كان يكاتبه وهو بجبل الصفيحة ويداخل زعماء قومه في الاخذ بدعوته فلما ملك
السلطان أبو سالم رعى له تلك الوسائل أجمع ورفعه على الناس وألقى عليه محبته وجعل زمام الامور بيده فوطئ الناس عقبه وغشى أشراف الدولة بابه وصرفت الوجوه إليه فمرضت لذلك قلوب أهل الدولة ونقموه على السلطان وتربصوا به حتى وثب عبد الله بن عمر بالبلد الجديد وافترق الناس على السلطان وقتله عمر بن عبد الله آخر ثنتين وستين وحبس ابن مرزوق وأغرى به سلطانه الذى نصبه محمد بن أبى عبد الرحمن بن أبى الحسن فامتحنه واستصفاه ثم أطلقه بعد أن رام كثير من أهل الدولة قتله فمنعه منهم ولحق بتونس سنة أربع وستين ونزل على السلطان أبى اسحق وصاحب دولته المستبد عليه أبى محمد بن تافراكين فأكرموا نزله وولوه الخطابة بجامع الموحدين بتونس وأقام بها إلى أن هلك السلطان أبو اسحق سنة سبعين وولى ابنه خالد وزحف السلطان أبو العباس حافد السلطان أبى يحيى من مقره بقسنطينة إلى تونس فملكها وقتل خالدا سنة ثنتين وسبعين وكان ابن مرزوق يستريب منه لما كان يميل وهو بفاس مع ابن عمه محمد صاحب بجاية ويؤثره عند السلطان أبى سالم عليه فعزله السلطان أبو العباس عن الخطبة بتونس فوجم لها وأجمع الرحلة إلى المشرق وسرحه السلطان فركب السفن ونزل بالاسكندريه ثم رحل إلى القاهرة ولقى أهل العلم وأمراء الدولة ونفقت بضائعه عندهم وأوصلوه إلى السلطان وهو يومئذ الاشرف فكان يحضر يومئذ مجلسه وولاه الوظائف العلمية فكان ينتجع منها معاشه وكان الذى وصل حبله بالسلطان أستاذ داره محمد لقيه أول قدومه فحلا بعينه واستظرف جملته فسعى له وأنجح سعايته ولم يزل مقيما بالقاهرة موقر الرتبة معروف الفضيلة مرشحا لقضاء المالكية ملازما للتدريس في وظائفه إلى أن هلك سنة احدى وثمانين هكذا ذكر من حضره من جملة السلطان أبى الحسن من أشياخنا وأصحابنا وليس موضوع الكتاب الاطالة فلنقتصر على هذا القدر ونرجع إلى ما كنا فيه من أخبار المؤلف { ولاية العلامة بتونس ثم الرحلة بعدها إلى
المغرب والكتابة على السلطان أبى عنان } ولم أزل منذ نشأت وناهزت مكبا على تحصيل العلم حريصا على اقتناء الفضائل متنقلا بين دروس العلم وحلقاته إلى أن كان الطاعون الجارف وذهب الاعيان والصدور وجميع المشيخة وهلك أبواي رحمهما الله ولزمت مجلس شيخنا أبى عبد الله الايلى وعكفت على القراءة عليه ثلاث سنين إلى أن بعض الشئ واستدعاه السلطان أبو عنان فارتحل إليه واستدعاني أبو محمد بن تافراكين المستبد على الدولة يومئذ بتونس إلى كتابة(7/398)
العلامة عن السلطان أبى اسحق مذ نهض إليه من قسنطينة صاحبها أبو زيد حافد السلطان أبى يحيى في عساكره ومعه العرب أولاد مهلهل الذين استنجدوه لذلك فخرج ابن تافراكين وسلطانه أبو اسحق مع العرب أولاد أبى الليل وبث العطاء في عسكره وعمر له المراتب والوظائف وتعلل عليه صاحب العلامة أبو عبد الله محمد بن على بن عمر بالاستزادة من العطاء فعز له وأدالنى منه فكتبت العلامة عن السلطان وهى الحمد لله والشكر لله بالقلم الغليظ ما بين البسملة ومن بعدها من مخاطبة أو مرسوم وخرجت معهم أول سنة ثلاث وخمسين وقد كنت منطويا على الرحلة من افريقية لما أصابني من الاستيحاش لذهاب أشياخى وعضلانى عن طلب العلم فلما رجع بنو مرين إلى مراكزهم بالمغرب وانحسر تيارهم عن افريقية وأكثر من كان معهم من الفضلاء صحابة وأشياخ فاعتزمت على اللحاق بهم وصدنى عن ذلك أخى وكبيري محمد رحمه الله فلما دعيت إلى هذه الوظيفة سارعت إلى الاجابة لتحصيل غرضي من اللحاق بالمغرب وكان كذلك فانا لما خرجنا من تونس نزلنا بلاد هوارة وزحفت العساكر بعضها إلى بعض بفحص مر ماجنة وانهزم صفنا ونجوت أنا إلى أبة فأقمت بها عند الشيخ عبد الرحمن الوسنانى من كبراء المرابطين ثم تحولت إلى سبتة ونزلت بها على محمد بن عبدون صاحبها فأقمت عنده ليالى حتى هيأ لى الطريق مع رفيق من المغرب وسافرت إلى قفصة وأقمت بها أياما حتى قدم
علينا بها الفقيه مححد ابن الرئيس منصور بن مزنى وأخوه يوسف يومئذ صاحب الزاب وكان هو بتونس فلما حاصرها الامير أبو زيد خرج إليه فكان معه فلما بلغهم الخبر بأن السلطان أبا عنان ملك المغرب نهض إلى تلمسان فملكها وقتل سلطانها عثمان بن عبد الرحمن وأخاه أبا ثابت وأنه انتهى إلى المرية وملك بجاية من يد صاحبها الامير أبى عبد الله من حفده السلطان أبى يحيى وراسله عند ما أطل على بلده فسار إليه ونزل له عنها وصار في جملته وولى أبو عنان على بجاية عمر بن على شيخ بنى وطاس من بنى الوزير شيوخهم فلما بلغهم هذا الخبر أجفل الامير عبد الرحمن من مكانه عن حصار تونس ومر بقفصة فدخل الينا محمد بن مزنى ذاهبا إلى الزاب فرافقته إلى بسكرة ودخلت إلى أخيه هنالك ونزل هو بعض قرى الزاب تحت جراية أخيه إلى أن انصرم الشتاء وكان أبو عنان لما ملك بجاية ولى عليها عمر ابن على ابن الوزير من شيوخ بنى طاوس فجاء فارح مولى الامير أبى عبد الله لنقل حرمه وولده فداخل بعض السفهاء من صنهاجة في قتل عمر بن على فقتله في مجلسه ووثب هو على البلد وأرسل إلى الامير أبى زيد يستدعيه من قسنطينة فتمشت رجالات البلد بينهم خشية من سطوة السلطان ثم ثار وابفارح فقتلوه وأعادوا دعوة السلطان كما كانت وبعثوا عن عامل السلطان بتدلس يحيا تن بن عمر بن(7/399)
عبد المؤمن من شيوخ بنى ونكاسن من بنى مرين فملكوه قيادهم وبعثوا إلى السلطان بطاعتهم فأخرج لوقته حاجبه محمد بن أبى عمرو واكتنف له الجند وصرف معه وجوه دولته وأعيان بطانته وارتحلت من بسكرة وافدا على السلطان أبى عنان بتلمسان فلقيت أبن أبى عمرو بالبطحاء وتلقاني من الكرامة بما لم أحتسبه وردنى معه إلى بجاية فشهدت الفتح وتسايلت وفود افريقية إليه فلما رجع إلى السلطان وفدت معهم فنالني من كرامته واحسانه ما لم أحتسبه إذ كنت شابا لم يطر شاربى ثم انصرفت مع الوفود ورجع ابن أبى عمرو إلى بجاية فأقمت عنده حتى انصرم الشتاء أواخر أربع وخمسين
وعاد السلطان أبو عنان إلى فاس وجمع أهل العم للتحليق بمجلسه وجرى ذكرى عنده وهو ينتقى طلبه العلم للمذاكرة في ذلك المجلس فأخبره الذين لقيتهم بتونس عنى ووصفوني له فكتب إلى الحاجب يستقدمني فقدمت عليه سنة خمس وخمسين ونظمنى في أهل مجلسه العلمي والزمنى شهود الصلوات معه ثم استعملني في كتابته والتوقيع بين يديه على كره منى إذا كانت لم أعهد مثله لسلفي وعكفت على النظر والقراءة ولقاء المشيخة من أهل المغرب ومن أهل الاندلس الوافدين في عرض السفارة وحصلت من الافادة منهم على البغية وكان في جملته يومئذ الاستاذ أبو عبد الله محمد بن الصفار من أهل مراكش امام القرآن لوقته أخذ عن مشيخة المغرب وكبيرهم شيخ المحدثين الرحالة أبو عبد الله محمد بن رشيد الفهرى سيد أهل المغرب وكان يعارض السلطان القرآن برواياته السبع إلى أن توفى (ومنهم) قاضى الجماعة بفاس أبو عبد الله محمد المغربي صاحبنا من أهل تلمسان أخذ العلم بها عن أبى عبد الله محمد السلوى ورد عليها من المغرب خلوا من المعارف ثم دعته همته إلى التحلى بالعلم فعكف في بيته على مدارسة القرآن فحفظه وقرأه بالسبع ثم عكف على كتاب التسهيل في العربية فحفظه ثم على مختصر ابن الحاجب في الفقه والاصول فحفظهما ثم لزم الفقيه عمران المشد إلى من تلميذ أبى ناصر الدين وتفقه عليه وبرز في العلوم إلى حيث لم تلحق غايته وبنى السلطان أبو تاشفين مدرسة بتلمسان فقدمه للتدريس بها يضاهى به أولاد الامام وتفقه عليه بتلمسان جماعة كان من أوفرهم سهما في العلوم أبو عبد الله المغربي هذا ولما جاء شيخنا أبو عبد الله الايلى إلى تلمسان عند استيلاء السلطان أبى الحسن عليها وكان أبو عبد الله السلوى قد قتل يوم فتح تلمسان قتله بعض أشياع السلطان لذنب أسلفه في خدمة أخيه أبى على بسجلماسة قبل انتحاله العلم كان السلطان توعده عليه فقتل بباب المدرسة فلزم أبو عبد الله المغربي بعده مجلس شيخنا الايلى ومجالس بنى الامام واستبحر في العلم ولما انتقض السلطان أبو عنان سنة تسع وأربعين وخلع أباه ندبه(7/400)
إلى كتب البيعة فكتبها وقرأها على الناس في يوم مشهود وارتحل مع السلطان إلى فاس فلما ملكها عزل قاضيها الشيخ المعمر أبا عبد الله بن عبد الرزاق وولاه مكانه فلم يزل قاضيا بها إلى أن أسخطه لبعض النزغات الملوكية فعز له وأدال منه بالفقيه أبى عبد الله الفشتالى آخر سنة ست وخمسين ثم بعثه في سفارة إلى الاندلس فامتنع من الرجوع وقام السلطان لها في ركابه ونقم على صاحب الاندلس تمسكه به وبعث إليه فيه يستفدمه فلاذ ابن الاحمر بالشفاعة فيه واقتضى له كتاب أمان بخط السلطان أبى عنان وأوفده في جماعة من شيوخ العلم بغرناطة القاطنين بها منهم شيخنا أبو القاسم الشريف السبتى شيخ الدنيا جلالة وعلما ووقار أو رياسة وامام اللسان فصاحة وبيانا وتقدما في نظمه ونثره وترسلاته وشيخنا الآخر أبو البركات محمد بن محمد بن الحاج البلقينى من أهل المرية شيخ المحدثين والفقهاء والادباء والصوفية والخطباء بالاندلس وسيد أهل العلم باطلاق المتفنن في أسالبب المعارف وآداب الصحابة للملوك فمن دونهم فوفدوا به على السلطان شفيعين على عظيم تشوفه للقائهما فقبلت الشفاعة وانجعت الوسيلة حضرت بمجلس السلطان يوم وفادتهما سنة سبع وخمسين وكان يوما مشهودا واستقر القاضى المغربي في مكانه بباب السلطان عطلا من الولاية والجراية وجرت عليه بعد ذلك محنة من السلطان وقعت بينه وبين أقاربه امتنع من الحضور معهم عند القاضى الفشتالى فتقدم السلطان إلى بعض أكابر الوزعة ببابه أن يسحبه إلى مجلس القاضى حتى ينفذ فيه حكمه فكان الناس يعدونها محنة ثم ولاه السلطان بعد ذلك قضاء العساكر في دولته عند ما ارتحل إلى قسنطينة فلما افتتحها وعاد إلى دار ملكه بفاس آخر ثمان وخمسين اعتل القاضى المغربي في طريقه وهلك عند قدومه بفاس * (ومنهم صاحبنا) * الامام العالم القدوة فارس المعقول والمنقول وصاحب الفروع والاصول أبو عبد الله محمد بن أحمد الشريف الحسنى ويعرف بالعلوى نسبة إلى قرية من أعمال تلمسان تسمى
العلويين فكان أهل بلده لا يدافعون في نسبهم وربما تغمس فيه بعض الفجرة ممن لا يروعه دينه ولا معرفته بالانساب ببعض من اللغو لا يلتفت إليه نشأ هذا الرجل بتلمسان وأخذ العلم عن مشيختها واختص بأولاد لامام وتفقه عليهما في الفقه والاصول والكلام ثم لزم شيخنا أبا عبد الله الايلى وتضلع من معارفه فاستبحر وتفجرت ينابيع العلوم من مداركه ثم ارتحل إلى تونس في بعض مذاهبه سنة أربعين ولقى شيخنا القاضى أبا عبد الله بن عبد السلام وحضر مجلسه وأفاد منه واستعظم رتبته في العلم وكان ابن عبد السلام يصغى إليه ويؤثر محله ويعرف حقه حتى لقد زعموا أنه كان يخلو به في بيته فيقرأ عليه فصل التصوف من كتاب الاشارات (1) لابن سينا لما كان هو أحكم ذلك(7/401)
الكتاب على شيخنا الايلى وقرأ عليه كثيرا من كتاب الشفاء لابن سينا ومن تلاخيص كتب أرسطو ومن الحساب والهندسة والفرائض علاوة على ما كان يحمله من الفقه والعربية وسائر علوم الشريعة وكانت له في كتب الخلافيات يد طولى وقدم عالية فعرف له ابن عبد السلام ذلك كله وأوجب حقه وانقلب إلى تلمسان وانتصب لتدريس العلم وبثه فملا المغرب معارف وتلميذا إلى أن أضطرب المغرب بعد واقعة القيروان ثم هلك السلطان أبو الحسن وزحف أبو عنان إلى تلمسان فملكها سنة ثلاث وخمسين فاستخلص الشريف أبا عبد الله واختاره لمجلسه العلى مع من اختاره من المشيخة وزحف به إلى فاس فتبرم الشريف من الاغتراب وردد الشكوى وعرف السلطان ذلك وارتاب به ثم بلغه أثناء ذلك ان عثمان بن عبد الرحمن سلطان تلمسان أوصاه على ولده وأودع له مالا عند بعض الاعيان من أهل تلمسان وان الشريف مطلع على ذلك فانتزع الوديعة وسخط الشريف بذلك ونكبه وأقام في اعتقاله أشهرا ثم أطلقه أول ست وخمسين وأقصاه ثم أعتبه بعد فتح قسنطينة وأعاده إلى مجلسه إلى أن هلك السلطان آخر تسع وخمسين وملك أبو حمو بن يوسف بن عبد الرحمن تلمسان من يد
بنى مرين واستدعى الشريف من فاس فسرحه القائم بالامر يومئذ الوزير عمر بن عبد الله فانطلق إلى تلمسان وأطلقه أبو حمو براحتيه وأصهر له في ابنته فزوجها اياه وبنى له مدرسة جعل في بعض جوانبها مدفن أبيه وعمه وأقام الشريف يدرس العلم إلى أن هلك سنة احدى وسبعين وأخبرني رحمه الله أن مولده سنة عشر * (ومنهم صاحبنا) * الكاتب القاضى أبو القاسم محمد بن يحيى البرجى من برجة الاندلس كان كاتب السلطان أبى عنان وصاحب الانشاء والسر في دولته وكان مختصابه وأثير الديه وأصله من برجة الاندلس نشأ بها واجتهد في العلم والتحصيل وقرأ وسمع وتفقه على مشيخة الاندلس واستبحر في الادب وبرز في النظم والنثر وكان لا يجارى في كرم الطباع وحسن المعاشرة ولين الجانب وبذل البشر والمعروف وارتحل إلى بجاية في عشر الاربعين وسبعمائة وبها الامير أبو زكريا ابن السلطان أبى يحيى منفردا بملكها على حين أقفر من رسم الكتابة والبلاغة فبادرت أهل الدولة إلى اصطفائه وايثاره بخطه الانشاء والكتاب عن السلطان إلى أن هلك الامير أبو زكريا ونصب ابنه محمد مكانه فكتب عنه على رسمه ثم هلك السلطان أبو يحيى وزحف السلطان أبو الحسن إلى افريقية واستولى على بجاية ونقل الامير محمدا بأهله وحاشيته إلى تلمسان كما تقدم في أخباره فنزل أبو القاسم البرجى تلمسان وأقام بها واتصل خبره بأبى عنان ابن السلطان أبى الحسن وهو يومئذ أميرها ولقيه فوقع من قلبه بمكان إلى أن كانت واقعة القيروان وخلع أبو عنان واستبد(7/402)
بالامر فاستكتبه وحمله إلى المغرب ولم يسم به إلى العلامة لانه آثر بها محمد بن أبى عمر بما كان أبوه يعلمه القرآن وربى محمد بداره فولاه العلامة والبرجى مرادف له في رياسته إلى أن انقرضوا جميعا وهلك السلطان أبو عنان واستولى أخوه أبو سالم على ملك المغرب وغلب ابن مرزوق على هواه كما قدمناه فنقل البرجى من الكتابة واستعمله في قضاء العساكر فلم يزل على القضاء إلى أن هلك سنة وثمانين وأخبرني رحمه الله
أن مولده سنة عشر * (ومنهم شيخنا المعمر الرحالة) * أبو عبد الله محمد بن عبد الرزاق شيخ وقته جلاله وتربية وعلما وخبرة بأهل بلده وعظمة فيهم نشأ بفاس وأخذ عن مشيختها وارتحل إلى تونس فلقى القاضى أبا اسحق بن عبد الرفيع والقاضى أبا عبد الله النفزاوى وأهل طبقتهما وأخذ عنهم وتفقه عليهم ورجع إلى المغرب ولازم سنن الاكابر والمشايخ إلى أن ولاه السلطان أبو الحسن القضاء بمدينة فاس فأقام على ذلك إلى أن جاء السلطان أبو عنان من تلمسان بعد واقعة القيروان وخلعه فعز له بالفقيه أبى عبد الله المغربي وأقام عطلا في بيته ولما جمع السلطان مشيخة العلم للتحليق بمجلسه والافادة منهم واستدعى شيخنا أبا عبد الله بن عبد الرزاق فكان يأخذ عنه الحديث ويقرأ عليه القرآن برواياته في مجلس خاص إلى أن هلك رحمه الله بين يدى مهلك السلطان أبى عنان إلى آخرين وآخرين من أهل المغرب والاندلس كلهم لقيت وذاكرت وأفدت منه وأجازني بالاجازة العامة * (حديث النكبة من السلطان أبى عنان) * كان اتصالي بالسلطان أبى عنان آخر سنة ست وخمسين وقر بنى وادنانى واستعملني في كتابته واختصني بمجلسه للمناظرة والتوقيع عنه فكثر المنافسون وارتفعت السعايات حتى قويت عنده بعد أن كان لا يغير عن صفائه ثم اعتل السلطان آخر سبع وخمسين وكان قد حصلت بينى وبين الامير محمد صاحب بجاية من الموحدين مداخلة أحكمها ما كان لسلفي في دولتهم وغفلت عن التحفظ من مثل ذلك من غيرة السلطان فما هوالا أشغل بوجعه حتى نمى إليه بعض العداة أن صاحب بجاية معتمل في الفرار ليسترجع بلده وبها يومئذ وزيره الكبير عبد الله بن على فانبعث السلطان لذلك وبادر بالقبض عليه وكان فيما نمى إليه أنى داخلته في ذلك فقبض على وامتحننى وحبسني ثم أطلق الامير محمد أو ما زلت أنا في اعتقاله إلى أن هلك وخاطبته بين يدى مهلكه بقصيدة على أي حال لليالي اعاتب * وأى صروف للزمان أغالب
كفى حزنا أنى على القرب نازح * وأنى على دعوى شهودي غائب وأنى على حكم الحوادث نازل * تسالمني طورا وطورا تحارب(7/403)
أحبابنا لو لعهد الوصل مدكر * وهل نسيمته منكم تحيينى مالى وللطيف لا يعتاد زائره * وللنسيم عليلا لابدا وبنى يا أهل نجد وما نجد وساكنها * حسنا سوى جنة الفردوس والعين أعنوكم اننى ما مر ذكركم * ثنيت نفسي كأن الراح يحيينى أصبو إلى البرق من انحاء أرضكم * شوقا ولولا كمو ما كان يصبينى يا نازحا والمسى تدنيه من خلدي * حتى لاحسبه قربا يناجيني أسلى هواك فؤادى عن سواك وما * سواك يوما بحال عنك يسلينى ترى الليالى أنستك اد كارى يا * من لم تكن ذكره الايام تنسينى ومنها في وصف الايوان الذى بناه لجلوسه بين قصوره يا مصنعا شدت منه للسعود حمى * لا يطرق الدهر مبناه بتوهين صرح يحار لديه الطرف ملتبسا * فيما يرومك من شكل وتلوين بعد الايوان كسرى ان قصرك السامى لا عظم من تلك الاواوين ودع دمشق ومغناها فقصرك ذا * أشهى إلى القلب من أبواب جيرونى ومنها في التعريض بمنصر في من العدوة من مبلغ عنى الصحب الاولى نزلوا * ودى وضاع حماهم إذ أضاعوني انى أويت من العليا إلى حرم * كادت معانيه بالبشرى تحيينى واننى ظاعن لم ألق بعد كم * دهرا أشاكى ولا خلا يشاكيني لا كالتى أخفرت عهدي ليالى إذ * أقلب الطرف بين الخوف والهون سقيا ورعيا لايامي التى ظفرت * يداى منها بحظ غير مغبون
أرتاد منها مليا لايما طلنى * وعدا وأرجو كريما لا يعنينى وهاك منها قواف طيها حكم * مثل الا زاهر في طى الرياحين تلوح ان جليت درا وان تليت * تثنى عليك بأنفاس البساتين عانيت فيها بجهدي كل شاردة * لولا سعودك ما كانت تواتيني بمانع الفكر عنها ما تقسمه * من كل حزب بطى الصدر مكنون لكن بسعدك ذلت لى شواردها * فرضت منها بتحبير وتزيين بقيت دهرك في أمن وفى دعة * ودام ملكك في نصر وتمكين وأنشدته سنة خمس وستين في اعذار ولده والصنيع الذى احتفل لهم فيه ودعا إليه الحلفاء من نواحى الاندلس ولم يحضرني منها الا ما أذكره ضحا الشوق لولا عبرة ونحيب * وذكرى تجد الوجد حين تثوب(7/404)
فلقاه السلطان الكرامة كما يحب واستوزره عوضا نائبا للحسن بن يوسف بن على بن محمد الورتاجنى السابق إلى وزارته لقيه بسبتة وقد غر به منصور بن سليمان إلى الاندلس فاستوزره واستكفاه ولما اجتمعت العساكر عنده بالقصر صمد إلى فاس ولقيه الحسن بن عمر بظاهرها فأعطاه طاعته ودخل إلى دار ملكه وانا في ركابه لخمس عشرة ليلة من نزوعى إليه منتصف شعبان سنة ستين وسبعمائة فرعى لى السابقة واستعملني في كتابة سره والترسيل عنه والانشاء لمخاطباته وكان أكثرها يصدر عين بالكلام المرسل بدون أن يشاركني أحد ممن ينتحل الكتابة في الاسجاع لضعف انتحالها وخفاء المعاني منها على أكثر الناس بخلاف غير المرسل فانفردت به يومئذ وكان مستغربا عند من هم من أهل هذه الصناعة ثم أخذت نفسي بالشعر وانثال على منه بحور توسطت بين الاجادة والقصور وكان مما أنشدته اياه ليلة المولد النبوى من سنة ثلاث وستين أسرفن في هجري وفى تعذيبي * وأطلن موقف عبرتي ونحيبي
وأبين يوم البين موقف ساعة * لعواد مشغوف الفؤاد كئيب لله عهد الظاعنين وقد غدا * قلبى رهين صبابة ووجيب غربت ركائبهم ودمعى سافح * فشربت بعدهم بماء غروب يا ناقعا بالعتب غلة شوقهم * رحماك في عذلى وفى تأنيبي يستعذب الصب الملام واننى * ماء المدام لدى غير شروب ما هاجني طرب ولا اعتاد الجوى * لولا تذكر منزل وحبيب أصبو إلى اطلال كانت مطلعا * للبدر منهم أو كناس ربيب عبثت به ايدى البلى وترددت * في عطفها للدهر أي خطوب تبلى معاهدها وان عهودها * ليجرها وصفى وحسن نسيبي وإذا الديار تعرضت لمتيم * هزت لذكراها أولى التشبيب ايه على الصبر الجميل فانه * ألوى برين فؤادى المنهوب لم أنسها والدهر يثنى صرفه * ويغض طرفي حاسد ورقيب والدار مونقة بما لبست من ا لا يام تجلوها بكل قشيب يا سائق الاظعان يعتسف الفلا * بتواصل الاسناد والتأويب متهافتا عن رحل كل مدلل * نشوان من آن ومس لغوب تتجاذب النفحات فضل ردائه * في ملتقاها من صبا وجنوب ان هام من ظما الصبابة صحبه * نهلوا بمورد دمعه المسكوب ان تعترض مسراهم سدف الدجى * صدعوا الدجى بغرامه المشبوب(7/405)
في كل شعب منية من دونها * هجر الامانى أو لقاء شعوب هلا عطفت صدورهن إلى التى * فيها لغانية اعين وقلوب فتؤم من أكناف يثرب مامنا * يكفيك ما تخشاه من تثريب
