على بلده وبعث المنصور على بلده حماة وأقره عليها ورد إليه المعرة وانتزع منه سلمية فأقطعها لامير العرب مهنا بن ماتع بن جديلة وسار إلى دمشق فهرب من كان بها من التتر وقتل من وجد بها من بقاياهم ورتب العساكر في البلاد وولى على دمشق علم الدين سنجر الحلى الصالحي وهو الذى كان أتابك على بن ايبك ونجم الدين أبا الهيجاء ابن خشترين الكردى وولى على حلب السعيد ويقال المظفر علاء الدين بن لؤلؤ صاحب الموصل وكان وصل إلى الناصر بمصر هاربا أمام التتر وسار معه فلما دخل الناصر منها لحق هو بمصر وأحسن إليه قطز ثم ولاه الناصر على حلب الآن ليتوصل إلى أخبار التتر من أخيه الصالح بالموصل وولى على نابلس وغزة السواحل شمس الدين دانشيراليرلى من أمراء العزيز محمد وهو أبو الناصر وكان هرب منه عند نهوضه إلى مصر في جماعة من العزيزية ولحق باتابك ثم ارتاب بهم وقبض على بعضهم ورجع اليرلى في الباقين إلى الناصر فاعتقله بقلعة حلب حتى سار إلى التتر فلما دخل إليها سار اليرلى مع العساكر إلى مصر فأكرمه المظفر وولاه الآن على السواحل وغزة وأقام المظفر بدمشق عشرين ليلة وأقبل إلى مصر ولما بلغ إلى هلاكو ما وقع بقومه في الشأم
واستيلاء الترك عليه اتهم صاحب دمشق بأنه خدعه في اشارته وقتله كما مر وانقرض ملك بنى أيوب من الشأم أجمع وصار لملوك مصر من الترك والله يرث الارض ومن عليها وهو خير الوارثين * (مقتل المظفر وولاية الظاهر بيبرس) * كان البحرية من حين مقتل أميرهم اقطاى الجامدار يتحينون لاخذ ثاره وكان قطز هو الذى تولى قتله فكان مستريبا بهم ولما سار إلى التتر ذهل كل منهم عن شأنه وجاء البحرية من القفر هاربين من المغيث صاحب الكرك فوثقوا لانفسهم من السلطان قطز أحوج ما كان إلى أمثالهم من المدافعة عن الاسلام وأهله نأمنهم واشتمل عليهم وشهدوا معه واقعة التتر على عين جالوت وأبلغوا فيها والمقدمون فيهم يومئذ بيبرس البندقدارى وأنز الاصبهاني وبليان الرشيدى وبكتون الجوكندارى وبندوغار التركي فلما انهزم التتر من الشأم واستولوا عليه وحسر ذلك المد وأفرج عن الخائفين الروع عاد هؤلاء البحرية إلى ديدنهم من الترصد لثار اقطاى فلما قفل قطز من دمشق سنة ثمان وخمسين أجمعوا أن يبرزوا به في طريقهم فلما قارب مصر ذهب في بعض أيامه يتصيد وسارت الرواحل على الطريق فاتبعوه وتقدم إليه أنز شفيعا في بعض أصحابه فشفعه فأهوى يقبل يده فأمسكها وعلاه بيبرس بالسيف فخر صريعا لليدين والفم ورشقه الآخرون بالسهام فقتلوه وتبادروا إلى المخيم وقام دون فارس الدين اقطاى على(5/380)
ابن المعز ايبك وسأل من تولى قتله منكم فقالوا بيبرس فبايع له واتبعه أهل المعسكر ولقبوه الظاهر وبعثوا ايدمر الحلى بالخبر إلى القلعة بمصر فأخذ له البيعة على من هناك ووصل الظاهر منتصف ذى القعدة من السنة فجلس على كرسيه واستخلف الناس على طبقاتهم وكتب إلى الاقطار بذلك ورتب الوظائف وولى الامراء وولى تاج الدين عبد الوهاب ابن بنت الاعز الوزارة مع القضاء واقتدى بآثار أستاذه الصالح نجم الدين
ومبدأ أمر هذا الظاهر بيبرس انه كان من موالى علاء الدين ايدكين البند قدارى مولى الصالح فسخط عليه واعتقله وانتزع ماله ومواليه وكان منهم بيبرس فصيره مع الجامدارية وما زال يترقى في المراتب إلى أن تقدم في الحروب ورياسة المراكب ثم كان خبره بعد الصالح ما قصصناه انتهى والله سبحانه وتعالى أعلم * (انتقاض سنجر الحلى بدمشق ثم أقوش البرلى بحلب) * ولما بلغ علم الدين سنجر بدمشق مقتل قطز وولاية الظاهر بيبرس انتقض ودعا لنفسه وجلس على التخت بدمشق وتلقب المجاهد وخطب لنفسه وضرب السكة باسمه وتمسك المنصور صاحب حماة بدعوة الظاهر وجاءت عساكر التتر إلى الشأم فلما شارفوا البيرة جرد إليهم السعيد بن لؤلؤ من حلب عسكرا فهزمهم التتر وقتلوهم واتهم الامراء العزيزية والناصرية ابن لؤلؤ في ذلك فاعتقلوه وقدموا عليهم حسام الدين الجوكندارى وأقره الظاهر وزحف التتر إلى حلب فملكوها وهرب حسام الدين إلى حماة ثم زحف إليها التتر فلحق صاحبها المنصور وأخوه على الافضل إلى حمص وبها الاشرف ابن شيركوه واجتمعت إليه العزيزية والناصرية وقصدوا التتر سنة تسع وخمسين فهزموهم بعد هزيمتهم ونازلوا حماة وسار المنصور والاشرف صاحب حمص إلى سنجر الحلى بدمشق ولم يدخلا في طاعته لضعفه وسار التتر من حماة إلى فحاصروها يوما وعبروا الفرات إلى بلادهم وبعث بيبرس الظاهر صاحب مصر أستاذه علاء الدين البندقدارى في العساكر لقتال سنجر الحلى بدمشق وقاتلهم فهزموه ولجأ إلى القلعة ثم خرج منها ليلا إلى بعلبك واتبعوه فقبضوا عليه وبعثوه إلى الظاهر فاعتقله واستقر ايدكين بدمشق ورجع صاحب حمص وحماة إلى بلديهما وبعث الظاهر إلى ايدكين بالقبض على بهاء الدين بقرى وشمس الدين أقوش اليرلى وغيرهما من العزيزية فقبض على بقرى وفر العزيزية والناصرية مع أقوش اليرلى وطالبوا صاحب حمص وصاحب حماة في الانتقاض فلم يجيباهم إلى ذلك فقال لفخر الدين
اطلب لى الظاهر المقدم معك في خدمتك وبينما هو يسير لذلك خالفه اليرلى إلى حلب وثار بها وجمع العرب والتركمان ونصب للحرب فجاءت العساكر من مصر فقاتلوه(5/381)
وغلبوه عليها ولحق بالبيرة فملكها واستقر بها حتى إذا جهر الظاهر عساكره سنة ستين إلى حلب مع سنقر الرومي سار معه صاحب حماة وصاحب حمص للاغارة على انطاكية ولقيهم اليرلى وأعطاهم طاعته وأقره الظاهر على البيرة ثم ارتاب به بعد ذلك واعتقله ثم علاء الدين ايدكين البندقدارى مولى السلطان بدمشق وولى عليها بيبرس الوزير ورجع والله ينصر من يشاء من عباده انتهى [ البيعة للخليفة بمصر ثم مقتله بالحديثة وغانة على يد التتر والبيعة للآخر الذى استقرت الخلافة في عقبه بمصر ] لما قتل الخليفة عبد الله المستعصم ببغداد بقى رسم الخلافة الاسلامية عطلا باقطار الارض والظاهر متشوف إلى تجديده وعمارة دسته ووصل إلى مصر سنة تسع وخمسين عم المستعصم وهو أبو العباس أحمد بن الظاهر كان بقصورهم ببغداد وخلص يوم البيعة وأقام يتردد في الاحياء إلى أن لحق بمصر فسر الظاهر بقدومه وركب للقائه ودعا الناس على طبقاتهم إلى أبواب السلطان بالقلعة وأفرد بالمجلس أدبا معه وحضر القاضى تاج الدين ابن بنت الاعز فحكم باتصال نسبه بالشجرة الكريمة بشهادة العرب الواصلين به والخدم الناجعين من قصورهم ثم بايع له الظاهر والناس على طبقاتهم وكتب إلى النواحى بأخذ البيعة له والخطبة على المنابر ونقش اسمه في السكة ولقب المستنصر وأشهد هو حينئذ الملا بتفويض الامر للظاهر والخروج له عن العهد وكتب بذلك سجله وأنشأه فخر الدين بن لقمان كاتب الترسيل ثم ركب السلطان والناس كافة إلى خيمة بنيت خارج المدينة فقرئ التقليد على الناس وخلع على أهل المراتب والخواص ونادى السلطان بمظاهرته واعادته إلى دار خلافته ثم خطب هذا الخليفة
يوم الجمعة وخشع في منبره فأبكى الناس وصلى وانصرفوا إلى منازلهم ووصل على أثره الصالح اسمعيل بن لؤلؤ صاحب الموصل وأخوه اسحق صاحب الجزيرة وقد كان أبوهما لؤلؤ استخدم لهلاكو كما مر وأقره على الموصل وما إليها وتوفى سنة سبع وخمسين وقد ولى ابنه اسمعيل على الموصل وابنه اسمعيل المجاهد على جزيرة ابن عمر وابنه السعيد على سنجار وأقرهم هلاكو على أعمالهم ولحق السعيد بالناصر صاحب دمشق وسار معه إلى مصر وصار مع قطز وولاه حلب كما مر ثم اعتقل ثم ارتاب هلاكو بالاخوين فأجفلا ولحقا بمصر وبالغ الظاهر في اكرامهم وسألوه في اطلاق أخيهم المعتقل فأطلقه وكتب لهم بالولاية على أعمالهم وأعطاهم الالوية وشرع في تجهيز الخليفة إلى كرسيه ببغداد فاستخدم له العساكر وأقام له الفساطيط والخيام ورتب له الوظائف وأزاح علل الجميع يقال أنفق في تلك النوبة نحوا من ألف ألف دينار ثم سار من مصر في شوال من(5/382)
السنة إلى دمشق ليبعث من هناك الخليفة وابنى لؤلؤ إلى ممالكهم ووصل إلى دمشق ونزل بالقلعة وبعث بليان الرشيدى وشمس الدين سنقر إلى الفرات وصمم الخليفة لقصده وفارقهم وسار الصالح اسمعيل وأخواه إلى الموصل وبلغ الخبر إلى هلاكو فجرد العساكر إلى الخليفة وكبسوه بغانة والحديثة فصابرهم قليلا ثم استشهد وبعث العساكر إلى الموصل فحاصروها تسعة أشهر حتى جهدهم الحصار واستسلموا فملكها التتر وقتلوا الصالح اسمعيل والظاهر خلال ذلك مقيم بدمشق وقد وفد عليه بنو أيوب من نواحى الشأم وأعطوه طاعتهم المنصور صاحب حماة والاشرف صاحب حمص فأكرم وصلهما وولاهما على أعمالهما وأذن لهما في اتخاذ الآلة بلاد الاسماعيلية والى المنصور تل باشر الذى اعتاضه عن حمص لما آخذها منه الناصر صاحب حلب ووفد على الظاهر أيضا بدمشق الزاهد أسد الدين شيركوه صاحب وصاحب بعلبك والمنصور والسعيد ابنا الصالح اسمعيل بن العادل والامجد بن الناصر
داود والاشرف بن مسعود والظاهر بن المعظم فأكرم وفادتهم وقابل بالاحسان والقبول طاعتهم وفرض لهم الارزاق وقرر الجرايات ثم قفل إلى مصر وأفرج عن العزيز بن المغيث الذى كان اعتقله قطز وأطلقه بالكرك وولى على احياء العرب بالشأم عيسى بن مهنا بن ماتع بن جريلة من رجالاتهم ووفر لهم الاقطاع على حفظ السابلة إلى حدود العراق ورجع إلى مصر فقدم عليه رجل من عقب المسترشد من خلفاء بنى العباس ببغداد اسمه أحمد فأثبت نسبه ابن بنت الاعز كالاول وجمع الظاهر الناس على مراتبهم وبايع له وفوض إليه هو الامور وخرج إليه عن التدبير وكانت هذه البيعة سنة ستين ونسبه عند العباسيين في ادراج نسبهم الثابت أحمد بن أبى بكر على بن أبى بكر بن أحمد بن الامام المسترشد وعند نسابة مصر أحمد بن حسن بن أبى بكر بن الامير أبى على القتبى بن الامير حسن بن الامام الراشد بن الامام المسترشد هكذا قال صاحب حماة في تاريخه وهو الذى استقرت الخلافة في عقبه بمصر لهذا العهد انتهى والله سبحانه وتعالى أعلم * (فرار التركمان من الشأم إلى بلاد الروم) * كان التركمان عند دخول التتر إلى بلاد الشأم كلهم قد أجفلوا إلى الساحل واجتمعت أحياؤهم بالجو كان قريبا من صفد وكان الظاهر لما نهض إلى الشأم اعترضه رسل الافرنج من يافا وبيروت وصفد يسألونه في الصلح على ما كان لعهد صلاح الدين فأجابهم وكتب به إلى الانبردور ملكهم ببلاد افرنسة وراء البحر فكانوا في ذمة من الظاهر وعهد ووقعت بين الافرنج بصفد وبين أحياء التركمان واقعة يقال أغار فيها أهل صفد(5/383)
عليهم فأوقع بهم التركمان وأسروا عدة من رؤسائهم وفادوهم بالمال ثم خشوا عاقبة ذلك من الظاهر فاتحلوا إلى بلاد الروم وأقفر الشأم منهم والله تعالى ينصر من يشاء من عباده
* (انتقاض الاشرفية والعزيزية واستيلاء اليرلى على البيرة) * كان هؤلاء العزيزية والاشرفية من أعظم جموع هؤلاء الموالى وكان مقدم الاشرفية بهاء الدين بقرى ومقدم العزيزية شمس الدين أقوش وكان المظفر قطز قد أقطعه نابلس وغزة وسواحل الشأم ولما ولى الظاهر انتقض عليه سنجر الحلى بدمشق وجهز أستاذه علاء الدين البندقدارى في العساكر لقتاله وكان الاشرفية والعزيزية بحلب وقد انتقضوا على نائبها السعيد بن لؤلؤ كما مر فتقدم البندقداري باستدعائهم معه إلى دمشق ثم أضاف الظاهر بيسان لليرلى زيادة على ما بيده فسار وملك دمشق ثم أوعز الظاهر إلى البندقدارى بالقبض على العزيزية والاشرفية فلم يتمكن الا من بقرى مقدم الاشرفية وفارقه الباقون وانتقضوا واستولى شرف الدين اليرلى على البيرة وأقام بها وشن الغارات على التتر شرقي الفرات فنال منهم ثم جهز الظاهر عساكره إليه مع جمال الدين بامو الحموى فهزمهم وأطلقهم وأقام الظاهر على استمالته بالترغيب والترهيب حتى جنح إلى الطاعة واستأذن في القدوم وسار بكباس الفخري للقائه فلقيه بدمشق سنة احدى وستين ثم وصل فأوسعه السلطان يدا وعطاء والواصلين معه على مراتبهم واختصه بمراكبته ومشورته وسأله النزول عن البيرة فنزل عنها فقبلها الظاهر وأعاضه عنها والله سبحانه وتعالى أعلم * (استيلاء الظاهر على الكرك من يد المغيث وعلى حمص بعد وفاة صاحبها) * لما قفل السلطان من الشأم سنة ستين كما قدمناه جرد عسكرا إلى الشوبك مع بدر الدين ايدمرى فملكها وولى عليها بدر الدين بليان الخصى ورجع إلى مصر وكان عند المغيث بالكرك جماعة من الاكراد الذين أجفلوا من شهرزور أمام التتر إلى الشأم وكان قد اتخذهم جندا لعسكرته فسرحهم للاغارة على الشوبك ونواحيه فاعتزم السلطان على الحركة إلى الكرك مخافة المغيث وبعث بالطاعة واستأمن الاكراد فقبلهم الظاهر وأمن الاكراد فوصلوا إليه ثم سار سنة احدى وستين إلى الكرك واستخلف على مصر
جدر الحلى واستخلف على غزة فلقى هنالك أم المغيث تستعطفه وتستأمن منه لحضور ابنها فأجابها وسار إلى بيسان فسار المغيث للقائه فلما وصل قبض عليه وبعثه من حينه إلى القاهرة مع اقسنقر الفارقانى وقتل بعد ذلك بمصر وولى على الكرك عز الدين(5/384)
ايدمر وأرسل نور الدين بيسرى الشمسي ليؤمن أهل الكرك ويرتب الامور بها وأقام بالطور في انتظاره فأبلغ بيسرى القصد من ذلك ورجع إليه فارتحل إلى القدس وأمر بعمارة مسجده ورجع إلى مصر وبلغه وفاة صاحب حمص موسى الاشرف بن ابراهيم المنصور شيركوه المجاهد بن ناصر الدين محمد بن أسد الدين شيركوه وكانت ورائة له من آبائه أقطعه نور الدين العادل لجده أسد الدين ولم تزل في أيديهم وأخذها الناصر يوسف صاحب حلب سنة ست وأربعين وعوضه عنها تل باشر وأعادها عليه هلاكو وأقره الظاهر ثم توفى سنة احدى وستين وصارت للظاهر وانقرض منها ملك بنى أيوب والله سبحانه وتعالى أعلم * (هزيمة التتر على البيرة وفتح قيسارية وارسوف بعدها) * ثم رجعت عساكر التتر إلى البيرة مع ردمانة من أمراء المغل سنة ثلاث وستين فحاصروها ونصبوا عليها المجانيق فجهز السلطان العساكر مع لوغان من أمراء الترك فساروا في ربيع من السنة وسار السلطان في اثرهم وانتهى إلى غزة ولما وصلت العساكر إلى البيرة وأشرفوا عليها والعدو يحاصرها أجفلت عساكر التتر وساروا منهزمين وخلفوا سوادهم وأثقالهم فنهبتها العساكر وارتحل السلطان من غزة وقصد قيسارية وهى للافرنج فنزل عليها عاشر جمادى من السنة فنصب المجانيق ودعا أهلها للحرب واقتحمها عليهم فهربوا إلى القلعة فحاصرها خمسا وملكها عنوة وفر الافرنج منها ثم رحل في خف من العساكر إلى عملها فشن عليها الغارة وسرح عسكرا إلى حيفا فملكها عنوة وخربوها وقلعتها في يوم أو بعض يوم ثم ارتحل إلى ارسوف فنازلها مستهل
جمادى الاخيرة فحاصرها وفتحها عنوة وأسر الافرنج الذين بها وبعث بهم إلى الكرك وقسم أسوارها على الامراء فرموها وعمد إلى ما ملك في هذه الغزاة من القرى والضياع والارضين فقسمها على الامراء الذين كانوا معه وكانوا اثنين وخمسين وكتب لهم بذلك وقفل إلى مصر وبلغه الخبر بوفاة هلاكو ملك التتر في ربيع من السنة وولاية ابنه ابغا مكانه وما وقع بينه وبين بركه صاحب الشمال من الفتنة ولاول دخوله لمصر قبض على شمس الدين سنقر الرومي وحبسه وكانت الفتنة قبل غزاته بين عيسى بن مهنا ولحق زامل بعد ذلك بهلاكو ثم استأمن إلى الظاهر فامنه وعاد إلى احيائه والله تعالى أعلم * (غزو طرابلس وفتح صفد) * كانت طرابلس للافرنج وبها سمند بن البرنس الاشتر وله معها انطاكية وبلغ السلطان انه قد فلقيه النائب بها علم الدين سنجر الباشقر وانهزم المسلمون(5/385)
واستشهد كثير منهم فتجهز السلطان للغزو وسار من مصر في شعبان سنة أربع وستين وترك ابنه السعيد عليا بالقلعة في كفالة عز الدين ايدمر الحلي وقد كان عهد لابنه السعيد بالملك سنة ثنتين وستين ولما انتهى إلى غزة بعث العساكر صحبة سيف الدين قلاون ايد غدى العزيزي فنازل القليعات وحلب وعرقا من حصون طرابلس فاستأمنوا إليه وزحفت العساكر وسار السلطان إلى صفد فحاصرها عشرا ثم اقتحمها عليهم في عشرين من رمضان السنة وجمع الافرنج الذين بها فاستلحمهم أجمعين وأنزل بها الحامية وفرض أرزاقهم في ديوان العطاء ورجع إلى دمشق والله تعالى أعلم * (مسير العساكر لغزو الارمن) * هؤلاء الارمن من ولد أخى ابراهيم عليه السلام من بنى قوميل بن ناحور وناحور بن تارح وعبر عنه في التنزيل بآزروناحور اخو ابراهيم عليه السلام ويقال ان الكرج اخوة الارمن وارمينية منسوبة إليهم وآخر مواطنهم الدروب المجاورة
لحلب وقاعدتها سيس ويلقب ملكهم التكفور وكان ملكهم صاحب هذه الدروب لعهد الملك الكامل وصلاح الدين من بعده اسمه قليج بن اليون واستنجد به العادل وأقطع له وكان يعسكر معه وصالحه صلاح الدين على بلاده ثم كان ملكهم لعهد هلاكو والتتر هيثوم بن قسطنطين ولعله من أعقاب قليج أو قرابته ولما ملك هلاكو العراق والشأم دخل هيثوم في طاعته فأقره على سلطانه ثم أمره بالاغارة على بلاد الشأم وأمده صاحب بلاد الروم من التتر وسار سنة ثنتين وستين ومعه بنو كلاب من أعراب حلب وانتهوا إلى وجهز الظاهر عساكر حماة وحمص فساروا إليهم وهزموهم ورجعوا إلى بلادهم فلما رجع السلطان من غزاة طرابلس سنة أربع وستين سرح العساكر لغزو سيس وبلاد الارمن وعليهم سيف الدين قلاون والمنصور صاحب حماة فساروا لذلك وكان هيثوم ملكهم قد ترهب ونصب للملك ابنه كيقومن فجمع كيقومن الارمن وسار للقائهم ومعه أخوه وعمه وأوقع بهم المسلمون قتلا وأسرا وقتل أخوه وعمه في جماعة من الارمن واكتسحت عساكر المسلمين بلادهم واقتحموا مدينة سيس وخربوها ورجعوا وقد امتلات أيديهم بالغنائم والسبي وتلقاهم الظاهر من دمشق عند قارا فلما رآهم ازداد سرورا بما حصل لهم وشكا إليه هنالك الرعية ما لحقهم من عدوان الاحياء الرحالة وانهم ينهبون موجودهم ويبيعون ما يتخطفونه منهم من الافرنج بعكا فأمر باستباحتهم وأصبحوا نهبا في أيدى العساكر بين القتل والاسر والسبي ثم سار إلى مصر وأطلق كيقومن ملك الارمن وصالحه على بلده ولم يزل مقيما إلى أن بعث أبوه في فدائه وبذل فيه الاموال والقلاع فابى الظاهر من ذلك(5/386)
وشرط عليه خلاص الامراء الذين أخذهم هلاكو من سجن حلب وهم سنقر الاشقر وأصحابه فبعث فيهم تكفر إلى هلاكو فبعث بهم إليه وبعث الظاهر بابنه منتصف شوال وتسلم القلاع التى بذلت في فدائه وكانت من أعظم القلاع وأحصنها منها مرزبان
ورعبان وقدم سنقر الاشقر على الظاهر بدمشق وأصبح معه في الموكب ولم يكن أحد علم بأمره وأعظم إليه السلطان النعمة ورفع الرتبة ورعى له السابقة والصحبة وتوفى هيثوم سنة ستين بعدها والله تعالى ينصر من يشاء من عباده * (مسير الظاهر لغزو حصون الافرنج بالشأم وفتح يافا والشقيف ثم انطاكية) * كان الظاهر عندما رجع من غزاة طرابلس إلى مصر أمر بتجديد الجامع الازهر واقامة الخطبة به وكان معطلا منها منذ مائة سنة وهو أول مسجد أسسه الشيعة بالقاهرة حين اختطوها ثم خرج إلى دمشق لخبر بلغه عن التتر ولم يثبت فسار من هنالك إلى صفد وكان أمر عند مسيره بعمارتها وبلغه اغارة أهل الشقيف على الثغور فقصدها وشن الغارة على عكا واكتسح بسائطها حتى سأل الافرنج منه الصلح على ما يرضيه فشرط المقاسمة في صيدا وهدم الشقيف واطلاق تجار من المسلمين كانوا أسروهم ودية بعض القتلى الذى أصابوا دمه وعقد الصلح لعشر سنين ولم يوفوا بما شرط عليهم فنهض لغزوهم ونزل فلسطين في جمادى سنة ست وستين وسرح العساكر لحصار الشقيف ثم بلغه مهلك صاحب يافا من الافرنج وملك ابنه مكانه وجاءت رسله إليه في طلب الموادعة فحبسهم وصبح البلد فاقتحمها ولجأ أهلها إلى القلعة فاستنزلهم بالامان وهدمها وكان أول من اختط مدينة يافا هذه صنكل من ملوك الافرنج عند ما ملكوا سواحل الشأم سنة ثلاث وتسعين واربعمائة ثم مدنها وأتم عمارتها ريد افرنس المأسور على دمياط عندما خلص من محبسه بدار بن لقمان ثم رجع إلى حصن الشقيف فحاصره وافتتحه بالامان وبث العساكر في نواحى طرابلس فاكتسحوها وخربوا عمرانها وكنائسها وبادر صاحب انطرسوس بطاعة وبعث إلى العساكر بالميرة وأطلق الاسرى الذين عنده ثلثمائة أو يزيدون ثم ارتحل السلطان إلى حمص وحماة يريد انطاكية وقدم سيف الدين قلاون في العساكر فنازل انطاكية في شعبان فسار المنصور صاحب حماة وجماعة البحرية
الذين كانوا بأحياء العرب في القفر وكان صاحب انطاكية سمند بن تيمند وكانت قاعدة ملك الروم قبل الاسلام اختطها انطيخس من ملوك اليونانيين واليه تنسب ثم صارت للروم وملكها المسلمون عند الفتح ثم ملكها الافرنج عندما ساروا إلى ساحل الشأم أعوام التسعين والاربعمائة ثم استطردها صلاح الدين من البرنس ارناط الذى(5/387)
قتله في واقعة حطين كما مر ثم ارتجعها الافرنج بعد ذلك على يد البرنس الاشتر وأظنه صنكل ثم صارت لابنه تيمند ثم لابنه سمند وكان عندما حاصرها الظاهر بطرابلس وكان بها كند اصطبل عم يغمور ملك الارمن أفلت من الواقعة عليه بالذرابند واستقر بانطاكية عند سمند فخرج في جموعه لقتال الظاهر فانهزم أصحابه وأسر على أن يحمل أهل انطاكية على الطاعة فلم يوافقوه ثم جهدهم الحصار واقتحمها المسلمون عنوة وأثخنوا فيهم ونجا فلهم إلى القلعة فاستنزلوا على الامان وكتب الظاهر إلى ملكهم سمند وهو بطرابلس وأطلق كندا صطبل وأقاربه إلى ملكهم هيثوم بسيس ثم جمع الغنائم وقسمها وخرب قلعة انطاكية وأضرمها نارا واستأمن صاحب بغراس فبعث إليه سنقر الفارقى استاذ داره فملكها وأرسل صاحب عكا إلى الظاهر في الصلح وهو ابن أخت قبرس فعقد له السلطان الصلح لعشر سنين ثم عاد إلى مصر فدخلها ثالث أيام التشريق من السنة والله تعالى أعلم * (الصلح مع التتر) * ثم نهض السلطان من مصر سنة سبع وستين لغزو الافرنج بسواحل الشأم وخلف على مصر عز الدين ايدمر الحلى مع ابنه السعيد ولى عهده وانتهى إلى ارسوف فبلغه أن رسلا جاؤا من عند ابغا بن هلاكو ومروا بتكفر ملك الروم فبعث بهم إلى فبعث أميرا من حلب لاحضارهم وقرأ كتاب ابغا بسعي تكفر في الصلح ويحتال فيما أذاعه من رسالته فأعاد رسله بجوابهم وأذن للامراء في الانطلاق إلى مصر ورجع
إلى دمشق ثم سار منها في خف من العسكر إلى القلاع وبلغه وفاة ايدمر الحلى بمصر فخيم بخربة اللصوص وأغذ السير إلى مصر متنكرا منتصف شعبان في خف من التركمان وقد طوى خبره عن معسكره وأوهمهم القعود في خيمته عليلا ووصل إلى القلعة ليلة الثلاثاء رابعة سفره فتنكر له الحراس وطولع مقدم الطواشية فطلب منهم امارة على صدقهم فأعطوها ثم دخل فعرفوه وباكر الميدان يوم الخميس فسر به الناس ثم قضى حاجة نفسه وخرج ليلة الاثنين عائدا إلى الشأم كما جاء فوصل إلى مخيمه ليلة الجمعة تاسع عشر شعبان وفرح الامراء بقدومه ثم فرق البعوث في الجهات وأغاروا على صور وملكوا احدى ضياع وساحوا في بسيط كركو فاكتسحوها وامتلات أيديهم بالغنائم ورجعوا والله تعالى أعلم * (استيلاء الظاهر على صهيون) *(5/388)
كان صلاح الدين بن أيوب قد أقطعها يوم فتحها وهى سنة أربع وثمانين وخمسمائة لناصر الدين منكبرس فلم تزل بيده إلى أن هلك وولى فيها بعده ابنه مظفر الدين عثمان وبعده ابنه سيف الدين بن عثمان واستبد الترك بمصر وبعث سيف الدين أخاه عماد الدين سنة ستين بالهدايا إلى الملك الظاهر بيبرس فقبلها وأحسن إليه ثم مات سيف الدين سنة تسع وستين وكان أوصى أولاده بالنزول للظاهر عن صهيون فوفد ابناه سابق الدين وفخر الدين على السلطان بمصر فاكرمهما وأقطعهما وولى سابق الدين منهما أميرا وولى على صهيون من قبله ولم يزل كذلك إلى أن غلب عليها سنقر الاشقر عندما انتقض بدمشق أيام المنصور والله تعالى أعلم * (نهوض الظاهر إلى الحج) * ثم بلغ الظاهر أن أبانمى بن أبى سعد بن قتادة غلب عمه ادريس بن قتادة على مكة واستبد بها وخطب للظاهر فكتب له بالامارة على مكة واعتزم على النهوض إلى الحج وتجهز
لذلك سنة سبع وستين وأزاح علل أصحابه وشيع العساكر مع اقسنقر الفارقانى استاذ داره إلى دمشق وسار إلى الكرك موريا بالصيد وانتهى إلى الشوبك ورحل منه لاحدى عشرة ليلة من ذى القعدة ومر بالمدينة النبوية على ساكنها أفضل الصلاة وأتم التسليم فأحرم من ميقاتها وقدم مكة لخمس من ذى الحجة وغسل الكعبة بيده وحمل لها الماء على كتفه واباح للمسلمين دخولها وأقام على بابها يأخذ بأيديهم ثم قضى حجه ومناسكه وولى نائبا على مكة شمس الدين مروان وأحسن إلى الامير ابى نمى والى صاحب ينبع وخليص وسائر شرفاء الحجاز وكتب إلى صاحب اليمن وقد وصلتها في سبع عشرة خطوة ثم فصل من مكة ثالث عشر ذى الحجة فوصل المدينة على سبعة أيام ووصل إلى الكرك منسلخ السنة ثم وصل دمشق غرة ثمان وستين وسار إلى زيارة القدس وقدم العساكر مع الامير اقسنقر إلى مصر وعاد من الزيارة فأدركهم بتل العجول ووصل القلعة ثالث صفر من السنة والله تعالى أعلم * (اغارة الافرنج والتتر على حلب ونهوض السلطان إليهم) * كان صمغان من أمراء التتر مقيما ببلاد الروم وأميرا عليها فوقعت المراسلة بينه وبين الافرنج في الاغارة على بلاد الشأم وجاء صمغان في عسكره لموعدهم فأغار على أحياء العرب بنواحي حلب وبلغ الخبر إلى الظاهر سنة ثمان وستين وهو يتصيد بنواحي الاسكندرية فنهض من وقته إلى غزة ثم إلى دمشق ورجع التتر على أعقابهم ثم سار إلى(5/389)
عكا فاكتسح نواحيها وأثخن فيها وفعل كذلك بحصن الاكراد ورجع إلى دمشق آخر رجب ثم إلى مصر ومر بعسقلان فخربها وطمس آثارها وجاءه الخبر بمصر بان الفرنسيس لويس بن لويس وملك انكلترة وملك اسكوسنا وملك نودل وملك برسلونة وهو ريدرا كون وجماعة من ملوك الافرنج جاؤا في الاساطيل إلى صقلية وشرعوا في الاستكثار من الشوانى وآلة الحرب ولم يعرف وجه مذهبهم فاهتم الظاهر بحفظ الثغور
والسواحل واستكثر من الشوانى والمراكب ثم جاء الخبر الصحيح بأنهم قاصدون تونس فكان من خبرهم ما نذكره في دولة السلطان بها من بنى أبى حفص والله تعالى أعلم * (فتح حصن الاكراد وعكا وحصون صور) * ثم سار السلطان سنة تسع وستين لغزو بلاد الافرنج وسرح ابنه السعيد في العساكر إلى المرقب لنظر الامير قلاون وببعلبك الخزندار وسار هو إلى طرابلس فاكتسحوا سائر تلك النواحى وتوافوا لحصن الاكراد عاشر شعبان من السنة فحاصراه السلطان عشرا ثم اقتحمت أرباضه وانحجر الافرنج في قلعته واستأمنوا وخرجوا إلى بلادهم وملك الظاهر الحصون وكتب إلى صاحب الاستبار بالفتح وهو بانطرطوس وأجاب بطلب الصلح فعقد له على انطرطوس والمرقب وارتحل السلطان عن حصن الاكراد بعد ان شحنه بالاقوات والحامية ونازل حصن عكا واشتد في حصاره واستأمن أهله إليه وملكه ثم ارتحل بعد الفطر إلى طرابلس واشتد في قتالها وسأل صاحبها البرنس الصلح فعقد له على ذلك لعشر سنين ورجع إلى دمشق ثم خرج آخر شوال إلى وملك قلعته بالامان على أن يتركوا الاموال والسلاح واستولى عليه وهدمه وسار إلى اللجون وبعث إليه صور في الصلح على أن ينزل له عن خمس من قلاعه فعقد له الصلح لعشر سنين وملكها ثم كتب إلى نائبه بمصر أن يجهز عشرة من الشوانى إلى قبرس فجهزها ووصلت ليلا إلى قبرس والله أعلم * (استيلاء الظاهر على حصون الاسماعيلية بالشأم) * كان الاسماعيلية في حصون من الشأم قد ملكوها وهى مصياف والعليقة والكهف والمنيفة والقدموس وكان كبيرهم لعهد الظاهر نجم الدين الشعرانى وكان قد جعل له الظاهر ولايتها ثم تأخر عن لقائه في بعض الاوقات فعزله وولى عليها خادم الدين بن الرضا على أن ينزل له عن حصن مصياف وأرسل معه العساكر فتسلموه منه ثم قدم عليه سنة ثمان وستين وهو على حصن الاكراد وكان نجم الدين الشعرانى قد أسن وهرم
فاستعتب وأعتبه الظاهر وعطف عليه وقسم الولاية بينه وبين ابن الرضا وفرض عليهما(5/390)
مائة وعشرين ألف درهم يحملانها في كل سنة ولما رجع سنة تسع وستين وفتح حصن الاكراد مر بحصن العليقة من حصونهم فملكه من يد بن الرضى منتصف شوال من السنة وأنزل به حامية ثم سار لقتال التتر على البيرة كما يذكر ورجع إلى مصر فوجد الاسماعيلية قد نزلوا على الحصون التى بقيت بأيديهم وسلموها لنواب الظاهر فملكوها وانتظمت قلاع الاسماعيلية في ملكة الظاهر وانقرضت منها دعوتهم والله سبحانه وتعالى أعلم * (حصار التتر البيرة وهزيمتهم عليها) * ثم بعث ابغا بن هلاكو العساكر إلى البيرة سنة احدى وسبعين مع دربارى من مقدمى أمرائه فحاصرها ونصب عليها المجانيق وكان السلطان بدمشق فجمع العساكر من مصر والشأم وزحف إلى الفرات وقد جهز العساكر على قاصيته فتقدم الامير قلاون وخالط التتر عليها في مخيمهم فجالوا معه ثم انهزموا وقتل مقدمهم وخاض السلطان بعساكره بحر الفرات إليهم فأجفلوا وتركوا خيامهم بما فيها وخرج أهل البيرة فنهبوا سوادهم وأحرقوا آلات الحصار ووقف السلطان بساحتها قليلا وخلع على النائب بها لحق دربارى بسلطانه ابغا مفلولا فسخطه ولم يعتبه والله تعالى ولى التوفيق * (غزوة سيس وتخريبها) * ثم نهض الظاهر من مصر لغزو سيس في شعبان سنة ثلاث وسبعين وانتهى إلى دمشق في رمضان وسار منها وعلى مقدمته الامير قلاون وبدر الدين ببليك الخازندار فوصلوا إلى المصيصة وافتتحوها عنوة وجاء السلطان على اثرهم وسار بجميع العساكر إلى سيس بعد أن كنف الحامية بالبيرة خوفا عليها من التتر وبعث حسام الدين العنتابى ومهنا بن عيسى أمير العرب بالشأم للاغارة على بلاد التتر من ناحيتها وسار إلى سيس
فخربها وبث السرايا في نواحيها فانتهوا إلى بانياس وأذنة واكتسحوا سائر الجهات ووصل إلى دربند الروم وعاد إلى المصيصة في التعبية فأحرقها ثم انتهى إلى انطاكية فأقام عليها حتى قسم الغنائم ثم رحل إلى القصر وكان للافرنج خالصا لتبركهم برومة الذى يسمونه البابا فافتتحه ولقيه هنالك حسام الدين العنتابى ومهنا بن عيسى راجعين من اغارتهم وراء الفرات ثم بلغه مهلك البرنس سمند بن تيمند صاحب طرابلس فبعث الظاهر بليان الدوادار ليقرر الصلح مع بنيه فقرره على عشرين ألف دينار وعشرين أسيرا كل سنة وحضر لذلك صاحب قبرس وكان جاء معزيا لبني البرنس ورجع الدوادار إلى الظاهر فقفل إلى دمشق منتصف ذى الحجة والله تعالى ينصر من(5/391)
شاء من عباده * (ابقاع الظاهر بالتتر في بلاد الروم ومقتل البرواناة بمداخلته في ذلك) * كان علاء الدين البرواناة متغلبا على غياث الدين كنجسر وصاحب بلاد الروم من بنى قليج ارسلان وقد غلب التتر على جميع ممالك بلاد الروم وأبقوا على كنجسر واسم الملك في كفالة البرواناة وأقاموا أميرا من أمرائهم ومعه عسكر التتر حامية بالبلاد ويسمونه بالشحنة وكان أول أمير من التتر ببلاد الروم بيكو وهو الذى افتتحها وبعده صمغان وبعده توقو ووتدوان شريكين في أمرهما لعهد الملك الظاهر وكان البرواناه يتأفف من التتر لاستطالتهم عليه وسوء ملكهم ولما استفحل أمر الظاهر بمصر والشأم أمل البرواناة الظهور على التتر والكرة لبنى قليج ارسلان بممالاة الظاهر فداخله في ذلك وكاتبه وزحف ابغا ملك التتر إلى البيرة سنة أربع وسبعين وخرج الظاهر بالعساكر من دمشق وكاتبه البرواناة يستدعيه وأقام الظاهر على حمص وأرسل إليه البرواناة يستحثه للقاء التتر وعزم ابغا على البرواناة في الوصول فاعتذر ثم رحل متثاقلا وكتب إليه الامراء بعده بأن الظاهر قد نهض إلى بلاد الروم بوصيته إليه بذلك فبعث إلى ابغا
واستمده فأمده بعساكر المغل وأمره بالرجوع لمدافعة الظاهر فرجع ووجد جماعة من الامراء قد كاتبوا الظاهر واستحثوه للقدوم فسقط في أيديهم وحيل بينهم وبين مرامهم ورجع إلى مصر في رجب من السنة وأقام بها حولا ثم توقو ووتدوان أمير التتر ببلاد الروم وسار إلى الثغور بالشأم وبلغ السلطان خبرهما فسار من مصر في رمضان سنة خمس وسبعين وقصد بلاد الروم وانتهى إلى النهر الازرق فبعث شمس الدين سنقر الاشقر فلقى مقدمة التتر فهزمهم ورجع إلى السلطان وساروا جميعا فلقوا التتر على البلنشين ومعهم علاء الدين البرواناة في عساكره فهزمهم وقتل الامير توقو ووتدوان وفر البرواناة وسلطانه كنجسر ولما كان منفردا عنهم وأسر كثير من المغل منهم سلار ابن طغرل ومنهم قفجاق وحاورصى وأسر علاء الدين بن معين الدين البرواناة وقتل كثير منهم ثم رحل السلطان إلى قيسارية فملكها وأقام عليها ينتظر البرواناة لموعد كان بينهما وأبطأ عليه وقفل راجعا ورجع خبر الهزيمة إلى ابغا ملك التتر واطلع من بعض عيونه على ما كان بين البرواناة والظاهر من المداخلة فتنكر للبرواناة وجاء لوقته حتى وقف على موضع المعركة وارتاب لكثرة القتلى من المغل وان عسكر الروم لم يصب منهم أحد فرجع على بلادهم بالقتل والتخريب والاكتساح وامتنع كثير من القلاع ثم أمنهم ورجع وسار معه البرواناه وهم بقتله أولا ثم رجع لتخليته لحفظ البلاد فأعول(5/392)
نساء القتلى من المغل عند بابه فرحم لبكائهن وبعث أميرا من المغل فقتله في بعض الطريق والله سبحانه وتعالى أعلم بغيبه وأحكم * (وفاة الظاهر وولاية ابنه السعيد) * ولما رجع السلطان من واقعته بالتتر على البلستين وقيسارية طرقه المرض في محرم سنة ست وسبعين وهلك من آخره وكان ببليك الخزندار مستوليا على دولته فكتم موته ودفنه ورجع بالعساكر إلى مصر فلما وصل القلعة جمع الناس وبايع لبركة بن الملك
الظاهر ولقبه السعيد وهلك ببليك اثر ذلك فقام بتدبير الدولة استاذ داره شمس الدين الفارقانى وكان نائب مصر أيام مغيب الظاهر بالشأم واستقامت أموره ثم قبض على شمس الدين سنقر الاشقر وبدر الدين بيسرى من أمراء الظاهر بسعابة بطانته الذين جمعهم عليه لاول ولايته وكانوا من أوغاد الموالى وكان يرجع إليهم لمساعدتهم له على هواه وصارت شبيبته ولما قبض على هذين الاميرين نكر ذلك عليه خاله محمد ابن بركة خان فاعتقله معهما فاستوحشت أمه لذلك فأطلق الجميع فارتاب الامراء وأجمعوا على معاتبته فاستعتب واستحلفوه ثم أغراه بطانته بشمس الدين الفارقانى مدبر دولته فقبض عليه واعتقله وهلك لايام من اعتقاله وولى مكانه شمس الدين سنقر الالفى ثم سعى أولئك البطانة به فعزله وولى مكانه سيف الدولة كونك الساقى صهر الامير سيف الدين قلاون على أخت زوجته بنت كرمون كان أبوها من أمراء التتر إلى الظاهر واستقر عنده وزوج بنته من الامير قلاون وبنته الاخرى من كوزبك ثم حضر عند السعيد لاشين الربعي من حاشيته وغلب على هراة واستمال أهل الدولة بقضاء حاجاتهم واستمر معروفه لهم واستمر الحال على ذلك والله سبحانه وتعالى أعلم * (خلع السعيد وولاية أخيه شلامش) * ولما استقر السعيد بملكه في مصر أجمع المسير إلى الشأم للنظر في مصالحه فسار لذلك سنة سبع وسبعين فاستقر بدمشق وبعث العساكر إلى الجهات وسار قلاون الصالحي وبدر الدين بيسرى إلى سيس زين له ذلك لاشين الربعي والبطانة الذين معه وأغروه بالقبض عليهم عند مرجعهم ثم حدث بين هؤلاء البطانة وبين النائب سيف الدين كونك وحشة وآسفوه بما يلقون فيه عند السلطان فغضب لذلك وسارت العساكر فأغاروا على سيس واكتسحوا نواحيها ورجعوا فلقيهم النائب كونك وأسر إليهم ما أضمر لهم السلطان فخيموا بالمرج وقعدوا عن لقاء السلطان وبعثوا إليه بالعذل في بطانته(5/393)
وأن ينصف نائبه منهم فأعرض عنهم ودس لموالى أبيه أن يعاودوهم إليه فأطلعوهم على كتابه فزادهم ضغنا وصرحوا بالانتقاض فبعث إليهم سنقر الاشقر وسنقر التركيتى استاذ داره بالاستعطاف فردوهما فبعث أمه بنت بركة خان فلم يقبلوها وارتحلوا إلى القاهرة فوصلوها في محرم سنة ثمان وسبعين وبالقلعة عز الدين ايبك الافرم الصالحي أمير جندار وعلاء الدين اقطوان الساقى وسيف الدين بليان أستاذ داره فضبطوا أبواب القاهرة ومنعوهم من الدخول وترددت المراسلة بينهم وخرج ايبك الافرم واقطوان ولاشين التركماني للحديث فتقبضوا عليهم ودخلوا إلى بيوتهم ثم باكروا القلعة بالحصار ومنعوا عنها الماء وكان السعيد بعد منصرفهم من دمشق سار في بقية العساكر واستنفر الاعراب وبث العطاء وانتهى إلى غزة فتفرقت عنه الاعراب واتبعهم الناس ثم انتهى إلى بلبيس ورأى قلة العساكر فرد عن الشأم مع عز الدين ايدمر الظاهرى إلى دمشق والنائب بها يومئذ اقوش فقبض عليه وبعث به إلى الامراء بمصر ولما رحل السعيد من بلبيس إلى القلعة اعتزل عنه سنقر الاشقر وسار الامراء في العساكر لاعتراضه دون القلعة وألقى الله عليه حجابا من الغيوم المتراكمة فلم يهتدوا إلى طريقه وخلص إلى القلعة وأطلق علم الدين سنجر الحنفي من محبسه ليستعين به ثم اختلف عليه بطانته وفارقه بعضهم فرجع إلى مصانعة الامراء بأن يترك لهم الشأم أجمع فأبوا الا حبسه فسألهم أن يعطوه الكرك فأجابوه وحلفهم على الامان وحلف لهم أن لا ينتقض عليهم ولا يداخل أحدا من العساكر ولا يستميله فبعثوه من حينه إلى الكرك وكتبوا إلى النائب بها علاء الدين ايدكز الفخري أن يمكنه منها ففعل واستمر السعيد بالكرك وقام بدولته ايدكز الفخري واجتمع الامراء بمصر وعرضوا الملك على الامير قلاون وكان أحق به فلم يقبل وأشار إلى شلامش بن الظاهر وهو ابن ثمان سنين فنصبوه للملك في ربيع سنة ثمان وسبعين ولقبوه بدر الدين وولى الامير قلاون أتابك
الجيوش وبعث مكان جمال الدين اقوش نائب دمشق بتسلمها منه وسار اقوش إلى حلب نائبا وولى قلاون في الوزارة برهان الحصرى السخاوى وجمع المماليك الصالحية ووفرا قطاعاتهم وعمر بهم مراتب الدولة وأبعد الظاهرية وأودعهم السجون الفساد ولم يقطع عنهم رزقا إلى أن بلغ العقاب فيهم أجله فأطلقهم تباعا واستقام أمره والله تعالى أعلم * (خلع شلامش وولاية المنصور قلاون) * أصل هذا السلطان قلاون من القفجاق ثم من قبيلة منهم يعرفون برج أعلى وقد مر ذكرهم وكان مولى لعلاء الدين اقسنقر الكابلي مولى الصالح نجم الدين أيوب فلما مات(5/394)
علاء الدين صار من موالى الصالح وكان من نفرتهم واستقامتهم ما قدمناه ثم قدم إلى مصر في دولة المظفر قطز مع الظاهر بيبرس ولما ملك الظاهر قربه واختصه وأصهر إليه ثم بايع لابنه السعيد من بعده ولما استوحش الامراء من السعيد وخلعوه رغبوا من الامير قلاون في الولاية عليهم كما قدمناه ونصب أخاه شلامش بن الظاهر فوافقه الامراء على ذلك طواعية له واتصلت رغبتهم في ولايته مدة شهرين حتى أجابهم إلى ذلك فبايعوه في جمادى سنة ثمان وسبعين فقام بالامر ورفع كثيرا من المكوس والظلامات وقسم الوظائف بين الامراء وولى جماعة من مماليكه امرة الالوف وزادهم في الاقطاعات وأفرج لوقته عن عز الدين ايبك الافرم الصالحي وولاه نائبا بمصر ثم استبقاه فأعفاه وولى مملوكه حسام الدين طرنطاى مكانه ومملوكه علم الدين سنجر الشجاعى الدواوين وأقر الصاحب برهان الدين السنجارى في الوزارة ثم عزله بفخر الدين ابراهيم ابن لقمان وبعث عز الدين ايدمر الظاهري الذى كان اعتقله جمال الدين اقوش حين رجع بعساكر الشأم عن السعيد بن الظاهر من بلبيس فجئ به مقيدا واعتقله والله تعالى ولى التوفيق
* (انتقاض السعيد بن الظاهر بالكرك ووفاته وولاية أخيه خسرو مكانه) * ولما ملك السلطان قلاون شرع السعيد بالكرك وكاتب الامراء بمصر والشأم في الانتقاض وخاطبه السلطان بالعتاب على نقض العهد فلم يستعتب وبعث عساكره مع حسام الدين لاشين الجامدار إلى الشوبك فاستولى عليها فبعث السلطان نور الدين ببليك الايدمرى في العساكر فارتدها في ذى القعدة سنة ثمان وسبعين وقارن ذلك وفاة السعيد بالكرك واجتمع الامراء الذين بها ومقدمهم نائبه ايدكين الفخري وقال ان نائبه كان ايدغرى الحرانى فنصبوا أخاه خسرو ولقبوه المسعود نجم الدين واستولى الموالى على رأيه وأفاضوا المال من غير تقدير ولا حساب حتى أنفقوا ما كان بالكرك من الذخيرة التى ادخرها الملك الظاهر وأمراء الشأم في الخلاف وبعثوا العساكر فاستولوا على الصليب وحاصروا صرخد فامتنعت وكاتبوا سنقر الاشقر المتظاهر على الخلاف فبعث السلطان ايبك الافرم في العساكر لحصار الكرك فحاصرها وضيق عليها ثم سأل المسعود في الصلح على ما كان الناصر داود بن المعظم فأجابه السلطان قلاون وعقد له ذلك ثم انتقض ثانية ونزع عنه نائبه علاء الدين ايدغرى الحرانى ونزع عنه إلى السلطان فصدق ما نقل عنه من ذلك ثم بعث السلطان سنة خمس وثمانين نائبه حسام الدين طرنطاى في العساكر لحصار الكرك فحاصروها واستنزل المسعود وأخاه شلامش منها على الامان وملكها وجاء بهما إلى(5/395)
السلطان قلاون فأكرمهما وخلطهما بولده إلى أن توفى فغر بهما الاشرف إلى القسطنطينية * (انتقاض سنقر الاشقر بدمشق وهزيمته ثم امتناعه بصهيون) * كان شمس الدين سنقر الاشقر لما استقر في نيابة دمشق أجمع الانتقاض والاستبداد وتسلم القلاع من الظاهرية وولى فيها وطالب المنصور قلاون دخول الشام باسرها من
العريش إلى الفرات في ولايته وزعم أنه عاهده على ذلك وولى السلطان على قلعة دمشق مولاه حسام الدين لاشين الصغير سلحدارا في ذى الحجة سنة ثمان وسبعين فنكر ذلك سنقر وانتقض ودعا لنفسه ثم بلغه خبر قلاون وجلوسه على التخت فدعا الامراء وأشاع ان قلاون قتل واستحلفهم على منعته وحبس من امتنع من اليمين وتلقب الكامل وذلك في ذى الحجة من السنة وقبض على لاشين نائب القلعة وجهز سيف الدين إلى الممالك الشامية والقلاع للاستحلاف وولى في وزارة الشأم مجد الدين اسمعيل ابن كسيرات وسكن سنقر بالقلعة ثم بعث السلطان ايبك الافرم بالعساكر إلى الكرك لما توفى السعيد صاحبها وانتهى إلى غزة واجتمع إليه ببليك الايدمرى منقلبا من الشوبك بعد فتحه فحذرهم سنقر الاشقر وخاطب الافرم يتجنى على السلطان بأنه لم يفرده بولاية الشأم وولى في قلعة دمشق وفي حلب وبعث الافرم بالكتاب إلى السلطان قلاون فأجابه وتقدم إلى الافرم أن يكاتبه بالعزل فيما فعله وارتكبه فلم يرجع عن شأنه وجمع العساكر من عمالات الشأم واحتشد العربان وبعثهم مع قراسنقر المعرى إلى غزة فلقيهم الافرم وأصحابه وهزموهم وأسروا جماعة من أمرائهم وبعثوا بهم إلى السلطان قلاون فأطلقهم وخلع عليهم ولما وصلت العساكر مفلولة إلى دمشق عسكر سنقر الاشقر بالمرج وكاتب الامراء بغزة يستميلهم وبعث السلطان العساكر بمصر مع علم الدين سنجر لاشين المنصوري وبدر الدين بكتاش الفخري السلحدار فساروا إلى دمشق فلقيهم الاشقر على الجسر بالكسرة فهزموه في صفر سنة تسع وسبعين وتقدموا إلى دمشق فملكوها وأطلق علم الدين سنجر لاشين المنصوري من الاعتقال وولاه نيابة دمشق وولى على القلعة سيف الدين سنجار المنصوري وكتب إلى السلطان بالفتح وسار سنقر إلى الرحبة فامتنع عليه نائبها فسار إلى عيسى بن مهنا ورجع عنه إلى الفل وكاتبوا ابغا ملك التتر واستحثوه لملك الشأم يستميلونه فلم يجب وبعث إليه العساكر فأجفلوا إلى صهيون وملكها سنقر وملك معها شيزر وبعث السلطان العساكر لحصار شيزر مع عز الدين
الافرم فحاصرها وجاءت الاخبار بزحف ابغا ملك التتر إلى الشأم في مواعدة سنقر وابن مهنا واستدعى صغار صاحب بلاد الروم فيمن معه من المغل وانه بعث بيد وابن(5/396)
أخيه طرخان وصاحب ماردين وصاحب سيس من ناحية اذربيجان وجاء هو على طريق الشأم وفي مقدمته أخوه منوكتمر فلما تواترت الاخبار بذلك أفرج الافرم عن حصار شيزر ودعا الاشقر إلى مدافعة عدو المسلمين فأجابه ورفع عن موالاة ابغا وسار من صهيون للاجتماع بعساكر المسلمين وجمع السلطان العساكر بمصر وسار الى الشأم واستخلف على مصر ابنه أبا الفتح عليا بعد ان ولاه عهده وقرأ كتابه بذلك على الناس وخرج لجمع العساكر في جمادى سنة تسع وسبعين وانتهى إلى غزة ووصل التتر إلى حلب وقد أجفل عنها أهلها وأقفرت منازلها فأضرموا النار في بيوتها ومساجدها وتولى كبر ذلك صاحب سيس والارمن وبلغهم وصول السلطان إلى غزة فأجفلوا راجعين إلى بلادهم وعاد السلطان إلى مصر بعدان جرد العساكر إلى حمص وبلاد السواحل بحمايتها من الافرنج ورجع سنقرالاشقر إلى صهيون وفارقه كثير من عسكره إلى فلحقوا بالشأم وأقام معه سنجر الدوادار وعز الدين اردين والامراء الذين مكنوه من قلاع الشأم عند انتقاضه والله سبحانه وتعالى أعلم [ مسير السلطان لحصار المرقب ثم الصلح معهم ومع سنقر الاشقر بصهيون ومع بنى الظاهر بالكرك ] كان الافرنج الذين بحصن المرقب عندما بلغهم هجوم التتر على الشأم شنوا الغارات في بلاد المسلمين من سائر النواحى فلما رجع التتر عن الشأم استأذن بليان الطباخي صاحب حصن الاكراد في غزوهم وسار إليهم في حامية الحصون بنواحيه وجمع التركمان وبلغ حصن المرقب ووقف أسفله واستطرد له أهل الحصن حتى تورط في أوعار الجبل ثم هجموا عليه دفعة فانهزم ونالوا من المسلمين وبلغ الخبر إلى السلطان فخرج من
مصر لغزوهم آخر سنة تسع وسبعين واستخلف ابنه مكانه وانتهى إلى الروحاء فوصله هنالك رسل الافرنج في تقرير الهدنة مع أهل المرقب على أن يطلقوا من أسروه من المسلمين في واقعة بليان فعقد لهم في المحرم سنة ثمانين وعقد لصاحب بيت الاستبار وابنه ولصاحب طرابلس سمند بن تيمند ولصاحب عكا على بلادهم وعلى قلاع الاسماعيلية وعلى جميع البلاد المستجدة الفتح وما سيفتحه على أن يسكن عمال المسلمين باللاذقية وأن لا يستنجدوا اسير قلعة ولا غيرها ولا يداخلوا التتر في فتنة ولا يمروا عليهم إلى بلاد المسلمين ان أطاقوا ذلك وعقد معهم ذلك لاحدى عشرة سنة وبعث السلطان من أمرائه من يستحلف الافرنج على ذلك وبلغه الخبر بأن جماعة من أمرائه أجمعوا الفتك به وداخلوا الافرنج في ذلك وكان كبيرهم كوندك فلما وصل إلى بيسان قبض عليه وعليهم وقتلهم واستراب من داخلهم في ذلك ولحقوا بسنقر في صهبون ودخل السلطان(5/397)
دمشق وبعث العساكر لحصار شيزر ثم ترددت الرسل بينه وبين الاشقر في الصلح على أن ينزل عن شيزر ويتعوض عنها بالشقر وبكاس وعلى أن يقتصر في حامية الحصون التى لقطره على ستمائة من الفرسان فقط ويطرد عنه الامراء الذين لحقوا به فتم الصلح على ذلك وكتب له التقليد بتلك الاعمال ورجع من عنده سنجر الدوادار فأحسن إليه السلطان وولى على نيابة شيزر بليان الطباخي وكان بنو الظاهر بالكرك يسألون السلطان في الصلح بالزيادة على الكرك كما كان السلطان داود فلما تم الصلح مع سنقر رجعوا إلى القنوع بالكرك وبعث إليهم السلطان بأقاربهم من القاهرة وأتم لهم العقد على ذلك وبعث الامير سلحدار والقاضى تاج الدين بن الاثير لاستحلافهم والله تعالى أعلم * (واقعة التتر بحمص ومهلك ابغا سلطانهم باثرها) * ثم زحف التتر سنة ثمانين إلى الشأم من كل ناحية متظاهرين فسار ابغا في عساكر المغل
وجموع التتر وانتهى إلى الرحبة فحاصرها ومعه صاحب ماردين وقدم أخوه منكوتمر في العساكر إلى الشأم وجاء صاحب الشمال منكوتمر من بنى دوشى خان من كرسيهم بصراى مظاهر الابغا بن هلاكو على الشأم فمر بالقسطنطينية ثم نزل بين قيسارية وتفليس ثم سار إلى منكوتمر بن هلاكو وتقدم معه إلى الشأم وخرج السلطان من دمشق في عساكر المسلمين وسابقهم إلى حمص ولقيه هناك سنقر الاشقر فيمن معه من أمراء الظاهرية وزحف التتر ومن معهم من عساكر الروم والافرنج والارمن والكرج ثمانون ألفا أو يزيدون والتقى الفريقان على حمص وجعل السلطان في ميمنته صاحب حماة محمد بن المظفر ونائب دمشق لاشين السلحدار وعيسى بن مهنا فيمن إليه من العرب وفي الميسرة سنقر الاشقر في الظاهرية مع جموع التركمان ومن إليهم جماعة من أمرائه وفي القلب نائبه حسام الدين طرنطاى والحاجب ركن الدين اياحى وجمهور العساكر والمماليك ووقف السلطان تحت الرايات في مواليه وحاشيته ووقفت عساكر التتر كراديس وذلك منتصف رجب سنة ثمانين واقتتلوا ونزل الصبر ثم انفضت ميسرة المسلمين واتبعهم التتر وانفضت ميسرة التتر ورجعوا على ملكهم منكوتمر في القلب فانهزم ورجع التتر من اتباع ميسرة المسلمين فمروا بالسلطان وهو ثابت في مقامه لم يبرح ورجع أهل الميرة ونزل السلطان في خيامه ورحل من الغد في اتباع العدو وأوعز إلى الحصون التى في ناحية الفرات باعتراضهم على المقابر فعدلوا عنها وخاضوا الفرات في المجاهل فغرقوا ومر بعضهم برد سليمة فهلكوا وانتهى الخبر إلى ابغا وهو على الرحبة فأجفل إلى بغداد وصرف السلطان العساكر إلى أماكنهم وسار سنقر(5/398)
الاشقر إلى مكانه بصهيون وتخلف عنه كثير من الطاهرية عند السلطان وعاد السلطان إلى دمشق ثم إلى مصر آخر شعبان من السنة فبلغه الخبر بمهلك منكوتمر بن هلاكو بهمذان ومنكوتمر صاحب الشمال بصراى فكان ذلك تماما للفتح ثم هلك ابغا بن هلاكو
سنة احدى وثمانين وكان سبب مهلكه فيما يقال انه اتهم شمس الدين الجريض وزيره باغتيال أخيه منكوتمر منصرفه من واقعة حمص فقبض عليه وامتحنه واستصفاه فدس له الجوينى من سمه ومات وكان ابغا اتهم بأخيه أيضا أميرا من المغل كان شحنة بالجزيرة ففر منها وأقام مشركا وبعث السلطان قلاون بعثا إلى ناحية الموصل للاغارة عليها وانتهوا إلى سنجر فصادفوا هذا الامير وجاؤا به إلى السلطان فحبسه ثم أطلقه وأثبت اسمه في الديوان وكان يحدث بكثير من أخبار التتر وكتب بعضها عنه وبعث السلطان في هذه السنة بعوثا أخرى إلى نواحى سيس من بلاد الروم جزاء بما كان من الارمن في حلب ومساجدها فاكتسحوا تلك النواحى ولقيهم بعض أمراء التتر بمكان هنالك فهزموه ووصلوا إلى جبال بلغار ورجعوا غانمين وبعث السلطان شمس الدين قراسنقر المنصوري إلى حلب لاصلاح ما خرب التتر من قلعتها وجامعها فأعاد ذلك إلى أحسن ما كان عليه ثم أسلم ملوك التتر فبعث أولا بكدار بن هلاكو صاحب العراق باسلامه وانه تسمى أحمد وجاءت رسله بذلك إلى السلطان وهم شمس الدين أتابك ومسعود ابن كيكاوس صاحب بلاد الروم وقطب الدين محمود الشيرازي قاضى شيواس وشمس الدين محمد بن الصاحب من حاشية صاحب ماردين وكان كتابه مؤرخا بجمادى سنة احدى وثمانين وحملوا على الكرامة وأجيب سلطانهم بما يناسبه ثم وصل رسول قودان بن طقان المتولي بكرسى الشمال بعد أخيه منكوتمر سنة ثنتين وثمانين بخبر ولايته ودخوله في دين الاسلام وبطلب تقليد الخليفة واللقب منه والراية للجهاد فيمن يليه من الكفار فأسعف بذلك والله سبحانه وتعالى أعلم * (استيلاء السلطان قلاون على الكرك وعلى صهيون ووفاة صاحب حماة) * ثم توفى المنصور محمد بن المظفر صاحب حماة في شوال سنة ثنتين وثمانين وولى السلطان ابنه المظفر وبعث بالخلع له ولاقاربه وسار السلطان قلاون إلى الشأم في ربيع سنة ثلاث وثمانين لمحاصرة المرقب بما فعلوه من ممالاة العدو فحاصره حتى استامنوا إليه
وملك الحصن من أيديهم وانتظر وصول سنقر الاشقر من صهيون فلم يصل فرجع إلى مصر وجهر النائب حسام الدين طرنطاى في العساكر لحصار الكرك بما وقع من سلامس وخسرو من الانتقاض فسار سنة خمس وثمانين وحاصرهم حتى استأمنوا وجائهم إلى السلطان فركب للقائهم وبالغ في اكرامهم ثم ساءت سيرتهم فاستراب بهم(5/399)
واعتقلهم وغربهم إلى القسطنطينية وولى على الكرك عز الدين المنصوري وبعده بيبرس الدويدار مؤلف أخبار الترك ثم جهز السلطان ثانيا النائب طرنطاى بالعساكر لحصار سنقر الاشقر بصهيون لانتقاضه واغارته على بلاد السلطان فسار لذلك سنة ست وثمانين وحاصره حتى استأمن هو ومن معه وجاء به إلى السلطان وأنزله بالقلعة ولم يزل عنده إلى أن هلك السلطان فقبض عليه وتولى ابنه الاشرف من بعده كما نذكره ان شاء الله تعالى * (وفاة ميخاييل ملك القسطنطينية) * قد تقدم لنا كيف تغلب الافرنج على القسطنطينية من يد الروم سنة ستمائة وكان ميخاييل هذا من بطارقتهم أقام في بعض الحصون بنواحيها فلما أمكنته الفرصة بيتها وقتل من كان بها من الافرنج وفر الباقون في مراكبهم واجتمع الروم إلى ميخاييل هذا وملكوه عليهم وقتل الملك الذى قبله وكان بينه وبين صاحب مصر والناصر قلاون من بعده اتصال ومهاداة ونزل بنو الظاهر عليه عندما غربوا من مصر ثم مات ميخاييل سنة احدى وثمانين وولى ابنه ماندر ويلقب الراونس وميخاييل هذا بعرف بالاشكرى وبنوه من بعده بنو الاشكرى وهم ملوك القسطنطينية إلى هذا العهد والله تعالى يؤيد بنصره من يشاء من عباده * (أخبار النوبة) * كان الملك الظاهر وفد عليه أعوام سنة خمس وسبعين ملك النوبة من تشكيل
مستنجدا به على ابن أخيه داود لما كان تغلب عليه وانتزع الملك من يده فوعده السلطان وأقام ينتظر واستفحل ملك داود وتجاوز حدود مملكته إلى قرب اسوان من آخر الصعيد فجهز السلطان العساكر إليه مع اقسنقر الفارقانى وايبك الافرم أستاذ داره وأطلق معهم مرتشكين ملك النوبة فساروا لذلك واستنفروا العرب وانتهوا إلى رأس الجنادل واستولوا على تلك البلاد وأمنوا أهلها وساروا في البلاد فلقيهم داود الملك فهزموه وأثخنوا في عساكره وأسروا أخاه وأخته وأمه وسار إلى مملكة السودان بالابواب ورآه فقاتله ملكها وهزمه وأسره وبعث به مقيدا إلى السلطان فاعتقل بالقلعة إلى أن مات واستقر مر تشكين في سلطان النوية على جراية مفروضة وهدايا معلومة في كل سنة وعلى أن تكون الحصون المجاورة لاسوان خالصة للسلطان وعلى أن يمكن ابن أخيه داود وجميع أصحابه من كل مالهم في بلادهم فوفي بذلك ثم مات الظاهر وانقرضت دولته ودولة بنيه وانتقل الملك إلى المنصور قلاون فبعث سنة ست وثمانين(5/400)
العساكر إلى النوبة مع علم الدين سنجر الخياط وعز الدين الكوراني وسار معهم نائب قوص عز الدين ايدمر السيفى بعد ان استنفر العربان أولاد أبى بكر وأولاد عمر وأولاد شريف وأولاد شيبان وأولاد كنز الدولة وجماعة من الغرب وبنى هلال وساروا على العدوة الغربية والشرقية في دنقلة وملكهم بيتمامون هكذا سماه النووي وأظنه أخا مرتشكين وبرزوا للعساكر فهزمتهم واتبعتهم خمسة عشر يوما وراء دنقلة ورتب ابن أخت بيتمامون في الملك ورجعت العساكر إلى مصر فجاء بيتمامون إلى دنقلة فاستولى على البلاد ولحق ابن أخته بمصر صريخا بالسلطان فبعث معه عز الدين ايبك الافرم في العساكر ومعه ثلاثة من الامراء وعز الدين نائب قوص وذلك سنة ثمان وثمانين وبعثوا المراكب في البحر بالازودة والسلاح ومات ملك النوبة باسوان ودفن بها وجاء نائبه صريخا إلى السلطان فبعث معه داود بن أخى مرتشكين الذى كان
أسيرا بالقلعة وتقدم جريس بين يدى العساكر فهرب بيتمامون وامتنع بجزيرة وسط النيل على خمس عشرة مرحلة وراء دنقلة ووقفت العساكر على ساحل البحر وتعذر وصول المراكب إلى الجزيرة من كثرة الحجر وخرج بيتمامون منها فلحق بالابواب ورجع عنه أصحابه ورجعت العساكر إلى دنقلة فملكوا داود ورجعوا إلى مصر سنة تسع وثمانين لتسعة أشهر من مسيرهم بعد ان تركوا أميرا منهم مع الملك داود ورجعوا إلى مصر ورجع بيتمامون إلى دنقلة وقتل داود وبعث الامير الذى كان معهم إلى السلطان وحمله رغبة في الصلح على أن يؤدى الضريبة المعلومة فأسعف لذلك واستقر في ملكه انتهى والله تعالى أعلم * (فتح طرابلس) * كان الافرنج الذين بها قد نقضوا الصلح وأغاروا على الجهات فاستنفر السلطان العساكر من مصر والشأم وازاح عللهم وجهز آلات الحصار وسار إليها في محرم سنة ثمان وثمانين فحاصرها ونصب عليها المجانيق وفتحها عنوة لاربعة وثلاثين يوما من حصارها واستباحها وركب بعضهم الشوانى للنجاة فردتهم الريح إلى السواحل فقتلوا وأسروا وأمر السلطان بتخريبها فخربت وأحرقت وفتح السلطان ما إليها من الحصون والمعاقل وأنزل حاميتها وعاملها بحصن الاكراد ثم اتخذ حصنا آخر لترك النائب والحامية في العمل وسمى باسم المدينة وهو الموجود لهذا العهد وكان من خبر هذه المدينة من لدن الفتح ان معاوية أيام ولايته الشأم لعهد عثمان بن عفان رضى الله عنه بعث إليها سفيان بن مختف الازدي فحاصرها وبنى عليها حصنا حتى جهد أهلها الحصار وهربوا منها في البحر وكتب(5/401)
سفيان إلى معاوية بالفتح وكان يبعث العساكر كل سنة للمرابطة بها ثم جاء إلى عبد الملك ابن مروان بطريق من الروم وسأله في عمارتها والنزول بها مجمعا على أن يعطيه الخراج فأجابه وأقام قليلا ثم غدر بمن عنده من المسلمين وذهب إلى بلاد الروم فتخطفته شوانى
المسلمين في البحر وقتله عبد الملك ويقال الوليد وملكها المسلمون وبقى الولاة يملكونها من دمشق إلى أن جاءت دولة العبيديين فافردوها بالولاية ووليها رمان الخادم ثم سر الدولة ثم أبو السعادة على بن عبد الرحمن بن جبارة ثم نزال ثم مختار الدولة بن نزال وهؤلاء كلهم من أهل دولته ثم تغلب قاضيها أمين الدولة أبو طالب الحسن بن عمار وتوفى سنة أربع وستين واربعمائة وكان من فقهاء الشيعة وهو الذى صنف الكتاب الملقب بخراب الدولة ابن منقذ بن كمود فقام بولاية أخيه أبى الحسن بن محمد بن عمار ولقبه جلال الدين وتوفى سنة اثنتين وتسعين صنجيل من ملوكهم واسمه ميمنت ومعناه ميمون وصنجيل اسم مدينة عرف بها وأقام صنجيل يحاصرها طويلا وعجز ابن عمار عن دفاعه ثم قصد سلطان السلجوقية بالعراق محمد بن ملك شاه مستنجدا به واستخلف بالمناقب ابن عمه على طرابلس ومعه سعد الدولة فتيان بن الاغر فقتله أبو المناقب ودعا للافضل بن أمير الجيوش المستبد على خلفاء العبيديين بمصر لذلك العهد ثم هلك صنجيل وهو محاصر لها وولى مكانه السردانى من زعمائهم وبعث الافضل قائدا إلى طرابلس فأقام بها وشغل عن مدافعة العدو وبجمع الاموال ونمى عنه إلى الافضل أنه يروم الاستبداد فبعث آخر مكانه ونافر أهل البلد لسوء سيرته فتبين وصول المراكب من مصر بالمدد وقبض على اعيانهم وعلى مخلف فخر الملك بن عمار من أهله وولده وبعث بهم إلى مصر وجاء فخر الملك بن عمار بعد ان قطع حبل الرجاء في يده من انجاد السلجوقية لما كانوا فيه من الشغل بالفتنة وربما علله بعضهم بولاية الوزارة له ثم رجع إلى دمشق سنة ثنتين وخمسمائة ونزل على طغتكين الاتابك ثم ملكها السردانى سنة ثلاث وخمسمائة بعد حصارها سبع سنين وجاء ابن صنجيل من بلاد الافرنج فملكها منه واقامت في مملكته نحوا من ثلاثين سنة ثم ثار عليه بعض الزعماء وقتله بطرس الاعور واستخلف في طرابلس القوش بطرار ثم كانت الواقعة بين صاحب القدس ملك الافرنج وبين زنكى الاتابك صاحب الموصل وانهزم الافرنج وأسر القوش في تلك الوقعة ونجا ملك الافرنج إلى
تغريب فتحصن بها وحصره زنكى حتى اصطلحا على أن يعطى تغريب ويطلق زنكى الاسرى في الواقعة فانطلق القوش إلى طرابلس فاقام بها مدة ووثب الاسماعيلية به فقتلوه وولى بعده رهند صبيا وحضر مع الافرنج سنة سبع وخمسين وقعة حارم التى هزمهم فيها العادل وأسر رهند يومئذ وبقى في اعتقاله إلى أن ملك صلاح الدين يوسف(5/402)
ابن أيوب فاطلقه سنة سبعين وخمسمائة ولحق بطرابلس ولم تزل في ملكه وملك ولده إلى أن فتحها المنصور سنة ثمان وثمانين كما مر والله تعالى أعلم * (انشاء المدرسة والمارستان بمصر) * كان المنصور قلاون قد اعتزم على انشاء المارستان بالقاهرة له الاماكن حتى وقف نظره على الدار القطبية من قصور العبيديين وما يجاورها من القصرين واعتمد انشاءه هنالك وجعل الدار أصل المارستان وبنى بازائه مدرسة لتدريس العلم وقبة الدفنه وجعل النظر في ذلك لعلم الدين الشجاعى فقام بانشاء ذلك لاقرب وقت وكملت العمارة سنة اثنتين وثمانين وستمائة ووقف عليها املاكا وضياعا بمصر والشأم وجلس بالمارستان في يوم مشهود وتناول قدحا من الاشربة الطبية وقال وقفت هذا المارستان على مثلى فمن دوني من أصناف الخلق فكان ذلك من صالح آثاره والله أعلم * (وفاة المنصور قلاون وولاية ابنه خليل الاشرف) * كان المنصور قلاون قد عهد لابنه علاء الدين ولقبه الصالح وتوفى سنة سبع وثمانين فولى العهد مكانه ابنه الآخر خليل ثم انتقض الافرنج بعكا وأغاروا على النواحى ومرت بهم رفقة من النجار برقيق من الروم والترك جلبوهم للسلطان فنهبوهم وأسروهم فاجمع السلطان غزوهم وخرج في العساكر بعد الفطر من سنة تسع وثمانين واستخلف ابنه خليلا على القاهرة ومعه زين الدين سيف وعلم الدين الشجاعى الوزير وعسكر يظاهر البلد فطرقه المرض ورجع إلى قصره فمرض وتوفى في ذى القعدة
من السنة فبويع ابنه خليل ولقب الاشرف وكان حسام الدين طرنطاى نائب المنصور إليه فاقره وأشرك معه زين الدين سيف في نيابة العتبة وأقر علم الدين الشجاعى على الوزارة وبدر الدين بيد واستاذ داره وعز الدين ايبك خزندار وكان حسام الدين لاشين السلحدار نائبا بدمشق وشمس الدين قراسنقر الجوكندار نائبا بحلب فاقرهما وجمع ما كان بالشأم من ولاة أبيه ثم قبض على النائب حسام الدين طرنطاى لايام قلائل وقتله واستولى على مخلفه وكان لا يعبر عنه كان الناض منها ستمائة ألف دينار وحملت كلها لخزانته واستقل بدر الدين بالنيابة وبعث إلى محمد بن عثمان بن السلعوس من الحجاز فولاه الوزارة وكان تاجرا من تجار الشأم وتقرب له أيام أبيه واستخدم له فاستعمله في بعض اقطاعه بالشأم ووفر جبايتها فولاه ديوانه بمصر فاسرف في الظلم وأنهى أمره إلى طرنطاى النائب فصادره المنصور وامتحنه ونفاه عن الشأم وحج في هذه السنة(5/403)
وولى الاشرف فكان أول أعماله البعث عنه وولاه الوزارة فبلغ المبالغ في الظهور وعلو الكلمة واستخدم الخواص له وترفع عن الناس واستقل الرتب وقبض الاشرف على شمس الدين سنقر وحبسه وكان قد قبض مع طرنطاى النائب عن عز الدين سيف لما بلغه أنه يدبر عليه مع طرنطاى ثم ثبتت عنده براءته فاطلقه والله تعالى أعلم * (فتح عكا وتخريبها) * ثم سار الاشرف أول سنة تسعين وستمائة لحصار عكا متما عزم أبيه فيها فجهز العساكر واستنفر أهل الشأم وخرج من القاهرة فاغذ السير إلى عكا ووافاه بها أمراء الشأم والمظفر بن المنصور صاحب حماة فحاصرها ورماها بالمجانيق فهدم كثير من أبراجها وتلاها المقاتلة لاقتحهامها فرشقوهم بالسهام فامن اللبود وزحفوا في كنها وردموا الخندق بالتراب فحمل كل واحد منهم ما قدر عليه حتى طموه وانتهوا إلى الابراج المتهدمة فالصقوها بالارض واقتحموا البلد من ناحيتها واستلحموا من كان
فيها وأكثروا القتل والنهب ونجا الفل من العدو إلى ابراجها الكبار التى بقيت ماثلة فحاصرها عشرا آخر ثم اقتحمها عليهم فاستوعبهم السيف وكان الفتح منتصف جمادى سنة سبعين لمائة وثلاث سنين من ارتجاع الكفار لها من يد صلاح الدين سنة سبع وثمانين وخمسمائة وأمر الاشرف بتخريبها فخربت وبلغ الخبر إلى الافرنج بصور وصيدا وعتلية وحيفا فاجفلوا عنها وتركوها خاوية ومر السلطان بها وأمر بهدمها فهدمت جميعا وانكف راجعا إلى دمشق وتقبض في طريقه على لاشين نائب دمشق لان بعض الشياطين أوحى إليه ان السلطان يروم الفتك به فركب للفرار واتبعه علم الدين سنجر الشجاعى وسار إلى بيروت ففتحها ومر السلطان بالكرك فاستعفي نائبها ركن الدين بيبرس الدوادار وهو المؤرخ فولى مكانه جمال الدين اتسز الاشرفى ورجع السلطان إلى القاهرة فبعث شلامش وخسروا بنى الظاهر من محبسهما بالاسكندرية إلى القسطنطينية ومات شلامش هنالك وأفرج عن شمس الدين سنقر الاشقر وحسام الدين لاشين المنصوري اللذين اعتقلهما كما قدمناه وقبض على علم الدين سنجار نائب دمشق وسبق إلى مصر معتقلا وأمر السلطان ببناء الرفوف بالقلعة على أوسع ما يكون وارفعه وبنى القبة بازائه لجلوس السلطان أيام الزينة والفرح فبنيت مشرفة على سوق الخيل والميدان والله سبحانه وتعالى أعلم * (فتح قلعة الروم) * ثم سار السلطان سنة احدى وتسعين في عساكره إلى الشأم بعد ان أفرج عن حسام(5/404)
الدين لاشين ورده إلى امارته وانتهى إلى دمشق ثم سار إلى حلب ثم دخل منها إلى قلعة الروم فحاصرها في جمادى من السنة وملكها عنوة بعد ثلاثين يوما من الحصار وقاتل المقاتلة الذريعة وخرب القلعة وأخذ فيها بترك الارمن أسيرا وانكف السلطان راجعا إلى حلب فأقام بها شعبان وولى عليها سيف الدين الطباقى نائبا مكان قراسنقر الظاهرى
لانه ولاه مقدم المماليك ورحل إلى دمشق فقضى بها عيد الفطر واستراب لاشين النائب فهرب ليلة الفطر وأركب السلطان في طلبه وتقبض عليه بعض العرب في حيه وجاء به إلى السلطان فبعثه مقيدا إلى القاهرة وولى على نيابة دمشق عز الدين ايبك الحميدى عوضا عن علم الدين سنجر الشجاعى ورجع إلى مصر فافرج عن علم الدين سنجر الشجاعى وتوفى لسنة بعد اطلاقه ثم قبض على سنقر الاشقر وقتله وسمع نائبه بيد وببراءة لاشين فاطلقه وتوفى ابن الاثير بعد شهر فولى مكانه ابنه عماد الدين أيوب وكان أيوب قد اعتقله المنصور لاول ولايته فأطلقه الاشرف هذه السنة لثلاث عشرة سنة من اعتقاله واستخلصه للمجالسة والشورى وتوفى القاضى فتح الدين محمد بن عبد الله بن عبد الظاهر كاتب السر وصاحب ديوان الانشاء وله التقدم عنده وعند أبيه فولى مكانه فتح الدين أحمد بن الاثير الحلى وترك ابن عبد الظاهر ابنه علاء الدين عليا فالقى عليه النعمة منتظما في جملة الكتاب ثم سار السلطان إلى الصعيد يتصيد واستخلف بيدو النائب على دار ملكه وانتهى إلى قوص وكان ابن السلعوس قد دس إليه بان بيدو احتجن بالصعيد من الزرع ما لا يحصى فوقف هنالك على مخازنها واستكثرها وارتاب بيدو لذلك ولما رجع الاشرف إلى مصر ارتجع منه بعض اقطاعه وبقى بيدو مرتابا من ذلك وأتحف السلطان بالهدايا من الخيام والهجن وغيرهما والله تعالى أعلم * (مسير السلطان إلى الشأم وصلح الارمن ومكثه في مصيا وهدم الشوبك) * ثم تجهز السلطان سنة ثنتين وتسعين إلى الشأم وقدم بيد والنائب بالعساكر وعاج على الكرك على الهجن فوقف عليها وأصلح من أمورها ورجع ووصل إلى الشأم فوافاه رسول صاحب سيس ملك الارمن راغبا في الصلح على أن يعطى تهسنا ومرعش وتل حمدون فعقد لهم على ذلك وملك هذه القلاع وهى في فم الدرب من ضياع حلب وكانت تهسنا للمسلمين ولما ملك هلاكو حلب باعها النائب من ملك الارمن سيس ثم سار السلطان إلى حمص ووصل إليها في رجب من السنة ومعه المظفر صاحب حماة ونزل
سليمة ولقيه مهنا بن عيسى أمير العرب فقبض عليه وعلى أخويه محمد وفضل وابنه موسى وبعثهم معتقلين مع لاشين إلى دمشق ومن هناك إلى مصر فحبسوا بها وولى على(5/405)
الغرب مكانهم محمد بن أبى بكر على بن جديلة وأو زوهو بحمص لى نائب الكرك بهدم قلعة الشوبك فهدمت وانكف راجعا إلى مصر وقدم العساكر مع بيدو وجاء في الساقة على الهجن مع خواصه ولما دخل على مصر أفرج عن لاشين المنصوري والله تعالى أعلم * (مقتل الاشرف وولاية أخيه محمد الناصر في كفالة كيبغا) * كان النائب بيدو مستوليا على الاشرف والاشرف مستريب به حتى كأنه مستبد وكان مستوحشا من الاشرف واعتزم الاشرف سنة ثلاث وتسعين على الصيد في البحيرة فخرج إليها وبعث وزيره ابن السلعوس للاسكندرية لتحصيل الاموال والاقمشة فوجد بيدو قد سبقوا إليها واستصفوا ما هنالك فكاتب السلطان بذلك فغضب واستدعى بيدو فوبخه وتوعده ولم يزل هو يلاطفه حتى كسر من سورة غضبه ثم خلص إلى أصحابه وداخلهم في التوثب به وتولى كبر ذلك منهم لاشين المنصوري نائب دمشق وقراسنقر المنصوري نائب حلب وكان الامراء كلهم حاقدين على الاشرف لتقديمه حاشيته عليهم ولما كتب إليه السلعوس بقلة المال صرف مواليه إلى القلعة تخفيفا من النفقة وبقى في القليل وركب بعض أيامه يتصيد وهو مقيم على فرجة فاتبعوه وأدركوه في صيده فأوجس في نفسه الشر منهم فعاجلوه وعلوه بالسيوف ضربه أولا بيدو وثنى عليه لاشين وتركوه مجندلا بمصرعه منتصف محرم من السنة ورجعوا إلى المخيم وقد أبرموا أن يولوا بيدو فولوه ولقبوه القاهر وتقبض على بيسرى الشمسي وسيف الدين بكتمر السلحدار واحتملوهما وساروا إلى قلعة الملك وكان زين الدين سيف قد ركب للصيد فبلغه الخبر في صيده فسار في اتباعهم ومعه سوس
الجاشنكير وحسام الدين استاذ دار وركن الدين سوس وطقجى في طائفة من الجاشنكيرية وادركوا القوم على الطرانة ولما عاينهم بيدو وبيسرى وبكتمر المعتقلين في المخيم رجعوا إلى كيبغا وأصحابه وفر عن بيدو من كان معه من العربان والجند وقاتل قليلا ثم قتل ورجع برأسه على القناة وافترق أصحابه قراسنقر ولاشين بالقاهرة ويقال ان لاشين كان مختفيا في مأذنة جامع ابن طولون ووصل كيبغا وأصحابه إلى القلعة وبها علم الدين الشجاعى واستدعوا محمد بن قلاون أخا الاشرف وبايعوه ولقبوه الناصر وقام بالنيابة كيبغا وبالاتابكية حسام الدين وبالوزارة علم الدين سنجرو بالاستاذ دراية ركن الدين سوس الجاشنكير واستبدوا بالدولة فلم يكن الناصر يملك معهم شيأ من أمره وجدوا في طلب الامراء الذين داخلو بيدو في قتل الاشرف فاستوعبوهم بالقتل والصلب والقطع وكان بهادر راس نوبة وأقوش الموصلي فقتلا وأحرقت(5/406)
أشلاؤهما وشفع كيبغا في لاشين وقراسنقر المتوليين كبر ذلك فظهرا من الاختفاء وعادا إلى محلهما من الدولة ثم تقبض على الوزير محمد بن السلعوس عند وصوله من الاسكندرية وصادره الوزير الشجاعى وامتحنه فمات تحت الامتحان وأفرج عن عز الدين ايبك الافرم الصالحي وكان الاشرف اعتقله سنة ثنتين وتسعين والله سبحانه وتعالى أعلم * (وحشة كيبغا ومقتل الشجاعى) * ثم ان الشجاعى لطف محله من الناصر واختصه بالمداخلة وأشار عليه بالقبض على جماعة من الامراء فاعتقلهم وفيهم سيف الدين كرجى وسيف الدين طونجى وطوى ذلك عن كيبغا وبلغه الخبر وهو في موكب بساحة القلعة وكان الامراء يركبون في خدمته فاستوحش وارتاب بالشجاعي وبالناصر ثم جاء بعض مماليك الشجاعى إلى كيبغا في الموكب وجرد سيفه لقتله فقتله مماليكه وتأخر هو ومن كان معه من الامراء
عن دخول القلعة وتقبضوا على سوس الجاشنكير استاذ دار وبعثوا به إلى الاسكندرية ونادوا في العسكر فاجتمعوا وحاصروا القلعة وبعث إليهم السلطان أميرا فشرطوا عليه أن يمكنهم من الشجاعى فامتنع وحاصروه سبعا واشتد القتال وفر من كان بقى في القلعة من العسكر إلى كيبغا وخرج الشجاعى لمدافعتهم فلم يغن شيأ ورجع إلى السلطان وقد خامره الرعب فطلب أن يحبس نفسه فمضى به المماليك إلى السجن وقتلوه في طريقهم وبلغ الخبر إلى كيبغا ومن كان معه فذهبت عنهم الهواجس واستأمنوا للسلطان فأمنهم واستحلفوه فحلف لهم ودخلوا إلى القلعة وافاض كيبغا العطاء في الناس وأخرج من كان في الطباق من المماليك بمداخلة الشجاعى فأنزلهم إلى البلد بمقاصر الكسر ودار الوزارة والجوار وكانوا نحوا من تسعة آلاف فأقاموا بها ولما كان المحرم فاتح سنة أربع وتسعين اتعدوا ليلة وركبوا فيها جميعا وأخرجوا من كان في السجون ونهبوا بيوت الامراء واعجلهم الصبح عن تمام قصدهم وباكرهم الحاجب بهادر ببعض العساكر فهزمهم وافترقوا وتقبض على كثير منهم فأخذ منهم العقاب مأخذه قتلا وضربا وعزلا وأفرج عن عز الدين ايبك الافرم وأعيد إلى وظيفته أمير ثم هلك قريبا واستحكم أمر السلطان ونائبه كيبغا وهو مستبد عليه واستمر الحال على ذلك إلى ان كان ما نذكره ان شاء الله تعالى والله تعالى ولى التوفيق * (خلع الناصر وولاية كيبغا العادل) *(5/407)
ولما وقعت لوحشة بين كيبغا والشجاعى وتلتها وهذه الفتنة استوحش كيبغا في ظاهر أمره وانقطع عن دار النيابة متمارضا وتردد السلطان لعيادته ثم حمل بطانته على الاستبداد بالملك والجلوس على التخت وكان طموحا لذلك من أول أمره فجمع الامراء ودعاهم إلى بيعته فبايعوه وخلع الناصر وركب إلى دار السلطان فجلس على التخت
وتلقب بالعادل وأخرج السلطان من قصور الملك وكان مع أمه ببعض الحجر وولى حسام الدين لاشين نائبا والصاحب فخر الدين عمر بن عبد العزيز الخليلى الدار وزيرا نقله إليها من النظر في الديوان لعلاء الدين ولى العهد ابن قلاون وعز الدين ايبك الافرم الصالحي أمير جندار وبهادر الحلبي أمير حاجب وسيف الدين منماص استاذ دار وقسم امارة الدولة بين مماليكه وكتب إلى نواب الشأم بأخذ البيعة فأجابوا بالسمع والطاعة وقبض على عز الدين ايبك الخازندار نائب طرابلس وولى مكانه فخر الدين ايبك الموصلي وكان الخازندار ينزل حصن الاكراد ونزل الموصلي بطرابلس وعادت دار امارة ثم وفد سنة خمس وتسعين على العادل كيبغا طائفة من التتر يعرفون بالاربدانية ومقدمهم طرنطاى كان مداخلا لبدولى كنجاب ابن عمه ملك التتر فلما سار الملك إلى غاز ان خافه طرنطاى وكانت احياؤه بين غازان والموصل وأوعز غازان إلى التتر الذين من مارتكن فأخذ الطرق عليهم وبعث قط قرا من أمرائه للقبض على طرنطاى ومن معه من أكابر قبيله فسار لذلك في ثمانين فارسا فقتله طرنطاى وأصحابه وعبروا الفرات إلى الشأم واتبعهم التتر من ديار بكر فكروا عليهم فهزموهم وأمر العادل سنجر الدوادار أن يتلقاهم بالرحب واحتفل نائب دمشق لقدومهم ثم ساروا إلى مصر فتلقاهم شمس الدين قراسنقر وكانوا يجلسون مع الامراء بباب القلعة فانفوا لذلك وكان سببا لخلع العادل كما نذكر ووصل على اثرهم بقية قومهم بعد أن مات منهم كثير ثم رسخوا في الدولة وخلطهم الترك بأنفسهم وأسلموا واستخدموا أولادهم وخلطوهم بالصهر والولاء والله سبحانه وتعالى اعلم * (خلع العادل كيبغا وولاية لاشين المنصور) * كان أهل الدولة نقموا على السلطان كيبغا العادل تقديم مماليكه عليهم ومساواة الاربدانية من التتر بهم فتفاوضوا على خلعه وسار إلى الشأم في شوال سنة خمس وتسعين فعزل عز الدين ايبك الحموى نائب دمشق واستصفاه وولى مكانه سيف الدين
عزلو من مواليه ثم سار إلى حمص متصيدا ولقيه المظفر صاحب حماة فأكرمه ورده إلى بلده وسار إلى مصر والامراء مجمعون خلعه والفتك بمماليكه وانتهى إلى(5/408)
العوجاء من أرض فلسطين وبلغه عن بيسرى الشمسي انه كاتب التتر فنكر عليه واغلظ له في الوعيد وارتاب الامراء من ذلك وتمشت رجالاتهم واتفقوا وركب حسام الدين لاشين وبدر الدين بيسرى وشمس الدين قراسنقر وسيف الدين قفجاق وبهادر الحلبي الحاجب وبكتاش الفخري وببليك الخازندار واقوش الموصلي وبكتمر السلحدار وسلار وطغجى وكرجى ومعطاى ومن انضاف إليهم بعد ان بايعوا لاشين وقصدوا مخيم بكتوت الازرق فقتلوه وجاءهم ميحاص فقتلوه أيضا وركب السلطان كيبغا في لفيفه فحملوا عليه فانهزم إلى دمشق وبايع القوم لاشين ولقبوه المنصور وشرطوا عليه أن لا ينفرد عنهم برأى فقبل وسار إلى مصر ودخل القلعة ولما وصل كيبغا إلى دمشق لقيه نائبه سيف الدين غرلو وأدخله القلعة واحتاط على حواصل لاشين والامراء الذين معه وأمن جماعة من مواليه ووصلت العساكر التى كانت مجردة بالرحبة ومقدمهم جاغان وكانوا قد داخلوا الاشين في شأنه ونزلوا ظاهر دمشق واتفقوا على بيعة لاشين وأعلنوا بدعوته وانحل أمر العادل وسأل ولاية صرخد وألقى بيده فحبس بالقلعة لسنتين من ولايته وبعث الامراء ببيعتهم للاشين ودخل سيف الدين جاغان إلى القلعة ثم وصل كتاب لاشين ببعثه إلى مصر وبعث إلى كيبغا بولاية صرخد كما سأل ووصل قفجق المنصوري نائبا عن دمشق وأفرج لاشين بمصر عن ركن الدين بيبرس الجاشنكير وغيره من المماليك وولى قراسنقر نائبا وسيف الدين سلار استاذدار وسيف الدين بكتمر السلحدار أمير جاندار وبهادر الحلبي صاحب وأقر فخر الدين الخليلى على وزارته ثم عزله وولى مكانه شمس الدين سنقر الاشقر وقبض على قراسنقر النائب وسيف الدين سلار استاذ دار آخر سنة ست وتسعين وولى مكانه سيف الدين منكوتمر
الحسامي مولاه واستعمل سيف الدين قفجق المنصوري نائبا ثم أمر بتحديد عمارة جامع ابن طولون وندب لذلك علم الدين سنجر الدوادار وأخرج للنفقة فيه من خالص ماله عشرين ألف دينار ووقف عليه املاكا وضياعا ثم بعث سنة تسع وسبعين بالناصر محمد بن قلاون إلى الكرك مع سيف الدين سلار استاذدار وقال لزين الدين ابن مخلوف فقيه بيته هو ابن استاذى وأنا نائبه في الامر ولو علمت أنه يقوم بالامر قمته وقد خشيت عليه في الوقت فبعثته إلى الكرك فوصلها في ربيع وقال النووي انه بعث معه جمال الدين بن أقوش ثم قبض السلطان في هذه السنة على بدر الدين بيسرى الشمسي بسعاية منكوتمر نائبه لان لاشين أراد أن يعهد إليه بالامر فرده بيسرى عن ذلك وقبحه عليه فدس منكوتمر بعض مماليك بيسرى وانهوا إلى السلطان أنه يريد الثورة فقبض عليه آخر ربيع الثاني من السنة وأودعه السجن فمات في محبسه وقبض في(5/409)
هذة السنة على بهادر الحلبي وعلى عز الدين ايبك الحموى ثم أمر في هذه السنة برد الاقطاعات في النواحى وبعث الامراء والكتاب لذلك وتولى ذلك عبد الرحمن الطويل مستوفى الدولة وقال مؤرخ حماة المؤيد كانت مصر منقسمة على أربعة وعشرين قيراطا أربعة منها للسلطان والكلف والرواتب وعشرة للامراء والاطلاقات والزيادات وعشرة للاجناد الجلقة فصيروها عشرة للامراء والاطلاقات والزيادات والاجناد وأربعة عشر للسلطان فضعف الجيش وقال النووي قرر للخاص في الروك الجيزة واطفج ودمياط ومنفلوط والكوم الاحمر وحولت السنة الخراجية من سنة ست وتسعين وهذا في العدد انما هو بعد انقضاء ثلاثة وثلاثين سنة واحدة وهى تفاوت ما بين السنين الشمسية والقمرية وهو حجة ديوان الجيش في انقضاء التفاوت الجيشى وهو تحويل بالاقلام فقط وليس فيه نقص شئ ثم أقطعت البلاد بعد الروك واستثنيت المراتب الجسرية والرزق الاحباسية انتهى كلام النووي رحمه الله والله تعالى أعلم
* (فتح حصون سيس) * ولما ولى سيف الدين منكوتمر النيابة وكانت مختصا بالسلطان استولى على الدولة وطلب من السلطان أن يعهد له بالملك فنكر ذلك الامراء وثنوا عنه السلطان فتنكر لهم منكوتمر وأكثر السعاية فيهم حتى قبض على بعضهم وتفرق الآخرون في النواحى وبعث السلطان جماعة منهم سنة سبع وتسعين لغزو سيس وبلاد الارمن كان منهم بكتاش أمير سلاح وقراسنقر وبكتمر السلحدار وتدلار وتمراز ومعهم الالفى نائب صفد في العساكر ونائب طرابلس ونائب حماة ثم أردفهم بعلم الدين سنجر الدوادار وجاءت رسل صاحب سيس وأغاروا عليها ثلاثة أيام واكتسحوها ثم مروا ببغراس ثم بمرج انطاكية وأقاموا بها ثلاثا ومروا بجسر الحديد ببلاد الروم ثم قصدوا تل حمدون فوجدوها خاوية وقد انتقل الارمن الذين بها إلى قلعة النجيمة وفتحوا قلعة مرعش وحاصروا قلعة النجيمة أربعين يوما وافتتحوها صلحا وأخذوا احد عشر حصنا منها المصيصة وحموم وغيرهما واضطرب أهلها من الخوف فأعطوا طاعتهم ورجع العساكر إلى حلب وبلغ السلطان لاشين أن التتر قاصدون الشأم فجهز العساكر إلى دمشق مع جمال الدين أقوش الافرم وأمره أن يخرج العساكر من دمشق إلى حلب مع قفجق النائب فسار إلى حمص وأقام بها ثم بلغهم الخبر برجوع التتر ووصل أمر السلطان إلى سيف الدين الطباخي نائب حلب بالقبض على بكتمر السلحدار والالفى نائب صفد وجماعة من الامراء بحلب بسعاية بكتمر وحاول الطباخي ذلك فتعذر عليه وبرز تدلار إلى بسار فتوفى بها وأقام الآخرون وشعروا بذلك فلحقوا بقفجق النائب على حمص(5/410)
فامنهم وكتب إلى السلطان يشفع فيهم فأبطأ جوابه وعزله سيف الدين كرجى وعلاء الدين ايدغرى من اجارتهم فاستراب وولى السلطان مكانه على دمشق جاغان فكتب إلى قفجق بطلبهم فنفروا وافترق عسكره وعبر الفرات إلى العراق ومعه أصحابه بعد
ان قبضوا على نائب حمص واحتملوه ولحقهم الخبر بقتل السلطان لاشين وقد تورطوا في بلاد العدو فلم يمكنهم الرجوع ووفدوا على غازان بنواحي واسط وكان قفجق من جند التتر وأبوه من جند غازان خصوصا ولما وقعت الفتنة بين لاشين وغازان وكان فيروز أتابك غازان مستوحشا من سلطانه فكاتب لاشين في اللحاق به واطلع سلطانه على كتبه فأرسل إلى قطلوشاه نائب حران فقبض على فيروز وقتله وقتل غازان أخويه في بغداد والله تعالى أعلم * (مقتل لاشين وعود الناصر محمد بن قلاون إلى ملكه) * كان السلطان لاشين قد فوض امر دولته إلى مولاه منكوتمر فاستطال وطمع في الاستبداد ونكره الامراء كما قدمناه فأغرى السلطان بهم وشردهم كل مشرد بالنكبة والابعاد وكان سيف الدين كرجى من الجاشنكير ومقدما عليهم كما كان قراسنقر مع الاشرف وكان جماعة المماليك معصوصبين عليه وسعى منكوتمر في نيابته على القلاع التى افتتحت من الارمن ببلاد سيس فاستعفي من ذلك وأسرها في نفسه وأخذ في السعاية على منكوتمر وظاهره على أمره قفجى من كبار الجاشنكيرية وكان لطقجى صهر من كبار الجاشنكيرية اسمه طنطاى أغلظ له منكوتمر يوما في المخاطبة فامتعض وفزع إلى كرحى وطقجى فاتفقوا على اغتيال السلطان وقصدوه ليلا وهو يلعب بالشطرنج وعنده حسام الدين قاضى الحنفية فأخبره كرجى بغلق الابواب على المماليك فنكره ولم يزل يتصرف أمامه حتى ستر سيفه بمنديل طرحه عليه فلما قام السلطان لصلاة العتمة نحاها عنه وعلاه بالسيف وافتقد السلطان سيفه فتعاوروه بسيوفهم حتى قتلوه وهموا بقتل القاضى ثم تركوه وخرج كرجى إلى طقجى بمكان انتظاره وقصدوا منكوتمر وهو بدار النيابة فاستجار بطقجى فأجاره وحبسه بالجب ثم راجعوا رأيهم واتفقوا على قتله فقتلوه وكان مقتل لاشين في ربيع سنة ثمان وتسعين وكان من موالى على بن المعز ايبك فلما غرب للقسطنطينية تركه بالقاهرة واشتراه المنصور
قلاون من القاضي بحكم البيع على الغائب بألف درهم وكان يعرف بلاشين الصغير لانه كان هناك لاشين آخر أكبر منه وكان نائبا بحمص ولما قتل اجتمع الامراء وفيهم ركن الدين بيبرس الجاشنكير وسيف الدين سلار استاذ دار وحسام الدين لاشين الرومي وقد وصل على البريد من بلاد سيس جمال الدين أقوش الافرم وقد عاد من(5/411)
دمشق بعد ان أخرج النائب والعساكر إلى حمص وعز الدين ايبك الخزندار وبدر الدين السلحدار فضبطوا القلعة وبعثوا إلى الناصر محمد بن قلاون بالكرك يستدعونه للملك فاعتزم طقجى على الجلوس على التخت واتفق وصول الامراء الذين كانوا بحلب منصرفين من غزاة سيس وفيهم سيف الدين كرجى وشمس الدين سرقنشاه ومقدمهم بدر الدين بكتاش الفخري أمير سلاح فأشار الامراء على طقجى بالركوب للقائهم فأنف أولا ثم ركب ولقيهم وسألوه عن السلطان فقال قتل فقتلوه وكان كرجى عند القلعة فركب هاربا وأدرك عند القرافة وقتل ودخل بكتاش والامراء للقلعة لحول من غزاة سيس ثم اجتمعوا بمصر وكان الامر دائرا بين سلار وبيبرس وايبك الجامدار وأقوش الافرم وبكتمر أمير جندار وكرت الحاجب وهم ينتظرون وصول الناصر من الكرك وكتبوا إلى الامراء بدمشق بما فعلوه فوافقوا عليه ثم قبضوا على نائبها جاغان الحسامى وتولى ذلك بهاء الدين قرا ارسلان السيفى فاعتقل ومات لايام قلائل فبعث الامراء بمصر مكانه سيف الدين قطلوبك المنصوري ثم وصل الناصر محمد بن قلاون إلى مصر في جمادى سنة ثمان وتسعين فبايعوا له وولى سلار نائبا وبيبرس استاذدار وبكتمر الجوكندار أمير جندار وشمس الدين الاعسر وزيرا وعزل فخر الدين بن الخليلى بعد ان كان أقره وبعث على دمشق جمال الدين أقوش الافرم عوضا عن سيف الدين قطلوبك واستدعاه إلى مصر فولاه حاجبا وبعث على طرابلس سيف الدين كرت وعلى الحصون سيف الدين كراى وأقر بليان الطباخي على حلب وأفرج عن قراسنقر
المنصوري وبعثه على الضبينة ثم نقله إلى حماة عندما وصله وفاة صاحبها المظفر آخر السنة وخلع على الامراء وبث العطايا والارزاق واستقر في ملكه وبيبرس وسلار مستوليان عليه والله تعالى يؤيد بنصره من يشاء من عباده * (الفتنة مع التتر) * قد كنا قدمنا ما كان من فرار قفجق نائب دمشق إلى غازان وحدوث الوحشة بين المملكتين فشرع غازان في تجهيز العساكر إلى الشأم وبعث شلامش بن امال بن بكو في خمسة وعشرين ألفا في عساكر المغل ومعه أخوه قطقطو وأمره بالمسير من جهة سيس فسار لذلك حدثته نفسه بالملك فخاضع وطلب الملك لنفسه وكاتب ابن قزمان أمير التركمان فسار إليه في عشرة آلاف فارس وسار في ستين ألف فارس وسار إلى سيواس فامتنعت عليه وكتب إلى صاحب مصر مع مخلص الرومي يستنجده فبعث إلى نائب دمشق بانجاده وبلغ الخبر غازان فبعث لقتاله مولاى من أمراء التتر في خمسة وثلاثين ألف فارس ولحقه إلى سيواس فانتقض عليه العسكر ورجع التتر إلى مولاى(5/412)
ولحق التركمان بالجبال ولحق هو بسيس في فل من العسكر وسار إلى دمشق ثم إلى مصر وسأل من السلطان لاشين أن يمده بعسكر ينقل به عياله إلى الشأم فأمر السلطان نائب حلب أن ينجده على ذلك فبعث معه عسكرا عليهم بكتمر الحلبي وساروا إلى سوس فاعترضهم التتر وهزموهم وقتل الحلبي ونجا شلامش إلى بعض القلاع فاستنزله غازان وقتله واستقر أخوه قطقطو ومخلص بمصر وأقطع لهما وانتظما في عسكر مصر والله تعالى أعلم * (واقعة التتر على الناصر واستيلاء غازان على الشأم ثم ارتجاعه منه) * قد كنا قدمنا ما حدث من الوحشة بين التتر وبين الترك بمصر وقدمنا من أسبابها ما قدمناه فلما بويع الناصر بلغه أن غازان زاحف إلى الشأم فتجهز وقدم العساكر مع
قطلبك الكبير وسيف الدين وسار على أثرهم آخر سنة ثمان وسبعين وانتهى إلى غزة فنمى إليه أن بعض المماليك مجمعون للتوثب عليه وأن الاربدانية الذين وفدوا من التتر على كيبغا داخلوهم في ذلك وبينهما هو يستكشف الخبر إذ بمملوك من أولئك قد شهر سيفه واخترق صفوف العساكر وهم مصطفون بظاهر غزة فقتل لحينه وتتبع أمرهم من هذه البادرة حتى ظهرت حليتها فسبق الاربدانية ومقدمهم طرنطاى وقتل بعض المماليك وحبس الباقون بالكرك ورحل السلطان إلى عسقلان ثم إلى دمشق ثم سار ولقى غازان ما بين سلمية وحمص بمجمع المروج ومعه الكرج والارمن وفي مقدمته أمراء الترك الذين هربوا من الشأم وهم قفجق المنصوري وبكتمر السلحدار وفارس الدين البكى وسيف الدين غزار فكانت الجولة منتصف ربيع فانهزمت ميمنة التتر وثبت غازان ثم حمل على القلب فانهزم الناصر واستشهد كثير من الامراء وفقد حسام الدين قاضى الحنفية وعماد الدين اسمعيل ابن الامير وسار غازان إلى حمص فاستولى على الذخائر السلطانية وطار الخبر إلى دمشق فاضطرب العامة وثار الغوغاء وخرج المشيخة إلى غازان يقدمهم بدر الدين بن جماعة وتقى الدين بن تيمية وجلال الدين القزويني وبقى الولد فوضى وخاطب المشيخة غازان في الامان فقال قد خالفكم إلى بلدكم كتاب الامان ووصل جماعة من أمرائه فيهم اسمعيل بن الامير والشريف الرضى وقرأ كتاب الامان ويسمونه بلغاتهم الفومان وترجل الامراء بالبساتين خارج البلد وامتنع علم الدين سلحدار بالقلعة فبعث إليه اسمعيل يستنزله بالامان فامتنع فبعث إليه المشيخة من أهل دمشق فزاد امتناعا ودس إليه الناصر بالتحفظ وأن المدد على غزة ووصل قفجق بكتمر فنزلوا الميدان وبعثوا إلى سنجر صاحب القلعة(5/413)
في الطاعة فاساء جوابهم وقال لهم ان السلطان وصل وهزم عساكر التتر التى اتبعته ودخل قفجق إلى دمشق فقرأ عهد غازان له بولاية دمشق والشأم جميعا وجعل إليه
ولاية القضاء وخطب لغازان في الجامع وانطلقت أيدى العساكر في البلد بأنواع جميع العيث وكذا في الصالحية والقرى التى بها والمزوداريا وركب ابن تيمية إلى شيخ الشيوخ نظام الدين محمود الشيباني وكان نزل بالعادلية فأركبه معه إلى الصالحية وطردوا منها اهل العيث وركب المشيخة إلى غازان شاكين فمنعوا من لقائه حذرا من سطوته بالتتر فيقع الخلاف ويقع وبال ذلك على أهل البلد فرجعوا إلى الوزير سعد الدين ورشد الدين فأطلقوا لهم الاسرى والسبي وشاع في الناس أن غازان أذن للمغل في البلد وما فيه ففزع الناس إلى شيخ الشيوخ وفرضوا على أنفسهم أربعمائة ألف درهم مصانعة له على ذلك وأكرهوا على غرمها بالضرب والحبس حتى كلت ونزل التتر بالمدرسة العادلية فأحرقها ارجواش نائب القلعة ونصب المنجنيق على القلعة بسطح جامع بنى أمية فأحرقوه فأعيد عمله وكان المغل يحرسونه فانتهكوا حرمة المسجد بكل محرم من غير استثناء وهجم أهل القلعة فقتلوا النجار الذى كان يصنع المنجنيق وهدم نائب القلعة ارجواش ما كان حولها من المساكن والمدارس والابنية ودار السعادة وطلبوا ما لا يقدرون عليه وامتهن القضاة والخطباء وعطلت الجماعات والجمعة وفحش القتل والسبي وهدمت دار الحديث وكثير من المدارس ثم قفل إلى بلده بعد ان ولى على دمشق والشأم قفجق وعلى حماة وحمص بكتمر السلحدار وعلى سفد وطرابلس والساحل فارس الدين البكى وخلف نائبه قطلوشاه في ستين ألف حامية للشأم واستصحب وزيره بدر الدين بن فضل الله وشرف الدين ابن الامير وعلاء الدين بن القلانسى وحاصر قطلوشاه القلعة فامتنعت عليه فاعتزم على الرحيل وجمع له قفجق الاوغاد في جمادى من السنة وبقى قفجق منفردا بأمره فأمن الناس بعض الشئ وأمر مماليكه ورجعت عساكر التتر من اتباع الترك بعد ان وصلوا إلى القدس وغزة والرملة واستباحوا ونهبوا وقائدهم يومئذ مولاى من أمراء التتر فخرج إليه ابن تيمية واستوهبه بعض الاسرى فأطلقهم وكان الملك الناصر لما وصل إلى القلعة ووصل معه
كيبغا العادل وكان حضر معه المعركة من محل نيابته بصرخد فلما وقعت الهزيمة سار مع السلطان إلى مصر وبقى في خدمة النائب سلاروجرد السلطان العساكر وبث النفقات وسار إلى الصالحية وبلغه رحيل غازان من الشأم ووصل إليه بليان الطباخي نائب حلب على طريق طرابلس وجمال الدين الافرم نائب دمشق وسيف الدين كراى نائب طرابلس واتفق السلطان في عساكرهم وبلغه أن قطلوشاه نائب غازان رحل من(5/414)
الشأم على أثر غازان فتقدم بيبرس وسار في العساكر ووقعت المراسلة بينه وبين قفجق وبكتمر والبكى فاذعنوا للطاعة ووصلوا إلى بيبرس وسلار فبعثوا بهم إلى السلطان وهو في الصالحية في شعبان من السنة فركب للقائهم وبالغ في تكرمتهم والاتطاع لهم وولى قفجق على الشوبك ورحل عائدا إلى مصر ودخل بيبرس وسلار إلى مصر وقرروا وفي ولايتها جمال الدين أقوش الافرم بدمشق وفي نيابة حلب قراسنقر المنصوري الجوكندار لاستعفاء بليان الطباخي عنها وفي طرابلس سيف الدين قطلبك وفي حماة كيبغا العادل وفي قضاء دمشق بدر الدين بن جماعة لوفاة امام الدين بن سعد الدين القزويني وعاد بيبرس وسلار إلى مصر منتصف شوال وعاقب الافرم كل من استخدم للتتر من أهل دمشق وأغزى عساكره جبل كسروان والدرزية لما نالوا من العسكر عند الهزيمة وألزم أهل دمشق بالرماية وحمل السلاح وفرضت على أهل دمشق ومصر الاموال عن بعث الخيالة والمساكن لاربعة أشهر وضمان للقرى وكثر الارجاف سنة سبعمائة بحركة التتر فتوجه السلطان إلى الشأم بعد أن فرض على الرعية أموالا واستخرجها لتقوية عساكره وأقام بظاهر غزة أياما يؤلف فيها الامصار ثم بعث ألفى فارس إلى دمشق وعاد إلى مصر منسلخ ربيع الآخر وجاء غازان بعساكره وأجفلت الرعايا أمامه حتى ضاقت بهم السبل والجهات فنزل ما بين حلب ومرس ونازلها واكتسح البلاد إلى انطاكية وجبل السمر وأصابهم هجوم البرد وكثرة الامطار والوحل
وانقطعت الميرة عنهم وعدمت الاقوات وصوعت المراعى من كترة الثلج وارتحلوا إلى بلادهم وكان السلطان وقد جهز العساكر كما قلنا إلى الشأم صحبة بكتمر السلحدار نائب صفد وولى مكانه سيف الدين فنحاص المنصوري ثم وقعت المراسلة بين السلطان الناصر وبين غازان وجاءت كتبه وبعث الناصر كتبه ورسله وولى السلطان على حمص فارس الدين البكى والله سبحانه وتعالى أعلم * (وفاة الخليفة الحاكم وولاية ابنه المستكفى والغزاة إلى العرب بالصعيد) * ثم توفى الخليفة الحاكم بأمر الله أحمد وهو الذى ولاه الظاهر وبايع له سنة ستين فتوفى سنة احدى وسبعمائة لاحدى وأربعين سنة من خلافته وقد عهد لابنه أبى الربيع سليمان فبايع له الناصر ولقبه المستكفى وارتفعت شكوى الرعايا في الصعيد من الاعراب وكثر عيثهم فجهز إليهم السلطان العساكر مع شمس الدين قراسنقر فاكتسحهم وراجعوا الطاعة وقرر عليهم مالا حملوه ألف ألف وخمسمائة ألف درهم وألف فرس واحدا وألفى جمل اثنين وعشرة آلاف رأس من الغنم وأظهروا الاستكانة ثم أظهروا النفاق فسار إليهم كافل المملكة سلار وبيبرس في العساكر فاستلحموهم(5/415)
