ووثب جند فارس في هذه السنة بعاملهم الحسين بن خالد فشغبوا عليه، ووثبوا على مال قد حمل فأخذوا أرزاقهم منه، وكان رئيسهم علي بن الحسين بن قريش البخاري وكانت فارس مضمومة إلى محمد بن عبد الله بن طاهر فلما بلغه الخبر ولى عبد الله بن إسحاق فشخص إليها في عدة وعدد فلما قدمها أعطاه الجند الطاعة وكان قصده ابن قريش فناله بالمكروه، ثم رضي عنه، وولاه محاربة قوم من الخوارج بناحية الفرش والروذان وهو الحد بين فارس وكرمان فصار ابن قريش إلى ناحية إصطخر وكاتب الجند وأعلمهم أنه على الوثوب بعبد الله بن إسحاق فأنجدوه على ذلك لسوء سيرة عبد الله فيهم، ومنعه إياهم أرزاقهم ورجع علي بن الحسين فوثب به، وأخرجه من منزله، وانتهب أمواله ومتاعه، وأمروا علي بن الحسين عليهم، وانصرف عبد الله إلى بغداد فوجه محمد بن عبد الله بن نصر بن حمزة الخزاعي فلما قدم تألف علي بن الحسين فلم يصلح، وأقام منافرا له في ناحية من كور فارس.
ووثب إسماعيل بن يوسف الطالبي بناحية المدينة لسبب كان بينه وبين الوالي بها، وتحامل عليه في وقف كان له، وجمع لفيفاً من الأعراب، ثم نفذ إلى ناحية الروحاء فأخذ مالاً للسلطان وكان حمل من بعض المواضع، ثم صار إلى مكة وجعفر بن الفضل، المعروف ببشاشات العامل بها، فواقعه، فهزم بشاشات ودخل مكة وأقام ثلاثا، ثم دفع إلى المزدلفة وصبح منى وقد تهارب الناس، ودخل من كان مع ابن يعقوب مكة فقدر أهلها انهم أصحاب إسماعيل فلقوهم بالسيوف فقتلوا منهم مقتلة عظيمة.
وأقبل إسماعيل إلى مكة فمنعه أهل مكة من الدخول، فوضع أصحابه السيوف فيهم، حتى دخل وطاف وسعى، ورجع وطاف، ثم صار إلى منى وكان بمكة رجل يقال له محمد بن حاتم على نفقات المصانع فقال ليعقوب: اقلع ما على دروندي البيت والعتبة من الذهب والفضة، وأعطه الناس. وحارب إسماعيل! فقلع ذلك الذهب، وأقام إسماعيل بمنى أيام منى، ثم انصرف.... وغلت الأسعار ببغداد وبسر من رأى حتى كان القفيز بمائة درهم، ودامت الحرب، وانقطعت الميرة، وقلت الأموال فجرت السفراء بينهم سنة 252، فدعا المستعين إلى الصلح على أن يخلع نفسه ويسلم الأمر إلى المعتز ويصير إلى بلد فيقيم فيه آمنا على نفسه وولده، على أن يدفع إليه مال معلوم وضياع تقيمه، فأجيب إلى ذلك، وخلع نفسه، وبايع محمد بن عبد الله وكتب المستعين كتاب الخلع على نفسه وأشهد بذلك، وصار إلى واسط بأمه وولده وسائر أهله ليجعلها دار مقامه.
أيام المعتز بالله
وبويع أبو عبد الله المعتز بالله بن المتوكل، وأمه أم ولد يقال لها قبيحة، بسر من رأى، يوم الخميس لسبع خلون من المحرم سنة 252 وكتب إلى جميع العمال يذكر ما تقدم من العقد لإبراهيم المؤيد ويأمرهم بالدعاء له بعده وبايع عمال البلاد للمعتز لما علموا مبايعة محمد بن عبد الله بن طاهر ومن ببغداد وتوقف ابن مجاهد صاحب شمشاط وعيسى بن شيخ في فلسطين ويزيد ابن عبد الله في مصر وعمران بن مهران بإصبهان. ووجه المعتز حاتم بن زريك إلى شمشاط فأوقع بابن مجاهد وأهلها، وأخذه وجماعة من وجوهها إلى آمد وضرب أعناقهم.
