حمزة بن عمرو صاحب شواره صديقا لابن قالون ومخالصا له فداخله في الاجلاب بابن أبى عمران فلما خرج السلطان أمام زحفهم تخلف ابن قالون بتونس وركب من الغد في البلد مناديا بدعوة ابن أبى عمران ودخل ابن أبى عمران ثانية خروج السلطان واستولى على الحضرة وأقام بها بقية سنته وصدرا من أخرى ولحق السلطان بقسنطينة فجمع عساكره واحتشد جموعه وأزاح العلل واستكمل التعبية وزحف منها في صفر سنة ثنتين وعشرين وخرج ابن أبى عمران للقائه مع حمزة بن عمر في جموع ولقيهم السلطان أولى وثانية بالرحلة وأوقع بهم وقتل شيخ الموحدين أبا عبد الله بن أبى بكر وكان على مقدمتهم محمد بن أبى منصور بن مزنى وغيره وأثخن العساكر فيهم قتلا وأسرا وكان للسلطان فيها
ظهور لا كفاء له ثم تقبض على مولاهم ابن عمر فكان من خبره ما نذكره ان شاء الله تعالى * (الخبر عن مقتل مولاهم ابن عمرو أصحابه من الكعوب) * لما أتيح للسلطان من الظهور على ابن أبى عمران واتباعه والظفر بهم ما أتيح وصنع لهم فيه رغم أنف مولاهم ابن عمرو ظهرت من أصحابه كلمات أنبأت بفاسد دخلتهم ثم نمى للسلطان أن مولاهم داخل في الفتك به ابنه منصورا وربيبه جعدان ومعدان ابن عبد الله ابن أحمد بن كعب وسليمان بن جامع من شيوخ هوارة وثنى بذلك عنهم ابن عمهم عون ابن عبد الله بن أحمد بعد أن داخلوه فيها فتنصح بها للسلطان فلما عدوا على السلطان تقبض عليهم وبعثهم إلى تونس فاعتقلوا بها ورجع هو إلى الحضرة فدخلها في جمادى من سنته وجدد البيعة على الناس وزحفت العرب في اتباعه حتى نزلوا بظاهر البلد وشارطوا عليه اطلاق مولاهم وأصحابه فأنفذ السلطان قتلهم فقتلوا بمحبسهم وبعث باشلائهم إلى حمزة فعظم عنده موقع هذا الحزن وصرخ في قومه وتآمروا أن ينأروا بصاحبهم وأغذ السير إلى الحضرة وابن أبى عمران معهم على حين افتراق وازاحة السلطان وظنوا أنهم ينتهزون الفرصة وخرج السلطان عن تونس لاربعين يوما من دخولهم ولحق بقسنطينة ودخل ابن أبى عمران إلى تونس فأقام بها ستة أشهر خلال ما احتشد السلطان جموعه واستكمل تعبيته ونهض من قسنطينة وزحف إليه ابن أبى عمران وهزمه ابن عمر في جموعه فأوقع السلطان بهم وأثخن فيهم وشردهم في النواحى وعاد إلى تونس فدخلها في صفر سنة ثلاث وعشرين ومضى حمزة لوجهه إلى أن كان من امره ما نذكره ان شاء الله تعالى * (الخبر عن واقعة رغيس مع ابن اللحيانى وزناتة وواقعة الشقة مع ابن أبى عمران) * لما انهزم حمزة بن عمرو بن أبى عمران عن تونس مرة بعد أخرى ورأى حمزة ابن أبى عمران غير مغن عنه صرفه إلى مكان عمله بطرابلس وبعث إلى أبى ضربة ابن السلطان(6/334)
اللحيانى بمكانه من المهدية فداخله في الصريخ بزناتة والوفود على سلطان بنى عبد الواد فرحل معه أبو ضربة ووفدوا على أبى تاشفين صاحب تلمسان ورغبوه في الظفر ببجاية وأن يشغل صاحب تونس عن مددها بترديد البعوث وتجهيز العساكر إليه فسرح معهم السلطان آلافا من العسكر وعقد عليها لموسى بن على الكردى صاحب الثغر بتيمرزدكت وكثير الحاشية والرجالات وارتحلوا من تلمسان يغذون السير وبلغ السلطان خبر فصولهم بتلمسان فبرز للقائهم من تونس في عساكره حتى انتهى إلى رغيس بين بونة وقسنطينة ولما أطلت عساكر زناتة والعرب اختل مصاف السلطان وانهزمت المجنبات وثبت في القلب وصدق العزيمة واللقاء فاختل مصافهم وانهزموا في شعبان سنة ثلاث وعشرين وامتلات أيدى العساكر من اسلابهم والسبايا من نساء زناتة ومر عليهم السلطان وأطلقهن ورجع أبو ضربة وموسى بن على الكردى في فلهم إلى تلمسان وعاد السلطان إلى حضرته لايام من هزيمتهم ولقيه الخبر في طريقه باجتماع العرب بنواحي القيروان فتخطى الحضرة إليهم ولقيهم بالشقة وأوقع بهم ورجع إلى تونس في شوال من سنة أربع وعشرين فاتبعه حمزة ومن معه إلى تونس عند ما افترقت العساكر ومعه ابراهيم بن الشهيد الحفصى وسبق إليه بخبرهم عامر أبو على ابن كثير فخرج للقائهم من يومه في خف من الجنود بعد أن بعث عن عسكر باجة وقائدها عبد الله العاقل مولاه فصبحه العرب بنواحي شاذلة فقاتلوه صدرها وحمى الوطيس ووصل عبد الله العاقل والناس متواقفون واشتدت الحرب ثم كانت الهزيمة على العرب واستبيحت حرماتهم وافترقت جموعهم ورجع السلطان إلى البلد واستقر بالحضرة والله تعالى أعلم * (الخبر عن اجلاب حمزة بابراهيم بن الشهيد وتغلبه على الحضرة) * لما انهزم أبو ضربة بن اللحيانى وحمزة بن عمرو عساكر بنى عبد الواد لحق أبو ضربة بتلمسان فهلك بها ولقى حمزة بعده من الحروب مع السلطان ما لقى ويئس الكعوب من
غلابه وتدامر والفتنته والاجلاب عليه فوفد حمزة ابن عمر على ابن تاشفين صريخا ومعه طالب بن مهلهل قرنه في قومه ومحمد بن مسكين شيخ بنى حكيم من أولاد القوس وكلهم من سليم ومعهم الحاجب ابن قالون فاستحثوا عساكره لصريخهم فكتب لهم السلطان كتيبة عقد عليها لموسى بن على الكردى وأعاده معهم ونصب لهم لملك تونس من أعياص أبى حفص ابراهيم بن الشهيد منهم وأبوه الشهيد هو أبو بكر بن أبى الخطاب عبد الرحمن الذى نصب للامر عند مهلك السلطان ابى عصيدة وقتله السلطان أبو البقاء خالد كما ذكرناه وكان أبو هم هذا قد لحق بالعرب ونصبوه للامر وأجلبوا به(6/335)
على تونس اثر واقعة رغيس وبرزت إليهم العساكر فانهزموا كما ذكرناه ولحق بتلمسان وجاء هذا الوفد على اثره فنصبه السلطان أبو تاشفين لهم واستعمل على حجابته محمد بن يحيى بن القالون وبعث معهم العساكر لنظر موسى بن على الكردى وزحفوا إلى افريقية وخرج السلطان أبو بكر من تونس لمدافعتهم في ذى القعدة من سنة أربع وعشرين وانتهى إلى قسنطينة وعاجلوه قبل استكمال التعبية فنزل بساحتها وأقام موسى بن على على منازلتها بعساكر بنى عبد الواد وتقدم ابراهيم بن الشهيد وحمزة بن عمر إلى تونس فدخلها في رجب سنة خمس وعشرين واستمكن منها وعقد على باجة لمحمد بن داود من مشيخة الموحدين وثار عليه في بعض ليالى رمضان بعض بطانة السلطان كانوا بالبلد في غيابات الاختفاء وكان منهم يوسف بن عامر بن عثمان وهو ابن أخى عبد الحق بن عثمان من اعياص بنى مرين وفيهم القائد بسلاط من وجوه الترك المرتدفة بالحضرة وابن حسان نقيب الشرفاء فاتعدوا واجتمعوا من وجوه الليل وهتفوا بدعوة السلطان وطافوا بالقصبة فامتنعت عليهم فعمدوا إلى دار كشلى من الترك المرتدفة وكان بطانة لابن القالون فقاتلوها وامتنعت عليهم ثم أعجلهم الصباح عن مرامهم وتتبعوا بالقتل وفرغ من شأن هم وكان موسى بن على ومن معه من العساكر
لما تخلف عن ابن الشهيد لحصار قسنطينة أقام عليها أياما ثم أقلع عنها لخمس عشرة ليلة من منازلته ورجع إلى صاحبه بتلمسان وخرج السلطان من قسنطينة فاستكمل الحشد والتعبية ونهض إلى تونس فأجفل منها ابن الشهيد وابن القالون ودخلها السلطان في شوال سنة خمس وعشرين واستولى على دار ملكه وأقام بها إلى أن كان من أمره ما نذكره ان شاء الله تعالى * (الخبر عن حصار بجاية وبناء تيمرزدكت وانهزام عساكر السلطان عنها) * كان أبو تاشفين منذ خلا له الجو وتمكن في الامر من القوم يلح على بجاية بترديد البعوث ومطاولة الحصار والسلطان أبو بكر يدفع لحمايتها والممانعة دونها من رجالات دولته وعظماء وزرائه الاول فالاول من أهل الكفاية والاضطلاع بما يدفع إليه من ذلك وسرب إليهم المدد من الاموال والاسلحة والجنود وتعهد إليهم بالصبر والثبات في المواطن ونظراؤه من وراء ذلك وكان أبو تاشفين كلما أحس من السلطان أبى بكر بنهوضه إلى المدافعة عنها أو عزم على غزو كتائبه المجهزة عليها رماه بشاغل يوهن من عزمه ويسكن عنان بطشه وكانت فتنة ابن عمر من أدهى الشواغل في ذلك بما كان يجنب العرب عن الطاعة ويجمع الاعراب للاجلاب على الحضرة وينصب الاعياص يطمعهم فيما ليس لهم من نيل الخلاف كان ذلك ديدنا متصلا أزمان تلك المدة ولما سرح(6/336)
أبو تاشفين العساكر سنة خمس وعشرين إلى ابراهيم بن الشهيد وحمزة بن عمر وأوليائهم من أهل افريقية وعقد عليها لموسى بن على من رجالاته نازل قسنطينة ثم أقلع عنها وعاود حصارها سنة ثمان وعشرين وشن النارة في نواحيها واكتسح الاموال ورجع إلى وادى بجاية فاختط مدينة بسكلات على مرحلة منها وعلى قارعة الطريق الشارع من الغرب إلى الشرق بما كانت بجاية رائغة عنه إلى البحر فاختطوا تلك المدينة وشيدوها وجمعوا الايدى عليها وقسموها مسافات على جيوشهم فاستتمت لاربعين يوما وسموها
بتيمرزدكت باسم حصنهم الاقدم بالجبل قبالة وجدة حيث امتنع يغمراسن على السعيد ونازله وهلك عليه كما ذكرناه في أخباره وشحنوا هذه المدينة بالاقوات والعدد وعمروها بالمقاتلة من الرجل والفرسان والقبائل وأخذت بمخنق البلد وقلق السلطان بمكانها فاوعز إلى قواد عساكره وأصحاب عمالاته من مواليه وصنائعه أن يفروا بعساكرهم إلى صاحب الثغر محمد بن سيد الناس ويزحفوا معه إلى هذا البلد المخروب ويستميتوا دون تخريبه فنهض ظافر الكبير من قسنطينة وعبد الله العاقل من هوارة وظافر السنان من بونة وتوافوا ببجاية سنة سبع وعشرين وبلغ موسى بن على خبرهم فاستنفر من عساكر بنى عبد الواد وخرجت العساكر جميعا من بجاية تحت لواء ابن سيد الناس وزحف إلى العدو بمحلهم من بسكلات فكانت الدبرة عليه وعلى أصحابه وقتل ظافر الكبير ورجع فلهم إلى بجاية وداخلت ابن سيد الناس فيهم الظنة كما تداخل موسى بن على ابن زبون كل واحد منهما بصاحبه على سلطانه فمنعهم من دخول البلد ليلتئذ وأسحروا قافلين إلى أعمالهم وعقد السلطان على قسنطينة لابي القاسم بن عبد العزيز أياما ثم استقدمه إلى الحضرة ليستعين به محمد بن عبد العزيز المزوار في خطة حجابته بما كان غفلا من الادوات التى تحتاج إليها الحجابة وعقد على حجابة الامير أبى عبد الله بقسنطينة لمولاه ظافر السنان إلى ان كان من تحويل شأنه ما نذكره اه * (الخبر عن مهلك الحاجب المزوار وولاية ابن سيد الناس مكانه ومقتل ابن القالون) * هذا الرجل محمد بن القالون المعروف بالمزوار لا أدرى من أوليته أكثر من أنه كردى من الاكراد الذين وفد رؤساؤهم على ملوك المغرب أيام اجلاهم التتر عن أوطانهم بشهر زور عند تغلبهم على بغداد سنة ست وخمسين وستمائة فمنهم من أقام بتونس ومنهم تقدم إلى المغرب فنزلوا على المرتضى بمراكش فأحسن جوارهم وصار قوم منهم إلى بنى مرين واخرون إلى بنى عبد الواد حسبما يذكر في أخبارهم ومن المقميين بالحضرة كان سلف ابن عبد العزيز هذا إلى أن نشأ هو في دولة الامير أبى زكريا الاوسط صاحب الثغور
الغربية تحت كنف من اصطناعه واختلط بأبنائه وقدم في جملة ابنه السلطان أبى(6/337)
بكر إلى تونس مقدما في بطانته ورئيسا على الحاشية المتسمين بالدخلة وكان يعرف بذلك بالمزوار وكان شهما وقورا متدينا وله في الدولة حظ من الظهور وهو الذى تولى كبر السعاية في الحاجب بن القالون حتى ارتاب بمكانه ووفد إلى أبى عمران سنة احدى وعشرين كما قدمناه وولاه السلطان الحجابة مكانه فقام بها مستعينا بالكاتب أبى القاسم بن عبد العزيز لخلوه هو من الادوات وانما كان شجاعا ذا همة ولم يزل على ذلك إلى أن هلك في شعبان سنة سبع وعشرين وأراد السلطان على الحجابة محمد بن خلدون جدنا الاقرب فأبى ورغب في الاقالة فأجيب جنوحا لما كان بسبيله منذ سنين من الصاغية في السكون والفرار من الرتب وأشار على السلطان بصاحب الثغر محمد بن أبى الحسين بن سيد الناس لتقدمة سلفه مع سلف السلطان وكثرة تابعه وحاشيته وقوة شكيمته في الاضطلاع بما يدفع إليه أخبرني بهذا الخبر أبى رحمه الله وصاحبنا محمد بن منصور بن مزنى قال لى حضرت لاستدعاء جدكم إلى معسكر السلطان بباجة يوم مهلك المزوار وأدخله السلطان إلى رواقه وغاب مليا ثم خرج وقد استفاض بين البطانة والحاشية أنه دعى إلى الخطة فاستكره وأقام السلطان يومئذ في خطة الحجابة الكاتب أبا القاسم بن عبد العزيز يقيم الرسم واستقدم خالصته محمد ابن حاجب أبيه أبى الحسين ابن سيد الناس فقدم في محرم فاتح ثمان وعشرين وولاه حجابته فاضطلع بها وجدد له العقد على بجاية وحجابة ابنه بها فدفع إليها للنيابة عنه في الحجابة صنيعته محمد بن فرحون ومعه كاتبه أبو القاسم بن المريد وجرى الحال على ذلك ببجاية وعساكر زنانة تجوس خلالها ومعاقلهم تأخذ بمخنقها وقدم ابن القالون دوين مقدم ابن سيد الناس بشفاعة من نزيله على بن أحمد سيد الزواودة وطمع في عوده إلى الخطة وكان من خبره أنه لما تخلف عن السلطان بتونس في خدمة ابن أبى عمران رأى ركوب السفن إلى الاندلس فأعجلهم
السلطان عن ذلك وخرج مع ابن أبى عمران فأجلب معه على الحضرة مرارا ولحق بتلمسان ثم جاء مع ابن الشهيد وفعل الافاعيل ثم انحل أمر ابن الشهيد ولحق هو بالزواودة من رياح ونزل على على بن أحمد رئيسهم لذلك العهد فأجاره وأنزله بطولقة من بلاد الزاب وخاطب السلطان في شأنه واقتضى له الامان حتى أسعف ووفد على الحضرة مع أخيه موسى بن أحمد وفى نفس ابن القالون طمع في الخطة وسبقه ابن سيد الناس إلى السلطان فأشغل بها وجاء ابن القالون من بعده فأوصله السلطان إلى نفسه واعتذر إليه ووعده وعقد له على قفصة فسار إليها وصحب موالى السلطان من المعلوجين بشهير وفارح وأوعز ابن سيد الناس إلى مشيخة قفصة يتقبضون على حاميته ليتمكن الموالى منه فلما نزل بساحة البلد قتل في سككها فكانت لقتله هيعة تسامع الناس بعظمها من خارج(6/338)
البلد وبرز ابن القالون من فسطاطه وقد كر فتقدم إليه الموالى الذين جاؤا معه وتناولوه طعنا بالخناجر إلى أن هلك والله وارث الارض ومن عليها * (الخبر عن ولاية الفضل على بونة) * كان السلطان عقد على بونة منذ أول دولته لمولاه مسرور المعلوجى فقام بأمرها فاضطلع بولايتها وكان من القبضة ومراسي الحروب بمكان وكان مع ذلك غشوما جبارا وخرج إلى ولهاصة سنة فاضطرهم ونهضوا إلى مدافعته عن أموالهم فحاربهم وبلغ خبر مهلكه إلى السلطان فعقد على بونة لابنه أبى العباس الفضل وبعثه إليها وولى على حجابته وقيادة عسكره ظافر السنان من مواليه المعلوجين فقام بما دفع إليه من ذلك أحسن قيام إلى أن كان من أمرهم ما نذكره * (الخبر عن واقعة الرياس وما كان قبلها من مقتل الامير أبى فارس أخى السلطان) * كان السلطان أبو بكر لما قدم إلى تونس قدم معه اخوته الثلاثة محمد وعبد العزيز وعبد الرحمن وهلك عبد الرحمن منهم وبقى الآخران وكانا في ظل ظليل من النعمة وحظ
كبير من المساهمة في الجاه وكان في نفس الامير أبى فارس تشوف إلى نيل الرتبة وتربص بالدولة وكان عبد الحق بن عثمان بن محمد بن عبد الحق من فحول بنى مرين وأعياص ملكهم قدم على الحضرة نازعا إليها من الاندلس فنزل على ابن عمر ببجاية قبيل مهلكه سنة ثمان عشرة ثم لحق بالسلطان فلقاه مبرة ورحبا ووفر حظه وحظ حاشيته من الجرايات والاقطاع وجعل له أن يستركب ويستلحق وكان يستظهر به في مواقف حروبه ويتجمل في المشاهد بحركاته بما كان سيدا في قومه وكان قد انعقدت له بيعة على أهل وطنه وكانت فيه غلظة وأنفة واباء وغدا في بعض أيامه على الحاجب بن سيد الناس فتلقاه الاذن بالعذر فذهب مغاضبا ومر بدار الامير أبى فارس فحمله على ذات صدره من الخروج والثورة وخرجا من يومهما في ربيع سنة سبع وعشرين ومرا ببعض أحياء العرب فاعترضهما أمير الحى فعرض عليهما النزول فأما عبد الحق فأبى وذهب لوجهه إلى أن لحق بتلمسان وأما الامير أبو فارس فأجاب ونزل وطيروا بالخبر إلى السلطان فسرح لوقته محمد بن الحكيم من صنائعه وقواد دولته في طائفة من العسكر والنصارى فصبحوه في الحى وأحاطوا ببيت نزله باليد ودافع عن نفسه مستميتا فقتلوه قعصا بالرماح وجاؤا بشلوه إلى الحضرة فدفن بها ونزل عبد الحق بن عثمان على أبى تاشفين حين نزل ورغبه فيما كان بسبيله من مطالبة الدولة الحفصية وتدويخ ممالكها ووفد على أثره حمزة بن عمر ورجالات سليم صريخا على عادتهم فأجاب أبو تاشفين صريخهم ونصب لهم محمد بن عمران وكان من خبره أنه تركه السلطان اللحيانى عاملا على طرابلس فلما(6/339)
انهزم أبو ضربة وانحل أمره استقدمه العرب وأجلبوا به على الحضرة سنة احدى وعشرين فملكها ستة أشهر ثم أجفل عنها عند رجوع السلطان إليها ولحق بطرابلس إلى أن انتقض عليه أهلها سنة أربع وعشرين وثاروا به وأخرجوه فلحق بالعرب وأجلبوا به على السلطان مرارا ينهزمون عنه في كلها ثم لحق بتلمسان واستقر بها عند أبى تاشفين
في خير جوار وكرامة وجراية إلى أن وصل هذا الوفد إليه سنة تسع وعشرين فنصبه للامر بافريقية وامدهم بالعساكر من زناتة عليهم ليحيى بن موسى من بطانته وصنائع أبيه ورجع معهم عبد الحق بن عثمان بمن في جملته من بنيه وعشيرته ومواليه وحاشيته وكانوا أحلاس حرب وفتيان كريهة فنهضوا جميعا إلى تونس فزحف السلطان للقائهم وتراءى الجمعان بالرياس من نواحى هوارة آخر سنة تسع وعشرين فدارت الحرب واختل مصاف السلطان وفلت جموعه وأحيط به فأفلت بعد عصب الريق واصابته في حومة الحرب جراحة وهن لها وقتل كثير من بطانته وحاشيته كان من أشهرهم محمد المديوني وانتهب المعسكر وتقبض على أحمد وعمر ابني السلطان فاحتملا إلى تونس حتى أطلقهما أبو تاشفين بعد ذلك في مراسلة وقعت بينه وبين السلطان فاتحه فيها أبو تاشفين وجنح إلى السلم وأطلق الابنين ولم يتم شأن الصلح من بعد ذلك وتقدم ابن أبى عمران بعد الواقعة إلى تونس فدخلها في صفر سنة ثلاثين واستبد عليه يحيى بن موسى قائد بنى عبد الواد وحجب التصرف في شئ من أمره ثم عاد يحيى بن موسى إلى سلطانه أبى بكر من قسنطينة إلى تونس بعد أن استكمل الحشد والتعبية فأحفل ابن عمران عنها ودخل إليها السلطان في رجب من سنته إلى أن كان ما نذكره { الخبر عن مراسلة ملك الغرب في الاستجاشة على بنى عبد الواد وما يتبع ذلك من المصاهرة } كان السلطان أبو بكر لما خلص من واقعة الرياس نجا إلى بونة وركب منها البحر إلى بجاية وقد ضاق ذرعه بالحاح بنى عبد الواد على ممالكه وتجهيز الكتائب على ثغره وترديد البعوث إلى وطنه فأعمل نظره في الوفادة على ملك المغرب السلطان أبى سعيد ليذكره ما بين سلفه وسلفهم من السابقة وما لهم عند بنى عبد الواد فيأخذ بحجزتهم عند ثم عين للوفادة عليه ابنه الامير أبا زكريا وبعث معه أبا محمد عبد الله بن تافرا كين من مشيخة الموحدين لسان الخطابة ونجيا لشوراه وركبوا البحر من بجاية فنزلوا بمرسى غساسة
واهتز صاحب المغرب لقدومه وأكرم وفادته واستبلغ في القرى والاجازة وأجاب دعاءهم إلى محاربة عدوهم وعدوه على شريطة اجتماع اليد عليها وموافاة السلطان أبى سعيد والسلطان أبى يحيى بعساكرهما تلمسان لموعد ضربوه لذلك وكان السلطان أبو(6/340)
سعيد بعث سنة احدى وعشرين يحيى الرنداحى قائد الاسطول بسبتة إلى مولانا السلطان أبى بكر في الاصهار على احدى كرائمه وشغل عن ذلك ما وقع من شأن ابن أبى عمران فلما وفد عليه ابن السلطان وأولياؤه أعاد الحديث في ذلك وعين للنيابة عنه في الخطبة من السلطان ابراهيم بن أبى حاتم العزفى وصرفه مع الوفد فوافوا السلطان بتونس آخر سنة ثلاثين وقد أطرد عدوه وشفى نفسه فجاءه شقة الامير أبى زكريا بالسفر إليهم وزفها إليه في أساطيله سنة احدى وثلاثين وانفذ لزفافها من مشيخة الموحدين أبا القاسم بن عتو ومحمد بن سليمان الناسك وقد مر ذكره فنزلت على وثير من الغبطة والعز وكان الشأن في مهرها وزفافها ومشاهد أعراسها وولائمها وجهازها كله من المفاخر للدولتين ولم يزل مذكورا على الايام * (الخبر عن حركة السلطان إلى المغرب وفرار بنى عبد الواد وتخريب تيمرز دكت) * مات السلطان أبو سعيد على تفيئة ما قدمناه من الاخبار آخر سنة احدى وثلاثين وولى السلطان أبو الحسن من بعده فبعث إلى أبى تاشفين يخاطبه في القبض على عنان عيثه ببلاد الموحدين وطغيانه عليها فلج واستكبر وأساء الرد فنهض إليه على سبيل الصريخ لهم سنة ثنتين وثلاثين وطوى البلاد طيا إلى تلمسان وأفرجت عساكرهم عن بجاية إلى سلطانهم وتقدم السلطان أبو الحسن عن تلمسان لمشارفة أحوال بجاية والاخذ بحجزة العدو لمحاصرتها وبعث عسكرا من قومه مددا لهم عقد عليهم لمحمد البطوى وأركبهم أساطيله من سواحل وهران فدخلوا إليها وقوبلوا بما يناسبهم من الكرامة والجراية واستنهض السلطان أبو الحسن أبا بكر لحصار تلمسان معه كما كان الشرط بين أبيه وبين
ابنه الامير أبى زكريا فشرع السلطان في جهاز حركته وازاحة علله وأقام السلطان أبو الحسن في تاسالة في انتظاره شهرا حتى انصرف فصل الشتاء وبلغه بمعسكره من تاسالة أن أخاه السلطان أبا على صاحب سجلماسة انتقض عليه وخرج إلى درعة فقتل عامله عليها بعد أن كان داخله وعقد له على المهادنة والتجا في عنه بمكانه من سجلماسة فلما بلغه هذا الخبر كر راجعا إلى المغرب لاصلاح شأنه وكان السلطان أبو بكر قد خرج من تونس واحتفل في الحشد والتعبية فانتهى إلى بجاية وبعث مقدماته إلى ثغور بنى عبد الواد المحيطة ببجاية فهزموا كتائبها ثم زحف بجملته إلى تيمر زدكت وفرت عنها الكتائب المجهزة بها فأناخ عليها حتى خربها وانتهب أموالها وأسلحتها ونسف آثارها وقفل عنها إلى بلد المسيلة أختها في الغى وموطن أولاد سباع من الزواودة كانت مشيختهم سليمان ويحيى ابناء على بن سباع وعثمان بن سباع عمهم وابنه سعيد قد تمسكوا بطاعة أبى تاشفين وحملوا عليها قومهم ونهجوا لعساكره السبيل إلى وطئ بلاد(6/341)
الموحدين والعيث فيها ومجاذبة حبلها وأقطعهم أبو تاشفين بلاد المسيلة وجبال مشنان ووانوغة وجبل عياض فأصاروها من أعماله فلما شرد السلطان عساكرهم عن بجاية وهدم ثغرهم عليها واسترجع أعمال بجاية إليها سار بجموعه إلى هذا الوطن ليسترجع أعماله ويجدد به دعوته وزاد في اغرائه بذلك على ابن أحمد كبير أولاد محمد لقتال أولاد سباع هؤلاء ونظرائهم وأهل أوتارهم ودخولهم فارتحل غازيا إلى المسيلة حتى نزلها واصطلم نعمها وخرب أسوارها وبلغه بمكانه منها شأن عبد الواحد ابن السلطان اللحيانى واجلابه على تونس وكان من خبره أنه قدم من المشرق بعد مهلك أبيه السلطان أبى يحيى زكريا سنة تسع وعشرين فنزل على ذباب وبايع له عبد الملك بن مكى رئيس المشيخة بقابس وتسامع به الناس وافريقية شاغرة من الحامية والعساكر لنهوضهم مع السلطان فاغتنم حمزة بن عمر الفرصة واستقدمه فبايع له ورحل به إلى الحضرة فنزل بساحتها ودخل
عبد الواحد بن اللحيانى بصحابة ابن مكى إلى البلد فأقاموا بها ريثما بلغ الخبر إلى السلطان فقفل من الحضرة وبعث في مقدمته محمد بن البطوى من بطانته في عسكر اختارهم لذلك فأجفل ابن اللحيانى وجموعه عن تونس لخمس عشرة ليلة من نزوله ودخل البطوى إليها وجاء السلطان على أثره أيام عيد الفطر سنة ثنتين وثلاثين { الخبر عن نكبة الحاجب ابن سيد الناس وولاية ابن عبد العزيز وابن عبد الحكم من بعده } قد قدمنا أولية هذا الرجل وان أبا ه أبا الحسن كان حاجبا للامير أبى زكريا ببجاية ولما هلك سنة تسعين وستمائة خلف ابنه محمدا هذا في كفالة السلطان ومرعى نعمته فاشتمل كرسيهم عليه وآواه إلى حجره وأرضهم مع الكثير من بنيه ونشأ في كنفه وكان الحجاب للدولة من بعد أبيه مثل ابن أبى حى والرخامى صنائع لابيه فكانوا يعرفون حقه ويؤثرونه على أنفسهم في التجلة ولم يدرأ في سن الرجولية والسعى في المجد الا أيام ابن عمر آخرهم فكان له منه مكان حتى إذا ارتحل السلطان أبو يحيى إلى قسنطينة لطلب تونس وجهز له ابن عمر الآلات والعساكر وأقام له الحجاب والوزراء والقواد كان فيمن سرح معه محمد بن سيد الناس قائدا على عسكر من عساكره وكان سفيرا للسلطان فكانت له عنده أثرة واختصاص وعقد له من بعد مهلك ابن عمر على بجاية لما عزل عنها ابن القالون كما قدمنا فاستبد بها على السلطان وحماها دون عساكر زناتة ودفع في صدورهم عنها وكان له في ذلك كله مقامات مذكورة وكانت بينه وبين قائد زناتة موسى بن على بن زبون مداخلة كل واحد منهما في مكان صاحبه على سلطانه وفطن لامرهما وقلده حجابته سنة سبع وعشرين كما قدمناه واستخلف على مكانه ببجاية صنيعته محمد بن فرحون(6/342)
وأحمد بن مزيد للقيام بما كان يتولاه من مدافعة العدو وكفالة الامير أبى زكريا ابن السلطان وقدم هو على السلطان وأسكنه بقصور ملكه وفوض إليه أمور سلطانه
تفويض الاستقلال فجرى في طلق الاستبداد عليه وأرخى له السلطان حبل الامهال واعتد عليه فلتات الدالة على ما كانت الظنون ترجم فيه بالمداهنة في شأن العدو والزبون على مولاه باستغلاظهم وأمهله السلطان لمكانه من حماية ثغر بجاية والاشتغال به دونه حتى إذا تجلت غمامتهم وأطل أبو الحسن عليهم من مرقبه ونهض السلطان أبو بكر إلى بجاية وخرب تيمر زدكت فأغراه البطانة حينئذ بالحاجب محمد بن سيد الناس وتنبه له السلطان فأحفظ له استبداده وتقبض عليه مرجعه من هذه الحركة في ربيع سنة ثلاث وثلاثين واعتقله ثم امتحنه بأنواع العذاب لاستخراج المال منه فلم ينبس بقطرة وما زال يستغيث ويتوسل بسوابقه من الرضاع والمربى وسوابق أبيه عند سلفه حتى لدغه العذاب فأفحش ونازل من السلطان وانخدع فقتل شدخا بالعصا وجرشلوه فأحرق خارج الحضرة وعفا رسمه كان لم يكن والى الله عاقبة الامور ولما تقبض السلطان على ابن سيد الناس ومحا أثر استبداده قلد حجابته الكاتب أبا القاسم بن عبد العزيز وقد كان قدم من الحج عند مبايعة ابن مكى لعبد الواحد بن اللحيانى فلحق بالسلطان في طريقه إلى تيمر زدكت فلم يزل معه إلى أن دخل حضرته وتقبض على ابن سيد الناس فولاه الحجابة وكان مضعفا لا يقوم بالحرب فعقد السلطان على الحرب والتدبير لصنيعته وكبير بطانته يومئذ محمد بن الحكيم وفوض له فيما وراء الحضرة وهو محمد بن على بن محمد بن حمزة بن ابراهيم بن أحمد اللخمى ونسبه في بنى العز في الرؤساء بسبتة وجده أحمد هو أبو العباس المذكور بالعلم والدين والرأى ابن القاسم المستقل برياسة سبتة من بعد الموحدين وكان من خبر أوليته فيما حدثنى به محمد بن يحيى بن أبى طالب العز في آخر رؤساء العزفيين بسبتة والمنقضى أمرهم بها بانقضاء رياسته وحدثني أيضا بها حسين ابن عمه عبد الرحمن بن أبى طالب وحدثني بها أيضا الثقة عن ابراهيم ابن عمهما أبى حاتم قالوا جميعا ان أبا القاسم العزفى كان له أخ يسمى ابراهيم وكان مسرفا على نفسه وأصاب دما في سبتة وحلف أخوه أبو القاسم ليقتادن منه ففر ولحق بديار المشرق
هذا آخر خبرهم وأن محمدا هذا من بنيه وبقية الخبر عن أهل هذا البيت من سراتهم أن ابراهيم أنجب محمدا وأنجب محمد حمزة ثم أنجب حمزة عليا فكلف بالقراءة واستظهر علم الطب في ايالة السلطان أبى بكر بالثغور الغريبة وأصاب السلطان وجع في بعض أزمانه وأعياه دواؤه فجمع له الاطباء وكان فيهم على هذا فحدس على المرض وأحسن المداواة فوقع من السلطان أحسن المواقع واستخلصه لنفسه وخلطه بخاصته وأهل(6/343)
خلوته وصار له من الدولة مكان لا يجاريه أحد فيه وكان يدعى في الدولة بالحكيم وبه عرف ابنه من بعده وأصهر إلى احد بيوت قسنطينة فزوجوه وخلط أهله بحرم السلطان وولد له محمد ابنه بقصره ورضع مع الامير أبى بكر ابنه ونشأ في حجر الدولة وكفالتها على أحسن الوجوه من تربيتها ولما بلغ الحد وصرف إليه رئيس الدولة يعقوب بن عمر وجه اقباله واختصاصه فكان له منه مكان اكسبه ترشيحا للرياسة فيما بعد من بين خواص السلطان وخلصائه ولما نهض السلطان إلى افريقية قلده قيادة بعض العساكر ثم عقد له بعد مهلك ابن عمر على عمل باجة حين رقى ابن سيد الناس عنها إلى بجاية وكان عمل باجة من أعظم الولاية في الدولة فأضطلع به ثم لما آمر السلطان بطانته في نكبة ابن سيد الناس دفعه لذلك فولى القبض عليه وكبله في عصبة من البطانه في بعض الحجر من رياض رأس الطابية واستدعى ابن سيد الناس إلى السلطان ومر بمكانهم فلما انتهى إليهم توثبوا به وشدوه كتافا وتلوه إلى محبسه بالبرج المعد لعقاب أمثاله بالقصبة وتولى ابن الحكيم من امتحانه وعذابه ما ذكرناه إلى أن هلك وعقد له السلطان مكانه على الحرب والتدبير من خططه وفوض إليه فيما وراء الحضرة كما قلناه وجعل تنفيذ الاموال والكتب على الاوامر لابن عبد العزيز فكان عدله في حمل الدولة الا أن ابن عبد الحكيم كان أشف فيه لما كان إليه من التدبير في الحرب والرياسة على الكتابة لرياسة السيف على القلم فاضطلع برياسته وأحسن الغناء والولاية إلى أن كان
من خبره وخبر الدولة ما نذكر * (الخبر عن فتح قفصة وولاية الامير أبى العباس عليها) * كان أهل الجريد منذ تقلص عنهم ظل الدولة عند انقسام الملك بين الثغور الغربية والحضرة وما إليها وصار أمرهم إلى الشورى من المشيخة الا في الاحايين يؤملون الاستبداد كما كانوا عليه من قبل الموحدين فقدم عبد المؤمن إلى افريقية وبنى الدند على قفصة وقسنطينة وابن واطاس على توزر وابن مطروح على طرابلس فأملوا فتكها وشغل مولانا السلطان أبو بكر عنهم بعد استقلاله بالامر وانفراده بالدعوة الحفصية شأن الفتنة مع آل يغمراسن بن زيان واجلاب عساكرهم مع حمزة بن عمر على أوطانه حتى إذا أخذ السلطان أبو الحسن بحجزتهم وأطل عليهم من مراقبه فعادوا إلى أوكارهم بعد أن استبدوا وتنفس مخنق الثغور الغربية من حصارهم وزال عن كاهل الدولة اصرها فاهتم وسكن اضطراب الخوارج على الدولة وخفت أصوات المرجفين في مهالكها وصرف السلطان نظره إلى اعطاف الذئاب الغاوية والكلاب العاوية زعماء أمصارها واعراب فلاتها فنهض إلى قفصة سنة خمس وثلاثين وقد كان استبد(6/344)
بشوارها يحيى بن محمد بن على بن عبد الجليل بن العابد الشريدى من بيوتاتها فنازلها أياما والعساكر تلج عليها بأنواع القتال ونصب عليها المجانيق فامتنعوا ثم جمع حتى قطع تحيلهم وامتناع صرائحهم فنادوا بالامان فأمنهم وخرج إليه ابن عبد الجليل رئيسهم الآخر من سنته فأشخصه إلى الحضرة وأنزله بها ورجالات من قومه بنى العابد وفر سائرهم إلى قابس فنزل في جوار ابن مكى ودخل أهل البلد في حكمه وتفيؤا بعد أن كانوا ضاحين من الملك ظله فأحسن التجاوز عنهم وبسط المعدلة فيهم وأحسن أمل ذوى الحاجات منهم بالاسهام والاقطاع وتجديد ما بأيديهم من المكتوبات السلطانية ثم آثرهم بسكنى بلده المخصوص بعديد لعهد الامير أبى العباس وأنزله بين
ظهرانيهم وأوطأه بهم وعقد له على قسنطينة وما إليها وجعل معه على حجابته أبا القاسم ابن عتو من مشيخة الموحدين وقفل إلى حضرته فدخلها في رمضان من سنته والله أعلم { الخبر عن ولاية الاميرين أبى فارس عزوز وأبى البقاء خالد على سوسة ثم اضافة المهدية اليهما } لما نكب السلطان حاجبه ابن سيد الناس وولى محمد بن فرحون على حجابة ابنه الامير أبى زكريا وقرب ذلك ما نزل بآل يغمراسن من عدوهم تفرغ السلطان للنظر في ملكه وتمهيد أحواله وأن يرسى قواعد أعماله بنجباء أبنائه فعقد على سوسة والبلاد الساحلية لولديه الاميرين عزوز وخالد شريكين في الامر وأنزلهما بسوسة وأنزل معهما محمد بن طاهر من صنائع الدولة ومن بيوت أهل الاندلس القادمين في الجالية ورياسة سلفهم بمرسية معروفة في أخبار الطوائف وكان أخوه أبو القاسم صاحب الاشغال بالحضرة فأقاما كذلك ثم هلك محمد بن طاهر فاستقدم السلطان محمد بن فرحون من بجاية معه باستبداد اليد وأن يولى من شاء على حجابته وأنزل ابن فرحون مع هذين الاميرين لصغرهما سنة خمس وثلاثين ثم استدعاه الامير أبو زكريا فرجع إليه وأقام هذان الاميران بسوسة حتى إذا نكب السلطان قائده محمد بن الحكيم واستنزل قريبه محمد بن الزكزاك من المهدية كان أنزله بها ابن الحكيم لما افتتحها من يد المتغلب عليها من أهل رجيس ويعرف بابن عبد الغفار سنة واتخذها حصنا لنفسه وأنزل بها قريبه هذا وشحنها بالعدد والاقوات فلم يغن عنه ولما هلك استنزل ابن الزكزاك وبعث السلطان عليهما ابنه الامير أبا البقاء وأفرد الامير أبا فارس بولاية سوسة فأقاما كذلك إلى ان كان من خبر مهلكهما ما نذكره ان شاء الله تعالى { الخبر عن ولاية الامير أبى عبد الله صاحب قسنطينة من الابناء وولاية بنيه من بعده }(6/345)
كان الامير أبو عبد الله مخصوصا من أبيه من بين ولده بالاثرة والعناية قد صرف إليه اقباله وأوقع عليه محبته لما كان يتوسم في شواهده من الترشيح وما تحلى به من خلال الملك وكان الناس يعرفون له حق ذلك وذلك ان ابن عمر كان مستبدا بالثغور الغربية بجاية وقسنطينة ومدافعا عنها العدو من زناتة المطالبين لها فلما هلك ابن عمر سنة تسع عشرة كما قدمناه صرف السلطان نظره إلى ثفوره فعقد على بجاية لابنه الامير أبى زكريا وعقد على حجابته لابن القالون وسرحه معه لمدافعة العدو وعقد على قسنطينة للامير أبى عبد الله ومعه أحمد بن ياسين وخرجوا جميعا من تونس سنة عشرين ونزل كل بعمله وقدم ظافر الكبير من الغرب فولاه السلطان حجابة ابنه بقسنطينة وأنزله بها إلى أن هلك سنة سبع وعشرين على تيمرزدكت كما ذكرناه فجاء لحجابته من تونس أبو القاسم بن عبد العزيز الكاتب فأقام أربعين يوما ثم رجع إلى الحضرة وأضاف السلطان حجابة قسنطينة لابن سيد الناس إلى حجابة بجاية وبعث إليها نائبا عنه مولاه هلالا النازع إليه عن موسى بن على قائد بنى عبد الواد فقام بخدمة الامير أبى عبد الله إلى ان كانت نكبة ابن سيد الناس عند ما بلغ الامير أبا عبد الله اثره وجرى في طلق استبداده ففوض له في عمله السلطان وأطلق من عنانه وكان يؤامره في شأنه ويناجيه في خلوته وأنزل معه بقسنطينة نبيلا من المعلوجين يقيم له رسم الحجابة ثم استدعى ظافر السنان من تونس سنة أربع وثلاثين لقيادة الاعبية والحرب فقدم لذلك وأقام سنة ونصفها ثم رجع وقام نبيل لحجابته كما كان ودفع يعيش من صنائع الدولة لقيادة العساكر وحماية الاوطان فقاسمه لذلك مراسم الخدمة ورتب الدولة واستمرت حال الامير أبى عبد الله على ذلك والايام تزيده ظهورا ومساعيه الملوكية تكسبه جلالا وترشجا إلى أن أسقط دون غايته واغتاله الاجل عن مداه فهلك رضوان الله عليه آخر سبع وثلاثين وقام بأمره من بعده كبير بنيه الامير أبو زيد عبد الرحمن فعقد له السلطان أبو بكر على عمل
أبيه لنظر نبيل مولاهم لمكان صغره واستمرت حالهم على ذلك إلى آخر الدولة وكان من أمره ما نذكر بعد والله تعالى أعلم { الخبر عن شأن العرب ومهلك حمزة ثم اجلاب بنيه على الحضرة وانهزامهم ومقتل معزوز بن همرو ما قارن ذلك من الاحداث لما ملك السلطان أبو الحسن تلمسان وأعمالها وقطع دابر آل زيان واجتث أصلهم وجمع كلمة زناتة على طاعته واستتبعهم عصابة تحت لوائه ودانت القبائل بالانقياد له ورجفت القلوب لرعبه ووفد عليه حمزة بن عمر يرغبه في ممالك افريقية ويستحثه(6/346)
لها ديدنه مع أبى تاشفين من قبله فكف بالياس من غلوائه وزجره عن خلافه على السلطان وشقاقه ونهج له بالشفاعة سبيلا إلى معاودة طاعته والعمل بمرضاته فرجع حمزة إلى السلطان عائذا بحمله متوسلا بشفاعة صاحبه راغبا باذعانه وقلعه مواد الخلاف من العرب باستقامته فتلقاه السلطان بالقبول واسعاف الرغبة على المناصحة والمخالصة ولم يزل حمزة بن عمر من لدن رضى مولانا السلطان عنه صحيح الطاعة خالص الطوية متأدبا بمؤامرة محمد بن الحكيم قائد عسكره دولته على تدويخ افريقية وتدويخ أعمالها وحسم أدواء الفساد منها وأخذ الصدقة من جميع ظواعن البد والنازعة في أقطارها وجمع الطوائف المتعاصين بالثغور على القاء اليد للطاعة والكف عن أموال الجباية فكانت لهذا القائد آثار لذلك مهدت من الدولة وأرغمت أنوف المتعاصين بالاستبداد في القاصية حتى استقام الامر وانمحت آثار الشقاق فاستولى على المهدية سنة سبع وتلاثين وغلب عليها ابن عبد الغفار المنتزى عليها من أهل رحيس واستولى على سمعة وتقبض على صاحبها محمد بن عبدون من مشيختها وأودعه سجن المهدية إلى أن أطلق بعد نكبته ونازل توزر من بعد ذلك حتى استقام ابن بهلول على طاعته للعصبية واسترهن ولده ونازل بسكرة غير مرة
يدافعه يوسف بن منصور من بنى مزنى بذمة يدعيها من السلطان أبى بكر وسلفه يعطيه الجباية بدفع ما كان من الاعتلاق بخدمة السلطان أبى الحسن فتجافى عنه ابن الحكيم لذلك بعد استيفاء مغارمه وزحف إلى بلاد ريغة فافتتح قاعدتها تغرت واستولى على أموالها وذخيرتها وسار إلى جبل أوراس فافتتح الكثير من معاقله وعصفت ريح الدولة بأهل الخلاف من كل جانب وجاست عساكر السلطان خلال كل أرض وفى أثناء ذلك هلك حمزة بن عمر سنة ثنتين وأربعين على يد ابن عون بن أبى على من بنى كثير أحد بطون بنى كعب بطعنة طعنه غيلة فأشواه وقام بأمره من بعده بنوه وكبيرهم يومئذ عمر وداخلتهم الظنة بأن قتله باملاء الدولة فاعصو صبوا وتآمروا واستجاشوا بأقتالهم أولاد مهلهل فجيشوا معهم وزحف ابن الحكيم في عساكر السلطان من زناتة والجند ففلوه واستلحموا كثيرا من وجوههم ورجع إلى الحضرة ففحص بها واتبعوه فنزل بساحتها وقاتلوا العساكر سبع ليال ثم اختلفوا ونزل طالب بن مهلهل إلى طاعة السلطان فأجفلوا وخرج السلطان في جمادى من سنته في عساكره واحزابه من عرب هوارة فأوقع بهم برقادة من ضواحي القيروان ورجع إلى حضرته آخر رمضان من سنته وذهبوا مفلولين إلى القفر ومروا في طريقهم بالامير أبى العباس بقفصة فرغبوه بالخلاف على أبيهم وان يجلبوا به على الحضرة فاملى لهم في ذلك حتى(6/347)
ظفر بالمعز بن مطاع وزير حمزة وكان رأس النفاق والفرية فتقبض عليه وقتله وبعث برأسه إلى الحضرة ونصب بها ووقع ذلك من مولانا السلطان أحسن المواقع ووفد بعدها على الحضرة فبايع لها بالعهد في آخر سنته في محفل شهده الملا من الخاصة والكافة بايوان ملكه ن وكايو ما مشهودا قرئ فيه العهد على الكافة وانفصلوا منه داعين للسلطان وراجع بنو حمزة الطاعة بعدها واستقاموا عليها إلى أن كان من أمرهم ما نذكره ان شاء الله تعالى
{ الخبر عن مهلك الحاجب ابن عبد العزيز وولاية أبى محمد بن تافراكين من بعد وما كان على تفيئة ذلك من نكبة ابن الحكيم } هذا الرجل اسمه أحمد بن اسمعيل بن عبد العزيز الغساني وكنيته أبو القاسم وأصل سلفه من الاندلس انتقلوا إلى مراكش واستخدموا بها للموحدين واستقر أبوه اسمعيل بتونس ونشأ أبو القاسم بها واستكتبه الحاجب ابن الدباغ ولما دخل السلطان أبو البقاء خالد إلى تونس ونكب ابن الدباغ لجأ ابن عبد العزيز إلى الحاجب ابن عمر وخرج من تونس إلى قسنطينة واستقر ظافر الكبير هنا لك فاستخدمه إلى أن غرب إلى الاندلس كما قدمناه واستعمله ابن عمر على الاشغال بقسنطينة سنة ثلاث عشرة فقام بها وتعلق بخدمة ابن القالون واستعمله على أشغال تونس ثم كانت سعايته في ابن القالون مع المزوار بن عبد العزيز إلى أن فر ابن القالون سنة احدى وعشرين وولى الحجابة المزوار بن عبد العزيز وكان أبو القاسم بن عبد العزيز هذا رديفه لضعف ادواته ولما هلك ابنه عبد العزير المزوار بقى أبو القاسم بن عبد العزيز يقيم الرسم إلى أن قدم سيد الناس من بجاية وتقلد الحجابة كما قدمناه فغص بمكان ابن عبد العزيز هذا وأشخصه عن الحضرة وولاه أعمال الحامة ثم استقدم منها عندما ظهر عبد الواحد اللحيانى بجهات قابس فلحق بالسلطان في حركته إلى تيمرزدكت وأقام في جملة السلطان إلى أن نكب ابن سيد الناس وولى الحجابة بالحضرة كما ذكرت ذلك كله من قبل إلى أن هلك فاتح سنة أربع وأربعين فعقد السلطان على حجابته لشيخ الموحدين أبى محمد بن عبد الله بن تافراكين وكان بنو تافراكين هؤلاء من بيوت الموحدين في تيخلال ومن ايت الخميس وولى عبد المؤمن كبيرهم عمر بن تافراكين على قابس أول ما ملكها الموحدون سنة أربعين وخمسمائة إلى أن فتحوا مراكش فكان عبد المؤمن يستخلفه عليها أيام مغيبه عنها على الامارة والصلاة ولما ثار بمراكش عبد العزيز وعيسى ابنا أوامغر اخو الامام المهدى سنة احدى وخمسين كان مغيبه عنها على أول ثورتهم ان اعترضوا عمر بن
تافراكين عند ندائه بالصلاة فقتلوه وفضحهم الصبح فاستلحمهم العامة ثم كان ابنه عبد(6/348)
الله بن عمر من بعده من رجالات الموحدين ومشيختهم ولما عقد الخليفة يوسف بن عبد المؤمن على قرطبة لاخيه السيد أبى اسحق انزله معه عبد الله بن عمر بن تافراكين للمشورة مع جماعة من الموحدين كان منهم يوسف بن وانودين وكان عبد الله المقدم فيهم وجاء ابنه عمر من بعده مشتغلا بمذهبه مرموقا بتجلته ولما ولى السيد أبو سعيد بن عمر بن عبد المؤمن على افريقية ولاه قابس وأعمالها إلى أن استنزله عنها يحيى من عامه سنة ثنتين وتسعين وخمسمائة ثم كان منهم بعد ذلك عظماء في الدولة وكبراء من المشيخة آخرهم عبد العزيز بن تافراكين حليف الموحدين بمراكش لما نقضوا بيعة المأمون فاغتاله في طريقه إلى المسجد عند الاذان للصبح لما كان محافظا على شهود الجماعات ورعاها له المأمون في أخيه عبد الحق وبنيه احمد ومحمد وعمر فلما استلحم الموحدون وعمهم الجزع ارتحل عبد الحق موريا بالحج ونزل على السلطان المستنصر فانزله بمكان من الحضرة وسرحه بعض الاحايين إلى الحامة لحسم الداء فيها وقد كان توقع الخلاف من مشيختها فحسن غناؤه فيها وقتل أهل الخلاف وحسم العلل وولاه السلطان أبو اسحق على بجاية بعد مقتل محمد بن أبى هلال فاضطلع بها ولما ولى ادعى ابن عمارة انه سرحه في عسكر من الموحدين لقهر العرب وكف عداوتهم فأثخن فيهم ما شاء ولم يزل معروفا بالرياسة مرموقا بالتجلة إلى أن هلك وكان بنو اخيه عبد العزيز وهم أحمد ومحمد وعمر جاؤا على أثره من المغرب فنزلوا بالحضرة خير منزل وغذوا بلبان النعمة والجاه فيها وكان أحمد كبيرهم وولاه السلطان أبو حفص على قفصه ثم على المهدية ثم استعفى من الولاية فعوفى وكان السلطان أبو عصيدة يستخلفه على الحضرة إذا خرج منها على ما كان لاوله إلى أن هلك لاول المائة الثامنة سنة ثلاث ونشأ ابناه أبو محمد عبد الله وأبو العباس احمد في حجر الدولة وجو عنايتها وأصهر عبد
الله منهما إلى أبى يعقوب بن رذوتين شيخ الدولة في ابنته فعقد له عليها وأصهر من بعده أخوه أحمد بن أبى محمد بن يعمور في ابنته فعقد له أيضا عليها واستخلص أبو ضربة بن اللحيانى كبيرها أبا محمد عبد الله وآثره بصحبته فلم يزل معه إلى أن كانت الواقعة عليه بمصوح وتقبض على كثير من الموحدين فكان في جملتهم ومن عليه السلطان أبو بكر ورقاه في رتب عنايته إلى أن ولاه الوزارة بعد الشيخ أبى محمد بن القاسم ثم قدمه شيخا على الموحدين بعد مهلك شيخهم أبى عمر بن عثمان سنة ثنتين وأربعين وبعثه إلى ملك المغرب مع ابنه الامير أبى زكريا صاحب بجاية صريخا على بنى عبد الواد فحل في خدمة السلطان وعرض سفارته وتوجه للانبار بعدها إليه واختص بالسفارة إلى ملك المغرب سائر أيامه وغص الحاجب ابن سيد الناس بمكانه وهم بمكروهه فكفح السلطان عنانه(6/349)
عنه ويقال انه أفضى إليه بذات صدره من نكبته ولما انقسمت خطط الدولة من الحرب والتدبير ومخالصة السلطان وتنفيذ أوامره بين ابن عبد العزيز الحاجب وابن الحكيم القائد كان له هو القدح المعلى في المشورة والتدبير وكانوا يرجعون إليه ويعولون على رأيه وكان ثالث أنا فيهم ومصقلة آرائهم ولما ذهب الحاجب ابن عبد العزيز إلى السلطان زعموا بين يدى مهلكه بالتحذير من ابن الحكيم وسوء دخلته وأنه فاوضه أيام نزول العرب عليه بساح تونس سنة ثنتين وأربعين كما قدمناه في الادالة من السلطان ببعض من بنى أبى دبوس كانوا معتقلين بالحضرة ألقاها الغدر على لسانه ضجوا من قعود السلطان عن الخروج بنفسه إلى العرب وسآمة ما هو فيه من الحصار واعتدها عليه ابن عبد العزيز حتى ألقاها إلى السلطان عند موته وبرئ منها إليه فأودعها اذنا واعية وكان حتف ابن الحكيم ولما هلك وولى شيخ الموحدين أبو محمد بن تافراكين فاوضه في نكبة ابن الحكيم وكان يتربص به لما كان بينهما من المنافسة وكان ابن الحكيم غائبا عن الحضرة في تدويخ القاصية وقد نازل جبل أوراس فاقتحمه
واقتضى مغارمه وتوغل في أرض الزاب واستوفى جبايته من عامله يوسف بن منصور وتقدم إلى ريغة ونازل تغرت واقتحمها وامتلات أيدى العساكر من مكاسبهم وخيلهم واتصل به خبر مهلك ابن عبد العزيز وولاية أبى محمد بن تافراكين الحجابة فنكر ذلك لما كان يظن أن السلطان لا يعدل بها عنه وكان يرشح له كاتبه أبا القاسم وازار ويرى أن ابن عبد العزيز قبله لم يتميز بها ايثارا عليه فبداله ما لم يحتسبه فظن الظنون وجمع أصحابه وأغذ السير إلى الحضرة وقد آمر السلطان أبا محمد بن تافراكين في نكبته وأعد البطانة للقبض عليه وقدم على الحضرة منتصف ربيع من سنة أربع وأربعين وجلس له السلطان جلوسا فخما فعرض عليه هديته من المقربات والرقيق والانعام حتى إذا انفض المجلس وشيع السلطان وزراؤه وانتهى إلى بابه أشار إلى البطانة فلحقوا به ونقلوه إلى محبسه وبسط عليه العذاب لاستخراج الاموال فأخرجها من مكان احتجابها وحصل منها في مودع السلطان أربعمائة ألف من الذهب العين أو مثالها أو ما يقاربها قيمة من الجوهر إلى أن استصفى ولما افتك عظمه ونفد ماله حنق بمحبسه في رجب من سنته وذهب مثلا في الايام وغرب ولده مع أمه إلى المشرق وطوح بهم الاغتراب إلى أن هلك منهم من هلك ورجع الحضرة على عبيد منهم في آخرين من أصاغرهم بعد أيام وأحوال والله يحكم لا معقب لحكمه * (الخبر عن شان الجريد واستكمال فتحه وولاية أحمد بن مكى على جزيرة جربة) * كان أمر الجريد قد صار إلى الشورى منذ شغلت الدولة بمطالبة زناتة بنى عبد الواد(6/350)
وما نالها لذلك من الاضطراب واستبد مشيخة كل بلد بأمره ثم انفرد واحد منهم بالرياسة وكان محمد بن بهلول من مشيخة توزر هو القائم فيها والمستبد بامرها كما سنذكره ولما نزعت الدولة إلى الاستبداد وأرهف السلطان حده للثوار وعفى على آثار المشيخة بقفصة وعقد لابنه الامير أبى العباس على بلاد قصطيلة وأنزل بقفصة
فأقام بها ممهدا لامارته ومرددا بعوثه إلى البلاد اختبارا لما يظهرون من طاعته وزحف حاجبه أبو القاسم من عتو سنة بالعساكر إلى نفطة ابتلاء لطاعة رؤسائها بنى مدافع المعروفين ببنى الخلف وكانوا اخوة أربعة استبدوا برياستها في شغل الدولة عنهم فسامهم سوء العذاب ولاذوا منه بجدران الحصون التى ظنوا أنها مانعتهم وتبرأت منهم الرعايا فادركهم الدهش وسألوا النزول على حكم السلطان فجذبوا إلى مصارعهم وصلبوا على جذوعهم آية للمعتبرين وأفلت السيف عليا صغيرهم لنزوعه إلى العسكر قبل الحادثة فكانت له ذمة وافية من الهالكة فانتظم الامير أبو العباس بلد نفطة في مملكته وجدد له العقد عليها أبوه وتملك الكثير من نفزاوة ولما استبحث نفطة ونفزاوة سمت همته إلى ملك توزر جرثومة الشقاق وعش الخلاف والنفاق وخشى مقدمها محمد بن بهلول عيث حاله فذهب إلى مصانعة قائد الدولة محمد بن الحكيم بذات صدره فتجافى عنه إلى أن كان مهلكهما في سنة واحدة واضطرب أمر توزر وتواثب بنوه واخوته وقتل بعضهم بعضا وكان أخوه أبو بكر معتقلا بالحضرة فأطلقه السلطان من محبسه بعد ان أخذ عليه المواثيق بالطاعة والجباية ومضى إلى توزر فملكها وطالبه الامير أبو العباس صاحب قفصة وبلاد قصطيلة بالانقياد الذى عاهد عليه فنازعه ما كان في نفسه من الاستبداد وصارت توزرشجى معترضا في صدر امارته فخاطب أبا ه السلطان أبا بكر وأغراه به فنهض إليه سنة خمس وأربعين والتقى به ففر عنه وانتهى إلى قفصة وصار الخبر إلى أبى بكر بن بهلول رئيسها يومئذ فادركه الدهش وانفض من حوله الاولياء وجاهر بطاعة السلطان ولقائه ففر عنه كاتبه وكاتب أبيه المستولي على أمره على بن محمد المعمودى المعروف الشهرة ولحق ببسكرة في جوار يوسف بن مزنى وأغذ السلطان السير إلى توزر فخرج إليه أبو بكر بن بهلول وألقى إليه يده وخلط نفسه بجملته ثم ندم على ما فرط من أمره وأحس بالنكير من الدولة وانذر بالهلكة فلحق بالزاب ونزل على يوسف بن منصور
ببسكرة فتلقاه من الترحيب والقرى بما تحدث به الناس ولما استولى السلطان على توزر وانتظمها في أعماله عقد عليها لابنه الامير أبى العباس وأنزله بها وأمكنه من رقبتها ورجع السلطان إلى الحضرة ظافرا عزيزا واتصلت أيام ملكه إلى ان هلك على فراشه(6/351)
كما يذكر واتصلت ممالك الامير أبى العباس في بلاد الجريد وثاور أبو بكر بن بهلول توزر مرارا تفلت في كلها من الهلكة إلى ان مات ببسكرة سنة سبع وأربعين قبيل مهلك الناس كما يذكر وأقام أبو العباس بمحل امارته ولم يزل يمهد الاحوال ويستنزل الثوار وكان أبو مكى قد امتنع عليه بقابس وكان من خبره انه لما رجع عبد الملك من تونس مع عبد الواحد بن اللحيانى الذى كان حاجبا له وذهب ابن اللحيانى إلى المغرب وأقام هو بقابس ثم استراب بمكان أمره مع السلطان حين ذهب ملك آل زيان فأوفد أخاه أحمد بن مكى على السلطان أبى الحسن متنصلا من ذنوبه متذمما بشفاعته منه إلى السلطان أبى بكر فشفع له وأعاده السلطان إلى مكان رياسته واستقام هو على الطاعة ونكب عن سنن العصيان والفتنة وكان لاحمد بن مكى حظ من المال والادوات ونفس مشغوفة بالرياسة والشرف وكان يقرض الشعر فكان يجيد ويرسل فيحسن وكان خط كتابته أنيقا ينحو به منحى الخط الشرقي شأن أهل الجريد فيمتع ما شاء فكانت لذلك كله في نفس الامير أبى العباس صاغية إليه وكان هو مستريبا بالمخالطة لما شاء من آثاره السالفة ولم يزل الامير أبو العباس يفتل له في الذروة والغارب إلى ان جلبه إلى مجلس السيدة أمه الواحدة أخت مولانا السلطان قافلة من حجها فمسح ما كان بصدره وأحكم له عقد مخالصته واصطنعه لنفسه فحل من امارته بمكان غبطة واعتزاز وعقد له السلطان على جزيرة جربة واستضافها إلى عمله وأنزل عنها مخلوف بن الكماد من صنائعه كان افتتحها سنة ثمان وثمانين وعقد له السلطان عليها فنزلها أحمد بن مكى واستقل عبد الملك أخوه برياسة قابس فقاما على ذلك وجردا عزائمهما في ولاية أبى
العباس صاحب أعمال الجريد فلم يزالوا كذلك إلى أن كان من أمر الجميع ما نذكر ان شاء الله تعالى * (الخبر عن مهلك الوزير أبى العباس بن تافراكين) * كان السلطان أبو بكر عند نكبة القائد بن الحكيم استعمل على حجابته شيخ الموحدين أبا محمد بن تافراكين كما ذكرناه وفوض إليه فيما وراء بابه وعقد على الوزارة لاخيه أبى العباس أحمد وكان أبو محمد جليس الباب لمكان الحجابة فرفع إلى الحرب وفود العساكر وامارة الضاحية أخاه أبا العباس فقام بما دفع إليه من ذلك وكان بنو سليم بعد مهلك حمزة بن عمر نقموا ما كان عليه من الاذعان وسموا إلى الخلاف والعناد فكان من أنباء حمزة في ذلك من الاجلاب على الحضرة ما ذكرناه وكان سحيم بن من أولاد القوس بن حكيم ببنه وبينهم غدر وخلاف وعناد وكان السلطان قد ولى على حجابة ابنه الامير أبى العباس في أعمال الجريد ابا القاسم بن عتو من مشيخة(6/352)
الموحدين وكان يناهض بنى تافراكين بزعمه في الشرف وينفس عليهم ما آتاهم الله من الرتبة والحظ فلما ولى أبو محمد الحجابة ملئ منه حسدا وحقدا وداخل فيما زعموا سحيما هذا القرى في النيل من أبى العباس بن تافراكين صاحب العساكر وشارطه على ذلك بمنا أداه إليه وتكاتموا أمرهم وخرج أبو العباس بن تافراكين فاتح سنة سبع في العساكر لجباية هوارة فوفد عليه سحيم هذا وقومه وضايقوه في الطلب ثم انتهزوا الفرصة بعض الايام وأجلبوا عليه فانفض معسكره وكبابه فرسه فقتل وحمل شلوه إلى الحضرة فدفن بها وجاهر سحيم بالخلاف وخرج إلى الرمال فلم يزل كذلك إلى مهلك السلطان كما نذكر ذلك ان شاء الله تعالى { الخبر عن مهلك الامير أبى زكريا صاحب بجاية من الانباء وما كان بعد ذلك من ثورة أهل بجاية بأخيه
الامير أبى حفص وولاية ابنه الامير أبى عبد الله } كان السلطان أبو بكر لما هلك الحاجب بن عمر عقد على بجاية لابنه الامير أبى زكريا كبير ولده وأنفذه إليها مع حاجبه محمد بن القالون كما ذكرناه وجعل أموره تحت نظره ثم رجع القالون إلى تونس فأنزل معه ابن سيد الناس فلما استبد سيد الناس بحجابة الحضرة جعل على حجابته أبا عبد الله بن فرحون ثم لما تقبض على ابن سيد الناس وعلى ابن فرحون وقد استبد الامير أبو زكريا بأمره وقام على نفسه فوض إليه السلطان الامر في بجاية وبعث إليه ظافرا السنان مولى أبيه الامير أبى زكريا الاوسط قائدا على عسكره والكاتب أبا اسحق بن علاق متصرفا في حجابته فأقاما ببابه مدة ثم صرفهما إلى الحضرة وقدم لحجابته أبا العباس أحمد بن أبى زكريا الرندى كان أبوه من العل وكان ينتحل مذهب الصوفية العلات ويطالع كتب عبد الحق بن سبعين ونشأ أحمد هذا ببجاية واتصل بخدمة السلطان وترقى في الرتب إلى أن استعمله الامير أبو زكريا كما قلناه ثم هلك وقد أنف السلطان أبو بكر من الامراء هؤلاء على حجابة ابنه فأنفذ لها من حضرته كبير الموحدين يومئذ وصاحب السفارة أبا محمد ابن تافراكين سنى أربعين وسبعمائة فأقام أحوال ملكه وعظم أبهة سلطانه وجهز العساكر لسفره وأخرجه إلى أعماله فطاف عليها وتفقدها وانتهى إلى تخومها من المسيلة ومقرة ولم يستكمل الحول حتى سخطه المشيخة من أهل بجاية لما نكروا من الابهة والحجاب حتى استغلظ عليهم باب السلطان وتولى كبر ذلك القاضى ابن يوسف تعسا وملالا واستعفى هو من ذلك فأعفي وعاد إلى مكانه بالحضرة ثم استقدم الامير أبو زكريا حاجبه الاول بعهد ابن سيد الناس وهو أبو عبد الله محمد بن فرحون وقد كان(6/353)
السلطان بعثه في غرض الرسالة إلى ملك المغرب في الامطول الذى بعثه مددا للمسلمين عند اجازة السلطان أبى الحسن إلى طريف وكان أخوه زيد بن فرحون قائد ذلك
الاسطول بما كان قائده ببحر بجاية فلما رجع أبو عبد الله بن فرحون من سفارته تلك أذن له في المقام عند الامير أبى زكريا واستعمله على حجابته إلى أن هلك فولى من بعده في تلك الخطة ابن القشاش من صنائع دولته ثم عزله وولى عليها أبا القاسم بن علناس من طبقة الكتاب واتصل بدار هذا الامير وترقى في ديوانه إلى أن ولاه خطة الحجابة ثم عزله وولى يحيى بن محمد بن المنت الحضرمي كان أبو ه وعمه قدما على جالية الاندلس وكانا ينتحلان القراآت وأخذ أهل بجاية عن عمه أبى الحسن علم القراآت وكان خطيبا بجامع السلطان ونشأ على ابن أخيه واستعمل في الديوان وكان طموحا للرياسه واتصل بحظية كانت للمولى أبى زكريا تسمى أم الحكم قد غلبت على هواه فرسمت على ابن المنت هذا بخطة الحجابة واستعمله فيها فقام بها وأصلح معونات السلطان وأحوال مقاماته في سفره وجهز له العساكر وجال في نواحى أعماله وهلك هذا الامير في احدى سفراته وهو على حجابته بتاكرارت من أعمال بجاية من مرض كان أزمن به في ربيع الاول سنة سبع وأربعين وكان ابنه الامير أبو عبد الله في حجر مولاه فارح بن معلوجى بن سيد الناس وكان اصطنعه فألفاه قابلا للترشيخ فأقام مع ابن مولاه ينتظر أمر الخليفة وبادر حاجبه الاول أبو القاسم بن علناس إلى الحضرة وأنهى الخبر إلى الخليفة فعقد على بجاية لابنه الامير أبى حفص كان معه باحضرة وهو من أصاغر ولده وأنفذه إليها مع رجاله واولى اختصاصه وخرج معه أبو القاسم بن علناس فوصل إلى بجاية ودخلها على حين غفلة وحمله الاوغاد من البطانة على ارهاف الحد واظهار السطو فخشى الناس البوادر وائتمروا ثم كانت في بعض الايام هيعة تمالا فيها الكافة على التوثب بالامير القادم فطافوا بالقصبة في سلاحهم ونادوا بامارة ابن مولاهم ثم تسوروا جدرانها واقتحموا داره وملكوا أمره وأخرجوه برمته بعد أن انتهبوا جميع موجودهم وتسايلوا إلى دار الامير أبى عبد الله محمد بن أميرهم ومولاهم بعد أن كان معتزما على التقويض عنهم واللحاق بالخليفة جده وأذن له في ذلك عمه القادم فبايعوه بداره من البلد ثم نقلوه من
الغد إلى قصر بالقصبة وملكوه أمرهم وقام بأمره مولاه فارح ولقبه باسم الحجابة واستمر حالهم على ذلك ولحق الامير أبو حفص بالحضرة آخر جمادى الاولى من سنته لشهر من يوم ولايته إلى أن كان من شأنه بعد مهلك مولانا السلطان ما نذكره وتدارك السلطان أمر بجاية وبعث إليهم أبا عبد الله بن سليمان من كبار الصالحين ومشيخة الموحدين يسكنهم ويؤنسهم وبعث معه كتاب العقد عليها لحافده الامير أبى زكريا طالبا(6/354)
مرضاتهم فسكنت نفوسهم وأنسوا بولاية ابن مولاهم وجاءت الامور إلى مصابرها كما نذكره بعد ان شاء الله تعالى والله ولى التوفيق * (الخبر عن مهلك مولانا السلطان أبى بكر وولاية ابنه الامير أبى حفص) * بينما الناس في غفلة من الدهر وظل ظليل من العيش وأمن من الخطوب وتحت سرادق من العز وذمة وافية من العدل اذريع بالسرف وتكدر الشرق وتقلصت ظلال العز والامن وتعطل فناء الملك ونعى السلطان أبو بكر بتونس فجأة من جوف الليل ليلة الاربعاء ثانى رجب من سنة سبع وأربعين وسبعمائة فهب الناس من مضاجعهم متسايلين إلى القصر يستمعون نبالات النعى وأطافوا به سائر ليلتهم تراهم سكارى وما هم بسكارى وبادر الامير أبو حفص عمر من داره إلى القصر فملكه وضبط أبوابه واستدعى الحاجب أبا محمد بن تافراكين من داره ودعوا المشيخة من الموحدين والموالي وطبقات الجند وأخذ الحاجب عليهم البيعة للامير أبى حفص ثم جلس من الغد جلوسا فخما على الترتيب المعروف في الدولة أحكمه الحاجب أبو محمد لمعرفته لعوائدها وقوانين ترتيبها تلقنه عن أشياخه وانفض المجلس وقد انعقدت بيعته وأحكمت خلافته وكان الامير خالد ابن مولانا السلطان مقيما بالحضرة قدمها رائدا منذ أشهر وأقام متهنأ من الزيارة فلما سمع النعى فر من ليلته وتقبض عليه أولاد منديل من الكعوب وردوه إلى الحضرة فاعتقل بها وقام أبوه محمد بن تافراكين بخطة الحجابة كما كان وزيادة تفويض
واستبداد إلى أن كان بطانة السلطان يكثرون السعاية فيه ويوغرون صدره عليه يذكرون منافساته ومنافسة سابقة بين الحاجب والامير أبا م أبيه واتصل ذلك منهم حطا لمكانه وانذر الحاجب بذلك منهم فأعمل الحيلة في الخلاص من صحابتهم كما يذكر بعد اه والله تعالى أعلم { الخبر عن زحف الامير أبى العباس ولى العهد من مكان امارته بالجريد إلى الحضرة وما كان من مقتله مقتل أخويه الاميرين أبى فارس عزوز وأبى البقاء خالد } كان السلطان أبو بكر قد عهد إلى ابنه الامير أبى العباس صاحب أعمال الجريد كما ذكرناه سنة ثلاث وأربعين فلما بلغه خبر مهلك أبيه وما كان من بيعة أخيه حقد على أهل الحضرة ما جاؤا به من نقض عهده ودعا العرب إلى مظاهرة أمره فأجابوه ونزعوا جميعا إلى طاعته عن طاعة أخيه بما كان مرهفا لحذه في الاستبداد والضرب على أيدى أهل الدولة من العرب وسواهم وزحف إلى الحضرة ولقيه أخوه أبو فارس صاحب عمل(6/355)
سوسة بالقيروان فآتاه طاعته وصار في جملته وجمع السلطان أبو حفص عمر جموعه واستركب واستلحق وأزاح العلل وخرج غرة شعبان وارتحل عن تونس وحاجبه أبو محمد بن تافراكين قد انذر منه بالهلكة واعتمل في أسباب النجاة حتى إذا تراءى الجمعان رجع الحاجب إلى تونس في بعض الشغل وركب الليل ناجيا إلى المغرب وبلغ خبر مفره إلى السلطان فأجفل واختل مصافه وأطلق أخاه أبا البقاء من معتقله ثم دخل إلى قصره لسبع ليال من ملكه وصبحه الامير أبو حفص في ثامنها فاقتحم عليه البلد لضاغنة كانت له في قلوب الغوغاء من غشيانه نساءهم وطروقه منازلهم أيام جنون الشباب وقضاء لذاته في مرباه وفتك بأخيه الامير أبى العباس ولسرعان ما نصب رأسه على القناة وداست شلوه هنا لك العسكر وأصبح آية للمعتبرين وثارت العامة بمن كان
بالبلد من وجوه العرب ورجالاتهم فقتلوا في تلك الهيعة من كتب عليه القتل وتلوا كثيرا منهم إلى السلطان فاعتقلهم وقتل أبا الهون بن حمزة بن عمر من بينهم وتقبض على أخويه خالد وعزوز فأمر بقطعهم من خلاف فقطعوا وكان فيه مهلكهم واستوسق ملكه بالحضرة واستعمل على حجابتها أبا العباس أحمد بن على بن زين من طبقة الكتاب وكان كاتبا للضحشى الحاجب وبعد للقائد ظافر الكبير واتصل السلطان أبو بكر لاول ملكه بالحضرة فأسف على ابن عمر بولاية ابن القالون الحاجب فخاطب السلطان فيه ونكبه ثم أطلق من محبسه ومضى إلى المغرب ونزل على السلطان ابن سعيد فأجمل نزله ثم رجع إلى الحضرة ولم يزل مشردا أيام السلطان كلها واستكتب الامير أبو حفص ولده محمدا وكانت له به وصلة فلما استوسق له الملك بعد مفر أبى محمد بن تافراكين كما ذكرناه وولى أبا ه أبا العباس هذا على حجابته وعقد على حربه وعساكره لظافر مولى أبيه وجده المعروف بالسنان واستخلص لنجواه وسره كاتبه أبا عبد الله محمد بن الفضل ابن نوار من طبقة الفقهاء والقضاة من أهل البيوت النابهة بتونس كان له بها سلف مذكور واتصل بدار السلطان وارتسم بها مكتبا لولده وقرأ عليه هذا الامير أبو حفص فيمن قرأ عليه منهم فكانت له من أجل ذلك يد ومزيد عناية ولما استبد بأمره كان هو مستبدا بشوراه وجرت الحال على ذلك إلى أن كان من أمره ما نذكر ان شاء الله تعالى والله تعالى أعلم { الخبر عن استيلاء السلطان أبى الحسن على افريقية ومهلك الامير أبى حفص وانتقال الابناء من بجاية وقسنطينة إلى المغرب وما تخلل ذلك من الاحداث } كان السلطان أبو الحسن يحدث نفسه منذ ملك تلمسان وقبلها بملك افريقية ويتربص بالسلطان أبى بكر ويسر له حسدا في ارتقاء فلما لحق به حاجبه أبو محمد بن تافراكين بعد(6/356)
مهلكه رغبه في سلطانها واستحثه بالقدوم عليها وجدد له الجوار فتنبهت لذلك عزائمه
ثم وصل الخبر بمهلك ولى العهد وأخويه وخبر الواقعة فأحفظه لذلك بما كان من رضاه بعهده وخطه بالوفاق على ذلك بيده في سجله وذلك أن حاجب الامير أبى العباس وهو أبو القاسم بن عتو من مشيخة الموحدين كان سفر عن السلطان لآه خر أيامه إلى السلطان ابى الحسن بهدية وحمل سجل العهد فوقف عليه أبا السلطان الحسن وسأل منه امضاءه لمولاه وكتب ذلك بخطه في سجله فخطه بيمينه وأحكم له عقده فلما بلغه مهلك ولى العهد تعلل بأن النقض أتى على ما أحكمه فأجمع غزو افريقية ومن بها فعسكر بظاهر تلمسان وفرق الاعطيات وأزاح العلل ثم رحل في صفر من سنة ثمان وأربعين يجر الدنيا بما حملت وأوفد عليه ابناء حمزة بن عمر أمراء البدو بافريقية ورجالات الكعوب أخاهم خالدا يستصرخه لثأر أخيهم أبى الحول الهالك يوم الواقعة فأجابهم ونزع إليهم أيضا أهل القاصية من افريقية بطاعتهم فجاؤا في وفد واحد مع ابن مكى صاحب قابس وابن نملول صاحب توزر وابن العابد صاحب قفصة ومولاهم ابن أبى عنان صاحب الحامة وابن الخلف صاحب نفطة فلقوه بوهران وآتوه بيعتهم رغبة ورهبة وأدوا بيعة ابن ثابت صاحب طرابلس ولم يتخلف عنهم الا من بعد داره ثم جاء من بعدهم وعلى أثرهم صاحب الزاب يوسف بن منصور بن مزنى ومعه مشيخة الموحدين الزواودة وكبيرهم يعقوب بن على فلقيه بنو حسن من أعمال بجاية فأوسع النيل حبا وتكرمة وأسنى الصلات والجوائز وعقد لكل منهم على بلده وعمله وبعث مع أهل الجزائر الولاة للجباية لنظر مسعود بن ابراهيم اليرساوى من طبقة وزرائه وأغد السير إلى بجاية فلما أطلت عساكره عليها توافر أهلها في الامتناع ثم أنابوا وخرج أميرها أبو عبد الله محمد ابن الامير أبى زكريا فآتاه طاعته وصرفه إلى المغرب مع اخوانه وأنزله ببلد ندرومة وأقطع له الكفاية من جبايتها وبعث على جباية عماله وخلفائه وسار إلى قسنطينة فخرج إليه ابناء الامير ابى عبد الله يقدمهم كبيرهم أبو زيد وآتوه طاعتهم وأقبل عليهم وصرفهم إلى المغرب وأنزلهم بوجدة وأقطعهم جبايتها وأنزل بقسنطينة خلفاءه وعماله وأطلق
القرابة من مكان اعتقالهم بها وفيهم أبو عبد الله محمد أخو السلطان أبى بكر وبنوه ومحمد ابن الامير خالد واخوانه وبنوه وأصارهم في جملته حتى صرفهم إلى المغرب من الحضرة من بعد ذلك ووفد عليه هنا لك بنو حمزة بن عمرو مشايخ قومهم الكعوب فأخبروه باجفال المولى أبى حفص من تونس مع ظواعن أولاد مهلهل واستحثوه باعتراضهم قبل لحاقهم بالقفر وسرح معهم العساكر في طلبه لنظر حمو العسرى من مواليه وسرح عسكرا آخر إلى تونس لنظر يحيى بن سليمان من بنى عسكر ومعه(6/357)
أبو العباس بن مكى وسارت العساكر لطلب الامير أبى حفص فأدركوه بأرض الحامة من جهات قابس وصبحوهم فدافعوا عن أنفسهم بعض الشئ ثم انفضوا وكبا بالامير أبى حفص جواده في بعض نافقاء اليرابيع وانجلت الغيابات عنه وعن مولاه ظافر راجلين فتقبض عليهما وأوثقهما قائد الكتائب بيده حتى إذا جن الليل وتوقع أن يفلتهما العرب من اساره قبل أن يصل بهما إلى مولاه فذبحهما وبعث برؤسهما إلى السلطان أبى الحسن فوصلا إليه بباجة وخلص الفل من الواقعة إلى قابس فتقبض عبد الملك بن مكى على رجالات من أهل الدولة كان فيهم أبو القاسم بن عتو من مشيخة الموحدين وصخر بن موسى من رجالات سدويكش وغيرهما من أعيان الدولة فبعث بهم ابن مكى إلى السلطان فأما ابن عتو وصخر بن موسى وعلى بن منصور فقطعهم من خلاف واعتقل الباقي وسبقت العساكر إلى تونس ثم جاء السلطان على أثرهم ودخل الحضرة في الزى والاحتفال في جمادى الاخيرة من سنته وخفتت الاصوات وسكنت الدهماء وانقبضت أيدى أهل الفساد وانقرض أمر الموحدين الا أذيالا في بونة فانه عقد عليها للمولى الفضل ابن مولانا أبى بكر لمكان صهره ووفادته عليه بين يدى مهلك أبيه ثم ارتحل السلطان إلى القيروان ثم إلى سوسة والمهدية وتطوف على المعالم التى بها ووقف على آثار ملوك الشيعة وصنهاجة في مصانعها ومبانيها
والتمس البركة في زيارة القبور التى تذكر للصحابة والسلف من التابعين والاولياء في ساحتها وقفل إلى تونس فدخلها آخر شعبان والله تعالى أعلم * (الخبر عن ولاية الامير أبى العباس الفضل على بونة وأولية ذلك ومصايره) * كان السلطان أبو الحسن قد أصهر إلى السلطان أبى بكر قبيل مهلكه في احدى كرائمه وأوفد عليه في ذلك عريف بن يحيى كبير بنى سويد من زغبة وصاحب شواره وخالصة سره مع وفد من رجالات دولته في طبقات الفقهاء والكتاب والموالي كان فيهم صاحب الفتيا بمجلسه أبو عبد الله السطى وكاتب دولته أبو الفضل عبد الله بن أبى مدين وأمير الحرم عنبر الخصى فاسعفه السلطان وعقد له على حظيته عزونة بتقة ابنة الفضل وزفها إليه بين يدى مهلكه مع أخيها الفضل ومعه أبو محمد عبد الواحد بن الجماز من مشيخة الموحدين وأدركهم الخبر بمهلك السلطان في طريقهم فلما قدموا على السلطان أبى الحسن تقبلهم بقبول حسن ورفع مجلس الفضل واستتب له ملكها فأعرض عن ذكر ذلك الا أنه رعى له ذمة الصهر وسابقة الوعد فأسعفه بالعقد على بونة مكان عمله منذ أيام أبيه وأنزله بها عندما رحل عنها إلى تونس وانقمع المولى الفضل من ذلك حقدا لما يرجوه من تجافيهم له عن ملك آبائه لحق وفادته وصهره وأقام بمكان عمله منها يؤمل الكر(6/358)
إلى ان كان من أمره ما نذكر والله أعلم { الخبر عن بيعة العرب لابن أبى دبوس وواقعتهم مع السلطان ابى الحسن بالقيروان وما قارن ذلك كله من الاحداث } كان السلطان أبو الحسن لما استوسق له ملك افريقية اسف العرب بمنعهم من الامصار إلى ملوكها بالاقطاعات والضرب على أيديهم في الاتاوات فوجموا لذلك واستكانوا لغلبته وتربصوا الدوائر وربما كان بعض البادية يشن الغارات في الاطراف فيعتدها السلطان على كبارهم وأغاروا بعض الايام في ضواحي تونس
فاستاقوا الظهر الذى كان في مرعاها وأظلم الجو بينهم وبينه وخشوا عاديته وتوقعوا بأسه ووفد عليه أيام الفطر من رجالاتهم خالد بن حمزة وأخوه أحمد من بنى كعب وخليفة بن عبد الله من بنى مسكين وخليفة بن بوزيد من رجالات حكيم وساءت طنونهم في السلطان لسوء أفعالهم فداخلوا عبد الواحد بن اللحيانى في الخروج على السلطان وكان من خبر عبد الواحد هذا أنه بعد اجفاء من تونس سنة ثنتين وثلاثين كنا ذكرناه لحق بأبى تاشفين فأقام عنده في مبرة وتكرمة ولما أخذ السلطان أبو الحسن بمخنق تلمسان واشتد حصارها سأل عبد الواحد بن أبى تاشفين تخليته للخروج فودعه وخرج إلى السلطان أبى الحسن فنزل عليه ولم يزل في جملته إلى أن احتل بافريقية فلما خشن ما بينه وبين الكعوب والتمسوا الاعياص من بنى أبى حفص فيصطفونهم للامر رجوا أن يظفروا من عبد المؤمن هذا بالبغية فداخلوه وارتاب لذلك وخشى بادرة السلطان فرفع إليه الخبر فتقبض السلطان عليهم وأحضرهم معه فأنكروا وبهتوا ثم وبخهم واعتقلهم وعسكر بساحة الحضرة لغزوهم وتلوم لبث الاعطيات وأزاح العلل وبلغ الخبر إلى أحيائهم فقطع اليأس أسباب رجائهم وأنطلقوا يحزبون الاحزاب ويلمون للملك الاعياص وكان أولاد مهلهل أقيالهم وعديلة حملهم قد أيأسهم السلطان من القبول والرضا بما بالغوا في نصيحة المولى أبى حفص ومظاهرته فلحقوا بالقفر ودخلوا الرمال فركب إليهم قتيبة بن حمزة وأمه ومعهم ظعائن أبنائهما متذممين لاولاد مهلهل بالعصبية والقرابة فأجابوهم واجتمعوا بقصطيلة وتحاثوا التراب والدماء وتذامروا بما شملهم من رهب السلطان وتوقع بأسه وتفقدوا من أعياص الموحدين من ينصبونه للامر وكان بتوزر أحمد بن عثمان بن أبى دبوس آخر خلفاء بنى عبد المؤمن بمراكش وقد ذكرنا خبره وخروجه يجهات طرابلس واجلابه مع العرب على تونس أيام السلطان أبى عصيدة ثم انفضوا وبقى عثمان بجهات قابس وطرابلس إلى أن هلك بجزيرة جربة واستقر بنو أبيه(6/359)
عبد السلام بالحضرة بعد حين فاعتقلوا بها أيام السلطان أبى بكر ثم غربهم إلى الاسكندرية مع أولاد ابن الحكيم عند نكبته كما ذكرنا ذلك كله فنزلوا بالاسكندرية وأقبلوا على الحرف لمعاشهم ورجع أحمد هذا من بينهم إلى المغرب واستقر بتوزر واحترف بالخياطة ولما تفقد العرب الاعياص دلهم على نكرته بعض أهل عرفانه فانطلقوا إليه وجاؤا به وجمعوا إليه الآلة ونصبوه للامر وتبايعوا على الاستماتة ورجع إليهم السلطان في عساكره من تونس أيام الحج من سنة ثمان ولقيهم بالثنية دون القيروان فغلبهم وأجفلوا أمامه إلى القيروان ثم تذامروا ورجعوا مستميتين ثانى محرم سنة تسع فاختل مصافه ودخل القيروان وانتهبوا معسكره بما اشتمل عليه وأخذوا بمخنقه إلى أن اختلفوا فأفرجوا عنه وخلص إلى تونس كما نذكر والله تعالى أعلم * (الخبر عن حصار القصبة بتونس ثم الافراج عن القيروان وعنها وما تخلل ذلك) * كان الشيخ أبو محمد بن تافراكين أيام حجابة السلطان أبى بكر مستبدا بأمره مفوضا إليه في سائر شؤنه فلما استوزره السلطان أبو الحسن لم يجره على مألوفه لما كان قائما على أمره وليس التفويض للوزراء من شأنه وكان يظن أن السلطان أبا الحسن سيكل إليه أمر افريقية وينصب معه أفضل للملك وربما زعموا أنه عاهده على ذلك فكان في قلبه من الدولة مرض وكان العرب يفاوضونه بذات صدورهم من الخلاف والاجلاب فلما حصلوا على البغية من الظهور على السلطان أبى الحسن وعساكره وأحاطوا به في القيروان تحيل ابن تافراكين في الخروج على السلطان لما تبين فيه من النكر منه ومن قومه وبعث العرب في لقائه وأن يحملوه حديث بيعتهم إلى الطاعة فأذن له وخرج إليهم وقلدوه حجابة سلطانهم ثم سرحوه إلى حصار القصبة وكان عند رحيله من تونس خلف بها الكثير من أبنائه ووجوه قومه واستخلف عليها عسكر السلطان على أنفسهم فلجأ من كان معهم من تونس إلى قصبتها وأحاط بهم الغوغاء فامتنعت عليهم واتخذوا
الآلة وفرقوا الاموال في الرجال وعظم فيها غناء بشير من المعلوجين الموالى فطار له ذكر وكان الامير أبو سالم ابن السلطان أبى الحسن قد جاء من المغرب فوافاه الخبر دوين القيروان فانفض معسكره ورجع إلى تونس فكان معهم بالقصبة ولما فرج عن ابن تافراكين من هوة الحصار بالقيروان طمعوا في الاستيلاء على قصبة تونس وفض ختامها فدفعوه إلى ذلك ثم لحق به سلطانه ابن أبى دبوس وعانى من ذلك ابن تافراكين صعبا لكثرة الرجل الذين كانوا بها ونصب المجانيق عليها فلم يغن شيأ وهو أثناء ذلك يحاول النجاء بنفسه لاضطراب الامور واختلال الرسوم إلى أن بلغه خلوص السلطان من القيروان إلى سوسة وكان من خبره أن العرب بعد(6/360)
ايقاعهم بعساكره أحاطوا بالقيروان واشتدوا في حصارها وداخل السلطان وأولاد مهلهل من الكعوب وحكيما من بنى سليم في الافراج عنه واشترط لهم على ذلك الاموال واختلف رأى العرب لذلك ودخل عليه قتيبة بن حمزة بمكانه من القيروان زعما بالطاعة فتقبله وأطلق اخويه خالدا وأحمد ولم يثق إليهم ثم جاء إليه محمد بن طالب من أولاد مهلهل وخليفة بن أبى زيد وأبو الهول بن يعقوب من أولاد القوس وأسرى معهم بعسكره إلى سوسة فصبحها وركب منها في أساطيله إلى تونس وسبق الخبر إلى ابن تافراكين بتونس فتسلل من أصحابه وركب السفينة إلى الاسكندرية في ربيع سنة تسع وأربعين وأصبحوا وقد فقدوه فاضطربوا وأجفلوا عن تونس وخرج أهل القصبة من أولياء السلطان فملكوها وخربوا منازل الحاشية فيها ونزل السلطان بها من أسطوله في ربيع الاخير فاستقلت قدمه من العثار ورجا الكرة لولا ما قطع أسبابها عنه مما كان من انتزاء أبنائه بالمغرب على ما نذكره في أخبارهم وأجلب العرب وابن أبى دبوس معهم على الحضرة ونازلوا بها السلطان فامتنعت عليهم فرجعوا إلى مهادنتهم فعقد لهما السلم ودخل حمزة بن عمر إليه وافدا فحبسه إلى أن تقبض على ابن أبى دبوس وأمكنه منه
فلم يزل في محبسه إلى أن رحل إلى المغرب ولحق هو بالاندلس كما نذكره في أخباره وأقام السلطان بتونس ووفد عليه أحمد بن مكى فعقد لعبد الواحد بن اللحيانى على الثغور الشرقية طرابلس وقابس وصفاقس وجربة وسرحه مع ابن مكى فهلك عند وصوله إليه في الطاعون الجارف وعقد لابي القاسم بن عتو من مشيخة الموحدين وهو الذى كان قطعه باغراء أبى محمد بن تافراكين فلما ظهر خلافه أعاد ابن عتوالى مكانه وعقد له على بلاد قسطيلة وسرحه إليها وأقام هو بتونس إلى أن كان ما نذكره ان شاء الله تعالى { الخبر عن استيلاء الامير الفضل على قسنطينة وبجاية ثم استيلاء أمرائهما بتمهيد الملك } كان سنن السلطان أبى الحسن في دولته بالمغرب وفود العمال عليه آخر كل سنة لايراد جبايتهم والمحاسبة على أعمالهم فوفدوا عليه عامهم ذلك من قاصية المغرب ووافاهم خبر الواقعة بقسنطينة وكان معهم ابن مزنى عامل الزاب وفد أيضا بجبايته وهديته وكان معهم ابن عمه تاشفين ابن السلطان أبى الحسن كان أسيرا من يوم واقعة طريف ووقعت المهادنة بين الطاغية وبين أبيه فأطلقه وأوفد معه جمعا من بطارقته وقدموا معه على أبيه ووفد معه أخوه عبد الله من المغرب وان أيضا معهم وفد السودان من أهل مالى في غرض السفارة واجتمعوا كلهم بقسنطينة فلما اتصل بهم خبر الواقعة على السلطان كثر الاضطراب وتطلبت السفهاء من الغوغاء إلى ما بأيديهم(6/361)
وخشى الملا من أهل البلد على أنفسهم فاستدعوا أبا العباس الفضل من عمله ببونة ولما أطل على قسنطينة ثارت العامة بمن كان هنا لك من الوفد والعمال وانتهبوا أموالهم واستلحموا منهم وخلص ابناء السلطان مع وفود السلطان والجلالقة إلى بسكرة مع ابن مزنى وفى خفارة يعقوب بن على أمير الزواودة فأوسع ابن مزنى قرى وتكرمة إلى ان لحقوا بالسلطان أبى الحسن بتونس في رجب من سنة تسع ودخل المولى الفضل إلى
قسنطينة واعاد ما ذهب من سلطان قومه وشمل الناس بعدله واحسانه وسوغ الاقطاع والجوائز ورحل إلى بجاية لما آنس من صاغية أهلها إلى الدعوة الحفصية فلما أطل عليها ثار أهلها بالعمال الذين كان السلطان أنزلهم بها واستباحوهم وأفلتوا من أيدى نكبتهم بحريفة الرفل ودخل الفضل إلى بجاية واستولى على كرسى ملكها ونظمها مع قسنطينة وبونة في ملكه وأعاد القاب الخلافة ورسومها وشتاتها كما كانت واعتزم على الرحيل إلى الحضرة وبينما هو يحدث نفسه بذلك إذ وصل الخبر بقدوم أمراء بجاية وقسنطينة من المغرب وكان من خبرها ان الامير أبا عنان لما بلغه خبر الواقعة بأبيه وانتزاء منصور ابن أخيه إلى ملكه بالبلد الجديد دار ملكهم وأحس بخلاص أبيه من هوة الحصار بالقيروان وثب على الامر ودعا لنفسه ورحل إلى المغرب كما نذكره في أخباره وسرح الامير ابا عبد الله محمد ابن الامير أبى زكريا صاحب بجاية والانباء إلى عمله وأمده بالاموال وأخذ عليه المواثيق ليكونن له ردأ دون أبيه وليحولن بينه وبين الخلوص متى مر به وانطلق أبو عبد الله إلى بجاية وقد سبقه إليها عمه الفضل واستولى عليها فنازله بها وطال حصارها ولحق بمكانه من منازلتها نبيل المولى ابن المعلوجى مولى الامير أبى عبد الله وكافل بنيه من بعده وتقدم إلى قسنطينة وبها عامل من قبل الفضل فثار به الناس لحينه ودخل نبيل وملك البلد وأقام فيها دعوة الامير أبى زيد ابن الامير أبى عبد الله وكان الامير أبو عنان استصحبه واخوانه إلى المغرب وبعد احتلاله بفاس سرحهم إلى مكان امارتهم بقسنطينة بعد أن أخذ عليهم الموثق في شأن ابيه بمثل موثق ابن عمهم فجاؤا على اثر نبيل مولاهم ودخلوا البلد واحتل أبو زيد منها بمكان امارته وسلطان قدمه كما قبل رحلتهم إلى المغرب ولم يزل الامير أبو عبد الله ينازل بجاية إلى أن بيتها بعض ليالى رمضان من سنته بمداخلة بعض الاشياع من رجالها داخلهم مولاه وكافله فارح في ذلك فسرب فيهم الاموال وواعدوه للبيات وفتحوا له باب البر من أبو ابها واقتحمه وفاجأهم هدير الطبول فهب السلطان من نومه وخرج
من قصره فتسنم الجبل المطل عليها وتسرب في شعابه إلى ان وضح الصباح وظهر عليه فجئ به إلى ابن أخيه فمن عليه واستبقاه وأركبه السفينة إلى بلد بونة في شوال من سنة(6/362)
تسع وأربعين ووجد بعض الاعياص من قرابته قد ثاروا بها وهو محمد بن عبد الواحد من ولد أبى بكر ابن الامير أبى زكريا الاكبر كان هو وأخوه عمر بالحضرة وكان لعمر منها النظر على القرابة فلما كان هذا الاضطراب لحقوا بالفضل وتركهم ببونة عند سفره إلى بجاية فحدثتهم أنفسهم بالانتزاء فلم يتم لهم أمر وثارت بهم الحاشية والعامة فقتلوا لوقتهم ووافى الفضل إلى بونة وقد انجلت غيمتهم ومحيت آثارهم فدخل إلى قصره وألقى عصا تسياره واستقل الامير أبو عبد الله ابن الامير أبى زكريا ببجاية محل امارة أبيه الامير أبى زيد ابن الامير أبى عبد الله بقسنطينة محل امارة أبيه والامير أبو العباس الفضل ببونة محل امارته منذ عهد الامر والسلطان أبو الحسن بتونس إلى ان كان من أمرهم ما نذكره ان شاء الله تعالى * (الخبر عن حركة الفضل إلى تونس بعد رحيل السلطان أبى الحسن إلى المغرب) * كان العرب بعد ما قدمنا من طاعتهم واسلامهم سلطانهم إلى أبى دبوس قد انفضوا عن السلطان أبى الحسن وأجلبوا عليه ثانية وتولى كبر ذلك قتيبة بن حمزة وخالف إلى السلطان أخوه خالد مع أولاد مهلهل وافترق أمرهم وخرج كبيرهم عمر بن حمزة حاجا فاستقدم قتيبة وأصحابه الامير الفضل من مكان امارته ببونة لطلب حقه واسترجاع ملك آبائه فأجابهم ووصل إلى أحيائهم آخر سنة تسع فنازلوا تونس وأجلبوا عليها ثم أفرجوا عن منازلتها أول سنة خمسين وأفرجوا عنها آخر المصيف واستدعاهم أبو القاسم بن عتو صاحب الجريد من مكان عمله بتوزر فدخل في طاعة الفضل وحمل أهل الجريد كلهم عليها واتبعه في ذلك بنو مكى وانقضت افريقية عن السلطان أبى الحسن من أطرافها فركب أساطيله إلى المغرب أيام الفطر من سنة خمسين ومضى المولى الفضل
إلى تونس وبها أبو الفضل ابن السلطان أبى الحسن كان أبوه قد عقد له عليها عند رحيله إلى المغرب تفاديا عن ثورات الغوغاء ومضرة هيعتهم وامن عليه بما كان عقد له من الصهر مع عمر بن حمزة في ابنته فلما أطلت رايات المولى الفضل على تونس أيام الحج نبضت عروق التشييع للدعوة الحفصية وأحاطت الغوغاء بالقصر ورجموه بالحجارة وأرسل أبو الفضل إلى بنى حمزة متذمما بصهرهم فدخل عليه أبو الليل وأخرجه ومن معه إلى الحى واستركب له من رجالات بنى كعب من أبلغه مأمنه وهداه السبيل إلى وطنه ودخل الفضل إلى الحضرة وقعد بمجلس آبائه من الخلافة وجدد ما طمسسته بنو مرين من معالم الدولة واستمر أمره على ذلك إلى أن كان من أمره ما نذكر ان شاء الله تعالى { الخبر عن مهلك الفضل وبيعة أخيه المولى أبى اسحق في كفالة أبى محمد بن تافراكين وتحت استبداده }(6/363)
لما دخل أبو العباس الفضل إلى الحضرة واستبد بملكها عقد على حجابته لاحمد بن محمد ابن عتو نائبا عن عمه أبى القاسم ريثما يفئ من الجريد وعقد على جيشه وحربه لمحمد بن الشواش بطانته وكان وليه المطارد به أبو الليل قتيبة بن حمزة مستبدا عليه في سائر أحواله منتشطا في طلباته وأنف له بطانته من ذلك فحملوه على التنكر له وأن يديل منه بولاية خالد أخيه وبعث عن أبى القاسم بن عتو وقد قلده في حجابته وفوض إليه أمره وجعل مقاد الدولة بيده فركب إليه البحر من سوسة واستألف له خالد بن حمزة ظهيرا على أخيه بعد أن نبذ إليه عهده وفاوضهم أبو الليل بن حمزة قبل استحكام أمورهم فغلب على السلطان وحمله على عزله قائده محمد بن الشواش فدفعه إلى بونة على عساكرها واضطربت نار الفتنة بين أبى الليل بن حمزة وبين أخيه خالد وكاد شملهم ان يتصدع وبينما هم يجيشون نار الحرب ويجمعون الجموع والاحزاب إذ قدم كبيرهم عمر وأبو محمد عبد الله بن تافراكين من حجهم وكا ابن تافراكين لما احتل بالاسكندرية
بعث السلطان فيه إلى أهل المشرق وخاطبه ملوك مصر في التحكيم فيه فأجاره عليه الامير المستبد على الدولة يومئذ سقاروس وخرج من مصر لقضاء فرضه وخرج عمر بن حمزة لقضاء فرضه أيضا فاجتمعا في مشاهد الحاج آخر سنة خمسين وتعاقدا على الرجوع إلى افريقية والتظاهر على أمرهما وقفلا فألفيا خالدا وقتيبة على الصفير فأشار عمر بن داية فاجتمعا وتواقفا ومسح الاحن من صدورهما وتواطؤا جميعا على المكر بالسلطان وبعث إليه وليه قتيبة بالمراجعة فقبله واتفقوا على ان يقلد حجابته أبا محمد ابن تافراكين صاحب أبيه وكبير دولتهم ويديل به من ابن عتو فأبى ثم أصبحت ونزلت أحياؤهم ظاهر البلد واستحثوا السلطان للخروج إليهم ليكملوا عقد ذلك ووقف بساحة البلد إلى ان أحاطوا به ثم اقتادوه إلى بيوتهم وأدنوا لابن تافراكين في دخول البلد فدخلها لاحدى عشرة من جمادى الاولى سنة احدى وخمسين وعمد إلى دار المولى أبى اسحق ابراهيم ابن مولانا السلطان أبى بكر فاستخرجه بعد أن بذل من العهد لامه والمواثيق ما رضيتها وجاء به إلى القصر وأقعده على كرسى الخلافة وبايع له الناس خاصة وعامة وهو يومئذ غلام مناهز فانعقدت بيعته ودخل بنو كعب فأتوه طاعتهم وسيق إليه أخوه الفضل ليلتئذ فاعتقل وغط من جوف الليل بمحبسه حتى فاض ولاذ حاجبه أبو القاسم بن عتو بالاختفاء في غيابات البلد وعثر عليه لليال فاعتقل وامتحن وهلك في امتحانه وخوطب العمال في الجهات باخذ البيعة على من قبلهم فبعثوا بها واستقام ابن بهلول صاحب توزر على الطاعة وبعث بالجباية والهدية واتبعه صاحب نفطة وصاحب قفصة وخالفهم ابن مكى وذهب إلى الاجلاب على ابن(6/364)
تافراكين لما كان قد كفل السلطان وحجزه عن التصرف في أمره واستبد عليه إلى أن كان من أمره ما نذكر ان شاء الله تعالى والله تعالى أعلم { الخبر عن حركة صاحب قسنطينة وما كان من
حجابة أبى العباس بن مكى وتصاريف ذلك } لما استولى أبو محمد بن تافراكين على تونس وبايع للمولى أبى اسحق بالخلافة واستبد عليه نقم عليه الامراء شأن استبداده ونقمه ابن مكى للسعى عليه لمنافسة كانت بينهما قديمة من لدن أيام السلطان أبى بكر واستعان على ذلك باولاد مهلهل مقاسمى أولاد أبى الليل في رياسة الكعوب ومجاذبيهم حبل الامارة فلما رأوا صاغية ابن تافراكين إلى أولاد أبى الليل أقتالهم أجمعوا له ولهم وحالفوا بنى حكيم من قبائل علان وأجلبوا على الضواحى وشنوا الغارات ثم وفد على الامير أبى زيد صاحب قسنطينة وأعمالها يستحثهم للنهوض إلى افريقية واستخلاص ملك آبائه ممن استبد عليه واحتازه دونهم فسرح معهم عسكرين لنظر ميمون ومنصور الجاهل من مواليه وموالى أبيه وارتحلوا من قسنطينة وارتحل معهم يعقوب بن على كبير الزواودة بمن معه من قومه وسرح أبو محمد بن تافراكين من الحضرة للقاسم عسكرا مع أبى الليل وقتل يومئذ أبو الليل قتيبة بن حمزة بيد يعقوب ابن سحيم من اولاد القوس شيوخ بنى حكيم ورجع فلهم إلى تونس وامتدت أيدى أولاد مهلهل وعساكر قسنطينة في البلاد وجبوا الاموال من أوطان هوارة وانتهوا إلى ابدة ثم قفلوا راحلين إلى قسنطينة وولى على أولاد أبى الليل مكان قتيبة أخوه خالد بن حمزة وقام بأمرهم وكان أبو العباس بن مكى أثناء ذلك يكاتب المولى أبا زيد صاحب قسنطينة من مكان ولايته بفاس ويعده من نفسه الوفادة والمدد بالمال والاحزاب والقيام باعطيات العرب حتى إذا انصرم فصل الشتاء ووفد عليه مع أولاد مهلهل لقاه مبرة وتكريما وعقد له على حجابته وجمع عساكره وجهز آلاته وأزاح علل تابعه ورحل من قسنطينة سنة ثلاثى وخمسين في صفر وجهز أبو محمد بن تافراكين سلطانه أبا اسحق لما يحتاج إليه من العساكر والآلة وجعل على حربه ابنه أبا عبد الله محمد بن نزار من طبقة الفقهاء ومشيخة الكتاب كان يعلم أبناء السلطان الكتاب ويقرئهم القرآن كما قدمناه وفصل من
تونس في التعبية حتى إذا تراءى الجمعان كر محمد وتزاحفوا فاختل مصاف السلطان أبى اسحق وافترقت جموعه وولوا منهزمين واتبعهم القوم عشية يومهم ولحق السلطان بصاحبه أبى محمد بن تافراكين بتونس وجاؤا على اثره فنازلوا تونس أياما وطالت عليهم الحرب ثم امتنعت عليهم وارتحلوا إلى القيروان ثم إلى قفصة وبلغهم أن ملك المغرب(6/365)
الاقصى السلطان أبا عبد الله قد خالفهم إلى قسنطيتة بمداخلة أبى محمد بن تافراكين واستجاشته ونازل جهات قسنطينة وانتهب زروعها وشن الغارات عليها وفى بسائطها فبلغهم أنه رجع إلى بجاية منكمشا من زحف بنى مرين واعتزم الامير أبو زيد على مبادرة ثغره ودار امارته يعنى قسنطينة ورغب إليه أبو العباس بن مكى وأولاد مهلهل أن يخلف بينهم من اخوانه من يجتمعون إليه ويزاحفون به فولى عليهم أخاه العباس فبايعوه وأقام فيهم هو وشقيقه أبو يحيى زكريا إلى أن كان من شأنه ما نذكر وانصرف الامير أبو زيد عند ذلك من قفصة يغذ السير إلى قسنطينة واحتل بها في جمادى من سنته والله تعالى أعلم { الخبر عن وفادة صاحب بجاية على ابى عنان واستيلائه عليه وعلى بلده ومطلبه قسنطينة } كان بين الامير أبى عبد الله صاحب بجاية وبين الامير أبى عنان أيام امارته بتلمسان ونزول الاعياص الحفصيين بندرومة ووجدة أيام أبيه كما ذكرناه اتصال ومخالصة أحكمها بينهما نشب الشباب والملك وسابقة الصهر فكان الامير أبو عبد الله من أجل ذلك صاغية إلى بنى مرين أوجد بها السبيل على ملكه ولما مر السلطان أبو الحسن في اسطوله عند ارتحاله من تونس كما قدمناه أمر أهل سواحله بمنعه الماء والاقوات من سائر جهاتها رعيا للذمة التى اعتقدها مع الامير أبى عنان في شأنه وجنوحا إلى تشييع سلطانه ولما أوقع السلطان أبو عنان ببنى عبد الواد سنة ثلاث وخمسين واستولى على
المغرب الاوسط ونجافلهم إلى بجاية أوعز إلى الامير أبى عبد الله باعتراضهم في جهاته والتقبض عليهم فأجابه إلى ذلك وبعث العيون بالمراصد في ضواحي بجاية على محمد ابن سلطانهم أبى سعيد عثمان بن عبد الرحمن وعلى أخيه أبى ثابت الزعيم بن عبد الرحمن وعلى وزيرهم يحيى بن داود بن سليمان فاوثقوهم اعتقالا وبعث بهم إلى السلطان أبى عنان ثم جاء على اثرهم فتلقاه بالقبول والتكرمة وأنزله بأحسن نزل ثم دس إليه من اغراه بالنزول له عن بجاية رغبة فيما عند السلطان ازاء ذلك من التجلة والادالة عنها بمكناسة المغرب والراحلة من زبون الجند والبطانة واخفافا مما سواه ان لم يعتمده فأجاب إليه على اليأس والكره وشهد مجلس السلطان والملا من بنى مرين بالرغبة في ذلك فأسعف وانيفت جائزته واقتطعت له مكناسة من أعمال المغرب ثم انتزعها لايام قلائل ونقله في جملته إلى المغرب وبعث الامير أبو عنان مولاه فارحا المستبد عليه ليأتيه بأهله وولده وعقد أبو عنان على بجاية لعمر بن على ابن الوزير من بنى واطاس وهم ينتسبون بزعمهم إلى على بن يوسف أمير لمتونة فاختصه أبو عنان بولايتها لمتانة هذا النسب(6/366)
الصنهاجى بينه وبين أهل وطنها منهم وانصرفوا جميعا من المرية ولما احتلوا بجاية تآمر أولياء الدعوة الحفصية ومن بها من صنهاجة والموالي وهجست رجالاتهم في قتل عمر بن على الوزير وأشياع بنى مرين وتصدى لذلك زعيم صنهاجة منصور بن ابراهيم بن الحاج في رجالات من قومه باملاء فارح زعموا وغدوا عليه في داره من القصبة فأكب عليه منصور يناجيه فطعنه وطعن آخر منهم القاضى ابن مر كان بما كان شيعة لبنى مرين ثم أجهزوا على عمر بن على ومضى القاضى إلى داره فمات واتصلت الهيعة بفارح فركب إليه وهتف الهاتف بدعوة صاحب قسنطينة المولى أبى زيد وطيروا إليه بالخبر واستحثوه للقدوم وأقاموا على ذلك أياما ثم تآمر الملا من أهل بجاية في التمسك بدعوة صاحب المغرب خوفا من بوادره فثاروا بفارح وقتلوه أيام التشريق من سنة
ثلاث وخمسين وبعثوا برأسه إلى السلطان بتلمسان وتولى كبر ذلك هلال صاحبه من موالى ابن سيد الناس ومحمد بن الحاجب أبى عبد الله بن سيد الناس ومشيخة واستقدموا العامل حواس من بنى مرين وهو يحيى بن عمر بن عبد المؤمن من بنى ونكاس فبادر إليهم وسرح السلطان أبو عنان إليها حاجبه أبا عبد الله محمد بن أبى عمر في الكتائب فدخلها فاتح أربع وخمسين وذهبت صنهاجة في كل وجه ولحق كبارهم وذوو الفعلة منه بتونس وتقبض على أعمال مولى ابن سيد الناس لما داخلته فيه من الظنة وعلى القاضى محمد بن عمر لما كان شيعة لفارح وعلى زعماء الغوغاء من أهل المدينة وأشخصهم معتقلين إلى المغرب وصرف نظره إلى تمهيد الوطن واستدعى كبراء العرب وأهل النواحى من أعمال بجاية وقسنطينة ووفد عليه يوسف بن مرى صاحب الزاب ومشيخة الزواودة فاسترهن ابناءهم على الطاعة وقفل بهم إلى المغرب واستعمل أبو عنان على بجاية موسى بن ابراهيم اليرنيانى من طبقة الوزراء وبعث إليها ولما وفدوا على السلطان جلس جلوسا فخما ووصلوا إليه ولقاهم تكرمة ومبرة وأوسعهم حباء واقطاعا وأنقذ لهم الصكوك والسجلات وأخذ على طاعتهم العهود والمواثيق والرهن وانقلبوا إلى أهلهم وعقد لحاجبه ابن أبى عمر وعلى بجاية وأعمالها وعلى حرب قسنطينة من ورائها ورجعه إليها فدخلها في رجب من سنته وأوعز السلطان إلى موسى بن ابراهيم بالولاية على سدويكش والنزول ببنى ياورار في كتيبة جهزها هنا لك لمضايقة قسنطينة وجباية وطنها وكل ذلك لنظر الحاجب ببجاية وكان بقسنطينة أبو عمر تاشفين ابن السلطان أبى الحسن معتقلا من لدن واقعة بنى مرين وكان موسوسا في عقله معروفا بالجنون عند قومه وكان الامراء بقسنطينة قد أسنوا جرايته في اعتقاله وأولوه من المبرة والكفاية كفاء نسبه فلما زحف كتائب بنى مرين إلى بنى ياورار آخر عمل بجاية(6/367)
ودانوا قسنطينة ومن بها من الحروب والحصار نصب المولى أبو زيد هذا الموسوس أبا
عمر ليجأجئ به رجالات بنى مرين أهل العسكر ببجاية وبنى ياورار وجهز له الآلة وتسامعوا بذلك ففزع إليهم الكبير منهم وخرج نبيل حاجب الامير أبى زيد إلى أهل صنهاجة من بونة ومن كان على دعوته من سدويكش والزواودة فجمعهم وزحفوا جميعا إلى وطن بجاية واتصل الخبر بالحاجب ببجاية فبعث في الزواودة من مشاتيهم بالصحراء فأقبلوا إليه حتى نزلوا التلول ووفد عليه أبو دينار بن على بن أحمد واستحثه للحركة على قسنطينة فاعترض عساكره وأزاح عللهم وخرج من بجاية في ربيع من سنة خمسين فكر أبو عمر ومن معه راجعين إلى قسنطينة وزحف الحاجب فيمن معه من بنى مرين والزواودة وسدويكش ولقيهم نبيل الحاجب بمن معه فكانت عليه الدبرة واكتسحت أموال بونة ورجع ابن أبى عمر بعساكره إلى قسنطينة فأناخ عليها سبعا ثم ارتحل عنها إلى ميلة وعقد يعقوب بن على بين الفريقين صلحا على أن يمكنوه من أبى عمر الموسوس فبعثوا به إلى أخيه السلطان أبى عنان فأنزله ببعض الحجر ورتب عليه الحرس وسار الحاجب في نواحى أعماله وانتهى إلى المسيلة واقتضى مغارمها ثم انكفأ راجعا إلى بجاية وملكها فاتح سنة ست وخمسين وزحف إلى قسنطينة فحاصرها وامتنعت عليه فرجع إلى بجاية ثم زحف من العام المقبل سنة سبع وخمسين كذلك ونصب عليها المجانيق فامتنعت عليه وأرجف في عسكره بموت السلطان فانفضوا وأحرق بمجانيقه ورجع إلى بجاية وعمر الكتائب ببنى ياورار لنظر موسى بن ابراهيم اليرنيانى عامل سدويكش إلى أن كان من الايقاع به وبعسكره ما نذكر ان شاء الله تعالى والله أعلم * (الخبر عن حادثة طرابلس واستيلاء النصارى عليها ثم رجوعها إلى ابن مكى) * كانت طرابلس هذه ثغرا منذ الدول القديمة وكان لهم عناية بحمايتها لما كان وضعها في البسيط وكان ضواحيها قفرا من القبائل فكان النصارى أهل صقلية كثيرا ما يحدثون أنفسهم بملكها وكان ميخاييل الانطاكي صاحب أسطول زجار قد تملكها من أيدى بنى حزروق من مغراوة آخر دولتهم ودولة صنهاجة كما ذكرنا
ثم رجعها ابن مطروح ودخلت في دعوة الموحدين ومرت عليها الايام إلى أن استبد بها ابن ثابت ووليها من بعده ابنه في أعوام خمسين وسبعمائة منقطعا عن الحضرة ومقيما رسم الدعوة وكان تجار الجوينيين يترددون إليها فاطلعوا على عوراتها وائتمروا في غزوها واتعدوا لمرساها فوافوه سنة خمس وخمسين وانتشروا بالبلد في حاجاتهم ثم بيتوها ذات ليلة فصعدوا أسوارها وملكوها عليهم وهتف هاتفهم بالحرب وقد لبسوا السلاح فارتاعوا وهبوا من مضاجعهم فلما رأوهم بالاسوار لم يكن همهم الا النحاة(6/368)
بأنفسهم ونجا ثابت بن محمد مقدمهم إلى حلة الجوار في اعراب وطنها من ذئاب احدى بطون بنى سليم فقتل لدم كان أصابه منهم ولحق أخويه بالاسكندرية واستباحها النصارى واحتملوا في سفنهم ما وجدوا بها من الخرثى والمتاع والعقائل والاسرى وأقاموا بها وداخلهم أبو العباس بن مكى صاحب قابس في فدائها فاشترطوا عليه خمسين ألفا من الذهب العين فبعث فيهم لملك المغرب السلطان أبى عنان يطرفه بمثوبتها ثم تعجلوا عليه فجمع ما عنده واستوهب ما بقى من أهل قابس والجامه وبلاد الجريد فجمعوها له حسبة ورغبة في الخير وأمكنه النصارى من طرابلس فملكها واستولى عليها وأزال ما دنسها من وضر الكفر وبعث السلطان أبو عنان بالمال إليه وأن يرد على الناس ما أعطوه وينفرد بمثوبتها وذكرها فامتنعوا الا قليلا منهم ووضع المال عند ابن مكى لذلك ولم يزل ابن مكى أميرا عليها إلى ان هلك كما نذكره في أخبارهم ان شاء الله تعالى { الخبر عن بيعة السلطان أبى العباس أمير المؤمنين ومفتتح أمره السعيد بقسنطينة } كان الامير أبو زيد قد ولى الامر من بعد أبيه الامير أبى عبد الله بولاية جده الخليفة أبى بكر وكان اخوته جميعا في جملته ومنهم السلطان أبو العباس أمير المؤمنين لهذا العهد والمنفرد بالدعوة الحفصية من لدن مهلك ابيهم يرون أن الوراثة لهم وأن الامر فيهم حتى
لقد يحكى عن شيخ وقته الولى أبى هادى المشهور الذكر وكان من أهل المكاشفة أنه قال ذات يوم وقد جاؤا لزيارته بأجمعهم على طريقهم وسنن أسلافهم في التبرك بالاولياء فدعا لهم الشيخ ما شاء الله ثم قال البركة ان شاء الله في هذا العش وأشار إلى الاخوة مجتمعين وكان الحذاق والمنجمون أيضا يخبرون بمثلها ويحومون بوطنهم على أبى العباس منهم لما يتفرسون فيه من الشواهد والمخايل فلما كان من منازلة أخيه أبى زيد بتونس سنة ثلاث وخمسين ما قدمناه ثم ارتحل عنها إلى نفطة وأراد الرجوع إلى قسنطينة للارجاف يسائل السلطان أبا عثمان وانه زحف إلى آخر عمله من تخوم بجاية رغب إليه حينئذ أولاد مهلهل أولياؤه من العرب وشيعته وصاحبه أبو العباس بن مكى صاحب عمل قابس وحرمه أن يستعمل عليهم من اخوته من يقيم معهم لمعاودة تونس بالحصار فسرح أخاه مولانا العباس فتخلف معهم لذلك وفى جملته شقيقه أبو يحيى فأقاما بقابس وكان صاحب طرابلس محمد بن ثابت قد بعث اسطوله لحصار جربة فدخل الامير أبو العباس بمن معه الجزيرة وخاضوا إليها البحر فأجفل عسكر ابن ثابت وأفرجوا عن الحصن ثم رجع السلطان إلى قابس وزحف العرب أولاد مهلهل إلى تونس وحاصروها أياما فامتنعت عليهم ورجع إلى أعمال الجريد وأوفد أخاه أبا يحيى زكريا على السلطان(6/369)
صريخا سنة خمس وخمسين فلقاه مبرة ورحبا وأسنى جائزته وأحسن وعده وانكفأ راجعا عنه إلى وطنه ومر بالحاجب أبى عمر عند افراجه عن قسنطينة ولحق بأخيه بمكانه من قاصية افريقية واتصلت أيديهما على طلب حقهما وفى خلال ذلك فسد ما بين أبى محمد بن تافراكين صاحب الامر بتونس وبين خالد بن حمزة كبير أولاد أبى الليل فعدل عنه إلى أقتاله وأولاد مهلهل واستدعاهم للمظاهرة فأقبلوا إليه وتحيز خالد إلى السلطان أبى العباس وزحفوا معه إلى تونس فنازلوها سنة ست وخمسين وامتنعت عليهم وأفرجوا عنها واستقدمه أخوه أبو زيد اثر ذلك لينصره من عساكر بنى مرين عند
ما تكاتبوا عليه وضاق به الحصار فأجابه وقدم عليه بخالد وقومه وخرج الامير أبو زيد مع خالد إلى منازلة تونس واستخلف على قسنطينة أخاه أبا العباس فدخلها ونزل بقصور الملك منها وأقام بها مدة وعساكر بنى مرين قد ملات عليه الضاحية فدعاه الاول إلى الاستبداد وأنه أبلغ في المدافعة والحماية لما كانوا يتوقعون من زحف العساكر إليهم من بجاية فأجاب وبويع شهر من سنة ست وخمسين وانعقد أمره وزحف عبد الله بن على صاحب بجاية إلى قسنطينة من سنته وفى سنة سبع بعدها فحاصره ونصب المجانيق ثم أجفل آخر الارجاف كما ذكرناه وتنفس مخنق الحصار عن قسنطينة وكان الامير أبو زيد أخوه لما ذهب مع خالد إلى تونس ونازلها امتنعت عليه ورجع وقد استبد أخوه بأمر قسنطينة فعدل إلى بونة وأرسل أبا محمد بن تافراكين في سكنى الحضرة والنزول لهم عن بونة فأجابه ونزل عنها الامير أبو زيد لعمه السلطان أبى اسحق وتحول إلى تونس فأوسعوا له المنازل وأسنوا الجرايات والجوائز وأقام في كفالة عمه إلى ان كان من أمره ما نذكره والله أعلم { الخبر عن واقعة موسى بن ابراهيم واستيلاء أبى عنان بعد على قسنطينة وما تخلل ذلك من الاحداث } لما استبد السلطان أبو العباس بالامر وزحفت إليه عساكر بجاية وبنى مرين فأحسن دفاعها عن بلده وتبين لاهل الضاحية مخايل الظهور فيه فداخله رجالات من سدويكش من أولاد المهدى بن يوسف في غزو موسى بن ابراهيم وكتائبه المجمرة ببنى ياورار ودعوا إلى ذلك ميمون بن على بن أحمد وكان منحرفا عن أخيه يعقوب ظهير بنى مرين ومناصحهم فأجاب وسرح السلطان أخاه أبا يحيى زكريا بينهم عن في جملته من العساكر وصبحوهم في غارة شعواء فلما شارفوهم ركبوا إليهم فتقدموا ثم أحجموا واختل مصافهم وأحيط بهم وأثخن قائد العسكر موسى بن ابراهيم بالجراحة واستلحم بنوه زيان وأبو القاسم ومن إليهم وكانوا أسود هياج وفرسان ملحمة في آخرين من أمثالها(6/370)
وتتبعوا بالقتل والنهب إلى أن استبيحوا ونجافلهم إلى بجاية ولحقوا بالسلطان أبى عنان ولما بلغه الخبر قام في ركائبه وعقد وفتح ديوان العطاء وبعث وزراءه للحشد في الجهات وأعد من الجنود وأزاح العلل وشكاله موسى بن ابراهيم قعود عبد الله ابن على صاحب بجاية عن قصده فسخطه ونكبه وعقد مكانه ليحيى بن ميمون بن مصمود وتلوم بعده أشهرا في تجهيز العساكر وبعث السلطان أبو العباس أخاه أبا يحيى إلى تونس صريخا لعمه السلطان أبى اسحق فأعجله الامر عن الاياب إليه وارتحل أبو عنان في عساكره ثم بعث في مقدمته وزيره فارس بن ميمون بن ودرار وزحف على أثره في ربيع سنة ثمان وخمسين وأغذ السير إلى قسنطينة وقد نازلها وزيره ابن ودرار قبله فلما نزل بساحتها وقد طبقوا الارض الفضاء بجيوشه وعساكره وجم أهل البلد وأدركهم الدهش فانفضوا وتسللوا إليه وتحيز السلطان أبو العباس إلى القصبة فامتنع بها حتى توثق لنفسه بالعهد ثم نزل إليه فلقاه تكرمة ورحبا واسنى له الفساطيط في جواره ثم بداله لايام قلائل فنقض عهده وأركبه السفن إلى المغرب وأنزله بسبتة ورتب عليه الحرس وبعث خلال ذلك إلى بونة فدخلت في طاعته وفر عنها عمال الحضرة ولما استولى عقد على قسنطينة لمنصور بن مخلوف شيخ بنى بابان من قبيل بنى مرين ثم بعث رسله إلى أبى محمد بن تافراكين في الاخذ بطاعته والنزول عن تونس فردهم وأخرج سلطانه المولى أبا اسحق مع أولاد أبى الليل ومن إليهم من العرب بعد أن جهز إليه العساكر وما يصلح من الآلة والجند وأقام هو بتونس وأجمع أبو عنان النهوض إليه ووفد عليه أولاد مهلهل يستحثونه لذلك فسرح معهم عسكرا في البر لنظر يحيى بن رحو بن تاشفين معطى حشود بنى تيربيعين من قبائل بنى مرين وصاحب الشورى في مجلسه وسرح عسكرا آخر في الاسطول لنظر محمد بن يوسف المعروف بالابكم من بنى الاحمر بنى الملوك بالاندلس لهذا العهد فسبق الاسطول وصبحوا تونس وقاتلوها يوما أو بعض يوم وأتيح لهم الظهور
فخرج عنها أبو محمد بن تافراكين ولحق بالمهدية واستولت عساكر بنى مرين على تونس في رمضان سنة ثمان وخمسين وحق لهم الظهور فخرج عنها أبو محمد بن تافراكين ولحق يحيى بن رحو بعسكره فدخل البلد وأمضى فيها أوامر السلطان ثم دعاه أولاد مهلهل إلى الخروج لمباغتة أولاد أبى الليل وسلطانهم فخرج معهم لذلك وأقام ابن الاحمر وأهل الاسطول بالبلد في خلال ذلك جاهر يعقوب بن على بالخلاف لما تبين من نكر السلطان أبى عنان وارهاف حده للعرب ومطالبتهم بالرهن وقبض أيديهم عن الاتاوات ومسح اعطافه بالمداراة فلم يقبلها فلحق يعقوب بالرمل واتبعه السلطان فأعجزه فعدا على قصوره ومنازله بالبلد والصحراء فخربها وانتسفها ثم رجع إلى قسنطينة وارتحل منها يريد(6/371)
افريقية وقد نهض المولى أبو اسحق بمن معه من العرب للقائه وانتهوا إلى حصن سبتة ثم تمشت رجالات بنى مرين وائتمروا في الرجوع عنه حذرا أن يصيبهم بافريقية ما أصابهم من قبل فانفضوا متسللين إلى المغرب ولما خف المعسكر من أهله أقصر عن القدوم إلى افريقية فرجع إلى المغرب بمن بقى معه واتبع العرب آثاره وبلغ الخبر إلى أبى محمد بن تافراكين بمكان منجاته من المهدية فسار إلى تونس ولما أطال عليها ثار أهل البلد بمن كان عندهم من عسكر بنى مرين وعمالهم فنجوا إلى الاسطول ودخل أبو محمد ابن تافراكين إلى الحضرة وأعاد ما طمس من الدولة ولحق به السلطان أبو اسحق بعد أن تقدم الامير أبو زيد في عسكر الجنود والعرب لاتباع آثار بنى مرين ومنازلة قسنطينة فاتبعهم إلى تخوم عملهم ورجع أبو زيد إلى قسنطينة وقاتلها أياما فامتنعت عليه فانكفأ راجعا إلى الحضرة ولم يزل مقيما بها إلى أن هلك عفا الله عنه وعنا آمين سنة وكان أخوه يحيى بن زكريا قد لحق بتونس من قبل صريخا كما قلناه فلما بلغهم أن قسنطينة قد أحيط بها تمسكوا به فلحق به الفل من مواليهم وصنائعهم فكانوا معه إلى أن يسر الله أسباب الخير والسعادة للمسلمين وأعاد السلطان
أبا العباس إلى الامر من بعد مهلك أبى عنان كما يذكر ومر ايالته على الخلع فطلع على الرعايا بالعدل والامان وشمول العافية والاحسان وكف أيدى العدوان ورفع الناس والدولة في ظل ظليل ومرعى جميل كما نذكر ان شاء الله { الخبر عن انتقاض الامير أبى يحيى زكريا بالمهدية ودخوله في دولة أبى عنان ثم نزوله عنها إلى الطاعة وتصاريف ذلك } كان الحاجب أبو محمد عند رجوعه إلى الحضرة صرف عنايته إلى تحصين المهدية يعدها للدولة وزرا من حادث ما يتوقعه من المغرب وأهله فشيد من أسوارها وشحن بالاقوات والاسلحة مخازنها وكان أحمد بن خلف من أوليائه وذويه مستبدا عليه فأقام على ذلك حولا أو بعضه ثم ضجر الامير أبو يحيى زكريا من الاستبداد عليه واستنكف من حجره في سلطانه فوثب به أحمد بن خلف فقتله وبعث عن أبى العباس أحمد بن مكى صاحب جربة وقابس ليقيم له رسم الحجابة لما كان مناويا لابي محمد بن تافراكين كافله فوصل إليه وطيروا بالخبر إلى السلطان أبى عنان صاحب المغرب وبعثوا إليه ببيعتهم واستحثوه لصريخهم واضطراب أمرهم وسرح أبو محمد ابن تافراكين إليها العسكر فأجفلوا أمامه ولحق المولى أبو يحيى زكريا بقابس وولى عليها أبو محمد بن تافراكين محمد بن الحكجاك من قرابة ابن ثابت اصطنعه عندما وقعت الحادثة على طرابلس ولحق به فاستعمله على المهدية ولما وصل الخبر إلى أبى عنان بشأن(6/372)
المهدية جهز إليها الاسطول وشحنه بالمقاتلة والرجال وعين الموالى والخاصة فألفوها وقد رجعت إلى ايالة الحضرة ووصل إليها ابن الحكجاك وأقام بها وحسن غناؤه فيها إلى أن كان من أمره ما نذكر وأقام الامير زكريا بقابس وأجلب به أبو العباس بن مكى على تونس ثم بعثوه بالزواودة ونزل على يعقوب بن على وأصهر إليه في ابنة أخيه سعيد فعقد له عليها ولما استولى أخوه أبو اسحق على بجاية استعمله على سدويكش والله تعالى أعلم
* (الخبر عن استيلاء السلطان أبى اسحق على بجاية واعادة الدعوة الحفصية إليها) * لما رجع السلطان أبو عنان من قسنطينة إلى المغرب أراح بسبتة وسرح عساكره من العام المقبل إلى افريقية لنظر وزيره سليمان بن داود فسار في نواحى قسنطينة ومعه ميمون بن على بن احمد اديل به من يعقوب على قومه من الزواودة وعثمان بن يوسف ابن سليمان شيخ أولاد سباع منهم وحضر معهم يوسف بن مرى عامل الزاب اوعز إليه السلطان بذلك فدوخ الجهات وانتهى إلى آخر وطن بونة واقتضى المغارم ثم انكفأ راجعا إلى المغرب وهلك السلطان أبو عنان اثر قفوله سنة تسع وخمسين واضطرب المغرب ثم استقام على طاعة أخيه السلطان أبى سالم كما نذكره وكان أهل بجاية قد نقموا على عاملهم يحيى بن ميمون من بطانة السلطان أبى عنان سوء ملكته وشدة سطوته وعسفه فداخلوا أبا محمد بن تافراكين على البعد في التوثب به فجهز إليهم السلطان أبو اسحق ما يحتاج إليه من العساكر وتلقاهم يعقوب بن على وظاهرهم على امرهم وسار أخوه أبو دينار في جملتهم ولما أطلق على بجاية ثارت الغوغاء بيحيى بن ميمون العامل كان عليهم منذ عهد السلطان أبى عنان فألقى بيده وتقبض عليه وعلى من كان من قومه وأركبوا السفين إلى الحضرة وأودعهم أبو محمد بن تافراكين سجونه تحت كرامة وجراية إلى أن من عليهم من بعد ذلك وأطلقهم إلى المغرب ودخل السلطان أبو اسحق إلى بجاية سنة احدى وستين واستبد بها بعض الاستبداد وحاجبه وكافله أبو محمد يدبر أمره من الحضرة ثم استقدم ابنه ونصب لوزارة السلطان أبى محمد عبد الواحد بن محمد بن اكما قرى من مشيخة الموحدين فكان يقيم له رسم الحجابة وقام بأمر الرجل بالبلد من الفوغاء على بن صالح من زعانفة بجاية واوغادها التفت عليه الثوار والدعار واصبحت له بهم شوكة كان له بها تغلب على الدولة إلى أن كان من أمره ما نذكره ان شاء الله تعالى والله اعلم * (الخبر عن فتح جربة ودخولها في دعوة السلطان ابى اسحق صاحب الحضرة) *
هذه الجزيرة من جزر هذا البحر الذى هو قريب من قابس إلى الشرق عنها قليلا(6/373)
طولها من المغرب إلى المشرق ستون ميلا وعرضها من ناحية الغرب عشرون ميلا ومن ناحية الشرق خمسة عشر ميلا وبين فرضتيها في ناحية الغرب ستون ميلا وشجرها التين والنخل والزيتون والعنب واختصت بالنسيج وعمل الصوف للباسهم فيتخذون منه الاكسية المعلمة للاشتمال وغير المعلمة للباس ويجلب منها إلى الاقطار فتنتقيه الناس للباسهم وأهلها من البربر من كتامة وفيهم إلى الآن سدويكش وصدغيان من بطونهم وفيهم أيضا من بعده وهوارة وسائر شعوب البربر وكانوا قديما على رأى الخوارج وبقى بها الآن فريقان منهم الوهبية وهم بالناحية الغربية ورياستهم لبنى سمرمن والنكارة وهم بالناحية الشرقية وجربة فاصلة بينهما والظهور والرياسة على الكل لبنى النجار من الانصار من جند مضر ولاه معاوية على طرابلس سنة ست وأربعين فقدم افريقية وفتح جربة سنة سبع بعدها وشهد الفتح حسين بن عبد الله الصنعانى ورجع إلى برقة فمات بها ولما تزل في ملكة المسلمين إلى أن دخل دين الخوارج إلى البربر فأخذوا به ولما كان شأن أبى زيد سنة احدى وثلاثين وثلثمائة فأخطوا بدعوته بعد أن دخلها عنوة وقتل مقدمها يومئذ ابن كلوس وصلبه ثم استردها المنصور بن اسمعيل وقتل أصحاب أبى زيد ولما غلبت العرب صنهاجة على الضواحى وصارت لهم أخذ أهل جربة في انشاء الاساطيل وغزوا الساحل ثم غزاهم على بن يحيى بن تميم بن المعز ابن باديس سنة تسع وخمسمائة باساطيله إلى أن انقادوا وضمنوا قطع الفساد وصلح الحال ثم تغلب النصارى عليها سنة تسع وعشرين وخمسمائة عند تغلبهم على سواحل افريقية ثم ثار أهلها عليهم وأخرجوهم سنة ثمان وأربعين ثم غلبوا عليها ثانية وسبوا أهلها واستعملوا على الرعية وأهل العلم ثم عادت للمسلمين ولم تزل مترددة بين المسلمين والنصارى إلى أن غلب عليها أيام عبد المؤمن بن على واستقام أمرها إلى أن استبد
أمراء بنى حفص بافريقية ثم افترق أمرهم بعد حين واستبد المولى أبو زكريا بن السلطان أبى اسحق بالناحية الغربية وشغل صاحب الحضرة بشأنه كما قدمناه فتغلب على هذه الجزيرة أهل صقلية سنة ثمان وثمانين وستمائة وبنوا بها حصن القشتيل مربع الشكل في كل ركن منه برج وبين كل ركنين برج ويجاوره حفير وسوران وأهم المسلمين شأنها ولم تزل عساكر الحضرة تتردد إليها كما تقدم إلى أن كان فتحها أيام السلطان أبى بكر على يد مخلوف بن الكماد من بطانته سنة ثمان وثلاثين واستضافها ابن مكى صاحب قابس إلى عمله فأضافها إليه وعقد له عليها فصارت من عمله سائر أيام السلطان ومن بعده واتصلت الفتنة بين أبى محمد بن تافراكين وبين ابن مكى وبعث الحاجب أبو محمد ابن تافراكين عن أبيه أبى عبد الله وكان في جملة السلطان ببجاية كما قلناه ولما وصل(6/374)
إليه سرحه في العساكر لحصار جربة وكان أهلها قد نقموا على ابن مكى سيرته فيهم ودسوا إلى أبى محمد بن تافراكين بذلك فسرح إليه ابنه في العساكر سنة ثلاث وستين وكان أحمد بن مكى غائبا بطرابلس قد نزلها منذ ملكها من أيدى النصارى وجعلها دارا لامارته فنهض العسكر من الحضرة لنظر أبى عبد الله بن الحاجب أبى محمد ونزلوا في الاسطول فطلعوا بالجزيرة وضايقوا القشتيل بالحصار إلى ان غلبوا عليه وملكوه وأقاموا به الحضرة واستعمل عليه أبو عبد الله ابن تافراكين كاتبه محمد بن أبى القاسم بن أبى العيون كان من صنائع الدولة منذ العهد الاول وكانت لابيه قرابة من أبى عبد العزيز الحاجب ترقى بها إلى ولاية الاشغال بتونس مناهضا لابي القاسم بن طاهر الذى كان يتولاها يومئذ فكان رديفه عليها إلى ان هلك ابن طاهر فاستبد هو بها منذ أيام الحاجب أبى محمد واتصل ابنه محمد هذا بخدمة ابن الحاجب واختص بكاتبه إلى ان استعمله على جربة عند استيلائه عليها هذه السنة وانكفأ راجعا إلى الحضرة فلم يزل محمد بن أبى العيون واليا عليها ثم استبد بها على السلطان
بعد مهلك الحاجب وقرار يده على السلطان إلى ان غلبه عليها السلطان أبو العباس سنة أربع وسبعين كما نذكره ان شاء الله * (الخبر عن دعوة الامراء من المغرب واستيلاء السلطان أبى العباس على قسنطينة) * لما هلك السلطان أبو عنان قام بأمره من بعده وزيره الحسن بن عمر ونصب ابنه محمد السعيد للامر كما نذكره في أخباره وكان يضطغن للامير أبى عبد الله صاحب بجاية فقبض عليه لاول أمره واعتقله حذرا من وثوبه على عمله فيما زعموا وكان السلطان أبو العباس بسبتة منذ أنزله السلطان أبو عنان بها ورتب عليه الحرس كما ذكرنا فلما انتزى على الملك المنصور بن سليمان من أعياص ملكهم ونازل البلد الجديد دار الملك ودخل في طاعته سائر الممالك والاعمال بعث في السلطان أبى العباس واستدعاه من سبتة فنهض إليه وانتهى في طريقه إلى طنجة ووافق في ذلك اجازة السلطان أبى سالم من الاندلس لطلب ملكه وكان أول ما استولى عليه من أعمال المغرب طنجة وسبتة فاتصل به السلطان أبو العباس وظاهره على أمره إلى أن نزع إليه قبيلة بنى مرين عن منصور بن سليمان المنتزى على ملكهم فاستوسق أمره واستثبت سلطانه ودخل فاس وسرح الامير أبا عبد الله من اعتقال الحسن بن عمر كما قدمناه ورعى للسلطان أبى العباس ذمة سوابقه القديمة والحادثة فرفع مجلسه وأسنى جرايته ووعده بالمظاهرة على امره(6/375)
واستقروا جميعا إلى ايالته إلى أن كان من تغلب السلطان أبى سالم على تلمسان والمغرب الاوسط ما نذكره في أخبارهم واتصل به ثورة أهل بجاية بعاملهم يحيى بن ميمون ورجالات قبيلهم فامتعض لذلك وحين قفل إلى المغرب نفض يده من الاعمال الشرقية ونزل للسلطان أبى العباس عن قسنطينة دار امارته ومثوى عزه ومنبت ملكه فأوعز إلى عاملها منصور بن مخلوف بالنزول له عنها وسرحه إليها وسرح معه الامير أبا عبد الله ابن عمه لطلب حقه في بجاية والاجلاب على عمه السلطان عبد الحق جزاء بما نال من
بنى مرين عند افتتاحها من المعرة وارتحلوا من تلمسان في جمادى من سنة احدى وستين واقتعد سرير ملكه منها وتباشرت بعودته مقاصر قصورها فكانت مبدأ سلطانه ومظهر السعادة ومطلعا لدولته على ما نذكر بعد وأما الامير أبو عبد الله صاحب بجاية فلحق بأول وطنها واجتمع إليه أولاد سباع أهل ضاحيتها وقفرها من الزواودة ثم زحف إليها فنازلها أياما وامتنعت عليه فرحل عنها إلى بنى ياورار واستخدم أولاد محمد بن يوسف والعزيز بين أهل ضاحيتها من سدويكش ثم نزعوا عنه إلى خدمة عمه ببجاية فخرج إلى القفر مع الزواودة إلى ان كان من أمره ما نذكره ان شاء الله تعالى * (الخبر عن وصول الامير أبى يحيى زكريا من تونس وافتتاحه بونة واستيلائه عليها) * كان الامير أبو يحيى زكريا منذ بعثه أخوه أبو العباس إلى عمهما السلطان أبى اسحق صريخا لم يزل مقيما بتونس وبلغه استيلاء السلطان أبى عنان على قسنطينة وهو بتونس ثم لما كانت عودة مولانا أبى العباس من المغرب واستيلاؤه على قسنطينة فخشى الحاجب أبو محمد بن تافراكين بادرته وتوقع رجفه إليها وغلبه اياه على الامر ورأى أن يخفض جناحه في أخيه ويتوثق به فاعتقله بالقصبة تحت كرامه ورعى وبعث فيه السلطان أبو الحسن بعد مراوضة في السلم فأطلقه وانعقد بينهما السلم ولما وصل الامير أبو يحيى ابن أخيه بقسنطينة عقد له عن العساكر وأصاروها نجما لعمله واستمرت حالها على ذلك إلى أن كان من أمرها ما نذكره ان شاء الله تعالى * (الخبر عن استيلاء الامير أبى عبد الله على بجاية ثم على تدلس بعدها) * لما قدم السلطان أبو عبد الله من المغرب ونزل بجاية فامتنعت عليه خرج إلى أحياء العرب كما قدمناه ولزم صحابته أولاد يحيى بن على بن سباع بعد توالى الوفاد بها وأقام بين ظهرانيهم وفى حللهم ومتعهدا في طلب بجاية برحلة الشتاء والصيف نفقة عياله ومؤنة حشمه وأنزلوه بتلك المسيلة من أوطانهم وطالبوا له عن جبايتها وأقام على ذلك سنين خمسا ينازل بجاية في كل سنة منها مرارا وتحول في السنة الخامسة عنهم إلى أولاد(6/376)
على بن أحمد ونزل على يعقوب بن على فأسكنه بمقره من بلاده إلى أن بدا لعمه المولى أبى اسحق رأيه في اللحاق بتونس لما توقع من مهلك صاحبه وكافله أبى محمد بن تافراكين أسره إليه بعض الجند فحذره مغبته ووقع من ذلك في نفوس أهل بجاية انحراف عنه وحرج أمره وراسلوا أميرهم الاقدم أبا عبد الله من مكانه بمقره وظاهره على ذلك يعقوب بن على وأخذله العهد على رجالات سدويكش أهل الضاحية وارتحلوا معه إلى بجاية ونازلها أياما ثم استيقن الغوغاء اعتزام سلطانهم على التقويض عنهم وسئموا ملكة على بن صالح الذى كان عريفا عليهم فثاروا به ونبذوا عهده وانفضوا من حوله إلى الامير أبى عبد الله بالحرسة من ساحة البلد ثم قاد إليه عمه أبا اسحق فمر عليه وخلى سبيله إلى حضرته فلحق بها واستولى أبو عبد الله على بجاية محل امارته في رمضان سنة خمس وستين وتقبض على على بن أبى صالح ومن معه من عرفاء الغوغاء أهل الفتنة فاستصفى أموالهم ثم امضى حكم الله في قتلهم ثم نهض إلى تدلس لشهرين من مملكة بجاية فغلب عليها عمر بن موسى عامل بنى عبد الواد ومن اعتاص قبلهم وتملكها في آخر سنة خمسين وبعث عنى من الاندلس وكنت مقيما بها نزيلا عند السلطان أبى عبد الله بن أبى الحاج بن الاحمر في سبيل اغتراب ومطاوعة تغلب منذ مملك السلطان أبى سالم الجاذب بضبعى إلى تقويمه والترقى في خطط كتابته من ترسيل وتوقيع ونظر في المظالم وغيرها فلما استدعاني هذا الامير أبو عبد الله بادرت إلى امتثاله ولو شاء ربك ما فعلوه ولو كنت أعلم الغيب لاستكثرت من الخير فاجزت البحر شهر جمادى من سنة ست وقلدنى حجابته ودفع إلى أمور مملكته وقمت في ذلك المقام المحمود إلى أن يأذن الله بانقراض أمره وانقطاع دولته ولله الخلق والامر وبيده تصاريف الامور * (الخبر عن مهلك الحاجب أبى محمد بن تافراكين واستبداد سلطانه من بعده) * كان السلطان أبو اسحق آخر دولته ببجاية قد تجبر ملك حاجبه المستبد عليه أبى محمد بن
تافراكين لما كان أهل صنهاجة أهل التنجيم يحدثونه بذلك فأجمع الرحلة إليها وانفض عنه أهل بجاية إلى ابن أخيه كما قدمناه واستولى عليه ثم أطلقه إلى حضرته فلحق بها في رمضان سنة خمس وستين وتلقاه أبو محمد بن تافراكين ورآه مرثف الحد للاستبداد الذى ألفه ببجاية فكايله بصاع الوفاق وصارفه نقد المصانعة وازدلف بأنواع القربات وقاد إليه النجائب ومنحه الذخائر والاموال وتجافى له عن النظر في الجباية ثم أصهر إليه السلطان في كريمته فعقد له عليها وأعرس السلطان بها ثم كان مهلكه عقب ذلك فاتح ست وستين فوجم السلطان لنعيمه وشهد جنازته حتى وضع في لحده من المدرسة التى اختطها لقراءة العلم ازاء داره جوفى المدينة وقام على قبره باكيا وحاشيته يتناولون(6/377)
التراب جثما على جدثه فقرن في الوفاء معه ما تحدث به الناس واستبد من بعده بأمره وأقام سلطانه لنفسه وكان أبو عبد الله الحاجب غائبا عن الحضرة وخرج منها بالعسكر للجباية والتمهيد فلما بلغه خبر مهلك أبيه داخلته الظنة وأوجس الخيفة فصرف العسكر إلى الحضرة وارتفع مع حكيم من بنى سليم وعرض نفسه على معاقل افريقية التى كان يظن أنها خالصة لهم فصده محمد بن أبى العيون كاتبه عن عزمه فحمد الحكيم صنيعه وطاف بهم على المهدية وبعث إليه السلطان بما رضيه من الامان فاستصحب بعد النفور وبادر إلى الحضرة فتلقاه السلطان بالبر والترحيب وقلده حجابته وأنزله على مراتب العز والشرف ونكر هو مباشرة السلطان للناس من رفعه للحجاب ولم يزل يريضه لما ألف من الاستبدا منذ عهد أبيه فأظلم الجو بينه وبين السلطان ودبت عقارب السعاية لمهاده الوثير فتنكر وخرج من تونس ولحق بقسنطينة ونزل بها على السلطان أبى العباس مرغبا له في ملك تونس ومستحثا فأنزله خير نزل ووعده بالنهوض معه إلى افريقية بعد الفراغ من أمر بجاية لما كان بينه وبين ابن عمه صاحبها من الفتنة كما نذكرها بعد واستبد السلطان أبو اسحق بعد مفر ابن تافراكين عنه ونظر في أعطاف
ملكه وعقد على حجابته لاحمد بن ابراهيم المالقى مصطنع الحاجب أبى محمد من طبقة العمال وعلى العساكر والحرب لمولاه منصور سريحة والمعلوجى ورفع الحجاب بينه وبين رجال دولته وصنائع ملكه حتى باشر جبايات الخراج وعرفاء الحشم وأوصلهم إلى نفسه وألغى الوسايط بينهم وبينه إلى حين مهلكه كما نذكر ذلك ان شاء الله تعالى والله تعالى أعلم * (الخبر عن استيلاء السلطان أبى العباس على بجاية وملك صاحبها ابن عمه) * لما ملك الامير أبو عبد الله بجاية واستقل بامارتها تنكر للرعية وساءت سيرته فيهم بارهاف الحد للكافة واسخاط الخاصة فنغلت الصدور ومرضت القلوب واستحكمت النفرة وتوجهت الصاغية إلى ابن عمه السلطان ابى العباس بقسنطينة لما كان استفسد منه وأعلن بلذاته وأقوم على سلطانه وكانت بينهما فتنة وحروب جرتها المنافسة في تخوم العمالتين منذ عهد الآباء وكان السلطان أبو العباس أيام نزوله على السلطان أبى سالم محمود السيرة والخلال مستقيم الطريقة في مثوى اغترابه وربما كان ينقم على ابن عمه هذا بعض النزغات المعرضة لصاحبها للملامة فاستقل بصحبته وشغل بذلك ضميره فلما استولى على بجاية علا آلى الفتنة فتنبه وشمر عزائمه لها فكان مغلبا فيها واعتلق منه يعقوب بن على بذمه في المظاهرة على السلطان أبى العباس فلم يغن عنه وراجع يعقوب سلطانه ثم جهز هو العساكر من بجاية لمزاحمة تخوم قسنطينة وفيها مولانا(6/378)
أبو العباس فنهض إليه ثانية بنفسه في العساكر وتراجع العرب من أولاد سباع بن يحيى وجمع هو أولاد محمد وزحف فيهم وفى عسكر من زناتة والتقى الفريقان بناحية سطيف فاختل مصاف أهل بجاية وانهزموا واتبعهم السلطان أبو العباس إلى تاكرارت وجال في عمله ووطئ نواحى وطنه وقفل إلى بلده ودخل الامير أبو عبد الله إلى بجاية وقد استحكمت النفرة بينه وبين أهل بلده فدسوا إلى السلطان أبى العباس بقسنطينة
بالقدوم عليهم فوعدهم من العام القابل وزحف سنة سبع وستين في عساكره وشيعته من الزواودة أولاد محمد وانضوى إليه أولاد سباع بشيعة بجاية بالجوار والسابقة القديمة لما نكروا من أحوال سلطانهم وعسكر الامير أبو عبد الله بليزوا في جمع قليل من الاولياء واقام بها يرجو مدافعة ابن عمه بالصلح فبيته السلطان بمعسكره من ليزوا وصبحه في غارة شعواء فانفض جمعه واحيط به وانتهب المعسكر وفر إلى بجاية فأدرك في بعض الطريق وتقبض عليه وقتل قعصا بالرماح وأغذ السلطان أبو العباس السير إلى بجاية فأدرك بها صلاة الجمعة تاسع عشر شعبان من سنة سبع وستين وكنت بالبلد مقيما فخرجت في الملا وتلقاني بالمبرة والتنويه وأشار إلى بالاصطناع واستوسق له ملك جده الامير أبى زكريا الاوسط في الثغور النبوية وأقمت في خدمته بعض شهر ثم توخمت الحنقة في نفسي واذنته في الانطلاق فأذن لى تكرما وفضلا وسعة صدر ورحمة ونزلت على يعقوب بن على ثم تحولت عنه إلى بسكرة ونزلت على ابن موسى إلى أن صفا الجو واستقبلت من أمرى ما استدبرت واستأذنته لثلاث عشرة سنة من انطلاقي عنه في خبر طويل نقصه من شأني فأذن لى وقدمت عليه فقابلتني وجوه عنايته وأشرقت على أشعة نجعته كما نذكر ذلك من بعد ان شاء الله تعالى { الخبر عن زحف حمو وبنى عبد الواد إلى بجاية ونكبتهم عليها وفتح تدلس من أيديهم بعدها } كان الامير أبو عبد الله صاحب بجاية لما اشتدت الفتنة بينه وبين عمه السلطان أبى العباس مع ما كان بينه وبين بنى عبد الواد من الفتنة عند غلبه اياهم على تدلس يكابد حمل العداوة من الجانبين وصغا إلى مهادنة بنى عبد الواد فنزل لهم عن تدلس وأمكن منها قائد العسكر المحاصر لها وأوفد رسله على سلطانهم أبى حمو بتلمسان وأصهر إليه أبو حمو في ابنته فعقد له عليها وزفها إليه بجهاز أمثالها فلما غلبه السلطان أبو العباس على بجاية وهلك في مجال حربه أشاع أبو حمو الامتعاض له لمكان الصهر وجعلها ذريعة
إلى الحركة على بجاية وزحف من تلمسان يجر الشوك والمدر في آلاف من قومه وطبقات العساكر والجند وتراجع العرب حتى انتهى إلى وطن حمزة فأجفل أمامه أبو الليل(6/379)
موسى بن زغلى في قومه بنى يزيد وتحصنوا في جبال زواوة المطلة على وطن حمزة وبعث إليه رسله لاقتضاء طاعته فاوثقهم كتافا وكان فيهم يحيى حافد أبى محمد صالح نزع عن السلطان أبى العباس إلى أبى حمو وكان عينا على غزاة أبى الليل هذا لما بينهما من الولاء والجوار والوطن وجاء في وفد الوفادة عن أبى حمو فتقبض عليهم وعليه فقتله وبعث برأسه إلى بجاية وامتنع على أبى حمو وعساكره فأجلبوا إلى بجاية ونزل معسكره بساحتها وقاتلها أياما وجمع الفعلة على الآلات في الحصار وكان السلطان أبو العباس بالبلد وعسكره مع مولاه بشير بتكرارت ومعهم أبو زيان بن عثمان بن عبد الرحمن وهو عم أبى حمو من أعياص بيتهم وكان من خبره أنه كان خرج من المغرب كما نذكره في أخباره ونزل على السلطان أبى اسحق بالحضرة ورعى له أبو محمد الحاجب حق بعثه فأوسع في كرامته ولما غلب الامير أبو عبد الله على تدلس بعث إليه من تونس ليوليه عليها وتكون ردأ بينه وبين حمو ويتفرغ هو للاجلاب على وطن قسنطينة فبادر إلى الاجابة وخرج من تونس ومر السلطان أبو العباس بمكانه من قسنطينة فصدر على سبيله واعتقاله عنده مكرما فلما غلب على بجاية وبلغه الخبر بزحف أبى حمو أطلقه من اعتقاله ذلك واستبلغ في تكرمته وحبائه ونصبه للملك وجهز له بعض الآلة وخرج في معسكره مولاه بشير ليجأجئ به بنى عبد الواد عن ابن عمه أبى حمو لما سئموا من ملكه وعنفه وكان زغبة عرب المغرب الاوسط في معسكره أبى حمو وكان على حذر من مغبة أمره معهم فراسلوا أبا زيان وائتمروا بينهم في الارجاف بالمعسكر ثم تحينوا لذلك ان شب الحرب بين أهل البلد وأهل المعسكر فأجفلوا خامس ذى الحجة وانفض بالمعسكر وانتحوا إلى مضايق الطرقات بساح البلد فكظت بزحامهم وتراكموا عليها فهلك
الكثير منهم وخلفوا من الاثقال والعيال والسلاح والكراع مالا يحيط به الوصف وأسلم أبو حمو عياله وأمواله فصارت نهبا واجتلبت حظاياه إلى السلطان فوهبها لابن عمه ونجا أبو حمو بنفسه بعد أن طاح في كظيظ الزحام فؤاده فنزل له وزيره عمران بن موسى عن مركوبه فكان نجاؤه عليه ونزل بالجزائر ولحق بمنها بتلمسان واتبع أبو زيان اثره واضطرب المغرب الاوسط كما نذكره في اخباره وخرج السلطان أبو العباس من بجاية على اثر هذه الواقعة فنازل تدلس وافتتحها وغلب عليها من كان بها من عمال بنى عبد الواد وانتظمت الثغور الغربية كلها في ملكه كما كانت في ملك جده الامير ابى زكريا الاوسط حين قسم الدعوة الحفصية بها إلى ان كان ما نذكره بعده ان شاء الله تعالى * (الخبر عن زحف العساكر إلى تونس) *(6/380)
كان أبو عبد الله بن الحاجب ابى محمد بن تافراكين لما نزع عن السلطان ابى اسحق صاحب الحضرة لحق بحلل أولاد مهلهل من العرب ووفدوا جميعا على السلطان أبى العباس فاتح سنة سبع وستين يستحثونه إلى الحضرة ويرغبونه في ملكها فاعتذر لهم لما كان عليه من الفتنة مع ابن عمه صاحب بجاية وزحف إليها في حركة الفتح وصاروا في جملته فلما استكمل فتح بجاية سرح معهم أخاه المولى أبا يحيى زكريا في العساكر فساروا معه إلى الحضرة وابن تافراكين في جملته فنازلوها أياما وامتنعت عليهم وأقلعوا على سلم ومهادنة انعقدت بين صاحب الحضرة وبينهم وقفل المولى أبو يحيى بعسكره إلى مكان عمله ولحق ابن تافراكين بالسلطان فلم يزل في جملته إلى أن كان من فتح تونس ما نذكره والله تعالى أعلم * (الخبر عن مهلك السلطان أبى اسحق صاحب الحضرة وولاية ابنه خالد من بعده) * لما نزل السلطان أبو اسحق بالحضرة على ما ذكرناه وتخلف عن المهادنة مع السلطان
أبى العباس طورا بطور واستخلص لدولتهم منصور بن حمزة أمير بنى كعب يستظهر به على أمره ويستدفع برأيه وشوكته فخلص له سائر أيامه وعقد سنة تسع وستين لابنه خالد على عسكر لنظر محمد بن رافع من طبقات الجنود من مغراوة مستبدا على ابنه وسرحه مع منصور بن حمزة وقومه وأوعز إليهم بتدويخ ضواحي بونة واكتساح نعمها وجباية ضواحيها فساروا إليها وسرح الامير أبو يحيى زكريا صاحب بونة عسكره مع أهل الضاحية فأغنوا في مدافعتهم وانقلبوا على أعقابهم فكان آخر العهد بظهورهم ولما رجعوا إلى الحضرة تنكر السلطان لمحمد بن رافع قائد العسكر فخرج من الحضرة ولحق معاوية بمكانهم من لحقه من أعمال تونس واستقدمه السلطان بعد أن استعتب له فلما قدم تقبض عليه وأودعه السجن وعلى اثر ذلك كان مهلك السلطان ليلة من سنة سبعين بعد أن قضى وطرا من محادثة السمر وغلبه النوم آخر ليله فنام ولما أيقظه الخادم وجده ميتا فاستحال السرور وعظم الاسف وغلب على البطانة الدهش ثم راجعوا بصائرهم ورفعوا الدهش عن أنفسهم وتلافوا أمرهم بالبيعة لابنه الامير أبى البقاء خالد فأخذها له على الناس مولاه منصور سريحة من المعلوجين وحاجبه أحمد ابن ابراهيم اليالقى على هذا الامير المنصوب للامر فلم يكن له تحكم عليها وكان أول ما افتتحا به امرهما ان تقبضا على القاضى محمد بن خلف الله من طبقة الفقهاء كان نزع إلى السلطان من بلده نفطة مغاضبا لمقدمها عبد الله بن على بن الخلف فرعى له نزوعه إليه واستعمله بخطة القضاء بتونس عند مهلك أبى على عمر بن عبد الرفيع ثم ولاه قود العساكر إلى بلاد الجريد وحربهم فكان له منها عناء واستدفعوه مرات بجبايتهم يبعثون(6/381)
بها إلى السلطان ومرات بمصانعة العرب على الارجاف بمعسكره وكان ابن اليالقى بغص بمكانه عند السلطان فلما اشتد على ابنه أعظم فيه السعاية وتقبض عليه وأودعه السجن مع محمد بن على بن رافع ثم بعث عليهما من داخلهما في الفرار من الاعتقال حتى
دبروه معه وظهر على أمرهما فقتلهما في محبسهما خنقا والله متولى الجزاء منه وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون ثم أظهر ابن اليالقى من سوء سيرته في الناس وجوره عليهم وعسفه بهم وانتزاع أموالهم واهانة سبال الاشراف منهم ما نقموه وضرعوا إلى الله في انقاذهم من ملكته فكان ذلك على يد مولانا السلطان أبى العباس كما نذكر ان شاء الله تعالى { الخبر عن فتح تونس واستيلاء السلطان عليها واستبداده بالدعوة الحفصية في سائر عمالات افريقية وممالكها } لما هلك السلطان أبو اسحق صاحب الحضرة سنة سبعين كما قدمنا وقام بالامر مولاه منصور سريحة وصاحبه اليالقى ونصبوا ابنه الامير خالدا للامر صبيا لم يناهز الحلم غرا فلم يحسنوا تدبير أمره ولا سياسة سلطانه واستخلصوا لوقتهم منصور بن حمزة أمير بنى كعب المتغلبين على الضاحية ثم أطمعوه بسوء تدبيرهم في شركته لهم في الامر ثم قلبوا له ظهر المجن فسخطهم ولحق بالسلطان أبى العباس وهو مطل عليهم برقبة من الثغور الغربية مستجمع للتوثب بهم فاستحثه لملكهم وحرضه على تلافى أمرهم ورم ما تثلم من سياج دولتهم وكان الاحق بالامر لشرف نفسه وجلالته واستفحال ملكه وسلطانه وشياع الحديث على عدله ورفعته وجميل سيرته ولما أن أهل مملكته نظروا لعقب نظره فيهم واستبداد سواه عليهم فأجاب صريخه وشمر للنهوض عزمه وكان أهل قسنطينة قد بعثوا بمثل ذلك فسرح إليهم أبا عبد الله بن الحاجب أبى محمد بن تافراكين لاستخبار طاعتهم وابتلاء دخلتهم فسار إليهم واقتضى سمعهم وطاعتهم وسارع إليها يحيى ابن يملول مقدم توزر والخلف بن الخلف مقدم نفطة فآتوها طواعية وانقلب عنهم وقد أخذوا بدعوة السلطان وأقاموها في أمصارهم ثم خرج السلطان من بجاية في العساكر وأغذ السير إلى المسيلة وكان بها ابراهيم ابن الامير أبى زكريا الاخير فأجابه أولاد سليمان بن على من الزواودة من مثوى اغترابه بتلمسان ونصبوه لطلب حقه
في بجاية من بعد أخيه الامير أبى عبد الله وكان ذلك بمداخلة من أبى حمو صاحب تلمسان ومواعيد بالمظاهرة مختلفة فلما انتهى السلطان إلى المسيلة نبذوا إلى ابراهيم عهده وتبرؤا منه ورجعوا من حيث جاؤا وانكفأ السلطان راجعا إلى بجاية ثم نهض منها إلى الحضرة وتلقته وفود افريقية جميعا بالطاعة وانتهى إلى البلد فخيم بساحتها(6/382)
أياما يغاديها القتال ويراوحها ثم كشف عن مصدوقته وزحف إلى أسوارها وقد ترجل أخوه والكثير من بطانته وأوليائه فلم يقم لهم حتى تسنموا الاسوار برياض رأس الطابية فنزل عنها المقاتلة وفروا إلى داخل البلد وخامر الناس الدهش وتبرأ بعضهم من بعض وأهل الدولة في مركبهم وقوف بباب الغدر من أبو اب القصبة فلما رأوا أنهم أحيط بهم ولوا الاعقاب وقصدوا باب الجزيرة فكبروا قباله وثار أهل البلد جميعا بهم فحاصروا بساحتهم من البلد بعد عصب الريق ومضى الجند في اتباعهم فأدرك أحمد بن البالقى فقتل وسيق رأسه إلى السلطان وتقبض على الامير خالد واعتقل ونجا العلج منصور سريحة برأس طمرة وخام وذهل عن القتال دون الاحبة ودخل السلطان القصر واقتعد أريكته وانطلقت أيدى العيث في ديار أهل الدولة فاكتسحت ما كان الناس يضطغنون عليهم تحاملهم على الرعية واغتصاب أموالهم واضطرمت نار العيث في دورهم ومخلفهم فلم تكد أن تنطفئ ولحق بعض أهل العافية معرات من ذلك لعموم النهب وشموله حتى أطفأه الله ببركات السلطان وجميل نيته وسعادة أمره ولاذ الناس منه بالملك الرحيم والسلطان العادل وتهافتوا عليه تهافت الفراش على الذبال يلثمون أطرافه ويجدون بالدعاء له ويتنافسون في انتفاس مجيده إلى أن غشيهم الليل ودخل السلطان قصوره وخلا بما ظفر من ملك آبائه وبعث بالامير خالد في الاسطول إلى قسنطينة فعصفت به الريح وانخرقت السفينة وترادفت الامواج إلى أن هلك واستبد السلطان بأمره وعقد لاخيه الامير أبى يحيى على حجابته ورعى لابن تافراكين حق
انحياشه إليه ونزوعه فجعله رديفا لاخيه واستمر الامر على ذلك إلى أن كان من أمره ما نذكر ان شاء الله تعالى { الخبر عن انتقاض منصور بن حمزة واجلابه بالعم أبى يحيى زكريا على الحضرة وما كان عقب ذلك من نكبة ابن تافراكين } كان منصور بن حمزة هذا أمير البلد من بنى سليم بما كان بنى كعب وكان السلطان أبو يحيى يؤثره بمزيد العناية ويجعل له على قومه المزية وكان بنو حمزة هؤلاء منذ غلبوا على السلطان أبى الحسن على افريقية وأزعجوه منها قد استطالت أيديهم عليها وتقسموها أوزاعا وأقطعهم أمراء الحضرة السهمان في جبايتها زيادة لما غلبوا عليه من ضواحيها وأمصارها استئلافا لهم على المصاهرة واقامة الدعوة والحماية من أهل الثغور الغريبة فملكوا الاكثر منها وضعف سهمان السلطان بينهم فيها فلما استولى هذا السلطان أبو العباس على الحضرة واستبد بالدعوة الحفصية كبح أعنتهم عن التغلب والاستبداد وانتزع ما بأيديهم من الامصار والعمالات التى كانت من قبل(6/383)
خالصة السلطان وبدا لهم ما لم يكونوا يحتسبونه فاحفظهم ذلك وأهمهم شأنه وتنكر منصور بن حمزة وقلب ظهر المجن ونزع يده من الطاعة وغمسها في الخلاف وتابعه على خروجه على السلطان أبو معنونة أحمد بن محمد بن عبد الله بن مسكين شيخ حكيم وارتحل باحيائه إلى الزواودة صريخا مستجيشا بالامير أبى يحيى بن السلطان أبى بكر القيم بين ظهرانيهم من لدن قفلته من المهدية وانتزائه بها على أخيه المولى أبى اسحق كما ذكرناه فنصب للامر وبايعوه وارتحل معهم وأغذوا السير إلى تونس ولقيهم منصور بن حمزة في احياء بيته فبايعوا له وأوفدوا مشيختهم على يحيى بن علول شيطى الغواية المراد على الخلاف يستحثونه للطاعة والمدد بمداخلة كانت بينهم في ذلك سول لهم فيها بالمواعيد وأملى لهم حتى إذا غمسوا أيديهم في النفاق والاختلاف سوفهم عن مواعيد حمايته
بماله فأسرها منصور في نفسه واعتزم من يومئذ على الرجوع إلى الطاعة ثم رحلوا للاجلاب على الحضرة وسرح السلطان أبو العباس أخاه الامير أبا يحيى زكريا للقيهم في العساكر وتزاحفوا فأثيح لمنصور وقومه ظهور على عساكر السلطان وأوليائه ثم يستكمله وأجلبوا على البلاد أياما ونمى إلى السلطان أن حاجبه ابا عبد الله بن تافراكين داخلهم في تبييت البلد فتقبض عليه وأشخصه في البحر إلى قسنطينة فلم يزل بها معتقلا إلى أن هلك سنة ثمان وسبعين ثم سرب السلطان أمواله في العرب فانتقض على المنصور قومه وخشى معه حاله وسوغه السلطان جائزته فعاود الطاعة ورهن ابنه ونبد إلى السلطان زكريا العم عهده ورجعه على عقبه إلى الزواودة والتزم طاعة السلطان والاستقامة على المظاهرة إلى أن هلك سنة ست وسبعين قتله محمد بن أخيه قتيبة في مشاجرة كانت بينهما طعنه بها فاشواه ورجع جريحا إلى بيته وهلك دونها أواخر يومه وقام بأمر بنى كعب بعده صولة بن أخيه خالد وعقد له مولانا السلطان على أمرهم واستمرت الحال إلى أن كان من أمره ما نذكر ان شاء الله تعالى * (الخبر عن فتح سوسة والمهدية) * كانت سوسة منذ واقعة بنى مرين بالقيروان تغلب العرب على العمالات فأقطعها السلطان أبو الحسن لخليفة بن عبد الله بن مسكين فيما سوغ للعرب من الامصار والاقطاعات مما لم يكن لهم فاستولى عليها خليفة هذا ونزلها واستقل بجبايتها وأحكامها واستبد بها على السلطان ولم يزل كذلك إلى أن هلك وقام بأمره في قومه عامر بن عمه محمد ابن مسكين أيام استبداد أبى محمد بن تافراكين فسوغها له كذلك مفضلا مرهبا من قتله ثم قتله بنو كعب وأقام بأمر حكيم من بعده أحمد الملقب أبو صعنونة بن محمد أخى خليفة بن عبد الله بن مسكين فاستبد بسوسة على السلطان واقتعدها دار امارته وربما(6/384)
كان ينتقض على صاحب الحضرة فيجلب عليها من سوسة ويشن الغارات في نواحيها
حتى لقد أوقع في بعض أيامه بمنصور سريحة مولى السلطان أبى اسحق وقائد عسكره فتقبض عليه واعتقله بسوسة أياما ثم من عليه وأطلقه وعاود الطاعة معه ولم يزل هذا دأبهم وكانت لهم في الرعايا آثار قبيحة وملكات سيئة ولم يزالوا يضرعون إلى الله في انقاذهم من أيدى جورهم وعسفهم إلى أن تأذن الله لاهل افريقية وهبت ريح العز على المغرب في جميع النواحى فتنكر أهل سوسة لعاملهم أبى صعنونة هذا وأحس بتنكراتهم فخرج عنهم وتجافى للسلطان على البلد وثارت عامتها بعماله وجهضوهم ونزل عمال السلطان بها ثم كانت من بعد ذلك حركة المولى أبى يحيى إلى نواحى طرابلس ودوخ جهاتها واستوفى جباية أعمالها وكان بالمهدية محمد بن الجكجاك استعمله عليها الحاجب أبو محمد بن تافراكين أيام ارتجاعه اياها من أيدى أبى العباس بن مكى والامير أبى يحيى زكريا المنتزى بها ابن مولانا السلطان أبى بكر كما مر وأقام ابن الجكجاك أميرا عليها بعد موت الحاجب فلما وخزته شوكة الاستطالة من الدولة وطلع نحوه قتام العساكر فرق من الاستيلاء عليه وركب أسطوله إلى طرابلس ونزل على صاحبها أبى بكر بن ثابت لذمة صهر قديم كان بينهما وبادر مولانا السلطان إلى تسليم المهدية وبعث عليها عماله وانتظمت في ملكيته واطردت أحوال الظهور والنحج وكان بعد ذلك ما نذكر ان شاء الله تعالى * (الخبر عن فتح جربة وانتظامها في ملك السلطان) * كان محمد بن أبى القاسم بن أبى العيون منذ ولاه أبو عبد الله محمد بن تافراكين على هذه الجزيرة قد تقبل مذاهب جيرانها من أهل قابس وطرابلس وسائر الجريد في الامتناع على السلطان ومصارفة الاستبداد وانتحاله مذاهب الامارة وطرقها ولبوس شؤنها وقد ذكرنا سلفه من قبل وان والده كان صاحب الاشغال بالحضرة أيام الحاجب أبى محمد تافراكين وانه اعتلق بكتابة ابنه أبى عبد الله مولاه على جربة عند افتتاحه اياها سنة وانه قصده عند مفره عن المولى أبى اسحق
لينزل جربة معولا على قديم اصطناعه اياه قمنعه ثم داخل شيوخ الجزيرة من بنى في الامتناع على السلطان والاستبداد بأمرهم فأجابوه وأقام ممتنعا سائر دولة مولانا السلطان وابنه من بعده ولما استولى مولانا السلطان أبو العباس على تونس داخله الروع والوحشة وصار إلى مكاثرة رؤساء الجريد في التظافر على المدافعة بزعمهم فأجرى في ذلك شأوا بعيدا مع تخلفه في مضماره بقديمه وحديثه وصارف السلطان سوء الامتثال واتيان الطاعة ومنع الخيانة فاحفظ ذلك ولما افتتح أمصار الساحل(6/385)
وثغوره سرح ابنه الامير أبا بكر في العساكر إلى جربة ومعه خالصة الدولة محمد بن على ابن ابرهيم من ولد أبى هلال شيخ الموحدين وصاحب بجاية لعهد المستنصر وقد تقدم ذكره وأمده في الاسطول في البحر لحصارها ونزل الامير بعسكره على مجازها ووصل الاسطول إلى حراسها فأطاف بحصن القشتيل وقد لاذ ابن أبى العيون بجدرانه وافترق عنه شيوخ الجزيرة من البربر وانحاش معه بطانته من الجند المستخدمين معه بها ولما رأوا ما لا طاقة لهم به وان عساكر السلطان قد أحاطت بهم برا وبحرا نزلوا إلى الاسطول واستولوا على داره وولوا على الجزيرة وارتحلوا قافلين إلى السلطان ووصل محمد بن أبى العيون إلى الحضرة ونزل بالديوان فأركب القصبة على جمل وطيف به على أسواق البلد اظهار العقوبة الله النازلة به وأحضره السلطان فوبخه على مرتكبه في العناد ومداخلته أهل الغواية من امراء الجريد في الانحراف عنه ثم تجافى عن دمه وأودعه السجن إلى أن هلك سنة تسع وسبعين * (الخبر عن استقلال الامراء من الابناء بولاية الثغور الغربية) * كان السلطان عندما استجمع الرحلة إلى افريقية باستحثاث أهلها لذلك ووفادة منصور ابن حمزة شيخ الكعوب مرغبا فيها أهمه لذلك شأن الثغور الغربية وأحال اختياره في بنيه بسبر أحوالهم ويعيش على الاكفاء لهذه الثغور منهم فوقع نظره أولا على كبير ولده
المخصوص بعناية الله في القاء محبته عليه الامير أبى عبد الله فعقد له على بجاية وأعمالها وأنزله بقصور الملك منها وأطلق يده في مال الجباية وديوان الجند واستعمل على قسنطينة وضواحيها مولاه القائد بشير سيف دولته وعنان حربه وناشئ قصده وتلاد مرباه وكانت لهذا الرجل نخوة من الصرامة والبأس ودالة بالقديم والحادث وخلال لقيها أيام التغلب في أواوين الملك وكان ملازما ركاب مولاه في مطراح اعتزامه وأيام تمحيصه وربما لقى عند الورود على قسنطينة من المحنة والاعتقال الطويل ما أعاضه الله عنه بجميل السرور وعود العز والملك إلى مولاه على أحسن الاحوال فظفر من ذلك بالبغية وحصل من الرتبة على الامنية وكان السلطان يثق بنظره في العسكر ويبعثه في مقدمة الحروب وكان عند استيلائه على بجاية وصرف العناية إليها ولاه أمر قسنطينة وأنزله بها وأنزل معه ابنه الامير أبا اسحق وجعل إليه كفالته لصغره ثم استنفره بالعساكر عند النهوض إلى افريقية فنهض في جملته وشهد معه الفتح ثم رجعه إلى عمله بقسنطينة بمزيد التفويض والاستقلال فلم يزل قائما بما دفع إليه من ذلك إلى أن هلك وكان السلطان قد أوفد ابنه أبا اسحق على ملك بن مقرب والسلطان عبد العزيز عندما استولى على تلمسان مهنئا بالظفر ملقحا غراس(6/386)
الود وأنفذ معه شيخ الموحدين ساسة أبا اسحق بن أبى هلال وقد مر من قبل ذكر أخيه فتلقاهما ملك بن مقرب بوجوه المبرة والاحتفاء ورجعهما بالحديث الجميل عنه سنة ثلاث وسبعين ونزل الامير أبو اسحق بقسنطينة دار امارته وعقد له السلطان عليها وألقاب الملك ورسومه مصروفة إليه والقائد بشير مولى أبيه مستبد عليه لمكان صغره إلى أن هلك بشير سنة ثمان وسبعين عندما استكمل الامير أبو اسحق الحال واستجمع الامارة فجدد له السلطان عهده عليها وفوض إليه في امارتها فقام بما دفع إليه من ذلك أحسن قيام وأحواله تصدق الظنون وتومى إليه وشهادة المخاليل التى
دلت عليه فاستقل هذان الاميران بعهد بجاية وقسنطينة وأعمالها مفوضا اليهما الامارة مأذونا لهما في اتخاذ الآلة واقامة الرسوم الملوكية والشارة وكان الامير أبو يحيى زكريا الاخ الكريم مستقلا أيضا ببونة وعملها منذ استيلائه عليها سنة قد أضافها السلطان وأصارها في سهمانه فلما ارتحلوا إلى افريقية عام الفتح وتيقن الاخ أبو يحيى طول مغيبه واغتباط السلطان أخاه لكونه معه عقد عليها لابنه الامير أبى عبد الله محمد وأنزله بقصره منها وفوض إليه في امارته لما استجمع من خلال التشريع والذكر الصالح في الدين واستمر الحال على ذلك لهذا العهد وهو سنة ثلاث وثمانين وسبعمائة والله مدبر الامور سبحانه * (الخبر عن فتح قفصة وتوزر وانتظام أعمال قسنطينة في طاعة السلطان) * كان أمر هذا الجريد قد صار شورى بين رؤساء أمصاره فيما قبل دولة السلطان أبى بكر لاعتقال الدولة حينئذ بانقسامها كما مر فلما استبد السلطان أبو بكر بالدعوة الحفصية وفرغ عن الشواغل صرف إليهم نظره وأوطأهم عساكره ثم نهض بنفسه فجاء اثر الشورى منها وعقد لابنه أبى العباس عليها كما قلناه فلما كان بعد مهلكه من اضطراب افريقية وتغلب الاعراب على نواحيها ما كان منذ هزيمة السلطان أبى الحسن وتنازع رؤسائهم بعد أن كانوا سوقة في انتحال مذاهب الملك ومساربه يقتعدون الارائك ويتفقدون في المشى بين السكك المراكب ويهيئون في ايوانهم سبال الاشراف ويتخذون الآلة أيام المشاهد آية للمعتبرين في تقلب الايام وأضحوا كاهل الشامات حتى لقد حدثتهم أنفسهم بالقاب الخلافة وأقاموا على ذلك أحوالا والدولة في التياتها فلما استبد السلطان أبو العباس بافريقية وعمالاتها وأتيح منه بالحضرة البازى المطل من مرقبه والاسد الخادر في عرينه وأصحاب الخلاف والنفاق يفتلون بذلك في عزائمه وأرخى هو لهم حبل الامهال وفسح لهم مجال الايناس بالمعاونة والوعد رجاء الفيئة إلى الطاعة المعروفة والاستقامة على الجادة فأصروا وازدادوا عنادا ونفاقا فشمر لهم عن(6/387)
عزائمه ونبذ إليهم عهدهم على سواء ونهض من الحضرة سنة سبع وسبعين في عساكره من الموحدين وطبقات الجند والموالي وقبائل زناتة من استألف إليه من العرب أولاد مهلهل وحكيم وأصهار أولاد أبى الليل على المدافعة عن أهل الجريد ووافقوا السلطان أياما ثم أجفلوا أمامه وغلبهم السلطان على رعاياهم من تحيزه وكانوا من بقايا بنى يفرن عمروا ضواحي افريقية مع ظواعن هوارة ونفوسة ومغراوة وكان للسلطان عليهم مغارم وجبايات وافرة فلما تغلب المغرب على بسائط افريقية وتنافسوا في الاقطاعات كانت ظواعن من تحيز هؤلاء في اقطاع أولاد حمزة فكانت جبايتهم بهم موفورة ومالهم داثرا بما صاروا مددا لهم بالمال والكراع والدروع والادم وبالفرسان منهم يستظهرون بهم في حروبهم مع السلطان ومع قومهم فاستولى السلطان عليهم في هذه السنة واكتسح أموالهم وبعث رجالهم اسرى إلى سجون الحضرة وقطع بها عنهم أعظم مادة كانت تمدهم فخمد ذلك من عتوهم وقص من جناحهم إلى آخر الدهر ووهنوا له ثم عاد السلطان إلى حضرته وافترق أشياعه ونزع عنهم أبو صعنونة فتألف على أولاد أبى الليل وزحفوا إلى الحضرة فاحتلوا بساحتها اياما وشنوا الغارات عليها ثم انفضوا عنها وخرج على اثرهم لاول فصل الشتاء وتساحل إلى سوسة والمهدية فاقتضى مغارم الاوطان التى كانت لابي صعنونة ثم رجع إلى القيروان وارتحل منها يريد قفصة وجمع أولاد أبى الليل للمدافعة عنها وسرب فيهم صاحب توزر الاموال فلم تغن عنه وزحف السلطان إلى قفصة فنازلها ثلاثا ولجوا في عصيانهم وقاتلوه بجمع الايدى على قطع نخيلهم وتسايلت إليه الرعية من أماكنهم وأسلموا أحمد بن القائد مقدمهم وابنه محمد المستبد عليه لكبره ودخوله فخرج إلى السلطان واشترط له ما شاء من الطاعة والخراج ورجع إلى البلد وقد ماج أهلها بعضهم في بعض وهموا بالخروج فسابقهم ابنه أحمد المستبد على ابيه وكان السلطان سرح أخاه أبا يحيى في الخاصة
والاولياء إلى البلد فلقيه محمد بنواحي ساحتها فبعث به إلى السلطان ودخل هو إلى القصبة وتملك البلد وتقبض السلطان على محمد بن القائد لوقته وسيق إليه أبوه أحمد من البلد فجعل معه واستولى على داره وذخائره واجتمع المدد والكافة من أهل البلد عند السلطان وآتوه بيعتهم وعقد عليها لابنه أبى بكر وارتحل بعد السير إلى توزر وقد سار الخبر بفتح قفصة إلى ابن يملول فركب لحينه واحتمل أهله وما خف من ذخائره ولحق بالزاب وطير أهل توزر بالخبر إلى السلطان فلقيه أثناء طريقه وتقدم إلى البلد فملكها واستولى على ذخيرتها ابن يملول ونزع بقصوره فوجد بها من الماعون والمتاع والسلاح وآنية الذهب والفضة ما لا يعد لاعظم ملك من ملوك الارض وأحضر بعض الناس(6/388)
ودائع كانت لهم عنده من نفيس الجواهر والحلى والثياب وبرؤا منها إلى السلطان وعقد السلطان على توزر لابنه المنتصر وأنزله قصور ابن يملول وجعل إليه امارتها واستقدم السلطان الخلف بن الخلف صاحب نفطة فقدم عليه وآتاه طاعته وعقد له على بلده ولاية حجابة ابنه بتوزر وأنزله معه وقفل إلى حضرته وقد كان أهل الخلاف من العرب عند تغلبه على أمصار الجريد إلى التلول فلما قصد حضرته اعترضوه دونها فأوقع بهم وفل من عزمهم وأجفلوا إلى الجهات الغربية يؤملون منها ظفرا لما كان ابن يملول قد جأجأ بهم إلى خدمة صاحب تلمسان والاستجاشة به فوفد عليه بتلمسان منصور بن خالد منهم ونصر ابن عمه منصور صريخين به على عادة صريخهم بابى تاشفين سلفه فدافعهم بالمواعدة وتبينوا منها عجزه وأنكفوا راجعين ووفد صولة على السلطان بعد أن توثق لنفسه فاشترط له على قومه ما شاء ورجع إليهم فلم يرضوا بشرطه ونهض السلطان من الحضرة في العساكر والاولياء من العرب وأجفلوا أمامهم فأتبعهم وأوقع بهم ثلاث مرات وافقوه فيها ثم أجفلوا ولحقوا بالقيروان وقدم وفدهم على السلطان والاشتراط له كما يشاء فتقبل ووسعهم عفوه وصاروا إلى الانقياد والاعتمال في مذاهب السلطان
ومرضاته وهم على ذلك لهذا العهد * (الخبر عن ثورة أهل قفصة ومهلك ابن الخلف) * لما استقل الخلف بن على بن الخلف بحجابة المنتصر ابن السلطان وعقد له مع ذلك على عمله بنفطة فاستخلف عليها عامله ونزل بتوزر مع المنتصر ثم سعى به أنه يداخل ابن يملول ويراسله فبث عليه العيون والارصاد وعثر على كتابه بخط كاتبه المعروف إلى ابن يملول والى يعقوب بن على أمير الزواودة يحرضهما على الفتنة فتقبض عليه وأودعه السجن وبعث عماله إلى نفطة واستولى على أمواله وذخائره وخاطب أبا ه في شأنه فأمهله بعد أن تبين نقضه الطاعة وسعيه في الخلاف وكان السلطان قبل فتح نفطة قد نزع إليه من بيوتاتها أحمد بن أبى يريد وسار في ركابه إليها فلما استولى على البلد رعى له ذمة نزوعه إليه وأوصى به ابنه أبا بكر فاستولى على مشورته وحله وعقده وطوى على البيت ثم حدثته نفسه بالاستبداد وتحين له المواقيت واتفق أن سار الامير أبو بكر من نفطة لزيارة أخيه المنتصر بتوزر وخلف بالبلد عبد الله الترمكى من مواليهم وكان السلطان أنزله معه وولاه حجابته فلما توارى الامير عن البلد داخل ابن أبى يزيد عنفة من الاوغاد وطاف في سكك المدينة والمهاتفة معه ينادى بالثورة ونقض الطاعة وتقدم إلى القصبة فأغلقها القائد عبد الله دونه وحاربها فامتنعت عليه وقرع عبد الله الطبل بالقصبة واجتمع إليه أهل القرى فأدخلهم من باب كان بالقصبة يفضى إلى الغابة فكثروا ومنع(6/389)
ابن أبى يزيد وتسلل عنه الناس فلاذ بالاختفاء وخرج القائد من القصبة فتقبض على كثير من أهل الثورة وأودعهم السجن واستولى على البلد وسكن الهيعة وطار الخبر إلى المولى أبى بكر فأغذ السير منقلبا إلى قفصة ولحين دخوله ضرب أعناق المعتقلين من أهل الثورة وأمر الهاتف ينادى في الناس بالبراءة من ابن أبى يزيد وأخيه ولايام من دخوله عثر بهما الحرس في مقاعدهم بالباب مستترين بزى النساء فتقبضوا عليهما
وتلوهما إلى الامير فضرب أعناقهما وصلبهما في جذوع النخل وكانا من المترفين فأصبحا مثلا في الايام وقد خسرا دينهما ودنياهما ذلك هو الخسران المبين وارتاب المنتصر صاحب توزر حينئذ بابن الخلف وحذر مغبة حاله فقتله بمحبسه وذهب في غير سبيل مرحمة وانتظم السلطان أمصار الجريد كلها في طاعته واتصل ظهوره إلى أن كان ما نذكره ان شاء الله تعالى * (الخبر عن فتح قابس وانتظامها في ملكة السلطان) * هذه البلد لم تزل في هذه الدولة الحفصية لبنى مكى المشهور ذكره في هذه العصور وما إليها وسيأتى ذكر أخبارهم ونسبهم وأوليتهم في فصل نفرده لهم فيما بعد وكان أصل رياستهم فيها اتصالهم بخدمة الامير أبى زكريا لاول أيام ولاية قابس سنة ثلاث وعشرين وستمائة فاختصوا به وداخلهم في الانتقاض على أخينا أبى محمد عبد الله عندما استجمع لذلك فأجابوه وتابعوه فرعى لهم هذه الوسائل عندما استبد بافريقية وأفردهم برياسة الشورى في بلدهم ثم سموا إلى الاستبداد عندما فشل الدولة عن العاصية بما حدث من افتن وانفراد الثغور الغربية بالملك ولم يزالوا جانحين إلى هذا الاستبداد ورامقين إليه بنظر العين والانتقاض على السلطان ومداخلة الثوار والاجلاب بهم على الحضرة والدولة أثناء ذلك في شغل عنهم وعن سواهم من أهل الجريد منذ أحقاب متطاولة بما كان من انقسام الدولة والحاح صاحب الثغور الغربية على مطالبة الحضرة ثم استبد مولانا السلطان أبو بكر بالدعوة الحفصية في سائر عمالات افريقية وشغله عن شاغل الفتنة مع صاحب تلمسان ومنازلتهم ثغر بجاية وتسريبه جيوش بنى عبد الواد مرة بعد أخرى مع الاعياص من بنى أبى حفص والعرب إلى افريقية وكان المتولي الرياسة بقابس يومئذ عبد الملك بن مكى بن أحمد بن عبد الملك ورديفه فيها أخوه أحمد وكانا يداخلان أبا تاشفين صاحب تلمسان في الاجلاب على الحضرة مع جيوشه والثوار القادمين معهم وربما خالفوا السلطان إلى الحضرة أزمان مغيبه عنها
كما وقع لهم مع عبد الواحد بن اللحيانى وقد مر ذكر ذلك فلما استولى السلطان أبو الحسن على تلمسان وانمحى أثر بنى زيان فزع السلطان أبو بكر لهؤلاء الثوار الرؤساء(6/390)
بالشريد الدائنين بالانتقاض سائر أيامهم وزحف إلى قفصة فملكها فذعروا ولحق أحمد ابن مكى بالسلطان أبى الحسن متذمما بشفاعته بعد أن كان الركب الحجازى من المغرب مر بقابس وبه بعض كرائم السلطان فأوسعوا حباءهم وسائر الركب قرى وحباء وقدموا ذلك وسيلة بين يدى وفادته فقبل السلطان وسيلتهم وكتب إلى مولانا السلطان أبى بكر شافعا فيهم لذمة السلطان والصهر فتقبل شفاعته وتجاوز عن الانتقام منهم بما اكتسبوه ثم هلك مولانا السلطان أبو بكر وماج بحر الفتنة وعادت الدولة إلى حالها من الانقسام وانسدت على صاحب الحضرة وجوه الانتصاف منهم فعاد بنو مكى وسواهم من رؤساء الجريد إلى حالهم من الاستبداد على الدولة وقطع أسباب الطاعة ومنع المغارم والجباية ومشايعة صاحب الغربية ركونا على صاحب الحضرة فلما استبد مولانا السلطان أبو العباس بالدعوة الحفصية وجمع الكلمة واستولى على كثير من الثغور المنتقضة تراسل أهل هذه العصور الجريدية وتحدثوا بما دهمهم وطلبوا وجه الخلاص منه والامتناع عليه وكان عبد الملك بن مكى أقعدهم بذلك لطول مراسلة الفتن وانحياشه إلى الثوار وكان أحمد أخوه ورديفه قد هلك سنة خمس وستين وانفرد هو برياسة قابس فراسلوه وراسلهم في الشأن وأجمعوا جميعا على تجييش العرب على السلطان وتسريب الاموال ومشايعة صاحب تلمسان بالترغيب في ملك افريقية فانتدبوا لذلك من كل ناحية وبعثوا البريد إلى صاحب تلمسان فأطمعهم من نفسه وعللهم بالمواعيد الكاذبة والسلطان أبو العباس مقبل على شأنه يفتل لهم في الذروة والغارب حتى غلب أولاد أبى الليل الذين كانوا يغزونهم بالمدافعة عنهم وافتتح قفصة وتوزر ونفطة وتبين لهم عجز صاحب تلمسان عن صريخهم فحينئذ بادر عبد الملك إلى مراسلة السلطان يعده من نفسه الطاعة
والوفاء بالجباية ويستدعى لاقتضاء ذلك منه بعض حاشيته فأجابه إلى ذلك وبعث أمره إليه ورجع إلى الحضرة في انتظاره فطاوله ابن مكى في العرض ورده بالوعد ثم اضطرب أمره وانتقض عليه أهل ضاحيته بنو أحمد احدى بطون ذياب وركبوا إليه فحاصروه وضيقوا عليه واستدعوا المدد لذلك من الامير أبى بكر صاحب قفصة فأمدهم بعسكر وقائد فنازلوه واشتد الحصار واتهم ابن مكى بعض أهل البلد بمداخلتهم فكبسهم في منازلهم وقتلهم وتنكرت له الرعية وساءت حاله ودس إلى بعض المفسدين من العرب من بنى على في تبييت العسكر المحاصرين له واشترط لهم على ذلك ما رضوه من المال فجمعوا لهم وبيتوهم فانفضوا ونالوا منهم وبلغ السلطان خبرهم فاحفظه وأجمع الحركة على قابس وعسكر بظاهر الحضرة في رجب سنة احدى وثمانين وتلوم أياما حتى استوفى العطاء واعترض العساكر وتوافت أحياء أوليائه من أولاد مهلهل وحلفائهم من سائر(6/391)
سليم ثم ارتحل إلى القيروان وارتحل منها يريد قابس وقد استكمل التعبية وبادر إلى لقيه والاخذ بطاعته مشيخة ذياب أعراب من بنى سلم ووفد منهم خالد بن سباع بن يعقوب شيخ المحاميد وابن عمه على بن راشد فيمن إليهم يستحثونه إلى منازلة قابس فأغذ السير إليها وقدم رسله بين يديه بالاعذار لابن مكى وانتهوا إليه فرجعهم بالانابة والانقياد إلى الطاعة ثم احتمل رواحله وعبى ذخائره وخرج من البلد ونزل على أحياء ذياب هو وابنه يحيى وحافده عبد الوهاب ابن ابنه مكى مالك لها منذ سنين من قبل واتصل الخبر بالسلطان فبادر إلى البلد ودخلها في ذى القعدة من سنته واستولى على منازل ابن مكى وقصوره ولا ذاهل البلد بطاعته وولى عليها من حاشيته وكان أبو بكر بن ثابت صاحب طرابلس قد بعث إلى السلطان بالطاعة والانحياش ووافته رسله دون قابس فلما استكمل فتحها بعث إليه من حاشيته لاقتضاء ذلك فرجعهم بالطاعة وأقام عبد الملك بن مكى بعد خروجه من قابس بين أحياء العرب ليالى قلائل ثم بغته الموت فهلك
ولحق ابنه وحافده بطرابلس فمنعهم ابن ثابت الدخول إليه فنزلوا بزنزور من قراها في كفالة الجوارى من بطون ذياب ولما استكمل السلطان الفتح وشؤونه انكفأ راجعا إلى الحضرة فدخلها فاتح ثنتين وثمانين ولحق إليه رسوله من طرابلس بهدية ابن ثابت من الرقيق والمتاع بما فيه الوفاء بمغارمه بزعمه ووفد عليه بعد استقراره بالحضرة رسل أولاد أبى الليل متطارحين في العفو عنهم والقبول عليهم فأجابهم إلى ذلك ووفد صولة بن خالد شيخهم وقبله أبو صعنونة شيخ حكيم ورهنوا ابناءهم على الوفاء واستقاموا على الطاعة واتصل النجح والظهور والامر على ذلك لهذا العهد وهو فاتح ثلاث وثمانين وسبعمائة والله مالك الامور لا رب غيره * (الخبر عن استقامة ابن مزنى وانقياده وما اكتنف ذلك من الاحوال) * كان هؤلاء الرؤساء المستبدون بالجريد بالزاب منذ فرغ السلطان لهم من الشواغل واسترابوا لمغبة حالهم معه ومراوغتهم له بالطاعة يرون استحداث الشواغل ويؤملون لها سلطان تلمسان لعهدهم أبا حمو الاخير وأنه ياخذ بحجزته عنهم ان وصلوا به أيديهم واستحثوه لذلك لايلافهم مثلها من سلف قومه وأبى حمو بن تاشفين من قبله قياسا متورطا في الغلط بعيدا من الاصابة لما نزل بسلطان بنى عبد الواد في هذه العصور من الضعف والزمانة وما أصاب قومهم من الشتات بأيديهم وأيدي عدوهم وتقدمهم في هذا الشأن أحمد بن مزنى صاحب بسكرة لقرب جواره واشتهار مثلها من سلفه فاتبعوه وقلدوه وغطى هواهم جميعا على بصيرتهم وقارن ذلك نزول الامير أبى زيان ابن السلطان أبى سعيد عم أبى حمو على ابن يملول بتوزر عند منادمة سالم(6/392)
ابن ابراهيم الثعلبي اياه وكان طارد به أياما ثم راجع أبو حمو وصرفه سنة ثمان وسبعين فخرج من أعمال تلمسان وأبعد المذهب عنهم ونزل على ابن يملول بتوزر وطير الخبر إلى امامه في تلك الفتنة أحمد بن مزنى واغتبطوا بمكان أبى زيان وأن تمسكهم به ذريعة
إلى اعتمال أبى حمو في مرضاتهم واجابته إلى داعيهم وركض بريدهم إلى تلمسان في ذلك ذاهبا وجائيا حتى أعيت الرسل وانتهبت المذاهب ولم يحصلوا على غير المقاربة والوعد لكن على شرط التوثق من أبى زيان وبينما هم في ذلك إذ هجم السلطان على الجريد وشرد عنه أولاد أبى الليل الذين تكفل الرؤساء به بالمدافعة وافتتح قفصة وتوزر ونفطة ولحق يحيى بن يملول ببسكرة واستصحب الامير أبا زيان فنزل على ابن مزنى وهلك لايام قلائل كما ذكرناه واستحكمت عندها استرابة يعقوب بن على شيخ رياح بأمره مع السلطان لما سلف منه من مداخلة هؤلاء الرهط وتمسكهم بحقويه والمبالغة في العذر عنهم ثم غدرته أنصاره من مشيخة الزواودة وانحاشوا إلى السلطان فأفاض عليهم عطاءه واختصهم بولايته فحدث لذلك منه نفرة واضطراب وارتحل إلى السلطان أبى العباس ليتمسك بذلك طرق التوثب من أبى زيان وربما دس لهم بمشارطة اعتقاله والقائه في غيابات السجون وفى مغيب يعقوب هذا طرق السلطان طائف من المرض أرجف له المفسدون بالجريد ودس لشيع ابن يملول بتحيزه إلى صبى من أبناء يحيى مخلف ببسكرة فذهل ابن المزني عن النسب لها ذهابا مع صاغية الولد وأوليائه وجهزهم لانتهاز الفرصة في توزر مع العرب المشارطين في مثلها بالمال وأغذوا السير إلى توزر على حين غفلتهم من الدهر وخف من الجند فجلى المنتصر وأولياؤه في الامتناع وصدق الدفاع وتمحضت بهذه الانالة طاعة أهل توزر ومخالصتهم وانصرف ابن يملول باخفاق من السعي واليم من الندم وتملك للمكاره ووافق ببسكرة قدوم يعقوب بن على فرجعه من المغرب فبالغ في تغييبهم بالملامة على ما أحدثوا بعده من هذا الخرق المتسع الغنى عن الراقع وكان السلطان لاول بلوغ الخبر باجلابهم علي توزر وممالاة ابن مزنى على ابنه وأوليائه أجمع النهوص إلى بسكرة وعسكر بظاهر الحضرة وفتح ديوان العطاء وجهز آلات الحصار وسرى الخب بذلك إليهم فخلصوا نجيا ونقضوا عنه آراءهم فتمحض لهم اعتقال أبى زيان الكفيل لهم بصريخ أبى حمو على زعمه فتعللوا عليه ببعض النزغات وتورطوا
في اخفار ذمته وطيروا بالصريخ إلى أبى حمو وانتظروا فما راعهم الا وافده بالعذر عن صريخهم والاعاضة بالمال فتبينوا عجزه ونبذوا عهده وبادروا عليه السبيل لابي زيان والغدر به لما كان السلطان نكر عليهم من أمرهم فارتحل عنهم ولحق بقسنطينة وحملهم يعقوب بن على على اللباد بالطاعة وأوفد ابن عمه متطارحا وشافعا فتقبل السلطان منه(6/393)
وسيلته وأغضى لابن مزنى عن هناته وأسعفهم بكبير دولته وخالصة سره أبى عبد الله ابن أبى هلال ليتناول منه المخالصة ويمكن له الالفة ويمسح عنه هو اجس الارتياب والمخافة وكان قد انتهى إليهم من الجباة ففصل عن الحضرة وارتحل السلطان في ذى القعدة آخر سنة ثنتين وثمانين لتفقد عماله وابتلاء الطاعة من أهل أوطانه ولما وصل وافد السلطان إلى أبى مزنى ألقى زمامه إليه وحكمه في ذات يده وقبله ومحا أثر المراوغة واستجد لبؤس الانحياش والطاعة وبادر إلى استجادة المقربات وانتقاء صنوف النحف وبعث بذلك في ركاب الوافد فدفع الذى عليه من الضريبة المعروفة محملا أكباد جياده وظهور مطاياه ووصلوا إلى معسكر السلطان بساح تبسة فاتح سنة ثلاث وثمانين فجلس لهم السلطان جلوسا فخما ولقاهم قبولا وكرامة فعرضوا الهدية وأعربوا عن الانحياش والطاعة وحسن موقع ذلك من السلطان وشملهم احسان السلطان في مقامتهم وجوائزه على الطبقات في انصرافهم وانقلبوا بما ملا صدورهم احسانا ونعمة وظفروا برضا السلطان وغبطته وحسبهم بها أمنية وبيد الله تصاريف الامور ومظاهر الغيوب * (الخبر عن انتقاض أولاد أبى الليل ثم مراجعتهم الطاعة) * قد ذكرنا ما كان من رجوع أولاد أبى الليل هؤلاء إلى بل طاعة السلطان اثر منصرفه من فتح قابس وانهم وفدوا عليه بالحضرة فتقبلهم وعفا عن كبائرهم واسترهن على الطاعة أبناءهم واقتضى بالوفاء على ذلك أيمانهم وخرج الاخ الكريم أبو يحيى
زكريا في العساكر لاقتضاء المغارم من هوارة التى استأثروا بها في مدة هذه الفتن وارتحل معه أولاد أبى الليل واحلافهم من حكيم حتى استوفى جبايته وجال في أقطار عمله ثم انكفأ راجعا إلى الحضرة ووفدوا معه على السلطان يتوسلون به في أفعالهم بالعسكر إلى بلاد الجريد لاقتضاء مغارمهم على العادة واستيفاء اقطاعاتهم فسرح السلطان معهم لذلك ابنه أبا فارس وارتحلوا معه بأحيائهم وكان ابن مزنى وابن يملول من قبله ويعقوب بن على كثيرا ما يراسلونهم ويستدعونهم لمثل ما كانوا فيه من الانحراف ومشايعة صاحب تلمسان ولما اعتقلوا أبا زيان ببسكرة كما ذكرناه وتوفى بصريخ أبى حمو ومظاهرته فنبضت عروق الخلاف في أولاد ابن أبى الليل وفزعوا إلى العلاق بيعقوب ابن على رجاء فيما توهموه من استغلاظ أمرهم بصاحب تلمسان ويأسا من معاودة التغلب الذى كان لهم على ضواحي افريقية ففارقوا الامير أبا فارس بعد أن بلغوه مأمنه من قفصة وساروا بأحيائهم إلى الزاب فلم يقعوا على الغرض ولا ظفروا بالبغية(6/394)
ووافوا يعقوب وابن مزنى وقد جاءهم وافد ابى حمو بالقعود عن نصرتهم والامير أبو زيان قد انطلق لسبيله عنهم فسقط في أيديهم وعاودهم الندم على ما استدبروا من أمرهم وحملهم يعقوب على مراجعة السلطان وأوفد ابنه محمدا في ذلك مع وافد العز بن أبى عبد الله محمد بن أبى جلال فتقلبهم وأحسن التجاوز عنهم وبعث أبا يحيى أخاه لاستقدامهم أمانا لهم وتأنيسا وبذل لهم فوق ما أملوه من مذاهب الرضا والقبول واتصل النجح والظهور والحمد لله * (تغلب ابن ابن يملول على توزر وارتجاعها منه) * قد كان تقدم لنا أن يحيى بن يملول لما هلك ببسكرة خلف صبيا اسمه أبو يحيى وذكرنا كيف اجلب على توزر سنة ثنتين وثمانين مع لفيف الاعراب ورياح مرداس فلما كان سنة ثلاث وثمانين بعدها وقعت مغاضبة بين السلطان وبين أولاد مهلهل من الكعوب
وانحدروا إلى مشاتيهم بالصحراء فبعث أميرهم يحيى بن طالب عن هذا الصبى أبى يحيى من بسكرة فنزل بأحيائه بساح توزر ودفع الصبى إلى حصارها واجتمع عليه شيعته من نواحى البلد وأشراف من أعراب الصحراء وأجلبوا على البلد وناوشوا أهلها القتال وكان بها المنتصر ناجيا بنفسه إلى بيت يحيى بن طالب واستذم به فأجاره وأبلغه إلى مأمنه بقفصة وبها عاملها عبد الله التريكى واستولى ابن ابن يملول على توزر واستنفد ما معه وما استخرجه من ذخائر توزر في عطيات العرب وزادهم جباية السنة من البلد بكمالها ولم يحصل على رضاهم وبلغ الخبر إلى السلطان بتونس فشمر عزائمه وعسكر بظاهر البلد واعترض الجند وأزاح عللهم وارتحل إلى ناحية الاربص وهو يستألف الاعراب ويجمع لقتال أولاد مهلهل أمثارهم وأعداءهم أولاد أبى الليل وأولياءهم وأحلافهم يستكثر بهم حتى نزل على محصن بسبتة فأراح بهم أياما حتى توافت أمداده من كل ناحية ونهض يريد توزر ولما احتل بقفصة قدم أخاه الامير أبا يحيى وابنه الامير المنتصر في العساكر ومعهما صولة بن خالد بقومه أولاد أبى الليل وسار على اثرهم في التعبية ولما انتهى أخوه وابنه إلى توزر حاصروها وضيقوا عليها أياما ثم وصل السلطان فزحف إليها العساكر من جوانبها وقاتلوها يوما إلى المساء ثم تباكروها بالقتال فخذل ابن ابن يملول أصحابه وأفردوه فذهب ناجيا بنفسه إلى حلل العرب ودخل السلطان البلد واستولى عليه وأعاد ابنه إلى محل امارته منه وانكفأ راجعا إلى قفصة ثم إلى تونس منتصف أربع وثمانين * (ولاية الامير زكريا ابن السلطان على توزر) *(6/395)
ثم عاد ابن يملول إلى الاجلاب على توزر من السنة القابلة وخرج السلطان في عساكره فكر راجعا إلى الزاب ونزل السلطان قفصة ووافاه هنا لك ابنه المنتصر وتظلم أهل توزر من أبى القاسم الشهرزورى الذى كان حاجبا للمنتصر فسمع شكواهم وأبلغ إليه