وأبادوهم وأصابوا أموالهم ونعمهم ورجعوا واستأذن بيبرس في قضاء فرضه فخرج حاجا وكان أبو نمى أمير مكة قد توفى وقام بأمره في مكة ابناه رميثة وخميصة واعتقلا أخويهما عطيفة وأبا الغيث فنقبا السجن وجاآ إلى بيبرس مستعديين عى أخويهما فقبض عليهما بيبرس وجاء بهما إلى القاهرة وفي سنة ستين وسبعمائة بعدها خرجت الشوانى مشحونة بالمقاتلة إلى جزيرة أرواد في بحر انطرطوس وبها جماعة من الافرنج قد حصنوها وسكنوها فملكوها وأسروا أهلها وخربوها وأذهبوا آثارها والله تعالى ولى التوفيق * (تقرير العهد لاهل الذمة) *
حضر في سنة سبعمائة وزير من المغرب في غرض الرسالة فرأى حال أهل الذمة وترفهم وتصرفهم في أهل الدولة فنكره وقبح ذلك واتصل بالسلطان نكيره فأمر بجمع الفقهاء للنظر في الحدود التى تقف عندها اهل الذمة بمقتضى عهود المسلمين لهم عند الفتح وأجمع الملا فيهم على ما نذكر وهو أن يميز بين أهل الذمة بشعار يخصهم فالنصارى بالعمائم السود واليهود بالصفر والنساء منهن بعلامات تناسبهن وأن لا يركبوا فرسا ولا يحملوا سلاحا وإذا ركبوا الحمير يركبونها عرضا ويتنحون وسط الطريق ولا يرفعوا أصواتهم فوق صوت المسلمين ولا يعلوا بناءهم على بناء المسلمين ولا يظهروا شعائرهم ولا يضربوا بالنواقيس ولا ينصروا مسلما ولا يهودوه ولا يشتروا من الرقيق مسلما ولا من سباه مسلم ولا من جرت عليه سهام المسلمين ومن دخل منهم الحمام يجعل في عنقه جرسا بتميز به ولا ينقشوا فص الخاتم بالعربى ولا يعلموا أولادهم القرآن ولا يخدموا في أعمالهم الشاقة مسلما ولا يرفعوا النيران ومن زنا منهم بمسلمة قتل وقال البترك بحضرة العدول حرمت على أهل ملتى وأصحابي مخالفة ذلك والعدول عنه وقال رئيس اليهود أوقعت الكلمة على أهل ملتى وطائفتي وكتب بذلك إلى الاعمال * (ولنذكر) * في هذا الموضع نسخة كتاب عمر بالعهد لاهل الذمة بعد كتاب نصارى الشأم ومصر إليه ونصه هذا كتاب لعبد الله عمر أمير المؤمنين من نصارى أهل الشأم ومفسر لما قدمتم علينا سألناكم الامان لانفسنا وذرارينا وأموالنا وأهل ملتنا وشرطنا على أنفسنا ان لا نحدث في مدائننا ولا فيما حولها ديرا ولا كنيسة ولا علية ولا صومعة راهب ولا نجدد ما خرب منها ولا ما كان في خطط وان نوسع أبوابنا للمارة ولبنى السبيل وان ننزل من مر بنا من المسلمين ثلاث ليال نطعمهم ولا نؤوى في كنائسنا ولا في منازلنا جاسوسا ولا نكتم عيبا للمسلمين ولا نعلم أولادنا القرآن ولا نظهر شرعنا(5/416)
ولا ندعو إليه أحدا ولا نمنع أحدا من ذى قرابتنا الدخول في دين الاسلام ان أرادوه
وان نوقر المسلمين ونقوم لهم في مجالسنا إذا أرادوا الجلوس ولا نتشبه بهم في شئ من ملابسهم في قلنسوة ولا عمامة ولا نعلين ولا فرق شعر ولا نتسمى بأسمائهم ولا نتكنى بكناهم ولا نركب السروج ولا نتقلد بالسيوف ولا نتخذ شيأ من السلاح ولا نحمله معنا ولا ننقش على خواتمنا بالعربية وان نجز مقدم رؤينا ونكرم نزيلنا حيث كنا وان نشد الزنانير على أوساطنا ولا نظهر صلباننا ولا نفتح كنفنا في طريق المسلمين ولا أسواقهم ولا نضرب بنواقيسنا في شئ من حضرة المسلمين ولا نخرج سعانيتنا ولا طواغيتنا ولا نرفع أصواتنا مع موتانا ولا نوقد النيران في طرق المسلمين ولا أسواقهم ولا نجاورهم بموتانا ولا نتخذ من الرقيق ما جرت عليه سهام المسلمين ولا نطلع في منازلهم ولا نعلي منازلنا فلما أتى عمر بالكتاب زاد فيه ولا نضرب أحدا من المسلمين شرطنا ذلك على أنفسنا وأهل ملتنا وقبلنا عليه الامان فان نحن خالفنا في شئ مما شرطنا لكم علينا وضمناه على أنفسنا وأهل ملتنا فلا ذمة لنا عليكم وقد حل بنا ما حل بغيرنا من أهل المعاندة والشقاق فكتب عمر رضى الله عنه أمض ما سألوه وألحق فيه حرفا اشترطه عليهم مع ما اشترطوه من ضرب مسلما عمدا فقد خلع عهده وعلى أحكام هذا الكتاب جرت فتاوى الفقهاء في أهل الذمة نصا وقياسا وأما كنائسهم فقال أبو هريرة أمر عمر بهدم كل كنيسة استحدثت بعد الهجرة ولم يبق الا ما كان قبل الاسلام وسير عروة بن محمد فهدم الكنائس بصنعاء وصالح القبط على كنائسهم وهدم بعضها ولم يبق من الكنائس الا ما كان قبل الهجرة وفي اباحة رمها واصلاحها لهم خلاف معروف بين الفقهاء والله تعالى ولى التوفيق * (ايقاع الناصر بالتتر على شقحب) * ثم تواترت الاخبار سنة ثنتين وسبعمائة بحركة التتر وان قطلوشاه وصل إلى جهة الفرات وأنه قدم كتابه إلى نائب حلب بأن بلادهم محلة وأنهم يرتادون المراعى بنواحي الفرات فخادع بذلك عن قصده ويوهم الرعية أن يجفلوا من البسائط ثم وصلت الاخبار
باجازتهم الفرات فأجفل الناس أمامهم كل ناحية ونزل النثر مرعش وبعث العساكر من مصر مدد الاهل الشأم فوصلوا إلى دمشق وبلغهم هنالك ان السلطان قازان وصل في جيوش التتر إلى مدينة الرحبة ونازلها فقدم نائبها قرى وعلوفة واعتذر له بأنه في طاعته إلى أن يرد الشأم فان ظفر به فالرحبة أهون شئ وأعطاه ولده رهينة على ذلك فأمسك عنه ولم يلبث ان عبر الفرات راجعا إلى بلاده وكتب إلى أهل(5/417)
الشأم كتابا مطولا ينذرهم فيه أن يستمدوا عسكر السلطان أو يستجيشوه ويخادعهم بلين القول وملاطفته وتقدم قطلوشاه وجوبان إلى الشأم بعساكر التتر يقال في تسعين ألفا أو يزيدون وبلغ الخبر إلى السلطان فقدم العساكر من مصر وتقدم بيبرس كافل المملكة إلى الشأم والسلطان وسلار على اثره ومعهم الخليفة أبو الربيع وساروا في التعبية ودخل بيبرس دمشق وكان النائب بحلب قراسنقر المنصوري وقد اجتمع إليه كيبغا العادل نائب حماة وأسد الدين كرجى نائب طرابلس بمن معهم من العساكر فأغار التتر على القرينين وبها أحياء من التركمان كانوا أجفلوا أمامهم من الفرات فاستاقوا أحياءهم بما فيها واتبعهم العساكر من حلب فأوقعوا بهم واستخلصوا أحياء التركمان من أيديهم وزحف قطلوشاه وجوبان بجموعهما إلى دمشق بظنان ان السلطان لم يخرج من مصر والعساكر والمسلمون مقيمون بمرج الصفر وهو المسمى بشقحب مع ركن الدين بيبرس ونائب دمشق أقوش الافرم ينتظرون وصول السلطان فارتابوا لزحف التتر وتأخروا عن مراكزهم قليلا وارتاعت الرعايا من تأخرهم فأجفلوا إلى نواحى مصر وبينما هم كذلك إذ وصل السلطان في عساكره وجموعه غرة رمضان من السنة فرتب مصافه وخرج لقصدهم فالتقى الجمعان بمرج الصفر وحمل التتر على ميمنة السلطان فثبت الله أقدامهم وصابروهم إلى أن غشيهم الليل واستشهد جماعة في الجولة ثم انهزم التتر ولجؤا إلى الجبل يعتصمون به واتبعهم
السلطان فأحاط بالجبل إلى أن أظل الصباح وشعر المسلمون باستماتتهم فأفرجوا لهم من بعض الجوانب وتسلل معظمهم مع قطلوشاه وجوبان وحملت العساكر الشامية على من بقى منهم فاستلحموهم وأبادوهم واتبعت الخبول آثار المنهزمين وقد اعترضتهم الاوحال بما كان السلطان قدم إلى أهل الانهار بين أيديهم فبثقوها ووحلت خيولهم فيها فاستوعبوهم قتلا وأسرا وكتب السلطان إلى قازان بما يجدد عليه الحسرة ويملا قلبه رعبا وبعث البشائر إلى مصر ثم دخل إلى دمشق وأقام بها عيد الفطر وخرج لثالثه منها إلى مصر فدخلها آخر شوال في موكب حفل ومشهد عظيم وقر الاسلام بنصره وتيمن بنقيب نوابه وأنشده الشعراء في ذلك وفي هذه السنة توفى كيبغا العادل نائب حماة وهو الذى كان ولى الملك بمصر كما تقدم ذكره فدفن بدمشق وتوفى أيضا بليان الجوكندار نائب حمص وتوفى أيضا القاضى تقى الدين بن دقيق العيد بمصر لولايته ست سنين بها وولى مكانه بدر الدين بن جماعة وهلك قازان ملك التتر يقال أصابته حمى حادة للهزيمة التى بلغته فهلك وولى أخوه خربندا وفيها أفرج السلطان عن رميثة وحميصة ولدى الشريف أبى نمى وولاهما بدلا من أخويهما عطيفة وأبى الغيث والله تعالى أعلم(5/418)
[ أخبار الارمن وغزو بلادهم وادعاؤهم الصلح ثم مقتل ملكهم صاحب سيس على يد التتر ] قد كان تقدم لنا ذكر هؤلاء الارمن وانهم واخوتهم الكرج من ولد قمويل بن ناحور ابن آزر وناحور أخو ابراهيم عليه السلام وكانوا أخذوا بدين النصرانية قبل الملة وكانت مواطنهم ارمينية وهى منسوبة إليهم وقاعدتها خلاط وهى كرسى ملكهم ويسمى ملكهم التكفور ثم ملك المسلمون بلادهم وضربوا الجزية على من بقى منهم واختلف عليهم الولاة ونزلت بهم الفتن وخربت خلاط فانتقل ملكهم إلى سيس عند
الدروب المجاورة لحلب وانزووا إليها وكانوا يؤدون الضريبة للمسلمين وكان ملكهم لعهد نور الدين العادل قليج بن اليون وهو صاحب ملك الدروب واستخدم للعادل وأقطع له وملك المصيصة واردن وطرسوس من يد الروم وأبقاه صلاح الدين بعد العادل نور الدين على ما كان عليه من الخدمة وغدر في بعض السنين بالتركمان فغزاهم صلاح الدين وأخنى عليهم حتى أذعنوا ورجع إلى حاله من أداء الجزية والطاعة وحسن الجوار بثغور حلب ثم ملكهم لعهد الظاهر هيثوم بن قسطنطين بن يانس ويظهر أنه من أعقاب قليج أو من أهل بيته ولما ملك هلاكو العراق والشأم دخل هيثوم في طاعته وأقره على سلطانه وأجلب مع التتر في غزواتهم على الشأم وغزا سنة ثنتين وستين صاحب بلاد الروم من التتر واستنفر معه بنى كلاب من اعراب حلب وعاثوا في نواحى عنتاب ثم ترهب هيثوم بن قسطنطين ونصب ابنه ليعون للملك وبعث الظاهر العساكر سنة اربع وستين ومعه قلاون المنصور صاحب حماة إلى بلادهم فلقيهم ليعون في جموعه قبل الدربند فانهزم وأسر وحرب العساكر مدينة سيس وبذل هيثوم الاموال والقلاع في فداء ابنه ليعون فشرط عليه الظاهر أن يستوهب سنقر الاشقر وأصحابه من ابغابن هلاكو وكان هلاكو أخذهم من سجن حلب فاستوهبهم وبعث بهم وأعطى خمسا من القلاع منها رغبان ومرزبان لما توفى هيثوم سنة تسع وستين وملك بعده ابنه ليعون وبقى الملك في عقبه وكان بينهم وبين الترك نفرة واستقامة لقرب جوارهم من حلب والترك يرددون العساكر إلى بلادهم حتى أجابوا بالصلح على الطاعة والجزية وشحنة التتر مقيم عندهم بالعساكر من قبل شحنة بلاد الروم ولما توفى ليعون ملك بعده ابنه هيثوم ووتب عليه أخوه سنباط فخلعه وحبسه بعد ان سمل عينه الواحدة وقتل أخاهما الاصغر يروس ونازلت عساكر الترك لعهده قلعة حموض من قبل العادل كيبغا فاستضعف الارمن سنباط وهموا به فلحق بالقسطنطينية وقدموا عليهم أخاه رندين فصالح المسلمين وأعطاهم مرعش وجميع القلاع على جيحان وجعلوهم تخما ورجعت العساكر عنهم(5/419)
ثم أفرج رنذين عن أخيه هيثوم الاعور سنة تسع وستين فأقام معه قليلا ثم وثب برندين ففر إلى القسطنطينية وأقام هيثوم بسيس في ملك الارمن وقدم ابن أخيه تروس معسول أتابكا واستقامت دولته فيهم وسار مع قازان في وقعته مع الملك الناصر فعاث الارمن في البلاد واستردوا بعض قلاعهم وخربوا تل حمدون فلما هزم الناصر التتر سنة ثنتين وسبعمائة بعث العساكر إلى بلادهم فاسترجعوا القلاع وملكوا حمص واكتسحوا بسائط سيس وما إليها ومنع الضريبة المقررة عليهم فأنفذ نائب حلب قراسنقر المنصوري سنة سبع وستمائة العساكر إليهم مع أربعة من الامراء فعاثوا في بلادهم واعترضهم شحنة التتر بسيس فهزموهم وقتل أميرهم وأسر الباقون وجهز العساكر من مصر مع بكتاش الفخري أمير سلاح من بقية البحرية وانتهوا إلى غزة وخشى هيثوم مغبة هذه الحادثة فبعث إلى نائب حلب بالجزية التى عليهم لسنة خمس وقبلها وتوسل بشفاعته إلى السلطان فشفعه وأمنه وكان شحنة التتر ببلاد الروم لهذا العهد ارفلى وكان قد أسلم لما أسلم ابغا وبنى مدرسة بأذنة وشيد فيها مئذنة ثم حدث بينه وبين هيثوم صاحب سيس وحشة فسعى فيه هيثوم عند خربندا ملك التتر بأنه مداخل لاهل الشأم وقد واطأهم على ملك سيس وما إليها واستشهد له بالمدرسة والمئذنة وكتب بذلك إلى ارفلى بعض قرابته فأسرها في نفسه واغتاله في صنيع دعاه إليه وقبض على وافد من مماليك الترك كان عند هيثوم من قبل نائب حلب يطلب الجزية المقررة عليه وهو ايدغدى الشهرزورى ولم يزل في سجن التتر إلى أن فر من محبسه بتوريز سنة عشر وسبعمائة ونصب لملك سيس أوشنى بن ليعون وسار ارفلى إلى خربندا فسابقه الناق أخو هيثوم بنسائه وولده مستعدين عليه فتفجع لهم خربندا وسط ارفلى وقتله واقرأ وشين أخاه في ملكه لسيس فبادر إلى مراسلة الناصر بمصر وتقرير الجزية عليه كما كانت وما زال يبعثها مع الاحيان والله تعالى أعلم
* (مراسلة ملك المغرب ومهاداته) * كان ملك المغرب الاقصى من بنى مرين المتولين أمره من بعد الموحدين وهو يوسف ابن يعقوب بن عبد الحق قد بعث إلى السلطان الناصر سنة أربع وسبعمائة رسوله علاء الدين ايدغدى الشهر زورى من الشهر زورية المقربين هنالك أيام الظاهر بيبرس ومعه هدية حافلة من الخيل والبغال والابل وكثير من ماعون المغرب وسائر طرفه وجملة من الذهب العين في ركب عظيم من المغاربة ذاهبين لقضاء فرضهم فقابلهم السلطان بأبلغ وجوه التكرمة وبعث معهم أميرا لاكرامهم وقراهم في طريقهم حتى قضوا فرصهم وعاد الرسول ايدغدى المذكور من حجه سنة خمس فبعث السلطان معه مكافأة هديتهم(5/420)
بما يليق بها من النفاسة وعين لذلك أميرين من بابه ايدغدى البابلي وايدغدى الخوارزمي كل منهما لقبه علاء الدين فانتهوا إلى يوسف بن يعقوب بمكانه من حصار تلمسان كما هو في ربيع الآخر سنة ست قابلهم بما يجب لهم ولمرسلهم وأوسع لهم في الكرامة والحباء وبعثهم إلى ممالكه بفاس ومراكش ليتطوفا بها ويعاينا مسرتها وهلك يوسف بن يعقوب بمكانه من حصار تلمسان وانطلق الرسولان المذكوران من فاس راجعين من رسالتهما في رجب سنة سبع في ركب عظيم من أهل المغرب اجتمعوا عليهم لقصد الحج ولقوا السلطان أبا ثابت البزولى من بعد يوسف بن يعقوب في طريقهم فبالغ في التكرمة والاحسان إليهم وبعث إلى مرسلهم الملك الناصر بهدية أخرى من الخيل والبغال والابل ثم مروا بتلمسان وبها أبو زيان وأبو حموابنا عثمان بن يغمرا من فلم يصرفا اليهما وجها من القبول وطلبا منهما خفيرا يخفرهما إلى تخوم بلادهما لما كانت نواحى تلمسان قد اضطربت بعد مهلك يوسف بن يعقوب وما كان من شأنه فبعث معهما بعض العرب فلم يغن عنهم واعترضهم في طريقهم أشرار حصن من زغبة بنواحي لمدية فبالغوا في الدفاع فلم بغن عنهم واستولى الاشرار على الركب بما فيه
ونهبوا جميع الحجاج ورسل الملك الناصر معهم وخلصوا إلى الشيخ بكر بن زغلى شيخ بنى يزيد بن زغبة بوطن حمزة بنواحي بجاية فأوصلهم إلى السلطان ببجاية أبى القاء خالد من ولد الامير أبى زكريا يحيى بن عبد الواحد بن أبى حفص ملوك افريقية فكساهم وحملهم إلى حضرة تونس وبها السلطان أبو عصيدة محمد بن يحيى الواثق من بنى عمه فبالغ في تكرمتهم وسافر معهم ابراهيم بن عيسى من بني وسنار أحد أمراء بني مرين كان أميرا على الغزاة بالاندلس وخرج لقضاء فرضه فمر بتونس واستنهضه سلطانها على الافرنج بجزيرة جربة فسار إليها بقومه ومعه عبد الحق بن عمر بن رحو من أعيان بنى مرين وكان الشيخ أبو يحيى زكريا بن أحمد اللحيانى يحاصرها في عسكر تونس فأقام معهم مدة ثم استوحش أبو يحيى اللحيانى من سلطانه بتونس فلحق بطرابلس وساروا جميعا إلى مصر وتقدم السلطان باكرامهم حتى فضوا فرضهم وعادوا إلى المغرب واستمد أبو يحيى اللحيانى السلطان الناصر فأمده بالاموال والمماليك وكان سببا لاستيلائه على الملك بتونس كما نذكره في أخباره ان شاء الله تعالى * (وحشة الناصر من كافليه بيبرس وسلار ولحاقه بالكرك وخلعه والبيعة لبيبرس) * ثم عرضت وحشة بين السلطان الناصر وبين كافليه بيبرس وسلار سنة سبع فامتنع من العلامة على المراسم وترددت بينه وبينهم السعاة بالعتاب وركب بعض الامراء في ساحة القلعة من جوف الليل ودافعهم الا وحامية في جوف الليل وافترقوا وامتعض(5/421)
السلطان لذلك وازداد وحشة ثم سعى بكتمر الجوكندار في اصلاح الحال وحمل السلطان على تغريب بعض الخواص من مماليكه إلى القدس وكان بيبرس ينسب إليهم هذه الفتنة ونشأتها من أجلهم فقربهم السلطان وأعتب الاميرين ثم أعيد الموالى من القدس إلى محلهم من خدمتهم واتهم السلطان الجوكندار في سعايته فسخطه وأبعده وبعثه نائبا عن صفد ثم غص بما هو فيه من الحجر والاستبداد وطلب الحج فهجره
بيبرس وسلار وسار على الكرك سنة ثمان وودعه الامراء واستصحب بعضا منهم فلما مر بالكرك دخل القلعة وأخرج النائب جمال الدين أقوش الاشرف إلى مصر وبعث عن أهله وولده كانوا مع المحمل الحجازى فعادوا إليه من العقبة وصرف الامراء الذين توجهوا معه وأظهر الانقطاع بالكرك للعبادة وأذن لهم في اقامة من يصلح لامرهم فاجتمعوا بدار النيابة وتشاوروا واتفقوا على أن يكون بيبرس سلطانا عليهم وسلار على نيابته وبايعوا بيبرس في شوال سنة ثمان ولقبوه المظفر وقلده الخليفة أبو الربيع وكتب للناصر بنيابة الكرك وعينت له اقطاع يختص بها وقام سيف الدين سلار بالنيابة على عادة من قبله وأقر أهل الوظائف والرتب على مراتبهم وبعث أهل الشأم بطاعتهم واستقر بيبرس في سلطانه والله تعالى أعلم * (انتقاض الامير بيبرس وعود الناصر إلى ملكه) * ولما دخلت سنة تسع هرب بعض موالى الناصر فلحقوا بالكرك وقلق الظاهر بيبرس المظفر وبعث في اثرهم فلم يدركوهم واتهم آخرون فقبض عليهم ونشأت الوحشة لذلك واتصلت المكاتبة من الامراء الذين بالشأم إلى السلطان بالكرك وخرج من مكانه يريد النهوص إليهم ثم رجع ووصل كتاب نائب دمشق أقوش الافرم فسكن الحال وبعث الجاشنكير بيبرس إلى السلطان برسالة مع الامير علاء الدين مغلطاى ايدغلى وقطلو بغا تتضمن الارجاف فثارت لها حفائظه وعاقب الرسولين وكاتب أمراء الشأم يتظلم من بيبرس وأصحابه بمصر ويقول سلمت لهم في الملك ورضيت بالضنك رجاء الراحة فلم يرجعوا عنى وبعثوا إلى بالوعيد وانهم فعلوا ما فعلوا بأولاد المعز ايبك وبيبرس الظاهر ومثل ذلك من القول ويستنجدهم ويمت إليهم بوسائل التربية والعتق في دفاع هؤلاء عنه والا لحقت ببلاد التتر وبعث بهذه الرسالة مع بعض الجند كان مستخدما بالكرك من عهد أقوش الاشرفى وأقام هنالك وكان مولعا بالصيد فاتصل بالسلطان في مصايده وبث إليه ذات يوم شكواه فقال أنا أكون رسولك إلى أمراء الشأم فبعث إليهم بهذه
الرسالة فامتعضوا وأجابوه بالطاعة كما يحب منهم وسار السلطان إلى البلقاء وأرسل جمال الدين أقوش الافرم نائب دمشق إلى مصر فأخبر الجاشنكير بيبرس بالحال(5/422)
واستمده بالعساكر للدفاع فبعث إليه بأربعة آلاف من العساكر مع كبار الامراء وأزاح عللهم وأنفق في سائر العساكر بمصر وكثر الارجاف وشغبت العامة وتعين مماليك السلطان للخروج إلى النواحى استرابة بمكانهم ووصل الخبر برجوع السلطان من البلقاء إلى الكرك لرأى رآه واستراب لرجعته سائر أصحابه وحاشيته وخاف أن يهجمهم عساكر مصر بما كان يشاع عندهم من اعتزام بيبرس على ذلك ثم دس السلطان إلى مماليكه وشيع إليهم فأجابوه وأعاد الكتاب إلى نواب الشأم مثل شمس الدين اقسنقر نائب حلب وسيف الدين نائب حمص فأجابوه بالسمع والطاعة وبعث نائب حلب ولده إليه واستنهضوه للوصول فخرج من الكرك في شعبان سنة تسع ولحق به طائفة من أمراء دمشق وبعث النائب أقوش أميرين لحفظ الطرقات فلحقا بالسلطان وكتب بيبرس الجاشنكير إلى نواب الشأم بالوقوف مع جمال الدين أقوش نائب دمشق والاجتماع على السلطان الناصر عن دمشق فأعرضوا ولحقوا بالسلطان وسار أقوش إلى البقاع والشقيف واستأمن إلى السلطان فبعث إليه بالامان مع أميرين من أكابر أمرائه وسار إلى دمشق فدخلها وهى خالصة يومئذ لسيف الدين بكتمر أمير جامدار جاءه من صفد وهاجر إلى خدمته فتلقاه وجازاه أحسن الجزاء ثم وصل أقوش الافرم فتلقاه السلطان بالمبرة والتكرمة وأقره على نيابة دمشق واضطربت أمور الجاشنكير بمصر وخرجت طائفة من مماليك السلطان هاربين إلى الشأم فسرح في اثرهم العساكر فأدركوهم ونال الهاربون منهم قتلا وجراحة ورجعوا وتجمعت وتاب العامة والغوغاء وأحاطوا بالقلعة وجاهروا بالخلعان وقبض على بعضهم وعوقب فلم يزدهم الا عتوا وتحاملا وارتاب الجاشنكير لحاله واجتمع الناس
للحلف وحضر الخليفة وجدد عليه وعليهم الحلف وبعث نسخة البيعة لتقرأ بالجامع يوم الجمعة فصاح الناس بهم وهموا أن يحصبوهم على المنبر فرجع إلى النفقة وبذل المال واعتزم على المسير إلى الشأم وقدم أكابر الامراء فلحقوا بالسلطان وزاد اضطراب بيبرس وخرج السلطان من دمشق منتصف رمضان وقدم بين يديه أميرين من أمراء غزة فوصلاها واجتمعت إليه العرب والتركمان وبلغ الخبر إلى الجاشنكير فجمع إليه شمس الدين سلار وبدر الدين بكتوت الجوكندار وسيف الدين السلحدار وفاوضهم في الامر فرأوا أن الخرق قد اتسع ولم يبق الا البدار بالرغبة إلى السلطان أن يقطعه الكرك أو حماة وصهيون ويتسلم السلطان ملكه فأجمعوا على ذلك وبعثوا بيبرس الدوادار وسيف الدين بهادر بعد ان أشهد الجاشنكير بالخلع وخرج من القلعة إلى اطفج بمماليكه فلم يستقر بها وتقدم فاصدا السوان واحتمل ما شاء من المال والذخيرة وخبول(5/423)
الاصطبل وقام بحفظ القلعة صاحبه سيف الدين سلار وكاتب السلطان يطالعه بدلك وخطب للسلطان على المنابر ودعى باسمه على المآذن وهتف باسمه العامة في الطرقات وجهز سلار سائر شعار السلطنة ووصلت رسل الجاشنكير إلى السلطان بما طلب فأسعفه بصهيون وردهم إليه بالامان والولاية ووافى السلطان عيد الفطر بالبركة ولقيه هنالك سيف الدين سلار وأعطاه الطاعة ودخل السلطان إلى القلعة وجلس باقى العيد بالايوان جلوسا فخما واستحلف الناس عامة وسأله سلار في الخروج إلى اقطاعه فأذن له بعدأن خلع عليه فخرج ثالث شوال وأقام ولده بباب السلطان ثم بعث السلطان الامراء إلى اخميم فانتزعوا من الجاشنكير ما كان احتمله من المال والذخيرة وأوصلوها إلى الخزائن ووصل معهم جماعة من مماليكه كانوا أمراء واختاروا الرجوع إلى السلطان وولى السلطان سيف الدين بكتمر الجوكندار أمير جاندار نائبا بمصر وقراسنقر المنصوري نائبا بدمشق وبعث نائبها الافرم نائبا بصرخد وسيف الدين
قفجق نائبا بحلب وسيف الدين بهادر نائبا بطرابلس وخرجوا جميعا إلى الشأم وقبض السلطان على جماعة من الامراء ارتاب بهم وولى على وزارته فخر الدين عمر بن الخليلى عوضا عن ضياء الدين أبى بكر ثم انصرف بيبرس الجاشنكير متوجها إلى صهيون وبها بهادر بها الاشجعى موكل به إلى حيث قصد ورجع عنه الامراء الذين كانوا عنده إلى السلطان فاستضاف بعضهم إلى مماليكه واعتقل بعضهم ثم بدا للسلطان في أمره وبعث إلى قراسنقر وبهادر وهما مقيمان بغزة ولم ينفصلا إلى الشأم أن يقبضا عليه فقبضا عليه وبعثا به إلى القلعة آخر ذى القعدة فاعتقل ومات هنالك والله تعالى ولى التوفيق * (خبر سلار ومآل أمره) * لما انتقل السلطان الناصر إلى ملكه بمصر وكان لسلار من السعي في أمره وتمكين سلطانه ما ذكرناه وكانت له سوء بال عند السلطان يعتنى برعيها له وكانت الشوبك من اقطاعه فرغب إلى السلطان في المسير إليها والتخلى فيها فأذن له وخلع عليه وزاده في اقطاعه واقطاع مماليكه واتبعه مائة من الطواشية باقطاعهم وسار من مصر إلى الشوبك في شوال سنة ثمان وسبعمائة ثم بعث له داود المقسور بالكرك مضافا إلى الشوبك وباللواء وبخلعة مذهبة ومركب ثقيل ومنطقة مجوهرة وأقام هنالك فلما كانت سنة عشر بعدها نمى إلى السلطان عن جماعة من الامراء انهم معتزمون على الثورة وفيهم أخو سلار فقبض عليهم جميعا وعلى شيع سلار وحاشيته الذين بمصر وبعث علم الذين الحوالى لاستقدامه من الكرك تأنيسا له وتسكينا فقدم في ربيع من السنة(5/424)
واعتقل إلى أن هلك في معتقله واستصفيت أمواله وذخائره بمصر والكرك وكانت شيأ لا يعبر عنه من الاموال والفصوص واللآلى والاقمصة والدروع والكراع والابل ويقال انه كان يغل كل يوم من اقطاعه وضياعه ألف دينار وأما أوليته فانه لما خلص
من أسر التتر صار مولى لعلاء الدين على بن المنصور قلاون ولما مات صار لابيه قلاون ثم لابنه الاشرف ثم لاخيه محمد بن الناصر وظهر في دولهم كلها وكان بينه وبين لاشين مودة فاستخدم له وعظم في دولته متقربا في المراكب متحريا لمحبة السلطان إلى أن انقرض أمره ويقال انه لما احتضر في محبسه قيل له قد رضى عنك السلطان فوثب قائما ومشى خطوات ثم مات والله أعلم * (انتقاض النواب بالشأم ومسيرهم إلى التتر وولاية تنكز على الشأم) * كان قفجق نائب حلب قد توفى بعد أن ولاه السلطان فنقل مكانه إلى حلب الكرجى من حماة سنة عشر فتظلم الناس منه فقبض عليه ونقل إليها قراسنقر المنصوري من نيابة دمشق وولى مكانه بدمشق سيف الدين كراى المنصوري سنة احدى عشرة ثم سخطه واعتقله وولى مكانه بدمشق جمال الدين أقوش الاشرفى نقله إليها من الكرك وتوفى بها محمد نائب طرابلس فنقل إليها أقوش الافرم من صرخد ثم قبض على بكتمر الجوكندار نائب مصر وحبسه بالكرك وجعل مكانه في الثانية بيبرس الدوادار ثم ارتاب قراسنقر نائب حلب فهرب إلى البرية واجتمع مع مهنا بن عيسى ويقال انه استأذن السلطان في الحج فأذن له فلما توسط البرية استوعرها فرجع فمنعه الامراء الذين بحلب من دخولها الا باذن السلطان فرجع إلى الفرات وبعث مهنا بن عيسى شافعا له عند السلطان فقبله ورده إلى نيابة حلب ثم بلغ السلطان أن خربندا ملك التتر زاحف إلى الشأم فجهز العساكر من مصر وتقدم إلى عساكر الشأم بأن يجتمعوا معهم بحمص فارتاب قراسنقر وخرج من حلب وعبر الفرات ثم راجع نفسه واستأمن السلطان على أن يقيم بالفرات فأقطعه السلطان الشوبك يقيم بها فلم يفعل وبقى بمكان من الفرات مع مهنا بن عيسى ثم ارتاب جماعة من الامراء فلحقوا به وفيهم أقوش الافرم نائب طرابلس وأمضوا عزمهم على اللحاق بخربندا فوصلوا إلى ماردين فنلقاهم صاحبها بالكرامة وحمل إليهم تسعين ألف درهم وركب
لهم الاتاوات ثم ساروا إلى خلاط إلى أن جاءهم اذن خربندا فساروا إليه واستحثوه للشأم وبلغ الخبر إلى السلطان فاتهم الامراء الذين في خدمته بالشأم بمداخلة قراسنقر وأصحابه فاستدعاهم وعساكرهم وبعث على حلب سيف الدين مكان قراسنقر وعلى طرابلس بكتمر الساقى مكان أقوش وبعث على العرب فضل بن(5/425)
عيسى مكان أخيه مهنا ووصل الامراء إلى مصر فقبض عليهم جميعا وعلى أقوش الاشرفى نائب دمشق وولى مكانه تنكز الناصري سنة ثتى عشرة وجعل له الولاية على سائر الممالك الاسلامية وقبض على نائبه بمصر بيبرس الدوادار وحبسه بالكرك وولى مكانه ارغون الدوادار وعسكر بظاهر القلعة وارتحل بعد عيد الفطر من السنة فلقيه الخبر أثناء طريقه بأن خربندا وصل إلى الرحبة ونازلها وانصرف عنها راجعا فانكفأ السلطان إلى دمشق وفرق العساكر بالشأم ثم سار إلى الكرك واعتزم على قضاء فرضه تلك السنة وخرج حاجا من الكرك ورجع سنة ثلاث عشرة إلى الشأم وبعث إلى مهنا بن عيسى يستميله وعاد الرسول بامتناعه ثم لحق سنة ست عشرة بخربندا وأقطعه بالعراق وأقام هنالك فلم يرجع الا بعد مهلك خربندا والله سبحانه وتعالى أعلم [ رجوع حماة إلى بنى المظفر شاهنشاه بن أيوب ثم لبنى الافضل منهم وانقراض أمرهم ] قد كان تقدم لنا أن حماة كانت من اقطاع تقى الدين عمر بن شاهنشاه بن أيوب أقطعه اياها عمه صلاح الدين بن أيوب سنة أربع وسبعين وخمسمائة فلم تزل بيده إلى أن توفى سنة سبع وثمانين وخمسمائة فأقطعها ابنه ناصر الدين محمدا ولقبه المنصور وتوفى سنة سبع عشرة وستمائة بعد عمه صلاح الدين والعادل فوليها ابنه قليج ارسلان ويلقب الناصر سنة ست وعشرين وكان أخوه المظفر ولى عهد أبيه عند الكامل بن العادل فجهزه بالعساكر من دمشق وملكها من يد أخيه واقام بها إلى أن هلك سنة ثلاث وأربعين
وولى ابنه محمد ويلقب المنصور ولم يزل في ولايتها إلى أن سار يوسف بن العزيز ملك الشأم من بنى أيوب هاربا إلى مصر أيام التتر فسار معه المنصور صاحب حماة وأخوه الافضل ثم خشى من الترك بمصر فرجع إلى هلاكو واستمر المنصور إلى مصر فأقام بها وملك هلاكو الشأم وقتل الناصر وسائر بني أيوب كما مر ثم سار قطز إلى الشأم عند ما رجع هلاكو عنه عندما شغل عنه بفتنة قومه فارتجعه من ملكة التتر وولى على قواعده وأمصاره ورد المنصور إلى حماة فلم يزل واليا عليها وحضر واقعة قلاون على التتر بحمص سنة ثلاثين وكان يتردد إلى مصر سائر أيامه ويخرج مع البعوث إلى بلاد الارمن وغيرها ويعسكر مع ملوك مصر متى طلبوه لذلك ثم توفى سنة ثلاث وثمانين وأقر قلاون ابنه المظفر على ما كان أبوه وجرى هو معهم على سننه إلى أن توفى سنة ثمان وتسعين عندما بويع الناصر محمد بن قلاون بعد لاشين وانقطع عقب المنصور فولى السلطان عليها قراسنقر من أمراء الترك نقله إليها من الضبينة وأمره باستقرار بنى أيوب وسائر الناس على اقطاعاتهم ثم كان استيلاء قازان على الشأم ورجوعه سنة تسع وتسعين(5/426)
ومسير بيبرس وسلار وانتزاع الشأم من التتر وكان كيبغا العادل الذى ملك مصر وخلعه لاشين نائبا بصرخد فجلا في هذه الوقائع وتنصح لبيبرس وسلار وحضر معهم بدمشق فولوه على حماة وغزا بالعساكر بلاد الارمن وحضر هزيمة التتر مع الناصر سنة ثنتين وسبعمائة فرجع إلى حماة فمات بها وولى السلطان بعده سيف الدين قفجق استدعاه إليها من اقطاعه بالشوبك وكان الافضل علاء الدين أخو المنصور صاحب حماة توفى أيام أخيه المنصور وخلف ولدا اسمه اسمعيل ولقبه عماد الدين ونشأ في دولتهم عاكفا على العلم والادب حتى توفر منهما حظه وله كتاب في التاريخ مشهور ولما رجع السلطان الناصر من الكرك إلى كرسيه وسطا بيبرس وسلار راجع نظره في الاحسان إلى أهل هذا البيت واختار منهم عماد الدين اسمعيل هذا وولاه على حماة مكان قومه
ست عشرة وسبعمائة وكان عند رجوعه إلى ملكه قد ولى نيابة حلب سيف الدين قفجق وجعل مكانه بحماة ايدمر الكرجى وتوفى قفجق فنقل ايدمر من حماة إلى حلب مكانه وولى اسمعيل على حماة كما قلناه ولقبه المؤيد ولم يزل عليها إلى أن توفى سنة ثنتين وثلاثين وولى الناصر ابنه الافضل محمد برغبة أبيه إلى السلطان في ذلك ثم مات الملك الناصر في ذى الحجة سنة احدى وأربعين وقام بعده بالامر مولاه قوص ونصب ابنه أبا بكر محمدا فكان أول شئ أحدثه عزل الافضل من حماة وبعث عليها مكانه صقر دمول النائب وسار الافضل إلى دمشق فمات بها سنة اثنتين وأربعين وانقرضت ايالة بنى أيوب من حماة والبقاء لله وحده لا رب غيره ولا معبود سواه * (غزو العرب بالصعيد وفتح ملطية وآمد) * ثم خرج السلطان سنة ثلاث عشرة فعسكر بالاهرام موريا بالنزهة وقد بلغه ما نزل بالصعيد من عيث العرب وفسادهم في نواحيه واضرارهم بالسابلة فسرح العساكر في كل ناحية منه وأخذ الهلاك منهم مأخذه إلى واستباحهم من كل ناحية وشرد بهم من خلفهم ثم سرح العساكر سنة أربع عشرة بعدها إلى ملطية وهى للارمن وملكها وسار لذلك تنكز نائب دمشق بعساكر الشأم وستة من أمراء مصر ونازلوها في محرم سنة خمس عشرة وبها جموع من نصارى الارمن والعربان وقليل من المسلمين تحت الجزية فقاتلوهم حتى ألقوا باليد واقتحموها عنوة واستباحوها وجاؤا بملكها مع الاسرى فأبقاه السلطان وأنعم عليه ثم نمى عنه انه يكاتب ملوك العراق فحبسه ثم بعث السلطان العساكر من حلب سنة خمس عشرة إلى عرقية من أعمال آمد ففتحوها وجاءت العساكر سنة سبع عشرة ثانية إلى آمد ففتحوها واستباحوها وغنموا منها أموالا جمة والله تعالى ينصر من يشاء من عباده(5/427)
* (الولايات) *
وفي سنة خمس عشرة سخط السلطان سيف الدين نمر نائب طرابلس الذى وليها بعد أقوش الافرم وأمده به وسيق معتقلا إلى مصر وولى مكانه سيف الدين كستاى ثم هلك فولى مكانه شهاب الدين قرطاى نقله إليها من نيابة حمص وولى نيابة حمص سيف الدين اقطاى ثم قبض سنة ثمان عشرة على طغاى الحسامى من الجاشنكيرية وصرف نائبا إلى صفد مكان بكتمر الحاجب ثم سخطه فأحضره معتقلا وحبسه بالاسكندرية وبعث على صفد سيف الدين اقطاى نقله إليها من حمص وبعث على حمص بدر الدين بكتوت القرمانى والله تعالى أعلم * (العمائر) * ابتدأ السلطان سنة احدى عشرة وسبعمائة ببناء الجامع الجديد بمصر وأكمله ووقف عليه الاوقاف المغلة ثم أمر سنة أربع عشرة ببناء القصر الابلق من قصور الملك فجاء من أفخر المصانع الملوكية وفي سنة ثمان عشرة أمر بتوسعة جامع القلعة فهدم ما حوله من المساكن وزيد فيه إلى الحد الذى هو عليه بهذا العهد ثم أمر في سنة ثلاث وعشرين بعمارة القصور لمنازله بسر ياقوس وبنى بازائها الخانقاه الكبيرة المنسوبة إليه وفي سنة ثلاث وثلاثين أمر بعمارة الايوان الضخم بالقلعة وجعله مجلس ملكه وبيت كرسيه ودعاه دار العدل والله تعالى أعلم * (حجات السلطان) * وحج الملك الناصر محمد بن قلاون أيام دولته ثلاث حجات أولا سنة ثلاث عشرة عند ما انقرض قراسنقر نائب حلب واقوش الافرم نائب طرابلس ومهنا بن عيسى أمير العرب وجاء خربندا إلى الشأم ورجع من الرحبة فسار السلطان من مصر إلى الشأم وبلغه رجوع خربندا فسار من هناك حاجا وقضى فرضه سنة ثلاث عشرة ورجع إلى الشأم ثم حج الثانية سنة تسع عشرة ركب إليها من مصر في أواخر ذى القعدة ومعه المؤيد صاحب حماة والامير محمد ابن أخت علاء الدين ملك الهند صاحب دلى ولما قضى حجه
انطلق الامير محمد ابن أخت علاء الدين من هناك إلى الهند على اليمن ورجع إلى مصر فأفرج عن رميثة أمير مكة من بنى حسن وعن المعتقلين بمحبسه ووصله ووصلهم ثم حج الثالثة سنة ثنتين وثلاثين ومعه الافضل بن المؤيد صاحب حماة على عادة أبيه فر مراكبة السلطان وقفل من حجه سنة ثلاث وثلاثين فأمر بعمل باب الكعبة مصفحا بالفضة أنفق فيه خمسة وثلاثين ألف درهم وفي منصرفه من هذه الحجة مات بكتمر الساقى(5/428)
من أعظم أمرائه وخواصه ويقال انه سمه وهو من مماليك بيبرس الجاشنكير وانتقل إلى الناصر فجعله أمير السقاة وعظمت منزلته عنده ولطفت خلته حتى كانا لا يفترقان اما في بيت السلطان واما في بيته وكان حسن السياسة في الغاية وخلف بعد وفاته من الاموال والجواهر والذخائر ما يفوت الحصر والله تعالى ولى التوفيق بمنه وكرمه * (أخبار النوبة واسلامهم) * قد تقدم لنا غزو الترك إلى النوبة أيام الظاهر بيبرس والمنصور قلاون لما كان عليهم من الجزية التى فرضها عمرو بن العاصى عليهم وقررها الملوك بعد ذلك وربما كانوا يماطلون بها أو يمتنعون من أدائها فتغزوهم عساكر المسلمين من مصر حتى يستقيموا وكان ملكهم بدنقلة أيام سارت العساكر من عند قلاون إليها سنة ثمانين وستمائة واسمه سمامون ثم كان ملكهم لهذا العهد اسمه آى لا أدرى أكان معاقبا لسمامون أو توسط بينهما متوسط وتوفى آى سنة ست عشرة وسبعمائة وملك بعده في دنقلة أخوه كربيس ثم نزع من بيت ملوكهم رجل إلى مصر اسمه نشلى وأسلم فحسن اسلامه وأجرى له رزقا وأقام عنده فلما كانت سنة ست عشرة امتنع كربيس من أداء الجزية فجهز السلطان إليه العساكر وبعث معها عبد الله نشلى المهاجر إلى الاسلام من بيت ملكهم فخام كربيس عن لقائهم وفر إلى بلد الابواب ورجعت العساكر إلى مصر واستقر نشلى في ملك النوبة على حاله من الاسلام وبعث السلطان إلى ملك الابواب في كربيس فبعث به إليه وأقام بباب
السلطان ثم ان أهل النوبة اجتمعوا على نشلى وقتلوه بممالاة جماعة من العرب سنة تسع وبعثوا عن كربيس ببلد الابواب فألفوه بمصر وبلغ الخبر إلى السلطان فبعثه إلى النوبة فملكها وانقطعت الجزية باسلامهم ثم انتشرت أحياء العرب من جهينة في بلادهم واستوطنوها وملكوها وملؤها عينا وفسادا وذهب ملوك النوبة إلى مدافعتهم فعجزوا ثم ساروا إلى مصانعتهم بالصهر فافترق ملكهم وصار لبعض أبناء جهينة من أمهاتهم على عادة الاعاجم في تمليك الاخت وابن الاخت فتمزق ملكهم واستولى اعراب جهينة على بلادهم وليس في طريقه شئ من السياسة الملوكية للآفة التى تمنع من انقياد بعضهم إلى بعض فصاروا شيعا لهذا العهد ولم يبق لبلادهم رسم للملك وانما هم الآن رجالة بادية يتبعون مواقع القطر شأن بوادي الاعراب ولم يبق في بلادهم رسم للملك لما أحالته صبغة البداوة العربية من صبغتهم بالخلطة والالتحام والله غالب على أمره والله تعالى ينصر من يشاء من عباده * (بقية أخبار الارمن إلى فتح اياس ثم فتح سيس وانقراض أمرهم) *(5/429)
قد كنا قدمنا أخبار الارمن إلى قتل ملكهم هيثوم على يد ايدغدى شحنة التتر ببلاد الروم سنة سبع واستقرار الملك بسيس لاخيه أو سير بن ليعون وكان بينه وبين قزمان ملك التركمان مصاف سنة تسع عشرة فهزمه قزمان ولم يزل أو سير بن ليعون ملكا عليهم إلى سنة اثنتين وسبعين فهلك ونصبوا للملك بعده ابنه ليعون صغيرا ابن ثنتى عشرة سنة وكان الناصر قد طلب أو سير أن ينزل له عن القلاع التى تلى الشأم فاتسع وجهز إليه عساكر الشأم فاكتسحوا بلاده وخربوها وهلك أو سير على اثر ذلك ثم أمر الناصر كيبغا نائب حلب بغزو سيس فدخل إليها بالعساكر سنة ست وثلاثين واكتسح جهاتها وحصر قلعة النقير وافتتحها وأسر من الارمن عدة يقال بلغوا ثلثمائة وبلغ خبرهم إلى النصارى باياس فثاروا بمن عندهم من المسلمين وأحرقوهم غضبا للارمن لمشاركتهم
في دين النصرانية ولم يثبت أن بعث إلى السلطان دمرداش بن جوبان شحنة المغل ببلاد الروم يعرفه بدخوله في الاسلام ويستنفر عساكره لجهاد نصارى الارمن فأسعفه بذلك وجهز إليه عساكر الشأم من دمشق وحلب وحماة سنة سبع وثلاثين ونازلوا مدينة اياس ففتحوها وخربوها ونجا فلهم إلى الجبال فاتبعتهم عساكر حلب وعادوا إلى بلادهم ثم سار سنة احدى وستين بندمر الخوارزمي نائب حلب لغزو سيس ففتح أذنة وطرسوس والمصيصة ثم قلعتي كلال والجريدة وسنباط كلا وتمرور وولى نائبين في أذنة وطرسوس وعاد إلى حلب وولى بعده على حلب عشقيم النصارى فسار سنة ست وسبعين وحصر سبس وقلعتها شهرين إلى أن نفدت أقواتهم وجهدهم الحصار فاستأمنوا ونزلوا على حكمه فخرج ملكهم التكفور وأمراؤه وعساكره إلى عشقيم فبعث بهم إلى مصر واستولى المسلمون على سيس وسائر قلاعها وانقرضت منها دولة الارمن والبقاء لله وحده انتهى * (الصلح مع ملوك التتر وصهر الناصر مع ملوك الشمال منهم) * كان للتتر دولتان مستفحلتان احداهما دولة بنى هلاكو آخذ بغداد والمستولى على كرسى الاسلام بالعراق وأصارها هو وبنوه كرسيا لهم ولهم مع ذلك عراق العجم وفارس وخراسان وما وراء النهر ودولة بنى دوشى خان بن جنكز خان بالشمال متصلة إلى خوارزم بالمشرق إلى القرو وحدود القسطنطينية بالجنوب وإلى أرض بلغار بالمغرب وكان بين الدولتين فتن وحروب كما تحدث بين الدول المتجاورة وكانت دولة الترك بمصر والشأم مجاورة لدولة بنى هلاكو وكان يطمعون في ملك الشأم ويرددون الغزو إليه مرة بعد أخرى ويستميلون أولياءهم وأشياعهم من العرب والتركمان فيستظهرون بهم عليهم كما رأيت ذلك في أخبارهم وكانت بين ملوكهم من الجانبين وقائع متعددة(5/430)
وحروبهم فيها سجال وربما غلبوا من الفتنة بين دولة دوشى وبين بنى هلاكو ولبعدهم
عن فتنة بنى دوشى خان لتوسط الممالك بين مملكتهم ومملكة مصر والشأم فتقع لهم الصاغية إليهم وتتجدد بينهم المراسلة والمهاداة في كل وقت ويستحث ملك الترك ملك صراى من بنى دوشى خان لفتنة بنى هلاكو والاجلاب عليهم في خراسان وما إليها من حدود مملكتهم ليشغلوهم عن الشأم ويأخذوا بحجزتهم عن النهوض إليه وما زال ذلك دأبهم من أول دولة الترك وكانت رغبة بنى دوشى خان في ذلك أعظم يفتخرون به على بنى هلاكو ولما ولى صراى انبك من بنى دوشى خان سنة ثلاث عشرة وكان نائبا ببلاد الروم فطلغمير وفدت عليه الرسل من مصر على العادة فعرض لهم فطلغمير بالصهر مع السلطان الناصر ببعض نساء ذلك البيت على شرطية الرغبة من السلطان في ظاهر الامر والتمهل منهم في امضاء ذلك وزعموا ان هذه عادة الملوك منهم ففعل السلطان ذلك وردد الرسل والهدايا أعواما ستة إلى أن استحكم ذلك بينهم وبعثوا إليه بمخطوبته طلبناش بنت طغاجى بن هند وابن بكر بن دوشى سنة عشرين مع كبير المغل وكان مقلدا يحمل على الاعناق ومعهم جماعة من أمرائهم وبرهان الدين امام ازبك ومروا بالقسطنطينية فبالغ لشكري في كرامتهم يقال انه أنفق عليهم ستين ألف دينار وركبوا البحر من هناك إلى الاسكندرية ثم ساروا بها إلى مصر محمولة على عجلة وراء ستور من الذهب والحرير يجرها اكديش يقود، اثنان من مواليها في مظهر عظيم من الوقار والتجلة ولما قاربوا مصر ركب للقائهم النائبان ارغون وبكتمر الساقى في العساكر وكريم الدين وكيل السلطان وأدخلت الخاتون إلى القصر واستدعى ثالث وصولها القضاة والفقهاء وسائر الناس على طبقاتهم إلى الجامع بالقلعة وحضر الرسل الوافدون عندهم بعد ان خلع عليهم وانعقد النكاح بين وكيل السلطان ووكيل ازبك وانفض ذلك المجمع وكان يوما مشهودا ووصلت رسل أبى سعيد صاحب بغداد والعراق سنة ثنتين وعشرين وفيهم قاضى توريز يسألون الصلح وانتظام الكلمة واجتماع اليد على اقامة معالم الاسلام من الحج واصلاح السابلة وجهاد العدو
فأجاب السلطان إلى ذلك وبعث سيف الدين ايتمش المحمدى لاحكام العقد معهم وامتضاء ايمانهم فتوجهه لذلك بهدية سنية وعاد سنة ثلاث وعشرين ومعه رسل أبى سعيد ومعه جوبان لمثل ذلك فتم ذلك وانعقد بينهم وقد كانت قبل ذلك تجددت الفتنة بين أبى سعيد وصاحب صراى نفرة من ازبك صاحب صراى من تغلب جوبان على أبى سعيد وفتكه في المغل وكانت بين جوبان وبين سبول صاحب خوارزم وما وراء النهر فتنة ظهر فيها ازبك وأمده بالعساكر فاستولى ازبك على أكثر بلاد خراسان وطلب من(5/431)
الناصر بعد الالتحام بالصهر المظاهرة على أبى سعيد وجوبان فأجابه إلى ذلك ثم بعث إليه أبو سعيد في الصلح كما قلناه فآثره وعقد له وبلغ الخبر إلى ازبك ورسل الناصر عنده فأغلظ في القول وبعث بالعتاب واعتذر له الناصر بأنهم انما دعوه لاقامة شعائر الاسلام ولا يسع التخلف عن ذلك فقبل ثم وقعت بينه وبين أبى سعيد مراوضة في الصلح بعد ان استرد جوبان ما ملكه ازبك من خراسان فتوادع كل هؤلاء الملوك واصطلحوا ووضعوا أوزار الحرب حينا من الدهر إلى أن تقلبت الاحوال وتبدلت الامور والله مقلب الليل والنهار * (مقتل أولاد بنى نمى أمراء مكة من بنى حسن) * قد تقدم لنا استيلاء قتادة على مكة والحجاز من يد الهواشم واستقرارها لبنيه إلى أن استولى منهم أبو نمى وهو محمد بن أبى سعيد على بن قتادة ثم توفى سنة ثنتين وسبعمائة وولى مكانه ابناه رميثة وخميصة واعتقلا أخويهما عطيفة وأبا الغيث ولما حج الاميران كافلا المملكة بيبرس وسلار هربا اليهما من مكان اعتقالهما وشكيا ما نالهما من رميثة وخميصة فأشكاهما الاميران واعتقلا رميثة وخميصة وأوصلاهما إلى مصر ووليا عطيفة وأبا الغيث وبعثا بهما إلى السلطان صحبة الامير ايدمر الكوكبى الذى جاء بالعساكر معهما ثم رضى السلطان عنهما وولاهما مكان رميثة وخميصة وبعث معهما
العساكر ثانيا سنة ثلاث عشرة وفر رميثة وخميصة عن البلاد ورجع العسكر وأقام أبو الغيث وعطيفة فرجع اليهما رميثة وخميصة وتلافوا فانهزم أبو الغيث وعطيفة فسارا إلى المدينة في جوار منصور بن حماد فأمدهما ببنى عقبة وبنى مهدى ورجع إلى حرب رميثة وخميصة فاقتتلوا ثانيا ببطن مرو فانهزم أبو الغيث وقتل واستمر رميثة وخميصة ولحق بهما أخوهما عطيفة وسار معهما ثم تشاجروا سنة خمس عشر ولحق رميثة بالسلطان مستعديا على أخويه فبعث معه العساكر ففر خميصة بعدان استصفى أهل مكة وهرب إلى السبعة مدن ولحقته العساكر فاستلحق أهل تلك المدن ولقيهم فانهزموا ونجا خميصة بنفسه ثم رجعت العساكر فرجع وبعث رميثة يستنجد السلطان فبعث إليه العساكر ففر خميصة ثم رجع واتفق مع أخويه رميثة وعطيفة ثم لحق عطيفة بالسلطان سنة ثمان عشرة وبعث معه العساكر فتقبضوا على رميثة وأوصلوه معتقلا فسجن بالقلعة واستقر عطبفة بمكة وبقى خميصة مشردا ثم لحق بملك التتر ملك العراق خربندا واستنجده على ملك الحجاز فانجده بالعساكر وشاع بين الناس أنه داخل الروافض الذين عند خربندا في اخراج الشيخين من قبريهما وعظم ذلك على الناس ولقبه محمد بن عيسى أخو مهنا حسبة وامتعاضا للدين وكان عند(5/432)
خربندا فاتبعه واعترضه وهزمه ويقال انه أخذ منه المعاول والفوس التى أعدوها لذلك وكان سببا لرضا السلطان عنه وجاء خميصة إلى مكة سنة ثمانى عشرة وبعث الناصر العساكر إليه فهرب وتركها ثم أطلق رميثة سنة تسع عشرة فهرب إلى الحجاز ومعه وزيره على بن هنجس فرد من طريقه واعتقل وأفرج عنه السلطان بعد مرجعه من الحج سنة عشرين ثم ان خميصة استأمن السلطان سنة عشرين وكان معه جماعة من المماليك هربوا إليه فحاموا أن يحضروا معه إلى السلطان فاغتالوه وحضروا وكان السلطان قد أطلق رميثة من الاعتقال فامكنه منهم فثأر من المباشر قتل أخيه وعفا
عن الباقين ثم صرف السلطان رميثة إلى مكة وولاه مع أخيه عطيفة واستمرت حالهما ووفد عطيفة سنة احدى وعشرين على الابواب ومعه قتادة صاحب الينبع يطلب الصريخ على ابن عمه عقيل قاتل ولده فأجابه السلطان وجهز العساكر لصريخه وقوبل كل منهما بالاكراد وانصرفوا وفي سنة احدى وثلاثين وقعت الفتنة بمكة وقتل العبيد جماعة من الامراء والترك فبعث السلطان ايدغمش ومعه العساكر فهرب الشرفاء والعبيد وحضر رميثة وبذل الطاعة وحلف متبرئا مما وقع فقبل منه السلطان وعفا له عنها واستمرت حاله على ذلك إلى أن هلك سنة وتداولت الامارة بين ابنيه عجلان وبقية ثم استبد عجلان كما نذكره في أخبارهم وورثتها بنوه لهذا العهد كما نذكره مرتبا في أخبارهم ان شاء الله تعالى * (حج ملك التكرور) * كان ملك السودان بصحراء المغرب في الاقليم الاول والثانى منقسما بين أمم من السودان أولهم مما يلى البحر المحيط امة صوصو وكانوا مستولين على غانة ودخلوا في الاسلام أيام الفتح وذكر صاحب كتاب رجاز في الجغرافيا ان بنى صالح من بنى عبد الله بن الحسن بن الحسن كانت لهم بها دولة وملك عظيم ولم يقع لنا في تحقيق هذا الخبر أكثر من هذا وصالح من بنى حسن مجهول وأهل غانة منكرون أن يكون عليهم ملك لاحد غير صوصو ثم يلى أمة صوصو أمة مالى من شرقهم وكرسي ملكهم بمدينة بنى ثم من بعدهم شرقا عنهم أمة كوكو ثم التكرور بعدهم وفيما بينهم وبين النوبة أمة كانم وغيرها وتحولت الاحوال باستمرار العصور فاستولى أهل مالى على ما وراءهم وبين أيديهم من بلاد صوصو وكوكو وآخر ما استولوا عليه بلاد التكرور واستفحل ملكهم إلى الغاية وأصبحت مدينتهم بنى حاضرة بلاد السودان بالمغرب ودخلوا في دين الاسلام منذ حين من السنين وحج جماعة من ملوكهم وأول من حج منهم برمندار وسمعت في صبطه من بعض فضلائهم برمندانه وسبيله في الحج هي التى اقتفاها ملوكهم من بعده(5/433)
ثم حج منهم منساولى بن مارى جاطة ايام الظاهر بيبرس وحج بعده منهم مولاهم صاكوره وكان تغلب على ملكهم وهو الذى افتتح مدينة كوكو ثم حج أيام الناصر وحج من بعده منهم منسا موسى حسبما ذلك مذكور في أخبارهم عند دول البربر عند ذكر صنهاجة ودولة لمتونة من شعوبهم ولما خرج منسا موسى من بلاد المغرب للحج سلك على طريق الصحراء وخرج عند الاهرام بمصر وأهدى إلى الناصر هدية حفيلة يقال ان فيها خمسين ألف دينار وأنزله بقصر عند القرافة الكبرى وأقطعه اياها ولقيه السلطان بمجلسه وحدثه ووصله وزوده وقرب إليه الخيل والهجن وبعث معه الامراء يقومون بخدمته إلى أن قضى فرضه سنة أربع وعشرين ورجع فأصابته في طريقه بالحجاز نكبة تخلصه منها أجله وذلك أنه ضل في الطريق عن المحمل والركب وانفرد بقومه عن العرب وهى كلها مجاهل لهم فلم يهتدوا إلى عمران ولا وقفوا على مورد وساروا على السمت إلى أن نفذوا عند السويس وهم يأكلون لحم الحيتان إذا وجدوها والاعراب تتخطفهم من اطرافهم إلى أن خلصوا ثم جدد السلطان له الكرامة ووسع له في الحباء وكان أعد لنفقته من بلاده فيما يقال مائة حمل من التبر في كل حمل ثلاثة قناطير فنفدت كلها وأعجزته النفقة فاقترض من أعيان التجار وكان في صحبته منهم بنو الكويك فاقرضوه خمسين ألف دينار وابتاع منهم القصر الذى أقطعه السلطان وأمضى له ذلك وبعث سراج الدين بن الكويك معه وزيره يرد له منه ما أقرضه من المال فهلك هنالك وأتبعه سراج الدين آخرا بابنه فمات هنالك وجاء ابنه فخر الدين أبو جعفر بالبعض وهلك منسا موسى قبل وفاته فلم يظفروا منه بشئ انتهى والله سبحانه وتعالى أعلم * (انجاد المجاهد ملك اليمن) * قد تقدم لنا استبداد على بن رسول فملك بعد مهلك سيده يوسف اتسز بن الكامل بن
العادل بن ايوب ويلقب المسعود وكان على بن رسول استاذ داره ومستوليا على دولته فلما هلك سنة ست وعشرين وستمائة نصب ابن رسول ابنه موسى الاشرف لملكه وكفله قريبا واستولى ابن رسول وأورث ملكه باليمن لبنيه لهذا العهد وانتقل الامر للمجاهد منهم على ابن داود والمؤيد بن يوسف المظفر بن عمر بن المنصور بن على بن رسول سنة احدى وعشرين وانتقض عليه جلال الدين ابن عمه الاشرف فظهر عليه المجاهد واعتقله ثم انتقض عليه عمه المنصور سنة ثلاث وعشرين وحبسه وأطلق من محبسه واعتقل عمه المنصور وكان عبد الله الظاهر بن المنصور قائما بأمر أبيه ومنازلة المجاهد سنة أربع وعشرين بالصريخ إلى الناصر سليمان الترك بمصر وكان هو وقومه(5/434)
يعطونهم الطاعة ويبعثون إليهم الاتاوة من الاموال والهدايا وطرف اليمن وما عونه فجهز لهم الناصر صحبة بيبرس الحاجب وطبنال من أعظم أمرائه فساروا إلى اليمن ولقيهم المجاهد بعدن فأصلحوا بين الفريقين على أن تكون ويستقر المجاهد في سلطانه باليمن ومالوا على كل من كان سببا في الفتنة فقتلوهم ودوخوا اليمن وحملوا أهله على طاعة المجاهد ورجعوا إلى محلهم من الابواب السلطانية والله تعالى ولى التوفيق * (ولاية أحمد بن الملك الناصر على الكرك) * ولما استفحل ملك السلطان الناصر واستمر وكثر ولده طمحت نفسه إلى ترشيح ولده لتقر عينه بملكهم فبعث كبيرهم أحمد إلى قلعة الكرك سنة ست وعشرين ورتب الامراء المقيمين بوظائف السلطان فسار إلى الكرك وأقام بها أربع سنين ممتعا بالملك والدولة وأبوه قرير العين بامارته في حياته ثم استقدمه سنة ثلاثين وأقام فيه سنة الختان واحتفل في الصنيع له وختن معه من أبناء الامراء والخواص جماعة انتقاهم ووقع اختياره عليهم ثم صرفه إلى مكان امارته بالكرك فأقام بها إلى أن توفى
الملك الناصر وكان ما نذكره والله تعالى أعلم * (وفاة دمرداش بن جوبان شحنة بلاد الروم ومقتله) * كان جوبان نائب مملكة التتر مستوليا على سلطانه أبى سعيد بن خربندا لصغره وكانت حاله مع أبيه خربندا قريبا من الاستيلاء فولى على مملكة بلاد الروم دمرداش ثم وقعت الفتنة بينهم وبين ملك الشمال أزبك من بنى دوشى خان على خراسان وسار جوبان من بغداد سنة تسع وعشرين لمدافعته كما يأتي في أخبارهم وترك عند السلطان أبى سعيد ببغداد ابنه خواجا دمشق فسعى به أعداؤه وانهوا عنه قبائح من الافعال لم يحتملها له فسطابه وقتله وبلغ الخبر إلى أبيه جوبان فانتقض وعاجله أبو سعيد بالمسير إلى خراسان فتفرقت عنه أصحابه وفر فأدرك بهراة وقتل وأذن السلطان أبو سعيد لاهله أن ينقلوه إلى التربة التى اختطها بالمدينة النبوية لدفنه فاحتملوه ولم يتوقفوا على اذن صاحب مصر فمنعهم صاحب المدينة ودفنوه بالبقيع ولما بلغ الخبر بمقتله إلى ابنه دمرداش في امارته ببلاد الروم خشى على نفسه فهرب إلى مصر وترك مولاه ارتق مقيما لامر البلد وأنزله بسيواس ولما وصل إلى دمشق وركب النائب لتلقيه وسار معه إلى مصر فأقبل عليه السلطان وأحله محل الكرامة وكان معه سبعة من الامراء ومن العسكر نحو ألف فارس فأكرمهم السلطان وأجرى عليهم الارزاق وأقاموا عنده(5/435)
وجاءت على اثره رسل السلطان أبى سعيد وطلبه بذمة الصلح الذى عقده مع الملك الناصر وأوضحوا لعلم السلطان من فساد طويته وطوية أبيه جوبان وسعيهم في الارض بالفساد ما أوجب اعطاءه باليد وشرط السلطان عليهم امضاء حكم الله تعالى في قراسنقر نائب حلب الذى كان فر سنة ثنتى عشرة مع أقوش الافرم إلى خربندا وأغروه بملك الشأم ولم يتم ذلك وأقاموا عند خربندا وولى أقوش الافرم على همذان فمات بها سنة ست عشرة فولى صاحبه قراسنقر مكانه بهمذان فلما شرط عليهم السلطان قتله كما
قتل دمرداش أمضوا فيه حكم الله تعالى وقتلوه جزاء بما كان عليه من الفساد في الارض والله متولى جزائهم ثم وصل على اثر ذلك ابن السلطان أبى سعيد ومعه جماعة من قومه في تأكيد الصلح والاصهار من السلطان فقوبلوا بالكرامة التى تليق بهم واتصلت المراسلة والمهاداة بين هذين السلطانين إلى أن توفيا والله وارث الارض ومن عليها وهو خير الوارثين * (وفاة مهنا بن عيسى أمير العرب بالشأم وأخبار قومه) * هذا الحى من العرب يعرفون بآل فضل رحالة ما بين الشأم والجزيرة وتربة نجد من أرض الحجاز يتقلبون بينها في الرحلتين وينتسبون في طيئ ومعهم أحياء من زبيد وكلب وهذيل ومذحج احلاف لهم ويناهضهم في الغلب والعدد آل مراد يزعمون أن فضلا ومراد أبناء ربيعة ويزعمون أيضا أن فضلا ينقسم ولده بين ال مهنا وآل على وان آل فضل كلهم بأرض حوران فغلبهم عليها آل مراد وأخرجوهم منها فنزلوا حمص ونواحيها واقامت زبيد من احلافهم بحوران فهم بها حتى الآن لا يفارقونها قالوا ثم اتصل آل فضل بالدول السلطانية وولوهم على أحياء العرب وأقطعوهم على اصلاح السابلة بين الشأم والعراق فاستظهروا برياستهم على آل مراد وغلبوهم على المشاتى فصار عامة رحلتهم في حدود الشأم قريبا من التلول والقرى لا ينجعون إلى البرية الا في الاقل وكانت معهم أحياء من افاريق العرب مندرجون في لفيفهم وحلفهم من مذحج وعامر وزبيد كما كان آل فضل الا أن أكثر من كان مع آل مراد من أولئك الاحياء وأوفرهم عدة بنو حارثة بن سنبس احدى شعوب طيئ هكذا ذكر لي الثقة عندي من رجالتهم وبنو حارثة هؤلاء متغلبون لهذا العهد في تلول الشأم لا يجاوزونها إلى العمران ورياسة آل فضل لهذا العهد لبنى مهنا وينسبونه هكذا مهنا بن مانع ابن جديلة بن فضل بن بدر بن ربيعة بن على بن مفرج بن بدر بن سالم ابن جصة بن بدر بن سميع ويقفون عند سميع ويقول رعاؤهم ان سميعا هذا هو الذى ولدته العباسة أخت
الرشيد من جعفر بن يحيى البرمكى وحاشى لله من هذه المقالة في الرشيد وأخته وفي(5/436)
انتساب كبراء العرب من طيئ إلى موالى العجم من بنى برمك وانسابهم ثم ان الوجدان يحيل رياسة هؤلاء على هذا الحى ان لم يكونوا من نسبتهم وقد تقدم مثل ذلك في مقدمة الكتاب وكان مبدأ رياستهم من أول دولة بنى أيوب قال العماد الاصبهاني في كتاب البرق السامى نزل العادل بمرج دمشق ومعه عيسى بن محمد بن ربيعة شيخ الاعراب في جموع كثيرة انتهى وكانت الرياسة قبلهم لعهد الفاطميين لبنى جراح من طيئ وكان كبيرهم مفرج بن دغفل بن جراح وكان من اقطاعه الرملة وهو الذى قبض على افتكين مولى بنى بويه لما انهزم مع مولاه بختيار بالعراق وجاء به إلى المعز فأكرمه ورفاه في دولته ولم يزل شان مفرج هكذا وتوفى سنة أربع وأربعمائة وكان من ولده حسان ومحمود وعلى وجران وولى حسان بعده وعظم صيته وكان بينه وبين خلفاء الفاطميين نفرة واستجاشة وهو الذى هدم الرملة وهزم قائدهم هاروق التركي وقتله وسبى نساءه وهو الذى مدحه التهامى وقد ذكر المسيحي وغيره من مؤرخي دولة العبيديين في قرابة حسان بن مفرج فضل بن ربيعة بن حازم بن جراح وأخاه بدر بن ربيعة ولعل فضلا هذا هو جد آل فضل وقال ابن الاثير وفضل بن ربيعة بن حازم كان آباؤه أصحاب البلقاء والبيت المقدس وكان فضل تارة مع الافرنج وتارة مع الخلفاء مصر ونكره لذلك طغركين اتابك دمشق وكافل بنى تتش وطرده من الشأم فنزل على صدقة بن مزيد وحالفه ووصله حين قدم من دمشق بتسعة آلاف دينار فلما خالف صدقة بن مزيد على السلطان محمد بن ملك شاه سنة خمسمائة وما بعدها ووقعت بينهما الفتنة اجتمع فضل هذا وقرواش بن شرف الدولة مسلم بن قريش صاحب الموصل وبعض أمراء التركمان كانوا أولياء صدقة فساروا في الطلائع بين يدى الحرب وهربوا إلى السلطان فأكرمهم وخلع عليهم وأنزل فضل بن ربيعة بدار صدقة بن مزيد ببغداد حتى إذا سار
السلطان لقتال صدقة استأذنه فضل في الخروج إلى البرية ليأخذ بحجزة صدقة فأذن له وعبر إلى الانبار ولم يرجع للسلطان بعدها انتهى كلام ابن الاثير ويظهر من كلامه وكلام المسيحي ان فضلا هذا وبدرا من ال جراح من غير شك ويظهر من سياقة هؤلاء نسبهم ان فضلا هذا هو جدهم لانهم ينسبونه فضل بن على بن مفرج وهو عند الآخرين فضل بن على بن جراح فلعل هؤلاء نسبوا ربيعة إلى مفرج الذى هو كبير بنى الجراح لطول العهد وقلة المحافظة على مثل هذا من البادية الغفل وأما نسبة هذا الحى في طيئ فبعضهم يقول ان الرياسة في طيئ كانت لاياس بن قبيصة من بنى سنبس بن عمرو بن الغوث بن طيئ واياس هو الذى ملكه كسرى على الحيرة بعد آل المنذر عند ما قتل النعمان بن المنذر وهو الذى صالح خالد بن الوليد على الحيرة ولم تزل الرياسة على طيئ(5/437)
في بنى قبيصة هؤلاء صدرا من دولة الاسلام فلعل آل فضل هؤلاء وآل الجراح من أعقابهم وان كان انقرض أعقابهم فهم من أقرب الحى إليه لان الرياسة في الاحياء والشعوب انما تتصل في أهل العصبية والنسب كما مر أول الكتاب وقال ابن حزم عند ما ذكر أنساب طيئ انهم لما خرجوا من اليمن نزلوا أجا وسلمى وأوطنوهما وما بينهما ونزل بنو اسد ما بينهما وبين العراق وفضل كثير منهم وهم بنو خارجة بن سعد بن من طيئ ويقال لهم جديلة نسبة إلى أمهم بنت تيم الله وحبيش والاسعد اخوتهم رحلوا عن الجبلين في حرب الفساد فلحقوا بحلب وحاضر طيئ وأوطنوا البلاد الا بنى رمان ابن جندب بن خارجة بن سعد فانهم أقاموا بالجبلين فكان يقال لاهل الجبلين الجبليون ولاهل حلب وحاضر طيئ من بنى خارجة السهليون انتهى فلعل هذه احياء الذين بالشأم من بنى الجراح وآل فضل من بنى خارجة هؤلاء الذين ذكر ابن حزم انهم انتقلوا إلى حلب وحاضر طيئ لان هذا الموطن أقرب إلى مواطنهم لهذا العهد من مواطن بنى الجراح بفلسطين من جبل اجا وسلمى اللذين هما موطن الآخرين والله أعلم أي ذلك
يصح من انسابهم ولنرجع الآن إلى سرد الخبر عن رياسة آل فضل أهل هذا البيت منذ دولة بنى أيوب فنقول كان الامير منهم لعهد بنى أيوب عيسى بن محمد بن ربيعة أيام العادل كما قلناه ونقلناه عن العماد الاصبهاني الكاتب ثم كان بعده حسام الدين مانع ابن حدينة بن غصينة بن فضل وتوفى سنة ثلاثين وستمائة وولى عليهم بعده ابنه مهنا ولما ارتجع قطز ثالث ملوك الترك بمصر وملك الشأم من يد التتر وهزم عسكرهم بعين جالوت أقطع سليمة لمهنا بن مانع وانتزعها من عمل المنصور بن المظفر بن شاهنشاه صاحب حماة ولم أقف على تاريخ وفاة مهنا ثم ولى الظاهر على أحياء العرب بالشأم عندما استفحل أمر الترك وسار إلى دمشق لتشييع الخليفة الحاكم عم المستعصم لبغداد فولى على العرب عيسى بن مهنا بن مانع ووفر له الاقطاعات على حفظ السابلة وحبس ابن عمه زامل بن على بن ربيعة من آل على لاعناته واعراضه ولم يزل أميرا على أحياء العرب وصلحوا في أيامه لانه خالف أباه في الشدة عليهم وهرب إليه سنقر الاشقر سنة تسع وتسعين وكاتبوا ابغا واستحثوه لملك الشأم وتوفى عيسى بن مهنا سنة أربع وثمانين فولى المنصور قلاون بعده ابنه مهنا ثم سار الاشرف بن قلاون إلى الشأم ونزل حمص ووفد عليه مهنا بن عيسى في جماعة من قومه فقبض عليه وعلى ابنه موسى وأخويه محمد وفضل ابني عيسى بن مهنا وبعث بهم إلى مصر فحبسوا بها حتى أفرج عنهم العادل كيبغا عندما جلس على التخت سنة أربع وتسعين ورجع إلى امارته ثم كان له في أيام الناصر نفرة واستجاشة وميل إلى ملوك التتر بالعراق ولم يحضر شيأ من وقائع(5/438)
غازان ولما انتقض سنقر وأقوش الافرم وأصحابهما سنة ثنتى عشرة وسبعمائة لحقوا به وساروا من عنده إلى خربندا واستوحش هو من السلطان وأقام في أحيائه منقبضا عن الوفادة ووفد أخوه فضل سنة ثنتى عشرة فرعى له حق وفادته وولاه على العرب مكان أخيه مهنا وبقى مهنا مشردا ثم لحق سنة ست عشرة بخربندا ملك التتر فأكرمه
وأقطعه بالعراق وهلك خربندا في تلك السنة فرجع إلى أحيائه وأوفد ابنيه أحمد وموسى وأخاه محمد بن عيسى مستعتبين للناصر ومتطارحين عليه فأكرم وفادتهم وأنزلهم بالقصر الابلق وشملهم بالاحسان وأعتب مهنا ورده على امارته واقطاعه وذلك سنة سبع عشرة وحج هذه السنة ابنه عيسى وأخوه محمد وجماعة من آل فضل اثنا عشر ألف راحلة ثم رجع مهنا إلى ديدنه في ممالاة التتر والاجلاب على الشأم واتصل ذلك منه فنقم السلطان عليه وسخطه قومه أجمع وكتب إلى نواب الشأم سنة عشرين بعد مرجعه من الحج فطرد آل فضل عن البلاد وادال منهم آل على عديدة نسبهم وولى منهم على أحياء العرب محمد بن أبى بكر وصرف اقطاع مهنا وولده إلى محمد وولده فأقام مهنا على ذلك مدة ثم وفد سنة احدى وثلاثين مع الافضل بن المؤيد صاحب حماة متوسلا به ومتطارحا على السلطان فاقبل عليه ورد عليه اقطاعه وامارته وذكر لى بعض أكابر الامراء بمصر ممن ادرك وفادته أو حدث عنها أنه تجافى في هذه الوفادة عن قبول شئ من السلطان حتى انه ساق من النياق المحلوبة واستقاها وانه لم يغش باب أحد من أرباب الدولة ولا سألهم شيأ من حاجته ثم رجع إلى أحيائه وتوفى سنة أربع وثلاثين فولى ابنه مظفر الدين موسى وتوفى سنة اثنين وأربعين عقب مهلك الناصر وولى مكانه أخوه سليمان ثم هلك سليمان سنة ثلاث وأربعين فولى مكانه شرف الدين عيسى ابن عمه فضل بن عيسى ثم توفى سنة أربع وأربعين بالقدس ودفن عند قبر خالد بن الوليد رضى الله عنه وولى مكانه أخوه سيف بن فضل ثم عزله السلطان بمصر الكامل بن الناصر سنة ست وأربعين وولى مكانه مهنا بن عيسى ثم جمع سيف بن مهنا ولقيه فياض بن مهنا فانهزم سيف ثم ولى السلطان حسين بن الناصر في دولته الاولى وهو في كفالة بيقاروس أحمد بن مهنا فسكنت الفتنة بينهم ثم توفى سنة تسع وأربعين فولى مكانه أخوه فياض وهلك سنة ثنتين وستين فولى مكانه أخوه خيار بن مهنا ولاه حسين بن الناصر في دولته الثانية ثم انتقض سنة خمس وستين وأقام سنين بالقفر ضاحيا إلى أن شفع فيه
نائب حماة فأعيد إلى امارته ثم انتقض سنة سبعين فولى السلطان الاشرف مكانه ابن عمه زامل بن موسى بن عيسى وجاء إلى نواحى حلب واجتمع إليه بنو كلاب وغيرهم وعاثوا في البلاد وعلى حلب يومئذ قشمر المنصوري فبرز إليهم وانتهى إلى محيمهم واستاق نعمهم(5/439)
وتخطى إلى الخيام فاستما نوادونها وهزموا عساكره وقتل قشمر وابنه في المعركة وتولى بيده وذهب إلى القفر منتقضا فولى مكانه معيقيل بن فضل بن عيسى ثم بعث معيقيل صاحبه سنة احدى وسبعين يستأمن لخيار فأمنه ثم وفد خيار بن مهنا سنة خمس وسبعين فرضى عنه السلطان فأعاده إلى امارته ثم توفى سنة سبع وسبعين فولى أخوه قارة إلى أن توفى سنة احدى وثمانين فولى مكانه معيقيل بن فضل بن عيسى وزامل بن موسى بن مهنا شريكين في امارتهما ثم عزلا لسنة من ولايتهما وولى بصير بن جبار بن مهنا واسمه محمد وهو لهذا العهد أمير على آل فضل وجميع أحياء طيئ والله تعالى أعلم * (وفاة أبى سعيد ملك العراق وانقراض أمر بنى هلاكو) * ثم توفى أبو سعيد ملك العراق من التتر ابن خربندا بن ابغو بن ابغا بن هلاكو بن طولى خان بن جنكز خان سنة ست وثلاثين وسبعمائة لعشرين سنة من ملكه ولم يعقب فانقرض بموته ملك بنى هلاكو وصار الامر بالعراق لسواهم وافترق ملك التتر في سائر ممالكهم كما نذكر في أخبارهم ولما استبد ببغداد الشيخ حسن من أسباطهم كثر عليه المنازعون فبعث رسله إلى الناصر قبل وفاته يستنجده على أن يسلم له بغداد ويعطى الرهن في العساكر حتى يقضى بها في أعدائه فاجابه الناصر إلى ذلك ثم توفى قريبا فلم يتم والامر لله وحده * (وصول هدية ملك المغرب الاقصى مع رسله وكريمته صحبة الحاج) * كان ملك بنى مرين بالمغرب الاقصى قد استفحل لهذه العصور وصار للسلطان ابى
الحسن على ابن السلطان أبى سعيد عثمان بن السلطان أبى يوسف يعقوب بن عبد الحق جد ملوكهم وأسف إلى ملك جيرانهم من الدول فزحف إلى المغرب الاوسط وهو في ملكة بنى عبد الواد اغداء قومه من زناتة وملكهم أبو تاشفين عبد الرحمن بن أبى حمو موسى ابن أبى سعيد عثمان بن السلطان يغمراسن بن زيان جد ملوكهم أيضا وكرسيه تلمسان سبعة وعشرين شهرا ونصب عليها المجانيق وادار بالاسوار سياجا لمنع وصول الميرة والاقوات إليها وتقري أعمالها بلدا بلدا فملك جميعها ثم افتتحها عنوة آخر رمضان سنة سبع وثلاثين ففض جموعها وقتل سلطانها عند باب قصره كما نذكره في أخبارهم ثم كتب للملك الناصر صاحب مصر يخبره بفتحها وزوال العائق عن وفادة الحاج وانه ناظر في ذلك بما يسهل سبيلهم ويزيل عللهم وكانت كريمة من كرائم ابيه السلطان أبى سعيد ومن أهل فراشه قد اقتضت منه الوعد بالحج عندما ملك تلمسان فلما فتحها(5/440)
وأذهب عدوه منها جهز تلك المرأة للحج بما يناسب قرابتها منه وجهز معها للملك الناصر صاحب مصر هدية فخمة مشتملة على خمسمائة من الجياد المغربيات بعدتها وعدة فرسانها من السروج واللجم والسيوف وظرف المغرب وماعونه من شتى أصنافه ومن ثياب الحرير والصوف والكتان وصنائع الجلد حتى ليزعموا أنه كان فيها من أواني الخزف وأصناف الدر والياقوت وما يشبههما في سبيل التودد وعرض أحوال المغرب على سلطان المشرق ولعظم قدر هذه الوافدة عند الناصر أوفد معها من عظماء قومه ووزرائه وأهل مجلسه فوفدوا على الناصر سنة ثمان وثلاثين وأحلهم بأشرف محل من التكرمة وبعث من اصطبلاته ثلاثين خطلا من البغال يحملون الهدية من بحر النيل سوى ما تبعها من البخاتى والجمال وجلس لهم في يوم مشهود ودخلوا عليه وعرضوا الهدية فعم بها أهل دولته احسانا في ذلك المجلس واستأثر منها على ما زعموا بالدر والياقوت فقط ثم فرقهم في منازله وأنزلهم دار كرامته وقد هيئت بالفرش
والماعون ووفر لهم الجرايات واستكثر لهم من الازودة وبعث أمراء في خدمتهم إلى الحجاز حتى قضوا فرضهم في تلك السنة وانقلبوا إلى سلطانهم فجهز الناصر معهم هدية إلى ملك المغرب تشتمل عى ثياب الحرير المصنوعة بالاسكندرية وعين منها الحمل المتعارف في كل سنة لخزانة السلطان وقيمته لذلك العهد خمسون ألف دينار وعلى خيمة من خيم السلطان المصنوعة بالشأم فيها أمثال البيوت والقباب والكفات مرساة أطرافها في الارض بأوتاد الحديد والخشب كأنها قباب مائلة وعلى خيمة مؤزر باطنها من ثياب الحرير العراقية وظاهرها من ثياب القطن الصرافية مستجادة الصنعة بين الحدل والاوتاد أحسن ما يراه من البيوت وعلى صوان من الحرير مربع الشكل يقام بالحدل الحافظ ظله من الشمس وعلى عشرة من الجياد المقربات الملوكية بسروج ولجم ملوكية مصنوعة من الذهب والفضة مرصعة باللآلى والفصوص وبعث مع تلك الجياد خدم يقومون بنبائها المتعارف فيها ووصلت الهدية إلى سلطان المغرب فوفعت منه أحسن المواقع وأعاد الكتب والرسل بالشكر واستحكمت المودة بين هذين السلطانين واتصلت المهاداة إلى أن مضيا لسبيلهما والله تعالى ولى التوفيق * (وفاة الخليفة أبى الربيع وولاية ابنه) * قد ذكرنا أيام الظاهر وانه أقام خليفة بمصر من ولد الراشد وصل يومئذ من بغداد واسمه أحمد بن محمد وذكرنا نسبه هنالك إلى الراشد وأنه بويع له بالخلافة سنة ستين وستمائة ولقبه الحاكم فلم يزل في خلافته إلى أن توفى سنة احدى وسبعمائة وقد عهد لابنه سلمان فبايع له أهل دولة الناصر الكافلون لها ولقبوه المستكفى فبقى خليفة سائر أيام(5/441)
الناصر ثم تنكر له السلطان سنة ست وثلاثين لشئ نمى له عن بنيه فأسكنه بالقلعة ومنعه من لقاء الناس فبقى حولا كذلك ثم ترك سبيله ونزل إلى بيته ثم كثرت السعاية في بنيه فغربه سنة ثمان وثلاثين إلى قوص هو وبنيه وسائر أقاربه وأقام هنالك إلى أن هلك
سنة أربعين قبل مهلك الناصر وقد عهد بالخلافة لابنه أحمد ولقبه الحاكم فلم يمض الناصر عهده في ذلك لان أكثر السعاية المشار إليها كانت فيه فنصب للخلافة بعد المستكفى ابن عمه ابراهيم بن محمد ولقبه الواثق وهلك لاشهر قريبة فاتفق الامراء بعده على امضاء عهد المستكفى في ابنه أحمد فبايعوه سنة احدى وأربعين وأقام في الخلافة إلى سنة ثلاث وخمسين فتوفى وولى أخوه أبو بكر ولقب المعتضد ثم هلك سنة ثلاث وستين لعشرة اشهر من خلافته ونصب بعده ابنه محمد ولقب المتوكل ونورد من أخباره في أماكنها ما يحضرنا ذكره والله سبحانه وتعالى أعلم بغيبه * (نكبة تنكز ومقتله) * كان تنكز مولى من موالى لاشين اصطفاه الناصر وقربه وشهد معه وقائع التتر وسار معه إلى الكرك وأقام في خدمته مدة خلعه ولما رجع إلى كرسيه ومهد أمور ملكه ورتب الولاية لمن يرضاه من أمرائه بعث تنكز إلى الشأم وجعله نائبا بدمشق ومشارفا لسائر بلاد الروم ففتح ملطية ودوخ بلاد الارمن وكان يتردد بالوفادة على السلطان يشاوره وربما استدعاه للمفاوضة في المهمات واستفحل في دفاع التتر وكبادهم ولما توفى أبو سعيد وانقرض ملك بنى هلاكو وافترق أمر بغداد وتورين وكانا معا يجاورانه ويستنجد انه وسخطه بعضهم فراسل السلطان بغشه وادهانه في طاعته ممالاة أعدائه وشرع السلطان في استكشاف حاله وكان قد عقد له على بنته فبعث دواداره باجار يستقدمه للاعراس بها وكان عدوا له للمنافسة والغيرة فأشار على تنكز بالمقام وتخليه من السلطان وغشه في النصيحة وحذر السلطان منه فبعث الملك الناصر إلى طشتمر نائب صفدان يتوجه إلى دمشق ويقبض عليه فقبض عليه سنة أربعين لثمان وعشرين سنة لولايته بدمشق وبعث الملك الناصر مولاه لشمك إلى دمشق في العساكر فاحتاط على موجوده وكان شيأ لا يعبر عنه من أصناف المتملكات وجاء به مقيدا فاعتقل بالاسكندرية ثم قتل في محبسه والله تعالى أعلم
* (وفاة الملك الناصر وابنه أنوك قبله وولاية ابنه أبى بكر ثم كجك) * ثم توفى الملك الناصر محمد بن المنصور قلاون أمجد ما كان ملكا وأعظم استبدادا توفى على فراشه في ذى الحجة آخر احدى وأربعين وسبعمائة بعد ان توفى قبله بقليل ابنه أنوك(5/442)
فاحتسبه وكانت وفاته لثمان وأربعين سنة من ولايته الاولى في كفالة طنبغا ولثنتين وثلاثين من حين استبداده بأمره بعد بيبرس وصفا الملك له وولى النيابة في هذه ثلاثة من أمرائه بيبرس الدوادار المؤرخ ثم بكتمر الجوكندار ثم أرغون الدوادار ولم يول أحد النيابة بعده وبقيت الوظيفة عطلا آخر أيامه وأما دواداريته فأيدمر ثم سلار ثم الحلى ثم يوسف بن الاسعد ثم بغا ثم طاجار وكتب عنه شرف الدين بن فضل الله ثم علاء الدين بن الامير ثم محيى الدين بن فضل الله ثم ابنه شهاب الدين ثم ابنه الآخر علاء الدين وولى القضاء في دولته تقى الدين بن دقيق العيد ثم بدر الدين بن جماعة وانما ذكرت هذه الوظائف وان كان ذلك ليس من شرط الكتاب لعظم دولة الناصر وطول أمدها واستفحال دولة الترك عندها وقدمت الكتاب على القضاة وان كانوا أحق بالتقديم لان الكتاب أمس بالدولة فانهم من أعوان الملك ولما اشتد المرض بالسلطان وكان قوصون أحظى عظيم من أمرائه فبادر القصر في مماليكه متسلحين وكان بشتك يضاهيه فارتاب وسلح أصحابه وبدا بينهما التنافس ودس بشتك الشكوى إلى السلطان فاستدعاهما وأصلح بينهما وأراد ان يعهد بالملك إلى قوصون فامتنع فعهد لابنه أبى بكر ومات فمال من عماله بشتك إلى ولاية أحمد صاحب الكرك وأبى قوصون الا الوفاء بعهد السلطان ثم رجع إليه بشتك بعد مراوضة فبويع أبو بكر ولقب المنصور وقام بأمر الدولة قوصون وردفه قطلوبغا الفخري فولوا على نيابة السلطان طقردمر وبعثوا على حلب طشتمر وعلى حمص أخضر عوضا عن طغراى وأقروا كيبغا الصالحي على دمشق ثم استوحش بشتك من استبداد قوصون وقطلو بغادونه فطلب
نيابة دمشق وكان يعجب بها من يوم دخلها للحوطة على تنكز فاستعفوه فلما جاء للوداع قبض عليه قطلوبغا الفخري وبعث به إلى الاسكندرية فاعتقل بها ثم أقبل السلطان أبو بكر على لذاته ونزع عن الملك وصار يمشى في سكك المدينة في الليل متنكرا مخالطا للسوقة فنكر ذلك الامراء وخلعه قوصون وقطلوبغا لسبعة وخمسين يوما من بيعته وبعثوا به إلى قوص فحبس بها وولوا أخاه كجك ولقبوه الاشرف وعزلوا طقردمر عن النيابة وقام بها وصون وبعثوا طقردمر نائبا على حماة وأدالوا به من الافضل بن المؤيد فكان آخر من وليها من بنى المظفر وقبضوا على طاجار الدويدار وبعثوا به إلى الاسكندرية فغرق في البحر وبعثوا بقتل بشتك في محبسه بالاسكندرية والله تعالى ينصر من يشاء من عباده * (مقتل قوصون ودولة أحمد بن الملك الناصر) * لما بلغ الخبر إلى الامراء بالشأم باستبداد قوصون على الدولة غصوا من مكانه واعتزموا(5/443)
على البيعة لاحمد بن الملك الناصر وكان يومئذ بالكرك مقيما منذ ولاه أبوه امارتها كما قدمناه فكاتبه طشتمر نائب حمص وأخضر نائب حلب واستدعاه إلى الملك وبلغ الخبر إلى مصر فخرج قطلوبغا في العساكر لحصار الكرك وبعثوا إلى طنبغا الصالحي نائب دمشق افسار في العساكر إلى حلب للقبض على طشتمر نائب حمص وأخضر وكان قطلوبغا الفخري قد استوحش من صاحبه قوصون وغص باستبداده عليه فلما فصل بالجند من مصر بعث ببيعته إلى أحمد بن الملك الناصر بالكرك وسار إلى الشأم فأقام دعوته في دمشق ودعا إليها طقردمر نائب حماة فأجابه وقدم عليه وانتهى الخبر إلى طنبغا نائب دمشق وهو يحاصر حلب فافرج عنها ودعاه قطلوبغا إلى بيعة أحمد فأبى فانتقض عليه أصحابه وسار إلى مصر واستولى قطلوبغا الفخري على الشأم أجمع بدعوة أحمد وبعث إلى الامراء بمصر فأجابوا إليها واجتمع ايدغمش وأقسنقر السلارى
وغازي ومن تبعهم من الامراء على البيعة لاحمد واستراب بهم قوصون كافل المملكة وهم بالقبض عليهم وشاور طنبغا اليحياوى من عنده من أصحابه في ذلك فغشوه وخذلوه وركب القوم ليلا وكان ايدغمش عنده بالاصطبل وهو أمير الماصورية وهم قوصون بالركوب فخذله وثنى عزمه ثم ركب معهم واتصلت الهيعة ونادى في الغوغاء بنهب بيوت قوصون فنهبوها وخربوها وخربوا الحمامات التى بناها بالقرافة تحت القلعة ونهب شيخها شمس الدين الاصبهاني فسلبوه ثيابه وانطلقت أيدى الغوغاء في البلد ولحقت الناس منهم مضرات في بيوتهم واقتحموا بيت حسام الدين الغورى قاضى الحنفية فنهبوه وسبوا عياله وقادهم إليه بعض من كان يحنق عليه من الخصوم فجرت عليه معرة من ذلك ثم اقتحم ايدغمش وأصحابه القلعة وتقبضوا على قوصون وبعثوا به إلى الاسكندرية فمات في محبسه وكان قوصون قد أخرج جماعة من الامراء للقاء طنبغا الصالحي فسار قراسنقر السلارى في أثرهم وتقبض عليهم وعلى الصالحي وبعث بهم جميعا إلى الاسكندرية فيما بعد سنة خمس وأربعين وبعث لاحمد بن الملك الناصر وطير إليه بالخبر وتقبض على جماعة من الامراء واعتقلهم ثم قدم السلطان أحمد من الكرك في رمضان سنة ثنتين وأربعين ومعه طشتمر نائب حمص وأخضر نائب حلب وقطلوبغا الفخري فولى طشتمر نائبا بمصر وقطلوبغا الفخري بعثه إلى دمشق نائبا ثم قبض على أخضر لشهر أو نحوه وقبض على ايدغمش وأقسنقر السلارى ثم ولى ايدغمش على حلب وبلغ الخبر إلى قطلوبغا الفخري قبل وصوله إلى دمشق فعدل إلى حلب واتبعته العساكر فلم يدركوه وتقبض على ايدغمش بحلب وبعث به إلى مصر فاعتقل مع طشتمر وارتاب الامراء بأنفسهم واستوحش السلطان(5/444)
منهم انتهى والله أعلم [ مسير السلطان أحمد إلى الكرك وانفاق
الامراء على خلعه والبيعة لاخيه الصالح ] ولما استوحش الامراء من السلطان وارتاب بهم ارتحل إلى الكرك لثلاثة أشهر من بيعته واحتمل معه طشتمر وايدغمش معتقلين واستصحب الخليفة الحاكم واستوحش نائب صفد بيبرس الاحمدي وسار إلى دمشق وهى يومئذ فوضى فتلقاه العسكر وأنزلوه وبعث السلطان في القبض عليه فأبى من اعطاء يده وقال انما الطاعة لسلطان مصر وأما صاحب الكرك فلا وطالت غيبة السلطان أحمد بالكرك واضطرب الشأم فبعث إليه الامراء بمصر في الرجوع إلى دار ملكه فامتنع وقال هذه مملكتي أنزل من بلادها حيث شئت وعمد إلى طشتمر وايدغمش الفخري فقتلهما فاجتمع الامراء بمصر وكبيرهم بيبرس العلائى وارغون الكاملى وخلعوه وبايعوا لاخيه اسمعيل في محرم سنة ثلاث وأربعين ولقبوه الصالح فولى أقسنقر السلارى ونقل ايدغمش الناصري من نيابة حلب إلى نيابة دمشق وولى مكانه بحلب طقردمر ثم عزل ايدغمش من دمشق ونقل إليها طقردمر وولى بحلب طنبغا الماردانى ثم هلك الماردانى فولى مكانه طنبغا اليحياوى واستقامت أموره والله تعالى ولى التوفيق * (ثورة رمضان بن الناصر ومقتله وحصار الكرك ومقتل السلطان أحمد) * ثم ان بعض المماليك داخل رمضان بن الملك الناصر في الثورة بأخيه وواعدوه قبة النصر فركب إليهم وأخلفوه فوقف في مماليكه ساعة يهتفون بدعوته ثم استمر هاربا إلى الكرك واتبعه العسكر مجدين السير في الطريق وجاؤا به فقتل بمصر وارتاب السلطان بالكثير من الامراء ونقبض على نائبه أقسنقر السلارى وبعث به إلى الاسكندرية فقتل هنالك وولى مكانه انجاح الملك ثم سرح العساكر سنة أربع وأربعين لحصار الكرك مترادفة ونزع بعض العساكر عن السلطان أحمد من الكرك فلحقوا بمصر وكان آخر من سار من الامراء لحصار الكرك قماري ومساري سنة خمس وأربعين فأخذوا بمخنقه ثم اقتحموا عليه وملكوه وقتلوه فكان لبثه بالملك في مصر ثلاثة أشهر
وأياما وانتقل إلى الكرك في محرم سنة ثلاث وأربعين إلى أن حوصر ومثل به وتوفى في أيامه طنبغا الماردانى نائب حلب فولى مكانه طنبغا اليحياوى وسيف الدين طراى الجاشنكير نائب طرابلس فولى مكانه اقسنقر الناصري والله تعالى أعلم * (وفاة الصالح بن الناصر وولاية أخيه لكامل) *(5/445)
ثم توفى الملك الصالح اسمعيل بن الملك الناصر حتف آنفه سنة ست وأربعين لثلاث سنين وثلاثة أشهر من ولايته وبويع بعده أخوه زين الدين شعبان ولقب الكامل وقام بأمره ارغون العلاوى وولى نيابة مصر وعرض انجاح الملك إلى صفد ثم رده من طريقه معتقلا إلى دمشق وبعث إلى القمارى الكبير فبعثه إلى حبس الاسكندرية واستدعى طقردمر نائب دمشق وكجك الاشرف المخلوع بن الناصر الذى ولاه قوصون وهلك انجاح الملك الجوكندار في محبسه بدمشق انتهى والله أعلم * (مقتل الكامل وبيعة أخيه المظفر حاجى) * كان السلطان الكامل قد أرهف حده في الاستبداد على أهل دولته فرارا مما يتوهم فيهم من الحجر عليه فتراسل الامراء بمصر والشأم وأجمعوا الادالة منهم وانتقض طنبغا البحياوى ومن معه بدمشق سنة سبع وأربعين وبرز في العساكر يريد مصر وبعث الكامل منجو اليوسفي يستطلع أخبارهم فحبسه اليحياوى واتصل الخبر بالكامل فجرد العساكر إلى الشأم واعتقل حاجى وأمير حسين بالقلعة واجتمع الامراء بمصر للثورة وركبوا إلى قبة النصر مع ايدمر الحجازى وأقسنقر الناصري وأرغون شاه فركب إليهم الكامل في مواليه ومعه ارغون العلاوى نائبه فكانت بينهما جولة هلك فيها ارغون العلاوى ورجع الكامل إلى القلعة منهزما ودخل من باب السر مخنفيا وقصد محبس أخويه ليقتلهما فحال الخدام دونهما وغلقوا الابواب وجمع الذخيرة ليحملها فعاجلوه عنها ودخلوا القلعة وقصدوا حاجى بن الناصر
فأخرجوه من معتقله وجاؤا به فبايعوه ولقبوه المظفر وافتقدوا الكامل وتهددوا جواريه بالقتل فدلوا عليه واعتقل مكان حاجى بالدهشة وقتل في اليوم الثاني وأطلق حسين وقام بأمر المظفر حاجى ارغون شاه والحجازي وولوا طقتمر الاحمدي نائبا بحلب والصلاحى نائبا بحمص وحبس جميع موالى الكامل وأخرج صندوق من بيت الكامل قيل ان فيه السحر فأحرق بمحضر الامراء ونزع المظفر حاجى إلى الاستبداد كما نزع أخوه فقبض على الحجازى والناصري وقتلهما لاربعين يوما من ولايته وعلى ارغون شاه وبعثه نائبا إلى صفد وجعل مكان طقتمر الاحمدي في حلب تدمر البدرى وولى على نيابة الحاج ارقطاى وأرهف حذه في الاستبداد وارتاب الامراء بمصر والشأم وانتقض اليحياوى بدمشق سنة ثمان وأربعين وداخله نواب الشأم في الخلاف ووصل الخبر إلى مصر فاجتمع الامراء وتواعدوا للوثوب ونمى الخبر إلى المظفر فأركب مواليه من جوف الليل وطافوا بالقلعة وتداعى الامراء إلى الركوب واستدعاهم من الغد إلى القصر وقبض على كل منه اتهسمه(5/446)
منهم بالخلاف وهرب بعضهم فأدرك بساحة البلد واعتقلوا جميعا وقتلوا من تلك الليلة وبعث بعضهم إلى الشأم فقتلوا بالطريق وولى من الغد مكانهم خمسة عشر اميرا ووصل الخبر إلى دمشق فلاذ اليحياوى بالمغالطة يخادع بها وقبض على جماعة من الامراء وكان السلطان المظفر قد بعث الامير الجيقا من خاصته إلى الشأم عندما بلغه انتقاض طنبغا اليحياوى يستطلع أخباره فحمل الناس على طاعة المظفر وأغراهم باليحياوى حتى قتلوه وبعثوا برأسه إلى مصر وسكنت الفتنة واستوسق الملك للمظفر والله سبحانه وتعالى أعلم * (مقتل المظفر حاجى بن الناصر وبيعة أخيه حسن الناصر ودولته الاولى) * قد كنا قدمنا أن السلطان بعث جبقا إلى الشأم حتى مهده ومحا أثر الخلاف منه ورجع
إلى السلطان سنة ثمان وأربعين وقد استوسق أمره فوجد الامراء مستوحشين من السلطان ومنكرين عليه اللعب بالحمام فتنصح له بذلك يريد اقلاعه عنه فسخط ذلك منه وأمر بالحمام فذبحت كلها وقال لجبقا أنا أذبح خياركم كما ذبحت هذه فاستوحش جبقا وغدا على الامراء والنائب بيقاروس وثاروا بالسلطان وخرجوا إلى قبة النصر وركب المظفر في مواليه والامراء الذين معه قد داخلوا الآخرين في الثورة ورأيهم واحد في خلعه فبعث إليهم الامير شيخوا يتلطف لهم فأبوا الا خلعه فجاءهم بالخبر ثم رجع إليهم وزحف معهم ولحق بهم الامراء الذين مع المظفر عندما تورط في اللقاء وحمل عليه بيقاروس فأسلمه أصحابه وأمسكه باليد فذبحه في تربة أمه خارج القلعة ودفن هناك ودخلوا القلعة في رمضان من السنة وأقاموا عامة يومهم يتشاورون فيمن يولونه حتى هم أكثر الموالى بالثورة والركوب إلى قبة النصر فحينئذ بايعوا حسن بن الملك الناصر ولقبوه الناصر بلقب أبيه فوكل بأخيه حسين ومواليه لنفسه ونقل المال الذى بالحوش فوضعه بالخزانة وقام بالدولة ستة من الامراء وهم شيخوا وطا والجبقا وأحمد شادى والشرنخاناه وأرغون الاسماعيلي والمستبد عليهم جميعا بيقاروس ويعرف بالقاسمى فقتل الحجازى وأقسنقر القائمين بدولة المظفر بمحبسهما بالقلعة وولى بيقاروس نائبا بمصر فكان ارقطاى وأرغون شاه نائبا بحلب مكان تدمر البدري ثم نفله إلى دمشق منذ مقتل اليحياوي وولى مكانه بحلب اياس الناصر ثم تقبض بيقاروس على رفيقه أحمد شادى الشرنخاناه وغربه إلى صفد وأبعد الجبقا من رفقته وبعثه نائبا على طرابلس وبعث ارغون الاسماعيلي منهم نائبا على حلب وفى هذه السنة وقعت الفتنة بينه وبين مهنا بن عيسى ولقيه فهزمه ووفد أحمد أخوه على السلطان فولاه امارة العرب وهدأت الفتنة(5/447)
بينهم ثم هلك سنة تسع وأربعين بعدها وولى أخوه فياض كما مر في أخبارهم
والله تعالى أعلم * (مقتل ارغون شاه نائب دمشق) * كان خبر هذه الواقعة الغريبة ان الجبقا بعثوه نائبا على طرابلس وسار صحبة اياس الحاجب نائبا على حلب سنة خمسين وانتهوا إلى دمشق ونما إلى الجبقا عن ارغون شاه أنه تعرض لبعض حرمه بصنيع جمع فيه نسوان أهل الدولة بدمشق فكتب إليه ليلا وطرقه في بيته فلما خرج إليه قبض عليه وذبحه في ربيع وصنع مرسوما سلطانيا دافع به الناس والامراء واستصفى أمواله ولحق بطرابلس وجاء الامر من مصر باتباعه وانكار المرسوم الذى أظهروه فزحفت العساكر من دمشق وقبضوا على الجبفا واياس الحاجب بطرابلس وجأوا بهما إلى مصر فقتلا وولى الشمس الناصري نيابة دمشق مع ارغون شاه وصلب ارغون الكافلى وذلك في جمادى سنة خمسين واصل ارغون شاه من بلاد الصين جلب إلى السلطان أبى سعيد ملك التنر ببغداد فاعطاه للامير خواجا نائب جوبان وأهداه خواجا للملك الناصر فحظى عنده وقدمه رأس نوبة وزوجه بنت عبد الواحد ثم ولاه الكامل استاذ دار ثم عظمت مرتبته أيام المظفر وجعل نائبا في صفد ثم في حلب ولما حبس طنبغا اليحياوى على دمشق بسعاية الجبقا كما مر ولى ارغون شاه بدمشق والله سبحانه وتعالى أعلم * (نكبة بيقاروس) * ثم ان السلطان حسن شرع في الاستبداد وقبض على منجك اليوسفي استاذ داره وعلى السلحدار واعتقلهما من غير مشورة بيقاروس وأصحابه وكان لمنجك اختصاص ببيقاروس وأخوه معه فارتاب واستأذن السلطان في الحج هو وطاز فأذن لهما ودس إلى طاز بالقبض على بيقاروس وسار الشأنهما فلما نزلا بالينبع قبض طاز على بيقاروس فخرج ورغب إليه في أن يتركه يحج مقيدا فتركه فلما قضى ورجعوا حبسه طاز بالكرك بأمر السلطان وأفرج عنه بعد ذلك وولى نيابة حلب وانتقض بها كما نذكر
بعد ان شاء الله تعالى وبلغ خبر اعتقاله إلى أحمد شادى الشرنخاناه بصفد فانتقض وحهز السلطان إليه العساكر فقبض عليه وجئ به إلى مصر فاعتقل بالاسكندرية وقام بالدولة مغلطاى من أمرائها والله تعالى أعلم * (واقعة الظاهر ملك اليمن بمكة واعتقاله ثم اطلاقه) *(5/448)
كان ملك اليمن وهو المجاهد على بن داود المؤيد قد جاء إلى مكة حاجا سنة احدى وخمسين وهى السنة التى حج فيها طاز وشاع في الناس عنه أنه يروم كسوة الكعبة فتنكر وفد المصريين لوفد اليمنيين ووقعت في بعض الايام هيعة في ركب الحاج فتحاربوا وانهزم المجاهد وكان بيقاروس مقيدا فأطلقه وأركبه ليستعين به فجلا في تلك الهيعة وأعيد إلى اعتقاله ونهب حاج اليمن وقيد المجاهد إلى مصر فاعتقل بها حتى أطلق في دولة الصالح سنة اثنتين وخمسين وتوجه معه قشتمر المنصوري ليعيده إلى بلاده فلما انتهى إلى الينبع أشيع عنه أنه هم بالهرب فقبض عليه قشتمر المنصوري وحبسه بالكرك ثم أطلق بعد ذلك وأعيد إلى ملكه والله أعلم * (خلع حسن الناصر وولاية أخيه الصالح) * لما قبض السلطان حسن على بيقاروس وحبسه وتنكر لاهل دولته ورفع عليهم مغلطاى واختصه واستوحشوا لذلك وتفاوضوا وداخل طاز وهو كبيرهم جماعة من الامراء في الثورة وأجابه إلى ذلك بيقو الشمسي في آخرين واجتمعوا لخلعه وركبوا في جمادى سنة ثنتين وخمسين فلم يمانعهم أحد وملكوا أمرهم ودخلوا القلعة وقبض طاز على حسن الناصر واعتقله وأخرج أخاه حسينا من اعتقاله فبايعه ولقبه الصالح وقام بحمل الدولة وأخرج بيقو الشمسي إلى دمشق وبيقر إلى حلب أسيرين وانفرد بالامر ثم نافسه أهل الدولة واجتمعوا على الثورة وتولى كبر ذلك مغلطاى ومنكلى وبيبقا القمرى وركبوا فيمن اجتمع إليهم إلى قبة النصر للحرب فركب طاز وسلطانه الصالح
في جموعه وحمل عليهم ففض جمعهم وأثخن فيهم وقبض على مغلطاى ومنكلى فحبسهما بالاسكندرية وأفرج عن منجك وعن شيخو وجعله أتابكه على العساكر وأشركه في سلطانه وولى سيف الدين ملاى نيابته واختص سرغتمش ورقاه في الدولة وقبض على الشمسي المحمدى نائب دمشق ونقل إليها لمكانه ارغون الكاملى من حلب وأفرج عن بيقاروس بالكرك وبعثه مكانه إلى حلب ثم تغير منجك واختفى بالقاهرة والله تعالى أعلم * (انتقاض بيقاروس واستيلاؤه على الشأم ومسير السلطان إليه ومقتله) * قد تقدم لنا ذكر بيقاروس وقيامه بدولة حسن الاولى ونكبته في طريقه إلى الحج بالكرك ولما أطلقه طاز وولاه على حلب أدركته المنافسة والغيرة من طاز واستبداده بالدولة فحدثته نفسه بالخلاف وداخل نواب الشأم ووافقه في ذلك بلكمش نائب طرابلس وأحمد ثادى الشرقخاناه نائب صفد وخالفه ارغون الكاملى نائب دمشق وتمسك بالطاعة وتعاقد هؤلاء على الخلاف مع شيخو وسرغتمش في رجب سنة ثلاث(5/449)
وخمسين ثم دعا بيقاروس العرب والتركمان إلى الموافقة فأجابه جبار بن مهنا من العرب وقراجا بن العادل من التركمان في جموعهما وبرز من حلب بقصد دمشق فأجفل عنها ارغون النائب إلى غزة واستخلف عليها الجبقا العادلى ووصل بيقاروس فملكها وامتنعت القلعة فحاصرها وكثر العيث من عساكره في القرى وسار السلطان الصالح وأمراء الدولة من مصر في العساكر في شعبان من السنة وأخرج معه الخليفة المعتضد أبا الفتح أبا بكر بن المستكفى وعثر بين يدى خروجه على منجك ببعض البيوت لسنة من اختفائه فبعث به سرغتمش إلى الاسكندرية وبلغ بيقاروس خروج السلطان من مصر فأجفل عن دمشق وثار العوام بالتركمان فاثخنوا فيهم ووصل السلطان إلى دمشق ونزل بالقلعة وجهز العساكر في اتباع بيقاروس فجاؤا بجماعة من الامراء الذين كانوا معه فقتل السلطان بعضهم ثالث الفطر وحبس الباقين وولى على
دمشق الامير عليا الماردانى ونقل منها ارغون الكاملى إلى حلب وسرح العساكر في طلب بيقاروس مع مغلطاى الدوادار وعاد إلى مصر فدخلها في ذى القعدة من السنة وسار مغلطاى في طلب بيقاروس وأصحابه فأوقع بهم وتقبض على بيقاروس وأحمد وقطلمش وقتلهم وبعث برؤوسهم إلى مصر أوائل سنة أربع وخمسين وأوعز السلطان إلى ارغون الكاملى نائب حلب بأن يخرج في العساكر لطلب قراجا بن العادل مقدم التركمان فسار إلى بلده البلسين فوحدها مقفرة وقد أجفل عنها فهدمها ارغون واتبعه إلى بلاد الروم فلما أحس بهم أجفل ولحق بابن ارشا قائد المغل في سيواس ونهب العساكر أحياءه واستاقوا مواشيه ثم قبض عليه ابن ارشا قائد المغل وبعث به إلى مصر فقتل بها وسكنت الفتنة وأطلق المعتقلون بالاسكندرية وتأخر منهم مغلطاى ومنجك أياما ثم أطلقا وغربا إلى الشأم والله تعالى أعلم * (واقعة العرب بالصعيد) * وفي أثناء هذه الفتن كثر فساد العرب بالصعيد وعيثهم وانتهبوا الزروع والاموال وتولى كبر ذلك الاحدب وكثرت جموعه فخرج السلطان في العساكر سنة أربع وخمسين ومعه طاز وسار شيخو في المقدمة فهزم العرب واستلحم جموعهم وامتلات أيدى العساكر بغنائمهم وخلص السلطان من الظهر والسلاح ما لا يعبر عنه وأسر جماعة منهم فقتلوا وهرب الاحدب حتى استأمن بعد رجوع السلطان فأمنه أن يمتنعوا من ركوب الخيل وحمل السلاح ويقبلوا على الفلاحة والله تعالى أعلم * (خلع الصالح وولاية حسن الناصر الثانية) *(5/450)
كان شيخو أتابك العساكر قد ارتاب بصاحبه طاز فداخل الامراء بالثورة بالدولة وتربص بها إلى أن خرج طاز سنة خمس وخمسين إلى البحيرة متصيدا وركب إلى القلعة فخلع الصالح ابن بنت تنكز وقبض عليه وألزمه بيته لثلاث سنين كوامل من دولته