حيث النبوة آيها مجلوة * تتلو من الآثار كل غريب سر عجيب يحجبه الثرى * ما كان سر الله بالمحجوب ومنها بعد تعديد معجزاته صلى الله عليه وسلم والاطناب في مدحه انى دعوتك واثقابا جابتى * يا خير مدعو وخير مجيب قصرت في مدحى فان يك طيبا * فبما لذكرك من أريج الطيب ماذا عسى يبغى المطيل وقد حوى * في مدحك القرآن كل مطيب ياهل تبلغني الليالى زورة * تدنى إلى الفوز بالمرغوب أمحو خطيأتي باخلاصى بها * وأحط أوزاري واصر ذنوبي في فتية هجروا المنى وتعودوا * انضاء كل نجيبة ونجيب يطوى صحائف ليلهم نوق الفلا * ما شئت من خبب ومن تقريب ان رنم الحادى بذكرك رددوا * أنفاس مشتاق اليك طروب أو غرد الركب الخلى بطيبة * حنوا لملقاها حنين النيب ورثوا اعتساف البيد عن آبائهم * ارث الخلافة في بنى يعقوب الظاعنون الخيل وهى عوابس * يغشى مثار النقع كل سبيب والواهبون المقربات صوافنا * من كل خوار العنان لعوب والمانعون الجارحتى عرضه * في منتدى الاعداء غير معيب تخشى بوادرهم ويرجى حلمهم * والعز شيمة مرتجى ومهيب ومنها في ذكر اجازته البحر واستيلائه على ملكه سائل بنى طامى العباب وقد سرى * تزجيه ريح العزم ذات هبوب تهديه شهب أسنة وعزائم * يصدعن ليل الحادث المرهوب حتى انجلت ظلل الظلام بسعيه * وسطا الهدى بفريقه المغلوب أبنى الاولى شادوا الخلافة بالتقى * واستأثروا بتاجها المغصوب
جمعوا لحفظ الدين أي مناقب * كرموا بها في مشهد ومغيب لله مجدك طارفا أو تالدا * فلقد شهدنا منه كل عجيب كم رهبة أو رغبة لك في العلا * تقتاد بالترغيب والترهيب لا زلت مسرورا بأشرف دولة * يبدو الهدى من أفقها المرغوب(7/406)
ومن قصيدة خاطبته بها عند وصول هدية ملك السودان إليه وفيها الحيوان الغريب المسمى بالزرافة قد حت بد الاشواق من زندي * وهفت بقلبي زفرة الوجد ونبذت سلوانى على ثقة * بالقرب فاستبدلت بالبعد ولرب وصل كنت آمله * فاعتضت منه بمؤلم الصد لا عهد عند الصبر أطلبه * ان الغرام أضاع من عهدي يلحى العذول فما أعنفه * وأقول ضل فابتغى رشدي وأعارض النفحات أسئلها * برد الجوى فتزيد في الوقد يهدى الغرام إلى مسالكها * لتعللى بضعيف ما تهدي يا سائق الاظعان معتسفا * طى الفلاة لطيبة الوجد أرح الركاب ففى الصبا نبأ * يغنى عن المستنة الجرد وسل الربوع برامة خيرا * عن ساكنى نجدو عن نجد مالى يلام على الهوى خلقي * وهى التى تأبى سوى الحمد لا بيت الا الرشد قد وضحت * بالمستعين معالم الرشد نعم الخليفة في هدى وتقى * نجل السراة الغر شأنهم * كسب العلا بمواهب الوجد ومنها في ذكر خلوصى إليه وما ارتكبته فيه
لله منى إذ تأوبنى * ذكراه وهو بشاهق فرد شهم يفل بواترا قضبا * وجموع أقيال أولى اليد أوريت زند العزم في طلبى * وقضيت حق المجد من قصدي ووردت عن ظما مناهله * فرويت من عزو من رفدي هي جنة المأوى لمن كلفت * آماله بمطالب المجد لو لم أغل ببرد كوثرها * ما قلت هذى جنة الخلد من مبلغ قومي ودونهم * قذف النوى وتنوفة البعد انى أنفت على رجائهم * وملكت عز جميعهم وحدي ورفية الاعطاف حالية * موشية بو شائح البرد وحشية الانساب ما أنست * في موحش البيداء بالغرد تسمو بجيد بالغ صعدا * شرف الصروح بغير ما جهد طالت رؤس الشامخات به * وربما قصرت عن الوهد(7/407)
قطعت اليك تنائفا وصلت * آسارها بالقهد والوخد تحدى على استصغائها ذللا * وتبيت طوع القن والقد لسعودك اللاتى ضمن لها * طول الحياة بعيشة رغد جاءتك في وفد الاحابش لا * يرجون غيرك مكرم الوفد وافوك انضاء تقلبهم * أيدى السرى بالغور والنجد يثنون بالحسنى التى سبقت * من غير انكار ولا جحد ويرون حظك من وفادتهم * فخرا على الاتراك والهند يا مستعينا جل في شرف * عن رتبة المنصور والمهدى جازاك ربك عن خليقته * خيرا الجزاء فنعم من يسدى
وبقيت للدنيا وساكنها * في عزة أبدا وفى سعد وأنشدته في سائر أيامه غيرهاتين القصيدتين كثير الم يحضرني الآن شئ منه ثم غلب ابن مرزوق على هواه وأفرد بخالصته وكبح الشكائم عن قربه فانقبضت وقصرت الخطومع البقاء على ما كنت فيه من كتابة سره وانشاء مخاطباته ومراسمه ثم ولانى آخر الدولة خطة المظالم فوفيتها حقها ودفعت للكثير مما أرجو ثوابه ولم يزل ابن مرزوق آخذا في سعايته بى وبامثالى من أهل الدولة غيرة ومنافسة إلى أن انتقض الامر على السلطان بسببه وثار الوزير عمر بن عبد الله بدار الملك فصار إليه الناس ونبذوا السلطان وبيعته وكان في ذلك هلاكه على ما ذكرناه في أخبارهم ولما قام الوزير عمر بالامر أفرنى على ما كنت عليه ووفر أقطاعى وزاد في جرايتى وكنت أسمو بطغيان الشباب إلى أرفع مما كنت فيه وأدل في ذلك بسابق مودة معه منذ أيام السلطان أبى عنان وصحابة استحكم عقدها بينى وبين الامير أبى عبد الله صاحب بجاية فكان ثالث آثافينا ومصقل فكاهتنا واشتدت غيرة السلطان كم مرو سطابنا وتغافل عن عمر بن عبد الله لمكان أبيه من ثغر بجاية ثم حملني الا دلال عليه أيام سلطانه وما ارتكبه في حقى من القصور بى عما أسمو إليه إلى أن هجرته وقعدت عن دار السلطان مغاضباله فتنكر لى وأقطعنى جابنا من الاعراض فطلبت الرحلة إلى بلدي بافريقية وكان بنو عبد الواد قدراجعوا ملكهم بتلمسان والمغرب الاوسط فمنعني من ذلك أن يغتبط أبو حمو صاحب تلمسان بمكانى فأقيم عنده وألح في المنع من ذلك وأبيت أنا الا الرحلة واستجرت في ذلك برديفه وصهره الوزير مسعود بن رحو بن ماسى ودخلت عليه يوم الفطر سنة ثلاث وستين فأنشدته هنيأ لصوم لاعداه قبول * وبشرى لعيد أنت فيه منيل وهنأتنا من عزة وسعادة * تتابع أعوام بها وفصول(7/408)
سقى الله دهرا أنت انسان عينه * ولامس ربعا في حماك محول
فعصرك مابين الليالى مواسم * له غرر وضاحة وحجول وجانبك المأمول للجود مشرع * يحوم عليه عالم وجهول عساك وان ضن الزمان منولى * فرسم الامانى من سواك محيل أجرني فليس الدهر لى بمسالم * إذا لم يكن لى في ذراك مقيل وأوليتنى الحسنى بما أنا آمل * فمثلك يؤلى راجيا وينيل ووالله ما رمت الترحل عن قلى * ولا سخطة للعيش فهو جزيل ولا رغبة عن هذه الدار انها * لظل على هذا الانام ظليل ولكن نأى بالشعب عنا حبائب * شجا هن خطب والفراق طويل يهيج بهن الوجد انى نازح * وان فؤادى حيث هن حلول عزيز عليهن الذى قد لقيته * وان اغترابي في البلاد يطول توارت بابنى البقاع كأننى * تخطفت أو غالت ركابي غول ذكرتك يا مغنى الاحبة والهوى * فطارت لقلبي أنه وعويل وحييت عن شوق رباك كانما * يمثل لى فئ بها وطلول أأحبابنا والعهد بينى وبينكم * كريم وما عهد الكريم يحول إذا أنا لم ترض الحمول مدا معى * فلا قربتني للقاء حمول إلام مقامي حيث لم ترد العلا * مرادى ولم تعط القياد ذلول ويذهب بى ما بين يأس ومطمع * زمان بنيل المعلوات بخيل تعللنى منه أمان خوادع * ويؤنسنى منه أمان مطول أما لليالي لا ترد خطوبها * ففى كبدي من وقعهن فلول يرو عنى عن صرفها كل حادث * تكاد له صم البلاد تزول أدارى على رغم العداة بريبة * يصانع واش جوفها وعذول وأغدو بأشجالى عليلا كأنما * تجود بنفسى زفرة وغليل
وانى وان أصبحت في دار غربة * تحيل الليالى سلوتي وتديل وصدتنى الايام عن خير منزل * عهدت به أن لا يضام نزيل لاعلم أن الخير فاش مكثر * وان هان أنصار وبان خليل فأعاننى الوزير مسعود عليه حتى أذن لى في الانطلاق على شريطة العدول عن تلمسان في أي مذهب أردت فاخترت الاندلس وصرفت ولدى وأمهم إلى أخوالهم أولاد القائد محمد بن حكيم بقسنطينة فاتح أربع وستين وجعلت أنا طريقي على الاندلس وكان(7/409)
سلطانها أبو عبد الله المخلوع وحين وفد على السلطان أبى سالم بفاس وأقام عنده حصلت لى معه سابقة وصلة خدمة من جهة الوزير أبى عبد الله بن الخطيب لما كان بينى وبينه من الصحابة فكنت أقوم بخدمته واعتمل في قضاء حاجاته في الدولة ولما أجاز باستدعاء الطاغية لاسترجاع ملكه حين فسد ما بين الطاغية وبين الرئيس المتوثب عليه بالاندلس من قرابته خلفته فيما ترك من عياله وولده بفاس خير خلف في قضاء حاجاتهم وادرار ارزاقهم من المتولين لها والاستخدام لهم ثم فسد ما بين الطاغية وبينه قبل ظفره بملكه برجوعه عما اشترط له من التجا في عن حصون المسلمين التى تملكها بالاجلاب ففارقه إلى بلاد المسلمين باستجة وكتب إلى عمر بن عبد الله يطلب مصرا من أمصار الاندلس الغربية التى كانت ركابا لملوك المغرب في جهادهم وخاطبني أنا في ذلك فكنت له نعم الوسيلة عند عمر حتى تم قصده من ذلك وتجا في له عن رندة وأعمالها فنزلها وتملكها وكانت دار هجرته وركاب فتحه وملك منها الاندلس أواسط ثلاث وستين واستوحشت أنا من عمر اثر ذلك كما مر وارتحلت إليه معولا على سوابقي عنده فقرب في المكافات كما نذكره ان شاء الله تعالى * (الرحلة إلى الاندلس) * ولما أجمعت الرحلة إلى الاندلس بعثت باهلي وولدى إلى أخوالهم بقسنطينة وكتبت لهم إلى صاحبها السلطان أبى العباس من حفدة السلطان أبى يحيى وباني أمر على
الاندلس وأجيز عليه من هنالك وسرت إلى سبتة فرضة المجاز وكبيرها يومئذ أبو العباس أحمد بن الشريف الحسنى ذو النسب الواضح السالم من الريبة عند كافة أهل المغرب انتقل سلفه إلى سبتة من صقلية وأكرمهم بنو العز في أولا وصاهر وهم ثم عظم صيتهم في البلد فتنكر والهم وغر بهم يحيى العز في آخرهم إلى الجزيرة فاعترضهم مراكب النصارى في الزقاق فأسروهم وانتدب السلطان أبو سعيد إلى فديتهم رعاية لشرفهم فبعث إلى النصارى في ذلك فأجابوه وفادى هذا الرجل وأباه على ثلاثة آلاف دينار ورجعوا إلى سبتة وانقرض بنو العز في ودولتهم وهلك والد الشريف وصدر هو إلى رياسة الشورى لما كانت واقعة القيروان وخلع أبو عنان أباه واستولى على المغرب وكان بسبتة عبد الله ابن على الوزير واليامن قبل السلطان أبى الحسن فتمسك بدعوته ومال أهل البلد إلى السلطان أبى عنان وأمكنوه من بلدهم فولى عليها من عظماء دولته سعيد بن موسى العجيسى كان كافل تربيته في صغره وأفرد هذا الشريف برياسة الشورى في سبتة فلم يكن يقطع أمرا دونه ووفد على السلطان بعض الايام فلقاه من المبرة بما لا يشاركه فيه أحد من وفود الملوك والعظماء ولم يزل على ذلك سائر أيام السلطان(7/410)
وبعد وفاته وكان معظما وقور المجلس هش اللقاء كريم الوفادة متحليا بالعلم والادب منتحلا للشعر غاية في الكرم وحسن العهد وسذاجة النفس ولما مررت به سنة أربع وستين أنزلنى ببيته ازاء المسجد الجامع ورأيت منه ما لا يقدر مثله من الملوك وأركبنى الحراقة ليلة سفري يباشرد حرجتها إلى الماء بيده اغرابا في الفضل والمساهمة وحططت بجبل الفتح وهو يومئذ لصاحب المغرب ثم خرجت منه إلى غرناطة وكتبت للسلطان ابن الاحمر ووزيره ابن الخطيب بشأني وليلة بت بقرب غرناطة على بريد منها لقيني كتاب ابن الخطيب يهنيني بالقدوم ويؤنسنى ونصه حللت حلول الغيث في البلد المحل * على الطائر الميمون والرحب والسهل
يمينا بمن تعنو الوجوه لوجهه * من الشيخ والطفل المعصب والكهل لقد نشأت عندي للقياك غبطة * تنسى اغتباطي بالشبية والاهل وودى لا يحتاج فيه لشاهد * وتقريري المعلوم ضرب من الجهل أقسمت بمن حجت قريش لبيته وقبر صرفت أزمة الاحياء لميته (1) ونور ضربت الامثال بمشكاته وزيته لوخيرت أيها المحب الحبيب الذى زيارته الامنية السنية والعارفة الوارفة واللطيفة المطيفة بين رجع الشباب يقطر ماؤه ويرف نماؤه ويغازل عيون الكواكب فضلا عن الكواعب اشارة وايماء بحيث لا آلو في حظ يلم بساج لمته أو يقدح ذباله في ظلمته أو يقدم حواريه في ملته من الاحابش وأمته وزمانه روح وراح ومغدى في النعيم ومراح وخصب صراح ورنى وجراح وانتخاب واقتراح وصدر ما به الا انشراح ومسرات يردفها افراح وبين قدومك خليع الرسن ممتعا والحمد لله باليقظة والوسن محكما في نسك الجنيد أوفتك السحن ممتعا بطرف المعارف مالئا ألف الصيارف ماحيا بأنوار البراهين شبه الزخارف لما اخترت الشباب وان شاقنى زمنه وأعيانى ثمنه وأجرت سحاب دمعى دمنه فالحمد لله الذى رفأحنوه اغترابي وملكنى أزمة آرابى وغبطني بمالى وترابي ومألف اترابى وقد أغصنى بالذيذ شرابي ووقع على سطوره المعتبرة اضرابي وعجلت هذه مغبطة بمناخ المطية وملتقى للسعود غير البطية وتهنى الآمال الوثيرة الوطيه فما شئت من نفوس عاطشة إلى ريك متجملة بزيك عاقلة خطى سمهريك ومولى مكارمه مشيدة لامثالك ومضان منالك وسيصدق الخبر ما هنالك ويسع فضل مجدك في التخلف عن الاصحار لابل اللقاء من وراء البحار والسلام ثم أصبحت من الغد قادما على البلد وذلك ثامن ربيع الاول عام أربعة وستين وقد اهتز السلطان لقدومي وهيأ لي المنزل من قصوره بفرشه وماعونه وأركب خاصته للقائي تحفيا وبراو مجازاة بالحسنى ثم دخلت(7/411)
عليه فقابلني بما يناسب ذلك وخلع وانصرفت وخرج الوزير ابن الخطيب فشيعني إلى مكان نزلى ثم نظمنى في علية أهل مجلسه واختصني بالنجاء في خلوته والمراكبة في ركوبه والمواكلة والمفاكهة في خلوات أنسه واقمت عنده وسفرت عنه سنة خمس وستين إلى الطاغية ملك قشتالة يومئذ بطرة بن الهنشة بن ادفونش لاتمام عقد الصلح ما بينه وبين ملوك العدوة بهدية فاخرة من ثياب الحرير والجياد والمقربات بمراكب الذهب الثقيلة فلقيت الطاغية باشبيلية وعاينت آثار سلفى بها وعاملني من الكرامة بما لا مزيد عليه وأظهر الاغتباط بمكانى وعلم أولية سلفنا باشبيلية وأثنى على عنده طبيبه ابراهيم ابن زرور اليهودي المقدم في الطب والنجامة وكان لقيني بمجلس السلطان أبى عنان وقد استدعاه يستطبه وهو يومئذ بدار ابن الاحمر بالاندلس ثم نزع بعد مهلك رضوان بن القائم بدولتهم إلى الطاغية فأقام عنده ونظمه في أطبائه فلما قدمت أنا عليه أثنى على عنده فطلب الطاغية حينئد المقام عنده وان يرد على تراث سلفى باشبيلية وكان بيد زعماء دولته فتفاديت من ذلك بما قبله ولم يزل على اغتباطه إلى أن انصرفت عنه فزودني وحملنى واختصني ببغلة فارهة بمركب ثقيل ولجام ذهبيين أهديتهما إلى السلطان فأقطعني قرية البيرة من أراضي السقى بمرج غرناطة وكتب لى بها منشورا كان نصبه ثم حضرت ليلة المولد النبوى لخامسة وكان يحتفل في الصنيع فيها والدعوة وانشاد الشعر اقتداء بملوك المغرب فأنشدته ليلتئذ حتى المعاهد كانت قبل تحيينى * بواكف الدمع يرميها وتضمينى ان الاولى نزحت دارى ودارهم * تحملوا القلب في آثارهم دوني وقفت أنشد صبر اضاع بعدهم * فيهم وأسأل رسما لا يناجيني أمثل الربع من شوقي فألثمه * وكيف والفكر يدنيه ويقصيني وينهب الوجد منى كل لؤلؤة * ما زال قلبى عليها غير مأمون
سقت جفوني مغانى الربع بعدهم * بالدمع وقف على اطلاله الجونى قد كان للقلب عن داعى الهوى شغل * لو أن قلبى إلى السلوان يدعوني(7/412)
(ومنها في التشوق) سلوتهم الا ادكار معاهد * لها في الليالى الغابرات غرائب وان نسيم الريح منهم يسوقنى * إليهم وتصبينى البروق اللواعب وهى طويلة نحو مائتي بيت ذهبت عن حفظى فكان لها منه موقع وهش لها وكان بتلمسان فوعد بالافراج عنى عند حلوله بفاس ولخمس ليال من حلو له طرقه الوجع وهلك لخمس عشرة ليلة في رابع وعشرين من ذى الحجة خاتم تسع وخمسين وبادر القائم بالدولة الوزير الحسن بن عمر إلى اطلاق جماعة من المعتقلين كنت فيهم فخلع على وحملنى وأعادني إلى ما كنت عليه وطلبت منه الانصراف إلى بلادي فأبى على وعاملني بوجوه كرامته ومذهب احسانه إلى أن اضطرب أمره وانتقض عليه بنو مرين وكان ما قدمناه في أخبارهم * (الكتابة عن السلطان أبى سالم في السر والانشاء) * ولما أجاز السلطان أبو سالم من الاندلس لطلب ملكه ونزل بجبل الصفيحة من بلاد غمارة وكان الخطيب ابن مرزوق بفاس فشت دعوته سر أو استعان بى على أمره بما كان بينى وبين أشياخ بنى مرين من المحبة والائتلاف فحملت الكثير منهم على ذلك وأجابوني إليه وأنا يومئذ اكتب عن القائم بأمر بنى مرين منصور بن سليمان بن منصور بن عبد الواحد بن يعقوب بن عبد الحق وقد نصبوه للملك وحاصروا الوزير حسن بن عمر وسلطانه السعيد بن أبى عنان بالبلد الجديد فقصدني ابن مرزوق في ذلك وأوصل إلى كتاب السلطان أبى سالم بالحض على ذلك واجمال الوعد فيه وألقى على حملته فنهضت به وتقدمت إلى شيوخ بنى مرين وأمراء الدولة بالتحريض على ذلك حتى أجابوا وبعث
ابن مرزوق إلى الحسن بن عمر يدعوه إلى طاعة السلطان أبى سالم وقد ضجر من الحصار فبادر إلى الاجابة واتفق رأى بنى مرين على الانفضاض عن منصور بن سليمان والدخول إلى البلد الجديد فلما تم عقدهم على ذلك نزعت إلى السلطان أبى سالم في طائفة من وجوه أهل الدولة كان منهم محمد بن عثمان بن الكاس المستبد بعد ذلك بملك المغرب على سلطانه وكان ذلك النزوع مبدأ حظه وخطة سعادته بسعايتى له عند السلطان فلما قدمت على السلطان بالصفيحة بما عندي من أخبار الدولة وما أجمعوا عليه من خلع منصور بن سليمان وبالموعد الذى ضربوه لذلك واستجشته فارتحل ولقينا البشير باجفال منصور بن سليمان وفراره إلى نواحى باديس ودخول بنى مرين إلى البلد الجديد واظهار الحسن بن عمر دعوة السلطان أبى سالم ثم لقيتنا بالقصر الكبير قبائل السلطان وعساكره على راياتهم ووزير منصور بن سليمان مسعود بن رحو بن ماسى(7/413)
وقلب أبى الا الوفاء بعهده * وان نزحت دار وبان حبيب ولله منى بعد حادثة النوى * فؤاد لتذكير العهود طروب يؤرقه طيف الخيال إذ اسرى * وتذكى حشاه نفحة وهبوب خليلي لا تستعديا قد دعا الاسى * فانى لما يدعو الاسى لمجيب ألما على الاطلال نقض حقوقها * من الدمع فياض الشؤن سكوب ولا تعذ لانى في البكاء فانها * حشاشة نفسي في الدموع تذوب ومنها في تقدم ولده للاعذار من غير نكول فيمم منه الحفل لا متقاعس * ولا نكس عند اللقاء هبوب وراح كما راح الحسام من الوغى * تروق حلاه والفرند خضيب شواهر هدتهن منك شمائل * وخلق بصفوف المجد منك مشوب ومنها في الثناء على ولديه
هما النيران الطالعان على الهدى * بآيات فتح شأنهن عجيب شهابان في الهيجا نعامان في الثوى * تسح المعالى منهما وتصوب يدان لبسط المكرمات نما هما * إلى المجد فياض اليدين وهوب وأنشدته ليلة المولد الكريم من هذه السنة أبا الطيف أن يعتاد الا توهما * فمن لى بأن ألقى الخيال المسلما وقد كنت أستهديه لو كان نافعى * واستمطر الاجفان لو تمطر الظما ولكن خيال كاذب وطماعة * تعلل قلب بالآماني متيما أيا صاحبي نجواى والحب لوعة * يبيح بشكواها الضمير المكتما خذ الفؤادى العهد من نفس الصبا وطى النقا والبان من أجرع الحمى الاصنع الشوق الذى هو صانع * صحي مقيم أقسم الشوق أوسما وانى ليدعوني السلو تعللا * وتنهانني الاشجان أن أتقدما لمن دمن أقفرن الاهواتف * تردد في اطلا لهن الترنما عرفت بها سيما الهوى وتنكرت * فعجت على آياتها متوسما وذو الشوق يعتاد الربوع دوارسا * ويعرف آثار الديار توهما تؤوبنى والليل بينى وبينه * وميض بأطراف الثنايا تضرما أجد لى العهد القديم كأنه * أشار بتذكار العهود فأفهما عجبت لمرتاع الجوانح خافق * بكيت له خلف الدجا وتبسما وبت أرويه كؤس مدامعي * وبات يعاطينى الحديث عن الحمى(7/414)
وصافحته عن رسم دار بذى الغضى * لبست بها ثوب الشبيبة معلما لعهدي بها تدنى الظباء أو انسا * وتطلع في آفاقها الغيد أنجما
أحن إليها حيث سار بى الهوى * وأنجد رحلى في البلاد وأتهما ولما استقر القرار واطمانت الدار وكان من السلطان الاغتياط والاسبشار وكثر الحنين إلى الاهل والتذكار أمر لاستقدام أهلى من مطرح اغرابهم من قسنطينة بعث إليهم من جاء بهم إلى تلمسان وأمر قائد الاسطول بالمرية فسار في اجازتهم في أسطوله واحتلوا بالمرية واستأذنت السلطان في تلقيهم وقدمت بهم على الحضرة بعد أن هيأت لهم المنزل والبستان ودمنة الفلح وسائر ضروريات المعاش وكتبت إلى الوزير ابن الخطيب عند ما قاربت الحضرة وقد كتبت إليه أستأذنه في القدوم وما اعتمده في أحواله سيدى قدمت بالطير اليمانين وعلى البلد الامين واستضفت الرفاء إلى البنين ومتعت بطول السنين وصلتني البراءة المعربة عن كتب اللقاء ودنو المزار وذهاب البعد وقرب الديار وأستفهم سيدى عما عندي في القدوم على المخدوم واحب أن يستقدمني سيدى إلى الباب الكريم في الوقت الذى يجد المجلس الجمهوري لم يقض حجيجه ولم يصخ بهيحه ويصل أهل بعده إلى المحل الذى هيأته السعادة لاستقرارهم واختاره اليمن قبل اختيارهم والسلام ثم لم ينشب الاعداء وأهل السعايات أن حملوا الوزير ابن الخطيب من ملابستي للسلطان واشتماله على وحركوا له جواد الغيرة فتنكر وشممت منه رائحة الانقباض مع استبداده بالدولة وتحكمه في سائر أحوالها وجاءتني كتب السلطان أبى عبد الله صاحب بجاية بأنه استولى عليها في رمضان سنة خمس وستين واستدعاني إليه فاستأذنت السلطان ابن الاحمر في الارتحال إليه وعميت عليه شأن ابن الخطيب ابقاء للمودة فارتمض لذلك ولم يسعه الا الاسعاف فودع وزود وكتب لى مرسوما بالتشييع من املاء الوزير ابن الخطيب نصه هذا ظهير كريم تضمن تشييعا وترفيعا واكراما واعظاما وكان لعمل الصنيع ختاما وعلى الذى أحسن تماما وأشاد به للمعتمد الذى راق قساما وتوفر قساما وأعلق بالقبول أن نوى بعد القوى رجوعا وآثر على الظعن المزمع مقاما أمر به وأمضى العمل بمقتضاه وحبسه
