حرام، سواء كانت في حجره أم لا.
قالوا: و التقييد إذا خرج على سبب لكونه الغالب، لم يكن له مفهوم يعمل به، فلا يقصر الحكم عليه، و نظيره قوله تعالى: وَ لا تَقْتُلُوا أَوْلادَكُمْ من إِمْلاقٍ 6: 151، و معلوم أنه يحرم قتلهم بغير ذلك أيضا، لكن خرج التقييد بالإملاق لأنه الغالب، و قوله تعالى: وَ لا تُكْرِهُوا فَتَياتِكُمْ عَلَى الْبِغاءِ إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّناً 24: 33، و نظائره في القرآن كثيرة.
قوله صلّى الله عليه و سلم: «أرضعتنى و أباه ثويبة»، أباها بالباء الموحدة، أي أرضعتنى أنا و أبوها أبو سلمة، من ثوبية بثاء مثلثة مضمومة، ثم واو مفتوحة ثم ياء التصغير ثم باء موحدة ثم هاء، و هي مولاة لأبى لهب، ارتضع منها صلّى الله عليه و سلم قبل حليمة السعدية رضى الله عنها.
قوله صلّى الله عليه و سلم: «فلا تعرضوا عليّ بناتكن و لا أخواتكن»، إشارة إلى أخت أم حبيبة، و بنت أم سلمة، و اسم أخت أم حبيبة هذه: عزّة، بفتح العين المهملة، و هذا محمول على أنها لم تعلم حينئذ تحريم
إمتاع الأسماع،ج 6،ص:71(1/95)
و على هذا فيصح الحديث الأول، و يكون قد وقع الوهم من بعض الرواة في قوله: عندي أحسن العرب و أجمله أم حبيبة، و إنما قال: عزة، فشبه على الراويّ، أو أنه قال- يعنى الشيخ-: ابنته، فتوهم السامع أنها أم حبيبة، إذا لم يعرف سواها، و لهذا النوع من الغلط شواهد كثيرة، قلما قررت سرد ذلك في خبر مفرد لهذا الحديث، و للَّه الحمد، و هذا القول جيد، لكن سرده أن النبي صلّى الله عليه و سلم قال: نعم، فأجابه إلى ما سأل، و لو كان المسئول أن يزوجه أخت أم حبيبة لقال: إنها لا تحل لي كما قال ذلك لأم حبيبة، و لو لا هذا لكان هذا التأويل في الحديث من أحسن التأويل.
و قال ابن طاهر المقدسي في (مسألة الانتصار): و الشبهة التي حملته- يعنى ابن حزم- على الكلام في عكرمة بن عمار بغير حجة، هي أن النجاشي زوّج أم حبيبة من النبي صلّى الله عليه و سلم و هي بأرض الحبشة، ثم بعث بها إلى المدينة قبل إسلام أبى سفيان.
و الجواب عن هذه الشبهة: أن أبا سفيان لما أسلم أراد بهذا القول تجديد النكاح، لأنه إذا ذاك كان مشركا، فلما أسلم ظن أن النكاح [يجدد] بإسلام الولي، و خفي ذلك عليه، و قد خفي على أمير المؤمنين على بن أبى طالب الحكم في الّذي [] [1] مع قدم إسلامه و صحبته و علمه و فقهه، حتى أرسل المقداد فسأل رسول الله صلّى الله عليه و سلم عن ذلك، و خفي على عبد الله بن عمر الحكم في طلاق الحائض، حتى سأل عمر رسول الله صلّى الله عليه و سلم، فأمره بالسنة
__________________________________________________
[ ()] الجمع بين الأختين، و كذا لم تعلم من عرض بنت أم سلمة تحريم الربيبة، و كذا لم تعلم من عرض بنت حمزة تحريم بنت الأخ من الرضاعة، أو لم تعلم أن حمزة أخ له من الرضاع، و الله تعالى أعلم.
(المرجع السابق).
و أخرجه أيضا الحافظ البيهقي في (السنن الكبرى): 7/ 162، كتاب النكاح، باب ما جاء في قول الله تعالى: وَ أَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ 4: 23.
[(1/96)
1] ما بين الحاصرتين مطموس في (خ).
إمتاع الأسماع،ج 6،ص:72
في ذلك.
و لهذا نظائر غير خافية بين أهل النقل، [و الرجوع ] إلى هذا التأويل أولى من التخطي إلى الكلام في رجل ثقة، و إبطال حديث ورد عن رسول الله صلّى الله عليه و سلم، متصل الإسناد، معتمد الرواة. و أما قول أبى زميل: حدثنا ابن الوليد، فهو مقصور عليه، لم ينسبه إلى من فوقه، فتكلم عليه.
قال جامعة: و قد تبع ابن طاهر على هذا الجواب أبو عمر بن الصلاح إلى الشيخ أبى زكريا النووي في (شرح مسلم)، و هذا تأويل بعيد جدا، لأنه لو كان كذلك لم يقل: عندي أحسن العرب و أجمله، إذ قد رآها رسول الله صلّى الله عليه و سلم منذ سنة فأكثر، و توهّم فسخ نكاحها بإسلامه بعيد جدا.
و قالت طائفة لم يتفق أهل النقل على أن النبي صلّى الله عليه و سلم تزوج أم حبيبة بأرض الحبشة، حكاه أبو محمد المنذرىّ، و هذا من أضعف الأجوبة لوجوه.
أحدها: أن هذا القول لا يعرف به أثر صحيح و لا حسن، و لا حكاه أحد ممن يعتمد على نقله.
الثاني: أن قصة تزوج أم حبيبة و هي بأرض الحبشة قد جرت مجرى التواتر، كتزويجه صلّى الله عليه و سلم خديجة بمكة، و عائشة بمكة، و بنائه بعائشة بالمدينة، و تزويجه حفصة بالمدينة، و صفية عام خيبر، و ميمونة في عمرة [القضية] [1]، و مثل هذه الوقائع شهرتها عند أهل العلم موجبة بقطعهم بها، فلو جاء سند ظاهره الصحة يخالفها، عدوّه غلطا، و لم يلتفتوا إليه و لا يمكنهم مكابرة نفوسهم في ذلك.
الثالث: أنه من [المعلوم ] [1] عند أهل العلم بسيرة النبي صلّى الله عليه و سلم و أحواله، أنه لم يتأخر نكاحه أم حبيبة إلى بعد فتح مكة، و لا يقع ذلك في وهم
__________________________________________________
[1] زيادة يقتضيها السياق.
إمتاع الأسماع،ج 6،ص:73
أحد منهم أصلا.(1/97)
الرابع: أن أبا سفيان لما قدم المدينة دخل على ابنته أم حبيبة، فلما ذهب ليجلس على فراش رسول الله صلّى الله عليه و سلم طوته عنه، فقال: يا بنية! ما أدرى أرغبت بى عن هذا الفراش؟ أم رغبت به عنى؟ قالت: بل هو فراش رسول الله صلّى الله عليه و سلم، قال: و الله لقد أصابك يا بنية بعدي شرّ، و هذا الخبر مشهور عند أهل المغازي و السّير، ذكره ابن إسحاق و غيره في قصة قدوم أبى سفيان المدينة لتجديد الصلح.
الخامس: أن أم حبيبة [كانت ] [1] من مهاجرات الحبشة مع زوجها عبد الله بن جحش، ثم تنصر زوجها و هلك بأرض الحبشة، ثم قدمت حتى جاءت على رسول الله صلّى الله عليه و سلم بعد ما زوجه النجاشي إياها، فكانت عندك صلّى الله عليه و سلم و لم تكن عند أبيها، و هذا مما لا يشك فيه أحد من أهل النقل، [و من المعلوم أن أبا سفيان ] [1] لم يسلم إلا عام الفتح، فكيف يقول: عندي أجمل العرب أزواجك إياها؟ و هل كانت عنده بعد هجرتها و إسلامها قط؟
فإن كان قال ذلك القول قبل إسلامه فهو محال، فإنّها لم تكن عنده، و لم يكن له عليها ولاية أصلا، و إن كان قاله بعد إسلامه فمحال أيضا، لأن نكاحها لم يتأخر إلى بعد الفتح، فإن قيل: بل بيقين أن يكون نكاحها بعد الفتح لأن الحديث الّذي رواه مسلم صحيح، و رجال إسناده ثقات حفاظ، و حديث نكاحها بأرض الحبشة من رواية محمد بن إسحاق مرسلا، و الناس مختلفون بمسانيد ابن إسحاق، فكيف بمراسيله؟ فكيف بها إذا خالفت المسانيد الثابتة؟ و هذه طريقته في تصحيح حديث ابن عباس هذا، و الجواب من وجوه:
أحدها: أن ما ذكره هذا القائل إنما يمكن عند تساوى النّقلين، فيترجح ما
__________________________________________________
[1] زيادة يقتضيها السياق.
إمتاع الأسماع،ج 6،ص:74(1/98)
ذكره، و أما مع تحقق بطلان أحد النقلين فلا يلتفت إليه فإن لا يعلم نزاع بين اثنين من أهل العلم بالسير و المغازي، و أحوال رسول الله في ذلك قط، و لو قاله قائل لعلموا بطلان قوله و لم يشكوا فيه.
الثاني: أن الاعتماد في هذا [الحديث ] [1] على رواية ابن إسحاق وحده لا متصلة و لا مرسلة، بل النقل المتواتر عند أهل المغازي و السير، أن أم حبيبة هاجرت مع زوجها، و أنه هلك نصرانيا بأرض الحبشة، و أن النجاشي زوجها النبي صلّى الله عليه و سلم و أمهرها من عنده، و قصتها في كتب المغازي و السير.
و قد ذكرها أيضا أئمة العلم، و احتجوا بها على جواز الوكالة في النكاح، قال الشافعيّ رحمه الله في رواية الربيع في حديث عقبة بن عامر رضى الله عنه أن رسول الله صلّى الله عليه و سلم قال: إذا نكح الوليان فالأول أحق، فيه دلالة على أن الوكالة في النكاح جائزة، مع توكيل النبي صلّى الله عليه و سلم عمرو بن أمية الضمريّ فزوجه أم حبيبة بنت أبى سفيان.
و قال في (الأم) أيضا: و لا يكون الكافر وليا لمسلمة، و لو كانت بنته، [و] [1] قد زوج ابن سعيد بن العاص النبي صلّى الله عليه و سلم أم حبيبة بنت أبى سفيان، و أبو سفيان حي، لأنها كانت مسلمة و ابن سعيد مسلم، و لا أعلم مسلما أقرب لها منه، و لم يكن لأبى سفيان [فيها] [2] ولاية، لأن الله تعالى قطع الولاية بين المسلمين و المشركين في المواريث [و العقل ] [3] و غير ذلك [4].
و ابن سعيد هذا هو خالد بن سعيد بن العاص، ذكره ابن إسحاق و غيره، و ذكر عروة و الزهري أن عثمان بن عفان رضى الله عنه هو الّذي ولى
__________________________________________________
[1] زيادة للسياق.
[2] في (خ): «عليها».
[3] في (خ): «القتل»، و العقل في الشرع: الدية.
[4] (الأم): 5/ 13، من لا يكون له الولاء من ذي القرابة، و التصويبات السابقة منه.
إمتاع الأسماع،ج 6،ص:75(1/99)
نكاحها، و كلاهما ابن عم أبيها، لأن عثمان بن عفان بن أبى العاص بن أمية، و خالد بن سعيد بن أبى العاص بن أمية، و أبو سفيان هو صخر بن حرب بن أمية.
و المقصود أن أئمة الفقه و السير، ذكروا أن نكاحها كان بأرض الحبشة، و هذا يبطل و هم من توهم أنه تأخر إلى بعد الفتح، احترازا منه بحديث عكرمة بن عمار.
الثالث: أن عكرمة بن عمار- راوي حديث ابن عباس هذا- قد ضعفه كثير من أئمة الحديث. قال على بن المديني: سألت يحى بن سعيد عن أحاديث عكرمة بن عمار عن يحى بن أبى كثير فضعفها و قال: ليست بصحاح، و قال الإمام أحمد: ضعاف ليست بصحاح، قال عبد الله: قلت له: من عكرمة أو من يحى؟ قال: لا، إلا من عكرمة، و قال البخاري:
عكرمة بن عمار يضطرب في حديث يحى بن أبى كثير، و لم يكن عنده كتاب، و مرة قال: منكر الحديث [1].
__________________________________________________
[1] قال المفضل الغلابي: حدثنا رجل من أهل اليمامة، و سألته عن عكرمة فقال: هو عكرمة بن عمار بن عقبة بن حبيب بن شهاب بن ذباب بن الحارث بن حمضانة بن الأسعد بن جذيمة بن سعد بن عجل.
و قال عبد الله بن أحمد بن حنبل، عن أبيه: عكرمة مضطرب الحديث عن يحيى بن أبى كثير، و قال أيضا عن أبيه: عكرمة مضطرب الحديث عن غير إياس بن سلمة، و كان حديثه عن إياس صالحا.
و قال أبو زرعة الدمشقيّ: سمعت أحمد يضعف رواية أيوب بن عتبة، و عكرمة بن عمار عن يحى ابن أبى كثير، و قال: عكرمة أوثق الرجلين.
و قال الفضل بن زياد: سألت أبا عبد الله هل كان باليمامة أحد يقدم على عكرمة اليمامي مثل أيوب ابن عتبة، و ملازم بن عمرو. و هؤلاء؟ فقال: عكرمة فوق هؤلاء أو نحو هذا، ثم قال: روى عنه شعبة أحاديث.
و قال معاوية بن صالح. عن يحيى بن معين: ثقة. و قال الغلابي عن يحى: ثبت. و قال ابن أبى خيثمة، عن ابن معين: صدوق ليس به بأس. و قال أبو حاتم، عن ابن معين: كان أميا، و كان حافظا.(1/100)
و قال عثمان الدارميّ: قلت لابن معين: أيوب بن عتبة أحب إليك أو عكرمة بن عمار؟ فقال:
إمتاع الأسماع،ج 6،ص:76
__________________________________________________
[ ()] عكرمة أحب إليّ، و أيوب ضعيف.
و قال ابن المدائني: أحاديث عكرمة عن يحى بن أبى كثير ليست بذاك، مناكير كان يحى بن سعيد يضعفها. و قال في موضع آخر: كان يحى يضعف رواية أهل اليمامة، مثل عكرمة و ضربه.
و قال محمد بن عثمان بن أبى شيبة، عن على بن المديني: كان عكرمة عند أصحابنا ثقة ثبتا. و قال العجليّ ثقة، يروى عنه النضر بن محمد ألف حديث. و قال البخاري: مضطرب في حديث يحى بن أبى كثير، و لم يكن عنده كتاب. و قال الآجري، عن أبى داود: ثقة، و في حديثه عن يحي بن أبى كثير اضطراب.
و قال النسائي: ليس به بأس، إلا في حديث يحى بن أبى كثير. و قال أبو حاتم: كان صدوقا، و ربما و هم في حديثه، و ربما دلّس، و في حديثه عن يحى بن أبى كثير بعض الأغاليط.
و قال الساجي صدوق، وثّقه أحمد و يحى، إلا أن يحي بن سعيد ضعّفه في أحاديثه عن يحي بن أبي كثير، و قدم ملازما عليه. و قال عكرمة بن عمار ثقة عندهم، و روى عنه ابن مهدي: ما سمعت فيه إلا خيرا.
و قال في موضع آخر: هو أثبت من ملازم، و هو شيخ أهل اليمامة. و قال على بن محمد الطنافسي:
حدثنا وكيع عن عكرمة بن عمار، و كان ثقة. و قال صالح بن محمد الأسدي: كان يتفرد بأحاديث طول، و لم يشركه فيها أحد.
قال: و قدم البصرة، فاجتمع إليه الناس. فقال: ألا أرانى فقيها و أنا لا أشعر، و قال صالح بن محمد أيضا: إن عكرمة بن عمار صدوق، إلا أن في حديثه شيئا. روى عنه الناس.
و قال إسحاق بن أحمد بن خلف البخاري: ثقة، روى عنه الثوري، و ذكره بالفضل، و كان كثير الغلط، ينفرد عن إياس بأشياء.
و قال ابن خراش: كان صدوقا، و في حديثه نكرة. و قال الدارقطنيّ: ثقة. و قال ابن عدي: مستقيم الحديث إذا روى عنه ثقة. و قال عاصم بن على: كان مستجاب الدعوة.(1/101)
قال معاوية بن صالح: مات في إمارة المهدي، و قال ابن معين و غيره: مات سنة (159). قلت: و كذا ذكر ابن حبان في الثقات، و قال: في روايته عن يحى بن أبى كثير اضطراب، كان يحدث عن غير كتابة.
و قال أبو أحمد الحاكم: جل حديثه عن يحى و ليس بالقائم. و قال يعقوب بن شيبة: كان ثقة ثبتا.
و قال ابن شاهين في الثقات: قال أحمد بن صالح: أنا أقول: إنه ثقة، و احتج به و بقوله.
له ترجمة في: (تهذيب التهذيب): 12/ 234، ترجمة رقم (475)، (الكامل في ضعفاء الرجال): 5/ 272- 277، ترجمة رقم (444/ 1412). (تاريخ بغداد): 12/ 257- 262، ترجمة رقم (6705)، (الضعفاء الكبير): 3/ 378- 379، ترجمة رقم (1415)، (المغنى في
إمتاع الأسماع،ج 6،ص:77
و قال أبو حاتم: عكرمة هذا صدوق، و ربما و هم، و ربما دلّس، و إذا كان هذا حال عكرمة، فلعله دلّس هذا الحديث عن غير حافظ، أو غير ثقة، أو و هم هو فيه، فإنه كان أميا لا يكتب. و مسلم- رحمه الله- قد رواه عن عباس بن عبد العظيم، عن النضر بن محمد عن عكرمة بن عمار عن أبى زميل، عن ابن عباس هكذا معنعنا، لكن رواه الطبراني فقال: حدثنا محمد بن محمد الجدوعى، حدثنا العباس بن عبد العظيم، حدثنا النضر ابن محمد بن عكرمة بن عمار، حدثنا زميل قال: حدثني ابن عباس ..
فذكره.(1/102)
و قال الحافظ أبو الفرج بن الجوزي: في هذا الحديث و هم من بعض الرواة لا شك فيه و لا تردد، و قد اتهموا فيه ابن عمار راوي الحديث، قال: و إنما قلنا: إن هذا و هم لأن أهل التاريخ أجمعوا على أن أم حبيبة كانت تحت عبد الله بن جحش، و ولدت له، و هاجر بها و هما مسلمان إلى أرض الحبشة، ثم تنصر، و ثبتت أم حبيبة على دينها، فبعث إلى النجاشي يخطبها عليه فزوجه إياها، و أصدقها عن رسول الله صلّى الله عليه و سلم أربعة آلاف درهم، و ذلك في سنة سبع من الهجرة، و جاء أبو سفيان في زمن الهدنة فدخل بيتها، [فطوت عنه فراش ] رسول الله صلّى الله عليه و سلم حتى لا يجلس عليه، و لا خلاف أن أبا سفيان و معاوية أسلما في فتح مكة سنة ثمان، و لا يعرف أن رسول الله صلّى الله عليه و سلم [] أبا سفيان.
و قال أبو محمد بن حزم: هذا حديث موضوع لا شك فيه، و الأنة فيه من عكرمة بن عمار، و لا يختلف اثنان من أهل المعرفة بالأخبار في أن النبي صلّى الله عليه و سلم لم يتزوج أم حبيبة رضى الله عنها إلا قبل الفتح بدهر و هي بأرض
__________________________________________________
[ ()] الضعفاء): 2/ 438، ترجمة رقم (4168)، (الضعفاء و المتروكين): 2/ 185، ترجم رقم (2337)، (سير أعلام النبلاء): 7/ 134- 139، ترجمة رقم (49)، (الجرح و التعديل):
7/ 10، ترجمة رقم (14)، (ثقات ابن حبان): 5/ 233، (التاريخ الكبير للبخاريّ): 7/ 50، ترجمة رقم (226).
إمتاع الأسماع،ج 6،ص:78
الحبشة، و مثل هذا لا يكون خطأ أصلا، و لا يكون إلا قصدا، نعود باللَّه من البلاء.
[(1/103)
و] قال محمد بن طاهر المقدسي [في كتاب ] (الانتصار لإمامى الأمصار): هذا كلامه بعينه و رمته، و هو كلام رجل مجازف، هتك فيه حرمة كتاب مسلم، و [صار] إلى الغفلة عما اطلع هو عليه، و صرح أن عكرمة بن عمار وضعه، و هذا ارتكاب بطرق لم تسلكها أئمة النقل [أو علماء] الحديث، فإنا لا نعلم أحدا منهم نسب عكرمة إلى الوضع البتة، و هم أهل مائة الذين عاصروه و عرفوا أمره، و حملوا عنه و احتجوا بأحاديثه، و أخرجوها في الدواوين الصحيحة.
و اعتمد عليه مسلم في غير حديث من كتابه الصحيح، [و روى ] عنه الأئمة، مثل عبد الرحمن بن مهدي، و عبد الله بن المبارك، و أبو عامر العقدي، و زيد بن الحباب، ففي مسلم- و هو [من ] الأئمة المقتدى بهم في تزكية الرواة الذين عاهدوهم و أخذوا عنهم- ثم ذكر بسنده: قال وكيع عن عكرمة- و كان ثقة- و عن يحى بن معين: عكرمة بن عمار صدوق و ليس به بأس، و في روايته كان أمينا و كان حافظا، و عن الدار قطنى أنه قال: عكرمة بن عمار يماني ثقة، ثم قال: فكان الرجوع إلى قول الأئمة الحفاظ في تعديله أولى من قوله وحده في تجريحه.
فإن قيل: لم ينفرد عكرمة بهذا الحديث بل توبع عليه، فقال الطبراني:
حدثنا على بن سعيد الرازيّ، حدثنا عمر بن خليف بن إسحاق بن مرسال الحنفي قال: حدثني عمى إسماعيل بن مرسال عن أبى زميل الحنفي قال:
حدثني ابن عباس قال: كان المسلمون لا ينظرون إلى أبى سفيان و لا يفاتحونه، فقال: يا رسول الله، ثلاث أعطينهن ...، الحديث. فهذا إسماعيل ابن مرسال قد رواه عن أبى زميل، كما رواه عكرمة بن عمار، يبرئ
إمتاع الأسماع،ج 6،ص:79
عكرمة من عهدة التفرد به.
قيل: هذه المتابعة لا تفيد قوة، فإن هؤلاء مجاهيل لا يعرفون بنقل العلم، و لا هم ممن يحتج به، فضلا [عن ] أن تقدم روايتهم على النقد المستفيض المعلوم خاصة عند أهل العلم و عامتهم، فهذه المتابعة إن لم تزده و هنا لم تزده قوة.(1/104)
و قالت طائفة، منهم البيهقي و المنذري- رحمهما الله-: يحتمل أن تكون مسألة أبي سفيان النبيّ صلّى الله عليه و سلم أن يزوجه أم حبيبة وقعت في بعض خرجاته إلى المدينة و هو كافر، حين كان سمع نفى زوج أم حبيبة بأرض الحبشة، و المسألة الثانية و الثالثة وقعتا بعد إسلامه، فجمعهما الراويّ.
و عورض هذا بأن أبا سفيان إنما قدم آمنا بعد الهجرة في زمن [الهدنة] [1] قبيل الفتح، و كانت أم حبيبة إذ ذاك من نساء النبي صلّى الله عليه و سلم، و لم يقدم أبو سفيان قبل ذلك إلا مع الأحزاب عام الخندق، و لو لا الهدنة و الصلح الّذي كان بينهم و بين النبي صلّى الله عليه و سلم لم يقدم المدينة، فمتى [قد تزوج ] [1] النبي صلّى الله عليه و سلم أم حبيبة، و هذا وهم بيّن، و مع ذلك فإنه لا يصح أن يكون تزويجه إياها في حال كفره، إذ لا ولاية له عليها، و لا تأخّر تزوجه إياها بعد إسلامه لما تقدم.
فعلى التقريرين لا يصحّ قوله: أزوجك أم حبيبة، هذا، و ظاهر الحديث يدل على أن المسائل الثلاثة وقعت منه في وقت واحد، فإنه قال: ثلاث أعطينهن ...، الحديث.
و معلوم أن سؤاله [تزويجها] [1] و اتخاذ معاوية كاتبا، إنما يتصور بعد إسلامه، فكيف يقال: سأل بعض ذلك حال كفره، و بعضه و هو مسلم، و سياق الحديث يرده.
__________________________________________________
[1] زيادة للسياق.
إمتاع الأسماع،ج 6،ص:80
و قالت طائفة: بل يمكن حمل الحديث على محمل صحيح يخرج به عن كونه موضوعا، إذ القول بأنه في صحيح مسلم حديث موضوع مما يسهل.(1/105)
قال: و وجهه أن تكون معنى [أزوّجك ] [1] بها: أرضى بزواجك بها، فإنه كان على زمن منى و بدون اختياري، و إن كان نكاحك صحيحا، لكن هذا أجمل و أحسن و أكمل، لما فيه من تأليف القلوب. قال: و تكون إجابة النبي صلّى الله عليه و سلم بنعم له، كانت تأنيسا له، ثم أخبره بعد بصحة العقد، و أنه لا يشترط رضاك، و لا ولاية لك عليها، لاختلاف دينكما حالة العقد. قال:
و هذا مما لا يمكن دفع احتماله.
و ردّ هذا بأن ما ذكرتم لا يفهم من لفظ الحديث، فإن قوله: عندي أجمل العرب أزوجكها، لا يفهم منه أحد أن زوجتك التي هي في عصمة نكاحك أرضى زواجك بها، و لا يطابق هذا المعنى أن يقول له النبي صلّى الله عليه و سلم:
نعم، فإنه إنما سأل من النبي صلّى الله عليه و سلم أمرا تكون الإجابة إليه من جهته صلّى الله عليه و سلم، و أما رضاه بزواجه بها فأمر قائم بقلبه هو، فكيف يطلب من النبي صلّى الله عليه و سلم؟
و لو قيل: طلب منه أن يقره على نكاحه إياها- و سمى إقراره نكاحا- لكان مع فساده أقرب إلى اللفظ، و كل هذه تأويلات لا يخفى شدة بعدها، و أنها مستنكرة [و] [1] في غاية المنافرة للفظ و لمقصود الكلام.
و قالت طائفة: كان أبو سفيان يخرج إلى المدينة كثيرا، [فجاءها و هو كافر] [1] و بعد إسلامه حين كان النبي صلّى الله عليه و سلم آلى من نسائه شهرا و اعتزلهن، فتوهم أن ذلك الإيلاء طلاق، كما توهمه عمر رضى الله عنه، فظن وقوع الفرقة به، فقال هذا القول للنّبيّ صلّى الله عليه و سلم، متعطفا و متعرضا لعله يراجعها، فأجابه النبي صلّى الله عليه و سلم على تقدير إن امتد الإيلاء أوقع طلاق، فلم يقع شي ء من
__________________________________________________
[1] زيادة للسياق.
إمتاع الأسماع،ج 6،ص:81
ذلك.(1/106)
و ردّ هذا بأن قوله: عندي أجمل العرب و أحسنه أزوجك إياها، لا يفهم منه ما ذكر من شأن الإيلاء و وقوع الفرقة به، و لا يصح أن يجاب بنعم، و لا كان أبو سفيان حاضرا وقت الإيلاء، فإن النبي صلّى الله عليه و سلم اعتزل في مشربة [و] [1] حلف أن لا يدخل على نسائه شهرا، و جاء عمر بن الخطاب رضى الله عنه فاستأذن في الدخول عليه مرارا، فأذن له في الثالثة، فقال: طلقت نساءك؟ قال: لا، قال عمر: الله أكبر، و اشتهر عند الناس أنه لم يطلق نساءه، و أين كان أبو سفيان حينئذ؟
و قال المحب الطبري: يحتمل أن يكون أبو سفيان قال ذلك كله قبل إسلامه بمدة تتقدم على تاريخ النكاح، كالمشترط ذلك في إسلامه، و يكون التقدير: ثلاث إن أسلمت تعطيهن: أم حبيبة أزوجكها، و معاوية يسلم فيكون كاتبا بين يديك، و تؤمرنى بعد إسلامي فأقاتل الكفار كما كنت أقاتل المسلمين، [حيث قد كان الناس ] [1] لا ينظرون إلى أبى سفيان و لا يقاعدونه، فقال: يا نبي الله! ثلاث أعطينهنّ ...، لا يليق أن يصدر منه و هو بمكة قبل الهجرة أو بعد الهجرة و هو يجمع الأحزاب لحرب رسول الله صلّى الله عليه و سلم أو وقت قدومه المدينة، و أم حبيبة عند النبي صلّى الله عليه و سلم لا عنده، فما هذا إلا تكلف و تعسف، فكيف يقول- و هو كافر-: حتى أقاتل المشركين كما كنت أقاتل المسلمين؟ و كيف ينكر جفوة المسلمين له و هو جاهد مجد في قتالهم و حربهم و إطفاء نور الله؟
و هذه قصة إسلام أبى سفيان معروفة، لا اشتراط فيها و لا تعرض لشي ء من هذا، و من أنصف علم أن هذه التأويلات كلها بعيدة، و أن الصواب في الحديث أنه غير محفوظ، بل وقع فيه تخبيط، و الله أعلم.
__________________________________________________
[1] زيادة للسياق.
إمتاع الأسماع،ج 6،ص:82
أم المؤمنين جويرية بنت الحارث
[1] جويرية، و اسمها برة بنت الحارث بن أبى ضرار بن حبيب بن الحارث بن
__________________________________________________
[(1/107)
1] هي جريرية بنت الحارث بن أبى ضرار المصطلقية، سبيت يوم غزوة المريسيع في السنة الخامسة، و كان اسمها برّة [أخرجه مسلم في صحيحه من طريق سفيان، عن محمد بن عبد الرحمن مولى آل طلحة، عن كريب، عن ابن عباس قال: كانت جويرية اسمها برة، فحول رسول الله صلّى الله عليه و سلم اسمها إلى جويرية، و قد أخرجه أيضا ابن سعد في (الطبقات)، و الإمام أحمد في (المسند).
و كانت من أجمل النساء، و كان أبوها سيدا مطاعا، حدّث عنها ابن عباس و عبيد بن السباق، و كريب، و مجاهد، و أبو أيوب يحى بن مالك الأزدي، و آخرون.
أخرج ابن هشام في (السيرة) عن ابن إسحاق، و من طريقه الإمام أحمد في (المسند)، حدثني محمد ابن جعفر بن الزبير، عن عروة بن الزبير، عن عائشة قالت: لما قسّم رسول الله صلّى الله عليه و سلم سبايا بنى المصطلق، وقعت جويرية بنت الحارث في السهم لثابت بن قيس بن الشماس- أو لابن عم له- فكاتبته على نفسها، و كانت امرأة حلوة ملّاحة، لا يراها أحد إلا أخذت بنفسه، فأتت رسول الله صلّى الله عليه و سلم تستعينه في كتابتها، قالت عائشة: فو الله ما هو إلا أن رأيتها على باب حجرتي فكرهتها، و عرفت أنه صلّى الله عليه و سلم سيرى فيها ما رأيت.
فدخلت عليه فقالت: يا رسول الله، أنا جويرية بنت الحارث بن أبى ضرار سيد قومه، و قد أصابنى من البلاء ما لم يخف عليك، فوقعت في السهم لثابت بن قيس بن الشماس- أو لابن عم له- فكاتبته على نفسي- فجئتك أستعينك على كتابتى. قال: فهل لك خير من ذلك؟ قالت: و ما هو يا رسول الله، قال: قد فعلت.(1/108)
قالت: و خرج الخبر إلى الناس، أن رسول الله صلّى الله عليه و سلم قد تزوج جويرية ابنة الحارث بن أبى ضرار، فقال الناس: أصهار رسول الله صلّى الله عليه و سلم، و أرسلوا ما بأيديهم، قالت: فلقد أعتق لتزويجه إياها مائة أهل بيت من بنى المصطلق، فما أعلم امرأة كانت أعظم على قومها بركة منها. [إسناده صحيح، فقد صرح ابن إسحاق بالتحديث ].
قال ابن سعد و غيره: بنو المصطلق من خزاعة، و كان زوجها قبل أن يسلم ابن عمها مسافع بن صفوان ابن أبى الشّفر. [ذكره ابن سعد في (الطبقات)، و الحاكم في (المستدرك)، و ابن حجر في (الإصابة)]، و قدم أبوها على النبي صلّى الله عليه و سلم فأسلم ] عن جويرية قالت: تزوجني رسول الله صلّى الله عليه و سلم و أنا بنت عشرين، و قال ابن سعد في (الطبقات): توفيت أم المؤمنين جويرية في سنة خمسين، و قال خليفة في (طبقاته): توفيت سنة ست و خمسين، رضي الله تعالي عنها، جاء لها سبعة أحاديث: منها عند البخاري حديث، و عند مسلم حديثان.
إمتاع الأسماع،ج 6،ص:83
عائذ بن مالك بن جذيمة، و هو المصطلق بن سعيد بن عمرو بن ربيعة بن حارثة بن عمرو مزيقاء بن عامر بن حارثة بن امرؤ القيس بن ثعلبة بن مازن ابن الأزد.
كانت أولا في الجاهلية عند مسافع بن صفوان بن ذي الشفر الخزاعي،
__________________________________________________
[ ()] أيوب، عن أبى قلابة، قال: أتى والد جويرية فقال: إن بنتي لا يسبى مثلها، فأنا أكرم من ذلك، فقال النبي صلّى الله عليه و سلم: أ رأيت إن خيّرناها؟ فأتاها أبوها فقال: إن هذا الرجل قد خيّرك، فلا تفضحينا، فقالت: فإنّي قد اخترته، قال: قد و الله فضحتنا. [إسناده صحيح لكنه مرسل، أخرجه ابن سعد في (الطبقات)].(1/109)
زكريا عن الشعبي، قال: أعتق رسول الله صلّى الله عليه و سلم جويرية و استنكحها، و جعل صداقها عتق كل مملوك من بنى المصطلق. [إسناده صحيح، لكنه مرسل، أخرجه عبد الرزاق في (المصنف)، و ابن سعد في (الطبقات)، و ذكره الهيثمي في (المجمع)، و قال: رواه الطبرانىّ مرسلا، و رجاله رجال الصحيح ].
همام، و غيره، عن قتادة، عن أبى أيوب الهجريّ، عن جويرية بنت الحارث، أن النبي صلّى الله عليه و سلم دخل عليها يوم جمعة و هي صائمة، فقال لها: أصمت أمس؟ قالت: لا، قال: أ تريدين أن تصومى غدا؟ قالت:
لا، قال: فأفطرى. [أخرجه البخاري في الصوم، باب صوم يوم الجمعة، و أبو داود في الصوم، و أحمد، و ابن سعد، و إسناده صحيح ]. شعبة و جماعة، عن محمد بن عبد الرحمن مولى آل طلحة، سمعت كريبا، عن ابن عباس، عن جويرية قالت: أتى عليّ رسول الله صلّى الله عليه و سلم غدوة و أنا أسبّح، ثم انطلق لحاجته، ثم رجع قريبا من نصف النهار، فقال: أما زلت قاعدة؟ قلت: نعم، قال: ألا أعلمك كلمات لو عدلن بهن عدلتهن، أو وزن بهنّ و زنتهنّ- يعنى جميع ما سبّحت-: سبحان الله عدد خلقه، ثلاث مرات، سبحان الله زنة عرشه، ثلاث مرات، سبحان الله رضا نفسه، ثلاث مرات، سبحان الله مداد كلماته، ثلاث مرات.
[إسناده صحيح- أخرجه مسلم في الذكر و الدعاء، باب التسبيح أول النهار و عند النوم، و ابن سعد و أحمد]. لها ترجمة في: (مسند أحمد): 7/ 457، (طبقات ابن سعد): 8/ 116- 120، (طبقات خليفة): (342)، (تاريخ خليفة): (224)، (المعارف): 138، 139، (المستدرك):
4/ 27- 30، (الاستيعاب): 4/ 1804 ترجمة رقم (3282)، (تاريخ الإسلام): 2/ 593، (تهذيب التهذيب): 12/ 436، ترجمة رقم (2754)، (الإصابة): 7/ 565، ترجمة رقم (11002)، (خلاصة تذهيب الكمال): (489)، (كنز العمال): 13/ 706، (شذرات الذهب): 1/ 61، (أسماء الصحابة الرواة): (195)، ترجمة رقم (251). (صفة الصفوة):(1/110)
2/ 35، ترجمة رقم (132)، (المواهب اللدنية): 2/ 90- 91، (سير أعلام النبلاء):
2/ 261- 265، ترجمة رقم (39)، (أعلام النساء): 1/ 227.
إمتاع الأسماع،ج 6،ص:84
فقتل يوم المريسيع كافرا، فصارت جويرية في سهم ثابت بن قيس بن شماس الأنصاري، و ابن عم له، فكاتباها على تسع أواقي ذهب. و كانت جارية حلوة، لا يكاد يراها أحد إلا ذهبت بنفسه، فبينا النبي صلّى الله عليه و سلم على الماء، إذا دخلت عليه تسأله في كتابتها، فقالت: يا رسول الله، إني امرأة مسلمة، أشهد أن لا إله إلا الله، و أنك رسول الله، و أنا جويرية بنت الحارث بن أبى ضرار، بنت سيد قومه، أصابنا من الأمر ما قد علمت، و وقعت في سهم ثابت بن قيس ابن شماس و ابن عم له، فخلصني من ابن عمه بنخلات بالمدينة، و كاتبني على ما لا طاقة لي به و لا يدان، و ما أكرهنى على ذلك إلا أنى رجوتك- صلّى الله عليك- فأعنى في مكاتبتي، فقال: أ و خير لك من ذلك؟ قالت: فما هو يا رسول الله؟ قال:
أؤدّي عنك كتابتك و أتزوجك، قالت: نعم يا رسول الله قد فعلت، فأرسل إلى ثابت فطلبها منه، فقال: هي لك يا رسول الله، بأبي و أمى، فأدى رسول الله صلّى الله عليه و سلم ما كان عليها من كتابتها و أعتقها و تزوجها، و خرج الخبر إلى الناس، و رجال بنى المصطلق قد اقتسموا و ملكوا و وطئ و نساؤهم، فقال المسلمون: أصهار النبي صلّى الله عليه و سلم! فأعتقوا ما بأيديهم من ذلك السبي، و هم مائة أهل بيت، فكانت جويرية أعظم امرأة بركة على قومها.
و قالت جويرية: رأيت قبل قدوم النبي صلّى الله عليه و سلم بثلاث ليال كأنّ القمر يسير من يثرب حتى وقع في حجري، فكرهت أن أخبرها أحدا من الناس، حتى قدم رسول الله صلّى الله عليه و سلم.(1/111)
و يقال: إن رسول الله صلّى الله عليه و سلم جعل صداقها عتق كل أسبية من بنى المصطلق، و يقال: جعل صداقها عتق أربعين من قومها، و قيل: افتدى جويرية، أبوها من ثابت بن قيس، ثم خطبها رسول الله صلّى الله عليه و سلم إلى أبيها، فأنكحها رسول الله صلّى الله عليه و سلم، و كان اسمها برة، فسماها جويرية، و كان يكره أن يقال: خرج من بيت برة.
إمتاع الأسماع،ج 6،ص:85
و أثبت الأقوال: أن النبي صلّى الله عليه و سلم قضى عنها كتابتها و أعتقها و تزوجها، و ضرب عليها الحجاب، و قسم لها كما يقسم لنسائه، و فرض لها أمير المؤمنين عمر بن الخطاب ستة آلاف [1]، و يقال: فرض لها اثنى عشر ألفا.
و توفيت في شهر ربيع الأول سنة ست و خمسين، و صلّى عليها مروان.
__________________________________________________
[1] بعد قوله: «ستة آلاف»، عبارة مقحمة لا تتناسب مع السياق فلم نضبتها حيث لم نجد لها توجيها.
إمتاع الأسماع،ج 6،ص:86
أم المؤمنين صفية بنت حيي
[1] و صفية بنت حيي بن أخطب بن سعية بن ثعلبة بن عبيد بن كعب بن
__________________________________________________
[1] هي صفية بنت حيي بن أخطب بن سعيه، من سبط اللاوى بن نبي الله إسرائيل بن إسحاق بن إبراهيم، عليهم السلام، ثم من ذرية رسول الله هارون عليه السّلام. تزوجها قبل إسلامها: سلام ابن أبى الحقيق، ثم خلف عليها كنانة بن أبى الحقيق، و كانا من شعراء اليهود، فقتل كنانة يوم خيبر عنها، و سبيت، و صارت في سهم دحية الكلبي، فقيل للنّبيّ صلّى الله عليه و سلم عنها، و أنها لا ينبغي أن تكون إلا لك، فأخذها من دحية، و عوضه عنها سبعة أرؤس. أخرجه أحمد في (المسند)، و مسلم في النكاح:
باب فضيلة إعتاقه أمة ثم يتزوجها، و أبو داود في الخراج و الإمارة، باب ما جاء في سهم الصفي، و ابن سعد في (الطبقات)، كلهم من حديث حماد بن سلمة، عن ثابت البناني، عن أنس بن مالك.(1/112)
و أخرجه مسلم من طريق عبد العزيز بن صهيب، عن أنس قال: جمع السبي- يعنى بخيبر- فجاءه دحية الكلبي فقال: يا رسول الله! أعطنى جارية من السبي فقال صلّى الله عليه و سلم: اذهب فخذ جارية، فأخذ صفية بنت حيي فجاء رجل إلى نبي الله صلّى الله عليه و سلم فقال: يا نبي الله! أعطيت دحية صفية بنت حيي سيد قريظة و النضير؟ ما تصلح إلا لك، قال صلّى الله عليه و سلم: ادعوه بها، قال فجاء بها، فلما نظر اليها النبي صلّى الله عليه و سلم قال:
خذ جارية من السبي غيرها، قال: و أعتقها صلّى الله عليه و سلم و تزوجها. و أخرجه البخاري في المغازي، باب غزوة خيبر عن طريق حماد بن زيد عن ثابت عن أنس، و فيه: و كان في السبي صفية، فصارت إلى دحية الكلبي، ثم صارت إلى النبي صلّى الله عليه و سلم.
ثم إن النبي صلّى الله عليه و سلم لما طهرت، تزوجها و جعل عتقها صداقها. [أخرجه البخاري من حديث أنس في المغازي، باب غزوة خيبر، و في النكاح، باب من جعل عتق الأمة صداقها، و في النكاح، باب الوليمة و لو بشاة، و مسلم في النكاح، باب فضيلة إعتاقه أمة ثم يتزوجها، و أخرجه أيضا: أبو داود، و الترمذي، و النسائي، و عبد الرزاق ]. حدث عنها على بن الحسين، و إسحاق بن عبد الله بن الحارث، و كنانة مولاها، و آخرون و كانت رضى الله عنها شريفة عاقلة، ذات حسب، و جمال، و دين.
قال أبو عمر بن عبد البرّ في (الاستيعاب): روينا أن جارية لصفية أتت عمر بن الخطاب، فقالت: إن صفية تحبّ السبت، و تصل اليهود، فبعث عمر يسألها، فقالت: أما السبت، فلم أحبه منذ أبدلني الله به الجمعة، و أما اليهود، فإن لي فيهم رحما، فأنا أصلها، ثم قالت الجارية: ما حملك على ما صنعت؟ فقالت: الشيطان، قالت: فاذهبي فأنت حرة.(1/113)
و أخرج الترمذي في (الجامع)، من طريق هاشم بن سعيد الكوفي، حدثنا كنانة: حدثتنا صفية بنت حيي، قالت: دخل عليّ رسول الله صلّى الله عليه و سلم، و قد بلغني عن عائشة و حفصة كلام، فذكرت له ذلك،
إمتاع الأسماع،ج 6،ص:87
الخزرج بن أبى حبيب بن النضير بن النحام بن ينحوم الإسرائيلي، من سبط هارون بن عمران عليه السّلام، أمها مرة بنت سموأل، كانت عند سلام بن
__________________________________________________
[ ()] فقال: ألا قلت: و كيف تكونان خيرا منى و زوجي محمد، و أبى هارون، و عمى موسى؟ و كان بلغها أنهما قالتا: نحن أكرم على رسول الله صلّى الله عليه و سلم منها، نحن أزواجه، و بنات عمه. [أخرجه الترمذي في المناقب، و الحاكم، و إسناده ضعيف، لضعف هاشم بن سعيد الكوفي، و باقي رجاله ثقات، لكن يشهد له حديث أنس عند أحمد، و الترمذي من طريق عبد الرزاق، عن معمر عن ثابت، عن أنس قال: بلغ صفية أن حفصة قالت، بنت يهودي، فبكت، فدخل عليها النبي صلّى الله عليه و سلم و هي تبكى، فقال:
ما يبكيك؟ فقالت: قالت لي حفصة: إني بنت يهودي، فقال النبي صلّى الله عليه و سلم: إنك لابنة نبي، و ان عمك لنبي، و انك لتحت نبي، ففيم تفخر عليك؟ ثم قال: اتقى الله يا حفصة. و إسناده صحيح ].
قال ثابت البناني: حدثتني سمية- أو شميسة- عن صفية بنت حيي: أن النبي صلّى الله عليه و سلم حج بنسائه، فيرك بصفية جملها، فبكت، و جاء رسول الله صلّى الله عليه و سلم لما أخبروه فجعل يمسح دموعها بيده، و هي تبكى، و هو ينهاها، فنزل رسول الله صلّى الله عليه و سلم بالناس، فلما كان عند الرواح، قال لزينب بنت جحش: أفقرى أختك جملا- و كانت من أكثرهن ظهرا- فقالت: أنا أفقر يهوديتك! فغضب فلم يكلمها، حتى رجع إلى المدينة، و محرم و صفر، فلم يأتها، و لم يقسم لها، و يئست منه.(1/114)
فلما كان ربيع الأول دخل عليها، فلما رأته قالت: يا رسول الله، ما أصنع؟ قال: و كانت لها جارية تخبؤها من رسول الله صلّى الله عليه و سلم، فقالت: هي لك- قال: فمشى النبي صلّى الله عليه و سلم إلى سريرها، و كان قد رفع، فوضعه بيده، و رضى عن أهله صلّى الله عليه و سلم [أخرجه أحمد في (المسند)، و ابن سعد في (الطبقات)، و قوله: أفقرى أختك، أي أعيرها إياها للركوب، و منه حديث جابر، أنه اشترى منه بعيرا، و أفقره ظهره إلى المدينة، مأخوذ من ركوب فقار الظهر، و هو خرزاته، و الواحدة فقارة].
و كانت صفية رضى الله عنها ذات حلم و وقار، قيل: توفيت سنة ست و ثلاثين، و قيل: توفيت سنة خمسين، [و الثاني هو الصحيح، لأن على بن الحسين قد سمع منها حديث زيارتها رسول الله صلّى الله عليه و سلم في اعتكافه في المسجد، و هو مما اتفق على إخراجه البخاري و مسلم، و على بن الحسين إنما ولد بعد سنة أربعين أو نحوها، ذكره الحافظ ابن حجر في (فتح الباري)]. و قبرها بالبقيع. لها ترجمة في:
(مسند أحمد): 7/ 473- 475، (طبقات ابن سعد): 8/ 120- 129، (تاريخ خليفة): 82، 83، 86، (المعارف): 138، 215، (سير أعلام النبلاء): 2/ 231- 238، ترجمة رقم (26)، (المستدرك): 4/، (الاستيعاب): 4/ 1871، ترجمة رقم ()، (جامع الأصول): 9/ 143، (تهذيب التهذيب): 12/ 429، ترجمة رقم ()، (الإصابة):/ ترجمة رقم ()، (خلاصة تذهيب الكمال): 492، (كنز العمال): 13/ 637، 704، (المواهب اللدنية): 2/، (صفة الصفوة): 2/، ترجمة رقم ()، (شذرات الذهب): 1/ 12 ورد لها من الحديث عشرة أحاديث، منها واحد متفق عليه [أخرجه البخاري في الاعتكاف.
إمتاع الأسماع،ج 6،ص:88
مشكم، ثم خلف عليها كنانة بن أبى الحقيق اليهودي، فقتل يوم خيبر، و كانت صفىّ رسول الله صلّى الله عليه و سلم من مغانم خيبر، و يقال: بل وقعت في سهمه يومئذ هي و أختها، فتزوجها و وهب أختها لدحية بن خليفة، و يقال بل اشتراها بسبعة أرؤس.(1/115)
و قيل: لما جمع سبى خيبر جاء دحية فقال: يا رسول الله! أعطنى جارية من السبي، فقال: اذهب فخذ جارية، فأخذ صفية، فقيل: يا رسول الله! إنها سيدة قريظة و النضير ما تصلح إلا لك، فقال لدحية: خذ جارية غيرها من السبي. و الثابت أنها صارت في سهمه، فأعتقها و جعل عتقها صداقها، و حجبها و أولم عليها بتمر و سويق و قسم لها، فكانت إحدى أمهات المؤمنين، و كانت حليمة عاقلة فاضلة، توفيت في رمضان سنة خمس.
و قال محمد بن عائد.- في (كتاب المغازي)-: حدثنا الوليد عن ابن لهيعة، عن أبى الأسود عن عروة قال: و قد كان قال قبل وفاته: مروا جويرية ابنة الحارث بالحجاب و صفية بنت حيي، و ردوا و فود العرب و جهزوهم.
و خرج الطبراني من حديث إسماعيل بن عياش، عن الحجاح بن أرضأة، عن الزهري، عن أنس، أن النبي صلّى الله عليه و سلم استبرأ صفية بحيضة.
إمتاع الأسماع،ج 6،ص:89
أم المؤمنين ميمونة بنت الحارث
[1] و ميمونة بنت الحارث بن حزن بن بجير بن الهزم بن رويبة بن عبد الله بن
__________________________________________________
[1] هي ميمونة بنت الحارث بن حزن بن بجير بن الهزم بن رويبة بن عبد الله بن هلال بن عامر بن صعصعة، الهلالية، زوج النبي صلّى الله عليه و سلم، و أخت أم الفضل زوجة العباس، و خالة خالد بن الوليد، و خالة ابن عباس.
تزوجها أولا مسعود بن عمرو الثقفي قبيل الإسلام، ففارقها، و تزوجها أبو رهم بن عبد العزى، فمات، فتزوج بها النبي صلّى الله عليه و سلم في وقت فراغه من عمرة القضاء، سنة سبع في ذي القعدة، و بنى بها بسرف، و كانت من سادات النساء.
روت عدة أحاديث: سبعة في (الصحيحين)، و انفرد لها البخاري بحديث، و مسلم بخمسة، و جميع ما روت ثلاثة عشر حديثا.(1/116)
حدّث عنها ابن عباس، و ابن أختها الآخر: عبد الله بن شداد بن الهاد، و عبيد ابن السّباق، و ابن أختها الثالث: عبد الرحمن بن الصائب الهلالي، و ابن أختها الرابع: يزيد بن الأصم، و كريب مولى بن عباس، و مولاهما: سليمان بن يسار، و أخوه عطاء بن يسار و آخرون.
قال ابن سعد في (الطبقات): أخبرنا محمد بن عمر، حدثني إبراهيم بن محمد بن موسى، عن الفضيل بن أبى عبد الله، عن على بن عبد الله بن عباس، قال: لما أراد رسول الله صلّى الله عليه و سلم الخروج إلى مكة عام القضية [أي عام عمرة القضية أو القضاء، و ذلك في سنة سبع من الهجرة، و قد دخل مكة، ثم خرج بعد إكمال عمرته ] بعث أوس بن خوليّ، و أبا رافع إلى العباس، فزوجه بميمونة، فأضلا بعيريهما، فأقاما أياما ببطن رابغ، حتى أدركهما رسول الله صلّى الله عليه و سلم بقديد، و قد ضمّا بعيريهما، فسارا معه حتى قدم مكة، فأرسل إلى العباس، فذكر له ذلك، و جعلت ميمونة أمرها إلى [العباس ]، فخطبها إلى النبي صلّى الله عليه و سلم فزوجها إياه.
قال عبد الكريم الجزري، عن ميمون بن مهران: دخلت على صفية بنت شيبة عجوز كبيرة، فسألتها: أتزوج النبي صلّى الله عليه و سلم ميمونة و هو محرّم؟ قالت: لا، و الله لقد تزوجها و إنهما لحلالان [أخرجه ابن سعد في (الطبقات) من طريق عبد الله بن جعفر الرقى، و رجاله ثقات ].
أيوب، عن يزيد بن الأصم، قال: خطبها صلّى الله عليه و سلم و هو حلال، و بنى بها و هو حلال [أخرجه مسلم في النكاح، باب تحريم نكاح المحرم، و كراهة خطبته، و ابن ماجة عن يزيد بن الأصم، حدثتني ميمونة بنت الحارث أن رسول الله صلّى الله عليه و سلم تزوجها و هو حلال، قال: و كانت خالتي و خالة ابن عباس ].
جرير بن حازم، عن أبى فزارة، عن يزيد بن الأصم، قال: دفنّا ميمونة بسرف، في الظلة التي
إمتاع الأسماع،ج 6،ص:90(1/117)
هلال بن عامر بن صعصعة بن معاوية بن بكر بن هوازن بن منصور بن عكرمة بن حفصة بن قبيس بن غيلان بن مضر، أمها هند بنت عوف بن زهير بن الحارث بن حماطة، من حمير، و قيل: من كنانة، و هي أخت أم الفضل لبابة الكبرى، امرأة العباس، و لبابة الصغرى امرأة الوليد بن المغيرة المخزومي أم خالد بن الوليد، و أخت عصماء امرأة أبىّ بن خلف، و عزة امرأة زياد بن عبد الله الهلالي، و أخت أسماء بنت عميس، و سلمى بنت عميس، و سلامة بنت عميس، و زينب بنت خزيمة.
و كانت عند أبى سبرة بن أبى رهم، و قيل: بل كانت عند أبى رهم عبد العزى بن قيس بن عبد ودّ بن نضر بن مالك بن حسل بن عامر بن
__________________________________________________
[ ()] بنى بها فيها رسول الله صلّى الله عليه و سلم، و قد كانت حلقت في الحج، نزلت في قبرها أنا و ابن عباس. [أخرجه ابن سعد في (الطبقات) و الحاكم في (المستدرك)، و صححه الذهبي، و أقره في (التلخيص)].
و عن عطاء: توفيت ميمونة بسرف، فخرجت مع ابن عباس إليها، فقال: إذا رفعتم نعشها فلا تزلزلوها، و لا تزعزعوها. و قيل: توفيت بمكة، فحملت على الأعناق بأمر ابن عباس إلى سرف، و قال: أرفقوا بها، فإنّها أمكم. [أخرجه ابن سعد في (الطبقات)، و الحاكم في (المستدرك).
و صححه الذهبي في (التلخيص)]. و قال خليفة في (طبقاته): توفيت سنة إحدى و خمسين.
لها ترجمة في: (مسند أحمد): 7/ 463- 473، (طبقات ابن سعد): 8/ 132- 140، (طبقات خليفة)، 338، (تاريخ خليفة): 86، 218، (المعارف): 137- 344، (المستدرك): 4/ 33، (الاستيعاب): 4/ 1914، (تهذيب التهذيب): 12/ 480، ترجمة رقم (2898)، (الإصابة): 8/ 126، ترجمة رقم (11779)، (خلاصة تذهيب الكمال):
496، (كنز العمال): 13/ 708، (شذرات الذهب): 1/ 12، 58، (المواهب اللدنية):
2/ 89- 90، (أسماء الصحابة الرواة): 68، ترجمة رقم (44)، (سير أعلام النبلاء):
2/ 238- 245، ترجمة رقم (27).(1/118)
و قال أبو عبد الله الحاكم: و مما يتعجب من قضاء الله تعالى و قدره: أن رسول الله صلّى الله عليه و سلم بنى بميمونة بنت الحارث بسرف، و ردها إلى المدينة عند منصرفه من عمرة القضاء، و بقيت عنده إلى أن خرج رسول الله صلّى الله عليه و سلم لفتح مكة، و قد أخرجها معه إلى أن فتح الطائف، و انصرف راجعا إلى المدينة، فماتت ميمونة بسرف في الموضع الّذي بنى بها رسول الله صلّى الله عليه و سلم عند تزويجها. (المستدرك):
4/ 33، كتاب معرفة الصحابة باب ذكر أم المؤمنين ميمونة بنت الحارث رضى الله عنها، حديث رقم (6796/ 2394)، و قال الحافظ الذهبي في (التلخيص): على شرط مسلم، ثم قال: و عن ابن شهاب قال: و قدر الله أن يكون موتها بسرف، و قبرت بها.
إمتاع الأسماع،ج 6،ص:91
لؤيّ، و قيل: عند حويطب بن عبد العزى، و قيل: عند أبى رهم بن عبد العزى، و قيل: عند فروة بن عبد العزى بن أسد بن غنم بن دودان، و هو خطأ.
و قيل: هي التي وهبت نفسها للنّبيّ صلّى الله عليه و سلم، و فيها نزلت: وَ امْرَأَةً مُؤْمِنَةً إِنْ وَهَبَتْ نَفْسَها لِلنَّبِيِّ 33: 50 [1] الآية، و الثابت أن النبي صلّى الله عليه و سلم [أرسل ] [2] أبا رافع مولاه، و رجلا من الأنصار يقال له: أوس بن خولى إلى مكة فخطباها عليه، فلما قدم مكة في عمرة القضاء تزوج بها، زوّجه إياها العباس على عشر أواقي و نشّ، و قيل: أربعمائة درهم، و يقال:
تزوجها على ما تركت زينب بنت خزيمة، و خرج من مكة، و خلّف أبا رافع ليحملها، فوافاه بها بسرف، فبنى بها.(1/119)
و قيل: بل بعث إليها بجعفر بن أبى طالب فخطبها، فجعلت أمرها إلى العباس فزوّجها رسول الله صلّى الله عليه و سلم بمكة، و قيل: بل لقي العباس رسول الله صلّى الله عليه و سلم بالجحفة حين اعتمر عمرة القضية فقال له: يا رسول الله، إن ميمونة بنت الحارث تأيمت، هل لك أن تتزوجها؟ فتزوجها و هو محرم، كما خرجاه في الصحيحين من حديث ابن عباس، و قيل: بل كان حلالّا، كما رواه مسلم عن ميمونة، و الترمذي عن أبى رافع و كان اسمها برة، فسماها رسول الله صلّى الله عليه و سلم ميمونة، و بنى بها بسرف بعد ما خرج من مكة، و توفيت بسرف في الموضع الّذي ابنتي بها فيه رسول الله، و ذلك سنة إحدى و خمسين، و قيل: سنة ست و ستين، و قيل: سنة ثلاث و ستين، و صلّى عليها عبد الله بن عباس، و دخل قبرها هو و يزيد بن الأصم، و عبد الله بن شداد بن الهادي، و هم بنو أخواتها، و عبيد الله الخولانيّ و كان يتيما في حجرها، و هي آخر من تزوج النبي صلّى الله عليه و سلم، و قيل: ماتت بمكة فحملت إلى سرف [3] فدفنت هناك.
__________________________________________________
[1] الأحزاب: 50.
[2] زيادة للسياق.
[3] موضع على ستة أميال من مكة (معجم البلدان): 3/ 329، موضع رقم (6378).
إمتاع الأسماع،ج 6،ص:92
فصل [جامع لأزواج النبي صلّى الله عليه و سلم ]
فهؤلاء اثنتي عشرة امرأة، واحدة وهبت نفسها، و ماتت اثنتان في حياته صلّى الله عليه و سلم، و توفى عن تسع هن: سودة، و عائشة، و حفصة، و أم سلمة، و زينب بنت جحش، و أم حبيبة، و جويرية، و صفية، و ميمونة، رضى الله عنهن.
و قد جاء في رواية في الصحيح أنه مات عن إحدى عشرة، و الأول أصح، و قال قتادة بن دعامة: أنه صلّى الله عليه و سلم تزوج خمس عشرة امرأة، فدخل بثلاث عشرة، و جمع بين إحدى عشرة، و مات عن تسع [1].(1/120)
و في رواية: تزوج رسول الله صلّى الله عليه و سلم خمس عشرة امرأة، ست منهن من قريش و واحدة من حلفاء قريش، و سبعة من نساء العرب، و واحدة من بنى إسرائيل، و لم يتزوج في الجاهلية غير واحدة [2].
و عن الزهري و عبد الله بن محمد بن عقيل قالا: تزوج رسول الله صلّى الله عليه و سلم ثنتى عشرة امرأة عربيّة محصنات، و قال أبو عبيدة معمر بن المثنى: و قد ثبت عندنا أن رسول الله صلّى الله عليه و سلم تزوج ثماني عشرة امرأة، سبع [منهن من ] قريش، و واحدة من حلفاء قريش، و تسع من سائر قبائل العرب، و واحدة من بنى إسرائيل.
فأول من تزوج خديجة، ثم سودة بمكة، ثم عائشة قبل الهجرة بسنتين، ثم تزوج بالمدينة بعد بدر أم سلمة، ثم حفصة، فهؤلاء الخمسة من قريش، ثم تزوج في سنة ثلاث زينب بنت جحش، ثم في سنة
__________________________________________________
[1]، (2) (دلائل البيهقي): 7/ 288- 289، (سير أعلام النبلاء): 2/ 254.
إمتاع الأسماع،ج 6،ص:93
خمس جويرية، ثم تزوج في سنة ست أم حبيبة بنت أبى سفيان، ثم في سنة سبع صفية بنت حيي، ثم تزوج ميمونة، ثم فاطمة بنت شريح، ثم زينب بنت خزيمة، ثم هند بنت يزيد، ثم أسماء بنت النعمان، ثم أخت الأشعث بن قيس، ثم أسماء السّلمية [1].
و قال الماوردي: تزوج ثلاثا و عشرين، ستّ متن قبله، و تسع مات قبلهن، و ثمان فارقهن، فاللاتى متن قبله: خديجة، [و زينب أم المساكين ]، و سناء بنت الصلت، و شراف، و خولة بنت الهذيل، و خولة بنت حكيم السلمية ماتت قبل أن يدخل بها، و قيل: هي التي وهبت نفسها.
و روى الحافظ أبو عبد الله محمد بن عبد الواحد المقدسي بنحو قول قتادة عن أنس في كتابه (المختار): و أرجأ من نسائه: سودة، و صفية، و جويرية، و أم حبيبة، و ميمونة، و الإرجاء أن يرجئ من يشاء منهن متى شاء، و يتركها إذا شاء، و كان ذلك من أمر الله تعالى و رضاه.
و أوى من نسائه: عائشة، و حفصة، و زينب، و أم سلمة. و الإيواء:(1/121)
أن يقسم لهن و يسوى بينهن. و عن الشعبي في قول الله تعالى: وَ من ابْتَغَيْتَ مِمَّنْ عَزَلْتَ 33: 51، قال: هنّ نساء وهبن أنفسهن للنّبيّ صلّى الله عليه و سلم لم يدخل بهن، و لم يتزوجهن أحد بعده [2].
__________________________________________________
[1] (دلائل البيهقي): 7/ 288- 289، (سير أعلام النبلاء): 2/ 254.
[2] قال الإمام محمد بن يوسف الشهير بأبي حيان الأندلسى الغرناطي: روى أن أزواجه صلّى الله عليه و سلم لمّا تغايرن و ابتغين زيادة النفقة فهجرهن شهرا، نزل التغيير: يا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْواجِكَ إِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ الْحَياةَ الدُّنْيا وَ زِينَتَها فَتَعالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وَ أُسَرِّحْكُنَّ سَراحاً جَمِيلًا وَ إِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ الله وَ رَسُولَهُ وَ الدَّارَ الْآخِرَةَ فَإِنَّ الله أَعَدَّ لِلْمُحْسِناتِ مِنْكُنَّ أَجْراً عَظِيماً 33: 28- 29 [الأحزاب: 28- 29]، أشفقن أن يطلقهن، فقلن:
يا رسول الله، أفرض لنا من نفسك و مالك ما شئت، و الظاهر أن الضمير في (منهن) عائد على أزواجه صلّى الله عليه و سلم. و الإرجاء: الإيواء.
قال ابن عباس و الحسن: في طلاق ممن تشاء ممن حصل في عصمتك، و إمساك من تشاء. و قالت
إمتاع الأسماع،ج 6،ص:94
و خرج الإمام أحمد من حديث عمار، عن ثابت عن أنس، أن النبي صلّى الله عليه و سلم أرسل أم سليم تنظر إلى جارية فقال: شمّى عوارضها و انظري إلى عرقوبها [1]، و أما النساء اللاتي لم يدخل بهن فهن: الكلبية، تزوجها
__________________________________________________
[ ()] فرقة: في تزوج من تشاء من الواهبات، و تأخير من تشاء. و قال مجاهد، و قتادة، و الضحاك:(1/122)
و تقرر من شئت في القسمة لها، و تؤخر عنك من شئت، و تقلل لمن شئت، و تكثر لمن شئت، لا حرج عليك في ذلك، فإذا علمن أن هذا حكم الله و قضاؤه، زالت الإحنة و الغيرة عنهن، و رضين و قرت أعينهن، و هذا مناسب لما روى في سبب هذه الآية المتقدم ذكره.
وَ من ابْتَغَيْتَ مِمَّنْ عَزَلْتَ 33: 51: أي و من طلبتها من المعزولات و من المفردات، فَلا جُناحَ عَلَيْكَ 33: 51 في ردها أو إيوائها إليك. و يجوز أن يكون ذلك توكيدا لما قبله، أي و من ابتغيت ممن عزلت و من عزلت سواء، لا جناح عليك. كما تقول: من لقيك ممن لم يلقك، جميعهم لك شاكر، تريد من لقيك و من لم يلقك، و في هذا الوجه حذف المعطوف، و غرابة في الدلالة على هذا المعنى بهذا التركيب، و الراجح القول الأول.
و قال الحسن: المعنى: من مات من نسائك اللواتي عندك أو خلّيت سبيلها، فلا جناح عليك أن تستبدل عوضا من اللاتي أحللت لك، فلا تزداد على عدة نسائك اللاتي عندك.
و قال الزمخشريّ: معنى تترك مضاجع من تشاء منهن و تضاجع من تشاء، أو تطلق من تشاء، و تمسك من تشاء، أو لا تقسم لأيتهن شئت، و تقسم لمن شئت، أو تترك من تشاء من أمتك و تتزوج من شئت.
و عن الحسن: كان النبي صلّى الله عليه و سلم إذا خطب امرأة لم يكن لأحد أن يخطبها حتى يدعها، و هذه قسمة جامعة لما هو الغرض، لأنه إما أن يطلق، و إما أن يمسك، فإذا أمسك ضاجع، أو ترك و قسم، أو لم يقسم، و إذا طلق و عزل، فإما أن يخلى المعزولة لا يتبعها أو يتبعها.
و روى أنه صلّى الله عليه و سلم أرجأ منهن: سودة، و جويرية، و صفية، و ميمونة، و أم حبيبة، و كان يقسم لهن ما شاء كما شاء، و كانت ممن أوى إليه: عائشة، و حفصة، و أم سلمة، و زينب، أرجأ خمسا و أوى أربعا.
و روى أنه صلّى الله عليه و سلم كان يسوى بينهن مع ما أطلق له و خيّر فيه إلا سودة، فإنّها وهبت ليلتها لعائشة و قالت: لا تطلقني حتى أحشر في زمرة نسائك.(1/123)
ذلك التفويض إلى مشيئتك أدنى إلى قرة عيونهن، و انتفاء حزنهن و وجود رضاهن، إذا علمت أن ذلك التفويض من عند الله، فحالة كل منهن كحالة الأخرى في ذلك. (البحر المحيط):
8/ 494- 496.
[1] (مسند أحمد): 1/ 110، حديث رقم (13012).
إمتاع الأسماع،ج 6،ص:95
رسول الله صلّى الله عليه و سلم فلما دنا [منها] قالت: أعوذ باللَّه منك، فقال: «عذت بعظيم، الحقي بأهلك» [1]. و قيل: دخل بها، و لكنه لمّا خير نساءه اختارت قومها ففارقها، فكانت بعد ذلك تلقط البعر، و تدخل على أمهات المؤمنين فيتصدقن عليها و تقول: أن الشقية. و ماتت عند أهلها سنة ستين، و كان تزوج رسول الله صلّى الله عليه و سلم بها في سنة ثمان منصرفه من الجعرانة، و قيل: إنها ابنة الضحاك بن سفيان الكلابي، و اسمها فاطمة، و قيل إن الضحاك الكلابي عرض ابنته على رسول الله صلّى الله عليه و سلم و قال من صفتها كذا و كفاك من صحة بدنها أنها لم تمرض قط و لم تصدع، فقال: لا حاجة لنا فيها، هذه تأتينا بخطاياها [2].
و قال الكلبي: التي قال أبوها أنها لم تصدع قط و عرضها على النبي صلّى الله عليه و سلم فقال: لا حاجة لنا بها: سلميّة، و أما الكلبية فاختارت قومها، فذهلت و ذهب عقلها، فكانت تقول: أنا الشقية، خدعت [3].
__________________________________________________
[1] (دلائل البيهقي): 7/ 287، (سير أعلام النبلاء): 2/ 257- 259.
[2] (دلائل البيهقي): 7/ 288.
[3] و أخرج البخاري في كتاب الطلاق، باب (3) من طلّق، و هل يواجه الرجل امرأته بالطلاق؟
حديث رقم (5254): حدثنا الحميدي، حدثنا الوليد، حدثنا الأوزاعيّ قال: سألت الزهري:(1/124)
أي أزواج النبي صلّى الله عليه و سلم استعاذت منه؟ قال: أخبرنى عروة، عن عائشة رضى الله عنها، أن ابنة الجون لما أدخلت على رسول الله صلّى الله عليه و سلم و دنا منها قالت: أعوذ باللَّه منك، فقال لها: لقد عذت بعظيم، الحقي بأهلك. قال أبو عبد الله: رواه حجاج بن أبى منيع عن جده، عن الزهري أن عروة أخبره أن عائشة قالت ...
و حديث رقم (5255): حدثنا أبو نعيم، حدثنا عبد الرحمن بن غسيل، عن حمزة بن أبى أسيد، عن أبى أسيد رضى الله عنه قال: خرجنا مع النبي صلّى الله عليه و سلم حتى انطلقنا إلى حائط يقال له الشوط، حتى انتهينا إلى حائطين جلسنا بينهما، فقال النبي صلّى الله عليه و سلم: اجلسوا هاهنا، و دخل، و قد أتى بالجونية، فأنزلت في بيت في نخل في بيت أميمة بنت النعمان بن شراحبيل، و معها دايتها حاضنة لها، فلما دخل عليها النبي صلّى الله عليه و سلم قال: هبي نفسك لي، قالت: و هل تهب الملكة نفسها للسوقة؟ قال: فأهوى بيده يضع يده عليها لتسكن، فقالت: أعوذ باللَّه منك. فقال: قد عذت بمعاذ، ثم خرج علينا فقال: يا أبا أسيد، اكسها رازقين، و ألحقها بأهلها.
إمتاع الأسماع،ج 6،ص:96
__________________________________________________
[ ()] و حديث رقم (5256، 5257): و قال الحسين بن الوليد النيسابورىّ عن عبد الرحمن، عن عباس بن سهل، عن أبيه و أبى أسيد قالا: تزوج النبي صلّى الله عليه و سلم أميمة بنت شراحبيل، فلما أدخلت عليه بسط يده إليها، فكأنها كرهت ذلك، فأمر أبا أسيد أن يجهزها و يكسوها ثوبين رازقين.(1/125)
و أخرج في كتاب الأشربة، باب (30) الشرب من قدح النبي صلّى الله عليه و سلم و آنيته، حديث رقم (5637): حدثنا سعيد بن أبى مريم، حدثنا أبو غسان قال: حدثني أبو حازم عن سهل بن سعد رضى الله عنه قال: ذكر للنّبيّ صلّى الله عليه و سلم امرأة من العرب، فأمر أبا أسيد الساعدي أن يرسل إليها، فأرسل إليها، فقدمت فنزلت في أجم بنى ساعدة، فخرج النبي صلّى الله عليه و سلم حتى جاءها فدخل عليها، فإذا امرأة منكسة رأسها، فلما كلمها النبي صلّى الله عليه و سلم قالت: أعوذ باللَّه منك! فقال: قد أعذتك منى، فقالوا لها: أ تدرين من هذا؟ قالت: لا، قالوا: هذا رسول الله صلّى الله عليه و سلم جاء ليخطبك، قالت: كنت أنا أشقى من ذلك. فأقبل النبي صلّى الله عليه و سلم يومئذ. حتى جلس في سقيفة بنى ساعدة هو و أصحابه ......
قال الحافظ في (الفتح): و وقع في كتاب (الصحابة) لأبى نعيم، من طريق عبيد بن القاسم عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة، أن عمرة بنت الجون تعوذت من رسول الله صلّى الله عليه و سلم حين أدخلت عليه، قال: لقد عذت بمعاذ ... الحديث، و عبيد متروك. و الصحيح أن اسمها أميمة بنت النعمان بن شراحبيل، كما في حديث أبى أسيد، و قال مرة: أميمة بنت شراحبيل، فنسبت لجدها، و قيل: اسمها أسماء كما سأبينه في حديث أبى أسيد مع شرحه مستوفى.
و روى ابن سعد عن الواقدي، عن ابن أخى الزهري، عن الزهري، عن عروة، عن عائشة قالت:
تزوج النبي صلّى الله عليه و سلم الكلابية ... فذكر مثل حديث الباب. و قوله: الكلابية غلط، و إنما هي الكندية، فكأنما الكلمة تصحفت. نعم، للكلابية قصة أخرى، ذكرها ابن سعد أيضا بهذا السند إلى الزهري و قال: اسمها فاطمة بنت الضحاك بن سفيان، فاستعاذت منه فطلقها، فكانت تلقط البعر و تقول:
أنا الشقية، قال: و توفيت سنة ستين.(1/126)
و من طريق عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده، أن الكندية لما وقع التخيير اختارت قومها، ففارقها، فكانت تقول: أنا الشقية. و من طريق سعيد بن أبى هند أنها استعاذت منه فأعاذها، و من طريق الكلبي اسمها العالية بنت ظبيان بن عمرو.
و حكى ابن سعد أيضا أن اسمها عمرة بنت يزيد بن عبيد، و قيل: بنت يزيد بن الجون. و أشار ابن سعد إلى أنها واحدة اختلف في اسمها، و الصحيح أن التي استعاذت منه هي الجونية، و روى ابن سعد من طريق سعيد بن عبد الرحمن بن أبزى قال: لم تستعذ منه امرأة غيرها.
قلت: و هو الّذي يغلب عليه الظن، لأن ذلك إنما وقع للمستعيذة بالخديعة المذكورة، فيبعد أن تخدع أخرى بمثل ما خدعت به، بعد شيوع الخبر بذلك.
قال ابن عبد البر: أجمعوا على أن النبي صلّى الله عليه و سلم تزوج الجونية، و اختلفوا في سبب فراقه، فقال قتادة: لما دخل عليها دعاها فقالت: تعال أنت. فطلقها، و قيل: كان بها وضح كالعامرية. قال:
إمتاع الأسماع،ج 6،ص:97
و قال الواقدي: تزوج رسول الله صلّى الله عليه و سلم امرأة من بنى عامر، فكان إذا خرج اطلعت إلى أهل المسجد، فأخبرته أزواجه بذلك، فقال إنكن تبغين عليها، فقلن: نحن تركنها و هي تطلع، فلما رآها فارقها.
[أم شريك ]
و أم شريك الأنصارية، قال ابن إسحاق: حدثنا أبو الأشعث، حدثنا زهير بن العلاء، حدثنا سعيد بن أبى عروة، عن قتادة قال: و تزوج رسول الله صلّى الله عليه و سلم أم شريك الأنصارية من بنى النجار، قال: إني أحب أن أتزوج في الأنصار، ثم قال: إني أكره غيرتهن فلم يدخل بها. ذكره الحاكم [1].
[العالية]
و العالية بنت ظبيان بن عمرو بن عوف بن عبد بن أبى بكر بن كلاب، تزوج بها رسول الله صلّى الله عليه و سلم، فمكثت عنده ما شاء الله ثم طلقها، فقيل:
بسبب التطلع، فتزوجها ابن عم لها و دخل بها، و ذلك قبل أن يحرم نكاحهن على الناس، و ولدت له [2].(1/127)
و ذكر الحاكم أنها التي بكشحها بياض، و أنها غير أسماء بنت النعمان ابن يزيد بن عبيد بن رواس بن كلاب، تزوج بها رسول الله صلّى الله عليه و سلم فبلغه أن
__________________________________________________
[ ()] و زعم بعضهم أنها قالت: أعوذ باللَّه منك، فقال: قد عذت بمعاذ و قد أعاذك الله منى، فطلقها.
قال: و هذا باطل، إنما قال له هذا امرأة من بنى العنبر، و كانت جميلة، فخاف نساؤه أن تغلبهن عليه، فقلن لها: إنه يعجبه أن يقال له: نعوذ باللَّه منك، ففعلت، فطلقها. كذا قال، و ما أدرى لم حكم ببطلان ذلك مع كثيرة الروايات الواردة فيه، و ثبوته في حديث عائشة رضى الله تعالى عنها في (صحيح البخاري). (فتح الباري): 9/ 446- 447.
و أخرجه الإمام أحمد في (المسند): 4/ 556، حديث رقم (15631)، و زاد في آخره: قال:
و قال غير أبى أحمد: امرأة من بنى الجون يقال لها أمينة.
[1] (المستدرك): 4/ 37، كتاب معرفة الصحابة، ذكر أم شريك الأنصارية من بنى النجار، حديث رقم (6810/ 2408)، (سير أعلام النبلاء): 2/ 255- 256).
[2] (سير أعلام النبلاء): 2/ 254، (المستدرك): 4/ 36- 37 حديث رقم (6807/ 2405).
إمتاع الأسماع،ج 6،ص:98
بها بياضا، أو رأى بكشحها بياضا [1]، فطلقها، قال ابن الكلبي: و قال أبو عبيدة معمر بن المثنى: تزوج رسول الله صلّى الله عليه و سلم هند بنت يزيد [] القرطاء، من ولد أبى بكر بن كلاب، و بعث إليها أبا أيوب الأنصاري فلما اهتداها رأى بها بياضا فطلقها.
[الكلابية]
و قال الحاكم: و الكلابية قد اختلف في اسمها، فقال بعضهم: هي فاطمة بنت الضحاك بن سفيان الكلابي، و قال بعضهم: هي عمرة بنت يزيد بن عبيد بن رواس بن كلاب بن عامر، و قال بعضهم: هي عالية بنت كيسان بن عمرو بن عوف بن كعب بن عبيد بن كلاب، و قال بعضهم:
هي سبا بنت سفيان بن عوف بن كعب بن عبيد بن أبى بكر بن كلاب [2].(1/128)
و قال بعضهم: لم يكن إلا كلابية واحدة، و إنما اختلف في اسمها، و قال بعضهم: بل كن جمعا [و لكن ] [3] لكل واحدة منهن قصة غير قصة صاحبتها. و ذكر [سعيد] [4] أن [أسماء بنت النعمان ] [3] لما أدخلت عليه لم تكن باليسيرة لما أدخلت، فانتظر بها اليسر، و مات إبراهيم ابن رسول الله على بقية ذلك، فقالت: لو كان نبيا ما مات أحب الناس إليه
__________________________________________________
[1] و زاد الحاكم: فقال لها النبي صلّى الله عليه و سلم: البسى ثيابك و ألحقى بأهلك، و أمر لها بالصداق، و فيه زيد بن كعب بن عجرة قال عنه الحافظ الذهبي في (التلخيص): قال ابن معين: زيد ليس بثقة.
[2] قال الحاكم: هذه ليست بالكلابية إنما هي أسماء بنت النعمان، (الاستيعاب) 4/ 1881، ترجمة رقم (4028) الغفارية، (المستدرك): 4/ 37، كتاب معرفة الصحابة، باب ذكر العالية حديث رقم (6807/ 2405).
[3] زيادة للسياق من (المستدرك).
[4] هو ابن أبى عروبة عن قتادة. (المرجع السابق)، حديث رقم (6809/ 2407)، و سكت عنه الذهبي في التلخيص. و فيه زهير بن العلاء، روى عن أبى حاتم الرازيّ أنه قال: أحاديثه موضوعة كما في (الميزان).
إمتاع الأسماع،ج 6،ص:99
و أعز عليه، فطلقها و أوجب لها المهر، و حرمت على الأزواج [1].
[أسماء بنت عمرو]
و أسماء بنت عمرو بن النعمان بن الحارث بن شراحبيل، كذا قال هشام ابن محمد الكلبي في كتاب (الجامع)، و عند ابن عبد البر أنها أسماء بنت النعمان بن الأسود بن الحارث بن شراحبيل بن النعمان [بن كندة]، و لم يصححه، بل ذكره بصيغة التمريض، و هي من كندة، ثم من معاوية و هو الجون بن آكل المرار، تزوج بها رسول الله صلّى الله عليه و سلم، و كانت من أجمل النساء، و مهرها اثنتي عشرة أوقية و نشا، فقال لها بعض نسائه: أنت بنت ملك، و إن استعذت باللَّه منه حظيت عنده.(1/129)
فلما دخلت عليه دنا منها فقالت: أعوذ باللَّه منك، فقال: عذت بمعاذ عذت، و قال: ارجعي إلى أهلك، فقيل: يا رسول الله، إنها خدعت و هي حدثه، فلم يراجعها، فتزوجها المهاجر بن أمية المخزومي، ثم قيس بن هبيرة المرادي، فأراد عمر رضى الله عنه معاقبتهما فقيل له: إن رسول الله صلّى الله عليه و سلم لم يدخل بها، و لم يضرب عليها الحجاب، و لم تسمّ في أمهات المؤمنين، فأمسك [2].
[قتيلة بنت قيس ]
قال الكلبي: و قال الشوقى بن القطامي: دعاها رسول الله صلّى الله عليه و سلم فقالت:
بل ائتني أنت، فطلقها، و ذكره الحاكم عن قتادة، و قال الكلبي: لما فعل رسول الله صلّى الله عليه و سلم بهذه الكندية ما فعل، كان الأشعث بن قيس الكندي حاضرا، فقال: يا رسول الله، ألا أزوجك قتيلة بنت قيس أختى؟ قال:
__________________________________________________
[1] (تاريخ الإسلام): 2/ 593، فصل عدة أزواجه صلّى الله عليه و سلم.
[2] (المستدرك): 4/ 40، كتاب معرفة الصحابة، حديث رقم (6816/ 2414)، قال الحافظ الذهبي في (التلخيص): سنده واه، و يروى عن زهير بن معاوية أنها ماتت كمدا.
إمتاع الأسماع،ج 6،ص:100
نعم، فتوفى رسول الله صلّى الله عليه و سلم قبل أن يخرج من اليمن، فتزوجها عكرمة بن أبى جهل [1] و ذكر الحاكم عن أبى عبيدة معمر بن المثنى أنه عليه السّلام تزوجها حين قدم عليه وفد كندة، و توفى و لم يقدم عليه. و زعم بعضهم أنه تزوجها قبل وفاته بشهر، و زعم آخرون أنه تزوجها في مرضه، و زعم آخرون أنه أوصى أن تخير فاختارت النكاح، فتزوجها عكرمة بن أبى جهل، و زعم بعضهم أنها ارتدت [2].
[الجونيّة]
و قال الواقدي: قدم النعمان الكندي و كان منزله، بنجد فأسلم، و قال:
يا رسول الله! ألا أزوجك أجمل أيم في العرب؟ فتزوجها على اثنتي عشرة أوقية و نشّ- و ذلك خمسمائة درهم- و وجه أبا أسيد الساعدي فقدم بها، و أنزلها في أطعم بنى ساعدة، و كانت جميلة فائقة الجمال.(1/130)
فاندسّت إليها امرأة من نساء النبي صلّى الله عليه و سلم فقالت: أنت كنت تريدين الحظوة عنده فاستعيذى منه، فإن ذلك يعجبه، فلما جاءها أقعى، ثم أهوى إليها ليقبلها- و كذلك كان يصنع- فقالت: أعوذ باللَّه منك،
__________________________________________________
[1] قال أبو عمرو بن عبد البر: الاختلاف في الكندية كثيرا جدا، منهم من يقول: هي أسماء بنت النعمان، و منهم من يقول: هي أميمة بنت النعمان، و منهم من يقول: أمامة بنت النعمان، و اختلافهم في سبب فراقها على ما رأيت، و الاضطراب فيها و في صواحبها اللواتي لم يجتمع عليهنّ من أزواجه صلّى الله عليه و سلم اضطراب عظيم على ما ذكرنا كثيرا منه في صدر هذا الكتاب، و الحمد للَّه.
(الاستيعاب): 4/ 1787 تعليقا على ترجمة أسماء بنت النعمان بن الجون بن شراحبيل رقم (3232)، (عيون الأثر): 2/ 311.
[2] (المستدرك): 4/ 40، كتاب معرفة الصحابة، ذكر قتيلة بنت قيس أخت الأشعث بن قيس، حديث رقم (6817/ 2415)، قال عنه الذهبي في التلخيص: قتيلة أخت الأشعث بن قيس، قال أبو عبيدة: تزوجها نبي الله صلّى الله عليه و سلم، ثم ذكر الحديث، (المواهب اللدنية): 2/ 97، فصل:
الثامنة، قتيلة.
إمتاع الأسماع،ج 6،ص:101
فانحرف عنها و قال: عذت بمعاذ، و خرج فأمر بردها.
فردها أبو أسيد إلى قومها فقالوا: إنك لغير مباركة، جعلتينا في العرب شهرة، فأقامت في بيتها لا يطمع في بيتها طامع، و لا يراها إلا ذو محرم حتى توفيت في خلافة عثمان عند أهلها بنجد، قال: و كان تزويجه هذه الجونية في ربيع الأول سنة تسع، و يقال: إن عائشة و حفصة رضى الله عنهما توليا مشطها و إصلاح أمرها، فأمراها أن تستعيذ منه إذا دنا منها [1].(1/131)
و عن الزهري: لم يتزوج رسول الله صلّى الله عليه و سلم كندية إلا أخت الجون، ثم فارقها، و عن عروة بن الزبير: أنه ما تزوج أخت الأشعث قط، و لا تزوج كندية إلا أخت بنى الجون. و قال محمد بن حبيب: الجونية امرأة من كندة، و ليست بأسماء ابنة النعمان، كان أبو أسيد قدم بها عليه، [فتولت ] عائشة و حفصة مشطها و إصلاح أمرها، فقالت إحداهما لها:
إن رسول الله يعجبه من المرأة إذا دخلت عليه أن تقول: أعوذ باللَّه منك، فلما دخل عليها و أرخى الستر، ثم مد يده، قالت: أعوذ باللَّه منك، فوضع كمه على وجهه و قال: عذت بمعاذ ثلاث مرات، ثم خرج فأمر أبا أسيد أن يلحقها بأهلها، و يمتعها برازقتين ثياب كتان، فذكروا أنها ماتت كمدا [2].
[مليكة بنت كعب ]
و مليكة بنت كعب الليثي من كنانة، تزوجها في رمضان سنة ثمان، فقالت لها عائشة رضى الله عنها: أما تستحين أن تنكحى قاتل
__________________________________________________
[1] فقالت حفصة لعائشة: أخضبيها أنت و أنا أمشطها، ففعلتا، ثم قالت لها إحداهما: إن النبي صلّى الله عليه و سلم يعجبه من المرأة إذا دخلت عليه أن تقول: أعوذ باللَّه منك، فلما دخلت عليه و أغلق الباب و أرخى الستر مد يده إليها فقالت: أعوذ باللَّه منك، فقال رسول الله صلّى الله عليه و سلم بمكة على وجهه فاستتر به و قال: «عذت بمعاذ» ثلاث مرات. (المستدرك): 4/ 40، حديث رقم (6816/ 2415).
[2] المرجع السابق.
إمتاع الأسماع،ج 6،ص:102
أبيك [1]؟ فقالت: كيف أصنع؟ قالت: استعيذى باللَّه منه، فاستعاذت فطلقها، و قتل أبوها [1] يوم فتح مكة، و قيل: هذه الكندية هي عمرة، و قيل: دخل بمليكة الكنانية فماتت عنده، و أنكر الزهري و غيره أن يكون رسول الله صلّى الله عليه و سلم تزوج كنانية قط [2].
[أم هانئ ](1/132)
و ذكر ابن الكلبي: و خطب رسول الله صلّى الله عليه و سلم أم هانئ بنت أبى طالب فقالت: و لقد كنت أحبك في الجاهلية، فكيف في الإسلام؟ و لكنى امرأة ذات أولاد صغار و أنا أخاف أن يؤذوك، فأمسك عنها و قال: خير نساء ركبن المطايا نساء قريش: أحناهن على ولد في صغر، و أرعاهن على زوج في ذات يد [3].
__________________________________________________
[1] قتله خالد بن الوليد بالخندق (طبقات ابن سعد): 8/ 148.
[2] قال ابن سعد: قال محمد بن عمر: مما يضعف هذا الحديث ذكر عائشة أنها قالت لها: ألا تستحيين ... إلخ، و عائشة لم تكن مع رسول الله صلّى الله عليه و سلم في ذلك السفر. (طبقات ابن سعد):
8/ 148، (تاريخ الإسلام): 2/ 596.
قال القسطلاني: الخامسة [من الزوجات ]: مليكة بنت كعب الليثية، قال بعضهم: هي التي استعاذت من النبي صلّى الله عليه و سلم، و قيل: دخل بها، و ماتت عنده، و الأول أصح، و منهم من ينكر تزويجه بها أصلا. (المواهب اللدنية): 2/ 96، في رواية الواقدي: فطلقها، فجاء قومها فقالوا: يا رسول الله! إنها صغيرة، و لا رأى لها، و إنها خدعت فارتجعها، فأبى عليهم، فاستأذنوه أن يزوجوها، فأذن لهم. (تاريخ الإسلام): 2/ 596.
[3] هي أم هانئ فاختة بنت أبى طالب، أخت عليّ، خطبها صلّى الله عليه و سلم فقالت: إني امرأة مصبية، و اعتذرت إليه، فعذرها. (المواهب اللدنية): 2/ 99. و قال الحافظ الذهبي: و قد خطب صلّى الله عليه و سلم أم هانئ بنت أبى طالب: و ضباعة بنت عامر، و صفية بنت بشامة، و لم يقض له صلّى الله عليه و سلم أن يتزوج بهن، و الله تعالى.
أعلم. (تاريخ الإسلام): 2/ 599.(1/133)
و هذا الحديث رواه البخاري في النكاح، باب إلى من ينكح و أي النساء خير، و في النفقات، باب حفظ المرأة زوجها في ذات يده و النفقة، و رواه مسلم في فضائل الصحابة، باب من فضائل نساء قريش، و لفظه عن أبى هريرة، قال: سمعت رسول الله صلّى الله عليه و سلم يقول: نساء قريش خير نساء ركبن الإبل، أحناه على طفل في صغره، و أرعاه على زوج في ذات يده. و يقول أبو هريرة على إثر ذلك:
و لم تركب مريم بنت عمران بعيرا قط، و لو علمت أنها ركبت بعيرا ما فضّلت عليها أحدا.
إمتاع الأسماع،ج 6،ص:103
__________________________________________________
[ ()] و في رواية: أن النبي صلّى الله عليه و سلم خطب أم هاني بنت أبى طالب، فقالت: يا رسول الله! إني قد كبرت ولى عيال، فقال رسول الله صلّى الله عليه و سلم: خير نساء ركبن الإبل، و في رواية: خير نساء ركبن الإبل صالح نساء قريش .. (جامع الأصول): 9/ 210- 211. قول أبى هريرة: و لم تركب مريم بنت عمران بعيرا قط، فكأنه أراد إخراج مريم من هذا التفضيل، لأنها لم تركب بعيرا قط، فلا يكون فيه تفضيل نساء قريش عليها، و لا يشك لمريم فضلا، و أنها أفضل من جميع نساء قريش، إن ثبت أنها نبية، أو من أكثرهن إن لم تكن نبية.
و يحتمل أن لا يحتاج في إخراج مريم من هذا التفضيل إلى الاستنباط من قوله: ركبن الإبل، لأن تفضيل الجملة لا يستلزم ثبوت كل فرد منها، لأن قوله: ركبن الإبل، إشارة إلى العرب لأنهم الذين يكثر منهم ركوب الإبل، و قد عرف أن العرب خير من غيرهم مطلقا في الجملة فيستفاد منه تفضيلهن مطلقا على نساء غيرهن مطلقا.
و يمكن أن يقال أيضا: إن الظاهر أن الحديث سيق في معرض الترغيب في نكاح القرشيات، فليس فيه التعرض لمريم و لا لغيرها ممن انقضى زمنهن.(1/134)
قوله: صالح نساء قريش، كذا للأكثر بالإفراد، و في رواية، غير الكشمهيني: صلح، بضم أوله و تشديد اللام بصيغة الجمع، فالمحكوم له بالخيرية الصالحات من نساء قريش، لا على العموم، و المراد بالصلاح هنا صلاح الدين، و حسن المخالطة مع الزوج و نحو ذلك.
قوله: أحناه، بسكون المهملة بعدها نون: أكثره شفقة، و الحانية على ولدها هي التي تقوم عليهم في حال يتمهم، فلا تتزوج، فإن تزوجت فليست بحانية. قاله الهروي. و جاء الضمير مذكرا، و كان القياس أحناهن، و كأنه ذكر باعتبار اللفظ و الجنس أو الشخص أو الإنسان. و جاء نحو ذلك في حديث أنس: كان النبي صلّى الله عليه و سلم أحسن الناس وجها و أحسنه خلقا، بالإفراد في الثاني.
و حديث ابن عباس في قول أبى سفيان: عندي أحسن العرب و أجمله أم حبيبة، بالإفراد في الثاني أيضا. قال أبو حاتم السجستاني: لا يكادون يتكلمون به إلا مفردا.
قوله: على ولده، في رواية الكشمهيني: على ولد، بلا ضمير و هو أوجه، و وقع في رواية لمسلم: على يتيم، و في أخرى: على طفل، و التقييد باليتيم و الصغر يحتمل أن يكون معتبرا من ذكر بعض أفراد العموم، لأن صفة الحنو على الولد ثابتة لها لكن ذكرت الحالتان لكونهما أظهر في ذلك.
قوله: و أرعاه على زوج، أي أحفظ و أصون لما لها بالأمانة فيه و الصيانة له، و ترك التبذير في الإنفاق.
قوله: في ذات يده، أي في ماله المضاف إليه، و منه قولهم: فلان قليل ذات اليد أي قليل المال، و في الحديث الحث على نكاح الأشراف خصوصا القرشيات، و مقتضاه أنه كلما كان نسبها أعلى تأكد الاستحباب.
إمتاع الأسماع،ج 6،ص:104(1/135)
و خرج الحاكم من حديث عبيد الله بن موسى، حدثنا إسرائيل عن السدي، عن أبى صالح عن أم هاني قالت: خطبنى النبي عليه السّلام فاعتذرت إليه فعذرني، و أنزل الله: يا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَحْلَلْنا لَكَ أَزْواجَكَ 33: 50 [1] إلى قوله: اللَّاتِي هاجَرْنَ مَعَكَ 33: 50 [1] قالت: فلم أكن [زوجا له ] [2] و لم أهاجر معه، و كنت من الطلقاء. [قال: [2]] هذا حديث صحيح الإسناد و لم يخرجاه [3].
[صفية بنت بشامة]
و صفية بنت بشامة الغيري، أخت الأعور بن بشامة، أخذت سبيّة فعرض عليها أن يتزوجها أو ترد إلى أهلها فاختارت أن ترد فردت [4].
__________________________________________________
[ ()] و يؤخذ منه اعتبار الكفاءة في النسب، و أن غير القرشيات ليس كفأ له، و فضل الحنو و الشفقة و حسن التربية و القيام على الأولاد و حفظ مال الزوج و حسن التدبير فيه.
و يؤخذ منه مشروعية إنفاق الزوج على زوجته. (فتح الباري): 9/ 155- 156 كتاب النكاح، باب (12) إلى من ينكح، و أي النساء خير، و ما يستحبّ أن يتخيّر لنطفه من غير إيجاب، حديث رقم (5082)، (جامع الأصول): 9/ 309، الباب السادس من كتاب الفضائل و المناقب، الفصل الأول في فضل قريش حديث رقم (6790).
[1] الأحزاب: 50.
[2] زيادة للسياق.
[3] لم أجده في المستدرك، لكن قال القسطلاني: الخامسة [من المخطوبات ]: أم هانئ فاختة بنت أبى طالب أخت عليّ، خطبها صلّى الله عليه و سلم فقالت: إني امرأة مصبية، و اعتذرت إليه فعذرها. (المواهب اللدنية): 2/ 99.
[4] قال القسطلاني: الثالثة [من المخطوبات ]: صفية بنت بشامة- بفتح الموحدة و تخفيف الشين المعجمة- كان أصابها في سبى، فخيرها بين نفسه الكريمة و بين زوجها، فاختارت زوجها.
((1/136)
المواهب اللدنية): 2/ 99، و قال الحافظ في (الإصابة): صفية بنت بشامة، أخت الأعور، من بين العنبر بن تميم، ذكرها ابن حبيب في [ (المحبر)] ممن خطبهن النبي صلّى الله عليه و سلم و لم يدخل بهن، قال الحافظ: و أسند ابن سعد عن ابن عباس بسند فيه الكلبي، أن النبي صلّى الله عليه و سلم خطبها، و كان أصابها سباء، فخيرها النبي صلّى الله عليه و سلم فقال: إن شئت أنا و إن شي ء زوجك، فقالت زوجي، فأرسلها، فلعنها بنو تميم. (الإصابة): 7/ 737- 738، ترجمة رقم (11397).
إمتاع الأسماع،ج 6،ص:105
[ليلى بنت الخطيم ]
و ليلى بنت الخطيم بن عدي بن عمرو بن سواد بن ظفر بن الحارث بن الخزرج بن عمرو بن مالك بن الأوس بن حارثة، أتته و هو غافل عنها [فضربت ] [1] على منكبه فقال من هذا أكلة [الأسد] [2]، فقالت: ابنة الخطيم، و بنت مطعم الطير، و مسارى الريح، و قد جئتك أعرض عليك نفسي، فقال: قد قبلتك.
فأتت نساءها فقلن: بئس ما صنعت، أنت امرأة غيور، و رسول الله كثير الضرائر، و نخاف أن تغارى، فيدعو عليك فتهلكى فاستقيليه، فأتت فاستقالته فأقالها، فدخلت بعض حيطان المدينة [تغتسل، إذ وثب عليها ذئب فأكل بعضها، فأدركت فماتت ] [3].
__________________________________________________
[1] في (خ): «فخطأت»، و ما أثبتناه من (الإصابة).
[2] في (خ): «الأسود»، و ما أثبتناه من (الإصابة).
[3] ما بين الحاصرتين سياقة مضطرب في (خ)، و ما أثبتناه من (الإصابة).(1/137)
و قال الحافظ في (الإصابة): ليلى بنت الخطيم بن عدي بن عمرو بن سواد بن ظفر الأنصارية الأوسية، ثم الظفرية. استدركها أبو على الجيانى على (الاستيعاب)، و قال: ذكرها ابن أبى خيثمة و قال: أقبلت على النبي صلّى الله عليه و سلم فقالت: أنا ليلى بنت الخطيم، جئتك أعرض نفسي عليك، فتزوجني، قال قد فعلت، و رجعت إلى قومها، فقالوا: بئس ما صنعت، أنت امرأة غيري، و هو صاحب نساء، ارجعي فاستقيليه، فرجعت فقالت: أقلنى، فقال: قد فعلت.
قال الحافظ: ذكر ذلك ابن سعد عن ابن عباس بسند فيه الكلبي، فذكروا أتم منه، و أوله:
أقبلت ليلى بنت الخطيم إلى النبي صلّى الله عليه و سلم، و هو مولّ ظهره الشمس، فضربت على منكبه، فقال: من هذا أكلة الأسد، و كان كثيرا ما يقولها.
و في آخره: فقال قد أقلتك، قال: و تزوجها مسعود بن أوس بن سواد بن ظفر فولدت له، فبينا هي في حائط من حيطان المدينة تغتسل، إذ وثب عليها ذئب فأكل بعضها فأدركت، فماتت.
ثم أسند عن الواقدي، عن محمد بن صالح بن دينار، عن عاصم بن عمر بن قتادة، قال:
كانت ليلى بنت الخطيم وهبت نفسها للنّبيّ صلّى الله عليه و سلم فقبلها، و كانت تركب بعولتها ركوبا منكرا، و كانت سيئة الخلق ... فذكر نحو القصة دون ما في آخرها، و قال في روايته: فقالت: إنك نبي
إمتاع الأسماع،ج 6،ص:106
[خولة بنت الهذيل ]
[و] [1] خولة بنت الهذيل بن هبيرة، خطبها فهلكت قبل دخولها عليه [2].
[شراف بنت قطام ]
و شراف بنت قطام أخت دحية الكلبي، هلكت قبل دخولها عليه [3].
__________________________________________________
[ ()] الله، و قد أحلّ الله لك النساء، و أنا امرأة طويلة اللسان، لا صبر لي على الضرائر، و استقالته صلّى الله عليه و سلم.(1/138)
و من طريق ابن أبى عون، أن ليلى وهبت نفسها للنّبيّ صلّى الله عليه و سلم، و وهبن نساء أنفسهن، فلم يسمع أن النبي صلّى الله عليه و سلم قبل منهن أحدا، قال: و أمها مشرفة الدار بنت هيشة بن الحارث و أخرج ابن سعد عن الواقدي، حسبته عن عاصم بن عمر بن قتادة، قال: أول من بايع النبي صلّى الله عليه و سلم أم سعد بن معاذ، و هي كبشة بنت أبى رافع بن عبيد، و من بنى ظفر ليلى بنت الخطيم، و من بن عمرو بن عوف ليلى و مريم و سهيمة بنات أبى سفيان الليثي، يقال له: أبو البنات.
و ذكر ابن سعد أيضا: أن مسعود بن أوس تزوجها في الجاهلية، فولدت له عمرة و عميرة، و كان يقال لها: أكله الأسد، و كانت أول امرأة بايعت النبي صلّى الله عليه و سلم و معها ابنتاها، و ابنتان لابنتها، و وهبت نفسها له، ثم استقالة بنو ظفر، فأقالها. (الإصابة): 8/ 103- 104، ترجمة رقم (11710)، (طبقات ابن سعد): 8/ 246 و ما بعدها.
[1] للزيادة للسياق.
[2] هي خولة بنت الهذيل بن قبيصة بن هبيرة بن الحارث بن حبيب بن حرفة- بضم المهملة و سكون الراء بعدها فاء- ابن ثعلبة بن بكر بن حبيب بن عمرو بن غنم بن تغلب التغلبية. قال الحافظ في (الإصابة): و قد ذكرها المفضل بن غسان الغلابي في تاريخه، عن على بن صالح، عن على بن مجاهد، قال: و تزوج النبي صلّى الله عليه و سلم خولة بنت الهذيل، و أمها خرنق بنت خليفة، أخت دحية الكلبي.
، فحملت إليه من الشام، فماتت في الطريق، فنكح خالتها شراف أخت دحية بن خليفة الكلبي، فحملت إليه، فماتت في الطريق أيضا.
و ذكر ابن سعد عن هشام بن الكلبي، عن شرقى بن قطامى، حدثه أن رسول الله صلّى الله عليه و سلم تزوج خولة بنت الهذيل، و أمها بنت خليفة بن فروة، أخت دحية الكلبي، و كانت خالتها شراف بنت خليفة هي التي ربتها فماتت بالطريق قبل أن تصل. (طبقات ابن سعد): 8/ 115، (الإصابة):(1/139)
7/ 608، 609، ترجمة رقم (11093)، 7/ 626- 627، ترجمة رقم (11130)، (الاستيعاب: 4/ 1834، ترجمة رقم (2329).
[3] أخرج الطبراني، و أبو نعيم عنه، من طريق جابر الجعفي، عن ابن أبى مليكة، قال خطب رسول
إمتاع الأسماع،ج 6،ص:107
[ضباعة بنت عامر]
و ضباعة بنت عامر بن قرط بن سلمة بن قشير بن كعب بن ربيعة بن عامر بن صعصعة، مات عنها هشام بن المغيرة، و كانت جميلة، فخطبها رسول الله صلّى الله عليه و سلم، ثم بلغه عنها كبرة و تغيّرا فأمسك عنها، و ضباعة هذه هي التي طافت حول الكعبة عريانة، و لم تجد ثوب حرمىّ تستعيره و لا تكتريه، فقالت:
اليوم يبدو بعضه أو كلّه فما بدا منه فلا أحلّه [1].
__________________________________________________
[ ()] الله صلّى الله عليه و سلم امرأة من بنى كلب، فبعث عائشة تنظر إليها، فذهبت، ثم رجعت، فقالت: ما رأيت طائلا، فقال لها رسول الله صلّى الله عليه و سلم: أ قد رأيت خالا عندها اقشعرّت كل شعرة منك؟ فقالت: ما دونك سرّ.
أورده أبو موسى في (الذيل)، في ترجمة شراف، و قال: قيل إن رسول الله صلّى الله عليه و سلم تزوجها و لم يدخل بها، و بذلك جزم ابن عبد البر.
قال الحافظ: و قد ورد التصريح بذكرها عن ابن سعد، عن هشام الكلبي، عن شرقى بن القطامي، قال: لما هلكت خولة بنت الهذيل تزوج رسول الله صلّى الله عليه و سلم شراف بنت خليفة أخت دحية، و لم يدخل بها، ثم أخرج أثر عائشة المذكور، عن محمد بن عمر، عن الثوري، عن جابر الجعفي، به. (الإصابة): 7/ 726، ترجمة رقم (11370)، (الاستيعاب): 4/ 1868، ترجمة رقم (3397).
[(1/140)
1] ذكرها أبو نعيم، و أخرج من طريق عبد الله بن الأجلح، عن الكلبي، أخبرنى عبد الرحمن العامري، عن أشياخ من قومه، قالوا: أتانا رسول الله صلّى الله عليه و سلم و نحن بعكاظ، فدعانا إلى نصرته و منعته، فأجبناه إذ جاء بيجرة بن فراس القشيري، فغمز شاكلة ناقة رسول الله صلّى الله عليه و سلم، فقمصت به، فألقته، و عندنا يومئذ ضباعة بنت عامر بن قرط، و كانت من النسوة اللاتي أسلمن مع رسول الله صلّى الله عليه و سلم بمكة، جاءت زائرة بنى عمها، فقالت: يا آل عامر، و لا عامر لي، يصنع هذا برسول الله صلّى الله عليه و سلم بين أظهركم و لا يمنعه أحد منكم؟! فقام ثلاثة من بنى عمها إلى بيجرة، فأخذ كل رجل منه رجلا فجلد به الأرض، ثم جلس على صدره، ثم علا وجهه لطما، فقال رسول الله صلّى الله عليه و سلم: اللَّهمّ بارك على هؤلاء، فأسلموا، و قتلوا شهداء. و هذا مع انقطاعه ضعيف، و قد وجدت لضباعة هذه خبرا آخر، ذكره هشام بن الكلبي في الأنساب، عن أبيه، عن أبى صالح، عن ابن عباس قال: كانت ضباعة القشيرية تحت هودة بن على الحنفي، فمات فورثته من ماله، فخطبها ابن عم لها، و خطبها عبد الله بن جدعان، فرغب أبوها
إمتاع الأسماع،ج 6،ص:108
[الكلبية]
و ذكر الواقدي أن رسول الله صلّى الله عليه و سلم خطب امرأة من كلب، فبعث عائشة رضى الله عنها لتنظر إليها، فذهبت ثم رجعت، فقال لها: ما رأيت؟
__________________________________________________
[ ()] في المال، فزوجها من ابن جدعان، و لما حملت إليه تبعها ابن عمها فقال: يا ضباعة، الرجال النخر أحب إليك أم الرجال الذين يطعنون السّور؟ قالت: لا، بل الرجال الذين يطعنون السور.(1/141)
فقدمت على عبد الله بن جدعان، فأقامت عنده، و رغب فيها هشام بن المغيرة، و كان من رجال قريش، فقال لضباعة، أ رضيت لجمالك و هيئتك بهذا الشيح اللئيم؟ سليه الطلاق حتى أتزوجك، فسألت ابن جدعان الطلاق، فقال: بلغني أن هشاما قد رغب فيك، و لست مطلقا حتى تحلفي لي أنك إن تزوجت أن تنحري مائة ناقة سوداء الحدق بين إساف و نائلة، و أن تغزلى خيطا يمد بين أخشبى مكة، و أن تطوفي بالبيت عريانة.
فقالت: دعني انظر في أمرى، فتركها، فأتاها هشام فأخبرته فقال: أما نحر مائة ناقة فهو أهون عليّ من ناقة أنحرها عنك، و أما الغزل، فأنا آمر نساء بنى المغيرة يغزلن لك، و أما طوافك بالبيت عريانة، فأنا أسأل قريشا أن يخلو لك البيت ساعة، فسليه الطلاق، فسألته فطلقها و حلفت له.
فتزوجها هشام، فولدت له سلمة، فكان من خيار المسلمين، و وفى لها هشام بما قال.
قال ابن عباس: فأخبرني المطلب بن أبى وداعة السهمي- و كان لدة رسول الله صلّى الله عليه و سلم- قال: لما أخلت قريش لضباعة البيت، خرجت أنا و محمد و نحن غلامان، فاستصغرونا فلم نمنع، فنظرنا إليها لما جاءت، فجعلت تخلع ثوبا ثوبا و هي تقول:
اليوم يبدو بعضه أو كله فما بدا منه فلا أحلّه
حتى نزعت ثيابها، ثم نشرت شعرها فغطى بطنها و ظهرها، حتى صار في خلخال، فما استبان من جسدها شي ء، و أقبلت تطوف، و هي تقول هذا الشعر.(1/142)
فلما مات هشام بن المغيرة، و أسلمت هي و هاجرت، خطبها النبي صلّى الله عليه و سلم إلى ابنها سلمة، فقال: يا رسول الله، ما عنك مدفع، فأستأمرها؟ قال: نعم، فأتاها، فقالت: إنا للَّه، أ في رسول الله تستأمرنى؟ أنا أسعى لأن أحشر في أزواجه، أرجع إليه فقل له: نعم قبل أن يبدو له، فرجع سلمة فقال له، فسكت النبي صلّى الله عليه و سلم و لم يقل شيئا، و كان قد قيل له بعد أن ولّى سلمة: إن ضباعة ليست كما عهدت، قد كثرت غضون وجهها و سقطت أسنانها من فمها. و ذكر ابن سعد بعض هذا في ترجمتها عن هشام الكلبي، و عنه بهذا السند كانت ضباعة من أجمل نساء العرب، و أعظمهن و خلقة، و كانت إذا جلست أخذت من الأرض شيئا كثيرا، و كانت تغطى جسدها بشعرها، (طبقات ابن سعد): 8/ 109، (الإصابة): 8/ 6، ترجمة رقم (11426)، (الاستيعاب): 4/ 1874- 1875، ترجمة رقم (4018)، (المواهب اللدنية):
2/ 99، السادسة [من المخطوبات ]، ضباعة.
إمتاع الأسماع،ج 6،ص:109
قالت: لم أر طائلا، فقال: لقد رأيت خالا بخدّها اقشعرت له كل شعرة منك؟ فقالت: يا رسول الله! ما دونك ستر. و عن مجاهد: كان رسول الله صلّى الله عليه و سلم إذا خطب فردّ لم يعد، فخطب امرأة فقالت: أستأمر أبى، فاستأمرته فأذن لها، ثم أتت رسول الله صلّى الله عليه و سلم فقال لها: قد التحفنا لحافا غيرك [1].
[أمامة بنت الحارث ]
و خطب أمامة بنت الحارث بن عوف بن أبى حارثة بن مرة بن نشبة بن غيظ بن مرة بن عوف بن سعد بن ذبيان، و كان أبوها أعرابيا جافيا سيد قومه فقال: إن بها بياضا- و كانت العرب تكنى بذلك عن البرص- فقال صلّى الله عليه و سلم: ليكن كذلك، فبرصت من وقتها، فتزوجها يزيد بن حمزة بن عوف بن أبى حارثة، فولدت له الشاعر شبيب بن يزيد المعروف بابن البرصاء [2].
[جمرة بنت الحارث ](1/143)
و خطب جمرة بنت الحارث بن عوف، فقال أبوها: إن بها برصا، و هو كاذب- فبرصت، و هي أم شبيب بن البرصاء الشاعر، قال أبو عبيدة معمر ابن المثنى: و ذكر المدائني أن أم شبيب بن البرصاء اسمها القرصافة بنت الحارث بن عوف بن أبى حارثة [3].
__________________________________________________
[1] (المواهب اللدنية) 2/ 99، الرابعة [من المخطوبات ] و لم يذكر اسمها، قيل إنه صلّى الله عليه و سلم خطبها، فقالت: أستأمر أبى، فلقيت أباها فأذن لها، فعادت إلى النبي صلّى الله عليه و سلم فقال لها: قد التحفنا لحافا غيرك.
[2] (الاستيعاب): 4/ 1788، ترجمة رقم (3235)، (الإصابة): 7/ 499، ترجمة رقم (10815)، و قيل: اسمها قرصافة: (المعارف): 140.