وبايع لحسن الناصر أخيه وأعاده إلى كرسيه وقبض على طاز فاستدعاه من البحيرة فبعثه إلى حلب نائبا وعزل ارغون الكاملى فلحق بدمشق حتى تقبض عليه سنة ست وخمسين وسبق إلى الاسكندرية فحبس بها وبلغ الخبر بوفاة الشمسي الاحمدي نائب طرابلس وولى مكانه منجك واستبد شيخو بالدولة وتصرف بالامر والنهى وولى على مكة عجلان بن رميثة وأفرده بامارتها وكانت له الولاية والعزل والحل والعقد سائر أيامه واعتمده الملوك من النواحى شرقا وغربا بالمخاطبات وكان رديفه في حمل الدولة سرغتمش من موالى السلطان والله تعالى يؤيد بنصره من يشاء من عباده بمنه * (مهلك شيخو ثم سرغتمش بعده واستبداد السلطان بامره) * لم يزل شيخو مستبدا بالدولة وكافلا للسلطان حتى وثب عليه يوما بعض الموالى بمجلس السلطان في دار العدل في شعبان سنة ثمان وخمسين اعتمده في دخوله من باب الايوان وضربه بالسيف ثلاثا أصاب بها وجهه ورأسه وذراعيه فخر لليدين ودخل السلطان بيته وانفض المجلس واتصلت الهيعة بالعسكر خارج القلعة فاضطربوا واقتحم موالى شيخو القلعة إلى الايوان يقدمهم خليل بن قوصون وكان ربيبه لان شيخو تزوج بأبنه فاحتمل شيخو إلى منزله وأمر الناصر بقتل المملوك الذى ضربه فقتل ليومه وعاده الناصر من الغد وتوجل من الوثبة أن تكون بأمره وأقام شيخو عليلا إلى أن هلك في ذى القعدة من السنة وهو أول من سمى الامير الكبير بمصر واستقل سرغتمش رديفه بحمل الدولة وبعث عن طاز فأمسكه بحلب وحبسه بالاسكندرية وولى مكانه الامير عليا الماردانى نقله إليها من دمشق وولى مكانه بدمشق منجك اليوسفي ثم تقبض السلطان على سرغتمش في رمضان سنة تسع وخمسين وعلى جماعة من الامراء معه مثل مغلطاى الدوادار وطشتمر القامسى الحاجب وطنبغا الماجارى وخليل بن قوصون ومحا السلحدار وغيرهم وركب مواليه وقاتلوا مماليك السلطان في ساحة القلعة صدر نهار ثم انهزموا وقتلوا واعتقل سرغتمش وجماعته المنكوبون بالاسكندرية وقتل بمحبسه
لسبعين يوما من اعتقاله وتخطت النكبة إلى شيعته وأصحابه من الامراء والقضاة والعمال وكان الذى تولى نكبة هؤلاء كلهم بأمر السلطان منكلى بيبقا الشمسي ثم استبد السلطان بملكه واستولى على أمره وقدم مملوكه بيبقا القمرى وجعله أمير ألف وأقام في الحجابة الجاى اليوسفي ثم بعثه إلى دمشق نائبا واستقدم منجك نائب دمشق فلما وصل(5/451)
إلى غزة استتر واختفى فولى الناصر مكانه بدمشق الامير عليا المارانى نقله من حلب وولى على حلب سيف الدين بكتمر المؤمنى ثم أدال من على الماردانى في دمشق باستدمر ومن المؤمنى في حلب بمندمر الحورانى وأمره السلطان سنة احدى وستين بغزو سيس وفتح أذنة وطرسوس والمصيصة في حصون أخرى وولى عليها ورجع فولاه السلطان نيابة دمشق مكان استدمر وولى على حلب أحمد بن القتمرى ثم عثر بدمشق سنة احدى وستين على منجك بعد ان نال العقاب بسببه جماعة من الناس فلما حضر عفا عنه السلطان وأمده وخيره في النزول حيث شاء من بلاد الشأم وأقام السلطان بقية دولته مستبدا على وكان يأنس بالعلماء والقضاة ويجمعهم في بيته متبذلا ويفاوضهم في مسائل العلم ويصلهم ويحسن إليهم ويخالطهم أكثر ممن سواهم إلى أن انقرضت دولته والبقاء لله وحده * (ثورة بيبقا ومقتل السلطان حسن وولاية منصور بن المعظم حاجى في كفالة بيبقا) * كان بيبقا هذا من موالى السلطان حسن وأعلاهم منزلة عنده وكان يعرف بالخاصكى نسبة إلى خواص السلطان وكان الناصر قد رقاه في مراتب الدولة وولاه الامارة ثم رفعه إلى الاتابكية وكان لجنوحه إلى الاستبداد كثيرا ما يبوح بشكاية مثل ذلك فأحضره بعض الليالى بين حرمه وصرفه في جملة من الخدمة لبعض مواليه وقادها فأسرها بيبقا في نفسه واستوحش وخرج السلطان سنة ثنتين وستين إلى كوم برى وضرب بها خيامه وأذن للخاصكى في مخيمه قريبا منه ثم نمى عنه خبر الانتقاض فأجمع
القبض عليه واستدعاه فامتنع من الوصول وربما أشعره داعيه بالاسترابة فركب إليه الناصر بنفسه فيمن حضره من مماليكه وخواص أمرائه تاسع جمادى من السنة وبرز إليه بيبقا وقد أنذر به واعتدله فصدقه القتال في ساحة مخيمه وانهزم أصحاب السلطان عنه ومضى إلى القلعة وبيبقا في اتباعه فامتنع الحراس بالقلعة من اخافة طارقة جوف الليل فتسرب في المدينة واختفى في بيت الامير بن الازكشى بالحسينية وركب الامراء من القاهرة مثل ناصر الدين الحسينى وقشتمر المنصوري وغيرهما لمدافعة بيبقا فلقيهم ببولاق وهزمهم واجتمع ثانية وثالثة وهزمهم وتنكر الناصر مع ايدمر الدوادار يحاولان النجاة إلى الشأم واطلع عليهما بعض المماليك فوشى بهما إلى بيبقا فبعث من أحضره فكان آخر العهد به ويقال انه امتحنه قبل القتل فدله على أموال السلطان وذخائره وذلك لست سنين ونصف من تملكه ثم نصب بيبقا للملك محمد بن المظفر حاجى ولقبه المنصور وقام بكفالته وتدبير دولته وجعل طنبغا الطويل رديفه وولى قشتمر المنصوري نائبا وغشتمر أمير مجلس وموسى الازكشى أستاذ دار وأفرج عن القاسمي(5/452)
وبعثه نائبا بالكرك وأفرج عن طاز وقد كان عمى فبعثه إلى القدس بسؤاله ثم إلى دمشق ومات بها في السنة بعدها وأقر عجلان في ولاية مكة وولى على عرب الشأم جبار ابن مهنا وأمسك جماعة من الامراء فحبسهم والله تعالى أعلم * (انتقاض استدمر بدمشق) * ولما اتصل بالشأم ما فعله بيبقا وأنه استبد بالدولة وكان استدمر نائبا بدمشق كما قدمناه امتعض لذلك وأجمع الانتقاض وداخله في ذلك مندمر والبرى ومنجك اليوسفي واستولى على قلعة دمشق وسار في العساكر ومعه السلطان المنصور ووصل إلى دمشق واعتصم القوم بالقلعة وترددت بينهما القضاة بالشأم حتى نزلوا على الامان بعد ان حلف بيبقا فلما نزلوا إليه بعث بهم إلى الاسكندرية فحبسوا بها وولى الامير الماردانى
نائبا بدمشق وقطلوبغا الاحمدي نائبا بحلب مكان أحمد بن القتمرى بصفد وعاد السلطان المنصور وبيبقا إلى مصر والله سبحانه وتعالى أعلم * (وفاة الخليفة المعتضد بن المستكفى وولاية ابنه المتوكل) * قد تقدم لنا أن الخليفة المستكفى لما توفي قبل وفاة الملك الناصر عهد لابنه أحمد ولقبه الحاكم وأن الناصر عدل عنه إلى ابراهيم بن محمد عم المستكفى ولقبه الواثق فلما توفى الناصر آخر سنة احدى وأربعين أغار الامراء القائمون بالدولة والامير أحمد الحاكم ابن المستكفى ولى عهده فلم يزل في خلافته إلى أن هلك سنة ثلاث وخمسين لاول دولة الصالح سبط تنكز وولى بعده أخوه أبو الفتح أبو بكر بن المستكفى ولقب المعتضد ثم توفى سنة ثلاث وستين لعشرة أعوام من خلافته وعهد إلى ابنه أحمد فولى مكانه ولقب المستكفى والله تعالى أعلم * (خلع المنصور وولاية الاشرف) * ثم بدا لبيبقا الخاصكى في أمر المنصور محمد بن حاجى فخلعه استرابة به في شعبان سنة أربع وستين لسبعة وعشرين شهرا من ولايته ونصب مكانه شعبان بن الناصر حسن بن الملك الناصر وكان أبوه قد توفى في ربيع الآخر من تلك السنة وكان آخر بنى الملك الناصر فمات فولى ابنه شعبان ابن عشر سنين ولقبه الاشرف وتولى كفالته وفي سنة خمس وستين عزل الماردانى من دمشق وولى مكانه منكلى بغا نقله من حلب وولى مكانه قطلوبغا الاحمري وتوفى قطلوبغا فولى مكانه غشقتمر الماردانى ثم عزل غشقتمر سنة ست وستين فولى مكانه سيف الدين فرجى وأوعز إليه سنة سبع وستين أن يسير في العساكر لطلب خليل بن قراجا بن العادل أمير التركمان فيحضره معتقلا فسار إليه وامتنع(5/453)
في خرت برت فحاصره أربعة أشهر واستأمن خليل بعدها وجاء إلى مصر فأمنه السلطان وخلع عليه وولاه ورجع إلى بلده وقومه والله تعالى أعلم
* (واقعة الاسكندرية) * كان أهل جزيرة قبرص من أمم النصرانية وهم من بقايا الروم وانما ينتسبون لهذا العهد إلى الافرنج لظهور الافرنج على سائر أمم النصرانية والا فقد نسبهم هروشيوش إلى كيتم وهم الروم عندهم ونسب أهل رودس إلى دوداتم وجعلهم اخوة كيتم ونسبهما معا إلى رومان وكانت على أهل قبرص جزية معلومة يؤدونها لصاحب مصر وما زالت مقررة عليهم من لدن فتحها على يد معاوية أمير الشأم أيام عمر وكانوا إذا منعوا الجزية يسلط صاحب الشام عليهم أساطيل المسلمين فيفسدون مراسيها ويعيثون في مواحلها حتى يستقيموا لاداء الجزية وتقدم لنا آنفا في دولة الترك أن الظاهر بيبرس بعث إليها سنة تسع وستين وستمائة اسطولا من الشوانى وطرقت مرساها ليلا فتكسرت لكثرة الحجارة المحيطة بها في كل ناحية ثم غلب لهذه العصور أهل جنوة من الافرنج على جزيرة رودس حازتها من يد لشكري صاحب القسطنطينية سنة ثمان وسبعمائة وأخذوا بمخنقها وأقام أهل قبرص معهم بين فتنة وصلح وسلم وحرب آخر أيامهم وجزيرة قبرص هذه على مسافة يوم وليلة في البحر قبالة طرابلس منصوبة على سواحل الشأم ومصر واطلعوا بعض الايام على غرة في الاسكندرية وأخبروا حاجبهم وعزم على انتهاز الفرصة فيها فنهض في أساطيله واستنفر من سائر الافرنج ووافى مرساها سابع عشر من المحرم سنة سبع وستين في اسطول عظيم يقال بلغ سبعين مركبا مشحونة بالعدة والعدد ومعه الفرسان المقاتلة بخيولهم فلما أرسى بها قدمهم إلى السواحل وعبى صفوفه وزحف وقد غص الساحل بالنظارة برزوا من البلد على سبيل النزهة لا يلقون بالالما هو فيه ولا ينظرون مغبة أمره لبعد عهدهم بالحرب وحاميتهم يومئذ قليلة وأسوارهم من الرماة المناضلين دون الحصون خالية ونائبها القائم بمصالحها في الحرب والسلم وهو يومئذ خليل بن عوام غائب في قضاء فرضه فما هو الا أن رجعت تلك الصفوف على التعبية ونضحوا العوام بالنبل فأجفلوا متسابقين إلى المدينة وأغلقوا أبوابها وصعدوا إلى
الاسوار ينظرون ووصل القوم إلى الباب فأحرقوه واقتحموا المدينة واضطرب أهلها وماج بعضهم في بعض ثم أجفلوا إلى جهة البر بما أمكنهم من عيالهم وولدهم وما اقتدروا عليه من أموالهم وسالت بهم الطرق والاباطح ذاهبين في غير وجه حيرة ودهشة وشعر بهم الاعراب أهل الضاحية فتخطفوا الكثير منهم وتوسط الافرنج المدينة ونهبوا ما مروا عليه من الدور وأسواق البر ودكاكين الصمارفة ومودعات التجار وملؤ(5/454)
سفنهم من المتاع والبضائع والذخيرة والصامت واحتملوا ما استولوا عليه من السبى والاسرى وأكثر ما فيهم الصبيان والنساء ثم تسايل إليهم الصريخ من العرب وغيرهم فانكفأ الافرنج إلى أساطيلهم وانكمشوا فيها بقية يومهم وأقلعوا من الغد وطار الخبر إلى كافل الدولة بمصر الامير بيبقا فقام في ركائبه وخرج لوقته بسلطانه وعساكره ومعه ابن عوام نائب الاسكندرية منصرفه من الحج وفي مقدمته خليل بن قوصون وقطلوبغا الفخري من أمرائه وعزائمهم مرهفة ونياتهم في الجهاد صادقة حتى بلغهم الخبر في طريقهم باقلاع العدو فلم يثنه ذلك واستمر إلى الاسكندرية وشاهد ما وقع بها من معرة الخراب وآثار الفساد فأمر بهدم ذلك واصلاحه ورجع ادراجه إلى دار الملك وقد امتلات جوانحه غيظا وحنقا على أهل قبرص فأمر بانشاء مائة اسطول من الاساطيل التى يسمونها القربان مغتزما على غزو قبرص فيها بجميع من معه من عساكر المسلمين بالديار المصرية واحتفل في الاستعداد لذلك واستكثر من السلاح وآلات الحصار وكمل غرضه من ذلك كله في رمضان من السنة لثمانية أشهر من الشروع فيه فلم يقدر على تمام غرضه من الجهاد لما وقع من العوائق كما نقصه والله تعالى ولى التوفيق * (ثورة الطويل ونكبته) * كان طنبغا الطويل من موالى السلطان حسن وكانت وظيفته في الدولة أمير سلاح وهو مع ذلك رديف بيبقا في أمره وكان يؤمل الاستبداد ثم حدثت له المنافسة والغيرة
من بيبقا كما حدثت لسائر أهل الدولة عندما استكمل أمره واستفحل سلطانه وداخلوا الطويل في الثورة وكان دوادار السلطان ارغون الاشقري وأستاذدار المحمدى وبيناهم في ذلك خرج الطويل للسرحة بالعباسية في جمادى سنة سبع وستين وفشا الامر بين أهل الدولة فنمى إلى بيبقا واعتزم على اخراج الطويل إلى الشأم وأصدر له المرسوم السلطاني بنيابة دمشق وبعث به إليه وبالخلعة على العادة مع ارغون الاشقري الدوادار وروس المحمدى أستاذ دار من المداخلين له ومعه ارغون الارفى وطنبغا العلائى من أصحاب بيبقا فردهم الطويل وأساء عليهم وواعد بيبقا قبة النصر فهزمهم وقبض على الطويل والاشقرى والمحمدي وحبسوا بالاسكندرية ثم شفع للسلطان في الطويل في شهر شعبان من السنة وبعثه إلى القدس ثم أطلق الاشقري والمحمدي وبعث بهما إلى الشأم وولى مكان الطويل طيدمر الباسلى ومكان الاشقري في الدويدارية طنبغا الابى بكرى ثم عزله بيبقا العلائى وولى مكانه روس العادل المحمدى وكان جماعة من الامراء أهل وظائف في الدولة قد خرجوا مع الطويل وحبسوا فولى في وظائفهم أمراء آخرين ممن لم تكن له وظيفة واستدعى منكلى بيبقا(5/455)
الشمسي نائب دمشق إلى مصر يطلبه فقدم نائبا بحلب مكان سيف الدين برجى وأذن له في الاستكثار من العساكر وجعلت رتبته فوق نائب دمشق وولى مكانه بدمشق اقطمر عبد العزيز انتهى والله تعالى أعلم * (ثورة المماليك بيبقا ومقتله واستبداد استدمر) * كان طنبقا قد طال استبداده على السلطان وثقلت وطاته على الامراء وأهل الدولة وخصوصا على مماليكه وكان قد استكثر من المماليك وأرهف حده لهم في التأديب وتجاوز الضرب فيهم بالعصا إلى جدع الانوف واصطلام الآذان ضمائرهم لذلك وطووا على الغش وكان كبير خواصه استدمر واقتفان الاحمدي ووقع
في بعض الايام بمثل هذه العقوبة في أخى استدمر فاستوحش له وارتاب وداخل سائر الامراء في الثورة يرون فيها نجاتهم منهم وخلصوا النجوى مع السلطان فيه واقتضوا منه الاذن وسرح السلطان بيبقا إلى البحيرة في عام ثمان وسبعين وانعقد هؤلاء المماليك المتفاوضون في الثورة بمنزل الطرانة وبيتوا له فيها ونمى إليه خبرهم ورأى العلامات التى قد أعطيها من أمرهم فركب مكرا في بعض خواصه وخاض النيل إلى القاهرة وتقدم إلى نواتية البحر أن يرسوا سفنهم عند العدوة الشرقية ويمنعوا العبور كل من يرومه من العدوة الغربية وخالفه اسندمر واقتفان إلى السلطان في ليلتهم وبايعوه على مقاطعة بيبقا ونكبته ولما وصل بيبقا إلى القاهرة جمع من كان بها من الامراء والحجاب من مماليكه وغيرهم وكان بها ايبك البدرى أمير ماخورية فاجتمعوا عليه وكان يقتمر النظامي وارغون ططن بالعباسية سار حين فاجتمعوا إليه فخلع الاشرف ونصب أخاه اتوك ولقبه المنصور وأحضر الخليفة فولاه واستعد للحرب وضرب مخيمه بالجزيرة الوسطى على عدوة البحر ولحق به من كانت له معه طاغية من الامراء الذين مع السلطان بصحابة أوأمرأ وولاية مثل بيبقا العلائى الدوادار ويونس الرمام وكمشيقا الحموى وخليل بن قوصون ويعقوب شاه وقرابقا البدرى وابتغا الجوهرى ووصل السلطان الاشرف من الطرانة صبيحة ذلك اليوم على التعبية قاصدا دار ملكه وانتهى إلى عدوة البحر فوجدها مقفرة من السفن فخيم هنالك وأقام ثلاثا وبيبقا وأصحابه قبالتهم بالجزيرة الوسطى ينضحونهم بالنبل ويرسلون عليهم الحجارة من المجانيق وصواعق الانفاط وعوالم النظارة في السفن إلى أن تتوسط فيركبونها ويحركونها بالمجاذيف إلى ناحية السلطان حتى كملت منها عدة وأكثرها من القربان التى أنشأها بيبقا وأجاز فيها السلطان وأصحابه إلى جزيرية الفيل وسار على التعبية وقد ملات عساكره وتابعه بسبط الارض وتراكم القتام بالجو وغشيت سحابه موكب بيبقا(5/456)
وأصحابه فتقدموا للدفاع وصدقتهم عساكر السلطان القتال فانفضوا عن بيبقا وتركوه أوحش من وتد في قلاع فولى منهزما ومر بالميدان فصلى ركعتين عند بابه واستمر إلى بيته والعوام ترجمه في طريقه وسار السلطان في تعبيته إلى القلعة ودخل قصره وبعث عن بيبقا فجئ به واعتقل بحبس القلعة سائر يومه فلما غشى الليل ارتاب المماليك بحياته وجاؤا إلى السلطان يطلبونه وقد أضمروا الفتك به وأحضره السلطان وبينما هو مقبل على التضرع للسلطان ضربه بعضهم فأبان رأسه وارتاب من كان منهم خارج القصر في قتله فطلبوا معاينته ولم يزالوا يناولون رأسه من واحد إلى واحد حتى رماه آخرهم في مشعل كان بازائه ثم دفن وفرغ من أمره وقام بأمر الدولة استدمر الناصري ورديفه بيبقا الاحمدي ومعهما بحماس الطازى وقرا ابقا الصرغتمشى وتغرى بدمشق المتولون كبر هذه الفعلة وتقبضوا على الامراء الذين عدلوا عنهم إلى بيبقا فحبسوهم بالاسكندرية وقد مر ذكرهم وعزل خليل بن قوصون وألزم بيته وولوا أمراء مكان المحبوسين وأهل وظائف من كانت له واستقر أمر الدولة على ذلك والله سبحانه وتعالى أعلم * (واقعة الاجلاب ثم نكبتهم ومهلك استدمر وذهاب دولته) * ثم تنافس هؤلاء القائمون بالدولة وحبسوا قرابقا السرغتمشى صاحبهم وامتعض له تغرى بدمشق وداخل بعض الامراء في الثورة ووافقه ايبك البدرى وجماعة معه وركب منتصف رجب سنة ثمان وستين للحرب فركب له استدمر وأصحابه فتقبضوا عليهم وحبسوهم بالاسكندرية وعظم طغيان هؤلاء الاجلاب وكثر عيثهم في البلد وتحاوزهم حدود الشريعة والملك وفاوض السلطان أمراءه في شأنهم فأشاروا بمعاجلتهم وحسم دائهم فنبذ السلطان إليهم العهد وجلس على كرسيه بالاساطيل وتقدم إلى الامراء بالركوب فركب الجائى اليوسفي وطغتمر النظامي وسائر أمراء السلطان ومن استخدموه من مماليك بيبقا وتحيز إليهم ايبقا الجلب وبحماس الطازى عن صاحبهما
استدمر وركب لقتالهم استدمر وأصحابه وسائر الاجلاب وحاصروا القلعة إلى أن خرج عند الطلحساه السلطانية فاختل مركز الامراء وفارقهم المستخدمون عندهم من مماليك بيبقا فانفض جمعهم وانهزموا وثبت الجائى اليوسفي وارغون التتر في سبعين من مماليكهم فوقفوا قليلا ثم انهزموا إلى قبة النصر وقتل دروط ابن أخى الحاج الملك وقبض على ايبقا الجلب جريحا وعلى طغتمر النظامي وعلى بحماس الطازى والجائى اليوسفي وارغون التتر وكثير من امراء الالوف ومن دونهم واستولى(5/457)
استدمر وأصحابه الاجلاب على السلطان كما كانوا وولى مكان المحبوسين من الامراء وأهل الوظائف وعاد خليل بن قوصون على امرته وعزل قشتمر عن طرابلس وحبس بالاسكندرية واستبدل بكثير من أمراء الشأم واستمر الحال على ذلك بقية السنة والاجلاب على حالهم في الاستهتار بالسلطان والرعية فلما كان محرم سنة تسع وستين عادوا إلى الاجلاب على الدولة فركب أمراء السلطان إلى استدمر بشكونهم ويعاتبونهم في شأنهم فقبض على جماعة منهم كسر بهم الفتنة وذلك يوم الاربعاء سادس صفر فلما كان يوم السبت عاودوا الركوب ونادوا بخلع السلطان فركب السلطان في مماليكه ونحو المائتين والتف عليهم العوام وقد حنقوا على الاجلاب بشراشرهم فيهم وركب استدمر في الاجلاب على التعبية وهم ألف وخمسمائة وجاؤا من وراء القلعة على عادتهم حتى شارفوا القوم فأحجموا ووقفوا وأدلقتهم الحجارة من أيدى العوام بالمقاليع وحملت عليهم العساكر فانهزموا وقبض على ابقا السرغتمشى وجماعة معه فحبسوا بالخزانة ثم جئ باستدمر أسيرا وشفع فيه الامراء فشفعهم السلطان وأطلقه باقيا على أتابكيته ونزل إلى بيته بقبض الكيس وكان خليل بن قوصون تولى آتابكا في تلك الفترة فأمره السلطان أن يباكريه لحبسه من الغد فركب خليل إلى بيته وحمله على الانتقاض على أن يكون الكرسي لخليل بعلاقة نسبته إلى الملك الناصر من أمه
فاجتمع منهم جماعة من الاجلاب وركبوا بالرميلة فركب إليهم السلطان والامراء في العساكر فانهزموا وقتل كثير منهم وبعثوا بهم إلى الاسكندرية فحبسوا بها وقتل كثير ممن أسر في تلك الواقعة منهم وطيف بهم على الجمال في أقطار المدينة ثم تتبع بقية الاجلاب بالقتل والحبس بالثغور القاصية وكان ممن حبس منهم بالكرك برقوق العثماني الذى ولى الملك بعد ذلك بمصر وبركة الجولانى وطنبقا الجوبانى وجركس الخليلى ونعنع وأقاموا كلهم متلفين بين السجن والنفى إلى أن اجتمع شملهم بعد ذلك كما نذكره واستبد السلطان بأمره بعض الشئ وأفرج على الجائى اليوسفي وطغتمر النظامي وجماعة من المسجونين من أمرائه وولى الجائى أمير سلاح وولى بيبقا المنصوري وبكتمر المحمدى من أمراء الاجلاب في الاتابكية شريكين ثم نمى عنهما أنهما يرومان الثورة واطلاق المسجونين من الاجلاب والاستبداد على السلطان فقبض عليهما وبعث عن سنكلى بغا الشمسي من حلب وأقامه في الاتابكية واستدعى أمير على الماردانى من دمشق وولاه النيابة وولى في جميع الوظائف استبدالا وانشاء بنظره واختياره وكان منهم مولاه ارغون الاشرفى وما زال يرقيه في الوظائف إلى أن جعله أتابك دولته وكان خالصته كما سنذكر وولى على حلب مكان سنكلى بغاطنبقا الطويل(5/458)
وعلى دمشق مكان الماردانى بندمر الخوارزمي ثم اعتقله وصادره على مائة ألف دينار ونفاه إلى طرسوس وولى مكانه منجك اليوسفي نقله إليها من طرابلس وأعاد إليها غشقتمر الماردانى كما كان قبله ثم توفى طنبقا الطويل بحلب آخر سنة تسع وستين بعد ان كان يروم الانتقاض فولى مكانه استبغا الابو بكرى ثم عزله سنة سبعين وولى مكانه قشتمر المنصوري والله تعالى ولى التوفيق بمنه وفضله * (مقتل قشتمر المنصوري بحلب في واقعة العرب) * كان جماز بن مهنا أمير العرب من آل فضل قد انتقض وولى السلطان مكانه ابن عمه
زال بن موسى بن عيسى واستمر جماز على خلافه ووطئ بلاد حلب أيام المصيف واجتمع إليه بنو كلاب وامتدت أيديهم على السابلة فخرج إليهم نائب حلب قشتمر المنصوري في عساكره فأغار على أحيائه واستاق نعمهم ومواشيهم وشره إلى اصطلامهم فتذامروا دون احيائهم وكانت بينه وبينهم جولة أجلت عن قشتمر المنصوري وابنه محمد قتيلين ويقال قتلهما يعبر بن جماز ورجعت عساكر الترك منهزمين إلى حلب وذهب جماز إلى القفر ناجيا به وولى السلطان على العرب معيقيل بن فضل ثم استأمن له جماز بن مهنا وعاود الطاعة فأعاده السلطان إلى امارته والله تعالى أعلم * (استبداد الجائى اليوسفي ثم انتقاضه ومقتله) * لما أذهب السلطان الاشرف أثر الاجلاب من دولته وقام بعض الشئ بأمره فاستدعى سنكلى بغا من حلب وجعله أتابكا وأمير على الماردانى من دمشق وجعله نائبا وولى الجائى اليوسفي أمير سلاح وولى اصبغا عبد الله دوادار بعد ان كان الاجلاب ولوا في الدوادارية منهم واحدا بعد واحد ثم سخطه وولى مكانه اقطمر الصباحي وعمر سائر الخطط السلطانية بمن وقع عليه اختياره ورقى مولاه ارغون شاه في المراتب من واحدة إلى أخرى إلى أن أربى به على الاتابكية كما يأتي وولى بهادر الجمالى استاذدار ثم أمير الماخورية تردد بينهما ثم استقر آخرا في الماخورية وولى محمد بن اسقلاص استاذدار وولى بيبقا الناصري الحجابة بعد وظائف أخرى نقله منها وزوج أمه الجائى اليوسفي فعلت رتبته بذلك في الدولة واستغلظ أمره وأغلظ له الدوادار يوما في القول فنفى وولى مكانه منكوتمر عبد الغنى ثم عزل سنة ثنتين وسبعين لسنة من ولايته وولى السلطان مكانه طشتمر العلائى الذى كان دوا دار البيبقا واستقرت الدولة على هذا النمط والجائى اليوسفي مستبد فيها ووصل قود منجك من الشأم سنة أربع وسبعين بما لا يعير عنه اشتمل على الخيل والبخاتي المجللة والجمال والهجن والقماش والحلاوات(5/459)
والحلى والطرف والمواعين حتى كان فيها من الكلاب الصائدة والسباع والابل ما لم ير مثله في أصنافه ثم وصل قود قشتمر الماردانى من حلب على نسبة ذلك والله تعالى أعلم * (انتقاض الجائى اليوسفي ومهلكه واستبداد الاشرف بملكه من بعده) * لم تزل الدولة مستقرة على ما وصفناه إلى أن هلك الامير سنكلى بغا الاتابك منتصف سنة أربع وسبعين واستضاف الجائى اليوسفي الاتابكية إلى ما كان بيده ورتبته أشد من ذلك كله وهو القائم المستبد بها ثم توفيت أم السلطان وهى في عصمته فاستحق منها ميراثا دعاه لؤم الاخلاق فيه إلى المماحكة في المخلف وتجافى السلطان له عن ذلك الا أنه كان ضيق الصدر شرس الاخلاق فكان يغلظ القول بما يخشن الصدور فأظلم الجو بينه وبين السلطان وتمكنت فيه السعاية وذكرت هذه انتقاضه الاول وذلك أنه كان سخط في بعض النزعات على بعض العوام من البلد فامر بالركوب إلى العامة وقتلهم فقتل منهم كثير ونمى الخبر إلى السلطان على ألسنة أهل البصائر من دولته وعذلوه عنده فاستشاط السلطان وزجره وأغلظ له فغضب وركب إلى قبة النصر منتقضا وذهب السلطان في مداراة أمره إلى الملاطفة واللين وكان الاتابك سنكلى بغا يوم ذاك حيا فأوعز السلطان إليه فرجع وخلع عليه وأعاده إلى أحسن ما كان فلما بدرت هذه الثانية حذر السلطان بطانته من شأنه وخرج هو منتقضا وركب في مماليكه بساحة القلعة وجلس السلطان وترددت الرسل بينهما بالملاطفة فأصر واستكبر ثم أذن السلطان لمماليكه في قتاله وكان أكثرهم من الاجلاب مماليك بيبقا وقد جمعهم السلطان واستخدمهم في جملة ابنه أمير على ولى عهده فقاتلوه في محرم سنة خمس وتسعين وكان موقفه في ذلك المعترك إلى حائط الميدان المتصل بالاساطيل فنفذت له المقاتلة من داخل الاساطيل ونضحوه بالسهام فتنحى عن الحائط حتى إذا حل مركزه ركبوا خيولهم وخرجوا من باب الاساطيل وصدقوا عليه الحملة فانهزم إلى بركة الحبش ورجع من وراء الجبل إلى قبة النصر فأقام بها ثلاثا والسلطان يراوضه وهو يشتط وشيعه يتسللون
عنه ثم بعث إليه السلطان لمة من العسكر ففر أمامهم إلى قليوب واتبعوه فخاض البحر وكان آخر العهد به ثم أخرج شلوه ودفن وأسف السلطان لمهلكه ونقل أولاده إلى قصره ورتب لهم ولحاشيته الارزاق في ديوانه وقبض على من اتهمه بمداخلته وأرباب وظائفه فصودروا كلهم وعزلوا وغربوا إلى الشأم واستبد السلطان بأمره واستدعى ايدمر القرى الدوادار وكان نائبا بطرابلس فولاه اتابكا مكان الجائى ورفع رتبته وولى أرغون شاه وجعله أمير مجلس وولى سرغتمش من مواليه أمير سلاح واختص بالسلطان طشتمر الدوادار وناصر الدين محمد بن اسقلاص استاذدار فكانت أمور(5/460)
الدولة منقسمة بينهما وتصاريفها تجرى بساستهما إلى ان كان ما نذكره والله تعالى ولى التوفيق * (استقدام منجك للنيابة) * كان أمير على الماردانى قد توفى سنة ثنتين وسبعين وبقيت وظيفته خلو المكان الجائى اليوسفي وأحكامه ولما هلك سنة خمس وسبعين ولى السلطان اقطمر عبد الغنى نائبا ثم بدا له أن يولى في النيابة منجك اليوسفي لما رآه فيه من الاهلية لذلك والقيام به ولتقلبه في الامارة منذ عهد الناصر حسن وأنه كان من مواليه أخا لبيبقاروس وطاز وسرغتمش فهو بقية المناجب فلما وقع نظره عليه بعث في استقدامه بيبقا الناصري من أمراء دولته وولى مكانه بندمر الخوارزمي وأعاد عشقتمر إلى حلب مكانه ووصل منجك إلى مصر آخر سنة خمس وسبعين ومعه مماليكه وحاشيته وصهر روس المحمدى فاحتفل السلطان في تكرمته وأمر أهل الدولة بالركوب لتلقيه فتلقاه الامراء والعساكر وأرباب الوظائف من القضاة والفقهاء والدواوين وأذن له في الدخول من باب السر راكبا وخاصة السلطان مشاة بين يديه حتى نزل عند مقاعد الطواشية بباب القصر حيث يجلس مقدم المماليك ثم استدعى إلى السلطان فدخل وأقبل عليه
السلطان وشافهه بالنيابة المطلقة وفوض إليه الولاية والعزل في سائر المراتب السلطانية من الوزراء والخواص والقضاة والاوقاف وغيرها وخلع عليه وخرج ثم قرر تقليده بذلك في الايوان ثانى يوم وصوله فكان يوما مشهودا وولى الاشرف في ذلك اليوم بيبقا الناصري الذى قدم به حاجبا ثم سافر عشقتمر نائب حلب آخر سنة ست وسبعين بعدها بالعساكر إلى بلاد الارمن ففتح سائر أعمالها واستولى على ملكها التكفور بالامان فوصل بأهله وولده إلى الابواب السلطانية ورتب لهم الارزاق وولى السلطان على سيس وانقرض منها ملك الارمن وتوفى منجك آخر هذه السنة فولى السلطان اقتمر الصاجى المعروف بالحلى ثم عزله ورفع مجلسه وولى مكانه اقتمر الالقنى ثم توفى جبار بن مهنا أمير العرب بالشأم فولى السلطان ابنه يعبرا مكانه ثم توفى أمير مكة من بنى حسن فولى الاشرف مكانه واستقرت الامور على ذلك والله أعلم * (الخبر عن مماليك بيبقا وترشيحهم في الدولة) * كان السلطان الاشرف بعد أن سطا بمماليك بيبقا تلك السطوة وقسمهم بين القتل والنفى وأسكنهم السجون وأذهب أثرهم من الدولة بالجملة أرجع جملة منهم بعد ذلك وعاتبه سنكلى ابغا في شأنهم وأن في اتلافهم قص جناح الدولة وانهم ناشئة من الجند(5/461)
يحتاج الملك لمثلهم فندم على من قتل منهم وأطلق من بقى من المحبوسين بعد خمس من السنين وسرحهم إلى الشأم يستخدمون عند الامراء وكان فيمن أطلق الجماعة بحبس الكرك وهم برقوق العثماني وبركة الجوبانى وطنبقا الجوبانى وجركس الخليلى ونعنع فأطلقوا إلى الشأم ودعا منجك صاحب الشأم كبراءهم إلى تعليم المماليك ثقافة الرمح أو كانوا بصراء بها فأقاموا عنده مدة أخبرني بذلك الطنبقا الجوبانى أيام اتصالي به قال وأقمنا عند منجك إلى ان استدعاه السلطان الاشرف وكتب إليه الجائى اليوسفي بمثل ذلك فاضطرب في أيهما يجيبه فيها ثم أراد أن يخرج من العهدة فرد الامر الينا
فأبينا الا امتثال أمره فتحير ثم اهتدى إلى أن يبعث إلى الجائى اليوسفي ودس إلى قرطاى كافل الامير على ابن السلطان وكان صديقه بطلبنا من الجائى بخدمة ولى العهد وصانع الجهتين بذلك قال وصرنا إلى ولى العهد فعرضنا على السلطان ابيه واختصنا عنده بتعليم الثقافة لمماليكه إلى أن دعانا السلطان يوم واقعة الجائى وهو جالس بالاصطبل فندبنا لحربه وذكرنا حقوقه وأزاح عللنا بالجياد والاسلحة فجلبنا في قتله إلى ان انهزم وما زال السلطان بعدها يرعى لنا ذلك ويقدمنا انتهى خبر الجوبانى وكان طشتمر الدوادار قد لطف محله عند الاشرف وخلاله وجهه وكان هواه في اجتماع مماليك بيبقا في الدولة يستكثر بهم فيما يومله من الاستبداد على السلطان فكان يشير في كل وقت على الاشرف باستقدامهم من كل ناحية واجتماعهم عصابة للدولة يخادع بذلك عن قصده وكان محمد بن اسقلاص استاذ دار يساميه في الدولة ويزاحمه في مخالصة الاشرف ولطف المحل عنده ينهى السلطان عن ذلك ويحذره مغبة اجتماعهم فغص طشتمر بذلك وكان عند السلطان مماليك دونه من مماليكه الخاصكية شبابا قد اصطفاهم وهذبهم وخالصهم بالمحبة والصهر ورشحهم للمراتب وولى بعضهم وكان الاكابر من أهل الدولة يفضون إليهم بحاجاتهم ويتوسلون بمساعيهم فصرف طشتمر إليهم وجه السعاية وغشى مجالسهم وأغراهم بابن اسقلاص وانه يصد السلطان أكثر الاوقات عن اغراضهم منه ويبعد أبواب الانعام والصلات منه وصدق ذلك عندهم كثرة حاجاتهم في وظيفته وتقرر الكثير منها عليهم عنده فوغرت صدورهم منه وأغروا به السلطان باطباق اغراء طشتمر ظاهرا حتى تمت عليهم نكبته وجمعت الكلمة وقبض عليه منتصف جمادى سنة سبع وثمانين ونفاه إلى القدس فخلا لطشتمر وجه السلطان وانفرد بالندبير واجتمع المماليك البيبقاوية من كل ناحية حتى كثروا أهل الدولة وعمروا مراتبها ووظائفها واختاروها من جوانبها إلى أن كان ما نذكره ان شاء الله تعالى والله أعلم(5/462)
[ حج السلطان الاشرف وانتقاض المماليك عليه بالعقبة وما كان مع ذلك من ثورة قرطاى بالقاهرة وبيعة الامير على ولى العهد ومقتل السلطان اثر ذلك ] لما استقر السلطان في دولته على أكمل حالات الاستبداد والظهور واذعان الناس لطاعته في كل ناحية وأكمل الله له الامتاع بملكه ودنياه سمت نفسه إلى قضاء فرصه فأجمع الحج سنة ثمان وسبعين وتجهز لذلك واستكثر من الرواحل المستجادة والازودة المثقلة من سائر الاصناف واستعد للسفر واحتفل في الابهة بما لم يعهد مثله واستخلف ابنه ولى العهد في ملكه وأوصى النائب اكتمر عبد النبي بمباكرة بابه والانتهاء إلى مراسمه وأخرج بنى الملك الناصر المحجوبين بالقلعة مع سرد الشيخونى إلى الكرك يقيمون به إلى منصرفه وتجهز الخليفة العباسي محمد المتوكل بن المعتضد والقضاة للحج معه وجهز جماعة من الامراء أهل دولته وأزاح عللهم وملا بمعروفه حقائبهم وخرج ثانى عشر شوال في المراكب والقطارات يروق الناظرين كثرة ومخافة وزينة والخليفة والقضاة والامراء حفافيه وبرز النظارة حتى العواتق من خدورهن وتجللت بمركبهم البسيطة وماجت الارض بهم موجا وخيم بالبركة منزل الحاج وأقام بها أياما حتى فرغ الناس من حاجاتهم وارتحل فما زال يتنقل في المنازل إلى العقبة ثم أقام فيها على عادة الحاج وكان في نفوس المماليك وخصوصا البيبقاوية وهم الاكثر شجى يتشوفون به إلى الاستبداد من الدولة فتنكروا واشتطوا في اقتضاء أرزاقهم والمباشرون يعللونهم وانتهى إلى الفساد ثم طلبوا العلوفة المستقبلة إلى دار الازلم فاعتذر المباشرون بأن الاقوات حملت إلى أمام فلم يقبلوا وكشفوا القناع في الانتقاض وباتوا ليلتهم على تعبية واستدعى الاشرف طشتمر الدوادار وكان كبيرهم ففاوضه في الامر ليفك من عزمهم فأجمل العذر عنهم وخرج إليهم فخرجوا ثم ركبوا من الغد واصطفوا واركبوا طشتمر معهم ومنعوه من معاودة السلطان وتولى كبر ذلك
منهم مبارك الطازى وسراى تمر المحمدى وبطلقمر العلائى وركب السلطان في خاصته يظن أنهم يرعوون أو يجنح إليه بعضهم فأبوا الا الاحفاف على قتاله ونضحوا موكبه بالنبل لما عاينوه فرجع إلى خيامه منهزما ثم ركب البحر في لفيف من خواصه ومعه ارغون شاه الاتابك وبيبقا الناصري ومحمد بن عيسى صاحب الدرك من لفائف الاعراب أهل الضاحية وفي ركابه جماعة الشباب الذين أنشأهم في مخالصته ورشحهم للوظائف في دولته كما مر وخام الفل إلى القاهرة وقد كان السلطان عندما سافر عن القاهرة ترك بها جماعة من الامراء والمماليك مقيمين في وظائفهم كان منهم قرطاى الطازى كافل امير على ولى العهد واقتمر الخليلى وقشتمر واستدمر السرغتمشى(5/463)
وايبك البدرى وكان شيطان من المتمردة قد أوحى إلى قرطاى بأنه يكون صاحب الدولة بمصر فكان يتشوف لذلك ويترصد له وربما وقع بينه وبين وزير الدولة منازعة في جراية مماليك مكفوله ولى العهد وعلوفاتهم أغلظ له فيها الوزير فوجم وأخذ في أسباب الانتقاض وداخل في ذلك بعض أصحابه وواعدهم ثالث ذى القعدة وتقدم إلى داية ولى العهد ليلة ذلك اليوم بأن يصلح من شأنه ويفرغ عليه ملابس السلطان ويهيئه لجلوس التخت وركب هو صبيحة ذلك اليوم ووقف بالرميلة عند مصلى العيد وتناول قطعة من ثوب فنصبها لواء وكان صبيان المدينة قد شرعوا في اتخاذ الدبادب والطبيلات للعيد فأمر بتناول بعضها منهم وقرعت بين يديه وتسايل الناس إليه من كل أوب ونزل من كان بطباق القصر وغرفه وبالقاهرة من المماليك واجتمعوا إليه حتى كظ ذلك الفضاء وجاؤا تعادى بهم الخيل فاستغلظ لفيفهم ثم اقتحم القلعة في جمعه من باب الاصطبل إلى بيت مكفوله ولى العهد أمير على عند باب الستارة يطلبونه وقبضوا على زمام الذود وكانوا عدة حتى أحضروا ولى العهد وجاؤا به على الاكتاف إلى الايوان فأجلسوه على التخت وأحضروا ايدمر نائب القلعة فبايع له ثم
أنزلوه إلى باب الاصطبل وأجلسوه هناك على الكرسي واستدعى الامراء القائمين بالقاهرة فبايعوه وحبس بعضهم بالقلعة وبعث اكتمر الحلى إلى الصعيد يستكشف أحواله واختص منهم ايبك فجعله رديفا في دولته وباتوا كذلك وأصبحوا يسائلون الركبان ويستكشفون خبر السلطان وكان السلطان لما انهزم من العقبة سار ليلتين وجاء إلى البركة آخر النانية ووجاءه الخبر بواقعة القاهرة وما فعله قرطاى وتشاوروا فأشار محمد بن عيسى بقصد الشأم وأشار آخرون بالوصول إلى القاهرة وسار السلطان إليها واستمروا إلى قبة النصر وتهافتوا عن رواحلهم بالطلاح وقد أنهكهم التعب وأضناهم السير فما هو الا أن وقعوا لمناكهم وجنوبهم وغشيهم النعاس وجاء الناصري إلى السلطان الاشرف من بينهم فتنصح له بأن يتسلل من أصحابه ويتسرب في بعض البيوت بالقاهرة حتى يتبين له وجه مذهبه وانطلق بين يديه فقصد بعض النساء ممن كان ينتاب قصده واختفى فظن النجاة في ذلك وفارقه الناصري يطلب نفقا في الارض وقد كانوا بعثوا من قبة النصر بعض المماليك عنهم روائد يستوضحون الخبر فأصبحوا بالرميلة أمام القلعة وتعرف الناس أنه من الحاج فرفعوه إلى صاحب الدولة وعرض عليه العذاب حتى أخبره عن السلطان وأنه وأصحابه بقبة النصر مصرعين من غشى النوم فطار إليهم شراد العسكر مع استدمر السرغتمشى والجمهور في ساقتهم حتى وقفوا عليهم في مضاجعهم وافتقدوا السلطان من بينهم وقتلوهم جميعا وجاؤا برؤوسهم(5/464)
ووجموا الافتقاد السلطان ونادوا بطلبه وعرضوا العذاب والقتل على محمد بن عيسى صاحب الدرك فتبرأ وحبس رهينة من ثقاته ثم جاءت امرأة إلى ايبك فدلته عليه في بيت جارتها فاستخرجوه من ذلك البيت ودفعوه إلى ايبك فامتحنه حتى دلهم على الذخيرة والاموال ثم قتلوه خنقا وجددوا البيعة لابنه الامير على ولقبوه المنصور واستقل بدولته كافله من قبل الامير قرطاى ورديفه ايبك البدرى واستقر الامر
على ذلك [ مجئ طشتمر من العقبة وانهزامه ثم مسيره إلى الشأم وتجديد البيعة للمنصور باذن الخليفة وتقديمه ] لما انهزم السلطان من العقبة ومضى إلى القاهرة اجتمع أهل الثورة على قشتمر وألقوا إليه القياد ودعوا الخليفة إلى البيعة له فتفادى من ذلك ومضى الحاج من مكة مع أمير المحمل بهادر الجمالى على العادة ورجع القضاة والفقهاء إلى القدس وتوجه طشتمر والامراء إلى مصر لتلافي السلطان أو تلفه فلقيهم خبر مهلكه بعجرود وما كان من بيعة ابنه واستقلال قرطاى بالملك فثاب لهم رأى آخر في حرب أهل الدولة وساروا على التعبية وبعثوا في مقدمتهم قطلقتمر ولقى طلائع مصر فهزمهم وسار في اتباعهم إلى ساحة القلعة فلم يشعر الا وقد تورط في جمهور العسكر فتقبضوا عليه وكان قرطاى قد بعث عن اقتمر الصاحبى الحنبلى من الصعيد ويرجع في العساكر لحرب قشتمر وأصحابه فبرز إليهم والتقوا في ساحة القلعة وانهزم قشتمر إلى الكيمان بناحية مصر ثم استأمن فأمنوه واعتقلوه ثم جمع الناس ليوم مشهود وحضر الخليفة والامراء والقضاة والعلماء وعقد الخليفة للمنصور بن الاشرف وفوض إليه وقام قرطاى بالدولة وقسم الوظائف فولى قشتمر اللفاف واستأمر الصرغتمشى أمير سلاح وقطلوبغا البدرى أمير مجلس وقرطاى الطازى رأس نوبة واياس الصرغتمشى دوادار وايبك البدرى أمير الماخورية وسردون جركس استاذدار واقتمر الحنبلى نائبا وجعل له الاقطاع للاجناد والامراء والنواب وأفرج عن طشتمر العلائى الدوادار الاسكندرية واحضر بنى الملك الناصر من الكرك مع حافظهم سردون الشيخونى وولاه حاجبا وكذلك قلوط الصرغتمشى وأصاب الناس في آخر السنة طاعون إلى أول سنة تسع وسبعين فهلك طشتمر اللفاف الاتابك وولى مكانه قرطاى الطازى في وظيفته واستدعى بيبقا الناصري من الشأم فاختصه الامير الكبير قرطاى
بالمخالصة والمشاورة * (نكبة قرطاى واستقلال ايبك بالدولة ثم مهلكه) *(5/465)
كان ايبك الغزى هذا قد ردف قرطاى في حمل الدولة من أول ثورتهم وقيامهم على السلطان فخالصه وخلطه بنفسه في الاصهار إليه وكان ايبك يروم الاستبداد بشأن أصحابه وكان يعرف من قرطاى عكوفه على لذاته وانقسامه مع ندمائه فعمل قرطاى في صفر سنة تسع وسبعين ضيافة في بيته وجمع ندماءه مثل سودون جركس ومبارك الطازى وغيرهم واهدى له ايبك نبيذا أذيب فيه بعض المرقدات فباتوا يتعاطونه حتى غلبهم السكر على أنفسهم ولم يفيقوا فركب ايبك من ليلته وأركب السلطان المنصور معه واختار الامر لنفسه واجتمع إليه الناس وأفاق قرطاى بعد ثلاث وقد انحلت عنه العقدة واجتمع الناس على ايبك فبعث إليه قرطاى يستأمن فأمنه ثم قبض عليه فسيره إلى صفد واستقل ايبك بالملك والدولة ثم بلغه منتصف صفر من السنة انتقاض طشتمر بالشأم وانتقاض الامراء هنالك في سائر الممالك على الخلاف معه فنادى في الناس بالمسير إلى الشأم فتجهزوا وسرح المقدمة آخر صفر مع ابنه أحمد وأخيه قطلوفجا وفيها من مماليكه ومماليك السلطان وجماعة من الامراء كان منهم الاميران برقوق وبركة المستبدان بعد ذلك ثم خرج ايبك ثانى ربيع في الساقة بالسلطان والامراء والعساكر وانتهوا إلى بلبيس وثار الامراء الذين كانوا مع أخيه في المقدمة ورجع إليه منهزما فأجفل راجعا إلى القلعة بالسلطان والعساكر وخرج عليه ساعة وصوله يوم الاثنين جماعة من الامراء وهم قطلتمر العلائى الطويل والطنبقا السلطاني والنعناع وواعدوه قبة النصر فسرح إليهم العساكر مع أخيه قطلوفجا فأوقعوا به وتقبضوا عليه وبلغ الخبر إلى ايبك فسرح من حضره من الامراء للقائهم وهم أيدمر الشمسي واقطمر عبد الغنى وبهادر الجمالى ومبارك الطازى في آخرين ولما تواروا
عنه ركب هو هاربا إلى كيمان مصر واتبعه ايدمر القنائى فلم يقف له على خبر ودخل الامراء من قبة النصر إلى الاصطبل وامضوا الامراء إلى قطلتمر العلائى وهم يحاذونه وأشير عليه بخلع المنصور والبيعة لمن يقوم على من أبناء السلطان فأبى ثم وصل صبيحة الثلاثاء الامراء الذين ثاروا فجاء أخو ايبك في مقدمة العسكر وفيهم بيبقا الناظرى ودمرداش اليوسفي وبلاط من أمراء الالوف وبرقوق وبركة وغيرهما من الطلخامات فنازعوهم الامر وغلبوهم عليه وبعثوا بهم إلى الاسكندرية معتقلين وفوض الامراء إلى بيبقا الناظرى فقام بأمرهم وهو شعاع وآراؤهم مختلفة ثم حضر يوم الاحد التاسع من ربيع ايبك صاحب الدولة وظهر من الاختفاء وجاء إلى بلاط منهم وأحضره عند بيبقا الناظرى فبعث به إلى الاسكندرية فحبسه بها وكان بيبقا الناظرى يختص برقوق وبركة بالمفاوضة استرابة بالآخرين فاتفق(5/466)
رأيهم على ان يستدعى طشتمر من الشأم وينصبوه للامارة فبعثوا إليه بذلك وانتظروه [ استبداد الاميرين أبى سعيد برقوق وبركة بالدولة من بعد ايبك ووصول طشتمر من الشأم وقيامه بالدولة ثم نكبته ] لما تغلب هؤلاء الامراء على الدولة ونصبوا بيبقا الناظرى ولم يمضوا له الطاعة بقى أمرهم مضطربا وآراؤهم مختلفة وكان برقوق وبركة أبصر القوم بالسياسة وطرق التدبير وكان الناظرى يخالصهما كما مر فتفاوضوا في القبض على هؤلاء المتصدين للمنازعة وكج شكائمهم وهم دمرداش اليوسفي وترباى الحسينى وافتقلاص السلجوقي واستدمر بن العثماني في آخرين من نظرائهم وركبوا منتصف صفر وقبضوا عليهم أجمعين وبعثوا بهم إلى الاسكندرية فحبسوهم بها واصطفوا بلاطا منهم وولوه الامارة وخلطوه بأنفسهم وأبقوا بيبقا الناظرى على اتابكيته كما كان وأنزلوه من القلعة فسكن بيت شيخو قبالته وولى برقوق أمير الماخورية ونزل باب الاصطبل وولى
بركة الجوبانى أمير مجلس واستقرت الدولة على ذلك وكان طشتمر نائب الشأم قد انتقض واستبد بأمره وجمع عساكر الشأم وامراءه واستنفر العرب والتركمان وخيم بظاهر دمشق يريد السير إلى مصر وبرزايبك من مصر بالسلطان والعساكر يريد الشأم لمحاربته فكان ما قدمناه من نكبته وخروج الامراء عليه ومصيرهم إلى جماعة البيبقاوية الطائرين بايبك ومقدمهم بيبقا الناظرى ثم تفاوض بيبقا الناظرى مع برقوق وبركة في استدعاء طشتمر فوافقاه ونظراه رأيا وفيه من الذين معه وحسم الداء منه بكونهم في مصر فكتبوا إليه بالوصول إلى مصر للاتابكية وتدبير الدولة وانه شيخ البيبقاوية وكبيرهم فسكنت نفسه لذلك ووضع أوزار الفتنة وسار إلى مصر فلما وصلها اختلفوا في أمره وتعظيمه وأركبوا السلطان إلى الزيد ابنة لتلقيه ودفعوا الامراء إليه وأشاروا له إلى الاتابكية ووضعوا زمام الدولة في يده فصار إليه التولية والعزل والحل والعقد وولى بيبقا الناظرى أمير سلاح مكان سباطا وبعثوا بلاطا إلى الكرك لاستقلال طشتمر بمكانه وولى بندمر الخوارزمي نائبا بدمشق على سائر وظائف الدولة ومماليك الشأم كما اقتضاه نظره ووافق عليه استاذدار برقوق وبركة وولى ايبك اليوسفي فرتب برقوق رأس نوبة مكان الناصري واستمر الحال على ذلك وبرقوق وبركة اثناء هذه الامور يستكثران من المماليك استغلاظا لشوكتهما واكتنافا لعصبيتهما ان يمتد الامير إلى مراتبهما فيبذلان الجاه لتابعهما ويوفران الاقطاع لمن يستخدم لهما ويخصان بالامرة من يجنح من أهل الدولة اليهما والى ابوابهما وانصرفت الوجوه عن سواهما وارتاب طشتمر بنفسه في ذلك وأغراه أصحابه بالتوثب بهذين الاميرين فلما(5/467)
كان ذو الحجة سنة تسع وسبعين استعجل أصحابه على غير روية وبعثوا إليه فأحجم وقعد عن الركوب واجتمع برقوق وبركة بالاصطبل إليه وقاتل مماليك طشتمر بالرميلة ساعة من نهار وانهزموا وافترقوا واستأمن طشتمر فأمنوه واستدعوه إلى
القلعة فقبضوا عليه وعلى جماعة من أصحابه منهم اطلمش الارغونى ومدلان الناصري وأمير حاج بن مغلطاى ودواداره أرغون وبعث بهم إلى الاسكندرية فحبسوا بها وبعث معهم بيبقا الناصري كذلك ثم أفرج عنه لايام وبعثه نائبا على طرابلس ثم أفرج عن طشتمر بعد ذلك إلى دمياط ثم إلى القدس إلى ان مات سنة سبع وثمانين واستقامت الدولة للاميرين بعد اعتقالهما وخلت لهما من المنازعين وولى الامير برقوق اتابكا وولى الماخورية الجابى الشمسي وولى قريبه انيال أمير سلاح مكان بيبقا الناصري وولى أقتمر العثماني دوادار مكان اطلمش الارغونى وولى الطنبقا الجوبانى رأس نوبة ثانيا ودمرداش أمير مجلس وتوفى بيبقا النظامي نائب حلب فولى مكانه عشقتمر الماردانى ثم استاذن فأذن له وحبس بالاسكندرية وولى مكانه بحلب تمرتاشى الحسينى الدمرداشي ثم أفرج عنه وأقام بالقدس قليلا ثم استدعاه بركة وأكرم نزله وبعثه نائبا إلى حلب * (ثورة انيال ونكبته) * كان انيال هذا أمير سلاح وكان له مقام في الدولة وهو قريب الامير برقوق وكان شديد الانحراف على الامير بركة ويحمل قريبه على منافرته ولا يجيبه إلى ذلك فاعتزم على الثورة وتحين لها سفر الامير بركة إلى البحيرة يتصيد فركب الامير برقوق في بعض تلك الايام متصيدا بساحة البلد فرأى ان قد خلا له الجو فركب وعمد إلى باب الاصطبل فملكه ومعه جماعة من مماليكه ومماليك الامير برقوق وتقبضوا على أمير الماخورية جركس الخليلى واستدعوا السلطان المنصور ليظهروه للناس فمنعه المقدمون من باب الستارة وجاء الامير برقوق من صيده ومعه الاتابك الشمسي فوصلوا إلى منزله خارج القلعة وأفرغوا السلاح على سائر مماليكهم وركبوا إلى ساحة الاصطبل ثم قصدوا إلى الباب فأحرقوه وتسلق الامير قرطاى المنصوري من جهة باب السر وفتحه لهم فدخلوا منه ودافعوا انيال وانتقض عليه المماليك الذين كانوا معه من مماليك الامير
برقوق ورموه بالسهام فانهزم ونزل إلى بيته جريحا وأحضر إلى الامير برقوق فاعتذر له بانه لم يقصد بفعلته الا التغلب على بركة فبعث به إلى الاسكندرية معتقلا وأعاد بيبقا الناصري أمير سلاح كما كان واستدعى لها من نيابة طرابلس ووصل الخبر إلى بركة فأسرع الكر من البحيرة وانتظم الحال ونظروا في الوظائف التى خلت في هذه الفتنة(5/468)
فعمروها بمن يقوم بها واختصوا بها من حسن غناؤه في هذه الواقعة مثل قردم وقرط وذلك سنة احدى وثمانين واقام انيال معتقلا بالاسكندرية ثم أفرج عنه في صفر سنة اثنتين وثمانين وولى على طرابلس ثم توفى منكلى بقا الاحمدي نائب حلب فولى انيال مكانه ثم تقبض عليه آخر السنة وحبس بالكرك وولى مكانه بيبقا الحمدى نائب دمشق فولى مكانه بندمر الخوارزمي ثم توفى سنة احدى وثمانين جيار بن المهنا أمير العرب بالشأم فولى مكانه معيقل بن فضل بن عيسى وزامل بن موسى بن عيسى شريكين ثم عزلا وولى بعبر بن جبار * (ثورة بركة ونكبته واستقلال الامير برقوق بالدولة) * كان هذا الامير بركة يعادل الامير برقوق في حمل الدولة كما ذكرناه وكان أصحابه يفوضون إليه الاستبداد في الاموال وكان الامير برقوق كثير التثبت في الامور والميل إلى المصالح فيعارضهم في الغالب ويضرب على أيديهم في الكثير من الاحوال فغصوا بمكانه وأغروا بركة بالتوثب والاستقلال بالامر وسعوا عنده باشمس من كبار أصحاب الامير برقوق وأنه يحمل برقوق على مقاطعة بركة ويفسد ذات بينهما وأنه يطلب الامر لنفسه وقد اعتزم على الوثوب عليهما فجاء بركة بذلك إلى الامير برقوق وأراد القبض على اشمس فمنعه الامير برقوق ودفع عنه وعظم انحراف بركة على أشمس ثم عن الامير برقوق وسعى في الاصلاح بينهما الاكابر حتى كمال الدين شيخ التكية والخلدى شيخ الصوفية من أهل خراسان وجاؤا بأشمس إلى بركة مستعتبا فأعتبه وخلع عليه ثم عاود
انحرافه ثانية فمسح أعطافه وسكن وهو مجمع الثورة والفتك ثم عاود حاله تلك ثالثة واتفق أن صنع في بيت الامير برقوق لسرور وليمة في بعض أيام الجمعة في شهر ربيع سنة ثنتين وثمانين وحضر عنده أصحاب بركة كلهم وأهل شوكته وقد جاءه النصيح بأن بركة قد أجمع الثورة غداة يومه فقبض الامير برقوق على من كان عنده من أصحاب بركة ليقص جناحه منهم وأركب حاشيته للقبض عليه واصعد بدلان الناصري على مأذنة مدرسة حسن فنضحه بالنبل في اصطبله وركب بركة إلى قبة النصر وخيم بها ونودى في العامة بنهب بيوته فنهبوها للوقت وخربوها وتحيز إليه بيبقا الناصري فخرج معه وجلس الامير برقوق بباب القلعة من ناحية الاصطبل وسرح الفرسان للقتال واقتتلوا عامة يومهم فزحف بركة على تعبيتين احداهما لبيبقا الناصري وخرج الاق الشعبانى للقائه وأشمس للقاء بيبقا الناصري فانهزم أصحاب بركة ورجع إلى قبة النصر وقد اثخنوا بالجراح وتسلل أكثرهم إلى بيته وأقام الليل ثم دخل إلى جامع و.
ت به ونمى إلى الامير برقوق خبره فأركب إليه الطنبقا الجوبانى(5/469)
وجاء به إلى القلعة وبعث به الامير برقوق إلى الاسكندرية فحبس بها إلى ان قتله النائب بها صلاح الدين بن عزام وقتل به في خبر يأتي شرحه ان شاء الله تعالى وتقبض على بيبقا الناصري وسائر شيعته من الامراء وأودعهم السجون إلى ان استحالت الاحوال وولى وظائفهم من أوقف عليه نظره من امراء الدولة وأفرج عن انيال الثائر قبله وبعثه نائبا على طرابلس واستقل بحمل الدولة وانتظمت به أحوالها واستراب سندمر نائب دمشق لصحابته مع بركة فتقبض عليه وعلى أصحابه بدمشق وولى نيابة دمشق عشقتمر ونيابة حلب انيال وولى اشمس الاتابكية مكان بركة والاق الشعبانى أمير سلاح والطنبقا الجوبانى أمير مجلس وابقا العثماني دوادار وجركس الخليلى أمير الماخورية والله تعالى ولى التوفيق
* (انتقاض أهل البحيرة وواقعة العساكر) * كان هؤلاء الظواعن الذين عمروا الدولة من بقايا هوارة ومزانة وزناتة يعمرونها بمن تحت أيديهم من هذه القبائل وغيرهم ويقومون بخراج السلطان كل سنة في ابانه وكانت الرياسة عليهم حتى في اداء الخراج لبدر بن سلام وآبائه من قبله وهو من زناتة احدى شعوب لواتة وكان للبادية المنتبدين مثل أبى ذئب شيخ أحياء مهرانة وعسرة ومثل بنى التركية امراء العرب بعقبة الاسكندرية اتصال بهم لاحتياجهم إلى الميرة من البحيرة ثم استخدموا لامراء الترك في مقاصدهم وأموالهم واعتزوا بجاههم وأسفوا على نظائرهم من هوارة وغيرهم ثم حدثت الزيادة في وظائف الجباية كما هي طبيعة الدول فاسنثقلوها وحدثتهم أنفسهم بالامتناع منها لما عندهم من الاعتزاز فأرهقوا في الطلب وحبس سلام بالقاهرة وأجفل ابنه بدر إلى الصعيد بالقبلية واعترضته هناك عساكر السلطان فقاتلهم وقتل الكاشف في حربه وسارت إليه العساكر سنة ثمانين مع الاق الشعبانى وأحمد بن بيبقا وانيال قبل ثورته فهربوا وعاثت العساكر في مخلفهم ورجعوا وعاد بدر إلى البحيرة وشغلت الدولة عنهم بما كان من ثورة انيال وبركة بعده واتصل فساد بدر وامتناعه فخرجت إليه العساكر مع الاتابك اشمس والامير سلام والجوبانى أمير مجلس وغيرهم من الامراء الغربية ونزلت العساكر البحيرة واعتزم بدر على قتالهم فجاءهم النذير بذلك فانتبذوا عن الخيام وتركوها خاوية ووقفوا على مراكزهم حتى توسط القوم المخيم وشغلوا بنهبه فكرت عليهم العساكر فكادوا يستلحمونهم ولم يفلت منهم الا الاقل وبعث بدر بالطاعة واعتذر بالخوف وقام بالخراج فرجعت العساكر وولى تكتمر الشريف على البحيرة ثم استبدل منه بقرط بن عمر ثم عاد بدر إلى حاله فخرجت العساكر فهرب أمامها وعاث القرط فيهم وقتل الكثير من رجالهم(5/470)
وحبس آخرين ورجع عن بدر اصحابه مع ابن عمه ومات ابن شادى وطلب الباقي الامان
فأمنوا وحبس رجال منهم وضمن الباقون القيام بالخراج واستأمن بدر فلم يقبل فلحق بناحية الصعيد واتبعته العساكر فهرب واستبيح مخلفه واحياؤه ولحق ببرقة ونزل على أبى ذئب فأجاره واستقام أمر البحيرة وتمكن قرط من جبايتها وقتل رحاب وأولاد شادى وكان قرطاى يستوعب رجالتهم بالقتل وأقام بدر عند أبى ذئب يتردد ما بين احيائه وبين الواحات حتى لقيه بعض أهل الثأر عنده فثأروا منه سنة تسع وثمانين وذهب مثلا في الآخرين والله تعالى أعلم * (مقتل بركة في محبسه وقتل ابن عزام بثأره) * كان الامير بركة استعمل أيام امارته خليل بن عزام استاذ داره ثم اتهمه في ماله وسخطه ونكبه وصادره على مال امتحنه عليه ثم أطلقه فكان يطوى له على النكث ثم صار بركة إلى ما صار إليه من الاعتقال بالاسكندرية وتولى ابن عزام نيابتها فحاول على حاجة نفسه في قتل بركة ووصل إلى القاهرة متبرئا من أمره متخوفا من مغبته ورجع وقد طوى من ذلك على الدغل ثم حمله الحقد الكامن في نفسه على اغتياله في جنح الليل فأدخل عليه جماعة متسلحين فقتلوه وزعم انه أذن له في ذلك وبلغ الخبر إلى كافل الدولة الامير برقوق وصرح مماليكه بالشكوى إليه فأنكر ذلك وأغلظ على ابن عزام وبعث دوداره الامير يونس يكشف عن سببه واحضار ابن عزام فجاء به مقيدا وأوقفه على شنيع مرتكبه في بركة فحلف الامير ليقادن منه به وأحضر إلى القلعة في منتصف رجب من سنة اثنتين وثمانين فضرب بباب القلعة اسواطا ثم حمل على جمل مشتهرا وأنزل إلى سوق الخيل فتلقاه مماليك بركة فتناولوه بالسيوف إلى أن تواقعت اشلاؤه بكل ناحية وكان فيه عظة لمن يتعظ أعاذنا الله من درك الشقاء وسوء القضاء وشماتة الاعداء انتهى * (وفاة السلطان المنصور علي بن الاشرف وولاية الصالح أمير حاج) * كان هذا السلطان علي بن الاشرف قد نصبه الامير قرطاى في ثورته على أبيه الاشرف
وهو ابن ثنتى عشرة سنة فلم يزل منصورا والامر ينتقل من دولة إلى دولة كما ذكرناه إلى أن هلك لخمس سنين من ولايته في صفر سنة ثلاث وثمانين فحضر الامير برقوق واستدعى الامراء واتفقوا على نصب أخيه أمير حاج ولقبوه الصالح وأركبوه إلى الايوان فأجلسوه على التخت وقلده الخليفة على العادة وجعل الامير برقوق كافله في الولاية والنظر للمسلمين لصغره حينئذ عن القيام بهذه العهدة وأفتى العلماء يومئذ بذلك وجعلوه(5/471)
من مضمون البيعة وقرئ كتاب التقليد على الامراء والقضاة والخاصة والعامة في يوم مشهود وانفض الجمع وانعقد أمر السلطان وبيعته وضرب فيها للامير برقوق بسهم والله تعالى مالك الامور * (وصول أنس الغساني والد الامير برقوق وانتظامه في الامراء) * اصل هذا الامير برقوق من قبيلة جركس الموطنين ببلاد الشمال في الجبال المحيطة بوطئ القفجاق والروس واللان من شرقيها المطلة على بسائطهم ويقال انهم من غسان الداخلين إلى بلاد الروم مع أميرهم جبلة بن الايهم عندما أجفل هرقل إلى الشأم وسار إلى القسطنطينية وخبر مسيره من أرض الشأم وقصته مع عمر بن الخطاب رضى الله عنه متناقلة معروفة بين المؤرخين وأما هذا الرأى فليس على ظاهره وقبيلة جركس من الترك معروفة بين النسابين ونزولهم بتلك المواطن قبل دخول غسان وتحقيق هذا الرأى ان غسان لما دخلوا مع جبلة إلى هرقل أقاموا عنده ويئسوا من الرجوع لبلادهم وهلك هرقل واضطرب ملك الروم وانتشرت الفتنة هنالك في ممالكهم واحتاجت غسان إلى الحلف للمدافعة في الفتن وحالفوا قبائل جركس ونزلوا في بسيط جبلهم من جانبه الشرقي مما يلى القسطنطينية وخالطوهم بالنسب والصهر واندرجوا فيهم حتى تلاشت احياؤهم وصاروا إلى وأووا من البسائط إلى الجبال مع جركس فلا يبعد مع هذا أن تكون أنسابهم تداخلت معهم ممن انتسب إلى غسان من
جركس وهو مصدق في نسبه ويستأنس له بما ذكرناه فهو نسبة قوية صحته والله تعالى أعلم وجلب هذا الامير برقوق على عهد الامير بيبقا عثمان قراجا من التجار المعروفين يومئذ بتلك الجهات فملكه بيبقا وربى في اطباق بيته واوى من قصده وشد في الرماية والثقافة وتعلم آداب الملك وانسلخ من جلدة الخشونة وترشح للرياسة والامارة والسعادة تشير إليه والعناية الربانية تحوم عليه ثم كان ما ذكرناه من شأن مماليك بيبقا ومهلك كبيرهم يومئذ اشدمر وكيف تقسموا بين الجلاء والسجن وكان الامير برقوق أعزه الله تعالى ممن أدركه التمحص فلبث في سجن الكرك خمس سنين بين أصحاب له منهم له منهم فكانت تهوينا لما لقى من بوائقه وشكرا له بالرجوع إلى الله ليتم ما قدر الله فيه من حمل امانته واسترعاء عباده ثم خلص من ذلك المحبس مع أصحابه وخلى سبيله فانطلقوا إلى الشأم واستخلصهم الامير منجك نائب الشأم يومئذ وكان بصيرا مجربا فألقى محبته وعنايته على هذا الامير لما رأى عليه من علامات القبول والسعادة ولم يزل هناك في خالصته إلى أن هجس في نفس السلطان(5/472)
الاشرف استدعاء المرشحين من مماليكه وهذا الامير يقدمهم وأفاض فيهم الاحسان واستضافهم لولده الامير على ولم يكن الا أيام وقد انتقض الجائى القائم بالدولة وركب على السلطان فأحضرهم السلطان الاشرف وأطلق أيديهم في خيوله المقربة وأسلحته المستجادة فاصطفوا منها ما اختاروه وركبوا في مدافعة الجائى وصدقوه القتال حتى دافعوه على الرميلة ثم اتبعوه حتى ألقى نفسه في البحر فكان آخر العهد به واحتلوا بمكان من أثرة السلطان واختصاصه فسوغ لهم الاقطاعات وأطلق لهم الجرايات ولهذا الامير بين يديه من بينهم مزيد مكانة ورفيع محل إلى أن خرج السلطان الاشرف إلى الحج وكان ما قدمناه من انتقاض قرطاى واستبداده ثم استبداد ايبك من بعده وقد عظم محل هذا الامير من الدولة ونما عزه وسمت رتبته ثم فسد أمر ايبك وتغلب على
الامر جماعة من الامراء مفترقي الاهواء وخشى العقلاء انتقاض الامر وسوء المغبة فبادر هذا الامير وتناول الحبل بيده وجعل طرفه في يد بركة رديفه فأمسك معه برهة من الايام ثم اضطرب وانتقض وصار إلى ما صار إليه من الهلاك واستقل الامير برقوق بحمل الدولة والعناية الربانية تكفله والسعادة تواخيه وكان من جميل الصنع الربانى له أن كيف الله غريبة في اجتماع شمل أبيه به فقدم وفد التجار بابيه من قاصية بلادهم بعد ان أعملوا الحيلة في استخلاصه وتلطفوا في استخراجه وكان اسمه أنس فاحتفل ابنه الامير برقوق من مبرته وأركب العساكر وسائر الناس على طبقاتهم لتلقيه واعد الخيام بسرياقوس لنزوله فحضروا هنالك جميعا في ثانى ذى الحجة سنة ثنتين وثمانين وجلس الامير أنس الوافد صدر المجلس وهم جميعا حفافيه من القضاة والامراء ونصب السماط فطعم الناس وانتشروا ثم ركبوا إلى البلد وقد زينت الاسواق وأوقدت الشموع وماجت السكك بالنظارة من عالم لا يحصيهم الا خالقهم وكان يوما مشهودا وأنزله بالاصطبل تحت المدينة الناصرية ونظمه السلطان في أقربائه وبنى عمه وبنى اخوانه واجتمع شملهم به وفرض لهم الارزاق وقررهم في الوظائف ثم مات هذا الاب الوافد وهو الامير أنس رحمه الله في أواسط وثمانين بعد ان أوصى بحجة اسلامه وشرفت مراتب الامارة بمقامه ودفنه السلطان بتربة الدوادار يونس ثم نقله إلى المدفن بجوار المدرسة التى أنشاها بين القصرين سنة ثمان وثمانين والله يؤتى الملك من يشاء * (خلع الصالح أمير حاج وجلوس الامير برقوق على التخت واستبداده بالسلطان) * كان أهل الدولة من البيبقاوية من ولى منهم هذا الامير برقوق قد طمعوا في الاستبداد وظفروا بلذة الملك والسلطان ورتعوا في ظل الدولة والامان ثم سمت أحوالهم إلى أن(5/473)
يستقل أميرهم بالدولة ويستبد بها دون الاصاغرين المنتصبين بالمملكة وربما أشار
بذلك بعض أهل الفتيا يوم بيعة أمير حاج وقال لا بد أن يشرك معه في تفويض الخليفة الامير القائم بالدولة لتشد الناس إلى عقدة محكمة فأمضى الامر على ذلك وقام الامير بالدولة فأنس الرعية بحسن سياسته وجميل سيرته واتفق أن جماعة من الامراء المختصين بهذا الصبى المنصوب غصوا بمكان هذا الامير وتفاوضوا في الغدر به وكان متولى ذلك منهم ابقا العثماني دوادار السلطان ونمى الخبر إليه بذلك فتقبض عليهم وبعث ابقا إلى دمشق على امارته وغرب الآخرين إلى قوص فاعتقلوا هنالك حتى أنفذ الله فيهم حكمه واشفق الامراء من تدبر مثل هؤلاء عليهم وتفاوضوا في محو الاصاغر من الدست وقيامه بأمرهم مستقلا فجمعهم لذلك في تاسع عشر رمضان سنة أربع وثمانين وحضر الخاصة والعامة من الجند والقضاة والعلماء وأرباب الشورى والفتيا وأطبقوا على بيعته وعزل السلطان أمير حاج فبعث إليه أميرين من الامراء فادخلوه إلى بيته وتناولوا السيف من يده فأحضروها ثم ركب هذا السلطان من مجلسه بباب الاصطبل وقد لبس شعار السلطنة وخلعة الخلافة فدخل إلى القصور السلطانية وجلس بالقصر الابلق على التخت وأتاه الناس ببيعتهم أرسالا وانعقد أمره يومئذ ولقب الملك الظاهر وقرعت الطبول وانتشرت البشائر وخلع على أمراء الدولة مثل أشمس الاتابك والطنبقا الجوبانى أمير مجلس وجركس الخليلى أمير الماخورية وسودون الشيخونى نائبا والطنبقا المعلم أمير سلاح ويونس النوروى دوادار وقردم الحسينى رأس نوبة وعلى كتابه أوحد الدين بن ياسين كاتب سره ادال به من بدر الدين بن فضل الله كاتب سر السلطان من قبل وعلى جميع أرباب الوظائف من وزير وكاتب وفاض ومحتسب وعلى مشاهير العلم والفتيا والصوفية وانتظمت الدولة أحسن انتظام وسر الناس بدخولهم في ايالة السلطان يقدر للامور قدرها ويحكم أواخيها واستأذنه الطنبقا الجوبانى أمير مجلس في الحج تلك السنة وأذن له فانطلق لقضاء فرضه وعاد انتهى والله تعالى أعلم
* (مقتل قرط وخلع الخليفة ونصب ابن عمه الواثق للخلافة) * كان قرط بن عمر من التركمان المستخدمين في الدولة وكان له اقدام وصرامة رقابهما إلى محل من مرادفة الامراء في وجوههم ومذاهبهم ودفع إلى ولاية الصعيد ومحاربة أولاد الكنز من العرب الجائلين في نواحى اسوان فكان له في ذلك غناء وأحسن في تشريدهم عن تلك الناحية ثم بعث إلى البحيرة واليا عند انتقاض بدر بن سلام وفراره ومرجع العساكر من تمهيدها فقام بولايتها وتتبع آثار أولئك المنافقين(5/474)
وحسم عللهم وحضر في ثورة انيال فجلا في ذلك اليوم لشهامته واقدامه وكان هو المتولي تسور الحائط واحراق الباب الظهرانى الذى ولجوا عليه وامسكوه فكان يمت بهذه الوسائل اجمع والسلطان يرعى له الا انه كان ظلوما غشوما فكثرت شكايات الرعايا والمتظلمين به قتقبض عليه لاول بيعته وأودعه السجن ثم عفا عنه وأطلقه وبقى مباكرا باب السلطان مع الخواص والاولياء وطوى على الغث وتربص بالدولة ونمى عنه أنه فاوض الخليفة المتوكل بن المعتضد في الانتقاض والاجلاب على الدولة بالعرب المخالفين بنواحي برقة من أهل البحيرة وأصحاب بدر بن سلام وأن يفوض الخليفة الامر إلى سوى هذا السلطان القائم بالدولة وانه داخل في ذلك بعض ضعفاء العقول من امراء الترك ممن لا يؤبه له فاحضرهم من غداته وعرض عليهم الحديث فوجموا وتناكروا وأقر بعضهم واعتقل الخليفة بالقلعة وأخرج قرط هذا لوقته فطيف به على الجمل مسمرا ابلاغا في عقابه ثم سيق إلى مصرعه خارج البلد وقد بالسيف نصفين وضم الباقون إلى السجون وولى السلطان الخلافة عمر بن ابراهيم الواثق من أقاربه وهو الذى كان الملك الناصر ولى أباه ابراهيم بعد الخليفة أبى الربيع وعزل عن ابنه أحمد كما مر وكان هذا كله في ربيع سنة خمس وثمانين وولى مكانه أخوه زكريا ولقب المعتصم واستقرت الاحوال إلى ان كان ما نذكره ان شاء الله تعالى
* (نكبة الناصري واعتقاله) * كان هذا الناصري من مماليك بيبقا وأرباب الوظائف في أيامه وكان له مع السلطان الظاهر ذمة وداد وخلة من لدن المربى والعشرة فقد كانوا أترابا بها وكانت لهم دالة عليه لعلو سنه وقد ذكرنا كيف استبدوا بعد ايبك ونصبوا الناصري اتابكا ولم يحسن القيام عليها وجاء طشتمر بعد ذلك فكان معه حتى في النكبة والمحبس ثم أشخص إلى الشأم وولى على طرابلس ثم كانت ثورة انيال ونكبته في جمادى سنة احدى وثمانين فاستقدمهم من طرابلس وولى أمير سلاح مكان انيال واستخلصه الامير بركة وخلطه بنفسه وكانت نكبته فحبس معه ثم أشخص إلى الشأم وكان انيال قد أطلق من اعتقاله وولى على حلب سنة ثنتين وثمانين مكان نكلي بقرى الاحمدي فاقام بها سنة أو نحوها ثم نمى عنه خبر الانتقاض فقبض عليه وحبس بالكرك وولى مكانه على حلب بيبقا الناصري في شوال ثلاث وثمانين وقعد الظاهر على التخت لسنة بعدها واستبد بملك مصر وكان الناصري لما عنده من الدالة يتوقف في انفاذ أوامره لما يراه من المصالح بزعمه والسلطان ينكر ذلك ويحقده عليه وكان له مع(5/475)
الطنبقا الجوبانى أمير مجلس أحد اركان الدولة حلف لم يغن عنه وأمر السلطان بالقبض على سولى بن بلقادر حين وفد عليه بحلب فأبى من ذلك صونا لوفائه بزعمه ودس بذلك إلى سولى فهرب ونجا من النكبة ورفد على السلطان سنة خمس وثمانين وجدد حلفه مع الجوبانى ومع أشمس الاتابك ورجع إلى حلب ثم خرج بالعساكر إلى التركمان آخر سنة خمس وثمانين دون اذن السلطان فانهزم وفسدت العساكر ونجا بعد ثالثة جريحا وأحقد عليه السلطان هذه كلها ثم استقدمه سنة سبع وثمانين فلما انتهى إلى سرياقوس تلقاه بها استاذدار فتقبض عليه وطير به إلى الاسكندرية فحبس بها مدة عامين وولى مكانه بحلب الحاجب سودون المظفر وكان عيبة نصح للسلطان وعينا على
الناصري فيما يأتيه ويذره لانه من وظائف الحاجب للسلطان في دولة الترك خطة البريد المعروفة في الدول القديمة فهو بطانة السلطان بما يحدث في عمله ويعترض شجا في صدر من يروم الانتقاض من ولاته وكان هذا الحاجب سودون هو الذى ينمى أخباره إلى السلطان ويطلعه على مكامن مكره فلما حبس الناصري بالاسكندرية ولاه مكانه بحلب وارتاب الجوبانى من نكبة الناصري لما كان بينهما من الوصلة والحلف فوجم واضطرب وتبين السلطان منه النكر فنكبه كما نذكره بعد ان شاء الله تعالى وأقصاه والله أعلم * (اقصاء الجوبانى إلى الكرك ثم ولايته على الشأم بعد واقعة بندمر) * أصل هذا الامير الجوبانى من قبائل الترك واسمه الطنبقا وكان من موالى بيبقا الخاصكى المستولي على السلطان الاشرف وقد مر ذكره ربى في قصره وجو عزه ولقن الخلال والآداب في كنفه وكانت بينه وبين السلطان خلة ومصافاة اكسبتها له تلك الكفالة بما كانا رضيعى ثديها وكوكبى أفقها وتربى مرقاها وقد كان متصلا فيما قبله بينهما من لدن المربى في بلادهم واشتمل بعضهم على بعض واستحكم الاتحاد حتى بالعشرة أيام التمحيص والاغتراب كما مر فلقد كان معتقلا معه بالكرك أيام المحنة خمسا من السنين أدال الله لهذا السلطان حزنها بالمسرة والنحوسة بالسعادة والسجن بالملك وقسمت للجوبانى بها شائبة من رحمة الله وعنايته في خدمة السلطان بدار الغربة والمحنة والفته به في المنزل الخشن لتعظم له الوسائل وتكرم الاذمة والعهود ان الكرام اذاما أسهلوا ذكروا * من كان يألفهم في المنزل الخشن ثم كان انطلاقهما إلى الشأم ومقامهما جميعا واستدعاؤهما إلى دار الملك ورقيهما في درج العز والتغريب كذلك وكان للسلطان أصحاب سراة يمتون إليه بمثل هذه الوسائل وينتظمون في ملكها وكان متميز الرتبة عنهم سابقا في مرقى درجات العز أمامهم مجلبا(5/476)
في الحلبة التى فيها طلقهم إلى أن ظفر بالملك واستولى على الدولة وهو يستتبعهم في مقاماته ويوطئهم عقبه ويذلل لهم الصعاب فيقتحمونها ويحوز لهم الرتب فيستهمون عليها ثم اقتعد منبر الملك والسلطان واستولى على كرسيه وقسم مراتب الدولة ووظائفها بين هؤلاء الاصحاب وآثر الجوباني منهم بالصفاء والمرباع فجعله أمير مجلسه ومعناه صاحب الشورى في الدولة وهو ثانى الاتابك وتلو رتبته فكانت له القدم العالية من أمرائه وخلصائه والحظ الوافر من رضاه وايثاره وأصبح أحد الاركان التي بها عمد دولته باساطينها وأرسى ملكه بقواعدها إلى أن دبت عقارب الحسد إلى مهاده وحومت شباة السعاية على قرطاسه وارتاب السلطان بمكانه وأعجل الحزم على امهاله فتقبض عليه يوم الاثنين لسبع بقين من سنة سبع وثمانين وأودعه بعض حجر القصر عامة يومه ثم أقصاه إلى الكرك وعواطف الرحمة تنازعه وسجايا الكرم والوفاء تقض من سخطه ثم سمح وهو بالخير أسمح وجنح وهو إلى الادنى من الله أجنح فسرح إليه من الغد بمرسوم النيابة على تلك الاعمال فكانت غريبة لم يسمع بمثلها من حلم هذا السلطان واناته وحسن نيته وبصيرته وكرم عهده وجميل وفائه وانطلقت الالسن بالدعاء له وامتلات القلوب بالمحبة وعلم الاولياء والخاصة والشيع والكافة انهم في كفالة أمن ولطف وملكة احسان وعدل ثم مكث حولا يتعقب أحواله ويتتبع سيره وأخباره طاويا شأنه في ذلك عن سائر الاولياء إلى أن وقف على الصحيح من أمره وعلم خلوص مصادقته وجميل خلوصه فاخفق سعى الداعين وخابت ظنون الكاشحين وأدا له العتبى من العتاب والرضا من النكرى واعتقد ان يمحو عنه هواجس الاسترابة والاستيحاش ويرده إلى أرفع الامارة وبينما هو يطوى على ذلك ضميره ويناجى سره إذ حدثت واقعة بندمر بالشأم فكانت ميقاتا لبدر السعادة وعلما على فوزه بذلك الحظ كما نذكر ان شاء الله تعالى وخبر هذه الواقعة أن بندمر الخوارزمي كان نائبا بدمشق وقد مر ذكره غير مرة وأصله من الخوارزمية اتباع خوارزم شاه صاحب العراق عند استيلاء التتر وافترقوا عند
مهلكه على يد جنكز خان في ممالك الشأم واستخدموا لبنى أيوب والترك أول استبدادهم بمصر وكان هذا الرجل من أعقاب أصلهم وكان له نجابة جذبت بضبعه ونصب عند الامراء من سوقه فاستخدم بها إلى أن ترشح للولاية في الاعمال وتداول امارة دمشق مع منجك اليوسفي وعشقتمر الناصري وكان له انتقاض بدمشق عند تغلب الخاصكى وحاصره واستنزله بامانه ثم أعيد إلى ولايته ثم تصرمت تلك الدول وتغلب هذا السلطان على الامر ورادفه فيه فولوه على دمشق وكانت صاغيته مع بركة فلما حدث انتقاض بركة كتب إليه والى بقرى بدمشق أولياؤه هنالك بالاستيلا(5/477)
على القلعة وكتب برقوق إلى نائب القلعة يحذرهم فركب جنتمراخ طاز وابن جرجى ومحمد بيك وقاتلوه ثلاثا ثم أمسكوه وقيدوه ومعه بقرى بن برقش وجبريل مرتبه وسيقوا إلى الاسكندرية فحبسوا فلما قتل بركة أطلق بندمر ومن كان حبس من أصحاب بركة مثل بيبقا الناصري ودمرداش الاحمدي ثم استخلصه السلطان برقوق ورده إلى عمله الاول بعد جلوسه على التخت والشأم له وكان جماعا للاموال شديد الظلامة فيها متحيلا على استخلاصها من أيدى أهلها بما يطرق لهم من أسباب العقاب مصانعا للحاشية بماله من حاميته إلى أن سئم الناس ايالته وترحمت القلوب منه وكان بدمشق جماعة من الموسوسين المسامرين لطلب العلم بزعمهم متهمون في عقيدتهم بين مجسم ورافضي وحلولى جمعت بينهم انساب الضلال والحرمان وقعدوا عن نيل الرتب بما هم فيه تلبسوا باظهار الزهد والنكير على الخلق حتى على الدولة في توسعة بطلان الاحكام والجباية عن الشرع إلى السياسة التى تداولها الخلفاء وأرخص فيها العلماء وأرباب الفتيا وحملة الشريعة بما تمس إليه الحاجة من الوازع السلطاني والمعونة على الدفاع وقديما نصبت الشرطة الصغرى والكبرى ووظيفة المظالم ببغداد دار السلام ومقر الخلافة وايوان الدين والعلم وتكلم الناس فيها بما هو معروف وفرضت ارزاق العساكر
في أثمان البياعات عند حاجة الدولة الاموية فليس ذلك من المنكر الذى يعتد بتغييره فلبس هؤلاء الحمقى على الناس بامثال هذه الكلمات وداخلوا من في قلبه مرض من الدولة وأوهموا ان قد توثغوا من الحل والعقد في الانتقاض فرية انتحلوها وجمعا انهوه نهايته وعدوا على كافل القلعة بدمشق وحاميتها يسألونهم الدخول معهم في ذلك لصحابة كانت بين بعضهم وبينه فاعتقلهم وطالع السلطان بأمرهم وتحدث الناس أنهم داخلوا في ذلك بندمر النائب بمداخلة بعضهم كابنه محمد شاه ونمى الخبر بذلك إلى السلطان فارتاب به وعاجله بالقبض والتوثق منه ومن حاشيته ثم أخرج مستوفى الاموال بالحضرة لاستخلاص ما احتازه من أموال الرعايا واستأثر به على الدولة وأحضر هؤلاء الحمقى ومن بسوء سيرتهم مقتدون إلى الابواب العالية فقذفوا في السجون وكانوا أحق بغير ذلك من أنواع العذاب والنكال وبعث السلطان لعشقتمر الناصري وكان مقيما بالقدس أن يخرج نائبا على دمشق فتوجه إليها وأقام رسم الامارة بها أياما ظهر فيها عجزه وبين عن تلك الرتبة قعوده بما أصابه من وهن الكبر وطوارق الزمانة والضعف حتى زعموا أنه كان يحمل على الفراش في بيته إلى منعقد حكمه فعندها بعث السلطان عن هذا الامير الجوبانى وقد خلص من الفتن ابريزه وأينع بنفحات الرضا والقبول عوده وأفرح بمطالعة الانس والقرب روعه فجاء من الكرك على البريد وقد(5/478)
أعدت له أنواع الكرامة وهيئ له المنزل والركاب والفرش والثياب والآنية والخوان والخرثي والصوان واحتفل السلطان لقدومه وتلقيه بما لم يكن في أمله وقضى الناس العجب من حلم هذا السلطان وكرم عهده وجميل وفائه وتحدث به الركبان ثم ولاه نيابة دمشق وبعثه لكرسيها مطلق اليد ماضى الحكم عزيز الولاية وعسكر بالزيدانية ظاهر القاهرة ثالث ربيع الاول من سنة سبع وثمانين وارتحل من الغد وسعادة السلطان تقدمه ورضاه ينقله إلى أن قارب دمشق والناس يتلقونه أرسالا ثم دخل
المدينة غرة ربيع الثاني وقد احتفل الناس لقدومه وغصت السكك بالمتنزهين وتطاول إلى دولته أرباب الحدود وتحدث الناس بجمال هذا المشهد الحفيل وتناقلوا خبره واستقل بولاية دمشق وعناية السلطان تلاحظه ومذاهب الطاعة والخلوص تهديه بحسن ذكره وأفاض الناس الثناء في حسن اختياره وجمال مذهبه وأقام السلطان في وظيفته أحمد ابن الامير بيبقا فكان أمير مجلس والله غالب على أمره * (هدية صاحب افريقية) * كان السلطان لهذا العهد بافريقية من الموحدين ومن أعقاب الامير أبى زكريا يحيى ابن عبد الواحد بن أبى حفص الهنتاتى المستبد بافريقية على بنى عبد المؤمن ملوك مراكش أعوام خمس وعشرين وستمائة وهو أحمد بن محمد بن أبى بكر بن يحيى بن ابراهيم أبى زكريا سلسلة ملوك كلهم ولم تزل ملوك المغرب على القدم ولهذا العهد يعرفون لملوك الترك بمصر حقهم ويوجبون لهم الفضل والمزية بما خصهم الله من ضخامة الملك وشرف الولاية بالمساجد المعظمة وخدمة الحرمين وكانت المهاداة بينهم تتصل بعض الاحيان ثم تنقطع بما يعرض في الدولتين من الاحوال وكان لى اختصاص بذلك السلطان ومكان من مجلسه ولما رحلت إلى هذا القطر سنة أربع وثمانين واتصلت بهذا السلطان بمصر الملك الظاهر سألني عنه لاول لقيه فذكرته له بأوصافه الحميدة وما عنده من الحب والثناء ومعرفة حقه على المسلمين أجمع وعلى الملوك خصوصا في تسهيل سبيل الحج وحماية البيت للطائفين والعاكفين والركع السجود أحسن الله جزاءه ومثوبته ثم بلغني أن السلطان بافريقية صد أهلى وولدى عن اللحاق بى اغتباطا بمكانى وطلبا لفيئتى إلى بابه ورجوعي فتطارحت على هذا السلطان في وسيلة شفاعة تسهل منه الاذن فاستعفنى بذلك وخاطبت ذلك السلطان كان الله له أغبطه بمودة هذا السلطان والعمل على مواصلته ومهاداته كما كان بين سلفهم في الدولتين فقبل منى وبادر إلى
اتحافه بمقربات إذ ليس عندنا في المغرب تحفة تطرف بها ملوك الشرق الا الجياد العرب(5/479)
وأما ما سوى ذلك من أنواع الطرف والتحف بالمغرب فكثير لديهم أمثاله ويقبح أن يطرف عظماء الملوك بالتافه المطروح لديهم واختار لتلك سفينته التى أعدها لذلك وأنزل بها أهلى وولدى بوسيلة هذا السلطان أيده الله لسهولة سبيل البحر وقرب مسافته فلما قاربوا مرسى الاسكندرية عاقتهم عواصف الرياح عن احتلال السفينة وغرق معظم ما فيها من الحيوان والبضائع وهلك أهلى وولدى فيمن هلك ونفقت تلك الجياد وكانت رائعة الحسن صافية النسب وسلم من ذلك المهلك رسول جاء من ذلك السلطان لمد العهد وتقرر المودة فتلقى بالقبول والكرامة وأوسع النزل والقرى ثم اعتزم على العودة إلى مرسله فانتقى السلطان ثيابا من الوشى المرقوم من عمل العراق والاسكندرية يفوت القيمة واستكثر منها واتحف بها السلطان ملك افريقية على يد هذا الرسول على عادة عظماء الملوك في اتحافهم وهداياهم وخاطبت ذلك السلطان معه بحسن الثناء على قصده وجميل موقع هديته من السلطان واستحكام مودته له وأجابني بالعذر من الموقع وأنه مستأنف من الاتحاف للسلطان واستحكام مودته بما يسره الحال فلما قدم الحاج من المغرب سنة ثمان وثمانين وصل فيهم من كبار الغرب بدولته وأبناء الاعاظم المستبدين على سلفه عبيد بن القائد أبى عبد الله محمد بن الحكيم بهدية من المقربات رائقة الحلى رائعة الاوصاف منتخبة الاجناس والانساب غريبة الالوان والاشكال فاعترضها السلطان وقابلها بالقبول وحسن الموقع وحضر الرسول بكتابه فقرئ وأكرم حامله وأنعم عليه بالزاد لسفر الحج وأوصى أمراء المحمل فقضى فرضه على أكمل الاحوال وكانت أهم أمنياته ثم انقلب ظافرا بقصده واعاده السلطان إلى مرسله بهدية نحو من الاولى من أجناس تلك الثياب ومستجادها مما يجاوز الكثرة ويفوت واستحكمت عقدة المودة بين هذين السلطانين وشكرت الله
على ما كان فيها من أثر مسعاى ولو قل وكان وصل في جملة الحاج من المغرب كبير العرب من هلال وهو يعقوب بن على بن أحمد أمير رياح الموطنين بضواحي قسنطينة وبجاية والزاب في وفد من بنيه واقربائه ووصل في جملتهم أيضا عون بن يحيى بن طالب ابن مهلهل من العكوب أحد شعوب سليم الموطنين بضواحي تونس والقيروان والجريد وبنو أبيه فقضوا فرضهم أجمعون وانقلبوا إلى مواطنهم أواسط شهر ربيع الآخر من سنة تسع وثمانين واطردت أحوال هذه الدولة على أحسن ما يكون والله متولى أمرها بمنه وكرمه انتهى * (حوادث مكة وأمرائها) * قد تقدم لنا ان ملك مكة سار في هذه الاعصار لبنى قتادة من بنى مطاعن الهواشم بنى(5/480)
حسن وذلك منذ دولة الترك وكان ملكهم بها بدويا وهم يعطون الطاعة لملك مصر ويقيمون مع ذلك الدولة العباسية للخليفة الذى ينصبه الترك بمصر إلى أن استقر أمرها آخر الوقت لاحد بن عجلان من رميثة بن أبى نمى أعوام سنة ستين وسبعمائة بعد أبيه عجلان فأظهر في سلطانه عدلا وتعففا عن أموال الناس وقبض أيدى أهل العيث والظلم وحاشيتهم وعييدهم وخصوصا عن المجاورين وأعانه على ذلك ما كان له من الشوكة بقوة أخواله ويعرفون بنى عمر من اتباع هؤلاء السادة ومواليهم فاستقام أمره وشاع بالعدل ذكره وحسنت سيرته وامتلات مكة بالمجاورين والتجار حتى غصت بيوتها بهم وكان عنان ابن عمه مقامس بن رميثة ومحمد ابن عمه ابن رميثة ينفسون عليه ما آتاه الله من الخير ويجدون في أنفسهم إذ ليس يقسم لهم برضاهم في أموال جبايته فتنكروا له وهموا بالانتقاض فتقبض عليهم وكان لهم حلف مع أخيه محمد بن عجلان فراوده على تركهم أو حبسهم فحبسوا ولبثوا في محبسهم ذلك حولا أو فوقه ثم نقبوا السجن ليلا وفروا فأدركوا من ليلتهم وأعيدوا إلى محبسهم وأفلت
منهم عنان بن مقامس ونجا إلى مصر سنة ثمان وثمانين صريخا بالسلطان وعن قليل وصل الخبر بوفاة أحمد بن عجلان على فراشه وأن أخاه كبيش بن عجلان نصب ابنه محمدا مكانه وقام بأمره وانه عمد إلى هؤلاء المعتقلين فسمهم صونا للامر عنهم لمكان ترشيحهم فنكر السلطان ذلك وسخطه من فعلاتهم وافتياتهم ونسب إلى كبيش وأنه يفسد مكة بالفساد بين هؤلاء الاقارب ولما خرج الحاج سنة ثمان وثمانين أوصى أمير حاج بعزل الصبى المنصوب والاستبدال عنه بابن عنان بن مقامس والقبض على كبيش ولما وصل الحاج إلى مكة وخرج الصبى لتلقى المحمل الخلافى وقد أرصد الرجال حفافيه للبطش بكبيش وأميره المنصوب فقعد كبيش عن الحضور وجاء الصبى وترجل عن فرسه لتقبيل الخف من راحلة المحمل على العادة فوثب به أولئك المرصدون طعنا بالخناجر يظنونه كبيشا ثم غابوا فلم يوقف لهم على خبر وتركوه طريحا بالبطحاء ودخل الامير إلى الحرم فطاف وسعى وخلع على عنان بن مقامس الامارة على عادة من سلف من قومه ونجا كبيش إلى جدة من سواحل مكة ثم لحق بأحياء العرب المنتبذين ببقاع الحجاز صريخا فقعدوا عن نصرته وفاء بطاعة السلطان وافترق أمره وخذله عشيره وانقلب الامير بالحاج إلى مصر فعنفه السلطان على قتله الصبى فاعتذر بافتيات أولئك الرجال عليه فعذره وجاء كبيش بعد منصرف الحاج وقد انضم إليه أوباش من العرب فقعد بالمرصد يخيف السابلة والركاب والمسافرين ثم زحف إلى مكة وحاصرها أول سنة تسع وثمانين وخرج عنان بن مقامس بعض الايام وبارزه فقتله واضطرب الامر(5/481)
بمكة وامتدت أيدى عنان والاشرار معه إلى أموال المجاورين فتسلطوا عليها ونهبوا زرع الامراء هنالك وزرع السلطان للصدقة وولى السلطان على بن عجلان واعتقله حسما لمادة طوارق الفساد عن مكة واستقر الحال على ذلك إلى أن كانت فتنة الناصر كما نذكر ان شاء الله تعالى انتهى
* (انتقاض منطاش بملطية ولحاقه بسيواس ومسير العساكر في طلبه) * كان منطاش هذا وتمرتاى الدمرداشي الذى مر ذكره أخوين لتمراز الناصري من موالى الملك الناصر محمد بن قلاون وربيا في كفالة أمهما وكان اسم تمرتاى محمدا وهو الاكبر واسم منطاش أحمد وهو الاصغر واتصل تمرتاى بالسلطان الاشرف وترقى في دولته في الوظائف إلى أن ولى بحلب سنة ثمانين وكانت واقعته مع التركمان وذلك انه وفد عليه أمراؤهم فقبض عليهم لما كان من عيثهم في النواحى واجتمعوا فسار إليهم وأمده السلطان بعساكر الشأم وحماة وانهزموا أمامهم إلى الدربند ثم كروا على العساكر فهزموها ونهبوها في المضايق وتوفى تمرتاى سنة ثنتين وثمانين وكان السلطان الظاهر برقوق يرعى لهما هذا الولاء فولى منطاش على ملطية ولما قعد على الكرسي واستبد بالسلطان بدت من منطاش علامات الخلاف فهم به ثم راجع ووفد وتنصل للسلطان وكان سودون باق من أمراء الالوف خالصة للسلطان ومن أهل عصبيته وكان من قبل ذلك في جملة الامير تمرتاى فرعا لمنطاش حق أخيه وشفع له عند السلطان وكفل حسن الطاعة منه وانه يخرج على التركمان المخالفين ويحسم علل فسادهم وانطلق إلى قاعدة عمله بملطية ثم لم تزل آثار العصيان بادية عليه وربما داخل أمراء التركمان في ذلك ونمى الخبر إلى السلطان فطوى له وشعر هو بذلك فراسل صاحب سيواس قاعدة بلاد الروم وبها قاض مستبد على صبى من أعقاب بنى ارشى ملوكها من عهد هلاكو قد اعصوصب عليه بقية من احياء التتر الذين كانوا حامية هنالك مع الشحنة فيها كما نذكره ولما وصلت رسل منطاش وكتبه إلى هذا القاضى بادر باجابته وبعث رسلا وفدا من أصحابه في اتمام الحديث معه فخرج منطاش إلى لقائهم واستخلف على ملطية دواداره وكان مغفلا فخشى مغبة ما يرومه صاحبه من الانتقاض فلاذ بالطاعة وتبرأ من منطاش وأقام دعوة السلطان في البلد وبلغ الخبر إلى منطاش فاضطرب ثم استمر وسار مع وفد القاضى إلى سيواس فلما قدم عليه وقد انقطع الحبل
في يده أعرض عنه وصار إلى مغالطة السلطان عما أتاه من مداخلة منطاش وقبض عليه وحبسه وسرح السلطان سنة تسع وثلاثين عساكره مع يونس الدوادار وقردم رأس نوبة والطنبقا الرماح أمير سلاح وسودون باق من أمراء الالوف وأوعز إلى(5/482)
الناصري فأتى وطلب أن يخرج معهم بعساكره والى انيال اليوسفي من أمراء الالوف بدمشق وساروا جميعا وكان يومئذ ملك التتر بما وراء النهر وخراسان تمر من نسب جفطاى قد زحف إلى العراقين واذربيجان وملك توريز عنوة واستباحها وهو يحاول ملك بغداد فسارت هذه العساكر تورى بغزوه ودفاعه حتى إذا بلغوا حلب أتى إليهم الخبر بأن تمر رجع بعساكره لخارج خرج عليه بقاصية ما وراء النهر فرجعت عساكر السلطان إلى جهة سيواس واقتحموا تخومها على حين غفلة من أهلها فبادر القاضى إلى اطلاق منطاش لوقته وقد كان أيام حبسه يوسوس إليه بالرجوع عن موالاة السلطان وممالاته ولم يزل يفتل له في الذروة والغارب حتى جنح إلى قوله فبعث لاحياء التتر الذين كانوا ببلاد الروم فيئة ابن اريثا بن أول فسار إليهم واستجاشهم على عسكر السلطان وحذرهم استئصال شأفتهم باستئصال ملك ابن اريثا وبلده ووصلت العساكر خلال ذلك إلى سيواس فحاصروها أياما وضيقوا عليها وكادت أن تلقى باليد ووصل منطاش اثر ذلك باحياء التتر فقاتلهم العساكر ودافعوهم ونالوا منهم وجلا الناصري في هذه الوقائع وأدرك العساكر الملل والصجر من طول المقام وبطء الظفر وانقطاع الميرة بتوغلهم في البلاد وبعد الشقة فتداعوا للرجوع ودعوا الامراء إليه فجنح لذلك بعضهم فانكفؤا على تعبيتهم وسار بعض التتر في اتباعهم فكروا عليهم واستلحموهم وخلصوا إلى بلاد الشأم على أحسن حالات الظهور ونية العود ليحسموا علل العدو ويمحوا أثر الفتنة والله تعالى أعلم * (نكبة الجوبانى واعتقاله بالاسكندرية) *
كان الامراء الذين حاصروا سيواس قد لحقهم الضجر والسآمة من طول المقام وفزع قردم والطنبقا المعلم منهم إلى الناصري مقدم العساكر بالشكوى من السلطان فيما دعاهم إليه من هذا المرتكب وتفاوضوا في ذلك مليا وتداعوا إلى الافراج عن البلد بعد أن بعثوا إلى القاضى بها واتخذوا عنده يدا بذلك وأوصوه بمنطاش والابقاء عليه ليكون لهم وقوفا للفتنة وعلم يونس الدوادار أنهم في الطاعة فلم يسعه خلافهم ففوض لهم ولما انتهى إلى حلب غدا عليه دمرداش من أمرائها فنصح له بأن الجوبانى نائب دمشق مداخل للناصر في تمريضه في الطاعة وأنهما مصران على الخلاف وقفل يونس إلى مصر فقص على السلطان نصيحته واستدعى دمرداش فشافه السلطان بذلك واطلع منه على جلى الخبر في شأنهما وكان للجوبانى مماليك أوغاد قد أبطرتهم النعمة واستهواهم الجاه وشرهوا إلى التوثب وهو يزجرهم فصاروا إلى اغرائه بالحاجب يومئذ طرنطاى(5/483)
فقعد في بيته عن المجلس السلطاني وطير بالخبر إلى مصر فاستراب الجوبانى وسابقه بالحضور عند السلطان لينضح عنه ما علق به من الاوهام وأذن له في ذلك فنهض من دمشق على البريد في ربيع سنة تسعين ولما انتهى إلى سرياقوس أزعج إليه استاذداره بهادر المنجكى فقبض عليه وطير به السفن إلى الاسكندرية وأصبح السلطان من الغد فقبض على قردم والطنبقا المعلم وألحقهما به فحبسوا هنالك جميعا وانحسم ما كان يتوقع من انتقاضهم وولى السلطان مكان الجوبانى بدمشق طرنطاى الحاجب ومكان قردم بمصر ابن عمه مجماس ومكان المعلم دمرداش واستمر الحال على ذلك * (فتنة الناصري واستيلاؤه على الشأم ومصر واعتقال السلطان بالكرك) * لما بلغ الناصري بحلب اعتقال هؤلاء الامراء استراب واضطرب وشرع في أسباب الانتقاض ودعا إليه من يشيع الشر وسماسرة الفتن من الامراء وغيرهم فأطاعوه وافتتح أمره بالنكير للامير سودون المظفرى والانحراف عنه لما كان منه في نكبته واغراء
السلطان به ثم ولايته مكانه ومن وظائف الحاجب في دولة الترك خطة البريد المعروفة في الدول القديمة فهو يطالع السلطان بما يحدث في عمله ويعترض شجى في صدر من يريد الانتقاض من ولاته فأظلم الجو بين هؤلاء الرهط وبين المظفرى وتفاقم الامر وطير بالخبر إلى السلطان فأخرج للوقت دواداره الاصغر تلكتمر ليصلح بينهما ويسكن الثائرة وحين سمعوا بمقدمه ارتابوا وارتبكوا في أمرهم وقدم تلكتمر فتلقاه الناصري وألقى إليه كتاب السلطان بالندب إلى الصلح مع الحاجب والاغضاء له فأجاب بعد أن التمس من حقائب تلكتمر مخاطبة السلطان وملاطفته للامراء حتى وقف عليه ثم غلب عليه أولئك الرهط من أصحابه بالفتك بالحاجب فأطاعهم وباكرهم تلكتمر بدار السعادة ليتم الصلح بينهم وتذهب الهواجس والنفرة فدعاه الناصر إلى بعض خلواته وبينما هو يحادثه وإذا بالقوم قد وثبوا على الحاجب وفتكوا به وتولى كبر ذلك انبقا الجوهرى واتصلت الهيعة فوجم تلكتمر ونهض إلى محل نزوله واجتمع الامراء إلى الناصري واعصوصبوا عليه ودعاهم إلى الخلعان فأجابوا وذلك في محرم سنة احدى وتسعين واتصل الخبر بطرابلس وبها جماعة من الامراء يرومون الانتقاض منهم بدلار الناصري عميد الفتن فتولى كبرها وجمع الذين تمالؤا عليها وعمدوا إلى الايوان السلطاني المسمى بدار السعادة وقبضوا على النائب وحبسوه ولحق بدلار الناصري في عساكر طرابلس وأمرائها وفعل مثل ذلك أهل حلب وحمص وسائر ممالك الشأم وسرح السلطان العساكر لقتالهم فسار ايتمش الاتابك ويونس الدوادار والخليلي جركس أمير(5/484)
الماخورية وأحمدين بيبقا أمير مجلس وايدكاز صاحب الحجاب فيمن إليهم من العساكر وانتخب من ابطال مماليكهم وشجعانهم خمسمائة مقاتل واستضافهم إلى الخليلى وعقد لهم لواءه المسمى بالشاليش وأزاح عللهم وعلل سائر العساكر وساروا على التعبية منتصف ربيع السنة وكان الناصري لما فعل فعلته بعث عن منطاش وكان مقيما بين
أحياء التتر منذ رجوع العساكر عن سيواس فدعاه ليمسك معه حبل الفتنة والخلاف فجاء وملاه مبرة واحسانا واستنفر طوائف التركمان والعرب ونهض في جموعه يريد دمشق وطرنطاى نائبها يواصل تعريف السلطان بالاخبار ويستحث العساكر من مصر نائبها الامير الصفوى وبينه وبين الناصر علاقة وصحبة فاسترابوا به وتقبضوا عليه ونهبوا بيته وبعثوا به حبيسا إلى الكرك وولوا مكانه محمد باكيش بن جند التركماني كان مستخدما عند بندمر هو وأبوه وولى لهذا العهد على نابلس فنقلوه إلى غزة ثم تقدموا إلى دمشق واختاروا من القضاة وفدا أوفدوه على الناصري وأصحابه للاصلاح فلم يجيبوا وأمسكوا الوفد عندهم وساروا للقاء ولما تراءى الجمعان بالمرج نزع أحمد بن بيبقا وايدكاز الحاجب ومن معهما إلى القوم فساروا معهم واتبعهم مماليك الامراء وصدق القوم الحملة على من بقى فانفضوا ولجأ ايتمش إلى قلعة دمشق فدخلها وكان معه مكتوب السلطان بذلك متى احتاج إليه وذهب يونس حيران وقد أفرده مماليكه فلقيه عنقا أمير الامراء وكان عقد له بعض النزغات أيام سلطانه فتقبض عليه وأحيط بجركس الخليلى ومماليك السلطان حوله وقد أبلوا في ذلك الموقف واستلحم عامتهم فخلص بعض العدو إليه وطعنه فأكبه ثم احتز رأسه وذهب ذلك الجمع شعاعا وافترقت العساكر في كل وجه وجئ بهم أسرى من كل ناحية ودخل الناصري وأصحابه دمشق لوقتهم واستولوا عليها وعاثت عساكرهم من العرب والتركمان في نواحيها وبعث إليهم عنقا يستأذنهم في أمر يونس فأمر بقتله فقتله وبعث إليهم برأسه وأوعزوا إلى نائب القلعة بحبس ايتمش عنده وفرقوا المحبوسين من أهل الواقعة على السجون بقلعة دمشق وصفد وحلب وغيرها وأظهر ابن باكيس دعوته بغزة وأخذ بطاعتهم ومر به انيال اليوسفي من أمراء الالوف بدمشق ناجبا من الوقعة إلى مصر فقبض عليه وحبسه بالكرك واستعد السلطان للمدافعة وولى دمرداش اتابكا مكان ايتمش وقرماش
الجندار دوادار مكان يونس وعمر سائر المراتب عمن فقد منها وأطلق الخليفة المعتقل المتوكل بن المعتضد وأعاده إلى خلافته وعزل المنصوب مكانه وأقام الناصري وأصحابه بدمشق أياما ثم أجمعوا المسير إلى مصر ونهضوا إليها بجموعهم وعميت أتتاؤهم(5/485)
حتى أطلت مقدمتهم على بلبيس ثم تقدموا إلى بركة الحاج وخيموا بها لسبع من جمادى الاخيرة من السنة وبرز السلطان في مماليكه ووقف أمام القلعة بقية يومه والناس يتسايلون إلى الناصري من العساكر ومن العامة حتى غصت بهم بسائط البركة واستأمن أكثر الامراء مع السلطان إلى الناصري فأمنهم واطلع السلطان على شأنهم وسارت طائفة من العسكر وناوشوهم القتال وعادوا منهزمين إلى السلطان وارتاب السلطان بأمره وعاين انحلال عقدته فدس إلى الناصري بالصلح وبعث إليه بالملاطفة وأن يستمر على ملكه ويقوم بدولته خدمه وأعوانه وأشار بأن يتوارى بشخصه أن يصيبه أحد من غير البيبقاوية بسوء فلما غشيه الليل أذن لمن بقى معه من مماليكه في الانطلاق ودخل إلى بيته ثم خرج متنكرا وسرى في غيابات المدينة وباكرهم الناصري وأصحابه القلعة فاستولوا عليها ودعوا أمير حاج ابن الاشرف فأعادوه إلى التخت كما كان ونصبوه للملك ولقبوه المنصور وبادروا باستدعاء الجوبانى والامراء المعتقلين بالاسكندرية فأغذوا السير ووصلوا ثانى يومهم وركب الناصري وأصحابه للقائهم وأنزل الجوبانى عنده بالاصطبل وأشركه في أمره وأصبحوا ينادون بطلب السلطان الظاهر بقية يومهم ذلك ومن الغد حتى دل عليه بعض مماليك الجوبانى وحين رآه قبل الارض وبالغ في الادب معه وحلف له على الامان وجاء به إلى القلعة فأنزله بقاعة الغصة واشتوروا في أمره وكان حرص منطاش وزلار على قتله أكثر من سواهما وأبى الناصري والجوبانى الا الوفاء بما اعتقد معهم واستقر الجوبانى اتابك والناصري رأس النوبة الكبرى ودمرداش الاحمدي أمير سلاح وأحمد بن