الامير أبو عبد الله محمد ابن مولانا أمير المسلمين أبى الحجاج ابن مولانا أمير المسلمين أبى الوليد بن نصر أيد الله أمره وأعز نصره وأعلى ذكره للولى الجليس الحظى المكين المقرب الاود الابن الفقيه الجليل الصدر الاوحد الرئيس العالم الفاضل الكامل الموقع الامين الاظهر الارضى الاخلص الاصفى أبى زيد عبد الرحمن ابن الشيخ الجليل الحسيب الاصيل المرفع المعظم الصدر الاوحد الاسمى الافضل الموقر المبرور أبى يحيى ابن الشيخ(7/415)
الجليل الكبير الرفيع الماجد القائد الحظى المعظم الموقر المبرور المرحوم أبى عبد الله ابن خلدون وصله الله أسباب السعادة وبلغه من فضله أقصى الارادة أعلن بما عنده أيده الله من الاعتقاد الجميل في جانبه المرفع وان كان غنيا من الاعلان وأعرب عن معرفة مقداره في الحسبان العلماء الرؤساء الاعيان وأثاد باتصال رضاه عن مقاصده البرة وشيمه الحسان من لدن وفد على بابه وفادة العزا لراسخ البنيان واقام المقام الذى عين له رفعة المكان واجلال الشان إلى أن عزم على قصد وطنه أبلغه الله في ظل الامن والامان وكفالة الرحمن بعد الاغتباط المربى على الخير بالعيان والتمسك بجواره بجهد الامكان ثم قبول عذره بما جبلت الانفس عليه من الحنين إلى المعاهد والاوطان بعد أن لم يدخر عنه كرامة رفيعة ولم يحجب عنه وجه صنيعه قولاه القيادة والسيادة وأجله جليسا معتمدا بالاستشارة ثم أصحبه تشييعا يشهد بالضنانة بفراقه ويجمع له بر الوجاهة من جميع آفاقه ويجعله بيده رثيمة خنصرو وثيقة سامع أو مبصر فمهما لوى إلى هذه البلاد بعد قضاء وطره وتمليه من نهمة سفره أو نزع به حسن العهد وحنين الود فصدر العناية به مشروح وباب الرضا والقبول مفتوح وما عهده من الحظوة والبر ممنوح فما كان القصد في مثله من امجاد الاولياء التحول ولا الاعتقاد الكريم التبدل ولا الزمن الاخيران ينسخ الاول على هذا فليطو ضميره وليرد ما شاءنميره ومن وقف عليه من القواد والاشياخ والخدام براو بحرا على اختلاف الخطط والرتب وتباين
الاحوال والنسب أن يعرفوا حق هذا الاعتقاد في كل ما يحتاج إليه من تشييع ونزول واعانة وقبول واعتناء موصول إلى أن يكمل الغرض ويؤدى من امتثال هذا الامر الواجب المفترض بحول الله وقوته وكتب في التاسع عشر من جمادى الاولى عام ست وستين وسبعمائة وبعد التاريخ العلامة بخط السلطان ونصها صح هذا * (الرحلة من الاندلس إلى بجاية وولاية الحجابة بها على الاستبداد) * كانت بجاية ثغر الافريقية في دولة بنى أبى حفص من الموحدين ولما صار أمرهم للسلطان أبى يحيى منهم واستقل بملك افريقية ولى في ثغر بجاية ابنه الامير أبو زكريا وفى يغر قسنطينة أبنه الامير أبو عبد الله وكان بنو عبد الواد ملوك تلمسان والمغرب الاوسط ينازعونه في أعماله ويحجرون الكتائب على بجاية ويجلبون على قسنطينة إلى أن تمسك السلطان أبو بكر بذمة من السلطان أبى الحسن ملك المغرب الاوسط والاقصى من بنى مرين وله الشفوف على سائر ملوكهم وزحف السلطان أبو الحسن إلى تلمسان فأخذ بمخنقها سنتين أو أزيد وملكها عنوة وقتل سلطانها أبا تاشفين وذلك سنة سبع وثلاثين وخف ما كان على الموحدين من أمر بنى عبد الواد واستقامت دولتهم ثم هلك(7/416)
أبو عبد الله ابن السلطان أبى يحيى بقسنطينة سنة أربعين وخلف سبعة من الاولاد كبيرهم أبو زيد عبد الرحمن ثم أبو العباس أحمد فولى الامير أبو زيد مكان أبيه في كفالة نبيل مولاهم ثم توفى الامير أبو زكريا ببجاية سنة ست وأربعين وخلف ثلاثة من الاولاد كبيرهم أبو عبد الله محمد وبعث السلطان أبو بكر ابنه الامير ابا حفص عليها فمال أهل بجاية إلى الامير أبى عبد الله بن زكريا وانحرفوا عن الامير عمرو أخرجوه وبادر السلطان فرقع هذا الخرق بولاية أبى عبد الله عليهم كما طلبوه ثم توفى السلطان أبو بكر منتصف سبع وأربعين وزحف ابو الحسن إلى افريقية فملكها ونقل الامراء من بجاية وقسنطينة إلى المغرب وأقطع لهم هنالك إلى أن كانت حادثة القيروان وخلع
السلطان أبو عنان أباه وارتحل من تلمسان إلى فاس فنقل معه هؤلاء الامراء أهل بجاية وقسنطينة وخلطهم بنفسه وبالغ في تكرمتهم ثم صرفهم إلى ثغورهم الامير أبا عبد الله أولا واخوته من تلمسان وأبا زيد واخوته من فاس ليستبدوا بثغورهم ويخذلوا الناس عن السلطان أبى الحسن فوصلوا إلى بلادهم وملكوها بعد أن كان الفضل ابن السلطان أبى بكر قد استولى عليها من يد بنى مرين فانتزعوها منه واستقر أبو عبد الله ببجاية حتى إذا هلك السلطان أبو الحسن بجبال المصامدة وزحف أبو عنان إلى تلمسان سنة ثلاث وخمسين فهزم ملوكها من بنى عبد الواد وأبادهم ونزل المرية وأطل على بجاية وبادر الامير أبو عبد الله للقائه وشكا إليه ما يلقاه من زبون الجند والعرب وقلة الجباية وخرج له عن ثغر بجاية فملكها وأنزل عماله بها ونقل الامير أبا عبد الله معه إلى المغرب فلم يزل عنده في كفاية وكرامة ولما قدمت على السلطان أبى عنان سنة خمس وخمسين واستخلصني منه نبضت عروق السابق بين سلفى وسلف الامير أبى عبد الله واستدعاني لصحابته فأسرعت وكان السلطان أبو عنان شديد الغيرة من مثل ذلك ثم كثر المنافسون ورفعوا إلى السلطان وقد طرقه مرض أرجف له الناس فرفعوا له أن الامير أبا عبد الله اعتزم على الفرار إلى بجاية انى عاقدته على ذلك على أن يوليني حجابته فانبعث له السلطان وسطابنا واعتقلني نحوا من سنتين إلى أن هلك وجاء السلطان أبو سالم واستولى على المغرب ووليت كتابة سره ثم نهض إلى تلسمان وملكها من يد بنى عبد الواد وأخرج منها أبا حمو موسى بن يوسف بن عبد الرحمن بن يغمراسن ثم اعتزم على الرجوع إلى فاس وولى على تلمسان أبا زيان محمد بن أبى سعيد عثمان ابن السلطان أبى تاشفين وأمده بالاموال والعساكر من أهل وطنه ليدافع أيا حمو عن تلمسان ويكون خالصة له وكان الامير أبو عبد الله صاحب بجاية كما ذكرناه والامير أبو العباس صاحب قسنطينة بعد ان كان بنو مرين حاصروا أخاه أبا زيد بقسنطينة(7/417)
أعواما تباعا ثم خرج لبعض مذاهبه إلى بونة وترك أخاه أبا العباس بها فخلعه واستبد بالامر وخرج إلى العساكر المجمرة عليها من بنى مرين فهزمهم وأثخن فيهم ونهض السلطان إليه من فاس سنة ثمان وخمسين فتبرأ منه أهل البلد وأسلموه فبعثه إلى سبتة في البحر واعتقله بها حتى إذا ملك السلطان أبو سالم سبتة عند اجازته من الاندلس سنة ستين أطلقه من الاعتقال وصحبه إلى دار ملكه ووعده برد بلده عليه فلما ولى أبو زيان على تلمسان أشار عليه خاصته ونصحاؤه بأن يبعث هولاء الموحدين إلى ثغورهم فبعث أبا عبد الله إلى بجاية وقد كان ملكها عمه أبو اسحق صاحب تلمسان ومكفول بن تافراكين من يد بنى مرين وبعث أبا العباس إلى قسنطينة وبها زعيم من زعماء بنى مرين وكتب إليه السلطان أبو سالم أن يفرج له عنها فملكها لوقته وسار الامير أبو عبد الله إلى بجاية فطال اجلابه عليها ومعاودته حصارها وألح أهلها في الامتناع منه مع السلطان أبى اسحق وقد كان لى المقام المحمود في بعث هؤلاء الامراء إلى بلادهم وتوليت كبر ذلك مع خاصة السلطان أبى سالم وكتاب أهل مجلسه حتى تم القصد من ذلك وكتب لى الامير أبو عبد الله بخطه عهدا بولاية الحجابة متى حصل على سلطانه ومعنى الحجابة في دولنا بالمغرب الاستقلال بالدولة والوساطة بين السلطان وبين أهل دولته لا يشاركه في ذلك أحد وكان لى أخ صغير اسمه يحيى أصغر منى فبعثه مع الامير أبى عبد الله حافظا للرسم ورجعت مع السلطان إلى فاس ثم كان ما قدمته من انصرافي إلى الاندلس والمقام بها إلى أن تنكر الوزير ابن الخطيب وأظلم الجو بينى وبينه وبينما نحن في ذلك وصل الخبر باستيلاء الامير أبى عبد الله على بجاية من يد عمه في رمضان سنة خمس وستين وكتب لى الامير أبو عبد الله يستقدمني فاعتزمت على ذلك ونكر السلطان أبو عبد الله بن الاحمر ذلك منى لا لظنه سوى ذلك إذ لم يطلع على ما كان بينى وبين الوزير ابن الخطيب فأمضيت العزم ووقع منه الاسعاف والبر والالطاف وركبت البحر من مرسى المرية منتصف ست وستين ونزلت بجاية لخامسة من الاقلاع فاحتفل السلطان صاحب بجاية
لقدومي وأركب للقائي وتهافت أهل البلد على من كل أوب يمسحون أعطا في ويقبلون يدى وكان يوما مشهودا ثم وصلت إلى السلطان فحيا وفدى وخلع وحمل وأصبحت من الغد وقد أمر السلطان أهل الدولة بمباكرة بابى واستقللت بحمل ملكه واستفرغت جهدي في سياسة أموره وتدبير سلطانه وقدمني للخطابة بجامع القصبة لا انفك عن ذلك ووجدت بينه وبين ابن عمه السلطان أبى العباس صاحب قسنطينة فتنة أحدثتها المشاحة في حدود الاعمال من الرعايا والعمال وشبت نار هذه الفتنة بعرب أوطانهم من الزواودة من رياح تنفيقا لسوق الزبون يميرون به أموالهم فكانوا في أهم شقة بجمع بعضهم(7/418)
لبعض فالتقوا سنة ست وستين بفدحيوه وانقسم العرب عليهما وكان يعقوب بن على مع السلطان أبى العباس فانهزم السلطان أبو عبد الله ورجع إلى بجاية مفلولا بعد ان كنت جمعت له أموالا كثيرة أنفق جميعا في العرب ولما رجع وأعوزته النفقة خرجت بنفسى إلى قبائل البربر بالجبال الممتنعين من المغارم منذ سنين فدخلت بلادهم واستبحت حماهم وأخذت رهنهم على الطاعة حتى استوفيت منهم الجباية وكان لنا في ذلك مدد واعانة ثم بعث صاحب تلمسان إلى السلطان يطلب منه الصهر فأسعفه بذلك ليصل يده به على ابن عمه وزوجه ابنته ثم نهض السلطان أبو العباس سنة سبع وستين وجاس أوطان بجاية وكاتب أهل البلد وكانوا وجلين من السلطان أبى عبد الله لما كان يرهف الحدلهم ويشد وطأته عليهم فأجابواه إلى الانحراف عنه وخرج الشيخ أبو عبد الله يروم مدافعته ونزل جبل ايزو معتصما به فبيته السلطان أبو العباس في عساكره وجموع الاعراب من أولاد محمد بن رياح بمكانه ذلك باغراء ابن صخر وقبائل سد ويكش وكبسه في محيمه وركض هاربا فلحقه وقتله وسار إلى البلد بمواعدة أهلها وجاءني الخبر بذلك وانا مقيم بقصبة السلطان بقصوره وطلب منى جماعة من أهل البلد القيام بالامر والبيعة لبعض أبناء السلطان فتفاديت من ذلك وخرجت إلى السلطان
أبى العباس فأكرمني وحياني وأمكنته من بلده وأجرى أحوالها كلها على معهودها وكثرت السعاية عنده في والتحذير من مكاني وشعرت بذلك فطلبت الاذن في الانصراف بعهد كان منه في ذلك فأذن لى بعد ما أبى وخرجت إلى العرب ونزلت على يعقوب بن على ثم بداله الشأن في أمرى وقبض على أخى واعتقله ببونة وكبس بيوتنا فظن بها ذخيرة وأموالا فأخفق ظنه ثم ارتحلت من أحياء يعقوب بن على وقصدت بسكرة لصحابة بينى وبين شيخها أحمد بن يوسف بن مزنى وبين أبيه فأكرم وبروساهم في الحالث بماله وجاهه والله أعلم * (مشايعة أبى حمو صاحب تلمسان) * كان السلطان أبو حمو قد التحم ما بينه وبين السلطان أبى عبد الله صاحب بجاية بالصهر في ابنته وكانت عنده بتلمسان فلما بلغه مقتل أبيها واستيلاء السلطان أبى العباس ابن عمه صاحب قسنطينة على بجاية أظهر الامتعاض لذلك وكان أهل بجاية قد توجسوا الخيفة من سلطانهم بارهاف حده وشدة بطشه وسطوته فانحرفوا عنه باطنا وكاتبوا ابن عمه بقسنطينة كما ذكرناه ودسوا للسلطان أبى حمو بمثلها يرجون الخلاص من صاحبهم بأحدهما فلما استولى السلطان أبو العباس وقتل ابنه عمه رأوا ان جرحهم قد اندمل وحاجتهم قد قضيت فاعصو صبوا عليه وأظهر السلطان أبو حمو الامتعاص(7/419)
للواقعة يسر منها حسوا في ارتقاء ويجعله ذريعة للاستيلاء على بجابة لما كان يرى نفسه كفأها بعدده وعديده وما سلف من قومه في حصارها فسار من تلمسان يجر الشوك والمدر حتى خيم بالرشة من ساحتها ومعه أحياء زغبة بجموعهم وظعائنهم من لدن تلمسان إلى بلاد حصين من بنى عامر وبنى يعقوب وسويد والديالم والعطاف وحصين وانحجر أبو العباس بالبلد في شرذمة من الجند أعجله السلطان أبو حمو عن استكمال الحشد ودافع أهل البلد أحسن الدفاع وبعث السلطان أبو العباس عن أبى زيان بن
السلطان أبى سعيد عم أبى حمو من قسنطينة كان معتقلا بها وأمر مولاه وقائد عسكره بشيرا أن يخرج معه في العساكر وساروا حتى نزولوا بنى عبد الجبار قبالة معسكر أبى حمو وكانت رجالات زغبة قد وجموا من السلطان وأبلغهم النذير أن ملك بجاية اعتقلهم بها فراسلوا أبا زيان وركبوا إليه واعتقدوا معه وخرج رجل البلد بعض الايام من أعلى الحصن ودفعوا شرذمة كانت مجمرة بازائهم فاقتلعوا أخباءهم وأسهلوا من تلك العقبة إلى بسيط الرشة وعاينهم العرب بأقصى مكانهم من المعسكر فاجفلوا وتتابع الناس في الانجفال حتى افردوا السلطان في مخيمه فحمل رواحله وسار وغصت الطرق بزحامهم وتراكم بعضهم على بعض فهلك منهم عوالم وأخذهم سكان الجبال من البربر بالنهب من كل ناحية وقد غشيهم الليل فتركوا أزوادهم ورحالهم وخلص السلطان ومن خلص منهم بعد غص الريق وأصبحوا على منجاة وقذفت بهم الطرق من كل ناحية إلى تلمسان وكان السلطان أبو حمو قد بلغه خبر خروجي من بجاية وما أحدثه السلطان بعدى في أهلى ومخلفى فكتب إلى يستقدمني قبل هذه الواقعة وكانت الامور قد اشتبهت فتفاديت بالاعذار وأقمت باحياء يعقوب بن على ثم ارتحلت إلى بسكرة فأقمت بها عند أميرها أحمد بن يوسف بن مزنى فلما وصل السلطان أبو حمو إلى تلمسان وقد جزع للواقعة أخذ في استئلاف قبائل رياح ليجلب بهم مع عساكره على أوطان بجاية وخاطبني في ذلك لقرب عهدي باستتباعهم وملك زمامهم ورأى أن يعول على في ذلك واستدعاني لحجابته وعلامته وكتب بخطه مدرجة في الكتاب نصها الحمد الله على ما أنعم والشكر لله على ما وهب ليعلم الفقيه المكرم أبو زيد عبد الرحمن ابن خلدون حفظه الله انك تصل إلى مقامنا الكريم بما خصصنا كم به من الرتبة المنيعة والمنزلة المنيفة وهو قلم خلافتنا والانتظام في سلك أوليائنا وقد أعلمنا كم بذلك وكتب بخط يده عبد الله المتوكل على الله موسى بن يوسف لطف الله به وخار له وبعده بخط الكاتب ما نصه بتاريخ السابع عشر من شهر رجب الفرد من عام تسع وستين وسبعمائة عرفنا الله
خيره ونص الكتاب الذى هذه مدرجته وهو بخط الكاتب أكرمكم الله يا فقيه أبا زيد(7/420)
ووالى رعايتكم انا قد ثبت عندنا وصح لدينا ما انطو يتم عليه من المحبة في مقامنا والانقطاع إلى جنابنا والتشييع قديما وحديثا لنا مع ما نعلمه من محاسن اشتملت عليها أوصافكم ومعارف فقتم فيها نظراءكم ورسوخ القدم في الفنون العلمية والآداب العرفية وكانت خطة الحجابة ببابنا العلى أسماه الله إلى درجات أمثالكم وأرفع الخطط لنظرائكم قربا منا واختصاصا بمقامنا واطلاعا على خفايا أسرارنا آثرناكم بها ايثارا وقدمناكم لها اصطفاء واختيارا فاعملوا على الوصول إلى بابنا العلى أسماه الله لمالكم فيه من التنويه والقدر النبيه حاجبا لعلى بابنا ومستودعا لاسرارنا وصاحبا لكريم علامتنا إلى ما شاكل ذلك من الانعام العميم والخير الجسيم والاعتناء والتكريم لا يشارككم مشارك في ذلك ولا يزاحمكم أحد وان وجد من أمثالكم فأعملوه وعولوا عليه والله تعالى يتولاكم ويصل سرائكم ويوالى احتفاءكم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته وتأدت إلى هذه الكتب السلطانية على يد سفير من وزرائه جاء إلى أشياخ الزواودة في هذا الغرض فقمت له في ذلك أحسن قيام وشايعته أحسن مشايعة وحملتهم على اجابة داعى السلطان والبدار إلى خدمته وانحرف كبراؤهم عن السلطان أبى العباس إلى خدمته والاعتمال في مذاهبه واستقام غرضه من ذلك وكان أخى يحيى قد خلص من اعتقاله وقدم على ببسكرة فبعثته إلى السلطان أبو حمو كالنائب عنى في الوظيفة متفاديا عن تحشم أهوالها بما كنت نزعت عن غواية الرتب وطال على اغفال العلم فاعرضت عن الخوض في أحوال الملوك وبعثت الهمة على المطالعة والتدريس فوصل إليه الاخ فاستكفي به ذلك ودفعه إليه ووصلني مع هذه الكتب السلطانية كتاب رسالة من الوزير أبى عبد الله ابن الخطيب من غرناطة يتشوق إلى وتأدى إلى تلمسان على يد سفراء السلطان ابن الاحمر فبعث إلى من هنالك ونصه
بنفسى وما نفسي على رخيصة * فينزلني عنها المكاس بأثمان حبيب نأى عنى وصم لانثنى * وراش سهام البين عمد افاضنانى وقد كان هم الشيب لا كان كائنا * فقد آدنى لما ترحل همان شرعت له من دمع عينى موردا * فكدر شربى بالفراق وأظماني وأرعيته من حسن عهدي حمية * فأجدب آمالى وأوحش أزماني حلفت على ما عنده لى من رضا * قياسا بما عندي فأحنث أيماني وانى على ما نالني منه من قلا * لاشتاق من لقياه نعبة ظمآن سألت جنوني فيه تقريب عرسه * فقست بحر الشوق جن سليمان إذا مادعا داع من القوم باسمه * وثبت وما استثبت شيمة هيمان(7/421)
وتالله ما أصغيت فيه لعاذل * تحاميته حتى ارعوى وتحامانى ولا استشعرت نفسي برحمة عابد * تظلل يوما مثله عبد رحمن ولا شعرت من قبله بتشوق * يخلل يوما مثله عبد رحمن أما الشوق فحدث عن البحر ولا حرج وأما الصبر فسل به أية درج بعد أن تجاوز اللوا والمنعرج لكن الشدة تعشق الفرج والمؤمن ينشق من روح الله الارج وانى بالصبر على ابر الزبر لابل الضرب الهبر ومطاولة اليوم والشهر تحت حكم القهر ومن للعين أن تسلو سلو القصر عن انسانها المبصر أو تذهل ذهول الزاهد عن سرها الرائى والمشاهد وفى الجسد مضغة يصلح إذا صلحت فكيف حاله ان رحلت عنه أو ترحت وإذا كان الفراق هو الحمام الاول فعلام المعول أعيت مراوضة الفراق على الرواق وكادت لوعة الاشتياق ان تفضى إلى السياق تركتمونى بعد تشييعكم * أوسع أمر الصبر عصيانا أقرع سنى ندماتارة * وأستميح الدمع احيانا
وربما تعللت بغشيان المعاهد الخالية وجددت رسوم الاسى بمباكرة الرسوم البالية أسائل نوى النوى عن أهليه وهيام المرقد المهجور عن مصطليه وثاء الاثافي المثلثة من منازل الموحدين وأحار بين تلك الاطلال حيرة الملحدين لقد ظللت إذا وما أنا من المهتدين كلفت لعمر الله بسائل عن جفوني المؤرقة ونائم عن شجوني المجتمعة المتفرقة ظعن عن ملال لا متبرما بشرحال وكدر الوصل بعد صفاته وضرح النصل بعد عهد وفائه أقل أشتياقا أيها القلب انما * رأيتك تصفى الود من ليس جازيا فها أنا أبكى عليه بدم أساله وأندب في ربع الفراق اساله وأشكو إليه حال قلب صدعه وأودعه من الوجد ما أودعه لما خدعه ثم قلاه وودعه وأنشق رياه أنف ارتياح قد جدعه خليلي فيما عشتما هل رأيتما * قتيلا بكى من حب قاتله قبلى فلولا عسى الرجاء ولعله لابل شفاعة المحل الذى حله نشرت ألوية العتب وبثتت كتائبها كمينا في شعاب الكتب تهزمن الالفات رماحا هز الاسنة وتوتر من النونات أمثال القسى المرنة وتقود من مجموع الطرس والنقس بلقاء تردى في الاعنة ولكنه أوى إلى الحرم الامين وتفيأ ظلال الجوار المؤمن من معرة الغوار عن الشمال واليمين حرم الخلال المزنية والظلال اليزنية والهمم السنية والشيم التى لا ترضى بالدون ولا بالدنية حيث الرفد الممنوح والطير الميامن يزجولها السنوح(7/422)
والمثوى الذى إليه مهما تقارع الكرام على الضفان حول جوابي الجفان فهو الجنوح نسب كأن عليه من شمس الضحى * نورا ومن فلق الصباح عمودا ومن حل بتلك المثابة فقد اطمأن جنبه وتغمد بالعفو ذنبه (والله دار لقائل)
فوحقه لقد انتدبت لوصفه * بالبخل لولا أن حمصا داره بلد متى أذكره هيج لوعتي * وإذا قد حت الزند طار شراره اللهم غفر أو أين قراره النخيل من مثوى الالف البخيل ومكذبة المخيل وأين نائية هجر من متبرئ ممن ألحد وفجر من أنكر غيث مسودة * في الارض ينوء بمخلفها فبنان بنى مزن مزن * تنهل بلطف مصرفها مزن مذحل ببسكرة * يوما نطقت بمصحفها سكرت حتى بعبارتها * وبمعناها وبأحرفها وشكرت الدنيا متى عرفت * مزن فيها بمعرفها بل نقول لا محل للولد لا أقسم بهذا البلد وأنت حل بهذا البلد لقد حل بينك عرى الجلد وخلد الشوق بعدك يا ابن خلدون في الصميم من الخلد فحيا الله زمانا شفيت في قربك زمانته واحتليت في ذروة مجدك جمانته ويامن لمشوق لم يقض من طول خلتك لبانته وأهلا بروض أضلت شباب معارفك بانته فحمائمه بعدك تندب فيساعدها الجندب ونواسمه ترق فتتعاشى وعشبانه تتهافت وتتلاشى وأدواحه في ارتباك وحمائمه في مأتم ذى اشتباك كان لم تكن قمرهالات قبابه ولم يكن أنسك شارع بابه إلى صفوة الضرب ولبابه ولم يسبح انسان عينك في ماء شبابه فلهفا عليك من درة اختلستها يد النوى ومطل بردها الدهر ولوى ونعق غراب بينها في ربوع الهوى ونطق بالزجر فما نطق عن الهوى وباى شئ يعتاض منك أيتها الرياض بعد أن طما نهرك الفياض وفهقت الحياض ولا كان الشانئ المشنوء والحرب المهنوء من قطع ليل أغار على الصبح فاحتمل وشارك في الامر الناقة والجمل واستأثر جنحه ببدر النادى لما كمل فشرع الشراع فراع وواصل الاسراع فكأنما هو تمساح ضايق الاحباب في البرهة واختطف بهم من الشط نزهة العين وعين