الخاصة سوء دخلته وقبيح أفعاله فتقبض عليه بقفصة واحتمله مقيدا إلى تونس وغضب لذلك المنتصر وأقسم لا يلى على توزر وسار مع السلطان إلى تونس وولى السلطان على توزر الامير زكريا من ولده الاصاغر لما كان يتوسم فيه من النجابة فصدقت فراسته فيه وقام بأمرها وأحسن المدافعة عنها وقام باستئلاف الشارد من أحياء العرب وأمرائهم حتى تم أمره وحسنت ولايته والله متولى الامور بحكمته لا اله الا هو * (وفاة الامير أبى عبد الله صاحب بجاية) * كان السلطان لما سار إلى فتح تونس وولى على بجاية ابنه محمدا كما مر وأقام له حاجبا وأوصاه بالرجوع إلى محمد بن أبى مهدى زعيم البلد وقائد الاسطول المتقدم على أهل الشطارة والرجولية من رجل البلد ورماتهم فقام هذا الامير أبو عبد الله في منتصف الملك ببجاية أحس قيام واصطنع ابن مهدى أحسن اصطناع فكان يجرى في قصوره واغراضه ويكفيه مهمه في سلطانه ويراقب مرضاة السلطان في أحواله والامير يعرف له ذلك ويوفيه حقه إلى أن أدركته المنية أوائل خمس وثمانين فتوفى على فراشه آنس ما كان شربا وآمن ذرعا مشيعا من رضا ابيه ورعيته بما يفتح له أبواب الرضا من ربه وبلغ نعيه إلى أبيه بتونس فبادر بانفاذ العهد لابنه أبى العباس أحمد بولاية بجاية مكان ابنه وجعل كفالة أمره لابن أبى مهدى مستبدا عليه واستقامت الامور على ذلك * (حركة السلطان إلى الزاب) * كنت أنهيت بتأليف الكتاب إلى ارتجاع توزر من أيدى ابن يملول وأنا يومئذ مقيم بتونس ثم ركبت البحر منتصف أربع وثمانين إلى بلاد المشرق لقضاء الفرض ونزلت بالاسكندرية ثم بمصر ثم صارت أخبار المغرب تبلغنا على ألسنة الواردين فمن أول ما بلغنا وفاة هذا الامير ابن السلطان ببجاية سنة خمس وثمانين ثم بلغنا بعدها حركة السلطان إلى الزاب سنه ست وثمانين وذلك أن أحمد بن مزنى صاحب بسكرة والزاب
لعهده كان مضطرب الطاعة متحيزا على السلطان وكان يمنع في أكثر السنين المغارم معولا على مدافعة العرب الذين هلكوا بضواحي الزاب والتلول دونه وأكثر وثوقه في ذلك بيعقوب بن على وقومه الزواودة وقد مر طرف من أخباره مثبوتا في أخبار الدولة(6/396)
وكان ابن يملول قد أوى إلى بلده واتخذ وكرا في جوه وأجلب على توزر مرارا برأيه ومعونته فاحفظ على ذلك السلطان ونبه له عزائمه ثم نهض سنة ست وثمانين يريد الزاب بعد أن جمع الجموع واحتشد الجنود واستألف العرب من بنى سليم فساروا معه وأوعبوا ومر على فحص تبسه ثم خرج من طرف جبل أوراس إلى بلد بهودا من أعمال الزاب واعصوصب الزواودة ومن معهم من قبائل رياح على المدافعة دون بسكرة والزاب غيرة من بنى سليم أن يطرقوا أوطانهم أو يردوا مراعيهم الا بنى سباع من شبل من الزواودة فانهم تحيزوا إلى السلطان وانتفر ابن مزنى حماة وطنه ورجالة قومه من الاثبج فغصت بسكرة بجموعهم وتواقف الفريقان وأنا لهم السلطان القتال أياما وهو يراسل يعقوب بن على ويستحثه لما كان يطمعه به من المظاهرة على ابن مزنى ويعقوب يخادعه بانحراف قومه عنه وائتلافهم على ابن مزنى ويرغبه في قبول طاعته ووضع أوزار الحرب مع رياح حتى يتمكن له فرصة حرب فتقبل السلطان نصيحته في ذلك واغضى لابن مزنى ولرياح عنها وقبل طاعته وضريبته المعلومة وانكفأ راجعا ومر بجبل أوراس ثم إلى قسنطينة فأراح بها ثم ارتحل إلى تونس فوصل إليها منتصف سنة ثمانين اه * (حركة السلطان إلى قابس) * كان السلطان قد فتح مدينة قابس سنة احدى وثمانين وانتظمها في أعماله وشرد عنها بنى مكى فذهب إلى نواحى طرابلس وهلك كبيرهم عبد الملك وعبد الرحمن ابن أخيه أحمد وذهب ابنه يحيى إلى الحج وأقام عبد الوهاب في توزر ثم رجع إلى جبال قابس
يحاول على ملكها واستتب له ذلك بوثوب جماعة من أهل البلد بعاملها يوسف بن الابار من صنائع السلطان بقبح ايالته وسوء سيرته فداخلوا جماعة من شيعة ابن مكى في ضواحي قابس وقراها وواعدوهم فجاؤا لميعادهم وعبد الوهاب معهم واقتحموا باب البلد وقتلوا البواب وقصدوا ابن الابار فقتلوه في مسكنه سنة ثنتين وثمانين وملك عبد الوهاب البلد واستقل بها كما كان سلفه وجاء أخوه يحيى من المشرق فأجلب عليه مرارا يروم ملك البلد منه فلم يتهيأ له ذلك ونزل على صاحب الحامة وأقام عنده يحاول أمر البلد منها فبعث عبد الوهاب إلى صاحب الحامة وبذل له المال على أن يمكنه منه فبعث به إليه فاعتقله بعض العروسيين وأقام يراوغ السلطان على الطاعة ويبذل ماله في أعراب الضاحية من ذئاب وغيرهم للمدافعة عنه ومنع الضريبة التى كانوا يؤدونها للسلطان أيام طاعتهم والسلطان مشغول عنهم بهمه فلما فرغ من شواغله بافريقية والزاب نهض إليه سنة تسع وثمانين بعد أن اعترض عساكره واستألف من العرب(6/397)
أولياءه وسرب فيهم عطاء ونزل على قابس وقد استعد لها وجمع الآلات لحصارها فاكتسح نواحيها وجثم عليها بعساكره يقاتلها ويقطع نخيلها حتى أعاد الكثير من ألفافها براحا وموج الهوى في ساحته فصح إذ كانوا يستوخمونه لاختفائه بين الشجر في مكاثف الطلال وما يلحقه في ذلك من التعفن فذهب عنها ما كان يعهد فيها من ذلك الوخم رحمة من الله أصابتهم من عذاب هذا السلطان * وربما صحت الاجسام بالعلل * ولما اشتد بهم الحصار وضاق المخنق وظن ابن مكى أنه قد أحيط به استعتب للسلطان واستأمن فأعتبه وأمنه ورهن ابنه على الطاعة وايتاء الضريبة وأفرج عنه السلطان وانكفأ راجعا إلى تونس واستقام ابن مكى حتى كان من تغلب عمه يحيى عليه ما نذكره * (رجوع المنتصر إلى ولايته بتوزر وولاية أخيه زكريا على نفطة ونفزاوة) *
كان العرب أيام ولاية المنتصر بتوزر قد حمدوا سيرته واصفقوا على محبته والتشيع له فلما رجع السلطان على قابس وقفوا إليه في طريقه إلى أن تولى المنتصر على بلاد الجريد كما كان ورده إلى عمله بتوزر وتولى ذلك بنو مهلهل وأركبوا نساءهم الظعن في الهوادج واعترضوا بهن السلطان سافرات مولولات دخلاء عليه في اعادة المنتصر إلى توزر مما لهم فيه من المصالح فقبل السلطان وسيلتهن وأعاده إلى توزر ونقل ابنه زكريا إلى نفطة وأضاف إليها عمل نفزاوة فسار إليها واستعمل بعمله وأظهر من الكفاية والاضطلاع ما تحدث به الناس عنه وكان ولايته أول سنة تسعين { فتنة الامير ابراهيم صاحب قسنطينة مع الزواودة ووفاة يعقوب بن على ثم وفاة الامير ابراهيم مثلها } كان للزواودة بقسنطينة عطاء معلوم مرتب على مراتبهم زيادة لما بأيديهم من البلاد في التلول والزاب بانقطاع السلطان وضاق نطاق الدولة لهذه العصور فضاقت الجباية وصارت العرب يزرعون الاراضي في بلادهم بالمسيل ولا يحتسبون بمغارمها فضيق الدخل يمنعهم العطاء من أجل ذلك فتفسد طاعتهم وتنطلق بالعيث والنهب أيديهم ولما رجع الامير ابراهيم من حركته في ركاب أبيه إلى قابس وكان منذ أعوام بنقص من عطائهم لذلك ويعللهم بالمواعيد فلما قفل من قابس اجتمعوا إليه وطلبوا منه عطاءهم فتعالى عليهم وجاءه ابن على مرجعه من الحج وأشار عليه بانصاف العرب من مطالبهم فاعرض عنه وارتحل لبعض مذاهبه وتركه ونادى في العرب بالفتنة معه يروم استئلاف أعدائه فأجابه الكثير من أولاد سباع بن سبيل وأولاد سباع بن يحيى(6/398)
وباديتهم من ذوبان ورياح وخرج يعقوب من التل فنزل على نقاوس فأقام بها وانطلقت أيدى قومه على تلول قسنطينة بالنهب وانتساف الزرع حتى اكتسحوا عامتها ولحقوا به مالئى اليد مثقلى الظهر ثم طرقه المرض فهلك سنة تسعين ونقلوا شلوه إلى بسكرة
فدفنوه بها وقام مكانه في قومه ابنه محمد واستمر على العصيان وصعد إلى التل في منتصف احدى وتسعين واستألف الامير ابراهيم أعداءه من الزواودة وزحف إليه أبو ستة بن عمر أخو يعقوب بن على بما معه من أولاد عائشة أم عمر وخالفه أخوه صميت إلى محمد بن يعقوب وتحاربوا مع الامير ابراهيم فهزموه وقتل أبو ستة ثم جمع السلطان لحربهم ودفع عن التلول ومنعهم من المصيف عامهم ذلك وانحدروا إلى مشاتيهم وعجزوا بعدها عن الصعود إلى التلول وقضوا مصيفهم عامهم ذلك بالزاب وانحدروا منه إلى المشاتى فلما رجعوا من مشاتيهم وقد فقدوا الميرة انطلقت أيديهم على نواحى الزاب فانتسفوا زروعه وكاد أن يفسد ما بينهم وبين ابن مزنى مظاهرهم على تلك الفتنة ثم ارتحلوا صاعدين إلى التلول وقد جمع الامير ابراهيم لدفاعهم عنه وبينما هو في ذلك ألم به طائف من المرض فتوفى سنة ثنتين وتسعين وافترقت جموعه وأغذ محمد بن يعقوب السير إلى نواحى قسنطينة فاحتل بها مظهرا للطاعة متبرئا من الخلاف ونادى في أهل البلاد بالامان والامارة فصلحت أحوال الرعايا والسابلة وبعثوا إلى السلطان بتونس مستأمنين مستعتبين فأمنهم وأعتبهم وأقام بقسنطينة مكان ابراهيم ابنه وبعث من حضرته محمد ابن مولاه بشير لكفالته والقيام بدولته فقام بأمرها وصلحت الاحوال والله بيده تصاريف الامور * (منازلة نصارى الافرنج المهدية) * كانت أمة الفرنج وراء البحر الرومي في الشمال قد صار لهم تغلب ودولة بعد انقراض دولة الروم فملكوا جزائره وسردانية وميورقة وصقلية وملات أساطيلهم فضاءه وتخطوا إلى سواحل الشأم وبيت المقدس فملكوها وعادت لهم سورة الغلب في هذا البحر بعد أن كانت سورة المسلمين فيه لا تقاوم إلى آخر دولة الموحدين بكثرة أساطيله ومراكبه فغلبهم الفرنج وعادت السورة لهم وزاحتهم أساطيل المغرب أياما ثم فشل ريح الفرنجة واختل مركز دولتهم بافرنسة وافترقت طوائف في أهل برشلونة
وجنوة والبنادقة وغيرهم من أمم الفرنجة النصرانية وأصبحوا دولا متعددة فتمت عزائم كثيرة من المسلمين بسواحل افريقية لغزو بلادهم وشرع في ذلك أهل بجاية منذ ثلاثين سنة فيجتمع النفير والطائفة من غزاة البحر ويصطنعون الاسطول ويتخبرون له أبطال الرجال ثم يركبونه إلى سواحل الفرنجة وجزائرهم على حين غفلة(6/399)
فيتخطفون منها ما قدروا عليه ويصادمون ما يلقون من أساطيل الكفرة فيظفرون بها غلبا ويعودون بالغنائم والسبي والاسرى حتى امتلات سواحل الثعور الغربية من بجاية بأسراهم تضبح طرق البلاد بضجة السلاسل والاغلال عندما ينتشرون في حاجاتهم ويغالون في فدائهم بما يتعذر منه أو يكاد فشق ذلك على أمم الفرنجة وملا قلوبهم ذلا وحسرة وعجزوا عن الثارة به وصرخوا على البعد بالشكوى إلى السلطان بافريقية فصم عن سماعها وتطارحوا سهمهم ونكلهم فيما بينهم وتداعوا لنزول المسلمين والاخذ بالثار منهم وبلغ خبر استعدادهم إلى السلطان فسرح ابنه الامير أبا فارس يستنفر أهل النواحى ويكون رصدا للاسطول هنا لك واجتمعت أساطيل جنوة وبرشلونة ومن وراءهم ويجاورهم من أمم النصرانية واقلعوا من جنوة فحطوا بمرسى المهدية منتصف ثنتين وتسعين وطرقوها على حين غفلة وهو على طرف البر داخل في البحر كانه لسان دالع فأرسوا عندها وضربوا عند أول الطرق سورا من الخشب بينه وبين البر حتى صار المعقل في حكمهم وعالوا عليه بالابراج وشحنوها بالمقاتلة ليتمكنوا من قتال البلد ومن يأتيهم من بلد المسلمين وصنعوا برجا من الخشب من جهة البرج يشرف على أسوار المعقل ليعظم نكايتهم وتحصن أهل البلد وقاتلوهم صابرين محتسبين وتوافت إليهم الامداد من نواحى البلد فحال بينهم الفرنجة وبلغ الخبر إلى السلطان فأهمه أمرها وسرح العساكر تترا إلى مظاهرتهم ثم خرج أخوه الامير أبو يحيى زكريا وسائر بنيه فيمن حضره من العساكر فانطلقوا بجهاد هذا العدو واستنفر
المقاتلة من الاعراب وغيرهم فاجتمعت بساحتها بينهم وبين المسلمين جولة جلا فيها أبناء السلطان وكاد الامير أبو فارس منهم أن يتورط لولا حماية الله التى وقته ثم تداركت عليهم الحجارة والسهام والنفط من أسوار البلد فاحترق البرح المطل عليها من جهة البحر فوجموا لحريقه ثم ركبوا من الغد أسطولهم وأقلعوا إلى بلادهم وخرج أهل المهدية يتباشرون بالنجاة ويتنادون بشكر الامراء على ما اعتمدوه في نصرهم ورد الله الذين كفروا بغيظهم لم ينالوا خيرا وكفى الله المؤمنين القتال وأمر الامير أبو يحيى برم ما تثلم من أسوارها ولم ما تشعث منها وقفل إلى تونس وقد أنجح الله قصدهم وأظهرهم على عدوه وعدوهم والله تعالى ينصر من يشاء وهو القوى العزيز * (انتقاض قفصة وحصارها) * كان السلطان أبو العباس قد ولى على قفصة عندما ملكها ابنه الامير أبا بكر وأقام في خدمته من رجال دولتهم عبد الله التريكى من موالى جدهم السلطان أبى يحيى(6/400)
فانتظم به أمره وأقام بها حولا ثم يجافى عن امارتها ولحق بأبيه بتونس سنة ثنتين وثمانين فجعل السلطان أمر قفصة لعبد الله التريكى وولاه عليها ثقة بغنائه واضطلاعه ولم يزل بها واليا إلى أن هلك سنة أربع وتسعين وولى السلطان مكانه محمدا ابنه وكان له اخوة اعزاء معقلا فلم تطرقه النكبة كما طرقت قومه وأبقاه السلطان بالبليد فأغرى هؤلاء الاخوة بأخيهم ووثبوا به فاعتقلوه وأظهروا العصيان ثم حمله أعيان البلد على البراءة من بنى عبد الله التريكى استرابة بهم أن يراجعوا طاعة السلطان فتوثب بهم وأخرجهم واستصفاهم واستقل برياسة البلد كما كان قومه والسلطان في خلال ذلك يرعد ويبرق ويواصل الاعذار والانذار وهم قد لجوا في طغيانهم ثم جمع جنوده واحتشد واستألف الاعراب ووفر الاعطيات ونهض إليها حتى نزل بساحتها منتصف خمس وتسعين وقد استعدوا و تصنوا فألح عليهم القتال وأذاقهم النكال وقطع عنهم
الميرة فضيق مخنقهم ثم عدا على نخلهم يقطعها حتى صرع جذوعها وفسح المجال وضاق عليهم المخنق فخرج شيخهم الدنيدن إلى السلطان يعقد معه صلحا على بلده وقومه فغدر به وحبسه رجاء أن يملك بذلك البلد وكان بعض بنى العابد واسمه عمرو بن الحسن قد انتبذ عن قفصة أيام نكبتهم وأبعد في المغرب ثم رجع ونزل بأطراف الزاب ولما استقل الدنيدن بقفصة قدم عليه فأقام معه أياما ثم استراب به وتقبض عليه وحبسه فلما غدر به السلطان اجتمعت عليه المشيخة وعقدوا له الامرة وبعثوا إلى العرب يسترحمونهم ويعطفونهم على ذخيرتهم فيهم وسربوا إليهم الاموال فتصدى إلى الدفاع عنهم صولة ابن خالد بن حمزة أمير أولاد أبى الليل وزحف إلى السلطان بمعسكره من ظاهر البلد وكان أولياؤه من العرب قد أبعدوا عنه في الجهات لانتجاع ابلهم فما راعه الا اطلاق صولة برايته في قومه فأجفل واتبعوه وما زال يكر عليهم في بنيه وخواصه حتى ردهم على أعقابهم وأغذ السير إلى تونس وهم في اتباعه ولم يظفروا منه بعقال الا ما كان من طعن القنا ووقع السيوف حتى وصل إلى حضرته ثم ندم صولة على ما كان منه وراسل السلطان بطاعته فلم يقبله وانحدر إلى مشاتيه سنة ست وتسعين واستدعى ابن يملول إلى صولة فأغراه بحصار توزر وأنزل معه عليها قومه فجلى الامير المنتصر ابن السلطان في دفاعهم والامتناع عليهم حتى يئسوا واضطربت آراؤهم وأفرجوا عنها مفترقين وصعد صولة إلى التلال للمصيف وعاود الرغبة من السلطان في قبول طاعته وكان محمد الدنيدن لما أجفل السلطان عن قفصة تركه بتلك الناحية فلما وصل إلى تونس أرسل أهل قفصة في الرجوع إليهم فأجابه بعض أشياعه ودخل البلد فبدر به عمر بن العابد وكبسه بمكانه الذى نزل به وقتله واستبد بمشيخة قفصة وخشى أهل قفصة من(6/401)
غائلة السلطان وسوء مغبة العصيان فبعثوا إلى السلطان بطاعتهم وشرط عليهم نزول عامله عندهم وهذا آخر ما بلغنا عنهم والله مصرف الامور بحكمته
* (ولاية عمر ابن السلطان على سفاقس واستيلاؤه منها على قابس وجزيرة جربة) * هذا الامير عمر ابن السلطان هو شقيق ابراهيم الذى كان أميرا بقسنطينة وكان في كفالة أخيه ابراهيم فلما توفى كما مر لحق بالسلطان ابنه وأقام عنده ولما كان من وفاة أبى بكر ابن ثابت شيخ طرابلس ما قدمناه واضطرب قومه من بعده ونزع قائدهم ورئيسهم ابن خلف إلى السلطان فبعث معه ابنه عمر هذا سنة ثنتين وتسعين لحصار طرابلس وأقام عليها حولا كريتا يحاصرها ويمنع الاقوات عنها حتى ضجروا وضجر من طول المقامة فدافعوه بالضريبة وانكفأ راجعا إلى أبيه سنة خمس وتسعين ووافاه حائما على قفصة عندما انتقضوا عليه وقد مر في طريقه على جربة وأراد الدخول إليها فمنعه عامل أبيه بها من الموالى المعلوجين فأنف من ذلك وشكاه إلى أبيه فولاه على سفاقس ووعده بولاية جربة فسار هو إلى سفاقس وأجاز البحر إلى جزيرة جربة وانضم إليه جميع من بها من القبائل وامتنع منصور العامل بحصنها المسمى بالقشتيل بلسان الفرنج حتى كاتب السلطان فأمره بتمكين ابنه من الحصن والافراج له عن الجزيرة أجمع فاستبد بها ثم ان الامير عمر سما إلى ملك قابس فداخل أهل الحامة في ذلك فأجابوه وساروا معه بجموعهم سنة ست وتسعين فبيتها وملكها وقبض على رئيسها يحيى بن عبد الملك مكى فضرب عنقه وانقرض أمر بنى مكى من قابس واستقل بها الامير عمر مضافة إلى ما كان بيده والله وارث الامور * (وفاة السلطان أبى العباس وولاية ابنه أبى فارس عزوز) * كان السلطان أبو العباس أزمن به وجع النقرس حتى كان في غالب أسفاره يحمل على البغال في المحفة ثم اشتد به آخر عمره وأشرف في سنة ست وتسعين على الهلكة وكان أخوه زكريا رديفه في الملك والمرشح بعده للامر وابنه محمد واليا على بونة فوضع امارته من قبل وكان للسلطان أولاد كثيرون يتطاولون على أبيهم ويغصون بعمهم زكريا ويخشون غائلته بعد أبيهم فلما قارب السلطان منيته اشتد جزعهم واشفاقهم من
عمهم وبعث السلطان كبيرهم أبا بكر بعهده على قسنطينة فسار إليهم بين يدى موته واعصوصب الباقون على كبيرهم بعده إلى أبى فارس عزوز فقبضوا على عمهم زكريا وقد دخل يعود أخاه وأودعوه في بعض الحجر ووكلوا به وهلك السلطان لثلاث بعدها فبايعوا أخاهم أبا فارس رابع شعبان سنة ست وثمانين وجاء أهل البلد إلى بيعته(6/402)
أفواجا من الاعيان والكافة فتمت بيعته وأمر بنقل ما في بيوت عمه من الاموال والذخيرة إلى قصره حتى استوعبها وضيق عليه في محبسه وقام بتدبير ملكه وسياسة سلطانه وولى بعض اخوته على منابر عمله بافريقية على سوسة على المهدية وردف أخاه اسمعيل في ملكه بتونس وأحل الباقين محل الشورى والمفاوضة وبلغ الخبر إلى أخيه المنتصر بتوزر فاضطرب أمره ولحق بالحامة فأقام بها وكذلك أخوه زكريا بنفطة فلحق بالجبال بنفزاوة وكان أخوه أبو بكر لما سار إلى قسنطينة لولاية أبيه قبيل وفاته ومر ببونة فلقيه صاحبها الامير محمد ابن عمه زكريا بما شاء من أنواع الكرامة والمبرة ووافى قسنطينة فطلب منه القائمون بها كتاب السلطان بعهده عليها فأقرأهم اياه وفتحوا له الابواب فدخل واستولى على أمرها وكان خالصة السلطان أبى فارس عبد العزيز المتولي بالمغرب بعد وفاة أبيه السلطان أبى العباس ابن سالم في صفر من شهور السنة وحمله من الهدايا والتحف ما يليق بامثالهما فسار فلما انتهى إلى ميلة بلغه الخبر بوفاة السلطان مرسله وأوعز إليه الامير أبو بكر من قسنطينة بالرجوع إليه فرجع بهديته واستقر عنده هنا لك (هذا آخر ما بلغنا) الا من خبار الصحيحة عنهم لهذه السنين وحالهم على ذلك لهذا العهد والملك بيد الله يؤتيه من يشاء لا رب سواه ولا معبود الا اياه وهو على كل شئ قدير(6/403)
أبو فارس عزوز السلطان أبو العباس بن أحمد - بن محمد بن السلطان أبى بكر - بن ابراهيم - بن عبد الواحد - بن أبى حفص
الامير عمر الامير زكريا بن قابس بونه خالد بن ابراهيم أبو البقاء خالد ابن يحيى أبو فارس أبو حفص عمر ابن عبد الرحمن مزاحم السلطان أبى بكر ابراهيم بن أبى بكر الشبيه أبو محمد عبد الله أبو بكر الشهيد يهار الامير أحمد بن محمد الامير أبو بكر الامير أبو زيد عبد الرحمن أبو فارس عبد العزيز محمد أبو عبيدة بن المخلوع يحيى بن المنتصر محمد المدعو الشبيه بالفضل ولى العهد زكريا
محمد بن ضربه بن زكريا أبو الحسن بن أبى زيد محمد بن أبى بكر بن عمران موسى بن ابراهيم مزاحم السلطان أبى بكر(6/404)
* (الخبر عن بنى مزنى أمراء بسكرة وما إليها من الزاب) * هذا البلد بسكرة هو قاعدة وطئ الزاب لهذا العهد وحده من لدن قصر الدوسن بالمغرب إلى قصور هولة وبادس في المشرق يفصل بينه وبين البسيط الذى يسمونه الحصنة جبل حاتم من المغرب إلى قبلة برقة ويعتمر بعض ذلك الجبل محاذاة الزاب من غربيه مقبلا عمرت من زناتة ويتصل من شرقيه بجبل أوراس المطل على بسكرة المعترض في ذلك البسيط من القبلة إلى الجوف وهو جبل مشهور الذكر يأتي الخبر عن بعض ساكنيه وهذا الزاب وطن كبير يشتمل على قرى متعددة متجاورة جمعا جمعا يعرف كل واحد منها بالزاب وأولها زاب الدوسن ثم زاب طلوقة ثم زاب مليان وزاب بسكرة وزاب لميودة وزاب بادس وبسكرة أم هذه القرى كلها وكانت مشيختها في القديم بعد الاغالبة والشيعة لعقد صنهاجة ملوك القلعة من بنى رسان من أهلها بما كثروا بساكنها وملكوا ضياعها كان يعفر بن أبى رسان منهم له صيت وشهرة وربما نقضوا الطاعة لعهد بلكين بن محمد بن حماد صاحب القلعة في سنى خمسين وأربعمائة وضبطوا البلد وامتنعوا وتولى كبر ذلك جعفر بن أبى رمانة ونازلهم جيوش صنهاجة إلى نظر خلف بن أبى حديدة من صنائع الدولة فاقتحمها عليهم واحتملهم إلى القلعة فقتلهم بلكين جميعا وجعلهم عظة لمن بعدهم وأصار الشورى لبنى سندى من أهلها وكان لعروس منهم بعد ذلك خلوص في الطاعة وانحياش إلى الدولة على حين تقلص ظلها وفشل ريحها وألوى الهرم بشبابها وهو الذى فتك بالمنتصر بن خزور الزناتى بعد
وصوله من المشرق واجتلابه على السلطان بقومه من مغراوة أغرى بالاثبج وبنى عدى وبنى هلال فمكر به السلطان وأقطعه ضواحي الزاب وريقة أطمعه ودس إلى عروس في الفتك به ففعل كما قدمنا ذكره في أخبار آل حماد وانقرضت رياسة بنى سندى بانقراض امراء صنهاجة من افريقية وجاءت دولة الموحدين والذكرة والبيت لبنى زيان وكان بنو مزنى من لفائف الاعراب وصلوا إلى افريقية أحلافا لطوالع بنى هلال بن عامر في المائة الخامسة كما قدمنا ونسبهم بزعمهم في زيان من فزارة والصحيح أنهم في لطيف من الاثبج ثم من بنى جزى بن علوان بن محمد بن لقمان بن خليفة بن لطيف واسم أبيهم مزنة بن دنفل بن محيا بن جزى هكذا تلقيته من بعض الهلاليين وشهد لذلك الموطئ فان أهل الزاب كلهم من أفاريق الاثبج عجزوا عن الظعن ونزلوا قراه على من كان بها قبلهم من زناتة وطوالع الفتح وانما ينزعون عن هذا النسب إلى فزارة لما صار إليه اهل الاثبج بالزاب من المغرم والوضائع فيستنكفون لذلك وينتسبون إلى غرائب الانساب وكان أول نزولهم بقرية من قرى بسكرة وكان تعرف بقرية حناس(6/405)
ثم كثروا وتسايلوا وأخذوا مع أهل بسكرة بحظ وافر من ملك القفار والمياه ثم انتقلوا إلى البلد واستمتعوا منها بالمنزل والظلال وقاسموا أهلها في الحلو والمر وانتظم كبارهم في أرباب الشورى من المشيخة ثم استنكف بنو زيان من انتظامهم معهم وحسدوهم على ما آتاهم الله من فضله وحذروهم من أنفسهم فاضطرمت بينهم نار العداوة والاحن وكان أولها الكلام والترافع إلى سدة السلطان بتونس على حين استقلال أبى حفص بافريقية ولعهد الامير أبى زكريا وابنه السلطان المنتصر ثم تناجزوا الحرب وتواقعوا بسكك المدينة وكانت صاغية الدولة مع بنى زيان لقيهم في البلد ولما خرج الامير أبو اسحق على أخيه محمد المنتصر لاول بيعته ولحق بالزواودة من العرب وبايع له موسى بن محمد بن مسعود البلط أمير البدو يومئذ واعتمر به بسكرة وبلاد الزاب وأناخ عليها بكلكه كما قدمناه قام يومئذ
فضل بن على بن أحمد بن الحسن بن على بن مزنى بدعوته وأعلن من أهل البلد بطاعته واتبعوه على كثرة ثم عاجلتهم عساكر السلطان وأجهضهم على الزاب فاعتلق فضل بن على واستمسك بذيله وصحبه في طريقه إلى الاندلس وبدار غربته منها إلى ان هلك المنتصر أخوه وهيأ الله له من أمر الخلافة ما هيأ حسبما ذكرناه ولما تم أمره واقتعد بتونس كرسى خلافته عقد لفضل بن على على الزاب ولاخيه عبد الواحد على بلاد الجريد رعيا لا ذمة خدمتهما وذكرا لايلافهما في المنزل الخشن وصحبتهما فقدم راعيا على الزاب ودخل بسكرة واستكان بنو زيان لصولته وانقادوا في مرضاة الدولة إلى أمره فلم ينبسوا بكلمه في شأنه واضطلع بتلك الولاية ما شاء الله ثم كان شأن الداعي بن أبى عمارة وتلبسه وهلك السلطان أبو اسحق على يده ثم ثأر منه السلطان أبو حفص بأخيه واسترجع ما ضاع من ملكهم وكان يثق بعنايته ويعول في أمر الزاب على كفايته وسما أعداؤه بنو زيان أيام ولايته فداخلوا أولاد حر من لطيف احدى بطون الاثابج كانوا نزلوا بقرية باشاش لضيق المدينة حين عجزوا عن الظعن وخالطوا أهل البلد في أحوالهم وامتزجوا معهم بالنسب والصهر فأغروهم بفضل بن على أن يكون التقدم لهم في الفتك به وتتأول الامر من يده وان يخربوا بيوتهم من قرية باشاش ليسكنوا إليهم ويطمئنوا إلى ولايتهم حلفا عقدوه على المكر بهم ولما أوقعوا به بظاهر البلد في بعض أيام ركوبه سنة ثلاث وثمانين وتولوا من أمر الزاب ما كان يتولاه تنكر لهم بنو زيان لحولين من ذلك الحلف ونابذوهم العهد فخرجوا عن البلد وفقدوا مالهم بها من قريب وتفرقوا في بلاد ريغة واستبد بنو زيان بشورى بسكرة والزاب منتقض عليهم وعلى السلطان والزواودة قد تغلبوا عليه وعلى بلاد الحضينة من ورائه نقلوس ومقرة والمسيلة وكان منصور بن فضل بن على عند مهلك(6/406)
ابيه بالحضرة في بعض شؤنه فلما هلك أبوه واستبد بنو زيان بعده بنوا السعايات فيه إلى
السلطان بالحضرة وانجحت وتقبض عليه واعتقل أيام السلطان أبى حفص ولما تغلب المولى أبو زكريا يحيى ابن الامير أبى اسحق على بجاية وشطيت وبونة واستقل بأمرها وانقسمت دولة آل أبى حفص وفر منصور بن فضل بن على من محبسه من تونس ولحق ببجاية بعد مهلك الحاجب القائم بالامر أبى الحسين بن سيد الناس وتولية السلطان أبى زكريا مكانه كاتبه أبو القاسم بن أبى يحيى سنة احدى وتسعين وستمائة فلازم خدمته وخف عليه وصانعه بوجوه النحف وتضمن له تحويل الدعوة بالزاب لسلطانه وشريف أمواله وجبايته إليه واستماله بذلك فعقد له على الزاب وأمده بالعسكر فنازل بسكرة ووفد أهلها بنو زيان على السلطان ببجاية ببيعتهم فرجعهم على الاعقاب إلى عاملهم منصور وكتب إليه بقبول بيعتهم ودخل البلد سنة ثلاث وتسعين وكادهم في بناء القصر لشيعته وتحصن العسكر بسوره ثم نابذهم العهد وثار بهم فأحلاهم عن البلد واستمكن فيها ورسخت قدم امارته فيها واستدر جباية السلطان واتسع له نطاق العمالة فاستضاف إلى عمل الزاب جبل أوراس وقرى ريغه وبلد واركلى وقرى الحصنة مقرة ونقاوس والمسيلة فعقد له السلطان على جميعها ودفعه إلى مزاحمة العرب في جبايتها وانتهاش لحومها إذ كانوا قد غلبوا على سائر الضواحى فساهمهم في جبايتها حتى كاد يغليهم عليها ووفر أموال الدولة وأنهى الخراج وصانع رجال السلطان فألقوا عليه بالمحبة وجذبوا بضبعه إلى أقصى مراتب الاصطناع فأثرى واحتجز الاموال ورسخت عروق رياسته ببسكرة ورسخت منابت عزه وهلك المولى أبو زكريا الاوسط على رأس المائة السابعة وولوا مكانه ابنه الامير أبا البقاء خالدا كما قدمناه وقام بأمره صاحبه أبو عبد الرحمن بن عمرو وكان المنصور بن فضل هذا اختاص به واعتلاق بيد حاجبه فاستنام إليه وعول في سائر الضواحى من ممالك السلطان على نظره وعقد له على بلاد التل من أرض سدويكش وعياض فاستضافها إلى عمله وجرد عن ساعد كفايته في جبايتها فلقح عقيمها وتفجرت ينابيعها ثم حدثت بينه وبين الدولة منافرة وأجلب على قسنطينة
بيحيى بن خالد ابن السلطان أبى اسحق حاجبه من تلمسان وبابع له واستألف الزواودة لمشايعته ونازل به قسنطينة ثم اطلع على مكامن عدوه فيه وما طوى عليه من التربص به فحل عقدته ولحق ببسكرة وراجع الطاعة ولحق يحيى بن خالد واعتقله إلى ان هلك سنة عشرين وكانت بينه وبين المرابطين أهل السنة من العرب أتباع سعادة المشهور الذكر فتن وحروب وطالبوه بترك المغارم والمكس تخفيفا على الرعية وعملا بالسنة التى كانوا ملتزمين لطريقها ونازلوه من أجل ذلك ببسكرة مرارا ثم هلك سعادة في بعض حروبه(6/407)
على مليل كما في ذكره سنة خمس وسبعمائة وجمع منصور بن مزنى للمرابطين وبعث عسكره يقوده ابنه على بن منصور مع على بن أحمد شيخ الزواودة وعلى المرابط أبو يحيى بن ادريس شيخ أولاد عساكر وعطية بن سليمان بن سباع وحسن بن سالمة شيخ أولاد طلحة فهزموا عسكر ابن مزنى وقتلوا ابنه عليا وتقبضوا على على بن أحمد ثم منوا عليه وأطلقوه ورجعوا إلى بسكرة فنازلوها وقطعوا نخيلها ثم عاودوه ثانية وثالثة ولم يزل بينه وبين هؤلاء المرابطين فتن سائر أيامه وكان الحاجب ابن عمر قد استخلصه لنفسه وأحله محل الثقة بحلته واستقامه إلى صنائعه ولما نهض السلطان أبو البقاء إلى تونس صاحبه الحاجب في جملته حتى إذا أعمل المكيدة في الانصراف على السلطان شاركه في تدبيرها إلى ان تمت كما قدمناه ورجع الحاجب إلى قسنطينة ورده إلى مكان عمله من الزاب وكان يتردد إليه ببجاية للزيارة والمطالعة في أعماله إلى ان غدر به العرب في بعض طرقه إليها وتقبض من امراء الزواودة على أحمد بن عمر بن محمد بن مسعود وسليمان بن على بن سباع بن يحيى بن مسعود على حين اجتد بالامارة من يد عثمان بن سباع بن سيل بن موسى بن محمد واقتسما رياسة الزواودة قومهما فاستمسكنا من هذا العامل منصور بن فضل في مرجعه من عمله بلاد سدويكش وأوثقوه اعتقالا وهموا بقتله فافتدى منهم بخمسة قناطير من الذهب وصرفوا في وجوه رياستهم ألفا منها وقبض منصور بن فضل عنانه
عن السفر بعدها وولى في الاحايين بعد أخذ الرهن من العرب إلى ان كانت حركة مولانا السلطان أبى يحيى إلى تونس سنة سبع عشرة أول حركاته إليها وطالب صاحبه يعقوب ابن عمر وهو بثغر بجاية بالاموال للنفقات والاعطيات فبعث إليه بمنصور بن فضل وأشار بعقده له على ججابته ليقوم بامره ويكفيه مهمات شؤنه واعتدها منصور على ابن عمر فساء ظنه وتنكر له ابن عمر وحالت صبغة وده وانكفأ السلطان من حركته تلك مخفف السعي بعد أن نزل ظاهر تونس بعساكره كما قدمناه ولما احتل بقسنطينة بدت له من يعقوب بن عمر صاحب الثغر مخايل الامتناع فأقصر عن اللحاق به وترددت بينهما الرسل وبعث ابن عمر في منصور بن فضل ونذر منه بالشر فأجاب داعيه وصحب قائد السلطان يومئذ محمد بن أبى الحسن بن سيد الناس إليه حتى إذا كان ببعض الطريق عدل إلى بلده وهم به القائد فأجاره أولياؤه من العرب عثمان بن الناصر شيخ أولاد حرب ويعقوب بن ادريس شيخ أولاد خنفر ومن معهم من ذويهم ولحق ببسكرة وبلغ الخبر إلى ابن عمر فقرع سن الندم عليه وشايع منصور بن مزنى عدوهم صاحب تلمسان أبا تاشفين ودخل في دعوته وأوفد ابنه يوسف عليه بالطاعة والهدية وملك السلطان خلال ذلك تونس وسائر بلاد افريقية وهلك ابن عمر سنة تسع عشرة ولم يزل منصور بن مزنى(6/408)
ممتنعا سائر أيامه على الدولة والعاسكر من بجاية تتردد لمنازلته إلى ان هلك سنة خمس وعشرين وسبعمائة وقام بأمره من بعده ابنه عبد الواحد فعقد له السلطان على عمل أبيه بالزاب واستضاف إليه ما وراءه من البلاد الصحراوية قرى ريغة وواركلى وكان السلطان قد عقد على الثغر بعد مهلك ابن عمر لمحمد بن أبى الحسين بن سيد الناس وجعل له كفالة ابنه يحيى ودفعه إليه فتجددت الوحشة بين عبد الواحد هذا وبين صاحب الثغر في سبيل المنافسة في المرتبة عند السلطان بما كانوا جميعا صنائع وبطانة للحاجب ابن عمر وبعث العساكر لحربه ومنازلة حصنه وناول عبد الواحد هذا لآل زيان الحائفين
الدولة طرفا من حبل طاعته فقبل فيها مذهب ابنه آخر عمره وصار يحرض الجيوش به إلى ان استجن منه عبد الواحد بصهر عقده له على ابنته واشترط المهادنة وتسليم الجباية وتودع أمره إلى ان اغتاله أخوه يوسف سنة تسع وعشرين بمداخلة بطانتهم من بنى سماط وبنى أبى كواية ولما أحكم مداخلتهم في شأنه آذنه عشاء للشورى معه في بعض المهمات وطعنه بخنجره فأشواه وهلك لحينه واستقل يوسف بن منصور بامارة الزاب ووصله مرسوم السلطان بالتقليد والخلع على العادة واجري الرسم في الدعاء له على منابر عمله وكان السلطان قد استدعى محمد بن سيد الناس من الثغر ببجاية وفوض له أمور ملكه فهاجت نار العداوة والاحن القديمة بما بينه وبين يوسف بن منصور عامل الزاب وهم به لولا ما أخذ بحجزته من الشغل الشاغل للدولة بتحيف آل زيان وهلك الحاجب سنة ثنتين وثلاثين في نكبة السلطان اياه كما ذكرناه وعقد لمحمد بن الحكيم على القيادة وجعل بيده زمام العساكر وفوض له في سائر القرى والضواحي فاجرى رياسه وحكمه في دولته وتغلب على أمره على حين فرغ السلطان من الشغل بمدافعة عدوه وحط ما كان من أمرهم على كاهل دولته ونهض السلطان أبو الحسن إلى آل يغمراسن فقلم اظفار اعتدائهم وقد شبا عزائمهم كما شرحنا قبل فأذكى القائد محمد بن الحكين مع يوسف ابن منصور نار العداوة وأثار له من السلطان كامن الحفيظة وصرف وجوه العزائم إلى حمله على الجادة وتقويمه عن المراوغة في الطاعة وناهضه بالعساكر مرات ثلاثا يدافعه في كلها بتسليم الجباية إليه ثم كانت بينه وبين على بن أحمد كبير الزواودة فتن وحروب دعا إليها منافسة على في استئثاره على الجباية دونه فواضعه الحرب ودعا العرب في منازلته مموها بالدعاء على السنة وحشد أهل ريغة لذلك ونازله وانحرف عنه ابنه يعقوب ودخل إلى بسكره فاصهر له ابن مزنى في أخته بنت منصور ابن فضل وعقد له عليها فحسن دفاعه عنه وبعث ابن مزنى عن سليمان بن على كبير أولاد سباع وقريع على بن أحمد في شؤنه فكان عنده ببسكرة يغاديه القتال(6/409)
ويراوحه إلى ان امتنع ابن مزنى ورحل على بن أحمد على بسكرة وصار مع ابن مزنى إلى الاتفاق والمهادنة أعوام الاربعين من المائة الثامنة ثم كانت غزاة القائد بن الحكيم إليه نهض من افريقية بعد أن نازل بلاد الجريد واقتضى طاعتهم ومغارمهم واسترهن ولد ابن يملول ثم ارتحل إلى الزاب في جنوده ومعه العرب من سليم فأجفل بالزاب ونزل بلد أو ماش من قراه وفرت العرب من الزواودة وسائر رياح أمامه ودافعه يوسف بن مزنى بهدية دفعها إليه وهو بمكانه من أو ماش وارتحل عنه إلى بلاد ريغة فافتتح معقلهم واستباحها ودوخ سائر اعمالها ورجع إلى تونس ونكب السلطان قائده محمد بن الحكيم هذا سنة أربع وأربعين وولى ابنه أبا حفص عمر وخشى الحاجب أبو محمد بن تافراكين بادرته وسعاية بطانته فلحق بملك المغرب المرهوب الشبا المطل على الممالك يعسوب القبائل والعشائر أبى الحسن وأغراه بملك افريقية واستجره إليها فنهض في الامم العريضة سنة ثمان وأربعين كما ذكرنا ذلك كله من قبل ووفد عليه يوسف بن منصور أمير الزاب بمعسكره من بنى حسن فلقاه برا وترحيبا واستتبعه في جملته إلى قسنطينة ثم عقد له على الزاب وما وراءه من قرى ريغة وواركلى وصرفه إلى عمالته واستقبل تونس وأمره برفع الجباية إليه مع العمال القادمين من أقصى المغرب على رأس العدل فاستعد لذلك حتى إذا سمع بوصولهم من المغرب لحقهم بقسنطينة وفجأهم هنا لك جميعا الخبر بنكبة السلطان على القيروان كما ذكرناه ونذكره فاعتزم على اللحاق ببلده واعصوصب عليه يعقوب بن على بن أحمد أمير البدو بالناحية الغربية من افريقية لادمة صهر كانت بينهما ومخالصة وتحيز إليهم من كان بقسنطينة من أولياء السلطان وحاشيته وعماله ورسل الطاغية والسودان الوافدين مع ابنه عبد الله من أصاغر بنيه وآواهم يوسف بن منصور جميعا إليه وأنزلهم ببلده وكفاهم مهماتهم شهورا من الدهر حتى خلص السلطان من القيروان إلى تونس ولحقوا به مع
يعقوب بن على فكانت تلك يدا اتخذها يوسف بن منصور عند السلطان أبى الحسن ولقيه باقى الايام ثم اتبع ذلك بمخالفة رؤساء النواحى من افريقية جميعا في الانتقاض عليه وأقام مستمسكا بطاعته يسرب الاموال إليه بتونس وبالجزائر عند خلوصه إليها من النكبة البحرية كما سنذكره ويدعو له على منابره بعد تفويضه على الجزائر إلى المغرب الاقصى لاسترجاع ملكه إلى أن هلك السلطان أبو الحسن بجبل هنتاتة من أقصى المغرب سنة ثنتين وخمسين واستقام أمر الدولة المرينية لابنه السلطان أبى عنان الحية الذكر ولما استضاف إلى ملكه ملك تلمسان ومحاما جدده بنو عبد الواد بها من رسوم ملكهم وجمع كلمة زناتة وأطل على البلاد الشرقية سنة ثلاث وخمسين بادر يوسف بن(6/410)
منصور بطاعته فأتاها طواعية وأوفد على السلطان رسله بكتاب بيعته ثم وفد عليه ثانيا مع حاجبه الكاتب أبى عبد الله محمد بن أبى عمر وبعنه بالعساكر لتدويخ افريقية وتمهيد ملكه ببجاية كما سنذكره ووفد عليه امراء القبائل والبدو ورؤساء النواحى سنة أربع وخمسين ووفد في جملتهم يوسف بن منصور أمير الزاب ويعقوب بن على أمير البدو وسائر رؤساء الزواودة فلقاهم السلطان تكرمة ورعيا لا ذمة خلوصهم لابيه وقومه من بين أهل افريقية وأسنى جوائزهم وعقد ليوسف بن مزنى على الزاب وما وراءه من بلاد ريغه وواركلى على عادتهم وانقلب محبرا محبوا وقد ثبت له من ولاية السلطان ومخالصته حظ ورفع له ببساطه مجلس ولما نهض السلطان إلى افريقية لافتتاح قسنطينة سنة ثمان وخمسين كما سنذكره تلقاه يوسف بن منصور على قسنطينة فخلطه بأوليائه ونظمه في طبقات وزرائه واستوحش يعقوب بن على يومئذ من مطالبته بالرهن له ولقومه وانتقض فأجفلت احياؤه إلى بلاد الزاب وما وراءها من الصحراء وارتحل السلطان بعساكره في طلبهم إلى ان احتل ببلاد الزاب وخرب بلاد يعقوب بن على بالزاب والتل بقطع أشجارها وتغوير مياهها وهدم بنائها ونسف آثارها
ودخل يعقوب باحيائه الرمل وعجزوا السلطان فانكفأ راجعا واحتل بظاهر بسكرة فتلوم بها ثلاثا لاراحة العساكر وازاحة عللهم من وعثاء السفر وشعث الصحراء ففرق يوسف بن منصور في قرى عساكره أيام مقامه يشملهم فيها من العلوفة والحنطة واللحمان والادم بما أرغد عيشهم وكفاهم همهم وتحدثت بها الناس دهرا ورفع إليه جبايته لعامه قناطير من الذهب بعثه بيت المال بقفصة القهارمة من ثقاته وأجزل السلطان مثوبته وأسنى عطيته واختصه بكسوة ثيابه وعياله من كسا حرمه وثياب قصره وانكفأ راجعا إلى حضرته ثم أوفد موسى بن منصور ابنه أحمد على السلطان بسدته من فاس عند منصرف وزيره سليمان بن داود من حركة افريقية سنة تسع وخمسين وأصحبه هدية من عتاق الخيل وفاره الرقيق وأقام أياما في نزل كريم ومحل من المجلس رفيع إلى أن هلك السلطان خاتمة تسع وخمسين فأرغد القائم بالدولة من بعده جائزته وأسنى صلته وصرفه إلى عمله واستوصى به امراء النواحى والثغور في طريقه ولم ينشب ان شبت نار الفتنة وانتزى الخوارج بالجهات بعد مهلك السلطان فخلص إلى ابنه بعد عنائه وعلى يأس من النجاة بعد ان حصل في قبضة أبى حمو سلطان بنى عبد الواد عند استيلائه على تلمسان وهو بها مع بنى مرين وقد مر بهم مجتازا إلى وطنه فأجازه عليه صغير بن عامر من زغبة رعيا لا ذمة ابنه يوسف صاحب الزاب وتأميلا للعرب فيه وفى أعماله وبعد ان بذل له من ذات يده ومن طرف ما وصله به بنو مرين من ذخائرهم(6/411)
بعث معه صغير وفادا من قومه أبلغوه مأمنه فكانت احدى الغرائب في نجاته واسترجع الموحدون ثغورهم بجاية وقسنطينة من يد بنى مرين وأزعجوا عنها العساكر المجمرة بها من قبائلهم كما قدمناه فراجع يوسف بن منصور طاعته المعروفة لهم إلى أن هلك سنة سبع وستين يوم عاشوراء وقام بأمره ابنه أحمد وجرى على سننه وهو لهذا العهد أمير على الزاب بمحل أبيه من امارته متنقل في مذهبه وطريقه الا أن خلق أبيه كان
سجية وخلق هذا تقليد لما فيه من النحذلق وربك يخلق ما يشاء ويختار وله أولاد كبيرهم أبو يحيى من بنت محمد بن يملول أخت يحيى وهو لهذا العهد مرشح بمكانة ولما حلت بأهل الجريد الفاقرة ونزل به يحيى بن يملول الشؤم على وطنه توجس الخيفة من السلطان وتوقع المطالبة بطاعة من طاعته المعروفة فسرب الاموال في العرب ومد يده إلى جبل صاحب تلمسان ليستمسك به فوجده قاصرا عنه وأقام يقدم في أمره رجلا ويؤخر أخرى ثم قرب إليه نور الهداية في قلبه وأراه سند رشده وبادر إلى الاستقامة في الطاعة والعدول عن المراوغة ووصله فأوفد السلطان أبو العباس شيخ الموحدين أبا العباس ابن أبى هلال وكشف له قناع المخالصة والانحياش وبعث معه وفده بهديته واستقامته وتقبله السلطان وأعاده إلى أحسن الاحوال ورضى عنه والله متولى الامور سبحانه لا رب سواه ولا معبود الا اياه أبو يحيى بن أحمد بن يوسف بن منصور بن فضل بن على بن أحمد بن الحسين بن على بن مزنى عبد الواحد على بن عبد الواحد على الجريد * (الخبر عن رياسة بنى يملول بتوزر وبنى الخلف بنفطة وبنى أبى المنيع بالحامة) * زعيم هؤلاء الرؤساء ابن يملول صاحب توزر لاتساع بلده وتمدن مصره واحتلاله منها بأم القرى من قطره وهو يحيى بن محمد بن أحمد بن محمد بن يملول ونسبهم بزعمهم في طوالع العرب من تنوخ استقرار ولده بهذا الصقع منذ أول الفتح وتأثلوا ووشجت به عروقهم(6/412)
نسبا وصهرا حتى انتظموا في بيوتات الشورى المتقدمين للوفادة على الملوك وتلقى العمال القادمين من دار الخلافة والنظر في مصالح الكافة أيام آل حماد بالقلعة وآل عبد المؤمن بمراكش وآل أبى حفص بتونس مثل بنى واطاس وبنى فرقان وبنى مارة
وبنى عوض وكان التقدم فيهم أيام عبد الله الشيعي لابن فرقان وهو الذى أخرج أبا يزيد حين شعر به انه يريد القيام على أبى القاسم القائم وأيام آل حماد ليحيى بن واطاس وهو النازع بطاعة أهل قسنطينة إليهم عن آل بلكين ملوك القيروان حين انقسمت دولة آل زيرى وافترق أمرهم ثم عادت الرياسة لبنى مروان لاول دولة الموحدين ومنهم كان الذى لقى عبد المؤمن وآتاه الطاعة عن نفسه وعن أهل بلده توزر فتقبله ووصله وصار الامر للموحدين فمحوا منها آثار المشيخة والاستبداد ونشأ أحمد هذا الجد متراميا إلى الرياسة بهذا القطر يدافع عنها بالراح ويزاحم بالمناكب من وجوه البلد واشراف الوطن وسعى به إلى شيخ الموحدين وقائد العسكر أيام السلطان أبى حفص محمد الفازارى فنكبه وصادره على مال امتحنه عليه كانت أول نكباته التى أورت من زناده وأوقدت من جمره وتخلص إلى الحضرة يؤمل اعتقال مطيته وثبوت مركزه من دار الخلافة فأوطنها اياما يباكر أبو اب الوزراء والخاصة ويلثم أطراف الاولياء والحاشية وينزل كرائم ماله فيما يزلفه لديهم ويؤثره بعنايتهم حتى استعمل بديوان البحر فقعد العمال بمرفا السفن لجباية الاعشار من تجار دار الحرب ثم استضاف بما كان من عنائه فيها واضطلاعه سائر أعمال الحضرة فتقلدها زعيما بامضاء الجرايات وادرار الجباية واستمرت على ذلك حاله وتضاعفت فائدته فأثرى واحتجن المال واستخرج الذخيرة قاطعا لالسنة السعاية بالمصانعة والاتحاف بطرف ما يجلبه الروم من بضائعهم حتى أبطره الغنى ودلت على مكانته الثورة ورفع أمره إلى الحاجب فخرج التوقيع بالقبض عليه واستصفاء ماله لعهد السلطان أبى يحيى اللحيانى فنكب الثانية وصودر على مئين من آلاف الدنانير وامتحن لها وباع فيها كسوته حين قرأ الكتاب وخلص من النكبة مسلوب الامانة ممزق الاديم إلى ما يستنكفون عنه من خدمة العمال ومباكره أبو ابهم والامتحان في ضروراتهم وأنجده في ذلك بخت جذب بضبعه وكان في خلال ذلك شغل الحضرة شأن الثغور الغربية وامرائها فتقلص ظل الدولة عن هؤلاء بعض الشئ
وحملت الرعايا بالبلاد الجريدية وصار أمرها إلى الشورى التى كانت عليها قبل فلما أدرك أحمد هذه الشورى التى كان يسمو لها سمو حباب الماء ثلج صدره وأنجح سعيه واستبد بمشيخة توزر وهلك في أعوام ثمان عشرة فخلفه من بعده في سبيله تلك ولده يحيى طموحا إلى المرتبة منافسا في الاستقلال ومزاحما بيوتات المصر بمناكب استوطأها بسائر(6/413)
عمره من الدعار والاغاد بمعاقرة الخمر والمجاراة في فنون الشباب لسير أمره والاستعلاء على نظائره حتى تطارحوا في هوة الهلاك بين فتيل ومغرب ونحيب العمران لم يعطفه عليه عواطف الرحم ولا زجره وازع التقوى والسلطان حتى خلا له الجو واستوسق الامر واستقل من أمر البلد والحل والعقد بأوفى من استبداد أبيه وكان مهلكه قريبا من استبداده لخمس سنين متلقيا الكرة من يده أخوه محمد تربه في الرياسة ومجاريه في مضمارها فأجرى إلى الغاية واقتعد كرسى الرياسة وعفى على آثار المشيخة واستظهر على أمره بمصانعة امراء البدو وأولاد أبى الليل والمتات إليهم بصهر كان عقده أبوه أحمد لابي الليل جدهم على أخته أو عمته فكانوا ردأ له من الدولة فنفذ صيته وعظم استيلاؤه وامتدت أيامه وعنى الملوك بخطابه واسناد الامور في تلك البلاد إليه خلال ما توعد الكرة وتهب ريح الدولة وزحف إليه القائد محمد بن الحكيم وتقبل طاعته من عذره استنامة لما ابتلاه من خلوصه وأقام على ذلك إلى أن هلك لعام أربع وأربعين من المائة الثامنة وتصدى ولده عبد الله للقيام بالامر فوثب عليه عمه أبو زيد بن أحمد فقتله على جدث أبيه فلم يوارثه بعد ان كان الرضا به والتسليم فثارت به العامة لحينه وكان مصرا على سفك الدماء واستباحة الحرم واغتصاب الاموال حتى كان ينسب إلى الجنون مرة والى الكفر أخرى فمرج أمرهم واستولى الضجر على نفوسهم وكان أخوه أبو بكر معتقلا بالحضرة فراسله أهل توزرسرا وأطلقه السلطان من محبسه بعد ان أخذت عليه المواثيق بالطاعة والوفاء بالجباية فصمد إليها بمن في لفه من الاعراب وحشد نفزاوة
والمجاورين لها في القرى الظاهرة المقدرة السير وأجلب عليهم ثم بيتها فاقتحمها وبادر الناس إلى القبض على يملول أخيه وأمكنوه منه فاعتقله بداره وتبرأ من دمه وأصبح لثالثة اعتقاله ميتا بمحبسه وكانت قفصة من قبل ذلك لما صار امر الجريد إلى الشورى قد استبد بها يحيى بن محمد بن على بن عبد الجليل بن العابد من بيوتها ونسبهم بزعمهم في بلى ولهم حلف بزعمهم في الشريد من بطون سليم والله أعلم بأولية نزولهم بقفصة حتى التحموا بأهلها وانتظموا أمر بيوتاتها وكانت البيوت بها بيت بنى أبى حفص لعهد الامير أبى زكريا الاعلى كان يستعمله على جباية أموال الجريد ثم سعى به أنه أصاب منها فنكبه وصودر على آلاف من المال فأعطاها وأقامت رياستهم متفرقة في هذه البيوتات ولما حدثت العصبية بالبلد أيام صار امر الجريد إلى الشورى كان بنو العابد هؤلاء أقوى عصبية من سائرهم واستبد بها كبيرهم يحيى بن على فلما فرغ السلطان من شغله بزناتة وخيم السلطان أبو الحسن على تلمسان فحاصرها وأقبل السلطان على النظر في تمهيد ملكه واصلاح ثغوره وافتتح أمره بغزو قفصة ونهض إليها(6/414)
سنة خمس وثلاثين في عساكر من الموحدين وطبقات الجند والاولياء من العرب فحاصرها شهرا أو نحوه وقطع نخيلها فضاق مخنقهم بالحصار وتلاوموا في الطاعة واستبقوا بها إلى السلطان وفر الكثير من بنى العابد فلحقوا بقابس في جوار ابن مكى ونزل أهل البلد على حكم السلطان فتقبل طاعتهم وأحسن التجاوز عنهم بسط المعدلة فيهم وأحسن أمل ذوى الحاجات منهم وانكفأ راجعا إلى حضرته بعد ان آثرهم بسكنى ولده المخصوص بولاية عهده الامير أبى العباس وأنزله من ظهرانيهم وعقد له على بلاد الجريد واحتمل مقدم روضة يحيى بن على إلى الحضرة فلم يزل بها إلى ان هلك سنة أربع وأربعين واستبد الامير أبو العباس بأمر الجريد واستولى على نفطة كما قدمناه وقيل لبنى الخلف وهم مدافع وأبو بكر عبد الله ومحمد وابنه أحمد بن محمد اخوة أربعة
وابن أخيهم بنو الخلف من مدافع ونسبهم في غسان من طوالع العرب انتقل جدهم من بعض قرى نفزاوة إلى نفطة وتأثل بها وكان لبنيه بها بيت واستبد هؤلاء الاخوة الاربعة ازمان الشورى كما قدمناه ولما استولى السلطان أبو بكر على الجريد وأنزل انبه أبا العباس بقفصة وعقد له على سائر امصاره وأمضى طاعتهم وامتنعوا فسرح إليهم وزيره أبا القاسم بن عتو من مشيخة الموحدين وجهزت له العساكر من الحضرة ونازلها وقطع نخلها ولاد أهلها بالطاعة وأسلموا بنى مدافع المتغلبين فضرب أعناقهم وصلبهم في جذوع النخل آية للمعتبرين وأفلت السيف منهم عليا صغيرهم لذمة اعتقدها له أبو القاسم بن عتو لنزوعه إليه قبل الحادثة فكانت واقيته من الهلكة واستولى الامير أبو العباس على نفطة واستضافها إلى عمله ثم مرض أبو بكر بن يملول في طاعته فنهض إليه السلطان أبو بكر من تونس سنة خمس وأربعين وكان الفتح كما قدمنا ولحق أبو بكر بن يملول ببسكرة فلم يزل بها إلى ان أجلب على توزر فنبذ إليه يوسف بن مزنى عهده وانتقل إلى حصون وادى ابن يملول المجاورة لتوزر وهلك سنة ست وأربعين ثم كان مهلك السلطان وابنه أبو العباس صاحب الاعمال الجريدية اثر ذلك سنة سبع وأربعين ورجع إلى كل مصر من الجريد مقدموه فرجع أحمد بن عمر ابن العابد إلى قفصة من مكانه في جوار ابن مكى واستولى على بلده في مكان ابن عمه يحيى ابن على ورجع على بن الخلف إلى نفطة واستبد بها ورجع يحيى بن محمد بن أحمد بن يملول إلى توزر من مثوى اغترابه ببسكرة ارتحل إليها مع عمه أبى بكر طفلا فلما خلا الجريد من الامارة ودرج يحيى هذا من عشه في جوار يوسف بن منصور بن مزنى وأطلقه مع أولاد مهلهل من الكعوب بعد أن وصلهم وشاركهم واسترهن فيه ابناءهم فأوصلوه إلى محل رياسته بتوزر ونصبه شيعته وأولياء أبيه وقاموا بأمره ورجع أمر الجريد كله إلى(6/415)
رياسة مقدمه كما كان ثم وفدوا على السلطان أبى الحسن عند رجعته إلى افريقية
ولقوه بوهران فلقاهم مبرة وتكرمة ورجع كل إلى بلده وحمل رياسته بعد ان امتحن الجزيرة ووفر الاسهام والاقطاع وأنفذ الصكوك والكتب فرجع إلى توزر يحيى بن محمد ابن أحمد بن يملول صبيا مغتلما والى نفطة على بن الخلف والى قفصة أحمد ابن عمه ابن العابد ونزل كل واحد من هذه الامصار عاملا وحامية وعقد على الجريد كله لمسعود بن ابراهيم ابن عيسى اليرنانى من طبقة وزرائه واستوصى بهؤلاء الرؤساء خيرا في جواره حتى إذا كانت نكبة السلطان بالقيروان سنة تسع وأربعين وارتحل عامل الجريد مسعود بن ابراهيم ونزل المغرب بمن معه من العمال والحامية ونمى خبره إلى الاعراب من كرفة فصبحوه في بعض مراحل سفره دون أرض الزاب فاستلحموه ومن كان معه من الحامية واستولوا على أفنيتهم وذخيرتهم وكراعهم واستبد رؤساء تلك البلاد بامصارهم وعادوا إلى دينهم من التمريض وآذنوا بالدعاء لصاحب الحضرة بمنابرهم واستمروا على ذلك فأما يحيى بن محمد بن يملول فنزع إلى مناغاة الملوك في الشارة والحجاب واتخاذ الآلة والبيت المعمور للصلاة واقتعاد الاريكة وخطاب السمر بل وفسح للمجون والعكوف على اللذات مجالا يرى ان جماع السياسة والملك في ادارة الكاس وافتراش الآس والحجبة عن الناس والتاله على الندمان والجلاس وفتح مع ذلك على رعيته وأهل ايالته باب العسف والجور ورعى بيت المشاهير منهم غيلة فأتلفت نفوسهم وامتد أمره في ذلك إلى أن استولى السلطان أبو العباس على افريقية وكان من أمره ما نذكر وأما جاره الجنب على بن الخلف فلم يلبث لما استبد برياسته أن حج سنة أربع وستين والتزم مذاهب الخير وطرق الرضا والعدالة وهلك سنة خمس بعد وولى مكانه ابنه محمد جاريا على سننه ثم هلك لسنة من ولايته وقام بأمره أخوه عبد الله بن على فاذكى سياسته وأوقع حزمه وأرهف للناس حده فنقموا عليه سيرته وتسنموا عنقه واستمكن مناهضهم في الشرف ومجاذبهم في رياسة البلد القاضى محمد بن خلف الله من صاحب الحضرة بذمة كانت له في خدمته قديما واستعمله لرعيها في خطة القضاء بحضرته وآثره بالمكان منه والصحبة فسعى بعبد
الله هذا عند الخليفة ودله على مكامن هلكته وبصره بعورات بلده واقتياد عساكر السلطان إليه في زمامه ولما احتل بظاهر البلد وعبد الله رئيسها أشد ما كان قوة وأكثر جمعا وأمضى عزما استألف أخوه الخلف بن على بن الخلف جماعة المشيخة دونه وحرضهم عليه وداخل القاضى بتبييتها وأنه بالمرصاد في اقتحامها حتى إذا كانت البيعة دس إلى بعض الاوغاد في قتل أخيه عبد الله ومكر بالقاضي والعسكر وامتنع عليهم واعتصم دونهم واستقل برياسة بلده وأقام على ذلك يناغى ابن يملول في سيره(6/416)
ويطارحه الكثير من مذاهبه ويجرى في الثناء الذى بلغ إلى غايته وأولى على بنيته وأما أحمد بن عمر بن العابد فلم يزل من لدن استبداده ببلده قفصة سالكا مسالك الخمول منحطا عن رتبة التكبر منتحلا مذاهب أهل الخير والعدلة في شارته وزيه ومركبه جانحا إلى التقلل فلما أوفى على شرف من العمر استبد عليه ابنه محمد وترفع عن حال أبيه بعض الشئ إلى مناغاه هؤلاء الرؤساء المترفين فبينما هؤلاء المتقدمون في هذه الحالة من الاستبداد على السلطان انتحلوا باخلاق الملوك والتثاقل عن الرعايا بالعسف والجور واستحداث المكوس والضرائب إذ طالما خصهم السلطان أبو العباس بالحضرة مستبدين بدعوته صار فاسهم عزائمه فوجموا وتوجسوا الخيفة منه وائتمروا في المظاهرة واتصال اليد بعد ان كانوا يستحثونه إلى الحضرة ويبعثون إليه بالانحياش على البعد زلوقا على صاحب الحضرة ونزوعا على مصدوقية الطاعة فلما استبد السلطان أبو العباس بالدعوة استرابوا في أمرهم وسربوا أموالهم في الاعراب المخالفين على السلطان من الكعوب يؤملون مدافعتهم عنهم فشمر لها أولاد أبى الليل بما كان وقع بينهم وبين السلطان من النفرة ونهض إليهم السلطان فغلبهم على ضواحي افريقية على الظواعن التى كانت جبايتها لهم منذ حين كما قلناه واستحلم فأوهن ذلك من قوتهم ثم زحف الثانية إلى أمصار الجريد فلاذوا بالامتناع وأناخ السلطان بعساكره
وأوليائه من العرب أولاد مهلهل على قفصة فقابلها يوما أو بعض يوم وعدا في ثانية على نخيلهم يقطعها فكأنما يقطع بذلك أمعاءهم فتبرؤا من مقدمهم وشعر بذلك فبادر إلى السلطان ونزل على حكمه فتقبض عليه وعلى ابنه شهر ذى القعدة من سنة ثمانين وتملك البلد واستولى على ديار ابن العابد بما فيها وكان استيلاء لا يعبر عنه لطول أيامه في الولاية وكثر احتجانه للاموال وعقد السلطان على قفصة لابنه أبى بكر وارتحل يريد توزر فقوض عنها بأهله ونزل على أحياء مرداس وسرب فيهم المال فرحلوا معه إلى الزاب ولحق ببسكرة مأوى نكباته ومنتهى مقره فنزل بها على أحمد بن يوسف بن مزنى واقام هنا لك على بلغة من توقع مطالبة السلطان له ولجاره ابن مزنى من خسارة أموالهم في لفوف العرب وسوء المغبة إلى ان هلك لسنة أو نحوها بعد تقويضه عنهم بعثوا إلى السلطان فلقيه في أثناء طريقه وتقدم إلى البلد فنزل بقصور يملول واستولى على ذخيرته وتبرأ إليه أهل البلد من ودائع كانت له عندهم من خالص الذخيرة فدفعوها إلى السلطان وعقد لابنه المنتصر على توزر واستقدم الخلف بن الخلف من نفطة وكان يخالف أصحابه إلى الطاعة حتى نقضوها على ابن يملول وسالفه من العداوة ينقلها فلما أحيطبهم أدركه الدهش وبادر إلى السلطان بطاعته فأتاهم(6/417)
وقدم عليه فتقبل السلطان ظاهره وأعطى له عن غيرها طمعا في استصلاحه وعقد عن حجابة ابنه المنتصر وأنزله معه بتوزر وأمره باستخلافه بلدة نفطة وعقد له على ولايتها وانكفأ راجعا إلى حضرته وقدم ابن الخلف على أمره ورأى انه قد تورط في الهلكة فراسل ابن يملول بمكانه من توزر وعثر أولياء السلطان عن كتابه إلى يعقوب بن على شيخ رياح ومدره حروبهم يحرضه على صريخ ابن يملول ومعونته فعلموا نكثه ومداجاته وبادروا إلى القبض عليه وولوا على نفطة من قبله وخاطبوا السلطان بالثأر وأقام في ارتحاله إلى ان كانت حادثة قفصة فبادر الامير المنتصر إلى قتله وكان من خبر قفصة
أن ابن أبى زيد من مشيختها كان ينزع إلى السلطان قبل فتحها هو وأخوه لمنافسة بينهما وبين ابني العابد وهما محمد وأحمد بن عبد العزيز وابن عبد الله بن أحمد بن على ابن عبد الله بن على بن عمر بن أبى زيد وقد ذكر أوليتهم واستعمال سلفهم أيام الامير زكريا الاعلى في جبايته الجريد فلما استولى السلطان على البلاد رعى لهما تشيعهما وبدوهما إلى طاعته مع قومهما فأمر لهما مع ابنه بقفصة وكبيرها رديف لحاجبه عبد الله من الموالى الاتراك ومدبر لامور البلد في طاعة السلطان ثم نزغ الشيطان في صدره وحدثته نفسه بالاستبداد وأقام يتحين به وذهب الامير أبو بكر إلى زيارة أخيه بتوزر فكاده بالتخلف عنه وجمع أوباشا من الغوغاء والزعانف وتقدم بهم إلى القصبة وبعث بالصريخ للفتك بعبد الله التركي ونذر بذلك فأغلق أبواب القصبة وبعث الصريخ في أهل القرى وقاتلهم ساعة من نهار حتى وافى إليه المدد فلما استغلظ بمدده أدركهم الدهش وانفض الاشرار من حوله ونجوا إلى الاختفاء في بيوت البلد وتقبضوا على الكثير ممن داخلهم في الثورة ووصل الخبر إلى الامير أبى بكر بتوزر فبادر إلى مكانه وقد سكن جأشه واستلحم جميع من تقبض عليه حاجبه ونادى في الناس بالبراءة من ابن أبى زيد فتبرؤا منه وعثر الحرس عليه وعلى أخيه خارجين من أبواب البلد في زى النساء فقادوهما إليه فقتلهما بعد ان مثل بهما واستبد السلطان بالجريد ومحا منه آثار المساءة عليهما وانتظمه في عمالات السلطان وأما بلد الحامة وهى من عمالة قصطيلة وتعرف بحامة قابس وحامة مطماطة نسبة إلى أهلها الموطنين كانوا بها من البربر وهم فيما يقال الذين اختطوها ففيها الآن ثلاث قبائل من توجر وبنى ورثاجن وهم في العصبية فرقتان أولاد يوسف ورياستهم في أولاد أبى منيع وأولاد حجاف ورياستهم في أولاد وشاح ولا أدرى كيف سبب الفرقتين فأما أبو منيع فالحديث في رياستهم في قومهم أن جدهم رجاء بن يوسف كان له ثلاثة من الولد وهم بوشباك وأبو محمد وملالة وان(6/418)
رياسته بعده كانت لابنه بوشباك ثم ابنه أبى منيع من بعده ثم لابنه حسن بن أبى منيع ثم لابنه محمد بن حسن ثم أخيه موسى بن حسن ثم لاخيهما أبى عنان إلى ان كان ما نذكر وأما أولاد حجاف فكات أول رياستهم لمحمد بن أحمد بن وشاح وقبله خاله القاضى محمد بن كلمى وكان العمال من الحضرة يتعاقبون فيهم إلى ان أسقط السلطان عنهم الخراج والمغارم بأسرها وكان مقدمهم لاول دولة السلطان أبى بكر من أولاد أبى منيع وهو موسى بن حسن وكان المديوني ولد السلطان واليا عليهم وارتاب بهم بعض الايام وأحبوا الثورة به فدس بها إلى السلطان في بعض حركاته وغزاهم بنفسه ففروا وأدركوا سبعة من أولاد يوسف هؤلاء وتقبض عليهم فقتلوا ثم رجع الامير وولى موسى بن حسن ولما هلك تولى بعده أخوه أبو عنان وطال أمد ولايته عليهم وكان منسوبا إلى الخير والعفاف وهلك سنة ثنتين وأربعين وولى بعده ابنه الآخر أبو زيان ثم بعدهما ابن عمهما مولاهم ابن محمد ووفد على السلطان أبى الحسن مع وفد أهل الجريد كما مر ثم هلك فولى بعده من بنى عمهم حسان بن هجرس وثار به محمد بن أحمد بن وشاح من أولاد حجاف المذكور فعزله وأقام في ولايته إلى سنة ثمان وسبعين فثار به على الحامة وقتلوا عمر بن كلبى العاصى وولوا عليهم حسان بن هجرس وثار به يوسف واعتقله وهو يوسف بن عبد الملك بن حجاج بن يوسف بن وشاح وهو يقدمهما يعطى طاعة معروفة ويستدعى العامل ببجاية ويراوغ عن المصدوقية والغلب والاستيلاء قد أحاط به من كل جهة وأملى على بعض نسابتهم أن مشيخة أهل الحامة في بنى بوشباك ثم في بنى تأمل من بوشباك وان تأمل رأس عليهم وان وشاحا من ولد تأمل على فرقتين بنو حسن وبنو يوسف وحسان بن هجرس ومولاهم وعمر أبو علان كلهم من بنى حسن ومحمد بن أحمد بن وشاح من بنى يوسف وهذا مخالف للاول والله أعلم بالصحيح في أمرهم وأما نفزاوة وأعمال قصطيلة فتنسب لهذا العهد إلى توزر وهى القرى العديدة المعروفة السير
يعترض بينها وبين توزر إلى القبلة عنها التماسيح المشهورة المبالغة في الاعتساف ولها معالم قائمة من الخشب يهتدى بها السالك وربما يضل فتبتلعه ويسكن هذه القرى قوم من بقايا نفزاوة من البرابرة الذين بقوا هنا لك بعد انقراض جمهورهم ولحق العرب بسائر بطون البربر ومعهم معاهدون من الفرنجة ينسبون إلى سردانية نزلوا على الذمة والجزية وبها الآن أعقابهم ثم نزل عليهم من اعراب الشريد وزغب من بنى سليم كل من عجز عن الطعن وملكوا بها القفار والمياه وكثرت نفزاوة وهم لهذا العهد عامة أهلها وليس في نفزاوة هذه رياسة لمقرها ورجوعها في الغالب إلى اعمال توزر ورياستها هذا حال المتقدمين ببلاد الجريد في الدولة الحفصية أوردنا أخبارهم فيها(6/419)
لانهم من صنائعها وفى عداد ولاتها ومواليها والله متولى الامور اه أحمد بن يحيى بن محمد بن أبى على بن عبد الجليل بن العابد * (الخبر عن بنى مكى رؤساء قابس وأعمالها) * كانت قابس هذه من ثغور افريقية ومنتظمة في عمالتها وكان ولاتها من القيروان(6/420)
أيام الاغالبة والعبيديين وصنهاجة من لدن الفتح ولما دخل الهلاليون افريقية واضطربت أمورها واقتسمت دولة صنهاجة الطوائف انتزى بقابس وصنهاجة المعز ابن محمد الصنهاجى وأدال منه يونس بن يحيى الصنبرى من مرداس رياح باخيه ابراهيم إلى أن هلك وولى أخوه القاضى ابن ابراهيم ثم نازله أهل قابس فقتلوه أيام تميم بن المعز بن باديس فبايعوا لعمر بن المعز بن باديس كان مخالفا على أخيه وذلك سنة تسع وثمانين وأربعمائة ثم غلبه عليها أخوه تميم وكام معتلقا للعرب وكانت قابس وضواحيها في قسم زغبة من عرب هلال ثم غلبتهم رياح عليها ونزل دكن بن كامل بن جامع من بنى دهمان وأخوه مادع وهما معا من بنى على احدى بطون رياح فاستحدث بها ملكا لقومه
بنى جامع وأورثه بنيه إلى ان استولى الموحدون على افريقية وبعث عبد المؤمن عساكره إلى قابس ففر عنها مدافع بن رشيد آخرهم وانتظمها كما ذكرناه في أخبارهم وملكها وانقرض ملك بنى جامع وصارت قابس وأعمالها للموحدين وكان ولاة افريقية من السادة يولون عليها من الموحدين إلى أن تغلب بنو غالبة وقراقش على طرابلس وقابس وأعمالها وكان ما ذكرناه في أخبارهم ثم غلب الموحدون يحيى بن غانية عليها وأنزلو بها عمالهم ولما دعا بنو أبى حفص إلى افريقية المرة الثانية بعد مهلك الشيخ أبى محمد عبد الواحد وعقد العاقل على افريقية لابنه أبى محمد عبد الله عقد معه على قابس للامير أبى زكريا أخيه فنزلها أميرا ثم كان من شأن استبداده وخلعه لاخيه ولطاعة بنى عبد المؤمن ما ذكرناه وكان مشيخة قابس لذلك العهد في بيت من بيوتانها وهم بنو مسلم لم يحضرني ممن نسبهم وبنو مكى ونسبهم في لواتة وهو مكى بن فرح بن زيادة الله ابن أبى الحسن بن محمد بن زيادة الله بن الحسين اللواتى وكان بنو مكى هؤلاء خالصة للامير أبى زكريا ولما اعتزم على الاستبداد دخل أبو القاسم عثمان بن أبى القاسم بن مكى وتولى له أخذ البيعة على الناس وكان له ولقومه بذلك مكان من المولى أبى زكريا رعى لهم ذمتها ورفع من شأنهم بسببها ورموا بنى سليم نظراءهم في رياسة البلد بضغائنهم إلى ابن غانية فأخمدوا مالهم بماله ومحوا آثاهم واستقلوا بشورى بلدهم وأقاموا على ذلك أيام المولى أبى زكريا الاول وابنه المستنصر ثم كان ما قدمناه من مهلك الواثق بن المستنصر وبنيه على يد عمهم السلطان أبى اسحق وكان من أمر الداعي بن أبى عمارة وكيف شبه على الناس بالفضل بن المخلوع بحيلة من مولاه نصير رام أن ينأر بها من قاتلهم فتمت مكيدته في ذلك لما أراده الله ولما أظهر نصير أمره وتسايلت العرب إلى بيعته خطب لاول أمره رئيس قابس لذلك العهد من بنى مكى عبد المالك بن عثمان بن مكى فسارع إلى طاعته وحمل الناس عليها وكانت له بذلك قدم في الدولة معروف(6/421)
رسوخها ولما ألقى الداعي بن أبى عمارة جسدا على كرسى الخلافة سنة احدى وثمانين قلده خطة الجباية بالحضرة مستقلا فيها بالولاية والعزل والفرض والتقدير والحسبان بعد ان أجزل من بيت المال عطاءه وجرايته وأسنى رزقه وأهدى الجوارى من القصر إليه ولما هلك الداعي واستقلت قدم الخلافة من عثارها كما قدمناه سنة ثلاث وثمانين لحق عبد الحق بن مكى ببلده وامتنع بها على حين ركود ريح الدولة وفشلها ومرض في طاعته ودافع أهل الدولة بالدعاء للخليفة على منابره ثم حاهر بالخلعان سنة ثلاث وتسعين وبعث بطاعته إلى صاحب الثغور المولى أبى زكريا الاوسط وهلك ابنه أحمد ولى عهده سنة سبع وتسعين ثم هلك هو من بعده على رأس المائة السابعة وتخلف حافده تكما قبصوه للملك بعقبه وكفله ابن عمه يوسف بن حسن وقام بالامر مستبدا عليه إلى أن هلك وخلفه في كفالة أحمد بن ليدان من بيوت أهل قابس واصبهان وبنى مكى وأثاب أمرهم بمهلك يوسف فنقب لهم السلطان الآن اللحيانى إلى الحضرة وأقاموا بها أياما ثم ردهم إلى بلدهم أيام مجافاته عن تونس وخروجه إلى ناحية قابس ثم هلك خلال ذلك مكى وخلف صبيين يافعين عبد الملك وأحمد فكفليما ابن ليدان إلى ان شباوا كتهلا ولهما من الامتناع على الدولة والاستبداد بأمر القطر والاقتصار على الدعاء للخليفة مثل ما كان لابيهما وأكثر لتقلص ظل الملك عن قطرهم وشغل السلطان بمدافعة يغمراسن وعساكرهم عن الثغور الغربية واجلائهم بالاعز واعتاص من أهل البيت على الحضرة ولما هلك السلطان أبو يحيى اللحيانى بمصر قفل ابنه عبد الواحد إلى المغرب يحاول أسباب الملك ونزل بساحتهم على ما كان من صنائع أبيه إليهم فذكروا العهد وأوجبوا الحق وآتوا بيعتهم كبيرهم عبد الملك بأمره ودعا الناس إلى طاعته وخالف السلطان أبا يحيى عند نهوضه إلى الثغور لحماية سنة ثلاث وثلاثين كما قدمناه فدخل الحضرة ولبث بها أياما لم تبلغ نصف شهر وبلغ خبرهم إلى السلطان فانكفأ راجعا وفروا إلى مكانهم من قابس والدولة بنظرهم الشزر ويتربص بهم الدوائر إلى ان غلب
السلطان أبو الحسن على تلمسان ومحا دولة آل يغمراسن وفرغت الدولة من شأنهم إلى ومد عمر يده إلى صفاقس فتناولها وتغلب عليها سنة سبع وخمسين وهلك السلطان أبو عنان وقد شرق صدر ابن تافراكين الغالب على الحضرة بعداوتهما فردد عليهما برا وبحرا إلى أن تخلص جزيرة جربة من أيديهما أعوام أربعة وستين وعقد عليهما(6/422)
لولده محمد فاستخلف بها كاتبه محمد بن أبى القاسم بن أبى العيون من صنائع الدولة كما ذكرناه وهلك أحمد بن مكى سنة ست وستين على قفيئة مهلك الحاجب بن تافراكين بالحضرة فكأنهما ضربا موعد اللهلكة توافياه وتخلف ابنه عبد الرحمن بطرابلس في كفالة مولاه ظافر العلج وهلك ظافر اثر مهلكه فاستبد عبد الرحمن بطرابلس وساءت سيرته فيها إلى أن نازله أبو بكر بن محمد بن ثابت في اسطوله كما نذكر سنة ثنتين وسبعين وأجلب عليه بالبرابرة والعرب من أهل الوطن فاستنقض عليه أهل البلد وثاروا به وبادر أبو بكر بن ثابت لاقتحامها عليه وأسلموه إلى أمير من أمراء ذئاب فأجاره إلى أن أبلغه مأمنه من محلة قومه وايالة عمه عبد الملك بقابس إلى أن هلك سنة تسع وسبعين ولم يزل عبد الملك لهذا العهد وهو سنة احدى وثمانين واليا على عمله بقابس وابنه يحيى مستبد بوزارته وحافده عبد الوهاب لابنه مكى رديف له وقد تراجعت أحوالهم عما كانت وخرجت من أيديهم الاعمال التى كانت في عمالته لعهد أخيه أحمد مثل طرابلس وجزيرة جربة وصفاقس وما إلى ذلك من العمالات حتى كان التخت انما كان لاخيه واليمن انما استقر لجنابه وسيرتهما جميعا من العدالة وتحرى مذاهب الخير والسمت والاتسام بسمات أهل الدين حملة الفقه معروفة حتى كان كل واحد منهم انما يدعى بالفقيه علما بين أهل عصره حرصا على الانغماس في مذاهب الخير وطرقه وكان لاحمد حظ من الادب وكان يغرس من الشعر فيجيد عفا الله عنه وله في الترسيل حظ ووساع بلاغة وينحو في كتابه منحى أهل المشرق في أوضاع حروفهم
وأشكال رسومهم ولاخيه عبد الملك حظ من ذلك شارك به جهابذة أهل عصره ولما انتظم السلطان أبو العباس أمصار افريقية في ملكه واستبد بالدعوة الحفصية على قومه داخل أهل الجريد منه الروع وفزعوا إليه للمعارضة في الامتناع فداخلهم في ذلك وأشاروا إلى صاحب تلمسان بالترغيب في افريقية فعجز عنهم والحوا عليه فخام عن العداوة وزحف مولانا السلطان خلال ذلك إلى الجريد فملك قفصة وتوزر ونفطة فبادر ابن مكى إلى التلبس للاستقامة وبعث إليه بالطاعة ثم رجع السلطان إلى الحضرة فرجع هو عن المصدوقة وأتاهم أهل البلد بالحيل إلى السلطان فتقبض بعضهم ومر آخرون وانتقض عليه بنو أحمد اهل ضواحيه من ذئاب فنازلوه وبعثوا إلى الامير الاكبر بقفصة في العسكر لمنازلته فبعث إليهم وأحاطوا به ثم انتهر الفرصة ودخل بعض العرب من بنى على في تبييت المعسكر وبذل لهم في ذلك المال فبيتوه وانفض وبلغ الخبر إلى السلطان فخرج من حضرته سنة احدى وثمانين ونزل القيروان وتوافت الفئتان وبعث رسله للاعذار بين يديه فردهم ابن مكى بالطاعة(6/423)
ثم احتمل رواحله ونزل باحياء العرب وأغذ السلطان السير إلى البلد فدخلها واستولى على قصورها ولاذ أهل البلد بالبيعة فآتوها واستعمل عليهم من بطانته وانكفأ راجعا إلى تونس وهلك عبد الملك لايام قلائل بين أجيال العرب وهلك ابنه عبد الرحمن وابن أخيه أحمد الذى كان صاحب طرابلس بعد أبيه ولحق ابنه يحيى وحفيده عبد الوهاب بطرابلس فمنعهم ابن ثابت من النزول ببلده لما كان متمسكا بطاعة السلطان فنزلوا بزنزور من بلاد ذئاب التى بضواحيها وأقاموا هنا لك واستقامت النواحى الشرقية على طاعة السلطان وانتظمت في دعوته والله مالك الملك ثم ذهب يحيى بن عبد الملك إلى المشرق لقضاء فرضه وأقام عبد الوهاب بين أحياء البرانس بالجبال هنا لك وكان الوالى الذى تركه السلطان بقابس قد ساء أثره في أهلها فدس شيعتهم إلى عبد الوهاب بذلك وجاء
ثم احتمل رواحله ونزل باحياء العرب وأغذ السلطان السير إلى البلد فدخلها واستولى على قصورها ولاذ أهل البلد بالبيعة فآتوها واستعمل عليهم من بطانته وانكفأ راجعا إلى تونس وهلك عبد الملك لايام قلائل بين أجيال العرب وهلك ابنه عبد الرحمن وابن أخيه أحمد الذى كان صاحب طرابلس بعد أبيه ولحق ابنه يحيى وحفيده عبد الوهاب بطرابلس فمنعهم ابن ثابت من النزول ببلده لما كان متمسكا بطاعة السلطان فنزلوا بزنزور من بلاد ذئاب التى بضواحيها وأقاموا هنا لك واستقامت النواحى الشرقية على طاعة السلطان وانتظمت في دعوته والله مالك الملك ثم ذهب يحيى بن عبد الملك إلى المشرق لقضاء فرضه وأقام عبد الوهاب بين أحياء البرانس بالجبال هنا لك وكان الوالى الذى تركه السلطان بقابس قد ساء أثره في أهلها فدس شيعتهم إلى عبد الوهاب بذلك وجاء إلى البلد فبيتها وثاروا بالوالى فقتلوه سنة ثلاث وثمانين وملك عبد الوهاب قابس وجاء أخوه يحيى من المشرق بعد قضاء فرضه فأجلب عليه مرارا يروم ملكها وأوثقه كتافا وبعث به إليه واعتقله بقصر العد وسنين فمكث في السجن أعواما ثم فر من محبسه ولحق بالحامة على مرحلة من قابس مستنجدا ابن وشاح صاحبها فأنجده وما زال يجلب على نواحى قابس إلى أن ملكها وتقبض على عبد الوهاب ابن أخيه مكى فقتله أعوام تسعين وسبعمائة ولم يزل مستبدا ببلده إلى سنة ست وتسعين وكان عمر ابن السلطان أبى العباس قد بعثه أبوه لحصار طرابلس فخربها هؤلاء كما نذكره حتى استقام أهلها على الطاعة وأعطوا الضريبة فأفرج عنها ورجع إلى أبيه فولاه على صفاقس وأعمالها فاستقل بها ثم دخل أهل الحامة في ملك قابس فأجابوه وساروا معه فبيتها ودخلها وقبض على يحيى بن عبد الملك فضرب عنقه وانقرض أمر ابن مكى من قابس ولله الامر من قبل ومن بعد وهو خير الوارثين * (تم طبع الجزء السادس ويليه الجزء السابع أوله الخبر عن زناتة من قبائل البربر) *(6/424)
تاريخ ابن خلدون - ابن خلدون ج 7
تاريخ ابن خلدون
ابن خلدون ج 7(7/)
تاريخ ابن خلدون المسمى بكتاب العبر، وديوان المبتدإ والخبر، في أيام العرب والعجم والبربر ومن عاصرهم من ذوي السلطان الاكبر لوحيد عصره العلامة عبد الرحمن بن محمد بن خلدون الحضرمي المغربي المتوفي سنة 808 هجرية الجزء السابع 1391 ه.
- 1971 م.
منشورات مؤسسة الاعلمي للمطبوعات بيروت - لبنان ص.
ب.
7120(7/1)
بسم الله الرحمن الرحيم { الخبر عن زناتة من قبائل البربر وما كان بين أجيالهم من العز والظهور وما تعاقب فيهم من الدول القديمة والحديثة } هذا الجيل في المغرب جيل قديم العهد معروف العين والاثر وهم لهذا العهد آخذون من شعائر العرب في سكنى الخيام واتخاذ الابل وركوب الخيل والتغلب في الارض وايلاف الرحلتين وتخطف الناس من العمران والاباية عن الانقياد للنصفة وشعارهم بين البربر اللغة التى يتراطنون بها وهى مشتهرة بنوعها عن سائر رطانة البربر ومواطنهم في سائر مواطن البربر بافريقية والمغرب فمنهم ببلاد النخيل ما بين غدامس والسوس
الاقصى حتى ان عامة تلك القرى الجريدية بالصحراء منهم كما نذكره ومنهم قوم بالتلول بجبال طرابلس وضواحي افريقية وبجبل أوراس بقايا منهم سكنوا مع العرب الهلاليين لهذا العهد واذعنوا لحكمهم والاكثر منهم بالمغرب الاوسط حتى انه ينسب إليهم ويعرف بهم فيقال وطن زناته ومنهم بالمغرب الاقصى أمم أخرى وهم لهذا العهد أهل دول وملك بالمغربين وكانت لهم فيه دول أخرى في القديم ولم يزل الملك يتداول في شعوبهم حسبما نذكره بعد لكل شعب منهم ان شاء الله تعالى(7/2)
اما نسبهم بين البربر فلا خلاف بين نسابتهم أنهم من ولد شانا واليه نسبهم وأما شانا فقال أبو محمد بن حزم في كتاب الجمهرة قال بعضهم هو جانا بن يحيى بن صولات بن ورماك بن ضرى بن رحيك بن مادغيس بن بربر وقال أيضا في كتاب الجمهرة ذكر لى يوسف الوراق عن أيوب بن أبى يزيد يعنى حين وفد على قرطبة عن أبيه الثائر بافريقية أيام الناصر قال هو جانا بن يحيى بن صولات بن ورساك بن ضرى بن مقبو بن قروال بن يملا بن مادغيس بن رحيك بن همر حق بن كراد بن مازيغ بن هراك بن هرك بن برا بن بربر بن كنعان بن حام هذا ما ذكره ابن حزم ويظهر منه ان مادغيس ليس نسبة إلى البربر وقد قدمنا ما في ذلك من الخلاف وهو أصح ما ينقل في هذا الان ابن حزم موثوق ولا يعدل به غيره (ونقل) عن ابن أبى زيد وهو كبير زنانة ويكون البربر على هذا من نسل برنس فقط والبتر الذين هم بنو مادغيس الابتر ليسوا من البربر ومنهم زناتة وغيرهم كما قدمنا لكنهم اخوة البربر لرجوعهم كلهم إلى كنعان بن حام كما يظهر من هذا النسب (ونقل) عن أبى محمد بن قتيبة في نسب زناتة هؤلاء انهم من ولد جالوت في رواية ان زناتة هو جانا ابن يحيى بن ضريس بن جالوت وجالوت هو ونور بن جرييل بن جديلان بن جالد بن ديلان بن حصى بن باد بن رحيك بن مادغيس الابتر بن قيس بن عيلان (وفى) رواية أخرى عنه ان جالوت بن جالود بن بردنال بن قحطان ابن فارس وفارس مشهور (وفى)
رواية أخرى عنه انه بن هربال بن بالود بن دبال بن برنس بن سفك وسفك أبو البربر كلهم ونسابة الجيل نفسه من زناتة يزعمون انهم من حمير ثم من التبابعة منهم وبعضهم يقول انهم من العمالقة ويزعمون ان جالوت جدهم من العمالقة والحق فيهم ما ذكره أبو محمد ابن حزم أولا وما بعد ذلك فليس شئ منه بصحيح فأما الرواية الاولى عن أبى محمد بن قتيبة فمختلطة وفيها أنساب متداخلة وأما نسب مادغيس إلى قيس عيلان فقد تقدم في أول كتاب البربر عند ذكر أنسابهم وان أبناء قيس معروفون عن النسابة وأما نسب جالوت إلى قيس فأمر بعيد عن القياس ويشهد لذلك ان معد بن عدنان الخامس من آباء قيس انما كان معاصر البختنصر كما ذكرناه أول الكتاب وانه لما سلط على العرب أوحى الله إلى ارمياء نبى بنى اسرائيل أن يخلص معدا ويسير به إلى أرضه وبختنصر كان بعد داود بما يناهز أربعمائة وخمسين من السنين فانه خرب بيت المقدس بعد بناء داود وسليمان له بمثل هذه المدة فمعد متأخر عن داود بمثلها سواء فقيس الخامس من أبنائه متأخر عن داود بأكثر من ذلك فجالوت على ما ذكر انه من أبناء قيس متأخر عن داود بأضعاف ذلك الزمن وكيف يكون ذلك مع ان داود هو الذى قتل جالوت بنص القرآن(7/3)
(وأما) ادخاله جالوت في نسب البربر وانه من ولد مادغيس أو سفك فخطأ وكذلك من نسبه من العمالقة والحق ان جالوت من بنى فلسطين بن كسلوحيم بن مصرايم بن حام أحد شعوب حام بن نوح وهم اخوة القبط والبربر والحبشة والنوبة كما ذكرناه في نسب أبناء حام وكان بين بنى فلسطين هؤلاء وبين بنى اسرائيل حروب كثيرة وكان بالشام كثير من البربر اخوانهم ومن سائر أولاد كنعان يضاهونهم فيها ودثرت أمة فلسطين وكنعان وشعوبهما لهذا العهد ولم يبق الا البربر واختص اسم فلسطين بالوطن الذى كان لهم فاعتقد سامع اسم البربر مع ذكر جالوت انه منهم وليس كذلك (وأما) ما رأى نسابة زناتة انهم من حمير فقد أنكره الحافظان أبو عمر بن عبد البر وأبو محمد بن حزم
وقالا ما كان لحمير طريق إلى بلاد البربر الا في أكاذيب مؤرخي اليمن وانما حمل نسابة زناتة على الانتساب في حمير الترفع عن النسب البربري لما يرونهم في هذا العهد خولا وعبيدا للجباية وعوامل الخراج وهذا وهم فقد كان في شعوب البربر من هم مكافؤن لزناتة في العصبية أو أشد منهم مثل هوارة ومكناسة وكان فيهم من غلب العرب على ملكهم مثل كتامة وصنهاجة ومن تلقف الملك من يد صنهاجة مثل المصامدة مدة كل هؤلاء كانوا أشد قوة وأكثر جمعا من زناتة فلما فنيت أجيالهم أصبحوا مغلبين فنالهم ضر المغرم وصار اسم البربر مختصا لهذا العهد بأهل المغرم فأنف زناتة منه فرارا من الهضيمة وأعجبوا بالدخول في النسب العربي لصراحته وما فيه من المزية بتعدد الانبياء ولاسيما نسب مضر وأنهم من ولد اسمعيل بن ابراهيم بن نوح بن شيث بن آدم خمسة من الانبياء ليس للبربر إذا نسبوا إلى حام مثلها مع خروجهم عن نسب ابراهيم الذى هو الاب الثالث للخليقة إذ الاكثر من اجيال العالم لهذا العهد من نسله ولم يخرج عنه لهذا العهد الا الاقل مع ما في العربية أيضا من عز التوحش والسلامة من مذمومات الخلق بانفرادهم في البيداء فأعجب زناتة نسبهم وزينه لهم نسابتهم والحق بمعزل عنه كونهم من البربر بعموم النسب لا ينافي شعارهم من الغلب والعز فقد كان الكثير من شعوب البربر مثل ذلك وأعظم منه وأيضا فقد تميزت الخليقة وتباينوا بغير واحد من الاوصاف والكل بنو آدم ونوح من بعده وكذلك تميزت العرب وتباينت شعوبها والكل لسام ولاسمعيل بعده (وأما) تعدد الانبياء في النسب فذلك فضل الله يؤتيه من يشاء ولا يضرك الاشتراك مع الجيل في النسب العام إذا وقعت المباينة لهم في الاحوال التى ترفع عنهم مع ان المذلة للبربر انما هي حادثة بالقلة ودثور اجيالهم بالملك الذى حصل لهم ونفقوا في سبله وترفه كما تقدم لك في الكتاب الاول من تأليفنا والا فقد كان لهم من الكثرة والعز والملك والدولة ما هو معروف (وأما) ان جيل(7/4)
زناتة من العمالقة الذين كانوا بالشام فقول مرجوح وبعيد من الصواب لان العمالقة الذين كانوا بالشام صنفان عمالقة من ولد عيصو بن اسحق ولم تكن لهم كثرة ولاملك ولا نقل ان أحدا منهم انتقل إلى المغرب بل كانوا لقلتهم ودثور اجيالهم أخفى من الخفاء والعمالقة الاخرى كانوا من أهل الملك والدولة بالشام قبل بنى اسرائيل وكانت أريحاء دار ملكهم وغلب عليهم بنو اسرائيل وابتزوهم ملكهم بالشام والحجاز وأصبحوا حصائد سيوفهم فكيف يكون هذا الجيل من أولئك العمالقة الذين دثرت اجيالهم وهذا لو نقل لوقع به الاسترابة فكيف وهو لم ينقل هذا بعيد في العادة والله علم بخلقه (وأما) شعوب زناتة وبطونهم فكثير ولنذكر المشاهير منها (فنقول) اتفق نساب زناتة على ان بطونهم كلها ترجع إلى ثلاثة من ولد جانا وهم ورسيك وفرنى والديرت هكذا في كتب انساب زناتة (وذكر) أبو محمد بن حزم في كتاب الجمهرة له من ولد ورسيك عند نسابتهم مسارت ورغاى وواشروجن ومن واشروجن واريعن بن واشروجن وقال أبو محمد بن حزم في ولد ورسيك انهم مسارت وناجرت وواسين (وأما) فرنى بن جانا فمن ولده عند نسابة زناتة يزمرتن ومرنجيصة ووركلة ونمالة وسبرترة ولم يذكر أبو محمد بن حزم سبرتره وذكر الاربعة الباقية (وأما) الديرت بن جانا فمن ولده عند نسابة زناتة جداو بن الديرت ولم يذكره ابن حزم وانما قال عند ذكر الديرت ومن شعوبه بنو ورسيك بن الديرت وهم بطنان دمر بن ورسيك قال ودمر لقب واسمه العانا قال فمن ولد زاكيا بنو مغراو وبنو يفرن وبنو واسين قال وأمهم واسين مملوكة لام مغراو وهم ثلاثتهم بنو يصلتن بن مسرا بن زاكيا ويزيد نسابة زناتة في هؤلاء يرنيات بن يصلتن أخا لمغراو ويفرن وواسين ولم يذكره ابن حزم قال ومن ولد دمر بو وريند بن وانتن بن وارديرن بن دمر وذكر لبنى دمر أفخاذا سبعة وهم عرازول ولفورة وزناتين وهؤلاء الثلاثة مختصون بنسب دمر وبرزال ويصدر بن وصغان وبطوفت هكذا ذكر أبو محمد بن حزم وزعم انه من املاء أبى بكر بن يكنى البرزالى
الاباضي وقال فيه كان ناسكا عالما بانسابهم وذكر أن بنى واسين وبنى برزال كانوا أباضية وأن بنى يفرن ومغراوة كانوا سنية وعند نسابة البربر مثل سابق بن سليمان المطماطى وهانئ بن يصدور الكومى وكهلان بن أبى لواوهو مسطر في كتبهم ان بنى ورسيك بن الديرت بن جانا ثلاثة بطون وهم بنو زاكيا وبنو دمر وآنشة بنو آنش وكلهم بنو وارديرن بن ورسيك فمن زاكيا وارديرن أربعة بطون مغراوة وبنو يفرن وبنو يرنيان وبنو واسين كلهم بنو اسيلتن بن مسر بن زاكيا بن آنش بن وارديرن ومن دمر وارديرن ثلاثة بطون بنو تغورت وبنو عزرول وبنو ورتاتين كلهم بنو وتيد بن دمر هذا(7/5)
الذى ذكره نسابة البربر وهو خلاف ما ذكره ابن حزم ويذكر نسابة زناته آخرين من شعوبهم ولا ينسبونهم مثل يحفش وهم أهل جبل قازاز قريب مكناسة وسجاسن وربعمان وتحليلة وتيسات وواغمرت وتيفراض ووجديجن وبنو بلومو وبنو ومانى وبنو توجين على أن بنى توجين ينتسبون في بنى واسين نسبا ظاهرا صحيحا بلا شك على ما يذكر في أخبارهم وبعضهم يقول في وجديجن وواغمرت بنو ورتنيص انهم من البرانس من بطون البربر على ما قدمناه وذكر ابن عبد الحكم في كتابه فتح مصر خالد بن حميد الزناتى وقال فيه هو من شورة احدى بطون زنانة ولم نره لغيره هذا ملخص الكلام في شعوب زناتة وانسابهم بما لا يوجد في كتاب والله الهادى إلى مسالك التحقيق لارب غيره يصرتن وصغان يطوفت جداو واريعن بن واشروجن بن ورسيك دغاى ناجرت واسين
مسارت تغورت عزرول ورتاتين يفرن بن يصلتن بن مسرا بن زاكيا واسين نماله يزمرتن واركله مرنجيصة سبرتره بن فرنى واغمرت وجديجن بن ورتنيص برزال بن ورنيد بن وانتن بن وارد برن بن دمر بن ورسيك بن الديرت بن جانا(7/6)
(اعلم) ان كثيرا من الناس يبحثون عن مبنى هذه الكلمة واشتقاقها على ما ليس معروفا للعرب ولا لاهل الجيل أنفسهم فيقال هو اسم وضعته العرب على هذا الجيل ويقال بل الجيل وضعوه لانفسهم أو اصطلحوا عليه ويقال هو زانا بن جانا فيزيدون في النسب شيأ لم تذكره النسابة وقد يقال انه مشتق ولا يعلم في لسان العرب أصل مستعمل من الاسماء يشتمل على حروفه المادية وربما يحاول بعض الجهلة اشتقاقه من لفظ الزنا ويعضده بحكاية خسيسة يدفعها الحق وهذه الاقوال كلها ذهاب إلى أن العرب وضعت لكل شئ اسما وأن استعمالها انما هو لاوضاعها التى من لغتها ارتجالا واشتقاقا وهذا
انما هو في الاكثر والا فالعرب قد استعملت كثيرا من غير لغتها في مسماه اما لكونه علما فلا يغير مثل ابراهيم ويوسف واسحق من اللغة العبرانية واما استعانة وتخفيفا لتداوله بين الالسنة كاللجام والديباج والزنجبيل والنيروز والياسمين والآجر فتصير باستعمال العرب كأنها من أوضاعهم ويسمونها المعربة وقد يغيرونها بعض التغيير في الحركات أو في الحروف وهو شائع لهم لانه بمنزلة وضع جديد وقد يكون الحرف من الكلمة ليس من حروف لغتهم فيبدلونه بما يقرب منه في المخرج فان مخارج الحروف كثيرة منضبطة وانما نطقت العرب منها بالثمانية والعشرين حروف أبجد وبين كل مخرجين منها حروف أكثر من واحد فمنها ما نطقت به الامم ومنها ما لم تنطق به ومنها ما نطق به بعض العرب كما هو مذكور في كتب أهل اللسان وإذا تقرر ذلك فاعلم ان أصل هذه اللفظة التى هي زناتة من صيغة جانا التى هي اسم ابى الجيل كله وهو جانا بن يحيى المذكور في نسبهم وهم إذا أرادوا الجنس في التعميم الحقوا بالاسم المفرد تاء فقالوا جانات وإذا أرادوا التعميم زادوا مع التاء نونا فصار جاناتن ونطقهم بهذه الجيم ليس من مخرج الجيم عند العرب بل ينطقون بها بين الجيم والشين وأميل إلى السين ويقرب للسمع منها بعض الصغير فأبدلوها زايا محضة لاتصال مخرج الزاى بالسين فصارت زانات لفظا مفردا دالا على الجنس ثم الحقوا به هاء النسبة وحذفوا الالف التى بعد الزاى تخفيفا لكثرة دورانه على الالسنة والله أعلم * (فصل في أولية هذا الجيل وطبقاته) * أما أولية هذا الجيل بافريقية والمغرب فهى مساوية لاولية البربر منذ أحقاب متطاولة لا يعلم مبدأها الا الله تعالى ولهم شعوب أكثر من أن تحصى مثل مغراوة وبنى يفرن وجراوة وبنى يرسان ووجدبجن وعمرة وتحصر وورتيد وبنى زنداك وغيرهم وفى كل واحد من هذه الشعوب بطون متعددة وكانت مواطن هذا الجيل من لدن جهات(7/7)
طرابلس إلى جبل أوراس والزاب إلى قبله تلمسان ثم إلى وادى ملوية وكانت الكثرة والرياسة فيهم قبل الاسلام لجراوة ثم لمغراوة وبنى يفرن (ولما) ملك الافرنجة بلاد البربر في ضواحيهم صاروا يؤدون لهم طاعة معروفة وخراجا معروفا مؤقتا ويعسكرون معهم في حروبهم ويمتنعون عليهم فيما سوى ذلك حتى جاء الله بالاسلام وزحف المسلمون إلى افريقية وملك الافرنجة بها يومئذ جرجير فظاهره زناتة والبربر على شأنه مع المسلمين وانفضوا جميعا وقتل جرجير وأصبحت أموالهم مغانم ونساؤهم سبايا وافتتحت سبيطلة ثم عاود المسلمون غزو افريقية وافتتحوا جلولاء وغيرها من الامصار ورجع الافرنجة الذين كانوا يملكونهم على اعقابهم إلى مواطنهم وراء البحر وظن البربر بأنفسهم مقاومة العرب فاجتمعوا وتمسكوا بحصون الجبال واجتمعت زناتة إلى الكاهنة وقومها جراوة بجبل أوراس حسبما نذكره فأثخن العرب فيهم واتبعوهم في الضواحى والجبال والقفار حتى دخلوا في دين الاسلام طوعا وكرها وانقادوا إلى ايالة مصر وتولوا من أمرهم ماكان الافرنجة يتولونه حتى إذا انحلت بالمغرب عرى الملك العربي وأخرجهم من افريقية البربر من كتامة وغيرهم قدح هذا الجيل الزناتى زناد الملك فأوى لهم وتداول فيهم الملك جيلا بعد جيل في طبقتين حسبما نقصه عليك ان شاء الله تعالى * (الخبر عن الكاهنة وقومها جراوة من زناتة وشأنهم مع المسلمين عند الفتح) * كانت هذه الامة من البربر بافريقية والمغرب في قوة وكثرة وعديد وجموع وكانوا يعطون الافرنجة بامصارهم طاعة معروفة وملك الضواحى كلها لهم وعليهم مظاهرة الافرنجة مهما احتاجوا إليهم ولما أظل المسلمون في عساكرهم على افريقية للفتح ظاهروا جرجير في زحفه إليهم حتى قتله المسلمون وانفضت جموعهم وافترقت رياستهم ولم يكن بعدها بافريقية موضع للقاء المسلمين يجمعهم لما كانت غزواتهم لكل أمة من البربر في ناحيتها وموطنها مع من تحيز إليهم من قبل الافرنجة (ولما) اشتغل المسلمون في حرب على ومعاوية اغفلوا أمر افريقية ثم ولاها معاوية بعد عام الجامعة عقبة بن نافع
الفهرى فأثخن في المغرب في ولايته الثانية وبلغ إلى السوس وقتل بالزاب في مرجعه واجتمعت البربر على كسيلة كبيرا وربة وزحف إليه بعد ذلك زهير بن قيس البلوى أيام عبد الملك بن مروان فهزمه وملك القيروان وأخرج المسلمين من افريقية (وبعث) عبد الملك حسان بن النعمان في عساكر المسلمين فهزموا البربر وقتلوا كسيلة واسترجعوا القيروان وقرطاجنة وافريقية والافرنجة والروم إلى صقلية والاندلس وافترقت رياسة البربر في شعوبهم وكانت زناتة أعظم قبائل البربر وأكثرها جموعا(7/8)
وبطونا وكان موطن جراوة منهم بجبل أوراس وهم ولد كراو بن الديرت بن جانا وكانت رياستهم للكاهنة دهبا بنت بن نيعان بن بارو بن مصكسرى بن أفرد بن وصيلا بن جراو وكان لها بنون ثلاثة ورثوا رياسة قومهم عن سلفهم وربوا في حجرها فاستبدت عليهم وعلى قومهم بهم وبما كان لها من الكهانة والمعرفة بغيب أحوالهم وعواقب أمورهم فانتهت إليها رياستهم قال هاني بن بكور الضريسى ملكت عليهم خمسا وثلاثين سنة وعاشت مائة وسبعا وعشرين سنة وكان قتل عقبة بن نافع في البسيط قبلة جبل أوراس باغرائها برابرة عليه وكان المسلمون يعرفون ذلك منها فلما انقضى جميع البربر وقتل كسيلة رجعوا إلى هذه الكاهنة بمعتصمها من جبل أوراس وقد ضوى إليها بنو يفرن ومن كان بافريقية من قبائل زناتة وسائر البتر فلقيتهم بالبسيط أمام جبلها وانهزم المسلمون واتبعت آثارهم في جموعها حتى أخرجتهم من افريقية وانتهى حسان إلى برقة فأقام بها حتى جاء المدد من عبد الملك فزحف إليهم سنة أربع وسبعين وفض جموعهم وأوقع بهم وقتل الكاهنة واقتحم جبل أوراس عنوة واستلحم فيه زهاء مائة ألف وكان للكاهنة ابنان قد لحقا بحسان وحسن اسلامهما واستقامت طاعتهما وعقد لهما على قومهما جراوة ومن انضوى إليهم بجبل أوراس ثم افترق فلهم من بعد ذلك وانقرض أمرهم وافترق جراوة أوزاعا
بين قبائل البربر وكان منهم قوم بسواحل مليلة وكان لهم آثار بين جيرانهم هناك واليهم نزع بن أبى العيس لما غلبه موسى بن أبى العافية على سلطانه بتلمسان أول المائة الرابعة حسبما نذكره فنزل عليهم وبنى القلعة بينهم إلى ان خربت من بعد ذلك والفل منهم بذلك الوطن إلى الآن لهذا العهد مندرجون في بطونه ومن إليهم من قبائل غمارة والله وارث الارض ومن عليها * (الخبر عن مبتدا دول زناتة في الاسلام ومصير الملك إليهم بالمغرب وافريقية) * لما فرغ شأن الردة من افريقية والمغرب وأذعن البربر لحكم الاسلام وملكت العرب واستقل بالخلافة ورياسة العرب بنو أمية اقتعدوا كرسى الملك بدمشق واستولوا على سائر على الامم والاقطار وأثخنوا في القاصية من لدن الهند والصين في المشرق وفرغانة في الشمال والحبشة في الجنوب والبربر في المغرب وبلاد الجلالقة والافرنجة في الاندلس وضرب الاسلام بجرانه وألقت دولة العرب بكلكلها على الامم ثم جدع بنو أمية أنوف بنى هاشم مقاسميهم في نسب عبد مناف والمدعين استحقاق الامر بالوصية وتكرر خروجهم عليهم فأثخنوا فيهم بالقتل والاسر حتى توغرت الصدور واستحكمت الاوتار وتعددت فرق الشيعة باختلافهم في مساق الخلافة من على إلى من بعده من بنى(7/9)
هاشم فقوم ساقوها إلى آل العباس وقوم إلى آل الحسن وآخرون إلى آل الحسين فدعت شيعة آل العباس بخراسان وقام بها اليمنية فكانت الدولة العظيمة الحائزة للخلافة ونزلوا بغداد واستباحوا الامويين قتلا وسبيا وخلص من جاليتهم إلى الاندلس عبد الرحمن بن معاوية بن هشام فجدد بها دعوة الامويين واقتطع ما وراء البحر عن ملك الهاشميين فلم تخفق لهم به راية (ثم نفس) آل أبى طالب على آل العباس ما أكرمهم الله به من الخلافة والملك فخرج المهدى محمد بن عبد الله المدعو بالنفس الزكية في بنى أبى طالب على أبى جعفر المنصور وكان من أمرهم ما هو مذكور واستلحمتهم جيوش
بنى العباس في وقائع عديدة وفر ادريس بن عبد الله أخو المهدى من بعض وقائعهم إلى المغرب الاقصى فأحاره البرابرة من أورية ومقيلة وقاموا بدعوته ودعوة بنيه من بعده ونالوا به الملك وغلبوا على المغرب الاقصى والاوسط وبثوا دعوة ادريس وبنيه من أهله بعده في أهله من زناتة مثل بنى يفرن ومغراوة وقطعوه من ممالك بنى العباس واستمرت دولتهم إلى حين انقراضها على يد العبيديين ولم يزل الطالبيون أثناء ذلك بالمشرق ينزعون إلى الخلافة ويبثون دعاتهم بالقاصية إلى ان دعا أبو عبد الله المحتسبب بافريقية إلى المهدى ولد اسمعيل الامام بن جعفر الصادق فقام برابرة كتامة ومن إليهم من صنهاجة وملكوا افريقية من يد الاغالبة ورجع العرب إلى مركز ملكهم بالمشرق ولم يبق لهم في نواحى المغرب دولة ووضع العرب ما كان على كاهلهم من أمر المغرب ووطأة مضر بعد أن رسخت الملة فيهم وخالطت بشاشة الايمان قلوبهم واستيقنوا بوعد الصادق أن الارض لله يورثها من يشاء من عباده فلم تنسلخ الملة بانسلاخ الدولة ولا تقوضت مباني الدين بتقويض معالم الملك وعدا من الله لن يخلفه في تمام أمره واظهار دينه على الدين كله فتناغى حينئذ البربر في طلب الملك والقيام بدعوة الاعياض من بنى عبد مناف يسدون منها حسدا في ارتقاء إلى ان ظفروا من ذلك بحظ مثل كتامة بافريقية ومكناسة بالمغرب ونافسهم في ذلك زناتة وكانوا من أكثرهم جما وأشدهم قوة فشمروا له حتى ضربوا معهم بسهم فكان لبنى يفرن بالمغرب وافريقية على يد صاحب الحمار ثم على يد يعلى بن محمد وبنيه ملك ضخم ثم كان لمغراوة على يد بنى خزر دولة أخرى تنازعوها مع بنى يفرن وضنهاجة ثم انقرضت تلك الاجيال وتجرد الملك بالمغرب بعدهم في جيل آخر منهم فكان لبنى مزين بالمغرب الاقصى ملك ولبنى عبد الواد بالمغرب الاوسط ملك آخر تقاسمهم فيه بنو توجين والفل من مغراوة حسبما نذكر ونستوفى شرحه ونجلب أيامهم وبطونهم على الطريقة التى سلكناها في أخبار البربر والله المعين سبحانه لارب سواه ولا معبود الا اياه(7/10)
{ الطبقة الاولى من زناتة ونبدأ منها بالخبر عن بنى يفرن وأنسابهم وشعوبهم وما كان لهم من الدول بافريقية والمغرب } وبنو يفرن هؤلاء من شعوب زناتة وأوسع بطونهم وهم عند نسابة زناتة بنو يفرن بن يصلتين بن مسرا بن زاكيا بن ورسيك بن الديرت بن جانا واخوته مغراوة وبنو يرنيان وبنو واسين والكل بنو يصلتين ويفرن في لغة البربر هو القار وبعض نسابتهم يقولون ان يفرن هو ابن ورتنيذ بن جانا واخوته مغراوة وغمرت ووجديجن وبعضهم يقول يفرن بن مرة بن ورسيك بن جانا وبعضهم يقول هو ابن جانا لصلبه والصحيح ما نقلناه عن أبى محمد بن حزم (وأما) شعوبهم فكثير ومن أشهرهم بنو واركوا ومرنجيصة وكان بنو يفرن هؤلاء لعهد الفتح أكبر قبائل زناتة وأشدها شوكة وكان منهم بافريقية وجبل أوراس والمغرب الاوسط بطون وشعوب فلما كان الفتح غشى افريقية ومن بها من البربر جنود الله المسلمون من العرب فتطامنوا لبأسهم حتى ضرب الدين بجرانه وحسن اسلامهم ولما فشا دين الخارجية في العرب وغلبهم الخلفاء بالمشرق واستلحموهم نزعوا إلى القاصية وصاروا يبثون بها دينهم في البربر فتلقفه رؤساؤهم على اختلاف مذاهبه باختلاف رؤس الخارجية في أحكامهم من أباضية وصفرية وغيرهما كما ذكرناه في بابه ففشا في البربر وضرب فيه يفرن هؤلاء بسهم وانتحلوه وقاتلوا عليه وكان أول من جمع لذلك منهم أبو قرة من أهل المغرب الاوسط ثم من بعده أبو يزيد صاحب الحمار وقومه بنو واركوا ومرنجيصة ثم كان لهم بالمغرب الاقصى من بعد الانسلاخ من الخارجية دولتان على يد يعلى بن محمد صالح وبنيه حسبما نذكر ذلك مفسرا ان شاء الله تعالى خ ايفرن
مرنجيصة بن يفرن بن يصلتين بن مسرا بن زاكيا بن ورسيك بن الديرت بن جانا واركوا مغراو غمرت مغراو خ ايفرن اجديجن بن ورتنيص(7/11)
كان من بنى يفرن بالمغرب الاوسط بطون كثيرة بنواحي تلمسان إلى جبل بنى راشد المعروف بهم لهذا العهد وهم الذين اختطوا تلمسان كما نذكره في أخبارها وكان رئيسهم لعهد انتقال الخلافة من بنى أمية إلى بنى العباس أبو قرة ولا نعرف من نسبه أكثر من أنه منهم ولما انتقض البرابرة بالمغرب الاقصى وقام ميسرة وقومه بدعوة الخارجية وقتله البرابرة قدموا على انفسهم مكانه خالد بن حميد من زناتة فكان من حروبه مع كلثوم بن عياص وقتله اياه ما هو معروف ورأس على زناتة من بعده أبو قرة هذا ولما استأثلت دولة بنى أمية كثرت الخارجية في البربر وملك وريحومة القيروان وهوارة وزناتة طرابلس ومكناسة سجلماسة وابن رستم تاهرت وقدم ابن الاشعث افريقية من قبل أبى جعفر المنصور وخافه البربر فحسم العلل وسكن الحروب ثم انتقض بنو يفرن بنواحي تلمسان ودعوا إلى الخارجية وبايعوا أبا قرة كبيرهم بالخلافة سنة ثمان وأربعين ومائة وسرح إليهم ابن الاشعث الاغلب بن سوادة التميمي فانتهى إلى الزاب وفر أبو قرة إلى المغرب الاقصى ثم راجع موطنه بعد رجوع الاغلب (ولما انتقض) البرابرة على عمر بن حفص بن أبى صفرة الملقب هزار مردا عام خمسين ومائة وحاصروه
بطبنة كان فيمن حاصره أبو قرة اليفرنى في أربعين ألفا صفرية من قومه وغيرهم حتى اشتد عليه الحصار وداخل أبا قرة في الافراج عنه على يد ابنه على أن يعطيه أربعين ألفا ولابنه أربعة آلاف فارتحل بقومه وانفض البرابرة عن طبنة ثم حاصروه بعد ذلك القيروان واجتمعوا عليه وأبو قرة معهم بثلثمائة وخمسين ألفا الخيالة منها خمسة وثمانون ألفا وهلك عمر بن حفص في ذلك الحصار وقدم يزيد بن حاتم واليا على افريقية ففض جموعهم وفرق كلمتهم ولحق أبو قرة وبنو يفرن أصحابه بمواطنهم من تلمسان بعد أن قتل صاحبه أبو حاتم الكندى رأس الخوارج واستلحم بنى يفرن وتوغل يزيد بن حاتم في المغرب ونواحيه وأثخن في أهله إلى ان استكانوا واستقاموا ولم يكن لبنى يفرن من بعدها انتقاض حتى كان شأن أبى يزيد بافريقية في بنى واركوا ومرنجيصة منهم حسبما نذكره ان شاء الله تعالى الكريم وبعض المؤرخين ينسبب ابا قرة هذا إلى مغيلة ولم أظفر بصحيح في ذلك والطرائق متساوية في الجانبين فان نواحى تلمسان وان كانت موطنا لبنى يفرن فهى أيضا موطن لمغيلة والقبيلتان متجاورتان لكن بنو يفرن كانوا أشد قوة وأكثر جمعا ومغيلة أيضا كانو أشهر بالخارجية من بنى يفرن لانهم كانوا صفرية وكثير من الناس يقولون ان بنى يفرن كانوا على مذهب أهل السنة كما ذكره ابن حزم وغيره والله أعلم(7/12)
{ الخبر عن أبى يزيد الخارجي صاحب الحمار من بنى يفرن ومبدا أمره مع الشيعة ومصائره } هذا الرجل من بنى واركوا اخوة مرنجيصة وكلهم من بطون بنى يفرن وكنيته أبو يزيد واسمه مخلد بن كيداد لا يعلم من نسبه فيهم غير هذا وقال أبو محمد بن حزم ذكر لى أبو يوسف الوراق عن أيوب بن أبى يزيد ان اسمه مخلد بن كيداد بن سعد الله بن مغيث بن كرمان بن مخلد بن عثمان بن ورنمت بن حويفر بن سميران بن يفرن بن جانا وهو زناتة قال وقد
أخبرني بعض البربر بأسماء زائدة بين يفرن وجانا اه كلام ابن حزم ونسبه بن الرقيق أيضا في بنى واسين بن ورسيك بن جانا وقد تقدم نسبهم أول الفصل وكان كيداد أبوه يختلف إلى بلاد السودان في التجارة فولد له أبو يزيد بكركوا من بلادهم وأمه أم ولد اسمها سيكة ورجع به إلى قيطون زناتة ببلاد قصطيلة ونزل توزر مترددا بينها وبين تقيوس وتعلم القرآن وتأدب وخالط النكارية فمال إلى مذاهبهم وأخذها عنهم ورأس فيها ورحل إلى مشيختهم بتهيرت وأخذ عن أبى عبيدة منهم أيام اعتقال عبيد الله المهدى بسجلماسة ومات أبوه كيداد وتركه على حال من الخصاصة والفقر فكان أهل القيطون يصلونه بفضل أموالهم وكان يعلم صبيانهم القرآن ومذاهب النكارية واشتهر عنه تكفير اهل الملة وسب على فخاف وانتقل إلى تقيوس وكان يختلف بينها وبين وزر وأخذ نفسه بالتغيير على الولاة ونمى عنه اعتقاد الخروج عن السلطان فنذر الولاة بقصطيلة دمه فخرج إلى الحج سنة عشر وثلثمائة وأرهقه الطلب فرجع من نواحى طرابلس إلى تقيوس ولما هلك عبد الله أوغر القائم إلى أهل قصطيلة في القبض عليه فلحق بالمشرق وقضى الغرض وانصرف إلى موطنه ودخل توزر سنة خمس وعشرين مستترا وسعى به ابن فرقان عند والى البلد فتقبض عليه واعتقله وأقبل سرعان زناتة إلى البلد ومعهم أبو عمار الاعمى رأس النكارية واسمه كما سبق عبد الحميد وكان ممن أخذ عنه أبو يزيد فتعرضوا للوالى في اطلاقه فتعلل عليهم بطلبه في الخراج فاجتمعوا إلى فضل ويزيد ابني أبى يزيد وعمدوا إلى السجن فقتلوا الحرس وأخرجوه فلحق ببلد بنى واركلا وأقام بها سنة يختلف إلى جبل أوراس والى بنى برزال في مواطنهم بالجبال قبلة المسيلة والى بنى زنداك من مغراوة إلى أن أجابوه فوصل إلى أوراس ومعه أبو عمار الاعمى في اثنى عشر من الراحلة ونزلوا على النكارية بالنوالات واجتمع إليه القرابة وساتر الخوارج وأخذ له البيعة عليهم أبو عمار صاحبه على قتال الشيعة وعلى استباحة الغنائم والسبي وعلى أنهم ان ظفروا
بالمهدية والقيروان صار الامر شورى وذلك سنة احدى وثلاثين وترصدوا غيبة(7/13)
صاحب باغية في بعض وجوهه فضربوا على بسيطها واستباح بعض القصور بها سنة ثنتين وثلاثين وغمس بذلك أيدى البربر في الفتنة ثم زحف بهم إلى باغية واستولت عليه وعلى أصحابه الهزيمة فلحقوا بالجبل وزحف إليهم صاحب باغية فانهزم ورجع إلى بلده فحاصره أبو يزيد وأوغر أبو القاسم القائم إلى كتامة في امداد كانون صاحب باغية فتلاحقت به العساكر فبيتهم أبو يزيد وأصحابه فقلوهم وامتنعت عليه باغية وكاتب أبو يزيد البربر الذين حول قصطيلة من بنى واسين وغيرهم فحاصروا توزر سنة ثلاث وستين ورحل إلى تبسة فدخلها صلحا ثم إلى بجاية كذلك ثم إلى مرماجنة كذلك وأهدوا له حمارا أشهب فلزم ركوبه حتى اشتهر به وبلغ خبره عساكر كتامة بالاربض فانفضوا وملك الاربض وقتل امام الصلاة بها وبعث عسكر إلى تبسة فملكوها وقتلوا عاملها وبلغ الخبر القائم وهو بالمهدية فهاله وسرح العساكر لضبط المدن والثغور وسرح مولاه بشرى الصقلى إلى باجة وعقد ليمسود على الجيوش فعسكر بناحية المهدية وسرح خليل بن اسحق إلى القيروان فعسكر بها وزحف أبو يزيد إلى بشرى بباجة واشتدت الحرب بينهم وركب أبو يزيد حماره وأمسك عصاه فاستمالت النكارية وخالفوا البشرى إلى معسكره فانهزم إلى تونس واقتحم أبو يزيد باجة واستباحها ودخل بشرى إلى تونس وارتدت البرابر من كل ناحية فأسلم تونس ولحق بسوسة واستأمن أهل تونس إلى أبى يزيد فأمنهم وولى عليهم وانتهى إلى وادى مجدرة فعسكر بها ووافتة الحشود هنالك ورعب الناس منه فاجفلوا إلى القيروان وكثرت الاراجيف وسرب أبو يزيد جيوشة في نواحى افريقية فشنوا الغارات وأكثروا السبى والقتل والاسر ثم زحف إلى رفادة فانفض كتامة اليذين كانوا بها ولحقوا بالمهدية ونزل أبو يزيد رفادة في مائة ألف ثم زحف إلى القيروان فانحصر بها خليل بن اسحق
ثم أخذه بعد مراوضة في الصلح وهم بقتله فأشار عليه أبو عمار باستبقائه فلم يطعه وقتله ودخلوا القيروان فاستباحوها ولقيه مشيخة الفقهاء فأمنهم بعد التقريع والعتب وعلى أن يقتلوا أولياء الشيعة وبعث رسله في وفد من أهل القيروان إلى الناصر الاموى صاحب قرطبة ملتزما لطاعته والقيام لدعوته وطالبا لمدده فرجعوا إليه بالقبول والوعد ولم يزل يردد ذلك سائر أيام الفتنة حتى أوفد ابنه أيوب في آخرها سنة خمس وثلاثين فكان له اتصال بالناصر سائر أيامه وزحف ميسور من المهدية بالعساكر وفرعنه بنو كملان من هوارة ولحقوا بأبى يزيد وحرضوه على لقاء ميسور فزحف إليه واستوى اللقاء واستمات أبو يزيد والنكارية فانهزم ميسور وقتلة أبو كملان وبعث برأسه إلى القيروان ثم إلى المغرب واستبيح معسكره وسرح أبو يزيد(7/14)
عساكره إلى مدينة فاقتحموها عنوة وأكثروا من القتل والمثلة وعظم القتل بضواحي افريقية وخلت القرى والمنازل ومن أفلته السيف أهلكه الجوع واستخف أبو يزيد بالناس بعد قتل ميسور فلبس الحرير وركب الفاره ونكر عليه أصحابه ذلك وكاتبه به رؤساؤهم من البلاد والقائم خلال ذلك بالمهدية يخندق على نفسه ويستنفر كتامة وصنهاجة للحصار معه وزحف أبو يزيد حتى نزل المهدية وناوش عساكرها الحرب فلم يزل الظهور عليهم وملك زويلة ولما وقف بالمصلى قال القائم لاصحابه من ههنا يرجع واتصل حصاره للمهدية واجتمع إليه البربر من قابس وطرابلس ونفوسة وزحف إليهم ثلاث مرات فانهزم في الثالثة ولم يقلع وكذلك في الرابعة واشتد الحصار على المهدية ونزل الجوع بهم واجتمعت كتامة بقسنطينة وعسكروا بها لامداد القائم فسرح إليهم أبو يزيد يكموس المزاتى ورفجومة فانفض معسكر كتامة من قسنطينة ويئس القائم من مددهم وتفرقت عساكر أبى يزيد في الغارات والنهب فخف المعسكر ولم يبق به الاهوارة ورأس بنى كملان وكثرت
مراسلات القائم للبربر واستراب بهم أبو يزيد وهرب بعضهم إلى المهدية ورحل آخرون إلى مواطنهم فأشار عليه أصحابه بالافراج عن المهدية فأسلموا معسكرههم ولحقوا بالقيروان سنة أربع وثلاثين ودبر أهل القيروان في القبض عليه فلم يتهيأ لهم وعذله أبو عمار فيما أتاه من الاستكثار من الدنيا فتاب وأقلع وعاود لبس الصوف والتقشف وشاع خبر اجفاله عن المهدية فقتل النكارية في كل بلد وبعث عساكره فعاثوا في النواحى وأوقعوا بأهل الامصار وخربوا كثيرا منها وبعث ابنه أيوب إلى باجة فعسكر بها ينتظر وصول المدد من البربر وسائر النواحى فلم يفجأه الا وصول على بن حمدون الاندلسي صاحب المسيلة في حشد كتامة وزواوة وقد مر بقسنطينة والاربض وسقنبارية واستصحب منها العساكر فبيته أيوب وانفض معسكره وتردى به فرسه في بعض الاوعار فهلك ثم زحف أيوب في عسكره إلى تونس وقائدها حسن بن على من دعاة الشيعة فانهزم ثم أتيحت له الكرة ولحق حسن بن على بلد كتامة فعسكر بهم على قسنطينة وسرح أبو يزيد جموع البربر لحربه ثم اجتمعت لابي يزيد حشود البربر من كل ناحية وثابت إليه قوته وارتحل إلى سوسة فحاصرها ونصب عليها المجانيق وهلك القائم سنة أربع وثلاثين في شوال وصارت الخلافة لابنه اسمعيل المنصور فبعث بالمدد إلى سوسة بعد أن اعتزم على الخروج إليها بنفسه فمنعه أصحابه ووصل المدد إلى سوسة فقاتلوا أبا يزيد فانهزم ولحق بالقيروان فامتنعت عليه فاستخلص صاحبه أبا عمار من أيديهم وارتحل عنهم وخرج المنصور من المهدية إلى سوسة ثم إلى القيروان فملكها وعفا(7/15)
عن أهلها وأمنهم وأحسن في مخلف أبى يزيد وعياله وتوافى المدد إلى أبى يزيد ثالثة فاعتزم على صاحب القيروان وزحف إلى عسكر المنصور بساحتها فبيتهم واشتد الحرب واستمات الاولياء وافترقوا آخر نهارهم وعاودوا الزحف مرأت ووصل المدد إلى المنصور من الجهات حتى إذا كان منتصف المحرم كان الفتح وانهزم أبو يزيد وعظم
القتل في البربر ورحل المنصور في اتباعه فمر ثم تبسة حتى انتهى إلى باغاية ووافاه بها كتاب محمد بن خزر بالطاعة والولاية والاستعداد للمظاهرة فكتب إليه بترصد أبى يزيد والقبض عليه ووعده في ذلك بعشرين حملا من المال ثم رحل إلى طبنة فوافاه بها جعفر بن على عامل المسيلة بالهدايا والاموال وبلغه أن أبا يزيد نزل بسكرة وانه كاتب محمد بن خزر يسأله النصرة فلم يجد عنده ما يرضيه فارتحل المنصور إلى بسكرة فتلقاه اهلها وفر أبو يزيد إلى بنى برزال بجبل سالات ثم إلى جبل كتامة وهو جبل عياض لهذا العهد وارتحل المنصور في أثره إلى ومرة وبيته أبو يزيد هنالك فانهزم ولم يظفر وانحاز إلى جبل سالات ثم لحق بالرمال ورجع عنه بنو كملان وأمنهم المنصور على يد محمد بن خزر وسار المنصور في التبعية حتى نزل جبل سالات وارتحل وراءه إلى الرمال ثم رجع ودخل بلاد صنهاجة وبلغه رجوع أبى يزيد إلى جبل كتامة فرجع إليه ونزل عليه المنصور في كتامة وعجيسة وزواوة وحشد بنى زنداك ومزاثة ومكناسة ومكلانة وتقدم المنصور إليه فقاتلوا أبا يزيد وجموع النكارية فهزموهم واعتصموا بجبل كتامة ورحل المنصور إلى المسيلة وانحصر أبو يزيد في قلعة الجبل وعسكر المنصور ازاءها واشتد الحصار وزحف إليها مرات ثم اقتحمها عليهم فاعتصم أبو يزيد بقصر في ذروة القلعة فأحيط به واقتحم وقتل أبو عمار الاعمى ويكموس المزاتى ونجا أبو يزيد مثخنا بالجراحة محمولا بين ثلاثة من أصحابه فسقط في مهواة من الاوعار فوهن وسيق من الغداة إلى المنصور فأمر بمداواته ثم أحضره ووبخه واقام الحجة عليه وتجافى عن دمه وبعثه إلى المهدية وفرض له بها الجراية فجزاه خيرا وحمل في القفص فمات من جراحته سنة خمس وثلاثين وأمر به فسلخ وحشى جلده بالتبن وطيف به في القيروان وهرب الفل من أصحابه إلى ابنه فضل وكان مع معبد بن خزر فأغاروا على ساقة المنصور وكمن لهم زيرى بن مناد أمير صنهاجة فاوقع بهم ولم يزل المنصور في اتباعه إلى أن نزل المسيلة وانقطع أثر معبد ووافاه بمعسكره هنالك انتقاض حميد بن يصل عامل يتهرت
من أوليائهم وانه ركب البحر من تنس إلى العدوة فارتحل إلى تيهرت وولى عليها وعلى تنس ثم قصد لوانة فهربوا إلى الرمال ورجع إلى افريقية سنة خمس وثلاثين ثم بلغه ان فضل بن أبى يزيد أغار على جهات قصطيلة فرحل من سنته في طلبه وانتهى إلى قفصة(7/16)
ثم ارتحل إلى من أعمال الزاب وفتح حصن ماداس مما يليه وهرب فضل في الرمال فأعجزه ورجع إلى القيروان سنة ست وثلاثين ومضى فضل إلى جبل أوراس ثم سار منه إلى باغاية فحصرها وغدر به ماطيط بن يعلى من أصحابه وجاء برأسه إلى المنصور وانقرض أمر ابى يزيد وبنيه وافترقت جموعهم واغتال عبد الله بن بكار من رؤساء مغراوة بعد ذلك أيوب بن أبى يزيد وجاء برأسه إلى المنصور متقربا إليه وتتبع المنصور قبائل بنى يفرن بعدها إلى أن انقطع أثر الدعوة والبقاء لله تعالى وحده { الخبر عن الدولة الاولى لبنى يفرن بالمغرب الاوسط والاقصى ومبادي أمورهم ومصايرها } كان لبنى يفرن من زناتة بطون كثيرة وكانوا متفرقين بالمواطن فكان منهم بافريقية بنو واركو ومرنجيصة وغيرهم كما قدمناه وكان منهم بنواحي تلمسان ما بينها وبين تاهرت أمم كثير عددهم وهم الذين اختطوا مدينة تلمسان كما نذكره بعد ومنهم أبو قرة المنترنى بتلك الناحية لاول الدولة العباسية وهو الذى حاصر عمر بن حفص بطبنة كما تقدم ولما انقرض أمر أبى يزيد وأثخن المنصور فيمن كان بافريقية من بنى يفرن أقام هؤلاء الذين كانو بنواحي تلمسان على وفودهم وكان رئيسهم لعهد أبى يزيد محمد بن صالح ولما تولى المنصور محمد بن ذر وقومه مغراوة وكان بينه وبين بنى يفرن هؤلاء فتنة هلك فيها محمد بن صالح على يد عبد الله بن بكار من بنى يفرن كان متحيزا إلى مغراوة وولى أمره في بنى يفرن من بعده ابنه يعلى فعظم صيته واختط مدينة ايفكان ولما خطب عبد الرحمن الناصر طاعد الاموية من زناتة أهل العدوة واستألف ملوكهم سارع يعلى لاجابته واجتمع عليها
مع الخير بن محمد بن خزر وقومه مغراوة وأجلب على وهران فملكها سنة ثلاث وأربعين وثلثمائة من يد محمد بن عون وكان ولاه عليها صولات اللميطى أحد رجالات كتامه سنة ثمان وتسعين ومائتين فدخلها يعلى عنوة على بنيه وخربها وكان يعلى قد زحف مع الخير ابن محمد إلى تاهرت وبرز إليه ميسور الخصى في شيعته من لماية فهزموهم وملكوا تاهرت وتقبض على ميسور وعبد الله بن بكار فبعث به الخبر إلى يعلى بن محمد ليثاربه فلم يرضه كفوا لدمه ودفعه إلى من أثار به من بنى يفرن واستفحل سلطان يعلى في ناحية المغرب وخطب على منابرها لعبد الرحمن الناصر ما بين تاهرت إلى طنجة واستدعى من الناصر تولية رجال بيته على امصار المغرب فعقد على فاس محمد بن الخير بن محمد بن عشيرة ونسك محمد لسنة من ولايته واستأذن في الجهاد والرباط بالاندلس فاجاز لذلك واستخلف على عمله ابن عمه أحمد بن أبى بكر بن أحمد بن عثمان بن سعيد وهو الذى اختط مأدنة القرويين سنة أربع وأربعين كما ذكرناه ولم يزل سلطان يعلى بن محمد بالمغرب عظيما إلى أن أغزى بعد المعز لدين الله كاتبه جوهر الصقلى من القيروان إلى المغرب سنة(7/17)
سبع وأربعين فلما فصل جوهر بالجنود بادرامير زناتة بالمغرب يعلى بن محمد اليفرنى إلى لقائه والاذعان لطاعته والانحياش إليه ونبذ عهد البيعة عن قومه بنى يفرن وزناتة فتقبلها جوهر وأضمر الفتك به وتخير لذلك يوم فصوله من بلده وأسر إلى بعض مستخلصيه من الاتباع فأوقعوا نفرة في أعقاب العسكر طار إليها الزعماء من كتامة وصنهاجة وزناتة وتقبض على يعلى فهلك في وطيس تلك الهيعة فغص بالرماح على أيدى رجالات كتامة وصنهاجة وذهب دمه هدرا في القبائل وخرب جوهر مدينة ايفكان وفرت زناتة أمامه وكشف القناع في مطالبتهم (وقد ذكر) بعض المؤرخين ان يعلى انما لقى جوهرا عند منصرفه من الغزاة بمدينة تاهرت وهنالك كانت فتكه به بناحية شلف فتفرقت بعدها جماعة بنى يفرن وذهب ملكهم فلم يجتمعوا الا بعد حين على ابنه بدوى
بالمغرب كما نذكره وحلق الكثير منهم بالاندلس كما يأتي خبرهم في موضعه وانقرضت دولة بنى يفرن هؤلاء إلى أن عادت بعد مدة على يد يعلى بفاس ثم استقرت آخر ابسلا وتعاقب فيهم هنالك إلى آخرها كما نذكره ان شاء الله تعالى * (الخبر عن الدولة الثانية لبنى يفرن بسلا من المغرب الاقصى وأولية ذلك وتصاريفه) * لما أوقع جوهر الكاتب قائد المعز بيلعى بن محمد بن أمير بنى يفرن وملك المغرب سنة سبع وأربعين كما ذكرناه وتفرقت جموع بنى يفرن لحق ابنه بدوى بن يعلى بالمغرب الاقصى وأحس بجوهر من ورائه فأبعد المفر وأصحر إلى أن رجع جوهر من المغرب ويقال ان جوهرا تقبض عليه واحتمله أسيرا فاعتقل إلى ان فر من معتقله بعد حين واجتمع عليه قومه من بنى يفرن وكان جوهر عند منصرفه من المغرب ولى على الادارسة المتحيزين إلى الريف وبلاد غمارة الحسن بن كنون شيخ بنى محمد منهم فنزل وأجاز الحكم المنتصر لاول ولايته سنة خمس وثلثمائة وزيره محمد بن قاسم بن طلمس في العساكر لتدويخ المغرب واقتلاع جرثومة الادارسة فأجاز في العساكر وغلبهم على بلادهم وأزعجهم جميعا عن المغرب إلى الاندلس سنة خمس وستين كما ذكرناه ومهد دعوة الاموية بالمغرب وأقبل الحكم مولاه غالبا ورده إلى الثغر لسده وعقد على المغرب ليحيى بن محمد بن هاشم التجيبى صاحب الثغر الا على وكان أجازه مدد الغالب في رجال العرب وجند الثغور حتى إذا انغمس الحكم في علة الفالج وركدت ريح المروانية بالمغرب واحتاجت الدولة إلى رجالها لسد الثغور ودفاع العدو استدعى يحيى بن محمد بن اشم من العدوة وادالة الحاجب المصجعى بجعفر بن على بن حمدون أمير الزاب والمسيلة النازع إليهم من دعوة الشيعة وجمعوا بين الانتفاع به في العدوة والراحة مما يتوقع منه على الدولة ومن البرابرة في التيات الخلابة لما كانوا أصاروا إليه من النكبة وطوقوه(7/18)
من المحنة ولما كان اجتمع بقرطبة من جموع البرابرة فعقدوا له ولاخيه يحيى
على المغرب وخلعوا عليهما وأمكنوهما من مال دثر وكسى فاخرة للخلع على ملوك العدوة فنهض جعفر إلى المغرب سنة خمس وستين وضبطه واجتمع إليه ملوك زناتة مثل بدوى بن يعلى أمير بنى يفرن وابن عمه أبو بخت بن عبد الله بن بكار ومحمد بن الخير بن خزر وابن عمه بكساس ابن سيد الغاس وزيرى بن خزروز يرى ومقاتل ابنا عطية بن تبادها وخزرون بن ابن سعيد أمير مغراوة واسمعيل بن البورى أمير مكاسة ومحمد بن ابن محمد الازداخى وكان بدوى بن يعلى من أشدهم قوة وأحسنهم طاعة الحكم وولى مكانه هشام المؤيد وانفرد محمد ابن أبى عامر بحجابته اقتصر من العدوة لاول قيامه على مدينة سبتة فضبطها مجبند السلطان ورجال الدولة وقلدها الصنائع من أرباب السيوف والاقلام وعول في ضبط ما وراء ذلك على ملوك زناتة وتعهدهم بالجوائز والخلع وصار إلى اكرام وفودهم واثبات من رغب في الاثبات في ديوان السلطان منهم فجددوا في ولاية الدولة وبث الدعوة وفسد ما بين أمير العدوة جعفر بن على وأخيه يحيى واقتطع يحيى مدينة لنفسه وذهب بأكثر الرجال ثم كانت على جعفر النكبة التى نكبه برغواطة في غزاته اياهم واستدعاه محمد بن أبى عامر لاول أمره لما رآه من استامته إليه وشد ازره وتلوى عليه كراهية لما يلقى بالاندلس من الحكم ثم وتخلى لاخيه عن عمل المغرب وأجاز البحر إلى ابن أبى عامر فحل منه بالمكان الاثير وتناغت زناتة في التزلف إلى الدولة بقرب الطاعات فزحف خزرون بن فلفول سنة ست وستين إلى مدينة سجلماسة فاقتحمها ومحى دولة آل مدرار منها وعقد له المنصور عليها كما ذكرنا ذلك قبل وزحف عقب هذا الفتح بلكين بن زيرى قائد افريقية للشيعة إلى المغرب سنة تسع وستين زحفه المشهور وخرج محمد بن أبى عامر من قرطبة إلى الجزيرة لمدافعته بنفسه واحتمل من بيت المال مائة حمل ومن العساكر ما لا يحصى عده وأجاز جعفر بن على بن حمدون إلى سبتة وانضمت إليه ملوك زناتة ورجع بلكين عنهم إلى غزو برغواطة إلى أن هلك سنة
ثلاث وسبعين كا ذكرناه ورجع جعفر إلى مكانه إلى ابن أبى عامر لم يسمح بمقامه عنه ووصل حسن بن كنون خلال ذلك من القاهرة بكتاب عبد العزيز بن نزار بن معدالى بلكين صاحب افريقية في اعابته إلى ملك المغرب وامداده بالمال والعساكر فأمضاه بلكين لسبيله وأعطاه مالا ووعده باضعافه ونهض إلى المغرب فوجد طاعة المروانية قد استحكمت فيه وهلك بلكين أثر ذلك وشغل ابنه المنصور عن شأنه فدعا لحسن بن كنون إلى نفسه وأنفذ أبو محمد بن أبى عامر بن عمه محمد بن عبد الله ويلقب عسكلاجة(7/19)
لحربه سنة خمس وسبعين وجاء أثره إلى الجزيرة كيما يشارف القصة وأحيط بالحسن بن كنون فسأل الامان وعقد له مقارعه عمر وعسكلاجة وأشخصه إلى الحضرة فلم يمض ابن أبى عامر امامه ورأى ان لا ذمة له لكثرة نكثه فبعث من ثقاته من أتاه برأسه وانقرض أمر الادارسة وانمحى أثرهم فأغضب عمر وعسكلاجة لذلك وامتراح إلى الجند بأقوال نميت عنه إلى المنصور فاستدعاه من العدوة وألحقه بمقتوله ابن كنون وعقد على العدوة للوزير حسن بن أحمد بن عبد الودود السلمى واكثف عدده وأطلق في المال يده ونفذ إلى عمله سنة ست وسبعين فضبط المغرب أحسن ضبط وهابته البرابرة ونزل فاس من العدوة فعز سلطانه وكثر جمعه وانضم إليه ملوك النواحى حتى حذر ابن أبى عامر مغبة استقلاله واستدعاه ليبلو صحة طاعته فأسرع اللحاق به فضاعف تكرمته وأعاده إلى عمله وكان بدوى بن يعلى هذا من بين ملوك زناتة كثير الاضطراب على الاموية والمراوعة لهم بالطاعة وكان لمنصور بن أبى عامر يضرب بينه وبين قرينه زيرى بن عطية ويقرن كلا منهما بمناغاة صاحبه في الاستقامة وكان إلى زيرى أميل وبطاعته أوثق لخلوصه وصدق طويته وانحياشه فكان يرجو ان يتمكن من قياد بدوى بن يعلى بمناغاته فاستدعى بزيرى بن عطية الحضرة سنة سبع وسبعين فبادر إلى القدوم عليه وتلقاه وأكبر موصله وأحسن مقامه ومنقلبه وأعظم جائزته وسام بدوى مثلها
فامتنع وقال لرسوله قل لابن أبى عامر متى عهد حمر الوحش تنقاد للبيطارة وأرسل عنانه في العيث ولفساد ونهض إليه صاحب المغرب الوزير حسن بن عبد الودود في عساكره وجموعه من جند الاندلس وملوك العدوة مظاهرا عليه لعدوه زيرى بن عطية وجمع لهم بدوى ولقيهم سنة احدى وثمانين فكان الظهور له وانهزم عسكر السلطان وجموع مغراوة واستلحموا وجرح الوزير حسن بن عبد الودود جراحات كان فيها لليال مهلكه وطار الخبر إلى ابن أبى عامر فاغتم لذك وكتب إلى زيرى بضبط فاس ومكانفة أصحاب حسن وعقد له على المغرب كما نستوفي ذكره عند ذكر دولتهم وغالبه بدوى عليها مرة بعد أخرى ونزع أبو البهار بن زيرى بن مناد الصنهاجى عن قومه ولحق بسواحل تلمسان ناقضا لطاعة الشيعة وخارجا عن أخيه المنصور بن بلكين صاحب القيروان وخاطب ابن أبى عامر من وراء البحر وأوفد عليه ابن أخيه ووجوه قومه فسرب إليه الاموال والصلاة بفاس مع زيرى حسبما نذكره وجمع أيديهما على مدافعة بدوى فساء أمره فيهما جميعا إلى أن راجع أبو البهار ولاية منصور بن أخيه كما نذكره بعد وحاربه زيرى فكان له الظهور عليه ولحق أبو البهار بسبتة ثم عاد إلى قومه واستفحل زيرى من بعد ذلك وكانت بينه وبين بدوى وقعة اكتسح زيرى من ماله ومعسكره مالا كقوله وسبى حرمه واستلحم من قومه(7/20)
زهاء ثلاثة آلاف فارس وخرج إلى الصحراء شريد اسنة ثلاث وثمانين وهلك هناك فولى أمره في قومه حبوس ابن أخيه زيرى بن يعلى ووثب به ابن عمه أبو يداس بن دوناس فقتله طمعا في الرياسة من بعده واختلف عليه قومه فأخفق أمله وعبر البحر إلى الاندلس في جمع عظيم من قومه وولى أمر بنى يفرن من بعده حمامة بن زيرى بن يعلى أخو حبوس المذكور فاستقام عليه أمر بنى يفرن وقد مر ذكره في خبر بدوى غير مرة وانه كانت الحرب بينه وبين زيرى بن عطية سجالا وكانا يتعاقبان ملك فاس بتناول الغلب وانه لما وفد زيرى على المنصور خالفه بدوى إلى فاس فملكها وقتل بها خلقا من مغراوة وانه لما
رجع زيرى اعتصم بدوى بفاس فنازله زيرى وعلك من مغراوة وبنى يفرن في ذلك الحصار خلق ثم اقتحمها زيرى عليهم عنوة فقتله وبعث برأسه إلى سدة الخلافة بقرطبة سنة ثلاث وثمانين والله أعلم (ولما) اجمع بنو يفرن على حمامة تحيز بهم إلى ناحية شالة من المغرب فملكها وما إليها من تاذلا واقتطعها من زيرى ولم يزل عميد بنى يفرن في تلك العمالة والحرب بينه وبين زيرى ومغراوة متصلة وكانت بينه وبين المنصور صاحب القيروان مهاداة فأهدى إليه وهو محاصر لعمه حماد بالقلعة سنة ست وأربعمائة وأوفد بهديته أخاه زاوى بن زيرى فلقيه بالطبول والبنود ولما هلك حمامة قام بامر بنى يفرن من بعده أخوه الامير أبو الكمال تميم بن زيرى بن يعلى فاستبد بملكهم وكان مستقيما في دينه مولعا بالجهاد فانصرف إلى جهاد برغواطة وسالم مغراوة وأعرض عن فتنتهم (ولما) كانت سنة أربع وعشرين وأربعمائة تجددت العداوة بين هذين الحيين بنى يفرن ومغراوة وثارت الاحن القديمة وزحف أبو الكمال صاحب شالة وتاذلا وما إلى ذلك في جموع يفرن وبرز إليه حمامة بن المعز في قبائل مغراوة ودارت بيهم حروب شديدة وانكشفت مغراوة وفر حمامة إلى وجدة واستولى الامير أبو الكمال تميم وقومه على فاس وغلبوا مغراوة على عمل المغرب واكتسح تميم اليهود بمدينة فاس واصطلم نعمهم واستباح حرمهم ثم احتشد حمامة من وجدة سائر قبائل مغراوة وزنانة وبعث الحاشدين في قياطينهم لجميع بلاد المغرب الاوسط ووصل إلى تنس صريخا لزعمائهم وكاتب من بعد عنه من رجالاتهم وزحف إلى فاس سنة تسع وعشرين فأفرج عنها أبو الكمال تميم ولحق ببلده ومقر ملكه من شالة وأقام بمكان عمله وموطن امارته منها إلى أن هلك سنة ست وأربعين وولى ابنه حماد إلى أن هلك سنة تسع وأربعين وولى بعده ابنه يوسف إلى أن توفى سنة ثمان وخمسين فولى بعده عمه محمد بن الامير أبى تميم إلى أن هلك في حروب لمتونة حين غلبوهم على المغرب أجمع حسبما نذكره والملك لله يؤتيه من يشاء من عباده والعاقبة للمتقين (وأما) أبو يداس بن دوناس قاتل(7/21)
حبوس بن زيرى بن يعلى بن محمد فانه لما اختلف عليه بنو يفرن وأخفق أمله في اجتماعهم له أحاز البحر إلى الاندلس سنة ثنتين وثمانين فرفعه اخوانه أبو قرة وأبو زيد وعطاف فحل كلهم من المنصور محل التكرمة والايثار ونظمه في جملة الرؤساء والامراء واسنى له الجراية ولاقطاع وأثبت رجاله في الديوان ومن أجاز من قومه فبعد صيته وعلا في الدولة كعبه (ولما) افترقت الجماعة وانتثر سلك الخلافة كان له في حروب البربر مع جند الاندلس آثار بعيدة وأخبار غريبة ولما ملك المستعين قرطبة سنة أربعمائة واجتمع إليه من كان بالاندلس من البرابرة لحق المهدى بالثغور واستجاش طاغية الجلالقة فزحف معه إلى غرناطة وخرج المستعين في جموعه من البرابرة إلى الساحل واتبعهم المهدى في جموعه فتواقعوا بوادي ايرة فكانت بين الفريقين جولة عظم بلاء البرابرة وطار لابي يداس فيما ذكر وانهزم المهدى والطاغية وجموعهم بعد أن تضايقت المعركة وأصابت أبا يداس بن دوناس جراحة كان فيها مهلكه ودفن هناك وكان لابنه خلوف وحافده تميم بن خلوف من رجالات زناتة بالاندلس شجاعة ورياسة وكان يحيى بن عبد الرحمن بن أخيه عطاف من رجالاتهم وكان له اختصاص ببنى حمود ثم بالقاسم منهم ولاه على قرطبة أيام خلافته والبقاء لله وحده محمد حبوس بدوى تميم بن خلوف بن يداس بن دوناس يحيى بن عبد الرحمن بن عطاف محمد الخير بن محمد
ولاه يعلى على فاس حمامة أحمد بن أبى بكر بن أحمد بن عثمان بن سعيد ولاه يعلى على فاس يوسف بن حماد بن تميم بن زيرى بن يعلى بن محمد بن صالح(7/22)
* (الخبر عن أبى نور بن أبى قرة وما كان له من الملك بالاندلس أيام الطوائف) * هذا الرجل اسمه أبو نور بن أبى قرة بن أبى يفرن من رجالات البربر الذين استظهر بهم قومهم أيام الفتنة تغلب على رندة أزمان تلك الفتن وأخرج منها عامر بن فتوح من موالى الاموية سنة خمس وأربعمائة فملكها واستحدث بها لنفسه سلطانا ولما استفحل أمر ابن عباد باشبيلية واشفى على تملك أجوره من الاعمال والثغور نشأهت الفتنة بينه وبين أبى نور هذا واختلف حاله معه في الولاية والانحراف وسجل له سنة ثلاث وأربعين برنده وأعمالها فيمن سجل له من البربر واستدعاه بعدها سنة خمسين لبعض ولائمه وكاده بكتاب أوقفه عليه على لسان جارية بقصره تشكو إليه ما نال منها ما نال ابنه من المحرم فانطلق إلى بلده وقتل ابنه وشعر بالمكيدة فمات أسفا وولى ابنه الآخر أبو نصر إلى سنة سبع وخمسين فغدر به بعض جنده وخرج هاربا فسقط من السور ومات وتسلم المعتمد رنده من يد ذلك ويقال ن ذلك كان عند كائنة الحمام سنة خمس وأربعين وان أبا نور هلك فيها ولما بلغ الخبر ابنه أبا نصر وقع ما وقع والله أعلم * (الخبر عن مرنجيصة من بطون بنى يفرن وشرح أحوالهم) * كان هذا البطن من بنى يفرن بضواحي افريقية وكانت لهم كثرة وقوة ولما خرج أبو يزيد على الشيعة وكان من أخوالهم بنو واركوا ظاهروه على أمره بما كان له معهم من العصبية ثم انقرض أمره وأخذتهم دولة الشيعة وأولياؤهم صنهاجة وولاتهم على
افريقية بالسطوة والقهر وانزال العقوبات بالانفس والاموال إلى أن تلاشوا وأصبحوا في عداد القبائل الغارمة وبقيت منهم احياء نزلوا ما بين القيروان وتونس أهل شاء وبقر وخيام يظعنون في نواحيها وينتحلون الفلح في معاشهم وملك الموحدون افيقية وهم بهذا الحال وضربت عليهم المغارم والضرائب والعسكرة مع السلطان في غزواته بعدة مفروضة يحضرون بها متى استقروا (ولما تغلب) الكعوب من بنى سليم على ضواحي افريقية وأخرجوا منها الزواودة من الرياح أعداء الدولة لذلك العهد واستظهر بهم السلطان عليهم اتخذوا افريقية وطنا من قابس إلى باجة ثم اشتدت ولايتهم للدولة وعظم الاستظهار بهم وأقطعهم ملك الدولة ما شاؤه من الاعمال والخراج فكان في اقطاعهم خراج مرنجيصة ولما وقعت بنو مرين على القيروان وكان بعدها في الفترة ما كان من طحيان الفتنة التى اعتز فيها العرب على السلطان والدولة كان لهؤلاء الكعوب المتغلبين مدد قوى من احياء مرنجيصة هؤلاء من الخيل للحملان والخيالة للاستظهار باعدادهم في الحروب فصار والهم لحمة وخولة وتملكوهم تملك العبيد حتى إذا ذهب الله بحمى الفتنة وأقام مائل الخلافة والدولة(7/23)
بثراة هذا الملك الحفصى إلى الاحق به مولانا السلطان أبى العباس أحمد فانقشع الجو وأضاء الافق ودفع المتغلبين من العرب عن أعماله وقبض أيديهم عن رعاياته وأصار مرنجيصة هؤلاء من صفاياه بعد انزال العقوبة بهم على لياذهم بالعرب وظعنهم معهم فراجعوا الحق وأخلصوا في الانحياش ورجعوا إلى ما ألفوه من الغرامة وقوانين الخراج وهم على ذلك لهذا العهد والله وارث الارض ومن عليها { الخبر عن مغراوة من أهل الطبقة الاولى من زناتة وما كان لهم من الدول بالمغرب ومبدأ ذلك وتصاريفه } هؤلاء القبائل من مغراوة كانوا أوسع بطون زناتة وأهل الباس والغلب منهم ونسبهم
إلى مغراوة بن بصلتين بن مسر ابن زاكيا بن ورسيك بن ألديرت بن جانا اخوة بنى يفرن وبنى يرنيان وقد تقدم الخلاف في نسبهم عند ذكر بنى يفرن وأما شعوبهم وبطونهم فكثير مثل بنى يلنث وبنى زنداك وبنى رواو وتزمير وبنى أبى سعيد وبنى ورسيعان والاعواط وبنى ريقة وغيرهم ممن لم يحضرني أسماؤهم وكانت محلاتهم بأرض المغرب الاوسط من شلف إلى تلمسان إلى جبل مدبولة وما إليها ولهم مع اخوانهم بنى يفرن اجتماع وافتراق ومناغاة في أحوال البدو وكان لمغراوة هؤلاء في بدوهم ملك كبير أدركهم عليه الاسلام فأقره لهم وحسن اسلامهم وهاجر أميرهم صولات بن وزمار إلى المدينة ووفد على أمير المؤمنين عثمان بن عفان رضى الله عنه فلقاه برا وقبولا لهجرته وعقد له على قومه ووطنه وانصرف إلى بلاده محبوا محبورا مغتبطا بالدين مظاهر القبائل مضر فلم يزل هذا دأبه وقيل انه تقبض عليه أسير الاول الفتح في بعض حروب العرب مع البربر قبل أن يدينوا بالدين فأشخصوه إلى عثمان لمكانه من قومه فمن عليه وأسلم فحسن اسلامه وعقد له على عمله فاختص صولات هذا وسائر الاحياء من مغراوة بولاء عثمان وأهل بيته من بنى أمية وكانوا خاصة لهم دون قريش وظاهروا دعوة المروانية بالاندلس رعيا لهذا الولاء على ما تراه بعد في أخبارهم ولما هلك صولات قام بأمره في مغراوة وسائر زناتة من بعده ابنه حفص وكن من أعظم ملوكهم ثم لما هلك قام بأمره ابنه خزر وعند ما تقلص ظل الخلافة عن المغرب الاقصى بعض الشئ وأظلت فتنة ميسرة المقبر ومظفره فاعتز خزر وقومه على أمر المضربة بالقيروان واستفحل ملكهم وعظم شأن سلطانهم على البدو من زناتة بالمغرب الاوسط ثم انتقض أمر بنى أمية بالمشرق فكانت الفتنة بالمغرب فازدادوا اعتزازا وعتوا وهلك خلال ذلك خزر وقام بملكه ابنه محمد وخلص إلى المغرب ادريس الاكبر بن عبد الله بن حسن بن الحسن سنة سبعين ومائة في خلافة الهادى وقام برابرة المغرب من(7/24)
أروبة وصدينة ومقيلة بأمره واستوثق له الملك واقتطع المغرب عن طاعة بنى العباس سائر الايام ثم نهض إلى المغرب الاوسط سنة أربع وسبعين فتلقاه محمد بن خزر هذا وألقى إليه المقادة وبايع له عن قومه وأمكنه من تلمسان بعد ان غلب عليها بنى يفرن أهلها وانتظم لادريس بن ادريس الامر وغلب على جميع اعمال أبيه وملك تلمسان وقام بنوخزر هؤلاء بدعوته كما كانوا لابيه وكان قد نزل تلمسان لعهد ادريس الاكبر أخوه سليمان بن عبد الله بن حسن بن الحسن القادم إليه من المشرق وسجل له بولاية تلمسان من سجل ابنه ادريس لمحمد ابن عمه سليمان من بعده فكانت ولاية تلمسان وأمصارها في عقبه واقتسموا ولاية ثغورها الساحلية فكانت تلمسان لولد ادريس بن محمد بن سليمان وأرشكول لولد عيسى بن محمد وتنس لولد ابراهيم بن محمد بن محمد وسائر الضواحى من اعمال تلمسان لبنى يفرن مغراوة ولم يزل الملك بضواحي المغرب الاوسط لمحمد بن خزر كما قلناه إلى ان كانت دولة الشيعة واستوثق لهم ملك افريقية وسرح عبيد الله المهدى إلى المغرب عروبة بن يوسف الكتامى في عساكر كتامة سنة ثمان وتسعين ومائتين فدوخ المغرب الادنى ورجع ثم سرح بعده مصالة بن حيوص إلى المغرب في عساكر كتامة فاستولى على اعمال الادارسة واقتضى طاعتهم لعبيد الله وعقد على فاس ليحيى بن ادريس بن عمر آخر ملوك الادارسة وخلع نفسه ودان بطاعتهم وعقد له مصالة على فاس وعقد لموسى بن أبى العالية أمير مكناسة وصاحب تارة واستولى على ضواحي المغرب وقفل إلى القيروان وانتقض عمر بن خزر من أعقاب محمد بن خزر الداعية لادريس الكبر وحمل زناتة وأهلا المغرب الاوسط على البرابرة من الشيعة وسرح عبيد الله المهدى مصالة قائد المغرب في عساكر كتامة سنة تسع ولقيه محمد ابن خزر في جموع مغراوة وسائر زناتة ففل عساكر مصالة وخلص إليه فقتله وسرح عبيد الله ابنه أبا القاسم في العساكر إلى المغرب سنة عشر وعقد له على حرب محمد بن خزر وقومه فأجفلوا إلى الصحراء واتبع آثارهم إلى ملوية فلحقوا بسجلماسة وعطف أبو
القاسم على المغرب فدوخ أقطاره وجال في نواحيه وجدد لابن أبى العافية على عمله ورجع ولم يلق كيدا (ثم ان الناصر) صاحب قرطبة سماله أمل في ملك العدوة فخاطب ملوك الادارسة وزناتة وبعث إليهم خالصته محمد بن عبيد الله بن أبى عيسى سنة ستة عشر فبادر محمد بن خزر إلى اجابته وطرد أولياء الشيعة من الزاب وملك شلب وتنس من أيديهم وملك وهران وولى عليها ابنه المنير وبث دعوة الاموية في اعمال المغرب الاوسط ما عدا تاهرت في القيام بدعوة الاموية ادريس بن ابراهيم بن عيسى بن محمد بن سليمان صاحب أرشكول ثم فتح الناصر سبتة سنة سبع عشرة من يد الادارسة وأجار موسى بن أبى العالية على طاعته واتصلت يده بمحمد بن خزر(7/25)
وتظاهروا على الشيعد وخالف فلفول بن خزر أخاه محمد إلى طاعة الشيعة وعقد له عبد الله على مغراوة وزحف إلى المغرب حميد بن يصل سنة احدى وعشرين في عساكر كتامة إلى عبد الله على تاهرت فانتهى إلى فاس وأجفلت أمامه ظواعن زناتة ومكاسة ودوخ المغرب وزحف من بعده ميسور الخصى سنة ثنتين وعشرين فحاصر فاسا وامتنعت عليه ورجع ثم انتقض حميد بن يصل سنة ثمان وعشرين وتحيز إلى محمد بن خزر ثم أجاز إلى الناصر وولاه على المغرب الاوسط ثم شغل الشيعة بفتنة أبى يزيد وعظمت آثار محمد بن خزر وقومه من مغراوة وزحفوا إلى تاهرت مع حميد بن يصل قائد الاموية سنة ثلاث وثلاثين وزحف معه الخير بن محمد وأخوه حمزة وعمه عبد الله بن خزر ومعهم يعلى بن محمد في قومه بنى يفرن وأخذوا تاهرت عنوة وقتلوا عبد الله بن بكار وأسروا قائدها ميسور الخصى بعد ان قتل حمزة بن محمد بن خزر في حروبها وكان محمد بن خزر وقومه زحفوا قبل ذلك إلى بسكرة ففتحوا وقتلوا زيدان الخصى ولما خرج اسمعيل من حصار أبى يزيد وزحف إلى المغرب في اتباعه خشية محمد ابن خزر على نفسه لما سلف منه في نقض دعوتهم وقتل أتباعهم فبعث إليه بطاعة
معروفة وأوعز إليه اسمعيل بطلب أبى يزيد ووعده في ذلك بعشرين حملا من المال وكان أخوه معبد بن خزر في موالاة أبى يزيد إلى ان هلك وتقبض اسمعيل بعد ذلك على على معبد سنة أربعين وقتله ونصب رأسه بالقيروان ولم يزل محمد بن خزر وابنه الخير متغلبا على المغرب الاوسط ومقاسما فيها ليعلى بن محمد ووفد فتوح بن الخير سنة أربعين على الناصر مع مشيخة تاهرت ووهران فأحازهم وصرفهم إلى اعمالهم ثم حدثت الفتنة بين مغراوة وصنهاجة وشغل محمد بن الخير وابنه خزر بحروبهم وتغلب يعلى بن محمد على وهران وخربها وعقد الناصر لمحمد بن يصل على تلمسان واعمالها وليعلى بن محمد على المغرب واعماله فراجع محمد بن خزر طاعة الشيعة من أجل قريعة يعلى بن محمد ووفد على المعز بعد مهلك أبيه اسمعيل سنة ثنتين وأربعين فأولاه تكرمة وتم على طاعتهم إلى ان حضر مع جوهر في غزاته إلى المغرب باعوام سبع أو ثمان وأربعين ثم وفد على المعز بعد ذلك سنة خمسين وهلك بالقيروان وقد نيف على المائة من السنين وهلك الناصر المروانى عامئذ على حين انتشرت دعوة الشيعة بالمغرب وانقبض أولياء الاموية إلى اعمال سبتة وطنجة فقام بعده ابنه الحكم المستنصر واستأنف مخاطبة ملوك العدوة فأجابه محمد بن الخير بن محمد بن خزر بما كان من أبيه الخير وجده محمد في ولاية الناصر والولاية التى لبنى أمية على آل خزر بوصية عثان بن عفان لصولات بن وزمار جدهم كما ذكرناه فاثخن في الشيعة ودوخ بلادهم ورماه معد بقرينه زيرى بن مناد أمير صنهاجة فعقد له(7/26)
على حرب زناتة وسوغه ما غلب عليه من أعمالهم وجمعوا للحرب سنة ستين ومائتين فلقى بلكين بن زيرى جموعهم بدسيسة من بعض أولياء محمد بن الخير قبل أن يستكمل تعبيتهم فابلى منهم ناسا صبرا واشتدت الحرب بينهم وانهزمت زناتة حتى إذا رأى محمد بن الخير ان قد أحيط به انتبذ إلى ناحية من العسكر وذبح نفسه واستمرت الهزيمة على قومه ووجد منهم في المعركة سبعة عشر أميرا سوى الاتباع وتحيز كل إلى فريقه وولى
بعد محمد في مغراوة ابنه الخير وأغرى بلكين بن زيرى الخليفة معد الجعفر بن على ابن حمدون صاحب المسيلة والزاب بموالاة محمد بن الخير فاستراب جعفر وبعث عنه معد لولاية افريقية حتى اعتزم على الرحيل إلى القاهرة فاشتدت استرابته ولحق بالخير ابن محمد وقومه وزحفوا إلى صنهاجة فأتيحت لهم الكرة وأصيب زيرى بن مناد كبير العصابة وبعثوا برأسه إلى قرطبة في وفد من وجوه بنى خزر مع يحيى بن على أخى جعفر ثم استراب بعدها جعفر من زناتة ولحق بأخيه يحيى ونزلوا على الحكم وعقد معه لبلكين ابن زيرى على حرب زناتة وامده بالاموال والعساكر وسوغه ما تغلب عليه من أعمالهم فنهض إلى المغرب سنة احدى وستين وأوغر بالبرابرة منهم وتعرى أعمال وباغاية والمسيلة وبسكرة وأجفلت زناتة امامه وتقدم إلى تاهرت فمحا من المغرب الاوسط آثار زناتة ولحق بالمغرب الاقصى واتبع بلكين آثار الخير بن محمد وقومه إلى سجلماسة فأوقع بهم وتقبض عليهم فقتله صبرا وفض جموعهم ودوخ المغرب وانكف راجعا ومر بالمغرب الاوسط فالتحم بوادي زناتة ومن إليهم من المصاصين ورفع الامان على كل من ركب فرسا أو أنتج خيلا من سائر البربر ونذر دماءهم فأقفر المغرب الاوسط من زناتة وصار إلى ما وراء ملوية من بلاد المغرب الاقصى إلى ان كان من رجوع بنى يعلى بن محمد إلى تلمسان وملكهم اياها ثم هلك بنو خزر بسجلماسة وطرابلس وملك بنى زيرى بن عطية بفاس ما نحن ذاكروه ان شاء الله تعالى(7/27)
يعلى خزون بن فلفول فتح حمزة عطية بن عبد الله
سعيد الخير بن محمد بن الخير بن محمد بن خزر من أعقاب محمد بن خزر بن حفص بن صولات بن وزمار { الخبر عن آل زيرى بن عطية ملوك فاس وأعمالها من الطبقة الاولى من مغراوة وما كان لهم بالمغرب الاقصى من الملك والدولة ومبادي ذلك وتصاريفه } كان زير هذا أمير آل خزر في وقته ووارث ملكهم البدوى وهو الذى مهد الدولة بفاس والمغرب الاقصى وأورثها بنيه إلى عهد لمتونة حسبما نستوفي شرحه واسمه زيرى بن عطية بن عبد الرحمن بن خزر وجده عبد الله أخو محمد داعية الناصر الذى هلك بالقيروان كما ذكرناه وكانوا أربعة اخوة محمد ومعبد الذى قتله اسمعيل وفلفول الذى خالف محمد إلى ولاية الشيعة وعبد الله هذا وكان يعرف بأمه واسمها تبادلت وقد قيل ان عبد الله هذا هو ابن محمد بن خزر وأخوه حمزة بن محمد الهالك في حربه مع ميسور عند فتح تاهرت ولما هلك الخير بن محمد كما قلناه بيد بلكين سنة احدى وستين وارتحلت زناتة إلى ما وراء ملوية من الغرب الاقصى وصار المغرب الاوسط كله لصنهاجة واجتمع مغراوة إلى بقية آل خزر وأمراؤهم يومئذ محمد بن خير المذكور ومقاتل وزيرى ابنا مقاتل بن عطية بن عبد الله وخزرون بن فلفول ثم كان ما ذكرناه من ولاية بلكين بن زيرى على افريقية وزحف إلى المغرب الاقصى زحفه المشهور سنة تسع وستين وأجفلت أمامه ملوك زناتة من بنى محمد بن صالح وانحازوا جميعا إلى سبتة وأجاز محمد بن الخير البحر إلى المنصور بن أبى عامر صريخا فخرج المنصور(7/28)
في عساكره إلى الجزيرة ممدا لهم بنفسه وعقد لجعفر بن على على حرب بلكين وأجازه البحر وأمده بمائة حمل من المال فاجتمعت إليه ملوك زناتة وضربوا مصافهم بساحة سبتة واظل عليهم بلكين من جبل تطاون فرأى مالا قبل له به فارتحل عنهم وأشغل نفسه بجهاد برغواطة إلى ان هلك منصرفا من المغرب سنة ثنتين وسبعين كما ذكرناه وعاد
جعفر بن على إلى مكانه من الحضرة وساهمه المنصور في حمل الرياسة وبقى المغرب غفلا من الولاية واقتصر المنصور على ضبط سبتة ووكل إلى ملوك زناتة دفاع صنهاجة وسائر أولياء الشيعة وقام يبلو طاعنتهم إلى أن قام بالمغرب الحسن بن كنون من الادارسة بعثه العزيز نزار من مصر لاسترجاع ملكه بالمغرب وأمده بلكين بعسكر من صنهاجة وهلك على ذلك بلكين ودعا الحسن إلى أمره بالمغرب وانضم إليه بدوى بن يعلى بن محمد اليفرنى وأخوه زيرى وابن عمه أبو يداس فيمن إليهم من بنى يفرن فسرح المنصور لحربه ابن عمه أبا الحكم عمرو بن عبد الله بن أبى عامر الملقب عسكلاجه وبعثه بالعساكر والاموال فأجاز البحر وانحاش إليه ملوك آل خزر محمد بن الخير ومقاتل وزيرى ابنا عطية وخزرون بن فلفول في جميع مغراوة وظاهروه على شانه وزحف بهم أبو الحكم بن أبى عامر إلى الحسن بن كنون حتى الجؤه إلى الطاعة وسأل الامان على نفسه فعقد له عمرو بن أبى عامر مارضيه من ذلك وأمكن به من قياده وأشخصه إلى الحضرة فكان من قتله وأخفار ذمة أبى الحكم بن أبى عامر وقتله بعده ما تقدم حسبما ذكرنا ذلك من قبل وكان مقاتل وزيرى ابنا عطية من بين ملوك زناتة أشد الناس انحياشا للمنصور وقياما بطاعة المروانية وكان بدوى بن يعلى وقومه بنو يفرن منحرفين عن طاعتهم ولما انصرف أبو الحكم بن أبى عامر من المغرب عقد المنصور عليه للوزير حسن بن أحمد بن عبد الودود السلمى وأطلق يده في انتقاء الرجال والاموال فأنفذه إلى عمله سنة ست وسبعين وأوصاه بملوك مغراوة من زناتة واستبلغ بمقاتل وزيرى من بنيهم لحسن انحياشهم وطاعتهم وأغراه ببدوى بن يعلى المضطرب الطاعة الشديد المراوغة فنفذ لعمله ونزل بفاس وظبط أعمال المغرب واجتمعت إليه ملوك زناتة وهلك مقاتل بن عطية سنة ثمان وسبعين واستقل برياسة الظواعن البدو من مغراوة واخوة زيرى بن عطية وحسنت مخاللته لابن عبد الودود صاحب المغرب وانحياشه بقومه إليه واستدعاه المنصور من محله بفاس سنة احدى وثمانين اشادة
بتكريمه واغراه ببدوى بن يعلى بمنافسته في الحظ وايثار الطاعة فبادر إلى اجابته بعد ان استخلف على المغرب ابنه المعز وأنزله بتلمسان ثغر المغرب وولى على عدوة القرويين من فاس على بن محمود بن أبى على قشوش وعلى عدوة الاندلسيين عبد الرحمن بن عبد(7/29)
الكريم بن ثعلبة وقدم بين يديه هدية إلى المنصور ووفد عليه فاستقبله بالجيوش والعدة واحتفل للقائه وأوسع نزله وجرايته ونوه باسمه في الوزارة وأقطعه رزقها وأثبت رجاله في الديوان ووصله بقيمة هديته وأسنى فيها وأعظم جائزته وجائزة وفده وعجل تسريحه إلى عمله فقفل إلى امارته من المغرب ونمى عنه خلاف ما احتسب فيه من حمطا المعروف وانكار الصنيع والاستنكاف من لقب الوزارة الذى نوه به حتى انه قال لبعض حشمه وقد دعاه بالوزير وزير من يالكع فما والله الا أمير ابن أمير واعجبا من ابن أبى عامر ومخرقته والله لو كان بالاندلس رجل ما تركه على حاله وان له منا ليوما والله لقد تأجرني فيما أهديت إليه حطا للقيم ثم غالطني بما بذله تنبيتا للكرم الا أن يحتسب بثمن الوزارة التى حطنى بها من رتبتي ونمى ذلك إلى ابن أبى عامر فصر عليها أذنه وزاد في اصطناعه وبعث بدوى بن يعلى اليفرنى قريعه في ملك زناتة يدعوه إلى الوفادة فأساء اجابته وقال متى عهد المنصور حمر الوحش تنقاد للبياطرة وأخذ في افساد السابلة والاجلاب على الاحياء والعيث في العمالة فأوعز المنصور إلى عامله بالمغرب الوزير حسن بن عبد الودود بنبذ العهد إليه ومظاهرة عدوه زيرى بن عطية عليه فجمعوا له سنة احدى وثمانين ولقوه فكانت الدائرة عليهم وتخرم العسكر وأثبت الوزير بن عبد الودود جراحة كان فيها حتفه وبلغ الخبر إلى المنصور فشق عليه وأهمه شأن المغرب وعقد عليه لوقته لزيرى بن عطية وكتب إليه بعهده وأمر بضبط المغرب ومكانفة جند السلطان وأصحاب حسن بن عبد الودود فاطلع باعبائه وأحسن الغناء في عمله واستفحل شأن بدوى بن يعلى وبنى يفرن واستغلظوا على زيرى بن عطية
وأصلوه نار الفتنة وكانت حروبهم سجالا وسئمت الرعايا بفاس كثرة تعاقبهم عليها وانتزاؤهم على عملها وبعث الله لزيرى بن عطية ومغراوة مددا من أبى البهار بن زيرى بن مناد بما كان انتقض على ابن أخيه منصور بن بلكين صاحب القيروان ونزع عن دعوة الشيعة إلى المروانية واقتفى أثره في ذلك خلوف بن أبى بكر صاحب تاهرت وأخوه عطية لصهر كان بينهما وبين فاقتسموا أعمال المغرب الاوسط ما بين الزاب وأنشريس وهدان وخطبوا في سائر منابرها باسم هشام المؤيد وخاطب أبو البهار من وراء البحر محمد بن أبى عامر وأوفد عليه أبا بكر بن أخيه حيوس بن زيرى في طائفة من أهل بيته ووجوه قومه فاستقبلوا بالحسن مائة قطعة من صنوف الثياب الخز والعبيد وما قيمته عشره آلاف درهم من الآنية والحلى وبخمسة وعشرين ألفا من الدنانير ودعاه إلى مظاهرة زيرى بن عطية على بدوى بن يعلى وقسم بينهما أعمال المغرب شق الابلة حتى لقد اقتسما مدينة فاس عدوة بعد عدوة فلم يرع ذلك بدوى ولاوزعه عن(7/30)
شأنه من الفتنة والاجلاب على البدو والحاضرة وشق عصا الجماعة وانتقض خلوف بن أبى بكر على المنصور لوقته وراجع ولاية المنصور بن بلكين ومرض أبو البهار في المظاهرة عليه للوصلة التى بينهما وقعد عما قام له زيرى بن عطية من حرب خلوف بن أبى بكر وأوقع به زيرى في رمضان سنة احدى وثمانين واستلحمه وكثيرا من أوليائه واستولى على عسكره وانحاش إليه عامة أصحابه وفر عطية شريدا إلى الصحراء ثم نهص على اثرها لبدوي بن يعلى وقومه فكانت بينهم لقاآت انكشف فيها أصحاب بدوى واستلحم منهم زهاء ثلاثة آلاف واكتسح معسكره وسبيت حرمه التى كانت منهن أمه وأخته وتحيز سائر أصحابه إلى فئة زير وخرج شريدا إلى الصحراء إلى ان اغتاله ابن عمه أبو يداس بن دوناس كما ذكرناه وورد خبر الفتحين متعاقبين على المنصور فعظم موقعهما لديه وقد قيل ان مقتل بدوى انما كان عند اياب زيرى من الوفادة
وذلك أنه لما استقدمه المنصور ووفد عليه كما ذكرناه خالفه بدوى إلى فاس فملكها وقتل من مغراوة خلقا واستمكن بها أمره فلما رجع زيرى من وفادته امتنع بها بدوى فنازله زيرى وطال الحصار وهلك من الفريقين خلق ثم اقتحمها عليه عنوة وبعث برأسه إلى سدة الخلافة بقرطبة الا أن راوي هذا الخبر يجعل وفادة زيرى على المنصور وقتله لبدوي سنة ثلاث وثمانين فالله أعلم أي ذلك كان (ثم ان زيرى) فسد ما بينه وبين أبى البهار الصنهاجى وتزاحف فأوقع به زيرى وانهزم أبو البهار إلى سبتة موريا بالعبور فبادر بكاتبه عيسى بن سعيد بن القطاع في قطعة من الجند إلى تلقيه فحاد عن لقائه وصاعد إلى قلعة جراوة وقد قدم الرسل إلى ابن أخيه المنصور صاحب القيروان مستميلا إلى أن التحم ذات بينهما ثم تحيز إليه وعاد إلى مكانه من عمله وخلع ما تمسك به من طاعة الاموية وراجع طاعة الشيعة فجمع المنصور لزيرى بن عطية أعمال المغرب واستكفى به في سد الثغر وعول عليه من بين ملوك المغرب في الذب عن الدعوة وعهد إليه بمناجزة أبى البهار وزحف إليه زيرى في أمم عديدة من قبائل زناتة وحشود البربر وفر أمامه ولحق بالقيروان واستولى زيرى على تلمسان وسائر أعمال أبى البهار وملك ما بين السوس الاقصى والزاب فاتسع ملكه وانبسط سلطانه واشتدت شوكته وكتب بالفتح إلى المنصور بمائتين من الخيل وخمسين جملا من المهارى السبق وألف درقة من جلود اللمط وأحال من قسى الزاب وقطوط الغالية والزرافة وأصناف الوحوش الصحراوية كاللمط وغيره وألف حمل من التمر وأحمال من ثياب الصوف الرفيعة كثيرة فجدد له عهده على المغرب سنة احدى وثمانين وأنزل أحياء بانحاء فاس في قياطينهم واستفحل أمر زيرى بالمغرب ودفع بنى يفرن عن فاس إلى نواحى سلا واختط(7/31)
مدينة وجدة سنة أربع وثمانين وأنزلها عساكره وحشمه واستعمل عليها ذويه ونقل إليها ذخيرته وأعدها معتصما وكانت ثغرا للعمالتين المغرب الاقصى والاوسط (ثم فسد)
ما بينه وبين المنصور بما نمى عنه من التألف لهشام باستبداد المنصور عليه فسامه المنصور الهضيمة وأبى منها وبعث كاتبه ابن القطاع في العساكر فاستعصى عليه وأمكنه صاحب قلعة حجر النسر منها فأشخصه إلى الحضرة وأحسن إليه المنصور وسماه الناصح وكشف زيرى وجهه في عداوة ابن أبى عامر والاغراء به والتشيع للمؤيد والامتعاض له من هضيمته وحجره فسخطه عند ابن أبى عامر وقطع عنه رزق الوزارة ومحى اسمه من ديوانه ونادى بالبراءة منه وعقد لواضح مولاه على المغرب وعلى حرب زيرى بن عطية الحمات من سائر الطبقات وأزاح عللهم وأمكنه من الاموال للنفقات واحمال السلاح والكسى وأصحبه طائفة من ملوك العدوة كانوا بالحضرة منهم محمد بن الخير وزيرى بن خزر وابن عمهما بكساس بن سيد الناس ومن بنى يفرن أبو بخت بن عبد الله بن مدين ومن ازداجة خزرون بن محمد وأمره بوجوه الجند وفصل من الحضرة سنة سبع وثمانين وسار في التعبية وأجاز البحر إلى طنجة فعسكر بوادي ردات وزحف زيرى بن عطية في قومه فعسكر ازاءه وتواقفا ثلاثة أشهر واتهم واضح رجالات بنى مرزال بالادهان فأشخصهم إلى الحضرة وأغرى بهم المنصور فوبخهم وتنصلوا فصفح عنهم وبعثهم في غير ذلك الوجه ثم تناول واضح أصيلا ونكور فضبطهما واتصلت الوقائع بينه وبين زيرى وبيت واضح معسكر زيرى بنواحي أصيلا وهم غارون فأوقع بهم وخرج ابن أبى عامر من الحضرة لاستشراف أحوال واضح وامداده فسار في التعبية واحتل بالجزيرة عند فرصة المجاز ثم بعث عن ابنه المظفر من مكان استخلافه بالزاهرة وأجاز إلى العدوة واستكمل معه أكابر أهل الخدمة وجلة القواد وقفل المنصور إلى قرطبة واستراع خبر عبد الملك بالمغرب ورجع إليه عامة أصحاب زيرى من ملوك البربر وتناولهم من احسانه وبره ما لم يعهد وامثله وزحف عبد الملك إلى طنجة واجتمع مع واضح وتلوم هناك مزيحا لعلل العسكر فلما استتم تدبيره زحف في جمع لاكفاء له فلقيه زيرى بوادي منى من احواز طنجة في شوال سنة ثمان
وثمانين فدارت بينهم حروب شديدة وهم فيها أصحاب عبد الملك وثبت هو وبينما هم في حومة الحرب إذ طعن زيرى بعض المتوزين من أتباعه اهتبل الغرة في ذلك الموقف فطعنه ثلاثا في نحره أشواه بها ومر يشتد نحو المظفر وبشره فاستكذبه لثبوت رؤيته ثم سقط إليه الصحيح فشد عليهم فاستوت الهزيمة وأثخن فيهم بالقتل واستولى على ما كان في عسكرهم مما يذهب فيه الوصف ولحق زيرى بفاس جريحا في قلة فامتنع عليه(7/32)
أهلها ودافعوه بحرمه فاحتملهن وفر أمام العساكر إلى الصحراء وأسلم جميع أعماله وطير عبد الملك بالفتح إلى أبيه فعظم موقعه عنده وأعلن بالشكر لله والدعاء وبث الصدقات وأعتق الموالى وكتب إلى ابنه عبد الملك بعهده على المغرب فأصلح نواحيه وسد ثغوره وبعث العمال في جهاته فأنفذ محمد بن الحسن بن عبد الودود في جند كثيف إلى تادلا واستعمل حميد بن يصل المكناسى على سجلماسة فخرج كل لوجهه واقتضوا الطاعة وحملوا إليه الخراج وأقفل المنصور ابنه عبد الملك في جمادى من سنة تسع وثمانين وعقد على المغرب لواضح فضبطه واستقام على تدبيره ثم عزله في رمضان من سنته بعبيد الله بن أخيه يحيى ثم ولى عليه من بعده اسمعيل بن البورى من بعد بالاخوص معن بن عبد العزيز التجيبى إلى أن هلك المنصور وأعاد المظفر بن المعز بن زيرى من منتبذه بالمغرب الاوسط لولاية أبيه بالمغرب فنزل فاس وكان من خبر زيرى أنه لما استقل من نكبته وهزيمة عبد الملك اياه واجتمع إليه بالصحراء فل مغراوة وبلغه اضطرا ب صنهاجة واختلافهم على باديس بن المنصور بعد مهلك أبيه وأنه خرج عليه بعد عمومته مع ماكس بن زيرى فصرف وجهه حينئذ إلى أعمال صنهاجة ينتهز فيها الفرصة واقتحم المغرب الاوسط ونازل تاهرت وحاصر بها يطوفة بن بلكين وخرج باديس من القيروان صريخا له فلما مر بطبنة امتنع عليه فلفول بن خزرون وخالفه إلى افريقية فشغل بحربه وكان أبو سعيد بن خزرون لحق بافريقية وولاه المنصور على طبنة كما نذكره فلما انتقض سار إليه باديس ودفع حماد بن بلكين في عساكر صنهاجة إلى مدافعة زيرى
ابن عطية فالتقيا بوايد ميناس قرب تاهرت فكانت الدائرة على صنهاجة واحتوى زيرى على معسكرهم واستلحم ألوفا منهم وفتح مدينة تاهرت وتلمسان وشلف وتنس وأقام الدعوة فيها كلها للمؤيد هشام ولحاجبه المنصور من بعده ثم اتبع آثار صنهاجة إلى أشير قاعدة ملكهم فأناخ عليها واستأمن إليه زاوى بن زيرى ومن معه من أكابر أهل بيته المنازعين لباديس فأعطاه منه ما سأل وكتب إلى المنصور بذلك يسترضيه ويشترط على نفسه الرهن والاستقامة ان أعيد إلى الولاية ويستأذنه في قدوم زاوى وأخيه علال فأذن لهما وقدما سنة تسعين وسأل أخوهما أبو البهار مثل ذلك وأنفذ رسله يذكر تقدميه فسوفه المنصور لما سبق من نكثه واعتل زيرى بن عطية وهو بمكانه من حصار أشير فأفرج عنها وهلك في منصرفه سنة احدى وتسعين واجتمع آل خزر وكافة مغراوة من بعده على ابنه المعز بن زيرى فبايعوه وضبط أمرهم وأقصر عن محاربة صنهاجة ثم استجدى للمنصور واعتلق بالدعوة العامرية وصلحت حاله عندهم وهلك المنصور خلال ذلك ورغب المعز من ابنه عبد الملك المظفر أن يعيده إلى عمله على مال يحمله(7/33)
إليه وعلى أن يكون ولده معنصر رهينة بقرطبة فأجابه إلى ذلك وكتب له عهدا وأنفذ به وزيره أبا على بن خديم (ونسخته) بسم الله الرحمن الرحيم صلى الله على سيدنا محمد وآله من الحاجب المظفر سيف الدولة دولة الامام الخليفة هشام المؤيد بالله أمير المؤمنين أطال الله بقاءه عبد الملك بن المنصور بن أبى عامر إلى كافة مدنى فاس وكافة أهل المغرب سلمهم الله أما بعد أصلح الله شأنكم وسلم أنفسكم وأديانكم فالحمد لله علام الغيوب وفار الذنوب ومقلب القلوب ذى البطش الشديد المبدئ المعيد الفعال لما يريد لاراد لامره ولا معقب لحكمه بل له الملك والامر وبيده الخير والشر اياه نعبد وياه نستعين وإذا قضى أمرا فانما يقول له كن فيكون وصلى الله على سيدنا محمد سيد المرسلين وعلى آله الطيبين وجميع الانبياء والمرسلين والسلام عليكم أجمعين وان
المعز بن زيرى بن عطية أكرمه الله تابع رسله لدينا وكتبه متنصلا من هنات دفعته إليها ضرورات ومستغفرا من سيأت حطتها من توبته حسنا والتوبة محاء الذنب والاستغفار منقذ من العيب وإذا أذن الله بشئ يسره وعسى أن تكرهوا شيأ ولكم فيه خير وقد وعد من نفسه واستشعار الطاعة ولزوم الجادة واعتقاد الاستقامة وحسن المعونة وخفة المؤنة فويلناه ما قبلكم وعهدنا إليه أن يعمل بالعدل فيكم وأن يرفع أعمال الجور عنكم وأن يعمر سبلكم وأن يقبل من محسنكم ويتجاوز عن مسيئكم الا في حدود الله تبارك وتعالى وأشهدنا الله عليه بذلك وكفى بالله شهيدا وقد وجهنا الوزير أبا على بن خديم أكرمه الله وهو من ثقاتنا ووجوه رجالنا ليأخذ بشأنه ويؤكد العهد فيه عليه بذلك وأمرناه باشراككم فيه ونحن بأمركم معتنون وأحوالكم مطالعون وأن يقضى على الاعلى للادنى ولا يرتضى فيكم بشئ من الادنى فثقو بذلك واسكنوا إليه وليمض القاضى أبو عبد الله أحكامه مشدود اظهره بنا معقودا سلطانه بسلطاننا ولا تأخذه في الله لومة لائم فذلك ظننا به إذ وليناه وأملنا فيه إذ قلدناه والله المستعان وعليه التكلان لا اله الا هو ولتبلغوا منا سلاما طيبا جزيلا ورحمة الله وبركاته (ولما وصل) إلى المعز بن زيرى عهد المظفر بولايته على المغرب ما عدا كورة سجلماسة فان واضحا مولى المنصور عهد في ولايته على المغرب بها لواندين بن خزرون بن فلفول حسبما نذكره فلم تدخل في ولاية المعز هذه فلما وصله عهد المظفر ضم نشره وثاب إليه نشاطه وبث عماله في جميع كور المغرب وجبى خراجها ولم تزل ولايته متسقة وطاعة رعاياه منتظمة (ولما) افترق أمر الجماعة بالاندلس واختل رسم الخلافة وصار الامر فيها طوائف استحدث المعز في التغلب على سجلماسة وانتزاعها من أيدى بنى واندين بن بن خزرون فأجمع لذلك ونهض(7/34)
إليه سنة سبع وأربعمائة وبرزوا إليه في جموعهم فهزموه ورجع إلى فاس في فل من
قومه وأقام على الاضطراب من أمره إلى أن هلك سنة سبع عشرة وولى من بعده بن عمه حمامة بن المعز بن عطية وليس كما يزعم بعض المؤرخين انه ابنه وانما هو اتفاق في الاسماء أوجب هذا الغلط فاستولى حمامة هذا على عملهم واستفحل ملكه وقصده الامراء والعلماء وأتته الوفود ومدحه الشعراء ثم نازعه الامر أبو الكمال تميم بن زيرى ابن يعلى اليفرنى سنة أربع وعشرين من بنى يدوى بن يعلى المتغلبين على نواحى سلا وزحف إلى فاس في قبائل بنى يفرن ومن انضاف إليهم من زناتة وبرز إليه حمامة في جموع مغراوة ومن إليهم فكانت بينهم حروب شديدة أجلت عن هزيمة حمامة ومات من مغراوة أمم واستولى تميم على فاس وأعمال المغرب ولما دخل فاس استباح يهود وسبى حرمهم واصطلم نعمتهم ولحق حمامة بوجدة فامتد من هنالك من قبائل مغراوة من انجاد مديونة وملوية وزحف إلى فاس فدخلها سنة تسع وعشرين وتحيز تميم إلى موضع امارته من سلا وأقام حمامة في سلطان المغرب وزحف إليه سنة ثلاثين وأربعمائة القائد بن حماد صاحب القلعة في جموع صنهاجة وخرج إليه مجمعا حربه وبث القائد عطاه في زناتة واستعبدهم على صاحبهم حمامة فأقصر عن لقائه ولما دفعه بالسلم والطاعة رجع القائد عنه ورجع هو إلى فاس وهلك سنة احدى وثلاثين فولى بعده ابنه دوناس ويكنى أبا العطاف واستولى على فاس وسائر عمل أبيه وخرج عليه لاول أمره حماد بن عمه معنصر بن المعز فكانت له معه حروب ووقائع وكثرت جموع حماد فغلب دوناس على الضواحى وأحجره بمدينة فاس وخندق دوناس على نفسه الخندق المعروف بسياج حماد وقطع حماد جرية الوادي عن عدوة القرويين إلى أن هلك محاصرا لها سنة خمس وثلاثين فاستقامت دولة دوناس وانفسحت أيامه وكثر العمران ببلده واحتفل في تشييد المصانع وأدار السور على أرباضها وبنى بها الحمامات والفنادق فاستبحر عمرانها ورحل التجار إليها بالبضائع وهلك دوناس سنة احدى وخمسين فولى بعده انبه الفتوح ونزل بعدوة الاندلس ونازعه الامر أخوه الاصغر عجيسة وامتنع
بعدوة القرويين وافترق أمرهم بافتراقهما وكانت الحرب بينهما سجالا ومجالها بين المدينتين حيث يفضى باب النقبة بعدوة القرويين لهذا العهد وشيد الفتوح باب عدوة الاندلس وهو مسمى به إلى الآن واختط عجيسة باب الجيسة وهو أيضا مسمى به وانما حذفت عينه لكثرة الاستعمال وأقاموا على ذلك إلى أن غدر الفتوح بعجيسة أخيه سنة ثلاث وخمسين وبيته فظفر به وقتله ودهم المغرب اثر ذلك ما دهمه من أمر المرابطين من لمتونة وخشى الفتوح مغبة أحوالهم فأفرج عن فاس وزحف(7/35)
صاحب القلعة بلكين بن محمد بن حماد إلى المغرب سنة أربع وخمسين على عادتهم في عزوه ودخل فاس واحتمل من أكابرهم وأشرافهم رهنا على الطاعة وقفل إلى قلعته وولى على المغرب بعد الفتوح معنصر بن حماد بن معنصر وشغل بحروب لمتونة وكانت له عليهم الوقعة المشهورة سنة خمس وخمسين ولحق بضرية وملك يوسف بن تاشفين والمرابطون فاس وخلف عليها عامله وارتحل إلى غمارة فخالفه معنصر إلى فاس وملكها وقتل العامل ومن معه من لمتونة ومثل بهم بالحرق والصلب ثم زحف إلى مهدى ابن يوسف الكترنائى صاحب مدينة مكناسة وقد كان دخل في دعوة المرابطين فهزمه وقتله وبعث برأسه إلى سكوت البرغواطى صاحب عبتة وقد بلغ الخبر إلى يوسف بن تاشفين فسرح عساكر المرابطين لحصار فاس فأخذوا بمخنقها وقطعوا المرافق عنها إحتى اشتد بأهلها الحصار ومسهم الجهد وبرز معنصر لاحدى الراحتين فكانت الدائرة عليه وفقد في الملحمة ذلك اليوم سنة ستين وبايع أهل فاس من بعده لابنه تميم بن معنصر فكانت أيامه أيام حصار وفتنة وجهد وغلاء وشغل يوسف ابن تاشفين عنهم بفتح بلاد غمارة حتى إذا كان سنة ثنتين وستين وفرغ من فتح غمارة صمد إلى فاس فحاصرها أياما ثم اقتحمها عنوة وقتل بها زهاء ثلاثة آلاف من مغراوة وبنى يفرن ومكناسة وقبائل زناتة وهلك تميم في جملتهم حتى أعوزت مواراتهم فرادى
فاتخذت لهم الاخاديد وقبروا جماعات وخلص من نجا من القتل منهم إلى تلمسان وأمر يوسف بن تاشفين بهدم الاسوار التى كانت فاصلة بين العدوتين وصيرهما مصرا وأدار عليهما سورا واحدا وانقرض أمر مغراوة من فاس والبقاء لله سبحانه وتعالى(7/36)
المنتصر الفتوح بن دوناس حمامة بن المعز عجيسة أولاه القديد بن حماد صاحب القلعة منصور بن مصال تميم بن معنصر بن حماد بن معنصر بن المعز بن زيرى بن عطية بن عبد الله بن خزر { الخبر عن بنى خزرون ملوك سجلماسة من الطبقة الاولى من مغراوة وأولية ملكهم ومصائره } كان خزرون بن فلفول من أمراء مغراوة واعيان بنى خزر ولما غلبهم بلكين بن زيرى على المغرب الاوسط تحيزوا إلى المغرب الاقصى وراء ملوية وكان بنو خزر يدينون بالدعوة المروانية كما ذكرناه وكان المنصور بن أبى عامر القائم بدولة المؤيد قد اقتصر لاول حجابته من أحوال العدوة على ضبط سبتة برجال الدولة ووجوه القواد وطبقات العسكر ودفع ما وراءها إلى أمراء زناتة من مغراوة وبنى يفرن ومكناسة وعول في ضبط كوره وسداد ثغوره عليهم وتعهدهم بالعطاء وأفاض فيهم الاحسان فازدلفوا إليه بوجوه التقربات وأسباب الوصائل وكان خزرون بن فلفول هذا زحف يومئذ إلى سجلماسة وبها المعتز من أعقاب آل مدرار فانتزى بها أخوه المنتصر بعد قفول جوهر من المغرب وظفر بأميرهم الشاكر لله محمد بن الفتح فوثب المنتصر من أعقابهم بعده على سجلماسة وتملكها ثم وثب به أخوه أبو محمد سنة ثنتين وخمسين وثلثمائة فقتله وقام بأمر
سجلماسة وأعاد بها ملك بنى مدرار وتلقب المعتز بالله فزحف إليه خزرون بن فلفول سنة(7/37)
سبع وستين في جموع مغراوة وبرز إليه المعتز فهزمه خزرون واستولى على مدينة سجلماسة ومحا دولة آل مدرار والخوارج منها آخر الدهر وأقام الدعوة بها للمؤيد هشام فكانت أول دولة أقيمت للمروانيين بذلك الصقح ووجد للمعتز مالا وسلاحا فاحتقنها وكتب بالفتح إلى هشام وأنفذ رأس المعتز فنصب بباب سدته ونسب الاثر في ذلك الفتح لصحابة محمد بن أبى عامر وبين طائره وعقد لخزرون على سجلماسة ومن بعده ابنه وانودين ثم كان زحف زيرى بن مناد إلى المغرب الاقصى سنة تسع وستين وفرت زناتة أمامه إلى سبتة وملك أعمال المغرب وولى عليها من قبله وحاصر سبتة ثم أفرج عنها وشغل بجهاد برغواطة وبلغه أن وانودين بن خزون أغار على نواحى سجلماسة وأنه دخلها عنوة وأخذ عامله وما كان معه من الاموال والذخيرة فدخل إليها سنة ثلاث وتسعين وفصل عنها فهلك في طريقه ورجع وانودين بن خزون إلى سجلماسة وفى اثناء ذلك كان استيلاء زيرى بن عطية بن عبد الله بن خزر على المغرب وملك فاس بعهد هشام ثم انتقض على المنصور آخرا وأجاز ابنه عبد الملك في العساكر إلى العدوة سنة ثمان وثمانين فغلب عليها بنى خزر ونزل فاس وبث العمال في سائر نواحى المغرب لسد الثغور وجباية الخراج وعقد فيما عقد على سجلماسة لحميد بن يصل المكناسى النازع إليهم من أولياء الشيعة فعقد له على سجلماسة حين فر عنها بنو خزرون فملكها وأقام فيها الدعوة ولما قفل عبد الملك إلى العدوة وأعاد واضحا إلى عمله بفاس استأمن إليه كثير من بنى خزر كان منهم وانودين بن خزرون صاحب سجلماسة وابن عمه فلفول بن سعيد فامنهم ثم رجع وانودين إلى عمله بسجلماسة بعد أن تضمن وانودين وفلفول بن سعيد على مال مفروض وعدة من الخيل والدرق يحملان إليه ذلك كل سنة وأعطيا في ذلك أبناءهما رهنا فعقد لهما واضح بذلك واستقل وانودين بعد ذلك بملك سجلماسة منذ اول سنة
تسعين مقيما فيها للدعوة المروانية ورجع المعز بن زيرى إلى ولاية المغرب بعهد المظفر ابن أبى عامر سنة ست وتسعين واستثنى عليه فيها أمر سجلماسة لمكان وانودين بها ولما انتثر سلك الخلافة بقرطبة وكان أمر الجماعة والطوائف واستبد أمراء الانصار والثغور وولاة الاعمال بما في أيديهم استبد وانودين هذا بأعمال سجلماسة وتغلب على عمل درعة واستضافه إليه ونهض المعز بن زيرى صاحب فاس سنة سبع وأربعمائة مع جموع من مغراوة يحاول انتزاع هذه الاعمال من يد وانودين فبرز إليه في جموعه وهزموه وكان ذلك سببا في اضطراب أمر المعز إلى أن هلك واستفحل ملك وانودين واستولى على صيرون من أعمال فاس وعلى جميع قصور ملوية وولى عليها من أهل بيته ثم هلك وولى أمره من بعده ابنه مسعود بن وانودين ولم أقف على تاريخ ولايته ومهلك أبيه (ولما)(7/38)
ظهر عبد الله بن ياسين واجتمع إليه المرابطون من لمتونة ومسوفة وسائر المتلثمين وافتتحوا أمرهم بغزو درعة سنة خمس وأربعين فاغاروا على ابل كانت هناك في حى لمسعود بن وانودين وقتل كما ذكرناه في أخبار لمتونة ثم عاودوا الغزو إلى سجلماسة فدخلوها من العام المقبل وقتلوا من كان بها من فل مغراوة ثم تتبعوا من بعد ذلك أعمال المغرب وبلاد سوس وجبال المصامدة وافتتحوا صفروى سنة خمس وخمسين وقتلوا من كان بها من أولاد وانودين وبقية مغراوة ثم افتتحوا حصون ملوية سنة ثلاث وستين وانقرض أمر بنى وانودين كان لم يكن والبقاء لله وحده وكل شئ هالك الا وجهه سبحانه وتعالى لارب سواه ولا معبود الا اياه وهو على كل شئ قدير فلفول بن سعيد قتله عبد الله بن ياسين والمرابطون ملك سجلماسة من يد المعتز بن محمد بن مدرار وعقد له عليها هشام المؤيد
مسعود بن وانودين بن خزرون بن فلفول بن خزر { الخبر عن ملوك طرابلس من بنى خزرون بن فلفول من الطبقة الاولى وأولية أمرهم وتصاريف أحوالهم } كان مغراوة وبنو خزر ملوكهم قد تحيزوا إلى المغرب الاقصى أمام لمكين ثم اتبعهم سنة تسع وستين في زحفه المشهور وأحجرهم بساحل سبتة حتى بعثوا صريخهم إلى المنصور وجاءهم إلى الجزيرة مشارفا لاحوالهم وأمدهم بجعفر بن يحيى ومن كان معه من ملوك البربر وزناتة فامتنعوا على بلكين ورجع عنهم فتقرأ أعمال المغرب وهلك في منصرفه سنة ثنتين وسبعين ورجع أحياء مغراوة وبنو يفرن إلى مكانهم منه وبعث المنصور الوزير حسن بن عبد الودود عاملا على المغرب وقدم سنة ست وسبعين واختص مقاتلا وزيرى ابني عطية بن عبد الله بن خزر بمزيد التكرمة ولحق نظراءهما من أهل بيتهما الغيرة من ذلك فنزع سعيد بن خزر بن فلفول بن خزر إلى صنهاجة سنة سبع وسبعين منحرفا عن طاعة الاموية ووافى المنصور بن بلكين ياشير منصرفه من احدى(7/39)
غزواته فتلقاه بالقبول والمساهمة وبالغ في تكرمته وعقد له على عمل طبنة سنة احدى وثمانين وخرج للقائه واحتفل في تكرمته ونزله وأدركه الموت بالقيروان فهلك لسنته ووفد ابنه فلفول من مكان عمله فعقد له على عمل أبيه وخلع عليه وزف إليه بنته وسوغه ثلاثين حملا من المال وثلاثين تختا من الثياب وقرب إليه مراكب بسروج مثقلة وأعطاه عشرة من البنود مذهبة وانصرف إلى عمله وهلك المنصور بن بلكين سنة خمس وثمانين وولى ابنه باديس فعقد لفلفول على عمله بطبنة ولما انتقض زيرى بن عطية على المنصور بن أبى عامر وسرح إليه ابنه المظفر كما قلناه فغلبه على أعمال المغرب ولحق زيرى بالقفر ثم عاج على المغرب الاوسط ونازل ثغور صنهاجة وحاصر تيهرت وبها يطوفت بن بلكين وزحف إليه حماد بن بلكين من أشير في العساكر من تلكاتة ومحمد بن
أبى العرب قائد باديس بعثه في عساكر صنهاجة من القيروان مددا ليطوفت وأوغر إلى فلفول وهو باشير ان يكون معهم ولقيهم زيرى بن عطية ففض جموعهم واستولى على معسكرهم واضطربت افريقية فتنة وتنكرت صنهاجة لمن كان بجهاتها من قبائل زناتة وخرج باديس بن المنصور من رقادة في العساكر إلى المغرب ولما مر بطبنة استقدم فلفول بن سعيد بن خزون ليستظهر به على حربه فاستراب واعتذر عن الوصول وسأل تجديد العهد إلى مقدم السلطان فأسعف ثم اشتدت استرابته ومن كان معه من مغراوة فارتحلوا عن طبنة وتركوها ولما أبعد باديس رجع فلفول إلى طبنة فعاث في نواحيها ثم فعل في تيجن كذلك ثم حاصر باغاية وانتهى باديس إلى أشير وفر زيرى بن عطية إلى صحراء المغرب ورجع على باديس بعد أن ولى على تاهرت وأشير عمه يطوفت بن لمكين وانتهى إلى المسيلة فبلغه خروج عمومته ماكس وزاوى وغرم ومقنين فخاف أبو بهار زيرى ولحق بهم من معسكره وبعث باديس في أثرهم عمه حماد بن بلكين ورحل هو إلى فلفول بن سعيد بعدان كان سرح عساكره إليه وهو محاصر باغاية فهزمهم وقتل قائدهم أبا رعبل ثم بلغه وصول باديس فأفرج عنها واتبعه باديس إلى مرجانة فتزاحفوا وقد اجتمع لفلفول من قبائل زناتة والبربر أمم فلم يثبتوا للقاء وانكشفوا عنه وانهزم إلى جبل الحناش ونزل القيطون بما فيه وكتب باديس بالفتح إلى القيروان وقد كان الارجاف أخذ منهم المأخذ وفر كثير منهم إلى المهدية وشرعوا في عمل الدروب بما كانوا يتوقعون من فلفول بن سعيد حين قتل أبارعبل وهزم جيوش صنهاجة وكانت الواقعة آخر سنة تسع وثمانين وانصرف باديس إلى القيروان ثم بلغه ان أولاد زيرى اجتمعوا مع فلفول بن سعيد وعاقدوه ونزلوا جميعا فحصروا تبسة فخرج باديس من القيروان إليهم فافترقوا ولحق العمومة بزيرى بن عطية ما خلا ماكسا وابنه(7/40)
حسنا فانهما أقامامع فلفول ورجع باديس في أثره سنة حدى وتسعين وانتهى إلى