بيبقا أمير مجلس والابقا العثماني دوادار وانبقا الجوهرى استاذدار وعمرت الوظائف والمراتب ثم بعثوا زلار نائبا على دمشق وأخرجوه إليها وبعثوا كشبقا البيبقاوى على حلب وكان السلطان قد عزله عن طرابلس واعتقله بدمشق فلما جاء في جملة الناصري بعثه على حلب مكانه وقبضوا على جماعة من الامراء فيهم النائب سودون باق وسودون الطرنطاى فحبسوا بعضهم بالاسكندرية وبعثوا آخرين إلى الشأم فحبسوا هنالك وتتبعوا مماليك السلطان فحبسوا أكثرهم وأشخصوا بقيتهم إلى الشأم يستخدمون عند الامراء وقبضوا على استاذ دار محمود قهرمان الدولة وقارون القصرى فصادروه على ألف ألف درهم ثم أودعوه السجن وهم مع ذلك يتشاورون في مستقر السلطان بين الكرك وقوص والاسكندرية حتى اجمعوا على الكرك ووروا بالاسكندرية حذرا عليه من منطاش فلما أزف مسيره قعد له منطاش عند البحر رصدا وبات عامة ليله وركب الجوبانى مع السلطان من القلعة وأركب معه صاحب الكرك موسى بن عيسى في لمة من قومه يوصلونه إلى الكرك وسار معه برهة(5/486)
من الليل مشيعا ثم رجع وشعر منطاش من أمره وطوى على الغش وأخذ ثياب الثورة كما يذكر ونجا السلطان إلى الكرك في فل من غلمانه ومواليه ووكل الناصري به حسن الكشكى من خواصه وولاه على الكرك وأوصاه بخدمته ومنعه ممن يرومه بسوء فتقدمه إلى الكرك وأنزله القلعة وهيأ له النزول بما يحتاج إليه وأقام هنالك حتى وقع من لطائف الله في أمره ما يذكر بعد ان شاء الله تعالى وجاء الخبر أن جماعة من مماليك الظاهر كانوا مختفين منذ الوقعة فاعتزموا على الثورة بدمشق وانهم ظفروا بهم وحبسوا جميعا ومنهم أيبقا الصغير والله تعالى أعلم [ تورة منطاش واستيلاؤه على الامر ونكبة الجوبانى وحبس الناصري والامراء البيبقاوية بالاسكندرية ]
كان منطاش منذ دخل مع الناصري إلى مصر متربصا بالدولة طاويا جوانحه على الغدر لانهم لم يوفروا حظه من الاقطاع ولم يجعلوا له اسما في الوظائف حين اقتسموها ولا راعى له الناصري حق خدمته ومقارعته الاعداء وكان ينقم عليه مع ذلك ايثاره الجوبانى واختصاصه فاستوحش وأجمع الثورة وكان مماليك الجوبانى لما حبس أميرهم وانتقض الناصري بحلب لحقوا به وجاؤا في جملته واشتملوا على منطاش فكان له بهم في ذلك السفر أنس وله إليهم صفو فداخل جماعة منهم في الثورة وحملهم على صاحبهم وتطفل على الجوبانى في المخالصة بغشيان مجلسه وملابسة ندمائه وحضور مائدته وكان البيبقاوية جميعا ينقمون على الناصري ويرون أنه مقصر في الرواتب والاقطاع وطووا من ذلك على النكث ودعاهم منطاش إلى التوثب فكانوا إليه أسرع وزينوه له وقعدوا عنه عند الحاجة ونمى الخبر إلى الناصري والجوبانى فعزموا على اشخاص منطاش إلى الشأم فتمارض وتخلف في بيته أياما بطاولهم ليحكم التدبير عليهم ثم عدا عليه الجوبانى يوم الاثنين وقد أكمن فيه بيته رجالا للثورة فقبضوا على الجوبانى وقتلوه لحينه وركب منطاش إلى الرميلة فنهب مراكب الامراء بباب الاصطبل ووقف عند مأذنة المدرسة الناصرية وقد شحنها ناشبة ومقاتلة مع أمير من أصحابه ووقف في حمايتهم واجتمع إليه من داخله في الثورة من الاشرفية وغيرهم واجتمع إليه من كان بقى من مماليك الظاهر واتصلت الهيعة فركب الامراء البيبقاوية من بيوتهم ولما أفضوا إلى الرميلة وقفوا ينظرون مآل الحال وبرز الناصري من الاصطبل فيمن حضر وأمر الامراء بالحملة عليهم فوقفوا فأحجم هو عن الحملة وتخاذل أصحابه وأصحاب منطاش ومال إلى الناصري مماليك الجوبانى لنكبة صاحبهم فهددهم منطاش بقتله فافترقوا وتحاجز الفريقان آخر النهار وباكروا شأنهم من الغد وحمل(5/487)
الناصري فانهزم وأقاموا على ذلك ثلاثا وجموع منطاش في تزايد ثم انفض الناس عن
الناصري عشية الاربعاء لسبعين يوما من دخول القلعة واقتحمها عليه منطاش ونهب بيوته وخزائنه وذهب الناصري حيران وأصحابه يرجعون عنه وباكر البيبقاوية مجلس منطاش من الغد فقبض عليهم وسيق من تخلف منهم عن الناصري أفذاذا وبعث بهم جميعا إلى الاسكندرية وبعث جماعة ممن حبسهم الناصري إلى قوص ودمياط ثم جدد البيعة لامير حاج المنصور ثم نادى في مماليك السلطان بالعرض وقبض على جماعة منهم وفر الباقون وبعث بالمحبوسين منهم إلى قوص وصادر جماعة من أهل الاموال وأفرج عن محمود استاذدار وخلع عليه ليوليه في وظيفته ثم بداله في أمره وعاود مصادرته وامتحانه واستصفى منه أموالا عظيمة يقال ستين قنطارا من الذهب ولما استقل بتدبير الدولة عمر الوظائف والمراتب وولى فيها بنظره وبعث عن الاشقتمرى من الشأم وكان أخوه تمرتاى قد آخى بينهما فولاه الكبرى وعن استدمر بن يعقوب شاه فجعله أمير سلاح وعن انبقا الصفوى فولاه صاحب الحجاب واختص الثلاثة بالمشورة وأقامهم أركانا للدولة وكان ابراهيم بن بطلقتمر أمير جندار قد داخله في الثورة فرعى له ذلك وقدمه في أمراء الالوف ثم بلغه أنه تفاوض مع الامراء في الثورة به واستبداد السلطان فقبض عليه ثم أشخصه إلى حلب على امارته هناك وكان قد اختص ارغون السمندار وألقى عليه محبته وعنايته فغشيه الناس وباكروا بابه وعظم في الدولة صيته ثم نمى عنه أنه من المداخلين لابراهيم أمير جندار فسطابه وامتحنه أن له على هؤلاء المداخلين لابراهيم فلاذ بالانكار وأقام في محبسه وأفرج عن سودون النائب فجاء إلى مصر فألزمه بيته واستمر الحال على ذلك انتهى * (ثورة بذلار بدمشق) * ولما بالغ الخبر إلى بذلار بدمشق باستقلال منطاش بالدولة أنف من ذلك وارتاب وداخلته الغيرة جمع الانتقاض وكاتب نواب الممالك بالشأم في حلب وغيرها يدعوهم
إلى الوفاق فأعرضوا عنه وتمسكوا بطاعتهم وكان الامير الكبير بدمشق جنتمر أخو طاز يداخل الامراء هناك في التوثب به وتوثق منهم للدولة وبلغ الخبر إلى بذلار فركب في مماليكه وشيعته يروم القبض عليه فلم يتمكن من ذلك واجتمعوا وظاهرهم عامة دمشق عليه فقاتلوه ساعة من نهار ثم أيقن بالغلب والهلكة فألقى بيده وقبضوا عليه وطيروا بالخبر إلى منطاش وهو صاحب الدولة فأمر باعتقاله وهلك مريضا في محبسه وولى منطاش جنتمر نيابة دمشق واستقرت الاحوال على ذلك والله تعالى يؤيد بنصره من(5/488)
يشاء من عباده * (خروج السلطان من الكرك وظفره بعساكر الشأم وحصاره دمشق) * ولما بلغ الخبر إلى السلطان الظاهر بالكرك بأن منطاش استقل بالدولة وحبس البتبقاوية جميعا وأدال منهم بأصحابه أهمته نفسه وخشى غائلته ولم يكن عند منطاش لاول استقلاله أهم من شأنه وشأن السلطان فكتب إلى حسن الكشكى نائب الكرك بقتله وقد كان الناصري أوصاه في وصيته حسين وكله به أن لا يمكنه ممن يرومه بسوء فنجافى عن ذلك واستدعى البريدى وفاوض أصحابه وقاضي البلد وكاتب السر فأشاروا بالتحرز من دمه جهد الطاقة فكتب إلى منطاش معتذرا بالخطر الذى في ارتكابه دون اذن السلطان والخليفة فأعاد عليه الكتاب مع كتاب السلطان والخليفة بالاذن فيه واستحثه في الاجهاز عليه فأنزل البريدى وعلله بالوعد وطاوله يرجو المخلص من ذلك وكانوا يطوون الامر عن السلطان شفقة واجلالا فشعر بذلك وأخلص اللجأ إلى الله والتوسل بابراهيم الخليل لانه كان يراقب مدفنه من شباك في بيته وانطلق غلمانه في المدينة حتى ظفروا برجال داخلوهم في حسن الدفاع عن السلطان وأفاضوا فيهم فأجابوا وصدقوا ما عاهدوا عليه واتعدوا لقتال البريدى وكان منزله بازاء السلطان فتوافوا ببابه ليلة العاشر من رمضان وهجموا عليه فقتلوه ودخلوا برأسه إلى السلطان
وشفار سيوفهم دامية وكان النائب حسن الكشكى يفطر على سماط السلطان تأنيسا لهم فلما رآهم دهش وهموا بقتله فأجاره السلطان وملك السلطان أمره بالقلعة وبايعه النائب وصعد إليه أهل المدينة من الغد فبايعوه ووفد عليه عرب الضاحية من بنى عقبة وغيرهم فأعطوه طاعتهم وفشا الخبر في النواحى فتساقط إليه مماليكه من كل جهة وبلغت أخباره إلى منطاش فأوعز إلى ابن باكيش نائب غزة أن يسير في العساكر إلى الكرك وتردد السلطان بين لقائه أو النهوض إلى الشأم ثم أجمع المسير إلى دمشق فبرز من الكرك منتصف شوال فعسكر بالقبة وجمع جموعه من العرب وسار في ألف أو يزيدون من العرب والترك وطوى المراحل إلى الشأم وسرح جنتمر نائب دمشق العساكر لدفاعه فيهم أمراء الشأم وأولاد بندمر فالتقوا بشقحب وكانت بينهم واقعة عظيمة أجلت عن هزيمة أهل دمشق وقتل الكثير منهم وظفر السلطان بهم واتبعهم إلى دمشق ونجا الكثير منهم إلى مصر ثم أحس السلطان بأن ابن باكيش وعساكره في اتباعه فكر إليهم وأسرى ليلته وصبحهم على غفلة في عشر ذى القعدة فانهزموا ونهب السلطان وقومه جميع ما معهم وامتلات أيديهم واستفحل أمره ورجع إلى دمشق ونزل بالميدان وثار العوام وأهل القبيبات ونواحيها(5/489)
بالسلطان وقصدوه بالميدان فركب ناجيا وترك أثقاله فنهبها العوام وسلبوا من لقوه من مماليكه ولحق بقبة بلبغا فأقام بها وأغلقوا الابواب دونه فأقام يحاصرهم إلى محرم سنة ثنتين وتسعين وكان كمشيقا الحموى نائب حلب قد أظهر دعوته في عمله وكاتبه بذلك عندما نهض من الكرك إلى الشأم كما نذكره ولما بلغه حصاره لدمشق تجهز للقائه واحتمل معه ما يزيح علل السلطان من كل صنف وأقام له ابهة ووصل اينال اليوسفي وقجماش ابن عم السلطان وجماعة من الامراء كانوا محبوسين بصفد وكان مع نائبها جماعة من مماليك السلطان يستخدمون فغدروا به وأطلقوا من كان من
الامراء في سجن صفد كما نذكر ولحقوا بالسلطان وتقدمهم اينال وهو محاصر لدمشق فأقاموا معه والله تعالى أعلم * (ثورة المعتقلين بقوص ومسير العساكر إليهم واعتقالهم) * ولما بلغ الخبر إلى الامراء المحبوسين بقوص خلاص السلطان من الاعتقال واستيلاؤه على الكرك واجتماع الناس إليه فثاروا بقوص أوائل شوال من السنة وقبضوا على الوالى بها وأخذوا من مودع القاضى ما كان فيه من المال وبلغ خبرهم إلى مصر فسرح إليهم العساكر ثم بلغه أنهم ساروا إلى اسوان وشايعوا الوالى بها حسن بن قرط فلحن لهم بالوعد وعرض بالوفاق فطمعوا واعتزموا أن يسيروا من وادى القصب من الجهة الشرقية إلى السويس ويسيروا من هناك إلى الكرك ولما وصل خبر ابن قرط أخرج منطاش سندمر بن يعقوب شاه ثامن عشرين من السنة وانكفأ جموعه وسار على العدوة الشرقية في جموعه لاعتراضهم فوصل إلى قوص وبادر ابن قرط فخالفه إلى منطاش بطاعته فأكرمه ورده على عمله فوافى ابن يعقوب شاه بقوص وقد استولى على النواحى واستنزل الامراء المخالفين ثم قبض عليهم وقتل جميع من كان معهم من مماليك السلطان الظاهر ومماليك ولاة الصعيد وجاء بالامراء إلى مصر فدخل بهم منتصف ذى الحجة من السنة فأفرج عن أربعة منهم سوماى اللاى وحبس الباقين والله تعالى أعلم * (ثورة كمشيقا بحلب وقيامه بدعوة السلطان) * قد كنا قدمنا أن الناصري ولى كمشيقا رأس نوبة نيابة حلب ولما استقل منطاش بالدولة ارتاب ودعاه بذلار لما ثار بدمشق إلى الوفاق فامتنع ثم بلغه الخبر بخلاص السلطان من الاعتقال بالكرك فأظهر الانتقاض وقام بدعوة السلطان وخالفه ابراهيم بن أمير جندار واعصوصب عليه أهل باقوسا من أرباض حلب فقاتلهم كمشيقا(5/490)
جميعا وهزمهم وقتل القاضى ابن أبى الرضا وكان معه في ذلك الخلاف واستقل بأمر حلب وذلك في شوال من السنة ثم بلغه أن السلطان هزم عساكر دمشق وابن باكيش وانه مقيم بقبة بلبغبا محاصرا لدمشق بعد ان نهبوا أثقاله وأخرجوه من الميدان فتحهز من حلب إليه في العساكر والحشود وجهز له جميع ما يحتاج إليه من المال والاقمشة والسلاح والخيل والابل وخيام الملك بفرشها وما عونها وآلات الحصار وتلقاه السلطان وبالغ في تكرمته وفوض إليه في الاتابكية والمشورة وقام معه محاصرا لدمشق واشتد الحصار على أهل دمشق بعد وصوله واستكثار السلطان من المقاتلة وآلات الحصار وخرب كثيرا من جوانبها بحجارة المجانيق وتصدعت حيطانها وأضرم كثيرا من البيوت على أربابها فاحترقت واستولى الخراب والحريق على القبيبات أجمع وتفاحش فيها واشتد أهل القتال والدفاع من فوق الاسوار وتولى كبر ذلك منهم قاضى الشافعية أحمد بن القرشى بما اشار عليهم وفاه أهل العلم والدين بالنكير فيه وكان منطاش لما بلغه حصار دمشق بعث طنبقا الحلى دوادار الاشرف بمدد من المال يمد به العساكر هنالك وأقام معهم ثم بعث جنتمر إلى أمير آل فضل يعبر بن جبار يستنجد به فجاء لقتالهم وسار كمشيقا نائب حلب فلقيه وفض جموعه وأسر خادمه وجاء به أسيرا فمن عليه السلطان وأطلقه وكساه وحمله ورده إلى صاحبه واستمر حصار دمشق إلى أن كان ما نذكره ان شاء الله تعالى * (ثورة انيال بصفد بدعوة السلطان) * كان انيال لما انهزم يوم واقعة دمشق فر إلى مصر ومر بغزة فاعتقله ابن باكيش وحبس بالكرك فلما استولى الناصري أشخصه إلى صفد فحبس بها مع جماعة من الامراء وولى على صفد قلطبك النظامي فاستخدم جماعة من مماليك برقوق واتخذ منهم بلبغا السالمى دوادار فلما بلغه خلاص السلطان من الاعتقال ومسيره إلى الشأم داخل بلبغا مماليك استاذه قطلوبقا في الخلاف واللحاق بالسلطان وهرب منهم جماعة فركب قطلوبقا
في اتباعهم وأبقى بلبقا السالمى دوادار وحاجب صفد فاطلقوا انيال وسائر المحبوسين من السلطان فملك انيال القلعة ورجع قطلوبقا من اتباع الهاربين فوجدهم قد استولوا وامتنعوا وارتاب من مماليكه فسار عن صفد ونهب بيته ومخلفه ولحق بالشأم فلقى الامراء المنهزمين أمام السلطان بشقحب قاصدين مصر فسار معهم ولحق انيال بالسلطان من صفد بعد ان ضبطها واستخلف عليها وأقام مع السلطان والله تعالى أعلم [ مسير منطاش وسلطانه أمير حاجى إلى الشأم وانهزامهم ودخول منطاش إلى دمشق وظفر السلطان الظاهر بأمير حاجى والخليفة والقضاة وعوده لملكه ](5/491)
ولما تواترات الاخبار بهزيمة عساكر الشأم وحصار السلطان الظاهر دمشق وظهور دعوته في حلب وصفد وسائر بلاد الشأم ثم وصلت العساكر المنهزمون وأولاد بندمر ونائب صفد واستحثوه وتواترت كتب جنتمر نائب دمشق وصريخه أجمع منطاش أمره حينئذ على المسير إلى الشأم فتجهز ونادى في العساكر وأخرج السلطان والخليفة والقضاة والعلماء سابع عشر ذى الحجة سنة احدى وتسعين وخيموا بالريدانية من ناحية القاهرة حتى أزاح العلل واستخلف على القاهرة دواداره صراى تمر وأطلق يده في الحل والعقد والتولية والعزل واستخلف على القلعة بكا الاشرفى وعمد إلى خزانة من خزائن الذخيرة بالقلعة فسد بابها ونقبها من أعلاها حتى صارت كهيئة الجب ونقل إليها من كان في سجنه من أهل دولة السلطان ونقل سودون النائب إلى القلعة فأنزله بها وأمر بالقبض على من بقى من مماليك السلطان حيث كانوا فتسربوا في غيابات المدينة ولاذوا بالاختفاء وأوعز بسد كثير من أبواب الدروب بالقاهرة فسدت ورحل في الثاني والعشرين من الشهر بالسلطان وعساكره على التعبية وطووا المراحل ونمى إليه أثناء طريقه أن بعض مماليك السلطان المستخدمين عند الامراء مجمعون على التوثب ومداخلون لغيرهم فأجمع السطوة بهم ففروا ولحقوا
بالسلطان ولما بلغ خبره سيرهم السلطان وهو محاصر دمشق ارتحل في عساكره إلى لقائهم ونزل قريبا من شقحب وأصبحوا على التعبية وكمشيقا بعساكر حلب في ميمنة السلطان ومنطاش قد عبى جيشه وجعل السلطان أمير حاجى والخليفة والقضاة والرماة من ورائهم ووقف معهم تمار تمرراس نوبة وسندمر بن يعقوب شاه أمير سلاح ووقف هو في طائفة من مماليكه وأصحابه في حومة المعترك فلما تراءى الجمعان حمل هو وأصحابه على ميمنة السلطان ففضوها وانهزم كمشيقا إلى حلب ومروا في اتباعه ثم عطفوا على مخيم السلطان فنهبوه وأسروا قجماش ابن عمه كان هناك جريحا ثم حطم السلطان على الذى فيه أمير حاجى والخليفة والقضاة فدخلوا في حكمه ووكل بهم واختلط الفريقان وصاروا في عمى من أمرهم والسلطان في لمة من فرسانه يخترق جوانب المعترك ويحطم الفرسان ويشردهم في كل ناحية وشراد مماليكه وأمرائه يتساقطون إليه حتى كثف جمعه ثم حمل على بقية العسكر وهم ملتئمون على الصفدى فهزمهم ولحقوا بدمشق وضرب خيامه بشقحب ولما وصل منطاش إلى دمشق أوهم النائب جنتمر أن الغلب له وأن السلطان أمير حاجى على الاثر ونادى في العساكر بالخروج في السلاح لتلقيه وخرج من الغد موريا بذلك فركب إليهم السلطان في العساكر فهزمهم وأثخن فيهم واستلحم كثيرا من عامة دمشق ورجع السلطان(5/492)
إلى خيامه وبعث أمير حاجى بالتبرى من الملك والعجز عنه والخروج إليه من عهدته فأحضر الخليفة والقضاة فشهدوا عليه بالخلع وعلى الخليفة بالتفويض إلى السلطان والبيعة له والعود إلى كرسيه وأقام السلطان بشقحب تسعا واشتد كلب البرد وافتقدت الاقوات لقلة الميرة فأجمع العود إلى مصر ورحل يقصدها وبلغ الخبر إلى منطاش فركب لاتباعه فلما أطل عليه أحجم ورجع واستمر السلطان لقصده وقدم حاجب غزة للقبض على ابن باكيش فقبض عليه ولما وافى السلطان غزة ولى عليها مكانه وحمله
معتقلا وسار وهو مستطلع أحوال مصر حتى كان ما نذكره ان شاء الله تعالى [ ثورة بكا والمعتقلين بالقلعة واستيلاؤهم عليها بدعوة السلطان الظاهر وعوده إلى كرسيه بمصر وانتظام أمره ] كان منطاش لما فصل إلى الشأم بسلطانه وعساكره كما مر واستخلف على القاهرة دواداره سراى تمر وأنزله بالاصطبل وعلى القلعة بكا الاشرفى ووكله بالمعتقلين هنالك فأخذوا أنفسهم بالحزم والشدة وبعد أيام نمى إليهم أن جماعة من مماليك السلطان مجتمعون للثورة وقد داخلوا مماليكهم فبيتوهم وقبضوا عليهم بعد جولة دافع فيها المماليك عن أنفسهم ثم تقبضوا على من داخلهم من مماليكهم وكانوا جماعة كثيرة وحدثت لهم بذلك رتبة واشتداد في الحزم فنادوا بالوعيد لمن وجد عنده أحد من مماليك السلطان ونقلوا ابن أخت السلطان من بيت أمه إلى القلعة وحبسوه وأوعزوا بقتل الامراء المعتقلين بالفبوم فقتلوا وعميت عليهم أنباء منطاش والعساكر وبعثوا من يقتص لهم الطريق ويسائل الركبان واعتزموا على قتل المسجونين بالقلعة ثم تلاوموا في ذلك ورجعوا إلى التضييق عليهم ومنع المترددين بأقواتهم فضاقت أحوالهم وضجروا وأهمتهم أنفسهم وفي خلال ذلك عثر بعضهم على منفذ إلى سرب تحت الارض يقضى إلى حائط الاسطبل ففرحوا بذلك وتنسموا ريح الفرج ولما أظلتهم ليلة الاربعاء غرة صفر سنة ثنتين وتسعين مروا في ذلك السرب فوجدوا فيه آلة النقب فنقبوا الحائط وأفضوا إلى أعلى الاسطبل وتقدم بهم خاصكى من أكابر الخاصكية وهجموا على الحراس فثاروا إليهم فقتلوا بعضهم بالقيود من أرجلهم وهرب الباقون ونادوا شعبان بكا نائب القلعة يوهمون أنه انتقض ثم كسروا باب الاسطبل الاعلى والاسفل وأفضوا إلى منزل سراى تمر فأيقظه لغطهم وهلع من شأن بكا فارمى نفسه من السور ناجبا ومر بالحاجب قطلوبقا ولحق بمدرسة حسن وقد كان منطاش أنزل بها ناشبة من التركمان لحماية الاسطبل وأجرى لهم الارزاق وجعلهم لنظر تنكر رأس نوبة ثم هجم أصحاب بكا
على بيت سراى تمر فنهبوا ماله وقماشه وسلاحه وركبوا خيله واستولوا على الاسطبل(5/493)
وفرعوا الطبول ليلتهم وقاتلهم بكا من الغد وسرب الرجال إلى الطبلخانات فملكها ثم أزعجوه عنها وزحف سراى تمر وقطلوبقا الحاجب إلى الاسطبل لقتالهم وبرزوا إليهم فقاتلوهم واعتصموا بالمدرسة واستولى بكا على أمره وبعث إلى باب السر من المدرسة ليحرقه فاستأمن إليه التركمان الذين به فأنزلهم على الامان وسرب أصحابه في البلد لنهب بيوت منطاش وأصحابه فعاثوا فيها وتسلل إليه مماليك السلطان المختفون بالقاهرة فبلغوا ألفا أو يزيدون ثم استأمن بكا من الغد فأمنه سودون النائب وجاء به أمير سلاح ودمرداش وكان عنده فحبسهما بطا ثم وقف سودون على مدرسة حسن والارض تموج بعوالم النظارة فاستنزل منها سراى تمر وقطلوبغا الحاجب فنزلا على أمانه وهم العوالم بهما فحال دونهما وجاء بهما إلى بكا فحبسهما وركب سودون يوم الجمعة في القاهرة ونادى بالامان والخطبة للسلطان فخطب له من يومه وأمر بكا بفتح السجون واخراج من كان فيها في حبس منطاش وحكام تلك الدولة وهرب الوالى حسن بن الكوراني خوفا على نفسه لما كان شيعة لمنطاش على مماليك السلطان ثم عثر عليه بكا وحبسه مع سائر شيعة منطاش وأطلق جميع الامراء الذين حبسهم بمصر ودمياط والفيوم ثم بعث الشريف عنان بن مقامس أمير بنى حسن بمكة وكان محبوسا وخرج معهم فبعثه مع أخيه ايبقا على الهجن لاستكشاف خبر السلطان ووصل يوم الاحد بعدها كتاب السلطان مع ابن صاحب الدرك سيف بن محمد بن عيسى العائدى باعداد الميرة والعلوفة في منازل السلطان على العادة وقص خبر الواقعة وأن السلطان توجه إلى مصر وانتهى إلى الرملة ثم وصل ايبقا أخو بكا يوم الاربعاء ثامن صفر بمثل ذلك وتتابع الواصلون من عسكر السلطان ثم نزل بالصالحية وخرج السلطان لتلقيه بالعكرشة ثم أصبح يوم الثلاثاء رابع صفر في
ساحة القلعة وقلده الخليفة وعاد إلى سريره ثم بعث عن الامراء الذين كان حبسهم منطاش بالاسكندرية وفيهم الناصري والجوبانى وابن بيبقا وقرا دمرداش وابغا الجوهرى وسودون باق وسودون الطرنطاى وقردمر المعلم في آخرين متعددين واستعثبوا للسلطان فأعتبهم وأعادهم إلى مراتبهم وولى انيال اليوسفي اتابكا والناصري أمير سلاح والجوبانى رأس نوبة وسودون نائبا وبكا داودار وقرقماش استاذدار وكمشيقا الخاصكى أمير مجلس وتطلميش أمير الماخورية وعلاء الدين كاتب سر الكرك كاتب سره بمصر وعمر سائر المراتب والوظائف وتوفى قرقماش فولى محمود استاذ داره الاول ورعى له سوابق خدمته ومحنة العدو له في محبته وانتظم أمر دولته واستوثق ملكه وصرف نظره إلى الشأم وتلا فيه من مملكة العدو وفساده(5/494)
والله تعالى أعلم [ ولاية الجوبانى على دمشق واستيلاؤه عليها من يد منطاش ثم هزيمته ومقتله وولاية الناصري مكانه ] لما استقر السلطان على كرسيه بالقاهرة وانتظمت أمور دولته صرف نظره إلى الشأم وشرع في تجهيز العساكر لازعاج العدو منه وعين الجوبانى لنيابة دمشق ورياسة العساكر والناصري لحلب لان السلطان كان عاهد كمشيقا على اتابكية مصر وعين قرا دمرداش لطرابلس مأمونا القلحطاوى لحماة فولى في جميع ممالك الشأم ووظائفه وامرهم بالتجهيز ونودى في العساكر بذلك وخرجوا ثامن جمادى الاولى من سنة ثنتين وتسعين وكان منطاش قد اجتهد جهده في طى خبر السلطان بمصر عن أمرائه وسائر عساكره وما زال يفشو حتى شاع وظهر بين الناس فانصرف هواهم إلى السلطان وبعث في أثناء ذلك الامير يمازتمر نائبا على حلب فاجتمع إليه أهل كانقوسا وحاصر كمشيقا بالقلعة نحوا من خمسة أشهر وشد حصارها وأحرق باب القلعة والجسر ونقب
سورها من ثلاثة مواضع واتصل القتال بين الفريقين في احد الانقاب لشهرين على ضوء الشموع ثم بعث العساكر إلى طرابلس مع ابن ايماز التركماني فحاصرها وملكوها من يد سندمر حاجب حجابها وكان مستوليا عليها بدعوة الظاهر ولما ملكها ولى عليها قشتمر الاشرفى ثم بعث العساكر إلى بعلبك مع محمد بن سندمر في نفر من قرابته وجنده فقتلهم منطاش بدمشق أجمعين ثم أوعز إلى قشتمر الاشرفى نائب طرابلس بالمسير إلى حصار صفد فسار إليها وبرز إليه جندها فقاتلوه وهزموه فجهز إليها العساكر مع ابقا الصفدى كبير دولته فسار إليها سبعمائة من العساكر وقد كان لما تيقن عنده استيلاء السلطان على كرسيه بمصر جنح إلى الطاعة والاعتصام بالجماعة وكاتب السلطان بمغارمه ووعده فلما وصل إلى صفد بعث إلى نائبها بطاعته وفارق أصحاب منطاش ومن له هوى فيه وصفوا إليه وبات ليلته بظاهر صفد وارتحل من الغد إلى مصر فوصلها منتصف جمادى الاخيرة وأمراء الشأم معسكرون مع الجوبانى بظاهر القلعة فأقبل السلطان عليه وجعله من أمراء الالوف ولما رجع أصحابه من صفد إلى دمشق اضطرب منطاش وتبين له نكر الناس وارتاب بأصحابه وقبض على جماعة من الامراء وعلى جنتمر نائب دمشق وابن جرجى من أمراء الالوف وابن قفجق الحاجب وقتله والقاضى محمد بن القرشى في جملة من الاعيان واستوحش الناس ونفروا عنه واستأمنوا إلى السلطان مثل محمد بن سندمر وغيره وهرب كاتب السر بدر الدين ابن فضل الله وناظر الجيش وقد كانوا يوم الواقعة على شقحب لحقوا بدمشق يظنون(5/495)
أن السلطان يملكها يومه ذلك فبقوا في ملكة منطاش وأجمعوا الفرار مرة بعد أخرى فلم يتهيأ لهم وشرع منطاش في الفتك بالمنتمين إلى السلطان من المماليك المحبوسين بالقلعة وغيرهم وذبح جماعة من الجراكسة وهم بقتل اشمس فدفعه الله عنه وارتحل الامراء من مصر في العساكر السلطانية إلى الشأم مع الجوبانى يطوون
المراحل والامراء من دمشق يلقونهم في كل منزلة هاربين إليهم حتى كان آخر من لقيهم ابن نصير أمير العرب بطاعة أبيه ودخلوا حدود الشأم ثم ارتبك منطاش في أمره واستقر الخوف والهلع والاسترابة بمن معه فخرج منتصف جمادى الاخيرة هاربا من دمشق في خواصه وأصحابه ومعه سبعون حلا من المال والاقمشة واحتمل معه محمد بن اينال وانتقض عليه جماعة من المماليك فرجعوا به إلى أبيه وكان يعير بن جبار أمير آل فضل مقيما في أحيائه ومعه أحياء آل مر واميرهم عنقا بن فلحق بهم هنالك منطاش مستجيرا فأجاروه ونزل معهم ولما فصل منطاش عن دمشق خرج اشمس من محبسه وملك القلعة ومعه مماليك السلطان معصوصبون عليه وأرسل إلى الجوبانى بالخبر فاغذ السير إلى دمشق وجلس بموضع نيابته وقبض على من بقى من أصحاب منطاش وخدمه مع من كان حبس هو معهم ووصل الطنبقا الحلبي ودمرداش اليوسفي من طرابلس وكان منطاش استقدمهم وهرب قبل وصولهم وبلغ الخبر إلى ايمازتمر وهو يحاصر حلب وأهل كانفوسا معصوصبون عليه فأجفل ولحق بمنطاش وركب كمشيقا من القلعة إليهم بعد ان أصلح الجسر وأركب معه الحجاب وقاتل أهل كانفوسا ومن معهم من أشباع منطاش ثلاثة أيام ثم هزموهم وقتل كمشيقا منهم أكثر من ثمانمائة وخرب كانفوسا فأصبحت خرابا وعمر القلعة وحصنها وشحنها بالاقوات وبعث الجوبانى العساكر إلى طرابلس وملكوها من يد قشتمر الاشرفى نائب منطاش من غير قتال وكذلك حماة وحمص ثم بعث الجوبانى نائب دمشق وكافل الممالك الشامية إلى يعبر ابن جبار أمير العرب باسلام منطاش واخراجه من أحيائه فامتنع واعتذر فبرز من دمشق بالعساكر ومعه الناصري وسائر الامراء ونهض إلى مصر فلما انتهوا إلى حمص أقاموا بها وبعثوا إلى يعبر يعتذرون إليه فلج واستكبر وحال دونه وبعث إليه اشمس خلال ذلك من دمشق بأن جماعة شيعة بندمر وجنتمر يرومون الثورة فركب الناصري إلى دمشق وكبسهم وأثخن فيهم ورجع إلى العسكر وارتحلوا إلى سلمية واستمر يعبر في
غلوائه وترددت الرسل بينهما فلم تغن ثم كانت بين الفريقين حرب شديدة وحملت العساكر على منطاش والعرب فهزموهم إلى الخيام واتبع دمرداش منطاش حتى جاوز به الحى وارتحلت العرب وحملوا بطانتهم على العسكر فلم يثبتوا لحملتهم وكان معهم آل(5/496)
على بجموعهم فنهبوهم من ورائهم وانهزموا وأفرد الجوبانى مماليكه فأسره العرب وسيق إلى يعبر فقتله ولحق الناصري بدمشق وأسر جماعة من الامراء وقتل منهم ايبقا الجوهرى ومأمون المعلم في عدد آخرين ونهب العرب مخيمهم وأثقالهم ودخل الناصري إلى دمشق فبات ليلته وباكر من الغد آل على في أحيائهم فكبسهم واستلحم منهم جماعة فثأر منهم بما فعلوه في الواقعة ثم بعث إليه السلطان بنيابة دمشق منتصف شعبان من السنة فقام بأمرها وأحكم التصريف في حمايتها والله تعالى يؤيد بنصره من يشاء من عباده * (اعادة محمود إلى استاذية الدار واستقلاله في الدولة) * هذا الرجل من ناشئة الترك وولدانهم ومن أعقاب كراى المنصوري منهم شب في ظل الدولة ومرعى نعمها ونهض بنفسه إلى الاضطلاع والكفاية وباشر كثيرا من أعمال الامراء والوزراء حتى أوفى على ثنية النجابة وعرضته الشهرة على اختيار السلطان فعجم عوده ونقد جوهره ثم الحق به اغراض الخدمة ببابه فأصاب شاكلة الرمية ومضى قدما في مذاهب السلطان مرهف الحد قوى الشكيمة فصدق ظنه وشكر اختياره ثم دفعه إلى معاينة الحبس وشد الدواوين من وظائف الدولة فجلا فيهما وهلك خلال ذلك استاذ الدار بهادر المنجكى سنة تسعين فأقامه السلطان مكانه قهرمانا لداره ودولته وانتضاره على دواوين الجباية من قراب اختياره ونقده جماعة للاموال غواصا على استخراج الحقوق السلطانية قارونا للكنوز اكسيرا للنقود مغناطيسا للقنية يسابق أقلام الكتاب ويستوفى تفاصيل الحساب بمدارك الهامه وتصور صحيح وحدس ثاقب
لا يرجع إلى حذاقة الكتاب ولا الاعمال بل يتناول الصعاب فيذللها ويحوم على الاغراض البعيدة فيقربها وربما يحاضر بذ كائه في العلوم فينفذ في مسائلها ويفحم جهابذتها موهبة من الله اختصه بها ونعمة أسبغ عليه لبوسها فقام بما دفع إليه السلطان من ذلك وأدر خروج الجباية فضاقت افنية الحواصل والخزائن بما تحصل وتسرب إليها وكفى السلطان مهمه في دولته ومماليكه ورجاله بما يسوغ لهم من نعمه ويوسع من أرزاقه وعطائه حتى أزاح عللهم بثوالى انفاقه وقرت عين السلطان باصطناعه وغص به الدواوين والحاشية ففوقوا إليه سهام السعاية وسلطوا عليه السنة المتظلمين فخاص من ذلك خلوص الابريز ولم تعلق به ظنة ولاحامت عليه ريبة ثم طرق الدولة ما طرقها من النكبة والاعتقال واودعته المحنة غيابات السجون وحفت به أنواع المكاره واصطلمت نعمته واستصفيت أمواله في المصادرة والامتحان حتى زعموا أن الناصري المتغلب يومئذ استأثر منه بخمسة قناطير من دنانير الذهب ومنطاش بعده بخمسة(5/497)
وخمسين ثم خلص ابريزه من ذلك السبك وأهل قمره بعد المحاق واستقل السلطان من نكبته وطلع بافق مصره وتمهد أريكة ملكه ودفعه لما كان بسبيله فأحسن الكرة في الكفاية لمهمه وتوسيع عطاياه وأرزاقه وتمكين أحوال دولته وتسربت الجباية من غير حساب ولا تقرير إلى خزائنه وأحسن النظر في الصرف والخرج بحزمه وكفايته حتى عادت الامور إلى أحسن معهودها بيمن تعبيته وسديد رأيه وصلابة عوده وقوة صرامته مع بذل معروفه وجاهه لمن تحت يده وبشاشته وكفايته لغاشيته وحسن الكرامة لمنتابه ومقابلة إليه بكرم مقاصده فأصبح طرازا للدولة وتاجا للخواص وقذفه المنافسون بخطا السعايات فزلت في جهات حلم السلطان وجميل اغتباطه وتثبته حتى أعيتهم المذاهب وانسدت عليهم الطرق ورسخت قدمه في الدولة واحتل من السلطان بكرم العهد والذمة ووثق بغنائه واضطلاعه فرمى إليه مقاليد
الامور وأوطأ عقبه أعيان الخاصة والجمهور وأفرده في الدولة بالنظر في الامور حسبانا وتقديرا وجمعا وتقريرا وكنزا موفرا وصرفا لا يعرف تبذيرا وبطرا وفى الانهاء بالعزل والاهانة مشهورا مع ما يمتاز به من الامر والشان وسمو مرتبته على مر الازمان وهو على ذلك لهذا العهد عند سفر السلطان إلى الشأم لمدافعة سلطان المغل كما مر ذكره والله متولى الامور لا رب غيره [ مسير منطاش ويعبر إلى نواحى حلب وحصارها ثم مفارقة يعبر وحصاره عنتاب ثم رجوعه ] ولما انهزمت العساكر بسلمية كما قلنا ارتحل يعبر في أحيائه ومعه منطاش وأصحابه إلى نواحى حلب وسار يعبر إلى بلد سرمين من اقطاعه ليقسمها في قومه على عادتهم وكان كمشيقا نائب حلب قد أقطعها لجند من التركمان في خدمته فلما وافاها يعبر هربوا إلى حلب فلقوا في طريقهم احمد بن المهدار في العساكر وقد نهض إلى يعبر فرجعوا عنه ولقيهم على بن يعبر فقاتلوه وهزموه وقتلوا بعض أصحابه صبرا ورجع يعبر إلى أحيائه وارتحلوا إلى حلب فحاصروها وضيقوا عليها أيام رمضان ثم راجع يعبر نفسه وراسل كمشيقا نائب حلب في الطاعة واعتذر عما وقع منه وطوق الذنب بالجوبانى وأصحابه أهل الواقعة وسال الامان مع حاجبه عبد الرحمن فأرسله كمشيقا إلى السلطان وأخبره بما اشترط يعبر فأجابه السلطان إلى سؤاله وشعر بذلك منطاش بمكانه من حصار حلب فارتاب وخادع يعبرا إلى الغارة على التركمان بقربهم فأذن للعرب في المسير معه وسار معه منهم سبعمائة فلما جاوز الدربند ارجلهم عن الخيل وأخذها ولحق بالتركمان ونرل بمرعش بلد أميرهم سولى ورجع العرب مشاة إلى يعبر فارتحل إلى سبيله راجعا وسار(5/498)
منطاش إلى عنتاب من قلاع حلب ونائبها محمد بن شهرى فملكها واعتصم نائبها بالقلعة أياما ثم ثبت منطاش وأثخن في أصحابه وقتل جماعة من أمرائه وكانت العساكر قد
جاءت من حلب وحماة وصفد لقتاله فهرب إلى مرعش وسار منها إلى بلاد الروم واضمحل أمره وفارقه جماعة من أصحابه إلى العساكر وراجعوا طاعة السلطان آخر ذى العقدة من سنة ثنتين وسبعين وبعث سولى بن دلقادر أمير التركمان في عشر ذى الحجة يستأمن إلى السلطان فأمنه وولاه على البلستين كما كان والله سبحانه وتعالى أعلم * (قدوم كمشيقا من حلب) * قد كان تقدم لنا أن كمشيقا الحموى رأس نوبة بيبقا كان نائبا بطرابلس وان السلطان عزله وحبسه بدمشق فلما استولى الناصري على دمشق أطلقه من الاعتقال وجاء في جملته إلى مصر فلما ولى على ممالك الشأم وأعمالها ولاه على حلب مكانه منتصف احدى وسبعين ولما استقل السلطان من النكبة وقصد دمشق كما مر أرسل كمشيقا إليه بطاعته ومشايعته على أمره وأظهر دعوته في حلب وما إليها من أعماله ثم سار السلطان إلى دمشق وحاصرها وامده كمشيقا بجميع ما يحتاج إليه ثم جاءه بنفسه في عساكر حلب صريخا وحمل إليه جميع حاجاته وازاح علله وأقام له رسوم ملكه وشكر السلطان أفعاله في ذلك وعاهده على اتابكية مصر ثم كانت الواقعة على شقحب فانهزم كمشيقا إلى حلب فامتنع بها وحاصره يمازتمر اتابك منطاش أشهرا كما مر ثم هرب منطاش من دمشق إلى العرب فأفرج يمازتمر عن حلب ثم كانت واقعة الجوبانى ومقتله وزحف منطاش ويعبر إلى حلب فحاصروها مدة ثم وقع الخلاف بينهما وهرب منطاش إلى بلاد التركمان ورجع يعبر الى بلده سلمية واستأمن إلى السلطان ورجع إلى طاعته منتصف شوال ولما أفرجوا عن حلب نزل كمشيقا من القلعة ورم خرابها وخرب بانقوسا واستلحم أهلها وأخذ في اصلاح اسوار حلب ورم ما ثلم منها وكانت خرابا من عهد هلاكو وجمع له أهل حلب ألف ألف درهم للنفقة فيه وفرغ منه لثلاثة أشهر ولما استوسق أمر السلطان وانتظمت دولته بعث إليه يستدعيه في شهر ذى الحجة سنة ثنتين
وتسعين وولى مكانه في حلب قراد مرداش نقله إليها من طرابلس وولى مكانه انيال الصغير فسار كمشيقا من حلب ووصل مصر تاسع صفر سنة ثلاث وتسعين فاهتز له السلطان وأركب الامراء للقائه مع النائب ثم دخل إلى السلطان فحياه وبالغ في تكرمته وتلقاه بالرحب ورفع مجلسه فوق الاتابك انيال وأنزله بيت منجك وقد هيأ فيه من الفرش والماعون والخرثي ما فيه للمنزل ثم بعث إليه بالاقمشة وقرب إليه(5/499)
الجياد بالمراكب النقيلة وتقدم للامراء أن يتحفوه بهداياهم فتناغوا في ذلك وجاؤا من وراء الغاية وحضر في ركابه من أمراء الشأم الطنبقا الاشرفى وحسن الكشكى فأكرمهما السلطان واستقر كمشيقا بمصر في أعلى مراتب الدولة إلى أن توفى انيال الاتابك في جمادى أربع وتسعين فولاه السلطان مكانه كما عاهده عليه بسقحب وجعل إليه نظر المارستان على عادة الاتابكية واستمر على ذلك لهذا العهد والله سبحانه وتعالى أعلم بغيبه * (استقدام ايتمش) * كان ايتمش النجاشي اتابك الدولة قد نكبه السلطان وسار في العساكر إلى الشأم منتصف ربيع احدى وتسعين لقتال الناصري وأصحابه لما انتقض عليه وكانت الواقعة بينهم بالمرج من نواحى دمشق وانهزمت العساكر ونجا ايتمش إلى قلعة دمشق ومعه كتب السلطان في دخولها متى اضطر إليه فامتنع بها وملكها الناصري من الغد بطاعة نائبها ابن الحمصى فوكل بايتمش وأقام حبيسا موسعا عليه ثم سار الناصري إلى مصر وملكها وعاد السلطان إلى كرسيه في صفر سنة ثنتين وتسعين كما فصل ذلك من قبل وايتمش في أثناء ذلك كله محبوس بالقلعة ثم زحف الجوبانى في جمادى الاخيرة وخلص ايتمش من اعتقاله وفتق مماليك السلطان السجن الذى كانوا فيه بقلعة دمشق وخرجوا واعصوصبوا على ايتمش قبل مجئ الجوبانى وبعث إليه بالخبر وبعث الجوبانى
إلى السلطان بمثل ذلك فتقدم إليه السلطان بالمقام بالقلعة حتى يفرغ من أمر عدوه ثم كان بعد ذلك واقعة الجوبانى مع منطاش والعرب ومقتله وولاية الناصري على دمشق مكانه ثم افترق العرب وفارقهم منطاش إلى التركمان وانتظمت ممالك الشأم في ملكة السلطان واستوسق ملكه واستفحلت دولته فاستدعى الامير ايتمش من قلعة دمشق وسار لاستدعائه قنوباى من مماليك السلطان ثامن ربيع الاول سنة ثلاث وتسعين ووصل إلى مصر رابع جمادى الاولى من السنة ووصل في ركابه حاجب الحجاب بدمشق ومعه الامراء الذين حبسوا بالشأم منهم جنتمر نائب دمشق وابنه وابن أخته واستاذ داره طنبقا ودمرداش اليوسفي نائب طرابلس والطنبقا الحلى والقاضى أحمد بن القريشي وفتح الدين بن الرشيد وكاتب السر في ست وثلاثين نفرا من الامراء وغيرهم ولما وصل ايتمش قابله السلطان بالتكرمة والرحب وعرض الحاجب المساجين الذى معه ووبخ السلطان بعضهم ثم حبسوا بالقلعة حتى نفذ فيهم قضاء الله وقتلوا مع غيرهم ممن أوجبت السياسة قتلهم والله تعالى مالك الامور لا رب سواه انتهى(5/500)
* (هدية افريقية) * كان السلطان قد حصل بينه وبين سلطان افريقية أبى العباس أحمد بن محمد بن أبى بكر بن أبى حفص الموحدي مودة والتئام وكانت كثيرا ما تجددها الهدايا من الجانبين ونذكرها ان شاء الله تعالى ولما بلغ الخبر إلى تونس بما كان نكبة السلطان وما كان من أمره امتعض له هذا السلطان بتونس وتفجع لشأنه وأقام يستطلع خبره ويستكشف من الجار التى تحضر إلى مصر من أهل تونس أنباءه حتى وقف على الجلى من أمره وما كيف الله من أسباب السعادة في خلاصه وعوده إلى كرسيه فملا السرور جوانحه وأوفد عليه بالتهنئة رسوله بهدية من المقربات على سبيل الوداد مع خالصة من كبراء الموحدين محمد بن على بن أبى هلال فوصل في العشر الاواخر من
رمضان سنة ثنتين وتسعين فتلقاه السلطان بالكرامة وركب محمود استاذ داره ليتلقاه عند نزوله من البحر بساحل بولاق وأنزل ببيت طشتمر بالرميلة قبالة الاصطبل وأجريت عليه النفقة بما لم يجر لامثاله ورغب من السلطان في الحج فحج وأصحب هدية إلى مرسله من ثياب الوشى والديباج والسلاح بما لم يعهده مثلها وانصرف آخر ربيع سنة ثلاث وتسعين والله تعالى أعلم بغيبه * (حصار منطاش دمشق ومسير السلطان من مصر إليه وفراره ومقتل الناصري) * لم يزل منطاش شريدا عند التركمان منذ فارق العرب ولما كان منتصف سنة ثلاث وتسعين اعتزم على قصد دمشق ويقال ان ذلك كان باغراء الناصري يخادعه بذلك ليقبض عليه فسار منطاش من مرعش على نواحى حلب وتقدم خبره إلى حماة فهرب نائبها إلى طرابلس ودخل منطاش حماة ونادى فيها بالامان ثم سار منها إلى حمص كذلك ثم إلى بعلبك وهرب نائبها إلى دمشق فخرج الناصري نائب دمشق في العساكر لمدافعته وسار على طريق الريدانى فخالفه منطاش إلى دمشق وقدم إليها أحمد شكار بن أبى بندمر فثار شيعة الخوارزمية والبندمرية وفتحوا له أبواب البلد ومر باصطبلات فقاد منها نحوا من ثمانمائة فرس وجاء منطاش من الغد على أثره فنزل بالقصر الابلق وأنزل الامراء الذين معه في البيوت حوالى القصر وفي جامع شكن وجامع بيبقا وشرع في مصادرة الناس والفريضة عليهم وأقام يومه في ذلك وإذا بالناصري قد وصل في عساكره فاقتتلوا عشية ذلك اليوم مرات ومن الغد كذلك وأقام كل واحد منهما في حومته والقتال متصل بينهما سائر رجب وشعبان ولما بلغ الخبر إلى السلطان ارتاب بالناصري واتهمه بالمداهنة في أمر(5/501)
منطاش وتجهز لقصد الشأم ونادى في العساكر بذلك عاشر شعبان وقتل أهل الخلاف من الامراء المحبوسين وأشخص البطالين من الامراء إلى الاسكندرية
ودمياط وخرج يوم عشرى شعبان فخيم بالريدانية حتى أزاح علل العساكر وقضوا ما جاتهم واستخلف على القاهرة الاتابك كمشيقا الحموى وأنزله الاصطبل وجعل له التصرف في التولية والعزل وترك بالقاهرة من الامراء جماعة لنظر الاتابك وتحت أمره وأنزل النائب سودون بالقلعة وترك بها ستمائة من مماليكه الاصاغر وأخرج معه القضاة الاربعة والمفتين وارتحل غرة رمضان من السنة بقصد الشأم وجاء الخبر رابع الشهر بأن منطاش لما بلغه مسيرة السلطان من مصر هرب من دمشق منتصف شعبان من عنقا بن أمير آل مراء الصريخ منطاش فكانت بينهما وقعة انهزم فيها الناصري وقتل جماعة من أمراء الشأم نحو خمسة عشر فيهم ابراهيم بن منجك وغيره ثم خرج الناصري من الغد في اتباع منطاش وقد ذكر له أن الفلاحين نزعوا من نواحى دمشق واحتاطوا به فركب إليه منطاش ليقاتله ففارفه أتابكه يمازتمر إلى الناصري في أكثر العساكر وولى هاربا ورجع الناصري إلى دمشق وأكرم يمازتمر وأجمل له الوعد وجاءه الخبر بأن السلطان قد دخل حدود الشأم فسار ليلقاه فلقيه بقانون وبالغ السلطان في تكرمته وترجل حين نزوله وعانقه واركبه بقربه ورده إلى دمشق ثم سار في أثره إلى أن وصل دمشق وخرج الناصري ثانية ودخل إلى القلعة ثانى عشر رمضان من السنة والامراء مشاة بين يديه والناصري راكب معه يحمل الخبز على رأسه وبعث يعبر في كتاب نائب حماة بالعذر عما وقع منه وانه اتهم الناصري في أمر منطاش فقصد حسم الفتنة في ذلك واستأمن السلطان وضمن له احضار منطاش من حيث كان فأمنه وكتب إليه باجابة سؤاله ولما قضى عيد الفطر برز من دمشق سابع شوال إلى حلب في طلب منطاش ولقيه أثناء طريقه رسول سولى بن دلقادر أمير التركمان بهديته واستئمانه وعذره عن تعرضه لسيس وانه يسلمها لنائب حلب فقيل السلطان منه وأمنه ووعده بالجميل ثم وفد عليه أمراء آل مهنا وآل عيسى في الطاعة ومظاهرة السلطان على منطاش ويعبر وأنهما نازلان بالرحبة من تخوم الشأم فأكرم السلطان
وفادتهم وتقبل طاعتهم وسار إلى حلب ونزل بالقلعة منها ثانى شوال ثم وصل الخبر إلى السلطان بأن منطاش فارق يعبرا ومر ببلاد ماردين فواقعته عساكر هناك وقبضوا على جماعة من أصحابه وخلص هو من الواقعة إلى سالم الرود كارى من أمراء التركمان فقبض عليه وأرسل إلى السلطان يطالعه بشأنه ويطلب بعض أمراء السلطان قراد مرداش نائب حلب في عساكره إلى سالم الرود كارى لاحضار منطاش واتبعه(5/502)
بالناصري وأرسل الاتابك إلى ماردين لاحضار من حصل من أصحاب منطاش وانتهى انيال إلى رأس العين وأتى أصحاب سلطان ماردين وتسلم منهم أصحاب منطاش وكتب سلطانهم بأنه معتمل في مقاصد السلطان ومرتصد لعدوه وانتهى قراد مرداش إلى سالم الرودكارى وأقام عنده أربعة أيام في طلب منطاش وهو يماطله فأغار قراد مرداش عليه ونهب أحياءه وفتك في قومه وهرب هو ومنطاش إلى سنجار وجاء الناصري على أثر ذلك ونكر على دمرداش ما أتاه وارتفعت الملاجة بينهما حتى هم الناصري به ورفع الآلة بضربه ولم يحصل أحد منهم بطائل ورجعوا بالعساكر إلى السلطان وكتب إليه سالم الرودكارى بالعذر عن أمر منطاش وأن الناصري كتب إليه وأمره بالمحافظة على منطاش وأن فيه زبونا للترك فجلس السلطان بالقلعة جلوسا ضخما سادس ذى الحجة من السنة واستدعى الناصري فوبخه ثم قبض عليه وعلى ابن أخيه كشلى ورأس نوبة شيخ حسن وعلى أحمد بن الهمدار الدى أمكنه من قلعة حلب وأمر بقتله وقشتمر الاشرفى الذى وصل من ماردين معهم وولى على نيابة دمشق مكانه بطا الدوادار وأعطى اقطاعه لقراد مرداش وأمره بالمسير إلى مصر وولى مكانه بحلب حلبان رأس نوبة وولى أبا يزيد دوادار مكان بطا ورعى له وسائله في الخدمة وتردده في السفارة بينه وبين الناصري أيام ملك الناصري وأجلب على مصر وأشار عليه الناصري بالانتفاء كما ذكرناه فاختفى عند أصحاب أبى يزيد هذا بسعايته في ذلك ثم ارتحل
من حلب ووصل إلى دمشق منتصف ذى الحجة وقتل بها جماعة من الامراء أهل الفساد يبلغون خمسة وعشرين وولى على العرب محمد بن مهنا وأعطى اقطاع يعبر لجماعة من التركمان وقفل إلى مصر ولقيه الاتابك كمشيقا والنائب سودون والحاجب سكيس ثم دخل إلى القلعة على التعبية منتصف المحرم سنة أربع وتسعين في يوم مشهود ووصل الخبر لعاشر دخوله بوفاة بطا نائب دمشق فولى مكانه سودون الطرنطاى ثم قبض في منتصف صفر على قراد مرداش الاحمدي وهلك في محبسه وقبض على طنبقا المعلم وقردم الحسينى وجاء الخبر أواخر صفر من السنة بأن جماعة من المماليك مقدمهم ايبقادوا دار بذلار لما هلك بطا واضطرب أصحابه وهرب بعضهم عمد هؤلاء المماليك إلى قلعة دمشق وهجموا عليها وملكوها ونقبوا السجن وأخرجوا المعتقلين به من أصحاب الناصري ومنطاش وهم نحو المائة وركبت العساكر إليها وحاصروها ثلاثا ثم هجموا على الباب فاحرقوه ودخلوا إلى القلعة فقبضوا عليهم أجمعين وقتلوهم ايبقادوا دار بذلار في خمسة نفر وانحسمت عللهم ثم وصل الخبر آخر شعبان من السنة بوفاة سودون الطرنطاى فولى السلطان مكانه كمشقا(5/503)
الاشرفى أمير مجلس وولى مكان كمشيقا أمير شيخ الخاجكى انتهى والله سبحانه وتعالى أعلم * (مقتل منطاش) * كان منطاش فر مع سالم الرود كارى إلى سنجار وأقام معه أياما ثم فارقه ولحق بيعبر فأقام في أحيائه وأصهر إليه بعض أهل الحى بابنته فتزوجها وأقام معهم ثم سار أول رمضان سنة أربع وتسعين وعبر الفرات إلى نواحى حلب وأوقعت به العساكر هناك وهزموهم وأسروا جماعة من أصحابه ثم طال على يعبر أمر الخلاف وضجر قومه من افتقاد الميرة من التلول فأرسل حاجبه يسال الامان وأنه يمكن من منطاش على أن يقطع أربع بلاد
منها المعرة فكتب له الدوادار أبو يزيد على لسانه بالاجابة إلى ذلك ثم وفد محمد بن سنة خمس وتسعين فأخبر أنه كان مقيما بسلمية في أحيائه ومعه التركمان المقيمون بشيزر فركبوا إليهم وهزموهم وضرب بعض الفرسان منطاش فاكبه وجرحه ولم يعرف في المعركة اسوء صورته بما أصابه من الشظف والحفاء فأردفه ابن يعبر ونجا به وقتل منهم جماعة منهم ابن بردعان وابن انيال وجئ برؤسهما إلى دمشق وأوعز السلطان إلى أمراء الشأم أن يخرجوا بالعساكر وينفوه إلى أطراف البلاد لحمايتها حتى يرفع الناس زروعهم ثم زحف يعبر ومنطاش في العساكر أول جمادى لاخيرة من السنة إلى سلمية فلقيهم نائب حلب ونائب حماة فهزموهما ونهبوا حماه وخالفهم نائب حلب إلى أحياء يعبر فأغار عليها ونهب سوادها وأموالها واستاق نعمها ومواشيها وأضرم النار فيما بقى وأكمن لهم ينتظر رجوعهم وبلغهم الخبر بحماة فأسرعوا الكر إلى أحيائهم فخرج عليهم الكمناء واثخنوا فيهم وهلك بين الفريقين خلق من العرب والامراء والمماليك ثم وفد على السلطان أواخر شعبان عامر بن طاهر بن جبار طائعا للسلطان ومنابذا لعمه وذكوان بن بعبر على طاعة السلطان وانهم يمكنون من منطاش متى طلب منهم فأقبل عليه السلطان وأثقل كاهله بالاحسان والمواعيد ودس معه إلى بنى يعبر بامضاء ذلك ولهم ما يختارونه فلما رجع عامر ابن عمهم طاهر بمواعيد السلطان تفاوضوا مع آل مهنا جميعا ورغبوهم فيما عند السلطان ما هم فيه من الضنك وسوء العيش بالخلاف والانحراف عن الطاعة وعرضوا على يعبر بان يجيبهم إلى احدى الحسنيين من امساك منطاش أو تخلية سبيلهم إلى طاعة السلطان ويفارقهم هو إلى حيث شاء من البلاد فجزع لذلك ولم يسعه خلافهم وأذن لهم في القبض على منطاش وتسليمه إلى نواب السلطان فقبضوا عليه وبعثوا إلى نائب حلب(5/504)
فيمن يتسلمه واستحلفوه على مقاصدهم من السلطان لهم ولابيهم يعبر فحلف لهم وبعث
إليهم بعض أمرائه فامكنوه منه وبعثوا معه الفرسان والرجالة حتى أوصلوه ودخل إلى حلب في يوم مشهود وحبس بالقلعة وبعث السلطان أميرا من القاهرة فاقتحمه وقتله وحمل رأسه وطاف به في ممالك الشأم وجاء به إلى القاهرة حادي عشر رمضان سنة خمس وتسعين فعلقت على باب القلعة ثم طيف بها مصر والقاهرة وعلقت على باب زويلة ثم دفعت إلى أهله فدفنوها آخر رمضان من السنة والله وارث الارض ومن عليها وهو خير الوارثين * (حوادث مكة) * قد كان تقدم لنا أن عنان بن مقابس ولاه السلطان على مكة بعد مقتل محمد بن أحمد بن عجلان في موسم سنة ثمان وثمانين وان كنيش بن عجلان أقام على خلافه وحاصره بمكة فقتل في حومة الحرب سنة تسع بعدها وساء أثر عنان وعجز عن مغالبة الاشراف من بنى عمه وسواهم وامتدت أيديهم إلى أموال المجاورين وصادروهم عليها ونهبوا الزرع الواصل في الشوانى من مصر إلى جدة للسلطان والامراء والتجار ونهبوا تجار اليمن وساءت أحوال مكة بهم وبتابعهم وطلب الناس من السلطان اعادة بنى عجلان لامارة مكة ووفد على السلطان بمصر سنة تسع وثمانين صبى من بنى عجلان اسمه على فولاه على امارة مكة وبعثه مع أمير الحاج وأوصاه بالاصلاح بين الشرفاء ولما وصل الامير إلى مكة يومئذ قرقماس خشى الاشراف منه واضطرب عنان وركب للقائه ثم توجس الخيفة وكر راجعا واتبع الاشراف واجتمعوا على منابذة على بن عجلان وشيعته من القواد والعبيد ووفد عنان بن مقامس على السلطان سنة تسعين فقبض عليه وحبسه ولم يزل محبوسا إلى أن خرج مع بطا عند ثورته بالقلعة في صفر سنة ثنتين وتسعين وبعثه مع أخيه ايبقا يستكشف خبر السلطان كما مر وانتظم أمر السلطان بسعاية بطا في العود إلى امارته رعيا لما كان بينهما من العشرة في البحر وأسعفه السلطان بذلك وولاه شريكا لعلى بن عجلان في الامارة فأقاما كذلك سنتين وأمرهما مضطرب والاشراف
معصوصبون على عنان وهو عاجز عن الضرب على أيديهم وعلى بن عجلان مع القواد والعبيد كذلك وأهل مكة على وجل من أمرهم في ضنك من اختلاف الايدى عليهم ثم استقدمهم السلطان سنة أربع وتسعين فقدموا أول شعبان من السنة فأكرمهما ورفع مجلسهما ورفع مجلس على على سائرهم ولما انقضى الفطر ولى على بن عجلان مستقلا واستبلغ في الاحسان إليه بأصناف الاقمشة والخيول والممالك والحبوب وأذن له في الجراية والعلوفة فوق الكفاية ثم ظهر عليه بعد شهر وقد أعد(5/505)
الرواحل ليلحق بمكة هاربا فقبض عليه وحبسه بالقلعة وسار على بن عجلان إلى مكة وقبض على الاشراف لتستقيم امارته ثم خودع عنهم فأطلقهم فنفروا عنه ولم يعاودوا طاعته فاضطرب أمره وفسد رأيه وهو مقيم على ذلك لهذا العهد والله غالب على أمره انه على كل شئ قدير [ وصول أحياء من التتر وسلطانهم إلى صاحب بغداد واستيلاؤه عليها ومسير السلطان بالعساكر إليه ] كان هؤلاء التتر من شعوب الترك وقد ملكوا جوانب الشرق من تخوم الصين إلى ما وراء النهر ثم خوارزم وخراسان وجانبيها إلى سجستان وكرمان جنوبا وبلاد القفجاق وبلغار شمالا ثم عراق العجم وبلاد فارس واذربيجان وعراق العرب والجزيرة وبلاد الروم إلى ان بلغوا حدود الفرات واستولوا على الشأم مرة بعد أخرى كما تقدم في أخبارهم ويأتى ان شاء الله تعالى وكان أول من خرج منهم ملكهم جنكز خان أعوام عشر وستمائة واستقلوا بهذه الممالك كلها ثم انقسمت دولته بين بنيهم فيها فكان لبنى دوشى خان منهم بلاد القفجاق وجانب الشمال بأسره ولبنى هلاكو بن طولى خان خراسان والعراق وفارس واذربيجان والجزيرة والروم ولبنى جفطاى خوارزم وما إليها واستمرت هذه الدول الثلاث إلى هذا العهد في مائة وثمانين لسنة انقرض فيها ملك
بنى هلاكو في سنة أربعين من هذه المائة بوفاة أبى سعيد اخرهم ولم يعقب وافترق ملكه بين جماعة من أهل دولته في خراسان واصبهان وفارس وعراق العرب واذربيجان وتوريز وبلاد الروم فكانت خراسان للشيخ ولى واصبهان وفارس وسجستان للمظفر الازدي وبنيه وخوارزم واعمالها إلى تركستان لبنى جفطاى وبلاد الروم لبنى ارشا مولى من موالى دمرداش بن جوبان وبغداد واذربيجان والجزيرة للشيخ حسن بن حسين بن أيبغا بن ايكان وايكان سبط ارغو بن ابغا بن هلاكو ولبنيه وهو من كبار المغل في نسبه ولم يزل ملكهم المفترق في هذه الدول متناقلا بين أعقابهم إلى أن تلاشى واضمحل واستقر ملك بغداد واذربيجان والجزيرة لهذا العهد لاحمد بن أويس ابن الشيخ حسن سبط ارغو كما في أخبار يأتي شرحها في دول التتر بعد ولما كان في هذه العصور ظهر بتركستان وبخاري فيما وراء النهر أمير اسمه تمر في جموع من المغل والتتر ينسب هو وقومه إلى جفطاى لا أدرى هو جفطاى بن جنكزخان أو جفطاى آصخر من شعوب المغل والاول أقرب لما قدمته من ولاية جفطاى بن جنكزخان على بلاد ما وراء النهر لعهد أبيه وان اعترض معترض بكثرة هذا الشعب الذى مع تمر وقصر المدة أن هذه المدة من لدن جفطاى تقارب مائتي سنة لان جفطاى كان لعهد أبيه جنكزخان(5/506)
يقارب الاربعين فهذه المدة أزيد من خمسة من العصور لان العصر أربعون سنة وأقل ما يتناسل من الرجل في العصر عشرة من الولد فإذا ضوعفت العشرة بالضرب خمس مراتب كانت مائة ألف وان فرضنا أن المتناسلين تسعة لكل عصر بلغوا في الخمسة عصور إلى نحو من سبعين ألفا وان جعلناها ثمانية بلغوا فوق الاثنين وثلاثين وان جعلناهم سبعة بلغوا ستة عشر ألفا والسبعة أقل ما يمكن من الرجل الواحد لاسيما مع البداوة المقتضية لكثرة النسل والستة عشر ألفا عصابة كافية في استتباع غيرها من العصائب حتى تنتهى إلى غاية العساكر ولما ظهر هذا فيما وراء النهر عبر إلى خراسان
فملكها من يد الشيخ ولى صاحبها أعوام أربعة وثمانين بعد مراجفات وحروب وهرب الشيخ ولى إلى توريز فعمد إليه تمر في جموعه سنة سبع وثمانين وملك توريز واذربيجان وخربها وقتل الشيخ ولى في حروبه ومر باصبهان فأعطوه طاعة معروفة واطل بعد توريز على نواحى بغداد فأرجفوا منه وواقعت عساكره باذربيجان جموع الترك أهل الجزيرة والموصل وكانت الحروب بينهم سحالا ثم تأخر إلى ناحية اصبهان وجاءه الخبر بخارج خرج عليه من قومه يعرف بقمر الدين تطمش ملك الشمال من بنى دوشى خان ابن جنكز خان وهو صاحب كرسى صراى أمده بأمواله وعساكره فكر راجعا إلى بلده وعميت أنباؤه إلى سنة خمس وتسعين ثم جاءت الاخبار بأنه غلب قمر الدين الخارج عليه ومحا أثر فساده واستولى على كرسى صراى فكر تمر راجعا وملكها ثم خطى إلى اصبهان وعراق العجم وفارس وكرمان فملك جميعها من يد بنى المظفر اليزدى بعد حروب هلك فيها ملوكهم وبددت جموعهم وراسله صاحب بغداد أحمد بن أويس وصانعه بالهدايا والتحف فلم يغن عنه وما زال يخادعه بالملاطفة والمراسلة إلى ان فتر عزم أحمد وافترقت عساكره فصمد إليه يغذ السير حتى انتهى إلى دجلة وسبق النذير إلى أحمد فأسرى من ليله ومر بجسر الحلة فقطعه وصبح مشهد على ووافى تمر وعساكره دجلة يوم الحادى والعشرين من شوال سنة خمس وتسعين وأجازوا دجلة سبحا ودخلوا بغداد واستولوا عليها وبعث العساكر في اتباع أحمد فلحقوا باعقابه وخاضوا إليه النهر عند الجسر المقطوع وأدركوه بالمشهد فكر عليهم في جموعه وقتل الامير الذى كان في اتباعه ورجعوا عنه بعد أن كانوا استولوا على جميع أثقاله ورواحله بما فيها من الاموال والذخيرة فرجعوا بها ونجا أحمد إلى الرحبة من تخوم الشأم فأراح بها وطالع نائبها السلطان بأمره فأخرج إليه بعض خواصه بالنفقات والازواد ليستقدمه فقدم به إلى حلب آخر ذى القعدة فأراح بها وطرقه مرض أبطأ به عن مصر وجاءت الاخبار بأن تمر عاث في مخلفه واستصفى ذخائره واستوعب موجود أهل بغداد بالمصادرات لاغنيائهم(5/507)
وفقرائهم حتى مستهم الحاجة وأقفرت جوانب بغداد من العيث ثم قدم أحمد بن أويس على السلطان بمصر في شهر ربيع سنة ست وتسعين مستصرخا به على طلب ملكه والانتقام من عدوه فأجاب السلطان صريخه ونادى في عساكره بالتجهيز إلى الشأم وقد كان تمر بعد ما استولى على بغداد زحف في عساكره إلى تكريت فأولى المخالفين وعثاء الحرابة ورصد السابلة وأناخ عليها بجموعه أربعين يوما فحاصرها حتى نزلوا على حكمه وقتل من قتل منهم ثم خربها وأسرها ثم انتشرت عساكره في ديار بكر إلى الرها ووقفوا عليها ساعة من نهار فملكوها واشفوا نعمتها وافترق أهلها وبلغ الخبر إلى السلطان فخيم بالريدانية أياما أزاح فيها علل عسكره وأفاض العطاء في مماليكه واستوعب الحشد من سائر أصناف الجند واستخلف على القاهرة النائب مودود وارتحل إلى الشأم على التعبية ومعه أحمد بن أويس صاحب بغداد بعد أن كفاه مهمه وسرب النفقات في تابعه وجنده ودخل دمشق آخر جمادى الاولى وقد كان أوعز إلى جلبان نائب حلب بالخروج إلى الفرات واستيعاب العرب والتركمان للاقامة هنالك رصدا للعدو فلما وصل إلى دمشق وفد عليه جلبان وطالعه بمهماته وما عنده من أخبار القوم ورجع لانفاذ أوامره والفصل فيما يطالعه فيه وبعث السلطان على أثره العساكر مددا له مع كمشيقا الاتابك وتلكمش أمير سلاح وأحمد بن بيبقا وكان العدو قد شغل بحصار ماردين فأقام عليها أشهرا ثم ملكها وعاثت عساكره فيها وامتنعت عليه قلعتها فارتحل عنها إلى ناحية بلاد الروم ومر بقلاع الاكراد فأغارت عساكره عليها واكتسحت نواحيها والسلطان لهذا العهد وهو شعبان سنة ست وتسعين مقيم بدمشق مستجمع للوثبة به متى استقبل جهته والله ولى الامور وهذا آخر ما انتهت إليه دولة الترك بانتهاء الايام وما يعلم أحد ما في غد والله مقدر الامور وخالقها(5/508)
[ الخبر عن دولة بنى رسول مولى بنى أيوب الملوك باليمن بعدهم ومبدا أمرهم وتصاريف أحوالهم ] قد كان تقدم لنا كيف استولى بنو أيوب على اليمن واختلف عليها الولاة منهم إلى أن ملكها من بنى المظفر شاهنشاه بن أيوب حافده سليمان بن ابن المظفر وانتقض أيام العادل سنة ثنتى عشرة وستمائة فأمر العادل ابنه الكامل خليفته على مصر أن يبعث ابنه يوسف المسعود إلى اليمن وهو أخو الصالح ويلقب بالتركي اطس ويقال اقسنس وقد تقدم ذكر هذا اللقب فملكها المسعود من يد سليمان وبعث به معتقلا إلى مصر وهلك في جهاد الافرنج بدمياط سنة سبع وأربعين وهلك العادل أخو المسعود سنة خمس عشرة وستمائة وولى بعده ابنه الكامل وجدد العهد المسعود على اليمن وحج المسعود سنة تسع عشرة وكان من خبره في تأخير أعلام الخليفة عن اعلامه مأمر في أخبار دولتهم ثم جاء سنة عشرين إلى مكة وأميرها حسن بن قتادة من بنى مطاعن احدى بطون بنى حسن فجمع لقتاله وهزمه المسعود وملك مكة وولى عليها ورجع إلى اليمن فأقام به ثم طرقه المرض سنة ست وعشرين فارتحل إلى مكة واستخلف على اليمن على بن رسول التركماني أستاذ داره ثم هلك المسعود بمكة لاربع عشرة سنة من ملكه وبلغ خبر وفاته إلى أبيه وهو محاصر دمشق ورجع ابن قتادة إلى مكة ونصب على بن رسول على اليمن موسى بن المسعود ولقبه الاشرف واقام مملكا على اليمن إلى ان خلع وخلف المسعود ولد آخر اسمه يوسف ومات وخلفه ابنه واسمه موسى وهو الذى نصبه الترك بعد ايبك ثم خلعوه ثم خلع على بن رسول موسى الاشرف بن المسعود واستبد بملك اليمن وأخذ بدعوة الكامل بمصر وبعث أخويه رهنا على الطاعة ثم هلك سنة تسع وعشرين وولى ابنه المنصور عمر بن على بن رسول ولما هلك على بن منصور ولى بعده الكامل ابنه عمر ثم توفى الكامل سنة خمس وثلاثين وشغل بنو أيوب بالفتنة بينهم فاستغلظ سلطان عمر باليمن وتلقب المنصور ومنع الاتاوة التى كان يبعث بها
إلى مصر فأطلق صاحب مصر العادل بن الكامل عمومته الذين كان أبوه رهنهم على الطاعة لينازعوه في الامر فغلبهم وحبسهم وكان أمر الزيدية بصفد قد خرج من بنى الرسى وصار لبنى سليمان بن داود كما مر في اخبارهم ثم بويع من بنى الرسى أحمد ابن الحسين من بنى الهادى يحيى بن الحسن بن القاسم الرسى بايع له الزيدية بحصن ملا وكانوا من يوم أخرجهم السليمانيون من صفد قد أووا إلى جبل مكانه فلما بويع أحمد بن الحسين هذا لقبوه الموطئ وكان تحصن بملا وكان الحديث شائعا بين الزيدية بأن الامر يرجع إلى بنى الرسى وكان أحمد فقيها أديبا عالما بمذهب الزيدية(5/510)
مجتهدا في العبادة وبويع سنة خمس وأربعين وستمائة وأهم عمر بن رسول شأنه فشمر لحربه وحاصره بحصن ملامدة ثم أفرج عنه وجهز العساكر لحصاره من الحصون المجاورة له ولم يزل قائما بأمره إلى أن وثب عليه سنة ثمان وأربعين جماعة من مماليكه بممالاة بنى أخيه حسن فقتلوه لثمان عشرة سنة من ولاية المظفر يوسف بن عمر ولما هلك المنصور على بن رسول كما قلناه قام بالامر مكانه ابنه المظفر شمس الدين يوسف وكان عادلا محسنا وفرض الاتاوة عليه لملوك مصر من الترك لما استقلوا بالملك وما زال يصانعهم بها ويعطيهم اياها وكان لاول ملكه امتنع عليه حصن الدملوة فشغل بحصار وتمكن أحمد الموطئ الثائر بحصن ملا من الزيدية من أعقاب بنى الرسى فملك عشرين حصنا من حصون الزيدية وزحف إلى صفد فملكها من يد السليمانيين ونزل له أحمد المتوكل امام الزيدية منهم فبايعه وأمنه ولما كانوا في خطابة لم يزل في كل عصر منهم امام كما ذكرناه في اخبارهم قبل ولم يزل المظفر واليا على اليمن إلى أن هلك بغتة سنة أربع وتسعين لست وأربعين سنة من ملكة الاشرف عمر بن المظفر يوسف ولما هلك المظفر يوسف كما قلناه وولى بعده ابنه الاشرف ممهد الدين عمر وكان أخوه داود واليا على الشحر فدعا لنفسه ونازعه الامر فبعث الاشرف عساكره وقاتلوه وهزموه وقبضوا
عليه وحبسه واستمر الاشرف في ملكه إلى أن سمته جاريته فمات سنة ست وتسعين لعشرين شهرا من ولايته أخوه داود بن المظفر المؤيد يوسف ولما هلك الاشرف بن عمر بن المظفر يوسف أخرج أخاه مؤيد الدين داود من معتقله وولوه عليهم ولقبوه المؤيد وافتتح أمره بقتل الجارية التى سمت أخاه وما زال يواصل ملوك الترك بهداياه وصلاته وتحفه والضريبة التى قررها سلفه وانتهت هديته سنة احدى عشرة وسبعمائة إلى مائتي وقر بعير بالثياب والتحف وطرف اليمن ومائتين من الجمال والخيل ثم بعث سنة خمس عشرة بمثل ذلك وفسد ما بينه وبين ملوك الترك بمصر وبعث بهديته سنة ثمان عشرة فردوها عليه هلك سنة احدى وعشرين وسبعمائة لخمس وعشرين سنة من ملكه وكان فاضلا شافعي المذهب وجمع الكتب من سائر الامصار فاشتملت خزانته على مائة ألف مجلد وكان يتفقد العلماء بصلاته ويبعث لابن دقيق العيد فقيه الشافعية بمصر جوائزه ولما توفى المؤيد داود سنة احدى وعشرين كما قلناه قام بملكه ابنه المجاهد سيف الدين على ابن ثنتى عشرة سنة والله وارث الارض ومن عليها * (ثورة جلال الدين بن عمر الاشرف وحبسه) * ولما ملك المحاهد على شغل بلذاته وأساء السيرة في أهل المناصب الدينية بالعزل والاستبدال بغير حق فنكره أهل الدولة وانتقض عليه جلال الدين ابن عمه عمر(5/511)
الاشرف وزحف إليه وكانت بينهما حروب ووقائع كان النصر فيها للمجاهد وغلب على جلال الدين وحبسه والله تعالى أعلم * (ثورة جلال الدين ثانيا وحبس المجاهد وبيعة المنصور أيوب بن المظفر يوسف) * وبعد أن قبض المجاهد على جلال الدين ابن عمه الاشرف وحبسه لم يزل مشتغلا بلهوه عاكفا على لذاته وضجر منه أهل الدولة وداخلهم جلال الدين في خلعه فوافقوه فرحل إلى سنة ثنتين وعشرين فخرج جلال الدين من محبسه وهجم عليه
في بعض البساتين وفتك بحرمه وقبض عليه وبايع لعمه المنصور أيوب بن المظفر يوسف واعتقل المجاهد عنده في نفر وأطلق جلال الدين ابن عمه والله تعالى أعلم بغيبه [ خلع المنصور أيوب ومقتله وعود المجاهد إلى ملكه ومنازعة الظاهر بن المنصور أيوب له ] ولما جلس المجاهد بقلعة تغز واستقل المنصور بالملك اجتمع شيعة المجاهد وهجموا على المنصور في بيته بتغز وحبسوه وأخرجوا المجاهد وأعادوه إلى ملكه ورجع أهل اليمن لطاعته وكان أسد الدين عبد الله بن المنصور أيوب بالدملوة فعصى عليه وامتنع بها وكتب إليه المجاهد يهدده بقتل أبيه فلج واتسع الخرق بينهما وعظمت الفتنة وافترق عليهما العرب وكثر عينهم وكثر الفساد وبعث المنصور من محبسه إلى ابنه عبد الله ان يسلم الدملوة خوفا على نفسه من القتل فأبى عبد الله من ذلك وأساء الرد على أبيه ولما يئس المجاهد منه قتل أباه المنصور أيوب بن المظفر في محبسه واجتمع أهل الدملوة وكبيرهم الشريف ابن حمزة وبايعوا أسد الدين عبد الله بن المنصور أيوب وبعث عسكرا مع الشهاب الصفوى إلى زبيد فحاصروها وفتحوها وجهز المجاهد عساكره إليها مع فائده على بن الدوادار ولما قاربوا زبيد أصابهم سيل وبيتهم أهل زبيد فنالوا منهم وأسروا أمراءهم واتهم المجاهد قائده على بن الدوادار بمداخلة عدوه فكتب إليه أن يسير إلى عدن لتحصيل مواليها وكتب إلى والى عدن بالقبض عليه ووقع الكتاب بيد الظاهر فبعث به إلى الدوادار فرجع إلى عدن وحاصرها وفتحها وخطب بها للظاهر سنة ثلاث وعشرين وملك عدن بعدها ثم استمال صاحب صنعاء وحوض فقاموا بدعوة الظاهر وبعث المجاهد إلى مذحج والاكراد يستنجدهم فلم ينجدوه وهو بحصن المعدية وكتب الظاهر إلى أشراف مكة وقاضيها نجم الدين الطبري بأن الامر قد استقر له باليمن والله تعالى ولى التوفيق لا رب سواه * (وصول العساكر من مصر مددا للمجاهد واستيلاؤه على امره وصلحه مع الظاهر) *
ولما غلب الظاهر بن المنصور أيوب على قلاع اليمن وانتزعها من المجاهد وحاصره بقلعة(5/512)
المعدية بعث المجاهد سنة أربع وعشرين بصريخه إلى السلطان بمصر من الترك الناصر محمد بن قلاون سنة خمس وعشرين فبعث إليه العساكر مع بيبرس الحاجب وانيال من أمراء دولته ووصلوا إليه سنة خمس وعشرين فسار إليهم المجاهد من حصن المعدية بنواحي عدن إلى تغز فاستأمن إليه أهلها فأمنهم وراسلوا الظاهر في الصلح فأجاب على أن تكون له الدملوة وتحافلوا على ذلك وطلب أمراء الترك الشهاب الصفوى الذى أنشأ الفتنة بين المجاهد والظاهر فامتنع من اجابتهم فركب بيبرس وهجم عليه في خيمته وقتله بسوق الخيل بتغز وأثخنوا في العصاة على المجاهد في كل ناحية حتى أطاعوا وتمهد له الملك ورجعت العساكر إلى مصر سنة ست وعشرين والله سبحانه وتعالى أعلم * (نزول الظاهر للمجاهد عن الدملوة ومقتله) * ولما استقام الامر للمجاهد باليمن واستخلفه الظاهر على الدملوة أخذ المجاهد في تأنيسه واحكام الوصلة به حتى اطمأن وهو يفتل له في الذروة والغارب حتى نزل له عن الدملوة وولى عليها من قبله وصار الظاهر في جملته ثم قبض عليه وحبسه بقلعة تعز ثم قتله في محبسه سنة أربع وثلاثين والله تعالى أعلم [ حج المجاهد على بن المؤيد داود وواقعته مع أمراء مصر واعتقاله بالكرك ثم اطلاقه ورجوعه إلى ملكه ] ثم حج المجاهد سنة احدى وخمسين أيام حسن الناصري الاولى وهى السنة التى حج فيها طاز كافل المملكة أميرا وحج بيبقاروس الكافل الآخر مقيدا لان السلطان أمر طاز بالقبض عليه في طريقه فلما قبض عليه رغب من أن يخلى سبيله لاداء فرضه فأجابه وحج مقيدا وجاء المجاهد ملك اليمن للحج وشاع عنه أنه يروم كسوة الكعبة فتنكر
أمراء مصر وعساكرها لاهل اليمن ووقعت في بعض الايام هيعة في ركب اليمن فتحاربوا وانهزم وذهب سواده وركب أهل اليمن كافة وأطلق بيبقاروس للقتال فجلا في تلك الوقعة وأعبد إلى اعتقاله وحمل المجاهد إلى مصر معتقلا فحبس ثم أطلق سنة ثنتين وخمسين في دولة الصالح وبعثوا مع قشتمر المنصوري إلى بلاده فلما انتهى إلى الينبع ظهر عليه قشتمر بأنه يروم الهرب فرده وحبسه بالكرك ثم أطلق بعد ذلك وأعيد إلى ملكه وأقام على مهاداة صاحب مصر ومصانعته إلى أن توفى سنة ست وستين لثنتين وأربعين سنة من ملكه * (ولاية الافضل عباس بن المجاهد على) *(5/513)
ولما توفى المجاهد سنة ست وستين ولى بعده ابنه عباس واستقام له ملك اليمن إلى أن هلك سنة ثمان وسبعين لثنتى عشرة سنة من ملكه والله تعالى أعلم * (ولاية المنصور محمد بن الافضل عباس) * ولما توفى الافضل عباس بن المجاهد سنة ثمان وسبعين ولى بعده ابنه المنصور محمد واستولى على أمره واجتمع جماعة من مماليكه سنة ثنتين وثمانين للثورة به وقتله واطلع على شأنهم فهربوا إلى الدملوة وأخذهم العرب في طريقهم وجاؤا بهم وعفا عنهم واستمر في ملكه إلى أن هلك والله تعالى أعلم * (ولاية أخيه الاشرف بن الافضل عباس) * ولما توفى المنصور محمد بن الافضل سنة ولى أخوه الاشرف اسمعيل واستقام أمره وهو صاحب اليمن لهذا العهد لسنة ست وتسعين والله وارث الارض ومن عليها وهو خير الوارثين(5/514)
[ الخبر عن دولة التتر من شعوب الترك وكيف تغلبوا على الممالك الاسلامية
وانتزوا على كرسى الخلافة ببغداد وما كان لهم من الدول المفترقة وكيف أسلموا بعد ذلك ومبدا أمورهم وتصاريف أحوالهم ] قد تقدم لنا ذكر التتر وأنهم من شعوب الترك وأن الترك كلهم ولد كومر بن يافث على(5/515)
الصحيح وهو الذى وقع في التوراة وتقدم لنا ذكر أجناس الترك وشعوبهم وعددنا منهم الغز الذين منهم السلجوقية والهياطلة الذين منهم القلج وبلاد الصغد قريبا من سمرقند ويسمون بها أيضا وعددنا منهم الخطا والطغرغر وهم التتر وكانت مساكن هاتين الامتين بارض طمغاج ويقال انها بلاد تركستان وكاشغر وما إليها من وراء النهر وهى بلاد ملوكهم في الاسلام وعددنا منهم الخزلجية والغور والخزر والخفشاخ وهم القفجاق ويمك والعلان ويقال الان وچركس واركش وعد صاحب زجار في كتابه على الجغرافيا العسسه والتغزغزية والخر خيرية والكيماكية والخزلجية والخزر والخلخ وبلغار ويمناك وبرطاس وسنجرت وخرجان وانكر وذكر مساكن انكر في بلاد البنادقة من أرض الروم وجمهور هذه الامم من الترك فيما وراء النهر شرقا إلى البحر المحيط بين الجنوب والشمال من الاقليم الاول إلى السابع والصين في وسط بلادهم وكان الصين أولا لبنى صينى اخوانهم من بنى يافث ثم صار لهم واستولوا على معظمه الا قليلا من أطرافه على ساحل البحر وهم رحالة كما مر في ذكرهم أول الكتاب وفي دولة السلجوقية وأكثرهم في المفازة التى بين الصين وبلاد تركستان وكان لهم قبل الاسلام دولة ولهم مع الفرس حروب مذكورة وملكهم لذلك العهد في بنى فراسيان وكان بينهم وبين العرب لاول الفتح حروب طويلة قاتلوهم على الاسلام فلم يجيبوا فأثخنوا فيهم وغلبوهم على أطراف بلادهم وأسلم ملوكهم على بلادهم وذلك من بعد القرن الاول وكانت لهم في الاسلام دولة ببلاد تركستان وكاشغر ولا أدرى من أي شعوبهم كان هؤلاء الملوك وقد قيل فيهم انهم من ولد فراسيان
ولا يعرف شعب فراسيان فيهم وكان هؤلاء الملوك يلقبون بالخاقان بالخاء والقاف سمة لكل من يملك منهم مثل كسرى للفمس وقيصر للروم وأسلم ملوكهم بعد صدر من الملة على بلادهم وملكهم فأقاموا بها وكان بينهم وبين بنى سامان الملوك القائمين فيما وراء النهر بدولة بنى العباس حرب وسلم اتصلت حالهم عليها إلى أن تلاشت دولتهم ودولة بنى سامان جميعا وقام محمود بن سبكتكين من موالى بنى سامان بدولتهم وملكهم فيما وراء النهر وخراسان وقد ظهر لذلك العهد بنو سلجوق وغلبوا ملوك الترك على أمرهم وأصبحوا في عداد ولاتهم شأن الدول البادية الجديدة مع الدول القديمة الحاضرة ثم فارعوا بنى سبكتكين وغلبوهم على ملكهم فيما بعد المائة الرابعة واستولوا على ممالك الاسلام باسرها وملكوا ما بين الهند ونهاية المعمور في الشمال وما بين الصين وخليج القسطنطينية في الغرب وعلى اليمن والحجاز والشأم وفتحوا كثيرا من بلاد الروم واستفحلت دولتهم بما لم تنته إليه دولة بعد العرب والخلفاء في الملة(5/516)
ثم تلاشت دولتهم وانقرضت بعد مائتين من السنين شأن الدول وسنة الله في العباد وكانوا بعد خروج السلجوقية إلى خراسان قد خلفتهم في بلاد بضواحي تركستان وكاشغر من أمم الترك أمه الخطا ومن ورائهم أمة التتر ما إلى تركستان وحدود الصين ولم يقدر ملوك الخانية بتركستان على دفاعهم لعجزهم عن ذلك فكان ارسلان خان بن محمد ابن سليمان ينزلهم مسالح على الدروب ما بينه وبين الصين ويقطعهم على ذلك ويوقع بهم على الفساد والعيث ثم زحف من الصين ملك الترك الاعظم كوخان سنة ثنتين وعشرين وخمسمائة ولحقت به أمم الخطا ولقيهم الخان محمود بن محمد بن سليمان بن داود بن بقراخان صاحب تركستان وما وراء النهر من الخانية وهو ابن أخت السلطان سنجر ابن ملك شاه صاحب خراسان من ملوك السلجوقية فهزموه وبعث بالصريخ إلى خاله سنجر فاستنفر ملوك خراسان وعساكر المسلمين وعبر جيحون للقائهم وسارت إليه أمم
الترك والخطا وتواقعوا في صفر سنة ست وثلاثين وخمسمائة وانهزم سنجر وأسرت زوجته ثم أطلقها كوخان ملك الترك واستولى على ما وراء النهر ثم مات كوخان سنة سبع وثلاثين وملكت بعده بنته ثم ماتت فملكت بعدها أمها زوجة كوخان وابنه محمد ثم انقرض ملكهم واستولى الخطا على ما وراء النهر ثم غلب على خوارزم علاء الدين محمد بن تكش كما دمناه ويلقب هو وأبوه بخوارزم شاه وكان ملوك الخانية ببلادهم فيما وراء النهر فاستصرخوا به على الخطا لما كثر من عيثهم وفسادهم فأجاب صريخهم وعبر النهر سنة ست وستمائة وملكهم يومئذ كبير السن بصير في الحرب فلقيهم فهزموه وأسر خوارزم شاه ملكهم طانيكوه وحبسه بخوارزم وملك سائر بلاد الخطا إلى أوركند وأنزل بها نوابه وزوج أخته من الخان صاحب سمرقند وأنزل معه شحنة كما كانت للخطا وعاد إلى بلاده وثار ملك الخانية بالشحنة بعد رجوعه بسنة وقتلهم وهم بقتل زوجته أخت خوارزم شاه وحاصره بسمرقند واقتحمها عليه عنوة وقتله في جماعة من أقاربه ومحا أثر الخانية وملكهم مما وراء النهر وأنزل في سائر البلد نوابه وكانت أمة التتر من وراء الخطا هؤلاء قد نزلوا في حدود الصين ما بينها وبين تركستان وكان ملكهم كشلى خان ووقع بينهم وبين الخطا من العداوة والحروب ما يقع بين الامم المتجاورة فلما بلغهم ما فعله خوارزم شاه بالخطا أرادوا الانتقام منهم وزحف كشلى خان في أمم التتر إلى الخطا لينتهز الفرصة فيهم فبعث الخطا إلى خوارزم شاه يتلطفون له ويسألونه النصر من عدوهم قبل أن يستحكم أمره وتضيق عنه قدرتهم وقدرته وبعث إليه كشلى ملك التتر بمثل ذلك فتجهز بوهم كل واحد من الفريقين أنه له وأقام منتبذا عنهما وقد تواقعوا وانهزم الخطا فمال مع التتر عليهم واستلحموهم في كل(5/517)
وجه ولم ينج منهم الا قليل تحصنوا بين جبال في نواحى تركستان وقليل آخرون لحقوا بخوارزم شاه فكانوا معه وبعث خوارزم شاه إلى كشلى خان ملك التتر يعتد
عليه بهزيمة الخطا وأنها انما كانت بمظاهرته فأظهر له الاعتراف وشكره ثم نازعه في بلادهم وأملاكهم وبعث خوارزم شاه بحربهم ثم علم أنه لا طاقة له بهم فمكث يراوغهم عن اللقاء وكشلى خان يعذله في ذلك وهو يغالطه واستولى كشلى خان خلال ذلك على كاشغر وبلاد تركستان وساغون ثم عمد خوارزم شاه إلى الشاش وفرغانة واسبيجاب وقاشان وما حولها من المدن التى لم يكن في بلاد الله أنزه منها ولا أحسن عمارة فجلا أهلها إلى بلاد المسلمين وخرب جميعها خوفا أن يملكها التتر بعد ذلك وخرج على كشلى خان طائفة أخرى يعرفون بالمغل وملكهم جنكزخان فشغل كشلى خان بحربهم عن خوارزم شاه وعبر النهر إلى خراسان ونزل خوارزم إلى أن كان من أمره ما نذكره والله سبحانه وتعالى أعلم [ استيلاء التتر على ممالك خوارزم شاه فيما وراء النهر وخراسان ومهلك خوارزم شاه وتولية محمد بن تكش ] ولما رحل السلطان إلى خراسان استولى على الممالك ما بينه وبين بغداد من خراسان ومازندان وباميان وغزنة إلى بلاد الهند وغلب الغورية على ما بأيديهم ثم ملك الرى واصبهان وسائر بلاد الجبل وسار إلى العراق وبعث إلى الخليفة في الخطبة كما كانت لملوك بنى سلجوق فامتنع الخليفة من ذلك كما مر ذلك كله في أخبار دولتهم ثم عاد من العراق سنة ست عشرة وستمائة واستقر بنيسابور فوفدت عليه رسل جنكزخان بهدية من نقرة المعدنين ونوافج المسك وحجر اليشم والثياب الخطائية المنسوجة من وبر الابل البيض ويخبر أنه ملك الصين وما بينها بلاد الترك ويطلب الموادعة والاذن للتجار بالتردد لمتاجرهم من الجانبين وكان في خطابه اطراء السلطان خوارزم شاه بأنه مثل أعز أولاده فاستنكف السلطان من ذلك وامتعض له وأجمع عداوته واستدعى محمودا الخوارزمي من رسل جنكزخان واصطنعه ليكون عينا له على صاحبه واستخبره عما قاله في كتابه من أنه ملك الصين واستولى على مدينة طوغاج فصدق له ذلك وسأله عن
مقدار العساكر فقللها وغشه في ذلك ثم نكر عليه الخطاب بالولد ثم صرف الرسل بما طلبوه من الموادعة والاذن للتجار ووصل على اثر ذلك بعض التجار من بلادهم إلى اطرار وبها انيال خان ابن خال السلطان خوارزم شاه فعثره على أموالهم ورفع إلى السلطان أنهم عيون على البلاد وليسوا بتچار فأمره بالاحتياط عليهم ففعل وأخذ أموالهم وقتلهم خفية وفشا الحبر إلى جنكزخان فبعث بالنكير على السلطان في ذلك(5/518)
وقال له ان كان فعله انيال خان فابعثه إلى وتهدده على ذلك في كتابه فانزعج السلطان لهما وقتل الرسل وبلغ الخبر إلى جنكز خان فسار في العساكر إلى بلاده وجبى السلطان من سمرقند خراج سنتين حصن به أسوار سمرقند وجبى ثالثة استخدم بها الفرسان لحمايتها ثم سار للقاء جنكز خان فكانت بينهما واقعة عظيمة فيها كثير من الفريقين فكبسهم وهو غائب عنهم ورجع خوارزم شاه إلى جيحون وأقام عليه وفرق عساكره في أعمال ما وراء النهر بخارى وسمرقند وترمذ وأنزل آبنايخ من أكبر أمرائه وأصحاب دولته في بخارى وجعلهم لنظره ثم جاء جنكز خان إليه فعبر النهر مجفلا وقصد جنكز خان اطرار فحاصرها وملكها غلابا وأسر أميرها انيال خان الذى قتل التجار فأذاب الفضة في أذنيه وعينيه ثم حاصر بخارى وملكها على الامان وقاتلوا معه القلعة حتى خربها ثم غدر بهم فقتلهم وسباهم وفعل مثل ذلك في سمرقند سنة تسع عشرة ثم كتب كتبا إلى أمراء خوارزم شاه قرابة أمه كأنها أجوبة عن كتبهم إليه باستدعائه والبراءة من خوارزم شاه وذمه بعقوق أمه فبسط آمالهم في كتبه ووعد تركمان خان أم السلطان وكانت في خوارزم فوعدها بزيادة خراسان وأن تبعث من يستخلفه على ذلك وبعث بالكتب من يعترض بها للسلطان فلما قرأها ارتاب بأمه وبقرابتها فاستوحشوا ووقع التقاطع والنفرة ولما استولى جنكز خان على ما وراء النهر ونجا نائب بخارى في الفل أجفل السلطان وعبر جيحون ورجع عنه طوائف الخطا
الذين كانوا معه وتخاذل الناس وسرح جنكز خان العساكر في اثره نحوا من عشرين ألفا كانوا يسمونهم التتر المغربة لتوغلهم في البلاد غربي خراسان إلى بلاد القفجاق ووصل السلطان إلى نيسابور فلم يلبث بها وارتحل مازندان والتتر في أثره ثم انتهى إلى همذان فكبسوه هنالك وفرقوا جموعه ونجا إلى جبال طبرستان فأقام بقرية بساحل البحر في فل من قومه ثم كبسه التتر أخرى فركب البحر إلى جزيرة في بحيرة طبرستان وخاضوا في اثره فغلبهم الماء ورجعوا وأقام خوارزم شاه بالجزيرة ومرض بها ومات سنة سبع عشرة وستمائة وعهد لابنه جلال الدين سكرى ولما بلغ خبرا جفا له إلى أمه تركمان خاتون بخوارزم خرجت سارية واعتصمت بقلعة ايلاز من مازندان ورجع التتر عن اتباع خوارزم شاه فافتتحوا قلاع مازندان وملكوها وملكوا قلعة ايلاز صلحا وأسروا أم السلطان وبناته وتزوجهن التتر وتزوج دوشى خان ابن جنكز خان واحدة وبقيت تركمان خاتون أسيرة عندهم في ذل وخمول والله سبحانه وتعالى أعلم [ مسير التتر المغربة بعد خوارزم شاه إلى العراق واذربيجان واستيلاؤهم عليها إلى بلاد قفجاق والروس وبلاد الخزر ](5/519)
ولما رجع التتر المغربة من اتباع خوارزم شاه سنة سبع عشرة عادوا إلى همذان وانتسفوا ما مروا عليه وصانعهم أهل همذان بما طلبوه ثم ساروا إلى سنجار كذلك ثم إلى قومس فامتنعوا منهم وحاصروها وملكوها غلابا وقتلوا أكثر من أربعين ألفا ثم ساروا إلى اذربيجان وصانعهم صاحب تبريز وانصرفوا إلى موقان ومروا ببلاد الكرج فاكتسحوها وجمعوا لهم فهزموهم وأثخنوا فيهم وذلك آخر سنة سبع عشرة ثم عادوا إلى مراغة فملكوها عنوة في صفر سنة ثمان عشرة واستباحوها ورحلوا عنها إلى اربل وبها مظفر الدين كوكبرى واستمد صاحب الموصل فأمده بالعساكر ثم
استدعاهم الخليفة الناصر إلى دقوقا للمدافعة عن العراق مع عساكره وولى عليهم مظفر الدين صاحب اربل فخام عن لقائهم وخاموا عن لقائه وساروا إلى همذان وبها شحنتهم فامتنعوا من مصانعتهم وقاتلوهم فملكوها عنوة واستباحوها واستلحموا أهلها ورجعوا إلى اذربيجان فملكوا أردبيل واستباحوها وخربوها وساروا إلى تبريز وقد فارقها أزبك بن البهلوان إلى نقجوان فصانعوهم بالامان وساروا إلى بيلقان وملكوها عنوة وأفحشوا في القتل والمثلة واكتسحوا جميع الضاحية ثم ساروا إلى كنجة قاعدة اران فصانعهم أهلها فساروا إلى بلاد الكرج فهزموهم وحاصروهم بقاعدتهم تفليس وردهم كثرة الاوعار عن التوغل فيها ثم قصدوا دربند شروان وحاصروا مدينة سماجى ودخلوه عنوة وملكوه واستباحوه وأعجزهم الدربند عن المسير فراسلوا شروان في الصلح فبعث إليهم رجالا من أصحابه فقتلوا بعضهم وقتلوا الباقين أذلاء وأفضوا من الدرنبد إلى ارض أسحمة وبها من القفجاق واللاز والغز وطوائف من الترك مسلمون وكفار أمم لا تحصى ولم يطيقوا مغالبتهم لكثرتهم فرجعوا إلى التضريب بينهم حتى استولوا على بلادهم ثم اكتسحوها وأوسعوهم قتلا وسبيا وفر أكثرهم إلى بلاد الروس وراءهم واعتصم الباقون بالجبال والغياض وانتهى التتر إلى مدينتهم الكبرى سرداق على بحر نيطش المتصل بخليج القسطنطينية وهى مادتهم وفيها تجارتهم فملكها التتر وافترق أهلها في الجبال وركب أهلها البحر إلى بلاد الروم في ايالة بنى قليج ارسلان ثم سار التتر سنة عشرين وستمائة من بلاد فقجاق إلى بلاد الروس المجاورة لها وهى بلاد فسيحة وأهلها يدينون بالنصرانية فساروا إلى مدافعتهم في تخوم بلادهم ومعهم جموع من القفجاق أياما ثم انهزموا وأثخن فيهم التتر قتلا وسبيا ونهبا وركبوا السفن هاربين إلى بلاد الاسلام وتركوا بلادهم فاكتسحها التتر ثم عادوا عنها وقصدوا بلغار آخر السنة واجتمع أهلها وساروا للقائهم بعد ان أكمنوا لهم ثم استطردوا أمامهم وخرج عليهم الكمناء من خلفهم فلم ينج منهم(5/520)
الا القليل وارتحلوا عائدين إلى جنكز خان بارض الطالقان ورجع القفجاق إلى بلادهم واستقروا فيها والله تعالى ولى التوفيق بمنه وكرمه * (مسير جنكز خان إلى خراسان وتغلبه على أعمالها وعلى خوارزم شاه) * كان جنكز خان بعد أن أجفل خوارزم شاه من جيحون ومسير التتر المغربة في طلبه سمرقند فبعث عسكرا إلى ترمذ وعسكرا إلى فرغانة وعسكرا إلى خوارزم وعسكرا إلى خراسان وكان عسكر خوارزم أعظمها لانها كرسى الملك ومأوى العساكر وبعث مع العساكر ابنه جفطاى واركطاى فحاصروها خمسة أشهر وامتنعت فأمدهم جنكز خان بالعساكر متلاحقة وملكوها ناحية ناحية إلى أن استوعبوا ثم نقبوا السد الذى يمنع ماء جيحون عنها فسال إليها جيحون فغرقها وتقسم أهلها بين السند والعراق هكذا قال ابن الاثير وقال النسابى كاتب جلال الدين ان دوشى خان عرض عليهم الامان وخرجوا إليه فقتلهم أجمعين وذلك في محرم سنة سبع عشرة وعاد دوشى خان والعساكر إلى جنكز خان فوجدوه بالطالقان وأما عسكر ترمذ فساروا إليها وملكوها وتقدموا إلى كلابة من قلاع جيحون فملكوها وخربوها وعسكر فرغانة كذلك وأما عسكر خوارزم فعبروا إلى بلخ وملكوها على الامان سنة سبع عشرة وأنزلوا بها شحنة ثم ساروا إلى الزوزان وايدحور ومازندان فملكوها وولوا عليها ثم ساروا إلى الطالقان وحاصروا قلعة صاركوه وكانت منيعة وجاءهم جنكز خان بنفسه بعد امتناعها ستة أشهر فحاصروها أربعة أشهر أخرى ثم أمر بنقل الخشب والتراب ليجتمع به تل يتعالى به البلد فلما استيقنوا الهلكة فتحوا الباب وصدقوا الحملة فنجا الخيالة وتفرقوا في البلاد والشعاب وقتل الرجالة ودخل التتر فاستباحوها وبعث جنكز خان عسكرا إلى سبا مع صهره قفجاق نون فقتل في حصارها ثم ملكوها فاستباحوها وخربوها ويقال قتل فيها أكثر من سبعين ألفا ثم بعث جنكز خان في العساكر إلى
وقد كان الناجون من هذه الوقائع انزووا إليها فاجتمعوا بظاهرها أكثر من مائتي ألف لا يشكون في الظفر فلما زحف إليهم التتر ولوا منهزمين وأثخنوا فيهم ثم حاصروا البلد خمسة أشهر واستنزلوا أميرها على الامان ثم قتلوهم جميعا وحضر جنكز خان قتلهم يقال قتل فيها سبعمائة ألف ثم ساروا إلى نيسابور فاقتحموها عنوة وقتلوا وعاثوا ثم إلى طرابلس كذلك ثم ساروا إلى هراة فملكوها على الامان وأنزلوا عندهم الشحنة وعادوا إلى جنكز خان بالطالقان وهو يرسل العساكر والسريا في نواحى خراسان حق أتوا عليها تخريبا وذلك كله سنة سبع عشرة والله تعالى اعلم * (اجفال جلال الدين ومسير التتر في اتباعه وفراره إلى الهند) *(5/521)
ثم بعث العساكر في طلب جلال الدين وقد كان بعد مهلك أبيه وخروج تركمان خاتون من خوارزم سار إليها وملكها واجتمع إليه الناس ثم نمى إليه أن قرابة تركمان خاتون وهم البياروتية مالوا إلى أخيه يولغ شاه وابن أختهم وانهم يريدون الوثوب بجلال الدين ففر ولحق بنيسابور وجاءت عساكر التتر إلى خوارزم فأجفل يولغ شاه وأخواه ليلحقوا به بنيسابور فأدركهم التتر وهم محاصرون قلعة قندهار فاستلحمهم ثم سار إلى غزنة فملكها من يد الثوار الذين استولوا عليها أيام هذه الفتنة وذلك سنة ثمان عشرة ولحق به أمراء أبيه الذين تغلبوا على نواحى خراسان في هذه الفتنة وأزعجهم التتر عنها فحضروا مع جلال الدين كبسة التتر بقلعة قندهار ولحق فلهم بجنكزخان وبعث ابنه طولى خان لقتال جلال الدين فهزمه جلال الدين وقتله ولحق الفل من عساكره بجنكز خان فسار في أمم التتر ولقى جلال الدين فانهزم ولم يفلت من التتر الا الاقل ورجع جلال الدين فنزل على نهر السند وقد كان جماعة من أمرائه انعزلوا عنه يوم الواقعة الاولى بسبب الغنائم فبعث إليهم يستألفهم فعاجله جنكز خان وقاتله ثلاثا ثم هزمه واعترضه نهر السند فاقتحمه وخلص إلى السند
بعد أن قتل حرمه أجمعين وذلك سنة ثمان عشرة والله تعالى أعلم * (أخبار غياث الدين بن خوارزم شاه مع التتر) * كان خوارزم شاه قد قسم الملك بين ولده فجعل العراق لغورنشاه وكرمان لغياث الدين تمرشاه فلم ينفذ إليها أيام أبيه فلما فر خوارزم شاه إلى ناحية الرى لقيه ابنه غورنشاه صاحب العراق ثم كانت واقعة التتر به على حدوى ولحق خوارزم شاه بجزيرة طبرستان ولحق غورنشاه بكرمان ثم رجع واستولى على اصبهان وعلى الرى ثم زحف التتر إليه وحاصروه بقلعة اوند وقتلوه وكان أخوه غياث الدين بكرمان وملكه بينه وبين بقا طرابلسي اتابكه وفر إلى ناحية اذربيجان واستولى غياث الدين على العراق ومازندان وخورستان فأقطع بقا طرابلسي همذان ثم سار غياث الدين إلى اذربيجان فصانعه صاحبها ازبك بن البهلوان ولحق به من كان متغلبا من أمراء أبيه بخراسان وكان ابنايخ خان نائب بخار قد تغلب بعد الواقعة على نسا ونواحيها وجرجان وعلى شيروان وعامة خراسان وكان تكين بهلوان متغلبا على مرو فعبر جيحون سنة سبع عشرة وكبس شحنة التتر واتبعوه إلى شيروان ولقوا ابنايخ خان على جرجان فهزموه ونجا فلهم إلى غياث الدين على العراق والرى وما وراءها في الجنوب من موكان واذربيجان وبقيت خوارزم طوائف وفي كل ناحية منها متغلب وعساكر التتر في كل وقت تدوخ بلاد العراق وغياث الدين منهمك في لذاته والله تعالى أعلم(5/522)
[ رجوع جلال الدين من الهند واستيلاؤه على العراق وكرمان واذربيجان ثم زحف التتر إليه ] ثم رجع جلال الدين من الهند سنة احدى وعشرين واستولى على ملك أخيه غياث الدين بالعراق وكرمان وبعث إلى الخليفة يطلب الخطبة فلم يسعف فاستعد لمحاربته وقد كانت بلاد الرى من بعد تخريب التتر المغربة لها عاد إليها بعض أهلها وعمروها
فبعث إليها جنكز خان عسكرا من التتر فخربوها ثانية وخربوا ساوة وقم وقاشان وأجفل امامهم عسكر خوارزم شاه من همذان فخربوها واتبعوهم فكبسوهم في حدود اذربيجان ولحق بعضهم بتبريز والتتر في اتباعهم فصانعهم صاحبها أزبك بن البهلوان وبعث بهم إلى التتر الذين في اتباعهم بعد أن قتل جماعة منهم وبعث برؤوسهم وبالاموال على سبيل المصانعة فرجعوا عن بلاده وسار جلال الدين إلى اذربيجان سنة ثنتين وعشرين فملكها وكانت له فيها أخبار ذكرناها في دولته ثم بلغ السلطان جلال الدين أن التتر زحفوا من بلادهم وراء النهر إلى العراق فنهض من تبريز للقائهم في رمضان سنة خمس وعشرين ولقيهم على اصبهان وانفض عنه أخوه غياث الدين في طائفة من العساكر وانهزمت ميسرة التتر وسار السلطان في اتباعهم وقد أكمنوا له وأحاطوا به واستشهد جماعة ثم صدق عليهم الحملة فأفرجوا له ومضى لوجهه وانهزمت العساكر إلى فارس وكرمان واذربيجان ورجع المتبعون للتتر من قاشان فوجدوه قد انهزم فافترقوا أشتاتا ولحق السلطان باصبهان بعد ثمانية أيام فوحد التتر يحاصرون اصبهان فبرز إليهم في عساكرها وهزمهم واتبعهم إلى الرى وبعث العساكر في اتباعهم إلى خراسان ورجع إلى اذربيجان وأقام بها وكانت له فيها أخبار مذكورة في دولته والله سبحانه وتعالى أعلم [ مسير التتر إلى اذربيجان واستيلاؤهم على تبريز ثم واقعتهم على جلال الدين بآمد ومقتله ] كان التتر لما استقروا فيما وراء النهر عمروا تلك البلاد واختطوا قرب خوارزم مدينة عظيمة تعوض منها وبقيت خراسان خاوية واستبد بالمدن فيها طوائف من الامراء اشباه الملوك يعطون الطاعة للسلطان جلال الدين منذ جاء من الهند وانفرد جلال الدين بملك العراق وفارس وكرمان واذربيجان وأران وما إلى ذلك وبقيت خراسان مجالا لغزاة التتر وعساكرهم وسارت طائفة منهم سنة خمس وعشرين إلى
اصبهان وكانت بينهم وبين جلال الدين الواقعة كما مر ثم زحف جلال الدين إلى خلاط(5/523)
وملكها وزحف إليه صاحبها الاشرف بن العادل من الشأم وعلاء الدين كيقباد صاحب بلاد الروم وأوقعوا به كما مر في أخباره سنة سبع وعشرين الواقعة التى أوهنت منه وحلت عرا ملكه وكان علاء الدين مقدم الاسماعيلية بقلعة الموت عدوا لجلال الدين بما أثخن في بلاده وقرر عليه وظائف الاموال فبعث إلى التتر يخبرهم أن الهزيمة أوهنته ويحثهم على قصده فسار إلى اذربيجان أول سنة ثلاث وعشرين وبلغ الخبر إلى السلطان بمسيرهم فرحل من تبريز إلى موقان وأقام بها في انتظار شحنة خراسان ومازندان وشغل بالصيد فكبسه التتر ونهبوا معسكره وخلص إلى نهر راس من اران ثم رجع إلى اذربيجان وشتى بماهان ثم جاءه النذير بمسير التتر إليه فرحل إلى أران وتحصن بها وثار أهل تبريز لما بلغهم خبر الوقعة الاولى بمن عندهم من عساكر الخوارزمية وقتلوهم ومنعهم رئيسهم الطغريانى من طاعة التتر ووصل للسلطان ثم هلك قريبا فسلموا بلادهم للتتر وكذا فعل أهل كنجة وأهل سلعار ثم سار السلطان إلى كنجة وارتجعها وقتل المعترضين للثورة فيها وسار إلى خلاط واستمد الاشرف بن العادل صاحب الشأم فعلله بالمواعيد وسار إلى مصر ويئس من انجاده فبعث إلى جيرانه من الملوك يستنجدهم مثل صاحب حلب وآمد وماردين وجرد عسكرا إلى بلاد الروم في خرت برت وملطية واذربيجان فاقتحموها لما بين صاحبها كيقباد وبين الاشرف من الموالاة فاستوحش جميع الملوك من ذلك وقعدوا عن نصرته وجاءه الخبر وهو بخلاط أن التتر زحفوا إليه فاضطرب في رحله وبعث اتابكه أوتر خان في أربعة آلاف فارس طليعة فرجع وأخبره أن التتر رجعوا من حدود ملاذكرد وأشار عليه قومه بالمسير إلى اصبهان وزين له صاحب آمد قصد بلاد الروم وأطمعه في الاستيلاء عليها ليتصل بالقفجاق ويستظهر بهم على التتر ووعده الامداد بنفسه