النزهة ولحج بها والعيون تنظر والعبر عن الاتباع تخطر فلم يقدر الاعلى الاسف والتماح الاثر المنتسف والرجوع بمل ء العيبة من الخيبة ووفر الحبرة من الحسرة انما نشكو إلى الله البث والحرن ويستمطر منه المزن وبسيف الرجاء نصول إذا(7/423)
شرعت لليأس أسنة ونصول ما أقدر الله أن بدنى على شحط * من داره الحزن ممن داره صول فان كان كلام الفراق رغيبا لما نويب مغيبا وحللت الوقت الهنى تشغيبا فلعل الملتقى يكون قريبا وحديثه يروى صحيحا غريبا ايه سيدى كيف حال تلك الشمايل المزهرة المخايل والشيم الهامية الديم هل يمر ببالها من راعت بالبعد باله واخمدت بعاصف البين ذباله أو ترثى لمؤق شأنها سكب لا يفتر وشوق يبت حبال المشوق ويبتر وضنى تقصر عن حلله الفائقة صنعاء وتستر والامر أعظم والله يستر وما الذى يصيرك صير من بلفح السموم يضيرك بعد أن أضرمت وأشعلت وأوقدت وجعلت وفعلت فعلتك التى ان تترفق بذماء أو ترد بنغبة ماء رماق ظماء وتتعاهد المعاهد بتحية عليها شذا انفاسك أو تنظر الينا من البعد بمقلة حوراء من بياض قرطاسك وسواد انفاسك فربما قنعت الانفس المحبة بخيال يزور وتعللت بنوال منذور ورضيت لما لم تصد العنقاء بزر زور يامن ترحل والرياح لاجله * تشتاق ان يعبق شذارياها تحيا النفوس إذا بعثت تحية * وإذا قرأت ترى ومن أحياها ولئن أحييت بها فيما سلف نفوسنا تفديك والله إلى الخير يهديك فنحن نقول مشعر موديك ثن تجعلها بيضة الديك وعذرا فانى لم أجترئ على خطابك بالفقرة الفقيرة وأدللت لدى محرابك برفع العقيره عن نشاط بعث مرسومه ولا اغتباط بالادب الا بسياسة تسوسه أو في على الفترة ناموسه وانما هو نفاق نفثة المصدور وهناء
الجرب المجدور وان تعلل به مخارق فثم قياس فارق والذى هيأ هذا القدر وسببه وسهل المكروه إلى منه وحببه ما اقتضاه الصنو يحيى أمد الله حياته وحرس من الحوادث جهاته من خطاب ارتشف لهذه القريحة العديمة بلالتها بعد أن رضى غلالتها ورسخ إلى الصهر الحضرمي سلالتها فلم يسع الا اسعافه بما أعافه فأمليت مجيبا ما لا يعد في يوم الرهان نجيبا وأسمعته وجيبا لما ساجلت بهذه الترهات سحرا عجيبا حتى إذا ألف القلم العريان فسحه وجمح برذون الغزارة فلم أطق كبحه لم أفق من غمرة غلوه وموقف شلوه الا وقد تحيز إلى فئتك مغترا بل معترا و استقبلها ضاحكا مفترا وهش لها برا وان كان من الخجل مصفرا وليس بأول من هجر في التماس الوصل ممن هجر أو بعث التمر إلى هجر وأى نسب بينى اليوم وبين زخرف الكلام واجالة جياد الاقلام في محاورة الاعلام بعد أن حال الجريض دون القريض وشغل المريض عن التعريض وغلب الشوق الكسل(7/424)
ونشرت الشعرات البيض كأنها الاسل تروع برقط الحيات سرب الحياة وتطرق بذوات الغرر والشباب عند البيات والشيب الموت العاجل والمعتبر الآجل وإذا اشتغل الشيخ بغير معاده حكم في الظاهر بابعاده وأسره في ملكة عاده فأغض أبقاك الله وأسمح لمن قصر عن المطمح وبالعين الكليلة فالمح واغتنم لباس ثوب الثواب واشف بعض الجوى بالجواب تولاك الله فيما استضفت وملكت ولا بعدت ولا هلكت وكان لك أية سلكت ووسمك من السعادة بأوضح السمات وأتاح لقاءك من قبل الممات والسلام الكريم يعتمد جلال ولدى وساكن خلدي بل أخى وان اتقيت عتبه وسيدي ورحمة الله وبركاته من محبه المشتاق إليه محمد بن عبد الله ابن الخطيب في الرابع عشر من شهر ربيع الثاني من عام سبعين وسبعمائة وكان تقدم منه قبل هذه الرسالة كتاب آخر إلى بعث به إلى تلمسان فتأخر وصوله حتى بعث به أخى يحيى
عند وفادته على السلطان ونص الكتاب يا سيدى اجلالا واعتدادا وأخى وداو اعتقادا ومحل ولدى شفقة حلت منى فؤادا طال على انقطاع أنبائك واختفاء أخبارك فرجوت أن أبلغ المنية بهذا المكتوب اليك وتخترق الموانع دونك وان كنت في موالاتك كالعاطش الذى لا يروى والآكل الذى لا يشبع شأن من تجاوز الحدود الطبيعية والعوائد المألوفة فانا بعد انهاء التحية المطلولة الروض بماء الدموع وتقرير الشوق القديم اللزيم وشكوى البعاد الاليم والابتهال في اتاحة القرب قبل الفوت من الله ميسر العسير ومقرب البعيد أسأل عن احوالك سؤال أبعد الناس مجالا في مجال الخلوص لديك واستقرارك ببسكرة على الغبطة بك باللجا إلى تلك الرياسة الزكية الكريمة الاب الشهيرة الفضل المعروفة القدر على البعد حرسها الله ملجأ للفضلاء ومخيم الرجال العلياء ومهبا لطيب الثناء بحوله وقوته وقاربت كل ساح السلامة فاحمدوا الله على الخلاص وقاربوا في معاملة الآمال وضنوا بتلك الذات الفاضلة عن المشاق وابخلوا بها عن المتالف فمطلوب الحريص على الدنيا خسيس والموانع الحافة جمة والحاصل حسرة وماقل سعى يحمد حالة العاقبة والعاقل لا يستنكحه الاستغراق فيما آخره الموت انما ينال منه الضرورى ومثلك لا يعجزه مع الناس العافية اضعاف ما يرجى به العمر من المأكل والمشرب وحسبنا الله وان تشوفت لحال المحب تلك السيادة للبرة والبنوة البرة فالحال حال من جعل الزمام بيد القدر والسير في مهيع الغفلة والسبح في تيار الشواغل ومن وراء الامور غيب محجوب وأجل مكتوب يؤمل فيه عادة الستر من الله الا أن الضجر الذى تعلمونه حفظه الناس لما عجزت الحيلة أعوز الناصر وسدت المذاهب والشأن اليوم شأن الناس فيما(7/425)
يقرب من الاعتدال وفيما يرجع إلى السلطان تولاه الله على اضعاف ما باشر سيدى من الاغياء في البر ووصل سبب الالتحام والاشتمال مع الاقبال وما يسحه متعود
الظهور والحمد لله وفيما يرجع إلى الاحباب والاولاد فعلى ما علمت الآن الشوق يخامر القلوب وتصور اللقاء مما يزهد في الوطن وحاضر النعم سنى الله ذلك على أفضل سال ويسره قبل الارتحال من دار المحال وفيما يرجع إلى الوطن فأحوال النائم خصبا وهدنة وظهورا على العدو وحسبك بافتتاح حصن آش وبرغة القاطعة بين بلاد الاسلام ووبرة والعارين وبيعة وحصن السهلة في عام ثم دخول بلد اطريرة بنت اشبيلية عنوة والاستيلاء على ما يناهز خمسة آلاف من السبى من فتح دار الملك وبلدة قرطبة ومدينة جيان عنوة في اليوم الاغر المحجل وقتل المقاتلة وسبى الذرية وتعفية الآثار حتى لا يلم بها العمران ثم افتتاح مدينة رندة التى تلف جيان من ملاءتها درا التجر والرفاهية والبنات الحافلة والنعم الثرة نسأل الله جل وعلا أن يصل عوائد نصره ولا يقطع عنا سيب رحمته وأن ينفع بما أعان عليه من السعي في ذلك والاعانة عليه ولم يتزيد من الحوادث الاما علمتم من أخذ الله لنسب السوء وخبث الارض المسلوب من أثر الخير عمر بن عبد الله وتحكم شر الميتة في نفسه واتيان النكال على حاشيته والاستئصال على نفيسه والاضطراب مستول على الوطن بعده الا أن القرب على علالته لا يرجحه غيره والاندلس اليوم الشيخ غزاتها عبد الرحمن بن على بن السلطان أبى على بعد وفاة الشيخ أبى الحسن على بن بدر الدين رحمه الله وقد استقر بها بعد انصراف سيدى الامير المذكور والوزير مسعود بن رحو وعمر بن عثمان بن سليمان والسلطان ملك النصارى بطرة قد عاد إلى ملكه باشبيلية وأخوه مجلب عليه بقشتالة وقرطبة مخالفة عليه قائمة بطائفة من كبار النصارى الخائفين على أنفسهم داعين لاخيه والمسلمون فد اغتنموا هبوب هذه الريح وخرق الله لهم عوائد في باب الظهور والخير لم تكن تخطر في الآمال وقد تلقب السلطان أيده الله يعقب هذه المكنفات بالغنى بالله وصدرت عنه مخاطبات بمجمل الفتوح ومفصلها يعظم الحرص على ايصالها إلى تلك الفضائل لو أمكن وأما ما يرجع إلى ما يتشوف إليه ذلك الكمال من شغل الوقت فصدرت تقاييد وتفاصيل يقال فيها بعد
ما اعتملت تلك السيادة بالانصراف يا ابراهيم ولا ابراهيم اليوم منها ان كتابا رفع إلى السلطان في المحبة من تصنيف ابن أبى حجلة من المشارقة فعارضته وجعلت الموضوع أشرف وهو محبة الله فجاء كتابا ادعى الاصحاب غرابته وقد وجه إلى الشرق وصحبته كتاب غرناطة وغيره من تأليفي وتعرف تحبيسه بخانقاه سعيد السعداء من مصر وانثال الناس عليه وهو في لطافة الاعراض متكلف اغراض المشارقة من ملحه(7/426)
سلمت لمصرفي الهوى من بلد * يهديه هواؤها لدى استنشاقه من ينكر دعوتي فقل عنى له * تكفى امرأة العزيز من عشاقه والله يرزق الاعانة في انتساخه وتوجيهه وصدر عنى جزء سميته الغيرة على أهل الحيرة وجزء سميته حمد الجمهور على السنن المشهور والاكباب على اختصار كتاب الجوهرى ورد حجمه إلى مقدار الخمس مع حفظ ترتيبه السهل والله المعين على مشغلة نقطع بها هذه البرهة القريبة البداءة من التتمة ولا حول ولا قوة الا بالله والمطلوب المثابرة على تعريف يصل من تلك السيادة والبنوة إذ لا يتعذر وجود قافل من حج أولا حق بتلمسان يبعثها السيد الشريف منها فالنفس شديدة التعطش والقلوب قد بلغت من الشوق والاستطلاع الحناجر والله أسأل أن يصون في البعدود يعتى منك لديه ويلبسك العافية ويخلصك واياى من الورطة ويحملنا أجمعين على الجادة ويختم لنا بالسعادة والسلام الكريم عودا على بدءو رحمة الله وبركاته من المحب المشوق الذاكر الداعي ابن الخطيب في الثاني من جمادى الاولى من عام تسعة وستين وسبعمائة انتهى (فأجبته) ونص الجواب سيدى مجدا وعلواو واحدى ذخر امرجوا ومحل والدى بر اوحنوا ما زال الشوق مذ نأت بى وبك الدار واستحكم بيننا البعاد يرعى سمعي أنبأك ويخيل إلى من أيدى الرياح تناول رسائلك حتى ورد كتابك العزيز على استطلاع وعهد غير مضاع
وودذى أجناس وأنواع فنثمر بقلبي ميت السلو وحشر أنواع المسرات وقدح للقائك زناد الامل والله أسأل الامتناع بك قبل الفوت على ما يرضيك ويسنى أمانى وأمانيك وحييته تحية الهائم لموقع الغمائم والمدلج للصباح المتبلج وأملى على معترج الاولياء خصوصا فيك من اطمئنان الحال وحسن القرار وذهاب الهواجس وسكون النفرة وعموما في الدولة من رسوخ القدم وهبوب ريح النصر والطهور على عدو الله باسترجاع الحصون التى استنقذوها في اعتلال الدولة وتخريب المعاقل التى هي قواعد النصرانية غريبة لا تثبت الا في الحلم وآية من آيات الله وان خبأة هذا الفتح في طى العصور السالفة إلى هذه المدة الكريمة لدليل على عناية الله بتلك الذات الشريفة حيث أظهر على يدها خوارق العادة وما تجد آخر الايام من معجزات الملة وكمل فيها والحمد لله تحسين التدبير ويمن التعبية من حميد الاثر وخالد الذكر طراز في حلة الخلافة النصرية وتاج في مفرق الوزارة كتبه الله لك فيما يرضاه الله من عباده ووقفت عليه الاشراف من أهل هذا العصر المحروس وأذعته في الملا سرور العز الاسلام واظهار اللنعمة واستطراد الذكر الدولة المولوية بما تستحقه من طيب الثناء والتماس الدعاء والتحديث بنعمتها والاشادة بفضلها على الدول السالفة(7/427)
والخالفة وتقدمها فانشرحت الصدور حبا وامتلات القلوب اجلالا وتعظيما وحسنت الآثار اعتقادا ودعاء وكان كتاب سيدى لشرف تلك الدولة عنوانا ولما عساه يستعجم من نعتي في مناقبها ترجمانا زاده الله من فضله وأمتع المسلمين سكون الغريب من الشوق المزعج والحيرة التى تكاد تذهب بالنفس أسفا لتجافي عرمها عن الامن والتقويض عن دار العزيز المولى المنعم والسيد الكريم والبلد الطيب والاخوان البررة ولو كنت أعلم الغيب لاستكثرت من الخير وان تشوفت السيادة الكريمة إلى الحال فعلى ما علمتم سيرا مع الامل ومغالبة للايام على الحظ واقطاعا للغفلة
جانب العمر هل نافعى والجد في صبب * مدى مع الآمال في صعد رجع الله بنا إليه ولعل في عظمتكم النافعة شفاء من هذا الداء العياء ان شاء الله وان لطف الله مصاحب من هذه الرياسة المزينة وحسبك بها عليه عصمة وافية صرفت وجه القصد إلى ذخيرتي التى كنت أعتدها منهم كما علمتم حين تفاقم الخطب وتلون الدهر والافلات من مظان النكبة وقد رنقت حولها بعد ما جرنه الحادثة بمهلك السلطان المرحوم على يد ابن عمه قريعه في الملك وقسيمه في النسب والتياث الجاه وتغير السلطان واعتقال الاخ المخلف واليأس منه لولا تكييف الله في نجائه والعيث بعده في المنزل والولد واغتصاب الضياع المقتناة من بقايا ما متعت به الدولة النصرية أبقاها الله من النعمة فآوى إلى الوكر وساهم في الحادث وأشرك في الجاه والمال وأعان على نوائب الدهر وطلب الوثر حين رأى الدهر قلانى أمل الملوك استخلاصى وتجاوزوا في اتحافى والله المخلص من عقال الآمال والمرشد إلى نبذ هذه الحظوظ المورطة وأبنأنى سيدى بما صدر عنه من التصانيف الغريبة في هذه الفوحات الجليلة وبودي لو وقع الاتحاف بها أو بعضها فلقد عاودني الندم على ما فرطت وأما أخبار هذا القطر فلا زيادة على ما علمتم من استقرار السلطان أبى اسحق ابن السلطان أبى يحيى بتونس مستبدا بأمره بالحضرة بعد مهلك شيخ الموحدين أبى محمد بن تافراكين القائم بأمره رحمة الله عليه مضايقا في حياته الوطن وأحكامه بالعرب المستظهرين بدعوته مصانعا لهم بوفرة على أمان الرعايا والسابلة لو أمكن حسن السياسة جهد الوقت ومن انتظام بجاية محل دولتنا في أمر صاحب قسنطينة وبونة خلافا كما علمتم محملا الدولة بصرامته وقوة شكيمته فوق طوقها من الاستبداد والضرب على أيدى المستقلين من الاعراب منتقض الطاعة أكثر أوقاته لذلك الا ما شمل البلاد من تغلب الغرة ونقص الارض من الاطراف والوسط وخمود ذبال الدول في كل جهة وكل بداية إلى تمام وأما أخبار المغرب(7/428)
الاقصى والادنى فلديكم طلعه وأما المشرق فأخبر الحاج هذه السنة من اختلاله وانتقاض سلطانه وانتزاء الجفاة على كرسيه وفساد المصانع والسقايات المعدة لوفد الله وحاج بيته ما يسخن العين ويطيل البث حتى زعموا أن الهيعة اتصلت بالقاهرة أياما وكثر الهرج في أزقتها وأسواقها لما وقع بين سندمر المتغلب بعد بلبغا الخاصكى وبين سلطانه ظاهر القلعة من الجولة التى كانت دائرتها عليه أجلت عن زهاء الخمسمائة قتلى من حاشيته وهوالى بلبغا وتقبض على الباقين فأودع منهم السجون وطلب الكثير وقتل سندمر في محبسه وألقى زمام الدولة بيد كبير من موالى السلطان فقام بها مستبدا وقادها مستقلا وبيد الله تصاريف الامور ومظاهر الغيوب جل وعلا ورغبتي من سيدى أبقاه الله أن لا يغب خطابه عنى متى أمكن أن يصل منته الجمة وأن يقبل عنى أقدام تلك الذات المولوية ويعرفه بما عندي من التشيع لسلطانه والشكر لنعمته وأن ينهى عنى لحاشيته وأهل اختصاصه التحية المختلسة من أنفاس الرياض كبيرهم وصغيرهم وقد تأدى منى إلى حضرته الكريمة خطاب على يد الحاج نافع سلمه الله تناوله من الاخ يحيى عند لقائه اياه بتلمسان بحضرة السلطان أبى حمد أيده الله فربما يصل وسيدي يوضح من ثنائي ودعائي ما عجز عنه الكتاب والله يبقيكم ذخرا للمسلمين وملاذا للآملين بفضله والسلام الكريم عليكم وعلى من لاذبكم من السادة الاولاد المناجيب والاهل والحاشية والاصحاب من المحب فيكم المعتد بكم شيعة فضلكم ابن خلدون ورحمة الله وبركاته عنوانه سيدى وعمادي ورب الصنائع والايادي والفضائل الكريمة الخواتم والمبادى امام الامة علم الائمة تاج الملة فخر العلماء عماد الاسلام مصطفى الملوك الكرام كافل الامامة تاج الدول أثير الله ولى أمير المؤمنين الغنى بالله أيده الله الوزير أبو عبد الله ابن الخطيب أبقاه الله وتولى عن المسلمين جزاه (وكتب) إلى من غرناطة يا سيدي وولي وأخى ومحل ولدى كان الله لكم
حيث كنتم ولا أعدمكم لطفه وعنايته لو كان مستقركم بحيث يتأتى إليه ترديد رسول وانفاذ مقتطع أو توجيه نائب لزحفت على نفسي باللائمة في اغفال حقكم ولكن العذر ما علمتم واحمدوا الله على الاستقرار في كنف ذلك الفاضل الذى وسعكم كنفه وشملكم فضله شكر الله حسبه الذى لم يخلف وشهدته التى لم تكدر وانى اغتنمت سفر هذا الشيخ وافد الحرمين بمجموع الفتوح في ايصال كتابي هذا وبودي لو وقفتم على مالديه من البضاعة التى أنتم رأسها وصدرها فيكون لكم في ذلك بعض أنس وربما تأدى ذلك في بعضه مما لم يختم عليه وظواهر الامور تجل عليه في تعريفكم بها وأما البواطن فمما لاتتأتى كثرة وجماعة وأخص ما أظن تشوفكم إليه حالى فاعلموا انى قد بلغ بى(7/429)
الماء الربى واستولى على سوء المزاج المنحرف وتوالت الامراض وأعوز الشفاء لبقاء السبب والعجز عن دفعه وهى هذه المداخلة جعل الله عاقبتها إلى خير ولم أترك وجها من وجوه الحيلة الا بذلته فما أغنى عنى شيأ ولولا أنى بعدكم شغلت الفكر بهذا التأليف مع الزهد وبعد العهد وعدم الالماع بمطالعة الكتب لم تتمش من طريق فساد الفكر إلى هذا الحد وآخر ما صدر عنى كناش سميته باستنزال اللطف الموجود في أسر الوجود أمليته في هذه الايام التى أقيم فيها رسم النيابة عن السلطان في سفره إلى الجهاد بودى لو وقفتهم عليه وعلى كتابي في المحبة وعسى الله أن ييسر ذلك ومع هذا كله والله ما قصرت في الحرص على ايصال مكتوب اليكم اما من جهة أخيكم أو من جهة السيد الشريف أبى عبد الله حتى من المغرب إذا سمعت الركب متوجها منه فلا أدرى هل بلغكم شئ من ذلك أم لا والاحوال كلها على ما تركتموها عليه وأحبابكم بخير على ما علمتم من الشوق والتشوف والارتماض على مفارقتكم ولا حول ولا قوة الا بالله والله يحفظكم ويتولى أموركم والسلام علكيم ورحمة الله من المحب الواحش ابن الخطيب في ربيع الثاني من عام احدى وسبعين وسبعمائة وبباطنه مدرجة نصها
سيدى رضى الله عنكم استقر بتلمسان في سبيل تقلب ومسارعة مزاج تعرفونه صاحبنا المقدم في الطب أبو عبد الله الشقورى فإذا اتصل بكم فأعينوه على ما يقف عليه اختياره وهذا لا يحتاج معه إلى مثلكم عنوانه سيدى ومحل أخى الفقيه الجليل الصدر الكبير المعظم الرئيس الحاجب العالم الفاضل الوزير ابن خلدون وصل الله سعده وحرس مجده بمنه وانما طولت بذكر هذه المخاطبات وان كانت فيما يظهر خارجة عن غرض الكتاب لان فيها كثيرا من أخباري وشرح حالى فيستوفى ذلك منها ما يتشوف إليه من المطالعين للكتاب ثم ان السلطان أبا حمو لم يزل معتملا في الاجلاب على بجاية واستئلاف قبائل رياح لذلك ومعولا على مشايعتي فيه ووصل يده مع ذلك بالسلطان أبى اسحق ابن السلطان أبى بكر صاحب تونس من بنى أبى حفص لما كان بينه وبين أخيه صاحب بجاية وقسنطينة من العداوة التى تقتضيها مقاسمة النسب والملك فكان يوفد رسله عليه في كل وقت ويمرون بى وأنا ببسكرة فأكد الوصلة بمخاطبة كل منهما وكان أبو زيان ابن عم السلطان أبى حمو بعدا جفاله عن بجاية واختلال معسكره قد سار في أثره إلى تلمسان وأجلب على نواحيها فلم يظفر بشئ وعاد إلى حصين فأقام بينهم واشتملوا عليه ونجم النفاق في سائر أعمال المغرب الاوسط ولم يزل يستألفهم حتى اجتمع له الكثير منهم فخرج في عساكره منتصف تسع وستين إلى حصين وأبى زيان واعتصموا بجبل تيطرى وبعث إلى في استنفار الزواودة للاخذ بحجزتهم من جهة الصحراء وكتب يستدعى(7/430)
أشياخهم يعقوب بن على كبير أولاد محمد وعثمان بن يوسف كبير أولاد سباع بن يحيى وكتب إلى ابن مزنى قعيدة وطنهم بامدادهم في ذلك فأمدهم وسرنا مغربين إليه حتى نزلنا القطفا بتل تيطرى وقد أحاط السلطان به من جهة التل على أنه إذا فرغ من شأنهم سار معنا إلى بجاية وبلغ الخبر إلى صاحب بجاية أبى العباس فعسكر بمن استألف من بقايا قبائل رياح وعسكر بطرف ثنية القطفا المفضية إلى المسيلة وبينما نحن على ذلك اجتمع