[3] اسمها قرصافة كما في (الإصابة): 7/ 499، ترجمة رقم (10815)، (الإصابة): 7/ 554، ترجمة رقم (10975) [جمرة بنت الحارث ]، (المواهب اللدنية) 2/ 99، (الإصابة): 7/ 530، ترجمة رقم (10419).
إمتاع الأسماع،ج 6،ص:110
و قال الكلبي: كانت أم شبيب أدماء فسميت برصاء على القلب و لم يكن بها برص.
[درة بنت أبى سلمة]
و عرضت عليه صلّى الله عليه و سلم درة بنت أبى سلمة فقال: لو لم تكن أمها عندي لما حلت لي، قد أرضعتنى و أباها ثويبة [1] ... الحديث.
[أمامة بنت حمزة]
و عرضت عليه أمامة بنت حمزة رضى الله عنه فقال: أما علمتم أن أخى حمزة من الرضاعة، و أنه يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب [2]؟
__________________________________________________
[1] هي درة بنت أبى سلمة بن عبد الأسد القرشية المخزومية، ربيبة النبي صلّى الله عليه و سلم بنت امرأته أم سلمة، زوج النبي صلّى الله عليه و سلم، و هي معروفة عند أهل العلم بالسير و الخبر و الحديث، في بنات أم سلمة ربائب رسول الله. صلّى الله عليه و سلم.(1/144)
حدثنا أحمد بن قاسم بن عبد الرحمن، و عبد الوارث بن سفيان، قالا: حدثنا قاسم بن أصبغ، حدثنا الحارث بن أبى أسامة، حدثنا أبو النضر، حدثنا الليث عن يزيد بن أبى حبيب، عن عراك ابن مالك، أن زينب بنت أبى سلمة، أخبرته أن أم حبيبة قالت: يا رسول الله، إنا تحدثنا إنك ناكح درة بنت أبى سلمة، فقال رسول الله صلّى الله عليه و سلم: أعلى أم سلمة؟ لو أنى لم أنكح أم سلمة لم تحل لي، إن أباها أخى من الرضاعة، و في (الإصابة): إنها لو لم تكن ربيبتي في حجري ما حلت لي، لأنها ابنة أخى من الرضاعة. (الإصابة): 7/ 634، ترجمة رقم (11147)، (الاستيعاب):
4/ 1835، ترجمة رقم (3333).
[2] هي أمامة بنت حمزة بن عبد المطلب بن هاشم، و أمها سلمى بنت عميس بن معد بن تيم، أخت أسماء بنت عميس، عاشت بعد رسول الله صلّى الله عليه و سلم و قد روت عنه. (المستدرك): 4/ 74 كتاب معرفة الصحابة، ذكر أمامة بنت حمزة بن عبد المطلب رضى الله عنهما، حديث رقم (6924/ 2522)، (أعلام النساء): 1/ 76، (فتح الباري): 5/ 317، كتاب الشهادات، باب (7) الشهادة على الأنساب، و الرضاع المستفيض، و الموت القديم، و قال النبي صلّى الله عليه و سلم: «أرضعتنى و أبا سلمة ثوبية» و التثبت فيه، حديث رقم (2645)، 9/ 173، كتاب النكاح، باب (21) وَ أُمَّهاتُكُمُ اللَّاتِي أَرْضَعْنَكُمْ 4: 23 و يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب، حديث رقم (5100)، (مسلم بشرح النووي): 10/ 277، كتاب الرضاع، باب (3) تحريم ابنة الأخ من الرضاعة، حديث رقم (12)، (سنن النسائي): 6/ 408، كتاب النكاح، باب (50) تحريم
إمتاع الأسماع،ج 6،ص:111
[أم حبيب ](1/145)
و عرضت عليه بنت العباس رضى الله عنه، فقال: العباس أخى من الرضاع، و يروى أنه قال إن كبرت أم حبيب و أنا حىّ تزوجتها، و في رواية: أنه رأى أم حبيب و هي فوق الفطيم فقال: لئن بلغت بنية العباس هذه و أنا حىّ لأتزوجنها [1]. قال ابن عباس: في هذا تأكيد لقول عائشة رضى الله عنها أنه أحل للنّبيّ صلّى الله عليه و سلم كثيرا من النساء، و أنه لم يحبس على تسع.
[سناء بنت أسماء بنت الصلت ]
و عرضت عليه أسماء- و قيل: سناء- بنت الصلت بن حبيب بن حارثة بن هلال بن حزام بن سماك بن عوف السلمية، و حملت إليه فماتت قبل وصولها إليه [2].
__________________________________________________
[ ()] بنت الأخ من الرضاعة، حديث رقم (3305)، (مسند أحمد): 1/ 557، مسند عبد الله بن عباس، حديث رقم (3134)، (طبقات ابن سعد): 3/ 12.
[1] هي أم حبيبة، و يقال: أم حبيب أيضا- كذلك يقول أكثر أهل النسب- بنت العباس بن عبد المطلب، مذكورة في حديث أم الفضل، أن رسول الله صلّى الله عليه و سلم قال: لو بلغت أم حبيبة بنت العباس و أنا حىّ لتزوجتها. و تزوجها الأسود بن سفيان بن عبد الأسود بن هلال بن عبد الله بن عمر بن مخزوم و أم حبيب بنت العباس أم الفضل بنت الحارث، فهي أخت عبد الله، و الفضل، و عبيد الله، و عبد الرحمن، و قثم، و معبد بنى العباس.(1/146)
قال ابن الأثير: ذكرها ابن إسحاق في رواية يونس بن بكير عنه، عن الحسين بن عبد الله بن عبيد الله ابن العباس، عن عكرمة، عن ابن عباس، قال: نظر رسول الله صلّى الله عليه و سلم إلى أم حبيب بنت العباس تدب بين يديه، فقال: لئن بلغت هذه و أنا حىّ لتزوجتها فقبض صلّى الله عليه و سلم قبل أن تبلغ، فتزوجها الأسود، فولدت له لبابة، سمتها باسم أمها، قال الحافظ في (الإصابة): و هذا يقتضي أن يكون لها رؤية، فتكون من أهل القسم الثاني، لكن ذكرها ابن سعد في الصحابيات، و ذكر أنها ولدت للأسود ابنة أخرى اسمها زرقاء، قال: و ولدها يسكنون مكة (الاستيعاب): 4/ 1928، ترجمة رقم (4134)، (الإصابة): 8/ 186- 187، ترجمة رقم (11956)، (طبقات ابن سعد): 4/ 6.
[2] هي أسماء بنت الصلت السلمية: اختلف فيها و في اسمها، فقال أحمد بن صالح المصري:
إمتاع الأسماع،ج 6،ص:112
و قيل له: يا رسول الله، أ لا تتزوج من نساء الأنصار؟ فقال: إن فيهن غيرة شديدة و أنا صاحب ضرائر، و أكره أن أسوأ قومهن فيهن.
__________________________________________________
[ ()] أسماء بنت الصلت السلمية من أزواج النبي صلّى الله عليه و سلم. و روى عن قتادة نحوه. و قال ابن إسحاق: سناء بنت أسماء بن الصلت السلمية و تزوجها رسول الله صلّى الله عليه و سلم ثم طلقها.
و قال على بن عبد العزيز بن على الحسن الجرجاني النسّابة: هي و سناء بنت الصلت بن حبيب بن جارية بن هلال بن حرام بن سماك بن عوف بن امرئ القيس بن بهثه بن سليم السلمية تزوجها رسول الله صلّى الله عليه و سلم فماتت قبل أن تصل إليه. و قال أبو عمر: قول من قال: سناء بنت الصلت أولى بالصواب إن شاء الله تعالى.
و قال الحافظ في (الإصابة): سناء، بفتح أوله و تخفيف النون، بنت أسماء بن الصلت السلمية.(1/147)
ذكر أبو عبيدة معمر بن المثنى أنها ممن تزوجها رسول الله صلّى الله عليه و سلم فماتت قبل أن يدخل بها. و روى ذلك عن حفص بن النضر، و عبد القادر بن السري السلميين، و قال: هي عمة عبد الله بن خازم- بمعجمتين- بن أسماء بن الصلت أمير خراسان.
قال الحافظ: ذكر ابن أبى خيثمة، عن أبى عبيدة بن عبد القاهر: سماها سنا كالذي هاهنا، و أن غيره سماها وسنا- بزيادة واو في أولها-.
و قال ابن إسحاق: سنا بنت أسماء، و قال غيره: وسنا، حكى ذلك أبو عمر، قال: و لا يثبت من ذلك شي ء من حيث الإسناد، إلا أن قول ابن إسحاق أرجح.
و قال ابن سعد: سنا، و يقال: سبا- بالموحدة و النون- و نسبها ابن حبيب إلى جدها، فساق نسبها إلى بنى سليم، و ذكر أن أسماء أخوها لا أبوها، و ذكر أنها ماتت قبل أن يدخل النبي صلّى الله عليه و سلم بها.
و حكى الرشاطى عن بعضهم أن سبب موتها أنه لما بلغها بأن النبي صلّى الله عليه و سلم تزوجها سرت بذلك حتى ماتت من الفرح (الإصابة): 7/ 713- 714، ترجمة رقم (11338)، (الاستيعاب):
4/ 1783- 1784، ترجمة رقم (3328)، (طبقات ابن سعد): 8/ 149، (المواهب اللدنية):
2/ 97، التاسعة [ممن لم يدخل بهن ]: سنا بنت أسماء بن الصلت السلمية، تزوجها صلّى الله عليه و سلم و ماتت قبل أن يدخل بها، و عند ابن إسحاق: طلقها قبل أن يدخل بها، (المستدرك): 4/ 37، كتاب معرفة الصحابة، ذكر سناء بنت أسماء بن الصلت السلمية، حديث رقم (6811/ 2409):
أخبرنا أبو النضر الفقيه، حدثنا على بن عبد العزيز، حدثنا أبو عبيدة قال: و زعم حفص بن النضر السلمي و عبد القاهر بن السري السلمي، أن النبي صلّى الله عليه و سلم تزوج سناء بنت أسماء بن الصلت السلمية، فماتت قبل أن يدخل بها. قال الحافظ الذهبي في (التلخيص): و زعم حفص بن النضر السلمي، و عبد القاهر بن السري أن النبي صلّى الله عليه و سلم تزوج سنا بنت أسماء بنت الصلت السلمية، فماتت قبل أن يدخل بها.(1/148)
إمتاع الأسماع،ج 6،ص:113
و ذكر الحاكم عن قتادة: أنه- عليه السّلام- تزوج أم شريك الأنصارية من بنى النجار، و قال: إني أحب أن أتزوج في الأنصار، ثم قال: إني أكره غيرتهن، فلم يدخل بها [1]. و قال الزهري: كان صداق رسول الله صلّى الله عليه و سلم الّذي زوج به بناته و تزوج به:
عشر أواقي و نشا، قال عبد الرزاق: و ذلك خمس مائة درهم [2].
و ذكر الواقدي أن رسول الله صلّى الله عليه و سلم كان إذا خطب المرأة قال للذي يخطبها عليه: اذكر لها جفنة سعد بن عبادة الّذي كان يبعث بها، يعنى أنها مرة
__________________________________________________
[1] (المرجع السابق)، حديث رقم (6810/ 2408)، و سكت عنه الحافظ الذهبي في (التلخيص).
[2] قال أبو عبد الله الحاكم: فحدثني أبو بكر بن بالويه، حدثنا إبراهيم بن إسحاق الحربي، حدثنا مصعب بن عبد الله الزبيري، حدثنا عبد العزيز بن محمد، عن يزيد بن عبد الله بن الهاد، عن محمد بن إبراهيم، عن أبى سلمة بن عبد الرحمن، أنه سأل عائشة زوج النبي صلّى الله عليه و سلم: كم أصدق رسول الله صلّى الله عليه و سلم أزواجه؟ قالت: كان صداقه لأزواجه اثنتي عشر أوقية و نصفا، فذلك خمسمائة درهم، فهذا صداق رسول الله صلّى الله عليه و سلم لأزواجه.
قال: هذا حديث صحيح الإسناد، و عليه العمل، و إنما أصدق النجاشي أم حبيبة أربعمائة دينار، استعمالا لأخلاق الملوك في المبالغة في الصنائع، لاستعانة النبي صلّى الله عليه و سلم به في ذلك.
(المستدرك): 4/ 23- 24 كتاب معرفة الصحابة، ذكر أم حبيبة بنت أبى سفيان رضى الله تعالى عنها، حديث رقم (6772/ 2370)، و قال الحافظ الذهبي في (التلخيص): صحيح.
و قال (القسطلاني): و اختلف في أم شريك: هل دخل بها؟ مع الاتفاق على الفرقة.(1/149)
و المستقيلة التي جهل حالها، فالمفارقات بالاتفاق سبع، و اثنتان على خلاف الميتات في حياته بالاتفاق أربع، و مات صلّى الله عليه و سلم عن عشر، واحدة لم يدخل بها. (المواهب اللدنية): 2/ 98، و قد نظم بعضهم زوجات النبي صلّى الله عليه و سلم الّذي مات عنهن:
توفى رسول الله عن تسع نسوة إليهن تعزى المكرمات و تنسب
فعائشة و ميمونة و صفية جويرية مع سودة ثم زينب
كذا رملة مع هند أيضا و حفصة ثلاث و ست نظمهن مهذب
و لبعضهم أيضا:
توفى رسول الله عن تسع نسوة و هي ابنة الصديق رملة حفصة
جويرية هند و زينب سودة و ميمونة و المصطفاة صفية
إمتاع الأسماع،ج 6،ص:114
بلحم و مرة بسمن و مرة بلبن [1]. و قال الواقدي: بلغنا أن رسول الله صلّى الله عليه و سلم طاف على نسائه في غسل واحد [2]، [و يروى ] أنه طاف عليهنّ يغتسل من كل امرأة ...
__________________________________________________
[ ()] (المعارف): 139 «هامش».
قال القسطلاني: و مات عنده صلّى الله عليه و سلم منهن اثنتان: خديجة، و زينب أم المساكين، و مات صلّى الله عليه و سلم عن تسع، ذكر أسماهن الحافظ أبو الحسن بن الفضل المقدسي نظما فقال:
توفى رسول الله عن تسع نسوة إليهن تعزى المكرمات و تنسب
فعائشة و ميمونة و صفية و حفصة تتلوهن هند و زينب
جويرية مع رملة ثم سودة ثلاث و ست ذكرهن مهذب
و هند: هي أم سلمة، و رملة: هي أم حبيبة، (المواهب اللدنية) 2/ 75- 76.
[1] (طبقات ابن سعد): 1/ 409.
[(1/150)
2] قال الإمام النووي: و أما طوافه على نسائه بغسل واحد، فيحتمل أنه صلّى الله عليه و سلم كان يتوضأ بينهما، أو يكون المراد بيان جواز ترك الوضوء، و قد جاء في (سنن أبى داود) أنه صلّى الله عليه و سلم طاف على نسائه ذات ليلة، يغتسل عند هذه و عند هذه، فقيل: يا رسول الله، ألا تجعله غسلا واحدا؟ فقال: هذا أزكى، و أطيب، و أطهر، قال أبو داود: و الحديث الأول أصح، قلت: و على تقدير صحته، يكون هذا في وقت و ذاك في وقت، و الله تعالى أعلم.
و اختلف العلماء في حكمة هذا الوضوء، فقال أصحابنا: لأنه يخفف الحدث، فإنه يرفع الحدث عن أعضاء الوضوء. و قال أبو عبد الله المازري رضى الله عنه: اختلف في تعليله، فقيل: ليبيت على إحدى الطهارتين، خشية أن يموت في منامه. و قيل: بل لعله ينشط إلى الغسل إذا نال الماء أعضاءه.
قال المازري و يجرى هذا الخلاف في وضوء الحائض قبل أن تنام، فمن علل المبيت على طهارة استحبه لها. هذا كلام المازري.
و أما أصحابنا: فإنّهم متفقون على أنه لا يستحب الوضوء للحائض و النفساء، لأن الوضوء لا يؤثر في حدثهما، فإن كانت الحائض قد انقطعت حيضتها، صارت كالجنب و الله تعالى أعلم.
و أما طواف النبي صلّى الله عليه و سلم على نسائه بغسل واحد، فهو محمول على أنه كان برضاهن، أو برضى صاحبة النوبة، إن كانت نوبة واحدة، و هذا التأويل يحتاج إليه من يقول: كان القسم واجبا على رسول الله صلّى الله عليه و سلم في الدوام، كما يجب علينا، و أما من لا يوجبه فلا يحتاج إلى تأويل، فإنه له أن يفعل ما يشاء. و هذا الخلاف في وجوب القسم، هو وجهان لأصحابنا، و الله تعالى أعلم.
إمتاع الأسماع،ج 6،ص:115
غسلا [1]، و أنه قال: أعطيت في الجماع قوة أربعين رجلا [2].
__________________________________________________
[ ((1/151)
)] و في هذه الأحاديث المذكورة في الباب: أن غسل الجنابة ليس على الفور، و إنما يتضيق على الإنسان عند القيام إلى الصلاة، و هذا بإجماع المسلمين.
و قد اختلف أصحابنا في الموجب لغسل الجنابة: هل هو حصول الجنابة بالتقاء الختانين أو إنزال المنى؟
أم هو القيام إلى الصلاة؟ أم هو حصول الجنابة مع القيام إلى الصلاة؟- فيه ثلاثة أوجه لأصحابنا، و من قال: يجب بالجنابة قال: هو وجوب موسع.
و كذا اختلفوا في موجب الوضوء: هل هو الحدث أم القيام إلى الصلاة؟ أم المجموع؟
و كذا اختلفوا في الموجب لغسل الحيض، هل هو خروج الدم أم انقطاعه؟ و الله تعالى أعلم. (مسلم بشرح النووي): 3/ 222، كتاب الحيض، باب (6) جواز نوم الجنب، و استحباب الوضوء له، و غسل الفرج إذا أراد أن يأكل، أو يشرب، أو ينام، أو يجامع، حديث رقم (309)، (عون المعبود): 1/ 253، كتاب الطهارة، باب (85) في الجنب يعود، حديث رقم (215)، عن أنس رضى الله تعالى عنه.
[1] (عون المعبود): 1/ 254، كتاب الطهارة، باب (86) الوضوء لمن أراد أن يعود، حديث رقم (216): حدثنا موسى بن إسماعيل قال: حدثنا حماد بن عبد الرحمن بن أبى رافع، أن النبي صلّى الله عليه و سلم طاف على نسائه، يغتسل عند هذه، و عند هذه. قال: فقلت له: يا رسول الله، ألا تجعله غسلا واحدا؟ قال: هذا أزكى، و أطيب، و أطهر. قال أبو داود: حديث أنس أصح من هذا.
و الحديث يدل على استحباب الغسل قبل المعاودة، و لا خلاف فيه. قال النسائي: ليس بينه و بين حديث أنس اختلاف، بل كان يفعل هذا مرة و ذلك أخرى.
و قال النووي في (شرح مسلم): هو محمول على أنه فعل الأمرين في وقتي مختلفين، و الّذي قالاه هو حسن جدا، و لا تعارض بينهما، فمرّة تركه رسول الله صلّى الله عليه و سلم بيانا للجواز، و تخفيفا على الأمة، و مرة فعله لكونه أزكى و أطهر.(1/152)
و «حديث أنس» المتقدم «أصح من هذا» أي من حديث أبى رافع، لأن حديث أنس مروى من طرق متعددة، و رواته ثقات أثبات، و رواة حديث أبى رافع ليسوا بهذه المثابة، و قول المؤلف هذا ليس بطعن في حديث أبى رافع، لأنه لم ينف الصحة عنه، و أورد حديث أبى رافع في هذا الباب لأن الغسل يشمل الوضوء أيضا. قال المنذري: و أخرجه النسائي و ابن ماجة. (عون المعبود):
1/ 254.
[2] قال ابن القيم: و كان قد أعطى قوة ثلاثين في الجماع و غيره، و أباح الله له من ذلك ما لم يبحه لأحد من أمته صلّى الله عليه و سلم (زاد المعاد): 1/ 151، فصل في هديه في النكاح، و معاشرته صلّى الله عليه و سلم أهله.
و قال أنس رضى الله عنه: كان يدور على نسائه في الساعة الواحدة من الليل، و هنّ إحدى عشرة، قلت لأنس: أو كان يطيقه؟ قال: كنا نتحدث أنه صلّى الله عليه و سلم أعطى قوة ثلاثين. رواه البخاري من طريق قتادة. و قال سعيد عن قتادة: إن أنسأ حدثهم: تسع نسوة. (فتح الباري): 1/ 497، كتاب
إمتاع الأسماع،ج 6،ص:116
__________________________________________________
[ ()] الغسل، باب (12) إذا جامع ثم عاد. و من دار على نسائه في غسل واحد، حديث رقم (268)، باب (24) الجنب يخرج و يمشى في السوق و غيره، حديث رقم (284)، 9/ 140، كتاب النكاح، باب (4) كثرة النساء، حديث رقم (5068)، 9/ 394، كتاب النكاح، باب (103) من طاف على نسائه في غسل واحد، حديث رقم (5215).(1/153)
و ذكر القاضي عياض أن الحكمة في طوافه عليهنّ في الليلة الواحدة كان لتحصينهن، و كأنه أراد به عدم تشوفهن للأزواج، إذ الإحصان له معان، منها: الإسلام، و الحرية، و العفة، و الّذي يظهر أن ذلك إنما كان لإرادة العدل بينهن في ذلك، و إن لم يكن واجبا، و في التعليل الّذي ذكره نظر، لأنهن حرم عليهنّ التزويج بعده، و عاش بعضهن بعده خمسين سنة فما دونها، و زادت آخرهن موتا على ذلك. (الشفا بتعريف حقوق المصطفى): 1/ 51 و ما بعدها، فصل: و الضرب الثاني ما يتفق التمدح بكثرته، و الفخر بوفوره كالنكاح و الجاه، (فتح الباري): شرح الحديث رقم (5215) مختصرا.
قال الحافظ في (الفتح): و في هذا الحديث من الفوائد: ما أعطى النبي صلّى الله عليه و سلم من القوة على الجماع، و هو دليل على كمال البنية، و صحة الذكورية، و الحكمة في كثرة أزواجه صلّى الله عليه و سلم أن الأحكام التي ليست ظاهرة يطلعن عليها، فينقلنها، و قد جاء عن عائشة من ذلك الكثير الطيب، و من ثم فضلها بعضهم على الباقيات.
نقل الحافظ في (الفتح) كلام ابن حبان هذا في الجمع بين الروايتين بأن حمل ذلك على حالتين، ثم تعقبه بقوله: لكنه و هم في قوله: إن الأولى كانت في أول قدومه المدينة، حيث كان تحته صلّى الله عليه و سلم تسع نسوة، و الحالة الثانية في آخر الأمر، حيث اجتمع عنده إحدى عشر امرأة.
و موضع الوهم منه أنه صلّى الله عليه و سلم لما قدم المدينة لم يكن تحته امرأة سوى سودة، ثم دخل على عائشة بالمدينة، ثم تزوج أم سلمة، و حفصة، و زينب بنت خزيمة في السنة الثالثة و الرابعة، ثم تزوج زينب بنت جحش في الخامسة، ثم جويرية في السادسة، ثم صفية، و أم حبيبة، و ميمونة في السابعة، و هؤلاء جميع من دخل بهن من الزوجات بعد الهجرة على المشهور.(1/154)
و اختلف في ريحانة- و كانت من سبى بنى قريظة- فجزم ابن إسحاق بأنه عرض عليها أن يتزوجها، و يضرب عليها الحجاب، فاختارت البقاء في ملكه، و الأكثر على أنها ماتت قبله في سنة عشر، و كذا ماتت زينب بنت خزيمة بعد دخولها عليه بقليل. قال ابن عبد البر: مكثت عنده شهرين أو ثلاثة.
فعلى هذا لم يجتمع عنده من الزوجات أكثر من تسع، مع أن سودة كانت وهبت يومها لعائشة، فرجحت رواية سعيد، لكن تحمل رواية هشام على أنه ضم مارية و ريحانة إليهن، و أطق عليهنّ لفظ «نسائه» تغليبا.
إمتاع الأسماع،ج 6،ص:117
و قد اختلف في الحجاب، فذكر أبو الحسن المدائني في كتاب (النساء اللاتي لم يكن مستترات): حدثنا ابن مجاهد عن ابن إسحاق قال: كنّ نساء الجاهلية لا يستترن، فقالت هند بنت عتبة لرسول الله صلّى الله عليه و سلم: بأبي أنت و أمى، ما أكرم هذا الدين لو لا خصال فيه، قال: ما هي؟ قالت:
منهن هذا القناع، فلا نعرف ذعرا من [فزع ]، قال: لا بدّ من التستر.
و كان في الإسلام يقصد الرجل امرأته فيدخل عليها الداخل فلا تقف المرأة و يقعد الرجل امرأته للرجل (انتهى).
و عن مجاهد عن ابن عباس رضى الله عنه قال: أكل عمر رضى الله عنه مع النبي صلّى الله عليه و سلم، فأصابت يده بعض نسائه فأمر بالحجاب.
قال الواقدي: و نزل الحجاب في ذي القعدة سنة خمس، و قوم يقولون نزل بمكة في حجة الوداع [1].
__________________________________________________
[ ()] قال أبو حاتم رضى الله تعالى عنه: في خبر هشام الدستوائى عن قتادة: «و له يومئذ تسع نسوة».(1/155)
أما خبر هشام، فإن أنسا حكى ذلك الفعل منه صلّى الله عليه و سلم في أول قدومه المدينة، حيث كانت تحته إحدى عشرة امرأة، و خبر سعيد عن قتادة إنما حكاه أنس في آخر قدومه المدينة صلّى الله عليه و سلم، حيث كانت تحته تسع نسوة، لأن هذا الفعل كان منه صلّى الله عليه و سلم مرارا كثيرة، لا مرة واحدة، (الإحسان): 4/ 10- 11، كتاب الطهارة، باب (7) أحكام الجنب، حديث رقم (1209)، (المواهب اللدنية): 2/ 479، باب قوته صلّى الله عليه و سلم في النكاح، ثم قال القسطلاني: و نبينا محمد صلّى الله عليه و سلم لما خيّر بين أن يكون نبيا ملكا أبى ذلك، و اختار أن يكون نبيا عبدا، فأعطى من الخصوصية ذلك القدر لكونه صلّى الله عليه و سلم اختار الفقر و العبوديّة، فأعطى الزائد لخرق العادة في النوع الّذي اختار، و هو الفقر و العبوديّة، فكان صلّى الله عليه و سلم يربط على بطنه الأحجار من شدة الجوع و المجاهدة، و هو على حاله في الجماع، لم ينقصه شيئا، و الناس أبداً إذا أخذهم الجوع و المجاهدة لا يستطيعون ذلك، فهو أبلغ في المعجزة. قاله في (بهجة النفوس).
و الله تعالى أعلم. (المرجع السابق): 485.
[1] قوله تعالى: وَ إِذا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتاعاً فَسْئَلُوهُنَّ من وَراءِ حِجابٍ ذلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَ قُلُوبِهِنَّ 33: 53 عطف على جملة لا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ 33: 53 فهي زيادة بيان للنهى عن دخول البيوت النبويّة، و تحديد لمقدار الضرورة التي أدّت إلى دخولها أو الوقوف بأبوابها، و هذه الآية شارعة حكم حجاب أمهات المؤمنين، و قد قيل: إنها نزلت في ذي القعدة سنة خمس. (تفسير التحرير و التنوير): 4/ 90.
إمتاع الأسماع،ج 6،ص:118
و للإمام أحمد من حديث سفيان عن عمر عن عطاء عن عائشة قالت:(1/156)
ما مات رسول الله صلّى الله عليه و سلم حتى أحل له النساء [1]، و في رواية عن عطاء عن عائشة رضى الله عنها، ما قبض رسول الله صلّى الله عليه و سلم حتى أحل الله له أن يتزوج من النساء من شاء إلا ذات زوج، لقوله تعالى: تُرْجِي من تَشاءُ مِنْهُنَّ وَ تُؤْوِي إِلَيْكَ من تَشاءُ وَ من ابْتَغَيْتَ مِمَّنْ عَزَلْتَ فَلا جُناحَ عَلَيْكَ 33: 51 [2].
و خرج الإمام أحمد من حديث عاصم عن معاذة عن عائشة، أن النبي صلّى الله عليه و سلم كان يستأذن إذا كان يوم المرأة منا، بعد أن نزلت هذه الآية تُرْجِي من تَشاءُ مِنْهُنَّ وَ تُؤْوِي إِلَيْكَ من تَشاءُ وَ من ابْتَغَيْتَ مِمَّنْ عَزَلْتَ فَلا جُناحَ عَلَيْكَ 33: 51 قالت: فقلت لها: ما كنت تقولين له؟ قالت: كنت أقول له: إن كان ذلك إليّ فإنّي لا أريد يا رسول الله أن أؤثر عليك أحدا [3].
و عن أبى أمامة بن سهل بن حنيف في قوله تعالى: لا يَحِلُّ لَكَ النِّساءُ من بَعْدُ وَ لا أَنْ تَبَدَّلَ بِهِنَّ من أَزْواجٍ 33: 52، قال: حبس رسول الله صلّى الله عليه و سلم عن نسائه فلم يتزوج بعدهن [4].
و عن أبى زرين قال: همّ رسول الله صلّى الله عليه و سلم أن يطلّق نساءه، فلما رأين ذلك
__________________________________________________
[1] (مسند أحمد): 7/ 63، حديث رقم (23617).
[2] الأحزاب: 51.
[3] (مسند أحمد) 7/ 112- 113، حديث رقم (23955).
[(1/157)
4] حدثنا عبد الرزاق، عن معمر، عن الحسن في قوله تعالى: لا يَحِلُّ لَكَ النِّساءُ 33: 52 من بعد هؤلاء اللاتي عندك. قال الحسن: لما خيّرهن، فاخترن الله و رسوله، قصر عليهنّ، فقال: لا يَحِلُّ لَكَ النِّساءُ من بَعْدُ 33: 52، يقول: من بعد هؤلاء اللاتي عندك. (تفسير عبد الرزاق): 2/ 99، مسألة رقم (2365)، و قال: حدثنا عبد الرزاق، عن معمر، عن الكلبي، قال: لا يَحِلُّ لَكَ النِّساءُ من بَعْدُ 33: 52 يقول: ما قصّ الله عليك من بنات العم، و بنات الخال، و بنات و بنات ...، (المرجع السابق): مسألة رقم (2367). و أخرج الترمذي و حسنه عن ابن عباس، قال: نهى رسول الله صلّى الله عليه و سلم عن أصناف النساء إلا ما كان من المؤمنات المهاجرات، قال: لا يَحِلُّ لَكَ النِّساءُ من بَعْدُ وَ لا أَنْ تَبَدَّلَ بِهِنَّ من أَزْواجٍ وَ لَوْ أَعْجَبَكَ حُسْنُهُنَّ إِلَّا ما مَلَكَتْ يَمِينُكَ 33: 52 [الأحزاب: 52].
إمتاع الأسماع،ج 6،ص:119
جعلته في حل من أنفسهن يؤثر من يشاء، فأنزل الله وَ تُؤْوِي إِلَيْكَ من تَشاءُ 33: 51، يقول: تعزل من تشاء فكان ممن عزل: سودة، و أم حبيبة، و صفية، و جويرية، و ميمونة، و جعل يأتى عائشة و حفصة، و زينب، و أم سلمة.
و قوله تعالى: تُرْجِي من تَشاءُ 33: 51، يقول: من تشاء في غير طلاق، ثم قال تعالى: لا يَحِلُّ لَكَ النِّساءُ من بَعْدُ وَ لا أَنْ تَبَدَّلَ بِهِنَّ من أَزْواجٍ 33: 52، يقول:
من المسلمات [1].
و كان يستتر في الجماع، فجاء من طرق عن عائشة، ما نظرت إلى فرج رسول الله صلّى الله عليه و سلم قط، و في رواية: ما رأيت عورة رسول الله صلّى الله عليه و سلم قط، و عنها أنها قالت: ما أتى رسول الله صلّى الله عليه و سلم أحدا من نسائه إلا مقنعا يرخى الثوب على رأسه، و ما رأيته من رسول الله و لا رآه منّى» [2].(1/158)
و خرج الخطيب أبو بكر الحافظ، من طريق منصور بن عمار قال: حدثني معروف أبو الخطاب قال: سمعت واثلة بن الأسقع يقول: سمعت أم سلمة تقول: كان رسول الله صلّى الله عليه و سلم إذا أتى امرأة من نسائه غمض عينيه و قنع رأسه [زاد الخلال ]، و قال للتي تكون تحته: عليك بالسكينة و الوقار [3].
و أدّب أزواجه بالهجر، قال الإمام أحمد: حدثنا عبد الرزاق، حدثنا
__________________________________________________
[1] حدثنا عبد الرزاق، عن معمر، عن منصور، عن أبى رزين، في قوله تعالى: تُرْجِي من تَشاءُ مِنْهُنَّ 33: 51، قال: المرجئات: ميمونة، و سودة، و صفية، و جويرية، و أم حبيبة، و كانت عائشة و حفصة، و أم سلمة، و زينب، سواء في قسم النبي صلّى الله عليه و سلم و كان النبي صلّى الله عليه و سلم يساوى بينهن في القسم. (تفسير عبد الرزاق): 2/ 99، مسألة رقم (2361).
[2] (مسند أحمد): 7/ 93، حديث رقم (23823): حدثنا عبد الله حدثني أبى، حدثنا وكيع، حدثنا سفيان عن منصور، عن موسى بن عبد الله بن يزيد الخطميّ، عن مولى لعائشة، عن عائشة قالت: ما أنظرت إلى فرج النبي صلّى الله عليه و سلم قط- أو ما رأيت فرج النبي صلّى الله عليه و سلم قط-، 7/ 292، حديث رقم (25040).
[3] (تاريخ بغداد): 5/ 162، ترجمة أحمد بن محمويه بن أبى سلمة المدائني رقم (2607)، و ما بين الحاصرتين زيادة للسياق منه.
إمتاع الأسماع،ج 6،ص:120(1/159)
جعفر بن سليمان، عن ثابت قال: حدّثتنى شميسة- أو سمية- [قال عبد الرزاق: هو في كتابي سمينة] [1] عن صفية بنت حىّ، أن النبي صلّى الله عليه و سلم حج بنسائه، حتى إذا كان في بعض الطريق، نزل رجل فساق بهن فأسرع، فقال النبي صلّى الله عليه و سلم: كذاك سوقك بالقوارير- يعنى النساء-. فبينما هم يسيرون، برك بصفية بنت حيي جملها- و كانت من أحسنهن ظهرا- فبكت، و جاء رسول الله صلّى الله عليه و سلم حين أخبر بذلك فجعل يمسح دموعها بيده، و جعلت تزداد بكاء و هو ينهاها، فلما أكثرت زبرها و انتهرها، و أمر الناس بالنزول، و لم يكن يريد أن ينزل، قالت: فنزلوا، و كان يومى، فلما نزلوا ضرب خباء رسول الله و دخل فيه، قالت: فلم أدر علام أهجم من رسول الله، و خشيت أن يكون في نفسه شي ء [منى ] [1].
فانطلقت إلى عائشة فقلت لها: تعلمين أنى لم أكن لأبيع يومى من رسول الله بشي ء أبدا، و إني قد وهبت يومى لك على أن ترضى رسول الله [عنى؟] [1] قالت: نعم، فأخذت عائشة خمارا لها قد ثردته بزعفران فرشته بالماء ليذكى ريحه، ثم لبست ثيابها، ثم انطلقت إلى رسول الله صلّى الله عليه و سلم فرفعت طرف الخباء فقال لها: ما لك يا عائشة! إن هذا ليس بيومك، قالت: ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء. فقال [2] مع أهله، فلما كان عند الرواح قال لزينب بنت جحش: [يا زينب ] [1] أفقرى صفية جملا- و كانت من أكثرهن ظهرا- فقالت: أنا أفقر يهوديتك؟ فغضب النبي صلّى الله عليه و سلم حين سمع ذلك منها، فهجرها فلم يكلمها حتى قدم مكة و أيام منى في سفره حتى رجع إلى المدينة و المحرم و صفر، فلم يأتها و لم يقسم لها و يئست منه.
__________________________________________________
[1] زيادة للسياق من (المسند).
[2] من القيلولة و هي نوم الظهيرة.
إمتاع الأسماع،ج 6،ص:121(1/160)
فلما كان شهر ربيع الأول دخل عليها فرأت ظله فقالت: إن هذا لظل رجل، و ما يدخل عليّ النبي! فمن هذا؟ فدخل النبي صلّى الله عليه و سلم فلما رأته قالت:
يا رسول الله! ما أدرى ما أصنع حين دخلت عليّ.
قالت: و كانت لها جارية، و كانت تخبؤها من النبي صلّى الله عليه و سلم، فقالت: فلانة لك، فمشى النبي صلّى الله عليه و سلم إلى سرير زينب- و كان قد رفع- فوضعه بيده ثم أصاب أهله و رضى عنهم [1].
و قد ثبت في الصحيحين و غيرهما، أن النبي صلّى الله عليه و سلم الى من نسائه شهرا [2] و اعتزلهن لشي ء صدر منهن، فقيل: لأنهن سألنه من النفقة ما
__________________________________________________
[1] (مسند أحمد) 7/ 474- 475، حديث رقم (26325)، و حديث رقم (26326): حدثنا عبد الله، حدثني أبى، حدثنا عفان، حدثنا حماد- يعنى ابن سلمة- قال: حدثنا ثابت عن سمية، عن عائشة: أن رسول الله صلّى الله عليه و سلم كان في سفر فاعتل بعير لصفية .. فذكره نحوه.
[2] الإيلاء في اللغة: الحلف. و في الشرع: الحلف على ترك وطء الزوجة. و إن ترك الوطء بغير يمين لم يكن مؤليا، فإذا كان تركه لعذر من مرض، أو غيبة، و نحوه، لم تضرب له مدة، و إن تركه مضرا بزوجته، ففي رواية له أربعة أشهر، فإن وطئها، و إلا دعي بعدها إلى الوطء، فإن امتنع منه أمر بالطلاق، كما يفعل في الإيلاء سواء، و في رواية أخرى: لا تضرب له مدة.
و الألفاظ التي يكون بها مؤليا، ثلاثة أقسام.
الأول: ما هو صريح في الحكم و الباطن- أي في القضاء و الديانة- جميعا، و هو ثلاثة ألفاظ، قوله: و الله لا آتيك، و لا أدخل، و لا أغيّب، أو أولج ذكرى في فرجك، و لا أفتضك- إذا كانت الزوجة بكرا- فهذه صريحة و لا يديّن فيها.(1/161)
الثاني: صريح في الحكم، و يديّن فيما بينه و بين الله تعالى، و هي عشرة ألفاظ: لا وطئتك، و لا جامعتك، و لا أصبتك، و لا باشرتك، و لا مسستك، و لا قربتك، و لا أتيتك، و لا باضعتك، و لا باعلتك، و لا اغتسلت منك. فهذه صريحة في الحكم، و أشهرها الجماع و الوطء، فلو قال: أردت بالوطء الوطء بالقدم، و بالجماع اجتماع الأجسام، و بالإصابة الإصابة باليد، دين فيما بينه و بين الله تعالى و لم يقبل الحكم.
الثالث: ما لا يكون إيلاء إلا بالنية، و هو ما عدا هذه الألفاظ مما يحتمل الجماع و غيره، كقوله:
و الله لا قربت فراشك، لا نمت عندك، فهذه الألفاظ إن أراد بها الجماع و اعترف بذلك، كان مؤليا، و إلا فلا.
و هذا النوع الثالث منه ما يفتقر إلى نية الجماع و المدة، حتى تعتبر إيلاء، و ذلك مثل:
إمتاع الأسماع،ج 6،ص:122
__________________________________________________
[ ()] لأسوءنك، لأغيظنك، لتطولن غيبتي عنك، فلا يكون مؤليا، حتى ينوى بها ترك الجماع مدة تزيد على أربعة أشهر، و منه ما يكون مؤليا بنية فقط، و هو سائر ألفاظ الكناية.
و إن قال: و الله ليطولن تركي لجماعك، أو لوطئك، أو لإصابتك، فهذا صريح في ترك الجماع، و تعتبر نية المدة دون نية الوطء.
و إن قال لإحدى زوجتيه: و الله لا وطئتك، ثم قال للأخرى: أشركتك معها، لم يصر مؤليا من الثانية على قول، و على آخر يكون مؤليا. و كذلك لو الى رجل من زوجته، فقال آخر لامرأته: أنت مثل فلانة لم يكن مؤليا، و إن قال: إن وطئتك فأنت طالق، ثم قال لزوجته الأخرى: أشركتك معها، و نوى، فقد صار طلاق الثانية معلقا على وطئها- أي وطء الثانية- أيضا.(1/162)
و يصح الإيلاء بكل لغة من العجمية و غيرها ممن يحسن العربية و ممن لا يحسنها، فإن آلى بالعجمية من لا يحسنها و هو لا يدرى معناها لم يكن مؤليا، و إن نوى موجبها عند أهلها، و كذلك الحكم إذا آلى بالعربية من لا يحسنها، فإن اختلف الزوجان في معرفته بذلك، فالقول قول الزوج، إذا كان متكلما بغير لسانه.
فأما إن آلى العربيّ بالعربية، ثم قال: جرى على لساني من غير قصد، أو قال ذلك العجمي في إيلائه بالعجمية لم يقبل في الحكم.
و يصح الإيلاء بأن يحلف باللَّه تعالى، أو بصفة عن صفاته. و لا خلاف بين أهل العلم في أن الحلف بذلك إيلاء، فأما إن حلف على ترك الوطء بغير ذلك مثل: أن يحلف بطلاق، أو عتاق، أو صدقة المال، أو الحج، أو الظهار، فلا يكون مؤليا، في الرواية المشورة، و في الأخرى: هو مؤل، و على الرواية الأخيرة لا يكون مؤليا، إلا أن يحلف بما يلزمه بالحنث فيه حق، كقوله: إن وطئتك فعبدي حر، أو فلله عليّ صوم سنة، أو فأنت طالق، أو فأنت عليّ حرام، و نحوه، فهذا يكون إيلاء.
و يكون مؤليا بنذر فعل المباحات و المعاصي أيضا، فإن نذر المعصية موجب للكفارة في ظاهر المذهب، و إذا استثنى في يمينه- قال: إن شاء الله- لم يكن مؤليا بلا خلاف إذا كانت اليمين باللَّه تعالى، أو كانت يمينا مكفرة- منعقدة- فأما تعليق الطلاق و العتاق، فمن جعل الاستثناء فيهما غير مؤثر، فوجوده كعدمه، و يكون مؤليا بهما، سواء استثنى أم لم يستئن.
و لا يشترط في الإيلاء الغضب. و لا قصد الإضرار، و يصح الإيلاء من كل زوج مكلف قادر على الوطء. أما العاجز عن الوطء، فإن كان لعارض مرجوّ زواله، كالمرض، و الحبس، صح إيلاؤه. و إن كان غير موجوّ الزوال كالجبّ- قطع الذكر- و الشلل لم يصح إيلاؤه، و هو الأولى.(1/163)
و أما الخصىّ الّذي سلت بيضتاه، أو رضتا، فيمكن منه الوطء، و ينزل ماء رقيقا، فيصح إيلاؤه، و كذلك المجبوب الّذي بقي من ذكره ما يمكن الجماع به، و يصح إيلاء الذمي و يلزمه ما يلزم المسلم إذا تقاضى إلينا.
و يصح الإيلاء من كل زوجة، مسلمة كانت أو ذمية، حرة كانت أو أمة، و يصح الإيلاء من المجنونة، و الصغيرة، إلّا أنه لا يطالب بالفيئة في الصغر و الجنون، فأما الرتقاء، و القرناء، فلا يصح
إمتاع الأسماع،ج 6،ص:123
__________________________________________________
[ ()] الإيلاء منهما، و يحتمل أن يصح و تضرب له المدة، و يفي ء في ء المعذور.
و إن الى من زوجته المطلقة رجعيا صح إيلاؤه، و روى أنه لا يصح، و إذا آلى منها احتسب بالمدة من حين آلى، و إن كانت في العدة. و قيل: لا يحتسب عليه المدة إلا حين يراجعها.
و أما توجيه الإيلاء لأكثر من زوجة، فإن قال لأربع نسوة. و الله لا أقربكن فهو مؤل منهن كلهن في الحال. فإن وطئ واحدة منهن حنث، و انحلت يمينه، و زال الإيلاء من البواقي. و إن طلق بعضهن أو ماتت لم ينحل الإيلاء في الباقيات.
و قيل لا يكون مؤليا منهن في الحال، فإن وطئ ثلاثا صار مؤليا من الرابعة فقط، و إن مات بعضهن أو طلقها انحلت يمينه و زال الإيلاء، فإن راجع المطلقة أو تزوجها بعد بينونتها عاد حكم يمينه، و قيل:
إن وطئ واحدة حنث، و لم ينحل الإيلاء في الباقيات.
و مدة الإيلاء أربعة أشهر في حق الأحرار، و العبيد المسلمين، و أهل الذمة سواء، و لا فرق بين الحرة و الأمة، و المسلمة و الذمية، و الصغيرة و الكبيرة، و روى أن مدة إيلاء العبيد شهران. (المغنى): 11/ 107- 116 مختصرا من المعجم.
قال تعالى: لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ من نِسائِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ فَإِنْ فاؤُ فَإِنَّ الله غَفُورٌ رَحِيمٌ 2: 226 [البقرة:(1/164)
226]. ذكر الفقهاء و غيرهم في مناسبة تأجيل المؤلي بأربعة أشهر، الأثر الّذي رواه الإمام مالك بن أنس رحمه الله في الموطأ، عن عبد الله بن دينار قال: خرج عمر بن الخطاب من الليل فسمع امرأة تقول:
تطاول هذا الليل و اسودّ جانبه و أرّقنى أن لا ضجيع ألاعبه
فو الله لو لا الله أنى أراقبه لحرك من هذا السرير جوانبه
فسأل عمر ابنته حفصة رضى الله عنها: كم أكثر ما تصبر المرأة عن زوجها؟ فقالت: ستة أشهر، أو أربعة أشهر، فقال عمر: لا أحبس أحدا من الجيوش أكثر من ذلك.
و قال محمد بن إسحاق عن السائب بن جبير مولى ابن عباس، و كان قد أدرك أصحاب النبي صلّى الله عليه و سلم قال: ما زلت أسمع حديث عمر أنه خرج ذات ليلة يطوف بالمدينة، و كان يفعل ذلك كثيرا، إذ مرّ بامرأة من نساء العرب مغلقة بابها تقول:
تطاول هذا الليل و ازورّ جانبه و أرقنى أن لا ضجيع ألاعبه
ألاعبه طورا و طورا كأنما بدا قمرا في ظلمة الليل حاجبه
يسرّ به من كان يلهو بقربة لطيف الحشا لا يحتويه أقاربه
فو الله لو لا الله لا شي ء غيره لنقضّ من هذا السرير جوانبه
و لكنني أخشى رقيبا موكلا بأنفاسنا لا يفتر الدهر كاتبه
إمتاع الأسماع،ج 6،ص:124
ليس عنده، و قيل: بسبب مارية أم إبراهيم عليه السّلام [1]، و قيل: لرد زينب نصيبها من الهدية.
و كان ينفق على نسائه كل سنة [ثمانين ] وسقا من شعير، و ثمانين وسقا من تمر، و قيل: لم يصح أن هذا العدد لكل واحدة منهن في العام [2]، فاللَّه
__________________________________________________
[ ()]
مخافة ربى و الحياء يصدني و إكرام بعلي أن تنال مراكبه
و قد روى هذا من طرق، و هو من المشهورات (تفسير ابن كثير): 1/ 276.
[(1/165)
1] (تفسير ابن كثير): 4/ 415، تفسير سورة التحريم، (فتح الباري): 9/ 531، كتاب الطلاق، باب (21) قول الله تعالى: لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ من نِسائِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ 2: 226 إلى قوله: سَمِيعٌ عَلِيمٌ 2: 181، حديث رقم (5289)، (مسلم بشرح النووي): 10/ 337، باب (5) في الإيلاء و اعتزال النساء و تخييرهن، و قوله تعالى: (و إن تظاهرا عليه)، حديث رقم (30) إلى رقم (35).
[2] قال تقى الدين المقريزي: اللَّهمّ صلّ عليه من نبي كان يأكل الطيبات من الطعام، و ينكح المبرءات من العيوب و الآثام، و يستخدم الموالي من الأرقاء و الأحرار، و يصرفهم في مهنته مهماته الجليلات الأقدار، و يركب البغلة الراتعة و يلبس الحبرة و القباء، و يمشى منتعلا و حافيا من مسجده إلى نحو قباء، و يدخر لأهله مما أتاه الله عليه أقوات سنة كاملة، و يجعلها تحت أيديهم محرزة حاصلة، و يؤثر بقوته و ثوبه أهل الحاجة و المساكين، ثقة منه بخير الرازقين (إمتاع الأسماع): 1/ 3 مقدمة المؤلف، لكن قال القسطلاني تحت [إشكال و جواب ]:
و قد استشكل كونه صلّى الله عليه و سلم و أصحابه كانوا يطوون الأيام جوعا، مع ما يثبت أنه صلّى الله عليه و سلم كان يرفع لأهله قوت سنة، و أنه صلّى الله عليه و سلم قسم بين أربعة أنفس من أصحابه ألف بعير مما أفاء الله عليه، و أنه ساق في عمرته مائة بدنة فنحرها و أطعمها المساكين، و أنه أمر لأعرابى بقطيع من الغنم، و غير ذلك، مع من كان معه من أصحاب الأموال، كأبى بكر، و عمر، و عثمان، و طلحة و غيرهم، مع بذلهم أنفسهم و أموالهم بين يديه، و قد أمر بالصدقة، فجاء أبو بكر بجميع ماله، و عمر بنصفه، و حث على تجهيز جيش العسرة، فجهزهم عثمان بألف بعير، إلى غير ذلك.
و أجاب عنه الطبري- كما حكاه في (فتح الباري)- أن ذلك كان منهم في حالة دون حالة، لا لعوز و ضيق، بل تارة للإيثار، و تارة لكراهة الشبع و كثرة الأكل.(1/166)
و تعقب بأن ما نفاه مطلقا فيه نظر، لما تقدم من الأحاديث.
و أخرج ابن حبان في صحيحه عن عائشة: من حدثكم أنا كنا نشبع من التمر فقد كذبكم، فلما افتتحت قريظة أصبنا شيئا من التمر و الودك، إلى غير ذلك.
قال الحافظ ابن حجر: و الحق أن الكثير منهم كانوا في حال ضيق قبل الهجرة، حيث كانوا بمكة، ثم
إمتاع الأسماع،ج 6،ص:125
أعلم. فقد كان لكل واحدة منهن الإماء و العبيد [الموالي ]، في حياته صلّى الله عليه و سلم.
__________________________________________________
[ ()] لما هاجروا إلى المدينة كان أكثرهم كذلك، فواساهم الأنصار بالمنازل و المنائح، فلما فتحت لهم النضير و ما بعدها ردوا عليهم منائحهم.
و قد قال صلّى الله عليه و سلم: لقد أخفت في الله و ما يخاف أحد، و لقد أوذيت في الله و ما يؤذى أحد، و لقد أتت عليّ ثلاثون من يوم و ليلة و ما لي و لبلال طعام يأكله أحد إلا شي ء يواريه إبط بلال. رواه الترمذي و صححه.
نعم، كان صلّى الله عليه و سلم يختار ذلك مع إمكان حصول التوسع و التبسط في الدنيا له كما أخرج الترمذي من حديث أبى أمامة، أن رسول الله صلّى الله عليه و سلم قال: عرض عليّ ربى ليجعل لي بطحاء مكة ذهبا، قلت: لا يا رب، و لكن أشبع يوما و أجوع يوما، فإذا جعت تضرعت إليك و ذكرتك، و إذا شبعت شكرتك و حمدتك، و حكمة هذا التفصيل الاستلذاد بالخطاب، و إلا فاللَّه تعالى عالم بالأشياء جمله و تفصيلا، (المواهب اللدنية): 2/ 388- 389.
إمتاع الأسماع،ج 6،ص:126
[فصل في ] ذكر قوة رسول الله صلّى الله عليه و سلم على الجماع(1/167)
قال ابن قتيبة في (غريبه) في حديث النبي صلّى الله عليه و سلم أنه قال له رجل: يا رسول الله هل أنزل عليك طعام من السماء؟ قال: نعم، أنزل عليّ طعام بمسخنة. يرويه أرطاة ابن المنذر، عن ضمرة بن حبيب، عن سلمة بن نفيل السكونيّ، قال: المسخنة: قدر كأنها ثور. و في حديث آخر: أتانى جبريل بقدر يقال له الكفيت، فأكلت منها أكلة، فأعطيت قوة أربعين رجلا في الجماع. قال: و أحسب الكفيت و الكفت شيئا واحدا، و هي قدر لطيفة [1].
و قال ابن سعد في (طبقاته): أخبرنا عبيد الله بن موسى، عن أسامة بن زيد، عن صفوان بن سليم قال: قال رسول الله صلّى الله عليه و سلم: أتانى جبريل عليه السلام بقدر فأكلت منها، فأعطيت قوة أربعين رجلا في الجماع [2]. أخبرنا مالك بن إسماعيل أبو غسان، حدثنا إسرائيل عن ليث عن مجاهد قال: أعطى رسول الله صلّى الله عليه و سلم بضع أربعين رجلا، و أعطى كل رجل من أهل الجنة بضع ثمانين [3].
أخبرنا محمد بن عبد الله الأسدي و قبيصة بن عقبة قالا: حدثنا سفيان عن معمر عن ابن طاووس قال: أعطى النبي صلّى الله عليه و سلم قوة أربعين رجلا في الجماع.
__________________________________________________
[1] (كنز العمال): 11/ 406، حديث رقم (31896)، عن صفوان بن سليم عن عطاء بن يسار عن أبى هريرة، (31897)، عن صفوان بن سليم مرسلا.
[2] (طبقات ابن سعد): 1/ 374، ذكر ما أعطى رسول الله صلّى الله عليه و سلم من القوة على الجماع.
[3] المرجع السابق.
إمتاع الأسماع،ج 6،ص:127
و خرج البخاري من حديث معاذ بن هشام، حدثني أبى عن قتادة قال:(1/168)
حدثنا أنس بن مالك رضى الله عنه قال: كان النبي صلّى الله عليه و سلم يدور على نسائه في الساعة الواحدة من الليل و النهار و هن أحد عشرة، قلت لأنس، أو كان يطيقه؟ قال: كنا نتحدث أنه أعطى قوة ثلاثين. قال أبو عبيد الله: و قال سعيد عن قتادة: أن أنسأ حدثهم: تسع نسوة. ذكره في باب: إذا جامع ثم عاود، و من دار على نسائه في غسل واحد [1].
و قال الحافظ أبو نعيم: أخبرنا أبو القاسم سليمان بن أحمد- يعنى الطبراني- حدثنا محمد بن هارون و محمد بن بكار، حدثنا العباس بن الوليد الخلال، حدثنا مروان بن محمد الظاهري، حدثنا سعيد بن بشير، عن قتادة، عن أنس قال: قال رسول الله صلّى الله عليه و سلم فضّلت على الناس بأربع:
بالسماحة و الشجاعة، و كثرة الجماع، و شدة البطش [2]، و قال مقاتل بن
__________________________________________________
[1] (فتح الباري) 1/ 497، كتاب الغسل، باب (12) إذا جامع ثم عاد، و من دار على نسائه في غسل واحد، حديث رقم (268) باب (24) الجنب يخرج و يمشى في السوق و غيره، حديث رقم (284)، 9/ 140، كتاب النكاح، باب (4) كثرة النساء، حديث رقم (5068)، 9/ 394، كتاب النكاح، باب (103) من طاف على نسائه في غسل واحد، حديث رقم (5215).
[(1/169)
2] (دلائل أبى نعيم): 1/ 67، الفصل الرابع، ذكر الفضيلة الرابعة بإقسام الله تعالى بحياته، و تفرده بالسيادة لولد آدم في القيامة، و ما فضل به هو و أمته على سائر الأنبياء و جميع الأمم صلّى الله عليه و سلم، حديث رقم (30) قال: حدثني أبو سعيد أحمد بن أبتاه قال: حدثنا الحسن بن إدريس، حدثنا قتيبة بن سعيد، و حدثنا أحمد بن إسحاق قال: حدثنا محمد بن أحمد بن سليمان قال: حدثنا خالد بن يوسف قالا: حدثنا أبو عوانة عن عمر بن أبى سلمة، عن أبيه عن أبى هريرة قال: عن رسول الله صلّى الله عليه و سلم أنه قال: فضلت على النبيين بستّ، أوتيت جوامع الكلم، و نصرت بالرعب، و بينما أنا نائم أتيت بمفاتيح خزائن الأرض، و أرسلت إلى الناس كافة، و أحلت لي الغنائم، و ختم بى النبيون.
هذا الحديث أخرجه مسلم في (الصحيح) في كتاب المساجد، من طريق العلاء، عن أبيه، عن أبى هريرة، و ذكر الأمور الستة التي ذكرت في هذا الحديث، و أخرجه البخاري في (الصحيح)، في كتاب التيمم من حديث جابر: أعطيت خمسا .. فذكر الحديث، و الإمام أحمد في (المسند): 3/ 134، دون ذكر كثرة الجماع. و ذكر ابن الجوزي في (العلل المتناهية)، من حديث قتادة عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله
إمتاع الأسماع،ج 6،ص:128
حبان: أعطى النبي صلّى الله عليه و سلم بضع سبعين شابا فحسدته اليهود، فنزل: أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلى ما آتاهُمُ الله من فَضْلِهِ 4: 54 [1].
__________________________________________________
[ ()] صلّى الله عليه و سلم: فضلت على الناس بأربع: بالسخاء، و الشجاعة، و كثرة الجماع، و شدة البطش. قال ابن الجوزي:
هذا لا يصح عن رسول الله صلّى الله عليه و سلم. (العلل المتناهية): 2/ 175، باب تفضيله صلّى الله عليه و سلم بالكرم و القوة.(1/170)
و ذكره الخطيب البغدادي في ترجمة الحسين بن على النخعي، (تاريخ بغداد): 8/ 69- 70، ترجمة رقم (4144). و قال الحافظ الذهبي: الحسين بن على النخعي، شيخ كتب عنه الإسماعيلي، عمر و تغير، و لا يعتمد عليه، و أتى بخبر باطل، قال: حدثنا العباس بن الوليد الخلال، حدثنا مروان بن محمد، حدثنا سعيد، حدثنا قتادة، عن أنس مرفوعا: فضلت بأربع: بالسخاء، و الشجاعة، و كثرة الجماع، و شدة البطش. رواه عنه الإسماعيلي. (ميزان الاعتدال): 1/ 543، ترجمة الحسين بن على النخعي رقم (2030). و ذكره أيضا الحافظ ابن حجر في (المطالب العالية): طاووس: أعطى النبي صلّى الله عليه و سلم قوة أربعين رجلا في الجماع، مجاهد قال: أعطى رسول الله صلّى الله عليه و سلم قوة بضع و أربعين رجلا، كل رجل من أهل الجنة.
هما للحارث، و كلاهما مرسل منقطع. (المطالب العالية): 4/ 27- 28، باب قوته صلّى الله عليه و سلم على الجماع حديث رقم (3869)، (3870).
[1] قال أبو حيان الأندلسى في تفسير قوله تعالى: أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلى ما آتاهُمُ الله من فَضْلِهِ 4: 54:
و قال ابن عباس و السدي أيضا: و الفضل ما أبيح له من النساء.
و سبب نزول هذه الآية عندهم، أن اليهود قالت لكفار العرب: انظروا إلى هذا الّذي يقول إنه بعث بالتواضع، و أنه لا يملأ بطنه طعاما، ليس همه إلا في النساء، و نحو هذا، فنزلت.
و المعنى: لم تخصونه بالحسد، و لا تحسدون آل إبراهيم- يعني- سليمان و داود في أنهما أعطيا النبوة و الكتاب، و أعطيا مع ذلك ملكا عظيما في أمر النساء، و هو ما روى أنه كان لسليمان سبعمائة امرأة، و ثلاثمائة سرية، و لداود مائة امرأة. فالملك في هذه الآية: إباحة النساء، كأنه المقصود أولا بالذكر. (البحر المحيط): 3/ 678.(1/171)
و قال أبو القاسم جار الله محمود بن عمر الزمخشريّ: و عن ابن عباس، الملك في آل إبراهيم ملك يوسف و داود و سليمان، و قيل: استكثروا نساءه، فقيل لهم: كيف استكثرتم له التسع، و قد كان لداود مائة، و سليمان ثلاثمائة مهيرة و سبعمائة سرية؟ (الكشاف): 1/ 274.
إمتاع الأسماع،ج 6،ص:129
فصل [في ذكر سراري رسول الله صلّى الله عليه و سلم ]
و كان لرسول الله صلّى الله عليه و سلم سريتان [1]: مارية، و ريحانة.
[مارية] [2] [3]
فأما مارية بنت شمعون القبطية، فبعث بها المقوقس صاحب
__________________________________________________
[1] لكن ذكر أبو الفرج ابن الجوزي، أن سراري رسول الله صلّى الله عليه و سلم: مارية القبطية، بعث بها إليه المقوقس، و ريحانة بنت زيد، و يقال: إنه تزوجها، و قال الزهري: استسرها ثم أعتقها فلحقت بأهلها.
و قال أبو عبيدة كان له أربع: مارية، و ريحانة، و أخرى جميلة أصابها في السبي، و جارية وهبتها له زينب بنت جحش. (صفة الصفوة): 1/ 276، ذكر سراري رسول الله صلّى الله عليه و سلم.
و قال القسطلاني: و أما سراريه صلّى الله عليه و سلم فقيل: إنهن أربعة:
[(1/172)
2] مارية القبطية بنت شمعون- بفتح الشين المعجمة- أهداها له المقوقس القبطي، صاحب مصر و الإسكندرية، و أهدى معها أختها سيرين- بكسر السين المهملة، و سكون المثناة التحتية، و كسر الراء، و بالنون آخرها- و خصيا يقال له: مأبور، و ألف مثقال ذهبا- و عشرين ثوبا لينا من قباطي مصر، و بغلة شهباء- و هي دلدل- و حمارا أشهب- و هو عفير و يقال يعفور- و عسلا من عسل بنها، فأعجب النبي صلّى الله عليه و سلم بالعسل و دعا في عسل بنها بالبركة. قال ابن الأثير: و بنها- بكسر الباء و سكون النون- قرية من قرى مصر، بارك النبي صلّى الله عليه و سلم في عسلها، و الناس اليوم يفتحون الباء. و وهب سيرين لحسان بن ثابت، و هي أم عبد الرحمن بن حسان، و مارية أم إبراهيم ابن النبي صلّى الله عليه و سلم. و ماتت مارية في خلافة عمر بن الخطاب رضى الله عنه سنة ست عشرة و دفنت بالبقيع.
و ريحانة بنت شمعون من بنى قريظة، و قيل: من بنى النضير، و الأول أظهر، و ماتت قبل وفاته صلّى الله عليه و سلم، مرجعه من حجة الوداع سنة عشر، و دفنت بالبقيع، و كان صلّى الله عليه و سلم وطئها بملك اليمين، و قيل:
أعتقها و تزوجها.
و أخرى وهبتها له زينب بنت جحش.
الرابعة أصابها في بعض السبي. (المواهب اللدنية): 2/ 100- 101، (زاد المعاد): 1/ 114.
[3] سبق طرف من ترجمتها ضمن ترجمة ولدها إبراهيم ابن النبي صلّى الله عليه و سلم في فصل ذكر أولاد النبي صلّى الله عليه و سلم، لها ترجمة وافية في: (الإصابة): 8/ 111- 112، ترجمة رقم (11737)، (الاستيعاب): 4/ 1912- 1913، ترجمة رقم (4091)، (تاريخ الإسلام): 2/ 597، (طبقات ابن سعد):
8/ 216، (أعلام النساء): 5/ 10- 11، (المواهب اللدنية): 2/ 100- 101، (أسماء الصحابة الرواة): 349 ترجمة رقم (553)، (تلقيح فهوم أهل الأثر): 359، (حلية الأولياء):
2/ 70، ترجمة رقم (150)، (شذرات الذهب): 1/ 29، (مغازي الواقدي) 1/ 378.(1/173)
إمتاع الأسماع،ج 6،ص:130
الإسكندرية مدينة بأرض مصر- في سنة سبع مع حاطب بن أبى بلتعه لما أتاه بكتاب رسول الله صلّى الله عليه و سلم يدعوه إلى الإسلام، و بعث معها بأختها سيرين.
و في رواية: أنه بعث ثلاث جوار: أم إبراهيم، و واحدة وهبها رسول الله صلّى الله عليه و سلم لأبى جهم بن حذيفة العدوي، و واحدة وهبها لحسان بن ثابت، و ألف مثقال من الذهب، و عشرين ثوبا، و بغلة، و حمارا، و خصيا، كل ذلك هدية، فلما خرج [حاطب ] بمارية عرض عليها الإسلام فأسلمت و أختها، و أقام الخصىّ على دينه حتى أسلم بالمدينة، فأعجب رسول الله صلّى الله عليه و سلم بمارية- و كانت بيضاء جميلة جعدة الشعر، و كانت أمها رومية- فأنزلها في المال الّذي يعرف بمشربة أم إبراهيم [1]، و صار يختلف إليها هناك، و ضرب عليها الحجاب، و اتخذها لفراشه فحملت بإبراهيم، و ولد في ذي الحجة سنة ثمان، فقبلتها سلمى مولاة رسول الله صلّى الله عليه و سلم، و حضنته أم بردة كبشة بنت المنذر بن زيد بن لبيد، و قال صلّى الله عليه و سلم- لما ولد إبراهيم-: أعتق أمّ إبراهيم ولدها [2]. و مات إبراهيم و هو يرضع، فلما توفى رسول الله صلّى الله عليه و سلم كان أبو بكر رضى الله عنه ينفق على مارية حتى توفاه الله، ثم كان عمر رضى الله عنه ينفق عليها حتى ماتت في رمضان لسنتين من خلافته، و قيل: ماتت في المحرم سنة ست عشرة.
__________________________________________________
[1] مغازي الوافدى): 1/ 378.
[2] سنده ضعيف، و قد سبق أن أشرنا إليه في الكلام على أبنائه صلّى الله عليه و سلم.
إمتاع الأسماع،ج 6،ص:131
[ريحانة]
[1] و ريحانة بنت شمعون بن زيد- و يقال: زيد بن خنافة- من بنى
__________________________________________________
[1] هي ريحانة بنت شمعون بن زيد، و قيل زيد بن عمرو بن قنافة- بالقاف- أو خنافة- بالخاء المعجمة، من بنى النضير. و قال ابن إسحاق: من بنى عمر بن قريظة.(1/174)
و قال ابن سعد: ريحانة بنت زيد بن عمر خنافة بن شمعون بن زيد من بنى النضير، و كانت متزوجة رجلا من بنى قريظة يقال له: الحكم، ثم روى ذلك عن الواقدي.
قال ابن إسحاق في (الكبرى): كان رسول الله صلّى الله عليه و سلم سباها فأبت إلا اليهودية، فوجد رسول الله صلّى الله عليه و سلم في نفسه، فبينما هو مع أصحابه، إذ سمع وقع نعلين خلفه، فقال: هذا ثعلبة بن سعية يبشرني بإسلام ريحانة، فبشره و عرض عليها أن يعتقها و يتزوجها و يضرب عليها الحجاب، فقالت: يا رسول الله، بل تتركني في ملكك، فهو أخفّ عليّ و عليك، فتركها. و ماتت قبل وفاة رسول الله صلّى الله عليه و سلم بسنة عشر. و قيل: لما رجع من حجة الوداع.
و أخرج ابن سعد عن الواقدي بسند له عن عمر بن الحكم، قال: كانت ريحانة عند زوج لها يحبها، و كانت ذات جمال، فلما سبيت بنو قريظة، عرض السبي على رسول الله صلّى الله عليه و سلم، فعزلها، ثم أرسلها إلى بيت أم المنذر بنت قيس، حتى قتل الأسرى و فرق السبي، فدخل إليها فاختبأت منه حياء.
قالت: فدعاني فأجلسنى بين يديه، و خيّرتى فاخترت الله و رسوله، فأعتقنى و تزوج بى، فلم تزل عنده حتى ماتت، و كان يستكثر منها و يعطيها ما تسأله، و ماتت مرجعه من الحج، و دفنها بالبقيع.
و قال ابن سعد: أخبرنا محمد بن عمر، قال: حدثني صالح بن جعفر، عن محمد بن كعب قال:
كانت ريحانة مما أفاء الله على رسوله صلّى الله عليه و سلم، و كانت جميلة وسيمة، فلما قتل زوجها وقعت في السّبى، فخيرها رسول الله صلّى الله عليه و سلم، فاختارت الإسلام، فأعتقها و تزوجها، و ضرب عليها الحجاب، فغارت عليه غيرة شديدة فطلقها، فشق عليها، و أكثرت البكاء، فراجعها، فكانت عنده حتى ماتت قبل وفاته صلّى الله عليه و سلم.
و أخرج من طريق الزهري أنه لما طلقها كانت في أهلها، فقالت: لا يراني أحد بعده. قال الواقدي:
و هذا و هم، فإنّها توفيت عنده صلّى الله عليه و سلم.(1/175)
و ذكر محمد بن الحسن في (أخبار المدينة)، عن الدراوَرْديّ، عن سليمان بن بلال، عن يحيى بن سعيد، أن رسول الله صلّى الله عليه و سلم صلّى في منزل من دار قيس بن فهد، و كانت ريحانة القرظية زوج النبي صلّى الله عليه و سلم تسكنه.
و قال أبو موسى: ذكرها ابن مندة في ترجمة مارية، و لم يفردها بترجمة ... و قيل: اسمها ربيحة- بالتصغير.
قال: الحافظ في (الإصابة): بل أفردها، فإنه قال ما هذا نصه بعد ذكر الأزواج الحرائر: و سبى
إمتاع الأسماع،ج 6،ص:132
قريظة، و يقال: من بنى النضير، و الأكثر أنها من بنى قريظة، و يقال: اسمها ربيحة، كانت متزوجة في بنى قريظة بابن عم لها يقال له: الحكم أو عبد الحكم، فلما غزا رسول الله صلّى الله عليه و سلم قريظة و غنم أموالهم، أخذ ريحانة صفيا- و كانت جميلة- فعرض عليها أن تسلم، فأبت إلا اليهودية، فعزلها و وجد في نفسه.
فأرسل إلى ابن سعية، فذكر له ذلك فقال: فداك أبى و أمى، هي تسلم، و خرج حتى جاءها، فجعل يقول لها: لا تتبعى قومك، فقد رأيت ما حل [على آل ] حيي بن أخطب، و أسلمى يصطفيك رسول الله لنفسه.
فبينا رسول الله صلّى الله عليه و سلم في أصحابه، إذ سمع وقع نعل فقال: إن هاتين لنعلا ابن سعية يبشرني بإسلام ريحانة، فجاءه فقال: يا رسول الله، قد أسلمت ريحانة، فسرّ بذلك، و أرسل بها إلى بيت سلمى بنت قيس أم المنذر فكانت عندها حتى حاضت حيضة، ثم طهرت من حيضتها.
فجاءها في منزل أم المنذر، فقال لها: إن أحببت أن أعتقك و أتزوجك فعلت، و إن أحببت أن تكوني في ملكي و أطؤك بالملك فعلت، فقال:
__________________________________________________
[ ((1/176)
)] جويرية في غزوة المريسيع، و هي ابنة الحارث بن أبى ضرار، و سبى صفية بنت حيي بن أخطب من بنى النضير، و كانت مما أفاء الله عليه، فقسم لهما، و استسرى جاريته القبطية فولدت له إبراهيم، و استسرى ريحانة من بنى قريظة، ثم أعتقها فلحقت بأهلها، و احتجبت، و هي عند أهلها. و هذه فائدة جليلة، أغفلها ابن الأثير.
و أخرج ابن سعد عن الواقدي من عدة طرق، أنه صلّى الله عليه و سلم تزوجها، و ضرب عليها الحجاب، ثم قال:
و هذا الأثر عند أهل العلم. و سمعت من يروى أنه كان يطؤها بملك اليمين.
و أورد ابن سعد من طريق أيوب بن بشر المعافري، أنها خيّرت، فقالت: يا رسول الله، أكون في ملكك، فهو أخفّ عليّ و عليك، فكانت في ملكه يطؤها إلى أن ماتت، لها ترجمة في: (الإصابة):
7/ 658- 660، ترجمة رقم (11197)، (الاستيعاب): 4/ 1847، ترجمة رقم (3350)، (طبقات ابن سعد): 8/ 92، (أعلام النساء): 1/ 474، (عيون الأثر): 2/ 309، (صفة الصفوة): 1/ 78، (المواهب اللدنية): 2/ 100- 101.
إمتاع الأسماع،ج 6،ص:133
يا رسول الله، إني أخفّ عليك، و عليّ أن أكون في ملكك، فكانت في ملكه يطؤها حتى ماتت، و كان قد جعلها في محل له يدعى الصدقة، و كان ربما قال عندها و عندها وعك، فأتى منزل ميمونة، ثم تحول إلى بيت عائشة رضى الله عنها.
و عن الزهري: كانت ريحانة بنت شمعون قريظية، و كانت من ملك رسول الله صلّى الله عليه و سلم، فأعتقها و تزوجها، و جعل [صداقها عتقها]، ثم إنه طلقها، فكانت في أهلها تقول: لا يراني أحد بعد رسول الله صلّى الله عليه و سلم.
و عن محمد بن كعب القرظي: كانت ريحانة من قريظة صفى النبي صلّى الله عليه و سلم يومئذ، فأعتقها و تزوجها، فغارت عليه غيرة شديدة، فطلقها تطليقة ثم راجعها، فكانت عنده حتى ماتت قبل أن يتوفاه الله.(1/177)
و كانت ريحانة تقول: تزوجني رسول الله صلّى الله عليه و سلم و مهرنى مثل مهر نسائه، و كان يقسم لي، و ضرب عليّ الحجاب، و كان تزويجه إياي في المحرم سنة ست من الهجرة.
و قال عبد الرزاق عن معمر عن الزهري: كان للنّبيّ صلّى الله عليه و سلم سريتان:
[مارية] [1] القبطية، و ريحانة بنت شمعون، و صحح الواقدي أن رسول الله صلّى الله عليه و سلم أعتقها و تزوج بها، و الّذي ذهب إليه أبو عمر بن عبد البر: أن ريحانة ماتت قبل وفاة النبي صلّى الله عليه و سلم في سنة عشر، مرجعه من حجة الوداع.
و عن ابن سيرين: أن رجلا لقي ريحانة بالموسم فقال: إن الله لم يرضك للمؤمنين أمّا، قالت و أنت فلم يرضك الله لي ابنا.
__________________________________________________
[1] زيادة للسياق.
إمتاع الأسماع،ج 6،ص:134
فصل في ذكر أسلاف رسول الله صلّى الله عليه و سلم
السّلفان و السّلفان: متزوجان الأختين، و الجمع أسلاف، و قال ابن الأعرابي: ليس في النساء سلفة، إنما السلفان في الرجال. و قال كراع:
السلفان: المرأتان تحت الأخوين [1] و كان لرسول الله صلّى الله عليه و سلم من الأسلاف سبعة و أربعون رجلا، ستة من قبل خديجة، و ثلاثة من قبل عائشة، و أربعة من قبل حفصة، و سبعة من قبل أم سلمة، و أحد عشر من قبل أم حبيبة، و اثنان من سودة، و عشرة من قبل ميمونة، و ثلاثة من قبل زينب بنت جحش، و واحد من قبل مارية.
[أسلافه صلّى الله عليه و سلم من قبل خديجة]
فأما أسلافه صلّى الله عليه و سلم من قبل خديجة فإنّهم: الربيع بن عبد العزّى بن عبد شمس ابن عبد مناف [2] أمة و أم أخيه ربيعة [3]: أم المطاع ابنة أسد ابن
__________________________________________________
[(1/178)
1] و قال في (التهذيب): السلفان رجلان تزوجا بأختين، كل واحد منهما سلف صاحبه، و المرأة سلفة لصاحبتها إذا تزوج أخوان بامرأتين. و قال الجوهري: و سلف الرجل زوج أخت امرأته، و كذلك سلفه، مثل كذب و كذب. قال عثمان بن عفان:
معاتبة السلفين تحسن مرة فإن أدمنا إكثارها أفسدا الحبا
(لسان العرب): 9/ 160- 161.
[2]، (3) الربيع، و ربيعة ابنا عبد العزي، فولد الربيع أبو العاصي، و اسمه القاسم، صهر رسول الله صلّى الله عليه و سلم، زوّجه النبي صلّى الله عليه و سلم ابنته الكبرى زينب، و أسلم و حسن إسلامه، و حمد رسول الله صلّى الله عليه و سلم مصاهرته، ماتت زينب رضى الله عنها عنده، و ولدت له على بن أبى العاصي، مات مراهقا. و أمامة بنت أبي العاصي، تزوجها علي بن أبى طالب بعد فاطمة- رضي الله عنهم جميعا- و توفي أبو العاصي في ذي الحجة سنة (12) في خلافة أبي بكر، و لا عقب لأبى العاصي و لا لأبيه الربيع.
و تزوج أبو العاصي بن الربيع بعد موت زينب بنت رسول الله صلّى الله عليه و سلم فأختة بنت كريز بن ربيعة بن حبيب بن عبد شمس، و فاختة بنت أبي أحيحة سعيد بن أبى العاصي، فولدت له بنت أبي أحيحة ابنة اسمها مريم، تزوجها محمد بن عبد الرحمن بن عوف، فولدت له القاسم، و للقاسم هذا عقب باق. (جمهرة أنساب العرب): 77- 78.
إمتاع الأسماع،ج 6،ص:135(1/179)
عبد العزى بن قصي، و هما اللذان غضبا لأم حبيبة بنت عبد شمس لما خرجت إلى الطائف، و قد أكثرت من رحل من بنى عقيل، فلقيها بعض بنى بكر و قتلوا العقيلي، فرجعت إلى مكة، و جاءت حرب بن أمية بن عبد شمس و طلبت منه أن يأخذ لها بثأر العقيلي فقال: لا سبيل إلى ما قبل بنى بكر، فأتت الربيع و الربيعة ابني عبد العزى بن عبد شمس، فشكت إليهما ما لقيته و ما قال لها حرب، و تحفرت بالعقيلى فقاما معها و غضبا لها حتى أخذا لها الدية، فبعث بها إلى أهل العقيلي، فمدحهما الخليع شاعر بنى عقيل، و تزوج الربيع هذا بهالة بنت خويلد أخت خديجة لأبيها و أمها، فاطمة ابنة زائدة بنت جندب بن هدم بن رواحة بن حجر بن عبد معيص بن عامر بن لؤيّ، فولدت له أبا العاصي بن الربيع زوج زينب بنت رسول الله صلّى الله عليه و سلم و ابن خالتها، و مات الربيع عن هالة، فخلف عليها أخوه ربيعة بن عبد العزى، و قد انقرض ولد الربيع بن عبد العزى بن هاله، و لربيعة عقب، و مات و بيعة عن هاله فخلف عليها قطن بن وهب بن عمرو بن حبيب بن سعد بن عائذ بن مالك المصطلقيّ من خزاعة، فولدت له عبد العزى بن قطن الّذي شبهه رسول الله صلّى الله عليه و سلم بقمر بنى لحي [1] و علاج بن أبى سلمة بن عبد العزى بن غيرة بن عوف بن ثقيف بن بكر بن هوازن بن منصور بن عكرمة بن خصفة بن قيس عيلان، كانت تحته خالدة بنت خويلد أخت خديجة. [2] و عبد بن بجاد [بن عبد الله ] [3] بن عمير بن الحارث بن حارثة بن سعد
__________________________________________________
[1] (سيرة ابن هشام): 3/ 204- 208، خروج زينب بنت رسول الله صلّى الله عليه و سلم إلى المدينة، و ما أصابها عند خروجها، (جمهرة أنساب العرب): 171
[2] (جمهرة أنساب العرب): 268.
[3] زيادة للنسب من (الإصابة).
إمتاع الأسماع،ج 6،ص:136(1/180)
ابن تيم بن مرة بن كعب، كانت تحته رقيقة [1] بنت خويلد أخت خديجة لأبيها، فولدت له أميمة بنت بجاد، و هي التي يقال لها بنت رقيقة [2] و هي من المبايعات، حدث عنها محمد بن المنكدر [3].
[سلفاه صلّى الله عليه و سلم من قبل سودة]
و أما سلفاه صلّى الله عليه و سلم من قبل سودة رضى الله عنهما، فهما: حويطب ابن عبد العزّى بن أبى قيس بن عبد ودّ بن نصر بن مالك بن خسل بن عامر بن لؤيّ بن غالب القرشيّ العامري، أبو محمد، و قيل: أبو الأصبغ، أمه و أم أخيه رهم بن عبد العزّى: زينب بنت علقمة بن غزوان بن يربوع بن الحرث بن منقذ بن عمرو بن معيص، أسلم يوم الفتح، و هو من المؤلفة [قلوبهم ] [4]، و أعطى يوم حنين مائة بعير، [و هو] [4] أحد النفر الذين أمرهم عمر بن الخطاب رضى الله عنه بتجديد [أنصاب ] [4] الحرم، و مات
__________________________________________________
[1] في (خ): «رفيقه» و صوبناه من (الإصابة).
[2] رقيقة بالتصغير.
[3] (الإصابة): 7/ 508، ترجمة أميمة بنت بجاد رقم (10840)
[4] زيادة للسياق، و أنصاب الحرم: حدوده، و حد الحرم من طريق الغرب التنعيم، ثلاثة أميال، و من طريق العراق: تسعة أميال، و من طريق اليمن سبعة أميال، و من طريق الطائف: عشرون ميلا.
و قد روى حويطب بن عبد العزى، عن عبد الله بن السعدي، عن عمر رضى الله عنه حديث العمالة، و رواه عنه السائب بن يزيد الصحابي، و قد أخرجه البخاري في (الصحيح)، في الأحكام، باب رزق الحاكم و العاملين عليها من طريق أبي اليمان، عن شعيب عن الزهري، أخبرني السائب بن يزيد ابن أخت نمر، أن حويطب بن عبد العزي، أخبره أن عبد الله بن السعدي أخبره أنه قدم علي عمر في خلافته، فقال له عمر: أ لم أحدث أنك تلي من أعمال الناس أعمالا، فإذا أعطيت العمالة كرهتها؟ فقلت: بلى: فقال عمر: ما تريد إلي ذلك؟ فقلت: أن لي أفراسا و أعبدا، و أنا بخير، و أريد أن تكون عمالتي صدقة علي المسلمين.(1/181)
قال عمر: لا تفعل، فإنّي كنت أردت الّذي أردت و كان رسول الله صلّى الله عليه و سلم يعطيني العطاء، فأقول: أعطه أفقر إليه منى، حتى أعطانى مرة مالا، فقلت: أعطه أفقر إليه منى، فقال النبي
إمتاع الأسماع،ج 6،ص:137
بالمدينة سنة أربع و خمسين، و هو ابن مائة و عشرين سنة أدرك منها في الجاهلية ستين سنة، و كانت تحته أم كلثوم ابنة زمعة أخت سودة لأبيها و أمها، فولدت له عبد الرحمن بن حويطب.
و عبد الرحمن بن عوف بن عبد عوف بن عبد بن الحارث بن زهرة بن كلاب بن مرة بن كعب بن لؤيّ، القرشي الزهري [أبو محمد]، كان اسمه في الجاهلية: عبد عمرو، و قيل: عبد الكعبة، فسماه رسول الله صلّى الله عليه و سلم عبد الرحمن [أمه ]: الشفاء بنت عوف بن عبد الحارث بن زهرة، ولد بعد الفيل بعشر سنين، و أسلم قبل دخول النبي صلّى الله عليه و سلم بينه و بين سعد بن الربيع، و شهد بدرا و ما بعدها، و هو أحد العشرة الذين شهد لهم رسول الله صلّى الله عليه و سلم بالجنة، و أحد الستة أصحاب الشورى، و كان له حظ في التجارة، و كسب مالا كثيرا، خلف بعير، و ثلاثة آلاف شاة، و مائة فرس، و صولحت امرأته عن ربع الثمن بثلاثة و ثمانين ألفا، و مات بالمدينة سنة إحدى و ثلاثين، و قيل:
ثنتين و ثلاثين، عن خمس و أربعين سنة، و قيل عن اثنتين و سبعين سنة،
__________________________________________________
[ ()] صلّى الله عليه و سلم خذه فتموله و تصدق به، فما جاءك من هذا المال و أنت غير مشرف و لا سائل، فخذ، و إلا فلا تتبعه نفسك. و قال الحافظ الذهبي و لا نعلم حويطبا يروي سواه، ثم قال: و من لطائف هذا الإسناد أن الزهري رواه عن أربعة من الصحابة في نسق: السائب، و حويطب، و ابن السعدي، و عمر.
له ترجمة في: (طبقات ابن سعد): 5/ 454، (طبقات خليفة): 27، (تاريخ خليفة):
223، (التاريخ الكبير): 3/ 127. (المعارف): 311، 112، 342، (الجرح و التعديل):(1/182)
3/ 314، (المستدرك): 3/ 561- 563، حديث رقم (6082/ 1680) إلى (6084/ 1682)، (الاستيعاب): 1/ 399- 400، ترجمة رقم (557)، (تهذيب التهذيب): 3/ 58- 59، ترجمة رقم (125)، (الإصابة): 2/ 143، ترجمة رقم (1884)، (خلاصة تذهيب الكمال): 1/ 272، ترجمة رقم (1728)، (سير أعلام النبلاء): 2/ 540- 541 ترجمة رقم (111).
إمتاع الأسماع،ج 6،ص:138
و تزوج أم حبيبة بنت جحش أخت زينب [1] بنت جحش [2].
و ذكر مالك في الموطأ: عن هشام بن عروة، عن أبيه عن زينب بنت أبى سلمة أنها رأت زينب ابنة جحش التي كانت تحت عبد الرحمن بن عوف، و كانت تستحاض، فكانت تغتسل و تصلى [3].
__________________________________________________
[1] في (خ) «أخت سودة بنت زمعة».
[2] له ترجمة في: (كنز العمال): 3/ 220- 230، (تاريخ الخميس): 2/ 257، (خلاصة تذهيب الكمال): 2/ 147، ترجمة رقم (4209)، (الإصابة): 4/ 346- 350، ترجمة رقم (5183)، (تهذيب التهذيب): 6/ 221- 222، ترجمة رقم (493)، (تهذيب الأسماء و اللغات): 1/ 300- 302، (جامع الأصول): 9/ 19- 20 (صفة الصفوة):
1/ 183- 186، (الاستيعاب): 2/ 844- 850، ترجمة رقم (1447)، (حلية الأولياء):
1/ 98- 100، ترجمة رقم (9)، (المستدرك): 3/ 345- 352، (الجرح و التعديل): 5/ 247، (المعارف): 235- 240، (التاريخ الصغير): 1/ 50، 60، 61، (التاريخ الكبير):
5/ 240، (تاريخ خليفة): 166، (طبقات خليفة): 15، (طبقات ابن سعد): 3/ 124- 136 (مسند أحمد): 1/ 312- 320، (شذرات الذهب): 1/ 38، (سير أعلام النبلاء):
1/ 68- 29، ترجمة رقم (4).(1/183)
و قد أفرد ابن سعد في (الطبقات) فصلا في ذكر أزواج عبد الرحمن بن عوف و ولده، و ذكر خمس عشرة زوجة ليس من بينهن ما يفيد أنه رضى الله عنه كان من أسلاف رسول الله صلّى الله عليه و سلم، على خلاف ما ذكره التقى المقريزي و هن: أم كلثوم بنت عقبة بن ربيعة، و بنت شيبة بن ربيعة بن عبد شمس، و أم كلثوم بنت عقبة بن أبى معيط بن أبى عمرو بن أمية بن عبد شمس، و سهلة بنت عاصم بن عدي، و بحرية بنت هانئ بن قبيصة بن هانئ بن مسعود، و سهلة بنت سهيل ابن عمرو، و أم حكيم بنت قارض بن خالد، و ابنة أبى الحيس بن رافع بن امرئ القيس، و تماضر بنت الأصبغ بن عمرو، و أسماء بنت سلامة بن مخربة بن جندل، و أم حريث من سبى بهراء، و مجد بنت يزيد بن سلامة، و غزال بنت كسرى أم ولد من سبى سعد بن أبى وقاص يوم المدائن، و زينب بنت الصباح بن ثعلبة بن عوف من سبى بهراء أيضا، و بادية بنت غيلان بن سلمة بن معتّب الثقفي.
(طبقات ابن سعد): 3/ 127- 128، ذكر أزواج عبد الرحمن بن عوف و أولاده.
[3] (موطأ مالك): 51- 52، باب المستحاضة، حديث رقم (134)، و قال العلامة محمد بن عبد الباقي بن يوسف الزرقانى: قال عياض: اختلف أصحاب الموطأ في هذا، فأكثرهم يقولون: زينب،
إمتاع الأسماع،ج 6،ص:139
قال ابن عبد البر: هكذا رواه [] عن مالك في الموطأ و هو و هم، لانه
__________________________________________________
[ ()] منهم يقول: ابنة جحش، و هذا هو الصواب، و يبين الوهم فيه قوله: «التي كانت تحت عبد الرحمن ابن عوف»، و زينب هي أم المؤمنين لم يتزوجها عبد الرحمن قط، و إنما تزوجها زيد بن حارثة، ثم تزوجها النبي صلّى الله عليه و سلم، و التي كانت تحت عن الرحمن هي أم حبيبة.
و قال ابن عبد البر: قيل: إن بنات جحش الثلاثة زينب، و أم حبيبة، و حمنة زوج طلحة بن عبيد الله كن يستحضن كلهن، و قيل: لم يستحض منهن إلا أم حبيبة.(1/184)
و ذكر القاضي يونس بن مغيث في كتابة (الموعب في شرح الموطّأ) مثل هذا، و ذكر أن كل واحدة منهن اسمها زينب، و لقب إحداهن حمنة، و إذا كان كذلك فقد سلم مالك من الخطأ في تسمية أم حبيبة زينب، و قد ذكر البخاري من حديث عائشة: أن امرأة من أزواجه صلّى الله عليه و سلم كانت تستحاض، و في رواية: أن بعض أمهات المؤمنين، و في أخرى: أن النبي صلّى الله عليه و سلم اعتكف مع بعض نسائه و هي مستحاضة.
و في (فتح الباري): قيل: حديث الموطأ هذا و هم، و قيل: صواب، و إن اسمها زينب، و كنيتها أم حبيبة بإثبات الهاء على المشهور في الروايات الصحيحة للواقدي، و تبعه إبراهيم الحربي: الصحيح أم حبيب بلا هاء، و اسمها حبيبة، و إن رجحه الدار قطنى، قال: و أما أختها أم المؤمنين، فلم يكن اسمها الأصلي زينب، و إنما كان اسمها برّة، فغيره النبي صلّى الله عليه و سلم.
و في أسباب النزول للواحدي: إنما كان اسمها زينب بعد أن تزوجها النبي صلّى الله عليه و سلم، فلعله سماها باسم أختها ثم غلبت عليها الكنية، فأين اللبس؟ قال:- أعنى الحافظ- و لم ينفرد الموطأ بتسمية أم حبيبة زينب، بل وافقه يحى بن كثير، أخرجه أبو داود الطيالسي في مسندة. و به يردّ قول صاحب (المطالع): لا يلتفت لقول من قال: إن بنات جحش اسم كل منهن زينب، لأن أهل المعرفة بالأنساب لا يثبتونه، و إنما حمل عليه من قاله أن لا ينسب إلى مالك و هم، كذا قال، و قد علم أنه لم ينفرد به.
(شرح الزرقانى على الموطأ): 1/ 181، كتاب الطهارة، باب (37) في المستحاضة، شرح الحديث رقم (134).
في (الاستيعاب): أم حبيبة، و يقال: أم حبيب ابنة جحش ابن رئاب الأسديّ أخت زينب بنت جحش، و أخت حمنة بنت جحش، و أكثرهم يسقطون الهاء، فيقولون: أم حبيب كانت تحت عبد الرحمن بن عوف، و كانت تستحاض.(1/185)
و أهل السير يقولون: إن المستحاضة حمنة، و الصحيح عند أهل الحديث أنهما كانتا تستحاضان جميعا. و قد قيل: إن زينب بنت جحش استحيضت، و لا يصح. و في الموطأ و هم، أن زينب بنت جحش استحيضت، و أنها كانت تحت عبد الرحمن بن عوف، و هذا غلط، إنما كانت تحت زيد بن حارثة، و لم تكن تحت عبد الرحمن بن عوف، و الغلط لا يسلم منه أحد، و زعم بعض الناس أن أم حبيب هذه اسمها حبيبة. (الاستيعاب): 4/ 1928- 1929، ترجمة رقم (4135).
إمتاع الأسماع،ج 6،ص:140
لم تكن قط زينب بنت جحش تحت عبد الرحمن بن عوف، و إنما كانت تحت زيد بن حارثة، ثم كانت تحت رسول الله صلّى الله عليه و سلم، و إنما كانت تحت عبد الرحمن ابن عوف أمّ حبيبة بنت جحش، و كنّ ثلاث أخوات كما ذكرنا، و أم حبيبة تحت عبد الرحمن بن عوف، و حمنة بنت جحش تحت طلحة بن عبد الله، و قد قيل: إن بنات جحش ما استحض، و قيل: لم يستحض منهن إلا أم حيبة و حمنة، و الله أعلم.
إمتاع الأسماع،ج 6،ص:141
أسلافه صلّى الله عليه و سلم من قبل عائشة
و أما أسلافه صلّى الله عليه و سلم من قبل عائشة رضى الله عنها إنهم: الزبير بن العوام، كانت تحته أسماء ذات النطاقين، و ابنة أبى بكر الصديق، من قبيلة تيم بن مرة بن كعب بن لؤيّ بن غالب بن فهر بن مالك بن النضر بن كنانة بن خزيمة بن مدركة بن إلياس بن نضر بن نزار بن معدّ بن عدنان ] [1]، و هي أخت عائشة رضى الله عنها لأبيها، فولدت له عبد الله [و عروة و المنذر و عاصما و خديجة الكبرى ] [2]، و أم الحسن و عائشة بنى الزبير، و قد تقدم من التعريف به ما أغنى عن إعادته [3].(1/186)
و طلحة بن عبيد الله بن عثمان بن عمرو بن كعب بن سعيد بن تيم بن مرة بن كعب بن لؤيّ [بن غالب بن فهر بن مالك بن النضر بن كنانة، القرشيّ، التيمي، المكيّ ] [4] أبو محمد، و أمه الحضرمية، اسمها الصعبة بنت عبد الله بن عماد بن مالك بن ربيعة بن أكبر بن مالك بن عويف بن مالك بن الخزرج بن إياه بن الصدف بن حضر موت بن كندة، يعرف أبوها عبد الله بالحضرمي، و يقال لها: بنت الحضرميّ، يكنى طلحة أبو محمد، و يعرف بطلحة الفياض.
__________________________________________________
[1] ما بين الحاصرتين سياقه مضطرب في (خ)، و ما أثبتناه من (معجم قبائل العرب): 1/ 138.
[2] ما بين الحاصرتين مطموس في (خ)، و استدركناه من (طبقات ابن سعد).
[3] له ترجمة في: (طبقات ابن سعد): 3/ 100- 113، (طبقات خليفة): 13، 189، 291، (تاريخ خليفة): 68، (التاريخ الكبير): 3/ 409، (التاريخ الصغير): 1/ 75، (المعارف):
219- 227، (الجرح و التعديل): 3/ 578، (حلية الأولياء): 1/ 89، (جامع الأصول):
9/ 5- 10، (تهذيب الأسماء و اللغات): 1/ 194- 196، (تاريخ الخميس): 1/ 172، (كنز العمال): 13/ 204- 212، (شذرات الذهب): 1/ 42- 44، (سير أعلام النبلاء): 1/ 41- 67.
[4] ما بين الحاصرتين زيادة للنسب من كتب التراجم.
إمتاع الأسماع،ج 6،ص:142(1/187)
و هو أحد المهاجرين الأولين، آخى رسول الله صلّى الله عليه و سلم بينه و بين كعب بن مالك، و لم يشهد [بدرا]، فضرب له رسول الله صلّى الله عليه و سلم بسهمه، فلما قدم قال: يا رسول الله! و أجرى؟ قال: و أجرك، و شهد أحدا [و ما بعدها] و كان له بلاء حسن مع رسول الله صلّى الله عليه و سلم، وقاه يومئذ بنفسه، و اتقى عنه النبل بيده حتى شلت [إصبعه ]، و ضرب في رأسه، و حمل رسول الله صلّى الله عليه و سلم على رأسه، ظهره حتى استقل على الصخرة، و قال رسول الله صلّى الله عليه و سلم: اليوم أوجب طلحة [1]، ثم شهد المشاهد كلها، و هو أحد العشرة المشهود لهم بالجنة، و أحد أصحاب الشورى الستة، ثم شهد وقعة الجمل محاربا لعلى رضى الله عنهما، فذكّره أشياء فرجع عن قتال عليّ، و اعتزل في بعض الصفوف، فرماه مروان بن الحكم بسهم، فلم يزل ينزف دمه حتى مات في جمادى الآخرة سنة ست و ثلاثين عن ستين- و قيل: بضع و ستين- سنة، كانت تحته أم كلثوم بنت أبى بكر الصديق [2]. أخت عائشة من حبيبة بنت خارجة بن رهم الأنصاري، فهي أخت عائشة لأبيها، فولدت لطلحة زكريا [و يوسف ] [3] و عائشة، و كانت تحته أيضا حمنة بنت جحش بعد موت
__________________________________________________
[1] أوجب طلحة: عمل عملا أوجب له الجنة.
[2] هي أم كلثوم بنت أبى بكر الصديق التيمية، تابعية، مات أبوها و هي حمل، فوضعت بعد وفاة أبيها، و قصتها بذلك صحيحة في الموطأ و غيره، أرسلت حديثها، فذكرها بسببه ابن السكن و ابن مندة في الصحابة.
و أخرج من طريق إبراهيم بن طهمان، عن يحيى بن سعيد، عن حميد بن نافع و عن أم كلثوم بنت أبى بكر، أن النبي صلّى الله عليه و سلم نهى عن ضرب النساء ... ثم قال: رواه الليث عن يحيى نحوه، و رواه الثوري عن يحى بن حميد، فقال: عن زينب بنت أبى سلمة.(1/188)
قال الحافظ: و لأم كلثوم بنت أبى بكر رواية أخرى عن عائشة في (صحيح مسلم)، روى عنها جابر ابن عبد الله الأنصاري، و أمها حبيبة بنت خارجة، وضعتها بعد موت أبى بكر، و روى عنها أيضا جبر- أو جابر- بن حبيب، و طلحة بن يحى، و المغيرة بن الحكيم، و غيرهم. (الإصابة): 8/ 296، ترجمة رقم (12235).
[3] زيادة للسياق من (طبقات ابن سعد).
إمتاع الأسماع،ج 6،ص:143
مصعب بن عمير عنها، و هي أخت أم المؤمنين زينب بنت جحش، فولدت حمنة لطلحة محمد السّجاد، و هو الّذي قتل يوم الجمل، و عمران [بن طلحة] [1].
و خرج الحاكم من حديث أبى صالح الحراني: حدثنا سليمان [2] بن أيوب بن سليمان بن عيسى بن محمد بن طلحة، عن أبيه [3] عن جده قال: كان طلحة سلف النبي صلّى الله عليه و سلم في أربع: كانت عند النبي صلّى الله عليه و سلم عائشة بنت أبى بكر، و كانت أختها أم كلثوم بنت أبى بكر عند طلحة، فولدت له زكريا و يوسف و عائشة، و كانت عند النبي صلّى الله عليه و سلم زينب بنت جحش، و كانت حمنة بنت جحش تحت طلحة [بن عبيد الله ] [4]، فولدت له محمدا، و قتل يوم الجمل [مع أبيه ] [5]، و كانت أم حبيبة بنت أبى سفيان تحت النبي صلّى الله عليه و سلم و كانت أختها رفاعة [6] بنت أبى سفيان تحت طلحة و كانت أم سلمة بنت أبى أمية تحت رسول الله صلّى الله عليه و سلم، و كانت أختها قريبة بنت أبى أمية تحت طلحة، فولدت له مريم بنت طلحة [7].
__________________________________________________
[1] زيادة للنسب من (طبقات ابن سعد).
[2] في (خ): «سلمان».
[3] في خ: «عن أمه».
و قال عنه الحافظ في (الإصابة):
أحد العشرة [المبشرين بالجنة].
أحد الثمانية الذين سبقوا إلى الإسلام.
أحد الخمسة الذين أسلموا على يد أبى بكر.
أحد الستة أصحاب الشورى.
[4] زيادة للنسب من (المستدرك).
[5] زيادة للسياق من (المستدرك).
[6] كذا في (خ)، و في المستدرك: «الرفاعة».
[(1/189)
7] (المستدرك: 3/ 419- 420، كتاب معرفة الصحابة، ذكر مناقب طلحة بن عبيد الله التيمي رضى
إمتاع الأسماع،ج 6،ص:144
و عبد الرحمن بن عبد الله بن أبى ربيعة بن المغيرة بن عبد الله بن عمرو ابن مخزوم [] [1] القرشي المخزومي، و قال له: الأحول، أحد وجوه قريش [2]، أمه ليلى بنت عطارد بن حاجب بن زرارة [3]، خلف على أم
__________________________________________________
[ ()] الله عنه، حديث رقم (5596/ 1194)، و قد سكت عنه الحافظ الذهبي في (التلخيص). و طلحة ابن عبيد رضى الله عنه له ترجمة في: (الجرح و التعديل): 4/ 471، (المعارف): 228- 234، (التاريخ الصغير): 1/ 75، (تاريخ خليفة): 181، (طبقات خليفة): 18، 189، (طبقات ابن سعد): 3/ 214- 255، (سيرة ابن هشام): 2/ 91، (مسند أحمد): 1/ 260- 265، مسند أبى محمد طلحة بن عبيد الله، (المستدرك): 3/ 419- 425، (حلية الأولياء): 1/ 87، (جامع الأصول): 9/ 3- 5، (اللباب): 2/ 88، (تهذيب الأسماء و اللغات): 1/ 251، (خلاصة تذهيب الكمال):/، ترجمة رقم ()، (كنز العمال): 3/ 198- 404، (شذرات الذهب): 1/ 42- 43، (سير أعلام النبلاء): 1/ 23- 40، (صفة الصفوة): 1/ 176- 179، (الإصابة): 3/ 529- 533، ترجمة رقم (4270)، (الاستيعاب): 764- 770، ترجمة رقم (1280)، تلقيح فهوم أهل الأثر): 366، (أسماء الصحابة الرواة): 59، ترجمة رقم (83).
[1] ما بين الحاصرتين. مطموس في (خ).
[2] هو عبد الرحمن بن عبد الله بن أبى ربيعة بن المغيرة بن عبد الله بن عمر بن مخزوم، أمه ليلى بنت عطارد بن حاجب بن زرارة بن عدس بن زيد بن عبد الله بن زارم من بنى تميم.
فولد عبد الرحمن بن عبد الله عمرا و أمّه و أمّ بشير بنت أبى مسعود، و هو عقبة بن عمرو بن ثعلبة بن أسيرة بن عسيرة بن عطية بن جدارة بن عوف بن الحارث من الخزرج.(1/190)
و أخوه لأمه زيد بن حسن بن على بن أبى طالب. و عثمان بن عبد الرحمن. و إبراهيم و موسى و أم حميد و أم عثمان. و أمهم أم كلثوم بنت أبى بكر الصديق، و أمها أم حبيبة بنت خارجة بن زيد بن أبى زهير من بلحارث بن الخزرج.
و أبا بكر و محمدا، و أمهما فاطمة بنت الوليد بن عبد شمس بن المغيرة، و أمها أسماء بنت أبى جهل ابن هشام، و عبد الله و أم جميل لأم ولد.
و كان عبد الرحمن بن عبد الله بن أبى ربيعة أحد الرءوس يوم الحرة، و نجا فلم يقتل يومئذ. حتى مات بعد ذلك. له ترجمة في: (طبقات ابن سعد): 5/ 172، (المعارف): 175، (وفيات الأعيان): 3/ 70، ترجمة رقم (339)، 3/ 436- 439، ترجمة رقم (490)، (تهذيب التهذيب): 5/ 184، ترجمة والده عبد الله بن أبى ربيعة رقم (362)، (طبقات ابن سعد):
5/ 160- 165، ترجمة طلحة بن عبد الله، و موسى، و عيسى، و يحى، و يعقوب أبناء طلحة بن عبد الله.
[3] (الإصابة): 8/ 105، ترجمة رقم (11720).
إمتاع الأسماع،ج 6،ص:145
كلثوم بنت أبى بكر بعد طلحة بن عبد الله، فولدت له: عثمان، و موسى، و إبراهيم، [و زكريا]، و له من غير أم كلثوم: محمد، و أبو بكر، أمهما فاطمة بنت الوليد بن عبد شمس بن المغيرة بن عبد الله بن عمر بن مخزوم، و فيه يقول معاوية بن أبى سفيان: غلبنا عبد الرحمن بن عبد الله بن أبى ربيعة على أيام قريش، و قال عبد الملك بن مروان: ثلاثة أعطوا الله عهدا ألا يعطوا طاعة أبدا، فأما واحد فعاجلته منيته، و هو عبد الله بن صفوان الجمحيّ، و أما الآخر: فوفى حتى مات، و هو عبد الرحمن بن عبد الله بن أبى ربيعة، و أما [الثالث ] فحام و هو عبد الرحمن بن عثمان السهمي، و توفى عبد الرحمن بن أبى ربيعة.
إمتاع الأسماع،ج 6،ص:146
[أسلافه صلّى الله عليه و سلم من قبل حفصة](1/191)
و أما أسلافه من قبل حفصة رضى الله عنها فإنّهم: عبد الرحمن بن زيد ابن الخطاب بن نفيل بن عبد العزى بن رياح بن عبد الله بن قرط بن رزاح ابن عدي بن كعب [بن لؤيّ بن غالب بن فهر] [1] القرشي العدوي، أمه لبابة بنت أبى لبابة بن عبد المنذر الأنصاري، و عمه عمر بن الخطاب رضى الله عنه، ولد و هو ألطف من ولد، فأخذه جده أبو أمه أبو لبابة في ليفة، فجاء به النبي صلّى الله عليه و سلم فقال: ما هذا معك يا أبا لبابة؟ قال: ابن ابني يا رسول الله، ما رأيت مولودا قط أصغر خلقه منه، فحمله رسول الله صلّى الله عليه و سلم و مسح على رأسه، و دعا فيه بالبركة، فما [رئي عبد] [1] الرحمن بن زيد مع قوم في صف إلا فرعهم طولا، و كان من أطول الرجال و أتمهم، و كان شبيها بأبيه زيد بن الخطاب، و زوّجه عمه عمر بن الخطاب ابنته فاطمة من أم كلثوم، بنت على بن أبى طالب من فاطمة عليها السلام، فولدت له عبد الله و ابنة، و ولد له من غير فاطمة بنت عمر عدة أولاد، و ولى عبد الرحمن بن زيد مكة [2].
__________________________________________________
[1] زيادة للنسب من (الإصابة).
[2] له ترجمة في: (الإصابة): 5/ 36- 37، ترجمة رقم (6216)، (الاستيعاب): 2/ 550، ترجمة والده زيد بن الخطاب رقم (846)، (تهذيب التهذيب): 6/ 162- 163، ترجمة رقم (362)، و سمي محمدا حتى غيره عمر، لأنه مر به و رجل يسبه بقول: فعل الله بك يا محمد، فقال عمر (رضي الله عنه) لا أري محمدا يسب بك، و الله لا تدعي محمدا ما دمت حيا فسمّاه عبد الرحمن. (المعارف): 180.
إمتاع الأسماع،ج 6،ص:147(1/192)
و إبراهيم بن نعيم النحام بن عبد الله بن أسيد بن عبد عوف بن عبيد بن عويج بن عدي بن كعب القرشيّ العدوي، أمه زينب بنت حنظلة بن قسامة بن قيس بن عبيد بن طريف بن مالك بن جدعان بن ذهل بن رويان، من طيِّئ [1] تزوجها نعيم لما طلقها زيد بن حارثة، فولدت له إبراهيم، و تزوج إبراهيم رقية بنت عمر بن الخطاب [رضى الله عنه ] من أم كلثوم بنت على بن أبى طالب، فهي أخت حفصة لأمها [2] و عبد الله بن عبد الله بن سراقة بن المعتمر بن أنس بن أذاة بن رياح بن عبد الله بن قرط بن رزاح بن عدي بن كعب [3]، شهد أبوه و عمه [عمر] [4] بدرا، و أمه أميمة بنت الحارث بن عمرو بن المؤمل، تزوج زينب بنت عمر بن الخطاب [رضى الله عنه ] من فكيهة أم ولد [5].
و ذكر البلاذري أن أم زينب هذه هي أم عاصم بن عمر، و هي جميلة بنت عاصم بن ثابت بن أبى الأفلح، فهي أخت حفصة لأبيها [6]، و ولدت زينب لعبد الله: عثمان بن عبد الله بن عبد الله، روى عنه الحديث، و هو الّذي أصلح بين بنى جعفر بن كلاب و الضباب، و قد وقعت بينهم حرب قتل فيها بينهم سبعة و ثلاثون قتيلا، فأرسل إليهم عثمان هذا، و ما زال بهم حتى اصطلحوا، و له في ذلك قصة.
__________________________________________________
[1] (جمهرة أنساب العرب): 399.
[2] له ترجمة مختصرة في: (طبقات ابن سعد): 4/ 272، (المعارف): 185.
[3] (سيرة ابن هشام): 3/ 238، (البداية و النهاية): 3/ 212، 390، (الإصابة): 5/ 18، ترجمة رقم (6185 ز).
[4] زيادة للسياق.
[5] (الإصابة): 7/ 648، ترجمة رقم (11262)، زاد الحافظ: و هي أخت عبد الرحمن بن عمر الأصغر والد المختار.
[6] كان اسمها: عاصية، فسماها رسول الله صلّى الله عليه و سلم: جميلة، (الإصابة): 7/ 558، ترجمة رقم (10983).
إمتاع الأسماع،ج 6،ص:148(1/193)
و عبد الرحمن بن معمر بن عبد الله بن أبى ابن سلول، كانت عنده زينب ابنة عمر بن الخطاب رضى الله عنه، أخت حفصة، خلف عليها بعد عبد الله بن عبد الله بن سراقة في قول البلاذري. [1] و قال الزبير بن بكار: و أما زينب ابنة عمر فكانت عند عبد الرحمن بن معمر بن عبد الله بن أبى ابن سلول، ثم خلف عليها عبد الله بن سراقة بن المعتمر بن أنس، أذاة بن رباح بن عبد الله بن قرظ بن عدي بن كعب، فولدت له عثمانا، و حميدا و عشيمة بنى عبد الله بن عبد الله. [2] حدثنا الزبير قال: حدثني عثمان بن عبد الرحمن، عن عبد الله بن عبد العزيز بن عمر السراقي قال: مات جدي و عمى ابنا سراقة، فأوصيا إلى عمر ابن الخطاب رضى الله عنه ابن عبد الله بن سراقة، فجعله عمر عند بنته زينب بنت عمر، فلما بلغ الحلم قال له [عمر: يا حبيبي ] [3]، من تحب أن أزوجك من بناتي؟ قال: أمى زينب- و كان. يدعوها أمه- فقال عمر:
يا بنى إنها ليست أمك و لكنها ابنة عمك، و قد زوجتك إياها، فولدت له ابنه [4] عثمان بن سراقة، فهي أم كل سراقى على وجه الأرض [5].
__________________________________________________
[1] (الإصابة): 5/ 18، ترجمة رقم (6185 ز).
[2] (المراجع السابق).
[3] ما بين الحاصرتين في (خ) فقط و ليست في (الإصابة).
[4] زيادة للسياق من (الإصابة).
[5] ثم قال: فيؤخذ من هذا أنه ولد في حياة النبي صلّى الله عليه و سلم، لكونه بلغ، و تزوج، و ولد له في حياة عمر و كل ذلك بعد الوفاة النبويّة بثلاث عشر سنة. (الإصابة): 5/ 18.
إمتاع الأسماع،ج 6،ص:149
[سلفه صلّى الله عليه و سلم من قبل زينب أم المساكين ]
و أما سلفه صلّى الله عليه و سلم من قبل زينب أم المساكين، فإنه العباس بن عبد المطلب رضى الله عنه، لأن روحية أم العباس، و لبابة بنت الحارث أخت زينب أم المساكين لأمها هند بنت عوف بن زهير، و قد تقدم التعريف بالعباس.