بسكرة ففر فلفول إلى الرمال وكان زيرى بن عطية محاصرا لاشير أثناء هذه الفتنة فأفرج عنها ورجع عنها أبو البهار إلى باديس وقفل معه إلى القيروان وتقدم فلفول بن سعيد إلى نواحى قابس وطرابلس فاجتمع إليه من هنالك من زناتة وملك طرابلس على ما نذكره (وذلك) أن طرابلس كانت من أعمال مصر وكان العامل عليها بعد رحيل معد إلى القاهرة عبد الله بن يخلف الكتامى ولما هلك معد رغب بلكين من نزار العزيز اضافتها إلى عمله فأسعفه بها وولى عليها تمصولة بن بكار من خواص مواليه نقله إليها من ولاية بونة فلم يزل عليها إلى أن أرسل إلى الحاكم بمصر يرغب في الكون في حضرته وان يتسلم منه عمل طرابلس وكان برجوان الصقلى يستبد على الدولة وكان يغص بمكان يانس الصقلى منها فأبعده عن الحضرة لولاية برقة ثم لما تتابعت رغبة تمصولة صاحب طرابلس أشار برجوان ببعث يانس إليها فعقدله الحاكم عليها وأمره بالنهوض إلى عملها فوصلها سنة تسعين ولحق تمصولة بمصر وبلغ الخبر إلى باديس فسرح القائد جعفر بن حبيب في العساكر ليصده عنها وزحف إليه يانس فكانت عليه الهزيمة وقتل ولحق فتوح بن على من قواده بطرابلس فامتنع بها ونازله جعفر بن حبيب وأقام عليها مدة وبينما هو محاصر له إذ وصله كتاب يوسف بن عامر عامل قابس يذكر ان فلفول بن سعيد نزل على قابس وانه قاصد إلى طرابلس فرحل جعفر عن البلد إلى ناحية الجبل وجاء فلفول بن سعيد فنزل بمكانه وضاقت الحال بجعفر وأصحابه فارتحلوا مصممين على المناجزة وقاصدين قابس فتخلى فلفول عن طريقهم وانصرفوا إلى قابس وقدم فلفول مدينة طرابلس فتلقاه أهلها ونزل له فتوح بن على عن امارتها فملكها وأوطنها من يومئذ وذلك سنة احدى وتسعين وبعث بطاعته إلى الحاكم فسرح الحاكم يحيى بن على بن حمدون وعقد له على أعمال طرابلس وقابس فوصل إلى طرابلس وارتحل معه فلفول وفتوح بن على بن غفيانان في عساكر زناتة إلى حصار قابس فحاصروها مدة ورجعوا إلى طرابلس ثم رجع يحيى بن على إلى مصر
واستبد فلفول بعمل طرابلس وطالت الفتنة بينه وبين باديس ويئس من صريخ مصر فبعث بطاعته إلى المهدى محمد بن عبد الجبار بقرطبة وأوفد إليه رسله في الصريخ والمدد وهلك فلفول قبل رجوعهم إليه سنة أربعمائة واجتمعت زناتة إلى أخيه وروا بن سعيد وزحف باديس إلى طرابلس وأجفل وروا ومن معه من زناتة عنها ولحق باديس من كان بها من الجند فلقوه في طريقه وتمادى إلى طرابلس فدخلها ونزل قصر فلفول وبعث إليه وروا بن سعيد يسأل الامان له ولقومه فبعث إليه(7/41)
محمد بن حسن من صنائعه فاستقدم وفدهم بامانه فوصلهم وروا على نفزاوة والنعيم بن كنون على قسطينة وشرط عليهم أن يرحلوا بقومهم على أعمال طرابلس فرجعوا إلى أصحابهم وأرتحل باديس إلى القيروان وولى على طرابلس محمد بن الحسن ونزل وروا بنفزاوة والنعيم قسطينة (ثم انتقض) وروا سنة احدى وأربعمائة ولحق بجبال ايدمر فتعاقدوا على الخلاف واستضاف النعيم بن كنون نفزاوة إلى عمله ورجع خزرون بن سعيد عن أخيه وروا إلى السلطان باديس وقدم عليه بالقيروان سنة ثنتين وأربعمائة فتقبله ووصله وولاه عمل أخيه نفزاوة وولى بنى محلية من قومه على قفصه وصارت مدن لزناتة وزحف وروا بن سعيد فيمن معه من زناتة إلى طرابلس وبرز إليه عاملها محمد بن حسن فتواقعوا ودارت بينهم حروب شديدة انهزم فيها وروا وهلك الكثير من قومه ثم راجع حصارها وضيق على أهلها فبعث باديس إلى خزرون وأخيه وا النعيم بن كنون وأمراء الجريد من زناتة بأن يخرجوا لحرب صاحبهم فخرجوا إليه وتواقعوا بعبرة ما بين قابس وطرابلس ثم اتفقوا ولحق أصحاب خزرون بأخيه وروا ورجع خزرون إلى عمله واتهمه السلطان بالمداهنة في شأن أخيه وروا فاستقدمه من نفزاوة فاستراب وأظهر الخلاف وسرح السلطان إليه فتوح بن أحمد في العساكر فأجفل عن عمله واتبعه النعيم وسائر زناتة ولحقوا جميعا بوروا بن سعيد سنة أربع وتظاهروا على الخلاف ونصبوا
الحرب على مدينة طرابلس واشتد فساد زناتة فقتل السلطان من كان عنده من رهن زناتة واتفق وصول مقاتل بن سعيد نازعا عن أخيه وروا في طائفة من أبنائه وأخواله فقتلوا معهم جميعا وشغل السلطان بحرب عمه حماد ولما غلبه بشلب سنته وانصرف إلى القيروان بعث إليه وروا بطاعته ثم كان مهلك وروا سنة خمس وأربعمائة وانقسم قومه على ابنه خليفة وأخيه خزرون بن سعيد واختلفت كلمتهم ودس حسن بن محمد عامل طرابلس في التصريف بينهم ثم صار أكثر زناتة إلى خليفة وناجز عمه خزرون الحرب فغلبه على القيطون وضبط زناتة وقام فيهم بأمر أبيه وبعث بطاعته إلى السلطان باديس بمكانه من حصار القلعة فتقبلها ثم هلك باديس وولى ابنه المعز سنة ست وانتقض خليفة بن وروا عليه وكان أخوه حماد بن وروا يضرب على أعمال طرابلس وقابس ويواصل عليها الغارة والنهب إلى سنة ثلاث عشرة فانتقض عبد الله بن حسن صاحب طرابلس على السلطان وأمكنه من طرابلس وكان سبب ذلك ان المعز بن باديس لاول ولايته استقدم محمد بن حسن من عمله واستخلف عليه أخاه عبد الله بن حسن وقدم على المعز وفوض إليه أمر مملكته وأقام على ذلك سبعا وتمكنت(7/42)
حاله عند السلطان وكثرت السعاية به فنكب وقتله وبلغ الخبر إلى أخيه فانتقض كما قلناه وامكن خليفة بن وروا وقومه من مدينة طرابلس فقتلوا الصنهاجيين واستولوا عليها ونزل خليفة بقصر عبد الله وأخرجه عنه واستصفى أمواله وحرمه واتصل ملك خليفة ابن وروا وقومه بنى خزرون بطرابلس وخاطب الخليفة بالقاهرة الظاهر بن الحكم سنة سبع عشرة بالطاعة وضمان السابلة وتشييع الرفاق ويحفظ عهده على طرابلس فأجابه إلى ذلك وانتظم في عمله وأوفد في هذه السنة أخاه حمادا على المعز بهديته فتقبلها وكافأه عليها (هذا آخر ما حدث به) ابن الرقيق من أخبارهم ونقل ابن حماد وغيره أن المعز زحف أعوام ثلاثين وأربعمائة إلى زناتة بجهات طرابلس فبرزوا إليه وهزموه وقتلوا عبد الله
ابن حماد وسبوا أخته أم العلو بنت باديس ومنوا عليها بعد حين وأطلقوها إلى أخيها ثم زحف إليهم ثانية فهزموه ثم أتيحت له الكرة عليهم فغلبهم وأذعنوا لسطانه واتقوه بالمهادنة فاستقام أمرهم على ذلك وكان خزرون بن سعيد لما غلبه خليفة بن وروا على امارة زناتة لحق بمصر فأقام فيها بدار الخلافة ونشأ بنوه بها وكان منهم المنتصر بن خزرون وأخوه سعيد ولما وقعت الفتنة بين الترك والمغاربة بمصر وغلبهم الترك وأجلوهم عنها لحق المنتصر وسعيد بطرابلس وأقاما في نواحيها ثم ولى سعيد أمر طرابلس ولم يزل واليا عليها إلى أن هلك سنة تسع وعشرين (وقال أو محمد) التيجاني في رحلته عند ذكر طرابلس ولما قتلت زغبة سعيد بن خزرون سنة تسع وعشرين قدم خليفة بن خزرون من القيطون إلى ولايتها فأمكنه منها رئيس الشورى وبها يومئذ من الفقهاء أبو الحسن بن المنتصر المشتهر بعلم الفرائض وبايع له وقام بها خزرون إلى سنة ثلاثين بعدها فقام المنتصر بن خزرون في ربيع الاول منها ومعه عساكر زناتة ففر خزرون بن خليفة من طرابلس مختفيا وملكها المنتصر بن خزرون وأوقع بابن المنتصر ونفاه واتصلت بها امارته انتهى ما نقله التيجاني (وهذا الخبر) مشكل من جهة أن زغبة من العرب الهلاليين وانما جاؤا إلى افريقية من مصر بعد الاربعين من تلك المائة فلا يكون وجودهم بطرابلس سنة تسع وعشرين الا ان كان تقدم بعض أحيائهم إلى افريقية من قبل ذلك فقد كان بنو مرة ببرقة بعثهم الحاكم مع يحيى بن على بن حمدون الا أن ذلك لم ينقله أحد ولم تزل طرابلس بأيدى بنى خزرون الزناتيين ولما وصل العرب الهلاليون وغلبوا المعز بن باديس على أعمال افريقية واقتسموها كانت قابس وطرابلس في قسمة زغبة والبلد لبنى خزرون ثم استولى بنو سليم على الضاحية وغلبوا عليها زغبة ورحلوهم عن تلك المواطن ولم تزل البلد لبنى خزرون وزحف المنتصر بن خزرون مع بنى عدى من قبائل هلال مجلبا على بنى حماد حتى نزل المسيلة ونزل أشير ثم(7/43)
خرج إليهم الناصر ففر أمامه إلى الصحراء ورجع إلى القلعة فرجعوا إلى الاحلاف على اعماله فراسله الناصر على الصلح وأقطعه ضواحي الزاب وريغة وأوعز إلى عروس ابن سندى رئيس بسكرة لعهده أن يمكر به فلما وصل المنتصر إلى بسكرة أنزله عروس ثم قتله غيلة أعوام ستين وأربعمائة وولى طرابلس آخر من بنى خزرون لم يحضرني اسمه واختل ملك صنهاجة واتصل فيهم ملك تلك الاعمال إلى سنة أربعين وخمسمائة ثم نزل بطرابلس ونواحيها في هذا العام مجاعة وأصابهم منها شدة هلك فيها الناس وفروا عنها وظهر اختلال أحوالها وفناء حاميتها فوجه إليها لحار طاغية صقلية اسطولا لحصارها بعد استيلائه على المهدية وصفاقس واستقرار ولايته فيهما ووقع بين أهل طرابلس الخلاف فغلب عليهم جرحى بن ميخايل قائد الاسطول وملكها وأخرج منها بنى خزرون وولى على البلد شيخهم أبا يحيى بن مطروح التميمي فانقرض أمر بنى خزرون منها وبقى منهم من بقى بالضاحية إلى ان افتتح الموحدون افريقية آخر الدولة الصنهاجية والملك لله وحده يؤتيه من يشاء من عباده سبحانه لا اله غيره سعيد بن خزرون المنتصر فلفول زروال خزرون بن خليفة بن وروا بن سعيد بن خزرون بن فلفول بن خزر { الخبر عن بنى يعلى ملوك تلمسان من آل خزر من أهل الطبقة الاولى والالمام ببعض دولهم ومصائرها } قد ذكرنا في أخبار محمد بن خزر وبنيه محمد أن محمد بن الخير الذى قتل نفسه في معركة بلكين كان من ولده الخير ويعلى وأنهما اللذان ثأرا منه بأبيهما زيرى فقتلوه واتبعهم بلكين من بعد ذلك وأجلاهم إلى المغرب الاقصى حتى قتل منهم محمد صبرا أعوام ستين(7/44)
وثلثمائة بنواحي سجلماسة قبل وصول معد إلى القاهرة وولاية بلكين على افريقية وقام بأمر زناتة بعد الخير محمد وعمه يعلى بن محمد وتكررت اجازة محمد بن الخير هذا وعمه يعلى إلى المنصور بن أبى عامر كما ذكرنا ذلك من قبل وغلبهم ابنا عطية بن عبد الله بن خزر وهما مقاتل وزيرى على رياسة مغراوة وهلك مقاتل واختص المنصور زيرى بن عطية باثرته وولاه على المغرب كما ذكرناه وقارن ذلك مهلك بلكين وانتقاض أبى البهار ابن زيرى صاحب المغرب الاوسط على باديس فكان من شأنه مع زيرى ويدوى بن يعلى ما قدمناه ثم استقل زيرى وغلبهم جميعا على المغرب ثم انتقض على المنصور فأجاز إليه ابنه المظفر وأخرج زناتة من المغرب الاوسط فتوغل زيرى في المغرب الاوسط ونازل أمصاره وانتهى إلى المسيلة واشير وكان سعيد بن خزرون قد نزع إلى زناتة وملكوا طبنة واجتمع زناتة بافريقية عليه وعلى ابنه فلفول من بعده وانتقض فلفول على باديس عند زحف زيرى إلى المسيلة واثير وشغل باديس ثم ابنه المنصور على المغرب الاوسط بحروب فلفول وقومه ودفعوا إليه حماد بن بلكين فكانت بينه وبين زناتة حروب سجال وهلك زيرى بن عطية واستقل المعز وابنه بملك المغرب سنة ثلاث وتسعين وثلثمائة وغلب صنهاجة على تلمسان وما إليها واختط مدينة وجدة كما ذكرنا ذلك كله من قبل ونزل يعلى بن محمد مدينة تلمسان فكانت خالصة له وبقى ملكها وسائر ضواحيها في عقبه ثم هلك حماد بعد استبداده ببلاد صنهاجة على آل بلكين وشغل بنوه بحرب بنى باديس فاستوسق ملك بنى يعلى خلال ذلك بتلمسان واختلفت أيامهم مع آل حماد سلما وحربا ولما دخل العرب الهلاليون افريقية وغلبوا المعز وقومه عليها واقتسموا سائر أعمالها ثم تخطوا إلى اعمال بنى حماد فأحجروهم بالقلعة وغلبوهم على الضواحى فرجعو إلى استئلافهم واستخلصوا الاثبج منهم وزغبة فاستظهروا بهم على زناتة المغرب الاوسط وأنزلوهم بالزاب وأقطعوهم الكثير من أعماله فكانت بينهم
وبين بنى يعلى أمراء تلمسان حروب ووقائع وكان زغب أقرب إليهم بالمواطن وكان أمير تلمسان لعهدهم يحيى من ولد يعلى وكان وزيره وقائد حروبه أبا سعيد بن خليفة بن اليفرنى فكان كثيرا ما يخرج بالعساكر من تلمسان لقتال عرب الاثبج وزغبة ويحتشد من إليها من زناتة من أهل المغرب الاوسط مثل مغراوة وبنى يفرن وبنى يلومو وبنى عبد الواد وتوجين وبنى مرين وهلك في بعض تلك الملاحم هذا الوزير أبو سعيد أعوام خمسين وأربعمائة (ثم ملك) المرابطون أعمال المغرب الاقصى بعد مهلك يحيى وولاية ابنه العباس بن يحيى بتلمسان وسرح يوسف بن تاشفين قائده قردلى بن في عساكر لمتونة لحرب من بقى بتلمسان من مغراوة ومن لحق بهم(7/45)
من فل بنى زيرى وقومهم فدوخ المغرب الاوسط وظفر بمعلى بن العباس بن بختى برز لمدافعتهم فهزمه وقتله وانكف راجعا إلى المغرب ثم نهض يوسف بن تافشين بنفسه في جموع المرابطين سنة ثلاث وسبعين فافتتح تلمسان واستلحم بنى يعلى ومن كان بها من مغراوة وقتل العباس بن بختى أميرها من بنى يعلى ثم افتتح وهران وتنس وملك جبل وانشريس وشلب إلى الجزائر وانكف راجعا وقد محى أثر مغراوة من المغرب الاوسط وأنزل محمد بن تينعمر المسوفى في عسكر من المرابطين بتلمسان واختط مدينة تاكرارت بمكان معكسره وهو اسم المحلة بلسان البربر وهى التى صارت اليوم مع تلمسان القديمة التى تسمى أكادير بلدا واحدا وانقرض أمر مغراوة من جميع المغرب كان لم يكن والبقاء والله وحده سبحانه معلى بن العباس بن بختى بن بن يعلى بن محمد بن الخير بن محمد بن خزر * (الخبر عن أمراء اغمات من مغراوة) * لم أقف على أسماء هؤلاء الا انهم أمراء بأغمات آخر دولة بنى زيرى بفاس وبنى يعلى اليفرنى بسلا وتادلا في جوار المصامدة وبر غواطة وكان لقوط بن يوسف بن على آخرهم
في سنى الخمسين وأربعمائة وكانت امرأته زينب بنت اسحق النفزاوية من احدى نساء العالم المشهورات بالجمال والرياسة ولما غلب المرابطون على اغمات سنة تسع وأربعين فر لقوط هذا إلى تادلا سنة احدى وخمسين وقتل الامير محمد واستلحم بنى يفرن فكان فيمن استلحم وخلفه أبو بكر بن عمر أمير المرابطين على زينب بنت اسحق حتى إذا ارتحل إلى الصحراء سنة ثلاث وخمسين واستعمل ابن عمه يوسف بن تاشفين على المغرب نزل له عن زوجه زينب هذه فكان لها رياسة أمره وسلطانه وما أشارت إليه عند مرجع أبى بكر من الصحراء في اظهار الاستبداد حتى تجافى عن منازعته وخلص ليوسف بن تاشفين ملكه كما ذكرناه في أخبارهم ولم نقف من لقوط بن يوسف وقومه على غير هذا الذى كتبناه والله ولى العون سبحانه { الخبر عن بنى سنجاس وريغة والاغواط وبنى ورا من قبائل مغراوة من أهل الطبقة الاولى وتصاريف أحوالهم } هذه البطون الاربعة من بطون مغراوة وقد زعم بعض الناس أنهم من بطون زناتة غير مغراوة أخبرني بذلك الثقة عن ابراهيم بن عبد الله التمروغتى قال وهو نسابة زناتة لعهده ولم تزل هذه البطون الاربعة من أوسع بطون مغراوة (فأما) بنو سنجاس فلهم مواطن في كل عمل من افريقية والمغربين فمنهم قبلة المغرب الاوسط بجبل راشد وجبل كريكرة وبعمل الزاب وببلاد شلب ومن بطونهم بنو عيار ببلاد شلب أيضا وبنو عيار(7/46)
بأعمال قسنطينة وكان بنو سنجاس هؤلاء من أوسع القبائل وأكثرهم عددا وكان لهم في فتنة زناتة وصنهاجة آثار بافريقية والمغرب وأكثرها في افساد السبيل والعيث في المدن ونازلوا قفصة سنة أربع عشرة وخمسمائة بعد ان عاثوا بجهات القصر وقتلوا من وجدوا هنالك من عسكر تلكاتة وخرجت إليهم حامية قفصة فأثخنوا فيهم ثم كثر فسادهم وسرح السلطان قائده محمد بن أبى العرب في العساكر إلى بلاد الجريد فشردهم عنها وأصلح السابلة ثم عادوا إلى مثلها سنة خمس عشرة فأوقع بهم قائد بلاد
الجريد وأثخن فيهم بالقتل وحمل رؤسهم إلى القيروان فعظم الفتح ولم تزل الدولة فيهم بالقتل والاثخان إلى أن كسروا من شوكتهم وجاء العرب الهلاليون وغلبوا على الضواحى كل من كان بها من صنهاجة وزناتة وتحيز فلهم إلى الحصون والمعاقل وضربت عليهم المغارم الا ما كان ببلاد المغرب القفر مثل جبل راشد فانهم لبعدهم عن منازل الملك لا يعطون مغرما الا أنه غلب عليهم العمور من بطون الهلاليين ونزلوا معهم وملكوا عليهم أمرهم وصاروا لهم فيه ومن بنى سنجاس من نزل الزاب وهم لهذا العهد أهل مغارم لمن غلب على ثغورهم من مشايخهم وأما من نزل منهم ببلاد شلب ونواحى قسنطينة فهم لهذا العهد أهل مغارم للدول وكان دينهم جميعا الخارجية على سنن زناتة في الطبقة الاولى ومن بقى منهم اليوم بالزاب فعلى ذلك ومن بنى سنجاس هؤلاء بأرض المشيل من جبل بنى راشد وطنوا جبلا في جواره غمرة وصاروا عند تغلب الهلاليين في ملكهم يقبضون الاتاوة منهم ونزل منهم لهذا العهد الصحارى من بطون عروة من زغبة وغلبوهم على أمرهم وأصاروهم خولا (وأما بنو ريغة) فكانوا أحياء متعددة ولما افترق أمر زناتة تحيز منهم إلى جبل عياض وما إليه من البسيط إلى تعاوس وأقاموا في قياطينهم فمن كان بجبل عياض منهم أهل مغارم لامراء عباض يقبضونها للدولة الغالبة ببجاية وأما من كان ببسيط تعاوس فهم في اقطاع العرب لهذا العهد ونزل أيضا الكثير منهم ما بين قصور الزاب وواركلا فاختطوا قصورا كثيرة في عدوتى واد ينحدر من المغرب إلى المشرق يشتمل على المصر الكبير والقرية المتوسطة والاطم قد رف عليها الشجر ونضدت حفا فيها النخيل وانساحت خلالها المياه وزهت ينابعها الصحراء وكثر في قصورها العمران من ريغه هؤلاء وبهم تعرف لهذا العهد وهم أكثرها ومن بنى سنجاس وبنى يفرن وغيرهم من قبائل زناتة وتفرقت جماعتهم للتنازع في الرياسة فاستقلت كل طائفة منهم بقصور منها أو بواحد ولقد كانت فيما يقال أكثر من هذا العدد أضعافا وان ابن غانية الستوفى حين كان يجلب على بلاد افريقية والمغرب
في فتنته مع الموحدين خرب عمرانها واجتث شجرها وغور مياهها ويشهد لذلك آثار(7/47)
العمران بها في اطلال الديار ورسوم البناء واعجاز النخل المنقعر وكان هذا العمل يرجع في أول الدولة الحفصية لعامل الزاب وكان من الموحدين ونزل بسكرة ما بينها وبين مغرة وكان من اعماله قصور واركلا أيضا ولما فتك المنتصر بمشيخة الزواودة كما قلناه في أخباره وقتلوا بعد ذلك عامل الزاب بن عتوا من مشيخة الموحدين وغلبوا على ضواحي الزاب وواركلا وأقطعتهم اياها الدول بعد ذلك فصارت في اقطاعهم ثم عقد صاحب بجاية بعد ذلك على العمل كله لمنصور بن مزنى واستقر في عقبه فربما يسيمون بعض الاحيان أهل تلك القصور المغرم للسلطان بما كان من الامر القديم ويعسكر عليهم في ذلك كتائب رجل الزاب وخيالة العرب ويبرز عليها بأمر الزواودة ثم يقاسمهم فيما يمتريه منهم وأكبر هذه الامصار يسمى تقرت مصر مستبحر العمران بدوى الاحوال كثير المياه والنخل ورياسته في بنى يوسف بن عبد الله وتغلب على واركلا من يد أبى بكر بن موسى لزمان حداثته وأضافها إلى عمله ثم هلك وصار أمر تقرت لاخيه مسعود ابن عبيد الله ثم لابنه حسن بن مسعود ثم لابنه أحمد بن حسن شيخها لهذا العهد وبنو يوسف بن عبد الله هؤلاء من ريغة ويقال انهم من سنجاس وفى أهل تلك الامصار من المذاهب الخوارج وفرقهم كثير وأكثرهم على دين العزابية ومنهم النكارية أقاموا على انتحال هذه الخارجية لبعدهم عن منال الاحكام ثم بعد مدينة تقرت بلد تماسين وهى دونها في العمران والخطة ورياسته لبنى ابراهيم بن من ريغة وسائر أمصارهم كذلك كل مصر منها مستبد بأمره وحرب نجاره (وأما لقواط) وهم فخذ من مغراوة أيضا فهم في نواحى الصحراء ما بين الزاب وجبل راشد ولهم هنالك قصر مشهور بهم فيه فريق من أعقابهم على سغب من العيش لتوغلهم في القفر وهم مشهورون بالنجدة والامتناع من العرب وبينهم وبين الروس أقصى عمل الزاب
مرحلتان وتختلف قصودهم إليهم لتحصيل المرافق منهم والله يخلق ما يشاء ويختار (وأما بنو ورا) فهم فخذ من مغراوة أيضا ويقال من زناتة وهم متشعبون ومفترقون بنواحي المغرب منهم بناحية مراكش والسوس ومنهم ببلاد شلب ومنهم بناحية قسنطينة ولم يزالوا على حالهم منذ انقراض زناتة الاولين وهم لهذا العهد أهل مغارم وعسكرة مع الدول وأكثر الذين كانوا بمراكش قد انتقل رؤساؤهم إلى ناحية شلب نقلهم يوسف بن يعقوب سلطان بنى مرين في أول هذه المائة الثامنة لما ارتاب بأمرهم في تلك الناحية وخشى من افسادهم وعيثهم فنقلهم في عسكر إلى موطن شلب لحمايته فنزلوا به ولما ارتحل بنو مرين من بعد مهلك يوسف بن يعقوب أقاموا ببلاد شلب فأعقابهم بها لهذا العهد وأحوالهم جميعا في كل قطر متقاربة في المغرم والعسكرة(7/48)
مع السلطان ولله الخلق والامر جميعا سبحانه لا اله الا هو الملك العظيم * (الخبر عن بنى يرنيان اخوة مغراوة وتصاريف أحوالهم) * وهم منبثون كثيرا بين زناتة في المواطن وأما الجمهور منهم فموطنهم بملوية من المغرب الاقصى ما بين سجلماسة وكرسيف كانوا هناك مجاورين لمكناسة في مواطنهم واختطوا حفافى وادى ملوية قصورا كثيرة متقاربة الخطة ونزلوها وتعددت بطونهم وأفخاذهم في تلك الجهات ومنهم بنو وطاط متوطنون لهذا العهد بالجبال المطلة على وادى ملوية من جهة القبلة ما بينه وبين تازى وفاس وبهم تعرف تلك القصور لهذا العهد وكان لبنى يرنيان هؤلاء صولة واعتزاز وأجاز الحكم المستنصر منهم والمنصور بن أبى عامر من بعده فيمن أجازوه من زناتة في المائة الرابعة وكانوا من أفحل جند الاندلس وأشدهم شوكة وبقى أهل المواطن منهم في مواطنهم مع مكناسة أيام ملكهم بالمغرب الاقصى ولما ملك لمتونة والموحدون من بعدهم لحق الطواعن منهم بالقفر فاختطوا بأحياء بنى مزين الموالين لتلول المغرب من زناتة أقاموا معهم في أحيائهم وبقى
من عجز عن الظعن منهم بمواطنهم مثل بنى وطاط وغيرهم ففرضت عليهم المغارم والجبايات ولما دخل بنو مزين للمغرب ساهموهم في اقتسام أعماله وأقطعوهم البلد الطيب من ضواحي سلا والمعمورة زيادة إلى وطنهم الاول بملوية وأنزلوهم بنواحي سلا بعد أن كان منهم انحراف عنهم في سبيل المدافعة عن أوطانهم الاولى ثم اصطلحوا ورعى لهم بنو عبد الحق سابقتهم معهم فاصطفوهم للوزارة والتقدم في الحرب ودفعوهم إلى المهمات وخلطوهم بانفسهم وكان من أكابر رجالاتهم لعهد السلطان أبى يعقوب وأخيه أبى سعيد الوزير ابراهيم بن عيسى استخلصوه للوزارة مرة بعد أخرى واستعمله السلطان أبو سعيد على وزارة ابنه أبى على ثم لوزارته واستعمل ابنه السلطان أبو الحسن ابناء ابراهيم هذا في أكابر الخدمة فعقد لمسعود بن ابراهيم على أعمال السوس عندما فتحها أعوام الثلاثين والسبعمائة ثم عزله بأخيه حسون وعقد لحسون على بلاد الجريد من افريقية عند فتحه اياها سنة ثمان وأربعين وكان فيها مهلكه ونظم أخاهما موسى في طبقة الوزارة ثم أفرده بها أيام نكبته والحاقه بجبل هنتاتة واستعمله السلطان أبو عنان بعد في العظيمات وعقد له على أعمال مدو يكش بنواحي قسنطينة ورشح ابنه محمد السبيع لوزارته إلى ان هلك وتقلبت بهم الايام بعده وقلد عبيد الحميد المعروف بحلى بن السلطان أبى على وزارته محمد بن السبيع بعد هذا أيام حصاره لدار ملكهم سنة ثنتين وستين كما نذكره في أخبارهم فلم يقدر لهم الظفر ثم راجع السبيع بعدها إلى محله من دار السلطان وطبقة الوزارة ومازال يتصرف في الخدم الجليلة والاعمال(7/49)
الواسعة ما بين سجلماسة ومراكش وأعمال تازى وتادة وغمارة وهو على ذلك لهذا العهد والله وارث الارض ومن عليها سبحانه لا اله غيره * (الخبر عن وجديجن واوغمرت من قبائل زناتة ومبادي أحوالهم وتصاريفهم) * قد تقدم أن هذين البطنين من بطون زناتة من ولد ورتنيص بن جانا وكان لهم عدد وقوة
ومواطنهم مفترقة في بلاد زناتة فأما وجديجن فكان جمهورهم بالمغرب الاوسط ومواطنهم منه منداس مابين بنى يفرن من جانب المغرب ولواتة من جانب القبلة في السرسو ومطماطة في جانب الشرق في وانشريس وكان أميرهم لعهد يحيى بن محمد اليفرنى رجل منهم اسمه عنان وكان بينهم وبين لواتة الموطنين بالسرسو فتنة متصلة يذكر أنها بسبب امرأة من وجديجن نكحت في لواتة وتلاحا معها نساء قيطونهم فعيرنها بالفقر فكتبت بذلك لى عنان تدمره فغضب واستجاش أهل عصبته من زناتة وجيرانه فزحف معه يعلى في بنى يفرن وكلمام بن حياتي في مغيلة وغرابة في مطماطة ودارت الحرب بينهم وبين لواتة مليا ثم غلبوا لواتة على بلاد السرسو وانتهوا بهم إلى كدية لعابد من آخرها وهلك عنان شيخ وجد يجن في بعض تلك الوقائع بملاكوا من جهات السرسو ثم لجأت زناتة إلى جبل كريرة قبلة السرسو وكان يسكنه أحياء من مغراوة يعرف شيخهم لذلك العهد علاهم ربيب شيخهم عمر بن تامصا الهالك قبله ومعنى تامصا بلسان البربر الغول ولما لجأت لواتة إليه غدر بهم وأغرى قومه فوضعوا أيديهم فيهم قتلا وسلبا فلاذوا بالفرار ولحقوا بجبل معود وجبل دراك فاستقروا هناك آخر الدهر وورثت وجديجن مواطنهم بمنداس إلى ان غلبهم عليها بنو يلومين وبنو ومانو كل من جهته ثم غلب الآخرين عليها بنو عبد الواد وبنو توجين إلى هذا العهد والله وارث الارض ومن عليها (وأما أو غمرت) ويمسى لهذا العهد غمرت وهم اخوة وجديجن من ولد ورتنيص بن جانا كما قلناه فكانوا من أوفر القبائل عددا ومواطنهم متفرقة وجمهورهم بالجبال إلى قبلة بلاد صنهاجة من المستنتل إلى الدونس وكان لهم مع أبى يزيد صاحب الحمار في الشيعة آثار وأوقع بهم اسمعيل القائم عند ظهوره على أبى يزيد وأثخن فيهم وكذلك بلكين وصنهاجة من بعده ولما افترق أمر صنهاجة لحماد وبنيه كانوا شيعا لهم على بلكين ونزع عن حماد أيام متنته ابن أبى حلى من مشيختهم وكان مختصا بهم إلى باديس فوصله وحمل أصحابه وعقد له على طبنة وأعمالها حتى إذا جاء العرب
الهلاليون وغلبوهم على الضواحى اعتصموا بتلك الجبال قبلة المسيلة وبلاد صنهاجة وقعدوا بها عن الظعن وتركوا القيطون إلى سكنى المدن ولما تغلب الزواودة على ضواحي الزاب وما إليها أقطعتهم الدولة مغارم هذه الجبال التى تعمرت وهم لهذا العهد(7/50)
في سهمان أولاد يحيى بن على بن سباع من بطونهم وكان في القديم من غمرت هؤلاء كاهن زناتة موسى بن صالح مشهور عندهم حتى الان ويتناقلون بينهم كلماته برطانتهم على طريق الرجز فيها أخبار بالحدثان فيما يكون لهذا الجيل الزناتى من الملك والدولة والتغلب على الاحياء والقبائل والبلدان شهد كثير من الواقعات على وفقها بصحتها حتى لقد نقلوا من بعض كلماته ما معناه باللسان العربي ان تلمسان مآلها الخراب وتصير دورها فدنا حتى يثير أرضها حراث أسود يثور أسود أعور وذكر الثقات انهم عاينوا ذلك بعد انتشار كلماته هذه أيام لحقها الخراب في دولة بنى مزين الثانية سنة ستين وسبعمائة وأفرط الخلاف بين هذا الجيل الزناتى في التشيع له والحمل عليه فمنهم من يزعم انه نبى أو ولى وآخرون يقولون كاهن شيطان ولم توقفنا الاخبار الصحيحة على الجلى من أمره والله سبحانه وتعالى أعلم لارب غيره { الخبر عن بنى واركلا من بطون زناتة والمصر المنسوب إليهم بصحراء افريقية وتصاريف أحوالهم } بنو واركلا هؤلاء احدى بطون زناتة كما تقدم من ولد فرنى بن جانا وقد مر ذكرهم وان اخوتهم الديرت ومرنجيصه وسبرترة ونمالة والمعروفون لهذا العهد منهم بنوا واركلا وكانت فئتهم قليلة وكانت مواطنهم قبلة الزاب واختطوا المصر المعروف بهم لهذا العهد على ثمان مراحل من بسكرة في القبلة عنها ميامنة إلى المغرب بنوها قصورا متقابلة متقاربة الخطة ثم استبحر عمرانها فأتلفت وصارت مصرا واحدا وكان معهم هناك جماعة من بنى زنداك من مغراوة واليهم كان هرب أبى زيد النكارى عند فراره من
الاعتقال سنة خمس وعشرين وثلثمائة وكان مقامه بينهم سنة يختلف إلى بنى برزال قبلة المسيلة بسالات والى قبائل البربر بجبل أوراس يدعوهم جميعا إلى مذهب النكارية إلى أن أرتحل إلى أوراس واستبحر عمران هذا المصر واعتصم به بنو واركلا هؤلاء والكثير من ظواعن زناتة عند غلب الهلاليين اياهم على الضواحى واختصاص الاثبج بضواحي القلعة والزاب وما إليها ولما استبد الامير أبو زكريا بابن أبى حفص بملك افريقية وجال في نواحيها في اتباع بن غانية مر بهذا المصر فأعجبه وكلف بالزيادة في تمصيره فاختط مسجده العتيق وماذنته المرتفعة وكتب عليها اسمه وتاريخ وضعه نقشا في الحجر وهذا البلد لهذا العهد باب لولوج السفر من الزاب إلى المفازة الصحراوية المفضية إلى بلاد السودان يسكنها التجار الداخلون لها بالبضائع وسكانه لهذا العهد من بنى واركلا واعقاب اخوانهم من بنى يفرن ومغراوة ويعرف رئيسه باسم السلطان شهرة غير نكيرة بينهم ورياسته لهذه الاعصار مخصوصة ببنى أبى عبدل ويزعمون انهم(7/51)
من بنى واكين احدى بيوت بنى واركلا ولهذا العهد أبو بكر بن موسى بن سليمان من بنى أبى عبدل ورياستهم متصلة في عمود هذا النسب وعلى عشرين مرحلة من هذا في القبلة منحرفا إلى المغرب بيسير بلد تكرت قاعدة وطن الملثمين وركاب الحجاج من السودان اختطه الملثمون من صنهاجة وهم سكانه لهذا العهد وصاحبه أمير من بيوتاتهم يعرفونه باسم السلطان وبينه وبين أمير الزاب مراسلة ومهاداة (ولقد) قدمت على بسكرة سنة أربع وخمسين أيام السلطان أبى عنان في بعض الاغراض السلطانية ولقيت رسول صاحب تكرت عند يوسف بن مزنى أمير بسكرة وأخبرني عن استبحار هذا المصر في العمارة ومرور السابلة وقال لى اجتاز بنا هذا العام سفر من تجار المشرق إلى بلد مالى كانت ركابهم اثنى عشر ألف راحلة وذكر لى غيره أن ذلك هو الشأن في كل سنة وهذا البلد في طاعة سلطان مالى من السودان كما في سائر الصحراوية
المعروفة بالملثمين لهذا العهد والله غالب على أمره سبحانه * (الخبر عن دمر من بطون زناتة ومن ولى منهم بالاندلس وأولية ذلك ومصائره) * بنو دمر هؤلاء من زناتة وقد تقدم أنهم من ولد ورسيك بن الديرت بن جانا وشعوبهم كثيرة وكانت مواطنهم بافريقية في نواحى طرابلس وجبالها وكان منهم آخرون ظواعن من عرب افريقية ومن بطون بنى دمر هؤلاء بنو ورغمة وهم لهذا العهد مع قومهم بجبال طرابلس ومن بطونهم أيضا بطن متسع كثير الشعوب وهم بنو وريندين ابن وانتن بن وارديرن بن دمروان من شعوبهم بنى ورتاتين وبنى عزرول وبنى تغورت وربما يقال ان هؤلاء الشعوب لا ينتسبون إلى بنى وريندين كما تقدم وبقايا بنى وريندين لهذا العهد بالجبل المطل على تلمسان بعد ان كانوا في البسيط قبلته فزاحمهم بنو راشد حين أجلوهم من بلادهم بالصحراء إلى التل وغلبوهم على تلك البسائط فانزاحو إلى الجبل المعروف بهم لهذا العهد وهو المطل على تلمسان وكان قد أجاز إلى الاندلس من بنى دمر هؤلاء أعيان ورجالات حرب فيمن أجاز إليها من زناتة وسائر البربر أيام أخذهم بدعوة المنتصر فضمهم السلطان إلى عسكره واستظهر بهم المنصور بن أبى عامر من بعد ذلك على شأنه وقوى بهم المستعين أديم دولته ولما اعصوصب البربر على المستعين وبنى حمود من بعده وغالبوا جنود الاندلس من العرب وكانت الفتنة الطويلة بينهم التى نثرت سلك الخلافة وفرقت شمل الجماعة واقتسموا خطط الملك وولايات الاعمال وكان من رجالاتهم نوح الدمرى وكان من عظماء أصحاب المنصور وولاه المستعين أعمال مورور واركش فاستبد بها سنة أربع في عمار الفتنة وأقام بها سلطانا لنفسه إلى أن هلك سنة ثلاث وثلاثين فولى ابنه أبا مناد محمد بن نوح وتلقب بالحاجب عز الدولة في فرن شان ملوك الطوائف وكانت بينه وبين ابن عباد شأن(7/52)
غرب الاندلس ومر المعتضد في بعض أسفاره بحصن أركش وتطوف به مختفيا فقبض
عليه بعض أصحاب بن نوح وساقه إليه فخلى سبيله وأولاه كرامة احتسبها عنده يدا وذلك سنة ثلاث وأربعين فانطلق إلى دار ملكه ورجع بعدها إلى ولاية الملوك الذين حوله من البربر وأسجل لابن نوح هذا على عمل اركش ومورور فيمن أسجل له منهم فصاروا إلى مخالصته إلى أن استدعاهم سنة خمس وأربعين بعدها إلى صنع ودعا إليه الجفلى من أهل أعماله واختصه بدخول حمام أعده لهم استبلاغا في تكريمهم وتخلف ابن نوح عنده من بينهم فلما حصلوا داخل الحمام أطبقه عليهم وسد المنافس للهوى دونهم إلى أن هلكوا ونجا منهم ابن نوح لسالفة يده وطير في الحين من تسلم معاقلهم وحصونهم فانتظمها في أعماله وكان منها رندة وشريش وسائر أعمالها وهلك من بعد ذلك الحاجب أبو مناد بن نوح سنة وولى ابنه أبو عبد الله ولم يزل المعتضد يضايقه إلى أن انخلع سنة ثمان وخمسين فانتظمها في أعماله وسار إليه محمد أبى مناد إلى أن هلك سنة ثمان وستين وانقرض ملك بنى نوح والبقاء لله وحده سبحانه أبو عبد الله بن الحاجب أبى مناد محمد بن نوح الدمرى { الخبر عن بنى برزال احدى بطون دمر وما كان لهم من الحال بقرموتة وأعمالها من الاندلس أيام الطوائف وأولية ذلك ومصائره } قد تقدم لنا ان بنى برزال هؤلاء من ولد وريندين بن وانتن بن وارديرن بن دمر كما ذكره ابن حزم وان اخوتهم بنو يصدرين وبنو صمغان وبنو يطوفت وكان بنو برزال هؤلاء بافريقية وكانت مواطنهم منها جبل سالات وما إليها من أعمال المسيلة وكان لهم ظهور ووفور عدد وكانوا نكارية من فرق الخوارج ولما فر أبو زيد أمام اسمعيل المنصور وبلغه ان محمد بن خزر يترصد له أجمع الاعتصام بسالات وصعد إليه وأرهقته عساكر المنصور فانتقل عنه إلى كنانة وكان من أمره ما قدمناه ثم استقام بنو برزال عى طاعة الشيعة وموالاة جعفر بن على بن حمدون صاحب المسيلة والزاب حتى صاروا له شيعا (ولما انتقض) جعفر بن معد سنة ستين وثلثمائة كان بنو برزال هؤلاء في جملته من أهل خصوصيته فأجازوا معه البحر إلى الاندلس أيام الحكم المستنصر فاستخدمهم ونظمهم
في طبقات جنده إلى من كان به من قبائل زناتة وسائر البربر أيام أخذهم بالدعوة الاموية ومحاربتهم عليها للادارسة فاستقروا جميعا بالاندلس وكان لبنى برزال من بينهم ظهور وغنى مشهور (ولما أراد) المنصور بن أبى عامر الاستبداد على خليفته هشام وتوقع النكير من رجالات الدولة وموالى الحكم استكثر بنى برزال وغيرهم من البربر وأفاض فيهم الاحسان فاعتز امره واشتد أزره حتى أسقط رجال الدولة ومحى رسومها(7/53)
وأثبت أركان سلطانه ثم قتل صاحبهم جعفر بن يحيى كما ذكرناه خشية عصبيته بهم واستمالهم من بعده فأصبحوا له عصبية وكان يستعملهم في الولايات النبيهة والاعمال الرفيعة وكان من أعيان بنى برزال هؤلاء اسحق بن فولاه قرمونة وأعمالها فلم يزل عليها أيام بنى عامر وجدد له العقد عليها المستعين في فتنة البرابرة ووليها من بعده ابنه عبد الله (ولما انقرض) ملك بنى حمود من قرطبة ودفع أهلها القاسم المأمون عنهم سنة أربع عشرة أراد اللحاق بأشبيلية وبها نائبه محمد بن أبى زيرى من وجوه البربر وبقرمونة عبد الله بن اسحق البرزالى فداخلهما القاضى ابن عباد في خلع طاعة القاسم وصده عن العملين فأجابا إلى ذلك ثم دس للقاسم بالتحذير من عبد الله بن اسحق فعدل القاسم عنهما جميعا إلى شريش واستبد كل منهم بعمله ثم هلك عبد الله من بعد ذلك وولى ابنه محمد سنة وكانت بينه وبين المعتمد بن عباد حرب وظاهر عليه يحيى بن على بن حمود في منازلة أشبيلية سنة ثمان عشرة ثم اتفق مع ابن عباد بعدها وظاهره على عبد الله الافطس وكانت بينهما حرب كانت الدائرة فيها على ابن الافطس وحصل ابنه المظفر قائد العسكر في قبضة محمد بن عبد الله بن اسحق إلى أن من عليه بعد ذلك وأطلقه ثم كانت الفتنة بين محمد بن اسحق وبين المعتضد وأغار اسمعيل بن المعتضد على قرمونة في بعض الايام بعد ان كمن الكمين من الخيالة والرجل وركب إليه محمد في قومه فاستطرد له اسمعيل إلى أن بلغوا الكمائن فثاروا بهم
وقتلوا محمدا البرزالى وذلك سنة أربع وثلاثين وولى ابنه العزيز بن محمد وتلقب المستظهر مناغيا لملوك الطوائف لعهده ولم يزل المعتضد يستولى على غرب الاندلس شيأ فشيأ إلى ان ضايقه في عمل قرمونة واقتطع منه اسحه والمورو ثم انخلع له العزيز عن قرمونة سنة تسع وخمسين ونظمها المعتضد في ممالكه وانقرض ملك بنى برزال من الاندلس ثم انقرض من بعد ذلك حيهم من جبل سالات وأصبحوا في الغابرين والبقاء لله وحده سبحانه العزيز محمد بن عبد الله بن اسحق البرزالى * (الخبر عن بنى وماتوا وبنى يلومى من الطبقة الاولى وما كان لهم من الملك والدولة بأعمال المغرب الاوسط ومبدا ذلك وتصاريفه } هاتان القبيلتان من قبائل زناتة ومن توابع الطبقة الاولى ولم نقف على نسبهما إلى جانا الا أن نسابتهما متفقون على أن يلومى ورتاجن الذى هو أبو مزين اخوان وان مديون أخوهما للام ذكر ذلك غير واحد من نسابتهم وبنو مزين لهذا العهد يعرفون لهم هذا النسب ويوجبون لهم العصيبة له وكانت هاتان القبيلتان من أوفر بطون زناتة(7/54)
وأشدهم شوكة ومواطنهم جميعا بالمغرب الاوسط وبنو وماتوا منهم إلى جهة المشرق عن وادى ميناس ومرات وما إليها من أسافل شلب وبنو يلومين بالعدوة الغربية منه بالجعبات والبطحاء وسبد وسيرات وجبل هوارة وبنى راشد (وكان لمغراوة) وبنى يفرن التقدم عليهم في الكثرة والقوة ولما غلب بلكين بن زيرى مغراوة وبنى يفرن على المغرب الاوسط وأزاحهم إلى المغرب الاقصى بقيت هاتان القبيلتان بمواطنهما واستعملهم صنهاجه في حروبهم حتى إذا تقلص ملك صنهاجه عن المغرب الاوسط واعتزوا عليهم واختص الناصر بن علتاس صاحب القلعة ومختط بجاية بنى وماتوا هؤلاء بالولاية فكانوا شيعا لقومه دون يلومى وكانت رياسة بنى وماتوا في بيت منهم
يعرفون ببنى ماخوخ وأصهر المنصور بن الناصر إلى ماخوخ منهم في أخته فزوجها إليه فكان لهم بذلك مزيد ولاية في الدولة ولما ملك المرابطون تلمسان أعوام سبعين وأربعمائة وأنزل يوسف بن تاشفين بها عامله محمد تينعمر المسوفى ودوخ أعمال المنصور وملك أمصارها إلى أن نازل الجائر وهلك فولى أخاه تاشفين على عمله فغزا أشير وافتتحها ومدها وكان لهذين الحيين في مظاهرته وامداده أحقد عليهم المنصور بعدها وأغرى بنى وماتوا في عساكر صنهاجة له ماخوخ فهزمه وأتبعه منهزما إلى بجاية وقتل لدخله إلى قصره قتلته زوجه أخت ماخوخ تشفيا وضعفا ثم نهض إلى تلمسان في العساكر واحتشد العرب من الاثيح ورياح وزغبة ومن لحق به من زناتة وكانت الغزاة المشهورة سنة ست وثمانين أبقى فيها ابن تينعمر المسوفى بعد استمكانه من البلد كما ذكرناه في أخبار صنهاجة ثم هلك المنصور وولى ابنه العزيز وراجع ماخوخ ولايته وأصهر إليه العزيز أيضا في ابنته فزوجها اياه واعتز البدو في نواحى المغرب الاوسط واشتعلت نار الفتنة بين هذين الحيين من بنى وماتوا وبنى يلومى فكانت بينهم حروب ومشاهد وهلك ماخوخ وقام بأمره في قومه بنوه تاشفين وعلى وأبو بكر وكان أحياء زناتة الثانية من بنى عبد الواد وتوجين وبنى راشد وبنى ورسفان من مغراوة مددا وربما ماد بنو مزين اخوانهم بنى يلومى لقرب مواطنهم منهم الا أن زناتة الثانية لذلك العهد مغلوبون لهذين الحيين وأمرهم تبع لهم إلى أن ظهر أمر الموحدين وزحف عبد المؤمن إلى المغرب الاوسط في اتباع تاشفين بن على وتقدم أبو بكر بن ماخوخ ويوسف بن زيد من بنى وماتوا إلى طاعته ولحقوه بمكانه من أرض الريف فسرح معهم عسكر الموحدين لنظر بن واندين بن بن يغمور فاثخنوا في بلاد بنى يلومى وبنى عبد الواد ولحق صريخهم بتاشفين بن على بن يوسف فأمدهم بالعساكر ونزلوا منداس واجتمع لبنى يلومى بنو ورسفان من مغراوة(7/55)
وبنى توجين من بنى بادين وبنو عبد الواد منهم ايضا وشيخهم حمامة بن مظهر وبنو يكناس من بنى مزين وأوقعوا ببنى وماتوا وقتلوا أبا بكر في ستمائة منهم واستنقذوا غنائمهم وتحصن الموحدون وفل بنى وماتوا بجبل سيرات ولحق تاشفين بن ماخوخ صريخا بعبد المؤمن وجاء في جملته حتى نزل تاشفين بن على بتلمسان ولما ارتحل في أثره إلى وهران كما قدمناه سرح الشيخ أبو حفص في عساكر الموحدين إلى بلاد زناتة فنزلوا منداس وسط بلادهم وأثخنوا فيهم حتى أذعنوا لطاعته ودخلوا في الدعوة ووفد على عبد المؤمن بمكانه من حصار وهران مقدمهم سيد الناس بن أمير الناس شيخ بنى يلومى وحمامة بن مطهر شيخ بنى عبد الواد وعطية الحيو شيخ بنى توجين وغيرهم فتلقاهم بالقبول ثم انتقضت زناتة بعدها وامتنع بنو يلومى بحصنهم الجعبات ومعهم شيخهم سيد الناس مدرج ابنا سيد الناس فحاصرتهم عساكر الموحدين وغلبوهم عليها وأشخصوهم إلى المغرب ونزل سيد الناس بمراكش وبها كان مهلكه أيام عبد المؤمن وهلك بعد ذلك بنو ماخوخ (ولما) أخذ أمير هذين الحيين في الانتقاض جاذب بنو يلومى في تلك الاعمال بنو توجين وشاجروهم في أحوله ثم واقعوهم الحرب في جوانبه وتولى ذلك فيهم عطية الحيو شيخ بنى تجين وصلى بنارها معه منهم بنو منكوش من قومه حتى غلبوهم على مواطنهم وأذلوهم واصاروهم جيرانا لهم في قياطينهم واستعلى بنو عبد الواد وتوجين على هذين الحيين وغيرهم بولايتهم للموحدين ومخالطتهم اياهم فذهب شأنهم وافترق قيطونهم أوزاعا في زناتة الوارثين أوطانهم من عبد الواد وتوجين والبقاء لله سبحانه (ومن بطون بنى وماتوا هؤلاء بنو يامدس) وقد يزعم زاعمون انهم من مغراوة ومواطنهم متصلة قبلة المغرب الاقصى والاوسط وراء العرق المحيط بعمرانها المذكور قبل واختطوا في المواطن القصور والاطم واتخذوا بها الجنات من النخيل والاعناب وسائر الفواكه فمنها على ثلاثة مراحل قبلة سجلماسة ويسمى وطن توات وفيه قصور متعددة تناهز المائتين أخذت من المشرق إلى المغرب وآخرها من جانب المشرق
يسمى تمنطيت وهو بلد مستبحر في العمران وهو محط ركاب التجر المترددين من المغرب إلى بلد مالى من السودان لهذا العهد ومن بلد مالى إليه وبينه وبين ثغر بلاد مالى المسمى غا المفازة المجهلة لا يهتدى فيها للسبيل ولا يمر الوارد الا بالدليل الخبير من الملثمين الظواعن بذلك القفر يستأجره التجار على الدربة بهم فيها باوفر الشروط وكانت بلد بودى وهى أعلى تلك القصور بناحية المغرب من بادية السوس هي الركاب إلى والاتن الثغر الآخر من أعمال مالى ثم أهملت لما صارت الاعراب بادية السوس يغيرون على سابلتها ويعترضون رفاقها فتركوا تلك ونهجوا الطريق إلى(7/56)
بلد السودان من أعلى تمنطيت ومن هذه القصور قبلة تلمسان وعلى عشر مراحل منها قصور بيكارين وهى كثيره تقارب المائة في بسيط واد منجدر من المغرب إلى المشرق واستحرث في العمران وغصت بالساكن وأكثر سكان هذه القصور الغريبة في الصحراء بنو يامدس هؤلاء ومعهم من سائر قبائل البربر مثل وتطغير ومصاب وبنى عبد الواد وبنى مرين وهم أهل عدد وعدة وبعد عن هضمة الاحكام وذل المغارم وفيهم الرجالة والخيالة وأكثر معاشهم من بلح النخل وفيهم التجار إلى بلاد السودان وضواحيهم كلها ممشاة للعرب ومختصه بعبيد الله من المعقل عينتها لهم قسمة الرحلة وربما شاركهم بنو عامر بن زغبة في نيكرارين فتصل إليها ناجعتهم بعض السنن وأما عبيد الله فلا بد لهم في كل سنة من رحلة الشتاء إلى قصور توات وبلد تمنسيت ومع ناجعتهم تخرج قفول التجار من الامصار والتلول حتى يحطوا بتمنطيت ثم ينذرفون منها إلى بلاد السودان وفى هذه البلاد الصحراوية غريبة في استنباط المياه الجارية لا توجد في تلول المغرب وذلك ان البئر تحفر عميقة بعيدة المهوى وتطوى جوانبها إلى أن توصل بالحفر إلى حجارة صلدة فتنحت بالمعاول والفؤس إلى أن يرق جرمها ثم تصعد الفعلة ويقذفون عليها زبرة من الحديد تكسر طبقها على الماء فينبعث صاعدا فيعم
البئر على وجه الارض واديا ويزعمون ان الماء ربما أعجل بسرعته عن كل شئ وهذه الغريبة موجودة في قصور توات وتكرارين وواركلا وريع والعالم أبو العجائب والله الخلاق العليم وهذا آخر الكلام في الطبقة الاولى من زناتة فلنرجع إلى أخبار الطبقة الثانية وهم الذين اتصلت دولتهم إلى هذا العهد * (أخبار الطبقة الثانية من زناتة وذكر أنسابهم وشعوبهم وأوليتهم ومصائر ذلك) * قد تقدم لنا في أضعاف الكلام قبل انقراض الملك من الطبقة من زناتة ما كان على يد صنهاجة والمرابطين من بعدهم وأن عصبية أجيالهم افترقت بانقراض ملكهم ودولهم وبقى منهم بطون لم يمارسوا الملك ولا أخلقهم ترفه فأقاموا في قياطينهم بأطراف المغربين ينتجعون جانبى القفر والتل ويعطون الدول حق الطاعة وغلبوا على بقايا الاجيال الاولى ومن زناتة بعد أن كانوا مغلوبين لهم فأصبحت لهم السورة والعزة وصارت الحاجة من الدول إلى مظاهرتهم ومسالمتهم حتى انقرضت دولة الموحدين فتطاولوا إلى الملك وضربوا فيه مع أهله بسهم وكانت لهم دول نذكرها ان شاء الله تعالى وكان أكثر هذه الطبقة من بنى واسين بن يصلتن اخوة مغراوة وبنى يفرن ويقال انهم من بنى وانتن بن ورسيك بن جانا اخوة منسارة وناجدة وقد تقدم ذكر هذه الانساب وكان من بنى واسين هؤلاء ببلد قصطيلة وذكر ابن الرقيق ان أبا يزيد النكارى لما ظهر(7/57)
بجبل أوراس كتب إليهم بمكانهم حول توزر (1) يأمرهم بحصارها فحاصروها سنة ثلاث وثلاثين وثلثمائة وربما كان منهم ببلد الحامة لهذا العهد ويعرفون ببنى ورتاجن احدى بطونهم وأما جمهورهم فلم يزالوا بالمغرب الاقصى بين ملوية إلى جبل راشد (وذكر موسى) بن أبى العافية في كتابه إلى الناصر الاموى يعرفه بحربه مع ميسور مولى أبى القاسم الشيعي ومن سار إليه من قبائل زناتة فذكر فيمن ذكر ملوية وسار من قبائل بنى واسين وبنى يفرن وبنى يرناتن وبنى ورنمت ومطماطة فذكر منهم بنى واسين لان تلك المواطن من موطنهم قبل الملك (وفى هذه الطبقة منهم بطون) فمنهم بنو مرين وهم
أكثرهم عددا وأقواهم سلطانا وملكا وأعظمهم دولة (ومنهم) بنو عبد الواد تلوهم في الكثرة والقوة وبنو توجين من بعدهم كذلك هؤلاء أهل الملك من هذه الطبقة وفيها غير أهل الملك بنو راشد اخوة بنى يادين كما نذكره وفيها أهل الملك أيضا من غير نسبهم بقية من مغراوة بمواطنهم الاولى من وادى شلب فنضت فيهم عروق الملك بعد انقراض جيلهم الاول فتجاذبوا حبله مع أهل هذا الجيل وكانت لهم في مواطنهم دولة كما نذكره (ومن أهل هذه الطبقة) كثير من بطونهم ليس لهم ملك نذكرهم الآن عند تفصيل شعوبهم وذلك أن احياءهم جميعا تشعبت من زرجيك بن واسين فكان منهم بنو يادين ابن محمد وبنو مرين بن ورتاجن فأما بنو ورتاجن فهم من ولد ورتاجن بن ماخوح ابن جريح بن فاتن بن يدر بن يخفت بن عبد الله بن ورتنيك بن المعز بن ابراهيم بن رجيك (وأما بنو مرين) بن ورتاجن فتعددت أفخاذهم وبطونهم كما نذكر بعد حتى كثروا سائر شعوب بنى ورتاجن وصار بنو ورتاجن معدودين في جملة أفخاذهم وشعوبهم (وأما بنو يادين) بن محمد فمن ولد زرجيك ولا أذكر الآن كيف يتصل نسبهم به وتشعبوا إلى شعوب كثيرة فكان منهم بنو عبد الواد وبنو توجين وبنو مصاب وبنو زردال يجمعهم كلهم نسب يادين بن محمد وفى محمد هذا يجتمع يادين وبنو راشد ثم يجتمع محمد مع ورتاجى في زرجيك بن واسين وكانوا كلهم معروفين بين زناتة الاولى ببنى واسين قبل أن تعظم هذه البطون والافخاذ وتتشعب مع الايام وبأرض افريقية وصحراء برقة وبلاد الزاب منهم طوائف من بقايا زناتة الاولى قبل انسياحهم إلى المغرب فمنهم بقصور غذامس على عشرة مراحل قبلة سرت وكانت مختطة منذ عهد الاسلام وهى خطة مشتملة على قصور وآطام عديدة وبعضها لبنى ورتاجن وبعضها لبنى واطاس من أحياء بنى مرين يزعمون أن أوليتهم اختطوها وهى لهذا العهد قد استبحرت في العمارة واسعة في التمدن بما صارت محطا لركاب الحاج من السودان وقفل التجار إلى مصر والاسكندرية عند اراحتهم من قطع المفازة ذات الرمال المعترضة أمام طريقهم دون(7/58)
الارياف والتلول وبابا لولوج تلك المفازة والحاج والتجرر في موضعهم ومنهم ببلد الحامة غربي قابس أمة عظيمة من بنى ورتاجن وفرت منهم حاميتها واشتدت شوكتها ورحل إليها التجر بالبضائع لنفاق أسواقها وتبحر عمرانها وامتنعت لهذا العهد على مرين وبها من يجار بها فهم لا يؤدون خراجا ولا يسامون بمغرم حتى كأنهم لا يعرفونه عزة جناب وفضل باس ومنعته ويزعمون أن سلفهم من بنى ورتاجن اختطوها ورياستهم في بيت منهم يعرفون ببنى وشاح ولربما طال على رؤسائهم عهد الخلافة ووطأة الدولة فيتطاولون إلى التى تنكر على السوقة من اتخاذ الآلة ويبرزون في زى السلطان أيام الزينة تهاونا بشعار الملك ونسيانا لمألوف الانقياد شأن جيرانهم رؤساء توزر ونفطة وسابق الغاية في هذه الضحكة هو يملول مقدم توزر (ومن بنى واسين) هؤلاء بقصور مصاب على خمس مراحل من جبل تيطر في القبلة لما دون الرمال على ثلاث مراحل من قصور بنى ريغة في المغرب وهذا الاسم للقوم الذين اختطوها ونزلوها من شعوب بنى يادين حسبما ذكرناهم الآن وضعوها في أرض حرة على احكام وضراب ممتنعة في مساربها بين الارض المحجرة المعروفة بالحمادة في سمت العرق متوسطة فيه قبالة تلك البلاد على فراسخ في ناحية القبلة وسكانها لهذا العهد شعوب بنى يادين من بنى عبد الواد وبنى توجين ومصاب وبنى رزدال فيمن انضاف إليهم من شعوب زناتة وان كان شهرتها مختصة بمصاب وحالها في المباني والاغتراس وتفرق الجماعات بتفرق الرياسة شبيهة بحال بنى ريغة والزاب ومنهم بجبل أوراس بافريقية طائفة من بنى عبد الواد موطونة منذ العهد القديم لاول الفتح معروفون بين ساكنيه (وقد ذكر) بعض الاخبار بين أن بنى عبد الواد حضروا مع عقبة بن نافع في فتح المغرب عند اثغاله في ديار المغرب وانتهائه إلى البحر المحيط بالسوس في ولايته الثانية وهى الغزاة التى هلك فيها في منصرفه منها وانهم أبلو البلاء الحسن فدعا لهم وأذن في رجوعهم قبل استتمام الغزاة ولما تحيرت زناتة أمام
كتامة وصنهاجة اجتمع شعوب بنى واسين هؤلاء كلهم ما بين ملوية كما ذكرناه وتشعبت أحياؤهم وبطونهم وانبسطوا في صحراء المغرب الاقصى والاوسط إلى بلاد الزاب وما إليها من صحارى افريقية إذ لم يكن للعرب في تلك المجالات كلها مذهب ولا مسلك إلى المائة الخامسة كما سبق ذكره ولم يزالوا بتلك البلاد مشتملين لبوس العز مشمرين للانفة وكانت مكاتبهم الانعام والماشية وابتغاؤهم الرزق من تحيف السابلة (1) وفى ظل الرماح المشرعة وكانت لهم في محاربة الاحياء والقبائل ومنافسة الامم والدول ومغالبة الملوك أيام ووقائع فلم بها ولم تعظم العناية باستيعابها فنأتي به والسبب في ذلك أن اللسان العربي كان غالبا لغلبة دولة العرب وظهور الملة العربية فالكتاب والخط(7/59)
بلغة الدولة ولسان الملك واللسان العجمي مستتر بجناحه مندرج في غماده ولم يكن لهذا الجيل من زناتة في الاحقاب القديمة ملك يحمل أهل الكتاب على العناية بتقييد أيامهم وتدوين أخبارهم ولم تكن مخالطة بينهم وبين أهل الارياف والحضر حتى يشهدوا آثارهم لابعادهم في القفر كما رأيت في مواطنهم وتوحشهم عن الانقياد فبقوا غفلا إلى ان درس منهم الكثير ولم يصل الينا بعد ملكهم الا الشارد القليل يتبعه المؤرخ المضطلع في مسالكه ويتقراه في شعابه ويثيره من مكامنه وأقاموا بتلك القفار إلى ان تسنموا منها هضبات الملك على ما نصفه عبد الواد توجين رزدال مر بن ولد ابراهيم مصاب بن يادين بن محمد بن رزجيك بن واسين بن يسلتن بن مسر بن زاكيا بن ورسيك بن اديدت بن جانا(7/60)
{ الخبر عن أحوال هذه الطبقة قبل الملك وكيف كانت تصاريف أحوالهم إلى ان غلبوا على الملك والدول } وذلك أن أهل هذه الطبقة من بنى واسين وشعوبهم التى سميناها كانوا تبعا لزناتة الاولى ولما انزاحت زناتة إلى المغرب الاقصى أمام كتامة وصنهاجة خرج بنو واسين هؤلاء إلى القفر ما بين وصا فكانوا يرجعون إلى ملك المغرب لذلك العهد مكناسة أولا ثم مغراوة من بعدهم ثم حسر تيار بنى صنهاجة عن المغرب وتقلص ملكهم بعض الشئ وصاروا إلى الاستجاشة على القاصية بقبائل زناتة فأومضت بروقهم ورفت في ممالك زناتة منابتهم كما قدمناه واقتسم أعمالها بنو وماتو وبنو يلومى ناحيتين وكانت ملوك صنهاجة أهل القلعة إذا عسكروا للغرب يستنفرونهم لغزوه ويجمعون حشدهم للتوغل فيه وكان بنو واسين هؤلاء ومن تشعب معهم من القبائل الشهيرة الذكر مثل بنى مرين وبنى عبد الواد وبنى توجين ومصاب قد ملكوا القفر ما بين ملوية وأرض الزاب وامتنعت عليهم المغربان ممن ملكها من زناتة الذين ذكرناهم (وكان) أهل الرياسة بتلك الارياف والضواحي من زناتة مثل بنى وماتوا وبنى يلومى بالمغرب الاوسط وبنى يفرن ومغراوة بتلسمان يستجيشون بنى واسين هؤلاء وشعوبهم ويستظهرون بجموعهم على من زاحمهم أو نازعهم من ملوك صنهاجة وزناتة وغيرهم يحاجون بهم عن مواطنهم لذلك ويقرضونهم القرض الحسن من المال والسلاح والحبوب المعوزة لديهم بالقفار فيتأثلون منهم ويرتاشون وعظمت حاجة بنى حماد إليهم في ذلك عندما عصفت بهم ريح العرب الضوالع من بنى هلال بن عامر وصرعوا دولة المعز وصنهاجة بالقيروان والمهدية والايواء عن مدهم وزحفوا إلى المغرب الاوسط فدافعوا بنى حماد عن حوزته وأوعزوا إلى زناتة بمدافعتهم أيضا فاجتمع لذلك بنو يعلى ملوك تلمسان من مغراوة وجمعوا من كان إليهم من بنى واسين هؤلاء من بنى مرين وعبد الواد وتوجين وبنى راشد وعقدوا على حرب الهلاليين لوزيرهم أبى سعدى خليفة بن اليفرنى فكان له
مقامات في حروبهم ودفاعهم عن ضواحي الزاب وما إليه من بلاد افريقية والمغرب الاوسط إلى أن هلك في بعض أيامه معهم وغلب الهلاليون قبائل زناتة على جميع الضواحى وأزاحوهم عن الزاب وما إليه من بلاد افريقية وانشمر بنو واسين هؤلاء من بنى مرين وعبد الواد وتوجين عن الزاب إلى مواطنهم بصحراء المغرب الاوسط من مصاب وجبل راشد إلى ملوية وفيكك ثم إلى سجلماسة ولاذوا ببنى وماتوا وبنى يلومى ملوك الضواحى بالمغرب الاوسط وتفيؤا ظلهم واقتسموا ذلك القفر بالمواطن فكان لبنى مرين الناحية الغربية منها قبلة المغرب الاقصى بتيكوارين ودبروا إلى ملوية(7/61)
وسجلماسة وبعدوا عن بنى يلومى الا في الاحابى وعند الصريخ وكان لبنى يادين منها الناحية الشرقية قبلة المغرب الاوسط ما بين فيكيك ومديونة إلى جبل راشد ومصاب وكان بينهم وبين بنى مرين فتن متصلة باتصال أيامهم في تلك المواضع بسيل القبائل الجيران في مواطنهم وكان الغلب في حروبهم أكثر ما يكون لبنى يادين لما كانت شعوبهم أكثر وعددهم أوفر فانهم كانوا أربعة شعوب بنى عبد الواد وبنى توجين وبنى زردال وبنى مصاب كان معهم شعب آخروهم اخوانهم بنو راشد لانا قدمنا أن راشدا أخو يادين وكان موطن بنى راشد الجبل المشهور بهم بالصحراء ولم يزالوا على هذه الحال إلى ان ظهر أمر الموحدين فكان لبنى عبد الواد وتوجين ومغراوة من المظاهرة لبنى يلومى على الموحدين ما هو مذكور في أخبارهم ثم غلب الموحدون على المغرب الاوسط وقبائله من زناتة فأطاعوا وانقادوا وتحيز بنو عبد الواد وبنو توجين إلى الموحدين وازدلفوا إليهم وأمحضوا النصيحة للموحدين فاصطنعوهم دون بنى مرين كما نذكر في أخبارهم وترك الموحدون ضواحي المغرب الاوسط كما كانت لبنى يلومى وبنى وماتوا فملكوها وتفرد بنو مرين بعد مدخل بنى يادين إلى المغرب الاوسط بتلك الصحراء لما اختار الله لهم من وفور قسمهم في الملك واستيلائهم على سلطان المغرب الذى
غلبوا به الدول واشتملوا الاقطار ونظموا المشارق إلى المغارب واقتعدوا كراسي الدول المسامته لهم بأجمعها ما بين السوس الاقصى إلى افريقية والملك لله يؤتيه من يشاء من عباده فأخذ بنو مرين وبنو عبد الواد من شعوب بنى واسين بحظ من الملك أعادوا فيه لزناتة دولة وسلطانا في الارض واقتادوا الامم برسن الغلب وناغاهم في ذلك الملك البدوى اخوانهم بنو توجين وكان في هذه الطبقة الثانية بقية أخرى مما ترك آل خزر من قبائل مغراوة الاول كانوا موطنين بقرار عزهم ومنشا جيلهم بوادي شلب فجاذبوا هؤلاء القبائل حبل الملك وناغوهم في أطوار الرياسة واستطالوا بمن وصل جناحهم من هذه العشائر فتطاولوا لى مقاسمتهم في الماء ومساهمتهم في الامر وما زال بنو عبد الواد في الغض من عنانهم وجدع أنوف عصبيتهم حتى أوهنوا من بأسهم وخصت الدولة العبد الوادية ثم المرينية بسمة الملك لملحمة من جناح تطاولهم وتمحض ذلك كله عن استبداد بنى مرين واستتباعهم لجميع هؤلاء العصائب كما نذكر لك الآن دولهم واحدة بعد أخرى ومصائر هؤلاء القبائل الاربعة التى هي رؤس هذه الطبقة الثانية من زناتة والملك لله يؤتيه من يشاء والعاقبة للمتقين (ولنبدأ منها بذكر مغراوة) بقية الطبقة الاولى وما كان لرؤسائهم أولاد منديل من الملك في هذه الطبقة الثانية كما ستراه ان شاء الله تعالى(7/62)
{ الخبر عن أولاد منديل من الطبقة الثانية وما آعادوا لقومهم مغراوة من الملك بموطنهم الاول من شلب وما إليه من نواحى المغرب الاوسط } لما ذهب الملك من مغراوة بانقراض ملوكهم آل خزر واضمحلت دولتهم بتلمسان وسجلماسة وفاس وطرابلس وبقيت قبائل مغراوة متفرقة في مواطنها الاولى بنواحي المغربين وافريقية بالصحراء والتلول والكثير منهم بعنصرهم ومركزهم الاول بوطن شلب وما إليه فكان به بنو ورسيفان وبنو يرنار وبنو ينلت ويقال انهم من وترمار وبنو
سعيد وبنو زحاك وبنو سنجاس وربما يقال انهم من زناتة وليسوا من مغراوة وكان بنو خزرون الملوك بطرابلس لما انقرض أمرهم وافترقوا في البلاد ولحق منهم عبد الصمد بن محمد بن خزرون بجبل أوراس فرارا من أهل بيته هنالك الذين استولوا على الامر وجده خزرون بن خليفة السادس من ملوكهم بطرابلس فأقام بينهم أعواما ثم ارتحل عنهم فنزل على بقايا قومه مغراوة بشلب من بنى ورسيفان وبنى ورتزمير وبنى بو سعيد وغيرهم فتلقوهم بالمبرة والكرامة وأوجبوا له حق البيت الذى ينسب إليه فيهم وأصهر إليهم فأنكحوه وكثر ولده وعرفوا بينهم ببنى محمد ثم بالخزرية نسبة إلى سلفه الاول وكان من ولده الملقب أبو ناس بن عبد الصمد بن ورجيع بن عبد الصمد وكان منتحلا للعبادة والخيرية وأصهر إليه بعض ولد ماخوخ ملوك بنى وماتوا بابنته فأنكحه اياها فعظم أمره عندهم بقومه ونسبه وصهره وجاءت دولة الموحدين على اثر ذلك فرمقوه بعين التجلة لما كان عليه من طرق الخير فأقطعوه بوادي شلب وأقام على ذلك وكان له من الولد ورجيع وهو كبيرهم وغربي ولغريات وماكور ومن بنت ماخوخ عبد الرحمن وكان أجلهم شأنا عنده وعند قومه عبد الرحمن هذا لما يوجبون له بولادة ماخوخ لامه ويتفرسون فيه أن له ولعقبه ملكا وزعموا أنه لما ولد حرجت به أمه إلى الصحراء فألقته إلى شجرة وذهبت في بعض حاجاتها فأطاف به يعسوب من النحل متواقعين عليه وبصرت به على البعد فجاءت قعد ولما أدركها من الشفقة فقال لها بعض العارفين خففي عنك فوالله ليكونن لهذا شأن ونشأ عبد الرحمن هذا في جو هذه التجلة مدة بنسبه وبأسه وكثرت عشيرته من بنى أبيه واعصوصب عليه قبائل مغراوة فكان له بذلك شوكة وفى دولة الموحدين تقدمد لما كان يوجب لهم على نفسه من الانحياش والمخالطة والتقدم في مذاهب الطاعة وكان السادة منهم يمرون به في غزواتهم إلى افريقية ذاهبين وجائين فينزلون منه خير نزل وينقلبون بحمده والشكر لمذهبه فيزيد خلفاءهم اغتباطا به وأدرك بعض السادة وهو بأرض قومه الخبر بمهلك الخليفة
بمراكش فخلف الذخيرة والظهر وأسلمها لعبد الرحمن هذا ونجا بدمائه بعد ان صحبه إلى(7/63)
تخوم وطنه فكانت له بها ثروة أكسبته قوة فاستركب من قومه واستكثر من عصابته وعشيرته وهلك خلال ذلك وقد فشل ريح بنى عبد المؤمن وضعف أمر الخليفة بمراكش (وكان له من الولد) منديل وتميم وكان أكبرهما منديل فقام بأمر قومه على حين عصفت رياح الفتنة وسما لمنديل أمل في التغلب على ما يليه فاستأسد في عرينة وحامى عن أشباله ثم فسح خطوه إلى ما جاوره من البلاد فملك جبل وانشريس والمرية وما إلى ذلك واختط قصبة مرات وكان بسيط متيجة لهذ العهد في العمران آهلا بالقرى والامصار (ونقل الاخباريون) أن أهل متيجة لذلك العهد يجمعون في ثلاثين مصرا فجاس خلالها وأوطأ الغارات ساحتها وخرب عمرانها حتى تركها خاوية على عروشها وهو في ذلك يوهم التمسك بطاعة الموحدين وأنه سلم لمن سالمهم حرب لمن عاداهم وكان ابن غانية منذ غلبه الموحدون عن افريقية قد أزاحوه إلى قابس وما إليها فنزل الشيخ أبو محمد بن أبى حفص بتونس ودفعه إلى افريقية إلى أن هلك سنة ثمان عشرة فطمع يحيى ابن غانية في استرجاع أمره وسبق إلى الثغور والامصار يعيث فيها ويخربها ثم تجاوز افريقية إلى بلاد زناتة وشن عليها الغارات واكتسح البسائط وتكررت الوقائع بينه وبينهم فجمع له منديل بن عبد الرحمن ولقيه بمتيجة وكانت الدبرة عليه وانفضت عنه مغراوة فقتله ابن غانية صبرا سنة ثنتين أو ثلاث وعشرين وتغلب على الجزائر اثر نكبته فصلب شلوه بها وصيره مثلا للآخرين وقام بأمره في قومه بنوه وكان منجبا فكان لهم العدد والشرف وكانوا يرجعون في أمرهم إلى كبيرهم العباس فتقلد مذاهب أبيه واقتصر على بلاد متيجة ثم غلبهم بنو توجين على جبل وانشريس وضواحي المرية وما إلى ذلك وانقبضوا إلى مركزهم الاول شلب وأقاموا فيها ملكا بدويا لم يفارقوا فيه الظعن والخيام والضواحي والبسائط واستولى على مدينة مليانة وتنس وبرشك وشرشال
مقيمين فيها للدعوة الحفصية واختطوا قرية مازونة (ولما استوطن) الملك بتلمسان ليغمرا سن بن زيان واستفحل سلطانه بها وعقد له عليها ولاخيه من قبله عبد المؤمن سما على التغلب على اعمال المغرب الاوسط وزاحم بنى توجين وبنى منديل هؤلاء بمكناسة فلفتوا وجوههم جميعا إلى الامير أبى زكريا بن أبى حفص مديل الدولة بافريقية من بنى عبد المؤمن وبعثوا إليه الصريخ على يغمراسن فاحتشد لهم جميع الموحدين والعرب وابتز تلمسان وافتتحها كما ذكرناه ولما قفل إلى الحضرة عقد في مرجعه لامراء زناتة كل على قومه ووطنه فعقد للعباس بن منديل على مغراوة ولعبد القوى على توجين وولاء حورة وسوغ لهم اتخاذ الآلة فاتخذوها بمشهد منه وعقد العباس السلم مع يغمراسن ووفد عليه بتلمسان فلقاه برة وتكريما عنه(7/64)
بعدها مغاضبا يقال انه تحدث بمجلسه يوما فزعم أنه رأى فارسا واحدا يقاتل مائتين الفرسان فنكر ذلك من سمعه من بنى عبد الواد وعرضوا بتكذيبه فخرج العباس لها مغاضبا حتى أتى بقومه وأتى يغمراسن مصداق قوله فانه كان يعنى بذلك الفارس نفسه وهلك العباس لخمس وعشرين سنة بعد أبيه سنة سبع وأربعين وقام بالامر بعده أخوه محمد بن منديل وصلحت الحال بينه وبين يغمرا سن وصاروا إلى الاتفاق والمهادنة ونفر معه بقومه مغروة إلى غزو المغرب سنة كلومان وهى سنة سبع وأربعين وستمائة هزمهم فيها يعقوب بن عبد الحق فرجعوا إلى أوطانهم وعاودوا شأنهم في العداوة وانتقض عليهم أهل مليانة وخلعوا الطاعة الحفصية (وكان من خبر) هذا الانتقاض أن أبا العباس أحمد المليانى كان كبير وقته علما ودينا ورواية وكان عالى السند في الحديث فرحل إليه الاعلام وأخذ عنه الائمة وأوفت به الشهرة على ثنايا السيادة فانتهت إليه رياسة بلده على عهد يعقوب المنصور وبنيه ونشأ ابنه أبو على في جو هذه العناية وكان جموحا للرياسة طامحا للاستبداد وهو مع ذلك خلو من المغارم فلما هلك أبوه
جرى في شأو رياسته طلقا ثم رأى ما بين مغراوة وبنى عبد الواد من الفتنة فحدثته نفسه بالاستبداد ببلده فجمع لما جرى وقطع الدعاء للخليفة المستنصر سنة تسع وخمسين وبلغ الخبر إلى تونس فسرح الخليفة أخاه في عسكر من الموحدين في جملته دون الديك ابن هرنزة من آل ادفوش ملوك الجلالقة كان نازعا إليه عن أبيه في طائفة من قومه فنازلوا مليانة أياما وداخل السلطان طائفة من مشيخة البلد المنحرفين عن ابن المليانى فسرب إليهم جنودا بالليل واقتحموها من بعض المداخل وفر أبو على المليانى تحت الليل وخرج من بعض البلد فلحق بأحياء العرب ونزل على يعقوب بن موسى بن العطاب من بطون زغبة فأجاره إلى أن لحق بعدها يعقوب بن عبد الحق فكان من أمره ما ذكرناه في أخبارهم وانصرف عسكر الموحدين والامير أبو حفص إلى الحضمرة وعقد لمحمد بن منديل على مليانة فأقام بها الدعوة الحفصية على سنن قومه ثم هلك محمد بن منديل سنة ثنتين وستين لخمس عشرة من ولايته قتله أخوه ثابت وعابد بمنزل ظواعنهم بالخيس من بسيط بلادهم وقتل معه عطية ابن أخيه سنيق وتولى عابد وشاركه ثابت في الامر واجتمع إليه قومه وتقطع ما بين أولاد منديل وخشنت صدورهم واستغلظ يغمر اسن بن زيان عليهم وداخله عمر بن منديل في أن يمكنه من مليانة ويشد عضده على رياسة قومه فشارطه على ذلك وأمكنه من أزمة البلد سنة ثمان وستين ونادى بعزل ثابت وموازرة عمر على الامر فتم لهما ما أحكماه من أمرهما في مغراوة واستمكن بها يغمر اسن من قيادة قومه ثم تناغى أولاد منديل في الازدلاف إلى يغمر اسن بمثلها نكاية(7/65)
لعمر فاتفق ثابت وعابد أولاد منديل أن يحكماه من تونس فأمكناه منها سنة ثنتين وسبعين على اثنى عشر ألفا من الذهب واستمرت ولاية عمر إلى أن هلك سنة ست وسبعين فاستقل ثابت بن منديل برياسة مغراوة وأجاز عابد أخوه إلى الاندلس للرباط والجهاد مع صاحبه زيان بن محمد بن عبد القوى وعبد الملك بن يغمراسن فحول زناتة واسترجع
ثابت بلاد تونس ومليانة من يد يغمراسن ونبذ إليه العهد ثم استغلظ يغمراسن عليهم واسترد تونس سنة احدى وثمانين بين يدى مهلكه (ولما) هلك يغمراسن وقام بالامر بعده ابنه عثمان انتقضت عليه تونس ثم ردد الغزو إلى بلاد توجين ومغراوة حتى غلبهم آخرا على ما بأيديهم وملك المرية بمداخلة بنى لمدينة أهلها سنة سبع وثمانين وغلب ثابت بن منديل على مازونة فاستولى عليها ثم نزل له عن تونس أيضا فملكها ولم يزل عثمان مراغما لهم إلى أن زحف إليهم سنة ثلاث وتسعين فاستولى على أمصارهم وضواحيهم وأخرجهم عنها وألجأهم إلى الجبال ودخل ثابت بن بمنديل إلى برشك مما لقا دونها فزحف إليهم عثمان وحاصره بها حتى إذا استيقن أنه محاطبه ركب البحر إلى المغرب وركب إلى يوسف ابن يعقوب سلطان بنى مرين صريخا سنة أربع وتسعين فأكرمه ووعده بالنصرة من عدوه وأقام بفاس وكانت بينه وبين ابن الاشعث من رجالات بنى عسكر صحبة ومداخلة فجاءه بعض الايام إلى منزله ودخل عليه من غير استئذان وكان ابن الاشعث ثملا فسطا به وقتله وثار السلطان به منه وانفجع لموته وكان ثابت بن منديل قد أقام ابنه محمد الامير في قومه وولاه عليهم لعهده واستبد بملك مغراوة دونه (ولما انصرف) أبوه ثابت إلى قومه أقام هو في امارته على مغراوة وهلك قريبا من مهلك أبيه فقام بأمرهم من بعده شقيقه على ونازعه الامر أخواه رحمون ومنيف فقتله منيف ونكر ذلك قومهما وأبو من امارتهما عليهم فلحقا بعثمان بن يغمراسن فأجازهما إلى الاندلس (وكان) أخوهما معمر بن ثابت قائدا على الغزاة بالمزة فنزل لمنيف عنها فكانت أول ولايه وليها بالاندلس ولحق بهم أخوهم عبد المؤمن فكانوا جميعا هنالك ومن أعقاب عبد المؤمن يعقوب بن زيان بن عبد المؤمن ومن أعقاب منيف بن عمر بن منيف وجماعة منهم لهذا العهد بالاندلس (ولما هلك) ثابت بن منديل سنة أربع وتسعين كما قلناه كفل السلطان ولده وأهله وكان فيهم حافده راشد بن محمد فأصهره إليه في أخته فأنكحه اياها ونهض إلى تلمسان سنة ثمان وتسعين فأناخ عليها واختط مدينته
لحصارها وسرح في نواحيها وعقد على مغراوة وشلب لعمر بن ويعزن بن منديل وبعث معه جيشا ففتح مليانة وتونس ومازونة سنة تسع وتسعين ووجد راشد في نفسه إذ لم يوله على قومه وكان يرى أنه الاحق لنسبه وصهره فنزع عن السلطان ولحق بجبال متيحة(7/66)
ودس إلى أوليائه من مغراوة حتى وجد فيهم الدخلة فأجد السير ولحق بهم فافترق أمر مغراوة وداخل أهل مازونة فانتقضوا على السلطان وبيت عمر بن ويعزن بازمور من ضواحي بلادهم فقتله واجتمع عليه قومه وسرح السلطان إليه الكتائب من بنى عسكر لنظر الحسن بن على بن أبى الطلاق من بنى ورتاجن ولنظر على بن محمد الحيو من بنى توجين ولنظر أبى بكر بن ابراهيم بن عبد القوى ومن الجند لنظر على بن حسان الصبحى من صنائعه وعقد على مغراوة لمحمد بن عمر بن منديل وزحفوا إلى مازونة وقد ضبطها راشد وخلف عليها عليا وحموا من بنى عمه يحيى بن ثابت ولحق هو ببنى بو سعيد مطلا عليهم وأناخت العساكر على مازونة ووالوا عليها الحصار سنين أجهدوهم وبعث على بن يحيى أخاه حموا إلى السلطان من غير عهد فتقبض عليهم ثم اضطره الجهد إلى مركب الغرر فخرج إليهم ملقيا بيده سنة ثلاث وأشخصوه إلى السلطان فعفا عنه واستبقاه واحتسبها تأنيسا واستمالة لراشد بن محمد في معقل بنى بو سعيد وطال حصاره اياه وأمكنته الغرة بعض الايام في العساكر وقد تعلقوا بأوعار البلد زاحفين إليه فهزمهم وهلك في تلك الواقعة خلق من بنى مرين وعساكر وذلك سنة أربع وسبعمائة وبلغ الخبر إلى السلطان فأحفظه ذلك عليهم ابن عمه على ابن يحيى وأخاه حموا ومن معهم من قومهم فقتلوا رشقا بالسهام واستلحمهم ثم سرح أخاه أبا يحيى بن يعقوب ثانية سنة أربع فاستولى على بلاد مغراوة ولحق راشد بجبال صنهاجة من متيجة ومعه عمه منيف بن ثابت ومن اجتمع إليهم من قومهم فنازلهم أبو يحيى بن يعقوب وراسل راشد يوسف بن يعقوب فانعقدت بينهما السلم
ورجعت العساكر عنهم وأجاز منيف بن ثابت معه بنيه وعشيرته إلى الاندلس فاستقروا هنالك آخر الايام (ولما هلك) يوسف بن يعقوب بمناخه على تلمسان آخر سنة ست انعقدت السلم بين حافده أبى ثابت وبين أبى زيان بن عثمان سلطان بنى عبد الواد على أن يخلى له بنومرين عن جميع ما ملكوه من أمصارهم وأعمالهم وثغورهم وبعثوا في حاميتهم وعمالهم وأسلموها لعمال بنى زيان وكان راشد قد طمع في استرجاع بلاده وزحف إلى مليانة فأحاط بها فلما نزل عنها بنو مرين لابي زيان وصارت مليانة وتونس له أخفق سعى راشد وأفرج عن البلد ثم كان مهلك أبى زيان قريبا وولى أخوه أبو حموا موسى بن عثمان واستولى على المغرب الاوسط فهلك تافريكت سنة وملك بعدها مليانة والمرية ثم ملك تونس وعقد عليها لمولاه مسامح وقارن ذلك حركة صاحب بجاية السلطان أبى البقاء خالد ابن مولانا الامير أبى زكريا ابن السلطان أبى اسحق إلى متيجة لاسترجاع الجزائر من يد بن عسلان الثائر بها عليهم فلقيه هنالك راشد بن محمد(7/67)
وصار في جملته وظاهره على شأنه ولقاه السلطان تكرمة وبرا وعقد له ولقومه حلفا مع صنهاجة أولياء الدولة والمتغلبين على ضاحية بجاية وجبال زواوة فاتصلت يد راشد بيد زعيمهم يعقوب بن خلوف آخر الدولة ولما نهض السلطان للاستيثار بملك الحضرة بتونس استعمل يعقوب بن خلوف على بجاية وعسكر معه راشد بقومه وأبلى في الحروب بين يديه وأغنى في مظاهرة أوليائه حتى إذا ملك حضرتهم واستولى على سراة سلفهم أسف حاجب الدولة راشد هذا وقومه بامضاء الحكم في بعض حشمه وتعرض للحرابة في السابلة فتقبض عليه ورفع إلى سدة السلطان فأمضى فيه حكم الله وذهب راشد مغاضبا ولحق بوليه بن خلوف ومضطر به من زواوة وكان يعقوب بن خلوف قد هلك وولى السلطان مكانه ابنه عبد الرحمن فلم يدع حق أبيه في اكرام صديقه راشد وتشاجر معه في بعض الايام مشاجرة نكر عبد الرحمن فيها ملاحة راشد له وأنف منها وأدل فيها
راشد بمكانه من الدولة وببأس قومه فلدغه بالقول وتناوله عبد الرحمن وحشمه وخزا بالرماح إلى أن أقعصوه (1) وانذعر جمع مغراوة ولحقوا بالثغور القاصية وأقفر منهم شلب وما إليه كان لم يكونوا به فأجاز منهم بنو منيف وابن ويعزن إلى الاندلس للمرابطة بثغور المسلمين فكانت منهم عصابة موطنة هناك أعقابهم لهذا العهد وأقام في جوار الموحدين فل آخر من أوسط قومهم كانوا شوكة في عساكر الدولة إلى أن انقرضوا ولحق على بن راشد بعمته في قصر بنى يعقوب بن عبد الحق فكفلته وسار أولاد منديل غضبا إلى وطن بنى مرين فتولوهم وأحسنوا جوارهم وأصهروا إليهم سائر الدولة إلى أن تغلب السلطان أبو الحسن على المغرب الاوسط ومحا دولة آل زيان وجمع كلمة زناتة وانتظم مع بلادهم بلاد افريقية وعمل الموحدين وكانت نكبته على القيروان سنة تسع وأربعين كما شرحناه قبل فانتقضت العمالات والاطراف وانتزى أعياص الملك بمواطنهم الاولى فتوثب على بن راشد بن محمد بن ثابت بن منديل على بلاد شلب وتملكها وغلب على أمصارها مليانة وتنس وبرشك وشرشال وأعاد ما كان لسلفه بها من الملك على طريقتهم البدوية وأرهفوا حدهم لمن طالبهم من القبائل وخلص السلطان أبو الحسن من ورطته إلى افريقية ثم من ورطة البحر من مرسى الجزائر إلى بجاية يحاول استرجاع ملكه المفرق فبعث إلى على بن راشد وذكره ذمتهم فتذكر وحن واشترط لنفسه التجافي له عن ملك قومه بشلب على أن يظاهره على بنى عبد الواد فأبى السلطان أبو الحسن من اشتراط ذلك فتحيز عنه إلى فئة بنى عبد الواد الناجين بتلمسان كما ذكرناه قبل وظاهرهم عليه وبرز إليهم السلطان أبو الحسن من الجزائر والتقى الجمعان بشربونة سنة احدى وخمسين فاختلف مصاف السلطان أبى الحسن(7/68)
وانهزم جمعه وهلك ابنه الناصر طاح دمه في مغراوة هؤلاء وخرج إلى الصحراء ولحق منها بالمغرب الاقصى كما نذكره بعد وتطاول الناجمون بتلمسان من آل يغمراسن إلى
انتظام بلاد مغراوة في ملكهم كما كان سلفهم فنهض إليهم بعساكر بنى عبد الواد رديف سلطانهم وأخوه أبو ثابت الزعيم بن عبد الرحمن بن يحيى بن يغمراسن فأوطأ قومه بلاد مغراوة سنة ثنتين وخمسين وفل جموعهم وغلبهم على الضاحية والامصار وأحجر على بن راشد بتنس في شرذمة من قومه وأناخ بعساكره عليه وطال الحصار ووقع الغلب ولما رأى على بن رشد أن قد أحيط به دخل إلى زاوية من زوايا قصره انتبذ فيها عن الناس وذبح نفسه بحد حسامه وصار مثلا وحديثا للآخرين واقتحم البلد لحينه واستلحم من عثر عليه من مغراوة ونجا الآخرون إلى أطراف الارض ولحقوا بأهل الدول فاستركبوا واستلحقوا وصاروا جندا للدول وحشما وأتباعا وانقرض أمرهم من بلاد شلب ثم كانت لبنى مرين الكرة الثانية إلى تلمسان وغلبوا آل زيان ومحوا آثارهم ثم فاء ظلهم بملك السلطان أبى عنان وحسر تيارهم وجدد الناجمون من آل يغمراسن دولة ثانية بمكان عملهم على يد أبى حمو الاخير ابن موسى بن يوسف كما نذكره في أخبارهم ثم كانت لبنى مرين الكرة الثالثة إلى بلاد تلمسان ونهض السلطان عبد العزيز ابن السلطان أبى الحسن إليها فدخلها فاتح سنة ثنتين وسبعين وسرح عساكره في اتباع أبى حمو الناجم من آل يغمراسن حين فر أمامه في قومه وأشياعه من العرب كما يأتي في ذلك كله ولما انتهت العساكر إلى البطحاء تلوموا هنالك أياما لازاحة عللهم وكان في جملتهم صبى من ولد على بن راشد الذبيح اسمه حمزة ربى يتيما في حجر دولتهم لذمام الصهر الذى لقومه فيهم فكفلته نعمهم وكنفه جوهم حتى شب واستوى وسخط رزقه في ديوانهم وحاله بين ولدانهم واعترض بعض الايام قائد الجيوش الوزير أبا بكر بن غاز شاكيا وأساء رده فركب الليل ولحق بو سعيد من بلاد شلب فأجاروه ومنعوه ونادى بدعوة قومه فأجابوه وسرح إليه السلطان وزيره عبد العزيز عمر بن مسعود بن منديل بن حمامة كبير يتريعن في جيش كثيف من بنى مرين والجند فنزل بساحة ذلك الجبل حولا كريتا (1) فحاصرهم ينال منهم وينالون منه وامتنعوا واتهم السلطان وزيره الآخر أبا بكر بن غازى
فنهض يجر العساكر الضخمة والجيوش الكثيفة إلى أن نزل بهم وصحبهم القتال فقذف الله في قلوبهم الرعب وأنزلهم من معقلهم وفر حمزة بن على في فل من قومه فنزل ببلاد حصين المنتقضين كانوا على الدولة مع أبى زيان بن أبى سعيد الناجم من آل يغمراسن حسبما نذكره وأتى بنو أبى سعيد طاعتهم وأخلصوا الضمائر في مغبتها فحسن(7/69)
موقعهم وبدأ حمزة في الرجوع إليهم فأعد السير في لمة من قومه حتى إذا لم بهم نكرو لمكان ما اعتقلوا به من حبل الطاعة فتساهل إلى البسائط وقصد تيمروغت يظن بهاه غرة ينتهزها فبرز إليه حاميتها ففلوا حده وردوه على عقبه وتسابقوا في اتباعه إلى أن تقبضوا عليه وقادوه إلى الوزير بن الغازبن الكاس فأوعز إليه السلطان بقتله مع جملة أصحابه فضربت أعناقهم وبعث بها إلى سدة السلطان وصلب أشلاؤهم على خشب مسندة نصبها لهم ظاهر مليانة ومحى أثر مغراوة وانقرض أمرهم وأصبحوا خولا للامراء وجندا في الدل وأوزاعا في الاقطار كما كانوا قبل هذه الدولة لاخبرة لهم والبقاء لله وحده وكل شئ هالك الا وجهه له الحكم واليه ترجعون لارب غيره ولا معبود سواه وهو على كل شئ قدير(7/70)
على بن حارون حمزة بن يحيى عابد تميم ورجيع غربة عمر
عطية بن منديل يعقوب بن زيان بن عبد الحق العباس حمزة بن زيد بن منيف بن محمد عمر بن منديل عيسى بن عمر محمد حمو ماكور يفرنان حمزة بن على بن راشد بن محمد بن ثابت بن منديل بن عبد الرحمن بن محمد بن عبد الصمد بن ورجيع بن عبد الصمد بن محمد بن خزرون(7/71)
{ الخبر عن بنى عبد الواد من هذه الطبقة الثانية وما كان لهم بتلمسان وبلاد المغرب الاوسط من الملك والسلطان وكيف كان مبدأ أمرهم ومصائر أحوالهم } قد تقدم لنا في أول هذه الطبقة الثانية من زناتة ذكر بنى عبد الواد هؤلاء وأنهم من ولديادين بن محمد اخوة نوجين ومصاب وزرد ال وبنى راشد وأن نسبهم يرتفع إلى رزجيك ابن اسين بن ورسيك بن جانا وذكرنا كيف كانت حالهم قبل الملك في مواطنهم تلك وكان اخوانهم بمصاب وجبل راشد وفيكك وملوية ووصفنا من حال فتنتهم مع بنى مرين اخوانهم المجتمعين معهم في النسب في رزجيك بن واسيز ولم يزل بنو عبد الواد هؤلاء بمواطنهم تلك وبنو راشد وبنو زردال ومصاب مسخرين إليهم بالنسب والحلف وبنو توجين منابذين لهم أكثر أزمانهم ولم يزالوا جميعا متغلبين على ضاحية المغرب الاوسط عامة الازمان وكانوا تبعا فيه لبنى وماتوا وبنى يلومى حين كان لهم التغلب فيهم وربما
يقال كان شيخهم لذلك العهد يعرف بيوسف بن تكفا حتى إذا نزل عبد المؤمن والموحدون نواحى تلمسان وسارت عساكرهم إلى بلاد زناتة تحت راية الشيخ أبى حفص فأوقعوا بهم كما ذكرناه وحسنت بعد ذلك طاعة بنى عبد الواد وانحياشهم إلى الموحدين وكانت بطونهم وشعوبهم كثيرة أظهرها فيما يذكرون ستة بنو يانكين وبنو اولوا وبنو ورهطف ونصوحه وبنو لو مرت وبنو القاسم ويقولون بلسانهم ائت القاسم وائت حرف الاضافة النسبية عندهم ويزعم بنو القاسم هؤلاء انهم من أولاد القاسم بن ادريس وربما قالوا في هذا القاسم انه ابن محمد بن ادريس أو ابن محمد ابن عبد الله أو ابن محمد بن القاسم وكلهم من أعقاب ادريس زعما لا مستند له الا اتفاق بنى القاسم هؤلاء عليه مع ان البادية بعداء عن معرفة هذه الانساب والله أعلم بصحة ذلك (وقد قال يغمراسن) ابن زنان أبو ملوكهم لهذا العهد لما رفع نسبه إلى ادريس كما يذكرون فقال برطانتهم ما معناه ان كان هذا صحيحا فينفعنا عند الله وأما الدنيا فانما نلناها بسيوفنا ولم تزل رياسة بنى عبد الواد في بنى القسام لشدة شوكتهم واعتزاز عصبيتهم وكانو بطونا كثيرة فمنهم بنو يكمثين بن القاسم وكان منهم ويعزن ابن مسعود بن يكمثين وأخواه يكمثين وعمر وكان أيضا منهم اغدوى بن يكمثين الاكبر ويقال الاصغر ومنهم أيضا عبد الحق من منغفاد بن ولد ويعزن وكانت الرياسة عليهم لعهد عبد المؤمن لعبد الحق بن منغفاد واغدوى بن يكمثين وعبد الحق بن منغفاد هو الذى استنقذ الغنائم من يدى بنى مرين وقتل المخضب المسوف حين بعثه عبد المؤمن مع الموحدين لذلك والمؤرخون يقولون عبد الحق بن معاد بميم وعين مهملة مفتوحتين وألف بعدها وهو غلط وليس هذا اللفظ بهذا الضبط من لغة زناتة وانما(7/72)
هو تصحيف منغفاد بميم ونون مفتوحتين وغين بعدهما معجمة ساكنة وفاء مفتوحة والله أعلم (ومن بطون) بنى القاسم أيضا بنو مطهر بن يمل بن يزكين بن القاسم وكان
جماعة بن مطهر من شيوخهم لعهد عبد المؤمن وأبلى في حروب زناتة مع الموحدين ثم حسنت طاعته وانحياشه (ومن بطون) بنى القاسم أيضا بنو على واليهم انتهت رياستهم وهم أشد عصبية وأكثر جمعا وهم أربعة أفخاذ بنو طاع الله وبنو دلول وبنو كمين وبنو معطى بن جوهر والاربعة بنو على ونصاب الرياسة في بنى طاع الله لبنى محمد ابن زكراز بن تيدوكس بن طاع الله هذا ملخص الكلام في نسبهم (ولما) ملك الموحدون بلاد المغرب الاوسط وأبلوا من طاعتهم وانحياشهم ما كان سببا لاستخلاصهم فأقطعوهم عامة بلاد بنى وماتوا وأقاموا بتلك المواطن وحدثت الفتنة بين بنى طاع الله وبنى كمين إلى أن قتل كندور بن من بنى كمى زيان بن ثابت كبير بنى محمد بن زكراز وشيخهم وقام بأمرهم بعده جابر بن عمه يوسف بن محمد فشار كندور بزيان ابن عمه وقتله في بعض أيامهم وحروبهم ويقال قتله غيلة وبعث برأسه ورؤس أصحابه إلى يغمراسن بن زيان بن ثابت فنصبت عليهم القدور أثافى شفاية لنفوسهم من شأن أبيه زيان وافترق بنو كمين وفر بهم كبيرهم عبد الله بن كندور فلحقوا بتونس ونزل على الامير أبى زكريا كما نذكره بعد واستبد جابر بن يوسف بن محمد برياسة بنى عبد الواد وأقام هذا الحى من بنى عبد الواد بضواحي المغرب الاوسط حتى إذا فشل ريح بنى عبد المؤمن وانتزى يحيى بن غالية على جهات قابس وطرابلس وردد الغزو والغارات على بسائط افريقية والمغرب الاوسط فاكتسحها وعاث فيها وكبس الامصار فاقتحمها بالغارة وافساد السابلة وانتساف الزرع وحطم النعم إلى أن خربت وعفار سمها لسني الثلاثين من المائة السابعة وكان تلمسان نزلا للحامية ومناخا للسيد من القرابة الذى يضم نشرها ويذب عن أنحائها وكان المأمون قد استعمل على تلمسان أخاه السيد أبا سعيد وكان مغفلا ضعيف التدبير وغلب عليه الحسن بن حيون من مشيخة قومه وكان عاملا على الوطن وكانت في نفسه ضغائن من بنى عبد الواد جرها ما كان حدث لهم من التغلب على الضاحية وأهلها فأغرى السيد أبا سعيد بجماعة مشيخة منهم وفدوا عليه فتقبض
عليهم واعتقلهم وكان في حامية تلمسان لمة من بقايا لمتونة تجافت الدولة عنهم وأثبتهم عبد المؤمن في الديوان وجعلهم مع الحامية وكان زعيمهم لذلك العهد ابراهيم بن اسمعيل بن علان فشفع عندهم في المشيخة المعتقلين بمن بنى عبد الواد فردوه فغضب وحمى انفه وجمع الانتقاض والقيام بدعوة ابن غانية فجدد ملك المرابطين من قومه بقاصية المشرف فاغتال الحسن بن حيون لحينه وتقبض على السيد أبى سعيد وأطلق(7/73)
المشيخة من بنى عبد الواد ونقض طاعة المأمون وذلك سنة أربع وعشرين فطير الخبر إلى ابن غانية فأجد إليه السير ثم بدا له في أمر بنى عبد الواد ورأى ان ملاك أمره في خضد شوكتهم (1) وقص جناحهم فحدث نفسه بالفتك بمشيختهم ومكر بهم في دعوة واعدهم لها وفطن لتدبيره ذلك جابر بن يوسف شيخ بنى عبد الواد فواعده اللقاء والمزاورة وطوى له على وخرج ابراهيم بن علان إلى لقائه ففتك به جابر وبادر إلى البلد فنادى طاعته وكشف لاهلها القناع عن مكر بن علان بهم ولما أوقعهم بن غانية فحمدوا رأيه وشكروا جابرا على صنيعه وجددوا البيعة هذا دفع بنى عبد الواد واحلافهم من بنى راشد وبعث إلى فخاطب له بالشكر وكتب له بالعهد على تلمسان وسائر زناتة على رسم السادات الذين كانوا يلون ذلك مع القرابة فاضطلع بأمر المغرب الاوسط (وكانت) هذه الولاية ركوبا إلى صهوة الملك الذى اقتعدوه من بعد ثم انتقض عليه أهل اربونة بعد ذلك فنازلهم وهلك في حصارها بسهم غرب سنة تسع وعشرين وقامس بالامر بعده ابنه الحسن وجدد له المأمون عهده بالولاية ثم ضعف عن الامر وتخلى عنه لستة أشهر من ولايته ودفع إليه عمه عثمان بن يوسف وكان سيئ الملكة كثير العسف والجور فثارت به الرعايا بتلمسان وأخرجوه سنة احدى وثلاثين وارتضوا مكانه ابن عمه
زكراز بن زيان بن ثابت الملقب بأبى عزة فاستدعوه لها وولوه على أنفسهم وبلدهم وسلموا له أمرهم وكان مضطلعا بأمر زناتة ومستبدا برياستهم ومستوليا على سائر الضواحى فنفس بنو مطهر عليه وعلى قومه بنى على اخوانهم ما آتاهم الله من الملك واكرمهم الله به من السلطان وحسدوا زكراز وسلفه فيما صار إليه من الملك فشاقوه ودعوا إلى الخروج عليه واتبعهم بنو راشد احلافهم منذ عهد الضحراء وجمع لهم أبو عزة سائر قبائل بنى عبد الواد فكانت بينه وبينهم حرب سجال هلك في بعض أيامها سنة ثلاث وثلاثين وقام بالامر بعده أخوه يغمراسن بن زيان فوقع التسليم والرضا وسير القبيل ودان له بالطاعة جميع الامصار وكتب له الخليفة الرشيد بالعهد على عمله وكان له ذلك سلما إلى الملك الذى أورثه بنيه سائر الايام والملك لله يؤتيه من يشاء(7/74)
يغمراسن دلول معطى بن جوهر عبد الحق بن يكبيكن واعروى بنو ورصطف مصوهه وللدا الحسن بن جابر بن يوسف عثمان عبد الله بن كندور بن كمى حمامة بن مطهر بن يمل بن يزكن
حمامة بن مطهر بنو تومرت تاكتر زكراز بن زيان بن ثابت بن محمد بن زكراز بن تيدوكس بن طاع الله بن على بن القاسم بن عبد الواد(7/75)
{ الخبر عن تلمسان وما تأدى الينا من أحوالها من الفتح إلى أن تأثل بها سلطان بنى عبد الواد ودولتهم } هذه المدينة قاعدة المغرب الاوسط وأم بلاد زناتة اختطها بنو يفرن بما كانت في مواطنهم ولم نقف على أخبارها فيما قبل ذلك وما يزعم بعض العامة من ساكنها أنها أزلية البناء وأن الجدار الذى ذكر في القرآن في قصة الخضر وموسى عليهما السلام هو بناحية اكادير منها فأمر بعيد عن التحصيل لان موسى عليه السلام لم يفارق المشرق إلى المغرب وبنو اسرائيل لم يلغ ملكهم لافريقية فضلا عما وراءها وانما هي من مقالات التشيع المجبول عليه أهل العالم في تفضيل ما ينسب إليه أو ينسبون إليه من بلد أو أرض أو علم أو صناعة ولم أقف لها على خبر أقدم من خبر ابن الرقيق بأن أبا المهاجر الذى ولى افريقية بين ولايتى عقبة بن نافع الاولى والثانية توغل في ديار المغرب ووصل إلى تلمسان وبه سميت عيون أبى المهاجر قريبا منها وذكرها الطبري عند ذكر أبى قرة واجلائه مع إبى حاتم والخوارج على عمر بن حفص ثم قال فأفرجوا عنه وانصرف أبو قرة إلى مواطنه بنواحي تلمسان وذكرها ابن الرقيق أيضا في أخبار ابراهيم بن الاغلب قبل استبداده بافريقية وانه توغل في غزوه إلى المغرب ونزلها واسمها في لغة زناتة مركب من كلمتين تلم سان ومعناهما تجمع اثنين يعنون البر والبحر (ولما خلص) ادريس الاكبر بن عبد الله بن الحسن إلى المغرب الاقصى واستولى عليه نهض إلى المغرب الاوسط سنة أربع وسبعين ومائة فتلقاه محمد بن خزر بن صولات
أمير زناتة وتلمسان فدخل في طاعته وحمل عليها مغراوة وبنى يفرن وأمكنه من تلمسان فملكها واختط مسجدها وصعد منبره وأقام بها أشهر أو انكفأ راجعا إلى المغرب وجاء على اثره من المشرق أخوه سليمان بن عبد الله فنزلها وولاه أمرها ثم هلك ادريس وضعف أمرهم ولما بويع لابنه ادريس من بعده واجتمع إليه برابرة المغرب نهض إلى تلمسان سنة تسع وتسعين ومائة فجدد مسجدها وأصلح منبرها وإقام بها ثلاث سنين دوخ فيها بلاد زناتة واستوسقت له طاعتهم وعقد عليها لبنى محمد ابن عمه سليمان (ولما هلك ادريس) الاصغر واقتسم بنوه أعمال المغربين باشاره أمه كنزة كانت تلمسان في سهمان عيسى بن ادريس بن محمد بن سليمان وأعمالها لبنى أبيه محمد بن سليمان فلما انقرضت دولد الادارسة من المغرب وولى أمره موسى بن أبى العافية بدعوة الشيعة نهض إلى تلمسان سنة تسع عشرة وغلب عليها أميرها لذلك العهد الحسن بن أبى العيش بن عيسى بن ادريس بن محمد بن سليمان ففر عنها إلى مليلة وبنى حصنا لامتناعه بناحية نكور فحاصره مدة ثم عقد له سلما على حصنه ولما تغلب الشيعة على(7/76)
المغرب الاوسط أخرجوا أعقاب محمد بن سليمان من سائر أعمال تلمسان فأخذوا بدعوة بنى أمية من وراء البحر وأجازوا إليهم وتغلب يعلى بن محمد اليفرنى على بلاد زناتة والمغرب الاوسط فعقد له الناصر الاموى عليها وعلى تلمسان أعوام أربعين وثلثمائة ولما هلك يعلى وأقام بأمر زناتة بعده محمد بن الخير بن محمد بن خزر داعية الحكم المستنصر بتلمسان أعوام ستين وهلك في حروب صنهاجة وغلبوهم على بلادهم وانجلوا إلى المغرب الاقصى ودخلت تلمسان في عمالة صنهاجة إلى أن انقسمت دولتهم وافترق أمرهم واستقل بامارة زناتة وولاية المغرب زيرى بن عطية وطرده المنصور عن المغرب أعوام فصار إلى بلاد صنهاجة وأجلب عليها ونازل معاقلهم وأمصارهم مثل تلمسان وهراة وتنس واشير المسيلة ثم عقد المظفر بعد حين لابنه المعز بن زيرى
على أعمال المغرب سنة ست وتسعين فاستعمل على تلمسان ابنه يعلى بن زيرى واستقرت ولايتها في عقبه إلى إن انقرض أمرهم على يد لمتونة وعقد يوسف بن تاشفين عليها لمحمد بن تينعمر المستوفى وأخيه تاشفين من بعده واستحكمت الفتنة بينه وبين المنصور ابن الناصر صاحب القلعة من ملوك بنى حماد ونهض إلى تلمسان وأخذ بمخنقها وكاد أن يغلب عليها كما ذكرنا ذلك كله في مواضعه (ولما غلب) عبد المؤمن لمتونة وقتل تاشفين ابن على بوهران خربها وخرب تلمسان بعد أن قتل الموحدون عامة أهلها وذلك أعوام أربعين من المائة السادسة ثم راجع رأيه فيها وندب الناس إلى عمرانها وجمع الايدى على رم ما تثلم من أسوارها وعقد عليها لسليمان بن واندين من مشايخ هنتاتة وأخاير الموحدين وسبب هذا الحى من بنى عبد الواد بما أبلى من طاعتهم وانحياشهم ثم عقد عليها لابنه السيد أبى حفص ولم يزل آل عبد المؤمن بعد ذلك يستعملون عليها من قرابتهم وأهل بيتهم ويرجعون إليه أمر الغرب كله وزناتة أجمع اهتماما بأمرها واستعظاما لعملها وكان هؤلاء الاحياء من زناتة بنو عبد الواد وبنو توجين وبنو راشد غلبوا على ضواحي تلمسان والمغرب الاوسط وملكوها وتقلبوا في بسائطها واحتازوا باقطاع الدولة الكثير من أرضها والطيب من بلادها والوافر للجباية من قبائلها فإذا خرجوا إلى مشاتيهم بالصحراء خلفوا أتباعهم وحاشيتهم بالتلول لاعتمار أرضهم وازدراع فدنهم وجباية الخراج من رعاياهم وكان بنو عبد الواد من ذلك فيها بين البطحاء وملوية ساحله وريغة وصحراوة وصرف ولاة الموحدين بتلمسان من السادة نظرهم واهتمامهم بشأنها إلى تحصينها وتشييد أسوارها وحشد الناس إلى عمرانها والتناغى في عمرانها واتخاذ الصروح والقصور بها والاحتفال في مقاصد الملك واتساع خطة الدور وكان من أعظمهم اهتماما بذلك وأوسعهم فيه نظرا السيد أبو عمران موسى(7/77)
ابن أمير المؤمنين يوسف ووليها سنة ست وخمسين على عهد أبيه يوسف بن عبد المؤمن
واتصلت أيام ولايته فيها فشيد بناءها وأوسع خطتها وأدار سياج الاسوار عليها ووليها من بعد السيد أبو الحسن بن السيد أبى حفص بن عبد المؤمن وتقبل فيها مذهبه (وما كان) من أمر ابن غانية وخروجه من ميورقة سنة احدى وثمانين ما قدمناه وكبسوا بجاية فملكوها وتخطوا إلى الجزائر ومليانة فغلبوا عليها تلافى السيد أبو الحسن أمره بانعام النظر في تشييد أسوارها والاستبلاغ في تحصينها وسد فرجها واعماق الحفائر نطاقا عليها حتى صيرها من أعز معاقل المغرب وأحصن أمصاره وتقبل ولاتها هذا المذهب من بعده في المعتصم بها (واتفق من الغرائب) أن أخاه السيد أبا زيد هو الذى دفع لحرب بنى غانية فكان لها في رقع الخرق والمدافعة عن الدولة آثار وكان ابن غانية قد اجتمع إليه ذوبان العرب من الهلاليين بافريقية وخالفتهم زغبة احدى بطونهم إلى الموحدين وتحزوا إلى زناتة المغرب الاوسط وكان مفزعهم جميعا ومرجع نقضهم وإبرامهم إلى العامل بتلمسان من السادة أبى مثواهم وحامى حقيقتهم وكان ابن غانية كثيرا ما يجلب على ضواحي تلمسان وبلاد زناتة ويطرقها معه من ناعق الفتنة إلى ان خرب كثيرا من أمصارها مثل تاهرت وغيرها فأصبحت تلمسان قاعدة المغرب الاوسط وأم هؤلاء الاحياء من زناتة والمغرب الكافية لهم المهيئة في حجرها مها دنومهم لما خربت المدينتان اللتان كانتا من قبل قواعد في الدول السالفة والعصور الماضية وهما أرشكول بسيف البحر وتاهرت فيما بين الريف والصحراء من قبلة البطحاء وكان خراب هاتين المدينتين فيما خرب من أمصار المغرب الاوسط فتنة ابن غانية وباجلاب هؤلاء الاحياء من زناتة وطلوعهم على أهلها بسوم الخسف والعيث والنهب وتخطف الناس من السابلة وتخريب العمران ومغالبتهم حاميتها من عساكر الموحدين مثل قصر عجيسة وزرفة والخضراء وشلب ومتيجة وحمزة ومرسي الدجاج الجعبات ولم يزل عمران تلمسان يتزايد وخطتها تتسع الصروح بها بالآجر والفهر تعلى وتشاد إلى أن نزلها آل زيان واخذوها دارا لملكهم وكرسيا لسلطانهم فاختطوا بها القصور المونقة
والمنازل الجاملة واغترسوا الرياض والبساتين وأجروا خلالها المياه فأصبحت أعظم أمصار المغرب ورحل إليها الناس من القاصية ونفقت بها أسواق العلوم والصنائع فنشأ بها العلماء واشتهر فيها الاعلام وضاهت أمصار الدول الاسلامية والقواعد الخلافية والله وارث الارض ومن عليها { الخبر عن استقلال يغمراسن بن زيان بالملك والدولة بتلمسان وما إليها وكيف مهد الامر لقومه وأصاره تراثا لبنيه }(7/78)
كان يغمراسن بن زيان بن ثابت بن محمد من أشد هذا الحى بأسا وأعظمهم في النفوس مهابة واجلالا وأعرفهم بمصالح قبيلة وأقواهم كاهلا على حمل الملك واضطلاعا بالتدبير والرياسة شهدت له بذلك آثاره قبل الملك وبعده وكان مرموقا بعين التجلة مؤملا للامر عند المشيخة وتعظمه من أمره الخاصة وتفزع إليه في نوائبها العامة فلا ولى هذا الامر بعد أخيه أبى عزة زكراز بن زيان سنة ثلاث وثلاثين قام به أحسن قيام واضطلع باعبائه وظهر على بنى مطهر وبنى راشد الخارجين على أخيه وأصارهم في جملته وتحت سلطانه وأحسن السيرة في الرعية واستمال عشيرته وقومه واحلافهم من زغبة بحسن السياسة والاصطناع وكرم الجوار واتخذ الآلة ورتب الجنود والمسالح واستلحق العساكر من الروم والغز وناشئه وفرض العطاء واتخذ الوزراء والكتاب وبعث في الاعمال ولبس شارة الملك والسلطان واقتعد الكرسي ومحا آثار الدولة المؤمنية وعطل من الامر والنهى دستها ولم يترك من رسوم دولتهم وألقاب ملكهم الا الدعاء على منابره للخليفة بمراكش وتقلد العهد من يده تأنيسا للكافة ومرضاة للاكفاء من قومه ووفد عليه لاول دولته ابن وضاح اثر الموحدين أجاز البحر مع جالية المسلمين من شرق الاندلس فآثره وقرب مجلسه وأكرم نزله وأحله من الخلة والشورى بمكان اصطفاه له ووفد في جملته أبو بكر بن خطاب المبايع لاخيه بمرسية وكان مرسلا بليغا وكاتبا مجيدا
وشاعرا محسنا فاستكتبه وصدر عنه من الرسائل في خطاب خلفاء الموحدين بمراكش وتونس في عهود بيعاتهم ما تنوقل وحفظ ولم يزل يغمر اسن محاميا عن غيله محاربا لعدوه وكانت له مع ملوك الموحدين من آل عبد المؤمن ومديلتهم آل أبى حفص مواطن في التحرس به ومنازلة بلده نحن ذاكروها كذلك وبينه وبين أقتاله بنى مرين قبل ملكهم المغرب وبعد ملكه وقائع متعددة وله على زناتة الشرف من توجين ومغراوة في فل جموعهم وانتساف بلادهم وتخريب أوطانهم وأيام مذكورة وآثار معروفة نشير إلى جميعها ان شاء الله تعالى * (الخبر عن استيلاء الامير أبى زكريا على تلمسان ودخول يغمراسن في دعوته) * لما استقل يغمراسن بن زيان بأمر تلمسان والمغرب الاوسط وظفر بالسلطان وعلا كعبه على سائر أحياء زناتة نفسوا عليه ما آتاه الله من العز وكرمه به من الملك فنابذوه العهد وشاقوه الطاعة وركبوا له ظهر الخلاف والعداوة فشمر لحربهم ونازلهم في ديارهم وأحجرهم في أمصارهم ومعتصماتهم من شواهق الجبال وممتنع الامصار وكانت له عليهم أيام مشهورة ووقائع معروفة وكان متولى كبر هذه المشاقة عبد القوى ابن عباس شيخ بنى توجين أقتالهم من بنى يادين والعباس بن منديل بن عبد الرحمن واخوته أمراء(7/79)
مغراوة وكان المولى الامير أبو زكريا بن أبى حفص منذ استقل بأمر افريقية واقتطعها من الايالة المؤمنية سنة خمس وعشرين كما ذكرناه متطاولا إلى احتياز المغرب والاستيلاء على كرسى الدعوة بمراكش وكان يرى أن بمظاهرة زناتة له على شأنه يتم له ما يسموا إليه من ذلك فكان يداخل أمراء زناتة فيرغبهم ويراسلهم بذلك على الاحيان من بنى مرين وبنى عبد الواد وتوجين ومغراوة وكان يغمر اسن منذ تقلد طاعة بنى عبد المؤمن أقام دعوتهم بعمله متحيزا إليهم سلما لوليهم وحربا على عدوهم وكان الرشيد قد ضاعف له البر والخلوص وخطب منه مزيد الولاية والمصافاة وعاوده الاتحاف بأنواع الالطاف
والهدايا عام سبع وثلاثين تقمنا لمسراته وميلا إليه عن جانب أقتال بنى مرين المجلبين على المغرب والدولة وأحفظ الامير أبا زكريا بن عبد الواحد صاحب افريقية ما كان من اتصال يغمراسن بالرشيد وهو من جواره بالمحل القريب واستكره ذلك وبينما هو على ذلك إذ وفد عليه عبد القوى بن عباس وولد منديل بن محمد صريخين على يغمراسن وسهلوا له أمره وسولوا له الاستيلاء على تلمسان وجمع كلمة زناتة واعتدا ذلك ركابا لما يرومه من امتطاء ملك الموحدين وانتظامه في أمره وسلما لارتفاء ما يسمو إليه من مكله وبابا للولوج على أهله فحركه املاؤهم وهزه إلى النعرة صريخهم وأهب بالموحدين وسائر الاولياء والعساكر على الحركة على تلمسان واستنفر لذلك سائر البدو من الاعراب الذين في عمله من بنى سليم ورياح بظعنهم لداغية ونهض سنة تسع وثلاثين في عساكر ضخمة وجيوش وافرة وسرح أمام حركته عبد القوى ابن العباس وأولاد منديل بن محمد لحشد من بأوطانهم من أحياء زناتة وأتباعهم وذوبان قبائلهم وأحياء زغبة احلافهم من العرب وضرب معهم لموافاتهم في تخوم بلادهم ولما نزل زاغر قبلة تيطرى منتهى مجالات رياح وبنى سليم في المغرب وافته هنالك أحياء زغبة من بنى عامر وسويد وارتحلوا معه حتى نازل تلمسان بجمع عساكر الموحدين وحشد زناتة وظعن المغرب بعد أن قدم إلى يغمراسن الرسل من مليانة والاعذار والبراءة والدعاء والطاعة فرجعهم بالخيبة (ولما حلت) عساكر الموحدين بساحة البلد وبرز يغمراسن وجموعه نضحتهم ناشبة السلطان بالنبل فانكشفوا ولاذوا بالجدران وعجزوا عن حماية الاسوار فاستمكنت المقاتلة من الصعود ورأى يغمراسن ان قد أخيط بالبلد فقصد باب العقبة من أبواب تلمسان ملتفا على ذويه وخاصته واعترضه عساكر الموحدين فصمد نحوهم وجدل بعض أبطالهم فافرجوا له ولحق بالصحراء وانسلت الجيوش إلى البلد من كل حدب فاقتحموه وعابوا فيه بقتل النساء والصبيان واكتساح الاموال ولما تجلى عشاء تلك الهيعة وحسر تيار(7/80)
الصدمة وخمدت نار الحرب راجع الموحدون بصائرهم وأمعن الامير نظره فيمن يقلده أمر تلمسان والمغرب الاوسط وينزله بثغرها لاقامة دعوته الدائلة من بنى عبد المؤمن والمدافعة عنها واستكبر ذلك أشرافهم وتدافعوه وتبرأ أمراء زناتة منه ضعفا عن مقاومة يغمراسن وعلما بأنه الفحل الذى لا يجدع أنفه ولا يطرق غيله ولا يصد عن فريسته وسرح يغمراسن الغارات في نواحى العسكر فاختطفوا الناس من حوله وأطلوا من المراقب عليه وخاطب يغمراسن خلال ذلك الامير أبا زكريا راغبا في القيام بدعوته بتلمسان فراجعه بالاسعاف واتصال اليد على صاحب مراكش وسوغه على ذلك جباية اقتطعها له وأطلق أيدى العمال ليغمراسن على جبايتها ووفدت أمه سوط النساء للاشتراط والقبول فأكرم موصلها وأسنى جائزتها وأحسن وفادتها ومنقلبها وارتحل إلى حضرته لسبع عشرة ليلة من نزوله في أثناء ريقه ووسوس إليه بعض الحاشية باستبداد يغمراسن عليه وأشاروا باقامة منافسيه من زناتة فأجابهم وقلد عبد القوى بن عطية التوجينى والعباس بن منديل المغراوى وعلى بن منصور الملكيشى على قومهم ووطنهم وعهد إليهم بذلك وأن لهم في اتخاذ الآلة والمراسم السلطانية على سنن يغمراسن قريعهم فاتخذوها بحضرته وبمشهد من ملك الموحدين وأقاموا مراسمها ببابه وأعد السير لتونس قرير العين بامتداد الملك وبلوغ وطره والاشراف على اذعان المغرب لطاعته وانقياده وحكمه وادالة عبد المؤمن فيه بدعوته ودخل يغمراسن بن زيان ووفى للامير أبى زكريا بعهده وأقام بها الدعوة له على سائر منابره وصرف إلى مشاقيه من زناتة وجوه عزائمه فأذاق عبد القوى وأولاد عباس وأولاد منديل نكال الحرب وسامهم سوء العذاب والفتنة وجاس خلال ديارهم وتوغل في بلادهم وغلبهم على الكثير من ممالكهم وشرد عن الامصار والقواعد ولاتهم وأشياعهم ودعاتهم ورفع عن الرعية ما نالهم من عدوانهم وسوء ملكتهم وثقيل
عسفهم ولم يزل على تلك الحال إلى أن كان من حركة صاحب مراكش يغمراسن بالدولة الحفصية ما نذكره ان شاء الله تعالى { الخبر عن نهوض السعيد صاحب مراكش ومنازلته يغمراسن بجبل تامزردكت ومهلكه هنالك } لما انقضت دولة بنى عبد المؤمن وانتزى الثوار والدعاة بقاصية أعمالهم وقطعوها عن ممالكهم فاقتطع ابن هود ما وراء البحر من جزيرة الاندلس واستبد بها وروى بالدعاء للمستنصر بن الظاهر خليفة بغداد من العباسيين لعهده ودعا الامير أبو زكريا بن أبى حفص بافريقية لنفسه وسما إلى جمع كلمة زناتة والتغلب على كرسى الدعوة بمراكش(7/81)
فنازل تلمسان وغلب عليها سنة أربعين وقارن ذلك ولاية السعيد على بن المأمون ادريس بن المنصور يعقوب بن يوسف بن عبد المؤمن وكان شهما حازما يقظا بعيد الهمة فنظر في اعطاف دولته وفاض الملا في تثقيف أطرافها وتقويم مائلها وأثار حفائظهم ما وقع من بنى مرين في ضواحي المغرب ثم في أمصاره واستيلائهم على مكناسة وقامتهم الدعوة الحفصية فيها كما نذكره فجهز الملوك والعساكر وأزاح عللهم واستنفر عرب المغرب وما يليه واحتشد كافة المصامدة ونهض يمن مراكش آخر سنة خمس وأربعين يريد القاصية ويشرد بنى مرين عن الامصار الدانية والحشود بوادي بهت وأعد السير إلى تازى فوصلته هناك طاعة بنى مرين كما نذكره ونفر معه عسكر منهم ونهض إلى تلمسان وما وراءها ونجا يغمراسن بن زيان وبنو عبد الواد بأهليهم وأولادهم إلى قلعة تامزردكت قبلة وجدة فاعتصموا بها ووفد على السعيد الفقيه عبدون وزير يغمراسن مؤديا للطاعة في مذاهب الخدمة ومتوليا من حاجات الخليفة بتلمسان ما يدعوه إليه ويصرفه في سبيله ومعتذرا عن وصول يغمراسن فلج الخليفة في شأنه ولم يعذره وأبى الا مباشرة طاعته بنفسه وساعده في ذلك
كانون بن جرمون السفياني صاحب الشورى بمجلسه ومن حضر من الملا ورجعوا عبدونا لاستقدامه فتثاقل خشية على نفسه واعتمد السعيد الجبل في عساكره وأناخ بها في ساحة وأخذ بمخنقهم ثلاثا ولرابعها ركب مهجرا على حين غفلة من الناس في قائلة ليتطوف على المعتصم ويتقرى مكامنه فبصر به فارس من القوم يعرف بيوسف بن عبد المؤمن الشيطان كان أسف الجبل للاحتراس وقريبا منه يغمراسن ابن زيان وابن عمه يعقوب بن جابر فانقضوا عليه من بعض الشعاب وطعنه يوسف فأكبه عن فرسه وقتل يعقوب بن جابر وزيره يحيى بن عطوش ثم استلحموا لوقتهم مواليه ناصحا من العلوج وعنبرا من الخصيان وقائد جند النصارى أخو العمط ووليدا يافعا من ولد السعيد (ويقال) انما كان ذلك يوم عبى العساكر وصعد الجبل للقتال وتقدم امام الناس فاقتطعه بعض الشعاب المتوعرة في طريقه فتواثب به هولاء الفرسان وكان ما ذكرناه وذلك في صفر سنة ست وأربعين ووقعت النفرة في العساكر لطائر الخير فأجفلوا وبادر يغمراسن إلى السعيد وهو صريع بالارض فنزل إليه وحياه وفداه واقسم له على البرء من هلكته والخليفة واجم بمصرعه يجود بنفسه إلى ان فاض وانتهب المعسكر بجملته وأخذ بنو عبد الواد ما كان به من الاخبية والعازات واختص يغمراسن بفسطاط السلطان فكان له خالصة دون قومه واستولى على الذخيرة التى كانت فيه منها مصحف عثمان بن عفان يزعمون أنه أخذ المصاحف التى انتسخت لعهد خلافته(7/82)
وانه كان في خزائن قرطبة عند ولد عبد الرحمن الداخل ثم صار في ذخائر لمتونة فيما صار إليهم من ذخائر ملوك الطوائف بالاندلس ثم إلى خزائن الموحدين من خزائن لمتونة وهو لهذا العهد في خزائن بنى مرين فيما استولوا عليه من ذخيرة ال زيان حين غلبهم اياهم على تلمسان واقتحامها عنوة على ملكها منهم عبد الرحمن بن موسى بن عثمان بن يغمراسن فريسة السلطان أبى الحسن مقتحمها غلابا سنة سبع وثلاثين كما نذكره ومنها
العقد المنتظم من خرزات الياقوت الفاخرة والدرر المشتمل على مئين متعددة من حصبائه يسمى بالثعبان وصار في خزائن بنى مرين بعد ذلك الغلاب فيما اشتملوا عليه من ذخيرتهم إلى أن تلف في البحر عند غزو الاسطول بالسلطان أبى الحسن بمرسى بجابة مرجعه من تونس حسبما نذكره بعد إلى ذخائر من أمثاله وطرف من أشباهه مما يستخلصه الملوك لخزائنهم ويعنون به من ذخائرهم ولما سكنت النفرة وركد عاصف تلك الهيعة نظر يغمراسن في شأن مواراة الخليفة فجهز ورفع على الاعواد إلى مدفنه بالعباد بمقبرة الشيخ أبى مدين عفا الله عنه ثم نظر في شأن حرمه وأخته تاعزونت الشهيرة الذكر بعد أن جاءها واعتذر إليها مما وقع وأصحبهن جملة من مشيخة بنى عبد الواد إلى مأمنهن والحقوهن بدرعة من تخوم طاعتهم فكان له بذلك حديث جميل في الابقاء على الحرم ورعى حقوق الملك ورجع إلى تلمسان وقد خضدت شوكة بنى عبد المؤمن وأمنهم على سلطانه والله أعلم * (الخبر عما كان بينه وبين بنى مرين من الاحداث سائر أيامه) * قد ذكرنا ما كان بين هذين الحيين من المناغاة والمنافسة منذ الآماد المتطاولة بما كانت مجالات الفريقين بالصحراء متجاورة وكان التخم بين الفريقين واديا صار إلى فيجيج وكان بنو عبد المؤمن عند فشل الدولة وتغلب بنى مرين على ضاحية المغرب يستجيشون بنى عبد الواد مع عساكر الموحدين على بنى مرين فيجوسون خلال المغرب ما بين تازى إلى فاس إلى القصر في سبيل المظاهرة للموحدين والطاعة لهم وسنذكر في أخبار بنى مرين كثيرا من ذلك فلما هلك السعيد وأسف بنو مرين إلى ملك المغرب سما ليغمراسن أمل في مزاحمتهم وكان أهل فاس وقد تغلب أبو يحيى بن عبد الحق عليهم قد نقموا على قومه سوء السيرة وتمشت رجالاتهم في اللياذ بطاعة الخليفة المرتضى ففعلوا فعلتهم في الفتك بعامل أبى يحيى بن عبد الحق والرجوع إلى طاعة الخليفة وأعد أبو يحيى المسير إلى منازلتهم فحاصرهم شهورا وفى أثناء هذا الحصار اتصلت المخاطبة بين الخليفة
المرتضى ويغمراسن بن زيان في الاخذ بحجزة أبى يحيى بن عبد الحق بفاس فأجاب يغمراسن داعيه واستنفر لها اخوانه من زناتة فنفر معه عبد القوى بن عطية بقومه من(7/83)
توجين وكافة القبائل من زناتة والمغرب ونهضوا إلى وبلغ خبرهم إلى أبى يحيى بن عبد الحق بمكانه من حصار فاس فجهز كتائبه عليها ونهض للقائهم في بقية العساكر والتفى الجمعان بايسلى من ناحية وجدة وكانت هناك الواقعة المشهورة بذلك المكان انكشف فيها جموع يغمراسن وغيره ورجعوا في فلهم إلى تلمسان واتصلت بعد ذلك بينهم الحروب والفنات سائر أيامه وربما تخللتها الهدنات قليلا وكان بينه وبين يعقوب بن عبد الحق ذمة مواصلة أوجب له رعيها وكثيرا ماكان يثنى عليه أخوه أبو يحيى من أجلها ونهض أبو يحيى بن عبد الحق سنة خمس وخمسين إلى قتاله وبرز إليه يغمراسن وتزاحفت جموعهم بأبى سليط فانهزم يغمراسن واعتزم أبو يحيى على اتباعه فرده أخوه يعقوب بن عبد الحق (ولما) قفل إلى المغرب صمد يغمراسن إلى سجلماسة لمداخلة كانت بينه وبين النبات من عرب المعقل أهل مجالاتها وذئاب فلاتها حدثته نفسه باهتبال الغرة في سجلماسسة من أجلها وكانت قد صارت إلى ايالة أبى يحيى ابن عبد الحق منذ ثلاث كما ذكرناه في أخبارهم ونذر بذلك أبو يحيى فسابق إليها يغمراسن بمن حضره من قومه فثقفها ووصل يغمراسن عقيب ذلك بعساكره وأناخ بها وامتنعت عليه فأفرج عنها قافلا إلى تلمسان وهلك أبو يحيى بن عبد الحق اثر ذلك منقلبه إلى فاس فاستنفر يغمراسن أولياءه من زناتة وأحياء زغبة ونهض إلى المغرب سنة سبع وخمسين وانتهى إلى كلدامان ولقيه يعقوب بن عبد الحق في قومه فأوقع به وولى يغمراسن منهزما ومر في طريقه بتافرسيت فانتسفها وعاث في نواحيها ثم تداعوا للسلم ووضع أوزار الحرب وبعث يعقوب بن عبد الحق ابنه أبا مالك بذلك فتولى عقده وإبرامه ثم كان التقاؤهما سنة تسع وخمسين بواجر قبالة بنى يرناس واستحكم عقد الوفاق
بينهما بذلك واتصلت المهادنة إلى ان كان بينهما ما نذكره ان شاء الله تعالى * (الخبر عن كائنة النصارى وايقاع يغمراسن بهم) * كان يغمراسن بن زيان بعد مهلك السعيد وانفضاض عساكر الموحدين قد استخدم طائفة من جند النصارى الذين كانوا في جملته مستكثرا بهم معتدا بمكانهم مباهيا بهم في المواقف والمشاهد وناولهم طرفا من حبل عنايته فاعتزوا به واستفحل أمرهم بتلمسان حتى إذا كان سنة ثنتين بعد مرجعه من بلاد توجين في احدى حركاته إليها كانت قصة غدرهم الشقاء التى أحسن الله في دفاعها عن المسلمين وذلك أنه ركب في بعض أيامه لاعتراض الجنود بباب القرمادين من أبواب تلمسان وبينما هو واقف في موكبه عند قائلة الضحا عدا عليه قائدهم وبادر النصارى إلى محمد بن زيان أخى يغمراسن فقتلوه وأشار له بالنجوى فبرز من الصف لاسراره وأمكنه من أذنه فتنكبه النصراني وقد(7/84)
خالطه روعة أحس منها يغمراسن بمكره فانحاص منه وركض النصراني امامه يطلب النجاة وتبين الغدر وثارت بهم الدهماء من الحامية والرعايا فأحيط بهم من كل جانب وتناولتهم أيدى الهلاك بكل مهلك قعصا بالرماح وهبرا بالسيوف وشدخا بالعصى والحجارة حتى استلحموا وكان يوما مشهودا ولم يستخدم من بعدها جند النصارى بتلمسان حذرا من غائلتهم ويقال ان محمد بن زيان هو الذى داخل القائد في الفتك بأخيه يغمراسن وانه انما قتله عند ما لم يتم لهم الامر تبرأ من مداخلته فلم يمهله غاشى الهيعة للتثبت في شأنها والله أعلم * (الخبر عن تغلب يغمراسن على سجلماسة ثم مصيرها بعد إلى ايالة بنى مرين) * وكان عرب المعقل منذ دخول العرب الهلاليين إلى صحراء المغرب الاقصى احلافا وشيعا لزناتة وأكثر انحياشهم إلى بنى مرين الا ذوي عبيد الله منهم لما كانت مجالاتهم لصق مجالات بنى عبد الواد ومشاركة لها ولما استفحل شأن بنى عبد الواد بين يدى ملكهم
زحموهم عنها بالمناكب ونبذوا إليهم العهد واستلحقوا دونهم المنبات من ذوى منصور اقتالهم فكانوا حلفاء وشيعة ليغمراسن ولقومه وكانت سجلماسة في مجالاتهم ومنقلب رحلتهم وكانت قد صارت إلى ملك بنى مرين ثم استبد بها القطراني ثم ثاروا به ورجعوا إلى طاعة المرتضى وتولى كبر ذلك على بن عمر كما ذكرناه في أخبار بنى مرين ثم تغلب المنبات على سجلماسة وقتلوا عاملها على بن عمر سنة ثنتين وستين وآثروا يغمراسن بملكها ودخل أهل البلد في القيام بدعوته وحملوهم عليها وحاجنوا يغمراسن فنهض إليها في قومه وأمكنوه من قيادها فضبطها وعقد عليها لولده يحيى وأنزل معه ابن أخته حنينة واسمه عبد الملك بن محمد بن على بن قاسم بن درم من ولد محمد وأنزل معهما يغمراسن بن حمامة فيمن معهم من عشائرهم وحشمهم فأقام ابنه يحيى أميرا عليها إلى أن غلب يعقوب بن عبد الحق الموحدين على دار خلافتهم واطاعته طنجة وعامة بلاد المغرب فوجه عزمه إلى انتزاع سجلماسة من طاعة يغمراسن وزحف إليها في العساكر والحشود من زناتة والعرب والبربر ونصب عليها آلات الحصار إلى أن سقط جانب من سورها فاقتحموها منه عنوة في صفر سنة ثلاث وسبعين واستباحوها وقتل القائدان عبد الملك بن حنينة ويغمراسن بن حمامة ومن معهم من بنى عبد الواد أمراء المنبات وصارت إلى طاعة بنى مرين آخر الايام والملك بيد الله يؤتيه من يشاء * (الخبر عن حروب يغمراسن مع يعقوب بن عبد الحق) * قد ذكرنا ما كان من شان بنى عبد المؤمن عند فشل دولتهم واستطالة بنى مرين عليهم في الاستظهار ببنى عبد الواد واتصال اليد بهم في الاخذ بحجزة عدوهم من بنى مرين عليهم(7/85)
ولما هلك المرتضى وولى أبو دبوس سنة خمس وستين وحمى وطيس فتنته مع يعقوب بن عبد الحق فراسل يغمراسن في مدافعته وأكد العهد واسنى الهدية وأجلب إليه يغمراسن وشن الغارات على ثغور المغرب وأضرمها نارا وكان يعقوب بن عبد الحق
محاصرا لمراكش فأفرج عنها ورجع إلى المغرب واحتشد جموعه ونهض إلى لقائه وتزاحف الفريقان بوادي تلاغ وقد استكمل كل تعبيته وكانت الوقيعة على يغرماسن استبيحت فيها حرمه واستلحم قومه وهلك ابنه أبو حفص عمرا عز ولده عليه في اتراب له من عشيرته مثل ابن أخته عبد الملك بن حنينة وابن يحيى بن مكى وعمر بن ابراهيم بن هشام ورجع عنه يعقوب بن عبد الحق إلى مراكش حتى انقضى شأنه في التغلب عليها ومحى أثر بنى عبد المؤمن منها ونزع لمحاربة بنى عبد الواد وحشد كافة أهل المغرب من المصامدة والجموع والقبائل ونهض إلى بنى عبد الواد سنة سبعين فبرز إليه يغمراسن في قومه وأوليائه من مغراوة والعرب وتزاحفوا بايسلى من نواحى وجدة فكانت الدبرة على يغمراسن وانكشف جموعه وقتل ابنه فارس ونجا بأهله بعد ان أضرم معسكره نارا تفاديا من معرة اكتساحه ونجا إلى تلمسان فانحجر بها وهدم يعقوب بن عبد الحق وجدة ثم نازله بتلمسان واجتمع إليه هنالك بنو توجين مع أميرهم محمد ابن عبد القوى وصلى يده بيد السلطان على يغمراسن وقومه وحاصروا تلمسان أياما فامتنعت عليهم وأفرجوا عنها وولى كل إلى عمله ومكان ملكه حسبما نذكره في أخبارهم وانعقدت بينهما المهادنة من بعد ذلك وفرغ يعقوب بن عبد الحق للجهاد ويغمراسن لمغالبة توجين ومغراوة على بلادهم إلى أن كان من شأنهم ما نذكره والله أعلم (الخبر عن شأن يغمراسن مع مغراوة وبنى توجين وما كان بينهم من الاحداث) كانت مغراوة في مواطنهم الاولى من نواحى شلب قد سالمتهم الدل عند تلاشى ملكهم وساموهم الجباية فرضوا بها مثل بنى ورسفين وبنى يلنث وبنى ورتزمير وكان فيهم سلطان لبنى منديل بن عبد الرحمن من أعقاب آل خزر ملوكهم الاولى منذ عهد الفتح وما بعده على ما ذكرناه في خبرهم فلما انتثر عقد الخلافة بمراكش وتشظت عصاها وكثر الثوار والخوارج بالجهات استقل منديل بن عبد الرحمن وبنوه بتلك الناحية وملكوا مليانة وتنس وشرشال وما إليها وتطاولوا إلى متيجة فتغلبوا عليها ثم مدوا أيديهم إلى جبل
وانشريس وما إليه فتناولوا الكثير من بلاده ثم أزاحهم عنها بنو عطية الحبو وقومه من بنى توجين المجاورون لهم في مواطنهم بأعالى شلب شرقي أرض السوس وكان ذلك لاول دخول أحياء زناتة الناجعة بأرض القبلة إلى التلول فتغلب بنو عبد الواد على نواحى تلمسان إلى وادى صا وتغلب بنو توجين على ما بين الصحراء والتل من بلد المرية(7/86)
إلى جبل وانشريس إلى مرات الجعبات وصار التخم لملك بنى عبد الواد سك والبطحاء فمن قبليها مواطن بنى توجين ومن شرقيها مواطن مغراوة وكانت الفتنة بين بنى عبد الواد وبين هذين الحيين من أول دخولهم إلى التلول (وكان المولى) الامير أبو زكريا بن أبى حفص يستظهر بهذين الحيين على بنى عبد الواد ويراغمهم بهم حتى كان من فتح تلمسان ما قدمناه وألبس جميعهم شارة الملك على ما ذكرناه ونذكره في أخبارهم فزاحموا يغمراسن بعدها بالمناكب وصرف هو إليهم وجه النقمة والحروب ولم يزل الشأن ذلك حتى انقرض ملك هذه الحيين لعهد ابنه عثمان بن يغمراسن وعلى يده ثم على يد بنى مرين من بعدهم كما يأتي ذكره (ولما رجع) يغمراسن بن زيان من لقاء بنى مرين بايسلى من نواحى وجدة وهلك مرجعه منها أنفذ يغمراسن العهد لابنه محمد الامير بعده وزحف إلى بلاده فجاس خلالها ونازل حصونها فامتنعت عليه وأحسن محمد بن عبد القوى في دفاعه ثم زحف ثانية سنة خمسين إليهم فنازل حصن تافر كينت من حصونهم وكان به على بن أبى زيان حافد محمد بن عبد القوى فامتنع به في طائفة من قومه ورجل يغمراسن كظيما ولم يزل يغمراسن بعدها يثير الغارات على بلادهم ويجمع الكتائب على حصونهم وكان بتافركينت صنيعة من صنائع بنى عبد القوى ونسبه في صنهاجة أهل ضاحية بجاية اختص بهذا الحصن ورسخت قدمه فيه واعتز بكثرة ماله وولده فأحسن الدفاع عنه وكان له مع يغمراسن في الامتناع عليه أخبار مذكورة حتى سطا به بنو محمد بن عبد القوى حين شرهوا إلى نقمته وأنفوا من استبداده فأتلفوا نفسه
وتخطفوا نعمته فكان حتف ذلك الحصن في حتفه كما يأتي ذكره (وعند) ما شبت نار الفتنة بين يغمراسن ومحمد بن عبد القوى وصل محمد يده بيعقوب بن عبد الحق فلما نازل يعقوب تلمسان سنة سبعين بعد أن هدم وجدة وهزم يغمراسن بايسلى جاءه محمد بن عبد القوى بقومه من بنى توجين وأقام معه على حصارها ورحلوا بعد الامتناع عليهم فرجع محمد إلى مكانه ثم عاود يعقوب بن عبد الحق منازلة تلمسان سنة ثمانين وستمائة بعد ايقاعه بيغمراسن في خرزوزة فلقيه محمد بن عبد القوى بالقصبات واتصلت أيديهم على تخريب بلاد يغمراسن مليا ونازلوا تلمسان أياما ثم افترقوا ورجع كل إلى بلده (ولما) خلص يغمراسن بن زيان من حصاره زحف إلى بلادهم وأوطأ عسكره أرضهم فغلب على الضاحية وخرب عمرانها إلى أن تملكها بعده ابنه عثمان كما نذكره (وأما) خبره مع مغراوة فكان عماد رأيه فيهم التغريب بين بنى منديل بن عبد الرحمن للمنافسة التى كانت بينهم في رياسة قومهم ولما رجع من واقعة تلاغ سنة ست وستين وهى الواقعة التى هلك فيها ولده عمر زحف بعدها إلى بلاد مغراوة فتوغل فيها وتجاوزها إلى من(7/87)
وراءهم من مليكش والثعالبة وأمكنه عمر من مليانة سنة ثمان وستين على شرط الموازرة والمظاهرة على اخوته فملكها يغمراسن يومئذ وصار الكثير من مغراوة إلى ولايته وزحفوا معه إلى المغرب سنة سبعين ثم زحف بعدها إلى بلادهم سنة ثنتين وسبعين فتجافى له ثابت بن منديل عن تنس بعد ان أثخن في بلادهم ورجع عنها فاسترجعها ثابت ثم نزل له عنها ثانيا سنة احدى وثمانين بين يدى مهلكه عندما تم له الغلب عليهم والاثخان في بلادهم إلى أن كان الاستيلاء عليها لابنه عثمان على ما نذكره ان شاء الله * (الخبر عن انتزاء الزعيم بن مكن ببلده مستغانم) * كان بنو مكن هؤلاء من علية القرابة من بنى زيان يشاركونهم في محمد بن زكراز بن يندوكس بن طاع الله وكان لمحمد هذا أربعة من الولد كبيرهم يوسف ومن ولده جابر بن
يوسف أول ملوكهم وثابت بن محمد ومن ولده زيان بن ثابت أبو الملوك من بنى عبد الواد ودرع بن محمد ومن ولده عبد الملك بن محمد بن على بنى قاسم بن درع المشتهر بأمه حنينة أخت يغمراسن بن زيان ومكن بن محمد وكان له من الولد يحيى وعمرس وكان من ولد يحيى الزعيم وعلى وكان يغمراسن بن زيان كثيرا ما يستعمل قرابته في الممالك ويوليهم على العمالات وكان قد استوحش من يحيى بن مكن وابنه الزعيم وغربهما إلى الاندلس فأجازا من هنالك إلى يعقوب بن عبد الحق إلى تلمسان عامئذ وهما في جملته فأدركتهما النغرة على قومهما وآثرا مفارقة السلطان إليهم فأذن لهم في الانطلاق ولحقا بيغمراسن ابن زيان حتى إذا كانت الواقعة عليه بخرزوزة سنة ثمانين كما قدمناه وزحف بعدها إلى بلاد مغراوة وتجافى له ثابت بن منديل عن مليانة وانكف راجعا إلى تلمسان استعمل على ثغر مستغانم الزعيم بن يحيى بن مكن فلما وصل إلى تلمسان انتقض عليه ودعا إلى الخلاف ومالا عدوه من مغراوة على المظاهرة عليه فصمد إليه يغمراسن وحجزه بها حتى لاذ منه بالسلم على شرط الاجازة إلى العدوة فعقد له وأجازه ثم أجاز على أثره أباه يحيى واستقر بالاندلس إلى أن هلك يحيى سنة ثنتين وتسعين ووفد الزعيم بعد ذلك على يوسف ابن يعقوب وسخطه لبعض النزغات فاعتقله وفر من محبسه ولم يزل الاغتراب مطوحا به إلى أن هلك والبقاء لله وحده ونشأ ابنه الناصر بالاندلس فكانت مثواه وموقف جهاده إلى أن هلك (وأما) أخوه على بن يحيى فأقام بتلمسان وكان من ولده داود بن على كبير مشيخة بنى عبد الواد وصاحب شوراهم وكان منهم أيضا ابراهيم بن على عقد له أبو حمو الاوسط على ابنته فكان منها ولد ذكر وكان لداود ابن اسمه يحيى بن داود استعمله أبو سعيد ابن عبد الرحمن في دولتهم الثانية على وزارتهم فكان من شأنه ما نذكره في أخبارهم والامر لله(7/88)
{ الخبر عن شأن يغمراسن في معاقدته مع ابن الاحمر والطاغية
على فتنة يعقوب بن عبد الحق والاخذ بحجزته } كان يعقوب بن عبد الحق لما أجاز إلى الجهاد وأوقع بالعدو وخرب حصونهم ونازل اشبيلية وقرطبة وزلزل قواعد كفرهم ثم أجاز ثانية وتوغل في دار الحرب وأثخن فيها وتخلى له ابن اشقيلولة عن مالقة فملكها وكان السلطان الاندلسي يومئذ الامير محمد المدعو بالفقيه ثانى ملوك بنى الاحمر ملكهم هو الذى استدعى يعقوب بن عبد الحق للجهاد لما عهد له أبو الشيخ بذلك فلما استفحل أمر يعقوب بالاندلس وتعاقب الثوار إلى اللياذ به خشيه ابن الاحمر على نفسه وتوقع منه مثل فعل يوسف بن تاشفين بابن عباد فاعتمل في أسباب الخلاص مما توهم وداخل الطاغية في اتصال اليد والمظاهرة عليه وكان بمالقة ابن على استعمله عليها يعقوب بن عبد الحق حين ملكها من يد اشقيلولة فاستماله ابن الاحمر وعده واديا له بشلوبانية من مالقة طعمة له خالصة فتخلى عن مالقة إليها وأرسل الطاغية أساطيله في البحر لمنع الزقاق من اجازة السلطان وعساكره وراسلوا يغمراسن من وراء البحر في الاخذ بحجزة يعقوب وشن الغارات على ثغوره ليكون ذلك شاغلا له عنهم فبادر يغمراسن باجابتهم وترددت الرسل إليه من الطاغية ومنه إلى الطاغية كما نذكره وبث السرايا والبعوث في نواحى المغرب فشغل يعقوب عن شأن الجهاد حتى لقد ساله المهادنة وان يفرغ لجهاد العدو فأبى عليه وكان ذلك مما دعا يعقوب إلى الصمود إليه ومواقعته بخرزوزة كما ذكرناه ولم يزل شأنهم ذلك مع يعقوب بن عبد الحق وأيديهم متصلة عليه من كل جهة وهو ينتهز الفرص في كل واحد منهم متى أمكنه حتى هلك وهلكوا والله وارث الارض ومن عليها سبحانه { الخبر عن شأن يغمراسن مع الخلفاء من بنى أبى حفص الذى كان يقيم بتلمسان دعوتهم ويأخذ قومه بطاعتهم } كان زناتة يدينون بطاعة خلفاء الموحدين من بنى عبد المؤمن أيام كونهم بالقفار وبعد دخولهم إلى التلول فلما فشل أمر بنى عبد المؤمن ودعا الامير أبو زكريا بن أبى حفص
بافريقية لنفسه ونصب كرسيى الخلاف للموحدين بتونس انصرفت إليه الوجوه من سائر الآفاق بالعدوتين وأملوه الكرة وأوفد زناتة عليه رسلهم من كل حى بالطاعة ولاذ مغراوة وبنو توجين بظل دعوته ودخلوا في طاعته واستنهضوه لتلمسان فنهض إليها وافتتحها سنة أربعين ورجع إليها يغمراسن واستعمله عليها وعلى سائر ممالكها فلم يزل مقيما لدعوته واتبع أثره بنومرين في اقامة الدعوة له فيما غلبوا عليه من بلاد المغرب وبعثوا إليه ببيعه مكناسة وتازى والقصر كما نذكره في أخبارهم إلى ما دانوا به(7/89)
ولابنه المستنصر من بعده من خطاب التمويل والاشارة بالطاعة والانقياد حتى غلبوا على مراكش وخطبوا باسم المستنصر على منابرها حينا من الدهر ثم تبين لهم بعد تناول تلك القاصية عليه فعطلوا منابرهم من أسماء أولئك وأقطعوهم جانب الوداد والموالاة ثم سموا إلى اللقب والتفنن في الشارة الملوكية كما تقتضيه طبيعة الدول وأما يغمراسن وبنوه فلم يزالوا آخذين بدعوتهم واحدا بعد واحد متجافين عن اللقب إدبا معهم مجددين البيعة لكل من يتجدد قيامه بالخلافة منهم يوفدون بها كبار أبائهم وأولى الرأى من قومهم ولم يزل الشأن ذلك ولما هلك الامير أبو زكريا وقام ابنه محمد المستنصر بالامر من بعده وخرج عليه أخوه الامير أبو اسحق في احياء الزواودة من رياح ثم غلبهم المستنصر جميعا ولحق الامير أو اسحق بتلمسان في أهله فأكرم يغمراسن نزلهم وأجاز إلى الاندلس للمرابطة بها والجهاد حتى إذا هلك المستنصر سنة سبع وسبعين واتصل به خبر مهلكه ورأى انه أحق بالامر فأجاز البحر من حينه ونزل بمرسى هنى سنة سبع وسبعين ولقاه يغمراسن مبرة وتوقيرا واحتفل لقدومه وأركب الناس لتلقيه وأتاه ببيعته على عادته مع سلفه ووعده النصرة على عدوه والموازرة على أمره وأصر إليه يغمراسن في احدى بناته المقصورات في خيام الخلافة بابنه عثمان ولى عهده وأسعفه وأجمل في ذلك وعده وانتقض محمد بن أبى هلال
عامل بجاية على الواثق وخلع طاعته ودعا للامير أبى اسحق واستحثه للقدوم فأغذ إليه السبر من تلمسان وكان من شأنه ما قدمناه في أخباره فلما كانت سند احدى وثمانين وزحف يغمراسن إلى بلاد مغراوة وغلبهم على الضواحى والامصار بعث من هنالك ابنه ابراهيم وتسميه زناتة برهوم ويكنى أبا عامر أوفده في رجال من قومه على الخليفة أبى اسحق لاحكام الصهر بينهما فنزلوا منه على خير نزل من اسناء الجراية ومضاعفة الكرامة والمبرة وظهر من آثاره في حروب ابن أبى عمارة ما مد الاعناق إليه وقصر الشيم الزناتية على بيته ثم انقلب آخرا بظعينته محبوا محبورا وابتنى بها عثمان لحين وصولها وأصبحت عقيلة قصره فكان ذلك مفخر لدولته وذكرا له ولقومه ولحق الامير أبو زكريا ابن الامير أبى اسحق بتلمسان بعد خلوصه من مهلك قومه في واقعة الدعى بن أبى عمارة عليهم بمرماجنة سنة ثنتين وثمانين فنزل من عثمان بن يغمراسن صهره خير نزل برا واحتفاء وتكريما وملاطفة وسربت إليه أخته من القصر أنوا التحف والانس ولحق به أولياؤهم من صنائع دولتهم وكبيرهم أبو الحسن محمد بن الفقيه المحدث أبى بكر ابن سيد الناس اليعمرى فتفيؤا من كرامة الدولة بهم ظلا وارفا واستنهضوه إلى تراث ملكه وفاوض أبا مثواه عثمان بن يغمراسن في ذلك فناكره لما كان قد أخذه بدعوة(7/90)
الحضرة واوفد عليه رجال دولته بالبيعة على العادة في ذلك فحدث الامير أبو زكريا نفسه بالفرار عنه ولحق بداود بن هلال بن عطاف أمير البدو من بنى عامر احدى بطون زغبة فأجاره وأبلغه ما منه فحيا الزواودة أمراء البدو بعمل الموحدين ونزل منهم على عطية بن سليمان بن سباع كما قدمناه واستولى على بجاية سنة أربع وثمانين بعد خطوب ذكرناها وقطعها عن ملك عمه صاحب الدولة بتونس أبى حفص ووفى لداود ابن عطاف وأقطعه بوطن بجاية عملا كبيرا افرد لجبايته كان فيه من وادى بجاية واشتغل الامير أبو زكريا بمملكة بونة وقسنطينة وبجاية والجزائر والزاب وما
وراءه وكان هذا الصهر وصلة له مع عثمان بن يغمراسن وبنيه (ولما نازل) يوسف بن يعقوب تلمسان سنة ثمان وتسعين بعث الامير أبو زكريا المدد من جيوشه إلى عثمان بن يغمراسن وبلغ الخبر بذلك إلى يوسف بن يعقوب فبعث أخاه أبا يحيى في العساكر لاعتراضهم والتقوا بجبل الزاب فكانت الدبرة على عسكر الموحدين واستلحموا هناك وتسمى المعركة لهذا العهد بمرسى الرؤس واستحكمت من أجل ذلك صاغية الخليفة بتونس إلى بنى مرين وأوفد عليهم مشيخة من الموحدين يدعوهم إلى حصار بجاية وبعث معهم الهدية الفاخرة وبلغ خبرهم إلى عثمان بن يغمراسن من وراء جدره فتنكر لها وأسقط ذكر الخليفة من منابره ومحاه من عمله فنسى لهذا العهد والله مالك الامر سبحانه { الخبر عن مهلك يغمراسن بن زيان وولاية ابنه عثمان وما كان في دولته من الاحداث } كان السلطان يغمراسن قد خرج من تلمسان احدث وثمانين واستعمل عليها ابنه عثمان وتوغل في بلاد مغراوة وملك ضواحيهم ونزل له ثابت بن منديل عن مدينة تنس فتناولها من يده ثم بلغه الخبر باقبال ابنه أبى عامر برهوم من تونس بابنة السلطان أبى اسحق عرس ابنه عثمان فتلوم هنالك إلى أن لحقه بظاهر مليانة فارتحل إلى تلمسان وأصابه الوجع في طريقه وعندما أحل سريره اشتد به وجعه فهلك هنالك آخر ذى القعدة من سنته والبقاء لله وحده فحمله ابنه أبو عامر على أعواد وواراه في حدر موريا لمرضه إلى أن تجاوز بلاد مغراوة إلى سك ثم أغذ السير إلى تلمسان فلقبه أخوه عثمان بن يغمراسن ولى عهد أبيه في قومه فبايعه الناس وأعطوه صفقة أيمانهم ثم دخل تلمسان فبايعه العامة والخاصة وخاطب لحينه الخليفة بتونس أبا اسحق وبعث إليه ببيعته فراجعه بالقبول وعقد له على عمله على الرسم ثم خاطب يعقوب بن عبد الحق يخطب منه السلم لما كان أبوه يغمراسن أوصاه به (حدثنا) شيخنا العلامة أبو عبد الله محمد بن(7/91)
ابراهيم الايلى قال سمعت من السلطان أبى حمو موسى بن عثمان وكان قهرمانا بداره قال أوصى دادا يغمراسن لدادا عثمان ودادا حرف كنايه عن غاية التعظيم بلغتهم فقال له يا بنى ان بنى مرين بعد استفحال ملكهم واستيلائهم على الاعمال الغريبة وعلى حضرة الخلافة بمراكش لا طاقة لنا بلقائهم إذا جمعوا لوفور مددهم ولا يمكننى أنا القعود عن لقائهم لمعرة النكوص عن القرب التى أنت بعيد عنها فاياك واعتماد لقائهم وعليك باللياذ بالجدران متى دلفوا اليك وحاول ماا ستطعت الاستيلاء على ما جاورك عن عمالات الموحدين وممالكهم يستفحل به ملكك وتكاف حشد العدو بحشدك ولعلك تصير بعض الثغور الشرقية معقلا لذخيرتك فعلقت وصية الشيخ بقلبه وعقد عليها ضمائره وجنح إلى السلام مع بنى مرين ليفرغ عزمه لذلك وأوفد أخاه محمد بن يغمراسن على يعقوب بن عبد الحق بمكانه من العدوة الاندلسية في اجازته الرابعة إليها فخاض إليه البحر ووصله باركش فلقاه برا وكرامة وعقد له على السلم ما أحب وانكف راجعا إلى أخيه فطابت نفسه وفرغ لافتتاح البلاد الشرقية كما نذكره ان شاء الله تعالى { الخبر عن شأن عثمان بن يغمراسن مع مغراوة وبنى توجين وغلبه على معاقلهم والكثير من أعمالهم } لما عقد عثمان بن يغمراسن السلم مع يعقوب بن عبد الحق صرف وجهه إلى الاعمال الشرقية من بلاد توجين ومغراوة وما وراءها من أعمال الموحدين فتغلب أولا على ضواحي بنى توجين ومغراوة وما وراءها ودوخ قاصيتها وسار إلى بلاد مغراوة كذلك ثم إلى متيجة فانتسف نعمها وحطم زرعها ثم تجاوزها إلى بجاية فحاصرها كما نذكره بعد وامتنعت عليه فانكف راجعا ومر في طريقه بمازونة فحاصرها وأطاعته وذلك سنة ست وثمانين ونزل له ثابت بن منديل أمير مغراوة عن تنس فاستولى عليها وانتظم سائر بلاد مغراوة في ايالته ثم عطف في سنته على بلاد توجين فاكتسح حبوبها واحتكرها
بمازونة استعدادا لما يتوقع من حصار مغراوة اياها ثم دلف إلى تافر كينت فحاصرها وأخذ بمخنقها وداخل قائدها غالبا الخصى من موالى بنى محمد بن عبد القوى كان مولى سيد الناس منهم فنزل له غالب عنها وانكفأ إلى تلمسان ثم نهض إلى بنى توجين سنة سبع وثمانين فغلبهم على وانشريس مثوى ملكهم ومنبت عزهم وفر أمامه أميرهم مولى بنى زرارة من ولد محمد بن عبد القوى وأخذ الحلف منهم فلحق بضواحي المرية في الاعشار وأولاد عزيز من قومه واتبع عثمان بن يغمراسن آثارهم وشردهم من تلك القاصية وهلك مولى زرارة في مغرة وكان عثمان قبل ذلك قد دوخ بلاد بنى يدللتن من بنى توجين ونازل رؤساءهم أولاد سلامة بالقلعة المنسوبة إليهم مرات فامتنعوا عليه ثم أعطوه(7/92)
أيديهم على لطاعة ومفارقة قومهم بنى توجين إلى سلطان بنى يغمراسن فنبذوا العهد إلى بنى محمد بن عبد القوى أمرائهم منذ العهد الاول ووصلوا أيديهم بعثمان وألزموا رعاياهم وعمالهم المغارم له إلى أن ملك وانشريس من بعدها كما نذكر ذلك في أخبارهم وصارت بلاد توجين كلها من عمله واستعمل الحشم بجبل وانشريس ثم نهض بعدها إلى المزية وبها أولاد عزيز من توجين فنازلها وقام بدعوته فيها قبائل من صنهاجة يعرفون بلدية واليهم ينسب فأمكنوه منها سنة ثمان وثمانين وبقيت في ايالته سبعة أشهر ثم انتقضت عليه ورجعت إلى ولاية أولاد عزيز وصالحوه عليها وأعطوه من الطاعة ما كانوا يعطونه محمد بن عبد القوى وبنيه فاستقام أمره في بنى توجين ودانت له سائر أعمالهم ثم خرج سنة تسع وثمانين إلى بلاد مغراوة لما كانوا عليه لبنى مرين في احدى حركاتهم على تلمسان فدوخها وأنزل ابنه أبا حمو بشلب مركز عملهم فأقام به وقفل هو إلى الحضرة وتحيز فل مغراوة إلى نواحى متيجة وعليهم ثابت بن منديل أميرهم فلم يزالوا به ونهض عثمان إليهم سنة ثلاث وتسعين بعدها فانحجزوا المدينة يرشك وحاصرهم بها أربعين يوما ثم افتتحها وخاض ثابت البحر إلى المغرب فنزل على يوسف
ابن يعقوب كما نذكره واستولى عثمان على سائر عمل مغراوة كما استولى على عمل بنى توجين فانتظم بلاد المغرب الاوسط كلها وبلاد زناتة الاولى ثم اشتغل بفتنة بنى مرين كما نذكر بعد ان شاء الله تعالى * (الخبر عن منازلة بجاية وما دعا إليها) * قد ذكرنا ان المولى أبا زكريا الاوسط بن المولى أبى اسحق بن أبى حفص لحق بتلمسان عند فراره من بجاية أمام شيعة الدعى بن أبى عمارة ونزل على عثمان بن يغمراسن خير نزل ثم هلك الدعى ابن أبى عمارة واستقل عمه الامير أبو حفص بالخلافة وبعث إليه عثمان ابن يغمراسن بطاعته على العادة وأوفد عليه وجوه قومه ودس الكثير من أهل بجاية إلى الامير أبى زكريا يستحثونه للقدوم ويعدونه اسلام البلد إليه وفاوض عثمان بن يغمراسن في ذلك فأبى عليه وفاء بحق البيعة لعمه الخليفة بالحضرة فطى عنه الخبر وتردد في النقض أياما ثم لحق باحياء زغبة في مجالاتهم بالقفر ونزل على داود بن هلال بن عطاف وطلب عثمان بن يغمراسن اسلامه فأبى عليه وارتحل معه إلى أعمال بجاية ونزلوا على أحياء الزواودة كما قدمناه ثم استولى المولى أبو زكريا بعد ذلك على بجاية في خبر طويل ذكرناه في أخباره واستحكمت القطيعة بينه وبين عثمان وكانت سببا لاستحكام الموالاة بين عثمان وبين الخليفة بتونس فلما زحف إليه عثمان سنة ست وثمانين وتوغل في قاصية الشرق أعمل إلى عمل بجاية ودوخ سائر أقطارها ثم نازلها بعد(7/93)
ذلك يروم كيدها بالاعتمال في مرضاة خليفته بتونس ويسر بذلك حسوا في ارتقاء فأناخ عليها بعساكره سبعا ثم أفرج عنها منقلبا إلى المغرب الاوسط فكان من فتح تافركينت ومازونة ما قدمناه * (الخبر عن معاودة الفتنة مع بنى مرين وشأن تلمسان في الحصار الطويل) * لما هلك يعقوب بن عبد الحق سلطان بنى مرين على السلم المنعقد بينه وبين بنى عبد الواد
لشغله بالجهاد وقام بالامر من بعده في قومه ابنه يوسف كبير ولده على شأن الجهاد واستتم يغمراسن وابنه بممالاة الطاغية وابن الاحمر فعقد يوسف بن يعقوب السلم مع الطاغية لحينه ونزل لابن الاحمر عن ثغور الاندلس التى كانت لهم وفرغ لحرب بنى عبد الواد واستتب له ذلك لاربع من مهلك أبيه دلف إلى تلمسان سنة تسع وثمانين ولاذ منه عثمان بالاسوار فنازلها صباحا وقطع شجرها ونصب عليها المجانيق والآلات ثم أحس بامتناعها فأرج عنها وانكفأ راجعا وتقبل عثمان بن يغمراسن مذهب أبيه في مداخلة ابن الاحمر والطغية وأوفد رسله عليها فلم يغن ذلك عنه شيأ وكان مغراوة قد لحقوا بيوسف بن يعقوب بتلمسان فنالوا منه أعظم النيل فلما أفرجوا عن تلمسان نهض عثمان إلى بلادهم فدوخها وغلبهم عليها وأنزل ابنه أبا حمو بها كما قدمناه فلما كانت سنة خمس وتسعين نهض يوسف بن يعقوب إلى حركته الثانية فنازل ندرومة ثم ارتحل عنها إلى ناحية وهران وأطاعه أهل جبل كيدره وتاسكدلت رباط عبد الحميد بن الفقيه أبى زيد اليرناسى ثم كر راجعا إلى المغرب وخرج عثمان بن يغمراسن فأثخن في تلك الجبال لطاعتهم عدوه واعتراضهم جنه واستباح رباط تاسكدلت ثم أغزاه يعقوب بن يوسف ثالثة سنة ست وتسعين ثم رجع إلى المغرب ثم أغزاه رابعة سنة سبع وتسعين فتأثل تلمسان وأحاط بها معسكره وشرعوا في البناء ثم أفرج عنها لثلاثة أشهر ومر في طريقه بوجدة فأمر بتجديد بنائها وجمع الفعلة عليها واستعمل أخاه أبا يحيى بن يعقوب على ذلك وأقام لشأنه ولحق يوسف بالمغرب وكان بنو توجين قد نازلوا تلسمان مع يوسف بن يعقوب وتولى كبر ذلك منهم أولاد سلامة أمراء بنى يد للتن وأصحاب القلعة المنسوبة إليهم فلما أفرج عنها خرج إليهم عثمان بن يغمراسن فدوخ بلادهم وحاصرهم بالقلعة ونال منها أضعاف ما نالوا منه وطال مغيبه في بلادهم فخالفه أبو يحيى بن يعقوب إلى ندرومة فاقتحمها عنوة بعسكره بمداخلة من قائدها زكريا بن يخلف بن المطغرى صاحب توقت فاستولى بنو مرين على ندرومة وتوقت وجاء يوسف بن يعقوب
على أثرها فوافاهم ودلفوا جميعا إلى تلمسان وبلغ الخبر إلى عثمان بمكانه من حصار القلعة فطوى المراحل إلى تلمسان فسبق إليها يوسف بن يعقوب بعض يوم ثم أشرفت طلائع(7/94)
بنى مرين عشى ذلك اليوم فأناخوا بها في شعبان سنة ثمان وتسعين وأحاط العسكر بها من جميع جهاتها وضرب يوسف بن يعقوب عليها سياجا من الاسوار محيطا بها وفتح فيه أبوابا مداخل لحربها واختط لنزله إلى جانب الاسوار مدينة سماها المنصورة وأقام على ذلك سنين يغاديها القتال ويراوحها وسرح عسكره لافتتاح المغرب الاوسط وثغوره فملك بلاد مغراوة وبلاد توجين كما ذكرناه في أخباره وجثم هو بمكانه من حصار تلمسان لا يعدوها كالاسد الضارى على فريسته إلى أن هلك عثمان وهلك هو من بعده كما نذكره والى الله المصير سبحانه وتعالى لا رب غيره { الخبر عن ملك عثمان بن يغمراسن وولاية ابنه أبى زيان وانتهاء الحصار من بعده إلى غايته } لما أناخ يوسف بن يعقوب بعساكره على تلمسان انحجز بها عثمان وقومه واستسلموا والحصار آخذ بمخنقهم وهلك عثمان لخامسة السنين من حصارهم سنة ثلاث وسبعمائة وقام بالامر من بعده ابنه أبو زيان محمد (أخبرني) شيخنا العلامة محمد بن ابراهيم الايلى وكان في صباه قهرمان دارهم قالا هلك عثمان بن يغمراسن بالديماس وكان قد أعد لشربه لبنا فلما أخذ منه وعطش دعا بالقدح فشرب اللبن وقام فلم يكن بأوشك ان فاضت نفسه وكنا نرى معشر الصنائع انه داف فيه السم تفاديا من معرة غلب عدوهم اياهم قال وجاء الخادم إلى قعيدة بيته زوجه بنت السلطان أبى أسحق بن الامير أبى زكريا بن عبد الواحد بن أبى حفص صاحب تونس وخبرها الخبر فجاءت ووقعت عليه واسترجعت وخيمت على الابواب بسدادها ثم بعثت إلى ابيه محمد أبى زيان وموسى أبى حمو فعزتهما عن أبيهما وأحضرا مشيخة بنى
عبد الواد وعرضوا لهم بمرض السلطان فقال أحدهم مستفهما عن الشأن ومترجما عن القوم السلطان معنا آنفا ولم يمتد الزمن لوقوع المرض فان يكن هلك فخبرونا فقال له أبو حمو وإذا هلك فما أنت صانع فقال انما نخشى من مخالفتك والا فسلطاننا أخوك الاكبر أبو زيان فقام أبو حمو من مكانه وأكب على يد أخيه يقبلها وأعطاه صفقة يمينه واقتدى به المشيخة فانعقدت بيعته لوقته واشتمل بنو عبد الواد على سلطانهم واجتمعوا إليه وبرزوا إلى قتال عدوهم على العادة فكان عثمان لم يمت (وبلغ الخبر) إلى يوسف بن يعقوب بمكانه من حصارهم فتفجع له وعجب من صرامة قومه من بعده واستمر حصاره اياهم إلى ثمانية سنين وثلاثة أشهر من يوم نزوله نالهم فيها من الجهد ما لم ينله أمة من الامم واضطروا إلى أكل الجيف والقطوط والفيران حتى انهم زعموا انه أكلوا فيها اشلاء الموتى من الناس وخربوا السقف للوقود وغلت اسعار الاقوات(7/95)
والحبوب وسائر المرافق بما تجاوز حدود العوائد وعجز وجدهم عنه فكان ثمن مكيال القمح الذى يسمونه البرشالة ويتبايعون به مقداره اثنا عشر رطلا ونصف مثقالين ونصفا من الذهب العين وثمن الشخص الواحد من القر ستين مثقالا ومن الضان سبعة مثاقيل ونصفا واثمان اللحم من الجيف الرطل من لحم البغال والحمر بثمن المثقال ومن الخيل بعشرة دراهم صغار من سكتهم تكون عشر المثقال والرطل من الجلد البقرى ميتة أو مذكى بثلاثين درهما والهر الداجن بمثقال ونصف والكلب بمثله والفار بعشرد دراهم والحية بمثله والدجاجة بثلاثين درهما والبيض واحدة بستة دراهم والعصافير كذلك والاوقية من الزيت باثنى عشر درهما ومن السمن بمثلها ومن الشحم بعشرين ومن الفول بمثلها ومن الملح بعشرة ومن الحطب كذلك والاصل الواحد من الكرنب بثلاثة أثمان المثقال ومن الخس بعشرين درهما ومن اللفت بخمسة عشر درهما والواحد من القثاء والفقوس بأربعين درهما والخيار بثلاثة
أثمان الدينار والبطيخ بثلاثين درهما والحبة من التين والاجاص بدرهمين واستهلك الناس أموالهم وموجودهم وضاقت أحوالهم واستفحل ملك يوسف بن يعقوب بمكانه من حصارها واتسعت خطة مدينة المنصورة المشيدة عليها ورحل إليها التجار بالبضائع من الآفاق واستبحرت في العمران بما لم تبلغه مدينة وخطب الملوك سلمه ووده ووفدت عليه رسل الموحدين وهداياهم من تونس وبجاية وكذل رسل صاحب مصر والشام وهديته واعتز اعتزاز الاكفاء له كما يأتي في أخباره وهلك الجند حامية بنى يغمراسن وقبيلتهم وأشرفوا على الهلاك فاعتزموا على الالقاء باليد والخروج بهم للاستماتة فكيف الله لهم الصنيع الغريب ونفس عن مخنقهم بمهلك السلطان يوسف بن يعقوب على يد خصى من العبيد فأسخطته بعض النزغات الملوكية فاعتمده في كسر بيته ومخدع نومه وطعنه بخنجر قطع أمعاءه وأدرك فسيق إلى وزرائه فمزقوه اشلاء ولم يبق شئ من بقايا عهدهم كما ذكرناه والامر لله وحده وأذهب الله العناء عن آل زيان وقومهم وساكني مدينتهم كانما نشروا من اجداث وكتبوا لها في سكتهم ما أقرب فرج الله استغرابا لحادثتها (وحدثني) شيخنا محمد بن ابراهيم الايلى قال جلس السلطان أبو زيان صبيحة يوم الفرج وهو يوم الاربعاء في خلوة زوايا قصره واستدعى ابن حجاف خازن الزرع فسأله كم بقى من الاهراء والمطامير المختومة فقال له انما بقى عولة اليوم وغد فاستوصاه بكتمانها وبينما هم في ذلك دخل عليه أخوه أبو حمو فأخبروه فوجم لها وجلسوا سكوتا لا ينطقون وإذا بالخادم دعد قهرمانة القصر من وصائف بيت السلطان أبى اسحق وحظية أبيهم خرجت من القصر إليهم وحيتهم تحيتها وقالت تقول لكم حظايا قصركم(7/96)
وبنات زيان حرمكم مالنا وللبقاء وقد أحيط بكم واسف عدوكم لاتهامكم ولم يبق الافواق بكية لمصارعكم فأريحونا من معرة السبى وأريحوا فينا أنفسكم وقربوا إلى مهالكنا فالحياة في الذل عذاب والوجود بعدكم عدم فالتفت أبو حمو إلى أخيه وكان
من الشفقة بمكان وقال قد صدقتك الخبر فما تنظر بهن فقال يا موسى أرجئني ثلاثا لعل الله يجعل بعد عسر يسرا ولا تشاورني بعدها فيهن بل سرح اليهود والنصارى إلى قتلهن وتعال إلى نخرج مع قومنا إلى عدونا فنستميت ويقضى الله ما يشاء فغضب أبو حمو وأنكر الارجاء في ذلك وقال انما نحن والله نتربص المعرة بهن وبأنفسنا وقام عنه مغضبا وجهش السلطان أبو زيان بالبكاء قال ابن حجاف وانا بمكانى بين يديه لا أملك متأخرا ولا متقدما إلى أن غلب عليه النوم فما راعني الا حرسي الباب يشير إلى أن اذن السلطان بمكان رسول من معسكر بنى مرين لسيدة القصر فلم أطق رجع جوابه الا باشارة وانتبه السلطان من خفيف اشارتنا فزعا فأذنته واستدعاه فلما وقف بين يديه قال له ان يوسف بن يعقوب هلك الساعة وانا رسول حافده أبى ثابت اليكم فاستبشر السلطان واستدعى أخاه وقومه حتى أبلغ الرسول رسالته بمسمع منهم وكانت احدى المغربا ت في الايام (وكان من خبر هذه الرسالة) ان يعقوب بن يوسف لما هلك تطاول للامر الاعياص من اخوته وولده وحفدته وتحيز أبو ثابت حافده إلى بنى ورتاجن لخولة كانت له فيهم فاستجاش بهم واعصوصبوا عليه وبعث إلى أولاد عثمان بن يغمراسن أن يعطوه الآلة ويكونوا مفزعا له ومأمنا ان أخفق مسعاه على انه ان تم أمره قوض عنهم معسكر بنى مرين فعاقدوه عليها ووفى لهم لما تم أمره ونزل لهم عن جميع الاعمال التى كان يوسف بن يعقوب استولى عليها من بلادهم وجاء بجميع الكتائب التى أنزلها في ثغورهم وقفلوا إلى أعمالهم بالمغرب الاوسط كلها إلى أن كان من أمره ما نذكره ان شاء الله تعالى * (الخبر عن السلطان أبى زيان بعد الحصار إلى حين ملكه) * كان من أول ما افتتح به السلطان أبو زيان أمره بعد الخروج من هون الحصار وتناوله الاعمال من يد بنى مرين أن نهض من تلمسان ومعه أخوه أبو حمو آخر ذى الحجة من سنة ست وسبعمائة فقصد بلاد مغراوة وشرد من كان هنالك منهم في طاعة
بنى مرين واحتاز الثغور من يد عمالهم ودوخ قاصيتها ثم عقد عليها المسامح مولاه ورجع عنها فنهض إلى السرسو وكان العرب قد تملكوه أيام الحصار وغلبوا زناتة عليه من سويد والديالم ومن إليهم من بنى يعقوب بن عافى فأجفلوا أمامه واتبعوا آثارهم إلى أن أوقع بهم وانكف راجعا ومر ببلاد بنى توجين فاقتضى طاعة من كان بقى بالجبل من(7/97)
بنى عبد القوى وقفل إلى تلمسان لتسعة أشهر من خروجه وقد ثقف أطراف ملكه ومسح أعطاف دولته فنظر في اصلاح قصوره ورياضة ورم ما تثلم من بلده وأصابه المرض خلال ذلك فاشتد وجعه سبعا ثم هلك أخريات شوال من سنة سبع والبقاء لله وحده * (الخبر عن محو الدعوة الحفصية من منابر تلمسان) * كانت الدعوة الحفصية بافريقية قد انقسمت بين أعياصهم في تونس وبجاية وأعمالها وكان التخم بينهما بلد عجيشة ووشتاتة وكان الخليفة بتونس الامير أبو حفص ابن الامير أبى زكريا الاولى منهم وله الشفوف على صاحب بجاية والتغور الغربية بالحضرة فكانت بيعة بنى زيان له والدعاء على منابرهم باسمه وكانت لهم مع المولى الامير أبى زكريا الاوسط صاحب بجاية وصلة لمكان الصهر بينهم وبينه وكانت الوحشة قد اعترضت ذلك عندما نزل عثمان بجاية كما قدمناه ثم تراجعوا إلى وصلتهم واستمروا عليها إلى أن نازل يوسف بن يعقوب تلمسان والبيعة يومئذ للخليفة بتونس السلطان أبى عصيدة بن الواثق والدعوة على منابر تلمسان باسمه وهو حاقد عليهم ولايتهم للامير أبى زكريا الاوسط صاحب الثغر فلما نزل يوسف بن يعقوب بأعلى تلمسان وبعث عساكره في قاصية الشرق استجاش عثمان بن يغمراسن بصاحب بجاية فسرح عسكرا من الموحدين لمدافعتهم عن تلك القاصية والتقوا معهم بجبل الزاب فانكشف الموحدون بعد معترك صعب واستلحمهم بنومرين ويسمى المعترك لهذا العهد بمرسى الرؤس لكثرة ما تساقط في ذلك المجال من الرؤس واستحكمت المنافرة بين يوسف بن يعقوب وصاحب بجاية فأوفد الخليفة بتونس على يوسف بن يعقوب مشيخة من الموحدين تجديد الوصلة
سلفهم مع سلفه واغراء بصاحب بجاية وعمله فجاء موقع ذلك من عثمان بن يغمراسن وأحفظه ممالاة خليفته لعدوه فعطل منابره من ذكره وأخرج قومه وايالته عن دعوته وكان ذلك آخر المائة السابعة والله تعالى أعلم * (الخبر عن دولة أبى حمو الاوسط وما كان فيها من الاحداث) * لما هلك الامير أبو زيان قام بالامر بعده أخوه أبو حمو في أخريات سنة سبع كما قدمناه وكان صارما يقظا حازما داهية قوى الشكيمة صعب العريكة شرس الاخلاق مفرط الدهاء والحدة وهو أول ملوك زناتة رتب مراسم الملك وهذب قواعده وأرهف في ذلك لاهل ملكه حده وقلب لهم مجن بأسه حتى ذلوا لعز ملكه وتأدبوا بآداب السلطان (سمعت) عريف بن يحيى أمير سويد من زغبة وشيخ المجالس الملوكية يقول ويعلينه موسى بن عثمان هو معلم السياسة الملوكية لزناتة وانما كانوا رؤساء بادية حتى قام فيهم موسى بن عثمان فحد حدودها وهذب مراسمها ونقل عنه ذلك امثاله وانظاره فتقبلوا(7/98)
مذهبه واقتعدوا بتعليمه انتهى كلامه (ولما استقل) بالامر افتتح شأنه بعقد السلم مع سلطان بنى مرين لاول دولته فأوفد كبراء دولته على السلطان أبى ثابت وعقد له السلم كما رضى ثم صرف وجهه إلى بنى توجين ومغراوة فردد إليهم العساكر حتى دوخ بلادهم وذلل صعابهم وشرد محمد بن عطية الاصم عن نواحى وانشريس وراشد بن محمد عن نواحى شلب وكان قد لحق بها بعد مهلك يوسف بن يعقوب فأزاحه عنها واستولى على العملين واستعمل عليهما وقفل إلى تلمسان ثم خرج سنة عشر في عساكره إلى بلاد بنى توجين ونزل تافركينث وسط بلادهم فشرد من أعقاب محمد بن عبد القوى عن وانشريس واحتاز رياستهم في بنى توجين دونهم وأدام منهم بالحشم وبنى تيغزين وعقد لكبيرهم يحيى بن عطية على رياسة قومه في جبل وانشريس وعقد ليوسف بن حسن من أولاد عزيز على وأعمالها وعقد لسعد من بنى سلامة على قومه
من بنى يدللتن احدى بطون بنى توجين وأهل الناحية الغربية من عملهم وأخذ من سائر بطون بنى توجين الرهن على الطاعة والجباية واستعمل عليهم جميعا من صنائعه قائده يوسف بن حيون الهوارى وأذن له في اتخاذ الآلة وعقد لمولاه مسامح على بلاد مغراوة واذن له أيضا في اتخاذ الآله وعقد لمحمد بن عمه يوسف على مليانة وأنزله بها وقفل إلى تلمسان والله أعلم * (الخبر عن استنزال زيرم بن حماد من ثغر برشك وما كان قبله) * كان هذا الغمر من مشيخة هذا القصر لوفور عشيرته من مكلاته داخله وخارجه واسمه زيرى بالياء فتصرفت فيه العامة وصار زيرم بالميم ولما غلب يغمراسن على بلاد مغراوة دخل أهل هذا القصر في طاعته حتى إذا هلك حدثت هذا الغمر نفسه بالانتزاء والاستبداد بملك برشك ما بين مغراوة وبنى عبد الواد ومدافعة بعضهم ببعض فاعتزم على ذلك وأمضاه وضبط برشك لنفسه سنة ثلاث وثمانين ونهض إليه عثمان بن يغمراسن سنة أربع بعدها ونازله فامتنع ثم زحف سنة ثلاث وتسعين إلى مغراوة فلجأ ثابت بن منديل إلى برشك وحاصره عثمان بها أربعين يوما ثم ركب البحر إلى المغرب كما قلناه وأخذ زيرى بعدها بطاعة عثمان بن يغمراسن دافعه بها وانتقض عليه مرجعه إلى تلمسان وشغل بنو زيان بعدها بما دهمهم من شأن الحصار فاستبد زيرى هذا ببرشك واستفحل شأنه بها واتقى بنى مرين عند غلبهم على بلاد مغراوة وتردد عساكرهم فيها باخلاص الطاعة والانقياد فلما انقشع ايالة بنى مرين بمهلك يوسف بن يعقوب وخرج بنو يغمراسن من الحصار رجع إلى ديدنه من التمريض في الطاعة ومناولة طرفها على البعد حتى إذا غلب أبو حمو على بلاد مغراوة وتجاوزت طاعته هذا المصر إلى ما وراءه(7/99)
خشيه زيرى على نفسه وخطب منه الامان على أن ينزل له عن المصر فبعث إليه رئيس الفتيا بدولته أبا زيد عبد الرحمن بن محمد الامام كان أبوه من أهل برشك وكان زيرى قد قتله لاول ثورته غيلة وفر ابنه عبد الرحمن هذا وأخوه عيسى ولحقا بتونس فقرابها
ورجعا إلى الجزائر فأوطناها ثم انتقلا إلى مليانة واستعملهما بنو مرين في خطة القضاء بمليانة ثم وفدا بعد مهلك يوسف بن يعقوب على أبى زيان وأبى حمو مع عمال بنى مرين وقوادهم بمليانة وكان فيهم منديل بن محمد الكنانى صاحب أشغالهم المذكور في أخبارهم وكانا يقرآن ولده محمدا فاشادا عند أبى زيان وأبى حو بمكانهما من العلم ووقع ذلك من أبى حمو أبلغ المواقع حتى إذا استقل بالامر ابتنى المدرسة بناحية المطهر من تلمسان لطلبة العلم وابتنى لهما دارين على جانبيها وجعل لهما التدريس فيها في ايوانين معدين لذلك واختصهما بالفتيا والشورى فكانت لهما في دولته قدم عالية فملا خطب زيرى هذا الامان من أبى حمو وان يبعث إليه من يأمن معه في الوصول إلى بابه بعث إليه أبا زيد عبد الرحمن الاكبر منهما فنهض لذلك بعد أن استأذنه في أن يثأر منه بأبيه ان قدر عليه فأذن له فلما احتل ببرشك أقام بها أياما يغاديه فيها زيرى ويراوحه بمكان نزله وهو يعمل الحيلة في اغتياله حتى إذا أمكنته فقتله في بعض تلك الايام سنة ثمان وسبعمائة وصار أمر برشك إلى السلطان أبى حمو وانمحى منه أثر المشيخة والاستبداد والامور بيد الله سبحانه * (الخبر عن طاعة الجزائر واستنزال ابن علان منها وذكر أوليته) * كانت مدينة الجزائر هذه من أعمال صنهاجة ومختطها بلكين بن زيرى ونزلها بنوه من بعده ثم صارت للموحدين وانتظمها بنو عبد المؤمن في أمصار المغربين وافريقية ولما استبد بنو أبى حفص بأمر الموحدين وبلغت دولتهم بلاد زناتة وكانت تلمسان ثغرا لهم واستعملوا عليها يغمراسن وبنيه من بعده وعلى ضواحي مغراوة بنى منديل بن عبد الرحمن وعلى وانشريس وما إليها من عمل توجين محمد بن عبد القوى وبنيه وبقى ما وراء هذه العمال إلى الحضرة لولاية الموحدين أهل دولته فكان العامل على الجزائر من الموحدين أهل الحضرة وفى سنة أربع وستين انتقضوا على المستنصر ومكثوا في ذلك الانتقاض سبعا ثم أوعز إلى أبى هلال صاحب بجاية بالنهوض إليها في سنة احدى وسبعين فحاصرها أشهرا وأفرج عنها ثم عاودها بالحصار سنة أربع وسبعين أبو الحسن
ابن ياسين بعساكر الموحدين فاقتحمها عليهم عنوة واستباحها وتقبض على مشيختها فلم يزالوا معتقلين إلى أن هلك المستنصر ولما انقسم أمر بنى حفص واستقل الامير أبو زكريا الاسوط بالثغور الغربية وأبوه بعثوا إليه بالبيعة وولى عليهم ابن اكمازير وكانت(7/100)
ولايتها من قبل فلم يزل هو واليا عليها إلى أن أسن وهرم كان ابن علان من مشيخة الجزائر مختصا به ومتصبا في أوامره ونواهيه ومصدرا لامارته وحصل له بذلك الرياسة على أهل الجزائر سائر أيامه فلما هلك ابن اكمازير حدثته نفسه بالاستبداد والانتزاء بمدينته فبعث عن أهل الشوكة من نظائره ليله هلاك أميره وضرب أعناقهم وأصبح مناديا بالاستبداد واتخذ الآلة واستركب واستلحق من الغرباء والثعالبة عرب متيجة واستكثر من الرجل والرماة ونازلته عساكر بجاية مرارا فامتنع عليهم وغلب مليكش على حماية الكثير من بلاد متيجة ونازله أبو يحيى بن يعقوب بعساكر بنى مرين عند استيلائهم على البلاد الشرقية وتوغلهم في القاصية فأخذ بمخنقها وضيق عليها ومر بابن علان القاضى أبو العباس الغمارى رسول الامير خالد إلى يوسف بن يعقوب فأودعه الطاعة للسلطان والضراعة إليه في الابقاء فأبلغ ذلك عنه وشفع له فأوعز إلى أبيه يحيى بمسالمته ثم نازله الامير خالد بعد ذلك فامتنع عليه وأقام على ذلك أربع عشرة سنة وعيون الخطوب تحدده والايام تستجمع لرحبه فلما غلب السلطان أبو حمو على بلاد توجين واستعمل يوسف بن حيون الهوارى على وانشريس ومولاه مسامحا على بلاد مغراوة ورجع إلى تلمسان ثم نهض سنة ثنتى عشرة إلى بلاد شلب فنزل بها وقدم مولاه مسامحا في العساكر فدوخ متيجة من سائر نواحيها وترس بالجزائر وضيق حصارها حتى مسهم الجهد وسأل ابن علان النزول على أن يشترط لنفسه فتقبل السلطان اشتراطه وملك السلطان أبو حمو الجزائر وانتظمها في اعماله وارتحل ابن علان في جملة مسامح ولحقوا بالسلطان بمكانه من شلب فانكفأ إلى
تلمسان وابن علان في ركابه فأسكنه هنالك ووفى له بشرطه إلى أن هلك والبقاء لله سبحانه * (الخبر عن حركة صاحب المغرب إلى تلمسان وأولية ذلك) * لما خرج عبد الحق بن عثمان من أعياص الملك على السلطان أبى الربيع بفاس وبايع له الحسن بن على بن أبى الطلاق صاحب بنى مرين بمداخلة الوزير رحوا بن يعقوب كما قدمناه في أخبارهم وملكوا تازى زحف إليهم السلطان أبو الربيع فبعثوا وفدهم إلى السلطان أبى حمو صريخا ثم أعجلهم أبو الربيع وأجهضهم على تازى فلحقوا بالسلطان أبى حمو ودعوه إلى المظاهرة على المغرب ليكونوا ردأ له دون قومهم وهلك السلطان أبو الربيع خلال ذلك واستقل بملك المغرب أبو سعيد عثمان بن يعقوب بن عبد الحق فطالب السلطان أبا حمو باسلام أولئك النازعين إليه فأبى من اسلامهم واخفار ذمته وأجازهم إلى البحر إلى العدوة فأغضي له السلطان أبو سعيد عنها وعقد(7/101)
له السلم ثم استراب يعيش بن يعقوب بن عبد الحق بمكانه عند أخيه السلطان أبى سعيد لما سعى فيه عنده فنزع عنه إلى تلمسان وأجاره السلطان أبو حمو على أخيه فأحفظه ذلك ونهض إلى تلمسان سنة أربع عشرة وعقد لابنه الامير أبى على وبعثه في مقدمته وسار هو في الساقة ودخل أعمال تلمسان على هذه التعبية فاكتسح بسائطها ونازل وجدة فقاتلها وضيق عليها ثم تخطاها إلى تلمسان فنزل بساحتها وانحجر موسى بن عثمان من وراء أسوارها وغلب على ضواحيها ورعاياها وسار السلطان أبو سعيد في عساكره يتقرى شعارها وبلادها بالحطم والانتساف والعيث فلما أحيط به وثقلت وطأة السلطان عليه وحذر المغبة منه ألطف الحيلة في خطاب الوزراء الذين كان يسرب أمواله فيهم ويخادعهم من نصائح سلطانهم حتى اقتضى مراجعتهم في جاره يعيش بن يعقوب وادالته من أخيه ثم بعث خطوطهم بذلك إلى السلطان أبى سعيد فامتلا قلبه منها
خشية ورهبة واستراب بالخاصة والاولياء ونهض إلى المغرب على تعبيته ثم كان خروج ابنه عمر عليه بعد مرجعه وشغلوا عن تلمسان وأهلها برهة من الدهر حتى جاء أمر الله في ذلك عند وقته والله تعالى أعلم * (الخبر عن مبدا حصار بجاية وشرح الداعية إليه) * لما رجع السلطان أبو سعيد إلى المغرب وشغل عن تلمسان فزع أبو حمو لاهل القاصية من عمله وكان راشد بن محمد بن ثابت بن منديل قد جاء من بلاد زواوة أثناء هذه الغمرة فاحتل بوطن شلب واجتمع إليه أو شاب قومه وحين تجلت الغمرة عن السلطان أبى حمو نهض إليه بعد أن استعمل ابنه أبا تاشفين على تلمسان وجمع له الجموع ففر أمامه ناجيا إلى مثوى اغترابه ببجاية وأقام بنو سعيد بمعاقلهم من جبال شلب على دعوته فاحتل السلطان أبو حمو بوادي تمل فخيم به وجمع أهل أعماله الحصار بنى أبى سعيد شيعة راشد بن محمد واتخذ هنالك قصره المعروف باسمه وسرح العساكر لتدويخ القاصية ولحق به هنالك الحاجب بن أبى حين مرجعه من الحج سنة احدى عشرة وسبعمائة فأغراه بملك بجاية ورغبه فيه وكان قد ثاب له طمع منذ رسالة السلطان مولانا ابى يحيى إليه وذلك انه لما انتقض على اخيه خالد ودعا لنفسه بقسنطينة ونهض إلى بجاية فانهزم عنها كما قدمناه في أخباره وأوفد على السلطان أبى حمو بعض رجال دولته مغريا له بابن خلوف وبجاية ثم بعث إليه ابن خلوف أيضا يسأله المظاهرة والمدد فأطمعه ذلك في ملك بجاية (ولما هلك) ابن خلوف كما قدمناه لحق به كاتبه عبد الله بن هلال فأغراه واستحثه وشغله عن ذلك شأن الجزائر فلما استولى على الجزائر بعث مولاه مسامحا في عسكر مع ابن أبى حى فبلغوا إلى جبل الزاب وهلك ابن أبى حى ورجع مسامح ثم شغله(7/102)
عن شأنها زحف وفزع من أمر عدوه ونزل بلد شلب كما ذكرناه آنفا ولحق به عثمان بن سباع بن يحيى بن سباع بن سهل أمير الزواودة يستحثه لملك الثغور الغربية من عمل
الموحدين فاهتز لذلك وجمع الجموع وعقد لمسعود بن عمه أبى عامر برهوم على عسكر وأمره بحصار بجاية وعقد لمحمد ابن عمه يوسف قائد مليانة على عسكر ولمولاه مسامح على عسكر آخر وسرحهم إلى بجاية وما وراءها لتدويخ البلاد وعقد لموسى بن على الكردى على عسكر ضخم وسرحه مع العرب من الزواودة وزغبة على طريق الصحراء فانطلقوا إلى وجههم ذلك وفعلوا الافاعيل كل فيما يليه وتوغلوا في البلاد الشرقية حتى انتهوا إلى بلاد بونة ثم انقلبوا من هنالك ومروا في طريقهم بقسنطينة ونازلوها أياما وصعدوا جبل ابن ثابت المطل عليها فاستباحوه ثم مروا ببنى باورار فاستباحوها وأضرموها واكتسحوا سائر ما مروا عليه وحدثت بينهم المناكرة حسدا ومنافسة فافترقوا ولحقوا بالسلطان ولحق مسعود بن برهوم محاصر البجاية وبنى حصنا باصفون لمقامه وكان يسرح الجيوش لقتالها فتحول في ساحتها ثم تراجع إلى الحصن ولم يزل كذلك حتى بلغه خبر خروج محمد بن يوسف فأجفل عنها على ما نذكره الآن فلم يرجعوا لحصارها الا بعد مدة والله تعالى أعلم * (الخبر عن خروج محمد بن يوسف ببلاد بنى توجين وحروب السلطان معه) * لما رجع محمد بن يوسف من قاصية الشرق كما قدمناه وسابقه إلى السلطان موسى بن على الكردى وجوانحه تلتهب غيظا حقدا عليه وسعى به عند السلطان فعزله عن مليانة فوجم لها وسأله زيارة ابنه الامير أبى تاشفين بتلمسان وهو ابن أخته فأذن له وأوعز إلى ابنه بالقبض عليه فأبى من ذلك وأراد هو الرجوع إلى معسكر السلطان فخلى سبيله ولما وصل إليه تنكر له وحجبه فاستراب وملا قلبه الرعب وفر من المعسكر ولحق بالمرية ونزل على يوسف بن حسن بن عزيز عاملها للسلطان أبى حمو به من نزاعته فأخذ له البيعة على قومه ومن إليهم من العرب وزحفوا إلى السلطان بمعسكره من مهل فلقيهم في عساكره فكانت الدبرة على السلطان ولحق بتلمسان وغلب محمد بن يوسف على بنى توجين ومغراوة ونزل مليانة وخرج السلطان من تلمسان لايام
من دخولها وقد جمع الجموع وازاح العلل وأوعز إلى مسعود بن برهوم بمكانه من حصار بجاية بالوصول إليه بالعساكر ليأخذ بحجزتهم من ورائهم وخرج محمد بن يوسف على مليانة لاعتراضه واستعمل على مليانة يوسف بن حسن بن عزيز فلقيه ببلاد مليكش وانهزم محمد بن يوسف ولجأ إلى جبل مرصالة وحاصره مسعود بن برهوم أياما ثم أفرج عنه ولحق بالسلطان فنازلوا جميعا مليانة وافتتحها السلطان عنوة وجئ بيوسف(7/103)
ابن حسن أسيرا من مكمنه ببعض المسارب فعفا عنه وأطلقه ثم زحف إلى المرية فلكها وأخذ الرهن من أهل تلك النواحى وقفل إلى تلمسان واستطال محمد بن يوسف على النواحى ففشت دعوته في تلك القاصية وخاطب مولانا السلطان أبا يحيى بالطاعة فبعث إليه بالهدية والآلة وسوغه سهام يغمراسن بن زيان بافريقية ووعده بالمظاهرة وغلب سائر بلاد بنى توجين وبايع له بنو تيغرين أهل جبل وانشريس فاستولى عليه ثم نهض السلطان إلى الشرق سنة سبع عشرة وملك المرية واستعمل عليها يوسف ابن حسن لمدافعة محمد بن يوسف واستبلغ في أخذ الرهن منه ومن أهل العمالات وقبائل زناتة والعرب حتى من قومه بنى عبد الواد ورجع إلى تلمسان وأنزلهم بالقصبة وهى الغور الفسيح الخطة تماثل بعض الامصار العظيمة اتخذها للرهن وكان في ذلك حتى يأخذ الرهن المتعددة من البطن الواحد والفخذ الواحد والرهط وتجاوز ذلك إلى أهل الامصار والثغور والمشيخة والسوقة فملا تلك القصبة من أبنائهم واخوانهم وشحنها بالاامم بعد الامم وأذن لهم في ابتناء المنازل واتخاذ النساء واختط لهم المساجد فجمعوا بها لصلاة الجمعة ونفقت بها الاسواق والصنائع وكان حال هذه البنية من أغرب ما حكى في العصور عن سجن ولم يزل محمد بن يوسف بمكان خروجه من بلاد توجين إلى أن هلك السلطان والبقاء لله * (الخبر عن مقتل السلطان أبى حمو وولاية ابنه أبى تاشفين من بعده) *
كان السلطان أبو حمو قد اصطفى ابن عمه برهوم وتبناه من بين عشيرته وأولى قرباه لمكان صرامته ودهائه واختصاص أبيه برهوم المكنى أبا عامر بعثمان بن يغمراسن شقيقه من بين اخوته فكان يؤثره على بنيه ويفاوضه في شؤونه ويصله إلى خلوته وكان دفع إلى ابنه عبد الرحمن أبا تاشفين اترابا له من العلوجين يقومون في بخدمته في مرباه ومنتشئه كان منهم هلال المعروف بالقطانى ومسامح المسمى بالصغير وفرج بن عبد الله وظافر ومهدى وعلى بن تاكدرت وفرج الملقب شقورة وكان ألصقهم وأعلقهم بنفسه تلادله منهم يسمى هلالا وكان أبو حمو أبوه كثيرا ما يقرعه ويوبخه ارهاقا في اكتساب الخلال وربما يقرع في تفريعه لما كان عفا الله عنه فحاشا فيحفظه لذلك وكان مع ذلك شديد السطوة متجاوزا بالغقاب وحدوده في الزجر والادب فكان أولئك العلوجين تحت رهب وكانوا يوعزون لذلك مولاهم أبا تاشفين بأبيه ويبعثون غيرته لما يذكرون له من اصطفاء ابن أبى عامر دونه وقارن ذلك أن مسعود بن أبى عامر أبلى في لقاء محمد بن يوسف الخارج على أبى حمو البلاء الحسن عندما رجع من حصار بجاية فاستحمد له السلطان ذلك وعير ابنه عبد الرحمن بمكن ابن عمه هذا من النجابة والصرامة يستجد(7/104)
له بذلك خلالا ويغريه بالكمال وكان عمه أبو عامر ابراهيم بن يغمراسن ثرى بما نال من جوائز الملوك في وفاداته وما أقطع له أبوه وأخوه سائر أيامهما ولما هلك سنة ست وتسعين أوصى أخاه عثمان بولده فضمهم إليه ووضع تراثهم بموضع ماله حتى يأنس منهم الرشد في أحوالهم حتى إذا كانت غزاة ابنه أبى سرحان هذه وعلا فيها ذكره وبعد صيته رأى السلطان أبو حمو أن يدفع إليه تراث أبيه لاستجماع حلاله فاحتمل إليه من المودع ونمى الخبر إلى ولده أبى تاشفين وباطنته السوء من العلوجين فحسبوه مال الدولة قد حمل إليه لبعد عهدهم بما وقع في تراث أبى عامر أبيه واتهموا السلطان بايثاره بولاية العهد دون ابنه فأغروا أبا تاشفين بالوثب على الامر وحملوه على الفتك بمشنويه مسعود بن أبى
عامر واعتقال السلطان أبى حمو ليتم له الاستبداد وتحينوا لذلك قائلة الهاجرة عند ما انصرف السلطان من مجلسه وقد اجتمع إليه ببعض حجر القصر خاصته من البطانة وفيهم مسعود بن أبى عامر والوزراء من بنى الملاح وكان بنو الملاح هؤلاء قد استخصهم السلطان بحجابته سائر أيامه وكان مسمى الحجابة عنده قهرمة الدار والنظر في الدخل والخرج وهم أهل بيت من قرطبة كانوا يحترفون فيها بسكة الدنانير والدراهم وربما دفعوا إلى النظر في ذلك ثقة باماناتهم نزل أولهم بتلمسان مع جالية قرطبة فاحترفوا بحرفتهم الاولى وزادوا إليها الفلاحة وتحلوا بخدمة عثمان بن يغمراسن وابنه وكان لهم في دولة أبى حمو مزيد حظوة وعناية فولى على حجابته منهم لاول دولته محمد بن ميمون ابن الملاح ثم بنه محمد الاشقر من بعده ثم ابنه ابراهيم بن محمد من بعدهما واشترك معه من قرابته على بن عبد الله بن الملاح فكانا يتوليان مهمه بداره ويحضران خلوته مع خاصته فحضروا يومئذ مع السلطان بعد انفضاض مجلسه كما قلناه ومعه من القرابة مسعود القتيل وحماموش بن عبد الملك بن حنيفة ومن الموالى معروف الكبير ابن أبى الفتوح بن عشر من ولد نصر بن على أمير بنى يزيد بن توجين وكان السلطان قد استوزره (فلما علم) أبو تاشفين باجتماعهم هجم ببطانته عليهم وغلبوا الحاجب على بابه حتى ولجوه متسايلين بعد أن استمسكوا من اغلاقه حتى إذا توسطوا الدار اعتوروا السلطان بأسيافهم فقتلوه وحام أبو تاشفين عنها فلم يفرجوا عليه ولاذ أبو سرحان منهم ببعض زوايا الدار واستمكن من غلقها دونهم فكسروا الباب وقتلوه واستلحموا من كان هنالك من البطانة فلم يفلت الا الاقل وهلك الوزراء بنو الملاح واستبيحت منازلهم وطاف الهاتاف بسكك المدينة بأن أبا سرحان غدر بالسلطان وابن ابنه أبا تاشفين ثأر منه فلم يخف على الناس الشأن وكان موسى بن على الكردى قائد العساكر قد سمع الصيحة فركب إلى القصر فوجد مغلقا دونه(7/105)
فظن الظنون فخشى استيلاء مسعود على الامر فبعث إلى العباس بن يغمراسن كبير القرابة فأحضره عند باب القصر حتى إذا مر بهم الهاتف واستيقن مهلك أبى سرحان رد العباس على عقبه إلى منزله ودخل إلى السلطان أبى تاشفين وقد أدركه الدهش من المواقعة فثبته ونشطه فحفه وأجلسه بمجلس أبيه وتولى لهعقد البيعة على قومه خاصة وعلى الناس عامة وذلك آخر جمادى الاولى من تلك السنة وجهز السلطان إلى مدفنه بمقبرة سلفه من القصر القديم وأصبح مثلا في الآخرين والبقاء لله وأشخص السلطان لاول ولايته سائر القرابة الذين كانوا بتلمسان من ولد يغمراسن وأجازهم إلى العدوة حذار من مغبة ترشيحهم وما يتوقع من الفتن على الدولة من قبلهم وقلد حجابته مولاه هلالا فاضطلع باعبائها واستبد بالعقد والحل والابرام والنقض صدرا من دولته إلى أن نكبه حسبما نذكره وعقد ليحيى بن موسى السنوسى من صنائع دولتهم على شلب وسائر أعمال مغراوة وعقد لمحمد بن سلامد بن على على عمله من بلاد بنى يدللتن من توجين وعزل أخاه سعدا فلحق بالمغرب وعقد لموسى بن على الكردى على قاصية المشرق وجعل إليه حصار بجاية وأغرى دولته بتشييد القصور واتخاذ الرياض والبساتين فاستكمل ما شرع فيه أبوه من ذلك وأتى عليه فاحتفلت القصور والمصانع في الحسن ما شاءت واستعت أخباره على ما نذكره ان شاء الله تعالى { الخبر عن نهوض السلطان أبى تاشفين لمحمد بن يوسف بجبل وانشريس واستيلاؤه عليه } كان محمد بن يوسف بعد مرجع السلطان أبى حمو كما ذكرناه قد تغلب على جبل وانشريس ونواحيه واجتمع إليه الفل من مغراوة فاستفحل أمره واشتدت في تلك النواحى شوكته وأهم أبا تاشفين أمره فاعتزم على النهوض إليه وجمع لذلك وأزاح العلل وأناخ على وانشريس وقد اجتمع به بنو توجين ومغراوة مع محمد بن يوسف وكان يتغرين من بنى توجين بطانة ابن عبد القوى يرجعون في رياستهم إلى عمر بن عثمان حسبما نذكره وكان قد استخلص سواه من بنى توجين دونه فأسفه بذلك وداخل السلطان أبا
تاشفين وواعده أن يتحرك عنه فاقتحم السلطان عليهم الجبل وانحجزوا جميعا إلى حصن توكال فخالفهم عمر بن عثمان في قومه إلى السلطان بعد أن حاصرهم ثمانيا فتخرم الجمع واختل الامر وانفض الناس فاقتحم الحصن وتقبض على محمد بن يوسف وجئ به إلى السلطان أسيرا وهو في مركبه فعدد عليه ثم وخزه برمحه وتناوله الموالى برماحهم فأقعصوه وحمل رأسه على القناة إلى تلمسان فنصب بشرافات البلد وعقد لعمر بن عثمان على جبل وانشريس وأعمال بنى عبد القوى ولسعيد العربي من مواليه على عمل المرية(7/106)
وزحف إلى الشرق فأغار على أحياء رياح وهم بوادي الجنان حيث الثنية المفضية من بلاد حمزة إلى القبلة وصبح أحياءهم فاكتسح أموالهم ومضى في وجهه إلى بجاية فعرس بساحتها ثلاثا وبها يومئذ الحاجب يعقوب بن عمر فامتنعت عليه فظهر له وجه المعذرة لاوليائهم في استحصانها وقفل إلى تلمسان إلى ان كان من أمره ما نذكره ان شاء الله تعالى.