المخالفون من زغبة وهم خالد بن عامر كبير بنى عامر وأولاد عريف كبراء سويد ونهضوا الينا بمكاننا من القطفا فأجفلت أحياء الزواودة وتأخرنا إلى المسيلة ثم إلى الزاب وسارت زغبة إلى تيطرى واجتمعوا مع أبى زيان وحصين وهجموا على معسكر أبى حمو ففلوه ورجع منهزما إلى تلمسان ولم يزل من بعد على استئلاف زغبة ورياح يؤمل الظفر بوطنه وابن عمه والكرة على بجاية عاما فعاما وأنا على حالى في مشايعته وايلاف ما بينه وبين الزواودة والسلطان أبى اسحق صاحب تونس وابنه خالد من بعده ثم دخلت زغبة في طاعته واجتمعوا على خدمته ونهض من تلمسان لشفاء نفسه من حصين وبجاية وذلك في أخريات احدى وسبعين فوفدت عليه بطائفة من الزواودة أولاد عثمان بن يوسف بن سليمان لنشارف أحواله ونطالعه بما يرسم له في خدمته فلقيناه بالبطحاء وضرب لنا موعدا بالجزائر انصرف به العرب إلى أهليهم وتخلف بعدهم لقضاء بعض الاغراض واللحاق بهم وصليت به عيد الفطر على البطحاء وخطبت به وأنشدته عند انصرافه من المصلى تهنئة بالعيد وغرضه هذى الديار فحيهن صباحا * وقف المطايا بينهن طلاحا لا تسأل الاطلال ان لم تروها * عبرات عينك واكفا ممتاحا فلقد أخذن على جفونك موثقا * أن لا يرين مع البعاد شحاحا ايه على الحى الجميع وربما * طرب الفؤاد لذكرهم فارتاحا ومنازل للظاعنين استعجمت * حزنا وكانت بالسرو رفصاحا وهى طويلة ولم يبقى في حفظى منها الا هذا وبينما نحن في ذلك إذ بلغ الخبر بأن السلطان عبد العزيز صاحب المغرب الاقصى من بنى مرين قد استولى على جبل عامر بن محمد الهنتاتى بمراكش وكان أخذ بمخنقه منذ حول وساقه إلى فاس فقتله بالعذاب وأنه عازم على النهوض إلى تلمسان لما سلف من السلطان أبى حمو أثناء حصار السلطان عبد العزيز لعامر في جبله من الاجلاب على ثغور المغرب ولحين وصول هذا الخبر أضرب
السلطان أبو حمو على ذلك الذى كان فيه وكر راجعا إلى تلمسان وأخذ في أسباب الخروج إلى الصحراء مع شيعة بنى عامر من أحياء زغبة فاستألف وجمع وسدد الرجال(7/431)
وقضى عيد الاضحى وطلبت منه الاذن في الانصراف إلى الاندلس لتعذر الوجهة إلى بلاد رياح وقد أظلم الجو بالفتنة وانقطعت السبل فأذن لى وحملنى رسالة إلى السلطان ابن الاحمر وانصرفت إلى المرسى بهنين وجاءه الخبر بنزول صاحب المغرب تازا في عساكره فأجفل بعدى من تلمسان ذاهبا إلى الصحراء على طريق البطحاء وتعذر على ركوب البحر من هنين فأقصرت وتأدى الخبر إلى السلطان عبد العزيز بأنى مقيم بهنين وأن معى وديعة احتملتها إلى صاحب الاندلس تخيل ذلك بعض الغواة وكتب به إلى السلطان عبد العزيز فأنفذ من وقته سرية من تازا وتعرضني لاسترجاع تلك الوديعة واستمر هو إلى تلسمان ووافتنى السرية بهنين وكشفوا الخبر فلم يقفوا على صحته وحملوني إلى السطان فلقيته قريبا من تلمسان واستكشفني عن ذلك الخبر فأعلمته بنفيه وعنفني على مفارقة دارهم فاعتذرت له لما كان من عمر بن عبد الله المستبد عليهم وشهد لى كبير مجلسه وولى أبيه وابن وليه وترمار بن عريف ووزيره عمر بن مسعود بن منديل بن حمامة واختفت الالطاف وسألني في ذلك المجلس عن أمر بجاية وأفهمني أنه يروم تملكها فهونت عليه السبيل في ذلك فسربه وأقمت تلك الليلة في الاعتقال ثم أطلقني من الغد فعمدت إلى رباط الشيخ الولى أبى مدين ونزلت بجواره مؤثرا للتخلي والانقطاع للعلم لو تركت له * (مشايعة السلطان عبد العزيز صاحب المغرب على بنى عبد الواد) * ولما دخل السلطان عبد العزيز إلى تلمسان واستولى عليها وبلغ خبره إلى أبى حمو وهو بالبطحاء فأجفل من هنالك وخرج في قومه وشيعته من بنى عامر ذاهبا إلى بلاد رياح فسرح السلطان وزيره أبا بكر بن غازى في العساكر لاتباعه وجمع عليه أحياء زغبة
والمعقل باستئلاف وليه وترمار وتدبيره ثم أعمل السلطان نظره ورأى أن يقدمني أمامه إلى بلاد رياح لاوطئ أمره وأحملهم على مناصرته وشفاء نفسه من عدوه بما كان السلطان أيس من استتباع رياح وتصريفهم فيما يريده من مذاهب الطاعة فاستدعاني من خلوتي بالعبادة عند رباط الولى أبى مدين وأنا قد أخذت في تدريس العلم واعتزمت على الانقطاع فآنسنى وقربني ودعانى لما ذهب إليه من ذلك فلم يسعنى الا اجابته وخلع على وحملنى وكتب إلى شيوخ الزواودة بامتثال أمرى وما ألقيه إليهم من أوامره وكتب إلى يعقوب بن على وابن مزنى بمساعدتي على ذلك وأن يحاولوا على استخلاص أبى حمو من بين أحياء بنى عامر ويحولوه إلى حى يعقوب بن على فودعته وانصرفت في عاشوراء سنة ثنتين وسبعين فلحقت الوزير في عساكره وأحياء العرب من المعقل وزغبة على البطحاء ولقيته ودفعت إليه كتاب السلطان وتقدمت أمامه وشيعني وترمار(7/432)
يومئذ وأوصاني بأخى محمد وقد كان أبو حمو قبض عليه عندما أحس منهم بالخلاف وأنهم يرومون الرحلة إلى المغرب وأخرجه معه من تلمسان مقيدا واحتمله في معسكره فأكد على وترمار في المحاولة على استخلاصه بما أمكن وبعث معى ابن أخيه عيسى في جماعة من سويد يبدروني وتقدم إلى أحياء حصين وأخبرهم فرج بن عيسى بوصية عمه وترمار إليهم فنبذوا إلى أبى زيان عهده وبعثوا معه من أوصله إلى بلاد رياح ونزل على أولاد يحيى بن على بن سباع وتوغلوا به في القفر واستمريت ذاهبا إلى بلاد رياح فلما انتهيت إلى المسيلة ألفيت السلطان أبا حمو وأحياء رياح معسكرين قريبا منها في وطن أولاد سباع بن يحيى من الزواودة وقد تسايلوا إليه وبذل فيهم العطاء ليجتمعوا إليه فلما سمعوا بمكانى من المسيلة جاؤا إلى فحملتهم على طاعة السلطان عبد العزيز وأوفدت أعيانهم وأشياخهم على الوزير أبى بكر بن غارى فلقوه ببلاد الديالم عند نهر واصل فأتوه طاعتهم ودعوه إلى دخول بلادهم في اتباع عدوه ونهض معهم وتقدمت أنا
من المسيلة إلى بسكرة فلقيت بها يعقوب بن على واتفق هو وابن مزنى على طاعة السلطان وبعث ابنه محمدا للقاء أبى حمو وأمر بنى عامر خالد بن عامر يدعوهم إلى نزول وطنه والبعد به عن بلاد السلطان عبد العزيز فوجده متدليا من المسيلة إلى الصحراء ولقيه على الدوسن وبات ليلتهم يعرض عليهم التحول من وطن أولاد بنى سباع إلى وطنهم بشرقي الزاب وأصبح يومه كذلك فما راعهم آخر النهار الا انتشار العجاج خارجا إليهم من أفواه الثنية فركبوا يستشرفون وإذا بهوادى الخيل طالعة من الثنية وعساكر بنى مرين والمعقل وزغبة منثالة أمام الوزير أبى بكر بن غازى قد دل بهم الطريق وفد أولاد سباع الذين بعثهم من المسيلة فلما أشرفوا على المخيم أغاروا عليه مع غروب الشمس فأجفل بنو عامر وانتهب مخيم السلطان أبى حمو ورحاله وأمواله ونجا بنفسه تحت الليل وتمزق شمل ولده وحرمه حتى خلصوا إليه بعد أيام واجتمعوا بقصور مصاف من بلاد الصحراء وامتلات أيدى العساكر والعرب من نهابهم وانطلق محمد بن عريف في تلك الهيعة أطلقه الموكلون به وجاء إلى الوزير وأخيه وترمار وتلقوه بما يجب له وأقام الوزير أبو بكر بن غازى بالدوسن أياما أراح فيها وبعث إليه ابن مزنى بطاعته وأرغد له من الزاد والعلوفة وارتحل راجعا إلى المغرب وتخلفت بعده أياما عند أهلى ببسكرة ثم ارتحلت إلى السلطان في وفد عظيم من الزواودة يقدمهم أبو دينار أخو يعقوب بن على وجماعة من أعيانهم فسابقنا الوزير إلى تلمسان وقدمنا على السلطان فوسعنا من حبائه وتكرمته ونزله ما بعد العهد بمثله ثم جاء من بعدنا الوزير أبو بكر بن غازى على الصحراء بعد أن مر بقصور بنى عامر هنالك فخربها وكان يوم قدومه(7/433)
على السلطان يوما مشهودا واذن بعدها لوفود الزواودة في الانصراف إلى بلادهم وقد كان ينتظر بهم قدوم الوزير ووليه وترمار بن عريف فودعوه وبالغ في الاحسان وانصرفوا إلى بلادهم ثم أعمل نظره في اخراج أبى زيان من بين أحياء الزواودة لما
خشى من رجوعه إلى حصين فأمرني في ذلك وأطلقنى إليهم في محاولة انصرافه عنهم فانطلقت لذلك وكان أحياء حصين قد توجسوا الخيفة من السلطان وتنكروا له وانصرفوا إلى أهليهم بعد مرجعهم من غزاتهم مع الوزير وبادروا باستدعاء أبى زيان من مكانه عند أولاد يحيى بن على وأنزلوه بينهم واشتملوا عليه وعادوا الى الخلاف الذى كانوا عليه أيام أبى حمو واشتعل المغرب الاوسط نارا ونجم صبى من بيت الملك في مغراوة وهو حمزة بن على بن راشد فر من معسكر الوزير ابن غازى أيام مقامه عليها فاستولى على شلف وبلاد قومه وبعث السلطان وزيره عمر بن مسعود في العساكر لمنازلته وأعيا داؤه وانقطعت أنا ببسكرة وحال ذلك ما بينى وبين السلطان الا بالكتاب والرسالة وبلغني في تلك الايام وأنا ببسكرة مفر الوزير ابن الخطيب من الاندلس حين توجس الخيفة من سلطانه بما كان له من الاستبداد عليه وكثرة السعاية من البطانة فيه فأعمل الرحلة إلى الثغور الغربية لمطالعتها باذن سلطانه فلما حاذى جبل الفتح قبل الفرضة دخل إلى الجبل وبيده عهد السلطان عبد العزيز إلى القائد بقبوله وأجاز البحر من حينه إلى سبتة وسار إلى السلطان بتلمسان وقدم عليه بها في يوم مشهود وتلقاه السلطان من الحظوة والتقريب وادرار النعم بما لا يعهد بمثله وكتب إلى من تلمسان يعرفني بخبره ويلم ببعض العتاب على ما بلغه من حديثى الاول بالاندلس ولم يحضرني الآن كتابه فكان جوابي عنه مانصه الحمدلله ولا قوة الا بالله ولا راد لما قضى الله يا سيدى ونعم الذخر الابدي والعروة الوثقى التى أعلقتها يدى أسلم عليك سلام القدوم على المخدوم والخضوع للملك المتبوع لابل أحييكم تحية المشوق للمعشوق والمدلج للصباح المتبلج وأقرر ما أنتم أعلم بصحيح عقدى فيه من حبى لكم ومعرفتي بمقداركم وذهابي إلى أبعد الغايات في تعظيمكم والثناء عليكم والاشادة في الآفاق بمناقبكم ديدنا معروفا وسبحية راسخة يعلم الله وكفى بالله شهيدا وهذا كما في علمكم أسنى ما اختلف أولا ولا آخرا ولا شاهدا ولا غائبا وأنتم أعلم بما تعنى نفسي وأكبر شهادة في خفايا ضميري
ولو كنت ذلك فقد سلف من حقوقكم وجميل أخذكم واجتلاب الحظ لو هيأه القدر لمساعيكم وايثاري بالمكان من سلطانكم ودولتكم ما يستلين معاطف القلوب ويستل سخائم الهواجس فأنا أحاشيكم من استشعار نبوة أو اخفار وطن ولو تعلق معلق ساق حرز رزور فحاش لله أن يقدح في الخلوص لكم أو يرحج سوائبكم انما هي خبية(7/434)
الفؤاد إلى الحشر واللقاء ووالله وجميع ما يقسم به ما اطلع على مستكنه منى غير صديقى وصقديكم الملابس كان لى ولكم الحكيم الفاضل أبى عبد الله الشقورى أعزه الله نفثة مصدور وبماثة خلوص إذ أنا أعلم الناس بمكانه منكم وقد علم ما كان منى حين مفارقة تلمسان واضمحلال أمره من اجماع الامر على الرحلة اليكم والخفوق إلى حاضرة البحر للاجازة إلى عدوتكم تعرضت فيهم للتهم ووقفت بمجال الظنون حتى تورطت في الهلكة ولولا حسن رأيه في وثبات بصيرته لكنت في الهالكين الاولين كل ذلك شوقا إلى لقائكم وتمثلا لانسكم فلا تظنوا بى الظنون ولا تصدقوا التوهمات فانا من قد علمتم صداقة وسذاجة وخلوصا واتفاق ظاهر وباطن أثبت الناس عهدا وأحفظهم غيبا وأعرفهم بوزان الاخوان ومزايا الفضلاء ولا مرما تأخر كتابي من تلمسان فأنى كنت استشعر ممن استضافني ريبا بخطاب سواه خصوصا جهتكم لقديم ما بين الدولتين من الاتحاد والمظاهرة واتصال اليد مع ان الرسول تردد إلى وأعلمنى اهتمامكم واهتمام السلطان بولاه الله باستكشاف ما أبهم من حالى فلم أترك شيأ مما أعلم تشوقكم إليه الا وكشفت له قناعه وآمنته على ابلاغه ولم أزل بعد ايناس المولى الخليفة لدمائي وجذبه بضبعى سابحا في تيار الشواغل كما علمت القاطعة حتى عن الفكر وسقطت إلى محل مجد خدمتي من هذه القاصية أخبار خلوصكم إلى المغرب قبل فصول راحلتي إلى الحضرة غير خلية ولا ملتئمة ولم يتعين ملقى العصا ولا مستقر النوى فأرجأت الخطاب إلى استجلائها وأفدت من كتابكم العزيز الجارى على سنن الفضل ومذاهب المجد ما كيفه
القدر من بديع الحال لديكم وعجيب تأتى أملكم لشارد فيه كما كنا نستبعده عند المفاوضة فحمدت الله لكم على الخلاص من ورطة الدول على أحسن الوجوه وأجمل المخارج الحميدة العواقب في الدنيا والدين العائدة بحسن المآل في المخلف من أهل وولد ومتاع وأثر بعد أن رضتم جموح الايام وتوقلتم قلل العز وقدتم الدنيا بحذافيرها وأخذتم بآفاق السماء على أهلها وهنيأ فقد نالت نفسكم التواقة أبعد أمانيها ثم تاقت إلى ما عند الله وأشهد لما ألهمتم للاعراض عن الدنيا ونزع اليد من حطامها عند الاصحاب والاقيال ونهى الآمال الاجذبا وعناية من الله وحبا وإذا أراد الله أمرا يسر أسبابه واتصل بى ما كان من تحفى السيادة المولوية بكم واهتزاز الدولة لقدومكم ومثل هذه الخلافة أيدها الله من يثابر على المفاخر ويثأر بالاخاير وليت ذلك عند اقبالكم على الحظ وأنسكم باجتلاء الآمال حتى يحسن المتاع ويتجمل السرير الملوكى بمكانكم فالظن ان هذا الباعث الذى هزم الآمال ونبذا الحظوظ المفارق العزيز سومكم الله حتى يأخذ بيدكم إلى فضاء المجاهدة ويستوى بكم على جدد(7/435)
الرياضة والله يهدى للتى هي أقوم وكانى بالاقدام نقلت والبصائر بالهام الحق صقلت والمقامات خلفت بعد ان استقبلت والعرفان شيمة أنواره وبوارقه والوصول انكشفت حقائقه لما ارتفعت عوائقه وأما حالى والظن بكم الاهتمام بها والبحث عنها فغير خفية بالباب المولوي أعلاه الله ومظهرها في طاعته ومصدرها عن أمره وتصاريفها في خدمته والزعم أنى قمت المقام المحمود في التشيع والانحياش واستمالة الكافة إلى المناصحة ومخالصة القلوب للولاية وما يتشوفه مجدكم ويتطللع إليه فضلكم وأما اهتمامكم في خاصتها من النفس والولد فجهينة خبره مؤدى كتابي اليكم ناشئ تأديبي وثمرة ترتيبي فسهلوا له الاذن وألينوا له جانب النجوى حتى يؤدى ما عندكم وما عندي وخذوه بأعقاب الاحاديث ان يقف عند مباديها وأئتمنوه على ما تحدثون فليس بضنين
على السر وتشوقي بما يرجع به اليكم سيدى وصديقي وصديقكم المقرب في المجد والفضل المساهم في الشدائد كبير المغرب وظهير الدولة أبو يحيى بن أبى مدين كان الله له في شأن الولد والمخلف تشوق الصديق لكم الضنين على الايام بقلامة الظفر من ذات يديكم فأطلعوه طلع ذلك ولا يهمكم بالفراق الواقع حس فالسلطان كبير والاثر جميل والعدو الساعي قليل حقير والنية صالحة والعمل خالص ومن كان له كان الله له واستطلاع الرياسة المرتبة الكافلة كافأالله يده البيضاء عنى وعنكم من أحوالكم استطلاع من يسترحج وزانكم ويشكر الزمان على ولائه بمثلكم وقد قررت من علو مناقبكم وبعد شاؤكم وغريب منحاكم ما شهدت به آثاركم الشائعة الخالدة في الرياسة المتأدية على ألسنة الصادر والوارد من الكافة من حمل الدولة واستقامة السياسة ووقفته على سلامكم وهو يراجعكم بالتحية ويساهمكم بالدعاء وسلامي على سيدى وفلذة كبدي ومحل ولدى الفقيه الزكي الصدر أبى الحسن نجلكم أعزه الله وقد وقع منى موقع البشرى حلوله من الدولة بالمكان العزيز والرتبة النابهة والله يلحفكم جميعا رداء العافية والستر ويمهد لكم محل الغبطة والامن ويحفظ عليكم ما أسبغ من نعمته ويجريكم على عوائد لطفه وعنايته والسلام الكريم يخصكم من المحب الشاكر الداعي الشائق شيعة فضلكم عبد الرحمن ابن خلدون ورحمة الله وبركاته في يوم الفطر عام اثنين وسبعين وسبعمائة وكان بعث إلى مع كتابه نسخة كتابه إلى سلطانه ابن الاحمر صاحب الاندلس عند ما دخل جبل الفتح وصار إلى ايالة بنى مرين فخاطبه من هنالك بهذا الكتاب فرأيت أن أثبته هنا وان لم يكن من غرض التأليف لغرابته ونهايته في الجودة وأن مثله لا يهمل من مثل هذا الكتاب مع ما فيه من زيادة الاطلاع على أخبار الدول في تفاصيل احوالها ونص الكتاب(7/436)
بانوا فمن كان باكيا يبكى * هذى ركاب السرى بلاشك
فمن ظهور الركاب معملة * إلى بطون الربى إلى الفلك تصدع الشمل مثل ما انحدرت * إلى صبوب جواهر السلك من النوى قبل لم أزل حذرا * هذا النوى جعل مالك الملك مولاى كان الله لكم وتولى أمركم أسلم عليكم سلام الوداع وأدعو الله في تيسر اللقاء والاجتماع من بعد التفرق والانصداع وأقرر لديكم ان الانسان أسير الاقدار مسلوب الاختيار متقلب في حكم الخواطر والافكار وأن لابد لكل أول من آخر وأن التفرق لما لزم كل اثنين بموت أو حياة ولم يكن منه بد كان خير أنواعه الواقعة بين الاحباب ما وقع على الوجوه الجميلة البريئة من الشرور ويعلم مولاى حال عبده منذ وصل اليكم من المغرب بولدكم ومقامه لديكم بحال قلق ولولا تعليلكم ووعدكم وارتقاب اللطائف في تقليب قلبكم وقطع نواحل الايام حريصا على استكمال سنكم ونهوض ولدكم واضطلاعكم بأمركم وتمكن هدنة وطنكم وما تحمل في ذلك من ترك غرضه لغرضكم وما استقر بيده من عهودكم وأن العبد الآن تسبب لكم في الهدنة من بعد الظهور والعز ونجح السعي وتأتى لسنين كثيرة الصلح ومن بعدأن لم يبق لكم بالاندلس مشغب من القرابة وتحرك لمطالعة الثغور الغربية وقرب من فرضة المجاز واتصال الارض ببلاد المشرق لطرقته الافكار وزعزعت صبره رياح الخواطر وتذكر اشراف العمر على التمام وعواقب الاستغراق وسيرة الفضلاء عند شمول البياض فغلبته حال شديدة هزمت التعشق بالشمل الجميع والوطن المليح والجاه الكبير والسلطان القليل النظير وعمل بمقتضى قوله موتوا قبل أن تموتوا فان صحت الحال المرجوة من امداد الله تنقلت الاقدام إلى امام وقوى التعلق بعروة الله الوثقى وان وقع العجز أو افتضح العزم فالله يعاملنا بلطفه وهذا المرتكب مرام صعب لكن سهله على أمور منها ان الانصراف لما لم يكن منه بدلم يتعين على غير هذه الصورة إذ كان عندكم من باب المحال ومنها ان مولاى لو سمح لى بغرض الانصراف لم تكن لى قدرة على
موقف وداعه لا والله ولكان الموت أسبق إلى وكفى بهذه الوسيلة الحسنة التى يعرفها وسيلة ومنها حرصي على أن يظهر صدق دعواى فيما كنت أهتف به وأظن انى لا أصدق ومنها اغتنام المفارقة في زمن الامان والهدنة الطويلة والاستغناء إذا كان الانصراف المفروض ضروريا قبيحا في غير هذه الحال ومنها وهو أقوى الاعذار أنى مهما لم أطق تمام هذا الامر أو ضاق ذرعي به لعجز أو مرض أو خوف طريق أو نفاد زاد أو شوق غالب رجعت رجوع الاب الشفيق إلى الولد البر الرضى إذ لم أخلف ورائي(7/437)
مانعا من الرجوع من قول قبيح ولا فعل بل خلفت الوسائل المرعية والآثار الخالدة والسير الجميلة وانصرفت بقصد شريف فقت به أشياخى وكبار وطنى وأهل طورى وتركتكم على أتم ما أرضاه مثنيا عليكم داعيا لكم وان فسح الله في الامد وقضى الحاجة فأملى العودة إلى ولدى وتربتي وان قطع الاجل فأرجو ان أكون ممن وقع أجره على الله فان تصرفى صوابا وجار يا على السداد فلا يلام من أصاب وان كان عن حمق وفساد عقل فلا يلام من اختل عقله وفسد مزاجه بل يعذر ويشفق عليه ويرحم وان لم يعط مولاى أمرى حقه من العدل وجليت الذنوب ونشرت بعدى العيوب فحياؤه وتناصفه ينكر ذالك ويستحضر الحساب من التربية والتعليم وخدمة السلف وتخليد الآثار وتسمية الولد وتلقيب السلطان والارشاد إلى الاعمال الصالحة والمداخلة والملابسة لم يتخلل ذلك قط خيانة في مال ولا سر ولا غش في تدبير ولا تعلق به محار ولا كدره نقص ولا حمل عليه خوف منكم ولا طمع فيما بيدكم وان لم تكن هذه دواعى الرعى والوصلة والابقاء ففيم تكون بين بنى آدم وأنا قد رحلت فلا أوصيتكم بمال فهو عندي أهون متروك ولا بولد فهم رجالكم وخدامكم ومن يحرص مثلكم على الاستكثار منهم ولا بعيال فهى من مزايات بيتكم وخواص داركم انما أوصيكم بتقوى الله والعمل لغد وقبض عنان اللهو في موطن الجد والحياء من الله الذى محص وأقال
وأعاد النعمة بعد زوالها لينظر كيف تعملون وأطلب منكم عوض ما وفرته عليكم من زاد طريق ومكافاة واعانة زادا سهلا عليكم وهو أن تقولوا لى غفر الله لك ما ضيعت من حقى خطأ أو عمدا وإذا فعلتم ذلك فقد رضيت واعلموا أيضا على جهة النصيحة ان ابن الخطيب مشهور في كل قطر وعند كل ملك واعتقاده وبره والسؤال عنه وذكره بالجميل والاذن في زيارته حنانة منكم وسعه درع ودها فانما كان ابن الخطيب بوطنكم سحابة رحمة نزلت ثم أقشعت وترك الا زاهر تفوح والمحاسن تلوح ومثاله معكم مثل المرضعة أرضعت السياسة والتدبير الميمون ثم رفدتكم في مهد الصلح والامان وغطتكم بقناع العافية وانصرفت إلى الحمام تغسل اللبن والوضر وتعود فان وجدت الرضيع فحسن أوقد انتبه فلم تتركه الا في حد الانفصام ونختم هذه العزارة بالحلف الاكيد أنى ما تركت لكم وجه نصيحة في دين ولا في دنيا الا وقد وفيت لكم ولا فارقتكم الاعن عجز ومن ظن خلاف هذا فقد ظلمنى وظلمكم والله يرشدكم ويتولى أمركم ويعول خاطركم في ركوب البحر انتهت نسخة الكتاب وفى طيها هذه الابيات صاب مزن الدموع من جفن صبك * عند ما استروح الصبا من مهبك كيف يسلويا جنتي عنك وقد * كان قبل الوجود جن بحبك(7/438)
ثم قل كيف كان قبل انتشاء الر * وح من أنسك الشهى وقربك لم يدع بيتك المنيع حماه * لسواه الا إلى بيت ربك أول عذرى الرضى فما جئت بدعا * دمت والفضل والرضى من دابك وإذا ما ادعيت كربا بفقدى * أين كربى ووحشتي من كربك ولدى في ذراك وكرى في دو * حك لحدي وتربتي في تربك يا زمانا أغرى الفراق بشملي * ليتنى أهبتي أخذت لحربك أركبتني صروفك الصعب حتى * جئت بالبين وهو أصعب صعبك