زحف نوشرى بن طاجيل التركي عامل دمشق إلى عيسى بن شيخ فزحف إليه عامل فلسطين عيسى فالتقيا بالأردن وكانت بينهما حروب صعبة قتل فيها ابن نوشرى، وانهزم الجند عن عيسى فتركوه وحده، فانهزم إلى فلسطين فحمل منها ما قدر عليه، وسار إلى مصر ودخل نوشرى الرملة.
ووجه المعتز برجل من الأتراك إلى مصر بالبيعة فاحتبسه يزيد بن عبد الله عامل مصر بالعريش أياماً، ثم أذن له في الدخول، وبايع هو ومن بحضرته وعيسى بن شيخ للمعتز.
ووجه المعتز برجل من الأتراك يقال له محمد بن المولد إلى فلسطين لما انتهى إليه خبر عيسى بن شيخ وما كان بينه وبين النوشري فلما صار محمد بن المولد بحمص وقد كان تغلب عليها غطيف الكلبي دعاه إلى الطاعة وأعطاه الأمان فأجابه، فلما صار في يده ضرب عنقه، فوثبت به كلب من كل جانب، فهزموه.
وصار محمد بن المولد إلى فلسطين فلما قدمها انصرف النوشري عنها. وصار عيسى بن شيخ من مصر مستعدا، فلما وافى فلسطين نزل قصرا كان بناه بين رملة ولد ولم يمكن ابن المولد فيه فرصة، وحذر كل واحد منهما من صاحبه، ثم انصرفا جميعاً إلى العراق.(1/315)
ووجه مزاحم بن خاقان إلى ملطية وقد ظهر فيها الروم عدة مرار، ووثب بمصر رجل من كنانة يقال له جابر ويعرف بأبي حرملة... فوجهه إلى أسفل الأرض وقام هو موضعه، فكثف جمعه وجبى الخراج.
وكان صفوان العقيلي قد وثب بديار مضر في أيام المستعين على ما ذكرنا من أمره، ودعا للمعتز وحارب محمد بن داود المعروف بابن الصغير فلما استقامت الكلمة، وبايع من كان بالرافقة من العمال كتب محمد بن الأشعث الخزاعي صاحب البريد بديار مضر إلى المعتز يذكر سوء مذهب صفوان وأنه منطو على المعصية فوجه إليه المعتز بسيما الصعلوك ليحمله إلى بابه، وكان قد تحرك بحران في ذلك الوقت رجلاًن أحدهما من ولد أبي لهب والآخر أموي، ودعا كل واحد منهما إلى نفسه، فبدأ سيما بهما حتى أخذهما، ثم صار إلى الرافقة وقد وثب صفوان العقيلي على محمد بن الأشعث الخزاعي فقتله، فلقي سيما ابن عبدوس فكانت بينهما وقعات، ثم دعا ابن عبدوس إلى الصلح على أن يولي بلده، ويدفع إليه تسعمائة ألف درهم.
وأقام موسى بن بغا بهمذان ووجه خليفة له إلى ناحية الكوكبي بن الأرقط فكانت بينهما وقعات، وزحف موسى إلى عمران بن مهران المتغلب بإصبهان فحاربه، ثم انصرف، واستخلف على البلد، ورجع إلى همذان.