{ الخبر عن حصار بجاية والفتنة الطويلة مع الموحدين التى كان فيها حتفه وذهاب سلطانه وانقراض الامر عن قومه برهة من الدهر } لما رجع السلطان أبو تاشفين من حصار بجاية سنة تسع وعشرين اعتمل في ترديد البعوث إلى قاصية الشرق والالحاح بالغزو إلى بلاد الموحدين فأغزاها جيوشه سنة عشرين فدوخوا ضواحي بجاية وقفلوا ثم غزاهم ثانية سنة احدى وعشرين وعليهم موسى بن على الكردى فانتهى إلى قسنطينة وحاصرها فامتنعت عليه فأفرج عنها وابتنى حصن بكر لاول مضيق الوادي وادى بجاية وأنزل به العساكر لنظر يحيى بن موسى قائد شلب وقفل إلى تلمسان ثم نهض موسى بن على ثالثة صسنة ثنتين وعشرين فدوخ نواحى بجاية ونازلها أياما وامتنعت عليه فأفرج عنها ووفد سنة ثلاث وعشرين على السلطان حمزة بن عمر بن أبى أليل كبير البدو بافريقية صريخا على صاحب
افريقية مولانا السلطان أبى يحيى فبعث معهم العساكر من زناتة وعامتهم من بنى توجين وبنى راشد وأمر عليهم القواد وجعلهم لنظر قائده موسى بن على الكردى ففصلوا إلى افريقية وخرج السلطان للقائهم فانهزموا بنواحي مرماجنة وتخطفتهم الايدى فاستلحموا وقتل مسامح مولاه ورجع موسى بن على فاتهمه السلطان بالادهان وكان من نكبته ما نذكره في أخباره وسرح العساكر سنة أربع وعشرين فدوخت نواحى بجاية ولقيهم ابن سيد الناس فهزموهم ونجا إلى البلد ووفد على السلطان سنة خمس وعشرين مشيخة سليم حمزة بن عمر بن أبى اليل وطالب بن مهلهل العجلان المتزاحمان في رياسة الكعوب ومحمد بن مسكين من بنى القوس كبراء حكيم فاستحثوه للحركة واستصرخوه على افريقية وبعث معهم العساكر لنظر قائده موسى بن على ونصب لهم ابراهيم بن أبى بكر الشهيد من أعياص الحفصيين وخرج مولانا السلطان أبو يحيى من تونس للقائهم وخشيهم على قسنطينة فسابقهم إليها فأقام موسى بن على بعساكره على قسنطينة وتقدم ابراهيم بن أبى بكر الشهيد في أحياء سليم إلى تونس فملكها كما ذكرناه في أخبارهم وامتنعت قسنطينة على موسى بن على فأقلع منها لخمس عشرة ليلة من حصارها وعاد إلى تلمسان ثم أغزاه السلطان سنة ست وعشرين(7/107)
في الجيوش وعهد إليه بتدويخ الضاحية ومحاصرة الثغور فنازل قسنطينة وأفسد نواحيها ثم رجع إلى بجاية فحاصرها ثم عزم على الاقلاع ورأى أن حصن بكر غير صالح لتجهيز الكتائب إليها لبعده وارتاد للبناء عليها ما هو أقرب منه فاختط بمكان سوق الخميس بوادي بجاية مدينة لتجهيز الكتائب لها على بجاية وجمع الايدى على بنائها من الفعلة والعساكر فتمت لاربعين يوما وسموها تامزيزدكت باسم الحصن القديم الذى كان لبنى عبد الواد قبل الملك بالجبل قبلة وجدة وأنزل بها عساكر تناهز ثلاثة آلاف وأوعز السلطان إلى جميع عماله ببلاد المغرب الاوسط بنقل الحبوب إليها حيث
كانت والادم وسائر المرافق حتى الملح وأخذ الرهن من سائر القبائل على الطاعة واستوفوا جبايتهم فثقلت وطأتهم على بجاية واشتد حصارها وغلت أسعارها (وبعث) مولانا السلطان أبو يحيى جيوشه وقواده سنة سبع وعشرين فسلكوا إلى بجاية على جبل بنى عبد الجبار وخرج بهم قائدها أبو عبد الله بن سيد الناس إلى ذلك الحصن وقد كان موسى بن على عند بلوغ خبرهم إليه أستنفر الجنود من ورائه وبعث إلى القواد قبله بالبدار فالتقى الجمعان بضاحية تامريزدكت فانكشف ابن سيد الناس ومات ظافر الكبير مقدم الموالى من العلوجين بباب السلطان واستبيح معسكرهم ولما سخط السلطان قائده موسى بنعلى ونكبه كما نذكره في أخباره أغزى يحيى بن موسى السنوسى في العساكر إلى افريقية ومعه القواد فعاثوا في نواحى قسنطينة وانتهوا إلى بلد بونة ورجعوا وفى سنة تسع وعشرين بعدها وفد حمزة بن عمر على السلطان أبى تاشفين صريخا ووفد معه أو بعده عبد الحق بن عثمان فحل الشول من بنى مرين وكان قد نزل على مولانا السلطان أبى يحيى منذ سنين فسخط بعض أحواله ولحق بتلمسان فبعث السلطان معهم جميع قواده بجيوشه لنظر يحيى بن موسى ونصب عليهم محمد بن أبى بكر بن عمران من أعياص الحفصيين ولقيهم مولانا السلطان أبيو يحيى بالدياس من نواحى بلاد هوارة وانخزل عنه أحياء العرب من أولاة مهلهل الذين كانوا معه وانكشفت جموعه واستولى على ظعائنه بما فيها من الحرم وعلى ولديه احمد وعمر فبعثوا بهم إلى تلمسان ولحق مولانا المنصور أبو يحيى بقسنطينة وقد أصحابه بعض الجراحة في حومة الحرب وسار يحيى بن موسى وابن أبى عمران إلى تونس واستولوا عليها ورجع يحيى بن موسى عنهم بجموع زناتة لاربعين يوما من دخولها فقفل إلى تلمسان وبلغ الخبر إلى مولانا السلطان أبى يحيى بقفول زناتة عنهم فنهض إلى تونس وأجهض عنها ابن أبى عمران بعد ان كان أوفد من بجاية ابنه أبا زكريا يحيى ومعه محمد بن تافراكين من مشيخة الموحدين صريخا على ابى تاشفين فكان ذلك داعية إلى انتقاض ملكه كما نذكره(7/108)
بعد وداخل السلطان أبا تاشفين بعض أهل بجاية ودلوه على عورتها واستقدموه فنهض إليها وحذر بذلك الحاجب ابن سيد الناس فسابقه إليها ودخل يوم نزوله عليها وقتل من اتهم بالمداخلة فانحسم الداء وأقلع السلطان أبو تاشفين عنها وولى عيسى بن مزروع من مشيخة بنى عبد الواد على الجيش الذى بتامزيزدكت وأوعز إليه ببناء حصن أقرب إلى بجاية من تامزيزدكت فبناه بالياقوتة من أعلى واد قبالة بجاية فأخذ بمخنقها واشتد الحصار إلى أن أخذ السلطان أبو الحسن بحجزتهم فأجفلوا جميعا إلى تلمسان ونفس مخنص الحصار عن بجاية ونهض مولانا السلطان أبو يحيى بجيوشه من تونس إلى تامزيزدكت سنة ثنتين وثلاثين فخربها في ساعة من نهار كان لم تغن بالامس حسبما ذكرنا ذلك في أخباره والله تعالى أعلم { الخبر عن معاودة الفتنة بين بنى مرين وحصارهم تلمسان ومقتل السلطان أبى تاشفين ومصائر ذلك } كان السلطان أبو تاشفين قد عقد السلم الاول دولته مع السلطان أبى سعيد ملك المغرب فلما انتقض عليه ابنه أبو على سنة ثنتين وعشرين بعد المهادنة الطويلة من لدن استبداده بسجلماسة بعث ابنه القعقاع إلى ابى تاشفين في الاخذ بحجزة أبيه عنه ونهض هو إلى مراكش فدخلها وزحف إليه السلطان أبو سعيد فبعث أبو تاشفين قائده موسى ابن على في العساكر إلى نواحى تازى فاستباح عمل كارث واكتسح زروعه وقفل واعتدها عليه السلطان أبو سعيد وبعث أبو تاشفين وزيره داود بن على بن مكن رسولا إلى السلطان أبى على بسجلماسة فرجع عنه مغاضبا وجنح أبو تاشفين بعدها إلى التمسك بسلم السلطان أبى سعيد فعقد لهم ذلك وأقاموا عليها مدة فلما نفر ابن مولانا السلطان أبى يحيى على السلطان أبى سعيد ملك المغرب وانعقد الصهر بينهم كما ذكرناه في أخبارهم وهلك السلطان أبو سعيد نهض السلطان أبو الحسن إلى تلمسان بعد أن قدم
رسله إلى السلطان أبى تاشفين في أن يقلع بجيوشه عن حصار بجاية ويتجافى للموحدين عن عمل تنس فأبى وأساء الرد وأسمع الرسل بمجلسه هجر القول وأفزع لهم الموالى في الشتم لمرسلهم بمسمع من أبى تاشفين فأحفظ ذلك السلطان أبو الحسن ونهض في جيوشه سنة ثنتين وثلاثين إلى تلمسان فتخطاها إلى تاسالت وضرب بها معسكره وأطال المقام وبعث المدد إلى بجاية مع الحسن البطوى من صنائعه وركبوا في أساطيله من سواحل وهران ووافاهم موانا السلطان أبو يحيى ببجاية وقد جمع لحرب بنى عبد الواد وهدم تامز يزدكت وجاء لموعد السلطان أبى الحسن معه أن يجتمعا بعساكرهما لحصار تلمسان فنهض من بجاية إلى تامزيزدكت وقد أجفل منها عساكر بنى عبد الواد(7/109)
وتركوها قفرا ولحقت عساكر الموحدين فعاثوا فيها تخريبا ونهبا وألصقت جدرانها بالارض وتنفس مخنق بجاية من الحصار وانكمش بنو عبد الواد إلى ما وراء تخومهم وفى خلال ذلك انتقض أبو على ابن السلطان أبى سعيد على أخيه وصمد من مقره بسجلماسة إلى درعة وفتك بالعامل وأقام فيها دعوته كما نذكر ذلك بعد وطار الخبر إلى السلطان أبى الحسن بمحلته بتاسالت فنهض راجعا إلى المغرب لحسم دائه وراجع السلطان أبو تاشفين عزه وانبسطت عساكره في ضواحي عمله وكتب الكتائب وبعث بها مددا للسلطان أبى على ثم استنفر قبائل زناتة وزحف إلى تخوم المغرب سنة ثلاث وثلاثين ليأخذ بحجزة السلطان أبى الحسن عن أخيه وانتهى إلى الثغر من تاوريدت ولقيه هناك تاشفين ابن السلطان أبى الحسن في كتيبة جهزها أبوه معه هنالك لسد الثغور ومعه منديل بن حماسة شيخ بنى تيريفن من بنى مرين في قومه فلما برزوا إليه انكشف ورجع إلى تلمسان ولما تغلب السلطان أبو الحسن على أخيه وقتله سنة أربع وثلاثين جمع لغزو تلمسان وحصارها ونهض إليها سنة خمس وقد استنفذ وسعه في الاحتفال لذلك واضطربت بها عساكره وضرب عليها سياج الاسوار وسرادقات الحفائر أطيفت عليهم
حتى لا يكاد الطيف يخلص منهم ولا إليهم وسرح كتائبه إلى القاصية من كل جهة فتغلب على الضواحى وافتتح الامصار جميعا وخرب وجدة كما يأتي ذكر ذلك كله وألح عليها بالقتال يغديها ويراوحها ونصب المجانيق وانحجز بها مع السلطان أبى تاشفين زعماء زناتة من بنى توجين وبنى عبد الواد وكان عليهم في بعض أيامها اليوم المشهور الذى استلحمت فيه أبطالهم وهلك أمراؤهم وذلك أن السلطان أبا الحسن كان يباكرهم في الاسحار فيطوف من وراء أسواره التى ضربها عليهم شوطا يرتب المقاتلة ويثقف الاطراف ويسد الفروج ويصلح الخلل وأبو تاشفين يبعث العيون في ارتصاد فرصة فيه وأطاف في بعض الايام منتبذا عن الجملة فكمنوا له حتى إذا سلك ما بين الجبل والبلد انقضوا عليه يحسبونها فرصة قد وجدوها وضايقوه حتى كاد السرعان من الناس أن يصلوا إليه وأحس أهل المعسكر بذلك فركبوا زرافات ووحدانا وركب ابناه الاميران أبو عبد الرحمن وأبو مالك جناحا عسكره وعقابا حجافله وتهاوت إليهم صقور بنى مرين من كل جو فانكشفت عساكر البلد ورجعوا القهقرى ثم ولوا الادبار منهزمين لا يلوى احد منهم على أحد واعترضهم مهوى الخندق فتطارحوا فيه وتهافتوا على ردمه فكان الهالك يومئذ بالردم أكثر من الهالك بالقتل وهلك من بنى توجين يومئذ كبير الحشم وعامل جبل وانشريس ومحمد بن سلامة بن على أمير بنى يدللتن وصاحب القلعة تاوغزوت وما إليها من عملهم وهما ما هما في زناتة إلى أشباه لهما وأمثال استلحموا في هذه(7/110)
الوقعة فحط في هذا اليوم جناح الدولة وحطم منها واستمرت منازلة السلطان أبى الحسن اياها إلى آخر رمضان من سنة سبع وثلاثين فاقتحمها يوم السابع والعشرين منه غلابا ولجأ السلطان أبو تاشفين إلى باب قصره في لمة من أصحابه ومعه ولداه عثمان ومسعود ووزيره موسى بن على وعبد الحق بن عثمان بن محمد بن عبد الحق من أعياص بنى مرين وهو الذى لحق بهم من تونس كما ذكرناه وسيأتى ذكره وخبره ومعه يومئذ ابنا أخيه
أبو زيان وأبو ثابت فمانعوا دون القصر مستميتين إلى أن استلحموا ورفعت رؤسهم على عصى الرماح فطيف بها وغصت سكك البلد من خارجها وداخلها بالعساكر وكصت أبوابها بالزحام حتى لقد كب الناس على أذقانهم وتواقعوا فوطئوا بالحوافر وتراكمت أشلاؤهم ما بين البابين حتى ضاق المذهب ما بين السقف ومسلك الباب وانطلقت الايدى على المنازل نهبا واكتساحا وخلص السلطان إلى المسجد الجامع واستدعى رؤساء الفتيا والشورى أبا زيد عبد الرحمن وأبا موسى عيسى ابني الامام قدمهما من أعماله لمكان معتقده في أهل العلم فحضروه ورفعوا إليه أمر الناس وما نالهم من معرة العسكر ووعظوه فأناب ونادى مناديه برفع الايدى عن ذلك فسكن الاضطراب وأقصر العيث وانتظم السلطان أبو الحسن أمصار المغرب الاوسط وعمله إلى سائر أعماله وتاخم الموحخدين بثغوره وطمسس رسم الملك لآل زيان ومعالمه واستتبع زناتة عصبا تحت لوائه من بنى عبد الواد وتوجين ومغراوة وأقطعهم ببلاد المغرب سهاما أدالهم بها من تراثهم من أعمال تلمسان فانقرض ملك آل يغمراسن برهة من الدهر إلى أن أعاده منهم أعياص سموا إليه بعد حين عند نكبة السلطان ابن الحسن بالقيروان كما نذكره فأومض بارقة وهبت ريحه والله يؤتى ملكه من يشاء { الخبر عن رجال دولته وهم موسى بن على ويحيى بن موسى مولاه هلال وأوليتهم ومصاير أمورهم واختصاصهم بالذكر لما صار من شهرتهم وارتفاع صيتهم } فأما موسى بن على الحاجب الهالك فأصله من قبيلة الكرد من أعاجم المشرق وقد أشرنا إلى الخلاف في نسبهم بين الامم وذكر المسعودي منهم أصنافا سماهم في كتابه من الشاهجان والبرسان والكيكان إلى آخرين منهم وان مواطنهم ببلاد أذربيجان والشام والموصل وأن منهم نصارى على رأى اليعقوبية وخوارج على رأى البراءة من عثمان وعلى انتهى كلامه (وكان) منهم طوائف بجبل شهرزور من عراق العجم وعامتهم يتقلبون في الرحلة وينتجعون لسائمتهم مواقع الغيث ويتخذون الخيام لسكناهم من
اللبود وجل مكاسبهم الشاء والبقر من الانعام وكانت لهم عزة وامتناع بالكثرة وريامات ببغداد أيام تغلب الاعاجم على الدولة واستبدادهم بالرياسة ولما طمس ملك(7/111)
بنى العباس وغلب التتر على بغداد سنة ست وخمسين وستمائة وقتل ملكهم هلاون آخر خلفاء العباسيين وهو المستعصم ثم ساروا في ممالك العراق وأعماله فاستولوا عليها وعبر الكثير من الكرد نهر الفرات فرارا أمام التتر لما كانوا يدينون بدين المجوسية وصاروا في ايالة الترك فاستنكف أشرافهم وبيوتاتهم من المقام تحت سلطانهم وجاز منهم إلى المغرب عشيرتان تعرفان ببنى لوبن وبنى بابير فيمن إليهم من الاتباع ودخلوا المغرب لآخر دولة الموحدين ونزلوا على المرتضى بمراكش فأحسن تلقيهم وأكرم مثواهم وأسنى لهم الجراية والاقطاع وأحلهم بالمحل الرفيع من الدولة (ولما انتقض) أمر الموحدين بحدثان وصولهم صاروا إلى ملكة بنى مرين ولحق بعضهم بيغمراسن بن زيان ونزع المستنصر إلى افريقية يومئذ بيت من بنى بابيرلا أعرفهم كان منهم محمد بن عبد العزيز المعروف بالمزوار صاحب مولانا السلطان أبى يحيى وآخرون غيرهم منهم ركان من اشهر من بقى في ايالة بنى مرين منهم ثم من بنى بابير على بن حسن بن صاف وأخوه سلمان ومن بنى لوين الخصر بن محمد وكان تكون الفتنة بينهم كما كانت في مواطنهم الاولى فإذا اتعدوا للحرب توافت إليهم أشياعهم من تلمسان وكان نضالهم بالسهام وكانت القسى سلاحهم وكان من أشهر الوقائع بينهم وقيعه بفاس سنة أربع وسبعين وستمائة جمع لها خضر رئيس بنى لوين وسلمان وعلى رئيسا بنى بابير واقتتلوا خارج باب الفتوح وتركهم يعقوب بن عبد الحق لشأنهم من الفتنة حياء منهم فلم يعرض لهم وكان مهلك سلمان منهم بعد ذلك مرابطا بثغر طريف عام تسعين وستمائة وكان لعلى بن حسن ابنه موسى اصطفاه السلطان يوسف بن يعقوب وكشف له الحجاب عن داره وربى بين حرمه فتمكنت له دالة سخط بسببها بعض الاحوال مما لم يرضه فذهب مغاضبا ودخل إلى تلمسان أيام كان يوسف بن يعقوب محاصرا لها فتلقاه عثمان بن يغمراسن من
التكرمة والترحيب بما يناسب محله من قومه ومنزلته من اصطناع السلطان وأشار يوسف بن يعقوب على ابنة باستمالته فلقيه في حومة القتال وحادثه واعتذر له بكرامة القوم اياه فحضه على الوفاء لهم ورجع إلى السلطان فخبره الخبر فلم ينكر عليه وأقام هو بتلمسان وهلك أبوه على بالمغرب سنة سبع وسبعمائة ولما هلك عثمان بن يغمراسن بن زيان زاده بنوه اصطناعا ومداخلة وخلطوه بأنفسهم وعقدوا له على العساكر لمحاربة أعدائهم وولوه الاعمال الجليلة والرتب الرفيعة من الوزارة والحجابة ولما هلك السلطان أبو حمو وقام بأمره ابنه أبو تاشفين وكان هو الذى تولى له أخذ البيعة على الناس وغص بمكانه مولاه هلال فلما استبد عليه وكان كثيرا ما ينافس موسى بن على ويناقشه فخشيه على نفسه وأجمع على اجازة البحر للمرابطة بالاندلس فبادره هلال وتقبض عليه وغربه(7/112)
إلى العدوة ونزل بغرناطة وانتظم في الغزاة المجاهدين وأمسك عن جراية السلطان فلم يمد إليها يدا أيام مقامه وكانت من أنزه ما جاء به وتحدث به الناس فأغربوا واتقدت لها جوانح هلال حسدا وعداوة فأغرى سلطانه فخاطب ابن الاحمر في استقدامه فأسلمه إليه واستعمله السلطان في حروبه على قاصيته حتى كان من نهوضه بالعساكر إلى افريقية للقاء مولانا السلطان أبى يحيى سنة سبع وعشرين وكانت الدبرة عليه واستلحمت زناتة ورجع في الفل فأغرى هلال السلطان وألقى في نفسه التهمة به ونمى ذلك إليه فلحق بالعرب الزواودة وعقد مكانه على محاصرة بجاية ليحيى بن موسى صاحب شلب ونزل هو على سليمان ويحيى بن على بن سباع بن يحيى من أمراء الزواودة في أحيائهم فلقوه مبرة وتعظيما وأقام بين أحيائهم مدة ثم استقدمه السلطان ورجع إلى محله من مجلسه ثم تقبض عليه لاشهر وأشخصه إلى الجزائر فاعتقله بها وضيق محبسه ذهابا مع أغراض منافسة هلال حتى إذا سخط هلالا استدعاه من محبسه أضيق ما كان فانطلق إليه فلما تقبض على هلال قلد موسى بن على حجابته فلم يزل مقيما لرسمها إلى يوم اقتحم
السلطان أبو الحسن تلمسان فهلك مع أبى تاشفين وبنيه في ساحة قصرهم كما قلناه وانقضى أمره والبقاء لله وانتظم بنوه بعد مهلكه في جملة السلطان أبى الحسن وكان كبيرهم سعيد قد خلص من بين القتلى في تلك الملحمة بباب القصر بعد هدو من الليل مثخنا بالجراح وكانت حياته بعدها تعد من الغرائب ودخل في عفو السلطان إلى أن عادت دولة بنى عبد الواد فكان له في سوقها نفاق حسبما نذكره والله غالب على أمره (وأما يحيى بن موسى) فاصله من بنى سنوس احدى بطون كومية ولهم ولاء في بنى كمين بالاصطناع والتربية ولما فصل بنو كمين إلى المغرب قعدوا عنهم واتصلوا ببنى يغمراسن واصطنعوهم ونشأ يحيى بن موسى في خدمة عثمان وبنيه واصطناعهم (ولما كان) الحصار ولاه أبو حمو مهمه من التطواف بالليل على الحرس بمقاعدهم من الاسوار وقسم القوت على المقاتلة بالمقدار وضبط الابواب والتقدم في حومة الميدان وكان له أعوان على ذلك من خدامه قد لزموا الكون معه في البكر والآصال والليل والنهار وكان يحيى هذا منهم فعرفوا له خدمته وذهبوا إلى اصطناعه وكان من أول ترشيحه ترديد أبى يوسف بن يعقوب بمكانه من حصارهم فيما يدور بينهم من المضاربة فكان يجلى في ذلك ويوفى من عرض مرسله ولما خرجوا من الحصار أربوا به على رتب الاصطناع والتنويه (ولما ملك أبو تاشفين) استعمله بشلب مستبدا بها وأذن له في اتخاذ الآلة لما عزل موسى بن على عن حرب الموحدين وقاصية الشرق عزله به وكانت المرية وتنس من عمله فلما نازل السلطان أبو الحسن تلمسان راسله بالطاعة والكون معه فتقبله وجاء به من(7/113)
مكان عمله فقدم عليه بمخيمه على تلمسان فاختصه باقباله ورفع مجلسه من بساطه ولم يزل عنده بتلك الحال إلى أن هلك بعد افتتاح تلمسان والله مصرف الاقدار (وأما هلال) فأصله من سبى النصارى القطلولين أهداه السلطان ابن الاحمر إلى عثمان وصار إلى السلطان أبى حمو فأعطاه إلى ولده أبى تاشفين فيما أعطاه من الموالى العلوجين ونشأ
عنده وتربى وكان مختصا عنده بالراحلة والدالة وتولى كبر تلك الفعلة التى فعلوا بالسلطان أبى حمو ولما ولى بعده ابنه أبو تاشفين ولاه على حجابته وكان مهيبا فظا غليظا فقعد مقعد الفصل ببابه وأرهف للناس سطوه وزحزح المرشحين عن رتب المماثلة إلى التعلق باهدابه فاستولى على الامر واستبد على السلطان ثم حذر مغبة الملك وسوء العواقب فاستأذن السلطان في الحج وركب إليه من هنيز بعض السفن اشتراها بماله وشحنها بالعديد والعدة والاقوات والمقاتلة وأقام كاتبه الحاج محمد بن حواتة بباب السلطان على رسم النيابة عنه وأقلع سنة أربع وعشرين فنزل بالاسكندرية وصحب الحاج من مصرفي جملة الامير عليهم ولقى في طريقه سلطان السودان من آل منسى موسى واستحكمت بينهما المودة ثم رجع بعد قضاء فرضه إلى تلمسان فلم يجد مكانه من السلطان ولم يزل من بعد ذلك يتنكر له وهو يسايسه بالمداراة والاستجداء إلى أن سخطه فتقبض عليه سنة تسع وعشرين وأودعه سجنه فلم يزل معتقلا إلى أن هلك من وجع أصابه قبيل فخ تلمسان ومهلك السلطان بأيام فكانت آية عجبا في تقارب مهلكهما واقتراب سعادتهما ونحوستهما وقد كان السلطان أبو الحسن يتبع الموالى الذين شهدوا مقتل السلطان أبى حمو وأفلت هلال هذا من عقابه بموته والله بالغ حكمه { الخبر عن انتزاء عثمان بن جرار على ملك تلمسان بعد نكبة السلطان أبى الحسن بالقيروان وعود الملك بذلك لبنى زيان } كان بنو جرار هؤلاء من فضائل يندوكس بن طاع الله وهم بنو جرار بن يعلى بن يندوكس وكان بنو محمد بن زكراز يفضون إليهم من أول الامر حتى صار الملك إليهم واستبدوا به فجروا على جميع الفصائل من عشائرهم ذيل الاحتقار ونشأ عثمان بن يحيى ابن محمد بن جرار هذا من بينهم مرموقا بعين التجلة والرياسة وسعى عند السلطان أبى تاشفين بان في نفسه تطاولا للرياسة فاعتقله مدة وفر من محبسه فلحق بملك المغرب السلطان سعيد فآثر محله وأكرم منزله واستقر بمثواه فنسك وزهد واستأذن السلطان عند تغلبه
على تلمسان في الحج بالناس فأذن له وكان قائد الركب من المغرب إلى مكة سائر أيامه حتى استولى السلطان أبو الحسن على اعمال الموحدين وحشد أهل المغرب من زناتة والعرب لدخول افريقية اندرج عثمان هذا في جملته واستأذنه قبيل القيروان في الرجوع إلى(7/114)
المغرب فأذن له ولحق بتلمسان فنزل على أميرها من ولد الامير أبى عنان كان قد عقد له على عملها ورشحه لولاية العهد بولايتها فازدلف إليه من الخبر عن أبيه وتلطف فيما أودع سمعه من تورط أبيه في مهالك افريقية واياسه من خلاصه ووعده بمصير الامر إليه على ألسنة الخبراء والكهان وكان يظن فيه أن لديه من ذلك علما وعلى تفيئة ذلك كانت نكبة السلطان أبى الحسن بالقيروان وظهر مصداق ظنه واصابة قياسه فأغراه بالتوثب على ملك أبيه والبدار إلى فاس لغلب منصور بن أخيه أبى مالك عليها كان استعمله جده أبو الحسن هنالك وأراه آية سلطانه وشواهد ملكه وتحيل عليه في اشاعة مهلك السلطان أبى الحسن والقائه على الالسنة حتى أوهم صدقه وتصدى الامير أبو عنان للامر وتسايل إليه الفل من عساكر بنى مرين فاستلحق وبث العطاء واعلن بابالدعاء لنفسه في ربيع سنة تسع وأربعين وعسكر خارج تلمسان للنهوض إلى المغرب كما نذكره في أخبارهم ولما فصل دعا عثمان لنفسه وانتزى على كرسيه واتخذ الآلة وأعاد من ملك بنى عبد الواد رسما لم يكن لآل جرار واستبد أشهرا قلائل إلى أن خلص إليه من آل زيان من ولد عبد الرحمن بن يحيى بن يغمراسن من طمس معالمه وخسف به وبداره وأعاد امر بنى عبد الواد في نصابه حسبما نذكره والله أعلم * (الخبر عن دولة أبى سعيد وأبى ثابت من آل يغمراسن وما فيها من الاحداث) * كان الامير أبو يحيى جدهام من أكبر ولد يغمراسن بن زيان وكان ولى عهده بعد مهلك أخيه عمز الاكبر ولما تغلب يغمراسن على سجلماسة سنة احدى وستين وستمائة استعمله عليها فاقام بها حولا وولد له هناك ابنه عبد الرحمن ثم رجع إلى تلمسان فهلك
بها ونشأ عبد الرحمن بسجلماسة ولحق بتلمسان بعد أمه فأقام مع بنى أبيه إلى أن غص السلطان بمكانه وغربه إلى الاندلس فمكث بها حينا وهلك في مرابطته بثغر قرمونة في بعض أيام الجهاد وكان له بنون أربعة يوسف وعثمان والزعيم وابراهيم فرجعوا إلى تلمسان وأوطنوها أعواما حتى إذا استولى السلطان أبو الحسن على ملكهم وأضاف إلى دولته دولتهم نقلهم من تلمسان إلى المغرب في جملة أعياصهم ثم سألوا اذنه في المرابطة بثغور الاندلس التى في عمله فأذن لهم وفرض لهم العطاء وأنزلهم بالجزيرة فكانت لهم بالجهاد مواقف مذكورة ومواطن معروفة ولما استنفر السلطان أبو الحسن زناتة لغزو افريقية سنة ثمان وأربعين كانوا في جملته مع قومهم بنى عبد الواد وفى رايتهم ومكانهم معلوم بينهم فلما اضطرب أمر السلطان أبى الحسن وتألب عليه الكعوب من بنى سليم أعراب افريقية وواضعوه الحرب بالقيروان كان بنو عبد الواد أول النازعين عنه إليهم فكانت النكبة وانحجز بالقيروان وانطلقت ايدى(7/115)
الاعراب على الضواحى وانتقض المغرب من سائر أعماله أذنوا لبنى عبد الواد في اللحاق بقطرهم ومكان عملهم فمروا بتونس وأقاموا بها أياما وخلص الملا منهم نجيا في شأن أمرهم ومن يقدمون عليهم فأصفقوا بعد الشورى على عثمان بن عبد الرحمن واجتمعوا إليه لعهدهم يومئذ وقد خرجوا به إلى الصحراء وأجلسوه بباب مصلى العبد من تونس على درقة ثم ازدحموا عليه بحيث توارى شخصه عن الناس يسلمون عليه بالامارة ويعطونه الصفقة إلى الطاعة والبيعة حتى استهلوا جميعا ثم انطلقوا به إلى رحالهم واجتمع مغراوة أيضا إلى أميرهم على بن راشد بن محمد بن ثابت بن منديل الذى ذكرناه من قبل وتعاهدوا على الصحابة إلى أعمالهم والمهادنة آخر الايام واستئثار كل بسلطانه وتراث سلفه وارتحلوا على تفيئة ذلك إلى المغرب وشنت البوادى عليهم الغارات في كل وجه فلم يظفروا منهم بقلامة ظفر مثل ونيفن ونونة وأهل جبل بنى ثابت
ولما مروا ببجاية وكان بها فل من مغراوة وتوجين نزلوا بها منذ غلبوا على اعمالهم وصاروا في جند السلطان فارتحلوا معهم واعترضهم بجبل الزاب برابرة زواوة فأوقعوا بهم وظهر من نجدتهم وبلائهم في الحروب ما هو معروف لاوليهم ثم لحقوا بشلب فتلقتهم قبائل مغراوة وبايعوا لسلطانهم على بن راشد فاستوسق ملكه وانصرف بنو عبد الواد والاميران أبو سعيد وأبو ثابت بعد ان أحكموا العقد وأبرموا الوثاق مع على بن راشد وقومه وكان في طريقهم بالبطحاء أحياء سويد ومن معهم من احلافهم قد نزلوا هناك مع شيخهم وترمار بن عريف منهزمهم من تاسالت أمام جيوش السلطان أبى عنان فأجفلوا من هنالك ونزل بنو عبد الواد مكانهم وكان في جملتهم جماعة من بنى جرار بن يندوكس كبيرهم عمران بن موسى ففر ابن عثمان بن يحيى بن جرار إلى تلمسان فعقد له على حرب أبى سعيد وأصحابه فنزل الجند الذين خرجوا معه إلى السلطان أبى سعيد وانقلب هو إلى تلمسان والقوم في أثره فأدرك بطريقه وقتل ومر السلطان إلى البلد فثارت العامة بعثمان بن جرار فستأمن لنفسه من السلطان فأمنه ودخل إلى قصر الملك آخر جمادى الاخيرة من سنة تسع وأربعين فاقتعد أريكته وأصدر أوامره واستوزر واستكتب وعقد لاخيه أبى ثابت الزعيم على ما وراء بابه من متون ملكهما وعلى القبيل والحروب واقتصر هو على ألقاب الملك واسمائه ولزم الدعة وتقبض لاول دخوله على عثمان بن يحيى بن جرار فأودعه المطبق إلى أن مات في رمضان من سنته ويقال قتيلا وكان من أول غزوات السلطان أبى ثابت غزاته إلى كومية وذلك أن كبيرهم ابراهيم بن عبد الملك كان شيخا عليهم منذ حين من الدهر وكان ينتسب في بنى عابد وهم قوم عبد المؤمن بن على من بطون كومية فلما وقع الهرج بتلمسان حسب أنه لا ينجلى(7/116)
غمامه وحدثته نفسه بالانتزاء فدعا لنفسه وأضرم بلاد كومية وما إليها من السواحل نارا وفتنة فجمع له السلطان أبو ثابت ونهض إلى كومية فاستباحهم قتلا وسبيا واقتحم
هنين ثم ندرومة بعدها وتقبض على ابراهيم بن عبد الملك الخارج فجاء به معتقلا إلى تلمسان وأودعه السجن فلم يزل به إلى أن قتل بعد أشهر وكانت أمصار المغرب الاوسط وثغوره لم تزل على طاعة السلطان أبى الحسن والقيام بدعوته وبها حاميته وعماله وأقر بها إلى تلمسان مدينة وهران كان بها القائد عبد بن سعيد بن جانا من صنائع بنى مرين قد ضبطها ولقبها وملاها أقواتا ورجلا وسلاحا وملا مرساها أساطيل فكان اول ما قدموه من أعمالهم النهوض إليه فنهض السلطان أبو ثابت بعد ان جمع قبائل زناتة والعرب ونزل على وهران وحاصرها أياما وكان في قلوب بنى راشد احلافهم مرض فداخلوا قائد البلد في الانقضاض على السلطان أبى ثابت ووعدوه الوفاء بذلك عند المناجزة فبرز وناجزهم الحرب فانهزم بنو راشد وجروا الهزيمة على من معهم وقتل محمد ابن يوسف بن عنان بن فارس أخى يغمراسن بن زيان من أكابر القرابة وانتهب المعسكر ونجا السلطان أبو ثابت إلى تلمسان إلى ان كان ما نذكره ان شاء الله تعالى * (الخبر عن لقاء أبى ثابت مع الناصر ابن السلطان أبى الحسن وفتح وهران بعدها) * كان السلطان أبو الحسن بعد وقعة القيروان قد لحق بتونس فأقام بها والعرب محاصرون له ينصبون الاعياص من الموحدين لطلب تونس واحدا بعد آخر كما ذكرناه في أخبارهم وبينما هو مؤمل الكرة ووصول المدد من الغرب الاقصى إذ بلغه الخبر بانتثار السكك أجمع وبانتقاض ابنه وحافده ثم استيلاء بنى عنان على المغرب كله ورجوع بنى عبد الواد ومغراوة وتوجين إلى ملكهم بالمغرب الاوسط للدعوة التى كانت قائمة له بأمصاره في الجزائر ووهران وجبل وانشريس وكان به نصر بن عمر بن عثمان بن عطية قائما بدعوته وأن يكون عريف بن يحيى في جملة الناصر لمكانه من السلطان ومكان قومه من الولاية وكان ذلك من عريف تفاديا من المقام بتونس فأجاب إليه السلطان وبعثهم جميعا ولحق الناصر ببلاد حصين فأعطوه الطاعة وارتحلوا معه ولقيه العطاف والديالم وسويد فاجتمعوا إليه وتألبوا معه وارتحلوا يريدون منداس
وبينما الامير أبو ثابت يريد معاودة الغزو إلى وهران إذ فجأه الخبر بذلك فطير به إلى السلطان أبى عنان وجاءه العسكر من بنى مرين مددا صحبة أبى زيان ابن أخيه أبى سعيد كان مستقرا بالمغرب منذ نهوضهم إلى القيروان وبعث عنه أبوه فجاء مع المدد من العساكر والمال ونهض أبو ثابت من تلمسان أول المحرم سنة خمس وبعث إلى مغراوة بالخبر فقعدوا عن مناصرته ولحق ببلاد العطاف فلقيه الناصر هنالك في جموعه بوادي ورك آخر شهر(7/117)
ربيع الاول فانكشفت جموع العرب وانهزموا ولحق الناصر بالزاب فنزل على أبى مزنى ببسكرة إلى أن أصحبه من رجالات سليم من أوصله إلى أبيه بتونس ولحق عريف ابن يحيى بالمغرب الاقصى واحتل عند السلطان أبى عنان بمكانه من مجلسهم فحصل على البغية ورجع العرب كلهم إلى طاعة أبى ثابت وخدمته واستراب بصغير بن عامر بن ابراهيم فتقبض عليه وأشخصه معتقلا مع البريد إلى تلمسان فاعتقل بها إلى أن أطلق بعد حين وقفل أبو ثابت إلى تلمسان فتلوم بها أياما ثم نهض إلى وهران في جمادى من سنته فحاصرها أياما ثم افتتحها عنوة وعفا عن على بن جانا القائم بعد مهلك أخيه عبوا وعمن معه وأطلق سبيلهم واستولى على ضواحي وهران وما إليها ورجع إلى تلمسان وقد استحكمت العداوة بينه وبين مغراوة وكان قد استجرها ما قدمناه من قعودهم عن نصره فنهض إليهم في شوال من سنته والتقوا عدوة وادى زهير فاقتتلوا مليا ثم انكشفت مغراوة ولحقوا بمعاقلهم واستولى أبو ثابت على معسكرهم وملك نازونة وبعث ببيعتها إلى أخيه السلطان أبى سعيد وكان على اثر ذلك وصول السلطان أبى الحسن من تونس كما نذكره ان شاء الله تعالى والله أعلم { الخبر عن وصول السلطان أبى الحسن من تونس ونزوله بالجزائر وما دار بينه وبين أبى ثابت من الحروب ولحوقه بعد الهزيمة بالمغرب } كان السلطان أبو الحسن بعد واقعة القيروان طال مقامه بتونس وحصار العرب اياه
واستدعاه أهل المغرب الاقصى وانتقض عليه أهل الجريد وبايعوا للفضل بن مولانا السلطان أبى يحيى فأجمع الرحلة إلى المغرب وركب السفن من تونس أيام الفطر من سنة خمسين فعصفت به الريح وأدركه الغرق فغرق أسطوله على ساحل بجاية ونجا بذمائه على بعض الجزائر هنالك حتى لحقه أسطول من أساطيله فنجا فيه إلى الجزائر وبها حمو ابن يحياتى العسرى قائده وصنيعة أبيه فنزل عليه وبادر إليه أهل ضاحيتها من مليكش والثعالبة فاستخدمهم وبث فيهم العطاء واتصل خبره بونزمار بن عريف وهو في أحياء سويد فوفد عليه في مشيخة من قومه ووفد معه نصر بن عمر بن عثمان صاحب جبل وانشريس من بنى يتعرين وعدى بن يوسف بن زيان بن محمد بن عبد القوى الثائر بنواحي المرية من ولد عبد القوى فأعطوه الطاعة واستحثوه للخروج معهم فردهم للحشد فجمعوا من إليهم من قبائل العرب وزناتة وبينما الامير أبو ثابت ببلاد مغراوة محاصرا لهم في معاقلهم إذ بلغه الخبر بذلك في ربيع سنة احدى وخمسين فعقد السلم معهم ورجع إلى قتال هؤلاء فأخذ على منداس وخرج إلى السرسوا قبلة وانشريس وأجفل أمامه ونزمار وجموع العرب الذين معه ولحق به هنالك مدد السلطان أبى(7/118)
عنان قائدهم يحيى بن رحو بن تاشفين بن معطى فاتبع آثار العرب وشردهم ولحقت حياء حصين بمعاقلهم من جبل تيطرى ثم عطف على المرية ففتحها وعقد عليها لعمر بن موسى الجلولى من صنائعهم ثم نهض إلى حصين فاقتحم عليها الجبل فلاذوا بالطاعة وأعطوا أبناءهم رهنا عليها فتجاوزهم إلى وطاء حمزة فدوخها واستخدم قبائلها من العرب والبربر والسلطان أثناء ذلك مقيم بالجزائر ثم قفل أبو ثابت إلى تلمسان وقد كان استراب بيحيى بن رحوا وعسكره من بنى مرين وأنهم داخلوا السلطان أبا الحسن وبعث فيه إلى السلطان أبى عنان فأداله بعيسى بن سليمان بن منصور بن عبد الواحد ابن يعقوب فبعثه قائدا على الحصة المرينية فتقبض على يحيى بن رحوا ولحقوا مع أبى
ثابت بتلمسان ثم أجاز إلى المغرب وأوعز السلطان أبو الحسن إلى ابنه الناصر مع أوليائه من زناتة والعرب فاستولى على المرية وقتل عثمان بن موسى الجلولى ثم تقدم إلى مليانة فملكها والى تيمروغت كذلك وجاء على اثره السلطان أبو الحسن كذلك أبوه وقد اجتمعت إليه الجموع من زغبة ومن زناتة ومن عرب افريقية سليم ورياح مثل محمد بن طالب بن مهلهل ورجال من عشيرته وعمر بن على بن أحمد الذوادى وأخيه أبى دينار ورجالات من قومهما وزحف على هذه التعبية وابنه الناصر أمامه فأجفل على بن راشد وقومه مغراوة عن بلادهم إلى البطحاء وطير الخبر إلى أبى ثابت فوافاه في قومه وحشوده وزحفوا جميعا إلى السلطان أبى الحسن وقومه فالتقى الجمعان بتيمغزين من شلب وصابروا مليا ثم انكشف السلطان أبو الحسن وقومه وطعن ولده الناصر بعض فرسان مغراوة وهلك آخر يومه وقتل محمد بن على بن العربي قائد أساطيله وابن البواق والقبائلي كاتباه واستبيح معسكره وما فيه من متاع وحر وخلص بناته إلى وانشريس وبعث بهن أبو ثابت إلى السلطان أبى عنان بعد استيلائه على الجبل وخلص السلطان أبو الحسن إلى أحياء سويد إلى الصحراء فنجا به نزمار بن عريف إلى سجلماسة كما يأتي في أخباره ودوخ أبو ثابت بلاد بنى توجين وقفل إلى تلمسان والله تعالى أعلم { الخبر عن حروبهم مع مغراوة واستيلاء أبى ثابت على بلادهم ثم على الجزائر ومقتل على بن راشد بتنس على اثر ذلك } كان بين هذين الحيين من عبد الواد ومغراوة فتن قديمة سائر أيامهم قد ذكرنا الكثير منها في أخبارهم وكان بنو عبد الواد قد غلبوهم على أوطانهم حتى قتل راشد بن محمد في جلائه أمامهم بين زواوة ولما اجتمعوا بعد نكبة القيروان على أميرهم على بن راشد وجاؤه من افريقية إلى أوطانهم مع بنى عبد الواد ولم يطيعوهم حينئذ أن يغلبوهم رجعوا حينئذ إلى توثيق العهد وتاكيد العقد فأبرموه وقاموا على الموادعة(7/119)
والتظاهر على عدوهم وعروق الفتنة تنبسط من كل منهم ولما جاء النصر من افريقية وزحف إليه أبو ثابت قعد عنه على بن راشد وقومه فاعتدها عليهم وأسرها في نفسه ثم اجتمع بعد ذلك للقاء السلطان أبى الحسن حتى انهزم ومضى إلى المغرب فلما رأى أبو ثابت أنه قد كفى عدوه الاكبر وفرغ إلى عدوه الاصغر نظر في الانتقاض عليهم فبينما هو يروم أسباب ذلك إذ بلغه الخبر أن بعض رجالات بنى كمين من مغراوة جاء إلى تلمسان فاغتالوه فحمى له أنفة وأجمع لحربهم وخرج من تلمسان فاتحة ثنتين وخمسين وبعث في أحياء زغبة من بنى عامر وسويد فجاؤه بفارسهم وراجلهم وظعائنهم وزحف إلى مغراوة فخافوا من لقائه وتحصنوا بالجبل المطل على تنس فحاصرهم فيه أياما اتصلت فيها الحروب وتعددت الوقائع ثم ارتحل عنهم فجال في نواحى البلد ودوخ أقطارها وأطاعته مليانة والمرية وبرشك وشرشال ثم تقدم بجموعه إلى الجزائر فأحاط بها وبها فل بنى مرين وعبد الله بن السلطان أبى الحسن تركه هناك صغيرا في كفالة على بن سعيد ابن جانا فغلبهم على البلد وأشخصهم في البحر إلى المغرب وأطاعته الثعالبة ومليكش وقبائل حصين وعقد على الجزائر لسعيد بن موسى بن على الكردى ورجع إلى مغراوة فحاصرهم بمعقلهم الاول بعد أن انصرفت العرب إلى مشاتيها فاشتد الحصار على مغراوة وأصاب مواشيهم العطش فانحطت دفعة واحدة من الجبل تطلب المورد فأصابهم الدهش ونجا ساعتئذ على بن راشد إلى تنس فأحاط به أبو ثابت أياما ثم اقتحمها عليه غلايا منتصف شعبان من سنته فاستعجل المنية وتحامل على نفسه فذبح نفسه وافترقت مغراوة من بعده وصارت أوزاعا في القبائل وقفل أبو ثابت إلى تلمسان إلى أن كان من حركة السلطان أبى عنان ما نذكره ان شاء الله تعالى { الخبر عن استيلاء السلطان ابى عنان على تلمسان وانقراض أمر بنى عبد الواد ثانية } لما لحق السلطان أبو الحسن بالمغرب وكان من شأنه مع ابنه أبى عثمان إلى أن هلك بجبل
هنتاتة على ما نذكره في أخبارهم فاستوسق ملك المغرب للسلطان أبى عنان وفرغ لعدوه وسما لاسترجاع الممالك التى ابتزها أبوه وانتزعها ممن توثب عليه وكان قد بعث إليه على ابن راشد من كان امتناعه من جبل تنس يسأل منه الشفاعة فرد أبو ثابت شفاعته وأحفظه ذلك وبلغه مقتل على بن راشد فاجمع غزو تلمسان ونذر بذلك أبو سعيد وأخوه فخرج أبو ثابت وحشد القبائل من زناتة والعرب منتصف ذى القعدة ونزل بوادي شلب واجتمع الناس إليه وواصلته هناك بيعة تدلس في ربيع من سنة ثلاث غلب عليها الموحدون جانا الخراساني من صنائعه وبلغه من مكانه ذلك لزحف السلطان أبى(7/120)
عنان فرجع إلى تلمسان ثم خرج إلى المغرب وجاء على اثره أخوه السلطان أبو سعيد في العساكر من زناتة ومعه بنو عامر من زغبة والفل من سويد إذ كان جمهورهم قد لحقوا بالمغرب لمكان عريف بن يحيى وابنه من ولاية بنى مرين فزحفوا على هذه التعبية وزحف السلطان أبو عنان في أمم المغرب والعرب المعقل والمصامدة وسائر طبقات الجنود والحشد وانتهوا جميعا إلى انكاد من بسيط وجدة فكان اللقاء هنالك آخر ربيع الثاني من سنة ثلاث وخمسين واجتمع بنو عبد الواد على صدمة العساكر وقت القائلة وبعد ضرب الابنية وسقاء الركاب وافتراق أهل المعسكر في حاجاتهم فاعجلوهم عن ترتيب المصاف وركب السلطان أبو الحسن لتلافي الامر فاجتمع إليه أو شاب من الناس وانفض سائر المعسكر ثم زحف إليهم فيمن حضره وصدقوهم القتال فاختل مصافهم ومنحوا اكتافهم وخاضوا بحر الظلماء واتبع بنو مرين آثارهم وتقبض على أبى سعيد ليلتئذ مقيدا أسير إلى السلطان أبى عنان بمشهد الملا ووبخه ثم نقل إلى محبسه وقتل لتاسعة من ليالى اعتقاله وارتحل السلطان أبو عنان إلى تلمسان ونجا الزعيم أبو ثابت بمن معه من فل بنى عبد الواد ومن خلص إليه منهم ذاهبا إلى بجاية ليجد في ايالة
الموحدين وليجة من عدوه فبيته زواوة في طريقه وألد عن أصحابه وأرجل عن فرسه وذهب راجلا عاريا ومعه رفقاء من قومه منهم أبو زيان محمد ابن أخيه السلطان أبو سعيد وأبو حمو وموسى ابن أخيهم يوسف ابن أخيه ووزيرهم يحيى بن داود بن فكن وكان السلطان أبو عنان أوعز إلى صاحب بجاية يومئذ المولى أبى عبيد الله حافد مولانا السلطان أبى بكر بأن يأخذ عليهم الطرق ويذكى في طلبهم العيون فعثر عليهم بساحة البلد وتقبض على الامير أبى ثابت الزعيم وابن أخيه محمد بن أبى سعيد ووزيرهم يحيى ابن داود وأدخلوا إلى بجاية ثم خرج صاحبها الامير أبو عبد الله إلى لقاء السلطان أبى عنان واقتادهم في قبضة أسره فلقيه بمعسكره من ظاهر المرية فأكرم وفادته وشكر صنيعه وانكفأ راجعا إلى تلمسان فدخلها في يوم مسعود وحمل يومئذ أبو ثابت ووزيره يحيى على جملين يتهاديان بهما بين سماطى ذلك المحمل فكان شأننهما عجبا ثم سيقا ثانى يومهما إلى مصرعهما بصحراء البلد فقتلا قعصا بالرماح وانقرض ملك آل زيان وذهب ما أعاده لهم بنو عبد الرحمن هؤلاء من الدولة بتلمسان إلى أن كانت لهم الكرة الثالثة على يد أبى حمو موسى بن يوسف بن عبد الرحمن المتوليها لهذا العهد على ما سنذكره ونستوفى من أخباره ان شاء الله تعالى(7/121)
{ الخبر عن دولة السلطان أبى حمو الاخير مديل الدولة بتلمسان في الكرة الثالثة لقومه وشرح ما كان فيها من الاحداث لهذا العهد } كان يوسف بن عبد الرحمن هذا في ايالة أخيه السلطان أبى سعيد بتلمسان هو وأخوه أبو حمو موسى وكان متكاسلا عن طلب الظهور متجافيا عن التهالك في طلب العز جانحا إلى السكون ومذاهب أهل الخير حتى إذا عصفت بدولتهم رياح بنى مرين وتغلب السلطان أبو عنان عليهم وابتزهم ماكان بيدهم من الملك وخلص ابنه أبو حمو موسى مع عمه أبى ثابت إلى الشرق وقذفت النوى بيوسف مع أشراف قومه إلى المغرب فاستقربه
ولما تقبض على أبى ثابت على وطن بجاية أغفل أمر أبى حمو من بينهم ونبت عنه العيون فنجا إلى تونس ونزل بها على الحاجب أبى محمد تافراكين فأكرم نزله وأحله بمكان أعياص الملك من مجلس سلطانه ووفر جرايته ونظم معه آخرين من فل قومه وأوعز السلطان أبو عنان إليه بازعاجهم عن قرارهم في دولته فحمى لها انفه وأبى عن الهضيمة لسلطانه فأغرى ذلك أبا عنان بمطالبته وكانت حركته إلى بلاد افريقية ومنابذة العرب من رياح وسليم لعهده ونقضهم لطاعته كما نستوفي أخباره ولما كانت سنة تسع وخمسين قبل مهلكه اجتمع أمر الزواودة من رياح إلى الحاجب أبى محمد بن تافراكين ورغبوه في لحاق أبى حمو موسى بن يوسف بالعرب من زغبة وانهم ركابه لذلك ليجلب على نواحى تلمسان ويجعل السلطان أبى عنان شغلا عنهم وسألوه أن يجهز عليه بعض آلة السلطان ووافق ذلك رغبة صغير بن عامر أمير زغبة في هذا الشأن وكان يومئذ في أحياء يعقوب بن على وجواره فأصلح الموحدون شأنه بما قدروا عليه ودفعوه إلى مصاحبة صغير وقومه من بنى عامر وارتحل معهم من الزواودة عثمان بن سباع ومن احلافهم بنو سعيد دعار بن عيسى بن رحاب وقومه ونهضوا بجموعهم يريدون تلمسان وأخذوا على القفر ولقيهم أثناء طريقهم الخبر عن مهلك السلطان أبى عنان فقويت عزائمهم على ارتجاع ملكهم ورجع عنهم صولة بن يعقوب وأغذ السير إلى تلمسان وبها الكتائب المجمهرة من بنى مرين واتصل خبر ابى حمو بالوزير الحسن بن عمر القائم بالدولة من بعد مهلك السلطان أبى عنان والمتغلب على ولده السعيد من بعده فجهز المدد إلى تلمسان من الحامية والاموال ونهض أولياء الدولة من أولاد عريف بن يحيى أمراء البدو من المغرب في قومهم من سويد ومن إليهم من العرب لموافقة السلطان أبي حمو وأشياعه فانفض جمعهم وغلبوا على تلك المواطن واحتل السلطان أبو حمو وجموعه بساحة تلمسان وأناخوا ركابهم عليها ونازلوها ثلاثا ثم اقتحموها في صبيحة الرابع وخرج ابن السلطان أبى عنان الذى كان أميرا عليها في لمة من قومه فنزل على(7/122)
صغير بن عامر أمير القوم فأحسن تجلته وأصحبه من عشيرته إلى حضرة أخيه ودخل السلطان أبو حمو تلمسان لثمان خلون من الربيع الاول سنة ستين واحتل منها بقصر ملكه واقتعد أريكته وبويع بيعة الخلافة ورجع إلى النظر في تمهيد قواعد ملكه واخراج بنى مرين من أمصار مملكته والله أعلم * (الخبر عن اجفال أبى حمو عن تلمسان أمام عساكر المغرب ثم عوده إليها) * كان القائم بامر المغرب من بعد السلطان ابى عنان وزيره الحسن بن عمر كافل ابنه السعيد الذى أخذ له البيعة على الناس فاستبد عليه وملك أمره وجرى على سياسة السلطان الهالك واقتفى أثره في الممالك الدانية والقاصية في الحماية والنظر لهم وعليهم ولما اتصل به خبر تلمسان وتغلب أبى حمو عليها قام في ركائبه وشاور الملا في النهوض إليه فأشاروا عليه بالقعود وتسريح الجنود والعساكر فسرح لها ابن عمه مسعود بن رحو بن على بن عيسى بن ماساى بن فودود وحكمه في اختيار الرجال واستجادة السلاح وبذلك الاموال واتخاذ الآلة فزحف إلى تلمسان واتصل الخبر بالسلطان أبى حمو وأشياعه من بنى عامر فأفرج عنها ولحق بالصحراء ودخل الوزير مسعود بن رحو تلمسان وخالفه السلطان أبى حمو إلى المغرب فنزل بسيط انكاد وسرح إليهم الوزير مسعود بن رحو ابن عمه عامر بن عبد بن ماساى في عسكر من كتائبه ووجوه قومه فأوقع بهم العرب وأبو حمو ومن معهم واستباحوهم وطار الخبر إلى تلمسان واختلفت أهواء من كان بها من بنى مرين وبدا ما كان في قلوبهم من المرض لتغلب الحسن بن عمر على سلطانهم ودولتهم فتحيزوا زرافات لمبايعة بعض الاعياص من آل عبد الحق وفطن الوزير مسعود بن رحو لما دبروه وكان في قلبه مرض من ذلك فاغتنمها وبايع لمنصور ابن سليمان بن منصور بن عبد الواحد بن يعقوب بن عبد الحق كبير الاعياص المنفرد بالتجلة وارتحل به وبقومه من بنى مرين إلى المغرب وتجافى عن تلمسان وشأنها
واعترضه عرب المعقل في طريقهم إلى المغرب فأوقع بهم بنو مرين وصمموا لصليهم ورجع السلطان أبو حمو إلى تلمسان واستقر بحضرته ودار ملكه ولحق به عبد الله بن مسلم فاستوزره وأسام إليه فاشتد به أزره وغلب على دولته كما نذكره إلى أن هلك والبقاء لله وحده { الخبر عن مقدم عبد الله بن مسلم من مكان عمله بدرعة ونزوله من ايالة بنى مرين إلى أبى حمو وتقليده اياه الوزارة وذكر أوليته ومصاير أموره } كان عبد الله بن مسلم من وجوه بنى زردال من بنى بادين اخوة بنى عبد الواد وتوجين ومصاب الا أن بنى زردال اندرجوا في بنى عبد الواد لقلتهم واختلطوا بنسبهم ونشأ عبد الله(7/123)
ابن مسلم في كفالة موسى بن على لعهد السلطان أبى تاشفين مشهورا بالبسالة والاقدام طار له بها ذكر وحس بلاؤه في حصار تلمسان ولما تغلب السلطان أبو الحسن على بنى عبد الواد وابتزهم ملكهم استخدمهم وكان ينتقى أولى الشجاعة والاقدام منهم فرمى بهم ثغور المغرب ولما اعترض بنو عبد الواد ومر به عبد الله هذا ذكر له شأنه ونعت ببأسه فبعثه إلى درعة واستوصى عامله به فكان له عنه غناء في مواقفه مع خوارج العرب وبلاء حسن جذب ذلك بضبعه ورقى عند السلطان منزلته وعرفه على قومه ولما كانت نكبة السلطان أبى الحسن بالقيروان ومرج أمر المغرب وتوثب أبو عنان على الامر وبويع بتلمسان واستجمع حافده منصور بن أبى مالك عبد الواحد لمدافعته وحشد حامية الثغور للقائه وانفضت جموعه بتازى وخلص إلى البلد الجديد ونازله وكان عبد الله بن مسلم في جملته ولما نازله السلطان أبو عنان واتصلت الحرب بينهم أياما كان له فيها ذكر ولما رآى انه أحيط بهم سابق الناس إلى السلطان أبى عنان فرأى سابقيته وقلده عمل درعة فاضطلع بها مدة خلافته وتأكدت له أيام ولايته مع عرب المعقل وصلة وعهد ضرب بهما في مواخاتهم بسهم وكان السلطان أبو عنان عند خروج أخيه أبى الفضل
عليه لحقه بجبل ابن حميدي من معاقل درعة أوعز إليه بأن يعمل الحيلة في القبض عليه فداخل ابن حميدي ونعده وبذل له فأجاب وأسلمه وقاده عبد الله بن مسلم أسيرا إلى أخيه السلطان أبى عنان فقتله ولما استولى السلطان أبو سالم رفيق أبى الفضل في مثوى اغترابهما بالاندلس على بلاد المغرب من بعد مهلك السلطان أبى عنان وما كان من اثر من الخطوب وذلك آخر سنة ستين خشيه ابن مسلم على نفسه ففارق ولايته ومكان عمله وداخل أولاد حسين أمراء المعقل في النجاة به إلى تلمسان فأجابوه ولحق بالسلطان أبى حمو في ثروة من المال وعصبة من العشيرة وأولياء من العرب فسر بمقدمه وقلده لحينه وزارته وشد به أواخى سلطانه وفوض إليه تدبير ملكه فاستقام أمره وجمع القلوب على طاعته وجاء بالمعقل من مواطنهم الغريبة فاقبلوا عليه وعكفوا على خدمته وأقطعهم مواطن تلمسان وآخى بينهم وبين زغبة فعلا كعبه واستفحل أمره واستقامت رياسته إلى أن كان من أمره ما نذكره ان شاء الله تعالى والله تعالى أعلم { الخبر عن استيلاء السلطان أبى سالم على تلمسان ورجوعه إلى المغرب بعد أن ولى عليها أبو زيان حافد السلطان أبى تاشفين وما آل أمره } لما استوسق للسلطان أبى سالم ملك المغرب ومحا أثر الخوارج على الدولة سما إلى امتداد ظله إلى أقصى تخوم زناتة كما كان لابيه وأخيه وحركه إلى ذلك ما كان من قرار عبد الله بن مسلم إلى تلمسان بحيالة عمله فأجمع أمره على النهوض إلى تلمسان وعسكر(7/124)
بظاهر فاس منتصف احدى وستين وبعث في الحشود فتوافت ببابه واكتملت ثم ارتحل إليها وبلغ الخبر إلى السلطان أبى حمو ووزيره عبد الله بن مسلم فنادوا في العرب من زغبة والمعقل كافة فأجابوهم الا شرذمة قليلة من الاحلاف وخرجوا بهم إلى الصحراء ونازل حللهم بعسكره ولما دخل السلطان أبو سالم وبنو مرين تلمسان خالفوهم إلى المغرب فنازلوا وطاط وبلاد ملوية وكرسف وحطموا زروعها وانتسفوا أقواتها وخربوا
عمرانها وبلغ السلطان أبا سالم ما كان من صنيعهم فأهمه أمر المغرب واجلاب المفسدين عليه وكان في جملته من آل يغمراسن محمد بن عثمان ابن السلطان أبى تاشفين ويكنى بأبى زيان ويعرف بالفنز ومعناه العظيم الرأس فدفعه للامر وأعطاه الآلة وكتب له كتيبة من توجين ومغراوة كانوا في جملته ودفع إليه أعطياتهم وأنزله بقصر أبيه بتلمسان وانكفأ راجعا إلى حضرته فأجفلت العرب والسلطان أبو حمو أمامه وخالفوه إلى تلمسان فأجفل عنها أبو زيان وتحيز إلى بنى مرين بأمصار الشرق من البطحاء ومليانة ووهران وأوليائهم من بنى توجين وسويد من قبائل زغبة ودخل السلطان أبو حمو ووزيره عبد الله بن مسلم إلى تملسان وكان مقير بن عامر هلك في مذهبهم ذلك ثم خرجوا فيمن إليهم من كافة عرب المعقل وزغبة في اتباع أبى زيان ونازلوه بجبل وانشريس فيمن معه إلى أن غلبوا عليه وانفض جمعه ولحق بمكانه من ايالة بنى مرين بفاس ورجع السلطان أبو حمو إلى معاقل وطنه يستنقذها من ملكة بنى مرين فافتتح كثيرها وغلب على مليانة والبطحاء ثم نهض إلى وهران ونازلها أياما واقتحمها غلابا واستلحم بها من بنى مرين عددا ثم غلب على المرية والجزائر وأزعج عنها بنى مرين فلحقوا بأوطانهم وبعث رسله إلى السلطان أبى سالم فعقد معه المهادنة ووضعوا أوزار الحرب ثم كان مهلك السلطان أبى سالم سنة ثنتين وستين وقام بالامر من بعده عمر بن عبد الله بن على من أبناء وزرائهم مبايعا لولد السلطان أبى الحسن واحدا بعد آخر كما نذكره عند ذكر أخبارهم ان شاء الله تعالى { الخبر عن قدوم أبى زيان ابن السلطان أبى سعيد من المغرب لطلب ملكه وما كان من أحواله } كان أبو زيان هذا هو محمد ابن السلطان أبى سعيد عثمان بن عبد الرحمن بن يحيى بن يغمراسن لما تقبض عليه مع عمه أبى ثابت ووزيرهم يحيى بن داود ببجاية من أعمال الموحدين وسبقوا إلى السلطان ابن عنان فقتل أبا ثابت ووزيره واستبقى محمدا هذا
وأودعه السجن سائر أيامه إذا هلك واستوسق أمر المغرب لاخيه أبى سالم من بعد خطوب وأهوال ياتي ذكرها امتن عليه السلطان أبو سالم وأطلقه من الاعتقال(7/125)
ونظمه بمجلس ملكه في مراتب الاعياص وأعده لمزاحمة ابن عمه وجرت بينه وبين السلطان أبى حمو سنة ثنتين وستين بين يدى مهلكه ذكرى بعد مرجعه من تلمسان ومرجع أبى زيان حافد السلطان أبى تاشفين من بعده تحقق السعي فيما نصبه له فسما له أمل في أبى زيان هذا أن يستأثر بملك أبيه ورأى أن يحسن الصنيع فيه فيكون فئة له فأعطاه الآلة ونصبه للملك وبعثه إلى وطن تلمسان وأتى إلى تازى ولحقه هنالك الخبر بمهلك السلطان أبى سالم ثم كانت فتن واحداث نذكرها في محلها وأجلب عبد الحليم ابن السلطان ابى على ابن السلطان أبى سعيد بن يعقوب بن عبد الحق على فاس واجتمع إليه بنو مرين ونازلوا البلد الجديد ثم انفض جمعهم ولحق عبد الحليم بتازى كما نذكره في موضعه ان شاء الله تعالى ورجا من السلطان أبى حمو المظاهرة على أمره فراسله في ذلك واشترط عليه ابن عمه أبى زيان فاعتقله مرضاة له ثم ارتحل إلى سجلماسة كما نذكره بعد ونازله في طريقه أولاد حسين من المعقل بحللهم واحيائهم فاستغفل أبو زيان ذات يوم الموكلين به ووثب على فرس قائم حذاءه وركضه من معسكر عبد الحليم إلى حلة أولاد حسين مستنجدا بهم فأجاروه ولحق ببنى عامر على حين غفلة وجفوة كانت بين السلطان أبى حمو وبين خالد بن عامر أميرهم ذهب لها مغاضبا فأجلب به على تلمسان وسرح إليهم السلطان أبو حمو عسكرا فشردهم عن تلمسان ثم بذلك المال لخالد بن عامر على أن يقصيه إلى بلاد رياح ففعل وأوصله إلى الزواودة فأقام فيهم ثم دعاه أبو الليل بن موسى شيخ بنى يزيد وصاحب وطن حمزة وبنى حسن وما إليه ونصبه للامر مشاقة وعنادا للسلطان أبى حمو ونهض إليه الوزير عبد الله بن مسلم في عساكر بنى عبد الواد وحشود العرب وزناتة فأيقن أبو الليل بالغلب وبذل له الوزير المال وشرط له التجافي عن وطنه على أن يرجع
عن طاعة أبى زيان ففعل وانصرف إلى بجاية ونزل بها على المولى أبى اسحق ابن مولانا السلطان أبى يحيى أكرم نزل ثم وقعت المراسلة بينه وبين السلطان أبى حمو وتمت المهادنة وانعقد السلم على اقصاء أبى زيان عن بجاية المتاخمة لوطنه فارتحل إلى حضرة تونس وتلقاه الحاجب أبو محمد بن تافراكين قيوم دولة الحفصين لذلك العهد من المبرة والترحيب واسناء الجراية له وترفيع المنزلة بما لم يعهد لمثله من الاعياص ثم لم تزل حاله على ذلك إلى أن كان من أمر ما نذكره ان شاء الله تعالى { الخبر عن قدوم أبى زيان حافد السلطان أبى تاشفين ثانية من المغرب إلى تلمسان لطلب ملكها وما كان من أحواله } كان العرب من سويد احدى بطون زغبة فئة لبنى مرين وشيعة من عهد عريف بن يحيى مع السلطان أبى الحسن وابنه أبى عنان فكانوا عند بنى عبد الواد في عداد(7/126)
عدوهم من بنى مرين مع طاغية الدولة لبنى عامر أقتالهم فكانوا منابذين لبنى عبد الواد آخر الايام وكان كبيرهم وتزمار بن عريف أوطن كرسف في جوار بنى مرين مذ مهلك السلطان أبى عنان وكان مرموقا بعين التجلة يرجعون إلى رأيه ويستمعون إلى قوله وأهمه شأن اخوانه في وطنهم ومع اقتالهم بنى عامر فاعتزم على نقض الدولة من قواعدها وحمل صاحب المغرب عمر بن عبد الله على أن يسرح محمد بن عثمان حافد أبى تاشفين لمعاودة الطلب لملكه ووافق ذلك نفرة استحكمت بين السلطان أبى حمو وأحمد بن رحو بن غانم كبير أولاد حسن من المعقل بعد ان كانوا فئة له ولوزيره عبد الله ابن مسلم فاغتنمها عمر بن عبد الله وخرج أبو زيان محمد بن عثمان سنة خمس وستين فنزل في حلل المعقل بملوية ثم نهضوا به إلى وطن تلمسان وارتاب السلطان أبو حمو بخالد ابن عمر أمير بنى عامر فتقبض عليه وأودعه المطبق ثم سرح وزيره عبد الله بن مسلم في عساكر بنى عبد الواد والعرب فأحسن دفاعهم وانفضت جموعهم ورحلهم إلى
ناحية السرو وهو في اتباعهم إلى أن نزلوا المسيلة من وطن رياح وصاروا في جوار الزواودة ثم نزل بالوزير عبد الله بن مسلم داء الطاعون الذى عاود أهل العمران عامئذ من بعدما أهلكهم سنة تسع وأربعين قبلها فانكفأ به ولده وعشيرته راجعين وهلك في طريقه وأرسلوا شلوه إلى تلمسان فدفن بها وخرج السلطان أبو حمو إلى مدافعة عدوه وقدفت مهلك عبد الله في عضده ولما انتهى إلى البطحاء وعسكر بها ناجزته جموع السلطان أبى زيان الحرب وأطلت راياته على المعسكر فداخلهم الرعب وانفضوا وأعجلهم الامر عن ابنيتهم وأزوادهم فتركوها وانفضوا وتسلل أبو حمو يبغى النجاة إلى تلمسان واضطرب أبو زيان فسطاطه بمكان مسعكره وساقه أحمد بن رحو أمير المعقل إلى منجاته فلحقه بسك وكر إليه السلطان أبو حمو فيمن معه من خاصيته وصدقوه الدفاع فكبابه فرسه وقطع رأسه ولحق السلطان أبو حمو بحضرته وارتحل أبو زيان والعرب في اتباعه إلى أن نازلوه بتلمسان أياما وحدثت المنافسة بين أهل المعقل وزغبة واسف زغبة استبداد المعقل عليهم وانفراد أولاد حسين برأى السلطان دونهم فاغتنمها أبو حمو وأطلق أميرهم عامر بن خالد من محبسه وأخذ عليه الموثق من الله ليخذلن الناس عنه ما استطاع وليرجعن بقومه عن طاعة أبى زيان وليفرقن جموعه فوفى له بذلك العهد ونفس عليه المخنق وتفرقت احزابهم ورجع أبو زيان إلى مكانه من ايالة بنى مرين واستقام أمر السلطان أبى حمو وصلحت دولته بعد الالتياث إلى ان كان من أمره ما نذكره ان شاء الله تعالى * (الخبر عن حركة السلطان أبى حمو على ثغور المغرب) *(7/127)
كان وتزمار بن عريف متولى كبر هذه الفتن على أبى حمو وبعث الاعياص عليه واحدا بعد واحد لما كان بينهم من العداوة المتصلة كما قدمناه وكان منزله كرسيف من ثغور المغرب وكان جاره محمد بن زكراز كبير بنى على من بنى ولكاس الموطنين
بجبل دبدو وكانت أيديهما عليه واحدة فلما سكن الثوار عنه وأزاحهم عن وطنه إلى المغرب وانعقد سلمه معهم رأى أن يعتور هذين الاميرين في ثغورهما فاعتمل الحركة إلى المغرب فاتح سنة ست وستين وانتهى إلى دبدو وكرسيف واجفل وتزمار وامتنع بمعاقل الجبال فانتهب أبو حمو الزروع وشمل بالتخريب والعيث سائر النواحى وقصد محمد بن زكراز أيضا في معقل دبدو فامتنع بحصنه الذى اتخذه هناك وعاج عليه أبو حمو بركابه وجاس خلال وطنه وشمل بالتخريب والعيث نواحى بلده وانكفأ راجعا إلى حضرته وقد عظمت في تخوم بنى مرين وثغورهم نكايته وثقلت عليهم وطأته وانعقدت بينهما بعد بدء المهادنة والسلام فاصرفت عزائمه إلى بلاد افريقية فكانت حركته إلى بجاية من العام المقبل ونكبته عليها كما نذكره ان شاء الله تعالى * (الخبر عن حركة السلطان أبى حمو إلى بجاية ونكبته عليها) * كان صاحب بجاية المولى الامير أبو عبد الله لما استولى عليها وعادت إليه العودة الثانية سنة خمس وستين كما ذكرناه في أخباره زحف إلى تدلس فغلب عليها بنى عبد الواد وأنزل بها عامله وحاميته ثم أظلم الجو بينه وبين صاحب قسنطينة السلطان أبى العباس ابن عمه الامير أبى عبد الله لما جرته بينهما المتاخمة في العمالات فنشأت بينهما فتن وحروب وشغل بها عن حماية تدلس وألحت عليها عساكر بنى عبد الواد بالحصار وأحيط بها فأوفد رسله على السلطان أبى حمو صاحب تلمسان في المهادنة على النزول له عن تدلس فتسلمها أبو حمو وأنزل بها حاميته وعقد معه السلم وأصهر إليه في ابنته فأجابه وزفها إليه فتلقاها قبلة زواوة بآخر عملهم من حدود بجاية وفرغ صاحب بجاية لشأنه وكان أثناء الفتنة معه قد بعث إلى تونس عن أبى زيان ابن عمه السلطان أبى سعيد لينزله بتدلس ويشغل به السلطان أبا حمو عن فتنته وكان من خبر أبى زيان هذا انه أقام بتونس بعد مهلك الحاجب أبى محمد بن تافراكين كما ذكرناه إلى أن دس إليه مرضى القلوب من مشيخة بنى عبد الواد بتلمسان بالاجلاب على السلطان
أبى حمو ووعدوه عن أنفسهم الجنوح معه فصغى إليها واعتدها وارتحل يريد تخوم تلمسان وعمل بجاية ومر بقسنطينة فتجافى عن الدخول إليها وتنكر لصاحبها وبلغ خبره السلطان أبا العباس صاحبها يومئذ فأجمع أمره على صده عن وجهه وحبسه بقسنطينة(7/128)
واتصلت الفتنة بينه وبين ابن عمه صاحب بجاية وكان شديد الوطأة على أهل بلده مرهف الحد لهم بالعقاب الشديد حتى لقد ضرب أعناق خمسين منهم قبل أن يبلغ سنتين في ملكه فاستحكمت النفرة وساءت الملكة وعضل الداء وفزع أهل البلد إلى مداخلة السلطان أبى العباس باستنقاذهم من ملكه العسف والهلاك بما كان أتيح له من الظهور على أميرهم فنهض إليها آخر سنة سبع وستين وبرز الامير أبو عبد الله للقائه وعسكر بنا مروا الجبل المطل على تاكردت وصبحه السلطان أبو العباس بمعسكره هنالك فاستولى عليه وركض هو فرسه ناجيا بنفسه ومرت الخيل تعادى في أثره حتى أدركوه فأحاطوا به وقتلوه قصعا بالرماح عفا الله عنه وأجاز السلطان أبو العباس إلى البلد فدخلها منتصف يوم العشرين من شعبان ولاذ الناس به من دهش الواقعة وتمسكوا بدعوته وآبوه طاعتهم فانجلت القيامة واستقام الامر وبلغ الخبر إلى السلطان أبى حمو فأظهر الامتعاض لمهلكه والقيام بثاره وسير من ذلك حشوذه في ارتقاء ونهض يجر الامم إلى بجاية من العرب وزناتة والحشد حتى أناخ بها وملات مخيماته الجهات بساحتها وجنح السلطان إلى مبارزته فتمهد به أهل البلد ولاذوا بمقامه فأسعفهم وطير البريد إلى قسنطينة فأطلق أبا زيان من الاعتقال وسوغه الملابس والمراكب والآلة وزحف به مولاه بشير في عسكر إلى أن نزل حذاء معسكر أبى حمو واضطربوا محلهم بسفح جبل بنى عبد الجبار وشنوا الغارات على معسكر أبى حمو صباحا ومساء لما كان نمى إليهم من مرض قلب جنده والعرب الذين معه وبدا للسلطان أبى حمو ما لم يحتسب من امتناعها وكان تقدم إليه بعض سماسرة الفتن بوعد على
لسان المشيخة من أهل البلد أطمعه فيها ووثق بأن ذلك يغنيه عن الاستعداد فاستبق إليها وأغفل الحزم فيما دونها فلما امتنعت عليه انطبق الجو على معسكره وفسدت السابلة على العير للميرة واستجم الزبون في احياء معسكره بظهور العدو المساهم في الملك وتفادت رجالات العرب من سوء المغبة وسطوة السلطان فتمشوا بينهم في الانفضاض وتحينوا لذلك وقت المناوشة وكان السلطان لما كذبه وعد المشيخة أجمع قتالهم واضطرب الفساطيط مضايقة للاسوار متسنمة وعرا من الجبل لم يرضه أهل الرأى وخرج رجل الجبل على حين غفلة فجاولوا من كان بتلك الاخبية من المقاتلة فانهزموا أمامهم وتركوها بأيديهم فمزقوها بالسيوف وعاين العرب على البعد انتهاب الفساطيط فأجفلوا وانفض المعسكر بأجمعه وحمل السلطان أبو حمو أثقاله للرحلة فأجهضوه عنها فتركها وانتهب مخلفه أجمع وتصايح الناس بهم من كل حدب وضاقت المسالك من ورائهم وأمامهم وركضت بزحامهم وتواقعوا لجنوبهم فهلك الكثير منهم(7/129)
وكانت من غرائب الواقعات تحدث الناس بها زمانا وسيقت حظاياه إلى بجاية واستأثر الامير أبو زيان منهن بخطيته الشهيرة ابنة يحيى الزابى ينسب إلى عبد المؤمن بن على وكان أصهر فيها إلى أبيها أيام تقلبه في سبيل الاغتراب ببلاد الموحدين كما سبق وكانت أعلق بقلبه من سواها فخرجت في مغانم الامير أبى زيان وتحرج عن مواقعتها حتى أوجده أهل الفتيا السبيل إلى ذلك الحنث زعموا وقع من السلطان أبى حمو في نسائه وخلص السلطان أبو حمو من هوة ذلك العصب بعد غصة الريق ونجا إلى الجزائر لا يكاد يرد النفس من شناعة ذلك الهول ثم خرج مها ولحق بتلمسان واقتعد سرير ملكه واشتدت شوكة أبى زيان ابن عمه وتغلب على القاصية واجتمعت إليه العرب وكثر تابعه وزاحم السلطان أبو حمو بتلك الناحية الشرقية سنين تباعا نذكر الآن أخبارها ان شاء الله تعالى
{ الخبر عن خروج أبى زيان بالقاصية الشرقية من بلاد حصين وتغلبه على المرية والجزائر ومليانة وما كان من الحروب معه } لما انهزم السلطان أبو حمو بساحة بجاية عشى يومه من أوائل ذى الحجة خاتم سنة سبع وستين قرع الامير أبو زيان طبوله واتبع أثره وانتهى إلى بلاد حصين من زغبة وكانوا سائمين من الهضيمة والعسف إذ كانت الدول تجريهم مجرى الرعايا المعبدة في المغرم وتعدل بهم عن سبيل اخانهم من زغبة أمامهم ووراءهم لبغية الغزو فبايعوه على الموت الاحمر ووقفوا بمعتصم من جبل تيطرى إلى أن دهمتهم عساكر السلطان ثم أجلبوا على المرية وكان بها عسكر ضخم للسلطان أبى حمو لنظر وزرائه عمران بن موسى بن يوسف وموسى بن عوت وواد فل بن عبو بن حماد ونازلوهم أياما ثم غلبوهم على البلد وملكها الامير أبو زيان ومن على الوزراء ومشيخة بنى عبد الواد وترك سبيلهم إلى سلطانهم وسلك سبيلهم الثعالبة في النجافى عن ذل المغرم فأعطو يد الطاعة والانقياد للامير أبى زيان وكانت في نفوس أهل الجزائر نفرة من جور العمال عليهم فاستمالهم بها سالم بن ابراهيم بن نصر أمير الثعالبية إلى طاعة الامير أبى زيان ثم دعا أبو زيان أهل مليانة إلى مثلها فأجابوه واعتمل السلطان أبو حمو نظره في الحركة الحاسمة لدائهم فبعث في العرب وبذل المال وأقطع البلاد على اشطاط منهم في الطلب وتحرك إلى بلاد توجين ونزل قلعة بنى سلامة سنة ثمان وستين يحاول طاعة أبى بكر بن عريف أمير سويد فلم يلبث عنه خالد بن عامر ولحق بأبى بكر بن عريف واجتمعا على الخلاف عليه ونقض طاعته وشنوا الغارة على معسكره فاضطرب وأجفلوا وانتهبت محلاته وأثقاله ورجع إلى تلمسان ثم نهض إلى مليانة فافتتحها وبعث إلى رياح على حين صاغية إليه من يعقوب بن على بن أحمد وعثمان(7/130)
ابن يوسف بن سليمان بن على أميرى الزواودة لما كان وقع بينهما وبين السلطان مولانا أبى العباس من النفرة فاستنظره للحركة على الامير أبى زيان وبعدها إلى بجاية وضمنوا له
طاعة البدو من رياح وبعثوا إليه رهنهم على ذلك فردها وثوقا بهم ونهض من تلمسان وقد اجتمع إليه الكثير من عرب زغبة ولم يزل أولاد عريف بن يحيى وخالد بن عامر في احيائهما منحرفين عنه بالصحراء وصمم إليهم فاجفلوا أمامه وقصد المخالفين من حصين والامير أبا زيان إلى معتصمهم بجبل تيطرى وأغذ إليه السير يعقوب بن على وعثمان بن يوسف بمن معهم من جموع رياح حتى نزلوا بالقلعة حذاءهم وبدر أولاد عريف وخالد بن عامر إلى الزواودة ليشردوهم عن البلاد قبل أن يد السلطان بيدهم فصبحوهم يوم الخميس أخريات ذى القعدة من سنة تسع وستين ودارت بينهم حرب شديدة وأجفلت الزواودة أولا ثم كان الظهور لهم آخرا وقتل في المعركة من زغبة عدد ويئسوا من صدهم عما جاؤا إليه فانعطفوا إلى حصين والامير أبى زيان وصعدوا إليهم بناجعتهم وصاروا والهم مددا على السلطان أبى حمو وشنوا الغارة على معسكره فصمدوا نحوه وصدقوه القتال فاختل مصافه وانهزمت عساكره ونجا بنفسه إلى تلمسان على طريق الصحراء وأجفل الزواودة إلى وطنهم وتحيز كافة العرب من زغبة إلى الامير أبى زيان واتبع آثار المنهزمين ونزل بسيرات وخرج السلطان أبو حمو في قومه ومن بقى معه من بنى عامر وتقدم خالد إلى مصادمته ففله السلطان وأجفل القوم من ورائه ثم تلطف في مراسلته وبذل المال له وأوسع له في الاشتراط إليه والتبس بخدمته ورجع الامير أبو زيان إلى أوليائه من حصين متمسكا بولاية أولاد عريف ثم نزع محمد بن عريف إلى طاعة السلطان وضمن له العدول بأخيه عن مذاهب الخلاف عليه وطال سعيه في ذلك فاتهمه السلطان وحمله خالد بن عامر عدوه على نكبته فتقبض عليه وأودعه السجن واستحكمت نفرة أخيه أبى بكر ونهض السلطان بقومه وكافة بنى عامر إليه سنة سبعين واستغلظ أمر أبى بكر فجمع الحرب بن أبى مالك ومن وراءهم من حصين واعتصموا بالجبال من دراك وتيطرى ونزل السلطان بجموعه لعود بلاد الديالمة من الحرث فانتسفها والتهمها وحطم زروعها ونهب مداثرها وامتنع عليه أبو بكر ومن معه من
الحرث وحصين والامير أبى زيان بينهم فارتحل عنهم وعطف على بلاد أولاد عريف وقومهم من سويد فلاها عيثا وخرب قلعة ابن سلامة لما كانت أحسن أوطانهم ورجع عليهم إلى تلمسان وهو يرى أن قد شفا نفسه في أولاد عريف وغلبهم على أوطانهم ورجع عليهم منزلة عدوهم فكان من لحاق أبى بكر بالمغرب وحركة بنى مرين ما نذكره(7/131)
{ الخبر عن حركة السلطان عبد العزيز على تلمسان واستيلائه عليها ونكبة أبى حمو وبنى عامر بالدوس من بلاد الزاب وخروج أبى زيان من تيطرى إلى أحياء رياح } لما تقبض أبو حمو على محمد بن عريف وفرق شمل قومه سويد وعاث في بلادهم أجمع رأى أخيه الاكبر على الصريخ بملك المغرب فارتحل إليه بناجعته من بنى مالك أجمع من أحياء سويد والديالم والعطاف حتى احتل بسائط ملوية من تخوم المغرب وسار إلى أخيه الاكبر وترمار بمقره من قصره مرادة الذى اختطه بارجاع وادى ملوية في ظل دولة بنى مرين وتحت جوارهم لما كان ملاك أمرهم بيده ومصادرهم عن آرائه خطة ورثها عن أبيه عريف بن يحيى مع السلطان أبى سعيد وابنه أبى الحسن وابنه أبى عنان فتقبل ملوك المغرب مذاهب سلفهم فيه وتيمنوا برأيه واستأمنوا إلى نصيحته فلما قدم عليه أخوه أبو بكر مستحفيا بملك المغرب وأخبر باعتقال أخيه الآخر محمد قدح عزائمه وأوفد أخاه أبا بكر ومشيخة قومهم من بنى مالك على السلطان عبد العزيز ابن السلطان أبى الحسن منصرفه من افتتاح جبل هنتاتة وظفر بعامر بن محمد ابن على النازع إلى الشقاق في معتصمه فلقوه في طريقه ولقاهم مبرة وتكريما واستصرخوه لا ستنقاذ أخيهم فأجاب صريخهم ورغبوه في ملك تلمسان وما وراءها فوافق صاغيته لذلك بما كان في نفسه من الموجدة على السلطان أبى حمو لقبوله كل من ينزع إليه من عربان المعقل أشياع الدولة وبدوها وما كان بعث إليه في ذلك وعن استماعه فاعتزم على الحركة إلى تلمسان وألقى زمامه بيد وترمار وعسكر بساحة فاس وبعث الحاشدين
في الثغور والنواحى من المغرب فتواقف الحاشدون ببابه وارتحل بعد قضاء النسك من الاضحى سنة احدى وسبعين واتصل الخبر بالسلطان أبى حمو وكان معسكرا بالبطحاء فانكفأ راجعا إلى تلمسان وبعث في أوليائه عبيد الله والاحلاف من عرب المعقل فصموا عن اجابته ونزعوا إلى ملك المغرب فأجمع رأيه إلى التحيز إلى بنى عامر وأجفل غرة المحرم سنة ثنتين وسبعين واحتل السلطان عبد العزيز تلمسان في يوم عاشوراء بعدها وأشار وترمار بن عريف بتسريح العساكر في اتباعه فسرح السلطان وزيره أبا بكر بن غازى بن السكاء حتى انتهى إلى البطحاء ثم لحق به هنالك وترمار وقد حشد العرب كافة وأوغذ السير في اتباع السلطان أبى حمو وبنى عامر وكانوا قد أبعدوا المذهب ونزلوا على الزواودة وسرح إليهم السلطان يومئذ عبد العزيز يحملهم على طاعته والعدوى بهم عن صحابة بنى عامر وسلطانهم وسرح فرج بن عيسى بن عريف إلى حصين لاقتضاء طاعتهم واستدعاء أبى زيان إلى حضرته ونبذهم عهده وانتهيا جميعا إلى أبى زيان مقدمة أوليائه ولحق بأولاد يحيى بن على بن سباع من الزواودة وانتهيت أنا إليهم فخفضت عليهم(7/132)
الشأن في جواره لما كانت مرضاة السلطان وحذرتهم شأن أبى حمو وبنى عامر وأوفدت مشيختهم على وترمار والوزير أبى بكر بن غازى فدلوهما على طريقه فأغذوا السير وبيتوهم بمنزلهم على الدوس آخر عمل الزاب من جانب المغرب ففضوا جموعهم وانتهبوا جميع معسكر السلطان أبى حمو بأموالهم وأمتعته وظهره ولحق فلهم بمصاب ورجعت العساكر من هنالك فسلكت على قصور بنى عامر بالصحراء قبلة جبل راشد التى رباولون ساعون إليها فانتهبوها وخربوها وعاثوا فيها وانكفؤا راجعين إلى تلمسان وفرق السلطان عماله في بلاد المغرب الاوسط من وهران ومليانة والجزائر والمرية وجبل وانشريس واستوسق به ملكه ونزع عنه عده ولم يبق به يومئذ الاصرمة من نار الفتنة ببلاد مغراوة من ولد على بن راشد سخط خالد في الديوان ولحق
بجبل بنى سعيد واعتصم به فجهز السلطان الكتائب لحصاره وسرح وزيره عمر بن مسعود لذلك كما ذكرنا في أخبار مغراوة واحتقر شأنه وأوفدت أنا عليه يومئذ مشيخة الزواودة فأوسعهم حباء وكرامة وصدروا مملوءة حقائبهم خالصة قلوبهم منطلقة بالشكر ألسنتهم واستمر الحال إلى أن كان ما نذكره ان شاء الله تعالى والله تعالى أعلم { الخبر عن اضطراب المغرب الاوسط ورجوع أبى زيان إلى تيطرى واجلاب أبى حمو على تلمسان ثم انهزامهما وتشريدهما على سائر النواحى } كان بنو عامر من زغبة شيعة خالصة لبنى عبد الواد من أول أمرهم وخلص سويد لبنى مرين كما قدمناه فكان من شأن عريف وبنيه عند السلطان أبى الحسن وبنيه ما هو معروف فلما استبيحت أحياؤهم بالدوس مع أبى حمو ذهبوا في القفر اشفاقا ويأسا من قبول بنى مرين عليهم لما كان وترمار بن عريف واخوانه من الدولة فحدبوا على سلطانهم أبى حمو يتقلبون معه في القفار ثم نزع إليهم رحو بن منصور فيمن أطاعه من قومه عبيد الله من المعقل وأجلبوا على وجدة فاضطرم النفاق على الدولة نارا وخشى حصين مغبة أمرهم من السلطان بما اتسموا به من الشقاق والعناد فمدوا أيديهم إلى سلطانهم أبى زيان وأفدوا مشيختهم لاستدعائه من حلة أولاد يحيى بن على فاحتل بينهم وأجلبوا به على المرية فملكوا نواحيها وامتنع عليهم مصرها واستمر الحال على ذلك واضطرب المغرب الاوسط على السلطان وانتقضت به طاعته وسرح الجيوش والعساكر إلى قتال مغراوة وحصين فأجمع أبو حمو وبنو عامر على قصده بتلمسان حتى إذا احتلوا قريبا منها دس السلطان عبد العزيز بعض شيعته إلى خالد بن عامر وزغبة في المال منه وكان أبو حمو قد آسفه بمخالطة بعض عشيره وتعقب رأيه برأيه ممن لم يسم إلى خطته ولم يرتض كفاءته فجنح إلى ملك المغرب ونزع يده من عهد أبى حمو وسرح السلطان(7/133)
عبد العزيز عسكره إلى خالد فأوقع بأبى حمو ومن كان من العرب عبيد الله وبنى عامر
وانتهب معسكره وأمواله واحتقبت حرمه وحظاياه إلى قصر السلطان وتقبض على مولاه عطية فمن عليه السلطان وأصاره في حاشيته ووزرائه وأصفقت زغبة على خدمة ملك المغرب وافق هذا الفتح عند السلطان فتح بلاد مغراوة وتغلب وزيره أبو بكر بن غازى على جبل بنى سعيد وتقبض على حمزة بن على بن راشد في لمة من أصحابه فضرب أعناقهم وبعث بها إلى سدة السلطان وصلب أشلاءهم بساحة مليانة فعظم الفتح واكتمل الظهور وأوعز السلطان إلى وزيره أبى بكر بن غازى بالنهوض إلى حصين فنهض إليهم وخاطبني وأنا مقيم ببسكرة في دعايته بأن احتشد أولياءه من الزواودة ورياح والتقى الوزير والعساكر على حصن تيطرى فنازلناه أشهرا ثم انقض جمعهم وفروا من حصنهم وتمزقوا كل ممزق وذهب أبو زيان على وجهه فلحق ببلد واركلا قبلة الزاب لبعدها عن منال الجيوش والعساكر فأجاروه وأكرموا نزله وضرب الوزير على قبائل حصين والثعالبة المغارم الثقيلة فأعطوها عن يد وجهضهم باقتضائها ودوخ قاصية الثغور ورجع إلى تلمسان عالى الكعب عزيز السلطان ظاهر اليد وقعد له السلطان بمجلسه يوم وصوله قعودا فخما وصل فيه إليه وأوصل من صحبه من وفود العرب والقبائل فقسم فيهم بره وعنايته وقبوله على شاكلته واقتضى من أمراء العرب زغبة أبناءهم الاعزة رهنا على الطاعة وسرحهم لغزو أبى حمو بمنتبذه من تيكورارين فانطلقوا لذلك وهلك السلطان عبد العزيز لليال قلائل من مقدم وزيره وعساكره أواخر شهر ربيع الآخر من سنة أربع وسبعين لمرض مزمن كان يتفادى بالكتمان والصبر من ظهوره وانكفأ بنو مرين راجعين إلى ممالكهم بالمغرب بعد أن بايعوا لولده دراجا حماسيا ولقبوه بالسعيد وجعلوا أمره إلى الوزير أبى بكر بن غازى فملك أمرهم عليهم واستمرت حاله كما نذكره في أخباره ان شاء الله تعالى { الخبر عن عود السلطان أبى حمو الاخير إلى تلمسان الكرة الثالثة لبنى عبد الواد في الملك }
لما هلك السلطان عبد العزيز ورجع بنو مرين إلى المغرب نصبوا من أعياص بنى يغمراسن لمدافعة أبى حمو من بعدهم عن تلمسان ابراهيم بن السلطان أبى تاشفين كان ناشئا بدولتهم مذهلك أبوه وتسلل من جملتهم عطية بن موسى مولى السلطان أبى حمو وخالفهم إلى البلد غداة رحيلهم فقام بدعوة مولاه ودافع ابراهيم بن تاشفين عن مرامه وبلغ الخبر أولياء السلطان أبى حمو من عرب المعقل أولاد يغمور ابن عبيد الله فطيروا إليه النجيب على حين غلب عليه الناس وأجمع الرحلة إلى بلاد(7/134)
السودان لما بلغه من اجتماع العرب للحركة عليه كما قلناه فأغذ السير من مطرح اغترابه وسابقه ابنه ولى عهده في قومه عبد الرحمن أبو تاشفين مع ظهيرهم عبد الله بن صغير فدخلوا البلد وتلاهم السلطان لرابعة دخولهم وعاود سلطانه واقتعد أريكته وكانت احدى الغرائب وتقبض ساعتئذ على وزرائه اتهمهم بمداخلة خالد بن عامر فيما نقض من عهده وظاهر عليه عدوه فأودعهم السجن ليومهم حنقا عليهم واستحكم لها نفرة خالد وعشيرته وحصلت ولاية أولاد عريف بن يحيى لمنافرة بنى عامر اياه واقتال السلطان عبد العزيز عليه ووثق بمكان وترمار كبيرهم في تسكين عادية ملوك المغرب عليه ورجع إلى تمهيد وطنه وكان بنو مرين عند انفضاضهم إلى مغربهم قد نصبوا من اقتال مغراوة ثم بنى منديل على بن هرون بن ثابت بن منديل وبعثوه إلى مزاحمة للسلطان أبى حمو ونقضا لاطراف ملكه وأجلب أبو زيان بن عمه على بلاد حصين فكان من خبره معهما ما نذكره ان شاء الله تعالى * (الخبر عن رجوع أبى زيان بن السلطان أبى سعيد إلى بلاد حصين ثم خروجه عنها) * كان الامير أبو زيان بن السلطان أبى سعيد لما هلك السلطان عبد العزيز وبلغه الخبر بمنجاته من واركلا نهض منها إلى التلول واسف إلى الناحية التى كان منتزيا بها ومسماها لابي حمو فيها فاقتطعت لدعوته كما كانت ورجع أهلها إلى ما عرفوا من طاعته فنهض
السلطان أبو حمو لتمهيد نواحيه وتثقيف أطراف ملكه ودفع الخوارج عن ممالكه وظاهره على ذلك أمير البدو من زغبة أبو بكر ومحمد ابنا عريف بن يحيى دس اليهما بذلك كبيرهما وترمار وأخذهما بمناصحة السلطان ومخالصته فركبا من ذلك أوضح طريق وأسهل مركب ونبذ السلطان العهد إلى خالد وعشيره فضاقت عليهم الارض ولحقوا بالمغرب لسابقة نزوعهم إلى السلطان عبد العزيز وابتدأ السلطان بما يليه فأزعج بمظاهرتهما على بن هرون عن أرض شلف سنة خمس وسبعين بعد حروب هلك في بعضها اخوه رحمون بن هرون وخلص إلى بجاية فركب منها السفن إلى المغرب ثم تخطى السلطان أبو حمو إلى ما وراء شلف وسفر محمد بن عريف بينه وبين ابن عمه بعد أن نزع إليه الكثير من أوليائه حصين والثعالبة بما بذل لهم من الاموال وبما سئموا من طول الفتنة فشارطه على الخروج من وطنه إلى جيرانهم من رياح على أتاوة تحمل إليه فقبل ووضع أوزار الحرب وفارق مكان ثورته وكان لمحمد بن عريف فيها أثر محمود واستألف سالم بن ابراهيم كبير الثعالبة المتغلب على بسيط متيجة وبلد الجزائر بعد أن كان خب في الفتنة وأوضع فاقتضى له من السلطان عهده من الامان والولاية على قومه وعمله وقلد السلطان أبناءه ثغور أعماله فأنزل ابنه بالجزائر لنظر سالم بن ابراهيم(7/135)
من تحت استبداده وابنه أبا زيان بما لديه وانقلب السلطان إلى حضرته بتلمسان بعد أن دوخ قاصيته وثقف أطراف عمله وأصلح قلوب أوليائه واستألف شيعة عدوه فكان فتحا لاكفاء له من بعد ما خلع من ربقة الملك ونزع من شرع السلطان وانتبذ من قومه وممالكه إلى قاصية الارض في جوار من لا ينفذ أمره ولا يقوم بطاعته والله مالك الملك يؤتى الملك من يشاء ويعز من يشاء ويذل من يشاء { الخبر عن اجلاب عبد الله بن صغير وانتقاض أبى بكر بن عريف وبيعتهما للامير أبى زيان ورجوع أبى بكر إلى الطاعة }
كان خالد بن عامر وابن أخيه عبد الله بن صغير وسائر اخوانهم من ولد عامر بن ابراهيم قد لحقوا بالمغرب صرخي ببنى مرين لما وقع بينهم وبين أبى حمو من الفعلة التى فعل خالد معه ويئس عبد الله بن صغير من صريخهم بما عقد وترمار بن عريف من السلم بين صاحب المغرب وصاحب تلمسان فخاض القفر بمن معه من قومه ولحق بوطن زغبة وأجلب على جبل راشدويه العمور احلاف سويد من بنى هلال فاعترضتهم سويد ودارت بينهم حرب شديدة كان الظهور فيها لسويد عليهم وفى خلال ذلك فسد ما بين السلطان وبين أبى بكر بن عريف بسبب صاحب جبل وانشريس يوسف بن عمر ابن عثمان أراده السلطان عن النزول عن عمله فغضب له أبو بكر لقديم الصداقة بين سلفهما ووصل يده بعبد الله بن صغير بعد الواقعة ودعاه إلى بيعة أبى زيان فأجابه وأوفدوا رجالاتهم عليه بمكانه من مجالات رياح فوصلوه معهم وننصبوه للامر وتحيز محمد بن عريف إلى السلطان في جموع سويد ونهض السلطان من تلمسان سنة سبع وسبعين فيمن معه من قبائل بنى عبد الواد وعرب المعقل وزغبة ودس إلى أولياء أبى زيان يرغبهم وحكم أبا بكر في الاشتراط عليه ففاء إلى الطاعة والمخالصة ورجع أبو زيان إلى مكانه من حلل الزواودة وأغذ السلطان السير إلى حضرته فتملى أريكته وحدث بعد ذلك ما نذكره ان شاء الله تعالى { الخبر عن وصول خالد بن عامر من المغرب والحرب التى دارت بينه وبين سويد وأبى تاشفين هلك فيها عبد الله بن صغير واخوانه } لما بلغ خالد بن عامر بمكانه من المغرب خبر عبد الله ابن أخيه صغير قفل من الغرب يئسا من مظاهرة بنى مرين فخفق السسعى في صريخه بهم لما كانوا عليه من افتراق الامر كما ذكرناه قبل ووصل معه ساسى بن سليم في قومه بنى يعقوب وتظاهر الحيان على العيث في بلاد أبى حمو واجتمع إليهم أبناء الفتنة من كل أوب فأجلبوا على الاطراف وشنوا الغارة في البلاد وجمع أولاد عريف لحربهم قومهم من سويد واحلافهم من العطاف(7/136)
وبعثوا بالصريخ إلى السلطان فسير لحرب عدوه وعدوهم ابنه أبا تاشفين ولى عهده في قومه وبرز لذلك في العساكر والجنود ولما انتهى إلى بلاد هوارة واضطرب عسكره بها أعجله صريخ أوليائه عن مناخ الركاب فاستعجل الراحة ولحق بأوليائه أولاد عريف ومن معهم من أشياع الدولة من زغبة وأغذوا السير إلى واد هناك شرقي القلعة فتلاقى الجمعان وتواقفوا اللقاء سائر يومهم واستضاؤا باضرام النيران مخافة البيات وأصبحوا على التعبية وتمشت الرجالات في مواضعة الحرب فأعجبهم مناشبة القوم وتزاحفت الصفوف وأعلم الكماة وكشفت الحرب عن ساقها وحمى الوطيس وهبت الريح المبشرة فخفقت لها رايات الامير وهدرت طبوله ودارت رحى الحرب وصمدت إليها كتائب العرب فبرئ فيها الابطال منهم وانكشفوا وأجلت المعركة عن عبد الله بن صغير صريعا فأمر أبو تاشفين فاحتز رأسه وطير به البريد إلى أبيه ثم عثرت المراكب بأخيه ملوك بن صغير مع العباس ابن عمه موسى بن عامر ومحمد بن زيان من وجوه عشيرتهم متواقعين بجنودهم متضاجعين في مراقدهم كانما أقعدوا للردى فوطأتهم سنابك الخيل وغشيهم قتام المراكب وأطلقت العساكر أعنتها في اتباع القوم فاستاقوا نعمهم وأموالهم وكثرت يومئذ الانفال وغشيهم الليل فتستروا بجناحه ولحقهم فلهم بجبل راشد وأطرب أبو تاشفين أباه بمشتهى ظهوره وأملاه السرور بما صنع الله على يده وما كان له ولقومه من الاثر في مظاهرة أوليائه وطار له بها ذكر على الايام ورجع إلى أبيه بالحضرة مملوء الحقائب بالانفال والجوانح بالسرور والايام بالذكر عنه وعن قومه ومضى خالد لوجهه في فل من قومه ولحق بجبل راشد إلى أن كان من أمره ما نذكره ان شاء الله والله تعالى أعلم { الخبر عن انتقاض سالم بن ابراهيم ومظاهرته خالد بن عامر على الخلاف وبيعتهما للامير أبى زيان ثم مهلك خالد
ومراجعة سالم الطاعة وخروج أبى زيان إلى بلاد الجريد } كان سالم بن ابراهيم هذا كبير الثعالبة المتغلبين على حصن متيجة منذ انقراض مليكش وكانت الرياسة فيهم لاهل بيته حسبما ذكرناه في أخبارهم عند ذكر المعقل ولما كانت فتنة أبى زيان بعد نكبة أبى حمو على بجاية وهبت ريح العرب واستغلظ أمرهم وكان سالم هذا أول من غمس يده في تلك الفتنة ومكر بعلى بن غالب من بيوتات الجزائر كان مغربا عنها منذ تغلب بنى مرين على المغرب الاوسط أيام بنى عثمان ولحق بها عندما أظلم الجو بالفتنة واستحكمت نفرة أهل الجزائر عن أبى حموا فأظهر بها الاستبداد واجتمع بها ليه الاوشاب والطغام سالم من الضاحية(7/137)
أطمعه في الاستيلاء على الجزائر فداخل في شأنه الملا من أهل المدينة وحذرهم منه أنه يروم الدعوة للسلطان أبى حمو فاستشاطوا نفرة وثاروا به حتى إذا رأى أنه قد أحيط به خلصه من أيديهم وأخرجه إلى حيه وأبلغه هنالك وحول دعوة الجزائر إلى الامير أبى زيان تحت استبداده حتى إذا كان من أمر بنى مرين وحلول السلطان عبد العزيز بتلمسان كما قدمناه أقام دعوتهم في الجزائر إلى حين مهلكه ورجوع أبى حمو إلى تلمسان وأقبل جيش أبى زيان إلى تيطرى فأقام سالم هذا دعوته في احيائه وفى بلد الجزائر أمر ابن عمه ولما كان من خروج أبى زيان إلى أحياء رياح على يد محمد بن عريف ما قدمناه واقتضى سالم عهده من السلطان وولى سالم على الجزائر أقام سالم على أمره من الاستبداد بتلك الاعمال واستضافة جبايتها لنفسه وأوعز السلطان إلى سائر عماله باستيفاء جبايتها فاستراب وبقى في أمره على المداهنة وحدثت اثر ذلك فتنة خالد بن عامر فتربص دوائرها رجاء أن يكون الغلب له فيشغل السلطان عنه ثم بدا له ما لم يحتسب وكان الغلب للسلطان ولاوليائه وكان قد حدثت بينه وبين بنى عريف عداوة وخشى أن يحمل السلطان على النهوض إليه فبادر إلى انتقاض على أبى حمو استقام الامير
أبو زيان وجاجا بخالد بن عامر من المخالفين معه من الغرب فوصلوا إليه أول سنة ثمان وسبعين وعقد بينهم حلفا مؤكدا وأقام الدعوة للامير أبى زيان بالجزائر ثم زحفوا إلى حصار مليانة وبها حامية السلطان فامتنعت عليهم ورجعوا إلى الجزائر فهلك خالد بن عامر على فراشه ودفن بها وولى أمر قومه من بعده المسعود ابن أخيه صغير ونهض إليهم السلطان أبو حمو من تلمسان في قومه وأوليائه من العرب فامتنعوا بجبال حصين وناوشهم جيوش السلطان القتال بأسافل الجبل فغلبوهم عليها وانقضت الناجعة عنهم من الديالم والعطاف وبنى عامر فلحقوا بالقفر ورأى سالم أصحابه أن قد أحيط بهم فلاذ بالطاعة وحمل عليها أصحابه وعقد لهم السلطان من ذلك ما أرادوه على أن يفارقوا الامير أبا زيان ففعلوا وارتحل عنهم فلحق ببلاد المغرب ريع ثم أجازها إلى نقطة من بلاد الجريد ثم إلى توزر فنزل على مقدمها يحيى بن يملول فأكرم نزله وأوسع قراره إلى أن كان من أمره ما نذكر ورجع السلطان أبو حمو إلى تلمسان وفى نفسه من سالم حرارة لكثرة اضطرابه ومراجعته الفتن حتى توسط فصل الشتاء وأبعدت العرب في مشاتيها فنهض من تلمسان في جيوش زناتة وأغذ السير فصبح بحصن متيجة بالغارة الشعواء وأجفلت الثعالبة فلحقوا برؤس الجبال وامتنع سالم بجبل بنى خليل وبعثوا ابنه وأولياءه إلى الجزائر فامتنعوا بها وحصاروه أياما ثم غلبوه على مكامنه فانتقل إلى بنى ميسرة من جبال صنهاجة وخلف أهله ومتاعه وصار الكثير من الثعالبة إلى الطاعة(7/138)
وابتهلوا بامان السلطان وعهده إلى متيجة وبعث هو أخاه ثانيا إلى السلطان بانتقاضه العهد ونزل من رأس ذلك الشاهق إلى ابنه أبى تاشفين فأوصله إلى السلطان أحدى ليالى العشر الاواخر من رمضان فأخفر عهده وذمة ابنه وتقبض عليه صبيحة ليلته وبعث قائده إلى الجزائر فاستولى عليها واقام دعوته بها وأوفد عليه مشيختها فتقبض عليهم وعقد على الجزائر لوزيره موسى بن مرعوت ورجع إلى تلمسان
فقضى بها عيد النحر ثم أخرج سالم بن ابراهيم من محبسه إلى خارج البلد وقتل قعصا بالرماح ونصب شلوه وأصبح مثلا للآخرين ولله البقاء وعهد السلطان لابنه المنتصر على مليانة واعمالها ولابنه أبى زيان على وهران وراسله ابن يملول صاحب توزر وصهره ابن قرى صاحب بسكرة وأولياؤهما من الكعوب والزواودة لما أهمهم أمر السلطان أبى العباس وخافوه على أمصارهم فراسلوا أبا حمو يضمنون له مسالمة أبى زيان على أن يوفى لهم بما اشترط له من المال وعلى أن يشب نار الفتنة من قبله على بلاد الموحدين ليشغل السلطان أبا العباس عنهم على حين عجزه وضعف الدولة عنه فأوهمهم من نفسه القدرة وأطمعهم في ذلك وما زال يراجعهم ويراجعونه بالمقاربة والوعد إلى أن أحيط بابن يملول واستولى السلطان على بلده فلحق ببسكرة وهلك بها لسنة من خروجه آخر سنة احدى وثمانين وبقى ابن مزنى من بعده متعللا بتلك الامانى الكاذبة إلى أن ظهر أمره وتبين عجزه فراجع طاعة السلطان أبى العباس واستقام على الموادعة ولحق الامير أبو زيان بحضرة السلطان بتونس فنزل بها أكرم نزل مؤملا منه المظاهرة على عدوه والحال بالمغرب الاوسط لهذا العهد على ما شرحناه مرارا من تغلب العرب على الضواحى والكثير من الامصار وتقلص ظل الدولة عن القاصية وارتدادها على عقبها إلى مراكزها بسيف البحر وتضاؤل قدرتها على قدرتهم واعطاء اليد في مغالبتهم ببلد زغائب الاموال واقطاع البلاد والنزول عن الكثير من الامصار والقنوع بالتغريب بينهم واغراء بعضهم ببعض والله ولى الامور * (قسمة السلطان للاعمال بين ولده وما حدث بينهم من التنافس) * كان لهذا السلطان أبى حمو جماعة من الولد كبيرهم أبو تاشفين عبد الرحمن ثم بعده أربعة لام واحدة كان تزوجها محله من اعمال قسنطينة أيام جولته في بلاد الموحدين كبيرهم المنتصر ثم أبو زيان محمد ثم عمرو يلقب عميرا ثم بعد ولد كثيرون ابنا محلات وكان أبو تاشفين ولى عهده وقد رفعه على الباقين وأشركه في رأيه وأوجب له الحق على وزراء
دولته فكان لذلك رديفه ومظهر سلطانه وكان مع ذلك يتعاهد أولئك الاخوة الاشقاء بحنوه ويقسم لهم من ترشيحه والنجاء في خلوته فتنقض أبو تاشفين منهم فلما استفحل أمر(7/139)
السلطان وانمحت من دولته آثار الخوارج أعمل نظره في قسمة الاعمال بين ولد وترشيحهم للامارة والبعد بهم عن أخيهم أبى تاشفين أن يصيبهم بمكروه عند ايناس الغيرة منهم فولى المنتصر كبيرهم على مليانة واعمالها وأنفذه إليها ومعه أخوه عمر الاصغرة في كفالته وولى أخاهما الاوسط أبا زيان على المرية وما إليها من بلاد حصين وولى ابنه يوسف ابن الزابية على تدلس وما إليها من آخر اعماله واستقر أمرهم على ذلك ثم كان من انتقاض سالم الثعلبي بالجزائر ما قدمناه فنمى إلى السلطان أن ابنه أبا زيان داخله في الخلاف فلما فرغ من أمر سالم كما مر وطرد أبا زيان ابن عمه عن أعماله إلى الجريد أعمل نظره في نقل ابنه أبى زيان من المربة إلى ولاية وهران وأعمالها بعدا له عن العرب المجلبين في الفتن وأنزل معه بعض وزرائه عينا عليه وأقام واليا عليها والله اعلم * (وشة أبى تاشفين بيحيى بن خلدون كاتب أبيه) * كان أول شئ حدث من منافسة أبى تاشفين لاخوته ابن السلطان لما ولى ابنه أبا زيان على وهران وأعمالها طلبه أبو تاشفين في ولايتها لنفسه فأسعفه ظاهرا وعهد إلى كاتبه يحيى بن خلدون بمماطلته في كتابها حتى يرى المخلص من ذلك فأقام الكاتب يطاوله وكان في الدولة لئيم من سفلة الشرط يدعى بموسى بن يخلف صحبهم أيام الاغتراب بتيكورارين أيام ملك تلمسان عليهم السلطان عبد العزيز بن السلطان أبى الحسن كما مر وخلا له وجه السلطان أبى حمو وابنه فتقرب إليه بخدمته ورعاها له فلما رجع السلطان إلى تلمسان بعد مهلك عبد العزيز قدمه وآثره واستخلصه فكان من أخلص بطانته وكان أبو تاشفين أيضا استخلصه وجعله عينا على أبيه وكان هو أيضا يغص بابن خلدون كاتب السلطان ويغار من تقدمه عنده ويغرى به أبا تاشفين جهده فدس
إليه أثناء هذه المطاولة أن الكاتب ابن خلدون انما مطله بالكتاب خدمة لابي زيان أخيه رايثارا له عليه فاستشاطله أبو تاشفين وترصد له منصرفه من القصر إلى بيته بعد التراويح في احدى ليالى رمضان سنة ثمانين في رهط من الاوغاد كان يطوف بهم في سكك المدينة ويطرق معهم بيوت أهل السر والحشمة في سبيل الفساد فعرضوا له وطعنوه بالخناجر حتس سقط عن دابته ميتا وغدا الخبر على السلطان صبيحة تلك الليلة فقام في ركائبه وبث الطلب عن أولئك الرهط في جوانب المدينة ثم بلغه أن ابنه أبا تاشفين صاحب الفعلة فأغضي وطوى عليها جوانحه وأقطع أبا تاشفين مدينة وهران كما وعده وبعث ابنه أبا زيان على بلاد حصين والمرية كما كان ثم طلب أبو تاشفين من ابيه أن تكون الجزائر خالصة له فأقطعه اياها وأنزل بها من اخوته يوسف بن الزابية بما كان شيعة له من بينهم وفئة في صحبته ومخالصته فأقام واليا عليها والله أعلم(7/140)
{ حركة آبى حمو على ثغور المغرب الاوسط ودخول ابنه أبى تاشفين إلى جهات مكناسة } كان أبو العباس بن السلطان أبى سالم ملك بنى مرين بالمغرب الاقصى قد نهض في عساكره سنة ثلاث وثمانين إلى مراكش وبها الامير عبد الرحمن بن يفلوس بن السلطان أبى على مقاسمه في نسبه وملكه وكان قد سوغ له مراكش وأعمالها عند ما أجلب معه على البلد الجريد سنة خمس وسبعين كما في أخبارهم واستقر الامير عبد الرحمن بمراكش ثم حدثت الفتنة بينه وبين السلطان أحمد ونهض إليه من فاس فحاصره أولا وثانيا يفرج فيهما عنه ثم نهض إليه سنة أربع وثمانين فحاصره وأخذ بمخنقه وأطال حصاره وكان يوسف بن على بن غانم أمير المعقل من العرب منتقضا على السلطان وقد بعث السلطان العساكر إلى احيائه فهزموه وخربوا بيوته وبساتينه بسجلماسه ورجعوا وأقام هو بصحرائه منتقضا فلما جهد الحصار الامير عبد الرحمن بمراكش بعث أبا
العشائر ابن عمه منصور بن السلطان أبى على إلى يوسف بن على بن غانم ليجلب به على فاس وبلاد المغرب فيأخذ بحجزة السلطان عنه وينفس من مخنقه فسار يوسف بن على مع أبى العشائر إلى السلطان أبى حمو بتلمسان يستنجده على هذا الغرض لقدرته عليه دون العرب بماله من العساكر والابهة فأنجده على ذلك وقدم ابنه أبا تاشفين معهم وخرج هو في أثرهم فساروا إلى المغرب ونزل يوسف بن على بقومه قريبا من مكناسة ومعه الامير ان أبو العشائر وأبو تاشفين وجاء أبو حمو من خلفهم فحصر تازى سبعا وخرب قصر تازروت المعد هنالك لنزل السلطان وكان السلطان قد استخلف على فاس في مغيبه على بن مهدى العسكري من عمال دولته ووجوه قبيله وكان هنالك عرب المنبأة من المعقل قد أخذوا الميرة فأهاب بهم وترمار بن عريف ولى الدولة من عرب سويد وهو نازل بقصر مرادة من جوار تازى فاستألفهم لمدافعة أبى حمو ابنه وخرج بهم على بن مهدى ثم وصل الخبر باستيلاء السلطان على مراكش منتصف خمس وثمانين فأجفل أبو تاشفين وأبو العشائر ومن معهما من العرب واتبعهم على بن مهدى بمن معه من المنباة وأجفل أبو حمو على تازى ومر بمرادة على قصر وترمار فهدمه وعاث فيه وانكف راجعا إلى تلمسان وفارق ابنه أبو تاشفين أصحابه أبا العشائر والعرب ولحق بأبيه إلى أن كان ما نذكره ان شاء الله تعالى { نهوض السلطان أبى العباس صاحب المغرب إلى تلمسان واستيلاؤه عليها واعتصام أبى حمو بجبل تاحجموت } لما استولى السلطان أبو العباس على مراكش كما قلناه رجع إلى دار ملكه بفاس(7/141)
وقد آسفه السلطان أبو حمو باجلابه على وطنه هو وابنه أبو تاشفين مع العرب أيام مغيبه بمراكش فأجمع الرحلة إلى تلمسان وخرج في عساكره وراجع يوسف بن على الطاعة ورحل معه في جموعه وبلغ الخبر إلى السلطان أبى حمو فتردد بين الحصار بتلمسان
أو مفارقتها وكان بينه وبين ابن الاحمر صاحب الاندلس مواصلة ولابن الاحمر دالة على السلطان أبى العباس كما فكان يحفظ له الشأن في قصد تلمسان ويلبثه عنها فيعطيه المقادة في ذلك فيعلل هو السلطان أبا حمو بأن السلطان أبا العباس لا يصل إليه ثم أجمع السلطان أبو العباس أمره ونهض على حين غفلة معدا إلى تلمسان وتقدم الخبر إلى أبى حمو فأجمع مفارقة تلمسان بعد أن أظهر لاوليائه وأهل دولته أنه على الحصار ثم خرج حين عشية إلى معسكره بالصعيف وافتقده أهل بلده من صبيحتهم فتبادر أكثرهم إليه متعلقين بأذياله خوفا من معرة العدو ثم ارتحل يطوى المراحل إلى البطحاء ودخل السلطان أبو العباس تلمسان واستولى عليها وجهز العساكر لاتباع أبى حمو وقومه فأجفل من البطحاء ولحق بتاحجموت فاعتصم بمعلقها ولحق به ابنه المنتصر من مليانة بما كان معه من الذخيرة فاستمد بها وأقام هناك عازما على الامتناع والله تعالى أعلم { رجوع السلطان أبى العباس إلى المغرب واختلال دولته ورجوع السلطان أبى حمو إلى ملكه بتلمسان } كان السلطان أبو العباس لما استولى على مملكة تلمسان طير كتبه ورسله بفتحها إلى ابن الاحمر صاحب الاندلس ويعتذر إليه من مخالفة رأيه في الحركة إليها وقد كان ابن الاحمر آسفه ذلك إلى ما انتظم إليه من النزغات الملوكية التى يؤسف بها بعضهم بعضا وهو بطوى جوانحه عليها واطلع على فساد طاقة السلطان أبى العباس في أهل دولته وفقد ضمائرهم له فأزعج لوقته موسى ابن السلطان أبى عنان من أعياص ملكهم كان عنده بالاندلس وجهزه بما يحتاج إليه وبعث في خدمته مسعود بن رحو بن ما سالى وزيرهم المشهور وأركبه السفن إلى سبتة فنزلوا بساحتها أول ربيع سنة ست وثمانين واستولوا عليها ثم تقدموا إلى فاس فنازلوا دار الملك أياما وبها محمد بن حسن كاتب محمد ابن عنان القائم بدولة السلطان أبى العباس والمستبد عليه واشتدوا في حصارها
وتوافت إليهم الامداد والحشود فداخله الخور وألقى بيده وداخل السلطان موسى إلى دار الملك تاسع عشر ربيع الاول من السنة وجلس على أريكته وآتاه الناس طاعتهم وطار الخبر إلى السلطان أبى العباس بتلمسان وقد تجهز لاتباع أبى حمو ونزل على مرحلة من تلمسان بعد أن أغراه وترمار بن عريف أمير سويد بتخريب قصور الملك بتلمسان(7/142)
وكانت لا يعبر عن حسنها اختطها السلطان أبو حمو الاول وابنه أبو تاشفين واستدعى لها الصناع والفعلة من الاندلس لحضارتها وبداوة دولتهم يومئذ بتلمسان فبعث اليهما السلطان أبو الوليد صاحب الاندلس بالمهرة والحذاق من أهل صناعة البناء بالاندلس فاستجادوا لهم القصور والمنازل والبساتين بما أعيا على الناس بعدهم أن يأتوا بمثله فأشار وترمار على السلطان أبى العباس بتخريب هذه القصور وأسوار تلمسان انتقاما بزعمه من أبى حمو وأخذا بالنار منه فيما اعتمده من تخريب قصر الملك بتازى وتخريب قصره هو بمرادة فأتى عليها الخراب أسرع من لمح البصر وبينما هو في ذلك وهو يروم السفر لاتباع أبى حمو إذ جاءه الخبر بأن السلطان موسى بن عمه السلطان أبى عنان قد استولى على دار ملكهم بفاس واقتعد أريكتهم فكر راجعا إلى المغرب لا يلوى على شئ وترك تلمسان لشأنها وكان من أمره ما يأتي ذكره في أخبارهم وطار الخبر إلى السلطان أبى حمو بمكانه من تاحجموت فاغذ السير إلى تلمسان ودخلها وعاد إلى ملكه بها وتفجع لتلك القصور بما ذهب من رونق حسنا وراجع دولته بنى عبد الواد وسلطانهم بتلمسان والله سبحانه وتعالى أعلم * (تجدد المنافسة بين أولاد السلطان أبى حمو ومجاهرة أبى تاشفين بذلك لهم ولابيه) * كان التنافس بين هؤلاء الاولاد خفيا على الناس بما كان السلطان أبوهم يؤامل بينهم ويدارى بعضهم عن بعض فلما خرجوا أمام بنى مرين وعادوا إلى تلمسان صار تنافسهم إلى العداوة واتهم أبو تاشفين أباه بممالاة اخوته عليه فشمر لعقوقه وعداوته
وشعر السلطان بذلك فأعمل الحركة إلى ناحية البطحاء موريا باصلاح العرب ومعتزما على لقاء ابنه المنتصر بمليانة جناحه ويتخطى إلى الجزائر فيجعلها دار ملكه بعد أن استخلف بتلمسان ابنه أبا تاشفين وحالفه على المناصحة واطلع موسى بن يخلف على خبيئة السلطان بذلك فدس بها إلى أبى تاشفين على عادته فطار به الاسف كل مطار وأغذ السير من تلمسان فيمن معه من العسكر وصبح أباه بأسافل البطحاء قبل أن يتصل وبالمنتصر وكشف القناع عن التكبر والتسخط على ما بلغه فحلف له السلطان على ذلك وأرضاه بالرجوع معه إلى تلمسان فرجعا جميعا * (خلع السلطان أبى حمو واستبداد ابنه أبى تاشفين بالملك واعتقاله اياه) * ولما رجع السلطان من البطحاء وبطل ما كان يؤمله من الاتصال بالمنتصر دس إليه مع خالصة من أهل دولته يعرف بعلى بن عبد الرحمن بن الكليب بأحمال من المال يودعها إلى أن يجد السبيل لحاجة نفسه وكتب له بولاية الجزائر ليقيم بها حتى يخلص إليه واطلع موسى على ذلك فأطلع أبا تاشفين على الخبر فبعث في أثره من حاشيته من اغتال ابن(7/143)
الكلب وجاء إليه بالمال والكتب فاطلع منها على حقيقة أمرهم وأنهم متربصون به فاستشاط وجاهر أباه وغدا عليه بالقصر فأوقفه على الكتاب وبالغ في عذله وتحيز موسى ابن يخلف إلى أبى تاشفين وهجر باب السلطان وأغرى به ابنه ففدا على أبيه بالقصر بعد أيام وخلعه وأسكنه بعض حجر القصر ووكل به واستخلص ما كان معه من الاموال والذخيرة ثم بعث به إلى قصبة وهران فاعتقله بها واعتقل من حضر بتلمسان من اخوته وذلك آخر ثمان وثمانين وبلغ الخبر إلى المنتصر بمليانة وأبى زيان وعمير فلحقوا بقبائل حصين واستذموا بهم فأذموهم وأنزلوهم عندهم بجبل تيطرى وجمع أبو تاشفين العساكر واستألف العرب من سويد وبنى عامر وخرج في طلب المنتصر واخوته ومر بمليانة فملكها ثم تقدم إلى جبل تيطرى وأقام في حصارهم به وهم ممتنعون عليه والله
تعالى أعلم * (خروج السلطان أبى حمو من الاعتقال ثم القبض عليه وتغريبه إلى المشرق) * لما طال مقام أبى تاشفين على تيطرى لحصار اخوته ارتاب بأمر أبيه وطول مغيبه عنه وشاور أصحابه في شأنه فأشاروا بقتله واتفقوا على ذلك فبعث أبو تاشفين ابنه أبا زيان في لمة من حاشيته فيهم ابن الوزير عمران بن موسى وعبد الله بن الخراساني فقتلوا من كان معتقلا بتلمسان من أبناء السلطان وتقدموا إلى وهران وسمع أبو حمو بقدومهم فأوجس الخيفة منهم واطلع من جدران القصبة ينادى بالصريخ في أهل البلد فتبادروا إليه من كل جهة وتدلى لهم بحبل وصله من عمامته التى كان معتما بها فشالوه حتى استقر بالارض واجتمعوا إليه وكان الرهط الذين جاؤا لقتله بباب القصر وقد أغلقه دونهم فلما سمعوا الهيمنة واستيقنوا الامر طلبوا النجاة بذمائهم واجتمع أهل البلد على السلطان وتولى كبر ذلك خطيبهم وجددوا له البيعة وارتحل من حينه إلى تلمسان فدخلها أوائل تسع وثمانين وهى يومئذ عورة بما كان بنو مرين هدموا من أسوارها وأزالوا حصنها وبعث فيمن كان مخلفا بأحياء بنى عامر من أكابرهم ووجوههم فقدموا عليه وطار الخبر إلى أبى تاشفين بمكانه من حصار تيطرى فانكفأ راجعا إلى تلمسان فيمن معه من العساكر والعرب وبادره قبل أن يستكمل أمره فأحيط به ونجا إلى مأذنة الجامع فاعتصم بها ودخل أبو تاشفين القصر وبعث في طلبه وأخبر بمكانه فجاء إليه بنفسه واستنزله من المأذنة وأدركته الرقة فجهش بالبكاء وقبل يده وغدا به إلى القصر واعتقله ببعض الحجر هنالك ورغب إليه أبوه في تسريحه إلى المشرق لقضاء فرضه بعض تجار النصارى المترددين إلى تلمسان من القيطلان على حمله إلى الاسكندرية وأركبه السفن معهم بأهله من مرصة وهران ذاهبا لطيبة موكلا به وأقبل أبو تاشفين(7/144)
على القيام بدولته والله تعالى أعلم
{ نزول السلطان أبى حمو ببجاية من السفين واستيلاؤه على تلمسان ولحاق أبى تاشفين بالمغرب } لما ركب السلطان أبو حمو السفين ذاهبا إلى الاسكندرية وفارق أعمال تلمسان وحاذى بجاية داخل صاحب السفينة في أن ينزله ببجاية فأسعفه بذلك فخرج من الطارمة التى كان بها معتقلا وصار الموكلون به في طاعته وبعث إلى محمد بن أبى مهدى قائد الاسطول ببجاية المستبد على أميرها من ولد السطان أبى العباس بن أبى حفص وكان محمد خالصة المستنصر بن أبى حمو من ناحية دولتهم قد خلص إلى بجاية من تيطرى بعد ما تنفس الحصار عنهم فبعثه ابن أبى مهدى إلى السلطان أبى حمو بالاجابة إلى ما سأل وأنزله ببجاية آخر تسع وثمانين وأسكنه بستان الملك المسمى بالرفيع وطير بالخبر إلى السلطان بتونس فشكر له ما آتاه من ذلك وأمره بالاستبلاغ في تكريمه وأن يخرج عساكر بجاية في خدمته إلى حدود عمله متى احتاج إليها ثم خرج السلطان أبو حمو من بجاية ونزل متيجة واستنفر طوائف العرب من كل ناحية فاجتمعوا إليه ونهض يريد تلمسان واعصوصب قومه بنو عبد الواد على أبى تاشفين بما بذل فيهم من العطاء وقسم من الاموال فنابذوا السلطان أبا حمو واستصعب أمرهم وخرج إلى الصحراء وخلف ابنه أبا زيان في جبال شلف مقيما لدعوته وبلغ إلى تاسة من ناحية المغرب وبلغ الخبر إلى أبى تاشفين فبعث عسكرا إلى شلف مع ابنه أبى زيان ووزيره محمد بن عبد الله بن مسلم فتواقفوا مع أبى زيان بن السلطان أبى حمو فهزمهم وقتل أبو زيان بن أبى تاشفين ووزيره بن مسلم وجماعة من بنى عبد الواد وكان أبو تاشفين لما بلغه وصول أبيه إلى تاسة سار إليه من تلمسان في جموعه فأجفل أبو حمو إلى وادى صاو استجاش بالاحلاف من عرب المعقل هنالك فجاؤا لنصره ورعوا زمامه فنزلها وأقام أبو تاشفين قبالته وبلغه هنالك هزيمة ابنه ومقتله فولى منهزما إلى تلمسان وأبو حمو في اتباعه ثم سرح أبو تاشفين مولاه سعادة في طائفة من العسكر لمجاولة العرب في التخلي عن أبى حمو
فانتهز فيه الفرصة وهزمه وقبض عليه وبلغ الخبر إلى أبى تاشفين بتلمسان وكان يؤمل النجاح عند سعادة فيما توجه فيه فأخفق سعيه وانفض عنه بنو عبد الواد والعرب الذين معه وخرج هاربا من تلمسان مع أوليائه من سويد إلى مشاتيهم بالصحراء ودخل السلطان أبو حمو تلمسان في رجب سنة تسعين وقدم عليه أبناؤه فأقاموا معه بتلمسان فطرق المنتصر ابنه المرض فهلك بها لايام من دخوله تلمسان واستقر الامر على ذلك والله أعلم(7/145)
* (نهوض أبى تاشفين بعساكر بنى مرين ومقتل السلطان أبى حمو) * لما خرج أبو تاشفين من تلمسان أمام أبيه واتصل بأحياء سويد أجمعوا رأيهم على الاستنجاد بصاحب المغرب فوفد أبو تاشفين ومعه محمد بن عريف شيخ سويد على السلطان أبى العباس صاحب فاس وسلطان بنى مرين صريخين على شأنهما فقبل وفادتهما ووعدهما بالنصر من عدوهما وأقام أبو تاشفين عنده ينتظر انجاز وعده وكان بين أبى حمو وابن الاحمر صاحب الاندلس وشيجة ود وعقيدة وصلة ولابن الاحمر دالة وتحكم في دولة ابى العباس صاحب المغرب بما سلف من مظاهرته على أمره مذ اول دولته فبعث أبو حمو في الدفاع عنه من اجازة أبى تاشفين من المغرب إليه فلم يجبه صاحب المغرب وفاء بذمته وعلله بالقعود عن نصره وألح عليه ابن الاحمر في ذلك فتعلل بالمعاذير وكان أبو تاشفين قد عقد لاول قدومه مع وزير الدولة محمد بن يوسف بن علال حلفا اعتقد الوفاء به فكان هواه في انجاده ونصره من عدوه فلم يزل يفتل لسلطانه في الذروة والغارب ويلوى عن ابن الاحمر المواعيد حتى أجابه السلطان إلى غرضه وسرح ابنه الامير أبا فارس والوزير محمد بن يوسف بن علال في العساكر لمصارخة أبى تاشفين وفصلوا عن فاس أواخر احدى وتسعين وانتهوا إلى تازى وبلغ خبرهم إلى السلطان أبى حمو فخرج من تلمسان وجمع أشياعه من بنى عامر والحراج بن عبيد الله وقطع جبل
بنى ورنيد المطل على تلمسان وأقام بالغيران من جهاته وبلغ الخبر إلى أبى تاشفين فقدم إلى تلمسان مجدد المكر والخديعة وشيطان الفتنة والشر موسى بن يخلف فاستولى عليها وأقام دعوة أبى تاشفين فيها فطير الخبر إلى أبى حمو ابنه عمير فصحبه بها لليلة من مسيرة فأسلمه أهل البلد وتقبض عليه وجاء به أسيرا إلى أبيه بمكانه من الغيران فوبخه أبو حمو على فعاله ثم أذاقه أليم عقابه ونكاله وأمر به فقتل أشنع قتلة وجاء العيون إلى أبى فارس بن صاحب المغرب ووزيره ابن علال بمكان أبى حمو واغرابه بالغيران فنهض الوزير ابن علال في عساكر بنى مرين لغزوه وسار أمامهم سليمان بن ناجى من الاحلاف احدى بطون المعقل يدل بهم طريق القفر حتى صبحوه ومن معه من احياء الحراج في مكان مقامتهم بالغيران وناوشوهم القتال فلم يطيقوهم لكثرتهم وولوا منهزمين وكبا بالسلطان أبى حمو فرسه فسقط وأدركه بعض فرسانهم وعرفه فقتله قعصا بالرماح وجاؤا براسه إلى الوزير بن علال وأبى تاشفين وجئ بابنه عمير أسير وهم أبو تاشفين أخوه بقتله فمنعوه أياما ثم أمكنوه منه فقتله ودخل أبو تاشفين تلمسان أواخر احدى وتسعين وخيم الوزير وعساكر بنى مرين بظاهر البلد حتى دفع إليهم ما شارطهم عليه من المال ثم قفلوا إلى المغرب وأقام هو بتلمسان يقيم دعوة السلطان أبى العباس صاحب المغرب(7/146)
ويخطب له على منابره ويبعث إليه بالضريبة كل سنة كما اشترط على نفسه إلى أن كان ما نذكره ان شاء الله تعالى * (مسير أبى زيان بن أبى حمو لحصار تلمسان ثم اجفاله عنها ولحاقه بصاحب المغرب) * كان السلطان أبو حمو قد ولى على الجزائر ابنه أبا زيان لما عاد إلى ملكه بتلمسان وأخرچ منها أبا تاشفين فلما قتل أبو حمو بالغيران كما قلناه خرج أبو زيان من الجزائر ناجينا إلى أحياء حصين يؤمل الكرة بهم والاخذ بثار أبيه وأخيه فاشتملوا عليه وأجابوا صريخه ثم وفد عليه أمراء بنى عامر من زغبة يدعونه لملكه فسار إليهم وقام بدعوته وطاعته شيخهم
المسعود بن صغير ونهضوا جميعا إلى تلمسان في رجب سنة ثنتين وتسعين فحاصروها أياما وسرب أبو تاشفين المال في العرب فافترقوا على أبى زيان وخرج إليه أبو تاشفين فهزمه في شعبان من السنة ولحق بالصحراء واستألف أحياء المعقل وعاود حصار تلمسان في شوال وبعث أبو تاشفين ابنه صريخا إلى المغرب فجاءه بمدد من العسكر ولما انتهى إلى تاوريرت أفرج أبو زيان عن تلمسان وأجفل إلى الصحراء ثم أجمع رأيه على الوفادة إلى صاحب المغرب فوفد عليه صريخا فتلقاه وبر مقدمه ووعده النصر من عدوه وأقام عنده إلى حين مهلك أبى تاشفين والله تعالى أعلم * (وفاة أبى تاشفين واستيلاء صاحب المغرب على تلمسان) * لم يزل هذا الامير أبو تاشفين مملكا على تلمسان ومقيما فيها لدعوة صاحب المغرب أبى العباس بن السلطان أبى سالم ومؤديا للضريبة التى فرضها عليه منذ أول ملكه وأخوه الامير أبو زيان مقيم عند صاحب المغرب ينتظر وعده في النصر عليه حتى تغير السلطان أبو العباس على أبى تاشفين في بعض النزغات الملوكية فأجاب داعى أبى زيان وجهزه بالعساكر لملك تلمسان فسابر لذلك منتصف سنة خمس وتسعين وانتهى إلى تازى وكان أبو تاشفين قد طرقه مرض أزمن به ثم هلك منه في رمضان من السنة وكان القائم بدولته أحمد بن العز من صنائعهم وكان يمت إليه بخؤلة فولى بعده مكانه صبيا من ابنائه وقام بكفالته وكان يوسف بن أبى حمو وهو بن الزابية واليا على الجزائر من قبل ابى تاشفين فلما بلغه الخبر أغذ السير مع العرب ودخل تلمسان فقتل أحمد بن العز والصبى المكفول ابن أخيه تاشفين فلما بلغ الخبر إلى السلطان أبى العباس صاحب المغرب خرج إلى تازى وبعث من هناك ابنه أبا فارس في العساكر ورد أبا زيان بن أبى حمو إلى فاس ووكل به وسار ابنه أبو فارس إلى تلمسان فملكها وأقام فيها دعوة أبيه وتقدم وزير أبيه صالح بن حمو إلى مليانة فملكها وما بعدها من الجزائر وتدلس إلى حدود بجاية واعتصم يوسف بن الزابية بحصن تاحجموت وأقام الوزير صالح يحاصره وانقرضت دعوة بنى عبد(7/147)
الواد من المغرب الاوسط والله غالب على أمره { وفاة أبى العباس صاحب المغرب واستيلاء أبى زيان بن أبى حمو على تلمسان والمغرب الاوسط } كان السلطان أبو العباس بن أبى سالم لما وصل إلى تازى وبعث ابنه أبا فارس إلى تلمسان فملكها وأقام هو بتازى يشارف أحوال ابنه ووزيره صالح الذى تقدم لفتح البلاد الشرقية وكان يوسف بن على بن غانم أمير أولاد حسين من المعقل قد حج سنة ثلاث وتسعين واتصل بملك مصر من الترك الملك الظاهر برقوق وتقدمت إلى السلطان فئة واخبرته بمحله من قومه فأكرم تلقيه وحمله بعد قضاء حجة هدية إلى صاحب المغرب يطرفه فيها بتحف من بضائع بلده على عادة الملوك فلما قدم بها يوسف على السلطان أبى العباس عظم موقعها وجلس في مجلس جعله لعرضها والمباهاة بها وشرع في المكافأة عنها بمتخير الجياد والبضائع والثياب حتى استكمل من ذلك ما رضيه واعتزم على انفاذها مع يوسف بن على حاملها الاول وانه يرسله من تازى أيام مقامته هناك فطرقه هنالك مرض كان فيه حتفه في محرم سنة ست وتسعين واستدعوا ابنه أبا فارس من تلمسان فبايعوه بتازى وولوه مكانه ورجعوا به إلى فاس وأطلقوا أبا زيان بن أبى حمو من الاعتقال وبعثوا به إلى تلمسان أميرا عليها وقائما بعد السلطان أبى فارس فيها فسار إليها وملكها وكان أخوه يوسف بن الزابية قد اتصل بأحياء بنى عامر يروم ملك تلمسان والاجلاب عليها فبعث إليهم أبو زيان عندما بلغه ذلك وبذلك لهم عطاء جزيلا على أن يبعثوا به إليه فأجابوه إلى ذلك وأسلموه إلى ثقات أبى زيان وساروا به فاعترضهم بعض أحياء العرب ليستنقذوه منهم فبادروا بقتله وحملوا رأسه إلى أخيه أبى زيان فسكنت أحواله وذهبت الفتنة بذهابه واستقامت أمور دولته وهم على ذلك لهذا العهد والله غالب على أمره وقد انتهى بناء القول في دولة بنى عبد الواد من زناتة الثانية (وبقى) علينا خبر الرهط الذين تحيزوا منهم إلى بنى مرين منذ أول الدولة وهم بنوكى من فصائل على
ابن القاسم اخوة طاع الله بن على وخبر بنى كندوز أمرائهم بمراكش فلترجع إلى ذكر أخبارهم وبها نستوفي الكلام في أخبار بنى عبد الواد والله وارث الارض ومن عليها وهو خير الوارثين(7/148)
أبو تاشفين عمر أبو زيان محمد بن عثمان أبو ثابت أبو تاشفين بن أبى حمو موسى بن عثمان أبو زيان فارس زكرار عثمان الحسن بن جابر بن يوسف عبد الملك بن محمد بن قاسم بن درع عثمان بن يحيى بن محمد بن أحمد بن يعلى المنتصر أبو زيان أبو عامر برهوم عبد الله بن أبى حفص عمر يحيى بن داوين مكى يوسف بن محمد
عمر بن عموش يعيش بن راشد بن الزعيم الناصر يوسف بن السلطان أبى حمو موسى بن يوسف بن عبد الرحمن بن يحيى بن يغمراسن بن زيان بن ثابت بن محمد بن زكرار بن بندوكس بن طاع الله(7/149)
{ الخبر عن بنى كمى احد بطون بنى القاسم بن عبد الواد وكيف نزعوا إلى بنى مرين وما صار لهم بنواحي مراكش وأرض السوس من الرياسة } قد تقدم لنا أول الكلام في بنى عبد الواد أن بنى كمى هؤلاء من شعوب القاسم وأنهم بنو كمى بن يمل بن يزكن بن القاسم اخوة طاع الله وبنى دلول وبنى معطى دلول وبنى معطى بن جوهر بن على وذكرنا ما كان بين طاع الله وبين اخوانهم بنى كمى من الفتنة وكيف قتل كندوز بن عبد الله كبير بن كمى زيان بن ثابت بن محمد كبير بنى طاع الله وأن جابر بن يوسف بن محمد القائم بالامر من بعده ثار منهم بزيان وقتل كندوز اغيلة أو حربا وبعث برأسه إلى يغمراسن بن زيان فنصب عليها أهل البيت القدور شفاية لنفوسهم واستمر الغلب بعدها على بنى كمى فلحقوا بحضرة تونس وكبيرهم إذ ذاك عبد الله ابن كندوز ونزلوا على الامير أبى زكريا حتى كان من استيلائه على تلمسان ما قدمنا ذكره وطمع عبد الله في الاستبداد بتلمسان فلم يتفق ذلك ولما هلك مولانا الامير أبو زكريا وولى ابنه المنتصر أقام عبد الله صدرا من دولته ثم ارتحل هو وقومه إلى المغرب ونزل على يعقوب بن عبد الحق قبل فتح مراكش فاهتز يعقوب لقدومه وأحله بالمكان الرفيع من دولته وأنزل قومه بجهات مراكش وأقطعهم البلاد التى كفتهم مهماتهم وجعل السلطان انتجاع ابله وراحلته في أحيائهم وقدم على رعايتها حسان ابن أبى سعيد الصبيحى وأخاه موسى وصلا في لفيفه من بلاد المشرق وكانا عارفين برعاية
الابل والقيام عليها وأقاموا يتقلبون في تلك البلاد ويتعدون في نجعتها إلى أرض السوس وأوفد يعقوب بن عبد الحق عبد الله بن كندوز هذا على المنتصر صاحب افريقية سنة خمس وستين مع عامر بن أخيه ادريس كما قدمناه والنحم بنو كمى ببنى مرين وأصبحوا احدى بطونهم وهلك عبد الله بن كندوز وصارت رياستهم من بعده لابنه عمر بن عبد الله فلما نهض يوسف بن يعقوب بن عبد الحق إلى المغرب الاوسط وشغل بحصار تلمسان وتحدث الناس بما نزل بعبد الواد من بنى مرين أخذت بنى كمى الحمية وامتعضوا لقومهم وأجمعوا الخلاف والخروج على السلطان ولحقوا بحاجة سنة ثلاث وسبعمائة واستولوا على بلاد السوس فخرج إليهم أخو السلطان الامير بمراكش يعيش بن يعقوب فناجزوه الحرب بتادارت وغلبوه واستمروا على خلافهم ثم عاود محاربتهم بتامطولت سنة أربع بعدها فهزمهم الهزيمة الكبرى التى قصت جناحهم وقتل عمر بن عبد الله وجماعة من كبرائهم وفروا أمامه إلى الصحراء ولحقوا بتلمسان وهدم بعيس بن يعقوب تارودنت قاعدة أرض السوس وأقام بنو كندوز(7/150)
بعدها بتلمسان نحوا من ستة أشهر ثم توجسوا الغدر من ولد عثمان بن يغمراسن فرجعوا إلى مراكش واتبعهم عساكر السلطان وأبلى منهم في القتال عنهم محمد بن أبى بكر بن حمامة بن كندوز وخلصوا إلى منجاتهم مشردين بصحراء السوس إلى أن هلك السلطان يوسف بن يعقوب وراجعوا طاعة الملوك بالمغرب فعفوا لهم عما سلف من هذه الجزيرة وأعادوهم إلى مكانهم من الولاية فأمحضوا النصيحة والمخالصة وكان أميرهم من بعد عمر ابنه محمد وأقام في امارتهم سنين ثم ابنه موسى بن محمد من بعده كذلك واستخلصه السلطان أبو الحسن أيام الفتنة بينه وبين أخيه أبى على لعهد أبيهما السلطان أبى سعيد ومن بعده فكانت له في المدافعة عن نواحى مراكش آثار وأيام ثم هلك موسى بن محمد فولى السلطان أبو الحسن مكانه ابنه يعقوب بن موسى ولما غلب
على تلمسان وأصار بنى عبد الواد في خوله وجنوده تمشت رجالاتهم وساموا أشجانهم حتى إذا كانت واقعة الغيران وتواقف السلطان وبنى سليم داخلهم يعقوب بن موسى في أن ينخذل عن السلطان إليهم ببنى عبد الواد ومن إليهم من مغراوة وتوجين وأوعدهم لذلك ثم مشى في قومه وكافة بنى عبد الواد فأجابوه إلى ذلك ولحقوا جميعا ببنى سليم فجروا بذلك الهزيمة على السلطان بالغيران المشهورة ولحقوا بعدها بتلمسان وولوا أمرهم في بنى يغمراسن وهلك يعقوب بن موسى بافريقية ولحق أخوه رحو بالمغرب وكان السلطان أبو عنان قد استعمل على جماعتهم وعملهم عبو بن يوسف بن محمد وهو ابن عمهم دينا فأقام فيهم كذلك حتى هلك فولى من بعده ابنه محمد بن عبوا وهم على ذلك لهذا العهد يعسكرون للامير بمراكش ويتولون من خدمة السلطان مالهم فيه الغناء والكفاية فكأنهم بمعزل عن بنى عبد الواد لاحتكام العداوة بمقتل زيان بن ثابت والله وارث الارض ومن عليها وهو خير الوارثين لارب غيره ولا معبود سواه(7/151)
رحو محمد بن أبى بكر بن حمامة محمد بن عبو بن يوسف يعقوب بن موسى بن محمد بن عمر بن عبد الله بن كندوز * (الخبر عن بنى راشد بن محمد بن يادين وذكر أوليتهم وتصاريف أحوالهم) * وانما قد منا ذكرهم قبل استتمام بنى يادين لانهم لم يزالوا أحلا فالبنى عبد الواد ومن جملتهم فكانت أخبارهم من أخبارهم وأما راشد أبوهم فهو أخو يادين واختص بنوه كما قلنا ببنى عبد الواد وكانت مواطنهم بالصحراء بالجبل المعروف براشد اسم أبيهم وكانت مواطن مديونة من قبائل البربر قبلة تاسالت وبنو ورنيد من بطون دمر قبلة تلمسان إلى قصر سعيد وكان جبل هوارة موطنا لبنى يلوما الذين كان لهم الملك كما قدمنا ولما
اضمحل أمر بنى يلوما وذهبت دولتهم زحف بنو راشد هؤلاء من بطونهم بجبل راشد إلى بسائط مديونة وبنى ورنيد فشنوا عليهم الغارات وطالت بينهم الحرب إلى أن غلبوهم على مواطنهم وألجؤهم إلى الاوعار فاستوه لن بنو ورنيد الجبل المطل على تلمسان واستوطن مديونة جبل تاسالت وملك بنو راشد بسائطهم ثم استوطنوا جبلهم المعروف بهم لهذا العهد وهو بلد بنى يفرن الذين كانوا ملوك تلمسان لاول الاسلام وكان منهم أبو قرة الصفرى كما قدمناه وكان منهم بعد ذلك يعلى بن محمد الامير الذى قتله جوهر الصقلى قائد الشيعة كما ذكرناه في أخبارهم ويعلى هو الذى اختط بهذا الجبل مدينة ايفكان الذى هدمها جوهر يوم قتله فلما ملك بنو راشد هذا الجبل استوطنوه وصار حصنا لهم ومجالاتهم في ساحة القبلة لى أن غلبهم العرب عليها لهذا العهد وألجؤهم إلى الجبل وكان غلب بنى راشد على هذه الاوطان بين دخول بنى عبد الواد إلى المغرب الاوسط وكانوا شيعة لهم وأحلافا في فتنتهم مع بنى توجين وبنى(7/152)
مرين وكانت رياستهم في بيت منهم يعرفون ببنى عمران وكان القائم بها لاول دخولهم ابراهيم بن عمران واستبد عليه اخوه وترمار وقام بأمرهم إلى أن هلك فولى ابنه مقاتل بن وترمار وقتل عمه ابراهيم وافترقت رياسة بنى عمران من يومئذ بين بنى ابراهيم وبنى وترمار الا أن رياسة بنى ابراهيم أظهر فولى بعد ابراهيم بن عمران ابنه وترمار وكان معاصرا ليغمراسن بن زيان وطال عمره ولما هلك لتسعين من المائة السابعة ولى أمرهم غانم ابن أخيه محمد بن ابراهيم ثم كان فيهم من بعده موسى بن يحيى بن وترمار لا أدرى معاقبا لغانم أو توسطهما أحد ولما زحف بنو مرين إلى تلمسان آخر زحفهم صار بنو راشد هؤلاء إلى طاعة السلطان أبى السحن وشيخهم لذلك العهد أبو يحيى موسى بن عبد الرحمن بن وترمار بن ابراهيم وانحصر بتلمسان بنو عمه كرجون بن وترمار وانقرض أمر بنى عبد الواد وأشياعهم ونقل بنو مرين رؤس زناتة أجمع إلى
المغرب الاقصى فكان بنو وترمار هؤلاء ممن صار إلى المغرب وأوطنوه إلى أن صار الامر لبنى عبد الواد الكرة الثالثة على يد أبى حمو الاخير موسى بن يوسف وكان شيخ بنى راشد لعهده ابن أبى يحيى بن موسى المذكور أقبل إليهم من المغرب من ايالة بنى مرين فاتهمه أبو حمو بمداخلتهم فتقبض عليه واعتقله مدة بوهران وفر من معتقله فلحق بالمغرب وارتحل بين أحيائهم مدة ثم رجع إلى الطاعة واقتضى العهد من السلطان أبى حمو وولاه على قومه ثم على قومه ثم تقبض عليه واعتقله إلى أن قتله بمحبسه سنة ثمان وستين وسبعمائة وانقرض أمر بنى وترمار بن ابراهيم وأما بنو وترمار بن عمران فقام بأمرهم بعد مقاتل ابن وترمار أخوه أبو زركن بن وترمار ثم ابنه يوسف بن أبى زركن ثم آخرون من بعدهم لم تحضرني أسماؤهم إلى أن غلب عليهم بنو وترمار بن ابراهيم وقد ذهبت لهذا العهد رياسة أولاد عمران جميعا وصار بنو راشد هؤلاء خولا للسلطان وبقيتهم بجبلهم على الحال التى ذكرناها والله وارث الارض ومن عليها(7/153)
موسى بن يحيى كرجون يوسف بن زركن بن وترمار مقاتل غانم بن محمد زيان بن أبى يحيى بن موسى بن عبد الرحمن بن وترمار بن ابراهيم بن عمران { الخبر عن بنى توجين من شعوب بنى يادين من أهل هذه الطبقة الثالثة من زناتة وما كان لهم من الدولة والسلطان بالمغرب الاوسط وأولية ذلك ومصايره } كان هذا الحى من أعظم أحياء بنى يادين وأوقرهم عددا وكانت مواطنهم حفافى وادى شلف قبلة جبل وانشريس من أرض السرسو وهو المسمى لهذا العهد نهرصا
وكان بأرض السرسو بجهة الغرب منه بطون من لواتة وغلبهم عليها بنو وجديجن ومطماطة ثم صارت أرض السرسو لبنى توجين هؤلاء واستضافوها إلى مواطنهم لاولى وصارت مواطنهم ما بين موطن بنى راشد وجبل دراك في جانب القبلة وكانت لهم رياسة أيام صنهاجة لعطية بن دافلتن وابن عمه لقمان بن المعتز كما ذكره ابن الرقيق ولما كانت فتنة حماد بن بلكين مع عمه باديس ونهض إليه باديس من القيروان حتى احتل بوادي شلف تحيز إليه بنو توجين هؤلاء وكان لهم في حروب حماد آثار مذكورة وكان لقمان بن المعتز أظهر من عطية بن دافلتن وكان قومهم يومئذ زهاء ثلاثة آلاف وأوفد لقمان ابنه بدرا على باديس قبل اللقاء طاعة له وانحياشا فلما انهزم حماد رعى لهم باديس انحياشهم إليه وسوغ لهم ما غنموه وعقد للقمان على قومه ومواطنه وعلى ما يفتحه من البلاد بدعوته ثم انفرد برياستهم بعد حين بنودا فلتن ويقال انه دافلتن بن أبى بكر بن الغلب وكانت رياستهم لعهد الموحدين لعطية بن مناد بن العباس بن دافلتن وكان يلقب(7/154)
عطية الحيو وكانت بينهم لعهده وبين بنى عبد الواد حروب وكان متولى كبرها من بنى عبد الواد شيخهم لذلك العهد اعدوى بن يكنيجن بن القاسم فلم تزل تلك الفتنة بينهم إلى أن غلبهم بنو عبد الواد آخرا على مواطنهم كما نذكره ولما هلك عطية الحيو قام بأمرهم أبو العباس وكانت له آثار في الاجلاب على ضواحي المغرب الاوسط ونقض طاعة الموحدين إلى أن هلك سنة سبع وستمائة دس عامل تلمسان يومئذ أبو زيد بن لوحان من اغتاله فقتله وقام بأمرهم من بعده ابنه عبد القوى فانفرد برياستهم وتوارثها عقبه من بعده كما نذكره وكان من أشهر بطون بنى توجين هؤلاء يومئذ بنو يدللتن وبنو قمرى وبنو ما دون وبنو زنداك وبنو وسيل وبنو قاضى وبنو مامت ويجمع هؤلاء الستة بنومدن ثم بنو تيغرين وبنو يرناتن وبنو منكوش ويجمع هؤلاء الثلاثة بنو سرغين ونسب بنى زنداك دخيل فيهم وانما هم من بطون مغراوة وبنو منكوش هؤلاء منهمعبد القوى بن العباس بن عطية
الحيو هكذا رايت نسبه لبعض مؤرخي زناتة المنكوشى وكانت رياسة بنى توجين جميعا عند انقراض أمر بنى عبد المؤمن لعبد القوى بن العباس بن عطية الحيو واحياؤهم جميعا بتلك المجالات القبلية فلما وهن أمر بنى عبد المؤمن وتغلب مغراوة على بسائط متيجة ثم على جبل وانشريس نازعهم عبد القوى هذا وقومه أمر وانشريس وغالبوهم إلى أن غلبوهم عليه واستقر في ملكهم وأوطنه بنو تيغرين وبنو منكوش من أحيائهم ثم تغلبوا على منداس وأوطنها أحياء بنى مدن جميعا وكان الظهور منهم لبنى يدللتن ورياسة بنى يدللتن لبنى سلامة وبقى بنو يرناتن من بطونهم بمواطنهم الاولى قبلة وانشريس وكان من أحلاف بنى عطية الحيو بنو تيغرين منهم خاصة وأولاد عزيز بن يعقوب ويعرفون جميعا بالوزراء ولما تغلبوا على الاوطان والتلول وأزاحوا مغراوة عن لمدية ووانشريس وتافركينت واستأثروا بملكها وملك الاوطان عن غربيها مثل منداس والجعبات وتاوغزوت ورئيسهم لذلك العهد عبد القوى بن العباس والكل لامره فصار له ملك بدوى ولم يفارق فيه سكنى الخيام ولا ابعاد النجعة ولا ائتلاف الرحلتين بنتابون في مشاتيهم إلى مصاب والزاب وينزلون في المصايف بلادهم هذه من التل ولم يزل هذا شأن عبدالقوى وابنه محمد إلى إن تنازع بنوه الامر من بعده وقتل بعضهم بعضا وتغلب بنو عبد الواد على عامة أوطانهم وأحيائهم واستبد عليهم بنو يرناتن وبنو يدللتن فصاروا إلى بنى عبد الواد وبقى أعقابهم بجبل وانشريس إلى أن انقرضوا على ما نذكره بعد وكان عبد القوى لما غلب مغراوة على جبل وانشريس اختط حصن مرات بعد أن كان منديل المغراوى شرع في اختطاطه فبنى منه القصبة ولم يكمله فاكمله محمد بن عبد القوى من بعده ولما استبد بنو أبى حفص بأمر افريقية وصارت لهم(7/155)
خلافة الموحدين نهض الامير أبو زكريا إلى المغرب الاوسط ودخلت في طاعته قبائل صنهاجة وفرت زناتة أمامه وردد إليهم الغزو فأصاب منهم وتقبض في بعض غزواته
على عبد القوى بن العباس أمير بنى توجين فاعتقله بالحضرة ثم من عليه وأطلقه على أن يستألف له قومه فصاروا شيعة له ولقومه آخر الدهر ونهض الامير أبو زكريا بعدها إلى تلمسان فكان عبد القوى وقومه في جملته حتى إذا ملك تلمسان ورجع إلى الحضرة عقد لعبد القوى هذا على قومه ووطنه وأذن له في اتخاذ الآلة فكانت أول مراسم الملك لبنى توجين هؤلاء وكانت حالهم مع بنى عبد الواد تختلف في السلم والحروب ولما هلك السعيد على يد يغمراسن وقومه كما ذكرناه استنفر يغمراسن سائر أحياء زناتة لغزو المغرب ومسابقة بنى مرين إليه فنفر معه عبد القوى في قومه سنة سبع وأربعين وانتهوا إلى تازى واعترضهم أبو يحيى بن عبد الحق أمير بنى مرين في قومه فنكصوا واتبعهم إلى انكاد فكان اللقاء وانكشفت جموع بنى يادين وكانت الهزيمة التى ذكرناها في أخبار بنى عبد الواد وهلك عبد القوى مرجعه منها في سنته بالموضع المعروف باحمون من مواطنهم وتصدى للقيام بعده بامرهم ابنه يوسف فمكث في تلك الامارة اسبوعا ثم قتله على جدث أبيه أخوه محمد بن عبد القوى ولى عهد أبيه سابع مواراته وفر ابنه صالح بن يوسف إلى بلاد صنهاجة بجبال لمدية فأقام بها هو وبنوه واستقل محمد برياسة بنى توجين واستغلظ ملكه وكان الفحل الذى لا يقرع أنفه ونازعه يغمراسن أمره ونهض إلى حربه سنة تسع وأربعين وعمد إلى حصن تافركينت فنازله وبه يومئذ حافده على بن زيان بن محمد في عصابة من قومه فحاصره أياما وامتنعت عليه فارتحل عنها ثم تواضعوا أوزار الحرب ودعاه يغمراسن إلى مثل ما دعا إليه أباه من غزو بنى مرين في بلادهم فأجاب ونهضوا سنة سبع وخمسين ومعهم مغراوة فانتهوا إلى كلدمان ما بين تازى وأرض الريف ولقيهم يعقوب بن عبد الحق في جموعه فانكشفوا ورجعوا منهزمين إلى بلادهم كما ذكرناه وكانت بينه وبين يغمراسن بعد ذلك فتن وحروب فنازله فيها بجبل وانشريس مرات وجاس خلال وطنه ولم يقع بعدها بينهما مراجعة لاستبداد يغمراسن بالملك وسموه إلى التغلب على زناتة أجمع وبلادهم وكانوا
جميعا منحاشين إلى الدولة الحفصية وكان محمد بن عبد القوى كثير الطاعة للسلطان المستنصر (ولما نزل) النصارى الافرنجة بساحل تونس سنة ثمان وستين وطمعوا في ملك الحضرة بعث المستنصر إلى ملوك زناتة بالصريخ فصرفوا وجوههم إليه وخف من بينهم محمد بن عبد القوى في قومه ومن احتشد من أهل وطنه ونزل على السلطان بتونس وأبلى في جهاد العدو أحسن البلاء وكانت له في أيامه معهم مقامات مذكورة ومواقف(7/156)
مشهورة وعند الله محتسبة معدودة ولما ارتحل العدو عن الحضرة وأخذ محمد بن عبد القوى في الانصراف إلى وطنه أسنى السلطان جائزته وعم بالاحسان وجوه قومه وعساكره وأقطعه بلاد مغراوة وأوماش من وطن الزاب وأحسن متقلبه ولم يزل بعد ذلك معتقلا بطاعته مستظهرا على عدوه بالانحياش إليه ولما استغلظ بنو مرين على يغمراسن بعد استيلائهم على أمصار المغرب واستبدادهم بملكه وصل محمد يده بهم في الاستظهار على يغمراسن وأوفد ابنه زيان بن محمد عليهم ولما نهض يعقوب بن عبد الحق إلى تلمسان سنة سبعين وأوقع بيغمراسن في الوقيعة التى هلك فيها ابنه فارس نهض محمد بن عبد القوى للقائه ومر في طريقه بالبطحاء وهى يومئذ ثغر لاعمال يغمراسن فهدمها ولقى يعقوب بن عبد الحق في ساحة تلمسان مباهيا بآلته فأكرم يعقوب وفادته وبر مقدمه ونازلوها أياما فامتنعت عليهم وأجمعوا على الافراج وتأنى لهم يعقوب بن عبد الحق متلوما عليها إلى أن يلحق محمد وقومه بلادهم حذرا عليهم من غائلة يغمراسن ففعل وملا حقائبهم باتحافه وجنب لهم مائة من الجياد العتاق بالمراكب الثقيلة وأراح عليهم ألف ناقة حلوب وعمهم بالصلات والخلع الفاخرة واستكثر لهم من السلاح والفازات والاخبية والعملان وارتحلوا ولحق محمد بن عبد القوى بمكانه من جبل وانشريس واتصلت حروبه مع يغمراسن وكثر اجلابه على وطنه وعيثه في بلاده وهو مع ذلك مقيم على موالاة يعقوب واتحافه بالعتاق من الخيل والمستجاد من الطرف
حتى ان يعقوب إذا اشترط على يغمراسن في مهادنته جعل سلمهم من سلمه وحربهم من حربه وبسببهم كان نهوض يعقوب بن عبد الحق سنة ثمانين لما اشترط عليه ذلك ولج في قبوله فنهض إليه واوقع به بخرزوزة ثم أناخ عليه بتلمسان ووافاه هنالك محمد بن عبد القوى فلقيه بالقصاب وعاثوا في نواحى تلمسان نهبا وتخريبا ثم أذن يعقوب لمحمد وقومه في الانطلاق إلى بلادهم وتلوم هو بمكانه من ضواحي تلمسان مدة منجاتهم إلى مكانهم من وانشريس حذرا عليهم من اعتراض يغمراسن ولم يزل شأنهما ذلك إلى أن هلك يغمراسن بسدلونة من بلاد مغراوة خاتمة احدى وثمانين وفى خلال ذلك استغاظ بنو مرين على بنى عبد الواد واستوسق لمحمد هذا ملكه فتغلب على أوطان صنهاجة بجبال لمدية وأخرج الثعالبة من جبل تيطرى بعد أن غدر بمشيختهم وقتلهم فانزاحوا عنه إلى بسائط متيجة وأوطنوها واستولى محمد على حصن لمدية وهو المسمى بأهله لمدية بفتح اللام والميم وكسر الدال وتشديد الياء بعدها وهاء النسب في آخرها وهم بطن من بطون صنهاجة وكان المختط لها بلكين بن زيرى ولما استولى محمد عليها وعلى ضواحيها انزل أولاد عزيز بن يعقوب من حشمه بها وجعلها لهم موطنا وولاية وفر بنو صالح بن(7/157)
أخيه يوسف بن عبد القوى من مكانهم بين صنهاجة منذ مقتل أبيه يوسف كما ذكرناه ولحقوا ببلاد الموحدين بافريقية فلقوهم مبرة وتكريما وقطعوا لهم بضواحي قسنطينة في ايالة الملوك من آل أبى حفص يعسكرون معهم في غزاوتهم ويبلون في حروبهم ويقومون بوظائف خدمتهم وكان الموالى من أولاد عزيز على لمدية حسن بن يعقوب وبنوه من بعده يوسف وعلى وكانت مواطنهم ما بين لمدية وموطنهم الاول ماخنون وكان بنو يدللتن أيضا من بنى توجين قد استولوا على حصن الجعبات وقلعة تاوغزوت ونزل القلعة كبيرهم سلامة بن على مقيما على طاعة محمد بن عبد القوى وقومه فاتصل ملك محمد بن عبد القوى في ضواحي المغرب الاوسط ما بين مواطن بنى راشد إلى جبال
صنهاجة بنواحي لمدية وما في قبلة ذلك من بلاد السرسو ووجبا له إلى أرض الزاب وكان يبعد الرحلة في مشتاه فينزل الروسن ومغرة والمسيلة ولم يزل دأبه ذلك ولما هلك يغمراسن سنة احدى وثمانين كما ذكرناه استجدت الفتنة بين عثمان ابنه وبين محمد بن عبد القوى على اثر ذلك سنة أربع وثمانين وولى من بعده ابنه سيد الناس فلم تطل مدة ملكه وقتله أخوه موسى لسنة أو نحوها من بعد مهلك أبيه وقام موسى بن محمد في امارة بنى توجين نحوا من عامين وكان أهل مرات من أشد أهل وطنه شوكة وأقواهم غائلة فحدثته نفسه أن يستلحم مشيختهم ويريح نفسه من محاذرتهم فأجمع لذلك ونزلها ونذروا بشأنه ورأيه فيهم فاستماتوا جميعا وثاروا به فقاتلهم ثم انهزم مثخنا بالجراحة وألجؤه إلى مهاول الحصن فتردى منها وهلك وولى من بعده عمر بن اخيه اسمعيل بن محمد مدة اربعة أعوام ثم غدر به أولاد عمه زيان بن محمد فقتلوه وولوا كبيرهم ابراهيم بن زيان وكان حسن الولاية عليهم يقال ما ولى بعد محمد فيهم مثله وفى خلال هذه الولايات استغلظ عليهم بنو عبد الواد واشتدت وطأة عثمان بن يغمراسن عليهم بعد مهلك أبيهم محمد فنهض إليهم سنة ست وثمانين وحاصرهم بجبل وانشريس وعاث في أوطانهم ونقل زروعها إلى مازونة حين غلب عليها مغراوة ثم نازل حصن تافركينت وملكها بمداخلة القائد بها غالب الخصى مولى سيد الناس بن محمد وقفل إلى تلمسان ثم نهض إلى أولاد سلامة بقلعة تاوغزوت وامتنعوا عليه مرارا ثم أعطوه اليد على الطاعة ومفارقة بنى محمد بن عبد القوى فنبذوا لهم العهد وصاروا إلى ايالة عثمان بن يغمراسن وفرضوا لهم المغارم على بنى يدللتن وسلك عثمان بن يغمراسن مسلك التضريب بين قبائل بنى توجين وتحريضهم على ابراهيم بن زيان أميرهم فعدا عليه زكرار بن أعجمى شيخ بنى ما دون وقتله بالبطحاء في احدى غزواته لسبعة أشهر من ملكه وولى بعده موسى بن زرارة بن محمد بن عبد القوى بايع له بنو تيغرين واختلف سائر بنى توجين فأقام بعض سنة(7/158)
وعثمان بن يغمراسن في خلال هذا يستألف بنى توجين شبعا فشعبا إلى أن نهض إلى جبل وانشريس فملكه وفر أمامه موسى بن زرارة إلى نواحى لمدية وهلك في سفره ذلك ثم نهض عثمان إلى لمدية سنة ثمان وثمانين بعدها فملكها بمداخلة لمدية من قبائل صنهاجة غدروا بأولاد عزيز وأمكنوه منها ثم انتقضوا عليه لسبعة أشهر ورجعوا إلى ايالة أولاد عزيز فصالحوا عثمان بن يوسف على الاتاوة والطاعة كما كانوا مع محمد بن عبد القوى وبنيه فملك عثمان بن يغمراسن عامة بلاد توجين ثم شغل بما دهمه من مطالبة بنى مرين أيام يوسف بن يعقوب فولى على بنى توجين من بنى محمد بن عبد القوى أبو بكر بن ابراهيم بن محمد مدة عامين أخاف فيها الناس وأساء السيرة ثم هلك فنصب بنو تيغرين بعده أخاه عطية المعروف بالاصم وخالفهم أولاد عزيز وجميع قبائل توجين فبايعوا ليوسف ابن زيان بن محمد وزحفوا إلى جبل وانشريس فحاصروا به عطية وبنى تيغرين عاما أو يزيد وكان يحيى بن عطية كبير بنى تيغرين هو الذى تولى البيعة لعطية الاصم فلما اشتد بهم الحصار واستفحل ملك يوسف بن يعقوب بمكانه من حصار تلمسان ورغبه في ملك جبل وانشريس فبعث معه الجيوش لنظر أخيه أبى سرحان ثم أخيه أبى يحيى وكان نهوض أبى يحيى سنة احدى وسبعمائة فتوغل في ناحية الشرق ولما رجع صمد إلى جبل وانشريس فهدم حصونه وقفل ونهض ثانية إلى بلاد بنى توجين فشردهم عنها وأطاعه أهل تافركينت ثم انتهى إلى لمدية فافتتحها صلحا واختط قصبتها ورجع إلى أخيه يوسف بن يعقوب فانتقض أهل تافركينت بعد صدوره عنهم ثم راجع بنو عبد القوى بصائرهم في التمسك بالطاعة ووفدوا على يوسف بن يعقوب فتقبل طاعتهم وأعادهم إلى بلادهم وأقطعهم وولى عليهم على بن الناصر بن عبد القوى وجعل وزارته ليحيى بن عطية فغلبه على دولته واستقام ملكه وهلك خلال ذلك فعقد يوسف بن يعقوب مكانه لمحمد بن عطية الاصم واستقام على طاعته وقتا ثم انتقض بين يدى مهلكه سنة ست وحمل قومه على الخلاف ولما هلك يوسف بن يعقوب وتجافى بنو مرين من بعدها لبنى يغمراسن عن
جميع الامصار التى تملكوها بالمغرب الاوسط استمكن بنو يغمراسن منها ودفعوا المتغلبين عنها ولحق الفل من أولاد عبد القوى ببلاد الموحدين فحلوا من دولتهم محل الايثار والتكرمة وكان للعباس بن محمد بن عبد القوى مع الملوك من آل أبى حفص مقام الخلة والمصافاة إلى أن هلك وبقى عقبه في جند السلطان ولما خلا الجو من هؤلاء المرشحين تغلب على جبل وانشريس من بعدهم كبير بنى تيغرين أحمد بن محمد من أعقاب يعلى بن محمد سلطان بنى يفرن فأقام يحيى بن عطية هذا في رياستهم أياما ثم هلك وقام بأمره من بعده أخوه عثمان بن عطية ثم هلك وولى من بعده ابنه عمر بن عثمان واستقل مع قومه بجبل(7/159)
وانشريس واستقل أولاد عزيز بلمدية ونواحيها ورياستهم ليوسف وعلى ابني حسن ابن يعقوب والكل في طاعة أبى حمو سلطان بنى عبد الواد لما غلبهم على أمرهم وانتزع الرياسة من بنى عبد القوى أمرائهم إلى أن خرج على السلطان أبى حمو ابن عمه يوسف ابن يغمراسن ولحق بأولاد عزيز فبايعوه وداخلوا في كشانة عمر بن عثمان كبير بنى تيغرين وصاحب جبل وانشريس فأجابهم وأصفق معهم سائر الاعشار ويكوشة وبنو يرناتن وزحفوا مع محمد بو يوسف إلى السلطان أبى حمو في عسكره بتهل ففضوه وكان من شأن فتنته معهم ما ذكرناه في أخبار بنى عبد الواد إلى ان هلك السلطان أبو حمو وولى ابنه أبو تاشفين فنهض إليهم في العساكر وكان عمر بن عثمان قد لحقته الغيرة من مخالصة محمد بن يوسف لاولاد عزيز دون قومه فداخل السلطان أبا تاشفين في الانحراف عنه فلما نزل بالجبل ولحق محمد بن يوسف بحصن توكال ليمتنع به نزع عنه عمر ابن عثمان ولحق بأبى تاشفين ودله على مكامن الحصن فدلف إليه أبو تاشفين وأخذ بمخنقه وافترق عن محمد بن يوسف أولياؤه وأشياعه فتقبض عليه وقيد أسيرا إلى السلطان أبى تاشفين فقتل بين يديه قعصا بالرماح سنة تسع عشرة وبعث برأسه إلى تلمسان وصلب شلوه بالحصن الذى امتنع فيه أيام انتزائه ورجع أمر وانشريس إلى عمر بن عثمان هذا
وحصلت ولايته لابي تاشفين إلى أن هلك بتلمسان في بعض أيامهم مع بنى مرين أعوام نازلها السلطان أبو الحسن كما ذكرنا في أخبار الحصار ثم لما تغلب بنو مرين على المغرب الاوسط استعمل السلطان أبو الحسن ابنه نصر بن عمر على الجبل وكان خير وال وفاء بالمة والطاعة وخلوصا في الولاية وصدقا في الانحياش واحسانا للمملكة وتوفيرا للجباية ولما كانت نكبة السلطان أبى الحسن بالقيروان وتطاول الاعياص من زناتة إلى استرجاع ملكهم انتزى بضواحي لمدية من آل عبد القوى عدى بن يوسف بن زيان ابن محمد بن عبد القوى وناغى الخوارج في دعوتهم واشتمل عليه بنو عزيز هؤلاء وبنو يرناتن جيرانهم وزحف إلى جبل وانشريس لينال مع الحشم من يلى أمرهم والمداخلين لعدوهم في قطع دابرهم وكبيرهم يومئذ نصر بن عمر بن عثمان وبايع نصر المسعود بن أبى زيد بن خالد بن محمد بن عبد القوى من أعقابهم ثم خلص إليهم من جملة عدى بن يوسف حذرا على نفسه من أصحابه وقاتلهم عدى وقومه فامتنعوا عليه ودارت بينهم حروب كانت العاقبة فيها والظهور لنصر بن عمر وقومه ثم دخل عدى في جملة السلطان أبى الحسن لما خلص من تونس إلى الجزائر وبقى مسعود بينهم وملكه أبو سعيد بن عبد الرحمن لما ملك تلمسان هو وقومه فلم يزل هنالك إلى أن غلبهم السلطان أبو عنان فسار في جملته بعد أن فر إلى زواوة واستنزله منها ونقله إلى فاس وانقضى(7/160)
ملكهم ودولتهم وانقطع أثر بنى محمد بن عبد القوى وأقام نصر بن عمر في ولاية جبل وانشريس وعقد له السلطان أبو عنان عليه سائر دولته ولم يزل قائما بدعوة بنى مرين من بعده إلى أن غلبهم السلطان أبو حمو الاخير وهو ابن موسى بن يوسف على الامر فأعطاه نصر الطاعة ثم اضطرمت نار الفتنة بين العرب وبين بنى عبد الواد أعوام سبعين وسبعمائة وقاموا بدعوة بنى زيان بن السلطان أبى سعيد عم أبى حمو فانحاش نصر بن عمر إليهم وأخذ بدعوة الامير أبى زيان حينا ثم هلك أيام تلك الفتنة وقام بأمرهم من
بعده أخوه يوسف بن عمر متقبلا مذاهبه وهو لهذا العهد وهو سنة ثلاث وثمانين صاحب جبل وانشريس وحاله مع أبى حمو مختلف في الطاعة والخلاف والله مالك الامور لارب غيره ولا معبود سواه.(7/161)
مسعود بن بو زيد بن خالد محمد بن عطية بن ابراهيم أبو زكريا سيد الناس موسى يحيى بن صالح بن عمر بن يوسف نجتين زيان بن يوسف بن موسى ابراهيم موسى بن زرارة عمر بن اسمعيل عدى بن يوسف بن زيان بن محمد بن عبد القوى بن العباس بن عطية الحيو بن مناد بن العباس بن دافلتن بن أبى بكر بن الغلب قالوا محمد بن عيسى بن موسى بن محمد عمر(7/162)
{ الخبر عن بنى سلامة أصحاب قلعة تاوغزوت رؤساء بنى يدللتن من بطون توجين من هذه الطبقة الثانية وأوليتهم ومصايرهم }
كان بنو يدللتن هؤلاء من شعوب بنى توجين وأشدهم شوكة وأوفرهم عددا وكان لهم ظهور من بين سائر تلك البطون وكان بنو عبد القوى ملوك بنى توجين يعرفون لهم ذلك ويوجبون لهم حقه ولما دخل إلى التلول بعد انقراض بنى يلومى وبنى وماتوا بنو قاضى وبنو ما دون بأرض منداس فأوطنوها وجاء بنو يدللتن على اثرهم فأوطنوا الجعبات وتاوغزوت ورياستهم يومئذ لنصر بن سلطان بن عيسى ثم هلك فقام بأمرهم ابنه مناد بن نصر ثم أخوه على بن نصر ثم ابنه ابراهيم بن على من بعده ثم هلك وقام بأمرهم أخوه سلامة بن على على حين استفحل ملك عبد القوى وبنيه فاستفحل أمره هو في قومه واختط القلعة بتاوغزوت المنسوبة إليه والى بنيه وكانت من قبل رباطا لبعض المنقطعين من عرب سويد ويزعم بنو سلامة هؤلاء أنهم دخلاء في نسب توجين وأنهم من العرب من بنى سليم بن منصور وجاء جدهم عيسى أو سلطان نازعا عن قومه لدم أصابه فيهم فخلطه شيخ بنى يدللتن من بنى توجين بنسبه وكفل بنيه من بعده ولما هلك سلامة بن على قام بأمرهم من بعده ابنه يغمراسن بن سلامة على حين استغلظ بنو عبد الواد على بنى توجين من بعد مهلك محمد بن عبد القوى سلطانهم الاكبر فكان عثمان بن يغمراسن يتردد إلى بلادهم بالغزو ويطيل فيها العيث ونازل في بعض غزواته قلعتهم هذه وبها يغمراسن فامتنع عليه وخالفه يوسف بن يعقوب وبنو مرين إلى تلمسان فأجفل على القلعة وسابق بنى مرين إلى دار ملكه واتبعه يغمراسن بن سلامة مغيرا في أعقابه فكر عليه بالمكان المعروف بتليوان ودارت بينهم هناك حروب هلك فيها يغمراسن بن سلامة وقام بالامر من بعده أخوه محمد بن سلامة فأذعن لطاعته عثمان بن يغمراسن وخالف بنو عبد القوى وجعل الاتاوة على قومه ووطنه لملوك بنى عبد الواد فلم تزل عليهم لملوك تلمسان ولحق أخوه سعد بالمغرب وجاء في جملة السلطان يوسف بن يعقوب في غزوته التى حاصر فيها تلمسان حصاره الطويل فرعى لسعد بن سلامة هجرته إليه وولاه على بنى يدللتن والقلعة وفر أخوه محمد بن سلامة فلحق بجبل راشد وأقام هنالك إلى أن هلك يوسف بن يعقوب
ورجع أمر المغرب الاوسط لبنى عبد الواد فوضعوا الاتاوة على بنى توجين وأصاروهم إلى الجباية ولم يزل سعد على ولايته إلى أن هلك أبو حمو وولى أبو تاشفين فسخط سعدا وبعث عن أخيه محمد بن جبل راشد فولاه مكانه ولحق سعد بالمغرب وجاء في جملة السلطان أبى الحسن ودخل أخوه محمد مع أبى تاشفين فانحصر بتلمسان وولى سعد بن سلامة مكانه ثم هلك محمد في بعض أيام الحصار وحروبه ولما انقرض أمر بنى عبد(7/163)