وكتب آخر النسخة يخاطبني هذا ما تيسر والله ولى الخيرة لى ولكم من هذا الخياط الذى لا نسبة بينه وبين أولى الكمال ردنا الله إليه وأخلص توكلنا عليه وصرف الرغبة على ما لديه وفى طى النسخة مدرجة نصها رضى الله عن سيادتكم أونسكم بما صدر منى أثناء هذا الواقع مما استحضره الولد في الوقت وهو يسلم عليكم بما يجب لكم وقد حصل من حظوة هذا المقام الكريم على حظ وافر وأجزل احسانه ونوه بجرايته وأثبت الفرسان خلفه والحمد لله ثم اتصل مقامي ببسكرة والمغرب الاوسط مضطرب بالفتنة المانعة من الاتصال بالسلطان عبد العزيز وحمزة بن راشد ببلاد مغراوة والوزير عمر بن مسعود في العساكر يحاصره بحصن تاجموت وأبو زيان العبد الوادي ببلاد حصين وهم مشتملون عليه وقائمون بدعوته ثم سخط السلطان وزيره عمر بن مسعود ونكرمنه تقصيره في حمزة وأصحابه فاستدعاه إلى تلمسان وقبض عليه وبعث به إلى فاس معتقلا فحبس هنالك وجهز العساكر مع الوزير ابن غازى فنهض إليه وحاصره ففر من الحصن ولحق بمليانة مجتازا عليها فأنذر به عاملها فتقبض عليه وسيق إلى الوزير في جماعة من أصحابه فضربت أعناقهم وصلبهم عظة ومزدجرا لاهل الفتنة ثم أوعز السلطان بالمسير إلى حصين وأبى زيان فسار في العساكر واستنفر أحياء العرب من زغبة فأوعبهم ونهض إلى حصين فامتنعوا بجبل تيطرى ونزل الوزير بعساكره ومن معه من أحياء زغبة على جبل تيطرى من جهة التل فأخد بمخنقهم وكاتب السلطان أشياخ الزواودة من رياح بالمسير إلى حصار تيطرى من جهة القبلة وكاتب أحمد بن مزنى صاحب بسكرة بامدادهم باعطياتهم وكتب إلى يأمرنى بالمسير بهم لذلك فاجتمعوا على وسرت بهم أول سنة أربع وسبعين حتى نزلنا بالقطفا في جماعة منهم على الوزير بمكانه من حصار تيطرى فحد لهم حدود الخدمة وشارطهم على الجزاء ورجعت إلى أحيائهم بالقطفا فاشتدوا في حصار الجبل وألجؤهم بسوامهم وظهرهم إلى قنته فهلك لهم الخف والحافر وضاق ذرعهم بالحصار من كل جانب وراسل بعضهم في الطاعة خفية(7/439)
فارتاب بعضهم من بعض وانفضوا ليلا من الجبل وأبو زيان معهم ذاهبين إلى الصحراء واستولى الوزير على الجبل بما فيه من مخلفهم ولما بلغوا مأمنهم من القفر نبذوا إلى أبى زيان عهده فلحق بجبال غمرة ووفد أعيانهم على السلطان عبد العزيز بتلمسان وفاؤا إلى طاعته فتقبل طاعتهم وأعادهم إلى أوطانهم وتقدم الوزير عن أمر السلطان بالمسير مع أولاد يحيى بن على بن سباع للقبض على أبى زيان في جبل غمرة وفاء بحق الطاعة لان غمرة من رعاياهم فمضينا لذلك فلم نجده عندهم وأخبرونا انه ارتحل عنهم إلى بلد واركلا من مدن الصحراء فنزل على صاحبها أبى بكر بن سليمان فانصرفنا من هنالك ومضى أولاد يحيى بن على إلى أحيائهم ورجعت أنا إلى أهلى ببسكرة وخاطبت السلطان بما وقع في ذلك وأقمت منتظرا أوامره حتى جاءني استدعاؤه إلى حضرته فرحلت إليه * (العودة إلى المغرب الاقصى) * ولما كنت في الاعتمال في مشايعة السلطان عبد العزيز ملك المغرب كما ذكرت تفاصيله وأنا مقيم ببسكرة في جوار صاحبها أحمد بن يوسف بن مزنى وهو صاحب زمام رياح وأكثر عطائهم من السلطان مفروض عليه في جباية الزاب وهم يرجعون إليه في الكثير من أمورهم فلم أشعر الا وقد حدثت المنافسة منه في استتباع العرب ووغر صدره وصدق في جنونه وتوهماته وطاوع الوشاة فيما يوردون على سمعه من التقول والاختلاف وجاش صدره بذلك فكتب إلى وترمار بن عريف ولى السلطان وصاحب شوراه يتنفس الصعداء من ذلك فأنهاه إلى السلطان فاستدعاني لوقته وارتحلت من بسكرة بالاهل والولد في يوم المولد الكريم سنة أربع وسبعين متوجها إلى السلطان وكان قد طرقه المرض فما هو الا أن وصلت مليانة من أعمال المغرب الاوسط لقيني هنالك خبر وفاته وأن ابنه أبا بكر السعيد نصب بعده للامر في كفالة الوزير أبى بكر بن غازى وانه ارتحل إلى المغرب الاقصى مغذا السير إلى فاس وكان على مليانة يومئذ على بن
حسون بن أبى على الهساطى من قواد السلطان وموالى بيته فارتحلت معه إلى أحياء العطاف ونزلنا على أولاد يعقوب بن موسى من أمرائهم وبدرنى بعضهم إلى حلة أولاد عريف أمراء سويد ثم لحق بنا بعد أيام على بن حسون في عساكره وارتحلنا جميعا إلى المغرب على طريق الصحراء وكان أبو حمو قد رجع بعد مهلك السلطان من مكان انتباذه بالقفر في تيكور ارين إلى تلمسان فاستولى عليها وعلى سائر أعماله وأوعز إلى بنى يغمور من شيوخ عبيد الله في المعقل أن يعترضونا بحدود بلادهم من رأس العين مخرج وادى صا فاعترضونا هنالك فنجا من نجا منا على خيولهم إلى جبل دبدوا وانتهبوا جميع ماكان معنا وأرجلوا الكثير من الفرسان وكنت فيهم وبقيت يومئذ(7/440)
في قفره ضاحيا عاريا إلى أن حصلت إلى العمران ولحقت بأصحابى بجبل دبدوا ووقع في خلال ذلك من الالطاف مالا يعبر عنه ولا يسع الوفاء بشكره ثم سرنا إلى فاس ووفدت على الوزير أبى بكر وابن عمه محمد بن عثمان بفاس في جمادى من السنة وكان لى معه قديم صحبة واختصاص منذ نزع معى إلى السلطان أبى سالم بجبل الصفيحة عند اجازته من الاندلس لطلب ملكه كما مر في غير موضع من الكتاب فلقينى من بر الوزير وكرامته وتوفير جرايته واقطاعه فوق ما احتسب وأقمت بمكانى من دولتهم أثير المحل ثابت الرتبة عظيم الجاه منوه المجلس عند السلطان ثم انصرم فصل الشتاء وحدث بين الوزير أبى بكر بن غازى وبين السلطان ابن الاحمر منافرة بسبب ابن الخطيب وما دعا إليه ابن الاحمر من ابعاده عنهم وأنف الوزير من ذلك فأظلم الجو بينهما وأخذ الوزير في تجهيز بعض القرابة من بنى الاحمر ليشغله به ونزع ابن الاحمر إلى اطلاق عبد الرحمن بن أبى يفلوسن من ولد السلطان أبى على والوزير مسعود بن رحو بن ماسى كان حبسهما أيام السلطان عبد العزيز وأشار بذلك ابن الخطيب حين كان في وزارتهما بالاندلس فأطلقهما الآن وبعثهما لطلب الملك بالمغرب وأجازهما في الاسطول إلى سواحل عساسة
فنزلوا بها ولحقوا بقبائل بطوية هنالك فاشتملوا عليهم وقاموا بدعوة الامير عبد الرحمن ونهض ابن الاحمر من غرناطة في عساكر الاندلس فنزل على جبل الفتح فحاصره وبلغت الاخبار بذلك إلى الوزير أبى بكر بن غازى القائم بدعوة بنى مرين فوجه لحينه ابن عمه محمد بن عثمان بن الكاس إلى سبتة لامداد الحامية الذين لهم بالجبل ونهض هو في العساكر إلى بطوية لقتال الامير عبد الرحمن فوجده قد ملك تازا فأقام عليها يحاصره وكان السلطان عبد العزيز قد جمع شبابا من بنى أبيه المرشحين فحبسهم بطنجة فلما وافى محمد بن الكاس سبتة وقعت المراسلة بينه وبين ابن الاحمر وعتب كل منهما صاحبه على ما كان منه واشتد عذل ابن الاحمر على اخلائهم الكرسي من كفئه ونصبهم السعيد بن عبد العزيز صبيا لم يثغر فاستعتب له محمد واستقال من ذلك فحمله ابن الاحمر على أن يبايع لاحد الابناء المحبوسين بطنجة وقد كان الوزير أبو بكر أوصاه أيضا بانه ان تضايق عليه الامر من الامير عبد الرحمن يفرج عنه بالبيعة لاحد أولئك الابناء وكان محمد بن الكاس قد استوزره السلطان أبو سالم لابنه أحمد أيام ملكه فبادر من وقته إلى طنجة وأخرج السلطان أحمد بن السلطان أبى سالم من محبسه وبايع له وسار به إلى سبتة وكتب لابن الاحمر يعرفه بذلك ويطلب منه المدد على أن ينزل له عن جبل الفتح فأمده بما شاء من المال والعسكر واستولى على جبل الفتح وشحنه بحاميته وكان أحمد بن السلطان أبى سالم قد تعاهد مع بنى أبيه في محبسهم على أن من(7/441)
صار له الملك منهم يجيز الباقين إلى الاندلس فلما بويع له ذهب إلى الوفاء لهم بعهدهم وأجازهم جميعا فنزلوا على السلطان ابن الاحمر فاكرم نزلهم ووفر جراياتهم وبلغ الخبر بذلك كله إلى الوزير أبى بكر بمكانه من حصار الامير عبد الرحمن فأخذه المقيم المقعد من فعلة ابن عمه وكر راجعا إلى دار الملك وعسكر بكدية العرائس من فاس وتوعد ابن عمه محمد بن عثمان فاعتذر بانه امتثل وصيته فاستشاط وتهدده واتسع الخرق
بينهما وارتحل محمد بن عثمان بسلطانه ومدده من عسكر الاندلس إلى أن احتل بجبل زرهون المطل على مكناسة فعسكر به واشتملوا عليه وزحف إليهم الوزير أبو بكر وصعد الجبل فقاتلوه وهزموه ورجع إلى مكانه بظاهر دار الملك وكان السلطان ابن الاحمر قد أوصى محمد بن عثمان بالاستعانة بالامير عبد الرحمن والاعتضاد به ومساهمته في جانب من أعمال المغرب يستبد به لنفسه فراسله محمد بن عثمان في ذلك واستدعاه واستمده وكان وترمار بن عريف ولى سلفهم قد أظلم الجو بينه وبين الوزير ابى بكر لانه سأله وهو يحاصر تازا في الصلح مع الامير عبد الرحمن فامتنع واتهمه بمداخلته والميل له فاعتزم على التقبض عليه ودس إليه بعض عيونه فركب الليل ولحق بأحياء الاحلاف من المعقل وكانوا شيعة للامير عبد الرحمن ومعهم على بن عمر الويغلانى كبير بنى ورتاجن كان انتقض على الوزير ابن غازى ولحق بالسوس ثم خاض القفر إلى هؤلاء الاحلاف فنزل بينهم مقيما لدعوة الامير عبد الرحمن فجاءهم وترمار مفلتا من حبالة الوزير أبى بكر وحرضهم على ماهم فيه ثم بلغهم خبر السلطان أحمد بن أبى سالم ووزيره محمد بن عثمان وجاءهم وافد الامير عبد الرحمن يستدعيهم وخرج من تازا فلقيهم ونزل بين أحيائهم ورحلوا جميعا إلى امداد السلطان أبى العباس حتى انتهوا إلى صفروى ثم اجتمعوا جميعا على وادى النجا وتعاقدوا على شأنهم وأصبحوا غدا على التعبية كل من ناحيته وركب الوزير أبو بكر لقتالهم فلم يطق وولى منهزما فانحجر بالبلد الجديد وخيم القوم بكدية العرائس محاصرين له وذلك أيام عيد الفطر من سنة خمس وسبعين فحاصروها ثلاثة أشهر وأخذوا بمخنقها إلى ان جهد الحصار الوزير ومن معه فأذعن للصلح على خلع الصبى المنصوب السعيد ابن السلطان عبد العزيز وخروجه إلى السلطان أبى العباس ابن عمه والبيعة له وكان السلطان أبو العباس والامير عبد الرحمن قد تعاهدوا عند الاجتماع بوادي النجا على التعاون والتناصر على أن الملك للسلطان أبى العباس بسائر أعمال المغرب وان للامير عبد الرحمن بلد سجلماسة ودرعة والاعمال التى كانت لجده السلطان
أبى على أخى السلطان أبى الحسن ثم بدا للامير عبد الرحمن في ذلك أيام الحصار واشتط بطلب مراكش وأعمالها فأغضوا له في ذلك وشارطوه على ذلك حتى يتم لهم الفتح فلما(7/442)
انعقد ما بين السلطان أبى العباس والوزير أبى بكر وخرج إليه من البلد الجديد وخلع سلطانه الصبى المنصوب ودخل السلطان أبو العباس إلى دار الملك فاتح ست وسبعين وارتحل الامير عبد الرحمن يغذ السير إلى مراكش وبدا للسلطان أبى العباس ووزيره محمد بن عثمان في شأنه فسرحوا العساكر في اتباعه وانتهوا خلفه إلى وادى بهت فواقفوه ساعة من نهار ثم أحجموا عنه وولوا على راياتهم وسار هو إلى مراكش ورجع عنه وزيره مسعود بن ماسى بعد ان طلب منه الاجازة إلى الاندلس يتودع بها فسرحه لذلك وسار إلى مراكش فملكها وأما أنا فكنت مقيما بفاس في ظل الدولة وعنايتها منذ قدمت على الوزير سنة أربع وسبعين كما مر عاكفا على قراءة العلم وتدريسه فلما جاء السلطان أبو العباس والامير عبد الرحمن وعسكروا بكدية العرائس وخرج أهل الدولة إليهم من الفقهاء والكتاب والجند وأذن للناس جميعا في مباكرة أبواب السلطانين من غير نكير في ذلك فكنت أباكر هما معا وكان بينى وبين الوزير محمد بن عثمان ما مر ذكره قبل هذا فكان يظهر لى رعاية ذلك ويكثر من المواعيد وكان الامير عبد الرحمن يميل إلى ويستدعيني أكثر أوقاته ويشاورنى في أحواله فغص بذلك الوزير محمد بن عثمان وأغرى سلطانه فتقبض على وسمع الامير عبد الرحمن بذلك وعلم انى انما أتيت من جراه فحلف ليقوضن خيامه وبعث وزيره مسعود بن ماسى لذلك فأطلقني من الغد ثم كان افتراقهما لثالثة ودخل الامير أبو العباس دار الملك وسار الامير عبد الرحمن إلى مراكش وكنت أنا يومئذ مستوحشا فصحبت الامير عبد الرحمن معتزما على الاجازة إلى الاندلس من ساحل آسفى معولا في ذلك على صحابة الوزير مسعود بن ماسى لهواى فيه فلما رجع مسعود ثنى عزمى في ذلك ولحقنا بوترمار بن عريف بمكانه
من نواحى كرسيف لتقدمه وسيلة إلى السلطان أبى العباس صاحب فاس في الجواز إلى الاندلس ووافينا عنده داعى السلطان فصحبناه إلى فاس واستأذنه في شأني فأذن لى بعد مطاولة وعلى كره من الوزير محمد بن عثمان بن داود بن اعراب ورجال الدولة وكان الاخ يحيى لما رحل السلطان أبو حمو من تلمسان رجع عنه من بلاد زغبة إلى السلطان عبد العزيز فاستقر في خدمته وبعده في خدمة ابنه السعيد المنصوب مكانه ولما استولى السلطان أبو العباس على البلد الجديد استأذن الاخ في اللحاق بتلمسان فأذن له وقدم على السلطان أبى حمو فأعاده لكتابة سره كما كان أول أمره وأذن لى أنا بعده فانطلقت إلى الاندلس بقصد القرار والدعة إلى أن كان ما نذكره ان شاء الله تعالى { الاجازة الثانية إلى الاندلس ثم إلى تلمسان واللحاق بأحياء العرب والمقامة عند أولاد عريف }(7/443)
ولما كان ما قصصته من تنكر السلطان أبى العباس صاحب فاس والذهاب مع الامير عبد الرحمن ثم الرجوع عنه إلى وترمار بن عريف طلبا للوسيلة في انصرافي إلى الاندلس بقصد الفرار والعكوف على قراءة العلم فتم ذلك ووقع الاسعاف به بعد الامتناع وأجزت إلى الاندلس في ربيع سنة ست وسبعين ولقيني السلطان بالكرامة وأحسن النزل على عادته وكنت لقيت بجبل الفتح كاتب السلطان ابن الاحمر من بعد ابن الخطيب الفقيه أبا عبد الله بن زمرك ذاهبا إلى فاس في غرض التهنئة وأجاز إلى سبتة في اسطوله وأوصيته باجازة أهلى وولدى إلى غرناطة فلما وصل إلى فاس وتحدث مع أهلى في اجازتهم تنكروا لذلك وساءهم استقراري بالاندلس واتهموا انى ربما أحمل السلطان ابن الاحمر على الميل إلى الامير عبد الرحمن الذى اتهموني بملابسته ومنعوا أهلى من اللحاق بى وخاطبوا ابن الاحمر في أن يرجعني إليهم فأبى من ذلك فطلبوا منه أن يجيزني إلى عدوة تلمسان وكان مسعود بن ماسى قد أذنوا له في اللحاق بالاندلس فحملوه
مشافهة السلطان بذلك وأبدوا له انى كنت ساعيا في خلاص ابن الخطيب وكانوا قد اعتقلوه لاول استيلائهم على البلد الجديد وظفرهم به وبعث إليه ابن الخطيب مستصرخا به ومتوسلا فخاطبت في شأنه أهل الدولة وعولت فيه منهم على وترمار وابن ماسى فلم تنجح تلك السعاية وقتل ابن الخطيب بمحبسه فلما قدم ابن ماسى على السلطان ابن الاحمر قد أغروه بى القى إلى السلطان ما كان منى في شأن ابن الخطيب فاستوحش من ذلك وأسعفهم باجازتى إلى العدوة ونزلت بهنين والجو بينى وبين السلطان أبى حمو مظلم بما كان منى في أجلاب العرب عليه بالزاب كما مر فأوعز بمقامي بهنين ثم وفد عليه محمد بن عريف فعذ له في شأني فبعث عنى إلى تلمسان واستقررت بها بالعباد ولحق بى أهلى وولدى من فاس وأقاموا معى وذلك في عيد الفطر سنة ست وسبعين وأخذت في بث العلم وعرض للسلطان أبى حمو رأى في الزواودة وحاجة إلى استئلافهم فاستدعاني وكلفني السفارة إليهم في هذا الغرض فاستوحشت منه ونكرته على نفسه لما آثرته من التخلي والانقطاع وأجبته إلى ذلك ظاهرا وخرجت مسافرا من تلمسان حتى انتهيت إلى البطحاء فعدلت ذات اليمين إلى منداس ولحقت باحياء أولاد عريف قبلة جبل كزول فلقوني بالتحف والكرامة وأقمت بينهم أياما حتى بعثوا عن أهلى وولدى بتلمسان وأحسنوا العذر إلى السلطان عنى في العجز عن قضاء خدمته وأنزلوني بأهلى في قلعة أولاد سلامة من بلاد بنى توجين التى صارت لهم باقطاع السلطان فأقمت بها أربعة أعوام متخليا عن الشواغل وشرعت في تأليف هذا الكتاب وأنا مقيم بها وأكملت المقدمة على ذلك النحو الغريب الذى اهتديت إليه في تلك الخلوة فسالت فيها شآبيب(7/444)
الكلام والمعاني على الفكر حتى امتخضت زبدتها وتالفت نتائجها وكانت من بعد ذلك الفيئة إلى تونس كما نذكره ان شاء الله تعالى * (الفيئة إلى السلطان أبى العباس بتونس) *
ولما نزلت بقلعة ابن سلامة من أحياء أولاد عريف وسكنت بقصر أبى بكر بن عريف الذى اختطه بها وكان من أحفل المساكن وأوفقها ثم طال مقامي هنالك وأنا مستوحش من دولة المغرب وتلمسان وعاكف على تأليف هذا الكتاب وقد فرغت من مقدمتة إلى أخبار العرب والبربر وزناتة وتشوفت إلى مطالعة الكتب والدواوين التى لا توجد الا بالامصار بعد ان أمليت الكثير من حفظى وأردت التنقيح والتصحيح ثم طرقني مرض أربى على البنية لولا ما تدارك من لطف الله فحدث عندي ميل إلى مراجعة السلطان أبى العباس والرحلة إلى تونس حيث قرار آبائى ومساكنهم وآثارهم وقبورهم فبادرت إلى خطاب السلطان بالفيئة إلى طاعته والمراجعة فما كان غير بعيد وإذا بخطابه وعهوده بالاذن والاستحثاث للقدوم فكان الخفوق للرحلة فظعنت عن أولاد عريف مع عرب الاجص من بادية رياح كانوا هنا لك ينتجعون الميرة بمنداس وارتحلنا في رجب سنة ثمانين وسلكنا القفر إلى الدوسن من أطراف الزاب ثم صعدت إلى التل مع حاشية يعقوب بن على وجدتهم بفرفار الضيعة التى اختطها بالزاب فرحلت معهم إلى أن نزلنا عليه بضاحية قسنطينة ومعه صاحبها الامير ابراهيم ابن السلطان أبى العباس بمخيمه ومعسكره فحضرت عنده وقسم لى من بره وكرامته فوق الرضا وأذن لى في الدخول إلى قسنطينة واقامة أهلى في كفالة احسانه ريثما أصل إلى حضرة أبيه وبعث يعقوب بن على معى ابن أخيه أبى دينار في جماعة من قومه وسرت إلى السلطان أبى العباس وهو يومئذ قد خرج من تونس في العساكر إلى بلاد الجريد لاستنزال شيوخها عن كراسي الفتنة التى كانوا عليها فوافيته بظاهر سوسة فحيا وفادتى وبر مقدمى وبالغ في تأنيسى وشاورني في مهمات أموره ثم ردنى إلى تونس وأوعز إلى نائبه بها موالاه فارح بتهيئه المنزل والكفالة من الجراية والعلوفة وجزيل الاحسان فرحت إلى تونس في شعبان من السنة وآويت إلى ظل ظليل من عناية السلطان وحرمته وبعثت إلى الاهل والولد وجمعت شملهم في مرعى تلك النعمة
وألقيت عصا التسيار وطالت غيبة السلطان إلى أن افتتح أمصار الجريد وذهب فلهم في النواحى ولحق زعيمهم يحيى بن يملول ونزل على صهره ابن مزنى وقسم السلطان بلاد الجريد بين ولده فأنزل ابنه محمد المنتصر بتوزر وجعل نفطة ونفزاوة من أعماله وأنزل ابنه أبا بكر بقفصة وعاد إلى تونس مظفرا مزهوا فأقبل على واستدنانى لمجالسته والنجاء(7/445)
في خلوته فغص بطانته من ذلك وأفاضوا في السعايات عند السلطان فلم تنجح وكانوا يعكفون على امام الجامع وشيخ الفتيا محمد بن عرفة وكان في قلبه نكتة من الغيرة من لدن اجتماعنا في المرسى بمجالسة الشيوخ فكثيرا ما كان يظهر شفو في عليه وان كان أسن منى فاسودت تلك النكتة في قلبه ولم تفارقه ولما قدمت تونس انثال على طلبة العلم من أصحابه وسواهم يطلبون الافادة والاشتغال وأسعفتهم بذلك فعظم عليه وكان يسر التنفير إلى الكثير منهم فلم يقبلوا واشتدت غيرته ووافق ذلك اجتماع البطانة إليه فاتفقوا على شأنهم في التأنيب والسعياة بى والسلطان خلال ذلك معرض عنهم في ذلك وقد كلفني بالاكباب على تأليف هذا الكتاب لتشوقه إلى المعارف والاخبار واقتناء الفضائل فأكلمت منه أخبار البربر وزناتة وكتبت من اخبار الدولتين وما قبل الاسلام ما وصل إلى منها وأكملت منها نسخة رفعتها إلى خزانته وكان مما يغرون به السلطان قعودي عن امتداحه فانى كنت قد أهملت الشعر وانتحاله جملة وتفرغت للعلم فقط فكانوا يقولون له انما ترك ذلك استهانة بسلطانك لكثرة امتداحه للملوك قبلك وتنسمت ذلك عنهم من جهة بعض الصديق من بطانتهم فلما رفعت له الكتاب وتوجته باسمه أنشدته في ذلك اليوم هذه القصيدة امتدحه وأذكر سيره وفتوحاته واعتذر عن انتحال الشعر واستعطفه بهدية الكتاب إليه فقلت هل غير بابك للغريب مؤمل * أو عن جنابك للاماني معدل هي همة بعثت اليك على النوى * عزما كما شحذا لحسام الصيقل
متبوأ الدنيا ومنتجع المنا * والغيث حيث العارض المتهلل حيث القصور الزاهرات منيفة * تعنولها زهر النجوم وتحفل حيث الخيام البيض ترفع للقرى * قد فاح في أرجائهن المندل حيث الحمى للعز في ساحاته * ظل أفاءته الوشيج الذبل حيث الرماح يكاد يورق عودها * مما تعل من الدماء وتنهل حيث الجياد أملن شجعان الوغى * مما أطالوا في المنار وأوغلوا حيث الوجوه الغر قنعها الحيا * والبشر في صفحاتها يتهلل حيث الملوك الصيد والنفر الالى * عز الجوار لديهم والمنزل من شيعة المهدى بل من شيعة التوحيد جاء به الكتاب مفصل شادوا على التقوى مباني عزهم * لله ما شادوا بذاك واثلوا بل شيعة الرحمن ألقى حبهم * في خلقه فسموا بذاك وفضلوا قوم أبو حفص أب لهم وما * أدراك والفاروق جد أول(7/446)