وتوفي محمد بن عبد الله بن طاهر ببغداد في ذي القعدة سنة 253 وكتب المعتز إلى عبيد الله بن عبد الله بن طاهر بولايته على ما كان أخوه يتولاه من الشرطة وسائر الأعمال وكانت سن محمد يوم مات أربعا وأربعين سنة، ثم وجه طاهر بن محمد بن عبد الله بن طاهر صاحب خراسان سليمان بن عبد الله عمه، لما بلغه اضطراب الأحوال وغلبة وصيف وبغا وغيرهما من الأتراك على أمر الخلافة فيقال إن المعتز كتب إليه في ذلك فصار سليمان إلى بغداد في خلق كثير من جند خراسان ثم دخل إلى سر من رأى والناس لا يشكون في أنه سيغلب، فخلع عليه ودبر وصيف وبغا أن ينحياه، فأمر بالرجوع إلى بغداد فقدمها يوم الثلاثاء لأربع عشرة ليلة بقيت من شهر ربيع الآخر سنة 254.
وأغزى بغا عيسى بن شيخ إلى جند فلسطين ورصده الأتراك ليقتلوه بابن نوشرى الذي كان قتله بالأردن فخرج مستترا في يوم مطير في خيل جريدة حتى فاتهم وصار إلى فلسطين فوجد بها أموالا قد حملت من مصر فاحتبسها وفرض فروضا من العرب وجمع إليه خلقا من ربيعة، وصاهر إلى كلب، وابتنى خارج مدينة الرملة حصنا سماه الحسامي.
ولما كثر الاضطراب تأخرت أموال البلدان ونفد ما في بيوت الأموال فوثب الأتراك بكرخ سر من رأى فخرج إليهم وصيف ليسكنهم، فرموه فقتلوه وحزوا رأسه في سنة 253 وتفرد بغا بالتدبير، ثم تحرك صالح بن وصيف واجتمع إليه أصحاب أبيه فصار في منزلته وضعف أمر المعتز حتى لم يكن له أمر ولا نهي. وانتقضت الأطراف، وخرج بديار ربيعة رجل من الشراة يقال له مساور بن عبد الحميد، ويعرف بأبي صالح من بني شيبان، ثم صار إلى الموصل فطرد عاملها وسار حتى قرب من سر من رأى ونزل في المحمدية ثلاثة فراسخ من قصور الخليفة فدخل القصر وجلس على الفرش، ودخل الحمام وندب له المعتز قائدا وجيشا بعد قائد وجيش وهو يهزمهم، حتى كثف جمعه، واشتدت شوكته.
وتوفي مزاحم بن خاقان لخمس خلون من المحرم سنة 254 وصار مكانه ابن له يقال له أحمد فلم يقم إلا أياماً حتى اشتدت به العلة، وتوفي، وكانت ولايته ثلاثة أشهر، وتوفي في شهر ربيع الآخر وصار على البلد أرخوز ابن أولغ طرخان التركي.
وتوفي علي بن محمد بن علي بن موسى بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين ابن علي بن أبي طالب بسر من رأى يوم الأربعاء لثلاث بقين من جمادى الآخرة سنة 254 وبعث المعتز بأخيه أحمد بن المتوكل فصلى عليه في الشارع المعروف بشارع أبي أحمد فلما كثر الناس واجتمعوا كثر بكاؤهم وضجتهم، فرد النعش إلى داره فدفن فيها، وسنة أربعون سنة، وخلف من الولد الذكور اثنين: الحسن وجعفر.
وتنكر المعتز لبغا وآثر صالحا وبابكباك وصير إلى بابكباك أعمال المعاون بمصر فولاها بابكباك من قبله أحمد بن طولون فقدم أحمد بن طولون الفسطاط في شهر رمضان سنة 254.(1/316)
وبلغ المعتز أن بغا قد عزم على الوثوب به، فدبر على قتله، فلما بلغه ذلك هرب فصار إلى ناحية الموصل وهو يقدر أن أكثر الأتراك وغيرهم يستلحقونه، فلم يلحقه أحد، فانصرف راجعا في زورق، فأخذه أصحاب المسالح وكوتب المعتز بخبره فأمر بضرب عنقه، فضربت عنقه، ونهبت داره، ونفى ابنه فارس إلى المغرب في سنة 254.
ولما خاف المعتز وثوب الأتراك أشخص من كان بسر من رأى من الهاشميين من أولاد الخلافة وغيرهم إلى بغداد لئلا يخلس الأتراك أحداً منهم.