[أسلافه صلّى الله عليه و سلم من قبل أم سلمة](1/194)
و أما أسلافه صلّى الله عليه و سلم من قبل أم سلمة رضى الله عنها فهو زمعة بن الأسود ابن المطلب بن أسد بن عبد العزّى بن قصي، كان أبوه أبو زمعة بن الأسود أحد المستهزءين الذين قال الله فيهم: إِنَّا كَفَيْناكَ الْمُسْتَهْزِئِينَ 15: 95 [1]، رمى جبريل عليه السّلام في وجهه بورقة فعمى، و كان من كبراء قريش و أشرافها، و كان زمعة أبو حكيمة، من أشرف قريش أيضا، و هو أحد المطعمين أيام خرج المشركون إلى بدر و هو أحد أزواد الركب، و أمه أروى بنت خذيفة بن مسعر بن سعيد بن سهم، و كان أحد خطباء قريش في الجاهلية، و تزوج ثويبة الكبرى بنت أبى أمية أخت أم سلمة [رضى الله عنها] لأبيها من عاتكة بنت عبد المطلب، فولدت له عبد الله، و وهبا، و يزيدا، و قتل زمعة يوم بدر كافرا.
__________________________________________________
[1] الحجر: 95، قال عروة و ابن جبير: هم خمسة: الوليد بن المغيرة، و العاصي بن وائل، و الأسود بن المطلب، و أبو زمعة، و الأسود بن يغوث، و من بني خزاعة الحرث بن الطلاطلة.
قال أبو بكر الهذلي: قلت للزهري: إنّ ابن جبير و عكرمة اختلفا في رجل من المستهزءين، فقال ابن جبير: هو الحرث بن عيطلة، و قال عكرمة: هو الحرث بن قيس، فقال الزهري: صدقا، إنه عيطلة و أبوه قيس.
و ذكر الشعبي في المستهزءين هبار بن الأسود، و ذلك و هم، لأن هبارا أسلم يوم الفتح، و رحل إلى المدينة.
و عن ابن عباس: أن المستهزءين كانوا ثمانية، و في رواية: مكان الحرث ابن قيس عدي ابن قيس.
و قال الشعبي و ابن أبي بزة: كانوا سبعة: فذكر الوليد، و الحرث بن عدي، و الأسودين، و الأثرم
إمتاع الأسماع،ج 6،ص:150(1/195)
و عمر بن الخطاب بن نفيل بن عبد العزى بن رياح بن عبد الله، قرط بن رزاح بن عدي بن كعب القرشيّ العدوي، أمير المؤمنين أبو حفص، أمه حنتمة بنت هاشم، و قيل هشام بن المغيرة بن عبد الله بن عمرو بن مخزوم، و أم حنتمة الشفاء بنت عبد قيس بن عدي بن سعد بن سهم، و أمها بنت أسد بن عبد العزى بن قصي، و أمها برة بنت عوف بن عبيد بن عويج بن عدي بن كعب [بن لؤيّ بن غالب ] [1]، و كانت برة بنت عوف جدة آمنة بنت وهب أم أمها، فعمر بن الخطاب أحد أخوال رسول الله من قبل أمهاته، ولد بعد الفيل بثلاث عشرة سنة، و قيل ولد قبل الفجار الأعظم بأربع سنين، و كان من أشراف قريش، إليه كانت السفارة في الجاهلية- و هي إذا وقعت الحرب بعثوه سفيرا- و إن نافرهم مفاخر أو فاخرهم و فاخر، بعثوه منافرا و مفاخرا، و رضوا به. و أسلم بعد أربعين رجلا و إحدى عشرة امرأة فأعز الله بإسلامه المسلمين، و أظهر به الدين، و هاجر إلى المدينة، و شهد المشاهد كلها، و توفى رسول الله صلّى الله عليه و سلم و هو عنه راض، و ولى الخلافة يوم مات أبو بكر الصديق رضى الله عنه باستخلافه له في [يوم الثلاثاء لسبع بقين من جمادى الاخرة [2]] سنة ثلاث عشرة، فسار أحسن سيرة،
__________________________________________________
[ ()] و بعكك ابني الحرث بن السباق. و كذا قال مقاتل، إلا أنه قال مكان الحرث بن عدي: الحرث بن قيس السهى.
و ذكر المفسرون و المؤرخون: أن جبريل عليه السّلام، قال لرسول الله صلّى الله عليه و سلم: أمرت أن أكفيكم، فأومأ إلي ساق الوليد، فمرّ بنبال فتعلق بثوبه، فمنعه الكبر أن يطامن لنزعه، فأصاب عرقاً في عقبه.
قال قتادة و مقسم: و هو الأكحل، فقطع، فمات.
و أومأ إلي أخمص العاصي فدخلت فيه شوكة. و قيل: ضربته حية، فانتفخت رجله حتى صار كالرحى، و مات.(1/196)
و أومأ إلي عيني الأسود بن المطلب، فعمي، و هلك. و أشار إلى أنف الحرث بن قيس فامتخط قيحا فمات. و قيل: أصابته سموم فاسود حتى صار كأنه حبشي، فأتى أهله فلم يعرفوه، و أغلقوا الباب في وجهه، فصار يطوف في شعاب مكة حتى مات.
و في بعض ما أصاب هؤلاء اختلاف و الله تعالي أعلم (البحر المحيط): 6/ 489، (تفسير ابن كثير): 2/ 579- 580.
[1] زيادة للنسب من (المعارف).
[2] زيادة للسياق من (صفة الصفوة).
إمتاع الأسماع،ج 6،ص:151
و أنزل نفسه من مال الله بمنزله رجل من الناس على سوابقهم، و كان لا يخاف في الله لومة لائم، و هو الّذي زين شهر رمضان بصلاة التراويح، و أرخ التاريخ من الهجرة، و هو أول من سمى بأمير المؤمنين، و هو أول من اتخذ الدّرّة.
و قتله أبو لؤلؤة غلام المغيرة بن شعبة، لثلاث بقين- و قيل، بل قتل يوم الأربعاء لأربع بقين- من ذي الحجة سنة ثلاث و عشرين، و كانت خلافته عشر سنين و نصف، و كان عمره ثلاثا و ستين سنة، و قيل: أقل من ذلك، و كانت تحته قريبة الصغرى، أخت أم سلمة، ففرّق بينهما الإسلام، و رجعت إلى الكفار ثم أسلمت، و فضائل عمر كثيرة جدا [1].
و معاوية بن أبى سفيان صخر بن حرب بن أمية بن أمية بن عبد شمس أبو عبد الرحمن، القرشيّ، الأموي، أمه هند بنت عتبة بن زمعة بن عبد شمس بن عبد مناف بن قصي، أسلم يوم الفتح، و عد من المؤلفة [قلوبهم ]، و هو أحد من كتب لرسول الله صلّى الله عليه و سلم، و ولاه عمر رضى الله عنه على الشام بعد موت أخيه يزيد بن أبى سفيان في سنة تسع عشرة، و رزقه ألف دينار في كل شهر، و أقام أربع سنين، و مات عمر فأقره عثمان رضى الله عنه عليها اثنى عشرة إلى أن مات، فحارب عليّ رضى الله عنه أربع سنين، و بايعه أهل الشام خاصة بالخلافة سنة ثمان أو تسع و ثلاثين، و اجتمع الناس عليه بعد بيعة الحسن بن على له في سنة إحدى و أربعين، فأقام أميرا عشرين سنة، و خليفة عشرين سنة، و توفى(1/197)
__________________________________________________
[1] له ترجمة في: (صفة الصفوة): 1/ 139- 153، ترجمة رقم (3)، (الإصابة): 4/ 588- 591، ترجمة رقم (5740) (الاستيعاب): 3/ 1144- 1159، ترجمة رقم (1878)، (الجرح و التعديل): 6/ 105، (تهذيب التهذيب): 6/ 138، (حلية الأولياء): 1/ 38- 55، ترجمة رقم (2)، (الطبقات الكبرى): 3/ 265- 376، (تلقيح الفهوم): 363- 364، (أسماء الصحابة الرواية): 44، ترجمة رقم (11) (المصباح المضي ء): 1/ 43- 56.
إمتاع الأسماع،ج 6،ص:152
للنصف من رجب سنة ستين بدمشق عن ثمان و سبعين سنة، و قيل:
[سبعا و سبعين ] و أخباره كثيرة، و كانت تحته قريبة الصغرى بنت أبى أمية أخت أم سلمة، تزوجها بعد ما فرق الإسلام بينها و بين عمر رضى الله عنه، و بعد ما أسلمت قال له أبوه أبو سفيان بن حرب: أ تتزوج ظعينة أمير المؤمنين؟ فطلقها. [1] و عبد الرحمن بن أبى بكر الصديق رضى الله عنه أبو محمد، أمه و أم أخته عائشة رضى الله عنها: أم رومان بنت الحارث بن غنم الكنانية، شهد بدرا و هو كافر، ثم أسلم في هدنة الحديبيّة، و كان اسمه: عبد الكعبة- و يقال: عبد العزى- فسماه رسول الله: عبد الرحمن، و كان من أشجع قريش و أرماهم بسهم، و حضر اليمامة مع خالد بن الوليد، و قتل سبعة من كبارهم، و كان أش من ولد أبيه، و كان صالحا و فيه دعابة، و شهد الجمل مع عائشة، و توفى سنة ثلاث- و قيل خمس- و خمسين، و كان تحته قرينة الصغرى ابنة أبى أمية، أخت أم سلمة لأبيها من عاتكة بنت عتبة بن ربيعة، خلف عليها بعد معاوية فولدت له عبيد الله بن عبد الرحمن، و أم حكيم. [2]
__________________________________________________
[1] له ترجمة في: (المصباح المضي ء): 1/ 167- 176، ترجمة رقم (40)، (طبقات ابن سعد): 3/ 32، 7/ 406، (التاريخ الكبير): 7/ 326، (المعارف): 344، (الجرح و التعديل):(1/198)
8/ 377، (جمهرة أنساب العرب): 112- 113، (الاستيعاب): 3/ 1416 ترجمة رقم 2435 (تاريخ بغداد): 1/ 207. ترجمة رقم (48)، (جامع الأصول): 9/ 107، (تهذيب الأسماء و اللغات): 1/ 102، (مرآة الجنان): 1/ 131، (تهذيب التهذيب): 10/ 187، ترجمة رقم (387)، (الإصابة): 6/ 151 ترجمة رقم (8074)، (المطالب العالية): 4/ 108، (تاريخ الخلفاء): 194 (خلاصة تذهيب الكمال): 326، (شذرات الذهب):
1/ 65، دسير أعلام (أسماء الصحابة الرواة): 55، ترجمة رقم (26).
[2] له ترجمة في: (مسند أحمد): 1/ 197، (طبقات خليفة): 18، 189، (تاريخ خليفة):
219، (التاريخ الكبير): 5/ 242، (المعارف): 173، 174، 233، 592، (المستدرك):
3/ 5473 (الاستيعاب): 2/ 2824، ترجمة رقم (1394)، (تهذيب التهذيب): 6/ 133- ترجمة رقم (300)، (الإصابة): 4/ 325، ترجمة رقم (5155). (خلاصة تذهيب الكمال): 2224 (شذرات الذهب): 1/ 59، (أسماء الصحابة الرواة): 175 ترجمة رقم (215)، (تلقيح الفهوم): 370، (سير الأعلام): 2/ 471- 473، ترجمة رقم (92).
إمتاع الأسماع،ج 6،ص:153(1/199)
و منبه بن الحجاج بن عامر بن حذيفة بن سعد بن سهم، أمه و أم أخيه نبيه أروى ابنة عميلة بن السباق بن عبد الدار، و كان لهما شرف، و مدحها الأعشى بن نباش بن زرارة التميمي ثم الأسدي. و كانا ممن يؤذى رسول الله صلّى الله عليه و سلم و يطعن عليه [1]، و كانا يلقيانه فيقولان: أما وجد الله من يبعثه غيرك؟ أن هاهنا من هو أسنّ منك و أيسر، فإن كنت صادقا فأتنا بملك يشهد لك و يكون معك!! و إذا ذكر لهما قالوا: معلم مجنون، يعلمه أهل الكتاب ما يأتى به، و كان رسول الله يدعو عليهما، فأما منبه فقتله عليّ رضى الله عنه يوم بدر [2]، و قيل: قتله عليّ أبو اليسر الأنصاري. و يقال: أبو أسيد الساعدي، و قتل نبيه أيضا ببدر، قتله عليّ، و كانا من المطعمين يوم بدر [3]، و لمنبه ابن من بنت العاصي بن وائل بن هشام السهمي اسمه العاصي بن منبه، قتل أيضا يوم بدر، و هو صاحب ذي الفقار، و قيل: كان سيف أبيه منبه، و قيل: [كان ] سيف عمه نبيه [4]، و كان تحت منبه هذا أبى أمية أخت أم سلمة، و ولدت له رجلين.
و عبد الله بن سعد بن جابر عمير بن بشير بن بشير بن عويمر بن الحارث ابن كبير بن السبيل بن حدقة بن سفيان، و هو مظة بن سلهم بن الحكم بن سعد العشيرة، كانت تحته آمنة ابنة عفان أخت أمير المؤمنين عثمان بن عفان رضى الله عنه لأبيه و أمه، فولدت له محمد بن عبد الله بن سعد [5]، و كان ولده بالمدينة، و البصرة و كان تحته أيضا ابنة لأبى بن مالك بن عمرو بن عقيل بن عامر بن جندلة بن جذيمة بن كعب بن أسلم بن
__________________________________________________
[1] (سيرة ابن هشام): 2/ 100، عداوة قومه صلى الله عليه و سلم و مساندة أبي طالب له، 3/ 6، قريش تتشاور في أمره صلّى الله عليه و سلم، 3/ 164، التعرف علي أخبار قريش،
[2] (المرجع السابق): 3/ 196. بلوغ مصاب قريش في رجالها إلي مكة.
[3] (المرجع السابق): 3/ 218، المطعمون من قريش
[(1/200)
4] (المرجع السابق): 3/ 269، من قتل بيدر من المشركين.
[5] (جمهرة أنساب العرب) 409
إمتاع الأسماع،ج 6،ص:154
و أس مناة بن النمر بن قاسط النمري، المعروف بصهيب الرومي أبو يحى، [أمه ] سلمى بنت قعيد بن مهيض بن خزاعيّ بن مازن بن مالك بن عمرو بن تميم، كان أبوه سنان عاملا لكسرى على الأبلّة، من قبل النعمان بن المنذر، و كانت منازلهم بأرض الموصل، و يقال: كانوا في قرية على شاطئ الفرات مما يلي الجزيرة، فأغارت الروم على ناصيتهم فسبت صهيبا و هو غلام صغير فنشأ بالروم فصار [ألكنا]، فابتاعه رجل من كلب فقدم به مكة، فاشتراه أبو زهير عبد الله بن جدعان ابن عمرو بن كعب بن سعد بن تميم بن مرة بن كعب، ثم أعتقه فأقام عنده إلى أن هلك قبل المبعث ببضع عشرة سنة، و لم يزل مع آل جدعان إلى أن جاء الله بالإسلام، و يقال: لم يشتره أحد من الذين سبوه، و لكنه لما ترعرع و عقل هرب من الروم فسقط إلى مكة و حالف ابن جدعان، [فأقام ] معه إلى أن هلك، و إن صهيب كان أحمر شديد الحمرة فسمى روميا بذلك، و لأنه سقط إلى الروم، و يقال سبته العرب فوقع إلى مكة و لم يدخل الروم قط، و إنما سمى روميا لحمرته، و أسلم هو و عمار في يوم واحد بعد ما أسلم بضعة و عشرون رجلا، و كان من المستضعفين الذين يعذبون في الله، و هاجر و ترك ماله لأهل مكة، و شهد بدرا و ما بعدها، و توفى أمية أخت أم سلمة، و يقال بل هي ابنة أبى ربيعة بن المغيرة بن بالمدينة في شوال سنة ثمان و ثلاثين، عن سبعين سنة، و كانت عنده [] بنت أبى أمية، أخت أم سلمة، و يقال: بل هي ابنة أبى ربيعة بن المغيرة عم أبى سلمة و فضائل صهيب كثيرة [1]
__________________________________________________
[(1/201)
1] له ترجمة في: (طبقات ابن سعد): 3/ 226- 230، (طبقات خليفة): 19، 62، (التاريخ الكبير): 4/ 315، (الجرح و التعديل): 4/ 444، (المستدرك): 3/ 449- 454، (الاستيعاب): 2/ 726، ترجمة رقم (1226)، (تهذب التهذيب): 4/ 385، ترجمة رقم، (الإصابة): 3/ 449- 452 ترجمة رقم (4108)، (خلاصة تذهيب الكمال): 1/ 472، ترجمة رقم (3116) (شذرات الذهب): 1/ 47، (سير الأعلام): 2/ 17- 26، ترجمة رقم (4)، (مسند أحمد): 5/ 435
إمتاع الأسماع،ج 6،ص:155
[أسلافه صلّى الله عليه و سلم من قبل زينب بنت جحش ]
و أما أسلافه من قبل زينب بنت جحش: مصعب بن عمير، كانت عنده حمنة بنت جحش أخت زينب بنت جحش، لم تلد له، و ذكر ابن عبد البر أن زينب بنت جحش كانت تحت عبد الرحمن بن عوف كما تقدم.
و مصعب الخير بن عمر بن هاشم بن عبد مناف بن عبد الدار بن قصي القرش العبدري، أبو عبد الله المرثوىّ، أمه خناس بنت مالك بن المضرب بن وهب بن عمرو بن حجير بن عبد بن معيص بن عامر بن لؤيّ، و كان في مكة شابا و جمالا، و كان أبواه يحبانه، و كانت أمه تكسوه أحسن ما يكون من الثياب، و كان أعطر أهل مكة، و أسلم في دار الأرقم، و كتم إسلامه خوفا من أبيه و قومه، و صار تختلف إلى رسول الله صلّى الله عليه و سلم، فبصر به عثمان بن طلحة يصلّى فأخبر به قومه و أمه، فأخذوه و حبسوه حتى خرج منها مهاجرا إلى أرض الحبشة، و بعثه رسول الله صلّى الله عليه و سلم إلى الأنصار يقرئهم القرآن بالمدينة قبل الهجرة، فأسلم على يديه خلق كثير، و لذلك قيل له: المقرئ و القارئ، و شهد بدرا، و قتل يوم أحد شهيدا، قتله ابن قميئة، و هو ابن أربعين سنة، و هو من جلة الصحابة، و كانت عنده حمنة بنت جحش، أخت زينب بنت جحش لأبيها و أمها، تزوجها بعد عبد الرحمن بن عوف، فولدت له زينب، تزوجها عبد الله بن عبد الله ابن أبى أمية، و لا عقب لمصعب إلا منها، و خلف على حمنة بعد مصعب [1].(1/202)
__________________________________________________
[1] له ترجمة في (كنز العمال): 13/ 482، (الإصابة): 6/ 123- 124، ترجمة رقم (8008)، (طبقات ابن سعد): 3/ 116- 122، (الاستيعاب): 4/ 1473- 1475، ترجمة رقم (2553)، (حلية الأولياء): 1/ 106- 108، ترجمة رقم (12)، (الجرح و التعديل): 8/ 303، (التاريخ الصغير): 1/ 21، 25، (تاريخ خليفة): 69، (سير الأعلام): 1/ 145- 148، ترجمة رقم (7)، (المعارف): 264- 265، (تهذيب الأسماء و اللغات): 2/ 96- 97، ترجمة رقم (139)، (صفة الصفوة): 1/ 205- 206، ترجمة رقم (17).
إمتاع الأسماع،ج 6،ص:156
طلحة بن عبيد الله، فولدت له محمد السجاد و عمران، و قد تقدم التعريف بعبد الرحمن بن عوف و طلحة بن عبيد الله [1]، و كانت ممن تكلم في عائشة رضى الله عنها فحدّث، قاله البلاذري [2].
__________________________________________________
[1] تقدم التعريف بهما، و الإحالة مصادر ترجمتهما.
[2] قال أبو حيان الأندلسي في قوله تعالى: إِنَّ الَّذِينَ جاؤُ بِالْإِفْكِ عُصْبَةٌ مِنْكُمْ 24: 11: و العصبة: عبد الله بن أبي رأس النفاق، و زيد بن رفاعة، و حسان بن ثابت، و مسطح بن أثاثة، و حمنة بنت جحش، و من ساعدهم ممن لم يرد ذكر اسمه .. ثم قال: و المشهور أنه حد حسان، و مسطح، و حمنة، قيل:
و عبد الله بن أبي، و قد ذكره بعض شعراء ذلك العصر في شعر، و قيل: لم يحدّ مسطح، و قيل: لم يحد عبد الله، و قيل: لم يحد أحد في هذه القصة، و هذا مخالف للنص فَاجْلِدُوهُمْ ثَمانِينَ جَلْدَةً 24: 4، و قابل ذلك بقول: إنما يقال الحد بإقرار أو بينة، و لم يتقيد بإقامته بالإخبار، كما لم يتقيد بقتل المنافقين، و قد أخبر تعالى بكفرهم. (البحر المحيط): 8/ 20- 21.
إمتاع الأسماع،ج 6،ص:157
[أسلافه صلّى الله عليه و سلم من قبل أم حبيبة]
و أما أسلافه من قبل أم حبيبة بنت أبى سفيان رضى الله عنها فهم:(1/203)
الحارث بن نوفل بن الحارث بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف، أسلم و هو رجل عند إسلام أبيه نوفل بن الحارث، و ولى مكة، و مات في آخر خلافة عثمان رضى الله عنه بالبصرة، [1] و كانت عنده هند بنت أبى سفيان- أخت أم حبيبة لأبيها- فولدت له عبد الله ابن الحارث الّذي بقال له ببة، [2] و محمد بن الحارث الأكبر، و ربيعة، و عبد الرحمن، و رملة، و أم الزبير، و ظريبة و امرأة أخرى.
و محمد بن أبى حذيفة العبشمي- [و قيل هشيم، و قيل: هاشم ] [3] ابن عتبة بن ربيعة بن عبد شمس بن عبد مناف أبو القاسم القرشيّ
__________________________________________________
[1] له ترجمة في: (الإصابة): 1/ 603- 605، ترجمة رقم (1502)، (تاريخ الإسلام): 3/ 338، 463، (الاستيعاب): 1/ 291، ترجمة رقم (409) (الجرح و التعديل): 5/ 67، (طبقات ابن سعد): 4/ 56- 57، (سير الأعلام): 1/ 199، ترجمة رقم (28).
[2] قال الزبير بن بكار: هو ابن أخت معاوية بن أبي سفيان، و اسمها هند، هي كانت تنقّزه و تقول.
يا ببة يا ببّة لأنكحن ببّه
جارية خدبّه تسود أهل الكعبة
في الاستيعاب: «تجبّ» بدل «تسود»، و فسّرها بأنها تغلب نساء قريش بجمالها، و أما رواية (تاريخ بغداد):
لأنكحن ببة جارية خدبه
مكرمة محبة تحب أهل الكعبة
(الاستيعاب): 3/ 885- 886 ترجمة رقم (1500)، (تاريخ بغداد): 1/ 211- 212، ترجمة رقم (50)، (سير الأعلام): 1/ 200، ترجمة رقم (29).
[3] ما بين الحاضرتين في (خ) فقط.
إمتاع الأسماع،ج 6،ص:158(1/204)
العبشمي، أمة سهلة بنت سهيل بن عمرو العامري، ولد بأرض الحبشة و أبوه مهاجربها، و ولاه على رضى الله عنه، مصر، و كان من أشدهم انحرافا عن عثمان رضى الله عنه، و أكثرهم تأليبا عليه، و قتل في ذي الحجة سنة ست و ثلاثين، و كانت تحته زميلة بنت أبى سفيان أخت أم حبيبة [1] و سعيد بن عثمان بن عفان، أمه و أم أخيه سعيد، و أخته أم عثمان، فاطمة بنت الوليد بن عبد شمس بن المغيرة بن عبد الله بن عمرو بن مخزوم، ولاه معاوية خراسان، و فتح سمرقند، و كانت [عامة] [2] المدينة عبيدهم و نساؤهم يقولون:
و الله لا ينالها يزيد حتى ينال هامة الحديد
إن الأمير بعده سعيد
يعنون: لا ينال الخلافة يزيد بن معاوية، لأن الأمير بعد معاوية سعيد بن عثمان، فقدم سعيد على معاوية فقال: يا ابن أخى؟ ما شي ء يقوله أهل المدينة؟ فقال: ما يقولون؟
قال: قولهم، و ذكره، قال: ما شي ء من ذلك، يا معاوية، و الله إن أبي لخير من أبى يزيد، و لأمى خير من أم يزيد، و لأنا لخير من يزيد، و لقد استعملناك فما عزلناك، و وصلناك فما قطعناك، ثم صار في يديك ما قد ترى، [و بنا
__________________________________________________
[1] له ترجمة في: الإصابة): 6/ 10/ 13، ترجمة رقم (7772)، (سير الأعلام): 3/ 479- 481، ترجمة رقم (103)، (الكامل في التاريخ): 3/ 265، ذكر قتل محمد بن أبي حذيفة (الوافي بالوفيات): 3/ 328- 329، ترجمة رقم (776)، (تاريخ الطبري): 5/ 105، أحداث سنة (38) ثم ذكر رواية الوافدي في وفاة محمد بن أبي حذيفة سنة (36)، (الإصابة): 3/ 1369- 1370، ترجمة 2326.
[2] ما بين الحاصرتين مطموس في (خ) و ما أثبتناه من (وفيات الأعيان).
إمتاع الأسماع،ج 6،ص:159(1/205)
نلت ما نلت ] [1] فقال معاوية: يا بنى! أما قولك: إن أبى خير من أبى يزيد فقد صدقت، عثمان خير من معاوية، أما قولك: أمى خير من أم يزيد فقد صدقت، امرأة من قريش خير من امرأة من كلب، و بحسب امرأة أن تكون [في بيت قومها و أن يرضاها بعلها و ينجب ولدها]، و أما قولك: أنى خير من يزيد فو الله ما يسرني أن حبلا بيني و بين العراق تم نظم لي [به، ثم قال له ]: ألحق بعمك زياد بن أبى سفيان، فإنّي قد أمرته أن يوليك خراسان، و كتب إلى زياد [أن وليه ] [2] خراسان و ابعث على الخراج رجلا جلدا حازما، فقد عليه فولاه و توجه سعيد بن عثمان إلى خراسان على أمرها، و بعث زياد بن أسلم ابن زرعة الكلابي معه على الخراج، و قدم المدينة فقتله غلمان جاء بهم من []، و كانت تحته رملة بنت أبى سفيان أخت أم حبيبة، خلف عليها بعد محمد بن أبى حذيفة، فلم تلد له [3].
و السائب بن أبى حبيش [أهيب ] [3] بن المطلب بن أسد بن عبد العزى ابن قصي، [القرشي الأسدي ] [4]، كانت عنده [] بنت أبى
__________________________________________________
[1] ما بين الحاصرين مطموس في (خ) و لعل ما أثبتناه يناسب السياق.
[2] أخباره مبثوثة في: (تاريخ الطبري): 4/ 55420/ 304- 306، (صفة الصفرة): 1/ 154، ترجمة رقم (4)، (الكامل في التاريخ): 3/ 186، (وفيات الأعيان): 5/ 353، 6/ 348
[3] ما بين الحاصرتين في (خ) فقط.
[4] زيادة للنسب من (الإصابة)، له ترجمة في: (الإصابة): 3/ 18- 19، ترجمة رقم (3061)، (التاريخ الكبير): 4/ 153، ترجمة رقم (2297)، (طبقات ابن سعد): 8/ 239، (الثقات):
4/ 326، (تهذيب التهذيب): 3/ 387، ترجمة رقم (831)، (الاستيعاب): 2/ 570، ترجمة رقم (886).
إمتاع الأسماع،ج 6،ص:160
سفيان، أخت أم حبيبة، فلم تلد له.
و عبد الرحمن بن الحارث بن أمية الأصغر بن عبد شمس بن عبد مناف [1]، أمه من ثقيف، و خلف على [] بنت أبى سفيان فلم تلد له.(1/206)
و صفوان بن أمية بن خلف بن وهب بن حذافة بن جمح بن عمرو بن هصيص بن كعب بن لؤيّ بن غالب بن فهر القرشي الجمحيّ، أبو وهب- و قيل: أبو أمية- أمه صفية بنت معمر بن حبيب بن وهب بن حذافة بن جمح، و قتل أبوه يوم بدر كافرا، و قتل رسول الله صلّى الله عليه و سلم أخاه أبى بن خلف بأحد كافرا، و هرب صفوان يوم الفتح ثم رجع و شهد حنينا و هو مشرك، ثم أسلم و مات بمكة سنة اثنتين و أربعين، و كان أحد أشراف قريش في الجاهلية، و إليه كانت فيهم الأيسار- و هي الأزلام- و كان أحد المطعمين، و كان يقال له: سداد البطحاء، و هو أحد المؤلفة قلوبهم، و ممن حسن إسلامه منهم، و كان من أفصح قريش لسانا، و كانت تحته أميمة بنت أبى سفيان أخت أم حبيبة لأبيها و أمها، فولدت له عبد الرحمن بن صفوان [2].
و حويطب بن عبد العزى بن أبى قيس القرشي العامري، كانت تحته اميمة قبل صفوان، فولدت له عبد الرحمن بن صفوان، أبا سفيان بن
__________________________________________________
[1] (الإصابة): 4/ 295، ترجمة رقم (5102 ز).
[2] له ترجمة في: (طبقات بن سعد): 5/ 449، (طبقات خليفة): 24، 278، (تاريخ خليفة):
111، 205، (التاريخ الكبير): 4/ 2304، (المعارف): 342، (الجرح و التعديل): 4/ 421، (المستدرك): 3/ 484، (الاستيعاب): 2/ 718- ترجمة رقم (1214)، (تهذيب التهذيب) 4/ 372، ترجمة رقم (473)، (الإصابة): 3/ 432، ترجمة رقم (4077)، (خلاصة تذهيب الكمال): 1/ 469، ترجمة رقم (3069) (شذرات الذهب): 1/ 52، (سير أعلام النبلاء):
2/ 562- 567، ترجمة رقم (119)، (تلقيح الفهوم): 369، (الثقات): 3/ 191، (أسماء الصحابة الرواة): 146، ترجمة رقم (160).
إمتاع الأسماع،ج 6،ص:161
حويطب [1].(1/207)
و عياض بن غنم بن زهير بن أبى شداد بن أبى ربيعة بن هلال بن مالك، ابن ضبة بن الإرث بن فهر القرشي الفهري، أسلم قبل الحديبيّة و شهدها، و افتتح عامة بلاد الجزيرة و الرقة، و هو أول من جاز الدرب إلى الروم، و كان شريفا في قومه، مات بالشام سنة عشرين، و هو ابن ستين سنة، كانت عنده أم الحكم بنت أبى سفيان، أخت أم حبيبة لأبيها، من هند بنت عتبة، أم معاوية بن أبى سفيان، ففرق الإسلام بينهما [2].
و عبد الله بن عثمان بن عبد الله بن ربيعة بن الحارث بن حبيب بن الحارث بن مالك بن حطيط بن جشم بن قسىّ- و هو ثقيف- و كان عثمان بن عبد الله هو صاحب لواء المشركين يوم حنين، و تزوج عبد الله بن عثمان بأم الحكم ابنة أبى سفيان أخت أمّ حبيبة لأبيها، من هند بنت عتبة بن ربيعة بن عبد شمس، خلف عليها بعد عياض، فولدت له عبد الرحمن بن عبد الله بن عثمان، و هو الّذي يقال له: ابن أم الحكم، ولى الكوفة [3]، و قتل عبد الله بن عثمان يوم الطائف، فمر به على رضى الله عنه فقال:
لعنك الله، فإنك كنت تبغض قريشا. و سعيد بن الأخنس بن شريق بن عمرو بن وهب بن علاج بن أبى سلمة
__________________________________________________
[1] سبق التعريف بمصادر ترجمته عند الكلام على سلفيه صلّى الله عليه و سلم من قبل سودة.
[2] له ترجمة في: (التاريخ الكبير): 7/ 18- 19، (سير الأعلام): 2/ 354- 355، ترجمة رقم (69)، (طبقات خليفة): 28، 300، (تاريخ خليفة): 147 (المستدرك): 3/ 328، (الاستيعاب): 3/ 1234، ترجمة رقم (2014)، (الإصابة): 4/ 757، ترجمة رقم (6144)، (شذرات الذهب): 1/ 31، (التاريخ الصغير): 1/ 48، (أسماء الصحابة الرواة): 493، ترجمة رقم (785) (تلقيح الفهوم): 383، (طبقات ابن سعد): 7/ 398.
[3] (جمهرة أنساب العرب): 266.
إمتاع الأسماع،ج 6،ص:162(1/208)
ابن عبد العزى بن غيره بن عوف بن ثقيف [1] [بن بكر بن هوازن بن منصور بن عكرمة بن خصفة بن قيس بن غيلان ]، كان الأخنس بن شريق من سادات مكة، و تزوج سعيد [بصخرة] بنت أبى سفيان أخت أم حبيبة، فولدت له أبا بكر بن سعيد و غيره.
و عروة بن مسعود معتّب بن مالك بن كعب بن عمرو بن سعد بن عوف ابن ثقيف الثقفي أبو مسعود- و قيل: أبو يعفور [2]- شهد صلح الحديبيّة، و أسلم بعد الطائف، و رجع إلى قومه ليدعوهم إلى الإسلام، فقتل بسهم، و كانت تحته ميمونة بنت أبى سفيان أخت أم حبيبة، فولدت له داود بن عروة.
و المغيرة بن شعبة بن أبى عامر بن مسعود بن معتب بن مالك بن كعب بن عمرو بن سعد بن عوف بن قسى- و هو ثقيف- الثقفي، أبو عبد الله- و قيل: أبو عيسى- أسلم عام الخندق، و أول مشاهدة الحديبيّة، و ولى البصرة و الكوفة لعمر بن الخطاب رضى الله عنه، و توفى سنة خمسين،
__________________________________________________
[1] (الإصابة): 1/ 38 ترجمة أبيه الأخنس بن شريق، رقم (61)، و ما بين الحاصرين زيادة للنسب من (خ).
[2] قال محمد بن يوسف الشهير بأبي حيان الأندلسى الغرناطي: و الضمير في: و قالُوا 2: 11، لقريش، كانوا قد استبعدوا أن يرسل الله من البشر رسولا، فاستفاض عندهم أمر إبراهيم و موسى و عيسى و غيرهم من الرسل صلّى الله عليهم. فلما لم يكن لهم في ذلك مدفع، ناقضوا فيما يخص محمد صلّى الله عليه و سلم فقالوا: لم كان محمدا و لم يكن القرآن ينزل على رجل من القريتين عظيم؟ أشاروا إلى من عظم قدره بالسن و القدم و الجاه و كثرة المال. و قرئ: على رجل، بسكون الجيم. من القريتين أي من إحدى القريتين. و قيل: من رجل القريتين، و هما مكة و الطائف.(1/209)
قال ابن عباس: و الّذي من مكة: الوليد بن بن المغيرة المخزومي، و من الطائف: حبيب بن عمرو بن عمير الثقفي. و قال مجاهد: عتبة بن ربيعة، و كنانة بن عبد ياليل. و قال قتادة: الوليد بن المغيرة، عروة ابن مسعود الثقفي.
إمتاع الأسماع،ج 6،ص:163
و قيل: إحدى و خمسين و هو على الكوفة لمعاوية، و كان أعور داهية، أحصن ألف امرأة، و خلف على ميمونة بنت أبى سفيان بعد عروة بن مسعود [1].
و عبد الله بن معاوية العبديّ، خلف على أميمة بنت أبى سفيان بعد صفوان بن أمية.
__________________________________________________
[ ()] و قال أبو عمر يوسف بن عبد الله بن محمد بن عبد البر: أخبرنى أحمد بن القاسم، حدثنا قاسم بن أصبغ، حدثنا الحارث بن أبى أسامة، قال: حدثنا يونس بن محمد المؤدب، قال: حدثنا ليث بن سعد، عن أبى الزبير، عن جابر، عن رسول الله صلّى الله عليه و سلم، قال: عرض عليّ الأنبياء عليهم السلام، فإذا موسى ضرب من الرجال كأنه من رجال شنوءة، و رأيت عيسى ابن مريم فإذا أقرب من رأيت به شبها عروة بن مسعود، و رأيت إبراهيم عليه السّلام، فإذا أقرب من رأيت به شبها صاحبكم، يعنى نفسي- صلّى الله عليه و سلم، و رأيت جبريل عليه السّلام، فإذا أقرب من رأيت به شبها دحية لكلبى. له ترجمة في: (البحر المحيط): 9/ 369، (الاستيعاب): 3/ 1066- 1067، ترجمة رقم (1804)، (الإصابة): 4/ 492- 494، ترجمة رقم (5530)، (طبقات ابن سعد):
5/ 503- 504.
[(1/210)
1] له ترجمة في: (طبقات ابن سعد): 4/ 284، 6/ 20، (طبقات خليفة): 361، 884، 1419، (التاريخ الكبير). 316، (المعارف) 294، (الجرح و التعديل): 8/ 224، (تاريخ الطبري): 5/ 234، ( (جمهرة أنساب العرب): 267، (الاستيعاب): 4/ 1445، ترجمة رقم (2483)، (تاريخ بغداد): 1/ 191، ترجمة رقم (30)، (سير أعلام النبلاء): 3/ 21- 32، ترجمة رقم (7)، (الكامل في التاريخ): 3/ 461، (تهذيب الأسماء و اللغات): 2/ 109، (مرآة الجنان): 1/ 124، (البداية و النهاية): 8/ 53، (الإصابة): 6/ 197- 200، ترجمة رقم (8185)، (تهذيب التهذيب): 10/ 234، ترجمة رقم (473)، (خلاصة تذهيب الكمال):
3/ 50، ترجمة رقم (7155)، (شذرات الذهب): 1/ 56، (أسماء الصحابة الرواة): 58، ترجمة رقم (31)، (الثقات): 3/ 372، (تلقيح الفهوم): 365.
إمتاع الأسماع،ج 6،ص:164
[أسلافه صلّى الله عليه و سلم من قبل ميمونة]
و أما أسلافه صلّى الله عليه و سلم من قبل ميمونة [رضى الله تعالى عنها]، فإنّهم:
حمزة بن عبد المطلب، كانت تحته سلمى بنت عميس، أخت ميمونة لأبيها [1] من هند بنت [عوف الحميرية]، فولدت له أمة الله، و قد تقدم التعريف بحمزة رضى الله عنه [2].
و شداد بن الهاد، و اسمه أسامة بن عمرو بن عبد الله بن جابر بن بشر بن عتوارة بن عامر بن مالك بن ليث بن بكر [بن عبد مناة بن كنانة
__________________________________________________
[1] و هي أخت أسماء بنت عميس الخثعمية. (طبقات ابن سعد): 3/ 8.
[(1/211)
2] هو حمزة بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف بن قصي بن كلاب ... الإمام، البطل، الضرغام، أسد الله أبو عمارة، و أبو يعلى، القرشيّ، الهاشميّ، المكّي، ثم المدنيّ، البدريّ الشهيد، عم رسول الله صلّى الله عليه و سلم و أخوه من الرضاعة، قال ابن إسحاق: لما أسلم حمزة علمت قريش أن رسول الله صلّى الله عليه و سلم قد امتنع، و أن حمزة سيمنعه فكفوا عن بعض ما كانوا ينالون منه، و قد بارز حمزة يوم بدر عتبة بن ربيعة فقتله، و رجع رسول الله صلّى الله عليه و سلم يوم أحد، فسمع نساء بنى عبد الأشهل يبكين على هلكاهن، فقال: لكن حمزة لا بواكي له، فجئن نساء الأنصار فبكين على حمزة عنده.
و عن أنس قال: لما كان يوم أحد وقف رسول الله صلّى الله عليه و سلم على حمزة و قد جدع و مثل به، فقال: لو لا أن تجد صفية في نفسها لتركته حتى يحشره الله من بطون السباع و الطير. و لم يصلّ على أحد من الشهداء، و قال: أنا شهيد عليكم. و كان يجمع الثلاثة في قبر و الاثنين، فيسأل: أيهما أكثر قرآنا فيقدمه في اللحد، و كفّن الرجلين و الثلاثة في ثوب.
و وجدوا حمزة (رضى الله عنه) قد بقر بطنه، و احتمل وحشيّ كبده إلى هند بنت عتبة في نذر نذرته حين قتل حمزة أباها يوم بدر، فدفن في نمرة كانت عليه، إذا رفعت إلى رأسه بدت قدماه، فغطوا قدميه بشي ء من الشجر رضى الله تعالى عنه. له ترجمة في: (طبقات ابن سعد):
3/ 8- 19، (تاريخ خليفة): 68، (الجرح و التعديل): 3/ 212، (الاستيعاب):
1/ 369- 375، ترجمة رقم (541)، تهذيب الأسماء و اللغات): 1/ 168- 169، (الإصابة):
2/ 121- 124، ترجمة رقم (1828)، (صفة الصفوة): 1/ 195- 198، ترجمة رقم (12)، (المستدرك): 3/ 211- 220، (سير الأعلام): 171- 184، ترجمة رقم (15)، (شذرات الذهب): 1/ 10.
إمتاع الأسماع،ج 6،ص:165(1/212)
الليثي ] [1] و شداد لقب له، و الهاد لقب لأبيه، حليف بنى هاشم، و تزوج سلمى بنت عميس، خلف عليها بعد حمزة فولدت له: عبد الله و عبد الرحمن، و سكن المدينة و تحول إلى الكوفة [2].
و العباس بن عبد المطلب رضى الله عنه [3]، كانت عنده لبابة بنت
__________________________________________________
[1] زيادة للنسب من (الإصابة).
[2] و إنما قيل لأبيه: الهاد، لأنه كان يوقد النار ليلا للسارين، روى عنه ابنه عبد الله، و له رؤية، و إبراهيم ابن محمد بن طلحة. و عبد الرحمن بن أبى عمارة.
و كانت تحته سلمى بنت عيسى أخت أسماء بنت عميس، فكان من أسلاف النبي صلّى الله عليه و سلم، لأن سلمى أخت ميمونة لأمها، و من أسلاف أبى بكر رضى الله عنه، و له في (المشارق) حديث واحد، قال الدري عن ابن معين ليس له مسند غيره، قال البخاري: له صحبة، و ذكره ابن سعد فيمن شهد الخندق، له ترجمة في (تهذيب التهذيب): 4/ 280، ترجمة رقم (556)، (الإصابة):
3/ 324، ترجمة رقم: (3861 ز)، (حلية الأولياء): 1/ 60، (الثقات): 3/ 186، (الاستيعاب): 2/ 695- 696، ترجمة رقم (1161)، (تاريخ الصحابة): 131، ترجمة رقم (637)، (المعارف): 282، (طبقات ابن سعد): 6/ 26، 8/ 286.
[3] هو العباسي بن عبد المطلب رضى الله عنه، عم رسول الله صلّى الله عليه و سلم، قيل: إنه أسلم قبل الهجرة، و كتم إسلامه، و خرج مع قومه إلى بدر، فأسر يومئذ، فادعى أنه مسلم، فاللَّه أعلم، و ليس هو في عداد الطلقاء، فإنه كان قد قدم على النبي صلّى الله عليه و سلم قبل الفتح، ألا تراه أجار أبا سفيان بن حرب؟(1/213)
له عدة أحاديث، منها خمسة و ثلاثون في مسند بقي، و في البخاري و مسلم حديث، و في البخاري حديث، و في مسلم ثلاثة أحاديث. و قد الشام مع عمر رضى الله عنه، و كان رضى الله عنه شريفا مهيبا عاقلا جميلا، أبيض بضّا، له ضفيرتان، معتدل القامة، ولد قبل عام الفيل بثلاث سنين، و كان أطول الرجال، و أحسنهم صورة، و أبهاهم، و أجهرهم صوتا، مع الحلم الوافر، و السؤدد.
قيل للعباس: أنت أكبر أو النبي صلّى الله عليه و سلم؟ قال: هو أكبر منى و أنا ولدت قبله. و كان يمنع الجار، و يبذل المال، و يعطى في النوائب. و ثبت أن العباس كان يوم حنين وقت الهزيمة، آخذا بلجام بغلة النبي صلّى الله عليه و سلم، و ثبت معه حتى نزل النصر. و ثبت من حديث أنس: أن عمر رضى الله عنه استشفى فقال: اللَّهمّ إنا كنا إذ قحطنا على عهد نبيك صلّى الله عليه و سلم توسلنا به، و إنا نستسقي إليك بعمّ نبيك العباس.
قال الضحاك بن عثمان الحزامي: كان يكون للعباس الحاجة إلى غلمانه و هم بالغابة، فيقف على سلع- جبل بمكة- و ذلك في آخر الليل فيناديهم- فيسمعهم، و الغابة نحو من تسعة أميال.
قال الحافظ الذهبي: كان تامّ الشكل، جهوريّ الصوت جدا، و هو الّذي أمره النبي صلّى الله عليه و سلم أن يهتف يوم حنين: يا أصحاب الشجرة. كانت وفاته رضى الله عنه في سنة اثنتين و ثلاثين من الهجرة، و له
إمتاع الأسماع،ج 6،ص:166
الحارث بن حزن، و هي أم الفضل و عبد الله و عبيد الله و قثم و عبد الرحمن و معبد و أم حبيب، و هي أخت أم حبيبة ميمونة.
و جعفر بن أبى طالب رضى الله عنه [1]، كانت عنده أسماء بنت
__________________________________________________
[ ((1/214)
)] ستّ و ثمانون سنة، و لم يبلغ أحد هذه السنّ من أولاده، و لا أولادهم، و لا ذريته الخلفاء. له ترجمة في: (أسماء الصحابة الرواة): 97، ترجمة رقم (85)، (تلقيح فهوم أهل الأثر): 366، (طبقات ابن سعد): 4/ 5- 33، (مسند أحمد): 1/ 339- 345)، (تاريخ خليفة): 168، (التاريخ الكبير): 7/ 2، ترجمة رقم (1)، (المعارف): 118، 137، 156، 589، 592، (الجرح و التعديل): 6/ 210، ترجمة رقم (1151)، (المستدرك) 3/ 362- 377، (الاستعاب):
2/ 810- 830، ترجمة رقم (1378)، (صفة الصفوة): 1/ 262- 264- 264، (تهذيب التهذيب):
5/ 107- 108، ترجمة رقم (214)، (خلاصة تذهيب الكمال): 2/ 35، ترجمة رقم (3355) (كنز العمال): 13/ 502- 503، حديث رقم (37294)، (شذرات الذهب): 1/ 38- 39، (أسير أعلام النبلاء): 3/ 78- 103، ترجمة رقم (11).
[1] هو جعفر بن أبى طالب بن عبد مناف بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف بن قصىّ الهاشميّ، ابن عم رسول الله صلّى الله عليه و سلم، أخو عليّ بن أبى طالب، و هو أسنّ من عليّ رضى الله عنه بعشر سنين.
هاجر الهجرتين، و هاجر من الحبشة إلى المدينة، فوافى المسلمين و هم على خيبر إثر أخذها، فأقام بالمدينة أشهرا، ثم أمّره رسول الله صلّى الله عليه و سلم على جيش غزوة مؤتة بناحية الكرك، فاستشهد، و قد سرّ رسول الله صلّى الله عليه و سلم كثيرا بقدومه، و حزن لوفاته.
روى شيئا يسيرا، روى عنه ابن مسعود، و عمرو بن العاص، و أم سلمة، و ابنه عبد الله، عن نافع أن ابن عمر قال: جمعت جعفرا على صدري يوم مؤتة، فوجدت في مقدّم جسده بضعا و أربعين، ما بين ضربة و طعنة.
و عن أسماء قالت: دخل عليّ رسول الله صلّى الله عليه و سلم فدعا بنى جعفر، فرأيته شمهم و ذرفت عيناه، فقلت: يا رسول الله: أ بلغك عن جعفر شي ء؟ قال: نعم، قتل اليوم، فقمنا نبكي، و رجع فقال:(1/215)
أصنعوا لآل جعفر طعاما، فقد شغلوا عن أنفسهم، مات سنة تسع و ثلاثين، عن بضع و ثلاثين سنة رضى الله عنه. عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلّى الله عليه و سلم: رأيت جعفر بن أبى طالب ملكا في الجنة، مضرجة قوادمه بالدماء يطير في الجنة، له ترجمة في: (مسند أحمد): 1/ 332- 334، 6/ 393- 395، (طبقات بن سعد): 4/ 34- 41، (طبقات خليفة): 4، (تاريخ خليفة): 86، 87، (التاريخ الكبير) 2/ 185، ترجمة رقم (2139)، (التاريخ الصغير): 1/ 22، (الجرح و التعديل):
2/ 482، ترجمة رقم (1960)، (حلية الأولياء): 1/ 114، ترجمة رقم (17)، (الاستيعاب):
1/ 242، ترجمة رقم (327)، (تهذيب الأسماء و اللغات): 1/ 148، ترجمة رقم (105)،
إمتاع الأسماع،ج 6،ص:167
عميس، أخت ميمونة لأمها، فولدت له عبيد الله و عوفا و محمدا، و قد تقدم التعريف بعباس و جعفر.(1/216)
و أبو بكر الصديق رضى الله عنه، و اسمه: عبد الله بن أبى قحافة، عثمان ابن عامر بن كعب بن سعد بن تيم بن مرة، كان اسمه في الجاهلية عبد الكعبة، فسماه رسول الله صلّى الله عليه و سلم عبد الله، كان في الجاهلية وجيها، رئيسا من رؤساء قريش، و إليه كانت الأشناق- و هي الديات-، كان إذا حمل شيئا قالت فيه قريش صدقوه و أمضوا حمالته و حمالة من قام معه، و إن احتملها غيره خذلوه و لم يصدقوه، و صحب رسول الله صلّى الله عليه و سلم قديما، و هو أول من أسلم بعد خديجة، و كان يقال له: عتيق، لجماله و عتاقة وجهه، أو لأنه لم يكن في [صفاته ] [1]. شي ء يعاب به، أو لأنه كان له أخوان يقال لأحدهما: عتيق، و الآخر عتيق، فمات عتيق قبله فسمى باسمه، أو لأن رسول الله صلّى الله عليه و سلم قال: من سرّه أن ينظر إلى عتيق من النار فلينظر إلى هذا، و سمى صديقا لمبادرته إلى تصديق رسول الله صلّى الله عليه و سلم في كل ما جاء به، و لتصديقه له في خبر الإسراء، و أسلم و له أربعون ألفا أنفقها على رسول الله صلّى الله عليه و سلم و في سبيل الله، و أعتق سبعة كانوا يعذبون في الله، و لم يغب عن رسول الله صلّى الله عليه و سلم في موطن من مواطنه، و استخلفه على الصلاة بالناس في مرض موته، فبايعه المسلمون بعد وفاته في سقيفة بنى ساعدة، ثم بويع بيعة العامة يوم الثلاثاء غد ذلك اليوم، و ارتدت العرب، فقام بقتال أهل الردة حتى استقر الإسلام و ثبت، و مكث في الخلافة سنتين و ثلاثة أشهر إلا خمس ليال، و قيل: سنتين و ثلاثة أشهر وسيع ليالي، و قيل توفّى على رأس
__________________________________________________
[ ()] (تهذيب التهذيب): 2/ 2/ 83، ترجمة رقم (146)، (خلاصة تذهيب الكمال): 1/ 168، ترجمة رقم (1041)، (تاريخ الصحابة): 57، ترجمة رقم (178)، (صفة الصفوة): 1/ 264، ترجمة رقم (56)، (شذرات الذهب): 1/ 48.
[(1/217)
1] ما بين الحاصرتين مطموس في (خ)، و لعل ما أثبتناه يناسب السياق.
إمتاع الأسماع،ج 6،ص:168
ستين و ثلاثة أشهر و اثنى عشر يوما، و قيل: و عشرة أيام، و قيل: و عشرين يوما. و توفى يوم الجمعة لسبع بقين من جمادى الآخرة، فغسّلته زوجته أسماء بنت عميس، و صلى عليه عمر بن الخطاب، و نزل في قبره: عمر، و عثمان، و طلحة، و عبد الرحمن بن أبى بكر رضى الله عنهم، و دفن ليلا إلى جانب قبر رسول الله صلّى الله عليه و سلم و عمره ثلاث و ستون سنة، و فضائله كثيرة جدا، رضى الله عنه، و كانت تحته أسماء بنت عميس، خلف عليها بعد جعفر بن أبى طالب، و هي أخت ميمونة، فولدت له محمد بن أبى بكر المقتول بمصر [1].
و على بن أبى طالب رضى الله عنه خلف بعد أبى بكر رضى الله عنه على أسماء بنت عميس، فولدت له يحيى و عونا، و قد تقدم التعريف [به رضى الله عنه ] [2].
__________________________________________________
[1] له ترجمة في: (الثقات): 2/ 338، (طبقات ابن سعد): 3/ 169، (الإصابة): 4/ 169- 175، ترجمة رقم (482)، (حلية الأولياء): 1/ 28، (صفة الصفوة): 1/ 123- 139، ترجمة رقم (2)، (وفيات الأعيان): 3/ 64- 71، ترجمة رقم (339)، (تاريخ الإسلام): 3/ 105- 112، (تاريخ خليفة): 123، (طبقات خليفة): 8، (تاريخ الطبري): 3/ 171، 3/ 419، 3/ 435، (المعارف): 48، 167 (الكامل في التاريخ): 2/ 449، (مسند أحمد): 7/ 154، (المستدرك): 3/ 64- 86، (تاريخ الصحابة): 23، (فتح الباري): 7/ 9- 49، (تهذيب التهذيب):
5/ 276- 277، ترجمة رقم (537)، (شذرات الذهب): 1/ 24، (مسلم بشرح النووي):
15/ 157- 167، (شذرات الذهب): 1/ 24.
[2] (فتح الباري): 7/ 87- 94، (مسلم بشرح النووي): 15/ 183- 191، (سنن ابن ماجة):(1/218)
المقدمة: 42- 45، (طبقات ابن سعد): 3/ 19- 40، (الاستيعاب): 3/ 1089- 1133، ترجمة رقم (1855)، (المستدرك): 3/ 116- 158، (نهج البلاغة): المقدمة: 35- 55، (شرح ابن أبي الحديد على النهج): 1/ 11- 30، (حلية الأولياء): 1/ 61- 87، ترجمة رقم (4)، (صفة الصفوة): 1/ 162- 175، ترجمة رقم (5)، (مسند أحمد): 1/ 122 و ما بعدها، (مغازي الواقدي): 2/ 655، (الإصابة): 4/ 564- 570، ترجمة رقم (5692)، (تاريخ الإسلام):
3/ 621- 652، (تهذيب الأسماء و اللغات): 1/ 344- 349، (المعارف): 203- 218، (تهذيب التهذيب): 7/ 294- 298، ترجمة رقم (566)، (تاريخ بغداد): 1/ 133- 138،
إمتاع الأسماع،ج 6،ص:169
و الطفيل بن الحارث بن المطلب بن عبد مناف بن قصي القرشيّ المطلبي، أمه و أم اخوته عبيدة بن الحارث، و الحصين بن الحارث: سخيلة بنت خزاعيّ ابن الحويرث بن الحارث بن حبيب بن مالك بن الحارث بن حطيط بن جشم ابن ثقيف، و تزوج زينب بنت خزيمة أخت ميمونة لأمها هند، و شهد بدرا، و مات بعدها، و مات عن سبعين سنة، سنة اثنتين و ثلاثين [1].
و عبيدة بن الحارث بن عبد المطلب بن عبد المناف بن قصي أبو الحارث و قيل: أبو معاوية، كان أسنّ من رسول الله صلّى الله عليه و سلم بعشر سنين، و أسلم قبل الدخول إلى دار الأرقم، و هاجر هو و أخواه الطفيل و الحصين إلى المدينة، و معهم مسطح بن أثاثة بن عباد بن عبد المطلب، و كان لعبيدة قدرا و منزلة عند رسول الله صلّى الله عليه و سلم، و عقد له لواء على ستين راكبا في سنة [ثنتين ]، و شهد بدرا فأغنى يومئذ غناء عظيما، و قطع عتبة- و قيل: شيبة بن ربيعة- رجله فارتثّ منها، و مات بالصفراء و له ثلاث و ستون سنة، و خلف على زينب أم المساكين أخت ميمونة فقتل عنها [2].
__________________________________________________
[ ()] ترجمة رقم (1)، (شذرات الذهب): 1/ 49- 51.
[(1/219)
1] هو الطفيل بن الحارث بن المطلب بن عبد مناف بن قصىّ، و أمه سخيلة بنت خزاعيّ الثقيفة، و هي أم عبيدة بن الحارث، و كان للطفيل من الولد عامر بن الطفيل. و آخى رسول الله صلّى الله عليه و سلم بين الطفيل بن الحارث و المنذر بن محمد بن عقبة بن أحيحة بن الجلاح، هذا في رواية محمد بن عمر. و أما في رواية ابن إسحاق فإنه آخى بين الطفيل بن الحارث و سفيان بن نسر بن عمرو بن الحارث بن كعب بن زيد بن الحارث الأنصاريّ.
قال محمد بن عمر: و شهد الطفيل بدرا، و أحدا، و المشاهد كلها، مع رسول الله صلّى الله عليه و سلم، و توفى سنة اثنتين و ثلاثين، و هو ابن سبعين سنة، له ترجمة في: (طبقات ابن سعد): 3/ 51، (الإصابة): 3/ 519، ترجمة رقم (4251)، (الاستيعاب): 2/ 756- 757، ترجمة رقم (1271).
[2] له ترجمة في: (طبقات ابن سعد): 3/ 50- 52، (تاريخ خليفة): 59، 61، 62، (الاستيعاب): 3/ 1020- 1021، ترجمة رقم (1748)، (تهذيب الأسماء و اللغات): 1/ 317- 318، (الإصابة): 4/ 424- 425، ترجمة رقم (5379)، (مغازي الواقدي): 2، 10، 11، 24، 68، 69، 100، 145، 147، 148، 153، (سير أعلام النبلاء): 1/ 256، ترجمة رقم (45)، شذرات الذهب (1/ 9).
إمتاع الأسماع،ج 6،ص:170
و الوليد بن المغيرة بن عبد الله بن شمس [بن ] قيس بن عمرو بن مخزوم، و هو الوحيد، أبو عبد شمس، أمه و أم أخيه عبد شمس صخرة بنت الحارث ابن عبد الله بن عبد شمس، من قيس، و هو أبو خالد بن الوليد، كانت تحته لبابة الصغرى، و هي العصماء بنت الحارث بن حرب الهلالية أخت ميمونة، فولدت له خالد بن الوليد، سيف الله، و هو ابن خالة عبد الله بن عباس، و يقال: إن لبابة الصغرى غير العصماء، و أن العصماء كانت عند أبىّ بن خلف، فولدت له أبا أبى و إخوة له، و الأول قول الكلبي [1].(1/220)
و عبد الله بن كعب بن عبد الله بن كعب بن منبه بن الأوس بن خثعم الخثعميّ، كانت عنده سلامة بنت عميس، أخت ميمونة لأمها، فولدت له آمنة، تزوجها عبد الله بن جعفر [2].
و زياد بن عبد الله بن مالك بن بجير الهلالي [3]، كانت عنده عزة بنت الحارث بن حزن أخت ميمونة.
__________________________________________________
[1] (جمهرة النسب): 38- 39، 85، (جمهرة أنساب العرب): 144، 147، 148، و كان الوليد ابن المغيرة، من المستهزءين و في بعض المصادر: حزن بدل حرب.
[2] لم أجد له ترجمة فيما بين يدىّ من كتب التراجم.
[3] هو زياد بن عبد الله بن مالك بن بجير بن الهزم بن رويبة بن عبد الله بن هلال بن عامر، وفد على النبي صلّى الله عليه و سلم فلما دخل المدينة توجه إلى منزل ميمونة بنت الحارث، زوج النبي صلّى الله عليه و سلم و كانت خالة زياد.
و اسم أمه غرّة- أو عزّة- بنت الحارث، و هو يومئذ شابّ، فدخل النبي صلّى الله عليه و سلم و هو عندها، فلما أتى رسول الله صلّى الله عليه و سلم، غضب فرجع، فقالت: يا رسول الله! هذا ابن أختى، فدخل إليها ثم خرج حتى أتى المسجد و معه زياد فصلى الظهر، ثم أدنى زيادا، فدعا له ثم وضع يده على رأسه، ثم حدرها على طرف أنفه، فكانت بنو هلال تقول: ما زلنا نتعرف البركة في وجه زياد. و قال الشاعر لعلى بن زياد:
يا ابن الّذي مسح النبي برأسه و دعا له بالخير عند المسجد
أعنى زيادا لا أريد سواءه من غائر أو متهم أو منجد
ما زال ذاك النور في عرنينه حتى تبوأ بيته في الملحد
له ترجمة في: (طبقات ابن سعد): 1/ 309- 310، (الإصابة): 2/ 584- 585، ترجمة رقم (2858 ز).
إمتاع الأسماع،ج 6،ص:171
و الأصم البكائي، كانت عنده برزة [1] أخت ميمونة بنت الحارث، فولدت له يزيد بن الأصم، و مات يزيد بن الأصم سنة ثلاث و مائة، و هو ابن ثلاث و سبعين سنة، و كان ينزل الرقة [2]، و يقال: إن الأصم خلف على عزة بعد زياد بن عبد الله.
[(1/221)
سلفه صلّى الله عليه و سلم من قبل مارية]
و أما سلفه صلّى الله عليه و سلم من قبل مارية فإنه: حسان بن ثابت بن المنذر بن حرام بن عمرو بن زياد مناة بن عدي بن عمرو بن مالك النجار الأنصاري، أبو الوليد، و قيل: أبو عبد الرحمن، و قيل: أبو الحسام، شاعر رسول الله صلّى الله عليه و سلم [3]، أمه الفريعة بنت خالد بن خنيس بن لوذان بن عبد ودّ بن زيد بن
__________________________________________________
[1] في (خ): «عزة»، و ما أثبتناه من (ابن سعد).
[2] يزيد الأصم من جلّة التابعين بالرّقّة، و لأبيه صحبة، و هو عمرو، و يقال: عبد عمرو، و يقال: عدس ابن معاوية، الإمام، الحافظ، أبو عوف العامرىّ، البكّائى.
حدّث عن خالته ميمونة أم المؤمنين، و ابن خالته ابن عباس، و عليّ بن أبى طالب، و سعد بن أبى وقاص، و أبى هريرة، و عائشة، و معاوية، و عوف بن مالك، و غيرهم، و لم تصح روايته عن عليّ، و قد أدركه و كان بالكوفة في خلافته.
حدث عنه ابن أخيه عبد الله بن عبد الله بن الأصم، و ابن شهاب، و عبد الملك ابن عطاء، و آخرون.
و كان كثير الحديث، قاله ابن سعد، وثّقه العجليّ، و أبو زرعة، و النسائي و غيرهم، مات سنة إحدى و مائة، و قيل غير ذلك. له ترجمة في: (الإصابة): 6/ 693- 694، ترجمة رقم (9388)، (طبقات ابن سعد): 7/ 479، (طبقات خليفة): ترجمة رقم (3067)، (تاريخ البخاري): 8/ 318، (الجرح و التعديل): 4/ 252، (حلية الأولياء): 4/ 97، ترجمة رقم (252)، (تهذيب الأسماء و اللغات): 2/ 161، (تهذيب التهذيب): 11/ 273- 274، ترجمة رقم (501).
[(1/222)
3] نسب الرواة حسان إلى أبيه فقالوا: هو حسان بن ثابت بن المنذر بن حرام بن عمرو بن زيد مناة بن عدي بن عمرو بن مالك بن النجار- و هو تيم الله- بن ثعلبة ابن عمرو بن الخزرج بن حارثة بن ثعلبة العنقاء بن عمرو مزيقاء بن عامر بن ماء السماء بن حارثة الغطريف بن امرئ القيس البطريق بن ثعلبة البهلول بن مازن بن الأزد بن الغوث بن نبت بن مالك بن زيد بن كهلان بن سبإ بن يعرب بن قحطان.
و نسبوه إلى أمه فقالوا: أم حسان الفريعة بنت خنيس بن لوزان بن عبد ودّ بن ثعلبة بن الخزرج بن ساعدة بن كعب بن الخزرج.
ولد حسان في منتصف العقد السابع من القرن السادس الميلادى، و عاش مائة و عشرين سنة،
إمتاع الأسماع،ج 6،ص:172
ثعلبة بن الخزرج بن كعب بن ساعدة الأنصارية، و انتدب لهجو المشركين
__________________________________________________
[ ()] نصفها في الجاهلية، و نصفها في الإسلام، فهو من المخضرمين، و توفى سنة أربعين من الهجرة على أرجح الآراء.
كانت أسرة حسان ذات شأن عظيم في الجاهلية و الإسلام، فوالده ثابت بن المنذر قد حكمته الأوس و الخزرج في حرب يوم سمير، و نزلوا على حكمه، و أخوه أوس بن ثابت ممن شهد العقبة مع السبعين مع الأنصار، كما آخى رسول الله صلّى الله عليه و سلم بينه و بين عثمان بن عفان ثالث الخلفاء الراشدين، و قد سقط أوس يوم أحد شهيدا، كما استشهد أخ آخر له، و هو أبيّ بن ثابت يوم بئر معونة.
و أنجب حسان عدة أبناء، بينهم الشاعر عبد الرحمن بن حسان، أمه سيرين القبطية، أخت مارية أم إبراهيم بن رسول الله صلّى الله عليه و سلم، كان رسول الله صلّى الله عليه و سلم وهبها لحسان بن ثابت، فولدت له عبد الرحمن بن حسان، فهو ابن خالة إبراهيم ابن رسول الله صلّى الله عليه و سلم.(1/223)
و كان عبد الرحمن شاعرا، و قد روى عن أبيه و غيره، فولد عبد الرحمن: الوليد، و إسماعيل، و أم فراس، أمّهم أم شيبة بنت السائب بن يزيد بن عبد الله، و سعيد بن عبد الرحمن. و كان شاعرا، و قد روى عنه أمه أم ولد، و حسان بن عبد الرحمن و الفريعة، و يكنى عبد الرحمن بن حسان أبا سعيد، و كان شاعرا، قليل الحديث، و قد ضمه بعض العلماء إلي الثقات.
و قد أشار العلماء إلى صفة لصقت بحسان، و هي صفة الجبن، و قد أثبتت المصادر أن أكحل حسان كان قد قطع، فلم يكن يضرب بيده، و تلك علة إحجامه عن الاشتراك في غزوات رسول الله صلّى الله عليه و سلم هذا إلى جانب كبر سنة، و ضعف روح المغامرة عنده، مما جعله حذرا متمهلا، في الوقت الّذي نجد فيه شباب المسلمين و شيوخهم، مدفوعين بقوة الدين، و بروح الرسول صلّى الله عليه و سلم نحو الجهاد الّذي كان المظهر الحقيقي للمسلم المؤمن في هذه الفترة.
و قد عاش حسان في جاهليته في الفترة التي ازدهر فيها نوعان من الشعر التقليدي القديم، في الشعر القبلي، و فن المديح، و قد برع الحسان في كلا الفنين، برع في أولهما، لأنه كان من الشعراء القبليين، الذين كانوا لسان حال قبائلهم، يمجدون انتصاراتها، و يفخرون بأمجادها، كما برع في آخرهما، لأنه كان من الشعراء الجوالين، الذين نزلوا الإمارتين الشماليتين: إمارة الغساسنة، و إمارة المناذرة، يمدحون ملوكها، و ينالون عطاياهم و جوائزهم، لذلك نجد شعر حسان الجاهلي في مناقضاته القبليّة، و في مدائحه التكسبية، من خير ما وصلنا من هذا العصر. له ترجمة في: (ديوان حسان بن ثابت): 9- 10، (الشعر و الشعراء): 188- 190، (طبقات ابن سعد): 5/ 266، (سير أعلام النبلاء): 2/ 512- 523، ترجمة رقم (106)، (تاريخ الإسلام): 2/ 440، (مسند أحمد):(1/224)
6/ 292، (المستدرك): 3/ 553- 557، (الإصابة): 2/ 62- 64، ترجمة رقم (1706)، (الاستيعاب): 1/ 341- 350، ترجمة رقم (507)، (طبقات خليفة): 88، (تاريخ خليفة):
202، (التاريخ الكبير): 3/ 29، (المعارف): 2، 128، 143، 197، 132، (الجرح و التعديل):
3/ 332، (تهذيب التهذيب): 2/ 216- 217، ترجمة رقم (450)، (خلاصة تذهيب الكمال): 1/ 209، ترجمة رقم (1301)، (شذرات الذهب): 1/ 41، 60.
إمتاع الأسماع،ج 6،ص:173
هو و كعب ابن مالك، و عبد الله بن رواحة، فكان رسول الله صلّى الله عليه و سلم يقول:
[اهجهم ]- يعنى المشركين- و روح القدس معك، و قال له: اللَّهمّ أيده بروح القدس، و كان شاعر الأنصار في الجاهلية، و شاعر النبي صلّى الله عليه و سلم في النبوة، و شاعر اليمن كلها في الإسلام، و أجمعت العرب علي أنّ أشعر أهل المدر يثرب، ثم عبد القيس، ثم ثقيف، و على أن أشعر أهل المدر حسان، و كان ممن خاض في الإفك على عائشة رضى الله عنها، و قيل لم يخض و لم يجلد، و كان من أجبن الناس، لم يشهد مع النبي صلّى الله عليه و سلم شيئا من المشاهد لجبنه، و أنكر قوم حسان ذلك و قالوا: لكن أقعده عن الحرب قطع أكحله، و أنشدوا قوله:
أضر بجسمي مرور الدهور و خان قراع يدي الأكحل
و قد كنت أشهد [وقع ] الحروب و يحمرّ في كفى المنصل
و قال إسماعيل بن إسحاق: الدليل على أن حسان لم يكن جبانا: أنه هاجى جماعة فلم يعيره أحد بالجبن، و أعطاه رسول الله صلّى الله عليه و سلم سيرين أخت مارية، فولدت له عبد الرحمن بن حسان، و توفى قبل الأربعين، و قيل: سنة خمسين، و قيل: أيام قتل على رضى الله عنه و هو ابن مائة و عشرين سنة، و كان يخضب شاربه و عنقفته بالحناء و لا يخضب سائر لحيته، فقال له ابنه عبد الرحمن: لم تفعل هذا؟ قال: لأكون كأنى أسد ولغ في دم. قال ابن قتيبة: انقرض ولد حسان و لم يبق منهم أحد.
إمتاع الأسماع،ج 6،ص:174
فصل في ذكر أحماء رسول الله صلّى الله عليه و سلم(1/225)
حمو الرجل: أبو امرأته، و حمو المرأة و حماها: أبو زوجها، و يقال: حمو الرجل: أبو امرأته أو أخوها أو عمها، و حمو المرأة: أبو زوجها، و كذلك من [كان من ] قبله و يقال: هذا حموها [1]، و رأيت حماها [2]، و مررت بحميها [3]، و الأنثى حماة، و قيل: الأحماء من قبل المرأة خاصة، و الأختان من قبل الزوج، و الصهر يجمع ذلك كله [4].
__________________________________________________
[1] حموها: خبر مرفوع بالواو لأنه من الأسماء الستة.
[2] حماها: مفعول به منصوب بالألف لأنه من الأسماء الستة.
[3] بحميها: مجرور بالباء و علامة جره الياء لأنه الأسماء الستة و الأسماء الستة هي: «ذو» بمعنى صاحب، و ما أضيف لغير الياء من «أب»، «أخ»، «حم»، «هن»، و «فم» بغير ميم، فإنّها تعرب بالواو، و الألف، و الياء، فترفع فالواو: نيابة عن الضمة، و تنصب بالألف نيابة عن الفتحة، و تخفض بالياء نيابة عن الكسرة.
قال تعالى: وَ إِنَّ رَبَّكَ لَذُو مَغْفِرَةٍ 13: 6 [الرعد: 6]، و قال تعالى أَنْ كانَ ذا مالٍ وَ بَنِينَ 68: 14 [القلم:
14]، و قال تعالى: إِلى ظِلٍّ ذِي ثَلاثِ شُعَبٍ 77: 30 [المرسلات: 30]، و قال تعالى: وَ أَبُونا شَيْخٌ كَبِيرٌ 28: 23 [القصص: 23]، و قال تعالى: إِنَّ أَبانا لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ 12: 8 «يوسف: 8]، و قال تعالى: ارْجِعُوا إِلى أَبِيكُمْ 12: 81 [يوسف: 81]، (شرح شذور الذهب في معرفة كلام العرب): 41/ 42، مختصرا.
[4] (ترتيب القاموس): 1/ 718- 719، (لسان العرب): 14/ 196- 197.
إمتاع الأسماع،ج 6،ص:175
[حمو رسول الله صلّى الله عليه و سلم من قبل خديجة](1/226)
خويلد بن أسد بن عبد العزّى بن قصي، أبو عدي، و يقال له: ابى الخسف، [أمة زهرة و يقال لها: زهراء] ابنة عمرو بن حنثرة بن ذؤيبة [1] بن هلال، و في ولد أسد العدد، و لما قدم تبّع الأخير مكة، و أراد احتمال الركن إلى اليمن [فقام خويلد في ذلك ] [2] و اشتدت مرارته له، فانصرف و تركه، فقال خويلد:
__________________________________________________
[1] و في جمهرة النسب: ذؤيبة بن قرفة بن عمرو بن عوف بن مازن بن كاهل بن أسد بن خزيمة، و هي التي ذكرها القرآن الكريم بقوله تعالى: وَ لا تَكُونُوا كَالَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَها من بَعْدِ قُوَّةٍ أَنْكاثاً 16: 92 [النحل: 92]، و إياها عنى فضالة بن شريك في قوله:
فما لى حين أقطع ذات عرق إلى ابن الكاهلية من معاد
و ذلك أن فضالة بن شريك أتى عبد الله بن الزبير يرجو نواله، غير أن هذا الأخير لم يصله، فانصرف، فقال:
أقول لغلمتى أدنوا ركابي أفارق بطن مكة في سواد
فما لى حين أقطع ذات عرق إلى ابن الكاهلية من معاد
أرى الحاجات عند أبى خبيب نكدن و لا أميّة بالبلاد.
فلما بلغ ابن الزبير الشعر، فمرّ به قوله: «إلى ابن الكاهلية» قال: لو علم لي جدة لأم من عمته لسبنى بها.
و كانت أم خويلد بن أسد بن عبد العزى جدة العوام بن خويلد: زهرة بنت عمر بن حنثرة، من بنى كاهل بن أسد بن خزيمة.
[2] زيادة لتصويب السياق من (البداية و النهاية): 2/ 362، حيث قال: و كان خويلد مات قبل الفجار، و هو الّذي نازع تبعا حين أراد أخذ الحجر الأسود إلى اليمن. فقام في ذلك خويلد، و قام معه جماعة من قريش، ثم رأى تبع في منامه ما روّعه، فنزع عن ذلك، و ترك الحجر الأسود مكانه.
(البداية و النهاية)، و في (خ): «تبع الآخر».(1/227)
و تبّع الأخير هو الّذي سار إلى المشرق من التبابعة، و يعنى بقوله: تبع الأخير، أنه آخر من سار إلى المشرق و ملك البلاد. فإن ابن إسحاق و غيره يقولون: إن الّذي ملك البلاد المشرقية لما توفى، ملك بعده عدة تبايعة، ثم اختل أمرهم زمانا طويلا، حتى طمعت الحبشة فيهم و خرجت إلى اليمن.
(الكامل في التاريخ): 1/ 423.
إمتاع الأسماع،ج 6،ص:176
ألا يا عاذلا لا تعذلينى و مهلا بالأذى لا تهلكينى
دعينى إن أخذ الخسف منى [] [1] الله حتى يقتلوني
و كان لا يسافر إلا بفرس و معه نفر من قومه، فأقبل في سفره حتى ورد كليّة [2] وجد عليها حاضرا عظيما من بنى بكر، فأراد خويلد و أصحابه أن يسقوا من حوض كلية، فأتاهم نفر من بنى بكر فمنعوهم الماء إلا بثمن، فقال خويلد لأصحابه: يا قوم! متى تسومكم بنو بكر سوم العزيز الذليل، قالوا: فمرنا بأمرك، [قال ]: آمركم أن تحملوا عليهم، فحمل عليهم بمن معه، فقتل خويلد [رجلا] من بنى بكر، و طعن رجلا فأشواه، و فر منه آخر، و انهزمت بنو بكر، و شرب خويلد و أصحابه من الماء فقال خويلد [3]:
تداعت بنو بكر لتبلغ عزنا ألا أم بكر يوم ذلك أيّم
أنا الفارس المشهور يوم كلية و في طرف الرنقاء يومك مظلم
قتلت أبا جزء و أحطفت محصنا و أفلتنى ركضا مع الليل جهضم
فلما قدم خويلد، لامته امرأته في ذلك، قال:
ذريني أم عمرو و لا تلوميني و مهلا عاذلى لا تعذلينى
ذريني إن أخذ الخسف منى [] الله حتى يقتلوني
فما أرجو لها بقية إذا ما غضبت و بل قائمة يميني
__________________________________________________
[1] ما بين الحاصرتين في (خ) كلمة لم أجد لها توجيها.
[2] كليّة- بالضم- ثم الفتح، و تشديد الياء، بالتصغير- قال عرام: واد يأتيك من شمنصير بقرب الجحفة، (معجم البلدان): 4/ 543، موضع رقم (10374).
[3] هذه الأبيات في (المرجع السابق) هكذا:
أنا الفارس المذكور يوم كليّة و في طرف الرفقاء يومك مظلم(1/228)
قتلت أبا جزء و أشويت محصنا و أفلتنى ركضا مع الليل جهضم
إمتاع الأسماع،ج 6،ص:177
وددت بأن حربهم تولت سواي و إن واقية تقيني
و لكن لا أرى عنها محيصا فإنّي زاهق ما أزهقونى
و نحن أباة الخسف يوم كليّة و نحن أباة الخسف كل مكان
فسمى ابى الخسف لإبائه الخسف لإبائه على بنى بكر [فهزمهم ] هو و أصحابه و امتناعه، و كان خويلد يوم عكاظ على بنى أسد بن عبد العزى، و يقال: كان أيضا على بنى قصي، و لما حفر عبد المطلب زمزم قال له خويلد: [يا ابن ] سلمى! لقد سقيت ماء رغدا، و نشلت بادية حبدا، فقال عبد المطلب: أما إنك [] في فضلها، و الله لا يساعفنى أحد عليها ببر، و لا يقوم معى [] إلا بذلت له خيرا لصهر، فقال خويلد: أقول و ما قولي عليهم بسبة، البيتين و قد تقدما، فقال عبد المطلب: ما وجدت أحدا ورث العلم إلا قدم غير خويلد بن أسد، و كان يقال لبني أسد في الجاهلية:
ألسنة قريش، و امرأته أم ابنته خديجة: هي فاطمة ابنة زائدة بن جندب، و هو الأصم بن هرم بن رواحة بن حجر بن عبد بن معيص بن عامر بن لؤيّ، و عمرو بن أم مكتوم أخو فاطمة هذه و ابن خال خديجة بنت خويلد، لأنه عمرو بن قيس بن زائدة بن جندب، و أم فاطمة بنت عبد مناف: العرقة بنت سعيد بن سهم، و أمها عاتكة بنت عبد العزى بن قصي، و أمها نائلة ابنة حذافة بن جمح.
[حمو رسول الله صلّى الله عليه و سلم من قبل سودة]
و حمو رسول الله صلّى الله عليه و سلم من قبل سودة رضى الله عنها: زمعة بن قيس بن عبد شمس ابن عبد ودّ بن نصر بن مالك بن حسل بن عامر بن لؤيّ بن
إمتاع الأسماع،ج 6،ص:178
غالب، أبوه قيس، و أمه [] [1] بنت وهب بن الأثلب بن عبيد بن عمران ابن مخزوم.(1/229)
حديث أم رومان خرجه البخاري في كتاب الأنبياء، في باب قول الله تعالى: لَقَدْ كانَ في يُوسُفَ وَ إِخْوَتِهِ آياتٌ لِلسَّائِلِينَ 12: 7 [2]، من حديث حصين عن شقيق عن مسروق قالت: سألت أم رومان- و هي أم عائشة رضي الله عنهما- عما قيل فيها ما قيل، قالت: بينا أنا مع عائشة جالستان، إذا ولجت علينا امرأة، من الأنصار و هي تقول: فعلى الله بفلان و فعل، قالت: فقلت: لم؟ إنه نمى ذكر الحديث، فقالت عائشة: أي حديث؟ فأخبرتها، قالت: فسمعه أبو بكر و رسول الله صلّى الله عليه و سلم؟ قالت: نعم، فخرت مغشيا عليها، فما أفاقت إلا و عليها حمى بنافض، فجاء النبي صلّى الله عليه و سلم فقال: ما لهذه؟ قالت: حمى أخذتها من أجل حديث تحدّث به، فقعدت فقالت: و الله لئن حلفت لا تصدقونني، و لأن تعذرت لا تعذروننى، مثلي و مثلكم كمثل يعقوب و بنيه، و الله المستعان علي ما تصفون. فانصرف النبي صلّى الله عليه و سلم فأنزل الله ما أنزل [فأخبرها فقالت: بحمد الله لا بحمد أحد] [3]. و قد استشكل قول مسروق، سألت أم رومان مع أنها ماتت في
__________________________________________________
[1] ما بين الحاصرتين مطموس بالأصل، و لم أقف عليه.
[2] سورة يوسف: 7.
[3] زيادة للسياق من (فتح الباري): 6/ 516، كتاب أحاديث الأنبياء، باب (19) قول الله تعالى:
لَقَدْ كانَ في يُوسُفَ وَ إِخْوَتِهِ آياتٌ لِلسَّائِلِينَ 12: 7، حديث رقم (3388)، 7/ 553، كتاب المغازي، باب (35) حديث الإفك، حديث رقم (4143)، 8/ 462، كتاب التفسير، سورة (12) باب (3) قال بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنْفُسُكُمْ أَمْراً فَصَبْرٌ جَمِيلٌ 12: 18، حديث رقم (4691)، 8/ 617، كتاب التفسير، سورة (24) باب (7) وَ لَوْ لا فَضْلُ الله عَلَيْكُمْ وَ رَحْمَتُهُ في الدُّنْيا وَ الْآخِرَةِ لَمَسَّكُمْ فِيما أَفَضْتُمْ فِيهِ عَذابٌ عَظِيمٌ 24: 14.
إمتاع الأسماع،ج 6،ص:179(1/230)
حياة النبي صلّى الله عليه و سلم و مسروق لم [يكن له رواية] [1] إلا في خلافة أبى بكر أو عمر، فقال أبو عمر بن عبد البر: رواية مسروق عن أم رومان مرسلة، و لعله سمع ذلك من عائشة، قلت: كيف يصح ذلك و هو يقول: سألت أم رومان؟ و قال الحافظ أبو الحجاج المزي في (التهذيب و الأطراف): أم رومان والدة عائشة من المهاجرات الأول، روى عنها مسروق مرسلا لأنها توفيت في حياة النبي صلّى الله عليه و سلم، و راج ذلك على البخاري، و الحديث في قصة الإفك، قال: و قد روى عن ابن مسعود عن أم رومان- و هو أشبه بالصواب- قال: و قال الخطيب: صوابه: سئلت أم رومان، فلعل بعض النقلة كتب سئلت بالألف، فإن من الناس من يجعل الهمزة في الخط ألفا و إن كانت مكسورة أو مرفوعة، قال الخطيب: و لم يظهر للبخاريّ علته، و قد أوضحنا ذلك في كتاب (المراسيل)، قلت:
قال الخطيب: لا نعلمه روى هذا الحديث عن أبى وائل غير حصين، و مسروق لم يدرك أم رومان، و كان يرسل هذا الحديث عنها و يقول:
سئلت أم رومان، فوهم حصين فيه حيث جعل السائل لها مسروقا، أو يكون بعض النقلة كتب سئلت بألف، فصارت: سألت فقرئت بفتحتين، قال: علي أن بعض الرواة قد رواه عن حصين على الصواب، يعنى بالعنعنة.
قال: و أخرج البخاري في هذا الحديث بناء على ظاهر الاتصال، و لم تظهر له علته أ. ه، و قد تعقب هذا الاعتراض بأن عمدة من ادعى و هم البخاري قول من زعم أن أم رومان ماتت في حياة رسول الله صلّى الله عليه و سلم، [سنة
__________________________________________________
[1] زيادة يقتضيها السياق، و مكانها مطموس بالأصل.
إمتاع الأسماع،ج 6،ص:180(1/231)
أربع و قيل سنة خمس و قيل: سنة ست ] [1] و هو شي ء ذكره الواقدي، و ذكره الزبير بن بكار بإسناد منقطع فيه ضعف، و لا تتعقّب الأحاديث الصحيحة بمثل ذلك، و قد أشار البخاري في (تاريخه الأوسط و الصغير) إليّ ردّ ذلك، فقال بعد أن ذكر أم رومان في فصل من مات في خلافة عثمان: روى على ابن زيد عن القاسم، قال: ماتت أم رومان في زمن النبي صلّى الله عليه و سلم سنة ست، قال البخاري: و فيه نظر، و حديث مسروق أسند، أي أقوى [إسنادا و أبين ] اتصالا. أ ه، و قد جزم إبراهيم الحربي بأن مسروقا سمع من أم رومان و له خمس عشرة سنة، فعلى هذا يكون سماعه منها في خلافة عمر رضى الله عنه، لأن مولد مسروق سنة الهجرة، و لهذا قال الحافظ أبو نعيم الأصفهاني: ماتت أم رومان بعد النبي صلّى الله عليه و سلم، و قد تعقب ذلك كله الخطيب، معتمدا على ما روى الواقدي و الزبير، و في تعقبه نظر، فقد خرج الإمام أحمد من طريق أبى سلمة، عن عائشة رضى الله عنها قالت: لما نزلت آية التخيير [2]، بدأ النبي صلّى الله عليه و سلم بعائشة فقال: يا عائشة، إني عارض عليك أمرا، فلا تفتاتى فيه شي ء حتى تعرضي عليه أبويك أبى بكر و أم رومان.
الحديث، و أصله في الصحيحين بدون تسمية أم رومان [3].
و آية التخيير نزلت سنة تسع بالاتفاق، و هذا دال على تأخر موت أم رومان عن الوقت الّذي ذكره الواقدي، و هو سنة أربع أو سنة خمس، و عن
__________________________________________________
[1] زيادة للسياق من (فتح الباري).
[2] هي الآية رقم 28، 29 من سورة الأحزاب، و هي قوله تعالى: يا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْواجِكَ إِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ الْحَياةَ الدُّنْيا وَ زِينَتَها فَتَعالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وَ أُسَرِّحْكُنَّ سَراحاً جَمِيلًا وَ إِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ الله وَ رَسُولَهُ وَ الدَّارَ الْآخِرَةَ فَإِنَّ الله أَعَدَّ لِلْمُحْسِناتِ مِنْكُنَّ أَجْراً عَظِيماً 33: 28- 29.
[(1/232)
3] (فتح الباري): 7/ 556 مختصرا.
إمتاع الأسماع،ج 6،ص:181
الوقت الّذي ذكره الزبير، و هو في ذي الحجة سنة ست، و أيضا فقد وقع في صحيح البخاريّ في باب علامات النبوة من حديث عبد الرحمن بن أبى بكر في قصة أضياف أبى بكر رضى الله عنه: قال عبد الرحمن: و إنما هو أنا و أمى و امرأتي و خادم [1]، و فيه أيضا في الأدب: فلما جاء أبو بكر قالت له أمى: احتبست عن أضيافك [2] ... الحديث. و عبد الرحمن بن أبى بكر إنما هاجر في هدنة الحديبيّة، و كانت الحديبيّة في ذي القعدة سنة ست، و هجرة عبد الرحمن في سنة سبع في قول محمد بن سعد، و في قول الزبير: فيها أو في التي بعدها، لأنه روى أن عبد الرحمن خرج في فتية من قريش قبل الفتح إلى النبي صلّى الله عليه و سلم، فتكون أم رومان تأخرت عن الوقت الّذي ذكراه.
و أم سودة: الشموس بنت قيس بن عمرو بن زيد بن لبيد بن خراش من بنى البخار.
حموه صلّى الله عليه و سلم من قبل عائشة
و حموه من قبل عائشة رضى الله عنها: أبو بكر الصديق رضى الله عنه، و قد تقدم التعريف به. و أم عائشة: أم رومان- يقال: بفتح الراء و ضمها- بنت عامر بن عويمر بن عبد شمس بن عتاب بن أذينة بن سبيع بن دهمان ابن الحارث بن غنم بن مالك بن كنانة بن خزيمة الكنانية، هكذا نسبها
__________________________________________________
[1] (فتح الباري) 6/ 728، كتاب المناقب، باب (25) علامات النبوة في الإسلام، حديث رقم (3581)، و فيه: قال: فهو أنا و أبى و أمى، و لا أدرى هل قال: امرأتي و خادمي.
[2] (فتح الباري): 10/ 656، كتاب الأدب، باب (88) قول الضيف لصاحبه: و الله لا آكل حتى تأكل، حديث رقم (6141).
إمتاع الأسماع،ج 6،ص:182(1/233)
مصعب، و خالفه و غيره [و الخلاف ] بين أبيها إلى كنانة كثير جدا [1]، و أجمعوا أنها من غنم بن مالك بن كنانة [2]، و اسم أم رومان: زينب في قول هشام و غيره، و في (الأطراف) يحلف أن اسمها دعد، كانت تحت عبد الله بن الحارث بن سخبرة بن جرثومة بن عادية بن مرة الأزدي، و قدم بها مكة، و مات عنها، و قد ولدت له الطفيل بن عبد الله، فخلف عليها أبو بكر رضى الله عنه، فولدت له عبد الرحمن و عائشة، و أسلمت و هاجرت، و توفيت بالمدينة في ذي الحجة سن ست، و نزل رسول الله صلّى الله عليه و سلم في قبرها و استغفر لها و قال: اللَّهمّ لم يخف عليك ما لقيت أمّ رومان فيك، و في رسولك [3]. و أنكر الحافظ أبو نعيم موتها في حياة النبي صلّى الله عليه و سلم، و لا عمدة له إلا حديث مسروق عنها، و يروى أنه قال: من سرّة أن ينظر إلى امرأة من الحور العين فلينظر إلى أم رومان [4]، و قد خرّج لها البخاري حديثا واحدا من حديث الإفك رواية مسروق عنها و لم [يبينها]، و تعجب كيف خفي ذلك على البخاري و قد فطن مسلم له [5].
__________________________________________________
[1] في (جمهرة أنساب العرب لابن حزم): 137: أم رومان بنت عامر بن عمير بن ذهل بن دهمان بن الحارث بن تيم بن مالك بن كنانة.
[2] في (جمهرة النسب للكلبي): 129: أم رومان بنت عمير بن عامر، من كنانة ثم من فراس.
[3] (الإصابة): 8/ 207.
[4] (المرجع السابق).
[(1/234)
5] قال أبو عمر بن عبد البر في (الاستيعاب): رواية مسروق عن أم رومان مرسلة، و لعله سمع ذلك من عائشة، و قال الحافظ في (الإصابة): و مقتضاه أن يكون سمع منها في خلافة عمر، لأن مولده سنة إحدى من الهجرة، و ردّ ذلك الخطيب في المراسيل فقال- بعد أن ذكرت الحديث الّذي أخرجه فوقع فيه عن مسروق-: حدثتني أم رومان، فذكر طرفا من قصة إلا فك: هذا حديث غريب، و لا نعلم أحدا رواه غير حصين، و مسروق لم يدرك أم رومان، يعنى أنه قدم من اليمن بعد وفاة النبي صلّى الله عليه و سلم، فوهم حصين في قوله: حدثني، إلا أن يكون بعض النقلة كتب سئلت بألف.
فصارت: سألت، و تحرفت الكلمة، فذكرها بعض الرواة بالمعنى، فعبّر عنها بلفظ حدثني، أن بعض الرواة رواه عن حصين بالعنعنة. قال الخطيب: و أخرج البخاري في (التاريخ)، و وقع فيه
إمتاع الأسماع،ج 6،ص:183
حموه صلّى الله عليه و سلم من قبل حفصة
و حموه من قبل حفصة رضى الله عنها: أمير المؤمنين أبو حفص عمر بن الخطاب رضى الله عنها، و أم حفصة و أخويها عبد الله، و عبد الرحمن الأكبر: زينب بنت مظعون بن حبيب بن وهب ابن حذافة بن جمح، أخت عثمان بن مظعون، أمها ريطة بنت عبد بن عمرو بن نضلة ابن غبشان من خزاعة، و هي أخت ذي الشمالين بن عبد عمرو. و ذكر الزبير بن بكار:
و كانت زينب من المهاجرات، و قال ابن عبد البر: و أخشى أن يكون وهماه، لأنه قد قيل: أنها ماتت مسلمة بمكة قبل الهجرة، [حفصة ابنتها من المهاجرات ] [1].
حموه صلّى الله عليه و سلم من قبل أم سلمة
و حموه من قبل أم سلمة رضى الله عنها، أبو أمية حذيفة، و يعرف بأبي عبد مناف، و هو الزاد الركب بن المغيرة بن عبد الله بن عمرو بن مخزوم بن يقظة بن مرة بن كعب بن لؤيّ ابن غالب، و أم مخزوم بن يقظة: كلبة بنت
__________________________________________________
[ ()] «سألت مسروق: أم رومان»، و لم يظهر علّته.(1/235)
قال الحافظ: بل عرف البخاري العلة المذكورة و ردّها كما تقدم، و رجح الرواية التي فيها: إنها ماتت في حياة النبي صلّى الله عليه و سلم، لأنها مرسلة، و راويها عليّ بن زيد، و هو ابن جدعان، ضعيف. و أم رومان لها ترجمة في: (الإصابة): 8/ 206- 210، ترجمة رقم (12023)، (الإستيعاب): 4/ 1935- 1937، ترجمة رقم (4152)، (مغازي الواقدي): 2/ 698، (الثقات): 3/ 459، (تلقيح الفهوم): 387، (أعلام النساء): 1/ 405، (تهذيب التهذيب): 12/ 494- 495، ترجمة رقم (92945).
[1] (الاستيعاب): 4/ 1857، ترجمة رقم (3365)، و ما بين الحاصرتين زيادة للسياق منه، لكن قال الحافظ ابن حجر: بل الوهم ممن قال ذلك، فقد ثبت عن عمر أنه قال في حق ولده عبد الله: هاجر أبواه. أخرجه البخاري من طريق نافع، عن ابن عمر، عن عمر، لما فضّل أسامة على عبد الله بن عمر في القسم. و قد تعقب ابن فتحون كلام أبى عمر بهذا، و ذكرها أبو موسى في (الذيل) بهذا الخبر.
(الإصابة): 7/ 680، ترجمة رقم (11250).
إمتاع الأسماع،ج 6،ص:184
عامر بن لؤيّ بن غالب بن فهر بن مالك، و أم عمر بن مخزوم و إخوته عامر و حبيب و أسد و لبني بنت سيار بن نزار بن معيص بن عامر بن لؤيّ، و أم عبد الله بن عمر بن مخزوم، و أم أخويه عبيد و عبد العزى: مرة بنت قصي ابن كلاب بن مرة، و أم المغيرة بن عبد الله و أم أخويه عثمان و عائد.(1/236)
و خالد، و أبى جندب أسد و قيس: ريطة بنت عمرو بن كعب بن سعد بن تيم بن مرة، و في المغيرة [السؤدد] و الشرف و البيت، و أم أبى أمية حذيفة بن المغيرة، و أم إخوته هاشم و هشام، و أبى حذيفة مهشم، و أبى ربيعة ذي الرمحين عمر و خراش و أبى زهير تميم و الفاكه و عبد الله، و ربطة بنت سعيد بن سعد بن سهم، و أمها عاتكة بنت عبد العزى بن قصي، و أمها الحطياء ريطة، و إنما قيل لأبى أمية زاد الركب، [لأنه ] كان إذا خرج إلى سفر لم يتزود معه أحد، و هو زوج عاتكة بنت عبد المطلب عمة رسول الله صلّى الله عليه و سلم [1].
و أم أم سلمة: عاتكة بنت عامر بن ربيعة بن علقمة- و يقال له: جذل الطعان- ابن فراس بن غنم بن ثعلبة بن مالك بن كنانة [2].
[حموه صلّى الله عليه و سلم من قبل زينب بنت جحش ]
و حموه من قبل زينب بنت جحش:
[جحش ] بن رئاب بن يعمر بن صبرة بن مرة بن كثير بن غنم بن دودان ابن أسد بن خزيمة الأسدي، و أم زينب: أميمة بنت عبد المطلب [بن هاشم ] عمة رسول الله صلّى الله عليه و سلم [3].
__________________________________________________
[1] (جمهرة النسب): 84- 86.
[2] (جمهرة أنساب العرب): 188.
[3] (جمهرة أنساب العرب): 191، (الاستيعاب): 4/ 1849، ترجمة رقم (33555)، و قال الحافظ ابن حجر: أمها أمية. (الإصابة): 7/ 776، ترجمة رقم (11221).
إمتاع الأسماع،ج 6،ص:185
[حموه صلّى الله عليه و سلم من قبل أم حبيبة]
و حموه من قبل أم حبيبة رضى الله عنها: أبو سفيان صخر بن حرب بن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف القرشي الأموي، أبو حنظلة، و أبو معاوية، و أمه و أم أخته الفارعة و فاختة: صفية بنت حزن بن البجير بن الهزم ابن رؤبة بن عبد الله بن هلال بن عامر بن صعصعة، و هي عمة أم الفضل بنت الحارث بن حزن، أم بنى العباس بن عبد المطلب، و عمة ميمونة أم المؤمنين.(1/237)
ولد أبو سفيان قبل الفيل بعشر سنين، و كان تاجرا يجهز التجار بماله و أموال قريش إلى الشام و غيرها، و يخرج أحيانا بنفسه، و كانت إليه راية الرؤساء المعروفة بالعقاب، و كان لا يحبسها إلا رئيس، فإذا حميت الحرب اجتمعت قريش فوضعت تلك الراية بيد الرئيس، و كان معروفا بجودة الرأى في الجاهلية، و قاد الأحزاب، و قاتل رسول الله صلّى الله عليه و سلم في عدة مواطن، ثم أسلم في الفتح، و شهد حنينا، و هو معدود من المؤلفة [قلوبهم ]، و مات سنة اثنتين- و قيل أربع- و ثلاثين، و صلّى عليه ابنه معاوية، و قيل عثمان، و دفن بالبقيع و له نحو التسعين سنة [1].
__________________________________________________
[1] أبو سفيان، صخر بن حرب بن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف بن قصىّ بن كلاب، رأس قريش و قائدهم يوم أحد و يوم الخندق، و له هنات و أمور صعبة، لكن تداركه الله بالإسلام يوم الفتح، فأسلم شبه مكره خائف، ثم بعد أيام صلح إسلامه.
و كان من دهاة العرب، و من أهل الرأى و الشرف و فيهم، فشهد حنينا. و أعطاه صهره رسول الله صلّى الله عليه و سلم من الغنائم مائة من الإبل، و أربعين أوقية من الدراهم، يتألفه بذلك، ففرغ من عبادة هبل، و مال إلى الإسلام.
و شهد قتال الطائف، فقلعت عينه حينئذ، ثم قلعت الأخرى يوم اليرموك، و كان يومئذ قد حسن إسلامه، فكان يومئذ يحرض على الجهاد، و كان تحت راية ولده يزيد، فكان يصيح: يا نصر الله اقترب.
يعقوب بن سفيان، و ابن سعد بإسناد صحيح، عن سعيد بن المسيب، عن أبيه، قال: فقدت الأصوات يوم اليرموك، إلا صوت رجل يقول: يا نصر الله اقترب قال فنظرت، فإذا هو أبو سفيان
إمتاع الأسماع،ج 6،ص:186
و أم أم حبيبة و حنظلة بن أبى سفيان: صفية بنت أبى العاص بن أمية ابن عبد شمس، عمة عثمان بن عفان بن أبى العاص رضى الله عنه، و أمها آمنة بنت عبد العزى بن حرثان بن عوف بن عبيد بن عويج بن عدي بن كعب [1].
[(1/238)
حموه صلّى الله عليه و سلم من قبل جويرية]
و حموه من جهة جويرية: الحارث بن أبى ضرار بن حبيب [بن الحارث ] [2] بن عائذ بن مالك بن جذيمة- و هو المصطلق بن سعد بن كعب ابن عمرو- و هو خزاعة- بن ربيعة بن حارثة بن عمرو بن عامر بن حارثة ابن امرئ القيس بن ثعلبة بن مازن بن الأزد، رأس على بنى المصطلق، و كانوا ينزلون بناحية الفرع و هم حلفاء في بنى مدلج، فجمع لحرب رسول الله صلّى الله عليه و سلم فخرج إليه و أوقع به على ماء يقال له: المريسيع [3]، كما تقدم
__________________________________________________
[ ()] تحت راية ابنه يزيد، و كان يقف على كتائب الخيل يذكّر و يقول: الله الله، إنكم أنصار الإسلام و دارة- أو ذادة- العرب، و هؤلاء أنصار الشرك و دارة الروم، اللَّهمّ هذا يوم من أيامك، اللَّهمّ أنزل نصرك.
و كان أسنّ من رسول الله صلّى الله عليه و سلم بعشر سنين، و عاش بعده عشرين سنة، و كان حمو النبي صلّى الله عليه و سلم، و ما مات حتى رأى ولديه: يزيد، ثم معاوية، أميرين على دمشق، و كان يحب الرئاسة و الذكر، و كان له منزله كبيرة في خلافة ابن عمه عثمان.
توفى بالمدينة سنة إحدى و ثلاثين، و قيل: سنة اثنتين، و قيل: سنة ثلاث أو أربع و ثلاثين، و له نحو التسعين. له ترجمة في: (سير أعلام النبلاء): 2/ 105، ترجمة رقم (13)، (الاستيعاب): 2/ 714، ترجمة رقم (1206)، (الإصابة): 3/ 412، 415، ترجمة رقم (4050)، (طبقات خليفة): 10، (تاريخ خليفة): 166، (التاريخ الكبير): 4/ 310، (المعارف): 73، 74، 125، 344، 345، 553، 575، 586، 588، (الجرح و التعديل): 4/ 426، (تهذيب التهذيب): 4/ 361- 362، ترجمة رقم (718)، (خلاصة تذهيب الكمال): 1/ 466، ترجمة رقم (670)، (الثقات): 3/ 193، (تاريخ الصحابة): 136، ترجمة رقم (668)، (كنز العمال): 3/ 612، (شذرات الذهب): 1/ 30 و 37.
[1] (جمهرة أنساب العرب): 111.
[2] زيادة للنسب من (الإصابة).
[(1/239)
3] (مغازي الواقدي): 1/ 404 و ما بعدها، ذكر غزوة المريسيع.
إمتاع الأسماع،ج 6،ص:187
ذكره، و تزوج بابنته جويرية [1]. و أمها: [أم خارجة عمرة بنت سعد بن عبد الله بن قداد بن ثعلبة بن معاوية بن زيد بن الغوث بن أنمار، التي يقال فيها: «أسرع من نكاح أم خارجة»] [2].
[حموه صلّى الله عليه و سلم من قبل صفية]
حموه صلّى الله عليه و سلم من قبل صفية: حيي بن أخطب بن سعية بن ثعلبة بن عبيد ابن كعب بن الخزرج بن أبى حبيب بن النضير بن النحام بن نحوم، من سبط لاوى من ولد هارون عليه السّلام، قدم رسول الله صلّى الله عليه و سلم و حيي عين من أعيان بنى النضير، و لم يزل يحاد الله و رسوله، و هو الّذي أشار بطرح الحجارة على النبي صلّى الله عليه و سلم لما [سار] إلى بنى النضير ليستعينهم في دية العامريين الذين قتلهما عمرو بن أمية، حتى كان ذلك سببا لإجلاء بنى النضير من المدينة، و خروجهم إلى خيبر، ثم خرج في عدة من اليهود إلى مكة يدعو قريشا إلى حرب النبي صلّى الله عليه و سلم، و حالفهم على عداوته، حتى كانت وقعة الخندق، ثم سار رسول الله صلّى الله عليه و سلم إلى بنى قريظة و [سبى ] منهم مقاتلتهم و فيهم حيي، فلما أتى به مجموعة يداه إلى عنقه، قال له رسول الله صلّى الله عليه و سلم: أ لم يمكن الله منك يا عدوّ الله؟ قال: بلى، و الله ما لمت نفسي في عداوتك، و لقد التمست العزّ في مظانه، و أبى الله إلا أن يمكنك منى، و لقد قلقلت كل مقلقل، و لكن من يخذل الله يخذل، ثم أقبل على الناس فقال: أيها الناس، لا بأس بأمر الله قدر، و كتاب الله ملحمة كتبت على
__________________________________________________
[(1/240)
1] ذكر ابن إسحاق في (المغازي): أنه جاء إلى المدينة و معه فداء ابنته بعد أن أسرت، و تزوجها رسول الله صلّى الله عليه و سلم، قال: فلما كان بالعقيق، نظر إلى الإبل فرغب في بعيرين منها، فغيبهما في شعب، ثم جاء فقال: يا محمد، هذا فداء ابنتي، فقال صلّى الله عليه و سلم: أين البعيران اللذان غيبتهما بالعقيق؟ فقال الحارث:
أشهد أن لا إله إلا الله و أنك رسول الله، و الله ما أطلع على ذلك إلا الله. (الإصابة): 1/ 579، ترجمة رقم (1429)، (سيرة ابن هشام): 6/ 59- 60، 4/ 259.
[2] (جمهرة أنساب العرب): 389.
إمتاع الأسماع،ج 6،ص:188
بنى إسرائيل، ثم أمر به فضربت عنقه، و أم صفية برة بنت السموأل بن [حيّا بن عاديا بن رفاعة بن الحارث بن ثعلبة بن كعب بن عمرو مزيقاء] [1].
[حموه صلّى الله عليه و سلم من قبل ميمونة]
و حموه من قبل ميمونة .. الحارث بن حزن بن بجير بن الهزم بن رويبة ابن عبد الله بن هلال بن عامر بن صعصعة [بن معاوية بن بكر بن هوازن ابن منصور بن عكرمة بن خصفة بن قيس بن عيلان بن مضر [2]]، و أمها هند بنت عوف بن زهير بن الحارث بن حماطة بن جرير، من حمير، و قيل:
من كنانة، و هي العجوز التي قيل فيها: أكرم الناس أصهارا.
__________________________________________________
[1] ما بين الحاصرتين مطموس في الأصل، و لعل ما أثبتناه يناسب السياق، من (جمهرة أنساب العرب):
372، (جمهرة النسب): 619، و كان يهوديا، و هو الّذي يضرب به المثل في الوفاء، و هو صاحب تيماء.
[2] ما بين الحاصرتين مطموس في الأصل، و استدركناه من (جمهرة أنساب العرب): 273.
إمتاع الأسماع،ج 6،ص:189
فصل في ذكر أصهار رسول الله صلّى الله عليه و سلم
اعلم أن الصهر: القرابة، و الصهر: حرمة الختونة، و صهر القوم: ختنهم، و الجمع: أصهار، و صهر، أو قيل: أهل بيت المرأة أصهار، و أهل بيت الرجل أختان. و قال ابن الأعرابي: الصهر: زوج بنت الرجل و زوج أخته، و الختن:(1/241)
أبو امرأة الرجل و أخو امرأته. و قيل: ختن الرجل: المتزوج بابنته أو بأخته، و الجمع أختان، و الأنثى ختنة، و خاتنه: تزوج إليه، و الاسم: الختونة.
و من العرب من يجعلهم كلهم أصهارا، و قد صاهرهم، و صاهر فيهم، و أصهر بهم و إليهم: صار فيهم صهرا.
و قال الضحاك في قول الله عزّ و جل: وَ هُوَ الَّذِي خَلَقَ من الْماءِ بَشَراً فَجَعَلَهُ نَسَباً [1] وَ صِهْراً 25: 54 [2]: النسب سبع: قوله:
__________________________________________________
[1] النسب: نسب القرابات، و هو واحد الأنساب. ابن سيده: النسبة، و النسبة، و النسب: القرابة، و قيل: هو في الآباء خاصة، و قيل: النسبة، و النسبة: مصدر الانتساب، و النسبة: الاسم.
التهذيب: النسب يكون بالآباء، و يكون إلى البلاد، و يكون إلى الصناعة.
أبو زيد: يقال للرجل إذا سئل عن نسبه: انتسب لنا، أي انتسب لنا حتى نعرفك. و ناسبه: شركه في نسبه، و النسيب المناسب، و الجمع نسباء و أنسباء، و فلان يناسب فلانا فهو نسيبه أي قريبه، و رجل نسيب منسوب: ذو حسب و نسب، و يقال: فلان نسيبى، و هم أنسبائى، و النساب: العالم بالنسب، و في حديث أبى بكر رضى الله تعالى عنه: و كان رجلا نسابة، النسابة البليغ العالم بالأنساب، و إنما أدخلوا الهاء للمبالغة و المدح، و لم تلحق لتأنيث الموصوف بما هو فيه، و إنما لحقت لإعلام السامع أن هذا الموصوف بما هي فيه قد بلغ الغاية و النهاية، مثل علامة. مختصرا من (اللسان): 1/ 755- 756.
[2] الصهر: القرابة، و الصهر: حرمة الختونة، و ختن الرجل صهره، و المتزوج فيهم أصهار الختن، و الأصهار:
أهل بيت المرأة، و لا يقال لأهل بيت الرجل إلا أختان، و أهل بيت المرأة: أصهار.
و من العرب من يجعل الصهر من الأحماء و الأختان جميعا، تقول: صاهرت القوم إذا تزوجت
إمتاع الأسماع،ج 6،ص:190(1/242)
حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهاتُكُمْ وَ بَناتُكُمْ وَ أَخَواتُكُمْ وَ عَمَّاتُكُمْ وَ خالاتُكُمْ وَ بَناتُ الْأَخِ وَ بَناتُ الْأُخْتِ 4: 23.
و الصهر خمس: قوله: وَ أُمَّهاتُكُمُ اللَّاتِي أَرْضَعْنَكُمْ وَ أَخَواتُكُمْ من الرَّضاعَةِ وَ أُمَّهاتُ نِسائِكُمْ وَ رَبائِبُكُمُ اللَّاتِي في حُجُورِكُمْ من نِسائِكُمُ اللَّاتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَإِنْ لَمْ تَكُونُوا دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ وَ حَلائِلُ أَبْنائِكُمُ الَّذِينَ من أَصْلابِكُمْ 4: 23 [1].
و جعل ابن عطية هذا القول و هما، و قال الفراء و الزجاج: النسب الّذي لا يحل نكاحه، و الصهر: الّذي يحل نكاحه، و هو قول على بن أبى طالب رضى الله عنه، و قال الأصمعي:
الصهر: قرابة النكاح، فقرابة الزوجة [هم ] الأختان، و قرابة الزوج هم
__________________________________________________
[ ()] فيهم، و أصهرت بهم إذا اتصلت بهم، و تحرّمت بجوار أو نسب أو تزوّج.
ابن الأعرابي: الصهر: زوج بنت الرجل، و زوج أخته. و الختن أبو امرأة الرجل، و أخو امرأته، و من العرب من يجعلهم أصهارا كلهم و صهرا، و الفعل: المصاهرة، و قد صاهرهم و صاهر فيهم، و أصهر بهم و إليهم: صار فيهم صهرا.
قال ابن سيده: و ربما كنوا بالصهر عن القبر، لأنهم كانوا يئدون البنات فيدفنونهم، فيقولون:
زوجناهن من القبر، ثم استعمل هذا اللفظ في الإسلام فقيل: نعم الصهر القبر، و قيل: إنما هذا على المثل، أي الّذي يقوم مقام الصهر، قال: و هو الصحيح.(1/243)
و قال الفراء في قوله تعالى: حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهاتُكُمْ وَ بَناتُكُمْ وَ أَخَواتُكُمْ وَ عَمَّاتُكُمْ وَ خالاتُكُمْ وَ بَناتُ الْأَخِ وَ بَناتُ الْأُخْتِ وَ أُمَّهاتُكُمُ اللَّاتِي أَرْضَعْنَكُمْ وَ أَخَواتُكُمْ من الرَّضاعَةِ وَ أُمَّهاتُ نِسائِكُمْ وَ رَبائِبُكُمُ اللَّاتِي في حُجُورِكُمْ من نِسائِكُمُ اللَّاتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَإِنْ لَمْ تَكُونُوا دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ وَ حَلائِلُ أَبْنائِكُمُ الَّذِينَ من أَصْلابِكُمْ 4: 23.
قال ابن عباس: حرّم الله من النسب سبعا و من الصهر سبعا: حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهاتُكُمْ وَ بَناتُكُمْ وَ أَخَواتُكُمْ وَ عَمَّاتُكُمْ وَ خالاتُكُمْ وَ بَناتُ الْأَخِ وَ بَناتُ الْأُخْتِ 4: 23 من النسب، و من الصهر وَ أُمَّهاتُكُمُ اللَّاتِي أَرْضَعْنَكُمْ وَ أَخَواتُكُمْ من الرَّضاعَةِ وَ أُمَّهاتُ نِسائِكُمْ وَ رَبائِبُكُمُ اللَّاتِي في حُجُورِكُمْ من نِسائِكُمُ اللَّاتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ 4: 23 و وَ حَلائِلُ أَبْنائِكُمُ الَّذِينَ من أَصْلابِكُمْ وَ أَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ 4: 23.