يروم من صاحب الروم لما ملك من قلاعه فخيم إلى رأيه وعدل عن اصبهان ونزل بآمد وبعث إليه التركمان بالنذير وأنهم رأوا نيران التتر فاتهم خبرهم وصحبه التتر على آمد منتصف شوال سنة ثمان وعشرين وأحاطوا بخيمته وحمل عليهم اتابكه أوتر خان وكشفهم عن الخيمة وركب السلطان وأسلم أهله وسواده ورد أوتر خان العساكر وانتبذ ليتوارى عن عين العدو وسار أوتر خان إلى اصبهان واستولى عليها إلى أن ملكها التتر من يده سنة تسع وثلاثين وذهب السلطان منجفلا وقد امتلات الدربندات والمضايق بالمفسدين من غير صنوفهم بالقتل والنهب فأشار عليه أوتر خان بالرجوع فرجع إلى قرية من قرى ميافارقين ونزل في بيدرها وفارقه اوتر خان إلى حلب وهجم التتر على السلطان بالبيدر وقتلوا من كان معه وهرب فصعد جبل الاكراد(5/524)
وهم مترصدون الطرق للنهب فسلبوه وهموا بقتله وشعر بعضهم أنه السلطان فمضى به إلى بيته ليخلصه إلى بعض النواحى ودخل البيت في مغيبه بعض سفلتهم وهو يريد الثأر من الخوارزمية باخ له قتل بخلاط فقتله ولم يغن عنه أهل البيت ثم انتشر التتر بعد هذه الواقعة في سواد آمد وارزن وميافارقين وسائر ديار بكر فاكتسحوها وخربوها وملكوا مدينة اسعرد عنوة فاستباحوها بعد حصار خمسة أيام ومروا بميافارقين فامتنعت ثم وصلوا إلى نصيبين فاكتسحوا نواحيها ثم إلى سنجار وجبالها والخابور ثم ساروا إلى ايدس فأحرقوها ثم إلى أعمال خلاط فاستباحوها كرى وارجيش وجاءت طائفة أخرى من اذربيجان إلى أعمال اربل ومروا في طريقهم بالتركمان الايوبية والاكراد الجوزقان فنهبوا وقتلوا وخرج إليهم والى اربل مستمدا أهلها وعساكر الموصل فلم يدركوهم فعادوا وبقيت البلاد قاعا صفصفا والله وارث الارض ومن عليها وهو خير الوارثين [ التعريف بجنكز خان وقسمة الاعمال بين ولده
وانفراده بالكرسي في قراقوم وبلاد الصين ] هذا السلطان جنكز خان هو سلطان التتر لعهده ثم من المغل احد شعوبهم وفي كتاب لشهاب الدين بن فضل الله أنه من قبيلة من أشهر قبائل المغل وأكبرهم وزايه التى بين الكاف والخاء ليست صريحة وانما هي مشتملة بالصاد فينطق بها بين الصاد والزاى وكان اسمه تمرجين ثم أصاروه جنكزو خان تمام الاسم وهو بمعنى الملك عندهم وأما نسبته فهى هكذا جنكز بن بيسوكى بن بهادر بن تومان بن برتيل خان بن تومنيه ابن بادسنقر بن تيدوان ديوم بن بقابن مودنجه احد عشر اسما أعجميا صعب الضبط وهذا منحاها وفي كتاب ابن فضل الله فيما نقله عن شمس الدين الاصبهاني امام المعقولات بالمشرق أخذها عن أصحاب نصير الدين الطوسى قال ان مودنجه اسم امرأة وهى جدتهم من غير اب قالوا وكانت متزوجة وولدت ولدين اسم أحدهما بكتوت والآخر بلكتوت ويقال لولدها بن والد لوكية ثم مات زوجها وتأيمت وحملت وهى أيم فنكر عليها قرباؤها فذكرت أنها رأت بعض الايام نور ادخل في فرجها ثلاث مرات وطرأ عليها الحمل بعده وقالت لهم ان في حملها ثلاثة ذكور فان صدق ذلك عند الوضع والا فافعلوا ما بدا لكم فوضعت ثلاثة توائم من ذلك الحمل فظهرت براءتها بزعمهم اسم أحدهم برقد والآخر قونا والثالث نجعو وهو جد جنكز خان الذى في عمود نسبه كما مر وكانوا يسمونهم النور ابين نسبة إلى النور الذى ادعته ولذلك يقولون جنكز خان بن الشمس وأما أوليته فقال يحى بن أحمد بن على النسائي كاتب(5/525)
جلال الدين خوارزم شاه في تاريخ دولته ان مملكة الصين متسعة ودورها مسيرة تسعة اشهر وهى منقسمة من قديم الزمان على تسعة أجزاء كل جزء منها مسيرة شهر ويتولى ملك كل جزء منها ملك يسمى بلغتهم خان ويكون نائبا عن الخان الاعظم قال وكان الاعظم الذى عاصر خوارزم شاه علاء الدين محمد بن تكش يقال له طر خان توارثها
عن آبائه وكان مقيما بطوغاج وهى وسط الصين وكان جنكز خان من أولئك الخانات الستة وكان من سكان البدو ومن أهل النجدة والشرف وكان مشتاه فارعون من بلاد الصين وكان من خاناتهم أيضا ملك آخر اسمه دوشى خان كان متزوجا بزوجة جنكز خان واتفقت وفاته فحضر جنكز خان يوم وفاة زوجها دوشى خان فولته مكانه وحملت قومها على طاعته وبلغ الخبر إلى الخان الاعظم طر خان فنكر ذلك وزحف إليهم فقاتلوه وهزموه وغلبوه على اثر بلاده ثم صالحهم عليها وأقام متغلبا ثم مات بقية الخانات الستة وانفرد جنكز خان بأمرهم جميعا وأصبح ملكهم وكان بينه وبين خوارزم شاه من الحروب ما قدمناه وفي كتاب ابن فضل الله محكيا عن الصاحب علاء الدين عطاء وحدثه به قال كان ملك عظيم من التتر في قبيلة عظيمة من قبائلهم يدعى ازبك خان وكان مطاعا في قومه فاتصل به جنكز خان فقربه واستخلصه ونافسه قرابة السلطان وسعوا به عنده حتى استفسدوه عليه وطوى له وتربص به وسخط ازبك خان على مملوكين عنده فاستجارا بجنكز خان فأجارهما وضمن لهما أمانه وأطلعاه على رأى السلطان فيه فاستوحش وحذر وثبة السلطان فأجفل أمامه واتبعه السلطان في عساكره فلما أدركه كر عليه جنكز خان فهزمه وغنم سواده وما معه ثم استمرت العداوة وانتبذ عن السلطان واستألف العساكر والاتباع وأفاض فيهم الاحسان فاشتدت شوكته ودخل في طاعته قبيلتان عظيمتان من المغل وهما أورات ومنفورات فعظمت جموعه وأحسن إلى المملوكين اللذين حذراه من ازبك خان ورفع رتبتهما وكتب لهما العهود بما اختاراه وكتب فيها أن يستمر ذلك لهما إلى تسعة بطون من أعقابهما ثم جهز العساكر لحرب ازبك خان فهزمه وقتله واستولى على مملكة التتر باسرها ولما توطأ أمره تسمى جنكز خان وكان اسمه تمرجين كما مر وكتب لهم كتابا في السياسة سماه السياسة الكبيرة ذكر فيه أحكام السياسة في الملك والحروب والاحكام العامة شبه أحكام الشرائع وأمر أن يوضع في خزانته وان تختص بقرابته ولم يكن يؤتى بمثله وانما كان
دينه ودين ابائه وقومه المجوسية حتى ملكوا الارض واستفحلت دولتهم بالعراق والشمال وما وراء النهر وأسلم من ملوكهم من هداه الله للاسلام كما نذكره ان شاء الله تعالى فدخلوا في عدد ملوك الاسلام إلى أن انقرضت دولهم وانقضت آيامهم والبقاء(5/526)
لله وحده وأما ولده فكثير وهو الذى يقتضيه حال بداوته وعصبيته الا أن المشهور منهم أربعة أولهم دوشى خان ويقال جرجى وثانيهم جفطاى ويقال كداى وثالثهم أوكداى ويقال أوكتاى ورابعهم طولى بين التاء والطاء والثلاثة الاول لام واحدة وهى أو بولي بنت تيكى من كبار المغل وعد شمس الدين الاصبهاني الاربعة فقال جرجى وكداى وطولي وأوكداى وقال نظام الدين يحيى بن الحليم نور الدين عبد الرحمن الصيادى كاتب السلطان أبى سعيد فيما نقله عنه شهاب الدين بن فضل الله ان كداى هو جفطاى وجرجى هو طوشى فلما ملك جنكز خان البلاد قسم الممالك فكان لولده طوشى بلاد فيلاق إلى بلغار وهى دست القفجاق وأضاف إليه أران وهمذان وتبريز ومراغة وعيرلان وكتاى حدود آمد وقوباق وما أدرى تفسير هذه وجعله ولى عهده وعين لجفطاى من الايقور إلى سمرقند وبخارا وما وراء النهر ولم يعين لطولى شيأ وعين لاخيه أوتكين نوى بلاد أبخت ولا أدرى معنى هذا الاسم ولما استفحل ملكه واستولى على هذه الممالك جلس على التخت وانتقل إلى وطنه القديم بين الخطا والا يفور وهم تركستان وكاشغر وفي ذلك الوطن مدينة قراقوم م وبها كان كرسيه ومكانه بين أعمال ولده مكان المركز من الدائرة وكان كبير ولده طوشى ويقتل دوشى ومات في حياته وخلف من الولد ناخوا وبركة وداوردة وطوفل هكذا قال ابن الحكيم وقال شمس الدين ناظو وبركة فقط ومات طولى أيضا في حياته في حربه مع جلال الدين خوارزم شاه بنواحي غزنة وخلف من الولد منكو قبلاى وازبيك وهلاكو والله تعالى أعلم بغيبه وأحكم(5/527)
* (ملوك التخت بقراقوم من بعد جنكز خان) * قال ابن فضل الله ولما هلك جنكز خان استقل أوكداى بالتخت وبدست القفجاق وما معه وكان أصغر ولده وانتقل إلى قراقوم بمكانهم الاصلى وقراباق التى كانت بيده لابنه كفود ولم يتمكن كداى وهو جفطاى من مملكة ما وراء النهر ونازع ناظو بن دوشى خان في اران وهمذان وتبريز ومراغة وبعث أميرا من أمرائها لحمل أموالها والقبض على عماله بها وقد كان ناظو كتب إليهم بالقبض على ذلك الامير فقبضوا عليه وحملوه إلى ناظو فطحنه وبلغ ذلك إلى كفود فسار إلى ناظو في ستمائة ألف من العساكر وهلك قبل أن يصل إليه بعشر مراحل فبعث القوم إلى ناظو أن يكون صاحب التخت فأبى وجعله لاخيه منكوفان بن طولى وبعثه إليه وأخويه مع قبلاى وهلاكو وبعث معهم أخاه بركة بن طولى في مائة ألف من العساكر ليجلسه على التخت فلما عاد من بخارا لقى الشيخ شمس الدين الباخورى من أصحاب نجم الدين كبير الصوفية فأسلم على يده وتأكدت صحبته معه وحرضه على التمسك بطاعة الخليفة ومكاتبته المعتصم ومبايعته ومهاداته وترددت الرسل بينه وبين المعتصم وتأكدت الموالاة واستقل منكوفان بالتخت وولى أولاد جفطاى عمه على ما وراء النهر امضاء لوصية جنكز خان لابيهم التى مات دونها ووفد عليه جماعة من أهل قزوين وبلاد الجبل يشكون ما نزل بهم من ضرر الاسماعيلية وفسادهم فجهز أخاه هلاكو لقتالهم واستئصال قلاعهم فمضى لذلك وحسن لاخيه منكوفان الاستيلاء على أعمال الخليفة فأذن له فيه وبلغ ذلك بركة فنكره على أخيه ناظو الذى ولى منكوفان لما كان بين بركة والمعتصم من الولاية والوصلة بوصية الشيخ الباخورى فبعث ناظو إلى أخيه هلاكو بالنهي عن ذلك وأن لا يتعدى مكانه وبلغته رسل ناظو بذلك وهو فيما وراء النهر قبل أن يفصل بالعساكر فأقام سنين امتثالا لامره حتى مات ناظو وتولى بركة مكانه فاستأذن أخاه منكوفان ثانية وسار لقصد الملاحدة وأعمال الخليفة فأوقع بالملاحدة
وفتح قلاعهم واستلحمهم وأوقع بأهل همذان واستباحهم لميلهم إلى بركة وأخيه ناظو ثم سار إلى بركة بدست القفجاق فزحف إليه بركة في جموع لا تحصى والتقيا واستمر القتل في أصحاب هلاكو وهم بالهزيمة ثم حال نهر الكر بين الفريقين وعاد هلاكو في البلاد واستحكمت العداوة بينهما وسار هلاكو إلى بغداد فكانت له الواقعة المشهورة كما مر ويأتى في أخبار دولته انشاء الله تعالى وفي كتاب ابن فضل الله فيما نقله عن شمس الدين الاصبهاني أن هلاكو لم يكن مستقلا بالملك وانما كان نائبا عن أخيه منكوفان ولا ضربت السكة باسمه ولا ابنه ابغا وانما ضربها منهم ارغو حين استقل فجعل اسمه(5/529)
في السكة مع اسم صاحب التخت قال وكان شحنة صاحب التخت لا يزال ببغداد إلى أن ملك قازان فطرد الشحنة وأفرد اسمه في السكة وقال ما ملكت البلاد الا بسيفي وبيت جنكز خان يرون أن بنى هلاكو انما كانوا ثوارا وجنكز خان لم يملك طولى شيأ وان أخاه منكوفان الذى ولاه عليها انما بعثه نائبا مع أن منكوفان انما ولاه ناظو ابن دوشى خان كما مر قال ونقل عن ثقاة أنه لم يبق هلاكو من يحقق نسبه لكثرة ما وقع فيهم من القتل غيرة على الملك ومن نجا طلب الاختفاء بشخصه فخفي نسبه الا ما قيل في محمل المنسوب إلى بحرحى قال شمس الدين الاصبهاني ونقله عن أمير كبير منهم ان أول من استقل بالتخت جنكزخان ثم ابنه اوكداى ثم ابنه كفود بن اوكداى ثم منكوفان بن طولى ثم أخوه اربيكان ثم أخوهما قبلاى ثم دمرفاى ويقال تمرفاى ثم تربى كيزى ثم كيزقان ثم سندمر قان بن طرما لابن جنكمر بن قبلاى بن طولى انتهى كلام ابن فضل الله وعن غيره أن منكوفان جهز عساكر التتر أيام ملكه على التخت إلى بلاد الروم سنة مع أمير من أمراء المغل اسمه بيكو فملكها من يد بنى قليج ارسلان كما هو مذكور في أخبارهم فاقامت في طاعة القان إلى أن انقرض أمر المغل منها ثم بعث منكوفان العساكر لغزو بلاد الخطا مع أخيه قبلاى
بعد ان عهد له بالخانية ثم سار على اثره بنفسه واستخلف أخاه الآخر ازبك على كرسى قراقوم وهلك منكوفان في طريقه ذلك على نهر الطاى من بلاد الغور سنة ثمان وخمسين فجلس ازبك على التخت وعاد قبلاى من بلاد الخطا فزحف إليه ازبك فهزمه إلى بعض النواحى واستأثر بالغنائم عن اخوته وقومه فمالوا إلى طاعة قبلاى واستدعوه فجاء وقاتل أخاه ازبك فغلبه وتقبض عليه وحبسه واستقر في الغانية وبلغ الخبر إلى هلاكو وهو في الشأم عندما استولى عليه فرجع لما كان يؤمله من الغانية ولما انتهى إلى جيحون بلغه استقلال أخيه قبلاى في القانية وتبين له عجزه عنه فسالمه وقنع بما في يده ورجع إلى العراق ثم نازع قبلاى في الغانية لآخر دولته سنة سبع وثمانين بعض بنى أوكداى صاحب التخت الاول وهو قيدو بن قاشى بن كفود بن أوكداى ونزع إليه بعض أمراء قبلاى وزينوا له ذلك فسار له وبعث قبلاى العساكر للقائه مع ابنه تمقان فهزمه قيدو ورجع منهزما إلى أبيه فسخطه وطرده إلى بلاد الخطا ومات هنالك وسلط قبلاى على قيدو وكان غلب على ما وراء النهر براق بن سنتف بن منكوفان بن جفطاى من بنى جفطاى ملوك ما وراء النهر بوصية أبيهم جنكز خان فغلبه براق واستولى على ما وراء النهر ثم هلك قبلاى صاحب التخت سنة ثمان وثمانين وملك ابنه سرتموق هذا ما انتهى الينا من أخبار ملوك التخت بقراقوم من بنى جنكز خان ولم نقف على غيرها(5/530)
والله تعالى ولي التوفيق بمنه وكرمه * (ملوك بنى جفطاى بن جنكز خان بتركستان وكاشغر وما وراء النهر) * هذا الاقليم هو مملكة الترك الاولى قبل الاسلام وأسلم ملوكهم على تركستان وكاشغر فأقاموا بها وملك بنو سامان نواحى بخارا وسمرقند واستبدوا ومنها كان ظهور السلجوقية والتتر من بعدهم ولما استولى جنكزخان على البلاد أوصى بهذه المملكة لابنه جفطاى ولم يتم ذلك في حياته ومات جفطاى دونه فلما ولى منكوفان بن طولى على
التخت ولى أولاد جفطاى عمه على ما وراء النهر امضاء لوصية جنكز خان لابيهم التى مات دونها وولى منكوفان فلما هلك ولى أخوه هلاكو ابنه مبارك شاه ثم غلب عليهم قيدو ابن قاشي بن كفود بن اوكداي بن جنكز خان وانتزع ما وراء النهر من أيديهم وكان جده كفوك صاحب التخت وبعده ولى منكوفان فلما ولى قيد ونازع صاحب التخت يومئذ وهو قبلاى وكانت بينهما حروب وأعان قبلاى في خلالها بنى جفطاى على استرجاع ملكهم وولى منهم براق بن سنتف بن منكوفان بن جفطاى وأمده بالعساكر والاموال فغلب قيدو بن قاشى بن كفود بن اوكداى بن جنكز خان وانتزع من صاحب التخت يومئذ واستبد بملك آبائه ثم هلك فولى من بعده دوا ثم من بعد دوا بنون له أربعة واحدا بعد واحد وهم كحك ثم اسعا ثم كبك ثم انجمكداى ثم ولى بعد(5/531)
الاربعة دواتمر ثم ترماشين ثم توزون بن اوما كان بن وتخلل هؤلاء من توثب على الملك ولم ينتظم له مثل سيساور بن اركتم بن بغاتمر بن براق ولم يزل ملكهم بعد ترماشين مضطربا إلى أن ملك منهم جنقصو بن دواتمر بن حلو بن براق بن سنتف كانوا كلهم على دين المجوسية وخصوصا دين جنكز خان وعبادته الشمس وكان فيما يقال على دين النجشية فكان بنو جفطاى يعضون عليها بالنواجذ ويتبعون سياسته مثل أصحاب التخت فلما صار الملك إلى ترماشين منهم أسلم رحمه الله سنة خمس وعشرين وسبعمائة وجاهد وأكرم التجار المترددين وكانت تجار مصر ممنوعين من بلاده فلما بلغهم ذلك قصدوها فحمدوها ولما انقرضت دول بنى جنكز خان وتلاشت في جميع النواحى ظهر في أعقاب دولة بنى جفطاى هؤلاء بسمرقند وما وراء النهر ملك اسمه تمر ولا أدرى كيف كان يتصل نسبه فيهم ويقال انه من غير نسبهم وانما هو متغلب على صبى من أعقاب ملوكهم اسمه طغتمش أو محمود درج اسمه بعد مهلك أبيه واستبد عليه وأنه من أمرائهم وأخبرني من لقيته من أهل الصين أن أباه أيضا كان في مثل مكانه من
الامارة والاستبداد وما أدرى أهو طيبة في نسب جفطاى أو من أحلافهم واتباعهم وأخبرني الفقيه برهان الدين الخوارزمي وهو من علماء خوارزم وأعيانها قال كان لعصره وأول ظهوره ببخارا رجل يعرف بحسن من أمراء المغل وآخر بخوارزم من ملوك صراى أهل التخت يعرف بالحاج حسن الصوفى وزحف إلى بخارا فملكها من يد حسن ثم إلى خوارزم وطالت حروبه مع الحاج حسن الصوفى وحاصرها مرارا وهلك حسن خلال ذلك وولى أخوه يوسف فملكها تمر من يده وخربها في حصار طويل ثم كلف بعمارتها وبناء ما خرب منها وانتظم له الملك بما وراء النهر ونزل قجارى ثم زحف إلى خراسان فملك هراة من يد صاحبها وأظنه من بقايا ملوك الغورية ثم زحف إلى مازندان وطال تمرسه وحروبه مع صاحبها الشيخ ولى إلى أن ملكها عليه سنة أربع وثمانين ولحق الشيخ ولى بتوريز إلى أن ملكها تمر سنة ثمان وثمانين فهلك في حروبه معها ثم زحف إلى اصبهان فأتوه طاعة ممرضة وخالفه في قومه كبير من أهل نسبه يعرف بمعمر الدين وأمده طغطمش صاحب التخت بصراى فكر راجعا وشغل بحربه إلى أن غلبه ومحا أثره وغلب طغطمش على ما بيده من البلاد ثم زحف إلى بغداد سنة خمس وتسعين فأجفل عنها ملكها أحمد بن أويس بن الشيخ حسن المتغلب عليه بعد بنى هلاكو فلحق أحمد ببر الشأم سنة ست وتسعين واستولى تمر على بغداد والجزيرة وديار بكر إلى الفرات واستعد ملك مصر للقائه ونزل الفرات فأحجم عنه وتأخر عنه إلى قلاع الاكراد وأطراف بلاد الروم وأناخ على قراباغ ما بين اذربيجان والابواب ورجع(5/532)
خلال ذلك طعطمش صاحب التخت إلى صراى وملكه فسار إليه تمر أول سنة سبع وتسعين وغلبه على ملكه وأخرجه عن سائر ممالكه ثم وصل الخبر آخر السنة بظفره بطغطمش وقتله اياه واستيلائه على جميع أعماله والحال على ذلك لهذا العهد والله وارث الارض ومن عليها وفى خبر العجم أن ظهوره سنة عذب يعنون سنة اثنين
وسبعين وسبعمائة بحساب الجمل في حروف هذه اللفظة والله سبحانه وتعالى ولى التوفيق بمنه وكرمه [ الخبر عن ملوك بنى دوشى خان من التتر ملوك خوارزم ودست القفجاق ومبادي أمورهم وتصاريف أحوالهم ] قد نقدم لنا أن جنكز خان عين هذه البلاد لابنه دوشى خان وملكه عليها وهى مملكة متسعة في الشمال آخذة من خوارزم إلى ناركند وصفد وصراى إلى مدينة ما جرى واران وسرادق وبلغار وباشقرد وجد لمان وفي حدود هذه المملكة مدينة(5/533)
باكو من مدن شروان وعندها باب الحديد ويسمونه دمر قفو وسمر حدود هذه المملكة في الجنوب إلى حدود القسطنطينية وهى قليلة المدن كثيرة العمارة والله تعالى أعلم * (دوشى خان بن جنكز خان) * وأول من وليها من التتر دوشى خان فلم يزل ملكا عليها إلى أن هلك في حياة أبيه كما مر سنة * (ناظو خان بن دوشى خان) * ولما هلك دوشى خان ولى مكانه ابنه ناظو خان ويقال صامر خان ومعناه الملك المغير فلم يزل ملكا عليها إلى أن هلك سنة خمسين وستمائة * (طرطو بن دوشى خان) * ولما هلك ناظو ولى أخوه طرطو فأقام ملكا سنتين وهلك سنة ثنتين وخمسين ولما هلك ولى مكانه أخوه بركة هكذا نقل ابن فضل الله عن ابن الحكيم وقال المؤيد صاحب حماة في تاريخه انه لما هلك طرطو هلك عن غير عقب وكان لاخيه ناظو خان ولدان وهما تدان وبركة وكان مرشحا للملك فعدل عنه أهل الدولة وملكوا أخاه بركة وسارت أم تدان إلى هلاكو عندما ملك العراق تستحثه لملك قومها فردوها من الطريق وقتلوها
واستمر بركة في سلطانه انتهى فنسب المؤيد بركة إلى ناظو خان بن دوشى خان وابن الحكيم على ما نقل ابن فضل الله جعله ابن دوشى خان نفسه وذكر المؤيد قصة اسلامه على يد شمس الدين الباخورى من أصحاب نجم الدين وان الباخورى كان مقيما ببخارا وبعث إلى بركة يدعوه إلى الاسلام فأسلم وبعث إليه كتابه باطلاق يده في سائر أعماله بما شاء فرده عليه وأعمل بركة الرحلة إلى لقائه فلم يأذن له في الدخول حتى تطارح عليه أصحابه وسهلوا الاذن لبركة فدخل وجدد الاسلام وعاهده الشيخ على اظهاره الاسلام وان يحمل عليه سائر قومه فحملهم واتخذ المساجد والمدارس في جميع بلاده وقرب العلماء والفقهاء ووصلهم وسياق القصة على ما ذكره المؤيد يدل على أن اسلامه كان أيام ملكه وعلى ما ذكر ابن الحكيم أن اسلامه كان أيام أخيه ناظو ولم يذكر ابن الحكيم طرطو وانما ذكر بعد ناظو أخاه بركة ولم نقف على تاريخ لدولتهم حتى يرجع إليه وهذا ما أدى إليه الاجتهاد وما بعدها مأخوذ من تاريخ المؤيد صاحب حماة من بنى المظفر بن شاهنشاه بن أيوب قال ثم بعث بركة ايام سلطانه أخاه ناظو إلى ناحية الغرب للجهاد وقاتل ملك اللمان من الافرنج فانهزم ورجع ومات أسفا ثم حدثت الفتنة بين بركة وبين قبلاى صاحب التخت وانتزع بركة الخاقانية من أعمال قبلاى وولى عليها سرخاد ابن(5/534)
أخيه ناظو وكان على دين النصرانية وداخله هلاكو في الانتقاض على عمه بركة إلى أخيه قبلاى صاحب التخت ويقطعه الخاقانية وما يشاء معها وشعر بركة بشأنه وأن سرخاد يحاول قتله بالسم فقتله وولى الخاقانية أخاه مكانه وأقام هلاكو طالبا بثأر سرخاد وقعت الحرب بينه وبين بركة على نهر آمد سنة ستين ثم هلك هلاكو سنة ثلاث وستين وولى ابنه ابغا فسار إلى حربه وسرح بركة للقائه سنتاى بن بانيغان بن جفطاى ونوغيثة بن تتر بن مغل بن دوشى خان فلما التقى الجمعان أحجم سنتاى ورجع منهزما وانهزم ابغا أمام نوغينة وأثخن في عساكره وعظمت منزلة نوغبنة عند بركة وسخط بركة
سنتاى وساءت منزلته عنده إلى أن هلك بركة سنة خمس وستين والله سبحانه وتعالى أعلم * (منكوتمر بن طغان بن ناظو خان) * ولما هلك بركة ملك الدست بالشمال ملك مكانه منكوتمر بن طغان ابن ناظو خان ابن دوشى خان وطالت أيامه وزحف سنة سبعين إلى القسطنطينية لجدة وجدها على الاشكر ملكها فتلقاه بالخضوع والرغبة ورجع عنه ثم زحف سنة ثمانين إلى الشأم في مظاهرة ابغا بن هلاكو ونزل بين قيسارية وابلستين من بلاد الروم ثم أجاز الدربند ومر بابغا وهو منازل الرحبة وتقدم مع أخيه منكوتمر بن هلاكو إلى حماة فنازلوها وزحف إليهم المنصور قلاون ملك مصر والشأم من دمشق ولقيهم بظاهر حمص وكانت الدائرة على ملوك التتر وهلك خلق من عساكرهم وأسر آخرون وأجفل ابغا من منازلة الرحبة ورجعوا إلى بلادهم منهزمين وهلك على اثر ذلك منكوتمر ملك الشمال ومنكوتمر بن هلاكو سنة احدى وثمانين ولما هلك منكوتمر ملك مكانه ابنه تدان وجلس على كرسى ملكهم بصراى فأقام خمس سنين ثم ترهب وخرج على الملك سنة ست وثمانين وانقطع إلى صحبة المشايخ الفقراء ولما ترهب تدان بن منكوتمر وخرج عن الملك ملك مكانه اخوه قلابغا وأجمع على غزو بلاد الكرك واستنفر نوغينة بن تتر ابن مغل بن دوشى خان وكان حاكما على طائفة من بلاد الشمال وله استبداد على ملوك بنى دوشى خان فنفر معه في عساكره وكانت عظيمة ودخلوا جميعا بلاد الكرك وأغاروا عليها وعاثوا في نواحيها وفصلوا منها وقد تمكن فصل الشتاء وملك السلطان مسافة اعتسف فيها البيداء وهلك أكثر عساكره من البرد والجوع وأكلوا دوابهم وسار نوغينه من أقرب المسالك فنجا إلى بلاده سالما من تلك الشدة فاتهمه السلطان قلابغا بالادهان في أمره وكان ينقم عليه استبداده حتى انه قتل امرأة كنجك وكانت متحكمة في أيام أبيه وأخيه وشكت إلى نوغينة فأمر بقتلها خنقا وقتل أميرا كان في خدمتها اسمه سطرا فتنكر له قلابغا وأجمع الفتك به وأرسل يستدعيه لما طوى له(5/535)
عليه ونمى الخبر بذلك إلى نوغينة فبالغ في اظهار النصيحة والاشفاق على السلطان وخاطب أمه بأن عنده نصائح يود لو ألقاها إلى السلطان في خلوة فثنت ابنها عن رأيه فيه وأشارت عليه باستدعائه والاطلاع على ما عنده وجاء نوغينة وقد بعث عن جماعة من أخوة السلطان قلابغا كانوا يميلون إليه ومنهم طغطاى وبولك وصراى وتدان بنو منكوتمر بن طغان فجاؤا معه وقد هجم السلطان قلابغا وركب للقاء نوغينة في لمة من عسكره وجاء نوغينة وقد أكمن له طائفة من العسكر فلما التقيا تحادثا مليا وخرج الكمناء وأحاطوا بالسلطان وقتلوه سنة تسعين وستمائة طغطاى ابن منكوتمر ولما قتل قلابغا ولوا مكانه طغطاى لوقته ورجع نوغينة إلى بلاده وبعث إلى طغطاى في قتل الامراء الذين داخلوا قلابغا في قتله فقتلهم طغطاى أجمعين ثم تنكر طغطاى لنوغينة لما كان عليه من الاستبداد وأنف طغطاى منه وأظلم الجو بينهما واجتمع أعيان الدولة إلى نوغينه فكان على طغطاى واصهر إلى طاز بن منجك منهم بابنته فسار إليه طغطاى ولقيه نوغينة فهزمه واعترضه نهر مل فغرق كثير من عسكره ورجع نوغينة عن اتباعه واستولى على بلاد الشمال وأقطع سبطه قراجا بن طشتمر سنة ثمان وسبعين مدينة القرم وسار إليها لقبض أموالها فأضافوه وبيتوه وقتلوه من ليلته وبعث نوغينة العساكر إلى القرم فاستباحوها وما يجاورها من القرى والضياع وخرب سائرها وكان نوغينة كثير الايثار لاصحابه فلما استبد بأمره آثر ولده على الامراء الذين معه وحسوا عليهم وكان رديفه من ملك المغل اياجى بن قرمش وأخوه قراجا فلما آثر ولده عليهما نزعا إلى طغطاى في قومهما وسار ولد نوغينة في اتباعهما فرجع بعضهم واستمر الباقون وقتل ولد نوغينه من رجع معه من أصحاب اياجى وقراجا وولدهم فامتعض لذلك أمراء المغل الذين معه ولحقوا بطغطاى واستحثوه لحرب نوغينة فجمع وسار إليه سنة تسع وتسعين بكوكان لك فانهزمت
عساكر نوغينة وولده وقتل في المعركة وحمل رأسه إلى طغطاى فقتل قاتله وقال السوقة لا تقتل الملوك واستبيح معسكر نوغينة وبيع سباياهم وأسراهم في الاقطار وكان بمصر منهم جماعة استرقوا بها وانتظموا في ديوان جندها ولما هلك نوغينة خلفه في أعماله ابنه جكك وانتقض عليه أخوه فقتله فاستوحش لذلك أصحابه وأجمعوا الفتك به وتولى ذلك نائبه طغر وصهره على أخته طاز بن منجك ونمى الخبر بذلك إليه وهو في بلاد اللاز والروس غازيا فهرب ولحق ببلاده ثم لحق به عسكره فعاد إلى حربهم وغلبهم على البلاد ثم أمدهما طغطاى على جكا بن نوغينة فانهزم ولحق بيلاد أولاق وحاول الامتناع ببعض القلاع من بلاد أولاق وفيها صهره فقبض عليه صاحب القلعة(5/536)
واستخدم بها لطغطاى فأمره بقتله سنة احدى وسبعمائة ونجا أخوه طراى وابنه قراكسك شريدين وخلا الجو لطغطاى من المنازعين والمخالفين واستقرت في الدولة قدمه وقسم أعماله بين أخيه صراى بغا وبين ابنيه وأنزل منكلى بغا من ابنيه في عمل نهر طنا مما يلى باب الحديد ثم رجع صراى بن نوغينة من مفره واستذم بصراى بغا أخى طغطاى فأذمه وأقام عنده فلما أنس به كشف له القناع عما في صدره واستهواه للانتقاض على أخيه طغطاى وكان أخوهما أكبر منه وكان مقيما عند طغطاى فركب إليه صراى بغا ليفاوضه في الشأن فاستعظمه واطلع عليه أخاهما طغطاى فأمره لوقته باحضار أخيه صراى بغا وصراى بن نوغينة وقتلهما واستضاف عمل أخيه صراى بغا لابنه ايل بهادر ثم بعث في طلب قراكسك بن نوغينة فأبعد في ناحية الشمال واستذم ببعض الملوك هنالك ثم هلك سنة تسع وسبعمائة أخوه بذالك وابنه ايل بهادر وهلك طغطاى بعدهما سنة ثنتى عشرة والله تعالى أعلم * (أزبك بن طغر لجاى بن منكوتمر) * ولما هلك طغطاى بايع نائبه قطلتمر لازبك ابن أخيه طغرلجاى باشارة الخاتون تنوفالون
زوج أبيه طغرلجاى وعاهده على الاسلام فأسلم واتخذ مسجدا للصلاة وأنكر عليه بعض أمرائه فقتله وتزوج الخاتون بثالون وكانت المواصلة بين طغطاى وبين ملوك مصر ومات طغطاى ورسله عند الملك الناصر محمد بن قلاون فرجعوا إلى ازبك مكرمين وجدد ازبك الولاية معه وقطلتمر في بعض كرائمهم يرغبه وعين له بنت بذالك أخى طغطان وتكررت الرسالة في ذلك إلى أن تم الامر وبعثوا بكريمتهم المخطوبة إلى مصر فعقد عليها الناصر وبنى بها كما مر في أخباره ثم حدثت الفتنة بين ازبك وبين ابى سعيد ملك التتر بالعراق من بنى هلاكو وبعث ازبك عساكره إلى اذربيجان وكان بنو دوشى يدعون أن توريز ومراغة لهم وأن القان لما بعث هلاكو لغزو بلاد الاسماعيلية وفتح بغداد استكثر من العساكر وسار معه عسكر أهل الشمال هؤلاء وقررت لهم العلوفة بتوريز ولما مات هلاكو طلب بركة من ابنه ابغا أن يأذن له في بناء جامع تبريز ودار لنسج الثياب والطرز فأذن له فبناهما بذلك ثم اصطلحوا وأعيدت فادعى بنو دوشى خان أن توريز ومراغة من اعمالهم ولم يزالوا مطالبين بهذه الدعوة فلما وقعت هذه الفتنة بين ازبك وأبى سعيد افتتح أمره بغزو موقان فبعث العساكر إليها سنة تسعة عشر فاكتسحوا نواحيها ورجعوا وجمع جوبان على دولته وتحكمه في بنى جنكز خان وأنه يأنف أن يكون براق بن سنتف بن منكوفان ابن جفطاى ملكا أعلى خوارزم فأغزاه ازبك فملك خراسان وأمده بالعساكر مع نائب(5/537)
قطلتمر وسار سيول لذلك وبعث أبو سعيد نائبه جوبان لمدافعتهما فلم يطق وغلب سيول على كثير من خراسان وصالحه جوبان عليها وهلك سيول سنة عشرين ثم عزل ازبك نائبه قطلتمر سنة احدى وعشرين وولى مكانه عيسى كوكز ثم رده سنة أربع وعشرين إلى نيابته ولم تزل الحرب متصلة بين أزبك وأبى سعيد إلى أن هلك أبو سعيد سنة ست وثلاثين ثم هلك القان في هذه السنة ولما هلك ازبك بن طغر لجاى ولى مكانه ابنه جانى بك
وكان أبو سعيد قد هلك قبله كما قلناه ولم يعقب وولى مكانه على العراق الشيخ حسن من أسباط ابغا بن هلاكو وافترق الملك في عمالاتهم طوائف ورد رجاني بك العساكر إلى خراسان إلى أن ملكها سنة ثمان وخمسين ثم زحف إلى اذربيجان وتوريز وكان قد غلب عليها الشيخ الصغير ابن دمرداش بن جوبان وأخوه الاشرف من بعده كما يذكر في أخبارهم ان شاء الله تعالى فزحف جانى بك في العساكر إلى اذربيجان بتلك المطالبة التى كان سلفه يدعون بها فقتل الاشرف واستولى على توريز واذربيجان وانكفأ راجعا إلى خورستان بعد ان ولى على توريز ابنه بردبيك واعتل جانى بك في طريقه ومات * (بردبيك بن جانى) * ولما اعتل جانى في ذهابه من توريز إلى خراسان طير أهل الدولة الخبر إلى ابنه بردبيك وقد استخلفه في توريز فولى عليها أميرا من قبله وأغد السير الى قومه ووصل إلى صراى وقد هلك أبوه جانى فولوه مكانه واستقل بالدولة وهلك لثلاث سنين من ملكه * (ماماى المتغلب على مملكة صراى) * ولما هلك بردبيك خلف ابنه طغطمش غلاما صغيرا وكانت أخته بنت بردبيك تحت كبير من أمراء المغل اسمه ماماى وكان متحكما في دولته وكانت مدينة القرم من ولايته وكان يومئذ غائبا بها وكان جماعة من أمراء المغل متفرقين في ولايات الاعمال بنواحي صراى ففرقوا الكلمة واستبدوا بأعمالهم فتغلب حاجى شركس على ناحية منج طرخان وتغلب أهل خان على عمله وايبك خان كذلك وكانوا كلهم يسمون أمراء المسيرة فلما هلك بردبيك وانقرضت الدولة واستبد هؤلاء في النواحى خرج ماماى إلى القرم ونصب صبيا من ولد أزبك القان اسمه عبد الله وزحف به إلى صراى فهرب منها طغطمش ولحق بمملكة أرض خان في ناحية جبال خوارزم إلى مملكة بنى جفطاى بن جنكز خان في سمرقند وما وراء النهر والمتغلب عليها يومئذ السلطان تمر من أمراء المغل وقد نصب صبيا منهم اسمه محمود وطغطمش وتزوج أمه واستبد
عليه فأقام طغطمش هناك ثم تنافس الامراء المتغلبون على أعمال صراى وزحف حاجى(5/538)
شركس صاحب عمل منج طرخان إلى ماماى فغلبه على صراى فملكها من يده وسار ماماى إلى القرم فاستبد بها ولما زحف حاجى شركس من عمله بعث أرض خان عساكره من نواحى خوارزم فحاصروا منج طرخان وبعث حاجى العساكر إليهم مع بعض أمرائه فأعمل الحيلة حتى هزمهم عن منج طرخان وفتك بهم وبالامير الذى يقودهم وشغل حاجى شركس بتلك الفتنة فزحف إليه ايبك خان وملك صراى من يده واستبد بها أياما ثم هلك وولى بعده بصراى ابنه قاريخان ثم زحف إليه أرض خان من جبال خوارزم فغلبه على صراى وهرب قاريخان بن ايبك خان وعادوا إلى عملهم الاول واستقر أرض خان بصراى وماماى بالقرم ما بينه وبين صراى في مملكته وكان هذا في حدود أعوام سنة ست وسبعين وطغطمش في خلال ذلك مقيم عند السلطان تمر فيما وراء النهر ثم طمحت نفس طغطمش إلى ملك آبائه بصراى فجهز معه السلطان تمر العساكر وسار بها فلما بلغ جبال خوارزم اعترضه هناك عساكر أرض خان فقاتلوه وانهزم ورجع إلى تمر ثم هلك أرض خان قريبا من منتصف تلك السنة فخرج السلطان تمر بالعساكر مع طغطمش مددا له إلى حدود عمله ورجع واستمر طغطمش فاستولى على أعمال أرض خان بجبال خوارزم ثم سار إلى صراى وبها عمال أرض خان فملكها من أيديهم واسترجع ما تغلب عليه ماماى من ضواحيها وملك أعمال حاجى شركس في منج طرخان واستنزع جميع ما كان بأيدى المتغلبين ومحا أثرهم وسار إلى ماماى بالقرم فهرب أمامه ولم يوقف على خبره ثم صح الخبر بمهلكه من بعد ذلك واستوسق الملك بصراى وأعمالها لطغطمش ابن بردبيك كما كان لقومه * (حروب السلطان تمر مع طغطمش صاحب صراى) * قد ذكرنا فيما مر ظهور هذا السلطان تمر في دولة بنى جفطاى وكيف أجاز من
بخارى وسمرقند إلى خراسان أعوام أربعة وثمانين وسبعمائة فنزل على هراة وبها ملك من بقايا الغورية فحاصرها وملكها من يده ثم زحف إلى مازندان وبها الشيخ ولى تغلب عليها بعد بنى هلاكو فطالت حروبه معه إلى أن غلبه عليها ولحق الشيخ ولى بتوريز في فل من أهل دولته ثم طوى تمر الممالك طيا وزحف إلى اصبهان فآتاه ابن المظفر بها طاعته ثم إلى توريز سنة سبع وثمانين فملكها وخربها وكان قد زحف قبلها إلى دست القفجاق بصراى فملكها من يد طغطمش وأخرجه عنها فأقام بأطراف الاعمال حتى أجاز تمر إلى اصبهان فرجع إلى كرسيه وكان للسلطان تمر قريع في قومه يعرف بقمر الدين فراسله طغطمش صاحب صراى وأغراه بالانتقاض على تمر وأمده بالاموال والعساكر فعاث في تلك البلاد وبلغ خبره إلى تمر منصرفه من فتحه فكر راجعا وعظمت حروبه مع قمر(5/539)
الدين إلى ان غلبه وحسم علته وصرف وجهه إلى شانه الاول الزحف إلى طغطمش وسار طغطمش للقائه ومعه اغلان بلاط من أهل بيته فداخله تمر وجماعة الامراء معه واستراب بهم طغطمش وقد حان اللقاء وتصافوا للحرب فصدم ناحية من عسكر تمر وصدم من لقى فيها وتبدد عياله وافترق الامراء الذين داخلوا تمر وساروا إلى الثغور فاستولوا عليها وجاء طغطمش إلى صراى فاسترجعها وهرب اغلان بلاط إلى القرم فملكها وزحف إليه طغطمش في العساكر فحاصرها وخالفه ارض خان إلى صراى فملكها فرجع طغطمش وانتزعها من يده ولم تزل عساكره تختلف إلى القرم وتعاهدها بالحصار إلى أن ملكها وظفر باغلان بلاط فقتله وكان السلطان تمر بعد فراغه من حروبه مع طغطمش سار إلى اصبهان فملكها أيضا واستوعب ملوك بنى المظفر بالقتل وانتظم له أعمالهم جميعا في مملكته ثم زحف إلى بغداد فملكها من يد أحمد بن أويس سنة خمس وتسعين كما مر ذكره ولحق أحمد بالسلطان الظاهر صاحب مصر مستصرخا به فخرج معه في العساكر وانتهى إلى الفرات وقد سار تمر عن بغداد إلى
ماردين فحاصرها وملكها وامتنعت عليه قلعتها فعاج من هنالك إلى حصون الاكراد ثم إلى بلاد الارمن ثم إلى بلاد الروم وبعث السلطان الظاهر صاحب مصر العساكر مددا لابن أويس فسار إلى بغداد وبها شرذمة من عسكر تمر فملكها من أيديهم ورجع الملك الظاهر إلى مصر وقد أظل الشتاء ورجع تمر إلى نواحى أعماله فأقام في عمل قراباق ما بين اذربيجان وهمذان والابواب ثم بلغ الخبر إلى تمر فسار من مكانه ذلك إلى محاربة طغطمش وعميت أنباؤه مدة ثم بلغ الخبر آخر سنة سبع وتسعين إلى السلطان أن تمر ظفر بطغطمش وقتله واستولى على سائر أعماله والله غالب على أمره انتهى * (ملوك غزنة وباميان من بنى دوشى خان) * كانت اعمال غزنة وباميان هذه قد صارت لدوشى خان وهى من اعمال ما وراء النهر من جانب الجنوب وتتاخم سجستان وبلاد الهند وكانت في مملكة بنى خوارزم شاة فملكها التتر لاول خروجهم من أيديهم وملكها جنكز خان لابنه دوشى خان وصارت لابنه أردنو ثم لابنه انبجى بن أردنو وهلك على رأس المائة السابعة وخلف من الولد بيان وكبك ومنغطاى وانقسمت الاعمال بينهم وكان كبيرهم بيان في غزنة وقام بالملك بعد انبجى ابنه كبك وانتقض عليه أخوه بيان واستمد بطغطاى صاحب صراى فامده بأخيه بذالك واستنجد كبك بقندو فأمده ولم يغن عنه وانهزم ومات سنة تسع وسبعمائة واستولى بيان على الاعمال وأقام بغزنة وزحف إليه قوشناى ابن أخيه كبك واستمد بقند وغلب عمه على غزنة ولحق بيان بطغطاى واستقر قوشناى بغزنة(5/540)
ويقال ان الذى غلب عليها انما هو أخوه طغطاى ولم نقف بعد على شئ من أخبارهم والله تعالى أعلم بغيبه وأحكم * (ملوك التخت بصراى) *(5/541)
[ دولة بنى هلاكو ملوك التتر بالعراقين وخراسان ومبادي أمورهم وتصاريف أحوالهم ] قد تقدم لنا أن جنكز خان عهد بالتخت وهو كرسى الملك بقراقوم لابنه أوكداى ثم ورثه من بعده كفود بن أوكداى وان الفتنة وقعت بينه وبين صاحب الشمال من بنى جنكز خان وهو ناظو بن دوشى خان صاحب التخت بصراى وسار إليه في جموع المغل والتتر وهلك في طريقه وسلم المغل الذين مع التخت لناظو فامتنع من مباشرته بنفسه وبعث إليه أخاه منكوفان وبعث معه بالعساكر أخويه الآخرين قبلاى وهلاكو ومعهما أخوهما بركة ليجلسه على التخت فأجلسه سنة خمسين وذكرنا سبب اسلام بركة عند مرجعه وأن منكوفان استقل بالتخت وولى بنى جفطاى بن جنكز خان على بلاد ما وراء النهر امضاء لوصية جنكز خان وبعث أخاه هلاكو لتدويخ عراق العجم وقلاع الاسماعيلية ويسمون الملاحدة والاستيلاء على ممالك الخليفة * (هلاكو بن طولى) * ولما بعث منكوفان أخاه إلى العراق فسار لذلك سنة ثنتين وخمسين وستمائة وفتح الكثير من قلاعهم وضيق بالحصار مخنقهم وولى خلال ذلك في كرسى صراى بالشمال بركة بن ناظو بن دوشى خان فحدثت الفتنة بينه وبين هلاكو ونشأت من الفتنة الحرب وسار بركة ومعه نوغان بن ططر بن مغل بن دوشى خان والتقوا على نهر نول وقد جمد ماؤه لشدة البرد وانخسف من تحته فانهزم هلاكو وهلك عامة عسكره وقد ذكرنا أسباب الفتنة بينهما ثم رجع هلاكو إلى بلاد الاسماعيلية وقصد قلعة الموت وبها صاحبها علاء الدين فبلغه في طريقه وصية من ابن العلقمي وزير المستعصم ببغداد في كتاب ابن الصلايا صاحب اربل يستحثه للمسير إلى بغداد ويسهل عليه أمرها لما كان ابن العلقمي رافضيا هو وأهل محلته بالكرخ وتعصب عليهم أهل السنة وتمسكوا بان الخليفة والدوادار يظاهرونهم وأوقعوا بأهل الكرخ وغضب لذلك ابن العقلمى
ودس إلى ابن الصلايا باربل وكان صديقا له بأن يستحث التتر لملك بغداد وأسقط عامة الجند يموه بأنه يصانع التتر بعطائهم وسار هلاكو والتتر إلى بغداد واستنفر بنحو مقدم التتر ببلاد الروم فيمن كان معه من العساكر فامتنع أولا ثم أجاب وسار إليه ولما أظل هلاكو على بغداد في عساكره برز للقائه ايبك الدوادار في عساكر المسلمين فهزموا عساكر التتر ثم تراجع التتر فهزموهم واعترضهم دون بغداد بثوق(5/542)
انبثقت في ليلتهم تلك من دجلة فحالت دونها فقتلوا أجمعين وهلك ايبك الدوادار وأسر الامراء الذين معه ورجعوا إلى البلد فحاصروها مدة ثم استأمن ابن العلقمي للمستعصم ولنفسه بأن هلاكو يستبقيه فخرج إليه في موكب من الأعيان وذلك في محرم سنة ست وخمسين وتقبض على المستعصم فشدخ بالمعاول في عدل تجافيا عن سفك دمه بزعمهم ويقال ان الذى أحصى فيها من القتلى ألف ألف وثلثمائة ألف واستولوا من قصور الخلافة وذخائرها على ما لا يحصره العدد والضيبط وألقيت كتب العلم التى كانت في خزائنهم بدجلة معاملة بزعمهم لما فعله المسلمون بكتب الفرس عند فتح المدائن واعتزم هلاكو على اضرام بيوتها نارا فلم يوافقه أهل مملكته واستبقى ابن العلقمي على الوزارة والرتبة ساقطة عندهم فلم يكن قصارى أمره الا الكلام في الدخل والخرج متصرفا من تحت آخر أقرب إلى هلاكو منه فبقى على ذلك مدة ثم اضطرب وقتله هلاكو ثم بعث هلاكو بعد فتح بغداد بالعساكر إلى ميافارقين وبها الكامل محمد بن غازى بن العادل فحاصروها سنين حتى جهد الحصار أهلها ثم اقتحموها عنوة واستلحموا حاميتها ثم بعث إليه بدر الدين لؤلؤ صاحب الموصل ابنه ركن الدين اسمعيل بالطاعة والهدية فتقبله وبعثه إلى القان الاعظم منكوفان بقراقوم وأبطأ على لؤلؤ خبره فبعث بالولدين الآخرين شمس الدين اسحق وعلاء الدين بهدية أخرى ورجعوا إليه بخبر ابنه وقرب ايابه فتوجه لؤلؤ بنفسه إلى هلاكو ولقيه
باذربيجان وحضر حصار ميافارقين وجاءه ابنه ركن الدين من عند منكوفان بولاية الموصل وأعمالها ثم هلك سنة سبع وخمسين وولى ابنه ركن الدين اسمعيل ويلقب الصالح وبعث هلاكو عسكرا إلى اربل فحاصرها ستة أشهر وامتنعت فأفرجت عنها العساكر فاغتنم ابن الصلايا الفرصة ونزل عنها لشرف الدين الكردى ولحق بهلاكو فقتله وكان صاحب الشأم يومئذ الناصر بن العزيز محمد بن الظاهر غازى بن صلاح الدين فلما بلغه استيلاء هلاكو على بغداد بعث إليه ابنه بالهدايا والمصانعة والعذر عن الوصول بنفسه لمكان الافرنج من سواحل الشأم فقبل هديته وعذره ورجع ابنه بالمواعيد ولم يتم لهلاكو الاستيلاء على الجزيرة وديار بكر وديار ربيعة وانتهى ملكه إلى الفرات وتاخم الشأم وعبر الفرات سنة ثمان وخمسين فملك البيرة وجدبها السعيد أخا الناصر بن العزيز معتقلا فأطلقه ورده إلى عمله بالضبينة وبانياس ثم سار إلى حلب فحاصرها مدة ثم ملكها ومن عليه وأطلقه ووجد بها المعتقلين من البحرية مماليك الصالح أيوب الذين حبسهم الناصر وهم سنقر الاشقر وتنكز فأطلقهم وكان معهم أمير من أكابر القفجاق لحق به واستخدم له فجعلهم معه وولى على البلاد(5/543)
التى ملكها من الشأم ثم جهز العساكر إلى دمشق وارتحل الناصر إلى مصر ورجع عنه الصالح بن الاشرف صاحب حمص إلى هلاكو فولاه دمشق وجعل نوابه بها لنظره وبلغ الناصر إلى ثم استوحش الخليفة من قطز سلطان مصر لما كان بينهما من الفتنة فخرج إلى هلاكو فأقبل عليه واستشاره في انزال الكتائب بالشأم فسهل له الامر في عساكر مصر ورجع إلى رأيه في ذلك وترك نائبه كيبغا من أمراء التتر في خف من الجنود فبعث كيبغا إلى سلطان مصر وأساء رسله بمجلس السلطان في الخطاب بطلب الطاعة فقتلهم وسار إلى الشأم فلقى كيبغا بعين جالوت فانهزمت عساكر التتر وقتل كيبغا أميرهم والسعيد صاحب الضبينة أخو الناصر كان حاضرا
مع التتر فقبض عليه وقتل صبرا ثم بعث هلاكو العساكر إلى البيرة والسعيد بن لؤلؤ على حلب ومعه طائفة من العساكر فبعث لمدافعة التتر فانهزموا وحنق الامراء على السعيد بسبب ذلك وحبسوه وولوا عليهم حسام الدين الجوكندار وزحف التتر إلى حلب فأجفل عنها واجتمع مع صاحبها المنصور على حمص وزحفوا إلى التتر فهزموهم وسار التتر إلى افامية فحاصروها وهابوا ما وراءها وارتحلوا إلى بلادهم وبلغ الخبر إلى هلاكو فقتل الناصر صاحب دمشق لاتهامه اياه فيما أشار به من الاستهانة بأهل مصر وكان هلاكو لما فتح الشام سنة ثمان وخمسين بلغه مهلك أخيه القان الاعظم منكوفان في مسيره إلى غزو بلاد الخطا فطمع في القانية وبادر لذلك فوجد أخاه قبلاى قد استقل فيها بعد حروب بدت بينه وبين أخيه ازبك تقدم ذكرها في أخبار القان الاعظم فشغل بذلك عن أمر الشأم ثم لما يئس من القانية قنع بما حصل عنده من الاقاليم والاعمال ورجع إلى بلاده والاقاليم التى حصلت بيده اقليم خراسان كرسيه نيسابور ومن مدنه طوس وهراة وترمذ وبلخ وهمذان ونهاوند وكنجة عراق العجم كرسيه اصبهان ومن مدنه قزوين وقم وقاشان وشهرزور وسجستان وطبرستان وطلان وبلاد الاسماعيلية عراق العرب كرسيه بغداد ومن مدنه الدينور والكوفة والبصرة اذربيجان وكرسيه توريز ومن مدنه حران وسلماس وقفجاق خورستان كرسيها ششتر ومن مدنها الاهواز وغيرها فارس كرسيها شيراز ومن مدنها كش ونعمان ومحمل رزون والبحرين ديار بكر كرسيها الموصل ومن مدنها ميافارقين ونصيبين وسنجار واسعرد ودبيس وحران والرها وجزيرة ابن عمر بلاد الروم كرسيها قونية ومن مدنها ملطية واقصرا وأورنكار وسيواس وانطاكية والعلايا ثم اجلاه احمد الحاكم خليفة مصر فزحف إلى بغداد وهذا الحاكم هو عم المستعصم لحق بمصر بعد الواقعة ومعه الصالح بن لؤلؤ بعد أن ازاله التتر من الموصل فنصب الظاهر بيبرس أحمد هذا(5/544)
في الخلافة سنة تسع وخمسين وبعثه لاسترجاع بغداد ومعه الصالح بن لؤلؤ على الموصل فلما أجازوا الفرات وقاربوا بغداد كبسهم التتر ما بين هيت وغانة فكبسوا الخليفة وفرا بن لؤلؤ وأخواه إلى الموصل فنازلهم التتر سبعة أشهر ثم اقتحموها عليهم عنوة وقتلوا الصالح وخشى الظاهر بيبرس غائلة هلاكو ثم ان بركة صاحب الشمال قد بعث إلى الظاهر سنة باسلامه فجعلها الظاهر وسيلة للوصلة معه والانجاد وأغراه بهلاكو لما بينهما من الفتنة فسار بركة لحربه وأخذ بحجزته عن الشأم ثم بعث هلاكو عساكر التتر لحصار البيرة ومعه درباى من أكابر أمراء المغل وأردفه بابنه ابغا وبعث الظاهر عساكره لانجاد أهلها فلما أطلوا على عسكر درباى وعاينهم أجفل وترك المخيم والآلة ولحق بابغا منهزما فاعتقله وسخطه ثم هلك هلاكو سنة ثنتين وستين لعشر سنين من ولايته العراق والله أعلم * (ابغا بن هلاكو) * ولما هلك هلاكو ولى مكانه ابنه ابغا وسار لاول ولايته لحرب بركة صاحب الشمال فسرح إليه بركة العساكر مع قريبه نوغاى بن ططر بن مغل بن دوشى خان ومع سنتف بن منكوفان بن جفطاى بن جنكز خان وخام سنتف عن اللقاء ورجع منهزما وأقام نوغاى فهزم ابغا وأثخن في عساكره وعظمت منزلته بذلك عند بركة ثم بعث سنة احدى وسبعين عساكره مع درباى لحصار البيرة وعبر الظاهر إليهم الفرات وهزمهم وقتل أميرين مع درباى ولحق درباى بابغا منهزما فسخطه وأدال منه بابطاى وفي سنة ثنتين وسبعين زحف ابغا إلى تكدار بن موحى بن جفطاى بن جنكز خان وكان صاحبه فاستنجد بابن عمه براق بن سنتف بن منكوفان بن جفطاى فأمده بنفسه وعساكره واستنفر ابغا عساكر الروم وأميرهم طمقان والبرواناة والتقى الجمعان ببلاد الكرج فانهزم تكدار ولجأ إلى جبل هنالك حتى استأمن ابغا فأمنه وعهد ان لا يركب فرسا فارها ولا يمس قوسا ثم نمى إلى ابغا ان الظاهر صاحب مصر سار إلى بلاد الروم فبعث العساكر إليها مع قائدين
من قواد المغل وهما تدوان وتغوا فسارا وملك الظاهر قيسارية من تخوم بلادهم وبلغ الخبر إلى ابغا فجاء بنفسه إلى موضع الهزيمة وعاين مصارع قومه ولم يسمع ذكرا لاحد من عسكر البرواناة انه صرع فاتهمه وبعث عنه بعد مرجعه فقتله ثم سار بغا سنة ثمانين وعبر الفرات ونازل الرحبة وبعث إلى صاحب ماردين فنزل معه هناك وكان منكوتمر ابن أخى بركة ملك صراى فسار بعساكره من المغل وحشود الكرج والارمن والروم ومر بقيسارية وابلسين وأجاز الدربند إلى فنازلها وبعث ابغا(5/545)
إليه بالعساكر مع أخيه منكوتمر بن هلاكو وأقام هو على الرحبة وزحف الظاهر من مصر في عساكر المسلمين فلقيهم على حمص وانهزم التتر هزيمة شنعاء هلك فيها عامة عساكرهم وأجفل ابغا من حصار الرحبة وهلك أخوه منكوتمر بن هلاكو مرجعه من تلك الواقعة يقال مسموما وانه مر ببعض أمرائه بجزيرة تسمى مومواغا كان يضطغن له بعض الفعلات فسقاه سما عند مروره به وهرب إلى مصر فلم يدركوه وانهم قتلوا ابناءه ونساءه ثم هلك ابغا سنة احدى بعدها ويقال مسموما أيضا على يد وزيره الصاحب شمس الدين الجونى مشير دولته وكبيرها حمله الخوف على ذلك والله سبحانه وتعالى أعلم * (تكدار بن هلاكو ويسمى أحمد) * ولما توفى ابغا كما ذكرناه وكان ابنه أرغو غائبا بخراسان فبايع المغل لاخيه تكدار فأسلم وتسمى أحمد وخاطب بذلك الملوك لعصره وأرسل إلى مصر يخبرهم ويطلب المساعدة وجاء بذلك قاضى سيواس قطب الدين الشيرازي وأتابك بلاد الروم وابن الصاحب من وراء ماردين وكان أخوه قنقرطاى مع صمغان الشحنة فبعث تكدار عن أخيه فامتنع من الاجابة وأجاره غياث الدين كنجسر وصاحب بلاد الروم فتوعده تكدار فخاف منه وسار هو وقنقرطاى إلى تكرار فقتل أخاه وحبس غياث الدين وولى مكانه أخاه عز الدين
وأدال من صمغان الشحنة باولاطو من أمراء المغل ثم جهز العساكر إلى خراسان لقتال أخيه أرغو فسار إليهم أرغو وكبسهم وهزمهم وفتك فيهم فسار تكدار بنفسه فهزم أرغو وأسره وأثخن في عساكره وقتل اثنى عشر أميرا من المغل فاستوحش أهل معسكره وكانوا ينقمون عليه اسلامه فثاروا عليه وقتلوا نائبه ثم قتلوه سنة ثنتين وثمانين وبعثوا إلى أرغو بن ابغا بطاعتهم والله تعالى أعلم * (أرغو بن ابغا) * ولما ثار المغل على تكدار وقتلوه وبعثوا بطاعتهم أرغو فجاء وولوه أمرهم فقام بسلطانه وقتل غياث الدين كنجسر وصاحب بلاد الروم في محبسه اتهمه بمداهنته في قتل عمه قنقرطاى وتقبض لاول ولايته على الوزير شمس الدين الجونى وكان متهما بأبيه وعمه فقتله وولى على وزارته سعدا اليهودي الموصلي ولقبه سعد الدولة وكان عالما بالحكمة وولى ابنيه قازان وخربندا على خراسان لنظر نيروز أتابكه ولما فرغ من أمور ملكه وكان قد عدل عن دين الاسلام واحب دين البراهمة من عبادة الاصنام وانتحال السحر والرياضة له ووفد عليه بعض سحرة الهند فركب له دواء لحفظ الصحة واستدامتها(5/546)
فأصابه منه صرع فمات سنة سبعين والله سبحانه وتعالى أعلم * (كتخاتو بن ابغا) * ولما هلك أرغو بن ابغا وابناه قازان وخربندا غائبان بخراسان اجتمع المغل على أخيه كتخاتو فبايعوه وقدموه للملك ثم ساءت سيرته وأفحش في المناكر واباحة الحرمات والتعرض للغلمان من أبنائهم وكان في عسكره بيدو بن عمر طرغاى بن هلاكو فاجتمع إليه أمراء المغل وبايعوه سرا وشعر بهم كتخاتو ففر من معسكره إلى جهة كرمان وساروا في اثره فأدركوه بأعمال غان وقتلوه سنة ثلاث وتسعين لثلاث سنين وأشهر من ولايته والله تعالى أعلم
* (بيدو بن طرغاى بن هلاكو) * ولما قتل أمراء المغل كتخاتو بن ابغا بايعوا مكانه لابن عمه بيدو بن طرغاى بن هلاكو وكان قازان بن أرغو بخراسان فسار لحرب بيدو ومعه الاتابك نيروز فلما تقاربا للقاء تردد الناس بينهما في الصلح على أن يقيم نيروز الاتابك عند بيدو واصطلحا وعاد قازان ثم أرسل نيروز الاتابك إلى قازان يستحثه فسار من خراسان ولما بلغ الخبر إلى بيدو فاوض فيه نيروز الاتابك فقال انا أكفيكه فصبر حتى أتى إليه فسرحه ولما وصل إلى قازان أطلعه على شأن أمراء بيدو وانهم راغبون عنه وحرضه على المسير فامتعض لذلك بيدو وسار للقائهم فلما التقى الجمعان انتقض عليه أمراؤه بمداخلة نيروز فانهزم ولحق بنواحي همذان فأدرك هناك وقتل سنة خمس وتسعين لثمانية أشهر من ملكه والله سبحانه وتعالى أعلم * (قازان بن أرغو) * ولما انهزم بيدو وقتل ملك على المغل مكانه قازان بن أرغو فجعل أخاه خربندا واليا على خراسان وجعل نيروز الاتابك مدبر المملكته وسعى لاول أمره في التدبير على طرغاى من أمرائه ومواليه من المغل الذى داخل بيدو في قتل كتخاتو الذى تولى كبر ذلك فخافه طرغاى على نفسه وكان نازلا بين بغداد والموصل فبعث إلى كيبغا العادل صاحب مصر والشأم يستأذنه في اللحاق به ثم ولى قازان على ديار بكر أميرا من أشياعه اسمه مولان فهزمه وقتل الكثير من أصحابه ونجا إلى الشأم وبعث كيبغا من تلقاه وجاء به إلى مصر ودخل مجلس الملك ورفع مجلسه فيها قبل ان يسلم واستقر هو وقومه الاوبراتية بمصر وأقطع لهم وكان ذلك داعيا إلى الفتنة بين الدولتين ثم قتل قازان الاتابك نيروز وذلك أنه استوحش من قازان وكاتب لاشين سلطان مصر والشأم(5/547)
المتولي بعد كيبغا وأحس نيروز بذلك فلحق بهراة مستجيرا بصاحبها وهو فخر الدين
ابن شمس الدين كرت صاحب سجستان فقبض عليه فخر الدين وأسلمه إلى قطلوشاه فقتله وقتل قازان بعد دلك أخويه ببغداد وهما حاجى ولكرى وقفل السفير إليه بالكتاب من مصر ثم كان بعد ذلك مفر شلامس بن ايال بن منجو إلى مصر وكان أميرا في بلاد الروم على الطومار المحجر فيها والطومار عندهم عبارة عن مائة ألف من العساكر عن قازان فارتاب به وأرسل إلى لاشين يستأذنه في اللحاق به وبعث قازان العساكر إليه فقاتلوه وانفض عنه أكثر أصحابه ففر إلى مصر وترك أهله وولده وبعث معه صاحب مصر العساكر لتلفى أهله ومروا بسيس فاعترضه عساكر التتر هنال فهزموه وقتلوا أمير مصر الذى معه واعتصم هو ببعض القلاع فاستنزلوه منها وبعثوا به إلى قازان فقتله وأقام أخوه قطقطو بمصر في جملة عسكرها ونشأت بهذه كلها الفتن بين قازان وأهل مصر ونزع إليه أمراء الشأم فلحق نائب وبكتمر نائب حلب والبكى الظاهرى وعزاز الصالحين واسترابوا بسلطانهم الناصر محمد بن قلاون فلحقوا به واستحثوه إلى الشأم وسار سنة تسع وسبعين في عساكر المغل والارمن ومعه نائبه قطلوشاه ومولى وجاء الملك الناصر من مصر في عساكر المسلمين ولما انتهى إلى غزة اطلع على تدبير بعض المماليك عليه من أصحاب كيبغا ومداخلة الامراء الذين هاجروا من المغل إلى مملكة مصر لهم في ذلك فسبق جميعهم وارتحل إلى حمص للقاء التتر ثم سار فصبحهم بمرج المروج والتقى الجمعان وكانت الدبرة على المسلمين واستشهد منهم عدد ونجا السلطان إلى مصر وسار قازان على التعبية فملك حمص واستوعب مخلف السلطان فيها ثم تقدم إلى دمشق فملك المدينة وتقدم إلى قفجاق لجباية أموالها ولحصار القلعة وبها علاء الدين سنجر المنصور فامتنع وهدم ما حولها من العمران وفيها دار السعادة التى بها ايوان الملك وسار قازان إلى حلب فملكها وامتنعت عليه القلعة وعاثت عساكره في البلاد وانتهت غاراتهم إلى غزة ولما امتنعت عليه القلاع ارتحل عائدا إلى بلده وخلف قطلوشاه في عساكر لحماية البلد وحصار القلعة ويحيى بن جلال الدين
لجباية الاموال وترك قفجاق على نيابة دمشق وبكتمر على نيابة حلب وحمص وحماة وكر الملك الناصر راجعا إلى الشأم بعد ان جمع العساكر وبث العطاء وأزاح العلل وعلى مقدمته سرمز الجاشنكير وسلار كافلا مملكته فتقدموا إلى حدود الشأم وأقام هو بالصالحية واستأمن لهما قفجاق وبكتمر النائبان بدمشق وحلب وراجعا طاعة السلطان واستولى سرمز وسلار على الشأم ورجع قطلوساه إلى العراق ثم عاود قازان المسير إلى الشأم سنة ثنتين وسبعين وعبر الفرات ونزل على الرحبة وكاتب أهل الشأم يخادعهم وقدم قطلوشاه(5/548)
فأغار على القدس وبها احياء التركمان فقاتلوه ونالوا منه وتوقفوا هنالك وسار الناصر من مصر في العساكر ثالث شعبان ولقى قطلوشاه بمرج الصفر فهزمه بعد حرب شديدة وسار في اتباعهم إلى الليل فاعتصموا بجبل في طريقهم وبات المسلمون يحرسونهم ثم تسللوا وأخذ القتل منهم كل مأخذ واعترضهم الوحل من أمامهم من بثوق بثقت لهم من نهر دمشق فلم منهم أحد وقدم الفل على قازان بنواحي ومرض هنالك ومات في ذى الحجة من السنة ويقال انه مات أسفا والله تعالى أعلم بالصواب * (خربندا بن أرغو) * ولما هلك قازان ولى بعده أخوه خربندا وابتدا أمره بالدخول في دين الاسلام وتسمى بمحمد وتلقب غياث الدين وأقر قطلوشاه على نيابته ثم جهزه لقتال الكرد في جبال كيلان وقاتلهم فهزموه وقتلوه وولى مكانه جوبان بن تدوان وأقام في سلطانه حسن الدين معظما للخلفاء وكتب أسماءهم على سكته ثم صحب الروافض فساء اعتقاده وحذف ذكر الشيخين من الخطبة ونقش أسماء الائمة الاثنى عشر على سكته ثم أنشأ مدينة بين قزوين وهمذان وسماها السلطانية ونزلها واتخذ بها بيتا لطيفا بلبن الذهب والفضة وأنشأ بازائها بستانا جعل فيه أشجار الذهب بثمر اللؤلؤ والفصوص وأجرى اللبن
والعسل أنهارا وأسكن به الغلمان والجوارى تشبيها له بالجنة وأفحش في التعرض لحرمات قومه ثم سار إلى الشأم سنة ثلاث عشرة وعبر الفرات ونزل الرحبة ورجع ثم هلك ويقال مات مسموما على يد بعض أمرائه سنة ست عشرة والله تعالى أعلم * (أبو سعيد بن خربندا) * ولما هلك خربندا خلف ابنه ابا سعيد طفلا صغيرا ابن ثلاث عشرة سنة فاستصغره جوبان وأرسل إلى أزبك ملك الشمال بصراى يستدعيه لملك العراقين فحذره نائبه قطلقتمر من ذلك وبايع جوبان لابي سعيد بن خربندا على صغره وبدأ أمره بقتل أبى الطيب رشيد الدولة فضل الله بن يحيى الهمذانى المتهم بقتل أبيه فقتله وكان مقدما في العلوم وسريا في الغاية وله تاريخ جمع فيه أخبار التتر وأنسابهم وقبائلهم وكتبه مشجرا كما في كتابنا هذا وكان جوبان يومئذ بخراسان يقاتل عليها سيول بن براق بن سنتف بن ماسان بن جفطاى صاحب خوارزم أغراه أزبك صاحب الشمال بخراسان وأمده بعساكره وكان جوبان موافقا له فلما هلك خربندا طمع سيول في الاستيلاء على خراسان وكاتب أمراء المغل بدولة أبى سعيد ترغبهم فأطمعوه فسار(5/549)
جوبان إلى الاردن ومعناه بلغتهم العسكر والمخيم وانتهى إلى أبى سعيد خبر أمرائه فقتل منهم أربعين ورجع جوبان إلى خراسان سنة ثمان عشرة وقد استولى سيول عليها وعلى طائفة من عراق العجم وبعث إليه ازبك صاحب الشمال نائبه قطلقتمر مددا في العساكر فلقيهم جوبان وكانت بينهم حروب وانتزع جوبان ما ملكه سيول من بلاد خراسان وصالحه على ما بقى ورجع ثم سار أزبك ملك الشمال إلى مراغة فأغار عليها وغنم ورجع وأتبعه جوبان في العساكر فلم يدركه وهلك سيول سنة عشرين وارتجع أبو سعيد ما كان بيده من خراسان وكان أزبك صاحب الشمال ينقم على أبى سعيد استبداد جوبان عليه وتحكمه في بنى جنكز خان ويحرض أهل النواحى على جوبان ويتوقع له المهالك وأوصل الملوك في النواحى للمظاهرة على جوبان وسلطانه
أبى سعيد حتى لقد صاهر صاحب مصر على مثل ذلك ولم يتم الصلح لابي سعيد معه كما مر في أخبارهم وجهز أزبك العساكر سنة عشرين لحرب جوبان فحاصرهم المدنى بنهر كوزل الذى في حدود ملكهم فرجعوا ثم جهز جيشا آخر مع قطلقتمر نائبه وكان جوبان نائب أبى سعيد قد ولى على بلاد الروم ابنه دمرداش فزحف سنة احدى وعشرين إلى بلاد سيس وافتتح منها قلاعا ثلاثا وخربها وبعث إلى الملك الناصر يطلب المظاهرة في جهاد الارمن بسيس فبعث السلطان عساكره سنة ثنتين وعشرين ومعهم من المتطوعة عدد وحاصروا سيس ثم انعقد الصلح سنة ثلاث وعشرين بعدها بين الملك الناصر وبين أبى سعيد واستقامت الاحوال وحج أكابر المغل من قرابة أبى سعيد ملك التتر بالعراقين واتصلت المهاداة بينهما وسار نائبه جوبان سنة خمس وعشرين إلى خراسان في العساكر وقد زحف إليه كبك بن سيول فجرت بينهما حروب وانهزم جوبان واستولى كبك على خراسان ثم كبسه جوبان فهزمه وأثخن في عساكره وغلبه على خراسان فعادت إلى ملكة أبى سعيد وبينما جوبان مشتغل بتلك الفتنة والحروب في نواحى خراسان إذ بلغه الخبر بأن السلطان أبا سعيد تقبض على ابنه خواجا دمشق فلما بلغه الخبر بذلك انتقض وزحف إليه أبو سعيد فافترق عنه أصحابه ولحق بهراة فقتل بها سنة ست وعشرين وأذن أبو سعيد لولده ان ينقلوا شلوه إلى تربته التى بناها بالمدينة النبوية على ساكنها افضل الصلاة والسلام ونقلوه فلم يقدر دفنه بها وتوقف أمير المدينة على اذن السلطان بمصر في ذلك فدفن بالبقيع ولما بلغ خبر جوبان لابنه دمرداش وهو أمير ببلاد الروم انزعج لذلك ولحق بمصر فيمن معه من الامراء والعساكر وأقبل السلطان الملك الناصر عليه وأحله محل التكرمة وجاءت على أثره رسل أبى سعيد يطلب حكم الله فيه لسعيه في الفساد والفتنة وأجابه السلطان إلى ذلك على أن يفعل مثل ذلك في قراسنقر النازع(5/550)
إليهم من أمراء الشأم فأمضى ذلك فيهما جزاء بما قدمت أيديهما ثم تأكدت أسباب
المواصلة والالتحام بين هذين السلطانين بالاصهار والمهاداة واتصل ذلك وانقطع زبون العرب وفسادهم بين المملكتين وهلك السلطان أبو سعيد سنة ست وثلاثين ولم يعقب ودفن بالسلطانية واختلف أهل دولته وانقرض الملك من بنى هلاكو وافترقت الاعمال التى كانت في ملكهم وأصبحت طوائف في خراسان وفي عراق العجم وفارس وفي اذربيجان كله في عراق العرب وفي بلاد الروم كما نذكر ذلك والله وارث الارض ومن عليها واليه يرجعون [ اضطراب دولة بنى هلاكو وانقسام الملك طوائف في أعمالهم وانفراد الشيخ حسن ببغداد واستيلاء بنيه معها على توريز وما كان لهم فيها من الملك والدولة وابتدائها ومصايرها ] لما هلك أبو سعيد بن خربندا ملك التتر بكرسى بغداد سنة ست وثلاثين ولم يعقب نصب امراء المغل الوزير غياث الدين وخلع اورخان ونصب للملك موسى خان من اسباطهم وقام بدولته الشيخ حسن بن حسين بن بيبقابن املكان وهو ابن عمة السلطان أبى سعيد سبط ارغو بن ابغا انزله أبو سعيد بقلعة كانج من بلاد الروم ووكل به فلما هلك أبو سعيد(5/551)
وانحل عقاله وذهب أبو نور بن ماس عفى عليها وبلغه شأن أهل الدولة ببغداد فلم يرضه ونهض إليها فقتل على ماسا القائم بالدولة وعزل موسى خان الملك ونصب مكانه محمد بن عنبرجى وهو الذى تقدم في ملوك التخت صحة نسبه إلى هلاكو واستولى الشيخ حسن على بغداد وتوريز ثم سار إليه حسن بن دمرداش من مكان امارته وامارة أبيه ببلاد الروم وغلبه على توريز وقتل سلطانه محمد بن عنبر جى ولحق الشيخ حسن ببغداد واستقر حسن بن دمرداش في توريز ونصب للملك أخت السلطان أبي سعيد اسمها صالبيك وزوجها لسليمان خان من أسباط هلاكو واستقل بملك توريز وكان يعرف بالشيخ حسن الصغير لان صاحب بغداد كان يشاركه في اسمه وهو أسن وأدخل في نسب الخان فميز
بالكبير وميز هذا بالصغير ولما استقل حسن الصغير بالملك والخان عنده عجز عنه الشيخ حسن الكبير وغلبته أمم التركمان بضواحي الموصل إلى سائر بلاد الجزيرة فيقال انه أرسل إلى الملك الناصر صاحب مصر بأن يملكه بغداد ويلحق به فيقيم عنده وطلب منه أن يبعث عساكره لذلك على أن يرهن فيهم ابنه فلم يتم ذلك لما اعترضه من الاحوال وافترقت مملكة بنى هلاكو فكان هو ببغداد والصغير بتوريز وابن المظفر بعراق العجم وفارس والملك حسين بخراسان واستولى على أكثرها ملك الشمال أزبك صاحب التخت بصراى من بنى دوشى خان بن جنكز خان ثم استوحش الشيخ حسن من سلطانه سليمان خان فقتله واستبد ثم هلك الشيخ حسن الصغير بن دمرداش بتوريز سنة أربع وأربعين وملك مكانه أخوه الاشرف ثم هلك الشيخ حسن الكبير ببغداد سنة سبع وخمسين والله تعالى أعلم * (أويس بن الشيخ حسن) * ولما هلك الشيخ حسن الكبير ببغداد ولى مكانه ابنه أويس وكان بتوريز الاشرف بن دمرداش فزحف إليه ملك الشمال جانى بك بن أزبك سنة ثمان وخمسين وملكها من يده ورجع إلى خراسان بعد أن استخلف عليها ابنه واعتقل في طريقه فكتب أهل الدولة إلى ابنه بردبيك يستحثونه للملك فأغذ السير إليهم وترك بتوريز عاملها أخبجوخ فسار إليه أويس صاحب بغداد وغلبه عليها وملكها ثم ارتجعها منه أخبجوخ وأقام بها فزحف إليه ابن المظفر صاحب اصبهان وملكها من يده وقتله وانتظم في ملكه عراق العجم وتوريز وتستر وخورستان ثم سار أويس فانتزعها من يد ابن المظفر واستقرت في ملكه ورجع إلى بغداد وجلس على التخت واستفحل أمره ثم هلك سنة ست وسبعين حسين بن أويس وقد خلف بنين خمسة وهم الشيخ حسن وحسين والشيخ على وأبو يزيد وأحمد وكان وزيره زكريا وكبير دولته الامير عادل كان كافلا لحسين ومن(5/552)
اقطاعه السلطانية فاجتمع أهل الدولة وبايعوا لابنه حسين بتوريز وقتلوا الشيخ حسن وزعموا أن أباهم أويسا أوصاهم بقتله وكان الشيخ على بن اويس ببغداد فدخل في طاعة أخيه حسين وكان قنبر على بادك من أمرائهم نائبا بتستر وخوزستان فبايع لحسين وبعث إليه بطاعته واستولى على دولته بتوريز زكريا وزير أبيه وكان اسمعيل ابن الوزير زكريا بالشأم هاربا أمام أويس فقدم على أبيه زكريا وبعث به إلى بغداد ليقوم بخدمة الشيخ على فاستخلصه واستبد عليه فغلب شجاع بن المظفر على توريز وارتجعها منه ولما استقل حسين بتوريز كان بنو المظفر طامعين في ولايتها وقد ملكوها من قبل كما مر وانتزعها أويس منهم فلما توفى أويس سار شجاع إلى توريز في عساكره فأجفل عنها حسين بن أويس إلى بغداد واستولى عليها شجاع ولحق حسين بأخيه الشيخ على ووزيره اسمعيل ببغداد مستجيشا بهما فسرحوا معه العساكر ورجع ادراجه إليها فهرب عنها شجاع وحصن ملكه بها واستقر فيها * (مقتل اسمعيل واستيلاء حسين على بغداد ثم ارتجاعها منه) * كان اسمعيل مستبدا على الشيخ على ببغداد كما قدمناه فتوثب به جماعة من أهل الدولة منهم مبارك شاه وقنبر وقرا محمد فقتلوه وعمه أمير أحمد منتصف احدى وثمانين واستدعوا قنبر على بادك من تستر فولوه مكان اسمعيل واستبد على الشيخ على ببغداد ونكر حسين عليهم ما آتوه وسار في عساكره من توريز إلى بغداد ففارقها الشيخ على وقنبر على بادك إلى تستر واستولى حسين على بغداد واستمده فاتهمه بممالاة أخيه الشيخ على ولم يمده ونهض الشيخ على من تستر إلى واسط وجمع العرب من عبادان والجزيرة فأجفل أحمد من واسط إلى بغداد وسار الشيخ على في اثره فأجفل حسين إلى توريز واستوسق ملك بغداد للشيخ على واستقر كل ببلده والله تعالى أعلم * (انتقاض أحمد واستيلاؤه على توريز ومقتل حسين) * فلما رجع حسين من بغداد إلى توريز عكف على لذاته وشغل بلهوه واستوحش منه
أخوه أحمد فلحق باردبيل وبها الشيخ صدر الدين واجتمع إليه من العساكر ثلاثة آلاف أو يزيدون فسار إلى توريز وطرقها على حين غفله فملكها واختفى حسين أياما ثم قبض عليه أحمد وقتله والله تعالى يؤيد بنصره من يشاء من عباده * (انتقاض عادل ومسيره لقتال أحمد) * كان الامير عادل واليا على السلطانية وكانت من أقطاعه فلما بلغه مقتل حسين امتعض له وكان عنده أبو يزيد بن أويس فسارا إلى شجاع بن المظفر اليزدى صاحب(5/553)
فارس يستصرخانه على الامير أحمد بن أويس فبعث العساكر لصريخهما وبرز الامير أحمد للقائهم ثم تقاربوا واتفقوا أن يستقر أبو يزيد في السلطانية أميرا ويخرج الامير عادل عن مملكتهم ويقيم عند شجاع بفارس واصطلحوا على ذلك وعاد أبو يزيد إلى السلطانية فأقام بها وأضر أمراؤه وخاصته بالرعايا فدسوا بالصريخ إلى أحمد بتوريز فسار في العساكر إليه وقبض عليه وكحله وتوفى بعد ذلك ببغداد * (مقتل الشيخ على واستيلاء أحمد على بغداد) * لما قتل أحمد أخاه حسينا جمع الشيخ على العساكر واستنفر قرا محمد أمير التركمان بالجزيرة وسار من بغداد يريد توريز فبرز أحمد للقائه واستطرد له لما كان منه فبالغ في اتباعه إلى أن خفت عساكره فكر مستميتا وكانت جولة أصيب فيها الشيخ على بسهم فمات وأسر قرا محمد فقتل ورجع أحمد إلى توريز واستوسق له ملكها ونهض إليه عادل ابن السلطان يروم فرصة فيه فهزمه ثم سار أحمد إلى بغداد وقد كان استبد بها بعد مهلك الشيخ على خواجا عبد الملك من صنائعهم بدعوة أحمد ثم قام الامير عادل في السلطانية بدعوة أبى يزيد وبعث إلى بغداد قائدا اسمه برسق ليقيم بها دعوته فأطاعه عبد الملك وأدخله إلى بغداد ثم قتله برسق ثانى يوم دخوله واضطرب البلد شهرا ثم وصل أحمد من توريز وخرج برسق القائد لمدافعته فأنهزم وجئ به إلى أحمد أسيرا
فحبسه ثم قتله وقتل عادل بعد ذلك وكفى أحمد شره وانتظمت في ملكه توريز وبغداد وتستر والسلطانية وما إليها واستوسق أمره فيها ثم انتقض عليه أهل دولته سنة ست وثمانين وسار بعضهم إلى تمر سلطان بنى جفطاى بعد أن خرج من وراء النهر بملكه يومئذ واستولى على خراسان فاستصرخه على أحمد فأجاب صريخه وبعث معه العساكر إلى توريز فأجفل عنها أحمد إلى بغداد واستبد بها ذلك الثائر ورجع تمر إلى مملكته الاولى وطمع طغطمش ملك الشمال من بنى دوشى خان في انتزاع توريز من يد ذلك الثائر فسار إليها وملكها وزحف تمر في عساكره سنة سبع وثمانين إلى اصبهان وبعث العساكر إلى توريز فاستباحها وخربها واستولى على تستر والسلطانية وانتظمهما في أعماله وانفرد أحمد ببغداد وأقام بها * (استيلاء تمر على بغداد ولحاق أحمد بالشأم) * كان تمر سلطان المغل بعد أن استولى على توريز خرج عليه خارج من قومه في بلاده يعرف بقمر الدين فجاءه الخبر عنه وأن طغطمش صاحب كرسى صراى في الشمال أمده بأمواله وعساكره فكر راجعا من اصبهان إلى بلاده وعميت أنباؤه إلى سنة خمس(5/554)
وسبعين ثم جاءت الاخبار بأنه غلب قمر الدين الخارج عليه ومحا أثر فساده ثم استولى على كرسى صراى وأعمالها ثم خطى إلى اصبهان وعراق العجم والرى وفارس وكرمان فملك جميعها من بنى المظفر اليزدى بعد حروب هلك فيها ملوكهم وبادت جموعهم وشد أحمد ببغداد عزائمه وجمع عساكره وأخذ في الاستعداد ثم عدل إلى مصانعته ومهاداته فلم يغن ذلك عنه وما زال تمر يخادعه بالملاطفة والمراسلة إلى أن فتر عزمه وافترقت عساكره فنهض إليه يغذ السير في غفلة منه حتى انتهى إلى دجلة وسبق النذير إلى أحمد فأسرى بغلس ليله وحمل ما أقلته الرواحل من أمواله وذخائره وخرق سفن دجلة ومر بنهر الحلة فقطعه وصبح مشهد على ووافى تمر وعساكره دجلة في حادى
عشر شوال سنة خمس وتسعين ولم يجد السفن فاقتحم بعساكره النهر ودخل بغداد واستولى عليها وبعث العساكر في اتباع أحمد فساروا إلى الحلة وقد قطع جسرها فخاضوا النهر عندها وأدركوا أحمد بمشهد على واستولوا على أثقاله ورواحله فكر عليهم في جموعه واستماتوا وقتل الامير الذى كان في اتباعه ورجع بقية التتر عنهم ونجا أحمد إلى الرحبة من تخوم الشأم فأراح بها وطالع نائبها السلطان بأمره فسرح بعض خواصه لتلقيه بالنفقات والازواد وليستقدمه فقدم به إلى حلب وأراح بها وطرقه مرض أبطأ به عن مصر وجاءت الاخبار بأن تمر عاث في مخلفه واستصفى ذخائره واستوعب موجود أهل بغداد بالمصادرات لاغنيائهم وفقرائهم حتى مستهم الحاجة وأقفرت جوانب بغداد من العيث ثم قدم أحمد بن أويس على السلطان بمصر في شهر ربيع سنة ست وتسعين مستصرخا به على طلب ملكه والانتقام من عدوه فأجاب السلطان صريخه ونادى في عسكره بالتجهز إلى الشأم وقد كان تمر بعدما استولى على بغداد زحف في عساكره إلى تكريت مأوى المخالفين وعش الحرابة ورصد السابلة وأناخ عليها بجموعه أربعين يوما فحاصرها حتى نزلوا على حكمه وقتل من قتل منهم ثم خربها وأقفرها وانتشرت عساكره في ديار بكر إلى الرها ووقفوا عليها ساعة من نهار فملكوها وانتسفوا نعمها وافترق أهلها وبلغ الخبر إلى السلطان فخيم بالزيدانية أياما أزاح فيها علل عساكره وأفاض العطاء في مماليكه واستوعب الحشد من سائر أصناف الجند واستخلف على القاهرة النائب سودون وارتحل إلى الشأم على التعبية ومعه أحمد بن أويس بعد ان كفاه مهمه وسرب النفقات في تابعه وجنده ودخل دمشق آخر جمادى الاولى وقد كان أوعز إلى جلبان صاحب حلب بالخروج إلى الفرات واستنفار العرب والتركمان للاقامة هناك رصدا للعدو فلما وصل إلى دمشق وفد عليه جلبان وطالعه بمهماته وما عنده من أخبار القوم ورجع لانفاذ أوامره والفصل(5/555)
فيما يطالعه فيه وبعث السلطان على أثره العساكر مددا له مع كمشيقا الاتابك وتكلتمش أمير سلاح وأحمد بن بيبقا وكان العدو تمر قد شغل بحصار ماردين فأقام عليها أشهرا وملكها وعاثت عساكره فيها واكتسحت نواحيها وامتنعت عليه قلعتها فارتحل عنها إلى ناحية بلاد الروم ومر بقلاع الاكراد فأغارت عساكره عليها واكتسحت نواحيها والسلطان لهذا العهد وهو شعبان سنة وتسعين مقيم بدمشق مستجمع لنطاحه والوثبة به متى استقبل جهته والله سبحانه وتعالى ولى التوفيق بمنه وكرمه [ الخبر عن بنى المظفر اليزدى المتغلبين على اصفهان وفارس بعد انقراض دولة بنى هلاكو وابتداء أمورهم ومصايرها ] كان أحمد المظفر من أهل يزد وكان شجاعا واتصل بالدولة أيام أبى سعيد فولوه حفظ السابلة بفارس وكان منها مبدأ أمرهم وذلك أنه لما توفى أبو سعيد سنة ست وثلاثين وسبعمائة ولم يعقب اضطربت الدولة ومرج أمر الناس وافترق الملك طوائف وغلب ازبك صاحب الشمال على طائفة من خراسان فملكها واستبد بهراة الملك حسين وألان محمود فرشحه من أهل دولة لسلطان أبى سعيد عاملا على اصبهان وفارس فاستبد بأمره واتخذ الكرسي بشيراز إلى أن هلك وولى بعده ابنه أبو اسحق أمير شيخ سالكا سبيله في الاستبداد وكانت له آثار جميلة وله صنف الشيخ عضد الدين كتاب المواقف والشيخ عماد الدين الكاشى شرح كتاب المفتاح وسموهما باسمه وتغلب أيضا محمد بن المظفر على كرمان ونواحيها فصارت بيده وطمع في الاستيلاء على فارس وكان أبو اسحق أمير شيخ قد قتل شريفا من أعيان شيراز فنادى بالنكير عليه ليتوصل إلى غرض انتزاع الملك من يده وسار في جموعه إلى شيراز ومال إليه أهل البلد لنفرتهم عن أمير شيخ لفعلته فيهم فأمكنوه من البلد وملكها واستولى على كرسيها وهرب أبو اسحق أمير شيخ إلى اصبهان واتبعه ففر منه أيضا وملك اصبهان وبث الطلب في الجهات حتى تقبض عليه وقتله قصاصا بالشريف الذى قتله بشيراز وكان له من الولد أربعة شاه ولى ومحمود وشجاع
وأحمد وتوفى شاه ولى أيام أبيه وترك ابنيه منصورا ويحيى وملك ابنه محمود اصبهان وابنه(5/556)
شجاع شيراز وكرمان واستبد عليه محمود وشجاع وخلفاه في ملكه سنة ستين وكحلاه وتولى ذلك شجاع وسار إليه محمود من اصبهان بعد ان استجاش باويس بن حسن الكبير فأمده بالعساكر سنة خمس وستين وملك شيراز ولحق شجاع بكرمان من أعماله وأقام بها واختلف عليه عماله ثم استقاموا على طاعته ثم جمع بعد ثلاث سنين ورجع إلى شيراز ففارقها أخوه محمد إلى اصبهان وأقام بها إلى أن هلك سنة ست وسبعين فاستضافها شجاع إلى أعماله وأقطعها لابنه زين العابدين وزوجه بابنة أويس التى كانت تحت محمود وولى على مردى ابن أخيه شاه ولى ثم هلك شجاع سنة سبع وثمانين واستقل ابنه زين العابدين باصبهان وخلفه في شيراز وفارس منصور ابن أخيه شاه ولى وكان عادل كبير دولة بنى أويس بالسلطانية كما مر ولحق به منصور بن شاه ولى هاربا من شيراز أمام عمه زين العابدين فحبس ثم فر من محبسه ولحق بأحمد بن أويس مستصرخا به فصارخه وأنزله بتستر من أعماله ثم سار منها إلى شيراز ففارقها عمه زين العابدين إلى اصبهان وأخوه يحيى بيزد وعمهما أحمد بن محمد بن المظفر بكرمان ثم زحف تمر سلطان التتر من بنى جفطاى بن جنكزخان سنة ثمان وثمانين وملك توريز وخربها كما مر في أخباره فاطاعه يحيى صاحب يزد وأحمد صاحب كرمان وهرب زين العابدين من اصبهان وملكها عليه تمر فلحق بشيراز ورجع تمر إلى بلاده فيما وراء النهر وعميت أنباؤه إلى سنة خمس وتسعين فزحف إلى بلاد فارس وجمع منصور بن شاه ولى العساكر لحربه فخادعه تمر بولايته وانكفأ راجعا إلى هراة فافترقت عساكر منصور بن شاه ولى وجاءت عيون تمر بخبر افتراقها إليه فأغذ السير وكبس منصور بن شاه ولى بظاهر شيراز وهو في قل من العساكر لا يجاوزون ألفين فهرب الكثير من أصحابه إلى تمر واستمات هو والباقون وقاتلوا أشد قتال وفقد هو في المعركة فلم يوقف له على خبر وملك تمر شيراز واستضافها إلى
اصبهان وولى عليها من قبله وقتل أحمد بن محمد صاحب كرمان وابنيه وولى على كرمان من قبله وقتل يحيى بن شاه ولى صاحب يزد وابنيه وولى على يزد من قبله واستلحم بنى المظفر واستصفى زين العابدين وهرب ابنه فلحق بخاله أحمد بن أويس وهو لهذا العهد مقيم معه بمصر والله وارث الارض ومن عليها واليه يرجعون(5/557)
[ الخبر عن بنى ارتنا ملوك بلاد الروم من المغل بعد بنى هلاكو والالمام بمبادى أمورهم ومصايرها ] قد سبق لنا أن هذه المملكة كانت لبنى قليج ارسلان من ملوك السلجوقية وهم الذين أقاموا فيها دعوة الاسلام وانتزعوها من يد ملوك الروم أهل قسطنطينية واستضافوا إليها كثيرا من أعمال الارض ومن ديار بكر فانفسحت أعمالهم وعظمت ممالكهم وكان كرسيهم بقونية ومن أعمالها اقصرا وانطاكية والعلايا وطغرل ودمر لو وقرا حصار ومن ممالكهم اذربيجان ومن أعمالها اقشهر وكامخ وقلعة كعونية ومن ممالكهم قيسارية ومن أعمالها نكرة وعداقلية ومنال ومن ممالكهم أيضا سيواس وأعمالها ملكوها من يد الوانشمند كما مر في أخبارهم ومن أعمالها نكسار واقاسية وتوقات وقمنات وكنكرة كورية وسامسول وصغوى وكسحونية وطرخلوا وبرلوا ومما استضافوه من بلاد الارمن خلاط وارمينية الكبرى وانى وسلطان وارجيس وأعمالها ومن ديار بكر خرت برت وملطية وسميساط ومسارة فكانت لهم هذه الاعمال وما يتصل بها من الشمال إلى مدينة برصة ثم إلى خليج القسطنطينية واستفحل ملكهم فيها وعظمت دولتهم ثم طرقها الهرم والفشل كما يطرق الدول ولما استولى التتر على ممالك الاسلام وورثوا الدول في سائر النواحى واستقر التخت الاعظم لمنكوفان أخى هلاكو وجهز عساكر المغل سنة أربع وخمسين وستمائة إلى هذه البلاد وعليهم بيكو من أكابر أمرائهم وعلى بلاد الروم يومئذ غياث الدين كنجسرو بن علاء الدين كيقباد
وهو الثاني عشر من ملوكهم من ولد قطلمش فنزلوا على ارزن الروم وبها سنان الدين ياقوت مولى علاء الدين فملكوها بعد حصار شهرين واستباحوها وتقدموا أمامهم ولقيهم غياث الدين بالصحراء على اقشهر وزنجان وانهزم غياث الدين واحتمل ذخيرته وعياله ولحق بقونية واستولى بيكو على مخلفه ثم سار إلى قيسارية فملكوها وهلك غياث الدين اثر ذلك وملك بعده بعهد ابنه علاء الدين كيقباد وأشرك معه أخويه في أمره وهما عز الدين كيكاوس وركن الدين قليج ارسلان وعاثت عساكر التتر في البلاد فسار علاء الدين كيقباد إلى منكوفان صاحب التخت واختلف أخواه من بعده وغلب عز الدين كيكاوس واعتقل أخاه ركن الدين بقونية وبعث في اثر أخيه علاء الدين من يستفسد له منكوفان فلم يحصل من ذلك على طائل وهلك علاء الدين في طريقه وكتب منكوفان بتشريك الملك بين عز الدين وركن الدين والبلاد بينهما مقسومة فعز الدين من سيواس إلى تخوم القسطنطينية ولركن الدين من سيواس إلى ارزن الروم متصلا من جهة الشرق ببلاد التتر وأفرج عز الدين عن ركن الدين واستقر في طاعة(5/558)
التتر وسار بيكو في بلاد الروم قبل أن يرجع عز الدين فلقيه ارسلان دغمس من أمراء عز الدين فهزمه بيكو إلى قونية فاجفل عنها عز الدين إلى العلايا وحاصرها بيكو فملكها على يد خطيبها وخرج إلى بيكو فأسلمت زوجته على يده ومنع التتر من دخولها الا وحدانا وأن لا يتعرضوا لاحد واستقر عز الدين وركن الدين في طاعة التتر ولهما اسم الملك والحكم للشحنة بيكو ولما زحف هلاكو إلى بغداد سنة ست وخمسين استنفر بيكو وعساكره فامتنع واعتذر بمن في طريقه من طوائف الاكراد الفراسيلية والياروقية فبعث إليه هلاكو العساكر ومروا باذربيجان وقد أجفل أهلها الاكراد فملكوها وساروا مع بيكو إلى هلاكو وحضروا معه فتح بغداد وما بعدها ولما نزل هلاكو حلب استدعى عز الدين وركن الدين فحضرا معه فتحها وحضر معهما
وزيرهما معين الدين سليمان البرواناه واستحسنه هلاكو وتقدم إلى ركن الدين بأن يكون السفير إليه عنه فلم يزل على ذلك ثم هلك بيكو مقدم التتر ببلاد الروم وولى مكانه صمقار من أمراء المغل ثم اختلف الاميران عز الدين وغياث الدين سنة تسع وخمسين واستولى عز الدين على أعمال ركن الدين فسار ومعه البرواناة إلى هلاكو صريخا فأمده بالعساكر وسار إلى عز الدين فهزمهم واستمده ثانيا فأمده هلاكو وانهزم عز الدين فلحق بالقسطنطينية وأقام عند صاحبها الشكرى واستولى ركن الدين قليج ارسلان على بلاد الروم وامتنع التركمان الذين بتلك الاعمال بأطراف الاعمال والثغور والسواحل وطلبوا الولاية من هلاكو فولاهم وأعطاهم الله الملك فهم الملوك بها من يومئذ كما يأتي في أخبارهم ان شاء الله تعالى وأقام عز الدين بالقسطنطينية وأراد التوثب بصاحبها الشكرى ووشى به أخواله من الروم فاعتقله الشكرى في بعض قلاعه ثم هلك ويقال ان ملك الشمال منكوتمر صاحب التخت بصراى حدثت بينه وبين صاحب القسطنطينية فتنة فغزاه واكتسح بلاده ومر بالقلعة التى بها عز الدين معتقلا فاحتمله معه إلى صراى وهلك عنده ولحق ابنه مسعود بعد ذلك بابغا بن هلاكو فأكرمه وولاه على بعض القلاع ببلاد الروم ثم ان معين الدين سليمان البرواناة ارتاب بركن الدين فقتله غيلة سنة ست وستين ونصب ابنه كنجسرو للملك ولقبه غياث الدين وكان متغلبا عليه مقيما مع ذلك على طاعة التتر وربما كان يستوحش منهم فيكاتب سلطان مصر بالدخول في طاعته واطلع ابغا على كتابه بذلك إلى الظاهر بيبرس فنكره وهلك صمغار الشحنة فبعث ابغا مكانه أميرين من أمراء المغل وهما تدوان وتوفر فتقدما سنة خمس وسبعين إلى بلاد الشأم ونزلا ومعهما غياث الدين كنجسرو وكافله البرواناة في العساكر وسار الظاهر من دمشق فلقيهم بالبلستين(5/559)
وقد قعد البرواناة لما كان تواعد مع الظاهر عليه وهزمهم الظاهر جميعا وقتل
الاميرين تدوان وتوقر في جماعة من التتر ونجا البرواناة وسلطانه فلم يصب منهم أحد واستراب السلطان بالبرواناة لذلك وملك الظاهر قيسارية كرسى بلاد الروم وعاد إلى مصر وجاء ابغا ووقف على مكانه الملحمة ورأى مصارع قومه فصدق الريبة بممالاة الظاهر والبرواناة وأصحابه فاكتسح البلاد وخربها ورجع ثم استدعى البرواناة إلى معسكره فقتله وأقام مكانه في كفالة كنجسرو أخاه عز الدين محمدا ولم يزل غياث الدين واليا على بلاد الروم والشحنة من المغل حاكم في البلاد إلى أن ولى تكرار بن هلاكو وكان أخوه قنقرطاى مقيما ببلاد الروم مع صمغار فبعث عنه وامتنع من الوصول فأوعز إلى غياث الدين واعتقله بارزنكان وولى على بلاد الروم على الشحنة أولاكو من أمراء المغل وذلك سنة احدى وثمانين ويقال ان ارغو بن ابغا هو الذى ولى أولاكو شحنة ببلاد الروم بعد صمغار وان تدوان وتوقر انما بعث بهما ابغا لقتال الظاهر ولم يرسلهما شحنة ثم أقام مسعود بن عز الدين كيكاوس في سلطانه ببلاد الروم والحكم لشحنة التتر وليس له من الملك الا اسمه إلى أن افترق واضمحل أمره وبقى أمراء المغل يتعاقبون في الشحنة ببلاد الروم وكان منهم أول المائة الثامنة الامير على وهو الذى قتل ملك الارمن هيشوش بن ليعون صاحب سيس واستعدى أخوه عليه بخربندا فأعداه وقتله كما مر في أخبار الارمن في دولة الترك وكان منهم سنة عشرين وسبعمائة الامير البشغا ثم ولى السلطان أبو سعيد على بلاد الروم دمرداش بن جوبان سنة ثلاث وعشرين واستفحل بها ملكه وجاهد الارمن بسيس واستمد الناصر محمد بن قلاون صاحب مصر عليهم فأمده بالعساكر وافتتحوا اياس عنوة ورجعوا ثم نكب السلطان أبو سعيد نائبه جوبان بن بروان وقتله كما مر في أخبارهم وبلغ الخبر إلى دمرداش ابنه ببلاد الروم فاضطرب لذلك ولحق بمصر في عساكره وأمرائه فأقبل السلطان عليه وتلقاه بالتكرمة والايثار وجاءت رسل أبى سعيد في اتباعه تطلب حكم الله تعالى فيه بسعيه في الفساد واثارة الفتنة على أن يفعل مثل ذلك في قراسنقر النازع إليهم من أمراء
الشأم فقتلوه وقتل دمرداش بمصر وذهبا بما كسبا وكان دمرداش لما هرب من بلاد الروم إلى مصر ترك من أمرائه ارتنا وكان يسمى النوير اسم أبناء الملوك فبعث إلى أبى سعيد بطاعته فولاه على البلاد فملكها ونزل سيواس واتخذها كرسى ملكه ثم استبد حسن بن دمرداش بتوريز فبايع له ارتنا ثم انتقض وكاتب الملك الناصر صاحب مصر ودخل في طاعته وبعث إليه بالولاية والخلع فجمع له حسن بن دمرداش وسار إليه بسيواس وسار ارتنا للقائه بصحراء كسنوك وهزمه وأسر جماعة من أمرائه(5/560)
وذلك سنة أربع وأربعين واستفحل ملك ارتنا من يومئذ وعجز جوبان وحسن ابن دمرداش عن طلبه إلى أن توفى سنة ثلاث وخمسين وأما بنوه من بعده فلا أدرى من ملك منهم ولا ترتيب ولايتهم الا أنه وقع في أخبار الترك ان السلطان أوعز سنة ست وستين إلى نائب حلب أن يسير في العساكر لانجاد محمد بك بن ارتنا فمضوا وظفروا وما زال ارتنا وبنوه مستبدين ببلاد الروم وأعمالها واقتطع لهم التركمان منها بلاد الارمن سيس وما إليها فاستولى عليها بنو دلقادر على خلافه وزحف إليه وهى في أيديهم لهذا العهد ولما خالف سعاروس من أمراء الترك سنة ثنتين وخمسين ظاهره قراجا ابن دلقادر على خلافه وزحف إليه السلطان من مصر فافترقت جموعه واتبعته العساكر فقتل وبعث السلطان سنة أربع وخمسين عسكرا في طلب قراجا فساروا إلى البلسين وأجفل عنها نائبها فنهبوا أحياءه ولحق هو بابن ارتنا بسيواس فقبض عليه وبعث به إلى السلطان بمصر فقتله واقتطع التركمان ناحية الشمال من أعمالهم إلى القسطنطينية وأثخنوا في أمم النصرانية وراءهم واستولوا على كثير من تلك الممالك وراء القسطنطينية وأميرهم لهذا العهد في عداد الملوك الاعاظم ودولتهم ناشئة متجددة وكان صبيا بسيواس منذ أعوام الثمانين وهو من أعقاب بنى ارتنا فاستبد عليه قاضى البلد لما كان كافلا له بوصية أبيه ثم قتل القاضى ذلك الصبى أعوام ثنتين وتسعين واستبد
بذلك الملك وكانت هناك أحياء التتر يناهزون ثلاثين ألفا أو نحوها مقيمين بتلك النواحى دمرداش بن جوبان ومن قبله من أمراء المغل فكانوا شيعة لبنى ارتنا وعصابة لهم وهم الذين استنجد بهم القاضى حين وجهت إليه عساكر مصر في طلب منطاش الثائر ثم لحق به وسارت عساكر مصر في طلبه سنة تسع وثمانين فاستنجد القاضى باحياء التتر هؤلاء وجاؤا لانجاده ورجعت عساكر مصر عنهم كما تقدم ذلك كله في أخبار الترك والحال على ذلك لهذا العهد والله مصير الامور بحكمته وهو على كل شئ قدير ج ب ا ابراهيم بن محمد بك بن ارتنا النوير عامل أبى سعيد على بلاد الروم [ الخبر عن الدولة المستجدة للتركمان في شمال بلاد الروم إلى خليج القسطنطينية وما وراءه لبنى عثمان واخوته ] قد تقدم لنا في انساب العالم ذكر هؤلاء التركمان وانهم من ولد يافث بن نوح أي من توغرما بن كومر بن يافث كذا وقع في التوراة وذكر الفيومى من علماء بنى اسرائيل ونسابتهم أن توغرما هم الخزر وان الخزر هم التركمان اخوة الترك ومواطنهم فيما وجدناه من بحر طبرستان ويسمى بحر الخزر إلى جوفى القسطنطينية وشرقها إلى ديار بكر وبعد(5/561)
انقراض العرب والارمن ملكوا نواحى الفرات من أوله إلى مصبه في دجلة وهم شعوب متفرقون وأحياء مختلفون لا يحصرهم الضبط ولا يحويهم العدو كان منهم ببلاد الروم جموع مستكثرة كان ملوكها يستكثرون بهم في حروبهم مع أعدائهم وكان كبيرهم فيها لعهد المائة الرابعة جق وكانت أحياؤهم متوافرة وأعدادهم متكاثرة ولما ملك سليمان بن قطلمش قونية بعد أبيه وفتح انطاكية سنة سبع وسبعين من يد الروم طالبه مسلم بن قريش بما كان له على الروم فيها من الجزية فأنف من ذلك وحدثت بينهما الفتنة وجمع قريش العرب والتركمان مع أميرهم جق وسار إلى حرب سليمان بانطاكية
فلما التقيا مال التركمان إلى سليمان لعصبية الترك وانهزم مسلم بن قريش وقتل وأقام أولئك التركمان ببلاد الروم أيام بنى قطلمش موطنين بالجبال والسواحل ولما ملك التتر ببلاد الروم وأبقوا على بنى قطلمش ملكهم وولوا ركن الدولة قليج ارسلان بعد ان غلب أخوه عز الدين كيكاوس وهرب إلى القسطنطينية وكان أمراء هؤلاء التركمان يومئذ محمد بك وأخاه الياس بك وصهره على بك وقريبه سونج والظاهر أنهم من بنى جق فانتقضوا على ركن الدولة وبعثوا إلى هلاكو بطاعتهم وتقرير الاثر عليهم وأن يبعث إليهم باللواء على العادة وأن يبعث شحنة من التتر يختص بهم فأسعفهم بذلك وقلدهم وهم من يومئذ ملوك بها ثم أرسل هلاكو إلى محمد بك الامير يستدعيه فامتنع من المسير إليه واعتذر فأوعز هلاكو إلى الشحنة الذى ببلاد الروم وإلى السلطان قليج ارسلان بمحاربته فساروا إليه وحاربوه ونزع عنه صهره على بك ووفد على هلاكو فقدمه مكان محمد صهره ولقى محمد العساكر فانهزم وأبعد في المفر ثم جاء إلى قليج ارسلان مستامنا فأمنه وسار معه إلى قونية فقتله واستقر صهره على بك أميرا على التركمان وفتحت عساكر التتر نواحى إلى اسطنبول والظاهر أن بنى عثمان ملوكهم لهذا العهد من أعقاب على بك أو أقاربه يشهد بذلك اتصال هذه الامارة فيهم مدة هذه المائة سنة ولما اضمحل أمر التتر من بلاد الروم واستقر بنوارتنا بسيواس وأعمالها غلب هؤلاء التركمان على ما وراء الدروب إلى خليج القسطنطينية ونزل ملكهم مدينة برصا من تلك الناحية وكان يسمى أورخان بن عثمان جق فاتخذها دارا لملكهم ولم يفارق الخيام إلى القصور وانما ينزل بخيامه في بسيطها وضواحيها وولى بعده ابنه مراد بك وتوغل في بلاد النصرانية وراء الخليج وافتتح بلادهم إلى قريب من خليج البنادقة وجبال جنوة وصار أكثرهم ذمة ورعايا وعاث في بلاد الصقالبة بما لم يعهد لمن قبله واحاط بالقسطنطينية من جميع نواحيها حتى اعتقل ملكها من أعقاب شكرى وطلب منه الذمة وأعطاه الجزية ولم يزل على جهاد أمم النصرانية وراءه إلى أن قتله الصقالبة(5/562)
في حروبه معهم سنة احدى وتسعين وسبعمائة وولى بعده ابنه أبو يزيد وهو ملكهم لهذا العهد وقد استفحل ملكهم واستنجدت بالعز دولتهم وكان قد غلب على قطعة من بلاد الروم ما بين سيواس وبلادهم من انطاكية والعلايا بحيال البحر إلى قونية بنو قرمان من أمراء التركمان وهم الذين كانوا في حدود ارمينية وجدهم هو الذى هزم أوشين ابن ليعون ملك سيس من الارمن سنة عشرين وسبعمائة ثم كان بين بنى عثمان جق وبين بنى قرمان اتصال ومصاهرة وكان ابن قرمان لهذا العهد صهر السلطان مراد بك على أخته فغلبه السلطان مراد بك على ما بيده ودخل ابن قرمون صاحب العلايا في طاعته بل والتركمان كلهم وفتح سائر البلاد ولم يبق له الا سيواس بلد بنى ارتنا في استبداد القاضى الذى عليها وما أدرى ما الله صانع بعد ظهور هذا الملك تمر المتغلب على ملك المغل من بنى جفطاى بن جنكز خان وملك ابن عثمان لهدا العهد مستفحل بتلك الناحية الشمالية ومتسع في أقطارها ومرهوب عند أمم النصرانية هنالك ودولته مستجدة عزيزة على تلك الامم والاحياء والله غالب على أمره وإلى هنا انتهت أخبار الطبقة الثالثة من العرب ودولهم وهم الامم التابعة للعرب بما تضمنه من الدول الاسلامية شرقا وغربا لهم ولمن تبعهم من العجم فلنرجع الآن إلى ذكر الطبقة الرابعة من العرب وهم المستعجمة أهل الجيل الناشئ بعد انقراض اللسان المضرى ودروسه ونذكر أخبارهم ثم نخرج إلى الكتاب الثالث من الثالث في أخبار البربر ودولهم فنفرغ بفراغها من الكتاب ان شاء الله تعالى والله ولى العون والتوفيق بمنه وكرمه م
في حروبه معهم سنة احدى وتسعين وسبعمائة وولى بعده ابنه أبو يزيد وهو ملكهم لهذا العهد وقد استفحل ملكهم واستنجدت بالعز دولتهم وكان قد غلب على قطعة من بلاد الروم ما بين سيواس وبلادهم من انطاكية والعلايا بحيال البحر إلى قونية بنو قرمان من أمراء التركمان وهم الذين كانوا في حدود ارمينية وجدهم هو الذى هزم أوشين ابن ليعون ملك سيس من الارمن سنة عشرين وسبعمائة ثم كان بين بنى عثمان جق وبين بنى قرمان اتصال ومصاهرة وكان ابن قرمان لهذا العهد صهر السلطان مراد بك على أخته فغلبه السلطان مراد بك على ما بيده ودخل ابن قرمون صاحب العلايا في طاعته بل والتركمان كلهم وفتح سائر البلاد ولم يبق له الا سيواس بلد بنى ارتنا في استبداد القاضى الذى عليها وما أدرى ما الله صانع بعد ظهور هذا الملك تمر المتغلب على ملك المغل من بنى جفطاى بن جنكز خان وملك ابن عثمان لهدا العهد مستفحل بتلك الناحية الشمالية ومتسع في أقطارها ومرهوب عند أمم النصرانية هنالك ودولته مستجدة عزيزة على تلك الامم والاحياء والله غالب على أمره وإلى هنا انتهت أخبار الطبقة الثالثة من العرب ودولهم وهم الامم التابعة للعرب بما تضمنه من الدول الاسلامية شرقا وغربا لهم ولمن تبعهم من العجم فلنرجع الآن إلى ذكر الطبقة الرابعة من العرب وهم المستعجمة أهل الجيل الناشئ بعد انقراض اللسان المضرى ودروسه ونذكر أخبارهم ثم نخرج إلى الكتاب الثالث من الثالث في أخبار البربر ودولهم فنفرغ بفراغها من الكتاب ان شاء الله تعالى والله ولى العون والتوفيق بمنه وكرمه م * (ثم طبع الجزء الخامس ويليه الجزء السادس أوله الطبقة الرابعة) *(5/563)
تاريخ ابن خلدون - ابن خلدون ج 6
تاريخ ابن خلدون
ابن خلدون ج 6(6/)
تاريخ ابن خلدون المسمى بكتاب العبر، وديوان المبتداء والخبر، في أيام العرب والعجم والبربر ومن عاصرهم من ذوي السلطان الاكبر لوحيد عصره العلامة عبد الرحمن بن محمد بن خلدون الحضرمي المغربي المتوفى سنة 808 هجرية الجزء السادس 1391 ه.