وتلاحى أحمد بن طولون وأحمد بن المدبر وهو عامل الخراج بمصر وأفسد بينهما شقير الخادم المعروف بأبي صحبة فكان شقير يتولى البريد وضياعا من ضياع الأقطار، وما يستعمل للسلطان من المتاع وإليه ينسب الدبيقي الشقيري وكتب كل واحد منهما في صاحبه فنصر بابكباك أحمد بن طولون. وكان بابكباك الغالب على أمر الخليفة وأعانه الحسن بن مخلد بن الجراح وأبو نوح عيسى بن إبراهيم بن نوح فكتب بعزل بن المدبر وتولية رجل من أهل مصر يقال له محمد بن هلال فتولى الخراج وقبض ابن طولون على ابن المدبر فقيده، وألبسه جبة صوف، ووقفه في الشمس، فأقام بهذه الحال ثلاثة أشهر.
وقوى أمر يعقوب بن الليث الصفار فسار إلى فارس وبها علي بن الحسين ابن قريش متغلب، فهزم جيشه وأسره وتغلب على فارس.
ووثب صالح بن وصيف التركي على أحمد بن إسرائيل الكاتب وزير المعتز وعلى الحسن بن مخلد صاحب ديوان الضياع وعلى عيسى بن إبراهيم بن نوح وعلي بن نوح فحبسهم وأخذ أموالهم وضياعهم وعذبهم بأنواع العذاب، وغلب على الأمر، فهم المعتز بجمع الأتراك ثم دخل إليه، فأزاله من مجلسه، وصير في بيت. وأخذ رقعته بخلع نفسه وتوفي بعد يومين، وصلى عليه المهتدي وكان ذلك في يوم الثلاثاء لثلاث بقين من رجب سنة 552 وكانت ولايته من يوم بويع إلى يوم خلع فيه نفسه أربع سنين وتسعة أشهر، ومنذ خلع المستعين وبايع له من ببغداد ثلاث سنين وسبعة أشهر، وكانت سنة اثنتين وعشرين سنة، وخلف من الولد الذكور ثلاثة: عبد الله ومحمدا والمهتدي.
أيام محمد المهتدي بن هارون الواثق بالله
واجتمع القواد على أنه ليس في أولاد الخلفاء أفضل ولا أعقل من محمد بن الواثق وأمه أم ولد يقال لها قرب وكان ممن أشخص إلى بغداد في أيام المعتز فشخص، فلما قدم بايعوه فاجتمعت كلمتهم عليه، وكانت البيعة له يوم الثلاثاء لثلاث بقين من رجب سنة 255 وجلس للناس يوم الخميس بعد أن بويع له، وذكر في الكتب خلع المعتز نفسه وسماه خالع نفسه وظهرت من المهتدي سيرة حسنة ومذاهب محمودة وجلس للمظالم بنفسه، وباشر الأمور بجسمه، ووقع في القصص بخطه وأبطل الملاهي وقدم أهل العلم وأقام يلبس اليوم الواحد لبسة، فتقيم عليه أياماً كثيرة لا يغيرها وكان صالح وبابكباك الغالبين عليه وأخرج صالح أحمد بن إسرائيل وعيسى ابن إبراهيم بن نوح من الحبس إلى باب العامة فضربا حتى ماتا، وأفلت الحسن ابن مخلد ورد أحمد بن المدبر إلى خراج مصر فأقام تسعين يوماً، ثم ورد كتاب بابكباك إلى أحمد بن طولون بإزالة ابن المدبر ورد النظر إلى محمد بن هلال ففعل ذلك.
ووثب أهل حمص بمحمد بن إسرائيل، فخرج هاربا، ولحقه ابن عكار فكانت بينهما وقعة قتل فيها ابن عكار، ورجع ابن إسرائيل على البلد، وأخرج قبيحة أم المعتز، وأبا أحمد وإسماعيل ابني المتوكل، وعبد الله بن المعتز إلى مكة، ثم ردوا إلى العراق.