قال أبو منصور: حرّم الله تعالى سبعا نسبا و سبعا سببا، فجعل السبب القرابة الحادثة بسبب المصاهرة و الرضاع، و هذا هو الصحيح لا ارتياب فيه. (اللسان): 4/ 471- 472، مختصرا.
[1] النساء: 23.
إمتاع الأسماع،ج 6،ص:191
الأحماء، و الأصهار يقع عاما [1].
و قال محمد بن الحسن: أختان الرجل: أزواج بناته و أخواته و عماته و خالاته، و كل ذات محرم منه، و أصهاره: كل ذي رحم محرم من زوجته، و اختار النحاس قول الأصمعي في أن الأصهار من كان من قبل الرجل و الزوجة جميعا، و قول محمد بن الحسن في الأختان.
و حكى الزهراوى أن النسب من جهة البنين، و الصهر من جهة البنات، و المعوّل على ما قد اختاره النحاس [2].(1/244)
و خرج الحاكم من حديث محمد بن عثمان بن أبى شيبة، حدثني أبى، حدثنا أبو مارية عن أبان بن تغلب عن المنهال بن عمرو، عن زر بن حبيش عن عبد الله في قوله تعالى بَنِينَ وَ حَفَدَةً 16: 72، قال: الحفدة: الأختان. قال الحاكم: صحيح على شرط الشيخين [3].
و خرج الحافظ ابن عساكر من حديث يونس بن أبى إسحاق، عن أبى إسحاق عن الحارث عن على رضى الله عنه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه و سلم: لا يدخل النار من تزوج إليّ أو تزوجت إليه، و من حديث إسماعيل بن عياش، عن ثور بن يزيد، عن خالد بن معدان، عن معاذ بن جبل قال: قال رسول الله صلّى الله عليه و سلم: شرط من ربى ألا أصاهر إلى أحد و لا يصاهر إليّ أحد إلا كانوا رفقائي في الجنة، فاحفظوني في أصهارى [و أصحابى ]، فمن حفظنى فيهم كان عليه من الله حافظ، و من لم يحفظني فيهم تخلى الله منه، و من تخلى الله منه هلك.
__________________________________________________
[1] راجع التعليقين (1)، (2) من الصفحة السابقة.
[2] النحل: 72.
[3] (المستدرك): 2/ 387، تفسير سورة النحل، حديث رقم 3356/ 493، و قال الحافظ الذهبي في (التلخيص): على شرط البخاري و مسلم.
إمتاع الأسماع،ج 6،ص:192
[أصهاره صلّى الله عليه و سلم من قبل خديجة]
فأصهار رسول الله صلّى الله عليه و سلم من قبل خديجة: أعمامها و عماتها، و إخوانها و أخواتها. أما أعمامها فخمسة عشر، هم: الحارث بن أسد بن عبد العزى بن قصي، كان أكبر إخوته، و أمه و أم إخوته المطلب و عبد الله و عثمان و أختهم لأمهم: أم حبيب بنت أسد، أم آمنة بنت وهب، و أم أخواته لأبيه أسد: النافضة، و أم سفيان و أم المطاع و عاتكة و بهصة- و هي برة- ابنة عوف بن عبيد بن عويج بن عدي بن كعب، و الحارث بن أسد. يقول مطرود بن كعب الخزاعي:
شددت القوى و أقمت الديار غصنا شبابك لم يلبس
لعمري لقد أعلم [] [1] بالحارث الهالك [] [1]
نصاف السجية طلق اليدين و زين العشيرة في المجلس(1/245)
و ذي الفضل و في الدانيات و ذي النسب الواضح الأملس
و نوفل بن أسد، أمه و أم إخوته حبيب و صيفي رقية، قبة الديباج [و هي ] [2] خالدة بنت هاشم بن عبد مناف بن قصي- و قتل نوفل و حبيب يوم الفجار- و صيفي لم يعقب، و طالب بن أسد، أمه و أم أخويه طليب و خالد: الصعبة بنت خالد بن صعل بن مالك بن أمية بن ضبيعة بن زيد ابن مالك بن عوف بن عمرو بن عوف، و قتل: طالب و طليب يوم الفجار.
و الحويرث بن أسد، أمه ريطة بنت الحويرث الثقفية، و عمرو بن أسد، أمه و أم أخويه هاشم و مهشم: بهية بنت سعيد بن سهم، و عمرو، و هو الّذي زوّج رسول الله صلّى الله عليه و سلم خديجة بنت خويلد [و لم يكن لأسد يومئذ
__________________________________________________
[1] ما بين الحاصرتين مطموس في (خ).
[2] زيادة للسياق من (جمهرة النسب): 69.
إمتاع الأسماع،ج 6،ص:193
لصلبه ولد غيره ] [1].
و أما عماتها فثمان، هن: أم حبيب بن أسد، و كانت تحت عبد العزى بن عثمان بن عبد الدار، فولدت له [عبد الله- و هو أبو طلحة، و هو كان على بنى عبد الدار يوم الفجار- و برّة بنت عبد العزى، و هي أمّ أمّ رسول الله صلّى الله عليه و سلم ] [2].
و أم المطاع ابنة أسد، و كانت تحت عبد العزى بن عبد شمس، فولدت له ربيعة و الربيع، فولد الربيع بن عبد العزى أبا العاص بن الربيع، زوج زينب بنت رسول الله صلّى الله عليه و سلم.
و النافضة ابنة أسد، كانت تحت عدي بن نوفل بن عبد مناف بن قصي، فولدت له المبارك- و اسمه عبد الله- و الصالح- و اسمه عبيد الله- و الباذل، و الفارعة.
و رقيقة بنت أسد، كانت تحت الحارث بن عبيد بن عمرو بن مخزوم، فولدت له كريمة، و رقية، و أرنب، و نعم.
و برة بنت أسد، كانت تحت عائذ بن عبد الله بن عمرو بن مخزوم، فولدت له.
و أم سفيان بنت أسد كانت تحت عبد مناف بن كعب بن سعد بن تيم ابن مرة، فولدت له خالد بن عبد مناف.
__________________________________________________
[(1/246)
1] زيادة للسياق من (جمهرة النسب): 74.
[2] ما بين الحاصرتين في (خ): «شرحبيل و إباء و أرطاة و عثمان و برة»، و ما أثبتناه من (جمهرة أنساب العرب): 127.
إمتاع الأسماع،ج 6،ص:194
[إخوة خديجة]
و أما إخوة خديجة، فإنّهم: [] [1] بن خويلد بن أسد، أمه و أمّ إخوانه منية بنت الحارث بن جابر بن وهب بن نشيب بن بدر بن مالك بن عوف بن حارث بن مازن بن منصور، و أمها هند بنت وهيب بن نشيب بن زيد بن مالك بن عوف بن الحارث بن مازن بن منصور، و هند هذه عمة عتبة بن غزوان بن وهيب، و أخوها لأمها عدي بن نوفل بن عبد مناف، و أم هند بنت وهيب عائشة بنت العوام بن نضلة بن خلادة بن ثعلبة بن ثور بن هرمة بن لاطم بن عثمان بن مزينة بن أد.
و العوام بن خويلد بن أسد- و قتل يوم الفجار الآخر- و كان الحارث بن حرب بن أمية بن عبد شمس نديمه، و هو أبو الزبير بن العوام [2].
و نوفل بن خويلد، أمه ريطة بنت عبد العزى بن عامر بن ربيعة بن حزن ابن عامر بن مازن بن عدي بن عمرو، من خزاعة، و كان من المطعمين يوم بدر، و يقال له: ابن العدوية من عدىّ بن خزاعة، و هو الّذي عناه رسول الله صلّى الله عليه و سلم بقوله يوم بدر: اللَّهمّ اكفنا ابن العدوية: فقتل كافرا يومئذ، قتله الزبير ابن العوام، و هو ابن أخيه، و قد صاح به نوفل، اقتلني قبل أن يقتلني أهل يثرب، و قال عمر بن الخطاب رضى الله عنه- و هو على المنبر-: قاتل الله ابن العدوية، ما كان أشد صوته يوم بدر، كأنى أسمع صوته و هو يقول:
يا معشر قريش! اليوم يوم العلى و الذكر [3].
__________________________________________________
[1] ما بين الحاصرتين مطموس في (خ)، ولد خويلد بن أسد بن عبد العزى في (جمهرة النسب)، هم:
العوام، و حزام، و نوفل، و خديجة، (جمهرة النسب): 69- 70، و ولد خويلد بن أسد بن عبد العزى في (جمهرة أنساب العرب)، هم: خديجة، و هالة، و رقيقة، و العوام، و حزام، و نوفل. (جمهرة أنساب العرب): 120.
[(1/247)
2] سبق أن أشرنا إلى مصادر ترجمته.
[3] ذكره ابن هشام في (السيرة)، قال: قال ابن إسحاق: و نوفل بن خويلد بن أسد، و هو ابن العدوية، عدي بن خزاعة، و هو الّذي قرن أبو بكر الصديق، و طلحة بن عبيد الله حين أسلما في حبل، فكانا يسميان القرينين لذلك، و كان من شياطين قريش، قتله عليّ بن أبى طالب. (سيرة ابن هشام):
3/ 265- 266.
إمتاع الأسماع،ج 6،ص:195
و عمرو بن خويلد، و لا بقية له.
و حزام بن خويلد، قتل يوم الفجار الآخر و هو والد حكيم حزام و أخويه.
و رقيقة بنت خويلد، كانت تحت بجاد بن عمير بن الحارث ابن حارثة ابن سعد بن تيم بن مرة [1]، فولدت له أميمة بنت رقيقة [2]، و هي من
__________________________________________________
[1] التيميّ، من رهط الصديق، و لولده محمد بن بجاد ذكر، و من ذريته يوسف بن يعقوب بن موسى بن عبد الرحمن بن الحصين بن محمد بجاد، كان يسكن عسفان، و له أشعار. ذكره الزبير، و كان في عصره. (الإصابة): 1/ 267، ترجمة رقم (586 ز.).
[2] أميمة بنت رقيقة- بقافين مصغّرة- هي بنت بجاد، أمها رقيقة بنت خويلد بن أسد، أخت خديجة رضى الله تعالى عنها روت عن النبي صلّى الله عليه و سلم، روى عنها محمد بن المنكدر، و بنتها حكيمة- بالتصغير- بنت رقيقة. قال أبو عمر: كانت من المبايعات. و قال: هي خالة فاطمة الزهراء. أورده ابن الأثير بأنها بنت خالتها، فإن خويلدا والد خديجة، هو والد رقيقة لا أميمة.
قال الحافظ ابن حجر: هذا يصح على قول من قال: إنها رقيقة بنت خويلد بن أسد بن عبد العزى. و قال مصعب الزبيري: إنها رقيقة بنت أسد بن عبد العزى، و من ثم قال المستغفري: هي عمة خديجة بنت خويلد، رضى الله تعالى عنها.(1/248)
و حديثها في الترمذي و غيره، من طريق ابن عيينة، عن محمد بن المنكدر، أنه سمع أميمة بنت رقيقة تقول: بايعت النبي صلّى الله عليه و سلم في نسوة. فقال لنا: فيما استطعتن و أطقتن، قلنا: الله و رسوله أرحم منا بأنفسنا. و أخرجه مالك مطولا، عن ابن المنكدر، و صححه ابن حبان من طريقه، و لفظه: أتيت رسول الله صلّى الله عليه و سلم في نسوة نبايعنه، فقلنا: نبايعك يا رسول الله على ألا نشرك باللَّه شيئا، و لا نسرق، و لا نزني، و لا نقتل أولادنا، و لا نأتي ببهتان نفتريه بين أيدينا و أرجلنا و لا نعصينك في معروف، فقال رسول الله صلّى الله عليه و سلم: فيما استطعتن و أطقتن، فقلنا: الله و رسوله أرحم بنا من أنفسنا، هلم نبايعك يا رسول الله، فقال: إني لا أصافح النساء، إنما قولي لمائة امرأة كقولي لامرأة واحدة. و أخرجه الدار قطنى من وجه آخر عن ابن المنكدر. و قال ابن سعد: اغتربت أميمة بزوجها حبيب بن كعب بن عتير الثقفي، فولدت له. قال أبو أحمد العسال: لا أعلم روى عنها إلا ابن المنكدر.
قال مصعب الزبيري: هي عمة محمد بن المنكدر، كأنه عنى أنها من رهطه. قال: و نقلها معاوية إلى الشام، و بنى لها دارا، و كذا قال الزبير بن بكار، و زاد: كان لها بدمشق دار و موالي، ثم أسند من طريق ثابت بن عبد الله بن الزبير أن ابنة رقيقة دخلت على معاوية في مرضه الّذي مات فيه. لها ترجمة في: (الإصابة): 7/ 508، 510- 11، ترجمة رقم (10840)، (10849)، (طبقات ابن سعد): 8/ 186، 241، (الثقات): 3/ 25، (أعلام النساء): 1/ 92، (الاستيعاب): 4/ 1791، ترجمة رقم (3241)، (تهذيب التهذيب): 12/ 429- 430، ترجمة رقم (2730)، (المستدرك): 4/ 80- 81، (أسماء الصحابة الرواة): 80، ترجمة رقم (223).
إمتاع الأسماع،ج 6،ص:196
المبايعات، حدّث عنها محمد بن المنكدر.(1/249)
و هالة بنت خويلد [1]، و هي أم أبى العاص بن الربيع بن عبد العزى، زوج زينب عليها السلام، و أمها و أم أختها هند ابنة خويلد: فاطمة ابنة زائدة أم خديجة عليها السلام.
__________________________________________________
[1] هي هالة بنت خويلد بن أسد بن عبد العزى القرشية الأسدية، أخت خديجة، زوج النبي صلّى الله عليه و سلم، و والدة أبى العاص بن الربيع.
قال ابن مندة: روت عنها عائشة حرفا في حديث- كذا اختصر- و كأنه أشار إلى ما أخرجه البخاري في الصحيح، من طريق عليّ بن مسهر، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة قالت:
استأذنت هالة بنت خويلد أخت خديجة رضى الله تعالى عنها، على رسول الله صلّى الله عليه و سلم فعرف استئذان خديجة، فارتاع لذلك و قال: اللَّهمّ هالة، فغرت، فقلت: ما تذكر من عجوز من عجائز قريش ...
الحديث، و أخرجه أبو نعيم من هذا الوجه، و أصل الحديث في الصحيحين من غير ذكر هالة.
(الإصابة): 8/ 146، ترجمة رقم (11828)، و عنه، (أعلام النساء): 5/ 202.
إمتاع الأسماع،ج 6،ص:197
[أصهاره صلّى الله عليه و سلم من قبل سودة]
و أصهاره من قبل سودة خمسة:
وقدان بن قيس بن عبد شمس بن عبد ودّ، عم سودة، و أمه بنت وبر بن الأضبط بن كلاب، و له من الولد: عبد، و عمرو السعدي، و هو أبو عبد الله ابن السعدي الصحابي [1].
__________________________________________________
[1] قال أبو محمد على بن أحمد بن سعيد بن حزم الأندلسى: و ولد وقدان بن عبد شمس بن عبد ودّ:(1/250)
عمرو، و هو السعدىّ، له صحبة، فولد عمرو هذا: عبد الله، له صحبه، و روينا من طريقه حديثا فيه أربعة من الصحابة- رضى الله تعالى عنهم- في نسق واحد، و لم يقع مثل هذا الاتفاق في خبر غيره، و هو كما حدّثناه أحمد بن محمد بن عبد الله الطّلمنكيّ. قال: أخبرنا القاضي أبو بكر محمد بن أحمد بن يحيى بن محمد، قال: حدثنا القاضي محمد ابن أيوب الرّقّىّ الصّموت: أخبرنا أحمد بن عمرو بن عبد الخالق البزّار: أخبرنا إبراهيم بن سعد الجوهرىّ: أخبرنا سفيان بن عيينة، عن الزّهرى، عن السائب بن يزيد، عن حويطب بن عبد العزّى، عن ابن السّعديّ- عبد الله بن وقدان- عن عمر ابن الخطاب.
قال: قال رسول الله صلّى الله عليه و سلم: «ما أتاك من هذا المال من غير مسألة، و لا إشراف نفس فاقبله»، و السائب صاحب، و حويطب صاحب، و ابن السعدي صاحب، و عمر صاحب، رضى الله تعالى عنهم. (جمهرة أنساب العرب): 167.
و قال الحافظ في (الإصابة): عبد الله بن السعدي، و اسم السعدي وقدان، و قيل: قدامة، و قيل:
عمرو بن وقدان، و قيل له: السعدي، لأنه كان استرضع في بنى سعد بن بكر، و ذلك هو ابن عبد شمس بن عبد ودّ بن نصر بن مالك بن حسل بن عامر بن لؤيّ القرشيّ العامري أبو محمد.
قال البخاري: قال: وفدت على النبيّ صلّى الله عليه و سلم. و أخرج حديثه هو و أبو حاتم، و ابن حبان، من طريق عبد الله بن محيريز، عن عبد الله بن السعدي، قال: وفدت مع قومي على رسول الله صلّى الله عليه و سلم و أنا من أحدثهم سنا، فخلفوني في رحالهم و قضوا حوائجهم، فجئت لرسول الله صلّى الله عليه و سلم فقلت: حاجتي، قال:
و ما حاجتك؟ فذكر حديث: لا تنقطع الهجرة ما قوتل العدوّ. و أخرجه النسائي بنحوه من طريق أبى إدريس الخولانيّ، عن عبد الله بن وقدان السعدي. و في رواية له: عن عبد الله بن السعدي، قال أبو زرعة الدمشقيّ: هذا الحديث عن عبد الله بن
إمتاع الأسماع،ج 6،ص:198(1/251)
و عبد بن زمعة بن قيس بن عبد شمس بن عبد ودّ أخو سودة لأبيها من عاتكة بنت الأحنف بن علقمة بن عبد الحارث بن سعد بن عمرو بن معيص بن عامر بن لؤيّ، كان شريفا من سادات الصحابة، و أخوه لأمه عمرو بن نوفل بن عبد مناف [1].
و عبد الرحمن بن زمعة، أخو سودة، و هو الّذي خاصم فيه أخوه عبد بن زمعة عام الفتح سعد بن أبى وقاص، فقال سعد ابن أخى عتبة بن أبى وقاص عهد إليّ فيه، و قال لي: إذا قدمت مكة فاقبض ابن وليدة زمعة فإنه ابني، و قال عبد بن زمعة: بل هو أخى، ولد على فراش أبى، فقضى به رسول الله صلّى الله عليه و سلم لعبد بن زمعة و قال: «الولد للفراش، و للعاهر الحجر»، و أم عبد الرحمن أمه يمانية لزمعة، و له عقب [2].
__________________________________________________
[ ()] السعدي، حديث متقن صحيح، رواه الأثبات عنه.
و نزل عبد الله بن السعدي الأردن. و قال البغوي: سكن المدينة- يعنى أولا- و روى عن عمر بن الخطاب حديث العمالة، و هو في الصحيح. و في رواية لمسلم: ابن الساعدي.
روى عنه حويطب بن عبد العزى و آخرون. و قال ابن حبان: مات في خلافة عمر.
قال ابن عساكر: لا أراه محفوظا. و قد قال الواقدي: إنه مات سنة سبع و خمسين. (الإصابة):
4/ 113- 114، ترجمة رقم (4721).
[1] ترجمته في (الاستيعاب): 2/ 820، ترجمة رقم (1382)، (جمهرة أنساب العرب): 115.
[2] عبد الرحمن بن زمعة القرشي العامري، هو ابن وليدة زمعة الّذي قضى فيه رسول الله صلّى الله عليه و سلم بأن الولد للفراش، و للعاهر الحجر، قال البخاري: حدثنا أبو الوليد، حدثنا الليث عن ابن شهاب، عن عروة: عن عائشة رضى الله عنها قالت: اختصم سعد و ابن زمعة، فقال النبي صلّى الله عليه و سلم هو لك يا عبد الله بن زمعة، الولد للفراش، و احتجبى منه يا سودة. زاد لنا قتيبة عن الليث: و للعاهر الحجر.(1/252)
و في رواية عن عائشة رضى الله عنها قالت: اختصم سعد بن أبى وقّاص، و عبد الله بن زمعة رضى الله عنه في غلام، فقال سعد: يا رسول الله، هذا ابن أخى عتبة بن أبى وقاص عهد إليّ أنه ابنه، و انظر إلى شبهه، و قال عبد الله بن زمعة: هذا أخى يا رسول الله، ولد على فراش أبى من وليدته، فنظر رسول الله صلّى الله عليه و سلم إلى شبهه، فرأى شبها بيّنا بعتبة، فقال: هو لك يا عبد الله، الولد للفراش، و للعاهر الحجر [رواه الشيخان، و أبو داود، و الترمذي، و النسائي ]. قوله «الولد للفراش»، أي لمالكه، و هو الزوج و المولى، لأنهما يفترشانها، و في للبخاريّ: «الولد لصاحب الفراش»، و قال في [نيل الأوطار للشوكانى ]: اختلف في معنى الفراش، فذهب الأكثر إلى
إمتاع الأسماع،ج 6،ص:199
__________________________________________________
[ ()] أنه اسم للمرأة، و قيل: إنه اسم للزوج، و روى ذلك عن أبى حنيفة، و أنشد ابن الأعرابي مستدلا على هذا المعنى قول جرير:
باتت تعانقه و بات فراشها
و في القاموس: إن الفراش زوجة الرجل و في اللسان: الفراش الزوج و الفراش المرأة، و المرأة تسمى فراش لأن الرجل يفترشها.
قوله: «و للعاهر الحجر»، العاهر: الزاني، يقال: عهر، أي زنا، عهر إليها يعهر عهرا و عهورا و عهارة و عهورة، و عاهرها عهارا: أتاها ليلا للفجور، ثم غلب على الزنا مطلقا.
و في الحديث: «أيّما رجل عاهر بحرّة، أو أمة»، أي زنى.
و في التهذيب: قال أبو زيد: يقال للمرأة الفاجرة عاهرة و معاهرة و مسافحة، و العهر و العاهر: هو الزاني.
و قال أبو عبيد: معنى قوله: «و للعاهر الحجر» أي لا حقّ له في النسب، و لا حظّ له في الولد، و إنما هو لصاحب الفراش، أي لصاحب أم الولد، و هو زوجها أو مولاها.
و العرب تقول: له الحجر و بفيه التراب، و يريدون ليس له إلا الخيبة. و قيل: المراد الحجر، أنه يرجم بالحجارة إذا زنى، و لكنه لا يرجم بالحجارة كل زان، بل للمحصن فقط.(1/253)
و في ترجمة البخاري أنه يرجّح قول من أوّل الحجر هنا بأنه الحجر الّذي يرجم به الزاني، أي ليس للعاهر إلا الرجم بالحجارة إن كان محصنا، و ظاهر الحديث أن الولد يلحق بالأب بعد ثبوت الفراش، و هو لا يثبت إلا بعد إمكان الوطء في النكاح الصحيح أو الفاسد، و إلى ذلك ذهب الجمهور.
و كان لزمعة جارية حملت سفاحا من عتبة بن أبى وقّاص، فلما دنت وفاته، أوصى أخاه سعدا بأن ولد هذه الجارية ابنه من الزنى، كعادتهم في الجاهلية، فلما طلبه عمه سعد، عارضه عبد الله بن زمعة و قال: هو أخى، ولد على فراش أبى من جاريته، فاختصما إلى رسول الله صلّى الله عليه و سلم فحكم به لعبد الله بقوله: «هو لك يا عبد الله»، و وضع صلّى الله عليه و سلم قاعدة شرعية، يعمل بها إلى يوم الدين: «الولد للفراش و للعاهر الحجر». «الولد للفراش»، أي لصاحبه، و هو هنا سيدها، «و للعاهر» أي الزاني، الحجر ...
و جاء رجل فقال: يا رسول الله، إنّ فلانا ابني، عاهرت بأمه في الجاهلية، فقال صلّى الله عليه و سلم: «لا دعوة في الإسلام، ذهب أمر الجاهلية، الولد للفراش، و للعاهر الحجر». أي لا دعوة في الإسلام، أي بلحوق ولد الزنى بالزاني، ذهب أمر الجاهلية، و بطلت عوائدهم، و ظهر عليها الإسلام، فالولد للفراش، أي لأمه إن كانت حرة، كما في اللعان، بخلاف الرقيقة، فالولد لسيدها، فهو و أمه في الرّقّ سواء. (الإصابة):
2/ 833، ترجمة رقم (1413)، (جمهرة أنساب العرب): 167، (موسوعة فتاوى النبي صلّى الله عليه و سلم):
2/ 25- 27، كتاب الزنا، و الحدود، و الديات، باب فتياه صلّى الله عليه و سلم في أن: «الولد للفراش و للعاهر الحجر».
إمتاع الأسماع،ج 6،ص:200
و مالك بن زمعة أخو سودة، قديم الإسلام و من مهاجرة الحبشة [1].
و مشتق بن عبد وقدان بن عبد شمس أخو سودة لأمها [2].
__________________________________________________
[(1/254)
1] مالك بن زمعة بن قيس بن عبد شمس العامري. أخو سودة أم المؤمنين، كان من مهاجرة الحبشة الثانية، و معه عميرة- أو عمرة- بنت السعدي بن وقدان، و أقام حتى قدم مع جعفر بن أبى طالب، ذكره أبو عمر هكذا، و لم يزد الزبير بن بكار على قوله: و مالك بن زمعة، هاجر إلى أرض الحبشة، و ذكره ابن فتحون في (أوهام الاستيعاب) فقال: ذكر ابن إسحاق، و موسى بن عقبة، أنه مالك بن ربيعة، و كذا قاله المصنف في كتابه (الدرر).
قال الحافظ في (الإصابة) سلفه في الاستيعاب أعلم الناس بنسب قريش. و هو الزبير بن بكار، فإنه ذكر في نسب بنى عامر بن لؤيّ ما نصّه: و سودة بنت زمعة بن قيس بن عبد شمس بن عبد ودّ، كانت عند السكران بن عمرو، فهلك عنها مهاجرا بأرض الحبشة، فتزوجها رسول الله صلّى الله عليه و سلم، إلى أن قال: و مالك بن زمعة هاجر إلى أرض الحبشة. و قال بعده: و ولد وقدان بن عبد شمس عبدا .... إلى آخره، فهذا يرجح أنه ابن زمعة، (الإصابة): 5/ 726- 727، ترجمة رقم (7640)، (الاستيعاب): 3/ 1352، ترجمة رقم (2268).
[2] كذا في (خ)، و لم أجد له ترجمة فيما بين يدىّ من كتاب النسب أو التراجم.
إمتاع الأسماع،ج 6،ص:201
[أصهاره صلّى الله عليه و سلم من قبل عائشة]
و أصهاره صلّى الله عليه و سلم من قبل عائشة رضى الله عنها إخوتها و هم: عبد الله بن أبى بكر [1]
__________________________________________________
[1] هو عبد الله بن أبى بكر الصديق، و لما كان اسم أبى بكر: عبد الله، فابنه عبد الله بن عبد الله بن عثمان، و هو شقيق أسماء بنت أبى بكر، ذكره ابن حبان في الصحابة، و قال: مات قبل أبيه.
و ثبت ذكره في قصة الهجرة عن عائشة رضى الله عنها قالت: و كان عبد الله بن أبى بكر يأتيهما بأخبار قريش، و هو غلام شابّ فطن، فكان يبيت عندهما، و يخرج من السحر فيصبح مع قريش.(1/255)
و ذكر الطبري في (تاريخه) أن عبد الله بن أريقط الدؤلي الّذي كان دليل النبي صلّى الله عليه و سلم لما رجع بعد أن وصل النبي صلّى الله عليه و سلم إلى المدينة، أخبر عبد الله بن أبى بكر الصديق بوصول أبيه إلى المدينة، فخرج عبد الله بعيال أبى بكر، و صحبهم طلحة بن عبيد الله حتى قدموا المدينة.
و قال أبو عمر: لم أسمع له بمشهد إلا في الفتح، و حنين، و الطائف، فإن أصحاب المغازي ذكروا أنه رمى بسهم فجرح، ثم اندمل، ثم انتقضى، فمات في خلافة أبيه في شوال سنة إحدى عشرة.
و روى الحاكم بسند له عن القاسم بن محمد، أن أبا بكر، قال لعائشة: أ تخافون أن تكونوا دفنتم عبد الله بن أبى بكر و هو حي، فاسترجعتك فقال: أستعيذ باللَّه.
ثم قدم وفد ثقيف فسألهم أبو بكر: هل فيكم من يعرف هذا السهم؟ فقال سعيد بن عبيد: أنا بريته، و رشته، و أنا رميت به، فقال: الحمد للَّه، أكرم الله عبد الله بيدك، و لم يهنك بيده.
قال: و مات بعد رسول الله صلّى الله عليه و سلم بأربعين ليلة، و فيه الهيثم بن عدي، و هو واه.
قالوا: لما مات نزل حفرته عمر، و طلحة، و عبد الرحمن بن أبى بكر، و كان رضى الله عنه يعدّ من شهداء الطائف.
قال المرزباني في (معجم الشعراء): أصابه حجر في حصار الطائف، فمات شهيدا، و كان قد تزوج عاتكة، و كان بها معجبا، فشغلته عن أموره، فقال له أبوه: طلّقها، فطلّقها، ثم ندم، فقال:
أ عاتك لا أنساك ما ذرّ شارق و ما لاح نجم في السماء محلّق
لها خلق جزل و رأى و منصب و خلق سويّ في الحياة و مصدق
و لم أر مثلي طلّق اليوم مثلها و لا مثلها في غير شي ء تطلّق
إمتاع الأسماع،ج 6،ص:202
أمه و أم أخته أسماء: قتيلة [1] بنت عبد العزّى بن عبد
__________________________________________________
[ ()] و له فيها غير هذا، فرقّ له أبو بكر فأمره بمراجعتها، فراجعها، و مات و هي عنده.(1/256)
روى البخاري في (تاريخه) من طريق يحيى بن سعيد الأنصاري، أن عبد الله بن أبى بكر رضى الله عنه، كان قد تزوج عاتكة بنت زيد بن عمرو، أخت سعيد بن زيد بن عمرو، و أنه قال لها عند موته: لك حائطي و لا تزوّجى بعدي، قال: فأجابته إلى ذلك، فلما انقضت عدتها خطبها عمر، فذكر القصة في تزويجه. و رواه غيره، فذكر معاتبة عليّ لها على ذلك.
و قال ابن إسحاق في (المغازي): حدثني هشام، عن أبيه، عن عائشة، قالت: كفّن رسول الله صلّى الله عليه و سلم في بردىّ حبرة، حتى مسّا جلده، ثم نزعهما، فأمسكهما عبد الله ليكفّن فيهما، ثم قال: و ما كنت لأمسك شيئا منع الله رسوله منه، فتصدّق بهما.
و رواه البخاري من وجه آخر، عن عروة و أخرجه الحاكم في (المستدرك)، و هو عند أحمد في مسند عائشة رضى الله عنها، ضمن حديث من طريق حماد بن سلمة، عن هشام، و رواه أبو ضمرة عن هشام، فقال عبد الرحمن: قال البغوي: و الصحيح عبد الله.
قال الحافظ في (الإصابة): و وجدت له حديثا مسندا، أخرجه البغوي، و في إسناده من لا يعرف، قال هشام: فقال عبد الرحمن: قال البغوي: لا أعرف عبد الله أسند غيره، و في إسناده ضعف و إرسال.
ثم قال: و أخرجه مع ذلك الحاكم، قال الدار قطنى: و أما عبد الله بن أبى بكر. فأسند عنه حديث في إسناده نظر، تفرّد به عثمان بن الهيثم المؤذن، عن رجال ضعفاء. قال: و قد أوردته في كتاب (الخصال المكفرة)، و جمعت طرقه مستوعبا، و الحمد للَّه. له ترجمة في: (الإصابة): 4/ 27- 29، ترجمة رقم (4571)، (الثقات): 3/ 210، (الاستيعاب): 3/ 874- 875، ترجمة رقم (1484)، (الجرح و التعديل): 5/ 92، (التاريخ الكبير): 3/ 2، 5/ 2، (التاريخ الصغير):
1/ 300، (البداية و النهاية): 6/ 389، (الطبقات الكبرى): 1/ 229، (الوافي بالوفيات): 17/ 85، (تاريخ الإسلام): 3/ 49، (صفة الصفوة): 1/ 124، ترجمة أبيه رقم (2)، (أسماء الصحابة الرواة): 446، ترجمة رقم (777).
[(1/257)
1] هي قتيلة بنت عبد العزّى بن سعد بن نصر بن مالك بن حسل بن عامر بن لؤيّ، القرشية العامرية، والدة أسماء بنت أبى بكر و شقيقها عبد الله. كذا نسبها الزبير و غيره.
و قال أبو موسى في (الذيل): قتيلة بنت سعد بن عامر بن لؤيّ، كذا اختصر النسب، و حذف منه جماعة، ثم قال: أوردها المستغفري في الصحابيات، و قال: تأخر إسلامها، و سماها الحاكم أبو أحمد في (الكنى).
و حديثها عن هشام بن عروة عن أبيه، عن أسماء بنت أبى بكر رضى الله تعالى عنهما، قالت:
إمتاع الأسماع،ج 6،ص:203
[شمس ] [1] بن نضر بن مالك بن حسل بن عامر بن لؤيّ، أسلم قديما، و لم يسمع له بمشهد إلا شهوده الفتح، و حنينا، و الطائف، و رمى يومئذ بسهم من أبى محجن الثقفي، و مات في شوال سنة إحدى عشرة، و انقرض عقبه.
و أسماء ابنة أبى بكر، أسلمت قديما بعد سبعة عشر إنسانا، و تزوج بها الزبير بن العوام فولدت له عبد الله بن الزبير، و توفيت بمكة في جمادى الأولى سنة ثلاث و سبعين، و قد ذهب بصرها، و يقال لها ذات النطاقين، لأنها صنعت للنّبيّ صلّى الله عليه و سلم سفرة حين أراد الهجرة إلى المدينة، فعسر عليها ما تشدها به، فشقت خمارها و شدت السفرة بنصفها و انتطقت النصف
__________________________________________________
[ ()] «قدمت على أمى و هي مشركة في عهد رسول الله صلّى الله عليه و سلم فاستفتيت رسول الله صلّى الله عليه و سلم، قلت: إن أمى قدمت و هي راغبة، أ فأصل أمى، قال: نعم، صلّى أمك». و أخرجه ابن سعد، و أبو داود الطيالسي، و الحاكم، من حديث عبد الله بن الزبير، قال: «قدمت قتيلة- بالقاف و المثناة مصغرة- بنت عبد العزّى بن سعد، من بنى مالك بن حسل- بكسر الحاء و سكون السين المهملتين- على ابنتها أسماء بنت أبى بكر في الهدنة، و كان أبو بكر طلقها في الجاهلية، بهدايا: زبيب و سمن و قرظ، فأبت أسماء أن تقبل هديتها أو تدخلها بيتها، و أرسلت إلى عائشة:(1/258)
سلى رسول الله صلّى الله عليه و سلم فقال: لتدخلها». و عرف منه تسمية أم أسماء، و أنها أمها حقيقة، و أن من قال: إنها أمها من الرضاعة فقد وهم.
(الإصابة): 8/ 78- 79، ترجمة رقم (11638)، (فتح الباري): 5/ 290- 292، كتاب الهبة و فضلها و التحريض عليها، باب (9) الهدية للمشركين، و قول الله تعالى: لا يَنْهاكُمُ الله عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقاتِلُوكُمْ في الدِّينِ وَ لَمْ يُخْرِجُوكُمْ من دِيارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَ تُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ الله يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ 60: 8 [الممتحنة: 8]، حديث رقم (2620)، و أخرجه البخاري أيضا في الجهاد، باب إثم من عاهد ثم غدر، و في الأدب، باب صلة الوالد المشرك، و أخرجه مسلم في الزكاة، باب فضل الصدقة على الأقربين و لو كانوا مشركين، و أبو داود في الزكاة، باب الصدقة على أهل الذمة، (جامع الأصول): 1/ 405- 406، حديث رقم (201).
[1] زيادة للنسب من (جمهرة النسب): 57.
إمتاع الأسماع،ج 6،ص:204
الثاني، فسماها رسول الله صلّى الله عليه و سلم: ذات النطاقين [1].
و عبد الرحمن بن أبى بكر شقيق عائشة رضى الله عنها، تقدم ذكره [2].
__________________________________________________
[1] هي أسماء بنت أبى بكر، عبد الله بن أبى قحافة عثمان، أم عبد الله، القرشية، التيمية: الملكية، ثم المدنية، والدة الخليفة عبد الله بن الزبير، و أخت أم المؤمنين عائشة رضى الله عنها و آخر المهاجرات وفاة، روت عدة أحاديث، و عمّرت دهرا، و تعرف بذات النطاقين، و أمها قتيلة بنت عبد العزى العامرية، حدّث عنها ابناها: عبد الله و عروة، و حفيدها عبد الله بن عروة، و ابن عباس، و عدة.
و كانت أسنّ من عائشة رضى الله عنها ببضع عشرة سنة، هاجرت حاملا بعبد الله، و قيل: لم يسقط لها سنّ، و شهدت اليرموك مع زوجها الزبير. و هي، و أبوها، و جدها، و ابنها ابن الزبير، أربعتهم صحابيون.(1/259)
عن أسماء قالت: صنعت سفرة النبي صلّى الله عليه و سلم في بيت أبى حين أراد أن يهاجر، فلم أجد لسفرته و لا لسقائه ما أربطهما، فقلت لأبى: ما أجد إلا نطاقى، قال: شقيه باثنين، فاربطى بهما، قال: فلذلك سميت ذات النطاقين.
و كانت خاتمة المهاجرين و المهاجرات، مسندها ثمانية و خمسون حديثا. اتفق لها البخاري و مسلم على ثلاثة عشر حديثا، و انفرد البخاري بخمسة أحاديث، و مسلم بأربعة.
قال ابن سعد: ماتت بعد ابنها عبد الله بليال، و لها مائة سنة. و كان قتله لسبع عشرة خلت من جمادى الأولى سنة ثلاث و سبعين. لها ترجمة في: (طبقات ابن سعد): 8/ 249- 255، (طبقات خليفة): 333، (تاريخ خليفة): 269، (المعارف): 172، 173، 200، 221، (مسند أحمد):
6/ 344، (المستدرك): 4/ 64- 65، (الاستيعاب): 4/ 1781- 1783، ترجمة رقم (3226)، (جامع الأصول): 9/ 145، (تهذيب التهذيب): 12/ 426، ترجمة رقم (2720)، (الإصابة):
7/ 486- 488، ترجمة رقم (10798)، (خلاصة تذهيب الكمال): 3/ 374، (كنز العمال):
13/ 637، (الإعلام بوفيات الأعلام): 46، (حلية الأولياء): 2/ 55- 57، ترجمة رقم (138)، (أعلام النساء): 1/ 47- 53، (العقد الفريد): 3/ 231، 5/ 72، 263، 164، 165، 166، 167، (سير أعلام النبلاء): 2/ 287- 296، ترجمة رقم (52)، (أسماء الصحابة الرواة):
77- 78، ترجمة رقم (58)، (الثقات): 3/ 23، (تلقيح فهوم أهل الأثر): 365، (شذرات الذهب) 1/ 44 و 80، (مرآة الجنان): 1/ 151.
[2] سبق أن أشرنا إلى مصادر ترجمته.
إمتاع الأسماع،ج 6،ص:205
و محمد بن أبى بكر [1]، أمه أسماء بنت عميس [2]، أخت ميمونة أم
__________________________________________________
[(1/260)
1] ولدته أسماء بنت عميس في حجة الوداع وقت الإحرام، و كان قد ولّاه عثمان إمرة مصر، كما هو مبيّن في سيرة عثمان، ثم سار لحصار عثمان، و فعل أمرا كبيرا فكان أحد من توثّب على عثمان حتى قتل، ثم انضم إلى عليّ فكان من أمرائه، فسيّره على إمرة مصر سنة سبع و ثلاثين في رمضانها، فالتقى هو و عسكر معاوية، فانهزم جمع محمد، و اختفى هو في بيت مصريّة، فدلّت عليه، فقال: احفظوني في أبى بكر، فقال معاوية بن حديج: قتلت ثمانين من قومي في دم الشهيد عثمان و أتركك، و أنت صاحبه؟! فقتله، و دسّه في بطن حمار ميّت، و أحرقه. و قال عمرو بن دينار: أتى بمحمد أسيرا إلى عمرو بن العاص، فقتله، يعنى بعثمان.
و قال الحافظ الذهبي: أرسل عنه ابنه القاسم بن محمد الفقيه. له ترجمة في: (التاريخ الكبير):
1/ 124، (الجرح و التعديل): 7/ 301، (تاريخ الطبري): 5/ 94، (جمهرة أنساب العرب):
138، (الكامل في التاريخ): 3/ 352، (تهذيب الأسماء و اللغات): 1/ 85، (الإصابة):
6/ 245، ترجمة رقم (3800)، (الاستيعاب): 3/ 1366، ترجمة رقم (2320)، (تهذيب التهذيب): 9/ 70، ترجمة رقم (101)، (خلاصة تذهيب الكمال): 2/ 385، ترجمة رقم (6089)، (سير أعلام النبلاء): 3/ 481- 482، ترجمة رقم (104)، (شذرات الذهب):
1/ 48، (الإعلام بوفيات الأعلام): 33.
[2] هي أسماء بنت عميس بن معد- بوزن سعد أوله ميم- ابن الحارث الخثعمية، أم عبد الله، من المهاجرات الأول، أسلمت قبل دخول رسول الله صلّى الله عليه و سلم دار الأرقم بن أبى الأرقم، و كانت داره على الصفا، و هي الدار التي فيها دعا رسول الله صلّى الله عليه و سلم الناس إلى الإسلام، فأسلم فيها قوم كثير.
هاجر بها زوجها جعفر الطّيار إلى الحبشة، فولدت له هناك: عبد الله، و محمدا، و عونا- فلما هاجرت معه إلى المدينة سنة سبع، و استشهد يوم مؤتة، تزوج بها أبو بكر الصديق، فولدت له:(1/261)
محمدا، وقت الإحرام، فحجت حجة الوداع، ثم توفى الصديق، فغسّلته. و تزوج بها عليّ بن أبى طالب.
و قدمت أسماء بنت عميس من الحبشة فقال لها عمر رضى الله عنه: يا حبشيّة، سبقناكم بالهجرة، فقالت: لعمري لقد صدقت: كنتم مع رسول الله صلّى الله عليه و سلم يطعم جائعكم، و يعلم جاهلكم، و كنا البعداء الطرداء. أما و الله لأذكرن ذلك لرسول الله صلّى الله عليه و سلم. فأتته، فقال: «للناس هجرة واحدة، و لكم هجرتان».
قالت أسماء بنت عميس: يا رسول الله، إن هؤلاء يزعمون أنّا لسنا من المهاجرين! قال: «كذب من يقول ذلك، لكم الهجرة مرتين: هاجرتم إلى النجاشىّ، و هاجرتم إليّ». قال الشعبي: أول من أشار بنعش المرأة- يعنى المكبة- أسماء، رأت النصارى يصنعونه
إمتاع الأسماع،ج 6،ص:206
__________________________________________________
[ ()] بالحبشة. و عن عبد الله بن شداد، عن أسماء بنت عميس قالت: لما أصيب جعفر قال: «تسلبى ثلاثا، ثم اصنعي ما شئت». قال في (النهاية): أي البسى ثوب الحداد، و هو السّلاب، و الجمع سلب، و تسلبت المرأة: إذا لبسته.
و أخرج ابن سعد في (الطبقات) بإسناد صحيح عن سعيد بن المسيب قال: نفست بذي الحليفة، فهمّ أبو بكر بردّها، فسأل النبي صلّى الله عليه و سلم، فقال: «مرها فلتغتسل، ثم تهلّ بالحج». و أوصى أبو بكر أن تغسله أسماء، قال قتادة، فغسّلته بنت عميس امرأته، فسألت من حضر من المهاجرين، و قالت: إني صائمة، و هذا يوم شديد البرد، فهل عليّ من غسل؟ فقالوا: لا.
و روى أبو إسحاق عن مصعب بن سعد: أن عمر رضى الله عنه فرض الأعطية، ففرض لأسماء بنت عميس ألف درهم. قال الواقدي: ثم تزوجت عليّا فولدت له: يحيى، و عونا.(1/262)
زكريا بن أبى زائدة: سمعت عامرا يقول: تزوج عليّ أسماء بنت عميس فتفاخر ابناها: محمد ابن أبى بكر، و محمد بن جعفر، فقال كل منهما: أنا أكرم منك، و أبى خير من أبيك. فقال لهما عليّ: اقضى بينهما، قالت: ما رأيت شابا من العرب خيرا من جعفر، و لا رأيت كهلا خيرا من أبى بكر. فقال عليّ: ما تركت لنا شيئا، و لو قلت غير الّذي قلت لمقتّك، قالت: إن ثلاثة أنت أخسّهم خيار. أخرجه ابن سعد في (الطبقات)، و رجاله ثقات. و أخرج ابن سعد في (الطبقات) بإسناد صحيح، عن عليّ رضى الله عنه قال: كذبتكم من النساء الحارقة، فما ثبتت من امرأة إلا أسماء بنت عميس. و «كذب» هاهنا: إغراء، أي: عليكم بالحارقة، و هي كلمة نادرة جاءت على غير قياس.
و الحارقة: المرأة التي تغلبها شهوتها، الضيقة الملاقى- و هو مأزم الفرج و مضايقه- كأنها تضمّ الفعل- بفتح الفاء و سكون العين أي الفرج- ضمّ العاضّ الّذي يحرق أسنانه، و يقال لها: العضوض و المصوص.
و عن عليّ عليه السّلام: إنه سئل عن امرأته، فقال: وجدتها حارقة، طارقة، فائقة، أراد بالطارقة:
التي طرقت بخير، و الفائقة: فاقت في الجمال. و قيل: الحارقة: النكاح على الجنب، أخذت من حارقة الورك، و هي عصبة فيها، و المعنى: عليكم من مباشرة النساء بهذا النوع. و عنه عليه السّلام: كذبتكم الحارقة، ما قام لي بها إلا أسماء بنت عميس. ذكره الزمخشريّ في (الفائق). و قال ابن منظور: و الحارقة، و الحاروق من النساء: الضيقة الفرج، و امرأة حارقة: ضيقة الملاقى- و قيل: هي التي تغلبها الشهوة حتى تحرق أنيابها بعضها على بعض، أي تحكها، يقول: عليكم بها، و منه الحديث: وجدتها حارقة، طارقة، فائقة. (اللسان). و قال في هامشه: قوله: «يقول عليكم بها»، كذا بالأصل هنا، و أورده ابن الأثير في تفسير حديث الإمام على: خير النساء الحارقة، و في رواية كذبتكم الحارقة.
إمتاع الأسماع،ج 6،ص:207(1/263)
المؤمنين ولد عام حجة الوداع، و كان من شيعة على رضى الله عنه، فإنه تزوج بأمه أسماء و ولاه مصر و قتل بها سنة ثمان و ثلاثين.
و أم كلثوم بنت أبى بكر رضى الله عنه [1]، أمها حبيبة بنت
__________________________________________________
[ ()] قال الحافظ الذهبي: لأسماء حديث في سنن الأربعة، حدّث عنها: ابنها عبد الله بن جعفر، و ابن أختها عبد الله بن شداد، و سعيد بن المسيّب، و عروة، و الشعبي، و القاسم بن محمد، و آخرون. عاشت بعد عليّ، و كان عمر بن الخطاب يسأل أسماء بنت عميس عن تفسير المنام، و نقل عنها أشياء من ذلك، روت عن النبي للَّه ستين حديثا، لها ترجمة في (نهاية ابن الأثير): 1/ 173- 273، (لسان ابن منظور): 10/ 45، (فائق الزمخشريّ): 1/ 275- 276، (موطأ مالك): 1/ 148- 149، (ثقات ابن حبان): 3/ 24، (حلية الأولياء): 2/ 74، (أعلام النساء): 1/ 57- 58، (أسماء الصحابة):
76، ترجمة رقم (56)، (تلقيح الفهوم): 365، (تاريخ الإسلام): 3/ 48، 119، 120، 203، 355، 356، 600، (مسند أحمد): 6/ 452، (الإصابة): 7/ 489- 491، ترجمة رقم (10803)، (طبقات ابن سعد): 8/ 280- 285، (المعارف): 171، 173، 210، 282، 555، (تهذيب التهذيب): 12/ 427- 428، ترجمة رقم (2725)، (خلاصة تذهيب الكمال):
3/ 374، ترجمة رقم (5)، (سير الأعلام): 2/ 282- 287، (شذرات الذهب): 1/ 15، 48.
[1] هي أم كلثوم بنت أبى بكر الصديق رضى الله عنه، من فواضل نساء عصرها، خطبها عمر بن الخطاب رضى الله عنه، و ذلك أن رجلا من قريش قال لعمر بن الخطاب: أ لا تتزوج أم كلثوم بنت أبى بكر، فتحفظه بعد وفاته، و تخلفه في أهله، فقال عمر رضى الله عنه: بلى، إني لأحب ذاك، فاذهب إلى عائشة، فاذكر لها ذلك، و عد إليّ بجوابها. فمضى الرسول إلى عائشة، فأخبرها بما قال عمر. فأجابته إلى ذلك، و قالت له: حبّا و كرامة.(1/264)
و دخل عليها بعقب ذلك المغيرة بن شعبة، فرآها مهمومة، فقال لها: مالك يا أم المؤمنين؟ فأخبرته برسالة عمر، و قالت: إن هذه جارية حدثة، و أردت لها عيشا ألين من عمر، فقال لها: عليّ أن أكفيك.
و خرج من عندها، فدخل على عمر رضى الله عنه فقال: بالرفاء و البنين، و قد بلغني ما أتيته من صلة أبى بكر في أهله، و خطبتك أم كلثوم. قال عمر رضى الله عنه: قد كان ذاك. قال: إلا إنك يا أمير المؤمنين رجل شديد الخلق على أهلك، و هذه صبية حديثة السنّ، فلا تزال تنكر عليها الشي ء فتضربها، فتصيح، فيغمّك ذلك، و تتألم له عائشة، و يذكرون أبا بكر، فيبكون عليه، فتجدد لهم المصيبة، مع قرب عهدها في كل يوم.
فقال له: متى كنت عند عائشة و اصدقنى؟ فقال: آنفا، فقال عمر: أشهد أنهم كرهوني، قد ضمنت لهم أن تصرفني عما طلبت، و قد أعفيتهم. فعاد إلى عائشة، فأخبرها الخبر، و أمسك عمر عن معاودة خطبتها.
إمتاع الأسماع،ج 6،ص:208
خارجة [1] بن زيد بن أبى زهير بن مالك بن امرئ القيس بن مالك بن ثعلبة ابن كعب بن الخزرج، و تزوج بها طلحة بن عبيد الله رضى الله عنه، فولدت له زكريا و عائشة، ثم خلف عليها بعده عبد الرحمن بن عبد الله ابن أبى ربيعة، فولدت له عثمان و إبراهيم و موسى، و جدّ أم كلثوم لأبيها هو خارجة بن زيد، أحد الصحابة، استشهد يوم أحد.
و خالها زيد بن خارجة الّذي تكلم بعد موته [2]، و أم كلثوم هذه هي
__________________________________________________
[ ()] و روت عن أختها عائشة أم المؤمنين، و روى عنها ابنها إبراهيم بن عبد الرحمن بن عبد الله بن أبى ربيعة، و جابر بن عبد الله الأنصاري، و طلحة بن يحيى بن طلحة، و المغيرة بن حكيم الصنعاني، و جبير ابن حبيب، و لوط بن يحيى، و عبد الله بن عبيد بن عمير، و روى لها مسلم و الترمذي، لها ترجمة في:
(أعلام النساء): 4/ 250- 251، (الإصابة): 8/ 296، ترجمة رقم (12235)، (العقد الفريد):(1/265)
7/ 96- 97، (تهذيب التهذيب): 12/ 503، ترجمة رقم (2977)، (خلاصة تذهيب الكمال):
3/ 204، ترجمة رقم (57)، (تاريخ الإسلام): 3/ 120، 526، (المعارف): 175.
[1] هي حبيبة بنت خارجة بن زيد- أو بنت زيد بن خارجة- الخزرجية، زوج أبى بكر الصديق، و والدة أم كلثوم ابنته، التي مات أبو بكر و هي حامل بها، فقال: ذو بطن بن خارجة: ما أظنها إلا أنثى، فكان كذلك.
و في قصة الوفاة النبويّة، من رواية عروة، عن عائشة: استأذن أبو بكر لما رأى من النبي صلّى الله عليه و سلم أن يأتى بيت خارجة، فأذن له.
و قال ابن سعد: حبيبة بنت خارجة بن زيد بن أبى زهير بن مالك بن امرئ القيس بن مالك الأغر، أمها هزيلة بنت عتبة بن عمرو بن خديج بن عامر بن جشم، أسلمت، و بايعت، قال: و خلف على حبيبة بعد أبى بكر إساف بن عتبة بن عمرو (الإصابة): 7/ 575، ترجمة رقم (11023)، (الاستيعاب): 4/ 1807، ترجمة رقم (3287).
[2] هو زيد بن خارجة بن زيد بن أبى زهير بن مالك، من بنى الحارث بن الخزرج، روى عن النبي صلّى الله عليه و سلم في الصلاة عليه صلّى الله عليه و سلم، و هو الّذي تكلم بعد الموت لا يختلفون في ذلك.
و ذلك أنه غشي عليه قبل موته، و أسرى بروحه، فسجّى عليه بثوبه، ثم راجعته نفسه، فتكلم بكلام حفظ عنه في أبى بكر، و عمر، و عثمان، رضى الله تعالى عنهم، ثم مات في حينه. روى حديثه هذا: ثقات الشاميين عن النّعمان بن بشير، و رواه ثقات الكوفيين عن يزيد بن النعمان بن بشير، عن أبيه، و رواه يحيى بن سعيد، عن سعيد بن المسيب.
و قد أخرجه الحافظ ابن حجر في (الإصابة)، في ترجمة زيد بن خارجة، و أخرجه الحافظ البيهقي
إمتاع الأسماع،ج 6،ص:209(1/266)
التي قال أبو بكر لعائشة رضى الله عنها حين حضرته الوفاة: إنما هما أخواك و أختاك، قالت عائشة رضى الله عنها: هذه أسماء قد عرفتها، فمن الأخرى؟ قال: ذو بطين بنت خارجة، قد ألقى في خلدي أنها جارية، فكان كما قال، ولدت بعد موته، رضى الله عنها.
و طفيل بن عبد الله بن الحارث بن سخبرة بن جرثومة [الخير] [1] بن عادية بن مرة بن الأوس بن النمر بن عثمان الأزدي [2]، أخو عائشة رضى
__________________________________________________
[ ()] في (دلائل النبوة)، باب ما جاء في شهادة الميت لرسول الله صلّى الله عليه و سلم بالرسالة، و القائمين بعده بالخلافة، و الرواية في ذلك صحيحة ثابتة، و في ذلك دلالة ظاهرة من دلالات النبوة، قال الحافظ البيهقي: أخبرنا أبو صالح بن أبى طاهر العنبري، أنبأنا جدي يحيى بن منصور القاضي، حدثنا أبو على محمد بن عمر و كشمرد، أنبأنا القعنبي، حدثنا سليمان بن بلال، عن يحيى بن سعيد، عن سعيد بن المسيب، أن زيد بن خارجة الأنصاري، ثم من بنى الحارث بن الخزرج، توفى زمن عثمان بن عفان، فسجّى في ثوبه، ثم أنهم سمعوا جلجلة في صدره، ثم تكلم، ثم قال: أحمد أحمد في الكتاب الأول، صدق صدق أبو بكر الصديق، الضعيف في نفسه، القوى في أمر الله في الكتاب الأول، صدق صدق عمر ابن الخطاب، القوى الأمين في الكتاب الأول، صدق صدق عثمان بن عفان، علي منهاجهم مضت أربع، و بقيت اثنتان، أتت الفتن، و أكل الشديد الضعيف، و قامت الساعة، و سيأتيكم من جيشكم خبر بئر أريس، و ما بئر أريس؟ (دلائل البيهقي): 6/ 55، (الاستيعاب): 2/ 547، ترجمة رقم (844)، (الإصابة): 2/ 603، ترجمة رقم (2896)، 3/ 53، ترجمة رقم (3145)، (البداية و النهاية): 6/ 173- 174، (الثقات): 3/ 140، (الوافي): 15/ 42، (تهذيب التهذيب):
3/ 353، ترجمة رقم (747)، 441، (أسماء الصحابة الرواة) ترجمة رقم (767)، (تلقيح الفهوم): 380.
[1] زيادة للنسب من (الاستيعاب) و (الإصابة).
[(1/267)
2] الطفيل بن سخبرة، هو الطفيل بن عبد الله بن الحارث بن سخبرة القرشيّ. قال ابن أبى خيثمة: لا أدرى من أي قريش هو؟ قال: و هو أخو عائشة لأمّها. قال أبو عمر رحمه الله: ليس من قريش، و إنما هو من الأزد.
قال الواقدي: كانت أم رومان تحت عبد الله بن الحارث بن سخبرة بن جرثومة بن عادية بن مرة بن الأوس بن النمر بن عثمان الأزدي، و كان قدم بها مكة فحالف أبا بكر قبل الإسلام، و توفى عن أم رومان، و قد ولدت له الطفيل، ثم خلف عليها أبو بكر، فولدت له عبد الرحمن و عائشة، فهما أخوا الطفيل هذا لأمه.
قال أبو عمر رضى الله عنه: روى عن الطفيل هذا ربعي بن حراش، من حديثه عنه ما رواه سفيان،
إمتاع الأسماع،ج 6،ص:210
الله عنها لأمها أم رومان، معدود من الصحابة، يروى عنه ربعي بن خراش.
__________________________________________________
[ ()] و شعبة، و زائدة، و جماعة عن عبد الملك بن عمير عن ربعي بن حراش، عن الطفيل- و كان أخا عائشة لأمها- أن رجلا رأى في المنام- و في حديث زائدة عن الطفيل أنه رأى في المنام- أن قائلا يقول له من اليهود: نعم القوم أنتم، لو لا قولكم: ما شاء الله و شاء محمد، ثم رأى ليلة أخرى رجلا من النصارى، فقال له مثل ذلك.
فأخبر بذلك النبي صلّى الله عليه و سلم، فقام خطيبا، فقال: لا تقولوا ما شاء الله و شاء محمد، و قولوا ما شاء الله وحده، و زاد بعضهم فيه: ثم ما شاء محمد. له ترجمة في (الإصابة): 3/ 520- 521، ترجمة رقم 5/ 13- 14، ترجمة رقم (25)، (26)، (تعجيل المنفعة): 197- 199، ترجمة رقم (488)، (تلقيح الفهوم): 381، (الثقات): 3/ 203، (أسماء الصحابة الرواة): 472، ترجمة رقم (833).
إمتاع الأسماع،ج 6،ص:211
[أصهاره صلّى الله عليه و سلم من قبل حفصة](1/268)
زيد بن الخطاب بن نفيل القرشيّ العدوىّ، أبو عبد الرحمن، عم حفصة أخو أبيها عمر بن الخطاب رضى الله عنه لأبيه من أسماء بنت وهب بن حبيب بن الحارث بن عبس بن قعين، من بنى أسد بن خزيمة، أحد المهاجرين الأولين، أسلم قبل أخيه عمر، و شهد بدرا و ما بعدها [1]، و استشهد باليمامة [2] سنة اثنتي عشرة، فاشتد حزن عمر رضى الله عنه عليه.
و صفية بنت الخطاب عمة حفصة، أخت أبيها لأبيه و أمه [3]، تزوجت بسفيان بن عبد الأسد بن هلال بن عبد الله بن عمر بن مخزوم، قال ابن عبد البر: [مذكور في المؤلفة قلوبهم ] [4] [و في صحبته ] [5] نظر [6].
و فاطمة بنت الخطاب عمة حفصة، أخت أبيها شقيقته، كانت عند سعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل، و أسلمت قبل زوجها، أو قيل معه، قبل
__________________________________________________
[1] سبق أن أشرنا إلى مصادر ترجمته.
[2] قتله أبو مريم الحنفي، و كان من أصحاب مسيلمة، ثم تاب و أسلم و حسن إسلامه، و ولى قضاء البصرة بعد عمران بن الحصين، في زمن عمر بن الخطاب رضى الله عنه، (طبقات ابن سعد): 7/ 91، (الاستيعاب): 2/ 550- 553، ترجمة رقم (846).
[3] ذكرها الدار الدّارقطنيّ في كتاب (الإخوة)، و قال: تزوجها سفيان بن عبد الأسد، فولدت له الأسود. قال الحافظ في (الإصابة): و قد تقدم في قدامة بن مظعون أنه تزوجها، و استدركها أبو على الغساني، و قال: ذكرها أبو عمر في قدامة، و لم يفردها. (الإصابة): 7/ 742، ترجمة رقم (11402).
[4] زيادة للسياق من (الاستيعاب).
[5] زيادة يقتضيها السياق.
[6] الاستيعاب): 2/ 36.، ترجمة رقم (1002).
إمتاع الأسماع،ج 6،ص:212
إسلام أخيها عمر رضى الله عنه، و لها في إسلامه قصة حسنة [1].
__________________________________________________
[(1/269)
1] لما كانت فاطمة بنت الخطاب بن نفيل القرشية من فواضل نساء عصرها، كانت ذا إيمان قوى باللَّه و بالإسلام، و أسلمت قديماً، فكانت من المبايعات الأول، و كانت تخفى إسلامها من أخيها عمر، و كان خبّاب بن الأرت يختلف إلى فاطمة يقرئها القرآن.
فخرج عمر بن الخطاب ذات يوم متقلدا بسيفه، يريد أن يقتل محمدا صلّى الله عليه و سلم، فلقيه رجل من بنى زهرة فقال: أين تعمد يا عمر؟ قال: أريد أن أقتل محمدا، قال: و كيف نأمن من بنى هاشم و بنى زهرة و قد قتلت محمدا؟ قال: ما أراك إلا قد صبوت. قال أ فلا أدلك على العجب؟ إن ختنك سعيد ابن زيد، و أختك فاطمة قد صبوا، و تركا دينك.
فمشى عمر فأتاهما، و عندهما خبّاب بن الأرتّ فلما سمع خباب بحسّ عمر توارى في البيت، فدخل عمر، فقال: ما هذه الهينمة التي سمعت؟ و كانت فاطمة قد أخذت صحيفة من القرآن فجعلتها تحت فخذها، فقالا له: ما سمعت شيئا، قال: بلى، و الله لقد أخبرت أنكما تابعتما محمدا في دينه، و بطش بختنه سعيد.
فقامت إليه فاطمة لتكفه عن زوجها، فضربها فشجّها، فلما فعل ذلك قالت له أخته و ختنه: نعم، قد أسلمنا و آمنا باللَّه و رسوله، فاصنع ما بدا لك. فلما رأى عمر ما بأخته من الدم ندم على ما صنع، فارعوى و قال لأخته: أعطينى هذه الصحيفة التي سمعتكم تقرءون آنفا، انظر ما هذا الّذي جاء به محمد، فقالت له أخته: أنا نخشاك عليها.
قال: لا تخافي، و حلف لها بآلهته ليردنها إذا قرأها إليها. فلما قال ذلك طمعت في إسلامه، فقالت له: يا أخى، إنك نجس على شركك، و إنه لا يمسها إلا الطاهر، فقام عمر فاغتسل، فأعطته الصحيفة و فيها: طه 20: 1، فقرأها، فلما قرأ منها صدرا قال: ما أحسن هذا الكلام و أكرمه!.(1/270)
فلما سمع خباب ذلك. خرج إليه فقال له: يا عمر، و الله إني لأرجو أن يكون الله قد خصلت بدعوة نبيه، فإنّي سمعته أمس و هو يقول: اللَّهمّ أيد الإسلام بأبي الحكم بن هشام، أو بعمر بن الخطاب، فاللَّه الله يا عمر. فقال له عمر عند ذلك: فدلّني يا خباب على محمد حتى آتيه فأسلم، فقال له خباب: هو في بيت عند الصفا، معه فيه نفر من أصحابه.
فأخذ عمر سيفه فتوشحه، ثم عمد إلى رسول الله صلّى الله عليه و سلم و أصحابه، فضرب عليهم الباب، فلما سمعوا صوته قام رجل من أصحاب رسول الله صلّى الله عليه و سلم فنظر من خلل الباب، فرآه متوشحا السيف، فرجع إلى رسول الله صلّى الله عليه و سلم و هو فزع فقال: يا رسول الله، هذا عمر بن الخطاب متوشحا السيف. فقال حمزة بن عبد المطلب: فأذن له، فإن كان جاء يريد خيرا بذلناه له، و إن كان يريد شرا قتلناه بسيفه.
فقال رسول الله صلّى الله عليه و سلم: ائذن له، فأذن له الرجل، و نهض إليه رسول الله صلّى الله عليه و سلم، حتى لقيه بالحجرة، فأخذ بحجزته أو بمجمع ردائه، ثم جبذه جبذة شديدة و قال: ما جاء بك يا ابن الخطاب؟ فو الله ما أرى أن تنتهي حتى ينزل الله بك قارعة.
إمتاع الأسماع،ج 6،ص:213
و عبد الله بن عمر، أبو عبد الرحمن، أخو حفصة و عبد الرحمن الأكبر شقيقهما، أسلم صغيرا قبل أن يبلغ الحلم، و هاجر به أخوه، و أول مشاهده الخندق، و قيل: أحد. توفى بمكة سنة ثلاث و سبعين، و هو من سادات الصحابة، كثير الورع و الاحتياط و الاتباع للسنة و الجماعة، رضى الله عنه [1].
و عبد الرحمن الأكبر بن عمر [2]، أبو عبد الله، ولد على عهد رسول الله
__________________________________________________
[ ((1/271)
)] فقال عمر: يا رسول الله، جئتك لأؤمن باللَّه و برسوله، و ما جاء من عند الله، فكبّر رسول الله صلّى الله عليه و سلم تكبيرة عرف أهل البيت من أصحاب رسول الله صلّى الله عليه و سلم أن عمر قد أسلم، فتفرق أصحاب رسول الله صلّى الله عليه و سلم من مكانهم، و قد عزّوا في أنفسهم حين أسلم عمر مع إسلام حمزة، و عرفوا أنهما سيمنعان رسول الله صلّى الله عليه و سلم، و ينتصفون بهما من عدوهم، (أعلام النساء): 4/ 50- 52، (سيرة ابن هشام): 2/ 92، 187- 188، (طبقات ابن سعد): 8/ 95، (الإصابة): 8/ 62- 63، ترجمة رقم (11590)، (الاستيعاب): 4/ 1892، ترجمة رقم (4056)، (المستدرك): 4/ 65- 66.
[1] سبق أن أشرنا إلى مصادر ترجمته.
[2] عبد الرحمن الأكبر بن عمر بن الخطاب، شقيق عبد الله، و حفصة، ذكره ابن السكن في الصحابة، و أورد له من طريق حبيب بن الشهيد، عن زيد بن أسلم، عن أبيه قال: أرسلنى عمر إلى ابنه عبد الرحمن أدعوه، فلما جاء قال له عمر: يا أبا عيسى، قال: يا أمير المؤمنين اكتنى بها المغيرة على عهد رسول الله صلّى الله عليه و سلم. سنده صحيح.
و قال أبو عمر: كان لعمر ثلاثة، كلهم عبد الرحمن، هذا أكبرهم، لا تحفظ له رواية، كذا قال.
و الثاني يكنى أبا شحمة، و هو الّذي ضربه أبوه الحدّ في المجبّر لما شرب بمصر، و الثالث والد المجبّر، بالجيم و الموحدة المثقلة.
و قال ابن مندة: كناه النبي صلّى الله عليه و سلم أبا عيسى، فأراد عمر أن يغيرها، فقال: و الله إن رسول الله صلّى الله عليه و سلم كنّانى بها. و تعقبه أبو نعيم بأن الّذي قال لعمر ذلك إنما هو المغيرة بن شعبة، و أما عبد الرحمن فقال لأبيه: قد اكتنى بها المغيرة، فقال المغيرة: كنانى بها رسول الله صلّى الله عليه و سلم.(1/272)
قال الحافظ في (الإصابة): أخرج القصة ابن أبى عاصم، كما أخرجها ابن السكن، و أن عبد الرحمن قال لأبيه: إن النبي صلّى الله عليه و سلم كنى بها المغيرة. و يؤخذ كون عبد الرحمن كان مميزا في زمن النبي صلّى الله عليه و سلم من تقدم وفاة والدته زينب، و من كون أخيه الأوسط أبى شحمة ولد في عهد النبي صلّى الله عليه و سلم.
(الإصابة): 4/ 339- 340، ترجمة رقم (5175)، (الاستيعاب): 2/ 842- 843، ترجمة رقم (1443)، (صفة الصفوة): 1/ 142.
إمتاع الأسماع،ج 6،ص:214
صلّى الله عليه و سلم، [أخو عبد الله بن عمر، و حفصة بنت عمر لأبيهما و أمهما زينب بنت مظعون ] [1].
و زيد بن عمر [2]، أمه و أم أخته رقية، أم كلثوم بنت على بن أبى طالب، رضى الله عنه.
و زيد الأصغر بن عمر [3]، أمه و أم عبيد الله، أم كلثوم بنت جرول بن مالك بن المسيب من خزاعة، و أخوهما لأبيهما عبد الله الأكبر بن أبى جهم ابن حذيف.
و عبيد الله بن عمر [4]، ولد على عهد رسول الله صلّى الله عليه و سلم، و كان من أنجاد
__________________________________________________
[1] زيادة للنسب من (الاستيعاب).
[2] قال ابن قتيبة: و أما زيد بن عمر بن الخطاب، فرمى بحجر في حرب كانت بين بنى عويج، و بين بنى رزاح، فمات، و لا عقب له، و يقال: إنه مات هو و أمه: أم كلثوم في ساعة واحدة، فلم يورث أحدهما صاحبه، و صلى عليهما عبد الله بن عمر، فقدّم زيدا و أخر أم كلثوم، فجرت السنة بتقديم الرجال.
(المعارف): 188.
[3] هو زيد بن عمر بن الخطاب القرشيّ العدوىّ، شقيق عبد الله بن عمر المصغّر، أمهما أم كلثوم بنت جرول، كانت تحت عمر، ففرّق بينهما الإسلام، لما نزلت: وَ لا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوافِرِ 60: 10 [الممتحنة:
10]، فتزوجها أبو الجهم بن حذيفة، و كان زوجها قبله عمر. ذكر ذلك الزبير و غيره، فهو يدل على أن زيدا ولد في عهد النبي صلّى الله عليه و سلم، (الإصابة): 2/ 628، ترجمة رقم (2961 ز).(1/273)
قال محمد بن يوسف الشهير بأبي حيان الغرناطي: و اللاتي ارتددن من نساء المهاجرين و لحقن بالكفار: أم الحكم بنت أبى سفيان، زوج عياض بن شداد الفهري، و أخت أم سلمة فاطمة بنت أبى أمية، زوج عمر بن الخطاب رضى الله تعالى عنه، و عبدة بنت عبد العزى، زوج هشام بن العاصي، و أم كلثوم بنت جرول، زوج عمر أيضا.
و ذكر أبو القاسم جار الله محمود بن عمر الزمخشريّ الخوارزمي أنهن ستّ، فذكر: أم الحكم، و فاطمة بنت أبى أمية زوج عمر بن الخطاب، و عبدة، و ذكر أن زوجها عمرو بن ودّ، و كلثوم، و بروع بنت عقبة، كانت تحت شماس بن عفان، و هند بنت أبى جهل كانت تحت هشام بن العاصي، أعطى أزواجهن رسول الله صلّى الله عليه و سلم مهورهن من الغنيمة. (البحر المحيط): 10/ 159، (الكشاف): 4/ 90.
[4] هو عبيد الله بن عمر بن الخطاب القرشيّ العدوىّ، أمه أم كلثوم بنت جرول الخزاعية، و هو أخو حارثة بن وهب، الصحابي المشهور لأمه، ولد في عهد النبي صلّى الله عليه و سلم أنه غزا في خلافة أبيه، قال مالك
إمتاع الأسماع،ج 6،ص:215
__________________________________________________
[ ()] في (الموطأ): عن زيد بن أسلم، عن أبيه، قال: خرج عبد الله و عبيد الله ابنا عمر في جيش إلى العراق، فلما قفلا مرّا على أبى موسى الأشعريّ- و هو أمير البصرة- فرحّب بهما و سهّل، و قال: لو أقدر لكما على أمر أنفعكما به لفعلت، ثم قال: بلى، هاهنا مال من مال الله، أريد أن أبعث به إلى أمير المؤمنين، و أسلفكما، فتبتاعان به من متاع العراق، ثم تبيعانه بالمدينة، فتؤديان رأس المال إلى أمير المؤمنين، و يكون لكما الربح، ففعلا، و كتب إلى عمر بن الخطاب أن يأخذ منهما المال، فلما قدما على عمر قال: أ كلّ الجيش أسلفكما؟ فقالا: لا، فقال عمر: أدّيا المال و ربحه.(1/274)
فأما عبد الله فسكت، و أما عبيد الله فقال: ما ينبغي لك يا أمير المؤمنين، لو هلك المال أو نقص لضمناه، فقال: أدّيا المال، فسكت عبد الله، و راجعه عبيد الله، فقال رجل من جلساء عمر: يا أمير المؤمنين، لو جعلته قراضا [أي مضاربة]، فقال عمر: قد جعلته قراضا، فأخذ رأس المال، و نصف ربحه، و أخذا نصف ربحه. سنده صحيح.
و هذا يدل على أنه كان في زمن أبيه رجلا، فيكون ولد في العهد النبوي، و قد ثبت أن عمر فارق أمّه لما نزلت: وَ لا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوافِرِ 60: 10، و كان نزولها في الحديبيّة في أواخر سنة سبع.
و في البخاري قصة في باب نقيع التمر ما لم يسكر، من كتاب الأشربة: و قال عمر: إني وجدت من عبيد الله ريح شراب، فإنّي سائل عنه، فإن كان يسكر جلدته، و هذا وصله مالك عن الزهري، عن السائب بن يزيد، أن عمر خرج عليهم، فقال ... فذكره، لكن لم يقل عبيد الله، و قال فلان.
و أخرجه سعيد بن منصور، عن ابن عينية، عن الزهري، فسماه، و زاد: قال ابن عينية: فأخبرني معمر عن الزهري، عن السائب، قال: فرأيت عمر يجلدهم.
قال أبو عمر: كان عبيد الله من شجعان قريش و فرسانهم، و لما قتل أبو لؤلؤة عمر، عمد عبيد الله ابنه هذا إلى الهرمزان و جماعة من الفرس فقتلهم.
و سبب ذلك: ما أخرجه ابن سعد من طريق يعلى بن حكيم، عن نافع، قال: رأى عبد الرحمن بن أبى بكر الصديق السكين التي قتل بها عمر، فقال: رأيت هذه أمس مع الهرمزان، و جفينة، فقلت: ما تصنعان بهذه السكين؟ فقالا: نقطع بها اللحم، فإنا لا نمسّ اللحم، فقال له عبيد الله بن عمر: أنت رأيتها معهما؟ قال: نعم، فأخذ سيفه ثم أتاهما فقتلهما واحدا بعد واحد، فأرسل إليه عثمان، فقال:
ما حملك على قتل هذين الرجلين؟ فذكر القصة.(1/275)
قتل بصفين مع معاوية بلا خلاف، و اختلف في قاتله، و كان قتله في ربيع الأول سنة ست و ثلاثين. (الإصابة): 5/ 52- 55، ترجمة رقم (6244)، (الاستيعاب): 3/ 1010- 1012، ترجمة رقم (1718)، (طبقات ابن سعد): 3/ 309، 313، 350، 355، 356، 357، 5/ 188، 6/ 402395، (صفة الصفوة): 1/ 142، (المعارف): 187.
إمتاع الأسماع،ج 6،ص:216
قريش و فتيانهم، قتل بصفين مع معاوية، و له أخبار، و هو الّذي قتل الهرمزان و جفينة [1] لما مات عمر رضى الله عنه.
و عاصم بن عمر أبو عمر [2]، أمه جميلة بنت ثابت بن أبى الأقلح قيس
__________________________________________________
[1] أخرج الذهلي في (الزهريات)، من طريق معمر، عن الزهري، عن سعيد بن المسيب، أن عبد الرحمن ابن أبى بكر قال- حين قتل عمر- إني انتهيت إلى الهرمزان و جفينة و أبى لؤلؤة، فنفروا منى، فسقط من بينهم خنجر له رأسان، نصابه في وسطه، فانظروا بما ذا قتل، فنظروا، فإذا الخنجر على النعت الّذي نعت عبد الرحمن.
فخرج عبيد ليلا مشتملا على السيف، حتى أتى الهرمزان، فقال: أصحبنى ننظر إلى فرس- و كان الهرمزان بصيرا بالخيل- فخرج يمشى بين يديه، فعلاه عبيد الله، بالسيف، فلما وجد حرّ السيف قال:
لا إله إلا الله، ثم أتى جفينة- و كان نصرانيا- فقتله، ثم أتى بنت أبى لؤلؤة- جارية صغيرة- فقتلها، و قال: لا أدع أعجميا إلا قتلته، فأراد عليّ قتله بمن قتل، فهرب إلى معاوية، و شهد معه صفين، فقتل.
(المعارف): 187، (الإصابة): 5/ 54.
[2] قال ابن البرقي: ولد في حياة النبي صلّى الله عليه و سلم، و لم يرو عنه شيئا، و قال أبو أحمد العسكري: ولد في السادسة. و قال أبو عمر: مات النبي صلّى الله عليه و سلم، و له سنتان.
و ذكر الزبير بن بكار أن عمر زوّجه في حياته، و أنفق عليه شهرا، و قال حسبك! و ذكر قصة. قال الزبير: كان من أحسن الناس خلقا، و كان عبد الله بن عمر يقول: أنا و أخى عاصم لا نغتاب الناس.(1/276)
و قالوا: كان طوالا جسيما، حتى إن ذراعه تزيد نحو شبر، و كان يقول الشعر، و هو جدّ عمر بن عبد العزيز لأمه، و كان عمر طلق أمه فتزوجها يزيد بن جارية، فولدت له عبد الرحمن، فهو أخو عاصم لأمه.
و ركب عمر إلى قباء فوجده يلعب مع الصبيان، فحمله بين يديه، فركبت جدته لأمه، الشموس بنت أبى عامر إلى أبى بكر فنازعته، فقال له أبو بكر: خلّ بينها و بينه، ففعل.
و ذكره مالك في (الموطأ)، و ذكر البخاري في (التاريخ) من طريق عاصم بن عبيد الله بن عاصم بن عمر، أنه كان له يومئذ. ثمان سنين. و عند أبى عمر: أنه كان حينئذ ابن أربع.
و قال السري بن يحى، عن ابن سيرين، عن رجل حدّثه، قال: ما رأيت أحدا من الناس إلا و لا بدّ أن يتكلم ببعض ما لا يريد، إلا عاصم بن عمر.
قال ابن حبان: مات بالربذة، و أرّخه الواقدي و من تبعه سنة سبعين، و قال مطيّن: سنة ثلاث و سبعين. (الإصابة): 5/ 3- 4، ترجمة رقم (6158)، (طبقات ابن سعد): 4/ 372، 5/ 50، 84، 8/ 86، (الاستيعاب): 2/ 782، ترجمة رقم (1311)، (المعارف): 187، (صفة الصفوة): 1/ 142.
إمتاع الأسماع،ج 6،ص:217
ابن عصمة بن مالك الأنصاري، ولد قبل وفاة رسول الله صلّى الله عليه و سلم بسنتين، و مات سنة سبعين، و كان فاضلا خيّرا، شاعرا مجيدا، و له عدة أخبار.
و عبد الرحمن الأوسط بن عمر أبو شحمة، أمه لهيّة أم ولد ضربه عمرو ابن العاص رضى الله عنه في الخمر بمصر، و حمله إلى المدينة، فضربه أبوه ضرب تأديب، ثم مرض و مات بعد شهر، و قيل: مات تحت سياط عمر، و ذلك غلط [1].
و عبد الرحمن الأصغر بن عمر، أبو المجبّر، أمه فكيهة أم ولد، مات عمر و هو صغير، فلقبته عمته حفصة: المجبر، و قالت: لعل الله يجبره [2].
و عياض بن عمر، أمه عاتكة بنت زيد بن عمرو بن نفيل [3].
__________________________________________________
[1] (الاستيعاب): 2/ 842، ترجمة رقم (1443).
[(1/277)
2] قال ابن عبد البر: إنما سمى المجبّر لأنه وقع و هو غلام فتكسّر، فأتى به إلى عمته حفصة أم المؤمنين، فقيل لها: انظري إلى ابن أخيك المكسّر، فقالت: ليس و الله بالمكسّر، و لكنه و الله المجبّر. هكذا ذكره العدوىّ و طائفة.
و قال الزبير: هلك عبد الرحمن الأصغر، و ترك ابنا صغيرا أو حملا، فسمته حفصة بنت عمر: عبد الرحمن، و لقبته المجبّر، لعلّ الله يجبره. (الاستيعاب): 2/ 843، ترجمة رقم (1443).
[3] هي عاتكة بنت زيد بن عمرو بن نفيل العدوية، أخت سعيد بن زيد، أحد العشرة، و أمها أم كريز بنت عبد الله بن عمار بن مالك الحضرمية.
أخرج أبو نعيم من حديث عائشة، أن عاتكة كانت زوج عبد الله بن أبى بكر الصديق، و قال أبو عمر: كانت من المهاجرات، تزوجها عبد الله بن أبى بكر الصديق، و كانت حسناء جميلة، فأولع بها، و شغلته، عن مغازية، فأمره أبوه بطلاقها، فقال:
يقولون طلقها و خيّم مكانها مقيما تمنّى النّفس أحلام نائم
و إن فراقي أهل بيت جمعتهم على كثرة منى لإحدى العظائم
ثم عزم عليه أبوه حتى طلقها، فتبعتها نفسه، فسمعه أبوه يوما يقول:
و لم أر مثلي طلّق اليوم مثلها و لا مثلها من غير جرم تطلّق
فرقّ له أبوه، و أذن له فارتجعها. ثم لما كان حصار الطائف أصابه سهم، فكان فيه هلاكه، فمات بالمدينة، فرثته بأبيات منها:
إمتاع الأسماع،ج 6،ص:218
و عبد الله الأصغر بن عمر [1]، أمه سعيدة بنت رافع بن عبيد بن عمرو
__________________________________________________
[ ()]
فآليت لا تنفكّ عيني حزينة عليك و لا ينفك جلدي أغيرا
ثم تزوجها زيد بن الخطاب، فاستشهد باليمامة، ثم تزوجها عمر بن الخطاب في سنة اثنتي عشرة من الهجرة، فأولم عليها، و دعا أصحاب رسول الله صلّى الله عليه و سلم و فيهم عليّ بن أبى طالب، فقال له: يا أمير المؤمنين، دعني أكلم عاتكة، قال: نعم، فأخذ عليّ بجانب الخدر ثم قال: يا عدية نفسها، أين قولك:(1/278)
فآليت لا تنفكّ عيني حزينة عليك و لا ينفك جلدي أغبرا
فبكت، فقال عمر: ما دعاك إلى هذا يا أبا الحسن؟ كل النساء يفعلن هذا، ثم قتل عنها عمر، فقالت تبكيه:
عين جودي بعبرة و نحيب لا تملّى على الإمام النجيب
فجعتني المنون بالفارسي المعلم يوم الهياج و التثويب
قل لأهل الضراء و البؤس موتوا قد سقته المنون كأس شعوب
و مما رثت به عمر رضى الله عنه قولها:
منع الرقاد فعاد عيني عائد مما تضمّن قلبي المعمود
قد كان يسهرني حذارك مرة فاليوم حقّ لعيني التسهيد
أبكى أمير المؤمنين و دونه للزائرين صفائح و صعيد
ثم تزوجها الزبير بن العوام، ثم خطبها عليّ بن أبى طالب رضى الله عنه انقضاء عدتها من الزبير، فأرسلت إليه: إني لأضنّ بك يا ابن عم رسول الله صلّى الله عليه و سلم عن القتل، ثم تزوجها الحسين بن عليّ، فتوفى عنها، و هو آخر من ذكر من أزواجها. فكانت أول من رفع خدّه من التراب و لعن قاتله و الراضي به يوم قتل، و قالت ترثيه:
و حسينا فلا نسيت حسينا أقصدته أسنة الأعداء
غادروه بكر بلاء صريعا جادت المزن في ذرى كربلاء
ثم تأيمت بعده، فكان عبد الله بن عمر يقول: من أراد الشهادة فليتزوج بعاتكة، و يقال: إن مروان خطبها بعد الحسين، فامتنعت عليه و قالت: ما كنت لأتخذ حما بعد رسول الله صلّى الله عليه و سلم، و توفيت نحو سنة (40) ه، (الاستيعاب): 4/ 1876- 1880، ترجمة رقم (4024)، (الإصابة): 8/ 11، ترجمة رقم (11448)، (طبقات ابن سعد): 8/ 193. (أعلام النساء): 3/ 201- 206، (عيون الأخبار): 4/ 114- 115، (المستطرف في كل فن مستظرف): 517، (صفة الصفوة):
1/ 142.
[1] لم أجد له و لا لأمه ترجمة فيما بين يدىّ من مراجع.
إمتاع الأسماع،ج 6،ص:219
ابن عبيد بن أمية بن زيد، من بنى عمرو بن عوف.(1/279)
و رقية بنت عمر أخت حفصة رضى الله عنها، أمها أم كلثوم بنت على رضى الله عنها، تزوجها إبراهيم بن نعيم النحام ] [1] بن عبد الله بن أسيد ابن عوف بن عبيد بن عويج بن عدي بن كعب، فولدت له جارية و ماتت.
و زينب بنت عمر [2]، شقيقة المجبر.
و فاطمة بنت عمر [3]، أمها أم حكيم بنت الحارث بن هشام بن المغيرة، تزوجها عبد الرحمن بن زيد بن الخطاب، فولدت له عبد الرحمن بن زيد.
__________________________________________________
[1] زيادة للنسب من (طبقات ابن سعد). و كان إبراهيم بن نعيم أحد الرءوس يوم الحرة، و قتل يومئذ في ذي الحجة سنة ثلاث و ستين، فمرّ عليه مروان بن الحكم، و هو مع مسرف بن عقبة و يده على فرجه فقال: و الله لئن حفظته في الممات لكما حفظته في الحياة، فقال له مسرف: و الله ما أرى هؤلاء إلا أهل الجنة، لا يسمع هذا منك أهل الشام فيكركرهم عن الطاعة، فقال لهم مروان: إنهم بدّلوا و غيّروا.
(طبقات ابن سعد): 5/ 170- 171.
[2] زينب بنت عمر بن الخطاب القرشية، قال الزبير بن بكار في كتاب (النسب): أمها فكيهة، أم ولد، و هي أخت عبد الرحمن بن عمر الأصغر، والد المختار. (صفة الصفوة): 1/ 142، (الإصابة):
684، ترجمة رقم (11262).
[3] قال ابن الجوزي: و فاطمة: أمها أم حكيم بنت الحارث. (صفة الصفوة): 1/ 142، و قال ابن قتيبة:
و فاطمة و زيدا: أمها أم كلثوم بنت على بن أبى طالب، من فاطمة بنت رسول الله صلّى الله عليه و سلم. (المعارف 185).
إمتاع الأسماع،ج 6،ص:220
[أصهاره صلّى الله عليه و سلم من قبل أم سلمة](1/280)
هشام بن المغيرة بن عبد الله بن عمر بن مخزوم، أبو عثمان القرشي المخزومي، عم أم سلمة، كان في الجاهلية سيدا مطاعا، يقال له: فارس البطحاء، و كان يوم الفجار على بنى مخزوم، و أرخت قريش بموته، و أمه و أم إخوته هاشم و أبى حذيفة مهشم و أبى ربيعة عمرو، و أبى أمية حذيفة و حواش و أبى زهير تميم و الفاكة و عبد الله: ريطة بنت سعيد بن سعد بن سهم، و له من الولد عثمان أبو جميل، و الحارث و العاصي، و خالد و سعيد و سلمة.
و هشام بن المغيرة، و به كان يكنى عثمان أبو المغيرة، و هو ابن حنتمة أم عمر بن الخطاب، و لا عقب له.
و أبو حذيفة بن المغيرة، و اسمه مهشم، و له من الولد: أبو أمية و هشام [1].
__________________________________________________
[1] قال أبو محمد على بن أحمد بن سعيد بن حزم الأندلسيّ: و ولد المغيرة بن عبد الله بن عمر بن مخزوم، و فيه بيت بنى مخزوم، و عددهم: هشام، و الوليد، و أبو حذيفة- و اسمه مهشّم- و أبو أميه- و اسمه حذيفة- و هاشم، و الفاكه، و نوفل، و أبو ربيعة- و اسمه عمر- و عبد الله، و أبو زهير- و اسمه تميم- و عبد شمس، و حفص.
فأما هاشم فإنه ولد حنتمة أم عمر بن الخطاب، و لا عقب لهاشم، و لا للفاكه، و لا لعبد الله. و كان للفاكه ابن اسمه أبو قيس، قتل يوم بدر كافرا. و كان لعبد الله بن المغيرة ابنان: عثمان، أسر يوم بدر كافرا، و نوفل، قتل يوم الخندق كافرا. (جمهرة أنساب العرب): 144- 145.
لكن قال ابن هشام: و أما عثمان بن عبد الله، فلحق بمكة، فمات بها كافرا. (سيرة ابن هشام):
3/ 150.
و قال ابن قتيبة: و كان هشام بن المغيرة سيدا في قومه، و فيه يقول الشاعر:
و أصبح بطن مكة مقشعرّا كأن الأرض ليس بها هشام
إمتاع الأسماع،ج 6،ص:221(1/281)
و أبو أمية، و هو زاد الركب [1]، و كان يعرف بأبي عبد مناف و اسمه حذيفة بن المغيرة، و إنما قيل له: زاد الركب [1]، لأنه كان إذا سافر لم يتزود معه أحد، و هو زوج عاتكة بنت عبد المطلب عمة رسول الله صلّى الله عليه و سلم بين أربع عواتك [2].
[الأولى ]: عاتكة بنت عبد المطلب [3]، و هي أم زهير و عبد الله
__________________________________________________
[1] في (جمهرة النسب) للكلبي: و من بنى المطلب بن أسد بن عبد العزى: الأسود كان من المستهزءين، و ابنه زمعة بن الأسود، قتل يوم بدر كافرا، و كان يدعى: «زاد الركب». (جمهرة النسب): 72.
[2] سميت المرأة عاتكة لصفائها و حمرتها، و في الحديث: قال صلّى الله عليه و سلم يوم حنين: أنا ابن العواتك من سليم، العواتك جمع عاتكة، و أصل العاتكة: المتضمّخة بالطيب. و نخلة عاتكة: لا تأبر، أي لا تقبل الإبار، و هي الصدود تحمل الشيص.
و العواتك من سليم: ثلاث يعنى جداته صلّى الله عليه و سلم، و هنّ عاتكة بنت هلال بن فالج بن ذكوان أم عبد مناف بن قصي جدّ هاشم.
و عاتكة بنت مرة بن هلال بن فالج بن ذكوان أم هشام بن عبد مناف.
و عاتكة بنت الأوقص بن مرة بن هلال بن فالج بن ذكوان، أم وهب بن عبد مناف بن زهرة، جدّ رسول الله صلّى الله عليه و سلم، أبى أمه آمنة بنت وهب.
فالأولى من العواتك عمة الثانية، و الثانية عمة الثالثة، و بنو سليم تفخر بهذه الولادة.
و العواتك اللاتي ولدنه صلّى الله عليه و سلم: اثنتا عشرة: اثنتان من قريش، و ثلاث من سليم هن اللواتي أسميناهن، و اثنتان من عدوان، و كنانية، و أسدية، و هذلية، و قضاعية، و أزدية. (لسان العرب):/ 464، (النهاية): 3/ 179- 180.
[3] هي عاتكة بنت عبد المطلب بن هاشم، كانت عند أبى أمية بن المغيرة المخزومي فولدت له عبد الله، و زهيرا، و قريبة. قال ابن عبد البر: اختلف في إسلامها، و الأكثرون يأبون ذلك. قال الحافظ الذهبي:(1/282)
أسلمت، و هاجرت، و هي صاحبة تلك الرؤيا في مهلك أهل بدر، و تلك الرؤيا ثبطت أخاها أبا لهب عن شهود بدر.
و استدلّ على إسلامها بشعر لها تمدح النبي صلّى الله عليه و سلم، و تصفه بالنّبوّة، و قال الدار قطنى في كتاب (الإخوة): لها شعر تذكر فيه تصديقها. و قال ابن مندة بعد ذكرها في الصحابة: روت عنها
إمتاع الأسماع،ج 6،ص:222
[و قريبة] [1].
[الثانية]: عاتكة بنت جذل الطعان، و هي أم أم سلمة و المهاجر.
[الثالثة]: عاتكة بنت عتبة بن ربيعة، و هي أم قوسة الكبرى و قوسة الصغرى، هذا قول محمد بن سلام، و قال الزبير بن بكّار: قد غلط ابن سلام، قوسة الصغرى جدتها، و أمها عاتكة بنت عبد المطلب.
[الرابعة]: عاتكة بنت قيس بن سويد بن ربيعة بن أبير بن نهشل بن
__________________________________________________
[ ()] أم كلثوم بنت عقبة. و قال ابن سعد: أسلمت عاتكة بنت عبد المطلب و هاجرت إلى المدينة.
قال الحافظ الذهبي: و لم نسمع لها بذكر في غير الرؤيا. و قال ابن هشام في (السيرة)، في غزوة بدر الكبرى: و قد رأت عاتكة بنت عبد المطلب- قبل قدوم ضمضم مكة بثلاث ليال- رؤيا أفزعتها، فبعثت إلى أخيها العباس بن عبد المطلب فقالت له: يا أخى، و الله لقد رأيت الليلة رؤيا أفظعتنى، و تخوفت أن يدخل على قومك منها شرّ و مصيبة، فأكتم عنى ما أحدثك به، فقال لها:
و ما رأيت؟ قالت: رأيت راكبا أقبل على بعير له، حتى وقف بالأبطح، ثم صرخ بأعلى صوته: ألا انفروا، يا لغدر لمصارعكم في ثلاث، فأرى الناس اجتمعوا إليه، ثم دخل المسجد و الناس يتبعونه، فبينما هم حوله مثل به [قام به ] بعيره على ظهر الكعبة، صرخ بمثلها: ألا انفروا يا لغدر لمصارعكم في ثلاث، ثم مثل به بعيره على رأس أبى قبيس [اسم جبل ]، فصرخ بمثلها، ثم أخذ صخرة فأرسلها. فأقبلت تهوى، حتى إذا كانت بأسفل الجبل ارفضت [تفتتت ]، فما بقي بيت من بيوت مكة، و لا دار إلا دخلتها منه فلقة.(1/283)
قال العباس: و الله إن هذه لرؤيا، و أنت فاكتميها، و لا تذكريها لأحد، ثم خرج العباس، فلقى الوليد بن عتبة بن ربيعة- و كان صديقا له- فذكرها له، و استكتمه إياها، فذكرها الوليد لأبيه عتبة، ففشا الحديث بمكة، حتى تحدثت به قريش في أنديتها. (سيرة ابن هشام): 3/ 53- 54، (طبقات ابن سعد): 8/ 43- 45، (طبقات خليفة): 331، (المعارف): 118، 119، 128 (الاستيعاب): 4/ 1780، ترجمة رقم (3225)، (الإصابة): 8/ 13- 14، ترجمة رقم (11451)، (سير الأعلام): 2/ 272، ترجمة رقم (43)، (أعلام النساء): 3/ 207- 208.
[1] زيادة للسياق من (الاستيعاب).
إمتاع الأسماع،ج 6،ص:223
دارم، و هي أم أبى الحكم و مسعود ابني أبى أمية، و ربيعة و هشام الأكبر، و قد تقدم في الأحماء.
[الخامسة]: و صفية أمهم عاتكة بنت ربيعة بن عمرو بن عمير الثقفي، فهذه عاتكة خامسة [1].
__________________________________________________
[1] كذا بالأصل، لكن قال أبو عمر في (الاستيعاب): كان لعبد المطلب ستّ بنات، عمات رسول الله صلّى الله عليه و سلم، و هنّ:
[1] أم حكيم بنت عبد المطلب، يقال لها: البيضاء، و يقال: إنها توأمة عبد الله بن عبد المطلب، و قد اختلف في ذلك، و لم يختلف في أنها شقيقة عبد الله، و أبى طالب، و الزبير بنى عبد المطلب.
و كانت أم حكيم هذه عند كريز بن ربيعة بن حبيب بن عبد شمس بن عبد مناف، فولدت له عامرا و بنات له، و هي القائلة: إني لحصان فما أكلم، و صناع فما أعلم.
[2] و عاتكة بنت عبد المطلب. كانت عند أبى أمية بن المغيرة المخزوميّ، فولدت له عبد الله، و زهيرا، و قريبة.
[3] و برّة بنت عبد المطلب، كانت عند أبى رهم بن عبد العزى العامري، ثم خلف عليها بعده عبد الأسد بن هلال بن عبد الله بن عمر بن مخزوم، و قد قيل: إن عبد الأسد كان عليها قبل أبى رهم.
[(1/284)
4] و أميمة بنت عبد المطلب، كانت عند جحش بن رئاب أخى بنى غنم بن دودان بن أسد بن خزيمة، و هي أم عبد الله، و عبيد الله، و أبى أحمد، و زينب، و أم حبيبة، و حمنة بنت جحش بن رئاب.
[5] و أروى بنت عبد المطلب، كانت تحت عمير بن وهب [بن أبى كبير] بن عبد بن قصىّ، فولدت له طليبا، ثم خلف عليها كلدة بن عبد مناف بن عبد الدار بن قصي، فولدت له أروى.
[6] صفية بنت عبد المطلب بن هاشم [بن عبد مناف ]، عمة رسول الله صلى الله عليه و سلم و أمها هالة بنت وهيب ابن عبد مناف بن زهرة، و هي شقيقة حمزة، و المقوم، و حجل بنى عبد المطلب.
كانت صفية في الجاهلية تحت الحارث بن حرب بن أمية بن عبد شمس، ثم هلك عنها، و تزوجها العوام بن خويلد بن أسد، فولدت له الزبير، و السائب، و عبد الكعبة، و عاشت زمانا طويلا. و توفيت في خلافة عمر بن الخطاب سنة عشرين، و لها ثلاث و سبعون سنة، و دفنت بالبقيع بفناء دار المغيرة [ابن شعبة] و قد قيل: إن العوام كان عليها قبل، و ليس بشي ء. (الاستيعاب): 4/ 1780، ترجمة أورى بنت عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف، عمة رسول الله صلّى الله عليه و سلم رقم (3225)، 4/ 1873، ترجمة صفية عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف عمة رسول الله صلّى الله عليه و سلم رقم (4008).
إمتاع الأسماع،ج 6،ص:224
و أبو ربيعة، و هو ذو الرمحين، و اسمه عمرو بن المغيرة، و له من الولد:
عبد الله و عياش ابني أبى ربيعة، و قيل لحي أبى ربيعة: أن اسمه حذيفة، و قيل اسمه كبيشة، و الأول أصح.
و خراش بن المغيرة، و أبو زهير تميم، و الفاكه بن المغيرة له من الولد أبو قيس، و عبد الله بن المغيرة له من الولد عثمان، و نوفل، و الوليد بن المغيرة أبو عبد شمس، أمه و أم أخيه عبد شمس صخرة بنت الحارث بن عبد الله بن عبد شمس من قيس، و له من الولد: خالد بن الوليد سيف الله [1]،
__________________________________________________
[(1/285)
1] هو خالد بن الوليد بن المغيرة بن عبد الله بن عمرو بن مخزوم بن يقظة بن كعب، سيف الله تعالى، و فارس الإسلام، و ليث المشاهد، السيد الإمام، الأمير الكبير، قائد المجاهدين، أبو سليمان، القرشيّ المخزوميّ المكىّ، و ابن أخت أم المؤمنين ميمونة بنت الحارث.
هاجر مسلما في صفر سنة ثمان، ثم سار غازيا، فشهد غزوة مؤتة، و استشهد أمراء رسول الله صلّى الله عليه و سلم الثلاثة: مولاه زيد، و ابن عمه جعفر ذو الجناحين، و ابن رواحة، و بقي الجيش بلا أمير، فتأمّر عليهم في الحال خالد، و أخذ الراية، و حمل على العدو، فكان النصر، و سماه النبي صلّى الله عليه و سلم سيف الله، فقال: إن خالدا سيف سلّه الله على المشركين.
و شهد الفتح و حنينا، و تأمّر في أيام النبي صلّى الله عليه و سلم، و احتبس أدرعه و لأمته في سبيل الله، و حارب أهل الردة، و مسيلمة، و غزا العراق، و استظهر، ثم اخترق البرية السماوية، بحيث إنه قطع المفازة من حدّ العراق إلى أول الشام في خمس ليال في عسكر معه، و شهد حروب الشام، و لم يبق في جسده قيد شبر إلا و عليه طابع الشهداء، و مناقبه غزيرة، أمّره الصديق على سائر أمراء الأجناد، و حاصر دمشق، فافتتحها هو و أبو عبيدة.
توفى بحمص سنة إحدى و عشرين- و مشهده على باب حمص عليه جلالة، له أحاديث قليلة، و قال هشام بن عروة عن أبيه، قال: لما استخلف عمر، كتب إلى أبى عبيدة: إني قد استعملتك و عزلت خالدا.
و قال خليفة: ولّى عمر أبا عبيدة على الشام، فاستعمل يزيد على فلسطين، و شرحبيل بن حسنة على الأردن، و خالد بن الوليد على دمشق، و حبيب بن مسلمة على حمص.
و قال دحيم: مات بالمدينة. قال الحافظ الذهبي: الصحيح موته بحمص، و له مشهد يزار، و له في (الصحيحين) حديثان، و في (مسند بقي) واحد و سبعون. له ترجمة في: (طبقات ابن سعد):(1/286)
4/؟، (مسند أحمد): 4/ 88، (طبقات خليفة): 19- 20- 299، (تاريخ خليفة): 86، 88، 292، 150، (التاريخ الصغير): 1/ 23، 40، (المعارف): 267، (الجرح و التعديل): 3/ 356،
إمتاع الأسماع،ج 6،ص:225
و عمارة [1].
__________________________________________________
[ ()] (تهذيب الأسماء و اللغات): 1/ 72- 174، (تهذيب التهذيب): 3/ 107، ترجمة رقم 228 (كنز العمال): 13/ 366- 375، (خلاصة تذهيب الكمال): 1/ 285، ترجمة رقم (1809)، (الإصابة): 2/ 251، ترجمة رقم (2203)، (الاستيعاب): 2/ 427، ترجمة رقم (603)، (سير أعلام النبلاء): 1/ 366- 384، ترجمة رقم (78)، (أسماء الصحابة الرواة): 127، ترجمة رقم (130)، (تلقيح الفهوم): 368، (صفة الصفوة): 1/ 330، ترجمة رقم (81)، (شذرات الذهب): 1/ 232، (الثقات): 3/ 101، (التاريخ الكبير): 3/ 136، (لسان الميزان): 2/ 389.
[1] قال ابن إسحاق: ثم إن قريشا حين عرفوا أن أبا طالب قد أبى خذلان رسول الله صلّى الله عليه و سلم و إسلامه و إجماعه لفراقهم في ذلك و عداوته، مشوا إليه بعمارة بن الوليد بن المغيرة فقالوا له- فيما بلغني-:
يا أبا طالب، هذا عمارة بن الوليد أنهد [أشدّ] فتى في قريش و أجمله فخذه، فلك عقله و نصره، و اتخذه ولدا فهو لك، و أسلم إلينا ابن أخيك هذا، الّذي قد خالف دينك و دين آبائك، و فرق جماعة قومك و سفّه أحلامهم، فنقتله، فإنما هو رجل برجل، فقال: و الله لبئس ما تسوموننى! أ تعطونني ابنكم أغذوه لكم و أعطيكم ابني تقتلونه؟ هذا و الله ما لا يكون أبدا (سيرة ابن هشام):
2/ 101- 102، قريش تعرض عمارة بن الوليد على أبى طالب، (البداية و النهاية): 3/ 63.(1/287)
و روى الحافظ أبو نعيم عن ابن إسحاق عن أبى بردة عن أبيه قال: أمرنا رسول الله صلّى الله عليه و سلم أن ننطلق مع جعفر بن أبى طالب إلى أرض الحبشة، فبلغ ذلك قريشا، فبعثوا عمرو بن العاص، و عمارة بن الوليد، و جمعوا للنجاشي هدية، فقدما على النجاشىّ، فأتياه بالهدية فقبلها، ثم قال عمرو بن العاص: إن ناسا من أرضنا رغبوا عن ديننا، و هم بأرضك، فبعث إلينا، فقال لنا جعفر: لا يتكلم منكم أحد، أنا خطيبكم اليوم، فانتهيت إلى النجاشىّ و هو جالس في مجلسه، و عمرو بن العاص عن يمينه، و عمارة عن يساره، و القسيسون و الرهبان سماطين [صفّين ]، قد قال لهم عمرو و عمارة: إنهم لا يسجدون، فلما انتهينا بدرنا من عنده من القسيسين و الرهبان: اسجدوا للملك، فقال لهم جعفر: لا نسجد إلا للَّه عزّ و جلّ، قال له النجاشىّ: و ما ذاك؟ قال: إن الله عزّ و جلّ بعث فينا رسولا، الرسول الّذي بشر به عيسى عليه السلام، فأمرنا أن نعبد الله، و لا نشرك به شيئا، و نؤتى الزكاة، و أمرنا بالمعروف و نهانا عن المنكر.
فأعجب النجاشىّ ذلك، و ذكر نحوا من القصة الأولى، و قال فيه النجاشىّ: و أنا أشهد أنه رسول الله، و أنه الّذي بشر به عيسى، و لو لا ما أنا فيه من الملك لأتيته حتى أقبّل نعله. امكثوا ما شئتم، و أمر لنا بالطعام و الكسوة، و قال: ردوا على هذين هديتهما، و كان عمرو بن العاص رجلا قصيرا، و كان عمارة رجلا جميلا، و كانا أقبلا في البحر إلى النجاشىّ، فشربوا [يعنى خمرا]، و مع عمرو امرأته، فلما شربوا قال عمارة لعمرو: مر امرأتك فلتقبلنى، فقال له عمرو: ألا تستحي! فأخذ عمارة عمروا فرمى به في البحر، فجعل عمرو يناشده حتى أدخله السفينة، فحقد عليه عمرو ذلك، فقال عمرو
إمتاع الأسماع،ج 6،ص:226
و أبو قيس [1]، و هشام [2] و عبد شمس [3] و الوليد [4].(1/288)
و عبد شمس [5] بن المغيرة له من الولد الوليد بن عبد شمس، و حفص بن المغيرة، أمه من بنى الأحمر بن الحارث بن مناة من كنانة، و كان شريفا، و له من الولد أبو عمرو [6].
و لحفص يقول الشاعر:
نادى المضاف المستضيف و قل له: لنا دار حفص بن المغيرة فانزل
__________________________________________________
[ ()] النجاشىّ: إنك إذا خرجت خلفك عمارة في أهلك، فدعا النجاشىّ، عمارة فنفخ في إحليله [سحرا] فطار مع الوحش.
قال أبو نعيم: و كل هذه الروايات عمن لا يدفع عن صدق و فهم، فهذا يدل على أن قريشا بعثت عمرو بن العاص دفعتين: مرة مع عمارة بن الوليد، و مرة مع عبد الله بن أبى ربيعة. (دلائل أبى نعيم): 1/ 252، حديث رقم (196)، و عنه ابن كثير في (البدائه و النهاية): 3/ 89- 94، (دلائل البيهقي): 2/ 285، باب الهجرة الأولى إلى الحبشة، ثم الثانية، و ما ظهر فيها من الآيات، و تصديق النجاشىّ و من تبعه من القسيسين و الرهبان رسول الله، (جمهرة النسب): 88.
[1] أبو قيس بن الوليد بن المغيرة، قتل يوم بدر كافرا (المرجع السابق).
[2] هشام بن الوليد بن المغيرة، هو الّذي قتل أبا أزيهر الدوسيّ بذي المجاز.
[3] و به كان الوليد يكنى (المرجع السابق).
[4] الوليد بن الوليد، كان من خيار المسلمين (المرجع السابق).
[5] قال الكلبي: و من ولد عبد شمس بن المغيرة: الأزرق، و هو عبد الله بن عبد الرحمن بن الوليد بن عبد شمس بن المغيرة ولى اليمن لابن الزبير، [و قيل: ولى الجند و مخالفيها]، و كان من أجود العرب، و كان أبو دهبل يمدحه بقوله:
عقم النساء فما يلدن شبيهه إن النساء بمثله عقم
متقدّم بنعم مخالف قول لا سيّان منه الوفر و العدم
(المرجع السابق).
[6] قال الكلبي: و من ولد حفص بن المغيرة: عبد الله بن أبى عمرو بن حفص بن المغيرة، و هو أول خلق الله خلع يزيد بن معاوية. (جمهرة النسب): 89، (جمهرة أنساب العرب): 149.
إمتاع الأسماع،ج 6،ص:227(1/289)
فإن بلاد الله إلا محلّة جدوب، و إن تنزل على الجدب تهزل
و عثمان بن المغيرة، أمه بنت شيطان، و اسمه عبد الله بن عبد الحارث بن مالك بن عبد مناة بن كنانة.
إمتاع الأسماع،ج 6،ص:228
[أولاد عمّ أمّ سلمة]
و أما أولاد عم أم سلمة فهم:
عثمان بن هشام بن المغيرة، و به كان يكنى أبوه، و أمه بنت عثمان بن عبد الله بن عمر بن مخزوم، و لا عقب له [1].
و خالد بن هشام بن المغيرة، أسره يوم بدر سواد بن غزيه [2].
و الحارث بن هشام بن المغيرة، أبو عبد الرحمن، أمه و أم أخيه أبى جهل:
أم الحلاس أسماء بنت مخربة بن جندل بن أبير بن نهشل بن دارم [3]، و إخوتهما لأمهما: عياش و عبد الله و أم حجير بنو أبى ربيعة بن المغيرة، و شهد بدرا كافرا، و فرّ فعيّره حسان بن ثابت الأنصاري رضى الله عنه
__________________________________________________
[1] لم أجد له ترجمة فيما بين يدي من مراجع.
[2] (مغازي الواقدي): 1/ 140، ذكر من أسر من المشركين [في بدر]، (سيرة ابن هشام): 3/ 273، ذكر أسرى قريش يوم بدر، من بنى مخزوم بن يقظة بن مرة.
[3] هي أسماء بنت سلمة- و يقال: سلامة بن مخربة و يقال: مخرمة- بن جندل بن أبير بن نهشل بن دارم الدارمية التميمية، كانت من المهاجرات، هاجرت مع زوجها عياش بن أبى ربيعة إلى أرض الحبشة، و ولدت له بها عبد الله بن عياش بن أبى ربيعة، ثم هاجرت إلى المدينة، و تكنى أم الجلاس.
روت عن النبي صلّى الله عليه و سلم، و روى عنها ابنها عبد الله بن عياش بن أبى ربيعة.
و أما أم عياش بن أبى ربيعة فهي أم أبى جهل و الحارث ابني هشام بن المغيرة، و هي أيضا أم عبد الله.
ابن أبى ربيعة، أخى عياش بن أبى ربيعة، و أمها أسماء بنت مخرمة بن جندل، و هي عمة أسماء بنت سلمة، زوجة عياش بن أبى ربيعة، و امرأته أسماء بنت سلامة بن مخرمة التميمية.
قال الحافظ في (الإصابة): و خلط ابن مندة ترجمتها بترجمة عمتها أسماء بنت مخربة.
((1/290)
الإصابة): 7/ 484- 485، ترجمة رقم (10795)، (الاستيعاب): 4/ 1783، ترجمة رقم (3227).
إمتاع الأسماع،ج 6،ص:229
بفراره في شعر [1]، فاعتذر عن ذلك بشعر قاله [2]، ثم غزا أحدا مع المشركين أيضا، و أسلم يوم الفتح و حسن إسلامه، و كان من فضلاء الصحابة و خيارهم، و كان من المؤلفة، مات بالشام في طاعون عمواس، و قيل: قتل يوم اليرموك في رجب سنة خمس عشرة و له عقب [3].
__________________________________________________
[1] قال حسّان:
إن كنت كاذبة الّذي حدثتني فنجوت منجى الحارث بن هشام
ترك الأحبة أن يقاتل دونهم و نجا برأس طمرّة و لجام
[2] قال الحارث بن هشام:
الله يعلم ما تركت قتالهم حتى رموا فرسي بأشقر مزيد
و وجدت ريح الموت من تلقائهم في مأزق و الخيل لم تتبدّد
فعلمت أنى إن أقاتل واحدا أقتل و لا يبكى عدوى مشهدي
ففررت عنهم و الأحبة فيهم طمعا لهم بعقاب يوم مفسد
و قد وردت هذه الأبيات باختلاف يسير في اللفظ، و بزيادة و نقصان في العدد، و قد ذكرها كل من: الحافظ في (الإصابة)، و أبو عمر في (الاستيعاب) في ترجمة الحارث بن هشام كما ذكرها مطولة ابن هشام في (السيرة)، و حسان بن ثابت في (الديوان).