- 1971 م.
منشورات مؤسسة الاعلمي للمطبوعات بيروت لبنان ص.
ب.
7120(6/1)
* (بسم الله الرحمن الرحيم) * { الطبقة الرابعة من العرب المستعجمة أهل الجيل الناشئ لهذا العهد من بقية أهل الدولة الاسلامية من العرب } لما استقلت مضر وفرسانها وأنصارها من اليمن بالدولة الاسلامية فيمن تبع دينهم من اخوانهم ربيعة ومن وافقهم من الاحياء اليمنية وغلبوا الملل والامم على أمورهم والتزعوا الامصار من أيديهم وانقلبت أحوالهم من خشونة البداوة وسذاجة الخلافة إلى عز الملك وترف الحضارة ففارقوا الحلل وافترقوا على الثغور البعيدة والاقطار البائنة عن ممالك الاسلام فنزلوا بها حامية ومرابطين عصبا وفرادى
وتناقل الملك من عنصر إلى عنصر ومن بيت إلى بيت واستفحل ملكهم في دولة بنى أمية وبنى العباس من بعدهم بالعراق ثم دولة بنى أمية الاخرى بالاندلس وبلغوا من الترف والبذخ ما لم تبلغه دولة من دول العرب والعجم من قبلهم فانقسموا في الدنيا ونبتت أجيالهم في ماء النعيم واستأثروا مهاد الدعة واستطابوا خفض العيش وطال نومهم في ظل الغرف والسلم حتى ألفوا الحضارة ونسوا عهد البادية وانفلتت من أيديهم الملكة التى نالوا بها الملك وغلبوا الامم من خشونة الدين وبداوة الاخلاق ومضاء(6/2)
المضرب فاستوت الحامية والرعية لولا الثقافة وشابة الجند والحضر الا في الشدة وأبوا السلطان من المساهمة في المجد والمشاركة في النسب فجدعوا أنوف المتطاولين إليه من أعاصيهم وعشائرهم ووجوه قبائلهم وغضوا من عنان طموحهم واتخذوا البطانة مقرهم من موالى الاعجام وصنائع الدولة حتى كثروا بهم قبيلتهم من العرب الذين أقاموا الدولة ونصروا الملة ودعموا الخلافة وأذاقوهم وبال الخلابة من القهر وساموهم خطة الخسف والذل فأنسوهم ذكر المجد وحلاوة العز وسلبوهم نصرة العصبية حتى صاروا أجزاء على وخولا لمن استعبدهم من الخلاصة وأوزاعا متفرقين بين الامة وصيروا لغيرهم الحل والعقد والابرام والنقض من الموالى والصنائع فداخلتهم أريحية العز وحدثوا أنفسهم بالملك فجحدوا الخلفاء وقعدوا بدست الامر والنهى واندرج العرب أهل الحماية في القهر واختلطوا بالهمج ولم يراجعوا أحوال البداوة لبعدها ولا تذكروا عهد الانساب لدروسها فدثروا وتلاشوا شأن من قبلهم وبعدهم سنة الله التى قد خلت من قبل ولن تجد لسنة الله تبديلا (وكان المولدون) لتمهيد قواعد الامر وبناء أساسه من أول الاسلام والدين والخلافة من بعده والملك قبائل من العرب موفورة العدد عزيزة الاحياء فنصروا الايمان والملة ووطدوا أكناف الخلافة وفتحوا الامصار والاقاليم وغلبوا عليها الامم والدول أما من مضر فقريش وكنانة وخزاعة وبنو
أسد وهذيل وتميم وغطفان وسليم وهوازن وبطونها من ثقيف وسعد بن بكر وعامر ابن صعصعة ومن إليهم من الشعوب والبطون والافخاذ والعشائر والخلفاء والموالي وأما من ربيعة فبنو ثعلب بن وائل وبنو بكر بن وائل وكافة شعوبهم من بنى شكر وبنى حنيفة وبنى عجل وبنى ذهل وبنى شيبان وتيم الله ثم بنو النمر من قاسط ثم عبد القيس ومن إليهم وأما من اليمنية ثم من كهلان بن سبا منهم فأنصار الله الخزرج والاوس ابنا قيلة من شعوب غسان وسائر قبائل الازد ثم همدان وخثعم وبجيلة ثم مذحج وكافة بطونها من عبس ومراد وزبيد والنخع والاشعريين وبنى الحرث بن كعب ثم لحى وبطونها ولخم وبطونها ثم كندة وملوكها وأما من حمير بن سبا فقضاعة وجميع بطونها ومن إلى هذه القبائل والافخاذ والعشائر والاحلاف هؤلاء كلهم أنفقتهم الدولة الاسلامية العربية فنبا منهم الثغور القصية وأكلتهم الاقطار المتباعدة واستلحمتهم الوقائع المذكورة فلم يبق منهم حى يطرف ولا حلة تنجع ولا عشير يعرف ولا قليل يذكر ولا عاقلة تحمل جناية ولا عصابة بصريخ الاسمع من ذكر أسمائهم في أنساب أعقاب متفرقين في الامصار التى ألخموها بجملتهم فتقطعوا في البلاد ودخلوا بين الناس فامتهنوا واستهينوا وأصبحوا خولا للامر وريبا للواسد وعالة على الحرب(6/3)
وقام بالاسلام والملة غيرهم وصار الملك والامر في أيدى سواهم وجابت بضائع العلوم والصنائع إلى غير سوقهم فغلب أعاجم المشرق من الديلم وانسلخوا فيه والاكراد والعرب والترك على ملكه ودولته فلم يزل مناقلة فيهم إلى هذا العهد وغلب أعاجم المغرب من زناتة والبربر على أمره أيضا فلم تزل الدول تتناقل فيهم على ما نذكره بعد إلى هذا العهد وغلب أعاجم المغرب والبربر على أمره وانقرض أكثر الشعوب الذين كان لهم الملك من هؤلاء فلم يبق لهم ذكر وانتبذ بقية هذه الشعوب من هذه الطبقة بالقفار وأقاموا أحياء با دين لم يفارقوا الحلل ولا تركوا البداوة والخشونة فلم يتورطوا
في مهلكة الترف ولا غرقوا في بحر النعيم ولا فقدوا في غيابات الامصار والحضارة ولهذا أنشد شاعرهم فمن ترك الحضارة أعجبته * بأى رجال بادية ترانا وقال المتنبي يمدح سيف الدولة ويعرض يذكر العرب الذين أوقع بهم لما كثر عيثهم وفسادهم وكانوا يروعون الملوك بأن بدوا * وأن نبتت في الماء نبت الغلافق (1) فهاجوك أهدى في الفلا من نجومه * وأبدى بيوتا من أداحى النقانق (2) (وأقامت) هذه الاحياء في صحارى الجنوب من المغرب والمشرق بافريقية ومصر والشأم والحجاز والعراق وكرمان كما كان سلفهم من ربيعة ومضر وكهلان في الجاهلية وعتوا وكثروا وانقرض الملك العربي الاسلامي وطرق الدول الهرم الذى هو شأنها واعتز بعض أهل هذا الجيل غربا وشرقا فاستعملتهم الدول وولوهم الامارة على أحيائهم وأقطعوهم في الضاحية والامصار والتلول وأصبحوا جيلا لعالم ناشئا كثروا سائر أهله من العجم ولهم في تلك الامارة دول فاستحقوا أن تذكر أخبارهم وتلحق بالاحياء من العرب وقع به الاعجاز ونزل به القرآن فثوى فيهم وتبدل اعرابه فمالوا إلى العجمة وان كانت واستحقوا أن يوصفوا بالعجمة من أجل الاعراب فلذلك قلنا فيهم العرب المستعجمة (فلنذكر الآن) بقية هؤلاء لشعوب من هذه الطبقة في المغرب والمشرق ونخص منهم أهل الاحياء الناجعة والاقدار النابهة ونلغي المندرجين في غيرهم ثم نرجع إلى ذكر المنتقلين من هذه الطبقة إلى افريقية والمغرب فنستوعب أخبارهم لان العرب لم يكن المغرب لهم في الايام السابقة بوطن وانما انتقل إليه في أواسط المائة الخامسة أفاريق من بنى هلال وسليم اختلطوا في الدول هنالك فكانت أخبارهم من أخبارها فلذلك استوعبتاها وأما آخر مواطن العرب فكانت(6/4)
برقة وكان فيها بنو قرة بن هلال بن عامر وكان لهم في دول العبيديين أخبار وحكايتهم في الشورة أيام الحاكم والبيعة لابي ركوة من بنى أمية في الاندلس معروفة وقد أشرنا إليها في دولة العبيديين ولما أجاز بنى هلال وسليم إلى المغرب خالطوهم في تلك المواطن ثم ارتحلوا معهم إلى المغرب كما نذكره في دخول العرب إلى افريقية والمغرب وبقى في مواطنهم ببرقة لهذا العهد أحياء بنى جعفر وكان شيخهم أوسط هذه المائة الثامنة أبو ذئب وأخوه حامد بن حميد (1) وهم ينسبون في المغرب تارة في العزة ويزعمون أنهم من بنى كعب بن سليم وتارة في سيب كذلك وتارة في فزارة والصحيح في نسبهم أنهم من سراته احدى بطون هوارة سمعته من كثير من نسابتهم وبعدهم فيما بين برقة والعقبة الكبيرة أولاد سلام وما بين العقبة الكبيرة والاسكندرية أولاد مقدم وهم بطنان أولاد التركية واولاد قائد ومقدم وسلام معا ينسبون إلى لبيد فبعضهم يقول لييد بن لعتة بن جعفر بن كلاب بن ربيعة بن عامر وبعضهم يقول في مقدم مقدم بن عزاز بن كعب بن سليم (وذكر لى سلام) شيخ أولاد التركية أن أولاد مقدم من ربيعة بن نزار ومع هؤلاء الاحياء حى محارب ينتمون بآل جعفر ويقال انهم من جعفر بن كلاب وهى رواحة ينتمون بآل زبيد ويقال ابن جعفر أيضا والناجعة من هؤلاء الاحياء كلهم ينتمون في شأنهم إلى الواحات من بلاد القبلة (وقال ابن سعيد) ومن غطفان في رقة مهيب ورواحة وفزارة فجعل هؤلاء من غطفان والله أعلم بصحة ذلك (وفيما بين الاسكندرية ومصر) قبائل رحالة ينتقلون في نواحى البحيرة هنالك ويعمرون أرضها بالسكنى والفلح ويخرجون في المشاتى إلى نواحى العقبة وبرقة من مراية وحوارة وزنارة احدى بطون لواته وعليهم مغارم الفلح ويندرج فيهم أخلاط من العرب والبربر لا يحصون كثرة وبنوا حى الصغير قبائل من العرب من بنى هلال وبنى كلاب من ربيعة أحياء كثيرة ويركبون الخيل ويحملون السلاح
ويعمرون الارض بالفلاحة ويقومون بالخراج للسلطان وبينهم مع ذلك من الحروب والفتن ما ليس يكون بين أحياء القفر (وبالصعيد) الاعلى من اسوان وما وراءها إلى أرض النوبة إلى بلاد الحبشة قبائل متعددة وأحياء متفرقة كلهم من جهينة احدى بطون قضاعة ملؤا تلك القفار وغلبوا النوبة على مواطنهم وملكهم وزاحموا الحبشة في بلادهم وشاركوهم في أطرافها والذين يلون اسوان هم يعرفون بأولاد الكنز كان جدهم كنز الدولة وله مقامات مع الدول مذكورة ونزل معهم في تلك المواطن من اسوان إلى قوص بنو جعفر بن أبى طالب حين غليهم بنو الحسن على نواحى المدينة وأخرجوهم منها فهم يعرفون بينهم بالشرفاء الجعافرة ويحترفون(6/5)
في غالب أحوالهم بالتجارة (وبنوا حى مصر) من جهة القبلة إلى عقبة أيلة أحياء جمهورهم من العائد وعليهم درك السابلة بتلك الناحية ولهم على ذلك الاقطاع والعوائد من جهة الشرق بالكرد ونواحيها أحياء بنى عقبة من جذام أيضا ورحالة ناجعة تنتهى وعليهم درك السابلة فيما يليهم وفيما وراء عقبة ايلة إلى القلزم قبائل من قضاعة ومن القلزم إلى الينبع قبائل من جهينة ومن الينبع بدر ونواحيه من زبيد احدى بطون مذحج ولهم مع الامراء بمكة من بنى حسن حلف ومواخاة وفيما بين مكة والمهج مما يلى اليمن قبائل بنى شعبة من كنانة وفيما بين الكرد وغزة شرقا قبائل جذام من قضاعة في جموع وافرة ولهم أمراء أعزة يقطعهم السلطان على العسكر وحفظ السابلة وينجعون في المشاتى إلى معان وما يليها من أسافل نجد مما يلى تيماء وبعدهم في أرض الشأم بنو حارثة بن سنبس وآل مراء من ربيعة اخوال فضل الملوك على العرب في برية الشأم والعراق ونجد وأخبرني بعض أمراء حارثة بن سنبس عن بطون فلنذكر الآن خبر أولاد فضل أمراء الشأم والعراق من طيئ فنبين أعراب الشأم جميعا
* (خبر آل فضل وبنى مهنا منهم ودولتهم بالشأم والعراق) * هذا الحى من العرب يعرفون بآل فضل وهم رحالة ما بين الشأم والجزيرة وبرية نجد من أرض الحجاز ينتقلون هكذا بينها في الرحلتين وينتهون في طيئ ومعهم أحياء من زبيد وكلب وهريم ومذحج أحلاف لهم باين بعضهم في الغلب والعدد آل مراء ويزعمون أن فضلا ومراء آل ربيعة ويزعمون أيضا أن فضلا ينقسم ولده بين آل مهنا وآل على وأن آل فضل كلهم كانوا بأرض حوران فغلبهم عليها آل مراء وأخرجوهم منها فنزلوا حمص ونواحيها وأقامت زبيد من أحلافهم بحوران فهم بها حتى الآن لا يفارقونها قالوا ثم اتصل آل فضل باللد من السلطنة وولوهم على أحياء العرب وأقطعوهم على اصلاح السابلة بين الشأم والعراق فاستظهروا برياستهم على آل مراء وغلبوهم على المشاتى فصار عامة رحلتهم في حدود الشأم قريبا من التلول والقرى لا ينجعون إلى البرية الا في الاقل وكانت معهم أحياء من أفاريق الاعراب يندرجون في لفيفهم وحلفهم من مذحج وعامر وزبيد كما كان لآل فضل الا أن أكثر من كان من آل مراء أولئك الاحياء وأوفرهم عددا بنو حارثة من احدى سنى بطون طيئ هكذا ذكر الثقة عنهم من رجالاتهم وحارثة هؤلاء متغلبون لهذا العهد في تلول الشأم لا يجاوزونها إلى القفار ومواطن طيئ بنجد قد اتسعت وكانوا أول خروجهم من اليمن نزلوا جبلى أجاوسلمى وغلبوا عليهما بنى أسد وجاوروهم مكان لهم من(6/6)
المواطن سميراء وميدمن منازل الحاج ثم انقرض بنو أسد وورثت طيئ بلادهم فيما وراء الكرخ من أرض غفر وكذلك ورثوا منازل تميم بأرض نجد فيما بين البصرة والكوفة واليمامة وكذلك ورثوا غطفان ببطن مما يلى وادى القرى هكذا قال ابن سعيد وقال أشهر الحجازيين منهم الآن بنو لام وبنو نبهان والصولة بالحجاز لبنى لام بين المدينة والعراق ولهم حلف مع بنى الحسين أمراء المدينة قال وبنو صخر منهم في جهة تيماء بين
الشأم وخيبر قال وغربة من طيئ بنو غربة بن أفلت بن معبد بن معن بن عمر بن عنبس بن سلامان ومن بعد بلادهم حى الانمر والاساور ورثوها من عنزة ومنازلهم لهذا العهد في مصايفهم بالكيبات وفى مشاتيهم مع بنى لام من طيئ وهم أهل غارة وصولة بين الشأم والعراق ومن بطونهم الاجود والبطنين واخوانهم زبيد نازلون بالموصل فقد جعل ابن سعيد هؤلاء من بطون طيئ ولم يجعلهم من مذحج ووياسة آل فضل في هذا العهد في بنى مهنا وينسبونه هكذا كنا بن مايع بن مدسة بن عصية بن فضل بن بدر بن على بن مفرج بن بدر بن سالم بن قصية بن بدر بن سميع ويقفون عند سميع ويقول زعماؤهم ان سميعا هذا هو الذى ولدته العباسة أخت الرشيد من جعفر بن يحيى البرمكى وحاشا لله من هذه المقالة في الرشيد وأخته وفى بنات كبراء العرب من طيئ إلى موالى العجم من بنى برمك وأمثالهم ثم ان الموجود تميل رياسته مثل هؤلاء على هذا الحى إذا لم يكونوا من نسبهم وقد تقدم مثل ذلك في مقدمات الكتاب (وكان مبدأ رياستهم) من أول دولة بنى يعقوب قال العماد الاصبهاني نزل العادل بمرج دمشق ومعه عيسى بن محمد بن ربيعة شيخ الاعراب في جموع كثيرة وكانت الرياسة فيهم لعهد الفاطميين لبنى جراح من طيئ وكان كبيرهم مفرج بن دغفل بن جراح وكان من أقطاعه التى معه وهو الذى قبض على اسكى مولى بنى بويه لما انهزم مع مولاه بختيار بالعراق وجاء إلى الشأم سنة أربع وستين وثلثمائة وملك دمشق وزحف مع القرامطة لقتال العزيز بن المعز لدين الله صاحب مصر فهزمهم العزيز وهرب افتكين فلقيه مفرج بن دغفل وجاء به إلى العزيز فأكرمه ورقاه في دولته ولم يزل شأن مفرج هذا وتوفى سنة أريع وأربعمائة وكان من ولده حسان ومحمود وعلى وجرار وولى حسان بعده وعظم صيته وكان بينه وبين خلفاء الفاطميين معزة واستقامة وهو الذى هزم الرملة وهزم قائدهم باروق التركي وقتله وسبى نساءه وهو الذى مدحه التهامى ويذكر المسمى وغيره أن موطئ دولة العبيديين في قرابة حسان بن مفرج هذا فضل بن
ربيعة بن حازم وأخوه بدر بن ربيعة وابنا بدر ولعل فضلا هذا هو جد آل فضل (قال ابن الاثير) ان فضل بن ربيعة بن حازم كان آباؤه أصحاب السقاء والبيت المقدس وكان(6/7)
الفضل تارة مع الفرع وتارة مع خلفاء مصر ونكره لذلك طغركين أتابك دمشق وكافل بنى نبتى فطرده من الشأم فنزل على صدقة بن وتر بالملة وحالفه ووصله صدقة بتسعة آلاف دينار فلما خالف صدقة بن مزيد على السلطان محمد بن ملسكاب سنة خمسمائة وما بعدها ووقعت بينهما الفتنة اجتمع له فضل هذا وقرواس بن شرف الدولة من قريص صاحب الموصل وبعض أمراء التركمان كانوا كلهم أولياء صدقة فصار في الطلائع بين يدى الحرب وهربوا إلى السلطان فأكرمهم وخلع عليهم وأنزل فضل بن ربيعة بدار صدقة بن مزيد ببغداد حتى إذا سار السلطان لقتال صدقة واستأذنه فضل في الخروج إلى البرية ليأخذ بحجزة صدقة فأذن له وعبر إلى الانبار فلم يراجع السلطان بعدها اه كلام ابن الاثير ويظهر من كلامه وكلام المسيحي أن فضلا هذا وبدرا من آل جراح بلا شك ويظهر من سياقة هولاء نسبهم أن فضلا هذا هو جدهم لانهم ينسبونه فضل بن ربيعة بن الجراح فلعل هؤلاء نسبوا ربيعة إلى مفرج الذى هو كبير بنى الجراح لبعد العهد وقلة المحافظة على مثل هذا من البادية القفر وأما نسبة هذا الحى من آل فضل بن ربيعة بن فلاح من مفرج في طيئ فبعضهم يقول ان الرياسة في طيئ كانت لاياس بن قبيصة من بنى سبا بن عمر بن الغوث من طيئ واياس هو الذى ملكه كسرى على الحرة بعد آل المنذر لما قتل النعمان بن المنذر وهو الذى صالح خالد بن الوليد عن الحرة على الجزية ولم تزل الرياسة على طيئ إلى بنى قبيصة هؤلاء صدرا من دولة الاسلام فلعل بنى الجراح وآل فضل هؤلاء من أعقابهم وان كان انقرض أعقابهم فهم من أقرب الحى إليهم لان الرياسة على الاحياء والشعوب انما تتصل في أهل العصبية والنسب كما مر أول الكتاب (وقال ابن حزم) عندما ذكر أنساب طيئ وأنهم لما خرجوا من اليمن مع بنى أسد نزلوا جبلى أجا
وسلمى وأوطنوهما وما بينهما ونزل بنو آمد ما بينهم وبين العراق وفضل كثير منهم وهم بنو حارثة نسبة إلى أمهم وتيم الله وحبيش والاسعد اخوتهم رحلو على الميلين في حرب الفساد فلحقوا بحلب وحاصر طيئ وأوطنوا تلك البلاد الا بنى رومان بن جندب بن خارجة بن سعد فانهم أقاموا بالجبلين فكانوا جبليين ولاهل حلب وحاصر طيئ من بنى خارجة السهيليون اه فلعل هذه الاحياء الذين بالشأم من بنى الجراح وآل فضل من بنى خارجة هؤلاء الذين ذكر ابن حزم انهم انتقلوا إلى حلب وحاصر طيئ لان هذا الموطن أقرب إلى مواطنهم لهذا العهد من مواطن بنى الجراح بفلسطين من جبلى أجا وسلمى اللذين هو موضع الآخرين فالله أعلم أي ذلك يصح من انسابهم وتحت خفارى بنوا حى الفرات ابن كلاب بن ربيعة بن عامر دخلوا مع قبائل عامر بن صعصعة بن نجد إلى الجزيرة ولما افترق بنو عامر على الممالك الاسلامية اختص هؤلاء بنواحي حلب(6/8)
وملكها منهم بنو صالح بن مرداس من بنى عمر بن كلاب ثم تلاشى ملكهم ورجعوا عنها إلى الاحياء وأقاموا بالفرات تحت خفارة هؤلاء الامراء من طيئ (وأما ترتيب رياستهم) على العرب بالشأم والعراق منذ دولة بنى أيوب العادل والى هذا العهد وهو آخر ست وتسعين وسبعمائة فقد ذكرنا ذلك في دولة الترك ملوك مصر والشأم وذكرناهم واحدا بعد واحد على ترتيبهم وسنذكرهم ههنا على ذلك الترتيب فنقول كان الامير لعهد بنى أيوب عيسى بن محمد بن ربيعة أيام العادل كما كان بعده حسام الدين مانع بن حارثة بمصر والشأم * وفى سنة ثلاثين وستمائة ولى عليهم بعده ابنه مهنأ ولما ارتجع قطز بن عصية بن فضل أحد ملوك الترك بمصر الشأم من أيدى التتر وهزمهم بعين جالوت أقطع سلمية لمهنا بن مانع وانتزعها من عمل المنصور بن قطفر بن شالعشاه صاحب حماة ولم أقف على تاريخ وفاة مهنا ثم ولى الظاهر على احياء العرب بالشأم عند ما استفحل ملك الترك وسار إلى دمشق لتشييع الخليفة الحاكم عم المستعصم إلى
بغداد عيسى بن مهنا بن مانع وجزله الاقطاعات على حفظ السابلة وحبس ابن عمه زامل بن على بن ربيعة من آل فضل على سعايته واغرامه ولم يزل بغير على أحياء العرب وصلحوا في أيامه لانه خالف أباه في الشدة عليهم وهرب إليه سنقر الاسفر سنة تسع وسبعين وكاتبوا أنفا واستحثوه لملك الشأم وتوفى عيسى بن مهنا سنة اربع وثمانين فولى المنصور قلاون من بعده ابنه مهنا ثم سار الاشرف بن قلاون إلى الشأم ونزل حمص ووفد عليه مهنأ بن عيسى في جماعة من قومه فقبض عليه وعلى ابنه موسى واخوته محمد وفضل ابني مهنا وبعث بهم إلى مصر فحبسوا بها حتى أفرج عنهم العادل كنعا عند ما جلس على التخت سنة أربع وتسعين ورجع إلى امارته وكان له في أيام الناصر نصرة واستقامة وميلة إلى ملوك التتر بالعراق ولم يحضر شيأ من وقائع غازال ولما فر اسفر واقوش الافرم وأصحابهما سنة عشر وسبعمائة لحقوا به وساروا من عنده إلى خرشد واستوحش هو من السلطان وأقام في أحيائه منقبضا عن الوفادة ووفد أخوه فضل سنة ثنتى عشرة فرعا له حق وفادته وولاه على العرب مكان أخيه مهنا وبقى مهنأ مشردا ثم لحق سنة ست عشرة بخرشد ملك التتر فأكرمه وأقطعه بالعراق وهلك خرشد في تلك السنة فرجع مهنأ إلى أحيائه ووفد ابنه أحمد وموسى وأخوه محمد بن عيسى مستعتبين على الناصر ومتطارحين عليه فاكرم وفادتهم وأنزلهم بالقصر الابلق وشملهم بالاحسان وأعتب مهنأ ورده إلى امارته واقطاعه وذلك سنة سبع عشرة وحج هذه السنة ابنه عيسى وأخوه محمد وجماعة من آل فضل في اثنى عشر ألف راحلة ثم رجع مهنأ إلى دينه في ممالاة التتر والاجلاء على الشأم واتصل ذلك(6/9)
منه فنقم السلطان عليه وسخط عليه قومه أجمع وتقدم إلى أبواب الشأم سنة عشرين بعد مرجعه من الحج فطرد آل فضل عن البلاد وأدال منهم مالكا على عدالته بينهم وولى منهم على أحياء العرب محمد بن وصرف أقطاع مهنا
وولده إلى محمد وولده فاقام مهنا على ذلك مدة ثم وفد سنة احدى وثلاثين مع الافضل ابن المؤيد صاحب حماة متوسلا به ومتطارحا على السلطان فأقبل عليه ورد عليه أقطاعه وامارته (وذكر لى) بعض أمراء الكبراء بمصر فيمن أدرك وفادته أو حدث بها انه تجافى في هذه الوفادة من قبول شئ من السلطان حتى انه ساق عنده النياق الحلوبة والعراب وانه لم يغش باب احد من ارباب الدولة ولا سأل منهم شيأ من حاجاته ثم رجع إلى أحيائه وتوفى سنة اربع وثلاثين فولى ابنه مظفر الدين موسى وتوفى سنة ثنتين واربعين عقب مهلك الناصر وولى مكانه اخوه سليمان ثم هلك سليمان سنة ثلاث وأربعين فولى مكانه شرف الدين عيسى ابن عمه فضل بن عيسى ثم توفى سنة اربع وأربعين بالفرس ودفن عند قبر خالد بن الوليد وولى مكانه اخوه سيف بن فضل ثم عزله السلطان بمصر الكامل ابن الناصر سنة ست وأربعين وولى مكانه أحمد بن مهنا بن عيسى ثم جمع سيف بن فضل ولقيه فياض بن مهنا بن عيسى وانهزم سيف ثم ولى السلطان حسن الناصر في دولته الاولى وهو في كفالة سعاروس أحمد بن مهنا فسكنت الفتنه بينهم ثم توفى سنة سبع وأربعين فولى مكانه أخوه فياض وهلك سنة تسع وأربعين وولى مكانه أخوه حدار بن مهنا وولاه حسن الناصر في دولته الثانية ثم انتقض سنة خمس وستين واقام سنتين بالقصر عاصيا إلى أن تشيع فيه نائب حماة فأعيد إلى امارته ثم انتقض سنة سبعين فولى السلطان الاشرف مكانه ابن عمه زامل بن موسى بن عيسى وجاء إلى نواحى حلب واجتمع إليه بنو كلاب وغيرهم وعاثوا في البلاد وعلى حلب يومئذ قشتمر المنصوري فبرز إليهم وانتهى إلى خيمهم واستاق نعمهم وتخطى إلى الخيام فاستجاشوا بها وهزموا وقتل قشتمر ابنه في المعركة تولى هو قتله بيده وذهب إلى القفر منفضا فولى الاشرف مكانه ابن عمه معيقل بن فضل بن عيسى ثم بعث ابن معيقل صاحبه سنة احدى وسبعين يستأ من بجبار فامنه ثم وفد جبار بن مهنا سنة خمس وسبعين فرضى عنه السلطان وأعاده إلى امارته ثم توفى سنة سبع وسبعين فولى أخوه مالك إلى
أن هلك سنة احدى وثمانين فولى مكانه معيقل بن موسى بن عيسى وابن مهنا شريكين في امارتهما ثم عزلا لسنة وولى بعير بن جابر بن مهنا واسمه محمد وهو لهذا العهد أمير على آل فضل وجميع أحياء طيئ بالشأم والسلطان الظاهر لعهده يزاحمه بحجر بن محمد ابن قارى حتى سخطه ثم وصل انتقاضه على السلطان وخلافه وظاهر السلطان على(6/10)
مولاه ثم محمد بن قارى فسخطه وولى مكانهما ابن عمهما محمد بن كوكتين ابن عمه موسى ابن عساف بن مهنا فقام بامر العرب وبقى بعير منتبذا بالقفر وعجز عن الميرة لقلة ما بيده واختلت أحواله وهو على ذلك لهذا العهد والله ولى الامور لارب سواه موسى بن عساف بن مهنا - بن عيسى بن مهنا بن مانع بن حديثة بن عصية بن فضل محمد بن قارى فياض موسى زامل زامل بن على أحمد سفيان بن فضل عيسى (ولنرجع) إلى ما بقى من شعوب هذه الطبقة فنقول كان بنو عامر بن صعصعة كلهم بنجد وبنو كلاب في خناصرة والربذة من جهات المدينية وكعب بن ربيعة فيما بين تهامة والمدينة وأرض الشأم وبنو هلال بن عامر في بسائط الطائف ما بينه وبين جبل غزوان ونمير بن حامد معهم وجشم محسوبون منهم بنجد وانتقلوا كلهم في الاسلام إلى الجزيرة الفراتية مسلك نهر حران ونواحيها وأقام بنو هلال بالشأم إلى أن ظعنوا إلى المغرب كما
نذكر في أخبارهم وبقى منهم بقية بجبل بنى هلال المشهور بهم قبلى قلعة صرخد وأكثرهم اليوم يتعاطون الفلح وبنو كلاب بن ربيعة ملكوا أرض حلب ومدينتها كما ذكرناه وبنو كعب بن ربيعة دخلت إلى الشأم منهم قبائل عقيل وقسر وحريش وجعدة فانقرض الثلاثة في دولة الاسلام ولم يبق الا بنو عقيل (وذكر) ابن حزم أن عددهم يفى عدد جميع مضر فملك منهم الموصل بنو مالك بعد بنى حمدان وتغلب واستولوا عليها وعلى نواحيها وعلى حلب معها ثم انقرض ملكهم ورجعوا للبادية وورثوا مواطن العرب في كل جهة فمنهم بنو المنتفق بن عامر بن عقيل وكان بنو مالك بن عقيل في أرض تيماء من نجد وهم الآن بجهات البصرة في الآجام التى بينها وبين الكوفة المعروفة بالبطائح والامارة منهم في بنى معروف وبالمغرب من بنى المنتفق أحياء دخلوا مع هلال بن عامر يعرفون بالخلط ومواطنهم بالمغرب الاقصى ما بين فاس ومراكش (وقال الجرجاني) ان بنى المنتفق كلهم يعرفون بالخلط ويليهم في جنوب البصرة اخوتهم بنو عامر بن عوف بن مالك بن عوف بن عامر وعوف أخو المنتفق قد غلبوا على البحرين وغمارة وملكوها من يدى أبى الحسن الاصغر بن ثعلب وكانت هذه(6/11)
المواطن للازد وبنى تميم وعبد القيس فورث هؤلاء أرضهم فيها وديارهم (قال ابن سعيد) وملكوا أيضا أرض اليمامة من بنى كلاب وكان ملوكهم فيها العهد الخمسين والستمائة بنى عصفور وكان من بنى عقيل خفاجة بن عمر بن عقيل كان انتقالهم إلى العراق فأقاموا به وملكوا ضواحيه وكانت لهم مقامات وذكر وهم أصحاب صولة وكثرة وهم الآن ما بين دجلة والفرات ومن عقيل هؤلاء بنو عبادة بن عقيل ومنهم الاجافل لان عبادة كان يعرف بالاجفل وهم لهذا العهد بالعراق مع بنى المنتفق وفى البطائح التى بين البصرة والكوفة وواسط والامارة فيهم على ما يبلغنا لرجل اسمه ميان بن صالح وهو في عدد ومنعة وما أدرى أهو في بنى معروف أمراء البطائح بنى
المنتفق أو من عبادة الاجافل هذه أحوال بنى عامر بن صعصعة واستيلائهم على مواطن العرب من كهلان وربيعة ومضر (فأما بنو كهلان) فلم يبق لهم أحياء فيما يسمع (وأما ربيعة) فأجازوا بلاد فارس وكرمان فهم ينتجعون هنا لك ما بين كرمان وخراسان وبقيت بالعراق منهم طائفة ينزلون البطائح والسيب إلى الكوفة منهم بنو صباح ومعهم لفائف من الاوس والخزرج فأمير ربيعة اسمه الشيخ ولى وعلى الاوس والخزرج طاهر بن خضر منهم هذه شعوب الطبقة الثالثة من العرب لهذا العهد في ديار المشرق بما أدى إليه الامكان (ونحن الآن نذكر شعوبهم الذين انتقلوا إلى المغرب) فان أمة العرب لم يكن لهم المام قط بالمغرب لا في جاهلية ولا في اسلام لان أمة البربر الذين كانوا به كانوا يمانعون عليه الامم وقد غزاه افريقش بن ضبيع الذى سميت به افريقية من ملوك التبابعة وملكها ثم رجع عنها وترك كتامة وصنهاجة من قبائل حمير فاستحالت طبيعتهم إلى البربر واندرجوا في أعدادهم وذهب ملك العرب منهم ثم جاءت الملة الاسلامية وظهر العرب على سائر الامم بظهور الدين فسارت في المغرب وافتتحوا سائر أمصاره ومدنه وعايينوا من حروب البربر شدة وقد تقدم لنا ما ذكره ابن أبى زيد من انهم ارتدوا اثنتى عشرة مرة ثم رسخ فيهم الاسلام ولم يسكنوا بأجيالهم في الخيام ولا نزلوا أحياء لان الملك الذى حصل لهم يمنعهم من سكنى الضاحية ويعدل بهم إلى المدن والامصار فلهذا قلنا ان العرب لم يوطنوا بلاد المغرب ثم انهم دخلوا إليه في منتصف المائة الخامسة وأوطنوه وافترقوا بأحيائهم في جهاته كما نذكر الآن ونستوعب أسبابه { الخبر عن دخول العرب من بنى هلال وسليم المغرب من الطبقة الرابعة وأخبارهم هنا لك } كانت بطون هلال وسليم من مضر لم يزالوا بادين الدولة العباسية(6/12)
وكانوا أحياء ناجعة محلاتهم من بعد الحجاز بنجد فبنو سليم مما يلى المدينة وبنو هلال في جبل غزوان عند الطائف وربما كانوا يطوفون رحلة الصيف والشتاء اطراف العراق والشأم فيغيرون على الضواحى ويفسدون السابلة ويقطعون على الرفاق وربما أغار بنو سليم على الحاج أيام الموسم بمكة وأيام الزيارة بالمدينة وما زالت البعوث تجهز والكتائب تكتب من باب الخلافة ببغداد للايقاع بهم وصون الحاج عن مضرات هجومهم ثم تحيز بنو سليم والكثير من ربيعة بن عامر إلى القرامطة عند ظهورهم وصاروا جندا بالبحرين وعمان ولما تغلب شيعة ابن عبيد الله المهدى على مصر والشأم وكان القرامطة قد تغلبوا على أمصار الشأم فانتزعها العزيز منهم وغلبهم عليها وردهم على أعقابهم إلى قرارهم بالبحرين ونقل أشياعهم من العرب من بنى هلال وسليم فانزلهم بالصعيد وفى العدوة الشرقية من بحر النيل فاقاموا هناك وكان لهم اضرار بالبلاد ولما انساق ملك صنهاجة بالقيروان إلى المعز بن باديس بن المنصور سنة ثمان وأربعمائة قلده الظاهر لدين الله على بن الحاكم بأمر الله منصور بن العزير لدين الله أمر افريقية على عادة آبائه كما نذكره لك بعد وكان لعهد ولايته غلاما يفعة ابن ثمان سنين فلم يكن مجربا للامور ولا بصيرا بالسياسة ولا كانت فيه عزة وأنفة ثم هلك الظاهر سنة سبع وعشرين وولى المنتصر بالله معز الطويل أمر الخلافة بما لم ينله أحد من خلفاء الاسلام يقال ولى خمسا وسبعين وقيل خمسا وتسعين والصحيح ثلاث وسبعون لآن مهلكه كان على رأس المائة الخامسة وكانت أذن المعز بن باديس صاغية إلى مذاهب أهل السنة وربما كانت شواهدها تظهر عليه وكبابه فرسه في أول ولايته لبعض مذاهبه فنادى مستغيثا بالشيخين أبى بكر وعمر وسمعته العامة فثاروا بالرافضة وقتلوهم وأعلنوا بالمعتقد الحق ونادوا بشعار الايمان وقطعوا من الاذان حى على خير العمل وأغضى عنه الظاهر من ذلك وابنه معز المنتصر من بعده واعتذر بالعامة فقبل واستمر على اقامة الدعوة والمهاداة وهو في أثناء ذلك يكاتب وزيرهما وحاجب
دولتهما المضطلع بأمورهما أبا القاسم أحمد بن على الجرجاني ويستميله يعرض ببنى عبيد وشيعتهم وكان الجرجاني يلقب بالاقطع بما كان أقطعه الحاكم بجناية ظهرت عليه في الاعمال وانتهضته السيدة بنت الملك عمة المنتصر فلما ماتت استبد بالدولة سنة أربع عشرة وأربعمائة إلى أن هلك سنة ست وثلاثين وولى الوزارة بعده أبو محمد الحسن بن على الياروزى أصله من قرى فلسطين وكان أبوه ملاحا بها فلما ولى الوزارة خاطبه أهل الجهات ولم يولوه بالف من ذلك فعظم عليه وحنق عليه ثمال بن صالح صاحب حلب والمعز بن باديس صاحب افريقية وانحرفوا عنه وحلف(6/13)
المعز لينقضن طاعتهم وليحولن الدعوة إلى بنى عباس ويمحون اسم بنى عبيد من مناره ولج في ذلك وقطع أسماءهم من الطراز والرايات وبايع القائم أنا جعفر بن القادر من خلفاء بنى العباس وخاطبه ودعا له على منابره سنة سبع وثلاثين وبعث بالبيعة إلى بغداد ووصله أبو الفضل البغدادي وحظي من الخليفة بالتقليد والخلع وقرئ كتابه بجامع القيروان ونشرت الرايات السود وهدمت دار الاسماعيلية وبلغ الخبر إلى المستنصر معز الخليفة بالقاهرة والى الشيعة الرافضة من كتامة وصنائع الدولة فوجموا وطلع عليهم المقيم المقعد من ذلك وارتبكوا في أمرهم وكان أحياء هلال هؤلاء الاحياء من جشم والاثير وزغبة ورياح وربيعة وعدى في محلاتهم بالصعيد كما قدمناه وقد عم ضررهم وأحرق البلاد والدولة شررهم فأشار الوزير أبو محمد الحسن بن على الياروزى باصطناعهم والتقدم لمشايخهم وتوليتهم أعمال افريقية وتقليدهم أمرها و صنهاجة ليكونوا عند نصر الشيعة والسبب في الدفاع عن الدولة فان صدقت المخيلة في ظفرهم بالمعز وصنهاجة كانوا أولياء للدعوة وعمالا بتلك القاصية وارتفع عدوانهم من ساحة الخلافة وان كانت الاخرى فلها ما بعدها وأمر العرب البادية أسهل من أمر صنهاجة الملوك فتغلبوا على هدية وثورانه وقيل ان الذى أشار بذلك وفعله
وأدخل العرب إلى افريقية انما هو أبو القاسم الجرجاني وليس ذلك بصحيح فبعث المستنصر وزيره على هؤلاء الاحياء سنة احدى وأربعين وأرضخ لامرائهم في العطاء ووصل عامتهم بعيرا ودينارا لكل واحد منهم وأباح لهم اجازة النيل وقال لهم قد أعطيتكم المغرب وملك المعز بن بلكين الصنهاجى العبد الآبق فلا تفتقرون وكتب الباروزى إلى المغرب اما بعد فقد أنفذنا اليكم خيولا فحولا وأرسلنا عليها رجالا كهولا ليقضى الله أمرا كان مفعولا فطمعت العرب إذ ذاك وأجازوا النيل إلى برقة ونزلوا بها وافتتحوا أمصارها واستباحوها وكتبوا لاخوانهم شرقي النيل يرغبونهم في البلاد فاجازوا إليهم بعد أن أعطوا لكل رأس دينارين فأخذ منهم أضعاف ما أخذوه وتقارعوا على البلاد فحصل لسليم الشرق ولهلال الغرب وخربوا المدينة الحمراء وأجد ابية واسمرا وسرت وأقامت لهب من سليم وأحلافها رواحة وناصرة وعمرة بأرض برقة وسارت قبائل دياب وعرف وزغب وجميع بطون هلال إلى افريقية كالجراد المنتشر لا يمرون بشئ الا أتوا عليه حتى وصلوا إلى افريقية سنة ثلاث وأربعين وكان أول من وصل إليهم أمير رياح موسى بن يحيى الصنبرى فاستماله المعز واستدعاه واستخلصه لنفسه وأصهر إليه وقاومه في استدعاء العرب من قاصية وطنه للاستغلاظ على نواحى بنى عمه فاستنفر القرى وأتى عليهم فاستدعاهم فعاثوا في البلاد(6/14)
وأظهروا الفساد في الارض ونادوا بشعار الخليفة المستنصر وسرح إليهم من صنهاجة الاولياء فاوقعوا بها فتمخط المعز لكبره وأشاط بغضبه وتقبض على أخى موسى وعسكر بظاهر القيروان وبعث بالصريخ إلى ابن عمه صاحب القلعة القائد بن حامد بن بلكين فكتب إليه كتيبة من ألف فارس سرحهم إليه واستفرزوا عن زناتة فوصل إليه المستنصر بن حزور المغراوى في ألف فارس من قومه وكان بالبدو من افريقية مع النازعة من زنانة وهو من أعظم ساداتهم وارتحل المقرف في أولئك النفر ومن لف
لفهم من الاتباع والحشم والاولياء ومن في ايالتهم من بقايا عرب الفتح وحشد زناتة والبربر وصمد نحوهم في أمم لا تحصى وحاصر عددهم فيما يذكر ثلاثون ألفا وكانت رياح وزغبة وعدى حيدران من جهة فاس ولما تزاحف الفريقان انخذل بقية عرب الفتح وتميزوا إلى الهلاليين للعصبية القديمة وخانته زناتة وصنهاجة وكانت الهزيمة على المعز وفر بنفسه وخاصته إلى القيروان وانتهبت العرب جميع محله من المال والمتاع والذخيرة والفساطيط والرايات وقتلوا فيها من البشر ما لا يحصى يقال ان القتلى من صنهاجة بلغوا ثلاثة آلاف وثلثمائة وفى ذلك يقول على بن رزق الرياحي كلمته ويقال انها لابن شداد وأولها لقد زارو هنا من أميم خيال * وأيدي المطايا بالزميل عجال وان ابن باديس لافضل مالك * لعمري ولكن ما لديه رجال ثلاثون ألفا منهم قد هزمتهم * ثلاثة آلاف وذاك ضلال ثم نازلوه بالقيروان وطال عليه أمر الحصار وهلكت الضواحى والقرى بافساد العرب وعيثهم وانتقام السلطان منهم بانتمائهم في ولاية العرب ولجأ الناس إلى القيروان وأكثروا النهب واشتد الحصار وفر أهل القيروان إلى تونس النهب في البلاد والعيث في البلاد ودخلت تلك الارض سنة خمس وأربعين وأحاطت زغبة ورياح بالقيروان ونزل موسى قريبا من ساحة البلد وفر القرابة والاعياص من آل زير فولاهم موسى قابس وغيرها ثم ملكوا بلاد قسطينة كلها وغزا عامل بن أبى هم زناتة ومغراوة فاستباحهم ورجع واقتسمت العرب بلاد افريقية سنة ست وأربعين وكان لزغبة طرابلس وما يليها ولمرداس بن رياح باجة وما يليها ثم اقتسموا البلاد ثانية فكان لهلال من تونس إلى الغرب وهم رياح وزغبة والمعقل وجشم وقرة والاثيج والخلط وسفيان وتصرم الملك من يد المعر وتغلب عائذ بن أبى الغيث على مدينة تونس وسلبها وملك أبو
مسعود من شيوخهم مومه صلحا وعامل المعز على خلاص نفسه وصاهره ببناته ثلاثة(6/15)
من أمراء العرب فارس بن أبى الغيث وأخاه عائذا والفضل بن أبى على المرادى وقدم ابنه تميم إلى المهدية سنة ثمان وأربعين ولسنة تسع بعدها بعث إلى اصهاره من العرب وترحم بهم ولحق بهم بالقيروان واتبعوه فركب البحر والساحل وأصلح أهل القيروان فأخبرهم ابنه المنصور بخبر أبيه فساروا بالسودان والمنصور وجاء العرب فدخلوا البلد واستباحوه واكتسحوا المكاسب وخربوا المباني وعاثوا في محاسنها وطمسوا من الحسن والرونق معالمها واستصفوا ما كان لآل بلكين في قصورها وشملوا بالعيث والنهب سائر حريمها وتفرق أهلها في الاقطار فعظمت الرزية وانتشر الداء وأعضل المطب ثم ارتحلوا إلى المهدية فنزلوها وضيقوا عليها بمنع المرافق وافساد السابلة ثم حاربوا زناتة من بعد صنهاجة وغلبوهم على الضواحى واتصلت الفتنة بينهم وأغزاهم صاحب تلمسان من اعقاب محمد بن خزر وجيوشه مع وزيره أبى سعدى خليفة اليمرنى فهزموه وقتلوه بعد حروب طويلة واضطرب أمر افريقية وخرب عمرانها وفسدت سابلتها وكانت رياسة الضواحى من زناتة والبربر لبنى يفرق ومغراوة وبنى ماند وبنى تلومان ولم يزل هذا دأب العرب وزناتة حتى غلبوا صنهاجة وزناتة على ضواحي افريقية والزاب وغلبوا عليها صنهاجة ونهروا من بها من البربر وأصاروهم عبيدا وخدما بباجة وكان في هؤلاء العرب لعهد دخولهم افريقية رجالات مذكورون وكان من أشرفهم حسن بن سرحان وأخوه بدر وفضل بن ناهض وينسبون هؤلاء في دريد بن الاثبج وماضي بن مقرب ونيونه بن قرة وسلامة بن رزق في بنى كبير من بطون كرفة بن الاثبج وشاقة بن الاحيمر وأخوه صلصيل ونسبوهم في بنى عطية من كرفه ودياب ابن غانم وينسبونه في بنى ثور وموسى بن يحيى وينسبونه في مرداس رياح لا مرداس سليم فاحذر من الغلط في هذا وهو من بنى صغير بطن مرداس رياح وزيد بن زيدان
وينسبونه في الضحاك ومليحان بن عباس وينسبونه في حمير وزيد العجاج بن فاضل ويزعمون أنه مات بالحجاز قبيل دخولهم إلى افريقية وفارس بن أبى الغيث وعامر أخوه والفضل بن أبى على ونسبهم أهل الاخبار منهم في مرداس المقهى كل هؤلاء يذكرون في أشعارهم وكان زياد بن عامر رائدهم في دخول افريقية ويسمونه بذلك أبا مخيبر وشعوبهم لذلك العهد كما نقلناهم زغبة ورياح والاثيج وقرة وكلهم من هلال بن عامر وربما ذكر فيهم بنو عدى ولم نقف على أخبارهم وليس لهم لهذا العهد حى معروف فلعلهم دثروا وتلاشوا وافترقوا في القبائل وكذلك ذكر فيهم ربيعة ولم نعرفهم لهذا العهد الا أن يكونوا هم المعقد كما تراه في نسبهم وكان فيهم من غير هلال كثير من فزارة وأشجع من بطون غطفان وجشم بن معاوية بن بكر بن هوازن وسلول بن مرة بن(6/16)
صعصعة بن معاوية والمعقل من بطون اليمنية وعمرة بن أسد بن ربيعة بن نزار وبنى تور ابن معاوية بن عبادة بن ربيعة البكاء بن عامر بن صعصعة وعدوان بن عمرو بن قيس ابن عيلان وطرود بطن من فهم بن قيس الا أنهم كلهم مندرجون في هلال وفى الاثبج منهم خصوصا الآن الرياسة كانت عند دخولهم للاثبج وهلال فأدخلوا فيهم وصاروا مندرجين في جملتهم وفرقة من هؤلاء الهلاليين لم يكونوا من الذين أجازوا القيل العهد البازورى أو الجرجاني وانما كانوا من قبل ذلك ببرقة أيام الحاكم العبيدي ولهم فيها اخبار مع الصنهاجيين ببرقة ضرخطوب ونسبهم إلى عبد مناف بن هلال كما ذكر شاعرهم في قوله طلبنا القرب منهم وجزيل منهم * بلا عيب من عرب سحاح جمودها وبيت عرت أمره منا وبينها * طرود انكاد اللى يكودها ماتت ثلاث آلاف مره واربعه * بحرمه منا تداوى كبودها وقال الآخر منهم
أيا رب جير الخلق من نائج البلا * الا القليل انجار ما لا يجيرها وخص بها قرة مناف وعينها * ديما لارياد البوادى تشيرها فذكر نسبهم في مناف وليس في هلال مناف هكذا منفردا انما هو عبد مناف والله تعالى أعلم وكان شيخهم أيام الحاكم مختار بن القاسم ولما بعث الحاكم يحيى بن على الاندلسي لصرخ فلغور بن سعيد بن خزروق بطرابلس على صنهاجة كما نذكره في اخبار بنى خزروق أوغر لهم في السير معه فوصلوا إلى طرابلس وجروا الهزيمة على يحيى بن على ورجعوا إلى برقة وبعث عنهم فامتنعوا ثم بعث لهم بالامان ووصل وفدهم إلى الاسكندرية فقتلوا عن آخرهم سنة أربع وتسعين وثلثمائة وكان عندهم معلم للقرآن اسمه الوليد بن هشام ينسب إلى المغيرة بن عبد الرحمن من بنى أمية وكان يزعم ان لديه اثارة من علم في اختيار ملك آبائه وقبل ذلك منه البرابرة من مرامة وزناتة ولواتة وتحدثوا بشأنه فنصبه بنو قرة وما بعده بالخلافة سنة خمس وتسعين وتغلبوا على مدينة برقة وزحف إليهم جيوش الحاكم فهزموهم وقتل الوليد بن هشام وقائدها من الترك ثم رجعوا به إلى مصر فانهزموا ولحق الوليد بأرض ألحا من بلاد السودان ثم أخفرت ذمته وسيق إلى مصر وقتل وهدرت لبنى قرة جنايتهم هذه وعفا عنهم ولما كانت سنة ثنتين وأربعمائة اعترضوا هدية باديس بن المنصور ملك صنهاجة من افريقية إلى مصر فأخذوها وزحفوا إلى برقة فغلبوا العامل عليها ومر في البحر واستولوا على برقة ولم يزل هذا شأنهم ببرقة فلما زحف اخوانهم الهلاليون من زغبة(6/17)
ورياح والاثبج واتباعهم إلى افريقية كانوا ممن زحف معهم وكان من شيوخهم ماضى ابن مقرب المذكور في اخبار هلال ولهؤلاء الهلاليين في الحكاية عن دخولهم إلى افريقية طرق في الخبر يزعمون ان الشريف بن هاشم كان صاحب الحجاز ويسمونه شكر بن أبى الفتوح وأنه أصهر إلى الحسن بن سرحان في أخته الجازية فانكحه اياها
وولدت منه ولدا واسمه محمد وأنه حدث بينهم وبين الشريف مغاضبة وفتنة وأجمعوا الرحلة عن نجد إلى افريقية وتحيلوا عليه في استرجاع هذه الجازية فطلبته في زيارة أبويها فأزارها اياهم وخرج بها إلى حللهم فارتحلوا به وبها وكتموا رحلتها عنه وموهوا عليه بانهم يباكرون به للصيد والقنص ويروحون به إلى بيوتهم بعد بنائها فلم يشعر بالرحلة إلى ان فارق موضع ملكه وصار إلى حيث لا يملك أمرها عليهم ففارقوه فرجع إلى مكانه من مكة وبين جوانحه من حبها داء دخيل وانها من بعد ذلك كلفت به مثل كلفه إلى ان ماتت من حبه ويتناقلون من اخبارها في ذلك ما يعفى عن خبر قيس وكثير ويروون كثيرا من اسغارها محكمة المباني متفقة الاطراف وفيها المطبوع والمنتحل والمصنوع لم يفقد فيها من البلاغة شئ وانما فقط ولا مدخل له في البلاغة كما قررناه لك في الكتاب الاول من كتابنا هذا الا ان الخاصة من أهل العلم بالمدن يزهدون في روايتها ويستنكفون عنها لما فيها من خلل الاعراب ويحسبون ان الاعراب هو أصل البلاغة وليس كذلك وفى هذه الاشعار كثير أدخلته الصنعة وفقدت فيه صحة الرواية فلذلك لا يوثق به ولو صحت روايته لكانت فيه شواهد بآياتهم ووقائعهم مع زناتة وحر وبهم وضبط لاسماء رجالاتهم وكثير من أحوالهم لكنا لا نشق بروايتها وربما يشعر البصير بالبلاغة بالمصنوع منها ويتهمه وهذا اقصاري الامر فيه وهم متفقون على الخبر عن حال هذه الجازية والشريف خلفا عن سلف وجيلا عن جيل ويكاد القادح فيها والمستريب أمرها أن يرمى عندهم بالجنون والخلل المفرط لتواترها بينهم وهذا الشريف الذى يشيرون إليه هو من الهواشم وهو شكر بن أبى الفتوح الحسن بن أبى جعفر بن هاشم محمد بن موسى بن عبد الله أبى الكرام بن موسى الجون بن عبد الله بن ادريس وأبو الفتوح هو الذى خطب لنفسه بمكة أيام الحاكم العبيدي وبايع له بنو الجراح امراء طيئ بالشام وبعثوا عنه فوصل إلى احيائهم وبايع له كافة العرب ثم غلبتهم عساكر الحاكم العبيدي
ورجع إلى مكة وهلك سنة ثلاثين وأربعمائة فولى بعده ابنه شكر هذا وهلك سنة ثلاث وخمسين وولى ابنه محمد الذى يزعم هؤلاء الهلاليون أنه من الجازية هذه وتقدم ذلك في اخبار العلوية هكذا نسبه ابن حزم (وقال ابن سعيد) هو من السليمانيين من ولد(6/18)
محمد بن سليمان بن داود بن حسن بن الحسن السبط الذى بايع له أبو الزاب الشيباني بعد ابن طباطبا ويسمى الناهض ولحق بالمدينة فاستولى على الحجاز واستقرت امارة ملكه في بنيه إلى ان غلبهم عليها هؤلاء الهواشم جدا قريبا من الحسن والحسين واما هاشم الاعلى فمشترك بين سائر الشرفاء فلا يكون مميزا لبعضهم عن بعض واخبرني من أثق به من الهلاليين لهذا العهد انه وقف على بلاد الشريف شكر وانها بقعة من أرض نجد مما يلى الفرات وان ولده بها لهذا العهد والله أعلم ومن مزاعمهم ان الجازية لما صارت إلى افريقية وفارقت الشريف خلفه عليها منهم ماض بن مقرب من رجالات دريد وكان المستنصر لما بعثهم إلى افريقية عقد لرجالاتهم على امصارها وثغورها وقلدهم أعمالها فعقد لموسى بن يحيى المرداسى على القيروان وباجة وعقد لزغبة على طرابلس وقابس وعقد لحسن بن سرحان على قسنطينة فلما غلبوا صنهاجة على الامصار وملك كل ما عقد له سميت الرعايا بالامصار عسفهم وعيثهم باختلاف الايدى إذ الوازع مفقود من أهل هذا الجيل العربي مذ كانوا فشاروا بهم وأخرجوهم من الامصار وصاروا إلى ملك الضواحى والتغلب عليها وسوم الرعايا بالخسف في النهب والعيث وافساد السابلة هكذا إلى هلم ولما غلبوا صنهاجة اجتهد زناتة في مدافعتهم بما كانوا أملك للبأس والنجدة بالبداوة فحاربوهم ورجعوا إليهم من افريقية والمغرب الاوسط وجهز صاحب تلمسان من بنى خزر قائده أبا سعدى الفترى فكانت بينهم وبينه حروب إلى ان قتلوه بنواحي الزاب وتغلبوا على الضواحى في كل وجه وعجزت زناتة عن مدافعتهم بافريقية والزاب وصار الملتحم بينهم في الضواحى بجبل راشد ومصاب
من بلاد المغرب الاوسط فلما استقر لهم الغلب وضعت الحرب أوزارها وصالحهم الصنهاجيون على خطة خسف في انفرادهم بملك الضواحى دونهم وصاروا إلى التفريق بينهم وظاهر الاثبج على رياح وزغبة وحشد القاصر بن علناس صاحب القلعة لمظاهرتهم وجمع زناتة وكان فيهم المعز بن زيرى صاحب فاس من مغراوة ونزلوا الارس جميعا ولقيهم رياح وزغبة بسببه ومكر المعز بن زيرى المغراوى بالقاصر وصنهاجة بدسيسة زعموا من تميم بن تميم ومن المعز بن باديس صاحب القيروان فجر عليهم الهزيمة واستباحت العرب وزناتة هذا من القاصر ومضاربه وقتل أخوه القاسم ونجا إلى قسنطينة ورياح في اتباعه ثم لحق بالقلعة فنازلوها وخربوا جنباتها واحبطوا عروشها وعاجوا على ما هنالك من الامصار ثم طبنة والمسيلة فحربوها وأزعجوا ساكنيها وعطفوا على المنازل والقرى والضياع والمدن فتركوها قاعا صفصفا أقفر من بلاد الجن وأوحش من جوف العير وغوروا المياه واحتبطوا الشجر(6/19)
وأظهروا في الارض الفساد وهجروا ملوك افريقية والمغرب من صنهاجة وولاة أعمالها في الامصار وملكوا عليهم الضواحى يتحينون جوانبهم ويقعدون لهم بالمراصد ويأخذون لهم الاتاوة على التصرف في أوطانهم ولم يزل هذا دأبهم حتى لقد هجر القاصر بن علناس سكنى القلعة واختط بالساحل مدينة بجاية ونقل إليها ذخيرته وأعدها لنزله ونزلها المنصور ابنه من بعده فرارا من ضيم هذا الجيل وفسادهم بالضواحي إلى منعة الجبال وتوعر مسالكها على رواحلهم واستقروا بها بعد وتركوا القلعة وكانوا يختصون الاثبج من هؤلاء الاحياء بالرياسة سائر أيامهم ثم افترق جمع الاثبج وذهبت بذهاب صنهاجة دولتهم ولما غلب الموحدون سائر الدول بالمغرب في سنى احدى وأربعين وخمسمائة وزحف شيخ الموحدين عبد المؤمن إلى افريقية وفد عليه بالجزائر أميران منهم لذلك العهد أبو الجليل بن شاكر أمير الاثبج وحباس بن مسيفر
من رجالات جشم فتلقاهما بالمبرة وعقد لهما على قومهما ومضى لوجهه وفتح بجاية سنة تسع وخمسين ثم انتقض العرب الهلاليون على دعوة صنهاجة وكان أمير رياح فيهم محرز بن زناد بن بادخ احدى بطون بنى على بن رياح فلقيهم جيوش الموحدين سطيف وعليهم عبد الله بن عبد المؤمن فتوافقوا علقوا فيهما رواحلهم وأثبتوا في مستنقع الموت أقدامهم ثم انتقض في الرابعة جمعهم واستلحقهم الموحدون وغلبوا عليهم وغنموا أموالهم وأسروا رجالهم وسبوا نساءهم واتبعوا أدبارهم إلى محصن سبتة ثم راجعوا من بعد ذلك بصائرهم واستكانوا العز الموحدين وغلبهم فدخلوا في دعوتهم وتمسكوا بطاعتهم وأطلق عبد المؤمن اسراءهم ولم يزالوا على استقامتهم ولم يزل الموحدون يستفزونهم في جهادهم الاندلس وربما بعثوا إليهم في ذلك المخاطبات الشعرية فأجازوا مع عبد المؤمن ويوسف ابنه كما هو في اخبار دولتهم ولم يزالوا في استقامتهم إلى ان خرج عن الدولة بنو غانية المسوفيون أمراء ميورقة أجازوا البحر في أساطيلهم إلى بجاية فكسبوها سنة احدى وثمانين وخمسمائة لاول دولة المنصور وكشفوا القناع في نقض طاعة الموحدين ودعوا العرب بها فعادت هيف إلى أديانها وكانت قبائل جشم ورياح وجمهور الاثبج من هؤلاء الهلاليين أسرع اجابة إليها ولما تحركت جيوش الموحدين إلى افريقية لكف عدوانهم تحيزت قبائل زغبة إليهم وكانوا في جملتهم ولحق بنو غانية بفاس ومعهم كافة جشم ورياح ولحق بهم جل قومهم من مسوفة واخوانهم لمتونة من اطراف البقاع واستمسكوا بالدعوة العباسية التى كان أمراؤهم بنو تاشفين بالمغرب يتمسكون بها فأقاموها فيمن إليهم من القبائل والمسالك وتزلوا بفاس وطلبوا من الخليفة ببغداد المستنصر تجديد العهد لهم بذلك(6/20)
وأوفدوا عليه كاتبهم عبد البر بن فرسان فعقد لابن غانية وأذن له في حرب الموحدين واجتمعت الينه قبائل بنى سليم بن منصور وكانوا جاؤا على اثر الهلاليين عند اجازتهم إلى
افريقية وظاهره على أمره ذلك قراقوش الارمني ونذكر أخباره في أخبار الميروقى فاجتمع لعلى بن غانية من الملهين والعرب والعجم عساكر جمة وغلب الضواحى وافتتح بلاد الجريد وملك قفصة ونورر ونفطة ونهض إليه المنصور من مراكش يجر أمم المغرب من زناتة والمصامدة وزغبة من الهلاليين وجمهور الاثبج فأوقعوا بمقدمته بفحص عمرة من جهات قفصة ثم زحف إليهم من تونس فكانت الكرة عليهم وفل جمعهم واتبع آثارهم إلى ان شردهم إلى صحارى برقة وانتزع بلاد قسطينة وناسى وقفصة من أيديهم وراجعت قبائل جشم ورياح من الهلاليين طاعته ولاذوا بدعوته فنفاهم إلى المغرب الاقصى وأنزل جشم ببلاد تامسنا ورياحا ببلاد الهبط وأزغار مما يلى سواحل طنجة إلى سلا وكانت لحوم بلاد تاتة منذ غلبهم الهلاليون على افريقية وضواحيها أرض مصاب ما بين صحراء افريقية وصحراء المعرب الاوسط وبها قصور جددها فسميت باسم من ولى خطتها من شعوبهم وكان بنو يادين وزناتة وهم بنو عبد الواد وتوجين ومصاب وبقوز ودال وبنوراش شيعة الموحدين منذ اول دولتهم فكانوا أقرب إليهم من أمثالهم بنو مرين وأنظارهم كما يأتي وكانوا يتولون من رياف المغرب الاوسط وتلو له ما ليس يليه أحد من زناتة ويجوسون خلاله في رحلة الصيف بما لم يؤذن لاحد ممن سواهم في مسه حتى كأنهم من جملة عساكر الموحدين وحاميتهم وأمرهم إذ ذاك راجع إلى صاحب تلمسان من سادة القرابة ونزل هذا الحى من زغبة مع بنى يادين هؤلاء لما اعتزلوا اخوانهم الهلاليين وتميز إلى فئتهم وصاروا جميعا قبلة المغرب الاوسط من مصاب إلى جبل راشد بعد ان كانت قسمتهم الاولى بقابس وطرابلس وكانت لهم حروب مع أولاد حزروق أصحاب طرابلس وقتلوا سعيد بن عزرون فصاروا إلى هذا الوطن الآخر بمشة بن غانية وانحرافهم عنه إلى الموحدين وانعقد ما بينهم وبين بنى بادين حلف على الجوار والذب عن الاوطان وحمايتها من معرة العدو في احتيال غرتها وانتهاز الفرصة فيها فتعاقدوا على ذلك واجتوروا وأقامت زغبة في القفار وبنو يادين
بالتلول والضواحي ثم فر مسعود بن سلطان بن زمام أمير الرياحيين من بلاد الهبط ولحق ببلاد طرابلس ونرل على زغب وذئاب من قبائل بنى سليم ووصل إلى مرافش بن رياح أخص معه طرابلس حين افتتحها وهلك هنالك وقام إلى الميرونى ولحق ولفيه بالجملة فهزمه وقتل الكثير من قومه وانهزمت طائفة من قوم محمد بن مسعود منهم ابنه عبد الله وابن عمه حركات بن أبى الشيخ بن عساكر بن سلطان وشيخ من شيوخ قرة فضرب(6/21)
أعناقهم وفر يحيى بن غانية إلى مسقطه من الصحراء واستمرت على ذلك أحوال هذه القبائل من هلال وسليم واتباعها ونحن الآن نذكر أخبارهم ومصائر أمورهم ونعددهم فرقة فرقة ونخص منهم بالذكر من كان لهذا العهد بحيه وناجعته ونطوى ذكر من انقرض منهم ونبدأ بذكر الاثبج لتقدم رياستهم أيام صنهاجة كما ذكرناه ثم نقفى بذكر جشم لانهم معدودون فيهم ثم نذكر رياحا وزغبة ثم المعقل لانهم من أعداء هلال ثم نأتى بعدهم بذكر سليم لانهم جاؤا من بعدهم ولله الخلق القديم * (الخبر عن الاثبج وبطونهم من هلال بن عامر من هذه الطبقة الرابعة) * كان هؤلاء الاثبج من الهلاليين أوفر عددا وأكثر بطونا وكان التقدم لهم في جملتهم وكان منهم الضحاك وعياض ومقدم والعاصم والطيف ودريد وكرفة وغيرهم حسبما يظهر في نسبهم وفى دريد بطنان وعنز ويقولون بزعمهم ان أثبج هو ابن أبى ربيعة ابن نهنيك بن هلال فكرفة هو ابن الاثبج وكان لهم جمع وقوة وكانوا أحياء غزيرة من جملة الهلاليين الداخلين لافريقية وكانت مواطنهم حيال جبل أوراس من سرقية ولما استقر أمر الاثبج بافريقية على غلب صنهاجة على الضواحى ووقعت الفتنة بينهم وذلك ان حسن ابن سرحان وهو من دريد قتل شبانة بن الاحيمر من كرفة غيلة فطوت كرفة له على الهائم ثم ان أخته الجازية غاضبت زوجها ماضى بن مقرب بن قرة ولحقت بأخيها فمنعها منه فاجتمعت قرة وكرفة على فتنة حسن وقومه وظاهرتهم عياض ولم تزل الفتنة إلى ان
قتل حسن بن سرحان قتله أولاد شبانة بن الاحيمر وثأروا منه بأبيهم ثم كان الغلب بعده لدريد على كرفة وعياض وقرة واستمرت الفتنة بين هولاء الامالح وافترق أمرهم وجاءت دولة الموحدين وهم على ذلك الشتات والفتنة وكانت لبطونهم ولاية لصنهاجة فلما ملك الموحدون افريقية نقلوا منهم إلى المغرب العاصم ومقدما وقرة وتوابع لهم من جشم وأنزلوا جميعهم بالمغرب كما نذكر واعتزت رياح بعدهم بافريقية وملكوا ضواحي قسطينة ورجع إليهم شيخهم مسعود بن زمام من المغرب فاعتز الزواودة على الامراء والدول وساء أثرهم فيها وغلبوا بقايا الاثابج فنزلوا قرى الزاب وقعدوا عن الطعن وأوطنوا بالقرى والآطام ولما نبذ بنو أبى حفص العهد للزواودة كما يأتي في أخبارهم واستجاش عليهم بنو سليم وأنزلوهم القيروان اصطنعوا كرفة من بطون الاثابج فكانوا حر بالرياح وشيعة للسلطان وأقطعتهم الدولة لذلك جباية الجانب الشرقي من جبل أوراس وكثيرا من بلاد الزاب الشرقية حيث كانت محلاتهم الشموية حتى إذا اختل ريح الدولة وأخلقت جدتها واعتزت رياح عليها وملكوا(6/22)
المجالات على من يطعن فيها نزل كرفة هؤلاء بجبل أوراس حيث اقطاعاتهم وسكنوه مللا متفرقة واتخذوه وطنا وربما يظعن بعضهم إلى تخوم الزاب كما نذكر عن بطونهم وهم بطون كثيرة فأولهم بنو محمد بن كرفة ويعرفون بالكلية وأولاد سهيب بن محمد بن كليب ويعرفون بالشبه وأولاد صبيح بن فاضل بن محمد بن كليب ويعرفون بالصحة وأولاد سرحان بن فاضل أيضا ويعرفون بالسرحانية وهؤلاء هم المودعات وهم موطنون بجبل أوراس مما يلى زاب تهودا ثم أولاد نافت بن فاضل وهم أهل الرياسة في كرفة ولهم اقطاعات السلطان التى ذكرناها وهم ثلاثة أفخاذ أولاد مساعد وأولاد ظافر وأولاد قطيعة والرياسة أخص بأولاد مساعد في أولاد على بن جابر بن فتاح بن مساعد بن نابت وأما بنو محمد والمروانة فهم ظواعن جائلة في القفار تلقاء مواطن
أولاد نابت ويكتالون الحبوب لا قواتهم من زروع أهل الجبل وأولاد نابت وربما يستعملهم صاحب الزاب في تصاريف أمره من عسكر وأخبار وغير ذلك من اغراضه وأما دريد فكانوا أعز الاثبج وأعلاهم كعبا بما كانت الرياسة على الاثبج كلهم عند دخولهم إلى افريقية لحسن بن سرحان بن وبرة احدى بطونهم وكانت مواطنهم ما بين ولد العناب إلى قسنطينة إلى طارف مصقلة وما يحاذيها من القفر وكانت بينهم وبين كرفة الفتنة التى هلك فيها حسن بن سرحان كما ذكرناه وقبره هنالك وكانوا بطونا كثيرة منهم أولاد عطية بن دريد وأولاد سرو بن دريد وأولاد جار الله من ولد عبد الله بن دريد وتوبة من ولد عبد الله أيضا وهو توبة بن عطاف بن جبر ابن عطاف بن عبد الله وكانت لهم بين هلال رياسة كثيرة ومدحهم شعراؤهم فمن ذلك قول بعض شعرائهم دريد ذات سراة البدو للجود منقع * كما كل أرض منقع الماء خيارها تحن إلى أوطان مرة يا فتى لكن معها * جملة دريد كان موارها وهم عربوا الاعراب حتى تعربت * بنوف المعالى ما ينفى قصارها وتركوا طريق النار برهة وقد * كان ما تقوى المطايا حجارها فأما أولاد عطية فكانت رياستهم في أولاد بنى مبارك بن حباس وكانت لهم تلة بن حلوف من أرض قسطينة ثم دثروا وتلاشوا وغلبتهم توبة على تلة بن حلوف زحفوا إليها من مواطنهم بطارق مصقلة بملوكها وما إليها ثم عجزوا عن رحلة القفر وتركوا الابل واتخذوا الشاء والبقر وصاروا في عداد القبائل الغارمة وربما طالبهم السلطان بالعسكرة معه فيعينون له جندا منهم ورياستهم في أولاد وشاح بن عطوة بن عطية بن كمون بن فرج بن توبة وفى أولاد مبارك بن عابر بن عطية بن عطوة(6/23)
وهم على ذلك العهد ويجاورهم أولاد سرور وأولاد جار الله على سننهم في ذلك فأما
أولاد وشاح فرياستهم لهذا العهد منقسمة بين سجم بن كثير بن جماعة بن وشاح وبين أحمد بن خليفة بن رشاش بن وشاح وأما أولاد مبارك بن عابر فرياستهم أيضا منقسمة بين ماح بن محمد بن منصور وأما أولاد جار الله فرياستهم في ولد عنان بن سلام منهم وأما العاصم ومقدم والضحاك وعياض فهم أولاد مشرف بن أثلج ولطيف وهو ابن سرح بن شرف وكان لهم عدد وقوة بين الاثابج وكان العاصم ومقدم انحرفوا عن طاعة الموحدين إلى ابن غانية فأشخصهم يعقوب المنصور إلى المغرب وأنزلهم تامسنا مع جشم ويأتى خبرهم وبقيت عياض والضحاك بمواطنهم بافريقية فعياض نزلوا بجبل القلعة قلعة بنى حماد وملكوا قبائله وغلبوهم على أمرهم وصاروا يتولون جبايتهم ولما غلبت عليهم الدولة بمظاهرة رياح صاروا إلى المدافعة عن تلك الرعايا وجبايتهم للسلطان وسكنوا ذلك الجبل فطوله من المشرق إلى المغرب ما بين ثنية غنية والقصاب إلى وطن بنى يزيد بن زغبة فأولهم مما يلى غنية للمهاية ورياستهم في أولادد يفل ومعهم بطن منهم يقال لهم الزبر وبعدهم المرتفع والخراج من بطونهم فأما المرتفع فثلاثة بطون أولاد تبار ورياستهم في أولاد محمد بن موسى وأولاد حناش ورياستهم في بنى عبد السلام وأولاد عبدوس ورياستهم في بنى صالح ويرعى أولاد حناش وأولاد تبار جميعا أولاد حناش وأما الخراج فرياستهم لاولاد زائدة بنى عباس ابن خصى ويجاور الخراج من جانب الغرب أولاد صخر وأولاد رحمة من بطون عياض وهم مجاورون لبنى يزيد بن زغبة في آخر وطن الاثابج من الهلاليين وأما الضحاك فكانوا بطونا كثيرة وكانت رياستهم مفترقة بين أميرين منهم وهما أبو عطية وكلب بن منيع وغلب كلب أبا عطية على رياسة قبيلتهما الاول دولة الموحدين فارتحل فيما زعموا إلى المغرب وسكن صخر سجلماسة وكانت له فيها آثار حتى قتله الموحدون أو غربوه إلى الاندلس هكذا ينقل أصحاب أخبارهم وبقى نجعهم بالزاب حتى غلب مسعود بن زمام والزواودة عليهم وأصاروهم في جملتهم ثم عجزوا عن الطعن ونزلوا بلاد
الزاب واتخذوا بها المدن فهم عن ذلك لهذا العهد وأما لطيف فهم بطون كثيرة منهم الينى وهم أولاد كسلان بن خليفة بن لطيف ببرذوى مطرف وذوى أبى الحليل وذوى حلال بن معافى ومنهم اللقامنة أولاد لقمان بن خليفة بن لطيف ومنهم أولاد جرير بن علوان بن محمد بن لقمان ونزار بن معن بن عيا واليه يرجع نسب بنى مرى الولاة بالزاب لهذا العهد وكانت لهؤلاء كثرة ونجعة ثم عجزوا عن الطعن وغلبهم على الضواحى الزواودة من بعدهم لما قل جمعهم وافترق ملوكهم وصار إلى المغرب من صار(6/24)
منهم من جمهور الاثبج فاهتضموا وعليهم رياح والزواودة فنزلوا بلاد الزاب واتخذوا بها الآطام والمدن مثل الدرسن وعرسدا ونهدوه ونقموه وبادس وهم لهذا العهد من جملة الرعايا الغارمة لامير الزاب ولهم عجمة منذ رياستهم القديمة لم يفارقوها وهم على ذلك لهذا العهد وبينهم في قصورهم بالزاب فتن متصلة بين المتجاورين منهم وحروب وفية وعامل الزاب يدرأ بعضا ببعض ويستوفى جبايته منهم جميعا والله خير الوارثين ويلحق بهؤلاء الاثبج القمور وغلب على الظن أنهم من ولد عمرو بن عبد مناف وليسوا من ولد عمر بن أبى ربيعة بن نهيك بن هلال لان رياحا وزغبة والاثبج بن أبى ربيعة ولا نجد بينهم انتماء بالجملة ونجد بينهم وبين قرة وغيرهم من بطون هلال الانتماء فدل على أنهم لعمرو بن عبد مناف أو يكونون من عمر بن روينة بن عبد الله بن هلال وكلهم معروف ذكره ابن الكلبى والله أعلم بذلك وهم بطنان قرة وعبد الله وليس لهم رياسة على أحد من هلال ولا ناجعة تطعن لقلتهم وافتراق ملئهم انما هم ساكنون بالضواحي والجبال وفيهم الفرسان وأكثرهم رجالة وموطنهم ما بين جبل أوراس شرقا إلى جبل راشد وكان كل ذلك من ناحية المصنة والصحراء وأما التلول فهم مرفوعون عنها بقلتهم وحومهم من حامية الدول فتجدهم أقرب إلى موطن القفر والجدب (فأما بنو قرة) منهم فبطن متسع الانهم مفترقون في القبائل والمدن وحدانا وبنو عبد الله منهم على رياسة
فيهم وهم عبد الله بن على وبنوه محمد وماضي بطنان وولد محمد عنان وعزيز بطنان وولد عنان شكر وفارس بطنان من ولد شكر أولاد يحيى بن سعيد بن بسيط بن شكر بطن أيضا فأما أولاد فارس وأولاد عزيز وأولاد ماضى فموطنهم بسفح جبل أوراس المطل على بسكرة قاعدة الزاب متصلين كذلك غربا إلى مواطن غمرة وهم في جوار رياح وتحت أيديهم وخول لاولاده وخصوصا من الزواودة المتولين موطنهم بالمجال ولصاحب الزاب عليهم طاعة لقرب جواره وحاجتهم إلى سلطانه فيصرفهم لذلك في حاجته متى عنت من أخبار العير ومقارفة مدن الزاب مع رجله وغير ذلك (وأما أولاد شكر) وهم أكبر رياسة فيهم فنزلوا جبل راشد وكانوا فريقين فنزلوا واحتربوا أولاد ذكرى ودفعوهم عن جبل راشد فصاروا إلى جبل كسال محاذيه من ناحية الغرب وأوطنوه واتصلت فتنتهم معهم على طول الايام وافتتحهم رجال زغبة باقسام المواطن فصار أولاد يحيى أهل جبل راشد في ايالة سوبر بن زغبة واحلافا لهم وأولاد ذكرى أهل جبل كسال في ايالة بنى عامر واحلافا لهم وربما يقتحمون بادية زغبة مع أهل المصر احلافا لهم في فتنتهم كما نذكر في اخبار زغبة وكان شيخهم من أولاد يحيى فيما قرب من عهدنا عامر بن أبى يحيى بن يحيى وكان له فيهم ذكر وشهرة وكان ينتحل العبادة وحج(6/25)
ولقى بمصر شيخ الصوفية لعصره يوسف الكوراني وأخذ عنه ولقى طرف هداية ورجع إلى قومه وعاهدهم على طريقته ونحلته وكان شيخ أولاد ذكرى يعمور بن موسى بن بوزير بن ذكرى وكان يساوى عامرا ويناهضه في شرفه الا ان عامرا كان اسود منه بنحلة العبادة والله مصرف الامور والخلق اه(6/26)
هؤلاء الاحياء بالمغرب لهذا العهد فيهم بطون من قرة والعاصم ومقدم والاثبج وجشم والخلط وغلب عليهم جميعا اسم جشم فعرفوا به وهم جشم بن معاوية بن بكر بن هوازن
وكان أصل دخولهم إلى المغرب ان الموحدين لما غلبوا على افريقية وأذعنت لهم هؤلاء القبائل من العرب كانت فتنة ابن غانية فاجلبوا فيها وانحرفوا عن الموحدين وراجعوا الطاعة لعهد المنصور فنقل جشم هؤلاء الذين غلب اسمهم على من معهم من الاحياء وأنزلهم تامسنا ونقل رياح وأنزلهم السبط فنزل جشم بتامسنا البيط الافيح ما بين سلا ومراكش أوسط بلاد المغرب الاقصى وأبعدها عن الثنايا المفضية إلى القفار لاحاطة جبل درن بها وشموخه بأنفه حذاءها ووشوج اعراقه حجزا عليها فلم يتمموا بعدها قفرا ولا ابعدوا رحلة وأقاموا بها أحياء حلولا وافترقت جيوشهم بالمغرب إلى الخلط وسفيان وبنى جابر وكانت الرياسة لسفيان من بينهم في أولاد جرمون سائر أيام الموحدين ولما وهن أمر بنى عبد المؤمن وفشلوا وذهبت ريحهم استكثروا بجموعهم فكانت لهم سورة غلب واسر على الدولة بكثرتهم وقرب عهدهم بالبداوة وخربوا ما بين الاعياض وظاهروا الخلافة وأكثروا الفساد وسائر آثارهم باقية ولما اقتحم بنو مرين بلاد المغرب على الموحدين وملكوا فاس وقريتها لم تكن فيه حامية أشد منهم بأسا ومن رياح لقرب العهد بالبداوة فكانت لهم معهم وقائع وحروب استلحمهم فيها بنو مرين إلى ان حق الغلب واستكانوا لعز بنى مرين وصولتهم وأعطوهم صفقة الطاعة وأصهر بنو مرين منهم إلى الخلط في بنت بنى مهلهل فكان في جملة بنى مرين وكانت لهم الجولة للملك واستقرت رياسة جشم وكثرهم في الخلط منهم في بنت مهلهل بعد ان كانت على عهد الموحدين في سفيان ثم ضربت الايام ضربانها وأخلقت حدتهم وفشلوا وذهبت ريحهم ونسوا عهد البداوة والناجعة وصاروا في عداد القبائل الغارمة للجباية والعسكرة مع السلطان (ولنذكر الآن) فرقهم الاربع واحياء كل واحدة منها ونحق الكلام في أنسابهم فليست راجعة إلى جشم على ما يتبين ولكن الشهرة بهذا النسب متصلة والله أعلم بحقائق الامور هذه قبائل معدودة في جشم وجشم المعهود هو جشم بن معاوية بن بكر بن هوان أو
لعله جشم آخر من غيرها وكان شيخهم المشهور لعهد المأمون وبنيه جرمون بن عيسى ونسبه فيما يزعم بعض المؤرخين أيام الموحدين في بنى قرة وكانت بينهم وبين الخلط شيعة للمأمون وبنيه فصار سفيان لذلك شيعة يحيى بن الناصر منازعه في الخلافة بمراكش ثم قتل الرشيد مسعود بن حميدان شيخ الخلط كما نذكر بعد فصاروا إلى يحيى ابن القاص وصار سفيان إلى الرشيد ثم ظهر بنو مرين بالمغرب واتصلت حروبهم مع(6/27)
الموحدين ونزع جرمون سنة ثمان وثلاثين عن الرشيد ولحق بمحمد بن عبد الحق أمير بنى مرين حياء مما وقع له معه وذلك سنة ثمان وثلاثين وذلك انه نادمه ذات ليلة حتى سكر وحمل عليه وهو سكران يرقص طربا ثم أفاق فندم وفر إلى محمد بن عبد الحق وذلك سنة ثمان وثلاثين وستمائة وهلك سنة تسع وثلاثين بعدها وعلا كعب كانون ابنه من بعده عند السعيد وخالف عليه عند نهوضه إلى بنى مرين سنة ثلاث وأربعين ورجع إلى دازمور فملكها وقت ذلك في عقد السعيد فرجع عن حركته وقصد كانون بن جرمون ففر أمامه وحضر حركته إلى تامزركت وقتل قبل مهلكه بيوم قتله الخلط في فتنة وقعت بينهم في محلته السعيدة وهى التى جرت عليها تلك الواقعة وأقام بأمر سفيان من بعده أخوه يعقوب بن جرمون وقتل محمد ابن أخيه كانون وقام بأمر سفيان وحضر مع المرتضى حركة أمان ايملولين سنة تسع وأربعين فرحل عن السلطان واختل عسكره فرجع فاتبعه بنو مرين وكانت الهزيمة ثم رجع المرتضى وعفا له عنها ثم قتله سنة تسع وخمسين مسعود وعلى ابناء أخيه كانون بثأر ابيهما ولحقا بيعقوب بن عبد الحق سلطان بنى مرين وقدم المرتضى ابنه عبد الرحمن فعجز عن القيام بأمره فقدم عمه عبيد الله بن جرمون فعجز فقدم مسعود بن كانون ولحق عبد الرحمن ببنى مرين ثم نهض المرتضى على يعقوب بن قيطون شيخ بنى جابر وقدم عوضا منه يعقوب بن كانون السفياني ثم راجع عبد الرحمن بن يعقوب سنة أربع وخمسين فتقبض عليه واغتل
وأقام مسعود بن كانون شيخا على سفيان وكان لبنى عمه معه وعيسى ابناء يعقوب بن جرمون ونزع مسعود عن يعقوب مقامه إلى ان هلك سنة ست وستين ابن عبد الحق ولحق بمسكورة وشب نار الفتنة والحرب وأقيم الحطوحطو ابن يعقوب مقامه إلى ان هلك سنة تسع وستين فولى مكانه أخوه عيسى وهلك مسعود بمسكورة سنة ثمانين ولحق ابنه منصور بن مسعود بالسكسيوى إلى أن راجع الخدمة أيام يوسف بن يعقوب ووفد عليه بعسكره من حصار تلمسان سنة ست وسبعمائة فتقبله واتصلت الرياسة على سفيان في بنى جرمون هؤلاء إلى عهدنا وأدركت شيخا لعهد السلطان أبى عنان يعقوب بن على بن منصور بن عيسى بن يعقوب بن جرمون ابن عيسى وكان سفيان هؤلاء حيا حلولا باطراف تامسنا مما يلى أسفى وملك بسائطها الفسيحة عليهم الخلط وبقى من أحيائهم الحرث والكلابة ينتجعون أرض السوس وقفاره ويطلبون ضواحي بلاد جاجة من المصامدة فبقيت فيهم لذلك شدة وبأس ورماتهم في أولاد مطاوع من الحرث وطال عيثهم في ضواحي مراكش وافسادهم فلما استبد سلطان مراكش الامير عبد الرحمن بن أبى فلفوس على ابن السلطان أبى على(6/28)
سنة ست وسبعين وسبعمائة كما نذكر استخلصهم ورفع منزلتهم واستقدمهم بعض أيامه للعرض بفرسانهم ورجلهم على العادة وشيخهم منصور بن يعيش من أولاد مطاع وتقبض عليهم أجمعين وقتل من قتل منهم وأودع الآخرين سجونه فذهبوا مثلا في الايام وحصدت شوكتهم والله قادر على ما يشاء * (الخلة من جشم) * هذا القبيل يعرف بالخلط وهم في عداد جشم هؤلاء لكن المعروف أن الخلط بنو المشفق من بنى عامر بن عقيل بن كعب كلهم شيعة للقرامطة بالبحرين ولما ضعف أمر القرامطة استولى بنو سليم على البحرين بدعوة الشيعة ثم غلبهم عليها بنو أبى الحسين
من بطون تغلب بالدعوة العباسية فارتحل بنو سليم وبنو المشفق من هولاء المسمون بالخلط إلى افريقية وبقى سائر بنى عقيل بنواحي البحرين إلى أن غلب منهم على التغلبيين بنو عامر بن عوف بن مالك بن عوف بن مالك بن عوف بن عامر بن عقيل اخوة الخلط هؤلاء لانهم في المغرب منسوبون إلى جشم تخليطا في النسب ممن يحققه من العوام ولما أدخلهم المنصور إلى المغرب كما قلناه استقروا ببسائط تامسنا فكانوا أولى عدد وقوة وكان شيخهم هلال بن حميدان بن مقدم بن محمد بن هبيرة بن عواج لا نعرف من نسبه أكثر من هذا فلما ولى العادل بن منصور خالفوا عليه وهزموا عساكره وبعث هلال ببيعته إلى المأمون سنة خمس وعشرين واتبعه الموحدون في ذلك وجاء المأمون وظاهروه على أمره وتحيز اعداؤهم سفيان إلى يحيى بن القاص منازعة ولم يزل هلال مع المأمون إلى أن هلك في حركته سنته وبايع بعده لابنه الرشيد وجاء به إلى مراكش وهزم سفيان واستباحهم ثم هلك هلال وولى أخوه مسعود وخالف على الرشيد عمر بن أوقاريط شيخ العساكرة من الموحدين وكان صديقا لمسعود ابن حميدان فأغراه بالخلاف على اكسز السلطان فخالف وحاول عليه الرشيد حتى قدم عليه بمراكش وقتله في جماعة من قومه سنة ثنتين وثلاثين وولى أمر الخلط بعده يحيى ابن أخيه هلال ومر بقومه إلى يحيى بن القاص وحصروا مراكش ومعهم ابن أو قاريط وخرج الرشيد إلى سجلماسة واستولوا على مراكش وعاثوا فيها ثم جاء الرشيد سنة ثلاث وثلاثين وغلبهم عليها ولحق ابن أوقاريط بالاندلس وأبدى على بن هود بيعة الخلط وعلموا أنها حيلة من ابن أوقاريط وأنه تخلص من الورطة فطردوا عنهم يحيى بن القاص إلى معقل وراجعوا الرشيد فتقبض على على ووشاح ابني هلال وسجنهم بأزمور سنة خمس وثلاثين ثم أطلقهم ثم غدر بعد ذلك بمشيختهم بعد الاستدعاء والتأنيس وقتلهم جميعا مع عمر بن أوقاريط كان أهل اشبيلية بعثوا به إليه ثم حضروا مع السعيد(6/29)
في حركته إلى بنى عبد الواحد وجدوا عليه الواقعة حتى قتل فيها بفتنتهم مع سفيان يومئذ فلم يزل المرتضى يعمل الحيلة فيهم إلى ان تقبض على أشياخهم سنة ثنتين وخمسين وقتلهم ولحق عواج بن هلال ببنى مرين وقدم المرتضى عليهم على بن أبى على من بيت الرياسة فيهم ثم رجع عواج سنة أربع وخمسين واغزاه على بن أبى على فقتل في غزاته ثم كانت واقعة أم الرجلين على المرتضى سنة ستين فرجع على بن أبى على إلى بنى مرين ثم صار الخلط كلهم إلى بنى مرين وكانت الرياسة فيهم بأول السلطان لبنى مرين لمهلهل بن يحيى من مقدم وأصهر إليه يعقوب بن عبد الحق فأنكحه ابنته التى كان منها ابنه السلطان أبو سعيد ولم يزل مهلهل عليهم إلى ان هلك سنة خمس وتسعين ثم ابنه عطية وكان لعهد السلطان أبى سعيد وابنه أبو الحسن وبعثه سفيرا إلى سلطان مصر الملك الناصر ولما هلك قام بأمره أخوه عيسى بن عطية ثم ابن أخيهما زمام بن ابراهيم بن عطية وبلغ إلى المبالغ من العز والترف والدالة على السلطان والقرب من مجلسه إلى ان هلك فولى أمره ابنه أحمد بن ابراهيم ثم أخوه سليمان بن ابراهيم ثم أخوهما مبارك على مثل حالهم أيام السلطان أبى عنان ومن بعده إلى ان كانت الفتنة بالمغرب بعد مهلك السلطان أبى سالم واستولى على المغرب أخوه عبد العزيز وأقطع ابنه أبا الفضل ناحية مراكش فكان مبارك هذا معه ولما تقبض على أبى الفضل تقبض على مبارك وأودع السجن إلى ان غلب السلطان عبد العزيز على عامر بن محمد وقتله فقتل معه مبارك هذا لما كان يعرف به من صحابته ومداخلته في الفتن كما يذكر في أخبار بنى مرين وولى ابنه محمد على قبيل الخلط الا ان الخلط اليوم دثرت كان لم تكن بما أصابهم من الخصب والترف منذ مائتين من السنين بذلك البسيط الافيح زيادة للعز والدعة فأكلتهم السنون وذهب بهم الترف والله غالب على أمره * (بنو جابر بن جشم) * بنو جابر هؤلاء من عداد جشم بالمغرب وربما يقال انهم من سدراتة احدى فرق زناتة
أو لواتة والله أعلم بذلك وكان لهم أثر في فتنة يحيى بن الناصر بما كانوا معه من احزابه ولما هلك يحيى بن الناصر سنة ثلاث وثلاثين وستمائة بعث الرشيد بقتل شيخهم قائد بن عامر وأخيه قائد وولى بعده يعقوب بن محمد بن قيطون ثم اعتقله يغلو قائد الموحدين بعثه المرتضى لذلك وقدم يعقوب بن جرموق وولى مشيخة بنى جابر اسمعيل بن يعقوب بن قيطون ثم تحيز بنو جابر هؤلاء من أحياء جشم إلى سفح الجبل بتادلاوما إليها يجاورون هناك صناكة السالكين بقشة وهضابة من البربر فيسهلون إلى السبط تارة ويأوون إلى الجبل في حلف البربر وجوارهم أخرى إذا دهمتهم مخافة(6/30)
من السلطان أوذى غلبة والرياسة فيهم لهذه العصور في ورديقة من بطونهم أدركت شيخا عليهم لعهد السلطان أبى عنان حسين بن على الورديقى ثم هلك وأقيم مقامه الناصر ابنه ولحق بهم الوزير الحسن بن عمر عند نزوعه عن السلطان إلى سالم سنة ستين وسبعمائة ونهضت إليهم عساكر السلطان فأمكنوا منه ثم لحق بهم أبو الفضل بن السلطان أبى سالم عند فراره عن مراكش سنة ثمان وستين ونازله السلطان عبد العزيز واحتط به فلحق برابرة وصناكة من قومه ثم أمكنوا منه على مال حمل إليهم ولحق بهم اثناء هذه الفتن الامير عبد الرحمن يغلو سن على عهد الوزير عمر بن عبد الله المتغلب على المغرب وطلبه عمر فأخرجوه عنهم وطال بذلك مراس الناصر هذا للفتنة فنكرته الدولة وتقبض عليه وأودع السجن فمكث فيه سنين وتجافت الدول عنه من بعد ذلك وأطلق عقالهم ثم رجع من المشرق فتقبض عليه الوزير أبو بكر بن غازى المستبد بالمغرب على ابن السلطان عبد العزيز وأودعه السجن ونقلوا الرياسة عن بنى على هؤلاء والله يقلب الليل والنهار وقد يزعم كثير من الناس ان ورديقة من بنى جابر ليسوا من جشم وانهم بطن من بطون سدراتة احدى شعوب لواتة من البربر ويستدلون على ذلك بمواطنهم وجوارهم للبربر والله أعلم بحقيقة ذلك
* (العاصم ومقدم من الاثبج) * هؤلاء الاحياء من الاثبج كما ذكرنا في أنسابهم ونزلوا تامسنا معهم وكانت لهم عزة وعلياء الا ان جشم أعز منهم لمكان الكثرة وكان موطنهم بسيط تامسنا وكانت للسلطان عليهم عسكرة وجباية كان اخوانهم من جشم وكان شيخ العاصم لعهد الموحدين ثم عهد المأمون منهم حسن بن زيد وكان له أثر في فتنة يحيى بن الناصر ولما هلك سنة ثلاث وثلاثين أمر الرشيد بقتل حسن بن زيد مع قائد وقائدا بنى عامر شيوخ بنى جابر فقتلوا جميعا ثم صارت الرياسة لابي عياد وبنيه وكان بينهم لعهد بنى مرين عياد بن أبى عياد وكان له تغلب في النفرة والاستقامة فر إلى تلمسان ورجع منها أعوام تسعين وستمائة وفر إلى السوس ورجع منه سنة سبع وسبعمائة ولم يزل دأبه هذا وكانت له ولاية مع يعقوب بن عبد الحق من قبل ذلك ومقاماته في الجهاد مذكورة وبقيت رياسته في بنيه إلى ان انقرض أمرهم وأمر مقدم ودثروا وتلاشوا والله خير الوارثين * (الخبر عن رياح وبطونهم من هلال بن عامر من هذه الطبقة الرابعة) * كان هذا القبيل من أعز قبائل هلال وأكثرهم جمعا عند دخولهم افريقية وهم فيما ذكره ابن الكلبى رياح بن أبى ربيعة بن نهيك بن هلال بن عامر وكانت رياستهم حينئذ(6/31)
لموسى بن يحيى الضنبرى من بطون مرداس بن رياح وكان من رجالاتهم لذلك العهد الفضل بن على مذكور في حروبهم مع صنهاجة وكانت بطونهسم عمر ومرداس وعلى كلهم بنو رياح وسعيد بن رياح وخضر بن عامر بن رياح وهم الا خضر ولمرداس بطون كثيرة داود بن مرداس وضنبر بن حواز بن عقيد بن مرداس واخوتهم مسلم بن عقيل ومن أولاده عامر بن يزيد بن مرداس بطن أخرى منهم بنو موسى بن عامر وجابر بن عامر وقد يقال انهم من لطيف كما قدمناه وسودان ومشهور وبنو محمد بن عامر من بطون ثلاثة اسم وسودان وعلى بن محمد وقد يقال أيضا ان المشاهرة وهم بنو مشهور بن هلال
ابن عامر من نمير رياح والله أعلم والرياسة على رياح في هذه البطون كلها لمرداس وكانت عند دخولهم افريقية في ضنبر منهم ثم صارت للزواودة أبناء داود بن مرداس بن رياح ويزعم بنو عمر بن رياح ان أباهم كفله ورباه وكان رئيسهم لعهد الموحدين مسعود ابن سلطان بن زمام بن ورديقى بن داود وكان يلقب البلط لشدته وصلابته ولما نقل المنصور رياحا إلى المغرب تخلف عساكر أخو مسعود في جماعات منهم لما بلاه السلطان من طاعته وانحياشه وأنزل مسعودا وقومه لبلاد الهبط ما بين قصور كتامة المعروف بالقصر الكبير إلى ازغار البسيط الفيح هناك إلى ساحل البحر الاخضر واستقروا هنالك وفر مسعود بن زمام من بينهم في لمة من قومه سنى تسعين وخمسمائة ولحق بافريقية واجتمع إليه بنو عساكر أخيه ولحقوا بطرابلس ونزلوا على زغب وذئاب يتقلبون بينهم ثم نزع إلى خدمة قراقش وحضر معه بقومه فتح طرابلس كما نذكره في أخبار قراقش ثم رجع إلى ابن غانية الميروقى ولم يزل في خلافة ذلك إلى ان هلك وقام بأمره من بعده ابنه محمد وكانت له رياسة وغناء في فتنة الميروقى مع الموحدين ولما غلب أبو محمد بن أبى حفص يحيى الميروقى مع الموحدين سنة ثمانى عشرة على الحمة من بلاد الجريد وقتل من العرب من قتل كان فيمن قتله ذلك اليوم عبد الله بن محمد هذا وابن عمه أبو الشيخ بن حركات بن عساكر ولما هلك الشيخ أبو محمد رجع محمد بن مسعود إلى افريقية وغلب عليها واجتمع إليه حلف الاثبج ظواعن من الضحاك ولطيف فكاثروه واعتزوا به على قتالهم من دريد وكرفة إلى ان عجزت ظواعن الضحاك ولطيف عن الرحلة وافترقوا في قرى الزاب وصدرة وبقى محمد بن مسعود يتغلب في رحلته وصارت رياسة البدو في ضواحي افريقية ما بين قصطيلة والزاب والقيروان والمسيلة له ولقومه ولما هلك يحيى بن غانية من العرب من بنى سليم والرياح سنة احدى وثلاثين كما نذكره انقطع ملكهم واستغلظ سلطان أبى حفص واستقل منهم الامير يحيى بن عبد الواحد بخطبة الخلافة عندما فسد كرما بمراكش وافترق اتباع يحيى بن غانية من العرب من بنى سليم(6/32)