وكتب إلى جميع المتحركين والمتغلبين بالأمان، وكتب إلى عيسى بن شيخ الربعي بمثل ذلك، وأمره بحمل ما قبله من أموال مصر وغيرها فامتنع فكتب إلى ابن طولون بالمسير إليه، فسار إليه، فلما صار بالعريش ورد عليه الكتاب بالانصراف، فانصرف، ولم يلق حربا، ولقي ابن شيخ أماجور التركي، عامل دمشق، فهزمه أماجور وقتل ابنه منصوراً، ورجع ابن شيخ، فحمل عياله إلى صور وتحصن بها.(1/317)
ووثب رجل من الطالبيين يقال له إبراهيم بن محمد من ولد عمر بن علي، ويعرف بالصوفي، بناحية صعيد مصر، ووثب أيضاً في تلك الناحية رجل يقول إنه عبد الله بن عبد الحميد بن عبد الله بن عبد العزيز بن عبد الله بن عمر بن الخطاب، فحارب السلطان، وقوي أمر صاحب البصرة، وصار إلى الأبلة فأخربها، ووقعت بين أهل البصرة العصبية، حتى أحرق بعضهم منازل بعض. وتنكر المهتدي للأتراك، وعزم على تقديم الأبناء فلما علموا بذلك استوحشوا منه، وأظهروا الطعن عليه، فأحضر جماعة منهم، فضرب أعناقهم، وفيهم بابكباك رئيسهم، فاجتمع الأتراك وشغبوا، فخرج إليهم المهتدي في السلاح معلقا في عنقه المصحف، واستنفر العامة، وأباحهم دماءهم وأموالهم، ونهب منازلهم، فتكاثر الأتراك عليه، وافترقت عنه العامة حتى بقي وحده وأصابته عدة جراح، ومر منصرفاً حتى دخل دار رجل من القواد يقال له أحمد بن جميل، ولحقوه، فأخذوه، فحملوه على دوابه وجراحاته تنطف دماً، فدعوه إلى أن يخلع نفسه فأبى ومات بعد يومين، وكانت وفاته يوم الثلاثاء لأربع عشرة ليلة بقيت من رجب سنة 256، وكانت خلافته سنة إلا أحد عشر يوماً.
أيام أحمد المعتمد على الله
وبويع أحمد المعتمد على الله بن جعفر بن المتوكل في اليوم الذي قتل فيه المهتدي، وهو يوم الثلاثاء لأربع عشرة ليلة بقيت من رجب سنة 256، ومن شهور العجم في حزيران وكانت الشمس يومئذ في الأسد سبعا وعشرين درجة وثمانيا وعشرين دقيقة، والقمر في الدلو ثماني درجات واثنتين وعشرين دقيقة، وزحل في القوس خمساً وعشرين درجة وثلاثين دقيقة راجعاً، والمريخ في الأسد ثلاث درجات وأربعين دقيقة والزهرة في الأسد درجة وأربعاً وأربعين دقيقة، وعطارد في الجوزاء تسع درجات وثلاثاً وثلاثين دقيقة.
وصير المعتمد عبيد الله بن يحيى بن خاقان وزيراً، وقلده أموره، وكتب بالبيعة إلى الآفاق، فبايع بخراسان محمد بن طاهر بن عبد الله بن طاهر، وبكور الفرات مالك بن طوق التغلبي، وبديار مضر وديار ربيعة وجند قنسرين أبو الساج بن ديوداد الأسروشني وبمصر أحمد بن طولون التركي، وامتنع عيسى ابن شيخ بن الشليل الربعي من البيعة بفلسطين، فوجه برجل من الأتراك في سبعمائة تركي يقال له أماجور، فقدم أماجور دمشق، وزحف عيسى بن شيخ إليه من فلسطين، حتى أناخ بباب دمشق، فحاصره، ولما اشتد الحصار بدمشق خرج أماجور وأصحابه من المدينة واتبعه ابن لعيسى بن شيخ يقال له منصور، وخليفة له يقال له ظفر بن اليمان ويعرف بأبي الصهباء، فحمل عليهما أماجور وأصحابه، فقتل منصور بن عيسى بن شيخ، وأسر المعروف بأبي الصهباء، فضرب عنقه، وصلب، وانصرف عيسى بن شيخ إلى الرملة. وزحف الخارج بالبصرة المدعي إلى آل أبي طالب، واسمه علي بن محمد، إلى الأبلة، فنهبها وأخربها وأحرقها بالنار، وتوجه إليه سعيد بن صالح، فواقعه بنهر أبي الخصيب.