[3] له ترجمة في: (طبقات ابن سعد): 5/ 444، (طبقات خليفة): ت 2819، (المعارف): 281، (الجرح و التعديل): 2/ 1/ 92، (المستدرك): 3/ 277، (الاستيعاب): 1/ 301- 304، ترجمة رقم (440)، (الإصابة): 1/ 605- 608، ترجمة رقم (1506)، (سير أعلام النبلاء): 4/ 419- 421، ترجمة رقم (167)، (تهذيب التهذيب): 2/ 140- 141، ترجمة رقم (281)، (شذرات الذهب): 1/ 30، (البداية و النهاية): 3/ 29، (خلاصة تذهيب الكمال): 1/ 187، ترجمة رقم (1169)، (أسماء الصحابة الرواة): 337، ترجمة رقم (530)، (تلقيح الفهوم):
376، (ديوان حسان بن ثابت): 331، قصيدة رقم (227)، (سيرة ابن هشام): 3/ 286- 287، (سنن ابن ماجة): 1/ 641، حديث رقم (1991)، (تاريخ الإسلام): 3/ 183.(1/291)
و عمواس أو عمواس: كورة من فلسطين، بالقرب من بيت المقدس، و قيل: هي ضيعة على ستة أميال من الرملة على طريق بيت المقدس، و فيها كان ابتداء الطاعون في أيام عمر بن الخطاب رضى الله عنه، ثم فشا في أرض الشام، فمات فيه خلق كثير من الصحابة و غيرهم، [منهم الحارث بن هشام ].
و قيل: مات فيه خمسة و عشرون ألفا من المسلمين. (معجم البلدان)، (تاريخ الإسلام):
3/ 420 [هامش ].
إمتاع الأسماع،ج 6،ص:230
و أبو جهل، عمرو بن هشام [1] بن المغيرة، كان يكنى بأبي الحكم، فكناه رسول الله صلّى الله عليه و سلم بأبي جهل، أنشد المبرد لحسان بن ثابت [2]:
أيا من كنّوه أبا حكم و الله كناه أبا جهل
أبت رياسته لأسرته يوم الفزوع و ذلة الأهل
و روى أنه قال: لكل أمة فرعون، و فرعون هذه الأمة أبو جهل [3]، و أخباره في محادّته للَّه و لرسوله كثيرة، منها: أنه كان في نفر من قريش فيهم عقبة بن أبى معيط [4]، و كان عقبة أسفه قريش، و رسول الله صلّى الله عليه و سلم يصلى فأطال السجود، فقال أبو جهل: أيكم يأتى جزورا لبني فلان قد نحرت بأسفل مكة، فيجي ء بفرثها فيلقيه على محمد، فانطلق عقبة بن أبى معيط، فأتى بفرثها فألقاه على ما بين كتفي رسول الله صلّى الله عليه و سلم و هو ساجد، فجاءت فاطمة عليها السلام، فأماطت ذلك عنه، ثم استقبلتهم تشتمهم، فلم يرجعوا إليها شيئا، و دعا رسول الله صلّى الله عليه و سلم حين رفع رأسه فقال: اللَّهمّ عليك بقريش، عليك بعقبة بن أبى معيط، و بأبي جهل، و بشيبة، و عتبة، و أمية بن خلف، ثم قال لأبى جهل: و الله لتنتهين أو لينزلن الله عليك قارعة.
__________________________________________________
[1] في (خ): «عمرو بن الحارث بن هشام»، و صوبناه من (جمهرة أنساب العرب)، و فيه: فولد هشام ابن المغيرة: أبو جهل، اسمه: عمرو، و كنيته: أبو الحكم، و أبو جهل: لقب. (جمهرة أنساب العرب): 145.
[2] لم أجدهما في النسخة المحققة من (الديوان).
[(1/292)
3] (تذكرة الموضوعات للفتنى): 100.
[4] في (خ): (أبى معيط أبان).
إمتاع الأسماع،ج 6،ص:231
و خرج رسول الله صلّى الله عليه و سلم، فلقيه أبو البحتري العاص بن هاشم بن أسد بن عبد العزّى بن قصىّ [1]، و كان أقل الناس أذى له، فأنكر وجهه، فسأله عن خبره، فأخبره به، و كان معه سوط، فأتى أبا جهل فعلاه به، فتشاور بنو مخزوم و بنو أسد بن عبد العزى، فقال أبو جهل: ويلكم، إنما يريد محمد أن يلقى بينكم العداوة [2].
و قال رسول الله صلّى الله عليه و سلم لعقبة: يا ابن أبان، ما أنت بمقصر عما ترى، فقال:
لا، حتى تدع ما أنت عليه، فقال و الله لتنتهين أو لتحلنّ بك قارعة.
و قال أبو جهل: و الله لئن رأيت محمدا يصلى لأطأن رقبته، فبلغه أنه يصلى، فأقبل مسرعا فقال: أ لم أنهك يا محمد عن الصلاة، فانتهره رسول الله صلّى الله عليه و سلم، فقال: أ تنتهرنى و تهددنى و أنا أعز أهل البطحاء؟ فسمعه العباس ابن عبد المطلب فغضب و قال: كذبت، فنزلت: أَ رَأَيْتَ الَّذِي يَنْهى عَبْداً إِذا صَلَّى 96: 9- 10 [3]، يعنى أبا جهل، أَ رَأَيْتَ إِنْ كانَ عَلَى الْهُدى 96: 11 [4]، يعنى رسول الله صلّى الله عليه و سلم [5].
و قال أبو جهل: يا محمد، ابعث لنا رجلين أو ثلاثة من آبائنا ممن قد مات، فلست بأهون على الله من عيسى فيما تزعم، فقد كان عيسى يفعل
__________________________________________________
[1] اسمه العاص بن هشام بن الحارث بن أسد بن عبد العزى بن قصي بن كلاب بن مرة بن كعب بن لؤيّ، قاله ابن إسحاق و هو قول الكلبي، و قال ابن هشام: اسمه العاص بن هاشم، و هو قول الزبير بن أبى بكر و قول مصعب. (سيرة ابن هشام): 2/ 99.
[2] ذكره الحافظ أبو نعيم في (دلائل النبوة): 1/ 266- 267، حديث رقم (200) لكن بسياقه أخرى أطول من ذلك.
[3] العلق: 9، 10.
[4] العلق: 11.
[5] (تفسير ابن كثير): 4/ 565- 566، (دلائل البيهقي): 2/ 189- 192، (عيون الأثر):
1/ 108.(1/293)
إمتاع الأسماع،ج 6،ص:232
ذلك، فقال: لم يقدّر في الله على ذلك، قال: فسخّر لنا الريح لتحملنا إلى الشام في يوم و تردّنا في يوم، فإن طول السفر يجهدنا، فلست بأهون على الله من سليمان بن داود، فقد كان يأمر الريح فتغدو به مسيرة شهر، و تروح به مسيرة شهر، فقال: لا أستطيع ذلك، فقال أبو جهل: فإن كنت غير فاعل شيئا ما سألناك، فلا تذكر آلهتنا بسوء، فقال عبد الله بن أبى أمية بن المغيرة بن عبد الله بن عمر بن مخزوم: فأرنا كرامتك على ربك، فليكن لك بيت من زخرف، و جنة من نخيل و عنب تجرى تحتها الأنهار، و فجّر لنا ينبوعا مكان زمزم، فقد شق علينا أو عليها، و إلا فأسقط السماء علينا كسفا، فقال: ليس هذا بيدي، هو بيد الّذي خلقني، قال: فارق إلى السماء و أتنا بكتاب نقرأه و نحن ننظر إليك، فنزلت فيه الآيات من سورة الإسراء [1]. و لما نزلت: إِنَّ شَجَرَةَ الزَّقُّومِ طَعامُ الْأَثِيمِ كَالْمُهْلِ يَغْلِي في الْبُطُونِ كَغَلْيِ الْحَمِيمِ 44: 43- 46 [2]، قال أبو جهل: إنما أنا أدعو لكم يا معشر قريش
__________________________________________________
[1] (تفسير ابن كثير): 3/ 66- 86، الآيات 29- 94 من سورة الإسراء.
[(1/294)
2] الدخان: 43- 46، و لما ذكر الله تعالي فريقا مرحومين على وجه الإجمال، قابله هنا بفريق معذبون، و هم المشركون، و وصف بعض أصناف عذابهم، و هو مأكلهم و إهانتهم، و تحريقهم، فكان مقتضى الظاهر أن يبتدأ الكلام بالإخبار عنهم بأنهم يأكلون شجرة الزقوم، كما قال في سورة الواقعة: ثُمَّ إِنَّكُمْ أَيُّهَا الضَّالُّونَ الْمُكَذِّبُونَ لَآكِلُونَ من شَجَرٍ من زَقُّومٍ 56: 51- 52 [الواقعة: 51- 52]، فعدل عن ذلك إلى الإخبار عن شجرة الزقوم بأنها طعام الأثيم، اهتماما بالإعلام بحال هذه الشجرة، و قد جعلت شجرة الزقوم شيئا معلوما للسامعين، فأخبر عنها بطريق تعريف الإضافة، لأنها سبق ذكرها في سورة الواقعة، التي نزلت قبل سورة الدخان، فإن الواقعة عدّت السادسة و الأربعين في عداد نزول السور، و سورة الدخان ثالثة و ستين. و معنى كون الشجرة طعاما أن ثمرها طعام، كما قال تعالى: طَلْعُها كَأَنَّهُ رُؤُسُ الشَّياطِينِ فَإِنَّهُمْ لَآكِلُونَ مِنْها فَمالِؤُنَ مِنْهَا الْبُطُونَ 37: 65- 66 [الصافات: 65- 66].
و كتبت كلمة شجرت في المصاحف بتاء مفتوحة، مراعاة الحالة الوصل، و كان الشائع في رسم أواخر الكلم أن تراعى فيه حالة الوقف، فهذا مما جاء علي خلاف الأصل.
و الأثيم: الكثير الآثام، كما دلت عليه فعيل، و المراد به: المشركون المذكورون في قوله تعالى:
إِنَّ هؤُلاءِ لَيَقُولُونَ إِنْ هِيَ إِلَّا مَوْتَتُنَا الْأُولى وَ ما نَحْنُ بِمُنْشَرِينَ 44: 34- 35 [الدخان: 43- 53]، فهذا من الإظهار في مقام الإضمار، لقصد الإيماء إلى أن المهم بالشرك مع سبب معاملتهم هذه. (تفسير
إمتاع الأسماع،ج 6،ص:233
[لنتزقم ] [1] فدعا بزبد و تمر فقال: تزقموا من هذا، فإنا لا نعلم زقوما غير هذا، فبين الله تعالي أمرهم فقال: إِنَّها شَجَرَةٌ تَخْرُجُ في أَصْلِ الْجَحِيمِ طَلْعُها كَأَنَّهُ رُؤُسُ الشَّياطِينِ 37: 64- 65 [2]، فقالت قريش: شجرة تنبت في النار؟(1/295)
فكانت فتنة لهم، و جعل المستهزءون يضحكون [3].
و في رواية: و لما نزلت ثُمَّ إِنَّكُمْ أَيُّهَا الضَّالُّونَ الْمُكَذِّبُونَ لَآكِلُونَ من شَجَرٍ من زَقُّومٍ 56: 51- 52 [4]، قال أبو جهل: ائتونا بزبد و تمر ثم قال: تزقموا فإن هذا الزقوم، فنزلت: إِنَّها شَجَرَةٌ تَخْرُجُ في أَصْلِ الْجَحِيمِ 37: 64.
__________________________________________________
[ ()] التحرير و التنوير): 25/ 314.
و شجرة الزقوم ذكرت هنا. ذكر ما هو معهود من قبل لورودها معرّفة بالإضافة، و لوقوعها في مقام التفاوت بين حالي خير و شرّ، فيناسب أن تكون الحوالة على مثلين معروفين، فأما أن يكون اسما جعله القرآن لشجرة في جهنم، و يكون سبق ذكرها في: ثُمَّ إِنَّكُمْ أَيُّهَا الضَّالُّونَ الْمُكَذِّبُونَ لَآكِلُونَ من شَجَرٍ من زَقُّومٍ 56: 51- 52 [الواقعة: 51- 52]، و كان نزولها قبل نزول سورة الصافات.
و يبين هذا ما رواه الكلبي: أنه لما نزلت هذه الآية [أي آية سورة الواقعة]، قال ابن الزبعري: أكثر الله في بيوتهم الزقوم، فإن أهل اليمن يسمون التمر و الزبد بالزقوم، فقال أبو جهل لجاريته: زقمينا، فأتته بزبد و تمر فقال: تزقموا.
و عن ابن سيده: بلغنا أنه لما نزلت: إِنَّ شَجَرَةَ الزَّقُّومِ طَعامُ الْأَثِيمِ 44: 43- 44 [الدخان: 43- 44]، لم يعرفها قريش، فقال أبو جهل: يا جارية هاتي لنا تمرا و زبدا نتزقمه، فجعلوا يأكلون و يقولون: أ فبهذا يخوفنا محمد في الآخرة؟
و المناسب أن يكون قولهم هذا عند ما سمعوا آية سورة الواقعة، لا آية سورة الدخان، و قد جاءت فيها نكرة.
و أما أن يكون اسما لشجر معروف هو مذموم، قيل: هو شجر من أخبث الشجر يكون بتهامة و البلاد المجدبة المجاورة للصحراء، كريهة الرائحة، صغيرة الورق، مسمومة، ذات لبن إذا أصاب جلد الإنسان تورم، و مات منه في الغالب. قاله قطرب و أبو حنيفة.
[(1/296)
1] ما بين الحاصرتين مطموس في (خ)، و لعل ما أثبتناه يناسب السياق.
[2] الصافات: 64- 65.
[3] (تفسير التحرير و التنوير): 23/ 122.
[4] الواقعة: 51- 52.
إمتاع الأسماع،ج 6،ص:234
و في رواية: لما نزلت آية الزقوم، لم تعرفه قريش، فقال أبو جهل: هذا شجر لا ينبت بأرضنا، فمن منكم يعرفه؟ فقال رجل قدم من إفريقية:
الزقوم بلغة إفريقية: الزبد و التمر، فقال أبو جهل: يا جارية، هاتي تمرا و زبدا نتزقمه، فجعلوا يأكلون و يتزقمون و يقولون: أ بهذا يخوفنا محمد في الآخرة، فبين الله في آية أخرى الزقوم بقوله: إِنَّها شَجَرَةٌ تَخْرُجُ في أَصْلِ الْجَحِيمِ 37: 64.
و نزل قوله تعالى: وَ أَمَّا من بَخِلَ وَ اسْتَغْنى وَ كَذَّبَ بِالْحُسْنى 92: 8- 9 [1] في أبى جهل [2]. و قال أبو بكر بن أبى شيبة: حدثنا عبد الله بن نمير عن حجاج عن منذر عن ابن الحنفية في قوله تعالى: وَ لَيَحْمِلُنَّ أَثْقالَهُمْ وَ أَثْقالًا مَعَ أَثْقالِهِمْ 29: 13 [3] قال: كان أبو جهل و صناديد قريش يأتون الناس إذا جاءوا إلى النبي صلّى الله عليه و سلم يسلمون فيقولون: إنه يحرم الخمر و يحرم ما كانت تصنع العرب فارجعوا فنحن نحمل أوزاركم، فنزلت هذه الآية:
وَ لَيَحْمِلُنَّ أَثْقالَهُمْ 29: 13 [4].
__________________________________________________
[1] الليل: 8- 9.
[2] (البحر المحيط): 10/ 494، و قال الزمخشريّ: الآية واردة في الموازنة بين حالتي عظيم من المشركين [و هو أبو جهل ]، و عظيم من المؤمنين [و هو أبو بكر]، فأريد أن يبالغ في صفتيهما المتناقضتين، فقيل: الأشقى، و جعل مختصا بالصلى، كأن النار لم تخلق إلا له. و قال: الْأَتْقَى 92: 17، و جعل مختصا بالنجاة، و قيل: هما أبو جهل أو أمية بن خلف، و أبو بكر الصديق رضى الله تعالى عنه.
(المرجع السابق)، (الكشاف) 4/ 218.
[3] العنكبوت: 13.
[(1/297)
4] قوله تعالى: وَ قال الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا اتَّبِعُوا سَبِيلَنا وَ لْنَحْمِلْ خَطاياكُمْ وَ ما هُمْ بِحامِلِينَ من خَطاياهُمْ من شَيْ ءٍ إِنَّهُمْ لَكاذِبُونَ 29: 12 [العنكبوت: 12]، أي إن كان اتباع سبيلنا خطيئة تؤاخذون بها عند البعث و النشور كما تقولون، فلنحمل ذلك عنكم، فنؤاخذ بها دونكم.
قال مقاتل: يعنى قولهم: نحن الكفلاء بكل تبعة تصيبكم من الله، و اللام في لْنَحْمِلْ 29: 12 لام الأمر، كأنهم أمروا أنفسهم بذلك، و قال الزمخشريّ: الأمر بمعنى الخبر، و قرئ بكسر اللام، و هو لغة الحجاز، ثم ردّ عليهم بقوله: وَ ما هُمْ بِحامِلِينَ من خَطاياهُمْ من شَيْ ءٍ 29: 12، من الأولى بيانية،
إمتاع الأسماع،ج 6،ص:235
و قدم رجل من هذيل يقال له عمرو بغنم له، فباعها، و رآه النبي صلّى الله عليه و سلم، فأخبره بالحق و دعاه إليه، فقال له أبو جهل- و كان خفيفا حديد الوجه، و نظر به حوله فقال: انظر إلى ما دعاك إليه هذا الرجل، فإياك أن تركن إلى قوله فيه، أو تسمع منه شيئا، فإنه قد سفّه أحلامنا، و زعم أن من مات منا كافرا يدخل النار بعد الموت و ما أعجب ما يأتى به، قال: أ فما تخرجونه من أرضكم؟ قال: لئن خرج من بين أظهرنا فيسمع كلامه و حلاوة لسانه قوم أحداث ليتبعنه، ثم لا نأمن أن يكر علينا بهم، قال: فأين أسرته عنه؟ قال:
إنما أمتنع بأسرته، ثم أسلم هذا الهذيلى يوم الفتح.
و قدم رجل من أراش بإبل له مكة، فباعها من أبى جهل [1]، فمطله بأثمانها، فوقف الرجل على ناد [2] [من ] قريش فقال: يا معشر قريش! إني رجل غريب ابن سبيل، و إن أبا الحكم ابتاع مني ظهرا فمطلني بثمنه و جلسنى به حتى شقّ عليّ، فمن رجل يقوم معى فيأخذ لي حقي منه، و كان رسول الله صلّى الله عليه و سلم جالسا في عرض المسجد، فقالوا و هم يهزءون: أ ترى الرجل الجالس؟ انطلق إليه يأخذ لك بحقك، فأتى رسول الله صلّى الله عليه و سلم، فقال: يا(1/298)
__________________________________________________
[ ()] و من الثانية مزيدة للاستغراق، أي و ما هم بحاملين شيئا من خطيئاتهم التي التزموا بها، و ضمنوا لهم حملها، ثم وصفهم الله تعالى بالكذب في هذا التحمل، فقال: إِنَّهُمْ لَكاذِبُونَ 6: 28 فيما ضمنوا به من حمل خطاياهم.
قال المهدوى: هذا التكذيب لهم من الله عزّ و جل حمل على المعنى، لأن المعنى: إن اتبعتم سبيلنا حملنا خطاياكم، فلما كان الأمر يرجع في المعنى إلى الخبر، أوقع عليه التكذيب، كما يوقع على الخبر.
قوله تعالى: وَ لَيَحْمِلُنَّ أَثْقالَهُمْ 29: 13 أي أوزارهم التي عملوها، و التعبير عنها بالأثقال للإيذان بأنها ذنوب عظيمة، وَ أَثْقالًا مَعَ أَثْقالِهِمْ 29: 13 أي أوزارا مع أوزارهم، و هي أوزار من أضلوهم و أخرجوهم عن الهدى إلى الضلالة، و مثله قوله صلّى الله عليه و سلم: من سنّ سنة سيئة فعليه وزرها و وزر من عمل بها، كما في حديث أبى هريرة، الثابت في (صحيح مسلم) و غيره. (فتح البيان): 7/ 194.
[1] كذا في (خ)، و في (دلائل أبى نعيم): «فابتاعها منه أبو جهل بن هشام».
[2] في (خ): «نادى».
إمتاع الأسماع،ج 6،ص:236
محمد، إني رجل غريب، و اقتصّ عليه قصته، فقام معه، حتى ضرب باب أبى جهل، فقال: من هذا قال: محمد بن عبد الله، فأخرج إليّ، ففتح الباب و خرج، فقال له النبي صلى الله عليه و سلم: أخرج إلى هذا الرجل من حقه، قال:(1/299)
نعم، فقال: لست أبرح، أو تعطيه حقه، فدخل البيت و أخرج إليه بحقه و أعطاه إياه، فانطلق نبي الله صلّى الله عليه و سلم، و انصرف الرجل بحقه إلي مجلس قريش فقال: جزى الله محمدا خيرا، فقد أخذ لي حقي بأيسر الأمور، ثم انصرف و جاء أبو جهل فقالوا له: ما ذا صنعت؟ فو الله ما بعثنا الرجل إلى محمد إلا هازءين، فقال: دعوني، فو الله ما هو إلا ضرب بابي، حتى ذهب فؤادي، فخرجت إليه، و إن علي رأس لفحلا ما رأيت مثل هامته و أنيابه قط، فاتحا فاه، فو الله لو أتيت لأكلنى، فأعطيت الرجل حقه، فقال القوم: ما هو إلا بعض سحره [1].
و قال أبو بكر ابن أبى شيبة، حدثنا أبو أسامة عن سليمان بن المغيرة، عن ثابت قال: قال أصحاب أبى جهل لأبى جهل و هو يسير إلى رسول الله صلّى الله عليه و سلم يوم بدر: أ رأيت مسيرك إلى محمد؟ أ تعلم أنه نبي؟ قال: نعم، و لكن متى كنا تبعاً لعبد مناف.
و جاء أبو جهل في عدة من المشركين يريدون رسول الله صلّى الله عليه و سلم بسوء، فخرج إليهم و هو يقرأ يس 36: 1 [2]، و جعل التراب على رءوسهم،
__________________________________________________
[1] ذكره الحافظ أبو نعيم في (دلائل النبوة) مطولا بسياقة أخرى، 1/ 210- 212، حديث رقم (161) و قال في آخره: و في رواية، فقالوا لأبى جهل: فرقت من محمد كل هذا؟ قال: و الّذي نفسي بيده لقد رأيت معه رجالا معهم حراب تلألأ. قال أبو قزعة في حديثه: حرابا تلمع، و لو لم أعطه لخفت أن يبعج بها بطني. و أخرجه أيضا ابن إسحاق في (السيرة)، و البيهقي في (الدلائل)، من طريق ابن إسحاق، و السيوطي في (الخصائص الكبرى)، و سنده مقطوع، و فيه عبد الملك بن أبى سفيان الثقفي، و هو مجهول كما في (تعجيل المنفعة)، (سيرة ابن هشام): 2/ 233- 235، (عيون الأثر): 1/ 112.
[2] أول سورة يس.
إمتاع الأسماع،ج 6،ص:237(1/300)
و يتعجبون و هم لا يرونه، فلما انصرف أقبلوا ينفضون التراب عن رءوسهم، و يتعجبون و يقولون: سحّر من سحر محمد.
و كان رسول الله صلّى الله عليه و سلم جالسا في المسجد، و معه أبو بكر و عمر و سعد بن أبى وقاص رضى الله عنهم، إذ أقبل رجل من [بنى زبيد] [1] و هو يقول:
يا معشر قريش، كيف تدخل عليكم [المادة أو يجلب إليكم جلب أو يحل تاجر بساحتكم ] [2]، و أنتم تظلمون من دخل عليكم [في حرمكم ] [3] و جعل يقف على الحلق حتى أتى إلى رسول الله صلّى الله عليه و سلم و هو في أصحابه فقال له: من ظلمك؟ قال: أبو الحكم، طلب منى ثلاثة أجمال [كانت من خيرة] [4] إبلي فلم أبعه إياها بالوكس، فليس يبتاعها منى أحد أتباعا لمرضاته، فقد أكسد سلعتي و ظلمني، فقال صلّى الله عليه و سلم: و أين أجملك؟ قال: هي هذه بالحزورة، فابتاعها رسول الله صلّى الله عليه و سلم، فباع منها جملين بالثمن الّذي التمسه، ثم باع البعير الثالث، و أعطى ثمنه أرامل بنى عبد المطلب، و أبو جهل جالس في ناحية من السوق لا يتكلم، ثم أقبل إليه رسول الله صلّى الله عليه و سلم فقال: يا عمرو! إياك أن تعود لمثل ما صنعت بهذا الأعرابي فترى منى ما تكره، فقال: لا أعود يا محمد. فلما انصرف رسول الله صلّى الله عليه و سلم أقبل إليه أمية بن خلف و من حضره من المشركين فقالوا: لقد ذللت في يدىّ محمد كأنك تريد اتباعه، فقال: و الله لا أتبعه أبدا، إنما كان انكسارى عنه لما رأيت من سحره، لقد رأيت عن يمينه و شماله رجالا معهم رماح يشرعونها إليّ، لو خالفته لكانت إياها،
__________________________________________________
[1] زيادة للسياق من (عيون الأثر): 1/ 113.
[2] زيادة للسياق من (عيون الأثر): 1/ 113.
[3] زيادة للسياق من (عيون الأثر): 1/ 113.
[4] زيادة للسياق من المرجع السابق.
إمتاع الأسماع،ج 6،ص:238
فقالوا هذا سحر منه [1].(1/301)
و خرج أبو جهل إلى بدر مع المشركين، و قال يومئذ: اللَّهمّ أقطعنا للرحم، و آتانا بما لا نعرفه فأحنه الغداة، فأنزل الله تعالى: إِنْ تَسْتَفْتِحُوا فَقَدْ جاءَكُمُ الْفَتْحُ 8: 19 [2]، و استفتاحه هو قوله هذا فقتله الله بيد معاذ بن عمرو بن الجموح، و بعض بنى خفراء، ضرباه، و وقف عليه عبد الله بن مسعود رضى الله عنه، ثم جاء إلى النبي صلّى الله عليه و سلم، فقال: يا رسول الله، قد قتلت أبا جهل، فقال: الله الّذي لا إله غيره، لأنت قتلته؟ قال: نعم، فاستحفه الفرح ثم قال: انطلق فأرينه، فانطلق حتى قام به على رأسه، فقال: الحمد للَّه الّذي أخزاك، هذا فرعون هذه الأمة، جروه إلى القليب، فجروه، و نفل عبد الله بن مسعود سيفه [3]. و نقل أن أبا جهل كان مستوها، و احتجوا بقول عتبة له: «سيعلم مصفّر استه»، و ردّ هذا بأن هذه الكلمة قالها قيس بن زهير في حذيفة بن بدر يوم الهباء، و لم يقل أحد إن حذيفة كان مستوها.
و قال ابن دريد عن الأبنة: هو ممن لم يعرف في الجاهلية إلى في نفر منهم أبو جهل، و لهذا قيل له: مصفر استه، و قابوس بن المنذر عم النعمان، و يلقب حبيب العروسى، و طفيل بن مالك، و أنشد المبرد في بنى مخزوم:
شقيت بكم و كنت لكم جليسا فلست جليس قعقاع بن شور
و من جهل أبى جهل أخوكم غزا بدرا بمجمرة و نور
__________________________________________________
[1] (عيون الأثر): 1/ 112- 113 باختلاف يسير، و زيادة و نقصان.
[2] الأنفال: 19، (سيرة ابن هشام): 3/ 222، و الاستفتاح: الإنصاف في الدعاء، 3/ 266- 267، (عيون الأثر): 1/ 257.
[3] (عيون الأثر): 1/ 260- 262، (سيرة ابن هشام): 3/ 182- 185.
إمتاع الأسماع،ج 6،ص:239
و قيل نسبة إلى فراقه التوضيع، و كقوله عتبة بن ربيعة فيه: «سيعلم مصفّر استه»، و فيه قيل:
الناس كنوه أبا حكم و الله كناه أبا جهل
أبقت رئاسته لأسرته يوم الفزوع ورقة الأصل(1/302)
و كان له يوم قتل سبعون سنة- لعنه الله- و له من الولد: عكرمة بن أبى جهل، أسلم، و أبو علقمة زرارة، و حاجب، و اسمه تميم، و علقمة، و أربع بنات، و انقرض عقبه.
و العاص بن هشام بن المغيرة، قتله عمر بن الخطاب رضى الله عنه يوم بدر كافرا [1]، و هشام بن العاص [2] و سعيد بن العاص أسلم [3].
__________________________________________________
[1] (سيرة ابن هشام): 3/ 267.
[2] هو هشام بن العاص بن هشام بن المغيرة بن عبد الله بن عمر بن مخزوم القرشيّ المخزوميّ، هو الّذي جاء إلى النبي صلّى الله عليه و سلم يوم الفتح و كشف عن ظهره، و وضع يده على خاتم النبوة، فأخذ رسول الله يده فأزالها، ثم ضرب في صدره ثلاثا و قال: اللَّهمّ أذهب عنه الغل و الحسد- ثلاث. و كان الأوقص، و هو محمد بن عبد الرحمن بن هشام بن يحى بن هشام بن العاص يقول: نحن أقل أصحابنا حسدا.
و من طريق ابن شهاب، قال عمر لسعيد بن العاص الأموي: ما قتلت أباك؟ إنما قتلت خالي العاص ابن هشام. (الاستيعاب): 4/ 1540، ترجمة رقم (2684)، (الإصابة): 6/ 2542، ترجمة رقم (8973).
[3] هو سعيد بن العاص بن سعيد بن العاص بن أمية القرشيّ الأمويّ، أبو عثمان، أمه أم كلثوم بنت [عمرو] بن عبد الله بن أبى قيس بن عمرو العامرية، و لم يكن للعاص ولد غير سعيد المذكور. قال ابن أبى حاتم، عن أبيه: له صحبه. قال الحافظ في (الإصابة): كان له يوم مات النبي صلّى الله عليه و سلم تسع سنين، و قتل أبوه يوم بدر، قتله عليّ، و يقال: إن عمر قال لسعيد بن العاص: لم أقتل أباك، و إنما قتلت خالي العاص بن هشام. فقال: و لو قتلته لكنت على الحق و كان على الباطل، فأعجبه قوله.(1/303)
و كان من فصحاء قريش، و لهذا ندبه عثمان فيمن ندب لكتابة القرآن، قال ابن أبى داود في (المصاحف): حدثنا العباس بن الوليد، حدثنا أبى، حدثنا سعيد بن عبد العزيز، أن عربية القرآن أقيمت على لسان سعيد بن العاص، لأنه كان أشبههم لهجة برسول الله صلّى الله عليه و سلم.
و ولي الكوفة، و غزا طبرستان ففتحها، و غزا جرجان، و كان في عسكره حذيفة و غيره من كبار الصحابة، و ولى المدينة لمعاوية.
إمتاع الأسماع،ج 6،ص:240
و سلمة بن هشام بن المغيرة أسلم قديما، و حبس و عذب في الله، و هاجر إلى الحبشة، و قدم المدينة بعد الخندق، و قتل يوم مرج الصّفّر سنة أربع عشرة، و قيل: قتل بأجنادين سنة ثلاث عشرة، و كان من خيار الصحابة [1].
__________________________________________________
[ ()] و له حديث في الترمذي من رواية أيوب بن موسى بن عمرو بن سعيد بن العاص عن أبيه عن جده، إن كان الضمير يعود على موسى.
و روى الزبير، من طريق عبد العزيز بن أبان، عن خالد بن سعيد عن أبيه، عن ابن عمر، قال: جاءت امرأة إلى النبي صلّى الله عليه و سلم ببردة، فقالت: إني نذرت أن أعطى هذه البردة لأكرم العرب، فقال:
أعطيها لهذا الغلام، و هو واقف، يعنى سعيدا هذا. قال الزبير: و الثياب السعدية تنسب إليه.
و ذكر ابن سعد في ترجمته قصة ولايته على الكوفة بعد الوليد بن عقبة لعثمان، و شكوى أهل الكوفة منه، و عزله مطولا. و كان معاوية عاتبه على تخلفه عنه في حروبه، فاعتذر، ثم ولاه المدينة، فكان يعاقب بينه و بين مروان في ولايتها.
و روى ابن أبى خيثمة، من طريق يحيى بن سعيد، قال: قدم محمد بن عقيل بن أبى طالب على أبيه، فقال له: من أشرف الناس؟ قال: أنا و ابن أمى، و حسبك بسعيد بن العاص.(1/304)
و قال معاوية: كريمة قريش سعيد بن العاص، و كان مشهورا بالكرم و البرّ، حتى كان إذا سأله سائل و ليس عنه ما يعطيه كتب له بما يريد أن يعطيه مسطورا، فلما مات كان عليه ثمانون ألف دينا، فوفاها عنه ولده عمرو الأشدق.
و حجّ سعيد بالناس في سنة تسع و أربعين، أو سنة اثنتين و خمسين، و لبث بعدها. و روى عن صالح ابن كيسان، قال: كان سعيد بن العاص حليما وقورا، و كان إذا أحب شيئا أو أبغضه لم يذكر ذلك، و يقول: إن القلوب تتغير، فلا ينبغي للمرء أن يكون مادحا اليوم، عائبا غدا.
و من محاسن كلامه: لا تمازح الشريف فيحقد عليك، و لا تمازح الدنى ء فتهون عليه. ذكره في (المجالسة) من طريق أبى عبيدة، و أخرجه ابن أبى الدنيا من وجه آخر عن ابن المبارك.
و من كلامه: موطنان لا أعتذر من العيّ فيهما: إذا خاطبت جاهلا، أو طلبت حاجة لنفسي، ذكره في (المجالسة)، من طريق الأصمعي. و قال مصعب الزبيري: كان يقال له: عكة العسل. و قال الزبير ابن بكار: مات سعيد في قصره بالعقيق سنة ثلاث و خمسين. له ترجمة في: (الإصابة):
3/ 107- 109، ترجمة رقم (3270)، (الاستيعاب): 2/ 621- 624، ترجمة رقم (987)، (طبقات ابن سعد): 5/ 19- 21، (أسماء الصحابة الرواة): 372، ترجمة رقم (608)، (تلقيح الفهوم): 381، (سير أعلام النبلاء): 3/ 444- 449، ترجمة رقم (87)، (الوافي بالوفيات):
15/ 227، (جمهرة أنساب العرب): 80، (الجرح و التعديل): 4/ 48، (تهذيب الأسماء و اللغات): 1/ 218، (شذرات الذهب): 1/ 65.
[1] هو سلمة بن هشام بن المغيرة بن عبد الله بن عمر بن مخزوم المخزوميّ، أخو أبى جهل و الحارث،
إمتاع الأسماع،ج 6،ص:241
و حنتمة ابنة هاشم بن المغيرة [1] ابنة عم أم سلمة، كانت تحت الخطاب ابن نفيل، فولدت له عمر بن الخطاب، و صفية بنت الخطاب، و أميمة بنت الخطاب.
و أبو أمية بن أبى حذيفة بن المغيرة [أمه عبلة بنت عبيد بن جاذل ] [2] يوم بدر [3]، و قتل يوم أحد كافرا [4].(1/305)
و هشام بن أبى حذيفة بن المغيرة، أمه و أم أبى أمية: حذيفة بنت أسد بن عبد الله بن عمر بن مخزوم، و هما ابنا عم أم سلمة، و أسلم هشام و هاجر إلي الحبشة، و قال الواقدي في اسمه هشام: هاشم، و قال هشام و هم ممن قاله [5].
و عبد الله بن أبى ربيعة بن المغيرة، أمه و أم أخيه عياش أسماء بنت
__________________________________________________
[ ()] يكنى أبا هشام. كان من السابقين، و ثبت ذكره في الصحيح من حديث أبى هريرة، أن النبي صلّى الله عليه و سلم دعا له لما رفع رأسه من الركوع أن ينجيه من الكفار، و كانوا قد حبسوه عن الهجرة، و آذوه، فروى عبد الرزاق من طريق عبد الملك بن أبى بكر بن الحارث بن هشام، قال: فرّ عياش بن أبى ربيعة، و سلمة بن هشام. و الوليد بن الوليد من المشركين، فعلم النبي صلّى الله عليه و سلم بمخرجهم، فدعا لهم لما رفع رأسه من الركوع.
و روى ابن إسحاق من حديث أم سلمة أنها قالت لامرأة سلمة بن هشام: ما لي لا أرى سلمة يصلى مع النبي صلّى الله عليه و سلم؟ قالت: كلما خرج صاح به الناس: يا فرّار، و كان ذلك عقب غزوة مؤتة.
و رواه الواقدي من وجه آخر، و زاد: فقال النبي: بل هو الكرّار، و روى ابن سعد أن سلمة لما هرب من قريش، قالت أمه ضباعة:
لا هم رب الكعبة المحرمة أظهر على كل عدو سلمه
له يدان في الأمور المبهمة كف بها يعطى و كف منعمه
و قال: فلما مات النبي صلّى الله عليه و سلم خرج إلى الشام، فاستشهد بمرج الصّفّر في المحرم سنة أربع عشرة، و ذكر عروة و موسى بن عقبة أنه استشهد بأجنادين، و به جزم أبو زرعة الدمشقيّ، و صوّبه أحمد، له ترجمة في: (الإصابة): 3/ 155- 156، ترجمة رقم (3405)، (طبقات ابن سعد): 4/ 96، (الاستيعاب): 2/ 643- 644، ترجمة رقم (1032).
[1] الإصابة: 4/ 588، ترجمة عمر بن الخطاب رقم (5740)، (الاستيعاب): 3/ 1144، ترجمة عمر ابن الخطاب رقم (1878).
[(1/306)
2] ما بين الحاصرتين مطموس في (خ)، و ما أثبتناه من (جمهرة النسب): 37، و لعله يناسب السياق و النسب.
[3] (سيرة ابن هشام): 3/ 273، ذكر أسرى قريش يوم بدر.
[4] (سيرة ابن هشام): 4/ 85، ذكر من قتل من المشركين يوم أحد.
[5] (الإصابة): 6/ 538، ترجمة رقم (8968)، (الاستيعاب): 4/ 1538، ترجمة رقم (2680).
إمتاع الأسماع،ج 6،ص:242
مخرّبة بن جندل بن أبير بن نهشل بن دارم، و هي أم الحارث و أبى جهل ابني هشام بن المغيرة، و كان هشام طلقها، فتزوجها أخوه أبو ربيعة، فندم هشام على فراقه إياها، و كان اسم عبد الله بحيرا، و كان من أشراف قريش في الجاهلية، أسلم يوم الفتح، و كان من أحسن قريش وجها فسماه رسول الله صلّى الله عليه و سلم عبد الله، و كنيته أبو عبد الرحمن، و هو الّذي بعثته قريش مع عمرو ابن العاص إلى النجاش لأخذ جعفر بن أبى طالب و من معه، و ولاه رسول الله صلّى الله عليه و سلم [الجند] و مخالفيها، و قيل: ولاه عمر على الجند، [و كان عاملا على البصرة لابن الزبير] [1].
[و مات سنة خمس و ثلاثين، و كان قد جاء من اليمن لينصر عثمان لما حصر] [1]، و له من الولد: عمر بن أبى ربيعة الشاعر، و الحارث بن عبد الله الّذي يقال له: القباع [2].
و عياش بن أبى ربيعة بن المغيرة أبو عبد الله، و قيل: أبو عبد الرحمن، أسلم قديما، و هاجر إلى الحبشة مع امرأته أم الجلاس أسماء ابنة سلمة، و يقال: سلامة بن مخربة بن جندل بن أبير بن نهشل بن دارم التيمية، و هي ابنة أخى أسماء بنت مخربة أم أبى جهل. و الحارث بن هشام، و أم عبد الله و عياش ابني أبى ربيعة، و ولدت له بالحبشة ابنه عبد الله بن عياش، ثم هاجر إلى المدينة حين هاجر عمر بن الخطاب رضى الله عنه، فقدم عليه أخوه لأمه أبو جهل بن هشام، و الحارث بن هشام، فذكر له أن أمه حلفت لا يدخل رأسها دهن و لا تستظل حتى تراه.(1/307)
فرجع معهما، فأوثقاه و باطا، و حبساه بمكة، فكان رسول الله صلّى الله عليه و سلم يدعو له فيقول في قنوته: اللَّهمّ أنج الوليد بن الوليد، و سلمة بن هشام، و عياش
__________________________________________________
[1] ما بين الحاصرتين مطموس في (خ)، و استدركناه من (الكامل في التاريخ).
[2] ترجمته و أخباره في (الكامل في التاريخ): 2/ 148، 3/ 70، 77، 186، 200، 4/ 260، (تاريخ الطبري): 4/ 214، (سيرة ابن هشام): 2/ 176، 177، 2/ 178، 1980، 186، 4/ 5، (عيون الأثر): 2/ 167، (طبقات ابن سعد): 2/ 40.
إمتاع الأسماع،ج 6،ص:243
ابن أبى ربيعة. و قتل يوم اليرموك، و قيل: مات بمكة، و له من الولد عبد الله ابن عياش، و أبو قيس بن الفاكة ابن المغيرة عم أم سلمة، أمه [] [1] ابنة عثمان بن [عبيد الله ] [2] بن عمر [3].
و نوفل بن عبد الله بن المغيرة، شهد الخندق مع قومه، و عبر الخندق مع عمرو بن عبد في نفر من قريش، و قام سائر المشركين من وراء الخندق، و دعا عمرو بن عبد إلى البراز، فانتدب له على بن أبى طالب رضى الله عنه، و قتله، ففر أصحابه الذين في الخندق هاربين، إلا نوفل هذا فإنه كبابه فرسه في الخندق، فرمى بالحجارة حتى قتل ] [4]، و يقال: بل حمل الزبير بن العوام رضى الله عنه عليه بالسيف، شقه باثنتين، و قطع بدوح سرجه و يقال: خلص إلى كاهل الفرس، فقيل له: يا أبا عبد الله! ما رأينا سيفا مثل سيفك، فقال: و الله ما هو بالسيف، و لكنها الساعد.
و خالد بن الوليد بن المغيرة أبو سليمان، و قيل: أبو الوليد القرشي المخزوميّ سيف الله، أمه لبابة الصغرى، و قيل: لبابة الكبرى بنت الحارث بن
__________________________________________________
[1] بياض بالأصل.
[2] في (خ): «عبد الله»، و صوبناه من (المعارف).
[(1/308)
3] قال أبو عمر: روى عياش بن أبى ربيعة عن النبي صلّى الله عليه و سلم أنه قال: لا تزال هذه الأمة بخير ما عظموا هذه الحرمة حق تعظيمها- يعنى الكعبة و الحرم- فإذا ضيعوها هلكوا. روى عنه عبد الرحمن بن سابط، و يقولون: إنه لم يسمع منه، و إنه أرسل حديثه عنه، و روى عنه نافع مرسلا أيضا، و روى عنه ابنه عبد الله بن عياش سماعا منه. له ترجمة في: (الاستيعاب): 3/ 1230- 1231، ترجمة رقم (2009)، (سيرة ابن هشام): 2/ 91، 163، 169، 212، 321، 322، 324، 325، 4/ 290، (المعارف): 187، 229، 230، (طبقات ابن سعد): 1/ 200، 4/ 129.
[4] قال ابن إسحاق- و قد ذكر يوم الخندق-: و من بنى مخزوم بن يقظة: نوفل بن عبد الله بن المغيرة، سألوا رسول الله صلّى الله عليه و سلم أن يبيعهم جسده، و كان قد اقتحم الخندق، فتورط فيه فقتل، فغلب المسلمون على جسده، فقال رسول الله صلّى الله عليه و سلم: لا حاجة لنا في جسده و لا بثمنه، فخلى بينهم و بينه. قال ابن هشام:- أعطوا رسول الله صلّى الله عليه و سلم بجسده عشرة آلاف درهم فيما بلغني عن الزهري. (سيرة ابن هشام): 4/ 215.
إمتاع الأسماع،ج 6،ص:244
حزن الهلالية، أخت ميمونة. أم المؤمنين، و هو أحد أشراف قريش في الجاهلية، و إليه كانت القبة و الأعنة.
فأما القبة، فإنّهم كانوا يضربونها، ثم يجمعون إليها ما يجهزون به الجيش، و أما الأعنة، فإنه كان يكون على الخيل في الحرب، و أسلم بين الحديبيّة و خيبر، و قيل: أسلم سنة خمس بعد بنى قريظة، و قيل أسلم سنة ثمان هو و عمرو بن العاص، و عثمان بن طلحة، و لم يترك منذ أسلم تولية رسول الله صلّى الله عليه و سلم أعنة الخيل، فيكون في مقدمتها في محاربة العرب.(1/309)
و شهد الحديبيّة و الفتح، و ما بعده، و كان على خيله يوم الحديبيّة، و كان على مقدمته يوم حنين في بنى سليم، و بعثه في سنة تسع إلى أكيدر دومة الجندل، فأخذه و قدم به، و بعثه في سنة عشر إلى الحارث بن كعب، و أمّره أبو بكر رضى الله عنه على الجيوش في الرّدّة، ففتح الله عليه اليمامة و غيرها، و قتل على يديه أكثر أهل الرّدة، ثم افتتح دمشق، و مات بحمص، و قيل: بالمدينة، سنة إحدى و عشرين، و قيل: سنة اثنتين و عشرين، و أخباره كثيرة، و فضائله شهيرة [1].
و عمارة بن الوليد بن المغيرة، أبو قائد، كان من فتيان قريش جمالا و شعرا، و هو الّذي جاء به مشركو قريش إلى أبى طالب ليأخذه بدل رسول الله صلّى الله عليه و سلم و يدفعه إليهم ليقتلوه، و هو الّذي بعثت به قريش مع عمرو بن العاص إلى النجاش في أخذ من هاجر إلى الحبشة من المسلمين، فيعرض لجارية عمرو، فكاده عند النجاش حتى سحر، و ذهب مع الوحش حتى خرج إليه عبد الله بن أبى ربيعة، بن المغيرة، فأخذه فمات في يده، و له
__________________________________________________
[1] سبق أن أشرنا إلى مصادر ترجمته.
إمتاع الأسماع،ج 6،ص:245
أخبار و شعر جيد، و له من الولد: قائد، و الوليد، و أبو عبيدة [1].
و أبو قيس بن الوليد بن المغيرة، قتله على رضى الله عنه يوم بدر كافرا [2].
و فاطمة بنت الوليد بن المغيرة [3]، ابنة عم أم سلمة، و كانت تحت ابن عمها الحارث بن هشام بن المغيرة، فولدت له عبد الرحمن و أم حكيم، و أم فاطمة هذه حنتمة بنت شيطان بن عمرو بن كعب بن وائلة الأحمر بن الحارث بن عبد مناه.
__________________________________________________
[1] سبق أن أشرنا إلى مصادر ترجمته.
[(1/310)
2] قال ابن هشام- و قد ذكر قتلى بدر من المشركين-: و من بنى مخزوم: أبو قيس الفاكة بن المغيرة بن عبد الله بن عمر مخزوم، و أبو قيس بن الوليد بن المغيرة بن عبد الله بن عمر بن مخزوم. (سيرة ابن هشام): 3/ 190، ثم قال في ص 287: أن أبا قيس بن الفاكة قتله عليّ رضى الله عنه، و أن أبا قيس بن الوليد قتله حمزة بن عبد المطلب رضى الله عنه.
[3] هي فاطمة بنت الوليد بن المغيرة بن عبد الله بن مخزوم القرشية المخزومية، أخت خالد بن الوليد، قال ابن سعد: أمها حنتمة- بمهملة مفتوحة و نون ساكنة، ثم مثناة من فوق مفتوحة- بنت عبد الله بن عمرو بن كعب الكنانية.
أسلمت يوم الفتح، و بايعت، و هي زوج الحارث بن هشام، و هي والدة عبد الرحمن، و أم حكيم ابني الحارث. قال أبو عمر: و يقال: إن عمر تزوجها بعد الحارث، و فيه نظر.
قال الحافظ في (الإصابة): و ترجم لها ابن مندة: فاطمة بنت الوليد القرشية، و أورد لها حديث الإزار، و قد أخرجه العقيلي من طريق عبد السلام بن حرب، عن إسحاق بن عبد الله بن أبى فروة، عن إبراهيم بن العباس بن الحارث، عن أبى بكر بن الحارث، عن فاطمة بنت الوليد أم أبى بكر، أنها كانت بالشام تلبس الجباب من ثياب الخز، ثم تأتزر، فقيل لها: ما يغنيك عن هذا الإزار، فقالت:
سمعت رسول الله صلّى الله عليه و سلم يأمر بالإزار.
قال ابن الأثير: قوله: أم أبى بكر، يعنى ابن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام، فهي أم أبيه، و هي جدة أبى بكر، و هو كما قال، فقد قال ابن عساكر: فاطمة بنت الوليد بن المغيرة أخت خالد لها صحبة، و خرجت مع زوجها الحارث إلى الشام، و استشارها خالد أخوها في بعض أمره، و ذلك لما جاءه عزله من عمر بن الخطاب فقالت: و الله لا يحبك عمر أبدا، و ما يريد إلا أن تكذب نفسك ثم ينزعك، فقبّل خالد رأسها و قال: صدقت و الله، فتم على أمره، و أبى أن يكذب نفسه.
إمتاع الأسماع،ج 6،ص:246(1/311)
و عبد شمس بن الوليد بن المغيرة، أمه [] بنت هلال بن عبد الله بن عمر بن مخزوم [1].
و هشام بن الوليد بن المغيرة، و هو الّذي قتل أبا أزيهر بن أنيس بن الخلق الأزدي الدوسيّ بذي المجاز [2]، و كان لأبى أزيهر ابنتان: إحداهما تحت أبى سفيان بن حرب، و الأخرى تزوج بها الوليد بن المغيرة، و لم يدخل بها حتى مات، فطالب هشام أبا أزيهر بالصداق فلم يعطه، فقتله، و كانت فيه عجلة، فأراد المطيبون الحرب فمنعهم أبو سفيان و قال: لا تشاغلوا بالحرب بينكم عن محمد و أصحابه، و لهذا الخبر قصة [3].
__________________________________________________
[ ()] روت عن النبي صلّى الله عليه و سلم حديثا واحدا، رواه عنها ابنها أبو بكر بن عبد الرحمن، فذكر حديث الإزار.
(الإصابة): 8/ 70، ترجمة رقم (11610)، (الاستيعاب): 4/ 1902، ترجمة رقم (4064)، طبقات ابن سعد): 8/ 190، (أعلام النساء): 4/ 149.
[1] (جمهرة النسب): 89.
[2] (جمهرة النسب): 88.
[3] و هذه القصة فيما ذكره ابن إسحاق قال: فلما حضرت الوليد الوفاة دعا بنيه و كانوا ثلاثة: هشام بن الوليد، و الوليد بن الوليد، و خالد بن الوليد، فقال لهم: أي بنى، أوصيكم بثلاث، فلا تضيعوا فيهن: دمي في خزاعة فلا تطلنّه [لا تهدرنّه ]، و الله إنّي لأعلم أنهم منه برآء، و لكنى أخشى أن تسبّوا بعد اليوم، و رباى في ثقيف، فلا تدعوه حتى تأخذوه، و عقرى عند أبى أزيهر [دية الفرج المغصوب ] فلا يفوتنكم به.(1/312)
و كان أبو أزيهر قد زوجه بنتا، ثم أمسكها عنه، فلم يدخلها عليه حتى مات. فلما هلك الوليد ابن المغيرة وثب بنو مخزوم على خزاعة يطلبون منهم عقل الوليد، و قالوا: إنما قتله سهم صاحبكم- و كان لبني كعب حلف من بنى عبد المطلب بن هاشم- فأبت عليهم خزاعة ذلك، حتى تقاولوا أشعارا، و غلظ بينهم الأمر- و كان الّذي أصاب الوليد سهمه، رجلا من بنى كعب بن عمرو من خزاعة- فقال عبد الله بن أبى أمية بن المغيرة بن عبد الله بن عمر بن مخزوم في ذلك شعرا.
ثم إن الناس ترادّوا و عرفوا إنما يخشى القوم السبة، فأعطتهم خزاعة بعض العقل و انصرفوا عن بعض. ثم لم ينته الجون بن أبى الجون حتى افتخر بقتل الوليد، و ذكر أنهم أصابوه، و كان ذلك باطلا. فلحق بالوليد و بولده و قومه من ذلك ما حذر.
ثم عدا هشام بن الوليد على أبى أزيهر، و هو بسوق المجاز- و كانت عند أبى سفيان بن حرب عاتكة
إمتاع الأسماع،ج 6،ص:247
__________________________________________________
[ ()] بنت أبى أزيهر، و كان أبو أزيهر رجلا شريفا في قومه- فقتله بعقر الوليد الّذي كان عنده، لوصية أبيه إياه، و ذلك بعد أن هاجر رسول الله صلّى الله عليه و سلم إلى المدينة و مضى بدر، و أصيب به من أصيب من أشراف قريش من المشركين.
فخرج يزيد بن أبى سفيان، فجمع بنى عبد مناف، و أبو سفيان بذي المجاز، فقال الناس: أخفر أبو سفيان في صهره، فهو ثائر به. فلما سمع أبو سفيان بالذي صنع ابنه يزيد- و كان أبو سفيان رجلا حليما منكرا يحب قومه حبا شديدا- انحط سريعا إلى مكة، و خسى أن يكون بين قريش حدث في أبى أزيهر، فأتى ابنه، و هو في الحديد، في قومه من بنى عبد مناف و المطيبين، فأخذ الرمح من يده، ثم ضرب به على رأسه ضربة هدّه منها، ثم قال له: قبحك الله! أ تريد أن تضرب قريشا بعضهم ببعض في رجل من دوس؟ سنؤتيهم العقل إن قبلوه، و أطفئ لك الأمر.(1/313)
فانبعث حسان بن ثابت يحرض في دم أبى أزيهر، و يعيّر أبا سفيان خفرته و بجنبه، فقال في ذلك شعرا، فلما بلغ أبا سفيان قول حسان قال: يريد حسان أن يضرب بعضنا ببعض في رجل من دوس، بئس و الله ما ظن.
و لما أسلم أهل الطائف كلّم رسول الله صلّى الله عليه و سلم خالد بن الوليد في ربا الوليد الّذي كان في ثقيف، لما كان أبوه أوصاه به.
قال ابن إسحاق: فذكر لي بعض أهل العلم أن هؤلاء الآيات من تحريم ما بقي من الربا بأيدي الناس، نزلن في ذلك من طلب خالد الربا: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا الله وَ ذَرُوا ما بَقِيَ من الرِّبا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ 2: 278 [البقرة: 278] إلى آخر القصة فيها.
و لم يكن في أبى أزيهر ثأر نعلمه، حتى حجز الإسلام، إلا أن ضرار بن الخطاب بن مرداس الفهري، خرج في نفر من قريش إلى أرض دوس، فنزلوا على امرأة يقال لها أم غيلان مولاة لدوس، و كانت تمشط النساء و تجهز العرائس، فأرادت دوس قتلهم بأبي أزيهر، فقامت دونهم أم غيلان و نسوة معها حتى منعتهم، فقال ضرار بن الخطاب في ذلك شعرا.
قال ابن هشام: حدثني أبو عبيدة: أن التي قامت دون ضرار أمّ جميل، و يقال: أم غيلان، قال:
و يجوز أن تكون أم غيلان قامت مع أم جميل فيمن قام دونه.
فلما قام عمر بن الخطاب أتته أم جميل، و هي ترى أنه أخوه، فلما انتسبت له عرف القصة فقال:
إني لست بأخيه إلا في الإسلام، و هو غاز و قد عرفت منّتك عليه، فأعطاها على أنها ابنة سبيل.
قال الراويّ: قال ابن هشام: و كان ضرار لحق عمر بن الخطاب يوم أحد، فجعل يضربه بعرض الرمح و يقول: أنج يا ابن الخطاب لا أقتلك، فكان عمر يعرفها له بعد إسلامه. (سيرة ابن هشام): 2/ 258- 263.
و قد ذكر ابن هشام ما قاله كل من عبد الله بن أبى أمية بن المغيرة بن عبد الله بن عمر بن مخزوم
إمتاع الأسماع،ج 6،ص:248(1/314)
و الوليد بن الوليد بن المغيرة، أمه و أم هشام أميمة بنت حرملة بن خليل ابن شوبر بن صعب بن قيس، أسره يوم بدر كافرا عبد الله بن جحش، و قيل أسره سليط بن قيس المازني، فقدم في فدائه أخواه خالد و هشام، فتمنع عبد الله بن جحش حتى افتكّاه بأربعة آلاف درهم، و قيل افتكاه بشكة أبيه الوليد، و كانت درعا و سيفا و بيضة، فأقيمت بمائة دينار، فلما افتدى أسلم، فحبسوه بمكة، فكان النبي صلّى الله عليه و سلم يدعو له فيمن دعا من مستضعفي المؤمنين بمكة، ثم أفلت من أسارهم، و شهد عمرة القضية، و كتب يدعو أخاه خالد بن الوليد إلى الإسلام [1].
و قيل إنه أفلت من الحبس بمكة، و خرج على رجليه، فمات على ميل من المدينة، ورثته ابنة عمه أم سلمة بشعر [2]، و له ابن كان اسمه الوليد بن الوليد بن الوليد، فسماه رسول الله صلّى الله عليه و سلم عبد الله [3].
و الوليد بن عبد شمس بن المغيرة ابن عم أم سلمة، أمه قيلة بنت جحش ابن ربيعة بن أهيب بن الضباب بن حجير بن عبد معيص بن عامر بن لؤيّ، أسلم يوم الفتح، و قتل باليمامة شهيدا مع ابن عمه خالد بن الوليد، و له من
__________________________________________________
[ ()] و ما قاله الجون بن أبى الجنون الخزاعي، و ما قاله حسان بن ثابت، و ما قاله ضرار بن الخطاب، في قصة أبى أزيهر من الشعر، الّذي قد بلغ سبعة و عشرين بيتا، أمسكنا عن ذكرها خشية الإطالة، فلتراجع في (المرجع السابق).
[1] (مغازي الواقدي): 1/ 140- 41، (سيرة ابن هشام): 3/ 273.
[2] قالت أم سلمة بنت أبى أمية:
يا عين فابكى للوليد بن الوليد بن المغيرة
كان الوليد بن الوليد أبو الوليد فتى العشيرة
فقال رسول الله صلّى الله عليه و سلم: لا تقولي هكذا يا أم سلمة، و لكن قولي: وَ جاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ ذلِكَ ما كُنْتَ مِنْهُ تَحِيدُ 50: 19 [ق: 19]، و الخبر بتمامة في (طبقات ابن سعد): 4/ 131- 134.
[(1/315)
3] قال ابن سعد: فدخل المدينة فمات بها، و له عقب، منهم: أيوب بن سلمة بن عبد الله بن الوليد بن الوليد، فقال رسول الله صلّى الله عليه و سلم: ما اتخذتم الوليد إلا حنانا، فسماه عبد الله. (المرجع السابق).
إمتاع الأسماع،ج 6،ص:249
الولد عبد الرحمن [1].
و أبو عمرو بن حفص بن المغيرة، أمه درة بنت خزاعيّ بن الحارث بن الحويرث الثقفي، و هو زوج فاطمة بنت قيس. أخت الضحاك بن قيس، قيل اسمه عبد الحميد، و قيل أحمد، و قيل اسمه كنيته، أسلم و خرج مع على رضى الله عنه إلى اليمن، فبعث من هناك بطلاق امرأته فاطمة ابنة قيس، و هو الّذي كلم أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضى الله عنه لما عزل خالد بن الوليد، و قال له: لقد نزعت غلاما- أو قال عاملا- استعمله رسول الله، و غمدت سيفا سلّه الله، و وضعت لواء نصبه رسول الله، و لقد قطعت الرحم، و حسدت ابن العم [2].
__________________________________________________
[1] (الكامل في التاريخ): 2/ 367، ذكره ابن الأثير فيمن قتل باليمامة، (الإصابة): 6/ 614، ترجمة رقم (9152).
[2] هو أبو عمرو بن حفص بن المغيرة، و يقال: أبو عمرو بن حفص بن عمرو بن حفص بن المغيرة بن عبد الله بن عمرو بن مخزوم القرشيّ المخزومي، قيل: اسمه عبد الحميد، و قيل: اسمه أحمد، و قيل: بل اسمه كنيته، بعثه رسول الله صلّى الله عليه و سلم مع على بن أبى طالب، حين بعث عليا أميرا إلى اليمن، فطلق امرأته هناك فاطمة بنت قيس الفهرية، و بعث إليها بطلاقها، ثم مات هناك. [في هوامش (الاستيعاب)]: هذا لا يصح، لأنه قد ذكر بعد ذلك أنه كلم عمر في أمر خالد.
روى الزهري عن عبيد الله بن عبد الله، عن فاطمة بنت قيس الفهرية، أنها كانت تحت أبى عمرو بن حفص، فلما أمرّ رسول الله صلّى الله عليه و سلم عليا على اليمن خرج معه، و أرسل إليها بتطليقة هي بقية طلاقها.(1/316)
قال أبو عمر: قد اختلف في صفة طلاقه إياها على ما ذكرناه في كتاب (التمهيد). و أبو عمرو هذا، هو الّذي كلم عمر بن الخطاب رضى الله عنه و واجهه في عزل خالد بن الوليد.
ذكر النسائي، قال: أخبرنا إبراهيم بن يعقوب الجوزجاني، قال: حدثنا وهب بن زمعة، قال: حدثنا عبد الله بن المبارك عن سعيد بن زيد، قال: سمعت الحارث بن يزيد يحدث عن على بن رباح، عن ناشرة بن سمى البزنى قال: سمعت عمر بن الخطاب يقول يوم الجابية في حديث ذكره: و أعتذر إليكم من خالد بن الوليد، فإنّي أمرته أن يحبس هذا المال على ضعفة المهاجرين، فأعطاه ذا البأس و ذا اليسار و ذا الشرف، فنزعته، و أثبت أبا عبيدة بن الجراح، فقال أبو عمرو بن حفص بن المغيرة: و الله
إمتاع الأسماع،ج 6،ص:250
__________________________________________________
[ ()] لقد نزعت غلاما- أو قال: عاملا- استعمله رسول الله صلّى الله عليه و سلم، و غمدت سيفا سلّه الله، و وضعت لواء نصبه رسول الله صلّى الله عليه و سلم، و لقد قطعت الرحم، و حسدت ابن العم. فقال عمر: أما إنك قريب القرابة، حديث السنّ.
قال إبراهيم بن يعقوب: سألت أبا هشام المخزومي- و كان علامة بأسمائهم- عن اسم أبى عمرو هذا، فقال: اسمه أحمد.
و ذكر البخاري هذا الخبر في التاريخ عن عبدان، عن ابن المبارك بإسناده نحوه، و أخرجه فيمن لا يعرف اسمه من الكنى المجردة عن الأسماء. (الإصابة): 7/ 287، ترجمة رقم (10285)، (الاستيعاب) 40/ 1719- 1720، ترجمة رقم (3104)، (التاريخ الكبير): 8/ 54، ترجمة رقم (469).
إمتاع الأسماع،ج 6،ص:251
إخوة أم سلمة
و أما إخوة أم سلمة رضى الله تعالى عنها:
عبد الله بن أبى أمية بن المغيرة، و هشام و زهير ابنا أبى أمية بن المغيرة، و قد تقدم ذكرهما.(1/317)
و المهاجر بن أبى أمية بن المغيرة أخو أم سلمة شقيقها، كان اسمه الوليد، فسماه رسول الله صلّى الله عليه و سلم «المهاجر» لما هاجر إلى المدينة، ثم بعثه إلى الحارث ابن عبد كلال ملك اليمن، و استعمله أيضا على صدقات كندة، و الصدف، ثم ولاه أبو بكر الصديق رضى الله عنه اليمن، ففتح حصن النّجير بحضر موت [1].
__________________________________________________
[1] هو المهاجر بن أبى أمية بن عبد الله بن عمر مخزوم القرشيّ المخزومي، أخو أم سلمة- زوج النبي صلّى الله عليه و سلم- شقيقها.
قال الزبير: شهد بدرا مع المشركين، و قتل أخواه يومئذ: هشام، و مسعود، و كان اسمه الوليد، فغيره النبي صلّى الله عليه و سلم، و ولاه لما بعث العمال على صدقات صنعاء، فخرج عليه الأسود العنسيّ، ثم ولاه أبو بكر، و هو الّذي افتتح حصن النّجير الّذي تحصنت به كندة في الردة، و هو زياد بن لبيد [أو لبيدة]. و قال المرزباني في (معجم الشعراء): قاتل أهل الردة، و قال في ذلك أشعارا.
و ذكر سيف في (الفتوح): أن المهاجر كان تخلف عن غزوة تبوك، فرجع النبي صلّى الله عليه و سلم، و هو عاتب عليه، فلم تزل أم سلمة تعتذر عنه حتى عذرة، و ولاه ..
و أخرج الطبراني من طريق محمد بن حجر- بضم المهملة و سكون الجيم- ابن عبد الجبار بن وائل ابن حجر الحضرميّ، عن عمه سعيد بن عبد الجبار عن أبيه، عن أمه أم يحيى، عن وائل بن حجر، قال: وفدن على رسول الله صلّى الله عليه و سلم، فرحب بى و أدنى مجلسى، فلما أردت الرجوع كتب ثلاث كتب:(1/318)
كتاب خاص بى فضلني فيه على قومي: بسم الله الرحمن الرحيم من محمد رسول الله إلى المهاجر ابن أمية: إن وائلا يستسعى و يترفل على الأقيال حيث كانوا من حضرموت. (المصباح المضي ء): 1/ 256- 257، ترجمة رقم (42)، (مجموعة الوثائق السياسية): 39- 140، رسالة رقم (132)، (الإصابة): 6/ 328- 329، ترجمة رقم (8359)، (الاستيعاب): 4/ 1452- 1453، ترجمة رقم (2502)، (معجم البلدان): موضع رقم (3388)، (5990)، (11943).
إمتاع الأسماع،ج 6،ص:252
و أبو عبيدة بن أبى أمية بن المغيرة [1].
و هشام بن أبى أمية بن المغيرة، قتل يوم أحد كافرا [2].
و مسعود بن أبى أمية بن المغيرة قتل يوم بدر كافرا [3].
و ربيعة بن أبى أمية بن المغيرة. [4] و عبد الله ابن أبى أمية بن المغيرة [5]، أخو أم سلمة، تقدم ذكره في
__________________________________________________
[1] لم أجد له ترجمة.
[2] قال ابن إسحاق، و قد ذكر من قتل من المشركين يوم أحد: و من بنى مخزوم بن يقظة، هشام بن أبى أمية بن المغيرة، قتله قزمان.
[3] قال ابن إسحاق، و قد ذكر من قتل من المشركين يوم بدر: و مسعود بن أبى أمية بن المغيرة، قتله على ابن أبى طالب.
[4] لم أجد له ترجمة.
[(1/319)
5] قال ابن إسحاق، و قد ذكر إسلام أبى سفيان بن الحارث، و عبد الله بن أبى أمية: و قد كان أبو سفيان ابن الحارث بن عبد المطلب، و عبد الله بن أبى أمية بن المغيرة، قد لقيا رسول الله صلّى الله عليه و سلم بنيق العقاب فيما بين مكة و المدينة، فالتمسا الدخول عليه، فكلمته أم سلمة فيهما، فقالت: يا رسول الله، ابن عمك، و ابن عمتك، و صهرك، قال: لا حاجة لي بهما، أما ابن عمى فهتك عرضي، و أما ابن عمتي و صهري، فهو الّذي قال لي بمكة ما قال، [يعنى حين قال له: و الله لا آمنت بك حتى تتخذ سلما إلى السماء فتعرج فيه و أنا انظر، ثم تأتى بصك و أربعة من الملائكة يشهدون أن الله قد أرسلك ]. قال: فما خرج الخبر إليهما بذلك، و مع أبى سفيان، بنى له، [لم يذكر ابن إسحاق اسم ابنه ذلك، و لعله أن يكون جعفرا، فقد كان إذ ذاك غلاما مدركا، و شهد مع أبيه حنينا، و مات في خلافة معاوية].
فقال: و الله ليأذن لي، أولا لآخذن بيدي بنى هذا، ثم لنذهبن في الأرض حتى نموت عطشا و جوعا، فلما بلغ ذلك رسول الله صلّى الله عليه و سلم رقّ لهما، ثم أذن لهما، فدخلا عليه فأسلما.
و أنشد أبو سفيان بن الحارث قوله في إسلامه، و اعتذر إليه مما كان مضى منه، فقال في ذلك تسعة أبيات ذكرها ابن هشام في (السيرة)، و حيث يقول في البيت الثالث منها.
هداني هاد غير نفسي و نالني مع الله من طردت كلّ مطرّد.
قال ابن إسحاق: و زعموا أنه حين أنشد رسول الله صلّى الله عليه و سلم قوله: «و نالني مع الله من طردت كل مطرد» ضرب رسول الله صلّى الله عليه و سلم في صدره و قال: أنت طردتني كل مطرد. (سيرة ابن هشام): 5/ 56- 58.
إمتاع الأسماع،ج 6،ص:253
أبناء العمات.(1/320)
و قريبة الكبرى ابنة أبى أمية بن المغيرة كانت تحت زمعة بن الأسود [1]، و قريبة الصغرى أخت أم سلمة، كانت تحت عبد الرحمن بن أبى بكر الصديق، فولدت له عبيد الله، و أم حكيم و أمها عاتكة بنت عتبة بن ربيعة، و كان عمار بن ياسر أخا لأم سلمة بن القضاعة [2].
__________________________________________________
[1] قال ابن سعد في (الطبقات): 4/ 121: هي أم يزيد بن زمعة بن الأسود بن المطلب بن أسد بن عبد العزى بن قصىّ.
[2] قريبة بفتح أوله- و قيل بالتصغير- بنت أبى أمية بن المغيرة المخزومية أخت أم سلمة. قالت أم سلمة: لما وضعت زينب جاءني رسول الله صلّى الله عليه و سلم فخطبني، فذكرت قصة تزويجها و دخوله عليها، و اشتغالها برضاع زينب، حتى جاء يوما فلم يرها، فقال: أين زينب؟ فقالت: قريبة، و وافقها عبد الله: أخذها عمار بن ياسر، فقال النبي صلّى الله عليه و سلم: أنا آتيكم الليلة، فدخل على أم سلمة. و قال البلاذري: تزوجها معاوية بن أبى سفيان لما أسلم، و قال ابن سعد: هي قريبة الصغرى، أمها عاتكة بنت عتبة بن ربيعة، قال: و تزوجها عبد الرحمن بن أبى بكر، فولدت له عبد الله، و أم حكيم، و حفصة، ثم ساق بسند صحيح إلى ابن أبى مليكة، قال: تزوج عبد الرحمن قريبة أخت أم سلمة، و كان في خلقه شدة، فقالت له يوما: أما و الله لقد حذرتك، قال: فأمرك بيدك. قالت: لا أختار على ابن الصديق أحدا، فأقام عليها.(1/321)
قال الحافظ في (الإصابة): و كانت موصوفة بالجمال، فقد وقع عند عمر بن شبة في كتاب (مكة)، عن يعقوب بن القاسم الطلحي، عن يحيى بن عبد الله بن أبى الحارث الزمعى، قال: لما فتحت مكة، قال النبي صلّى الله عليه و سلم لسعد بن عبادة لما قال: ما رأينا من نساء قريش ما كان يذكر من جمالهن: هل رأيت بنات أبى أمية بن المغيرة؟ هل رأيت قريبة؟. قال ابن إسحاق، و قد ذكر قوله تعالى وَ لا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوافِرِ 60: 10: كان ممن طلق عمر بن الخطاب، طلق امرأته قريبة بنت أبى أمية بن المغيرة، فتزوجها بعده معاوية بن أبى سفيان، و هما على شركهما بمكة. (سيرة ابن هشام): 4/ 296، (الإصابة): 8/ 81- 82، ترجمة رقم (11645)، (طبقات ابن سعد): 8/ 191.
إمتاع الأسماع،ج 6،ص:254
أصهاره صلّى الله عليه و سلم من قبل زينب بنت جحش
عبد الله بن جحش أحد البدريين [1]، و أبو أحمد عبد بن جحش.
__________________________________________________
[1] هو عبد الله بن جحش بن رئاب بن يعمر بن صبرة بن مرة بن كثير بن غنم بن دودان بن أسد بن خزيمة الأسدي، أمه أميمة بنت عبد المطلب، و هو حليف لبني عبد شمس، و قيل حليف لحرب بن أمية.
أسلم- فيما ذكر الواقدي- قبل دخول رسول الله صلّى الله عليه و سلم دار الأرقم، و كان هو و أخوه أبو أحمد عبد ابن جحش من المهاجرين الأولين، ممن هاجر الهجرتين، و أخوهما عبد الله بن جحش تنصر بأرض الحبشة، و مات بها نصرانيا، و بانت منه امرأته أم حبيبة بنت أبى سفيان، فتزوجها النبي صلّى الله عليه و سلم، و أختهم زينب بنت جحش، زوج النبي صلّى الله عليه و سلم، و أم حبيبة و حمنة.
و كان عبد الله ممن هاجر إلي أرض الحبشة مع أخويه: أبى أحمد و عبيد الله بن جحش، ثم هاجر إلى المدينة، و شهد بدرا، و استشهد يوم أحد، يعرف بالمجدّع في الله، لأنه مثّل به يوم أحد و قطع أنفه.(1/322)
عن زياد بن علاقة، عن سعد بن أبى وقاص، أن رسول الله صلّى الله عليه و سلم خطبهم و قال: لأبعثن عليكم رجلا ليس بخيركم، و لكنه أصبركم للجوع و العطش، فبعث عبد الله بن جحش. و روى عاصم الأحول، عن الشعبي أنه قال: أول لواء عقده رسول الله صلّى الله عليه و سلم فلعبد الله بن جحش حليف لبني أمية.
و قال ابن إسحاق: بل لواء عبيدة بن الحارث، و قال المدائني: بل لواء حمزة، و عبد الله بن جحش هذا هو أول من سنّ الخمس من الغنيمة للنّبيّ صلّى الله عليه و سلم من قبل أن يفرض الله الخمس، فأنزل الله تعالى بعد ذلك آية الخمس، فكان أول من خمّس في الإسلام، ثم أنزل الله تعالى: وَ اعْلَمُوا أَنَّما غَنِمْتُمْ من شَيْ ءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ 8: 41 [الأنفال: 41].
و روى ابن وهب قال: أخبرنى أبو صخر عن ابن قسيط، عن إسحاق بن سعد بن أبى وقاص، عن أبيه، أن عبد الله بن جحش قال له يوم أحد: ألا تأتى فندعوا الله، فجلسوا في ناحية، فدعا سعد و قال: يا رب، إذا لقيت العدو غدا فلقني رجلا شديدا بأسه، شديدا حرده، أقاتله فيك، و يقاتلني، ثم ارزقنى عليه الظفر حتى أقتله و آخذ سلبه، فأمّن عبد الله بن جحش، ثم قال:
اللَّهمّ ارزقنى غدا رجلا شديدا بأسه، شديدا حرده، أقاتله فيك و يقاتلني فيقتلني، ثم يأخذنى فيجدع أنفى و أذنى، فإذا لقيتك قلت: يا عبد الله، فيم جدع أنفك و أذنك؟ فأقول: فيك و في رسولك، فتقول: صدقت. قال سعد: كانت دعوة عبد الله بن جحش خيرا من دعوتي، لقد رأيته آخر النهار، و إن أذنه و أنفه معلقان جميعا في خيط.
و ذكر الزبير في (الموفقيات): أن عبد الله بن جحش انقطع سيفه يوم أحد، فأعطاه رسول الله صلّى الله عليه و سلم عرجون نخلة، فصار في يده سيفا، يقال: إن قائمته منه، و كان يسمى العرجون، و لم يزل يتناول
إمتاع الأسماع،ج 6،ص:255(1/323)
و قيل: ثمامة بن جحش الشاعر، أحد المهاجرين، و عبيد الله بن جحش الّذي تنصر بالحبشة، و كانت قريش قد اجتمعت عند صنم لهم فقال ورقة و عبيد الله بن جحش و عثمان بن الحويرث و زيد بن عمرو: لقد أخطأ قومنا دين إبراهيم، ما حجر نطيف به [لا يسمع و لا يبصر] و لا يضر و لا ينفع [يا قوم التمسوا لأنفسكم، فإنكم و الله ما أنتم على شي ء] فتفرقوا في البلاد يلتمسون الحنيفية [دين إبراهيم ]، فأما ورقة ابن نوفل فاستحكم في النصرانية، و اتبع الكتب من أهلها، و أقام عبيد الله على الالتباس حتى أسلم و هاجر إلى الحبشة فتنصر بها، و مات نصرانيا، و قدم عثمان بن الحويرث على قيصر فتنصر، و وقف زيد بن عمرو فلم يدخل في يهودية و لا نصرانية.
و أم حبيبة بنت جحش، و حمنة بنت جحش، و قد تقدم ذكرهم في أبناء العمات.
__________________________________________________
[ ()] حي بيع من بغا التركي بمائتي دينار، و يقولون: إنه قتله يوم أحد أبو الحكم بن الأخنس بن شريق الثقفي، و هو يوم قتل ابن نيّف و أربعين سنة. قال الواقدي: دفن هو و حمزة في قبر واحد، و ولى رسول الله صلّى الله عليه و سلم تركته، فاشترى لابنه مالا بخيبر، له ترجمة في: (الاستيعاب): 3/ 877- 880، ترجمة رقم (1484)، (الإصابة): 4/ 35- 37، ترجمة رقم (4586)، (طبقات ابن سعد):
2/ 10، 11، 4/ 102، 131، 137، 3/ 10، 13، 390، 462، 8/ 46، 241، 245، (مغازي الواقدي): 2، 13، 16، 17، 19، 140، 154، 253، 274، 291، 300، 839، 840، 841، (سيرة ابن هشام): 2/ 50، 51، 52، 166، 5/ 9، 14، 6/ 59.
إمتاع الأسماع،ج 6،ص:256
أصهاره صلّى الله عليه و سلم من قبل أم حبيبة
الحارث بن حرب بن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف بن قصي، أمه و أم أخته: الفارعة بنت حرب من بنى تميم، و كان نديما للعوام بن خويلد ابن أسد بن عبد العزى، و تزوج صفية عمة رسول الله صلّى الله عليه و سلم، فولدت صفيّا [1].(1/324)
و محمد بن عبد الله بن جحش بن رئاب بن يعمر الأسدي أبو محمد، هاجر مع أبيه و عمه أبى أحمد إلى المدينة، و قتل أبوه بأحد، فأوصى به إلى رسول الله صلّى الله عليه و سلم، و كان [2] محمد [بن عبد الله بن جحش ] [3] في حجر رسول الله صلّى الله عليه و سلم عند زينب بنت جحش، أم المؤمنين رضى الله عنها، ذكره الحافظ أبو نعيم، و انفرد النسائي بحديثه [4].
و عمر بن حرب بن أمية، أمه و أم أخيه عمرو، و أخته أم جميل حمالة الحطب: فاختة بنت عامر بن معتب الثقفي، و له من الولد أمية بن عمرو، و سلمى بنت عمر، ولدت لحنظلة بن أبى سفيان صخر بن حرب ولدا اسمه ربيعة بن حنظلة، و أخوهما لأمهما الفارعة بنت عدي بن نوفل بن عبد مناف، هو عبّاس بن علقمة بن عبد الله بن أبى قيس بن عبد ودّ بن نصر ابن مالك بن حسل بن عامر بن لؤيّ و لا عقب لعمر [5]. و عمرو بن حرب ابن أمية [6].
__________________________________________________
[1] قال ابن قتيبة: و كانت صفية بنت عبد المطلب عند الحارث بن حرب بن أمية، ثم خلف عليها العوام بن خويلد، و هي أم الزبير بن العوام. (المعارف): 128.
[2] في (خ): «و كانت».
[3] زيادة للسياق و النسب.
[4] له ترجمة في: (الاستيعاب): 3/ 1373- 1374، ترجمة رقم (2335)، (سيرة ابن هشام):
2/ 319.
[5]، (6) لم أجد له ترجمة.
إمتاع الأسماع،ج 6،ص:257
و الفارعة بنت حرب بن أمية [1]، أمها و أم أخيها أبى سفيان صخر بن حرب، و أم أختها فأخته صفية بنت حزن بن البجير بن الهزم بن رويبة بن عبد الله بن هلال بن عامر بن صعصعة، و هي عمة أم الفضل امرأة العباس ابن عبد المطلب أم بنيه، و عمة ميمونة أم المؤمنين رضى الله عنها، و كانت الفارعة هذه- و هي الكبرى- تحت الأسود بن عبد المطلب بن أسد، فولدت له فاختة بنت الأسود [2].(1/325)
و فاختة بنت حرب بن أمية [3]- و هي الكبرى- كانت عند شيبة بن ربيعة، فولدت له عبد الرحمن بن شيبة، و الفارعة الصغرى بنت حرب بن أمية، و فاختة الصغرى بنت حرب بن أمية، أمها أم قتال بن عبد الحارث بن زهرة، و كانت عند قيس بن عبد الله بن يعمر الشداخ، فولدت له الجثامة ابن قيس [4]، ثم خلف عليها غزوان بن جابر بن شبيب المازني، فولدت له فاختة بنت غزوان [5].
و أم جميل بنت حرب بن أمية- و هي التي سماها الله تعالى في كتابه
__________________________________________________
[1] لم أجد له ترجمة.
[2] هي فاختة بنت الأسود بن المطلب بن أسد بن عبد العزى القرشية الأسديّة، كانت تحت صفوان بن أمية بن خلف الجمحيّ، خلف عليها بعد أبيه، ففرق الإسلام بينهما. أخرجه المستغفري من طريق محمد بن ثور، عن ابن جريج، قال: فرّق الإسلام بين أربع و بين أبناء بعولتهن، فذكرها. (الإصابة): 8/ 46 ترجمة رقم (11565).
[3] لم أجد لهم ترجمة.
[4] جثّامة- بفتح أوله و تثقيل المثلثة- ابن قيس- ذكره ابن مندة، و روى من طريق حبيب بن عبيد الرّحبىّ، عن أبى بشر، عن جثامة بن قيس- و كان من أصحاب النبي صلّى الله عليه و سلم- مرفوعا: من صام يوما في سبيل الله باعده الله عن النار مائة عام، و في الإسناد من لا يعرف. (الإصابة): 1/ 464، ترجمة رقم (1099).
[5] هي فاختة بنت غزوان- بفتح المعجمة و سكون الزاى- ابن جابر بن وهب المازني، كانت من المهاجرات. (الإصابة): 8/ 47، ترجمة رقم (11571).
إمتاع الأسماع،ج 6،ص:258
العزيز: حَمَّالَةَ الْحَطَبِ 111: 4، امرأة أبى لهب بن عبد المطلب، لأنها كانت تحمل أغصان العضاة و الشوك، فتطرحها في طريق رسول الله صلّى الله عليه و سلم، أو لأنها حمالة النميمة، تحطب على ظهرها.(1/326)
و لم نزلت سورة تَبَّتْ يَدا أَبِي لَهَبٍ وَ تَبَّ ما أَغْنى عَنْهُ مالُهُ وَ ما كَسَبَ سَيَصْلى ناراً ذاتَ لَهَبٍ وَ امْرَأَتُهُ حَمَّالَةَ الْحَطَبِ في جِيدِها حَبْلٌ من مَسَدٍ 111: 1- 5 [1]، قالت أم جميل: هجاني محمد، و الله لأهجونّه:
محمّدا قلينا و دينه أبينا
و أخذت فهرا لتضربه، فأغشى الله عينيها عنه، و ردها بغيظها، و هي أم عتبة، و عتيبة، بنى أبى لهب [2].
__________________________________________________
[1] سورة المسد كلها، سمّيت هذه السورة في أكثر المصاحف: «سورة تبّت»، و كذلك عنونها الترمذي في (جامعة)، و في أكثر كتب التفسير، تسمية لها بأول كلمة فيها. و سميت في بعض المصاحف و بعض التفاسير «سورة المسد»، و اقتصر في (الإتقان) على هذين. و سماها بعض المفسرين: «سورة أبى لهب»، على تقدير: سورة ذكر أبى لهب، و عنونها أبو حيان في تفسيره: «سورة اللهب»، و لم أره لغيره. و عنونها ابن العربيّ في (أحكام القرآن): «سورة ما كان من أبي لهب»، و هو عنوان و ليس باسم. و هي مكية بالاتفاق، و عدّت السادسة من السور نزولا، نزلت بعد سورة الفاتحة، و قبل سورة التكوير. و عدد آياتها خمس.
روى أن نزولها كان في السنة الرابعة من البعثة، و سبب نزولها على ما في الصحيحين، عن ابن عباس، قال: صعد رسول الله صلّى الله عليه و سلم ذات يوم على الصفا، فنادى: «يا صباحاه»، [كلمة ينادى بها للإنذار من عدوّ يصبّح القوم ]، فاجتمعت إليه قريش، فقال: إني نذير لكم بين يدي عذاب شديد، أ رأيتم لو أنى أخبرتكم أن العدو ممسيكم أو مصبحكم أ كنتم تصدقوني؟ قالوا: ما جرّ بنا عليك كذبا، فقال أبو لهب: تبا لك سائر اليوم أ لهذا جمعتنا؟! فنزلت: تَبَّتْ يَدا أَبِي لَهَبٍ وَ تَبَّ 111: 1.
[(1/327)
2] و أبو لهب: هو عبد العزى بن عبد المطلب، و هو عمّ النبي صلّى الله عليه و سلم، و كنيته أبو عتبة تكنية باسم ابنه، و أما كنيته بأبي لهب في الآية، فقيل: كان يكنّى بذلك في الجاهلية [لحسنه و إشراق وجهه ]، و أنه اشتهر بتلك الكنية، كما اقتضاه حديث طارق المحاربي، و مثله حديث من ربيعة بن عباد الديليّ في (مسند أحمد).
فسماه القرآن بكنيته دون اسمه، لأن في اسمه عبادة العزّى، و ذلك لا يقرّه القرآن، أو لأنه كان بكنيته أشهر منه باسمه العلم، أو لأن في كنيته ما يتأتى به التوجيه بكونه صائرا إلى النار، و ذلك كناية عن كونه جهنميا، لأن اللهب: ألسنة النار إذا اشتعلت و زال عنها الدخان. و الأب يطلق
إمتاع الأسماع،ج 6،ص:259
__________________________________________________
[ ()] على ملازم ما أضيف إليه، كما كنى إبراهيم عليه السّلام: أبا الضيفان، و كنّى النبي صلّى الله عليه و سلم عبد الرحمن بن بن صخر الدوسيّ: أبا هريرة، لأنه حمل هرة في كم قميصه، و كنى شهر رمضان: أبا البركات، و كنى الذئب: أبا جعدة [و الجعدة سخلة المعز، لأنه يلازم طلبها لافتراسها]، فكانت كنية أبى لهب صالحة، موافقة لحاله من استحقاقه لهب جهنم، فصار هذا التوجيه كناية عن كونه جهنميا، لينتقل من جعل أبى لهب بمعنى ملازم اللهب إلى لازم تلك الملازمة في العرف، و هو أنه من أهل جهنم، و هو لزوم ادعائى، مبنى على التفاؤل بالأسماء و نحوها.
كما أشار التفتازاني في مبحث العلميّة من شرح (المفتاح)، و أنشد قول الشاعر:
قصدت أبا المحاسن كي أراه لشوق كان يجذبني إليه
فلما أن رأيت رأيت فرنا و لم أر من بنيه ابنا لديه(1/328)
قوله تعالى: ما أَغْنى عَنْهُ مالُهُ وَ ما كَسَبَ 111: 2: استئناف ابتدائى للانتقال من إنشاء الشتم و التوبيخ إلى الإعلام بأنه آيس من النجاة من هذا التباب، و لا يغنيه ماله و لا كسبه، أي لا يغنى عنه ذلك في دفع شي ء عنه في الآخرة، و التعبير بالماضي في قوله: ما أَغْنى 7: 48 لتحقيق وقوع عدم الإغناء.
و المال: المتملكات المتمولة، و غلب عند العرب إطلاقه على الإبل، و من كلام عمر رضى الله عنه:
«لو لا المال الّذي أحمل عليه في سبيل الله» ... في اتقاء دعوة المظلوم من (الموطأ). و أهل المدينة، و خيبر، و البحرين، يغلب عندهم على النخيل.
و روى عن ابن مسعود أن أبا لهب قال: «إن كان ما يقول ابن أخى حقا، فأنا أفتدي نفسي يوم القيامة بمالي و ولدى»، فأنزل الله تعالى: ما أَغْنى عَنْهُ مالُهُ وَ ما كَسَبَ 111: 2، و قال ابن عباس: ما كَسَبَ 111: 2، هو ولده، الولد من كسب أبيه.
قوله تعالى: سَيَصْلى ناراً ذاتَ لَهَبٍ 111: 3، بيان لجملة ما أغنى عنه ماله و ما كسب، أي لا يغنى عنه شي ء من عذاب جهنم. و نزل هذا القرآن في حياة أبى لهب، و قد مات بعد ذلك كافرا، فكانت هذه الآية إعلاما بأنه لا يسلم، و كانت من دلائل النبوة.
و وصف النار ب ذاتَ لَهَبٍ 111: 3، لزيادة تقرير المناسبة بين اسمه و بين كفره، إذ هو أبو لهب، و النار ذات لهب. و بين لفظي لهب الأول و لهب الثاني، الجناس التام.
قوله تعالى: وَ امْرَأَتُهُ حَمَّالَةَ الْحَطَبِ 111: 4، أعقب ذم أبى لهب و وعيده بمثل ذلك لامرأته، لأنها كانت تشاركه في أذى النبي صلّى الله عليه و سلم و تعين عليه.
و امرأته: أي زوجته، قال تعالى في قصة إبراهيم: وَ امْرَأَتُهُ قائِمَةٌ 11: 71. و في قصة لوط: إِلَّا امْرَأَتَهُ كانَتْ من الْغابِرِينَ 29: 32، و في قصة نسوة يوسف: امْرَأَتُ الْعَزِيزِ تُراوِدُ فَتاها عَنْ نَفْسِهِ 12: 30.
إمتاع الأسماع،ج 6،ص:260(1/329)
__________________________________________________
[ ()] و امرأة أبى لهب، هي أم جميل، و اسمها أروى بنت حرب بن أمية، و هي أخت أبى سفيان بن حرب، و قيل: اسمها العوراء، فقيل: هو وصف، و أنها كانت عوراء، و قيل: اسمها. و ذكر بعضهم: أن اسمها العوّاء بهمزة بعد الواء.
و كانت أم جميل هذه تحمل حطب العضاة و الشوك، فتضعه في الليل في طريق النبي صلّى الله عليه و سلم الّذي يسلك منه ليعقر قدميه. فلما خصل لأبى لهب و عيد مقتبس من كنيته، جعل لامرأته و عيد مقتبس لفظه من فعلها، و هو حمل الحطب في الدنيا، فأنذرت بأنها تحمل الحطب في جهنم ليوقد به على زوجها، و ذلك خزي لها و لزوجها، إذ جعل شدة عذابه على يد أحب الناس إليه، و جعلها سببا لعذاب أعزّ الناس عليها.
و قوله تعالى: حَمَّالَةَ الْحَطَبِ 111: 4، قرأه الجمهور برفع حَمَّالَةَ 111: 4 على أنه صفة لامرأته، فيحتمل أنها صفتها في جهنم، و يحتمل أنها صفتها التي كانت تعمل في الدنيا بجلب حطب العضاة لتضعه في طريق النبي صلّى الله عليه و سلم، على طريقة التوجيه و الإيماء إلى تعليل تعذيبها بذلك.
و قوله تعالى: في جِيدِها حَبْلٌ من مَسَدٍ 111: 5، صفة ثانية، أو حال ثانية، و ذلك إخبار بما تعامل به في الآخرة، أي يجعل لها حبل في عنقها تحمل فيه الحطب في جهنم، لإسعار النار على زوجها جزاء مماثلا لعملها في الدنيا، الّذي أغضب الله تعالى عليها.
و الجيد: العنق، و غلب في الاستعمال على عنق المرأة، و على محل القلادة منه، فقلّ أن يذكر العنق في وصف النساء في الشعر العربيّ إلا إذا كان عنقا موصوفا بالحسن.
قال السهيليّ في (الروض): و المعروف أن يذكر العنق إذا ذكر الحلي أو الحسن، فإنما حسن هنا ذكر الجيد في حكم البلاغة، لأنها امرأة، و النساء تحلى أجيادهن، و أم جميل لا حلىّ لها في الآخرة إلا الحبل المجعول في عنقها، فلما أقيم لها ذلك مقام الحلي ذكر الجيد معه.(1/330)
و الحبل: ما يربط به الأشياء التي يراد اتصال بعضها ببعض، و تقيد به الدابة، و المسجون كيلا يبرح من المكان، و هو ضفير من الليف.
و المسدّ: ليف من ليف اليمن شديد، و الحبال التي تقل منه تكون قوية و صلبة. و قدم الخبر من قوله: في جِيدِها 111: 5 للاهتمام بوصف تلك الحالة الفظيعة، التي عوّضت فيها بحبل في جيدها، عن العقد الّذي كانت تحلى به جيدها في الدنيا فتربط به، إذ قد كانت هي و زوجها من أهل الثراء و سادة أهل البطحاء. و قد ماتت أم جميل على الشرك. (تفسير التحرير و التنوير): 30/ 599- 607 باختصار.
إمتاع الأسماع،ج 6،ص:261
إخوة أم حبيبة
و أما إخوة أم حبيبة، فإنّهم سبعة رجال و سبع نسائهم: حنظلة بن أبى سفيان، و به كان يكنى أبوه، و أمه و أم أخته أم حبيبة رضى الله عنها و أم أميمة: صفيا ابنة أبى العاصي بن أمية بن عبد شمس، و شهد بدرا مع قومه كافرا [1]، فقتله على رضى الله عنه [2]، فلما قتل أبو سفيان بن حرب حنظلة بن أبى عامر غسيل الملائكة يوم أحد قال: حنظلة بحنظلة، و لم يعقب حنظلة بن أبى سفيان [3].
و معاوية بن أبى سفيان، و قد تقدم ذكره في الأسلاف.
و عتبة بن أبى سفيان أبو الوليد، أدرك حياة رسول الله صلّى الله عليه و سلم، و ولاه عمر
__________________________________________________
[1] قال ابن إسحاق: حدثني عبد الله بن أبى بكر قال: فقيل لأبى سفيان: أفد عمرا ابنك، قال: أ يجمع عليّ دمي و مالي؟ قتلوا حنظلة و أفدى عمرا! دعوة في أيديهم يمسكوه ما بدا لهم، (سيرة ابن هشام): 3/ 201.
[2] قال ابن هشام: و قتل من المشركين يوم بدر من قريش، ثم من بنى عبد شمس بن عبد مناف: حنظلة ابن أبى سفيان بن حرب بن أمية بن شمس، قتله زيد بن حارثة، مولى رسول الله صلّى الله عليه و سلم، فيما قال ابن هشام، و يقال: اشترك فيه حمزة، و على، و زيد. (سيرة ابن هشام): 3/ 263.
[(1/331)
3] قال ابن هشام: و التقى حنظلة بن أبى عامر الغسيل. و أبو سفيان، فلما استعلاه حنظلة بن أبى عامر، رآه شداد بن الأسود، و هو ابن شعوب، قد علا أبا سفيان، فضربه شداد فقتله، فقال رسول الله صلّى الله عليه و سلم إن صاحبكم- يعنى حنظلة- تغسله الملائكة [و في غير السيرة: قول النبي صلّى الله عليه و سلم رأيت الملائكة تغسله في صحاف الفضة بماء المزن بين السماء و الأرض ] فسألوا أهله: ما شأنه؟
فسئلت صاحبته [يعنى امرأته: و هي جميلة بنت أبىّ بن سلول أخت عبد الله بن أبى، و كان ابتنى بها تلك الليلة، فكانت عروسا عنده، فرأت في النوم تلك الليلة كأن بابا في السماء فتح له فدخله، ثم أغلق دونه، فعلمت أنه ميّت من غده، فدعت رجالا من قومها حين أصبحت، فأشهدتهم على الدخول بها، خشية أن يكون في ذلك نزاع. ذكره الواقدي ]، فقالت: خرج و هو جنب سمع الهاتفة. (سيرة ابن هشام): 3/ 22- 23، (تاريخ الطبري): 2/ 466، 521.
إمتاع الأسماع،ج 6،ص:262
ابن الخطاب رضى الله عنه الطائف و صدقاتها، ثم ولاه أخوه معاوية بن أبى سفيان مصر بعد وفاة عمرو بن العاص، فمات بها بعد سنة و شهر في ذي الحجة سنة أربع و أربعين، و لم يكن في بنى أمية أخطب منه، و له أخبار عديدة [1].
و يزيد بن أبى سفيان، أمه زينب بنت نوفل بن خلف بن قواله بن حذيفة بن طريف بن علقمة، جذل الطعان بن فراس بن غنم بن كنانة، أسلم يوم الفتح، و شهد حنينا، و أعطاه رسول الله صلّى الله عليه و سلم مائة بعير، و أربعين أوقيّة، و بعثه أبو بكر رضى الله عنه في سنة اثنتي عشرة إلى فلسطين فيمن بعت، فشهد أجنادين، ثم ولاه عمر رضى الله عنه على فلسطين، ثم ولى الشام، و مات في طاعون عمواس [2].
و محمد بن أبى سفيان، أمه و أم أخيه عنبسة بن أبى سفيان: عاتكة بنت
__________________________________________________
[(1/332)
1] خطب أهل مصر يوما- و هو وال عليها- فقال: يا أهل مصر، خفّ على ألسنتكم مدح الحق و لا تأتونه، و ذم الباطل و أنتم تفعلونه، كالحمار يحمل أسفارا يثقل حملها، و لا ينفعه علمها، و إني لا أداوى داءكم إلا بالسيف، و لا أبلغ السيف ما كفاني السوط، و لا أبلغ السوط ما صلحتم بالدرة، و أبطئ عن الأولى إن لم تسرعوا إلى الآخرة، فالزموا ما ألزمكم الله لنا تستوجبوا ما فرض الله لكم علينا، و هذا يوم ليس فيه عقاب و لا بعده عتاب، (الاستيعاب): 3/ 1026، ترجمة رقم (1762)، (الإصابة): 5/ 60، ترجمة رقم (6248).
[2] هو يزيد بن أبى سفيان بن حرب بن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف، كان أفضل بنى أبى سفيان، كان يقال له: يزيد الخير، أسلم يوم فتح مكة، و شهد حنينا، و أعطاه رسول الله صلّى الله عليه و سلم من غنائم حنين مائة بعير و أربعين أوقية، وزنها له بلال، و استعمله أبو بكر الصديق، و أوصافه، و خرج يشيعه راجلا.
قال ابن إسحاق: لما قفل أبو بكر من الحج- يعنى سنة اثنتي عشرة- بعث عمرو بن العاص، و يزيد ابن أبى سفيان، و أبا عبيدة بن الجراح، و شرحبيل بن حسنة إلى فلسطين، و أمرهم أن يسلكوا على البلقاء، و كتب إلى خالد بن الوليد فسار إلى الشام، فأغار على غسان بمرج راهط، ثم سار فنزل على قناة بصرى، و قدم عليه يزيد بن أبى سفيان، و أبو عبيدة بن الجراح، و شرحبيل بن حسنة، فصالحت بصرى، فكانت أول مدائن الشام فتحت.
ثم ساروا قبل فلسطين، فالتقوا بالروم بأجنادين، بين الرملة و بيت جبرين، و الأمراء كلّ على حدة، و من الناس من يزعم أن عمرو بن العاص كان عليهم جميعا، فهزم الله المشركين، و كان الفتح
إمتاع الأسماع،ج 6،ص:263
أبى أزيهر بن أنيس بن الخيسق بن كعب بن الحارث بن عبد الله بن الحارث ابن الغطريف. من الأزد، عند ابن الكلبي في (الجمهرة): أبو أزيهر بن أنيس بن الخيسق بن مالك بن سعد بن كعب بن الحارث، و هو الغطريف الأصغر بن عبد الله بن عامر.(1/333)
و هو الغطريف الأكبر بن يشكر بن مبشر بن صعب بن دهمان بن نصر ابن زهران بن كعب بن الحارث بن كعب بن عبد الله بن مالك بن نصر بن الأزد.
و أبو أزيهر هذا قتله هشام بن المغيرة، و كان جارا لأبى سفيان بن حرب و حليفا له فلم يطلب بدمه، و عيّره ابن حسان بن ثابت الأنصاري بإذن من رسول الله صلّى الله عليه و سلم.
و زوّج أبو أزيهر ابنته عاتكة أبا سفيان، فولدت له محمدا و عنبسة،
__________________________________________________
[ ()] بأحنادين، في جمادى الأولى سنة ثلاث عشرة.
فلما استخلف عمر ولى أبا عبيدة، و فتح الله عليه الشامات، و ولى يزيد بن أبى سفيان على فلسطين و ناحيتها، ثم لما مات أبو عبيدة استخلف معاذ بن جبل، و مات معاذ، فاستخلف أخاه معاوية، و كان موت هؤلاء كلهم في طاعون عمواس سنة ثمان عشرة.
الوليد بن مسلم قال: مات يزيد بن أبى سفيان سنة تسع عشرة بعد أن افتتح قيسارية. قال ابن العماد الحنبلي- و قد ذكر أحداث سنة ثماني عشرة-: و فيها و قيل: في التي بعدها مات يزيد بن أبى سفيان ابن حرب، أفضل إخوته. له ترجمة في (تاريخ الطبري): 3/ 387، 388، 390، 392، 394- 397، 403، 406، 408، 417، 427، 441، 442، 498، 604، 4/ 57، 60، 62، 67، 67، 289، 10/ 58، (سيرة ابن هشام): 2/ 260، (الاستيعاب): 4/ 1575، ترجمة رقم (2772)، (الإصابة): 6/ 658- 659، ترجمة رقم (9271)، (شذرات الذهب):
1/ 30.
إمتاع الأسماع،ج 6،ص:264
و لأبى أزيهر من الولد: أبو حناءة و جبله [و أنجب ] [1] أبو حناءة سمية [2]، تزوجها مجاشع بن مسعود السلمي، و قتل عنها يوم الجمل مع عائشة رضى الله عنها، فخلف عليها عبد الله بن عياش رضى الله عنهما، و شميلة [3] هي [التي ] [4] أسندت نصر بن حجاج [5] إلى صدرها فبرأ، فضرب لها مثلا
__________________________________________________
[1] زيادة للسياق.
[(1/334)
2] في (خ): «شميلة» و صوبناه من (الإصابة)، حيث قال الحافظ: أبو حناءة- بفتح أوله و النون و المد و همزة قبل الهاء- ابن أزيهر الدوسيّ. له إدراك، و كان قتل أبى أزيهر بعد وقعة بدر، في حياة النبي صلّى الله عليه و سلم، و لأبى حناءة هذا بنت تسمى سمية، تزوجها مجاشع بن مسعود، و هي صاحبة القصة مع نصر ابن حجاج. (الإصابة): 7/ 89، ترجمة رقم (9801).
[3] كذا في (خ). و في (الإصابة): «سمية».
[4] زيادة للسياق.
[5] هو نصر بن حجاج بن علاط السلمىّ، من أولاد الصحابة، و كان في زمانه رجلا، فدلّ ذلك على أنه ولد في عهد النبي صلّى الله عليه و سلم، و قد أخرج ابن سعد و الخرائطى بسند صحيح، عن عبد الله بن يزيد، قال:
بينما عمر بن الخطاب رضى الله عنه يعسّ ذات ليلة في خلافته، فإذا امرأة تقول:
هل من سبيل إلى خمر لأشربها أو من سبيل إلى نصر بن حجاج
فلما أصبح سأل عنه، فأرسل إليه، فإذا هو من أحسن الناس شعرا، و أصبحهم وجها، فأمره عمر أن يطمّ شعره، ففعل، فخرجت جبهته فازداد حسنا، فأمره أن يعتمّ فازداد حسنا، فقال عمر: لا و الّذي نفسي بيده لا تجامعني ببلد، فأمر له بما يصلحه، و صيّره إلى البصرة.
زاد الخرائطى بسند ليّن من طريق محمد بن سيرين، أنه لما دخل البصرة كان يدخل على مجاشع ابن مسعود لكونه من قومه، و لمجاشع امرأة جميلة يقال لها: الخضراء، فكان يتحدث مع مجاشع، فكتب نصر في الأرض: إني أحبك حبّا لو كان فوقك؟ لأظلك، أو كان تحتك لأقلك، و كانت المرأة تقرأ، و مجاشع لا يقرأ، فرأت المرأة الكتابة، فقالت: و أنا، فعلم مجاشع أن هذا الكلام جواب، فدعا بإناء فكبه على الكتابة، و دعا كاتبا فقرأه، فعلم نصر بذلك فاستحيا، و انقطع في منزله، فضنى حتى صار كالفرخ، فبلغ ذلك مجاشعا، فعلم سبب ذلك، فقال لامرأته: اذهبي فأسنديه إلى صدرك، و أطعميه الطعام، فعزم عليها، ففعلت، فتحامل نصر قليلا، و خرج من البصرة.(1/335)
و ذكر الهيثم بن عدي أن مجاشعا كان خليفة أبى موسى، و أن أبا موسى لما علم بقصته أمره أن يخرج إلى فارس، فخرج إليها و عليها عثمان بن أبى العاص، فجرت له قصة مع دهقانة [تاجرة]،
إمتاع الأسماع،ج 6،ص:265
قول الأعشى:
لو أسندت ميتا إلى صدرها عاش و لم ينقل إلى قابر
و عنبسة بن أبى سفيان [1]، ولاه أخوه معاوية بن أبى سفيان الطائف، ثم عزله بأخيه عتبة، فعاتبه عنبسة، فقال له معاوية: إن عتبة بن هند، فقال عنبسة:
__________________________________________________
[ ()] فقال له: اخرج عنا، فقال: و الله لئن فعلتم هذا بى لألحقن بأرض الشرك، فكتب بذلك إلى عمر، فكتب [إليهم ] احلقوا شعره، و شمروا قميصه، و ألزموه المسجد، (الإصابة) 6/ 485، ترجمة رقم (8845)، (طبقات ابن سعد): 3/ 285، 4/ 271.
[1] عنبسة بن أبى سفيان بن حرب بن أمية بن عبد شمس القرشيّ الأموي، أخو معاوية، ذكره ابن مندة، و قال: أدرك النبي صلّى الله عليه و سلم، و لا تصح له صحبه و لا رؤية.
قال الحافظ في (الإصابة): إذا أدرك الزمن النبوي حصلت له الرؤية لا محالة، و لو من أحد الجانبين، و لا سيما مع كونه مع أصهار النبي صلّى الله عليه و سلم، أخته أم حبيبة أم المؤمنين، و قد اجتمع الجميع بمكة في حجة الوداع.
و لعنبسة رواية عن بعض الصحابة في صحيح مسلم، و في السنن، روى عن أخته أم حبيب.
و شداد بن أوس. روى عنه أبو أمامة الباهلي، و يعلى بن عبيد [يعلى بن أمية]، و هما أكبر منه سنا، و قد زاد: عمرو بن أوس الثقفي، و القاسم أبو عبد الرحمن، و مكحول، و عطاء، و حسان بن عطية، و غيرهم، قال أبو نعيم: اتفق متقدمو أئمتنا على أنه من التابعين.
و ذكر خليفة [بن خياط] أن معاوية أمّره على مكة، فكان إذا توجه إلى الطائف استخلف طارق ابن المرقع.(1/336)
و روى النسائي من طريق عطاء، عن يعلى بن أمية، قال: قدمت الطائف فدخلت على عنبسة بن أبى سفيان و هو في الموت، فقال: حدثتني أم حبيبة ... فذكر حديث: «من صلى في يوم اثنى عشرة ركعة دخل الجنة». و رويناه في (الكنجروديات) من طريق عمرو بن أوس قال: دخلت على عنبسة و هو في الموت، فحدثني عن أخته أم حبيبة عن النبي صلّى الله عليه و سلم قال: «من صلى في النهار [أو من النهار] اثنى عشرة ركعة دخل الجنة»، قال: فما تركتهن منذ سمعته من أم حبيبة. (الإصابة): 5/ 69- 70، ترجمة رقم (6278 ز)، (تهذيب التهذيب): 8/ 142، ترجمة رقم (287)، (خلاصة تذهيب الكمال): 2/ 307، ترجمة رقم (5477)، (طبقات ابن سعد) 6/ 349، (الكامل في التاريخ): 3/ 419، 424، 456، 10/ 500.
إمتاع الأسماع،ج 6،ص:266
كنا بخير [1] صالح [2] ذات بيننا جميعا [3]، فأمست فرّقت بيننا هند
فإن تك هند لم تلدني فإنني لبيضاء ينميها غطارفة نجد
أبوها أبو الأضياف في كل شتوة و مأوى ضعاف قد أضرّ بها الجهد [4]
لها جفنات ما تزال مقيمة لمن ساقه غورا تهامة أو نجد [5]
فقال له معاوية: لا تسمعه منى بعدها [6] و عمرو بن أبى سفيان، أمه و أم أختيه صخرة و هند: صفية بنت أبى عمرو بن أبى أمية بن عبد شمس، و أسر يوم بدر، فقيل لأبى سفيان: ألا تفتدى عمرا؟ فقال: قتل حنظلة و أفتدي عمرا فأصاب بمالي و ولدى [7]؟ لا أفعل، و لكن انتظر حتى أصيب منهم رجلا فأفديه به، فأصاب سعد بن النعمان بن أكال، و قد جاء معتمرا، فلما قضى عمرته صدر و معه المنذر بن
__________________________________________________
[1] في (خ): «يصحو».
[2] في (تاريخ الطبري): «صالحا».
[3] في (تاريخ الطبري): «قديما».
[4] في (تاريخ الطبري): «و مأوى ضعاف لا تنوء من الجهد».
[5] هذا البيت في (المرجع السابق):
جفيناته ما إن تزال مقيمة لمن خاف من غورى تهامة أو نجد
[6] (تاريخ الطبري): 5/ 171، 180، 230، 333، 6/ 241.
[(1/337)
7] في (ابن هشام): «أ يجمع عليّ دمي و مالي؟ قتلوا حنظلة و أفدى عمرا، [دعوه في أيديهم يمسكوه ما بدا لهم ]. (سيرة ابن هشام): 3/ 201.
إمتاع الأسماع،ج 6،ص:267
عمرو، فطلبهما أبو سفيان حتى أدرك سعدا فأسره [1]، وفاته ابن المنذر فقال ضرار بن الخطاب في ذلك:
تداركت سعدا عنوة فأسرته و كان شفاء لو تداركت منذرا
فقال أبو سفيان:
أرهط ابن أكّال أجيبوا دعاءه تعاقدتم لا تسلموا السيد الكهلا.
فإن بنى عمرو بن عوف أذلة [2] لئن لم يفكوا عن أسيرهم الكبلا
ففادوه سعدا بابنه عمرو [3]، و ليس لعمر عقب.
و أميمة بنت أبى سفيان [4]، كانت تحت حويطب بن عبد العزى بن أبى
__________________________________________________
[1] (المرجع السابق).
[2] في (ابن هشام): «فإن بنى عمرو لئام أذلة».
[3] فأجابه حسان بن ثابت فقال:
لو كان سعد يوم مكة مطلقا لأكثر فيكم قبل أن يؤسر القتلا
بعضب حسام أو يصفراء نبعة تحنّ إذا ما أنبضت تحفز النّبلا
(سيرة ابن هشام): 3/ 201- 202.
[4] قال الحافظ في (الإصابة): في ترجمة عاتكة بنت الوليد بن المغيرة المخزومية:
عن ابن جريج قال: جاء الإسلام و عند أبى بن حرب ست نسوة، و عند صفوان بن أمية ست: أم وهب بنت أبى أمية بن قيس من العياطلة. و فاضة بنت الأسود بن المطلب، و أميمة بنت أبى سفيان ابن حرب، و عاتكة بنت المغيرة، و برزة بنت مسعود بن عمرو، و بنت ملاعب الأسنة عامر بن مالك، فطلّق أم وهب و كانت قد أسنّت، و فرّق الإسلام بينه و بين فاختة بنت الأسود، و كان أبوه تزوجها فخلف هو عليها، ثم طلق عاتكة في خلافة عمر بن الخطاب. (الإصابة): 7/ 512، ترجمة رقم (10802)، 8/ 15، ترجمة رقم (11454).