نسب كما اضطردت أنابيب القنا * وأتى على تقويمهن معدل سام على هام الزمان كأنه * للفجر تاج بالبدور مكلل فضل الانام حديثهم وقديمهم * ولانت ان نصبوا أعز وأفضل وبنوا على قلل التخوم ووطدوا * وبناؤك العالي أشدو أطول ولقد أقول لخائض بحر العلا * والليل مدثر الجوانب اليل ماض على غول الدجا لا يتقى منها وذابله ذبال مشعل متقلب فوق الرماح كأنه * طيف بأطراف المهاد موكل يبغى منال الفوز من طرق الغنى * ويرود مخصبها الذى لا يمجل
أرح الركاب فقد ظفرت بواهب * يعطى عطاء المنعمين فيجزل لله من خلق كريم في الندى * كالروض حياه ندى مخضوضل هذا أمير المؤمنين امامنا * في الدين والدنيا إليه الموئل هذا أبو العباس خير خليفة * شهدت له الشيم التى لا تجهل مستنصر بالله في قهر العدا * وعلى اعانة ربه متوكل سبق الملوك إلى العلا متمهلا * لله منك السابق المتمهل فلانت أعلى المالكين وان غدوا * يتسابقون إلى العلاء وأكمل قايس قديما منهم بقديمكم * فالامر فيه واضح لا يجهل دانوا لقومكم بأقوم طاعة * هي عروة الدين التى لا تفصل سائل تلمسانا بها وزناتة * ومرين قبلهم كما قد ينقل واسأل بأندلس مدائن مكلها * تخبرك حين استأنسوا وأستأهلوا يا أيها الملك الوفى يا ذا الذى * ملا القلوب وفوق ما يتمثل لله منك مؤيد عزماته * تمضى كما يمضى القضاء المرسل حيث الزمان يحت أعظم حته * فافتر عنه وهو أكلح أعضل والشمل من أنبائه متصدع * وعلا خلافتهم مضاع مهمل والخلق قد صرفوا اليك قلوبهم * ورجوا صلاح الحال منك وأملوا فعجلته لما انتدبت لامره * بالبأس والعزم الذى لا يمهل ذللت منه جامحا لا ينثنى * سهلت وعراكاد لا يتسهل وألنت من سوس العتاة وذدتهم * عن ذلك الحرم الذى قد حللوا كان لصولة صولة ولقومه * يعدو ذويب بها وتسطو المعقل(7/447)
ومهلهل تسدى وتلحم في التى * ما أحكموها فهى بعد مهلهل
والمراد بصولة هنا صولة بن خالد بن حمزة أولاد أبى الليل وذويب هو ابن عمه أحمد بن حمزة والمعقل فريق من العرب من احلافهم ومهلهل هم بنو مهلهل بن قاسم انظارهم وأقتالهم ثم رجع إلى وصف العرب عجب الانام لشأنهم بادون قد * قذفت بحيهم المطى الذلل رفعوا القباب على العماد وعندها لجرد السلاهب والرماح العسل في كل طامى الرب منعقد الحصا * تهدى للجته الظماء فتنهل حئ شرابهم السراب ورزقهم * ريح يروح به الكمى ومنصل حى حلول بالعراء ودونهم * قذف النوى ان يظعنوا أو يقبلوا كانوا يروعون الملوك بما بدوا * وغدت ترفه بالنعيم وتخضل فبدوت لا تلوى على دعة ولا * تأوى إلى ظل القصور وتهزل طورا يصافحك الهجير وتارة * فيه بخفاق البنود تظلل وإذا تعاطى الضمر في يوم الوغى * كاس النجيع فبالصهيل تعلل مخشوشنا في العز معتملا له * في مثل هذا يحسن المستعمل تفرى حشى البيداء لا يسرى بها * وكف ولا يهدى إليها جحفل وتجر اذيال الكتائب فوقها * تختال في السمر الطوال وترفل ترميهم منها بكل مدجج * شاكى السلاح إذا استعار الاعزل وبكل أسمر غصنه متأود * وبكل أبيض شطه متهدل حتى تفرق ذلك الجمع الالى * عصفت بهم ريح الجلاء فزلزلوا ثم استملتهم بنعمتلك التى * خضعوا لعزك بعدها وتذللوا ونزعت من أهل الجريد غواية * وقطعت من أسبابها ما أوصلوا ونظمت من أمصاره وثغوره * للملك عقدا بالفتوح يفصل فسددت مطلع النفاق وأنت لا * تنبو ظباك ولا العزيمة تنكل
بشكيمة مرهوبة وسياسة * تجرى كما يجرى فرات سلسل عذب الزمان لها ولذمذاقه * من بعد ما قد مر مه الحنظل فضوى الانام لعز أروع مالك * سهل الخليقة ماجد متفضل وتطابقت فيه القلوب على الرضا * سيان منها الطفل والمتكهل يا مالكا وسع الزمان وأهله * عدلا وأمنا فوق ما قد أملوا فالارض لا يخشى بها غول ولا * يعدو بساحتها الهز بر المشبل(7/448)
والسرب يجتابون كل تنوفة * سرب القطا ما راعهن الاجدل سبحان من بعلاك قد أحيا المنا * واعاد حلى الجيد وهو معطل فكأنما الدنيا عروس تجتلى * فتميس في حلل الجمال وترفل وكان مطبقة البلاد بعد له * عادت فسيحا ليس فيها مجهل وكان أنوار الكواكب ضوعفت * من نور غرته التى هي أجمل وكانما رفع الحجاب لناظري * فرأى الحقيقة في الذى يتخيل ومنها في العذر عن مدحه مولاى غاضت فكرتي وتبلدت * منى الطباع فكل شئ مشكل تسمو إلى درك الحائق همتي * فأصدعن ادراكهن وأعزل وأجد ليلى في امتراء قريحتي * فتعود غورا بعد ما تسترسل فأبيت يختلج الكلام بخاطرى * والنظم يشرد والقوافي تجفل وإذا امتريت العفو منه جاهدا * عاب الجهابذ صنعه واسترذلوا من بعد حول انتقيه ولم يكن * في الشعر لى قول يعاب ويمهل فأصونه عن أهله متواريا * أن لا يضمهم وشعرى محفل هي البضاعة في القبول نفاقها * سيان فيه الفحل والمتطفل
وبنات فكرى ان أتتك كليلة * زهراء تخطر في القصور وتخطل فلها الفخار إذا منحت قبولها * وأنا على ذلك البليغ المقول ومنها في ذكر الكتاب المؤلف بخزانته واليك من سير الزمان وأهله * عبرا بدين بفضلها من يعدل صحفا تترجم عن أحاديث الاولى * درجوا فتجمل عنهم وتفصل تبدى التبابع والعمالق سرها * وثمود قبلهم وعاد الاول والقائمون بملة الاسلام من * مضرو بربرهم إذا ما حصلوا لخصت كتب الاولين بجمعها * وأتيت أولها بما قد أغفلوا وألنت حوشى الكلام كأنما * سرد اللغات بها لنطقي ذللوا وجعلته لسوار ملكك مفخرا * يبهى الندى به ويزهو المحفل والله ما أسرفت فيما قلته * شيأ ولا الاسراف منى يجمل ولانت أرسخ في المعالى رتبة * من أن يموه عنده متطفل فملاك كل فضيلة وحقيقة * الناس تعرف فضلها ان بدلوا والحق عندك في الامور مقدم * أبدا فماذا يدعيه المبطل(7/449)
والله أعطاك التى لا فوقها * فاحكم بما ترضى فأنت الاعدل أبقاك ربك للعباد تربهم * فالله يخلقهم ورعيك يكفل وكنت لما انصرفت من معسكره على سوسة إلى تونس بلغني وأنا مقيم بها أنه أصابه في طريقه مرض وعقبه برء فخاطبته بهذه القصيدة ضحكت وجوه الدهر بعد عبوس * وتخللتنا رحمة من بوس وتوضحت غرر البشائر بعد ما أن * - بهمت فأطلعها حداة العيس صدعوا بها ليل الهموم كأنما * صدعوا الظلام بجذوة المقبوس
فكأنهم جنات عدن في الورى * نشرت لها الآمال من مرموس قرت عيون الخلق منها بالتى * شربوا النعيم لها بغير كؤس يتمايلون من المسرة والرضا * ويقابلون أهلة بشموس من راكب وافى يحيى راكبا * وجليس أنس قاده لجليس ومشفع لله يؤنس عنده * أثر الهدى في المعهد المأنوس يعتد منها رحمة قدسية * فيبوء للرحمن بالتقديس طب باخلاص الدعاء وانه * يشفى من الداء العيا والبوس والمعنى به امام الجامع الاعظم جامع الزيتونة بتونس يا ابن الخلافة والذين بنورهم * نهجت سبيل الحق بعد دروس والناصر الدين القويم بعزمه * طردت امامتها بغير عكوس هجر المنا فيها ولذات المنا * في لذة التهجير والتغليس حاط الرياضة بالسياسة فانطوت * منه لاكرم مالك وسيوس أسد يحامى عن حمى اشباله * حتى ضووا منه لامنع خيس قسما بموشى البطاح وقد غدت * تختال زهوا في ثياب عروس والماثلاث من الحنايا جثما * بالبيد من طسم وفن جديس وخزالبلى منها الغوارب والذرى * فلفتن حذرا بالعيون الشوس لبقاك حرز للانام وعصمة * وحياة أرواح لنا ونفوس ولانت كافل ديننا بحماية * لولاك ضيع عهدها وتنوسى الله أعطاك التى لا فوقها * وحباك حظا ليس بالمركوس تعنو الوجوه اليك قبل وجوهنا * سيان من رأس ومن مرؤس فإذا أقمت فان رعبك راحل * يحمى على الاعداء كل وطيس وإذا رحلت فللسعادة آية * تقتادها في موكب وخميس(7/450)
وإذا الادلة في الكمال تطابقت * جاءت بمسموع لها ومقيس فانعم بملكك دولة عادية * تشفى الاعادي بالعذاب البيس واليكها منى على خجل بها * عذراء قد حليت بكل نفيس عذراك قد طمس الشباب ونوره * وأضاء صبح الشيب عند طموس لولا عنايتك التى أوليتني * ما كنت أعين بعدها بطروس والله ما أبقت ممارسة النوى * منى سوى رسم أمر دريس أخنى الزمان على في الادب الذى * دارسته بمجامع ودروس فسطا على فرعى وروع مأمنى * واجتث من دوح النشاط غروسى ورضاك رحمتى التى أعتدها * تحيى منا نفسي وتذهب بوسى ثم كثرت سعاية البطانة بكل نوع من أنواع السعايات وابن عرفة يزيد في اغرائهم متى اجتمعوا إليه إلى أن أغروا السلطان بسفري معه ولقنوا النائب بتونس القائد فارح من موالى السلطان أن يتفادى من مقامي معه خشية على أمره منى بزعمه وتواطؤا على أن يشهد ابن عرفة بذلك للسلطان حتى شهد به في غيلة منى ونكر السلطان عليهم ذلك ثم بعث إلى وأمرني بالسفر معه فسارعت إلى الامتثال وقد شق ذلك على الا أنى لم أجد محيصا فخرجت معه وانتهيت إلى تبسة وسط وطن تلول افريقية وكان منحدرا في عسكره وتوابعه من العرب إلى توزرلان ابن يملول أجلب عليها سنة ثلاث وثمانين واستنفذها من يد ابنه فسارا السلطان إليه وشرده عنها وأعاد إليها ابنه وأولياءه ولما نهض من تبسة رجعني إلى تونس فأقمت بضيعة الرياحين من نواحيها لضم زراعتي بها إلى أن قفل السلطان ظافرا منصورا فصحبتة إلى تونس ولما كان شهر شعبان من سنة أربع وثمانين أجمع السلطان الحركة إلى الزاب بما كان صاحبه ابن مزنى قد آوى ابن يملول إليه ومهد له في جواره فخشيت أن يعود في شأني ما كان في السنة قبلها
وكان بالمرسى سفينة لتجار الاسكندرية قد شحنها التجار بأمتعتهم وعروضهم وهى مقلعة إلى الاسكندرية فتطارحت على السلطان وتوسلت إليه في تخلية سبيلى لقضاء فرضى فأذن لى في ذلك وخرجت إلى المرسى والناس متسايلون على أثرى من أعيان الدولة والبلد وطلبة العلم فودعتهم وركبت البحر منتصف شعبان من السنة وقوضت عنهم بحيث كانت الخيرة من الله سبحانه وتفرغت لتجديد ما كان عندي من آثار العلم والله ولى الامور سبحانه * (الرحلة إلى المشرق وولاية القضاء بمصر) * ولما رحلت من تونس منتصف شعبان من سنة أربع وثمانين اقمنا في البحر نحوا من(7/451)
اربعين ليلة ثم وافينا مرسى الاسكندرية يوم الفطر ولعشر ليال من جلوس الملك الظاهر على التخت واقتعاد كرسى الملك دون أهله بنى قلاوون وكنا على ترقب ذلك لما كان يؤثر بقاصية البلاد من سموه لذلك وتمهيد له وأقمت بالاسكندرية شهر التهيئة أسباب الحج ولم يقدر عامئذ فانتقلت إلى القاهرة أول ذى القعدة فرأيت حاضرة الدنيا وبستان العالم ومحشر الامم ومدرج الذر من البشر وايوان الاسلام وكرسي الملك تلوح القصور والاواوين في جوه وتزهر الخوانق والمدارس والكواكب بآفاقه وتضئ البدور والكواكب من علمائه قد مثل بشاطئ النيل نهر ومدفع مياه السماء يسيقه العلل والنهل سيحه ويجبى إليهم الثمرات والخيرات ثجه ومررت في سكك المدينة تغص بزحام المارة وأسواقها تزخر بالنعم ومازلنا نتحدث بهذا البلد وبعد مداه في العمران واتساع الاحوال ولقد اختلفت عبارات من لقيناه من شيوخنا وأصحابنا حاجهم وتاجرهم في الحديث عنه سألت صاحبنا كبير الجماعة بفاس وكبير العلماء بالمغرب أبا عبد الله المقرى فقلت له كيف هذه القاهرة فقال من لم يرها لم يعرف عز الاسلام وسألت شيخنا أبا العباس بن ادريس كبير العلماء ببجاية مثل ذلك فقال كأنما انطلق أهله من
السحاب يشير إلى كثرة أممه وأمنهم العواقب وحضر صاحبنا قاضى العسكر بفاس الفقيه الكاتب أبو القاسم البرجى بمجلس السلطان أبى عنان منصرفه من السفارة عنه إلى ملوك مصرو تأدية رسالته النبوية إلى الضريح الكريم سنة ست وخمسين فسألته عن القاهرة فقال أقول في العبارة عنها على سبيل الاختصار ان الذى يتخيله الانسان فانما يراه دون الصورة التى تخيلها الخيال عن كل محسوس الا القاهرة فانها أوسع من كل ما يتخيل فيها فأعجب السلطان والحاضرون لذلك ولما دخلتها أقمت أياما وانثال على طلبة العلم بها يلتمسون الافادة مع قلة البضاعة ولم يوسعوني عذرا فجلست للتدريس بالجامع الازهر منها ثم كان الاتصال بالسلطان فأبر مقامي وآنس الغربة ووفر الجراية من صدقاته شأنه مع أهل العلم وانتظرت لحاق أهلى وولدى من تونس وقد صدهم السلطان هنالك عن السفر اغتباطا بعودى إليه فطلبت من السلطان صاحب مصر الشفاعة إليه لتخلية سبيلهم فخاطبه في ذلك ثم هلك بعض المدرسين بمدرسة القمحة بمصر من وقف صلاح الدين بن أيوب فولانى تدريسها مكانه وبينما أنا في ذلك إذ سخط السلطان قاضى المالكية في دولته لبعض النزغات فعز له وهو رابع أربعة بعدد المذاهب يدعى كل منهم قاضى القضاة تمييزا عن الحكام بالنيابة عنهم لاتساع خطة هذا المعمور وما يرتفع من الخصومات في جوانبه وكبير جماعتهم قاضى الشافعية لعموم ولايته في الاعمال شرقا وغربا وبالصعيد والفيوم واستقلاله بالنظر في أموال(7/452)
اليتامى والوصايا ولقد يقال بان مباشرة السلطان قديما بالولاية انما كانت تكون له فلما عزل هذا القاضى المالكى سنة ست وثمانين اختصني السلطان بهذه الولاية تأهيلا لمكاني وتنويها بذكرى وشافهته بالتفادي من ذلك فأبى الا امضاءه وخلع على بايوانه وبعث من كبار الخاصة من أقعدنى بمجلس الحكم بالمدرسة الصالحية بين القصرين فقمت بما دفع إلى من ذلك المقام المحمود ووفيت جهدي بما آمنني عليه من أحكام الله
لا تأخذني في الله لومة ولا يرغبنى عنه جاه ولا سطوة مسويا بين الخصمين آخذ الحق الضعيف من الحكمين معرضا عن الشفاعات والوسائل من الجانبين جانحا إلى التثبت في سماع البينات والنظر في عدالة المنتصبين لتحمل الشهادات فقد كان البر منهم مختلطا بالفاجر والطيب ملتبسا بالخبيث والحكام ممسكون عن انتقادهم متجاوزون عما يظهر عليهم من هناتهم لما يموهون به من الاعتصام بأهل الشوكة فان غالبهم مختلطون بالامراء معلمون للقرآن وأئمة في الصلوات يلبسون عليهم بالعدالة فيظنون بهم الخير ويقسمون الحظ من الجاه في تزكيتهم عند القضاة والتوسل لهم فأعضل داؤهم وفشت المفاسد بالتزوير والتدليس بين الناس منهم ووقفت على بعضها فعاقبت فيه بموجع العقاب ومؤلم النكال وتأدى لعلمي الجرح في طائفة منهم فمنعتهم من تحمل الشهادة وكان منهم كتاب الدواوين للقضاة والتوقيع في مجالسهم وتدربوا على املاء الدعاوى وتسجيل الحكومات واستخدموا للامراء فيما يعرض لهم من العقود باحكام كتابتها وتوثيق شروطها فصار لهم بذلك شفوف على أهل طبقتهم وتمويه على القضاة بجاههم يدرعون به مما يتوقعونه من مغبتهم لتعرضهم لذلك بفعلاتهم وقد يسلط بعض منهم قلمه على العقود المحكمة فيوجد السبيل إلى حلها بوجه فقهى أو كتابي ويبادر إلى ذلك متى مادعا إليه داعى جاه أو منحة وخصوصا التى جاوزت حدود النهاية في هذا المصر لكثرة عوالمه فأصبحت خافية الشهرة مجهولة الاعيان عرضة للبطلان باختلاف المذاهب المنصوبة للاحكام بالبلد فمن اختار فيها بيعا أو تمليكا شارطوه وأجابوه مفتاتين فيه على الحكام الذين ضربوا فيه سد الحظر والمنع حماية عن التلاعب وفشا من ذلك الضرر في الاوقاف وطرق الغرر في العقود والاملاك فعاملت الله في حسم ذلك بما آسفهم على وأحقدهم ثم التفت إلى أهل الفتيا بالمذهب وكان الحكام منهم على جانب الحيرة لكثرة معارضتهم وتلقينهم الخصوم وفتياهم بعد نفوذ الحكم وإذا فيهم أصاغر فبينماهم يتشبثون بأذيال الطب والعدالة ولا يكادون إذا بهم ظهروا إلى مراتب
الفتيا والتدريس فاقتعدوها وتناولوها بالجزاف وأجازوها من غير مرتب ولا مستند للاهلية ولا مرشح إذ الكثرة فيهم بالغة ومن كثرة الساكن مشتقة وقلم الفتيا في هذا(7/453)
المصر طلق وعنانها مرسل يتجاذب كل الخصوم منها رسنا ويتناول من حافته شقا يروم به الفتح على خصمه ويستظهر به لا رغامه فيعطيه المفتى من ذلك مل ء رضاه وكفاء أمنيته متتبعا اياه في شغب الخلاف فتتعارض الفتاوى وتتناقض ويعظم الشغب ان وقعت بعد نفوذ الحكم والخلاف في المذاهب كثير والانصاف متعذرو أهلية المفتى وشهرة الافتاء عندنا فلا يكاد هذا المدى ينحسم ولا الشغب ينقطع فصدعت في ذلك بالحق وكفحت أعنة أهل الهوى والجهل ورددتهم على أعقابهم وكان فيهم ملتقطون سقطوا من المغرب يشعوذون وهناك ولا ينتمون إلى شيخ معروف مشهود ولا يعرف لهم كتاب في فن اتخذوا الناس هزواو عقدوا المجالس مثلبة للاعراض ومثابة للحرم فأرغمهم ذلك منى وملاهم حسدا وحقدوا على وخلوا إلى أهل جلدتهم من سكان الزوايا المنتحلين للعبادة ليشترون بها الجاه وتجترؤا به على الله وربما اضطر أهل الحقوق إلى تحكيمهم فيحكمون بما يلقى الشيطان على ألسنتهم يترخصون به الاصلاح لا يزعمهم الدين عن التعرض لاحكام الله بالجهل فقطعت الحبل في أيديهم وأمضيت حكم الله فيمن أجازوه فلم يغنوا عن الله شيأ وأصبحت زواياهم مهجورة وبئرهم التى يمتاحون منها معطلة وانطلقوا يواطؤن السفهاء من النيل في عرضى وسوء الاحدوثة عنى بمختلق الافك وقول الزور ويبثونه في الناس ويدسون إلى السلطان التظلم منى فلا يصغى إليهم وآنا في ذلك محتسب على الله ما منيت به في هذا الامر ومعرض فيه عن الجاهلين وماض على سبيل سوى من الصرامة وقوة الشكيمة وتحرى العدالة وخلاص الحقوق والتنكب عن خطة الباطل متى دعيت إليها وصلابة القود عن الجاه والاعراض متى غمزني لامسها ولم يكن ذلك شأن من رافقته من
القضاة فنكروه منى ودعوني إلى متابعتهم فيما يصطلحون عليه من مرضاة الاكابر ومراعاة الاعيان والقضاء للجاه بالصور الظاهرة أو دفع الخصوم إذا تعذرت بناء على أن الحاكم لا يتعين عليه الحكم مع وجود غيره وهم يعلمون أن قد تمالؤا عليه وليت شعرى ما عذرهم في الصور الظاهرة إذا علموا خلافها والنبى صلى الله عليه وسلم يقول من قضيت له من حق أخيه شيأ فانما أقضى له من النار فأبيت من ذلك كله الا اعطاء العهدة حقها والوفاء لها ولمن قلدنيها فأصبح الجميع على الباو لمن ينادى بالتأفف منى عونا وفى النكير على أمة وأسمعوا الشهود الممنوعين أن قد قضيت فيهم بغير وجه لاعتمادي على علمي في الجرح وهى قضية اجماع وانطلقت الالسن وارتفع الصخب وأرادني بعض على الحكم بغرضهم فتوقفت وأغروا بى الخصوم فتنادوا بالتظلم عند السلطان فجمع القضاة وأهل الفتياء في مجلس جعل للنظر في ذلك فخلصت تلك(7/454)
الحكومة من الباطل خلوص الابريز وتبين أمرهم للسلطان وامضيت فيها حكم الله تعالى ارغاما لهم فغدوا عى حرد قادرين ودسوا الاولياء السلطان وعظماء الدولة يقبحون لهم اهمال جاههم ورد شفاعاتهم مموهين بأن الحامل على ذلك جهل المصطلح وينفقون هذا الباطل بعظائم ينسبونها إلى تبعث الحليم وتغرى الرشيد يستثيرون حفائظهم على ويشربونهم البغضاء إلى والله مجازيهم وسائلهم فكثر الشغب على من كل جانب وأظلم الجو بينى وبين أهل الدولة ووافق ذلك مصابي بالاهل والولد وصلوا من المغرب في السفين فأصابها قاصف من الريح فغرقت وذهب الموجود والسكن والمولود فعظم المصاب والجزع ورجح الزهد واعتزمت على الخروج عن المنصب فلم يوافقني عليه النصيح ممن استشرته خشية من نكير السلطان وسخطه فتوقفت بين الورد والصدر على صراط الرجاء والياس وعن قريب تداركني اللطف الربانى وشملتني نعمة السلطان أيده الله في النظر بعين الرحمة وتخلية سبيلى من هذه العهدة التى لم أطق
حملها ولا عرفت كما زعموا مصطلحها فردها إلى صاحبها الاول وأنشطني من عقالها فانطلقت حميد الاثر مشيعا من الكافة بالاسف والدعاء وحميد الثناء تلخطنى العيون بالرحمة وتتناجى الآمال في بالعودة ورتعت فيما كنت راتعا فيه قبل من مراعى نعمته وظل رضاه وعنايته بالعافية التى سألها رسول الله صلى الله عليه وسلم من ربه عاكفا على تدريس علم وأو قراءة كتاب أو اعمال قلم في تدوين أو تأليف مؤملا من الله قطع صبابة العمر في العبادة ومحو عائق السعادة بفضل الله ونعمته * (السفر لقضاء الحج) * ثم مكنت بعد العزل ثلاث سنين واعتزمت على قضاء الفريضة فودعت السلطان والامراء وزودوا وأعانوا فوق الكفاية وخرجت من القاهرة منتصف رمضان سنة تسع وثمانين إلى مرسى الطور بالجانب الغربي من بحر السويس وركبت البحر من هنالك عاشر الفطر ووصلنا إلى الينبع لشهر فوافينا المحمل ورافقتهم من هنالك إلى مكة ودخلتها ثانى ذى الحجة فقضيت الفريضة في هذه السنة ثم عدت إلى الينبع فأقمت بها خمسين ليلة حتى تهيا لنا ركوب البحر ثم سافرنا إلى أن قاربنا مرسى الطور فاعترضتنا الرياح فما وسعنا الاقطع البحر إلى جانبه الشرقي ونزلنا بساحل القصير ثم ببندر قنا ثم سرنا مع اعراب تلك الناحية إلى مدينة قوص قاعدة الصعيد فأرحنا بها أياما ثم ركبنا في بحر النيل إلى مصر فوصلنا إليها لشهر من سفرنا ودخلتها في جمادى سنة تسعين وقضيت حق السلطان في لقائه واعلامه بما اجتهدت فيه من الدعاء له فتقبل ذلك بقبول حسن وأقمت فيما عهدت من رعايته وظل احسانه وكنت لما نزلت بالينبع لقيت بها(7/455)