والرياح فنكره آل أبى حفص هؤلاء الزواودة ومكانهم من الوطن مما سلف من عنادهم ومشايعتهم لابن غانية في أخبارهم واصطنعوهم لمشايعة الدولة وضربوا بينهم وبين قبائل رياح وأنزلوهم بالقيروان وبلاد قصطيلة وكان آية لمحمد بن مسعود ووفد عليه في بعض السنين وفد مرداس يطلبون المكيل وينزلون عليهم فشرهوا إلى نعمتهم وقاتلوهم عليها وقتلوا رزق بن سلطان عم محمد بن مسعود فكانت بينهم وبين رياح أيام وحروب حتى رحلوهم جانب المشرق من افريقية وأصاروهم إلى جانبها الغربي وملك الكعوب ومرداس من بنى سليم ضواحي الجانب الشرقي كلها من قابس إلى بونة ومعطة وامتاز الزواودة بملك ضواحي قسنطينة وبجاية من التلول ومجالات الزاب وريغ وواركلا وما وراءها من القفار في بلاد القبلة وهلك محمد بن مسعود فولى رياسته موسى بن محمد وكان له صيت وغناء في قومه واعتزاز على الدولة (ولما هلك يحيى) بن عبد الواحد بوبع ابنه محمد المنتصر الطائر الذكر المصنوع له في الشهرة وخرج عليه أخوه ابراهيم فلحق بالزواودة هؤلاء فبايعوه بجهات قسنطينة واتفقوا على تقديمه ونهض إليه المنتصر سنة ست وستين وستمائة ففروا أمامه وافترق جمعهم وتميز إليه بنو عساكر ابن سلطان منهم ورياستهم يومئذ لولد مهدى بن عساكر ونبذوا العهد إلى ابراهيم بن يحيى ولحقوا بتلمسان وأجاز البحر إلى الاندلس وأقام بها في جوار الشيخ ابن الاحمر ثم هلك موسى بن محمد وولى رياسته ابنه شبل بن موسى واستطال على الدولة وكثر عينهم فنبذ المنتصر عهدهم ونهض إليه بعساكره وجموعه من الموحدين والعرب من بنى سليم وأولاد عساكر اخوانهم وعلى مقدمته الشيخ أبو هلال عياد بن محمد الهنتاتى وكان يومئذ أميرا ببجاية وحاول عليهم فاستقدم رؤساؤهم شبل بن موسى بن محمد بن مسعود ومعهم دريد بن تازير شيخ أولاد نابت من كرفة فتقبض عليهم لحين قدومهم وضرب أعناقهم في سريح واخذ ابن راية حيث بايعوا أبا اسحق أخاه والقاسم بن
بوزير بن أبى حفص القازع إليهم لطلب الخروج على الدولة وافترقت ظواعنهم وفروا امامه واتبعهم إلى آخر الزاب وترك شبل بن موسى سباعا ابنه طفلا صغيرا فكفله عمه مولاهم ابن موسى ولم تزل الرياسة بهم وترك سباع ابنه يحيى ايضا طفلا فكفله عمه طلحة ابن يحيى ولحق جلهم بملوك زناتة المغرب وأولاد محمد لحقوا بيعقوب بن عبد الحق بفاس وأولاد سباع بن يحيى لحقوا بيغمراسن بن زيان بتلمسان فكسوهم وحملوهم فارتاشوا وقاتلوا واحتالوا وزحفوا إلى مواطنهم فتغلبوا على اطراف الزاب من واركلا وقصور ريغ وصيروها سهاما بينهم وانتزعوها للموحدين فكان آخر عهدهم بملكها ثم تقدموا إلى بلاد الزاب وجمع لهم عاملها أبو سعيد عثمان بن محمد بن عثمان ويعرف(6/33)
بابن عتوا من رؤساء الموحدين وكان منزله بمقرة فزحف إليهم بمكانهم من الزاب وأوقعوا به وقتلوه بقلطاوة وغلبوا على الزاب وضواحيه لهذا العهد ثم تقدموا إلى جبل أوراس فغلبوا على من به من القبائل ثم تقدموا إلى التل وجمع لهم من كان به من أولاد عساكر وغلبهم موسى بن ماضى بن مهدى بن عساكر فجمع قومه ومن في حلفهم من عياض وغيرهم وتزاحفوا فغلبهم أولاد مسعود وقتلوا شيخهم موسى بن ماضى وتولوا الوطن بما فيه ثم تلافت الدولة أمرهم بالاصطناع والاستمالة وأقطعوهم ما غلبوا عليه من البلاد بجبل أوراس والزاب ثم الامصار التى بالبسيط الغربي من جبل أوراس المسمى عندهم بالحصنة وهى نفاوس ومقرة والمسيلة واختص أقطاع المسيلة بسباع بن شبل بن يحيى حتى صارت لعلى بن سباع بن يحيى من بعد ذلك فهى في قسم بنيه وسهامهم واختص أقطاع مقرة بأحمد بن عمر بن محمد وهو ابن عم شبل ابن موسى بن سباع ونقاوس بأولاد عساكر ثم هلك سباع بن شبل وقام بامرهم ابنه عثمان ويعرف بالعاكر فنازعه الرياسة بنو عمه على بن أحمد بن عمر بن محمد بن مسعود وسليمان بن على بن سباع بن يحيى ولم يزالوا كذلك لهذا العهد ولهم تغلب على ضواحي
بجاية وقسنطينة ومن بها من سرديكش وعياص وأمثالهم ورياسة أولاد محمد الآن ليعقوب بن على بن أحمد وهو كبير الزواودة بمكانه وسنه وله شهرة وذكر ومحل من السلطان متوارث ورياسة أولاد سباع في أولاد على بن سباع وأولاد على أشرف منهم وأعز بالكثرة والعدد ورياستهم في ولد يوسف بن سليمان بن على بن سباع وترادفهم أولاد يحيى بن على بن سباع واختص أولاد محمد بنواحي قسنطينة وأقطعتهم الدول كثيرا من أريافها واختص أولاد سباع بنواحي بجاية واقطاعهم فيها قليل لمنعة بجاية وضواحيها عن ضيم العرب ولغلبهم بالجبال المطيبة بها وتوعر مسالكها على رواحل الناجعة وأما ريغ وواركلا فقسمة بينهم منذ عهد سلغهم كما قلنا وأما الزاب فالجانب الغربي منه وقاعدته طواقة لاولاد محمد وأولاد سباع بن يحيى وكانت لابي بكر بن مسعود فلما ضعف بنوه ودثروا اشتراها منهم على بن أحمد شيخ أولاد عمر وسليمان بن على شيخ أولاد سباع واتصلت بينهم بسببها الفتنة وصارت في مجالات أولاد سباع بن يحيى فسار غلب سليمان وبنيه عليها أكثروا لجانب الوسط وقاعدته بسكرة لاولاد محمد وفى مجالاتهم وليعقوب بن على على عامله بسبب ذلك سلطان وعزة وله به تمسك واليه انحياش في منعته من الدولة واستبداده بوطنه وحماية ضواحيه من غيث الاعراب وفسادهم غالب الاوقات وأما الجانب الشرقي من الزاب وقاعدته بادس وتنومة فهو لاولاد نابت رؤساء كرمسة بما هو من مجالاتهم وليس هو من مجالات رياح الا ان(6/34)
عمال الزاب تأخذ منه في الاكثر جباية غير مسستوفاة بعسكر لها بنادية رياح باذن من كبيرهم ويعقوب وانزاله في الامر وبطون رياح كلها تبع لهؤلاء الزواودة ومقتسمون عليهم وملتمسون مما في أيديهم وليس لهم في البلاد ملك يستولون عليه وأشدهم قوة وأكثرهم جمعا بطون سعيد ومسلم والاخضر يبعدون النجعة في القفار والرمال ويسخرون الزواودة في فتنة بعضهم مع بعض ويختصون بالحلف فريقا دون آخر فسعيد
احلاف لاولاد محمد سائر أيامهم الا قليلا من الاحيان ينابذونهم ثم يراجعونهم ومسلم والاخضر احلاف لاولاد سباع وكذلك لابي حاييز (فأما سعيد) فرياستهم لاولاد يوسف ابن زيد منهم في ولد ميمون بن يعقوب بن عريف بن يعقوب بن يوسف واردا فهم أولاد عيسى بن رحاب بن يوسف وهم ينتسبون بزعمهم إلى بنى سليم في أولاد القرس من سليم والصحيح من نسبهم انهم من رياح بالحلف والموطن ومع أولاد يوسف هؤلاء لفائف من العرب يعرفون بالمخادمة والعيوث والفجور فأما المخادمة والعيوث من ابناء مخدم فمن ولد مشرف بن أثبج وأما الفجور فمنهم من البرابر لواتة وزناتة احدى بطونهم وفيهم من بغاث فأما بغاث فمن بطون حرام وسيأتى ذكرهم (وأما زناتة) فهم من طور لواتة كما ذكرناه في بنى جابر وبتاد لا كثير منهم إلى العدوة لعهد بنى الاحمر سلطان الزنادى وكانت له في الجهاد آثار وذكروا أن منهم بأرض مصر والصعيد كثيرا وأما احلاف أولاد محمد من الزواودة فبطن من رقاب بن سودات بن عامر بن صعصعة اندرجوا في أعداد رياح ولهم معهم ظعن ونجعة ولهم مكان من حلفهم ومظاهرتهم وأما احلاف أولاد سباع من مسلم والاخضر فقد قدمنا ان مسلما من أولاد عقيل بن مرداس بن رياح ومرداس بن رياح بعضهم ينتسب إلى الزبير بن العوام وهو خلط ويقول بعض من ينكر عليهم انما هو نسب إلى الزبير بن المهاية الذين هم من بطون عياض كما ذكرناه ورياسته في أولاد جماعة بن مسلم بن حماد بن مسلم بين أولاد تساكر بن حامد بن كسلان ابن غيل بن رحال بن جماعة وبين أولاد زواوة بن موسى بن قطران بن جماعة وأما الاخضر فيقولون انهم من ولد خضر بن عامر وليس عامر بن صعصعة فان أبناء عامر ابن صعصعة معروفون كلهم عند النسابين وانما هو والله أعلم عامر آخر من أولاد رياح ولعله عامر بن زيد بن مرداس المذكور في بطونهم أولهم من الخضر الذين هم ولد مالك ابن طريف بن مالك بن حفصة بن قيس عيلان ذكرهم صاحب الاغانى وقال انما سموا الخضر لسوادهم والعرب تسمى الاسود أخضر قال وكان مالك شديد السمرة
فأشبهه ولده ورياستهم في أولاد تامر بن على بن تمام بن عمار بن خضر بن عامر بن رياح واختصت مرين بأولاد تأمري ولد عامر بن صالح بن عامر بن عطية بن تامر وفيهم بطن(6/35)
آخر لزيادة بن تمام بن عمار وفى رياح أيضا بطن من عمرة بن أسد بن ربيعة من نزار ويظعنون مع ناديهم (وأما من نزل من رياح) ببلاد الهبط حيث أنزلهم المنصور فأقاموا هنالك بعد رحلة رئيسهم مسعود بن زمام بتلك المواطن إلى ان انقرضت دولة الموحدين وكان عثمان بن نصر رئيسهم أيام المأمون وقتله سنة ثلاثين وستمائة ولما تغلب بنو مرين على ضواحي المغرب ضرب الموحدون على رياح هؤلاء البعث مع عساكرهم فقاموا بحماية ضواحيهم وتحيز لهم بنو عسكر بن محمد بن محمد من بنى مرين حين كانوا حربا لاخوانهم بنى حمامة بن محمد سلف الملوك منهم لهذا العهد فكانت بين الفريقين جولة قتل فيها عبد الحق بن مجيد بن أبى بكر بن جماعة أبو الملك وابنه ادريس فأوجدوا السبيل لبنى مرين على أنفسهم في طلب الترة والدماء فأثخنوا فيهم واستلحموهم قتلا وسبيا مرة بعد أخرى وكان آخر من أوقع بهم السلطان أبو ثابت عامر بن يوسف بن يعقوب سنة سبع وسبعمائة تتبعهم بالقتل إلى ان لحقوا برؤس الهضاب وأسنمة الربا المتوسطة في المرج المستبحر بازغار فصاروا إلى عدد قليل ولحقوا بالقبائل القادمة ثم دثروا وتلاشوا شأن كل أمة والله وارث الارض ومن عليها وهو خير الوارثين لا رب غيره ولا معبود سواه وهو نعم المولى ونعم النصير عليه توكلنا واليه أنبنا واليه المصير نسأله سبحانه وتعالى من فيض فضله العميم ونتوسل إليه بجاه نبيه الكريم أن يرزقنا ايمانا دائما وقلبا خاشعا وعلما نافعا ويقينا صادقا ودينا قيما والعافية من كل بلية وتمام العافية ودوام العافية والشكر على العافية والغنى عن الناس وان يحسن عاقبتنا في الامور كلها وان يجيرنا من خزى الدنيا وعذاب الآخرة وان يرزقنا من فضله وكرمه ايمانا لا يرتد
ونعيما لا ينفد وقرة عين لا تنقطع ومرافقة نبينا وسيدنا محمد صلى الله عليه وسلم في أعلى جنان الخلد بمنه وكرمه انه على ما يشاء قدير وبالاجابة جدير وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم والحمد لله رب العالمين(6/36)
* (الخبر عن سعادة العالم بالسنة في رياح ومآل أمره وتصاريف أحواله) * كان هذا الرجل من مسلم احدى شعوب رياح ثم من رحمان منهم وكانت أمه تدعى خصيبة وكانت في أعلى مقامات العبادة والورع ونشأ هو منتحلا للعبادة والزهد وارتحل إلى المغرب ولقى شيخ الصالحين والفقهاء لذلك العهد بنواحي تازة أبا اسحق التسولى وأخذ عنه ولزمه وتفقه عليه ورجع إلى وطن رياح بفقه صحيح وورع وافر ونزل طولة من بلاد الزاب وأخذ بنفسه في تغيير المنكر على أقاربه وعشيرته ومن عرفه أو صحبه فاشتهر بذلك وكثرت غاشيته لذلك من قومه وغيرهم ولزم صحابته منهم اعلام عاهدوه على التزام طريقته كان من أشهرهم أبو يحيى بن أحمد بن شيخ بنى محمد بن مسعود من الزواودة وعطية بن سليمان بن سباع شيخ أولاد سباع بن يحيى منهم وعيسى بن يحيى بن ادريس شيخ أولاد ادريس وأولاد عساكر منهم محسن بن سلامة شيخ أولاد طلحة بن يحيى بن دريد بن مسعود منهم وهجرس بن على من أولاد يزيد بن زغبة ورجالات من العطاف من زغبة في كثير من اتباعهم والمستضعفين من قومهم فكثر بذلك تابعه واستظهر بهم على شأنه في اقامة السنة وتغيير المنكر على من جاء به واشتد على قاطع الطريق من شرار البوادى ثم تخطى ذلك إلى العمار فطلب عامل الزاب يومئذ منصور بن فضل بن مزنى باعفاء الرعايا من المكوس والظلامات فامتنع من ذلك واعتزم على الايقاع به فحال دونه عشائر أصحابه وبايعوه على اقامة السنة والموت دونه في ذلك وأذنهم ابن مزنى في الحرب ودعا لذلك أمثالهم ونظراءهم من قومهم وكان لذلك العهد على بن أحمد بن عمر بن محمد قد قام برياسة أولاد محمد وسليمان بن على بن سباع قد
قام برياسة أولاد يحيى واقتسموا رياسة الزواودة فظاهروا ابن مزنى على مدافعة سعادة وأصحابه المرابطين من اخوانهم وكان أمر ابن مرنى والزاب يومئذ راجعا إلى صاحب بجاية من بنى أبى حفص وهو الامير خالد ابن الامير أبى زكريا والقائم بدولته أبو عبد الرحمن بن عمرو بعث إليه ابن مزنى في المدد فأمده بالعساكر والجيوش وأوعز إلى أهل طولقة بالقبض على سعادة فخرج منها وابتنى بأنحائها زاوية ونزل بها هو وأصحابه ثم جمع أصاحبه المرابطين وكان يسميهم لسقية وزحفوا إلى بسكرة وحاصروا ابن مزنى سنة ثلاث وسبعمائة وقطعوا نخيلها وامتنعت عليهم فرحلوا عنها ثم أعادوا حصارها سنة أربع وسبعمائة وامتنعت ثم انحدر أصحاب سعادة من الزواودة إلى مشاتيهم سنة خمس وسبعمائة وأقام المرابط سعادة بزاويته من زاب طولقة وجمع من كان إليه من المربطين المتخلفين عن الناجعة وعن امليلى وحاصرها أياما وبعثوا ابي الصريخ إلى ابن مزنى والعسكر السلطاني مقيم عندهم ببسكرة فأركبهم ليلا مع أولاد(6/38)
حرب من الزواودة وصبحوا سعادة وأصحابه على مليلى فكانت بينهم جولة قتل فيها سعادة واستحلهم الكثير من أصحابه وحمل رأسه إلى ابن مزنى وبلغ الخبر إلى أصحابه بمشاتيهم فظهروا إلى الزاب ورؤساؤهم أبو يحيى بن أحمد بن عمر شيخ أولاد محرز وعطية ابن سليمان شيخ أولاد سباع وعيسى بن يحيى شيخ أولاد عساكر ومحمد بن حسن شيخ أولاد عطية ورياستهم جميعا راجعة لابي يحيى بن أحمد ونازلوا بسكرة وقطعوا نخيلها وتقبضوا على عمال ابن مزنى فأحرقوهم في النار واتسع الخرق بينهم وبينه ونادى ابن مزنى في أوليائه من الزواودة واجتمع إليه على بن أحمد شيخ أولاد محمد وسليمان بن على شيخ أولاد سباع وهما يومئذ اجلاء الزواودة وخرج ابنه على بينهم بعساكر السلطان وتزاحفوا بالصحراء سنة ثلاث عشرة فغلبهم المرابطون وقتل على بن مزنى وتقبض على على بن أحمد فقادوه أسيرا ثم أطلقه عيسى بن أحمد رعيا لاخيه أبى يحيى بن أحمد واستفحل
أمر هؤلاء السنية ما شاء الله أن يستفحل ثم هلك أبو يحيى بن أحمد وعيسى بن يحيى وخلت أحياء أولاد محرز من هؤلاء السنية وتفاوض السنية فيمن يقيمونه بينهم في الفتيا في الاحكام والعبادات فوقع نظرهم على الفقيه أبى عبد الله محمد بن الازرق من فقهاء مقرة وكان أخذ العلم ببجاية على أبى محمد الزواوى من كبار مشيختها فقصدوه بذلك وأجابهم وارتحل معهم ونزل على حسن بن سلامة شيخ أولاد طلحة واجتمع إليه السنية واستفحل بهم جانب أولاد سباع واجتمعوا على الزاب وحاربوا على بن أحمد طويلا وكان السلطان أبو تاشفين حين كان يجلب على أوطان الموحدين ويخبب عليهم أولياءهم من العرب يبعث إلى هؤلاء السنية بالجوائز يستدعى بذلك ولايتهم ويبعت معهم للفقيه أبى الازرق بجائزة معلومة في كل سنة ولم يزل ابن الازرق مقيما لرسمهم إلى ان غلبهم على أمرهم ذلك على بن أحمد شيخ أولاد محمد وهلك حسن بن سلامة وانقرض أمر السنية من رياح ونزل ابن الازرق بسكرة فاستدعاه يوسف بن مزنى لقضائها تفريقا لامر السنية فأجابه ونزل عنده فولاه القضاء ببسكرة إلى ان هلك سنة ثم قام على بن أحمد بهذه السنية بعد حين ودعا إليها وجمع لابن مزنى سنة أربعين وسبعمائة ونزل بسكرة وجاءه مدد أهل ريغ وأقام محاصرا لها أشهرا وامتنعت عليه فأقلع عنها وراجع يوسف بن مزنى وصاروا إلى الولاية إلى ان هلك على ابن أحمد وبقى من عقب سعادة في زاويته بنون وحفدة يوجب لهم اين مزنى الرعاية وتعرف لهم اعراب الفلاة من رياح حقا في اجازة من يجيزونه من أهل السابلة وبقى هؤلاء الزواودة ينزع بعضهم احيانا إلى اقامة هذه الدعوة فيأخذون بها أنفسهم غير متصفين من الدين والتعمق في الورع بما يناسبها ويقضى حقها بل يجعلونها ذريعة(6/39)
لاخذ الزكوات من الرعايا ويتظاهرون بتغيير المنكر يسرون بذلك خسرا في ارتقاء فينحل أمرهم بذلك وتخفق مساعيهم ويتنازعون على ما تحصل بأيديهم ويعترفون
على غير شئ والله متولى الامور لا اله الا هو سبحانه يحيى ويميت * (الخبر عن زغبة وبطونهم من هلال بن عامر من هذه الطبقة الرابعة) * هذه القبيلة اخوة رياح ذكر ابن الكلبى ان زغبة ورياحا أبناء أبى ربيعة بن نهيك بن هلال ابن عامر هكذا نسبهم وهم لهذا العهد مما يزعمون ان عبد الله يجمعهم بكسر دال عبد ولم يذكر ابن الكلبى ذلك وذكر عبد الله في ولد هلال فلعل انتسابهم إليه بما كفلهم واشتهر دونهم وكثيرا ما يقع مثل هذا في انساب العرب أعنى انتساب الابناء لعمهم أو كافلهم والله أعلم وكانت لهم عزة وكثرة عند دخولهم افريقية وتغلبوا على نواحى طرابلس وقابس وقتلوا سعيد بن خزرون من ملوك مغراوة بطرابلس ولم يزالوا بتلك الحال إلى ان غلب الموحدون على افريقية وثار بها ابن غانية وتحيزت إليه أفاريق هلال ابن رياح وجشم فنزعت زغبة إلى الموحدين وانحرفوا عن ابن غانية نزعوا له حق نزوعهم وصاروا يدا واحدة مع بنى بادس من زناتة في حماية المغرب الاوسط من ابن غانية واتباعه واتصلت مجالاتهم ما بين المسيلة وقبلة تلمسان في القفار وملك بنو يادين وزناتة عليهم التلول (ولما سلكت زناتة) بلاد المغرب الاوسط ونزلوا بأمصاره دخل زغبة هؤلاء التلول وتغلبوا فيها ووضعوا الاثارة على الكثير من أهلها بما جمعهم وزناتة من البداوة وعصبية الحلف وخلا نفرهم وحمايتهم فطرأت عرب المعقل المجاورون لهم من جانب المغرب وغلبوا على من وجدوا من مخلف زغبة هؤلاء بتلك القفار وجعلوا عليهم خفارة يأخذونها من ابلهم ويختارون عليهم البكرات منها وأنفوا بذلك وتآمروا وتعاقدوا على دفع هذه الهضمة وتولى كبرها من بطونهم ثوابة بن جوثة من سديد كما نذكره بعد فدفعوهم عن أوطانهم من ذلك القفر ثم استفحلت دولة زناتة وهيجوا العرب عن وطن تلولهم لما انتشأ عنهم من العيث والفساد فرجعوا إلى صحرائهم وملكت الدولة عليهم التلول والحبوب واستصعب المير وهزل الكراع وتلاشت أحوالهم وضربت عليهم البعوث واعطوا الاتاوة والصدقة حتى إذا فشل ريح زناتة وداخل الهرم دولتهم
وانتزى الخوارج من قرابة الملك بالعاصبية وجدوا السبيل بالفتن إلى طروق التلول ثم إلى الغلب فيها ثم غالبوا زناتة عليها فغلبوهم في أكثر الاحايين وأقطعتهم الدولة الكثير من نواحى المغرب الاوسط وأمصاره في سبيل الاستظهار بهم فتمشت ظعونهم فيه وملكوه من كل جانب كما نذكره وبطون زغبة هؤلاء يتعددون من يزيد وحصين ومالك وعامر وعروة وقد اقتسموا بلاد المغرب الاوسط كما نذكر في أخبارهم(6/40)
* (بنو يزيد بن زغبة) * كان لبنى يزيد هؤلاء محل من زغبة بالكثرة والشرف وكان للدول به عناية فكانوا لذلك أول من اقتطعه الدول من العرب التلول والضواحي أقطعهم الموحدون في أرض حمزة من أوطان بجاية مما يلى بلاد رياح والاثابج فنزلوا هنالك ولحق تلك الثنايا المفضية إلى تلول حمزة والدهوس وأرض بنى حسن وتلولها ويفا وصحراء وصار للدولة استظهار بهم على بجاية تلك الدعاية من صنهاجة وزواوة فلما عجزت عساكر بجاية من جبايتهم دفعوهم للقاء فأحسنوا في اقتضائها وزادت الدول بهم تكرمة وعناية بذلك واقتطعهم الكثير من تلك الاوطان ثم غلب زناتة الموحدون على تلك الاوطان فاقتطعوه عن أوطان بجاية وأصاروها عن ممالكهم فلما فشل ريح زناتة وجاش بحر فتقهم مع العرب استبد بنو يزيد هؤلاء بملكة تلك الاوطان وغلبوا عليها من جميع جوانبها وفرقوا بجايتها واقتضاء مغارمتها وهم على ذلك لهذا العهد وهم بطون كثيرة فمنهم حميان بن عقبة بن يزيد وجواب وبنو كرز وبنو موسى والمرابعة والخشنة وهم جميعا بنو يزيد بن عيسى بن زغبة واخوانهم عكرمة بن عيسى من ظعونهم وكانت الرياسة في بنى يزيد لاولاد لاحق ثم لاولاد معافى ثم صارت في بيت سعد بن مالك بن عبد القوى ابن عبد الله بن سعيد بن محمد بن عبد الله بن مهدى بن يزيد بن عيسى بن زغبة وهم يزعمون أنه مهدى بن عبد الرحمن بن أبى بكر الصديق نسب تأباه رياستهم على غير عصبتهم
وقد مر ذلك قبل وربما نسبهم آخرون إلى سلول وهم بنو مرة بن صعصعة أخى عامر بن صعصعة وليس بصحيح لما قلناه وقد يقال ان سلولا وبنى يزيد اخوة ويقال لهم جميعا أولاد فاطمة وبنو سعد هؤلاء ثلاثة بطون بنو ماض بن رزق بن سعد وبنو منصور بن سعد وبنوزغلى بن رزق بن سعد واخصت الرياسة على الظعون والحلول ببنى زغلى وكانت لريان بن زغلى فيما علمناه ثم من بعده لاخيه ديفل ثم لاخيهما أبى بكر ثم لابنه ساسى بن أبى بكر ثم لابنه معتوق بن أبى بكر ثم لموسى بن عمهم أبى الفضل بن زغلى ثم لاخيه أحمد بن أبى الفضل ثم لاخيهما على بن أبى الفضل ثم لابي الليل بن أبى موسى ابن أبى الفضل وهو رئيسهم لهذا العهد وتوفى سنة احدى وتسعين وخلفه في قومه ابنه وكان من أحلافهم فيما تقدم بنو عامر بن زغبة يظعنون معهم في مجالاتهم ويظاهرونهم في حروبهم وكانت بين رياح وزغبة فتنة طويلة لعهد موسى بن محمد بن مسعود وابنه شبل أيام المستنصر بن أبى حفص فكان بنو يزيد هؤلاء يتولون كبرها لمكان الجوار وكان بنو عامر احلافهم فيها وظهراءهم وكان لهم على مظاهرتهم وضيعة من الزرع تسمى القرارة وهى ألف غرارة من الزرع وكان سببها فيما يزعمون(6/41)
ان أبا بكر بن زغلى غلبته رياح على الدهوس من وطن حمزة ازمان فتنته معهم فاستنصر بنى عامر فجاءه أولاد شافع وعليهم صالح بن بالغ وبنو يعقوب وعليهم داود بن عطاف وحميد وعليهم يعقوب بن معروف واسترجع وطنه وفرض لهم على وطنه ألف غرارة من الزرع واستمرت بنو عامر فلما ملك يغمراسن بن زيان تلمسان ونواحيها ودخلت زناتة إلى التلول والارياف كثر عيث المعقل وفسادهم في وطنها فجاء يغمراسن ببنى عامر هؤلاء من محلاتهم بصحراء بنى يزيد وأنزلهم في جواره بصحراء تلمسان كيادا للمعقل ومزاحمة لهم بأقيالهم فنزلوا هنالك وتبعتهم حميان من بطون بنى يزيد بما كانو بطونا وناجعة ولم يكونوا حلولا فصاروا في عداد بنى عامر لهذا العهد وتولت بنو يزيد
بلاد الريف وخصبه فأوطن فيه أكثرهم وقال أهل الناجعة منهم الافاريق من عكرمة وبعض بطون عيسى يظعنون مع أولاد زغلى في قفرهم وأقصروا عن الظعن في القفر الا في القليل ومع احلافهم من ظعون رياح أو زعبة وهم على ذلك لهذا العهد ومن بطون بنى يزيد بن عيسى زغبة هؤلاء بنو خشين وبنو موسى وبنو معافى وبنو لاحق وكانت الرياسة لهم ولبنى معافى قبل بنى سعد بن مالك وبنو جواب وبنو كرز وبنو مربع وهم المرابعة وهؤلاء كلهم بطن حمزة لهذا العهد ومن المرابعة حى ينجعون بضواحي تونس لهذا العهد وغلب عليهم بسبب زغبة والله الخلاق العليم أبو الفضل بن موسى بن زغلى بن رزق بن سعد بن مالك بن عبد القوى بن عبد الله بن سعيد بن محمد بن عبد الله ابن مهرى أولاد زيان الوزانية بن حميدان بن عقبة كرز جواب لاحول ذوى حسن السندان معافى موسى حشين مربع
عكرمة بن يزيد بن عيسى بن رغبة(6/42)
* (حصين بن زغبة) * وأما أولاد حصين بن زغبة فكانت مواطنهم بجوار بنى يزيد إلى المغرب عنهم كانوا حيا حلوا هنا لك وكان الريف الحامى لهم من تيطرى ونواحى المدينة مواطن للثعالبة من بطون البعوث ويأخذون منهم الاتاوات والصدقات حتى إذا ذهب سلطان بنى توجين من أرض المدينة وغلبهم عليهم بنو عبد الواد ساموا حصينا هؤلاء خطة الخسف والذل وألزموهم الوضائع والمغارم واستلحموهم بالقتل وهضموهم بالتكاليف وصيروهم في عداد القبائل بالمقاومة ومآثر ذلك كان تغلب بنى مرين على جميع زناتة كما نذكره فكانوا لهم أطوع ولدولتهم أذل فلما عاد بنو عبد الواد إلى ملكهم لعهد أبى حمو موسى بن يوسف بعد مهلك السلطان أبى عنان هبت ريح العز للعرب وفشل ريح زناتة ولحق دولتهم ما يلحق الدول من الهرم ونزل حصين هؤلاء بتيطرى وهو جبل أشير وملكوه وتحصنوا به وكان أبو زيان ابن عم السلطان أبى حمو لما ملك من قبله لحق بتونس مقتطعا حبالة بنى مرين وخرج طالبا لملك ابيه ومنازلا لابن عمه هذا ونزل في خبر طويل نذكره بقبائل حصين هؤلاء اعوج ما كانوا لمثلها لما راموه من خلع ما كان بأعناقهم من الدول وطرق الاهتضام والعسف فتلقوه بما يجب له ونزل منهم بأكرم قول وأحسن مثوى وبايعوه وراسلوا اخوانهم وكبراءهم من رؤساء زغبة بنى سويد وبنى عامر فأصفقوا عليه وترددت عساكر السلطان أبى حمو وبنى عبد الواد إليهم فتحصنوا بجبل تيطرى وأوقعوا بهم ونهض إليهم السلطان أبو حمو بعساكره فقتلوه ونالوا منه ونالت زغبة بذلك ما أرادوه من الاعتزاز على الدولة آخر الايام وتملكوا البلاد اقطاعات وسهمانا ورجع أبو زيان إلى رياح فنزل بهم على سلم عقده مع ابن عمه وبقى لحصين أثر الاعتزاز
من حرات واقطعتهم الدولة ما ولوه من نواحى المدينة وبلاد صنهاجة لحصين ولهؤلاء بطنان عظيمان جندل وخراش فمن جندل أولاد سعد خنفر بن مبارك بن فيصل بن سنان ابن سباع بن موسى بن كمام بن على بن جندل ورياستهم في بنى خليفة بن سعد لعلى وسيدهم أولاد خشعة بن جندل وكانت رياستهم على جندل قبل أولاد خليفة من رئيسهم الآن على بنى صالح بن دياب بن مبارك بن يحيى بن مهلهل ابن شكر بن عامر بن محمد بن خشعة ومن خراش أولاد مسعود بن مظفر بن محمد الكامل ابن خراش ورياستهم لهذا العهد في ولد رحاب بن عيسى بن أبى بكر بن زمام بن مسعود وأولاد فرج بن مظفر ورياستهم في بنى خليفة بن عثمان بن موسى بن فرج وأولاد طريف بن معبد بن خراش ويعرفون بالمعابدة ورياستهم في أولاد عريف وربما انتسب أولاد مظفر من خراش إلى بنى سليم ويزعمون ان مظفر بن محمد الكامل جاء من بنى سلم ونزل بهم والله أعلم بحقيقة ذلك(6/43)
على بن صالح بن دياب بن مبارك بن مهلهل بن شكر بن عامر بن محمد بن خشعة على ابن خليفة بن سعد بن خنفر بن مبارك بن فيصل بن سنان بن سباع بن موسى بن كمام بن على بن خدل - بن حصين بن زغبة سبدم رحاب بن عيسى بن ابى بكر بن زمام بن مسعود > بن مظفر بن محمد الكامل - بن خراش بن معبد ابن يزيد بن مسعود بن معرف - بن عريف بن طريف سباد بن عبد الله بن كثير * (بنو مالك بن زغبة) * وأما بنو مالك بن زغبة فهم بطون ثلاثة سويد بن عامر بن مالك وهم بطنان العطاف ابن ولد عطاف بن روى بن حارث والديالم من ولد ديلم بن حسن بن ابراهيم بن روى مابل(6/44)
سويد فكانوا احلافا لبنى يادين قبل الدولة وكان لهم اختصاص ببنى عبد الواد وكانت لهم لهذا العهد اتاوات على بلد سراة والبطحاء وهوارة ولما ملك بنو يادين تلول المغرب الاوسط وامصاره كان قسم بنى توجين منه شياخ التلول القفلى وما بين قلعة سعيدة في الغرب إلى المدينة في الشرق فكان لهم قلعة بن سلامة ومنداس وأنشريس وورنية وما بينهما فاتصل جوارهم لبنى مالك هؤلاء في القفر والتل ولما ملك بنو عبد الواد تلمسان ونزلوا بساحتها وضواحيها كان سويد هؤلاء أخص بحلفهم وولايتهم من سائر زغبة وكانت لسويد هؤلاء بطون مذكورون من فلمة وشبابة ومجاهر وجوئة كلهم من بنى سويد والحساسة بطن من شبابة إلى حسان بن شبابة وغفير وشافع ومالف لهم بنو سليمة بن مجاهر وبو رحمة وبو كامل وحمدان بنو مقرر بن مجاهر ويزعم بعض نسابتهم ان مقررا ليس بجد لهم وانما وضع ذلك أولا بو كامل وكانت رياستهم لعهدهم ويغمر اسن وما قبله في أولاد عيسى بن عبد القوى بن حمدان وكانوا ثلاثة مهدى وعطية وطراد واختص مهدى بالرياسة عليهم ثم ابنه يوسف بن مهدى ثم أخوه عمر بن مهدى واقطع يغمراس يوسف بن مهدى ببلاد البطحاء وسيرات وأقطع عنتر بن طراد بن عيسى مرارى البطحاء وكان يقتصون اتاوتهم على الرعايا ولا يناكرهم فيها وربما خرج في بعض خروجه واستخلف عمر بن مهدى على تلمسان وما إليها من ناحية المشرق وفى خلال ذلك خلت مجالاتهم بالقفر من ظعونهم وناجعتهم الاحياء من بطونهم قليلى العدد من الجوثة وفلية ومالف وغفير وشافع وأمثالهم فغلب عليهم هنا لك المعقل وفرضوا عليهم اتاوة من الابل يعطونها ويختارونها عليهم من البكرات وكان المتولي لاخذها منهم من شيوخ المعقل ابن الريشر بن نهار بن عثمان بن عبيد الله وقيل على بن عثمان أخو نهار وقيل ان البكرات انما فرضها للمعقل على قومه عامر بن جميل لاجل مظاهرة له على عدوه وبقيت للمعقل عادة إلى ان تمشت رجالات من زغبة في نقض ذلك وغدروا برجال المعقل ومنعوا تلك البكرات (اخبرني يوسف) بن على ثم غانم
عن شيوخ قومه من المعقل ان سبب البكرات وفرضها على زعمه كما ذكرناه وأما سبب رفعها فهو ان المعقل كانوا يقولون غرامتها ادالة بينهم فلما دالت لعبيد الله الدولة في غرامتها جمع ثوابه في جوثة قومه وحرضهم على منعها فاختلفوا واختبروا مع عبيد الله ودفعوهم إلى جانب الشرق وحالوا بينهم وبين أحيائهم وبلادهم وطالت الحرب ومات فيها بنو جوثة وابن مريح من رجالاتهم وكتب بنو عبد الله إلى قومهم من قصيدة بنى معقل ان لم يصرخونا على العدو * فلا يذلكم تذكر ماطرا لنا(6/45)
قتلنا ابن جوثه والهمام مربح * على الوجه مكتوب وذا من فعالنا فاجتمعوا وجاؤا إلى قومهم وفرت أحياء زغبة واجتمع بنو عبيد الله واخوانهم من ذوى منصور وذوى حسان وارتفع أمر البكرات من زغبة لهذا العهد ثم حدث بين يغمراسن وبينهم فتنة هلك فيها عمر بن مهدى وابن حلوا وانزلوهم عن التلول والارياف من بلاد عبد الواد إلى القفر المحاذي لاوطان بنى توجين على المهادنة والمصاهرة فصاروا لهم حلفاء على بنى عبد الواد ومن عجز منهم عن الظعن نزل ببسائط البطحاء وسارت بطونهم كلها من شبابة ومجاهر وغفير وشافع ومالف وبو رحمة وبو كامل ونزل محيسن ابن عمارة وأخوه سويد بضواحي وهران فوضعت عليهم الاتاوات والمغارم وصاروا من عداد الرعايا أهل الجباية وولى عثمان بن عمر أمر الطاغين من سويد ثم هلك وقام بأمره ابنه ميمون وغلب عليه اخوه سعيد واستند وكان بين سويد وبين بنى عامر بن زغبة فتنة اتصلت على الايام وثقلت وطأة الدولة الزيانية عليهم وزحف يوسف بن يعقوب إلى منازلة تلمسان وطال مقامه عليها فوفد عليه سعيد بن عثمان بن عمر بن مهدى شيخهم لعهده فأتى مجلسه وكرم وفادته ثم أجمع قتله فقر ولحق بقومه وأجلب على اطراف التلول وملك السرسو قبلة بلاد توجين ونزعت إليه طائفة من عكرمة بنى يزيد وعجزوا عن
الظعن وأنزلهم بجبل كريكرة قبلة السرسو ووضع عليهم الاتاوة ولم يزل كذلك إلى ان هلك يوسف بن يعقوب واتصل سلطان آل يغمراسن ولما ولى أبو تاشفين بن موسى بن عثمان بن يغمراسن استخلص عريف بن يحيى لديه صحابة كانت له معه قبل الملك ثم آسفه ببعض النزغات الملوكية وكان هلال مولاه المستولي عليه يغص بما كان عريف منه فنزع عريف بن يحيى إلى بنى مرين ملوك المغرب الاقصى ونزل على السلطان أبى سعيد منهم سنة عشرين وسبعمائة واعتقل أبو تاشفين عمه سعيد بن عثمان إلى ان هلك في محبسه قبيل فتح تلمسان ولحق أخوه ميمون بن عثمان وولده بملك المغرب وأنزل عريف بن يحيى من سلطان بنى مرين أكرم نزل وأدنى مجلسه وأكرم مثواه ثم اتخذه ابته السلطان أبو الحسن من بعده بطانة لشوراه ونجيا لخلواته ولم يزل يحرضهم على آل زيان بتلمسان ونفس ميمون بن عثمان وولده عريف رتبته عند السلطان أبى الحسن فنزعوا إلى أخيه أبى على بتافيلات فلم يزالوا بها إلى ان هلك ميمون ثم السلطان أبو الحسن على أخيه أبى على وصار أولاد ميمون في جملته وزحف السلطان أبو الحسن إلى تلمسان يجر أمم المغرب وأجحر إلى زيان بتلمسان ثم اقتحمها عليهم عنوة وأبترهم ملكهم وقتل السلطان أبا تاشفين عند شدونة وبعث كلمته في أقطار المغرب الاقصى والادنى إلى تخوم الموحدين من اندلس وبعث وجمع كلمة زناتة واستتبعهم تخت لواتة وفر بنو عامر(6/46)
من زغبة أولياء بنى عبد الواد إلى القفر كما نذكره ورفع السلطان أبو الحسن قوم عريف بن يحيى بمحلته على كل عربي في ايالته من زغبة والمعقل وكان عقد سمعون بن سعيد على الناجعة من سويد وهلك أيام نزول السلطان بتاسالة سنة ثنتين وثلاثين قبل فتح تلمسان وولى من بعده أخوه عطية وهلك لاشهر من ولايته بعد فتح تلمسان فعقد السلطان لوزمار بن عريف على سويد وسائر بنى مالك وجعل رياسة البدو حيث كان من أعماله وأخذ الصدقات منهم والاتاوات فعكفت على هيئة أمم البدو واقتدى بشوراه
رؤساؤهم وابن عمه المسعود بن سعيد ولحق ببنى عامر وأجلبوا على السلطان بدعاء صرارشة ابنه أبى عبد الرحمن فجمع لهم وزمار وهزمهم كما نذكره وسفر عريف بين السلطان أبى الحسن وبين الملوك لعهده من الموحدين بافريقية وبنى الاحمر بالاندلس والترك بالقاهرة ولم يزل على ذلك إلى ان هلك السلطان أبو الحسن (ولما تغلب) السلطان أبو عنان على تلمسان كما سنذكره رعى لسويد ذمة الانقطاع إليه فرفع وزمار بن عريف على سائر رؤسا البدو من زغبة وأقطعه السرسو وقلعة ابن سلامة وكثيرا من بلاد توجين وهلك أبو عريف بن يحيى فاستقدمه من البدو وأجلسه بمكان أبيه من مجلسه جوار اركينة ولم يزل على ذلك وعقد لاخيه عيسى على البدو من قومه ثم بنى عبد الواد بعد ملك السلطان أبى عنان عادت لهم الدولة بأبى حمو موسى بن يوسف بن عبد الرحمن بن يحيى بن أبى يغمراسن من أعياص ملوكهم وتولى كبر ذلك صغير ابن عامر وقومه لما لهم مع آل زيان من الولاية وما كان لبنى مرين فيهم من النعمات فملكوا تلمسان ونواحيها وعقدوا على سويد لميمون ابن سعيد بن عثمان وتاب وزمار بن عريف ورأى الترهب والخروج عن الرياسة فبنى حصنا بوادي ملوية من تخوم بنى مرين ونزل به وأقام هنالك لهذا العهد وملوك بنى مرين يرعون له ذمة اختصاصه سلفهم فيؤثرونه بالشورى والمداخلة في الاحوال الخاصة مع الملوك والرؤساء من سائر النواحى فتوجهت إليه بسبب ذلك وجوه أهل الجهات من الملوك وشيوخ العرب ورؤساء الاقطار ولحق أخواه أبو بكر ومحمد بقومهم فمكروا بالميمون ودسوا عليه من قتله غيلة من ذويهم وحاشيتهم واستبدوا برياسة البدو ثم لما نصب بنو حصين بن زيان ابن عم السلطان أبى حمو للملك كما نذكره ورشحوه للمنازعة سنة سبع وستين وسبعمائة هبت من يومئذ ريح العرب وجاش مرجلهم على زناتة ووطؤا من تلول بلادهم بالمغرب الاوسط فأعجزوا عن حمايته وولجوا من فروجها ما قصرو عن سده ودبوا فيها دبيب الظلال في الفيوء فتملكت زغبة سائر البلاد
بالاقطاع من السلطان طوعا وكرها رعيا لخدمته وترغيبا فيها وعدة وتمكينا لقوته حتى(6/47)
أفرجت لهم زناتة عن كثيرها ولجؤا إلى سيف البحر وحصل كل منهم في الفلول على ما يلى موطنه من بلاد القفر فاستولى بنو يزيد على بلاد حمزة وبنى حسن كما كانوا من قبل ومنعوا المغارم واستولى بنو حسين على ضواحي المدينة اقطاعا والعطاف على نواحى مليمانة والديالم على وزنية وسويد على بلاد بنى توجين كلها ما عدا جبل ونشريس لتوعره بقيت فيه لمة من توجيز رياستهم لاولاد عمر بن عثمان من الجشم بنى تيفرين كما نذكره وبنى عامر على تاسالة وميلانة إلى صيرور إلى كيدزة الجبل المشرف على وهران وتماسك السلطان بالامصار وأقطع منها كلميتو لابي بكر بن عريف ومازونة لمحمد بن عريف ونزلوا لهم عن سائر الضواحى فاستولوا عليها كافة وأوشك بهم أن يستولوا على الامصار وكل أول فالى آخر ولكل أجل كتاب وهم على ذلك لهذا العهد ومن بطون سويد هؤلاء بطن بنواحي البطحاء يعرفون بهبرة ينسبهم الناس إلى مجاهد بن سويد وهم يزعمون انهم من قوم المقداد بن الاسود وهم بهذا من قضاعة ومنهم من يزعم أنهم من تجيب احدى بطون كندة والله أعلم ومن ظواعن سويد هؤلاء ناجعة يعرفون بصبيح ونسبهم إلى صبيح بن علاج بن مالك ولهم عدد وقوة وهم يظعنون وبد ويقيمون بمقامهم (وأما الحرث بن مالك) وهم العطاف والديالم فموطن العطاف قبلة مليانة ورياسة ظعونهم لولد يعقوب بن نصر بن عروة من منصور بن أبى الذئب بن حسن ابن عياض بن عطاف بن زيان بن يعقوب وابن أخيه على بن أحمد وبنيهم ومعهم طائفة من براز احدى بطون الاثبج وأقطعهم السلطان مغارم جبل دراك وما إليه من وادى شلب وحال بينهم وبين موطن سويد ونشريس ولهم بلاد وزنية في قبلة الجبل رياستهم في ولد ابراهيم بن زروق بن رعاية من مزروع بن صالح بن ديلم والسعد بن العباس بن ابراهيم منهم لهذا العهد وكانت من قبل لعمه أبى يحيى بن ابراهيم وتقبض عليه
السلطان أبو عثمان باشره عريف بن يحيى وأغرى به وهلك في محبسه (وفيهم بطون كثيرة) منهم بنو زيادة بن ابراهيم بن روى والدها بقة أولاد هلال بن حسن وبنو نوال بن حسن أيضا وكلهم اخوة ديلم بن حسن وابن عكرمة من مزروع بن صالح ويعرفون بالعكارمة وهؤلاء العطاف والديالم أقل عددا من سويد وأولياؤهم م في فتتتهم مع بنى عامر لمكان العطية من نسب مالك ولسويد عليهم اعتزاز بالكثرة والديالم أبعد مجالا منهم في القفر ويحاذيهم في مواطنهم من جانب التلول بطن من بطون الحرث يعرفون بغريب نسبهم إلى غريب بن حارث حى حلول مالك المواطن يطلبهم السلطان في العسكرة ويأخذ منهم المغارم وهم أهل شاء وبقر ورياستهم في أبناء مزروع بن خليفة بن خلوف بن يوسف بن بكرة بن منهاب بن مكتوب بن منيع بن مغيث بن محمد الغريب وهو جدهم بن حارث(6/48)
وترادفهم في رياستهم على غريب أولاد يوسف وهم جميعا أولاد بنى منيع وسائر غريب من الاحلاف شيوخهم أولاد كامل والله مالك الخلق والامر(6/49)
* (بنو عامر بن زغبة) * وأما بنو عامر بن زغبة فمواطنهم في آخر مواطن زغبة من المغرب الاوسط قبلة تلمسن مما يلى المعقل وكانت مواطنهم من قبل ذلك في آخرها مما يلى المشرق وكانوا مع في يزيد حيا جميعا وكانوا يغلبون غيرهم في مواطن حمزة والدهوس وبنى حسن ميرة اقواتهم في المصيف ولهم على وطن بنى يزيد ضريبة من الزرع متعارفة بين أهله لهذا العهد يقال انها كانت لهم أزمان تغلبهم في ذلك الوطن وقيل ان أبا بكر بن زغبي في فتنته مع رياح غلبوه على الدهوس من وطنه فاستصرخ بنى عامر فجاؤا لصريخه وعلى بنى يعقوب داود بن عطاف وعلى بنى حميد يعقوب بن معروف وعلى شافع بن صالح ابن بالغ وغلبوا رياحا بعز كان وفرض لهم على وطن بنى يزيد ألف غرارة واستمرت لهم
عادة عليهم ولما نقلهم يغمراسن إلى مواطنهم هذه لمحاذاة تلمسان ليكونوا حجزا بين المعقل وبين وطنها استقروا هنالك يتقلبون في قعارها في المشاتى ويظهرون إلى التلول في المرابع والمصايف وكان فيهم ثلاثة بطون بنو يعقوب بن عامر وبنو حميد ابن عامر وبنو شافع بن عامر وهم بنو شقارة وبنو مطرف ولكل واحد من البطنين الآخرين أفخاذ وعمائر ولبنى حميد فصائل أخرى فمنهم بنو حميد ومن عبيد الحجر وهم بنو حجاز بن عبيد وكان له من الولد حجرش وهجيش ابني حجاز وحجوش حامد ومحمد ورياب ومن محمد الولالدة بنو ولاد بن محمد ومن رياب بنو رياب وهم معروفون لهذا العهد ومن عبيد أيضا العقلة بنو عقيل بن عبيد والمحارزة بنو محرز بن حمزة بن عبيد وكانت الرياسة على حميد لعلاق من هؤلاء المحارزة وهم الذين قبل حجوش جد بنى رياب وكانت الرياسة على بنى عامر كافة لبنى يعقوب على عهد يغمراسن وابنه لداود بن هلال بن عطاف بن رداد بن ركيش بن عياد بن منيع بن يعقوب منهم وكان بنو حميد أيضا بريشهم وشيخهم الا انه رديف لشيخ بن يعقوب منهم وكانت رياسة حميد لاولاد رياب بن حامد بن جوش بن حجاز بن عبيد بن حميد ويسمون الحجز وعلى عهد يغمراسن لمعرف بن سعيد بن رياب منهم وهو رديف لداود كما قلناه ووقعت بين عثمان وبين داود بن عطاف مغاضبة وسخطه عثمان لما أجاز الامير أبا زكريا ابن السلطان أبى اسحق من آل أبى حفص حين فر من تلمسان طالب الخروج على الخليفة بتونس وكان عثمان بن يغمراسن في بيعته فاعتزم على رجعه فأبى داود من اخفار ذمته في ذلك ورحل معه حتى لحق بعطية بن سليمان من شيوخ الزواودة وتغلب على بجاية وقسنطينة كما يذكر في أخباره وأقطع داود بن هلال رعيا لفعلته وطنا من بلاد حمزة يسمى كدارة وأقام داود هنالك في مجالاتهم الاولى إلى ان نازل يوسف بن يعقوب تلمسان(6/51)
وطال حصاره لها فوفد عليه داود مؤملا صلاح حاله لديه وحمله صاحب بجاية رسالة
إلى يوسف بن يعقوب فاستراب به من أجلها فلما قفل من وفادته بعث في اثره خيالة من زناتة بيتوه ببنى يبقى في سد وقتلوه وقام بأمره في قومه ابنه سعيد ونفس مخنق الحصار عن تلمسان وكان قبل بنى مرين وسيلة رعاها لهم بنو عثمان بن يغمراسن فرجعوهم إلى مواطنهم ومع قومهم وقد اغتر أولاد معرف بن سعيد في غيبتهم تلك يساجلونهم في رياسة بنى عامر وعض كل واحد بمكان صاحبه واختص بنو معرف باقبال الدولة عليهم لسلامتهم من الحزازة والخلاف ونزع سعيد بن داود لاجل هذه الغيرة إلى بنى مرين ووفد على السلطان أبى ثابت من ملوكهم يؤمل به الكرة فلم يصادف لها محلا ورجع إلى قومه وكانوا مع ذلك حيا جميعا ولم تزل السعاية بينهم تدب حتى عدا ابراهيم ابن يعقوب بن معرف على سعيد بن داود فقتله وتناول قتله ماضى بن ردان من أولاد معرف بن عامر بمجالاته وتعصب عليه أولاد رياب كافة فافترق أمر بنى عامر وصاروا حيين بنو يعقوب وبنو حميد وذلك لعهد أبى حمو موسى بن عثمان من آل زيان وقام بأمر بنى يعقوب بعد سعيد ابنه عثمان ثم هلك بعد حين ابراهيم بن يعقوب شيخ بنى حميد وقام مقامه من قومه ابنه عامر بن ابراهيم وكان شهما حازما وله ذكر ونزل المغرب قبل عريف بن يحيى ونزل على السلطان أبى سعيد وأصهر إليه ابنته فأنكحه عامر اياها وزفها إليه ووصله بمال له خطر فلم يزل عثمان يحاول أن يثأر منه تارة والصلح والاجتماع أخرى حتى غدره في بيته وقتله فيه الشنعاء التى تنكرها العرب فتقاطع الفريقان لذلك آخر الدهر وصارت بنو يعقوب احلافا لسويد في فتنتهم مع بنى حميد هؤلاء ثم تلاحقت ظواعن سويد بعريف ابن يحيى في مكانه عند بنى مرين واستطال ولد عامر بن ابراهيم بقومهم على بنى يعقوب فلحقوا بالمغرب ولم يزالوا به إلى ان جاؤا في عساكر السلطان ابى الحسن وهلك شيخهم عثمان قتله أولاد عريف بن سعيد بثار عامر بن ابراهيم وولى بعده ابن عمه هجر بن غانم بن هلال فكان رديفا له في حياته ثم هلك وقام بأمرهم بعده عمه سليمان بن داود ولما تغلب
السلطان أبو الحسن على تلمسان فر بنو عامر بن ابراهيم إلى الصحراء وكان شيخهم لذلك العهد صغير ابنه واستأنف السلطان على يد عريف بن يحيى سائر بطون حميد وأولاد رياب فحالف صغيرا اخوانه إلى السلطان وولى عليهم شيخا من بنى عمهم عريف بن سعيد وهو يعقوب بن العباس بن ميمون بن عريف ووفد بعد ذلك عمر بن ابراهيم عم صغير فولاه عليهم واستخدمهم ولحق بنو عامر بن ابراهيم بالزواودة ونزلوا على يعقوب بن على ولم يزالوا هناك حتى شبوا نار الفتنة بالدعى بن هيدور الملبس بشبه أبى عبد الرحمن(6/52)
ابن السلطان أبى الحسن وأعانه على ذلك أهل الحقوق على الدولة والاضغان من الديالم وأولاد ميمون بن غنم بن سويد نقموا على الدولة مكان عريف وابنه ونرمار منها فاجتمعا وبايعا لهذا الداعي وأوعز السلطان إلى ونرمار بحربهم فنهض عليهم بالعرب كافة وأوقع بهم وفضهم ومزق جموعهم وطال مفر مقير بن عامر واخوته في القفار وأبعدوا في الهرب قطعوا لعرق الرمل الذى هو سياج على مجالات العرب ونزل قليعة والذوا وطنها ووفد من بعد ذلك على السلطان أبى الحسن منذ نمى به فقبل واستوهن أخاه أبا بكر وصحب السلطان إلى افريقية وحضر معه واقعة القيروان ثم رجع إلى قومه وعادوا جميعا إلى لواتة بنى يغمراسن واستخدموا قبائلهم لابي سعيد عثمان ابن عبد الرحمن بن يحيى بن يغمراسن الدائل بتلمسان بعد واقعة القيروان أعوام خمسين وسبعمائة فكان له ولقومه فيها مكان ولحق سويد وبنو يعقوب بالمغرب حتى جاؤا في مقدمة السلطان أبى عنان ولما هلك بنو عبد الواد وافترق جمعهم فر صغير إلى الصحراء على عادته وأقام بالقفر يترقب الخوارج ولحق به أكثر قومه من بنى معرف بن سعيد فأجلب بهم على كل ناحية وخالف أولاد حسين بالمعقل على السلطان أبى عنان أعوام خمسة خمسين وما بعدها ونازلوا سجلماسة فكاثرهم وكان معهم وأوقعت بهم عساكر بنى مرين في بعض سنى خلائهم وهم بنكور يمتارون فاكتسحوا عامة
أموالهم وأثخنوا فيهم قتلا وأسرا ولم يزالوا كذلك شريدا في الصحراء وسويد وبنو يعقوب بمكانهم من المجالات وفى حظهم عند السلطان حتى هلك السلطان أبو عنان وجاء أبو حمو موسى بن يوسف اخو السلطان أبى سعيد عثمان بن عبد الرحمن لطلب ملك قومه بتلمسان وكان مستقرا بتونس منذ غلبهم أبو على على أمرهم فرحل مقير إلى وطن الزواودة ونزل على يعقوب بن على ازمان خلافه على السلطان أبى عنان وداخله في استخلاص أبى حمو هذا من ايالة الموحدين للاجلاب على وطن تلمسان وبنى مرين الذين به فأرسلوا معه الآلة ومضى به مقير وصولة بن يعقوب بن على وزيان بن عثمان ابن سباع وشبل بن أخيه ملوك بنى عثمان ومن بادية رياح دعار بن عيسى بن رحاب بقومه من سعيد وبلغوا معهم إلى تخوم بلادهم فرجع عنهم رياح دعار بن عيسى وشبل ابن ملوك ومضوا لوجههم ولقيتهم جموع سويد وكان الغلب لبنى عامر وقتل يومئذ شيخ سويد بن عيسى بن عريف واسراخوه أبو بكر ثم من عليه على بن عمر بن ابراهيم وأطلقه ولم يتصل الخبر بفاس الا والناس منصرفون من جنازة السلطان أبى عنان ثم أجلب أبو حمو بالمغرب على تلمسان فأخذوها وغلب عساكر بنى مرين عليها واستوسق ملكه بها ثم هلك مقير لسنتين أو نحوهما حمل نفسه في جولة فتنة في الحى يروم تسكينها(6/53)
على بعض الفرسان فاعترضه سنان رمح على غير قصد فأنفذه وهلك لوقته وولى رياستهم من بعده أخوه خالد بن عامر يرادفه عبد الله ابن أخيه مقير وخلصت زغبة كلها للسلطان أبى حمو فأساء بنى مرين لما كان بينهم من الفتنة واستخدمهم جميعا على مضاربهم وعوائدهم من سويد وبنى يعقوب والديالم والعطاف حتى إذا كانت فتنة أبى زيان بن السلطان أبى سعيد عم أبى حمو كما نذكره في خبرهم جاش مرجل الفتنة من زغبسة واختلفوا على أبى حمو وتقبض على محمد بن عريف أمير سويد لاتهامه اياه بالادهان في أمره فنزع أخوه أبو بكر وقومه إلى صاحب المغرب عبد العزيز ابن
السلطان أبى الحسن سنة سبعين وسبعمائة وجاؤا في قومته واستولى على مواطنهم ولحق بنو عامر وأبو حمو بالصحراء وطال ترددهم فيها وسعى عند أبى حمو في خالد من عمومته وأقاربه عبد الله بن عسكر بن معرف بن يعقوب ومعرف هو أخو ابراهيم بن يعقوب وكان عبد الله حذاء بطانة للسلطان وعينا فاستفسد بذلك قلب خالد وتغير ونبذ إليه عهده ونزع عنه إلى السلطان عبد العزيز وجاءت به عساكر بنى مرين فأوقع بالسلطان أبى حمو ومن معه من العرب وهلك عبد العزيز سنة أربع وسبعين فارتحل إلى المغرب هو وعبد الله ابن أخيه مقير ولحقهم ساسى بن سليم بن داود شيخ بنى يعقوب كان قومه بنى يعقوب قتلوا أبناء محمد بن عريف فحدثت بينهم فتنة ولحق ساسى هذا وقومه بالمغرب وصحب خالدا يؤمل به الكرة ويئسوا من صريخ بنى مرين لما بينهم من الفتنة فرجعوا إلى أوطانهم سنة سبع وسبعين وأضرموا نار الفتنة وخرجت إليهم عساكر السلطان أبى حمو مع ابنه أبى تاشفين وزحف معه سويد والديالم والعطاف فأوقعوا بهم على وادى مينا قبلة القلعة وقتل عبد الله بن مقير وأخوه ملوك في قرابة لهم آخرين وسار فلهم شريدا إلى الصحراء ولحقوا بالديالم والعطاف واجتمعوا جميعا إلى سالم بن ابراهيم كبير الثعالبة وصاحب وطن تيجه وكان يتوحش لابي حمو لحنقه فاتفقوا على الخلاف وبعثوا إلى الامير أبى زيان بمكان من وطن رياح فجاءهم وتابعوه وأمكنه سالم من الجزائر ثم هلك خالد في بعض تلك الايام فافترق أمرهم وولى على بنى عامر المسعود بن مقير وزحف إليهم أبو حمو في سويد وأوليائه من بنى عامر واستخدم سالم بن ابراهيم وخرج أبو زيان إلى مكانه من وطن رياح ولحق المسعود بن عامر وقومه بالقفر ولحق ساسى بن سليم بيعقوب بن على وقومه من الزواودة ثم راجعوا جميعا خدمة السلطان وأوفدوا عليه فأمنهم وقدموا عليه وأظهروا البر والرحب بالمسعود وساسى وطوى لهم على السوء ثم داخل بطانة من بنى عامر وسويد في نكبتهم فأجابوه ومكر بهم وبعث ابنه أبا تاشفين لقبض الصدقات من قومهم حتى(6/54)
اجتمع له ما أراد من الجموع فتقبض على المسعود وعشرة من اخوانه بنى عامر بن ابراهيم ونهض أبو تاشفين والعرب جميعا إلى أحياء بنى يعقوب وكانوا سراة وقد أرصد لهم سويد بوادي مينا فصبحهم بنو عامر بمكانهم واكتسحوهم وصار فلهم إلى الصحراء فاعترضهم أبو تاشفين ببنى راشد فلم يبق لهم باقية ونجا ساسى بن سليم إلى الصحراء في فل قليل من قومه ونزل على النضر بن عروة واستبد برياسة بنى عامر سليمان بن ابراهيم بن يعقوب عم مقير ورديفه عبد الله بن عسكر بن معرف بن يعقوب وهو أقرب مكانا من السلطان وخلعه ثم بعث صاحب المغرب السلطان أبو العباس أحمد بن الولى أبا سالم بالشفاعة في المسعود واخوانه بوسيلة من ونرمار بن عريف بعد ان كان مداخلا لابي حمو ولاخوانه في نكبتهم فأطلقهم أبو حمو بتلك الشفاعة فعادوا إلى الخلاف وخرجوا إلى الصحراء واجتمع إليهم الكثير من أولاد ابراهيم بن يعقوب واجتمع أيضا فل بنى يعقوب من مصداحهم إلى شيخهم ساسى بن سليم ونزلوا جميعا مع عروة وأوفد اخوانه على السلطان أبى العباس صاحب افريقية لهذا العهد منتدبا به وصريخا على عدوه فتلقاه من البر والاحسان ما يناسبه وأفاض في وفده العطاء وصرفه بالوعد الجميل وشعر بذلك أبو حمو فبعث من عيونه من اغتاله ووفد بعدها على السلطان أبى العباس صاحب افريقية على بن عمر بن ابراهيم وهو ابن عم خالد بن محمد وكبير النفر المخالفين من بنى عامر على أبى حمو ووفد معه سليمان بن شعيب بن عامر فوفدوا عليه بتونس يطلبون صريخه فأجابهم ووعدهم واحسب الاحسان والمبرة أمامهم ورجعوا إلى قومهم ثم راجع على بن عمر خدمة أبى حمو وقدمه على بنى عامر وأدال به من سليمان بن ابراهيم بن عامر فخرج سليمان إلى أهل بيته من ولد عامر بن ابراهيم الذين بالصحراء ونزلوا مع بنى يعقوب بأحياء أبى بكر بن عريف وهو على ذلك لهذا العهد والله مقدر الليل والنهار اه(6/55)
ساسى بن سليم > بن داود بن هلال بن عطاف بن رداد بن كريش بن عياد بن منيع بن يعقوب عنان بن سعيد عبد الله بن عسكر بن معرف يعقوب بن العباس بن ميمون بن عريف مقير - بن عامر - بن ابراهيم - بن يعقوب بن معرف - بن سعيد - بن رياب بن حامد - بن جحرش - بن حجاز - بن عبيد - بن حميد - بن عامر مسعود مقراد السجادة السعادلة خالد سليمان عريف بن زيان على بن عثمان بن سلطان بن وانود بن عبد الله عمر بن زبان بن مسعود بن شداد بن محمد أحمد هجيش علاق بن المحاوزة - بن حمزة عجزه الغقله الدوقه
ذوى عيسى شقارة - بن شافع مطرد(6/56)
* (عروة بن زغبة) * وأما عروة بن زغبة فهم بطنان النضر بن عروة وخميس بن عروة وبطون خميس ثلاثة عبيد الله وفرغ ويقظان من بطون فرغ بنو قائل احلاف أولاد يحيى من المعمور القاطنين بجبل راشد وبنو يقظان وعبيد الله احلاف لسويد يظعنون لظعنهم ويقيمون لاقامتهم ورياستهم لاولاد عابد من بطن راشد وأما النضر بن عروة فمنتبذون بالقفر ينتجعون في رماله ويصعدون إلى اطراف التلول في ايالة الديالم والعطاف وحصين وتخوم أوطانهم وليس لهم ملك ولا اقطاع لعجزهم عن دخول التلول بلغتهم وممانعة بطون زغبة الآخرين عنها الا ما تغلبوا عليه في أذناب الوطن بجبل المستند مما يلى وطن رياح يسكنه قوم من عمرة وزناتة استمر عليهم غلب العرب منذ سنين فوضع النضر هؤلاء عليهم الاتاوة وأصاروهم خولا ورعية وربما نزل منهم مع هؤلاء البرابر من عجز عن الظعن في بيوتهم ولهم بطون مذكورة أولاد خليفة والخماننة وشريعة والسحاوى وذوى زيان وأولاد سليمان ورياستهم جميعا في أولاد خليفة بن النضر بن عروة وهى لهذا العهد لمحمد بن زيان بن عسكر بن خليفة ورديفه سمعون بن أبى يحيى بن خليفة بن عسكر وأكثر الصحارى موطنون بجبل المستند الذى ذكرناه ورياستهم في أولاد وناجعة هؤلاء النضر أحلاف لزغبة دائما فتارة للحرب وحصين جيرانهم في المواطن وتارة لبنى عامر في فتنتهم مع سويد وندبتهم مع بنى عامر فيما يزعمون بأبى قحافة وسمعت من مشايخهم انه ليس بأب لهم وانما هو اسم واد كان به حلفهم قديما وربما سودوا على بنى عامر الا أنه في الاقل والندرة وهم إلى حلف
بنى عامر أقرب وأسرع لما ذكرناه وربما ظاهروا رياحا بعض المرات في فتنتهم لجوار الوطن الا أنه قليل أيضا وفى النادر ويتناولون في الاكثر مع البادية من رياح مثل مسلم وسعيد وربما وقعت بينهم حروب في القفر يصيب فيها بعض من دماء بعض هذه بطون زغبة وما تأدى الينا من أخبارهم ولله الخلق والامر وهو رب العالمين(6/57)
سمعون بن يحيى بن خليفة < بن عسكر بن خليفة - بن النضر - بن عروة بن زغبة شيوخ ذوى سليم شريعة محمد بن زيان السحاوى خمامنة ذوى زيان أولاد عابد بن يقظان - بن خميس - سليم عبد الله بنو نائل - بن فرغ بنو جابر (الخبر عن المعقل من بطون هذه الطبقة الرابعة وانسابهم وتصاريف أحوالهم) هذا القبيل لهذا العهد من أوفر قبائل العرب ومواطنهم بقفار المغرب الاقصى مجاورون لبنى عامر من زغبة في مواطنهم بقبلة تلمسان وينتهون إلى البحر المحيط من جانب الغرب وهم ثلاثة بطون ذوى عبيد الله وذوى منصور وذوى حسان فذوي عبيد الله
منهم هم المجاورون لبنى عامر ومواطنهم بين تلمسان وتاوريرت في التل وما يواجهها من القبلة ومواطن ذوى منصور من تاوريرت إلى بلاد درعة فيستولون على ملوية كلها إلى سلجماسة وعلى درعة وعلى ما يحاذيها من التل مثل تازى وعساسا ومكناسة وفاس وبلاد تادلا والمقدر ومواطن ذوى حسان من درعة إلى البحر المحيط وينزل شيوخهم(6/58)
بلاد قول قاعدة السوس فيستولون على السوس الاقصى وما إليه وينتجعون كلهم في الرمال إلى مواطن الملثمين من كدالة ومسوفة ولمتونة وكان دخولهم إلى المغرب مع الهلاليين في عدد قليل يقال انهم لم يبلغوا المائتين واعترضهم بنو سليم فأعجزوهم وتحيزوا إلى الهلاليين منذ عهد قديم ونزلوا بآخر مواطنهم مما يلى ملوية ورمال تافيلالت وجاوروا زناتة في القفار والقريبة فعفوا وكثروا وأسروا في صحارى المغرب الاقصى فعمروا رماله وتغلبوا في فيافيه وكانوا هناك احلا فالزناتة أيامهم وبقى منهم بافريقية جمع قليل اندرجوا في جملة بنى كعب بن سليم وداخلوهم حتى كانوا وزراء لهم في الاستخدام للسلطان واستئلاف العرب فلما ملكت زناتة بلاد المغرب ودخلوا إلى الامصار والمدن قام هؤلاء المعقل في القفار وتفردوا في البيداء فنموا نموا لا كفاء له وملكوا قصور الصحراء التى اختطها زناتة بالقفر مثل قصور السوس غربا ثم توات ثم جودة ثم تامنطيت ثم واركلان ثم تاسبيبت ثم تبكورارين شرقا وكل واحد من هذه وطن منفرد يشتمل على قصور عديدة ذات نخيل وانهار وأكثر سكانها من زناتة وبينهم فتن وحروب على رياستها فجاز عرب المعقل هؤلاء الاوطان في مجالاتهم ووضعوا عليها الاتاوات والضرائب وصارت لهم جباية يعتدون فيها ملكا وكانوا من تلك السالفة يعطون الصدقات لملوك زناتة ويأخذونهم بالدماء والصوائل ويسمونها جمل الرحيل وكان لهم الخيار في تعيينها ولم يكن هؤلاء العرب يستحمون من أطراف المغرب وحلوله حمى ولا يعرضون لسابلة سلجماسة ولا غيرها من بلاد السودان باذية ولا مكروه لما كان
بالمغرب من اعتزاز الدين وسد الثغور وكثرة الحامية أيام الموحدين وزناتة بعدهم وكان لهم بازاء ذلك أقطاع من الدول يمدون إلى أخذه إليه السفلى وفيهم من مسلم سعيد بن رياح والعمور من الاثبج وعددهم كما قلنا قليل وانما كثروا بمن اجتمع إليهم من القبائل من غير نسبهم فان فيهم من فزارة ومن أشجع أحياء كبيرة وفيهم الشظة من كرفة والمهاية من عياض والشعراء من حصين والصباح من الاخضر ومن بنى سليم وغيرهم (وأما انسابهم عند الجمهور) فخضية ومجهولة وسلافة العرب من هلال يعدونهم من بطون هلال وهو غير صحيح وهم يزعمون أن نسبهم في أهل البيت إلى جعفر بن أبى طالب وليس ذلك أيضا بصحيح لان الطالبيين والهاشميين لم يكونوا أهل بادية ونجعة والصحيح والله أعلم من أمرهم انهم من عرب اليمن فان فيهم بطنين يسمى كل واحد منهما بالمعقل ذكرهما ابن الكلبى وغيره فأحدهما من قضاعة بن مالك بن حمير وهو معقل بن كعب بن غليم بن خباب بن بن عبد الله بن كناتة بن بكر ابن عوف بن عذرة بن زيد بن اللات بن رفيدة بن ثور بن كعب بن وبرة بن ثعلب بن حلوان(6/59)
ابن عمران بن الحاف بن قضاعة والاخر من بنى الحرث بن كعب بن عمرو بن علة بن جلد بن مذحج واسمه مالك بن أدد بن زيد بن يشجب بن عريب بن زير بن كهلان وهو معقل واسمه ربيعة بن كعب بن ربيعة بن كعب بن الحرث والانسب أن يكونوا من هذا البطن الآخر الذى من مذحج كان اسمه ربيعة وقد عده الاخباريون في بطون هلال الداخلين إلى افريقية لان مواطن بنى الحرث بن كعب قريب من البحرين حيث كان هؤلاء العرب مع العراقة قبل دخولهم إلى افريقية ويؤيده ان ابن سعيد لما ذكر مذحج وأنهم بجهات الجبال من اليمن وذكر من بطونهم زبيد ومراد ثم قال وبافريقية منهم فرقة وبرية ترتحل وتنزل وهؤلاء الذين ذكر انما هو المعقل الذين هم بافريقية وهم فرقة من هؤلاء الذين بالمغرب الاقصى (ومن املاء نسابتهم) أن معقل جدهم له
من الولد سحير ومحمد فولد سحير عبيد الله وثعلب فمن عبيد الله ذوى عبيد الله البطن الكبير منهم ومن ثعلب الثعالبة الذين كانوا ببسيط متيجة من نواحى الجزائر وولد محمد مختار ومنصور وجلال وسالم وعثمان فولد مختار بن محمد حسان وشبانة فمن حسان ذوى حسان البطن المذكور أهل السوس الاقصى ومن شبانة الشبانات جيرانهم هنا لك ومن جلال وسالم وعثمان الرقيطات بادية لذوى حسان ينتجعون معهم وولد منصور بن محمد حسين وأبو الحسين وعمران وشب يقال لهم جميعا ذوى منصور وهو أحد بطونهم الثلاثة المذكورة والله سبحانه وتعالى اعلم بغيبه وأحكم حسان ب - ن مختار ب - ن محمد ب - بن معقل شبانة روح محمد بن عثمان على جلال ثعلب بن سجير عبيد الله حسين ب - ن منصور مبنا أبو الخير عمران سالم(6/60)
* (ذوى عبيد الله) * فأما ذوى عبيد الله فهم المجاورون لبنى عامر بن زغبة من سلطان بنى عبد الواد من زناتة
فمواطنهم من بين تلمسان إلى وجدة إلى منصب وادى ملوية في البحر ومنبعث وادى صامن القبلة وتنتهى رحلتهم في القفار إلى قصور توات وتمنطيت وربما عاجوا إلى ذات الشمال إلى تاسايت وتوكرارين وهذه كلها رقاب القفر إلى بلد السودان وبينهم وبين بنى عامر فتن وحروب موصولة وكان لهم مع بنى عبد الواد مثلها قبل السلطان والدولة فما كانوا أحلافا لبنى مرين وكان المنبات من ذوى منصور أحلافا لبنى عبد الواد فكان يغمراسن يوقع بهم أكثر أوقاته وينال منهم إلى أن صحبوا بسبب الجوار واعتزت عليهم الدولة فأعطوا الصدقة والطوائل وعسكروا مع السلطان في حروبه ولم يزل ذلك إلى ان لحق الدولة الهرم الذى يلحق مثلها فوطنوا التلول وتملكوا وجدة وندرومة وبنى يزناس ومديونة وبنى سنوس اقطاعا من السلطان إلى ما كان لهم عليها قبل من الاتاوات والوضائع فصار معظم جبايتها لهم وضربوا على بلد هنين بالساحل ضريبة الاجازة منها إلى تلمسان فلا يسير ما بينهما مسافر أيام حلولهم بساحتها الا باجازتهم وعلى ضريبة يؤديها إليهم وهم بطنان الهراج والخراج فالخراج من ولد فراج بن مطرف بن عبيد الله ورياستهم في أولاد عبد الملك وفرج بن على بن أبى الريش بن نهار بن عثمان بن خراج لاولاد عيسى بن عبد الملك ويعقوب بن عبد الملك ويغمور بن عبد الملك وكان يعقوب بن يغمور شيخهم لعهد السلطان أبى الحسن ولما تغلب على تلمسان استخدم له عبيد الله هؤلاء وكان يحيى بن العز من رجالة بنى يرناس أهل الجبل المطل على وجدة وكان له قدم في خدمة الدول فاتصل بالسلطان أبى الحسن ورغبه في ملك قصور هذه الصحراء فبعثه مع هؤلاء العرب في عسكر ودخل معهم إلى الصحراء وملك تلك القصور واستولى عليها وأسف عبيد الله بانتزاع أملاكهم وسوء المعاملة لهم فوثبوا به وقتلوه في خبائه وانتهبوا عسكر السلطان الذين معه ونقضوا الطاعة وفر يعقوب بن يغمور فلم يزل شريدا بالصحراء سائر أيامه ورجع بعد ذلك ثم عادت دولة بنى عبد الواد فصدوا في ولايتها فلم يزل على ذلك وخلفه ابنه طلحة وكان أيام خلاف
يعقوب وانتقاضه رأس على الخراج من أهل بيته منصور بن يعقوب بن عبد الملك وابنه رحوا من بعده وجاء أبو حمراء فكان له في خدمته ومخالطته قدم فقدمه شيخا عليهم فرياستهم لهذا العهد منقسمة بين رحو بن منصور بن يعقوب بن عبد الملك وبين طلحة بن يعقوب المذكور آنفا وربما نازعه ولهم بطون كثيرة فمنهم الجعاونة من جعوان بن خراج والغسل من غاسل بن خراج والمطارفة من مطرف بن(6/61)
خراح والمهايا من عثمان بن خراج وفيهم رياستهم كما قلناه ومعه الناجعة يسمون بالمهايا ينسبون تارة إلى المهايا بن عياض وقدمنا ذكرهم وتارة انى مهايا بن مطرف وأما الهراج فمن ولد الهراج بن مهدى بن محمد بن عبيد الله ومواطنهم في ناحية المغرب عن الخراج فيحاورون بنى منصور ولهم تاوريرت وملؤها وخدمتهم في الغالب لبنى مرين واقطاعاتهم من أيديهم ومواطنهم تحتهم ورجوعهم إلى عبد الواد في الاقل وفى بعض الاحايين ورياستهم في ولد يعقوب بن هبا بن هراج لاولاد مرين بن يعقوب وأولاد مناد ابن رزق الله بن يعقوب وأولاد فكرون بن محمد بن عبد الرحمن بن يعقوب من ولد حريز ابن يحيى الصغير بن موسى بن يوسف بن حريز كان شيخا عليهم أيام السلطان عبد العزيز وهلك عقبه ورأس عليهم ابنه ومن ولد متاد أبو يحيى الكبير بن مناد كان شيخا قبل أبى يحيى الصغير وبالاضافة إليه وصف بالصغير ومنهم أبو حميدة محمد بن عيسى بن مناد وهو لهذا العصر رديف لشيخهم من ولد ابى يحيى الصغير وهو كثير التقلب في القفار والغزو للقاصية ولاهل الرمال والملثمين والله مللك الملوك لا رب غيره ولا معبود سواه وهو نعم المولى ونعم النصير(6/62)
* (الثعالبة) * وأما الثعالبة اخوتهم من ولد ثعلب بن على بن بكر بن صغير أخى عبيد الله بن صغير
فهو المنهى لهذا العهد بمتيجة من بسيط الجزائر وكانوا قبلها يتطيرون ومواطن حصين لهذا العهد نزلوها منذ عصور قديمة وأقاموا بها حيا حلولا ويظهر أن نزولهم لها حين كان ذوى عبيد الله في مواطن بنى عامر لهذا العهد وكان بنو عامر في مواطن بنى سويد فكانت مواطنهم لذلك العهد متصلة بالتلول الشرقية فدخلوا من ناحية كزول وتدرجوا في المواطن إلى ضواحي المدينة ونزلوا جبل تيطرى وهو جبل اشير الذى كانت فيه المدينة الكبيرة فلما بلغت بنو برحين على التلول وملكوا وانشريس زحف محمد بن عبد القوى إلى المدينة فملكها وكانت بينهم وبينه حروب وسلم إلى أن وفدت عليه مشيختهم فتقبض عليهم وأغزى من وراءهم من بقية الثعالبة واستلحمهم واكتسح أموالهم وغلبهم بعدها على تيطرى وأزاحهم عنها إلى متيجة وأنزل قبائل حصين تيطرى وكانوا معه في عداد الرعايا يؤدون إليه المغارم والوظائف ويأخذهم بالعسكرة معه ودخل الثعالبة هؤلاء في ايالة ملكيش من صنهاجة ببسيط متيجة وأوطنوا تحت ملكتهم وكان لهم عليهم سلطان كما نذكره حتى إذا غلب بنو مرين على المغرب الاوسط واذهبوا ملك ملكيش منها استبد الثعالبة هؤلاء بذلك البسيط وملكوه وكانت رياستهم في ولد سباع بن ثعلب بن على بن مكر بن صغير ويزعمون ان سباعا هذا كان إذا وفد على الموحدين يجعلون من فوق عمامته دينارا يزن عددا من الدنانير سابقة في تكرمته وترفيعه (وسمعت) من بعض مشيختنا ان ذلك لما كان من كرامته للامام المهدى حين أجاز بهم فانه مر بهم ساعيا فحملوه واستقرت الرياسة في ولد سباع هذا في بنى يعقوب بن سباع أولا فكانت لهم مددا ثم في عقب حنيش منهم ثم غلب السلطان أبو الحسن على ممالك بنى عبد الواد ونقلهم إلى المغرب وصارت الولاية لهم لابي الحملات ابن عائد بن ثابت وهو ابن عم حنيش وهلك في الطاعون الجارف أواسط هذه المائة الثامنة لعهد نزول السلطان أبى الحسن بالجزائر من تونس فولى عليهم ابراهيم بن نصر ولم تزل رياستهم إليه إلى أن هلك بعد استيلاء السلطان أبى عنان عن المغربين كما نذكره
في أخباره وقام برياستهم ابنه سالم وكانوا أهل مغارم ووضيعة للبكش ومن بعدهم من ولاة الجزائر حتى إذا هبت ربح العرب أيام خروج أبى زيان وحصين على أبى حمو أعوام ستين وسبعمائة كما ذكرناه وكان شيخهم لذلك العهد سالم بن ابراهيم بن نصر بن حنيش بن أبى حميد بن ثابت بن محمد بن سباع فأخبت في تلك الفتنة وأوضع وعاقد أبو حمو وانتقض عليه مرارا وغلب بنو مرين على تلمسان فتحيز إليهم وكانت رسله ووفده(6/64)
تقدموا إليهم بالمغرب ثم هلك السلطان عبد العزيز ورجع أبو حمو إلى ملكه ونزلت الغوائل فخشيه سالم واستدعى أبا زيان ونصبه بالجزائر وزحف إليه أبو حمو سنة تسع وسبعين فقض جمعه وراجع سالم خدمته وفارق أبا زيان كما نذكره في أخباره ثم زحف إليه أبو حمو وحاصره بجبال متيجة أيام قلائل واستنزله على عهده ثم أخفره وتقبض عليه وقاده إلى تلمسان أسيرا وقتله قعصا بالرماح وذهب أثره وما كان له من الرياسة التى لم تكن الثعالبة لها بأهل ثم تتبع اخوانه وعشيره وقبيلة بالقتل والسبي والنهب إلى ان دثروا والله يخلق ما يشاء(6/65)
* (ذوى منصور) * وأما أولاد منصور بن محمد فهم معظم هؤلاء المعقل وجمهورهم ومواطنهم تخوم المغرب الاقصى من قبلته ما بين ملوية ودرعة وبطونهم أربعه أولاد حسين وأولاد أبى الحسين وهما شقيقان والعمارية أولاد عمران والمنيات أولاد منبا وهما شقيقان أيضا ويقال لهذين البطنين جميعا الاحلاف فأما أولاد أبى الحسن فعجزوا عن الظعن ونزلوا قصورا اتخذوها بالقفر ما بين تافييلات وتيكورارين وأما أولاد حسين فهم جمهور ذوى منصور ولهم العزة عليهم ورياستهم أيام بنى مرين في أولاد خالد بن جرمون ابن حرار بن عرفة بن فارس بن على بن عبد الواحد بن يحيى ثم لاخيه زكريا ثم لابن عمه
أحمد بن رحو بن غانم ثم لاخيه يعيش ثم لابن عمه يوسف بن على بن غانم لهذا العهد وكانت لبنى مرين فيهم وقائع أيام يعقوب بن عبد الحق وابنه يوسف وسيأتى في أخبار بنى مرين غزوة يوسف بن يعقوب من مراكش إليهم وكيف أوقع بهم بصحراء درعة ولما أقام بالشرق على تلمسان محاصرا لها أحلف هؤلاء العرب من المعقل على أطراف المغرب ما بين درعة وملوية إلى تاوريرت وكان العامل يومئذ بدرعة عبد الوهاب بن صاعد من صنائع الدولة وكبار ولاتها فكانت بينه وبينه حروب قتل في بعضها ثم هلك يوسف بن يعقوب ورجع بنو مرين إلى المغرب فأخذوا منهم بالثأر حتى استقاموا على الطاعة وكانوا يعطون الصدقة أطوع ما يكون إلى أن فشل ريح الدولة واعتزت العرب فصاروا يمنعون الصدقة الا في الاقل يغلبهم السلطان على اعطائها ولما استولى السلطان أبو عنان على تلمسان أعوام خمسين وسبعمائة وفر صغير بن عامر إلى الصحراء ونزل عليهم واستجار بهم فأجاروه ونزل السلطان عليهم ذلك فأجمعوا نقض طاعته وأقاموا معه بالصحراء وصغير متولى كبر ذلك الخلاف حتى إذا هلك أبو عنان وكان من سلطان أبى حمو بتلمسان ما نحن ذاكروه وزحف بنو مرين إلى تلمسان ففر منها أبو حمو وصغير ونزلوا عليهم فأوقعوا بعسكر بنى مرين بنواحي تلمسان واتسع الخرق بينهم وبين بنى مرين فانحازوا إلى أبى حمو وسلطانه واقطعهم بضواحيه ثم رجعوا إلى أوطانهم بعد مهلك السلطان أبى سالم أعوام ثلاث وستين على حين اضطراب المغرب بفتنة أولاد السلطان أبى على ونزولهم بسجلماسة فكان لهم في ذلك الفتنة آثار إلى أن انقشعت ثم كان لاحمر بن رحو مع أبى حمو جولة وأجلب عليه بأبى زيان حافد أبى تاشفين فقتل في تلك الفتنة كما نذكره ثم اعتدوا على الدولة من بعد ذلك وأكثر مغارم درعة لهذا العهد وأقطع ببلاد تادلا والمعرر من تلك البنايا التى منها دخولهم إلى المغرب للمربع والمصيف ولميرات الاقوات وسجلماسة من مواطن اخوانهم الاحلاف كما نذكره وليست من(6/66)
مواطنهم فأما درعة فهى من بلاد القبلة موضوعة حفا في الوادي الاعظم المنحدر من جبل درن من بوهة يخرج منها وادى أم ربيع ويتساهل إلى البسائط والتلول ووادى دريعة ينحدر إلى القبلة مغربا إلى أن يصب في الرمل ببلاد السوس وعليه قصور درعة وواد آخر كبير أيضا ينحدر إلى القبلة مشرقا بعض الشئ إلى ان يصب في الرمل دون تيكو رارين وفى قبلتها وعليه من جهة المغرب قصور توات ثم بعدها تمنطيت ثم بعدها وركلان وعندها يصب في الرمل وفى الشمال عن ركان قصور تسابيت وفى الشمال عنها إلى الشرق قصور يتكورارين والكل وراء عرب الرمل وجبال درن هي الجبال العظيمة الجاثمة سياجا على المغرب الاقصى من آسفى إلى تازى وفى قبلتها جبل نكيسة لصنهاجة وآخره جبل ابن حميدي من طرف هسكورة ثم ينعطف من هنا لك جبال أخرى متوازية حتى تنتهى إلى ساحل بادس من البحر الرومي وصار المغرب لذلك الجزيرة أحاطت الجبال به من القبلة والشرق والبحر ومن المغرب والجوف واعتمر هذه الجبال والبسائط التى بينها أمم من البربر لا يحصيهم الا خالقهم والمسالك بين هذه الجبال إلى المغرب منحصرة ثم معدودة وبازاء القبائل المعتمرين لها كاظة ومصب وادى درعة هذا إلى الصحراء والرمال ما بين سجلماسة وبلاد السوس ويمتد إلى أن يصب في البحر ما بين نون ووادان وحفا فيه قصور لا تحصى شجرتها النخل وقاعدتها بلد تادنست بلد كبير يقصده التجر للسلم في النيلج وانتظار خروجه بالصناعة ولاولاد حسين هؤلاء استيلاء على هذا الوطن ومن بازائه في فسيح جبلة من قبائل البربر صناكة وغيرهم ولهم عليهم ضرائب وخفرات ووضائع ولهم في مجابى السلطان اقطاعات ويجاورهم الشبانات من أولاد حسان من ناحية الغرب فلهم بسبب ذلك على درعة بعض الاتاوات (وأما الاحلاف) من ذوى منصور وهم العمارية والمنبات فمواطنهم مجاورة لاولاد حسين من ناحية الشرق وفى مجالاتهم بالقفر تافيلات وصحراؤها وبالتل ملوية وقصور وطاط وتازى وبطوية وعساسة لهم على ذلك كله
الاتاوات والوضائع وفيها الاقطاعات السلطانية وبينهم وبين أولاد حسين فتنة ويجمعهم العصبية في فتنة من سواهم ورياسة العمارية في أولاد مظفر بن ثابت بن مخلف بن عمران وكان شيخهم لعهد السلطان أبى عنان طلحة بن مظفر وابنه الزبير ولهذا العهد محمد بن الزبير وأخوه موسى ويراد فهم في رياستهم أولاد عمارة بن قلان بن مخلف فكان منهم محمد العائد ومنهم لهذا العهد سليمان بن ناجى بن عمارة ينتجع في القفر ويكثر الغزو إلى اعتراض العير وقصور الصحراء ورياسة المنبات لهذا العهد لمحمد بن عبد بن حسين بن يوسف بن فرج بن منبا وكانت أيام السلطان أبى عنان لاخيه على من قبله(6/67)
وترادفهم في رياستهم ابن عمهم عبد الله بن الحاج عامر بن أبى البركات بن منبا والمنبات والعمارية اليوم إذا اجتمعوا جميعا يكثر أولاد حسين وكان للمنبات كثرة لاول دولة بنى مرين وكان خلفهم مع بنى عبد الواد وكان مقدمه يغمراسن بن زيان في افتتاح سجلماسة وتملكها من أيدى الموحدين ثم تغلب بنو مرين عليها وقتلوا من حاربها من مشيختهم مع بنى عبد الواد ثم أوقعوا بالمنبات من بعد ذلك في مجالاتهم بالقفر واستلحموهم فنقص عددهم لذلك آخر الايام والله مالك الامور لا رب سواه(6/68)
* (ذوى حسان عرب السوس) * وأما بنو مختار بن محمد فهم كما قدمناه ذوى حسان والشبانات والرقيطات ومنهم أيضا الجياهنة وأولاد أبو ريه وكانت مواطنهم بنواحي ملوية إلى مصية في البحر مع اخوانهم ذوى منصور وعبيد الله إلى أن استصرخهم على بن يدر الزكندرى صاحب السوس من بعد الموحدين ونسبه ابن عمه في عرب الفتح وكانت بينه وبين كزولة الظواعن ببسائط السوس وجباله فتنة طويلة استصرخ لها بنى مختار هؤلاء فصارخوه وارتحلوا إليه بظعونهم وحمدوا مواطن السوس لعدم المزاحم من الظواعن
فيها فأوطنوها وصارت مجالاتهم بقفرها وغلبوا كزولة وأصاروهم في جملتهم ومن ظعونهم وغلبوا على القصور التى بتلك المواطن في سوس ونول ووضعوا عليها الاتاوات مثل تارودانت من سوس وهى ضفة وادى سوس حيث يهبط من الجبل وبين مصبه ومصب وادى ماسة حيث الرباط المشهور مرحلة الى القبلة ومن هناك إلى زوايا أولاد بنى نعمان مرحله أخرى في القبلة على سائر البحر وتواصت على وادى نول حيث يدفع من جبل نكيسة غربا وبينها وبين ايفرى مرحلة والعرب لا يغلبونها وانما يغلبون على البسائط في نواحيها وكانت هذه المواطن لعهد الموحدين من جملة ممالكهم وأوسع عمالاتهم فلما انقرض أمر الموحدين حجبت عن ظل الدولة وخرجت عن ايالة السلطان الا ما كان بها لبنى يدر هؤلاء الذين قدمنا ذكرهم وكان على ابن يدر مالكا لقصورها وكان له من الجند نحو ألف فارس وولى من بعده عبد الرحمن بن الحسن بن بدر وبعده أخوه على بن الحسن وكان لعبد الرحمن معهم حروب وفتن بعد استظهاره بهم وهزموه مرات متتابعة أعوام خمس وسبعمائة وما بعده وغدر هو بمشيختهم وقتلهم بتارودانت سنة ثمان من بعد ذلك وكان لبنى مرين على هؤلاء المعقل السوس وقائع وأيام وظهر يعقوب بن عبد الحق ببنى مرين في بعضها الشبانات على بنى حسان واستلحم منهم عددا وحاصرهم يوسف بن يعقوب بعدها فأمسكوها وأغرمهم ثمانية عشر ألفا وأثخن فيهم يوسف بن يعقوب ثانية سنة ست وثمانين وحاربتهم جيوشه أيضا أياما لحق بهم بنو كمى من بنى عبد الواد وخالفوا على السلطان فترددت إليهم العساكر واتصلت الحروب كما نذكر في أخباره (ولما استفحل) أمر زناتة بالمغرب وملك أبو على ابن السلطان أبى سعيد سجلماسة واقتطعها عن ملك أبيه بصلح وقع على ذلك انضوى إليه هؤلاء الاعراب أهل السوس من الشبانات وبنى حسان ورغبوه في ملك هذه القصور فأغزاها من تخوم وطنه بدرعة ودخل القرى عنوة وفر على بن الحسن وأمه إلى جبال نكيسة عند صنهاجة ثم رجع ثم غلب السلطان أبو الحسن(6/69)
واستولى على المغرب كله ورغبه العرب في مثلها من قصور السوس فبعث معهم عساكره وقائده حسون بن ابراهيم بن عيسى من بنى يرنيان فملكها وجبى بلاد السوس وأقطع فيه للحرب وساسهم في الجباية فاستقامت حاله مدة ثم انقرض أمر السلطان أبى الحسن فانقرض ذلك ورجع السوس إلى حاله وهو اليوم ضاح من ظل الدولة والعرب يقتسمون جبايته ورعاياه من قبائل المصامدة وصنهاجه قبائل الجباية والظواعن منهم يقتسمونهم خولا للعسكرة مثل كزولة مع بنى حسان وزكرز ولخس من لمطة مع الشبانات هذه حالهم لهذا العهد ورياسة ذوى حسان في أولاد أبى الخليل بن عمر بن عفير بن حسن بن موسى بن حامد بن سعيد بن حسان بن مختار لمخلوف بن أبى بكر بن سليمان بن الحسن بن زيان بن الخليل ولاخواته ولا أدرى رياسة الشبانات لمن هي منهم الا أنهم حرب لبنى حسان آخر الايام والرقيطات في غالب أحوالهم أحلاف للشبانات وهم أقرب إلى بلاد المصامدة وجبال درن وذوى حسان أبعد في القفر والله تعالى يخلق ما يشاء لا اله الا هو(6/70)
{ الخبر عن بنى سليم بن منصور من هذه الطبقة الرابعة وتعديد بطونهم وذكر أنسابهم وأولية أمرهم وتصاريف أحوالهم } ونبدأ أولا بذكر بنى كعب وأخبارهم وأما بنى سليم هؤلاء فبطن متسع من اوسع بطون(6/71)
مضر وأكثرهم جموعا وكانت منازلهم بنجد وهم بنو سليم بن منصور بن عكرمة ابن خضفة بن قيس وفيهم شعوب كثيرة ورياستهم في الجاهلية لبنى الشريد بن رياح لبنى ثعلبة بن عطية بن خفاف بن امرئ القيس بن بهنة بن سليم وعمر بن الشريد عظيم مضر وأبناؤه صخر ومعاوية فصخر أبو الخنساء وزوجها العباس بن مرداس
صحابي حضرت معه القادسية (ومن بطون سليم) عطية ورعل وذكوان الذان دعا عليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم لما فتكوا باصحابه فحمد ذكرهم وكان بنو سليم لعهد الخلافة العباسية شوكة بغى وفتنة حتى لقد أوصى بعض خلفائهم ابنه أن لا يتزوج فيهم وكانوا يغيرون على المدينة وتخرح الكتائب من بغداد إليهم وتوقع بهم وهم منتبذون بالقفر ولما كانت فتنة القرامطة صاروا حلفاء لابي الطاهر وبنيه أمراء البحرين من القرامطة مع بنى عقيل بن كعب ثم لما انقرض أمر القرامطة غلب بنو سليم على البحرين بدعوة الشيعة لما أن القرامطة كانوا على دعوتهم ثم غاب بنو الاصفر بن تغلب على البحرين بدعوة العباسية أيام بنى بويه وطردوا عنها بنى سليم فلحقوا بصعيد مصر وأجازهم المستنصر على يد الاروزى وزيره إلى افريقية لحرب المعز بن باديس عند خلافته عليهم كما ذكرنا ذلك أولا فأجازوا مع الهلاليين وأقاموا ببرقة وجهات طرابلس زمانا ثم صاروا إلى افريقية كما يذكر في الخبر عنهم وبافريقية وما إليها من هذا العهد من بطونهم أربعة بطون زغب وذياب وهبيب وعوف * فاما زغب فقال ابن الكلبى في نسبته زغب بن نصر بن خفاف بن امرئ القيس بن بهنة بن سليم وقال أبو محمد التجانى من مشيخة التونسيين في رحامة انه زغب بن ناصر بن خفاف بن جرير ابن ملاك بن خفاف وزعم أنه أبو ذياب وزغب الاصغر الذين هم الآن من أحياء بنى سليم بافريقية وقال أبو الحسن بن سعيد هو زغب بن مالك بن بهنة بن سليم كانوا بين الحرمين وهم الآن بافريقية مع اخوانهم ونسب ذياب بن مالك بن بهنة فالله أعلم بالصحيح من ذلك ونسب ابن سعيد والتجانى لهولاء قريب بعضه من بعض ولعله واحد وسقط لابن سعيد جد * وأما هبيب فهو ابن بهنة بن سليم ومواطنهم من أول أرض برقة مما يلى افريقية إلى العقبة الصغيرة من جهة الاسكندرية أقاموا هنا لك بعد دخول اخوانهم إلى افريقية وأول ما يلى الغرب منهم بنو حميد لهم اجرابية وجهاتها وهم عديد يرهبهم الحاج ويرجعون إلى شماخ لها عدد ولهم العز في هيت لكونها صارت خصب برقة الذى منه
المرج وفى شرقيهم إلى العقبة الكبيرة شمال ومحارب والرياسة في هاتين القبيلتين لبنى عزازوهم المعروفون بالعزة وجميع بطون هبيب هذه استولت على اقليم طويل خربوا مدنه ولم يبق فيه مملكة ولا ولاية الا لاشياخهم وفى خدمتهم بربر ويهود يحترفون(6/72)
بالفلاحة والتجر ومعهم من رواحة وفزارة أمم واشتهر لهذا العهد يبرقة من شيوخ اعرابها أبو ذؤيب ولا أدرى نسبه فيمن هو وهم يقولون من العزة وقوم يقولون من بنى احمد وقوم يجعلونه من فزارة هنا لك قليل عددهم والغلب لهيب فكيف تكون الرياسة لغيرهم * وأما عوف فهو ابن بهنة بن سليم ومواطنهم من وادى قابس إلى أرض بونة ولهم حرمان عظيمان بمرداس وعلاق يطنان بنو يحيى وحصن وفى أشعار هؤلاء المتأخرين منهم مثل حمزة بن عمر شيخ الكعوب وغيره أن يحيى وعلاقا أخوان ولبنى يحيى ثلاثة بطون حمير ودلاج ولحمير بطنان ترحم وكردم ومن ترحم الكعوب بنو كعب ابن أحمد بن ترحم ولحصن بطنان بنو على وحكيم ونحن نأتى على الحكاية عن جميعهم بطنا بطنا وكانوا عند اجازتهم على اثر الهلاليين مقيمين ببرقة كما ذكرناه وهنا لك نزل عليهم القاضى أبو بكر بن العربي وأبوه حين غرقت سفينتهم ونجوا إلى الساحل فوجدوا هنا لك بنى كعب فنزل عليهم فأكرمه شيخهم كما ذكر في رحلته ولما كانت فتنة ابن غانية وقراقش الغزق بجهات طرابلس وقابس وضواحيها كما نذكر في أخبارهم كان بنو سليم هؤلاء فيمن تجمع إليهم من حوبان العرب وأوثاب القبائل فاعصو صبوا عليهم وكان لهم معهم حروب وقتل قراقش ثمانين من الكعوب وهربوا إلى برقة واستصرخوا برياح من بطون سليم ودبكل من حمير فصارخوهم إلى أن تجلب عليابة تلك الفتنة بمهلك قراقش وابن غانية من بعده وكان رسوخ الدولة الحفصية بافريقية ولما هلك قراقش واتصلت فتنة ابن نمانية مع أبى محمد بن أبى حفص ورجع بنو سليم إلى أبى محمد صاحب افريقية وكان ابن غانية الزواودة من رياح وشيخهم مسعود البلط فر من المغرب ولحق به فكان