الواد رغب سعد من السلطان تخلية سبيله لقضاء فرضه فحج وهلك مرجعه من الحج في طريقه وعهد إلى السلطان أبى الحسن واستوصاه ببنيه على لسان وليه عريف بن يحيى كبير بنى سويد فولى السلطان أبو الحسن ابنه سليمان بن سعد على بنى يدللتن والقلعة وانتقض أمر السلطان أبى الحسن وعاد الامر إلى أبى سعيد وأبى ثابت ابني عبد الرحمن بن يحيى بن يغمراسن فكانت بينه وبينهم ولاية وانحراف وكان أولياؤهم من العرب بنى سويد من زغبة لما كانوا جيرانهم في مواطنهم من ناحية القبلة فطمع وترمارين عريف شيخهم في التغلب على وطن بنى يدللتن ومانعه دونه سليمان هذا وبالغ في دفاعه إلى أن ملك السلطان أبو عنان بلاد المغرب الاوسط ورعى لوترمار وابنه عريف حق انحياشهم إليه وهجرتهم إلى قومه فأقطع وترمار بن عريف القلعة وما إليها وجباية بنى يدللتن أجمع وألحق سليمان بن سعد بن سلامة في جنده ووجوه عسكره إلى أن هلك السلطان وعاد الامر لبنى عبد الواد على يد أبى حمو الاخير فولى سليمان على القلعة وعلى قومه واستغلظ أمر العرب عليه فاستراب سليمان هذا ونذر بالشر منه فلحق باولاد عريف ثم راجع الطاعة فتقبض عليه واغتاله وذهب دمه هدرا ثم غلبه العرب على عامة المغرب الاوسط وأقطع القلعة وبنى يدللتن لاولاد عريف استئلافا لهم ثم أقطعهم بنى ما دون ثم منداس فأصبحت بطون بنى توجين كلها خولا لسويد وعبدا لجبايتهم الا جبل وانشريس فانه لم يزل لبنى تيغرين والوالى عليهم يوسف بن عمر منهم كما قلناه ونظم أبو حمو
أولاد سلامة في جنده وأثبتهم في ديوانه وأقطعهم القصبات من نواحى تلمسان في عطائهم وهم على ذلك لهذا العهد ولله الخلق والامر لارب سواه ولا معبود الا اياه له الحكم واليه ترجعون وهو نعم المولى ونعم النصير وهو على كل شئ قدير ولا حول ولا قوة الا بالله العلى العظيم يغمراسن يغمراسن الحسن محمد ابراهيم مناد سليمان بن سعد بن سلامة بن على بن نصر بن سلطان بن عيسى(7/164)
{ الخبر عن بنى يرناتن احدى بطون توجين من هذه الطبقة الثانية وما كان لهم من التقلب والامارة وذكر أوليتهم ومصايره } كان بنو يرناتن هؤلاء أوفر قبائل بنى توجين وأعزهم جانبا وأكبرهم صيتا ولما دخل بنو توجين إلى تلول المغرب الاوسط أقاموا بمواطنهم الاولى ما بين ما حون وزمتة ثم يعود من القبلة يجولون جانبى نهر واصل من أعلى وادى شلف وكانت رياستهم في نصر بن على بن تميم بن يوسف بن بونوال وكان شيخهم مهيب بن نصر منهم وكان عبد القوى بن العباس وابنه محمد أمراء بنى توجين يختصونهم بالاثرة والتجلة لمكانهم من قومهم وما يؤنسون من عظيم غنائهم وكان محمد بن عبد القوى في سلطانه يؤثر عليهم من أولاد عزيز وكان واليهم لعهده وعهد بنيه عبو بن حسن بن عزيز وقد كان أصهر مهيب بن نصر إلى عبد القوى في ابنته فأنكحه اياها وولدت له نصر بن مهيب
فشرفت خؤلته لمحمد بن عبد القوى وعلا كعبه في امارته ثم ولى بعده ابنه على بن نصر وكان له من الولد نصر وعشر وآخرون يعرفون بأمهم واسمها تاسرغيفت وولى بعده ابنه نصر بن على فطال أمد امارته في قومه واختلف بنو عبد القوى وغلب بنو عبد الواد على ما بأيديهم فصرفت ملوك زناتة وجه العناية إليه فبعد صيته وعرف بنوه من بعده بشهرته وكان ولودا فيقال انه خلف ثلاثة عشر من البنين ما منهم الا صاحب حرب أو مقنب ومن مشاهيرهم عمر الذى قتله السلطان أبو الحسن بمرات حين سعى به أنه داخل في اغتياله ففر وأدرك فقتل بمرات ومنهم منديل الذى قتله بنو تيغرين أيام ولوا على بن الناصر وقتلوا معه عبو بن حسن بن عزيز ومنهم عنان ومات قتيلا في حصار تلمسان أيام أبى تاشفين ومنهم مسعود ومهيب وسعد وداود وموسى ويعقوب والعباس ويوسف في آخرين معروفين عندهم هذا شأن أولاد نصر بن على بن نصر بن مهيب وأما ولد عشر أخيه فكان منهم أبو الفتوح بن عشر ثم من ولده عيسى بن أبى الفتوح فكان رئيسا على بنى أبيه وكانت احدى وصائفهم سقطت بدار عثمان بن يغمراسن وادعت الحمل من سيدها أبى الفتوح وجاءت بأخ لعيسى يسمى معروفا ربى بدارهم واستوزره أبو حمو وابنه من بعده وبلغ المبالغ في دولتهم وكان يدعى معروفا الكبير ولحق به أيام رياسته في دولة أبى حمو الاول أخوه عيسى بن أبى الفتوح مغاضبا لقومه فسعى له في الولاية على بنى راشد وجباية أوطانهم وأنزله بلد سعيدة فكانت له بها امارة وكان له من الولد أبو بكر وعبو وطاهر ووترمار وعندما بلغ بنو مرين على بنى عبد الواد ولاهم السلطان أبو الحسن على بن يرناتن متداولين وأما ولد تاسرغينت من بنى على بن نصر بن مهيب فلم يكن لهم ذكر في رياسة قومهم الا أن بعض وصائفهم سقطت أيضا إلى دار أبى(7/165)
تاشفين فولدت غلاما يعرف بعطية بن موسى نشأ في دارهم بنسب إلى بنى تاسرغينت هؤلاء وتناولته النجابة في خدمتهم فولوه الاعمال النبيهة وهو لهذا العهد عامل أبى حمو
الاخير على شلف وما إليها وقد غلب العرب لهذا العهد على وطن بنى يرناتن وملكوا عليهم بعود وماحون وبقيت ضبابتهم بجبل ورنيد وعليهم لهذا العهد سعيد بن عمر من ولد نصر بن على بن نصر بن مهيب يعطونه المغرم للسلطان ويصانعون العرب بالاتاوة وبيد الله تصاريف الامور سبحانه لارب غيره عنان مهيب يعقوب موسى عيسى بن ابى الفتوح بن عشر معروف الكبير منديل مسعود سعيد العباس عطية بن موسى بن تاسرغينت سعيد بن عمر بن نصر بن على بن نصر بن على بن تميم بن يوسف بن بنو نوال بن نوال { الخبر عن بنى مرين وأنسابهم وشعوبهم وما تأثلوا بالمغرب من السلطان والدولة التى استعملت سائر زناتة وانتظمت كراسي الملك بالعدوتين وأولية ذلك ومصايره } قد ذكرنا أن بنى مرين هولاء من شعوب بنى واسين وذكرنا نسب واسين في زناتة وذكرنا أنهم بنو مرين بن ورتاجن بن ماخوخ بن جديج بن فاتن بن يدر بن يخفت بن عبد الله بن ورتنيص بن المعز بن ابراهيم بن سجيك بن واسين وأنهم اخوة بنى يلومى ومديونة وربما(7/166)
وعقد له على ذلك الثغر وضم الاعمال إليه وبلغ الخبر بذلك إلى المرتضى فأهمه الشأن وأحضر الملا من الموحدين وفاوضهم واعتزم على حرب بنى مرين وسرح العساكر سنة خمسين فأحاطت بسلا فافتتحوها وعادت إلى طاعة المرتضى وعقد عليها لابي عبد الله بن أبى يعلوا من مشيخة الموحدين وكان المرتضى قد صمد بنفسه سنة تسع وأربعين إلى محاربة بنى مرين في جموع الموحدين وعساكر الدولة وصمد بنو مرين للقائه والتقى الجمعان بايميلواين ففضوا جموعه وكانت الدبرة عليه والظهور لهم ثم كان بعد فتح سلا وغلب الموحدين عليها وأجمع المرتضى بعدها على احتشاد أهل سلطانه ومعاودة الخروج بنفسه إلى غزوهم لما خشى من امتداد أمرهم وتقلص ملك الموحدين فعسكر خارج حضرته سنة ثلاث وخمسين وبعث الحاشد في الجهات فاجتمع إليه أمم الموحدين والعرب والمصامدة وأغذ السير تلقاءهم حتى إذا انتهوا إلى جبال بهلولة من نواحى فاس وصمد إليه الامير أبو يحيى في عساكر بنى مرين ومن اجتمع إليهم من ذويهم والتقى الجمعان هنالك وصدقهم بنو مرين القتال فاختل مصاف السلطان وانهزمت عساكره وأسلمه قومه ورجع إلى مراكش مغلولا واستولى القوم على معسكره واستباحوا سرادقه وفساطيطه وانتهبوا جميع ما وجدوا بها من المال والذخيرة واستاقوا سائر الكراع والظهر وامتلات أيديهم من الغنائم واعتز أمرهم وانبسط سلطانهم وكان يوما له ما بعده واغزي اثر هذه الحركة ببنى مرين تادلا واستباح بنى جابر حاميتها من جشم ببلد ابني نفيس واستلحم ابطالهم ولا أن من حدهم وخضد من شوكتهم وفى أثناء هذه الحروب كان مقتل على بن عثمان بن عبد الحق وهو ابن أخى الامير أبى يحيى شعر منه بفساد الدخلة والاجماع للتوثب به فدس لابنه أبى حديد مفتاح بقتله فقتله في جهات مكناسة سنة احدى وخمسين والله تعالى أعلم * (الخبر عن فتح سلجماسة وبلاد القبلة وما كان في ذلك من الاحداث) * لما يئس بنو عبد المؤمن من غلبهم بنى مرين على ما صار في أيديهم من بلاد المغرب
وعادوا إلى مدافعتهم عن صمامة الدولة التى تحملت اياها شفافههم لو أطاقوا المدافعة عنها وملك بنو مرين عامة بلاد التلول اعتزم الامير أبو يحيى بعدها على الحركة إلى بلاد القبلة ففتح سجلماسة ودرعة وما إليها سنة ثلاث وخمسين وافتتحها بمداخلة من ابن القطراني غدر بعامل الموحدين فتقبض عليه وأمكن منها الامير أبا يحيى فملكها وما إليها من درعة وسائر بلاد القبلة وعقد لابنه أبى حديد وبلغ الخبر إلى المرتضى فسرح العساكر سنة أربع وخمسين لاستنقاذها وعقد عليهم لابن عطوش ففر راجعا إلى مراكش ثم نهض سنة خمس وخمسين إلى محاربة يغمراسن وبنيه بأبى سليط فأوقع بهم(7/167)
منصور بن منديل بن عثمان بن الاعذر بن عسكر لبكوم المخصب ابويكى بنو تنابعت عمر بن عثمان بن يوسف بن اسمعيل بن عيسى بن يحيى بن وسنان ابن عباد بن يحيى فروت وراغ سكيمان سنكيان عمرسكم
تير بيعين سليمان على عبد الحق عبد الحق بن محيوابن أبى بكر بن حمامة بن محمد بن ورزير بن فكوس بن كرماط بن مرين بن ورتاجن بن ماخوخ بن جديج بن فاتن بن يدر بن يخفت(7/168)
{ الخبر عن امارة عبد الحق بن محيو المستقرة في بنيه وامارة ابنه عثمان بعده ثم أخيه محمد بن عبد الحق بعدهما وما كان فيها من الاحداث } لما هلك محيو بن أبى بكر بن حمامة من جراحته كما قلناه وكان له من الولد عبد الحق ومساي ويحياتن وكان عبد الحق أكبرهم فقام بأمر بنى مرين وكان خير أمير عليهم قياما بمصالحهم وتعففا عما في أيديهم وتقويما لهم على الجادة ونظرا في العواقب واستمرت أيامهم ولما هلك الناصر رابع خلفاء الموحدين بالمغرب سنة عشر وستمائة مرجعه من غزاة العقاب وقام بأمر الموحدين بعده ابنه يوسف المستنصر نصبه الموحدون غلاما لم يبلغ الحلم وشغلته أحوال الصبا وجنونه عن القيام بالسياسة وتدبير الملك فأضاع الحزم وأغفل الامور وتواكل الموحدون بما أرخى لهم من طيل الدالة عليه ونفس عن مخنقهم من قبضة الاستبداد والقهر فضاعت الثغور وضعفت الحامية وتهاونوا بأمرهم وفشلت ريحهم وكان هذا الحى لذلك العهد بمجالات القفار من فيكيك إلى صاوملوية كما قدمناه من شأنهم وكانوا يطرقون في صعودهم إلى التلول والارياف منذ أول دولة الموحدين وما قبلها جهات كرسيف إلى وطاط ويأنسون بمن هناك من بقايا زناتة الاولى مثل مكناسة بجبال تازى وبنى يدنيان ومغراوة الموطنين قصور طاط من أعالي ملوية يتقلبون بتلك الجهات عامة المربع والمصيف وينحدرون إلى مشاتيهم بما يتمارونه من الحبوب لاقواتهم فلما رأوا من اختلال بلاد المغرب ما رأوا انتهزوا فيها الفرصة وتخلصوا إليه من القفر ودخلوا من ثناياه وتفرقوا في جهاته
وأوجفوا بخيلهم وركابهم على ساكنيه واكتسحوا بالغارة والنهب سائر بسائطه ولجأت الرعايا إلى معتصماتهم ومعاقلهم وكثر شاكيهم وأظلم الجو بينهم وبين السلطان والدولة فاذنوهم بالحرب وأجمعوا لغزوهم وقطع دابرهم وأغزى الخليفة المستنصر عظيم الموحدين أبا على بن وانودين بجميع العساكر والحشود من مراكش وسرحه إلى السيد أبى ابراهيم أمير المؤمنين يوسف بن عبد المؤمن بمكانه من امارة فاس وأوعز إليه أن يخرج بهم لغزو بنى مرين وأمره أن يثخن ولا يستبقى واتصل الخبر ببنى مرين وهم في جهات الريف وبلاد بطوية فتركوا أثقالهم بحصن تاروطا وصمدوا إليهم فالتقى الجمعان بوادي بكور فكان الظهور لبنى مرين والدبرة على الموحدين وامتلات الايدى من اسلابهم وأمتعتهم ورجعوا إلى فاس يخصفون عليهم من ورق النبات المعروف عند أهل المغرب بالمشعلة لكثرة الخصب حينئذ واعتمار الفدن بالزرع وأصناف الباقلا حتى لقد سميت الواقعة يومئذ بعام الشعلة وصمد بنو مرين بعدها إلى تازى ففلوا حاميتها أخرى ثم اختلفت بنو محمد رؤساؤهم وانتبذ عنهم من عشائرهم بنو(7/169)
عسكر بن محمد لمنافسة وجدوها في أنفسهم من استقلال بنى عمهم حمامة بن محمد بالرياسة دونهم بعد أن كان أومض عندهم منها في عسكر وابنه المخضب ايماض أخاف بارقه فحالفوا عبد الحق أميرهم وقومه إلى مظاهرة أولياء الموحدين وحامية المغرب من قبائل رياح الموطنين بالهبط وازغار الحديث عهدهم بالتحرش والعز منذ انزال المنصور اياهم بذلك المنظر من افريقية فتحيزوا إليهم وكاثرهم على قومهم وصمدوا اجمعون إلى لقاء بنى مرين سنة أربع عشرة ودارت بينهم حرب تولى الصبر مقامها وهلك فيها أميرهم عبد الحق وكبير بنيه ادريس وقد أمر لمهلكها بنو مرين وجلا في تلك الحومة حمامة بن يصلتن من بنى عسكر وطيرا بن محيو بن السكمى فانكشف رياح آخرا وقتل منهم ابطال وولى بنو مرين عليهم بعد مهلك عبد الحق ابنه عثمان تلو ادريس
وشهرته بينهم ادرغال ومعناه برطانتهم الاعور وكان لعبد الحق من الولد عشرة تسعة ذكور وأختهم ورتطليم فادريس وعبد الحق ورحولا مرأة من بنى على اسمها سوط النساء وعثمان ومحمد لامرأة من بنى ونكاس تسمى السوار بنت تصاليت وأبو بكر لامرأة من بنى تنالفت وهى تاغزونت بنت أبى بكر بن حفص وزيان لامرأة من بنى ورتاجن وأبو عياد لامرأة من بنى وللواحدي بطون عبد الواد اسمها أم الفرح ويعقوب لام اليمن بنت على من بطوية وكان أكبرهم ادريس الهالك مع أبيه عبد الحق فقام بأمر بنى مرين من بعد عبد الحق ابنه عثمان بايعه لوقته حمامة بن يصلتن وطير بن محيو ومن اليهما من مشيخة قومهما واتبعوا منهزمة رياح وأثخنوا فيهم وثأر عثمان بأبيه وأخيه حتى شفى نفسه منهم ولاذوا بالسلم فسالموهم على اتاوة يؤدونها إليه ولقومه كل سنة ثم استشرى من بعد ذلك داء بنى مرين وأعضل خطبهم وكثر الثوار بالمغرب وامتنع عامة الرعايا عن المغرب وفسدت السابلة واعتصم الامراء والعمال من السلطان فمن دونه بالامصار والمدن وغلبوا أولئك على الضاحية وتقلص ظل الحكام عن البد وجملة وافتقدوا بنو مرين الحامية دون الوطن والرباع فمدوا للبلاد يدا وسار بهم أميرهم أبو سعيد عثمان بن عبد الحق في نواحى المغرب يتقرى مسالكه وشعوبه ويضع المغارم على أهله حتى دخل أكثرهم في أمره فبايعوه من الضواحى عن الشاوية والقبائل الآهلة هوارة وزكارة ثم تسول ومكناسة ثم بطوية وفشتالة ثم صدراته وبهلولة ومديونة ففرض عليهم الخراج وألزمهم المغارم وفرق فيهم العمال ثم فرض على أمصار المغرب مثل فاس وتازى ومكناسة وقصر كتامة ضريبة معلومة يؤدونها على رأس كل حول على أن يكف الغارة عنهم ويصلح سابلتهم ثم أغزى ضواعن زناتة سنة عشرين وأثخن فيهم حتى أذعنوا وقبض ايديهم عما امتدت إليه من الفساد والنهب وعطف(7/170)
بعدها على رياح أهل ازغار والهبط وآثار باببه فأثخن فيهم ولم يزل دأبه ذلك إلى أن
هلك باغتيال علجه سنة سبع وثلاثين وقام بامر بنى مرين بعده أخوه عبد الحق فتقبل سنن أخيه في تدويخ بلاد المغرب وأخذ الضريبة من أمصاره وجباية المغارم والوصال مع ضواعنه وبدوه وسائر رعاياه وبعث الرشيد أبا محمد بن واندين لحربهم وعقد له على مكناسة وأجحف بأهلها في المغارم ثم نزل بنو مرين وغير من نواحيها فنادى في عسكره وخرج إليهم فدارت بينهم حرب شديدة هلك فيها خلق من الجانبين وبارز محمد بن ادريس بن عبد الحق قائدا من الروم واختلفا ضربتين هلك العلج باحداهما واندرج محمد واندمل جرحه فصار أثرا في وجهه لقب من أجله باضربة ثم شد بنو مرين على الموحدين فانكشفوا ورجع ابن واندين إلى مكناسة مغلولا وبقى بنو عبد المؤمن أثناء ذلك في مرض من الايام وتثاقل عن الحماية ثم أومضت دولتهم ايماضة الخمود وذلك أنه لما هلك الرشيد بن المأمون سنة أربعين وستمائة وولى أخوه على وتلقب بالسعيد وبايعته أهل المغرب انصرفت عزائمه إلى غزو بنى مرين وقطع أطماعهم عما سمت إليه من تلك المواطن فأغرى عساكر الموحدين بقتالهم ومعهم قبائل العرب والمصامدة وجموع الروم فنهضوا سنة ثنتين وأربعين في جيش كثيف يناهز عشرين ألفا فيما زعموا وزحف ليهم بنو مرين بوادي ما عاش وصبر الفريقان وهلك الامير محمد بن عبد الحق في الجولة بيد زعيم من زعماء الروم وانكشفت بنو مرين وأتبعهم الموحدون ودخلو تحت الليل فلحقوا بجبال عياثة من نواحى تازى واعتصموا بها أياما ثم خرجوا إلى بلاد الصحراء وولوا عليهم أبا يحيى بن عبد الحق فقام بأمرهم على ما نذكره ان شاء الله تعالى { الخبر عن دولة الامير أبى يحيى بن عبد الحق مديل الامر لقومه بنى مرين وفاتح الامصار ومقيم الرسوم الملوكية من الآلة وغيرها لمن بعده من أمرائهم } لما ولى أبو يحيى بن عبد الحق أمر بنى مرين سنة ثنتين وأربعين كان من أول ما ذهب إليه ورآه من النظر لقومه ان قسم بلاد المغرب وقبائل جبايته بين بنى مرين وأنزل كلا
منهم بناحية سوغها سائر الايام طعمة فاستركبوا الرجل اتباعهم واستلحقوا من غاشيتهم وتوفرت عساكرهم ثم نار المنافسة بين أحيائهم وخالف بنو عسكر جماعتهم وصاروا إلى الموحدين فحرضوهم على أبى يحيى بن عبد الحق وبنى حمامة وأغروهم بهم وبعثوا الصريخ إلى يغمراسن بن زيان فوصل في قومه إلى فاس فاجتمعوا جميعا إلى قائد الموحدين وأعطوا الرهن على صدق اللقاء في الامير أبى يحيى وأشياعه وصمدوا إليه حتى انتهوا إلى ورغة ثم إلى كرت وأعجزهم فانكفؤا راجعين(7/171)
إلى فاس ونذر يغمراسن بقدر الموحدين فخرج في قومه مع أوليائه بنى عسكر وعارضهم الامير أبو يحيى بوادي سبوا فلم يطق حربهم ورجع عنهم عسكر الموحدين لما صرخ في معسكرهم من موت الخليفة السعيد ثم بعثوا إليه لملاطفتهم في الفيئة إلى الطاعة ومذاهب الخدمة القائد عنبر الخصى مولى الخليفة في حصة من الروم والناشبة فتقبض عليهم بنو عسكر وتمسكوا بهم في رهنهم وقتلوا كافة النصارى فأطلق أبناءهم ولحق يغمراسن وقومه بتلمسان ثم رجع بنو عسكر إلى ولاية أميرهم أبى يحيى واجتمع بنو مرين لشأنهم وتملكوا الاعمال ثم مدوا عيونهم إلى تلك الامصار فنزل أبو يحيى بجملته جبل زرهون ودعا أهل مكناسة إلى بيعة الامير أبى زكريا بن حفص صاحب افريقية لما انه كان يومئذ على دعوته وفى ولايته وحاصرها وضيق عليها بمنع المرافق وترديد الغارات ومقادات الحرب إلى أن أذعنوا لطاعته فاقتحمها صلحا بمداخلة أخيه يعقوب بن عبد الحق لزعيمها أبى الحسن بن أبى العافية وبعثوا بيعتهم إلى الامير أبى زكريا وكانت من انشاء أبى المطرف بن عميرة كان قاضيا فيهم يومئذ فأقطع السلطان ليعقوب ثلث جبايتها ثم أحس الامير أبو يحيى بن عبد الحق من نفسه الاستبداد ومن قبيله الاستيلاء فاتخذ الآلة وبلغ الخبر إلى السعيد بتغلبه على مكناسة وصرفها لابن أبى حفص فوجم لها وفاوض الملا من أهل دولته في أمره وأراهم كيف اقتطع
الامر عنهم شيأ فشيأ فابن أبى حفص أقتطع افريقية ثم يغمراسن بن زيان وبنو عبد الواد اقتطعوا تلمسان والمغرب الاوسط وأقاموا فيها دعوة ابن أبى حفص وأطمعوه في الحركة إلى مراكش بمظاهرتهم وابن هود اقتطع عدوة الاندلس وأقام فيها دعوة بنى العباس وابن الاحمر بالجانب الآخر مقيم لدعوة ابن أبى حفص وهؤلاء بنو مرين تغلبوا على ضواحي المغرب ثم سموا إلى تملك أمصاره ثم افتتح أبو يحيى أميرهم مكناسة وأظهر فيها دعوة ابن أبى حفص وجاهر بالاستبداد ويوشك ان رضينا بهذه الدنية وأغضينا عن هذه الواقعات أن يختل الامر وتنقرض الدعوة فتدامروا وامتعضوا وتداعوا للصمود إليهم فجهز السعيد عساكر واحتشد عرب المغرب وقبائله واستنفر الموحدين والمصامدة ونهض من مراكش سنة خمس وأربعين يريد مكناسة وبنى مرين أولا ثم تلمسان ويغمراسن ثانيا ثم افريقية وابن أبى حفص آخرا واعترض العساكر والحشود بوادي بهت ووصل الامير أبو يحيى بمعسكره متواريا عنهم عينا لقومه حتى صدقهم كنه الخبر وعلم أن لا طاقة له بهم فأفرج عن البلاد وتناذر بنو مرين بذلك من أماكنهم فتلاحقوا واجتمعوا إليه بتازوطا من بلاد الريف ونزل السعيد مكناسة ولاذ أهلها بالطاعة وسألوا العفو عن الجزيرة واستشفعوا بالمصاحف برز بها الاولاد على رؤسهم وانتظموا مع النساء(7/172)
في صعيد حاسرات منكسرات الطرف من الخشوع ووجوم الذنب والتوسل فعفا عنهم وتقبل فيئتهم وارتحل إلى تازى في اتباع بنى مرين وأجمع بنو واطاس الفتك بأبى يحيى بن عبد الحق غيرة ومنافسة ودس إليه بذلك مهيب من مشيختهم فترحل إلى بنى يرناسن ابن نزول بعين الصفا ثم راجع نظره في مسالمة الموحدين والفيئة إلى أمرهم ومظاهرتهم على عدوهم يغمراسن وقومه من بنى عبد الواد ليكون فيه شفاء نفسه منهم فأوفد مشيخة قومه عليه بتازى فأدوا طاعته وفيئته فتقبلها وصفح لهم عن الجرائر التى أتوها وسألوه أن يستكفى بالامير أبى يحيى في أمر تلمسان ويغمراسن على أن يمده بالعساكر
رامحة وناشبة فاتهمهم الموحدون وحذروا منهم غائلة العصبية فأمرهم السعيد بالعسكرة معه فأمده الامير أبو يحيى بخمسمائة من قبائل بنى مرين وعقد عليهم لابن عمه أبى عياد بن أبى يحيى بن حمامة وخرجوا تحت رايات السلطان ونهض من تازى يريد تلمسان وما وراءها وكان من خبر مهلكه على جبل تامزردكت بنى عبد الواد كما ذكرناه في أخبارهم ولما هلك وانفضت عساكره متسابقين إلى مراكش وجمهورهم مجتمعون إلى عبد الله ابن الخليفة السعيد ولى عهده وتحت رايات أبيه وطار الخبر بذلك إلى الامير أبى يحيى بن عبد الحق وهو بجهات بنى يرناسن وقد خلص إليه هنالك ابن عمه أبو عياد وبعث بنى مرين من تيار تلك الصدمة فانتهز الفرصة وأرصد لعساكر الموحدون وفلهم بكرسف فأوقع بهم وامتلات أيدى بنى مرين من اسلابهم وانتزعوا الآلة من أيديهم وأصار إليه كثيبة الروم والناشبة من الغزو واتخذ المركب الملوكى وهلك الامير عبد الله بن السعيد في جوانب تلك الملحقة وللموحدين بعدها من الكرة فنهض الامير أبو يحيى وقومه إلى بلاد المغرب مسابقين إليه يغمراسن بن زيان بما كان ملوك الموحدين أوجبوهم السبيل إلى ذلك باشنجاشته على بنى مرين أيام فتنتهم معهم فكانوا يبيحونه حرم المغرب ويوطونه عساكر قومه ما بين تازى إلى فاس إلى القصر مع عساكر الموحدين فكان ليغمراسن وقومه بذلك طمع فيها لولا مكافحتهم بأس بنى مرين وجدعهم من أنوفهم وكان أول ما بدا به أبو يحيى بن عبد الحق أعمال وطاط فافتتح حصونهم بملوية ودوخ جيلهم ثم رجع إلى فاس وقد أجمع أمره على انتزاعها من ملكة بنى عبد المؤمن واقامة الدعوة لابن أبى حفص بها وبسائر نواحيها والعامل بها يومئذ السيد أبو العباس بن فأناخ عليها بركابه وتلطف في مداخلة أهلها وضمن لهم جميل النظر وحميد السيرة وكف الاذى عنهم والحماية الكفيلة لهم بحسن المغبة وصالح العائدة فأجابوه ووثقوا بعهده وغنائه واووا إلى ظله وركنوا إلى طاعتهم وانتحال الدعوة الحفصية بأمره ونبذوا طاعة بنى عبد المؤمن يأسا من صريخهم وحضر(7/173)
أبو محمد الفشتالى وأنشده الله على الوفاء بما اشترط على نفسه من النظر لهم والذب عنهم وحسن الملك والكفالة وتقبل مذاهب العدل فيهم فكان حضوره ملاك تلك العقدة والبركة التى يعرف أثرها خلفهم في تلك البيعة وكانت البيعة بالرابطة خارج باب الفتوح ودخل قصبة فاس لشهرين اثنين من مهلك السعيد فاتح ست وأربعين وخرج السيد أبو العباس من القصبة وأخرج معه سبعين فارسا أجازوه أم الربيع ورجعوا ثم نهض إلى منازلة تازى وبها السيد أبو على بن فنازلها أربعة أشهر ثم نزلوا على حكمه فقتلهم ومن على آخرين منهم وسد ثغرها وثقف أطرافها وأقطع رباط تازى وحصون ملوية لاخيه يعقوب بن عبد الحق ورجع إلى فاس فوفد عليه بها مشيخة أهل مكناسة وجددوا بيعتهم وعاودوا طاعتهم ولحق بهم على أثرهم أهل سلا ورباط الفتح فتملك الامير أبو يحيى هذه البلاد الاربعة أمهات أمصار المغرب واستولى على نواحيها إلى وادى ربيع وأقام فيها دعوة ابن أبى حفص وبعث إليه واستبد بنو مرين بملك المغرب الاقصى وبنو عبد الواد بملك المغرب الاوسط وبنو أبى حفص بافريقية وخمدت ذبال عبد المؤمن وركدت ريحهم وأذنت بالانقراض دولتهم وأشرف على الفناء أمرهم والى الله عاقبة الامور سبحانه ما أعظم شأنه لا اله غيره لما ملك الامير أبو يحيى بن عبد الحق مدينة فاس سنة ست وأربعين واستولى على بلاد المغرب بعد مهلك السعيد وقام بأمر الموحدين بمراكش أبو حفص عمر المرتضى بن السيد ابراهيم بن اسحق الذى كان قائد عسكر الموحدين في حربهم مع بنى مرين عام الشعلة بن أمير المؤمنين أبى يعقوب يوسف بن عبد المؤمن كان السعيد تركه واليابقصبة رباط الفتح من سلا فاستدعاه الموحدون وبايعوه وقام بأمرهم فلما تغلب الامير أبو يحيى على بلاد المغرب وملك مدينة فاس كما ذكرناه وخرج إلى بلاد فازاز والعدن لفتح بلاد زناتة وتدويخ نواحيها واستعمل على فاس مولاه المسعود بن خرباش من
جماعة الحشم أحلاف بنى مرين وصنائعهم وكان الامير أبو يحيى استبقى من كان فيها من عسكر الموحدين من غير عيصهم في السبيل التى كانوا عليها من الخدمة وكان فيهم طائفة من الروم استخدمهم لنظر قائدهم فكانوا من حصة المسعود هنالك ووقعت بينهم وبين شيع الموحدين من أهل البلد مداخلة وفتكوا بالمسعود عاملهم وقلبوا الدعوة للمرتضى الخليفة بمراكش ومحلف المصار وكان المتولي لكبر تلك الثورة ابن حشار المشرف وأخوه ابن أبى طاهر وابنه اجتمعوا إلى القاضى أبى عبد الرحمن المغياى زعيم فئة الثوري بينهم يومئذ وتآمروا فيها وأوعزوا قائد الروم فقتل(7/174)
المسعود وعدوا عليه بمقعد حكمه من القصبة وهاجوه ببعض المحاورات فغضب ووثب عليه الرومي فقتله وطار برأسه الهاتف بسكك المدينة في شوال سنة سبع وأربعين وانتهبت داره واستبيحت حرمه ونصبوا قائد الروم لضبط البلد وبعتوا بيعتهم إلى المرتضى واتصل الخبر بالامير أبى يحيى وهو منازل بلاد فازاز فأفرج عنها وأغذ السير إلى فاس فأناخ بعساكره عليها وشمر لحصارها وقطع السابلة عنها وبعثوا إلى المرتضى بالصريخ فلم يرجع إليهم قولا ولاملك لهم ضرا ولا نفعا ولا وجد لما نزل بهم وجها غير انه استجاش بالامير أبى يحيى يغمراسن بن زيان على أمره وأغراه بعدوه وأمله لكشف هذه النازلة عمن انحاش إلى طاعته وتعلقت أطماع يغراسن بطروق بلاد المغرب فاحتشد لحركته ونهض من تلمسان للاخذ بحجزة الامير أبى يحيى عن فاس وأجاب صريخ الخليفة لذلك وبلغ الامير أبا يحيى خبر نهوضه إليه لتسعة أشهر من منازلة البلد فجمر الكتائب عليها وصمد إليه قبل فصوله عن تخوم بلاده والتقى الجمعان باسيلى من بسائط وجدة فتزاحف القوم وأبلوا وكانت ملحمة عظيمة هلك فيها عبد الحق بن محمد بن عبد الحق بيد ابراهيم بن هشام من بنى بعد الواد ثم انكشف بنو عبد الواد وهلك يغمراسن بن تاشفين من أكابر مشيختهم ونجا يغمراسن بن زيان إلى تلمسان وانكف
الامير أبو يحيى بعسكره للاخذ بمخنق فاس فسقط في أيدى أهلها ولم يجدوا وليجة من دون طاعته فسألوه الامان فبذله لهم على غرم ما تلف له من المال بداره يوم الثورة وقدره مائة ألف دينار فتحملوها وأمكنوه من قياد البلد فدخلها في جمادى من سنة ثمان وأربعين وطالبهم بالمال فعجزوا ونقضوا شرطه فحق عليهم القول وتقبض على القاضى أبى عبد الرحمن وابن أبى طاطوا وابنه وابن حشار وأخيه المتولي كبر الفعلة فقتلهم ورفع على الشرفات رؤسهم وأخذ الباقين بغرم المال طوعا أو كرها فكان ذلك مما عبد رعية فاس وقادهم لاحكام بنى مرين وضرب الرهب على قلوبهم لهذا العهد فخشعت منهم الاصوات وانقادت الهمم ولم يحدثوا بعدها أنفسهم بغمس يد في فتنة والله مالك الارض ومن عليها سبحانه { الخبر عن تغلب الامير أبى يحيى على مدينة سلا وارتجاعها من يده وهزيمة المرتضى بعدها } لما كمل للامير أبى يحيى فتح مدينة فاس واستوسق أمر بنى مرين بها رجع إلى ما كان فيه من منازلة بلاد فازاز فافتتحها ودوخ أوطان زناتة واقتضى مغارمهم وحسم علل الثائرين فيها ثم تخطى إلى مدينة سلا ورباط الفتح سنة تسع وأربعين فملكها وتاخم الموحدين بثغرها واستعمل عليها ابن أخيه يعقوب بن عبد الله بن عبد الحق(7/175)
يشهد بذلك جوار مواطنهم قبل الملك ما بين صاو ملوية وذكرنا كيف اقتسموا الضاحية والقفر مع اخوانهم بنى يادين بن محمد وكيف اتصلت فتنتهم معهم سائر أيامهم وكان الغلب أولا لبنى يادين بن محمد لكثرة عددهم فانهم كما ذكرنا خمسة بطون بنو عبد الواد وتوجين ومصاب وبنو زردال واخوانهم بنو راشد بن محمد وكانوا أهل تلول المغرب الاوسط دونهم وبقى هذا الحى من بنى مرين بمجالات القفر من فيكيك إلى سجلماسة إلى ملوية وربما يخطون في ظعنهم إلى بلاد الزاب ويذكر نسابتهم أن الرياسة فيهم قبل تلك العصور
وكانت لمحمد بن ورزير بن فكوس بن كرماط بن مرين وأنه كان لمحمد اخوة آخرون يعرفون بأمهم تنابعت وكان بنو عمه ونكاس بن فكوس وكان لمحمد سبعة من الولد شقيقان وهما حمامة وعسكر وابناء علات أمهات أولادهم سنكيان وسكيمان وسكم ووراغ وفروت ويسمى هؤلاء الخمسة في لسانهم تير بيعين ومعناه عندهم الجماعة يزعمون أن محمدا لما هلك قام بأمره في قومه ابنه حمامة وكن الاكبر ثم من بعده أخوه عسكر وكان له من الولد ثلاثة لكوم وأبو يكى ويلقب المخضب وعلى ويلقب الاعذر ولما هلك قام برياسته فيهم ابنه المخضب فلم يزل أميرا عليهم إلى أن كان أمر الموحدين وزحف عبد المؤمن إلى تاشفين بن على فحاصره بتلمسان وسرح أبا حفص في العساكر لحرب زناتة بالمغرب الاوسط وجمع له بنو يادين كلهم بنو يادين كلهم وبنو يلومى وبنو مرين ومغراوة ففض الموحرون جموعهم واستلحموا أكثرهم ثم راجع بنو يلومى وبنو يادين طاعتهم وأخلص بنو عبد الواد في خدمتهم ونصيحتهم ولحق بنو مرين بالقفر فلما غلب عبد المؤمن بن على على وهران واستولى على أموال لمتونة وذخيرتهم بعث بتلك الغنائم إلى جبل تيمال حيث كانت داره ومن أين كان منبعث الدعوة وبلغ الخبر إلى بنى مرين بمكانهم بالزاب وشيخهم يومئذ المخضب بن عسكر فاجمع اعتراضها بقومه ولحق العير بوادي تلاغ فاحتازوها من أيدى الموحدين واستنفر عبد المؤمن لاستنقاذها أولياءه من زناتة وسرحهم مع الموحدين لذلك فأبلى بنو عبد الواد فيها بلاء حسنا وكان اللقاء في فحص حسون وانكشف بنو مرين وقتل المخضب بن عسكر واكتسح بنو عبد الواد حللهم وذلك سنة أربعين وخمسمائة فلحق بنو مرين بعدها بصحرائهم ومجالات قفرهم وقام بأمرهم من بعد المخضب ابن عمه حمامة بن محمد إلى أن هلك فقام بأمرهم ابنه محيو ولم يزل مطاعا فيهم إلى أن استنفرهم المنصور لغزاة الارك فشهدوها وأبلوا فيها البلاء الحسن وأصابت محيو يومئذ جراحة هلك منها بصحراء الزاب سنة احدى وتسعين وخمسمائة وكان من رياسة عبد الحق ابنه من بعده وبقائها في عقبه ما نذكره ان شاء الله سبحانه
وتعالى(7/176)
واعتزم على اتباعه فثناه عن رأيه في ذلك أخوه يعقوب بن عبد الحق لعهد تأكد بينه وبين يغمراسن فرجع ولما انتهى إلى المقر مدة هذه بلغه أن يغمراسن قصد سجلماسة ودرعة لمداخلة من بعض أهلها أطمعته في ملكها فأغذ اليهما السير بجموعه ودخلها ولصبيحة دخوله وصل يغمراسن لشأنه فلما علم بمكان أبى يحيى من البلد سقط في يده ويئس من غلا به ودارت بينهم حرب تكافؤا فيها وهلك سليمان بن عثمان بن عبد الحق ابن أخى الامير أبى يحيى وانقلب يغمراسن إلى بلده وعقد الامير أبو يحيى على سجلماسة ودرعة وسائر بلاد القبلة ليوسف بن يزكاسن واستعمل على الجباية عبد السلام الاوربي وداود بن يوسف وانكفأ راجعا إلى فاس والله تعالى أعلم { الخبر عن مهلك أبى يحيى وما كان اثر ذلك من الاحداث التى تمحضت عن استبداد أخيه يعقوب بن عبد الحق بالامر } لما رجع الامير أبو يحيى من حرب يغمراسن بسجلماسة أقام أياما بفاس ثم نهض إلى سجلماسة متفقدا لثغورها فانقلب منها عليلا وهلك حتف أنفه على سرير ملكه في رجب سنة ست وخمسين أمضى ما كان عزما وأطول إلى تناول الملك يد اختطفته المنون عن شأنه ودفن بمقبرة باب الفتوح من فاس ضجيعا للولى أبى محمد الفشتالى كما عهد لاهل بيته وتصدى للقيام بأمره ابنه عمر واشتمل عليه عامة قومه ومالت المشيخة وأهل الحل والعقد إلى عمه يعقوب بن عبد الحق وكان غائبا عن مهلك أخيه بتازى فلما بلغه الخبر أسرع اللحاق بفاس وتوجهت إليه وجوه الاكابر وأحس عمر بصاغية الناس إليه وحرضه أتباعه على الفتك بعمه فاعتصم بالقصبة وسعى الناس في اصلاح ذات بينهما فتفادى يعقوب عن الامر ودفعه لابن أخيه على أن تكون له بلاد تازى وبطوية وملوية ولما لحق بتازى واجتمع إليه كافة بنى مرين عذلوه فيما كان منه
فاستلام وحملوه على العودة في الامر ووعدوه من أنفسهم المظاهرة والموازرة فأجاب وبايعوه وصمد إلى فاس وبرز عمر للقائه فانتهى إلى ولما تراءى الجمعان خذله جنوده وأسلموه فرجع إلى فاس مغلولا ووجه الرغبة إلى عمه أن يقطعه مكناسة وينزل له عن الامر فأجابه إلى ذلك ودخل السلطان أبو يوسف يعقوب بن عبد الحق مدينة فاس فملكها سنة سبع وخمسين وتمشت طاعته في بلاد المغرب ما بين ملوية وأم الربيع وسجلماسة وقصر كتامة واقتصر عمر على امارة مكناسة فتولاها أياما ثم اغتاله من عشيره عمر وابراهيم ابنا عمه عثمان بن عبد الحق والعباس بن عمه محمد بن عبد الحق فقتلوه وثأروا منه بدم كانوا يعتدونه عليه وهلك لعام أو بعد عام من امارته فكفى يعقوب شأنه واستقام سلطانه وذهب التنازع والمشاق عن أمره وكان يغمراسن بعد مهلك قرنه(7/177)
الامير أبى يحيى سما له أمل في الاجلاب على المغرب فجمع ذلك قومه واستجاش بنى توجين ومغراوة وأظمعهم في غبل الاسد ونهض إلى المغرب حتى انتهوا إلى كلدامان وصمد السلطان يعقوب بن عبد الحق إلى لقائهم فغلبهم ورجعوا إلى تفيئته ومر يغمراسن ببلاد بطوية فأحرق وانتسف واستباح وأعظم فيها لنكاية ورجع السلطان إلى فاس وتقبل مذاهب أخيه الامير أبى يحيى في فتح أمصار المغرب وتدويخ أقطاره وكان مما أكرمه الله به أن فتح أمره باستنقاذ مدينة سلا من أيدى النصارى فكان له بها أثر جميل وذكر خالد على ما نذكره ان شاء الله تعالى * (الخبر عن فجأة العدو مدينة سلام واستنقاذها من أيديهم) * كان يعقوب بن عبد الله قد استعمله عمه الامير أبو يحيى على مدينة سلا لما ملكها كما ذكرناه ولما استرجعها الموحدون من يده أقام بتغلب في جهاتها مراصدا لاهلها وحاميتها ولما بويع عمه يعقوب بن عبد الحق اسفته بعض الاحوال فذهب مغاضبا حتى نزل غبولة وألطف الحيلة في تملك رباط الفتح وسلا ليعتدها ذريعة لما أسر في
نفسه فتمت له الحيلة وركب عاملها ابن يعلو البحر فارا إلى أزمور وخلف أمواله وحرمه فتملك يعقوب بن عبد الله البلد وجاهر بالخلع وصرف إلى منازعة عمه السلطان أبى يوسف وجوه العزم وداخل تجار الحرب في الامداد بالسلاح فتماروا في ذلك وكثر سفر المترددين بينهم حتى كثروا أهلها وأسملوا فيها غرة عيد الفطر من سنة ثمان وخمسين عند شغل الناس بعيدهم وثاروا بسلا وسبوا الحرم وانتهبوا الاموال وضبطوا البلد وامتنع يعقوب بن عبد الله برباط الفتح وطار الصريخ إلى السلطان أبى يوسف وكان بتازى مستشرفا لاحوال يغمراسن فنادى في قومه وطار بأجنحة الخيول ووصلها اليوم وليلة وتلاحقت به امداد المسلمين من أهل الديوان والمطوعة ونازلها أربع عشرة ليلة ثم اقتحمها عليهم عنوة وأثخن فيهم بالقتل ثم رم بالبناء ماكان متثلما بسورها الغربي حيث أمكنت منه الفرصة في البلد وتناول البناء فيه بيده والله لا يضيع عمل عامل وخشى يعقوب بن عبد الله بادرة السلطان فخرج من رباط الفتح وأسلمه فضبطه السلطان وثقفه ثم نهض إلى بلاد تامسنا وأنفى فملكها وضبطها ولحق يعقوب ابن عبد الله بحصن علودان من حبال غمارة فامتنع به وسرح السلطان ابنه أبا مالك عبد الواحد وعلى بن زيان لمنازلته وسار إلى لقاء يغمراسن لقاء المهادنة فلقيه بجو حرمان وافترقا على السلم ووضع أوزار الحرب ورجع السلطان إلى المغرب فخرج عليه أبناء أخيه أولاد ادريس ولحقوا بقصر كتامة وتابعوا يعقوب ابن عمهم عبد الله على رأيه واجتمعوا إلى اكبيرهم محمد بن ادريس فبمن إليهم من العشير والصنائع فنهض(7/178)
إليهم واعتصموا بجبال غمارة ثم استنزلهم واسترضاهم وعقد لعامر بن ادريس سنة ستين على عسكر من ثلاثة آلاف فارس أو يزيدون من المطوعة من بنى مرين وأغزاهم إلى العدوة لجهاد العدو وحملهم وفرض لهم وشفع بها عمله في واقعة سلا وهو أول جيش أجاز من بنى مرين فكان لهم في الجهاد والمرابطة مقامات محمودة وكذر خالد تقبل سلفهم
فيها خلفهم من بعدهم حسبما نذكره وأقام يعقوب بن عبد الله خارجا بالنواحي مثقلا في الجهات إلى أن قتله طلحة بن على بساقية غبولة من ناحية سلا سنة ثمان وستين فكفى السلطان شأنه وكان المرتضى مذ توالت عليهم الوقائع واستمر الظهور لبنى مرين انحجر في جدرانه وتوارى بالاسوار عن عدوه فلم يسم إلى لقاء زحف ولاحدث نفسه بشهود حرب واستأنيد بنو مرين على الدولة وشرهوا إلى التهام وأسفوا إلى منازلة مراكش دار الخلافة كما نذكره ان شاء الله تعالى والله أعلم { الخبر عن منازلة السلطان أبى يوسف حضرة مراكش دار الخلافة وعنصر الدولة وما كان اثر ذلك من نزوع أبى دبوس إليه وكيف نصبه للامر وكان مهلك المرتضى على يده ثم انتقض عليه } لما فرغ السلطان من شأن الخوارج عليه من عشيره استجمع لمنازلة المرتضى والموحدين في دارهم ورأى أنه أوهن لدولتهم وأقوى لامره عليهم وبعث قومه واحتشد أهل ممالكه واستكمل تعبيته وسار حتى انتهى إلى ايكليز واعتزم على ذلك سنة ستين وشارف دار الخلافة ثم نزل بقعرها وأخذ بمخنقها وعقد المرتضى لحربهم للسيد أبى العلاء ادريس لمكنى بأبى دبوس ابن السيد أبى عبد الله ابن السيد أبى حفص بن عبد المؤمن فعبى كتائبه ورتب مصافه وبرز لمدافعتهم ظاهرا نصرة فكانت بينهم حروب بعد العهد بمثلها استشهد فيها الامير عبد الله بن يعقوب بن عبد الحق وكانوا يسمونه برطانتهم العجوب ففت مهلكه في عضدهم وارتحلوا عنها إلى أعمالهم د واعترضهم عساكر الموحدين بوادي أم الربيع وعليهم يحيى بن عبد الله بن وانودين فاقتتلوا في بطن الوادي وانهزمت عساكر الموحدين وكان في مسيل الواد كدى تحسر عنها غمر الماء تبدو كأنها أرجل فسميت الواقعة بها أم الرجلين ثم سعى سماسرة الفتن عند الخليفة المرتضى في ابن عمه وقائد حربه السيد أبى دبوس بطلبه الامر لنفسه وشعر بالسعاية فخشى بادرة المرتضى ولحق بالسلطان أبى يوسف مدخله إلى فاس من منازلته آخر سنة احدى وستين نازعا إليه فأقام عنده
مليا ثم سأل منه الاعانة على أمره بعسكر يمده وآلة يتخذها لملكه ومال يصرفه في ضروراته على أن يشركه في القسمة والفتح والسلطان فامده بخمسة آلاف من بنى مرين وبالكفاية من المال والمستجاد من الآلة وأهاب له بالعرب والقبائل من أهل(7/179)
مملكته ومن سواهم أن يكونوا يدا معه وسار في الكتائب حتى شارف الحضرة ودس إلى أشياعه ومن يداخله من الموحدين في أمره فثاروا بالمرتضى وأخفضوه عنها فلحق بازمور مستجيشا بصهره ابن عطوش ودخل أبو دبوس الحضرة في المحرم فاتح خمس وستين وتقبض ابن عطوش عامل أزمور على المرتضى واقتاده أسيرا إلى أبى دبوس فبعث مولاه مزاحما فاحتز رأسه في طريقه واستقل بالخلافة وصبا به آل عبد المؤمن ثم بعث إليه السلطان في الوفاء بالمشارطة فاستنكف وعتا ونقض العهد وأساء الخطاب فنهض إليه في جموع بنى مرين وعساكر المغرب فخام عن اللقاء وانحجز بمراكش ونازله السلطان أياما تباعا ثم سار في الجهات والنواحى يحطم الزرع وينسف الاقوات وعجز أبو دبوس عن دفاعه فاستجاش عليه بيغمراسن بن زيان ليفت في عضده ويشغله عما وراءه ويأخذ بحجزته عن التهامه على ما نذكر لو أمهلته الايام وانفسح له الاجل { الخبر عن وقيعة تلاغ بين السلطان يعقوب بن عبد الحق ويغمراسن بن زيان باغراء أبى دبوس وتضريبه } لما نازل السلطان أبو يوسف حضرة مراكش وقعد على ترائبه للتوثب عليها لم يجد أبو دبوس وليجة من دون قصد الاستجاشة بيعمراسن وقومه عليه ليأخذوا بحجزته عنه ويشغلوه من ورائه فبعث إليه الصريخ في كشف بلواه ومدافعة عدوه وأكد العهد وأسنى الهدية فشمر يغمراسن لاستنقاذه وجذب عدوه من ورائه وشن الغارات على ثغور المغرب وأضرم نارا فأهاج عليه وعلى قومه من السلطان يعقوب لثا عاديا وأرهف منه عزما ماضيا وأفرج يعقوب على مراكش بعزم النهوض إلى تلمسان ونزل بفاس
فتلوم بها اياما حتى أخذ أهبة الحرب وأكمل استعدادها ورحل فاتح ست وستين وسلك على كرسيف ثم على تافرطا وتزاحف الفريقان بوادي تلاغ وعبى كل منهم كتائبه وزحف مصافه وبرز النساء مسافرات الوجوه على سبيل التحريش لحسن وسعد بن ويرغين ولما فاء الفئ ومال النهار وكثرت حشود المغرب وجموع بنى عبد الواد ومن إليهم انكشفوا ومنحوا العدو أكتافهم وهلك أبو حفص عمر كبير ولد يغمراسن وولى عهده في جماعة من عشيره ذكرناهم في أخباره وأخذ يغمراسن بأعقاب قومه فكان لهم ردأ إلى أن خلصوا من المعترك ووصلوا إلى بلادهم في جمادى من سنتهم وعاد السلطان أبو يوسف إلى مكانه من حصار مراكش والله أعلم { الخبر عن السفارة والمهاداة التى وقعت بين السلطان يعقوب ابن عبد الحق وبين المنتصر الخليفة بتونس من آل أبى حفص } كان الامير أبو زكريا يحيى بن عبد الواحد بن أبى حفص منذ دعا لنفسه بتونس سنة خمس(7/180)
وعشرين طموحا إلى ملك مراكش مقر الدعوة ومنبعث الدعوة وأصل الخلافة وكان يؤمل لذلك زناتة من خضد شوكة آل عبد المؤمن وتقليم أظافر بأسهم وردهم على أعقابهم أن يخلصوا إليه وتغلب على تلمسان سنة أربعين ودخل يغمراسن بن زيان في دعوته وصار فئة له وشيعة على عدوه كما ذكرناه فوصل به جناحه للمدافعة وناغاه بنو مرين في مراسلة ابن أبى حفص ومخاطبته والتخفيض عليه فيما يهمه من شأن عدوه وحمل ما يفتحون من بلاد المغرب على البيعة له والطاعة مثل فاس ومكناسة والقصر وكان هو يلاطفهم بالتحف والهدياا ويريهم البر في الكتاب والخطاب والمعاملة والتكريم للوفد غير سبيل آل عبد المؤمن فكانوا يجنحون بذلك إلى مراسلته وايفاد قرابتهم عليه وولى ابنه المستنصر بعده سنة سبع وأربعين فتقبل مذاهب أبيه وأوفى عليه بالايعاز إليهم بمنازلة مراكش وضمان الانفاق عليهم فيها فكان يبعث لذلك أحمالا
من المال والسلاح وأعدادا وافرة من الخيل بمراكبها للحملان ولم يزل ذلك دأبه معهم ولما فعل أبو دبوس فعلته في نقض العهد واستجمع السطان لمنازلته قدم بين يدى عمله مراسلة الخليفة المستنصر يخبره الخبر ويتلطف له في استنزال المدد فأوفد عليه ابن أخيه عامر بن ادريس بن عبد الحق وأصحبه عبد الله بن كندور لعبد الواد كبير بنى كمى وقريع يغمراسن الذى ثأر يغمراسن من أبيه كندور بأبيه زيان كما ذكرناه في أخبارهم وكان خلص إليه من حضرة المستنصر فلقاه مبرة وتكريما وأوفد معهم الكاتب أبا عبد الله محمد الكنانى من صنائع دولة آل عبد المؤمن كان نزع إلى أخيه الامير أبى يحيى لما رأى من اختلال الدولة وأنزله مكناسة وآثره بالصحبة والخلة فجمع له يعقوب بن عبد الحق في هذا الوفد من الاشراف من يحسن الرياسة ويعرب عما في ضمائر الناس ويدله على شرف مرسله فوفدوا على المستنصر سنة خمس وستين وأدوا رسالتهم وحركوا له جوار المظاهرة على صاحب مراكش عنانه فحن واهتز سرورا من أعواده ولقاهم مبرة التكريم واسحان النزل ورد الامير عامر بن ادريس وعبد الله بن كندور لوقتهما وتمسك بالكناني من بينهم لمصاحبة وفده فطال مقامه عنده إلى أن كان من فتح مراكش ما نذكره ثم أوفد المستنصر على السلطان يعقوب بن عبد الحق آخر سنة سبع وثمانين بعدها شيخ الجماعة من الموحدين لعهده أبا زكريا يحيى بن صالح الهنتائى مع جماعة من مشيخة الموحدين في مرافقة محمد الكنانى وبعث معهم إلى السلطان هدية سنية يلاطفه بها ويتاحفه انتخب فيها من الجياد والسلاح وأصناف الثياب الغريبة العمل ما انتقاه ووفق رضاه وهمته على الاستكثار منه فحسن موقعها وتحدث وانقلب وفده أحسن منقلب بعد أن تلطف محمد الكنانى في ذكر الخليفة المستنصر على منبر مراكش فتم له(7/181)
وشهد له وفد الموحدين فعظم سرورهم وانقلبوا محبورين مسرورين واتصلت بعد ذلك مهاداة المستنصر ليعقوب بن عبد الحق إلى أن هلك وحذا ابنه الواثق من بعده على
سننه فبعث إليه سنة سبع وستين هدية حافلة بعث بها القاضى أبا العباس الغمارى قاضى بجاية فعظم موقعها وكان لابي العباس الغمارى بالمغرب ذكر تحدث به الناس والله أعلم * (الخبر عن فتح مراكش ومهلك أبى دبوس وانقراض دولة الموحدين من المغرب) * لما رجع السلطان أبو يوسف من حرب يغمراسن ورأى أن قد كفى عدوه وكف غربه ورد من كيده وكيد أبى دبوس صريخه صرف حينئذ عزائمه إلى غزو مراكش والعود إلى مضايقتها كما كان لاول أمره ونهض لغزاته من فاس في شعبان من سنته ولما جاوزوا أم الربيع بث السرايا وسرح الغارات وأطلق الايدى والاعنة لنهب والعبث فحطموا رزوعها وانتسفوا آثارها وتقري نواحيها كذلك بقية عامه ثم غزا عرب الخلط من جشم بتادلا فأثخن فيهم واستباحهم ثم نزل وادى العبيد ثم غزا بلاد صنهاجة ولم يزل ينقل ركابه بأنحاء البلاد المراكشية واحوازها حتى حضرت صدور بنى عب دالمؤمن وقومه وأغزاهم أولياء الدوة من عرب جشم بنهوض الخليفة لمدافعة عدوه فجمع لذلك وبرز في جيوش صخمة وجموع وافرة واستجره أبو يوسف بالفرار أمامه ليبعد عن مدد الصريخ فيستمكن منه حتى نزل عفو ثم كر إليه والتحم القتال فاختل مصافه وخر صريعا لليدين وللفم واجتز رأسه وهلك بمهلكه وزيره عمران وكاتبه على بن عبد الله المغيلى وارتحل السلطان أبو يوسف إلى مراكش وفر من كان بها من الموحدين فلحقوا بجبل تيمال وبايعوا اسحق أخا المرتضى فبقى ذبالة هنالك سنين ثم تقبض عليه سنة أربع وسبعين وسيق إلى السلطان هو وأبو سعيد ابن عمه السيد أبى الربيع والقبائلي وأولاده فقتلوا جميعا وانقرض أمر بنى عبد المؤمن والله وارث الارض ومن عليها وخرج الملا وأهل الشورى من الحضرة إلى السلطان فأمنهم ووصلهم ودخل مراكش في بروز فخم فاتح سنة ثمان وستين وورث ملك آل عبد المؤمن وتمالاه واستوسق أمره بالمغرب وتطامن الناس لباسه وسكنوا الظل سلطانه وقام بمراكش إلى رمضان من سنته وأغزى ابنه الامير أبا مالك إلى بلاد السوس فافتتحها
وأوغل في ديارها ودوخ أقطارها ثم خرج بنفسه إلى بلاد درعة فأوقع بهم الوقيعة المشهورة التى خضدت من شوكتهم ورجع لشهرين من غزاته ثم أجمع الرحلة إلى داره بفاس فعقد على مراكش وأعمالها لمحمد بن على بن يحيى من كبار أوليائهم ومن أهل خولته وكان من طبقة الوزراء حسبما يأتي التعريف به وبعشيرته وأنزله بقصبة مراكش وجلع المسالح في أعمالها لنظره وعهد إليه بتدويخ الاقطار ومحو آثار بنى(7/182)
عبد المؤمن وفصل إلى حضرته في شوال وأراح بسلا فكان من خبر عهده لابنه ما نذكره ان شاء الله تعالى { الخبر عن عهد السلطان لابنه أبى مالك وما كان عقب ذلك من خروج القرابة عليها أولاد أخيه ادريس واجازتهم إلى الاندلس } لما تلوم السلطان بسلا منصرفه من رباط الفتح وأراح بها ركائبه عرض له طائف من المرض ووعك وعكا شديدا فلما أقفل جمع قومه وعهد لابنه فيهم أبى مالك عبد الواحد كبير ولده لما علم من أهليته لذلك وأخذ له البيعة عليهم فأعطوها طواعية وأسف لقرابة من ولد أخويه عبد الله وادريس لامهما سوط النساء ووجدوا في أنفسهم لما يرون أن عبد الله وادريس أكابر ولد عبد الحق ولهما التقدم على من بعدهما من ولده وأنهما أحق بالامر فرجعت هنت إلى أذنا بها ونفسوا عن ابن السلطان لما أخذ له من البيعة والعهد ونزعوا عنه إلى جبل علودان من جبال غمارة عش خلافهم ومدرج فتنتهم وذلك سنة تسع وستين ورياستهم يومئذ لمحمد بن ادريس وموسى بن رحو بن عبد الله وخرج معهم ولد أبى عياد بن عبد الحق وأغزاهم السلطان ولده أبا يعقوب يوسف في خمسة آلاف من عسكره فأحاط بهم وأخذ بمخنقهم ولحق به أخوه أبو مالك في عسكره ومعه مسعود بن كانون شيخ بسفيان ثم خرج في أثرهم السلطان إبو يوسف واجتمع معسكرهم بتافركا ونازلوهم ثلاثا وهلك في حروبهم منديل بن ورتطليم
ولما رأوا ان أحيط بهم سألوا الامان فبذله وأنزلهم واستل سخائمهم ومسح ما في ارتكبوه فأذن لهم وأجازوا البحر إلى الاندلس وخالفهم عامر بن ادريس لما أنس من صاغية السلطان إليه فتخلف عنهم بتلمسان حتى توثق لنفسه بالعهد وعاد إلى قومه بعد منازلة السلطان بتلمسان كما نذكره الآن واحتل بنو ادريس وعبد الله وابن عمهم أبو عياد باندلس على حين أقفر من الحامية جوها واستأسد العدو على ثغرها وغلبت شفاههم فاحتلوها أسودا ضارية وسيوفا ماضية معودين لقاء الابطال وقراع الحتوف والنزال مستغلظين بخشونة البداوة وصرامة العز وبسالة التوحش فعظمت نكايتهم في العدو واعترضوا شجى في صدره دون الوطن الذى كان طعمة له في ظنه وارتدوه على عقبه ونشطوا من همم المسلمين المستضعفين وراء البحر وبسطوا من أمالهم لمدافعة طاغيتهم وزاحموا أمير الاندلس في رياستها بمنكب فتجافى لهم عن خطة الحرب ورياسة الغزاة من أهل العدوة من أعياصهم وقبائلهم ومن سواهم من أمم البرابرة وتناقلوه وساهموه في الجباية لفرط العطاء والديوان فبذله لهم واستمدوا على العدو وحسن أثرهم(7/183)
فيها كما نذكره بعد في أخبار القرابة ثم أعمل السلطان نطره في غزو تلمسان على ما نذكره ان شاء الله تعالى { الخبر عن حركه السلطان أبى يوسف إلى تلمسان وواقعيته على يغمراسن وقومه بايسيلى } لما غلب السلطان أبو يوسف على بنى عبد المومن وفتح مراكش واستولى على ملكهم سنة ثمان وستين وعاد إلى فاس كما ذكرناه تحرك ما كان في نفسه من ضغائن يغمراسن وبنى عبد الواد وما أسفوا به من تخذيل عزائمه ومجادلته عن قصده ورأى أن واقعة تلاغ لم تشف صدره ولا أطفأت نار موجدته فأجمع أمره على غزوهم واقتدر بما صار إليه من الملك والسلطان على حشد أهل المغرب لحربهم وقطع دابرهم
فعسكر بفاس وسرح ولده وولى عهده أبا مالك إلى مراكش في خواصه ووزرائه حاشدين في مدائنها وضواحيها وقبائل العرب والمصامدة وبنى ورا وغمرة وصنهاجة وبقايا عساكر الموحدين بالحضرة وحامية الانصار من جند الروم وناشبة العز فاستكثر من أعدادهم واستوفى حشدهم واحتفل السلطان بحركته وارتحل عن فاس سنة سبعين وستمائة وتلوم بملوية إلى أن لحقته الحشود وتوافت إليه أمداد العرب من قبائل جشم أهل تامسنا الذين هم سفيان والخلط والعاصم وبنو جابر ومن معهم من الاثبج وقبائل ذوى حسان والشبانات من المعقل أهل السوس الاقصى وقبائل رياح أهل ازغار والهبط فاعترض هنالك عساكره وعبى مواكبه فيقال بلغت ثلاثين ألفا وأرتحل يريد تلمسان ولما انتهى إلى انكاد وافته رسل ابن الاحمر هنالك ووفد المسلمين بالاندلس صريخا على العدو يستجيشون باخوانهم المسلمين ويسألونم الاعانة فتحركت همته للجهاد ونصر المسلمين من عدوهم ونظر في صرف الشواغل عن ذلك وجنح إلى السلم مع يغمراسن وصوب الملا في ذلك رأيه لما كانوا عليه من ايثار الجهاد وانتدب جماعة من المشيخة إلى السعي في صلاح ذات بينهما وانكفا من غرب عدوتهما وساروا الى يغمراسن فوافوه بظاهر تلمسان وقد أخذ أهبته واستعد للقاء واحتشد زناتة أهل ممالكه بالشرق من بنى عبد الواد وبنى راشد ومغراوة وأحلافهم من العرب زغبة فلج في لك واستكبر وصم عن اسعافهم وزحف في جموعه والتقى الجمعان بوادي ايسيلى من بسائط وجدوة السلطان أبو يوسف قد عبى كتائبه ورتب مصافه وجعل ولديه الاميرين أبا مالك وأبا يعقوب في الجناحين وسار في القلب فدارت بينهم حرب شديدة أجلت عن هلاك فارس بن يغمراسن وجماعة من بنى عبد الواد وكاثرهم حشود المغرب الاقصى وقبائله وعساكر الموحدين والبلاد المراكشية فولوا الادبار وهلك عامة عسكر الروم(7/184)
لثباتهم بثبات السلطان فطحنتهم رحى الحرب وتقبض على قائدهم بيرنيس ونجا
يغمراسن بن زيان في فله مدافعا دونه إلى تلمسان ومر بفساطيطه فأضرمها نارا وانتهب معسكره واستبيحت حرمه وأقام السلطان أبو يوسف على وجدة حتى خربها وأصرع بالتراب أسوارها وألصق بالرغام جدرانها ثم نهض إلى تلمسان فحاصرها أياما وأطلق الايدى في ساحتها بالنهب والعيث وشن الغارات على البسائط فاكتسحها سبيا ونسفها نسفا وهلك في طريقه إلى تلمسان وزيره عيسى بن ماساى وكان من علية وزرائه وحماة ميدانه له في ذلك أخباره مذكورة وكان مهلكه في شوال من هذه السنة ووصله بمثواه من حصارها محمد بن عبد القوى أمير بنى توجين ومستصرخه على بنى عبد الواد لما نال منه يغمراسن من طبخ القهر وذل الغلب والنحيف في كافة قبيله مباهيا بآلته فأكرم السطان أبو يوسف وفادته واستركب الناس للقائه وبرور مقدمه واتخاذ رتبة السلاح لمباهاته وأقام محاصر التلمسان معه أياما حتى وقع اليأس وامتنع البلد واشتد شوكة حاميته ثم أجمع السلطان أبو يوسف على الافراج عنها وأشار على الامير محمد بن عبد القوى وقومه بالقفول قبل قفوله وأن يغذوا السير إلى بلادهم وملا حقائبهم باتحافه وجنب لهم من المائة من المقربات بمراكبها وأراح عليهم ألف ناقة حلوب وعمهم بالخلع مع الصلات والخلع الفاخرة واستكثر لهم من السلاح والفازات والفساطيط وحملهم على الظهر وارتحلوا وتلوم السلطان أياما لمنجاتهم إلى مقرهم من جبل وانشريس حذرا من غائلة يغمراسن من انتهاز الفرصة فيهم ثم دخل إلى فاس ودخلها مفتتح احدى وسبعين وهلك ولده الامير أبو مالك ولى عهده لايام من مقدمه فأسف لمهلكه ثم تعزى بالصبر الجميل عن فقده ورجع إلى حاله في افتتاح بلاد المغرب وكان في غزوته هذه ملك حصن تاوتت وهو معقل مطغرة وشحنه بالاقوات لما رآه ثغرا مجاورا لعدوه وأسلمه لنظر هرون بن شيخ مطغرة ثم ملك حصن مليلة بساحل الريف مرجعه من غزاته هذه وأقام هرون بحصن تاونت ودعا لنفسه ولم يزل يغمراسن يردد الغزو إليه حتى فر من الحصن واستلمه سنة خمس وسبعين ولحق بالسلطان أبى يوسف كما ذكرناه
في أخباره عند ذكر قبيلة مطغرة وكان من شأنه ما ذكرناه { الخبر عن افتتاح مدينة طنجة وطاعة أهل سبتة وفرض الاتاوة عليهم وما قارن ذلك من الاحداث } كانت هاتان المدينتان سبته وطنجة من أول دولة الموحدين من أعظم عمالاتهم وأكبر ممالكهم بما كانت ثغر العدوة ومرفا الاساطيل ودار الانشاء الآلات التجرية وفرضة الجواز إلى الجهاد فكانت ولايتها مختصة بالقرابة من السادة بنى عبد المؤمن وقد ذكرنا(7/185)
أن الرشيد كان عقد على أعمالها لابي على بن الخلاص من أهل بلنسية وأنه بعد استفحال الامير أبى زكريا بافريقية ومهلك الرشيد صرف الدولة إليه سنة أربعين وبعث إليه بالمال والبيعة مع ابنه أبى القاسم وولى على طنجة يوسف بن محمد بن عبد الله بن أحمد الهمداني المعروف بابن الامير قائدا على الرجل الاندلسيين وضابطا للقصبة وعقد الامير أبو زكريا على سبتة لابي يحيى بن أبى زكريا ابن عمه أبى يحيى السيد بن الشيخ أبى حفص فنزل بها واستراب أبو على بن خلاص من العواقب عند مهلك ابنه الوافد على السلطان غريقا في البحر فرحل بجملته إلى تونس في السفن وأراح ببجاية فكان فيها هلاكه سنة ست وأربعين ويقال هلك في سفينته ودفن ببجاية ولما هلك الامير أبو زكريا سنة سبع بعدها انتقض أهل سبتة على ابنه المنتصر وطردوا ابن الشهيد وقتلوا العمال الذين كانوا معه وصرفوا الدعوة للمرتضى وتولى ذلك حجفون الرنداحى بمداخلة أبى القاسم الغرفى كبير المشيخة بسبتة وأعظمهم تجلة نشأ في حجر أبيه الفقيه الصالح أبى العباس أحمد مكنوفا بالجلالة مغذوا بالعلم والدين لما كان له فيها قدم إلى أن هلك فاوجب أهل البلد لابنه ما عرفوه من حقه وحق أبيه من قبله وكانوا يفزعون إليه في المهمات ويسلمون له في الشورى فأغرى الرنداحى بهذه الفعلة ففعلها وعقد المرتضى لابي القاسم الغرفى على سبتة مستقلا من غير اشراف أحد من السادة ولا
من الموحدين واكتفى بغنائه في ذلك الثغر وعقد لحجفون الرنداحى على قيادة الاساطيل بالمغرب فورثها عنه بنوه إلى أن زاحمهم الغرفى بمناكب رياسته فقوضوا عن سبتة فمنهم من نزل بمالقة على ابن الاحمر ومنهم من نزل ببجاية على أبى حفص ولهم في الدولتين آثار تشهد برياستهم واستقل الفقيه أبو القاسم الغرفى برياسة سبتة وأورثها بنيه من بعده على ما نذكره بعد وكانت طنجة تالية سبتة في سائر الاحوال وتبعا لها فاتبع ابن الامير صاحبها امارة الفقيه أبى القاسم ثم انتقض عليه لسنة واستبد وخطب لابن أبى حفص ثم للعباسي ثم لنفسه وسلك فيها مسلك الغرفى في سبتة ولبثوا كذلك ما شاء الله حتى إذا ملك بنو مرين الغرب وابثوا في شعابه ومدوا اليد في ممالكه فتناولوها ونزلوا معاقله وحصونه فافتتحوها وهلك الامير أبو يحيى عبد الحق وابنه عمر من بعده وتحيز بنوه في ذويهم واتباعهم وحشمهم إلى ناحية طنجة وأصيلا فأوطنوا ضاحيتها وأفسدوا سابلتها وضيقوا على ساكنها واكتسحوا ما حواليها وشارطهم ابن الامير على خراج معلوم على أن يكفوا الاذية ويحموا الحوزة ويصلحوا السابلة فاتصلت يده بيدهم وترددوا إلى البلد لاقتضاء حاجاتهم ثم مكروا وأضمروا الغدر ودخلوا في بعض أيامهم متأبطين السلاح وفتكوا بابن الامير غيله فثارت بهم العامة لحينهم واستلحموا في مصرع واحد(7/186)
سنة خمس وستين واجتمعوا إلى ولده وبقيت في ملكته خمسة أشهر ثم استولى عليها الغرفى فنهض بعساكره من الرجل برا وبحرا واستولى عليها وفر ابن الامير ولحق بتونس ونزل على المستنصر واستقرت طنجة في ايالة الغرفى فضبطها وقام بأمرها وولى عليها من قبله وأشرك الملا من أشرافها في الشورى ونازلها الامير أبو مالك سنة ست وستين فامتنعت عليه وأقامت على ذلك حتى إذا انتظم السلطان أبو يوسف ببلاد المغرب في مملكته واستولى على حضرة مراكش ومحا دولة بنى عبد المؤمن وفرغ من أمر عدوة يغمراسن وهم بتلك الناحية واستضافة عملها فأجمع الحركة إليها ونازل طنجة
مفتتح سنة ثنتين وسبعين بما كانت في البسيط من دون سبتة وأقام عليها أياما ثم اعتزم على الافراج عنها فقذف الله في قلوبهم الرعب وافترق بينهم وتنادى في بعض الناشية من السور بشعاب بنى مرين فبادر سرعان أناس إلى تسور حيطانها فملكوها عليهم وقاتلوا أهل البلد ظلام ليلتهم ثم دخلوا البلد من صبيحتها عنوة ونادى منادى السلطان في الناس بالامان والعفو عن أهل البلد فسكن روعهم ومهد وفرغ من شأن طنجة ثم بعث ولده الامير أبا يعقوب في عساكر ضخمة لمنازلة الغرفى في سبتة وارغامه عن الطاعة فنازلها أياما ثم لاذ بالطاعة على المنعة واشترط على نفسه خراجا يؤديه كل سنة فتقبل السلطان منه وأفرجت عساكره عنهم وقفل إلى حضرته وصرف نظره إلى فتح سجلماسة وازعاج بنى عبد الواد المتغلبين عليها كما نذكره ان شاء الله تعالى { الخبر عن فتح سجلماسة ودخولها عنوة على بنى عبد الواد والمنبات من عرب المعقل } قد ذكرنا ما كان من تغلب الامير أبى يحيى بن عبد الحق على سجلماسة وبلاد درعة وأنه عقد عليها وعلى سائر بلاد القبلة ليوسف بن يزكاسن وأنزل معه ابنه مفتاحا المكنى بأبى حديد في مشيخته لحياطتها وأن المرتضى سرح وزيره ابن عطوش سنة أربع وخمسين في العساكر لارتجاعها فنهض الامير أبو يحيى إليه وشرده عنها ورجعه على عقبه وأن يغمراسن بن زيان من بعد واقعة أبى سليط سنة خمس وخمسين قصدها لعورة دل عليها وغرة أمل اصابتها فسابقه إليها الامير أبو يحيى وما لقه من دونها ورجع عنها خائب المسعى مفلول الحامية وكان الامر أبو يحيى من بعد أن عقد عليها ليوسف ابن يزكاسن عقد عليها من بعده لسنة ونصف من ولايته ليحيى بن أبى منديل كبير بنى عسكرا قتالهم ومقاسميهم نسب محمد بن وطيص ثم عقد عليها لشهرين لمحمد بن عمران ابن عبلة من بنى يرسان صنائع دولتهم واستعمل معه على الجباية أبا طالب الحبشى وجعل مسلحة الجند بها لنظر أبى يحيى القطراني وملكه قيادتهم وأقاموا على ذلك(7/187)
سنة ثنتين ولما هلك الامير أبو يحيى وشغل السلطان أبو يوسف بحرب يغمراسن ومنازلة مراكش سما للقطراني أمل في الاستبداد بها وداخل في ذلك بعض أهل الفتن وظاهره يوسف بن الغزى وفتكوا بعمار الورند غزاني شيخ الجماعة بالبلد وائتمروا بمحمد بن عمران بن عبلة فخرج ولحق بالسلطان واستبد القطراني بها ثم ثار بهأهل البلد سنة ثمان وخمسين لسنة ونصف من لدن استبداده وقتلوه وصرفوا بيعتهم إلى الخليفة المرتضى بمراكش وتولى كبر ذلك القاضى بن حجاج وعلى بن عمر فعقد له المرتضى عليها وأقام بها أميرا ونازلهم عساكر بنى مرين والسلطان أبو يوسف سنة ستين ونصب عليها آلات الحصار فأحرقوها وامتنعوا وأفرج عنهم وأقام على بن عمر في سلطانه ذلك ثلاث سنين ثم هلك وكان الامير يغمراسن بن زيان منذ غلب الموحدين على تلمسان والمغرب الاوسط وصار في ملكته تحيز إليه من عرب المعقل قبيل المنبات من ذوى منصور بما كانت مجالات المعقل مجاورة لمجالات بنى يادين في القفر وانما ارتحلوا عنها من بعد ما جأجأ يغمراسن من بنى عامر بمجالاتهم من مصاب ببلاد بنى يزيد فزاحموا المعقل بالمناكب عن مجالاتهم ببلاد فيكيك وصاروا حولهم إلى ملوية وما وراءها من بلاد سجلماسة فملكوا تلك المجالات ونبذ يغمراسن العهد إلى ذوى عبيد الله منهم واستخلص المنبات هؤلاء فكانوا له حلفاء وشيعة ولقومه ودعوته خالصة وكانت سجلماسة في مجالاتهم ومتقلب ظعنهم وناجعتهم ولهم فيها طاعة معروفة فلما هلك على بن عمر آثروا يغمراسن بملكها فحملوا أهل البلد على القيام بطاعته وخاطبوه وجأجؤا به فغشيها بعساكره وملكها وضبطها وعقد عليها لعبد الملك بن محمد بن على بن قاسم بن درع من ولد محمد بن زكراز بن يندوكس ويعرف بابن حنينة نسبة إلى أم أبيه أخت يغمراسن ومعه يغمراسن بن حمامة وأنزل معهما ولده الامير يحيى لاقامة الرسم الملوكى ثم أداله بأخيه من السنة الاخرى وكذا كان شأنه في كل سنة ولما فتح السلطان أبو يوسف بلاد
المغرب وانتظم أمصاره ومعاقله في طاعته وغلب بنى عبد المؤمن على دار خلافتهم ومحا رسمهم وافتتح طنجة وطوع سبتة مرفأ الجواز إلى العدوة وثغر المغرب سما أمله إلى بلاد القبلة فوجه عزمه إلى افتتاح سجلماسة من أيدى بنى عبد الواد المتغلبين عليها وادالة دعوته فيها من دعوتهم فنهض إليها في العساكر والحشود في رجب من سنة ثنتين وسبعين فنازلها وقد حشد إليها أهل المغرب أجمع من زناتة والعرب والبربر وكافة الجنود والعساكر ونصب عليها آلات الحصار من المجانيق والعرادات وهندام الغفط القاذف بحصى الحديد ينبعث من حربة النار الموقدة في البارود بطبيعة غريبة ترد الافعال إلى قدرة باريها فأقام عليها حولا كريتا يغاديها القتال ويراوحها إلى أن سقطت(7/188)
ذات يوم على حين غفلة طائفة من سورها بالحاح الحجارة من المنجنيق عليها فبادروا إلى اقتحام البلد فدخلوها عنوة من تلك الفرجة في صفر من سنة ثلاث وسبعين فقتلوا المقاتلة والحامية وسبوا الذرية وقتل القائدان عبد الملك بن حنينة ويغمراسن بن حمامة ومن كان معهم من بنى عبد الواد وأسراء المنباة وكمل فتح بلاد المعرب للسلطان أبى يوسف وتمشت طاعته في أقطاره فلم يبق فيه معقل يدين بغير دعوته ولا جماعة تتحيز إلى غير فئته ولا امل ينصرف إلى سواه ولما كملت له نعم الله في استيساق ملكه وتمهيد أمره انصرف أمله إلى الغزو وايثار طاعة الله بجهاد أعدائه واستنقاذ المستضعفين من وراء البحر من عباده على ما نذكره ان شاء الله تعالى ولما انكفأ راجعا من سجلماسة قصد مراكش من حيث جاء ثم وقف إلى سلا فأراح بها أياما ونظر في شؤنها وسد ثغورها وبلغه الخبر بوفادة أبى طالب صاحب سبتة الفقيه أبى القاسم الغرفى على فاس فأغذ السير إلى حضرته وأكرم وفادته وأحسن منقلبه إلى أبيه مملوء الحقائب ببره رطب اللسان بشكره ثم شرع في اجازة ولده كما نذكره الآن ان شاء الله تعالى { الخبر عن شأن الجهاد وظهور السلطان أبى يوسف
على النصارى وقتل زعيمهم ذننة وما قارن ذلك } كانت عدوة الاندلس منذ أول الفتح ثغرا للمسلمين فيه جهادهم ورباطهم ومدارج شهادتهم وسبيل سعادتهم وكانت مواطنهم فيه على مثل الرضف وبين الظفر والناب من أسود الكفر لتوفر أممهم جوارها واحاطهم بها من جميع جهاتها وحجز البحر بينهم وبين اخوانهم المسلمين منها لانقطاعهم عن قومهم وأهل دينهم وبعدهم عن الصريخ وشاور في ذلك كبار التابعين وأشراف العرب فرأوه رأيا واعتزم عليه لولا ما عاقه من المنية وعلى ذلك فكان للاسلام فيه اعتزاز على من جاورهم من أهل الكفر بطول دولة العرب من قريش ومضر واليمن وكانت نهاية عزهم وسورة غلبهم أيام بنى أمية بها الطائرة الذكر الباسطة جناحها على العدوتين منذ ثلاث مئين من السنين أو ما يقاربها حتى انتثر سلكها بعد المائة الرابعة من الهجرة وافترقت الجماعة طوائف وفشلت ريح المسلمين وراء البحر بفناء دولة العرب واعتز البربر بالمغرب واستفحل شأنهم وجاءت دولة المرابطين فجمعت ما كان مفترقا بالمغرب من كلمة الاسلام وتمسكوا بالسنة وتشوفوا إلى الجهاد واستدعاهم اخوانهم من وراء البحر للمدافعة عنهم فأجازوا إليهم وأبلوا في الجهاد العد وأحسن البلاء وأوقعوا بالطاغية بن أدفوش يوم الزلاقة وغيرها وفتحوا حصونا واسترجعوا أخرى واستنزلوا الثوار ملوك الطوائف وجمعوا الكلمة بالعدوتين وجاء على اثرهم الموحدون سالكين أحسن مذاهبهم فكان لهم في الجهاد آثار وعلى(7/189)
الطاغية أيام منها يوم الارد ليعقوب بن المنصور وغيره من الايام حتى إذا فشلت ريح الموحدين وافترقت كلمتهم وتنازع الامر سادة بنى عبد المؤمن الامراء بالاندلس وتحاربوا على الخلافة واستجاشوا بالطاغية وأمكنوه من كثير من حصون المسلمين طعمة على الاستظهار فخشى أهل الاندلس على أنفسهم وثاروا بالموحدين وأخرجوهم وتولى ذلك ابن هود بمرسية وشرق الاندلس وعم بدعوته سائر أقطارها
وأقام الدعوة فيها للعباسيين وخاطبهم ببغداد كما ذكرناه في أخبارهم واستوفينا كلا بما وضعناه في مكانه ثم انحجز ابن هود على الغريبة لبعدها عنه وفقده للعصابة المتناولة لها وانه لم تكن صنعته في الملك مستحكمة وتكالب الطاغية على الاندلس من كل جهة وكثر اختلاف المسلمين منهم وشغل بنو عبد المؤمن بما دهمهم من المغرب من شأن بنى مرين من زناتة فتكافى محمد بن يوسف بن الاحمر أمر الغربية وثار بحصنه أرجولة وكان شجاعا قرما ثبتا في الحروب فتلقف الكرة من يد ابن هود يجاذبه الحبل ويقارعه على عمالات الاندلس واحدة بعد أخرى إلى أن هلك ابن هود سنة خمس وثلاثين وتكالب العدو خلال ذلك على جزيرة الاندلس من كل جانب ووفر له ابن هود الجزية وبلغ بها أربعمائة ألف من الدنانير في كل سنة ونزل له على ثنتين من حصون المسلمين وخشى ابن الاحمر أن يستغلظ عليه بالطاغية فجنح هو إليه وتمسك بعروته ونفر في جملته إلى منازلة اشبيلية نكاية لاهلها ولماهلك الامير أبو زكريا نبذ الدعوة الحفصية واستبد لنفسه وتسمى بأمير المسلمين ونازعه بالشرق أعقاب ابن هود وبنى مردنيش ودعاه الامر إلى النزول للطاغية من بلاد الفرنتيرة فنزل عليها بأسرها وكانت هذه المدة من سنة سبعين فترة ضاعت فيها ثغور المسلمين واستبيح حماهم والتهم العدو بلادهم وأموالهم نهبا في الحروب ووضيعة ومداراة في السلم واستولى طواغيت الكفر على أمصارها وقواعدها فملك ابن أدفوش قرطبة سنة ست وأربعين وتملك قط برشلونة مدينة بلنسية سنة سبع وثلاثين إلى ما بينهما من الحصون والمعاقل التى لا تعد ولا تحصى وانقرض أمر الثوار بالشرق وتفرد ابن الاحمر بغرب الاندلس وضاق نطاقه عن الممانعة دون البسائط الفيح من الفرنتيرة وما قاربها ورأى أن التمسك بها مع قلة العدد وضعف الشوكة مما يوهن أمره ويطمع فيه عدوه فعقد السلم مع الطاغية على النزول عنها أجمع ولجأ بالمسلمين إلى سيف البحر معتصمين بأوعاره من عدوهم واختار لنزله مدينة غرناطة وابتنى بها لسكانه حصن الحمراء حسبما شرحنا ذلك كله في مواضعه وفى أثناء هذا كله لم يزل صريخه
ينادى بالمسلمين من وراء البحر والملا من أهل الاندلس يفسدون على أمير المسلمين أبى يوسف للاعانة ونصر الملة واستنقاذ الحرم والولد ان من أنياب العدو فلا يجد مفزعا إلى(7/190)
ذلك بما كان فيه من مجاذبة الحبل مع الموحدين ثم مع يغمراسن ثم شغله بفتح بلاد المغرب وتدويخ أقطاره إلى أن هلك السلطان أبو عبد الله محمد بن يوسف بن الاحمر المعروف بالشيخ وأبى دبوس لقبين كانا له على حين استكمال أمير المسلمين فتح المغرب وفراغه من شأن عدوه سنة احدى وسبعين على أن بنى مرين كانوا يؤثرون الجهاد ويسمون إليه وفى نفوسهم جنوح إليه وصاغية ولما استوحش بنو ادريس بن عبد الحق فخرجوا سنة احدى وستين على السلطان يعقوب بن عبد الحق واسترضاهم واستصلحهم انتدب الكثير منهم للغزو واجازة البحر لصريخ المسلمين بالاندلس واجتمع إليهم من مطوعة بنى مرين عسكر ضخم من الغزاة ثلاثة آلاف أو يزيدون وعقد السلطان على ذلك العسكر لعامر بن ادريس فوصلوا إلى الاندلس فكان لهم فيها ذكر ونكاية في العدو وكان الشيخ ابن الاحمر عهد إلى ولده القائم بالامر بعده محمد الشهير بالفقيه لانتحاله طلب العلم أيام أبيه وأوصاه أن يتمسك بعروة أمير المسلمين ويخطب نصره ويدر أبه ويقدمه عن نفسه وعن المسلمين تكالب الطاغية فبادر لذلك لحين مواراة أبيه وأوفد مشيخة الاندلس كافة عليه ولقيه وفدهم منصرفا من فتح سجلماسة خاتم الفتوح بالثغور المغربية وملاذ العز ومقاد الملك وتبادروا للاسلام وألقوا إليه كنه الخبر عن كلب العدو على المسلمين وثقل وطأته فحيا وفدهم ورؤساءهم وبادر لاجابة داعى الله واستئثار الجنة وكان أمير المسلمين منذ أول أمره مؤثرا أعمال الجهاد كلفا به مختارا له حتى أعطى الخيار سائر آماله حتى لقد كان اعتزم على الغزو إلى الاندلس أيام أخيه الامير أبى يحيى وطلب اذنه في ذلك عندما ملكوا مكناسة سنة ثلاث وأربعين فلم يأذن له وفصل إلى الغزو في حشمه وذويه ومن أطاعه من عشيرته وأوعز الامير أبو يحيى لصاحب
الامر بسبتة لذلك العهد أبى على بن خلاص بأن يمنعه الاجازة ويقطع عنه أسبابها ولما انتهى إلى قصر الجواز ثنى عزمه عن ذلك الولى يعقوب بن هرون الخبرى ووعده بالجهاد أمير امستنفر للمسلمين ظاهرا على العدو فكان في نفسه من ذلك شغل واليه صاغية فلما قدم عليه هذا الوفد نبهوا عزائمه وذكروا همته فأعمل في الاحتشاد وبعث في النفير ونهض من فاس شهر شوال من سنة ثلاث وسبعين إلى فرصة المجاز من طنجة وجهز خمسة آلاف من قومه أزاح عللهم واستوفى أعطياتهم وعقد عليهم لابنه منديل وأعطاه الراية واستدعى من الغد في صاحب سبتة السفن لاجازتهم فوافاه بقصر الجواز عشرون من الاساطيل فأجازوا العسكر ونزل بطريف وأراح ثلاثا ودخل دار الحرب وتوغل فيها وأجلب على ثغورها وبسائطها وامتلات أيديهم من المغانم واثخنوا بالقتل والاسر وتخريب العمران ونسف الآثار حتى نزل بساحة شريس فحام حاميتها عن اللقاء(7/191)
وانحجزوا في البلاد وقفل عنها إلى الجزيرة وقد امتلات أيديهم من الاموال وحقائبهم من السبى وركائبهم من الكراع والسلاح ورأى أهل الاندلس قد ثاروا بعام العقاب حتى جاءت بعدها الطاعة الكبرى على أهل الكفر واتصل الخبر بأمير المسلمين فاعتزم على الغزو بنفسه وخشى على ثغور بلاده من عادية يغمراسن في الفتنة فبعث حافده تاشفين بن عبد الواحد في وفد من بنى مرين لعقد السلم مع يغمراسن والرجوع للاتفاق والموادعة ووضع أوزار الحرب بين المسلمين للقيام بوظيفة الجهاد فأكرم موصله وموصل قومه وبادر إلى الاجابة والالفة وأوفد مشيخة بنى عبد الواد على السلطان لعقد السلم وبعث معهم الرسل وأسنى الهدية وجمع الله كلمة الاسلام وعظم موقع هذا السلم من أمير المسلمين لما كان في نفسه من الصاغية إلى الجهاد وايثاره مبرورات الاعمال وبث الصدقات يشكر الله على ما منحه من التفرغ لذلك ثم استنفر الكافة واحتشد القبائل والجموع ودعا المسلمين إلى الجهاد وخاطب في ذلك كافة أهل المغرب من زناتة
والعرب والموحدين والمصامدة وصنهاجة وغمارة وأوربة ومكناسة وجميع قبائل البرابرة وأهل المغرب من المرتزقة والمطوعة وأهاب بهم وشرع في اجازة البحر فأجازه من فرضة طنجة لصفر من سنة أربع وسبعين واحتل بساحة طريف وكان لما استصرخه السلطان ابن الاحمر وأوفد عليه مشايخ الاندلس اشترط عليه النزول عن بعض الثغور بساحل الفرضة لاحتلال عساكره فتجافى له عن رندة وطريف ولما احتل بطنجة بادر إليه ابن هشام السائر بالجزيرة الخضراء وأجاز البحر إليه ولقيه بظاهر طنجة فأدى له طاعته وأمكنه من قياد بلده وكان الرئيس أبو محمد بن اشقيلولة وأخوه أبو اسحق صهر السلطان ابن الاحمر تبعا له في أمره وموازرا له على شأنه كله وأبوهما أبو الحسن هو الذى تولى كبر الثورة على ابن هود ومداخلة أهل اشبيلية في الفتك بابن الباجى فلما استوت قدمه في ملكه وغلب الثوار على أمره فسد ما بينهما بعد أن كان ولى أبا محمد على مقاله وأبا اسحق على وادى آش فامتنع أبو محمد بن اشقيلولة بمالقة واستأثر بها ونفر بيتها دونه ومع ذلك فكانوا على الصاغية فئة ولحمة ولما أحس أبو محمد باجازة السلطان يعقوب بن عبد الحق قدم إليه الوفد من أهل ما لقة ببيعتهم وصريخهم وانحاش إلى جانب السلطان وولايته وأمحضه المخالصة والنصيحة فلما احتل السلطان بناحية طريف ملات كتائبه ساحة الارض ما بينهما وبين الجزيرة وتسابق السلطان ابن الاحمر وهو الفقيه أبو محمد بن الشيخ أبى دبوس صاحب غرناطة والرئيس أبو محمد بن اشقيلولة صاحب ما لقة والغربية إلى لقاء السلطان وتنازعوا في برور مقدمه والاذعان له ففاوضهما في أمور الجهاد وأرجعهما لحينه إلى بلديهما وانصرف ابن الاحمر مغاضبا لبعض النزغات(7/192)
أحفظته وأغذ السير إلى الفرتيرة وعقد لولده الامير أبى يعقوب على خمسة آلاف من عسكره وسرح كتائبه في البسائط وخلال المعاقل تنسف الزرع وتحطم الغروس وتخرب العمران وتنتهب الاموال وتكتسح السرح وتقتل المقاتلة وتسبى النساء والذرية
حتى انتهى إلى المدور وتالسة وأبده وأقتحم حصن بلمة عنوة وأتى على سائر الحصون في طريقه فطمس معالمها واكتسح أموالها وقفل والارض تموج سبيا إلى أن عرس باستجة من تخوم دار الحرب وجاء النذير باتباع العدو آثارهم لاستنقاذه أسراهم وارتجاع أموالهم وان زعيم الروم وعظيمهم ذننه خرج في طلبهم بأمم بلاد النصرانية من المحتلم فما فوقه فقدم السلطان الغنائم بين يديه وسرح ألفا من الفرسان أمامها وسار يقتفيها حتى إذا طلت رايات العدو من ورائهم كان الزحف ورتب المصاف وجرد وذكر وراجعت زناتة بصائرها وعزائمها وتحركت هممها وأبلت في طاعة ربها والذب عن دينها وجاءت بما يعرف من بأسها وبلائها في مقاماتها ومواقفها ولم يكن الا كلا ولا حتى هبت ريح النصر وظهر أمر الله وانكشفت جموع النصرانية وقتل الزعيم ذننه والكثير من جموع الكفر ومنح الله المسلمين اكتافهم واستمر القتل فيهم واحصى القتلى في المعركة فكانوا ستة آلاف واستشهد من المسلمين ما يناهز الثلاثين أكرمهم الله بالشهادة وآثرهم بما عنده ونصر الله حزبه وأعز أولياءه ونصر دينه وبدا للعدو ما لم يحتسبه بمحاماة هذه العصابة عن الملة وقيامها بنصر الكلمة وبعث أمير المسلمين برأس الزعيم ذننه إلى ابن الاحمر فرده زعموا سرا إلى قومه بعد أن طيبه وأكرمه ولاية أخلصها لهم مداراة وانحرافا عن أمير المسلمين ظهرت شواهده عليه بعد حين كما نذكره وقفل أمير المسلمين من غزاته إلى الجزيرة منتصف ربيع من سنته فقسم في المجاهدين الغنائم وما نفلوه من أموال عدوهم وسباياهم وأسراهم وكراعهم بعد الاستئثار بالخمس لبيت المال على موجب الكتاب والسنة ليصرفه في مصارفه ويقال كان مبلغ الغنائم في هذه الغزاة مائة ألف من البقر وأربعة وعشرين ألفا ومن الاسارى سبعة آلاف وثمان مائة وثلاثين ومن الكراع أربعة عشر ألفا وستمائة وأما الغنم فاتسعت عن الحصر كثرة حتى لقد زعموا بيع الشاة في الجزيرة بدرهم واحد وكذلك السلاح وأقام أمير المسلمين بالجزيرة أياما ثم خرج غازيا إلى أشبيلية فجاس خلالها وتقري نواحيها وأقطارها وأثخن
بالقتل والنهب في مجهاتها وعمرانها وارتحل إلى شريش فأذاقها وبال العيث والاكتساح ورجع إلى الجزيرة لشهرين من غزاته ونظر في اختطاط مدينة بفرضة المجاز من العدوة لنزل عسكره منتبذا عن الرعية لما يلحقهم من ضرر العسكر وجفائهم وتحيز لها مكانا لصق الجزيرة فأوغر ببناء المدينة المشهورة بالبنية وجعل ذلك لنظر من يثق به من(7/193)
ذويه ثم أجاز البحر إلى المغرب في رجب من سنة أربع وسبعين فكان مغيبه وراء البحر ستة أشهر واحتل بقصر مصمودة وأمر ببناء السور على بادس مرفأ الجواز ببلاد غمارة وتولى ذلك ابراهيم بن عيسى كبير بنى وسناف بن محيو ثم رحل إلى فاس فدخلها في شعبان وصرف النظر إلى أحوال دولته واختطاط البلد الجديد لنزله ونزل حاشيته واستنزال الثوار عليه بالمغرب على ما نذكره ان شاء الله تعالى * (الخبر عن اختطاط البلد الجديد بفاس وما كان على بقية ذلك من الاحداث) * لما قفل السلطان أمير المسلمين من غزاته الجهادية وتم صنع الله لديه في ظهور الاسلام على يديه واعتزاز أهل الاندلس بفيئته راح بالمغرب إلى نعمة أخرى من ظهور أوليائه وحسم أدواء الفساد في دولته شفعت مواهب السعادة وأجملت عوائد الصنع وذلك ان صبابة بنى عبد المؤمن وفلهم لما فروا من مراكش عند الفتح لحقوا بجبل تينمال جرثومة أمرهم ومنبعث دعوتهم وملاحد خلفائهم وحضرة سلفهم ودار امامهم ومسجد مهديهم كانوا يعكفون عليه متيمنين بطيره ملتمسين بركة زيارته ويقدمون ذلك أمام غزاوتهم قرية بين يدى أعمالهم يعتدونها من صالح مسايهم فلما خلص الغل إليه اعتصموا بمعقله وآووا إلى ركونه ونصبوا للقيام بأمرهم عيصا من أعياص خلفاء بنى عبد المؤمن ضعيف المنبه خاسر الصفقة من مواهب الحظ وهو اسحق أخو المرتضى وبايعوه سنة تسع وستين يرجون منه رجع الكرة وادالة الدولة وكان المتولي لكبر ذلك وزير دولتهم ابن عطوش ولما عقد السلطان يعقوب بن عبد الحق لمحمد بن على بن محلى
على أعمال مراكش لم يقدم عملا على محاربتهم وتخذيل الناس عنهم واستمالة أشياعهم وجمعوا له سنة أربع وسبعين على غرة ظنوها فأوقع بهم وفل من غربهم ثم صمد إلى الجبل لشهر ربيع من سنته فافتض عذرته وفض ختامه واقتحمه عليهم عنوة بعد مطاولة النزال والحرب وهلك الوزير ابن عطوش في جوانب الملحمة وتقبض على خليفته المستضعف وابن عمه أبى سعيد بن السيد أبى الربيع ومن معهما من الاولياء وجنبوا إلى مصارعهم بباب الشريعة بمراكش فضربت أعناقهم وصلبت اشلاؤهم وكان فيمن قتل منهم كاتبه القبائلي وأولاده وعاثت العساكر في جبل تينمال وآ ؟ ؟ سحت أمواله وقبور الخلفاء بنى عبد المؤمن واستخرج يوسف وابنه يعقوب المنصور رؤسهم وتولى كبر ذلك أبو على المليانى النازع إلى السلطان أبى يوسف من مليانة عش غوانيه ومواطن انتزائه كما قدمناه وكان السلطان أقطعه بلاد اغوات اكراما لوفادته فحضر هذه الغزاة في جملة العساكر ورأى أن قد شفى نفسه باخراج هؤلاء الخلائق من أرماسهم والعيث باشلائهم لما نقم منه الموحدون(7/194)
وعثمان بن يغمراسن في خلال هذا يستألف بنى توجين شعبا فشعبا إلى أن نهض إلى جبل وانشريس فملكه وفر أمامه موسى بن زرارة إلى نواحى لمدية وهلك في سفره ذلك ثم نهض عثمان إلى لمدية سنة ثمان وثمانين بعدها فملكها بمداخلة لمدية من قبائل صنهاجة غدروا بأولاد عزيز وأمكنوه منها ثم انتقضوا عليه لسبعة أشهر ورجعوا إلى ايالة أولاد عزيز فصالحوا عثمان بن يوسف على الاتاوة والطاعة كما كانوا مع محمد بن عبد القوى وبنيه فملك عثمان بن يغمراسن عامة بلاد توجين ثم شغل بمادهمه من مطالبة بنى مرين أيام يوسف بن يعقوب فولى على بنى توجين من بنى محمد بن عبد القوى أبو بكر بن ابراهيم بن محمد مدة عامين أخاف فيها الناس وأساء السيرة ثم هلك فنصب بنو تيغرين بعده أخاه عطية المعروف بالاصم وخالفهم أولاد عزيز وجميع قبائل توجين فبايعوا ليوسف
ابن زيان بن محمد وزحفوا إلى جبل وانشريس فحاصروا به عطية وبنى تيغرين عاما أو يزيد وكان يحيى بن عطية كبير بنى تيغرين هو الذى تولى البيعة لعطية الاصم فلما اشتد بهم الحصار واستفحل ملك يوسف بن يعقوب بمكانه من حصار تلمسان ورغبه في ملك جبل وانشريس فبعث معه الجيوش لنظر أخيه أبى سرحان ثم أخيه أبى يحيى وكان نهوض أبى يحيى سنة احدى وسبعمائة فتوغل في ناحية الشرق ولما رجع صمد إلى جبل وانشريس فهدم حصونه وقفل ونهض ثانية إلى بلاد بنى توجين فشردهم عنها وأطاعه أهل تافركينت ثم انتهى إلى لمدية فافتتحها صلحا واختط قصبتها ورجع إلى أخيه يوسف بن يعقوب فانتقض أهل تافركينت بعد صدوره عنهم ثم راجع بنو عبد القوى بصائرهم في التمسك بالطاعة ووفدوا على يوسف بن يعقوب فتقبل طاعتهم وأعادهم إلى بلادهم وأقطعهم وولى عليهم على بن الناصر بن عبد القوى وجعل وزارته ليحيى بن عطية فغلبه على دولته واستقام ملكه وهلك خلال ذلك فعقد يوسف بن يعقوب مكانه لمحمد بن عطية الاصم واستقام على طاعته وقتا ثم انتقض بين يدى مهلكه سنة ست وحمل قومه على الخلاف ولما هلك يوسف بن يعقوب وتجافي بنو مرين من بعدها لبنى يغمراسن عن جميع الامصار التى تملكوها بالمغرب الاوسط استمكن بنو يغمراسن منها ودفعوا المتغلبين عنها ولحق الفل من أولاد عبد القوى ببلاد الموحدين فحلوا من دولتهم محل الايثار والتكرمة وكان للعباس بن محمد بن عبد القوى مع الملوك من آل أبى حفص مقام الخلة والمصافاة إلى أن هلك وبقى عقبه في جند السلطان ولما خلا الجو من هؤلاء المرشحين تغلب على جبل وانشريس من بعدهم كبير بنى تيغرين أحمد بن محمد من أعقاب يعلى بن محمد سلطان بنى يفرن فأقام يحيى بن عطية هذا في رياستهم أياما ثم هلك وقام بأمره من بعده أخوه عثمان بن عطية ثم هلك وولى من بعده ابنه عمر بن عثمان واستقل مع قومه بجبل(7/195)
في العساكر فجاس خلاله ثم انكفأ راجعا وخطب قبائل المغرب كافة بالنفير فتباطؤا
واستمر على تحريضهم ونهض إلى رباط الفتح وتلوم بها في انتظار الغزاة فتثبطوا فخف في خاصته وحاشيته واحتل بالفرضة من قصر المجاز وتلاحق به الناس فأجازوا البحر واحتل بظريف أخر محرم ثم ارتحل إلى الجزيرة ثم إلى رندة ووافاه هنالك الرئيسان أبو اسحق بن اشقيلولة صاحب قارش وأبو محمد صاحب مالقة للغزو معه وارتحلوا إلى منازلة اشبيلية فعرسوا عليها يوم المولد النبوى وكان بها ملك الجلالقة بن ادفونش فخام عن اللقاء وبرز إلى ساحة البلد محاميا عن أهله ورتب أمير المسلمين مصافه وجعل ولده الامير أبا يعقوب في المقدمة وزحف في التعبية فأحجروا العدو في البلد واقتحموا اثرهم الوادي وأثخنوا فيهم وباتت العساكر ليلتهم يجادون في متون الخيل وقد أضرموا النيران بساحتها وارتحل من الغد إلى أرض الشرق وبث السرايا والغوازي في سائر النواحى وأناخ بجمهور العسكر عليها فلم يزل يتقرى تلك الجهات حتى أباد عمرانها وطمس معالمها ودخل حصن قطيانة وحصن جليانة وحصن القليعة عنوة وأثخن في القتل والسبي ثم ارتحل بالغنائم والاثقال إلى الجزيرة لسرار شهره فأراح وقسم الغنائم في المجاهدين ثم خرج غازيا إلى شريش منتصف ربيع الآخر فنازلها وأذاقها نكال الحرب وأقفر نواحيها وقطع أشجارها وأباد خضراءها وحرق ديارها ونسف آثارها وأثخن فيها بالقتل والاسر وبعث ولده الامير أبا يعقوب في سرية من معسكره للغوار على اشبيلية وحصون الواد فبالغ في النكاية واكتسح حصن روطة وشلوقة وغليانة والقناطير ثم صبح اشبيلية بمقاره فاكتسحها وانكفأ إلى أمير المسلمين فقفلوا جميعا إلى الجزيرة وأراح وقسم في المجاهدين غنائمهم ثم ندب إلى غزو قرطبة ورغبهم في عمرانها وثروة ساكنها وخصب بلادها فانعطفوا إلى اجابته وخاطب ابن الاحمر يستنفره وخرج لاول جمادى من الجزيرة ووافاهم ابن الاحمر بناحية أرشدونه فأكرم وصوله وشكر حفوفه إلى الجهاد وبداره ونازلوا حصن بنى بشير فدخله عنوة وقتلت المقاتلة وسبيت النساء ونفلت الاموال وخرب الحصن ثم بث السرايا والغارات
في البسائط فاكتسحها وامتلات الايدى وأثرى العسكر وتقروا المنازل والعمران في طريقهم حتى احتلوا بساحة قرطبة فنازلوها وانحجرت حامية العدو من وراء الاسوار وانبثت بعوث المسلمين وسراياه في نواحيها فنسفوا آثارها وخربوا عمرانها واكتسحوا قراها وضياعها وترددوا على جهاتها ودخل حصن بركونة عنوة ثم ارجونة كذلك وقدم بعثا إلى حيانة قاسمها حظها من الخسف والدمار وخام الطاغية عن اللقاء وأيقن بخراب عمرانها واتلاف بلده فجنح إلى السلم وخطبه من أمير المسلمين فدفعه إلى(7/196)
ابن الاحمر وجعل الامر في ذلك إليه تكرمة لمشهده ووفاء بحقه وأجابهم ابن الاحمر إليه بعد عرضه على أمير المسلمين والتماس اذنه فيه لما فيه من المصلحة وجنوح أهل الاندلس إليه منذ المدد الطويلة فانعقد السلم وقفل أمير المسلمين من غزاته وجعل طريقه على غرناطة احتفاء بالسلطان ابن الاحمر وخرج له عن الغنائم كلها فاحتوى عليها ودخل أمير المسلمين إلى الجزيرة في أول رجب من عامئذ فأراح ونظر في ترتيب المسالح على الثغور وتملك مالقة كما نذكره * (الخبر عن تملك السلطان مدينة مالقة من يد ابن اشقيلولة) * كان بنو اشقيلولة هؤلاء من روساء الاندلس المؤملين لمدافعة العدو وكانوا نظراء لابن الاحمر في الرياسة وهما أبو محمد عبد الله وأبو اسحق ابراهيم ابنا أبى الحسن بن اشقيلولة وكان أبو محمد منهم صهرا له على ابنته فكانوا له بذلك خاصة فأشركهم في أمره واعتضد بعصابتهم وبابيهم من قبل على مقاومة بن هود وسائر الثوار حتى إذا استمكن من فرصته واستوى على كرسيه استبد دونهم وأنزلهم إلى مقامات الوزراء وعقد لابي محمد صهره على ابنته على مدينة مالقة والغربية وعقد لابي الحسن صهره على أخته على وادى آش وما إليها وعقد لابنه أبى اسحق ابراهيم بن على على قمارش وما إلى ذلك ووجدوا في أنفسهم واستمر الحال على ذلك ولما هلك الشيخ ابن الاحمر سنة احدى وسبعين وولى
ابنه الفقيه محمد سموا إلى منازعته وأوفد أبو محمد صاحب مالقة ابنه أبا سعيد على السلطان يعقوب بن عبد الحق وهو منازل طنجة ووفد معه أبو محمد إلى السلطان بطاعته وبيعته أهل مالقة سنة ثلاث وسبعين وعقد له عليها ونزع ابنه أبو سعيد فرج إلى دار الحرب ثم رجع لسنته فقتل بمالقة ولما أجاز السلطان إلى الاندلس اجازته الاولى سنة أربع وسبعين تلقاه أبو محمد بالجزيرة مع ابن الاحمر وفاوضهما السلطان في أمر الجهاد وردهما إلى أعمالهما ولما أجاز اجازته الثانية سنة ست وسبعين لقيه بالجزيرة الرئيسان ابنا اشقيلولة أبو محمد صاحب مالقة واخوه اسحق صاحب وادى آش وقمارش فشهدا معه الغزاة ولما قفل اعتل أبو محمد صاحب مالقة ثم هلك غرة جمادى من سنته فلحق به ابنه محمد بالسلطان آخر شهر رمضان وهو متلوم بالجزيرة منصرفه من الغزو كما ذكرناه فنزل له عن البلد ودعاه إلى احتيازها فعقد عليها لابنه أبى زيان منديل فسار إليها فبعث وكان ابن اشقيلولة لحين فصوله إلى لقاء السلطان أمر ابن عمه محمد الازرق بن أبى الحجاج يوسف بن الزرقاء باخلاء منازل السلطان بالقصبة واعدادها فتم ذلك لثلاث ليال واضطرب الامير أبو زيان معسكره بخارجها وأنفذ محمد بن عمران بن عيلة في رهط من رجال بنى مرين إلى قصبة فنزلها وملك أمر البلد وكان السلطان بن الاحمر لما بلغه(7/197)
وفاة أبى محمد بن اشقيلولة سما أمله إلى استيلائه على مالقة وان ابن أخته شيعة له وبعث لذلك وزيرة أبا سلطان عزيز الدانى فوافى معسكر الامير أبى زيان بساحتها ورجا أن يتجافى عنها السلطان فأعرض عن ذلك وتجهم له ودخل إليها لثلاث بقين من رمضان وانقلب الدانى عنها بخفى حنين ولما قضى السلطان بالجزيرة صومه ونسكه خرج إلى مالقة فوافاها سادس شوال وبرز إليه أهلها في يوم مشهود واحتفلوا له احتفال أيام الزينة سرورا بمقدم السلطان ودخولهم في ايالته وأقام فيهم إلى خاتم سنته ثم عقد عليها لعمر بن يحيى بن محلى من صنائع دولتهم وأنزل معه المسالح وزيان بن أبى عياد بن عبد الحق
في طائفة لنظره من ابطال بنى مرين واستوصاه بمحمد بن اشقيلولة وارتحل إلى الجزيرة ثم أجاز إلى المغرب سنة سبع وسبعين وقد اهتزت الدنيا لقدومه وامتلات القلوب سرورا بما كيفه الله من نصر المسلمين بالعدوة وعلو راية السلطان على كل راية وعظمت لذلك موجدة ابن الاحمر ونشأت الفتنة كما نذكره ان شاء الله تعالى { الخبر عن تظاهر ابن الاحمر والطاغية على منع السلطان أبى يوسف من اجازة ابن الاحمر واصفاق يغمراسن بن زيان معهم من وراء البحر على الاخذ بحجزته عنهم وواقعة السلطان على يغمراسن بخرزوزة } لما أجاز أمير المسلمين إلى العدوة اجازته الاولى ولقى العدو باستجه وقتل الله ذننه بإيدى عسكره وصنع له من الظهور والعز مالا كفاء له ارتاب ابن الاحمر بمكانه فبدا له ما لم يكن يحتسب وظن بأمير المسلمين الظنون واعترض ذكره شأن يوسف بن تاشفين والمرابطين مع ابن عباد سلطان الاندلس وأكد ذلك عنده جنوح الرؤساء من بنى اشقيلولة وغيرهم إليه وانقيادهم لامره فشرق بمكانه وحذر غوائله وتكدر الجو بينهما واجاز الاجازة الثانية فانقبض ابن الاحمر عن لقائه ودارت بينهما مخاطبات شعرية في معنى العتاب على السنة كتابهما نسردها الآن (فمن ذلك) قصيدة كتبها إليه ابن الاحمر سنة أربع وسبعين بعد واقعة ذننه واعتزامه على الرجوع إلى المغرب فخاطبه بها ليلة الاقامة بالجزيرة حذرا من غائلة العدو وينحو فيها منحى الاستعطاف وهى من نظم كاتبه أبى عمر بن المرابط هل من معينى في الهوى أو منجدى * من متهم في الارض أو من منجد هذا الهوى داع فهل من مسعف * باجابة وانابة أو مسعد هذا سبيل الرشد قد وضحت فهل * بالعدوتين من امرئ مسترشد يرجو النجاة بجنة الفردوس أو * يخشى المصير إلى الجحيم الموقد يا آمل النصر العزيز على العدا * أجب الهدى تسعد به وتؤيد(7/198)
سر النجاة إلى النجاة مشمرا * ان الهدى لهو النجاة لمن هدى يامن يقول غدا أتوب ولا غد * الديك علم أن تعيش إلى غد لا تغترر بنسيئة الاجل الذى * ان لم يحن لك نقده فكان قد سفر عليك طويلة أيامه * لم تستعدا لطوله فاستعدد أوما علمت بأنه لا بد من * زاد لكل مسافر فتزود هذا الجهاد رئيس أعمال التقا * خذ منه زادك لارتحالك تسعد هذا الرباط بأرض اندلس فرح * منه لما يرضى الهك واغتد سودت وجهك بالمعاصى فالتمس * وجها للقيا الله غير مسود وامح الخطايا بالذنوب فربما * محت الدموع خطيئة المتعمد من ذا يتوب لربه من ذنبه * أو يقتدى بنبيه أو يهتدى من ذا يطهر نفسه بعزيمة * مشحوذة في نصر دين محمد أتعز من أرض العدو مدائن * والله في أقطارها لم يعبد وتذل أرض المسلمين وتبتلي * بمثلثين سطوا بكل موحد كم جامع فيها أعيد كنيسة * فاهلك عليه أسى ولا تتجلد القس والناقوس فوق مناره * والخمر والخنزير وسط المسجد أسفا عليها أقفرت صلواتها * من قانتين وراكعين وسجد وتعوضت منهم بكل معاند * مستكبر قد كان لم يتشهد كم من أسير عندهم وأسيرة * فكلاهما يبغى الفداء فما فدى كم من عقيلة معشر معقولة * فيهم تود لو انها في ملحد كم من وليد بينهم قد ود من * ولداه ودا أنه لم يولد كم من تقى في السلاسل موثق * يبكى لآخر في الكبول مقيد
وشهيد معترك توزعه الردى * مابين حدى ذابل ومهند ضجت ملائكة السماء لحالهم * ورثى لهم من قلبه كالجلمد أفلا تذوب قلوبكم اخواننا * مما دهانا من ردى أو من ردى أفلا تراعون الاذمة بيننا * من حرمة ومحبة وتودد أكذا يعيث الروم في اخوانكم * وسيوفكم للثار لم تتقلد يا حسرتى لحمية الاسلام قد * خمدت وكانت قبل ذا تتوقد أين العزائم ما لها لا تقتضي * هل يقطع الهندي غير مجرد أبنى مرين أنتم جيراننا * وأحق من في صرخة بهم ابتدى(7/199)
فالجار كان به يوصى المصطفى * جبريل حقا في الصحيح المسند ابني مرين والقبائل كلها * في المغرب الادنى لنا والابعد كتب الجهاد عليكم فتبادروا * منه إلى الفرض الاحق الاوكد وارضوا باحدى الحسنين وأقرضوا * حسنا تفوزوا بالحسان الخرد هذى الجنان تفتحت أبوابها * والحور قاعدة لكم بالمرصد هل من بايع من ربه من مشتر * منه الحصول على النعيم السرمد لله في نصر الخليفة موعد * صدق فثوروا لانتجاز الموعد هذى الثغور بكم اليكم تشتكى * شكوى العديم إلى الغنى الاوجد ما بال شمل المسلمين مبدد * فيها وشمل الكفر غير مبدد إنتم جيوش الله مل ء فضائه * تأسون للدين الغريب المفرد ماذا اعتذاركم غدا لنبيكم * وطريق هذا العذر غير ممهد ان قال لم فرطتم في أمتى * وتركتموهم للعدو المعتدى تالله لو أن العقوبة لم تخف * لكفى الحياء من وجه ذاك السيد
اخواننا صلوا عليه وسلموا * وسلوا الشفاعة منه يوم المشهد واسعوا لنصرة دينه يسقيكم * من حوضه في الحشر أعذب مورد وصدر جوابها من نظم عبد العزيز شاعر السلطان يعقوب بن عبد الحق بما نصه لبيك لا تخش اعتداء المعتدى الخ وكذلك أجاب عنها أيضا مالك بن المرحل بقوله شهد الاله وأنت يا أرض اشهدي الخ فأجابهما أبو عمرو بن المرابط كاتب ابن الاحمر بقوله قل للبغاة وللعداة الحسد الخ ولما أجاز السلطان يعقوب بن عبد الحق الاجازة الثانية سنة ست وسبعين كما نذكره صار ابن الاحمر إلى الاستعتاب والرضا ولقى يعقوب بن عبد الحق فأنشد كاتبه أبو عمرو بن المرابط يوم اجتماعهما قوله * بشرى لحزب الله والايمان الخ ولما انقضى المجلس امر السلطان شاعره عبد العزيز بمساجلة قصيدته وأنشدها ثانى المجلس بحضرة ابن الاحمر ونصها * اليوم كن في غبطة وأمان * الخ ثم كان أثناء ذلك ما وقع من استيلاء السلطان يعقوب بن عبد الحق على مدينة مالقة والغربية جل عمله بعد مهلك صاحبها أبى عبد الله بن اشقيلولة فبرم لذلك وخيل عليه ففزع إلى مداخلة الطاغية في شأنه واتصال يده بيده وان يعود إلى مكان أبيه من ولايته ليدافع به السلطان وقومه على أرضه ويأمن معه من زوال سلطانه لما كانت كلمة الاسلام حجرا دونه فاهتبل الطاغية غرتها ونكث عهد أمير المسلمين ونقض السلم ونبذ إليه العهد واغزي أساطيله الجزيرة الخضراء حيث مسالح السلطان وعساكره وأرست بالزقاق حيث فراض الجواز(7/200)
وانقطع المسلمون من جنود السلطان وقومه وراء البحر ويئسوا من صريخه وانتبذ عمر ابن يحيى بن محلى عن قومه بمكان امارته مالقة وكان بنو محلى هؤلاء من كبار قومهم بطوية وكانوا حلفاء لبنى حمامة بن محمد منذ دخولهم المغرب وأصهر عبد الحق أبو الاملاك إلى أبيهم محلى في ابنته أم اليمن فكان من ولدها السلطان يعقوب بن عبد الحق وكانت امرأة صالحة خرجت إلى الحج سنة ثلاث وأربعين فقضت فريضة الله عليها وعادت
إلى المغرب رابعة من السنين سنة سبع وأربعين ثم خرجت ثانية سنة ثنتين وخمسين فتطوعت بحجة أخرى وهلكت بمصر منصرفها من تلك السنة سنة ثلاث وخمسين فكان لبنى محلى أبيها مكان من الدولة والة على السلطان لخولتهم وغنائهم في قومهم ولما استولى السلطان على حضرة الموحدين مراكش عقد لمحمد بن على بن محلى على جميع أعمالها فكانت له بالاصطناع بها مقاما محمودة واتصلت ولايته عليها من لدن سنة ثمان وستين إلى سنة سبع وثمانين ثم كان مهلكه أيام يوسف بن يعقوب كما نذكر ولما نازع محمد ابن اشقيلولة إلى السلطان بالجزيرة سنة ست وسبعين متجافيا له عن ولاية مالقة بعد وفاة أبيه الرئيس أبى محمد واستولى السلطان عليها واعتزم على الاجازة كما قدمناه وعقد على مالقة والغربية وسائر ثغورها وأعمالها لعمر بن يحيى بن محلى وكان أخوه طلحة بن يحيى ذا بأس وصرامة وقوة شكيمة واعتزاز على السلطان بمكان الخولة وهو الذى قتل يعقوب بن عبد الحق سنة ثمان وستين كما قلناه وظاهر فتح الله الهدراى مولى السلطان ووزيره على قتال أبى العلاء بن أبى طلحة بن أبى قريس عامر المغرب بكدية العرايس بظاهر فاس سنة ثنتين وستين ونزع سنة أربع وسبعين إلى جبل آزروا عند مرجع السلطان من أمر مالقة وأجاز البحر إلى بلاد الريف ثم رجع إلى القبلة وأقام بين بنى توجين ثم أجاز إلى الاندلس سنة سبع وسبعين عندما أضرم نار هذه الفتنة بين هذا السلطان وبين ابن الاحمر والطاغية واحتل أسطول النصارى بالزقاق وانقطعت عساكر السلطان وراء البحر وأحس أخوه عمر صاحب مالقة باظلام الجو بينه وبين السلطان بما كان من أمر أخيه طلحة من قبل فلاطفه ابن الاحمر عند استقراره بغرناطة في مداخلة أخيه عمر في النزول على مالقة والاعتياض عنها بشلوبانية والمكب طعمة وخاطبه في ذلك أخوه طلحة فأجاب وخرج ابن الاحمر بعساكره إلى مالقة وتقبض عمر بن محلى على زيان بن بو عياد قائد بنى مرين ومحمد بن اشقيلولة وأمكن ابن الاحمر من البلد فداخلها آخر رمضان من سنته وأنزل ابن محلى بشلوبانية واحتمل ذخيرته وما كان
السلطان ائتمنه عليه من المال والعدد الجهادية واتصلت يد ابن الاحمر بيد الطاغية على منع أمير المسلمين من الاجازة وراسلوا يغمراسن بن زيان من وراء البحر وراسلهم في(7/201)
مشاقة السلطان وافساد ثغوره وانزال العوائق به المانعة من حركته والاخذ باذياله عن النهوض إلى وأسنوا فيما بينهما الاتحاف والمهاداة وجنب يغمراسن إلى ابن الاحمر ثلاثين من عتاق الخيل مع ثياب من عمل الصوف وبعث إليه بان الاحمر صحبة ابن مروان التجانى كف ء ذلك عشرة آلاف دينار فلم يرض بالمال في هديته وردها وأصففت أيديهم جميعا على السلطان ورأوا أن قد بلغوا في احكام أمرهم وسد مذاهبه إليهم واتصل الخبر بأمير المسلمين وهو بمراكش كان صمد إليها مرجعه من الغزو في شهر المحرم فاتح سبع وسبعين لما كان من عيث العرب شجم بتامسنا وافسادهم السابلة فنقف أطرافها وحسم أدواءها ولما بلغه خبر ابن محلى ومالقة ومنازلة الطاغية للجزيرة نهض لثالثة من شوال يريد طنجة ولما انتهى إلى تامسنا وافاه الخبر بنزول الطاغية على الجزيرة واحاطة عساكره بها بعد ان كانت أساطيله منازلتها منذ ربيع وانه مشرف على التهامها وبعثوا إليه يستعدونه فاعتزم على الرحيل ثم اتصل به الخبر بخروج مسعود بن كانون أمير سفيان من جشم ببلاد نفيس من المصامدة خامس ذى القعدة وان الناس اجتمعوا إليه من قومه وغيرهم فكر إليه راجعا وقدم بين يديه حافده تاشفين بن أبى مالك ووزيره يحيى حازم وجاء على ساقتهم وفروا أمام جيوشه وانتهب معسكرهم وحللهم واستباح عرب الحرث بن سفيان ولحق مسعود بمعقل الكسيوى ونازله السلطان بعساكره أياما وسرح ابنه الامير أبا زيان منديل إلى بلاد السوس لتمهيدها وتدويخ أقطارها فأوغل في ديارها وقف إلى أبيه خامس سنته واتصل بالسلطان ما نال أهل الجزيرة من ضيق الحصار وشدة القتال واعواز الاقوات وانهم قتلوا الاصاغر من أولادهم خشية عليهم من معرة الكفر فأهمه ذلك
وأعمل النظر فيه وعقد لولى عهده ابنه الامير أبى يعقوب من مراكش على الغزو إليها وأعزى الاساطيل في البحر إلى جهاد عدوهم فوصل إلى طنجة لصفر من سنة ثمان وتسعين وأوعز إلى البلاد البحرية لاعداد الاساطيل بسبتة وطنجة وسلا وقسم الاعطاآت وتوفرت همم المسلمين على الجهاد وصدقت عزائمهم على الموت وأبلى الفقيه أبو حاتم العزفى صاحب سبتة لما بلغه خطاب أمير المسلمين في ذلك البلاء الحسن وقام فيه المقام المحمود واستقر كافة أهل بلده فركبوا البحر أجمعين من المحتلم فما فوقه ورأى ابن الاحمر ما نزل بالمسلمين في الجزيرة وأشراف الطاغية على أخذها فندم في ممالاته ونبذ عهده وأعد أساطيل سواحله من والمرية ومالقة مدد للمسلمين واجتمعت الاساطيل بمرفا سبتة تناهز السبعين قد أخذت بطرفي الزقاق في أحفل زى وأحسن قوة وأكمل كل عدة وأوفر عدد وعقد عليهم الامير أبو يعقوب رايته وأقلعوا(7/202)
عن طنجة ثامن ربيع الاولى وانتشرت قلوعهم في البحر فأجازوه وباتوا ليلة المولد الكريم بمرفا الجبل وصبحوا العدو وأساطيلهم تناهز أربعمائة فتظاهروا في دروعهم وأسبغوا من شكتهم وأخلصوا لله عزائمهم وصدقوا مع الله نياتهم وتنادوا بالجنة شعارهم ووعظ وذكر خطباؤهم والتحم القتال ونزل الصبر ولم يكن الا كلا ولا حتى نضحوا العدو بالنبل فانكشفوا وتساقطوا في العباب فاستلحمهم السيف وغشيهم اليم وملك المسلمون أساطيلهم ودخلوا مرفا الجزيرة وفرضتها عنوة فاختل معسكر الطاغية وداخلهم الرعب من اجازة الامير أبى يعقوب ومن معه من الحامية فأفرج لحينه عن البلد وانتشرت النساء والصبيان بساحته وغلبت المقاتلة كثيرا من العسكر على مخلفهم فغنموا من الحنطة والادام والفواكه ما ملا أسواق لبلد أياما حتى وصلتها الميرة من النواحى وأجاز الامير أبو يعقوب من حينه فأرهب العدو في كل ناحية وصده عن الغزو شأن الفتنة مع ابن الاحمر فرأى أن يعقد مع الطاغية سلما
ويصل به لمنازلة غرناطة يدا وأجابه إلى ذلك الطاغية رهبة من بأسه وموجدة على ابن الاحمر في مدد أهل الجزيرة وبعث أساقفته لعقد ذلك فأجازهم الامير أبو يعقوب إلى أبيه أمير المسلمين فغضب لها ونكر على ابنه وزوى عنه وجه رضاه ورجعهم إلى طاغيتهم مخفقي السعي وأجاز إبو يعقوب بن السلطان إلى أبيه ومعه وفد أهل الجزيرة فلقوا السلطان بمكانهم من السوس وولى عليهم ابنه أبا زيان فنزل بالجزيرة وأحكم العقدة مع الطاغية ونازل المربلة من طاعة ابن الاحمر برا وبحرا فامتنعت عليه وانضوى إليه أهل الحصون الغربية بطاعتهم حذرا من الطاغية فتقبلهم ثم جاءه المدد من المغرب ونازل رقدة فامتنعت والطاغية أثناء ذلك يجوس خلال الاندلس ونازل ابن الاحمر بغرناطة مع بنى اشقيلولة وابن الدليل ثم راجع ابن الاحمر مسالمة بنى مرين وبعث لابي زيان بن السلطان بالصلح واجتمع معه باحواز مريلة كما نذكر بعد ولما ارتحل السلطان من معسكره على جبل السكسيوى يريد السوس ثم أغزى العساكر ورجع من طريقه إلى مراكش حتى إذا انقضت غزاة البربر رجع إلى فاس وبعث خطابه إلى الآفاق مستنفرا في الجهاد وفصل في رجب من سنة ثمان وسبعين حتى انتهى إلى طنجة وعاين ما اختل من أحوال المسلمين في تلك الفترة وما جرت إليه فتنة ابن الاحمر من اعتزاز الطاغية وما حدثته نفسه من التهام الجزيرة الاندلسية ومن فيها وظاهره على ابن الاحمر منافسوه في رياسته ببنى اشقيلولة فاستجره الرئيس أبو الحسن بن أبى اسحاق صاحب وادى آش ونازل معه غرناطة سنة تسع وسبعين خمسة عشر يوما ثم أفرجوا ولقيهم عساكر غرناطة من زناتة بعد ذلك من سنتهم وغلبهم طلحة بن محلى وتاشفين بن معطى كبير(7/203)
يتر بيعين بحصن المسلى فأظهرهم الله عليهم وهلك من النصارى ما يناهز سبعمائة من فرسانهم واستشهد فيها من أعياص بنى مرين عثمان بن محمد بن عبد الحق واستجر لطاغية بعدها الرئيس أبو محمد عبد الله أخو صاحب وادى آش إلى منازلة
غرناطة فنازلها الطاغية وأقام عليها أياما ثم ارتحل وقد اعتز عليهم وأشفق السلطان على المسلمين وعلى ما نال ابن الاحمر من خسف الطاغية فراسله في الموادعة واتفاق الكلمة وشرط عليه النزول عن مالقة فرجع السلطان إلى ازالة العوائق عن شأنه من الجهاد وكان من أعظمها فتنة يغمراسن واستيقن ما دار بينه وبين ابن الاحمر والطاغية بن أخى أدفونش من الاتصال والاصفاق في تجديد الصلح والاتفاق فلج وكشف الوجه في العناد وأعلن بما وقع بينه وبين أهل العدوة مسلمهم وكافرهم من الوصلة وانه معتزم على طى بلاد المغرب فصرف أمير المسلمين عزمه إلى غزو يغمراسن وقفل إلى فاس لثلاثة أشهر من نزوله طنجة فدخلها آخر شوال وأعاد الرسل إلى يغمراسن لاقامة الحجة عليه والتجأ بمسالمة بنى توجين والتجافي عنهم لموالاتهم أمر المسلمين فقام يغمراسن في ركائبه وقعد ولج في طغيانه وارتحل أمير المسلمين من فاس سنة تسع وقدم ابنه أبا يعقوب في العساكر وأدركه بتازى ولما انتهى إلى ملوية تلوم في انتظار العساكر ثم ارتحل إلى تاسة ثم تاقيا وصمد إليه يغمراسن بحشود زناتة والعرب بحللهم وكافة ناجعتهم والتقت عيون القوم فكانت بينهما حرب وركب على آثارهما العسكران والتحم القتال وكان الزحف بخرزوزة من ملعب سبعى ورتب أمير المسلمين مصافه وجعل كتيبته وكتيبة ابنه الامير أبى يعقوب جناحين للعسكر واشتد القتال سائر النهار وانكشف بنو عبد الواد عندما أراح القوم وانتهب جميع مخلفهم وما كان في معسكرهم من المتاع والكراع والسلاح والفساطيط وبات عسكر أمير المسلمين ليلتهم في صهوات خيلهم واتبعوا من الغد آثار عدوهم واكتسحت أموال العرب الناجعة الذين كانوا مع يغمراسن وامتلات أيدى بنى مرين من نعمهم وشأنهم ودخلوا بلاد يغمراسن وزناتة ووافاه هنالك محمد بن عبد القوى أمر بنى توجين لقيه بناحية القصبات وعاثوا جميعا في بلاده نهبا وتخريبا ثم أذن لبنى توجين في اللحاق ببلادهم وأخذ هو بمخنق تلمسان متلوما لوصول محمد بن عبد القوى وقومه إلى منجاتهم من
جبل وانشريس حذرا عليهم من غائلة يغمراسن ثم أفرج عنها وقفل إلى المغرب ودخل فاس شهر رمضان من سنة ثمانين ثم نهض إلى مراكش فاحتل بها احدى وثمانين بعدها وسرح ابنه الامير أبا يعقوب إلى السوس لتدويخ أقطاره ووافاه بمراكش صريخ الطاغية على ابنه شانجة الخارج عليه فاغتنم الفرصة في فساد بينهم(7/204)
لقضاء أربه من الجهاد وارتحل مبادرا بالاجازة إلى الاندلس والله تعالى أعلم { الخبر عن اجازة السلطان أبى يوسف صريخا للطاغية لخروج ابنه شانجة عليه وافتراق كلمة النصرانية وما كان في هذه الاخبار من الغزوات } لما رجع السلطان من غزاة تلمسان إلى فاس وارتحل إلى مراكش وافاه بها وفد الطاغية من بطارقته وزعماء دولته وقواميس ملته صريخا على ابنه شانجة خرج عليه في طائفة من النصارى وغلبوه على أمره فانتصر أمير المسلمين ودعاه لحربهم وأمله لاسترجاع ملكه من أيديهم فأجاب أمير المسلمين داعيه رجاء للكرة بافتراقهم وارتحل حتى انتهى إلى قصر المجاز وأوعز إلى الناس بالنفير إلى الجهاد وأجاز إلى الخضراء فاحتل بها لربيع الثاني من سنة احدى وثمانين واجتمعت عليه مسالح الثغور بالاندلس وسار حتى نزل صخرة عباد فوافاه بها الطاغية ذليلا لعز الاسلام مؤملا صريخ السلطان فأكبر وفادته وأكرم موصله وعظم قدره وأمده لنفقاته بمائة ألف من مال المسلمين استرهن فيها التاج الذخيرة عند سلفه وبقى بدارهم فخرا للاعقاب لهذا العهد ودخل معه دار الحرب غازيا حتى ينازل قرطبة وبها شانجة بن الطاغية الخارج عليه مع طائفة فقاتلها أياما ثم أفرج عنها وتنقل في جهاتها ونواحيها وارتحل إلى طليطلة فعاث في جهاتها وخرب عمرانها حتى انتهى إلى حصن مجريط من أقصى الثغر فامتلات أيدى المسلمين وضاق معسكرهم بالغنائم التى استاقوها وقفل إلى الجزيرة فاحتل بها لشعبان من سنته وكان عمر بن محلى نزع إلى طاعة السلطان فهم به ابن الاحمر ونبذ إليه عهده
وارتجع المنكب من يده ونازله بعساكره فاتح هذه السنة فجهز السلطان إليه لوصوله الجزيرة اسطوله وأفرج ابن الاحمر فبادر إلى السلطان بطاعته ووصل بيعة شلوبانية فأبقاه فيها بدعوته ثم راجع طاعة ابن الاحمر في شوال من سنته فتقبل فيئته وأعاضه عنها بالمنكب إلى أن كان ما نذكره ان شاء الله تعالى والله أعلم { الخبر عن شأن السلم مع ابن الاحمر وتجافى السلطان له عن مالقة ثم تجدد الغزو بعد ذلك } لما اتصلت يد السلطان بيد الطاغية خشى ابن الاحمر غائلته فجنح إلى موالاة مشانجة الخارج عن أبيه ووصل يده بيده وأكد له العقد وأضرمت له الاندلس نارا وفتنة ولم تغن شانجة عن ابن الاحمر شيأ ورجع السلطان من غزائه مع الطاغية وقد ظهر على ابنه فأجمع على منازلة ما لقة ونهض إليها من الجزيرة فاتح ثنتين وثمانين فتغلب على الحصون الغربية كلها ثم أسعف إلى مالقة فأناخ عليها بعساكره وضاق النطاق على ابن الاحمر وبدا له سوء المغبة في شأن مالقة ومداخلة ابن محلى في الغدر بها وأعمل نظره في الخلاص(7/205)
من ورطتها ولم ير لها الاولى عهد السلطان ابنه أبا يوسف فخاطبه بمكانه من المغرب مستصرخا لرقع هذا الخرق وجمع كلمة المسلمين على عدوهم فأجابه واغتنم المثوبة في مسعاه وأجاز لشهر صفر فوافى في أمير المسلمين بمعسكره على مالقة ورغب منه السلم لابن الاحمر عن شأن مالقة والتجافي له عنها فأسعف رغبة ابنه لما يؤمل في ذلك من رضا الله في جهاد عدوه واعلاء كلمته وانعقد السلم وانبسط أمل ابن الاحمر وتجدت عزائم المسلمين وقفل السلطان إلى الجزيرة وبث السرايا في دار الحرب فأوغلوا وأثخنوا ثم استأنف الغزو بنفسه إلى طليطلة فخرج من الجزيرة غازيا غرة ربيع الثاني من سنة ثنتين وثمانين حتى انتهى إلى قرطبة فأثخن وغنم وخرب العمران وافتتح الحصون ثم ارتحل نحو البرت وخلف معسكره بظاهر ساسة وأغد السير في أرض قفر لليلتين
انتهى إلى البرت من نواحى طليطلة فسرح الخيل في البسائط حتى تقرى جميع ما فيها ولم ينته إلى طليطلة لتثاقل الناس بكثرة الغنائم وأثخن في القتل وقفل على غير طريقه فأثخن وخرب وانتهى إلى ووقف بساحتها والعدو متحجزون ثم رجع إلى معسكره بساسة وأراح ثلاثا ينسف آثارها ويقتلع أشجارها وقفل إلى الجزيرة فاحتل بها شهر رجب وقسم الغنائم ونفل من الخمس وولى على الجزيرة حافده عيسى بن الامير أبى مالك ابنه فهلك شهيدا بالمعرى لشهرين من ولايته وأجاز السلطان غرة شعبان إلى المغرب ومعه ابنه أبو زيان منديل وأراح بطنجة ثلاثا وأغذ السير إلى فاس فاحتل بها آخر شعبان ولما قضى صيامه ونسكه ارتحل إلى مراكش لتمهيدها وتفقد أحوالها وقسم من نظره لنواحي سلا وازدرد فأقام برباط الفتح شهرين اثنين واحتل مراكش فاتح ثلاث وثمانين وبلغه مهلك الطاغية ابن أدفونش واجتماع النصرانية على ابنه شانجة الخارج عليه فتحركت إلى الجهاد عزائمه وسرح الامير أبا يعقوب ولى عهده بالعسكر إلى بلاد السوس لغزو العرب وكف عاديتهم ومحو آثار الخوارج المنتزين على الدولة فأجفلوا أمامه واتبع آثارهم إلى الساقية الحمراء آخر العمران من بلاد السوس فهلك أكثر العرب في تلك القفار مسغبة وعطشا وقفل لما بلغه من اعتلال أمير المؤمنين ووصل إلى مراكش وقد أبل وقد اعتزم على الجهاد والغزو شكر الله كما نذكره ان شاء الله تعالى { الخبر عن اجازة السلطان أبى يوسف الرابعة ومحاصرة شريش وما تخلل ذلك من الغزوات } لما اعتزم أمير المسلمين على الاجازة واعترض جنوده وحاشيته وأزاح عللهم وبعث في قبائل المغرب بالنفير ونهض من مراكش في جمادى الآخرة لثلاث وثمانين(7/206)
واحتل رباط الفتح منتصف شعبان فقضى به صومه ونسكه ثم ارتحل إلى قصر مصمودة
وشرع في اجازة العساكر والحشود من المرتزقة والمطوعة خاتم سنته ثم أجاز البحر بنفسه غرة صفر من سنة أربع بعدها واحتل بظاهرها ثم سار من الخضراء وأراح أياما ثم خرج غازيا حتى انتهى إلى وادلك وسرح الخيول في بلاد العدو وبسائطها يحرق وينسف فلما خرب بلاد النصرانية ودمر أرضهم قصد مدينة شريش فنزل بساحتها وأناخ عليها وبث السرايا والغارات في جميع نواحيها وبعث عن المسالح التى كانت بالثغور فتوافت لديه ولحقه حافده عمر بن أبى مالك بجمع وافر من المجاهدين من أهل المغرب فرسانا ورجالا ووافته حصة العزفى من سبتة غزاة ناشبة تناهز خمسمائة وأوعز إلى ولى عهده الامير أبى يعقوب باستنفار من بقى من العدوة واعطاء الراية وسرحه لغزو اشبيلية لآخر صفر من سنته فغنموا ومروا بقرمونة في منصرفهم فاستباحوها وأثخنوا بالقتل والاسر ورجعوا وقد امتلات أيديهم من الغنائم وبعث وزيره محمد بن عطوا ومحمد بن عمران بن عبلة عيونا فوافوا حصن القناطر وروضه واستكشفوا ضعف الحامية واختلال الثغور فعقد ثانية لحافده عمر بن عبد الواحد على مثلها من الفرسان لثالثة من ربيع وأعطاه الراية وسرحه إلى بسائط وادلك فرجعوا من الغنائم بما ملا العساكر بعد أن أثخنوا فيها بالقتل والتخريب وتحريق الزروع واقتلاع الثمار وأبادوا عمرانها ثم سرح ثامن ربيع عسكرا للاغارة على حصن أركش ووافوه على غرة فاكتسحوا أموالهم ثم عقد تاسع ربيع لابنه أبى معروف على ألف من الفرسان وسرحه لغزو اشبيلية فساروا حتى عليها وانحجرت منه حاميتها فخرب عمرانها وقطع شجرها وامتلات أيدى عسكره سبيا وأموالا ورجع إلى معسكر السلطان مملوء الحقائب ثم عقد ثالثة لحافده عمر منتصف ربيع لغزو حصن كان بالقرب من معسكره وسرح الرجل من الناشبة والفعلة بالآلات وأمده بالرجل من المصامدة وغزاه سنته فاقتحموه عنوة على أهله وقتلوا المقاتلة وسبوا النساء والذرية وأرغموا خده بالتراب ولسبعة عشر من الشهر ركب السلطان إلى حصن سقوط
قريبا من معسكره فخربه وحرقه بالنار واستباحه وقتل المقاتلة وسبى أهله ولعشرين من شهره وصل ولى عهده الامير أبو يعقوب من العدوة بنفير أهل المغرب وكافة القبائل في جيوش ضخمة وعساكر موفورة وركب أمير المسلمين للقائهم وبرور مقدمهم واعترض العساكر الموافية يومئذ فكانت ثلاثة عشر ألفا من المصامدة وثمانية آلاف من برابرة المغرب متطوعون كلهم بالجهاد فعقد السلطان له على خمسة آلاف من المرتزقة وألفين من المتطوعة وثلاثة عشر ألفا من الرجلين وألفين من الناشبة وسرحه(7/207)
لغزو اشبيلية والاثخان في نواحيها فعبى كتائبه ونهض لوجهه وبث الغارات بين يديه فأثخوا وسبوا وقتلوا واقتحموا الحصون واكتسحوا الاموال وعاج على الشرق والغابة من بسيط اشبيلية فنسف قراها واقتحم من حصونها وقفل إلى معسكره أمير المسلمين فعقد له غداة وصوله وأمده بعسكر آخر وأغزاه قرمونة والوادى الكبير فأغار على قرمونة وطمعت حاميتها في المدافعة فبرزوا له وصدقهم القتال فانكشفوا حتى أحجزوهم في البلد ثم أحاطوا ببرج كان قريبا من البلد فقاتلوه ساعة من نهار واقتحموه عنوة ولم يزل يتقرى المنازل والعمران حتى وقف بساحة اشبيلية فأغار واقتحم برجا كان هنالك الينا على المسلمين وأضرمه نارا وامتلات أيدى عساكره وقفل إلى معسكر أمير المسلمين ولثلاث عشرة من ربيع الثاني عقد للامير أبى يعقوب لمنازلة جزيرة كيوثر فصمد إليها وقاتلها واقتحمها عنوة وفى ثانى جمادى عقد لطلحة بن يحيى بن محلى وكان بعد مداخلته أخاه عمر في شأن مالقة سنة خمس وسبعين خرج إلى الحج فقضى فرضه ورجع ومر في طريقه بتونس واتهمه الدعى بن أبى عمارة كان بها يومئذ فاعتقله سنة ثنتين وثمانين ثم سرحه ولحق بقومه بالمغرب ثم أجاز الاندلس غازيا في ركاب السلطان فعقد له في هذه الغزاة على مائتين من الفرسان وسرحه إلى اشبيلية ليكون رتبة للمعسكر وبعث معه لذلك عيونا من اليهود والمعاهدين من النصارى يتعرفون له أخبار الطاغية شانجة
وأمير المسلمين أثناء ذلك يغادى شريش ويراوحها بالقتال والتخريب ونسف الآثار وبث السرايا كل يوم وليلة في بلاد العدو فلا يخلو يوما عن تجهيز عسكر أو اغزاء جيش أو عقد راية أو بعث سرية حتى انتسف العمران في جميع بلاد النصرانية وخرب بسائط اشبيلية وليلة وقرمونة واستجة وجبال الشرق وجميع بسائط القرنتيرة وأبلى في هذه الغزوات عباد العاصمى من شيوخ جشم وخضر الغزى أمير الاكراد بلاء عظيما وكان لهم فيها ذكر وكذلك غزاة سبتة وسائر المجاهدين والعرب من جشم وغيرهم فلما دمرها تدميرا ونسفها تخريبا واكتسحها غارة ونهبا وزحم فصل الشتاء وانقطعت الميرة عن العسكر اعتزم على القفول وأفرج عن شريش لآخر رجب ووافه مدد غرناطة من عساكر الغزاة وقائدهم يعلى بن أبى عياد بن عبد الحق بوادي بردة فلقاهم مبرة وتكريما وانقلبوا إلى أهلهم واتصل به أن العدو اوعز إلى اساطيله باحتيال الزقاق والاعتراض دون الفراض فأوعز أمير المسلمين إلى جميع سواحله من سبتة وطنجة والمنكب وجزيرة وطيف وبلاد الريف ورباط الفتح واستدعى أساطيله فتوافت منها ستة وثلاثون أسطولا متكاملة في عدتها فأحجمت أساطيل العدو عنها وارتدت على أعقابها واحتل بالجزيرة غرة رمضان واستيقن الطاغية شانجة وأهل ملته أن بلادهم(7/208)
قد فنيت وأرضهم خربت وتبينوا العجز عن المدافعة والحماية فجنحوا إلى السلم وضرعوا إلى أمير المسلمين في كف عاديته عنهم على ما يذكر ووصل إلى السلطان بمكانه من منازلة شريش عمر بن أبى يحيى بن محلى نازعا إلى طاعته فاتهمه لما سبق من تلاعبه وأمر أخاه طلحة فنكبه واحتمل إلى طريف فاعتقل بها وسار طلحة إلى المنكب فاستصفى أموال أخيه عمر وذخائره وسار إلى السلطان وأخاه موسى على عمله بالمنكب وأمده بعسكر من الرجل ثم أطلق عمر لليال من اعتقاله وأجاز طلحة وعمر في ركاب السلطان ونزع منصور بن أبى مالك حافد السلطان إلى غرناطة ثم لحق منها بالمنكب
وأقام مع موسى بن يحيى بن محلى فأقره السلطان ورضى بمقامه والله تعالى أعلم * (الخبر عن وفادة الطاغية شانجة وانعقاد السلم ومهلك السلطان على تفيئة ذلك) * لما نزل ببلاد النصرانية بلاد ابن أدفونش من أمير المسلمين ما نزل من تدمير قراهم واكتساح أموالهم وسبى نسائهم وابادة مقاتلتهم وتخريب معاقلهم وانتساف عمرانهم زاغت منهم الابصار وبلغت القلوب الحناجر واستيقنوا أن لا عاصم من أمير المسلمين فاجتمعوا إلى طاغيتهم شانجة خاشعة أبصارهم ترهقهم ذلة متوجعين مما أذاقهم جنود الله من سوء العذاب وأليم النكال وحملوه على الضراعة لامير المسلمين في السلم وايفاد الملا من كبار النصرانية عليه في ذلك والافلا تزال تصيبهم منه قارعة وتحل قريبا من دارهم فأجاب إلى ما دعوه إليه من الخسف والهضيمة لدينه وأوفد على أمير المسلمين وفدا من بطارقتهم وشمامستهم وأساقفتهم يخطبون السلم ويضرعون في المهادنة والابقاء ووضع أوزار الحرب فردهم أمير المسلمين اعتزازا عليهم ثم أعادهم الطاغية بترديد الرغبة على أن يشترط ما شاء من عز دينه وقومه فأسعفهم أمير المسلمين وجنح إلى السلم لما تيقن من صاغيتهم إليه وذلهم لعز الاسلام وأجابهم إلى ما سألوه واشترط عليهم ما تقبلوه من مسالمة المسلمين كافة من قومه وغير قومه والوقوف عند مرضاته في ولاية جيرانه من الملوك أو عداوتهم ورفع الضريبة عن تجار المسلمين بدار الحرب من بلاده وترك التضريب بين ملوك المسلمين والدخول بينهم في فتنة وبعث لعمه عبد الحق بن الترجمان باشتراط ذلك واحكام عقده فاستبلغ وأكد في الوفاء ووفدت رسل ابن الاحمر على الطاغية وهو عنده لعقد السلم معه دون أمير المسلمين على قومه ومدافعته عنهم فأحضرهم بمشهد ابن الترجمان وأسمعهم ما عقد أمير المسلمين على قومه وأهل ملته وقال لهم انما أنتم عبيد آبائى فلستم معى في مقام السلم والحرب وهذا أمير المسلمين ولست أطيق مقاومته ولا دفاعه عنكم فانصرفوا ولما رأى عبد الحق صاغيته إلى مرضاة السلطان وسوس إليه بالوفادة لتتمكن الالفة وتستحكم العقدة وأراه مغبة ذلك في هل(7/209)
السخيمة وتسكين الحفيظة وتمكين الالفة فصغى إلى وفاقه وسأل لقى الامير أبى يعقوب ولى عهده من قبل ليطمئن عليه فوصل إليه ولقيه على فراسخ من شريش وباتا بمعسكر المسلمين هنالك ثم ارتحلا من الغد للقاء أمير المسلمين وقد أمر الناس بالاحتفال للقاء الطاغية وقومه واظهار شعار الاسلام وأهبته فاحتفلوا وتأهبوا وأظهروا عز الملة وشدة الشوكة ووفور الحامية ولقيه أمير المسلمين بأحسن مبرة وأتم كرامة يلقى بها مثله من عظماء الملل وقدم الطاغية بين يديه هدية أتحف بها أمير المسلمين وابنه من ظرف بلاده كان فيها زوج من الحيوان الوحشى المسمى بالفيل وحمارة من حمر الوحش إلى غير ذلك من الظرف فقبلها السلطان وابنه وقابلوه بكفائها ومضاعفتها وكمل عقد السلم وتقبل الطاغية سائر الشروط ورضى بعز الاسلام عنه وانقلب إلى قومه بمل ء صدره من الرضا والمسرة وسأل منه أمير المسلمين أن يبعث من كتب العلم التى بأيدى النصارى منذ استيلائهم على مدن الاسلام فاستكثر من أصنافها في ثلاثة عشر حملا بعث بها إليه فوقفها السلطان بالمدرسة التى أسسها بفاس لطلب العلم وقفل أمير المسلمين الجزيرة لليلتين بقيتا لرمضان فقضى صومه ونسكه وجعل من قيام ليله جزأ لمحاضرة أهل العلم وأعد الشعراء كلمات أنشدوها يوم الفطر بمشهد الملا في مجلس أمير المسلمين وكان من أسبقهم في ذلك الميدان شاعر الدولة عزوز المكناسى ذكر فيها سير أمير المسلمين وغزواته على نسق ثم أعمل أمير المسلمين نظره في الثغور فرتب بها المسالح وعقد عليها لابنه الامير أبى زيان منديل وأنزله بركوان مقربة مالقة واستوصاه بأن لا يحدث في بلاد ابن الاحمر حدثا وعقد لعياد بن أبى عياض العاصمى على مسلمة أخرى وأنزله باطبونة وأجاز ابنه الامير أبا يعقوب لتفقد أحوال المغرب ومباشرة أموره فأجاز في أسطول القائد محمد بن القاسم الرنداحى قائد سبتة وأوعز إليه بالبناء عى قبر أبيه أبى الملوك عبد الحق ولقيه ادريس بتافرطست اختط
هنالك رباطا وبنى على قبورهم أسنمة من الرخام ونقشها بالكتابة ورتب عليها قراء لتلاوة القرآن ووقف على ذلك ضياعا وفدنا وهلك خلال ذلك وزيره يحيى بن أبى منديل العسكري لمنتصف رمضان ثم اعتل بعد ذلك أمير المسلمين لشهر ذى الحجة واشتد وجعه وهلك لآخر محرم سنة خمس وثمانين وستمائة والله أعلم * (الخبر عن دولة السلطان وما كان فيها من الاحداث وشأن الخوارج لاول دولته) * لما اعتل أمير المسلمين أبو يوسف بالجزيرة مرضه نساؤه وطيرن الخبر إلى ولى العهد الامير أبى يعقوب وهو بمكانه من المغرب فأغذ السير وقضى على أمير المسلمين قبل وصوله فأخذ له البيعة على الناس وزراء أبيه وعظماء قومه وأجاز إليهم البحر فجددوا بيعته غرة(7/210)
صفر سنة خمس وثمانين وأخذوها على الكافة وانعقد أمر السلطان يومئذ ففرق الاموال وأجزل الصلات وسرح السجون ورفع عن الناس الاخذ بزكاة الفطر ووكلهم فيها إلى أمانتهم وقبض أيدى العمال عن الظلم والاعتداء والجور على الرعايا ورفع المكوس ومحا رسم الرتب وصرف اعتناءه إلى اصلاح السابلة وكان أول شئ أحدث من أمره إلى ان بعث ابن الاحمر وضرب موعدا للقائه فبدر إليه ولقيه بظاهر مربالة الاول ربيع ولقاه مبرة وتكريما وتجافى له عن جميع الثغور الاندلسية التى كانت لمملكته ما عدا الجزيرة وطريف وتفرقا من مكانهما على أكمل حالات المصافاة والوصلة ورجع السلطان إلى الجزيرة ووافاه بها وفد الطاغية شانجة مجددين عقد السلم الذى عقد له أمير المسلمين عفا الله عنه فأجابهم ولما تمهد أمر الاندلس ومر عن النظر فيها عهد لاخيه ابى عطية العباس على الثغور الغربية والامارة عليها وعقد لعلى بن يوسف بن على مسالحها وأمده بثلاثة آلاف منن عساكره وأجاز إلى المغرب فاحتل بقصر مصمودة سابع ربيع الثاني ثم ارتحل إلى فاس واحتل بها لثنتى عشرة خلت من جمادى ولحين استقراره بدار ملكه خرج عليه محمد بن ادريس
ابن عبد الحق في اخوته وبنيه وذويهم ولحق بجبل ورغة ودعا لنفسه وسرح إليه السلطان أخاه أبا معروف فبدا له في النزوع إليهم ولحق بهم فأغزاهم السلطان عساكره وردد إليهم البعوث والكتائب وتلطف في استنزال أخيه فنزل عن الخلاف وعاد إلى أحسن طاعته وفر أولاد ادريس إلى تلمسان وتقبض عليهم أثناء طريقهم وسرح السلطان أخاه أبا زيان إلى تازى وأوعز إليه بقتلهم خارج تازى لرجب من سنة خمس وثمانين ورهب الاعياص عند ذلك من بادرة السلطان ففرقوا ولحق بغرناطة أولاد أبى العلاء ادريس بن عبد الحق وأولاد يحيى بن عبد الحق وأولاد عثمان ابن بزول ورجع أولاد أبى يحيى إلى السلطان بعد اقتضاء عهده وامانه وهلك أخوه محمد بن يعقوب بن عبد الحق لشعبان من سنته وهلك عمر بن أخيه أبى مالك بطنجة ثم خرج على السلطان عمر بن عثمان بن يوسف العسكري بقلعة قندلاوة ونبذ الطاعة وأذن بالحرب وأوعز السلطان إلى بنى عسكر ومن إليهم من القبائل المجاورين لها فاحتشدوا له ونازلوه ثم نهض بركابه وعساكره إلى منازلته واحتل بسدورة وخافه عمر على نفسه وأيقن أنه أحيط به فسأل الامان وبذله السلطان على شريطة اللحاق بتلمسان فبعث من يوثق به من الخيرة فنزل فوفى له السلطان بعهده ولحق بتلمسان بأهله وولده ثم ارتحل السلطان في رمضان من سنته إلى مراكش لتمهيد انحائها وتثقيف أطرافها واحتل بها في شوال واعتمل النظر في مصالحها ونزع خلال ذلك طلحة بن محلى البطوى إلى بنى حسان من(7/211)
المعقل وخرج على السلطان ودعا لنفسه وعقد السلطان لمنصور بن أخيه أبى مالك على العساكر وعهد له بولاية السوس وسرحه لاستنزال الخوارج ومحو آثار الفساد وارتاب بمكان أخيه عمر فغربه إلى غرناطة فقتله أولاد أبى العلاء يوم وصوله إليها فسار الامير منصور في الجيوش والكتائب وغزا عرب المعقل وأثخن فيهم وقتل طلحة بن محلى في بعض حروبهم لثلاثة عشر في جمادى سنة ست وثمانين وبعث براسه إلى سدة السلطان
فعلق بتازى ثم نهض في رمضان لغزو المعقل بصحراء درعة لما أضروا العمران وأفسدوا السابلة وسار إليهم في اثنى عشر ألفا من الفرسان ومر على بلاد هسكورة معترضا جبل درن وأدركهم بالقفز نواجع فأثخن فيهم بالقتل والسبي واستكثر من رؤسهم فعلقت بشرافات مراكش وسجلماسة وفاس وعاد من غزوه إلى مراكش آخر شوال فنكب محمد بن على بن محلى عاملها القديم الولاية عليها من لدن غلب الموحدين لما وقع من الارتياب بأولاد محلى لما آتاهم كبيرهم طلحة فنكب غرة المحرم من سنة سبعين وهلك في محبسه لشهر صفر بعده وهلك على ذلك المزوار قاسم بن عتو وعقد السلطان على مراكش وأعمالها لمحمد بن عطو الجاناتى من موالى دولتهم ولاء الحلف وترك معه ابنه أبا عامر ثم ارتحل إلى حضرة فاس فاحتل بها منتصف ربيع ووافته بها عرسه بنت موسى بن رحو بن عبد الله بن عبد الحق من غرناطة في وفد من وزراء ابن الاحمر وأهل دولته فأعرس بها وكان بعث إلى أبيها من قبل في الاصهار بها ووافت معها رسل ابن الاحمر يسألونه التجافي عن وادى آش فأسعفهم بها كما نذكره ان شاء الله تعالى والله أعلم * (الخبر عن دخول وادى آش في طاعة السلطان ثم رجوعها إلى طاعة ابن الاحمر) * كان أبو الحسن اشقيلولة ظهير السلطان بن الاحمر على ملكه ومعينه على شأنه وكان له في الدولة بذلك مكان ولما هلك خلف من الولد أبا محمد عبد الله وأبا اسحق ابراهيم فعقد ابن الاحمر لابي محمد على مالقة ولابي اسحق على قمارش ووادى آش ولما هلك السلطان ابن الاحمر حدثت مغاضبات ومنافسات بينهما وبينه وتأدى ذلك إلى الفتنة كما نقلناه ودخل أبو محمد في طاعة السلطان أبى يوسف ثم هلك فلحق ابنه محمد بالسلطان ونزل له عن البلد سنة ست وسبعين ثم هلك أبو اسحق سنة ثنتين وثمانين وغلب ابن الاحمر على حصن قمارش وصار إليه وكان الرئيس أبو اسحق قد عقد لابنه أبى الحسن على وادى آش وحصونها واتصلت الفتنة بينه وبين ابن الاحمر وظاهر أبو الحسن عليه الطاغية
وأجلب أخوه أبو محمد معه على غرناطة هو وابن الدليل وطال أمر الفتنة بينهما وبين ابن الاحمر ثم انعقد السلم بين المسلمين والنصارى وخشى أبو محمد بن اشقيلولة على نفسه عادية(7/212)
ابن الاحمر فتذمم بطاعة صاحب المغرب وأقام دعوته بوادي آش سنة ست وثمانين فلم يعرض لها ابن الاحمر حتى إذا وقعت المواصلة بينه وبين ابن السلطان أبى يعقوب وكان شأن هذا الصهر على يده بعث رسله إلى السلطان يسأله التجافي عن وادى آش فتجافى له عنها وبعث إلى أبى الحسن بن اشقيلولة بذلك فتركها وارتحل إليه سنة سبع وثمانين ولقيه بسلا فأعطاه القصر الكبير وأعماله طعمة سوغه اياها ثم لم تزل البنية آخر دولتهم واستمكن ابن الاحمر من وادى آش وحصونها ولم يبق له بالاندلس منازع من قرابته والله أعلم * (الخبر عن خروج الامير أبى عامر ونزوعه إلى مراكش ثم فيئته إلى الطاعة) * لما احتل السلطان بفاس وأقام بها خرج عليه ابنه أبو عامر ولحق بمراكش ودعا لنفسه اخريات شوال من سنة سبع وثمانين وساعده على الخلاف والانتزاء عاملها محمد بن عطوا وخرج السلطان في أثره إلى مراكش فبرز إلى لقائه فكانت الدائرة عليهم وحاصرهم السلطان بمراكش أياما ثم خلص أبو عامر إلى بيت المال فاستصفى ما فيه وقتل المشرف بن أبى البركات ولحق بجبال المصامدة ودخل السلطان من عده إلى البلد يوم عرفة فعفا وسكن ونهض منصور ابن أخيه الامير أبو مالك من السوس إلى حاحة فدوخ انحاءها ثم سرح إليه المدد من مراكش فأوقعوا بركنة من برابرة السوس وقتل منهم ما يناهز أربعين من سرواتهم وكان فيمن قتل منهم شيخهم حيون بن ابراهيم ثم ان ابنه أبا عامر ضاق ذرعه بسخط أبيه واجلا به في الخلاف فلحق بتلمسان ومعه وزيره ابن عطوا فاتح سنة ثمان وثمانين فآواهم عثمان بن يغمراسن ومهد لهم المكان ولبثوا عنده أياما ثم عطفت السلطان على ابنه رحم كما عطفت ابنه عليه فرضى عنه وأعاده إلى
مكانه وطالب عثمان بن يغمراسن أن يسلم إليه ابن عطوا الناجم في النفاق مع ابنه فأبى من اضاعة جواره واخفار ذمته وأغلظ له الرسول في القول فسطا به واعتقله فثارت من السلطان الحفائظ الكامنة وتحركت الاحن القديمة والنزلات المتوارثة واعتزم على غزو تلمسان والله أعلم { الخبر عن تجدد الفتنة مع عثمان بن يغمراسن وغزو السلطان مدينة تلمسان ومنازلته اياها } كانت الفتنة بين هذين الحيين قديمة من لدن مجالاتهم بالقفر من حمراء ملوية إلى صا إلى فيكيك ولما انتقلوا إلى التلول وتغلبوا على الضواحى بالمغرب الاقصى والاوسط لم تزل فتنتهم متصلة وأيام حروبهم فيها مذكورة وكانت دولة الموحدين عند اختلالها والتياثها تستنصر منهم بالتضريب بينهم والفتنة فتكاءدت لذلك أحوالها واتصلت(7/213)
أيامها وكان بين يغمراسن بن زيان وأبى يحيى بن عبد الحق فيها وقائع ومشاهد نقلنا بعضها من كل واستظهر الموحدون بيغمراسن عليه في بعضها وكان الغلب أكثر ما يكون لابي يحيى عبد الحق لوفور قبيله الا أن يغمراسن كان يتصدى لمقاومته في سائر وقائعه ولما طمس أثر بنى عبد المؤمن واستولى يعقوب بن عبد الحق على ملكهم وصارت جملته عساكرهم وتضاعف عليه وأسف على ملك يغمراسن ملكه وجمع له فأوقع به في تلاغ الواقعة المعروفة ثم أوقع به ثانية وثالثة ولما استوت قدم يعقوب بن عبد الحق في ملكه واستكمل فتح المغرب وسائر أمصاره وكبح يغمراسن عن التطاول إلى مقاومته ووهن قواه بفل جموعه ومنازلته في داره ومظاهرة أقتاله من زناتة بنى توجين ومغراوة عليه فانصرف بعد ذلك إلى الجهاد فكان له فيه شغل عما سواه كما نقلناه في أخباره ولما انصرف ارتاب بن الاحمر بمكان السلطان يعقوب بن عبد الحق من الاندلس وحذره على مكله وتظاهر مع الطاغية على منعه من الاجازة إلى عدوتهم
ثم خشوا أن لا يستقلوا بمدافعته فراسلوا يغمراسن في الاخذ بحجزته وأجابهم إليها وجرد عزائمه لها واتصلت أيديهم في التظاهر عليه ثم فسد ما بين ابن الاحمر والطاغية ولم يكن له بد من ولاية يعقوب بن عبد الحق فتولى بواسطة ابنه يوسف بن يعقوب كما ذكرناه وأطلعوه على خب ء يغمراسن في مظاهرتهم فأغزاه سنة تسع وسبعين وهزمه بخرزونة ونازله بتلمسان ووطأ عدوه من بنى توجين بساحته كما ذكرناه ثم انصرف إلى شأنه من الجهاد وهلك يغمراسن بن زيان على تفيئة ذلك سنة احدى وثمانين وأوصى ابنه عثمان ولى عهده زعموا أن لا يحدث نفسه بمقاومة بنى مرين ومساماتهم في الغلب وأن لا يبرز إلى لقائهم بالصحراء وان يلوذ منهم بالجدران متى سموا إليه وألقى إليه زعموا أن بنى مرين بعد تغلبهم على مراكش وانضياف سلطان الموحدين إلى سلطانهم ازدادت قوتهم وتضاعف غلبهم وقال له زعموا فيما أوصاه ولا يغرنك انى رجعت إليهم بعدها وبرزت إلى لقائهم فانى أنفت ان أرجع عن مقاومتهم بعد اعتيادها وأترك مبارزتهم وقد عرفها الناس وأنت لا يضرك العجز عن مبارزتهم والنكول عن لقائهم فليس لك في ذلك مقام معلوم ولا عادة سالفة واجهد جهدك في التغلب على افريقية وراءك فان فعلت كانت المناهضة وهذه الوصاة زعموا هي التى حملت عثمان وبنيه من بعده على طلب ملك افريقية ومنازلة بجاية وحربهم مع الموحدين ولما هلك يغمراسن ذهب ابنه إلى مسالمة بنى مرين فبعث أخاه محمد إلى السلطان يعقوب بن عبد الحق وأجاز البحر إليه بالاندسل ووافاه بأركش في اجازته الرابعة سنة أربع وثمانين فعقد له ما جاء إليه من السلم والمهادنة ورجعه إلى أخيه وقومه ممتلئا كرامة وسرورا وهلك(7/214)
يعقوب بن عبد الحق اثر ذلك سنة خمس وثمانين وقام بالامر ابنه يوسف بن يعقوب وانتزى الخوارج عليه بكل جهة فشمر لهم واستنزلهم وحسم أدواءهم ثم خرج عليه ابنه آخرا كما ذكرناه بممالاة وزير السلطان محمد بن عطوا ثم فاء إلى طاعة أبيه ورضى
عنه وأعاده إلى مكانه من حضرته وطالب عثمان بن يغمراسن كما ذكرناه في ابن عطوا المنتزى عليه مع ابنه فأبى عثمان من تسليمه وتحركت حفيظة السلطان واعتزم على غزوهم فارتحل من مراكش لصفر من سنة سبع وثمانين وعقد عليها لابنه الامير أبى عبد الرحمن ثم نهض لغزاته من فاس آخر ربيع من سنته في عساكره وجنوده وحشد القبائل وكافة أهل المغرب وسار حتى نزل تلمسان فانحجز عثمان وقومه بها ولاذوا منه بجدرانها فسار في نواحيها ينسف الآثار ويخرب العمران ويحطم الزرع ثم نزل بذراع الصابون بساحتها ثم انتقل منه إلى تامة وحاصرها أربعين يوما وقطع أشجارها وأباد خضراءها ولما امتنعت عليه أفرج عنها وانكفأ راجعا إلى المغرب وقضى نسك الفطر بعين الصفا من بلاد بنى يرناتن ونسك الاضحى وقربانه بتازى وتلبث بها ومنها كان فصوله للغزو عند انتقاض الطاغية كما نذكره ان شاء الله تعالى * (الخبر عن انتقاض الطاغية واجازة السلطان لغزوه) * لما رجع السلطان من غزو تلمسان وافاه الخبر بأن الطاغية شانجة انتقض ونبذ العهد وتجاوز التخوم وأغار على الثغور فأوعز إلى قائد المسالح على بن يوسف بن يرناسن بالدخول إلى دار الحرب ومنازلة شريش وشن الغارات على بلاد الطاغية فنهض لذلك في ربيع الآخر من سنة تسعين وجاس خلالها وتوغل في أقطارها وأبلغ في النكاية وفصل السلطان من تازى غازيا على اثره في جمادى واحتل قصر مصمودة واستنفر أهل المغرب وقبائله ونفروا وشرع في اجازتهم البحر وبعث الطاغية اساطيله إلى الزقاق حجرا دون الاجازة فأوعز السلطان إلى قواد اساطيله بالسواحل فاغزاهم والتقت الاساطيل ببحر الزقاق في شعبان فاقتتلوا وانكشف المسلمون ومحصهم الله ثم أغزاهم ثانية وخامت أساطيل العدو عن اللقاء وصاعدوا عن الزقاق وملكته أساطيل السلطان فأجاز أخريات رمضان واحتل بطرين ثم دخل دار الحرب غازيا فنازل حصن بجير ثلاثة أشهر وضيق عليهم وبث السرايا في أرض العدو وردد الغارات على شريش واشبيلية ونواحيها إلى أن بلغ في النكاية والاثخان وقضى من الجهاد وطرا وزاحمه فصل الشتاء
وانقطاع الميرة عن العسكر فأفرج عن الحصن ورجع إلى الجزيرة ثم أجاز إلى المغرب فاتح احدى وتسعين فتظاهر ابن الاحمر والطاغية على منعه كما نذكره ان شاء الله تعالى والله أعلم(7/215)
* (الخبر عن انتقاض ابن الاحمر ومظاهرته للطاغية على طريف اعادها الله للمسلمين) * لما قفل السلطان من غزاته فاتح احدى وتسعين كما ذكرناه وقد أبلغ في نكاية العدو وأثخن في بلاده فأهم الطاغية أمره وثقلت عليه وطأته والتمس الوليجة من دونه وحذر ابن الاحمر غائلته ورأى أن مغبة حاله الاستيلاء على الاندلس وغلبه على أمره ففاوض الطاغية وخلصوا نجيا وتحدثوا أن استمكانه من الاجازة إليهم انما هو لقرب مسافة بحر الزقاق وانتظام ثغور المسلمين حفا فيه لتصرف شوانيهم وسفنهم متى أرادوا فضلا عن الاساطيل وان أم تلك الثغور طريف وأنهم إذا استمكنوا منها كانت ربيئة لهم على بحر الزقاق وكان اسطولهم بمرفاها بمرصد الاساطيل صاحب المغرب الخائضين لجة ذلك البحر فاعتزم الطاغية على منازلة طريف وزعم له ابن الاحمر بمظاهرته على ذلك وشرط له المدد والميرة لاقوات العسكر ايام منازلتها على ان تكون له ان خلصت وتعاونوا على ذلك واناخ الطاغية بعساكر النصرانية على طريق والح عليها بالقتال ونصب الآلات وانقطع عنا المدد والميرة واحتلت أساطيله ببحر الزقاق فحالوا دون الصريخ من السلطان واخوانهم المسلمين واضطر ابن الاحمر معسكره بمالقة قريبا منه وسر إليه المدد من السلاح والرال والميرة من الاقوات وبعث عسكر المنازلة حصن اصطيونة وتغلب عليه بعد مده من الحصار واتصلت هذه الحال أربعة أشهر حتى أصاب أهل طريف الجهد ونال منهم الحصار فراسلوا الطاغية في الصلح والنزول عن البلد فصالحهم واستنزلهم سنة احدى وتسعين ووفى لهم بعهده واستشرف ابن الاحمر إلى تجافى الطاغية عنها لما عقدوا عليه فأعرض عن ذلك واستأثر بها بعد ان كان نزل له
عن ستة من الحصون عوضا منها ففسد ذات بينهما ورجع ابن الاحمر إلى تمسكه بالسلطان واستعانته به لاهل ملته على الطاغية وأوفد ابن عمه الرئيس أبا سعيد فرج بن اسمعيل ابن يوسف ووزيره أبا سلطان عزيز الدانى في وفد من أهل حضرته لتجديد العهد وتأكيد المودة وتقرير المعذرة عن شأن طريف فوافوه بمكانه من منازلة تازوطا كما يذكر بعد فأبرموا العقد وأحكموا الصلح وانصرفوا إلى ابن الاحمر سنة ثنتين وتسعين باسعاف غرضه من المواخاة واتصال اليد وهلك خلال ذلك قائد المسالح بالاندلس على بن يزكاسن في ربيع الاولى سنة ثنتين وتسعين وعقد السلطان لابنه ولى عهده الامير أبى عامر على ثغور الاندلس التى في طاعته وعهد له بالنظر في مصالحها وأنفذه إلى قصر المجاز بعساكر فوافاه هنالك السلطان ابن الاحمر كما يذكر ان شاء الله تعالى والله أعلم * (الخبر عن وفادة ابن الاحمر على السلطان والتقائهما بطنجة) *(7/216)
لما رجعت الرسل إلى ابن الاحمر وقد كرمت وفادتهم وقضيت حاجتهم وأحكمت في المواخاة مقاصدهم وقع ذلك من ابن الاحمر أجمل موقع وطار سرورا من اعواده وأجمع الرحلة إلى السلطان لاحكام الود والاستبلاغ في العذر عن واقعة طريف وشأنها واستعدادهم لاغاثة المسلمين ونصرهم من عدوهم فاعتزم على ذلك وأجاز البحر ذا القعدة سنة ثنتين وتسعين واحتل ببنيونش من ساحة سبتة ثم ارتحل إلى طنجة وقدم بين يدى نجواه هدية أتحف بها السلطان كان من أحفلها وأحسنها موقعا لديه فيما زعموا المصحف الكبير أحد مصاحف عثمان بن عفان أحد الاربعة المنبعثة إلى الافاق المختص هذا منها بالمغرب كما نقله السلف كان بنو أمية يتوارثونه بقرطبة فتلقاه الامير أبو عامر هنالك وأخوه الامير أبو عبد الرحمن ابنا السلطان واحتفلا في مبرته ثم جاء السلطان على اثرهما من حضرته لتلقيه وبرور مقدمه ووافاه بطنجة وبلغ في تكرمته وبر وفادته
ما يكرم به مثله وبسط ابن الاحمر العذر عن شأن طريف فتجافى السلطان عن العذل وأعرض عنه وقبل منه وبروا حفى ووصل وأجزل ونزله له ابن الاحمر عن الجزيرة ورندة والغربية وعشرين حصنا من ثغور الاندلس كانت من قبل لطاعة صاحب المغرب ونزل عساكره وعاد ابن الاحمر إلى الاندلس خاتم ثنتين وتسعين محبوا محبورا وأجازت عساكر السلطان معه لحصار طريف وعقد على حربها ومنازلتها لوزيره الطائر الذكر عمر بن السعود بن الخرباش الجشمى فنازلها مدة وامتنعت فأفرج عنها وصرف السلطان همته إلى غزو تلمسان وحصارها كما يذكر ان شاء الله تعالى { الخبر عن انتزاء الوزير الوساطى بحصن تازوطا من جهات الريف واستنزال السلطان اياه } كان بنو الوزير هؤلاء رؤساء بنى واطاس ن قبل بنى مرين ويرون ان نسبهم دخيل في بنى مرين وأنهم من أعقاب على بن يوسف بن تاشفين لحقوا بالبدو ونزلوا على بنى واطاس ورسخت فيهم عروقهم حتى لبسوا جلدتهم ولم يزل السرو متربعا بين أعينهم لذلك والرياسة شامخة بأنوفهم وكانوا يرون الفتك بالامراء من أولاد عبد الحق فلم يطيقوه ولما احتل السعيد بتازى غازيا إلى تلمسان كما ذكرناه ولحق ببلدهم الامير أبو يحيى بن عبد الحق ائتمروا في الفتك به ونذر بشأنهم فارتحل ففروا إلى غبولة وعين الصفا من بلاد بنى يرناسن وهنالك بلغه خبر مهلك السعيد وكانت بلاد الريف لبنى واطاس من لدن دخول بنى مرين المغرب واقتسامهم لاعماله فكانت ضواحيها لنزلهم وأمصارها ورعاياها لجبايتهم وكان حصن تازوطا بها من أمنع المعاقل بالمغرب وكان الملوك من أولاد عبد الحق يعتنون بشأنه وينزلونه من أوليائهم من يثقون بغنائه(7/217)
واطلاعه ليكون آخذا بناصية هؤلاء الرهط وشجا في صدورهم عمايسيمون إليه وكان السلطان قد عقد عليه لمنصور ابن أخيه الامير أبى مالك بعد مهلك ابنه أمير المسلمين
يعقوب بن عبد الحق وكان عمر بن يحيى بن الوزير وأخوه عامر رئيسين على واطاس لذلك العهد فاستهونوا أمر السلطان بعد مهلك أبيه وحدثوا أنفسهم بالانتزاء بتازوطا والاستبداد بتلك الناحية فوثب عمر منهم بمنصور ابن أخى السلطان شهر شوال من سنة احدى وتسعين وفتك برجاله وذويه وأزعجه عنها وغلبه على مال الجباية الذى كان بقصره فاستصفاه وتأثر به واستبد وشحن الحصن برجاله وحاشيته ووجوه قومه ووصل منصور إلى السلطان وهلك لليال من منجاته أسفا لما أصابه وسرح السلطان وزيره الطائر الذكر عمر بن السعود بن خرباش بالعساكر لنازلته فأناخ عليه ثم نهض السلطان على أثره ووافاه واضطرب معسكره بساحته وخالف عامر أخه عمر إلى السلطان بقومه حذرا من مغبة الامر وأشفق عمر لشدة الحصار ويئس من الخلاص وظن أن قد أحيط به ودس إلى أخيه عامر فاستأذن السلطان في مداخلته في الدخول على الحصن فأذن له واحتمل ذخيرته وفر إلى تلمسان وبدا لعامر في رأيه عندما خلص إلى الحصن وخلاله من أخيه عمر الجو وحذر غائلة السلطان وخشى أن يثأر منه بابن أخيه فامتنع بالحصن ثم ندم وسقط في يده وفى خلال ذلك كان وصول وفد الاندلس وأرسوا أساطيلهم بمرسى عساسة فبعث إليهم عامر أن يشفعوا له عند السلطان لوجاهتهم لديه فتقبلت شفاعتهم على شريطة اجازته إلى الاندلس وكره ذلك وقدم بين يديه بعض حاسيته إلى الاسطول مكرا بهم وخاض الليل إلى تلمسان وتقبض السلطان على ولده وقتا واسلم أهل الاسطول من كان من حاشيته لديهم وتجافوا عن اجازتهم على السطان لما مكر بهم عامر فامر فاستلحموا مع من كان بالحصن من أتباعهم وقرابتهم وذرياتهم وتملك السلطان حصن تازوطا وأنزل به عماله ومسلحته وقفل إلى حضرته بفاس آخر جمادى من سنة ثنتين وتسعين والله تعالى أعلم * (الخبر عن نزوع أبى عامر ابن السلطان إلى بلاد الريف وجهات غمارة) * كان الامير أبو عامر بعد اجازة ابن الاحمر إلى السلطان أبيه ورضاه عنه وتأكيد مواخاته
واغراء وزيره بمنازلة طريف واستنزاله أولاد الوزير المنتزين بحصن تازوطا رجع من قصر مصمودة إلى بلاد الريف بايعاز أبيه إليه بتسكين أحوالها وكان أولاد الامير أبى يحيى بن عبد الحق قد نزعوا إلى تلمسان لسعاية فيهم وقرت في صدر السلطان فأقاموا بها أياما ثم استعطفوا السلطان واسترضوه فرضى وأذن لهم في الرجوع إلى محلهم من قومهم ودولتهم وبلغ الخبر الامير أبا عامر وهو بمعسكره من الريف فأجمع على(7/218)