ووردت كتب المعتمد إلى أحمد بن طولون عامل مصر، يأمره برد أعمال الخراج إلى أحمد بن محمد بن المدبر، وكان محبوسا في يده، ومحمد بن هلال يتولى الخراج، فاخرج يوم السبت لسبع ليال بقين من ذي القعدة سنة 256، وتولى الخراج، وكان حبسه تسعة أشهر وخمسة وعشرين يوماً.
وفي هذه السنة تنازع قوم من بني هلال وقوم من أهل مكة في الموقف بعرفات، فقتل قوم من هؤلاء وقوم من هؤلاء، وكان صاحب الموسم الحسين بن إسماعيل الطاهري، فأقام الحج للناس أحمد بن إسماعيل بن يعقوب الملقب كعب البقر.
وتوفي بابكباك التركي، فصير المعتمد ما كان إليه من أعمال مصر وغيرها إلى يارجوج التركي وكتب يارجوج التركي إلى أحمد بن طولون التركي، عامل مصر، بإقراره على ما كان يتولى. وولى المعتمد محمد بن هرثمة بن أعين برقة، فقدم الفسطاط في شهر ربيع الآخر سنة 257، ونفذ إلى برقة.
ووجه المعتمد بالحسين الخادم، المعروف بعرق الموت، إلى عيسى بن شيخ، وقد تغلب على فلسطين، بأمان على نفسه وماله وولده، والصفح عما كان منه، وتوليته أرمينية، ففعل ذلك وشخص من البلد في جمادى الآخرة سنة 257، وسلم ما كان في يده إلى أماجور التركي، ولم يرد من الأموال درهماً واحداً.
وكانت في السماء نار عظيمة أخذت من المشرق إلى المغرب ثم أجلت وتلتها هدة شديدة وزلزلة، وكان ذلك مع طلوع الفجر لثمان بقين من رجب، ومن شهور العجم في حزيران.(1/318)
وحمل أحمد بن طولون ما كان حاصلا في بيت المال بمصر إلى أمير المؤمنين المعتمد، فكان مبلغه ألفي ألف ومائة ألف درهم، وقاد الخيل، وحمل الطراز والخيش والشمع، ووازنه بنفسه حتى يسلمه إلى أماجور التركي، وأشهد به عليه، وانصرف إلى الفسطاط.
وكتب المعتمد بالله إلى أحمد بن طولون بولاية الإسكندرية مكان إسحاق ابن دينار بن عبد الله، فشخص أحمد بن طولون إلى الإسكندرية في شهر رمضان سنة 257.
وولى أحمد المعتمد بالله أحمد بن محمد بن المدبر خراج الشامات، وصرفه عن خراج مصر، وولى خراج مصر أحمد بن محمد شجاع، المعروف بابن أخت الوزير، فقدم الفسطاط في شهر رمضان من هذه السنة، وعزل شقيرا الخادم، المعروف بأبي صحبة، عن البريد بمصر، وولى مكانه أحمد بن الحسين الأهوازي، فقدم في شوال من هذه السنة.