الفقيه الاديب المتفنن أبا القاسم بن محمد بن شيخ الجماعة فارس الادباء ومنفق سوق البلاغة أبى اسحق ابراهيم الساحلي المعروف جده بالطولحى وقد قدم حاجاو في صحبته كتاب رسالة من صاحبنا الوزير الكبير العالم كاتب سر السلطان ابن الاحمر صاحب
غرناطة الحظى لديه أبى عبد الله بن زمرك خاطبني فيه بنظم ونشر نثرق ويذكر بعهود الصحبة نصه سلوا البارق النجدي على عمل نجدى * تبسم فاستبكى جفوني من الوجد أجاد ربوعي باللوى درك اللوى * وصح به صوب الغمائم من بعد ويا زاجر الاظعان وهى ضوامر * دعوها تردهيما عطاشا على نجد ولا تنشقوا الانفاس منها مع الصبا * فان زفير الشوق من مثلها يعدى براها الهوى برى القداح وحطها * حزون على صفح من القفر ممتد عجبت لها أنى تجاذبني الهوى * وما شوقها شوقي ولا وجدها وجدى لئن شاقها بين العذيب وبارق * مياه بفى الظل للبان والرند فما شاقنى الا بدور خدورها * وقد لحن يوم النفر في قضب ملد فكم في قباب الحى من شمس كلة * وفى فلك الازرار من قمر سعد وكم صارم قد سل من لحظ أحور * وكم ذابل قد هز من ناعم القد خذوا الحذر من سكان رامة انها * ضعيفات كسر اللحظ تفتك بالاسد سهام جفون من قيسى حواجب * يصاب بها قلب البرى على عمد وروض جمال ضاع عرف نسيمه * وما ضاع غير الورد في صفحة الخد ونرجس لحظ أرسل الدمع لؤلؤا * فوشى بماء الورد روضا من الورد وكم غصن قد عانق الصغن مثله * وكل على كل من الشوق يستعدى قبيح وداع قد جلا لعيوننا * محاسن من روض الجمال بلا عد رعى الله ليلى لو علمت طريقها * فرشت لاخفاف المطى بها خدى وما شاقنى والطيف يرهب أدمعي * ويسبح في بحر من الليل مزبد وقد سل خفاق الذوائب بارق * كما سل لماع الصقال من الغمد وهزت محلاه يد الشوق في الدجا * فحل الذى أبرمت للصبر من عقد
وأقلق خفاق الجوانح نسمة * تنم مع الاصباح خافقة البرد وهب عليل لف طى بروده * أحاديث أهداها إلى الغور من نجد سوى صادح في الايك لم يدر ما الهوى * ولكن دعا منى الشجون على وعد فهل عند ليلى نعم الله ليلها * بأن جفوني ما تلم من السهد(7/456)
وليلة اذوا في الحجيج إلى منى * وفت لى المنى منها بما شئت من قصد تقضيت منها فوق ما أحسب المنى * وبرد عفاف صانه الله من برد وليس سوى لحظ خفى بحيلة * وشكوى كما ارفض الجمان من العقد غفرت لدهري بعدها كل ما جنى * سوى ماجشى وفد المشيب على فودى عرفت بهذا الشيب فضل شبيبتى * ومازال فضل الضد يعرف بالضد ومن نال من ليل الشباب ضلالة * سيوقظه صبح المشيب إلى الرشد أما والهوى ما حدت عن سنن الهدى * ولا جرت في طرق الصبابة عن قصد تجاوزت حد العاشقين الاولى مضوا * وأقفر ربع القلب الامن الوجد اليك أبا زيد شكاة رفعتها * وما أنت من عمر ولدى ولا زيد بعيشك خبرني ومازلت مفضلا * أعندك من شوق كمثل الذى عندي فكم ثار بى شوق اليك مبرح * فظلت يد الاشواق تقدح من زندي وصفق حتى الريح في لمم الربى * وأشفق حتى الطفل في كبد المهد يقابلني منك الصباح بوجنة * حكى شفقا فيه الحياء الذى تبدى وتوهمنى الشمس المنيرة غرة * بوجهك صان الله وجهك عن رد محياك أجلى في العيون من الضحى * وذكرك أحلى في الشفاه من الشهد وما أنت الا الشمس في علو أفقها * نفديك من قرب وتلحظ من بعد وفى غمة من لا ترى الشمس عينه * وما نفع نور الشمس في الاعين الرمد
من القوم صانوا المجد صون عيونهم * كما قد أباحوا المال ينهب للرفد إذا ازدحموا يوما على الماء اسوة * فما ازدحموا الاعلى مورد المجد ومهما أغار وامنجدين صريخهم * يشبون نار الحرب في الغور والنجد ولم يقتنوا بعد الثناء ذخيرة * سوى الصارم المصقول والصافن النهد وما اقتسم الانفال الاممدح * ملاها باعراف المطهمة الجرد أتنسى ولا تنسى ليالينا التى * خلسنا بها العينين من جنة الخلد ركبنا إلى اللذات في طلق الصبا * مطايا الليالى وادعين إلى حد فان لم ندر فيها الكؤس فاننا * وردنا بها للانس مستعذب الورد لقيتك في غرب وأنت رئيسه * وبابك للاعلام مجتمع الوفد فآنست حتى ما شكوت بغربة * وواليت حتى لم أجد مضض الفقد وعدت لقطرى شاكرا ما بلونه * من الخلق المحمود والحسب العد إلى أن أجزت البحر يا بحر نحونا * وزرت مزار الغيث في عقب الجهد(7/457)
ألذ من النعمى على حال فاقة * وأشهى من الوصل الهنى على صد ولو ساء أن قوضت رحلك بالنوى * وعوضت منها الزميل وبالوخد لقد سرنى ان لحت في أفق العلا * على الطائر الميمون والطالع السعد طلعت بأفق الشرق نجم هداية * فجئت مع الانوار فيه على وعد يمينا بمن تسرى المطى سراهم * عليها سهام قدرمت هدف القصد إلى بيته كميا تزور معاهدا * بان بها جبريل عن كرم العهد لانت لنا مهما دجاليل مشكل، قدمت به للنور وارية الزند وحيث استقلت في ركاب لطيه * فأنت تحيى النفس في القرب والبعد وانى بباب الملك حيث عهدتني * مذيل ظلال الجاه مستحصف العقد
أجهز بالانشاء كل كتيبة * من الكتب والكتاب في عرضها جدى تلوذمن المولى الامام محمد * بظل على نهر المبرة ممتد إذا فاض من يميناه بحر سماحة * وعم به الطوفان في النجد والوهد ركبنا إلى الاحسان في سفن الرجا * بحور عطاء ليس تزجر عن صد فمن مبلغ الانصار عنى الوكة * مغلغة في الصدق منجزة الوعد بآية ما أعطى الخليفة ربة * مفاتيح فتح ساقها سائق السعد ودونك من روض المحامد نفحة * تفوق إذا اصطف الندى من الند ثناء يقول المسك ان ذاع عرفه * أيالك من ندايا لك من ند وما الماء في جو السحاب مروقا * بأظهر ذات منك في كنف المهد فكيف وقد حلتك أسرامها الجلا * وباهت بك الاعلام بالعلم الفرد وما الطل في ثغر من الزهر باسم * بأصفى وأذكى من ثيائى ومن ودى ولا البدر معصوما بتاج تمامه * بأبهر من ودى وأسير من حمدى بقيت ابن خلدون امام هداية * ولا زلت من دنياك في جنة الخلد ووصلها بقوله سيدى شيخ الاعلام كنز رؤساء الاسلام مشرف حملة السيوف والاقلام جمال الخواص والظهراء أثير الدول خالصة الملوك مجتبى الخلفاء سر العلاء أوحد الفضلاء قدوة العلماء حجة البلغاء أبقاكم الله بقاء جميلا يعقد لواء الفخر ويعلى منار الفضل ويرفع عماد المجد ويوضح معالم السيادة ويرسل أشعة السعادة ويفيض أنوار الهداية ويطلق ألسنة المحامد وينير أفق المعارف ويعذب مورد العناية ويمتع بعمر النهاية ولا نهاية بآى التحيات أفا تحك وقدرك أعلى ومطلع فضلك أوضح وأجلى ان قلت تحية كسرى في الثناء وتبع فأثرك لا يقتفى ولا يتبع تلك تحية عجماء(7/458)
لا تبين ولا تبين وزمزمة نافرها اللسان العربي المبين وهذه جهالة جهلاء لا ينطبق
على حروفها الاستعلاء قد محا رسومها الخلفاء وعلى آثار دمنتها العفاء وان كانت التحيتان طالما أوجف بهما الركاب وقعقع البريد ولكن أين يقعان مما أريد تحية الاسلام أصل في الفخر نسبا وأوصل بالشرع سببا فالاولى أن نحييك بما حيا الله في كتابه رسله وأنبياءه وحيت به ملائكته في جواره أولياءه فأقول السلام عليكم يرسل من رحمة الله غماما ويفتق من الطروس عن أزهار المحامد كماما ويستصحب من البركات ما يكون على التى هي أحسن من ذلك مقاما وأجدد السؤال عن الحال الحالية بالعلم والدين المستمدة من أنوارها سرج المهتدين زادها الله صلاحا وعرفها نجاحا يتبع فلاحا وأقرر ما عندي من تعظيم ارتقى كل آونة شرفه واعتقاد جميل يرفع عن وجه البدر كلفه وثناء أنشر بيدك البيضاء صحفه وعلى ذلك أيها السيد المالك فقد تشعبت على في مخاطبتك المسالك ان أخذت في تقرير فضلك العميم ونسبك الصميم فوالله ما أدرى بأى بيعة لفخرك تدفع الظلم وفى أي بحر من ثنائك يسبح القلم الامر جلل والشمس تكبر على حلى وحلل وان أخذت في شكاة الفراق والاستعداء على الاشواق وأسلة اليراع تخضب مفارق الطروس بصبيغ الحبر المراق وغيرك من تركض في مخاطبته جياد اليراع في مجال الرقاع مستولية على أمد الابداع والاختراع فانما هو بث يبكى وفراق يشكى فيعلم الله مرضى عن أن أشافه من أنبائك ثغور البروق البواسم وأن أحملك الرسائل حتى مع سفراء النواسم وأن اجتلى غرر ذلك الجبين في محيا الشارق ولمح البارق ولقد وجهت اليك جملة من الكتب القصائد ولا كالقصيدة الفريدة في تأبين الجواهر اللائى استأثر بهن البحر قدس الله أرواحهم وأعظم الله أجرك فيهم فانها أنافت على مائة وخمسين بيتا ولا أدرى هل بلغكم ذلك أم غاله الضياع وعذر وصوله بعد المسافة والذى يطرق في سوء الظن بذلك ما صدر في مقابلته منكم فانى على علم من كرم قصدكم ومن حين استغر بناكم بذلك الافق الشرقي لم يصلني منكم كتاب مع علمي بضياع اثنين منهما بهذا الافق الغربي اه وفى الكتاب
اشارة إلى أنه بعث قصيدة في مدح الملك الظاهر صاحب مصر ويطلب منى رفعها إلى السلطان وعرضها عليه بحسب الامكان وهى على روى المهزة ومطلعها أمدا مع منهلة أم لؤ لؤ * لما استهل العارض المتلالئ وبعث في طى الكتاب واعتذر بأنه استناب في نسخها فكتبت همزة رويها ألقا قال وحقها أن تكتب بالواو لانها تبدل بالواو وتسهل بين الهمزة والواو وحرف الاطلاق بسوقها واوا هذا مقتضى الصناعة وان قال بعض الشيوخ تكتب ألفا على كل حال(7/459)
على لغة من لا يسهل لكنه ليس بشئ وأذن لى في نسخ القصيدة المذكورة بالخط المشرقي لتسهل قراءتها عليهم ففعلت ذلك ورفعت النسخة والاصل للسلطان وقرأها كاتب سره ولم يرجع إلى منها شئ ولم أستجد أن أنسخها قبل رفعها إلى السلطان فضاعت من يدى وكان في الكتاب فصل عرفني فيه بشأن الوزير معسود بن رحو المستبد بأمر المغرب لذلك العهد وما جاء به من الانتقاض عليهم والكفران لصنيعهم يقول فيه كان مسعود بن رحو الذى أقام بالاندلس عشرين عاما يتبتك النعيم ويقود الدنيا وتيخير العيش والجاه قد أجيز صحبة ولد عثمان كما تعرفتم من نسخة كتب انشائه بجبل الفتح لاهل الحضرة فاستولى على المملكة وحصل على الدنيا وانفرد برياسة دار المغرب لضعف السلطان رحمه الله ولم يكن الا ان كفرت الحقوق وحنظلت نخلته السحوق وشف على سواد جلدته سواد العقوق وداخل من سبتة فانتقضت طاعة أهلها وظنوا أن القصبة لا تثبت لهم وكان قائدها الشيخ الابهة فل الحصار وجلى القتال ومحش الحرب أبو زكريا بن شعيب فثبت للصدمة ونور للاندلس فبادره المدد من الجبل ومن مالقة وتوالت الامداد وخاف أهل البلد ورجع شرفاؤه ودخلوا القصبة واستغاث أهل البلد بمن جاورهم وجاءهم المدد أيضا ثم دخل الصالحون في رغبة هذا المقام ورفع القتال وفى أثناء ذلك غدروا ثانية فاستدعى الحال اجازة السلطان المخلوع
أبى العباس لتبادر القصبة به يتوجه منها إلى المغرب لرغبة بنى مرين وغيرهم فيه وهو ولد السلطان المرحوم أبى سالم الذى قلدكم رياسة داره وأوجب لكم المزية على أوليائه وأنصاره وبعده فصل آخر يطلب فيه كتبا من مصر يقول فيه والمرغوب من سيدى أن يبعث لى ما أمكن من كلام فضلاء الوقت وأشياخهم على الفاتحة إذ لا يمكن بعث تفسير كامل لانى أثبت في تفسيرها ما أرجو به النفع عند الله وقد علمتم أن عندي التفسير الذى أوصله عثمان التجانى من تأليف الطيبى والسفر الاول من تفسير أبى حيان وملخص اعرابه وكتاب المغنى لابن هشام وسمعت عن براءة تفسير اللامام بهاء الدين ابن عقيل ووصلت إلى براءة من كلام الاسرى رضى الله عن جميعهم ولكني لم أصل الا للبسملة وذكر أبو حيان في صدر تفسيره أن شيخه سليمان النقيب أو أبا سليمان لا أدرى الآن صنف كتابا في البيان في سفرين جعله مقدمة لكتاب تفسيره الكبير فان أمكن سيدى توجيهه لا بأس انتهى وفى الكتاب فصول أخرى في اغراض متعددة لا حاجة إلى ذكرها ههنا ثم ختم الكتاب بالسلام وكتب اسمه محمد بن يوسف بن زمرك وتاريخه العشرون من محرم سنة تسع وثمانين (وكتب إلى) قاضى الجماعة بغرناطة أبو الحسن على بن الحسن البنى الحمد الله والصلاة والسلام على سيدنا ومولانا(7/460)
محمد رسول الله يا سيدي وواحدى وداوحبا ونجى الروح بعدا وقربا أبقاكم الله وثوب سيادتكم سابغ وقمر سعادتكم كلما أفلت الاقمار بازغ أسلم باثر سلامى عليكم وأقرر بعض مالدى من الاشواق اليكم من حضرة غرناطة مهدها الله عن ذكر لكم يتضوع طيبه وشكر لا يذوى وان طال الزمان رطيبه قد كان بلغ ما جرى من تأخيركم عن الولاية التى تقلدتم أمرها وتحلمتم مرها فتمثلت بما قاله شيخنا أبو الحسن بن الجياب عند انفصال صاحبه الشريف أبى القاسم عن خطة القضاء لا مرحبا بالناس أنفارك * إذ جهلت رفعة مقدارك
لو أنها قد أوتيت رشدها * ما برحت تعشو إلى نارك ثم تعرفت كيفية انفصالكم وانه كان عن رغبة من السلطان المؤيد هنالكم فرددت وقد توهمت مشاهدتكم هذه الابيات لك الله يا بدر السماحة والبشر * لقد حزت في الاحكام منزلة الفخر وكلنك استعفيت عنها تورعا * وتلك سبيل الصالحين كما تدرى جريت على نهج السلامة في الذى * تخيرته للنشر منك وللحشر وحق بأن العلم ولاك خطة * من العز لا تنفك عنها مدى العمر تزيد على مر الجديدين جدة * وتسرى النجوم الزاهرة ولا تسرى ومن لاحظ الاحوال وازن بينها * وكم لذوى الدنيا الدنية من خطر وأمسى لانواع الولايات نابذا * فغير نكير أن يواجه بالنكر فيهنيك يهنيك الذى أنت أهله * من الزهد فيها والتوقى من الوزر ولا تكترث من حاسديك فانهم * حصا والحصا لا يرتقى مرتقى الدر ومن عامل الاقوام بالله مخلصا * له فيهم نال الجزيل من الاجر بقيت لرفع المجد تحمى ذماره * وخار لك الرحمن في كل ما يجرى ايه سيدى رضى الله عنكم وأرضاكم أطنبتم في كتابكم في الثناء على السلطان الذى أنعم بالاعفاء والمساعدة على الانفصال عن خطة القضاء واستوهبتم الدعاء له من الاولياء ولله دركم في التنبيه على الارشاد إلى ذلكم فالدعاء له من الواجب الذى فيه استقامة الامور وصلاح الخاصة والجمهور وعند ذلك ارتفعت أصوات العلماء والصلحاء بهذا القطر له ولكم بجميل الدعاء أجاب الله فيكم أحسنه وأجمله وبلغ كل واحد منكم ما قصده وأمله وأنتم أيضا من أهل العلم والجلالة والفضل والاصالة وقد بلغتم بهذه البلاد الغاية من التنويه والحظ الشريف النبيه لكن أراد الله سبحانه أن يكون لمحاسنكم في تلك البلاد العظيمة ظهور وتحدث بعد الامور أمور وبكل(7/461)
اعتبار فالزمان بكم حيث كنتم مباه والمحامد مجموعة لكم جمع ثناه ولما وقف على مكتوبكم مولانا السلطان أبو عبد الله أطال الله الثناء على مقاصدكم وتحقق جميل ودادكم وصحيح اعتقادكم وعمر مجلسه يومئذ بالثناء علكيم والشكر لما لديكم ثم ختم الكتاب بالسلام من كاتبه على بن عبد الله بن الحسن مؤرخا بصفر سنة تسعين وفى طيه مدرجه بخطه وقد قصر فيها عن الاجادة نصها سيدى رضى الله عنكم وأرضاكم وأظفركم بمناكم أعتذر لكم من الكتاب المدرج به هذا غير خطى فانى في ذلك الوقت بحال مرض من عينى ولكم العافية الوافية فيسعني سمحكم وربما كان لديكم تشوف بما نزل في هذه المدة بالمغرب من الهرج أماطه الله وآمن بلاد المسلمين والموجب أن الحصة الموجهة في خدمة أميرهم الواثق ظهر له ولوزيره ومن ساعده على رأيه امساكها رهينة وجعلهم في القيود إلى أن يقع الخروج لهم على مدينة سبتة وكان القائد على هذه الحصة العلج المدعو المهند وصاحبه الفتى المدعو نصر الله وكثر التردد في القضية إلى أن أبرز القدر توجيه السلطان أبى العباس تولاه الله صحبة فرج بن رضوان بحصة ثانيه وكان ما كان حسبما تلقيته من الركبان هذا ما وسع الوقت من الكلام ثم ختم الكتاب وانما كتبت هذه الاخبار وان كانت خارجة عن غرض هذا الكتاب المؤلف لان فيها تحقيقا لهذه الواقعات وهى مذكورة في أماكنها فربما يحتاج الناظر إلى تحقيقها من هذا الموضع وبعد قضاء الفريضة رجعت إلى القاهرة محفوفا بستر الله ولطفه ولقيت السلطان فتلقاني أيده الله بمعهود مبرته وعنايته ولحقت السلطان النكبة التى محصه الله فيها وأقاله وجعل إلى الخير فيها عاقبته ومآله ثم أعاده إلى كرسيه للنظر في مصالح عباده وطوقه القلادة التى ألبسه كما كانت فأعاد لى ما كان أجراه من نعمته ولزمت كسر البيت ممتعا بالعافية لابسا برد العزله عاكفا على قراءة العلم وتدريسه لهذا العهد فاتح سبع وتسعين والله يعرفنا عوارف لطفه
ويمد علينا ظل ستره ويختم لنا بصالح الاعمال وهذا آخر ما انتهيت إليه وقد نجز الغرض مما أردت ايراده في هذا الكتاب والله الموفق برحمته للصواب والهادي إلى حسن المآب والصلاة والسلام على سيدنا ومولانا محمد وعلى آله والاصحاب والحمد لله رب العالمين { يقول المتوكل على من وصف نعمه بالاسباغ الفقير إلى الله تعالى محمد الصباغ مصحح دار الطباعة الخديوية ببولاق مصر المعزية } تبارك الذى كمل النوع الانساني وجمع له ما تفرق في العالم من المعاني وحلاه بتقسيمه(7/462)
إلى عرب وعجم وبربر وجعل في خلال ذلك عبرا تنظر وقصصا بديعة المخبر تذكر فتم بذلك للمؤرخ ديوان المبتدا والخبر واستدل على أنه سبحانه المتصف بصفات الكمال الواجب له صفات الجلال وصلى الله وسلم على النبي المعظم الذى قص عليه من الاخبار أنفسها ومن الآثار البديعة أحسنها وعلى آله الذين اتبعوا أثره وصحبه الذين أرخوا سيره (وبعد) فقد أتم الله نعمه وجوده وكرمه بطبع هذا الكتاب العجيب المشتمل على كل خبر غريب الموسوم بكتاب العبر وديوان المبتدا والخبر في أيام العرب والعجم والبربر ومن عاصرهم من ذوى السلطان الاكبر وهو اسم طابق مسماه ولفظ تحقق معناه فلقد بين المخبآت ودل على الآيات البينات وأخبر عما كان حتى كأنه حاضر للعيان وحكى من السير ما فيه معتبر وأشار باخبار الملوك إلى حسن السياسة والى تعلم كيفية الفراسة اشتهر فضله ولم ير مثله تفجرت عن ينابيع الحكمة أنهاره وفاضت بعوارف المعارف بحاره وانسجمت بالخير أمطاره وغنت أطياره وتفتحت أزهاره وطابت ثماره ولقد كان عز حتى لا يسمع الا اسمه وأشبه طلل مية رسمه فأحيا مواته لطف الطبع وأقام أوده حسن الوضع حتى عم عرف طيبه العبير ووصلت إليه يد الغنى والفقير هو من الحسنات
التى أشرق شمسها على صفحات الطروس وتزينت بحلاها النفوس في ظل صاحب السعادة وحليف المجد والسيادة من جبلت على حبه القلوب فرفعت أكف السؤال من علام الغيوب أن يديم له النصر والتعزيز خديو مصر العزيز بن العزيز ابن العزيز سعادة أفندينا المحروس بعناية ربه العلى اسمعيل بن ابراهيم بن محمد على لا زالت الدنيا مشرقة بكوكب سعده حاملة لرايات مجده ناطقة بالثناء على أشباله الكرام غرة جبين الليالى والايام ثم ان هذا الطبع الظريف والوضع اللطيف بدار البطاعة العامرة ببولاق مصر القاهرة ذات الشهرة الباهرة والمحاسن الزاهرة التى أنقذت الكتب من أسر التحريف وأطلقتها عن قيد التصحيف فلبست ثوب الفخار وتوجت تاج الاعتبار ينسر برؤيتها الناظر وينشرح بها الخاطر ملحوظة بنظر ناظرها المشمر عن ساعد الجد والاجتهاد في تدبير نضارها من لا تزال عليه أخلاقه باللطف تثنى حضرة حسين بك حسنى لا زال موفقا للخيرات مسديا لانواع المبرات ثم ان التصحيح بعد التنقيح ما عدا بعض الجزء السادس والثانى بمعرفة العبد الفاني الفقير إلى الله محمد الصباغ أسبغ الله عليه النعم أتم اسباغ ولما أسفر بدر تمامه وفاح مسك ختامه أرخه الاستاذ فريد الزمان ونادرة الاوان من ألقت إليه البلاغة مقاليدها وملكته الفضائل طارفها وتليدها الذى اشتهر فضله في الامصار(7/463)
السيد عبد الهادى نجا فخرا بيار فقال أحسن مقال زها ابن خلدون وتم طبعا * وراق حسنا ثم فاق جمعا كأنه روض أغن أزهرت * إفنانه بكل فن وضعا أنباء أبناء الزمان فيه * تروق جمعا وتشوق سمعا نديم أنس متحف بكل ما * ينعش أرواح النديم نفعا يسر بالذى يسر كل من * حدث يحسن الحديث رفعا(7/464)
السيد عبد الهادى نجا فخرا بيار فقال أحسن مقال زها ابن خلدون وتم طبعا * وراق حسنا ثم فاق جمعا كأنه روض أغن أزهرت * إفنانه بكل فن وضعا أنباء أبناء الزمان فيه * تروق جمعا وتشوق سمعا نديم أنس متحف بكل ما * ينعش أرواح النديم نفعا يسر بالذى يسر كل من * حدث يحسن الحديث رفعا يهديه من طرائف الاخبار ما * يلهيه عما يشتهيه طبعا ألفاظه تطرب كل سامع * كأنها صوت الحمام سجعا تلعب بالعقل كأنها الصبا * تلعب بالاغصان حين تسعى فاعكف عليه غير ناظر إلى * سواه إذ هو الاجل قطعا من منة الله على الانام أن * كثر بالطبع فجل وقعا وأنشد الحال مؤرخا له * زها ابن خلدون وتم طبعا 13 - 53 - 690 - 446 - 82 سنة 1284 وكان فصال طبعه وتمام وضعه آخر ربيع الثاني من العام المشار إليه في الابيات من هجرته عليه أفضل صلوات وأزكى تحيات وعلى أصحابه وآله وكل ناسج على منواله تم(7/464)