اغتيالهم في طريقهم فظن أنه يرضى بذلك أباه واعترضهم بوادي القطف من ملوية سنة خمس وتسعين فاستلحمهم وانتهى الخبر إلى السلطان فقام في ركائبه وقعد وتبرأ إلى ابنه من اخفار ذمته ومن صنيع ابنه وسخطه وأقصاه فذهب مغاضبا ولحق ببلاد الريف ثم صاعد إلى جبل غمارة فلم يزل طريدا بينهم ونازلته عساكر أبيه لنظر ميمون بن وردار الجشمى ثم لنظر يرزيكن بن الولاة تاميمونت وأوقع بهم مرارا آخرها بيرزيكن سنة سبع وتسعين وذكر الربيحى مؤرخ دولتهم أن خروجه بجبل غمارة كان سنة أربع وتسعين وقتله لاولاد الامير أبى يحيى كان سنة خمس وتسعين بعدها أغزاهم من مثوى انتزائه وقتلهم كما ذكرناه والله أعلم ولم يزل هذا دأبه إلى أن هلك ببنى سعيد من جبال غمارة سنة ثمان وتسعين ونقل شلوه إلى فاس فوورى بباب الفتوح ملحد قومهم هنالك وأعقب ولدين نقلهما السلطان جدهما فكانا الخليفتين من بعده ملى ما نذكره ان شاء الله تعالى والله أعلم * (الخبر عن حصار تلمسان الكبير وما تخلل ذلك من الاحداث) * كان عثمان بن يغمراسن بعد افراج السلطان سنة تسع وثمانين وانتقاض الطاغية وابن الاحمر عليه كما قلناه صرف إلى ولايتهما وجه تدبيره وأوفد على الطاغية ابن بربدى من صنائع دولته سنة ثنتين وتسعين ووجهه الطاغية مع الريك ريكس رسول من كبار قومه ثم عاد إليه الحاج مسعود من حاشيته ووصل يده بيده يظن ذلك دافعا عنه
واعتدها السلطان عليه وطوى له على الغث حتى إذا فرغ من شأن الاندلس وهلك الطاغية شانجة سنة ثلاث وتسعين لاحدى عشرة من سنى ملكه وارتحل السلطان إلى طنجة لمشارفة أحوال الاندلس سنة أربع وتسعين فأجاز إليه السلطان ابن الاحمر ولقيه بطنجة وأحكم معه المواخاة ولما استيقن سكون أحوالها نزل لابن الاحمر عن جميع الثغور التى بها الطاغية وأجمع غزو تلمسان ولحق به بين يدى ذلك ثابت بن منديل المغراوى صريخا على ابن يغمراسن ومستجيشا بقومه فتقبله وأجاره وكان أصاب الناس أعوام ثنتين وتسعين قحط ونالتهم سنة وهنوالها ثم ان الله رحم خلقه وأدر نعمته وأعاد الناس إلى ما عهدوه من سبوغ نعمهم وخصب عيشهم ووفد عليه سنة أربع وتسعين ثابت بن منديل أمير مغراوة مستصرخا به من عثمان بن يغمراسن فبعث من كبار قومه موسى بن أبى حمو إلى تلمسان شفيعا في ثابت بن منديل فرده عثمان أقبح ردوأساء في اجابته فعاود الرسالة إليهم في شأنه فلم يزدهم الا اصرارا فاعتزم على غزو بلادهم واستعد لذلك ونهض سنة أربع وتسعين حتى انتهى إلى بلاد تاوريرت وكانت تخما لعمل بنى مرين وبنى عبد الواد في جانبها عامل السلطان أبى يعقوب وفى جانبها(7/219)
الآخر عامل عثمان بن يغمراسن فطرد السلطان عامل ابن يغمراسن واختط الحصن الذى هنالك لهذا العهد تولاه بنفسه يغادى الفعلة ويراوحهم وأكمل بناءه في شهر رمضان من سنته واتخذه ثغرا لملكه وأنزل بنى عسكر لحياطته وسد فروجه وعقد عليهم لاخيه أبى يحيى بن يعقوب وانكفأ راجعا إلى الحضرة ثم خرج من فاس سنة خمس وتسعين غازيا إلى تلمسان ومر بوجدة فهدم أسوارها وتغلب على مسيفة والزغاوة وانتهى إلى ندرومة ونازلها أربعين يوما ورماها بالمنجنيق وضيق عليها وامتنعت عليه فأفرج عنها ثانى الفطر ثم أغزى تلمسان سنة ست وتسعين وبرز لمدافعته عثمان بن يغمراسن فهزمه وحجزه بتلمسان ونزل بساحتها وقتل خلقا من أهلها ونازلها أياما ثم
أقلع عنها وقفل إلى المغرب وقضى منسك الاضحى من سنته بتازى فأعرس هنالك لحافدة أبى ثابت بن منديل كان أصهر فيها إلى جدها قبل مهلكه سنة ست وتسعين قتيلا ببحيرة الزيتون من ظاهر فاس قتله بعض بنى ورتاجن في دم كان لهم في قومه فثأر السلطان به من قاتله وأعرس بحافدته وأوعز ببناء القصر بتازى وقفل إلى فاس فاتح سنة سبع وتسعين ثم ارتحل إلى مكناسة وانكفأ إلى فاس ثم نهض في جمادى غازيا تلمسان ومر بوجدة فأوعز ببنائها وتحصين أسوارها واتخذ بها قصبة ودارا لسكناه ومسجدا وأوعز إلى تلمسان ونزل بساحتها وأحاطت عساكره احاطة الهالة بها ونصب عليها القوس البعيدة النزع العظيمة الهيكل المسماة بقوسس الزيار ازدلف إليه الصناع والمهندسون فعملها وكانت توقر على احد عشر بغلا ثم لما امتنعت عليه تلمسان أفرج عنها فاتح سنة ثمان ومر بوجدة فأنزل بها الكتائب من بنى عسكر لنظر أخيه أبى يحيى بن يعقوب كما كانوا بتاوريرت وأوعز إليهم بترديد الغزاة على أعمال يغمراسن وافساد سابلتها وضاقت أحوالهم ويئسوا من صريخ صاحبهم فأوفدوا على الامير أبى يحيى وفدا منهم يسألون الامان بمن وراءهم من قومهم على أن يمكنوه من قياد بلدهم ويدينوا بطاعة السلطان فبذل لهم من ذلك ما أرضاهم ودخل البلد بعساكره واتبعهم أهل تاوونت وأوفد مشيختهم جميعا على السلطان آخر جمادى فقدموا عليه لحضرته وأدوا طاعتهم فقبلها ورغبوا إليه في الحركة إلى بلادهم ليريحهم من ملكة عدوه وعدوهم ابن يغمراسن ووصفوا من عسفه وجوره وضعفه عن الحماية ما استنهض السلطان لذلك على ما يذكر ان شاء الله تعالى والله أعلم * (الخبر عن الحصار الكبير لتلمسان وما تخلل ذلك من الاحداث) * لما توفرت عزائم السلطان عن النهوض إلى تلمسان ومطاولة حصارها إلى أن يظفر بها ويقومها واستيقن أنه لا مدافع له عن ذلك نهض من فاس شهر رجب من سنة ثمان(7/220)
وتسعين بعد ان استكمل حشده ونادى في قومه واعترض عساكره وأجزل أعطياتهم وأزاح عللهم وارتحل في التعبية واحتل بساحة تلمسان ثانى شعبان وأناخ عليها واضطرب معسكره بفنائها وحجز عثمان بن يغمراسن وحاميتها من قومه وأدار الاسوار سياجا على عمرانها كله ومن ورائها نطاق الحفير البعيد المهوى ورتب المسالح على أبوابها وفروجها وسرح عساكره لمحاصرتها فاقتحموها وآتوا طاعتهم وأوفد مشيختهم وسط شعبان ثم سرح عساكره لمحاصرة وهران وتقري البسائط ومنازلة الامصار فأخذت مازونة في جمادى الآخرة من سنة تسع وتسعين وتنس في شعبان بعده وتالموت والقصبات وتامزردكت في رمضان منه وفيه كان فتح مدينة وهران وسارت عساكره في الجهات إلى أن بلغت بجاية كما نذكره وأخذ الرعب بقلوب الامم بالنواحي وتغلب على ضواحي مغراوة وتوجين وسارت فيها عساكره ودوختها كتائبه واقتحمت أمصارها مثل مليانة ومستغانم وشرشال والبطحاء ووانشريس والمرية وتافركينت وأطاعه زيرى المنتزى ببرشك وأتى بيعته وابن علان المنتزى بالجزائر وأزعج الناكثين منهم عن طاعته واستألف أهل الطاعة كما نذكره وحذره الموحدون من ورائهم بافريقية ملوك بجاية وملوك تونس فمدوا إليه يد المواصلة ولاطفوه بالمتاحفة والمهاداة كما نذكره وخاطب صاحب الديار المصرية ملك الترك وهاداه وراجعه كما نذكره ووفد عليه شرفاء مكة بنى نمى كما نذكر وهو في خلال ذلك مستجمع للمطاولة بالحصار والتضييق متجاف عن القتال الا في بعض الايام ولم تبلغ أربعة أو خمسة ينزل شديد العقاب والسطوة بمن يميرها ويأخذ بالمرصاد على من يتسلل بالاقوات إليها قد جعل سرداق الاسوار المحيطة ملاكا لامره في ذلك فلا يخلص إليهم الطيف ولا يكاد يصل إليهم العيث مدة مقامه عليها إلى أن هلك بعد مائة شهر كما نذكره واختط بمكان فسطاط المعسكر قصرا لسكناه واتخذ به مسجد الصلاة وأدار عليها السور وأمر الناس بالبناء فبنوا الدور الواسعة والمنازل الرحيبة والقصور الانيقة واتخذوا
البساتين وأجروا المياه ثم أمر بادارة السور سياجا على ذلك سنة ثنتين وسبعمائة وصيرها مصرا فكانت من أعظم الامصار والمدن وأحفلها اتساع خطة وكثرة عمران ونفاق أسواق واحتفال بناء وتشييد منعة وأمر باتخاذ الحمامات والمارستان وابتنى مسجدا جامعا وشيد له مأذنة رفيعة فكان من أحفل مساجد الامصار وأعظمها وسماها المنصورة واستبحر عمرانها ونفقت أسواقها ورحل إليها التجر بالبضائع من الآفاق فكانت احدى مدائن المغرب وخربها آل يغمراسن عند مهلكه وارتحال كتائبه بعد أن كان بنو عبد الواد أشرفوا على الهلاك وأذنوا بالانقراض كما نذكره فتداركهم من(7/221)
لطف الله ما شأنه أن يتدارك المتورطين في المهالك والله غالب على أمره (الخبر عن افتتاح بلاد مغراوة وما تخلل ذلك من الاحداث) لما أناخ السلطان على تلمسان وتغلب على ضواحي بنى عبد الواد وافتتح أمصارهم سما إلى التغلب على ممالك مغراوة وبنى توجين وكان ثابت بن منديل قد وفد على السلطان بمقر ملكه من فاس سنة أربع وتسعين وأصهر إليه في حافدته فعقد له عليها وهلك ثابت بمكان وفادته من دولتهم وأعرس السلطان بحافدته سنة ست وتسعين كما ذكرنا ذلك من قبل فلما تغلب السلطان على مال بنى عبد الواد جهز عساكره إلى بلاد مغراوة وعقد عليها لعلى بن محمد من عظماء بنى ورتاجن فتغلبوا على الضواحى وشردوا مغراوة إلى رؤس المعاقل واعتصم راشد بن محمد بن ثابت بن منديل صهر السلطان بمليانة فنازلوه بها ثم استنزلوه على الامان سنة تسع وتسعين فأوفدوه على السلطان فلقاه مبرة وتكرمة وخلطه بجملة صهره معه ثم افتتحوا مدينة تدلس ومازونة وشرشال وأعطى زيرى بن حماد المنتزى على برشك من بلادهم يد الطاعة واوفد على السلطان البيعة واستولوا على ضواحي شلف كلها ولاذت مغراوة بطاعة السلطان وعقد عليهم وعلى جميع بلادهم لعمر بن ويفرن بن منديل فأسف ذلك راشد بن محمد لما كان يراه لنفسه من
الاختصاص ولما كانت أخته حظية السلطان وكريمته ونافس عمر بن ويفرن في امارة قومه فلحق بجبال متيجة وأجلب على من هنالك من عمال السلطان وعساكره وانحاش إليه مرضى القلوب من قومه فاعصوصبوا عليه وداخلوا أهل مازونة فانتقضوا على السلطان وملكوه أمرهم في ربيع من المائة السابعة ثم بيت عمر بن ويفرن بمعسكره من أزمور فقتله واستباح العسكر وبلغ الخبر إلى السلطان فسرح العساكر من بنى مرين وعقد لعلى بن الحسن بن أبى الطلاق على قومه من بنى عسكر ولعلى بن محمد الخيرى على قومه من بنى ورتاجن وجعل الامر شورى بينهما وأشرك معهما عليا الحساني من صنائع دولته وأبا بكر بن ابراهيم بن عبد القوى من أعياص بنى توجين وعقد على مغراوة لمحمد ابن عمر بن منديل واشركه معهم وزحفوا إلى راشد ولما أحس بالعساكر لجأ إلى معقل بنى بو سعيد فيمن معه من شيعة مغراوة وأنزل بمازونة عليا وحمو ابني عمه يحيى بن ثابت واستوصاهم بضبط البلد وأنه مشرف عليهم من الجبل وجاءت عساكر السلطان إلى بلاد مغراوة فتغلبوا على البسائط وأناخوا بمازونة واضطربوا بمعسكرهم بساحتها وأخذوا بمخنقها واهتبل على وقومه غرة معسكر بنى مرين فبيتهم سنة احدى وسبعمائة وانفض المعسكر وتقبض على على بن محمد الخيرى ثم امتنعوا عليه وعاد المعسكر إلى مكانهم من حصارهم وجهدهم حالهم فنزل إليهم حمو بن يحيى على حكم السلطان وأنفذوه إليه(7/222)
فتقبض عليه ثم نزل على ثانية من غير عهد فاشخصوه إلى السلطان فلقاه مبرة وتكريما تأنيسا لراشد المنتزى بمعقله واقتحمت على أهلها عنوة سنة ثلاث فمات منهم عالم واحتملت رؤسهم إلى سدة السلطان فرميت في حفائر البلد المحصورارها بالهم وتخذيلا ولما عقد السلطان لاخيه أبى يحيى على بلاد الشرق وسرحه لتدويخ التخوم نازل راشد بمعقله من بنى بو سعيد فبيت راشد معسكرهم احدى لياليه فانفضوا وقتل طائفة من بنى مرين ووجد السلطان لها فأمر بقتل على وحمو ابني عمه يحيى ومن كان معتقلا معهما من
قومهما ورفعوا على الجذوع وأثبتوهم بالسهام ونزل راشد بعدها عن معقله ولحق بمتيجة وانحاش إليه منيف بن ثابت وأوشاب من مغراوة وتحز الآخرون إلى أميرهم محمد بن عمر منديل الذى عقد له السلطان عليهم ثم ناشبت على راشد ومنيف خوارج الثعالبة ومليكش وصمد إليهم الامير أبو يحيى في عساكره ثانية ونازلهم بمعاقلهم ورغبوا في السلم فبذله السلطان لهم وأجاز منيف بن ثابت إلى الاندلس فيمن إليه من بنيه وعشيره فاستقروا بها آخر الايام ولحق راشد ببلاد الموحدين ووفد محمد بن عمر بن منديل سنة خمس على السلطان فأوسعه حبا وتكريما وتمهدت بلاد مغراوة واستبد بملكها السلطان وصرف إليها العمال ولم يزل كذلك إلى أن هلك سنة ست والله تعالى أعلم * (الخبر عن افتتاح بلاد توجين وما تخلل ذلك) * لما نازل يوسف بن يعقوب تلمسان وأحاط بها وتغلب على بنى عبد الواد وسما إلى تملك بلاد توجين وكان عثمان بن يغمراسن قد غلبهم على مواطنهم وملك جبل وانشريس وتصرف في بنى عبد القوى بالولاية والعزل وأخذ الاتاوة سنة احدى وسبعمائة وأوعز إليه السلطان ببناء البطحاء التى هدمها محمد بن عبد القوى فبناها وتوغل في قاصية المشرق ثم انكفأ راجعا إلى حضرة أخيه وعطف على بلاد بنى توجين سنة ثنتين وفر بنو عبد القوى إلى ضواحيهم بالقفر ودخل إلى جبل وانشريس وهدم حصونهم به ورجع إلى الحضرة ثم بادر أهل تافركينت سنة ثلاث بايتاء طاعتهم وانتقضوا وراجع بنو عبد القوى بعد ذلك بصائرهم فدخلوا في طاعة السلطان ووفدوا عليه بمكانه من المنصورة مدينته المحيطة على تلمسان سنة ثلاث فتقبل طاعتهم ورعى سابقتهم وأعادهم إلى بلادهم وأقطعهم وولى عليهم على بن الناصر بن عبد القوى وأوعز ببناء قصبة المرية سنة أربع وكملت سنة خمس وهلك على بن الناصر خلال ذلك فعقد عليهم لمحمد بن عطية الاصم كما ذكرناه فاستمر على الطاعة ثم انتقض سنة ست وحمل قومه على الخلاف وانتبذوا عن الوطن إلى أن هلك يوسف بن يعقوب كما نذكره ان شاء الله تعالى والله تعالى أعلم(7/223)
* (الخبر عن مراسلة ملوك افريقية بتونس وبجاية لزناتة وأحوالهم معهم) * كان لبنى أبى حفص ملوك افريقية مع زناتة هؤلاء أهل المغرب من بنى مرين وبنى عبد الواد سوابق مذكورة فكان لهم على يغمراسن وبنيه طاعة معروفة يؤدون بيعتها ويخطبون على منابرهم بدعوتها من تغلب الامير أبى زكريا بن عبد الواحد على تلمسان وعقده عليها ليغمراسن واستمر حالهم على ذلك وكانت لهم أيضا مع بنى مرين ولاية وسابقة بما كان بنو مرين مذاول أمرهم يخاطبون الامير أبا زكريا ويبعثون له بيعة البلاد التى يتغلبون عليها مثل مكناسة والقصر ومراكش آخرا ثم صارت مخالصته من لدن عهد المستنصر ويعقوب بن عبد الحق وكانوا يتحفونهم بالمال والهدايا في سبيل المدد على صاحب مراكش وقد ذكرنا السفارة التى وقعت بينهما سنة خمس وستين وأن يعقوب أوفد عامر بن ادريس وعبد الله بن كندوز ومحمد الكنانى وأوفد عليه المستنصر سنة سبع بعدها كبير الموحدين يحيى بن صالح الهنتاتى في وفد من مشيخة الموحدين ومعهم هدية سنية ثم أوفد الواثق ابنه سنة تسع وسبعين قاضى بجاية المذكور أبا العباس أحمد القمارى وأسنى الهدية معه ولم يزل الشأن بينهم هذا إلى أن افترق أمر آل أبى حفص وطار الامير أبو زكريا بن الامير أبى اسحق بن يحيى بن عبد الواحد من عشه تلمسان في وكر عثمان بن يغمراسن وأسف إلى بجاية فاستولى عليها سنة ثلاث وثمانين واستضاف إليها قسنطينة وبونة وصيرهما عملا لملكه ونصب لهما كرسيا لامره وأسف عثمان بن يغمراسن لفراره من بلده لما كان عليه من التمسك بدعوة عمه أبى حفص صاحب تونس فشق ذلك عليه ونكره واستمرت الحال على ذلك ولما نزل السلطان يوسف بن يعقوب بمخنق تلمسان وأرسى قواعد ملكه بساحتها وسرح عساكره لالتهام الامصار والجهات وتوجس الموحدون الخيفة منه على أوطانهم وكان الامير أبو زكريا في جهات تدلس محاميا عن حوزنه وعمله ووصله هنالك راشد بن محمد نازعا عن السلطان
أبى يعقوب ثم طلعت العساكر على تلك الجهات في اتباعه فزحف إليه عسكر الموحدين سنة تسع وتسعين بناحية جبل الزاب ففضوا جمعه وأوقعوا به واستلحموا جنوده واستمر القتل فيهم وبقيت عظامهم مثلة بمصارعهم سنين ورجع الامير أبو زكريا إلى بجاية فانحصر بها وهلك على تفيئة ذلك على رأس المائة السابعة وقارن ذلك مغاضبة بينه وبين أمير الزواودة لعهده عثمان بن سباع بن يحيى بن دريد بن مسعود البلط فوفد على السلطان أخريات احدى وسبعمائة ورغبه في ملك بجاية واستمده للسير إليها فأوعز إلى أخيه الامير أبى يحيى بمكانه من منازلة مغراوة ومليكش والثعالبة بأن ينهض إلى أعمال الموحدين وسار عثمان بن سباع وقومه بين يدى العساكر يتقصون الطريق إلى(7/224)
أن تجاوز الامير أبو يحيى بعساكره بجاية واحتل بتاكرارت من أوطان سدويكش من أعمال بجاية وأطل على بلاد سدويكش وانكفأ راجعا فأوطأ عساكره ساحة بجاية وبها الامير خالد بن يحيى وناشبهم القتال بعض أيام جلا فيها أولياء السلطان أبى البقاء عن أنفسهم وسلطانهم وأمر بروض السلطان المسمى بالبديع فحربه وكان من آنق الرياض وأحفلها وقفل إلى مكانه من تدويخ البلاد وأعرض عن اعمال الموحدين وكان صاحب تونس لذلك العهد محمد بن المستنصر الملقب بابى عصيدة بن يحيى الواثق فأوفد على السلطان شيخ الموحدين بدولته محمد بن اكمازير عاقد أسباب الولاية ومحكما مذاهب الوصلة ومقررا سوابق السلف فوفد في مشيخة من قومه لشعبان سنة ثلاث وناغاه الامير أبو البقاء خالد صاحب بجاية وأوفد مشيخة من أهل دولته كذلك وبر السلطان وفادتهم وأحسن منقلبهم ثم عاد ابن اكمازير سنة أربع وسبعمائة ومعه شيخ الموحدين وصاحب السلطان أبو عبد الله بن يزريكن في وفد من عظماء الموحدين وأوفد صاحب بجاية حاجبه أبا محمد الرخامى وشيخ الموحدين بدولته عياد بن سعيد بن عثيمن ووفدوا جميعا على السلطان ثالث جمادى فأحسن السلطان في تكرمتهم ما شاء ووصلهم إلى
نفسه بمساكن داره وأراهم أريكة ملكه وأطافهم قصوره ورياضة بعد أن فرشت ونمقت فملا قلوبهم جلالا وعظمة ثم بعثهم إلى المغرب ليطوفوا على قصور الملك بفاس ومراكش ويشاهدوا آثار سلفهم وأوعز إلى عمال المغرب بالاستبلاغ في تكرمتهم واتحافهم فانتهوا من ذلك إلى الغاية وانقلبوا إلى حضرته آخر جمادى وانصرفوا إلى ملكهم بالحديث عن شأن رسالتهم وكرامة وفدهم ثم أعاد ملوكهم مراسلة السلطان سنة خمس بعدها فوفد أبو عبد الله بن اكمازير من تونس وعياد بن سعيد من بجاية وأوفد السلطان على صاحب تونس مع رسوله صاحب الفتيا بحضرته الفقيه أبا الحسن التونسى وعلى بن يحيى البركشى رسولين يسألان المدد بأسطوله فقضوا رسالتهم وانقلبوا سنة خمس ووصل بخبرها أبو عبد الله المزدورى من مشيخة الموحدين واقترن بذلك وصول حسون بن محمد بن حسون المكناسى من صنائع السلطان كما أوفده مع ابن عثيمن على مراسلة الامير أبى البقاء خالد صاحب بجاية في طلب الاسطول أيضا فرجعوه بالمعاذير وأوفدوا معه عبد الله بن عبد الحق بن سليمان فتلقاهم السلطان بالمبرة وأوعز إلى عامله بوهران أن يستبلغ في تكريم عمرة الاسطول فجرى في ذلك على مذهبه وانقلبوا جميعا أحسن منقلب وغنى السلطان عن أسطولهم لفوات وقت الحاجة إليه من منازلة بلاد السواحل إذ كان قد تملكها أيام ممالطتهم ببعثه واتصل الخبر بصاحب تلمسان الامير أبى زيان بن عثمان المبايع أيام الحصار عند مهلك أبيه عثمان(7/225)
ابن يغمراسن آخر سنة ثلاث فبلغه صنيع الموحدين في موالاة عدوه السلطان يوسف ابن يعقوب ومظاهرته بأساطيلهم عليه فأسفهم ذلك وأخرسوا منابرهم عما كانت تنطق به من الدعاء من عهد يغمراسن فلم يراجعوا دعوتهم من بعد وهلك السلطان على تفيئة ذلك والبقاء لله وحده { الخبر عن مراسلة ملوك المشرق الاقصى ومهاداتهم
ووفادة أمراء الترك على السلطان وما تخلل ذلك } لما استولى السلطان على المغرب الاوسط بممالكه وأعماله وهنأته ملوك الاقطار واعراب الضواحى والقفار وصلحت السابلة ومشت الرفاق إلى الآفاق واستجد أهل المغرب عزما في قضاء فرضهم ورغبوا من السلطان اذنه لركب الحاج في السفر إلى مكة فقد كان عهدهم بمثلها لفساد السابلة واستهجان الدول فبينما السلطان في ذلك آمل إذ داخله لحرم الله وروضة نبيه صلى الله عليه وسلم شوق فأمر بانتساخ مصحف رائق الصنعة كتبه ونمقه أحمد بن الحسن الكاتب المحسن واستوسع في جرمه وعمل غشاءه من بديع الصنعة واستكثر فيه من معالق الذهب المنظم بخرزات الدر والياقوت وجعلت منها حصاة وسط المعلق تفوق الحصيات مقدارا وشكلا وحسنا واستكثر من الاصونة عليه ووقفه على الحرم الشريف وبعث به مع الحاج سنة ثلاث وعنى بشأن هذا الركب فسرح معهم حامية من زناتة تناهز خمسمائة من الابطال وقلد القضاء عليهم محمد بن رغبوش من أعلام أهل المغرب وخاطب الديار المصرية واستوصاه بحاج المغرب من أهل مملكته وأتحفه بهدية من طرف بلاده استكثر فيها من الخيل العراب والمطايا الفارهة يقال المطايا كانت منها أربعمائة حدثنى بذلك من لقيته إلى ما يناسب ذلك من طرف المغرب وماعونه ونهج بها السبيل للحاج من أهل المغرب فأجمعوا الحج سنة أربع بعدها وعقد السلطان على دلالتهم لابي زيد الغفاري وفصلوا من تلمسان لشهر ربيع الاول وفى شهر ربيع الآخر بعده كان مقدم الحاج الاولين حملة المصحف ووفد معهم على السلطان الشريف لبيدة بن أبى نمى نازعا عن سلطان الترك لما كان تقبض على اخويه حميضة ورميثة اثر مهلك أبيهم أبى نمى صاحب مكة سنة احدى وسبعمائة فاستبلغ السلطان في تكريمه وسرحه إلى المغرب ليجول في أقطاره ويطوف على معالم الملك وقصوره وأوعز إلى العمال بتكريمه واتحافه على شاكلته ورجع إلى حضرة السلطان سنة خمس وفصل منها إلى المشرق وصحبه من أعلام المغرب أبو عبد
الله مورى حاجا ولشعبان من سنة خمس وصل أبو زيد الغفاري دليل ركب الحاج الآخرين ومعه بيعة الشرفاء أهل مكة للسلطان لما اسفهم صاحب مصر بالتقبض على(7/226)
اخوانهم وكان شأنهم ذلك متى غاظهم السلطان فقد سبق في أخبار المستنصر بن أبى حفص مثلها وأهدوا إلى السلطان ثوبا من كسوة البيت شغف به واتخذ منه ثوبا للباسه في الجمع والاعياد يستبطنه بين ثيابه تبركا به ولما وصلت هدية السلطان إلى صاحب مصر لعهده الملك الناصر محمد بن قلاوون الصالحي حسن موقعها لديه وذهب إلى المكافأة فجمع من طرف بلاده من الثياب والحيوان ما يستغرب جنسه وشكله من نوع الفيل والزرافة وأوفد بها من عظماء دولته الامير اليليلى وفصل من القاهرة أخريات سنة خمس ووصلت إلى تونس في ربيع من سنة ست بعدها ثم كان وصولها إلى سدة السلطان بالمنصورة من البلد الجديد في جمادى الآخرة واهتز السلطان لقدومها وأركب الناس إلى لقائها واحتفل للقاء هذا الامير اليليلى ومن معه من أمراء الترك وبرد وفادتهم واستبلغ في تكريمهم نزلا وقرى وبعثهم إلى المغرب على العادة في مبرة أمثالهم وهلك السلطان خلال ذلك وتقبل أبو ثابت سنة من بعده في تكريمهم فأحسن منقلبهم وملاء حقائبهم صلة وفصلوا من المغرب لذى الحجة سنة سبع ولما انتهوا إلى بلاد بنى حسن في ربيع من سنة ثمان اعترضهم الاعراب بالقفر فانتهبوهم وخلصوا إلى مصر الزمن فلم يعاودوا بعدها إلى المغرب سفرا ولا لفتوا إليه وجها وطالما أوفد عليهم ملوك المغرب بعدها من رجال دولتهم من يؤبه له ويهادونهم ويكافئون ولا يزيدون في ذلك كله إلى الخطاب شيأ وكان الناس لعهدهم ذلك يتهمون ان الذين نهبوهم اعراب حصين بدسيسة من صاحب تلمسان أبى حمو لعهدهم منافسة لصاحب المغرب لما بينهم من العداوات والاحن القديمة (أخبرني) شيخنا محمد ابن ابراهيم الابلى قال حضرت بين يدى السلطان وقد وصله بعض الحاج من أهل بلده
مستصحبا كتاب الملك الناصر بالعتاب عن شأن هؤلاء الامراء وما أصابهم في طريقهم من بلاده وأهدى له مع ذلك كوبين من دهن البلسان المختص ببلدهم وخمسة مماليك من الترك رماة بخمسة أقواس من قسى الغز المؤنقة الصنعة من العرى والعقب فاستقل السلطان هديته تلك بالنسبة إلى ما أهدوا إلى ملك المغرب ثم استدعى القاضى محمد بن هدية وكان يكتب عنه فقال له اكتب الآن إلى الملك الناصر كما أقول لك ولا تحرف كلمة عن موضعها الا ما تقتضية صناعة الاعراب وقل له أما عتابك عن شأن الرسل وما أصابهم في طريقهم فقد حضروا عندي لهم الاستعجال حذرا مما أصابهم وأريتهم مخاوف بلادنا وما فيها من غوائل لاعراب فكان جوابهم انا جئنا من عند ملك المغرب فكيف نخاف مغترين بشأنهم يحسبون أن أمره نافذ في اعراب فلاتنا وأما الهدية فترد عليك أما دهن البلسان فنحن قوم بادية لا نعرف الا الزيت(7/227)
وحسبنا به دهنا وأما المماليك الرماة فقد افتتحنا بهم اشبيلية وصرفناهم اليك لتستفتح بهم بغداد والسلام قال لى شيخنا وكان الناس إذ ذاك لا يشكون ان انتهابهم كان باذن منه وكان هذا الكتب دليلا على ما في نفسه وربك يعلم ما تكن صدورهم وما يعلنون { الخبر عن انتقاض ابن الاحمر واستيلاء الرئيس سعيد على سبتة وخروج عثمان بن العلاء في غمارة } لما أحكم السلطان عقد المهادنة والولاية مع السلطان بن الاحمر المعروف بالفقيه عند اجازته إليه بطنجة سنة ثنتين وتسعين كما ذكرناه وفرغ لعدوه تمسك ابن الاحمر بولايته تلك إلى أن هلك سنة احدى وسبعمائة في شهر شعبان منه وقام بالامر الاندلسي من بعده ابنه محمد المعروف بالمخلوع واستبد عليه كاتبه أبو عبد الله بن الحكيم من مشايخ رندة كان اصطفاه لكتابته أيام أبيه فاضطلع بأموره وغلب عليه وكان هذا السلطان المخلوع ضرير البصر ويقال انه ابن الحكيم فغلب عليه واستبد إلى أن قتلهما أخوه
أبو الجيوش نصر سنة ثمان كما نذكره وكان من أول آرئه عند استيلائه على الامر من بعد أبيه المبادرة إلى احكام ولاية السلطان واتصال يده بيده فأوفد إليه لحين ولايته وزير أبيه السلطان أبى عزيز الدانى ووزيره الكاتب أبا عبد الله بن الحكيم فوصلا إلى السلطان بمعسكره من حصار تلمسان وتلقاهما بالقبول والمبرة وجددت له أحكام الود والولاية وانقلبا إلى مرسلهما خير منقلب وتقدم السلطان إليهم في المدد برجل الاندلس وناشبتهم المعودين منازلة الحصون والمناغرة بالرباط فتبادروا إلى اسعافه وبعثوا حصتهم لحين مرجعهم إلى سلطانهم فوصلت سنة ثنتين وسبعمائة وكانت لهم نكاية في العدو وأثر في البلد المخروب ثم بدا لمحمد بن الاحمر الخلوع في ولاية السلطان لمنافسات جرت إلى ذلك وبعث إلى ادفونش هراندة بن شانجة وأحكم له عقد السلم ولاطفه في الولايد فانعقد ذلك بينهما سنة ثلاث واتصل خبره بالسلطان فسخطه ورجع إليهم حصتهم آخر سنة ثلاث واتصل خبره بالسلطان لسنة من مقدمهم بعد أن أبلوا وأثخنوا وطوى لهم عن البث واعتمل ابن الاحمر وشيعته في الاستعداد لمدافعة السلطان والارصاد لسطوته بهم وأوعز إلى صاحب مالقة ابن عمه الرئيس أبى سعيد فرج بن اسمعيل بن محمد ابن نصر وليه من دون القرابة بما كان له من الصهر على أخته والمضطلع له بثغر الغربية فأوعز إليه بمداخلة أهل سبتة في خلع طاعة السلطان والقبض على ابن العزفي والرجوع إلى ولاية ابن الاحمر وكان أهل سبتة منذ ابراهيم الفقيه أبو القاسم العزفى سنة سبع وسبعين قام بأمرهم ولده أبو حاتم وكان أبو طالب رديفا له في الامر الا أنه استبد عليه بصاغيته إلى الرياسة وايثار أبى حاتم للخمول مع ايجابه حق أخيه الاكبر واجابته الداعي(7/228)
من دون دفع إليه فاستقام أمرهما مدة وكان من سياستهما من أول أمرهما الاخذ بدعوة السلطان فيما لنظرهما والعمل بطاعته والتجافى عن السكنى بقصور الملك والتحرج من أبهة السلطان امكانهم فأنزلوا بالقصبة عبد الله بن مخلص قائدا من
البيوتات اصطنعوه وجعلوا إليه أحكام البلد وضبط الحامية له فاضطلع بذلك سنين ثم اسفه يحيى بن أبى طالب ببعض النزغات الرياسية وحجر عليه الاحكام في ذويه ثم أغرى به أباه وطالبه بحساب الخرج لعطاء الحامية وغفلوا عما وراءها من التظنن فيه والريبة به ثقة بمكانه واستنامة إليه وهم مع ذلك على أولهم في موالاة السلطان والاخذ بدعوته والوفود عليه في أوقاته ولما فسدت ولاية ابن الاحمر للسلطان وعقد على محاولة سبتة وجد السبيل إلى ذلك بما طوى صاحب الاحكام بالقصبة على البث فداخله الرئيس أبو سعيد صاحب الثغر بمالقة جاره بسبتة ووعده الغدر ببنى العزفى وأن يصحبهم في أساطيله فشرع الرئيس أبو سعيد في انشاء الاساطيل البحرية واستنفار الناس للمثاغرة وان العدو لمالقة بالمرصاد وشحنها بالفرسان والرجل والناشبة والاقوات وأخفى وجه قصده عن الناس حتى إذا أقلعت أساطيله بيت سبتة لسبع وعشرين من شوال سنة خمس وأرسى بساحتها لموعد صاحب القصبة فأدخله إلى حصنه فملكه ونشر راياته باسوارها وسرب جيوشه إلى البلد فتسايلوا وركب إلى دور بنى العزفى فتقبض عليهم وعلى والدهم وحاشيتهم وطير الخبر إلى السلطان بغرناطة فوصل الوزير أبو عبد الله بن الحكيم ونادى في الناس بالامان وبسط المعدلة وأركب ابن العزفى السفن إلى مالقة ثم أجازوا غرناطة وقدموا على ابن الاحمر فأجل قدومهم وأركب الناس إلى لقائهم وجلس لهم جلوسا فخما حتى أدوا بيعتهم وقضوا وفادتهم وأنزلوا بالقصور وأجريت عليهم سنية الارزاق واستقروا بالاندلس إلى أن صاروا بعد إلى المغرب كما نذكره واستبد الرئيس أبو سعيد بأمر سبتة وثقف أطرافها وسد ثغورها وأقام دعوة ابن عمه صاحب الاندلس بانحائها وكان عثمان بن أبى العلا بن عبد الله بن عبد الحق من أعياص الملك المرينى أجاز معه البحر إليها أميرا على الغزاة بمالقة وقائدا لعصبتهم تحت ولائه فموه بنصبه للملك بالمغرب وخاطب قبائل غمارة في ذلك فوقفوا بين الاقدام والاحجام واتصل ذلك كله بالسلطان وهو بمعسكره من حصار تلمسان فاستشاط لها غيظا وحمى أنفه نفرة واستنفره
الصريخ فبعث ابنه الامير أبا سالم لسد تلك الفرجة وجمع إليه العساكر وتقدم إليه باحتشاد قبائل الريف وبلاد تازى فأغذ السير إليها وأحاطت عساكره بها فحاصرها مدة ثم بيته عثمان بن أبى العلاء فاختل معسكره وأفرج عنها منهزما فسخطه السلطان وذوى عنه وجه رضاه وسار عثمان بن أبى العلاء في نواحى سبتة وبلاد غمارة وتغلب على(7/229)
تكيساس وانتهى إلى قصر ابن عبد الكريم في آخر سنة ست لسنة من استيلائهم على سبتة مقيما رسم السلطان مناديا بالدعاء لنفسه فاعتزم السلطان عند النهوض إليه من أمر تلمسان لما كانت على شفا ملكه ومحاينة انفضاض لولا عوائق الاقدار بمهلكه كما نذكره ان شاء الله تعالى * (الخبر عن انتقاض بنى كمى من بنى عبد الواد وخروجهم بأرض السوس) * كان هؤلاء الرهط من بنى عبد الواد من بطون بنى على من شعب ايت القاسم وكانوا يرجعون في رياستهم إلى كندوز بن بن كمى ولما استقل زيان برياسة أولاد على بن ثابت بن محمد من أولاد طاع الله ونفس عليه كندوز هذا ما آتاه الله من الرياسة وجاذبه حبلها واحتقر زيان شأنه فلم يحفل به ثم تأشب عليه اخلاط من قومه وواضعه الحرب وهلك زيان بيد كندوز وقام بأمر أولاد على جابر بن يوسف بن محمد ثم تناقلت الرياسة فيهم إلى أن عادت لولد ثابت بن محمد واستقل بها أبو عزة زكرار بن زيان ولم تطل أيامه والتحم بين أولاد كمى وبين أولاد طاع الله وتناسوا الاحن وصارت رياسة طاع الله لولد يغمراسن بن زيان واستتبعوا قبائل عبد الواد كافة واعتمل يغمراسن في الثأر بأبيه زيان من قاتله كندوز فاغتاله ببيته دعاه لمأدبة جمع بنى أبيه حتى إذا اطمأن المجلس تعاوروه باسيافهم واحتزوا رأسه وبعثوا به إلى أمهم فنصبت عليه القدر ثالث أثافيها تشفيا منه وحفيظة وطالب يغمراسن بقية بنى كندوز ففروا أمام مطالبته وأبعدوا المذهب ولحقوا بالامير أبى زكريا بن عبد الواحد بن أبى حفص
فأقاموا بسدته أحوالا وكانوا يرجعون في رياستهم لعبد الله بن كندوز ثم تذكروا عهد البداوة وحنوا إلى عشير زناتة فراجعوا المغرب ولحقوا ببنى مرين اقتالهم ونزل عبد الله بن كندوز على يعقوب بن عبد الحق خير نزل فلقاه من البر والترحيب بما ملا صدره وأكد غبطته وأقطعه بناحية مراكش الكفاية له ولقومه وأنزلهم هنالك وجعل انتجاع ابله وراحلته لحسان بن أبى سعيد الصبيحى وأخيه موسيى من ذويهم وحاشيتهم وألطف منزلة عبد الله ورفع مكانه بمجلسه واكتفى به في كثير من أموره وأوفده على المستنصر صاحب افريقية سنة خمس وستين مع عامر بن أخيه ادريس كما قدمناه واستقر بنو كندوز هؤلاء بالمغرب الاقصى واستمرت الايام على ذلك وصاروا من جملة قبائل بنى مرين وعدادهم وهلك عبد الله بن كندوز وصارت رياستهم لعمر ابنه من بعده ولما لفت السلطان يوسف بن يعقوب عزائمه إلى بنى عبد الواد ونازل تلمسان وطاول حصارها واستطال بنو مرين وذووهم على بنى عبد الواد وأحسوا بهم أخذتهم العزة بالاثم وأدركتهم النعرة فأجمع بنو كندوز هؤلاء الخلاف والخروج على السلطان(7/230)
ولحقوا بحاحة سنة ثلاث وسبعمائة واحتفل الامير بمراكش يعيش بن يعقوب لغزوهم سنة أربع وسبعمائة فناجزوه الحرب بتادرت واستمروا على خلافهم ثم قاتلهم يعيش وعساكره ثانية بتامطريت سنة أربع فهزمهم الهزيمة الكبرى التى قصت جناحهم وأوهت من رياستهم وقتل جماعة من بنى عبد الواد بازعاروتا كما وأثخن يعيش بن يعقوب في بلاد السوس وهدم تارودانت قاعدة أرضها وأم قراها كان بها عبد الرحمن ابن الحسن بن يدر بقية الامراء على السوس من قبل عبد المؤمن وقد مر ذكرهم وكانت بينه وبين عرب المعقل من الشبانات وبنى حسان منذ انقرضت دولة الموحدين حرب سجال هلك في بعضها عمه على بن يدر سنة ثمان وستين وصارت امارته بعد حين إلى عبد الرحمن هذا ولم يزالوا في حربه إلى أن تملك السوس يعيش بن يعقوب وهدم تارودانت
قاعدة أرضها ثم راجع عبد الرحمن أمره وبنى بلده تارودانت هذه سنة ست بعدها ويزعم بنو يدر هؤلاء انهم مستقرون بذلك القصر من لدن عهد الطوالع من العرب وانهم لم يزالوا أمراء به تعقد لهم ولايته كابرا عن كابر ولقد أدركت على عهد السلطان أبى عنان وأخيه أبى سالم من بعده شيخا كبيرا من ولد عبد الرحمن فحدثني بمثل ذلك وانهم من ولد أبى بكر الصديق رضى الله عنه والله أعلم ولم يزل بنو كندوز مشردين بصحراء السوس إلى أن هلك السلطان وراجعوا طاعة الملوك من بنى مرين من بعده وعفوا لهم عما سلف من هذه الجريمة وأعادوهم إلى مكانهم من الولاية فامحضوا النصيحة والمخالصة إلى هذا العهد كما سنذكره ان شاء الله تعالى * (الخبر عن مهلك المشيخة من المصامدة بتلبيس أبى المليانى) * فقد ذكرنا شأن أبى على المليانى وأوليته في أخبار مغراوة الثانية وما كان من ثورته بمليانة وانتزائه عليها ثم ازعاج العسكر اياه منها ولحاقه بيعقوب بن عبد الحق سلطان بنى مرين وما أحله من مراتب التكرمة والمبرة وأقطعه بلد أغمات طعمة فاستقر بها وما كان منه في العبث باشلاء الموحدين ونبش أجداثهم وموجدة السلطان والناس عليه وأرصد له المصامدة الغوائل لما كان منه في ذلك ولما هلك يعقوب بن عبد الحق استعمله يوسف بن يعقوب على جباية المصامدة فلم يضطلع بها وسعى به مشيختهم عند السلطان انه احتجر المال لنفسه وحاسبوه فصدقوه السعاية فاعتقله السلطان وأقصاه وهلك سنة ست وثمانين واصطنع السلطان أحمد ابن أخيه واستعمله في كتابته واقام على ذلك ببابه في جملته وكان السلطان سخط على مشيخة المصامدة على بن محمد كبير هنتاتة وعبد الكريم بن عيسى كبير كرمتة وأوعز إلى ابنه الامير على بمراكش باعتقالهما فاعتقلهما فيمن لهما من الولد والحاشية وأحس بذلك أحمد بن المليانى فاستعجل الثار وكانت(7/231)
العلامة السلطانية على الكتاب في الدولة لم تختص بكاتب واحد بل كل منهم يضع
العلامة بخطه على كتابه إذا أكمله لما كانوا كلهم ثقاتا امناء وكانوا عند السلطان كاسنان المشط فكتب أحمد بن المليانى إلى ابن السلطان الامير بمراكش سنة سبع وتسعين كتابا عن أمر أبيه يأمره فيه بقتل مشيخة المصامدة ولا يمهلهم طرفة عين ووضع عليها العلامة التى تنفذ بها الاوامر وختم الكتاب وبعث به مع البريد ونجا بنفسه إلى البلد الجديد وعجب الناس بشأنه ولما وصل الكتاب إلى ابن السلطان بمراكش أخرج أولئك الرهط المعتقلين من المصامدة إلى مصارعهم وقتل على بن محمد وولده وعبد الكريم بن عيسى وولده عيسى وعلى ومنصور وابن أخيه عبد العزيز وطير الامير وزيره إلى أبيه بالخبر فقتله لحينه حنقا عليه وأنفذ البريد باعتقال ابنه وجرد على ابن المليانى ففقد ولحق بتلمسان ونزل على آل زيان ثم لحق من بعدها بالاندلس عند افراج السلطان عنها في تلك السنة كما ذكرناه وبها هلك واقتصر السلطان من يومئذ في علامته على من يختاره من صنائعه ويثق بأمانته وجعلها لذلك العهد لعبد الله بن أبى مدين خالصته المضطلع بأمر مملكته فاختصت من بعده لهذا العهد والله تعالى أعلم كان السلطان يعقوب في صباه مؤثرا للذاته ومستترا بها عن أبيه يعقوب بن عبد الحق لمكانه من الدين والوقار وكان يشرب الخمر ويعاقر بها الندمان وكان خليفة بن وقاصة من اليهود المعاهدين بفاس قهرمانا لداره على عادة الامراء في مثله من المعاهدين فكان يزدلف إليه بوجوه الخدم ومذاهبها فاستعمله هذا الامير في اعتصارها والقيام على شؤنها فكانت له بذلك خلوة منه أوجبت له الحظ عنده حتى إذا هلك يعقوب بن عبد الحق واستقل ابنه يوسف باعباء ملكه واتصلت خلواته في معاقرة الندمان وانفرد ابن وقاصة بخلوته لذلك مع ماكان من القهرمة عظمت رياسته وعلا كعبه في الدولة وتلقى الخاصة الاوامر منه فصار له الوجه بينهم وعظم قدره بعظم الدولة (أخبرني) شيخي الابلى قال وكان للخليفة هذا أخ يسمى ابراهيم وابن عم يسمى خليفة لقبوه بالصغير لمكانه هو من هذا الاسم وكان له صهر يعرفون ببنى السبتى كبيرهم موسى وكان رديفه
في قهرمته فلم يفق السلطان من نشوة صباه وملهاه حتى وجدهم على حال استتبعوا فيها الغيلة من القبيل والوزراء والشرفاء والعلماء فأهمه ذلك وترصد بهم وتفطن بمذهبه فيهم خالصته عبد الله بن أبى مدين فسعى عنده فيهم وأوجده السبيل عليهم فسطا بهم سطوة واحدة واعتقلوا في شعبان من سنة احدى وسبعمائة بمعسكره من حصار تلمسان وقتل خليفة الكبير وأخوه ابراهيم وموسى بن السبتى واخوته بعد أن امتحنوا ومثل(7/232)
بهم وأتت النكبة على حاشيتهم وذويهم وأقاربهم فلم تبق منهم باقية واستبقى منهم خليفة الاصغر احتقارا لشأنه حتى كان من قتله بعد ما نذكر وعبث بسائرهم وطهرت الدولة من رجسهم وأزيل منها معرة رياستهم والامور بيد الله سبحانه * (الخبر عن مهلك السلطان أبى يعقوب) * كان في جملة السلطان وحاشيته مولى من العبيد الخصيان من موالى أبى المليانى يسمى سعادة صار إلى السلطان من لدن استعماله اياه بمراكش وكان شيخا من الجهل والغباوة بمكان وكان السلطان يخلط الخصيان بأهله ويكشف لهم الحجاب عن ذوات محارمه ولما كانت واقعة العز مولاه واتهم بمداخلة بعض الحرم وقتل بالظنة واستراب السلطان بكثير من حاشيته الملابسين لداره اعتقل جملة من الخصيان كان فيهم عنبر الكبير عريفهم وحجب سائرهم فارتاعوا لذلك وسولت لهذا الخصى الخبيث نفسه الشيطانية الفتك بالسلطان فعمد إليه وهو في بعض الحجر من قصره وآذنه فأذن له فألفاه مستلقيا على فراشه مختضبا بالحناء فوثب عليه وطعنه طعنات قطع بها امعاءه وخرج هاربا وانطلق بعض الاولياء في اثره فأدرك من العشى بناحية تاسلة فتقبض عليه وسيق إلى القصر فقتله العبيد والحاشية وصابر السلطان ميتته إلى آخر النهار ثم قضى رحمه الله يوم الاربعاء سابع ذى القعدة من سنة ست وقبر هنالك ثم نقل بعدما سكنت الهيعة إلى مقبرتهم بشالة فدفن بها مع سلفه والبقاء لله وحده
* (الخبر عن ولاية السلطان أبى ثابت) * كان الامير أبو عامر بن السلطان أبى يعقوب وولى عهده لما هلك طريدا ببلاد بنى سعيد بغمارة والريف سنة ثمان وتسعين كما ذكرنا خلف ولديه عامرا وسليمان في كفالة السلطان جدهما فكان لهما بعينه حلاوة وفى قلبه لوطة لمكان حبه فيهما واغترابه عنه فحدب عليهما وآثرهما من نفسه بمكان وكان الامير أبو ثابت عامر أصغر قومه اقداما وشجاعة وجراءة وكانت له في بنى ورتاجن خؤلة فلحين مهلك السلطان عرضوا له ودعوه للبيعة فبايعوه وحضر لها الامير أبو يحيى بن يعقوب عم أبيه عز بمجتمعهم اتفاقا وحملوه على الطاعة وكان أقرب للامر منه لو حضره رجال فأعطى القياد في المساعدة وطوى على البث وبادر الحاشية والوزراء بالبلد الجديد عند مهلك السلطان فبايعوا ابنه الامير أبا سالم وكاد أمر بنى مرين أن يفترق وكلمتهم أن تفسد فبعث الامير أبو ثابت لحينه إلى تلمسان للامير أبى زيان وأبى حمو ابني عثمان بن يغمراسن وعقد لهما حلفا على الافراج عنهم ثم أمره أن يمده بالآلة ويرفعا له كسر البيت ان كان غير ما أمل وحضر للعقد أبو حمو فأحكمه ومال أكثر بنى مرين وأهل الحل والعقد إلى الامير أبى ثابت وتفرد(7/233)
ببيعة أبى سالم البطانة والوزراء والحاشية والاجناد ومن لافهم أو كان بالبلد الجديد مسكنه وأشاروا عليه بالمناجزة فخرج وقد عبى كتائبه فوقف وتهيب وخام عن اللقاء ووعدهم الاقدام بالغداة وكر راجعا إلى قصره فيئسوا منه وتسللوا لواذ إلى الامير أبى ثابت وهو بمرقب من الجبل مطل عليهم حتى إذا انحجر أبو سالم بالبلد انحاش إليه الجملة دفعة واحدة فلما استوفت القبائل والعساكر لديه زحف إلى البلد الجديد مثوى السلطان وسياج قصوره ومختط عزمه وانتهى إلى ساحتها مغتنما الفرصة وخرج إليه أبو يزيد يخلف بن عمران الفودودى فأرجل عن فرسه يأمر أبى يحيى وقتل بين يديه قعصا بالرماح وكان قريب عهد بالوزارة استوزره السلطان قبيل مهلكه في
شعبان من سنة ست وفر أبو سالم إلى جهة المغرب وصحبه من عشيره من أولاد رحو ابن عبد الله بن عبد الحق العباس وعيسى وعلى ابنا رحو وابن أخيهم جمال الدين بن موسى وأتبعهم الامير أبو ثابت شرذمة من عسكره أدركوهم بندرومة فتقبضوا عليهم ونفذ أمر السلطان بقتل أبى سالم وجمال الدين واستبقى الآخرين وأمر باحراق باب البلد ليفتحها العسكر فأطل عليهم قهرمان دارهم عبد الله بن أبى مدين الكاتب وأخبره بفرار أبى سالم وباتفاق الناس على طاعته ورغب إليه في المسالمة ليلتهم حتى ينفجر الصباح خشية على دارهم من معرة العساكر وهجومها ففعل وأمره الامير أبو يحيى باعتقال أبى الحجاج ابن شقيلولة فاعتقله لقديم من العداوة كان بينهما ثم أمر بقتله وانفاذ رأسه فقتل وأمر السلطان ليلتئذ باضرام النيران حتى إذا أضاء الظلام وبات راكبا ودخل القصر لصبحه فوارى جسده بعد أن صلى عليه وغص بمكان الامير أبى يحيى لما تعدد فيه الترشيح وفاوض في شأنه كبير القرابة يومئذ عبد الحق بن عثمان بن الامير أبى يفرن محمد بن عبد الحق ومن حضره من الوزراء مثل ابراهيم بن عبد الجليل الونكاسى وابراهيم بن عيسى البرنيانى وغيرهما من الخاصة فأشاروا بقتله ونميت عنه كلمات في معنى التربص بالسلطان ودولته وابتغاء العصابة لامره وركب الامير أبو يحيى إلى القصر ثالث البيعة فأخذ السلطان بيده ودخل معه إلى الحرم لعزائهن عن أخيه السلطان ثم خرج على الخاصة وتخلف عنه السلطان وقد دس إلى عبد الحق بن عثمان أن يتقبض عليه ففعل ثم برز السلطان إليهم وهو موثوق فأمر بالاجهاز عليه ولم يمهله والحق به يومئذ وزيره عيسى بن موسى الفودودى وفشا الخبر بمهلك هؤلاء الرهط فرهب منه القرابة وفر يعيش بن يعقوب أخو السلطان وابنه عثمان المعروف بأمه قضينت ومسعود بن الامير أبى مالك والعباس بن رحو بن عبد الله بن عبد الحق ولحقوا جميعا بعثمان بن أبى العلاء بمكانه من غمارة وخلا الجو من المرشحين(7/234)
واستبد السلطان بملك قومه وأمن قوائل المنازعين ولما تم له الامر واستوسق أمر الملك وفى لبنى عثمان بن يغمراسن بالافراج عنهم ونزل لهم عن جميع البلاد التى صارت إلى طاعته من بلاد المغرب الاوسط من أعمالهم وأعمال بنى توجين ومغراوة ودعاه إلى بدار المغرب ما كان من اختلال عثمان بن أبى العلاء بن عبد الله بن عبد الحق بسبتة ودعائه لنفسه بين يدى مهلك السلطان وخروجه إلى بلاد غمارة واستيلائه على قصر كتامة فاعتزم على الرحلة إلى المغرب وفوض الامر في الرحلة بأهل المدينة الجديدة للوزير ابراهيم بن عبد السلام لما كانت حينئذ غاصة بالساكن مستبحرة في الاعتمار ممتلئة من الخرثى والآلة فأحسن السياسة في أمرهم وضرب لهم الآجال والمواعيد إلى أن استوقوا الرحلة وتركوها قواء خربها بنو عثمان بن يغمراسن عند رحلة بنى مرين إلى المغرب وتحينوا لذلك فترات الفتن فطمسوا معالمها طمسا ونسفوها نسفا وقدم السلطان بين يديه من قرابته الحسن بن عامر بن عبد الحق العجون في العساكر والجنود وعقد له على حرب ابن أبى العلاء وتلوم بالبلد الجديد لموافاة المسالح التى كانت بثغور المشرق ولما نزل عنها جميعا لبنى عثمان بن يغمراسن ارتحل غرة ذى الحجة ودخل فاس فاتح سبع وسبعمائة والله أعلم لما فصل أبو ثابت عن معسكرهم بتلمسان إلى المغرب قدم بين يديه من قرابته الحسن ابن عامر بن عبد الحق العجون ابن السلطان في العساكر والجنود وعقد له على حرب عثمان بن أبى العلاء كما ذكرناه وعقد على بلاد مراكش ونواحيها لابن عمه الآخر يوسف بن محمد بن أبى عياد بن عبد الحق وعهد له بالنظر في أحوالها فصمد إليها واحتل بها ثم حدثته نفسه بالانتزاء فقتل الوالى بمراكش واستركب واستلحق واتخذ الآلة وجاهر بالخلعان وتقبض على والى البلد فقتله بالسوط في جمادى سنة سبع وسبعمائة ودعا لنفسه واتصل الخبر بالسلطان لاول قدومه فسرح إليه وزيره يوسف ابن عيسى بن السعود الجشمى ويعقوب بن اصناك في خمسة آلاف من عساكره
ودفعهم إلى حربه وخرج في اثرهم بكتائبه وبرز يوسف بن أبى عياد وأجازوا أمام الربيع فانهزم أمام الوزير وعساكره واتبعه الوزير ففر إلى اغمات ثم فر إلى جبال عسكورة ولحق به موسى بن سعيد الصبيحى من أغمات تدلى من سورها ودخل الوزير يوسف إلى مراكش ثم خرج اثره ولحقه فكانت بينهما جولة وقتل منهم خلق ولحق بهسكورة ودخل السلطان أبو ثابت مراكش منتصف رجب من سنة سبع وأمر بقتل أوربة المداخلة كانوا له في انتزائه فاستلحموا ولما لحق يوسف بن أبى عياد بجبال(7/235)
هسكورة ونزل على مخلوف بن هنوا وتذمم بجواره فلم يجره على السلطان وتقبض عليه واقتاده إلى مراكش مع ثمانية من أصحابه تولوا كبر ذلك الامر فقتلوا في مصرع واحد بعد ان مثل بهم السلطان بالسياط وبعث برأس يوسف إلى فاس فنصب بسورها وأثخن القتل فيمن سواهم ممن داخله في الانتزاء فاستلحم منهم أمم بمراكش وأغمات وسخط خلال ذلك وزيره ابراهيم بن عبد الجليل فاعتقله واعتقل عشيره من بنى دولين ومن بنى ومكاسن وقتل الحسن بن دولين منهم ثم عفا عنهم وخرج منتصف شعبان إلى منازلة السكسيوى وتدويخ جهات مراكش فتلقاه السكسيوى بطاعته المعروفة واسنى الهدية فتقبل طاعته وخدمته ثم سرح قائده يعقوب بن آصناد في اتباع زكنة حتى توغل في بلاد السوس ففروا أمامه إلى الرمال وانقطع أثرهم ورجع إلى معسكر السلطان وانكفأ السلطان بعساكره إلى مراكش فاحتل بها غرة رمضان ثم قفل إلى فاس بعد أن قتل جماعة من بنى ورا وجعل طريقه في بلاد صنهاجة وسار في بلاد تامسنا وتلقاه عرب جشم من قبائل الخلط وسفيان وبنى جابر والعاصم فاستصحبهم إلى آنفا وتقبض على ستين من أشياخهم فاستلحم منهم عشرين ممن نمى عنه افساد السابلة ودخل رباط الفتح أخريات رمضان فقتل هنالك من الاعراب أمة ممن تؤثر عنه الحرابة ثم ارتحل منتصف شوال لغزو رياح أهل آزغار والهبط واثار بالاحن القدية
فأثخن فيهم بالقتل والسبي وقفل إلى فاس فاحتل بها منتصف ذى القعدة وفجأ الخبر بهزيمة عبد الحق بن عثمان واستلحام الروم من عساكره ومهلك عبد الواحد الفودودى من رجالات دولته وأن عثمان بن أبى العلاء قد استفحل أمره بجهات غمارة فأجمع لغزوه والله أعلم { الخبر عن غزاة السلطان لمدافعة عثمان بن أبى العلاء ببلاد الهبط ومهلكه بطنجة بعد ظهوره } لما ملك الرئيس أبو سعيد فرج بن اسمعيل بن يوسف بن نصر سبتة سنة خمس وسبعمائة وأقام بها الدعوة لابن عمه المخلوع محمد بن محمد الفقيه ابن محمد الشيخ بن يوسف بن نصر كما ذكرناه وأجاز معه رئيس الغزاة المجاهدين بمعجل امارته من مالقة عثمان بن أبى العلاء ادريس بن عبد الله بن عبد الحق من أعياص هذا البيت كان مرشحا للملك فيهم واستقدمه معه ليفرق به الكلمة في المغرب بفتنة الدولة مدافعة عن سبتة لما كان هاج السلطان قومه فأخذها واستقام ملكها وطمع عثمان في ملك المغرب بامدادهم ومظاهرتم وسولت له نفسه ذلك فخرج من سبتة وولى على جيش الغزاة بعده عمر ابن عمه رحو بن عبد الله ونجم هو ببلاد غمارة فدعا لنفسه واجابته القبائل(7/236)
منهم واحتل بحصن علو دان من أمنع معاقلهم وبايعوه على الموت ثم نهض إلى أصيلا والعريش فغلب عليها واتصل ذلك كله بالسلطان الهالك أبى يعقوب فلم يحركه استهانة بأمرهم وبعث ابنه أبا سالم بالعساكر فنازل سبتة أياما ثم أقلع عنها وبعث بعده اخاه يعيش بن يعقوب وأنزله طنجة وجمر معه الكتائب وجعلها ثغر أو زحف إليه عثمان بن أبى العلاء فتأخر عن طنجة إلى القصر ثم اتبعه فخرج إليه أهل القصر فرسانا ورجالا ورماة مع يعيش فوصلوا إلى وادى وراء ثم انهزموا إلى البلد ومات عمر بن ياسين ونزل عثمان عليهم القصر أياما ثم دخله من غده ثم كان مهلك السلطان وفر يعيش بن يعقوب
خيفة من أبى ثابت فلحق بعثمان بن أبى العلاء واستقام أمره بتلك الجهات برهة وكان السلطان أبو ثابت لما احتل بالمغرب شغله ما كان من انتزاء يوسف بن ابى عياد بمراكش كما قدمناه فعقد على حرب عثمان بن أبى العلاء مكان عمه يعيش بن يعقوب لعبد الحق ابن عثمان بن محمد بن عبد الحق من رجال بيته فزحف إليه ونهض عثمان إلى لقائه منتصف ذى الحجة سنة سبع فهزمه واستلحم من كان معه من جند الروم وهلك في تلك الوقعة عبد الواحد الفودودى من رجالات السلطان المرشحين رد فاء الوزارة وسار عثمان إلى قصر كتامة فنزله واستولى على جهاته وعلى تفيئة ذلك كان رجوع السلطان من غزاة مراكش وقد حسم الداء ومحا أثر النفاق فاعتزم على الحركة إلى بلاد غمارة يمحو منها أثر دعوة بن أبى العلاء التى كادت تلج عليه ممالكه بالمغرب ويرده على عقبه ويستخلص سبتة من يد ابن الاحمر لما صارت ركابا لمن يروم الانتزاء والخروج من القرابة والاعياض المستقرين وراء البحر غزاة في سبيل الله فنهض من فاس منتصف ذى الحجة من سنة سبع ولما انتهى إلى قصر كتامة تلوم به ثلاثا حتى توافت عساكره وحشوده وكمل اعتراضها وفر عثمان بن أبى العلاء أمامه وارتحل السلطان في اتباعه فنازل حصن علودان واقتحمه عنوة واستلحم به زهاء أربعمائة ثم نازل بلد الدمنة واقتحمها وأثخن فيها قتلا وسبيا لتمسكهم بطاعة ابن أبى العلاء ومظاهرتهم له ثم كبس القصر واستباحه ثم ارتحل إلى طنجة واحتل بها غرة ثمان وانحجر ابن أبى العلاء بسبتة مع أوليائه وسرح السلطان عساكره فتغرقت نواحى سبتة بالاكتساح والغارة وأمر باختطاط بلد تيطاوين لنزول معسكره والاخذ بمغنق سبتة وأوفد كبير الفقهاء بمجلسه أبا يحيى بن أبى الصبر إليهم في شأن النزول له عن البلد وفى الخلال ذلك اعتل السلطان فمرض وقضى أياما قلائل وهلك في ثامن صفر من سنته ودفن بظاهر طنجة ثم حمل شلوه بعد أيام إلى مدفن آبائه بشالة فوورى هناك رحمة الله عليه وعليهم * (الخبر من دولة السلطان أبى الربيع وما كان فيها من الاحداث) *(7/237)
لما هلك السلطان أبو ثابت تصدى للقيام بالامر عمه على بن السلطان أبى يعقوب المعروف بأمه رزيكة وخلص الملا من بنى مرين أهل الحل والعقد إلى أخيه الربيع فبايعوه وتقبض على عمه على بن رزيكة المستام للامرة فاعتقله بطنجة إلى أن هلك بها سنة عشر لجمادى وبث العطاء في الناس وأجزل وارتحل نحو فاس واتبعه عثمان بن أبى العلاء في جيش كثيف وبيته وقد نذر به العسكر فأيقظوا ليلتهم ووافاهم على الظهر بساحة علودان فناجزهم الحرب وكانت الدائرة على عثمان وقومه وتقبض على ولده وكثير من عساكره وأثخن أولياء السلطان فيهم بالقتل والسبي وكان الظهور الذى لا كفاء له ووصل أبو يحيى بن أبى الصبر إلى الاندلس وقد أحكم عقدة الصلح وقد كان ابن الاجر جاء للقاء السلطان أبى ثابت ووصل إلى الجزيرة الخضراء فأدركه خبر مهلكه فتوقف عن الجواز وأجاز ابن أبى الصبر باحكام الموافاة واجتاز عثمان بن أبى العلاء إلى العدوة فيمن معه من القرابة فلحق بغرناطة وأغذ السلطان السير إلى حضرته فدخل فاس آخر ربيع من سنة ثمان واستقامت الامور وتمهد المهلك وعقد السلم مع صاحب تلمسان موسى بن عثمان بن يغمراسن واقام وادعا بحضرته وكانت أيامه خير أيام هدنة وسكونا وتر فالاهل الدولة وفى أيامه تغالى الناس في أثمان العقار فبلغت قيمتها فوق المعتاد حتى لقد بيع كثير من الدور بفاس بألف دينار من الذهب العين وتنافس الناس في البناء فعالوا الصروح واتخذوا القصور المشيدة بالصخر والرخام وزخرفوها بالزليج والنقوش وتناغوا في لبس الحرير وركوب الفاره وأكل الطيب واقتناء الحلى من الذهب والفضة واستبحر العمران وظهرت الزينة والترف والسلطان وادع بداره متملى أريكته إلى أن هلك كما نذكره ان شاء الله تعالى والله أعلم كان أبو شعيب بين مخلوف من بنى أبى عثمان من قبائل كتامة المجاورين للقصر الكبير وكان منتحلا للدين ومشتهر ابه ولما أجلب بنو مرين على المغرب وبالوا في بسائطه
وتغلبوا على ضواحيه صحب البر منهم البر والفاجر من أهله مثله وكان بنو عبد الحق قد تحيز والابى شعيب هذا فيمن تحيزوه للصحابة من أهل الدين فكان امام صلاتهم وكان يعقوب بن عبد الحق أشدهم صحابة له وأوفاهم به ذماما فاتصل به حبله واتصلت صحابته وعظم في الدولة قدره وانبسط بين الناس جاه ولده وأقاربه وحاشيته وربى بنو شعيب هذا عبد الله ومحمد المعروف بالحاج وأبو القاسم ومن بعدهم من اخوتهم بقصر كتامة في جوذ لك الجاه وهلك السلطان يعقوب بن عبد الحق فاستخلصهم يوسف بن عبد الحق لخدمته واستعملهم على مختصاته ثم ترقى بهم في رتبة خدمته وأخصائه درجة بعد(7/238)
أخرى إلى أن هلك أبوهم أبو مدين شعيب سنة سبع وتسعين وكان المقدم منهم عند السلطان عبد الله فاربى على ثنيات العزو الوزارة والحلة والولاية وتقدم لحظوته في مجلسه كل حظوة واختصه بوضع علامته على الرسائل والاوامر الصادرة عنه وجعل إليه حسبان الخراج والضرب على أيدى العمال وتنفيذ الاوامر بالقبض والبسط فيهم واستخلصه لمناجاة الخلوات والافضاء بذات الصدور فوقف به الاشراف من الخاصة والقبيل والقرابة والولد وسودوه وخطبوا نائله وكان غمرا واستعمل مع ذلك أخاه محمدا على جباية المصامدة بمراكش وهنأ أبا القاسم الدعة بفاس فأقام بها متمليا راحته عريضا جاهه طاعما كاسيا تتسرب إليه أموال العمال في سبيل الاتحاف وتقف ببابه صدور الركائب إلى أن هلك السلطان أبو يوسف ويقال ان له خائنة في دمه مع سعاية المليانى ولما ولى السلطان أبو ثابت ضاعف رتبته وشفع لديه حظه ورفع على الاقدار قدره ثم ولى من بعده أخوه أبو الربيع فتقبل فيه مذاهب سلفه وكان بنو وقاصة اليهودي حين نكبوا باشر نكبتهم لمكانه من اصدار الاوامر ويزعمون ان له فيهم سعاية وكان خليفة الاصغر منهم قد استبقى كما ذكرناه فلما أفضى الامر إلى السلطان أبى الربيع استعمل خليفة بداره في بعض المهن وباشر الخدم حتى اتصل بمباشرة السلطان فجعل
غايته السعاية بعبد البه بن أبى مدين وكان يؤثر عن السلطان أبى الربيع بأنه لا تؤمن بوائقه مع حرم ذويه وتعريف خليفة ذلك من مقالات الناس فدس إلى السلطان أن عبد الله بن أبى مدين يعرض باتهام السلطان في ابنته وان صدره وغل بذلك وأنه مترصد بالدولة وكان يخشى الغائلة بما كان عليه من مداخلة القبيل ولما كان داعيته من دواعى آل يعقوب فتعجل السلطان دفع غائلته وساتدعاه صبيحة زفاف بنته زعموا عن زوجها فاستحثه قائد الروم بمقبرة ابى يحيى بن العربي فطعنه القائد هنا لك من ورائه طعنة أكبته على ذقنه واحتز رأسه وألقاه بين يدى السلطان ودخل الوزير سليمان بن يرزيكن فوجده بين يديه فذهبت نفسه عليه وعلى مكانه من الدولة حسرة واسفا وأيقظ السلطان لمكر اليهودي فوقفه على براءة كان ابن أبى مدين بعثها للسلطان معه بالتنصل والحلف فتيقظ وعلم مكر اليهودي به فندم وقتل لحينه بخليفة بن وقاصة وذويه من اليهود المتصدين للخدمة وسطابهم سطوة الهلكة فاصبحوا مثلا للآخرين والله أعلم * (الخبر عن ثورة أهل سبتة بالاندلسيين ومراجعهم طاعة السلطان) * لما قفل السلطان أبو الربيع من غزاة سبتة بعد أن شرد عثمان بن أبى العلاء وأحجره بسبتة وأجاز منها إلى العدوة ومن كان معه من القرابة كما قلناه بلغه الخبر بضجر(7/239)
أهل سبتة ومرض قلوبهم من ولاية الاندلسيين وسوء ملكتهم ودس إليه بعض أشياعه بالبلد بمثل ذلك فأغزى صنيعته تاشفين بن يعقوب الوطاسى أخا وزيره في عساكر ضخمة من بنى مرين وسائر الطبقات من الجند وأوعز إليه بالتقدم إلى سبتة ومنازلتها فأغذ إليها السير ونزول بساحتها ولما أحس به أهل البلد تمشت وتنادوا بشعارهم وثاروا على من كان بينهم من قواد ابن الاحمر وعماله وأخرجوا منها حاميته وجنوده واقتحمها العساكر واحتل بها تاشفين بن يعقوب عاشر صفر من سنة تسع وطير بالخبر
إلى السلطان فعم السرور وعظم الفرح وتقبض على قائد القصبة أبى زكريا يحيى بن مليلة وعلى قائد البحر أبى السحن بن كماشة وعلى قائد الحروب بها من الاعياص عمر بن رحو بن عبد الله بن عبد الحق كان صاحب الاندلس عقد له مكان ابن عمه عثمان بن أبى العلاء عند اجازته البحر إلى الجهاد كما ذكرناه وكتب إلى السلطان بالفتح وأوفد عليه الملا من مشيخة أهل سبتة وأهل الشورى وبلغ الخبر إلى ابن الاحمر فارتاع لذلك وخشى عادية السلطان وجيوش المغرب حين انتهوا إلى الفرضة وقد كان الطاغية في تلك الايام نازل الجزيرة الخضراء وأقلع عنها على الصلح بعد أن أذاقها من الحصار شدة وبعد أن نازل جبل الفتح فتغلب عليه وانهزم زعيم من زعمائه يعرف بالفنش بيرس هزمه أبو يحيى بن عبد الله بن أبى العلاء صاحب الجيش بمالقة لقيه وهو يجوس خلال البلاد بعد تملك الجبل فهزم النصارى وقتل أبرح وأهم المسلمين شأن الجبل فبادر السلطان أبو الجيوش بانفاذ رسله راغبين في السلم خاطبين للولاية وتبرع بالنزول عن الجزيرة ورندة وحصونها ترغيبا للسلطان في الجهاد فتقبل منه السلطان وعقد له الصلح على ما رغب وأصهر إليه في أخته فأنكحه اياها وبعث بالمدد للجهاد أموالا وخيولا جنائب مع عثمان بن عيسى البرنيانى واتصلت بينهما الولاية إلى مهلك السلطان والبقاء لله وحده { الخبر عن بيعة عبد الحق بن عثمان بممالاة الوزير والمشيخة وظهور السلطان عليهم ثم مهلكه باثر ذلك } كانت رسل ابن الاحمر خلال هذه المهادنة والمكاتبات تختلف إلى باب السلطان ووصل منهم في بعض أحيانها خلف من مترفيهم فجاهر بالكبائر فكشف ضفحة وجهه في معاقرة الخمر والادمان عليه وكان السلطان منذ شهر جمادى الاولى سنة تسع قد عزل القاضى بفاس أبا غالب المغيلى وعهد باحكام القضاء لشيخ الفتيا المذكور بها أبى الحسن الملقب بالصغير وكان على نهج من تغيير المنكرات والتعسف فيها حتى لقد كان مطاوعا
في ذلك وسواس النسك الاعجمي ومتجاوزا به الحدود المتعارفة بين أهل الشريعة(7/240)
في سائر الامصار وأحضر عنده ذات يوم هذا الرسول بملا وحضر العدول فاستروحوه ثم أمضى حكم الله فيه وأقام عليه الحد وأضرمته هذه الموجدة فاضطرم غيظا وتعرض للوزير رحوبن يعقوب الوطاسى منصرفه من دار السلطان في موكبه وكشف عن ظهره بوريه السياط وينعى عليهم سوء هذا المرتكب مع الرسل فبرم لذلك الوزير وأدركته الحفيظة وسرح وزعته وحشمه في احضار القاضى على أسوا الحالات من التنكيل والتل لذقنه فمضو التلك الوجهة واعتصم القاضى بالمسجد الجامع ونادى المسلمين فثارت العامة فيهم ومرج أمر الناس واتصل الخبر بالسلطان فتلافاه بالبعث في أولئك النفر من وزعة الوزير وضرب أعناقهم وجعلهم عظة لمن وراءهم فأسرها الوزير في نفسه وداخل الحسن بن على بن أبى الطلاق من بنى عسكر بن محمد شيخ بنى مرين والمسلم له في شوراهم وقائد الروم عنصالة المنفرد برياسة العسكر وشوكته وكان لهم بالوزير اختصاص آثروه له على سلطانه فدعالهم لبيعة عبد الحق بن عثمان بن محمد بن عبد الحق كبير القرابة وأسد الاعياض وخلع طاعة السلطان فأجابوه وبايعوا له وتم أمرهم نجيا ثم خرج عاشر جمادى من سنة عشر إلى ظاهر البلد الجديد بمكان وجاهروا بالخلعان وأقاموا الآلة وبايعوا سلطانهم عبد الحق على عيون الملا وعسكروا بالعدوة القصوى من سوا تازى وخرج السلطان في اثرهم فعسكر بسبوا وتلوم لاعتراض العساكر وازاحة العلل واحتل القوم برباط تازى وأوفدوا على موسى ابن عثمان بن يغمر اسن سلطان بنى عبد الواد يدعونه إلى المظاهرة واتصال اليد والمدد بالعساكر والاموال جنوحا إلى التى هي آثر لديه من تفريق كلمة عدوه فتثاقل عن ذلك لمكان السلم الذى عقد له السلطان مذاول الدولة وتستبين سبيل القوم وقدم السلطان بين يديه يوسف بن عيسى الجشمى وعمر بن موسى الفودودى في جموع كتيبة من بنى مرين
وسار في ساقتهم فانكشف القوم عن تازى ولحقوا بتلمسان صرخا وحمد السلطان مغبة تثاقله عن نصرهم ووجد بها الحجة عليهم إذ غاية مظاهرته اياهم أن يملكهم تازى وقد انكشفوا عنها فيئسوا من صريخه وأجاز عبد الحق بن عثمان ورحو بن يعقوب إلى الاندلس فأقام رحوبها إلى أن قتله أولاد ابن أبى العلاء ورجع الحسن بن على إلى مكانه من مجلس السلطان بعد أن اقتضى عهده بالامان على ذلك ولما احتل السلطان بتازى حسم الداء ومحا أثر الشقاق وأثخن في حاشية الخوراج وذويهم بالقتل والسبي ثم اعتل أثناء ذلك وهلك لليال من اعتلا له سلخ جمادى الاخيرة من سنة عشر وورى بصحن الجامع الاعظم من تازى وبويع السلطان أبو سعيد كما نذكره ان شاء الله * (الخبر عن دولة السلطان أبى سعيد وما كان فيها من الاحداث) *(7/241)
لما هلك السلطان أبو الربيع بتازى تطاول للامر عمه عثمان بن السلطان أبى يعقوب المعروف بأمة قضنيت واستام المنصب وأسدى في ذلك وألحم وحضر الوزراء والمشيخة بالقصر بعد هدء من الليل واسثاروا شيخ القرابة يومئذ وكبى الاعياص المرشحين وسربت إليهم الاموال وجاءهم عثمان بن السلطان أبى يعقوب مستا مافزجروه واستدعوا السلطان أبا سعيد فحضرو بايعوه ليلتئذ وأنفذ كتبه إلى النواحى والجهات باقتضاء البيعة وسرح ابنه الاكبر الامير أبا الحسن إلى فاس فدخلها غرة رجب من سنة عشر ودخل القصر واطلع على أمواله وذخيرته وفى غدليلته أخذت البيعة للسلطان بظاهر تازى على بنى مرين وسائر زناتة والعرب والقبائل والعساكر والحاشية والموالي والصنائع والعلماء والصلحاء ونقباء الناس وعرفائهم والخاصة والدهماء فقام بالامر واستوسق له الملك وفرق الاعطيات وأسنى الجوائز وتفقد الدواوين ورفع الظلامات وحط المغارم والمكوس وسرح السجون ورفع عن أهل فاس وظيفة الرباع وارتحل لعشرين من رجب إلى حضرته فاحتل بفاس وقدم عليه
وفود التهنئة من جميع بلاد مغرب ثم خرج لذى القعدة بعدها إلى رباط الفتح لتفقد الاحوال والنظر في أحوال الرعايا واهتم بالجهاد وأنشأ الاساطيل للغزو في سبيل الله ولما قضى منسك الاصحى بعده رجع إلى حضرته بفاس ثم عقد سنة احدى عشرة لاخيه الامير أبى البقاء يعيش على ثغور الاندلس الجزيرة ورندة وما إليها من الحصون ثم نهض من الحصون سنة ثلاث عشرة إلى مراكش لما كان بها من اختلال الاحوال وخروج عدى بن هند الهسكورى ونقضه للطاعة فنازله وحاصره مدة واقتحم حصنه عنوة عليه وحمله إلى دار ملكه عنوة فأودعه المطبق ثم رجع إلى غزو تلمسان والله أعلم * (الخبر عن حركة السلطان أبى سعيد إلى تلمسان أولى حركاته إليها) * لما خرج عبد الحق بن عثمان على السلطان ابى الربيع وتغلب على تازي بمظاهرة الحسن ابن على بن أبى الطلاق كبير بنى عسكر واختلف رسلهم إلى أبى حمو موسى بن عثمان سلطان بنى عبد الواد اسف ذلك بنى مرين وحرك من احنهم ولما لحق الخارجون على الدولة بالسلطان أبى حموو أقبل عليهم أضرم ذلك حقد بنى مرين وولى السلطان أبو سعيد الامرو في أنفسهم من بنى عبد الواد غصة فلما استوسق أمر السلطان ودوخ الجهات المراكشية وعقد على البلاد الاندلسية وفرغ من شأن المغرب اعتزم على غزو تلمسان فنهض إليه سنة أربع عشرة ولما انتهى إلى وادى ملوية قدم ابنيه أبا الحسن وأبا على في عسكرين عظيمين في الجناحين وسار في ساقتهما ودخل بلاد بنى عبد الواد على هذه التعبية فاكتسح نواحيها واصطلم نعمها ونازل وجدة فقاتلها قتالا شديد أو امتنعت(7/242)
عليه ثم نهض إلى تلمسان فنزل بالملعب من ساحتها وانحجر موسى بن عثمان من وراء أسوارها وغلب على معاقلها ورعاياها وسائر ضواحيها فحطمها حطماونسف جهاتها نسفا ودوخ جبال بنى يرناسن وفتح معاقلها وأثخن فيها وانتهى إلى وجدة وكان معه في معسكره أخوه يعيش بن يعقوب وقد أدركته بعض استرابة بأمره ففر إلى تلمسان ونزل
على أبى حمو ورجع السلطان على تعبيته إلى تازى فأقام بها وبعث ابنه الامير أبا على إلى فاس فكان من خروجه على ابيه ما نذكر ان شاء الله تعالى * (الخبر عن انتقاض الامير أبى على وما كان بينه وبين أبيه من الواقعات) * كان للسلطان أبى سعيد اثنان من الولد أكبرهما لامته الحبشية وهو على الاصغر لمملوكة من سبى النصارى وهو عمر وكان هذا الاصغر آثر هما لديه وأعلقهما بقلبه منذ نشأ فكان عليه حدبا وبه مشغوفا ولما استولى على ملك المغرب رشحه بولاية عهده وهو شاب لم يطر شاربه ووضع له ألقاب الامارة وصير معه الجلساء والخاصة والكتائب وأمره باتخاذ العلامة في كتبه وعقد على وزارته لابراهيم بن عيسى اليرنيانى من صنائع دولتهم وكبار المرشحين بها ولما رآه أخوه الاكبر أبو الحسن صاغية أبيه إليه وكان شديد البرور بوالديه انحاش إليه وصار في جملته وخلط نفسه بحاشيته طاعة لابيه واستمرت حال الامير أبى على على هذا وخاطبه الملوك من النواحى وخاطبهم وهادوه وعقد الرايات وأثبت في الديوان ومحا وزاد في العطاء ونقص وكاد أن يستبد ولما قفل السلطان أبو سعيد من غزاته إلى تلمسان سنة أربع عشرة أقام بتازى وبعث ولديه إلى فاس فلما استقر الامير أبو على بفاس حدثته نفسه بالاستبداد على أبيه وخلعه وراوضه المداخلون له في المكر بالسلطان حتى يتقبض عليه فأبى وركب الخلاف وجاهر بالخلعان ودعا لنفسه فأطاعه الناس لما كان السلطان جعل إليه من أمرهم وعسكر بساحة البلد الجديد يريد غزو السلطان فبرز من تازى بعسكره يقدم رجلا ويؤخر أخرى ثم بدا الامير أبى على في شأن وزيره وحدثته نفسه بالتقبض عليه استرابة به لما كان بلغه من المكاتبة بينه وبين السلطان فبعث لذلك عمر بن يخلف الفردودى وتفطن الوزير لما حاوله من المكر فتقبض عليه ونزع إلى السلطان أبى سعيد فتقبله ورضى عنه وارتحل إلى لقاء ابنه ولما تراءى الجمعان بالقرمدة ما بين فاس وتازى واختل مصاف السلطان وانهزم عسكره وأفلت بعد ان أصابته جراحة في يده وهن لها ولحق بتازى فليلا جريحا ولحق
به ابنه الامير أبو الحسن نازعا إليه من جملة أخيه أبى على بعد المحنة وفاء لحق أبيه فاستبشر السلطان بالظهور والفتح وحمد المغبة وأناخ الامير أبى على بعساكره على تازى وسعى الخواص بين السلطان وابنه في الصلح على أن يخرج له السلطان عن الامر(7/243)
ويقتصر على تازى وجهاتها فتم ذلك بينهما وانعقد وشهد الملا من مشيخة العرب وزناتة وأهل الامصار واستحكم عقده وانكفأ الامير أبو على إلى حضرة فاس مملكا وتوافت إليه بيعات الامصار بالمغرب ووفودهم واستوسق أمره ثم اعتل على اثر ذلك واشتد وجعه وصار إلى حال الفوت وخشى الناس على أنفسهم تلاشى الامر بمهلكه فسايلوا إلى السلطان بتازى ثم نزع على الامير أبى على وزيره أبو بكر بن النوار وكاتبه منديل بن محمد الكتاني وسائر خواصه ولحقوا بالسلطان وحملوه على تلافى الامر فنهض من تازى واجتمع إليه كافة بنى مرين والجند وعسكر على البلد الجديد وأقام محاصرا لهاوا بتنى دارا لسكناه وجعل لابنه الامير أبى الحسن ماكان لاخيه أبى على من ولاية العهد وتفويض الامر وفرد أبو على بطائفة من النصارى المستخدمين بدولتهم كان قائدهم يمت إليه بخؤ ولة وضبط البلد مدة مرضه حتى إذا أفاق وتبين اختلال أمره بعث إلى أبيه في الصلح ويحتمل من المال والذخيرة من دراهم فأجابه لذلك وانعقد بينهما سنة خمس عشرة وخرج الامير أبو على بخاصته وحشمه وعسكر بالزيتون من ظاهر البلد ووفى له السلطان بما اشترط وارتحل إلى سجلماسة ودخل السلطان إلى البلد الجديد ونزل بقصره وأصلح شؤن ملكه وأنزل ابنه الامير أبا الحسن بالدار البيضاء من قصوره وفوض إليه في سلطانه تفويض الاستقلال وأذن له في اتخاذ الوزراء والكتاب ووضع العلامة على كتبه وسائر ما كان لاخيه ووفدت إليه بيعات الامصار بالمغرب ورجعوا إلى طاعته ونزل الامير أبو على لسجلماسة فأقام بها ملكا ودون الدواوين واستلحق واستركب وفرض العطاء واستخدم ظواعن العرب من المعقل وافتتح معاقل الصحراء
وقصور تاورت وتيكورارين وتمنطيت وغزا بلاد السوس فافتتحها وتغلب على ضواحيها وأثخن في اعرابها من ذوى حسان والسفانات وزكنة حق التقاموا على طاعته وبيت عبد الرحمن بن يدرأ أمير الانصار بالسوس في تارودانت مقره فافتتحها عليه عنوة وقتله واصطلم نعمته وأباد سلطانه وأقام ابني مرين في بلاد القبلة ملكا وسلطانا وانتقض على السلطان سنة عشرين وتغلب على درعة وسما إلى طلب مراكش فعقد السلطان على حربه لاخيه الامير أبى الحسن وجعله إليه وأغزاه ونهض على اثره واعتل بمراكش وثقف أطرافها وحسم عللها وعقد عليها الكندو زبن عثمان من صنائع دولتهم وقفل بعساكره إلى الحضرة ثم نهض الامير أبو على سنة ثنتين وعشرين بجموعه من سجلماسة وأغذ السير إلى مراكش فاختلف عساكره بها قبل أن يجتمع لكندوز أمره فتقبض عليه وضرب عنقه ورفعه على القناة وملك مراكش وسائر ضواحيها وبلغ الخبر إلى السلطان فخرج من حضرته في عساكره بعد أن احتشد وأزاح العلل(7/244)
واستوفى في الاعطيات وقدم بين يديه ابنه الامير أبا الحسن ولى عهده الغالب على أمره في عساكره وجموعه وجاء في ساقته وسار على هذه التعبية ولما انتهى إلى بويو من وادى ملوية تذروا بالبيات من أبى على وجنوده فحذروهم وأيقظوا ليلتهم وبيتهم بمعسكرهم ذلك فكانت الدبرة عليه وفل عسكره وارتحلوا من الغد في اثره وسلك على جبال درن وافترقت جنوده في أو عاره ولحقهم من معراتها شناعات حتى ترجل الامير أبو على عن فرسه وسعى على قدميه وخلص من ورطة ذلك الجبل بعد عصب الريق ولحق بسجلماسة ومهد السلطان نواحى مراكش وعقد عليها لموسى بن على الهنتانى فعظم غناؤه في ذلك وضلاعه وامتدت أيام ولايته وارتحل السلطان إلى سجلماسة فدافعه الامير أبو على بالخضوع في الصفح والرضا والعودة إلى السلم فأجابه السلطان لما كان
شفقه من حبه فقد كان يؤثر عنه من ذلك غرائب ورجع إلى الحضرة وأقام الامير أبو على بمكانه من ملك القبلة إلى أن هلك السلطان وتغلب عليه أخوه السلطان أبو الحسن كما نذكره ان شاء الله تعالى * (الخبر عن نكبة منديل الكتاني ومقتله) * كان أبوه محمد بن محمد الكتاني من عليه الكتاب بدولة الموحدين ونزع من مراكش عند ما انحل نظام بنى عبد المؤمن وانفض جمعهم إلى مكناسة فأوطنها في ايالة بنى مرين واتصل بالسلطان يعقوب بن عبد الحق فصحبه فيمن كان يثائر على صحابته من أعلام المغرب وسفر عنه إلى الملوك كما ذكرناه في مفارته إلى المستنصر سنة خمس وستين وهلك السلطان يعقوب بن عبد الحق فازداد الكتاني عند ابنه يوسف بن يعقوب خطوة ومكانة إلى أن سخطه ونكبه سنة سبع وستين وأقصاه من يومئذ وهلك في حل سخطته وبقى من بعده ابنه منديل هذا في جملة السلطان أبى يعقوب منبر ما بمقام عبد الله بن أبى مدين المستولي على قهرمة دار السلطان ومخالصته في خلواته مغضيا لذلك متوقعا النكبة في أكثر أيامه مضطرمة له بالحسد جوانحه مع ما كان عليه من القيام على حسبان الديوان عرف فيه بسبقه وتشابه صديقه وعدوة ولما تغلب السلطان على ضواحي شلف ومغراوة واستعمل على حسبان الجباية وجعل إليه ديوان العسكر هنا لك والى نظره اعتراضهم وتمحيصهم فنزل على مليانة مع من كان هنالك من الامراء مثل على بن محمد الخيرى والحسن بن على بن أبى الطلاق العسكري إلى أن هلك السلطان أبو يعقوب ورجع أبو ثابت البلاد إلى أبى زيان وأخيه أبى حمو فحلف عليهما وحلا بعيونهما واستبلغا في تكريمه وانصرف إلى مغربه وكان معسكر السلطان يوسف بن يعقوب على تلمسان قد صحب أخاه أبا سعيد عثمان بن يعقوب في حال خموله وتأكدت بينهما الخلة(7/245)
التى رعاها له السلطان أبو سعيد فلما ولى أمر المغرب مت بذلك إليه فعرفه له واختصه
وخالصه وجعل إليه وضع علامته وحسبان جبايته ومستخلص أحواله والمفاوضة بذات صدره ورفع مجلسه في بسائطه وقدمة على خاصته وكان كثير الطاعة للامير أبى على ابنه المتغلب على أبيه قبل أول أمره ولما استبد وخلع أباه انحاش منديل هذا إليه ثم نزع عنه حين تبين اختلال أمره وكان الامير أبو الحسن يحقد عليه ولاية أخيه أبى على لما كان بينهما من المنافسة وكان كثيرا ما يوغر صدره بايجاب حق عمر عليه وامتهانه في خدمته وطوى له على البث حتى إذا انفرد بمجلس أبيه وفصل عمر إلى سجلماسة أحكم السعاية فيه والحاح في الهلكة التى أحكم السلطان عليها أذنا واعية حتى أذن الله باهلاكه وكان منديل هذا كثيرا ما يغضب السلطان في المحاورة والخطاب دالة عليه وكبرا فاعتد عليه من ذلك كلمات وأحوالا وسخطه سنة ثمان عشرة واذن لابنه الامير أبى الحسن في نكبته فاعتقله واستصفى أمواله وطوى ديوانه وامتحنه أياما ثم قتله بمحبسه خنقا ويقال جوعا وذهب مثلا في الغابرين والله خير الوارثين { الخبر عن انتقاض العز في بسبتة ومنازلته ثم مصيرها إلى طاعة السلطان بعد مهلكه } كان بنوا العز في لما تغلب عليهم الرئيس أبو سعيد ونقلهم إلى غرناطة سنة خمس استقروا بها في ايالة المخلوع ثالث ملوك بنى الاحمر حتى إذا استولى السلطان أبو الربيع على سبتة سنة تسع أذنوه في الاجازة إلى المغرب فأجازوا إلى فاس فاستقروا بها وكان يحيى وعبد الرحمن ابنا أبى طالب من سراتهم وكبارهم وكانوا يغشون مجالس أهل العلم لما كانوا عليه من انتحال الطلب وكان السلطان أبو سعيد أيام امارة بنى أبيه يجلس بالمسجد جامع القرويين شيخ الفتيا أبا الحسن الصغير وكان يحيى بن أبى طالب يلازمه فاتصل به وصارت له وسيلة يحتسبها عنده فلما ولى الامر واستقل به رعى لهم زمام صحابتهم ووفى لهم مقاصدهم وعقد ليحيى على سبتة ورجعهم إلى مقر امارتهم منها ومحل رياستهم فارتحلوا إليها سنة عشر وأقاموا دعوة السلطان أبى سعيد والتزموا طاعته ثم
ثغلب الامير أبو على على أمر أبيه واستبد عليه فعقد على سبتة لابي زكريا حيون بن ابى العلاء القرشى وعزل يحيى بن أبى طالب عنها واستقدمه إلى فاس فقدمها هو وأبوه أبو طالب وعمه حاتم واستقروا في جملة السلطان وهلك أبو طالب بفاس خلال ذلك حتى إذا كان من خروج الامير أبى على على أبيه ما قدمناه لحق يحيى بن أبى طالب وأخوه بالسلطان نازعين من جملة الامير أبى على فلما اعتل بالبلد الجديد ونازله السلطان بها فحينئذ عقد السلطان ليحيى بن أبى طالب على سبتة وبعثه إليها ليقيم دعوته بتلك الجهات(7/246)
وتمسك بابنه محمد رهنا على طاعته فاستقل بامارتها وأقام دعوة السلطان وطاعته بها وأخذ بيعته على الناس واتصل ذلك سنتين وهلك عمه أبو حاتم هنالك بعد مرجعه معه من المغرب سنة ست عشرة ثم انتقض على طاعة السلطان ونبذ طاعة الامراء ورجع إلى حال سلفه من أمر الشورى في البلد واستقدم من الاندلس عبد الحق بن عثمان فقدم عليه وعقد له الحرب ليفرق الكلمة به ويوهن ببأسه عزائم السلطان في مطالبته وجهز السلطان إليه العساكر من بنى مرين وعقد على حربه للوزير ابراهيم بن عيسى فزحف إليه وحاصره وتعلل عليهم بطلب ابنه فبعث به السلطان إلى وزيره ابراهيم ليعطى طاعته فيسلمه وجاءه الخبر من عيون كانت بالعسكر وان ابنه كائن بفسطاط الوزير بساحة البحر بحيث تتأتى الفرصة في أخذه فبيت المعسكر وهجم عبد الحق بن عثمان بحشمه وذويه على فسطاط الوزير فاحتمله إلى أبيه وركبت العساكر للهيعة فلم يقفوا على خبر حتى تفقد الوزير بن العز في واتهموا قائدهم ابراهيم بن عيسى الوزير بممالاة العدو على ذلك فاجتمعت مشيختهم وتقبضوا عليه وحملوه إلى السلطان ابتلاء للطاعة واستبصارا في نصح السلطان فشكر لهم وأطلق وزيره لابتلاء نصيحته ورغب يحيى بن العز في بعدها في رضا السلطان وولايته ونهض السلطان سنة تسع عشرة إلى طنجة لاختبار طاعته فعقد له على سبتة واشترط هو على نفسه لجباية السلطان وأسنى هديته في كل سنة واستمرت الحال على
ذلك إلى أن هلك يحيى العز في سنة عشرين وقام بالامر بعده ابنه محمد إلى نظر عمه محمد ابن على بن الفقيه أبى القاسم شيخ قرابتهم وكان قائد الاساطيل بسبتة وولى النظر فيها بعد أن نزع القائد يحيى الرنداحى إلى الاندلس واختلف الغوغاء بسبتة وانتهز السلطان الفرصة فاجمع على النهوض إليها سنة ثمان وعشرين وبادروا بايتاء طاعتهم وعجز محمد ابن يحيى عن المناهضة وظنها محمد بن عيسى من نفسه فتعرض للامر في أوغاد من اللفيف فاجتمعوا إليه ودافعهم الملاعن ذلك وحملوهم على الطاعة واقتاد وابنى العز في إلى السلطان فانقادوا واحتل السلطان بقصبة سبتة وثقف جهاتها ورم منثلمها وأصلح خللها واستعمل كبار رجالاته وخواص مجلسه في أعمالها فعقد لحاجبه عامر بن فتح الله الصدراتى على حاميتها وعقد لابي القاسم بن أبى مدين على جبايتها والنظر في مبانيها واخراج الاموال للنفقات فيها وأسنى جوائز الملا من مشيختها ووفرا قطاعاتهم وجراياتهم وأوعز ببناء البلد المسمى افراك على سبتة فشرعوا في بنائها سنة تسع وعشرين وانكفأ راجعا إلى حضرته والله تعالى أعلم * (الخبر عن استقدام عبد المهيمن للكتابة والعلامة) * كان بنو عبد المهيمن من بيوتات سبتة ونسبهم في حضر موت وكانوا أهل تجلة ووقار(7/247)
منتحلين للعلم وكان أبو محمد قاضيا بسبتة أيام أبى طالب وأبى حاتم وكان له معهم صهرو ونشأ ابنه عبد المهيمن هذا في حجر الطلب والجلالة وقرأ صناعة العربية على الاستاذ الغافقي وحذق فيها ولما نزلت بهم نكبة الرئيس أبى سعيد سنة خمس واحتملوا إلى غرناطة احتمل فيهم القاضى محمد بن عبد المهيمن وابنه وقرأ عبد المهيمن بغرناطة على مشيختها وازداد علما وبصرا باللسان والحديث واستكتب بدار السلطان محمد المخلوع واختص بوزيره المتغلب على دولته محمد بن الحكيم الرندى فيمن اختص به من رؤساء بنى العز في ثم رجع بعد نكبة ابن الحكيم إلى سبتة وكتب عن قائدها يحيى بن مسلمة مدة ولما استخلص
بنو مرين سبتة سنة تسع اقتصر على الكتابة وأقام منتحلا مذاهب سلفه في انتحال العلم ونزول المروءة ولما استولى السلطان أبو سعيد على المغرب واستقل بولاية العهد وتغلب على الامر ابنه أبو على وكان محبا للعلم مولعا بأهله منتحلا لفنونه وكانت دولته خلوا من صناعة التراسل مذ عهد الموحدين للبداوة الموجودة في أولهم وحصل للامير أبى على بعض البصر بالبلاغة واللسان تفطن به لشأن ذلك وخلو دولتهم من الكتاب المرسلين وأنهم انما يحكمون الخط الذى حذقوا فيه ورأى الاصابع تشير إلى عبد المهيمن في رياسة تلك الصناعة فولع به وكان كثير الوفادة مع أهل بلده أوقات وفادتهم فيختصه الامير أبو على بمزيد بره وكرامته ويرفع مجلسه ويخطبه للكتابة وهو يمتنع عليه حتى إذا أمضى عزيمته في ذلك أو عز إلى عامله بسبتة سنة ثنتى عشرة أن يشخصه إلى بابهم فقلده كتابته وعلامته حتى إذا خرج أبو على على أبيه تحيز عبد المهيمن إلى الامير أبى الحسن فلما صولح أبو على على النزول عن البلد الجديد وكتب شرطه على السلطان كان من جملتها كون عبد المهيمن معه وأمضى له السلطان ذلك وأنف الامير أبو الحسن منها فأقسم ليقتلنه ان عمل بذلك فرفع عبد المهيمن أمره إلى السلطان ولاذ به وألقى نفسه بين يديه فرق لشكواه وأمره باعتزالهما معا والرجوع إلى خدمته وأنزله بمعسكره وأقام على ذلك واختصه منديل الكتاني كبير الدولة وزعيم الخاصة وأنكحه ابنته ولما نكب منديل جعل السلطان علامته لابي القاسم بن أبى مدين وكان غفلا خلوا من الآداب فكان يرجع إلى عبد المهيمن في قراءة الكتب واصلاحها وانشائها حتى عرف السلطان له ذلك فاقتصر عليه وجعل وضع العلامة إليه سنة ثمان عشرة فاضطلع بها ورسخت قدمه في مجلس السلطان وارتفع صيته واستمر على ذلك أيام السلطان وابنه أبى الحسن من بعده إلى أن هلك بتونس في الطاعون الجارف سنة تسع وأربعين والله سبحانه وتعالى خير الوارثين * (الخبر عن صريخ أهل الاندلس ومهلك بطرة على غرناطة) *(7/248)
كان الطاغية شانجة بن ادفونش قد تكالب على أهل الاندلس من بعد أبيه هراندة الهالك سنة ثنتين وثمانين منذ غلب على طريف شغل السلطان يوسف بن يعقوب بعده ببنى يغمراسن ثم تشاغل حفدته من بعده بأمرهم وتقاصرت مددهم وهلك شانجة سنة ثلاث وسبعين وولى ابنه هراندة ونازل الجزيرة الخضراء فرضة الجهاد لبنى مرين حولا كاملا ونازلت أساطيله جبل الفتح واشتد الحصار على المسلمين وراسل هراندة بن ادفونش صاحب برشلونه أن يشغل أهل الاندلس من ورائهم ويأخذ بحجزتهم فنازل المرية وحاصرها الحصار المشهور سنة تسع ونصب عليها الآلات وكان منها برج العود المشهور بطول الاسوار بمقدار ثلاث قامات وتحمل المسلمون على احراقه فأحرق وحفر العدو تحت الارض مسربا مقدار ما يسير فيه عشرون راكبا وتفطن المسلمون واحتفر قبالتهم مثله إلى أن نفذ بعضهم لبعض واقتتلوا من تجت الارض وعقد ابن الاحمر لعثمان بن أبى العلاء زعيم الاعياص على عسكر بعثه مددا لاهل المرية فلقيه جمع من النصارى كان الطاغية بعثهم لحصار مرشانه فهزمهم عثمان واستلحمهم ونزل قريبا من معسكر الطاغية خلال ذلك على جبل الفتح وأقامت عساكره على سماتة واسطبونة وزحف العباس بن رحوبن عبد الله وعثمان بن أبى العلاء في العساكر لاغاثة البلدين فاوقع عثمان بعسكر اسطبونة وقتل قائدهم الفنش بيرش في نحو ثلاثة آلاف فارس واستلحموا ثم زحف عثمان لاغاثة العباس وكان دخل عوجين فحاصرته جموع النصارى به فانفضوا الخبر زحفه وبلغ الخبر إلى الطاغية بمكانه من ظاهر الجزيرة بفتكة عثمان في قومه فسرح جموع النصرانية إليه ولقيهم عثمان فأوقع بهم وقتل زعماءهم وارتحل الطاغية يريد لقاءهم فخالف أهل البلد إلى معسكره وانتهبوا محلاته وفساطيطه وأتيحت للمسلمين عليهم الكرة وامتلات الايدى من غنائمهم واسراهم ثم هلك الطاغية اثر هذه الهزائم سنة ثنتى عشرة وهو هراندة بن شانجة
وولى بعده ابنه الهنشة طفلا صغيرا جعلوه لنظر عمه دون بطرة بن شانجة وزعيم النصرانية جوان فكفلاه واستقام أمرهم على ذلك وشغل السلطان أبو سعيد ملك المغرب بشأن ابنه وخروجه فاهتبل النصرانية الغرة في الاندلس وزحفوا إلى غرناطة سنة ثمان عشرة وأناخوا عليها بعسكرهم وأممهم وبعث أهل الاندلس صريخهم إلى السلطان واعتذر لهم بمكان أبى العلاء من دولتهم ومحله من رياستهم وأنه مرشح للامر في قومه بنى مرين يخشى معه تفريق الكلمة وشرط عليهم أن يدفعوه إليه برمته حتى يتم الجهاد ويعيده إليهم حوطة على المسلمين ولم يمكنهم ذلك لمكان عثمان بن أبى العلاء لصرامته وعصابته من قومه فأخفق سعيهم واستلحموا وأطالت أمم النصرانية(7/249)
بغرناطة وطمعوا في التهامها ثم ان الله نفس مخنقهم ودافع بيد قدرته عنهم وكيف لعثمان بن إبى العلاء وعصبته واقعة كانت أغرب الوقائع صمموا إلى موقف الطاغية بجملتهم وكانوا زهاء مائتين أو أكثر وصابروهم حتى خالطوهم في مراكزهم فصرعوا بطرة وجوان وولوهم الادبار واعترضتهم من ورائهم مسارب الماء للشرب من شقيل فتطارحوا فيها وهلك أكثرهم واكتسحت أموالهم وأعز الله دينه وأهلك عدوه ونصب رأس بطرة بسور البلد عبرة لمن يذكر وهو باق هنالك لهذا العهد والله تعالى أعلم * (الخبر عن صهر الموحدين والحركة إلى تلمسان على اثره وما تخلل ذلك من الاحداث) * لما انفرج الحصار عن ولد يغمراسن بن زيان أحد ملوك بنى عبد الواد سنة ست وتجا في أبو ثابت عن بلادهم ونزل لهم عما كان بنو مرين ملكوه منها بسيوفهم واستقل أبو حمو بملك بنى عبد الواد على رأس الحول منها صرف نظره واهتمامه إلى بلاد المشرق فتغلب على بلاد مغراوة ثم على بلاد بنى توجين ومحامنها أثر سلطانهم ولحق أعياصهم من ولد عبد القوى بن عطية ولد منديل بن عبد الرحمن بالموحدين بنى أبى حفص مع من
تبعهم من رؤس قبائلهم وصاروا في جملة عساكرهم واستلحق مولانا السلطان أبو يحيى وحاجبه يعقوب بن عمر منهم جندا كثيفا أثبتهم في الديوان وغالب بهم الخوارج والمنازعين للدولة ثم زحف أبو حمو إلى الجزائر وغلب بن علان عليها سنة ونقله إلى تلمسان ووفى له وفر بنو منصور أمراء مليكش أهل بسيط متيجة من صنهاجة فلحقوا بالموحدين واصطنعوهم وتملك قاصية المغرب الاوسط وتاخم عمل الموحدين بعمله ثم تغلب على تدلس سنة ثنتى عشرة وتحنى على مولانا السلطان أبى يحيى بما وقع بينهم من المراسلة أيام انتزى ابن مخلوف ببجاية كما ذكرناه في أخباره فحث عزائمه لمنزلتها وطلب بلاد الموحدين وأوطأ عساكره أرضهم ونازل أمصارهم بجاية وقسنطينة واختص بجاية بشوكته من ذلك وجهز العساكر مع مسعود ابن عمه أبى عامر ابراهيم بمضايقتها وكان خلال ذلك ما قدمناه من خروج محمد بن يوسف بن يغمراسن عنه سنة وقيام بنى توجين بأمره واقتطاع جبل وانشريس من عمالة ملكه واستمرت الحال على ذلك حتى هلك السلطان أبو حمو سنة ثمان عشرة وقام بأمرهم ابنه أبو تاشفين عبد الرحمن فصنع له في ابن عمه محمد بن يوسف ونهض إليه بعساكر بنى عبد الواد حتى نازلة بمعتصمه من جبل وانشريس وداخله عمر بن عثمان كبير بنى تيغرين في المكربه فتقبض عليه وقتله سنة تسع عشرة وارتحل إلى بجاية حتى احتل بساحتها وامتنع(7/250)
عليه الحاجب ابن عمر فأقام يوما أبو بعضه ثم انكفأ راجعا إلى تلمسان وردد البعوث إلى أوطان بجاية وابتنى الحصون لتجمير الكتائب فابتنى بوادي بجاية من أعلاه حصن بكر ثم حصن تامزيزدكت ثم اختط بتيكلات على مرحلة منها بلدا اسماها تامزيزدكت على اسم المعقل الذى كان لاوليهم بالجبل قبالة وجدة وامتنع يغمراسن به على السعيد كما قدمناه فاختط بلد تيكلات هذه وشحنها بالاقوات والعساكر وصيرها ثغر الملكه وأنزل بها جنده وعقد عليها لموسى بن على الكردى كبير دولته ودولة أبيه واستحثه أمراء
الكعوب من بنى سليم لملك افريقية حين مغاضبتهم لمولانا السلطان أبى يحيى اللحيانى وأبى عبد الله محمد بن أبى بكر بن أبى عمران وأبى اسحق بن أبى يحيى الشهيد مرة بعد أخرى كما ذكرناه في أخبارهم جميعا وكانت حروبهم سجالا إلى أن كان بين جيوش زنانة والموحدين الزحف المشهور بالرياش من نواحى مرماجنة سنة تسع وعشرين زحفت فيه إلى السلطان أبى يحيى عساكر زناتة مع حمزة بن عمر أمير بنى كعب ومن إليه من البدو وعليهم يحيى بن موسى من صنائع دولة آل يغمراسن وقد نصبوا الملك محمد بن أبى عمران ابن أبى حفص ومعهم عبد الحق بن عثمان من أعياص بنى عبد الحق في بنيه وذويه كان نزع إليهم من عند الموحدين كما ذكرناه فاختل مصاف مولانا السلطان أبى يحيى وانهزم واستولوا على فساطيطه بما فيها من الذخيرة والحرم وانتهبوا معسكره وتقبضوا على ولديه الموليين أحمد وعمر وأشخصوهما إلى تلمسان وأصيب السلطان في بدنه بجراحات أوهنته وخلص إلى بونة ناجيا برمقه وركب السفين منه إلى بجاية فأقام يدامل جراحه واستولت زناتة على تونس ودخلها محمد بن أبى عمران وسموه باسم السلطان ومقادته في يد يحيى بن موسى أمير زناتة واعتزم مولانا السلطان أبو يحيى على الوفادة على ملك المغرب السلطان أبى سعيد صريخا على آل يغمراس وأشار حاجبه محمد بن سيد الناس بانفاذ ابنه الامير أبى زكريا صاحب الثغر استنكافا له عن مثلها فتقبل اشارته وأركب ابنه البحر لذلك وبعث إليه معه أبا محمد عبد الله بن تاشفين من مشيخة الموحدين نافضا امامه طرف المقاصد والمحاورات ونزلوا بقساسة من سواحل المغرب وقدموا على السلطان أبى سعيد بحضرته وأبلغوه صريخ مولانا السلطان أبى يحيى فأهتز لذلك هو وابنه الامير أبو الحسن وقال لابنه الامير في ذلك المحفل يا بنى لقد قصدك أكبر أقوامنا وموصلك ووالله لابذلن في مظاهرتكم مالى وقومي ونفسي ولاسيرن بعساكرى إلى تلمسان فأنزلها مع أبيك فانصرفوا إلى منازلهم مسرورين وكان فيما شرطه عليهم السلطان أبو سعيد مسير مولانا السلطان أبى يحيى بعساكره إلى منازلة تلمسان معه
فقبلوا ونهض السلطان أبو سعيد إلى تلمسان سنة ثلاثين ولما انتهوا الى وادى ملوية(7/251)
وعسكر بصره جاءهم الخبر اليقين باستيلاء السلطان أبى يحيى على حضرة تونس واجهاضه زناتة وسلطانهم عنها فاستدعى مولانا السلطان الامير أبا زكريا يحيى ابنه ووزيره أبا محمد عبد الله بن تافراكين وأمرهم بالانصراف إلى صاحبهم واسنى جوائزهم وحاجاتهم وركبوا أساطيلهم من غساسة وأرسل معهم لخطبة الصهر ابراهيم ابن أبى حاتم العزفي والقاضى بحضرته أبى عبد الله بن عبد الرزاق وانكفأ على عقبه راجعا إلى حضرته ولما انعقد الصهر بين الامير أبى الحسن والسلطان أبى يحيى في ابنته شقيقة الامير يحيى زفها إليهم في أساطيله مع مشيخة من الموحدين كبيرهم أبو القاسم بن عبو ووصلوا بها إلى مرسى غساسة سنة احدى وثمانين بين يدى مهلك السلطان أبى سعيد فقاموا لها على أقدام البر والتكرمة وبعثوا الظهر إلى غساسة لركوبها وحمل أثقالها وصيغت حكمات الذهب والفضة ومدت ولايا الحرير المغشاة بالذهب واحتفل لوافدها واعراسها غاية الاحتفال بما لم يسمع مثله في دولتهم وتولت قهارمة الدار من عجز النساء ما يتولاه مثلهم من ذلك فطم الصنيع وتحدث الناس به وهلك السلطان أبو سيعد بين يدى موصلها والبقاء لله وحده { الخبر عن مهلك السلطان أبى سعيد عفا الله عنه وولاية السلطان أبى الحسن وما تخلل ذلك من الاحداث } كان السلطان لما بلغه وصول العروس بنت مولانا السلطان أبى يحيى سنة احدى وثلاثين واهتزت الدولة لقدومها عليهم تعظيما لحق أبيها وقومها واحتفاء بها ارتحل السلطان أبو سعيد إلى تازى ليشارف أحوالها بنفسه احتفاء في تكرمتها وسرورا بعرس ابنه واعتل هنالك ومرض حتى إذا أشقى على الهلكة ارتحل به ولى العهد الامير أبو الحسن إلى الحضرة وحمله في فراشه على اكتاد الحاشية والخيول حتى نزل بسبو ثم أدخله كذلك ليلا إلى داره وأدركته المنية في طريقه فقضى رحمة الله عليه فوضعوه
بمكانه من البيت واستدعى الصالحين لمواراته فوورى لشهر ذى الحجة سنة احدى وثلاثين والبقاء لله وحده وكل شئ هالك الا وجهه ولما هلك السلطان أبو سعيد اجتمع الخاصة من المشيخة ورجالات الدولة لولى عهده الامير أبى الحسن وعقدوا له على أنفسهم وآتوه طاعتهم وبيعتهم وأمر بنقل معسكره من سبو واضطرب بالزيتون من ساحة فاس ولما وورى السلطان خرج إلى معسكره بالتعبية واجتمع إليه الناس على طبقاتهم لاداء البيعة وتولى بفسطاطه وتولى أخذ البيعة له يومئذ على الناس المزوار عبو بن قاسم رئيس الوزعة والمتصرفين وحاجب الباب القديم الولاية بذلك في دارهم منذ عهد السلطان يوسف بن يعقوب وزفت إليه يومئذ عروسه بنت السلطان أبى يحيى فأعرس بها(7/252)
بمكانة من المعسكر وأجمع أمره على الانتقام لابيها من عدوة وبدا باستكشاف حال أخيه أبى على وكان السلطان أبوهما يستوصيه به لما كان له بقبله من العلاقة وكان ولى العهد هذا مؤثرا رضاه جهده فاعتزم على الحركة إلى سجلماسة لمشارفة أحواله والله تعالى أعلم { الخبر عن حركة السلطان أبى الحسن إلى سجلماسة وانكفائه عنها إلى تلمسان بعد الصلح مع أخيه والاتفاق } لما هلك السلطان أبو سعيد وكملت بيعة السلطان ابى الحسن وكان كثيرا ما يستوصيه بأخيه أبى على لما كان كلفابه شفوقا عليه فأراد مشارفة أحواله قبل النهوض إلى تلمسان فارتحل من معسكره بالزيتون قاصدا سلجماسة وتلقته في طريقه وفود الامير أبى على أخيه مؤديا حقه موجبا مبرته مهنئا له بما آتاه الله من الملك متجافيا عن المنازعة فيه قانعا من تراث أبيه بما حصل في يده طالبا العقد له لذلك من أخيه فأجابه السلطان أبو الحسن إلى ما سأل وعقد له على سجلماسة وما إليها من بلاد القبلة كما كان لعهد أبيهما وشهد الملا من القبيل وسائر زناتة والعرب وانكفأ راجعا إلى تلمسان
لاجابة صريخ الموحدين وأغذ السير إليها ولما انتهى إلى تلمسان تنكب عنها متجاوزا إلى جهة المشرق لوعد مولانا السلطان أبى يحيى بالنزول معه على تلمسان كما كان عليه وفاقهم ومشارطتهم مع الامير أبى زكريا الرسول إليهم فاحتل بتاسالت في شعبان من من سنة ثنتين وثلاثين وتلوم بها وأوعز إلى أساطيله بمراسى المغرب فأغزاها إلى سواحل تلمسان وجهز لمولانا السلطان أبى يحيى مددا من عسكره أركبهم الاساطيل من سواحل وهران وعقد عليهم لمحمد البطوى من صنائع دولته ونزلوا بجاية ووافوا بها مولانا السلطان أبا يحيى فصاروا في جملته ونهضوا معه إلى تيكلات ثغر بنى عبد الواد المجمرة بها الكتائب لحصار بجاية وبها يومئذ بن هزرع من قوادهم وأجفل من كان بها من العسكر قبل وصوله إليهم فلحقوا بآخر عملهم من المغرب الاوسط وأناخ مولانا السلطان أبو يحيى عليها بعساكر من الموحدين والعرب والبربر وسائر الحشود فحربوا عمرانها وانتهبوا ما كان من الاقوات مختزنا بها وكان بحر الا يدرك ساحله لما كان السلطان أبو حمو من لدن اختطها قد أو عز إلى العمال بسائر البلاد الشرقية منذ عمل البطحاء أن ينقلوا أعشار الحبوب إليها وسائر الاقوات وتقبل ابنه السلطان أبو تاشفين مذهبه في ذلك ولم يزل دأبهم إلى حين حلت بها هذه الفاقرة فانتهب الناس من تلك الاقوات مالا كفاءله وأضرعوا مختطها بالارض فنسفوها نسفا وذروها قاعا صفصفا والسلطان أبو الحسن خلال ذلك متشوف لاحوالهم منتظر قدوم مولانا(7/253)
السلطان أبى يحيى عليه لمنازلة تلمسان حتى وافاه الخبر بانتقاض أخيه كما نذكره فانكفأ راجعا واتصل الخبر بمولانا السلطان أبى يحيى فقفل إلى حضرته وجل البطوى معه واسنى جائزته وجوائز عسكره وانصرفوا إلى السلطان مرسلهم من ساعتها وانقبض عنان السلطان أبى تاشفين عن غزو بلاد الموحدين إلى أن انقرض أمره والبقاء الله وحده
* (الخبر عن انتفاض الامير أبى على ونهوض السلطان أبى الحسن إليه وظفره به) * لما توغل السلطان أبو الحسن في غزاة تلمسان وتجاوزها إلى تاسالت لوعد مولانا السلطان أبى يحيى دس أبو تاشفين إلى الامير أبى على في اتصال اليد والاتفاق على السلطان أبى الحسن وأن يأخذ كل واحد منهما بحجزته عن صاحبه حتى ذمم به وانعقد بينهما على ذلك وانتقض الامير أبو على على أخيه السلطان أبى الحسن ونهض من سجلماسة إلى درعة فقتل بها عامل السلطان واستعمل عليه من ذويه وسرح العسكر إلى بلاد مراكش واتصل الخبر بالسلطان وهو بمعسكره بتاسالت فأحفظه شأنه وأجمع على الانتقام منه فانكفأ راجعا إلى الحضرة وأنزل بثغر تاور يرت تخم عمله معسكر أو عقد عليه لابنه تاشفين وجعله إلى نظر وزيره منديل بن حمامة بن تيربيعين وأغذ السير إلى سجلماسة فنزل عليها وأحاطت عساكره بها وأخذ بمخنقها وحشد الفعلة والصناع لعمل الآلات لحصارها والبناء بساحتها وأقام يغاديها القتال ويراوحها حولا كريتا ونهض أبو تاشفين في عساكره وقومه إلى ثغر المغرب ليوطئه عساكره وبعث في نواحيه يجاذب السلطان عن مكانه من حصاره ولما انتهى إلى تاوريرت برز إليه ابن السلطان في وزرائه وعساكره وزحفوا إليه في التعبية فاختل مصافه وانهزم ولم يلق أحد أو عاد إلى منحجره وبادر إلى امداد الامير أبى على بعسكره فعقد على حصة من جنده وبعث بهم إليه فتسربوا إلى البلد زرافات ووحدانا حتى استكملوا عنده وطاولهم السلطان الحصار وأنزل بهم أنواع الحرب والنكال حتى تغلب عليهم واقتحم البلد عنوة وتقبض على الامير أبى على عند باب قصره وسيق إلى السلطان فأمهله واعتقله واستولى على ملكه وعقد على سجلماسة واستعمل عليها ورحل منكفئا إلى الحضرة فاحتل بها سنة ثلاث وثلاثين واعتقل أخاه في احدى حجر القصر إلى أن قتله لاشهر من اعتقاله خنقا بمحبسه وعدد له هذا الفتح بفتح الجبل واسترجاعه من يد العدود مره الله بأيدى عسكره وتحت راية ابنه أبى مالك كما نذكره
ان شاء الله تعالى * (الخبر عن منازلة جبل الفتح واستئثار الامير أبى مالك والمسلمين به) *(7/254)
لما هلك السلطان أبو الوليد ابن الرئيس أبى سعيد المتغلب على ملك الاندلس من يد ابن عمه أبى الجيوش قام بالامر بعده ابنه محمد طفلا صغير النظر وزيره محمد بن المحروق من بيوت الاندلس وصنائع الدولة واستبد عليه فلما شب وناهز أنف من الاستبداد عليه وأغراه المعلوجى من حشمه بالوزير فاغتاله وقتله سنة تسع وعشرين وشمر للاستبداد وشد أواخى الملك وكان الطاغية قد أخذ جبل الفتح سنة تسع وجاورت النصرانية به ثغور الفرضة وكان شجا في صدرها وأهم المسلمين شأنه وشغل عنهم صاحب المغرب بما كان فيه من فتنة ابنه فرجعوا الجزيرة وحصونها إلى ابن الاحمر منذ سنة ثنتى عشرة لاول المائة الثامنة واستغلظ الطاغية عليهم بعد ذلك فرجعوا الجزيرة إلى صاحب المغرب سنة تسع وعشرين وولى عليها السلطان أبو سعيد من أهل دولته سلطان بن مهلهل من عرب الخلط أخواله وأسف الطاغية إلى حصونها عند مهلك السلطان أبى سعيد فلك أكثرها ومنع البحر من الاجازة وقارن ذلك استبداد صاحب الاندلس وقتله لوزيره ابن المحروق وأهمه شأن الطاغية فبادر لاجازة البحر ووفد على السلطان أبى الحسن بدار ملكه من فاس سنة ثنتين وثلاثين فأكبر موصله وأركب الناس للقائه وأنزله بروض المصارة لصق داره واستبلغ في تكريمه وفاوضه ابن الاحمر في شأن المسلمين وراء البحر وما أهمهم من عدوهم وشكا إليه حال الجبل واعتراضه شجا في صدر الثغور فأشكاه السلطان وعامل الله في أسباب الجهاد وكان مشغوفا به متقبلا مذهب جده يعقوب فيه وعقد لابنه الامير أبى مالك على خمسة آلاف من بنى مرين وأنفذه مع السلطان محمد بن اسمعيل لمنازلة الجبل فاحتل بالجزيرة وتتابع إليه الاسطول بالمدد وأرسل ابن الاحمر حاشرين في الاندلس فتسايلوا إليه واضطرب معسكر هم جميعا بساحة
الجبل وأبلوا في حربه ومنازلته البلاء الحسن إلى أن تغلبوا عليه سنة ثلاث وثلاثين واقتحمه المسلمون عنوة ونفلهم الله من كان به من النصرانية بما معهم ورافاه الطاغية بأمم الكفر لثالثة فتحه وقد شحنه المسلمون بالاقوات نقلوها من الجزيرة على خيولهم وباشر نقلها الامير أبو مالك وابن الاحمر فنقلها الناس عامة وتحيز الامير أبو مالك إلى الجزيرة وترك بالجبل يحيى بن طلحة بن محلى من وزراء أبيه ووصل الطاغية بعد ثلاث فأناخ عليه وبرز أبو مالك بعساكره فنزل بحذائه وبعث إلى الامير أبى عبد الله صاحب الاندلس فوصل بحشد المسلمين بعد أن دوخ أرض النصرانية وخرج فنزل بازاء عسكر الطاغية وتحصن العدو في محلتهم وقاموا كذلك عادية لقرب العهد بارتجاعه وخفة ما به من الحامية والسلاح فبادر السلطان ابن الاحمر إلى لقاء الطاغية وسبق الناس إلى فسطاطه عجلا بائعا نفسه من الله في رضا المسلمين وسد فرجتهم فتلقاه الطاغية راجلا(7/255)
حاسرا اعظاما لموصله وآجابه إلى ماسال من الافراج عن هذا المعقل وأتحفه بذخائر مما لديه وارتحل بفوره وأخذ الامير أبو مالك في تثقيف أطراف الثغر وسد فروجه وأنزل الحامية به ونقل الاقوات إليه وكان فتحا طوق دولة السلطان أبى الحسن قلادة الفخز إلى آخر الايام ثم رجع بعدها إلى شأنه من منازلة تلمسان والله تعالى أعلم { الخبر عن حصار تلمسان وتغلب السلطان أبى الحسن عليها وانقراض أمر بنى عبد الواد بمهلك أبى تاشفين } لما تغلب السلطان على أخيه وحسم علة انتزائه ومنازعته وسد ثغور المغرب وعظمت لديه نعمة الله بظهور عسكره على النصرانية وارتجاع جبل الفتح من أيديهم بعد أن أقام في ملكة الطاغية نحوا من عشرين سنة فرغ لعدوه وأجمع لتلمسان ووفد عليه الامير السلطان أبى يحيى في سبيل التهنئة بالفتح والاخذ بحجزة أبى تاشفين على الثغور وأوفد السلطان إلى أبى تاشفين شفعاء في أن يتخلى عن عمل الموحدين
جملة ويتراجع لهم عن تدلس ويرجع إلى تخوم عمله منذ أول الامر ولو عامئذ ليعلم الناس جاه السلطان عند الملوك ويقدروه حق قدره واستنكف أبو تاشفين مع ذلك وأغلظ للرسل في القول وأفحش بمجلسه بعض السفهاء من العبيد في الرد عليهم والنيل من مرسلهم فانقلبوا إليه بما أحفظه فانبعثت عزائم السلطان للصمود إليهم وعسكر بساحة البلد الجديد وبعث وزراءه إلى قاصية البلاد المراكشية لحشد القبائل والعساكر ثم تعجل فاعترض جنوده وأزاح، للهم وعبى مواكبه وسار في التعبية وفصل بمعسكره من فاس أواسط خمس وثلاثين وسار يجر الشوك والمدر من أمم المغرب وجنوده ومربو جدة فجمر الكاتب لحصارها ثم مر بتدرومة فقاتلها بعض يوم واقتحمها فقتل حاميتها واستولى عليها آخر سنة خمس ثم سار على تعبيته حتى أناخ على تلمسان وبلغه الخبر بتغلب عساكره على وجدة سنة ست وثلاثين فأوعز إليه بتخريب أسوارها فأضرعوها بالارض وتوافت امداد النواحى وجهاتها وحشودها وربض على فريسته ووفدت إليه قبائل مغراوة وبنى توجين فأتوه طاعتهم ثم سرح عساكره إلى الجهات فتغلب على وهران وهنين ثم على مليانة وتنس والجزائر كذلك سنة ست وثلاثين ونزع إليه يحيى بن موسى صاحب القاصية الشرقية من عمله والمتاخم كان لعمل الموحدين والقائم بحاصر بجاية بعد نكبة موسى بن على فلقاه مبرة وتكريما ورفع بساطه ونظمه في طبقات وزرائه وجلسائه وعقد على فتح البلاد الشرقية ليحيى ابن سليمان العسكري كبير بنى عسكر بن محمد وشيخ بنى مرين وصاحب شوراهم بمجلس السلطان والمخصوص بصهر من السلطان عقد له على ابنته فسار في الولاية والجنود(7/256)
وطوع ضاحية الشرق وقبائله وافتتح أمصاره حتى انتهى إلى المرية ونظم البلاد في طاعة السلطان واحتشد مقاتلتها إلى معسكره فلحقوا به وكاثروا جنوده واستعمل السلطان على وانشر يس وعمل الجشم من بنى توجين وعقد لسعد بن سلامة
ابن على على بنى يد للتن وجعل الوالى بالقلعة إلى نظره وكان خلص إليه بالمغرب قبل فصوله نازعا عن أبى تاشفين لمكان أخيه قريعه محمد من الدولة واستعمل السلطان أيضا على شلف وسائر أعمال المغرب الاوسط واختط السلطان بغربي تلمسان البلد الجديد لسكناه نزل عساكره وسماه المنصورية وأدار على البلد المخروب سياجا من السور ونطاقا من الخندق ونصب المجانيق والآلات من وراء خندقه ينضح رماته بالنبل رماتهم ويشغلونهم بأنفسهم حتى شيد برجا آخر أقرب منه وترتفع شرفاته فوق خندقهم ويماصع المقاتلة بالسيوف من أعاليها ورتب المجانيق إلى رجمها ود كها فنالت من ذلك فوق الغاية واشتد الحرب وضاق نطاق الحصار وكان السلطان يصحبهم كل يوم بالبكور والتطواف على البلد من جميع جهاته لتفقد المقاتلة في مراكزهم وربما ينفرد في طوافه بعض الايام عن حاشيته فاهتبلوا الامر يحسبونه غرة وصفوا جيوشهم من وراء السور مما يلى الجبل المطل على البلد حتى إذا حاذاء السلطان في تطوافه فتحوا أبوابهم وأرسلوا عليه عقبان جنودهم واضطروه إلى سفح الجبل حتى لحق بأوعاره وكاد أن ينزل عن فرسه هوو وليه عريف بن يحيى أمير سويد ووصل الصائح إلى المعسكر من كل جانب فشمر جنود بنى عبد الواد إلى مراكزهم ثم دفعوهم عنها وحملوهم على هوة الخندق فتطارحوا فيه وترادفوا هلك بالكظيظ أكثر ممن هلك بالقتل واستلحم في ذلك اليوم زعماء ملئهم مثل عمر بن عثمان كبير الحشم من بنى توجين ومحمد بن سلامة بن على كبير بنى يد للتن منهم أيضا وغيرهم وكان يوماله ما بعده واعتز بنو مرين عليهم من يومئذ ونذر بنو عبد الواد بالتغلب عليهم واتصلت الحرب مدة عامين ثم اقتحمها السلطان غلا بالسبع وعشرين من رمضان سنة سبع وثلاثين ووقف أبو تاشفين بساحة قصره مع خاصته وقاتل هنا لك حتى قتل ابناه عثمان ومسعود ووزيره موسى بن على ووليه عبد الحق ابن عثمان من أعياص عبد الحق نزع إليه من جملة الموحدين كما أشرنا إليه واستوفى خبره فهلك هو وابنه وابن أخيه وأثخنت السلطان أبا تاشفين الجراحة ووهن لها فتقبض عليه واختبنه بعض الفرسان إلى السلطان فلقيه الامير أبو عبد الرحمن
تلك الحروب وأورد غمرتها بنفسه فاعترضه وقد غض الطرف بموكبه فأمر به في الحين فقتل واحتز رأسه وسخط ذلك السلطان من فعله لحرصه على توبيخه وتقريعه وذهب مثلا في الغابرين واقتحم السلطان البلد بكافة عساكره وتواقع الناس(7/257)
بباب كشوط لجنوبهم من كغليظ الزحام فهلك منهم أمم وانطلقت أيدى النهب على البلد فلحقت الكثير من أهله معرات في أموالهم وحرمهم وخلص السلطان إلى المسجد الجامع مع لمة من خواصه وحاشيته واستدعى شيوخ الفتيا بالبلد أبو زيد وأبو موسى ابنا الامام وفاء بحق العلم وأهله فخلصوا إليه بعد الجهد ووعظوه وذكروه بمانال الناس من النهب فركب لذلك بنفسه وسكن وأوزع جنوده وأشياعه من الرعية وقبض أيديهم عن الفساد وعاد إلى معسكره بالبلد الجديد وقد كمل الفتح وعز النصر وشهد ذلك اليوم أبو محمد بن تافراكين وافاه رسولا عن مولانا السلطان أبى يحيى ومجدد العهد فأعجله السلطان إلى مرسلة بالخبر وسابق السابقين ودخل تونس اسبع عشرة ليلة من نوبة الفتح فعظم السرور عند السلطان أبى يحيى بمهلك عدوه والانتقام منه بثأره واعتدها بمساعيه ورفع السلطان أبو الحسن القتل عن بنى عبد الواد أعدائهم وشفى نفسه بقتل سلطانهم وعفا عنهم وأثبتهم في الديوان وفرض لهم العطاء واستتبعهم على راياتهم ومراكزهم وجمع كلمة بنى واسين من بنى مرين وبنى عبد الواد وتوجين وسائر زناتة وأنزلهم ببلاد المغرب وسد بكل طائفة منهم ثغرا من أعماله وساروا عصبا تحت لوائه فأنزل منهم بقاصية السوس وبلاد غمارة وأجاز منهم إلى ثغور عمله بالاندلس حامية ومرابطين واندرجوا في جملته واتسع نطاق ملكه وأصبح ملك زناتة بعد أن كان ملك بنى مرين وسلطان العدوتين بعد أن كان سلطان المغرب والارض لله يورثها من يشاء من عباده والعاقبة للمتقين * (الخبر عن نكبة الامير عبد الرحمن بمتيجة وتقبض السلطان عليه ثم مهلكه اخرا) *
قد قدمنا ما كان من اشتراط السلطان أبى سعيد على الموحدين منازلتهم تلمسان مع عساكره وتلوم السلطان أبى الحسن بتا سالت لانتظار مولانا السلطان أبى يحيى ولما نازل تلمسان بعساكره المرة الثانية لم يطالبهم بذلك وكان أبو محمد بن تافراكين يتردد إليه وهو بمعسكره من حصار تلمسان مؤديا حقه مستخبرا مآل عدوهم فلما تغلب على تلمسان أسر إليه سفيره أبو محمد بن تافراكين بأن سلطانه قادم عليه للقائه وتهنئته بالظفر بعدوه وتشوف السلطان أبو الحسن إليها لما كان يحب الفخر ويعنى به وارتحل من تلمسان سنة ثلاث وثلاثين وعسكر بمتيجة منتظرا وفادة مولانا السلطان أبى يحيى عليه وتكاسل السلطان عنها لما أراه المتحكم في دولته محمد بن الحكيم من حذر مغبتها وقال له ان لقاء سلطانين لا يتفق الا في يوم على أحدهما فكره ذلك السلطان وتقاعد عنه وطال مقام السلطان أبى الحسن في انتظار الموعد الذى ألقى إليه أبو محمد بن تافرا كين واعتل لاشهر من لقائه ومرض بفسطاطه وتحدث أهل المعسكر بمهلكه وكان ابناه(7/258)
الامير أبو عبد الرحمن وأبو مالك متناغيين في ولاية عهده منذ أيام جدهما أبى سعيد وكان السلطان قد جعل لهما من أول دولته ألقاب الامارة وأحوالها من اتخاذ الوزراء والكتاب ووضع العلامة وتدوين الدواوين واثبات العطاء واستلحاق الفرسان والانفراد بالعساكر فكانا من ذلك على نهج وجعل لهما مع ذلك الجلوس لمقعد فصله مناوبة لتنفيذ الاوامر السلطانية فكانا لذلك رديفين له في سلطانه ولما اشتد وجع السلطان تمشت سماسرة الفتن بين هذين الاميرين وحزب أهل المعسكر لهما أحزابا وبث كل واحد منهما المال وحمل على المقربات وصارت شيعا وانقسموا فرقا وهم الامير أبو عبد الرحمن بالتوثب على الامر قبل أن يتبين حال السلطان باغراء وزرائه وبطانته بذلك وتفطن خاصة السلطان لها فأخبروه الخبر وحضوه على الخروج إلى الناس قبل أن يتفاقم الامر ويتسع الخرق فبرز إلى فسطاط جلوسه وتسامع أهل المعسكر به
فازدحموا على مجلسه وتقبيل يده وتقبض على أهل الظنة من العساكر وتسامع أهل المعسكر فأودعهم السجن وسخط على الاميرين ورحل الناس من معسكرهما فردهما إلى معسكره ثم رجع إلى فسطاطه فارتاب الاميران لذلك ووجما وطفئت نار فتنتهما وسكن سعى المفسدين وانتبذ الناس عنهما فاشتدت روعة الامير أبى عبد الرحمن وركب من فساطيطه وخاض الليل وأصبح بحلة أولاد على أمراء زغبة الموطنين بأرض حمزة فتقبض عليه أميرهم موسى بن أبى الفضل ورده إلى أبيه فاعتقله بوجدة ورتب العيون لحراسته من حشمه إلى أن قتل بعد ذلك سنة ثنتين وأربعين وثب بالسجان فقتله وأنفذ السلطان حاجبه علان بن محمد فقضى عليه ولحق وزيره زيان بن عمر الوطاسى بالموحدين فأجاروه ورضى السلطان صبيحة نزوع أبى عبد الرحمن عن أخيه أبى مالك وعقد له على ثغور عمله بالاندلس وصرفه إليها وانكفأ إلى تلمسان والله أعلم * (الخبر عن خروج ابن هيدور وتلبسيه بابى عبد الرحمن) * لما تقبض السلطان على ابنه عبد الرحمن وأودعه السجن تفرق حرمه وحشمه وانذعروا في الجهات وهمل جازر من مطبخه كان يعرف بابن هيدور كان شبيها له في الصورة فلحق ببنى عامر من زغبة وكانوا لذلك العهد منحرفين عن الطاعة خوارج على الدولة لما كان السلطان وأبوه اختصا عريف بن يحيى أمير سويد أقتالهم منذ نزع إليهم عن أبى تاشفين فركبوا سنن الخلاف ولبسوا جلدة النفاق وانتبذوا بالقفار ورياستهم لذلك العهد لصغير بن عامر واخوته وعقد السلطان على حربهم لوترمار ابن وليه عريف وكان سيد البدو يومئذ فجمع لهم وشمر لطلبهم وأبعدوا أمامه في المذاهب وأوقع بهم مرارا ولحق بهم هذا الجازر وانتسب لهم إلى السلطان أبى الحسن وأنه أبو عبد الرحمن ابنه النازع(7/259)
عنه فشبه لهم وبايعوه وأجلبوا على نواحى المرية وبرز إليهم قائدها مجاهد بن من صنائع الدولة ففضوا جمعه وانهزم أمامهم ثم جمع لهم وترمار وفروا عن
تلك النواحى وافترق جمعهم ونبذوا لذلك الجازر عهده فلحق ببنى يرناتن من زواوة ونزل على سيدتهم شمسي فقامت بأمره وحمل بنوها من بنى عبد الصمد قومهم على طاعته وشاع في الناس خبره فمن مصدق ومن مكذب حتى تبينت ووقفوا على كذبه في انتسابه فنبذوا عهده ولحق بالزواودة أمراء رياح ونزل على سيدهم يعقوب بن على وانتسب له في مثل ذلك فأجاره ان صدق نسبه وأوعز السلطان إلى السلطان أبى يحيى صاحب افريقية في شأنه فبعث إلى يعقوب وأشخصه إلى السلطان مع ذويه فلحق به بمكانه من سبتة فامتحنه السلطان وقطعه من خلاف وانحسم داؤه وبقى بالمغرب تحت جراية من الدولة إلى أن هلك سنة ثمان وثمانين والله تعالى أعلم لما فرغ السلطان من أمر عدوه وما تبع من ذلك الاحوال صرف اعتزامه إلى الجهاد لما كان كلفابه وكان الطاغية منذ شغل بنى مرين عن الجهاد منذ عهد يعقوب بن عبد الحق قد اعتزوا على المسلمين بالعدوة ونازلوا معاقلهم وتغلبوا على الكثير منها وارتجعوا الجبل ونازلوا السلطان أبا الوليد في عقر داره بغرناطة ووضعوا عليه الجزية فتقبلها وأسفوا إلى التهام المسلمين بالاندلس فلما فرغ السلطان أبو الحسن من شأن عدوه وعلت على الايدى يده وانفسح نطاق ملكه دعته نفسه إلى الجهاد وأوعز إلى ابنه الامير أبى مالك أمير الثغور من عمله بالعدوة سنة أربعين بالدخول إلى دار الحرب وجهز إليه العساكر من حضرته وأنفذ إليه الوزراء فشخص غازيا في الحفل وتوغل في بلاد الطاغية واكتسحها وخرج بالسبي والغنائم إلى أدنى صدره من أرضهم وأناخ بها واتصل به الخبر بأن النصارى جمعوا له وأغذوا السير في اتباعه واشار عليه الملا بالخروج من أرضهم واجازة الوادي الذى كان تخما بين أرض الاسلام ودار الحرب وأن يصير إلى مدن المسلمين فيمتنع بها فلج في ابايته وصمم على التعريس وكان قرما ثبتا الا أنه غير بصير بالحروب لمكان سنة فصبحهم عساكر النصرانية في مضاجعهم قبل أن يركبوا وخاطبوهم في
ابايتهم وأدرك الامير أبو مالك بالارض قبل أن يستوى على فرسه فجدلوه واستلحموا الكثير من قومه واحتووا على المعسكر بما فيه من أموال المسلمين وأموالهم ورجعوا على أعقابهم واتصل الخبر بالسلطان فتفجع لهلاك ابنه واسترحم له واحتسب عند الله أجره وفى سبيله قتله وشرع في اجازة العساكر للجهاد وتجهيز الاساطيل(7/260)
لما بلغ الخبر إلى السلطان باستشهاد ابنه أخرج وزارءه إلى السواحل لتجهيز الاساطيل وفتح ديوان العطاء واعترض الجنود وأزاح عللهم واستنفر أهل المغرب وارتحل إلى سبتة ليباشر أحوال الجهاد وتسامعت أمم النصرانية بذلك فاستعدوا للدفاع وأخرج الطاغية أسطوله إلى الزقاق ليمنع السلطان من الاجازة واستحث السلطان أساطيل المسلمين من مراسي العدوة وبعث إلى الموحدين بتجهيز أسطولهم إليه فعقدوا عليه لزيد بن فرحون قائد أسطول بجاية من صنائع دولتهم ووافى سبتة في ستة عشر من أساطيل افريقية كان فيها من طرابلس وقابس وجربة وتونس وبونة وبجاية وتوافت أساطيل المغربين بمرسى سبتة تناهز المائة وعقد السلطان عليها لمحمد بن على العزفي الذى كان صاحب سبتة يوم فتحها وأمره بمناجزة أسطول النصارى بالزقاق وقد اكتمل عديدهم وعدتهم فاستلاموا وتظاهروا في السلاح وزحفوا إلى أسطول النصارى وتواقفوا مليا ثم قربوا الاساطيل بعضها إلى بعض وقرنوها للمصاف فلم يمض الا كلا ولا حتى هبت ريح النصر وأظفر الله المسلمين بعدوهم وخالطوهم في أساطيلهم واستلحموهم هبرا بالسيوف وطعنا بالرماح وألقوا أشلاءهم في اليم وقتلوا قائدهم الملند واستاقوا أساطيلهم مجنوبة إلى مرسى سبتة فبرز الناس لمشاهدتها وطيف بكثير من رؤسهم في جوانب البلد ونظمت أصفاد الاسرى بدار الانشاء وعظم الفتح وجلس السلطان للتهنئة وأنشدت الشعراء بين يديه وكان يوما من أعز الايام والمنة لله * (الخبر عن واقعة طريف وتمحيص المسلمين) *
لما ظفر المسلمون باسطول النصارى وخضدوا شوكتهم عن ممانعة الجواز شرع السلطان في اجازة العساكر الغزاة من المطوعة والمرتزقة وانتظمت الاساطيل سلسلة واحدة من العدوة إلى العدة ولما استكمل اجازة العساكر أجاز هو في أسطوله مع خاصته وحشمه آخر سنة أربعين ونزل بساحة طريف وأناخ بعساكره عليها واضطرب معسكره بفنائها وبدأ بمنازلتها ووافاه سلطان الاندلس أبو الحجاج ابن السلطان أبى الوليد بعسكر الاندلس من غزاة زناتة وحامية الثغور ورجل البدو فعسكروا حذاء معسكره وأحاطوا بطريف نطاقا واحدا وأنزلوا بهم أنواع القتال ونصبوا عليها الآلات وجهز الطاغية اسطولا آخر اعترض به الزقاق لقطع المرافق عن المعسكر وطال ثواؤهم بمكانهم من حصار البلد ففنيت أزودتهم وافتقدوا العلوفات فوهن الظفر واختلت أحوال المعسكر واحتشد الطاغية أمم النصرانية وظاهره البرتقال صاحب اشبونة وغرب الاندلس فجاء معه في قومه وزحف إليهم لستة أشهر من نزولهم ولما قرب معسكرهم سرب إلى طريف جيشا من النصارى أكمنه بها فدخلوه ليلا على حين غفلة من العسس الذى أرصد لهم(7/261)
وأحسوا بهم آخر ليلتهم فثاروا بهم من مراصدهم وأدركوا أعقابهم قبل دخول البلد فقتلوا منهم عددا ولبسوا على السلطان بأنه لم يدخل البلد سواهم حذرا من سطوته وزحف الطاغية من الغد في جموعه وعبى السلطان مواكب المسلمين صفوفا وتزاحفوا ولما نشب الحرب برز الجيش الكمين من البلد وخالفوهم إلى المعسكر وعمدوا إلى قسطاط السلطان ودافعهم عنه الناشبة الذين أعدوا لحراسته فاستلحموهم ثم دافعهم النساء عن أنفسهم فقتلوهن وخلصوا إلى حظايا السلطان عائشة بنت عمه أبى يحيى ابن يعقوب وفاطمة بنت مولانا السلطان أبى يحيى ملك افريقية وغيرهما من حظاياه فقتلوهن واستلبوهن وانتهبوا سائر الفسطاط وأضرموا المعسكر نارا وأحس المسلمون بما وراء هم في معسكرهم فاختل مصافهم وارتدوا على أعقابهم بعد أن كان ابن
السلطان ضمم في طائفة من قومه وذويه حتى خالطهم في صفوفهم فأحاطوا به وتقبضوا عليه وولى السلطان متحيزا إلى فئة المسلمين واستشهد كثير من العزاة ووصل الطاغية إلى فسطاط السلطان من المحلة وأنكر قتل النساء والولدان ووقف منه لمنتهى أثره وانكفأ راجعا إلى بلاده ولحق ابن الاحمر بغرناطة وخلص السلطان إلى الجزيرة ثم إلى الجبل ثم ركب السفين إلى سبتة في ليله ومحص الله المسلمين وأجزل ثوابهم لما رجع الطاغية من طريف استأسد على المسلمين بالاندلس وطمع في التهامهم وجمع عساكر النصرانية ونازل قلعة بنى سعيد ثغر غزناطة وعلى مرحلة منها وجمع الآلات والايدى على حصارها واشتد مخنقها وأصابهم الجهد من العطش فنزلوا على حكمه سنة ثنتين وأربعين وأدال الله الطيب منها بالخبيث وانصرف إلى بلده وكان السلطان أبو الحسن لما أجاز إلى سبتة أخذ نفسه بالعودة إلى الجهاد لرجع الكرة وبعث في الامصار للاستنفار وأخرج قواده إلى سواحل البحر لتجهيز الاساطيل حتى اكتمل له منها عدد ثم ارتحل إلى سبتة لمشارفتها وقدم عساكره إلى العدوة مع وزيره عسكر بن تاحضريت وبعث على الجزيرة محمد بن العباس بن تاحضريت من قرابة الوزير وبعث إليها مددا من العسكر مع موسى بن ابراهيم اليرنيانى من المرشحين للوزارة نيابة وبلغ الطاغية خبره فجهز أسطوله وأجراه إلى بحر الزقاق لمدافعته وتلاقت الاساطيل ومحص الله المسلمين واستشهد منهم أعداد وتغلب أسطول الطاغية على بحر الزقاق وملكوه دون المسلمين وأقبل الطاغية من اشبيلية في عساكر النصرانية حتى أناخ بها على الجزيرة الخضراء مرفا أساطيل المسلمين وفرضة المجاز وأمل أن ينظمها في مملكته مع جارتها طريف وحشر الفعلة والصناع للآلات وجمع الايدى عليها وطاولها الحصار واتخذ(7/262)
أهل المعسكر بيوتا من الخشب للمطاولة وجاء السلطان أبو الحجاج بعساكر الاندلس فنزل قبالة الطاغية بظاهر جبل الفخ في سبيل الممانعة وأقام السلطان أبو الحسن بمكانه
من سبتة ليسرب عليها المدد من الفرسان والمال والزرع في الفعلة من أساطيلهم وتحت جناح الليل فلم يغنهم ذلك واشتد عليهم الحصار وأصابهم الجهد وأجاز إليه السلطان أبو الحجاج يفاوضه في شأن السلم مع الطاغية بعد اذن الطاغية له في الاجازة مكرابه وترصد له بعض الاساطيل في طريقه فصدقهم المسلمون القتال وخلصوا إلى الساحل بعد غص الريق وضاق أحوال الجزيرة ومن كان بها من عساكر السلطان وسألوا من الطاغية الامان على أن ينزلوا عن البلد فبذله وخرجوا فوفي لهم وأجازوا إلى المغرب سنة ثلاث وأربعين فأنزلهم السلطان ببلاده على خير نزل ولقاهم من المبرة والكرامة ما أعاضهم بما فاتهم وخلع عليهم وحملهم وأجازهم بما تحدث به الناس وتقبض على وزيره عسكر بن تاحضريت عقوبة على تقصيره في المدافعة مع تمكنه منها من العساكر وانكفأ السلطان إلى حضرته موقنا بظهور أمر الله وانجاز وعده في رجوع الكرة وعلو الدين والله متم نوره ولو كره الكافرون كان عثمان بن أبى العلاء من أعياص آل عبد الحق شيخ الغزاة المجاهدين من زناتة والبربر بالاندلس وكان له فيها مقام معلوم في حماية الثغور ومدافعة العدو وغزو دار الحرب ومساهمة صاحب الاندلس الجهاد كما نستوفي أخباره وكان السلطان أبو سعيد لما استصرخ بأهل الاندلس اعتذر بمكانه بينهم واشترط عليهم أن يمكنوه من قياده حتى يقضى نوبة الجهاد فلم يسعفوه بذلك ولما هلك عثمان بن أبى العلاء قام بالامر من بعده في مراسم الجهاد بنوه وكانوا يرجعون في رياستهم إلى كبيرهم أبى ثابت عامر وقويت عصابتهم بالموالى والابناء وغلبت على يد السلطان واستبدوا عليه في أكثر الاحوال واستنكف لها وكان ذلك مما دعاه إلى القدوم على السلطان أبى الحسن وارتاب بنو أبى العلاء في اجازته إليه واتهموه على أنفسهم وأسعدهم إلى منازلة جبل الفتح على كره فلما تغلب المسلمون عليه وقضى ابن الاحمر من مدافعة لطاغية منه بالرغبة ما قضى كما ذكرناه واعتزم على القفول إلى حضرته أجمعوا الفتك به في طريقه وداخلوا في ذلك مولاه ابن
المعلوجى لما أسفهم به من ارهاف حده والتضييق عليهم في جاههم فرموا وأوطؤا على البث حتى إذا وجدوا من أبى العلاء صاغية إلى ذلك خفوا إلى اجابتها ونذر بهم محمد ابن الاحمر فبعث عن السفن تعرضه في طريقه وساحل إليهم وتسابقوا لشأنهم قبل فوته فأدركوه دون حصن اصطبونة وعتبوه فاستعتب واغلظوا له في القول وقتلوا(7/263)
مولاه عاصما صاحب ديوان العطاء تجنيا عليه ونكر ذلك السلطان فتناولوه بالرماح قعصا وطعنا حتى أقعصوه ورجعو إلى المعسكر فاستدعوا من كان داخلهم من الموالى وجاؤا بأخيه أبى الحجاج يوسف بن أبى الوليد فبايعوا له وأصفقوا على تقديمه وسرح لحينه قائده ابن عزون فاستولى له على دار ملكه وتم أمره وحجبه رضوان مولى أبيهم واستبد عليه وسكن بين جنبيه من بنى أبى العلاء وقتلهم لاخيه داء دخيل حتى إذا سما السلطان أبو الحسن إلى الجهاد وأجاز المدد إلى ثغور عمله بالاندلس وعقد لابنه الامير أبى مالك أسر إليهم في شأن بنى أبى العلاء بما كان أبوه السلطان أبو سعيد اشترط عليهم في مثلها ووافق منه داعية لذلك فتقبض عليهم أبو الحجاج وأودعهم المطبق أجمع ثم أشخصهم في السفين إلى مراسي افريقية فنزلوا بتونس على مولانا السلطان أبى يحيى وبعث فيهم السلطان أبو الحسن إليه فاعتقله ثم أو عز إليه مع عريف الوزعة ببابه ميمون ابن بكرون في اشخاصهم إلى حضرته فتوقف عنها وأبى من أخفار ذمتهم ووسوس إليه وزيره أبو محمد بن تافراكين بأن مقصد السلطان فيهم غير ما ظنوا به من الشر ورغب ببعثهم إليه والمبالغة في الشفاعة فيهم علما بأن شفاعته لا ترد فأجابه لذلك وجنبوهم إليه مع بكرون واتبعهم أبو محمد بن تافراكين بكتاب الشفاعة فيهم من السلطان وقدموا على السلطان أبى الحسن مرجعه من الجهاد سنة ثنتين وأربعين فتلقاهم بالبر والترحيب اكراما لشفيعهم وأنزلهم بمعسكره وجنب لهم المقربات بالمراكب الثقيلة وضرب لهم الفساطيط وأسنى لهم الخلع والجوائز وفرض لهم أعلى رتب العطاء وصاروا في جملته
ولما احتل بسبتة لمشارفة أحوال الجزيرة سعى عنده فيهم بأن كثيرا من المفسدين يداخلونهم في الخروج والتوثب على الملك فتقبض عليهم وأودعهم في السجن بمكناسة إلى أن كان من خبرهم مع ابنه أبى عنان ما نذكره ان شاء الله تعالى والله أعلم { الخبر عن هدية السلطان إلى المشرق وبعثه بنسخ المصحف من خطه إلى الحرمين والقدس } كان للسلطان أبى الحسن مذهب في ولاية ملوك المشرق والكلف بالمعاهد الشريفة تقبله من سلفه وضاعفه لديه متن ديانته ولما قضى من أمر تلمسان ما قضى وتغلب على المغرب الاوسط وصار أهل النواحى تحت رتبة منه واستطال بجناح لمطانه خاطب لحينه صاحب مصر والشأم محمد بن قلاوون الملك الناصر وعرفه بالفتح وارتفاع العوائق عن الحاج في سابلتهم وكان في ذلك فارس بن ميمون بن وردار وعاد بجواب الكتاب وتقرير المودة بين السلف وأجمع السلطان على كتب نسخة عتيقة من المصحف الكريم بخط يده ليوقفها بالحرم الشريف قربة إلى الله تعالى وابتغاء(7/264)
للمثوبة فانتسخها وجمع الوراقين لمعاناة تذهيبها وتنميقها والقراء لضبطها وتهذيبها حتى اكتمل شأنها وصنع لها وعاء مؤلفا من خشب الابنوس والعاج والصندل فائق الصنعة وغشى بصفائح الذهب ونظم بالجوهر والياقوت واتخذ له اصونة الجلد المحكمة الصنعة المرقوم أديمها بخطوط الذهب من فوقها غلاف الحرير والديباج وأغشية الكتان وأخرج من خزائنه أموالا عينها الشراء الضياع بالمشرق لتكون وقفا على القراء فيها وأوفد على الملك الناصر محمد بن قلاوون صاحب مصر والشام خواص مجلسه وكبار أهل دولته مثل عريف بن يحيى أمير زغبة والسابق المقدم في بساطه على كل خالصة عطية بن مهلهل بن يحيى كبير الخولة وبعث كاتبه أبا الفضل بن محمد ابن أبى مدين وعريف الوزعة ببابه وصاحب دولته عبو بن قاسم المزوار واحتفل
في الهدية للمزوار للسلطان صاحب مصر احتفالا تحدث الناس به دهرا ووقفت على برنامج الهدية بخط أبى الفضل بن أبى مدين هذا الرسول ووعيته وأنسيته وذكر لى بعض قهارمه الدار أنه كان فيها خمسمائة من عتاق الخيل المقربات بسروج الذهب والفضة ولجمها خالصا ومغشى ومموها وخمسمائة حمل من متاع المغرب وماعونه وأسلحته ومن نسج الصوف المحكم ثيابا وأكسية وبرانس وعمائم وازرا معلمة وغير معلمة ومن نسج الحرير الفائق المعلم بالذهب ملونا وغير ملون وساذجا ومنمقا ومن الدرق المجلوبة من بلاد الصحراء المحكمة بالدباغ المعارف وتنسب إلى اللمط ومن خرثى المغرب وماعونه وما يستظرف صناعته بالمشرق حتى لقد كان فيها مكيل من حصى الجوهر والياقوت واعتزمت حظية من خطايا أبيه على الحج في ركابه ذلك فأذن لها واستبلغ في تكريمها واستوصى بها وافده وسلطان مصرفي كتابه وفصلوا من تلمسان سنة وأدوا رسالتهم إلى الملك الناصر وهديتهم فتقبلها وحسن لديه موقعها وكان يوم وفادتهم عليه بمصر يوما مشهودا تحدث به الناس دهرا ولقاهم في طريقهم أنواع البر والتكرمة حتى قضوا فرضهم ووضعوا المصحف الكريم حيث أمرهم صاحبهم واسنى هدية السلطان من فساطيطهم الغريبة الشكل والصنعة بالمغرب ومن ثياب الاسكندرية البديعة النسج المرقومة بالذهب ورجعهم بها إلى مرسلهم وقد استبلغ في تكريمهم ووصلتهم وبقى حديث هذه الهدية مذكورا بين الناس لهذا العهد ثم انتسخ السلطان نسخة أخرى من المصحف الكريم على القانون الاول ووقفها على القراءة بالمدينة وبعث بها من تخيره لذلك العهد من أهل دولته سنة واتصلت الولاية بينه وبين الملك الناصر إلى أن هلك سنة احدى وأربعين وولى الامر من بعده ابنه أبو الفداء اسمعيل فخاطبه السلطان وأتحفه وعزاه(7/265)
عن أبيه وأوفد عليه كاتبه وصاحب ديوان الخراج أبا الفضل بن عبد الله بن أبى مدين
فقضى من وفادته ما حمل وكان شأنه عجبا في اظهار ابهة سلطانه والانفاق على المستضعفين من الحاج في طريقه واتحاف رجال الدولة التركية بذات يده والتعفف عما في أيديهم ثم شرع بعد استيلائه على افريقية كما نذكره في كتاب نسخة أخرى من المصحف الكريم ليوقنها ببيت المقدس فلم يقدر اتمامها وهلك قبل فراغه من نسخها كما نذكره ان شاء الله تعالى * (الخبر عن هدية السلطان إلى ملك مالى من السودان المجاورين للمغرب) * كان للسلطان أبى الحسن مذهب في الفخر يتطاول به إلى مناغات الملوك الاعاظم واقتفاء سننهم في مهاداة الاقتال والامصار وايفاد الرسل على ملوك النواحى القاصية والتخوم البعيدة وكان ملك مالى أعظم ملوك السودان لعهده ومجاور الملكه بالمغرب عى مائة مرحلة في القفر من ثغور ممالكه القبلية ولما غلب بنى عبد الواد على تلمسان وابتزهم ملكهم واستولى على ممالك المغرب الاوسط وتحدث الناس بشأن أبى تاشفين وحصاره ومقتله وما كان للسلطان في ذلك من سورة التغلب وآية العز وشاعت أخبار ذلك في الآفاق وسما سلطان مالى منسا موسى المتقدم ذكره في أخبارهم إلى مخاطبته فأوفد عليه فرافقيس من أهل مملكته مع ترجمان من الملثمين المجاورين لممالكهم من صنهاجة فوفدوا على السلطان في التهنئة بالغلب والظفر فأكرم وفادتهم وأحسن مثواهم ومنقلبهم ونزع إلى طريقته في الفخر فأتحف طرفا من مناع المغرب وماعونه من ذخيرة داره واسناها وعين رجالا من أهل دولته كان فيهم كاتب ديوان أبو طالب بن محمد بن أبى مدين ومولاه عنبر الخصى وأوفدهم بها على ملك مالى منسا سليمان بمهلك أبيه قبل مرجع وفده وأوعز إلى اعراب الفلاة من المعقل بالسير معهم ذاهبين وجاءين فشمر لذلك على بن غانم أمير أولاد جار الله من المعقل وصحبهم في طريقهم امتثالا لامر السلطان وتوغل ذلك الركاب في القفر إلى بلد مالى بعد الجهد وطول الشقة فأحسن مبرتهم وأعظم موصلهم وأكرم وفادتهم ومنقلبهم وعادوا الى مرسلهم في وفد
من كبار مالى يعظمون سلطانه ويوجبون حقه ويؤدون طاعته من خضوع مرسلهم وقيامه بحق السلطان واعتماله في مرضاته ما استوصاهم به فأدوا رسالتهم وبلغ السلطان أربا من اعتزازه على الملوك وخضوعهم لسلطانه وقضاء حق الشكر لله في صنعه * (الخبر عن اصهار السلطان إلى صاحب تونس) * لما هلكت ابنة السلطان أبى يحيى بطريف فيمن هلك من حظايا السلطان أبى الحسن فساطيطة بقى في نفسه منها شئ حنينا إلى ما شغفته به من خلالها وعزة سلطانها وقيامها(7/266)
على بيتها وظفرها في تصريفها والاستمتاع بأصول الترف ولذاذة العيش في عشيرتها فسما أمله إلى الاعتياض عنها ببعض أخواتها وأوفد في خطبتها وليه عريف بن يحيى أمير زغبة وكاتب الجباية والعساكر بدولته أبا الفضل بن عبد الله بن أبى مدين وفقيه الفتوى بمجلسه أبا عبد الله بن محمد بن سليمان السطى ومولاه عنبر الخصى فوفدوا يوم من سنة ست وأربعين وأنزلوا منزل البر واستبلغ في تكريمهم ودس الحاجب أبو عبد الله ابن تافراكين إلى سلطانه غرض وقادتهم فأبى من ذلك صونا لحرمه عن جولة الاقطار وتحكم الرجال واستعظاما لمثل هذا العرس ولم يزل حاجبه ابن تافراكين يخفض عليه الشأن ويعظم عليه حق السلطان أبى الحسن في رد خطبته مع الاذمة السابقة بينهما من الصهر والمخالصة إلى أن أجاب وأسعف وجعل ذلك إليه فانعقد الصهر بينهما وأخذ الحاجب في شوار العروس وتأنق فيه واحتفل واستكثر وطال ثواء الرسل إلى أن استكمل وارتحلوا من تونس لربيع من سنة تسع وأوعز مولانا السلطان أبو يحيى إلى ابنه الفضل صاحب بونة وشقيق هذا العروس أن يزفها على السلطان أبى الحسن قياما بحقه وبعث من بابه مشيخة من الموحدين مقدمهم عبد الواحد بن محمد ابن كمازير صحبوا ركابها إليه ووفدوا جميعا على السلطان واتصل الخبر أثناء طريقهم بمهلك مولانا السلطان أبى يحيى عفا الله عنه فعزاهم السلطان أبو الحسن عنه عند
ما وصلوا إليه واستبلغ في تكريمهم وأجمل موعد أخيها الفضل بسلطانه ومظاهرته على تراث أبيه فأطمأنت به الدار إلى أن سار في جملة السلطان وتحت ألويته إلى افريقية كما نذكر ان شاء الله تعالى * (الخبر عن حركة السلطان إلى افريقية واستيلائه عليها) * كان السلطان أبو الحسن قد امتدت عينه إلى ملك افريقية لولا مكان السلطان أبى يحيى من ولايته وصهره وأقام يتجين لها الاوقات ولما بعث إليه في الصهر وأشيع بتلمسان أن الموحدين ردوا خطبته نهض من المنصورة بتلمسان وأغذ السير إلى فاس ففتح ديوان العطاء وأزاح علل العسكر وعقد على المغرب الاقصى لحافده منصور بن الامير أبى مالك وفوض إلى الحسن بن سليمان بن ترزكين في أحكام الشرطة وعقد له على الضاحية وارتحل إلى تلمسان مضمرا الحركة إلى افريقية حتى إذا جاء الخبر اليقين بالاسعاف والزفاف سكن عزمه وهدأ طائره فلما هلك السلطان أبو يحيى في رجب من سنة سبع وأربعين وكان من قيام ابنه عمر بالامر ونزوع الحاجب أبى محمد بن تافراكين في رمضان منها ما ذكرناه تحركت عزائم السلطان لذلك ورغبه ابن تافراكين في ملك الموحدين فرغب وجاء على أثره الخبر بما كان من قبل عمر لاخيه أحمد ولى العهد(7/267)
وكان يستظهر على عهده بكتاب أبيه وما أودعه السلطان بحاشيته من الوفاق على ذلك بخطه واقتضاه منه حاجبه أبو القاسم بن عتوفى سفارته إليه فامتعض السلطان لما أضاع عمر من عهد أبيه وهدر من دم أخيه وارتكب مذاهب العقوق فيهم وخرق السياج الذى فرضه بخطه عليهم فأجمع الحركة إلى افريقية ولحق به خالد بن حمزة بن عمر نازعا إليه ومستعدا مسيره ففتح ديوان العطاء ونادى في الناس بالمسير إلى افريقية وأزاح عللهم وكان صاحب بجاية المولى أبو عبد الله حافد مولانا الامير أبى يحيى وفد على السلطان أبى الحسن اثر مهلك جده بقرب المآب بسفارة أبيه إليه ويطلب الاقرار
على عمله فلما استيأس منه واستيقن حركته بنفسه إلى افريقية طلب الرجوع إلى مكانه فأسعف وفصل إلى بجاية ولما قضى السلطان منسك الاضحى من سنة تسع وأربعين عقد لابنه الامير أبى عنان على المغرب الاوسط وعهد إليه بالنظر في أموره كافة وجعل إليه جبايته وارتحل يريد افريقية وسار في جملته هو وخالد بن حمزة أمير البدو ولما أحتل بوهران ووافاه هنالك وفد قسطيلة وبلاد الجريد يقدمهم أحمد بن مكى أمير حربه ورديف أخيه عبد الملك في امارته ويحيى بن محمد بن يملول أمير توزر سقط إليها بعد خروج الامير أبى عمر العباس ولى العهد عنها ومهلكه بتونس وأحمد بن عامر بن العابد رئيس نفطة رجعا اليهما كذلك بعد مهلك ولى العهد فلقيه هؤلاء الرؤساء بوهران في ملا من وجوه بلادهم فأتوه بيعتهم وقضوا حق طاعته محمد ابن ثابت أمير طرابلس عن اللحاق به فبعث بيعته معهم فأكرم وفدهم وعقد لهم على أمصارهم وصرفهم إلى أعمالهم وتمسك بأحمد بن مكى لصحابة ركابه وفى جملته وأغذ السير ولما احتل ببنى حسن من أعمال بجاية وفاه بها منصور بن فضل بن مزنى أمير بسكرة وبلاد الزاب في وفد من أهل وطنه ويعقوب بن على بن أحمد سيد الزواودة وأمير البدو بضاحية بجاية وقسنطينة فتلقاهم بالمبرة والاحتفاء وألزمهم ساقته وسرح بين يديه قائده حمو بن يحيى العسكري من صنائع أبيه فلما عسكر بساحة بجاية أبى أبو عبد الله وأبى عليه أهل البلد رهبة من السلطان ورغبة فيه وانفضوا من حوله ولحقت مشيختهم من القضاء وأهل الفتيا والشورى بمجلس السلطان وسابقهم إليه حاجبه فارح بن سيد الناس فأدى طاعته ورجعه إليه للخروج للقاء ركابه وارتحل حتى إذا أطلت راياته على البلد بادر المولى أبو عبد الله ولقيه بساحة البلد واعتذر عن تخلفه فتقبل عذره وأحله من البرور والتكرمة محل الولد العزيز وأقطعه عمل كومية من نواحى سنين واسنى جرايته بتلمسان وأصحبه إلى ابنه أبى عنان صاحب المغرب الاوسط واستوصاه به ودخل بجاية فرفع عنهم الظلامات وحط عنهم الربع من المغارم ونظر في أحوال ثغورها(7/268)
فثقفها وسد فروجها وعقد عليها لمحمد بن النوار من طبقة الوزراء والمرشحين لها وأنزل معه حامية من بنى مرين وكاتب الخراج ببابه بركات بن حسون بن البواق وارتحل معذ السيره حتى أحتل بقسنطينة وتلقاه أميرها أبو زيد حافد مولانا السلطان أبى يحيى وأخواه أبو العباس أحمد وأبو يحيى زكريا وسائر اخوتهم فأتوه ببيعتهم ونزلوا له عن عملهم وادالهم السلطان منه بندرومة من عمل تلمسان عقد للمولى أبى زيد على امارتها وجعل له اسوة اخوته في اقطاع جبايتها ودخل البلد وعقد عليها لمحمد بن العباس وانزل معه العباس بن عمر في قومه من بنى عسكر وأمضى اقطاعات الزواودة ووافاه هنالك عمر بن حمزة سيد الكعوب لعهده وأمير البدو مستحثا لركابه وأخبره برحيل السلطان عمر ابن مولانا السلطان أبى يحيى من تونس فيمن اجتمع إليه من أولاد مهلهل اقتالهم من الكعوب موجها إلى ناحية قابس وأشار على السلطان بتسريح العساكر لاعتراضه قبل أن يخلص إلى طرابلس فسرح معه حمو بن يحيى العسكري قائده في عسكر من بنى مرين والجند وارتحلوا في اتباع السلطان أبى حفص وتلوم السلطان أبو الحسن بقسنطينة واعترض عساكره بسطح الجعاب منها وصرف يوسف ابن مزنى إلى عمله بالزاب بعد أن خلع عيه وحمله ثم عقد للمولى الفضل ابن مولانا السلطان أبى يحيى على مكان عمله ببونة وملا حقائبه جائزة وخلعا نفيسة وسرحه ثم ارتحل على أثرهم وأوعز حمو بن يحيى مع الناجعة من أولاد أبى الليل ولحقوا بالامير أبى حفص لمباركة من ناحية قابس فأوقعوا به وتردى عن فرسه في حومة القتال هو ومولاه ظافر السنان القائم بدولته من المعلوجى فتقبض عليهما وسيقا إلى أبى حمو فاعتقلهما إلى الليل ثم ذبحهما وأنفذ برؤسهما إلى السلطان ولحق الفل بقابس فتقبض عبد الملك بن مكى على أبى القاسم بن عتو صاحب الامير أبى حفص وشيخ الموحدين وعلى صخر بن موسى بن شيخ بنى سكين من سد ويكش فيمن تقبض عليه من
ذلك الفل وأشخصهم مقرنين في الاصفاد إلى السلطان وسرح السلطان عساكره إلى تونس وعقد عليهم ليحيى بن سليمان صهره من بنى عسكر على ابنته وأنفذ معه أحمد بن مكى فاحتلوا بتونس واستولوا عليها وانطلق ابن مكى إلى مكان عمله من هنالك لما عقد له السلطان عليه وسرحه إليه بعد أن خلع عليه وعلى حاشيته وحملهم ونزل السلطان بناحية فوافاه هنالك البريد برأس الامير أبى حفص وعظم الفتح ثم ارتحل إلى تونس واحتل بها يوم الاربعاء الثامن لجمادى الآخرة من سنة ثمان وتلقاه وفد تونس وملؤها من شيوخ الشورى وأرباب الفتيا فأتوا طاعتهم وانقلبوا مسرورين لمكتهم ثم عبى يوم السبت إلى دخولها مواكبه وصف جنوده سماطين من معسكره(7/269)
بسيجوم إلى باب البلد يناهز ثلاثة أميال أو أربعة وركب بنومرين إلى مراكزهم في جموعهم وتحت راياتهم وركب السلطان من فسطاطه وراكبه من على يمينه وليه عريف بن يحيى أمير زغبة ويليه أبو محمد عبد الله بن تافراكين ومن على يساره الامير أبو عبد الله محمد أخو مولانا السلطان أبى يحيى ويليه الامير أبو عبد الله ابن أخيه خالد كانا معتقلين بقسنطينه مع ولدهما منذ خروج أخيه الامير ابى فارس فأطلقهم السلطان أبو الحسن وصحبوه إلى تونس فكانوا طرازا في ذلك الموكب فيمن لا يحصى من أعياص بنى مرين وكبرائهم وهدرت طبوله وخفقت راياته وكانت يومئذ مائه وجاءوا لمواكب تجتمع عليه صفا صفا إلى أن وصل إلى البلد وقد ماجت الارض بالجيوش وكان يوما لم ير مثله فيما عقلناه ودخل السلطان إلى القصر وخلع على أبى محمد ابن تافراكين كسوته وقرب إليه فرسه بسرجه ولجامه وطعم الناس بين يديه وانتشروا ودخل السلطان مع أبى محمد بن تافراكين إلى حجر القصر ومساكن الخلفاء فطاف عليها ودخل منه إلى الرياض المتصلة به المدعوة برأس الطابية فطاف على بساتينه وأفضى منه إلى معسكره وأنزل يحيى بن سليمان بقصبة تونس في عسكر
لحمايتها ووصل إليه فل الامير أبى حفص والاسرى بقابس مقرنين في أصفادهم فأودعهم السجن بعد ان قطع أبا القاسم بن عتو وصخر بن موسى من خلاف لفتيا الفقهاء بحرابتهم وارتحل من الغد إلى القيروان فجال في نواحيها ووقف على آثار الاولين ومصانع الاقدمين والطلول الماثلة لصنهاجة والعبيديين وزار اجداث العلماء والصالحين ثم سار إلى المهدية ووقف على ساحل البحر ونظر في عاقبة الذين كانوا من قبل أشد قوة وآثارا في الارض واعتبر بأحوالهم ومر في طريقة بقصر الاجم ورباط المنستير وانكفأ راجعا إلى تونس واحتل بها غرة رمضان وأنزل المسالج على ثغور افريقية وأقطع بنى مرين البلاد والضواحي وأمضى اقطاعات الموحدين للعرب واستعمل على الجهات وسكن القصر وقد عظم الفتح وعظمت في الاستيلاء على الممالك والدول المنة واتصلت ممالكه ما بين مسراته والسوس الاقصى من هذه العدوة والى رندة من عدوة الاندلس والملك لله يؤتيه من يشاء من عباده والعاقبة للمتيقن * ودفع إليه الشعراء بتونس يهنؤنه بالفتح وكان سابقهم في تلك النوبة أبو القاسم الرحوى من ناشئة أهل الادب فرفع إليه قوله أجابك شرق إذ دعوت ومغرب * فمكة هشت للقاء ويثرب وناداك مصرو العراق وشامه * بدارا فصدع الدين عندك يشعب وحيتك أو كادت تحيى منابر * عليها دعاء الحق باسمك تخطب(7/270)
فسارع منا كل دان وساسع * إلى طاعة من طاعة الله تحسب وتاقت لك الارواح حبا ورغبة * وأنت على الآمال تنأى وتقرب ففى البلدة البيضاء لباك معشر * وأنت بأفق الناصرية ترقب ووافتك من ذات النخيل وفودها * فلقاهم أهل لديك ومرحب ولم تتلكأ عن اباء بجاية * ولكن تراض الصعب ثم وتركت
تأبت فلما ان أطلت عساكر * ترى الشهب منها تستباح وتنهب تبادر منهم مذ عن ومسلم * وأذعن منهم شاغب ومؤلب وما تونس الا بمصر مروع * وفى حرم أمست لديك تسرب وما أهلها الابغاث لصائد * وبالعز منها استنسروا وتعقبوا وقد كنت قبل اليوم كهف زعيمهم * فها أنت كهف للجميع ومهرب فكان يرى أن الزمان أداله * بكم فأجاب العيش والعيش مخصب كذلك إبن طائع وان اعتلت * به السن أحوالا وأنت له أب وما ذاك الا أن عدلك ينتمى * إلى الخلفاء الراشدين وينسب تساميت في ملك ونسك بحظه * حذياك محراب لديها ومركب إذا الذ للاملاك خمر مدامة * فلذلك القرآن يتلى ويكتب وان أد من القوم الصبوح فانما * على ركعات بالضحى أنت تدأب وان حمدوا الشرب الغبوق فانما * شرابك بالامساء ذكر مرتب وان خشنت أخلاقهم وتحجبوا * فما أنت فظ بل ولا متحجب لقد كرمت منك السجايا فأصبحت * إذا ما أمر الدهر تحلو وتعذب كما شيدت بيتا ذؤابة معشر * يزيدهم قحطان فخر أو يعرب هم التاركو قلب القساور خضعا * وعن شأوهم كفت عبيد وأغلب هم الناس والاملاك تحت جوارهم * هم العظم والارض العظيمة مغرب هم المالكوا لملك العظيم فبيتهم * على كاهل السبع الشداد مطنب لقد أصبحت بغداد تحسد باسهم * وحلة ودت أن تكون مناسب تجلت ببيت المجد منهم كواكب * لقد حل منها شارق ومغرب فلله منهم ثلة بغريبة * يروم بناها الاعجمي فيعرب لقد قام عبد الحق للحق طالبا * فما فاته منه الذى قام يطلب
وأعقب يعقو بايؤم سبيله * فلم يخطه وهو السبيل المنجب وخلف عثمانا فالله صارم * به بان للاسلام شرع ومذهب(7/271)
فكم في سبيل الله شن اغارة * لما شاد أهل الكفر أمست تخرب ولما أراد الله اتمام منه * تقلدها منا مطيع ومذنب أبى لك للدين الحنيفى آية * تعرى بها عن لامع الحق غيهب فجئت بما يرضى به الله سالكا * سبيلا إلى رضوانه بك يذهب وقمت بأمر الله حق قيامه * يناضل عنه منك تضل مدرب وأصبح أهل الله أهلا وشيعة * لكم ولهم منكم مكان ومنصب وحل بأهل الفتك ماحل عزمهم * وقام لديهم واعظ مترقب وجاهدت في الرحمن حق جهاده * فراهب أهل الكفر بأسك يرهب وأنقذت من أيدى الاغارة أمة * وأولى جهاد كان بل هو أوجب فأصبحت الدنيا عروسا يزفها * لامرك من جارى المقادير مغرب فلا مصر الاقد تمناك أهله * ولا أرض الاباد كارك تخصب وما الارض الا منزل أنت ربه * وما حلها الا الودود المرجب تملكت شطر الارض كسبا وشطرها * وراثا فطاب الكل ارثا ومكسب بجيش على الالواح والماء يمتطى * وجيش على الضمر السوابق يركب وجيش من الاحسان والعدل والتقى * وذلك لعمر الله أغلى وأغلب فلا مركب الايزين راكبا * ولا راكب الا به ازدان مركب ولا رمح الا وهو أهيف خاطر * ولا سيف الا وهو أبيض قأضب فكم كاتب خطيه ودواته * ولم يقر خطا يغتدى وهو يكتب يمر على الابطال وهو كانه * هزبر وابطال الفوارس ربرب
وكم كاتب لا ينكر الطعن رمحه * خبير بأيام الا عارب معرب.