إمتاع الأسماع،ج 6،ص:268
قيس من بنى عامر بن لؤيّ [1]، فولدت له أبا سفيان بن حويطب، و أسلم مع أبيه يوم الفتح [2]، و تزوجها صفوان بن خلف الجمحيّ، فولدت له عبد الرحمن بن صفوان [3]، و هو مذكور في الصحابة هو و أبوه.(1/338)
و جويرية بنت أبى سفيان [4] أسلمت بعد الفتح، ثم شهدت اليرموك، و قد تزوجها السائب بن أبى حبيب بن المطلب بن أسد بن عبد العزى بن قصي، ثم خلف عليها عبد الرحمن بن الحارث بن أمية الأصغر.
و أم الحكم بنت أبى سفيان [5]، أمها و أم عتبة و جويرية. و معاوية: هند بنت عتبة، و تزوجها عبد الله بن عثمان بن ربيعة الثقفي، فولدت له عبد الرحمن بن عبد الله الّذي يقال له: ابن أم الحكم.
و صخرة بنت أبى سفيان [6]، كانت تحت سعيد بن الأخنس بن شريق
__________________________________________________
[1] هو حويطب بن عبد العزى بن أبى قيس بن عبد ودّ بن نصر بن مالك بن حسل بن عامر بن لؤيّ القرشي العامري، أبو محمد، أو أبو الأصبغ.
أسلم عام الفتح و شهد حنينا، و كان من المؤلفة قلوبهم، و جدّد أنصاب الحرم في عهد عمر رضى الله عنه. قال البخاري: عاش مائة و عشرين سنة، و قال الواقدي: مات في خلافة معاوية سنة أربع و خمسين، له ترجمة في (الإصابة): 2/ 143، ترجمة رقم (1884)، (طبقات ابن سعد): 5/ 325، (الاستيعاب): 1/ 407، ترجمة رقم (573).
[2] (الإصابة): 7/ 182، ترجمة رقم (10029)، (الاستيعاب): 4/ 1677، ترجمة رقم (3004).
[3] (الإصابة): 5/ 40، ترجمة رقم (6225)، (الاستيعاب): 2/ 836، ترجمة رقم (1427).
[4] قال الحافظ: جويرية بنت أبى سفيان بن حرب شقيقة معاوية ذكرها ابن سعد في (الطبقات) و قال:
تزوجها السائب بن أبى حبيب الأسدي. (الإصابة): 7/ 568، ترجمة رقم (11007)، (طبقات ابن سعد): 8/ 174.
[5] قال ابن عمر: أسلمت يوم الفتح، و كانت ممن نزل فيه: وَ لا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوافِرِ 60: 10 [الممتحنة:
10]، ففارقها عياض بن غنم، و تزوجها عبد الله بن عثمان الثقفي. (الإصابة): 8/ 192، ترجمة رقم (1973)، (الاستيعاب): 4/ 1932، ترجمة رقم (4141).
[6] لم أجد لها ترجمة.
إمتاع الأسماع،ج 6،ص:269
الثّقفي، فهي أم بنيه.(1/339)
و هند بنت أبى سفيان [1]، [زوج الحارث بن نوفل ] [2] ولدت بنيه عبد الله بن الحارث بن نوفل، و إخوته محمدا و ربيعة، و عبد الرحمن بن الحارث.
و ميمونة بنت أبى سفيان [3]، أمها لبانة بنت أبى العاصي بن أمية، و تزوجها أبو برة بن عروة بن مسعود، فولدت له ليلى ابنة أبى مرة، فتزوجها أبو عبد الله الحسين بن على عليهما السلام، فولدت له على بن الحسين الأكبر.
و رملة بنت أبى سفيان، تزوجها سعيد بن عثمان بن عفان رضى الله عنه [4]، فولدت له محمدا، و أم رملة هذه من بنى الحارث بن عبد مناة، و أخوها لأمها سليمان بن أزهر بن عبد عوف الزهري.
__________________________________________________
[1] هي هند بنت أبى سفيان بن حرب بن أمية الأموية، أخت معاوية، كانت زوج الحارث بن نوفل بن عبد المطلب، فولدت له ابنه محمدا، ذكر ذلك ابن سعد، و زاد: و عبد الله، و ربيعة، و عبد الرحمن، و رملة، و أم الزبير، قال: و أمها صفية بنت أبى عمرو بن أمية. (الإصابة): 8/ 153، ترجمة رقم (11850)، (طبقات ابن سعد): 8/ 174.
[2] زيادة للسياق من (الإصابة).
[3] (تاريخ الطبري): 5/ 468.
[4] هو سعيد بن عثمان بن عفان بن أبى العاصي بن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف، و أمه فاطمة بنت الوليد بن عبد شمس بن المغيرة بن عبد الله بن عمر بن مخزوم، و أمها أسماء بنت أبى جهل بن هشام بن المغيرة، و أمها أروى بنت أبى العاصي بن أمية بن عبد شمس، و أمها رقية بنت الحارث بن عبيد بن عمر بن مخزوم، و أمها رقية بنت أسد بن عبد العزى بن قصي، و أمها خالدة بنت هاشم بن عبد مناف بن قصي، فولد سعيد بن عثمان محمدا، و أمه رملة بنت أبى سفيان بن حرب بن أمية و كان قليل الحديث. (طبقات ابن سعد): 5/ 153.
إمتاع الأسماع،ج 6،ص:270
صهره صلّى الله عليه و سلم من قبل جويرية
أخوها عمرو بن الحارث بن أبى ضرار المصطفى الخزاعي، مذكور في الصحابة [1].
أصهاره صلّى الله عليه و سلم من قبل ميمونة(1/340)
رجل واحد، و أربع عشر امرأة، منهن خمس أخوات ميمونة لأبيها و أمها، و تسع أخواتها لأمها، فالأشقاء:
لبابة الكبرى بنت الحارث بن حزن الهلالية [2]، أم الفضل، زوجة
__________________________________________________
[1] هو عمرو بن الحارث بن أبى ضرار بن عائذ بن مالك بن جذيمة [أو خزيمة] و هو المصطلق بن سعد بن كعب بن عمرو الخزاعي المصطلقي، أخو جويرية زوج النبي صلّى الله عليه و سلم.
روى أبو إسحاق السبيعي عن عمرو بن الحارث أخى جويرية، قال: و الله ما ترك رسول الله صلّى الله عليه و سلم، عند موته ديناراً، و لا درهما، و لا عبدا، و لا أمة، و لا شيئا، إلا بغلته البيضاء و سلاحه، و أرضا تركها صدقة. (الإصابة): 4/ 618، ترجمة رقم (5804)، (الاستيعاب): 3/ 1171، 1172، ترجمة رقم (1905).
[2] هي لبابة بنت الحارث بن حزن بن بجير بن الهزم بن رويبة بن عبد الله بن حلال بن عامر بن صعصعة الهلالية، أم الفضل، زوج العباس بن عبد المطلب، و والدة أولاده: الفضل، و عبد الله، و غيرهما، و هي لبابة الكبرى، مشهورة بكنيتها، و معروفة باسمها، و أمها خولة بنت عوف القرشية.
قال ابن سعد: أم الفضل أول امرأة آمنت بعد خديجة، و روت عن النبي صلّى الله عليه و سلم، روى عنها ابناها:
عبد الله، و تمام، و عمير بن الحارث مولاها، و كريب مولى ابنها، و عبد الله بن عباس، و عبد الله بن الحارث ابن نوفل و آخرون.
و أخرج الزبير بن بكار و غيره من طريق إبراهيم بن عقبة، عن كريب، عن ابن عباس، عن النبي صلّى الله عليه و سلم: الأخوات الأربع مؤمنات: أم الفضل، و ميمونة، و أسماء، و سلمى فأما ميمونة فهي أم المؤمنين، و هي شقيقة أم الفضل، و أما أسماء و سلمى فأختاهما من أبيهما، و هما بنتا عميس الخثعمية.
إمتاع الأسماع،ج 6،ص:271(1/341)
العباس، أم عبد المطلب، عم رسول الله صلّى الله عليه و سلم، و أم أكثر بنيه، يقال إنها أول امرأة أسلمت بعد خديجة رضى الله عنها، و كان رسول الله صلّى الله عليه و سلم يزورها و يقيل عندها، و روت عنه أحاديث خرّج [حديثها] الجماعة، و كانت من المنجبات، ولدت للعباس ستة رجال لم تلد امرأة مثلهم، و هم: الفضل، و عبد الله، و عبيد الله، و معبد، و قثم، و عبد الرحمن بنو العباس، و ولدت له أيضا أم حبيب [1]، و توفيت، و فيها يقول عبد الله بن يزيد الهلالي:
ما ولدت نجيبة من فحل بجبل نعلمه و سهل
كستّة من بطن أم الفضل أكرم بها من كهلة و كهل
عم النبي المصطفى ذي الفضل و خاتم الرسل و خير الرسل
و لبابة الصغرى بنت الحارث [2] بن حزن أم خالد بن الوليد، قال ابن عبد
__________________________________________________
[ ()] و أخرج ابن سعد بسند جيد، عن سماك بن حرب، أن أم الفضل قالت: يا رسول الله، رأيت أن عضوا من أعضائك في بيتي، قال: تلد فاطمة غلاما و ترضعينه بلبن قثم، فولدت حسينا، فأخذته، فبينا هو يقبّله إذ بال عليه فقرصته فبكى، قال صلّى الله عليه و سلم: آذيتينى في ابني، ثم دعا بماء فحدره حدرا [أو فحدرته عليه حدرا]. و من طريق قابوس بن المخارق نحوه، و فيه: فأرضعته حتى تحرك، فجاءت به النبي صلّى الله عليه و سلم، فأجلسه في حجرة، فبال فضربته بين كتفيه، فقال صلّى الله عليه و سلم: أوجعت ابني رحمك الله ...
الحديث. و كان يقال لوالدة أم الفضل: العجوز الحرشية أكرم الناس أصهارا: ميمونة زوج النبي صلّى الله عليه و سلم، و العباس تزوج أختها شقيقتها لبابة، و حمزة تزوج أختها سلمى، و جعفر بن أبى طالب تزوج شقيقتها أسماء، ثم تزوجها بعده أبو بكر الصديق، ثم تزوجها بعده عليّ، قال أبو عمر: كانت من المنجبات، و كان النبي صلّى الله عليه و سلم يزورها. قال ابن حبان: ماتت في خلافة عثمان قبل زوجها العباس.
((1/342)
الإصابة): 8/ 97، ترجمة رقم (11695)، 8/ 267، ترجمة رقم (12000)، (طبقات ابن سعد): 8/ 202، (الاستيعاب): 4/ 1907، ترجمة رقم (4080).
[1] كذا في (خ)، و في (الاستيعاب): «أم حبيبة».
[2] هي لبابة الصغرى بنت الحارث بن حزن بن بجير بن الهزم الهلالية، أخت لبابة الكبرى التي قبلها، تلقب بالعصماء، و أمها فاختة بنت عامر الثقفية، و هي والدة خالد بن الوليد.
قال أبو عمر: في إسلامها و صحبتها نظر، و أقره ابن الأثير، و هو عجيب، و كأنه استبعده من جهة
إمتاع الأسماع،ج 6،ص:272
البر: في إسلامها و صحبتها نظر.
و غصماء بنت الحارث بن حزن [1]، و عزة بنت الحارث [2]، و هزيلة بنت
__________________________________________________
[ ()] تقدم وفاة زوجها الوليد، أن تكون ماتت معه أو بعده بقليل، و ليس ذلك بلازم، فقد ثبت أنها عاشت بعد وفاة خالد، و لها في ذلك قصة.
فذكر أبو حذيفة في (المبتدإ و الفتوح)، عن محمد بن إسحاق، قال: لما مات خالد بن الوليد، خرج عمر رضى الله عنه في جنازته، فإذا أمه تندبه و تقول
أنت خير من ألف من القوم م إذا ما كنت في وجوه الرجال
أشجاع فأنت أشجع من ليث صهر ابن جهم أبى الأشبال
أجواد فأنت أجود من سيل أتى يستقل بين الجبال
فقال عمر رضى الله عنه: من هذه؟ فقيل: أمه، فقال: أمه، و الإله- ثلاثا- و هل قامت النساء عن مثل خالد.
و هذا و إن كان رواية أبى حذيفة، و هو ضعيف، لكن قد ذكر ابن سعد- و هو ثقة- عن كثير بن هشام، عن جعفر بن برقان، عن يزيد بن الأصم، قال: لما توفى خالد بن الوليد بكت عليه أمه، فقال عمر: يا أم خالد، أ خالدا أو أجره ترزئين! عزمت عليك إلا تثبت، حتى تسود يداك من الخضاب. و هذا مسند صحيح، و علق البخاري قول عمر في النقع و اللقلقة في البكاء على خالد، لكن لم يسمّ أمه.(1/343)
و مجموع ذلك يفيد أنها عاشت بعد النبي صلّى الله عليه و سلم أ فيظن بها أنها استمرت على الكفر من بعد الفتح إلى أن مات النبي (صلّى الله عليه و سلم)؟ هذا بعيد عادة، بل يبطله ما تقدم أنه لم يبق بالحرمين و لا الطائف أحد في حجة الوداع إلا أسلم و شهدها. (طبقات ابن سعد): 8/ 346، (الإصابة): 8/ 97، ترجمة رقم (11696)، (الاستيعاب): 4/ 909، ترجمة رقم (4081)، (الإصابة): 8/ 26، ترجمة رقم (11477).
[1] قال الكلبي: و لبابة الصغرى بنت الحارث بن حزن، و هي العصماء، أم خالد بن الوليد بن المغيرة المخزوميّ. (جمهرة النسب): 368.
[2] هي عزة بنت الحارث الهلالية، أخت ميمونة، ذكرها أبو عمر مختصرا، و قال: لم أر من ذكرها في الصحابة، و أظنها لم تدرك الإسلام.
قال الحافظ: بل ذكرها ابن سعد في الغرائب من النساء الصحابيات مع أخواتها لأمها، و زعم أنها أخت ميمونة أم المؤمنين، و أنها تزوجت عبد الله بن مالك بن الهزم، فولدت له زيادا، و عبد الرحمن، و برزة، فولدت برزة الأصم والد يزيد، و قيل: هي والدة يزيد بن الأصم.
قال: و قيل: إن برزة أخت عزة لأمها، قال: و يقال: إن عزة كانت عند رجل من بنى كلاب، فولدت فيهم. (الإصابة): 8/ 24، ترجمة رقم (11471)، (طبقات ابن سعد): 8/ 25، (الاستيعاب): 4/ 1886، ترجمة رقم (4032).
إمتاع الأسماع،ج 6،ص:273
الحارث [1] و أسماء بنت عميس بن معد [2] بن الحارث بن تيم بن كعب بن مالك بن قحافة بن عامر بن معاوية بن زيد بن مالك بن نسر بن وهب الله ابن شهران بن عفر بن ربيعة، حلف بن أفتل، و هو جماعة خثم بن أنمار.(1/344)
و قيل: أسماء بنت عميس بن مالك [3] بن النعمان بن كعب بن مالك ابن قحافة بن عامر بن زيد بن نسر بن وهب الله الخثعمية، أخت ميمونة رضى الله عنها لأمها هند بنت عوف بن زهير بن الحارث بن كنانة، كانت من المهاجرات إلى أرض الحبشة مع زوجها جعفر بن أبى طالب رضى الله عنه، فولدت له هناك محمدا و عبد الله و عوفا، ثم هاجرت إلى المدينة، فلما قتل جعفر تزوجها أبو بكر الصديق رضى الله عنه، فولدت له محمد ابن أبى بكر، ثم مات عنها، فتزوجها على بن أبى طالب رضى الله عنه،
__________________________________________________
[1] هي هزيلة بنت الحارث بن حزن الهلالية، أخت ميمونة أم المؤمنين، قيل: هي أم حفيد الآتية في الكنى [من (الإصابة)]، قاله أبو عمر، قال: و كانت نكحت في الأعراب، و هي التي أهدت الضّباب إلى النبي صلّى الله عليه و سلم، و روى حديثها سليمان بن يسار و غيره عن ميمونة.
قال الحافظ: قد أخرجه مالك في (الموطأ)، عن عبد الرحمن بن أبى صعصعة، عن سليمان بن يسار، قال: دخل النبي صلّى الله عليه و سلم بيت ميمونة بنت الحارث، فإذا بضباب، و معه عبد الله بن عباس، و خالد بن الوليد، فقال: من أين لكم هذا؟ قالت: أهدته إليّ أختى هزيلة بنت الحارث، فقال لعبد الله و خالد: كلا، فقال: ألا تأكل؟! قال: إني يحضرني من الله حاضر.
و أصل الحديث في الصحيحين، من طريق سعيد بن جبير، عن ابن عباس، قالت: أهدت خالتي أم حفيد بنت الحارث إلى النبي صلّى الله عليه و سلم سمنا و أقطا و ضبابا، فدعا بهن رسول الله صلّى الله عليه و سلم، فأكلن على مائدته ... الحديث.
و أخرجه أبو داود و غيره من رواية عمر بن حرملة، عن ابن عباس، فوقع في (مسند ابن أبى عمر العدني) من هذا الوجه بلفظ «أم عتيق»، بعين مهملة بدل الحاء المهملة، و قاف في آخره بدل الدال، و المعروف «أم حفيد».
((1/345)
الإصابة): 8/ 147، ترجمة رقم (11833)، 8/ 191، ترجمة رقم (11971)، (الاستيعاب): 4/ 1920، ترجمة رقم (4109)، 4/ 1931، ترجمة رقم (4140).
[2]، (3) (الإصابة): 7/ 489، ترجمة رقم (10803)، (الاستيعاب): 4/ 1784، ترجمة رقم (3230).
إمتاع الأسماع،ج 6،ص:274
فولدت له يحى بن على، و قيل: ولدت أيضا عوفا.
و قيل: كانت تحت حمزة رضى الله عنه، فولدت له أمة الله، و قيل:
أمامة، ثم خلف عليها بعد شداد جعفر بن الهادي، فولدت له عبد الله و عبد الرحمن.
و قيل إن التي كانت تحت حمزة و شداد، سلمى بنت عميس أختها، و قيل: كانت أسماء قبل جعفر بن أبى طالب عند ربيعة بن رباح بن أبى ربيعة بن نهيل بن هلال بن عامر، فولدت له مالكا و عبد الله و أبا هريرة بنى ربيعة، قاله ابن الكلبي [1] و توفيت أسماء.
و سلمى بنت عميس الخثعمية [2]، لها صحبة، كانت تحت حمزة رضى الله عنه، فولدت له أمة الله، ثم خلف عليها بعد شداد بن الهادي، فولدت له عبد الله و عبد الرحمن، و قيل غير ذلك كما تقدم.
__________________________________________________
[1] (جمهرة النسب): 31.
[2] هي إحدى الأخوات اللاتي قال فيهن النبي صلّى الله عليه و سلم: الأخوات مؤمنات، قاله ابن عبد البر، و قال: كانت تحت حمزة، فولدت له أمة الله بنت حمزة، ثم خلف عليها بعد قتل حمزة شداد بن الهاد الليثي، فولدت له عبد الله و عبد الرحمن، قال: و قد قيل: إن التي كانت تحت حمزة أسماء بنت عميس، فخلف عليها شداد. و الأصح الأول.
قال الحافظ: و أخرج ابن مندة، من طريق عبد الله بن المبارك، عن جرير ابن حازم، عن محمد بن عبد الله بن أبى يعقوب، و أبى فزارة جميعا، عن عبد الله بن شداد، قال: كانت بنت حمزة أختى من أمى، و كانت أمّنا سلمى بنت عميس.
و في الصحيحين من حديث البراء في قصة بنت حمزة: لما اختصم فيها عليّ و جعفر و زيد بن حارثة، فقال جعفر: أنا أحق بها و خالتي تحتى.(1/346)
و قال ابن سعد: زوجها حمزة، و كانت أسلمت قديما مع أختها أسماء، فولدت لحمزة ابنته عمارة، و هي التي اختصم فيها عليّ و جعفر و زيد بن حارثة، ثم بانت سلمى من حمزة، فتزوجها شداد، فولدت له عبد الله، فقضى بها النبي صلّى الله عليه و سلم لجعفر، و قال: الخالة بمنزلة الأم، و كانت أسماء تحت جعفر، فتعين أن أمها سلمى، و قد بالغ ابن الأثير في الردّ على من زعم من أن أسماء كانت تحت حمزة. (طبقات ابن سعد): 8/ 209، (الاستيعاب): 4/ 1861، ترجمة رقم (3381)، (الإصابة): 7/ 706، ترجمة رقم (11317).
إمتاع الأسماع،ج 6،ص:275
[أصهار رسول الله صلّى الله عليه و سلم و نساء أعمامه ]
و من أصهار رسول الله صلّى الله عليه و سلم و نساء أعمامه:
خولة بنت قيس بن قهد [بالقاف ] [1] بن قيس بن ثعلبة بن عبيد بن ثعلبة بن غنم بن مالك بن النجار الأنصارية أم محمد [2].
و قيل: خولة بنت تامر- و قيل: تامر لقب لقيس بن قهد- كانت تحت حمزة بن عبد المطلب رضي الله عنه، فولدت له عمارة بن حمزة، و خلف
__________________________________________________
[1] زيادة للسياق و البيان من (الإصابة).
[2] هي خولة بنت قيس بن قهد- بالقاف- بن ثعلبة بن غنم بن مالك بن النجار الأنصارية الخزرجية ثم النجارية أم محمد. يقال: هي زوج حمزة بن عبد المطلب، ثم قيل: غيرها.(1/347)
قال محمود بن لبيد، عن خولة بنت قيس بن قهد، و كانت تحت حمزة بن عبد المطلب: أنها قالت: دخل النبي صلّى الله عليه و سلم على عمه- يعنى حمزة- فصنعت شيئا فأكلوه، فقال النبي صلّى الله عليه و سلم: ألا أخبركم بكفارات الخطايا؟ قالوا: بلى يا رسول الله، قال: إسباغ الوضوء على المكاره، و كثرة الخطا إلى المساجد، و انتظار الصلاة بعد الصلاة، أخرجه ابن مندة بعلوّ. و أخرج أيضا من طريق قيس بن النعمان بن رفاعة: سمعت معاذ بن رفاعة بن رافع يحدث عن خولة بنت قيس بن قهد، قالت: دخل عليّ رسول الله صلّى الله عليه و سلم فصنعت له حريرة [دقيق يطبخ بلبن أو دسم ]، فلما قدمتها إليه وضع يده فيها فوجد حرّها فقبضها، ثم قال: يا خولة، لا نصبر على حرّ و لا نصبر على برد. و قال ابن سعد: أمها الفريعة بنت زرارة، أخت أسعد بن زرارة، قال: و خلف عليها بعد حمزة بن عبد المطلب حنظلة بن النعمان بن عمرو بن مالك بن عامر بن العجلان.
و أخرج أبو نعيم، من طريق أبى معشر، عن سعيد المقبري عن عبيد سنوطى، قال: دخلت على خولة بنت قيس التي كانت عند حمزة فتزوجها النعمان بن عجلان بعد حمزة، فقلت: يا أم محمد، انظري ما تحدثيننى، فإن الحديث عن النبي صلّى الله عليه و سلم بغير ثبت شديد، فقالت: بئس ما لي أن أحدثهم عن رسول الله صلّى الله عليه و سلم بما سمعته و أكذب عليه، سمعته يقول: الدنيا حلوة خضرة من يأخذ منها ما يحلّ يبارك له فيه، و ربّ متخوّض في مال الله ... الحديث. [أي ربّ متصرف في مال الله بما لا يرضاه الله. و قيل: هو التخليط في تحصيله من غير وجهه كيف أمكن ]. (الإصابة): 7/ 625، ترجمة رقم (11126)، (الاستيعاب): 4/ 1833، ترجمة رقم (3324)، (النهاية): 2/ 88.
إمتاع الأسماع،ج 6،ص:276
عليها بعد حمزة رجل من الأنصار. و يقال لها: خويلة، روى لها البخاري و الترمذي.
و سلمى بنت عميس الخثعمية، كانت تحت حمزة أيضا، فولدت له أمامة [1].(1/348)
و لبابة الكبرى بنت الحارث، زوجة العباس رضي الله عنه، أم بنيه الفضل، و عبد الله، و عبيد الله، و قثم، و عبد الرحمن، و معبد [1].
و حجيلة بنت جندب بن الربيع بن عامر بن كعب بن عمرو بن الحارث ابن عمرو بن سعد مالك بن الحارث بن تميم بن سعد بن هذيل بن مدركة ابن إلياس بن مضر بن نزار بن معد بن عدنان. زوجة العباس، أم ولده الحارث بن عباس [2].
و فاطمة بنت أسد بن هاشم بن عبد مناف بن قصي، زوجة أبى طالب، أم بنيه: طالب، و عقيل، و جعفر، و على، رضي الله عنهم، و هي أول هاشمية ولدت لهاشمى، أسلمت و هاجرت و ماتت بالمدينة، فشهدها رسول الله صلّى الله عليه و سلم، و ألبسها قميصه و اضطجع معها في قبرها، فقالوا: ما رأيناك صنعت ما صنعت بهذه، فقال: إن لم يكن أحد بعد أبي طالب أبرّ بى منها، إنما ألبستها قميصي لتكتسى من حلل الجنة، و اضطجعت معها ليهون عليها. و قيل: إنها ماتت قبل الهجرة، و ليس بشي ء [3].
و عاتكة بنت أبى وهب بن عمرو بن عائذ بن عمران بن مخزوم، زوجة
__________________________________________________
[1] سبق أن أشرنا إلى مصادر ترجمتها.
[2] قال أبو عمر: لكل ولد العباس رؤية و الصحبة للفضل، و عبد الله، و أمه حجيلة بنت جند بن الربيع الهلالية، و قيل: أم ولد. ثم قال: و أما الحارث بن العباس بن عبد المطلب فأمه من هذيل. (الإصابة):
2/ 151، ترجمة رقم (1904)، (الاستيعاب): 1/ 195- 196، ترجمة رقم (240).
[3] (الإصابة): 8/ 60، ترجمة رقم (11584)، (الاستيعاب): 4/ 1891، ترجمة رقم (4052).
إمتاع الأسماع،ج 6،ص:277
الزبير بن عبد المطلب، أم بنيه: الطاهر، و حجل، [و قرّة] [1]، و عبد الله، كان أبوها من أشراف قريش في الجاهلية، و أخوها هبيرة بن أبى وهب من فرسان قريش و شعرائهم، و هو زوج أم هانئ بنت أبى طالب، وفد يوم الفتح إلى نجران فمات بها كافرا، و ترك أولادا من أم هانئ [2].(1/349)
و غزية بنت قيس بن طريف من بنى الحارث بن فهر، زوجة الحارث بن عبد المطلب أم بنيه: أبى سفيان، و ربيعة، و نوفل، و عبد شمس، و عبد الله، و أمية [3].
و أم جميل بنت حرب بن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف- و هي حمالة الحطب- امرأة أبى لهب بن عبد المطلب، أم بنيه: عتبة، و معتب، و عتيبة [4].
__________________________________________________
[1] زيادة للسياق و البيان.
[2] قال الكلبي: و كان للزبير بن عبد المطلب: الطاهر، و حجل، و قرة، و عبد الله، قتل يوم أجنادين [موضع بالشام من نواحي فلسطين، و أمهم عاتكة بنت أبى وهب بن عمرو بن عائذ بن عمران بن مخزوم. (جمهرة النسب): 34- 35.
[3] لم أجد لها ترجمة.
[4] سبق الكلام عنها في فصل [أصهاره صلّى الله عليه و سلم من قتل أم حبيبة].
إمتاع الأسماع،ج 6،ص:278
أصهاره صلّى الله عليه و سلم أزواج عماته
و من أصهاره صلّى الله عليه و سلم أزواج عماته، و هم تسعة:
كريز بن ربيعة بن حبيب بن عبد شمس بن عبد مناف، زوج البيضاء أم حكيم بنت أبى طالب، أبو بنيها: عامر، و أم طلحة أرنب، و أروى أم عثمان، و أم كريز أم سكن بنت ظالم بن منقذ بن سبيع بن خثعمة بن سعد بن مليح الخزاعي، و كان له من الولد أيضا فاختة، تزوجها أبو العاص ابن الربيع بن عبد العزى بن عبد شمس، و أمها هند بنت جدعان بن عمرو ابن كعب بن سعد بن تيم بن مرة، و الحارث بن كريز أمه من عبد قيس، يقال له أبو كبشة، و كان عنده مسيلمة الكذاب، و عبيس بن كريز أمه أم عبيس، فتاة لبني تيم بن مرة، أسلمت فعذبت في الله، حتى اشتراها أبو بكر الصديق رضى الله عنه، فأعتقها [1].
__________________________________________________
[1] هي أحد من كان يعذبه المشركون ممن سبق إلى الإسلام. قال أبو بشر الدولابي عن الشعبي: أسلمت و هي زوج كريز بن ربيعة بن حبيب بن عبد شمس، ولدت له عبيسا فكنيت به.(1/350)
و روى يونس بن بكير في (زيادات المغازي) لابن إسحاق، عن هشام بن عروة، عن أبيه، أن أبا بكر الصديق رضي الله عنه أعتق من ممن كان يعذب في الله سبعة و هم: بلال، و عامر بن فهيرة، و زنبرة، و جارية ابنا المؤمل، و الهندية، و ابنتها، و أم عبيس.
و أخرج محمد بن عثمان بن أبى شيبة في تاريخه، عن منجاب بن الحارث، عن إبراهيم بن يوسف ابن زياد البكائي، عن ابن إسحاق، عن حميد عن أنس: قال: قالت أم هانئ بنت أبى طالب: أعتق أبو بكر بلالا، و أعتق معه ستة، منهم أم عبيس.
و أخرجه أبو نعيم، و أبو موسى، من طريقه. و قال الزبير بن بكار: كانت فتاة لنبي تيم بن مرة، فأسلمت أول الإسلام، و كانت ممن استضعفه المشركون يعذبونها فاشتراها أبو بكر فأعتقها، و كنيت بابنها عبيس بن كريز.
قال الحافظ: قال البلاذري: كانت أمة لنبي زهرة، و كان الأسود بن عبد يغوث يعذبها. (الإصابة):
8/ 257- 258، ترجمة رقم (12159)، (الاستيعاب): 4/ 1946، ترجمة رقم (4182).
إمتاع الأسماع،ج 6،ص:279
و أبو أمية حذيفة بن الميغرة بن عبد الله بن عمرو بن مخزوم، أبو أولادها:
عبد الله، و زهير، و قريبة الكبرى، إخوة أم المؤمنين أم سلمة لأبيها [1].
و عبد الأسد بن هلال بن عبد الله بن عمر بن مخزوم [2]، زوج برّة بنت عبد المطلب، أبو ابنها أبى سلمة عبد الله، و أمه نعم بنت عبد العزى بن رباح بن عبد الله بن قرظ بن رزاح بن عدي بن كعب، و أبوها أبو سلمة تقدم ذكره، و له من الولد أيضا: سفيان بن عبد الأسد، و الأسود بن عبد الأسد، و قتل الأسود ببدر كافرا، قتله حمزة، و كان قد حلف ليكسرن
__________________________________________________
[1] (الإصابة): 8/ 81، ترجمة رقم (11645).
[(1/351)
2] قال أبو محمد على بن أحمد بن سعيد بن حزم الأندلسى: و ولد هلال بن عبد الله بن عمر بن مخزوم: عبد الأسد، فولد عبد الأسد: أبا سلمة، استخلفه رسول الله صلّى الله عليه و سلم علي المدينة، و اسمه عبد الله، من قدماء الصحابة المهاجرين الأولين، و هو زوج أم سلمة أم المؤمنين قبل رسول الله صلّى الله عليه و سلم، و الأسود بن عبد الأسود، أحد المستهزءين، قتل يوم بدر كافرا، و سفيان بن عبد الأسد.
فولد أبو سلمة رضي الله عنه سلمة، و عمر، و زينب، و درّة: أمهم كلهم أم سلمة أم المؤمنين رضي الله عنها. ولد عمر بأرض الحبشة و له عقب، و ولّاه عليّ رضى الله عنه علي البحرين، و كان له ابن اسمه سلمة بن عمر، و لزينب أيضا عقب، و لا عقب لدرة، و لا لسلمة، و زوّجه النبي صلّى الله عليه و سلم بنت حمزة، و كان لسلمة عقب انقرض، منهم: سلمة بن عبد الله بن سلمة بن أبى سلمة بن عبد الأسد، ولى قضاء المدينة لعبد الرحمن بن الضحاك، و ولد الأسود بن عبد الأسد: المرأة التي سرقت فقطعها رسول الله صلّى الله عليه و سلم.
و ولد سفيان بن عبد الأسد: الأسود، و هبّار، قتل يوم مؤتة، و عمر، هاجر إلى الحبشة، و عبيد الله، قتل يوم اليرموك، و عبد الله: أمهم كلهم صفية بنت الخطاب أخت عمر.
و أبو سلمة، و الحارث، و عبد الرحمن، و عبد الرحمن آخر، و عبد الله، و معاوية، و سفيان: أم هؤلاء أم جميل بنت المغيرة بن أبى العاص بن أمية بن عبد شمس.
و من ولده: رزق، و عبد الله، ابنا الأسود بن سفيان بن عبد الأسد: أمهما أم حبيب بنت العباس بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف.
و من ولده أيضا: محمد بن عبد الرحمن بن محمد بن أبى سلمة بن سفيان بن عبد الأسد، استقضاه الهادي على مكة، و استقضاه المأمون ببغداد. (جمهرة أنساب العرب): 143- 144.
إمتاع الأسماع،ج 6،ص:280(1/352)
حوض النبي صلّى الله عليه و سلم، فقاتله حتى وصل إليه فأدركه حمزة و هو يكسره فقتله، فاختلط دمه بالماء. و أم سفيان من كندة، و أخوهما لأمهما أنس بن أذاه بن رباح [1].
و أبو رهم بن عبد العزى بن أبى قيس بن عبد ود بن نصر بن مالك بن حسل، بن عامر بن لؤيّ، زوج برّة بعد عبد الأسد، و أبو ابنها أبى سبرة بن أبى رهم، أمه و أم أخيه حويطب بن عبد العزى زينب بنت علقمة بن غزوان بن يربوع بن الحارث بن سعد بن عمرو بن قبيص، و إخوته لأبيه:
مخرمة الأكبر، و مخرمة الأصغر، و فاطمة.
و عمير بن وهب بن عبد بن قصي، زوج أروى بنت عبد المطلب [2]، أبو ابنها طليب، كان أبوه وهب يعرف بأبي كبيرة [3].
__________________________________________________
[1] قال في (المرجع السابق): 150: و ولد رباح بن عبد الله بن قرظ: أذاة، و عبد العزى، فولد أذاة: قيلة أم أبي قحافة والد أبى بكر الصديق رضى الله عنه، و أنس بن أذاة.
فمن ولد أنس: عمرو و عبد الله ابنا سراقة بن المعتمر بن أنس ابن أذاة، شهد بدرا مع رسول الله صلّى الله عليه و سلم.
[2] قال في (المرجع السابق): 169: و ولد أبى رهم بن عبد العزى: أبو سبرة بن أبى رهم، بدرىّ، و هو أخو سلمة بن عبد الأسد المخزوميّ، أمها برّة بنت عبد المطلب، عمة رسول الله صلّى الله عليه و سلم، فولد أبى سبرة: محمد، فولد محمد: عبد الله، فولد عبد الله: أبو بكر و محمد، ولى قضاء المدينة. و أما أبو بكر فخرج مع محمد بن عبد الله بن الحسن بالمدينة، و أتاه بأربعة و عشرين ألف دينار من صدقات طيِّئ و أسد.
[3] أروى بنت عبد المطلب بن هاشم الهاشمية، عمة رسول الله صلّى الله عليه و سلم. قال أبو عمر: كانت أروى تحت عمير بن وهب بن عبد بن قصي، فولدت له طليبا، ثم خلف عليها كلدة بن عبد مناف بن عبد الدار بن قصىّ، فولدت له أروى.(1/353)
و حكى أبو عمر عن محمد بن إسحاق، أنه لم يسلم من عمات النبي صلّى الله عليه و سلم إلا صفية، و تعقبه بقصة أروى، و ذكرها العقيلي في الصحابة، و أسند عن الواقدي، عن موسى بن محمد بن إبراهيم ابن الحارث التيمي، عن أبيه قال: لما أسلم طليب بن عمير، دخل على أمه أروى بنت عبد المطلب، فقال لها: قد أسلمت و تبعت محمدا، فذكر قصة فيها: و ما يمنعك أن تسلمي فقد أسلم أخوك حمزة؟
إمتاع الأسماع،ج 6،ص:281
و كلدة بن هاشم بن عبد مناف بن عبد الدار بن قصي [1]، زوج أروى بنت عبد المطلب بعد عمير بن وهب، و أبو ابنتها فاطمة امرأة أرطاة بن عبد شرحبيل بن هاشم بن عبد مناف بن عبد الدار بن قصي، الّذي كان بيده لواء المشركين يوم أحد، و قتله مصعب بن عمير [2].
و جحش بن رئاب بن يعمر بن صبيرة بن مرة بن كثير بن غنم بن دودان ابن أسد بن خزيمة بن مدركة بن إلياس بن مضر الأسدي زوج أميمة بنت عبد المطلب، و أبو أولادها عبد الله المجدّع، و عبيد الله و أبى أحمد و زينب أم المؤمنين و أم حبيبة و حمنة [3].
__________________________________________________
[ ()] فقالت: انظر ما يصنع أخواي، قال: قلت: فإنّي أسألك باللَّه إلا أتيته فسلمت عليه و صدقته. قالت:
فإنّي أشهد أن لا إله إلا الله، و أشهد أن محمدا رسول الله، ثم كانت بعد ذلك تعضّد النبي صلّى الله عليه و سلم بلسانها، و تحض ابنها على نصرته و القيام بأمره.
و قال ابن سعد: أسلمت و هاجرت إلى المدينة (الإصابة): 7/ 480- 481، ترجمة رقم (10785)، (الاستيعاب): 4/ 1711، 1778، ترجمة رقم (3225)، (طبقات ابن سعد):
8/ 28.
[1] قال ابن حزم: و ولد عبد مناف بن عبد الدار: هاشم، و كلدة. ثم قال: و ولد هاشم بن عبد مناف بن عبد الدار: عمير، و عامر، و عبد شرحبيل، قلت: فعلى ذلك يكون كلدة بن عبد مناف و ليس ابن هاشم بن عبد مناف، انظر (جمهرة أنساب العرب): 126.
[(1/354)
2] قال ابن إسحاق- و قد ذكر من قتل من المشركين يوم أحد- و أرطاة بن عبد شرحبيل بن هاشم بن عبد مناف بن عبد الدار، قتله حمزة بن عبد المطلب.
ثم قال- و قد ذكر استشهاد حمزة رضي الله عنه-: و قاتل حمزة بن عبد المطلب رضي الله عنه، حتى قتل أرطاة بن شرحبيل بن هاشم بن عبد مناف بن عبد الدار، و كان أحد النفر الذين يحملون اللواء [يوم أحد]. (سيرة ابن هشام): 4/ 16، 84.
[3] جحش بن رئاب الأسدي، والد أبى أحمد، قال ابن حبان: له صحبة، ذكره الجعابيّ فيمن روى عن النبي صلّى الله عليه و سلم من الصحابة، هو و ابنه، و روى الدار قطنى بإسناد و أن النبي صلّى الله عليه و سلم غيّر اسم جحش هذا، كان اسمه برّة فسماه النبي صلّى الله عليه و سلم جحشا، و المعروف أن ابنته كان اسمها برّة فغيّره النبي صلّى الله عليه و سلم.
و أبو أحمد بن جحش الأسدي، أخو أم المؤمنين زينب، اسمه «عبد» بغير إضافة، و قيل عبد الله، [و زاد في (الاستيعاب): و قيل اسمه ثمامة، و لا يصح ].
إمتاع الأسماع،ج 6،ص:282
و الحارث بن حرب بن أمية بن عبد شمس، زوج صفية بنت عبد المطلب [1]، و أبو ابنتها صفيّا بنت الحارث.
و العوام بن خويلد بن أسد بن عبد العزى، زوج صفية بعد الحارث بن حرب، و أبو ابنها الزبير بن العوام، رضي الله عنه [2].
__________________________________________________
[ ()] حكى عن ابن كثير، و قالوا: إنه و هم، اتفقوا على أنه كان من السابقين الأولين، و قيل: إنه هاجر إلى الحبشة، ثم قدم مهاجرا إلى المدينة، و أنكر البلاذري هجرته إلى الحبشة، و قال: لم يهاجر إلى الحبشة، قال: و إنما هو أخو عبيد الله الّذي تنصّر بها.(1/355)
و قال ابن إسحاق: و كان أول من قدم مكة من المهاجرين بعد أبى سلمة عامر بن ربيعة، و عبد الله ابن جحش، احتمل بأهله و أخيه عبد الله، و كان أبو أحمد ضريرا، يطوف بمكة أعلاها و أسفلها بغير قائد، و كانت عنده الفارعة بنت أبى سفيان بن حرب، و شهد بدرا و المشاهد، و كان يدور مكة بغير قائد، و في ذلك يقول:
حبّذا مكة من وادي بها أهلي و عوّادي
بها ترسخ أوتادي بها أمشى بلا هادي
و جزم ابن الأثير بأنه مات بعد أخته زينب بنت جحش، و فيه نظر، فقد قيل: إنه الّذي مات فبلغ أخته موته، فدعت بطيب فمسته. و وقع في الصحيحين من طريق زينب بنت أم سلمة، قالت:
دخلت على زينب بنت جحش حين توفى أخوها، فدعت بطيب فمسته، ثم قالت: ما لي بالطيب من حاجة، و لكنى سمعت رسول الله صلّى الله عليه و سلم يقول: لا يحل لامرأة تؤمن باللَّه و اليوم الآخر أن تحدّ على ميت فوق ثلاث إلا على زوج ... الحديث. و يقوى أنّ المراد بهذا أبو أحمد أن كلا من أخويها عبد الله و عبيد الله مات في حياة النبي صلّى الله عليه و سلم، أما عبد الله المكبر فاستشهد بأحد، و أما أخوها عبيد الله المصغر فمات نصرانيا بأرض الحبشة، و تزوج النبي صلّى الله عليه و سلم امرأته أم حبيبة بنت أبى سفيان بعده. (الإصابة): 1/ 466، ترجمة رقم (1109 ز)، 7/ 6- 7، ترجمة رقم (9492)، (سيرة ابن شهام): 4/ 78، 2/ 166.
[1] هي صفية بنت عبد المطلب بن هاشم القرشية الهاشمية، عمة رسول الله صلّى الله عليه و سلم، و والدة الزبير بن العوام- أحد العشرة- و هي شقيقة حمزة، أمها هالة بنت وهب خالة رسول الله صلّى الله عليه و سلم.
و كان أول من تزوجها الحارث بن حرب بن أمية، ثم هلك، فخلف عليها العوام بن خويلد بن أسد ابن عبد العزى، فولدت له الزبير و السائب، و أسلمت، و روت، و عاشت إلى خلافة عمر رضى الله عنه (الاستيعاب): 4/ 1873. ترجمة رقم (4007)، (الإصابة): 7/ 743، ترجمة رقم (11405)، (طبقات ابن سعد): 8/ 27.
[(1/356)
2] انظر التعليق السابق.
إمتاع الأسماع،ج 6،ص:283
أصهاره صلّى الله عليه و سلم من قبل بناته
أبو العاص مهشم و قيل لقيط، و قيل هاشم، و قيل هشم، و قيل مقسم، و قيل القاسم، و صححه الزبير بن بكار، و يعرف بجرو البطحاء، و يقال له:
الأوس بن الربيع بن عبد العزى بن عبد شمس بن عبد مناف [بن قصي ] [1] القرشي صهر رسول الله صلّى الله عليه و سلم، زوج ابنته زينب أكبر بناته، و ابن خالتها. أمه هالة بنت خويلد بن أسد بن عبد العزى بن قصي، أخت خديجة بنت خويلد، رضى الله عنها لأبيها و أمها، شهد بدرا مع كفار قريش، فأسره عبد الله بن جبير بن النعمان الأنصاري، و قيل خراش بن الصمة [2]، و قدم أخوه عمرو بن الربيع لفدائه بمال دفعته إليه زينب عليها السلام، و منه قلادة كانت لخديجة [من جزع ظفار] [3] أدخلتها بها على أبى العاص حين بنى عليها، فقال رسول الله صلّى الله عليه و سلم: إن رأيتم أن تطلقوا لها أسيرها، و تردّوا الّذي لها فافعلوا، فقالوا: نعم. و كان أبو العاص مؤاخيا لرسول الله صلّى الله عليه و سلم، مصافيا له، و كان رسول الله صلّى الله عليه و سلم يكثر غشيانه في منزل أمه هالة، و كان أبو العاص قد أبى أن يطلق زينب إذ سعى إليه المشركون من قريش في ذلك، فشكر له رسول الله صلّى الله عليه و سلم مصاهرته، و أثنى عليه بذلك خيرا، و هاجرت زينب مسلمة، و تركته على شركة، فأقام حتى كان قبيل الفتح، فخرج بتجارة إلى الشام، و معه أموال لقريش، فلما قفل لقيه زيد بن حارثة و هو على سرية [4]، فأسر ممن رافقه
__________________________________________________
[1] زيادة للسياق من (طبقات ابن سعد): 8/ 25.
[2] قال ابن هشام: أسره خراش بن الصمة، أحد بنى حرام (سيرة ابن هشام): 2/ 202.
[3] ما بين الحاصرتين مطموس في (خ)، و استدركناه من (مغازي الواقدي): 1/ 130.
[4] كان في سبعين و مائة راكب، فلقوا العير بناحية العيص، في جمادى الآخرة سنة ست من الهجرة.(1/357)
إمتاع الأسماع،ج 6،ص:284
عدة، و أخذ ما معه.
و فرّ أبو العاص حتى [دخل ] [1] ذليلا على زينب امرأته فاستجارها [2]، و قدم زيد بما معه، فلما خرج رسول الله صلّى الله عليه و سلم إلى صلاة الصبح و كبّر فكبّر الناس معه، صرخت زينب: «أيها الناس إني قد أجرت أبا العاص بن الربيع، فلما سلّم رسول الله صلّى الله عليه و سلم من صلاته، أقبل على الناس فقال: [أيها الناس ] [3] هل سمعتم ما سمعت؟» قالوا: نعم، قال: «أما و الّذي نفسي بيده، ما علمت بشي ء [مما كان ] [4] حتى سمعت ما سمعتم، [المؤمنون يد علي من سواهم، يجير عليهم أدناهم، و قد أجرنا من أجارت ]» [5]، ثم انصرف، فدخل على زينب فقال: «أي بنية، أكرمى مثواه، و لا يخلص إليك فإنك لا تحلين له» فقالت: «إنه جاء في طلب ماله» فخرج و بعث في تلك السرية، فاجتمعوا إليه و كانوا سبعين و مائة، فقال لهم: «إن هذا الرجل بنا بحيث علمتم، و قد أصبتم له مالا، و هو في ء أفاءه الله عليكم، و أنا أحب أن تحسنوا و تردوا إليه الّذي له، و إن أبيتم فأنتم أحق به. قالوا: يا رسول الله، بل نردّه إليه، فردوا عليه ماله ما فقد منه شيئا، فاحتمل إلى مكة، فأدّى إلى كل ذي مال من قريش ماله الّذي كان أبضع معه ثم قال: يا معشر قريش، هل بقي لأحد منكم مال لم يأخذه؟ قالوا:
جزاك الله خيرا، فقد وجدناك وفيا كريما، قال: فإنّي أشهد أن لا إله إلا الله، و أن محمدا عبده و رسوله، و الله ما منعني من الإسلام إلا تخوّف أن تظنوا بى
__________________________________________________
[ ()] (طبقات ابن سعد): 27/ 8.
[1] زيادة يقتضيها السياق.
[2] في (خ): «فاستجار بها»، و ما أثبتناه من (المرجع السابق).
[3] زيادة للسياق من (المرجع السابق).
[4] زيادة للسياق من (طبقات ابن سعد): 8/ 27.
[5] ما بين الحاصرتين في (خ): «إنه يجبر علي المسلمين أدناهم»، و ما أثبتناه من (المرجع السابق).
إمتاع الأسماع،ج 6،ص:285(1/358)
أكل أموالكم، فلما أداها الله إليكم أسلمت.
ثم خرج حتى قدم على رسول الله صلّى الله عليه و سلم مسلما و حسن إسلامه، و ردّ رسول الله صلّى الله عليه و سلم ابنته بالنكاح الأول، بعد ست سنين [1]، و قيل: ردها عليه.
بنكاح جديد.
خرّج الترمذي من حديث أبى معاوية، عن الحجاج بن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جدّه، أن رسول الله صلّى الله عليه و سلم ردّ ابنته زينب على أبى العاص بن الربيع بمهر جديد و نكاح جديد، قال أبو عيسى: هذا الحديث في إسناده مقال، و في الحديث الآخر مقال [2].
و العمل على هذا الحديث عند أهل العلم: أن المرأة إذا أسلمت قبل زوجها، ثم أسلم زوجها و هي في العدة، أن زوجها أحق بها ما كانت في العدة، و هو قول مالك بن أنس، و الأوزاعي، و الشافعيّ، و أحمد، و إسحاق [3].
و خرّج أيضا من حديث يونس بن بكير، عن محمد بن إسحاق قال:
حدثني داود بن الحصين عن عكرمة، عن ابن عباس قال: ردّ النبي صلّى الله عليه و سلم ابنته زينب على أبى العاص بن الربيع بعد ست سنين بالنكاح الأول، و لم يحدث نكاحا. قال أبو عيسى: هذا حديث ليس بإسناده بأس، و لكن لا
__________________________________________________
[1] في المحرم سنة سبع من الهجرة (المرجع السابق).
[2] أخرجه أبو داود و الترمذي، رواه أبو داود برقم (2240) في الطلاق باب إلى متى ترد عليه امرأته إذا أسلم بعدها، و الترمذي برقم (1143)، في النكاح، باب الزوجين يسلم أحدهما قبل الآخر، و في سنده الحجاج بن أرطاة، و هو كثير الخطأ و التدليس، و قال الترمذي: هذا حديث في إسناده مقال.
(جامع الأصول): 11/ 510.
[3] قال الحافظ: و أحسن المسالك في تقرير الحديثين ترجيح حديث ابن عباس كما رجحه الأئمة، و حمله على تطاول العدة فيما بين نزول آية التحريم، و إسلام أبى العباس، و لا مانع من ذلك. (جامع الأصول): 11/ 510 «هامش».
إمتاع الأسماع،ج 6،ص:286(1/359)
نعرف وجه هذا الحديث [و لعله قد جاء هذا من قبل داود بن حصين، من قبل حفظه ] [1] قال: سمعت عبد بن حميد يقول: سمعت يزيد بن هارون يذكر عن محمد بن إسحاق هذا الحديث [2].
و حديث الحجاج عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده، أن النبي صلّى الله عليه و سلم ردّ ابنته على أبى العباس بن الربيع بمهر جديد و نكاح جديد. قال يزيد بن هارون: حديث ابن عباس أجود إسنادا، و العمل على حديث عمرو بن شعيب.
__________________________________________________
[1] (تحفة الأحوذي): 4/ 248، أبواب النكاح، باب (41) ما جاء في الزوجين المشركين يسلم أحدهما قبل الآخر، حديث رقم (1151)، قوله: «هذا حديث في إسناده مقال»، في إسناده حجاج ابن أرطاة و هو مدلس، و أيضا لم يسمع من عمرو بن شعيب كما قال أبو عبيد، و إنما حمله عن العزرمىّ و هو ضعيف، و قد ضعّف هذا الحديث جماعة من أهل العلم، كذا في (النيل). [نيل الأوطار للشوكانى ]، و الحديث أخرجه أيضا ابن ماجة.
قوله: «و العمل على هذا عند أهل العلم»، أي من حيث أن هذا الحديث يقتضي أن الردّ بعد العدة يحتاج إلى نكاح جديد، فالرّد بلا نكاح لا يكون إلا قبل العدة، قاله أبو الطيب المدني.
[2] قوله: «و هو قول مالك بن أنس و الأوزاعي و الشافعيّ و أحمد و إسحاق»، و قال محمد في (موطإه):
إذا أسلمت المرأة و زوجها كافر في دار الإسلام لم يفرق بينهما حتى يعرض على الزوج الإسلام، فإن أسلم فهي امرأته، و إن أبى أن يسلم فرق بينهما، و كانت فرقتها تطليقة بائنة، و هو قول أبى حنيفة و إبراهيم النخعي.(1/360)
قوله: «بعد ست سنين بالنكاح الأول و لم يحدث نكاحا»، و في رواية لأحمد و أبى داود و ابن ماجة: «بعد سنتين»، قال الشوكانى: «و في رواية بعد ثلاث سنين»، و أشار في (الفتح) إلى الجمع فقال: المراد بالست، ما بين هجرة زينب و إسلامه، و بالسنتين أو الثلاث ما بين نزول قوله تعالى: لا هُنَّ حِلٌّ لَهُمْ 60: 10 [10: الممتحنة]، و قدومه مسلما، فإن بينهما سنتين و أشهرا.
قوله: «هذا حديث ليس بإسناده بأس»، حديث ابن عباس هذا صححه الحاكم، و قال الخطابي: هو أصح من حديث عمرو بن شعيب، و كذا قال البخاري. قال ابن كثير في (الإرشاد): هو حديث جيد قوى، و هو من رواية ابن إسحاق عن داود بن الحصين عن عكرمة عن ابن عباس. أ. ه. إلا أن حديث داود بن الحصين عن عكرمة عن ابن عباس نسخه، و قد ضعّف أمرهما عليّ بن المديني و غيره من علماء الحديث، و ابن إسحاق فيه مقال معروف. كذا في (النّيل). قال المباركفوري: قد تقدم في بحث القراءة خلف
إمتاع الأسماع،ج 6،ص:287
خرج الدار قطنى [من ] [1] حديث أبى معاوية، عن الحجاج بن أرطاة عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده، أن رسول الله صلّى الله عليه و سلم، ردّ ابنته [زينب [2]] على أبى العاص بن الربيع بنكاح جديد. و قال بعده: هذا لم يثبت، و حجاج لا يحتج به، و الصواب حديث ابن عباس.
و كذلك رواه مالك عن الزهري في قصة صفوان بن أمية، قال أبو عمر ابن عبد البر: و قد حدّث داود بن الحصين عن عكرمة عن ابن عباس قال:
ردّ رسول الله صلّى الله عليه و سلم ابنته زينب على أبى العاص بالنكاح الأول لم يحدث شيئا [3] بعضهم يقول: فيه ثلاث سنين، و بعضهم يقول: ست سنين، و بعضهم يقول: فيه بعد سنتين، و بعضهم لا يقول شيئا في ذلك [4].
__________________________________________________
[ ()] الإمام، أن الحق أن ابن إسحاق ثقة قابل للاحتجاج.(1/361)
قوله: «و لكن لا نعرف وجه الحديث ...»، قال الحافظ: أشار بذلك إلى أن ردّها إليه بعد ست سنين، أو بعد سنتين، أو ثلاث، مشكل لاستبعاد أن تبقى في العدة هذه المدة.
قال: و لم يذهب أحد إلى جواز تقرير المسلمة تحت المشرك، إذا تأخر إسلامه عن إسلامها حتى انقضت عدتها. و من نقل الإجماع في ذلك ابن عبد البر- (تحفة الأحوذي) 4/ 248- 250، أبواب النكاح، باب (41) ما جاء في الزوجين المشركين يسلم أحدهما، حديث رقم (1151).
[1] زيادة للسياق.
[2] زيادة للسياق.
[3] (سنن الدار قطنى): 3/ 253- 254، حديث رقم (35)، (36).
[4] الحديث أخرجه أبو داود، و الترمذي، و ابن ماجة، عن محمد بن إسحاق مثله، و في الترمذي: بعد ست سنين، و في ابن ماجة: بعد سنتين، و الروايتان عند أبى داود. قال الترمذي: لا بأس بإسناده، و سمعت عبد بن حميد يقول: سمعت يزيد بن هارون يقول: حديث ابن عباس هذا أجود إسنادا من حديث عمرو بن شعيب، و لكن لا يعرف وجه حديث ابن عباس، و لعله جاء من داود بن حسين من قبل حفظه. و رواه الحاكم في (المستدرك)، و قال: صحيح على شرط مسلم، و قال عبد الحق، حديث ابن عباس فيه محمد بن إسحاق، و لا أعلم رواه معه إلا من هو دونه، ثم نقل عن ابن عبد البر منسوخ عند الجميع (سنن الدار قطنى): 3/ 254، تعليق على الحديث رقم (35)، (36)، (سنن بن ماجة): 1/ 647، كتاب النكاح، باب (60) الزوجين يسلم أحدهما قبل الآخر، حديث رقم (2009)، (2010)، (المستدرك): 4/ 50، كتاب معرفة الصحافة، ذكر بنات رسول الله صلّى الله عليه و سلم بعد فاطمة رضى الله عنها، حديث رقم (6846/ 2444).
إمتاع الأسماع،ج 6،ص:288
و هذا الخبر إن صح، فهو متروك منسوخ عند الجميع، لأنهم لا يجيزون رجوعها إليه بعد خروجها من عدتها، و إسلام زينب كان قبل أن ينزل كثير من الفرائض.(1/362)
و روى عن قتادة أن ذلك كان قبل أن تنزل سورة بَراءَةٌ 9: 1 [1] تقطع العهود بينهم و بين المشركين، و قال الزهري: كان هذا قبل أن تنزل الفرائض.
و روى عنه سفيان بن حسين، أن أبا العاص بن الربيع أسر يوم بدر، فأتى به رسول الله صلّى الله عليه و سلم، فردّ عليه امرأته، و في هذا أنه ردّها عليه و هو كافر، فمن هنا قال ابن شهاب: إن ذلك كان قبل أن تنزل الفرائض.
و قال آخرون: قصة أبى العاص هذه منسوخة بقوله تعالى: فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِناتٍ فَلا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِ 60: 10 [2] إلى قوله [تعالى ]:
وَ لا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوافِرِ 60: 10 [3]، فربما يدل على أن قصة أبى العاص منسوخة بقوله تعالى: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا جاءَكُمُ الْمُؤْمِناتُ مُهاجِراتٍ فَامْتَحِنُوهُنَّ 60: 10 [4] إلى قوله [تعالى ]: وَ لا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوافِرِ 60: 10 [5]، إجماع العلماء أن أبا العاص بن الربيع كان كافرا، و أن المسلمة لا تحل أن تكون زوجة لكافر، قال الله تعالى: وَ لَنْ يَجْعَلَ الله لِلْكافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلًا 4: 141 [6].
__________________________________________________
[1] أول سورة التوبة.
[2] الممتحنة: 10.
[3] الممتحنة: 10.
[4] الممتحنة: 10.
[5] الممتحنة: 10.
[6] النساء: 141.
إمتاع الأسماع،ج 6،ص:289
و قال رسول الله صلّى الله عليه و سلم للملاعن: لا سبيل لك عليها [1]، و روى سعيد بن جبير و عكرمة عن ابن عباس قال: لا يعلو مسلمة مشرك، فإن الإسلام يظهر و لا يظهر عليه.(1/363)
و في قوله تعالى: لا هُنَّ حِلٌّ لَهُمْ وَ لا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ 60: 10 [2] ما يغنى و يكفى. قال أبو عمر: و لم يختلف أهل السّير أن الآية المذكورة نزلت حين صالح رسول الله صلّى الله عليه و سلم قريشا على أن يرد عليهم من يجي ء بغير إذن وليه، فلما هاجرن أبى الله أن ترددن إلى المشركين إذا امتحنّ محنة الإسلام، و عرف أنهن جئن رغبة في الإسلام.
قال: و لم يختلف العلماء أن الكافرة إذا أسلمت ثم انقضت عدتها أنه لا سبيل لزوجها عليها إذا كان لم يسلم، إلا شيئا روى عن إبراهيم النخعي، شذّ فيه عن جماعة العلماء، و لم يتابعه أحد من الفقهاء، إلا بعض أهل الظاهر فإنه قال: و قد قال أكثر أصحابنا: لا ينفسخ النكاح بتقديم إسلام الزوجة، إلا بمضى مدة يتفق الجميع على فسخه لصحة وقوعه في حلة، و احتج بحديث ابن عباس أن رسول الله صلّى الله عليه و سلم ردّ زينب على أبى العاص بالنكاح الأول بعد مضى سنين لهجرتها، و أظنه مال فيه إلى قصة أبى العاص، و قصة أبى العاص لا تخلو من أن يكون أبو العاص كافرا، إذ ردّه رسول الله صلّى الله عليه و سلم إلى ابنته زينب على النكاح الأول، أو مسلما.
فإن كان كافرا، فهذا ما لا شك فيه، إن كان قبل نزول الفرائض و أحكام
__________________________________________________
[1] أخرجه البخاري في الطلاق، باب قول الإمام للمتلاعنين إن أحدكما كاذب، فهل منكما من تائب، الحديث رقم (5312)، و باب المتعة للتي لم يفرض لها، الحديث رقم (5350)، و أخرجه مسلم في اللعان، حديث رقم (5)، و أخرجه أبو داود في الطلاق، باب في اللعان، حديث رقم (2257)، و النسائي في الطلاق، باب اجتماع المتلاعنين، حديث رقم (3476).
[2] الممتحنة: 10.
إمتاع الأسماع،ج 6،ص:290
الإسلام في النكاح، إذ في القرآن و السنة و الإجماع تحريم خروج المسلمات على الكفار، فلا وجه هاهنا للإكثار.(1/364)
و إن كان مسلما، فلا يخلو من أن تكون [زينب ] حاملا فتمادى حملها فلم تضعه حتى أسلم زوجها، فرده رسول الله صلّى الله عليه و سلم إليها في عدتها، و هذا لم ينتقل في خبر.
أو تكون قد خرجت من العدة، فيكون أيضا ذلك منسوخا بالإجماع، لأنهم قد أجمعوا أنه لا سبيل إليها بعد العدة، لأنّا ذكرنا في شذوذ النخعي و بعض أهل الظاهر و كيف كان ذلك.
فخبر ابن عباس في ردّ أبى العاص إلى زينب خبر متروك، و لا يجوز العمل به عند الجميع، فاستغنى عن القول فيه.
و قد يحتمل قوله: «على النكاح الأول»، يريد على مثل النكاح الأول من الصداق، على أنه قد روى عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده، أن النبي صلّى الله عليه و سلم رد زينب على أبى العاص بنكاح جديد، و كذلك يقول الشعبي على علمه بالمغازى، أن رسول الله صلّى الله عليه و سلم لم يرد أبا العاص إلى ابنته زينب إلا بنكاح جديد، و هذا يعضده الأصول.
قال كاتبه [رحمه الله ] [1]: لم أدر ما هذا الّذي عناه أبو عمر من أهل الظاهر، و ليس هو ابن حزم [الظاهري ]، فإن مذهبه أنّ تقدم إسلام المرأة على إسلام الرجل يفسخ نكاحها منه، و لا سبيل له عليها إلا بنكاح جديد و برضاها، و الله أعلم.
و توفى أبو العاص في ذي الحجة سنة اثنتي عشرة، و ترك من زينب عليا و أمامة، أوصى بهما إلى الزبير بن العوام بن خويلد بن عبد العزى رضى الله
__________________________________________________
[1] زيادة للسياق.
إمتاع الأسماع،ج 6،ص:291
عنه، و هو ابن عمه. و ترك أيضا مريم، و أمها فاختة بنت سعيد بن أبى أحيحة بن العاص، تزوج بها محمد بن عبد الرحمن بن عوف، فولدت له القاسم. و قد انقرض عقب أبى العاص، و كان أحد رجالات قريش، أمانة و حالا [1].(1/365)
و عقبة بن أبى لهب، زوج رقية ابنة رسول الله صلّى الله عليه و سلم، و ابن عم أبيها، أمرته أمه أم جميل بنت حرب بفراقها، و قالت له: طلقها حتى تشغله عياله عما يدعو إليه، فطلقها، فخلف عليها عثمان بن عفان- و هو ابن عمة أبيها- فولدت له عبد الرحمن بن عثمان [2].
__________________________________________________
[1] له ترجمة في: (تاريخ خليفة): 119، (الاستيعاب) 4/ 1701- 1704، ترجمة رقم (3061)، (تهذيب الأسماء و اللغات): 2/ 248- 249 (الإصابة): 7/ 248- 251، ترجمة رقم (10175)، (سير أعلام النبلاء): 1/ 330- 334، ترجمة رقم (69)، (فتح الباري): 7/ 106، كتاب فضائل أصحاب النبي صلّى الله عليه و سلم، باب (16)، ذكر أصهار النبي صلّى الله عليه و سلم. منهم العاص بن الربيع حديث رقم (3729).
[2] عتبة بن أبى لهب، و اسم أبى لهب: عبد العزى بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف بن قصي، و أمه أم جميل بنت حرب بن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف بن قصي.
و كان لعتبة من الولد: أبو على و أبو الهيثم، و أبو غليظ، و أمهم: عتبة بنت عوف بن عبد مناف ابن الحارث بن منقذ بن عمرو بن معيص بن عامر بن لؤيّ، و عمرو، و يزيد، و أبو خداش، و عباس، و ميمونة، و أمهم: أم العباس بنت شراحبيل بن أوس بن حبيب بن الوجيه، من حمير، ثم من ذي الكلاح- سبيّة في الجاهلية، و عبيد الله، و محمد، و شيبة، درجوا، و أم عبد الله و أمهم: أم عكرمة بنت خليفة بن قيس، من الجدرة، من الأزد، و هم حلفاء في بنى الدّيل بن بكر، و عامر بن عتبة، و أمه: هالة الأحمرية، من بنى الأحمر بن الحارث بن عبد مناة بن كنانة، و أبو وائلة بن عتبة، و أمه من خولان.
و عبيد بن عتبة لأم ولد، و إسحاق بن عتبة لأم ولد سوداء، و أم عبد الله بنت عتبة، و أمها: خولة أم ولد.
قال: أخبرنا عليّ بن عيسى بن عبد الله النوفلىّ، عن حمزة بن عتبة بن إبراهيم اللهبي، قال:(1/366)
حدثنا إبراهيم بن عامر بن أبى سفيان بن معتب، و غيره من مشيختنا الهاشميين، عن ابن عباس، عن أبيه العباس بن عبد المطلب، قال: لما قدم رسول الله صلّى الله عليه و سلم مكة في الفتح، قال لي: يا عباس، أين ابنا أخيك عتبة و معتب لا أراهما؟
إمتاع الأسماع،ج 6،ص:292
و معتّب [1] بن أبى لهب، زوج أم كلثوم بنت رسول الله صلّى الله عليه و سلم و ابن عم أبيها، أمرته أمه أم جميل [بنت حرب ] بطلاقها فطلقها، و خلف عليها عثمان بن عفان رضى الله عنه بعد موت أختها رقية فلم تلد له شيئا [2].
و على بن أبى طالب رضى الله عنه [3]، زوج فاطمة بنت رسول الله صلّى الله عليه و سلم و ابن عم أبيها، و أبو ابنها الحسن و الحسين، و أبو ابنتيها زينب و أم كلثوم، فتزوج أمامة بنت زينب من أبى العاص عليّ بن أبى طالب رضى الله عنه،
__________________________________________________
[ ()] قال قلت: يا رسول الله تنحّيا فيمن تنحّى من مشركي قريش، فقال لي: اذهب إليهما و اثنى بهما.
قال العباس: فركبت إليهما بعرنة فأتيتهما فقلت: إن رسول الله صلّى الله عليه و سلم يدعوكما، فركبا معى سريعين، حتى قدما على رسول الله صلّى الله عليه و سلم، فدعاهما إلى الإسلام، فأسلما و بايعا. ثم قام رسول الله صلّى الله عليه و سلم فأخذ بأيديهما، و انطلق بهما يمشى بينهما، حتى أتى بهما الملتزم، و هو ما بين باب الكعبة و الحجر الأسود، فدعا ساعة، ثم انصرف، و السرور يرى في وجهه.
قال العباس: فقلت له: سرّك الله يا رسول الله، فإنّي أرى في وجهك السرور، فقال النبي صلّى الله عليه و سلم:(1/367)
نعم، فإنّي استوهبت ابني عمى هذين ربى، فوهبهما لي. قال حمزة بن عتبة: فخرجا معه في فورة ذلك إلى حنين، فشهدا غزوة حنين، و ثبتا مع رسول الله صلّى الله عليه و سلم يومئذ فيمن ثبت من أهل بيته و أصحابه، و أصيب عين معتب يومئذ، و لم يقم أحد من بنى هاشم من الرجال بمكة بعد أن فتحت غير عتبة، و معتب، ابني أبى لهب.
[1] في (خ): «و عتيبة»، و ما أثبتناه من سائر المراجع.
[2] هو معتب بن أبى لهب بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف بن قصىّ، و أمه أم جميل بنت حرب ابن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف بن قصي.
و كان لمعتب من الولد: عبد الله، و محمد، و أبو سفيان، و موسى، و عبيد الله و سعيد، و خالدة، و أمهم: عاتكة بنت أبى سفيان بن الحارث بن عبد المطلب، و أمها أم عمرو بنت المقوّم بن عبد المطلب بن هاشم، و أبو مسلم، و مسلم و عباس، بنو معتب لأمهات أولاد شتى، و عبد الرحمن بن معتب، و أمه من حمير، و قد كتبنا قصة معتب بن أبى لهب في إسلامه مع قصة أخيه عتبة بن أبى لهب. لهما ترجمة في: (طبقات ابن سعد): 4/ 59- 61، (الإصابة): 4/ 440- 441، ترجمة رقم (5417)، 6/ 175- 176، و ترجمة رقم (8126)، (الاستيعاب): 3/ 1030، ترجمة رقم (17866)، 3/ 1430، ترجمة رقم (2459).
[3] سبق أن أشرنا إلى مصادر ترجمته.
إمتاع الأسماع،ج 6،ص:293
فولدت له محمد الأوسط، ثم خلف عليها بعده المغيرة بن نوفل بن الحارث ابن عبد المطلب، فولدت له يحيى [و به يكنى ] [1] و تزوج بأم كلثوم ابنة فاطمة عليها السلام من على بن ابى طالب رضى الله عنه، عمر بن الخطاب رضى الله عنه، فولدت له زيدا و رقية، و لم يعقبا، و تزوج زينب ابنة فاطمة عليها السلام من على بن أبى طالب رضى الله عنه.
[(1/368)
و] عبد الله بن جعفر بن أبى طالب القرشي الهاشمي أبو جعفر، ولدته أسماء بنت عميس بأرض الحبشة، و هو أول مولود ولد في الإسلام بأرض الحبشة، و قدم مع أبيه إلى المدينة، فكان جوادا كأبيه، و كان يسمى البحر، و لم يكن في الإسلام أسخى منه، و رأى رسول الله صلّى الله عليه و سلم و حفظ عنه أخبارا كثيرة جدا، توفى بالمدينة سنة ثمانين عن تسعين سنة، و قيل: مات سنة أربع أو خمس و ثمانين [2]، و صلى عليه أبان بن عثمان أمير المدينة، و كان مع عظم جوده ظريفا حليما عفيفا، لا يرى بسماع الغناء بأسا، خرّج أحاديثه الجماعة [3].
__________________________________________________
[1] زيادة للسياق من (الاستيعاب)، و له ترجمة في: (الاستيعاب): 4/ 1447- 1448، ترجمة رقم (2484)، (طبقات ابن سعد): 5/ 22- 23، (الإصابة): 6/ 200- 201، ترجمة رقم (8186).
[2] قال الواقدي و مصعب الزبيري: مات في سنة ثمانين، و قال المدائنيّ: توفى سنة أربع أو خمس و ثمانين، و قال أبو عبيد: سنة أربع و ثمانين، و يقال: سنة تسعين. (سير الأعلام).
[3] له ترجمة في: (طبقات خليفة): ترجمة رقم (833)، (1484)، (التاريخ الكبير): 5/ 7، (التاريخ الصغير): 1/ 197، (الجرح و التعديل): 1/ 197، (المستدرك): 3/ 566، (جمهرة أنساب العرب): 68، (الاستيعاب): 3/ 880- 882، ترجمة رقم (1488)، (تهذيب الأسماء و اللغات): 1/ 263، (البداية و النهاية): 2/ 333، 3/ 32، 5/ 314، (الإصابة): 40- 43، ترجمة رقم (4594)، (تهذيب التهذيب): 5/ 149، ترجمة رقم (294)، (المطالب العالية):
4/ 105، باب منقبة عبد الله بن جعفر بن أبى طالب رضى الله عنه، حديث رقم (4077)، (4078)، (4079)، (خلاصة تذهيب الكمال): 2/ 46، ترجمة رقم (3425)، (شذرات الذهب) 1/ 87، (سير أعلام النبلاء): 3/ 456- 462، (ترجمة رقم (93).
إمتاع الأسماع،ج 6،ص:294(1/369)
و خرّج الإمام أحمد من حديث يحيى عن أبى سلمة عن عائشة قالت: كان رسول الله صلّى الله عليه و سلم إذا أراد أن يزوّج [شيئا] من بناته جلس إلى خدرها فقال: إن فلانا يذكر فلانة [يسميها]، و يسمى الرجل الّذي يذكرها، فإن هي سكتت زوجها، و إن كرهت نقرت الستر، فإذا [نقرته ] لم يزوجها [1].
__________________________________________________
[1] (مسند أحمد): 7/ 115، حديث رقم (23973). و ما بين علامات الحصر تصويبات منه.
إمتاع الأسماع،ج 6،ص:295
فصل في ذكر من كان في حجر رسول الله صلّى الله عليه و سلم من أولاد نسائه
اعلم أن الربيبة بنت زوج الرجل من غيره، و تجمع على ربائب سميت بذلك لأنه يربيها [1] في حجرة، فهي مربوبة، فعيلة بمعنى مفعولة.
و الربيب: ابن امرأة الرجل من غيره، يقال: ربّ الصبىّ يربه ربّا و ربّبه تربّة، و ترببه، و ارتبّه و ربّاه، تربية، و تربّاه: أحسن القيام عليه، و وليه حتى يفارق الطفولة، سواء كان ابنه أو لم يكن. و ربيته لغة و الرابّ: زوج الأم.
فزينب بنت رسول الله صلّى الله عليه و سلم من قبل خديجة رضى الله عنها [2].
[و] هند بن أبى هالة، شماس، و قيل: نبّاش، و قيل: مالك بن نباش بن زرارة بن وقدان بن حبيب بن سلامة بن غوىّ بن جزرة بن أسيد بن عمرو ابن تميم، حليف بنى عبد الدار بن قصي الأسديّ التميمي، أمه خديجة
__________________________________________________
[1] قال في (اللسان): و الربوب و الربيب: ابن امرأة الرجل من غيره، و هو بمعنى مربوب، و يقال للرجل نفسه: رابّ. قال معن بن أوس، يذكر امرأته، و ذكر أرضا لها:
فإن بها جارين لن يغدرا بها ربيب النبي، و ابن خير الخلائف.
يعنى عمر بن أبى سلمة، و هو ابن أم سلمة زوج النبي صلّى الله عليه و سلم، و عاصم بن عمر بن الخطاب، و أبوه أبو سلمة، و هو ربيب النبي صلّى الله عليه و سلم، و الأنثى ربيبة.(1/370)
الأزهري: ربيبة الرجل بنت امرأته من غيره، و في حديث ابن عباس رضى الله عنهما: إنما الشرط في الربائب، يريد بنات الزوجات من غير أزواجهن الذين معهنّ. قال: و الربيب أيضا يقال لزوج الأم لها ولد من غيره.
و يقال لامرأة الرجل إذا كان له ولد من غيرها: ربيبة، و ذلك معنى رابة و راب. و في الحديث: الأب كافل، و هو زوج أم اليتيم، و هو اسم فاعل من ربّه يربّه أي أنه يكفل بأمره، و في حديث مجاهد: كان يكره أن يتزوج الرجل امرأة رابّه، يعنى امرأة زوج أمه، لأنه كان يربيه. (لسان العرب): 1/ 405.
[2] سبق ذكرها في ذكر بنات رسول الله صلّى الله عليه و سلم، و لست أدرى لم أوردها المقريزي في الربائب.
إمتاع الأسماع،ج 6،ص:296
بنت خويلد، خلف عليها رسول الله صلّى الله عليه و سلم، و هو أخو زينب و رقية و أم كلثوم و فاطمة الزهراء لأمهنّ، و كان فصيحا بليغا وصّافا، وصف رسول الله صلّى الله عليه و سلم فأحسن و أتقن، بحيث شرح أبو عبيد القاسم بن سلام و أبو محمد بن قتيبة وصفه، لما فيه من الفصاحة و فوائد اللغة.
و توفى قتيلا يوم الجمل مع على رضى الله عنه، فإنه خال ابنيه الحسن و الحسين [1]، و قتل ابنه هند بن هند مع مصعب بن الزبير، و هو ابن خاله،
__________________________________________________
[1] هو هند بن أبى هالة التميمي، ربيب النبي صلّى الله عليه و سلم، أمه خديجة زوج النبي صلّى الله عليه و سلم. روى عن النبي صلّى الله عليه و سلم، روى عنه الحسن بن على رضى الله عنه صفة النبي صلّى الله عليه و سلم، أخرجه الترمذي، و البغوي، و الطبراني، و غيرهم، من طرق عن الحسن بن على.
قال الحافظ في (الإصابة): و وقع لنا بعلوّ في مشيخة أبى على بن شاذان، من طريق أهل البيت.
و أخرجه البغوي أيضا، و أخرجه ابن مندة من طريق يعقوب التيمي، عن ابن عباس، أنه قال لهند بن أبى هالة: صف لي النبي صلّى الله عليه و سلم.(1/371)
قال البغوي، عن عمه، عن أبى عبيد: اسم أبى هالة زوج خديجة قبل النبي صلّى الله عليه و سلم النباش بن زرارة، و ابنه هند بن النباش بن زرارة بن وقدان بن حبيب بن سلامة بن غذي، و في (الجمهرة): غوى ابن جردة، و في (الجمهرة): جرو بن أسيد بن عمرو بن تميم، حليف بنى عبد الدار، و قيل: هو زرارة ابن النباش.
قال الزبير: اسمه مالك بن النباش بن زرارة. و قال أبو محمد بن حزم: اسم أبى هالة هند بن زرارة ابن النباش. و وجدت له سلفا، قال ابن أبى خيثمة: حدثنا أحمد بن المقدام، حدثنا زهير بن العلاء، حدثنا سعيد، قال قتادة، قال: أبو هالة هند بن زرارة بن النباش، و رأيت في معجم الشعراء للمرزباني أن زرارة بن النباش رثى كفار بدر، و لم يذكر له إسلام.
و أخرج ابن السكن، و ابن قانع، من طريق سيف بن عمر، عن عبد الله بن محمد، عن هند بن هند بن أبى هالة، عن أبيه قال: قلت: يا رسول الله، ما حملك على أن نزعت ابنتك عن عتيبة- يعنى ابن أبى لهب- حتى حرشته عليك؟ قال: إن الله أبى لي أن أتزوج، أو أزوج إلا أهل الجنة. قال الزبير بن بكار: قتل هند مع عليّ يوم الجمل، و كذا قال الدار قطنى في كتاب (الإخوة)، و قال أبو عمر في (الاستيعاب) كان فصيحا بليغا، وصف النبي صلّى الله عليه و سلم فأحسن و أتقن. قال محققه:
و قد ذكر المصنف هذا الوصف الكريم للنّبيّ صلّى الله عليه و سلم في الجزء الأول، عند ذكر وصف النبي صلّى الله عليه و سلم. له ترجمة في: (الاستيعاب): 4/ 1544، ترجمة رقم (2699)، (الإصابة): 6/ 557- 558، ترجمة رقم (9013)، (جمهرة أنساب العرب): 210.
إمتاع الأسماع،ج 6،ص:297
و قيل: مات بالبصرة في الطاعون [1].
و الحارث بن أبى هالة أول من قتل في الله في الإسلام، صلى عليه النبي صلّى الله عليه و سلم تحت الركن اليماني، و قتل قاتله صفوان بن مالك بن صفوان بن غذي ابن الأخرس بن الحارث بن جردة، فكان صفوان أول قاتل قتل في الله بعد الهجرة [2].(1/372)
__________________________________________________
[1] هو هند بن هند بن أبى هالة، ولد الّذي قبله. و على قول قتادة و من تبعه: يكون هند بن أبى هند ثلاثة في نسق.
ذكره ابن مندة، و أورد من طريق حسان بن عبد الله الواسطي، عن السرىّ بن يحيى، عن مالك بن دينار، حدثني هند بن خديجة زوج النبي صلّى الله عليه و سلم، قال: مرّ النبي صلّى الله عليه و سلم بالحكم أبى مروان، فجعل يغمز النبي صلّى الله عليه و سلم و يشير بإصبعه، حتى التفت إليه النبي صلّى الله عليه و سلم، فقال: اللَّهمّ اجعل له وزغا- يعنى ارتعاشا، قال فرجف مكانه.
و هكذا أخرجه ابن أبى حاتم الرازيّ، و عبد الله بن أحمد في (زيادات الزهد) من هذا الوجه، و مالك بن دينار لم يدرك هند بن أبى هالة، و إنما أدرك ابنه، فكأنه نسبه لجده.
و قد ذكر ابن أبى حاتم عن أبيه، أن رواية هند بن هند عن النبي صلّى الله عليه و سلم مرسلة. و جرى أبو عمر في (الاستيعاب) على ظاهره، فذكر هذا الحديث لهند بن أبى هالة. و أخرجه الزبير بن بكار، و الدولابي، من طريق محمد بن الحجاج، عن رجل من بنى تميم، قال:
رأيت هند بن هند بن أبى هالة و عليه حلة خضراء، فمات في الطاعون، فخرجوا به بين أربعة لشغل الناس بموتاهم، فصاحت امرأة: وا هند بن هنداه! و ابن ربيب رسول الله صلّى الله عليه و سلم! قال: فازدحم الناس على جنازته و تركوا موتاهم، (الإصابة): 6/ 558- 559، ترجمة رقم (9014)، (جمهرة أنساب العرب): 210، (الاستيعاب): 4/ 1545، ترجمة رقم (2699).
[(1/373)
2] الحارث بن أبى هالة، أخو هند بن أبى هالة، ربيب النبي صلّى الله عليه و سلم، ذكر ابن الكلبي و ابن حزم: أنه أول من قتل في سبيل الله تحت الركن اليماني، و قال العسكري في (الأوائل): لما أمر الله نبيه صلّى الله عليه و سلم أن يصدع بما أمره، قام في المسجد الحرام، فقال: قولوا لا إله الله تفلحوا، فقاموا إليه، فأتى الصريخ أهله، فأدركه الحارث بن أبى هالة، فضرب فيهم، فعطفوا عليه فقتل، فكان أول من استشهد.
و في (الفتوح) لسيف عن سهل بن يوسف عن أبيه، قال عثمان بن مظعون: أول وصية أوصانا بها النبي صلّى الله عليه و سلم لما قتل الحارث بن أبى هالة، و نحن أربعون رجلا بمكة .. فذكر الحديث. (الإصابة):
1/ 605، ترجمة رقم (1503)، (جمهرة أنساب العرب): 210، (جمهرة النسب): 269.
إمتاع الأسماع،ج 6،ص:298
و هالة بنت أبى هالة [1]، و أم محمد بنت عتيق بن عائذ بن عبد الله بن عمر بن مخزوم [2]، أمها خديجة بنت خويلد، تزوجها ابن عم لها يقال له:
صيفي بن أبى رفاعة بن عائذ بن عبد الله.
و سلمة بن أبى سلمة عبد الله بن عبد الأسد بن هلال بن عبد الله بن عمر بن مخزوم القرشي، ربيب رسول الله صلّى الله عليه و سلم من قبل أمه أم سلمة، و هو أيضا ابن ابن عمة رسول الله صلّى الله عليه و سلم، لأن أباه أبا سلمة، أمه برّة بنت حمزة بن عبد المطلب، و عاش إلى خلافة عبد الملك بن مروان [3].
و عمرو بن أبى سلمة أبو حفص، ربيب رسول الله صلّى الله عليه و سلم من قبل أم سلمة لأنها أمه، و هو أيضا ابن ابن عمته برّة، و ابن ابن أخيه من الرضاعة، و ولد في السنة الثانية من الهجرة بأرض الحبشة، و قيل: كان له من العمر يوم قبض رسول الله صلّى الله عليه و سلم تسع سنين، و شهد [يوم ] الجمل مع ابن خال أبيه عليّ
__________________________________________________
[1]، (2) لم أجد لهما ترجمة فيما بين يدي من مراجع.
[(1/374)
3] سلمة بن أبى سلمة بن عبد الأسد بن هلال بن عبد الله بن عمر بن مخزوم بن يقظة بن مرة بن كعب ابن لؤيّ القرشيّ المخزومي، ربيب النبي صلّى الله عليه و سلم.
و روى ابن إسحاق في (المغازي)، من حديث أم سلمة قالت: لما أجمع أبو سلمة على الهجرة، رحل بعيرا لي و حملني عليه، و حمل ابني سلمة في حجري، ثم خرج يقود بعيره.
و قال ابن إسحاق: حدثني من لا أتهم عن عبد الله بن شداد، قال: كان الّذي زوج أم سلمة من النبي صلّى الله عليه و سلم سلمة بن أبى سلمة ابنها، فزوجه النبي صلّى الله عليه و سلم أمامة بنت حمزة، و هما صبيان صغيران، فلم يجتمعا حتى فاتا، فقال النبي صلّى الله عليه و سلم حل جزيت سلمة! قال البلاذري: و يقال: إن الّذي زوجه إياها ابنها عمر، و الأول أثبت.
و زعم الواقدي، و تبعه أبو حاتم و غيره، أن سلمة عاش إلى خلافة عبد الملك بن مروان، و أما ما وقع أولا أنهما لم يجتمعا حتى ماتا، فالمراد أنها ماتت قبل أن يدخل بها، و مات هو بعد ذلك، لكن قال ابن الكلبي: يقال: مات سلمة قبل أن يجتمع بأمامة. (الإصابة): 3/ 149- 150، ترجمة رقم (3385)، (الاستيعاب): 3/ 939، ترجمة رقم (1589)، (الاستيعاب): 2/ 641، ترجمة رقم (1022).
إمتاع الأسماع،ج 6،ص:299
ابن أبى طالب [رضى الله عنه ]، و استعمله على فارس و على البحرين، و توفى بالمدينة سنة ثلاث و ثمانين [1].
و درّة بنت أبى سلمة، ربيبة رسول الله صلّى الله عليه و سلم من قبل أمها أم سلمة، و ابنة ابن عمته برّة، و ابنة أخته من الرضاعة [2].
__________________________________________________
[1] عمر بن أبى سلمة بن عبد الأسد، ربيب النبي صلّى الله عليه و سلم، أمه أم سلمة، أم المؤمنين، ولد بالحبشة في السنة الثانية، و قيل: قبل ذلك، و قبل الهجرة إلى المدينة. و كان يوم الخندق هو ابن الزبير في الخندق في أطم حسان بن ثابت.(1/375)
و روى عن النبي صلّى الله عليه و سلم أحاديث في الصحيحين و غيرهما، و عن أبيه. روى عنه ابنه محمد، و سعيد ابن المسيب، و عروة، و أبو أمامة بن سهل، و وهب بن كيسان، و غيرهم.
و من حديثه ما رواه عمرو بن الحارث، عن عبد ربه بن سعيد، عن عبد الله بن كعب الحميري، عن عمر بن أبى سلمة، قال: سألت النبي صلّى الله عليه و سلم عن قبلة الصائم، و قال: سل هذه- لأم سلمة- فقلت:
غفر الله لك، قال: إني أخشاكم للَّه و أتقاكم، أخرجه مسلم. و في الصحيحين من رواية وهب بن كيسان، عنه أن النبي صلّى الله عليه و سلم قال له: ادن يا بنى، فسمّ الله، و كل بيمينك، و كل مما يليك. قال الزبير: و ولى البحرين زمن على، و كان قد شهد معه الجمل، و وهم من قال: إنه قتل فيها. قال أبو عمر في (الاستيعاب): بل مات بالمدينة سنة ثلاث و ثمانين، في خلافة عبد الملك بن مروان.
(الإصابة): 4/ 592- 593، ترجمة رقم (5744)، (الاستيعاب): 3/ 1159- 1160، ترجمة رقم (1882).
[2] درّة بنت أبى سلمة بن عبد الأسد القرشية المخزومية، ربيبة النبي صلّى الله عليه و سلم بنت أم المؤمنين أم سلمة زوج النبي صلّى الله عليه و سلم، و هي معروفة عند أهل العلم بالسير و الخبر و الحديث في بنات أم سلمة، ربائب رسول الله صلّى الله عليه و سلم.
هي التي قالت لها أم حبيبة: إنا قد تحدثنا أنك ناكح درّة بنت أبى سلمة، فقال صلّى الله عليه و سلم: إنها لو لم تكن ربيبتي في حجري ما حلت لي، لأنها ابنة أخى من الرضاعة. وردت تسميتها في بعض طرق الحديث المذكور عند البخاري، من طريق الليث، عن يزيد بن أبى حبيب، عن عراك بن مالك، عن زينب بنت أبى سلمة، أن أم حبيبة قالت: يا رسول الله، إنا قد تحدثنا أنك ناكح درّة بنت أبى سلمة ... الحديث.
و ذكرها الزبير بن بكار في كتاب (النسب)، في أولاد أبى سلمة بن عبد الأسد. (الاستيعاب) 4/ 1835، ترجمة رقم (3333).
إمتاع الأسماع،ج 6،ص:300(1/376)
و زينب بنت أبى سلمة، ربيبة رسول الله صلّى الله عليه و سلم من قبل أم سلمة، كان اسمها برّة، فسماها رسول الله صلّى الله عليه و سلم زينب، ولدتها أمها بأرض الحبشة، و قدمت بها، و حفظت عن رسول الله صلّى الله عليه و سلم. و دخلت عليه و هو يغتسل فنضح في وجهها، فلم يزل ماء الشباب في وجهها حتى كبرت و عجزت، و تزوجها عبد الله بن زمعة بن الأسود بن المطلب بن أسد بن عبد العزى بن قصي، فولدت له، و كانت من أفقه نساء زمانها، و قتل ابناها يوم الحرّة فاسترجعت [1].
__________________________________________________
[1] زينب بنت أبى سلمة عبد الله بن عبد الأسد بن عمر بن مخزوم المخزومية، ربيبة رسول الله صلّى الله عليه و سلم. أمها أم سلمة بنت أبى أمية، يقال: ولدت بأرض الحبشة، و تزوج النبي صلّى الله عليه و سلم أمها، و هي ترضعها، و كانت من أفقه نساء أهل زمانها.
و روى ابن المبارك عن جرير بن حازم، قال: سمعت الحسن يقول: لما كان يوم الحرة قتل أهل المدينة، فكان فيمن قتل ابنا زينب ربيبة رسول الله صلّى الله عليه و سلم، فحملا و وضعا بين يدها مقتولين، فقالت: إِنَّا لِلَّهِ وَ إِنَّا إِلَيْهِ راجِعُونَ 2: 156، و الله إن المصيبة عليّ فيهما لكبيرة، و هي عليّ في هذا أكبر منها في هذا، أما هذا فجلس في بيته فكفّ يده، فدخل عليه، و قتل مظلوما، و أنا أرجو له الجنة. و أما هذا فبسط يده فقاتل حتى قتل، فلا أدرى على ما هو في ذلك فالمصيبة به عليّ أعظم منها في هذا. قال جرير: و هما ابنا عبد الله بن زمعة بن الأسود بن المطلب بن أسد بن عبد العزيز بن قصىّ.
قال ابن سعد في (الطبقات): كانت أسماء بنت أبى بكر أرضعتها، فكانت أخت أولاد الزبير.(1/377)
و قال بكر بن عبد الله المزني: أخبرنى أبو رافع- يعنى الصائغ- قال: كنت إذا ذكرت امرأة فقيهة في المدينة ذكرت زينب بنت أبى سلمة. ذكرها العجليّ في (ثقات التابعين)، كأنه كان يشترط للصحبة البلوغ، و أنها لم تحفظ.
قال الحافظ في (الإصابة): و روينا في القطعيات، من طريق عطاف بن خالد، عن أمه، عن زينب بنت أبى سلمة، قالت: كان رسول الله صلّى الله عليه و سلم إذا دخل يغتسل تقول أمى: ادخلى عليه، فإذا دخلت نضح في وجهي من الماء، و يقول: ارجعي. قالت: فرأيت زينب و هي عجوز كبيرة، ما نقص من وجهها شي ء و في رواية ذكرها أبو عمر في (الاستيعاب): فلم يزل ماء الشباب في وجهها حتى كبرت و عمرت. و ذكرها ابن سعد في (الطبقات): فيمن لم يرو عن النبي صلّى الله عليه و سلم شيئا، و روى عن أزواجه. (الاستيعاب): 4/ 1854- 1856، ترجمة رقم (3361)، (الإصابة): 7/ 685- 676، ترجمة رقم (11235)، (طبقات ابن سعد): 8/ 238.
إمتاع الأسماع،ج 6،ص:301
و حبيبة بنت عبيد الله بن جحش بن رئاب بن يعمر بن صبرة بن مرة بن كثير بن غانم بن ودان بن أسد بن خزيمة، ربيبة رسول الله صلّى الله عليه و سلم من قبل أمها أم حبيبة، نفيلة بنت أبى سفيان، أم المؤمنين رضى الله عنها، و ابنة ابن عمته أميمة بنت عبد المطلب [1].
و شريك بن أبى العكر بن سميّ، حليف بنى عامر بن لؤيّ. قال ابن الكلبي: تزوج أبو العكر أم شريك من بنى عامر، فولدت له شريك، ثم خلف عليها رسول الله صلّى الله عليه و سلم [2].
__________________________________________________
[1] حبيبة بنت عبيد الله بن جحش بن رئاب، و أمها أم حبيبة رملة بنت أبى سفيان، زوج النبي صلّى الله عليه و سلم، و بها كانت تكنى. هاجرت مع أبيها إلى أرض الحبشة، فتنصّر أبوها هنالك، و مات نصرانيا، و قدمت مع أمها على رسول الله صلّى الله عليه و سلم المدينة. (الاستيعاب): 4/ 1809، ترجمة رقم (3291)، (الإصابة):(1/378)
7/ 574، ترجمة رقم (11021)، 7/ 578، ترجمة رقم (11032).
[2] شريك بن أبى العكر، و اسمه سلمة بن سلمى [أو سميّ ] الأزديّ ثم الدوسيّ، ذكره خليفة بن خياط في الصحابة، و قال: أمه أم شريك التي تزوجها رسول الله صلّى الله عليه و سلم يعنى و لم يدخل بها، و هي أم شريك بنت أبى العكر بن سمّى، و ذكرها ابن أبى خيثمة من طريق قتادة، قال: و تزوج النبي صلّى الله عليه و سلم أم شريك الأنصارية النجارية، و قال: إني أحب أن أتزوج في الأنصار، ثم قال: إن أكره غير الأنصار فلم يخدل بها.
قال الحافظ في (الإصابة): و لها ذكر في حديث صحيح عند مسلم، من رواية فاطمة بنت قيس في قصة الجساسة، في حديث تميم الداريّ، قال فيه: و أم شريك امرأة غنية من الأنصار، عظيمة النفقة في سبيل الله عزّ و جلّ، ينزل عليها الضيفان.
و لها حديث آخر أخرجه ابن ماجة، من طريق شهر بن حوشب، حدثتني أم شريك الأنصارية، قالت: أمرنا رسول الله صلّى الله عليه و سلم أن نقرأ على الجنازة بفاتحة الكتاب، و يقال: إنها التي أمرت فاطمة بنت قيس أن تعتد عندها، ثم قيل لها: اعتدى عند ابن أم مكتوم، (الإصابة): 3/ 348، ترجمة رقم (3911 ز)، 8/ 236- 237، ترجمة رقم (12097).
إمتاع الأسماع،ج 6،ص:302
فصل في ذكر موالي رسول الله صلّى الله عليه و سلم
اعلم أن موالي رسول الله صلّى الله عليه و سلم من الرجال نحو السبعين، و من الإماء نحو العشرة، و ذكر سيف بن عمر عن سهل بن يوسف عن أبيه عن جده قال:
أعتق النبي صلّى الله عليه و سلم في مرضه أربعين نفسا:(1/379)
زيد بن حارثة بن شراحبيل بن كعب بن عبد العزى بن امرئ القيس ابن عامر بن النعمان بن عامر بن عبد ود بن كنانة بكر بن عوف بن عذرة ابن زيد اللات بن رفيدة بن ثور بن كلب بن وبرة بن تغلب بن حلوان بن عمران بن الحاف بن قضاعة بن مالك بن عمرو بن مرة بن مالك بن حمير ابن سبإ يشجب بن يعرب بن قحطان، أبو أسامة الكلبي، مولى رسول الله صلّى الله عليه و سلم وحيد أمه سعدى بنت ثعلبة بن عبد عامر بن أفلت بن سليلة من بنى معن من طى.
خرجت تزور قومها و زيد معها، فأغارت خيل لبني القين بن جسر بن [شيع ] بن أسد بن وبرة بن تغلب بن حلوان، في الجاهلية و مرّوا على أبيات بنى معن- رهط أم زيد- فاحتملوا زيدا و هو غلام يفعة، فوافوا به سوق عكاظ، و قيل سوق حباشة، و زيد يومئذ ابن ثمانية أعوام، فعرضوه للبيع، فاشتراه منهم حكيم بن حزام بن خويلد بن أسد بن عبد العزى لعمته خديجة بنت خويلد بأربعمائة درهم، و يقال: بستمائة درهم، و قيل:
اشتراه حكيم، ثم وهبه لعمته خديجة، فلما تزوجها رسول الله صلّى الله عليه و سلم وهبته له فقبضه و تبناه، و يقال: بل اشتراه رسول الله صلّى الله عليه و سلم من الشام لخديجة حين توجّه مع ميسرة قيّمها، فوهبته له.
إمتاع الأسماع،ج 6،ص:303
و زعم أبو عبيدة أن زيد بن حارثة لم يكن اسمه زيدا، لكن النبي صلّى الله عليه و سلم سمّاه باسم جده [] [1] حتى يتبنّاه.(1/380)
و في مصنف أبى بكر بن أبى شيبة: حدثنا أبو أسامة، حدثنا عبد الملك، حدثنا أبو فزارة قال: أبصر النبي صلّى الله عليه و سلم زيد بن حارثة غلاما ذا ذؤابة، قد أوقفه قومه بالبطحاء يبيعونه، فأتى خديجة فقال: رأيت غلاما بالبطحاء، قد أوقفوه ليبيعوه، و لو كان لي ثمنه لاشتريته، قالت: و كم ثمنه؟ قال: سبعمائة درهم، قالت: خذ سبعمائة [درهم ] [2] و اذهب فاشتره، فاشتراه، فجاء به إليها [و قال ] [3]: أما إنه لو كان لي لأعتقته، قالت: هو لك، فأعتقه [4]. و كان أبو زيد لما فقده قال شعرا يبكيه به:
بكيت على زيد و لم أدر فأفعل أ حىّ فيرجى أم أتى دونه الأجل؟
فو الله ما أدرى و إن كنت سائلا أ غالك سهل الأرض أم غالك الجبل؟
فيا ليت شعرى هل لك الدهر رجعة؟ فحسبي من الدنيا رجوعك لي بجل
__________________________________________________
[1] بياض بالأصل.
[2] زيادة للسياق.
[3] زيادة للسياق.
[4] و نحوه في (المستدرك)، و حذفه الذهبي من (التلخيص) لضعفه.
إمتاع الأسماع،ج 6،ص:304
تذكرنيه الشمس عند طلوعها و تعرض ذكراه إذا قارب الطّفل
و إن هبت الأرواح هيّجن ذكره فيا طول ما حزني عليه و يا وجل
سأعمل نصّ العيس في الأرض جاهدا و لا أسأم التطواف أو تسأم الإبل [1]
حياتي أو تأتى عليّ منيّتى و كل امرئ فان و إن غرّه الأمل
و أوصى به عمرا و قيسا كليهما و أوصى يزيدا ثم من بعده جبل
يعنى يزيد بن كعب و هو ابن عم زيد و أخوه لأمه، و يعنى بجبل جبلة ابن حارثة أخا زيد، و كان أسنّ منه، فاتفق أن قوما من كلب حجوا فرأوا زيد بن حارثة فعرفهم و عرفوه، فقال لهم: أبلغوا أهلي هذه الأبيات، فإنّي أعلم أنهم قد جزعوا عليّ، و هي:
ألكنى [2] إلى قومي و إن كنت نائيا فإنّي قطين [3] البيت عند المشاعر
__________________________________________________
[1] العيس: الإبل.
[2] كذا في (خ)، (صفة الصفوة)، و في (الاستيعاب): «أحن».
[(1/381)
3] كذا في (خ)، (صفة الصفوة)، و في (الاستيعاب): «قعيد».
إمتاع الأسماع،ج 6،ص:305
فكفوا عن الوجد الّذي قد شجاكم و لا تعملوا في الأرض نصّ الأباعر
فإنّي بحمد الله في خير أسرة كرام معدّ كابرا بعد كابر
فانطلق الكلبيون فأعلموا أباه فقال: ابني و رب الكعبة! و وصفوا له موضعه و عند من هو، فخرج حارثة و كعب ابنا شراحيل لفدائه، و قدما مكة، فسألا عن النبي، فقيل: فهو في المسجد، فدخلا عليه فقالا: [يا ابن عبد الله ] [1]، يا ابن عبد المطلب، يا ابن هاشم، يا ابن سيد قومه، أنتم أهل حرم الله و جيرانه تفكون العاني، و تطعمون الأسير، جئناك في ابننا عندك، فامنن علينا، و أحسن إلينا في فدائه، [فإنا سنرفع لك في الفداء] قال: من هو؟ قالوا: زيد بن حارثة، فقال [رسول الله صلّى الله عليه و سلم ]:
فهلا غير ذلك؟ قالوا: و ما هو؟ قال: ادعوه فأخيّره، فإن اختاركم فهو لكم [بغير فداء]، و إن اختارني فو الله ما أنا بالذي أختار على من اختارني [أحدا]، قالا: قد زدتنا على النّصف، و أحسنت، فدعاه فقال: هل تعرف هؤلاء؟ قال: نعم، قال: من هذا؟ قال: هذا أبى، و هذا عمى، قال: فأنا من قد علمت و رأيت صحبتي لك، فاخترنى و اخترهما، [فقال زيد]: ما أنا بالذي اختار عليك أحدا، أنت منى [مكان ] الأب و العم، فقالا: ويحك يا زيد! أختار العبوديّة على الحرية، و على أبيك و عمك و على أهل بيتك! قال: نعم، إني قد رأيت من هذا الرجل شيئا ما أنا بالذي أختار عليه أحدا أبدا.
__________________________________________________
[1] زيادة للسياق.
إمتاع الأسماع،ج 6،ص:306(1/382)
فلما رأى رسول الله صلّى الله عليه و سلم ذلك أخرجه إلى الحجر فقال: يا من حضر اشهدوا أن زيدا ابني يرثني و أرثه، فلما رأى ذلك أبوه و عمه طابت نفوسهما فانصرفا، و دعي زيد بن محمد حتى جاء الله بالإسلام، [فأنزل الله جل جلاله: ما كانَ مُحَمَّدٌ أَبا أَحَدٍ من رِجالِكُمْ وَ لكِنْ رَسُولَ الله وَ خاتَمَ النَّبِيِّينَ [1] 33: 40، و قال: ادْعُوهُمْ لِآبائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِنْدَ الله 33: 5 [2]، فدعى يومئذ زيد بن حارثة، و دعي الأدعياء إلى آبائهم، [فدعى المقداد إلى عمرو، و كان يقال له قبل ذلك المقداد بن الأسود، و كان الأسود بن عبد يغوث الزهري قد تبناه ] [3]. قال الزهري: ما علمنا أحدا أسلم قبل زيد بن حارثة، و قد روى من وجوه أن أول من أسلم خديجة، و هو الحق، و شهد زيد بدرا، و زوجه رسول الله صلّى الله عليه و سلم مولاته أم أيمن، فولدت له أسامة بن زيد، و به كان يكنى، و كان يقال لزيد حبّ رسول الله صلّى الله عليه و سلم و كان رسول الله صلّى الله عليه و سلم أكبر منه بعشر سنين، و يقال بعشرين سنة، و زوّجه رسول الله صلّى الله عليه و سلم بزينب بنت جحش، ثم طلقها زيد فخلف عليها رسول الله صلّى الله عليه و سلم فتكلم المنافقون و طعنوا في ذلك و قالوا:
محمد يحرم نساء الولد و قد تزوج امرأة ابنه، فأنزل الله تعالى: ما كانَ مُحَمَّدٌ أَبا أَحَدٍ من رِجالِكُمْ وَ لكِنْ رَسُولَ الله وَ خاتَمَ النَّبِيِّينَ 33: 40 [4]، و نزلت ادْعُوهُمْ لِآبائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِنْدَ الله 33: 5 [5].
__________________________________________________
[1] الأحزاب: 40.
[2] الأحزاب: 5.
[3] زيادة للسياق من (الاستيعاب).
[4] الأحزاب: 40.
[5] الأحزاب: 5.
إمتاع الأسماع،ج 6،ص:307(1/383)
و تزوج زيد بأم كلثوم بنت عقبة بن أبى معيط [1]، و أمها أروى بنت كريز بن ربيعة، و أمها أم حكيم [و هي ] البيضاء بنت عبد المطلب [بن هاشم ] كما هاجرت [إلى المدينة]، فولدت له زيد [بن زيد] و رقية، مات زيد صغيرا، و ماتت رقية في حجر عثمان رضى الله عنها.
و طلق زيد بن حارثة أم كلثوم، فخلف عليها عبد الرحمن بن عوف رضى الله عنه، ثم الزبير بن العوام، ثم عمرو بن العاص. و تزوج زيد أيضا بدرّة بنت أبى لهب [ثم طلقها]، و بهند بنت العوام.
و لما هاجر زيد نزل على كلثوم بن الهدم [2]، و يقال على سعد بن خيثمة، و آخى رسول الله صلّى الله عليه و سلم بينه و بين حمزة [بن عبد المطلب ]، و إليه أوصى حمزة يوم أحد حين أراد القتال، و آخى رسول الله صلّى الله عليه و سلم بينه و بين أسيد بن حضير.
و قالت عائشة رضى الله عنها: ما بعث رسول الله صلّى الله عليه و سلم زيد بن حارثة في جيش قط إلا أمّره عليه، و إن بقي بعده استخلفه على المدينة.
و قال سلمة بن الأكوع: غزوت مع رسول الله صلّى الله عليه و سلم سبع غزوات، و مع زيد ابن حارثة تسع غزوات، يؤمره فيها علينا.
استشهد يوم مؤتة سنة ثمان و هو أمير و له خمسون سنة، و كان قصيرا آدم شديد الأدمة، في أنفه فطس، و فضائله كثيرة، رضى الله عنه [3].
__________________________________________________
[1] (الإصابة): 8/ 291- 292، ترجمة رقم (12227)، (الاستيعاب): 1953- 1956، ترجمة رقم (4203).
[2] (الإصابة): 5/ 617- 618، ترجمة رقم (7449).
[3] له ترجمة في: (جمهرة أنساب العرب): 453- 54، (المستدرك): 3/ 235- 241، (سير أعلام النبلاء): 1/ 220، ترجمة رقم (36)، (طبقات ابن سعد): 2/ 90- 91، (طبقات خليفة): 6، (تاريخ خليفة): 89، (التاريخ الكبير): 3/ 390، (التاريخ الصغير): 1/ 23، (الجرح و التعديل): 3/ 559، (الاستيعاب): 2/ 542- 547، ترجمة رقم (843)،
إمتاع الأسماع،ج 6،ص:308(1/384)
و أسامة بن زيد بن حارثة الكلبي أبو زيد، و قيل أبو خارجة، و قيل أبو محمد، الحبّ ابن الحبّ، أمه أم أيمن بركة، مولاة رسول الله صلّى الله عليه و سلم و حاضنته، و كانت سنة يوم توفى رسول الله صلّى الله عليه و سلم عشرين سنة، و قيل: تسع عشرة، و قيل: ثمان عشرة، و سكن وادي القرى، و فرض له عمر خمسة آلاف، و توفى سنة ثمان أو تسع و خمسين، و قيل سنة أربع و خمسين.
قال عبد الرازق: أخبرنا معمر عن الزهري قال: كان أسامة بن زيد يخاطب بالأمير حتى مات. يقولون بعثه رسول الله صلّى الله عليه و سلم.
و قال عمر بن شيبة في كتاب (أخبار مكة): حدثنا ابن لهيعة، [قال ]:
أخبرنى أبو الأسود قال: لما قدم النبي صلّى الله عليه و سلم مكة عام الفتح، و أسامة بن زيد ردفه، و عليه حلة ذي يزن، عجبت قريش و قالوا: أسامة رديف الملك و عليه حلة ذي يزن، فقال أسامة: ما تعجبون من حلة ذي يزن، فو الله لأنا خير منه، و لأبى خير من أبيه [1].
__________________________________________________
[ ()] (تهذيب الأسماء و اللغات): 1/ 202- 203، (تهذيب التهذيب): 3/ 346- 347، ترجمة رقم (737)، (الإصابة): 2/ 598- 602، ترجمة رقم (2892)، (خلاصة تذهيب الكمال):
1/ 350، ترجمة رقم (248)، (أسماء الصحابة الرواة): 245- 246، ترجمة رقم (345)، (الثقات): 3/ 134، (تلقيح فهوم أهل الأثر): 373، (صفة الصفوة): 199- 201، ترجمة رقم (13).
[1] الزبير بن بكار: حدثنا محمد بن سلام، عن عياض، قال: أهدى حكيم بن حزام للنّبيّ صلّى الله عليه و سلم- في الهدنة- حلة ذي يزن، اشتراها بثلاثمائة دينار، فردها و قال: لا أقبل هدية مشرك، فباعها حكيم، فأمر النبي صلّى الله عليه و سلم من اشتراها له. فلبسها رسول الله صلّى الله عليه و سلم، فلما رآه حكيم فيها قال:
ما ينظر الحكام بالفصل بعد ما بدا سابق ذو غرّة و جحول(1/385)
فكساها رسول الله صلّى الله عليه و سلم أسامة بن زيد، فرآها عليه حكيم فقال: بخ بخ يا أسامة! عليك حلة ذي يزن! فقال له رسول الله صلّى الله عليه و سلم: قل له: و ما يمنعني و أنا خير منه، و أبى خير من أبيه. [الغرة: البياض يكون في وجه الفرس، و الجحول: جمع جحل: و هو البياض يكون في قوائم الفرس ]. (سير أعلام النبلاء)، ثم قال في هامشه: سنده على انقطاعه تالف، يزيد بن عياض: قال البخاري و غيره: منكر الحديث، و قال: يحيى ليس بثقة، و قال على: ضعيف، و رماه مالك بالكذب، و قال النسائي و غيره:
متروك، و قال الدار قطنى: ضعيف.
إمتاع الأسماع،ج 6،ص:309
و قال أبو بكر بن أبى شيبة: حدثنا شريك عن العباس بن دويح، عن البهي، عن عائشة قال:: عثر أسامة بعتبة الباب، فشج في وجهه، فقال لي رسول الله صلّى الله عليه و سلم: أميطى عنه الأذى، فقذرته، فجعل يمص الدم و يمجّه عن وجهه [و قال:]، لو كان أسامة جارية لكسوته و حليته حتى أنفقه [1]. و أبو رافع أسلم، و قيل إبراهيم و قيل: هرمز، [و قيل: ثابت ]، و أسلم أشهرها، كان قبطيا، و كان للعباس بن عبد المطلب، فوهبه لرسول الله صلّى الله عليه و سلم، فلما بشّره بإظهار العباس إسلامه أعتقه.
و قال ابن وهب: أخبرنى عمرو بن الحارث [عن بكير بن ] [2] عبد الله بن الأشج ليحدثه أن الحسن بن على بن أبى رافع أخبره عن أبيه، أنه أقبل بكتاب قريش إلى رسول الله صلّى الله عليه و سلم، قال: فلما رأيته ألقى في قلبي الإسلام، فقلت: يا رسول الله! إني و الله لا أرجع إليهم أبدا، فقال صلّى الله عليه و سلم: إني لا أخيس بالعهد، و لا أحبس البرد، و لكن ارجع إليهم، فإن كان في قلبك الّذي في قلبك الآن فارجع، قال: فرجعت إليهم، ثم أقبلت على رسول الله صلّى الله عليه و سلم
__________________________________________________
[1] له ترجمة في (مسند أحمد): 5/ 199، (طبقات ابن سعد): 4/ 61- 72، طبقات خليفة:(1/386)
6، 297، (تاريخ خليفة): 100 و 226، (التاريخ الكبير): 2/ 20، (المعارف): 44- 45، 146، 166، (الجرح و التعديل): 2/ 283، (المستدرك): 3/ 596، (الاستيعاب): 1/ 75- 77، ترجمة رقم (21)، (تهذيب التهذيب): 1/ 182- 183، ترجمة رقم (391)، (الإصابة): 1/ 49، ترجمة رقم (89)، (خلاصة تذهيب الكمال): 1/ 66، ترجمة رقم (351)، (كنز العمال): 13/ 270، (الوافي): 1/ 87، (عيون الأثر): 2/ 313، (تاريخ الخميس): 2/ 178، (زاد المعاد): 1/ 114، (طبقات ابن سعد): 1/ 114، (المواهب اللدنية):
2/ 123.