وفي هذه السنة وجه أحمد بن طولون رجلاً من الأتراك يقال له ماطعان في ألف فارس مع حاج مصر وأمره أن يدخل المدينة ومكة في السلاح والتعبية، ويفعل مثل ذلك بعرفات، وفعل ذلك ووافى عرفات بالأعلام والطبول والسلاح. وفي هذه السنة دخل المدعي البصرة ونهب وحرق المسجد الجامع، وتوجه إليه رجل من الأتراك يقال له محمد المولد، فلما بلغه الخبر انصرف، ولم يلقه. وفي هذه السنة بدا أمر المعروف بأبي عبد الرحمن العمري، وأظهر رأسه لمحاربة أصحاب السلطان، ولقي شعبة بن حركان صاحب أحمد بن طولون، فحاربه بأسوان.
وفي هذه السنة وقعت عصبية بفلسطين بين لخم وجذام، فتحاربوا حربا أخذت من الفريقين، وفيها حج بالناس الفضل بن العباس بن الحسن بن إسماعيل ابن العباس بن محمد. وخرج أحمد بن محمد بن المدبر من الفسطاط متوجها إلى الشامات في المحرم سنة 258، فقام بالشامات، وقصد مدينة دمياط وتولى أعمال الخراج.
وفي هذه السنة دخل محمد المولد التركي البصرة، وأخرج المدعي إلى آل أبي طالب وأصحابه عنها، ورجع قوم، فلم يجدوا منزلاً يسكن.
وفي هذه السنة وثب جند برقة بحمد بن هرثمة بن أعين عامل المعونة، فأخرجوه عنها فا... رو إلى الفسطاط، وفيها أخرج أحمد بن طولون الطالبيين من مصر إلى المدينة، ووجه معهم من ينفذهم، وكان خروجهم في جمادى الآخرة، وتخلف رجل من ولد العباس بن علي وأراد أن يتوجه إلى المغرب، فأخذه أحمد بن طولون، وضربه مائة وخمسين سوطا، وأطافه بالفسطاط.
وفيها وقع الوباء بالعراق، فمات خلق من الخلق، وكان الرجل يخرج من منزله، فيموت قبل أن ينصرف، فيقال إنه مات ببغداد في يوم واحد اثنا عشر ألف إنسان، وفيها زاد أبو أيوب أحمد بن محمد بن أخت الوزير، عامل خراج مصر، في المسجد الجامع بمصر في آخر المسجد.
وفيها توجه أبو أحمد بن المتوكل على الله إلى المدعي إلى آل أبي طالب، الخارج بالبصرة، في جمع كثيف، وكان العسكر والزاد والسلاح في السفن، فوقعت النار في السفن، فاحترقت وانصرف أبو أحمد راجعاً.
وفيها أخذ أحمد بن طولون على الجند والشاكرية والموالي وسائر الناس البيعة لنفسه على أن يعادوا من عاداه، ويوالوا من والاه، ويحاربوا من حاربه من الناس جميعاً.
وفيها غزا الصائفة محمد بن علي بن يحيى الأرمني، وقدم شنيف الخادم مولى المتوكل للفداء، فاجتمعوا بنهر اللامس، ففادوا وشرطوا للروم هدنة أربعة أشهر، وكان ذلك في شهر رمضان سنة 258.
وفيها قتل يارجوج التركي بسر من رأى وبويع لأحمد بن الموفق بن المتوكل ولقب بالمعتضد، بولاية العهد، وصير إليه أعمال يارجوج، من مصر وغيرها، فدعى له على منابر مصر.
وحج بالناس الفضل بن العباس، ونال أهل البادية زلازل ورياح وظلمة... ممن كان حول المدينة من بني سليم وبني هلال وغيرهم من بطون قيس وسائر أهل البلد، فهربوا إلى المدينة وإلى مكة يستجيرون بقبر رسول الله صلى الله عليه وسلم وبالكعبة، وأحضروا متاعاً من متاع الحاج الذين قطعوا عليهم الطريق، وذكروا أنه هلك منهم خلق عظيم في البادية، وكان ذلك في سنة 259. وفيها تغير ماء نيل مصر حتى صار يضرب إلى الصفرة، وأقام على هذه الحال أياماً، ثم رجع إلى ما كان عليه.
وفي هذه السنة مات أبو صحبة شقير الخادم وابن مطهر الصنعاني صاحب بريد مصر.(1/319)