له من عجيب السحر بالقول أضرب * وفى همامة القوم المضارب مضرب فها هو في الاقوال واش محبر * وها هو في الامثال ثا ومجرب ومن ساحب بردا من العلم والتقى * عليه ذيول الداودية تسحب له صبغة في العلم جاءت بأصبغ * وشهبان فهم لم يشمهن أشهب فيا عسكر قد ضم أعلام عالم * به طاب في الدنيا لنا متقلب هم الفئة العلياء والمعشر الذى * إذا حل شعبا فهو للحق مشعب لك الفضل في الدنيا على كل قاطن * ومرتحل أنى يجئ ويذهب ويا مالكا عدلا رضا متورعا * مناقبه العلياء تتلى وتكتب شرعت من الاحسان فينا شريعة * تساوى بهاناء ومن يتقرب(7/272)
وأسميت أهل النسك إذ كنت منهم * فمنك أخو التقوى قريب مقرب وأعليت قدر العلم إذ كنت عالما * ففيه وفى طلابه لك مأرب فمدحك محتوم على كل قائل * ومن ذا الذى يحصى الرمال ويحسب فلله كم تعطى وتمطى وتجتبى * فللبحر من كفيك قد صح منسب فلا برحت كفاك في الارض مزنة * يطيب بها للخلق مرعى ومشرب ولازلت في علياء مجدك راقيا * وشانئك المدحوض ينكى وينكب توافي على أقصى أمانيك آمنا * فلا بر يستعصى ولا يتعصب { الخبر عن واقعة مع السلطان أبى الحسن بالقيروان وما تخللها من الاحداث } كان هؤلاء الكعوب من بنى سليم رؤساء البدو بافريقية وكان لهم اعتزاز على الدولة لا يعرفون غيره مذاولها بل وما قبله إذ كان سليم هؤلاء منذ تغلب العرب من مضر على
الدول والممالك أول الاسلام انتبذوا إلى الضواحى والقفار وأعطوا من صدقاتهم عن عزة وارتاب الخلفاء بهم لذلك حتى لقد أوصى المنصور ابنه المهدى أن لا يستعين بأحد منهم كما ذكر الطبري فلما انثالت الدولة العباسية واستبدا لمولى من الحجم عليهم اعتز بنو سليم هؤلاء بالقفر من أرض نجد وأجلبوا على الحاج بالحرمين ونالتهم منهم معرات ولما انقسم ملك الاسلام بين العباسية والشيعة واختطوا القاهرة نفقت لهم أسواق الفتنة والتعزز وساموا الدولتين بالهضيمة وقطع السابلة ثم أغراهم العبيديون بالمغرب وأجازوا إلى برقة على اثر الهلاليين فخرجوا عمرانها وأجروا في خلائها حتى إذا خرج ابن غانية على الموحدين وانتزى بالثغور الشرقية طرابلس وقابس واجتمع معه قراقش الغزى مولى بنى أيوب ملوك مصرو الشام وانضاف إليهم أفاريق العرب من بنى سليم هؤلاء وغيرهم أجلبوا معه على الضواحى والامصار وصاروا في جملتهم من ناعق فتنتهم ولما هلك قراقش وابن غانية واستبدال أبى حفص بافريقية وأعز الزواودة على الامير أبى زكريا يحيى بن عبد الواحد بن أبى حفص استظهر عليهم بنى سليم هؤلاء وزاحمهم بظوا عنهم وأقطعهم بافريقية ونقلهم عن مجالاتهم باطرابلس وأنزلهم بالقيروان فكان لهم من الدولة مكان وعليها اعتزاز ولما افترق سلطان بنى أبى حفص واستبد الكعوب برياسة البدو وضربوا بين أعياصها وسعوا في شقاقها وأصابت منهم وأصابوا منها وكان بين مولانا الامير أبى يحيى وبين حمزة بن عمر أخى الامير منازعة وفتن وحرب سجال اعانه عليها ما كان من رغب بنى عبد الواد إلى افريقية وطمعهم في تملك ثغورها فكان يستجر جيوشهم لذلك وينصب الاعياص من بنى أبى(7/273)
حفص يزاحم ثم غلبه مولانا السلطان أبو بكر آخراو استجره إلى الطاعة ما كان من قطع الزبون عن مولانا السلطان أبى يحيى وهلاك عدوه من ال يغمراسن بسيف وليه وظهيره السلطان أبى الحسن فأذعن وسكن غرب اعتزازه وحمل بنى سليم
على اعطاء صدقاتهم فأعطوها باكراهه ثم هلك باغتيال الدولة له فيما يزعمون وقام بالامر بنوه ولم يعرفوا عواقب الامور ولا أبلوا باعتساف الدولة ولم يعهدوا ولا سمعوا لسلفهم غير الاعتزاز فحدثتهم أنفسهم بالفتنة والاعتزاز على قائد الدولة وحاربوه فغلبوه وأجلبوا على السلطان في ملكه ونازلوه بعقر داره سنة ثنتين وأربعين ولما سامهم الامير ابن مولانا السلطان أبى يحيى الهضيمة بعد مهلك أبيه نزعوا إلى أخيه ولى العهد فجاء إلى تونس وملكها بيعا ثم اقتحم عليه أخوه الامير أبو حفص فقتله وتقبض يوم اقتحامه البلد على أبى الهول بن حمزة أخيهم فقتله صبرا بباب داره بالقصبة فأسفهم بها ونزعوا إلى السلطان أبى الحسن ورغبوه في ملك افريقية واستعدوه إليها ولما تغلب السلطان على الوطن وكانت حاله في الاعتزاز على من في طاعته غير حال الموحدين وملكته للبدو غير ملكتهم وحين رأى اعتزازهم على الدولة وكثرة ما أقطعتهم من الضواحى والامصار نكره وأدالهم من الامصار التى أقطعهم الموحدون بأعطيات فرضا لهم في الديوان واستكثر جبايتهم فنقصهم الكثير منها وشكا إليه الرعبة من البدو وما ينالونهم به من الظلامات والجور بفرض الاتاوة التى يسمونها الخفارة فقبض أيديهم عنها وأوعز الى الرعايا بمنعهم منها فارتابوا لذلك وفسدت نياتهم وثقلت وطأة الدولة عليهم فترصدوا لها وتسامع ذوبانهم وبواديهم بذلك فأغاروا على قياطين بنى مرين ومسالحهم بثغور افريقية وفروجها واستاقوا أموالهم وكثر شاكيهم وأظلم الجو منهم بينهم وبين السلطان والدولة ووفد عليه بتونس بعد مرجعه من المهدية وفد من مشيختهم كان فيهم خالد بن حمزة مستحبة إلى افريقية وأخوه أحمد وخليفة بن عبد الله بن مسكين وابن عمه خليفة بن بوزيد من أولاد القوس فأنزلهم السلطان وأكرمهم ثم رفع إليه الامير عبد الرحمن ابن السلطان أبى يحيى زكريا بن اللحيانى كان في جملته وكان من خبره انه رجع من المشرق بعد مهلك أبيه بمصر كما قدمناه سنة ثنتين وثلاثين فدعا لنفسه بجهات طرابلس وتابعه اعراب ذباب وبايع له عبد الملك بن مكى صاحب قابس
ونهض معه إلى تونس في غيبة السلطان لتخريب تامزيزد كت كما ذكرناه فملكها أياما وأحس بمرجع السلطان فأجفل عنها ولحق عبد الواحد بن اللحيانى إلى تلمسان إلى أن دلف إليها السلطان أبو الحسن بعساكره ففارقهم وخرج إليه فأحله محل التكرمة والمبرة واستقر في جملته إلى أن ملك تونس ورفع إليه عن مقدم هذا الوفد(7/274)
انهم دسوا إليه مع بعض حشمه وطلبوه في الخروج معهم لينصبوه للامر بافريقية وتبرأ إلى السلطان من ذلك فأحضروا بالقصرو وبخهم الحاجب علال بن محمد بن المصمود وأمر بهم فسحبوا إلى السجن وفتح السلطان ديوان العطاء وعسكر بسيجوم من ساحة البلد بعد قضائه منسك الفطر من سنته وبعث في المسالح والعساكر فتوافت إليه واتصل الخبر بأولاد أبى الليل وأولاد القوس باعتقال وفدهم وعسكرة السلطان لهم فضاقت عليهم الارض بما رحبت وتعاقدوا على الموت وبعثوا إلى اقتالهم أولاد مهلهل بن قاسم بن أحمد وكانوا بعد مهلك سلطانهم أبى حفص قد لحقوا بالقفر وانتبذوا عن افريقية فرارا من مطالبة السلطان بما كانوا شيعة لعدوهم فأغذ السير إليهم أبو الليل بن حمزة متطارحا عليهم بنفسه في الاجتماع على الخروج على السلطان فأجابوه وارتحلوا معه وتوافت احياء بنى كعب وحكيم جميعا بتوز من بلاد الجريد فهدروا الدماء بينهم وتدامروا وتبايعوا على الموت والتمسوا من أعياص الملك من ينصبونه للامر فدلهم بعض سماسرة الفتن على رجل من أعقاب أبى دبوس فريسة بنى مرين من خلفاء بنى عبد المؤمن بمراكش عند ما استولى عليها وكان من خبره ان أباه عثمان بن ادريس بن أبى دبوس لحق بمهلك أبيه بالاندلس وصحب هنالك مرغم بن صابر شيخ بنى ذباب ببر شلونة فلما انطلق من أسره صحبه إلى وطن ذباب بعد أن عقد قمص برشلونة بينهما حلفا وأمدهما باسطول على مال التزماه ونزل بضواحي طرابلس وجبال البربر بها ودعا لنفسه هنالك وقام بدعوته كافة العرب من ذباب وقاتل طرابلس فامتنعت
عليه ثم بايعه أحمد بن ابى الليل شيخ الكعوب بافريقية وأجلب به على تونس فلم يتم أمره لرسوخ دعوة الحفصيين بافريقية وانقطاع أمر بنى عبد المؤمن منها وآثارهم منذ الاحوال العديدة والآماد المتقادمة فنسى أمرهم وهلك عثمان بن ادريس هذا بجربة ثم ابنه عبد السلام بعده وترك من الولد ثلاثة أصغرهم أحمد وكان صناع اليدين ولحقوا بتونس بعد ما طوحت بهم طوائح الاغتراب وظنوا ان قد تنوسى شأن أبيهم فتقبض عليهم مولانا السلطان أبو يحيى وأودعهم السجن إلى أن غربهم إلى الاسكندرية سنة أربع وأربعين ورجع أحمد إلى افريقية واحتل بتوزر محترفا بالخياطة يتعيش فاستدعاه بنو كعب هؤلاء حين اتفقت أهواؤهم ومن اتبعهم من احلافهم أولاد القوس وسائر شعوب علاق وخرج إليهم من توزر فنصبوه للامر وجمعوا له شيأ من الفساطيط والآلة والكسوة الفاخرة والمقربات وأقاموا له رسم السلطان وعسكروا عليه بحللهم وقياطينهم وارتحلوا لمناجزة السلطان ولما قضى منسك الاضحى من سنة ثمان وأربعين ارتحل من ساحة تونس يريدهم فوافاهم في الفرح بين بسيط تونس وبسيط(7/275)
القيروان المسمى بالثنية فأجفلوا أمامه وصدقوه القتال منهزمين وهو في اتباعهم إلى أن حصل بالقيروان ورأوا أن لا ملجأ منه فتدامروا واتفقوا على الا ستمائة ودس إليهم من عسكر السلطان بنو عبد الواد ومغراوة وبنو توجين فغلبوا بنى مرين ووعدوهم بالمناجزة صبيحة يومهم ليتحيزوا إليهم براياتهم وصبحوا معسكر السلطان وركب إليهم في الآلة والتعبية فاختل المصاف وتحيز إليهم الكثير ونجا السلطان إلى القيروان فدخلها في الفل من عساكره ثامن المحرم سنة تسع وأربعين وتدافعت ساقات العرب في اثره وتسابقوا إلى المسكر فانتهبوه ودخلوا فسطاط السلطان فاستولوا على ذخيرته والكثير من حرمه وأحاطوا بالقيروان واحاطت حللهم بها سياجا وتعاوت ذئابهم بأطراف البقاع وأجلب ناعق الفتنة من كل مكان وبلغ الخبر إلى تونس فاستحصن
بالقصبة أولياء السلطان وحرمه ونزع ابن تافراكين من جملهة السلطان بالقيروان إليهم فعقدوا له على حجامة سلطانهم أحمد بن أبى دبوس ودفعوه إلى محاربة من كان بالقصبة بتونس وأغذ إليها السيرو اجتمع إليه أشياخ الموحدين وزعانف الغوغاء والجند وأحاطوا بالقصبة وعاودها القتال ونصب المنجنيق لحصارها ووصل سلطانه أحمد على اثره فامتنعت عليهم ولم يغنوا فيها غناء وافترق أمر الكعوب وخالف بعضهم بعضا إلى السلطان وتساقطوا إليه فتنفس مخنق الحصار عن القيروان واختلفت إليه رسل أولاد مهلهل وأحسن بهم أولاد أبى الليل بن حمزة بنفسه وعاهد السلطان على الافراج ولم يفوا بعهده وداخل السلطان أولاد مهلهل في الخروج معهم إلى سوسة فعاهدوه على ذلك وأعز اسطوله بمرساها وخرج معهم ليلا على تعبية فلحق بسوسة وبلغ الخبر إلى ابن تافراكين بمكانه من حصار القصبة فركب السفين ليلا إلى الاسكندرية وارتاب سلطانهم ابن أبى دبوس لما وقف على خبره فانفض جمعهم وأفرجوا عن القصبة وركب السلطان أسطوله من سوسة ونزل بتونس آخر جمادى واعتمل في اصلاح اسوارها وادارة الخندق عليها وأقام لها من الامتناع والتحصين رسما ثبت له من بعده ودفع به في نحر عدوه واستقل من نكبة القيروان وعثرتها وخلص من هوتها والله يفعل ما يشاء ولحق أولاد أبى الليل وسلطانهم أحمد بن أبى دبوس بتونس فأحاطوا بالسلطان واستبلغوا في حصاره وخلصت ولاية أولاد مهلهل للسلطان فعول عليهم ثم راجع بنو حمزة رأيهم في طاعة السلطان فدخل كبيرهم عمر إليه في شعبان وتقبضوا على سلطانهم أحمد بن أبى دبوس وقادوه إلى السلطان استبلاغا في الطاعة وامحاضا للولاية فتقبل فيئتهم وأودع ابن أبى دبوس السجن وأصهر إلى عمر بابنه أبى الفضل فعقد له على بنته واختلفت أحوالهم في الطاعة والانحراف إلى أن كان ما نذكرو الله غالب(7/276)
على امره
* (الخبر عن انتقاض الثغور الغربية ورجوعها إلى دعوة الموحدين) * كان المولى الفضل بن مولانا السلطان أبى يحيى لما قدم على السلطان أبى الحسن بتلمسان في زفاف شقيقته سنة سبع وأربعين بعد ما اتصل به في طريقه مهلك أبيه أوسع له السلطان كنفه ومهد له جانب كرامته وبره وعمر له بوعد في المظاهرة على ملك أبيه تعزى به عن فقده وارتحل السلطان إلى افريقية والمولى الفضل يرجو أن يجعل سلطانها إليه حتى إذا استولى السلطان على الثغرين بجاية وقسنطينة وارتحل إلى تونس عقد له على مكان امارته أيام أبيه ببونة فصرفه إليه فانقطع أمله وفسد ضميره وطوى على البث حتى إذا كانت نكبة القيروان سما إلى التوثب على ملك سلفه وكان أهل قسنطينة وبجاية قدرموا من الدولة واستنقلوا وطأة الايالة لما اعتادوا من الملك الرفيق فاشرأبوا إلى الثورة عند ما بلغهم خبر النكبة وقد كان توافي بقسنطينة ركاب من المغرب في طوائف من الوفود والعساكر وكان فيهم ابن صغير من أبناء السلطان عقد له على عسكر من أهل المغرب وأو عز إليه باللحاق بتونس وفيهم أعمال المغرب قدموا عند رأس الحول بجبايتهم وحسبانهم وفيهم أيضا وفد من زعماء النصارى بعثهم الطاغية بن أدفونش مع تاشفين ابن السلطان لما أطلقه من الاسر بعدما عقد السلم والمهادنة وكان أسيرا عندهم من لدن واقعة طريف كما ذكرناه وكان أصابه مس من الجنون فلما خلصت الولاية بين السلطان والطاغية وعظم عنده الاتحاف والمهاداة وبلغه خبر السلطان وتملكه افريقية أطلق ابنه تاشفين وبعث معه هؤلاء الزعماء للتهنئة وفيهم أيضا وفد من أهل مالى ملوك السودان بالمغرب أوفدهم ملكهم منسا سليمان للتهنئة بسلطان افريقية وكان معهم أيضا يوسف بن مزتى عامل الزاب وأميره قدم بجباية عمله واتصل به خبر الركاب بقسنطينة فلحق مؤثر اصحابتهم إلى سدة السلطان وتوافت هؤلاء الوفود جميعا بقسنطينة واعصو صبوا على ولد السلطان فلما وصل خبر النكبة اشرأب الغوغاء من أهل البلد إلى الثورة وتحلبت شفاههم إلى ما بأيديهم
من اموال الجباية وأحوال الثورة فنقموا عليهم سوء الملكة ودس مشيختهم إلى المولى الفضل ابن مولانا السلطان أبى يحيى بمكانه من بونة وقد كشف القناع في الانتزاء على عمله والدعاء لنفسه فخطبوه للامر واستحثوه للقدوم فأغذ السير وتسامع بخبره أولياء السلطان فخشى ابن مزنى على نفسه وخرج إلى معسكره بحلة أولاد يعقوب ابن على أمير الزواودة ولجأ ابن السلطان وأولياؤه إلى القصبة ومكربهم أهل البلد في الدفاع دونهم حتى إذا أطلت رايات المولى الفضل وثبوابهم وحجزوهم إلى القصبة(7/277)
وأحاطوا بها حتى استزلوهم على أمان عقدوه لهم ولحقوا بحلة يعقوب فعسكروا بها بعد أن نقض أهل البلاد عهدهم في ذات يدهم فاستصفوه وأشار عليهم ابن مزنى باللحاق ببسكرة لتكون ركابهم إلى السلطان فارتحلوا جميعا في جوار يعقوب لماله في تلك الضواحى حتى لحقوا ببسكرة ونزلوا منها على ابن مزنى خير نزل وكفاهم كل شئ يهمهم على طبقاتهم ومقاماتهم وعناية السلطان بمن كان وافدا منهم حتى سار بهم يعقوب بن على إلى السلطان وأوفدهم عليه في رجب من سنته واتصل الخبر بأهل بجاية بالفعلة التى فعل اهل قسنطينة فساجلوهم في الثورة وكنسوا منازل أولياء السلطان وعماله فاستباحوها واستلبوهم وأخرجوهم من بين ظهر انيهم عراة فلحقوا بالمغرب وطيروا الخبر إلى المولى الفضل واستحثوه للقدوم فقدم عليهم وعقد على قسنطينة وبونة لمن استكفى به من خاصته ورجالات دولته واحتل ببجاية لشهر ربيع من سنته وأعاد ملك سفله واستوسق أمره بهذه الثغور إلى أن كان من خبره مع السلطان بعد خروجه من بجاية ما نذكره ان شاء الله { الخبر عن انتزاء أولاد السلطان بالمغرب الاوسط والاقصى ثم استقلال أبى عنان بملك المغرب } لما اتصل خبر النكبة بالقيروان بالامير أبى عنان ابن السلطان وكان صاحب تلمسان
والمغرب الاوسط وتساقط إليه الفل من عسكر أبيه عراة زرافات ووحدانا وأرجف الناس بمهلك السلطان بالقيروان فتطاول الامير أبو عنان للاستئثار بسلطان أبيه دون الابناء لما كان له من الايثار عند أبيه لصيانته وعفافه واستظهاره القرآن فكان بعين أبيه لامثالها وكان عثمان بن يحيى بن جرار من مشيخة بنى عبد الوادو أولاد يندوكس ابن طاع الله منهم وكان له محل من الدولة كما ذكرناه عند أخباره وكان السلطان أذن له في الرجوع إلى المغرب فرجع من معسكره بالمهدية ونزل بزاوية العباد من تلمسان وكان مسمتا وقورا جهينة خبر ممنعا في حديثه وكان مرجما فيه الوقوف على الحدثان وكان الامير أبو عنان متشوفا إلى خبر أبيه ففزع إلى عثمان بن جرار في تعرفها واستدعاه وأنس به وكان في قلبه مرض من السلطان فأودع اذن الامير أبى عنان ما أراد من الامانى بتورط السلطان في المهلكة وبشره بمصير الامر إليه فصادف منه اذنا واعية واشتمل عليه ابن جرار من بعدها ورد الخبر بنكبة السلطان فأغراه ابن جرار بالتوثب على الملك وسول له الاستئثار به من دون اخوانه يقينا بمهلك السلطان ثم أوهمه الصدق بارجاف الناس بموت السلطان فاعتزم وشحذ عزيمته في ذلك ما اتصل به من حافد السلطان منصور ابن الامير أبى مالك صاحب فاس وأعمال المغرب من الانتزاء على(7/278)
عمله وأنه فتح ديوان العطاء واستلحق واستركب لغيبة بنى مرين عن بلادهم وخلاء جوه من عساكرهم وأظهر العسكر والحشد لاستنقاذ السلطان من هوة القيروان يسد منها حسوا في ارتقاء وتفطن لشأنه الحسن بن سليمان بن يرزيكن عامل القصبة بفاس وصاحب الشرطة بالضواحي فاستأذنه باللحاق بالسلطان فأذن له راحة من مكانه وأصحبه عمال المصامدة ونواحى مراكش ليستقدمهم على السلطان بجباياتهم فلحق بالامير أبى عنان على حين أمضى عزيمته على التوثب والدعاء لنفسه فقبض أموالهم وأخرج ماكان بموضع السلطان بالمنصورة من المال والذخيرة وجاهر بالدعاء لنفسه وجلس للبيعة بمجلس السلطان من قصره في ربيع من سنة تسع فبايعه الملا وقرأ كتاب
بيعتهم على الاشهاد ثم بايعه العامة وانفض المجلس وقد عقد سلطانه ورست قواعد ملكه وركب في التعبية والآلة حتى نزل بقبة الملعب وطعم الناس وانتشروا وعقد على وزارته للحسن بن يرزيكن ثم لفارس بن ميمون بن وردار وجعله دريفا له وتبعا ورفع مكان ابن حدار عليهم واختص لولايته ومناجاة خلوته كاتبه أبا عبد الله محمد بن محمد بن أبى عمرو سنذكر خبره ثم فتح الديوان واستركب من تساقط إليه من فل أبيه وخلع عليهم ودفع إليهم أعطياتهم وأزاح عللهم وبينما هو يريد الرحلة إلى المغرب بلغه أن وتر ماربن عريف ولى السلطان وخالصته عريف بن يحيى وكان أمير زغبة لعهده ومقدما على سائر البدو أنه قد جمع له يريد حربه وغلبه على ما صار إليه من الانتزاء والثورة على أبيه وانه قصد تلمسان بجموعه من العرب وزناتة المغرب الاوسط فعقد للحسن بن سليمان وزيره على حربه وأعطاه الآلة وسرحه للقائه وسرح معه من حضر من بنى عامر اقتال سويد وارتحل في عسكره حتى احتل تسالة وناجزه وترمار الحرب ففلت جموعه ومنحوا اكتافهم واتبع الوزير عسكرهم واكتسح أموالهم وحللهم وعاد إلى سلطانه بالفتح والغنائم وارتحل الامير أبو عنان إلى المغرب وعقد على تلمسان لعثمان بن جرار وأنزله بالقصر القديم منها حتى كان من أمره مع عثمان بن عبد الرحمن ما ذكرناه في أخبارهم ولما انتهى إلى وادى الزيتون وشى إليه بالوزير الحسن بن سليمان انه مضمر الفتك به بتازى تزلفا إلى السلطان ووفاء بطاعته وانه داخل في ذلك الحافد منصورا صاحب أعمال المغرب بما كان يظهر من طاعة جده فارتاب الامير أبو عنان به واستظهروا شيه على ذلك بكتابه فلما قرأه تقبض عليه وقتله بالمساء خنقا وأغذ السير إلى المغرب وبلغ الخبر منصور بن أبى مالك صاحب فاس فزحف للقائه والتقى الجمعان بناحية تازى وبوادى أبى الاجراف فاختل مصاف منصور وانهزمت جموعه ولحق بفاس وانحجر بالبلد الجديد وارتحل الامير أبو عنان في اثره وتسايل الناس على(7/279)
طبقاتهم إليه وآتوه الطاعة وأناخ بعساكره على البلد الجديد في ربيع الآخر سنة تسع وأربعين وأخذ بمخنقها وجمع الايدى والفعلة على الآلات لحصارها ولحين نزوله على البلد الجديد أو عز إلى الوالى بمكانه أن يطلق أولاد أبى العلاء المعتقلين بالقصبة فأطلقهم ولحقوا به فأقاموا معه على حصار البلد الجديد وطال تمرسه بها إلى أن ضاقت أحوالهم واختلفت أهواؤهم ونزع إليه أهل الشوكة منهم ونزع إليهم عثمان بن ادريس بن أبى العلاء فيمن إليه من الحاشية باذنه له في ذلك سر اليمكن إليه فدس إليه وواعدوه الثورة بالبلد فثاربها واقتحمها الامير أبو عنان عليهم ونزل منصور بن أبى مالك على حكمه فاعتقله إلى أن قتله بمحبسه واستولى على دار الملك وسائر أعمال المغرب وتسابقت إليه وفود الامصار للتهنئة بالبيعة وتمسك أهل سبتة بطاعة السلطان والانقياد لقائدهم عبد الله بن على بن سعيد من طبقة الوزراء حسنا ثم توثبوا به وعقدوا على أنفسهم للامير أبى عنان وقادوا عاملهم إليه وتولى كبر الثورة فيهم زعيمهم الشريف أبو العباس أحمد بن محمد بن رافع من بيت أبى الشرف من آل الحسين كانوا انتقلوا إليها من صقلية واستوسق للامير أبى عنان ملك المغرب واجتمع إليه قومه من بنى مرين للامر وأقام مع السلطان بتونس وفاء بحقه وحص جناح أبيه عن الكرة على الكعوب الناكثين لعهده الناكبين عن طاعته فأقام بتونس يرجو الايام ويؤمل الكرة والاطراف تنتقض والخوارج تتجدد إلى أن ارتحل إلى المغرب بعد اليأس كما نذكره ان شاء الله تعالى { الخبر عن انتقاض النواحى وانتزاء بنى عبد الواد بتلمسان ومغراوة بشلف وتوجين بالمرية } لما كانت نكبة السلطان بالقيروان وانتثر ملك زناتة وانتقضت قواعد سلطانهم اجتمع كل قوم منهم لابرام أمرهم والنظر في شأن جماعتهم وكانوا جميعا نزعوا إلى الكعوب الخارجين على السلطان وبنزوعهم تمت الدبرة على ولحقوا بتونس مع الحاجب أبى
محمد بن تافراكين ليلحقوا منها بأعمالهم وكان في جملة السلطان جماعة من أعياصهم منهم عثمان واخوته الزعيم ويوسف وابراهيم ابناء عبد الرحمن بن يحيى بن يغمراسن بن زيان سلطان بنى عبد الواد صار في ايالة السلطان منذ فتح تلمسان وانزالهم بالجزيرة للرباط ثم رجعوا بعد استئثار الطاغية بها من مكانهم من دولته وساروا إلى القيروان تحت لوائه ومنهم على بن راشد بن محمد بن منديل وقد ذكرنا أخبار أبيه وانه ربى في ايالة السلطان وجو الدولة يتيما وكفلته نعمتها منذ نشأته حتى كأنه لا يعرف سواها فاجتمع بنو عبد الواد بتونس وعقدوا على أنفسهم لعثمان بن عبد الرحمن لما كان كبير اخوته وأتوه(7/280)
ببيعتهم شرقي المصلى العتيق المطل على سيجوم من ساحة البلد لعهدي بهم يؤمئذ وقد وضعوا له درقة بالارض من اللمط أجلسوه عليها ثم ازدحموا مكبين على يده يقبلونها للبيعة ثم اجتمع مر بعدهم مغراوة إلى على بن راشد وبايعوه وحفوا به وتعاهد بنو عبد الواد وسغراوة على الالفة وانتظام الكلمة وهدر الدماء وارتحلوا إلى أعمالهم بالمغرب الاوسط فنزل على بن راشد قومه بموضع عملهم من ضواحي ثلف وتغلبوا على أمصاره وافتتحوا تدلس وأخرجوا منها أولياء السلطان وعسكره وقتلوا القاضى بما زونة سرحان كان مقيما بها لدعوة السلطان ثم سولت له نفسه التوثب والانتزاء فدعا لنفسه وقتله على بن راشد وقومه وأجاز عبد الرحمن وقومه من بنى عبد الواد إلى محل ملكهم بتلمسان فألفوا عثمان بن جرار قد انتزى بها بعد منصرف الامير أبى عنان ودعا لنفسه فتجهم له الناس لتوثبه على المنصب الذى ليس لابيه واستمسك بالبلد أياما يؤمل نزوع قومه إليه ثم زحف إليه بنو عبد الواد وسلطانهم فصدقوه الزحف وثارت به الغوغاء وكسروا أبواب البلد وخرجوا إلى السلطان فأدخلوه القصر و احتل به في جمادى من سنة تسع وتسابق الناس إلى مجلسه مثنى وفرادى وبايعوه البيعة العامة ثم تفقد ابن جرار ثم أعزى به البحث فعثر عليه ببعض زوايا القصر واحتل إلى المطبق فأودع به إلى
أن سرب إليه الماء فمات غريقا في هوته وساهم السلطان أبو سعيد عثمان أخاه أبا ثابت الزعيم في سلطانه وأشركه في أمره وأردفه في ملكه وجعل إليه أمر الحرب والنواحى والبد وكلها واستوز قريبه يحيى بن داود بن مكن من ولد محمد بن يندوكس بن طاع الله واستوسق ملكهم وأوفدوا مشيختهم على الامير أبى عنان صاحب المغرب وسلطان بنى مرين فعقدوا معه السلم والمهاذنة واشترطوا له عن أنفسهم دفاع السلطان إليه وزحفوا إلى وهران من ثغور أعمالهم ونازلوا بها أولياء السلطان وعساكره وعاملها يومئذ عبد الله بن اجانا من صنائع السلطان أبى الحسن إلى أن غلبوه عليها واستنزلوه صلحا لاشهر من حصارها واستمسك أهل الجزائر بطاعة السلطان واعتصموا بها وعقد عليها لقائده محمد بن يحيى بن العسكري من صنائع أبيه بعثه إليهم من تونس بعد نكبة القيروان ونجم بلمدية على ابن يوسف بن زيان بن محمد بن عبد القوى داعيا لنفسه وطالبا سلطان سلفه وامتنع عليه معقل ملكهم بجبل وانشريس لمكان ولد عمر بن عثمان وقومهم من بنى تيغرين في رياسته وانحاش إليه أولاد عزيز من بنى توجين أهل ضاحية لمدية فقاموا بأمره واعصو صبوا عليه وكانت بينه وبين أبناء عمر بن عثمان بن انشريس حرب سجال إلى أن هلك وخلص أمر بنى توجين لابناء عمر بن عثمان وهم على مذاهبهم من طاعة السلطان وتمسكهم بدعوته وهو مقيم خلال هذا بتونس إلى أن أزمع لرحله(7/281)
واحتل بالجزائر كما نذكره ان شاء الله تعالى * (الخبر عن رجوع الثغور الغربية لامراء الموحدين ببجاية وقسنطينة) * لما توثب الامير أبو عنان على ملك أبيه وبويع بتلمسان وكانت للامير أبى عبد الله محمد ابن الامير أبى زكريا صاحب بجاية لديه خلة ومصافاة من لدن بعثه إليه السلطان أمره من بجاية وأنزله بتلمسان فدعاله السابقة وآثره بالامارة وعقد له على محل امارته من بجاية وأمده بما يرضيه من المال والسلاح ودفعه إليها ليكون حجرادون
السلطان بتونس وضمن له هذا الامير صده عن الخلوص إليه وسد المذاهب دونه وأوعز أبو عنان إلى أساطيله بوهران فركبها الامير إلى تدلس ودخلها ونزل إليه صنهاجة أهل صاحية بجاية عن عمه الامير أبى العباس الفضل واعصو صبوا عليه وقاموا بأمره لقديم نعمته وسالف امارة أبيه ولما ارتحل الامير أبو عنان إلى المغرب رحل في جملته الامير أبو زيد عبد الرحمن ابن الامير أبى عبد الله صاحب قسنطينة ومعه اخوته فاختصهم يومئذ بتغريبه وخلطهم بنفسه فلما غلب الامير أبو عنان منصور ابن أخيه أبى مالك على البلد الجديد واستولى على المغرب رأى أن يبعث ملوك الموحدين إلى بلادهم ويدفع في صدر أبيه بمكانهم فسرح الامير أبا زيد واخوته وكان منهم السلطان أبو العباس الذى جبر الله به الصدع ونظم الشمل فوصلوا إلى موطن ملكهم ومحل امارتهم وكان مولاهم نبيل صاحب أبيهم قد تقدم إلى بجاية ولحق بالامير أبى عبد الله من حصارها ثم تقدم إلى قسنطينة وبها مولى من موالى السلطان المتغلب عليها وهو الامير أبو العباس الفضل فلحين اطلاعه على جهاتها وشعور أهلها بمكانه لقحت منهم عزائز المودة وذكروا جميع الايالة وأجمعوا التوثب بواليهم واحتل نبيل بظاهر قسنطينة فشرهت العامة إلى امارته والقيام بدعوة مواليه وتوثب أشياعهم على أولياء عمهم فأخرجوهم واستولى القائد نبيل على قسنطينة وأعمالها واقام دعوة الامير أبى زيد واخوته كما كانت أول مرة بها وجاؤا من المغرب إلى مراكز امارتهم ودعوتهم بها قائمة ورايتهم على انحائها خافقة فاحتلوا بها حلوا الآساد بعرانينها والكواكب بآفاقها ونهض الامير أبو عبد الله محمد فيمن اجتمع إليه من البطانة والاولياء إلى محاصرة بلد بجاية فأحجر عمه بالبلد وأخذ بمخنقها أياما ثم أفرج عنها ثم رجع إلى مكانه من حصارها ودس إليه بعض أشياعه بالبلد وسرب إليه المال في الغوغاء فواعدوه فتح أبواب الربض في احدى ليالى رمضان سنة تسع وأربعين واقتحم البلد وملا الفضاء بهدير طبوله فهب الناس من مراقدهم فزعين وقد ولج الامير وقومه البلد ونجا الامير الفضل إلى شعاب الجبل وكواريه المطل على
القصبة راجلا حافيا فاختفى به إلى أن عثر عليه ضحى النهار وسيق إلى ابن أخيه فحن(7/282)
عليه وأركبه السفين إلى محل امارته من بونة وخلص ملك بجاية للامير أبى عبد الله هذا واقتعد سرير آبائه بها وكتبوا للامير أبى عنان بالفتح وتجديد المخالصة والموالاة والعمل عن مدافعة أبيه عن جهاته والله تعالى أعلم { الخبر عن نهوض الناصر ابن السلطان ووليه عريف بن يحيى من تونس إلى المغرب الاوسط } لما بلغ السلطان خبر ما وقع بالمغرب من انتقاض أطرافه وتغلب الاعياص من قومه وسواهم على أعماله ووصل إليه يعقوب بن على أمير لزواودة بولده وعماله ووفده نظر في تلافى أمره بتسريح ولده الناصر إلى المغرب الاوسط لارتجاع ملكه ومحو آثار الخوارج من أعمالهم فنهض مع يعقوب بن على وأصبحة وليه عريف بن يحيى أمير زغبة ليستظهر به على ملك المغرب وقدمها طليعة بيزيديه وسار الناصر إلى بسكرة واضطرب معسكره بها ثم فصل من بلاد رياح إلى بلاد زغبة واجتمع إليه أولياءهم من العرب ومن زناتة من بنى توجين أهل وانشريس وغيره وزحف إليهم الزعيم أبو ثابت من تلمسان في قومه من بنى عبد الواد وغيرهم للمدافعة والتقى الجمعان بوادي ورك فانفضت جموع الناصر وانذعروا ورجع على عقبه إلى بسكرة وخلص عريف بن يحيى إلى قومه سويد ثم قطع القفر إلى المغرب الاقصى ولحق بالامير أبى عنان فنزل منه بألطف محل ورجع الناصر إلى بسكرة وارتحل مع أوليائهم أولاد مهلهل لمدافعة أولاد أبى الليل وسلطانهم المولى الفضل عن تونس كما ذكرناه وأحسوا به فنهض إليهم وفروا أمامه إلى أن خلص الناصر إلى بسكرة ثانية واتخذها مثوى إلى أن لحق بأبيه بالجزائر عند رحلته من تونس كما نذكره ان شاء الله تعالى { الخبر عن ر - لة السلطان أبى الحسن إلى المغرب وتغلب
المولى الفضل على تونس ومادعا إلى ذلك من الاحوال } لما خلص المولى الفضل ابن مولانا السلطان أبى يحيى من نكبة بجاية وامتن عليه ابن أخيه فلحق بمحل امارته من بونة وافته بها مشيخة أولاد أبى الليل أوفدهم عليه بنو حمزة ابن عمر يستحثونه لملك افريقية ويرغبونه فيه فأجاب داعيتهم ونهض إليهم بعد قضاء نسك الفطر من سنة تسع وأربعين ونزل بحللهم وأوجفوا بخيلهم وركابهم على ضواحي افريقية وجبوها وصمدوا إلى تونس فنازلوها وأخذوا بمخنقها أياما ثم أخذ بحجزتهم عنها شيعة السلطان وأولياؤه من أولاد مهلهل وابنه الناصر عند قفوله من المغرب الاوسط مغلولا فرحلوهم وشردوهم ثم رجعوا إلى مكانهم من حصارها ثم انفضوا عنها وتحيز خالد بن حمزة إلى شيعة السلطان أبى الحسن مع أولاد مهلهل وقومه فاعتزوا به(7/283)
وذهب عمر بن حمزة إلى المشرق لقضاء فرضه وأجفل أبو الليل أخوه مع المولى المفضل إلى القفر حتى كان من دخول أهل الجريد في طاعته ما نذكره ان شاء الله تعالى وكان السلطان لما خلص من القيروان إلى تونس وفد إليه أحمد بن مكى مهنيا ومفاوصا في شأن الثغر وما منى به من انتقاض الاطراف وفساد الرعية وتدارك السلطان أمره عند فواته بالتولية على أهل القطر من جنسهم استئلافا للكافة واستبقاء لطاعتهم فعقد على عمل قابس وجربة والحامة وما إليها العبد الواحد ابن السلطان زكريا بن أحمد اللحيانى وأنفذ مع أحمد بن مكى إلى عمله فهلك بجربة لليال من مقدمه في الطاعون الجارف عامئذ وعقد لابي القاسم بن عتو شيخ الموحدين على توزرو نفطة وسائر بلاد الجريد بعد أن كان استخلصه بعد مفر أبى محمد بن تافراكين قريعه وما أضمر من سوء دخلته فنزل بتوزر وجمع أهل الجريد على الولاية والمخالصة ولما نازل المولى أبو العباس الفضل تونس مرتين وشرد أولاد مهلهل وامتنعت عليه عمد إلى الجريد سنة خمس يحاول فيه ملكا وخاطب أبا القاسم بن عتو يذكره عهده وعهد سلفه وحقوقهم فتذكروحن ونظر إلى
ما ناله به السلطان من المثلة في أطرافه واستثاركا من حقده فانحرف وحمل الناس على طاعة المولى الفضل ابن مولانا السلطان أبى يحيى فسارعوا إلى الاجابة وبايعه أهل توزر وقفصة ونفطة والحامة ثم دعا ابن مكين إلى طاعته فأجاب إليها وبايعها أهل قابس وجربة أيضا وانتهى الخبر إلى السلطان باستيلاء المولى الفضل على أمصار افريقية وأنه ناهض إلى تونس فأهمه الشأن وخشى على أمره وكانت بطانته يوسوسون إليه لرحلة إلى المغرب لاسترجاع نعمتهم باسترجاع ملكه فأجابهم إليها وشحن أساطيله بالاقوات وأزاح علل المسافرين ولما قضى منسك الفطر من سنة خمسين ركب البحر أيام استفحال فصل الشتاء وعقد لابنه أبى الفضل على تونس ثقة بما بينه وبين أولاد حمزة من الصهر وتفاديا بمكانه من معرة الغوغاء وثورتهم وأقلع من مرسى تونس ولخمس دخل مرسى بجاية وقد احتاجوا إلى الماء فمنعهم صاحب بجاية من الورود وأو عز إلى سائر سواحله بمنعهم فزحفوا إلى الساحلل وقاتلوا من صدهم عن الماء إلى أن غلبوهم واستقوا وأقلعوا وعصفت بهم الريح ليلتئذو جاءهم الموج من كل مكان وألقاهم اليم بالساحل بعد أن تكسرت الاجفان وغرق الكثير من بطانته وعامة الناس وقذف الموج بالسلطان فألقاه إلى الجزيرة قرب الساحل من بلاد زواوة مع بعض حشمه عراة فمكثوا ليلته وصبحهم جفن من الاساطيل كان قد سلم من ذلك العاصف فقربوا إليه حين رأوه وقد تصايح بن البربر من الجبال وتواثبوا إليه فاختطفه أولياؤه من أهل الجفن قبل أن يصل إليه البربر وقذفوا به إلى الجزائر فنزل بها ولام صدعه وخلع على من وصل من فل(7/284)
الاساطيل ومن خرج إليه من أوليائه ولحق به ابنه الناصر من بسكرة واتصل بالمولى الفضل خبر رحيله من تونس وهو ببلاد الجريد فأغذ السير إلى تونس ونزل بها على ابنه ومن كان بها من مخلف أوليائه فغلبوهم عليها واتصل أهل البلد بهم وأحاطوا يوم منى بالقصبة واستنزلوا ابن السلطان أبا الفضل الامير بالقصبة على الامان فخرج إلى بيت أبى
الليل بن حمزة وأنفذ معه من أبلغه إلى مأمنه فلحق بأبيه بالجزائر وبادر إلى السلطان على بن يوسف المنتزى بلدية من بنى عبد القوى فصار في جملته وخرج له عن الامر وزعم أنه انما كان قائما بدعوته فتقبل منه وأقره على عمله ووفد عليه أولياؤه من العرب سويد والحرث والحصين ومن إليهم ممن اجتمع إلى وليه وترمار بن عريف المتمسك بطاعته ووفد عليه أيضا على بن راشد أمير مغراوة وأغزاه بنى عبد الواد واشترط عليه اقراره بوطنه وعمله إذا تم أمره فأبى من قبول الاشتراط ضنا بعهده من النكث فنزع عنه وصار إلى مظاهرة بنى عبد الواد وبعث أبو سعيد عثمان صاحب تلمسان إلى الامير أبى عنان في المدد فبعث إليه بعسكر من بنى مرين عقد عليهم ليحيى بن رحو بن تاشفين بن معطى من تيربيعن وزحف الزعيم أبو ثابت إلى حرب السلطان أبى الحسن فيمن اجتمع له من عسكر بنى مرين ومغراوة وخرج السلطان من الجزائر وعسكر بمتيجة واحتشد وترمار سائر العرب بحللهم ووافاه بهم وارتحلوا إلى شلف ولما التقى الجمعان بشد بونة صدقه مغراوة الحملة وصابرهم ابنه الناصر وطعن في الجولة فهلك واختل مصاف السلطان واستبيح معسكره وانتهب فساطيطه وخلص مع وليه وترمار بن عريف وقومه بعد ان استبيحت حللهم فخرجوا إلى جبل وانشريس ثم لحقوا بجبل راشد ورجع القوم عن اتباعهم وانكفؤا إلى الجزائر فتغلبوا عليها وأخرجوا من كان بها من أولياء السلطان ومحوا آثار دعوته من المغرب الاوسط جملة والامر بيد الله يؤتيه من يشاء { الخبر عن استيلاء السلطان على سجلماسة ثم فراره عنها امام ابنه مراكش واستيلائه عليها وما تخلل ذلك } لما انفضت جموع السلطان بشدبونة وقل عساكره وهلك الناصر ابنه خلص إلى الصحراء مع وليه وترمار ولحق بحلل قومه سويد وأوطانهم قبلة جبل وانشريس وأجمع أمره على قصد المغرب موطن قومه ومنبت عزه ودار ملكه وارتحل معه وليه وترمار بالنازعة من قومه وخرجوا إلى جبل راشد ثم أبعدوا المذاهب وقطعوا المفاوز إلى
سجلماسة في القفر فلما أطلوا عليها وعاين أهلها السلطان تهافتوا عليه تهافت الفراش وخرج إليه العذارى من وراء ستورهن صاغية إليه وايثار الايالته وفر العامل بسلجماسة إلى منجاته وكان الامير أبو عنان لما بلغه الخبر بقصد سجلماسة وارتحل إليها(7/285)
في قوسه وكافة عساكره بعد أن أزاح عللهم وأفاض عطاءه فيهم وكان ببنى مرين نفرة عن السلطان وحذر من غائلته لجنايتهم بالتخاذل في المواقف والفرار عنه في الشدائد ولما كان يبعدبهم في الاسفار ويتجشم بهم المهالك فكانوا لذلك مجتمعين على منابذته ومخلصين في مناصحة ابنه منازعة فما لبث السلطان أن جاءه الخبر بوصولهم إليه في العساكر الضخمة مغذين السير إلى دفاعه وعلم من حاله انه لا يطيق دفاعهم وأجفل عنه وترمار وليه في قومه سويد وكان من خبره أن عريف بن يحيى كان نزع إلى الامير أبى عنان وأحله بمحله المعهود من تشريفهم وولايتهم حتى إذا بلغه الخبر بمناصحة وترمار للسلطان ومظاهرته وقصده المغرب معه بناجعته زوى عنه وجه رضاه بعض الشئ وأقسم له لئن لم تفارق السلطان لا وقعن بك وبابنك عشر وكان معه في جملة الامير أبى عنان وأمره بأن يكتب له بذلك فآثرو ترمار رضا أبيه وعلم أن غناءه عن السلطان في وطن المغرب قليل فأجفل عنه ولحق من قومه وألقى عصاه ببسكرة فكان ثواؤه بها إلى أن لحق بالامير أبى عنان على ما نذكره ولما اجفل السلطان عن سجلماسة دخل الامير أبو عنان إليها وثقف أطرافها وسد فروجها وعقد عليها ليحياتن بن عمر بن عبد المؤمن كبير بنى ونكاسن وبلغه قصد السلطان إلى مراكش فاعتزم على الرحلة إليها وانثنى عليه قومه فرجع بهم إلى فاس إلى أن كان من خبرهم مع السلطان ما نذكره ان شاء الله تعالى { الخبر عن استيلاء السلطان على مراكش ثم انهزامه أمام الامير أبى عنان ومهلكه بجبل هنتاتة عفا الله عنه } لما أجفل السلطان عن سجلماسة سنة احدى وخمسين بين يدى الامير أبى عنان وعسكر
بنى مرين قصد مراكش وركب إليها الاوعار من جبال المصامدة ولما شارفها تسارع إليه أهل جهاتها بالطاعة من كل أوب ونسلوا من كل حدب ولحق عامل مراكش بالامير أبى عنان ونزع إلى السلطان صاحب ديوان الجبابة أبو محمد بن محمد بن أبى مدين بما كان في المودع من مال الجباية فاختصه واستكتبه وجعل إليه علامته واستركب واستلحق وجبى الاموال وبث العطاء ودخل في طاعته قبائل العرب من جشم وسائر المصامدة وثاب له بمراكش ملك أمل معه أن يستولى على سلطانه ويرتجع فارط أمره من يدمبتزه وكان الامير أبو عنان لما رجع إلى فاس عسكر بساحتها وشرع في العطاء وازاحة العلل وتقبض على كاتب الجباية يحيى بن حمزة بن شعيب بن محمد بن أبى مدين اتهمه بمبالاة بنى مرين في الامالة عليه عن اللحقاق بمراكش من سجلماسة وأثار حقده في ذلك ما كان من نزوع عمه أبى المجد إلى السلطان بأموال الجباية ووسوس إليه في السعاية به كاتبه وخالصته أبو عبد الله محمد بن أبى محمد بن أبى عمر لما بينهما من المنافسة فتقبض عليه(7/286)
وامتحنه ثم قطع لسانه وهلك في ذلك الامتحان وارتحل الامير أبو عنان وجموع بنى مرين إلى مراكش وبرز السلطان إلى لقائهم ومدافعتهم وانتهى كل واحد من الفريقين إلى وادى أم ربيع وتربص كل بصاحبه اجازة الوادي ثم اجازه السلطان أبو الحسن وأصبحوا جميعا في التعبية والتقى الجمعان بثامر غوست في آخر صفر من سنة احدى وخمسين فاختل مصاف السلطان وانهزم عسكره ولحق به أبطال بنى مرين فرجعوا عنه حياء وهيبة وكبابه فرسه يومئذ في مفره فسقط إلى الارض والفرسان تحوم حوله واعترضهم دونه أبو دينار سليمان بن على بن أحمد أمير الزواودة ورديف أخيه يعقوب كان هاجر مع السلطان من الجزائر ولم يزل في جملته إلى يومئذ فدافع عنه حتى ركب وسار من ورائه رد أله وتقبض على حاجبه علال بن محمد فصار في يد الامير أبى عنان وأودعه السجن إلى أن امتن عليه بعد مهلك أبيه وخلص السلطان إلى جبل هنتاتة
ومعه كبيرهم عبد العزيز بن محمد بن على فنزل عليه وأجاره واجتمع إليه الملا من قومه هنتاتة ومن انضاف إليهم من المصامدة وتأمروا وتعاهدوا على الدفاع عنه وبايعوه على الموت وجاء أبو عنان على اثره حتى احتل بمراكش وأنزل عساكره على جبل هنتاتة ورتب المسالح لحصاره وحربه وطال عليه ثواؤه وطلب السلطان من ابنه الابقاء وبعث في حاجبه محمد بن أبى عمر فحضر عنده وأحسن العذر عن الامير أبى عنان والتمس له الرضا منه فرضى عنه وكتب له بولاية عهده وأو عز إليه بأن يبعث له مالا وكسا فسرح الحاجب بن أبى عمر باخراجها من المودع بدار ملكهم واعتل السلطان خلال ذلك فمرضه أولياؤه وخاصته وافتصد لاخراج الدم ثم باشر الماء لفصده للطهارة فورم وهلك لليال قريبة عفا الله عنه لثلاث وعشرين مع ربيع الثاني سنة ثنتين وخمسين وبعث أولياؤه الخبر إلى ابنه بمعسكره من ساحة مراكش ورفعوه على أعواده إليه فتلقاه حافيا حاسرا وقبل أعواده وبكى واسترجع ورضى عن أؤليائه وخاصته وأنزلهم بالمحل الذى رضوه من دولته ووارى أباه بمراكش إلى أن نقله إلى مقبرة سلفهم بشالة في طريقه إلى فاس وتلقى أبا دينار بن على بن أحمد بالقبول والكرامة وأحله محل الرحب والسعة وأسنى جائزته وخلع عليه وحمله وانصرف من فاس إلى قومه يستحثهم للقاء السلطان أبى عنان بتلمسان لما كان أجمع على الحركة إليه بعد مهلك أبيه ورعى لعبد العزيز بن محمد أمير هنتاتة اجارته للسلطان واستماتته دونه فعقد له على قومه وأحله بالمحل الرفيع من دولته ومجلسه واستبلغ في تكريمه والله تعالى أعلم { الخبر عن حركة السلطان أبى عنان إلى تلمسان وايقاعه ببنى عبد الواد بانكاد ومهلك سلطانهم سعيد }(7/287)
لما هلك السلطان أبو الحسن وانقضى شأن الحصار ارتحل السلطان أبو عنان إلى فاس ونقل ثلو أبيه إلى مقبرتهم بشالة فدفنه مع من هنالك من سلفه وأغذ السير إلى فاس وقد
استبد بالامر وخلت الدولة عن المنازع فاحتل بفاس وأجمع أمره على غزو بنى عبد الواد لارتجاع ما بأيديهم من الملك الذى سمو الاستخلاصه ولما كان فتح سنة ثلاث وخمسين نادى بالعطاء وأزاح العلل وعسكر بساحة البلد الجديد واعترض العساكر وارتحل يريد تلمسان واتصل الخبر بأبى سعيد وأخيه فجمعوا قومهم ومن إليهم من الاشياع والاحزاب من زناتة والعرب وارتحلوا إلى لقائه ونزل السلطان بعساكره وادى ملوية وتلوم به أياما لاعتراض الحشود والعرب ثم رحل على التعبية حتى إذا احتل ببسيط أنكادو تراءى الجمعان انفض سرعان المعسكر ولحقوا بالعرب وركب السلطان في التعبية وخاض بحر القتال وقد أظلم الجوبه حتى إذا خلص إليهم من غمره وخالطهم في صفوفهم ولوهم الادبار ومنحوهم الاكتاف واتبع بنو مرين آثارهم فاستولوا على معسكرهم واستباحوه واستباحوهم قتلا وسبيا وصفدوهم أسرى وغشيهم الليل وهم متسايلون في اثرهم وتقبض على أبى سعيد سلطانهم فسيق إلى السلطان فأمر باعتقاله وأطلق أيدى بنى مرين من الغد على حلل العرب من المعقل فاستباحوهم واكتسحوا أموالهم جزاء بما شرهوا إليه من النهب في المحلة في هيعة ذلك المجال ثم ارتحل على تعبيته إلى تلمسان فاحتل بها لربيع من سنته واستوت في ملكها قدمه وأحضر أبا سعيد فقرعه ووبخه وأراه أعماله حسرة عليها وأحضر الفقها وأرباب الفتيا فأفتوا بحرابته وقتله فأمضى حكم الله فيه فذبح في محبسه لتاسعة من اعتقاله وجعله مثلا للآخرين وخلص أخوه الزعيم أبو ثالث إلى قاصية الشرق فكان من خبره ما نذكره ان شاء الله تعالى والله أعلم { الخبر عن شأن أبى ثابت وايقاع بنى مرين به بوادي شلف وتقبض الموحدين عليه ببجاية } لما أوقع السلطان ببنى عبد الواد بانكاد وتقبض على أبى سعيد سلطانهم خلص أبو ثابت أخوه في فل منهم ومر بتلمسان فاحتمل حرمهم ومخلفهم وأجفل إلى الشرق فاحتل
بشلف من بلاد مغراوة وعسكر هنالك واجتمع إليه أوشاب من زناتة وحدث نفسه باللقاء ووعدها بالصبر والثبات وسرح السلطان وزيره فارس بن ميمون بن ودرار في عساكر بنى مرين والجند فأغذ السير إليهم وارتحل من تلمسان على اثره ولما تراءى الجمعان صدق الفريقان المجاولة وخاضوا النهر بالقراع ثم صدق بنو مرين الحملة واجتازوا النهر إليهم فانكشفوا واتبعوا آثارهم واستلحموهم واستباحوا معسكرهم(7/288)
واستاقوا أموالهم ودوابهم ونساءهم وارتحلوا في اتباعهم وكتب الوزير بالفتح إلى السلطان ومر أبو ثابت بالجزائر طارقا وأجاز إلى قاصية المشرق فاعترضهم قبائل زواوة وأرجلوهم عن خيلهم وانتهبوا أسلابهم ومروا حفاة عراة واحتل الوزير بالجزائر واستولى عليها واقتضى بيعة السلطان منهم فآتوها واحتل الوزير بلمدية وأو عز إلى أمير بجاية المولى أبى عبد الله حافد مولانا الامير أبى يحيى مع وليه وترمارو خالصته يعقوب بن على بالتقبض على أبى ثابت فأذكوا العيون عليهم وقعدوا لهم بالمرصاد وعثر بعض الحشم على أبى ثابت وأبى زيان ابن أخيه أبى سعيد ووزير هم يحيى بن داود فرفعوهم إلى الامير ببجاية فاعتقلهم وارتحل للقاء السلطان بلمدية وبعثهم مع مقدمته وجاء على اثرهم ونزل على السلطان بمعسكره من لمدية خير نزل بعد ان تلقاه بالمبرة والاحتفاء وركب للقائه ونزل عن فرسه للسلطان فنزل السلطان بواءله وأودع أبا ثابت السجن وتوافت إليه وفود الزواودة بمكانه من لمديه فأكرم وفدهم وأسنى أعطياتهم من الخلع والحملان والذهب وانقلبوا خير منقلب ووافته بمكانه ذلك بيعة ابن مزنى عامل الزاب ووفدهم فأكرمهم ووصلهم وفرغ السلطان من شأن المغرب الاوسط وبث العمال في نواحيه وثقف اطرافه وسما إلى ملك افريقية كما نذكره ان شاء الله تعالى * (الخبر عن تملك السلطان أبى عنان بجاية وانتقال صاحبها إلى المغرب) * لما وصل السلطان أبو عبد الله محمد بن الامير أبى زكريا يحيى صاحب بجاية إلى السلطان
بمكانه من لمدية في شعبان من سنته وأقبل السلطان عليه وبوأه كنف ترحيبه وكرامته خلص الامير به نجيا وشكا إليه ما يلقاه من أهل عمله من الامتناع من الجباية والسعى في الفساد وما يتبع ذلك من زبون الحامية استبداد البطانة وكان السلطان متشوفا لمثلها فأشار عليه بالنزول عنها وان يديله عنها بما شاء من بلاده فسارع إلى قبول اشارته ودس إليه مع حاجبه محمد بن أبى عمرو أن يشهد بذلك على رؤس الملا ففعل ونقم عليه بطانته ذلك وفر بعضهم من معسكره فلحق بافريقية ومنهم على ابن القائد محمد بن الحكيم وأمره السلطان أن يكتب بخطه إلى عامله على البلد بالنزول عنها وتمكين عمال السلطان منها ففعل وعقد السلطان عليها العمر بن على الوطاسى من أولاد الوزير الذى ذكرنا خبر انتزائهم بتازوطا من قبل ولما قضى السلطان حاجته من المغرب الاوسط واستولى على بجاية انكفأ راجعا إلى تلمسان لشهود الفطر بها ودخلها في يوم مشهود وحمل أبا ثابت ووزيره يحيى بن داود على جملين يخطوان بهما في ذلك المحفل بين السماطين فكانا عبرة لمن حضرو جنبا من الغد إلى مصارعهما فقتلا قعصا بالرماح وأنزل السلطان المولى الامير أبا عبد الله صاحب بجاية خير نزل وفرش له في مجلسه تكرمة له(7/289)
إلى أن كان من توثب صنهاجة وأهل بجاية بعمر بن على ما نحن ذاكروه ان شاء الله تعالى * (الخبر عن بورة اهل بجاية ونهوض الحاجب إليها في العساكر) * كان صنهاجة هؤلاء من أعقاب ملكانة ملوك القلعة وبجاية نزل أولوهم بوادي بجاية بين القبائل من برابرتها الكتاميين في مواطن بنى ور ياكل منذ أول دولة الموحدين وأقطعوهم على العسكرة معهم ولما ضعفت جنود الموحدين وقل عددهم انفردوا بالعسكرة مع السلطان وصار لهم بذلك اعتزاز وزبون على الدولة وكان الامير أبو عبد الله هذا قد أصاب منهم لاول أمره وقتل محمد بن تميم من أكابر مشيختهم وكان صاحبه فارح مولى ابن سيد الناس عريفا عليهم من عهد أبيه الامير أبى زكريا وكان مستبدا على
المولى أبى عبد الله فلما نزل عن امارته للسلطان أبى عنان سخط ذلك ونقمه عليه وأسرها في نفسه ولم يبدها لكماله وسرحه أميره مع عمر بن على الوطاسى لينقل حرمه ومتاعه وماعون داره فوصل إليها وشكا إليه الصنهاجيون مغبة أمرهم في ثقل الوطأة وسوء الملكة فأشكاهم ودعاهم إلى الثورة ببنى مرين والقيام بدعوة الموحدين للمولى أبى زيان صاحب قسنطينة فأجابوه وتواعد وابالفتك بعمر بن على بمجلسه من القصبة وتولى كبرها منصور بن الحاج من مشيختهم وباكره بداره على عادة الامراء ولما أكب عليه ليلثم أطرافه طعنه بخنجره وفر إلى بيته جريحا فولجوا عليه واستلحموه وثارت الغوغاء من أهل البلد في ذى الحجة من سنة ثلاث وخمسين وركب الحاجب فارح وهتف الهاتف بدعوة المولى أبى زيد صاحب قسنطينة وطيروا بالخبر واستدعوه فتثاقل عن اجابتهم وبعث مولى ابن المعلوجى للقيام بأمرهم وبلغ الخبر إلى السلطان فاتهم المولى أبا عبد الله بمداخلة حاجبه فاعتقله بداره واعتقل وفدا من ملا بجاية كان ببابه وثبتت آراء المشيخة من أهل بجاية وتمشت رجالاتهم وأولوا لرأى والشورى منهم في الفتك بصنهاجة والعلج وداخلهم القائد هلال مولى ابن سيد الناس وتواعد واللفتك بفارح يوم وصول النائب من قبل صاحب قسنطينة فجهروا بالنكير على الحاجب ودعوه إلى المسجد ليؤامروه ونذر بأمرهم فاعتد دار الشيخ الفتيا أحمد بن ادريس فاقتحموا عليه الدارو باشره مولاه محمد بن سيد الناس فطعنه وأشواه ورمى بشلوه من سقف الدار وقطع رأسه فبعثوا به إلى السلطان وفر منصور بن الحاج وقومه صنهاجة من البلد وكان بالمرسى أحمد بن سعيد القرمونى من خاصة السلطان جاء في السفن لبعض حاجاته من تونس ووافى مرسى بجاية يومئذ فأنزلوه واعصو صبوا عليه وتنادوا بدعوة السلطان وطاعته فأشار عليهم أحمد القرمونى أن يبعثوا إلى قائد تدلس من مشيخة بنى مرين يحياتن بن عمر بن عبد المؤمن الونكاسى فاستدعوه ووصل إليهم في جملة من(7/290)
العسكر وبعثوا بأخبارهم إلى السلطان وانتظروا فلما بلغ الخبر إلى السلطان أمر حاجبه محمد بن أبى عمر بالنهوض إلى بجاية فعسكر بساحة تلمسان وانتقى له السلطان من قومه وجنوده خمسة آلاف فارس أزاح عللهم واستوفى أعطياتهم وسرحه فنهض من تلمسان بعد قضاء منسك الاضحى وأغذ السير إلى بجاية ولما نزل ببنى حسن جمع له صنهاجة ثم خاموا عن اللقاء ولحقوا بقسنطينة وأجازوا منها إلى تونس واحتل الحاجب بمعسكرهم من تيكلات وخرج إليه المشيخة والوزراء فتقبض على القائد هلال وأشخصه إلى السلطان ودخل البلد على التعبية واحتل بقصبتها المحرم فاتح أربع وخمسين وسكن الناس وخلع على المشيخة واختص على بن ومحمد بن سيد الناس واستظهر بهم على أمره وتقبض على جماعة من الغوغاء وعلى من تحت أيديهم ممن يتهم بالمداخلة في الثورة يناهزون مائتين واعتقلهم وأركبهم السفن إلى المغرب فودع الناس وسكنوا وتوافت وفود الزواودة من كل جهة فأجزل صلاتهم واقتضى الطاعة منهم ووصل عامل الزاب يوسف وسد فروجه وارتحل إلى تلمسان أول جمادى لشهرين من مدخله وأغذ السير بمن معه من العرب والوفود وكنت يومئذ في جملتهم وقد خلع على وحملنى وأجزل صلتي وضرب لى الفساطيط فوفدت في ركابه وقدم تلمسان لاول الجمادى الاخيرة فجلس السلطان للوفد واعترض ما جنب له من الجياد والهدية وكان يوما مشهودا ثم أسنى السلطان جوائز الوفد واختص يوسف بن مزنى ويعقوب بن على بمزيد من البر والصلة وخصوا بجاه من الكرامة وآمرهم في شأن افريقية ومنازلة قسنطينة ورجع معهم الحاجب ابن أبى عمر على كره منه لما نذكره من أخباره وانصرفوا إلى مواطنهم لاول شعبان من سنة أربع وخمسين وانقلبت معه بعد اسناء الجائزة والخلع والحملان من السلطان والوعد الجميل بتجديد ما إلى قومه ببلده من الاقطاع والله أعلم { الخبر عن الحاجب ابن أبى عمرو وما عقد له السلطان
على ثغر بجاية وعلى منازلة قسنطينة ونهوضه لذلك } سلف هذا الرجل من أهل المهدية من أجواد العرب من بنى تميم بافريقية وانتقل جده على إلى تونس باستدعاء السلطان المستنصر وكان فقيها عارفا بالغتيا والاحكام وقلده القضاء بالحضرة واستعمله على كتب علامته في الرسائل والاوامر الكبرى والصغرى فاضطلع بذلك وهلك على حالة من التجلة والمنصب وقلد ابنه عبد الله من بعده العلامتين أيام أبى حفص عمر ابن الامير أبى زكريا كما كان لابيه فاضطلع لذلك وكان أخوه أحمد بن على مستنا وقورا منتخلا للعلم ونشأ ابنه محمد وقرأ بتونس وتفقه على(7/291)
مشيختها ولما التاثت أمورهم وتلاشت أحوالهم خرج محمد بن أحمد بن على مبتغيا للرزق والمعاش وطوحت به الطوائح إلى بلد القل وكان منتخلا للطلب والكتابة فاستعمل شاهدا بمرسى القل أيام رياسة الحاجب ابن أبى عمرو وكانت له صحبة مع حسن بن محمد السبتى المنتحل بنسب الشرف وكانا رفيقين في مطارح اغترابهما فسعى له في مرافقة الشهرة فأسعفا واتصلا بابن أبى عمر وفحمد مذاهبهما ولما نزع الشريف عبد الوهاب زعيم تدلس إلى طاعة الموحدين أيام التياث أبى حمو بخروج محمد بن يوسف عليه واعتلال الدولة ودخل في أمر ابن أبى عمرو وجملته فبعث محمد بن أبى عمرو هذا وصاحبه إلى تدلس واستعمل حسن الشريف في القضاء ومحمد بن أبى عمرو في شهادة الديوان فلما برئت الدولة من مرضها واستفحل أمر أبى حمو وتغلب على تدلس وصار رئيس الفتيا من الامام لاقتضاء طاعتها وانفاذ أهلها على السلطان في الوفد واستقر بتلمسان يومئذ واستعملا في خطة القضاء متعاقبين أيام بنى عبد الواد وأيام السلطان أبى الحسن وتعصب على ابن أبى عمرو أيام قضائه جماعة من مشيخة البلد وسعوا به إلى السلطان أبى الحسن وتظلموا فأشكاهم على علم ببراءته واختصه بتأديب ولده فارس هذا وتعليمه فأفرغ وسعه في ذلك وربى ولده محمدا هذا الحاجب مع السلطان أبى عنان توأما وخليلا
وألقى عليه محبته حتى إذا خلص له الملك رفع رتبة محمد بن أبى عمرو هذا ورقاه من منزلة إلى أخرى حتى إذا أربى به على سائر المراتب وجعل إليه العلامة والقيادة والحجابة والسفارة وديوان الجند والحساب والقهرمة سائر القاب دولته وخصوصيات داره فانصرفت إليه الوجوه ووقفت ببابه الاشراف من الاعياص والقبائل والشرفاء والعلماء وسرب إليه العمال أموال الجباية تزلفا وطال أمره واستيلاؤه على السلطان ونفس عليه رجال الدولة ووزراؤها ما آتاه الله من الحظ حتى إذا خلالهم وجه السلطان منه عند نهوضه إلى بجاية حامت أغراض السعاية على مكانه فقرطس وألقى السلطان أذنه إلى استماعها فلما رجع من بجاية وكانت له الدولة على السلطان وجد عليه في قبول ولقيه مغاضبا فتنكر له السلطان ثم تجنى بطلب الغيبة عن الدولة يحتسب من الاعراض عنه ورجع إلى الرغبة في الاقالة فلم يسعف وعقد له على حرب قسنطينة وحكمه في المال والجيش وارتحل في شعبان من سنة أربع وخمسين واحتل ببجاية آخرها ونصب الموحدين تاشفين ابن السلطان أبى الحسن المعتقل عندهم من لدن عهد المولى الفضل واعتقاله اياه فنصبوه للامر لتفريق كلمة بنى مرين وجمعوا له الآله والفساطيط وقام بأمره ميمون بن على لمنافسته مع اخيه يعقوب وتسمع بخبره يعقوب(7/292)
فأغذ السير بحالة من بلاد الزاب وفرق جمعهم وردهم على أعقابهم وأحجزهم بالبلد ولما انصرم الشتاء وقضى منسك الاضحى عسكر بساحة البلد واعترض العساكر وأزاح عللهم وفرق أعطياتهم وارتحل إلى منازلة قسنطينة واجتمع إليه الزواودة بحللهم وجمع المولى أبو زيد صاحب قسنطينة من كان على دعوته من أحياء توبة وميمون ابن على بن أحمد وشيعته من الزواودة وعقد عليهم لحاجبه نبيل وسرحه للقاء ابن أبى عمرو وعساكره فأوقع بهم الحاجب لجمادى من سنة خمس وخمسين واكتسح أموالهم ونازل قسنطينة حتى تفادوا منه بتمكينه من تاشفين ابن السلطان أبى الحسن المنصوب للامر
فاقتادوه إليه وأشخصه إلى أخيه السلطان وأوفد المولى أبو زيد ابنه على السلطان أبى عنان فتقبل وفادته وشكر مراجعته وانكفأ الحاجب ابن أبى عمرو إلى بجاية وأقام بها إلى أن هلك في المحرم سنة ست وخمسين فذهب حميد السيرة عند أهل البلد وتفجعوا لمهلكه وبعث السلطان دوابه لارتحال عياله وولده ونقل شلوه إلى مقبرة أبيه بتلمسان وسرح ابنه أبا زيان في عساكر بنى مرين لمواراته بها وعقد على بجاية لعبد الله بن على بن سعيد وزيره فنهض إليها في شهر ربيع من سنة ست وخمسين واستقر بها وتقبل ما حمده الناس من مذاهب الحاجب وسيرته فيها على ما نذكره وجهز العساكر إلى حصار قسنطينة إلى أن كان من فتحها ما نذكره بعد ان شاء الله تعالى { الخبر عن خروج أبى الفضل ابن السلطان أبى الحسن بجبل السكسيوى ومكر عامل درعة به ومهلكه } كان السلطان أبو عنان بعد مهلك أبيه لحق به في جملته أخواه أبو الفضل محمد وأبو سالم ابراهيم وتدبر في ترشيحهما وتصدر عليه مغبته فأشخصهما إلى الاندلس واستقرابها في ايالة أبى الحجاج ابن السلطان أبى الوليد بن الرئيس أبى سعيد ثم ندم على ما أتاه من ذلك فلما استولى على تلمسان والمغرب الاوسط ورأى أن قد استفحل أمره واعتز بسلطانه أغذ السير إلى ابى الحجاج أن يشخصهما إليه ليكون مقامهما لديه أحوط للكلمة من أن يعتمد تفريقهما سماسرة الفتن وخشى أبو الحجاج عليهما غائلته فأبى من اسلامهما إليه وأجاب الرسل بأنه لا يخفر ذمته وجوار المسلمين المجاهدين فأحفظ السلطان كلمته وأوعز إلى حاجبه محمد بن أبى عمرو بان يخاطبه في ذلك بالتوبيخ واللائمة فكتب له كتابا قرعه فيه وقفنى عليه الحاجب ببجاية أيام كونى معه فقضيت عجبا من فصوله واغراضه ولما قرأه أبوم الحجاج دس إلى كبيرهما أبى الفضل باللحاق بالطاغية وكانت بينهما ولاية ومخالصه منذ مهلك أبيه الهنسة على جبل الفتح سنة احدى وخمسين وسبعمائة فنزع إليه أبو الفضل وجهز به أسطولا إلى مراسي المغرب وأنزله بساحة السوس فلحق(7/293)
بالسكسيوى عبد الله ودعا لنفسه وبلغ الخبر إلى السلطان بين مقدم حاجبه ابن ابى عمرو من فتح بجاية سنة أربع وخمسين فجهز عساكره إلى المغرب وعقد على حرب السكسيوى لوزيره فارس بن ميمون بن وردار وسرحه إليه فنهض من تلمسان لربيع سنة أربع وخمسين وأغذ السير إلى السكسيوى ونزل بمخنقه وأحاط به واختط مدينة لمعسكره وتجهيز كتائبه بسفح جبله سماها القاهرة واستبد الحصار على السكسيوى وأرسل إلى الوزير في الرجوع إلى طاعته المعروفة وأن ينبذ العهد إلى أبى الفضل ففارقه وانتقل إلى جبال المصامدة ودخل الوزير فارس إلى أرض السوس فدوخ أقطارها ومهد الحال وسارت الولاية والجيوش في جهاته ورتب المسالح في ثغوره وأمصاره مثل وتارودانت وثقف أطرافه وسد فروجه وسار أبو الفضل في جبال المصامدة إلى أن انتهى إلى صناكة وألقى بنفسه على ابن حميدي منهم مما يلى بلاد درعة فأجاره وقام بأمره ونازله عامل درعة يومئذ عبد الله بن مسلم الزرد إلى من مشيخة دولة بنى عبد الواد كان اصطنعه السلطان أبو الحسن منذ تغلبه عليهم وفتحه لتلمسان سنة سبع وثلاثين فاستقر في دولتهم ومن جملة صنائعهم فأخذ بمخنق ابن حميدي وأرهبه بوصول العساكر والوزراء إليه وداخله في التقبض على أبى الفضل وان يبذل له في ذلك ما أحب من المال فأجاب ولاطف عبد الله بن مسلم الامير أبا الفضل ووعده من نفسه الدخول في الامر وطلب لقاءه فركب إليه أبو الفضل ولما استمكن منه عبد الله ابن مسلم تقبض عليه ودفع لابن الحميدى ما اشتراط له من المال وأشخصه معتقلا إلى أخيه السلطان أبى عنان سنة خمس وخمسين فأودعه السجن وكتب بالفتح إلى القاصية ثم قتله لليال من اعتقاله خنقا بمحبسه وانقضى أمر الخوارج وتمهدت الدولة إلى أن كان ما نذكره ان شاء الله تعالى * (الخبر عن انتقاض عيسى بن الحسين بجبل الفتح ومهلكه) *
كان عيسى بن الحسين بن على بن أبى الطلاق هذا من مشيخة بنى مرين وكان صاحب شوراهم لعهده وقد كنا قصصنا من أخبار أبيه الحسن عند ذكر دولة أبى الربيع وكان السلطان أبو الحسن قد عقد له على ثغور عمله بالاندلس وأنزله بجبل الفتح عند ما أكمل بناءه وجعل إليه النظر في مسالح الثغور وتفريق العطاء على مسالحها فطال عهد ولايته ورسخ فيها قدمه وكان السلطان أبو الحسن يبعث عنه في الشورى متى عنت وحضره عند سفره إلى افريقية وأشار عليه بالاقتصار عنها وأراه ان قبائل بنى مرين لاتفى اعدادهم بمسالح الثغور إذ رتبت شرقا وغربا وعدوة البحر وان افريقية تحتاج من ذلك إلى أوف الاعداد وأشد الشوكة لتغلب العرب عليها وبعد عهدهم بالانقياد(7/294)
فأعرض السلطان عن نصيحته لما كان شره إلى تملكها وصرفه إلى مكان عمله بالثغور الاندلسية ولما كانت نكبة القيروان وانتزى الابناء بفاس وتلمسان أجاز البحر لحسم الداء ونزل بقساسة ثم انتقل إلى وطنه بتازى وجمع قومه بنى عسكر السلطان أبى عنان قد هزم عساكر ابن أخيه وأخذ بمخنقه فأجلب عليه وبيته بمعسكره من ساحة البلد الجديد وعقد السلطان أبو عنان على حربه لصنيعته سعيد بن موسى العجيسى وأنزله بثغر بلاد بنى عسكر على وادى بوحلوا وتواقفا كذلك أياما حتى تغلب السلطان أبو عنان على البلد الجديد ثم أرسل عيسى بن الحسن في الرجوع إلى الطاعة وأبطأ عنه صريخ السلطان أبى الحسن بافريقية فراجعه واشترط عليه فتقبل وسار إليه فتلقاه السلطان وامتلا سرورا بمقدمه وأنزله بصدوره وجعل الشورى إليه في مجلسه واستمرت على ذلك حاله ولما حال ابن أبى عمرو انفرد بخلة السلطان ومناجاته وحجبه عن الخاصة والبطانة أحفظه ذلك ولم يبدها واستأذن السلطان في الحج فأذن له وقضى فرضه ورجع إلى محله من بساط السلطان سنة ست وخمسين ولقى ابن أبى عمرو ببجاية وتطارح عليه في أن يصلح حاله عند سلطانه فوعده في ذلك ولما وفد على السلطان وجده قد استبد
في الشورى وتنكر للخاصة والجلساء فاستأذنه في الرجوع إلى محله من الثغر لاقامة رسم الجهاد فأذن له وأجاز البحر إلى جبل الفتح من سنته وكان صاحب ديوان العطاء بالجبل يحيى الفرقاجى وكان مستظهرا على العمال وكان ابنه أبو يحيى قدم برم بمكانه فلما وصل عيسى إلى الجبل اتبعه السلطان بأعطيات المسالح مع مسعود بن كندوس من صنائع دولته فسرب الفرقاجى إلى الضرب على يده شأنه مع ابنه أيام مغيبه وأنف عيسى من ذلك فتقبض عليه وأودعه المطبق ورد ابن كندوس على عقبه وأركبه السفين من ليلته إلى سبتة وجاهر بالخلعان وبلغ الخبر إلى السلطان أبى عنان فقلق لذلك وقام في ركائبه وقعد وأوعز بتجهيز الاساطيل وظن أنه قد تدبر من الطاغية وابن الاحمر وبعث أحمد بن الخطيب قائد البحر بطنجة عينا على شأنهم فوصل إلى مرسى الجبل وكان عيسى بن الحسين لما جاهر بالخلعان تمشت رجالات الثغر وعرفاء الرجل من غمارة الغزاة الموطنون بالجبل وتحدثوا في شأنه وامتنعوا من الخروج على السلطان وتآمروا وخالفه سليمان بن داود من عرفاء العسكر كان من خواصه وأهل شوراه وكان عيسى قد مكن قومه عند السلطان واستعمله على رندة فلما جاهر عيسى بالخلعان وركب ظهر الغدر خالفه سليمان هذا إلى طاعة السلطان وأنفذ كتبه وطاعته واشتبه عليه الامر فندم إذ لم يكن بنى أمره على أساس من الرأى فلما احتل أسطول أحمد بن الخطيب بمرسى الجبل خرج إليه وناشده الله والعهد أن يبلغ السلطان طاعته والبراءة مما صنع أهل(7/295)
الجبل ونسبها إليهم فعند ذلك خشى غمارة على أنفسهم فثاروا به ولجأ إلى الحصن فاقتحموه عليه وشدوه وابنه وثاقا وألقوه في أسطول ابن الخطيب وأنزله بسبتة وطير للسلطان بالخبر فخلع عليه وأمر خاصته فخلعوا عليه وبعث عمر ابن وزيره عبد الله بن على وعمر بن العجوز قائد جند النصارى فأحضروهما بدار السلطان يوم منى من سنة ست وجلس لهما السلطان ووقفا بين يديه وتنصلا واعتذرا فلم يقبل منهما وأودعهما السجن وشدد
وثاقهما حتى قضى منسك الاضحى ولما كان ختم سنته أمر بهما فجنبا إلى مصارعهما وقتل عيسى قعصا بالرماح وقطع ابنه أبو يحيى من خلاف وأبى من مداراة قطعه فلم يزل يتخبط في دمه إلى أن هلك لثالثة قطعه وأصبحا مثلا في الآخرين وعقد على جبل الفتح وسائر ثغور الاندلس لسليمان بن داود إلى أن كان من أمره ما نذكره ان شاء الله تعالى * (الخبر عن نهوض السلطان إلى فتح قسنطينة وفتحها ثم فتح تونس عقبها) * لما هلك الحاجب محمد بن أبى عمرو عقد السلطان على ثغور بجاية وما وراءها من بلاد افريقية لوزيره عبد الله بن على بن سعيد وسرحه إليها وأطلع يده في الجباية والعطاء وكانت جبال ضواحي قسنطينة قد تملكها قد تملكها السلطان لما كانت الزواودة متغلبة عليها وكان عامة أهل ذلك الوطن قبائل سد ويكش وعقد السلطان عليهم لموسى بن ابراهيم ابن عيسى وأنزله بتاوريرت آخر عمل بجاية وأخذ بمخنق قسنطينة ثم ارتحل عنها على ما عقد من السلم على المولى الامير أبى زيد أنزل موسى بن ابراهيم بميلة فاستقر بها ولما ولى الوزير عبد الله بن على أمر افريقية أو عز إليه السلطان بمنازلة قسنطينة فنزلها سنة سبع وأخذ بمخنقها ونصب المنجنيق عليها واشتد الحصار بأهلها وكادوا أن يلقوا باليد لولا ما بلغ العسكر من الارجاف بمهلك السلطان فأفرجوا عنها ولحق المولى أبو زيد ببونة وأسلم البلد إلى أخيه مولانا الامير أبى العباس أيده الله تعالى عند ما وصل إليه من افريقية كان بها مع العرب طالبا ملكهم بتونس ومجلبا بهم على ابن تافراكين منذ نازلوا تونس سنة ثلاث وخمسين كما مر فلما رجع الآن إلى قسنطينة مع خالد بن حمزة داخل المولى أبا زيد في خروجه إلى حصار تونس واقامة مولانا أبى العباس بقسنطينة فأجاب لذلك وخرج معه ودخل مولانا أبو العباس إلى قسنطينة ودعا لنفسه وضبط قسنطينة وكان مدلا ببأسه واقدامه وداخله بعض المنحرفين من بنى مرين من أولاد بو سعيد وسدويكش في تبييت موسى بن ابراهيم بمعسكره من ميلة فبيتوه وانتهبوا معسكره وقتلوا أولاده وخلص إلى تاوريرت ثم إلى بجاية ولحق بمولانا السلطان مفلولا
ونكر السلطان على وزيره عبد الله بن على ما وقع بموسى بن ابراهيم وانه قصر في امداده فسرح شعيب بن ميمون وتقبض عليه وأشخصه إلى السلطان معتقلا وعقد على بجاية(7/296)
مكانه ليحيى بن ميمون بن مصمود من صنائع دولته وفى خلال ذلك راسل المولى أبو زيد الحاجب أبا محمد عبد الله بن تافراكين المتغلب على عمه ابراهيم في النزول لهم على قومه والقدوم عليهم بتونس فقبلوه وأحلوه محل ولى العهد واستعملوه على بونة من صنائعهم ولما بلغ خبر موسى بن ابراهيم إلى السلطان أيام التشريق من سنة سبع وخمسين اعتزم على الحركة إلى افريقية واضطرب معسكره بساحة البلد الجديد وبعث في الحشد إلى مراكش وأو عز إلى بنى مرين بأخذ الاهبة للسفر وجلس العطاء والاعتراض من لدن وصول الخبر إليه إلى شهر ربيع من سنة ثمان وخمسين ثم ارتحل من فاس وسرح في مقدمته وزيره فارس بن ميمون في العساكر وسار في ساقته على التعبية إلى أن احتل ببجاية وتلوم لازاحة العلل ونازل الوزير قسنطينة ثم جاء السلطان على اثره ولما أطلت راياته وماجت الارض بعساكره ذعر أهل البلد وألقوا بأيديهم إلى الاذعان وانفضوا من حول سلطانهم مهطعين إلى السلطان وتحيز صاحب البلد في خاصته إلى القصبة ووصل أخوه المولى الفضل فطلب الامان فبذله السلطان لهم وخرجوا وأنزلهم بمعسكره أياما ثم بعث بالسلطان في الاسطول إلى سبتة فاعتقله بها إلى أن كان من أمره ما نذكره بعد وعقد على قسنطينة لمنصور ابن الحاج خلوف البابانى من مشيخة بنى مرين وأهل الشورى منهم وأنزله بالقصبة في شعبان من سنته ووصل إليه بمعسكره من ساحة قسنطينة بيعة يحيى بن يملول صاحب توزرو بيعة على بن الخلف صاحب نفطة ووفد ابن مكى مجدد اطاعته ووصل إليه أولاد مهلهل أمراء الكعوب وأقيال بنى أبى الليل يستحثونه لملك تونس فسرح معهم العساكر وعقد عليهم ليحيى بن رحو بن تاشفين وبعث اسطوله في البحر مدد الهم وعقد
عليهم الرئيس محمد بن يوسف الابكم وساروا إلى تونس وأخرج الحاجب أبا محمد بن تافراكين سلطانه أبو اسحق ابن مولانا السلطان أبى يحيى مع أولاد أبى الليل وجهز معه العساكر لما أحس بقدوم عساكر السلطان ووصل الاسطول إلى مرسى تونس فقاتلهم يوما أو بعض يوم وركب الليل إلى المهدية فتحصن بها ودخل أولياء السلطان إلى تونس في رمضان من سنة ثمان وخمسين وأقاموا بها دعوته واحتل يحيى بن رحو بالقصبة وأنفذ الاوامر وكتبوا إلى السلطان بالفتح ونظر السلطان بعد ذلك في أحوال ذلك وقبض أيدى العرب من رياح عن الاتاوة التى يسمونها الخفارة فارتابوا وطالبهم بالرهن فأجمعوا على الخلاف فأرهف بهم حده ويعقوب بن على أميرهم فخرج معهم ولحقوا معا بالزاب وارتحل في اثرهم وسار يوسف بن مزنى عامل الزاب ببعض الطريق أمامه حتى نزل ببسكرة ثم ارتحل إلى طولقة(7/297)
فتقبض على مقدمها عبد الرحمن بن أحمد بن باشلدة بن مزنى وخرب حصون يعقوب ابن على وأجلفوا إلى القفر أمامه ورجع عنهم وحمل له ابن مزنى جباية الزاب بعد أن رد عامة معكسره بالقرى من الادم والحنطة والحملان والعلوفة ثلاث ليال في ذلك وكافأه السلطان على صنيعه فخلع عليه وعلى أهله وولده وأسنى جوائزهم ورجع إلى قسنطينة واعتزم على الرحلة إلى تونس وضاق ذرع العساكر بشأن النفقات والابعاد في المذهب وارتكاب الخطر في دخول افريقية فتمشت رجالاتهم في الانفضاض عن السلطان وداخلوا الوزير فارس بن ميمون فوافقهم على ذلك وأذن المشيخة والنقباء لمن تحت أيديهم من القبائل في اللحاق بالمغرب حتى يفردوا وأنهى إلى السلطان انهم تآمروا في قتله ونصب ادريس بن أبى عثمان بن أبى العلاء للامر فأسرها في نفسه ولم يبدها لهم ورأى قلة من معه من العساكر وعلم بانفضاضهم فكر راجعا إلى المغرب بعد أن ارتحل عن قسنطينة مرحلتين إلى الشرق وأغذ السير إلى
فاس واحتل بها غرة ذى الحجة من سنته وتقبض يوم دخوله على وزيره فارس بن ميمون اتهمه بمداخلة بنى مرين في شأنه وقتله رابع أيام التشريق قعصا بالرماح وتقبض على مشيخة بنى مرين فاستلحمهم وأودع منهم السجن وبلغ إلى الجهات خبر رجوعه من قسنطينة إلى المغرب فارتحل أبو محمد بن تافراكين من المهدية إلى تونس ولما أطل عليها ثار شيعته بالبلد على من كان بها من ساكر السلطان وخلصوا إلى السفين فنجوا إلى المغرب وجاء على اثرهم يحيى بن رحو بمن معه من العساكر من أولاد مهلهل كان بناحية الجريد لاقتضاء جبايته واجتمعوا جميعا بباب السلطان وأرجأ حركته إلى العام القابل فكان ما نذكره ان شاء الله تعالى * (الخبر عن وزارة سليمان بن داود ونهوضه بالعساكر إلى افريقية) * لما رجع السلطان من افريقية ولم يستتم فتحها بقى في نفسه منها شئ وخشى على ضواحي قسنطينة من يعقوب بن على ومن معه من الزواودة المخالفين فأهمه شأنهم واستدعى سليمان بن داود من مكانه بثغور الاندلس وعقد له وزارته وسرحه في العساكر إلى افريقية فارتحل إليها في ربيع من سنة تسع وخمسين وكان يعقوب بن على لما كشف وجهه في الخلاف أقام السلطان مكانه أخاه ميمون بن على منازعه وقدمه على أولاد محمد بن الزواودة وأحله بمكانه من رياسة البدو والضواحي ونزع إليه عن أخيه يعقوب الكثير من قومهم وتمسك بطاعة السلطان طوائف من أولاد سباع بن يحيى وكبيرهم يومئذ عثمان بن يوسف بن سليمان فانحاشوا جميعا للوزير ونزلوا على معكسره بحللهم وارتحل السلطان في اثره حتى احتل بتلمسان فأقام بها لمشارفة احواله منها واحتل(7/298)
الوزير سليمان بوطن قسنطينة وأغذ السير إلى عامل الزاب يوسف بن مزنى بأن تكون يده معه وأن يأمره في أحوال الزواودة لرسوخه في معرفتها فارتحل إليه من بسكرة ونازلوا جبل أو راس واقتضوا جبايته ومغارمه وشردوا المخالفين من الزواودة عن
العيث في الوطن فتم غرضهم من ذلك وانتهى الوزير وعساكر السلطان إلى أول أوطان افريقية من آخر مجالات رياح وانكفأ راجعا إلى المغرب ووافى السلطان بتلمسان ووصلت معه وفود العرب الذين أبلوا في الخدمة فوصلهم السلطان وخلع عليهم وحملهم وفرض لهم العطاء بالزاب وكتب لهم به وانقلبوا إلى أهلهم ووفد على اثرهم أحمد ابن يوسف بن مزنى أوفده أبوه بهدية السلطان من الخيل والرقيق والرزق فتقبلها السلطان وأكرم وفادته وأنزله واستصحبه إلى فاس ليريه أحوال كرامته وليستبلغ في الاحتفاء به واحتل بدار ملكه منتصف ذى القعدة من سنة تسع وخمسين والله أعلم { الخبر عن مهلك السلطان أبى عنان ونصب السعيد للامر باستبداد الوزير حسن بن عمر في ذلك } لما وصل السلطان إلى دار ملكه بفاس احتل بها بين يدى العيد الاكبر حتى إذا قضى الصلاة من يوم الاضحى أدركه المرض وأعجله طائف الوجع عن الجلوس يوم العيد على العادة فدخل إلى قصره ولزم فراشه واستبد به وجعه وأطاف به النساء يمرضنه وكان ابنه أبو زيان ولى عهده وكان وزيره يحيى بن موسى القفولى من صنائع دولتهم وأبناء وزرائهم قد عقد له السلطان على وزارته واستوصاه به فتعجل الامر وداخل رؤس بنى مرين في الانحياش إلى أمرهم والفتك بالوزير الحسن بن عمر وداخله في ذلك عمر بن ميمون لعداوة بينهما وبين الوزير فخشيهما الحسن بن عمر على نفسه وفاوض عليه أهل المجلس بذات صدره وكانت نفرتهم عن ولى العهد مستحكمة لما أبلوا من سوء خلته وشر ملكته فاتفقوا على تحويل الامر عليه ثم نمى إليهم أن السلطان مشرف على الهلكة لا محالة وأنه موقع بهم من قبل مهلكه فأجمعوا أمرهم على الفتك به والبيعة لاخيه السعيد طفلا خماسيا وباكروا دار السلطان فتقبضوا على وزيره موسى بن عيسى وعمر بن ميمون فقتلوهما وجلسوا للبيعة وأغروا وزيره مسعود بن رحو بن ماسى بالتقبض على أبى زيان من نواحى القصر فدخل إليه وتلطف في اخراجه من بين الحرم وقاده إلى أخيه فبايع وتل
إلى بعض حجر القصر فأتلف فيه مهجته واستقل الحسن بن عمر بالامر يوم الاربعاء الرابع والعشرين لذى الحجة من سنة تسع وخمسين والسلطان أثناء ذلك على فراشه يجود بنفسه وارتقب الناس دفنه يوم الاربعاء والخميس بعده فلم يدفن فارتابوا وفشا الكلام وارتاب الجماعة فأدخل الوزير زعموا إليه بمكانه من بيته من غطه حتى أتلفه(7/299)
ودفن يوم السبت وحجب الحسن بن عمر الولد المنصوب للامر وأغلق عليه بابه وتفرد باللامر والنهى دونه ولحق عبد الرحمن ابن السلطان أبى عنان بجبل الكاى يوم بيعة أخيه وكان أسن منه وانما آثروه لمكان ابن عمه مسعود بن ماسى من وزارته فبعثوا إليه من لاطفه واستنزله على الامان وجاء به إلى أخيه فاعتقله الحسن بالقصبة من فاس وبعث على أبناء السلطان الاصاغر الامراء بالثغور فجاء المعتصم من سجلماسة وامتنع المعتمد بمراكش وكان بها في كفالة عامر بن محمد الهنتاتى استوصاه به السلطان وجعله هنا لك لنظره فمنعه من الوصول وخرج به من مراكش إلى معقله من جبل هنتاتة وجهز الوزير العساكر لمحاربته ولم يزل هنالك إلى أن استنزله عمه السلطان أبو سالم عند استيلائه على ملك المغرب كما نذكره ان شاء الله تعالى والله أعلم { الخبر عن تجهيز العساكر إلى مراكش ونهوض الوزير سليمان بن داود لمحاربة عامر بن محمد } كان عامر بن محمد بن على شيخ هنتاتة من قبائل المصامدة وكان السلطان يعقوب قد استعمل أباه محمد بن على على جبايتهم والسلطان أبو سعيد استعمل عمه موسى بن على وربى عامر هذا في كفالة الدولة وصار في جملة السلطان إلى افريقية وولاه السلطان أحكام الشرطة بتونس ولما ركب البحر إلى المغرب أركب حرمه وحظاياه في السفن وجعلهم إلى نظر عامر بن محمد وأجاز البحر إلى الاندلس وبلغهم غرق السلطان أبى الحسن وعسكره فأقام بهم بمكانه من لمدية ودعى للسلطان أبى عنان فلم يجب داعيه وفاء
ببيعة أبيه حتى إذا هلك السلطان أبو الحسن بدارهم بالجبل دعاه لهم السلطان أبو عنان وأحسن نزله ثم عقد له على جباية المصامدة سنة أربع وخمسين وبعثه له من تلمسان فاضطلع بهذه الولاية وأحسن الغناء فيها والكفاية عليها حتى كان السلطان أبو عنان يقول وددت لو أصبت رجلا يكفيني ناحية المشرق من سلطاني كما كفانى عامر بن محمد ناحية المغرب وأتودع ونافسه الوزاء في مقامه ذلك عند السلطان ورتبته وانفرد الحسن بن عمر آخر الامر بوزارة السلطان واشتدت منافسته وانتهت إلى العداوة والسعاية وكان السلطان بين يدى مهلكه ولى أبناءه الاصاغر على أعمال ملكه فعقد لابنه محمد المعتمد على مراكش واستوزر له وجعله إلى نظر عامر واستوصاه به فلما هلك السلطان واستقل الحسن بن عمر بالامر ونصب السعيد للملك استقدم الابناء من الجهات فبعث عن المعتمد من مراكش فأبى عليه عامر من الوفادة عليهم وصعد به إلى معقله من جبل هنتاتة وبلغ الحسن بن عمر خبره فجهز إليه العساكر وأزاح عللهم وعقد على حربه للوزير سليمان بن داود مساهمه في القيام بالامر وسرحه في المحرم سنة ستين وسبعمائة قأغذ السير إلى(7/300)
مراكش واستولى عليها وصعد إلى الجبل فأحاط به وضيق على عامر وطاول منازلته وأشرف على اقتحام معقله إلى أن بلغه خبر افتراق بنى مرين وخروج منصور بن سليمان من أعياص الملك على الدولة وأنه منازل للبلد الجديد فانفض العسكر من حوله وتسابقوا إلى منصور بن سليمان فلحق به الوزير سليمان بن داود وتنفس الحصار عن عامر إلى أن استولى السلطان أبو سالم على ملك المغرب في شعبان من سنة ستين واستقدم عامرا والمعتمد ابن أخيه من مكانهم بالجبل فقدم عليه وأسلمه إليه كما نذكره ان شاء الله تعالى { الخبر عن ظهور أبى حمو بنواحي تلمسان وتجهيز العساكر لمدافعته ثم تغلبه وما تخلل ذلك }
كان ولد عبد الرحمن بن يحيى بن يغمراسن هؤلاء أربعة كما ذكرناه في أخبارهم وكان يوسف كبيرهم وكان سكوتا منتحلا لطرق الخير لا يريد علوا في الارض ولما هلك أخوه عثمان بتلمسان عقد له على هنين وكان ابنه يوسف بن موسى متقبلا مذهبه في السكوت والدعه ومجانبة أهل الشر ولما تغلب السلطان أبو عنان عليهم سنة ثلاث وخمسين وفر أبو ثابت إلى قاصية المشرق واستلبهم قبائل زواوة وأرجلوهم عن خيلهم سعوا على أقدامهم وانتبذ أبو ثابت وأبو زيان ابن أخيه أبى سعيد وموسى ابن أخيه يوسف ووزيرهم يحيى بن داود ناحية عن قومهم وسلكوا غير طريقهم وتقبض على أبى ثابت ويحيى بن داود ومحمد بن عثمان وخلص موسى إلى تونس فنزل على الحاجب محمد بن تافراكين وسلطانه خير نزل وأجارهم مع فل من قومه خلصوا إليهم وأسنوا جرايتهم وبعث السلطان أبو عنان فيهم إلى ابن تافراكين فأبى من اسلامهم وجاهر باجارتهم على السلطان ولما استولت عساكر السلطان على تونس وأجفل عنها سلطانها أبو اسحق ابراهيم ابن مولانا السلطان أبى يحيى خرج موسى بن يوسف هذا في جملته ولما رجع السلطان إلى المغرب صمد المولى أبو اسحق ابراهيم ابن مولانا السلطان أبى يحيى وابن أخيه المولى أبى زيد صاحب قسنطينة مع يعقوب بن على وقومه من الزواودة إلى منازلة قسنطينة وارتجاعها وسار في جملتهم موسى بن يوسف هذا فيمن كان عنده من زناتة قومه وكان بنو عامر من زغبة خارجين على السلطان أبى عنان منذ غلبه بنو عبد الواد على تلمسان وكانت رياستهم إلى صغير بن عامر بن ابراهيم لحق بافريقية في قومه ونزلوا على يعقوب بن على وجاوروه بحللهم وظعنهم فلما أفرجوا عن قسنطينة بعد امتناعها واعتزم صغير على الرحلة بقومه إلى وطنهم من صحراء المغرب دعو موسى ابن يوسف هذا إلى الرحلة معهم لينصبوه للامر ويجلبوا به على تلمسان فخلى الموحدون(7/301)
سبيله وأعانوه بما اقتدروا عليه لوقتهم وعلى حال سفرهم من آلة وفسطاط وارتحل مع بنى
عامر وارتحل مع صولة بن يعقوب بن على وزيان بن عثمان بن سباع من أمراء الزواودة وصغار بن عيسى في حلل من سعيد احدى بطون رياح وأغذوا السير إلى المغرب للعيث في نواحيه وجمع لهم أقيالهم من سويد أولياء السلطان والدولة والتقوا بقبلة تلمسان فانهزمت سويد وهلك عثمان بن وترمار كبيرهم وكان مهلك السلطان في خلال ذلك ولما اتصل الخبر بوفاة السلطان بالغرب أغذوا السير إلى تلمسان وملكوا ضواحيها وجهز الحسن بن عمر لها عسكرا عقد عليه وعلى الحامية الذين بها لسعيد بن موسى الجيسى من صنائع السلطان وسرحه إليها وسار في جملته أحمد بن مرى فاصلا إلى عمله بعد أن وصله وخلع عليه وحمله وسار سعيد بن موسى في العساكر إلى تلمسان واحتل بها في صفر من سنة ستين وزحف إليه جموع بنى عامر وسلطانهم أبو حمو موسى بن يوسف فغلبوهم على الضاحية وأحجزوهم بالبلد ثم ناجزوهم الحرب أياما واقتحموها عليهم لليال خلون من ربيع واستباحوا من كان بها من العسكر وامتلات أيديهم من أسلابهم ونهابهم وخلص سعيد بن موسى بابن السلطان إلى حلة صغير بن عامر فأجاره ومن جاء على اثره من قومه وأوفد برجالات من بنى عامر ينصبون له الطريق أمامه إلى أن أبلغوه مأمنه من دار ملكهم واستولى أبو حمو على ملك تلمسان واستأثر بالهدية التى ألفى بمودعها كان السلطان أبقاها وبعث بها إلى صاحب برشلونة ابن لقيط وبعث إليه فيها بفرس أدهم من مقرباته بمركب ولجام مذهبين ثقيلين فاتخذ أبو حمو ذلك الفرس لركوبه وصرف الهدية في مصارفة ووجوه مذاهبه والله غالب على أمره { الخبر عن نهوض الوزير مسعود بن ماسى إلى تلسمان وتغلبه عليها ثم انتقاضه ونصبه سليمان بن منصور للامر } لما بلغ الوزير الحسن بن عمر خبر تلمسان واستيلاء أبى حمو عليها جمع مشيخة بنى مرين وأمرهم بالنهوض إليها فأبوا عليه من النهوض بنفسه وأشاروا بتجهيز العساكر ووعدوه مسيرهم كافة ففتح ديوان العطاء وفرق الاموال وأسنى الصلات وأزاح العلل
وعسكر بساحة البلد الجديد ثم عقد عليهم لمسعود بن رحو بن ماسى وحمل معه المال وأعطاه الآلة وسار في الالوية والعساكر وكان في جملته منصور بن سليمان بن منصور بن أبى مالك بن يعقوب بن عبد الحق وكان الناس يرجفون بأن سلطان المغرب صائر إليه بعد مهلك بى عنان وشاع ذلك على ألسنة الناس وذاع وتحدث به السمر والندمان وخشى منصور على نفسه لذلك فجاء إلى الوزير الحسن وشكا إليه ذلك فانتهره أن يختلج بفكره هذا الوسواس انتهارا خلا من وجه السياسة فانزجر واقتصر ولقد شهدت(7/302)
هذا الموطن ورحمت ذلة انكساره وخضوعه في موقفه ورحل الوزير مسعود في التعبية وأفرج أبو حمو عن تلمسان ودخلها مسعود في ربيع الثاني واستولى عليها وخرج أبو حمو إلى الصحراء وقد اجتمعت عليه جموع العرب من زغبة والمعقل ثم خالفوا بنى مرين إلى المغرب واحتلوا بانكاد بحللهم وظواعنهم وجهز إليهم مسعود بن رحو عسكرا من جنوده انتفى فيه مشيخة بنى مرين وأمراءهم وعقد عليهم لعامرين عمه عبو بن ماسى وسرحهم فزحفوا إليه بساحة وجدة وصدقهم العرب الحملة فانكشفوا واستبيح معسكرهم واستلبت مشيختهم وأرجلوا عن خيلهم ودخلوا إلى وجدة عراة وبلغ الخبر إلى بنى مرين بتلمسان وكان في قلوبهم مرض من استبداد الوزير عليهم وحجره لسلطانهم فكانوا يتربصون بالدولة فلما بلغ الخبر وحاص الناس لها حيصة الحمر خلص بعضهم نجيا بساحة البلد واتفقوا على البيعة ليعيش بن على بن أبى زيان ابن السلطان أبى يعقوب فبايعوه وانتهى الخبر إلى الوزير مسعود بن رحو وكان السلطان منصور بن سليمان فأكرهه على البيعة وبايعه معه الرئيس الابكم من بنى الاحمر وقائد جند النصارى القهردور وتسايل إليه الناس وتسامع الملا من بنى مرين بالخبر فتهاووا إليه من كل جانب وذهب يعيش بن أبى زيان لوجهه فركب البحر وخلص إلى الاندلس وانعقد الامر لمنصور بن سليمان واحتمل بنى مرين على كلتمه وارتحل بهم
من تلمسان يريد المغرب واعترضهم جموع العرب في طريقهم فأوقعوا بهم وامتلات أيديهم من أسلابهم وظعنهم وأغذوا السير إلى المغرب واحتلوا بسبوا في منتصف جمادى الاخيرة وبلغ الخبر إلى الحسن بن عمر فاضطرب معسكره بساحة البلد وأخرج السلطان في الآلة والتعبية إلى أن أنزله بفسطاطه ولما غشيهم الليل انفض عنه الملا إلى السلطان منصور بن سليمان فأوقد الشموع وأذكى النيران حوالى الفسطاط وجمع الموالى والجند وأركب السلطان ودخل إلى قصره وانحجر بالبلد الجديد وأصبح منصور بن سليمان فارتحل في التعبية حتى نزل بكديه العرائس في الثاني والعشرين لجمادى الاخيرة واضطرب معسكره بها وغدا عليها بالقتال وسد عليها الحمالات وامتنعت يومها ثم جمع الايدى على اتخاذ الآلات للحصار واجتمعت إليه وفود الامصار بالمغرب للبيعة ولحقت به كتائب بنى مرين التى كانت محجرة بمراكش لحصار عامر مع الوزير سليمان بن داود فاستورزه وأطلق عبد الله بن على وزير السلطان أبى عنان من معتقله بسبتة فخلص منه خلوص الابريز بعد السبك وأمر منصور بن سليمان بتسريح السجون فخرج من كان بها من دعار بجاية وقسنطينة وكانوا معتقلين من لدن استيلاء السلطان أبى عنان على بلادهم وانطلقوا إلى مواطنهم وأقام على البلد الجديد يغاديها(7/303)
القتال ويراوحها ونزع عنه إلى الوزير الحسن بن عمر طائفة من بنى مرين ولحق آخرون ببلادهم وانتقضوا عليه وينتظرون مآل أمره ولبث على هذه الحال إلى غرة شعبان فكان من قدوم السلطان أبى سالم لملك سلفه بالمغرب واستيلائه عليه ما نذكره ان شاء الله تعالى { الخبر عن نزول المولى أبى سالم بجبال غمارة واستيلائه على ملك المغرب ومقتل منصور بن سليمان } كان السلطان أبو سالم بعد مهلك أبيه واستقراره بالاندلس وخروج أبى الفضل
بالسوس لطلب الامر ثم ظفر السلطان أبى عنان به ومهلكه كما ذكرناه قد تودع وسكن ثم لما هلك سلطان الاندلس أبو الحجاج سنة خمس وخمسين يوم الفطر بمصلى العيد طعنه أسود مدسوس كان ينسب إلى أخيه محمد من بعض اماء قصرهم ونصبوا للامر ابنه محمدا وحجبه مولاه رضوان واستبد عليه وكان للسلطان أبى عنان اعتزاز كما ذكرناه وكان يؤمل ملك الاندلس وأوعز إليهم عندما طرقه طائف المرض سنة سبع وخمسين أن يبعثوا إليه طبيب دارهم ابراهيم بن زرورالذمى وامتنع من ذلك اليهودي واعتذر وردوه فتنكر لهم السلطان ولما وصل إلى فاس من فتح قسنطينة وافريقية تقبض على وزيره والمشيخة وقتلهم تجنيا عليهم إذ لم يبادروا السلطان بنفسه أو حاجبه للتهنئة وأظلم الجو بينهم واعتزم على النهوض إليهم وكانوا منحاشين بالجملة إلى الطاغية بطرة بن أدفونش صاحب قشتالة منذ مهلك أبيه الهنشة على جبل الفتح سنة احدى وخمسين ثم استبد رضوان على الدولة بعد مهلك أبى الحجاج فكانت له ساعية إليه ظاهرها النظر للمسلمين بمسالمة عدوهم وكان السلطان أبو عنان يعتد ذلك عليهم وعلم أنه لابد أن يمدهم بأساطيله ويدافعوه عن الاجازة إليهم وكان بين الطاغية بطرة وبين قمص برشلونة فتنة هلك فيها أهل ملتهم فصرف السلطان قصده إلى قمص برشلونة وخاطبه في اتصال اليد على ابن ادفونش واجتمع أسطول المسلمين وأسطول النصارى القمص بالزقاق وضربوا لذلك الموعد وأتحفه السلطان بهدية سنية من متاع المغرب وماعونه ومركب ذهبي صنيع ومقرب من جياده فبلغت تلمسان وهلك قبل وصولها إلى محلها ولما هلك السلطان أبو عنان امل اخوه المولى أبو سالم ملك أخيه وطمع في مظاهرة أهل الاندلس له على ذلك لما كان بينهم وبين أخيه واستدعاه أشياع من أهل المغرب ووصل البعض منهم إليه بمكانه من غرناطة وطلب الاذن من رضوان في الاجازة فأبى عليه فأحفظه ذلك ونزع إلى ملك قشتالة متطارحا بنفسه عليه أن يجهز له الاسطول للاجازة إلى المغرب فاشترط عليه وتقبل شرطه وأجازه في أسطوله إلى مراكش فامتنع عامر من قبوله لما كان فيه من(7/304)
التضييق والحصار بحضرة سليمان بن داود كما ذكرنا فانكفأ راجعا على عقبه فلما حاذى طنجة وبلاد غمارة ألقى بنفسه إليهم ونزل من الصفيحة من بلادهم واشتملت عليه قبائلهم وتسايلوا إليه من كل جانب وبايعوه على الموت وملك سبتة وطنجة وبها يومئذ السلطان أبو العباس بن أبى حفص صاحب قسنطينة لحق بها بعد الخروج من اعتقاله بسبتة كما ذكرناه فاختصه المولى أبو سالم بالصحبة والخلة والبواء في اغتزا به ذلك إلى أن استولى على مكله وألفى بطنجة الحسن بن يوسف الورتاجنى وكاتب ديوان الجند أبا الحسن بن على بن السعود والشريف أبا القاسم التلمسانى كان منصور بن سليمان ارتاب بهم واتهمهم بمداخلة الوزير الحسن بن عمر بمكانه من البلد الجديد فصرفهم من معسكره إلى الاندلس فوافوا الامير أبا سالم عند استيلائه على طنجة فصاروا إلى ايالته واستوزر الحسن بن يوسف واستكتب لعلامته أبا الحسن على بن العسود واختص الشريف بالمجالسة والمراكبة ثم قام أهل الثغور الاندلسية بدعوته وأجاز يحيى بن عمر صاحب جبل الفتح بمن كان معه من العسكر وطالت المولى أبى سالم واتسع معسكره وبلغ الخبر إلى الثائر على البلد الجديد منصور بن سليمان فجهز عسكرا لدفاعه وعقد عليه لاخويه عيسى وطلحة وأنزلهما قصر كتامة وقاتلوه فهزموه واعتصم بالجبل وبادر الحسن بن عمر من وراء الجدران فبعث طاعته إليه ووعده بالتمكين من دار ملكه وداخل بعض أشياع المولى أبى سالم مسعود بن رحو بن ماسى وزير منصور في النزوع إلى السلطان وكان قد ارتاب بمنصور وابنه على فنزع وانفض الناس من حول منصور وتخاذل أشياعه من بنى مرين ولحق بباديس من سواحل المغرب ومشى أهل العسكر بأجمعهم في ساقاتهم ومواكبهم على التعبية فلحقوا بالسلطان أبى سالم واستعدوه إلى دار ملكه فأغذ السير وخلع الحسن بن عمر سلطانه السعيد من الامر لتسعة أشهر من خلافته وأسلمه إلى عمه وخرج إليه فبايعه ودخل السلطان إلى البلد الجديد يوم الجمعة منتصف
شعبان من سنة ستين واستولى على ملك المغرب وتوافت وفود النواحى بالبيعات وعقد للحسن بن عمر على مراكش وجهزه إليها بالعساكر ريبة بمكانه واستوزر مسعود بن رحو بن ماسى والحسن بن يوسف الورتاجنى واصطفى من خواصه خطيب أبيه الفقيه أبا عبد الله محمد بن أحمد بن مرزوق وجعل إلى مؤلف هذا الكتاب توقيعه وكتابة سره وكنت نزعت إليه من معسكر منصور بن سليمان بكدية العرايس لما رأيت من اختلال أحواله ومصير الاوامر إلى السلطان فأقبل على وأنزلني بمحل التنوية واستخلصني لكتابته واستوسق أمره بالمغرب وتقبض شيعة السلطان بباديس على منصور بن سليمان وابنه على وقادوهم مصفدين إلى سدته وأحضرهم ووبخهم وجنبوا إلى مصارعهم فقتلوا(7/305)
قعصا بالرماح آخر شعبان من سنته وجمع الابناء والقرابة المرشحين من ولد أبيه وأشخصهم إلى رندة من ثغورهم بالاندلس ووكل بهم من يحرسهم ونزع محمد ابن أخيه أبو عبد الرحمن منهم إلى غرناطة ثم لحق منها بالطاغية واستقر لديه حتى كان من تملكه المغرب ما نقصه ان شاء الله تعالى وهلك الباقون غرقا بالبحر بايعاز السلطان بذلك بعد مدة من سلطانه أركبهم السفن إلى المشرق ثم غرقهم وخلص الملك من الخوارج والمنازعين واستوسق له الامر والله غالب على أمره واحتفل السلطان في كرامة مولانا السلطان أبى العباس وأشاد لبره وأوعز دار عامر بن فتح الله وزير أبيه لنزله ومهد له المجلس لضيق أريكته ووعده بالمظاهرة على ملكه إلى أن بعثه من تلمسان عند استيلائه عليها كما نذكره ان شاء الله تعالى * (الخبر عن ابن الاحمر صاحب غرناطة ومقتل رضوان ومقدمه على السلطان) * لما هلك السلطان أبو الحجاج سنة خمس وخمسين ونصب ابنه محمد للامر واستبد عليه رضوان مولى أبيه وكان قد رشح ابنه الاصغر اسمعيل بما ألقى عليه وعلى أمه من محبته فلما عدلوا بالامر عنه حجبوه ببعض قصورهم وقد كان له صهر من ابن عمه محمد بن اسمعيل
ابن الرئيس أبى سعيد في شقته فكان يدعوه سرا إلى القيام بأمره متى أمكنته فرصة في الدولة فخرج السلطان إلى بعض منتزهاته برياضه فصعد سور الحمراء ليلة سبع وعشرين من رمضان من سنة ستين في بعض أوشاب جمعهم من الطعام لثروته وعمد إلى دار الحاجب رضوان فاقتحم عليه الدار وقتله بين حرمه وبنائه وقربوا إلى اسمعيل فرسه فركب فأدخلوه القصر وأعلنوا ببيعته وقرعوا طبولهم بسور الحمراء وفر السلطان من مكانه بمنتزهه إلى وادى آش بعد مقتل حاجبه رضوان واتصل الخبر بالسلطان المولى أبى سالم فامتعض لمهلك رضوان وخلع السلطان رعيا لما سلف له في جوارهم وأزعج لحينه أبا القاسم الشريف من أهل مجلسه لاستقلاله فوصل إلى الاندلس وعقد مع أهل الدولة على اجارة المخلوع من وادى آش إلى المغرب وأطلق من اعتقالهم الوزير الكاتب أبا عبد الله بن الخطيب كانوا اعتقلوه لاول أمرهم لما كان رديفا للحاجب رضوان وركنا لدولة المخلوع فأوصى المولى أبو سالم إليهم باطلاقه فأطلقوه ولحق الرسول أبو القاسم الشريف بسلطانه المخلوق بوادي آش للاجازة إلى المغرب وأجاز لذى العقدة من سنته وقدم على السلطان بفاس وأجل قدومه وركب للقائه ودخل به إلى مجلس ملكه وقد احتفل ترتيبه وغص بالمشيخة والعلية ووقف وزيره ابن الخطيب فأنشد السلطان قصيدته الرائقة يستصرخه لسلطانه ويستحثه لمظاهرته على أمره واستعطف واسترحم بما أبكى الناس شفقة له ورحمة ونص القصيدة(7/306)
سلاهل لديها من محبرة ذكر * وهل أعشب الوادي ونم به الزهر وهل باكر الوسمى دارا على اللوى * عفت آيها الا التوهم والذكر بلادي التى عاطيت مشمولة الهوى * باكنافها والعيش فينان مخضر وجوى الذى ربى جناحى وكره * فها اناذا مالى جناح ولا وكر نفت بى لا عن جفوة وملالة * ولا نسخ الوصل الهنى لها هجر
ولكنها الدنيا قليل متاعها * ولذاتها دأبا تزور وتزور فن لى بنيل القرب منها ودوننا * مدى طال حتى يومه عندنا شهر ولله عينا من رآنا وللاسى * ضرام له في كل جانحة جمر وقد بددت در الدموع يد النوى * وللبين أشجان يضيق لها الصدر بكينا على النهر السرور عشية * فعاد أجاجا بعدنا ذلك النهر أقول لاظعانى وقد عالها السرى * وآنسها الحادى وأوحشها الزجر رويدك بعد العسر يسر فأبشرى * بانجاز وعد الله قد ذهب العسر وان تجبن الايام لم تجبن النهى * وان يحذل الاقوام لم يحذل الصبر وان عركت منى الخطوب مجربا * نقابا تسوى عنده الحلو والمر فقد عجمت عودا صليتا مقوما * وعزما كما تمضى المهندة النبتر افا أنت بالبيضاء قررت منزلي * فلا اللحم حل ما جنيت ولا الظهر زجرنا بابراهيم مل ء همومنا * فلما رأينا وجهه صدق الزجر بمنتخب من آل يعقوب كلما * دجا الخطب لم يكذب لعزمته فجر تناقلت الركبان طيب حديثه * فلما رأته صدق الخبر الخبر ندى لوحواه البحر لذ مذاقه * ولم يتعقب مده أبدا جزر وبأس غدا يرتاع من خوفه الردى * وترفل في اذياله الفتية البكر أطاعته حتى العصم في قنن الربا * وهشت إلى تأمليه الانجم الزهر قصدناك يا مولى الملوك على النوى * لتنصفنا مما جنى عبدك الدهر كففنابك الايام عن غلوائها * وقدر ابنار منها التعسف والكبر وعذنا بذاك المجد فانصرف الردى * ولذنا بذاك العز فانهزم الشر ولما اتينا البحر نرهب موجه * ذكرنا نداك الغمر فاحتقر البحر خلافتك العظمى ومن لم يدن بها * فايمانه لغو وعرفانه نكر
ووصفك يهدى المدح قصد صوابه * إذا ضل في أوصاف من دونك الشعر دعتك قلوب المسلمين وأخلصت * وقد طاب منها السر لله والجهر(7/307)
ومدت إلى الله الاكف ضراعة * فقال لهن الله قد قضى الامر وألبسها النعمى ببيعتك التى * لها الطائر الميمون والمحتد الحر فأصبح ثغر الثغر يبسم ضاحكا * وقد كان مما نابه ليس يفتر وأمنت بالسلم البلاد وأهلها * فلا ضيمة تعدو ولا روعة تعرو وقد كان مولانا أبوك مصرحا * بأنك في أولاده الولد البر وقد كنت حقا بالخلافة بعده * على الفور لكن كل شئ له قدر فأوحشت من دار الخلافة أهلها * أقامت زمانا لا يلوح بها البدر ورد عليك الله حقك إذ قضى * بأن تشمل النعمى وينسدل الستر وقاد اليك الملك رفقا بخلقه * وقد عدموا ركن الامامة واضطروا وزادك بالتمحيص عزا ورفعة * وأجرا ولولا السبك ما عرف التبر وأنت الذى تدعى اذادهم الردى * وأنت الذى ترجى إذا أخلف القطر وأنت إذا جار الزمان بحكمه * لك النقض والابرام والنهى والامر وهذا ابن نصر قد أتى وجناحه * كسير ومن علياك يلتمس النصر غريب يرجى منك ما أنت أهله * فان كنت تبغى الفخر قد جاءك الفخر فعد يا أمير المؤمنين لبيعة * موثقة قد حل عقدتها الغدر ومثلك من يرعى الدخيل ومن دعا * بآل مرين جاءه العز والنصر وخذ يا امام الحق للحق ثاره * ففى ضمن ما تأتى به العز والاجر وأنت لهايا ناصر الحق فلتقم * بحق فما زيد يرجى ولا عمرو فان قيل مال مالك الدثر وافر * وان قيل جيش عندك العسكر الحر
يكف بك العادى ويحيا بك الهدى * ويبنى بك الاسلام ماهدم الكفر أعده إلى أوطانه عنك ثانيا * وقلده نعماك التى مالها حصر وعاجل قلوب الناس فيه بجبرها * فقد صدهم منك التغلب والقهر وهم يرقبون الفعل منك وصفقة * تحاولها يمناك ما بعدها خسر مرامك سهل لا يؤدك كفله * سوى أنه عرض له في العلا حظر وما العمر الازينة مستعارة * ترد ولكن الثناء هو العمر ومن باع ما يفنى بباق مخلد * فقد أنجح المسعى وقد ربح التجر ومن دون ما تبقيه يا مالك العلا * جياد المذاكى والمحجلة الغر وراد وشقر واضحات شياتها * فأجسامها تبر وأرجلها در وشهب إذا ما ضمرت يوم غارة * مصممة غارت بها الانجم الزهر(7/308)
وأسر رجال من مرين أعزة * عمائهما بيض وآمالها سمر عليهم من الماذى كل مفاضة * تدافع في أعطافها اللجج الخضر هم القوم ان هبوا لكشف ملمة * فلا الملتقى صعب ولا المرتقى وعر إذا سئلوا أعطوا وان نوزعوا سطوا * وان وعد واوفوا وان عاهدوا بروا وان سمعوا العواء وافوا بأنفس * كرام على هاماتها في الورى البر وان مدحوا هزوا ارتياحا كأنهم * نشاوى تمشت في معاطفهم خمر وتبسم ما بين الوشيج ثغورهم * وما بين قضب الدوح يبتسم الزهر امولاى غاضت فكرتي وتبدلت * طباعي فلا طبع يقيني ولا فكر ولولا حنان منك داركتني به * وأحييتني لم يبق عين ولا أثر فأوجدت منى فائتا أي فائت * وأنشرت ميتاضم اشلاءه قبر بدأت بفضل لم أكن لعظيمه * بأهل فحل اللطف وانشرح الصدر
وطوقتني النعما المضعفة التى * يقل عليها منى الحمد والشكر وانت بتتميم الصنائع كافل * إلى أن يعود العزو الجاه والوفر جزاك الذى أسنى مقامك رحمة * تفك بها العانى وينفس مضطر إذا نحن أثنينا عليك بمدحة * فهيهات يحصى الرمل أو يحصر القطر ولكننا نأتى بما نستطيعه * ومن بذل المجهود حق له العذر ثم انقضى المجلس وانصرف ابن الاحمر إلى نزله وقد فرشت له القصور وقربت له الجياد بالمراكب المذهبة وبعث إليه بالكسا الفاخرة ورتب الجرايات له ولمواليه من المعلوجى وبطانته من الصنائع وانحفظ عليه رسم سلطانه في الركب والرجل ولم يفقد من القاب ملكه الا الاداة أدبا مع السلطان واستقر في جملته إلى أن كان من لحاقه بالاندلس وارتجاع ملكه سنة ثلاث وستين ما نذكره ان شاء الله تعالى * (الخبر عن انتقاض الحسن بن عمر وخروجه بتادلا وتغلب السلطان عليه ومهلكه) * لما فصل الوزير الحسن بن عمر إلى مراكش واستقربها تأثل له بها السلطان ورياسة نفسها أهل مجلس السلطان وسعوا في تنكر السلطان له حتى أظلم الجو بينهما وشعر الوزير بذلك فارتاب بمكانه وخشى بادرة السلطان على نفسه وخرج من مراكش في شهر صفر من سنة احدى وستين فلحق بتادلا منحرفا عن الطاعة مرتكبا أمره وتلقاه بنو عابر من جشم واعصوصبوا عليه وأجاروه وجهز السلطان عساكره إلى حربه وعقد عليها لوزيره الحسن بن يوسف وسرحه إليه فاحتل بتادلا ولحق الحسن بن عمر بالجبل واعتصم به مع الحسين بن على الورديغى كبيرهم وأحاطت بهم العساكر وأخذوا بمخنقهم وداخل الوزير(7/309)
بعض أهل الجبلل من صناكة في الثورة بهم وسرب إليهم المال فثاروا بهم وانفض جمعهم وتقبض على الحسن بن عمر وقاده برمته إلى عسكر السلطان فاعتقله الوزير وانكفأ راجعا إلى الحضرة وقدم بها على السلطان في يوم مشهود استركب السلطان
فيه العسكر وجلس ببرج الذهب مقعده من ساحة البلد لاعتراض عساكره وحمل السلطان الحسن بن عمر على جمل طيف به بين أهل ذلك المحشر وقرب إلى مجلس السلطان فأوما إلى تقبيل الارض فوق جمله وركب السلطان إلى قصره وانفض الجمع وقد شهروا وصاروا عبرة من عبر الدنيا ودخل السلطان قصره فاقتعد أريكته واستدعى خاصته وجلساءه وأحضره فوبخه وقرر عليه مرتكبه فتلوى بالمعاذير وفزع إلى الاتكار وحضرت هذا المجلس يومئذ فيمن حضره من العلية والخاصة فكان مقاما تسيل فيه العيون رحمة وعبرة ثم أمر به السلطان فسحب على وجهه ونتفت لحيته وضرب بالعصى وتل إلى محبسه وقتل لليال من اعتقاله قعصا بالرماح بساحة البلد ونصب شلوه بسور البلد عند باب المحروق وأصبح مثلا في الآخرين * (الخبر عن وفد السودان وهديتهم واغرابهم فيها بالزرافة) * كان السلطان أبو الحسن لما أهدى إلى ملك السودان منسا سليمان بن منسا موسى هديته المذكورة في خبره اعتمل في مكافأته وجمع لمهاداته من طرف أرضه وغرائب بلاده وهلك السلطان أبو الحسن خلال ذلك ووصلت الهدية إلى أقصى ثغورهم من الارس وهلك منسا سليمان قبل فصولها واختلف أهل مالى وافترق أمرهم وتوائب ملوكهم على الامر وقتل بعضهم بعضا وشغلوا بالفتنة حتى قام فيهم منسا زاطة واستوسق له أمرهم ونظر في اعطاف ملكه وأخبر بشان الهدية واختزانها بوالات فأمر بانفاذها إلى ملك المغرب وضم إليها حيوان الزرافة الغريب الشكل العظيم الهيكل المختلف الشبه بالحيوانات وفصلوا بها من بلادهم فوصلوا إلى فاس في صفر من سنة اثنتين وستين وكان يوم وفادتهم يوما مشهودا جلس لهم السلطان ببرج الذهب مجلس العرض ونودى في الناس بالبروز إلى الصحراء فبرزوا ينسلون من كل حدب حتى غص بهم الفضاء وركب بعضهم بعضا في الازدحام على الزرافة اعجابا بخلقتها وأنشد الشعراء في معرض المدح والتهنئة ووصف الحال وحضر الوفد بين يدى السلطان وأدوا
رسالتهم بتأكيد الود والمخالصة والعذر عن ابطاء الهدية بما كان من اختلاف أهل مالى وتواثبهم على الامر وتعظيم سلطانهم وما صار إليه والترجمان يترجم عنهم وهم يصدقونه بالنزع في أوتار قسيهم عادة معروفة لهم وحيوا السلطان يحثون التراب على رؤسهم على سنة ملوك العجم ثم ركب السلطان وانفض ذلك الجمع وقد طاربه الذكر(7/310)
واستقر ذلك في ايالة السلطان وتحت جرايته وهلك السلطان قبل انصرافهم فوصلهم القائم بالامر من بعده وانصرفوا إلى مراكش وأجازوا منها إلى ذوى حسان عرب المعقل من السوس المتصلين ببلادهم ولحقوا من هنالك بسلطانهم والامر لله وحده { الخبر عن حركة السلطان إلى تلمسان واستيلائه عليها وايثار أبى زيان حافد أبى تاشفين بملكها وما كان مع ذلك من صرف أمراء الموحدين إلى بلادهم } لما استقل السلطان بملك المغرب سنة ستين كما ذكرناه وكان العامل على درعة عبد الله بن مسلم الزردالى من احلاف بنى عبد الواد وشيعة أبى زيان اصطنعه السلطان أبو الحسن عند تغلبه على تلمسان واستعمله أبو عنان بعد ذلك على بلاد درعة كما ذكرناه وتأتى له المكر بأبى الفضل ابن السلطان أبى الحسن حين خروجه على أخيه السلطان أبى عنان بجبل ابن حميدي فارتاب عند استقلال المولى أبى سالم بالامر وحشى بادرته لما رآه من حقده عليه بسبب أخيه أبى الفضل لما كان بينهما من لحمة الاغتراب فداخل بطانة له من عرب المعقل واحتمل ذخائره وأمواله وأهله وقطع القفر إلى تلمسان ولحق بالسلطان أبى حمو آخر سنة ستين فنزل منه خير نزل وعقد له حين وصوله على وزارته وباهى به وبمكانه وفوض الهى في التدبير والحل والعقد فشمر عن ساعده في الخدمة وجأجأ بعرب المعقل من مواطنهم رغبة في ولايته وايثارا لمكانته من الدولة ورهبة من سلطان المغرب لما كانوا ارتكبوه من موافقة بنى مرين مرة بعد أخرى فاستقروا
بتلمسان وانحاشوا جميعا إلى بنى عبد الواد وبعث السلطان أبو سالم إلى أبى حمو في شأن عاملهم عبد الله بن مسلم فلم يرجع له جوابا عنه وحضر عليه ولاية المعقل أهل وطنه فلج في شانهم فأجمع السلطان أمره على النهوض إليهم واضطرب معسكره بساحة البلد وفتح ديوان العطاء ونادى في الناس بالنفير إلى تلمسان وأزاح العلل وبعث الحاشدين من وزرائه إلى مراكش فتوافت حشود الجهات وفصل من فاس في جمادى من سنة احدى وستين وجمع أبو حمو من في ايالته وعلى التشييع لدولته من زناتة والعرب بنى عامر والمعقل كافة ما عدا العمارنة كان أميرهم الزبير بن طلحة متحيزا إلى السلطان واجفلوا عن تلمسان وخرجوا إلى الصحراء ودخل السلطان إلى تلمسان ثالث رجب وخالفه أبو حمو وأشياعه إلى المغرب فنزلوا كرسيف بلد وترمار بن عريف وخربوه واكتسحوا ما وجدوا فيه حقدا على وترمار وقومه بولاية بنى مرين وتخطوا إلى وطاط فعانوا في نواحيه وانقلبوا إلى انكاد وبلغ السلطان خبرهم فتلافى أمر المغرب وعقد على تلمسان لحافد من حفدة السلطان أبى تاشفين كان ربى في حجرهم وتحت(7/311)
كفالة نعمتهم وهو أبو زيان محمد بن عثمان وشهرته بالفتى وأنزله بالقصر القديم من تلمسان وعسكر عليه زناتة الشرق كلهم واستوزر له ابن عمه عمر بن محمد بن ابراهيم بن مكى ومن أبناء وزرائهم سعيد بن موسى بن على وأعطاه عشرة أحمال من المال دنانير ودراهم ودفع إليه الآلة وذكر حينئذ لمولانا السلطان أبى العباس سوابقه وايلافه في المنزل الخشن فنزل له عن محل امارته قسنطينة وصرف أيضا المولى أبا عبد الله صاحب بجاية لاسترجاع بلده بجاية فعقد لهما بذلك وحملهما وخلع عليهما وأعطاهما حملين من المال وكان بجاية لذلك العهد قد تغلب عليها عمهم المولى أبو اسحق ابراهيم صاحب تونس فكتب إلى عاملهم على قسنطينة منصور بن الحاج خلوف أن ينزل عن بلدة مولانا السلطان أبى العباس أحمد ويمكنه منها وودع هؤلاء الامراء وانكفأ راجعا إلى حضرته
لسد ثغور المغرب وحسم داء العدو فدخل فاس في شعبان من سنته ولم يلبث ان رجع أبو زيان على اثره بعد أن أجفل عن تلمسان ولحق بوانشر يس وتغلب عليه أبو حمو وفض جموعه فلحق بالسلطان واستقل أبو حمو بملك تلمسان وبعث في السلم إلى السلطان فعقد له من ذلك ما رضيه كما ذكرناه { الخبر عن مهلك السلطان أبى سالم واستيلاء عمر بن عبد الله على ملك المغرب ونصبه للملوك واحدا بعد واحد إلى أن هلك } كان السلطان قد غلب على هواه الخطيب أبو عبد الله بن مرزوق وكان من خبره ان سلفه من أهل رباط الشيخ أبى مدين كان جده قيما على خدمة قبره واستخدمه واتصل القيام على هذا الرباط في عقبه وكان جده الثالث محمد معروفا بالولاية ولما مات دفنه يغمراسن بالقصر القديم ليجاوره بجدثه تبركا به وكان ابنه أحمد أبو محمد هذا قد ارتحل إلى المشرق وجاور الحرمين إلى أن هلك وربى ابنه محمد بالمشرق ما بين الحجاز ومصر وقفل إلى المغرب بعد أن أسر أشياء في الطلب وتفقه على أولاد الامام ولما ابتنى السلطان أبو الحسن مسجد العباد ولاه الخطابة به وسمعه يخطب على المنبر وقد أحسن في ذكره والدعاء له فحلا بعينه واستخلصه لنفسه وأحله محل القرب من نفسه وجعله خطيبا حيث يصلى من مساجد المغرب وسفر عنه إلى الملوك ولما كانت نكبة القبر وان خلص إلى المغرب واستقر برباط العباد بجبل سلفه بعد أحوال أضر بنا عن ذكرها اختصار أو لما خلص السلطان إلى الجزائر داخله أبو سعيد صاحب التلمسان في السفارة عنه إلى السلطان أبى الحسن وصلاح ما بينهما فسار لذلك ونقمه أبو ثابت وبنو عبد الواد ونكروه على سلطانهم وسرحوا صغير بن عامر في اتباعه فتقبض عليه وأودعوه المطبق ثم اشخصوه بعد حين إلى الاندلس فاتصل بأبى الحجاج صاحب(7/312)
غرناطة وولاه خطابته لما اشتهر به من اجادة الخطبة للملوك بزعمهم وألف السلطان
أبا سالم في مثوى اغترابهما من غرناطة وشاركه عند أبى الحجاج فرعى السلطان وسائله وبوآته القديمة والحادثة إلى مقامه عند أبيه فلما استوسق له ملك المغرب استخصه بولايته وألقى عليه محبته وعنايته وكان مؤامره ونجى خلوته والغالب على هواه فانصرفت إليه الوجوه وخضعت ووطئ عقبه الاشراف والوزراء وعطف على بابه القواد والامراء وصار زمام الدولة بيده وكان يتجافي عن ذلك أكثر أوقاته حذرا من سوء المغبة ويزجر من يتعرض له في الشكاية ويوهم إلى أصحاب المراتب والخطط بباب السلطان وهم يعلمون انه قد ضرب على أيديهم فنقموا ذلك وسخطوا الدولة من أجله ومرضت القلوب أهل الحل والعقد من تقدمه ونفس عليه الوزراء ما ثبت له عند السلطان من الحظ فتربصوا بالدولة وشمل هذا الداء الخاصة والعامة وكان عمر بن عبد الله بن على لما هلك أبوه الوزير عبد الله بن على في جمادى سنة ستين عند استيلاء السلطان على ملكه تحلبت شفاه أهل الدولة على تراثه وكان مثريا فاستجار منهم بابن مرزوق وساهمه في تراث أبيه بعد أن حملوا السلطان على النيل منه والاهانة له فأجاره منهم ورفع عند السلطان رتبته وحمله على الاصهار إليه في أخته وقلده السلطان أمانة البلد الجديد دار ملكه متى عنت له الرحلة عنها وأصهر عمر إلى وزير الدولة مسعود بن ماسى تسكينا لروعته واستخلاصا لمودته وسفر عن السلطان إلى صاحب تلمسان في شعبان من سنة اثنين وستين ونمى عنه داخل صاحب تلمسان في بعض المكرفهم بنكبته وقتله ودافع عنه ابن مرزوق وخلص من عقابه وطوى على البث وتصرف في الدولة وتربص بالدولة واعيد إلى مكانه من الامانة على دار الملك أول ذى العقدة مرجعه من تلمسان لما كان السلطان قد تحول عنها إلى القصبة بفاس واختط ايوانا فخما لجلوسه بها لضيق قصوره بها فلما استولى عمر على دار الملك حدثته نفسه بالتوثب وسول له ذلك ما اطلع عليه من مرض القلوب والنكير على الدولة لمكان ابن مرزوق فداخل قائد الجند غريسة بن انطول واتعدوا لذلك ليلة الثلاثاء السابع عشر من ذى القعدة سن اثنين وستين
وخلصوا إلى تاشفين الموسوس ابن السلطان أبى الحسن بمكانه من البلد الجديد فخلعوا عليه وألبسوه شارة الملك وقربوا له مركبه وأخرجوه إلى أريكة السلطان فأقعدوه عليها وأكرهوا شيخ الحامية والناشبة محمد بن الزرقاء على البيعة له وجاهروا بالخلعان وقرعوا الطبول ودخلوا إلى مودع المال ففرضوا العطاء من غير تقدير ولا حسبان وماج أهل البلد الجديد من الجند بعضهم في بعض واختطفوا ما وصلوا إليه من العطاء وانتهبوا ما كان بالمخازن الخارجة من السلع والعدة وأضرموا النار في بيوتها سترا(7/313)
على ما ضاع منها وأصبح السلطان بمكانه من القصبة فركب واجتمع إليه من حضر من الاولياء والقبائل وغدا على البلد الجديد وطاف بها يروم منها منفذا فاستعصب واضطرب معسكره بكدية العرائس لحصارها ونادى في الناس بالاجتماع إليه ونزل عند قائلة الهاجرة بفسطاطه فتسايل الناس عنه إلى البلد الجديد فوجا بعد فوج بمرأى منه إلى أن سار إليها أهل مجلسه وخاصته فطلب النجاء بنفسه وركب في لمة من الفرسان مع وزرائه مسعود بن رحو وسليمان بن داود ومقدم الموالى والجند ببابه سليمان بن نصار وأذن لابن مرزوق في الدخول إلى داره ومضى على وجهه ولما غشيهم الليل انقضوا عنه ورجع الوزير إلى دار الملك فتقبض عليهما عمر بن عبد الله ومساهمه غريسة بن أنطول واعتقلاهما متفرقين وأشخص على بن مهدى وبدر يجن في طلب السلطان فعثر عليه نائما في بعض المحاشر بوادي ورغة وقد نزع عنه لباسه اختفاء بشخصه وتوارى على العيون بمكانه فتقبض عليه وحمله على بغل وطير الخبر إلى عمر بن عبد الله فأزعج لتلقيه شعيب بن ميمون بن ور دار وفتح الله بن عامر بن فتح الله وأمرهما بقتله وانفاذ رأسه فلقياه بخندق القصب ازاء كدية العرائس فأمر بعض جنود النصارى أن يتولى ذبحه وحمل رأسه في مخلاة فوضعه بين يدى الوزير والمشيخة واستقل عمر بالامر ونصب الموسوس تاشفين يموه به على الناس وذوات الامور إلى
غاياتها ولكل أجل كتاب { الخبر عن الفتك بابن أنطول قائد العسكر من النصارى ثم خروج يحيى بن رحوو بنى مرين عن الطاعة } لما تقبض عمر بن عبد الله على الوزير كان معتقل سليمان بن داود بدار غريسة قائد النصارى ومعتقل بن ماسى بداره ضنا به عن الامتهان بمكان صهره ولما فيه من الاستظهار بعصابته من الابناء والاخوة والقرابة وكان غريسة بن أنطول صديقا لسليمان بن ونصار فلما رجع عن السلطان ليلة انفضاضهم نزل عليه وكان يعاقره الخمر فأتاه سحرا وتفاوضا في اعتقال عمروا قامة معتقله سليمان بن داود في الوزارة لما هو عليه من السن ورسوخ القدم في الامر ونمى إلى عمر الخبر فارتاب وكان خلوا من العصابة ففزع إلى قائد المركب السلطاني من الرجل الاندلسيين يومئذ ابراهيم البطروجى أمره وبايعه على الاستماتة دونه ثم استقل عصابتهم ففزع إلى يحيى بن رحو شيخ بنى مرين وصاحب شوراهم فشكا إليه فأشكاه ووعده الفتك بابن أنطول وأصحابه وانبرم عقد ابن أنطول وسليمان ابن ونصار على شأنهم وغدوا إلى القصر وداخل ابن أنطول طائفة من النصارى للاستظهار بهم ولما توافت بنو مرين بمجلس(7/314)
السلطان على عادتهم وعمر بن عبد الله القائد بن أنطول بين يدى يحيى بن رحو وقد أحضر البطروجى الاندلسيين فسأله تحويل سليمان بن داود من داره إلى السجن فأبى وضن به عن الاهانة حتى سأل مثلها من ابن ماسى صاحبه فأمر عمر بالتقبض عليه فكشر في وجوه الرجال واخترط سكينه للمدافعة فتوا ثبت بنو مرين وقتلوه لحينه واستحملوا من وجد بالدار من جند النصارى عند دخولهم وفروا إلى معسكر هم ويعرف بالملاح جوار البلد الجديد وأرجف الغوغاء بالمدينة ان ابن أنطول غدر بالوزير فقتل جند النصارى حيث وجدوا من سكك المدينة وتزاحفوا إلى الملاح
لاستلحام من به من الجند وركب بنو مرين لحماية جندهم من معرة الغوغاء وانتهب يومئذ الكثير من أموالهم وآنيتهم وأمتعتهم وقتل النصارى كثيرا من المجان كانوا يعاقرون الخمر بالملاح واستبد عمر بالدار واعتقل سليمان بن ونصار إلى الليل وبعث من قتله بمحبسه وحول سليمان بن داود ببعض الدور بدار الملك اعتقله بها واستولى على أمره ورجع في الشورى إلى يحيى بن رحو واعصوصب بنو مرين عليه واعتز على الامراء والدولة وكان عدو الخاصة السلطان أبى سالم حريصا على قتلهم وكان عمر يريد استبقاءهم لما أمله في ابن ماسى فخشنت صدورهم عليه ودبروا في شأنه وخاطب هو عامر ابن محمد في اتصال اليد واقتسام ملك المغرب وبعث إليه بأبى الفضل بن السلطان أبى سالم اعتده عنده وليجة لخلاصه من ربقة الحصار الذى هم به مشيخة بنى مرين وكان أبو الفضل هذا بالقصبة تحت الرقبة والارصاد فتفقد من مكانه وأغلط المشيخة في العتب لعمر في ذلك فلم يستعتب ونبذ إليهم العهد وامتنع بالبلد الجديد ومنعهم من الدخول إليه فاعصو صبوا على كبيرهم يحيى بن رخو وعسكروا بباب الفتوح وجأجؤا بعبد الحليم ابن السلطان أبى على وكان من خبره معه ما نذكره وأطلق عمر بن عبد الله مسعود بن ماسى من محبسه وسرحه إلى مراكش وأوعده في الاجلاب عليهم ان حاصروه كما نذكره ان شاء الله تعالى * (الخبر عن وصول عبد الحليم بن السلطان من تلمسان وحصار البلد الجديد) * كان السلطان أبو الحسن لما قتل أخاه السلطان أبا على وقضى الحق الذى له في ذمته عمل بالحق الذى عليه في ذمته ولده وحرمه فكفلهم وغذاهم بنعمته وساواهم بولده في كافة شؤنهم وأنكح ابنته تاحضريت العزيزة عليه عليا منهم المكنى بأبى سلوس ونزع عنه وهو بالقيروان أيام النكبة ولحق بالعرب وأجلب معهم على السلطان بالقيروان وتونس ثم انصرف من افريقية ولحق بتلمسان ونزل على سلطانها أبى سعيد عثمان بن عبد الرحمن فبوأه كرامته ثم شرع في الاجازة إلى الاندلس وبعث فيه السلطان أبو عنان قبل فصوله(7/315)
فاشخصوه إليه فاعتقله ثم أحضره ووبخه على مرتكبه مع السلطان أبى السحن وحجده حقه ثم قتله لليلتين من شهور احدى وخمسين لما هلك السلطان أبو الحسن ولحقت جملته من الخاصة والابناء بالسلطان أبى عنان وأشخص اخوته إلى الاندلس وأشخص معهم ولد الامير أبى على هؤلاء عبد الحليم وعبد المؤمن والمنصور والناصر وسعيد ابن أخيهم زيان فاستقروا بالاندلس في جوار ابن الاحمر ثم طلب أبو عنان أشخاصهم بعد كما طلب اشخاص أخيه فأجارهم ابن الاحمر جميعا وامتنع من اسلامهم إليه وكان من المغاضبة لذلك ما قدمناه ولما اعتقل السلطان أبو سالم الابناء المرشحين وكان برندة كما قدمناه نزع منهم عبد الرحمن بن على بن أبى يفلوس إلى غرناطة فلحق بأعماله وكان السلطان أبو سالم بمكانهم مستر يا بشأنهم حتى لقد قتل محمد بن أبى يفلوس بن أخته تاحضريت وهو في حجرها وحجره استرابه بما نمى عنه ولما أجاز أبو عبد الله المخلوع ابن أبى الحجاج إلى المغرب ونزل عليه وصار إلى ايالته ورأى ان قد ملك أمره في هؤلاء المرشحين بغرناطة وأرسل الرئيس محمد بن اسمعيل عند توثبه على الامراء واستلحامه أبناء السلطان أبى الحجاج فراسله في اعتقالهم ثم فسد ما بين الرئيس والطاغية وأخذ منه كثيرا من حصون المسلمين وبعث إلى السلطان أبى سالم في أن يخلى سبيل المخلوع إليه فامتنع وفاء للرئيس ثم دافع الطاغية عن ثغوره باسعاف طلبته فجهز المخلوع وملا حقائبه صلة وأعطاه الآلة وأو عز إلى أسطوله بسبته فجهز وبعث علال بن محمد ثقة أبيه فأركبه الاسطول وركب معه إلى الطاغية وخلص الخبر إلى الرئيس بمكانه من ملك غرناطة وكان أبو حمو صاحب تلمسان يراسله في أولاد أبى على وأن يجيزهم إليه ليجدهم زبونا على السلطان أبى سالم فبادر لحينه وأطلقهم من مكان اعتقالهم وأركب عبد الحليم وعبد المؤمن وعبد الرحمن ابن أخيهما على أبى يفلوس في الاسطول وأجازهم إلى مرسى هنين بين يدى مهلك السلطان أبى سالم فنزلوا من صاحب تلمسان بأعز جوار
ونصب عبد الحليم منهم لملك المغرب وكان محمد السبيع بن موسى بن ابراهيم نزع عن عمر ولحق بتلمسان فتوافى معهم وأخبرهم بمهلك السلطان وبايع له واغراه بالرحلة إلى المغرب ثم تتابعت وفود بنى مرين بمثلها فسرحه أبو حمو وأعطاه الآلة واستوزر له محمد السبيع وارتحل معه يغذ السير ولقى في طريقه محمد بن زكراز من أولاد على من شيوخ بنى ونكاس أهل دبدوا وثغر المغرب منذ دخول بنى مرين إليه فبايعه وحمل قومه على طاعته وأغذ السيرو كان يحيى بن رحوا والمشيخة لما نبذ عمر بن عبد الله إليهم العهد وعسكروا بباب الفتوح أوفدوا مشيخة منهم على تلمسان لاستقدام السلطان عبد الحليم فوافوه بتازى ورجعوا معه وتلقته جماعة بنى مرين بسبوا ونزلوا على البلد الجديد يوم السبت سابع(7/316)
محرم من سنة ثلاث واضطرب معسكرهم بكدية العرائس وغادوا البلد القتال وراوحوها سبعة أيام وتتابعت وفودهم والحشود تتسايل إليهم ثم ان عمر بن عبد الله برز من السبت القابل في مقدمة السلطان أبى عمر بمن معه من جند المسلمين والنصارى رامحة وناشبة ووكل بالسلطان من جاء به في الساقة على التعبية المحكمة وناشبهم الحرب فدلفوا إليه فاستطرد لهم ليتمكن الناشبة من عقرهم من الاسوار حتى فشت فيهم الجراحات ثم صمم نحوهم وانفرج القلب وانفضت الجموع وزحف السلطان في الساقة فانذعروا في الجهات وافترق بنو مرين إلى مواطنهم ولحق يحيى بن رحو بمراكش مع مبارك بن ابراهيم شيخ الخلط ولحق عبد الحليم واخوته بتازى بعد أن شهد لهم أهل المقام بصدق الجلاد وحسن البلاء في ذلك المجال وصابر عمر بن عبد الله قدوم محمد بن أبى عبد الرحمن كما نذكره ان شاء الله تعالى { الخبر عن قدوم الامير محمد بن الامير عبد الرحمن وبيعته بالبلد الجديد في كفالة عمر بن عبد الله } لما نبذ بنو مرين عهدهم واعصو صبوا عليه ونكروا ما جاء به من البيعة لابي عمر مع فقده العقل الذى هو شرط الخلافة شرعا وعادة ونقموا عليه اتهم نفسه في نظره وفرغ إلى
التماس المرشحين فوقع نظره على حافد السلطان أبى الحسن محمد ابن الامير أبى عبد الله النازع لاول دولة السلطان أبى سالم من رندة إلى الطاغية وكان قد نزل منه بخير مثوى فبعث إليه مولاه عتيقا الخصى ثم تلاه بعثمان بن الياسمين ثم تلاهما بالرئيس الابكم من بنى الاحمر في كل ذلك يستحث قدومه وخاطب المخلوع ابن الاحمر وهو في جوار الطاغية كما قدمناه قريب عهد بجواره فخاطبه في استحثاثه واستخلاصه من يد الطاغية وكان المخلوع يرتاد لنفسه منزلا من ثغور المسلمين لما فسد بينه وبين الطاغية ورام النزوع عن ايالته فاشترط على الوزير عمر النزول له عن رندة فتقبل شرطه وبعث إليه الكتاب بالنزول عنها بعد أن وضع الملا عليه خطوطهم من بنى مرين والخاصة والشرفاء والفقهاء فسار ابن الاحمر إلى الطاغية وساله تسريح محمد هذا إلى ملكه وأن قبيله دعوه إلى ذلك فسرحه بعد أن شرط عليه وكتب الكتاب يقبوله وفصل من اشبيلية في شهر المحرم فاتح ثلاث وستين ونزل بسبتة وبها سعيد بن عثمان من قرابة عمر بن عبد الله أرصده لقدومه فطير بالخبر إليه فخلع أبا عمر من الملك لعام من بيعته وأنزله بداره مع حرمه وبعث إلى السلطان أبى زيان محمد بالبيعة والآلة والفساطيط ثم جهز عسكرا للقائه فتلقوه بطنجة وأغذ السير إلى الحضرة فنزل منتصف شهر صفر بكدية العرائس واضطرب معسكره بها وتلقاه الوزير يومئذ وبايعه وأخرج فسطاطه فاضطر به بمعسكره(7/317)
وتلوم السلطان هنا لك ثلاثا ثم دخل في الرابع إلى قصره واقتعد اريكته وتودع ملكه وعمر مستبد عليه لا يكل إليه أمر اولا نهيا واستطال عند ذلك المنازعون أولاد أبى على كما نذكره ان شاء الله تعالى { الخبر عن السلطان عبد الحليم واخوته إلى سجلماسة بعد الوقعة عليهم بمكناسة } لما سمع عبد الحليم بقدوم محمد بن أبى عبد الرحمن من سبتة إلى فاس وهو بمكانه من تازى
سرح أخاه عبد المؤمن وعبد الرحمن ابن أخيه إلى اعتراضه فانتهوا إلى مكناسة وخاموا عن لقائه فلما دخل إلى البلد الجديد أجلبوه بالغارة على النواحى وكثر العيث وأجمع الوزير عمر على الخروج إليهم بالعساكر فبرز بالتعبية والآلة وبات بوادي النجاء ثم أصبح على تعبيته وأغذ السير إلى مكناسة فزحف إليه عبد المؤمن وابن أخيه عبد الرحمن في جموعهما فجاولهما القتال ساعة ثم صمم إليهم فدفعه عن مكناسة وانكشفوا فلحقوا بأخيهم السلطان عبد الحليم بتازى ونزل الوزير عمر بساحة مكناسة وأوفد بالفتح على السلطان وكنت وافده إليه يومئذ فعمت البشرى واتصل السرور وتهنأ السلطان بملكه وتودع من يومئذ سلطانه ولما وصل عبد المؤمن إلى أخيه عبد الحليم بتازى مفلولا انتقض معسكره ونزعوا عنه إلى فاس وذهب لوجهه هو واخوته مع وزيرهم السبيع بن محمد ومن كان معهم من عرب المعقل فلحلقوا بسجلماسة وكان أهلها قد دخلوا في بيعتهم ودانوا بطاعتهم فاستعزوا بها وجددوا رسم الملك والسلطان إلى أن كان من خورجهم ما نذكره ان شاء الله تعالى { الخبر عن قدوم عامر بن محمد بن مسعود بن ماسى من مراكش وما كان من وزارة ابن ماسى واستبداد عامر بماركش } كان السلطان أبو سالم لما استقل بملك المغرب استعمل على جباية المصامدة وولاية مراكش محمد بن أبى العلاء بن أبى طلحة من أبناء العمال وكان مطلعا بها وناقش الكبير من ذوى عامر فأحفظه ذلك وربما تكررت سعايته في عامر عند السلطان ولم يقبل ولما بلغ إلى عامر مهلك السلطان أبى سالم وقيام عمر بالامر وكانت بينهما خلة بيت محمد ابن أبى العلاء فتقبض عليه وامتحنه وقتله واستقل بأمر مراكش وبعث إليه الوزير عمر بأبى الفضل بن السلطان أبى سالم يعتده لما يقع من حصار بنى مرين اياه أن يجلب به عامر عليهم ويستنقضه كما ذكرناه ثم سرح مسعود بن ماسى كما ذكرناه ولما أحاط بنو مرين بالبلد الجديد جمع عامر من إليه من الجند والحشود وزحف بأبى الفضل بن
السلطان أبى سالم إلى ونزل بوادي أم ربيع ولما انفض جمعهم من على(7/318)
البلد الجديد لحق به يحيى بن رحو وكان له صديقا ملاطفا فتنكر له توفية لعمر بن عبد الله وصاحبه مسعود وبعثه إلى الجبل ولم يشهدا لجمع فذهب مغاضبا ولحق بسجلماسة بالسلطان عبد الحليم وهلك في بعض حروبه مع العرب ولما انفض عبد المؤمن وأجفل عبد الحليم من تازى ولحقوا بسجلماسة واستوسق الامر لعمر بن عبد الله وفرغ من شأن المنازعين ومضايقتهم له رجع إلى ما كان يؤمله من الاستظهار على أمره بمسعود ابن ماسى واخوته وأقار به لمكان الصهر الذى بينهما فاستقدمه للوزارة مرضاة لبنى مرين لما كانوا عليه من استمالتهم لجميع المذاهب والاغضاء عمانالوه به من النكاية وكان عامر بن محمد مجمعا القدوم على السلطان فقدم في صحابته ونزلا من الدولة بخير منزل وعقد السلطان لمسعود بن رحو على وزارته باشاره الوزير عمر فاضطلع بها ودفعه عمر إليها استمالة إليه وثقة بمكانه واستظهارا بعصابته وعقد مع عامر بن محمد الحلف على مقاسمة المغرب من لحم وأدم رفيع وجعل امارة مراكش لابي الفضل بن السلطان أبى سالم اسعافا بغرض عامر بن محمد في ذلك وأصهر عامر إليهم في بنت مولانا السلطان أبى يحيى المتوفى عنها السلطان أبو عنان فحملوا أولياءها على العقد عليها وانكفأ راجعا إلى مكان عمله بمراكش يجر الدنيا وراءه عزا وثروة وتابعا لجمادى من سنة ثلاث وستين وصرف عمر عزيمته إلى تشريد عبد الحليم وأخيه من سجلماسة كما نذكره ان شاء الله تعالى * (الخبر عن زحف الوزير عمر بن عبد الله إلى سجلماسة) * لما احتل عبد الحليم واخوته بسجلماسة اجتمع إليهم عرب المعقل كافة بحللهم واقتضوا خراج البلد فوزعوه فيهم وانتضوا على الطاعة رهنهم وأقطعهم جنات المختص بأسرها واعصو صبوا عليه واستحثه يحيى بن رحو ومن هنالك من مشيخة بنى مرين إلى النهوض للمغرب فأجمع أمره على ذلك وتدبر الوزير عمر أمره وخشى أن يضطره حموه
فأجمع إليه الحركة ونادى في الناس بالعطاء والرحلة فاجتمعوا إليه وبث العطاء فيهم واعترض العساكر وأزاح العلل وارتحل من ظاهر فاس في شعبان من سنة ثلاث وستين وارتحل معه ظهيره مسعود بن ماسى وبرز السلطان عبد الحليم إلى لقائهم ولما تراءت الفيئات بتاغز وطت عند فرج الجبل المفضى من تلول المغرب إلى الصحراء هموا باللقاء ثم تواقفوا أياما وتمشت بينهم رجالات العرب في الصلح والتجا في لعبد الحليم عن سجلماسة تراث أبيه فعقد بينهما وافترقا ورجع كل واحد منها إلى عمله ومكانه من سلطانه ودخل عمر والوزير مسعود إلى البلد الجديد في رمضان من سنته وتلقاهما سلطانهما بأنواع المبرة والكرامة ونزع الوزير محمد بن السبيع عن السلطان عبد الحليم إلى الوزير عمر وسلطانه فتقبل وحل محل التكرمة والردافة للوزارة واستقر كل(7/319)
بمكانه وتوادعوا أمرهم إلى ما كان من خلع عبد المؤمن لاخيه عبد الحليم ما نذكره ان شاء الله تعالى * (الخبر عن بيعة العرب لعبد المؤمن وخروج عبد الحليم إلى المشرق) * لما رجع عبد الحليم بعد عقد السلم مع الوزير عمر إلى سجلماسة واستقر بها وكان عرب المعقل من ذوى منصور فريقين الاحلاف وأولاد حسين وكانت سجلماسة وطنا للاحلاف وفى مجالاتهم منذ أول أمرهم ودخولهم المغرب وكان من أولاد حسين في ممالاة الوزير عمر ما قدمناه فكانت صاغية السلطان عبد الحليم إلى الاحلاف بسبب ذلك أكثر فأسف ذلك أولاد حسين على الاحلاف وتجددت لذلك الفتنة وتزاحفوا وأخرج السلطان عبد الحليم أخاه عبد المؤمن لرقع ما بينهما من الخرق ولامته فلما قدم على أولاد حسين دعوه إلى البيعة والقيام بأمره فأبى فأكرهوه عليها وبايعوه وزحفوا إلى سجلماسة في صفر من سنة أربع وستين وبرز عبد الحليم إليهم في أوليائه من الاحلاف وتواقفوا مليا وعقلوا رواحلهم وانكشف الاحلاف وانهزموا وهلك يحيى بن رحو
كبير المشيخة من بنى مرين يومئذ في حربهم وتغلبوا على سجلماسة ودخل إليها عبد المؤمن وتخلى له أخوه عبد الحليم عن الامر وخرج إلى المشرق لقضاء فرضه فودعه وزوده بما أراد وارتحل إلى الحج وقطع المفازة إلى بلد مالى من السودان وصحب منها ركاب الحج إلى مصر ونزل على أميرها المتغلب على سلطانهم يومئذ وهو مليغا الحاصكى وأنهى خبره إليه وعرف بمكانه فاستبلغ في تكريمه بما يناسب بيته وسلطانه وقضى حجه وانصرف إلى المغرب فهلك بقرب الاسكندرية سنة ست وستين واستقل عبد المؤمن بأمر سجلماسة حتى كان من نهوض العسكر إليه ما نذكره ان شاء الله تعالى { الخبر عن نهوض ابن ماسى بالعساكر إلى سجلماسة واستيلائه عليها ولحاق عبد المؤمن بمراكش } لما افترقت كلمة أولاد السلطان أبى عنان وخلع عبد المؤمن أخاه تطاول الوزير عمر إلى التغلب عليهم ونزع إليه الاحلاف عدو أولاد حسين وشيعة عبد الحليم المخلوع فجهز العساكر وبث العطاء وأزاح العلل وسرح ظهيره مسعود بن ماسى إلى سجلماسة فنهض إليها في ربيع من سنة أربع وتلقاه الاحلاف بحللهم وناجعتهم وأغذ السير ونزع الكثير من أولاد حسين للوزير مسعود وبعث عامر بن محمد عن عبد المؤمن من سجلماسة فتركها ولحق بعامر فتقبض عليه واعتقله بداره من جبل هنتاتة ودخل الوزير مسعود إلى سجلماسة واستولى عليها واقتلع منها جر ثومة الشقاق بافتراق دعوة أولاد أبى على منها وكر راجعا إلى المغرب لشهرين من حركته فاحتل بفاس إلى(7/320)
ان كان من خبر انتقاضه على عمر وفساد ذات بينها ما نذكره ان شاء الله تعالى * (الخبر عن انتقاض عامر ثم انتقاض الوزير بن ماسى على اثره) * لما استقل عامر بالناحية الغربية من جبال المصامدة ومراكش وما إلى ذلك من الاعمال واستبدبها ونصب لامره أبا الفضل ابن السلطان أبى سالم واستوزر له واستكفأ
لامره وصارت كأنها دولة مستقلة فصرف إليه النازعون من بنى مرين على الدولة وجوه مفرهم ولجؤا إليه فأجارهم عن الدولة واجتمع إليه منهم ملا وأشاروا إليه باستقدام عبد المؤمن وانه أبلغ ترشيحا من أبى الفضل بنسبه وقيامه على أمره وصاغية بنى مرين إليه فاستدعاه وأظهر لعمر أنه يروم بذلك مصلحته والمكر بعبد المؤمن ونما ذلك كله إلى عمر فارتاب به ونزع إليه آخر السبيع بن موسى بن ابراهيم الوزير كان لعبد الحليم فكشف القناع في بطانته وتجهيز العساكر إليه واستراب بأهل ولايته وعثر على كتاب من الوزير مسعود بن ماسى إليه يخالصه ويبذل له النصيحة فتقبض على حامله وأودعه السجن فتنكر معسود وأغراه صحابته الملاشون له من بنى مرين بالخروج ومنازعة عمر في الامر ووعدوه النصر منه فاضطرب معسكره بالزيتون من خارج فاس موريا بالنزهة ابان الربيع وزخرف الارض في شهر رجب من سنة خمس وبنى أصحابه الفساطيط في مسكره حتى إذا استوفى جمعهم واعتزم على الخروج ارتحل مهاجرا بالخلاف وعسكر بوادي النجا بمن كان معه يعده الخروج معه من بنى مرين ثم ارتحل لى مكناسة وكتب إلى عبد الرحمن بن على بن يفلوس يستقدمه للبيعة تادلا قد خرج بها بعد انصرافهم من سجلماسة وتخلف عن عبد المؤمن وبعث عامر إليهم بعثا فهزموه ثم لحق ببنى ونكاسن فبعث إليه ابن ماسى وأصحابه فقدم عليهم وبايعوه وأخرج عمر سلطانه محمد بن أبى عبد الرحمن وعسكر بكدية العرائس وبت العطاء وأزاح العلل ثم ارتحل إلى وادى النجا فبيته معسود وقومه فثبت هو وعسكره في مراكزهم حتى انجاب الظلام وفروا أمامهم فاتبعوا آثارهم انفض جمعهم وبدا لهم ما لم يحتسبوه من اصفاق الناس على السلطان ووزيره عمرو اعتصامهم بطاعته فانذعروا ولحق مسعود بن ماسى بن رحو بتادلا ولحق الامير عبد الرحمن ببلاد بنى ونكاسن ورجع عمرو السلطان إلى مكانهما من الحضرة واستمال مشيخة بنى مرين فرجعوا إليه وعفالهم عنها واستصلحهم وتمسك أبو بكر بن حمامة بدعوة عبد الرحمن بن أبى يفلوس وأقامهما
في نواحيه وبايعه عليها موسى بن سيد الناس من بنى أهل جبل دبروا من بنى ونكاسن بما كان صهرا له وخالفه قومه إلى الوزير عمرو واعدوه بالنهوض إلى أبى بكر بن حمامة فنهض وغلبه على بلاده واقتحم حصنه انكاوان وفرهو وصهره موسى(7/321)
وفارقوا سلطانهم عبد الرحمن ونبدوا إليه عهده ورجعوا إلى طاعة صاحب فاس فلحق هو بتلمسان ونزل على السلطان أبى حمو فاستبلغ في تكريمه ولحق وزيره مسعود بن ماسى بدبر واونزل على أميره محمد بن زكراز صاحب ذلك النغر وبعث إلى الامير عبد الرحمن من تلمسان ليطارد بالفرصة ظنها في المغرب ينتهزها وأبى عليه أبو حمو من ذلك فركب مطية الفرار ولحق بابن ماسى وأصحابه فنصبوه للامر وأجلبوا على تازى ونهض الوزير إليهم في العساكر واحتل بتازا وتعرضوا للقائه ففض جموعهم وردهم على أعقابهم إلى جبل دبر واوسعى بينهم وترمار بن عريف ولى الدولة في قبض عنانهم عن المنازعة والتجا في عن طلب الامر وأن يجيزوا إلى الاندلس للجهاد فأجاز عبد الرحمن بن أبى يفلوس ووزيره ابن ماسى من غساسة فاتح سبع وستين وخلا الجو من اجلابهم وعنادهم ورجع الوزير إلى فاس واحتشد إلى مراكش كما نذكره ان شاء الله تعالى * (الخبر عن نهوض الوزير عمر وسلطانه إلى مراكش) * لما فرغ عمر من شأن مسعود وعبد الرحمن بن أبى يفلوس صرف نظره إلى ناحية مراكش وانتزى عامر بن محمد بها وأجمع أمره على الحركة إليه فأفاض العطاء ونادى بالسفر إلى حرب عامر وأزاح العلل وارتحل إليه لرجب من سنة سبع وصعد عامر وسلطانه أبو الفضل إلى الجبل فاعتصم به وأطلق عبد المؤمن من معتقله ونصب له الآلة وأجلسه على سرير حذاء سرير أبى الفضل يوهم انه قد بايع له وانه أحكم أمره تحامى بذلك لبنى مرين لما يعلم من صاغيتهم إليه وخشى مغبة ذلك فالان له القول ولاطفه في الخطاب وسعى بينهما في الصلح حسون بن على الصبيحى فعقد له عمر من ذلك ما أرضاه
وانقلب إلى فاس ورجع عامر عبد المؤمن إلى معتقله وأمر الاحوال على ما كانت من قبل إلى أن بلغهم قتل الوزير لسلطانه كما نذكره ان شاء الله تعالى { الخبر عن مهلك السلطان محمد بن أبى عبد الرحمن وبيعة عبد العزيز بن السلطان أبى الحسن } كان شأن هذا الوزير عمر في الاستبداد على سلطانه هذا عجبا حتى بلغ مبلغ الحجر من الصبيان وكان قد جعل عليه العيون والرقباء حتى من حرمه وأهل قصره وكان السلطان كثيرا ما يتنفس الصعداء مع ندمائه ومن يختصه بذلك من حرمه إلى أن حدث نفسه باغتيال الوزير وأمر بذلك طائفة من العبيد كانوا يختصون به فنمى القول وأرسل به إلى الوزير بعض الحرم كانت عينا له عليه فخشى على نفسه وكان من الاستبداد والدولة أن الحجاب مرفوع له عن خلوات السلطان وحرمه ومكاشفة رتبه فخلص إليه في حشمه(7/322)
وهو معاقر لندمائه فطردهم عنه وتناوله غطا حتى فاض وألقوه في بئر في روض الغزلان واستدعا الخاصة فأراهم مكانه وانه سقط عن دابته وهو ثمل في تلك البئر وذلك في المحرم فاتح ثمان وستين لست سنين من خلافته واستدعى من حينئذ عبد العزيز بن السلطان أبى الحسن وكان في بعض الدور من القصبة بفاس تحت الرقباء والحراسة من الوزير لما كان السلطان محمد يروم الفتك به غيرة منه على الملك لمكان ترشيحه فحضر بالقصر وجلس على سرير الملك وفتحت الابواب لبنى مرين والخاصة والعامة فازدحموا على تقبيل يده معطين الصفقة بطاعته وكمل أمره وبادر الوزير من حينه إلى تجهيز العساكر إلى مراكش ونادى بالعطاء فتح الديوان وكمل الاعراض وارتحل بسلطانه من فاس في شهر شعبان وأغذ السير إلى مراكش ونازل عامر بن محمد بمعقله من جبل هنتاتة ومعه الامير أبو الفضل ابن السلطان أبى سالم وعبد المؤمن ابن السلطان أبى على أطلقه من الاعتقال أيضا وأجلسه موازي ابن عمه واتخذ له الآلة يموه به في شأنه الاول ثم سعى
بينه وبين عمر في الصلح فانعقد بينهما وانكفأ راجعا بسلطانه إلى فاس في شهر شوال فكان حتفه اثر ذلك كما نذكره ان شاء الله تعالى والله أعلم * (الخبر عن مقتل الوزير عمر بن عبد الله واستبداد السلطان عبد العزيز بأمره) * كان عمر قد عظم استبداده على السلطان عبد العزيز فحجره ومنعه من التصرف في شئ من أمره ومنع الناس من النهوض له في شئ من أمورهم وكانت أمه حذره عليه اشفاقا وحبا وكان عمر لما ملك أمره واستبد عليه سما إلى الاصهار إليهم في بنت السلطان أبى عنان واشترط لها زعموا تولية أخيها الامير ونما ذلك إلى السلطان وان عمر مغتاله لا محالة وقارن ذلك ان عمر أوعز إلى السلطان بالتحول عن قصره إلى القصبة فركب أسنة الغدر لاضطراره واعتزم على الفتك به وأكمن بزوايا داره جماعة من الرجال وأعدهم بالتوثب به ثم استدعاه إلى بيته للمؤامرة معه سنته فدخل معه وأغلق الموالى من الخصيان باب القصر من روائه ثم أغلظ له السلطان بالقول وعتبه ودلف الرجال إليه من زوايا الدار فتناولوه بالسيوف هبرا وصرخ ببطانته بحيث أسمعهم فحملوا على الباب وكسروا اغلاقه فألفوه مضرجا بدمائه فولوا الادبار وانفضوا من القصر وانذعروا وخرج السلطان إلى مجلسه فقتعد أريكته واستدعى خاصته وعقد لعمر بن مسعود ابن منديل بن حمامة من بنى مرين وشعيب بن ميمون بن وردان من الحشم ويحيى بن ميمون بن المصمود من الموالى وكملت بيعته منتصف ذى العقدة سنة ثمان وستين وتقبض على على بن الوزير عمر وأخيه وعمه وحاشيتهم وسربهم واعتقلهم حتى أتى القتل عليهم لليال واستأصل المكان شأفتهم وسكن وأمن ورد النافرين بأمانه وبسط لهم بشره(7/323)
ثم تقبض لايام على سليمان بن داود ومحمد السبيع وكانا في مخالصة عمر بمكان فاعتقلهما استرابة بهما ولشئ نمى له عنهما وأودعهما السجن إلى أن هلكا واعتقل معهما علال بن محمد والشريف أبا القاسم ريبة بصاحبتهما ثم امتن عليهما بشفاعة ابن الخطيب وزير ابن
الاحمر وأقصاه ثم أطلق عنانه في الاستبداد وقبض أيدى الخاصة والبطانة عن التصرف في شئ من سلطانه الا باذنه وعن أمره وهلك لاشهر من استبداد الوزير شعيب ابن ميمون ثم هلك يحيى بن ميمون على ما نذكره ان شاء الله تعالى * (الخبر عن انتزاء أبى الفضل بن المولى أبى سالم ثم نهوض السلطان إليه ومهلكه) * لما فتك السلطان عبد العزيز بعمر بن عبد الله المتغلب عليه سولت لابي الفضل ابن السلطان أبى سالم نفسه مثلها في عامر بن محمد لمكان استبداده عليه وأغراه بذلك البطانة وتوحش لها عامر فتمارض بداره واستأذنه في الصعود إلى معتصمه بالجبل ليمرضه هنالك أقاربه وحرمه وارتحل بجملته ويئس أبو الفضل من الاستمكان منه وأغراه حشمه بالراحة من عبد المؤمن ولليال من منصرف عامر ثمل أبو الفضل ذات ليلة وبعث عن قائد الجند من النصارى فأمر بقتل عبد المؤمن بمكان معتقله من قصبة مراكش فجاء برأسه إليه وطار الخبر إلى عامر فارتاع وحمد الله إذ خلص من غائلته وبعث ببيعته إلى السلطان عبد العزيز وأغراه بابى الفضل ورغبه في ملك مراكش ووعده بالمظاهرة فاجمع السلطان أمره على النهوض إلى مراكش ونادى في الناس بالعطاء وقضى أسباب حركته وارتحل من فاس سنة تسع وستين واستبد أبو الفضل من بعد مهلك عبد المؤمن واستوزر طلحة النوري وجعل علامته لمحمد بن محمد بن منديل الكتاني وجعل شوراه لمبارك ابن ابراهيم بن عطية الخلطى ثم أشخص طلحة النوري لسعاية الكتاني فقتله واعتمد منازلة عامر ولما فصل لذلك من مراكش جاءه الخبر بحركة السلطان عبد العزيز إليه فانفض معسكره ولحق بتادلا ليعتصم بها في معقل بنى جابر وعاج السلطان بعساكره عن مراكش إليها فنازله وأخذ بمخنقه وقاتله ففل عسكره وداخله بعض بنى جابر في الاخلال بمصافه يوم الحرب على مال يعطيه لهم ففعلوا وانهزمت عساكر أبى الفضل وجموعه وتقبض على أشياعه وسيق مبارك بن ابراهيم إلى السلطان فاعتقله إلى أن قتله مع عامر عنده مهلكه كما نذكره وفر الكتاني إلى حيث
لم يعلم مسقطه ثم لحق بعامر بن محمد ولحق أبو الفضل بقبائل صناكة من ورائهم وداخلهم أشياع السلطان من بنى جابر وبذلوا لهم المال الدثر في اسلامه فأسلموه وبعث السلطان إليهم وزيره يحيى بن ميمون فجاء به أسيرا وأحضره السلطان فوبخه وقرعه واعتقله بفسطاط جواره ثم غط من الليل وكان مهكله في رمضان من سنة تسع لثمان سنين من(7/324)
امارته على مراكش وبعث السلطان إلى عامر يختبر طاعته بذلك فأبى عليه وجاهر بالخلاف إلى ان كان من شأنه ما نذكره ان شاء الله تعالى * (الخبر عن نكبة الوزير بن ميمون بن مصمود ومقتله) * كان يحيى بن ميمون هذا من رجالات دولتهم وربى في دولة السلطان أبى الحسن وكان عمه علال عدوا له بعداوة أبيه ولما انتزى السلطان أبو عنان على ملك أبيه استخلص يحيى هذا سائر أيامه وهلك عمر يوم مهلكه كما ذكرناه واستعمل يحيى هذا ببجاية فلم يزل بها إلى أن تقبض عليه الموحدون لما استخلصوا بجاية من يده وسار إلى تونس واعتقل بها مدة ثم صرفوه إلى المغرب أيام عمر فاختص به ولما عقد له السلطان عبد العزيز على وزارته وكان قوى الشكيمة شديد الحزم صعب العداوة مرهف الحد وكان عمه علال بعد أن أطلقه السلطان من الاعتقال نكبه عن اذنه وأقامه متصرفا بين يديه فألقى إلى السلطان استبداد يحيى عليه وحذره من شأنه ورفع إليه انه يروم تحويل الدعوة لبعض القرابة من آل عبد الحق وانه داخل في ذلك قواد الجند من النصارى وأصاب الوزير وجع قعد به عن مجلس السلطان فاختلف الناس إلى زيارته وعكف ببابه قواد النصارى فاستريب بأمرهم وتيقن الامر بعكوفهم فأرسل السلطان من حشمه من تقبض عليه وأودعه السجن ثم جنب إلى مصرعه من الغدو قتل قعصا بالرماح وقتل المتهمون من القرابة وقواد الجند واستلحموا جميعا وصاروا مثلا في الآخرين والامر لله
* (الخبر عن حركة السلطان إلى عامر بن محمد ومنازلته بجبله ثم الظفر به) * لما فرغ السلطان من شأن أبى الفضل عقد على مراكش لعلى بن محمد بن اجانا من صنائع دولتهم وأوعز إليه بالتضييق على عامر والاخذ بمخنقه والجائه إلى الطاعة وانقلب إلى فاس واعتزم على الحركة إلى تلمسان وبينهما هو في الاستنفار لذلك إذ جاءه الخبر بأن على بن اجانا نهض إلى عامر وحاصره أياما وان عامر ازحف إليه ففض معسكره وتقبض على بن اجانا والكثير من العسكر فاعتقلهم فقام السلطان في ركائبه وقعدو أجمع أمره على النهوض إليه بكافة بنى مرين وأهل المغرب فبعث في الحشود وبث العطاء وعسكر بظاهر البلد حتى استوفى الغرض وعقد على وزارته لابي بكر بن الغازى بن يحيى بن الكاس لمكان فيه من مخايل الرياسة وارتفع محله وارتحل سنة سبعين فاحتل بمراكش ثم خرج إلى منازلة الجبل ونازله وكان عامر بن محمد قدنصب بعض الاعياص من آل عبد الحق من ولد أبى ثابت بن يعقوب اسمه تاشفين ولحق به على بن عمر ويعلان من شيوخ بنى ورتاجن كبير بنى مرين وصاحب الشورى فيهم لعهده فاشتد(7/325)
أزره به وتوافى به كثير من الجند النازعين عن السلطان رهبة من بأسه وسخطة لحاله أو رغبة فيما عند عامر فرتبهم وأمسك الله يده عن العطاء فلم تنس بقطرة وطال مثوى السلطان بساحته وعلى حصاره ورتب المقاعد للمقاتلة وغاداه للقتال وراوحه وتغلب على حصونه شيأ فشيأ إلى أن تعلق بأعلى جبل تامسكروط وكان لابي بكر بن غازى غناء مذكور ويئس أصحاب عامر وأشياعه من عطائه وفسد ما بينه وبين على بن عمر هذا فدس إلى السلطان يطلب الامان وتوثق لنفسه ثم نزع إليه وداخله فارس بن عبد العزيز أخى عامر في القيام بدعوة السلطان والخلاف على عمه لما كان به من ارهاف الحد وتفضيل ابنه أبى بكر عليه فبلغ خبره إلى السلطان واقتضى له وثيقة من الامان والعهد بعث به إليه فثار بعمه واستدعى القبائل من الجبل فأجابوه واستحث
السلطان للزحف إليهم فزحفت العساكر والجنود واستولت على معتصم الجبل ولما استيقن عامر ان قد أحيط به أوعز إلى ابنه أن يلحق بالسلطان مموها بالنزوع فألقى بنفسه إليه وبذل له الامان وألحقه بجملته وانتبذ عامر عن الناس وذهب لوجهه ليخلص إلى السوس فرده الثلج وقد كانت السماء أرسلت به منذ أيام بردا وثلجا حتى تراكم بالجبل بعضه على بعض وسد المسالك فاقتحمه عامر وهلك فيه بعض حرمه ونفق مركوبه وعاين الهلكة العاجلة فرجع مخفيا أثره إلى غاراوى إليه مع أدلاء بذل لهم المال يسلكون به ظهر الجبل إلى الصحراء بالسوس وأقاموا ينتظرون امساك الثلج وأقام وأغرى السلطان بالبحث عنه فدلهم عليه بعض البربر عثروا عليه فسيق إلى السلطان وأحضره بين يديه ووبخه فاعتذر ونجع بالطاعة ورغب في الاقالة واعترف بالذنب فحمل إلى مضرب بنى له بازاء فسطاط السلطان واعتقل هنالك وتقبض يومئذ على محمد الكتاني فاعتقل وانطلقت الايدى على معاقل عامر ودياره فانتهب من الاموال والسلاح والذخيرة والزرع والاقوات مالاعين رأت ولا خطر على قلب أحد منهم واستولى السلطان على الجبل ومعاقله في رمضان في سنة احدى وسبعين لحول من يوم حصاره وعقد على هنتاتة لفارس بن عبد العزيز بن محمد ابن على وارتحل إلى فاس واحتل بها آخر رمضان ودخلها في يوم مشهود برز فيه الناس وحمل عامر وسلطانه تاشفين على جملين وقد أفرغ عليهما الرث وعبثت بهما أيدى الاهانة فكان ذلك عبرة لمن راه ولما قضى منسك الفطر أحضر عامر فقرعه بذنوبه وأوتى بكتابه بخطه يخاطب فيه أبا حمو ويستنجده على السلطان فشهد عليه وأمر به السلطان فامتحن ولم يزل يجلد حتى انتن لحمه وضرب بالعصى حتى ورمت أعضاؤه وهلك بين يدى الوزعة وأحضر الكتاني ففعل به مثله وجنب تاشفين سلطانه إلى مصرعه فقتل(7/326)
قعصا الرماح وجنب مبارك بن ابراهيم من محبسه بعد الاعتقال فالحق بهم ولكل أجل
كتاب وصفا الجو للسلطان من المنازعين وفرغ لغزو تلمسان كما نذكره ان شاء الله تعالى * (الخبر عن ارتجاع الجزيرة الخضراء) * قد تقدم ذكر تغلب الطاغية ابن الهنشة على الجزيرة سنة ثلاث وأربعين وانه نازل بعدها جبل الفتح سنة احدى وخمسين وهلك بالطاعون وهو محاصر له عندما استفحل أمره واشتدت شوكته وكفى الله شأنه وولى أمر الخلافة بعده ابنه بطرة وعدا على سائر اخوته وفرأخوه القمط بن حظية أبيه المسماة بلغتهم الريق همزة إلى قمط برشلونة فاجاره وأنزله خير نزل ولحق به من الزعماء المريكس بن خالته وغيره من اقماطهم وبعث إليه بطرة ملك قشتالة في اسلام أخيه فأبى من اخفار جواره وحدثت بينهما بذلك الفتنة الطويلة افتتح بطرة فيها كثيرا من معاقل صاحب برشلونة وأوطأ عساكره نواحى أرضه وحاصر بلنسية قاعدة شرق الاندلس مرارا أوجف عليها بعساكره وملا البحر إليها بأساطيله إلى أن ثقلت على النصرانية وطأته وساءت فيها ملكته فانتقضوا عليه ودعوا القمط أخاه فزحف إلى قرطبة وثار على بطرة أهل اشبيلية وتيقن صاغية النصارى إليه ففرعن ممالكه ولحق بملك الافرنج وراء جليقية في الجوف عنها وهو صاحب انكلطر واسمه الفلس غالس ووفد عليه صريخا سنة سبع وستين فجمع قومه وخرج في صريخه إلى أن استولى على ممالكه ورجع ملك الافرنج فعاد النصارى إلى شانهم مع بطرة وغلب القمط على سائر الممالك فتحيز بطرة إلى ثغوره مما يلى بلاد المسلمين ونادى صريخا بابن الاحمر فانتهز فيها الفرصة ودخل بعساكر المسلمين فأثخن في أرض النصرانية وخرب معاقلهم مثل ايرة وجيان وغيرهما من امهات أمصارهم ثم رجع إلى غرناطة ولم تزل الفتنة قائمة بين بطرة وأخيه القمط إلى ان غلب عليه القمط وقتله وفى خلال هذه الفتن بقيت ثغورهم مما يلى أرض المسلمين عورة وتشوف المسلمون إلى ارتجاع الجزيرة التى قرب عهدهم بانتظامها في ملكة المسلمين وكان صاحب المغرب في شغل عن ذلك بما كان فيه من انتقاض أبى الفضل ابن أخيه
وعامر بن محمد فراسل صاحب الاندلس أن يزحف إليه بعساكره على أن عليه عطاءهم وامداده بالمال والاساطيل على أن يكون مثوبة جهاده خالصة له فأجاب إلى ذلك وبعث إليه أحمال المال وأوعز إلى أساطيله بسبتة فعمرت وأقلعت من مرسى الجزيرة لحصارها وزحف ابن الاحمر بعساكر المسلمين على أثرها بعد أن قسم فيهم العطاء وأزاح العلل واستعد الآلات للحصار فنازلها أياما قلائل ثم أيقن النصارى بالهلكة لبعدهم عن الصريخ ويأسهم عن مدد ملوكهم والقوا باليد وسألوا النزول على حكم السلم(7/327)
فأجابهم السلطان إليه ونزلوا عن البلد وأقيمت فيها شعائر الاسلام ومراسمه ومحيت منها كلمة الكفر وطواغيته وكتب الله أجرها لمن أخلص في معاملته وكان ذلك سنة سبعين وولى ابن الاحمر عليها من قبله ولم تزل لنظره إلى أن تمحض النطر عن هدمها خشية استيلاء النصرانية عليها فهدمت أعوام ثمانين وأصبحت خاوية كان لم تغن بالامس والبقاء الله { الخبر عن حركة السلطان إلى تلمسان واستيلائه عليها وعلى سائر بلادها وفرار أبى حمو عنها } كان عرب المعقل موطنين بصحراء المغرب من لدن السوس ودرعة وتافيلالت وملوية وصاوكان بنو منصور منهم أولاد حسين والاحلاف مختصين بطاعة بنى مرين وفى وطنهم وكانوا مغلوبين للدولة تحت قهر من كان سلطانها ولما ارتجع بنو عبد الواد ملكهم بتلمسان على يد أبى حمو وكان الاحلاف بالمغرب عاث هؤلاء المعقل وأكثروا في الوطن الفساد ولما استقالت الدولة من عثارها تحيزوا إلى بنى عبد الواد وأقطعوهم في أوطانهم واستقروا هنالك من لدن نزوع عبد الله بن مسلم العامل بدرعة إلى أبى حمو ووزارته له وفسد مابين سلطان المغرب وأبى حمو من جراء ذلك ونهض أبو حمو سنة ست وستين إلى المغرب وعاث في نواحى دبرواثغر المغرب فنشأت لذلك نار العداوة بينه
وبين صاحب الثغر محمد بن زاكراز مكان داعيه يعدو صاحب المغرب به على الايام ولما استبد السلطان عبد العزيز وهلك صاحبهم عبد الله بن مسلم وترددت الرسل بين أبى حمو وبين السلطان عبد العزيز كان فيما اشترط عليه التجا في عن قبول عرب المعقل عرب وطنه لما فيه من الاستكثار بهم عليه وأبى عليهم أبو حمو منها لاستظهاره بهم على رغبة من أهل وطنه وغيرهم وكثر التلاحى في ذلك وأحفظ السلطان وهم بالنهوض إليه سنة سبعين وأقصر لما أخذ بحجزته من خلاف عامر وصاحب الثغر محمد بن زكراز أثناء ذلك يحرضه على الحركة إلى أبى حمو ويرغبه في ملك تلمسان ولما قضى السلطان حركة مراكش وفرغ من شأن عامر ورجع إلى فاس ولقى بها أبو بكر بن عريف أمير سويد في قومه من بنى مالك بحللهم وناجعتهم صريخا على أبى حمو لما نال منهم وتقبض على أخيهم محمد رؤساء بنى مالك جزاء بما يعرف لهم ولسلفهم من ولاية صاحب المغرب ووفد عليه رسل أهل الجزائر ببيعتهم يستحثون السلطان لاستنقاذهم من لهواته وأمر السلطان بذلك وليه وترمار ومحمد بن زكراز صاحب دبروا فزعموا له بالغناء في ذلك واعتزم على النهوض إلى تلمسان وبعث الحاشدين إلى مراكش للاحتشاد وتوافى الناس به على طبقاتهم أيام منى من سنة احدى وسبعين وأفاض العطاء وأزاح العلل ولما قضى(7/328)
منسك الاضحى اعترض العساكر ورحل إلى تلمسان واحتل بتازا وبلغ خبر نهوضه إلى أبى حمو فجمع من إليه من زناتة الشرق وبنى عامر من العرب المعقل وزغبة وتوافت جموعه بساحة تلمسان واضطرب هنالك معسكره واعترض جنوده واعتزم على الزحف للقاء بنى مرين بمكان المعقل وتحيز من كان معه من عرب المعقل الاحلاف وعبيد الله إلى السلطان عبد العزيز بمداخلة وليهم وترمار واجتمعوا إليه وسرح معهم صنائعه فارتحلوا بين يديه وسلكوا طريق الصحراء وبلغ خبر تحيزهم واقبالهم إلى أبى حمو فأجفل هو وجنوده وأشياعه من بنى عامر وسلكوا على البطحاء ثم ارتحلوا
عنها وعاجوا على منداس وخرجوا إلى بلاد الديالم ثم لحقوا بوطن رياح فنزلوا على أولاد سباع بن يحيى واحتل السلطان عبد العزيز بتازا وقدم بين يديه وزيره أبا بكر بن غازى فدخل تلمسان وملكها ورحل السلطان على اثره واحتل بتلمسان يوم عاشوراء من سنة اثنتين وسبعين فدخلها في يوم مشهود واستولى عليها وعقد لوزيره أبى بكر بن غازى على العساكر من بنى مرين والجنود والعرب من المعقل وسويد وسرحه في اتباعه وجعل شواره إلى وليه وترمار وفوض إليه في ذلك فارتحلوا من تلمسان آخر المحرم وكنت وافدا على أبى حمو فلما أجفل عن تلمسان ودعته وانصرفت إلى هنين للاجازة إلى الاندلس ووشى بعض المفسدين إلى السلطان بأنى احتملت مالا للاندلس فبعث جريدة من معسكره للقبض على ووافوني بوادي الزيتون قبل مدخلى إلى تلمسان فأحضرني وسألني وتبين كذب الواشى فأطلقني وخلع على ولما ارتحل الوزير في اتباع أبى حمو استدعاني وأمرني بالنهوض إلى رياح والقيام فيهم بدعوته وطاعته وصرفهم عن طاعة أبى حمو وصريخه فنهضت لذلك ولحقت بالوزير بالبطحاء وارتحلت معه إلى وادى ورك من بلاد العطاف فودعته وذهبت لوجهي وجمعت رياح على طاعة السلطان ونكبت بهم عن طاعة أبى حمو فنكبوا عنها وخرج أبو زيان من محل نزوله بحصين فلحق بأولاد محمد بن على بن سباع من الزواودة وارتحل أبو حمو من المسيلة فنزل بالدوسن وتلوم بها وأوفدت من الزواودة على الوزير وترمار فكانوا أدلاءهم في النهوض إليه ووافوه بمكانه من الدوسن في معسكره من زناتة وحلل بنى عامر والوزير في التعبية وأمم زناتة والعرب من المعقل وزغبة ورياح مخيفة به فأجهضوه عن ماله ومعسكره فانتهب بأسره واكتسحت أموال العرب الذين معه ونجا بدمائه إلى مصاب وتلاحق به ولده وقومه متفرقين على كل مفازة وتلوم الوزير بالدوسن أياما ووافاه بذلك لحاق بنى مرين وانقلب إلى المغرب ومر على قصور بنى عامر بالصحراء فاستباحها وشردهم عنها إلى قاصية القفر ومفازة العطش ولحق بتلمسان في ربيع الثاني ووفدت أنا بالزواودة(7/329)
على السلطان ورئيسهم أبو دينار بن على بن أحمد فبر السلطان مقدمه ورعى له سابقه عند اخيه وخلع عليه وحمله وخلع على الوفد كافة وانصرفوا إلى مواطنهم وبعث السلطان عماله على الامصار وعقد لصنائعه على النواحى وجهز الكتائب مع وزيره عمر ابن مسعود بن منديل بن حمامة لحصار حمزة بن على بن راشد من آل ثابت من منديل كان ربى في حجر الدولة ونشأ في جو نعمتها وسخط حاله لديهم فنزع إلى وطن سلفه من مغراوة ونزل بجبل بنى بو سعيد فاجاروه وبايعوه على الموت دونه وسرح السلطان وزيره إلى الاخذ بمخنقهم فنزل عليهم وقاتلهم وامتنعوا في رأس شاهقهم فأوطن الوزير بالخميس من وادى شلف وأحجرهم بمعتصمهم وتوافت لديه الامداد من تلمسان فجهزها كتائب وبوأهم المقاعد للحصار وأقام هنالك واستولى السلطان على سائر الوطن من الامصار والاعمال وعقد عليها واستوسق له ملك المغرب الاوسط كما كان لسلفه والله تعالى أعلم { الخبر عن اضطراب المغرب الاوسط ورجوع أبى زيان إلى تيطرا واجلاب العرب بابى حمو على تلمسان إلى أن غلبهم السلطان جميعا على الامر واستوسق له الملك } لما خلص أبو حمو من وقعة الدوسن هو وأحياء بنى عامر أشياعه لحقوا بالصحراء وأبعدوا فيها عن قصورهم قبلة جبل راشد وجمع الوزير وترمار بن عريف بأحياء العرب كافة من زغبة والمعقل وكان السلطان لما احتل بتلمسان طلب العرب منه اطلاق أيديهم على ما أقطعهم أبو حمو اياه من الوطن على الزبون والاعتزاز عليه فاستنكف من ذلك لعظم سلطانه واستبداد ملكه فسخطوا أحوالهم ورجوا أن يكون لابي حمو ظهور ينالون به من ذلك لما أملوه فلما انهزم وقلت عساكره وظهر السلطان ظهور الاكفاء له أجمع رحو بن منصور أمير الخراج من عبيد الله احدى بطون المعقل الخروج على السلطان ولما خرج العرب إلى مشاتيهم لحق بأبى حمو وأحياء بنى عامر
وكاثروهم وقادوهم إلى العيث في الاوطان فأجلبوا على ممالك السلطان ونازلوا وجدة في رجب من سنة اثنتين وسبعين وصمدت نحوهم العساكر من تلمسان فأجفلوا وعاجوا إلى البطحاء فاكتسحوا أو طانها ونهض إليهم الوزير في العساكر ففروا أمامه واتبع آثارهم إلى أن أصحروا خلال ذلك حمزة بن على بن راشد فبيت معسكر الوزير بمكانه من حصار شلف ففض جموعه ولحق مفلولا بالبطحاء وبلغ الخبر إلى حصين وكانوا راهبين من السلطان لما اشتهر عنهم من الاجلاب على الدول والقيام بأمر الخوارج فجأجؤا بأبى زيان الثائر كان عندهم من مكانه باحياء أولاد يحيى بن على بن سباع من الزواودة فلحق بهم وأجلبوا على ضواحي المدية ونازلوا عسكر السلطان(7/330)
بها واضطرم المغرب الاوسط نارا واتصل ذلك به ولما كان سنة ثلاث وسبعين استمال السلطان رحو بن منصور عن أبى حمو وبذل له مالا وأقطعه ما أحب من الضواحى وفعل ذلك بسائرهم وملا صدورهم ترغيبا واعتزم على تجهيز العساكر معهم لحسم أدواء الفساد واخراج الثوار من النواحى واتهم وزيره عمر بن مسعود بالمداهنة في أمر المغراوى فسرح من دولته من تقبض عليه وأشخصه إلى حضرته مقيدا واعتقله بفاس وجهز عساكره واعترض جنوده وعقد لوزيره أبى بكر بن غازى على حرب الثوار والخوارج فنهض من تلمسان في رجب سنة ثلاث وسبعين واعتمد حمزة على ابن راشد في معتصمه بجبل بنى بو سعيد وألح عليه بالقتال فعضتهم الحرب بنابها وداخلهم الرعب وأوفدوا مشيختهم على الوزير بالطاعة ونبذ العهد إلى حمزة فعقد لهم ما ابتغوه ولحق حمزة بأبى زيان بمكانه من حصين ثم ثنى عزمه عن ذلك ورجع إلى ضواحي شلف وبيته بعض الحامية فثبتوا في مراكزهم وانفض جمعه وتقبض عليه وسيق إلى الوزير فاعتقله وبعث إلى السلطان في شأنه وعلق أشلاءهم بسور مليانة ثم زحف إلى حصين فأحجرهم بمعقلهم بتيطرا واجتمعت إليه أحياء زغبة كافة فأحاط بهم من كل جانب وطاولهم
الحصار وعاودوهم الحرب وخاطبني السلطان بمكانى من الزاب وأوعز إلى انفير رياح كافة إلى معسكر الوزير فاستنزلهم بأحيائهم وناجعتهم ونازلنا الجبل من ناحيه الصحراء مما يلى ضواحي رياح فأصابهم الجهد وداخلهم الرعب وانفضوا من المعقل وانتهب ما فيه واقتضى رهن حصين على الطاعة وقرر عليهم الوضائع والمغارم فأعطوها عن يدوكان أبو حمو في خلال ذلك قد أجلب على تلمسان ينتهز الفرصة في انتباذ العسكر عن السلطان وكان وليه خالد بن عامر أمير بنى عامر من زغبة مريض الطاعة لما اتهم أبو حمو به من ولاية رديفه عبد الله بن عسكر بن معروف دونه فأسخطه ذلك وداخل السلطان عبد العزيز في الانحراف إليه عن أبى حمو على مال حمله إليه فنزع عنه وجهز له السلطان عسكر الحرب أبى حمو في ذى القعدة من سنة ثلاث وسبعين من بنى عامر وأولاد يعمور من المعقل وعقد عليهم لمحمد بن عثمان من قرابة أبى بكر بن غازى وتعرضوا للقائهم ففض جمعهم ومنحوا أكتافهم وأحيط بمعسكر أبى حمو وحلل العرب فاكتسح ما فيها واستولى بنو مرين على أمواله وحرمه وولده فاستاقوهم إلى السلطان وأشخصهم إلى فاس فأنزلهم بقصوره وتقبض على مولاه عطية بن موسى صاحب شلف فامتن عليه وألحقه وبعث معه الادلاء إلى تيكورارين من بلاد القبلة فنزلها وكان ذلك بين يدى فتح تيطرا بليال واستوت قدم السلطان في ملكه واستولى على المغرب الاوسط ودفع الثوار الخوارج عنه واستعمال كافة العرب إلى طاعته فأتوها(7/331)
راغبين راهبين ووفد عليه للوزير أبو بكر بن غازى من قاصية الشرق ومعه مشيخة العرب من كل حى من أحيائهم فوصلهم واحتفى بقدومهم وركب للقاء الوزير وطلب المشيخة في الرهن على الطاعة والاستحثاث لتشريد أبى حمو من تيكورارين وأوسع حفايتهم وبرهم وانصرفوا إلى مشاتيهم معتملين في أسباب الحركة إلى تيكورارين إلى أن كان ما نذكره ان شاء الله تعالى
{ الخبر عن قدوم ابن الخطيب على السلطان بتلمسان نازعا إليه عن سلطانه ابن الاحمر صاحب الاندلس } أصل هذا الرجل من لوشة على مرحلة من غرناطة في الشمال من البسيط الذى فيه ساحتها المسمى بالمرج على وادى سنجيل ويقال شنبيل المنحرف في ذلك البسيط من الجنوب إلى الشمال كان له بها سلف معروفون في وزارتها وانتقل أبو عبد الله إلى غرناطة واستخدم لملوك بنى الاحمر واستعمل على مخازن الطعام ونشأ ابنه محمد هذا بغرناطة وقرأ وتأدب على مشيختها واختص بصحبة الحكيم المشهور يحيى بن هذيل وأخذ عنه العلوم الفلسفية وبرز في الطب وانتحل الادب وأخذ عن أشياخه وامتلا حوض السلطان من نظمه ونثره مع انتقاء الجيد منه وبلغ في الشعر والترسيل حيث لا يجارى فيهما وامتدح السلطان أبا الحجاج من ملوك بنى الاحمر وملا الدولة بمدايحة وانتشرت في الآفاق قدماه فرقاه السلطان إلى خدمته وأثبته في ديوان الكتاب ببابه مرؤسا بابى الحسن بن الحباب شيخ العدوتين في النظم والنثر وسائر العلوم الادبية وكاتب السلطان بغرناطة من لدن أيام محمد المخلوع من سلفه عندما قتل وزيره محمد بن الحكيم المستبد عليه كما مر في أخبارهم فاستبد ابن الحباب برياسة الكتاب من يومئذ إلى أن هلك في الطاعون الجارف سنة تسع وأربعين وسبعمائة فولى السلطان أبو الحجاج يومئذ محمد بن الخطيب هذا رياسة الكتاب ببابه وثناه بالوزارة ولقبه بها فاستقل بذلك وصدرت عنه غرائب من الترسيل في مكاتبات جيرانهم من ملوك العدوة ثم داخله السلطان في تولية العمال على يديه بالمشارطات فجمع له بها أموالا وبلغ به المخالصة إلى حيث لم يبلغ بأحد من قبله وسفر عنه إلى السلطان أبى عنان ملك بنى مرين بالعدوة مغريا بأبيه السلطان أبى الحسن فجلى في اغراض سفارته ثم هلك السلطان أبو الحجاج سنة خمس وخمسين عدا عليه بعض الزعانف يوم الفطر بالمسجد في سجوده للصلاة وطعنه فأثواه لوقته وتعاورت سيوف الموالى المعلوجى هذا القاتل فمزقوه اشلاء وبويع ابنه محمد بالامر لوقته وقام
بأمره مولاهم رضوان الراسخ القدم في قيادة عساكرهم وكفالة الاصاغر من ملوكهم واستبد بالدولة وأفرد ابن الخطيب بوزارته كما كان لابيه واتخذ لكتابته غيره وجعل ابن(7/332)
الخطيب رديفا له في أمره وتشاركا في الاستبداد معا فجرت الدولة على أحسن حال وأقوم طريقة ثم بعثوا الوزير ابن الخطيب سفيرا إلى السلطان أبى عنان مستمدين له على عدوهم الطاغية على عادتهم مع سلفه فلما قدم على السلطان ومثل بين يديه تقدم الوفد الذين معه من وزراء الاندلس وفقهائها استأذنه في انشاد شئ من الشعر يقدمه بين يدى نجواه فأذن له وأنشد وهم قائم خليفة الله ساعد لقدر * علاك مالاح في الدجا قمر ودافعت عنك كف قدرته * ما ليس يسطيع دفعه البشر وجهك في النائبات بدردجا * لنا وفى المحل كفك المطر والناس طرا بأرض أندلس * لولاك ما أوطنوا ولا عمروا ومن به مذ وصلت حبلهم * ما حجدوا نعمة ولا كفروا وقد أهمتهم نفوسهم * فوجهوني اليك وانتظروا فاهتز السلطان لهذه الابيات وأذن له في الجلوس وقال له قبل أن يجلس ما ترجع إليهم الا بجميع عطائهم ثم أثقل كاهلهم بالاحسان وردهم بجميع ما طلبوه وقال شيخنا القاضى أبو القاسم الشريف وكان معه في ذلك الوفد لم يسمع بسفير قضى سفارته قبل أن يسلم على السلطان الا هذا ومكثت دولتهم هذا بالاندلس خمس سنين ثم نازلهم محمد الرئيس ابن عم السلطان يشاركه في جده الرئيس أبى سعيد وتحين خروج السلطان إلى منتزهه خارج الحمراء وتسور دار الملك المعروفة بالحمراء فأخرجه وبايع له وقام بأمره مستبدا عليه وأحتس السلطان محمد بقرع الطبول وهو بالبستان فركب باديا إلى وادى آش وضبطها وبعث بالخبر إلى السلطان أبى سالم اثر ما استولى على ملك آبائه بالمغرب وقد كان مثواه أيام أخيه أبى عنان عندهم بالاندلس واعتقل الرئيس القائم بالدولة هذا الوزير ابن
الخطيب وضيق عليه في محبسه وكانت بينه وبين الخطيب ابن مرزوق مودة استحكمت أيام مقامه بالاندلس كما مر وكان غالبا على هوى السلطان أبى سالم فزين له استدعاء هذا السلطان المخلوع من وادى آش يعده زبونا على أهل الاندلس ويكف به عادية القرابة المرشحين هنا لك متى طمحوا إلى ملك المغرب فقبل ذلك منه وخاطب أهل الاندلس في تسهيل طريقه من وادى آش إليه وبعث من أهل مجلسه الشريف أبا القاسم التلمسانى وحمله مع ذلك الشفاعة في ابن الخطيب وحل معتقله فاطلق وصحب الشريف أبا القاسم إلى وادى آش وسار في ركاب السلطان وقدموا على السلطان أبى سالم فاهتز لقدوم ابن الاحمر وركب في الموكب لتلقيه وأجلسه ازاء كرسيه وأنشد ابن الخطيب قصيدته كما مر يستصرخ السلطان بنصره فوعده وقد كان يوما مشهودا وقد مر ذكره ثم أكرم(7/333)
مثواه وأرغد نزله ووفرأ رزاق القادمين في ركابه وانتصر به وأرغد عيش ابن الخطيب في الجراية والاقطاع واستأذن السلطان في التحول إلى جهات مراكش والوقوف على آثار الملك بها فأذن له وكتب إلى العمال باتحافه فتبادروا في ذلك وحصل منه على حظ وعندما مر بسلا في قفوله من سفره دخل مقبرة الملوك بشالة ووقف على قبر السلطان أبى الحسن وأنشد قصيدته على روى الراء الموصولة يرثيه ويستثير به استرجاع ضياعه بغرناطة مطلعها ان بان منزله وشطت داره * قامت مقام عيانه أخباره قسم زمانك عبرة أو غبرة * هذا ثراه وهذه آثاره فكتب السلطان أبو سالم في ذلك إلى أهل الاندلس بالشفاعة فشفعوه واستقرهو بسلا منتبذا عن سلطانه طول مقامه بالعدوة ثم عاد السلطان محمد المخلوع إلى ملكه بالاندلس سنة ثلاث وستين كما مر في أخباره وبعث عن مخلفه بفاس من الاهل والولد والقائم بالدولة يومئذ عمر بن عبد الله بن على فاستقدم ابن الخطيب من سلاو بعثهم لنظره فسر
السلطان بمقدمه ورده إلى منزلته كما كان مع رضوان كافله وكان عثمان بن يحيى عمر شيخ الغزاة وابن أشياخهم قد لحق بالطاغية في ركاب أبيه عند ما أحس بالشر من الرئيس صاحب غرناطة وأجاز يحيى من هنالك إلى العدوة وأقام عثمان بدار الحرب فصحب السلطان في مثوى اغترابه هنالك وتغلب في مذاهب خدمته وانحرفوا عن الطاغية بعد ما يئسوا من الفتح على يديه فتحولوا عنه إلى ثغور بلاده وخاطبوا عمر بن عبد الله في أن يمكنهم من بعض الثغور القريبة التى أطاعتهم بالاندلس يرتقبون منها الفتح وخاطبني السلطان المخلوع في ذلك وكانت بينى وبين عمر بن عبد الله ذمة مرعية متأكدة فوفيت للسلطان بذلك من عمر بن عبد الله وحملته على أن يرد عليه مدينة رندة إذ هي من تراث سلفه فقبل اشارتي في ذلك وتسورها السلطان المخلوع ونزل بها عثمان بن يحيى في جملته هو مقدم في بطانته ثم غزوا منها مالقة فكانت ركابا للفتح وملكها السلطان واستولى بعدها على دار ملكها بغرناطة وعثمان بن يحيى مقدم القوم في الدولة عريق في المخالصة وله على السلطان دالة واستبداد على هواه فلما فصل ابن لخطيب بأهل السلطان وولده وأعاده السلطان إلى مكانه من الدولة من علويده وقبول اشارته فأدركته الغيرة من عثمان ونكر على السلطان الاستكفاء به والتخوف من هؤلاء الاعياص على ملكه فحذره السلطان وأخذ في التدبير عليه حتى نكبه وأباه واخوته في رمضان سنة أربع وستين وأودعهم المطبق ثم غربهم بعد ذلك وخلا لابن الخطيب الجو وغلب على هوى السلطان وأخذ ودفع تدبير المملكة وخلط بنيه بند مائه واهل خلوته وانفرد ابن(7/334)