[2] زيادة للسياق من (الإحسان).
إمتاع الأسماع،ج 6،ص:310
[فأسلمت ] [1] خرّجه ابن حبّان [2].
و قال بكير: و أخبرنى أن أبا رافع كان قبطيا، و هو الّذي توجّه مع زيد بن حارثة من المدينة لحمل عيال رسول الله صلّى الله عليه و سلم لما هاجر، و هو الّذي عمل المنبر لرسول الله صلّى الله عليه و سلم من أثل الغابة، و تزوج سلمى مولاة رسول الله صلّى الله عليه و سلم التي ورثها من أمه فولدت له عبيد الله بن أبى رافع، كاتب على بن أبى طالب رضى الله عنه.
و رافع هو الّذي بشّر رسول الله صلّى الله عليه و سلم بولادة إبراهيم عليه السّلام، فوهب له غلاما، و هو الّذي توجّه مع رجل من الأنصار ليخطبا ميمونة بنت الحارث على رسول الله صلّى الله عليه و سلم.
و قال ابن إسحاق عن حسين بن عبد الله بن عبيد الله بن عباس عن عكرمة مولى ابن عباس قال: قال أبو رافع مولى رسول الله صلّى الله عليه و سلم: كنت غلاما للعباس، و كان الإسلام قد دخلنا أهل البيت، و أسلم العباس، و أسلمت أم الفضل، و أسلمت، و كان العباس يهاب قومه و يكره خلافهم، فكان يكتم إسلامه، و كان ذا مال كثير متفرق في قومه، فلما جاء مصاب أهل بدر
__________________________________________________
[1] زيادة للسياق من (الإحسان).
[(1/387)
2] (الإحسان في تقريب صحيح ابن حبان): 11/ 233، كتاب السير، باب الموادعة و المهادنة، ذكر الإخبار عن نفى جواز حبس الإمام أهل العهد و أصحاب بردهم في دار الإسلام، حديث رقم (4877)، و قال في هامشه: إسناده صحيح ... و قوله: «لا أخيس العهد»، قال الخطابي في (معالم السنن): 2/ 317: معناه: لا أنقض العهد و لا أفسده من قولك: خاس الشي ء في الوعاء: إذا فسد.
و فيه من الفقه: أن العقد يرعى مع الكافر كما يرعى مع المسلم، و أن الكافر إذا عقد لك عقد أمان، فقد وجب عليك أن تأمنه، و أن لا تغتاله في دم، و لا مال، و لا منفعة.
و قوله: «لا أحبس البرد»، فقد يشبه أن يكون المعنى في ذلك: أن الرسالة تقتضي جوابا، و الجواب لا يصل إلى المرسل إلا على لسان الرسول بعد انصرافه، فصار كأنه عقد له العهد مدة مجيئه و رجوعه، و الله تعالى أعلم. مختصرا من (المرجع السابق).
إمتاع الأسماع،ج 6،ص:311
وجدنا في أنفسنا عزاء و قوة، و كان ضعيفا أعمل الأقداح و اجتهد في حجرة زمزم خشيت أنا أن أخسر أقداحى و عندي أم الفضل جالسة، و قد سررنا بما جاءنا من خبر أهل بدر، إذ قتل الفاسق أبو لهب، فجلس و وافى أبو سفيان بن الحارث بن عبد المطلب، فقال أبو لهب: إليّ يا ابن أخى، ما خبر الناس [1]؟ فقال: ما هو إلا أن لقيناهم حتى منحناهم أكتافنا، و لقينا رجال [2] على خيل بلق، فقلت: تلك الملائكة، فلطمني أبو لهب لطمة شديدة، و ثاورته [3] فضرب بى الأرض، فقالت له أم الفضل: أراك استضعفته إذ غاب سيده، و أخذت شيئا فشجّته [4]، فقام ذليلا، فو الله ما عاش إلا سبع ليال حتى رماه الله بالعدسة [5] فقتله، و لقد ترك حتى أبين، و عذل ابناه في ذلك، فصبا عليه الماء و مات، و دفن بأعلى مكة إلى جدار، و قذفوا عليه الحجارة حتى واروه بها [من خلف الحائط] [6].(1/388)
و قد شهد أبو رافع أحدا و ما بعدها، و له عدة أحاديث، خرّج له الجماعة، و مات قبل قتل عثمان رضى الله عنه بقليل، و قيل مات في خلافة
__________________________________________________
[1] في (ابن هشام): «يا ابن أخى، أخبرنى كيف كان أمر الناس؟».
[2] في (المرجع السابق): «لقينا رجالا بيضا على خيل بلق بين السماء و الأرض».
[3] ثاورته: و ثبت إليه.
[4] في (المرجع السابق): «فقامت أم الفضل إلى عمود من عمد الحجرة، فأخذته فضربته فلعت [شقّت ] في رأسه شجة منكرة».
[5] العدسة: قرحة كانت العرب تتشاءم بها، و يرون أنها تعدى أشدّ العدوي، فلما رمى بها أبو لهب تباعد عنه بنوه، فبقي ثلاثا لا تقرب جنازته، و لا يدفن، فلما خافوا السّبّه دفعوه بعود في حفرته، ثم قذفوه بالحجارة من بعيد حتى واروه.
و قال ابن إسحاق في رواية يونس: لم يحفروا له، و لكن أسند إلى الحائط، و قذفت عليه الحجارة من خلف الحائط ... و روى: بئرة خطرة تخرج في الجسم تشبه الطاعون تقتل صاحبها سريعا. (سيرة ابن هشام): 3/ 198 [هامش ].
[6] زيادة للسياق من (المرجع السابق).
إمتاع الأسماع،ج 6،ص:312
على رضى الله عنه، و قال محمد بن عبد الملك بن أيمن: حدثني عبيد الله أن أبا رافع و هو رويفع، كان لسعيد بن العاص أبى أحيحة، فورثه عنه بنوه و هم ثمانية، و قبل عشرة، فأعتقهم كلهم إلا واحدا، يقال إنه خالد بن سعيد تمسك بنصيبه منه، و قد قيل إنما أعتق منهم ثلاثة، و استمسك بعض القوم بحقهم منه، فأتى رافع رسول الله صلّى الله عليه و سلم يستعينه على من لم يعتقه منهم، فكلمهم فيه رسول الله صلّى الله عليه و سلم، فوهبوه له فأعتقه.(1/389)
و قيل: إن الّذي [تمسك بنصيبه ] من أبى رافع هو خالد بن سعيد بن العاص وحده، فقال له رسول الله صلّى الله عليه و سلم أعتق إن شئت نصيبك، قال: ما أنا بفاعل، قال: فبعه قال: و لا، قال: فهبه لي، قال: و لا، قال: فأنت على حقك منه، فلبث ما شاء الله، ثم أتى خالد رسول الله صلّى الله عليه و سلم فقال: قد وهبت ذلك بعد قبول الهبة [1]. و كان رافع يقول: أنا مولى رسول الله صلّى الله عليه و سلم، و قيل: إنه [ما] [2] كان لسعيد بن العاس [إلا] [2] سهما واحدا، فاشترى رسول الله صلّى الله عليه و سلم ذلك السهم فأعتقه. و يقال أبتاعه رسول الله صلّى الله عليه و سلم، و يقال: لما ولى عمرو بن سعيد الأسدي المدينة، دعي رافعا، فلما أتاه قال: مولى من أنت؟ قال:
مولى رسول الله صلّى الله عليه و سلم، فضربه مائة سوط، ثم قال له: مولى من أنت؟ قال:
مولى رسول الله صلّى الله عليه و سلم فضربه مائة سوط أخرى، ثم قال له: مولى من أنت؟
قال: مولى رسول الله صلّى الله عليه و سلم فضربه مائة سوط ثالثة، فلما رأى أنه لا يرفع عنه
__________________________________________________
[1] في (الاستيعاب): ثم أتى خالد رسول الله صلّى الله عليه و سلم فقال: قد وهبت نصيبي منه لك يا رسول الله، و إنما حملني على ما صنعته الغضب الّذي كان في نفسي، فأعتق رسول الله صلّى الله عليه و سلم نصيبه ذلك بعد بعد قبول الهبة، فكان أبو رافع يقول: أنا مولى رسول الله صلّى الله عليه و سلم.
[2] زيادة للسياق من المرجع السابق.
إمتاع الأسماع،ج 6،ص:313
الضرب، قال له: مولى من أنت؟ قال مولاك [1].
و قد جعل أبو عمر يوسف بن عبد البر رافعا هو أبو رافع، و ذكر الاختلاف فيه، هل كان للعباس أو لسعيد بن العاص، و ما في ملك سعيد من الاختلاف، ثم قال: و هذا اضطراب كبير في ملك سعيد بن العاص و ولايته، و لا يثبت من جهة النقل [2].
[(1/390)
و ما روى أنه كان للعباس، فوهبه للنّبيّ صلّى الله عليه و سلم أولى و أصح إن شاء الله تعالى لأنهم قد أجمعوا أنه مولى رسول الله صلّى الله عليه و سلم و لا يختلفون في ذلك، و عقب أبى رافع أشراف بالمدينة و غيرها عند الناس، و زوجه النبي صلّى الله عليه و سلم سلمى مولاته، فولدت له عبيد الله بن أبى رافع، و كانت سلمى قابلة إبراهيم بن النبي صلّى الله عليه و سلم، و شهدت معه خيبر، و كان عبيد الله بن أبى رافع خازنا و كاتبا لعلى رضى الله عنه، و شهد أبو رافع أحدا و الخندق و ما بعدهما من المشاهد، و لم يشهد بدرا، و إسلامه قبل بدر، إلا أنه كان مقيما بمكة، و كان قبطيا، و مات في خلافة عثمان رضى الله عنه ] [3].
__________________________________________________
[1] قال الحافظ في (الإصابة) فلما ولى عمرو بن سعيد المدينة، أرسل إلى البهي بن أبى رافع، فقال له:
من مولاك؟ قال: رسول الله صلّى الله عليه و سلم، فضربه مائة سوط، ثم قال له: من مولاك؟ فقال مثلها حتى ضربه خمسمائة سوط، فلما خاف أن يموت قال: أنا مولاكم، فلما قتل عبد الملك بن مروان عمرو بن سعيد ابن العاص مدحه البهي بن أبى رافع، و هجا عمرو بن سعيد، فهذا يبين أن صاحب هذه القصة غير أبى رافع والد عبد الله بن أبى رافع، إذ ليس في ولده أحد يسمى البهي (الإصابة): 7/ 126.
[2] (الاستيعاب): 1/ 84.
[3] ما بين الحاصرتين مطموس في (خ)، و استدركناه من (الاستيعاب).
له ترجمة في: (سيرة ابن هشام): 3/ 197، 5/ 20، (الاستيعاب): 1/ 83- 85، ترجمة رقم (34)، 4/ 1656- 1657، ترجمة رقم (2948)، (الإصابة): 7/ 135- 136، ترجمة رقم (9880)، (مسند أحمد): 6/ 8 و 390، (طبقات ابن سعد): 4/ 73- 75، (المعارف):(1/391)
145- 146، (الجرح و التعديل): 2/ 149، (المستدرك): 3/ 690، 100- 101، ترجمة رقم (406)، (سير الإعلام): 2/ 16- 17، ترجمة رقم (3)، (صفة الصفوة): 1/ 77، (المواهب اللدنية): 2/ 123- 124، (الوافي) 1/ 87، (عيون الأثر): 2/ 313، (تاريخ الخميس): 2/ 178، (زاد المعاد): 1/ 114، (طبقات ابن سعد): 1/ 498.
إمتاع الأسماع،ج 6،ص:314
و أبو أنسه [1]، أبو مشرّح [2]، من مولّدى السراة فأعتقه [3]، و كان يحاذي على رسول الله صلّى الله عليه و سلم إذا جلس، و هو مولى رسول الله صلّى الله عليه و سلم، و كان [يدعوه ] بعضهم بأبي مسروح، و ذكر فيمن شهد بدرا [4]، و سماه بعضهم أبو أنسة، و أنه استشهد يوم بدر، و لم يعرف قاتله [5].
و قال الواقدي: رأيت أهل العلم يثبتون أنه لم يقتل ببدر، و أنه قد شهد يوم أحد، و بقي بعد ذلك، و توفّى في خلافة أبى بكر رضى الله عنه [6].
[و] أبو كبشة، مولى رسول الله صلّى الله عليه و سلم، قال العسكري: اسمه قيلاوس، و قال ابن حبان: يقال اسمه سلمة، و يقال: أوس، و هو الصحيح- انتهى.
__________________________________________________
[1] كذا في (خ)، و في سائر المراجع: «أنسة».
[2] (زاد المعاد).
[3] (طبقات ابن سعد).
[4] قال ابن هشام- و قد ذكر عدد إبل المسلمين يوم بدر-: قال ابن إسحاق: و كان حمزة بن عبد المطلب، و زيد بن حارثة، و أبو كبشة، و أنسة، موليا رسول الله صلّى الله عليه و سلم يعتقبون بعيرا، ثم قال- و قد ذكر من حضر بدرا من المسلمين-: قال ابن إسحاق: و أنسة مولى رسول الله صلّى الله عليه و سلم، و أنسة حبشي.
[5] ذكره الديار بكرى في (تاريخ الخميس)، فيمن شهد بدرا، و كذلك ابن هشام في (السيرة).
[6] ذكره الواقدي في (المغازي)، فيمن شهد سرية حمزة بن عبد المطلب، و فيمن شهد بدرا، و قال:(1/392)
حدثني ابن أبى حبيبة، عن داود بن الحصين، عن عكرمة، عن ابن عباس قال: قتل أنسة مولى النبي صلّى الله عليه و سلم ببدر. له ترجمة في: (مغازي الواقدي): 1/ 9، 24، 46، 136، (سيرة ابن هشام): 3/ 233، (تاريخ الخميس): 1/ 396، (زاد المعاد): 1/ 116 (عيون الأثر): 2/ 314، (طبقات ابن سعد): 1/ 497، (صفة الصفوة): 1/ 77.
و في ص 720 من النسخة (خ) ما نصه: أصل، ابن محمد مولى دنا عبد الملك بن الحسن بن محمد بن زريق بن عبيد الله بن أبى رافع مولى رسول الله صلّى الله عليه و سلم عن أصبغ بن خليل، أنه أخذ نسخة كتاب رسول الله صلّى الله عليه و سلم: بسم الله الرحمن الرحيم، كتاب من محمد رسول الله لفتاه أسلم، إني أعتقتك للَّه عتقا مبتولا، الله أعتقك، و له المن عليّ و عليك، و أنت حرّ لا سبيل لأحد عليك إلا سبيل الإسلام، و عصمة الإيمان، شهد على ذلك أبو بكر، و شهد عمر، و شهد عثمان، و شهد عليّ، و كتب معاوية بن أبى سفيان، هكذا نقل هذا الخبر من خط الحاكم المستنصر باللَّه، و قال: وجدت على كتاب من كتب ابن عبد الملك بن أيمن فذكر بنصه.
إمتاع الأسماع،ج 6،ص:315
و قيل اسمه سليم، كان من مولدي أرض دوس، و قيل: من مولدي مكة، و قيل: من فارس، ابتاعه رسول الله صلّى الله عليه و سلم فأعتقه، و شهد بدرا و ما بعدها، و نزل لما هاجر على كلثوم بن الهدم، و يقال على سعد بن خيثمة [1].
و توفّي في أول يوم من خلافة عمر بن الخطاب رضى الله عنه، [و] قيل:
يوم الثلاثاء لثمان بقين من جمادى الآخرة سنة ثلاث عشرة، و قيل: مات سنة ثلاث عشرة، و ذلك يوم الثلاثاء لثمان بقين من جمادى الأولى [2].
__________________________________________________
[1] قال ابن هشام- و قد ذكر منزل حمزة و زيد و أبى مرثد، و ابنه، و أنسة و أبى كبشة-: قال ابن إسحاق: و نزل حمزة بن عبد المطلب، و زيد بن حارثة، و أبو مرثد كنّاز بن حصن، قال ابن هشام:(1/393)
و يقال: ابن حصين، و ابنه مرثد الغنويان، حليف حمزة بن عبد المطلب، و أنسة، و أبو كبشة، موليا رسول الله صلّى الله عليه و سلم، على كلثوم بن هدم، أخى بنى عمرو بن عوف بقباء، و يقال: بل نزلوا على سعد بن خيثمة.
و يقال: بل نزل حمزة بن عبد المطلب على أسعد بن زرارة، أخى بنى النجار. كل ذلك يقال.
(سيرة ابن هشام): 2/ 326- 327.
[2] قال أبو عمر في (الاستيعاب): أبو كبشة مولى رسول الله صلّى الله عليه و سلم، شهد بدرا و المشاهد كلها مع رسول الله صلّى الله عليه و سلم، ذكره ابن عقبة و ابن إسحاق، توفى سنة ثلاث عشرة في اليوم الّذي استخلف فيه عمر بن الخطاب، و قد قيل: إن أبا كبشة هذا توفى سنة ثلاث و عشرين في العام الّذي ولد فيه عروة بن الزبير.
و اختلف في السبب الّذي كانت كفار قريش من أجله تقول للنّبيّ: صلّى الله عليه و سلم: ابن أبى كبشة، فقيل: إنه كان له جدّ من قبل أمه، و هو أبو قيلة. و قيلة أم وهب بن عبد مناف بن زهرة، و هو من بنى غبشان من خزاعة، يدعى أبا كبشة، كان يعبد الشعرى، و لم يكن أحد من العرب يعبد الشعرى غيره، خالف العرب في ذلك، فلما جاءهم النبي صلّى الله عليه و سلم بخلاف ما كانت العرب عليه، قالوا: هذا ابن أبى كبشة.
و قد قيل: بل نسب إلى جدّ أبى أمه أمنة بنت وهب الزهرية، كان يدعى: أبا كبشة.
و قيل: إن عمرو بن زيد بن لبيد النجاري من بنى البخار، و هو والد سلمى أم عبد المطلب، كان يدعى أبا كبشة فنسب إليه.
و قيل: إن أباه من الرضاعة الحارث بن عبد العزى بن رفاعة السعدي زوج حليمة السعدية، كان يدعى أبا كبشة، فنسبوه إليه. له ترجمة في: (الاستيعاب): 4/ 1738، ترجمة رقم (3143)، (عيون الأثر): 2/ 314، (زاد المعاد): 1/ 114، (المستدرك): 1/ 178، (سيرة ابن هشام):
2/ 326- 327، (الوافي): 1/ 87، (المواهب اللدنية): 2/ 123.
إمتاع الأسماع،ج 6،ص:316(1/394)
و صالح بن عدي شقران، مولى رسول الله صلّى الله عليه و سلم كان عبدا حبشيا لعبد الرحمن بن عوف، فوهب للنّبيّ صلّى الله عليه و سلم، و قيل: بل اشتراه منه و أعتقه، و قيل:
ورثه من أبيه فأعتقه بعد بدر. و شهد بدرا و هو مملوك فاستعمله على الأسرى، و لم يسهم له، فأحذاه كل رجل له أسير، فأصاب أكثر مما أصابه رجل من القوم من القسم.
و استعمله رسول الله صلّى الله عليه و سلم على جميع ما وجد في رحال أهل المريسيع من رثة المتاع و السلاح و النعم و الشاء، و جمع الذرية ناحية، و سأل أهل المريسيع كيف وجدتم شقران؟ فقالوا: أشبع بطوننا، و شدّ وثاقنا، و أوصى به عند موته، و كان فيمن حضر غسله عند موته، و نزل في قبره صلّى الله عليه و سلم.
و لأبى شقران يقول عمر رضى الله عنه حين وجهه إلى أبى موسى الأشعري: و قد وجهت إليك عبد الرحمن بن صالح، الرجل الصالح شقران، فاعرف له مكان ابنه من رسول الله صلّى الله عليه و سلم و توفى شقران في خلافة عمر رضى الله عنه [1].
يسار مولى رسول الله صلّى الله عليه و سلم، في غزاة قراره الكدر، لما انصرف و قد ظفر حتى إذا صلّى الصبح إذا هو بيسار فرآه يصلّى، فأمر القوم أن يقسموا غنائمهم، فقالوا: يا رسول الله، إن أقوى لنا أن نسوق النعم جميعا، فإن فينا من يضعف عن حقله الّذي يصير له، فقال صلّى الله عليه و سلم: اقتسموا، فقالوا: يا رسول الله، إن كان أنابك العبد الّذي رأيته يصلّى، فنحن نعطيكه في
__________________________________________________
[1] له ترجمة في: (الاستيعاب): 2/ 735، ترجمة رقم (1233)، (الإصابة): 3/ 351- 253، ترجمة رقم (3920)، (سيرة ابن هشام): 6/ 83- 84، 87، (عيون الأثر): 2/ 314، (زاد المعاد): 1/ 115، (طبقات ابن سعد): 1/ 498، (الوافي): 1/ 87، (تاريخ الخميس): 2/ 178، (المواهب اللدنية): 2/ 123، (مغازي الوافدى): 105، 107، 115، 116، 153، 410، (صفة الصفوة): 1/ 77.(1/395)
إمتاع الأسماع،ج 6،ص:317
سهمك، فقال: قد طبتم به نفسا؟ قالوا: نعم، فقبله و أعتقه، و ارتحل و قدم المدينة، فجعله في لقاحه يرعاها، فأغار عليها قوم من عرينة، و يقال: من عكل، فأخذوا يسارا فغرزوا الشوك في عينيه و لسانه، و قطعوا يديه و رجليه حتى مات، و أدخل المدينة ميتا، و هربوا بالسرح فأدركوا، و ذلك في سنه ست [1]، و قال الكلبي: أصاب رسول الله صلّى الله عليه و سلم يسارا في غزاة بنى ثعلبة بن سعد فأعتقه [2].
[و] فضالة مولى رسول الله صلّى الله عليه و سلم، يماني نزل الشام فولد بها. قاله الواقدي، و قال الهيثم: لم يكن لرسول الله صلّى الله عليه و سلم مولى يقال له فضالة [3].
[و] سفينة، و اسمه مفلح، و قيل: مهران بن فرّوخ، و قيل: نجران، و قيل:
__________________________________________________
[1] و بلغ رسول الله صلّى الله عليه و سلم الخبر، فبعث في أثرهم عشرين فارسا، و استعمل عليهم كرز بن جابر الفهري، فأدركوهم، فأحاطوا بهم و أسروهم، و ربطوهم و أردفوهم على الخيل حتى قدموا بهم المدينة، و كان رسول الله صلّى الله عليه و سلم بالغابة، فخرجوا بهم نحوه، فلقوه بالزّغابة بمجتمع السيول، و أمر بهم فقطعت أيديهم، و أرجلهم، و سمل أعينهم، فصلبوا هناك، و أنزل على رسول الله صلّى الله عليه و سلم: إِنَّما جَزاءُ الَّذِينَ يُحارِبُونَ الله وَ رَسُولَهُ وَ يَسْعَوْنَ في الْأَرْضِ فَساداً 5: 33 [المائدة: 33]، فلم يسمل بعد ذلك عينا، و كانت اللقاح خمس عشرة لقحة غزارا، فردّوها إلى المدينة، ففقد رسول الله صلّى الله عليه و سلم منها لقحة تدعى الحناء، فسأل عنها، فقيل: نحروها. (طبقات ابن سعد).
[(1/396)
2] له ترجمة في: (الاستيعاب): 4/ 1581، ترجمة رقم (2803)، (طبقات ابن سعد): 2/ 93، سرية كرز بن جابر الفهري إلى العرنيين، 2/ 119، سرية غالب بن عبد الله الليثي إلى الميفعة، (مغازي الواقدي): 2/ 568- 571، 726- 727، (الإصابة): 6/ 681- 682، ترجمة رقم (9347)، (عيون الأثر): 2/ 314، (تاريخ الخميس): 2/ 178، (المواهب اللدنية): 2/ 123، (صفة الصفوة): 1/ 77، (الوافي): 1/ 87.
[3] قال الحافظ في (الإصابة): فضالة، مولى رسول الله صلّى الله عليه و سلم، من أهل اليمن، نقل جعفر المستغفري أنه نزل الشام، و أن أبا بكر محمد بن محمد بن حزم ذكره في موالي رسول الله صلّى الله عليه و سلم، و قال أبو عمر في (الاستيعاب): نحو ذلك، و ذكره محمد بن سعد في (الطبقات) عن الواقدي، و قال: نزل الشام فولده بها. له ترجمة في (الإصابة): 5/ 374، ترجمة رقم (7003)، (الاستيعاب): 3/ 1264، ترجمة رقم (2084)، (الوافي): 1/ 87، (عيون الأثر): 2/ 314، (صفة الصفوة): 1/ 77، (تاريخ الخميس): 2/ 179، (طبقات ابن سعد): 1/ 498.
إمتاع الأسماع،ج 6،ص:318
قيس، و قيل: رومان، و قيل: رباح، و قيل: أحمد، و قيل: طهمان، و قيل:
سفينة بن مارفنة، و يقال: عمر أبو عبد الرحمن، و قيل: أبو البختري [1].
كان من مولدي الأعراب، و قيل: من أبناء دارين، مولى أم سلمة [رضى الله عنها]، و قيل: مولى رسول الله صلّى الله عليه و سلم أعتقه عليه السّلام، و قيل: أعتقته أم سلمة، و اشترطت عليه خدمة النبي صلّى الله عليه و سلم ما عاش، و قيل: وهبته للنّبيّ عليه السّلام فأعتقه [2].(1/397)
و خرّج الحاكم من حديث عبد الوارث بن سعيد، حدثنا سعيد بن جمهان، حدثني سفينة قال: قالت لي أم سلمة [رضى الله عنها]: أعتقك و اشترط عليك أن تخدم رسول الله صلّى الله عليه و سلم ما عشت، قال: قلت: لو أنك لم تشترطى عليّ ما فارقت رسول الله صلّى الله عليه و سلم ما عشت، قال: فأعتقتني، و اشترطت عليّ أن أخدم رسول الله صلّى الله عليه و سلم ما عشت [3].
و قال ابن عبد البر: مهران مولى رسول الله صلّى الله عليه و سلم هو غير سفينة عند أكثرهم، و قال سعيد بن جمهان [4] عن سفينة: كنا مع النبي صلّى الله عليه و سلم، فقال:
أبسط كساءك، فقال للقوم: أطرحوا أمتعتكم فيه، ثم قال: احمل فإنما
__________________________________________________
[1] قال الحافظ في (الإصابة): سفينة، مولى رسول الله صلّى الله عليه و سلم، قيل: كان اسمه مهران، و قيل: طهمان، و قيل: مروان، و قيل: نجران، و قيل رومان، و قيل: ذكوان، و قيل: كيسان، و قيل: سليمان، و قيل: سنة- بالمهملة و النون، و قيل: بالمعجمة- و قيل: أيمن، و قيل مرقنة، و قيل: أحمر، و قيل: أحمد، و قيل:
رباح، و قيل: مفلح، و قيل: عمير، و قيل: معتب، و قيل: قيس، و قيل: عبس، و قيل: عيسى، فهذه واحد و عشرون قولا، و كان أصله من فارس، فاشترته أم سلمة، ثم أعتقته و اشترطت عليه أن يخدم النبي صلّى الله عليه و سلم. (الإصابة): 3/ 132.
[2] المرجع السابق.
[3] (المستدرك): 2/ 232، كتاب العتق، حديث رقم (2849/ 9)، و قال عنه الذهبي في (التلخيص): صحيح، و فيه: «فأعتقتني و اشترطت ذلك»، 3/ 702، كتاب معرفة الصحابة، حديث رقم (6549/ 2147)، و سكت عند الذهبي في (التخليص).
[4] في (خ): «جمهان»، و ما أثبتناه من (المستدرك).
إمتاع الأسماع،ج 6،ص:319(1/398)
أنت سفينة، قال: فلو كان وقر بعير، أو بعيرين، أو ثلاثة، أو أربعة، أو خمسة لحملته [1]. و في رواية: سماني رسول الله صلّى الله عليه و سلم سفينة، و ذلك أنى خرجت معه و مع أصحابه يمشون، فثقل عليهم متاعهم، فحملوه عليّ، فقال لي رسول الله صلّى الله عليه و سلم: احمل فإنما أنت سفينة، فلو حملت يومئذ وقر بعير ما ثقل عليّ، و كان يسكن بطن نخلة، مات بعد السبعين [2]. [و] ثوبان بن بجدد، و يقال: ابن جحدر أبو عبد الله، و يقال: أبو عبد الرحمن، من أهل السّراة، و هو موضع بين مكة و اليمن. و قيل: إنه من حمير، و قيل: إنه حكمىّ من حكم بن سعد العشيرة، أصابه سبيا فاشتراه رسول الله صلّى الله عليه و سلم فأعتقه، و لم يزل معه حضرا و سفرا، إلى أن توفى رسول الله صلّى الله عليه و سلم، فخرج إلى الشام و نزل الرملة، ثم انتقل إلى حمص، و توفى بها سنة أربع و خمسين، و له أحاديث، خرّج له مسلم و أصحاب السنن [3].
[و] أنجشة العبد الأسود، و قيل كان حبشيا يكنى أبا حارثة، كان يسوق أو يقود بنساء النبي صلّى الله عليه و سلم عام حجة الوداع، و كان حسن الحداء، و كانت الإبل تزيد في الحركة بحدائه، فقال له عليه السّلام: رويدا يا أنجشة، رفقا بالقوارير يعنى النساء. عدّه البلاذري من موالي رسول
__________________________________________________
[1] (الاستيعاب): 2/ 684- 685، ترجمة رقم (1135).
[2] سبق تخريج هذا الخبر مع الإشارة إلى ترجمة سفينة مولى رسول الله صلّى الله عليه و سلم في معجزات النبي صلّى الله عليه و سلم.
[(1/399)
3] روى مائة حديث و ثمانية و عشرين حديثا، ذكره ابن حزم، و قال البرقي: روى عنه نحو من خمسين حديثا، له ترجمة في (الاستيعاب): 1/ 218، ترجمة رقم (282)، (الإصابة): 1/ 413، ترجمة رقم (968)، (أسماء الصحابة الرواة): 60، ترجمة رقم (34)، (الثقات): 3/ 48، (الجرح و التعديل): 2/ 469، (تهذيب التهذيب): 2/ 28، ترجمة رقم (54)، (المواهب اللدنية): 2/ 123، (الوافي): 1/ 87، (عيون الأثر): 2/ 314، (صفة الصفوة): 1/ 77، (تاريخ الخميس): 2/ 178، (طبقات ابن سعد): 1/ 498.
إمتاع الأسماع،ج 6،ص:320
الله صلّى الله عليه و سلم [1].
[و] أبو لبابة، و اسمه زيد بن المنذر من بنى قريظة، أبتاعه رسول الله صلّى الله عليه و سلم، و هو مكاتب فأعتقه، و هو الّذي روى عن رسول الله صلّى الله عليه و سلم: «من قال أستغفر الله الّذي لا إله إلا هو الحي القيوم و أتوب إليه [غفرت له ذنوبه ] و لو كان فرّ من الزحف» [2] أخرجه أبو داود [3]. و ابنه يسار بن زيد يروى عن أبيه زيد، و عنه ابنه بلال بن يسار، ذكر ابن حبان [أبا] لبابة هذا في موالي رسول الله صلّى الله عليه و سلم. و قال ابن عبد البر: أبو لبابة مولى رسول الله صلّى الله عليه و سلم مذكور في مواليه [4].
و أبو لقيط، ذكره بعضهم في موالي رسول الله صلّى الله عليه و سلم قال ابن عبد البر: لا أعرفه [5].
__________________________________________________
[1] له ترجمة في: (تاريخ الخميس): 2/ 180، (الوافي): 1/ 87، (عيون الأثر): 2/ 314، (المواهب اللدنية): 2/ 124، (الاستيعاب): 1/ 140، ترجمة رقم (151)، (الإصابة): 1/ 119- 120، ترجمة رقم (261).
[2] قال الحافظ في (الإصابة): المعروف أن الّذي روى الحديث المذكور هو زيد بن بولا، و ما بين الحاصرتين تصويب للسياق منه.
[(1/400)
3] (عون المعبود): 4/ 266، تفريع أبواب الوتر، حديث رقم (1514)، و لفظه: حدثنا موسى بن إسماعيل، حدثنا حفص بن عمر بن مرة الشنى، حدثني أبى عمر بن مرة قال: سمعت بلال بن يسار ابن زيد مولى النبي صلّى الله عليه و سلم قال: سمعت أبى يحدثنيه عن جدي، أنه سمع رسول الله صلّى الله عليه و سلم يقول: «من قال: أستغفر الله الّذي لا إله إلا هو الحي القيوم و أتوب إليه. غفر له و إن كان قد فرّ من الزحف».
[4] و لأبى لبابة ترجمة في: (الإصابة): 7/ 350، ترجمة رقم (10466)، (الاستيعاب): 4/ 1740، ترجمة رقم (3149)، (تاريخ الخميس): 2/ 180، (الوافي): 1/ 87، (عيون الأثر):
2/ 314.
[5] كذا في (الاستيعاب): 4/ 1742، ترجمة رقم (3152)، لكن قال الحافظ في (الإصابة): أبو لقيط مولى رسول الله صلّى الله عليه و سلم: كان عبدا حبشيا أو نوبيا، بقي إلى زمن عمر رضى الله عنه، و ذكره محمد ابن حبيب في كتاب (المحبر).
و قال جعفر المستغفري: كان عند الديوان في خلافة عمر رضى الله عنه، له ترجمة في: (الإصابة)
إمتاع الأسماع،ج 6،ص:321
[و] أبو مويهبة، و هو أبو موهبة، من مولدي مزينة، اشتراه رسول الله صلّى الله عليه و سلم فأعتقه، و شهد المريسيع، و كان يقود بعائشة رضى الله عنها بعيرها، قال ابن عبد البر: لا يوقف له على اسم، حديثه حسن في استغفار رسول الله صلّى الله عليه و سلم لأهل البقيع، و اختياره لقاء ربه [1].
[و] مدعم، غلام النبي صلّى الله عليه و سلم، من مولدي حمير، و يكنى أبا سلام، و يقال: إن أبا سلام غيره، و كان مدعم من هدية فروة بن عمرو الجذامىّ، و يقال: من هدية رفاعة بن زيد [بن وهب ] [2] الجذامي، أصابه سهم غرب بوادي القرى و هو يحط رحل رسول الله صلّى الله عليه و سلم.(1/401)
و قال ابن عبد البر: مدعم العبد الأسود، خبره مشهور بخيبر، و يوم خيبر قتل شهيدا، قيل إنه كان مولى رسول الله صلّى الله عليه و سلم و أن الّذي أهداه له رفاعة بن زيد بن وهب الجذامىّ، أصابه سهم غرب فقتله. حديثه عند مالك و غيره.
و قيل: إن العبد الأسود غير مدعم، كذا قال ابن عبد البر، و كلاهما قتل بخيبر.
و قال الواقدي في (مغازية): و كان رجل أسود مع النبي صلّى الله عليه و سلم يمسك دابته عند القتال، يقال له كركرة، فقتل يومئذ، يعنى يوم خيبر، فقيل: يا رسول الله: استشهد كركرة، فقال صلّى الله عليه و سلم: إنه الآن ليحرق في النار على شملة غلّها.
__________________________________________________
[ ()] 7/ 352، ترجمة رقم (10470)، (صفة الصفوة): 1/ 78، (عيون الأثر): 2/ 314، (تاريخ الخميس): 2/ 180.
[1] له ترجمة في (الاستيعاب): 1764- 1765، ترجمة رقم (3196)، (الإصابة): 7/ 393- 394، ترجمة رقم (10589)، (الثقات): 3/ 452، (التاريخ الكبير): 9/ 73، (الجرح و التعديل): 9/ 444، (تعجيل المنفعة): 522، (أسماء الصحابة الرواة): 286، ترجمة رقم (422)، (الوافي): 1/ 87، (تاريخ الخميس): 2/ 187، (عيون الأثر): 2/ 314، (صفة الصفوة) 1/ 78.
[2] زيادة للنسب من (الاستيعاب).
إمتاع الأسماع،ج 6،ص:322
و قال في مسير رسول الله صلّى الله عليه و سلم إلى وادي القرى: فكان أبو هريرة يحدث قال: خرجنا مع رسول الله صلّى الله عليه و سلم من خيبر إلى وادي القرى، و كان رفاعة بن زيد بن وهب الجذامي قد وهب لرسول الله صلّى الله عليه و سلم عبدا أسودا يقال له:
مدعم، و كان يرحل لرسول الله صلّى الله عليه و سلم، فلما نزلنا بوادي القرى، انتهينا إلى يهود و قد ضوى إليها ناس من العرب، فبينا مدعم يحط رحل النبي عليه السلام، و قد استقبلنا يهود بالرمي، حيث نزلنا، و لم نكن على تعبئة، و هم يصيحون في آطامهم. فيقبل سهم غائر فأصاب مدعما فقتله، فقال الناس:(1/402)
هنيئا له الجنة، فقال رسول الله صلّى الله عليه و سلم: كلا و الّذي نفسي بيده، إن الشملة التي أخذها يوم خيبر من المغانم لم يصبها المقسم تشتعل عليه نارا، فلما سمع بذلك الناس جاء رجل إلى رسول الله صلّى الله عليه و سلم بشراك [1] أو شراكين، فقال النبي عليه السّلام: شراك [من نار]، أو شراكان من نار. فقد بين الواقدي أنهما اثنان، أحدهما كركرة، و هو الّذي قتل بخيبر، و الآخر مدعم، و هو الّذي قتل بوادي القرى [2].
و كركرة غلام النبي صلّى الله عليه و سلم، و قال ابن عبد البرّ: مدعم العبد الأسود، خبره مشهور بخيبر، و يوم خيبر قتل شهيدا، قيل إنه كان مولى رسول الله صلّى الله عليه و سلم.
قال البلاذري: أهدى إليه فأعتقه، و يقال: مات على عهد رسول الله صلّى الله عليه و سلم و هو مملوك [3].
__________________________________________________
[1] الشراك: أحد سيور النعل التي على وجهها.
[2] له ترجمة في: (الإصابة): 6/ 60- 61 ترجمة رقم (7861)، 709- 710 (الاستيعاب): 4/ 1468، ترجمة رقم (2538)، (مغازي الواقدي)، (الكامل في التاريخ): 2/ 222، 312، (تاريخ الطبري): 3/ 154، 171، (صفة الصفوة): 1/ 77، (المواهب اللدنية): 2/ 123، (عيون الأثر): 2/ 317، (تاريخ الخميس): 2/ 179، (الوافي): 1/ 87، (طبقات ابن سعد):
1/ 498.
[3] (الإصابة): 5/ 587.
إمتاع الأسماع،ج 6،ص:323
و قال البخاري في كتاب الجهاد من (الصحيح): حدثنا على بن عبد الله، حدثنا سفيان عن عمرو قال: كان على ثقل النبي صلّى الله عليه و سلم رجل يقال له:
كركرة فمات، فقال رسول الله صلّى الله عليه و سلم: هو في النار، فذهبوا ينظرون إليه، فوجدوا عباءة قد غلها [1]. و قد ذكر البخاري في كتاب [المغازي ] [2]، في غزوة خيبر من عدة طرق عن أبى هريرة، أن مدعما قتل بوادي القرى [3]، كما ذكر الواقدي [4].(1/403)
و ذكره أبو داود أيضا في سننه [5]، و لم يذكر أبو عمر بن عبد البر كركرة في كتاب (الأصحاب)، و هو أحفظ الناس لصحيح البخاري، و أعرفهم ب (مغازي الواقدي)، غير أن الإحاطة ممتنعة إلا على الله الّذي أحاط بكل شي ء علما. و ذكر الحافظ أبو القاسم بن عساكر كركرة في الموالي [6].
[و] أبو ضمرة، و هو ابن ضميرة، قال البخاري: اسمه سعد الحميرىّ من آل ذي يزن. و قال أبو حاتم فيه: سعيد الحميرىّ، و قيل: اسمه روح بن
__________________________________________________
[1] (فتح الباري): 6/ 230- 231، كتاب الجهاد و السير باب (190) القليل من الغلول، حديث رقم (3074)، و في الحديث تحريم قليل الغلول و كثيره، و قوله صلّى الله عليه و سلم: «هو في النار»، أي يعذب على معصيته، أو المراد: هو في النار إن لم يعف عنه.
[2] في (خ): «الإيمان و النذور»، و صوبناه من (فتح الباري).
[3] (فتح الباري): 7/ 620، كتاب المغازي، باب (39)، غزوة خيبر، حديث رقم (4234)، 11/ 625 كتاب الأيمان و النذور، باب (33)، هل يدخل في الأيمان و النذور الأرض و الغنم و الزرع و الأمتعة، حديث رقم (6707).
[4] (مغازي الواقدي): 681.
[5] (عون المعبود): 7/ 270- 271، كتاب الجهاد، باب (143) في تعظيم الغلول، حديث رقم (2708)، قال المنذري: و أخرجه البخاري و مسلم و النسائي.
[6] له ترجمة في: (الإصابة): 5/ 587، ترجمة رقم (7405)، (الوافي): 1/ 87، (طبقات ابن سعد): 1/ 498، (صفة الصفوة): 1/ 78، (عيون الأثر): 2/ 314، (تاريخ الخميس): 2/ 179.
إمتاع الأسماع،ج 6،ص:324
سندرة، و قيل: روح بن شيرزاد، و قيل: سمه إسماعيل بن أبى أويس، و الأول أصح.(1/404)
و هو من العرب، ممن أفاء الله على رسوله فأعتقهم، ثم خيّر أبا ضمرة أن يقيم معه أو يلحق بقومه، فاختار المقام، فكتب رسول الله صلّى الله عليه و سلم لأهل بيته كتابا بأن يحفظهم كل من لقيهم من المسلمين، فذكروا أن لصوصا لقوا قوما منهم، فأخرجوا كتاب رسول الله صلّى الله عليه و سلم فلم يعرضوا لهم.
و وفد حسين بن [عبد] [1] الله بن ضميرة على المهدي بن أبى جعفر المنصور، و جامعه بهذا الكتاب، فأخذه المهدي، و قبّله، و وضعه على عينيه، و أعطى حسينا ثلاثمائة دينار، و يقال: خمسمائة دينار [2].
و قال ابن الكلبي: كان لعلى بن أبى طالب رضى الله عنه غلام يكنى أبا ضمرة، و ليس هو هذا [3].
[و] رباح، أبو أيمن، مولى رسول الله صلّى الله عليه و سلم، و هو أسود، كان يؤذن على النبي عليه السّلام أحيانا إذا انفرد، و له ذكر في حديث الإيلاء، قال البلاذري: ثم صيّره مكان يسار حين قتل، و كان يقوم بأمر لقاحه عليه السلام [4].
__________________________________________________
[1] في (خ): «عبيد»، و ما أثبتناه من كتب السيرة.
[2] له ترجمة في: (الاستيعاب): 4/ 1695، ترجمة رقم (3051)، (الإصابة): 3/ 495، ترجمة رقم (4208 ز)، (الإصابة): 7/ 226، ترجمة رقم (10154)، (صفة الصفوة): 1/ 77، (عيون الأثر): 2/ 314، (تاريخ الخميس): 2/ 179، (الوافي): 1/ 87، (المعارف): 148.
[3] قال ابن هشام- و قد ذكر سرية زيد بن حارثة إلى مدين-: أن رسول الله صلّى الله عليه و سلم بعث زيد بن حارثة نحو مدين، و معه ضميرة مولى على بن أبى طالب رضى الله عنه، (سيرة ابن هشام): 6/ 47- 48.
[4] له ترجمة في: (عيون الأثر): 2/ 314، (تاريخ الخميس): 2/ 178، (صفة الصفوة): 1/ 77، (المواهب اللدنية): 2/ 123، (طبقات ابن سعد): 1/ 498، (الإصابة): 2/ 452- 453، ترجمة رقم (2567)، (الوافي): 1/ 87، (الاستيعاب): 2/ 487، ترجمة رقم (747).
إمتاع الأسماع،ج 6،ص:325
[(1/405)
و] هشام، مولى النبي صلّى الله عليه و سلم راوي حديث [1]: إن لي امرأة لا تدفع كفّ لامس [2].
[و] أبو هند، قيل اسمه عبد الله، مولى فروة بن عمرو البياضي، كان حجام النبي صلّى الله عليه و سلم فقال فيه: إنما أبو هند [3] رجل من الأنصار فأنكحوا و أنكحوا إليه [يا بنى بياضة] [4] ففعلوا، و لم يشهد بدرا، و شهد ما بعدها، و لقي النبي عليه السّلام بعرق الظبية بحميت مملوء حيسا [5].
قال البلاذري: و قال قوم: وهب بنو بياضة لرسول الله صلّى الله عليه و سلم ولاء أبى هند [6].
و أيمن بن عبيد بن عمرو بن بلال بن أبى الجرباء بن قيس بن مالك بن ثعلبة بن جشم بن مالك بن سالم، و هو الجبليّ بن غنم بن عوف بن الخزرج، و هو أيمن بن أم أيمن، مولاة رسول الله صلّى الله عليه و سلم، و أخو أسامة بن زيد بن حارثة لأمه، عدّة ابن عساكر في موالي رسول الله صلّى الله عليه و سلم.
__________________________________________________
[1] عن هشام مولى رسول الله صلّى الله عليه و سلم، قال: جاء إلى النبي صلّى الله عليه و سلم، فقال: يا رسول الله، إن امرأتي لا تمنع يد لامس، قال: طلقها، قال إنها تعجبني قال: فاستمتع بها.
[2] له ترجمة في: (الاستيعاب): 4/ 1541، ترجمة رقم (2688)، (الإصابة): 6/ 546، ترجمة رقم (8982)، (الوافي): 1/ 87، (صفة الصفوة): 1/ 78، (عيون الأثر): 2/ 314.
[3] كذا في (خ)، و في (الاستيعاب): «امرؤ».
[4] زيادة للسياق من (الاستيعاب).
[5] قال ابن إسحاق- و قد ذكر غزوة بدر-: و لقي رسول الله صلّى الله عليه و سلم بذلك الموضع، أبو هند مولى فروة بن عمرو البياضي بحميت مملوء حيسا. [الحيس السمن يخلط بالتمر و الدقيق، و يعجن ]. (سيرة ابن هشام): 3/ 194.
[6] له ترجمة في: (الاستيعاب): 4/ 1772، ترجمة رقم (3209)، (الإصابة): 7/ 448، ترجمة رقم (10679)، (عيون الأثر): 2/ 314، (تاريخ الخميس): 2/ 180، (الوافي): 1/ 87.
إمتاع الأسماع،ج 6،ص:326(1/406)
قال فيه ابن عبد البر: أيمن بن عبيد الحبشي، و نسبه البلاذري كما ذكرنا، و ثبت أيمن يوم حنين فيمن ثبت مع النبي صلّى الله عليه و سلم، و ذكره ابن إسحاق في من استشهد يومئذ [1].
و حنين، كان عبدا للنّبيّ صلّى الله عليه و سلم يخدمه، و إذا توضّأ أخرج وضوءه إلى أصحابه، و كانوا إما شربوه و إما مسحوا به، فحبس الوضوء فكان لا يخرج به إليهم، فشكوه إلى النبي صلّى الله عليه و سلم، فقال [حنين ] [2] حبسته عندي فجعلته في جرّ، فإذا أعطشت شربته، فقال رسول الله صلّى الله عليه و سلم: هل رأيتم غلاما أحصى ما أحصى هذا؟. ثم وهبه لعمه العباس رضى الله عنه فأعتقه، و قد قيل: إنه مولى على بن أبى طالب [3].
[و] ضميرة بن أبى ضميرة، مولى رسول الله صلّى الله عليه و سلم، له و لأبيه أبى ضمرة صحبة، و يروى أن ضميرة أصابه سبيا، فمرّ النبي عليه السّلام بأمه و هي تبكى فقال: ما يبكيك؟ أ ضائقة أنت؟ أ عارية أنت؟ فقالت: فرّق بيني و بين ابني، فابتاعه منه ببكر و قال: لا تفرق بين الوالدة و ولدها، ثم أرسل إلى الّذي عنده ضميرة فدعاه، فابتاعه منه ببكر و أعتقه [4].
__________________________________________________
[1] له ترجمة في: (سيرة ابن هشام): 4/ 319، 5/ 111، 5/ 128، (تاريخ الخميس): 2/ 180، (صفة الصفوة): 1/ 77، (طبقات ابن سعد): 1/ 497، (الاستيعاب): 1/ 128- 129، ترجمة رقم (131)، (الإصابة): 1/ 170- 171، ترجمة رقم (394)، (عيون الأثر): 2/ 313.
[2] زيادة للسياق و البيان.
[3] له ترجمة في: (الوافي): 1/ 87، (الإصابة): 2/ 140- 141، ترجمة رقم (1875)، (الاستيعاب): 1/ 412، ترجمة رقم (585)، (عيون الأثر): 2/ 314.
[4] رواه البخاري في (التاريخ)، و الحسين بن سفيان، من طريق ابن أبى ذئب، عن حسين بن عبد الله بن ضميرة، عن أبيه عن جده ضميرة، أن النبي صلّى الله عليه و سلم مرّ بأمّ ضميرة و هي تبكى، فقال: ما يبكيك؟ قالت:(1/407)
يا رسول الله، فرّق بيني و بين ابني، فأرسل إلى الّذي عنده ضميرة فابتاعه منه ببكر. قال الحافظ في
إمتاع الأسماع،ج 6،ص:327
و طهمان، و قيل: مهران، و قيل: ميمون، و قيل باذام، و قيل: كيسان، مولى النبي صلّى الله عليه و سلم، اختلف فيه على عطاء بن السائب، فقيل: كيسان، و قيل: مهران، و قيل: طهمان، و قيل: ذكوان، كل ذلك في حديث تحريم الصدقة على آل النبي عليه السّلام [1].
__________________________________________________
[ ()] (الإصابة): و للحديث شاهد عند ابن إسحاق بسند منقطع، و قد تابع ابن أبى ذئب أيضا إسماعيل ابن أبى أويس، و أخرجه محمد بن سعد، و أورده البغوي عنه عن إسماعيل بن أبى أويس، أخبرنى حسين بن عبد الله بن ضميرة بن أبى ضميرة، أن الكتاب الّذي كتبه رسول الله صلّى الله عليه و سلم إلى ضمرة، فذكره كما تقدم.
و من حديث ضميرة، ما أخرجه البغوي من رواية القعنبي عن حسين بن ضميرة، عن أبيه عن جده، أن رجلا جاء إلى النبي صلّى الله عليه و سلم فقال: يا نبي الله، أنكحنى فلانة، قال: ما معك تصدقها إياه؟ قال:
ما معى شي ء، قال: لمن هذا الخاتم؟ قال: لي، قال: فأعطها إياه: فأنكحه. و أنكح آخر على سورة البقرة، و لم يكن معه شي ء.
أورده البغوي في ترجمة أبى ضميرة على ظاهر السياق، و إنما هو من رواية ضميرة، و قول القعنبي عن حسين بن ضميرة تجوّز فيه، فنسبه لجده و هو حسين بن عبد الله بن ضميرة، فالحديث لضميرة، لا لولده.
و زعم عبد الغنى المقدسي في (العمدة)، أن ضميرة هذا هو اليتيم الّذي صلّى مع أنس لما صلّى النبي صلّى الله عليه و سلم في بيتهم، قال: فقمت أنا و اليتيم وراءه، و العجوز من ورائنا. له ترجمة في: (الإصابة):
3/ 495- 496، ترجمة رقم (4208 ز)، (التاريخ الكبير): 4/ 341- 342، ترجمة رقم (3060)، (الثقات): 3/ 199، (الوافي): 1/ 87.
[(1/408)
1] ذكره ابن حبان في الصحابة، و روى البغوي و الطبراني من طريق شريك، عن عطاء بن السائب، قال: أوصى أبى بشي ء لبني هاشم، فجئت أبا جعفر، فبعثني إلى امرأة عجوز- و هي بنت على فقالت:
حدثني مولى لرسول الله صلّى الله عليه و سلم يقال له طهمان، أو ذكوان، قال: قال لي رسول الله صلّى الله عليه و سلم: لا تحل الصدقة لي و لا لأهل بيتي. قال البغوي: و روى عن شريك، فقال: مهران، و قيل: ميمون، و قيل: باذام. قال الحافظ في (الإصابة): قلت: و قيل أيضا: هرمز، و قيل: كيسان، و هي رواية جرير عن عطاء، و قيل: مهران، و هو أصحها، فإنّها رواية سفيان الثوري، عن عطاء بن السائب في هذا الحديث. له ترجمة في:
(الإصابة): 2/ 406- 407، ترجمة رقم (2441)، 3/ 546، ترجمة رقم (4301)، (الثقات): 3/ 199.
إمتاع الأسماع،ج 6،ص:328
و عبيد، مولى النبي صلّى الله عليه و سلم روى عنه سليمان التيمي و لم يسمع منه، بينهما رجل، و له حديث هل كان يأمر النبي صلّى الله عليه و سلم بصلاة غير المكتوبة، قال صلاة بين المغرب و العشاء، و حديث اللتين اغتابتا، فقال لهما النبي صلّى الله عليه و سلم: قيئا، فقاءتا قيحا و دما و لحما عبيطا [1]، و يقال: فيه عبد بن عبد الغفار.
و قفيز [مولى رسول الله صلّى الله عليه و سلم ] [2].
و مأبور، القبطي الخصىّ، ابن عم مارية، أهداه المقوقس لرسول الله صلّى الله عليه و سلم هو و مارية، و سيرين، في أشياء غير ذلك، و يقال: اسمه سمهورس، أسلم بعد قدومه بالمدينة، و مات بها سنه ستين، و دفن بالبقيع، و قد شاخ، و هو
__________________________________________________
[1] قال ابن حبان: له صحبه، و ذكره ابن السكن في الصحابة و قال: لم يثبت حديثه. و قال البلاذري:
يقال إنه كان لرسول الله صلّى الله عليه و سلم مولى يقال له عبيد، روى عنه حديثين، و قال ابن أبى حاتم، عن أبيه:
مرسل، و تبع في ذلك البخاري كعادته.(1/409)
و قال أحمد: حدثنا معتمر بن سليمان، عن أبيه، عن رجل، عن عبيد مولى رسول الله صلّى الله عليه و سلم أنه سئل: أ كان رسول الله صلّى الله عليه و سلم يأمر بصلاة بعد المكتوبة أو سوى المكتوبة؟ قال: نعم، بين المغرب و العشاء.
و أخرج أيضا هو و ابن السكن، من طريق يزيد بن هارون، عن سليمان التيمي، سمعت رجلا يحدث في مجلس أبى عثمان، عن عبيد مولى النبي صلّى الله عليه و سلم أن امرأتين صامتا في عهد النبي صلّى الله عليه و سلم، فجلستا تغتابان ... الحديث، و اللحم العبيط: غير النضيج.
و أخرجه ابن أبى خيثمة، و أبو يعلى، من رواية حماد بن سلمة، عن سليمان التيمي، عن عبيد مولى النبي صلّى الله عليه و سلم، لم يذكر بينهما أحدا.
قال ابن عبد البر في (الاستيعاب): لم يسمع سليمان من عبيد بينهما رجل. له ترجمة في:
(الإصابة): 4/ 421- 422، ترجمة رقم (5373 ز)، (الثقات): 3/ 284، (الاستيعاب): 3/ 1020، ترجمة رقم (1747)، (لسان العرب): 7/ 347.
[2] ذكره ابن شاهين في الصحابة، و أخرج هو و أبو عوانة، من طريق زهير بن محمد، عن أبى بكر بن عبيد الله بن أنس، قال: كان للنّبيّ صلّى الله عليه و سلم غلام اسمه قفيز. و أخرجه ابن مندة، و قال: تفرد به محمد بن سليمان الحراني عن زهير.
قال الحافظ في (الإصابة): و هو ضعيف، و في شيخه مقال، و هو من زيادات أبى عوانة، عن مسلم، و قد ضبطه عبد الغنى بن سعيد بقاف وفاء آخره زاي بوزن عظيم ترجمته في (الإصابة): 5/ 453، ترجمة رقم (7135)، (عيون الأثر): 2/ 314، (تاريخ الخميس): 2/ 179.
إمتاع الأسماع،ج 6،ص:329
الّذي كان يتّهم بمارية، فأمر رسول الله صلّى الله عليه و سلم أن يضرب عنقه، فوجد مجبوب الذكر [ليس له ذكر]، فكف عنه، و من حينئذ عرف أنه خصىّ [1].
و نافع مولى رسول الله صلّى الله عليه و سلم، له حديث: لا يدخل الجنة شيخ زان و لا مستكبر و لا منان على الله بعمله، روى عنه خالد بن أبى أمية [2].(1/410)
و أبو بكرة، نفيع بن مسروح، و يقال: نفيع بن الحارث بن كلده بن عمرو ابن علاج بن أبى سلمة بن عبد العزى بن عبد عوف بن قسى، و هو ثقيف، و أمه سمية جارية الحارث بن كلده، و كان من عبيد الحارث، و هو أخو زياد بن أبيه لأمه سمية، و كان أبو بكرة يقول: أنا مولى رسول الله صلّى الله عليه و سلم، و يأبى أن ينتسب و يقول: أنا من إخوانكم في الدين، فإن أبى الناس إلا أن ينسبونى، فأنا نفيع بن مسروح، و أرادوه على الدعوى فأبى، و قال لبنيه عند الموت: أبى مسروح الحبشي.
و يقال: إن سمية كانت من أهل زندورد من كسكر، يقال لها يا سيج، سرقها الكوّاء اليشكربى، أبو عبد الله بن الكوّاء فخرج إلى الطائف فأتى الحارث بن كلدة، و كان طبيب العرب، فداواه فبرأ، فوهب له سمية.
و يقال إنها كانت أمة لدهقان الأبلّة، فقدم الحارث الأبلة، فعالج ذلك
__________________________________________________
[1] (الإصابة): 5/ 699- 702، ترجمة رقم (7587)، (المواهب اللدنية): 2/ 124، (صفة الصفوة): 1/ 78.
[2] أخرجه البخاري و مطين، و الحسن بن سفيان، و البغوي، و ابن أبى داود، و ابن السكن، و ابن شاهين، و الطبراني، و ابن مندة، من طريق أبى سعيد الأشج، عن عقبة بن خالد، عن الصباح بن يحيى عن خالد بن أبى أمية، فذكر الحديث مثله، لكن فيه تقديم و تأخير قال البغوي: و لا أعلم بهذا الإسناد غير هذا الحديث و أخرجه ابن قانع من وجه آخر، عن الصباح بن يحيى، عن خالد بن أمية.
إمتاع الأسماع،ج 6،ص:330
الدهقان، فوهبها له، فقدم بها الطائف و وقع عليها، فولدت له على فراشه غلاما سماه نافعا، ثم وقع عليها فجاءته بنفيع، و هو أبو بكرة، و كان أسودا، فقال الحارث: و الله ما هذا بابني، و لا كان في آبائي أسود، فقيل له:
إن جاريتك ذات ريبة لا تدفع كف لامس، فنسب أبو بكرة إلى مسروح غلام الحارث بن كلدة، و نفى نافعا بسبب أبى بكرة.(1/411)
ثم إن الحارث تزوج صفية بنت عبيد بن أسيد بن علاج الثقفي، و مهرها سمية، فزوّجتها صفية عبدا لها روميا يقال له عبيد فولدت منه زيادا فأعتقته صفية، فلما غزا رسول الله صلّى الله عليه و سلم الطائف قال: من خرج إليّ فهو حرّ، فوثب نفيع الجدار فخرج إليه هو و آخر فأعتقهما فكانا مواليه.
و يقال: إنه تدلى من سور الطائف ببكر، و نزل إلى النبي عليه السّلام، فكناه أبا بكرة، فغلبت عليه كنيته، و خشي الحارث بن كلدة أن يفعل نافع مثل ما فعل أبو بكرة، فقال له: أبى أنت و شبيهي فلا تفعل كما فعل العبد الخبيث، فأثبت نسب نافع يومئذ.
و روى أن رقيقا من رقيق ثقيف دعاهم أبو بكرة، إلى الإسلام فأسلموا، و بعثوا إلى رسول الله صلّى الله عليه و سلم يستأمرونه في قتال ثقيف في الحصن و يعلمونه أنهم قد أسلموا، فقال رسول الله صلّى الله عليه و سلم لرسولهم: كم هم؟ فقال: ثمانون، فقال: إني أخاف عليهم أن يقتلوا، و لكن ليخرجوا إلينا، فيدلى منهم أربعون رجلا أو أكثر، و نذرت ثقيف بالباقين فحبسوهم، فأعتق رسول الله صلّى الله عليه و سلم الذين نزلوا إليه.
و قال الواقدي: كانوا تسعة عشر فيهم الأزرق، و كان عبدا روميا حدّادا، و تدلى أبو بكرة من الحصن على بكرة، فقال له النبي عليه السّلام: كيف جئت؟ قال: تدلّيت على بكرة، فقال: أنت أبو بكرة
إمتاع الأسماع،ج 6،ص:331(1/412)
و يقال: كان يعرف بالطائف بأبي بكرة، لأنه كانت له بكرة يعلفها و يركبها، و كان عتبة بن غزوان [1] قد تزوج أردة بنت الحارث بن كلدة [2]، من صفية بنت عبيد، فلما استعمل عمر بن الخطاب رضى الله عنه عتبة بن غزوان على البصرة، قدم معه نافع و أبو بكرة و زياد البصرة بذلك السبب، فسكن أبو بكرة البصرة، و بها مات سنة إحدى و خمسين، و هو ممن شهد على المغيرة بن شعبة أنه زنى بأم جميل بنت محجن بن الأفقم، فجلده عمر رضى الله عنه، و هو ممن اعتزل الحسن بن على، و هو من فضلاء الصحابة و عبّادهم، و له و لأولاده أخبار كثيرة [3].
و واقد، و يقال: أبو واقد، مولى رسول الله صلّى الله عليه و سلم روى عنه زاذان قوله: من أطاع الله فقد ذكره، و إن قلت صلاته و صيامه و تلاوته القرآن، و من عصى
__________________________________________________
[1] هو عقبة بن غزوان بن جابر بن وهب بن نشيب بن وهيب بن وهب بن يزيد بن سالم بن عبد عوف ابن الحارث بن مازن بن منصور، بدريّ أحدىّ، من المهاجرين الأولين، و هو الّذي بنى البصرة لعمر بن الخطاب رضى الله تعالى عنهما، و هو أول أمير ملكها. (جمهرة أنساب العرب).
[2] أردة بنت الحارث بن كلدة الثقفي: زوج عتبة بن غزوان، ذكرها البلاذري و غيره، و قالوا: إنها كانت مع عتبة بالبصرة، و هو أمير عليها، و من أجلها قدم أبو بكرة و أخويه من أمه: نافع و زياد (الإصابة).
[3] له ترجمة في: (مغازي الوافدى): 3/ 931- 932، (الكامل في التاريخ): 3/ 443، 489، (تاريخ الطبري): 3/ 595، 4/ 69، 72، 83، 5/ 167، 169، 292، (الإصابة): 6/ 467- 468، ترجمة رقم (8799)، 7/ 46، ترجمة رقم (9626)، (الاستيعاب): 1614- 1615، ترجمة رقم (2877)، (المواهب اللدنية): 2/ 124 (تاريخ الخميس): 2/ 180، (صفة الصفوة): 1/ 77- 78 (عيون الأثر): 2/ 314.(1/413)
قال لي رسول الله صلّى الله عليه و سلم: يا نافع، إنك سيصيبك بعدي خصاصة [الخصاصة: الفقر]، فاذكر شأنك للناس يرحموك، قال: و سمعت رسول الله صلّى الله عليه و سلم يقول: لا يدخل الجنة شيخ زان ... الحديث، و زاد:
و لا مدمن خمر، و لا عاق لوالديه، و لم يذكر قوله: و لا منان على الله بعمله.
(الإصابة): 6/ 414، ترجمة رقم (8674)، (عيون الأثر): 2/ 314.
إمتاع الأسماع،ج 6،ص:332
الله فلم يذكره، و إن كثرت صلاته و صيامه و تلاوته القرآن [1].
و هرمز، شهد بدرا مملوكا [2].
و أبو الحمراء، مولى رسول الله صلّى الله عليه و سلم، قيل: اسمه هلال بن الحارث، و قيل هلال بن ظفر السّلمى، أصابه سبيا، و خدم النبي صلّى الله عليه و سلم، و كان بحمص، له حديث أنه كان يمر ببيت فاطمة و على رضى الله عنهما فيقول: السلام عليكم [3] أهل البيت الحديث [4].
و أبو سلمى، و يقال: أبو سلام، و قيل: اسمه حريث روى عنه أبو سلام الأسود الحبشي، و يعد في الشاميين، و بعضهم يعده في الكوفيين، و قد اختلف في حديثه على أبى سلام الأسود.
__________________________________________________
[1] ذكره الحسن بن سفيان في مسندة، و الطبراني في معجمه، و أخرجا من طريق زاذان، عن واقد مولى رسول الله صلّى الله عليه و سلم: من أطاع الله فقد ذكر الله و إن قلّت صلاته و صيامه و تلاوته القرآن، و من عصى الله فلم يذكره و إن كثرت صلاته و صيامه و تلاوته القرآن. له ترجمة في: (الإستيعاب): 4/ 1551، ترجمة رقم (2715)، (الإصابة): 6/ 595- 596، ترجمة رقم (9104)، (عيون الأثر): 2/ 314، (الوافي): 1/ 87، (المواهب اللدنية): 2/ 124، (صفة الصفوة): 1/ 78.
[(1/414)
2] قال الثوري، عن عطاء بن السائب، قال: أتيت أم كلثوم بنت عليّ بشي ء من الصدقة فردّتها، و قالت: حدثني مولى للنّبيّ صلّى الله عليه و سلم يقال له مهران أن رسول الله صلّى الله عليه و سلم قال: أنا آل محمد لا تحل لنا الصدقة، و مولى القوم منهم. أخرجه أحمد، و البغوي، و ابن شاهين، من طريق الثوري. و قال البخاري، عن أبى نعيم، عن سفيان: يقال له مهران أو ميمون، و قال حماد بن زيد عن عطاء: كسان، أو هرمز، و في اسمه اختلاف. له ترجمة في: (الإصابة): 5/ 630، ترجمة رقم (7478)، (7479)، 6/ 232، ترجمة رقم (8268)، 6/ 534، ترجمة رقم (8954)، (عيون الأثر): 2/ 314.
[3] في (خ) «عليك» و ما أثبتناه أجو للسياق.
[4] هلال بن الحمراء، حديثه عند أبى إسحاق السبيعي، عن أبى داود القاصّ، عن أبى الحمراء، قال: أقمت بالمدينة شهرا، و كان رسول الله صلّى الله عليه و سلم يأتى منزل فاطمة و عليّ كل غداة فيقول: الصلاة الصلاة إِنَّما يُرِيدُ الله لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَ يُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً 33: 33. له ترجمة في: (الاستيعاب):
4/ 1542، ترجمة رقم (2691)، (الإصابة): 6/ 584- 585، ترجمة رقم (9079)، 7/ 94، ترجمة رقم (9783).
إمتاع الأسماع،ج 6،ص:333
و ذكر أبو عمر بن عبد البر، أن أبا سلمى راعى النبي عليه السّلام، ثم ذكر أبا سلمى آخر غيره، و قال مولى رسول الله صلّى الله عليه و سلم لا أدرى أ هو راعى رسول الله صلّى الله عليه و سلم المتقدم ذكره، أم غيره [1].
و أبو صفية، مولى رسول الله صلّى الله عليه و سلم، كان من المهاجرين [و] كان يوضع له نطع، و يجاء بزنبيل فيه حصا فيسبح به إلى نصف النهار [و] و يقال: اسمه عبيد [2].
و أبو عبيد، مولى رسول الله صلّى الله عليه و سلم، و يقال:- خادم رسول الله صلّى الله عليه و سلم [3]،
__________________________________________________
[(1/415)
1] أبو سلمى، راعى رسول الله صلّى الله عليه و سلم، قيل: اسمه حريث، من حديثه عن النبي صلّى الله عليه و سلم أنه سمعه يقول: بخ بخ [الخمس ] كلمات ما أثقلهن في الميزان: سبحان الله، و الحمد للَّه، و لا إله إلا الله، و الله أكبر، و لا حول و لا قوة إلا باللَّه، روى عنه أبو سلام الأسود الحبشي.
قال: رأيته في مسجد الكوفة، يعدّ أبو سلمى هذا في الشاميين، لأن حديثه هذا شامي، و بعضهم يعده في الكوفيين، و قد اختلف في حديثه هذا على أبى سلام الأسود. (الاستيعاب): 4/ 1683، ترجمة رقم (3015)، (الإصابة): 7/ 185- 186، ترجمة رقم (10039).
[2] أبو صفية مولى رسول الله صلّى الله عليه و سلم، قال البخاري: عداده في المهاجرين، و أخرجه من طريق المعلى بن عبد الرحمن، سمعت يونس بن عبيد يقول لأمه: ما ذا رأيت أبا صفية يصنع؟ قالت: رأيت أبا صفية- و كان من المهاجرين من أصحاب النبي صلّى الله عليه و سلم- يسبح بالنوى.
تابعه عبد الواحد بن زيد، عن يونس بن عبيد عن أمه، قالت: رأيت أبا صفية رجلا من المهاجرين يسبح بالنوى. أخرجه البغوي.
و أخرج من وجه آخر عن أبى بن كعب، عن أبى صفية، مولى رسول الله صلّى الله عليه و سلم أنه كان يوضع له نطع، و يؤتى بحصى فيسبح به إلى نصف النهار فإذا صلّى الأولى و رجع أتى به فيسبح حتى يمسى.
(الإصابة): 7/ 222، ترجمة رقم (10141)، (الاستيعاب): 4/ 1693، ترجمة رقم (3048).
[3] أبو عبيد، مولى رسول الله صلّى الله عليه و سلم، ذكره الحاكم أبو أحمد فيمن لا يعرف اسمه، و أخرج حديثه الترمذي في الشمائل، و الدارميّ من طريق شهر بن حوشب عنه، قال: طبخت للنّبيّ صلّى الله عليه و سلم قدرا، و كان يعجبه الذراع ... الحديث، و رجاله رجال الصحيح، إلا شهر بن حوشب.
قال البغوي: له صحبة، حدثني عباس، عن يحيى بن معين، قال: أبو عبيد الّذي روى عنه شهر، هو من الصحابة.
إمتاع الأسماع،ج 6،ص:334(1/416)
قال ابن عبد البر [1]: لم أقف على اسمه، له رواية من حديثه، أنه كان يطبخ لرسول الله صلّى الله عليه و سلم يوما فقال له: ناولني الذراع ... الحديث خرجه الإمام أحمد [2]. و أبو عسيب، مولى النبي صلّى الله عليه و سلم، له صحبة، و سمّاه بعضهم: أحمر، له حديث: الطاعون شهادة، و كان يخضب لحيته و رأسه، و يواصل بين ثلاث في الصيام، و يصلّى الضحى، و يصوم البيض [3]، و كان في سريره
__________________________________________________
[1] أبو عبيد مولى رسول الله صلّى الله عليه و سلم، و يقال: خادم رسول الله صلّى الله عليه و سلم، لا أقف على اسمه، و له رواية، من حديثه أنه كان يطبخ لرسول الله صلّى الله عليه و سلم يوما فقال له: ناولني الذراع ... الحديث.
[2] (مسند أحمد): 4/ 535- 536، حديث أبى عبيد رضى الله تعالى عنه عن النبي صلّى الله عليه و سلم، حديث رقم (15537): حدثنا عبد الله، حدثني أبى، حدثنا عفان، حدثنا أبان العطار، حدثنا قتادة، عن شهر بن حوشب، عن أبى عبيد «أنه طبخ لرسول الله صلّى الله عليه و سلم قدرا فيه لحم، فقال رسول الله ناولني ذراعها، فناولته، فقال: ناولني ذراعها، فناولته، فقاله: ناولني ذراعها، فقال: يا نبي الله: كم للشاة من ذراع؟ قال: و الّذي نفسي بيده لو سكت لأعطتك ذراعاً ما دعوت»، (سنن الدارميّ): 1/ 22، باب ما أكرم به النبي صلّى الله عليه و سلم في بركة طعامه، (دلائل أبى نعيم): 2/ 436، ذكر الأخبار التي أخرجتها أسلافنا في جملة دلائله صلّى الله عليه و سلم، قصة أذرع و أكتاف الشاة، حديث رقم (346)، (الشمائل المحمدية):(1/417)
141، حديث رقم (170)، و قال في هامشه، و في سنده ضعف، فرجاله ثقات، غير شهرين حوشب فهو ضعيف، و قال عنه الحافظ: «صدوق كثير الإرسال و الأوهام، و للحديث شواهد لصحة هذه القصة إن شاء الله تعالى، و أبو عبيد هو مولى رسول الله صلّى الله عليه و سلم، (الاستيعاب): 4/ 1709، ترجمة رقم (3076)، (الإصابة): 7/ 269، ترجمة رقم (10224).
[3] قال في (الاستيعاب): أبو عسيب مولى رسول الله صلّى الله عليه و سلم، له صحبة و رواية، أسند عن رسول الله صلّى الله عليه و سلم حديثين: أحدهما في الحمى و الطاعون.
روى عنه مسلم بن عبيد أبو نصيرة، و قال القاسم بن حمزة: رأيت أبا عسيب خادم رسول الله صلّى الله عليه و سلم يخضب لحيته و رأسه. قيل: اسم أبى عسيب: أحمر.
و قال الحافظ في (الإصابة): أبو عسيب مولى رسول الله صلّى الله عليه و سلم، مشهور بكنيته، و قد تقدم ذكر من قال في أحمر أنه اسمه و ذكر من قال إنه سفينة مولى أم سلمة، و الراجح أنه غيره.
و أخرج حديثه أحمد، و الحارث بن أبى أسامة، و الطبراني، و الحاكم أبو أحمد، من طريق يزيد بن هارون، عن مسلم بن عبيد، عنه في الحمى و الطاعون. و وقع عند الحاكم، عن مسلم بن عبيدة، عن أبى بصير بإثبات الهاء في عبيدة، دون بصير، و الأول الصواب.
و أخرج له ابن مندة حديثا آخر من رواية حشرج بن نباتة، عن أبى بصير، و إسناده حسن.
إمتاع الأسماع،ج 6،ص:335
جلجل [1] فإذا حركه جاءت إليه ابنته ميمونة [2].
و ذكوان، مولى النبي صلّى الله عليه و سلم، حديثه عند عطاء بن السائب، عن بعض بنات عليّ، عن طهمان أو ذكوان- على الشك- [مولى رسول الله صلّى الله عليه و سلم، أنه حدثها قال: قال لي رسول الله صلّى الله عليه و سلم ... الحديث ] [3].
__________________________________________________
[1] الجلجل: الجرس و نحوه.
[(1/418)
2] ميمونة بنت أبى عسيب، و يقال: عنبسة، جزم بالأول أبو نعيم، و بالثاني أبو عمر، فقال: ميمونة بنت أبى عنبسة، مولاة النبي صلّى الله عليه و سلم، روت عنه في الدعاء.
و قال ابن مندة: ميمونة بنت عنبسة، و يقال: بنت أبى عنبسة، مولاة النبي صلّى الله عليه و سلم، روى حديثها مشجع ابن مصعب، عن ربيعة بن يزيد، عن منبه، عن ميمونة بنت أبى عنبسة، أن امرأة من حريش أتت النبي صلّى الله عليه و سلم فقالت: يا عائشة: أغيثينى بدعوة من رسول الله صلّى الله عليه و سلم تطمننى، فقال: ضعى يدك اليمين على فؤادك فامسحيه، و قولي: اللَّهمّ داوني بدوائك، و اشفني بشفائك، و أغثنى بفضلك عمن سواك. قال ربيعة: فدعوت به فوجدته جيدا، و وصله أبو نعيم من هذا الوجه، و قال: ميمونة بنت أبى عسيب. (الاستيعاب): 4/ 1715، ترجمة رقم (3092)، 4/ 1919، ترجمة رقم (4102)، (الإصابة): 7/ 275، ترجمة رقم (10247)، 8/ 132- 133، ترجمة رقم (11785).
[3] قال: قال لي رسول الله صلّى الله عليه و سلم: يا ذكوان، أو يا طهمان- شكّ المحدّث- إن الصدقة لا تحل لي و لا لأهل بيتي، و إن مولى القوم من أنفسهم. و روى البغوي، و الطبراني من طريق شريك عن عطاء بن السائب، قال: أوصى أبى بشي ء لبني هاشم، فجئت أبا جعفر، فبعثني إلى امرأة عجوز- و هي بنت على- فقالت: حدثني مولى لرسول الله صلّى الله عليه و سلم يقال له: طهمان، أو ذكوان، قال: قال لي رسول الله صلّى الله عليه و سلم: لا تحل الصدقة لي و لا لأهل بيتي. قال البغوي: و روى عن شريك، قال: مهران، و قيل: ميمون، و قيل: باذام، و لا أدرى أيهما الصواب.
قال الحافظ في (الإصابة): و قيل فيه أيضا: هومز، و قيل: كيسان، و هي رواية جرير عن عطاء، و قيل:
مهران، و هو أصحها، فإنّها رواية سفيان الثوري عن عطاء بن السائب في هذا الحديث.
((1/419)
الاستيعاب): 2/ 467، ترجمة رقم (712)، (الإصابة): 2/ 406- 407، ترجمة رقم (2441)، (الثقات): 3/ 121، و ما بين الحاصرتين تصويب من (الاستيعاب).
إمتاع الأسماع،ج 6،ص:336
[و] زيد، مولى رسول الله صلّى الله عليه و سلم حديثه في الاستغفار [1]، يرويه عنه ابنه يسار بن زيد، خرّجه أبو داود و الترمذي، و يروى عن يسار بن زيد ابنه بلال [2].
و زيد بن بولا، [مولى رسول الله صلّى الله عليه و سلم ] [3].
و سابق، خادم النبي صلّى الله عليه و سلم، عدّه ابن عساكر في الموالي، و قال ابن عبد البر: روى عنه حديث واحد من حديث الكوفيين، اختلف فيه شعبة و مسعر، و الصحيح فيه عنهما ما رواه هيثم و غيره، عن أبى عقيل عن سابق ابن ناجية، عن أبى سلام خادم النبي صلّى الله عليه و سلم [4].
قال: و لا يصح سابق في الصحابة، قلت: هذا الحديث الّذي ذكره أبو عمر بن عبد البرّ، خرّجه أبو داود، و ابن ماجة، و النسائي في (عمل اليوم و الليلة): من قال حين يصبح و يمسى ثلاثا: رضيت باللَّه ربا و بالإسلام دينا و بمحمد نبيا، كان حقا على الله أن يرضيه يوم القيامة. رواه هاشم بن بلال
__________________________________________________
[1] في (خ): «الاستسقاء»، و ما أثبتناه من (الاستيعاب).
[2] زيد أبو يسار، مولى النبي صلّى الله عليه و سلم، سمع النبي صلّى الله عليه و سلم في الاستغفار، روى حديثه ابنه يسار بن زيد، و ليسار بن زيد ابن يسمى بلالا، روى عن أبيه يسار، عن جده زيد، أنه سمع النبي صلّى الله عليه و سلم يقول: من قال استغفر الله الّذي لا إله إلا هو الحي القيوم و أتوب إليه غفر له.
قال البخاري: حدثنا موسى بن إسماعيل، قال: حدثنا حفص بن عمر الشّنى، حدثني أبى، عن عمرو بن مرة، سمعت بلال بن يسار، (الاستيعاب): 2/ 559- 560، ترجمة رقم (863).
[(1/420)
3] زيد بن بولا مولى رسول الله صلّى الله عليه و سلم، أبو يسار، له حديث عند أبى داود و الترمذي، من رواية ولده بلال ابن يسار بن زيد: حدثني أبى عن جدي، ذكر أبو موسى أن اسم أبيه بولا- بالموحدة- و قال غيره:
اسمه زيد. و قال ابن شاهين: كان نوبيا، أصابه النبي صلّى الله عليه و سلم في غزوة بنى ثعلبة، فأعتقه. (الإصابة):
2/ 592، ترجمة رقم (2881 ز)، 625، ترجمة رقم (2949).
[4] له ترجمة في: (الثقات): 6/ 433، (تهذيب التهذيب): 3/ 372، ترجمة رقم (797)، (الاستيعاب): 2/ 682، ترجمة رقم (1128)، (الإصابة): 3/ 274، ترجمة رقم (3732).
إمتاع الأسماع،ج 6،ص:337
قاضى واسط، عن سابق بن ناجية عن أبى سلام [1].
و سلمان الفارسيّ، أبو عبد الله، يقال: مولى رسول الله صلّى الله عليه و سلم، و يعرف بسلمان الخير، أصله من فارس، ثم من رامهرمز [2] من قرية يقال لها:
__________________________________________________
[1] (جامع الأصول): 4/ 243- 244، حديث رقم (2225) و لفظه:
قال: قلت لأنس حدثني حديثا سمعته من رسول الله صلّى الله عليه و سلم، قال: سمعته يقول: «من قال إذا أصبح و إذا أمسى: رضينا باللَّه ربا، و بالإسلام دينا، و بمحمد رسولا، كان حقا على الله أن يرضيه يوم القيامة. [هذه الرواية أخرجها رزين كما قال المصنف، و رواها بنحوها ابن ماجة رقم (3870) في الدعاء، باب ما يدعو به الرجل إذا أصبح و إذا أمسى، من حديث مسعر عن أبى عقيل، عن سابق عن أبى سلام خادم النبي صلّى الله عليه و سلم، عن النبي صلّى الله عليه و سلم، بلفظ ما من مسلم أو إنسان أو عبد يقول حين يمسى و حين يصبح: رضيت باللَّه ربا، و بالإسلام دينا، و بمحمد نبيا، إلا كان حقا على الله أن يرضيه يوم القيامة، و هو حديث حسين ].(1/421)
و في رواية: أنه كان بحمص، فمر به رجل، فقالوا: هذا خادم النبي صلّى الله عليه و سلم، فقام إليه فقال: حدثني بحديث سمعته من رسول الله صلّى الله عليه و سلم، لم تتداوله بينك و بينه رجال، فقال: سمعت رسول الله صلّى الله عليه و سلم يقول: ... و ذكر الحديث، و لم يذكر يوم القيامة، أخرج الرواية الثانية أبو داود، و الأولى رزين. [رواه أبو داود رقم (5072) في الأدب، باب ما يقول إذا أصبح، و في سنده سابق بن ناجية، لم يوثقه غير ابن حبان، و لكن يشهد له حديث ثوبان الّذي بعده، فهو به حسن، و رواه أيضا النسائي، و ابن أبى شيبة في (المصنف): 6/ 36، حديث رقم (29272)، و الحاكم في (المستدرك): 1/ 518، حديث رقم (1905/ 105)، و غيرهم.
قوله: «لم تتداوله»، التداول: الاستعمال و المباشرة، و المراد: لم تأخذه عن أحد، و إنما ترويه أنت عن رسول الله صلّى الله عليه و سلم.
[2] رام بالفارسية: المراد و المقصود، و هرمز: أحد الأكاسرة، فكأن هذه اللفظة مركبة: معناها: مقصود هرمز، أو مراد هرمز، و قال حمزة: رامهرمز اسم مختصر من رامهرمز أردشير، و هي مدينة مشهورة بنواحي خوزستان، و العامة يسمونها رامز، كسلا منهم عن تتمة اللفظة بكمالها و اختصارها، و رامهرمز من بين مدن خوزستان تجمع النخل و الجوز و الأترج، و ليس ذلك يجتمع بغيرها من مدن خوزستان، [وردت في حديث سلمان الفارسي رضى الله عنه، يقول: أنا من رامهرمز]. (معجم البلدان): 3/ 19، موضع رقم (5315).
إمتاع الأسماع،ج 6،ص:338
جىّ [1]، و قيل من أصبهان [2]، و كان إذا قيل له: ابن من أنت؟ قال: أنا سلمان ابن الإسلام، من بنى آدم.
و له خبر طويل في إسلامه، حاصله أنه كان يطلب دين الله، و يتبع من يرجو ذلك عنده، فدان بالنصرانية، و غيرها، و قرأ الكتب، و صبر في ذلك على مشقات نالته، و تداوله في ذلك بضعة عشر رتا [3]، من رت [3] إلى رت [3] حتى أفضى إلى النبي عليه السّلام، فاشتراه من قوم يهود.(1/422)
روى ابن عبد البر من طريق على بن المديني، حدثنا زيد بن الحباب، حدثني حسين بن واقد، حدثنا عبد الله بن بريدة عن أبيه: أن سلمان أتى رسول الله صلّى الله عليه و سلم بصدقة فقال: هذه صدقة عليك و على أصحابك، فقال رسول الله صلّى الله عليه و سلم: يا سلمان! إنّا لا تحل لنا الصدقة، فدفعها، ثم جاءه من الغد بمثلها فقال: هذه هدية لك، فقال رسول الله صلّى الله عليه و سلم لأصحابه: كلوا.
ثم اشترى رسول الله صلّى الله عليه و سلم سلمان بكذا و كذا درهما من يهود على أن يغرس لهم كذا و كذا من النخل يقوم عليه حتى يدرك، قال: فغرس رسول الله صلّى الله عليه و سلم النخل كله إلا نخلة غرسها عمر، فأطعم النخل كله إلا النخلة التي غرس عمر، فقال رسول الله صلّى الله عليه و سلم: من غرس هذه النخلة؟ قالوا: عمر، قال:
فقطعها، و غرسها رسول الله صلّى الله عليه و سلم فأطعمت من عامها.
__________________________________________________
[1] جىّ بالفتح ثم التشديد: اسم مدينة ناحية أصبهان القديمة، (المرجع السابق): 2/ 235، موضع رقم (3425).
[2] أصبهان: مدينة عظيمة مشهورة، من أعلام المدن و أعيانها، و يسرفون في وصف عظمها حتى يتجاوزوا حدّ الاقتصاد إلى غاية الإسراف (المرجع السابق): 1/ 2444، موضع رقم (729).
[3] الرّت: الرئيس من الرجال في الشرف و العطاء، و جمعه رتوت، و هؤلاء رتوت البلد. (لسان العرب):
2/ 34.
إمتاع الأسماع،ج 6،ص:339
و صحح الحاكم أن أبا بكر [رضى الله عنه ] اشترى سلمان فأعتقه، و شهد سلمان الخندق و ما بعدها، و عمل لعمر رضى الله عنه على المدائن، و توفى سنة خمس و ثلاثين، و قيل أول سنة ست و ثلاثين، و كان يعمل الحوض بيده، و يعيش منه و يتصدق بعطائه، و كان خيّرا، فاضلا، عالما، زاهدا، متعففا، و لا يقبل من أحد شيئا، و فضائله كثيرة، رضى الله عنه [1].(1/423)
و جبر، [مولى رسول الله صلّى الله عليه و سلم ] قال الواقدي: و حدثني شيخ من خزاعة، عن جابر بن عبد الله قال: كان لبني عبد الدار غلام يقال له: جبر، و كان يهوديا، فسمع رسول الله صلّى الله عليه و سلم بمكة قبل الهجرة، يقرأ سورة يوسف [عليه السلام ]، فعرف الّذي ذكر في ذلك، فاطمأن إلى النبي صلّى الله عليه و سلم فأسلم، و أخبر أهله بإسلامه، فعذبوه أشد العذاب حتى قال لهم الّذي يريدون، فلما فتح رسول الله صلّى الله عليه و سلم مكة، جاء إلى النبي صلّى الله عليه و سلم فشكا إليه، فأعطاه ثمنه فاشترى نفسه، فأعتق و استغنى، و نكح امرأة يقال لها شرف [2].
__________________________________________________
[1] له ترجمة في: (الاستيعاب): 2/ 634- 638، ترجمة رقم (1014)، (و الإصابة): 3/ 141- 142، ترجمة رقم (3359)، (سيرة ابن هشام): 1/ 192، 2/ 41- 42، 44، 45- 49، 3/ 38، 4/ 176، 182، (المستدرك): 3/ 691- 699.
[2] في (الاستيعاب): «و تزوج امرأة ذات شرف في بنى عامر» و حكى مقاتل بن حبان في تفسيره أنه أحد من نزل فيه: إِلَّا من أُكْرِهَ وَ قَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمانِ 16: 106 [النحل: 106] و قوله تعالى: وَ جَعَلْنا بَعْضَكُمْ لِبَعْضٍ فِتْنَةً 25: 20 [الفرقان: 30]. ترجمته في (الاستيعاب): 452- 453، ترجمة رقم (107 ز).
إمتاع الأسماع،ج 6،ص:340
فصل في ذكر إماء رسول الله صلّى الله عليه و سلم
و أما الإماء:
فأم أيمن، بركة، قيل: كانت من الحبشة الذين قدموا لهدم البيت [الحرام ]، و قيل: هي بركة بنت ثعلبة بن عمرو بن حصين بن مالك بن سلمة بن عمرو بن النعمان، و تعرف بأم الظّباء.(1/424)
ورثها رسول الله صلّى الله عليه و سلم من أبيه، و خمسة أباعر، و قطيع غنم، فأعتقها لما تزوج خديجة [رضى الله عنها]، و يقال: بل كانت مولاة أبيه فورث ولاءها، و يقال: كانت لأمّه فورثها منها فأعتقها، و قيل: كانت لأمه فأعتقها، و كانت تحضن النبي صلّى الله عليه و سلم، و تقوم عليه، و تلطف به بعد وفاة أمه.
و قال لها [جده عبد المطلب ]: يا بركة، لا تغفلي عن ابني، فإنّي وجدته مع غلمان قريب من السدرة، و أن أهل الكتاب يزعمون أنه نبي هذه الأمة.
و تزوجت في الجاهلية بمكة عبيد بن عمرو بن بلال بن أبى الجرباء بن قيس بن مالك بن ثعلبة بن جشم بن مالك بن سالم، و هو الحبلىّ بن غنم ابن عوف بن الخزرج، فنقلها إلى يثرب، فولدت له أيمن بن عبيد، فكنيت به و غلبت عليها كنيتها.
و مات عنها عبيد فرجعت إلى مكة، فكانت فارغة لم تتزوج بعد، فلما ملك رسول الله صلّى الله عليه و سلم زيد بن حارثة، و بلغ زوّجها إياه فولدت له أسامة ابن زيد، و هي ممن هاجر الهجرتين، و كان رسول الله صلّى الله عليه و سلم يقول: أم أيمن أمى بعد أمى، و يقول: هذه بقية أهل بيتي، و كان يزورها، و كان أبو بكر و عمر رضى الله عنهما يزورانها، كما كان عليه السّلام يزورها، و شربت
إمتاع الأسماع،ج 6،ص:341
بوله عليه السّلام.
توفّيت بعد وفاة رسول الله صلّى الله عليه و سلم بخمسة أشهر، و قيل: توفيت بعد عمر رضى الله عنه، في زمن عثمان رضى الله عنه، و لها فضائل مرويّة [1] و خضرة، ذكرها البلاذري في الإماء اللاتي أعتقهن رسول الله صلّى الله عليه و سلم، و ذكرها أيضا ابن مندة [2].
و أميمة، [خادم النبي صلّى الله عليه و سلم ] [3].
و رزينة، خادم النبي صلّى الله عليه و سلم حديثها في فضل يوم عاشوراء، و قد قيل: إنها لصفية بنت حيي، روى حديثها أبو يعلى في مسندة [4].
__________________________________________________
[(1/425)
1] لها ترجمة في: (أعلام النساء): 1/ 127- 128، (الإستيعاب): 4/ 1793- 1795، ترجمة رقم (3252)، (الإصابة): 8/ 169- 173، ترجمة رقم (11898)، (جمهرة أنساب العرب):
355، (مسند أحمد): 6/ 421، (طبقات ابن سعد): 8/ 223- 227، (طبقات خليفة):
331، (المعارف): 144، 145، 150، 164، 239، (الجرح و التعديل): 9/ 461، (المستدرك): 4/ 63- 64، (تهذيب التهذيب): 12/ 486، (خلاصة تذهيب الكمال):
3/ 386، (شذرات الذهب): 1/ 15.
[2] (الإصابة): 7/ 609، ترجمة رقم (11095)، (صفة الصفوة): 1/ 78، و قال الحافظ في (الإصابة): و ذكرها البلاذري أيضا، و لها ذكر في تفسير سورة التحريم من كتاب ابن مردويه.
[3] قال أبو عمر في (الاستيعاب): خدمت رسول الله صلّى الله عليه و سلم، و حديثها عند أهل الشام، و قال الحافظ في (الإصابة): روى عنها جبير بن نفير الحضرميّ، لها ترجمة في: (الاستيعاب): 4/ 1791، (الإصابة): 7/ 516، ترجمة رقم (10868)، (صفة الصفوة): 1/ 78، (أعلام النساء):
1/ 94، (عيون الأثر): 2/ 314.
[4] رزينة- بفتح أولها، و قيل: بالتصغير، و قيل: بتقديم الزاى على الراء، مولاة صفية زوج النبي صلّى الله عليه و سلم، و هي أيضا خادم رسول الله صلّى الله عليه و سلم، قال أبو عمر في (الاستيعاب): حديثها عند البصريين في يوم عاشوراء، قال الحافظ في (الإصابة): أخرجه ابن أبى عاصم، و ابن مندة، من طريق عليلة- بمهملة مصغرة- بنت الكميت، حدثتني أمى أمينة، عن أمة الله بنت رزينة، قالت: سألت أمي رزينة: ما كان رسول الله صلّى الله عليه و سلم يقول في صوم عاشوراء؟ قالت: إنه كان ليصومه و يأمرنا بصيامه. لفظ ابن مندة.
لها ترجمة في: (الاستيعاب): 4/ 1838، ترجمة رقم (3339)، (الإصابة): 7/ 644، ترجمة رقم (11170)، (أعلام النساء): 1/ 447.
إمتاع الأسماع،ج 6،ص:342
و رضوى، ذكرها الواقدي في الموالي النبويّة [1].
و روضة، [خادم النبي صلّى الله عليه و سلم ] [2].(1/426)
و ربيحة، ذكرها البلاذري فيمن أعتقهن النبي صلّى الله عليه و سلم [3].
و سلمى، أم رافع، مولاة صفية بنت عبد المطلب، يقال لها: مولاة رسول الله [صلّى الله عليه و سلم ]، و هي امرأة أبى رافع المذكور في الموالي، و هي التي قبلت فاطمة ابنة رسول الله صلّى الله عليه و سلم [في ولادتها]، و كانت تقبل خديجة رضى الله عنها في ولادتها إذا ولدت من النبي صلّى الله عليه و سلم، و هي [التي ] قبلت مارية أم إبراهيم ابن رسول الله صلّى الله عليه و سلم، و كانت قابلة فاطمة الزهراء عليها السلام في الحسن و الحسين و محسن و زينب و أم كلثوم رضى الله عنهم، و هي التي غسّلتها أيضا مع عليّ و مع أسماء بنت عميس رضى الله عنهم، و شهدت خيبر، حديثها في مسند أبى يعلى [4].
__________________________________________________
[1] لها ترجمة في: (الإصابة): 7/ 609، ترجمة رقم (11095)، 645، ترجمة رقم (11172)، (صفة الصفوة): 1/ 78، (عيون الأثر): 2/ 314، (تاريخ الخميس): 2/ 180، (الوافي):
1/ 87.
[2] ذكرها محمد بن هارون الروياني في مسندة، من طريق سفيان الثوري، عن رجل، عن كريب، عن ابن عباس، قال: كان للنّبيّ صلّى الله عليه و سلم جارية اسمها روضة و أورد الحافظ في (الإصابة) روضة أخرى، ثم قال: ذكرها الطبري في (التفسير)، في تفسير سورة النور، عند قوله تعالى: لا تَدْخُلُوا بُيُوتاً غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا وَ تُسَلِّمُوا عَلى أَهْلِها 24: 27 [النور: 27]، فأخرج من طريق هيثم، أخبرنا منصور، عن ابن سيرين، و يونس بن عبيد، عن عمر بن سعيد الثقفي، أن رجلا استأذن على النبي صلّى الله عليه و سلم فقال:
أ ألج؟ فقال النبي صلّى الله عليه و سلم لأمة له يقال لها روضة: قومي إلى هذا فعلميه، فإنه لا يحسن يستأذن، فقولي له: يقول: السلام عليكم، أ أدخل؟ فسمعها الرجل فقالها، فقال: ادخل. (الإصابة): 7/ 657- 658، ترجمة رقم (11195)، (11196).
[(1/427)
3] ربيحة، بالتصغير و المهملة، مولاة رسول الله صلّى الله عليه و سلم، ذكرها ابن سعد في (الطبقات)، و الحافظ ابن حجر في (الإصابة): 7/ 640، ترجمة رقم (11163)، (عيون الأثر): 2/ 314.
[4] ذكرها الحافظ في (الإصابة) ثم قال: و في الترمذي من طريق فائد مولى أبى رافع، عن على بن
إمتاع الأسماع،ج 6،ص:343
و سيرين، أخت مارية القبطية، أهداهما جميعا المقوقس من مصر إلى رسول الله صلّى الله عليه و سلم، فاتخذ مارية لنفسه، و أقامت عنده سيرين، حتى كانت غزاة المريسيع، و قال عبد الله بن أبىّ بن سلول ما قال، و ذكر جعيل بن سراقة و جهجاه، ما قالا، و كانا من فقراء المهاجرين.
قال ابن أبىّ: و مثل هذين يكثر على قومي، و قد أنزلنا محمدا في ذروة كنانة و عزها، و الله لقد كان جعيل يرضى أن يسكت فلا يتكلم، فصار اليوم يتكلم.
و قال ابن أبىّ في صفوان بن معطل، و رماه بما رماه به من الإفك، فقال حسان بن ثابت رضي الله عنه:
أمسى الجلاليب قد راعوا و قد كثروا [1] و ابن الفريعة أمسى بيضة البلد
__________________________________________________
[ ()] عبيد الله بن أبى رافع، عن جدته، و كانت تخدم النبي صلّى الله عليه و سلم، قالت: ما كان يكون برسول الله صلّى الله عليه و سلم، قرحة [و لا نكبة] إلا أمرنى [رسول الله صلّى الله عليه و سلم ] أن أضع عليها الحناء.
(الإصابة): 7/ 709- 710، (سنن الترمذي): 4/ 343، كتاب الطب، باب (13) ما جاء في التداوي بالحناء، حديث رقم (2054)، قال أبو عيسى: هذا حديث حسن غريب، إنما نعرفه من حديث فائد، و روى بعضهم هذا الحديث عن فائد، و قال: عن عبيد الله بن على عن جدته سلمى، و عبيد الله بن على أصحّ، و يقال: سلمى، لها ترجمة في: (الوافي): 1/ 87، (المواهب اللدنية):(1/428)
2/ 124، (تاريخ الخميس): 2/ 180، (صفة الصفوة): 1/ 78، (عيون الأثر): 2/ 314، (تهذيب التهذيب): 12/ 454، ترجمة رقم (2815)، (أعلام النساء): 2/ 254، (الاستيعاب): 4/ 1862- 1863، ترجمة رقم (3383)، (الإصابة): 7/ 709- 710، ترجمة رقم (11325).
[1] في (ديوان حسان):
أمسى الخلابيس قد عزّوا و قد كثروا و ابن الفريعة أمسى بيضة البلد
الخلابيس: الذين يأتون من هاهنا و من هاهنا، و لم يعرف لها واحد، و كان المنافقون يسمون المهاجرين بالجلابيب، و يعنى حسان بأنه أمسى بيضة البلد، أنه أصبح كبيضة النعامة حين تتركها بالفلاة و لا تحتضنها. (الديوان): 160.
إمتاع الأسماع،ج 6،ص:344
فلما قدموا المدينة جاء صفوان بن معطل إلى جعيل بن سراقة فقال:
انطلق بنا نضرب حسان، فو الله ما أراد غيرك و غيري، و لنحن أقرب إلى رسول الله منه، فأبى جعيل أن يذهب و قال: لا أفعل إلا أن يأمرني رسول الله [صلّى الله عليه و سلم ] و لا تفعل أنت حتى تؤامر رسول الله [صلّى الله عليه و سلم ] في ذلك.
فأبى صفوان عليه، فخرج مصلتا السيف حتى ضرب حسان بن ثابت في نادى قومه، فوثبت الأنصار إليه، فأوثقوه رباطا، و كان الّذي ولى ذلك منه ثابت بن قيس بن شماس، فأسره أسرا قبيحا، فمر بهم عمارة بن حزم فقال: ما تصنعون؟ أمرا من أمر رسول الله و رضاه؟ أم من أمر فعلتموه؟
قالوا: ما علم به رسول الله [صلّى الله عليه و سلم ]، قال: لقد اجترأت، خلّ عنه، ثم جاء به، و أشارت إلى رسول الله صلّى الله عليه و سلم يسوقهما، فقال حسان: يا رسول الله! شهر عليّ السيف في نادي قومي، ثم ضربني لأن أموت، و لا أرانى إلا ميّتا من جراحتى، فأقبل رسول الله صلّى الله عليه و سلم، علي صفوان فقال: و لم ضربته و حملت السلاح عليه؟ و غيّظ عليه، فقال: يا رسول الله! آذاني و هجاني، و سفّه عليّ، و حسدني على الإسلام.(1/429)
ثم أقبل حسان فقال: أسفهت على قوم أسلموا، ثم قال: احبسوا صفوان، فإن مات حسان فاقتلوه به، فخرجوا بصفوان، فبلغ سعد بن عبادة رضي الله عنه ما صنع بصفوان، فخرج إلى قومه من الخزرج حتى أتاهم فقال: عهدتم إلى رجل من قوم رسول الله [صلّى الله عليه و سلم ] تؤذونه، و تهجونه بالشعر و تشتمونه، فغضب لما قيل له، ثم أسرتموه أقبح الأسر، و رسول الله [صلّى الله عليه و سلم ] بين أظهركم؟ قالوا: فإن رسول الله [صلّى الله عليه و سلم ] أمرنا بحبسه و قال: إن مات صاحبكم فاقتلوه، قال: و الله إن أحب إلى رسول الله [صلّى الله عليه و سلم ] للعفو، و لكن رسول الله [صلّى الله عليه و سلم ] قد قضى لكم بالحق، و إن رسول الله [صلّى الله عليه و سلم ] ليحب أن يترك صفوان، و الله لا أبرح حتى يطلق.
إمتاع الأسماع،ج 6،ص:345
فقال حسان: ما كان لي من حق فهو لك يا أبا ثابت، و أبى قومه، فغضب قيس ابنه غضبا شديدا و قال: عجبا لكم! ما رأيت كاليوم أن حسان قد ترك حقه، و تأبون أنتم، ما ظننت أن أحدا من الخزرج يردّ أبا ثابت في أمر يهواه، فاستحيا القوم و أطلقوه من الوثاق.
فذهب به سعد إلى بيته فكساه حلة، ثم خرج صفوان حتى دخل المسجد ليصلّى فيه، فرآه رسول الله صلّى الله عليه و سلم، فقال: صفوان؟ قالوا: نعم يا رسول الله، قال: من كساه؟ قالوا: سعد بن عبادة، قال: كساه الله من ثياب الجنة، ثم كلّم سعد بن عبادة حسان بن ثابت، فقال: لا أكلمك أبدا إن لم تذهب إلى رسول الله [صلّى الله عليه و سلم ] فتقول كل حق لي قبل صفوان فهو لك يا رسول الله، فأقبل حسان في قومه حتى وقف بين يدي رسول الله صلّى الله عليه و سلم فقال:(1/430)
يا رسول الله! كل حق لي قبل صفوان بن معطل فهو لك، قال: قد أحسنت و قبلت ذلك، و أعطاه رسول الله صلّى الله عليه و سلم أرضا براحا، و هي بيرحاء و ما حولها، و سيرين، و أعطاه سعد بن عبادة حائطا كان يجدّ مالا كثيرا عوضا له مما عفا عن حقه. و قد روى أن حسان حبس صفوان، فلما برأ حسان أرسل رسول الله صلّى الله عليه و سلم إليه فقال: يا حسان، أحسن فيما أصابك، فقال: هو لك يا رسول الله، فأعطاه براحا، و أعطاه سيرين عوضا، فولدت له عبد الرحمن ابن سيرين. و قال ابن سعد: أخبرنا محمد بن عمر، حدثنا فائد مولى عبد الله، عن عبد الله بن على بن أبى رافع، عن جدته سلمى، قالت: كان خدم رسول الله صلّى الله عليه و سلم: أنا، و خضرة، و رضوى، و ميمونة بنت سعد، أعتقهن رسول الله [صلّى الله عليه و سلم ] كلهن [1].
__________________________________________________
[1] لها ترجمة في: (مغازي الواقدي): 2/ 436- 438، (الإصابة): 7/ 722- 723، ترجمة
إمتاع الأسماع،ج 6،ص:346
و ميمونة، بنت أبى عنبسة بن سعيد، مولاة النبي صلّى الله عليه و سلم، روت عن النبي صلّى الله عليه و سلم في الدعاء، قاله ابن عبد البر [1]، و لها في مسند الإمام أحمد حديث:
__________________________________________________
[ ()] رقم (11360)، (الإصابة): 7/ 722- 723، ترجمة رقم (11360)، (الإستيعاب):
4/ 1868، ترجمة رقم (3396)، (أعلام النساء): 2/ 278، (عيون الأثر): 2/ 314، (سيرة ابن هشام): 4/ 272.
[1] قال ابن عبد البر في (الاستيعاب) بعد ذكر ميمونة بنت الحارث الهلالية زوج النبي صلّى الله عليه و سلم-: ميمونة أخرى مولاة رسول الله صلّى الله عليه و سلم، حديثها عند أهل الشام في فضل بيت المقدس، إن أشد عذاب القبر في الغيبة و البول. روى عنها زياد بن أبى سودة، و القاسم بن عبد الرحمن. (ترجمة رقم (4100).(1/431)
ثم قال: ميمونة بنت سعد، مولاة النبي صلّى الله عليه و سلم، روى عنها أبو يزيد الضبيّ، أيوب بن أبى خالد حديثا مرفوعا في قبلة الصائم، و عتق ولد الزنا، حديث ليس بالقوى ترجم رقم (4101).
ثم قال: ميمونة بنت أبى عنبسة [أو أبى عسيب ]، مولاة النبي صلّى الله عليه و سلم، روت عن النبي صلّى الله عليه و سلم في الدعاء. ترجمة رقم (4102).
قال الحافظ في (الإصابة): ميمونة بنت سعد، و يقال: سعيد، كانت تخدم النبي صلّى الله عليه و سلم، و روت عنه، و روى عنها زياد، و عثمان ابنا أبى سودة، و هلال بن أبى هلال، و أبو يزيد الضبيّ، و آمنة بنت عمر بن عبد العزيز، و أيوب بن خالد بن صفوان، و طارق بن عبد الرحمن، و غيرهم.
روى لها أصحاب السنن الأربعة، مما أخرج لها بعضهم ما رواه معاوية بن صالح، عن زياد بن أبى سودة، عن ميمونة، و ليست زوج النبي صلّى الله عليه و سلم، أنها قالت: يا رسول الله، أفتنا عن بيت المقدس، قال:(1/432)
أرض المحشر و المنشر ائتوه فصلوا فيه ... الحديث. ثم قال الحافظ: قد صرح زياد بن أبى سودة بأن التي روى عنها ميمونة بنت سعد، فالظاهر أنهما واحدة، و سبق ابن عبد البر إلى التفرقة بينهما، أبو على بن السكن، فقال: ميمونة بنت سعد، مولاة النبي صلّى الله عليه و سلم، رويت عنها أحاديث، ثم ساق من طريق عكرمة بن عمار، عن طارق بن القاسم، عن ميمونة مولاة رسول الله صلّى الله عليه و سلم، أن رسول الله صلّى الله عليه و سلم، قال: يا ميمونة، تعوذى باللَّه من عذاب القبر، قالت: و إنه لحق؟ قال: نعم، و الغيبة و البول، من طريق أبى يزيد الضبيّ، عن ميمونة مولاة النبي صلّى الله عليه و سلم، قالت: سئل النبي صلّى الله عليه و سلم، عن ولد الزنا، فقال: لا خير فيه ... الحديث. قال: و هذا أخرجه الزهري من هذا الوجه، و من طريق أيوب بن خالد، عن ميمونة بنت سعد، خادم النبي صلّى الله عليه و سلم، قالت: قال رسول الله صلّى الله عليه و سلم: مثل الرافلة [المتبخترة] في الزينة [في غير أهلها] كمثل الظلمة لا نور فيها، ثم قال: ميمونة مولاة رسول الله صلّى الله عليه و سلم.
إمتاع الأسماع،ج 6،ص:347
سئل رسول الله صلّى الله عليه و سلم عن ولد الزنا فقال: لا خير فيه، نعلان أجاهد بهما [1] في سبيل الله أحب إلى من أن أعتق ولد الزنا [2]. و حديث: يا نبي الله! أفتنا في بيت [3] المقدس، قال: أرض المنشر و المحشر [ائتوه ] [4] فصلوا فيه، فإن صلاة فيه كألف صلاة، [فيما سواه [4]] قالت: أ رأيت من لم يطق أن يتحمل إليه أو يأتيه؟ قال: فيهدي إليه زيتا يسرج فيه، فإن من أهدى له كان كمن صلّى فيه [5]. و لها أيضا حديث: الرافلة في الزينة في غير أهلها، كانت كالظلمة يوم القيامة، لا نور لها [6].
و أم ضميرة، تقدم لها ذكر في خبر ابنها ضميرة، و أنهما [أعتقهما] [7].(1/433)
و أم عيّاش، كانت تخدم النبي صلّى الله عليه و سلم، و بعث بها مع ابنته رقية لما تزوجها عثمان رضي الله عنهما. قالت: كنت أمغث لعثمان التمر غدوة فيشربه
__________________________________________________
[1] في (خ): «أهديهما»، و ما أثبتناه من (المسند).
[2] (مسند أحمد): 6/ 463، حديث ميمونة بنت سعد، الحديث رقم (27077).
[3] في (خ): «أرض المقدس)، و ما أثبتناه من (المسند).
[4] زيادة للسياق من (المسند).
[5] (مسند أحمد): 6/ 463، حديث ميمونة بنت سعد، الحديث رقم (27079).
[6] لها ترجمة في: (الإصابة): 8/ 129- 131، ترجمة رقم (11780)، (11781)، (الاستيعاب): 4/ 1918- 1919، ترجمة رقم (1401)، (1402)، (1403)، (الوافي):
1/ 87، (تاريخ الخميس): 2/ 180، (صفة الصفوة): 1/ 87، (عيون الأثر): 2/ 314، (تهذيب التهذيب): 21/ 481، ترجمة رقم (2899)، (أعلام النساء): 5/ 140- 141، (ذيل تاريخ الطبري): 11/ 621، (طبقات ابن سعد): 8/ 223، (خلاصة تذهيب الكمال):
3/ 393، ترجمة رقم (152)، (الثقات): 3/ 408.
[7] (الإصابة): 3/ 495- 496، ترجمة رقم (4208 ز)، (الاستيعاب): 4/ 1695، ترجمة رقم (3051).
إمتاع الأسماع،ج 6،ص:348
عشية، و أنبذه عشية فيشربه غدوة [فسألني ذات يوم، فقال: تخلطين فيه شيئاً؟ قلت: أجل، قال فلا تعودي ] [1]، قال ابن عبد البر: روى عنها عنبسة بن سعيد، و حديثها منقطع الإسناد [2].
و ريحانة، تقدم ذكرها.
و نفيسة [3]، وهبتها له زينب بنت جحش [رضى الله عنها].
و مارية، جدة المثنى بن صالح بن مهران، لها حديث: صافحت رسول الله [صلّى الله عليه و سلم ] فلم أر ألين من كفه.
و مارية، أم الرباب، تطأطأت للنّبيّ عليه السّلام حتى صعد حائطا ليلة فرّ من المشركين. عدّها ابن عبد البرّ من خدام النبي صلّى الله عليه و سلم، و قال في هذه: لا أدرى أ هي الأولى قبلها أم لا؟ [4].
__________________________________________________
[(1/434)
1] ما بين الحاصرتين زيادة للسياق من الإصابة.
[2] لها ترجمة في: (الإستيعاب): 4/ 1949، ترجمة رقم (4192)، (الإصابة): 8/ 271، ترجمة رقم (12190).
[3] نفيسة، جارية زينب بنت جحش، وهبتها للنّبيّ (صلّى الله عليه و سلم) لما رضى عليها، بعد أن كان غضب عليها و هجرها شهرا، سماها عليّ بن أحمد بن يوسف في كتاب (أخبار النساء)، و أصل القصة عند أحمد و لم يسمّها.
(الإصابة): 8/ 143، ترجمة رقم (11819).
[4] لها ترجمة في: (المواهب اللدنية): 2/ 124، (الوافي): 1/ 87، (تاريخ الخميس): 2/ 180، (صفة الصفوة): 1/ 78، (عيون الأثر): 1/ 314، (أعلام النساء): 5/ 11، (الاستيعاب):
4/ 1911، ترجمة رقم (4090)، و هي التي قال فيها: لا أدرى أ هي الأولى قبلها أم لا، 4/ 1913، ترجمة رقم (4092)، (الإصابة): 8/ 113- 114، ترجمة رقم (11738)، (11739).
إمتاع الأسماع،ج 6،ص:349
فصل في ذكر خدّام رسول الله صلّى الله عليه و سلم
اعلم أنه كان لرسول الله صلّى الله عليه و سلم سوى مواليه جماعة يخدمونه، منهم:
أنس بن مالك [1]، و الأسلع بن شريك الأعرجي [2]، و أسماء بن حارثة الأسلمي أخو هند [3]،.
__________________________________________________
[1] سبق أن أشرنا إلى مصادر ترجمته.
[2] قال ابن عبد البر في (الاستيعاب): أسلع بن شريك الأعوجي [بالواو] التيمي، خادم رسول الله صلّى الله عليه و سلم و صاحب راحلته، نزل البصرة، روى عنه زريق المالكي. ترجمة رقم (148)، ثم قال: أسلع بن الأسقع الأعرابي، له صحبة، روى عن النبي صلّى الله عليه و سلم في التيمم: ضربة للوجه و ضربة لليدين إلى المرفقين.
لا اعلم له غير هذا الحديث، و لم يرو عنه غير الربيع بن بدر عن أخيه فيما علمنا، و فيه و في الّذي قبله نظر. ترجمته رقم (149).(1/435)
و قال الحافظ ابن حجر في (الإصابة): الأسلع الأعرجي [بالراء] من بنى الأعرج بن كعب بن سعد بن زيد مناة بن تميم، قال ابن السكن: حديثه في البصريين، و فيه نظر.
و قال ابن حبان في (الثقات): الأسلع السعدي رجل من بنى الأعرج بن كعب، يقال: إن له صحبة، و لكن في إسناد خبره الربيع بن بدر، (الاستيعاب): 1/ 139، ترجمة رقم (148)، (149)، (الإصابة): 1/ 58، ترجمة رقم (122)، (الثقات): 3/ 20.
[3] أسماء بن حارثة الأسلمي، يكنى أبا محمد، ينسبونه: أسماء بن حارثة بن هند بن عبد الله بن غياث بن سعد بن عمرو بن عامر بن ثعلبة بن مالك بن أفصى الأسلمي، و هو أخو هند بن حارثة، و كانوا إخوة عددا، و كان أسماء و هند من أهل الصفة. قال أبو هريرة: ما كنت أرى أسماء و هندا ابني حارثة إلا خادمين لرسول الله صلّى الله عليه و سلم من طول ملازمتهما بابه و خدمتهما إياه صلّى الله عليه و سلم. ذكره ابن عبد البر.
و في (الإصابة): أسماء بن حارثة بن سعيد بن عبد الله بن غياث بن سعد بن عمرو بن عامر بن ثعلبة بن مالك بن أفصى الأسلمي.
قال ابن سعد عن الواقدي: مات أسماء سنة ست و ستين بالبصرة، و هو بن ثمانين سنة، و كان من أهل الصفة. قال: و قال الواقدي: مات في خلافة معاوية أيام زياد، و كان موت زياد سنة ثلاث و خمسين.
(الاستيعاب): 1/ 86- 87، ترجمة رقم (38)، (الإصابة): 1/ 64، ترجمة رقم (137)،
إمتاع الأسماع،ج 6،ص:350
و بلال [1]، و بكير [2]، و يقال بكر بن شداخ، و ذو مخمر [3]، و ربيعة بن كعب بن مالك بن يعمر أبو فراس الأسلمي [4]، و سعد مولى أبى بكر رضى الله عنه [5]، و عبد الله بن مسعود [6]، و أبو حذيفة: اسمه أبو حذيفة المهاجر
__________________________________________________
[ ()] (طبقات ابن سعد): 1/ 497، (المستدرك): 3/ 607- 608.
[(1/436)
1] بلال بن رباح، مؤذن رسول الله صلّى الله عليه و سلم، أمه حمامه، اشتراه أبو بكر الصديق من المشركين لما كانوا يعذبونه على التوحيد فأعتقه، فلزم النبي صلّى الله عليه و سلم و أذّن له، و شهد معه جميع المشاهد، و آخى النبي صلّى الله عليه و آله و سلم بينه و بين أبى عبيدة بن الجراح. قال البخاري: مات بالشام زمن عمر. له ترجمة في: (المستدرك):
3/ 318- 323، كتاب معرفة الصحابة، ذكر بلال بن رباح، (الإصابة): 1/ 326- 327، ترجمة رقم (736)، (الاستيعاب): 1/ 178- 182، ترجمة رقم (212)، (طبقات ابن سعد):
3/ 232- 239.
[2] بكر بن الشداخ الليثي، و يقال له بكير، روى ابن مندة من طريق أبى بكر الهذلي، عن عبد الملك بن يعلى الليثي، أن بكر بن الشداخ الليثي، كان ممن يخدم النبي صلّى الله عليه و سلم، و هو غلام. له ترجمة في:
(الإصابة): 1/ 324، ترجمة رقم (728).
[3] ذو مخبر و يقال: ذو مخمر، و كان الأوزاعي يأبى في اسمه إلا ذو مخمر- بالميمين- لا يرى غير ذلك، و هو ابن أخى النجاشىّ، و قد ذكره بعضهم في موالي النبي صلّى الله عليه و سلم، له أحاديث عن النبي صلّى الله عليه و سلم، مجرها عن أهل الشام، و هو معدود فيهم. له ترجمة في (الاستيعاب): 2/ 475، ترجمة رقم (723)، (الإصابة): 2/ 417- 418، ترجمة رقم (2471).
[4] روى مسلم حديثه من طريق أبى سلمة، عن ربيعة بن كعب قال: كنت أبيت على باب النبي صلّى الله عليه و سلم، و أعطيه الوضوء فأسمعه الهوى [الحين الطويل من الزمان و هو مختص بالليل ] من الليل يقول: سمع الله لمن حمده، و كان من أهل الصفة، مات بالحرة سنة ثلاث و ستين في ذي الحجة. له ترجمة في:
(الإصابة): 2/ 474- 475، ترجمة رقم (2625)، (الاستيعاب): 2/ 494، ترجمة رقم (765).
[(1/437)
5] سعد مولى أبى بكر الصديق، و يقال: سعيد، و الأول أشهر و أصح، روى حديثه ابن ماجة، و أشار إليه الترمذي، و هو من رواية الحسن البصري عنه، أنه كان يخدم النبي صلّى الله عليه و سلم، فذكر الحديث في قران التمر، له ترجمة في: (الإصابة): 3/ 89، ترجمة رقم (3222)، (الاستيعاب): 2/ 612، ترجمة رقم (970).
[6] عبد الله بن مسعود بن غافل بن حبيب بن شمخ بن فار بن مخزوم بن صاهلة بن كاهل بن الحارث ابن تميم بن سعد بن هذيل بن مدركة بن إلياس ابن مضر بن نزار. الإمام الحبر فقيه الأمة، أبو عبد الرحمن الهذلي المكىّ المهاجري البدريّ، حليف بنى زهرة. كان من السابقين الأولين، و من النجباء العاملين، شهد بدرا، و هاجر الهجرتين، و كان يوم اليرموك على النفل، و مناقبه غزيرة،
إمتاع الأسماع،ج 6،ص:351
مولى أم سلمة رضى الله عنها، خدم رسول الله صلّى الله عليه و سلم سبع سنين، و شهد فتح مصر، و اختطّ بها، و سكن طحا- من صعيد مصر- و بها مات سنة ستين، و قيل لم يشهد الفتح، و إنما قدمها مهاجر مولى أم سلمة [1]، و أبو السبع [2] في آخرين، يتصرفون في شئونه، صلّى الله عليه و سلم.
فمنهم من يلازم بابه، و منهم من يلي طهوره، و منهم من يمسك دابته، و منهم يقوم على رأسه، و منهم من يرعى نعمه و شاءه، إلى غير ذلك كما ستراه إن شاء الله تعالى.
__________________________________________________
[ ((1/438)
)] و روى علما كثيرا، مات ابن مسعود بالمدينة، و دفن بالبقيع سنة اثنتين و ثلاثين، و قيل: ثلاث و ثلاثين، و عاش ثلاثا و ستين سنة، له ترجمة في: (مسند أحمد): 1/ 374- 384، (طبقات خليفة) 16، 126، (تاريخ خليفة): 101، 166، (التاريخ الصغير): 60، (المعارف): 249، (الجرح و التعديل): 5/ 149، (حلية الأولياء): 1/ 124- 139، (تاريخ بغداد): 1/ 147- 150، (تهذيب الأسماء و اللغات): 1/ 288- 290، (كنز العمال): 13/ 460- 469، (الاستيعاب): 3/ 987، ترجمة رقم (1659)، (الإصابة): 4/ 233، ترجمة رقم (4957)، (سير الأعلام): 1/ 461- 500، ترجمة رقم (87)، (أسماء الصحابة الرواة): 42، ترجمة رقم (8)، (الثقات): 3/ 208، (شذرات الذهب): 1/ 38.
[1] ذكره أبو سعيد بن يونس، و أخرج الحسن بن سفيان، و ابن السكن، و محمد بن الربيع الجيزى، و الطبري، و ابن مندة، من طريق بكير مولى عمرة: سمعت المهاجر يقول: خدمت رسول الله (صلّى الله عليه و سلم) سنين، فلم يقل لي لشي ء صنعته لم صنعته؟، و لا لشي ء تركته لم تركته؟ (الاصابة): 6/ 230، ترجمة رقم (8263)، (الاستيعاب): 4/ 1454، ترجمة رقم (2505).
[2] أبو السبع بن عبد قيس الأنصاري، شهد بدرا، و اسمه ذكوان و يكنى أيضا بأبي اليسع، ذكره موسى ابن عقبة، و أبو الأسود في أهل العقبة، و فيمن استشهد بأحد. (الإصابة): 2/ 405- 406، ترجمة رقم (2438)، (الاستيعاب): 2/ 466، ترجمة رقم (710)، (الإصابة): 7/ 169، ترجمة رقم (9988).
إمتاع الأسماع،ج 6،ص:352
فصل في ذكر من كان يلازم باب رسول الله صلّى الله عليه و سلم
اعلم أنه كان عدة من الصحابة يلازمون باب النبي عليه السلام، منهم:
أنس بن مالك بن النضر بن ضمضم بن زيد بن حرام بن جندب بن عامر ابن غنم بن عدي بن النجار الأنصاري النجّارى أبو حمزة، أمه أم سليم نهلة، و قيل: رميلة، و قيل: مليكة بنت ملحان بن مالك بن زيد بن حرام ابن جندب بن عامر بن غنم بن عدي بن النجار الأنصارية.(1/439)
كان مقدم النبي عليه السلام المدينة [و هو] [1] ابن عشر سنين، و قيل:
ابن ثمان سنين، و خرج مع رسول الله صلّى الله عليه و سلم حين توجّه إلى بدر و هو غلام يخدمه، فخدمه عشرين سنة [2].
خرّج البخاري في الأدب المفرد من حديث جرير بن حازم، عن سلمة العلويّ قال: سمعت أنسا يقول: كنت خادما للنّبيّ صلّى الله عليه و سلم، و كنت أدخل بغير استئذان، فجئت يوما فقال: كما أنت يا بنى، قد حدث بعدك أمر، لا تدخلن إلا بإذن. و مات سنة إحدى و تسعين، و قيل: ثنتين و تسعين، و قيل: ثلاث و تسعين، عن مائة و ثلاث سنين، و قيل: مائة و عشر سنين، و قيل: مائة و سبع سنين، و قيل: مائة إلا سنة، و هو أصحّ.
و هند بن حارثة [3] بن هند بن عبد الله بن غياث بن سعد بن عمرو بن
__________________________________________________
[1] زيادة للسياق و البيان.
[2] سبق أن أشرنا إلى مصادر ترجمته.
[3] (الإصابة): 1/ 64، ترجمة رقم (137، (6/ 556، ترجمة رقم (1090)، (الاستيعاب):
4/ 1544، ترجمة رقم (2698).
إمتاع الأسماع،ج 6،ص:353
عامر بن ثعلبة بن مالك بن أفصى الأسلمي، و يقال: هند بن حارثة بن سعيد بن عبد الله بن غياث بن سعد بن عمرو الأسلمي الحجازي، شهد بيعة الرضوان مع إخوة له سبعة، و مات في خلافة معاوية.
و أخوه:
أسماء بن حارثة [1]، أبو محمد، كانا من أهل الصّفّة، و لزما رسول الله صلّى الله عليه و سلم، قال أبو هريرة رضي الله عنه: ما كنت أرى أسماء و هند ابني حارثة إلا خادمين لرسول الله صلّى الله عليه و سلم، من طول لزومهما بابه، و خدمتهما إياه.
و في المسند للإمام أحمد، أن رسول الله صلّى الله عليه و سلم بعثه يأمر قومه بالصيام يوم عاشوراء [2]. و ذكر ابن سعد أنه كان من أهل الصفة [3]، و قال الواقدي [4]:(1/440)
كان خدم رسول الله صلّى الله عليه و سلم الذين لا يريمون بابه: أنس بن مالك، و هند و أسماء ابني حارثة، و كان أبو هريرة يقول: ما كنت أظنهما إلا مملوكين لرسول الله صلّى الله عليه و سلم [5]، و توفي أسماء بالبصرة سنة ست و ستين عن ثمانين سنة.
و ربيعة بن كعب بن مالك بن يعمر الأسلمي أبو فراس، من أهل الصفّة،
__________________________________________________
[1] (الإصابة): 1/ 64، ترجمة رقم (137)، 6/ 556، ترجمة رقم (1090)، (الاستيعاب):
4/ 1544، ترجمة رقم (2698).
[2] (مسند أحمد): 4/ 78، حديث رقم (16275): عن يحيى بن هند بن حارثة عن أبيه- و كان من أصحاب الحديبيّة- و أخوه الّذي بعثه رسول الله صلّى الله عليه و سلم يأمر قومه بصيام يوم عاشوراء، و هو أسماء بن حارثة: «أن رسول الله (صلّى الله عليه و سلم) بعثه فقال: مر قومك فليصوموا هذا اليوم، قال: أ رأيت إن وجدتهم قد طعموا؟ قال: فليتموا بقية يومهم».
[3] (طبقات ابن سعد): 1/ 497، 504، 2/ 376، 4/ 323.
[4] (مغازي الواقدي): 659، 799.
[5] (الإصابة): 1/ 64.
إمتاع الأسماع،ج 6،ص:354
كان يلازم رسول الله صلّى الله عليه و سلم في السفر و الحضر، و صحبه قديما، و سأله مرافقته في الجنة، فقال له: أعنّي على نفسك بكثرة السجود، و أخرج له الستة إلا البخاري. مات سنة ثلاث و ستين [1].
فصل في ذكر الحاجب الّذي كان يستأذن على رسول الله صلّى الله عليه و سلم
اعلم أنه كان لرسول الله صلّى الله عليه و سلم غير واحد، يستأذنون لدخول الصحابة رضي الله عنهم عليه، منهم:
أنس بن مالك الأنصاري، رضي الله عنه [2].
و رباح الأسود، أحد الموالي [2].
و أنسة أبو مسروح [2]، و تقدم ذكرهم.
و عويم بن ساعدة [3]، الّذي شهد العقبتين، و بدرا، و أحدا، و مات في حياة النبي عليه السلام [4]، و قيل: مات في خلافة عمر رضى الله عنه، و هو ابن خمس أو ست و ستين سنة [5].(1/441)
و ذكر الواقدي أن عبد الله بن أبى بن سلول لما جاء بحلفائه يريد أن يكلم رسول الله صلّى الله عليه و سلم أن يقرّ [يهود] قينقاع في ديارهم بعد ما نزلوا على حكمه، وجد [على باب ] النبي صلّى الله عليه و سلم عويم بن ساعدة، فذهب ليدخل، فردّه عويم و قال: لا تدخل حتى يؤذن رسول الله صلّى الله عليه و سلم بك، فدفعه ابن أبى،
__________________________________________________
[1] سبق أن أشرنا إلى مصادر ترجمته.
[2] سبق أن أشرنا إلى مصادر ترجمتهم.
[3] عويم- بصيغة التصغير، ليس في آخره راء- هو ابن ساعدة ابن عائش- و قيل عابس- بن قيس بن النعمان بن زيد بن أمية بن مالك بن عوف بن عمرو بن عوف بن مالك بن الأوس الأنصاري الأوسي، و قيل في نسبه غير ذلك.
[4] هذا قول الواقدي.
[5] (الاستيعاب): 3/ 1248.
إمتاع الأسماع،ج 6،ص:355
فغلظ عليه عويم حتى جحش وجه ابن أبى الجدار فسال الدم، فتصايح حلفاؤه من يهود و قالوا: أبا الحباب، لا نقيم [أبدا] [1] بدار أصاب وجهك فيها هذا، لا نقدر على أن نغيّره، فجعل ابن أبى يصيح عليهم، و هو يمسح الدم عن وجهه و يقول: ويحكم، فرّوا! فجعلوا يتصايحون: لا نقيم أبدا بدار أصاب وجهك [فيها] [1] هذا، لا نستطيع له غيرا [2].
و في مسند الإمام أحمد، عن نافع بن عبد الحارث [3] بن جبلة بن عمير الخزاعي قال: خرجت مع رسول الله صلّى الله عليه و سلم حتى دخل حائطا فقال: أمسك عليّ الباب، فجاء حتى جلس على القف و دلى رجليه في البئر، فضرب الباب، فقلت: من هذا؟ قال: أبو بكر؟ قلت: يا رسول الله! هذا أبو بكر، قال: ائذن له و بشره بالجنة الحديث [4].
__________________________________________________
[1] زيادة للسياق.
[2] (مغازي الواقدي): 102، 159، 178، 305، 405، 498، 516، 1048، 1037، (الاستيعاب): 3/ 1248، ترجمة رقم (2052)، (الإصابة): 745- 746، ترجمة رقم (6116).
[3] في (خ): «عبد الوارث»، و ما أثبتناه من (المسند).
[(1/442)
4] (مسند أحمد): 3/ 408، حديث رقم (14949 (، (14950) لكن الحديث الأول ذكره مطولا، و الحديث الثاني مختصرا.
إمتاع الأسماع،ج 6،ص:356
فصل في ذكر صاحب طهور رسول الله صلّى الله عليه و سلم
الطّهور بفتح الطاء: اسم الماء، و كل ماء نظيف طهور.
اعلم أنه كان على طهور النبي عليه السّلام غير واحد، منهم:
عبد الله بن مسعود بن غافل بن حبيب بن شمخ بن فارس بن مخزوم بن صاهلة بن كاهل بفتح الهاء ابن الحارث بن تميم بن سعد بن هذيل بن مدركة بن إلياس بن مضر، أبو عبد الرحمن الهذلي، حليف بنى زهرة، حالف أبوه مسعود بن غافل في الجاهلية عبد بن الحارث بن زهرة، و أمه و أم عبد الله هي أم عبد بنت عبد ودّ بن سواء، من هذيل.
أسلم في أول الإسلام، و ذلك أنه كان يرعى غنما لعقبة بن أبى معيط، فمرّ به رسول الله صلّى الله عليه و سلم، و أخذ شاة حائلا [1] من تلك الغنم، فدرّت عليه لبنا غزيرا، ثم ضمّه رسول الله صلّى الله عليه و سلم إليه فكان يلج [2] عليه، و يلبسه نعليه، و يمشى أمامه و معه، و يستره إذا اغتسل، و يوقظه إذا نام، و قال له: إذنك عليّ أن ترفع الحجاب، و أن تسمع سوادي حتى أنهاك.
و كان يعرف في الصحابة بصاحب السواد و السواك، شهد بدرا و ما بعدها، و هاجر الهجرتين جميعا، و صلّى القبلتين، و شهد له النبي صلّى الله عليه و سلم بالجنة، و بعثه عمر بن الخطاب رضى الله عنه في خلافته إلى أهل الكوفة معلّما، حتى أقدمه منها عثمان رضى الله عنه إلى المدينة و بها مات سنة ثلاثين عن بضع و ستين سنة، و صلّى عليه الزبير بن العوام، و فضائله
__________________________________________________
[1] حائل: ليس بها حمل و لا لبن.
[2] يلج: يدخل.
إمتاع الأسماع،ج 6،ص:357
كثيرة [1].(1/443)
و أنس بن مالك رضى الله عنه [2]، قال ابن سعد: أخبرنا الفضل بن دكين، أخبرنا يونس بن أبى إسحاق، أخبرنا المنهال بن عمرو قال: كان أنس صاحب نعل رسول الله صلّى الله عليه و سلم و أداوته [3].
ثبت في صحيح مسلم من حديث عطاء بن أبى ميمونة، عن أنس قال:
كان رسول الله صلّى الله عليه و سلم يتبرز لحاجته، فآتيه بالماء فيغتسل به [4].
و خرجه البخاري أيضا، و لفظه: كان رسول الله صلّى الله عليه و سلم إذا تبرز لحاجته، أتيته بماء فيغسل به. ذكره في باب ما جاء في غسل البول [5].
و في لفظ لمسلم: كان رسول الله صلّى الله عليه و سلم يدخل الخلاء فأحمل الماء أنا و غلام نحوي أداوة من ماء و عنزة [6]، فيستنجي بالماء [7].
و لفظ البخاري: كان رسول الله صلّى الله عليه و سلم يدخل الخلاء، فأحمل أنا و غلامه إداوة من ماء، و عنزة، يستنجى بالماء. ترجم عليه باب حمل العنزة مع الماء
__________________________________________________
[1] سبق أن أشرنا إلى مصادر ترجمته.
[2] سبق أن أشرنا إلى مصادر ترجمته.
[3] (طبقات ابن سعد): 1/ 482.
[4] (مسلم بشرح النووي): 3/ 166- 167، كتاب الطهارة، باب (12)، الاستنجاء بالماء من التبرز، حديث رقم (71).
[5] (فتح الباري): 1/ 426، كتاب الوضوء، باب (56)، ما جاء في غسل البول، حديث رقم (217).
[6] العنزة بفتح العين و الزاى: عصا طويلة كان النبي (صلّى الله عليه و سلم) ينصبها بين يديه لتكون حائلا يصلّى إليه.
[7] (مسلم بشرح النووي): 3/ 166، حديث رقم (271).
إمتاع الأسماع،ج 6،ص:358
في الاستنجاء [1].
و ذكر في باب الاستنجاء بالماء، من حديث شعبة، عن أبى معاذ- و اسمه عطاء بن أبى ميمونة- قال: سمعت أنس بن مالك رضى الله عنه يقول: كان النبي صلّى الله عليه و سلم إذا خرج لحاجته، أجي ء أنا و غلام معنا إداوة من ماء يعنى يستنجى به [2].(1/444)
و ذكره في باب من حمل معه الماء لطهوره [3]، و ذكره أيضا في كتاب الصلاة، في باب الصلاة إلى العنزة، و لفظه: كان النبي صلّى الله عليه و سلم إذا خرج لحاجته تبعته أنا و غلام منا معنا عكازة، أو عصا، أو عنزة، و معنا إداوة، فإذا فرغ من حاجته ناولناه الإداوة [4].
و عبد الله بن عباس [5]، رضى الله عنهما، خرّج البخاري و مسلم من حديث ورقاء، عن عبيد الله بن أبى يزيد، عن ابن عباس أن النبي صلّى الله عليه و سلم دخل
__________________________________________________
[1] (فتح الباري): 1/ 335، كتاب الوضوء، باب (17) حمل العنزة مع الماء في الاستنجاء، حديث رقم (152).
[2] (فتح الباري: (1/ 333، كتاب الوضوء، باب (15) الاستنجاء بالماء، حديث رقم (150).
[3] و لفظه: «كان رسول الله صلّى الله عليه و سلم إذا خرج لحاجته تبعته و أنا غلام، و منا معنا إداوة من ماء» حديث رقم (151).
[4] و لفظه: «كان النبي صلّى الله عليه و سلم إذا خرج لحاجته تبعته أنا و غلام، و معنا عكازة، أو عنزة، أو عصا، فإذا فرغ من حاجته ناولناه الإداوة» حديث رقم (500).
[5] هو عبد الله بن العباس بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف القرشي الهاشمي، أبو العباس، ابن عم رسول الله صلّى الله عليه و سلم، أمه أم الفضل لبابة بنت الحارث الهلالية.
عن ابن عمر أنه كان يقرّب ابن عباس، و يقول: إني رأيت رسول الله صلّى الله عليه و سلم دعاك فمسح رأسك و تفل في فيك، و قال: اللَّهمّ فقهه في الدين و علمه التأويل.
إمتاع الأسماع،ج 6،ص:359
الخلاء، فوضعت له وضوءا، قال: من وضع هذا؟ فأخبر، فقال: اللَّهمّ فقهه في الدين. ذكره البخاري في باب وضع الماء عن الخلاء [1]. و لفظ مسلم: أن النبي صلّى الله عليه و سلم أتى الخلاء، فوضعت له وضوءا، فلما خرج قال: من وضع هذا؟ في رواية زهير [بن حرب ] قالوا، و في رواية أبى بكر [بن أبى النّضر]: قلت:(1/445)
__________________________________________________
[ ()] و عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس، أنه سكب للنّبيّ صلّى الله عليه و سلم و ضوءا عند خالته ميمونة، فلما فرغ قال: من وضع هذا؟ فقالت: ابن عباس، فقال: اللَّهمّ فقهه في الدين و علمه التأويل. و قال ابن سعد بسنده عن ابن عباس: دعاني رسول الله صلّى الله عليه و سلم فمسح على ناصيتي و قال: اللَّهمّ علمه الحكمة و تأويل الكتاب. و اتفقوا على أنه مات بالطائف سنة ثمان و ستين، و اختلفوا في سنه، فقيل: ابن إحدى و سبعين. و قيل: ابن اثنتين، و قيل: ابن أربع، و الأول أقوى. (الإصابة):
4/ 141- 152، ترجمة رقم (4784)، (الاستيعاب): 3/ 933- 939، ترجمة رقم (1588)، (المستدرك): 3/ 614- 625، (التاريخ الكبير): 5/ 3، (التاريخ الصغير): 1/ 126، (الجرح و التعديل): 5/ 116، (حلية الأولياء): 1/ 314، (جمهرة أنساب العرب): 19، (تاريخ بغداد):
1/ 173، (جامع الأصول): 9/ 63، (تهذيب الأسماء و اللغات): 1/ 274، (وفيات الأعيان):
3/ 62، (المطالب العالية): 1/ 114، (سير أعلام النبلاء): 3/ 331- 351، ترجمة رقم (51)، (الثقات): 3/ 208، (أسماء الصحابة الرواة): 40، ترجمة رقم (5).
[1] (فتح الباري): 1/ 325، كتاب الوضوء، باب (10) وضع الماء عند الخلاء، حديث رقم (143)، و الخلاء: المكان الخالي، و استعمل في المكان المعد لقضاء الحاجة مجازا.(1/446)
قوله صلّى الله عليه و سلم: «فأخبر» فإن ميمونة بنت الحارث خالة ابن عباس هي المخبرة بذلك. قال التيمي: فيه استحباب المكافأة بالدعاء، و قال ابن المنير: مناسبة الدعاء لابن عباس بالتفقه على وضعه الماء من جهة أنه تردد بين ثلاثة أمور: إما أن يدخل إليه بالماء إلى الخلاء، أو يضعه على الباب لتناوله من قرب، أو لا يفعل شيئا، فرأى الثاني أوفق، لأن في الأول تعرضا للاطلاع، و الثالث يستدعى مشقة في طلب الماء، و الثاني أسهل، ففعله يدل على ذكائه، فناسب أن يدعى له بالتفقه في الدين ليحصل به النفع، و كذا كان. (المرجع السابق).
إمتاع الأسماع،ج 6،ص:360
ابن عباس، قال: اللَّهمّ فقهه [1].
و قيس بن سعد بن عبادة [2]، خرّج الحاكم [من حديث ] وهب بن جرير، حدّثنا أبى قال: سمعت منصور بن زاذان، يحدث عن ميمون بن أبى شبيب، عن قيس بن سعد بن عبادة، أن أباه دفعه إلى النبي صلّى الله عليه و سلم يخدمه، قال: فأتى عليّ النبي صلّى الله عليه و سلم، و قد صليت ركعتين، فضربني برجله و قال: ألا أدلّك على باب من أبواب الجنة؟ قلت: بلى يا رسول الله، قال: لا حول و لا قوة إلا باللَّه. قال الحاكم: هذا حديث صحيح [3].
__________________________________________________
[1] (مسلم بشرح النووي): 16/ 270، كتاب فضائل الصحابة، باب (30)، فضائل عبد الله بن عباس رضى الله عنهما، حديث رقم (138)، و ما بين الحاصرتين من (خ) فقط.
[2] هو قيس بن سعد بن عبادة بن دليم الأنصاري، مختلف في كنيته، فقيل: أبو الفضل، و أبو عبد الله، و أبو عبد الملك. و ذكر ابن حبان أن كنيته أبو القاسم، و أمه بنت عم أبيه، و اسمها فكيهة بنت عبيد ابن دليم. و قال ابن عيينة. عن عمرو بن دينار: كان قيس ضخما، حسنا، طويلا، إذا ركب الحمار خطت رجلاه الأرض. و قال الواقدي: كان سخيا كريما داهية.
و في (مكارم الأخلاق) للطبراني، من طريق عروة بن الزبير: كان قيس بن سعد بن عبادة يقول:(1/447)
اللَّهمّ ارزقني ما لا، فإنه لا يصلح الفعال إلا بالمال.
و في (صحيح البخاري)، عن أنس: كان قيس بن سعد من النبي صلّى الله عليه و سلم بمنزلة صاحب الشرطة من الأمير. و أخرج البخاري في (التاريخ) من طريق خريم بن أسد، قال: رأيت قيس بن سعد و قد خدم رسول الله صلّى الله عليه و سلم عشر سنين.
و قال أبو عمر في (الاستيعاب): كان أحد الفضلاء الجلة، من دهاة العرب، من أهل الرأى و المكيدة في الحرب، مع النجدة و السخاء و الشجاعة، و كان شريف قومه غير مدافع، و كان أبوه و جده كذلك. قال خليفة و غيره: مات في آخر خلافة معاوية بالمدينة. (الاستيعاب): 3/ 1289- 1293، ترجمة رقم (2134)، (الإصابة): 5/ 473- 475، ترجمة رقم (7182)، (الثقات): 3/ 339.
[3] (المستدرك): 4/ 290، كتاب الأدب، حديث رقم (7787/ 109)، و قال الذهبي في (التلخيص): على شرط البخاري و مسلم.
إمتاع الأسماع،ج 6،ص:361
و المغيرة بن شعبة [1]، قال الواقدي في مغازيه: و كان المغيرة بن شعبة يقول: كنا بين الحجر و تبوك، فذهب رسول الله صلّى الله عليه و سلم لحاجته، و كان إذا ذهب أبعد، و تبعته بماء بعد الفجر، فأسفر الناس بصلاتهم، و هي صلاة الصبح، حتى خافوا الشمس، فقدّموا عبد الرحمن بن عوف فصلّى بهم، فحملت مع النبي صلّى الله عليه و سلم إداوة فيها ماء.
فلما فرغ صببت عليه فغسل وجهه، ثم أراد أن يغسل ذراعيه، فضاق كم الجبة- و عليه جبّة رومية- فأخرج يديه من تحت الجبة، فغسلهما، و مسح خفّيه، و انتهينا إلى عبد الرحمن بن عوف، و قد ركع بالناس ركعة، فسبح الناس بعبد الرحمن بن عوف، حين رأوا رسول الله صلّى الله عليه و سلم حتى كادوا أن يفتتنوا.(1/448)
فجعل عبد الرحمن يريد أن ينكص وراءه، فأشار إليه النبي صلّى الله عليه و سلم أن اثبت، فصلّى رسول الله صلّى الله عليه و سلم خلف عبد الرحمن ركعة، فلما سلّم عبد الرحمن تواثب الناس، و قام رسول الله صلّى الله عليه و سلم يقضى الركعة الباقية، ثم سلّم بعد فراغه منها ثم قال: أحسنتم، إنه لم يتوفّ نبيّ حتى يؤمه رجل صالح من أمته [2]. و له طرق ترد إن شاء الله تعالى في اللباس، عند ذكر الجبة.
__________________________________________________
[1] هو المغيرة بن شعبة بن أبى عامر بن مسعود بن معتب بن مالك بن كعب بن عمرو بن سعد بن عوف ابن قيس، و هو ثقيف الثقفي، يكنى أبا عبد الله، و قيل: أبا عيسى، و أمه امرأة من بنى نصر بن معاوية.
أسلم عام الخندق، و قدم مهاجرا، و قيل: إن أول مشاهد الحديبيّة، توفي سنة خمسين من الهجرة بالكوفة. (الاستيعاب): 4/ 1445- 1448، ترجمة رقم (2483)، (الإصابة): 6/ 197- 201، ترجمة رقم (8185).
[2] (مغازي الواقدي): 1011- 1012.
إمتاع الأسماع،ج 6،ص:362
فصل في ذكر من كان يغمز رسول الله صلّى الله عليه و سلم
الغمز: العصر باليد. قال الواقدي: فحدثني هشام بن سعد عن زيد بن أسلم عن أبيه عن عمر بن الخطاب رضى الله عنه قال: لما كان من قول ابن أبى ما كان، أسرع رسول الله صلّى الله عليه و سلم المسير، و أسرعت معه، و كان معى أجير لي استأجرته يقوم على فرسي، فاحتبس عليّ، فوقفت له على الطريق أنتظره حتى جاء.(1/449)
فما جاء و رأى ما بى من الغضب، أشفق أن أقع به، فقال: أيها الرجل! على رسلك، فإنه قد كان في الناس أمر من بعدك فحدثني بمقالة ابن أبى، قال عمر رضى الله عنه، فأقبلت حتى جئت رسول الله صلّى الله عليه و سلم، و هو في في ء شجرة، عنده غليم أسيود يغمز ظهره، فقلت يا رسول الله! كأنك تشتكي ظهرك، فقال: تقحّمت بى الناقة الليلة، فقلت: يا رسول الله! ائذن لي أن أضرب عنق ابن أبىّ في مقالته، فقال: أو كنت فاعلا؟ [قلت ] [1] نعم و الّذي بعثك بالحق، قال: إذا لأرعدت له آنف بيثرب كثيرة، لو أمرتهم بقتله قتلوه، قال: فقلت: يا رسول الله! فمر محمد بن مسلمة يقتله، فقال: لا يتحدث الناس أن محمدا قتل أصحابه، قال: فقلت: فمر الناس بالرحيل، قال: نعم، فأذّنت بالرحيل في الناس [2]. خرجه الطبراني في الأوسط من معاجمه.
__________________________________________________
[1] في (المغازي): «قال نعم»، و ما أثبتناه أجود للسياق.
[2] (مغازي الواقدي): 418.
إمتاع الأسماع،ج 6،ص:363
فصل في ذكر عدة ممن كان يخدم النبي صلّى الله عليه و سلم
و هم:
أبو ذرّ، خرّج الإمام أحمد من حديث شهر بن حوشب عن عبد الرحمن ابن [غنم ] عن أبى ذر قال: كنت أخدم النبي صلّى الله عليه و سلم، ثم آتى المسجد إذا أنا فرغت من عملي فأضطجع [1]، الحديث فيه بطوله.
و الأسلع [2] بن شريك الأعرجي التميمي خادم النبي صلّى الله عليه و سلم، و صاحب راحلته، نزل البصرة، و له حديث في صفة التيمم، و سماه محمد بن سعد:
ميمون بن سنباد.
و بكير بن شداخ [2]، و يقال: بكر، كان يخدم النبي صلّى الله عليه و سلم و هو غلام، فلما احتلم جاء إلى النبي صلّى الله عليه و سلم و أعلمه. لم يذكره ابن عبد البرّ، و ذكره ابن مندة.
__________________________________________________
[(1/450)
1] (مسند أحمد): 5/ 144، حديث أبى ذر الغفاريّ، الحديث رقم (20784) و لفظه: «كنت أخدم النبي صلّى الله عليه و سلم ثم آتى المسجد إذا أنا فرغت من عملي، فأضطجع فيه، فأتانى النبي يوما و أنا مضطجع، فغمزني برجله فاستويت جالسا، فقال لي: يا أبا ذر، كيف تصنع إذا أخرجت منها؟
فقلت: أرجع إلى مسجد النبي صلّى الله عليه و سلم و إلى بيت، قال: فكيف تصنع إذا أخرجت؟ فقلت: إذا آخذ بسيفي فاضرب به من يخرجني، فجعل النبي صلّى الله عليه و سلم يده على منكبى فقال: غفرا يا أبا ذر ثلاثا، بل تنقاد معهم حيث قادوك، و تنساق معهم حيث ساقوك، و لو عبدا أسود، قال أبو ذر: فلما نفيت إلى الرَّبَذَة، أقيمت الصلاة، فتقدم رجل أسود كان فيها على نعم الصدقة، فلما رآني أخذ ليرجع و يقدمني، فقلت: كما أنت، بل أنقاد لأمر رسول الله صلّى الله عليه و سلم».
[2] سبق أن أشرنا إلى مصادر ترجمتهم.
إمتاع الأسماع،ج 6،ص:364
و بلال المؤذن [1]، و سيرد ذكره إن شاء الله في المؤذنين، و كان على نعمائه أيضا.
و ذو مخمر [1]، و يقال: ذو مخبر، و هو ابن أخى النجاشي، كان من الحبشة، يخدم النبي صلّى الله عليه و سلم، حديثه في (مسند الإمام أحمد)، في ذكر نومه عليه السّلام عن صلاة الفجر [2].
و سعد [1]، قال الإمام أحمد حدثنا سليمان بن داود، حدثنا أبو عامر عن الحسن، عن سعد مولى لأبى بكر رضى الله عنه، و كان يخدم النبي صلّى الله عليه و سلم، و كان يعجبه خدمته، فقال: يا أبا بكر، أعتق سعدا، فقال: يا رسول الله! ما لنا غيره، قال: فقال رسول الله صلّى الله عليه و سلم: أعتق سعدا، أتتك الرجال [3]. [قال أبو داود: يعنى السبي ]، و عند ابن ماجة طرفا منه.(1/451)
و مهاجر [1]، مولى أم سلمة رضى الله عنها، قال: خدمت النبي صلّى الله عليه و سلم عشر سنين، أو خمس سنين، فلم يقل لشي ء صنعته لم صنعته؟ و لا لشي ء تركته لم تركته؟ قال ابن يونس: يكنى أبا حذيفة، صحب النبي صلّى الله عليه و سلم، و حضر فتح مصر، و اختط بها، ثم إنه خرج إلى صعيد مصر فأوطن طما، مات بها سنة ستين، و ليس لأهل مصر عنه إلا حديث واحد، رواه عنه بكر مولى عمرة بنت حسين بن يحيى بن عبد الله بن بكير أنه قال: خدمت رسول الله صلّى الله عليه و سلم سبع سنين.
__________________________________________________
[1] سبق أن أشرنا إلى مصادر ترجمتهم.
[2] (مسند أحمد): 4/ 90- 91، حديث رقم (16383).
[3] (مسند أحمد): 1/ 199، حديث رقم (1718).
إمتاع الأسماع،ج 6،ص:365
و أبو السمح [1]، مولى رسول الله صلّى الله عليه و سلم، يقال له: خادم رسول الله، قيل اسمه إياد، يقال أنه لا يدرى أين مات، قال: كنت أخدم النبي صلّى الله عليه و سلم، كان إذا أراد أن يغتسل قال: ناولني إداوتي، قال: فأناوله و أستره.
قال: بحسن أو حسين، فبال على صدره، فجئت لأغسله، فقال: يغسل من بول الجارية، و يرش من بول الغلام. خرّج له أبو داود و النّسائى، و ابن ماجة، له حديثان عند محل بن خليفة عنه.
__________________________________________________
[1] سبق أن أشرنا إلى مصادره ترجمته.
إمتاع الأسماع،ج 6،ص:366
فصل في ذكر لباس رسول الله صلّى الله عليه و سلم
اعلم أن لباس كل شي ء غشاؤه، و يقال: لبس الثوب لبسا و لباسا و ألبسه إيّاه، و ألبس عليك ثوبك، و ثوب لبيس، قد لبس فأخلق، و الثوب اللباس، و الجمع أثوب و أثواب و ثياب.
و الكسوة بكسر الكاف و ضمها، من اللباس، و قد كسوته الثوب كسوا إذا اكتسى لبس الكسوة [1].
و كان لرسول الله صلّى الله عليه و سلم عدة ثياب، فلبس العمامة، و الرداء، و القميص، و الجبة، و الحلة، و غير ذلك.(1/452)
أما العمامة، فخرج مسلم رحمه الله من حديث وكيع عن مساور الوراق، عن جعفر بن عمرو بن حريث، عن أبيه [قال: كأنى انظر إلى رسول الله صلّى الله عليه و سلم على المنبر] [2] و عليه عمامة سوداء، قد أرخى طرفيها بين كتفيه، و لم يقل [أبو بكر] [3] على المنبر [4].
و خرجه أبو داود [5] من طريق مساور، عن جعفر بن عمرو بن حريث عن
__________________________________________________
[1] (لسان العرب): 1/ 246، 6/ 302.
[2] تصويب للسياق من (صحيح مسلم).
[3] زيادة للسياق من (صحيح مسلم).
[4] (مسلم بشرح النووي): 9/ 142، كتاب الحج، باب (84) جواز دخول مكة بغير إحرام، حديث رقم (452)، (453) من أحاديث الباب.
[5] (عون المعبود): 6/ 87، كتاب اللباس، باب (23) في العمائم، حديث رقم (4071).
إمتاع الأسماع،ج 6،ص:367
أبيه قال: رأيت النبي صلّى الله عليه و سلم و عليه عمامة سوداء قد أرخى طرفيها بين كتفيه.
و خرجه ابن حبان أيضا [1]، و رواه قاسم بن أصبغ من حديث مساور قال: أخبرنى جعفر بن عمرو بن حريث المخزومي عن أبيه قال: رأيت على رسول الله صلّى الله عليه و سلم عمامة سوداء يوم فتح مكة.
و خرجه الترمذي [2] من طريق حماد بن سلمة عن أبى الزبير، عن جابر قال: دخل رسول الله صلّى الله عليه و سلم مكة يوم الفتح، و عليه عمامة سوداء.
و خرج محمد بن عبد الملك بن أيمن من حديث حماد بن سلمة، عن أبى الزبير، عن جابر بن عبد الله رضى الله عنه، أن النبي صلّى الله عليه و سلم دخل يوم الفتح مكة، و عليه عمامة سوداء.
و يروى عن أنس بن مالك رضى الله عنه، أنه رأى النبي صلّى الله عليه و سلم يعتم بعمامة سوداء.
و قال هيثم عن حجاج بن أرطاة، عن أبى جعفر محمد بن على، أن النبي صلّى الله عليه و سلم كان يلبس يوم الجمعة برده الأحمر، و يعتم و يوم العيدين [3].
__________________________________________________
[(1/453)
1] (الإحسان): 9/ 37- 40 كتاب الحج، باب (3) فضل مكة، حديث رقم (3722)، 12/ 243، كتاب اللباس و آدابه، ذكر إباحة لبس المرء العمائم السود ضدّ قول من كرهه من المتصوفة، حديث رقم (5425).
[2] (تحفة الأحوذي): 5/ 266- 267، أبواب الجهاد، باب (9) ما جاء في الألوية، حديث رقم (1730).
[3] قال ابن القيم في (الزاد)، في فصل هدية صلّى الله عليه و سلم في العيدين: و كان يلبس للخروج إليهما أجمل ثيابه، فكان له حلة يلبسها للعيدين و الجمعة، و مرة كان يلبس بردين أخضرين، و مرة بردا أحمر،
إمتاع الأسماع،ج 6،ص:368
و خرّج قاسم بن أصبغ من حديث مسدد، أخبرنا حفص بن غياث، عن الحجاج، عن محمد بن عليّ، عن جابر، أن رسول الله صلّى الله عليه و سلم كان يعتم، و يلبس برده الأحمر في العيدين و الجمعة [1].
و قال يعقوب بن حميد: حدثنا حاتم بن إسماعيل عن محمد بن عبيد الله الفرزى، عن أبى الزبير عن جابر قال: كان النبي صلّى الله عليه و سلم و على رأسه عمامة سوداء يلبسها في الليل، و يرخيها خلف [ظهره ] [2] تفرد به حاتم.
و للترمذي [3] من حديث عبيد الله بن عمر، عن نافع، عن ابن عمر رضى الله عنه قال: كان النبي صلّى الله عليه و سلم إذا اعتم سدل عمامته بين كتفيه. قال نافع: و كان ابن عمر يسدل عمامته بين كتفيه، قال عبيد الله: و رأيت القاسم و سالما يفعلان ذلك. قال أبو عيسى: هذا حديث حسن غريب.
و خرّج من حديث وكيع عن عبد الرحمن بن الغسيل عن عكرمة، عن ابن عباس رضى الله عنه، أن النبي صلّى الله عليه و سلم خطب الناس و عليه عصابة دسماء [4].
__________________________________________________
[ ()] و ليس هو أحمر مصمتا كما يظنه بعض الناس، فإنه لو كان كذلك، لم يكن بردا، و إنما فيه خطوط حمر كالبرود اليمنية، فسمى أحمر باعتبار ما فيه من ذلك، و قد صح عنه صلّى الله عليه و سلم من غير معارض، النهى عن لبس المعصفر و الأحمر. (زاد المعاد): 1/ 141.
[(1/454)
1] راجع التعليق السابق.
[2] زيادة للسياق.
[3] (الشمائل المحمدية): 106- 107، باب ما جاء في عمامة النبي صلّى الله عليه و سلم، و فيه خمسة أحاديث، حديث رقم (118).
[4] (المرجع السابق): 107، حديث رقم (119)، و أخرجه البخاري في (الصحيح): كتاب الجمعة، باب من قال في الخطبة بعد الثناء: أما بعد (927)، و كتاب المناقب، باب علامات النبوة في الإسلام
إمتاع الأسماع،ج 6،ص:369
و من حديث عطاء بن أبى رباح، عن الفضل بن عباس قال: دخلت على رسول الله صلّى الله عليه و سلم في مرضه الّذي توفّى فيه و على رأسه عصابة صفراء، فسلمت، فقال: يا فضل، قلت: لبيك يا رسول الله، قال: اشدد بهذه العصابة رأسي، قال: ففعلت، ثم قعد فوضع كفّه على كتفي، ثم قام فدخل المسجد [1]. و في الحديث قصة.
و يروى عن موسى بن مطير [2]- و هو ضعيف- عن أبيه عن أبى هريرة، و عبد الله بن عمرو رضى الله عنهما قالا: ما خرج رسول الله صلّى الله عليه و سلم يوم جمعة قط، إلا و هو معتمّ [و إن كان في إزار و رداء] [3] و إن لم يكن عنده عمامة وصل الخرق بعضها [إلى بعض ] [3] و اعتم بها [4].
و قال محمد بن سمينة: أخبرنا عثمان بن عفان الغطفانيّ، أخبرنا الزبير بن خربوذ عن رجل، عن عبد الرحمن بن عوف رضى الله عنه قال:
عمّمني رسول الله صلّى الله عليه و سلم و أرسلها من بين يدىّ و من خلفي.
__________________________________________________
[ ()] (3628) و كتاب مناقب الأنصار، باب قول النبي صلّى الله عليه و سلم: أقبلوا من محسنهم و تجاوزوا عن مسيئهم، (3800)، و الحديث من طرق عن ابن الغسيل به، و أخرجه الإمام أحمد في (المسند): 1/ 233، حديث رقم (2075)، و في الباب شواهد في بعضها ضعف شديد، و يكفى ما سبق لصحة الحديث.(1/455)
و الله تعالى أعلم، و قوله: «عصابة دسماء» أي سوداء، و الدسمة الغبرة المائلة إلى السواد، أو هي السوداء، أو هي المتلطخة بدسومة شعره صلّى الله عليه و سلم من الطيب، و العصابة و العمامة بمعنى واحد. (الشمائل المحمدية): 107.
[1] (المطالب العالية): 4/ 256- 257، حديث رقم (4384).
[2] كذبه يحيى بن معين، و ضعفه الدار قطنى، و قال أبو حاتم و النسائي: متروك، و ذكره العقيلي في (الضعفاء)، (لسان الميزان) 6/ 130.
[3] زيادة للسياق من (الكامل).
[4] (الكامل في ضعفاء الرجال): 6/ 338- 339، ترجمة موسى بن مطير رقم (196/ 1817).
إمتاع الأسماع،ج 6،ص:370
و قال الواقدي: حدثني سعيد بن هشام بن قباذين عن عطاء بن أبى رباح، عن ابن عمر قال: دعا رسول الله صلّى الله عليه و سلم عبد الرحمن بن عوف فقال:
تجهّز فإنّي باعثك في سرية من يومك هذا أم من غد إن شاء الله. قال ابن عمر: فسمعت ذلك فقلت: لأدخلن فلأصلّين مع النبي صلّى الله عليه و سلم الغداة، فلأسمعنّ وصيته لعبد الرحمن بن عوف، قال: فغدوت، فصليت فإذا أبو بكر و عمر رضى الله عنهما، و ناس من المهاجرين فيهم عبد الرحمن، و إذا رسول الله صلّى الله عليه و سلم قد كان أمره أن يسير من الليل إلى دومة الجندل، فيدعوهم إلى الإسلام.
فقال رسول الله صلّى الله عليه و سلم لعبد الرحمن بن عوف: ما خلفك عن أصحابك؟(1/456)
قال ابن عمرو قد مضى أصحابه في السّحر، فهم معسكرون بالجرف، و كانوا سبعمائة رجل، فقال: أحببت يا رسول الله أن يكون آخر عهدي بك، و عليّ ثياب سفري، و على عبد الرحمن بن عوف عمامة قد لفّها على رأسه. قال ابن عمر: فدعاه النبي صلّى الله عليه و سلم فأقعده بين يديه فنقض عمامته بيده، ثم عمّمه بعمامة سوداء، فأرخى بين كتفيه منها، ثم قال: هكذا فاعتمّ يا ابن عوف، قال: و على ابن عوف و السيف متوشحة، ثم قال رسول الله صلّى الله عليه و سلم: أغد على اسم الله، و في سبيل الله، فقاتل من كفر باللَّه، لا تغلّ، و لا تغدر، و لا تقتل وليدا.
قال ابن عمر: ثم بسط يده فقال: يا أيها الناس! اتقوا خمسا قبل أن يحل بكم:
إمتاع الأسماع،ج 6،ص:371
ما نقص مكيال قوم إلا أخذهم الله بالسنين و نقص من الثمرات لعلهم يرجعون.
و ما نكث قوم عهدهم إلا سلّط الله عليهم عدوّهم.
و ما منع قوم الزكاة إلا أمسك الله عليهم قطر السماء، و لو لا البهائم لم يسقوا.
و ما ظهرت الفاحشة في قوم إلا سلّط الله عليهم الطاعون.
و ما حكم قوم بغير آي القرآن إلا ألبسهم الله شيعا و أذاق بعضهم بأس بعض. قال: فخرج عبد الرحمن حتى لحق أصحابه. و ذكر الحديث [1].
و لابن حبان من طريق أبى معشر البراء، أخبرنا خالد الحذاء، حدثني عبد السلام قال: قلت لابن عمر: كيف كان النبي صلّى الله عليه و سلم يعتم؟ قال: يدير كور العمامة على رأسه، و يفردها من ورائه، و يرسل لها ذؤابة بين كتفيه [2].
__________________________________________________
[1] (مختصر تاريخ ابن عساكر): 1/ 91.
[2] ذكره ابن القيسراني في (تذكرة الموضوعات)، (المواهب اللدنية): 2/ 434، باب لباس الرأس.
إمتاع الأسماع،ج 6،ص:372
[و أما الكمة و القلنسوة و القناع ]
فقال خالد بن يزيد الكزبري، حدثنا عاصم بن سليمان عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة رضى الله عنها: أن رسول الله صلّى الله عليه و سلم كانت له كمّة بيضاء.(1/457)
و عن عبد الله بن أبى بكر عن أنس، أن رسول الله صلّى الله عليه و سلم كان يلبس كمة بيضاء. و الكمّة، بضم الكاف و تشديد الميم و فتحها: القلنسوة، يقال: إنه حسن الكمّة بكسر الكاف، أي التكمم، كما تقول: إنه لحسن الجلسة [1].
و لأبى داود [2] و الترمذي [3]، من حديث أبى الحسن العسقلاني، عن أبى جعفر بن محمد بن ركانة عن أبيه، أن ركانة صارع النبي صلّى الله عليه و سلم فصرعه النبي صلّى الله عليه و سلم، قال ركانة: سمعت النبي صلّى الله عليه و سلم يقول: إن فرق ما بيننا و بين المشركين: العمائم على القلانس [4].
__________________________________________________
[1] (لسان العرب): 12/ 527.
[2] (سنن أبى داود): 4/ 340- 341، كتاب اللباس، باب (24) في العمائم، حديث رقم (4078).
[3] (سنن الترمذي): 4/ 217، كتاب اللباس، باب (42) العمائم على القلانس، حديث رقم (1784).
[4] أي الفارق بيننا معشر المسلمين و بين المشركين لبس العمائم فوق القلانس، فنحن نعتمّ على القلانس و هم يكتفون بالعمائم، ذكره الطيبي و غيره من الشراح، و تبعهما ابن الملك، كذا في (المرقاة). و قال العزيزي: فالمسلمون يلبسون القلنسوة و فوقها العمامة، و لبس القلنسوة و حدها زي المشركين. و كذا نقل الجزري عن بعض العلماء، و به صرح القاضي أبو بكر في شرح الترمذي. و قال
إمتاع الأسماع،ج 6،ص:373
قال الترمذي: هذا حديث غريب، و إسناده ليس بالقائم، و لا نعرف أبا الحسن العسقلاني، و لا ابن ركانة.
و القلنسوة، و القلساة و القلنسوة و القلنسية و القلنساة و القلنسية من ملابس الرأس. و جمع القلنسوة و القلنسية قلاس، و جمع القلنساة قلاس لا غير، لم يسمع فيها قلسا [1].
__________________________________________________
[ ((1/458)
)] ابن القيم في (زاد المعاد): و كان يلبسها- يعنى العمامة و يلبس تحتها القلنسوة، و كان يلبس القلنسوة بغير عمامة، و يلبس العمامة بغير قلنسوة. و في (الجامع الصغير)، برواية الطبراني عن ابن عمر قال: كان يلبس قلنسوة بيضاء، قال العزيزي: إسناده حسن، و فيه برواية الروياني، و ابن عساكر عن ابن عباس: كان يلبس القلانس تحت العمائم و بغير العمائم، و يلبس العمائم بغير قلانس، و كان يلبس القلانس تحت اليمانية، و هن البيض المضربة، و يلبس القلانس ذوات الآذان في الحرب، و كان ربما نزع قلنسوته فجعلها سترة بين يديه ... قال المباركفوري: لم أقف على إسناد رواية ابن عباس هذه، فلا أدرى هل هي صالحة للاحتجاج أم لا؟ (تحفة الأحوذي): 5/ 393، أبواب اللباس، باب (41)، حديث رقم (1844).
و قال الحفاظ العراقي في تخريج أحاديث الإحياء: حديث: كان يلبس القلانس تحت العمائم و بغير عمامة و ربما نزع قلنسوته من رأسه فجعلها سترة بين يديه ثم يصلّى إليها. أخرجه الطبراني و أبو الشيخ و البيهقي في (شعب الإيمان) من حديث ابن عمر: كان رسول الله صلّى الله عليه و سلم يلبس قلنسوة بيضاء.
و لأبى الشيخ من حديث ابن عباس: كان لرسول الله صلّى الله عليه و سلم ثلاث قلانس: قلنسوة بيضاء مضربة، و قلنسوة برد حبرة، و قلنسوة ذات آذان يلبسها في السفر، فربما وضعها بين يديه إذا صلّى، و إسنادهما ضعيف، و لأبى داود و الترمذي من حديث ركانة: فرق ما بيننا و بين المشركين العمائم على القلانس.
قال الترمذي: غريب و ليس إسناده بالقائم. (المغنى عن الأسفار في تخريج ما في الإحياء من الأخبار): 2/ 584.
قال السخاوي- و قد ذكر أحاديث العمائم و منها: «فرق ما بيننا و بين المشركين العمائم على القلانس- قال: و بعضه أو هي من بعض. (المقاصد الحسنة): 465- 466، حديث رقم (717)، (كشف الخفاء و مزيل الالتباس): 2/ 72- 73، حديث رقم (1783)، (شعب الإيمان):(1/459)
5/ 172- 177، باب في الملابس و الأواني، فصل العمائم.
[1] (لسان العرب): 6/ 181.
إمتاع الأسماع،ج 6،ص:374
و روى البلاذري عن عباس بن هشام عن أبيه عن جده، عن أبى صالح عن ابن عباس رضى الله عنه أنه قال: كانت لرسول الله صلّى الله عليه و سلم قلنسوة أسماط، يعنى جلودا، و كانت فيها نقبة.
و قال هشام بن عمار: حدثنا الوليد بن مسلم عن عبد الرحمن بن يزيد ابن جابر، أن رسول الله صلّى الله عليه و سلم قالت يوم خيبر على بغلته الشهباء، و عليه ممطر سيجان، و عليه عمامة، و على العمامة قلنسوة من الممطر السيجان.
قال هشام: و الساج: الطيلسان الأسود [1]. و روى أنه عليه السّلام ترك
__________________________________________________
[1] الطيلسان: شبه الأردية، يوضع على الرأس و الكتفين و الظهر، و هو بفتح اللام، واحد الطيالسة، و الهاء في الجمع للعجمة، لأنه فارسي معرب، و هو الساج أيضا، و قال ابن خالويه في (شرح الفصيح): يقال للطيلسان الأخضر: الساج، و في (المجمل) لابن فارس: الطاق الطيلسان. فقال ابن القيم: لم ينقل عنه صلّى الله عليه و سلم أنه لبسه، و لا أحد من أصحابه، بل ثبت في (صحيح مسلم)، من حديث النواس بن سمعان، عن النبي صلّى الله عليه و سلم أنه ذكر الدجال فقال: يخرج معه سبعون ألفا من يهود أصبهان عليهم الطيالسة. و رأى أنس جماعة عليهم الطيالسة فقال: ما أشبههم بيهود خيبر.
قال: و من هاهنا كره جماعة من السلف و الخلف، لما روى أبو داود، و الحاكم في (المستدرك)، أنه قال: «من تشبه بقوم فهو منهم»، و في الترمذي: «ليس منا من تشبه بغيرنا». و أما ما جاء في حديث الهجرة أنه صلّى الله عليه و سلم جاء إلى أبى بكر رضى الله عنه متقنّعا بالهاجرة، فإنما فعله صلّى الله عليه و سلم تلك السّاعة ليختفى بذلك للحاجة، و لم يكن عادته صلّى الله عليه و سلم التقنع.(1/460)
و قد ذكر أنس عنه صلّى الله عليه و سلم أنه كان يكثر القناع. و هذا إنما كان يفعله للحاجة من الحرّ و نحوه. و قال شيخ الإسلام الولي ابن العراقي في (شرح تقريب الأسانيد): التقنّع معروف، و هو تغطية الرأس بطرف العمامة أو بردائه أو نحو ذلك. و قال ابن الحاج في (المدخل): و أما قناع الرجل فهو أن يغطى رأسه بردائه، و يرد طرفه على أحد كتفيه.
و أما قول ابن القيم: إنه صلّى الله عليه و سلم إنما فعل ذلك للحاجة، فيرد عليه حديث سهل بن سعد، أنه صلّى الله عليه و سلم كان يكثر القناع، رواه البيهقي في (الشّعب)، و الترمذي. و للبيهقي في (الشعب) أيضا، و ابن سعد في (الطبقات)، من حديث أنس بلفظ: يكثر التقنع، فهذا و ما أشبهه يرد قول ابن القيم: أنه لم ينقل عنه أنه صلّى الله عليه و سلم لبسه.
إمتاع الأسماع،ج 6،ص:375
قلانس صفار الأطبية ثلاثا.
و خرج أبو محمد بن حبان من حديث العوام بن حوشب، عن إبراهيم التيمي، عن ابن عمر رضى الله عنه قال: كان رسول الله صلّى الله عليه و سلم يلبس قلنسوة بيضاء [1] و من حديث أبى حذيفة، عن عطاء بن أبى رباح، عن أبى هريرة رضى الله عنه قال: رأيت على رسول الله صلّى الله عليه و سلم قلنسوة بيضاء شامية.
و من حديث مفضل بن فضالة، عن هشام بن عروة، عن أبيه عن عائشة رضى الله عنها، أن النبي صلّى الله عليه و سلم كان يلبس من القلانس في السفر ذوات الآذان، و في الحضر المضمّرة، يعنى الشامية [2].
__________________________________________________
[ ()] و أما قوله: و لا أحد من أصحابه، فيرده ما أخرجه الحاكم في (المستدرك)، بسند على شرط الشيخين، عن مرة بن كعب قال: سمعت رسول الله صلّى الله عليه و سلم يذكر فتنة فقربها، فمر رجل مقنع في ثوب، فقال: هذا يومئذ على الهدى، فقمت، فإذا هو عثمان بن عفان رضى الله عنه.(1/461)
و أخرج سعيد بن منصور في سننه عن أبى العلاء قال: رأيت الحسن بن على يصلّى و هو مقنع رأسه. و أخرج ابن سعد عن سليمان بن المغيرة قال: رأيت الحسن يلبس الطيالسة، و أخرج عن عمارة ابن زاذان قال: رأيت على الحسن طيلسانا أندقيا [نسبة إلى أندق قرية في سمرقند].
و أما ما ذكره ابن القيم من قصة اليهود، فقال الحافظ ابن حجر: إنما يصلح الاستدلال به في الوقت الّذي تكون الطيالسة من شعارهم، و قد ارتفع ذلك في هذه الأزمنة، فصار ذلك داخلا في عموم المباح، و قد ذكره ابن عبد السلام في (أمثلة البدعة المباحة)، و قد يصير، من شعار قوم فيكون تركه من الإخلال بالمروءة، و قيل: إنما أنكر أنس ألوان الطيالسة لأنها كانت صفراء، و الله تعالى أعلم.
(المواهب اللدنية): 2/ 449- 450، (طبقات ابن سعد): 1/ 460، (شعب الإيمان):
5/ 172- 177، (المستدرك): 4/ 211- 212، حديث رقم (: 7401/ 48) من كتاب اللباس.
[1] (شعب الإيمان): 5/ 175، باب في الملابس و الأواني، فصل في العمائم، حديث رقم (6259)، و قال في آخره: تفرد به ابن خراش هذا و هو ضعيف.
[2] (إتحاف السادة المتقين): 8/ 254- 255، كتاب آداب المعيشة و أخلاق النبوة، و أشار إلى ضعفهم،
إمتاع الأسماع،ج 6،ص:376
و من حديث أبى عبد الرحمن محمد بن عبيد الله []، عن عطاء عن ابن عباس رضى الله عنه قال: كان لرسول الله صلّى الله عليه و سلم ثلاث قلانس:
قلنسوة بيضاء مضرّبة، و قلنسوة لاطية، و قلنسوة ذات آذان يلبسها في السفر.
و من حديث عتبة بن الوليد، عن الأوزاعي، عن خويلد بن عثمان قال:
لقيت عبد الله بن يسر فقال: رأيت رسول الله صلّى الله عليه و سلم و له قلنسوة مضربة، و قلنسوة لها آذان، و قلنسوة لاطية.
و للترمذي من حديث وكيع، حدثنا الربيع بن صبيح، عن سويد بن أبان عن أنس: كان رسول الله صلّى الله عليه و سلم يكثر دهن رأسه، و تسريح لحيته، و يكثر القناع، كأن ثوبه ثوب زيّات [1].(1/462)
__________________________________________________
[ ()] ثم قال: أجود إسناد في القلانس، ما رواه أبو الشيخ عن عائشة: «كان صلّى الله عليه و سلم يلبس القلانس في السفر ذوات الآذان، و في الحضر المضمرة» يعنى الشامية.
[1] (الشمائل المحمدية): 51 باب ما جاء في ترجل رسول الله صلّى الله عليه و سلم، حديث رقم (33)، 114، باب ما جاء في تقنع رسول الله صلّى الله عليه و سلم، حديث رقم (127)، قوله: «كثر دهن رأسه»: الدّهن هو استعمال الدّهن من زيت و غيره في تجميل الشعر و تحسينه، قوله: «حتى كأن ثوبه ثوب زيات»: يحتمل أن يراد بالثوب هنا القناع الّذي يوضع على الرأس بعد دهنها، و الزيات: بائع الزيت. و هذا الحديث تفرد به الترمذي، و في إسناده الربيع بن صبيح و فيه ضعف، فهو و إن كان صدوقا عابدا مجاهدا إلا أنه سيئ الحفظ، و كذلك يزيد بن أبان الرقاشيّ القاصّ الزاهد: ضعيف.
و قد أخرجه ابن سعد في (الطبقات): و أبو الشيخ في (أخلاق النبي) صلّى الله عليه و سلم، و البغوي في (شرح السنة) كلهم من طريق الربيع بن صبيح به، و زاد السيوطي نسبته في (الجامع الصغير) للبيهقي، و ضعفه الحافظ العراقي في (المغنى عن الأسفار)، و قال ابن كثير: فيه غرابة و نكارة.
و قد أخرج الذهبي في (ميزان الاعتدال) نحوه في ترجمة الحسن بن دينار من طريقه عن قتادة عن أنس، و قال الحافظ الذهبي: هذا خبر منكر جدا، و الحسن بن دينار، قال ابن حبان: تركه وكيع و ابن المبارك، فأما أحمد و يحيى فكانا يكذبانه، و في إسناده أيضا بكر بن السميدع، و لا يعرف، كما قال الذهبي.
إمتاع الأسماع،ج 6،ص:377(1/463)
و قال البلاذري: حدثني أحمد بن هشام بن بهرام، حدثنا أبو صالح شعيب بن حرب، عن الربيع، عن يزيد عن أنس، كان رسول الله صلّى الله عليه و سلم يقنع رأسه، حتى ننظر إلى حاشية ثوبه كأنها ثوب زيّات. القنعة: غطاء الرأس، و القناع: أوسع منها. و قال بعضهم: كان النبي صلّى الله عليه و سلم أكثر الناس قناعا، لأن القنع أهيب من الحاسر [1].
__________________________________________________
[1] راجع التعليق السابق.
إمتاع الأسماع،ج 6،ص:378
و أمّا القميص
فخرج أبو داود و الترمذي من حديث أبى نميلة يحيى بن رافع، عن عبد المؤمن بن خالد الحنفي المروزي، عن عبد الله بن بريدة عن أمه عن أم سلمة رضى الله عنها قالت: كان أحب الثياب إلى رسول الله صلّى الله عليه و سلم القميص [1].
و في رواية: لم يكن ثوب أحب إلى رسول الله صلّى الله عليه و سلم من القميص. قال الترمذي: هذا حديث حسن غريب. إنما نعرفه من حديث عبد المؤمن بن خالد تفرد به، و هو مروزى [2].
و خرّج الحاكم أبو عبد الله في (المستدرك)، من حديث الحسن بن صالح بن حيي، عن مسلم الملائى عن مجاهد، عن ابن عباس رضى الله عنه، أن النبي صلّى الله عليه و سلم لبس قميصا، و كان فوق الكعبين، و كان كمه إلى الأصابع. قال:
هذا حديث صحيح حسن الإسناد و لم يخرجاه [3]. و خرجه ابن حبان
__________________________________________________
[(1/464)
1] (الشمائل المحمدية): 67، باب ما جاء في لباس رسول الله صلّى الله عليه و سلم، حديث رقم (55)، (56)، (57)، ثلاثتهم عن أم سلمة رضى الله تعالى عنها، و هو حديث حسن، أخرجه أبو داود في (السنن)، و كتاب اللباس، باب ما جاء في القميص، حديث رقم (4025)، (4026)، و الترمذي في (الجامع الصحيح)، كتاب اللباس، باب القميص، حديث رقم (1762)، (1763)، (1764)، و قال: حديث حسن غريب، و ابن ماجة في (السنن)، كتاب اللباس، باب لبس القميص، حديث رقم (3575)، كلهم من طريق عبد المؤمن بن خالد، عن ابن بريدة، به، و أخرجه الحاكم في (المستدرك): 4/ 213، كتاب اللباس، حديث رقم (7406)، و قال الحافظ الذهبي في (التلخيص): صحيح، و الإمام أحمد في (المسند): 6/ 317، حديث رقم (26155)، و البيهقي في (السنن الكبرى): 2/ 239، كتاب الصلاة باب الصلاة في القميص، كلهم من طريق عبد المؤمن ابن خالد الحنفي به.
[2] انظر التعليق السابق.
[3] (المستدرك): 4/ 195، كتاب اللباس، حديث رقم (7420)، و ما بين الحاصرتين زيادة للسياق
إمتاع الأسماع،ج 6،ص:379
و لفظه: كان النبي صلّى الله عليه و سلم يلبس قميصا فوق الكعبين، مستوى الكمين بأطراف أصابعه [1].
و من حديث أبى سلمة عبيد الله بن عبد الله بن عمر عن أبيه عن جده عبد الله بن عمر قال: لبس عمر رضى الله عنه قميصا جديدا ثم قال: مدّ كمي يا بنى، و الزق يدك بأطراف أصابعى و اقطع ما فضل عنهما، قال:
فقطعت من الكمين، فصار فم الكمين بعضه فوق بعض، فقلت: لو سوّيته بالمقص، قال: دعه يا بنى، هكذا رأيت رسول الله صلّى الله عليه و سلم يفعل. قال ابن عمر: فما زال القميص على أبى حتى تقطّع، [و ما كنا نصلّى ] [2] رأيت الخيوط تتساقط على قدميه. قال: هذا حديث صحيح الإسناد [و لم يخرجاه ] [3].(1/465)
و خرّج ابن حبّان من طريق بقية، حدثنا خالد عن مسلم الأعور، عن أنس بن مالك رضى الله عنه قال: كان لرسول الله صلّى الله عليه و سلم قميص قطنى، قصير الطول، قصير الكمين [4].
و من طريق إبراهيم بن أبى يحيى، عن عبد الملك قال: سمعت ابن عمر رضى الله عنه يقول: ما اتخذ لرسول الله صلّى الله عليه و سلم قميص له زر [5].
__________________________________________________
[ ()] منه، و قال عنه الحافظ الذهبي في (التلخيص): مسلم الملائى تالف.
[1] راجع التعليق السابق.
[2] في (خ): «و ما نزعة»، و ما أثبتناه من (المستدرك).
[3] (المستدرك): 4/ 195- 196، كتاب اللباس، حديث رقم (7421)، و ما بين الحاصرتين زيادة للسياق منه، و قال الحافظ الذهبي في (التلخيص): أبو عقيل: ضعفوه.
[4] راجع التعليق السابق.
[5] راجع التعليق التالي.
إمتاع الأسماع،ج 6،ص:380
و للترمذي في الشمائل، من حديث معاوية بن قرة بن أمية قال: أتيت رسول الله صلّى الله عليه و سلم في رهط من مزينة لنبايعه، و إن قميصه لمطلق، أو قال: زرّ قميصه مطلق، قال: فأدخلت يدي في جيب قميصه فمست الخاتم [1].
و للترمذي من حديث هشام الدّستوائى، عن بديل بن ميسرة، عن شهر ابن حوشب، عن أسماء بنت يزيد قالت: كان كمّ النبي صلّى الله عليه و سلم إلى الرّسغ [2].
و روى أن رسول الله صلّى الله عليه و سلم ترك قميصا صحاريا، و قميصا سحوليا [3].
__________________________________________________
[1] (الشمائل المحمدية): 69، حديث رقم (59)، و أخرجه أبو داود في (السنن)، كتاب اللباس، باب في حل الأزرار، حديث رقم (4082)، و أخرجه ابن ماجة في (السنن)، كتاب اللباس، باب حل الأزرار، حديث رقم (3578)، من طرق عن زهير به، و ابن سعد في (الطبقات): 1/ 460، ذكر قناعته صلّى الله عليه و سلم بثوبه و لباسه القميص، و ما كان يقول إذا لبس ثوبا عليه، و الإمام أحمد في (المسند):(1/466)
4/ 19، حديث رقم (15810)، 5/ 35، حديث رقم (19855)، و أبو الشيخ في (أخلاق النبي): 103، ابن حبان في (الإحسان): 12/ 266، حديث رقم (5452)، كلهم من حديث زهير عن عروة بن عبد الله به، و يشهد له حديث ابن عمر: «رأيت رسول الله صلّى الله عليه و سلم فعله»، يعنى إطلاق الأزرار، و قد أخرجه أحمد و ابن حبان و أبو الشيخ و البيهقي و غيرهم.
[2] (الشمائل المحمدية): 68- 69، حديث رقم (58)، هذا الحديث إسناده ضعيف، فإن شهر بن حوشب سيئ الحفظ، و قال عنه الحافظ: كثير الإرسال و الأوهام، و معاذ بن هشام بن أبى عبد الله الدستوائى صدوق ربما و هم. و شيخ المصنف صدوق و قد توبع، و الباقي ثقات، و لكن الحديث حسن إن شاء الله تعالى، فإن له شاهدا من حديث أنس
[3] لم أجده إلا في الجنائز من (البخاري) و (مسلم): «كفّن النبي صلّى الله عليه و سلم في ثلاثة أثواب سحول» و «كفّن في ثلاثة أثواب يمانية بيض سحولية».
إمتاع الأسماع،ج 6،ص:381
و أما الرّداء
الرداء من الملاحف تجمع على أردية، و هو الرداء، و قد تردّيت به، و ارتديت، و إنه لحسن الرّدية، أي الارتداء [1].
خرّج أبو عيسى في (الشمائل) من حديث حماد بن سلمة، عن حبيب ابن الشهيد، عن الحسن عن أنس [بن مالك ] [2] أن النبي صلّى الله عليه و سلم خرج و هو متكئ على أسامة بن زيد، و عليه ثوب قطري قد توشح به، فصلّى بهم [3].
__________________________________________________
[1] قال ابن منظور: و الرّداء: الّذي يلبس، و تثنيته رداءان، و إن شئت رداوان، لأن كل اسم ممدود فلا تخلو همزته، إما أن تكون أصلية فتتركها في التثنية على ما هي عليه و لا تقلبها، و الرداء من الملاحف، و قد تردى به و ارتدى بمعنى، أي لبس الرداء، و إنه لحسن الرّدية أي الارتداء، و الرداء: الغطاء الكبير. (لسان العرب): 14/ 316- 317 مختصرا.
[2] زيادة للسياق من (الشمائل).
[(1/467)
3] (الشمائل المحمدية): 69- 70، حديث رقم (60) ثم قال في آخره: قال عبد بن حميد [أحد الرواة]: قال محمد بن الفضل: سألني يحيى بن معين عن هذا الحديث أول ما جلس إليّ، فقلت:
حدثنا حماد بن سلمة، فقال: لو كان من كتابك، فقمت لأخرج كتابي، فقبض على ثوبي، ثم قال:
أمله عليّ فإنّي أخاف أن لا ألقاك، قال: فأمليته عليه، ثم أخرجت كتابي فقرأت عليه.
و هو حديث صحيح و رجال إسناده ثقات، فالإسناد صحيح، لو لا عنعنة الحسن البصري، و لكنه توبع، فقد جاء في (الشمائل): 121، حديث رقم (136): حدثنا عبد الله بن عبد الرحمن، حدثنا عمرو بن عاصم، حدثنا حماد بن سلمة، عن حميد، عن أنس رضى صلّى الله عليه و سلم عنه: «أن النبي صلّى الله عليه و سلم كان شاكيا فخرج يتوكأ على أسامة بن زيد و عليه ثوب قطرىّ قد توشح به فصلّى بهم»، و حميد مدلس أيضاً و قد عنعنة، لكن عنعنة أنس مقبولة، و قد أخرجه أبو الشيخ من الوجهين في (أخلاق النبي): 15، و ابن حبان في (صحيحه): 6/ 104- 105، حديث رقم (2335) من كتاب الصلة، ذكر الإباحة للمرء أن يصلّى في الأبراد القطرية، و إسناده صحيح على شرط الصحيح، و أخرجه الإمام
إمتاع الأسماع،ج 6،ص:382
و خرّج الحاكم من حديث حفص بن غياث، حدثنا سعيد بن خالد الأنصاري، عن أبيه عن جابر بن عبد الله قال: دخل جرير بن عبد الله على رسول الله صلّى الله عليه و سلم و عنده أصحابه، فضنّ كل رجل بمجلسه، فأخذ رسول الله صلّى الله عليه و سلم رداءه فألقاه إليه، فتلقاه بنحره و وجهه، فقبّله و وضعه على عينيه و قال:
أكرمك الله كما أكرمتنى، ثم وضعه على ظهر رسول الله صلّى الله عليه و سلم، فقال رسول الله صلّى الله عليه و سلم: من كان يؤمن باللَّه و اليوم الآخر فإذا أتى كريم [قوم ] [1] فليكرمه [2]. قال هذا حديث صحيح [الإسناد و لم يخرجاه بهذه السياقة].(1/468)
و خرّج ابن حبّان من حديث عبد الله بن لهيعة، عن محمد بن عبد الله ابن نوفل، عن عروة بن الزبير قال: كان طول رداء رسول الله صلّى الله عليه و سلم أربعة أذرع، و عرضه ذراعين و نصف، و كان له ثوب أخضر يلبسه للوفود إذا قدموا عليه.
__________________________________________________
[ ()] أحمد في (المسند): 3/ 257، 281، عن عفان بن مسلم، عن حماد بن سلمة، عن حميد، عن الحسن و عن أنس، و أخرجه أيضا الإمام أحمد في (المسند): 3/ 262، من طريق عبد الله بن محمد.
و برد قطري: ضرب من البرود فيه حمرة و لها أعلام فيها بعض الخشونة، قال الأزهري: في أعراض البحرين قرية يقال لها: قطر، و أحسب الثياب القطرية نسب إليها، فخففوا و كسروا القاف للنسبة، و قالوا: قطرىّ و الأصل قطري. (المرجع السابق).
[1] زيادة للسياق من (المستدرك).
[2] (المستدرك): 4/ 324، كتاب الأدب، حديث رقم (7791)، و سكت عنه الحافظ الذهبي في (التلخيص)، و قال محققه: قال في (الفيض): قال الذهبي في (مختصر المدخل): طرقه كلها ضعيفة، و له شاهد مرسل، و حكم ابن الجوزي بوضعه، و تعقبه العراقي ثم تلميذه ابن حجر بأنه ضعيف لا موضوع.
إمتاع الأسماع،ج 6،ص:383
و في لفظ أن ثوب رسول الله صلّى الله عليه و سلم، الّذي كان يخرج فيه للوفود، رداء و ثوب أخضر، طوله أربعة أذرع، و عرضه ذراعان و شبر، و هو عند الخلفاء اليوم قد خلق، فطووه بثوب يلبسونه يوم الفطر و يوم الأضحى [1].
و يروى بإسناد ضعيف عن عائشة رضى الله عنه أنها قالت: كان رداء رسول الله صلّى الله عليه و سلم أربعة أذرع و شبرا، في ذراعين و شبر [2].
و بإسناد ضعيف عن ابن عمر رضى الله عنه أن النبي صلّى الله عليه و سلم كان يلبس رداء مربعا، و يقال: كان اسم ردائه عليه السّلام الفتح، و كان له رداء يقال له:
الحضرميّ، و به كان يشهد العيدين، طوله أربعة أذرع، و عرضه ذراعان و شبر [2].(1/469)
__________________________________________________
[1] (أخلاق النبي): 110.
[2] قال ابن حاتم: سألته عن حديث رواه أبو هارون البكاء القزويني عن ابن لهيعة عن عقيل عن مكحول، قال: كان رداء النبي صلّى الله عليه و سلم أربعة أذرع و نصف في ذراعين و نصف، فسمعت أبى يقول: كذا حدثنا أبو هارون، و حدثنا إبراهيم بن المنذر عن ابن وهب عن ابن لهيعة عن أبى الأسود عن عروة، قال: كان رداء النبي صلّى الله عليه و سلم ..، قلت لأبى فأيهما أصح؟ قال: لا يضبط عندي، جميعا ضعيفين. (علل الحديث): 1/ 482، حديث رقم (1441).
إمتاع الأسماع،ج 6،ص:384
و أما القباء و المفرّج
فخرج البخاري من حديث الليث بن سعد، عن يزيد عن أبى الخير عن عقبة بن عامر الجهنيّ رضى الله عنه قال: أهدى إلى النبي صلّى الله عليه و سلم فرّوج حرير فلبسه فصلّى فيه، ثم انصرف فنزعه نزعا شديدا كالكاره له، و قال: لا ينبغي هذا للمتقين [1]. ترجم عليه في الصلاة، باب من صلّى في فروج حرير ثم نزعه، و خرّجه مسلم [2] و النّسائى [3] بنحوه. الفرّوج بفتح الفاء و ضم الراء المشددة، و حكى ضم الفاء و تخفيف [الراء] و هو ضعيف، و هو قبالة شق من خلفه، و تسميه أهل زماننا المفرج.
و لمسلم من حديث خالد [4] بن عبد الله عن عبد الملك بن عبد العزيز بن جريج، عن عبد الله مولى أسماء بنت أبى بكر رضى الله عنها قال:
أرسلتنى أسماء إلى عبد الله بن عمر رضى الله عنه فقالت: بلغني أنك تحرم أشياء ثلاثة: العلم في الثوب، و ميثرة الأرجوان، و صوم رجب كله، فقال لي عبد الله: أما ما ذكرت من رجب، فكيف بمن يصوم الأبد، و أما ما ذكرت من العلم في الثوب، فإنّي سمعت عمر بن الخطاب رضى الله عنه
__________________________________________________
[(1/470)
1] (فتح الباري): 1/ 639، كتاب الصلاة، باب (16) من صلّى في فروج حرير ثم نزعه، حديث رقم (375)، 10/ 330، كتاب اللباس، باب (12) القباء و فروج حرير و هو القباء، و يقال: هو الّذي شق من خلفه، حديث رقم (5801).
[2] (مسلم بشرح النووي): 14/ 295- 296، كتاب اللباس و الزينة، باب (2) تحريم استعمال إناء الذهب و الفضة على الرجال و النساء، و خاتم الذهب و الحرير على الرجال و إباحته للنساء، و إباحة العلم و نحوه للرجال، ما لم يزد على أربع أصابع، حديث رقم (2075).
[3] (سنن النسائي): 2/ 406، كتاب الصلاة، باب (9) الصلاة في الحرير، حديث رقم (769).
[4] في (خ): «مخلد»، و صوبناه من (صحيح مسلم).
إمتاع الأسماع،ج 6،ص:385
يقول: سمعت رسول الله صلّى الله عليه و سلم يقول: إنما يلبس الحرير من لا خلاق له، فخفت أن يكون العلم منه. و أما ميثرة الأرجوان، فهذه ميثرة عبد الله، فإذا هي أرجوان، فرجعت إلى أسماء فخبرتها فقالت: هذه جبّة رسول الله صلّى الله عليه و سلم، فأخرجت إليّ جبة طيالسية كسروانية [1]، لها لبنة ديباج، و فرجيها مكفوفان بالديباج، فقالت: هذه كانت عند عائشة رضى الله عنها حتى قبضت، فلما قبضت قبضتها، و كان النبي صلّى الله عليه و سلم يلبسها، فنحن نغلسها للمرضى يستشفى بها [2].
و خرجه ابن أيمن من حديث وكيع عن المغيرة بن زياد عن أبى عمر مولى أسماء قال: رأيت ابن عمر اشترى عمامة لها علم، فدعا بالجلمين فقصّه، فدخلت على أسماء فذكرت ذلك لها، فقالت: بؤسا لعبد الله يا جارية، هاتي جبة رسول الله صلّى الله عليه و سلم فجاءت بجبة مكفوفة الكمين و الجيبين و الفرج بالديباج.
و في لفظ عن ابن عمر عن أسماء أنها أخرجت جبة مزرورة بالديباج فقالت: كان رسول الله صلّى الله عليه و سلم يلبس هذا.
__________________________________________________
[1] في (خ): «خرقانية»، و ما أثبتناه من (المرجع السابق).
[(1/471)
2] (مسلم بشرح النووي): 14/ 288- 289، كتاب اللباس و الزينة، باب (2)، حديث رقم (2069)، و الميثرة كما قال الطبري: هي وعاء يوضع على سرج الفرس أو رحل البعير من الأرجوان، و حكى في (المشارق) قولا أنها سروج من ديباج، و قولا أنها أغشية للسروج من حرير، و قولا أنها تشبه المخدة تحشى يقطن أو ريش يجعلها الراكب تحته، و هذا يوافق تفسير الطبري، و الأقوال الثلاثة يحتمل ألا تكون متخالفة، بل الميثرة تطلق على كل منها. (فتح الباري): 10/ 377.
إمتاع الأسماع،ج 6،ص:386
و أما البردة
فقد خرّج البخاري من حديث مالك عن إسحاق بن عبد الله بن أبى طلحة، عن أنس بن مالك رضى الله عنه قال: كنت أمشى مع رسول الله صلّى الله عليه و سلم و عليه برد نجرانيّ غليظ الحاشية، فأدركه أعرابى فجبذه بردائه جبذة شديدة، حتى نظرت إلى صفحة رسول الله صلّى الله عليه و سلم، قد أثرت بها حاشبة البرد من شدة جبذته، ثم قال: يا محمد! مر لي من مال الله الّذي عندك، فالتفت إليّ رسول الله صلّى الله عليه و سلم ثم ضحك، ثم أمر له بعطاء. ذكره في كتاب اللباس [1] في باب البرود و الحبرة و الشملة، و في كتاب الأدب [2] في باب التبسّم و الضحك، و في الخمس [3] بألفاظ متقاربة، و خرّجه مسلم [4] من عدة طرق [5].
__________________________________________________
[1] (فتح الباري): 10/ 338، كتاب اللباس باب (18) البرود و الحبر و الشملة، حديث رقم (5809).
[2] (المرجع السابق): 10/ 617، كتاب الأدب، باب (68) التبسم و الضحك، حديث رقم (6088).
[3] (المرجع السابق): 6/ 309، كتاب فرض الخمس، باب (19) ما كان النبي صلّى الله عليه و سلم يعطى المؤلفة قلوبهم و غيرهم من الخمس و نحوه، حديث رقم (3149).
[(1/472)
4] (مسلم بشرح النووي): 7/ 153، كتاب الزكاة، باب (44)، عطاء من سأل بفحش و غلظة، حديث رقم (1057)، قال الإمام النووي: و فيه احتمال الجاهلين، و الإعراض عن مقابلتهم، و دفع السيئة بالحسنة، و إعطاء من يتألف قلبه، و العفو عن مرتكب كبيرة لا حد فيها بجهله، و إباحة الضحك عند الأمور التي يتعجب منها في العادة، و فيه كما خلق الرسول صلّى الله عليه و سلم و حلمه و صفحه الجميل.
[5] منها: حدثنا زهير بن حرب، حدثنا عبد الصمد بن عبد الوارث، حدثنا همام، و حدثني زهير بن حرب، حدثنا عمر بن يونس، حدثنا عكرمة بن عمار و حدثني سلمة بن شبيب، حدثنا أبو المغيرة، حدثنا الأوزاعي، كلهم عن إسحاق بن عبد الله بن أبى طلحة، عن أنس بن مالك عن النبي صلّى الله عليه و سلم
إمتاع الأسماع،ج 6،ص:387
و للبخاريّ من حديث أبى حازم عن سهل بن سعد قال: جاءت امرأة ببردة- قال سهل: هل تدرون ما البردة؟ قالوا: نعم هي الشملة منسوج في حاشيتها- قالت: يا رسول الله! إني نسجت هذه بيدي أكسوكها، فأخذها رسول الله صلّى الله عليه و سلم محتاجا إليها، فخرج إلينا و إنها لإزاره، فحبسها رجل من القوم فقال: يا رسول الله! اكسنيها، قال: نعم، فجلس ما شاء الله في المجلس، ثم رجع فطواها، ثم أرسل بها إليه.
فقال له القوم: ما أحسنت، سألتها [إياه ]، و قد عرفت أنه لا يرد سائلا، فقال الرجل: و الله ما سألتها إلا لتكون كفني يوم أموت، قال سهل: فكانت كفنه. ذكره في كتاب الجنائز [1] في باب من استعد الكفن في زمان النبي صلّى الله عليه و سلم. و في كتاب الأدب [2] في باب حسن الخلق. و في كتاب اللباس [3] و في كتاب البيوع [4] في باب النسّاج. و خرّج أبو عبد الله الحاكم من حديث يونس بن أبى إسحاق عن العيزار ابن حريث، عن أم الحصين الأحمسية قالت: رأيت النبي صلّى الله عليه و سلم و عليه بردة قد التفع بها تحت إبطه، كأنى انظر إلى عضلة عضدة ترتجّ، فسمعته يقول:(1/473)
يا أيها الناس، اتقوا الله و إن أمرّ عليكم عبد حبشي فاسمعوا له و أطيعوا، ما
__________________________________________________
[ ()] بهذا الحديث، و في حديث عكرمة بن عمار من الزيادة قال: «جبذه إليه رجع نبي صلّى الله عليه و سلم في نحر الأعرابي، و في حديث همام: «فجاذبه حتى انشق البرد و حتى بقيت حاشيته في عنق رسول الله صلّى الله عليه و سلم». (المرجع السابق): الحديث الّذي يلي السابق من أحاديث الباب.
[1] (فتح الباري): 3/ 184، كتاب الجنائز، باب (38)، من استعد الكفن في زمن النبي صلّى الله عليه و سلم فلم ينكر عليه، حديث رقم (1277).
[2] (المرجع السابق): 10/ 559، كتاب الأدب، باب (39) حسن الخلق و السخاء و ما يكره من البخل، حديث رقم (6036).
[3] (المرجع السابق): 10/ 338، كتاب اللباس، باب (18) البرود و الحبرة و الشملة، حديث رقم (5809).
[4] (المرجع السابق): 4/ 399، كتاب البيوع، باب (31) النساج، حديث رقم (2093).
إمتاع الأسماع،ج 6،ص:388
أقام لكم كتاب الله [عز و جل ] [1] قال الحاكم: حديث صحيح الإسناد [2] [و لم يخرجاه ] [1].
و من حديث الأعمش عن جامع بن شداد، عن كلثوم الخزاعي، عن أسامة بن زيد رضى الله عنهما قال: دخلنا على رسول الله صلّى الله عليه و سلم نعوده و هو مريض، فوجدناه نائماً، قد غطى وجهه ببرد عدنىّ، فكشف عن وجهه ثم قال: لعن الله اليهود يحرمون شحوم الغنم و يأكلون أثمانها. قال: هذا حديث صحيح الإسناد [3] [و لم يخرجاه ] [1].
و للنسائى من حديث همام، أخبرنا قتادة عن مطرف عن عائشة رضى الله عنها، أنها عملت للنّبيّ صلّى الله عليه و سلم بردة سوداء من صوف، فلبسها، فلما عرق فوجد ريح الصوف طرحها، و كان يحب الريح الطيبة [4].
و خرّجه أبو داود أيضا و لفظه: صنعت للنّبيّ صلّى الله عليه و سلم بردة سوداء فلبسها، فلما عرق فيها وجد ريح الصوف فقذفها، قال: و أحسبه قال: و كان يعجبه الريح الطيبة [4].(1/474)
و خرجه قاسم بن أصبغ و ابن أيمن، و لفظهما: أن النبي صلّى الله عليه و سلم لبس بردة سوداء فقالت عائشة رضى الله عنها: ما أحسنها عليك يا رسول الله!
__________________________________________________
[1] زيادة للسياق من (المستدرك).
[2] (المستدرك): 4/ 206، كتاب اللباس، حديث رقم (7381)، و قال عنه الحافظ الذهبي في (التلخيص): صحيح.
[3] (المرجع السابق): 4/ 215، كتاب اللباس، حديث رقم (7414)، و قال عنه الحافظ الذهبي في (التلخيص): صحيح.
[4] (عون المعبود): 11/ 86، كتاب اللباس باب (21) في السواد، حديث رقم (4068)، و في بعض نسخه: «صبغت» بدلا من: «صنعت»، «الطيب» بدلا من «الطيبة»، قال المنذري: و أخرجه النسائي مسندا و مرسلا، و الحديث يدل على مشروعية لبس السواد و أنه لا كراهية فيه.
إمتاع الأسماع،ج 6،ص:389
يشرب بياضك سوادها، و يشرب سوادها بياضك، فبدا له منها ريح فألقاها [1].
و خرّج الإمام أحمد من حديث يونس بن عبيد [عن عبيدة] [2] عن عبد ربه الهجيمي، عن جابر بن سليم- أو سليم بن جابر [3]- قال: أتيت النبي صلّى الله عليه و سلم و هو جالس مع أصحابه فقلت: أيكم النبي؟ فإما أن يكون أومأ إلى نفسه، و إما أن يكون أشار إليه القوم، فإذا هو محتب [4]، ببردة قد وقع هدبها على قدميه. و ذكر الحديث [5].
و لأبى داود من حديث أبى معاوية، عن هلال بن عامر عن أبيه قال:
رأيت النبي صلّى الله عليه و سلم [بمنى ] [6] يخطب على بغلة [7]، و عليه برد أحمر، و عليّ [رضى الله عنه ] [6] أمامه يعبّر عنه [8].
__________________________________________________
[(1/475)
1] قال ابن أسعد بسنده عن عائشة رضى الله عنها قالت: جعل للنّبيّ صلّى الله عليه و سلم بردة سوداء من صوف فلبسها، فذكرت بياض النبي صلّى الله عليه و سلم و سوادها، فلما عرق فيها وجد منها ريح الصوف، تعنى قذفها، و كان تعجبه الريح الطيبة. (طبقات ابن سعد): 1/ 453، و رواه الحاكم بلفظ: «جبة» و قال:
صحيح على شرط الشيخين، (إتحاف السادة المتقين): 8/ 253، كتاب آداب المعيشة و أخلاق النبوة.
[2] ما بين الحاصرتين في (خ) فقط، و ليست في (المسند).
[3] الصحيح كما في (المسند): «جابر بن سليم الهجيمي».
[4] في (خ): «محتبى».
[5] فقال: فقلت: يا رسول الله أجفو عن أشياء فعلمني: قال: «اتّق الله عزّ و جل و لا تحقرن من المعروف شيئا و لو أن تفرغ من دلوك في إناء المستسقى، و إيّاك و المخيلة فإن الله تبارك و تعالى لا يحب المخيلة، و إن امرؤ شتمك و عيرك بأمر يعلمه فيك فلا تعيره بأمر تعلمه فيه، فيكون لك أجره و عليه إثمه، و لا تشتمن أحدا». (مسند أحمد): 6/ 55- 56، حديث رقم (2009).
[6] زيادة للسياق من (عون المعبود).
[7] في (خ): «على بغلته»: و ما أثبتناه من (المرجع السابق).
[8] (عيون المعبود): 11/ 84، كتاب اللباس، حديث رقم (4067).
إمتاع الأسماع،ج 6،ص:390
و له من حديث إياد عن أبى رمثة قال: انطلقت مع أبى نحو النبي صلّى الله عليه و سلم، فرأيت عليه بردان أخضران [1].
و خرّجه الترمذي و قال: حديث حسن غريب. و خرجه النسائي [2].
__________________________________________________
[1] (عيون المعبود): 11/ 78، كتاب اللباس، حديث رقم (4059)، و في (خ): «بردين أخضرين» و ما أثبتناه من (جامع الأصول): 10/ 675- 676، حديث رقم (8323)، و قال في رواية أبى داود و الترمذي: «و عليه ثوبان أخضران»، و في رواية النسائي: «و عليه بردان أخضران».
[(1/476)
2] قال في جامع الأصول: رواه أبو داود برقم (4065) في اللباس، باب في الخضرة، و الترمذي رقم (2813)، في الأدب، باب ما جاء في الثوب الأخضر، و النسائي 8/ 204، في الزينة، باب لبس الخضر من الثياب، و في العيدين، باب الزينة للخطبة و للعيدين، و قال الترمذي: هذا حديث حسن غريب، و هو كما قال. (جامع الأصول): 10/ 676 «هامش».
إمتاع الأسماع،ج 6،ص:391
و أما الجبّة
فخرج مسلم من حديث عامر الشعبي، عن عروة بن المغيرة عن أبيه قال: كنت مع النبي صلّى الله عليه و سلم ذات ليلة في مسير، فقال لي: أ معك ماء؟ قلت نعم، فنزل عن راحلته فمشى [1] حتى توارى في سواد الليل ثم جاء [2] فأفرغت عليه من الإداوة، فغسل وجهه، و عليه جبة من صوف فلم يستطع [3] أن يخرج ذراعيه منها، حتى أخرجهما من أسفل الجبة، فغسل ذراعيه، و مسح برأسه، ثم أهويت لأنزع خفيه فقال: دعهما، فإنّي أدخلتهما طاهرتين، و مسح عليهما [4].
و خرّجه البخاري و قال: ذات ليلة في سفر. و قال: حتى توارى عنى.
ذكره في كتاب اللباس، و ترجم عليه باب: جبة الصوف في الغزو [5]، و ذكره أيضا في كتاب الطهارة مختصرا، و ترجم عليه باب: إذا أدخل
__________________________________________________
[1] في (خ): «و مشى».
[2] في (خ): «و جاء».
[3] في (خ): «لا يستطيع».
[4] (مسلم بشرح النووي): 3/ 173، كتاب الطهارة، باب (22) المسح على الخفين، حديث رقم (79)، قوله صلّى الله عليه و سلم: (فإنّي أدخلتهما طاهرتين): فيه دليل على أن المسح على الخفين لا يجوز إلا إذا لبسهما على طهارة كاملة، بأن يفرغ من الوضوء بكماله ثم يلبسهما، لأن حقيقة إدخالهما طاهرتين أن تكون كل واحدة منهما أدخلت و هي طاهرة، و قد اختلف العلماء في هذه المسألة [و بسط القول في ذلك محله كتب الفقه ].
[5] (فتح الباري): 10/ 330، كتاب اللباس، باب (11)، لبس جبّة الصوف في الغزو، حديث رقم (5799).
إمتاع الأسماع،ج 6،ص:392(1/477)
رجليه و هما طاهرتان [1]. و ذكره في غزو تبوك [2]. و لمسلم من طريق الأعمش، عن مسلم عن مسروق، عن المغيرة بن شعبة قال: [كنت ] [3] مع النبي صلّى الله عليه و سلم في سفر فقال: يا مغيرة، خذ الإداوة فأخذتها، ثم خرجت معه، فانطلق [رسول الله صلّى الله عليه و سلم ] [3] حتى توارى عنى، فقضى حاجته، ثم جاء و عليه جبة شامية ضيقة الكمين، فذهب يخرج يده من كمها فضاقت [عليه ] [3]، فأخرج يده من أسفلها، فصببت عليه، فتوضأ وضوءه للصلاة، ثم مسح على خفيه، [ثم ] [3] صلّى [4].
و ذكره البخاري في أول كتاب الصلاة، و ترجم عليه: باب الصلاة في الجبة الشامية [5]. و ذكره في كتاب الجهاد في باب الجبة في السفر و الحرب [6].
و ذكره في كتاب اللباس، في باب من لبس جبة ضيقة الكمين [في السفر] [7]، و لفظه: انطلق النبي صلّى الله عليه و سلم لحاجته، ثم أقبل فتلقيته بماء، فتوضأ و عليه جبة شامية، فمضمض و استنشق و غسل وجهه، فذهب يخرج يديه من كميه فكانا ضسقين، فأخرج يديه من تحت يديه فغسلهما و مسح
__________________________________________________
[1] (فتح الباري): 1/ 409، كتاب الوضوء، باب (49)، حديث رقم (206).
[2] (فتح الباري): 8/ 158، كتاب المغازي، باب (83)، بدون ترجمة، حديث رقم (4421).
[3] زيادات للسياق من (صحيح مسلم).
[4] (مسلم بشرح النووي): 3/ 172، كتاب الطهارة، باب (22)، المسح على الخفين، حديث رقم (77).
[5] (فتح الباري): 14/ 624، كتاب الصلاة، باب (7) الصلاة في الجبة الشامية، حديث رقم (363).
[6] (فتح الباري): 6/ 124- 125، كتاب الجهاد، باب (90) الجبة في السفر و الحرب، حديث رقم (2918).
[7] زيادة للسياق من (صحيح البخاري).
إمتاع الأسماع،ج 6،ص:393
برأسه و على خفّيه [1]. لم يذكر في الجهاد قوله: يديه، إنما قال: من تحت.(1/478)
و لفظ مسلم: خرج رسول الله صلّى الله عليه و سلم ليقضى حاجته، فلما رجع تلقيته بالإداوة، فصببت عليه، فغسل يديه ثم غسل وجهه، ثم ذهب ليغسل ذراعيه، فضاقت الجبة، فأخرجهما من تحت الجبة، فغسلهما، و مسح رأسه و مسح على خفيه، ثم صلّى بنا [2].
و خرّجاه من طرق ليس فيها ذكر الجبة، و قد جاء في بعض طرق هذا الحديث، عن عبيد الله بن إياد بن لقيط، عن أبيه، عن قبيصة، عن المغيرة ابن شعبة قال: خرجت مع النبي صلّى الله عليه و سلم في بعض ما كان يسافر، فسرنا حتى إذا كان في وجه الصبح، انطلق حتى توارى عنا ضرب الخلاء، ثم جاء، فدعى بطهور، و عليه جبة شامية ضيقة الكمين، فأدخل يده من تحت الجبة، ثم غسل وجهه و يديه، و مسح على الخفين [3]. و لابن حبان من حديث جابر الجعفي، عن عامر عن دحية الكلبي، أنه أهدى إلى النبي صلّى الله عليه و سلم جبة من الشام و خفين، فلبسهما حتى تخرّقا.
و قال وكيع: حدثنا أبو حباب الكلبي عن جامع بن شداد الهلالي عن طارق بن عبد الله المحاربي قال: رأيت رسول الله صلّى الله عليه و سلم بسوق ذي المجاز عليه جبّة حمراء [4]. و يروى أنه عليه السّلام ترك جبة يمنية.
و خرّج الحاكم أبو عبد الله، من حديث همّام عن قتادة، عن مطرف عن
__________________________________________________
[1] (فتح الباري): 10/ 329، كتاب اللباس، باب (10)، من لبس جبة ضيقة الكمين في السفر، حديث رقم (5798).
[2] (مسلم بشرح النووي): 3/ 172- 173، كتاب الطهارة، باب (22)، المسح على الخفين، حديث رقم (78).
[3] (اللؤلؤ و المرجان): 1/ 62- 63، حديث رقم (158)، (159) لكن بلفظ آخر.
[4] (مجمع الزوائد): 6/ 21.
إمتاع الأسماع،ج 6،ص:394(1/479)
عائشة رضى الله عنها، أنها صنعت لرسول الله صلّى الله عليه و سلم جبة من صوف سوداء، فلبسها، فلما عرق وجد ريح الصوف، فخلعها، و كان يعجبه الريح الطيب [1]. قال هذا حديث صحيح [على شرط الشيخين و لم يخرجاه ] [2]، و قد تقدم لكن فيه: أنها عملت بردة.
و قال الإمام أحمد: حدثنا يزيد بن هارون، قال: أخرجت إلينا أسماء جبّة مزرّرة بالديباج فقالت: في هذه كان يلقى رسول الله العدو [3].
__________________________________________________
[1] (المستدرك): 4/ 209، كتاب اللباس، حديث رقم (7393)، و قال عنه الذهبي في (التلخيص):
على شرط البخاري و مسلم.
[2] زيادة للسياق من (المرجع السابق).
[3] (مسند أحمد): 7/ 478، حديث رقم (26404).
إمتاع الأسماع،ج 6،ص:395
و أما الحلّة
الحلة: إزار و رداء بردا أو غيره، و لا يقال لها: حلة حتى تكون من ثوبين، و الجمع حلل و حلال [1].
خرّج البخاري من حديث شعبة، عن أبى إسحاق سمع البراء بن عازب يقول: كان النبي صلّى الله عليه و سلم مربوعا، و قد رأيته في حلة حمراء، ما رأيت شيئا أحسن منه.
و في لفظ له: ما رأيت أحدا أحسن في حلة حمراء من النبي صلّى الله عليه و سلم. ذكره في كتاب اللباس [2]، و في كتاب المناقب [3].
و خرجه مسلم و لفظه: كان النبي صلّى الله عليه و سلم مربوعا بعيد ما بين المنكبين، له شعر يبلغ شحمة أذنيه، رأيته في حلة حمراء، ما رأيت شيئا قط أحسن منه صلّى الله عليه و سلم [4].
و في لفظ له: كان رسول الله صلّى الله عليه و سلم رجلا مربوعا، بعيد ما بين المنكبين، عظيم الجمة إلى شحمة أذنيه، عليه حلة حمراء، ما رأيت شيئا قط أحسن منه [4].
__________________________________________________
[1] (لسان العرب): 11/ 172- 173.
[2] (فتح الباري): 10/ 375، كتاب اللباس، باب (35)، الثوب الأحمر حديث رقم (5848).
[3] (فتح الباري): 6/ 700، كتاب المناقب، باب (23) صفة النبي، حديث رقم (3551).
[(1/480)
4] (مسلم بشرح النووي): 15/ 97، كتاب الفضائل، باب (25)، في صفة النبي صلّى الله عليه و سلم و أنه كان أحسن الناس وجها، حديث رقم (2237).
إمتاع الأسماع،ج 6،ص:396
و في لفظ لمسلم و الترمذي: عن البراء، ما رأيت [من ذي ] [1] لمة، أحسن في حلة حمراء، من رسول الله صلّى الله عليه و سلم، شعره يضرب منكبيه، بعيد ما بين المنكبين، ليس بالطويل و لا بالقصير [2]. و قال الترمذي [3]: هذا حديث حسن صحيح، و له عدة طرق، ألفاظها متقاربة.
و قال حجاج عن أبى جعفر محمد بن على عن جابر بن عبد الله رضى الله عنه: أن رسول الله صلّى الله عليه و سلم، كان يلبس برده الأحمر في الجمعة و العيدين [4].
و خرّجه ابن حبّان و لفظه: كان للنّبيّ صلّى الله عليه و سلم بردا أحمر يلبسه في العيدين [5].
و قال زمعة بن صالح، عن أبى حازم عن سهل بن سهل رضى الله عنه قال: حيك لرسول الله صلّى الله عليه و سلم حلة أنمار من صوف أسود، و جعل حاشيتها بيضاء، فخرج فيها إلى أصحابه، فضرب على فخذه فقال: ألا ترون هذه ما أحسنها، فقال أعرابى: بأبي أنت و أمى يا رسول الله، فهبها لي، و كان رسول الله صلّى الله عليه و سلم لا يسأل شيئا قط فيقول: لا، فقال [صلّى الله عليه و سلم ]: نعم، فدعا
__________________________________________________
[1] زيادة للسياق من (صحيح مسلم)، و في (خ): «ذا».
[2] (مسلم بشرح النووي): 15/ 97، كتاب الفضائل، باب (25) في صفة النبي صلّى الله عليه و سلم، و أنه كان أحسن الناس وجها، حديث رقم (92).
[(1/481)
3] (الشمائل المحمدية): 30- 31، باب (1)، جاء في خلق رسول الله صلّى الله عليه و سلم، حديث رقم (4)، و أخرجه الترمذي في (الجامع الصحيح) في كتاب اللباس، باب ما جاء في الرخصة في الثوب الأحمر، حديث رقم (1724)، و قال: حسن صحيح، و في كتاب المناقب، باب ما جاء في صفة النبي صلّى الله عليه و سلم، حديث رقم (3635)، و النسائي في (السنن)، كتاب الزينة، باب اتخاذ الجمة من طريق عن وكيع، عن سفيان بن سعيد الثوري، عن أبى إسحاق السبيعي به.
[4] (إتحاف السادة المتقين): 8/ 256، كتاب آداب المعيشة و أخلاق النبوة، (السنن الكبرى للبيهقي):
3/ 247، كتاب الجمعة، باب ما يستحب من الارتداء ببرد، (كنز العمال): 7/ 121، حديث رقم (18281)، (المطالب العالية): 1/ 171، باب الأمر بالتجمل للجمعة.
[5] (أخلاق النبي): 114.
إمتاع الأسماع،ج 6،ص:397
بمعوذين فلبسهما، و كسى الأعرابي الحلة، ثم أمر بمثلهما تحاكان له، فمات صلّى الله عليه و سلم و هما في الحياكة [1]. و خرّجه ابن حبان و لفظه: قال خيطت لرسول الله صلّى الله عليه و سلم جبة من صوف أنمار فلبسها، فما أعجب بثوب ما أعجب به، فجعل يمسه بيده و يقول:
انظروا! ما أحسنها، و في القوم أعرابى فقال: يا رسول الله، هبها لي، فخلعها [صلّى الله عليه و سلم ] فدفعها في يديه. و ذكر الزبير بن بكار، عن محمد بن سلام، عن يزيد بن عياض قال: أهدى حكيم بن حزام للنّبيّ صلّى الله عليه و سلم في الهدنة التي كانت بين النبي صلّى الله عليه و سلم و بين قريش حلة ابن ذي يزن، اشتراها بثلاثمائة دينار، فردّها عليه و قال: لا أقبل هدية مشرك، فباعها حكيم، فأمر رسول الله صلّى الله عليه و سلم من اشتراها له، فلبسها رسول الله صلّى الله عليه و سلم فلما رآه حكيم قال له:
ما ينظر الحكام بالفضل بعد ما بدا سابق، ذو غرّة و حجول(1/482)
فكساها رسول الله صلّى الله عليه و سلم أسامة بن زيد بن حارثة، فرآها عليه حكيم فقال: بخ بخ [2] يا أسامة، عليك حلة ابن ذي يزين! فقال له رسول الله صلّى الله عليه و سلم:
قل له: و ما يمنعني؟ و أنا خير منه و أبى خير من أبيه [3]. و ذكر محمد بن عمر الواقدي عن الضحاك بن عثمان، عن أهله قال:
قال حكيم بن حزام: كنت أعالج البزّ في الجاهلية، فكنت رجلا تاجرا أخرج إلى اليمن و إلى الشام في الرحلتين [4]، فكنت أربح أرباحا كثيرة، فأعود على فقراء قومي، و نحن لا نعبد شيئا، نريد ثراء الأموال و المحبة في العشيرة، و كنت أحضر الأسواق، و كانت لنا ثلاثة أسواق: سوق لعكاظ، تقوم صبح هلال ذي القعدة، فتقوم عشرين يوما و تحضرها العرب، و به ابتعت زيد بن حارثة لعمتي خديجة بنت خويلد- و هو يومئذ غلام-
__________________________________________________
[1] (مجمع الزوائد): 5/ 130.
[2] اسم فعل يفيد الاستحسان.
[3] (سير أعلام النبلاء): 3/ 46- 47.
[4] رحلة الشتاء و الصيف.
إمتاع الأسماع،ج 6،ص:398
فأخذته بستمائة درهم، فلما تزوج رسول الله صلّى الله عليه و سلم خديجة، سألها زيدا فوهبته له فأعتقه.
و به ابتعت حلة ابن ذي يزن، فكسوتها رسول الله صلّى الله عليه و سلم، فما رأيت أحدا قط أجمل و لا أحسن من رسول الله صلّى الله عليه و سلم في تلك الحلة [1].(1/483)
و خرجه الإمام أحمد من حديث عبد الله بن المبارك، أخبرنا الليث بن سعد قال: حدثني عبيد الله بن المغيرة عن عراك بن مالك، أن حكيم بن حزام قال: كان محد أحبّ رجل في الناس إليّ في الجاهلية، فلما تنبّأ و خرج إلى المدينة، شهد حكيم بن حزام الموسم و هو كافر، فوجد حلّة لذي [2] يزن تباع، فاشتراها بخمسين دينارا ليهديها لرسول الله صلّى الله عليه و سلم، فقدم بها عليه المدينة، فأراد عليّ قبضها هدية فأبى، قال عبيد الله: حسبته قال [3]: إنا لا نقبل شيئا من المشركين، و لكن إن شئت أخذناها بالثمن، فأعطيته حين أبى عليّ الهدية [4]، و قد خرّجه الحاكم [5] من حديث أبى صالح عن الليث، ثم قال: صحيح الإسناد [و لم يخرجاه ] [6].
تم بحمد الله تعالى الجزء السادس و يليه الجزء السابع و أوله: «و أما الخرقة التي كان يتنشف بها»
__________________________________________________
[1] (سير أعلام النبلاء): 3/ 47، مختصرا، (جمهرة نسب قريش): 367- 369، مطولا.
[2] في (خ): «لابن ذي يزن»، و ما أثبتناه من (المسند).
[3] في (المسند): «حسبت أنه قال».
[4] (مسند أحمد): 4/ 404- 405، حدث رقم (14899).
[5] (المستدرك): 3/ 551- 552، كتاب معرفة الصحابة، حديث رقم (6050)، و قال في آخره: قال حكيم: «فانطلقت إلى مكة أعجبهم بقول أسامة» و قال عنه الذهبي في (التلخيص): صحيح.
[6] ما بين الحاصرتين زيادة للسياق من (المستدرك).(1/484)