الخطيب بالحل والعقد وانصرفت إليه الوجوه وعلقت عليه الآمال وغشى بابه الخاصة والكافة وغصت به بطانة السلطان وحاشيته فتوافقوا على السعاية فيه وقد صم السلطان عن قبولها ونما الخبر بذلك إلى ابن الخطيب فشمر عن ساعده في التقويض عنهم واستخدم للسلطان عبد العزيز بن السلطان أبى الحسن ملك العدوة يومئذ
في التقبض على ابن عمه عبد الرحمن بن أبى يفلوس بن السلطان أبى على كانوا قد نصبوه شيخا على الغزاة في الاندلس لما أجاز من العدوة بعد ما جاس خلالها لطلب الملك وأضرم بها نار الفتنة في كل ناحية وأحسن دفاعه الوزير عمر بن عبد الله القائم حينئذ بدولة بنى مرين فاضطر إلى الاجازة إلى الاندلس فأجاز هو ووزيره مسعود بن ماسى ونزلوا على السلطان على المخلوع أعوام سبع وستين فاكرم نزلهم وتوفى على بن بدر الدين شيخ الغزاة فقدم عبد الرحمن مكانه وكان السلطان عبد العزيز قد استبد بملكه بعد قتله الوزير عمر بن عبد الله فغص بما فعله السلطان المخلوع من ذلك وتوقع انتقاض أمره منهم ووقف على مخاطبات ابن عبد الرحمن يسر بها بنى مرين وأغرى ابن الخطيب سلطانه بالقبض على ابن أبى يفلوس وابن ماسى فتقبض عليها وفى خلال ذلك استحكمت نفرة ابن الخطيب لما بلغه عن البطانة من القدح فيه والسعاية وربما خيل أن السلطان مال إلى قبولها وانهم قد أحفظوه عليه فأجمع النحول عن الاندلس إلى المغرب واستأذن السلطان في تفقد الثغور الغربية وسار إليها في لمة من فرسانه ومعه ابنه على الذى كان خالصة السلطان وذهب لطيته فلما حاذى جبل الفتح فرضة المجاز إلى العدوة مال إليه اذند بين يديه فخرج قائد الخيل لتلقيه وقد كان السلطان عبد العزيز قد أو عز إليه بذلك وجهز إليه الاسطول من حينه فأجاز إلى سبتة وتلقاه بها بأنواع التكرمة وامتثال الاوامر ثم سار لقصد السلطان فقدم عليه سنة ثلاث وسبعين بمقامته من تلمسان فاهتزت له الدولة وأركب السلطان خاصته لتلقيه وأحله بمجلسه بمحل الامن والغبطة ومن دولته بمكان الشرف والعزة وأخرج لوقته كاتبه أبا يحيى بن أبى مدين سفيرا إلى الاندلس في طلب أهله وولده فجاء بهم على أكمل الحالات من الامن والتكرمة ثم لغط المنافسون له في شأنه وأغروا سلطانه بتتبع عثراته وأبدوا ماكان كامنا في نفسه من سقطات دابته واحصاء عصابته وشاع على ألسنة أعدائه كلمات منسوبة إلى الزندقة أحصوها عليه ونسبوها إليه ورفعت إلى قاضى الحضرة الحسن بن الحسن فاسترعاها وسجل عليه
بالزندقة وراجع صاحب الاندلس رأيه فيه وبعث القاضى أبو الحسن إلى السلطان عبد العزيز في الانتقام منه بتلك السجلات وامضاء حكم الله فيه فصم لذلك وأنف لذمته أن تخفرو لجواره أن يردى وقال لهم هلا انتقمتم وهو عندكم وأنتم عالمون بما كان عليه(7/335)
وأما أنا فلا يخلص إليه بذلك أحدما كان في جواري ثم وفر الجراية والاقطاع له ولبنيه ولمن جاء من فرسان الاندلس في جملته فلما هلك السلطان عبد العزيز سنة أربع وسبعين ورجع بنو مرين إلى المغرب وتركوا تلمسان سارهو في ركاب الوزير أبى بكر بن غازى القائم بالدولة فنزل بفاس واستكثر من شراء الضياع وتأنق في بناء المساكن واغتراس الجنات وحفظ عليه القائم بالدولة الرسوم التى رسمها له السلطان المتوفى واتصلت حاله على ذلك إلى أن كان ما نذكره ان شاء الله تعالى { الخبر عن مهلك السلطان عبد العزيز وبيعة ابنه السعيد واستبداد أبى بكر بن غازى عليه ورجوع بنى مرين إلى المغرب } كان السلطان منذ أول نشأته قد أزمنت به الحمى بما أصابه من مرض النحول ولاجل ذلك تجافى السلطان أبو سالم على احتماله مع الابناء إلى رندة ولما ثب أفاق من مرضه وصلح بدنه ثم عاوده وجعه في مثواه بتلمسان وتزايد نحو له ولما كمل الفتح واستفحل سلطانه واشتد به الوجع وصابر المرض وكتمه عن الناس خشية الارجاف واضطراب معسكره خارج تلمسان للحاق بالمغرب ولما كان ليلة الثاني والعشرين من ربيع الآخر سنة أربع وسبعين قضى متودعا بين أهله وولده ودس الحرم بالخبر إلى الوزير فخرج على الناس وقد احتمل محمد السعيد ابن السلطان على كتفه فعزى الناس عن خليفتهم لسبع سنين من خلافته وألقى ابنه بين أيديهم فازدحموا عليه باكين متفجعين يعطونه الصفقة ويقبلون يديه للبيعة وأخرجوه للمعسكر ثم أخرج الوزير شلو السلطان على أعواده وأنزله بفساطيطه أيقظ الليل بحراسة المعسكر وأذن للناس بالرحيل فخرجوا أفواجا
إلى المحلة ثم ارتحلوا الثلاث وأغذوا السير إلى المغرب واحتلوا بتازا ثم أغذوا السير إلى فاس واحتل ابن بالسلطان بدار ملكه وجلس لبيعة العامة بقصره وتوافت وفود الامصار ببيعتهم على العادة واستبد عليه الوزير أبو بكر بن غازى وحجبه بقصره وحجره عن التصرف في شئ من سلطانه ولم يكن في سن التصرف واستعمل على الجهات وجلس بمجلس الفصل واشتغل بأمر المغرب ابراما ونقضا إلى أن كان ما نذكره ان شاء الله تعالى * (الخبر عن استيلاء أبى حمو على تلمسان والمغرب الاوسط) * لما فصل بنو مرين من تلمسان اثر مهلك السلطان عبد العزيز واحتلوا بتازا اجتمع المشيخة وعقدوا على تلمسان لابراهيم ابن السلطان أبى تاشفين كان ربى في كفالة دولتهم منذ مهلك أبيه فأثروه بذلك لخلوصته وبعثوه مع رحو بن منصور أمير عبيد الله من المعقل وسرحوا معهما من كان بالمغرب من مغراوة إلى وطن ملكهم بشلف وعقدوا عليهم لعلى بن هرون بن منديل بن عبد الرحمن وانصرفوا إلى بلادهم وكان(7/336)
عطية بن موسى مولى أبى حمو قد صار إلى السلطان عبد العزيز وألحقه بجملته وبطانته فلما هلك السلطان خرج من القصر واختفى بالبلد حتى إذا فصل بنو مرين من معسكرهم ظاهر البلد خرج من مكان اختفائه وقام بدعوة مولاه أبى حمو واجتمع إليه شيعة من أهل البلد مع من تشاب إليه من الغوغاء وحملوا الخاصة على البيعة لابي حمو ووصلهم ابراهيم بن أبى تاشفين مع رحو بن منصور وقومه من عبيد الله فنبذوه وامتنعوا عليه فرجع عنهم إلى المغرب وطير أولاد يعمور أولياء أبى حمو من عبيد الله بالخبر إليه وهو بمثواه من تيكورارين واتصل بابنه تاشفين وهو عند يحيى بن عامر فدخل إلى تلمسان ومن معه من بنى عبد الواد وتساقط إليه فلهم من كل جانب ووصل السلطان على اثرهم بعد اليأس سنه فدخلها في جمادى من سنة أربع وسبعين واستقل بملكه وتقبض على بطانته الذين آسفوه في اغترابه ونمى له عنهم السعي عليه فقتلهم ورجع
ملك بنى عبد الواد وسلطانهم ونهض إلى مغراوة أولياء بنى مرين بمكانهم من شلف فغلبهم عليه بعد مطاولة وحروب سجال هلك فيها وحمون بن هرون ومحيى دعوة بنى مرين من ضواحي المغرب الاوسط وأمصاره واستقل بالامر حسبما ذكرناه في أخباره واتصل الخبر بالوزير أبى بكر بن غازى فهم بالنهوض إليه ثم ثنى عزمه ماكان من خروج الامير عبد الرحمن بناحية بطوية فشغله شأنه عن ذلك { الخبر عن اجازة الامير عبد الرحمن بن أبى يفلوس إلى المغرب واجتماع بطوية إليه وقيامهم بشأنه } كان محمد المخلوع ابن الاحمر قد رجع من رندة إلى ملكه بغرناطة في جمادى من سنة ثلاث وستين وقتل له الطاغية عدوه الرئيس المنتزى على ملكهم حين هرب من غرناطة إليه وفاء بعهد المخلوغ واستوى على كرسيه واستقل بملكه ولحق به كاتبه وكاتب أبيه محمد بن الخطيب واستخلصه وعقد له على وزارته وفوض إليه في القيام بملكه فاستولى عليه وملك هواه وكانت عينه ممتدة إلى المغرب وسكناه إلى ان نزلت به آفة في رياسته فكان لذلك يقدم السوابق عند ملوكه وكان لابناء السلطان أبى الحسن كلهم غيرة على ولد عمهم السطان أبى على ويخشونهم على أمرهم ولما لحق الامير عبد الرحمن بالاندلس اصطفاه ابن الخطيب واستخلصه لنجواه ورفع في الدولة رتبته وأعلى منزلته وحمل السلطان على أن عقد له الغزاة المجاهدين من زناتة مكان بنى عمه من الاعياص فكانت له آثار في الاضطلاع بها ولما استبد السلطان عبد العزيز بأمره واستقل بملكه وكان ابن الخطيب ساعيا في مرضاته عند سلطانه فدس إليه باعتقال عبد الرحمن بن أبى يفلوس ووزيره المطارد به مسعود بن ماسى وأدار ابن الخطيب في ذلك مكره وحمل(7/337)
السلطان عليهما إلى أن سطابهما ابن الاحمر واعتقلهما سائر أيام السلطان عبد العزيز سلطان المغرب سنة ثنتين وسبعين لما قدم من الوسائل ومهد من السوابق فقدمه
السلطان وأحله من مجلسه محل الاصطفاء والقرب وخاطب ابن الاحمر في أهله وولده فبعثهم إليه واستقر في جملة السلطان ثم تأكدت العداوة بينه وبين ابن الاحمر فرغب السلطان في ملك الاندلس وحمله عليه وتواعدوا لذلك عند مرجعه من تلمسان إلى المغرب ونمى ذلك إلى ابن الاحمر فبعث إلى السلطان بهدية لم يسمع بمثلها انتقى فيها من متاع الاندلس وماعونها وبغالها الفارهة ومعلوجى السبى وجواريه وأوفد بها رسله يطلب اسلام وزيره ابن الخطيب إليه فأبى السلطان من ذلك ونكره ولما هلك واستبد الوزير ابن غازى بالامر تحيز إليه ابن الخطيب وداخله وخاطبه ابن الاحمر فيه بمثل ما خاطب السلطان فلم يؤب واستنكف ذلك وأقبح الرد وانصرف رسله إليه وقد رهب سطوته فأطلق ابن الاحمر لحينه عبد الرحمن بن أبى يفلوس وأركبه الاسطول وقذف به إلى ساحل بطوية ومعه الوزير مسعود بن ماسى ونهض إلى جبل الفتح فنازله بعساكره ونزل عبد الرحمن ببطوية في ذى القعدة من سنة أربع وسبعين ومعه وزيره مسعود ابن ماسى فاجتمع قبائل بطوية إليه وبايعوه على القيام بدعوته والموت دونه واتصل الخبر بالوزير أبى بكر بن غازى فعقد لابن عمه محمد بن عثمان على سبتة وبعثه لسد ثغورها لما خشى عليها من ابن الاحمر ونهض من فاس بالآلة والعساكر ونازل عبد الرحمن ببطوية فقاتله أياما ثم رجع إلى تازا ثم إلى فاس ودخل الامير عبد الرحمن تازا واستولى عليها ودخل الوزير إلى فاس وقعد بمجلس الفصل وهو مجمع العودة إلى تاز التشريد عدوه إلى أن جاء الخبر ببيعة السلطان أبى العباس أحمد بن أبى سالم كما نذكره ان شاء الله تعالى { الخبر عن بيعة السلطان أبى العباس أحمد بن أبى سالم واستقلاله بالملك وما كان خلال ذلك من الاحداث } لما نزل محمد بن عثمان بالثغر من سبتة لسد فروجها ومدافعة ما يخشى من عادية ابن الاحمر عليها وكان قد طاول حصار جبل الفتح وأخذ بمخنقه وتكررت المراسلة بينه
وبين محمد بن عثمان بالعتاب فاستعتب له وقبح ما جاءه ابن عمه الاستغلاظ له فوجد ابن الاحمر بذلك السبيل إلى غرضه وداخله في البيعة للسلطان أبى سالم من الابناء الذين كانوا بطنجة تحت الرقبة والحوطة وأن يقيمه للمسلمين سلطانا يحوط سياجهم ويدافع عنهم ولا يتركهم فوضى هملا ويجب بيعة الصبى الذى لم تنعقد بيعته شرعا واختص هذا بالسلطان من بين أولئك الابناء وفاء بحقوق أبيه ووعده بالمظاهرة على ذلك واشترط(7/338)
عليه أن ينزلوا له عن الجبل إذا انعقد أمرهم ويشخصوا ابن الخطيب متى قدروا عليه ويبعثوا إليه بقية الابناء والقرابة فقبل محمد بن عثمان شرطهم وكان سفيره في ذلك أحمد المرغنى من طبقات كتاب الاشغال بسبتة كان السلطان أبو الحسن تزوج أمه ليلة اجازته من واقعة طريف وافتقاد حظاياه حتى لحق به الحرم من فاس فردها إلى أهلها ونشأ المرغنى في توهم هذه الكفالة فانتفخ نحره لذلك ويحسبها وصلة إلى أبناء السلطان أبى الحسن وكان سفيرا بين محمد بن عثمان وابن الاحمر فأمل الرياسة في هذه الدولة وركب محمد بن عثمان من سبتة إلى طنجة وقصد مكان اعتقالهم واستدعى أبا العباس أحمد بن السلطان أبى سالم من مكانه مع الابناء فبايع له وحمل الناس على طاعته واستقدم أهل سبتة بكتاب للبيعة فقدموا وخاطب أهل الجبل فبايعوا وأفرج ابن الاحمر عنهم وبعث إليه محمد بن عثمان بالنزول عن جبل الفتح وخاطبوا أهله بالرجوع إلى طاعته فارتحل من مالقة إليه ودخله واستولى عليه ومحاد عوة بنى مرين مما رواء البحر وأهدى للسلطان أبى العباس وأمده بعسكر من غزاة الاندلس وحمل إليه مالا للاعانة على أمره وكان محمد بن عثمان عند فصوله من فاس وودعه الوزير ابن عمه فاوضه في شأن السلطان وأن يقدم للناس اماما يرجعون إليه ويترك له أمرهم وآمره في ذلك ولم يفترقا على مبرم من أمرهم فلما ارتكب هذا المركب وجاء بهذا الامر خاطب الوزير يموه عليه بأنه فعل بمقتضى المؤامرة وانه عن اذنه والله أعلم بما دار
بينهما ولج الوزير في تكذيبه والقراءة للناس مما رمى به ولاطفه في نقض ذلك الامر ورد أبا العباس إلى مكانه مع الابناء تحت الحوطة وأبى محمد بن عثمان من ذلك ودافعه باجتماع الناس عليه وانقعاد الامر وبينما الوزير يروم ذلك جاءه الخبر بأن محمد بن عثمان أشخص الابناء المعتقلين كلهم إلى الاندلس وانهم حصلوا في كفالة ابن الاحمر فوجم وأعرض عن ابن عمه وسلطانه ونهض إلى تاز اليفرغ من عدوه إليهم فنازل الامير عبد الرحمن وأخذ بمخنقه واهتبل محمد بن عثمان الغرة في ملك المغرب فوصله مدد السلطان ابن الاحمر وعسكره تحت رايته عقدها عليهم ليوسف بن سليمان بن عثمان بن أبى العلاء من مشيخة الغزاة المجاهدين وعسكر آخر من رجل الاندلس الناشبة بسبعمائة وبعث ابن الاحمر رسله إلى الامير عبد الرحمن باتصال اليد بابن عمه السلطان أبى العباس أحمد ومظاهرته على ملك سلفه بفاس واجتماعهما لمنازلتها وعقد بينهما الاتفاق والمواصلة وأن يختص عبد الرحمن بملك سلفه فتراضيا وزحف محمد بن عثمان وسلطانه إلى فاس خالفوا إليها الوزير وانتهوا إلى قصر بن عبد الحليم وبلغ الخبر إلى الوزير بمكانه من حصار تازا فانفض معسكره ورجع إلى فاس ونزل بكدية العرائس وانتهى(7/339)
السلطان أبو العباس أحمد إلى زرهون فصمد إليه الوزير بعساكره وصمم نحوه بمكانه من قنة الجبل فاختل مصافه وانهزمت ساقة العسكر من ورائه ورجع على عقبه مفلولا وانتهب المعسكر ودخل إلى البلد الجديد وجأجأ بالعرب أولاد حسين أن يعسكروا له بالزيتون ظاهر فاس ويخرج بجموعه إلى حللهم فنهض إليهم الامير عبد الرحمن من تازا بمن كان معه من العرب الاحلاف وشردهم إلى الصحراء وشارف السلطان أبا العباس أحمد بجموعه العرب وزناتة وبعثوا إلى ولى سلفهم وترمار بن عريف بمكانه من قصر مراده الذى اختطه بملوية فجاءهم وأطلعوه على كامن اسرارهم فأشار عليهم بالاجتماع والاتفاق فاجتمعوا بوادي النجا وحضر لعقدهم واتفاقهم وحلفهم على
اتصال اليد على عدوهم ومنازلته بالبلد الجديد حتى يمكن الله منه وارتحلوا بجمعهم إلى كدية العرائس في ذى القعدة من سنة خمس وسبعين وبرز إليهم الوزير بعساكره فدارت الحرب وحمى الوطيس واشتد القتال مليا ثم زحف إليه العسكران بساقتهما وآلتهما فاختل مصافه وانهزمت جيوشه وجموعه وأحيط به وخلص إلى البلد الجديد بعد غص الريق واضطرب السلطان أبو العباس معسكره من كدية العرائس ونزل الامير عبد الرحمن بازائه وضربوا على البلد الجديد سياجا بالبناء للحصار وأنزلوا بها أنواع القتال والارهاف ووصلهم مدد السلطان ابن الاحمر من رجال الناشبة واحتكموا في ضياع ابن الخطيب بفاس فهدموها وعاثوا فيها ولما كان فاتح سنة ست وسبعين داخل محمد بن عثمان ابن عمه أبا بكر في النزول عن البلد الجديد والبيعة للسلطان لما كان الحصار قد اشتدو يئس من الصريخ وأعجزه المال فأجاب واشترط عليهم الامير عبد الرحمن التجا في له عن أعمال مراكش وان يديلوه بها من سجلماسة فعقدوا له على كره وطووا على المكرو خرج الوزير أبو بكر للسلطان ابى العباس أحمد وبايعه واقتضى عهده بالامان وتخلية سبيله من الوزارة فبذله ودخل السلطان أبو العباس أحمد إلى البلد الجديد سابع المحرم وارتحل الامير عبد الرحمن يومئذ إلى مراكش واستولى عليها وارتحل معه على بن عمر بن ويعلان شيخ بنى مرين والوزير ابن ماسى ثم نزع عنه ابن ماسى إلى فاس لعهد كان قد اقتضاه من السلطان أبى العباس وأجاز البحر إلى الاندلس فاستقر بها في ايالة ابن الاحمر واستقل السلطان أبو العباس ابن السلطان أبى سالم بملك المغرب ووزيره محمد بن عثمان وفوض إليه شؤنه وغلب على هواه وصار أمر الشورى إلى سليمان بن داود كان نزع إليه من البلد الجديد من جملة أبى بكر ابن غازى بعد أن كان أطلقه من محبسه واستخلصه وجعل إليه مرجع أمره فتركه أحوج ما كان إليه ولحق بالسلطان أبى العباس بمكانه من حصار البلد الجديد فلما(7/340)
استوسق ملكه ألقى الوزير محمد بن عثمان مقاد الدولة له وصار إليه أمر الشورى ورياسة المشيخة واستحكمت المودة بينه وبين ابن الاحمر وتأكدت المداخلة وجعلوا إليه المرجع في نقضهم وإبرامهم لمكان الابناء المرشحين من ايالته ولما ارتحل الامير عبد الرحمن إلى مراكش نبذوا إليه العهد وتعللوا عليه بأن العقد الاول له انما كان على ملك سلفه ومراكش انما ألجأهم إلى العقد عليها الجاء واعتزموا على النهوض إليه ثم أقصروا وانعقدت بينهما السلم سنة ست وسبعين وجعلوا التخم بينهما أزمور وعقدوا على ثغرها لحسان الصبيحى فلم يزل عليها إلى أن هلك كما نذكره ان شاء الله تعالى * (الخبر عن مقتل ابن الخطيب) * ولما استولى السلطان أبو العباس على البلد الجديد درا ملكه فاتح ست وسبعين واستقل بسلطانه والوزير محمد بن عثمان مستبد عليه وسليمان بن داود رديف له وقد كان الشرط وقع بينه وبين السلطان ابن الاحمر عند ما بويع بطنجة على نكبة ابن الخطيب واسلامه إليه لما نمى إليه عنه انه كان يغرى السلطان عبد العزيز لملك الاندلس فلما زحف السلطان أبو العباس من طنجة ولقى الوزير أبا بكر بن غازى بساحة البلد الجديد فهزمه السلطان ولاذ منه بالحصار آوى معه ابن الخطيب إلى البلد الجديد خوفا على نفسه فلما استولى السلطان على البلد أقام أياما ثم أغراه سليمان بن داود بالقبض عليه فقبضوا عليه وأودعوه السجن وطيروا بالخبر إلى السلطان ابن الاحمر وكان سليمان ابن داود شديد العداوة لابن الخطيب لما كان سليمان قد تابع السلطان ابن الاحمر على مشيخة الغزاة بالاندلس حتى أعاده الله إلى ملكه فلما استقر له سلطانه أجاز إليه سليمان سفيرا عن عمر بن عبد الله ومقتضيا عهده من السلطان فصده ابن الخطيب عن ذلك بأن تلك الرياسة انما هي لاعياص الملك من آل عبد الحق لانهم يعسوب زناتة فرجع آيسا وحقد ذلك لابن الخطيب ثم جاور الاندلس بمعل امارته من جبل الفتح فكانت تقع بينه وبين ابن الخطيب مكاتبات ينفس كل منهما لصاحبه بما يحفظه لما كمن في صدورهما
وحين بلغ الخبر بالقبض على ابن الخطيب إلى السلطان بعث كاتبه ووزيره بعد ابن الخطيب وهو أبو عبد الله بن زمرك فقدم على السلطان أبى العباس وأحضر ابن الخطيب بالمشور في مجلس الخاصة وأهل الشورى وعرض عليه بعض كلمات وقعت له في كتابه فعظم عليه النكرير فيها فوبخ ونكل وامتحن بالعذاب بمشهد ذلك الملاثم تل إلى محبسه واشتوروا في قتله بمقتضى تلك المقالات المسجلة عليه وأفتى بعض الفقهاء فيه ودس سليمان بن داود إليه لبعض الاوغاد من حاشيته بقتله فطرقوا السجن ليلا ومعهم زعانفة جاؤا في لفيف الخدم مع سفراء السلطان ابن الاحمر وقتلوه خنقا في(7/341)
محبسه وأخرجوا شلوه من الغد فدفن في مقبرة باب المحروق ثم أصبح من الغد على شأفة قبره طريحا وقد جمعت له أعواد واضرمت عليه نارا فاحترق شعره واسود بشره وأعيد إلى حفرته وكان في ذلك انتهاء محنته وعجب الناس من هذه السفاهة التى جاء بها سليمان واعتدوها من هناتة وعظم النكير فيها عليه وعلى قومه وأهل دولته والله الفعال لما يريد وكان عفى الله عنه أياما امتحانه بالسجن يتوقع مصيبة الموت فيتجيش هواتفه بالشعر يبكى نفسه (ومما قال في ذلك) بعد ناوان جاورتنا البيوت * وجئنا بوعظ ونحن صموت وانفاسنا سكنت دفعة * كجهر الصلاة تلاه القنوت وكنا عظاما فصرنا عظاما * وكنا نقوت فها نحن قوت وكنا شموس سماء العلا * عزين فناحت عليها البيوت فكم جزلت ذا الحسام الظبا * وذو البحث كم جدلته التحوت وك سيق للقبر في خرقة * فتى ملئت من كساه التخوت فقل للعدا ذهب ابن الخطيب * وفات ومن ذا الذى لا يفوت فمن كان يفرح منكم له * فقل يفرح اليوم من لا يموت
* (الخبر عن اجازة سليمان بن داود الاندلس ومقامه إلى أن هلك بها) * كان سليمان بن داود وهذا منذ عضته الخطوب واختلفت عليه النكبات يروم الفرار بنفسه إلى الاندلس للمقامة مع غزاة المجاهدين من قومه ولما استقر السلطان ابن الاحمر بفاس عند حلفه ووفادته على السلطان أبى سالم سنة احدى وستين وداخله سليمان بن داود في تأميل الكون عنده فعاهده على ذلك وأن يقدمه على الغزاة المجاهدين من قومه ولما عاد إلى ملكه وفد عليه سليمان بن داود بغرناطة في سبيل السفارة عن عمر بن عبد الله سنة ست وستين وأن يؤكد عقده من السلطان فحال دون ذلك ابن الخطيب ومارى السلطان عن ذلك بأن شياخة الغزاة مخصوصة بأعياص الملك من بنى عبد الحق لمكان عصابتهم بالاندلس فأخفق أمل سليمان حينئذ وحقدها على ابن الخطيب ورجع إلى مرسله ثم كانت نكبته أيام السلطان عبد العزيز فلم يخلص منها الا بعد مهلكه أظلقه أبو بكر بن غازى المستبد بالامر من بعده ليعضد بمكانه على شأنه فلما استبد الحصار على ابن غازى خرج عنه سليمان ولحق بالسلطان أبى العباس ابن المولى أبى سالم بمكانه من ظاهر البلد الجديد فكان ذلك من أسباب الفتح ولما دخل السلطان إلى دار ملكه من البلد الجديد فاتح سنة ست وستين واستوسق أمره رفع مجلس سليمان وأحله محل الشورى واعتضد به وزيره محمد بن عثمان واستخلصه كما ذكرناه وكان يرجع إلى رأيه(7/342)
وهو في خلال ذلك يحاول اللحاق بالاندلس فكان من أول عمله التقرب إلى السلطان ابن الاحمر باغراء الوزير محمد بن عثمان بقتل ابن الوزير مسنويه فتم ذلك لاول الدولة وجرت الامور بعدها على الاعتمال في مرضاته إلى أن حاول السفارة إليه في أغراض سلطانه سنة ثمان وستين في صحابة وترمار بن عريف فتلقاهما السلطان ابن الاحمر بما يتلقى به أمثالهما وعزة في تكرمتهما وأما وترمار فانقلب راجعا لاول تأدية الرسالة يقتضى من السلطان حظه بقواد أسطوله بتسهيل الاجازة إليه متى رامها وخرج يتصيد
فلحق موسى بمالقة ودفع أمر السلطان بخطه إلى قائد الاسطول فاجازه إلى سبتة ولحق بمكانه وأما سليمان فاعتزم على المقام عند ابن الاحمر وأقام هنا لك خالصة ونجيا ومشاورا إلى أن هلك سنة احدى وثمانين { الخبر عن شأن الوزير أبى بكر ابن غازى وما كان من تغريبه إلى ما يرقة ثم رجوعه وانتقاضه بعد ذلك } لما اشتد الحصار بالوزير أبى بكر بن غازى وفنيت أمواله السلطان وظن أنه أحيط به داخله الوزير محمد بن عثمان من مكانهم بحصاره في النزول عن البلد على الامان والابقاء فأجاب وخرج إلى السلطان أبى العباس بن أبى سالم فعقد له أمانا بخطه وتحول إلى داره بفاس وأسلم سلطانه المنصوب للامر قبله منه الوزير محمد بن عثمان واستبد في الاحتياط عليه إلى أن بعثه إلى السلطان ابن الاحمر فكان في جملة الابناء عنده ودخل السلطان أبو العباس إلى دار ملكه واقتعد سريره ونفذت في الممالك أوامره وأقام أبو بكر بن غازى على حاله بداره والخاصة يباكرونه والنقوس منطوية على تأميله فغص به أهل الدولة وترددت فيه السعاية وتقبض عليه السلطان وأشخصه إلى غساسة وركب منها السفين إلى ما يرقة آخر ست وسبعين فأقام بها شهرا ومخاطباته مترددة إلى الوزير محمد بن عثمان ثم عطفته عليه رحم فأذن له في القدوم إلى المغرب والمقامة بغساسة فقدمها أوائل سنة سبع واستبد بامارتها وبدا له رأى في تأميل الوثبة وظهر ما كان يخفيه لابن عمه من المنافسة فخاطب ابن الاحمر وراء البحر ولاطفه بالتحف والهدايا فكتب إلى ابن عمه محمد بن عثمان يحضه على اعادته إلى مكانه دفعا لغوائله فأبى من ذلك وداخله وترمار بن عريف في بعضها كذلك فلح في الامتناع وحمل سلطانه على نبذ العهد لابي بكر بن غازى فتنكر له وأجمع المسير إليه بعساكر العرب فخرج من فاس سنة تسع وسبعين وبلغ الخبر إلى أبى بكر بن غازى فاستجاش بالعرب وأحثهم للوصول فوصل إليه الاحلاف من المعقل وسرب فيهم أمواله وخرج من غساسة فألقى بينهم
نفسه وعمد إلى بعض الطارئين فنصبه للامر مشبها ببعض أبناء السلطان أبى الحسن(7/343)
وزحف إليه السلطان حتى نزل بتازا فأجفلت أحياء العرب أمام العساكر من بنى مرين والجند ونجا ابن غازى معهم بدمائه ثم داخله وترمار بن عريف في الاذعان للسلطان عن شق الخلاف فأجاب ووصل به إلى سدة الملك فبعث به السلطان محتاطا عليه إلى فاس فاعتقل بها ونزلت مقدمات العساكر بوادي ملوية وداخل صاحب تلمسان منها رعب فأوفد على السلطان من قومه وكبار مجلسه ملاطفا مداريا فتقبل منه وعقد السلم وأصدر به كتابه وعهده بخطه وانكفأ راجعا إلى حضرته بعد أن بث العمال في تلك النواحى على جبايتها فجمعوا له منها ما رضى ولما احتل بدار ملكه أنفذ أمره بقتل أبى بكر بن غازى فقتل بمحبسه طعنا بالرماح واستوسق للسلطان أمره وأحكم العقد مع الامير عبد الرحمن بن أبى يفلوس صاحب مراكش وترددت المهاداة بينهما بعض إلى بعض والى صاحب الاندلس واليه منهما عامل المغرب وبعث بساطا وغبطا والحال متصلة على ذلك لهذا العهد آخر سنة احدى وثمانين أيام اشرافنا على هذا التأليف { الخبر عن انتقاص الصلح بين الامير عبد الرحمن صاحب مراكش والسلطان أبى العباس صاحب فاس واستيلاء عبد الرحمن على ازمور ومقتل عاملها حسون بن على } كان على بن عمر كبير بنى ورتاجن وشيخ بنى ويعلان منهم قد تحيز إلى الامير عبد الرحمن منذ اجازته إلى الاندلس واستيلائه على تازا رجعه إلى حصار البلد الجديد مع السلطان أبى العباس كما مر فوصل في جملته إلى مراكش وكان صاحب شواره وكبير دولته وكان يظعن على خالد بن ابراهيم الهر برحى شيخ جاجة من قبائل المصامدة ما بين مراكش وبلاد السوس وقد كان على بن عمر انتقض على ابن غازى الوزير المستبد بعد
السلطان عبد العزيز ولحق بالسوس ومر بخالد بن ابراهيم هذا فاعترضه في طريقه وأخذ الكثير من أثقاله ورواحله وخلص هو إلى منجاته بالسوس وقد حقد ذلك لخالد ثم حث شيوخ المعقل عندما أجاز الامير عبد الرحمن من الاندلس إلى نواحى تازايروم اللحاق بهم فوفدوا عليه وسار معهم إلى احيائهم وأقام معهم وهو في طاعة الامير عبد الرحمن ودعوته إلى أن اتصل به بين يدى حصاره البلد الجديد مع السلطان أبى العباس فلما فتح السلطان البلد الجديد أول سنة ست وسبعين واستولى على ملكهم بها وفصل عبد الرحمن إلى مراكش كما كان الوفاق بينهم وسار على بن عمر في جملة السلطان عبد الرحمن إلى مراكش واستأذنه في قتل خالد صاحبه فلم يأذن له فأحفظه ذلك وطوى عليه وبعد أيام صعد جبل وريكة في غرض من أغراض الدولة وتقدم إلى حافده عامر(7/344)
بقتل خالد فقتله بظاهر مراكش جده على بن عمر بوريكة فتلطف له الامير عبد الرحمن وراسله بالملاينة والاستعطاف ثم ركب إليه بنفسه واستصلحه ونزل به إلى مراكش فأقام معه أياما ثم ارتاب ولحق بأزمور وعاملها يومئذ حسون بن على الصبيحى فأغراه بالاجلاب على عمل مراكش وزحفوا جميعا إلى عمل صنهاجة وسرح الامير عبد الرحمن لمدافعتهم كبير دولته يومئذ وابن عمه عبد الكريم بن عيسى بن سليمان بن منصور ابن أبى مالك عبد الواحد بن يعقوب بن عبد الحق فخرج في العساكر ومعه منصور مولى الامير عبد الرحمن فلقوا على بن عمر فهزموه وأخذوا سواده ولجأ إلى أزمور ثم وفد هو وحسون بن على إلى السلطان بفاس ووقعت أثناء ذلك المراسلة بين السلطانين وانعقد بينهما الصلح فأقام على بن عمر بفاس ورجع حسون بن على إلى مكان عمله بأزمور ثم انتقض ما بين السلطانين ثانيا وكان عند الامير عبد الرحمن اخوان من ولد محمد بن يعقوب بن حسان الصبيحى وهما على وأحمد جرثومتا بغى وفساد وعدا على كبيرهما على ابن يعقوب بن على بن حسان فقتله واستعدى أخوه موسى عليه السلطان فاعداه
وأذن له في أن يثأر منه بأخيه فقتله فخرج لذلك أحمد أخو على وهم بقتل موسى فاستجار بموسى بن يعقوب بن موسى بن سيد الناس كبير بنى ونكاسن وصهر الامير عبد الرحمن وأقام أياما في جواره ثم هرب إلى أزمور فلحقت نار الفتنة ونهض الامير عبد الرحمن إلى أزمور فلم يطق حسان بن على دفاعه فملكها عليه وقتله واستباحها وبلغ الخبر إلى السلطان بفاس فنهض في عساكره وانتهى إلى سلاو رجع الامير عبد الرحمن إلى مراكش وسار السلطان في اتباعه حتى نزل بحصن أكلميم من مراكش وأقام هنالك نحوا من ثلاثة أشهر والقتال يتردد بينهم ثم سعى بين السلطانين في الصلح فاصطلحوا على حدود العمالات أولا وانكفأ صاحب فاس إلى عمله وبلده وبعث الحسن بن يحيى بن حسون الصنهاجى عاملا على الثغر بأزمور فأقام بها وكان أصله من صنهاجة أهل وطن أزمور وله سلف في خدمة بنى مرين منذ أول دولتهم وان أبوه يحيى في دولة السلطان أبى الحسن عاملا في الجباية بأزمور وغيرها وهلك في خدمته بتونس أيام مقام السلطان بها وترك ولده يستعمل في مثل ذلك ونزع الحسن هذا منهم إلى الجندية فلبس شارتها وتصرف في الولاية المناسبة لها واتصل بخدمة السلطان إبى العباس لاول بيعته بطنجة وكان يومئذ عاملا بالقصر الكبير فدخل في دعوته وصار في جملته وشهد معه الفتح واستعمله في خطط السيف حتى ولاه أزمور هذه الولاية فقام بها كما نذكره (وأما الصبيحيون) فالخبر عن أوليتهم ان جدهم حسان من قبيلة صبيح من أفاريق سويد جاء مع عبد الله بن كندوز الكمى من بنى عبد الواد حين جاء من تونس وأوفد على السلطان(7/345)
ابن عبد الحق ولقيه كما مروكان حسان من رعاء ابله فلما استقر عبد الله بن كند وزبناحية مراكش وأقطعه السلطان يعقوب في أعمالها وكان الظهر الذى يحمل عليه السلطان متفرقا في سارية المغرب فجمعه وجعله لنظر عبد الله بن كندوز فجمع له الرعاء وكبيرهم يومئذ حسان الصبيحى فكان يباشر السلطان في شان ذلك الظهر ويطالعه في مهماته
فحصلت له مداخلة أجلبت إليه الحظ حتى ارتفع وكبر ونشؤا في ظل الدولة وغيرها وتصرفوا في الولايات فيها وانفردوا بالشاوية فلم تزل ولايتها متوارثة فيهم منقسمة بينهم لهذا العهد إلى ما كانوا يتصرفون فيه من غير ذلك من الولايات وكان لحسان من الولد على ويعقوب وطلحة وغيرهم ومن حسان هذا تفرعت شعوبهم في ولده وهم لهذا العهد متصرفون في الدولة على ماكان سلفهم من ولاية الشاوبة والنظر في رواحل السلطان والظهر الذى يحمل من الابل ولهم عدد وكثرة ونباهة في الدولة والله أعلم { الانتقاض الثاني بين صاحب فاس وصاحب مراكش ونهوض صاحب فاس إليه وحصاره ثم عودهما إلى الصلح } لما رجع السلطان إلى فاس على ما استقر من الصلح طلب الامير عبد الرحمن أن يدخل عمالة صنهاجة ودكالة في أعماله وكتب السلطان إلى الحسن بن يحيى عامل أزمور وتلك العمالة بأن يتوجه إليه ويسد المذاهب في ذلك دونه وكان الحسن بن يحيى مصطنعا على الدولة فلما وصل إليه داخله في الخلاف وان يملكه تلك العمامة فازداد الامير عبد الرحمن بذلك قوة على أمره وتعلل على صاحب فاس بأن يكون حدا بين الدولتين وادام ربيع واستمر صاحب فاس على الا باية من ذلك فنهض الامير عبد الرحمن من مراكش ودخل الحسن بن يحيى في طاعته فملكها وبعث مولاه منصورا في العساكر إلى انفاء فاستولى عليها وصادر اعيانها وقاضيها وواليها وبلغ الخبر إلى السلطان فنهض من فاس في عساكره في عساكره وانتهى إلى سلا فهرب منصور من انفاء وتركها ولحق بمولاه عبد الرحمن فأجفل من أزمور إلى مراكش والسلطان في أثره حتى انتهى إلى قنطرة الوادي على غلوة من البلد وأقام خمسة أشهر يحاصرها واتصل الخبر بالسلطان ابن الاحمر صاحب الاندلس فبعث خالصته الوزير أبا القاسم الحكيم الرندى ليعقد الصلح بينهما فعقده على أن يسترهن السلطان أولاد الامير عبد الرحمن من بنى مرين وغيرهم نزعوا عنه وكان محمد بن يعقوب الصبحى لقى في طريقه مولى الامير عبد الرحمن جاء به
مكرها إلى السلطان وكان من النازعين أيضا يعقوب بن موسى بن سيد الناس كبير بنى ونكاسن وأبو بكر بن رحو بن الحسن بن على بن أبى الطلاق ومحمد بن مسعود الادريسي وزيان بن عمر بن على الوطاسى وغيرهم من المشاهير وقدموا على السلطان بسلا فاكرمهم(7/346)
ورحل راجعا إلى فاس والله أعلم { انتقاض على بن زكريا شيخ الهساكرة على الامير عبد الرحمن وفتكه بمولاه منصور ومقتل الامير عبد الرحمن } لما رجع السلطان إلى فاس وبدا من الخلل في دولة الامير عبد الرحمن وانتقاض الناس عليه ما قدمناه نزع يده من التعويل على العساكر وشرع في تحصين البلد وضرب الاسوار على القصبة وحفر الخنادق وتبين بذلك اختلال أمره وكان على بن زكريا شيخ هسكورة وكبير المصامدة وكان في دعوته منذ دخل مراكش فتلافى أمره مع صاحب فاس ومد إليه يدا من طاعته ثم انتقض على الامير عبد الرحمن ودخل في دعوة السلطان وبعث إليه الامير عبد الرحمن مولاه منصور ايستألفه فأرصد إليه في طريقه من حاشيته من قتله وبعث برأسه إلى فاس فنهض السلطان في عساكره إلى مراكش واعتصم الامير عبد الرحمن بالقصبة وقد كان أفردها عن المدينة بالاسوار وخندق عليها فملك السلطان المدينة ورتب على القصبة المقاتلة من كل جهة نصب الآلة وأدار عليها من جهة المدينة حائطا وأقام يحاصرها تسعة أشهر يغاديها القتال ويراوحها وكان أحمد بن محمد الصبيحى من الذين بوؤا المقاعد لقتالهم فهم بالانتقاض وحدثته نفسه بغدرة السلطان والتوثب به وسعى بذلك إلى السلطان فتقبض عليه وحبسه وبعث السلطان بالنفير إلى أعماله فتوافت الامداد من كل ناحية وبعث إليه صاحب الاندلس مددا من العسكر فلما اشتد القتال والحصار بالامير عبد الرحمن ونفذت الاقوات وأيقن أصحابه بالهلكة وأهمتهم أنفسهم وهرب عنه وزيره محمد بن عمر شيخ
الهساكرة والمصامدة لعهد السلطان أبى الحسن وابنه وقد مر ذكره فلما لحق هذا بالسلطان وعلم انه انما جاء مضطرا قبض عليه وحبسه ثم انفض الناس عن الامير عبد الرحمن ونزلوا من الاسوار ناجين إلى السلطان وأصبح في قصبته منفردا وقد بات ليلته يراوض ولديه على الاستماتة وهما أبو عامر وسليم وركب السلطان من الغد في التعبية وجاء إلى القصبة فاقتحمها بمقدمته ولقيهم الامير عبد الرحمن وولداه مباشرا إلى الميدان بين أبواب دورهم فجالوا معهم جولة قتل فيها وولداه قتلهم على بن ادريس وزيان بن عمر الوطاسى وطال ما كان زيان يمترى يدى نعمهم ويجرذيله خيلاء في جاههم فذهب مثلا في كفران النعمة وسوء الجزاء والله لا يظلم مثقال ذرة وكان ذلك خاتم جمادى الاخيرة سنة أربع وثمانين لعشر سنين من امارته على مراكش ثم رحل السلطان منقلبا إلى فاس وقد استولى على سائر أعمال المغرب وظفر بعدوه ودفع النازعين عن ملكه والله أعلم(7/347)
{ اجلاب العرب على المغرب في مغيب السلطان من ولد أبى على وأبى تاشفين بن أبى حمو صاحب تلمسان ومجئ أبى حمو على أثرهم } كان أولاد حسين من عرب المعقل مخالفين على السلطان من قبل مسيره إلى مراكش وكان شيخهم يوسف بن على بن غانم قد حدثت بينه وبين الوزير القائم على الدولة محمد بن عثمان منافرة وفتنة وبعث العساكر إلى سجلماسة فخرب ما كان له بها من العقار والاملاك وأقام منتقضا بالقفر فلما حاصر السلطان الامير عبد الرحمن بمراكش وأخذ بمخنقه أرسل أبا العشائر ابن عمه منصور إلى يوسف بن على وقومه ليجلبوا به على المغرب ويأخذوا بحجزة السلطان عن حصاره فسار لذلك ولما قدم على يوسف سار به إلى تلمسان مستجيشا بالسلطان أبى حمو لذلك القصد لما كان بينه وبين الامير عبد الرحمن من العهد على ذلك فبعث أبو حمو معهم ابنه أبا تاشفين في بعض
عساكره وسار في الباقين على أثرهم وسار أبو تاشفين وابو العشائر إلى أحياء العرب فدخلوا إلى أحواز مكناسة وعاثوا فيها وكان السلطان عند سفره إلى مراكش استخلف على دار ملكه بفاس على بن مهدى العسكري في جماعة من الجند واستنجد بوترمار بن عريف شيخ سويد وولى الدولة المقيم بأحياء ملوية فحالف بين عرب المعقل واستألف منهم العمارنة والمنبات وهم الاحلاف واجتمع مع على بن مهدى وساروا لمدافعة العدو بنواحي مكناسة فصدوهم عن مرامهم ومنعوهم من دخول البلاد فأقاموا متواقفين أياما وقصد أبو حمو في عسكره مدينة تازى وحاصرها سبعا وخرب قصر الملك هنالك ومسجده المعروف بقصر تازروت وبينما هم على ذلك بلغ الخبر اليقين بفتح مراكش وقتل الامير عبد الرحمن فأجفلوا من كل ناحية وخرج أولاد حسين وأبو العشائر وأبو تاشفين والعر ب الاحلاف في اتباعهم وأجفل أبو حمو عن تازى راجعا إلى تلمسان ومر بقصر وترمار في نواحى بطوية المسمى بمرادة فهدمه ووصل السلطان إلى فاس وقد تم له الظهور والفتح إلى ان كان ما نذكره ان شاء الله تعالى * (نهوض السلطان إلى تلمسان وفتحها وتخريبها) * كان السلطان لما بلغه ما فعل العرب وأبو حمو بالمغرب لم يشغله ذلك عن شأنه ونقم على أبى حمو ما أتاه من ذلك وانه نقض عهده من غير داع إلى النقض فلما حل بدار ملكه بفاس أراح أياما ثم أجمع النهوض إلى تلمسان وخرج في عساكره على عادتهم وانتهى إلى تاوريرت وبلغ الخبر إلى أبى حمو فاضطرب أمره واعتزم على الحصار وجمع أهل البلد عليه واستعدوا له ثم خرج في بعض تلك الليالى بولده وأهله وخاصته وأصبح مخيما بالصفصف وانقض أهل البلد إليه بعضهم بعياله وولده مستمسكين به متفادين من معرة(7/348)
هجوم العساكر فلم يرعه ذلك عن قصده وارتحل ذاهبا إلى البطحاء ثم قصد بلاد مغراوة فنزل في بنى بو سعيد قريبا من شلف وأنزل أولاده الاصاغر وأهله بحصن تاحجمومت
وجاء السلطان إلى تلمسان فملكها واستقر فيها أياما ثم هدم أسوارها وقصور الملك بها باغراء وليه وترمار جزاء بما فعله أبو حمو في تخريب قصر تازروت وحصن مرادة ثم خرج من تلمسان في اتباع أبى حمو ونزل على مرحلة منها وبلغه الخبر هنالك باجازة لسلطان موسى ابن عمه أبى عنان من الاندلس إلى المغرب وانه خالفه إلى دار الملك فانكفا راجعا وأغذ السير إلى المغرب كما نذكر ورجع أبو حمو إلى تلمسان واستقر في ملكه بها كما ذكرناه في أخباره { اجازة السلطان موسى ابن السلطان أبى عنان من الاندلس إلى المغرب واستيلاؤه على الملك وظفره بابن عمه السلطان أبى العباس وازعاجه إلى الاندلس } قد تقدم أن السلطان محمد بن الاحمر المخلوع كان له تحكم في دولة السلطان أبى العباس بن أبى سالم صاحب المغرب بما كان من اشارته على محمد بن عثمان ببيعته وهو معتقل بطنجة ثم بما أمده من مدد العساكر والاموال حتى أمره واستولى على البلد الجديد كما قدمناه في أول خبره ثم بما كان له من الزبون عليه بالقرابة المرشحين الذين كانوا معتقلين بطنجة مع السلطان أبى العباس من أسباط السلطان أبى الحسن من ولد أبى عنان وأبى سلم والفضل وأبى عامر وأبى عبد الرحمن وغيرهم وكانوا متعاهدين في معتقلهم ان من أتاح الله له الملك منهم يخرجهم من الاعتقال ويجيزهم إلى الاندلس فلما بويع السلطان أبو العباس وفى لهم بهذا العهد وأجازهم إلى الاندلس فنزلوا على السلطان ابن الاحمر أكرم نزل أنزلهم بقصور ملكه بالحمراء وقرب لهم المراكب وأفاض عليهم العطاء ووسع لهم الجرايات والارزاق وأقاموا هنالك في ظل ظليل فكان لهم به وثوب على ملك المغرب وكان الوزير القائم بها محمد بن عثمان يقدر له قدر ذلك فيجرى في اغراضه وقصوده ويحكمه في الدولة ما شاء أن يحكمه حتى توجهت الوجوه إلى ابن الاحمر وراء البحر من أشياخ بنى مرين والمغرب وأصبح المغرب كأنه من بعض أعمال الاندلس ولما نهض السلطان إلى تلمسان خاطبوه وأوصوه
بالمغرب وترك محمد بن عثمان بدار الملك كاتبه محمد بن الحسن كان مصطنعا عنده من بقية شيع الموحدين ببجاية فاختصه ورقاه واستخلفه في سفره هذا على دار الملك فلما انتهوا إلى تلمسان وحصل له من الفتح ما حصل كتبوا بالخبر إلى السلطان ابن الاحمر مع شيطان من ذرية عبو بن قاسم المروانى كان بدارهم وهو عبد الواحد بن محمد بن عبو كان يسمو بنفسه إلى العظائم التى ليس لها بأهل ويتربص لذلك بالدولة وكان ابن الاحمر(7/349)
مع كثرة تحكمه فيهم يتنحى لهم بعض الاوقات بما يأتونه من تقصير في شفاعة أو مخالفة في الامر لا يجدون عنها وليجة فيصطنع لهم ذلك فلما قدم عليه عبد الواحد هذا بخبر الفتح وقص عليه القصص دس له أن أهل الدولة مضطربون على سلطانهم ومستبدلون به لو وجدوا وبلغ من ذلك ما حمل وما لم يحمل وأشار له بجلاء المغرب من الحامية جملة وأن دار الملك ليس بها الا كاتب حضرى لا يحسن المدافعة وهو أعرف به فانتهز الفرصة ابن الاحمر وجهز موسى ابن السلطان أبى عنان من الاسباط المقيمين عنده واستوزر له مسعود بن رحو بن ماسى من طبقات الوزراء من بنى مرين ومن بنى قودر من أحلافهم وله في ذلك سلف وقد كان بعثه من قبل وزير اللامير عبد الرحمن بن أبى يفلوسن حين أجاز إلى المغرب أيام استبداد أبى بكر بن غازى فلم يزل معه حتى كان حصار البلد الجديد واستيلاء السلطان أبى العباس عليها وذهب عبد الرحمن إلى مراكش فاستاذنه مسعود في الانصراف إلى الاندلس فأذن له ورجع عنه إلى فاس ثم فارقها وأجاز إلى الاندلس متودعا ومتودد الكل ومعولا على ابن الاحمر فتلقاه بالقبول وأوسع له النزول والجراية وخلطه بنفسه وأحضره مع ندمائه ولم يزل كذلك إلى أن جهزه وزيرا إلى المغرب مع السلطان أبى عنان وبعث معهما عسكرا ثم ركب السفين إلى سبتة وكانت بينه وبين شرفائها ورؤساء الشورى بها مداخلة فقاموا بدعوة السلطان موسى وأدخلوه وقبضوا على عاملها رحو بن الزعيم المكدولى وجاؤا به إلى السلطان فملكها
غرة صفر من سنة ست وثمانين وسلمها إلى ابن الاحمر فدخلت في طاعته وسار هو إلى فاس فوصلها لايام قريبة وأحاط بدار الملك واجتمع عليه الغوغاء ونزل الدهس بمحمد ابن الحسن فبادر بطاعته ودخل السلطان إلى دار الملك وقبض عليه لوقته وذلك في عشر ربيع الاول من السنة وجاء الناس بطاعته من كل جانب وبلغ الخبر إلى السلطان أبى العباس بمكانه من نواحى تلمسان بأن السلطان موسى قد نزل بسبتة فجهز على بن منصور وترجمان الجند وجند النصارى ببابه مع طائفة منهم وبعثهم حامية لدار الملك فانتهوا إلى تازا وبلغهم خبر فتحها فأقاموا هنالك وأغذ السلطان أبو العباس السير إلى فاس فلقيهم خبر فتحها بتاوريرت فتقدم إلى ملويه وتردد في رأيه بين المسير إلى سجلماسة من المغرب أو قصد المغرب ثم استمر عزمه ونزل بتازا وأقام فيها أربعا وتقدم إلى الركن وأهل دولته خلال ذلك بخوضون في الانتقاض عليه تسللا إلى ابن عمه السلطان موسى المتولي على فاس ويوم أصبح من الركن أرجفوا به ثم انتقضوا عليه طوائف قاصدين فاس ورجع هو إلى تازا بعد أن انتهب معسكره وأضرمت النار في خيامه وخزائنه ثم أصبح بتازا من ليلته فدخلها وعاملها يومئذ الخير من موالى(7/350)
السلطان أبى الحسن وذهب محمد بن عثمان إلى ولى الدولة وترمار بن عريف وأمراء المغرب من المعقل ولما دخل السلطان أبو العباس إلى تازا كتب إلى ابن عمه السلطان موسى يذكره العهد بينهما وقد كان السلطان ابن الاحمر عهد إليه أن يبعث به إليه ان ظفر به فبادر السلطان موسى باستدعائه مع جماعة من وجوه بنى عسكر أهل تلك الناحية وهم زكريا بن يحيى بن سليمان ومحمد بن سليمان بن داود بن اعراب ومعهم العباس بن عمر الوسنانى فجاؤا به وأنزلوه بالزاوية بغدير الحمص بظاهر فاس فقيد هنالك ثم بعثه إلى الاندلس موكلا به مع عمر بن رحو أخو الوزير مسعود بن ماسى واستصحب ابنه أبا فارس وترك سائرهم بفاس واجاز البحر من سبتة فأنزله السلطان ابن الاحمر بقلعة
ملكه الحمراء وفك قيوده ووكل به ووسع له في الجراية فأقام هنالك محتاطا به إلى أن كان ما نذكره ان شاء الله تعالى * (نكبة الوزير محمد بن عثمان ومقتله) * أصل هذا الوزير محمد بن الكاس احدى بطون بنى ورتاجين وكان بنو عبد الحق عند ما تأثلوا ملكهم بالمغرب يستعملونه منهم في الوزارة وربما وقعت بينهم هنالك وبين بنى ادريس وبنى عبد الله منافسة قتلوا فيها بعض بنى الكاس منهم في دولة السلطان أبى سعيد وابنه أبى الحسن ثم استوزره السلطان أبو الحسن بعد مهلك وزيره يحيى بن طلحة ابى محلى بمكانه من حصار تلمسان وقام بوزارته أياما وحضر معه وقعة طريف سنة احدى واربعين من هذه المائة واستشهد فيها ونشأ ابنه أبو بكر في ظل الدولة ممتعا بحسن الكفالة وسعة الرزق وكانت أمه أم ولد وخلفه عليها ابن عمه محمد بن عثمان هذا الوزير فنشأ أبو بكر في حجره وكان أعلى رتبة منه بأولية أبيه وسلفه حتى إذا بلغ أشده واستوى سمت به الحال وجال امصار الملوك في اختياره وترشيحه حتى استوزره السلطان عبد العزيز كما قلناه وقام بوزارته أحسن قيام وأصبح محمد بن عثمان هذا رديفه وهلك السلطان عبد العزيز فنصب أبو بكر ابنه السعيد للملك صبيا لم يثغر وكان من انتقاض أمره وحصاره بالبلد الجديد واستيلاء السلطان أبى العباس عليه ما قدمناه قام محمد بن عثمان بوزارة السلطان أبى العباس مستبدا عليه ودفع إليه أمور ملكه وشغل بلذاته فقام محمد بن عثمان بوزارة السلطان أبى العباس من أمور الدولة ما عاناه حتى كان من استيلاء السلطان موسى على دار ملكهم ما مر وانقض بنو مرين عنه للسلطان أبى العباس كما ذكرناه ورجع إلى تازا فدخلها السلطان أبو العباس وفارقهم محمد بن عثمان إلى ولى الدولة وترمار بن عريف وهو مقيم بتازا وتذمم له فتجهم له وترمار وأعرض عنه فسار معدا إلى أحياء المنبات من عرب المعقل كانوا(7/351)
هنالك قبلة تازالذمة صحابة كانت بينه وبين شيخهم أحمد بن عبو فنزل عليه متذمما به فخادعه وبعث بخبره إلى السلطان فجهز إليه عسكرا مع المزوار عبد الواحد بن محمد بن عبو بن قاسم بن ورزوق بن بو مريطت الحسن العوفى من الموالى فتبرأ منه العرب وأسلموه إليهم فجاؤا به وأشهروه يوم دخوله إلى فاس واعتقل أياما وامتحن في سبيل لمصادرة ثم استصفى ثم قتل ذبحا بمحبسه والله وارث الارض ومن عليها { الخبر عن خروج الحسن بن الناصر بغمارة ونهوض الوزير ابن ماسى إليه بالعساكر } لما استقل السلطان موسى بملك المغرب وقام مسعود بن ماسى بوزارته مستبدا عليه وكان من تغريبهم السلطان أبا العباس إلى الاندلس وقتلهم وزيره محمد بن عثمان وافتراق أشياع الوزير محمد بن عثمان وقرابته وبطانته فطلبوا بطن الارض ولحق منهم ابن أخيه العباس بن مقداد بتونس فوجد هنالك الحسن بن الناصر ابن السلطان أبى على قد لحق بها من مقره بالاندلس في سبيل طلب الملك فثارله رأى في الرجوع به إلى المغرب لطلب الامر هنالك فخرج به من تونس وقطع المفاوز والمشاق إلى أن انتهى إلى جبل غمارة ونزل على أهل الصفيحة منهم فأكرموا مثواه وتقلبه وأعلنوا بالقيام بدعوته واستوزر العباس بن المقداد وبلغ الخبر إلى مسعود بن ماسى فجهز العساكر مع أخيه مهدى بن ماسى فحاصره بجبل الصفيحة أياما وامتنع عليهم فتجهز الوزير مسعود بن ماسى بالعساكر من دار الملك وسار لحصاره ثم رجع من طريقه لما بلغه من وفاة السلطان بعده والله أعلم * (وفاة السلطان موسى والبيعة للمنتصر ابن السلطان أبى العباس) * كان السلطان موسى لما استقبل بملك المغرب استنكف من استبداد ابن ماسى عليه وداخل بطانته في الفتك به وأكثر ما كان يفاوض في ذلك كاتبه وخالصته محمد ابن كاتب أبيه وخالصته محمد بن أبى عمر وكان للسلطان موسى ندمان يطلعهم على الكثير من أموره
منهم العباس بن عمر بن عثمان الوسنا في وكان الوزير مسعود بن ماسى قد خلف أبا عمر على أمه وربى في حجره فكان يدلى إليه بذلك وينهى إليه ما يدور في مجلس السلطان في شأنه فحصلت للوزير بذلك نفرة طلب لاجلها البعد عن السلطان وبادر للخروج لمدافعة الحسن القائم بغمارة واستخلف على دار ملك أخاه يعيش بن رحو بن ماسى فلما انتهى إلى القصر الكبير لحقه الخبر بوفاة السلطان موسى وكانت وفاته في جمادى الاخرى طرقه المرض فهلك ليوم وليلة لثلاث سنين من خلافته وكان الناس يرمون يعيش أخا الوزير بأنه سمه وبادر يعيش فنصب ابن عمه للملك وهو المنتصر ابن السلطان أبى(7/352)
العباس وانكفأ راجعا لوزير مسعود من القصر وقتل السبيع محمد بن موسى من طبقة الوزراء وقد مر ذكره وذكر قومه وكان اعتقله أيام السلطان موسى فقتله بعد وفاته واستمرت الدولة في استقلاله والله أعلم * (اجازة الواثق محمد بن أبى الفضل ابن السلطان أبى الحسن من الاندلس والبيعة له) * كان الوزير مسعود بن ماسى لما استوحش من السلطان موسى بعث ابنه يحيى وعبد الواحد المزوار إلى السلطان ابن الاحمر يسأل منه اعادة السلطان أبى العباس إلى ملكه فأخرجه ابن الاحمر من الاعتقال وجاء به إلى جبل الفتح يروم اجازته إلى العدوة فلما توفى السلطان موسى بدا للوزير مسعود في أمره ودس للسلطان ابن الاحمر في رده وأن يبعث إليه بالواثق محمد بن أبى الفضل ابن السلطان أبى الحسن من القرابة المقيمين عنده ورآه أليق بالاستبداد والحجر فأسعفه ابن الاحمر في ذلك ورد السلطان أحمد إلى مكانه بالحمراء وجاء بالواثق فحضر بجبل الفتح عنده وفى خلال ذلك وصل جماعة من أهل الدولة وانتقضوا على الوزير مسعود ولحقوا بسبتة وأجازوا إلى السلطان ابن الاحمر وهم يعيش ابن على بن فارس وسيور بن يحيى بن عمر الونكاسنى واحمد بن محمد الصبيحى فوفد إليهم الواثق ورجعوا به إلى المغرب على أنهم في خدمة الوزير حتى إذا انتهوا إلى جبل
زرهون واعتصموا بجبلهم ولحق بهم من كان على مثل دينهم من الخلاف على ابن ماسى وصاروا معهم يدا مثل طلحة بن الزبير الورتاجنى وسيور بن يحيا تن بن عمر الونكاسنى ومحمد التونسى من بنى أبى الطلاق وقارح بن مهدى من معلوجى السلطان وأصله من موالى بنى زيان ملوك تلمسان وكان أحمد بن محمد الصبيحى حين جاء مع الواثق قد استطال على أصحابه وأظهر الاستبداد بما كان من طائفة الجند المستخدمين فغص به أهل الدولة وتبرؤا منه للسلطان الواثق فأظهر لهم لهم البراءة منه فوثبوا به وقتلوه عند خيمة السلطان وتولى كبر ذلك يعيش بن على بن فارس اليابانى كبير بنى مرين فذهب مثلا في الغابرين ولم تبك عليه سماء ولا أرض وكان رزوق بن بوفريطت من موالى بنى على بن زيان من شيوخ بنى ونكاسن من أعيان الدولة ومقدمي الجند قد انتقض على الدولة أيام السلطان موسى ولحق بأحياء أولاد حسين من عرب المعقل المخالفين منذ أيام السلطان موسى ونزل على شيخهم يوسف بن على بن غانم لذمة صحابة بينهما من جوارهم في المواطن وكان معه في ذلك محمد بن يوسف بن علان كان أبوه يوسف من صنائع السلطان أبى الحسن ونشأة دولته واستوحشا من الوزير فلحقا بالعرب فلما جاء هذا السلطان الواثق قدما عليه فلقيهما بالتكرمة وأحلهما في مقامهما من الدولة وخرج الوزير مسعود بن ماسى في العساكر ونزل قبائلهم بجبل مغيلة وقاتلهم هنالك أياما وداخل الذين مع(7/353)
الواثق واستمالهم وبعث عسكر إلى مكناسة فحاصروها وكان بها يومئذ عبد الحق بن الحسن بن يوسف الورتاجنى فاستنفر له منها وملكها وترددت المراسلات بينه وبين الواثق وأصحابه على أن ينصبوه للامر ويبعث بالمنتصر المنصوب عنده إلى أبيه السلطان أبى العباس بالاندلس وقبض على جماعة ممن كان مع الواثق مثل المزوار عبد الواحد وقتله وعلى فارح بن مهدى وحبسه وعلى الخير مولى الامير عبد الرحمن وامتحنه وعلى آخرين سواهم ثم قبض على جماعة من بطانة السلطان موسى كانوا يداخلونه في
القبض والفتك به فحبسهم وقتل بعضهم وعلى جند الاندلس الذين جاؤا مدد اللواثق وعلى قوادهم من معلوجى ابن الاحمر فأودعهم السجن ثم تقبض على كاتب السلطان موسى بن أبى الفضل بن ابى عمر مرجعه من السفارة عن سلطانه إلى الاندلس فاعتقله وصادره ثم خلى سبيله ثم بعث إلى الحسن بن الناصر النائر بجبل الصفيحة من غمارة مع ادريس بن موسى بن يوسف اليابانى فخادعه باستدعائه للملك والبيعة له فخدعه واستنزله وجاء به فاعتقله أياما ثم أجازه للاندلس واستقر الامر على ذلك والله أعلم { الفتنة بين الوزير ابن ماسى وبين السلطان ابن الاحمر واجازة السلطان أبى العباس إلى سبتة لطلب ملكه استيلاؤه عليها } لما بلغ الوزير ابن ماسى للواثق ورأى قد استقل بالدولة ودفع عنها الشواغب وصرف نظره إلى ما فرط من أعمال الدولة وافتتح أمره بسبتة وقد كان السلطان موسى لاول اجازته أعطاها لابن الاحمر كما مر فبعث إليه الآن الوزير ابن ماسى في ارتجاعها منه على سبيل الملاطفة فاستشاط لها ابن الاحمر ولج في الرد فنشأت الفتنة لذلك وجهز ابن ماسى العساكر لحصار سبتة مع العباس بن عمر بن عثمان الوسنا في ويحيى بن علان بن أمصمود والرئيس محمد بن أحمد الابكم من بنى الاحمر ثم من بيت السلطان الشيخ فاتح امرهم وممهد دولتهم وراسل السلطان اشبيلية والجلالقة من بنى أدفونش وراء البحر بأن يبعث إليهم ابن عم السلطان ابن الاحمر محمد بن اسمعيل مع الرئيس الابكم ليجلبا من ناحيته على الاندلس وجاءت عساكر الوزير إلى سبتة فحاصروها ودخولها عنوة واعتصم حامية الاندلس الذين كانوا بها بالقصبة واتصلت الجولة بين الفريقين وسط البلد وأوفد أهل القصبة النيران بالجبل علامة على أمرهم ليراها ابن الاحمر وكان مقيما بمالقة فبادر بتجهيز الاسطول مشحونا بالمقاتلة مدد الهم ثم استدعى السلطان أبو العباس من مكانه بالحمراء واركبه السفين إلى القصبة في غرة صفر سنة تسع وثمانين وأشرف عليهم من الغد وناداهم من السور يدعوهم إلى طاعته فلما رأوه اضطربوا
وافترقوا وخرج إليهم فنهب سوادهم ودخلوا في طاعته متسايلين ورجع جمهور العسكر(7/354)
ومقدموهم إلى طنجة واستولى السلطان على مدينة سبتة وبعث إليه ابن الاحمر بالنزول عنها وردها إليه فاستقرت في ملكه وكملت بها بيعته وكان يوليه أمر الاضياف الواردين والله تعالى أعلم { مسير السلطان أبى العباس من سبتة لطلب ملكه بفاس ونهوض ابن ماسى لدفاعه ورجوعه منهزما } ولما استولى السلطان أبو العباس على سبتة وتم له ملكها واعتزم على المسير لطلب ملكه بفاس وأغراه ابن الاحمر بذلك ووعده بالمدد لما كان من داخلة ابن ماسى لجماعة من بطانته في أن يقتلوه ويملكوا الرئيس الابكم يقال ان الذى داخله في ذلك من بطانة ابن الاحمر يوسف بن مسعود البلنسى ومحمد بن الوزير أبى القاسم بن الحكيم الرندى وشعر بهم السلطان ابن الاحمر وهو يومئذ على جبل الفتح يطالع أمور السلطان أبى العباس فقتلهم جميعا واخوانهم ويقال ان ذلك كان بسعاية القائم على دولته مولاه خالد كان بعض بهم ويعاديهم فأخفى عليهم هذه وتمت سعايته بهم فاستشاط ابن الاحمر غضبا على ابن ماسى وبعث إلى السلطان أبى العباس يستنفره للرحلة إلى طلب ملكه فاستخلف على سبتة رحو بن الزعيم المكرودى عاملها من قبل كا مر وسار إلى طنجة وعاملها من قبل الواثق صالح بن رحو اليابانى ومعه بها الرئيس الابكم من قبل العساكر فحاصرها أياما وامتنعت عليه فجمر عنها الكتائب وسار عنها إلى أصيلا فدخلت في دعوته وملكها ونهض الوزير من فاس في العساكر بعد أن أستخلف أخاه يعيش على دار الملك وسار ولحقت مقدمته بأصيلا ففارقها السلطان أبو العباس وصعد إلى جبل الصفيحة فاعتصم به وجاء الوزير ابن ماسى فتقدم إلى حصاره بالجبل وجمع عليه رماة الرجل من الاندلسيين الذين كانوا بطنجة
وأقام يحاصره بالصفيحة شهرين وكان يوسف بن على بن غانم شيخ أولاد حسين من عرب المعقل مخالفا على الوزير مسعود وداعية إلى السلطان أبى العباس وشيعة له وكان يراسل ابن الاحمر في شأنه فلما سمع باستيلائه على سبتة واقباله إلى فاس جمع أشياعه من العرب دخل في طاعته إلى بلاد المغرب ما بين فاس ومكناسة وشن الغارات على البسائط واكتسحها وأرجف الرعايا وأجفلوا إلى الحصون وكان وترمار بن عريف ولى الدولة شيعة للسلطان وكان يكاتبه وهو بالاندلس ويكاتب ابن الاحمر بشأنه فلما اشتد الحصار بالسلطان في الصفيحة بعث ابنه أبا فارس إلى وترمار بمكانه من نواحى تازا وبعث معه سيور بن يحيا تن بن عمر فقام وترمار بدعوته وسار به إلى مدينة تازا وعاملها سليمان العودودى من قرابة الوزير ابن ماسى فلما نزل بها أبو فارس ابن السلطان(7/355)
بادر إلى طاعته وأمكنه من البلدو استوزر سليمان هذا وسار إلى صفيروا ومعه وترمار للاجتماع بعرب المعقل وأسف بهم إلى حصار فاس وكان محمد بن الدمغة عاملا على ورغة فبعث إليه السلطان عسكرا مع العباس بن المقداد ابن أخت الوزير محمد بن عثمان فقتلوه وجاؤا برأسه ونجم الخلاف على يعيش بالبلد الجديد من كل جهة وطير الخبر بذلك كله إلى أخيه بمكانه من حصار السلطان بالصفيحة فانفضت عنه العساكر وأجفل راجعا إلى فاس وسار السلطان في اتباعه ودخل في طاعته عامل مكناسة وجاء الخير موسى الامير عبد الرحمن ولقيه يوسف بن على بن غانم ومن معه من احياء العرب وساروا جميعا إلى فاس وكان أبو فارس ابن السلطان قد رحل من تازا إلى صفير واللقاء أبيه فاعترضه ابن ماسى في العساكر رجاء أن يفله ولقيه ببنى بهلول فنزع أهل المعسكر إلى أبى فارس ابن السلطان وهو بمكناسة فارتحل يغذ السير إلى فاس وسار ابنه أبو فارس لبقائه على وادى النجاو صبحوا البلد الجديد فنزلوا عليه بجموعهم وقد اعتصم به الوزير في أوليائه وبطانته ومعه يغمراسن بن محمد السالفى ومراهن بنى مرين الذين استرهنهم
عند مسيره للقاء السلطان بأصيلا والله أعلم * (ظهوره دعوة السلطان أبى العباس في مراكش واستيلاء أوليائه عليها) * كان الوزير مسعود بن ماسى قد ولى على مراكش وأعمال المصامدة أخاه عمر بن رحو وكانت منتظمة في طاعته فلما بلغ الخبر بوصول السلطان إلى سبتة واستيلائه عليها قامت رؤس أوليائه إلى اظهار دعوته بتلك النواحى فقام بدعوته بجبل الهساكرة على ابن زكريا وبعث الوزير مسعود من مكانه في حصار السلطان بالصفيحة في امداده بالعساكر من مراكش خزحف إليه مخلوف بن سليمان الوارتيبى صاحب الاعمال ما بين مراكش والسوس وقعد الباقون عن نصره وتفرقوا وصعد أبو ثابت حافد على بن عمر إلى جبل الهساكرة ومعه يوسف بن يعقوب بن على الصبيحى فاستمد على بن زكريا ورجع إلى مراكش مجلبا على على بن رحو بها وكتب للسلطان بذلك وهو بمكناسة متوجها إلى فاس فكتب إليه بأن يصله بعساكر مراكش لحصار دار الملك فجمع العساكر واستخلف على قصبة مراكش بعض بنى عمه ولحق بالسلطان وأقام معه في حصار البلد الجديد والله أعلم * (ولاية المنتصر بن السلطان أبى على على مراكش واستقلاله بها) * كان السلطان أبو العباس حين مهلك المغرب بعث ابنه المنتصر بعث ابنه المنتصر في البحر إلى سلا واستوزر له عبد الحق بن يوسف الورتاجنى وأقام ومر به رزوق بن توفريطت راجعا من دكالة حين نزول السلطان على البلد الجديد فتلطف في استدعائه ثم قبض عليه وبعث(7/356)
به لابيه مقيدا فأودعه السجن وقتل بعد ذلك بمحبسه ثم بعث السلطان إلى ابنه المنتصر بولاية مراكش وأن يصير إليها فلما وصل إلى مراكش امتنع النائب بالقصبة فدس لعبد الحق وزير المنتصر أن لنائب قدهم بقتله وحينئذ يمكن المنتصر من القصبة فأجفل بالمنتصر وصعد إلى جبل هنتاتة وطير بالخبر إلى السلطان فتغير لابي ثابت وأمره أن
يكاتب نائبه بتمكين ابنه من القصبة واستوزر له سعيد بن عبدون وبعثه بالكتاب وعزل عبد الحق عن وزارة ابنه واستدعاه لفاس فوصل سعيد بن عبدون إلى مراكش ودفع إلى النائب بالقصبة كتاب مستخلفه إلى الامتثال وأمكنه من القصبة واعتزل عنها فدخلها وبعث عن المنتصر بن السلطان واستولوا عليها وقبضوا على نائب عامر الذى كان بها وسائر شيعته وبطانته وامتحنوهم واستصفوهم إلى أن كان ما نذكره ان شاء الله تعالى * (حصار البلد الجديد وفتحها ونكبة الوزير ابن ماسى ومقتله) * لما نزل السلطان على البلد الجديد واجتمع إليه سائر قبيله وأوليائه وبطانته داخل الوزير معسودا الحنق على بنى مرين لانتباذهم عنه فأمر بقتل أبنائهم الذين استرهنوهم على الوفاء له فلاطفه يغمراسن السالفى في المنع من ذلك فأقصر عنه وضيق السلطان مخنقه بالحصار ثلاثة أشهر حتى دعا إلى النزول والطاعة فبعث إليه ولى الدولة وترمار بن عريف وخالصته محمد بن علال فعقد لهم الامان لنفسه ولمن معه على أن يستمر على الوزارة ويبعث بسلطانه الواثق إلى الاندلس واستحلفهم على ذلك وخرج معهم للسلطان فدخل السلطان البلد الجديد خامس رمضان سنة تسع وثمانين لثلاثة أعوام وأربعة أشهر من خلعه ولحين دخوله قبض على الواثق وبعث به معتقلا إلى طنجة وقتل بها بعد ذلك ولما استولى على أمره قبض على الوزير ابن ماسى ليومين من دخوله واخوته وحاشيته وامتحنهم جميعا فهلكوا في العذاب ثم سلط على مسعود من العذاب والانتقام مالا يعبر عنه ونقم عليه ما فعله في دور بنى مرين النازعين إلى السلطان فانه متى كان هرب عند أحد منهم يعمد إلى بيوته فينهبها فأمر السلطان بعقابه في أطلاقها فكان يؤتى به إلى كل بيت منها فيضرب عشرين سوطا إلى أن قتله العذاب وتجاوز الحد ثم أمر به فقطعت أربعته فهلك عند قطع الثانية فذهب مثلا في الآخرين * (وزارة محمد بن علال) *
كان أبوه يوسف بن علال من رؤساء الدولة وصانعة السلطان أبى الحسن وربى في دراه ولما ضخم أمره سمابه إلى ولاية الاعمال فولاه على درعة فانتزى وانتخب أولياء الدولة ثم ولاه السلطان أبو عنان أمر طنجة ومائدته وضيوفه واستكفى به في ذلك(7/357)
وولاه أخوه أبو سالم بعده كذلك ثم بعثه إلى سجلماسة فعانى بها من أمور العرب مشقة وعزله عنها وهلك بفاس وكان له جماعة من الولد قد نشؤا في ظل هذه النعمة وحدبت لنجابة بمحمد المذكور منهم فلما استولى السلطان أبو العباس استعمله في أمور الضيوف والمائدة كما كانت لابيه ثم رقاه إلى المخالصة وخلصه بنفسه فلما خلع السلطان واستولى الوزير ابن ماسى على المغرب وكانت بينه وبين أخيه يعيش بن ماسى احن قديمة فسكن لصولتهم حتى إذا اضطرمت نار الفتنة بالمغرب وأجبلت عرب المعقل الخلاف فاستوحش محمد هذا فلحق باحيائهم مع رزوق ابن توفريطت كما مر ذكره ونزل على يوسف بن على بن غانم شيخ أولاد حسين وأقام معه في خلافه حتى إذا أجاز السلطان الواثق إلى الاندلس ووصل مع أصحابه إلى جبل رزهون وأظهروا الخلاف على ابن ماسى بدر محمد هذا ورزوق إلى السلطان ودخلا في طاعته متبرئين من النفاق الذى حملهم عليه عداوة الوزير مما كان إلى أن انعقد الصلح بين الواثق وابن ماسى وسار به وأصحابه إلى فاس وحصلوا في قبضة ابن ماسى فعفا لهم عما كان منهم واستعملهم في مهود ولايتهم ثم جاء الخبر باجازة السلطان أبى العباس إلى سبتة فاضطرب محمد بن يوسف وذكر مخالصة السلطان ومنافرة ابن ماسى فأجمع أمره ولحق بسبته فتلقاه السلطان بالكرامة وسر بمقدمه ودفعه إلى القيام بأمر دولته فلم يزل متصرفا بين يديه إلى أن نزل إلى البلد الجديد ولايام من حصارها خلع عليه الوزارة ودفعه إليها فقام بها أحسن قيام ثم كان الفتح وانتظم أمر الدولة ومحمد هذا يصرف الولاية على أحسن أحوالها إلى ان كان ما نذكره ان شاء الله تعالى
* (ظهور محمد بن السلطان عبد الحليم بسجلماسة) * قد تقدم لنا ذكر السلطان عبد الحليم ابن السلطان أبى على وكان يدعى بحلى وكيف بايع له بنو مرين وأجلبوا به على عمر بن عبد الله سنة ثلاث وستين أيام مبعثه للسلطان أبى عمر ابن السلطان أبى الحسن وحاصروا معه البلد الجديد حتى خرج لدفاعهم وقاتلهم فانهزموا وافترقوا ولحق السلطان عبد الحليم بتازا وأخوه عبد المؤمن بمكناسة ومعه ابن أخيهما عبد الرحمن بن أبى يفلوسن ثم بايع الوزير عمر بن عبد الله لمحمد بن أبى عبد الرحمن بن السلطان أبى الحسن واستبدل به من أبى عمر ولما كان بنو مرين يرمونه بالجنون والوسوسة فاستدعى محمد بن أبى عبد الرحمن من مطرح اغترابه باشبيلية وبايعه وخرج في العساكر لمدافعة عبد المؤمن وعبد الرحمن عن مكناسة فلقيهما وهزمهما ولحقا بالسلطان عبد الحليم بتازا وساروا جميعا إلى سجلماسة فاستقروا فيها والسلطان عبد الحليم وقد تقدم خبر ذلك كله في أماكنه ثم كان الخلاف بين عرب المعقل أولاد(7/358)
حسين والاحلاف وخرج عبد المؤمن للاصلاح بينهم فبايع له أولاد حسين ونصبوه كرها للملك وخرج السلطان عبد الحق إليهم في جموع الاحلاف فقاتلوه وهزموه وقتلوا كبار قومه كان منهم يحيى بن رحو بن تاشفين بن معطى شيخ بنى تيربيعن وكبير دولة بنى مرين أجلت المعركة عن قتله ودخل عبد المؤمن البلد منفردا بالملك وصرف السلطان أخاه عبد الحليم إلى المشرق لقضاء فرضه برغبته في ذلك فسار على طريق القفر مسلك الحاج من التكرور إلى أن وصل القاهرة والمستبد بها يومئذ بليغا الحاصكى على الاشرف شعبان بن حسين من أسباط الملك الناصر محمد بن قلاوون فأكرم وفادته ووسع نزله وجرايته وأدر لحاشيته الارزاق ثم أعانه على طريقه للحج بالازواد والابنية والظهر من الكراع والخف ولما انصرف من حجه لسفر المغرب وهلك بفروجة سنة سبع وستين ورجع حاشيته إلى المغرب بحرمه وولده وكان ترك محمدا هذا
رضيعا فشب متقلبا من الدولة من ملك إلى آخر منتبذا عن قومه بغيرة السلطان أبى الحسن من بنى عمهم السلطان أبى على وكان أكبر ما يكون مقامه عند أبى حمو سلطان بنى عبد الواد بتلمسان لما يروم به من الاجلاب على المغرب ودفع غاية بنى مرين عنه فلما وقع بالمغرب من انتقاض عرب المعقل على الوزير مسعود بن ماسى سنة تسع وثمانين واستمروا على الخلاف انتهز أبو حمو الفرصة وبعث محمد بن عبد الحليم هذا إلى المعقل ليجلب بهم على المغرب ويمزقوا من الملك ما قدروا عليه فلحق بأحيائهم ونزل على الاحلاف الذين هم أمس رحما بسجلماسة وأقرب موطنا بها وكان الوزير ابن ماسى قد ولى عليها من أقاربه على بن ابراهيم بن عبو بن ماسى فلما ضيق عليه السلطان أبو العباس وضيق مخنقه بالبلد الجديد دس إلى الاحلاف والى قريبه على بن ابراهيم أن بنصب محمد بن السلطان عبد الحليم ويملكه سجلماسة ويجلب به على تخوم المغرب ليأخذ بحجزة السلطان أبى العباس عنه وينفسوا من حصاره ففعلوا ذلك ودخل محمد إلى سجلماسة فملكها وقام على بن ابراهيم بوزارته حتى إذا استولى السلطان أبو العباس على البلد الجديد وفتك بالوزير مسعود بن ماسى وباخوته وسائر قرابته اضطرب على بن ابراهيم وفسد ما بينه وبين سلطانه محمد فخرج عن سلجماسة ودعا إلى أبى حمو سلطان تلمسان كما كان ثم زادهو ارتيابه فخرج عن سلجماسة وتركها ولحق بأحياء العرب وسارت طائفة منهم معه إلى أن أبلغوه مأمنه ونزل على السلطان أبى حمو إلى أن هلك فسار إلى تونس وحضر وفاة السلطان أبى العباس بها سنة تسع وتسعين ولحق محمد ابن السلطان عبد الحليم بعد مهلك أبى حمو بتونس ثم ارتحل بعد وفاة السلطان ابى العباس إلى المشرق لحجة فرضه والله تعالى أعلم(7/359)
* (نكبة ابن ابى عمر ومهلكه وحركات ابن حسون) * لما استقل السلطان بملكه واقتعد سريره صرف نظره إلى أولياء تلك الدولة ومن يرتاب
منه وكان محمد بن أبى عمر قد تقدم ذكره وأوليته من جملة خواصه وأوليائه وندمانه وكان السلطان يقسم له من عنايته وجميل نظره ويرفعه عن نظراته فلما ولى السلطان موسى ترغب إليه بوازع المخالصة لابيه من السلطان أبى عنان فقد كان أبوه أعز بطانته كما مر فاستخلصه موسى للشورى ورفعه على منابر اهل الدولة وجعل إليه كتاب علامته على المراسم السلطانية كما كان لابيه وكان يفاوضه في مهماته ويرجع إليه في أموره حتى غص به أهل الدولة ونما عنه للوزير مسعود بن مامنى أنه يداخل السلطان في نكبته وربما سعى عند سلطانه في جماعة من بطانة السلطان أحمد فأتى عليهم النكال والقتل لكلمات كانت تجرى بينهم وبينه في مجالسة المنادمة عند السلطان حقدها لهم فلما ظفر بالحظ من سلطانه سعى بهم فقتلهم وكان القاضى أبو اسحق اليزناسنى من بطانة السلطان أحمد وكان يحضر مع ندمانه فحقد له ابن أبى عامر وأغرى به سلطانه فضربه وأطافه وجاء بها ثنعاء غريبة في القبح وسفر عن سلطانه إلى الاندلس وكان يمر بمجلس السلطان أحمد ومكان اعتقاله وربما يلقاه فلا يلم إليه ولا يجيبه ولا يوجب له حقا فأحفظ ذلك السلطان ولما فرغ من ابن ماسى قبض على ابن أبى عمر هذا وأودعه السجن ثم امتحنه بعد ذلك إلى أن هلك بالسياط وحمل إلى داره وبينما أهله يحضرونه إلى قبره وإذا بالسلطان قد أمر بأن يسحب بنواحي البلد ابلاغا في التنكيل فحمل من نعشه وقد ربط حبل برجله وسحب في سائر المدينة ثم ألقى في بعض المزابل ثم قبض على حركات ابن حسون وكان مجلبا في الفتنة وكان العرب المخالفون من المعقل لما أجاز السلطان إلى سبتة وحركات هذا بتادلا راودوه على طاعة السلطان فامتنع أولا ثم أكرهوه وجاؤا به إلى السلطان فطوى على ذلك حتى استقام أمره وملك البلد الجديد فتقبض عليه وامتحنه إلى أن هلك والله وارث الارض ومن عليها * (خلاف على بن زكريا بجبل الهساكرة ونكبته) * لما ملك السلطان البلد الجديد واستولى على ملكه وفد عليه على بن زكريا شيخ هسكورة
مستصفيا بما قدم من سوابقه وقد كان حضر معه حصار البلد الجديد واستدعاه فجاء بقومه وعساكر المصامدة على عادة الدولة في ذلك ثم وفد معه محمد بن ابراهيم الميرارى من شيوخ المصامدة وكانت له ذمة صهر مع الوزير محمد بن يوسف بن علان على أخته فولاه السلطان مكان على بن زكريا فغضب لها واستشاط وبادر إلى الانتقاض والخلاف ونصب بعض القرابة من بنى عبد الحق فجهز إليه السلطان العساكر مع محمد بن(7/360)
يوسف بن علان وصالح بن حمو اليابانى وأمر صاحب درعة وهو يومئذ عمر بن عبد المؤمن بن عمر أن ينهض إليه بعساكر درعة من جهة القبلة فساروا إليه وحاصروه في جبله وحاولوه مرات ينهزم في جميعها حتى غلبوه على جبله وسار إلى ابراهيم بن عمران الصناكى المجاور له في جبله فاستذم به وحشى ابراهيم معرة الخلاف والغلب ورغبه الوزير محمد بن يوسف بما بذل له فأمكنه منه وقبض على الوزير وجاء به إلى فاس فأدخله في يوم مشهود وشهره واعتقل فلم يزل في الاعتقال إلى أن هلك السلطان أبو العباس وارتاب به أهل الدولة بعده فقتلوه كما نذكره ان شاء الله تعالى { وفادة أبى تاشفين على السلطان أبى العباس صريخا على أبيه ومسيره بالعساكر ومقتل أبيه السلطان أبى حمو } كان أبو تاشفين ابن السلطان أبى حمو قد وثب على أبيه آخر ثمان ثمانين بممالئته لغيره من اخوته واعتقله بوهران وخرج العساكر لطلب اخوته المنتصرو أبى زيان وعمر فامتنعوا عند حصن بجبل تيطرى فحاصرهم أياما ثم تذكر عائلة فبعث ابنه أبا زيان في جماعة من بطانته منهم ابن الوزير عمران وعبد الله بن جابر الخراساني فقتلوا بعض ولده بتلمسان ومضوا إليه وهو بمحبسه في وهران فلما شعر بهم أشرف من الحصن ونادى في أهل المدينة متذمما بهم فهرعوا إليه وتدلى إليهم في عمامته وقد احتزم بها فأنزلوه وأحدقوا به وأجلسوه على سريره وتولى كبر ذلك خطيب البلد ابن حذورة
ولحق أبو زيان بن أبى تاشفين ناجيا إلى تلمسان واتبعه السلطان أبو حمو ففر منها إلى أبيه ودخل أبو حمو تلمسان وهى طلل وأسوارها خراب فأقام فيها رسم دولته وبلغ الخبر إلى أبى تاشفين فأجفل من تيطرى وأغذ السير فدخلها واعتصم أبوه بمئذنة المسجد فاستنزله منها وتجا في عن قتله ورغب إليه أبوه في رحلة الشرق لقضاء فرضه فاسعفه وأركبه السفين مع بعض تجار النصارى إلى الاسكندرية مو كلابه فلما حاذى مرسى بجاية لاطف النصراني في تخلية سبيله فأسفعه وملك أمره وبعث إلى صاحب الامر ببجاية يستأذنه في النزول فأذن له وسار منها إلى الجزائر واستخدم العرب واستصعب عليه أمر تلمسان فخرج إلى الصحراء وجاء إلى تلمسان من جهة الغرب فهزم عساكر ابنه تاشفين وملكها وخرج أبو تاشفين هاربا منها فلحق بأحياء السويد في مشاتيهم ودخل أبو حمو تلمسان في رجب سنة تسع وسبعمائة وقد تقدم شرح هذه الاخبار مستوعبا ثم وفد أبو تاشفين مع محمد بن عريف شيخ سويد على السلطان أبى العباس صريخا على أبيه ومؤملا الكرة بامداده فبعث له السلطان وأجمل عليه المواعد وقام أبو تاشفين في انتظارها والوزير محمد ابن يوسف بن علال يعده ويمنيه ويحلف له على(7/361)
الوفاء وبعث السلطان أبو حمو إلى ابن الاحمر لما يعلم من استطالته على دولة بنى مرين كما يتوصل إليه في أن يصدهم عن صريخ أبى تاشفين وامداده فجلا ابن الاحمر في ذلك وجعلها من أهم حاجاته وخاطب السلطان أبا العباس في أن يجيز إليه أبا تاشفين فتعلل عليه في ذلك بأنه استجار بابنه أبى فارس واستذم به ولم يزل الوزير ابن علال يفتل لسلطانه لابن الاحمر في الذروة والغارب حتى تم أمره وأنجز له السلطان بالنظر موعده وبعث ابنه الامير أبا فارس والوزير ابن علال في العساكر صريخين له وانتهوا إلى تازا وبلغ الخبر إلى أبى حمو فخرج من تلمسان في عساكره واستألف أولياءه من عبيد الله ونزل بالغيران من وراء جبل بنى راشد المطل على تلمسان وأقام هنالك متحصنا بالجبل
وجاءت العيون إلى عساكر بنى مرين بتازا بمكانه هو واعرابه من الغيران فاجمعوا غزوه وسار الوزير علال وأبو تاشفين وسلكوا القفر ودليلهم سليمان بن ناجى من الاحلاف حتى صبحوا أبا حمو ومن معه من أحياء الجراح في مكانهم بالغيران فجاولوهم ساعة ثم ولوا منهزمين وكبا بالسلطان أبى حمو فرسه فسقط وأدركه بعض أصحاب أبى تاشفين فقتلوه قعصا بالرماح وجاؤا برأسه إلى ابنه أبى تاشفين والوزير ابن علال فبعثوا به إلى السلطان وجئ بابنه عمير اسيرا فهم أخوه أبو تاشفين بقتله فمنعه بنو مرين أياما ثم أمكنوه منه فقتله ودخل تلمسان آخر احدى وتسعين وخيم الوزير وعساكر بنى مرين بظاهر البلد حتى دفع إليهم ما شارطهم عليه من المال ثم قفلوا إلى المغرب وأقام أبو تاشفين بتلمسان يقيم دعوة السلطان أبى العباس صاحب المغرب ويخطب له على منابر تلمسان وأعمالها ويبعث إليه بالضريبة كل سنة كما اشترط على نفسه وكان أبو حمو لما ملك تلمسان ولى ابنه أبا زيان على الجزائر فلما بلغه مقتل أبيه امتعض ولحق بأحياء حصين ناجيا وصريخا وجاءه وفد بنى عامر من زغبة يدعونه للملك فسار إليهم وقام بدعوته شيخهم المسعود بن صغير ونهضوا جميعا إلى تلمسان في رجب سنة ثنتين وتسعين فحاصرها أيام ثم سرب أبو تاشفين المال في العرب فافترقوا عن أبى زيان وخرج إليه أبو تاشفين فهزمه في شعبان من السنة ولحق بالصحراء واستألف أحياء المعقل وعاود حصار تلمسان في شوال وبعث أبو تاشفين ابنه صريخا إلى المغرب فجاءه بمدد من العساكر ولما انتهى إلى تاوريرت أفرج أبو زيان عن تلمسان وأجفل إلى الصحراء ثم أجمع رأيه على الوفادة إلى صاحب المغرب فوفد عليه صريخا فتلقاه وبر مقدمه ووعده النصر من عدوة وأقام هنالك إلى مهلك أبى تاشفين والله أعلم * (وفاة أبى تاشفين واستيلاء صاحب المغرب على تلمسان) *(7/362)
لم يزل هذا الامير أبو تاشفين مملكا على تلمسان ومقيما فيها لدعوة صاحب المغرب أبى العباس ابن السلطان أبى سالم ومؤديا الضريبة التى فرضها عليه منذ ملك وأخوه الامير أبو زيان عند صاحب المغرب ينتظر وعده بالنصر عليه حتى تغير السلطان أبو العباس على أبى تاشفين في بعض النزغات الملوكية فأجاب داعى أبى زيان وجهزه بالعساكر لملك تلمسان فسار لذلك منتصف سنة خمس وتسعين وانتهى إلى تازا وكان أبو تاشفين قد طرقه مرض أزمن به ثم هلك منه في رمضان من السنة وكان القائم بدولته أحمد بن العزمن صنائعهم وكان فولى بعده مكانه صبيا من أبنائه وأقام بكفالته وكان يوسف بن أبى حمو وهو ابن الزابية واليا على الجزائر من قبل أبى تاشفين فلما بلغه الخبر أغذ السير مع العرب فدخل تلمسان وقتل أحمد بن العزو الصبى المكفول ابن أخيه أبى تاشفين فلما بلغ الخبر إلى السلطان أبى العباس صاحب المغرب خرج إلى تازا وبعث من هنالك ابنه أبا فارس في العساكر ورد أبا زيان بن أبى حمو إلى فاس ووكل به وسار ابنه أبو فارس إلى تلمسان فملكها وأقام فيها دعوة أبيه وتقدم وزير أبيه صالح بن أبى حمو إلى مليانة فملكها وما بعدها من الجزائر وتدلس إلى حدود بجاية واعتصم يوسف بن الزابية بحصن تاجمومت وأقام الوزير صالح يحاصره وانقرضت دعوة بنى عبد الواد من المغرب الاوسط والله غالب على أمره { وفاة أبى العباس المغرب واستيلاء أبى زيان بن أبى حمو على تلمسان والمغرب الاوسط } كان السلطان أبو العباس بن أبى سالم لما وصل إلى تازا وبعث ابنه أبا فارس إلى تلمسان فملكها وأقام هوبتازا يشارف أحوال ابنه ووزيره صالح الذى تقدم لفتح البلاد الشرقية وكان يوسف بن على بن غانم أمير أولاد حسين من المعقل قد حج سنة ثلاث وتسعين واتصل بملك مصر من الترك الملك الظاهر برقوق وتقدمت إلى السلطان فيه وأخبرته بمحله من قومه فأكرم تلقيه وحمله بعد قضاء حجه هدية إلى صاحب المغرب
بطرفه فيها بتحف من بضائع بلده على عادة الملوك فلما قدم يوسف بها على السلطان أبى العباس أعظم موقعها وجلس في مجلس حفل لعرضها والمباهات بها وشرع في المكافأة عليها بمتخير الجياد والبضائع والثياب حتى استكمل من ذلك ما رضيه واعتزم على انفاذها مع يوسف بن على حاملها الاول وانه يرسله من تازا أيام مقامته تلك فطرقه هنالك مرض كان فيه حتفه في محرم سنة ست وتسعين واستدعوا ابنه أبا فارس من تلمسان فبايعوه بتازا وولوه مكانه ورجعوا به إلى فاس وأطلقوا أبا زيان بن أبى حمو من الاعتقال وبعثوا به إلى تلمسان أميرا عليها وقائما بدعوة السلطان أبى فارس فيها(7/363)
فسار إليها وملكها وكان أخوه يوسف بن الزابية قد اتصل بأحياء بنى عامر يروم ملك تلمسان والاجلاب عليها فبعث إليهم أبو زيان عندما بلغه ذلك وبذل لهم عطاء جزيلا على أن يبعثوا به إليه فأجابوه إلى ذلك وأسلموه إلى ثقات أبى زيان وساروا به فاعترضهم بعض أحياء العرب ليستنقذوه منهم فبادروا بقتله وحملوا رأسه إلى اخيه أبى زيان فسكنت أحواله وذهبت الفتنة بذهابه واستقامت أمور دولته وهم على ذلك لهذا العهد والله غالب أمره وهو على كل شئ قدير(7/364)
المنتصر أبو الفضل موسى بن ابى عنان السعيد بن عبد العزيز الواثق بن الفضل عبد الرحمن بن على بن ابى يفلوسن بن ابى عمر منصور
الناصر عبد الحليم عبد المؤمن منصور بن سليمان بن منصور بن ابى مالك عبد الواحد تاشفين عيسى أبو ثابت بن ابى عامر بن ابى يعقوب يوسف عبد الله العجوب محمد اجلند عمر بن منديل يحيى محمد عثمان اختهم ورتطين أبو فارس أبو عمر محمد بن عبد الواحد منصور بن ابى مالك محمد يعقوب يعيش أبو يحيى
عمر العباس زيان ابو غياد عبد الله رحو ادريس السلطان أبو العباس احمد بن ابى سالم ابراهيم بن ابى الحسن على بن ابى سعيد عثمان بن يعقوب بن عبد الحق(7/365)
{ الخبر عن القرابة المرشحين من آل عبد الحق من الغزاة المجاهدين بالاندلس الذين قاسموا ابن الاحمر في ملكه وانفردوا برياسة جهاده } كانت الجزيرة الاندلسية وراء البحر منذ انقراض أمر بنى عبد المؤمن وقيام ابن الاحمر بأمرها قليلة الحامية ضعيفة الاحوال الا من يلهمه الله لعمل الجهاد من قبائل زناتة المؤملين كرة الملك والمقتسمين ممالك المغرب وخصوصا بنى مرين أهل المغرب الاقصى لاتصال عدوة الاندلس ببسائطه ولتعدد الفراض ببحر الزقاق القريب العدوتين ومازال أهل الزقاق على قديم الزمان لاجل ذلك فرضة دون سواحل المغرب (ولما استولى) بنو مرين على ممالكه وضاقت أحوال المسلمين بالاندلس وأخذ بمخنقهم الطاغية حتى ألجأهم إلى سيف البحر واستأثر بالقوسرة وما رواءها واستأثر بنو القمص أهل برشلونة وقطلوسة بشرق الاندلس وانتشر في الاقطار ما كان من أمر قرطبة وأختها اشبيلية وبلنسية وامتعض لذلك المسلمون وتنافسوا في الجهاد وامداد الاندلس بأموالهم وأنفسهم وسابق الناس إلى ذلك الامير أبو زكريا بن أبى حفص بما كان صاحب الوقت والمؤمل للكرة فاستنفذ الكثير من
أمواله ومقرباته في امدادهم بعد ان كانوا آثروا القيام بدعوته وأوفدوا عليه المشيخة ببيعتهم وكان ليعقوب بن عبد الحق أمل في الجهاد وحرص عليه فاعتزم في سلطان أخيه أبى يحيى على الاجازة لذلك فمنعه ضنة به عن الاغتراب عنه وأو عز إلى صاحب سبتة يومئذ أبى على بن خلاص بمنعه منها فو عر له السبيل وسد عليه المذاهب ولم ينشب يعقوب بن عبد الحق أن قام بسلطان المغرب بعد أخيه أبى يحيى وشأنه وأهمه شأن ابن أخيه ادريس بن عبد الحق لما كان فيهم من الترشيح والمنافسة لبنيه واستأذنه عامر بن ادريس منهم في الجهاد بعد العدوة فاغتنمها منه وعقد له من مطوعة زناتة على ثلاثة آلاف أو يزيدون وأجاز معه رحوا بن عبد الله بن عبد الحق وفصلوا إلى الاندلس سنة احدى وستين فحسنت آثارهم في الجهاد وكرمت مقاماتهم ثم رجع عامر ابن ادريس إلى المغرب وكثر انتقاض القرابة ونافسهم أقيال زناتة في مثلها فاجتمع أبناء الملوك بالمغرب الاوسط مثل عبد الملك يغمراسن بن زيان وعامر بن منديل بن عبد الرحمن وزيان بن محمد بن عبد القوى فتعاقدوا على الاجازة إلى الاندلس إلى الجهاد وأجازوا فيمن خف معهم من قومهم سنة ست وسبعين وستمائه فامتلات الاندلس بأقيال زناتة وأعياص الملك منهم وكان فيمن أجاز من أعياصهم بنو عيسى بن يحيى بن وسناف بن عبو بن أبى بكر بن حمامة ومنهم سليمان وابراهيم وكانت لهما آثار في الجهاد ومقامات محمودة وكان موسى بن رحو لما نازله السلطان وبنى أبيه عبد الله بن عبد الحق(7/366)
بحصن علودان ونزلوا على عهده لحق بتلمسان وكان بنو عبد الله بن عبد الحق وادريس ابن عبد الحق عصبة من بين سائرهم لان عبد الله وادريس كانا شقيقين لسوط النساء بنت عبد الحق فاقتفي أبو يعقوب بن عبد الحق بن عبد الله محمدا ابن عمه ادريس وخرج على السلطان بقصر كتامة سنة ثلاث وستين ثم استرضاه عمه واستنزله وبقى يعقوب بن عبد الله في انتقاضه ينتقل في الجهات إلى أن قتله طلحة بن محلى من أولياء السلطان سنة ثلاث
وستين بجهات سلا فكفى السلطان شأنه ولما كان من عهد السلطان لابنه أبى مالك ما قدمناه نفس عليه هؤلاء القرابة هذا الشأن فانتقضوا ولحق ابن ادريس بحصن علودان ولحق موسى بن رحو بن عبد الله بجبال غمارة ومعه أولاد عمه أبى عياد بن عبد الحق ونازلهم السلطان حتى نزلوا على عهده وأجازهم إلى الاندلس سنة سبعين فأقاموا بها للجهاد سوقا ونافسهم أقيال زناتة في مثلها بتلمسان وأجاز منها إلى الاندلس سنة سبعين فولاه السلطان ابن الاحمر على جميع الغزاة المجاهدين هنالك لما كان كبيرهم ومحل سؤلهم ولم يلبث ان عاد إلى المغرب فولى السلطان مكانه أخاه عبد الحق ثم رجع عنه مغاضبا إلى تلمسان فولى مكانه على الغزاة المجاهدين ابراهيم بن عيسى بن يحيى بن وسناف إلى أن كان ما نذكره ان شاء الله تعالى { الخبر عن موسى بن رحو فاتح هذه الرياسة بالاندلس وخبر أخيه عبد الحق من بعده وابنه حمو بن عبد الحق بعدهما } لما هلك السلطان الشيخ بن الاحمر وولى ابنه السلطان الفقيه ووفد على السلطان يعقوب ابن عبد الحق صريخا للمسلمين فأجاز إليه أول اجازته سنة ثلاث وسبعين وأوقع بجيوش النصرانية وقتل الزعيم دننه واستولى له الغلب على الاندلس وبدا لابن الاحمر في أمره وخشى مغبته وتوقع أن يكون شأنه معه شأن يوسف بن تاشفين والمرابطين مع ابن عياد وكان بالاندلس قرابته بنو شقيلولة قد قاسموه في ممالكها وانفرد وابوادى آش ومالقة وقمارش حسبما ذكرناه في أخباره مع السلطان وانتقض عليه أيضا من رؤساء الاندلس ابن عبد ريل وابن الدليل فكانوا يجلبون على بلاد المسلمين وكانوا قد استنجدوا جموش النصرانية ونازلوا غرناطة وعانوا في الجهات فلما استوت قدم السلطان يعقوب بن عبد الحق بالاندلس وصل هؤلاء الثوار به أيديهم فخشيهم ابن الاحمر جميعا على نفسه وقلب السلطان ليوسف ظهر المجن واستظهر عليه بالاعياص من قرابته وكان هؤلاء القرابة من أولاد رحو بن عبد الله بن عبد الحق وادريس بن عبد الحق وينسبون جميعا إلى
سوط النساء كما ذكرناه ومن أولاد أبى عياد بن عبد الحق لما أوجسوا الخيفة من السلطان واستشعروا النكير منه لحقوا بالاندلس تورية بالجهاد وانتبذوا عن الهول(7/367)
فرارا من محله وقد كان السلطان أبو يوسف حين انتقضوا عليه اشخصهم إلى الاندلس فاجتمع منهم عند ابن الاحمر عصابة من أولاد عبد الحق كما قلناه وأولاد وسناف وأولاد برول وتاشفين بن معطى كبير بنى تيربيعن من بنى محمد وتبعهم أولاد محلى اخوال السلطان أبى يوسف وكان ابن الاحمر كثيرا ما يعقد لهم على الغزاة المجاهدين من زناتة لدار الحرب فعقد أو لا لموسى بن رحو سنة ثلاث وسبعين ولاخيه عبد الحق بعد انصرافه إلى المغرب ثم لابراهيم بن عيسى بعد انصرافهما معا كما قلناه ثم رجعا فقعد لموسى بن رحو ثانية على أشياخه وأثبت له قدما في الرياسة ليحسن به دفاع السلطان أبى يوسف عنهم ثم تداولت الامارة فيهم ما بينهم وبين عمر منهم وربما عقد قبل ذلك أزمان الفترة ليعلى بن أبى عياد بن عبد الحق في بعض الغزوات ولتاشفين بن معطى في أخرى سنة تسع وسبعين ومعه طلحة بن محلى فاعترضوا الطاغية دون حصر المسلمين وربما كان لهم الظهور ثم حدثت الفتنة بينه وبين السلطان أبى تاشفين وعقد ابن الاحمر في بعض حروبه معه ليعلى بن أبى عياد على زناتة جميعا وحاشهم إلى رايته فانفضت جموع أبى يوسف وظهروا عليه وتقبضوا في المعركة على ابنه منديل واستقاقوه أسيرا إلى أن أطلقه السلطان ابن الاحمر في سلم عقده عبد مهلكه مع أبيه يوسف بن يعقوب واستبد موسى بن رحو من بعدها بامارة الغزاة بالاندلس إلى أن هلك فوليها من بعده أخوه عبد الحق إلى أن هلك سنة تسع وسبعين وكان مظفر الراية على عدو المسلمين ولما هلك ولى من بعده ابنه حمو بن عبد الحق فكانت هذه الامارة متصلة في نبى رحو إلى أن انتقلت منهم إلى اخوانهم من بنى أبى العلاء وغيرهم واندرج حمو في جملة عثمان ابن ابى العلاء من بعد حسبما نذكر وأما ابراهيم بن عيسى الوسنا في فانه رجع إلى
المغرب ونزل على يوسف بن يعقوب وقتله بمكانه من حصار تلمسان بعد حين من الدهر وبعد أن كبر وعمى والله مالك الامور لارب غيره وكان مهلك ابن أبى عياد سنة سبع وثمانين ومعطى بن أبى تاشفين سنة تسع وثمانين وطلحة بن محلى سنة ست وثمانين والله أعلم * (الخبر عن عبد الحق بن عثمان شيخ الغزاة بالاندلس) * كان عبد الحق هذا من أعياص الملك المرينى وهو من ولد محمد بن عبد الحق ثانى الامراء على بنى مرين بعد ابيهم عبد الحق وهلك أبوه عثمان بن محمد بالاندلس احدى أيام الجهاد سنة تسع وسبعين وربى عبد الحق هذا في حجر السلطان يوسف بن يعقوب إلى أن كان من أمر خورجه مع الوزير رحو بن يعقوب على السلطان أبى الربيع ما ذكرناه في أخباره ولحق بتلمسان وأجاز منها إلى الاندلس وسلطانه يومئذ أبو الجيوش ابن السلطان(7/368)
الفقيه وشيخ زناتة حمو بن عبد الحق بن رحو وخاطبهم أبو سعيد ملك المغرب في اعتقاله فأجابوه وفر من محبسه ولحق بدار الحرب ولما أنتقض أبو الوليد بن الرئيس أبى سعيد وبايع لنفسه بمالقة وزحف إلى غرناطة فنازلها ووقعت الحرب بظاهرها بين الفريقين وأخذ في بعض حروبهما حمو بن عبد الحق أسير اوسيق إلى السلطان أبى الوليد وكان معه عمه أبو العباس بن رحو فأبى من اسار بن أخيه وخلا عنه فرجع إلى سلطانه فارتاب به لذلك وعقد على الغزاة مكانه لعبد الحق بن عثمان استدعاه من مكانه بدار الحرب ثم غلبهم أبو الوليد على غرناطة وتحول أبو الجيوش على وادى آش على سلم انعقد بينهم وسار معه عبد الحق بن عثمان على شأنه ثم وقعت بينه وبين أبى الجيوش مغاضبة لحق لاجلها بالطاغية وأجاز إلى سبتة فاستظهر به أبو يحيى بن أبى طالب العزفى أيام حصار السلطان أبى سعيد اياه فكان له في حماية ثغره والدفاع عنه آثار مذكورة ثم عقد السلطان أبو سعيد السلم ليحيى العز في وأفرج عنه فارتحل عبد الحق بن عثمان إلى
افريقية ونزل ببجاية سنة تسع عشرة على أبى عبد الرحمن بن عمر صاحب السلطان أبى يحيى المستبد بالثغور الغربية فأكرم نزله وأوسع قراره وضرب له الفساطيط بالزينة من ساحة البلد استبلاغا في تكريمه وحمله وأصحابه على مائة وخمسين من الخيل ثم أقدمهم على السلطان بتونس فبر مقدمهم وخلط عبد الحق بنفسه وآثره بالخلة والصحابة وأجله بمكان الاستظهار به وبعصابته ولما عقد السلطان لمحمد بن سيد الناس على حجابته سنة سبع وعشرين واستقدمه لذلك من ثغر بجاية كما ذكرناه عظمت رياسته واستغلظ حجابه وحجب عبد الحق ذات يوم عن بابه فسخطها وذهب مغاضبا وداخل أبا فارس في خروج على أخيه فأجابه وخرج به من تونس فكان من خبرهم ومقتل أبى فارس وخلوص عبد الحق إلى تلمسان ونزوله على أبى تاشفين وغزوه إلى افريقية مع عساكر بنى عبد الواد سنة سبع وعشرين ما ذكرناه في أخبار الدولة الحفصية ثم لما رجع بنو عبد الواد إلى تلمسان صمد مولانا السلطان أبو يحيى إلى تونس في أخريات سنته وفر ابن أبى عمران السلطان المنصوب بتونس من بنى أبى حفص إلى أحياء العرب وتقبض على ابى رزيق ابن أخى عبد الحق بن عثمان في جملة من أصحابه فقتله قعصا بالرماح ورجع عبد الحق بن عثمان إلى مكانه من تلمسان فأقام بمثواه عند أبى تاشفين متبوئا من الكرامة والاعتزاز إلى أن هلك بمهلك أبى تاشفين يوم اقتحم السلطان أبو الحسن تلمسان عليهم سنة سبع وثلاثين وقتلوا جميعا عند قصر الملك أبو تاشفين وابناء عثمان ومسعود وحاجبه موسى بن على ونزيله عبد الحق هذا وأبو ثابت ابن أخيه فقطعت رؤسهم وتركت اسلاؤهم بساحة القصر عبرة للمعتبرين حسبما ذكرناه في أخبار(7/369)
أبى تاشفين والله أعلم * (الخبر عن عثمان بن أبى العلاء من أمراء الغزاة المجاهدين بالاندلس) * كان أولاد سوط النساء من ولد عبد الحق أهل عصابة واعتزاز على قومهم وهم أولاد
ادريس وعبد الله ابنيها الشقيقين كما ذكرناه وكان مهلك ادريس الاكبر يوم مهلك أبيه بتافريطت ومهلك عبد الله قبله وخلف عبد الله ثلاثة من الولد شعب فيهم نسله وهم يعقوب ورحووا ادريس واستعمل أبو يحيى بن عبد الحق يعقوب منهم على سلاعند افتتاحه اياها سنة تسع وأربعين ثم انتزى بها بعد ذلك على عمه يعقوب سنة ثمان وخمسين وكان من شأن ثورة النصارى به ما ذكرناه واستخلصها يعقوب بن عبد الحق ولحق يعقوب بن عبد الله بعلودان من بلاد غمارة وامتنع بها وخرج على أثره ابنا عمه ادريس وهما عامر ومحمد وانتزوا بالقصر الكبير ولحق بهم كافة أولاد سوط النساء وطالبهم السلطان فلحقوا بجبال غمارة ونازلهم ثم استنزلهم بعد ذلك على الامان وعقد لعامر على الغزو إلى الاندلس سنة ستين كما ذكرناه وأجاز معه رحو بن عبد الله ورجع محمد بن عامر ومر إلى تلمسان سنة ثمانين وأجاز منها إلى الاندلس ثم خرجوا على السلطان يعقوب بن عبد الحق سنة تسع وثمانين ومعهم ولد أبى عياد بن عبد الحق واعتصموا بعلودان واستنزلهم السلطان على اللحاق بتلمسان فلحقوا بها وأجاز أولاد سوط النساء وأولاد أبى عياد كافة إلى الاندلس واستقروا بها يومئذ ورجع عامر منهم ومحمد وكان من خبره ما نذكر وهلك يعقوب بن عبد الله سنة ثمان وستين في اغترابه بقفوله من رباط الفتح قتله طلحة بن محلى واستقر بنوه من أولاد سوط النساء بالمغرب وكان ابنه أبو ثابت أميرا على بلاد السوس أيام السلطان يوسف بن يعقوب وأوقع بالركبة سنة تسع وتسعين ولم يزل بنوه بالمغرب من يومئذ وكان من اخوته أبى العلاء ورحو بن عبد الله بن عبد الحق تشعب نسله فيهما وأجاز رحو إلى الاندلس مع عامر ومحمد ابن عمه ادريس ثم أجاز موسى ابنه سنة تسع وتسعين مع أولاد أبى عياد وأولاد سوط النساء ثم رجع إلى محله من الدولة وفر ثانيا سنة خمس وسبعين إلى تلمسان وأجاز منها إلى الاندلس واستقربها وأجاز أولاد أبى العلاء سنة خمس وثمانين مع أولاد أبى يحيى بن عبد الحق وأولاد عثمان بن عبد الحق واستقروا بالاندلس وكانوا يرجعون في رياستهم لكبيرهم عبد الله بن أبى العلاء
وعقد له ابن الاحمر على الغزاة من زناتة فيمن كان يعقد لهم من زناتة قبل استقرار المنصب إلى أن هلك شهيدا في احدى غزوات سنة ثلاث وتسعين وعقد المخلوع ابن الاحمر لاخيه عثمان بن أبى العلاء على حامية مالقة وغربيها من الغزاة لنظر ابن عمه الرئيس أبى سعيد فرج بن اسمعيل بن يوسف بن نصر ولما غدر الرئيس أبو سعيد بسبتة سنة خمس وتمت له(7/370)
في مثلها الحلية واضطرمت نار العداوة بينه وبين صاحب المغرب نصبوا عثمان هذا للامر وأجازوه إلى غمارة فثار بها ودعا لنفسه وتغلب على أصيلا والعرائش وكان ما ذكرنا إلى أن غلبه أبو الربيع سنة ثمانين ورجع إلى مكانه بالاندلس ولما اعتزم أبو الوليد ابن الرئيس أبى سعيد على الخروج على أبى الجيوش صاحب غرناطة داخل في ذلك شيخ الغزاة بمالقة عثمان بن ابى العلاء فساعده عليه واعتقل أباه الرئيس أبا سعيد وزحف إلى غرناطة سنة أربع عشرة فلما استولى عليها عقد لعثمان هذا على امارة الغزاة المجاهدين من زناتة وصرف عنها عثمان بن عبد الحق بن عثمان فلحق بوادي اش مع أبى الجيوش وصارحمو بن عبد الحق بن رحو في جملته بعد ان كان شيخا على الغزاة كما قلناه واستمرت أيام ولاية عثمان هذا وبعد فيها صيته وغص صاحب المغرب أبو سعيد بمكانه ولما استصرخه المسلمون للجهاد سنة ثمان عشرة اعتذر بمكان عثمان هذا واشترط عليهم القبض عليه حتى يرجع عنهم فلم يمكن ذلك ونازل الطاغية غرناطة وحاصرها وكان لعثمان وبنيه في ذلك آثار مذكوة وأتاح الله للمسلمين في النصرانية على يد عثمان هذا وبنيه ما لم يخطر على قلب أحد منهم فتأكد اغتياط الدولة والمسلمين بمكانهم إلى أن هلك أبو الوليد سنة خمس وعشرين وسبعمائة باغتيال بعض الرؤساء من قرابته بمداخلة عثمان هذا زعموا في غدره ونصب للامر ابنه محمد صبيا لم يبلغ الحلم وأقام بأمره وزيره محمد بن المحروق من صنائع دولتهم فاستبد
عليه وألقى زمام الدولة بيد عثمان في النقض والابرام فاعتز عليهم وقاسمهم في الامر واستأثر في أعطيات الغزاة بكثير من أموال الجباية حتى خشى الوزير على الدولة وأدار الرأى في كبره على التغلب وفسد ما بينه وبين الوزير ابن المحروق فانتقض عليه وخرج مغاضبا فاضطربت فساطيطه بمرج غرناطة واعصو صب جماعة الغزاة من قبائل زناتة عليه واعتصم الوزير وأهل الدولة بالحمراء وسعى الناس بينهما أياما وأدار الوزير الرأى في أن ينصب له كفؤا من قرابته يجاذبه الحبل ويشغله بشأنه عن الدولة فجأجأ بيحيى بن عمر بن رحوو كان في جملة عثمان وأصهر إليه في ابنته وعقد له على الغزاة وتسايلوا إليه وبرز عثمان بمعسكره في عشيره وولده وأخذ معه السلم في أن يجيز إلى المغرب وأوفد بطانته على السلطان أبى سعيد سنة عثمان وعشرين وارتحل من ساحة غرناطة في ألف فارس من ذويه وأقاربه وحشمه وقصد تدرش ليجعلها فرضة لمجازه حتى إذا حاذى تدرش وكان بينه وبين رؤسائها مداخلة خرجوا إليه مؤدين حق مبرته فغد ربهم وأركب إليها فملكها وضبطها وأنزل بها حرمه واثقاله ودعا محمد بن الرئيس من شلوبانية كان منزلا بها فجاء(7/371)
إليه ونصبه للامروشن الغارات على غرناطة صباحا ومساء واضطرمت نار الفتنة واستركب يحيى بن رحو من قدر عليه من زناتة وطالب الحرب سنين حتى إذا فتك السلطان محمد بن الاحمر بوزيره ابن المحروق استدعى عثمان بن أبى العبرء وعقد له السلم على أن يجيز عمه إلى المغرب ويلحق بغرناطة لشأنه من رياسة الغزاة فتم ذلك سنة تسع وعشرين ورجع إلى مكانه من الدولة وهلك اثر ذلك لسبع وثلاثين سنة من امارته على الغزاة والبقاء الله وحده * (الخبر عن رياسة ابنه أبى ثابت من بعده ومصير أمرهم) * لما هلك شيخ الغزاة ويعسوب زناتة عثمان بن أبى العلاء قام بأمره وقومه ابنه أبو ثابت
عامر وعقد السلطان أبو عبد الله بن أبى الوليد له على الغزاة المجاهدين كما كان أبوه فعظم شأنه قوة وشكيمة وكثرة عصابة ونفوذ رأى وبسالة وكان لقومه اعتزاز على الدولة بما عجبوا من عودها وكانوا أولى بأس وقوة فيها واستبداد عليها وكان السلطان محمد بن أبى الوليد مستنكفا عن الاستبداد عليه في القل والكثر فكان كثيرا ما يخرقهم بتسفيه آرائهم والتضييق عليهم في جاههم ولما وفد على السلطان أبى الحسن سنة ثنتين وثلاثين صريخا على الطاغية واستعدى ابنه الامير أبا مالك لمنازلة جبل الفتح اتهموه بمداخلة السلطان أبى الحسن في شأنهم فتنكر وأجمعوا الفتك به وداخلوا في ذلك بعض صنائعه ممن كان متربصا بالدولة ولما افتتح الجبل وكان من شأنه ما قدمنا ذكره وزحف الطاغية فأناخ عليه وقصد ابن الاحمر الطاغية في بنيه راغبا أن يرجع إلى الحصن فرجع وافترقت عساكر المسلمين ارتحل السلطان ابن الاحمر إلى غرناطة سنة ثلاث وثلاثين وقد قعدوا له بمرصد من طريقه ونمى الخبر إليه فدعا بأسطوله لركوب البحر إلى مالقة واستبق إليهم الخبر بذلك فتبادروا إليه ولقوه بطريقه من ساحل اصطبونة فلاحوه وعاتبوه في شأن صنيعته عاصم من معلوجيه وحاجهم عنه فاعتوروا عاصما بالرماح فنكر ذلك عليهم فألحقوه به وخر صريعا عن مركوبه وبعثوا إلى أخيه يوسف فأعطوه بيعتهم وصفقة أيمانهم ورجعوا به إلى غرناطة وهو حذر منهم لفعلتهم التى فعلوا واستمرت الحال على ذلك ولما استكمل السلطان أبو الحسن فتح تلمسان وصرف عزائمه إلى الجهاد داخل ابن الاحمر في ازاحتهم عن الاندلس مكان جهاده فصادف منه اسعافا وقبولا تقبض على أبى ثابت واخوته ادريس ومنصور وسلطان وفز أخوهم سليمان فلحق بالطاغية وكان له يوم أثر في الايقاع بالمسلمين ولما تقبض ابن الاحمر على أبى ثابت واخوته أودعهم جميعا المطبق أياما ثم غربهم إلى افريقية فنزلوا بتونس على مولانا السلطان أبى يحيى وأوعز إليه السلطان أبو الحسن بالتوثق منهم(7/372)
ان يتصلوا بنوا حى المغرب ويخالفوه إليها أيام شغله بالجهاد في الاندلس فاعتقلهم واوفد أبا محمد بن تافراكين إلى سدة السلطان أبى الحسن إليه شفيعا فيهم فتقبل شفاعته وأحسن نرلهم وكرامتهم حتى إذا احتل بسبتة أيام حصار الجزيزة في سنة ثلاث وأربعين سعى بهم عنده فتقبض عليهم واعتقلهم بمكناسة ولما انتزى ابنه الامير أبو عنان على الامرو هزم منصورا ابن أخيه أبى مالك صاحب فاس ونازله بالبلد الجديد بعث فيهم إلى مكناسة فأطلقهم من الاعتقال وأفاض فيهم الاحسان واستظهر على شأنه وأحل أبا ثابت محل الشورى من مجلسه وداخل ادريس أخاه في المكر بالبلد الجديد فنزع إليها ومكر بهم وثار عليهم إلى أن نزلوا على حكم السلطان أبى عنان فعقد لابي ثابت على سبتة وبلاد الريف ليشارف منها الاندلس محل امارته وأطلق يده في المال والجيش وفصل لذلك فهلك بالطاعون يومئذ سنة تسع وأربعين بمعسكره ازاء معسكر السلطان من حصار البلد الجديد واستقر اخوانه في ايالة السلطان أبى عثمان بالمغرب الاقصى إلى أن كان من مفر أخيه ادريس وولايته على الغزاة بالاندلس ما نذكره ان شاء الله تعالى { الخبر عن يحيى بن عمر بن رحو وامارته على الغزاة بالاندلس أولا وثانيا ومبدا ذلك وتصاريفه } كان رحو بن عبد الله كبير ولد عبد الله بن عبد الحق وكان له بنون كثيرون وتشعب نسله منهم موسى وعبد الحق والعباس وعمرو محمد وعلى ويوسف أجازوا كلهم إلى الاندلس مع أولاد سوط النساء من تلمسان كما قدمناه وأقام عمر بعدهم بتلمسان مدة واتخذ بها الاهل والولد ثم لحقهم وولى موسى امارة الغزاة بعد ابراهيم بن عيسى الوسنا في وبعده أخوه عبد الحق على الغزاة أقام بها مدة وأجاز إلى سبتة مع الرئيس أبى سعيد وعثمان بن أبى العلاء سنة خمس وولى بعدها على الغزاة المجاهدين ثم رجع إلى الاندلس ولم يلبث بها أن اجاز إلى المغرب ونزل على السلطان أبى سعيد فأكرم نزله ثم رجع
إلى الاندلس ولما ولى امارة الغزاة عثمان بن أبى العلاء وكان بينهم من المنافسة ما يكون بين فحول الشول أشخص بنى رحو جميعا إلى افريقية فنزلوا على مولانا السلطان أبى يحيى خير نزل اصطفاهم واستخلصهم واستظهر جمعهم في حروبه وهلك عمر بن رحو ببلاد الجريد وقبره ببشرى من نفزاوة معروف ونزع ابنه يحيى من بين اخوته عن مولانا السلطان أبى يحيى وصار في جملة ابن أبى عمران ثم لحق بزواوة وأقام في بنى يتراتن سنين ثم أجاز إلى الاندلس واستقر بمكانه من قومه واصطفاه عثمان بن أبى العلاء وأصهر إليه بابنته وخلطه بنفسه ولما فسد ما بينه وبين ابن المحروق وزير السلطان بغرناطة سنة(7/373)
سبع وعشرين واعصو صب عليه الغزاة بمعسكره من مرج غرناطة دس إليه يومئذ ابن المحروق إلى يحيى هذا ودعاه إلى مكان عمله ليضبطه بذلك فأجاب ونزع عن عثمان وقومه إلى ابن المحروق وسلطانه وعقد له على الغزاة فتسايلوا إليه عن عثمان وانصرف إلى المدية وكان من شأنه ما قصصناه في أخباره وأقام يحيى بن عمر في رياسته إلى أن هلك ابن المحروق بفتكة سلطانه واستدعى عثمان بن أبى العلاء للرياسة فرجع إليها وصرف يحيى بن عمر إلى وادى آش وعقد له على الغزاة بها فأقام حينا ثم رجع إلى مكانه بين قومه واصطفاه عثمان بن أبى العلاء وابنه أبا ثابت لما كانت أمه بنت موسى بن رحو فكان يتعصب لخؤلته فيه ثم هلك عثمان وكان ما قدمناه من شأن ولده وفتكهم بالسلطان المخلوع وتقبض أخوهم أبو الحجاج عليهم وأشخصهم إلى افريقية وقوض مباني رياستهم وعقد على الغزاة مكانهم ليحيى بن عمر هذا فاضطلع بها أحسن اضطلاع واستمرت حاله وحضر مشاهد أبى الحجاج مع السلطان أبى الحسن فظهرت كفايته وغناؤه ولما هلك أبو الحجاج سنة خمس وخسمين طعينا بمصلى العيد في آخر سجدة من صلاته بيد عبد من عبيد اصطبله مصاب في عقله أغرى زعموا به وقتل لحينه هبرا بالسيوف وبويع لابنه محمدأ خذله البيعة على الناس يومئذ مولاه رضوان من معلوجاتهم
حاجب أبيه وعمه وقام بأمره واستبد عليه وحجره فقاسم يحيى بن عمر هذا في شأنه وشاركه في أمره وشد أزر سلطانه حتى إذا ثار بالحمراء الرئيس ابن عمهم محمد بن اسمعيل بن الرئيس أبى سعيد قائما بدعوة اسمعيل بن أبى الحجاج أخى السلطان محمد كان ساكنا بالحمراء وتحينوا لذلك مغيب السلطان في متنزهه بروضة خارج الحمراء فحالفوه إليها وكبسوها ليلا فقتلوا الحاجب المستبد رضوان وأجلس السلطان على سرير ملكه ونادوا بالناس إلى بيعته ولما أصبح غدا عليهم يحيى بن عمر بعد أن يئسوا منه وخشوا عاديته فأتاهم ببيعته وأعطى عليها صفقته وانصرف إلى منزله وبعد استيلائهم استخلصوا ادريس بن عثمان بن أبى العلاء كان وصل إليهم من دار الحرب برشلونة كما نذكرو ولوه امارة الغزاة وائتمروا في التقبض على يحيى بن عمر ونذر بذلك فركب في حاشيته يوم دار الحرب من أرض الجلالقة واتبعه ادريس فيمن إليه من قومه نقاتلهم صدر نهاره وفض جموعهم ثم خلص إلى تخوم النصرانية ولحق منها بسدة ملك المغرب اثر سلطانه المخلوع محمد بن أبى الحجاج وخلف ابنه أبا سعيد عثمان بدار الحرب ونزل يومئذ على السلطان أبى سالم سنة احدى وستين فأكرم مثواه وأحله من مجلسه محل الشورى والمؤامرة واستقر في جملته إلى أن بعث ملك قشتالة في السلطان المخلوع باشارة ابنه أبى سعيد وسعايته في ذلك ليجلب به على أهل الاندلس بما نقضوا من عهده(7/374)
وجهزه السلطان أبو سالم سنة ثلاث وستين فصحبه يحيى بن عمر هذا ولقيهم ابنه أبو سعيد عثمان وقاموا بأمر سلطانهم واستولى على الاندلس وكان لهم آثار في ذلك ولما استولى على غرناطة سنة ثلاث وستين عقد ليحيى بن عمر على امارة الغزاة كما كان وأعلى يده واستخلص عثمان لشوراه وخلطه ببطانته ونافسه الوزير يومئذ محمد بن خطيب فسعى فيهم وأغرى السلطان بهم فتقبض عليهم سنة أربع وستين وأودعهم المطبق ثم أشخص يحيى سنة ست وستين إلى المشرق وركب السفن من لمدية فنزل بالاسكندرية ورجع منها
إلى المغرب ونزل على عمر بن عبد الله أيام أستبداده واستقر في كرامة وخير مقامه ولم يزل بالمغرب على أعز الاحوال إلى أن هلك سنة ثنتين وثمانين ثم استخلص ابنه أبا سعيد عثمان من الاعتقال سنة تسع وستين إلى افريقية ونزل ببجاية على مولانا السلطان أبى العباس حافد مولانا السلطان أبى يحيى واستقر في جملته وحضر معه فتح تونس وأبلى فيه وأقطع له السلطان وأسنى لهل الجراية وخلطه بنفسه واصطفاه لشوراه وخلته وهو لهذا العهد من عظماء مجلسه وظهرائه في مقامات حروبه واخوته بالاندلس على مراكز عزهم وفى ظلال عصبيتهم مع قومهم وقد ذهب مواجد السلطان بالاندلس عليهم وصار إلى حبل رأيه منهم والله مالك الملك ومقلب القلوب لارب غيره * (الخبر عن ادريس بن عثمان بن أبى العلاء وامارته بالاندلس ومصاير أمره) * لما هلك أبو ثابت بن عثمان بن إبى العلاء سنة خمسين وسبعمائة واستقر اخوته في جملة السلطان أبى عنان ملك المغرب وأقطعهم وأسنى جراياتهم وكان في ادريس منهم بقية الترشيح براه الناس به فلما نهض السلطان إلى فتح قسنطينة سنة ثمان وخمسين توغل في ديار افريقية وخام قومه عن مواقفها تحيلوا عليه في الرجوع به عن قصده منها وأذنت المشيخة لمن معهم من قومهم في الانطلاق إلى المغرب حتى خف المعسكر من أهله وتآمروا زعموا في اغتيال السلطان والادالة منه بادريس هذا ونذر بذلك فكر راجعا كما ذكرناه في أخباره ولما أشيع ذلك ركب ادريس ظهر الغدر وفرمن العسكر ليلا ولحق بتونس ونزل على القائم بالدولة يومئذ الحاجب أبى محمد بن تافراكين خير نزل وأبره وركب السفين من تونس إلى العدوة فنزل على ابن القمص صاحب برشلونة في حشمه وذويه وأقام هنالك إلى ان كان من مهلك رضوان الحاجب المستبد بالاندلس سن ستين ما قدمناه فنزع إلى منبته من غرناطة ونزل على اسمعيل ابن السلطان أبى الحجاج والقائم بدولته يومئذ الرئيس محمد ابن عمه اسمعيل بن محمد الرئيس أبى سعيد فنقوه مبرة وتكر يماورجوه بالادالة به من يحيى بن عمر أمير الغزاة يومئذ لما كانوا يتهمونه به من
ممالاة المخلوع صاحب الامر عليهم ولما نزع يحيى بن عمر إلى الطاغية ولحق بدار الحرب(7/375)
سنة احدى وستين عقد والادريس بن عثمان هذا على الغزاة مكانه وولوه خطة أبيه وأخيه بدولتهم فاضطلع بها مالا الرئيس محمدا على قتل سلطانه اسمعيل بن الحجاج واستبد بالامر ولسنتين من ولايته غلبه المخلوع أبو عبد الله على الامرو زحف إليه من رندة كان نزل بها بعد خروجه من دار الحرب مغاضبا للطاغية وأذن له وزير المغرب عمر بن عبد الله في نزولها فنزلها ثم زحف إلى الثائر بغرناطة على ملكهم الرئيس وحاشيته فأجفلو ولحق الرئيس محمد بن ادريس هذا بقشتالة ونزلوا في جملتهم وحاشيتهم على الطاغية فتقبض عليهم وقتل الرئيس محمد وحاشيته جزاء بما أتوه من غدر رضوان ثم غدر السلطان اسمعيل من بعده وأودع ادريس ومن معه من الغزاة السجن باشبيلية فلم يزل في أسره إلى أن تحيل في الفرار بمداخلة مسلم من الاسرى أعد له فرسا ازاء معتقله ففك قيده ونقب البيت وامتطى فرسه ولحق بأرض المسلمين سنة ست وستين واتبعوه فأعجزهم وجاء إلى السلطان أبى عبد الله محمد المخلوع فأكرم نزله وأحسن مبرته ثم استأذنه في اللحاق بالمغرب فأذن له وأجاز إلى سبتة وبلغ شأنه إلى صاحب الامر بالمغرب يومئذ عمر بن عبد الله فأوعز إلى صاحب سبتة بالتقبض عليه لمكان ترشيحه وأودعه السجن بمكناسة ثم نقله السلطان عبد العزيز إلى سجن الغدر بفاس ثم قتلوه خنقا سنة سبعين والله وارث الارض ومن عليها * (الخبر عن امارة على بن بدر الدين على الغزاة بالاندلس ومصاير أمره) * قد ذكرناه ان موسى بن رحو بن عبد الله بن عبد الحق كان أجاز إلى الاندلس مع محمد وعامر ابني ادريس بن عبد الحق وقومهم أولاد سوط النساء سنة تسع وستين ثم رجع إلى المغرب وفر إلى تلمسان وأجاز منها إلى الاندلس وولى امارة الغزاة بها إلى أن هلك بعد أن أصهر إليه السلطان يوسف بن يعقوب في ابنته فعقد له عليها وزفها إليه
سنة تسع وسبعين مع وفد من قومها وكان لموسى بن رحو من الولد جماعة أكبرهم المحمدان جمال الدين وبدر الدين وضع عليهما هذين اللقبين على طريقه أهل المشرق الشريف المكى الوافد على المغرب لذلك العهد من شرفاء مكة وكان هؤلاء الاعياص من ملوكهم واقيالهم يعظمون أهل البيت النبوى ويلتمسون الدعاء والبركة منهم فيما تيسر من أحوالهم فحمل موسى بن رحو ولديه هذين عند وضعهما إلى الشريف يحنكهما ويدعو لهما فقال له الشريف خذاليك جمال الدين وقال في آخر خذ اليك بدر الدين فاستحب موسى دعاءهما بهذين اللقبين تبركا بتسمية الشريف بهما فاشتهرا بهذين الاسمين ولما بلغا الاشد وشاركا أبا هما في حمل الرياسة وكان من مهلكه ما ذكرناه وانحرفت رياسة الغزاة عنهما إلى عمهما عبد الحق وابنه فلحق جمال(7/376)
الدين منهما بالطاغية سنة ثلاث ثم أجاز البحر من قرطاجنة إلى السلطان يوسف ابن يعقوب من معسكره من حصار تلمسان واستقر في جملته حتى إذا هلك السلطان تصدى ابنه أبو سالم للقيام بأمره وكان مغلبا مضعفا فلم يتم أمره وتناول الملك أبو ثابت حافد السلطان واستولى عليه وفر أبو سالم عشى مهلكه ومعه من القرابة جمال الدين هذا وأعمامه العباس وعيسى وعلى بنو رحو بن عبد الله فتقبض عليهم في طريقهم بمديونة وسيقوا إلى السلطان أبى ثابت فقتل عمه أبا سالم وجمال الدين ابن موسى بن رحو وامتن على الباقين واستحياهم وانصرف السلطان بعدها إلى الاندلس فكانت له في الجهاد آثار كما ذكرناه قبل وأما بدر الدين فلم يزل بالاندلس مع قومه ومحله من الرياسة والتجله محله من النسب إلى أن هلك فقام بأمره من بعده ابنه على بن بدر الدين مزاحما لقومه في الرياسة مباهيا في الترشيح وكان كثيرا ما يعقد له ملوك بنى الاحمر على الغزاة من زناتة المرابطين بالثغور فيما بعد عن الحضرة من قواعد الاندلس مثل مالقة والمرية ووادى آش سبيل المرشحين من أهل بيته وكانت امارة
الغزاة بالاندلس مستأثرة بأمر السيف مقاسمة للسلطان أكثر الجباية في الاعطية والارزاق لما كانت الحاجة إليهم في مدافعة العدو ومقارعة ملك المغرب إلى ملك الاندلس يغضون لهم عن استطالتهم عليهم لمكان حاجتهم إلى دفاع العدوين حتى إذا سكن ريح الطاغية بما كان من شغله بفتنة أهل دينه منذ منتصف هذه المائة وشغل بنو مرين أيضا بعد مهلك السلطان أبى الحسن وتناسوا عهد الغلب على أقتالهم وجيرانهم وتناسوا عهد ذلك أجمع فاعتزم صاحب الاندلس على محو هذه الخطة من دولته وأغراه بذلك وزيره ابن الخطيب كما ذكرناه حرصا على خلاء الجوله فتقبض على يحيى ابن عمر وبنيه سنة أربع وستين كما ذكرناه وعقد على الغزاة المجاهدين لابنه ولى عهده الامير يوسف ومحا رسم الخطة لبنى مرين بالجملة إلى أن توهم فناء الحامية منهم بفناء بيوت العصبية الكبرى فراجع رأيه في ذلك وكان على بن بدر الدين خالصة له وكان مقدما على الغزاة بوادي آش ولما لحق السلطان به ناجيا من النكبة ليلة مهلك رضوان مانع دونه وظاهره على أمره حتى إذا ارتحل إلى المغرب ارتحل معه ونزلوا جميعا على السلطان أبى سالم سنة احدى وستين كما ذكرناه ولما رجع إلى الاندلس رجع في جملته فكان له بذلك عهد وذمة رعاهما السلطان له وكان يستخلصه ويناجيه فلما تفقد مكان الامير على الغزاة ونظر من يوليه عثر اختياره على هذا لسابقته ووسائله وما تولاه من نصحه ووقوفه عند حده فعقد له سنة سبع وستين على الغزاة كما كان أولوه فقام بها واضطلع بأمورها واستمرت حاله إلى أن هلك حتف أنفة سنة ثمان وستين ويبقى وجه(7/377)
ربك ذو الجلال والاكرام { الخبر عن امارة عبد الرحمن بن على أبى يفلوسن ابن السلطان أبى على على الغزاة بالاندلس ومصاير أمره } كان أولاد السلطان أبى على قد أجازوا إلى ان طلب الامر وكان من أمرهم ما شرحناه
إلى أن أجاز عبد الرحمن هذا مع وزيره المصادر به مسعود بن رحو بن ماسى سنة ست وستين من عساسة على سلم عقده لهم وزير المغرب المستبد بأمره يومئذ عمر بن عبد الله ونزل عبد الرحمن هذا بالمنكب وكان السلطان يومئذ معسكرا بها فتلقاه من البر بما يناسبه وأكرم مثواه وأسنى الجراية له ولوزيره ولحاشيته واستقروا في جملة الغزاة المجاهدين حتى إذا هلك على بن بدر الدين سنة ثمان وستين نظر السلطان فيمن يوليه أمرهم فعثر اختياره على عبد الرحمن هذا لما عرف بن من البسالة والاقدام ولقرب الرشائح بينه وبين ملك المغرب يومئذ التى هي ملاك الترشيح لهذه الخطة بالاندلس كما قدمناه لما كانت رشائح ولد عبد الله بن عبد الحق قد بعدت باتصال الملك في عمود نسب صاحب المغرب دون نسبهم فآثره صاحب الاندلس بها وعقد له على الغزاة المجاهدين سنة ثمان وستين وأضفى عليه لبوس الكرامة والتجلة وأقعده بمجلس الموازرة كما كان الامراء قبله واتصل الخبر بسلطان المغرب يومئذ عبد العزيز ابن السلطان أبى الحسن فغص بمكانه وتوهم أن هذه الامارة زيادة في ترشيحه ووسيلة لملكه وكانت لوزير الاندلس محمد بن الخطيب مداخلة مع صاحب المغرب بما أمل أن يجعله فئة لاعتصامه فأوعز إليه بالتحيل على افساد ما بينه وبين صاحب الاندلس فجهد في ذلك جهده ونسب عليه وعلى وزيره مسعود بن ماسى إلى عظماء القبيل وبعض البطانة من أهل الدولة التحسب والدعوة إلى الخروج على صاحب المغرب فأحضرهم السلطان ابن الاحمر وأعطاهم كتابهم فشهد عليهم وأمر بهم فاعتقلوا في المطبق سنة سبعين واسترضى صاحب المغرب بفعلته فيهم ونزع الوزير ابن الخطيب بعد ذلك إلى السلطان عبد العزيز وتبين للسلطان مكره واحتياله عليه في شانهم ولما هلك عبد العزيز وأظلم الجو بين صاحب الاندلس وبين القائم بالدولة أبى بكر بن غازى وامتعض ابن الاحمر للمسلمين من الفوضى اطلق عبد الرحمن بن أبى يفلوسن ووزيره مسعود بن ماسى من الاعتقال وجهز لهما الاسطول فأجازوا فيه إلى المغرب ونزلوا بمرسى عساسة على بطوية
داعيا لنفسه فقاموا بأمره وكان من شأنه مع الوزير أبى بكر بن بن غازى ما قصصناه واستقر آخرا بمراكش وتقاسم ممالك المغرب وأعماله مع السلطان أبى العباس احمد بن أبى سالم صاحب المغرب لهذا العهد وصار التخم بينهما وادى ملوية وقف كل واحد(7/378)
منهما عند حده وأغفل صاحب الاندلس هذه الخطة من دولته ومحارسمها من ملكه وصار أمر الغزاة المجاهدين إليه وباشر أحوالهم بنفسه وعمهم بنظره وخص القرابة المرشحين منهم بمزيد تكرمته وعنايته والامر على ذلك لهذا العهد وهو سنة ثلاث وثمانين والله مالك الملك يؤتى الملك من يشاء وينزع الملك ممن يشاء لارب غيره ولا معبود سواه أبو ثابت أبو ابراهيم عبد الله أبو ثابت بن يعقوب عامر بن ادريس محمد ادريس محمد سلطان على ادريس بن عثمان بن أبى العلاء ادريس بن عبد الله بن عبد الحق عثمان بن يحيى بن عمر بن رحو يعقوب بن جمال الدين محمد بن موسى على بن بدر الدين بن محمد
حمو بن عبد الحق * (التعريف بابن خلدون مؤلف هذا الكتاب) * أصل هذا البيت من اشبيلية انتقل عند الجلاء وغلب ملك الجلالقة ابن أدفونش عليها إلى تونس في اواسط المائة السابعة * (نسبه) * عبد الرحمن بن محمد بن محمد بن محمد بن الحسن بن محمد بن جابر بن محمد ابن ابراهيم بن عبد الرحمن بن خلدون هذا لا أذكر من نسبي إلى خلدون غيره هذه العشرة ويغلب على الظن أنهم أكثر وانه سقط مثلهم عدد الان خلدون هذا هو الداخل إلى الاندلس فان كان أول الفتح فالمدة لهذا العهد سبعمائة سنة فيكونون زهاء العشرين ثلاثة لكل مائة كما تقدم في أول الكتاب الاول(7/379)
ونسبنا في حضرموت من عرب اليمن إلى وائل بن حجر من اقيال العرب معروف وله صحبة قال أبو محمد بن حزم في كتاب الجمهرة هو وائل بن حجر بن سعد بن مسروق بن وائل ابن النعمان بن ربيعة بن الحرث بن عوف بن عدى بن مالك بن شرحبيل بن الحرث ابن مالك بن مرة بن حمير بن زيد بن الحضرمي بن عمر بن عبد الله بن عوف بن جردم بن جرسم ابن عبد شمس بن زيد بن لؤى بن شبت بن قدامة بن أعجب بن مالك بن لؤى بن قحطان وابنه علقمة بن وائل وعبد الجبار بن علقمة بن وائل وذكره أبو عمر بن عبد البر في حرف الواو من الاستيعاب وأنه وفد على النبي صلى الله عليه وسلم فبسط له رداءه وأجلسه عليه وقال اللهم بارك في وائل بن حجر وولده وولد ولده إلى يوم القيامة وبعث معاوية بن أبى سفيان إلى قومه يعلمهم الاسلام والقرآن فكان له بذلك صحابة مع معاوية ووفد عليه لاول خلافته فأجازه فرد عليه جائزته ولم يقبلها ولما كانت وقعة حجر بن عدى بالكوفة اجتمع رؤس أهل اليمن فيهم وائل هذا فكانوا مع زياد بن أبى سفيان عليه حتى أوثقوه وجاؤا به إلى معاوية فقتله كما هو معروف وقال ابن حزم ويذكر بنو خلدون الاشبيليون من ولده جدهم الداخل من المشرق خالد المعروف بخلدون بن عثمان بن هانئ بن
الخطاب بن كريت بن معد يكرب بن الحرث بن وائل بن حجر قال ابن حزم وأخوه محمد كان من عقبه أبو العاصى عمرو بن محمد بن خالد بن محمد بن خلدون وترك أبو العاصى محمدا وأحمد وعبد الله قال وأخوهم عثمان له عقب ومنهم الحكيم المشهور بالاندلس تلميذ مسلمة المجريطى وهو أبو مسلم عمر بن محمد بن تقى بن عبد الله بن أبى بكر بن خالد بن عثمان بن خلدون الداخل وابن عمه أحمد بن محمد بن عبد الله قال ولم يبق من ولد كريت الرئيس المذكور الا أبو الفضل بن محمد بن خلف بن أحمد بن عبد الله بن كريت انتهى كلام ابن حزم (سلفه بالاندلس) ولما دخل خلدون بن عثمان جدنا إلى الاندلس نزل بقرمونة في رهط من قومه حضرموت ونشأ بيت بنيه بها ثم انتقل إلى اشبيلية وكانوا في جند اليمن وكان لكريت من عقبه وأخيه خالد الثورة المعروفة باشبيلية أيام الامير عبد الله المروانى ثار على أبى عبدة وملكها من يده أعواما ثم ثار عليه عبد الله بن حجاج باملاء الامير عبد الله وقتله وذلك في أواخر المائة الثالثة (وتلخيص الخبر عن ثورته) ما نقله ابن سعيد عن الحجازى وابن حيان وغيرهما وينقلونه عن ابن الاشعث مؤرخ اشبيلية أن الاندلس لما اضطرمت بالفتن أيام الامير عبد الله تطاول رؤساء اشبيلية إلى الثورة والاستبداد وكان رؤساؤها المتطاولون إلى ذلك في ثلاثة بيوت بيت أبى عبدة ورئيسهم يومئذ أمية بن عبد الغافر بن أبى عبيدة وكان عبد الرحمن الداخل ولى اشبيلية وأعمالها أبا عبدة وكان حافدة أمية من أعلام الدولة بقرطبة ويولونه الممالك الضخمة(7/380)
وبيت بنى خلدون ورئيسهم كريت المذكور ويردفه خالد أخوه قال ابن حيان وبيت بنى خلدون إلى الآن في اشبيلية نهاية في النباهة ولم تزل أعلامه بين رياسة سلطانية ورياسة علمية ثم بيت بنى حجاج ورئيسهم يومئذ عبد الله قال ابن حيان هو من لخم وبيتهم إلى الآن في اشبيلية ثابت الاصل نابت الفرع موسوم بالرياسة السلطانية والعلمية فلما عظمت الفتنة بالاندلس أعوام الثمانين ومائتين وكان الامير عبد الله قد ولى على اشبيلية أمية بن عبد
الغافر وبعث معه ابنه محمدا وجعله في كفالته فاجتمع هؤلاء النفر وثاروا بمحمد ابن الامير عبد الله وبأمية صاحبهم وهو يمالئهم على ذلك ويكيد بابن الامير عبد الله وحاصروه حتى طلب منهم اللحاق بأبيه فأخرجوه واستبد أمية باشبيلية ودس على عبد الله بن حجاج من قتله وأقام أخاه ابراهيم مكانه وضبط اشبيلية واسترهن أولاد بنى خلدون وبنى حجاج ثم ثاروا به وهم بقتل أبنائهم فراجعوا طاعته وحلفوا له فأطلق أبناءهم فانتقض ثانية وحاربوه فاستمات وقتل حرمه وعقر خيوله وأحرق موجوده وقاتلهم حتى قتلوه مقبلا غير مدبر وعاثت العامة في رأسه وكتبوا إلى الامير عبد الله بأنه خلع فقتلوه فقبل منهم مداراة وبعث عليهم هشام بن عبد الرحمن من قرابته فاستبدوا عليه وفتكوا بابنه وتولى كبر ذلك كريت بن خلدون واستقل بامارتها وكان ابراهيم بن حجاج بعدما قتل أخوه عبد الله على ما ذكره ابن سعيد عن الحجازى سمت نفسه إلى التفرد فصاهر ابن حفصون أعظم ثوار الاندلس يومئذ وكان بمالقة وأعمالها إلى رندة فكان له منه ردء ثم انصرف إلى مداراة كريت بن خلدون وملابسته فردفه في أمره وأشركه في سلطانه وكان في كريت تحامل على الرعية وتعصيب فكان يتجهم لهم ويغلظ عليهم وابن حجاج يسلك بهم الرفق والتلطف في الشفقة بهم عنده فانحرفوا عن كريت إلى ابراهيم ثم دس إلى الامير عبد الله يطلب منه الكتاب بولاية اشبيلية ليسكن إليه العامة فكتب إليه العهد بذلك وأطلع عليه عرفاء البلد مع ما أشربوا من حبه والنفرة عن كريت ثم أجمع الثورة وهاجت العامة بكريت فقتلوه وبعث برأسه إلى الامير عبد الله واستقر بامارة اشبيلية قال ابن حيان وحصن مدينة قرمونة من أعظم معاقل الاندلس وجعلها مرتبطا لخيله وكان ينتقل بينها وبين اشبيلية واتخذ الجند ورتبهم طبقات وكان يصانع الامير عبد الله بالاموال والهدايا وبعث إليه المدد في الطوائف وكان مقصودا ممدحا قصده أهل بيوتات فوصلهم ومدحه الشعراء ومدحه أبو عمر بن عبد ربه صاحب العقد وقصده من بين سائر الثوار فعرف حقه وأعظم جائزته ولم يزل بيت بنى
خلدون باشبيلية كما ذكره ابن حيان وابن حزم وغيرهما سائر أيام بنى أميه إلى زمان الطوائف وأتيحت عنهم الامارة بما ذهب لهم من الشوكة ولما غلب ابن عباد على(7/381)
اشبيلية واستبد على أهلها استوزر من بنى خلدون هؤلاء واستعملهم في رتب دولته وحضروا معه وقعة الجلالقة كانت لابن عباد وليوسف بن تاشفين على ملوك الجلالقة فاستشهد فيها طائفة من بنى خلدون هؤلاء في الجولة مع ابن عباد فاستلحموا في ذلك الموقف بما كان الظهور للمسلمين ونصرهم الله على عدوهم ثم تغلب يوسف بن تاشفين والمرابطون على الاندلس واضمحلت قبائل العرب وفنيت قبائلهم * (سلفه بافريقية) * ولما استولى الموحدون على الاندلس وملكوها من يد المرابطين وكان ملوكهم عبد المؤمن وبنيه وكان الشيخ أبو حفص كبير هنتاتة زعيم دولتهم وولوه على اشبيلية وغرب الاندلس مرارا ثم ولوا ابنه عبد الواحد عليها في بعض أيامهم ثم ابنه أبا زكريا كذلك فكان لسلفنا باشبيلية اتصال بهم وأهدى بعض أجدادنا من قبل الامهات ويعرف بالمحتسب للامير أبى زكريا يحيى بن عبد الواحد بن أبى حفص أيام ولايته عليهم جارية من سبى الجلالقة اتخذها أم ولد وكان له منها ابنه أبو زكريا يحيى ولى عهده الهالك في أيامه وأخواه عمر وأبو بكر وكانت تلقب أم الخلفاء ثم انتقل الامير أبو زكريا إلى ولاية افريقية سنة عشرين وستمائة ودعا لنفسه بها وخلع دعوة بنى عبد المؤمن سنة خمس وعشرين واستبد بافريقية وانتقضت دولة الموححدين بالاندلس وثار عليهم ابن هود ثم هلك واضطربت الاندلس وتكالبت الطاغية عليها وتردد الغزو إلى الفرنتيرة بسيط قرطبة واشبيلية إلى جيان وثار ابن الاحمر من غرب الاندلس من حصن أرجونة يرجو التماسك بما بقى من الاندلس وفاوض أهل الشورى يومئذ باشبيلية وهم بنو الباجى وبنو الجد وبنو الوزير وبنو سيد الناس وبنو خلدون وداخلهم في الثورة على ابن هود وأن يتجافوا عن الطاغية عن الفرنتيرة ويتمسكوا بالجبال الساحلية وأمصارها المتوعرة من
مالقه إلى غرناطة إلى المرية فلم يوافقوه على بلادهم وكان مقدمهم أبو مروان الباجى فنابذهم ابن الاحمر وخلع طاعة الباجى وبايع مرة لابن هود ومرة لصاحب مراكش من بنى عبد المؤمن ومرة للامير أبى زكريا صاحب افريقية ونازل غرناطة واتخذها دار ملكه وبقيت الفرنتيرة وأمصارها ضاحية من ظل الملك فخشى بنو خلدون سوء العاقبة من الطاغية وارتحلوا من اشبيلية ونزلوا سبتة وأجلب الطاغية على تلك الثغور فملك قرطبة واشبيلية وقرمونة وجيان وما إليها في مدة عشرين سنة ولما نزل بنو خلدون بسبتة أصهر إليهم العزفي بابنائه وبناته فاختلط بهم وكان له معهم صهر مذكور وكان جدنا الحسن بن محمد وهو سبط ابن المحتسب قد أجاز فيمن أجاز إليهم فذكروا سوابق سلفه عند الامير أبى زكريا فقصده وقدم عليه فأكرم قدومه وارتحل إلى المشرق فقضى فرضه ثم رجع ولحق بالامير ابى زكريا على بونة فأكرمه واستقر في ظل دولته ومرعى(7/382)
نعمته وفرض له الارزاق وأقطع الاقطاع وهلك هنالك فدفن ببونة سنة سبع وأربعين وولى ابنه المستنصر محمد فأجرى جدنا أبا بكر على ما كان لابيه ثم ضرب الدهر ضرباته وهلك المستنصر سنة خمس وسبعين وولى ابنه يحيى وجاء أخوه الامير أبو اسحق من الاندلس بعد أن كان فر إليها امام أخيه المستنصر فخلع يحيى واستقل هو بملك افريقية ودفع جدنا أبا بكر محمدا على عمل الاشغال في الدولة على سنن عظماء الدولة الموحدين فيها قبله من الانفراد بولاية العمال وعزلهم وحسبانهم على الجباية فاضطلع بتلك الرتبة ثم عقد السلطان أبو اسحق لابنه محمد وهو جدنا الاقرب على حجابة ولى عهده ابنه أبى فارس أيام أن اقصاه إلى بجاية ثم استعفى جدنا من ذلك فأعفاه ورجع إلى الحضرة ولما غلب الدعى بن أبى عمارة على ملكهم بتونس اعتقل جدنا أبا بكر محمدا وصادره على الاموال ثم قتله خنقا في محبسه وذهب ابنه محمد جدنا الاقرب مع السلطان أبى اسحق وأبنائه إلى بجاية فتقبض عليه ابنه أبو فارس وخرج مع العساكر هو واخوته لمدافعة
الدعى بن أبى عمارة وهو يشبه بالفضل بن المخلوع حتى إذا استلحموا بمرما جنة خلص جدنا محمد مع أبى حفص ابن الامير أبى زكريا من الملحمة ومعهما الفازازى وأبو الحسن ابن سيد الناس فاستنكف من ايثار الفازازى ولما استولى أبو حفص على الامور رعى له سابقته وأقطعه ونظمه في جملة القوادو مراتب الحروب واستكفى به في الكثير من أمر ملكه ورشحه لحجابته من بعد الفازازى وهلك فكان من بعده حافد أخيه المستنصر أبو عصيدة واصطفى لحجابته محمد بن ابراهيم الدباع كاتب الفازازى وجعل محمد بن خلدون رديفا له في حجابته فكان كذلك إلى أن هلك السلطان وجاءت دولة الامير خالد فأبقاه على حاله من التجلة والكرامة ولم يستعمله ولا عقد له إلى أن كانت دولة أبى يحيى ابن اللحيانى فاصطنعه واستكفى به عند ما تنبضت عروق التغلب من العرب ودفعه إلى حماية الجزيزة من لاج احدى بطون سليم الموطنين بنواحيها فكانت له في ذلك آثار مذكورة ولما انقرضت دولة ابن اللحيانى خرج إلى الشرق وقضى فرضه سنة ثمان عشرة وأظهر التوبة والاقلاع وعاود الحج متنفلا سنة ثلاث وعشرين ولزم كسر بيته وأبقى السلطان أبو يحيى عليه نعمته في كثير مما كان بيده من الاقطاع والجراية ودعاه إلى حجابته مرارا فامتنع (أخبرني) محمد بن منصور بن مرى قال لما هلك الحاجب بن محمد ابن عبد العزيز الكردى المعروف بالمزوار سنة سبع وعشرين وسبعمائة استدعى السلطان جدك محمد بن خلدون وأراده على الحجابة وأن يفوض إليه أمره فأبى واستعفى فأعفاه وآمره فيمن يوليه حجابته فأشار عليه بصاحب ثغر بجاية محمد بن أبى الحسن بن سيد الناس لاستحقاقه ذلك بكافيته واضطلاعه ولقديم صحابة بين سلفهما بتونس(7/383)
واشبيلية من قبل وقال له هو أقدر على ذلك بما هو عليه من الحاشية والدين فعمل السلطان على اشارته واستدعى ابن سيد الناس وولاه حجابته وكان السلطان أبو يحيى إذا خرج من تونس يستعمل جدنا محمدا عليها وتوقى بنظره إلى أن هلك سنة سبع وثلاثين
ونزع ابنه وهو والدى محمد بن أبى بكر عن طريقه السيف والخدمة إلى طريقة العلم والرباط لما نشأ عليه في حجر أبى عبد الله الرندى الشهير بالفقيه كان كبير تونس لعهده في العلم والفتيا وانتحال طرق الولاية التى ورثها عن أبى الحسين وعمه حسن الوليين الشهيرين وكان جدنا رحمه الله قد لازمه من يوم نزوعه عن طريقه وألزمه ابنه وهو والدى رحمه الله فقرأ وتفقه وكان مقدما في صناعة العربية وله بصر بالشعر وفنونه عهدي بأهل البلد يتحاكمون إليه فيه ويعرضون عليه وهلك في الطاعون الجارف سنة تسع وأربعين وسبعمائة * (أما نشأتي) * فانى ولدت بتونس في غرة رمضان سنة اثنتين وثلاثين وسبعمائة وربيت في حجر والدى رحمه الله إلى أن أيفعت وقرأت القرآن العظيم على الاستاذ أبى عبد الله محمد بن نزال الانصاري أصله من جالة الاندلس من أعمال بلنسية أخذ عن مشيخة بلنسية وأعمالها وكان اماما في القراآت وكان من أشهر شيوخه في القراآت السبع أبو العباس أحمد بن البطوى ومشيخته فيها وأسانيده معروفة وبعد أن استظهرت القرآن العظيم عن حفظى قرأته عليه بالقراآت السبع المشهورة افرادا وجمعا في احدى وعشرين ختمة ثم جمعتها في ختمة واحدة أخرى ثم قرأت برواية يعقوب ختمة واحدة جمعا بين الروايتين عنه وعرضت عليه رحمه الله قصيدة الشاطبي اللامية في القراآت والرائية في الرسم وأخبرني بهما عن الاستاذ أبى عبد الله البطوى وغيره من شيوخه وعرضت عليه كتاب التفسير لاحاديث الموطا لابن عبد البر حذابه حذو كتابه التمهيد على الموطا مقتصرا على الاحاديث فقط ودرست عليه كتبا جمة مثل كتاب التسهيل لابن مالك ومختصر ابن الخطيب في الفقه ولم أكملهما بالحفظ وفى خلال ذلك تعلمت صناعة العربية على والدى وعلى أستاذى تونس منهم الشيخ أبو عبد الله محمد العربي الحصا يرى وكان اماما في النحو وله شرح مستوف على كتاب التسهيل ومنهم أبو عبد الله محمد الشواش المزازى ومنهم أبو العباس أحمد بن القصار كان ممتعا في صناعة النحو وله شرح على قصيدة البردة المشورة في مدح
الجناب النبوى وهو حى لهذا العهد بتونس ومنهم امام العربية والادب بتونس أبو عبد الله محمد بن بحر لازمت مجلسه وافدت عليه وكان بحرا زاخرا في علوم اللسان وأشار على بحفظ الشعر فحفظت كتب الاشعار الستة والحماسة للاعلم وشعر وطائفة من شعر المتنبي ومن أشعار كتاب الاغانى ولازمت أيضا مجلس امام المحدثين بتونس شمس(7/384)
الدين أبى عبد الله محمد بن جابر صاحب الرحلتين وسمعت عليه كتاب مسلم بن الحجاج وسمعت عليه كتاب الموطا من أوله إلى آخره وبعضا من الامهات الخمس وناولني كتبا كثيرة في العربية والفقه وأجازني اجازة عامة وأخبرني عن مشايخه المذكورين أشهرهم بتونس قاضى الجماعة أبو العباس أحمد بن الغماز الخزرجي وأخذت الفقه بتونس عن جماعة منهم أبو عبد الله محمد بن عبد الله الحياني وأبو القاسم محمد القصير قرأت عليه كتاب التهذيب لابي سعيد البرادعى مختصر المدونة وكتاب المالكية وتفقهت عليه وكنت في خلال ذلك انتاب مجلس شيخنا الامام قاضى الجماعة أبى عبد الله محمد بن عبد السلام مع أخى عمر رحمة الله عليهما وأفدت منه وسمعت عليه أثناء ذلك كتاب الموطا للامام مالك وكانت له طرق عالية عن أبى محمد بن هرون الطائى قبل اختلاطه إلى غير هؤلاء من مشيخة تونس وكلهم سمعت عليه وكتب لى وأجازني ثم درجوا كلهم في الطاعون الجارف وكان قدم علينا في جملة السلطان أبى الحسن عند ما ملك افريقية سنة ثمان وأربعين جماعة من أهل العلم كان يلزمهم شهود مجلسه ويتجمل بمكانهم فيه فمنهم شيخ الفتيا بالمغرب وامام مذهب مالك أبو عبد الله محمد بن سليمان السطى فكنت انتاب مجلسه وأفدت عليه ومنهم كاتب السلطان أبى الحسن وصاحب علامته التى توضع أسفل مكتوباته امام المحدثين أبو محمد عبد المهيمن الحضرمي لازمته وأخذت عنه سماعا واجازة الامهات وكتاب الموطا والسير لابن اسحق وكتاب ابن الصلاح في الحديث وكتبا كثيرة سرت عن حفظى
وكانت بضاعته في الحديث والفقه والعربية والادب والمعقول وسائر الفنون مضبوطة كلها مقابلة ولا يخلو ديوان منها عن ضبط بخط بعض شيوخه المعروفين في سنده إلى مؤلفة حتى الفقه والعربية الغريبة الاسناد إلى مؤلفها في هذه العصور ومنهم الشيخ أبو العباس أحمد الزواوى امام المغرب قرأت عليه القرآن العظيم بالجمع الكبير بين القراآت السبع من طريق أبى عمر والدانى وابن شريح لم أكملها وسمعت عليه عدة كتب وأجازني بالاجارة العامة ومنهم شيخ العلوم العقلية أبو عبد الله محمد ابن ابراهيم الايلى أصله من تلمسان وبها نشأ وقرأ كتب التعليم وصدق فيه وصله الحصار الكبير بتلمسان أعوام المائة السابعة فخرج منها وحج ولقى اعلام المشرق يومئذ فلم يأخذ عنهم لانه كان مختلاط بعارض عرض في عقله ثم رجع من المشرق وأفاق وقرأ المنطق والاصلين على الشيخ أبى موسى عيسى ابن الامام وكان قرأ بتونس مع أخيه أبى زيد عبد الرحمن على تلميذ أبى زيتون الشهير الذكر وجاآالى تلمسان بعلم كثير من المنقول والمعقول فقرأ الايلى على أبى موسى منهما كما قلناه ثم خرج من تلمسان هاربا(7/385)
إلى المغرب لان سلطانها أبا حمو يومئذ من ولد يغمراسن بن زيان كان يكرهه على التصرف في أعماله وضبط الجباية بحسبانه ففر إلى المغرب ولحق بمراكش ولازم العالم الشهير الذكر أبا العباس بن البناء فحصل عنه سائر العلوم العقلية وورث مقامه فيها ثم صعد إلى جبل الهساكرة بعد وفاة الشيخ باستدعاء على بن محمد بن تروميت ليقرأ عليه فأفاده وبعد أعوام استنزله ملك المغرب السلطان أبو سعيد وأسكنه بالبلد الجديد معه ثم اختصه السلطان أبو الحسن ونظمه في جملة العلماء بمجلسه وهو في خلال ذلك يعلم العلوم العقلية ويبثها بين أهل المغرب حتى حذق فيها الكثير منهم من سائر أمصاره وألحق الاصاغر بالاكابر في تعليمه ولما قدم على تونس في جملة السلطان أبى الحسن لزمته وأخذت عنه العلوم العقلية والمنطق وسائر الفنون الحكمية والتعليمية
وكان رحمه الله تعالى يشهد لى بالتبريز في ذلك وممن قدم في جملة السلطان أبى الحسن صاحبنا أبو القاسم عبد الله بن يوسف بن رضوان المالقى كان يكتب عن السلطان ويلازم خدمة أبى محمد عبد الله رئيس الكتاب يومئذ وصاحب العلامة التى توضع عن السلطان أسفل المراسم والمخاطبات وبعضها يضعه السلطان بخطه وكان ابن رضوان هذا من مفاخر المغرب في براعة خطه وكثرة علمه وحسن سمته واجادته في فقه الوثائق والبلاغة في الترسيل عن السلطان وحوك الشعر والخطابة على المنابر لانه كان كثيرا ما يصلى بالسلطان فلما قدم علينا بتونس صحبته واغتبطت به وان لم أتخذه شيخا لمقاربة السن فقد أفدت منه كما أفدت منهم وقد مدحه صاحبنا أبو القاسم الرحوى شاعر تونس في قصيدة على روى النون يرغب منه أن يذكره لشيخه أبى محمد عبد المهيمن في ايصال مدحه للسلطان أبى الحسن في قصيدة على روى الياء وقد تقدم ذكرها في أخبار السلطان وذكر في مدح ابن رضوان أعلام العلماء القادمين مع السلطان وهى هذه عرفت زماني حين أنكرت عرفاني * وأيقنت أن لا حظ في كف كيوان وأن لا اختيار في اختيار مقوم * وان لاقراع بالقران لاقران وان نظام الشكل أكمل نظمه * لاضعاف قاض في الدليل برجحان وأن افتقار المرء من فقراته * ومن نقله يغنى اللبيب بأوزان إلى آخرها ثم يقول في ذكر العلماء القادمين هم القوم كل القوم أما حلومهم * فارسخ من طودى ثبير ونهلان فلاطيش يعلوهم وأما علومهم * فاعلامها تهديك من غير نيران ثم يقول في آخرها(7/386)
وهامت على عبد المهيمن تونس * وقد ظفرت منه بوصل وقربان
وما علقت منى الضمائر غيره * وان هويت كلا بحب ابن رضوان وكتب هذا الشاعر صاحبنا الرحوى يذكر عبد المهيمن بذلك لهى النفس باكتساب وسعى * وهو العمر في انتهاب وفى وأرى الناس بين ساع لرشد * يتوخى الهدى وساع لغى وأرى العلم للبرية زينا * فتزيا منه بأحسن زى وأرى الفضل قد تجمع كلا * في ابن عبد المهيمن الحضرمي ثم يقول في آخرها ينبغى القرب من مراقى الامانى * والترقى للجانب العلوى فأنلها مرامها مستهلا * كل دان يسعى وكل قصى ثم كانت واقعة العرب على السلطان بالقيروان فاتح تسع وأربعين فشغلوا عن ذلك ولم يظفر هذا الرحوى بطلبته ثم جاء الطاعون الجارف فطوى البساط بما فيه وهلك عبد المهيمن فيمن هلك ودفن بمقبرة سلفنا بتونس لخلة كانت بينه وبين والدى رحمه الله أيام قدومهم علينا فلما كانت وقعة القيروان ثار أهل تونس بمن كان عندهم من أشياع السلطان أبى الحسن فاعتصموا بالقصبة دار الملك حيث كان ولد السلطان وأهله وانتقض عليه ابن تافراكين وخرج من القيروان إلى العرب وهم يحاصرون السلطان وقد اجتمعوا على أبى دبوس وبايعوا له كما مر في أخبار السلطان فبعثوا ابن تافراكين إلى تونس فحاصر القصبة وامتنعت عليه وكان عبد المهيمن يوم ثورة تونس وقد سمع الهيعة خرج من بيته إلى دارنا فاختفى عند أبى رحمه الله وأقام مختفيا عندنا نحوا من ثلاثة أشهر ثم نجا السلطان من القيروان إلى سوسة وركب البحر إلى تونس وفرابن تافراكين إلى المشرق وخرج عبد المهيمن من الاختفاء وأعاده السلطان إلى ما كان عليه من وظيفة الولاية والكتابة وكان كثيرا ما يخاطب والدى رحمه الله ويشكره على موالاته ومما كتب إليه وحفظته من خطه
محمد ذو المكارم قد ثنانى * فعال شكره أبدا عناني جزى الله ابن خلدون حياة * منعمة وخلدا في الجنان فكم أولى ووالى من جميل * وبربا لفعال وباللسان وراعى الحضرمية في الذى قد * جنى من وده ورد الحنان أبا بكر ثناؤك طول دهري * أردد باللسان وبالجنان وعن علياك ما امتدث حياتي * أكافح بالحسام وباللسان(7/387)
فمنك أفدت خلالت دهري * أراعى حبه أثنى عناني وهؤلاء الاعلام الذين ذكرهم الرحوى في شعره هم سباق الحلبة في مجلس السلطان أبى الحسن اصطفاهم لصحابته من أهل المغرب فأما ابنا الامام منهم فكانوا اخوين من أهل برشك من أعمال تلمسان واسم أكبرهم أبو زيد عبد الرحمن والاصغر أبو موسى عيسى وكان أبوهما اماما ببعض مساجد برشك واتهمه المتغلب يومئذ على البلد زيرم بن حماد بأن عنده وديعة من المال لبعض أعدائه فطالبه بها ولاذ بالامتناع وبيته زيرم لينتزع المال من يده فدافعه وقتل وارتحل ابناه هذان الاخوان إلى تونس في آخر المائة السابعة وأخذا العلم بها عن تلميذ ابن زيتون وتفقها على أصحاب أبى عبد الله بن شعيب الدكالى وانقلبا إلى المغرب بحظ وافر من العلم وأقاما بالجزائر يبثان العلم بها لامتناع برشك عليهما من أجل زيرم المتغلب عليها والسلطان أبو يعقوب يومئذ صاحب المغرب الاقصى من بنى مرين جاثم على تلمسان يحصرها الحصار الطويل المشهور وبث بها جيوشه في نواحيها وغلب على الكثير من أعمالها وأمصارها وملك عمل مغراوة بشلف وحصر مليانة بعث إليها الحسن بن أبى الطلاق من بنى عسكر وعلى ابن محمد بن الخير من بنى ورتاجين ومعهما لضبط الجباية واستخلاص الاموال الكاتب منديل بن محمد الكتاني فارتحل هذان الاخوان من الجزائر وأخذا عليه فحليا بعين
منديل الكتاني فقربهما واصطفاهما واتخذهما لتعليم ولده محمد فلما هلك يوسف بن يعقوب سلطان المغرب بمكانه من حصار تلمسان سنة خمس وسبعمائة على يد خصى من خصيانه طعنه فأشواه وهلك وأقام بالملك بعده حافده أبو ثابت بعد أمور ذكرناها في أخباره ووقع بينه وبين صاحب تلمسان من بعده يومئذ أبى زيان محمد بن عثمان بن يغمراسن وأخيه أبى حموا العهد المتأكد على الافراج عن تلمسان وردا عمالها عليه فوفى لهم بذلك وعاد إلى المغرب وارتحل ابن أبى الطلاق من شلف والكتاني من مليانة راجعين إلى المغرب ومروا بتلمسان فأوصى لهما أبو حمو وأثنى عليهما حلة بمقامهما في العلم واغتبط بهما أبو حمو وبنى لهما المدرسة المعروفة بهما وأقاما عنده على مجرى أهل العلم وهلك أبو حمو وكانا كذلك مع ابنه أبى تاشفين إلى أن زحف السلطان أبو الحسن إلى تلمسان وملكها عنوة سنة سبع وثلاثين وكانت لهما شهرة في أقطار المغرب أسست لهما عقيدة صالحة فاستدعاهما لحين دخوله وأدنى مجلسمها وشاد بمكرمتهما ورفع جاههما على أهل طبقتهما وصار يجمل بهما مجلسه متى مر بتلمسان ووفدا عليه في الاولى التى نفر فيها اعيان بلادهما ثم استنفر هما إلى الغزو وحضرا معه واقعة طريف وعادا إلى بلدهما وتوفى أبو زيد منهما أثر ذلك وبقى أخوه موسى متبوئا ما شاء من ظلال(7/388)
تلك الكرامة ولما سار السلطان أبو الحسن إلى افريقية سنة ثمان وأربعين كما مر في أخباره استصحب أبا موسى بن الامام معه مكرما موقرا عالى المحل قريب المجلس منه فلما استولى على افريقية سرحه إلى بلده فأقام بها يسيرا وهلك في الطاعون الجارف سنة تسع وأربعين وبقى أعقابهما بتلمسان دارجين في مسالك تلك الكرامة موقرين فيها طبقا على طبق إلى هذا العهد وأما السطى واسمه محمد بن سليمان من قبيلة سطة من بطون أوربة بنواحي فاس فنزل أبوه سليمان مدينة فاس ونشأ محمد فيها وأخذ العلم عن الشيخ أبى الحسن الصغير امام المالكية بالمغرب والطائر الذكر وقاضي
الجماعة بفاس وتفقه وقرأ عليه وكان أحفظ الناس لمذهب مالك وأفقههم فيه وكان السلطان أبو الحسن لعظم همته وبعد شأوه في الفضل يتشوف إلى تزيين مجلسه بالعلماء واختار منهم جماعة لصحابته ومجالسته كان منهم هذا الامام محمد بن سليمان وقدم علينا بتونس في جملته وشهدنا وفور فضله وكان في الفقه من بينهم لا يجارى حفظا وفهما عهدي به رحمه الله تعالى وأخى موسى يقرأ عليه كتاب التبصرة لابي الحسن اللخمى وهو يصححه عليه من املائه وحفظه في مجالس عديدة وكان هذا حاله في أكثر ما يعاني في جملة من الكتب وحضر مع السلطان أبى الحسن واقعة القيروان وخلص معه إلى تونس وأقام بها نحوا من سنتين وانتقض المغرب على السلطان واستقل به ابنه أبو عنان ثم ركب السلطان أبو الحسن في أساطيله من تونس آخر سنة خمسين ومر ببجاية فأدركه الغرق في سواحلها فغرقت أساطيله وغرق أهلها واكثر من كان معه من هؤلاء الفضلاء وغيرهم ورمى به البحر ببعض الجزر هنالك حتى استنقذه منها بعض أساطيله ونجا إلى الجزائر بعد أن تلف موجوده والكثير من عياله وأصحابه وكان من أمره ما مر في أخباره وأما الايلى واسمه محمد بن ابراهيم فمنشؤه بتلمسان وأصله من جالية الاندلس من أهل ايلة من بلد الجوف منها أجاز بأبيه وعمه أحمد فاستخدمهم يغمراسن ابن زيان وولده في جندهم وأصهر ابراهيم منهما إلى القاضى بتلمسان محمد بن غلبون في ابنته فولدت له محمدا هذا ونشأ بتلمسان في كفالة جده القاضى فنشأله بذلك ميل إلى انتحال العلم من الجندية التى كانت منتحل أبيه وعمه فلما أيفع وأدرك سبق إلى ذهنه محبة التعاليم فبرز بها واشتهر وعكف الناس عليه في تعلمها وهذا في سن البلوغ ثم أظل السلطان يوسف بن يعقوب وخيم عليها يحاصرها وسير العساكر إلى الاعمال فافتتح أكثرها وكان ابراهيم الايلى قائدا بهنين مرسى تلمسان في لبة من البحر فلما ملكها يوسف بن يعقوب اعتقل من وجدبها من أشياع بنى عبد الواد واعتقل ابراهيم الايلى وشاع الخبر في تلمسان بأن يوسف بن يعقوب يسترهن أبناءهم(7/389)
ويطلقهم فتشوف ابنه محمد إلى اللحاق بهم من أجل ذلك وأغراه أهله بالعزم عليه فتسور الاسوار وخرج إلى أبيه فلم يجد خبر الاسترهان صحيحا واستخدمه يوسف ابن يعقوب قائدا إلى الجند الاندلسيين الاندلسيين بتاوريرت فكره المقام على ذلك ونزع عن طوره ولبس المسوح وسار قاصدا إلى الحج وانتهى إلى رباط العباد مختفيا في صحبة الفقراء فوجد هنالك رئيسا من أهل كربلا من بنى الحسين جاء إلى المغرب يروم اقامة دعوته فيه وكان مغفلا فلما رأى عساكر يوسف بن يعقوب وشدة غلبه أيس من مرامه ونزع عن ذلك واعتزم على الرجوع إلى بلده فسار شيخنا محمد بن ابراهيم في جملته قال رحمه الله وبعد حين انكشف لى حاله وما جاء له واندرجت في جملته وأصحابه وتابعيه قال وكان يتلقاه في كل بلد من أصحابه وأشياعه وخدمه من يأتيه بالازواد والنفقات من بلده إلى أن ركبنا البحر من تونس إلى الاسكندرية قال واشتدت على الغلمة في البحر واستحييت من كثرة الاغتسال لمكان هذا الرئيس فأشار على بعض بطانته بشرب الكافور فاغترفت منه غرفة فشربتها فاختلطت وقدم الديار المصرية على تلك الحال وبها يومئذ تقى الدين بن دقيق العيد وابن الرفعة وصفى الدين الهندي والتبريرى وغيرهم من فرسان المعقول والمنقول فلم يكن قصاراه الا تمييز أشخاصهم إذا ذكرهم لنا لما كان به من الاختلاط ثم حج مع ذلك الرئيس وسار في جملته إلى كربلا فبعث به من أصحابه من أوصله إلى مأمنه ببلاد زواوة من أطراف المغرب وقال لى شيخنا رحمه الله كان معى دنانير كثيرة تزودتها من المغرب واستبطنتها في جبة كنت ألبسها فلما نزل بى ما نزل انتزعها منى حتى إذا بعث أصحابه يشيعوني إلى المغرب دفعها إليهم حتى إذا أوصلوني إلى المأمن أعطوني اياها وأشهدوا على في كتاب حملوه معهم إليه كما أمرهم ثم قارن وصول شيخنا إلى المغرب مهلك يوسف بن يعقوب وخلاص أهل تلمسان من الحصار فعاد إلى تلمسان وقد أفاق من اختلاطه وانبعثت همته إلى تعلم العلم وكان مائلا إلى العقليات
فقرأ المنطق على أبى موسى بن الامام وجملة من الاصلين وكان أبو حمو صاحب تلمسان قد استفحل ملكه وكان ضابطا للامور وبلغه عن شيخنا تقدمه في علم الحساب فدفعه إلى ضبط أمواله ومشارفة أحواله وتفادى شيخنا من ذلك فأكرهه عليه فأعمل الحيلة في الخلاص منه ولحق بفاس أيام السلطان أبى الربيع وبعث فيه أبو حمو فاختفى بفاس للتعاليم من اليهودي خليفة المغيلى فاستوفى عليه فنونها وحذق وخرج متواريا من فاس فلحق بمراكش أيام عشر وسبعمائة ونزل على الامام أبى العباس ابن البناء شيخ المعقول والمنقول والمبرز في التصوف علما وحالا فلزمه وأخذ عنه وتضلع في علم المعقول والتعاليم والحكمة ثم استدعاه شيخ الهساكره على بن محمد بن تروميت ليقرأ عليه(7/390)
وكان في طاعة السلطان فدخل إليه شيخنا وأقام عنده مدة قرأ عليه فيها وحصل واجتمع طلبة العلم هنالك على الشيخ فكثرت افادته واستفادته وعلى ابن محمد في ذلك على محبته وتعظيمه وامتثال اشارته فغلب على هواه وعظمت رياسته في تلك القبائل ولما استنزل السلطان أبو سعيد على بن تروميت من جبله نزل الشيخ معه وسكن بفاس وانثال عليه طلبة العلم من كل ناحية فانتشر علمه واشتهر ذكره فلما فتح السلطان أبو الحسن تلمسان ولقى أبا موسى ابن الامام ذكره له باطيب الذكر ووصفه بالتقدم في العلوم وكان السلطان معتنيا بجمع العلماء بمجلسه كما ذكرناه فاستدعاه من مكانه بفاس ونظمه في طبقة العلماء بمجلسه وعكف على التدريس والتعليم ولزم صحابة السلطان وحضر معه واقعة طريف وواقعة القيروان بافريقية وكانت قد حصلت بينه وبين والدى رحمه الله خلة كانت وسيلتي إليه في القراءة عليه فلزمت مجلسه وأخذت عنه العلوم العقلية بالتعاليم ثم قرأت المنطق والاصلين وعلوم الحكمة وعرض أثناء ذلك ركوب السلطان أساطيله من تونس إلى المغرب وكان الشيخ في نزلنا وكفالتنا فأشرت عليه بالمقام وثبطناه عن السفر فقبل وأقام وطالبنا به السلطان
أبو الحسن فأحسنا به العذر فتجافى عنه وكان من حديث غرقه في البحر ما قدمناه وأقام الشيخ بتونس ونحن وأهل بلدنا جميعا نتساجل في غشيان مجلسه والاخذ عنه فلما هلك السلطان أبو الحسن بجبل هنتاتة وفرغ ابنه أبو عنان من شواغله وملك تلمسان من بنى عبد الواد كتب فيه يطلبه من صاحب تونس وسلطانها يومئذ أبو اسحق ابراهيم ابن يحيى في كفالة شيخ الموحدين بن تافراكين فأسلمه إلى سفيره وركب معه البحر في أسطول أبى عنان الذى جاء فيه السفير ومر ببجاية ودخلها وأقام بها شهرا حتى قرأ عليه طلبة العلم بها مختصر ابن الحاجب في أصول الفقه برغبتهم في ذلك منه ومن صاحب الاسطول ثم ارتحل ونزل بمرسى هنين وقدم على أبى عنان بتلمسان وأحله محل التكرمة ونظمه في طبقة أشياخه من العلماء وكان يقرأ عليه ويأخذ عنه إلى أن هلك بفاس سنة سبع وخمسين وسبعمائة وأخبرني رحمه الله أن مولده بتلمسان سنة احدى وثمانين وستمائة (وأما عبد المهيمن) كاتب السلطان أبى الحسن فأصله من سبتة وبيتهم بها قديم ويعرفون ببنى عبد المهيمن وكان أبوه محمد قاضيها أيام بنى العزفي ونشأ ابنه عبد المهيمن في كفالته وأخذ عن مشيختها واختص بالاستاذ أبى اسحق الغافقي ولما ملك عليهم الرئيس أبو سعيد صاحب الاندلس سبتة ونقل بنى العزفي مع جملة أعيانها إلى غرناطة ونقل معهم محمد بن عبد المهيمن استكمل قراءة العلم هنالك وقرأ على مشيختها ابن الزبير ونظرائه وتقدم في معرفة كتاب سيبويه وبرز في علو الاسناد وكثرة المشيخة(7/391)
وكتب له أهل المغرب والاندلس واستكتبه رئيس الاندلس يومئذ الوزير أبو عبد الله ابن الحكيم الرندى المستبد على السلطان المخلوع ابن الاحمر فكتب عنه ونظمه في طبقة الفضلاء الذين كانوا بمجلسه مثل المحدث أبى عبد الله بن سيد الفهرى وأبى العباس أحمد العزفي والعالم الصوفى المتجرد أبى عبد الله محمد بن خميس التلمسانى وكانا لا يجاريان في البلاغة والشعر إلى غير هؤلاء ممن كان مختصا به وقد ذكرهم ابن الخطيب في تاريخ
غرناطة فلما نكب الوزير ابن الحكيم وعادت سبتة إلى طاعة بنى مرين عاد عبد المهيمن إليها واستقر بها ثم ولى الامر أبو سعيد وغلب عليه ابنه أبو على واستبد بحمل الدولة تشوف إلى استدعاء الفضلاء وتجمل بمكانهم فاستقدم عبد المهيمن من سبتة واستكتبه سنة ثنتى عشرة ثم خالف على أبيه سنة أربع عشرة وامتنع بالبلد الجديد وخرج منها إلى سجلماسة لصلح عقده مع أبيه فتمسك السلطان أبو سعيد بعبد المهيمن واتخذه كاتبا إلى أن دفعه إلى رياسة الكتاب ورسم علامته في الرسائل والاوامر فتقدم لذلك سنة ثمان عشرة ولم يزل عليها سائر أيام السلطان أبو سعيد وابنه أبى الحسن وسار مع أبى الحسن إلى افريقية وتخلف عن واقعة القيروان لما كان به من علة النقرس فلما كانت الهيعة بتونس ووصل خبر الواقعة وتحيز أولياء السلطان إلى القصبة مع حرمه تسرب عبد المهيمن في المدينة منتبذا عنهم وتوارى في بيتنا خشية أن يصاب معهم بمكروه فلما انجلت تلك الغيابة ورجع السلطان من القيروان إلى سوسة وركب منها البحر إلى تونس أعرض عن عبد المهيمن لما سخط غيبته عن قومه بالقصبة وجعل العلامة لابي الفضل ابن الرئيس عبد الله بن أبى مدين وقد كانت من قبل مقصورة على هذا البيت وأقام عبد المهيمن عطلا من العمل شهرا ثم اعتبر السلطان ورضى عنه ورد إليه العلامة كما كان ثم توفى لايام قلائل بتونس بالطاعون الجارف سنة تسع وأربعين ومولده سنة خمس وسبعين من المائة قبلها وقد استوعب ابن الخطيب التعريف به في تاريخ غرناطة فليطالع هناك من أحب الوقوف عليه (وأما ابن رضوان) الذى ذكره الرحوى في قصيدته فهو أبو القاسم عبد الله بن يوسف بن رضوان البحارى أصله من الاندلس نشأ بمالقة وأخذ عن مشيختها وحذق في العربية والادب وتفنن في العلوم ونظم ونثر وكان مجيدا في الترسيل ومحسنا في كتابة الوثائق وارتحل بعد واقعة طريف ونزل سبتة ولقى بها السلطان أبا الحسن ومدحه وأجازه واختص بالقاضي ابراهيم بن يحيى وهو يومئذ قاضى العساكر وخطيب السلطان وكان يستتيبه في القضاء والخطابة
ثم نظمه في جملة الكتاب بباب السلطان واختص بخدمة عبد المهيمن رئيس الكتاب والاخذ عنه إلى أن رحل السلطان إلى افريقية وكانت واقعة القيروان وانحصر(7/392)
بالقصبة بتونس مع من انحصر بها من أشياعه مع أهله وحرمه وكان السلطان قد خلف ابن رضوان في بعض خدمته فجلا عند الحصار فيما عرض لهم من المكاتبات وتولى كبر ذلك فقام فيه أحسن قيام إلى أن وصل السلطان من القيروان فرعى له حق خدمته تأنيسا وقربا وكثرة استعمال إلى أن رحل من تونس في الاسطول إلى المغرب سنة خمسين كما مر واستخلف بتونس ابنه أبا الفضل وخلف أبا القاسم بن رضوان كاتبا له فأقاما كذلك أياما ثم غلبهم على تونس سلطان الموحدين الفضل ابن السلطان أبى يحيى ونجا أبو الفضل إلى أبيه ولم يطق ابن رضوان الرحلة معه فأقام بتونس حولا ثم ركب البحر إلى الاندلس وأقام بالمرية مع جملة من هنالك من أشياع السلطان أبى الحسن كان فيهم عامر ابن محمد بن على شيخ هنتاتة كافلا لحرم السلطان أبى الحسن وابنه أركبهم السفين معه من تونس عند ما ارتحل فخلص إلى الاندلس ونزلوا بالمرية وأقاموا بها تحت جراية سلطان الاندلس فلحق بهم ابن رضوان وأقام معهم ودعاه أبو الحجاج سلطان الاندلس إلى أن يستكتبه فامتنع ثم هلك السلطان أبو الحسن وارتحل مخلفه الذين كانوا بالمرية ووفدوا على السلطان أبى عنان ووفد معهم ابن رضوان فرعى له وسائله في خدمة أبيه واستكتبه واختصه بشهود مجلسه مع طلبة العلم بحضرته وكان محمد بن أبى عمرو يومئذ رئيس الدولة ونجى الخلوة وصاحب العلامة وحسبان الجباية والعساكر قد غلب على هوى السلطان واختص به فاستخدم له ابن رضوان حتى علق منه بذمة ولاية وصحبة وانتظام في السمر وغشيان المجالس الخاصة وهو مع ذلك يدنيه من السلطان وينفق سوقه عنده ويستكفى به في مواقف خدمته إذا غاب عنها لما هو اهم فحلابعين السلطان ونفقت عنده فضائله فلما سار أبو عمرو في العساكر إلى بجاية سنة أربع وخمسين انفرد ابن رضوان
بعلامة الكتاب عن السلطان ثم رجع ابن أبى عمرو بالسلطان فأقصاه إلى بجاية وولاه عليها وعلى سائر أعمالها وعلى الموحدين بقسنطينة وأفرد ابن رضوان بالكتابة وجعل إليه العلامة كما كانت لابن أبى عمرو فاستقل بها موفر الاقطاع والاسهام والجاه ثم سخطه آخر سبع وخمسين وجعل العلامة لمحمد بن أبى القاسم بن أبى مدين والانشاء والتوقيع لابي اسحق ابراهيم بن الحاج الغرناطي فلما كانت دولة السلطان أبى سالم جعل العلامة لعلى بن محمد بن مسعود صاحب ديوان العساكر والانشاء والتوقيع والسر لمؤلف الكتاب عبد الرحمن ابن خلدون ثم هلك أبو سالم سنة اثنتين وستين واستبد الوزير عمر بن عبد الله على من كفله من أبنائه فجعل العلامة لابن رضوان سائر أيامه وقتله عبد العزيز ابن السلطان أبى الحسن واستبد بملكه فلم يزل ابن رضوان على العلامة وهلك عبد العزيز وولى ابنه السعيد في كفالة الوزير أبى بكر بن غازى بن الكاس(7/393)
وابن رضوان على حاله ثم غلب السلطان أحمد على الملك وانتزعه من السعيد وأبى بكر بن غازى وقام بتدبير دولته محمد بن عثمان بن الكاس مستبدا عليه والعلامة لابن رضوان كما كانت إلى أن هلك بازمور في حركة السلطان أحمد إلى مراكش لحصار عبد الرحمن بن ابى يفلوسن ابن السلطان أبى على * وكان في جملة السلطان أبى الحسن جماعة كثيرة من فضلاء المغرب وأعيانه هلك كثير منهم في الطاعون الجارف بتونس وغرق جماعة منهم في أسطوله لما غرق وتخطت النكبة منهم آخرين إلى أن استوفوا ما قدر من آجالهم (فممن حضر معه بافريقية) الفقيه أبو عبد الله محمد بن أحمد الزواوى شيخ القراء بالمغرب أخذ العلم والعربية عن مشيخة فاس وروى عن الرحالة أبى عبد الله بن رشيد وكان اماما في القراآت وصاحب ملكه فيها لا يجارى وله مع ذلك صوت من مزامير آل داود وكان يصلى بالسلطان التروايح ويقرأ عليه بعض الاحيان حزبه (وممن حضر معه) بافريقية الفقيه أبو عبد الله محمد بن محمد بن الصباغ من أهل مكناسة مبرزا في المعقول
والمنقول وعارفا بالحديث وبرجاله واماما في معرفة كتاب الموطا واقرائه أخذ العلوم عن مشيخة فاس ومكناسة ولقى شيخنا أبا عبد الله الايلى ولازمه وأخذ عنه العلوم العقلية فاستنفد بقية طلبه عليه فبرز آخرا واختاره السلطان لمجلسه واستدعاه ولم يزل معه إلى أن هلك غريقا في ذلك الاسطول (ومنهم القاضى أبو عبد الله) محمد بن عبد الله ابن عبد النور من أعمال ندرومة ونسبه في صنهاجة كان مبرزا في الفقه على مذهب الامام مالك بن أنس تفقه فيه على الاخوين أبى زيد وأبى موسى ابني الامام وكان من جملة أصحابهما ولما استولى السلطان أبو الحسن على تلمسان رفع من منزلة ابني الامام واختصهما بالشورى في بلدهما وكان يستكثر من أهل العلم في دولته ويجرى لهم الارزاق ويعمر بهم مجلسه فطلب يومئذ من ابن الامام أن يختار له من أصحابه من ينظمه في فقهاء المجالس فأشار عليه بابن عبد النور هذا فأدناه وقرب مجلسه وولاه قضاء عسكره ولم يزل في جملته إلى أن هلك بالطاعون بتونس سنة تسع وأربعين وكان قد خلف أخاه عليا رفيقه في تدريس ابن الامام الا أنه أقصر باعامنه في الفقه فلما خلع السلطان أبو عنان طاعة أبيه السلطان أبى الحسن ونهض إلى فاس استنفره في جملته وولاه قضاء مكناسة فلم يزل بها حتى تغلب عمر بن عبد الله على الدولة كما مر فنزع إلى قضاء فرضه فسرحه فخرج حاجا سنة أربع وستين فلما قدم على مكة وكان به بقية مرض هلك في طواف القدوم وأوصى أمير الحاج على ابنه محمد وأن يبلغ وصيته به للامير المتغلب على الديار المصرية يومئذ ببغا الخاصكى فأحسن خلافته فيه وولاه من وظائف الفقهاء ماسد به خلته وصان عن سؤال الناس وجهه وكان له عفا الله عنه كلف بعلم(7/394)
الكيمياء طالبا لمن غلط في ذلك وأمثاله فلم يزل يعانى من ذلك ما يورطه مع الناس في دينه وعرضه إلى أن دعته الضرورة للترحل عن مصر ولحق ببغداد وناله مثل ذلك فلحق بماردين واستقر عند صاحبها فأحسن جواره ألى أن بلغنا بعد التسعين أنه هلك
هنالك حتف أنفه والبقاء لله (ومنهم شيخ التعاليم) أبو عبد الله محمد بن النجار من أهل تلمسان أخذ العلم ببلده عن مشيختها وعن شيخنا الايلى وبرز عليه ثم ارتحل إلى المغرب فلقى بسبتة امام التعاليم أبا عبد الله محمد بن هلال شارح المجسطى في الهيئة وأخذ بمراكش عن الامام أبى العباس ابن البناء وكان اماما في علم النجامة وأحكامها وما يتعلق بها ورجع إلى تلمسان بعلم كثير واستخلصته الدولة فلما هلك أبو تاشفين وملك السلطان أبو الحسن نظمه في جملته وأجرى له رزقه فحضر معه بافريقية وهلك في الطاعون (ومنهم) أبو العباس أحمد بن شعيب من أهل فاس برع في الادب واللسان والعلوم العقلية من الفلسفة والتعاليم والطب وغيرها ونظمه السلطان أبو سعيد في جملة الكتاب وأجرى عليه رزق الاطباء لتقدمه فيه فكان كاتبه وطبيبه وكذا مع السلطان أبى الحسن بعده فحضر بافريقية وهلك بها في ذلك الطاعون وكان له شعر سابق به الفحول من المتقدمين والمتأخرين وكانت له امامة في نقد الشعر وبصر به وما حضرني الآن من شعره الا قوله دار الهوى نجد وساكنها * بدر أمان النفس من نجد هل باكرالو سمى ساحتها * واستن في قيعانها الجرد أو بات معتل النسيم بها * مستشفيا بالبان الرند يتلو أحاديث الذين هم * قصدي وان جاروا عن القصد أيام سمر ظلالها وطنى * منها وزرق مياهها وردى ومطارح النظرات في رشا * أحوى المدامع أهيف القد يرنو اليك بعين جارية * قتل المحب بها على عمد حتى أجد بهم على عجل * ريب الخطوب وعاثر الجد فقد وافما وأبيك بعدهم * عيشي شفى الاعلى الفقد وغدوا دفينا قد تضمنه * بطن الثرى وقرارة اللحد ومشر دامن دون رؤيته * قذف النوى وتنوفة البعد
أجرى على العيش بعدهم * أبى جرعت حميمهم وحدي لا تلحني يا صاح في شجن * أخفيت منه فوق ما أبدى بالقرب لى سكن يؤوبنى * من ذكره سهد على سهد فرخان قد تركا بمضيعة * رزئت عن الرفداء والرفد(7/395)
(ومنهم) صاحبنا الخطيب أبو عبد الله محمد بن أحمد بن مرزوق من أهل تلمسان كان سلفه نزلاء الشيخ أبى مدين بالعباد ومتوارثين خدمة تربته من لدن جدهم خادمه في حياته وكان جده الخامس أو السادس واسمه أبو بكر بن مرزوق معروفا بالولاية يهم ولما هلك دفنه يغمراسن بن زيان السلطان بتلمسان من بنى عبد الواد في التربة بقصره ليدفن بازائه متى قدر بوفاته ونشأ محمد هذا بتلمسان ومولده فيما أخبرني سنة عشر وسبعمائة وارتحل مع أبيه إلى المشرق سنة ثمان عشرة ومر ببجاية فسمع بها على الشيخ أبى على ناصر الدين ودخل الشرق وجاور أبوه بالحرمين الشريفين ورجع هو إلى القاهرة وأقام بها وقرأ على برهان الدين السفاقسى المالكى وأخيه وبرع في الطلب والرواية وكان يجيد الخطين ثم رجع سنة ثلاث وثلاثين إلى المغرب ولقى السلطان أبا الحسن بمكانه من حصار تلمسان وقد شيد بالعباد مسجد اعظيما وكان عمه ابن مرزوق خطيبا به على عادتهم في العباد وتوفى فولاه السلطان خطابة ذلك المسجد مكان عمه وسمعه يخطب على المنبر ويشيد بذكره والثناء عليه فحلا بعينه واختصه وقربه وهو مع ذلك يلازم مجلس الشيخين ابني الامام ويأخذ نفسه بلقاء الفضلاء والاكابر والاخذ عنهم والسلطان كل يوم يزيد ترقيه وحضر معه واقعة طريف التى كان فيها تمحيص المسلمين فكان يستعمله في السفارة عنه إلى صاحب الاندلس ثم سفر عنه بعد أن ملك افريقية إلى ابن ادفونش ملك قشتالة في تقرير الصلح واستنفاذ ابنه أبى عمر تاشفين كان أسر يوم طريف فغاب في تلك السفارة عن واقعة القيروان ورجع بتاشفين مع
طائفة من زعماء النصرانية جاؤا في السفارة عن ملكهم ولقيهم خبر واقعة القيروان بقسنطينة من بلاد افريقية وبها عامل السلطان وحاميته فثار أهل قسنطينة بهم جميعا ونهبوهم وخطبوا للفضل ابن السلطان أبى يحيى وراجعوا دعوة الموحدين واستدعوه فجاء إليهم وملك البلد وانطلق ابن مرزوق عائدا إلى المغرب مع جماعة من الاعيان والعمال والسفراء عن الملوك ووفد على السلطان أبى عنان مع أمة حظية أبى الحسن والدته كانت راحلة إليه فأدركها الخبر بقسنطينة وحضرت الهيعة فوثب ابنها أبو عنان على ملك أبيه واستيلائه على فاس فرجعت إليه وابن مرزوق في خدمتها ثم طلب اللحاق بتلمسان فسرحوه إليها وأقام بالعباد مكان سلفه وعلى تلمسان يومئذ أبو سعيد عثمان بن عبد الرحمن بن يغمراسن بن زيان قد بايع له قبيلة بنى عبد الواد بعد واقعة القيروان بتونس وابن تافراكين يومئذ محاصر للقصبة كما مر في أخبارهم وانصرفوا إلى تلمسان فوجدا بها أبا سعيد عثمان بن جرار قد استعمله عليها السلطان أبو عنان عند انتقاضه على أبيه ومسيره إلى فاس وانتقض ابن جرار من بعده ودعا(7/396)
لنفسه وصمد إليه عثمان بن عبد الرحمن ومعه أخوه أبو ثابت وقومهما فملكوا تلمسان من يد ابن جرارو حبسوه ثم قتلوه واستبد أبو سعيد بملك تلمسان وأخوه أبو ثابت يردفه وركب السلطان أبو الحسن البحر من تونس وغرق أسطوله ونجا هو إلى الجزائر فاحتل بها وأخذ في الحشد إلى تلمسان فرأى أبو سعيد أن يكف غربه عنهم بمواصلة تقع بينهما واختار لذلك الخطيب ابن مرزوق فاستدعاه وأسر إليه بما يلقيه عند السلطان أبى الحسن وذهب لذلك على طريق الصحراء وأطل أبو ثابت وقومه على الخبر فنكروه على أبى سعيد وعاتبوه فأنكر فبعثوا صغير بن عامر في اعتراض ابن مرزوق فجاء به وحبسوه أياما ثم أجازوه البحر إلى الاندلس فنزل على السلطان أبى الحجاج بغرناطة وله إليه وسيلة منذ اجتماعه به بمجلس السلطان أبى الحسن بسبتة اثر واقعة طريف فرعى له أبو الحجاج
ذمة تلك المعرفة وأدناه واستعمله في الخطابة بجامعة بالحمراء فلم يزل خطيبه إلى أن استدعاه السلطان أبو عنان سنة أربع وخمسين بعد مهلك أبيه واستيلائه على تلمسان وأعمالها فقدم عليه ورعى وسائله ونظمه في أكابر أهل مجلسه وكان يقرأ الكتب بين يديه في مجلسه العلى ويدرس في نوبته مع من يدرس في مجلسه منهم ثم بعثه إلى تونس عام ملكها سنة ثمان وخمسين ليخطب له ابنة السلطان أبى يحيى فردت تلك الخطبة وأخيف بتونس ووشى إلى السلطان أبى عنان أنه كان مطلعا على مكانها فسخطه لذلك ورجع السلطان من قسنطينة فثار أهل الاندلس بمن كان بها من عماله وحاميته واستقدموا أبا محمد بن تافراكين من المهدية فجاء وملك البلد وركب القوم الاسطول ونزلوا بمراسى تلمسان وأو عز السلطان باعتقال ابن مرزوق وخرج لذلك يحيى بن شعيب من مقدمى الحجاب ببابه فلقيه بتا سالت فقيده هنالك وجاء به فأحضره السلطان وقرعه ثم حبسه مدة وأطلقه بين يدى مهلكه واضطربت الدولة بعد موت السلطان أبى عنان وبايع بعض بنى مرين لبعض الاعياص من بنى يعقوب بن عبد الحق وحاصروا البلد الجديد وبها ابنه السعيد ووزيره المستبد عليه الحسن بن عمر وكان السلطان أبو سالم بالاندلس غربه إليها أخوه السلطان أبو عنان مع بنى عمهم ولد السلطان أبى على بعد وفاة السلطان أبى الحسن وحصولهم جميعا في قبضته فلما توفى أراد أبو سالم النهوض لملكه بالمغرب فمنعه رضوان القائم يومئذ بملك الاندلس مستبدا على ابن السلطان أبى الحجاج فلحق هو باشبيلية من دار الحرب ونزل على بطرة ملكهم يومئذ فهيأله السفن وأجازه إلى العدوة فنزل بجبل الصفيحة من بلاد غمارة وقام بدعوته بنو مسير وبنو منير أهل ذلك الجبل منهم ثم أمدوه واستولى على ملكه في خبر طويل ذكرناه في أخبار دولته وكان ابن مرزوق يداخله وهو بالاندلس ويستخدم له ويفاوضه في أموره وربما(7/397)