معه هو وبنوه وبنو عوف هؤلاء من سليم مع الشيخ أبى محمد فلما استبد ابنه الامير أبو زكريا بملك افريقية رجعوا جميعا إليه واشفوف للزواودة فلما انقطع دابر ابن غانية صرف عزمه إلى اخراج رياح من افريقية لما كانوا عليه من العبث بها والفساد فجاء بمرداس وعلاق وهما بنو عوف بن سليم هؤلاء من بطونهم بنواحي السواحل وقابس واصطنعهم ورياسة مرداس يومئذ في أولاد جامع وبعده لابنه يوسف وبعده هنان بن جابر بن جامع ورياسة علاق في الكعوب لاولاد شيخه ابن يعقوب بن كعب وكانت رياسة علاق عند دخولهم افريقية لعهد هذا المعز وبنيه لرافع بن حماد وعنده راية جده التى حضر بها مع النبي صلى الله عليه وسلم وهو جد بنى كعب فيما يزعمون فاستظهر بهم السلطان على شأنه وأنزلهم بساح القيروان وأجزل لهم الصلات والعوائد وزاحموا الزواودة من رياح بمنكب بعد أن كان لهم استطالة على جميع بلاد افريقية وكانت لهم آية اقطاع لمحمد بن مسعود بن سلطان أيام الشيخ أبى محمد بن أبى حفص فأقبل إليه(6/73)
مرداس في بعض السنين غيرهم للكيد ونزلوا به فرأ وانعمة الزواودة في تلولهم تلك فشرهوا إليها وأجمعوا طلبها فحاربوهم فغلبوهم وقتلوا رزق بن سلطان واتصلت الفتنة فلما حضرهم الامير أبو زكريا صادف عندهم القبول لتحريضه فاعصو صبوا جميعا على فتنة الزواودة وتأهبوا لها وتكررت بينهم وبين رياح الحروب والوقائع حتى أزاحوهم عن افريقية إلى مواطنهم لهذا العهد بتلول قسنطينة وبجاية إلى الزاب وما إليه ثم وضعوا أوزار الحرب وأوطن كل حيث قسمت له قومه وملك بنو عوف سائر ضواحي افريقية وتغلبوا عليه واصطنعهم السلطان وأثبتهم في ديوان العطاء ولم يقطع شيأ من البلاد واختص بالولاية منهم أولاد جامع وقومه فكانوا له خالصة وثم تدبيره في غلب الزواودة ورياح في ضواحي افريقية وازعاجهم عنها إلى ضواحي الزاب وبجاية وقسنطينة وطال بالدولة واختلف حالهم في الاستقامة معها والنفرة وضرب السلطان
بينهم ابن علاق فنشأت الفتنة وسخط عنان بن جابر شيخ مرداس من أولاد جامع مكانه من الدولة فذهب مغاضبا عنها وأقام بناجعته من مرداس ومن إليهم بنواحي المغرب في بلاد رياح من زاعز إلى ما يقاربها وخاطبه أبو عبد الله بن أبى الحسن خالصة السلطان أبى زكريا صاحب افريقية يومئذ يؤنبه على فعلته في مراجعة السلطان بقصيدة منها قوله وهى طويلة قدوا المهامه بالممرية القود * واطو وافلاة بتصويب وتصعيد وبقوله سلواد منة بين الغضى والسواحر * هل استن فيها واكفات المواطر فأجاب عن هذه عنان بقوله خليلي عوجا بين سلع وحاجر * بهوج عنا ببج نواج ضوامر يقيم عروة في النزوع عنهم السلطان بعض الشئ كما نذكره في أخبار الدولة الحفيصة ثم لحق بمراكش بالخليفة السعيد من بنى عبد المؤمن محرضا له على افريقية وآل أبى حفص وهلك في سبيله وقبر بسلا ولم يزل حال مرداس بين النفرة والاصحاب إلى أن هلك الامير أبو زكريا واستفحل ملك ابنه المستنصر من بعده وعلا الكعوب بذمة قومه من السلطان وكان شيخهم لعهده عبد الله بن شيخة فسعى عند السلطان في مرداس وكان أبو جامع مبلغا سعايته واعصوصبت عليه سائر علاق فحاربوا المرداسيين هؤلاء وغلبوهم على الاوطان والحظ من السلطان وأخرجوهم عن افريقية وصاروا إلى القفر وهم اليوم به من جهة يادية الاعراب أهل الفلاة ينزعون إلى الرسل ويمتارون من أطراف التلول تحت(6/74)
أحكام سليم أو رياح ويختصون بالتغلب على ضواحي قسنطينة أيام مرابع الكعوب ومصاجهم بالتلول فإذا انحدروا إلى مشاتيهم بالقفر أجفلت احياء مرداس إلى القفر
البعيد أو يخالطونهم على حلف ولهم على توزر ونفطة وبلاد قصطيله اتاوة يؤدونها إليهم بما هي مواطنهم ومجالاتهم وتصرفهم ولانها في الكثير من أعراضهم وصاروا لهذا العهد إلى تملك القفار بها فاصطفوا منه كثيرا واصبح منه عمران قسطينة لهم مرتابا واستقام أمر بنى كعب من علاق في رياسة عوف وسائر بطونهم من مرداس وحصين ورياح ودلاج ومن بطون رياح وعلا شأنهم عند الدولة واعتزوا على سائر بنى سليم ابن منصور واستقرت رياستهم في ولد يعقوب بن كعب وهم بنو شيخة وبنو طاهر وبنو على وكان التقدم لبنى شيخة بن يعقوب لعبد الله أولا ثم لابراهيم أخيه ثم لعبد الرحمن ثالثهما على ما يأتي وكان بنو على يرادفونهم في الرياسة وكان منهم بنو كثير بن يزيد ابن على وكان كعب هذا يعرف بينهم بالحاج لما كان قضى فرضه وكانت له صحابة مع أبى سعيد العود الرطب شيخ الموحدين لعهد السلطان المنتصر أفادته جاها وثروة وأقطع له السلطان أربعا من القرى أصارها لولده كان منها بناحية صفاقس وبافريقية وبناحية الجريد وكان له من الولد سبعة أربعة لام وهم اجر وماضي وعلى ومحمد وثلاثة لام وهم بريد وبركات وعبد الغنى فنازع أحمد أولاد شيخة في رياستهم على الكعوب واتصل بالسلطان أبى اسحق وأحفظهم ذلك فلحقوا بالدعى عند ظهوره وكان من شأنه ما قدمنا وهلك أحمد واستقرت الرياسة في ولده وكان له من الولد جماعة فمن عرفة احدى نساء بنى قاسم أبو الليل وأبو الفضل ومن الحكمية قائد وعبيد ومنديل وعبد الكريم السرى كليب وعساكر وجهد الملك وعبد العزيز ولما هلك أحمد قام بأمرهم بعده ابنه أبو الفضل ثم من بعده أخوه أبو الليل بن أحمد وغلب رياسة بنى أحمد هؤلاء على قومهم وتألفوا ولد اخوتهم جميعا وعرفوا ما بين أحيائهم بالاعشاش إلى هذا العهد ولما كان شأن الدعى بن أبى عمارة ويئس الفضل بن يحيى المخلوع وأوقع بالسلطان ابى اسحق وقتله وأكثر منه كما نذكره في موضعه لحق أبو حفص أخوه الاصغر بقلعة سنان من حصون افريقية وكان لابي الليل بن أحمد في نجاته ثم في القيام بأمره اثر
وقع منه أحسن المواقع فاصطنعه به وشيد من رياسته على قومه عندما أدال الله به من الدعى فاصطنع أبو الليل هذا بأمرهم وزاحم أولاد شيخة بمنكب قوى ولحق آخرهم عبد الرحمن بن شيخة ببجاية عندما اقتطعها الامير أبو زكريا بن سلطان أبى اسحق على ملك عمه السلطان أبى حفص فوفد عليه مستجيشا به ومرغبا له في ملك تونس يرجو بذلك كثرة رياسته فهلك دون مرامه وقبر ببجاية وانقرضت رياسة أولاد شيخة بمهلكه(6/75)
واستبد أبو الليل بالرياسة في الكعوب ووقع بينه وبين السلطان أبى حفص وحشة فقدم على الكعوب مكانه محمد بن عبد الرحمن بن شيخة وزاحمه به أياما حتى استقام على الطاعة ولما هلك قام بأمرهم ابنه أحمد واتصل أمر رياسته ونكبه السلطان أبو عصيدة فهلك في سجنه وولى بعده أخوه عمر بن أبى الليل وزاحمه هراج ابن عبيد بن أحمد بن كعب إلى أن هلك هراج كما نذكر ولما هلك عمر قام بأمره في قومه أخوه محمد بن أبى الليل وكفل مولاهم وحمزة ابن أخيه عمر وكان عمر مضعفا عاجزا فنازعه أولاد مهلهل ابن عمه قاسم وهم محمد ومسكيا ومرغم وطالب وعون في آخرين لم يحضرني أسماؤهم فترشحوا للاستبداد على قومهم ومجاذبة محمد ابن عمهم أبا الليل جبل اياعة فيهم ولم يزالوا على ذلك سائر أيامهم ولما ظهر هراج بن عبيد بن أحمد بن ؟ ؟ ؟ وعظم ضغائنه وعتوه وافساد الاعراب من احيائه السابلة وساء أثره في ذلك وأسس السلطان بالاعنراز عليه والاستراط في ماله وتوغلت له صدور الغوغاء والعامة فوفد على تونس عام خمسة وسبعمائة ودخل المسجد يوم الجمعة لابسا خفيه ونكر الناس عليه وطأه بيت الله عجف لم ينزعه وربما قال له في ذلك بعض المصلين إلى جنبه فقال انى أدخل بها بساط السلطان فكيف الجامع فاستعظم الناس كلمته وثاروا به لحينه فقتلوه في المسجد وارضوا الدولة بفعلهم وكان أمره مذكورا وقتل السلطان بعد ذلك آخاه كيسان وابن عمه شبل بن منديل بن أحمد وقام بامر الكعوب مريد محمد
ابن أبى ليلى وهراج بن عبيد مولاهم وحمزة أبناء عمر واستبد برياسة البدو ومن سليم بافريقية على مزاحمة من بنى عمهم مهلهل بن قاسم وأمثالهم وفحول سواهم وانتقض أحمد بن أبى الليل وابن أخيه مولاهم ابن عمر على السلطان سنة سبع وسبعمائة واستدعى عثمان بن أبى دبوس من مكانه بوطن ذباب فجاءه واجلب له على تونس ونزل كدية الصعتر بظاهرها وبرز إليهم الوزير أبو عبد الله بن برزيكن فهزمهم واستخدم أحمد بن أبى الليل ثم تقبض عليه واعتقل بتونس إلى أن هلك ووفد بعد ذلك مولاهم ابن عمر سنة ثمان فاعتقل معه ولحق أخوه حمزة بالامير أبى البقا خالد ابن الامير زكريا صاحب الثغر الغربي من افريقية بين يدى مهلب السلطان أبى عصيدة ومعه أبو على ابن كثير ويعقوب بن الفرس وشيوخ بنى سليم هؤلاء مورد الامير أبا البقاء في ملك الحضرة وجاز في صحبته وأطلق أخاه مولاهم من الاعتقال منذ دخول السلطان تونس سنة عشر وسبعمائة كما نذكر في خبره ثم لحق حمزة بالسلطان أبى يحيى زكريا ابن اللحيانى واتصلت به يده فرفعه على سائر العرب حتى لقد نفس ذلك عليه أخوه مولاهم و ؟ ع إلى السلطان أدر ؟ ؟ الطويل أمر الخلافة ولى سبعا ببجاية وثلاثين(6/76)
بعد استيلائه على الحضرة وسائر بلاد افريقية فاستخلصه السلطان لدولته ونابذه حمزة فأجلب عليه بالقرابة واحدا بعد واحد كما نذكره وداهن أخوه مولاهم في مناصحة السلطان ومالا حمزة على شأنه وربما نمى عنه الغدر فتقبض عليه السلطان وعلى ابنه منصور وعلى ربيبه زغدان ومغرار بن محمد بن أبى الليل وكان الساعي بهم إلى السلطان ابن عمهم عون بن عبد الله بن أحمد وأحمد بن عبد الواحد أبو عبيد وأبو هلال بن محمود ابن فائد وناجى بن أبى على بن كثير ومحمد بن مسكين وأبو زيد بن عمر بن يعقوب ومن هوارة فيصل بن زعزاع فقتلوا لحينهم سنة ثنتين وعشرين وبعث اشلاؤهم إلى حمزة فاشتد حنقه ولحق صريخا بأبى تاشفين بعساكر تلمسان لعهده من آل يغمراسن ومعه
محمد ابن السلطان اللحيانى المعروف بأبى ضربة قد نصبه للملك وأمدهم أبو تاشفين بعساكر زناتة وزحفوا إلى افريقية فخرج إليهم السلطان وهزمهم برغيش ولم يزل حمزة من بعدها مجلبا على السلطان أبى يحيى بالمرشحين من أعياص البيت الحفصى وأبو تاشفين صاحب تلمسان يمدهم بعساكره وتكررت بينهم الوقائع والايام سجالا كما نذكره في مواضعه حتى إذا استولى السلطان أبو الحسن وقومه من بنى مرين على تلمسان والغرب الاوسط سنة سبع وثلاثين وسبعمائة واستتبعوا بنى عبد الواد وسائر زناتة قصى حمزة من فتنته وانقطع حبلها في يده ولحق بالسلطان أبى الحسن مستشفعا به فتقبل السلطان أبو يحيى شفاعته وعفا له عن جرائمه وأحله محل الاصفاء والخلوص فشمر عن نصحه واجتهاده وظاهر قائده محمد بن الحكيم على تدريج افريقية وظهر البدو من الاعراب فاستقام أمر الدولة وتوثر مهادها وهلك حمزة سنة أربعين وسبعمائة بيد أبى عون نصر بن أبى على عبد السلام من ولد كثير بن زيد المتقدم الذكر في بنى على من بطون بنى كعب طعنه في بعض الحروب فأشواه وكان فيها مهلكه وقام بأمرهم من بعده ابنه عمر بمظاهرة شقيقه قتيبة ولكن أبا الليل تغلب على سائر الاخوة وللقرابة واستبد برياسة بنى كعب وسائر بنى يحيى وأقتاله بنو مهلهل ينافسونه ويرتقبون الادالة منه وكان مساهمه في أمره معن بن مطاعن من فزارة وزير أبيه وخرجوا على السلطان بعد مهلك حمزة أبيهم واتهموا ان قتل أبى عون اياهم انما كان بممالاة الدولة فنازلوا تونس وجمعوا لمحاصرتها أولاد مهلهل أمثالهم ثم اختلفوا ورحلوا عن البلد وانخذل طالب بن مهلهل وقومه إلى السلطان ونهض في أثرهم فأوقع بهم في القيروان ووفدت مشيختهم على ابنه الامير أبى العباس بقصره يداخلونه في الخروج على ابنه وكان فيهم معن بن مطاعن وزيرهم فتقبض عليه وقتله وأفلت الباقون وراجعوا الطاعة وأعطو الرهن (ولما هلك) السلطان أبو يحيى وقام بالامر ابنه عمر انحرفوا عنه وظاهروا أخاه أبا(6/77)
العباس صاحب الجريد وولى العهد وزحفوا معه بظواعنهم إلى تونس فدخلها وقتله أخوه عمر كما نذكره في موضعه وقتل معه أخاهم أبا الهول بن حمزة فأسعفهم بذلك ووفد خالد على صاحب المغرب السلطان أبى الحسن فيمن وفد عليه من وجوه الدولة وكافة المشيخة من افريقية وجاء في جملته حتى إذا استولى على البلاد قبض أيديهم عما كانت تمتد إليه من افساد السابلة وأخذ الاتاوة وانتزع الامصار التى كانت مقتطعة بأيديهم وألحقهم بأمثالهم من اعراب بلاد المغرب الاقصى من المعقل وزغبة فثقلت وطأته عليهم وتنكروا له وساء ظنه بهم وفشت فارات المفسدين من بداويهم بالاطراف فنسب ذلك إليهم ووفد عليه بتونس من رجالاتهم خالد بن حمزة وأخوه أحمد وخليفة بن عبد الله بن مسكين وخليفة بن أبى زيد من شيوخ حليم فسعى بهم عنده انهم داخلوا بعض الاعياص من أولاد اللحيانى من بنى أبى حفص كما في رحلته كما نذكره في موضعه فتقبض عليهم وبلغ خبرهم إلى الحى فناشبوا بقشطيلة والبريد فظفروا بزنابى من بقية آل عبد المؤمن من عقب أبى العباس ادريس الملقب بأبى ادريس آخر خلفائهم بمراكش واستيلاؤه على المغرب وهو أحمد بن عثمان بن ادريس فنصبوه وبايعوه واجتمعوا عليه وناشبت معهم بنو عمهم مهلهل أقتالهم وكان طالب هلك وقام مكانه فيهم ابنه محمد فصرخهم بقومه واصفقوا جميعا على حرب زناتة ونهض إليهم السلطان أبو الحسن من تونس فاتح تسع وأربعين فأجفلوا امامه حتى نزل القيروان ثم ناجزوه ففضوا جموعه وملؤا حقائبهم باسلابه واسلابهم وخضدوا من شوكة السلطان وألانوا من حد الملك وخفضوا من أمر زناتة وغلبهم الامم وكان يوم له ما بعده في اعتزاز العرب على الدول آخر الايام وهلك أبو الليل بن حمزة فعجز عمر عن مقامة اخوته واستبد بالرياسة عليه أخوه خالد ثم من بعده أخوهما منصور واعتز على السلطان أبى اسحق ابن السلطان أبى يحيى صاحب تونس لعهد اعتزار الاكفاء له وانبسطت أيدى العرب على الضاحية وأقطعتهم الدولة حتى غلبوا
على الضاحية وقاسموهم في جبايات الامصار بالاقطاع ريفا وصحراء وتلولا وجريدا ويحرضون بين اعياص الدولة ويجلبون بهم على الحضرة لما يعطونه طعمة من الدولة ويرميهم السلطان باقتالهم أولاد مهلهل بن قاسم بن أحمد يديل به منهم حتى احفظوها ويحرش بينهم بقضاء أوطارها حتى إذا أراد الله انقاذ الامة من هوة الخسف وتخليصهم من مكاره الجوع والخوف وادالتهم من ظلمات الموت بنور الاستقامة بعث همة السلطان أمير المؤمنين أبى العباس أحمد ايده الله لطلب ارثه من الخلافة فبعث من بالحضرة فانبعث لها من مكان امارنه بالثغر العربي ونزل إليه أمير البدو(6/78)
ومنصور ابن حمزة هذا وذلك سنة احدى وسبعين وسبعمائة على حسين مهلك السلطان أبى اسحق مقتعد كرسى الحضرة وصاحب عصا الخلافة والجماعة وقام ابنه خالد بالامر من بعده فنهض إلى افريقية ودخل تونس عنوة واستولى على الحضرة سنة ثنتين بعدها وارهف حده للعرب في الاعتزاز عليهم وقبض أيديهم عن المفاسد وذويهم فحدثت لمنصور نفرة عن الدولة ونصب الامير أبو يحيى زكريا ابن السلطان ابن أبى يحيى جدهم الاكبر كان في احياء العرب منذ سنين كما نذكر ذلك كله في اخبار الدولة وأجلب به على تونس سنة ثلاث وسبعين فامتنعت عليهم ولم يظفروا بشئ وراجع منصور حاله عند السلطان وكشف عن وجه المناصحة وكان عشيرته قد ملوا منه حسدا ومنافة بسوء ملكته عليهم فغدا عليه محمد ابن أخيه أبى الليل وطعنه فاشواه وهلك ليومه سنة خمس وسبعين وافترق جمعهم وقام بأمرهم من بعده صولة ابن أخيه خالد بن حمزة ويرادفه أولاد مولاهم ابن عمر فجهد بعض الشئ في خدمة السلطان ومناصحته ثم رجع إلى العصيان وكشف القناع في الخلاف واتصل حاله على ذلك ثلاثا وادال السلطان منه ومن قومه باقتالهم أولاد مهلهل ورياستهم لمحمد بن طالب فرجع إليهم رياسة البدو وجعل لهم المنع والاعطاء فيهم ورفع رتبهم على العرب وتحيز إليه معهم أولاد مولاهم
ابن عمر بن أبى الليل ونقلت أولاد حمزة سائر هذه الايام في الحلاف ونهض السلطان سنة ثمانين إلى بلاد الجريد لتقديم رؤسائها عن المراوغة وحملهم على جادة الطاعة فتعرضوا لمدافعته عنها باملاء هذه الرؤساء ومشارطتهم لهم على ذلك وبعد ارجعوا له الجموع من دومان العرب الاعراب وذياب البدو فغلبهم عليها جميعا وازاحهم عن ضواحيها وظفر بفرائسة من أولئك الرؤساء وأصبحوا بين معتقل ومشرد واستولى على قصورهم وذخائرهم وأبعد أولاد حمزة وأحلافهم من حكيم المفر وجاوزوا تخوم بلادهم من جهة المغرب واعتزت بعد الفساد وانفتحت أبو اب الرحمة على العباد وقد كان اعتزاز هؤلاء العرب على السلطان والدولة لا ينتهى إليه اعتزاز ولهم عنجهية واباية وخلق في التكبر الذى هو غريزة لما انهم لم يعرفوا عهد الاول ولا يسامون باعطاء الصدقات لهذا العهد الاول اما في دولة بنى أمية فللعصبية التى كانت للعرب بعضها مع بعض يشهد بذلك اخبار الردة والحلفاء معهم مع أمثالهم مع أن الصدقة كانت لذلك العهد تتحرى الحق بجانب الاعتزاز والغلظة فليس في اعطائها كثير غمط ولا مذلة واما أيام بنى العباس حين استفحال الملك وحدوث الغلظة على أهل العصابة فلابعادهم بالقفر من بلاد نجد وتهامة وما وراءهما وأما أيام العبيديين فكانت الحاجة تدعو الدولة إلى استمالتهم للفتنة التى كانت بينهم وبين بنى العباس واما حين خرجوا بعد ذلك إلى فضاء برقة(6/79)
وافريقية فكانوا ضاحين من ظل الملك ولما اصطنعهم بنو أبى حفص كانوا معهم بمكان من الذل وسوم الخسف حتى كانت واقعتهم بالسلطان أبى الحسن وقومه من زناتة بالقيروان فنهجوا سبيل الاعتزاز لغيرهم من العرب على الدول بالمغرب فتحامل المعقل وزغبة على ملوك زنانة واستطالوا في طلابهم بعد ان كانوا مكبوحين بحكمة الغلب عن التطاول إلى مثلها والله مالك الامور صولة بن خالد بن حمرة بن عمر بن أبى الليل بن احمد بن كعب بن على بن يعقوب بن كعب
بن احمد بن ترحم بن حميد بن يحيى بن علان بن عوف بن امرئ القيس بن بهسثه بن سليم - عمر - منصور - خالد بن على مولاهم - سليمان بن عبد الله بن احمد - زعلان يحيى بن مسكيابن مهلهل بن قاسم - عون - أبو الفضل - عبيد - فائد - محمد بن طالب مرغه - محمد - عبد الغنى - ماضى - اجر - الحاج - بنو عون بن نصر بن ابى على عبد السلام بن كثير بن يزيد - كردم - حبيب بن رياخ - دلاج - حصن - منصور قتيبة - احمد - منديل - مغرار بن محمد - منديل - عساكر - كليب - عبد العزيز عبد الملك - بريد - بركات - محمد - على - عبد الله بن شيخة - عبد الرحمن - ابراهيم(6/80)
{ الخبر عن قاسم بن مرا من الكعوب القائم بالسنة في سليم ومآل أمره وتصاريف أحواله } كان هذا الرجل من الكعوب من أولاد أحمد بن كعب منهم وهو قاسم بن مر ابن أحمد نشأ بينهم ناسكا منتحلا للعبادة ولقى بالقيروان شيخ الصلحاء بعصره أبا يوسف الدهانى وأخذ عنه ولزمه ثم خرج إلى قومه مقتفيا طريقة شيخه في التزام الورع والاخذ بالسنة ما استطاع ورأى ما العرب عليه من افساد السابلة والخروج عن الجادة فأخذ نفسه بتغيير المنكر فيهم واقامة السنة لهم ودعا إلى ذلك عشيره من أولاد أحمد وان يقاتلوا معه على ذلك فأشار عليه أولاد ابى الليل منهم وكانوا عيبة له تنصح له أن ينكف عن طلب ذلك من قومه مخافة ان يلحوا في عداوته فيفسد أمره ودفعوه إلى مطالبة غيرهم من سليم وسائر الناس بذلك وانهم منعة له ممن يرومه خاصة فجمع إليه أوباشا من البادية تبعوه على شأنه والتزموا طريقته والمرابطة معه وكانه يسمون بالجنادة وبدا بالدعاء إلى اصلاح السابلة بالقيروان وما إليها من بلاد الساحل وتتبع المحاربين بقتل من يعثر عليه منهم بالطرق وغزو المشاهير منهم في بيوتهم واستباحة أموالهم ودمائهم حتى شردهم كل مشرد وعلت بذلك كلمته على آل حصن وصلحت السابلة بافريقية ما بين تونس والقيروان وبلاد الجريد وطار له ذكر نفسه عليه قومه وأجمع عداوته واغتياله
بنو مهلهل قاسم بن أحمد وتنصحوا ببعض ذلك للسلطان بتونس الامير ابن حفص وأن دعوة هذا الرجل قادحة في أمر الجماعة والدولة فأغضي لهم عن ذلك وتركهم وشأنهم فخرجوا من عنده مجمعين قتله ودعوه في بعض أيامهم إلى المشاورة في شؤنهم معه على عادة العرب ووقفوا معه بساحة حيهم ثم خلصوا معه نجيا وطعنه من خلفه محمد بن مهلهل الملقب بأبى عذبتين فخر صريعا لليدين والفم وامتعض له أولاد أبى الليل وطلبوا بدمه فافترقت أحياء بنى كعب من يومئذ بعد ان كانت جميعا وقام بامره من بعده ابنه رافع على مثل طريقته إلى ان هلك في طلب الامر على يد بعض رجالات آل حصن سنة ست وسبعمائة ولم يزل بنو أبى الليل على الطلب بثار قاسم بن مرا إلى ان ظهر فيهم حمزة ومولاهم ابنا عمر بن أبى الليل وصارت إليهم الرياسة على أحيائهم واتفق في بعض الايام اجتماع أولاد مهلهل بن قاسم في سيدى حمزة ومولاهم في مشاتيهم بالقفر فاجمع اغتيالهم وقتلهم عن آخرهم شاق ابن عمهم قاسم بن مرا ولم يفلت منهم الا طالب بن مهلهل لم يحضر معهم وعظمت الفتنة من يومئذ بين هذين الحيين وانقسمت عليهم أحياء بنى سليم وصاروا يتعاقبون في الخلاف والطاعة على الدولة وهم على ذلك لهذا العهد والرياسة في بنى مهلهل اليوم لمحمد بن طالب بن مهلهل وأخيه يحيى والله وارث الارض(6/81)
ومن عليها وهو خير الوارثين (بنو حصن بن علاق) بنو حصن هؤلاء من بطون علاق وحصن أخو يحيى بن علاق كما مر فهم بطنان أيضا بنو على وحكيم وقد يقال ان حكيما ليس لحصن وانما ربى في حجره فانتمى إليه واما حكيم فلهم بطون منهم بنو ظريف بن حكيم وهم أولاد عائر والشراعبة ونعير وجرين لمقدام ابن ظريف وزياد بن ظريف ومنهم بنو وائل بن حكيم ومنهم بنو طرود بن حكيم وقد يقال ان طرودا ليس لسليم وانهم من منبس احدى بطون هلال بن عامر ويقال ان
منهم زيد العجاج بن فاصل المذكور في رجالات هلال والصحيح في طرود انهم من بنى فهم ابن عمر بن قيس بن عيلان بن عدوان وفى تعدادهم وكانت طرود أحلاف الدلاج ثم قاطعوهم وحالفوا آل ملاعب ومن بطون حكيم آل حين ونوال ومقعد والجميعات ولا أدرى كيف يتصل نسبهم ومنهم بنو نمير بن حكيم ولنمير بطنان ملاعب وأحمد فمن أحمد بنو محمد والبطين ومن ملاعب بنو هيكل بن ملاعب وهم أولاد زمام والفزيات وأولاد مياس وأولاد فائد ومن أولاد فائد الصرح والمدافعة وأولاد يعقوب بن عبد الله بن كثير بن حرقوص بن فائد واليهم رياسة حكيم وسائر بطونهم ومواطن حكيم هؤلاء لهدا العهد ما بين سوسة والاجم والناجعة منهم احلاف لبنى كعب تارة لاولاد ابى الليل وتارة لا قتالهم أولاد مهلهل ورياستهم في بنى يعقوب بن عبد السلام بن يعقوب شيخا عليهم وانتقض أيام اللحيانى ووفد على السلطان أبى يحيى بالثغر الغربي من افريقية في بجاية وقسنطينة وجاء في حملته فلما ملك ملك تونس عقد له على قومه ورفعه على أنظاره وغص به بنو كعب فحرض عليه حمزة من الاعشاش محمد بن حامد بن يزيد فقتله في موقف شوارهم وولى إلى الرياسة فهم من بعده ابن عمه محمد ابن مسكين بن عامر بن يعقوب بن القوس وانتهت إليه رياستهم وكان يرادفه أو ينازعه جماعة من بنى عمه فمنهم سحيم بن سليمان بن يعقوب وحضر واقعة طريف مع السلطان أبى الحسن وكان له فيها ذكر ومنهم أبو الهول وأبو القاسم ابنا يعقوب ابن عبد السلام وكان لابي الهول مناصحة للسلطان أبى الحسن حين احلف عليه بنو سليم بالقيروان وأدخله مع أولاد مهلهل في الخروج على القيروان فخرج معهم جميعا إلى سوسة ومنهم بنو يزيد بن عمر بن يعقوب وابنه خليفة ولم يزل محمد بن مسكين على رياسته أيام السلطان أبى يحيى كلها وكان مخالطا له ومتهالكا في نصيحته والانحياش إليه ولما هلك خلفه في رياسته ابن أخيه خليفة بن عبد الله بن(6/82)
مسكين وهو أحد الاشياخ الذين تقبض عليهم السلطان أبو الحسن بتونس بدعاء واقعة القيروان ثم أطلقه وهو محصور بالقيروان فكان له به اختصاص من بعد ذلك ولما تغلب العرب على النواحى بعد واقعة القيروان تغلب بنو مسكين هؤلاء على سوسة فأقطعها السلطان خليفة هذا وبقيت في ملكته وهلك خليفة فقام برياستهم في حكيم ابن عمه عامر ابن محمد بن مسكين ثم قتله محمد بن بثيثة بن حامد من بنى كعب قتله يعقوب بن عبد السلام ثم قتله محمد هذا غدرا بجهاد الجريد سنة خمس وخمسين وسبعمائة ثم افترق أمرهم واستقرت رياستهم لهذا العهد بين أحمد بن محمد بن عبد الله بن مسكين وتلقب أبا معنونة وهو ابن أخى خليفة المذكور وعبد الله بن محمد بن يعقوب وهو ابن أخى أبى الهول المذكور ولما تغلب السلطان أبو العباس على تونس وملكها انتزع سوس من أيديهم فامتعض أحمد لذلك وصار إلى ولاية صولة بن خالد بن حمزة من أولاد أبى الليل وسلكوا سبيل الخلاف والفتنة وأبعدوا في شأوها وهم لهذا العهد مشردون عن الضواحى والارياف منزاحون إلى القفر واما عبد الله بن محمد ويلقب الرواى فتحيز إلى السلطان وأكد حلفه مع أولاد مهلهل على ولايته ومظاهرته فعظمت رياسته في قومه وهو على ذلك لهذا العهد ثم راجع أبو معنونة خدمة السلطان وانقسمت رياسة حكيم بينهما وهم على ذلك لهذا العهد واما بنو على اخوة حكيم فلهم بطون أولاد صورة ويجمعهما معا عوف بن محمد بن على حصن ثم أولاد غى والبدرانة وأولاد أم أحمد والحضرة أو الرجلان وهو مقعد والجميعات والحمر والمسابهة آل حسين وحجرى وقد يقال ان حجري ليسوا لسليم وانهم من بطون كندة صاروا معهم بالحلف فانتسبوا بنسبهم ورياسة بن على في أولاد صورة وشيخهم لهذا العهد أبو الليل بن أحمد بن سالم بن عقبة بن شبل بن صورة بن مرعى بن حسن بن عوف ويراد فهم المراعية من أهل نسبهم أولاد مرعى ابن حسن بن عوف ومواطنهم ما بين الاجم والمباركة من نواحى قابس وناجعتهم أحلاف الكعوب اما لاولاد أبى الليل أو لاولاد مهلهل وغالب أحوالهم
أولاد مهلهل والله مقدر الامور لا رب سواه(6/83)
(ذباب بن سليم) قد ذكرنا الخلاف في نسبهم من انهم من ذباب بن ربيعة بن زعب الاكبر وان ربيعة أخو زعب الاصغر وضبط هذه اللفظة لهذا العهد بضم الزاى وقد ضبطها الاجل(6/84)
أبى والرشاطى بكسر الزاى كذا نقل أبو محمد التجانى في رحلته ومواطنهم ما بين قابس وطرابلس إلى برقة ولهم بطون فمنهم أولاد أحمد بن ذباب ومواطنهم غربي قابس وطرابلس إلى برقة عيون رجال مجاورون لحصن ومن عيون رجال بلاد زعب من بطور ذباب بنو يزيد مشاركون لاولاد أحمد في هذه المواطن وليس هذا أبا لهم ولا اسم رجل وانما هو اسم حلفهم انتسبوا به إلى مدلول الزيادة كذا قال التجانى وهم بطون أربعة الصهب بسكون الهاء بنو صهب بن جابر بن فائد بن رافع بن ذباب واخوتهم الحمادية بنو حمدان بن جابر والخرجة بسكون الراء بطن من آل سليمان منهم أخرجهم آل سليمان من مواطنهم بمسلالة فحالفوا هؤلاء ونزلوا معهم والاصابعة نسبة إلى رجل ذى اصبع زائدة ولم يذكر التجانى في أي بطن من ذباب ينتسبون ومنهم النوائل بنو نائل بن عامر بن جابر واخوتهم أولاد سنان بن عامر واخوتهم أولاد وشاح بن عامر وفيهم رياسة هذا القبيل من ذباب كلهم وهم بطنان عظيمان المحاميد بنو محمود بن طوب بن بقية بن وشاح ومواطنهم ما بين قابس ونفوسة وما إلى ذلك من الضواحى والجبال ورياستهم لهذا العهد في بنى رحاب ابن محمود لاولاد سباع بن يعقوب بن عطية بن رحاب والبطن الآخر الجوارى بنو حميد بن جارية بن وشاح ومواطنهم طرابلس وما إليها مثل تاجورا وهزاعة وز نزور وما إليها من ذلك لهذا العهد ورياستهم لهذا العهد في بنى مرغم بن صابر بن عسكر بن على بن مرغم ومن أولاد وشاح بطنان آخران صغيران مندرجان مع
الجوارى والمحامد وهما الجواربة بنو جراب بن وشاح والعمور بنو عمر بن وشاح هكذا زعم التجانى في العمور هؤلاء وفى هلال بن عامر بطن العمور كما ذكرناه وهم يزعمون ان عمور ذباب هؤلاء منهم وانهم انما جمعهم مع ذباب الموطن خاصة وليسوا من سليم والله أعلم بحقيقة ذلك وكان من أولاد وشاح بنو حريز بن تميم بن عمر بن وشاح كان منهم فائد بن حريز من فرسان العرب المشاهير وله شعر متداول بينهم لهذا العهد سمرا وفكاهة المجالس ويقال انه من المحاميد فائد بن حريز بن حربى ابن محمود بن طوب وكان بنو ذباب هؤلاء شيعة لقراقش الغزى وابن غانية ولهما فيه أثر وقتل قراقش مشيخة الجوارى في بعض أيامه ثم صاروا بعد مهلك ابن غانية إلى خدمة الامير أبى زكريا وأهل بيته من بعده وهم الذين أقاموا أمر الداعي بن أبى عمارة وعليهم كان تلبسه لان يصير أميرا بدل المخلوع وكان فر إليهم بعد مهلك مولاه وبنيه ونزل عليهم حتى إذا مر بهم ابن أبى عمارة فعرفه الخبر فاتفقوا على التلبيس وزينوا ذلك لهؤلاء العرب فقبلوه وتولى كبر ذلك مرغم بن صابر وتبعه قومه وداخلهم في الامر أبو مروان عبد الملك بن مكى رئيس قابس فكان من قدر(6/85)
الله ما كان من تمام أمره وتلويث كرسى الخلافة بدمه حسبما يذكر في أخبار الدولة الحفصية وكان السلطان أبو حفص يعتمد عليهم ف $ ؟ ابهم في دعوة عمارة فخالفوا عليه وسرح لحربهم قائده أبا عبد الله الغزارى واستصرخوا بالامير أبى زكريا ابن أخيه وهو يومئذ صاحب بجاية والثغر الغربي من افريقية ووفد عليه منهم عبد الملك بن رحاب ابن محمود فنهض لصريخه سنة سبع وثمانين وستمائة وحاربوا أهل قابس وهزموهم وأثخنوا فيهم ثم غلبهم الفزارى ومانعهم عن وطن افريقية ورجع الامير أبو زكريا إلى القرة وكان مرغم بن صابر بن عسكر شيخ الجوارى قد أسره أهل صقلية من سواحل طرابلس سنة ثنتين وثمانين وباعوه لاهل برشلونة فاشتراه ملكهم وبقى أسيرا
عندهم إلى ان زعم إليه عثمان بن ادريس الملقب بأبى دبوس بقية الخلفاء من بنى عبد المؤمن وأراد الاجازة إلى افريقية لطلب حقه في الدعوة الموحدية فعقد الملك ملك برشلونة بينه وبين مرغم حلفا وبعثهما ونزول بساحل طرابلس وأقام مرغم الدعوة لابن دبوس وحمل عليها قومه وحاصر طرابلس سنة ثمان وثمانين أياما ثم تركوا عسكرا لحصارها وارتحلوا لجباية الوطن فاستفرغوه وكان ذلك غاية أمرهم وبقى أبو دبوس يتقلب في أوطانهم مدة واستدعاه الكعوب لاول المائة الثامنة وأجلبوا به على تونس أيام السلطان أبى عصيدة من الحفصيين وحاصروها أياما فلم يظفروا ورجع إلى نواحى طرابلس وقام بها مدة ثم ارتحل إلى مصر وأقام بها إلى أن هلك كما يأتي ذكره في خبر ابنه مع السلطان أبى الحسن بالقيروان ولم يزل هذا شأن الجوارى والمحاميد إلى ان تقاص ظل الدولة عن أوطان قابس وطرابلس فاستبد برياسة ضواحيها واستعبدوا سائر الرعاية المعتمرة في جبالها وبسائطها واستبد أهل الامصار برياسة أمصارهم بنو مكي بقابس وبنو ثابت بطرابلس على ما يذكر في أخبارهم وانقسمت رياسة أولاد وشاح بانقسام المصرين فتولى الجوارى طرابلس وضواحيها وزنزور وغريان ومغر وتولى المحاميد بلد قابس وبلاد نفوسة وحرب وفى ذباب هؤلاء بطون أخرى ناجعة في القفر ومواطنهم منزاحة إلى جانب الشرق عن مواطن هؤلاء الوشاحين فمنهم آل سليمان بن هبيب بن رابع بن ذباب ومواطنهم قبلة مغر وغريان ورياستهم في ولد نصر بن زائد بن سليمان وهى لهذا العهد لهائل بن حماد بن نصر وبينه وبين البطن الآخر إلى سالم بن وهب أخى سليمان ومواطنهم بلد مسراتة إلى لهد ومسلاتة وشعوب آل سالم هؤلاء الا حامد والعمائم والعلاونة وأولاد مرزوق ورياستهم في أولاد ولد مرزوق وهو ابن معلى بن معراق بن قليتة بن قماص بن سالم وكانت في أول هذه المائة الثامنة لغلبون بن مرزوق واستقرت في بنيه وهى اليوم لحميد بن سنان بن عثمان(6/86)
ابن غلبون والعلاونة منهم مجاورون للعدة من عرب برقة والمشابنة من هوارة المقيمين وتجاذب ذباب هؤلاء في مواطنهم من جهة القبلة ناصرة وهم من بطون ناصرة بن خفاف بن امرئ القيس بن بهتة بن سليم فان كان زعب أبو ذباب لملك بن خفاف كما زعم التجانى فهم اخوة ناصرة ويبعد أن يسمى قوم باسم اخوانهم وان كانوا لناصرة كما زعم ابن الكلبى وهو أقرب فيكون هؤلاء اختصوا باسم ناصرة دون ذباب وغيرهم من بنيه وهذا كثير من بطون الغيايا والله أعلم ومواطنهم بلاد فزان وودان هذه اخبار ذباب هؤلاء وأما لغرة جيرانهم في الشرق الذين منا ذكرهم بهم برقة خلفاء لاستيلاء الخراب على أمصارها وقرارها من دولة صنهاجة تمرنت بمرانها بادية العرب وناجعتهم فتجيعوا غارة ونهبا إلى ان فسدت فيها مذاهب المعاش وانتقض العمران فخربت وصار معاش الاكثر من هؤلاء العرب الموطنين بها لهذا العهد من الملح يثيرون له الارض بالعوامل من الجمال والحمير وبالنساء إذا ضاق كسبهم عن العوامل وارتكبوا ضرورة المعاش وينجعون إلى بلاد النخل في جهة القبلة منهم من اجلة وسنترية الواحات وما وراء ذلك من الرمال والقفر إلى بلد السودان المجاورين لهم وهم كانوا قسمي بلادهم يرنق وشيخ هؤلاء العرب ببرقة يعرف لهذا العهد بأبى ذئب من بنى جعفر وركاب الحج من المغرب يحمدون مساطتهم في مرهم وحسن نيتهم في التجافي عن جامع بيت الله وارفادهم بجلب الاقوات لسربهم وحسن الظن بهم فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره وأما نسبهم فما أدرى فيمن هو من العرب وحدثني الثقة من ذباب عن خريص بن شيخهم أبى ذباب أنهم من بقايا الكعوب ببرقة وتزعم نسابة الهلاليين انهم لربيعة بن عامر اخوة هلال بن عامر وقد مر الكلام في ذلك في أول ذكر بنى سليم ويزعم بعض النسابة أنهم والكعوب من العزة وان العزة من هيث وان رياسة العزة لاولاد أحمد وشيخهم أبو ذئب وان المسانية جيرانهم من هوارة وذكر لى سلام بن ال ؟ $ ركية شيخ أولاد مقدم جيرتهم بالعقبة انهم من بطون مسراتة من بقية هوارة وهو
الذى رأيت النسابة المحققين عليه بعد ان دخلت مصر ولقيت كثيرا من المترددين إليها من أهل برقة وهذا آخر الطبقة الرابعة من العرب وبانقضائه انقضى الكتاب الثاني في العرب وأجيالهم منذ بدء الخليفة فلنرجع إلى أحوال البربر في الكتاب الثالث والله ولى العون اه(6/87)
* (بسم الله الرحمن الرحيم) * وصلى الله على سيدنا ومولانا محمد وعلى آله وصحبه وسلم { الكتاب الثالث في أخبار البربر والامة الثانية من أهل المغرب وذكر أوليتهم وأجيالهم ودولتهم منذ بدء الخليقة لهذا العهد ونقل الخلاف الواقع بين الناس في أنسابهم } هذا الجيل من الآدميين هم سكان المغرب القديم ملؤا البسائط والجبال من تلوله واريافه وضواحيه وأمصاره يتخذون البيوت من الحجارة والطين ومن الخوص والشجر ومن الشعر والوبر ويظعن أهل العز منهم والغلبة لانتجاع المراعى فيما قرب من الرحلة لا يجاوزون فيها الريف إلى الصحراء والقفار الاملس ومكاسبهم الشاء والبقر والخيل في الغالب للركوب والنتاج وربما كانت الابل من مكاسب أهل النجعة منهم شان العرب ومعاش المستضعفين منهم بالفلح ودواجن السائمة ومعاش المعتزين أهل الانتجاع والاظعان في نتاج الابل وظلال الرماح وقطع السابلة ولباسهم وأكثر أثاثهم من الصوف يشتملون الصماء بالاكسية المعلمة ويفرغون عليها البرانس الكحل ورؤسهم في الغالب حاسرة وربما يتعاهدونها بالحلق ولغتهم من الرطانة الاعجمية متميزة بنوعها وهى التى اختصوا من أجلها بهذا الاسم يقال ان افريقش ابن قيس بن صيفي من ملوك التبابعة لما غزا المغرب وافريقية وقتل الملك جرجيس وبنى المدن والامصار وباسمه زعموا سميت افريقية لما رأى هذا الجيل من الاعاجم
وسمع رطانتهم ووعى اختلافها وتنوعها تعجب من ذلك وقال ما أكثر بربرتكم فسموا بالبربر والبربرة بلسان العرب هي اختلاط الاصوات غير المفهومة ومنه يقال بربر الاسد إذا زأر بأصوات غير مفهومة * وأما شعوب هذا الجيل وبطونهم فان علماء النسب متفقون على أنهم يجمعهم جذمان عظيمان وهما برنس وماد غيس ويلقب ماد غيس بالابتر فلذلك يقال لشعوبه البتر ويقال لشعوب برنس البرانس وهما معا ابنا برو بين النسابين خلاف هل هما لاب واحد فذكر ابن حزم عن أيوب بن أبى يزيد صاحب الحمار أنهما لاب واحد على ما حدته عنه يوسف الوراق وقال سالم بن سليم المطماطى وصابى بن مسرور الكومى وكهلان بن أبى لووهم نسابة البربر ان البرانس بتروهم من نسل مازيغ بن كنعان والبتر بنو بر بن قيس بن عيلان وربما نقل ذلك عن ايوب بن أبى يزيد الا ان رواية ابن حزم أصح لانه أوثق (وأما) شعوب البرانس فعند النسابين انهم يجمعهم سبعة اجذام وهى ازداجة ومصمودة وأورية وعجيسة(6/89)
وكتامة وصنهاجة وأوريغة وزاد سابق بن سليم وأصحابه لمطة وهسكورة وكزولة وقال أبو محمد بن حزم يقال ان صنهاج ولمط انما هما ابنا امرأة يقال لها بصكي ولا يعرف لهما أب تزوجها أوريغ فولدت له هو ارفلا يعرف لهما أكثر من انهما اخوان لهوار من أمه قال وزعم قوم من اوريغ أنه ابن المثنى بن السكاك من كندة وذلك باطل وقال الكلبى ان كتامة وصنهاجة ليستا من قبائل البربر وانما هما من شعوب اليمانية تركهما افريقش بن صيفي بافريقية مع من نزل بها من الحامية هذه جماع مذاهب أهل التحقيق في شأنهم فمن ازداجة مسطاطه ومن مصمودة غمارة بنو غمار بن مصطاف بن مليل بن مصمود ومن أوريغة هوارة وملك ومغد وقلدن فمن هوار بن أوريغ مليلة وبنو كهلان ومن ملك بن أوريغ صطط وورفل واسيل ومسراتة ويقال لجميعهم لهانة بنو لهان بن ملك ويقال ان مليلة منهم ومن مغد بن أوريغ ماواس وزمور وكبا ومصراى
ومن قلدن بن أوريغ ممصاتة وورسطيف وبيانة وفل مليلة * (وأما شعوب البتر) * وهم بنو مادغيس الابتر فيجمعهم أربعة جذام اداسة ونفوسة وضربة وبنو لو الاكبر وكلهم بنو زحيك بن مادغيس فأما اداسة بنو اداس بن(6/90)
زحيك فبطونهم كلها في هوارة لان كل اداس تزوجها بعد زحيك ابن أوريغ ابن عمه برنس والدهوارة فكان اداس أخا لهوارة ودخل نسب بنيه كلهم في هوارة وهم وسفارة واندارة وهنزولة وضرية وهداغة واوطيطة وترهتة هؤلاء كلهم بنو اداس بن زحيك بن باذغيس وهم اليوم في هوارة وأما لو الاكبر فمنه بطنان عظيمان وهما نفزاوة بنو نفزاو بن لو الاكبر ولواتة بنو لو الاصغر ومن لواتة سرداتة بنو نيطط بن لو الاصغر ودخل نسب سرداتة في مغراوة قال أبو محمد بن حزم كان مغراوة تزوج أم سرداتة فسار سرداتة أخا بنى مغراوة لامهم واختلط نسبه بهم ومن نفزاوة أيضا بطون كثيرة وهم ولهاصة وغساسة وزهلة وسوماتة وورسيف ومرنيزة وزاتيمة ووركول ومرسينة وورد غروس ووردن كلهم بنو تطوفت من نفزاو وزاد ابن سابق وأصحابه مجر ومكلاتة وقال ويقال ان مكلاتة ليس من البربر وانه من حمير وقع إلى تطوفت صغيرا فتبناه وهو مكلاتن رعان بن كلاع حاتم بن سعد بن حمير ولو لهاصة من نفزاوة بطون كثيرة من بيزغاش ودحية ابني ولهاص فمن بزغاش بطون ورمجوسة وهم رحال وطو وبورغيش ووانجذ وكرطيط وما انجول سينتت بنو ومجوح بن بيزغاش بن ولهاص بن تطوفت بن نغزا وقال ابن سابق واصحابه وبنو بيزغاش من لواتة كلهم بجبال اوراس ومن دحية ورترين وتر يروور تبونت ومكرا ولقوس بنو دحية بن ولهاص بن تطوفت بن نفزاو واما ضرية وهم بنو ضرى بن زحيك بن مادغيس الابتر فيجمعهم جذمان عظيمان بنو تمصيت بن ضرى وبنو يحيى بن ضرى وقال سابق وأصحابه ان بطون تميصت اختصوا بنسب ضرية دون بطون يحيى فمن بطون تمصيت مطماطة وصطفورة وهم لحومية
ولماية ومطغرة ومرينة ومغيلة ومعزوزة وكشاتة ودوتة ومديونة كلهم بنو فاتن ابن تمصيت بن ضرى ومن بطون يحيى زنانة كلهم وسمكان وورصطف فمن ورصطف مكناسة وأوكنة وورتناج بنو ورصطف بن يحيى فمن مكناسة ورثيفة ووربر ومن معليت قنصارة وموالات وحراب ورفلابس ومن ملزلولالين ولرتر ويصلتن وجرير وفرغان ومن ورتناج مكنسة ومطاسة وكرسطة وسردجة وهناطة وفولال بنو ورتناج بن ورصطف ومن سمكان زواغة وزواوة بنو سمكان بن يحيى وابن حزم يعد زواوة التى بالواو في بطونها وهو أظهر ويشهد له الوطن فالغالب ان زواوة بنو سمكان بن يحيى وعير ابن حزم بعد زواوة التى بالواو في بطون كتامة والتى تعد في سمكان هي التى بالزاى وهى قبيلة معروفة ومن زواغة بنو ماجر وبنو واطيل وسمكين وسيأتى الكلام فيهم مستوفى عند ذكرهم ان شاء الله تعالى هذا آخر الكلام في شعوب هذا الجيل مجملا ولابد من تفصيل فيه عند تفصيل أخبارهم اه(6/91)
* (وأما) * إلى من يرجع نسبهم من الامم الماضية فقد اختلف النسابون في ذلك اختلافا كثيرا ومجثوا فيه طويلا فقال بعضهم انهم من ولد ابراهيم عليه السلام من نقشان ابنه وقد تقدم ذكره عند ذكر ابراهيم عليه السلام وقال آخرون البربر يمنيون وقالوا اوزاع من اليمن وقال المسعودي من غسان وغيرهم تفرقوا عند ما كان من سيل العرم وقيل تخلفهم ابرهة ذو الهار بالمغرب وقيل من لخم وجذام كانت منازلهم بفلسطين وأخرجهم منها بعض ملوك فارس فلما وصلوا إلى مصر منعتهم ملوك مصر النزول فعبروا النيل وانتشروا في البلاد وقال أبو عمر بن عبد البرادعت طوائف من البربر أنهم من ولد النعمان بن حميد بن سبا قال ورأيت في كتاب الاسعيداد الحكيم ابن النعمان بن حمير بن سبا كان ملك زمانه في الفترة وأنه استدعى ابناءه وقال لهم أريد أن أبعث منكم للمغرب من يعمره فراجعوه في ذلك وزعم عليهم وأنه بعث منهم لمت أبا
لمتونة ومسفوا بامسوفة ومرطا أبا هسكورة وأصناك أبا صنهاجة ولمط أبا لمطة وايلان ابا هيلانه فنزل بعضهم بجبل دون وبعضهم بالسوس وبعضهم بدرعه ونزل لمط عند كزول وتزوج ابنته ونزل جانا وهو أبو زناتة بوادي شلف ونزل بنو ورتجين ومغراو باطراف افريقية من جهة المغرب ونزل مقرونك بمقربة من طنجة والحكاية أنكرها أبو عمرو بن عبد البر وأبو محمد بن حزم وقال آخرون انهم كلهم من قوم جالوت وقال على بن عبد العزيز الجرجاني النسابة في كتاب الانساب له لا أعلم قولا يؤدى إلى الصحة الا قول من قال انهم من ولد جالوت ولم ينسب جالوت ممن هو وعند ابن قتيبة انه ونور بن هربيل ابن حديلان بن جالود بن رديلان بن حظى بن زياد بن زحيك بن مادغيس الابتر ونقل عنه أيضا أنه جالوت بن هريال بن جالود بن دنيال بن قحطان بن فارس قال وفارس مشهور وسفك أبو البربر كلهم قالوا والبربر قبائل كثيرة وشعوب جمة وهى هوارة وزناتة وضرية ومغيلة وزيحوحة ونفزة وكتامة ولواتة وغمارة ومصمودة وصدينه ويزدران ردنجين وصنهاجة ومجكسة وواركلان وغيرهم وذكر اخرون منهم الطبري وغيره ان البربر أخلاط من كنعان والعماليق فلما قتل جالوت تفرقوا في البلاد وأغزى افريقش المغرب ونقلهم من سواحل الشأم وأسكنهم افريقية وسماهم بربر وقيل ان البربر من ولد حام بن نوح بن بربر بن تملا بن مازيغ بن كنعان بن حام وقال الصولى هم من ولد بربر بن كسلاجيم بن مسراييم بن حام وقيل من العمالقة من بربر بن تملا ابن مارب بن قاران بن عمر بن عملاق بن ولاد بن ارم بن سام وعلى هذا القول فهم عمالقة وقال مالك بن المرحل البربر قبائل شتى من حمير ومضر والقبط والعمالقة وكنعان وقريش تلاقوا بالشأم ولغطوا فسماهم افريقش البربر لكثرة كلامهم وسبب(6/93)
خروجهم عند المسعودي والطبري والسهيلى ان افريقش استجاشهم لفتح افريقية وسماهم البربر وينشدون من شعره
بربرت كنعان لما سقتها * من أراضي الضنك للعيش الخصيب وقال ابن الكلبى اختلف الناس فيمن أخرج البربر من الشأم فقيل داود بالوحى قيل باداود أخرج البربر من الشأم فانهم جذام الارض وقيل يوشع بن نون وقيل افريقش وقيل بعض الملوك التبابعة وعند البكري ان بنى اسرائيل أخرجوهم عند قتل جالوت وللمسعودي والبكرى انهم فروا بعد موت جالوت إلى المغرب وأرادوا مصر فأجلتهم القبط فسكنوا برقة وافريقية والمغرب على حرب الافرنج والافارقة وأجازوهم على صقلية وسردانية وميورقة والاندلس ثم اصطلحوا على ان المدن للافرنجة وسكنوا القفار عصورا في الخيام وانتجاع الامصار من الاسكندرية إلى البحر إلى طنجة والسوس حتى جاء الاسلام وكان منهم من تهود ومن تنصر واخرون مجوسا يعبدون الشمس والقمر والاصنام ولهم ملوك ورؤساء وكان بينهم وبين المسلمين حروب مذكورة وقال الصولى البكري ان الشيطان نزغ بين بنى حام وبنى سام فانجلى بنو حام إلى المغرب ونسلوا به وقال أيضا ان حام لما اسود يدعوة أبيه فر إلى المغرب حياء واتبعه بنوه وهلك عن اربعمائة سنة وكان من ولده بربر بن كسلاجيم فنسل بنوه بالمغرب قال وانضاف إلى البربر حيان من المغرب يمنيان عند خروجهم من مارب كنامة وصنهاجة قال وهوارة ولمطة ولواتة بنو حمير بن سبا وقال هانئ بن بكور الضريسى وسابق بن سليمان المطماطى وكهلان بن أبى لؤى وأيوب بن أبى يزيد وغيرهم من نسابة البربر فرقتان كما قدمناه وهما البرانس والبتر من ولد بر بن قيس بن عيلان والبرانس بنو بربر سحو بن ابزج بن جمواح بن ويل بن شراط بن ناح بن دويم بن داح بن ماريغ بن كنعان بن حام وهذا هو الذى يعتمده نسابة البربر قال الطبري خرج بربر بن قيس ينشد ضالة بأحياء البربر وهى جارية وتزوجها فولدت وعند غيره من نسابة البربر انه خرج فارا من أخيه عمر بن قيس وفى ذلك تقول تماض وهى أخته لتبكى كل باكية أخاها * كما أبكى على بر بن قيس
تحمل عن عشيرته فأضحى * ودون لقائه انضاء عيس ومما ينسب إلى تماض أيضا وشطت ببر داره عن بلادنا * وطوح بر نفسه حيث يمما وازرت ببر لكنة أعجمية * وما كان بر في الحجاز باعجما كأنا وبرا لم نقف بحيادنا * بنجد ولم نقسم نهابا ومغنما(6/94)
وأنشد علماء البربر لعبيدة بن قيس العقيلى الا أيها الساعي بعرفة بيننا * توقف هداك الله سبل الاطايب فاقسم انا والبرابر اخوة * مماتا وهاجد كريم المناصب ابونا أبوهم قيس عيلان في الورى * وفى حومه يشفى غليل المحارب فنحن وهم ركن منيع واخوة * على رغم أعداء لئام المناقب فان لبر ما بقى الناس ناصرا * وبر لنا ركن منيع المناكب تعد لمن عادى شواذق حمرا * وبيضا تقص الهام يوم التضارب وبر بن قيس عصبة مضرية * وفى الفرع من أحسابها والذوائب وقيس قوام الدين في كل بلدة * وخير معد عند حفظ المناسب وقيس لها المجد الذى يقتدى به * وقيس لها سيف حديد المضارب وينشد أيضا أبيات ليزيد بن خالد يمدح البربر أيها السائل عنا اصلنا * قيس عيلان بنو العز الاول نحن ما نحن بنو بر القوى * عرف المجد وفى المجد دخل وابتنى المجد فاورى زنده * وكفانا كل خطب ذى جلل ان قيسا يعتزى بر لها * ولبر يعتزى قيس الاجل ولنا الفخر بقيس انه * جدنا الاكبر فكاك الكبل
ان قيسا قيس عيلان هم * معدن الحق على الخير دلل حسبك البربر قومي انهم * ملكوا الارض باطراف الاسل وبيض تضرب الهام بها * هام من كان عن الحق نكل أبلغوا البربر عنى مدحا * حيك من جوهر حيك منتحل وعند نسابة البربر وحكاه البكري وغيره انه كان لمضر ولدان الياس وعيلان أمهما الرباب بنت جبدة بن عمر بن معد بن عدنان فولد عيلان بن مضر قيسا ودهمان اما دهمان فولده قليل وهم أهل بيت من قيس يقال لهم بنو امامة وكانت لهم بنت تسمى البهاء بنت دهمان وأما قيس بن عيلان فولد له أربعة بنين وهم سعد وعمرو أمهما مزنة بنت أسد بن ربيعة بن زنار وبر وتماص وأمهما تمريغ بنت مجدل ومجدل بن عمار بن مصمود وكانت قبائل البربر يومئذ يسكنون الشام ويجاورون العرب في المساكن ويشاركونهم في المياه والمراعى والمسارح ويصهرون إليهم فتزوج بر بن قيس بنت عمه وهى البهاء بنت همان وحسده اخوته في ذلك وكانت أمه تمريغ من دهاة النساء فحشيت منهم عليه وبعثت بذلك إلى أخوالها سرا ورحلت معهم يولدها وزوجته إلى(6/95)
أرض البربر وهم إذ داك ساكنون بفلسطين واكناف الشام فولدت البهاء لبر ابن قيس ولدين علوان وما دغيس فمات علوان صغيرا وبقى مادغيس فكان يلقب الابتر وهو أبو التر من البربر ومن ولده جميع زناتة قالوا وتزوج مادغيس بن بر وهو الابتر باحال بنت واطاس بن محمد بن مجدل بن عمار فولدت له زحيك بن مادغيس وقال أبو عمر بن عبد البر في كتاب التمهيد في الانساب اختلف الناس في انساب البربر اختلافا كثيرا وأنسب ما قيل فيهم أنهم من ولد قبط بن حام لما نزل مصر خرج ابنه يريد المغرب فسكنوا عن اخر عمالة مصر وذلك ما وراء برقة إلى البحر الاخضر مع بحر الاندلس إلى منقطع الرمل متصلين بالسودان فمنهم لواتة بأرض طرابلس ونزل قوم بقربها وهم
نفزة ثم امتدت بهم الطرق إلى القيروان وما وراءها إلى تاهرت إلى طنجة وسجلماسة إلى السوس الاقصى وه طوائف صنهاجة وكتامة وركالة وركلاوة وفطواكة ومرطاوة وذكر بعض أهل الاثار ان الشيطان نزغ بين بنى حام وبنى سم فوقعت بينهم مناوشات كانت الدبرة فيها لسام وبنيه وخرج سام إلى المغرب وقدم مصر وتفرق بنوه ومضى على وجهه يؤم المغرب حتى بلغ السوس الاقصى وخرج بنوه في اثره يطلبونه فكل طائفة من ولده بلغت موضعا وانقطع عنهم خبره فأقاموا بذلك الموضع وتناسلوا فيه ووصلت إليهم طائفة فأقاموا معهم وتناسلوا هنا لك وكان عمر حام أربعمائة وثلاثا وأربعين سنة فيما ذكره البكري وقال آخرون كان عمره خمسمائة واحدى وثلاثين سنة وقال السهيلي يمن هو يعرب بن قحطان قال وهو الذى أجلى سام إلى المغرب بعد ان كان الجرمى من ولد قوط بن يافث هذا اخر الخلاف في انساب البربر * واعلم أن هذه المذاهب كلها مرجوحة وبعيدة من الصواب فأما القول بأنهم من ولد ابراهيم فبعيد لان داود الذى قتل جالوت وكان البربر معاصر پن له ليس بينه وبين اسحق بن ابراهيم أخى نعشان الذى زعموا أنه الا نحو عشرة آباء ذكرناهم أول الكتاب ويبعد أن تشعب النسل فيهم مثل التشعب وأما القول بانهم من ولد جالوت أو العماليق وأنهم نقلوا من ديار الشام وانتقلوا فقول ساقط يكاد يكون من أحاديث خرافة إذ مثل هذه الامة المشتملة على أمم وعوالم ملات جانب الارض لا تكون منتقلة من جانب آخر وقطر محصور والبربر معروفون في بلادهم وأقاليمهم متحيزون بشعارهم من الامم منذ الاحقاب المتطاولة قبل الاسلام فما الذى يحوجنا إلى التعلق بهذه الترهات في شأن أوليتهم ويحتاج إلى مثل في كل جيل وأمة من العجم والعرب وافريقش الذى يزعمون انه نقلهم قد ذكروا انه وجدهم بها وانه تعجب من كثرتهم وعجمتهم وقال ما أكثر بربرتكم فكيف يكون هو الذى نقلهم وليس بينه وبين ذى المغار من يتشعبون فيه إلى(6/96)
مثل ذلك ان قالوا انه الذى نقلهم وأما القول أيضا بأنهم من حمير من ولد النعمان أو من مضر من ولد قيس بن عيلان فمنكر من القول وقد أبطله امام النسابين والعلماء أبو محمد ابن حزم وقال في كتاب الجمهرة ادعت طوائف من البربر أنهم من اليمن ومن حمير وبعضهم ينسب إلى بربر بن قيس وهذا كله باطل لا شك فيه وما علم النسابون لقيس بن عيلان ابنا اسمه بر أصلا وما كان لحمير طريق إلى بلاد البربر الا في تكاذيب مؤرخي اليمن وأما ما ذهب إليه ابن قتيبة أنهم من ولد جالوت وان جالوت من ولد قيس بن عيلان فابعد عن الصواب فان قيس عيلان من ولد معد وقد قدمنا أن معدا كان معاصر البختنصر وان أرمياء النبي خلص به إلى الشام حذرا عليه من بختنصر حين سلط على العرب وبختنصر هو الذى خرب بيت المقدس بعد بناء داود وسليمان اياه بأربعمائة وخمسين سنة ونحوها فيكون معد بعد داود بمثل هذا الامد فكيف يكون ابنه قيس أبا لجالوت المعاصر لداود هذا في غاية البعد وأظنها غفلة من ابن قتيبة ووهما والحق الذى لا ينبغى التعويل على غيره في شأنهم أنهم من ولد كنعان بن حام بن نوح كما تقدم في انساب الخليقة وان اسم أبيهم مازيغ واخوتهم اركيش وفلسطين (1) اخوانهم بنو كسلوحيم بن مصرايم بن حام وملكهم جالوت سمة معروفة له وكانت بين فلسطين هؤلاء وبين بنى اسرائيل بالشام حروب مذكورة وكان بنو كنعان وواكريكيش شيعا لفلسطين فلا يقعن في وهمك غير هذا فهو الصحيح الذين لا يعدل عنه ولا خلاف بين نسابة العرب أن شعوب البربر الذى قدمنا ذكرهم كلهم من البربر الاصنهاجة وكتامة فان بين نسابة العرب خلافا والمشهور أنهم من اليمنية وان أفريقش لما غزا افريقية أنزلهم بها وأما نسابة البربر فيزعمون في بعض شعوبهم أنهم من العرب مثل لواتة يزعمون أنه من حمير ومثل هوارة يزعمون أنهم من كندة من السكاسك ومثل زناتة تزعم نسابهم أنهم من العمالقة فروا أما بنى اسرائيل وربما يزعمون فيهم أنهم من بقايا التبابعة ومثل عمارة أيضا وزواوة ومكلاتة يزعم في هؤلاء كلهم نسابتهم أنهم من
حمير حسبما نذكره عند تفصيل شعوبهم في كل فرقة منهم وهذه كلها مزاعم والحق الذى شهد به المواطن والعجمة أنهم بمعزل عن العرب الا ما تزعمه نسابة العرب في صنهاجة وكتامة وعندي أنهم من اخوانهم والله أعلم وقد انتهى بنا الكلام إلى أنسابهم وأوليتهم فلنرجع إلى تفصيل شعوبهم وذكرهم أمة بعد أمة ونقتصر على ذكر من كانت له منهم دولة ملك أو سالف شهرة أو تشعب نسل في العالم وعدد لهذا العهد وما قبله من صنفي البرانس والبتر منهم وترتيهم شعبا شعبا حسبما تأدى الينا من ذلك واشتمل عليه محفوظنا والله المستعان(6/97)
* (الفصل الثاني في ذكر مواطن هؤلاء البربر بافريقية والمغرب) * اعلم أن لفظ المغرب في أصل وضعه اسم اضافي يدل على مكان من الامكنة باضافته إلى جهة المشرق ومشرق بالاضافة إلى جهة المغرب لان العرف قد يخصص هذه الاسماء بجهات معينة وأقطار مخصوصة وعرف أهل الجغرافيا المعتنين بمعرفة هيئة الارض وقسمتها باقاليمها ومعمورها وخرابها وجبالها وبحارها ومساكن أهلها مثل بطليموس ورجاوز وصاحب صقلية المنسوب له الكتاب المشهور بين الناس لهذا العهد في هيئة الارض والبلدان وأمثالهم أن المغرب قطر واحد مميز بين الاقطار فحده من جهة المغرب بحر المحيط وهو عنصر الماء وسمى محيطا لاحاطته بما انكشف من الارمن كما قدمنا أول الكتاب ويسمى أيضا البحر الاخضر لتلونه غالبا بالخضرة ويسمى بحر الظلمات لما أنه تقل فيه الاضواء من الاشعة المنعكسة على سطح الارض من الشمس لبعده عن الارض فيكون مظلما ولفقدان الاضواء نقل الحرارة المحللة للابخرة فلا تزال السحب والعيوم متكاثفة على سطحه منعقدة هنا لك متراكمة وتسميه الاعاجم بحر اوقيانوس يعنون به والله أعلم ما نعنى نحن بالعنصر ويسمونه أيضا بحر البلاية بتفخيم اللام الثانية وهو بحر كبير غير منحصر لا تبعد فيه السفن عن مرأى
العين من السواحل للجهل بسموت الرياح هنا لك ولنهايتها إذ لا غابة من العمران وراءه والبحار المنحصرة انما جرت فيها السفن بالرياح المعروفة الهوائية بكثرة تجاربهم فتبعث الريح من الاماكن وغاية مهبها في سمتها فكل ريح عندهم معروفة الغاية فإذا علم ان جريته بالريح المنبعثة من مكان كذا وبما خرج من ريح إلى ريح بحسب مقصوده وجهته وهذا مفقود في البحر الكبير لانه منحصر ومنبعث الريح وان كان معروفا فيه فغايته غير معروفة لفقدان العمران وراءه فتضل السفن إذا جرت به وتذهب فتهلك وأيضا فإذا أوغل فيه فربما وقع في المتكائف من الغيوم والابخرة كما قلناه فيهلك فلهذا كان راكبه على غرر وخطر فحد الغرب من جهة المغرب البحر المحيط كما قلناه وعليه كثير من مدنه مثل طنجة وسلا وأزمور وانفى واسفي وهى من مدن الغرب وحواضره وعليه أيضا مسجد ماسة وبلدتا كاوصت ونول من بلاد السوس وهى كلها من مساكن البربر وحواضرهم وتنتهى المراكب إلى وراء ساحل نول ولا تجاوزه الا على خطر كما قلناه وأما حده من جهة الشمال فالبحر الرومي والمتفرع من هذا البحر المحيط يخرج في خليج متضايق بين طنجة من بلاد المغرب وطريف من بلاد الاندلس ويسى هذا الخليج الزقاق وعرضه ثمانية أميال فما فوقها وكانت عليه قنطرة ركها ماء البحر ثم تذهب هذا البحر الرومي في سمت الشرق إلى أن ينتهى إلى(6/98)
سواحل الشأم وثغوره وما إليها مثن انطاكية والعلايا وطرسوس والمصيصة وطرابلس وصوريا والاسكندرية ولذلك سمى البحر الشامي وهو إذا خرج من الخليج ينفسح في ذهابه عرضا وأكثر انفساحه إلى جهة الشمال ولا يزال انفساحه ذلك متصاعدا إلى الشمال إلى أن ينتهى إلى غايته وطوله فيما يقال خمسة آلاف ميل وستة وفيه جزائر ميورقة وميرقة وياسة وصقلية واقريطش وسردانية وقبرس وأما عرضه من جهة الجنوب فانه يخرج عن سمت واحد ثم يختلف في ذهابه فتارة يبعد في الجنوب وتارة
يرجع إلى الشمال واعترض ذلك بعروض البلدان التى بساحله وذلك أن عرض البلد هو ارتفاع قطبه الشمال على أفقه وهو أيضا بعد ما بين سمت رؤس أهله ودائرة معدل النهار والسبب في ذلك أن الارض كرية الشكل والسماء من فوقها مثلها وأفق البلد هو فرق بين ما يرى وبين ما لا يرى من السماء ومن الارض والفلك ذو قطبين إذا ارتفع أحدهما على رؤس معمور انخفض الآخر بقدره عنهم والعمارة في الارض كلها هي إلى الحانب الشمال أكثر وليس في الجنوب عمران لما تقرر في موضعه فلهذا ارتفع الفطب الشمالي على أهل العمران دون الجنوب والمار على سطح الكرة كلما أبعد في جهة ظهر له من سطح الكرة ومن السماء المقابل لها ما لم يكن يظهر فيزيد بعد القطب على الافق كما أبعد في الشمال وينقص كلما رجع إلى الجنوب فعرض سبتة وطنجة التى هي على زقاق هذا البحر وخليجه (له) ودقائق ثم يتصاعد البحر إلى الجنوب فيكون عرض تلمسان (بد) ونصف فتزيد في الجنوب فيكون عرض وهران (لب) أبعد من فاس بيسير لان عرض فاس (لج) ودقائق ولهذا كان العمران في المغرب الاقصى أعرض في الشمال من عمران المغرب الاوسط بقدر ما بين فاس وسبتة وصار ذلك القطر كالجزيرة بين البحار لانعطاف البحر الرومي إلى الجنوب ثم يرجع البحر بعد وهران عن سمته ذلك فيكون عرض تونس والجزائر (له) على مثل سمته الاول عند منبعثة من الزقاق ثم يزيد في الشمال فيكون عرض بجاية وتونس يوم على مثل سمت غرناطة ومرية ومالقة ثم يرجع إلى الجنوب فيكون عرض طرابلس وقابس (له) على مثل السمت الاول بطنجة وسبتة ثم يزيد في الجنوب فيكون عرض برقة (لج) على مثل سمت فاس وتوزر فيكون عرض الاسكندرية (لا) على مثل مراكش واغمات ثم يذهب في الشمال إلى القطافة إلى منتهى سمته بسواحل الشأم وهكذا اختلافه في هذه العدوة الجنوبية ولسنا على علم من حاله في العدوة الشمالية وينتهى بسواحل عرض هذا البحر في انفساحه إلى سبعمائة ميل أو نحوها ما بين سواحل افريقية وجنوة
من العدوة الشمالية والبلاد الساحلية من المغرب الاقصى والاوسط وافريقية من(6/99)
لدن الخليج حيث منبعثه كلها عليه مثل طنجة وسبتة وبادس وعساسة وهنين ووهران والجزائر وبجاية وبونة وتونس وسوسة والمهدية وصفاقس وقابس وطرابلس وسواحل برقة والاسكندرية هذا وصف هذا البحر الرومي الذى هو حد المغرب من جهة الشمال واما حده من جهة القبلة والجنوب فالجبال المتهيلة المائلة حجزاء بين بلاد السودان وبلاد البربر وتعرف عند العرب الرحالة البادية بالعرق وهذا العرق سياج على المغرب من جهة الجنوب مبتدئ من البحر المحيط وذاهب في جهة الشرق على سمت واحد إلى أن يعترضه النيل الهابط من الجنوب إلى مصر فهنا لك ينقطع وعرضه ثلاثة مراحل وأزيد ويعترضه في جهة المغرب الاوسط أرض محجرة تسمى عند العرب الحمادة من دوتر إلى بلاد ريغ ووراءه من جهة الجنوب وبعض بلاد الجزيرة ذات نخيل وأنهار معدودة في جملة بلاد المغرب مثل بلاد بودة وتمنطيت في قبلة المغرب الاقصى وتسايبت وتيكورارين في قبلة المغرب الاوسط وغذامس وفزان وودان في قبلة طرابلس كل واحد من هذه اقليم يشتمل على بلدان عامرة ذات قرى ونخيل وأنهار ينتهى عدد كل واحد منها إلى المائة فاكثرو إلى هذه العدوة الجنوبية من هذا العرق ينتهى في بعض السنين مجالات أهل الشأم من صنهاجة ومتقلبهم الجائلون هناك إلى بلاد السودان وفى العدوة الشمالية منه مجالات البادية من الاعراب الظواعن بالمغرب وكانت قبلهم مجالات للبربر كما نذكره بعد هذا حد المغرب من جهة الجنوب ومن دون هذا العرق سياج آخر على المغرب مما يلى التلول منه وهى الجبال التى هي تخوم تلك التلول ممتدة من لدن البحر المحيط في القرب إلى برنيق من بلاد برقة وهنا لك تنقطع هذه الجبال ويسمى مبدؤها من المغرب جبال درن وما بين هذه الجبال المحيطة بالتلول وبين العرق الذى وصفناه آنفا بسائط وقفار أكثر نباتها الشجر وفيما يلى
التلول منها ويقاربها بلاد الجريد ذات نخل وأنهار ففى أرض السوس قبلة مراكش ترودانت والقرى قويان وغيرهما بلاد ذات نخل وأنهار ومزارع متعددة عامرة وفى قبلة فاس سجلماسة وقراها بلد معروف ودرعة أيضا وهى معروفة وفى قبله تلمسان قصور متعددة ذات نخل وأنهار وفى قبلة تاهرت القصور أيضا بلاد متتالية على سطر من المشرق إلى المغرب أقرب ما إليها جبل راشد وهى ذات نخل ومزارع وأنهار ثم قصور معبنات تناهز المائة وأكثر قبلة الجزائر ذات نخل وأنهار ثم بلد واركلى قبلة بجاية بلد واحد سستجر العمران كثير النخل وفى سمته إلى جهة التلول بلاد ريغ تناهز الثلثمائة منتظمة على حفافي واد ينحدر من المغرب إلى المشرق يناهز مائة من البلاد فاكثر قاعدتها بسكرة من كبار الامصار بالمغرب وتشتمل كلها على النخل والانهار والفدن(6/100)
والقرى والمزارع ثم بلاد الجريد قبلة تونس وهى نقطة وتوزر وقفصة وبلاد نقزاوة وتسمى كلها بلاد قسطيلة مستبحرة العمران مستحكمة الحضارة مشتملة على النخل والانهار ثم قابس قبلة سوسة وهى حاضرة البحر من أعظم أمصار افريقية وكانت دار ملك لابن غانية كما نذكره بعد وتشتمل على النخل والانهار والمزارع ثم فزان وودان قبلة طرابلس قصور متعددة ذات نخل وأنهار وهى أول ما افتتح المسلمون من أرض افريقية لما أغزاها عمر بن الخطاب وعمرو بن العاص ثم الواحات قبلة برقة ذكرها المسعودي في كتابه وما وراء هذه كلها في جهة الجنوب فقفار ورمال لا تنبت زرعا ولا مرعى إلى أن تنتهى إلى العرق الذى ذكرناه ومن ورائه مجالات المتلثمين كما قلناه مفاوز معطشة إلى بلاد السودان وما بين بلاد هذه والجبال التى هي سياج التلول بسائط متلون مزاجها تارة بمزاج التلول وتارة بمزاج الصحراء بهوائها ومياهها ومنابتها وفيها القيروان وجبل أوراس معترض وسطها وبلاد الحضنة حيث كانت طبنة ما بين الزاب والتل وفيها مغرة والمسيلة وفيها السرسو قبلة تلمسان حيث تاهرت فيها جبل دير وقبلة
فاس معترض في تلك البسائط هذا حد المغرب من جهة القبلة والجنوب وأما من جهة الشرق فيختلف باختلاف اصطلاحات فعرف أهل الجغرافيا انه بحر أهل القلزم المنفجر من بحر اليمن هابط على سمت الشمال وباغراب يسير إلى المغرب حتى ينتهى إلى القلزم والسويس ويبقى بينهم من هنا لك وبين سمته من البحر الرومي مسيرة يومين وينقطع عند السويس والقلزم وبعده عن مصر في جهة الشرق ثلاثة أيام هذا آخر المغرب عندهم ويدخل فيه اقليم مصر وبرقة وكان المغرب عندهم جزيرة أحاطت بها البحار من ثلاث جهاتها كما تراه وأما العرف الجارى لهذا العهد بين سكان هذه الاقاليم فلا يدخل فيه اقليم مصر ولا برقة وانما يختص بطرابلس وما وراءها إلى جهة المغرب في هذا العرف لهذا العهد وهذا الذى كان في القديم ديار البربر ومواطنهم فأما المغرب الاقصى منه وهو ما بين وادى ملوية من جهة الشرق إلى اسفى حاضرة البحر المحيط وجبال درن من جهة الغرب فهى في الاغلب ديار المصامدة من أهل درن وبرغواطة وغمارة وآخر غمارة بطوية مما يلى غساسة ومعهم عوالم من صنهاجة ومضغره وأوربة وغيرهم يحيط به البحر الكبير من غربيه والرومى من شماليه والجبال الصاعدة المتكاثفة مثل درن وجانب القبلة وجبال تازا من جهة الشرق لان الجبال أكثر ما هي وأكنف قرب البحار بما اقتضاه التكوين من ممانعة البحار بها فكانت جبال المعرب لذلك أكثر ساكنها من المصامدة في الاغلب وقيل من صنهاجة وبقيت البسائط من الغرب مثل ازغاو وتامسنا وتادلاود كالة واعتمرها الظواعن من البربر الطارئين(6/101)
عليه من جشم ورياح بعض المغرب ساكنه من الامم لا يحصيهم الا خالقهم وصار كانه جزيرة وبلد واحد أحاطت به الجبال والبحار وقاعدته لهذا العهد فاس وهى دار ملكه ويمر فيه النهر العظيم المعروف بوادي أم ربيع وهو نهر عظيم يمتنع عبوره أيام الامطار لاتساعه ويعظم مده إلى البحر فينتهى إلى سبعين ميلا أو ما يقاربها ومصبه
في البحر الكبير عند أزبور ومنبعه من جبال درن من فوهة كبيرة ينبع منها هذا النهر ويتساهل إلى بسيط المغرب وينبع منها أيضا نهر آخر وينحدر إلى القبلة ويمر ببلاد درعة ذات النخل المخصوصة بنبات النيلج وصناعة استخراجه من شجره وهى قصور ذات نخل موضوعة في سفح جبل درن من آخره وبها يسمى هذا النهر ويجاورها إلى أن يغوص في الرمل قبلة بلاد السوس وأما نهر ملوية آخر المغرب الاقصى فهو نهر عظيم منبعه من فوهة في جبال قبلة زازى ويصب في البحر الرومي عند غاسة وعليه كانت ديار مكناسة المعروفة بهم في القديم ويسكنها لهذا العهد أمم أخرى من زناتة في قصور منتظمة إلى أعلى النهر يعرفون بوطاط ويجاورهم هنا لك وفى سائر نواحيه أمم من البربر أشهر من فيهم بطالسة أخوة مكناسة وينبع مع هذا النهر من فوهته نهر كبير ينحدر ذاهبا إلى القبلة مشرقا بعض الشئ ويقطع العرق على سمته إلى أن ينتهى إلى البردة ثم بعدها إلى تميطت ويسمى لهذا العهد كبيرا وعليه قصورها ثم يمر إلى أن يصب في القفار ويروغ في قفارها ويغور في رمالها وهو موضع مقامه قصور ذات نخل تسمى وركلان وفى شرق بوده مما وراء العرق قصور تسايبت من قصور الصحراء وفى شرقي تسايبت إلى ما يلى الجنوب قصور تيكورارين تنتهى إلى ثلثمائة أو أكثر في واد واحد فينحدر من المغرب إلى المشرق وفيها أمم من قبائل زناتة وأما المغرب الاوسط فهو في الاغلب ديار زناتة كان لمغراوة وبنى يفرن وكان معهم مديونة ومغيلة ركومية ومطغرة ومطماطة ثم صار من بعدهم لبنى وماتوا وبنى يلومى ثم صار لبنى عبد الواد وتوجين من بنى ما دين وقاعدته لهذا العهد تلمسان وهى دار ملكه ويجاوره من جهة المشرق بلاد صنهاجة من الجزائر ومتيحة والمرية وما يليها إلى بجاية وقبائله كلهم لهذا العهد مغلوبون للعربل من زغبة ويمر في وادى شلف بنى واطيل النهر الاعظم منبعه من بلد راشد في بلاد الصحراء ويدخل إلى التل من بلاد حصين لهذا العهد ثم يمر مغربا ويجتمع نيه سائر أودية المغرب الاوسط مثل مينا وغيره إلى أن يصب في البحر الرومي ما بين
كلمتين ومستغانم وينبع من فوهته نهر آخر يذهب مشرقا من جبل راشد ويمر بالزاب إلى ان يصب في شيخة ما بين توزر ونفزاوة معروفة هنا لك ويسمى هذا النهر وادى شدى وأما بلاد بجاية وقسنطينة فهى دار زواوة وكتامة ومحيسة وهوارة وهى اليوم ديار(6/102)
للعرب الجبال وفيها بقاياهم وأما افريقية كلها إلى طرابلس فبسائط فتح كانت ديارا لنفزاوة وبنى يفرن ونفوسة ومن لا يحصى من قبائل البربر وكانت قاعدتها القيروان وهى لهذا العهد مجالات للعرب من سليم وبنى يفرن وهوارة مغلوبون تحت أيديهم وقد تبدوا معهم ونسوا رطانة الاعاجم وتكلموا بلغات العرب وتحلوا بشعارهم في جميع أحوالهم وقاعدتها لهذا العهد تونس وهى دار ملكها ويمر فيها النهر الاعظم المعروف بوادي مجرد يجتمع فيه سائر الاودية بها ويصب في البحر الرومي على مرحلة من غربي تونس بموضع يعرف ببنزرت وأما برقة فدرست وخربت أمصارها وانقرض أمرها وعادت مجالات للعرب بعد أن كانت دار اللواتة وهوارة وغيرهم من البربر وكانت بها الامصار المستجرة مثل لبدة وزويلة وبرقة وقصر حسان وامثالها فعادت يبابا ومفاوز كان لم تكن والله أعلم { الفصل الثالث في ذكر ما كان لهذا الجيل قديما وحديثا من الفضائل الانسانية } { والخصائص الشريفة الراقية بهم إلى مراقى العز ومعارج السلطان والملك } قد ذكرنا ما كان من أمر هذا الجيل من البربر ووفور عدده وكثرة قبائلهم وأجيالهم وما سواه من مغالبة الملوك ومزاحمة الدول عدة آلاف من السنين من لدن حروبهم مع بنى اسرائيل بالشأم وخروجهم عنه إلى افريقية والمغرب وما كان منهم لاول الفتح في محاربة الطوالع من المسلمين أولا ثم في مشايعتهم ومظاهرتهم على عدوهم ثانيا من المقامات الحميدة والآثار الجميلة وما كان لوهيا الكاهنة وقومها بجبل أوراس من الملك والعز والكثرة قبل الاسلام وبعده حتى تغلب عليهم العرب وما كان لمكناسة من
مشايعة المسلمين أولا ثم ردتهم ثانيا وتحيزهم إلى المغرب الاقصى وفرارهم أمام عقبة بن نافع ثم غلبهم بعد ذلك طوالع هشام بارض المغرب (قال ابن أبى زيد) ان البربر ارتدوا بافريقية المغرب اثنتى عشرة مره وزحفوا في كلها للمسلمين ولم يثبت اسلامهم الا في أيام موسى بن نصير وقيل بعدها وتقدم ذكر ما كان لهم في الصحراء والقفر من البلاد وما شيدوا من الحصون والآطام والامصار من سجلماسة وقصور توات وتجورارين وفيجيج ومصاب وواركل وبلاد ريغة والزاب ونقزاوة والحمة وغذامس ثم ما كان لهم من الايام والوقائع والدول والممالك ثم ما كان بينهم وبين طوالع العرب من بنى هلال في المائة الخامسة بافريقية وما كان لهم مع دولة آل حماد بالقلعة ومع لمتونة بتلمسان وتاهرت من الموالاة والانحراف وما استولى عليه بنو يادين آخر ابا سهام الموحدين واقطاعهم من بلاد المغرب وما كان لبنى مرين في الاجلاب على عير عبد المؤمن من الآثار وما تشهد أخباره كلها بانه جيل عزيز على الايام وأنهم(6/103)
قوم مرهوب جانبهم شديد بأسهم كثير جمعهم مظاهرون لامم العالم واجياله من العرب والفرس ويونان والروم لكنهم لما أصابهم الفناء وتلاشت عصابتهم بما حصل لهم من ترف الملك والدول التى تكررت فيهم قلت جموعهم وفنيت عصابتهم وعشائرهم وأصبحوا خولا للدول وعبيد اللجباية واستنكف كثير من الناس عن النسب فيهم لاجل ذلك والا فقد كانت أوربة أميرهم كسيلة عند الفتح كما سمعت وزناتة أيضا حتى أسر أميرهم وزمار بن مولات وحمل إلى المدينة إلى عثمان بن عفان ومن بعد ذلك هوارة وصنهاجة وبعدهم كتامة وما أقاموا من الدولة التى ملكوا بها المغرب والمشرق وزاحموا بنى العباس في ديارهم وغير ذلك منهم كثير وأما تخلقهم بالفضائل الانسانية وتنافسهم في الخلال الحميدة وما جبلوا عليه من الخلق الكريم مرقاة الشرف والرفعة بين الامم ومراعاة المدح والثناء من الخلق من عز الجوار وحماية النزيل ورعى الاذمة
والوسائل والوفاء بالقول والعهد والصبر على المكارم والثبات في الشدائد وحسن الملكة والاغضاء عن العيوب والتجافى عن الانتقام ورحمة المسكين وبر الكبير وتوقير أهل العلم وحمل الكل وكسب المعدوم وقرى الضيف والاعانة على النوائب وعلو الهمة واباية الضيم ومشاقة الدول ومقارعة الخطوب وغلاب الملك وبيع النفوس من الله في نصر دينه فلهم في ذلك آثار نقلها الخلف عن السلف لو كانت سسطورة لحفظ منها ما يكون اسوة لمتبعيه من الامم وحسبك ما اكتسبوه من حميدها واتصفوا به من شريفها أن قادتهم إلى مراقى العز وأوفت بهم على ثنايا الملك حتى علت على الايدى أيديهم ومضت في الخلق بالقبض والبسط أحكامهم وكان مشاهيرهم بذلك من أهل الطبقة الاولى فلكين بن زيرى الصنهاجى عامل افريقية للعبيديين ومحمد من خزر والخير ابنه وعروبة بن يوسف الكتامى القائم بدعوة عبد الله الشيعي ويوسف بن تاشفين ملك لمتونة بالمغرب وعبد المؤمن بن على شيخ الموحدين وصاحب الامام المهدى وكان عظماؤهم من أهل الطبقة الثانية السابقون إلى الراية بين دولهم والمعاهدون لملكهم بالمغرب الاقصى والاوسط كبيرهم يعقوب بن عبد الحق سلطان بنى مرين ويغمراسن بن زيان سلطان بنى عبد الواد ومحمد بن عبد القوى ووزمار كبير بنى توجين وثابت بن منديل أمير مغراوة أهل شلف ووزمار بن ابراهيم زعيم بنى راشد المتعارضين في ازمانهم المتناغين في تاثيل عزهم والتمهيد لقومهم على شاكلته بقوة جمعه فكانوا من أرسخهم في تلك الخلال قدما وأطولهم فيها يدا وأكثرهم لها جمعا طارت عنهم في ذلك قبل الملك وبعده أخبار عنى بنقلها الاثبات من البربر وغيرهم وبلغت في الصحة والشهرة منتهى التواتر وأما اقامتهم لمراسم الشريعة وأخذهم باحكام الملة ونصرهم(6/104)
لدين الله فقد نقل عنهم من اتخاذ المعلمين كتاب الله لصبيانهم والاستفتاء في فروض أعيانهم واقتفاء الائمة للصلوات في بواديهم وتدارس القرآن بين احيائهم وتحكيم
حملة الفقه في نوازلهم وقضاياهم وصاغيتهم إلى أهل الخير والدين من أهل مصرهم للبركة في آثارهم وسؤال الاعداد عن صالحيهم واغشائهم البحر أفضل المرابطة والجهاد وبيعهم النفوس من الله في سبيله وجهاد عدوه ما يدل على رسوخ ايمانهم وصحة معتقداتهم ومنين ديانتهم التى كانت ملاكا لعزهم ومقادا إلى سلطانهم وملكهم وكان المبرز منهم في هذا المنتحل يوسف بن تاشفين وعبد المؤمن بن على وبنوهم ثم يعقوب ابن عبد الحق من بعدهم وبنوه فقد كان لهم في الاهتمام بالعلم والجهاد وتشييد المدارس واختطاط الزوايا والربط وسد الثغور وبذل النفس في ذات الله وانفاق الاموال في سبيل الخيرات ثم مخالطة اهل العلم وترفيع مكانهم في مجالستهم ومفاوضتهم في الاقتداء بالشريعة والانقياد لاشاراتهم في الوقائع والاحكامن ومطالعة سير الانبياء وأخبار الاولياء وقراءتها بين أيديهم من دواوين ملكهم ومجالس أحكامهم وقصور عزهم والتعرض بالمعاقل لسماع شكوى المتظلمين وانصاف الرعايا من العمال والضرب على يد أهل الجور واتخاذ المساجد بصحن دورهم وشدة خلافهم وملكهم يعمرونها بالصلوات والتسبيحات والقراء المرتبين لتلاوة كتاب الله احزابا بالعشى والاشراق على الايام وتحصين ثغور المسلمين بالبنيان المشيد والكتائب المجهزة وانفاق الاموال العريضة شهدت لهم بذلك آثار تخلفوها بعدهم وأما وقوع الخوارق فيهم وظهور الكاملين في النوع الانساني من أشخاصهم فقد كان فيهم من الاولياء المحدثين أهل النفوس القدسية والعلوم الموهوبة ومن حملة العلم عن التابعين ومن بعدهم من الائمة والكهان المفطورين على المطلع للاسرار المغيبة ومن الغرائب ابلتى خرقت العادة وأوضحت أدلة القدرة ما يدل على عظيم عناية الله بذلك الجيل وكرامته لهم بما آتاهم من جماع الخير وآثرهم به من مذاهب الكمال وجمع لهم من متفرق خواص الانسان ينقل ذلك في أخبار توهم عجائب فكان من مشاهير حملة العلم فيهم سعيد بن واسول جد بنى مدرار ملوك سجلماسة أدرك التابعين واخذ عن عكرمة مولى العباس ذكره عريب بن
حميد في تاريخه ومنهم أبو يزيد مخلد بن كيداد اليفرنى صاحب الحمار الخارج على الشيعة سنة ثنتين وثلثمائة الدائن بدين الخارجية أخذ العلم بتوزر عن مشيختها ورأس في الفتيا وقرأ مذاهب الاضافية من الخوارج وصدق فيه ثم لقى عمارا الاعمى الصفرى النكار فتلقن عنه من مذاهبهم ما انسلخ من آية السعادة بانتحاله وهو مع ذلك من الشهرة في هذا الجيل بحيث لا يغفل ومنهم منذر بن سعيد قاضى الجماعة بقرطبة من ظواعن(6/105)
ولهاصة ثم من سوماتة منهم مولده عام عشرة ووفاته عام ثلاثة وثمانين وثلثمائة كان من البتر من ولد مادغيس هلك على عهد عبد الرحمن الناصر ومنهم أيضا أبو محمد بن أبى زيد علم الملة وهو من قفزة أيضا ومنهم علماء بالنسب والتاريخ وغير ذلك من فنون العلوم ومن مشاهير زناتة أيضا موسى بن صالح الغمرى معروف عند كافتهم معرفة وضوح وشهرة وقد ذكرناه عند ذكر غمرة من شعوب زناتة وهو وان لم توقفنا الاخبار الصحيحة على الجلى من أمره في دينه فهو من محاسن هذا الجيل الشاهدة بوجود الخواص الانسانية فيهم من ولاية وكهانة وعلم وسحر وكان نوعا من آثار الخليقة ولقد تحدث أهل هذا الجيل فيما يتحدثون به ان أخت يعلى بن محمد اليفرنى جاءت بولد من غير أب سموه كلمام ويذكر له أخبار في الشجاعة خرقت العوائد ودلت على انه موهبة من الله استأثره بها لم يشاركه فيها غيره من أهل جلدته وربما ضاقت حوامل الخواص منهم عن ملتقط هذه الكائنة ويجهلون ما يتسع لها ولامثالها من نطاق القدرة وينقلون أن حملها كان اثر استحمامها في عين حامية هنا لك غب ما صدر عنها بعض السباع كانت ترد فيها على الناس ويردون عليها ويرون أنها علقت من فضل ولوغه ويسمون ذلك المولود ابن الاسد لظهور خلعة الشجاعة فيه وكثير من أمثال هذه الاخبار التى لو انصرفت إليها عناية الناقلين لملات الدواوين ولم يزل هذا دأبهم وحالهم إلى أن مهدوا من الدول وأثلوا من الملك ما نحن في سبيل ذكره
{ الفصل الرابع في ذكر أخبارهم على الجملة من قبل الفتح الاسلامي ومن بعده إلى ولاية بنى الاغلب } هؤلاء البربر جيل وشعوب وقبائل أكثر من أن تحصى حسبما هو معروف في تاريخ الفتح بافريقية والمغرب وفى أخبار ردتهم وحروبهم فيها نقل ابن أبى الرقيق أن موسى ابن نصير لما فتح سقوما كتب إلى الوليد بن عبد الملك انه صار لك من سبى سقوما مائة ألف رأس فكتب إليه الوليد بن عبد الملك ويحك انى أظنها من بعض كذباتك فان كنت صادقا فهذا محشر الامة ولم تزل بلاد المغرب إلى طرابلس بل والى الاسكندرية عامرة بهذا الجيل ما بين البحر الرومي وبلاد السودان منذ أزمنة لا يعرف أولها ولا ما قبلها وكان دينهم دين المجوسية شأن الاعاجم كلهم بالمشرق والمغرب الا في بعض الاحابين يدينون بدين من غلب عليهم من الامم فان الامم اهل الدول العظيمة كانوا يتغلبون عليهم فقد غزتهم ملوك اليمن من قرارهم مرارا على ما ذكر مؤرخوهم فاستكانوا لغلبهم ودانوا بدينهم ذكر ابن الكلبى أن حميرا بالقبائل اليمانية ملك المغرب مائة سنة وانه الذى ابتنى مدائنه مثل افريقية وصقلية واتفق المؤرخون على غزو افريقش صيفي من التبابعة(6/106)
إلى المغرب كما ذكرنا في أخبار الروم واختطوا بسبب البحر وما يليه من الارياف مدنا عظيمة الخطة ويتمة المباني شهيرة الذكر باقية المعالم والآثار لهذا العهد مثل سبطلة وجلولاء ومرناق وطاقة وزناتة وغيرها من المدن التى خربها المسلمون من العرب لاول الفتح عند استيلائهم عليها وقد كانوا دانوا لعهدهم بما تعبدوهم به من دين النصرانية وأعطوهم المهادنة وأدوا إليهم الجباية طواعية وكان للبربر في الضواحى وراء ملك الامصار المرهوبة الحامية ما شاء من قوة وعدة وعدد وملوك ورؤساء واقيال وأمراؤها لا يرامون بذل ولا ينالهم الروم والافرنج في ضواحيهم تلك بمسخطة الاساءة وقد صبحهم الاسلام وهم في مملكة قد استولوا على رومة وكانوا يؤدون الجباية لهرقل ملك
القسطنطينية كما كان المقوقس صاحب الاسكندرية وبرقة ومصر يؤدون الجباية له وكما كان صاحب طرابلس ولبدة وصبرة وصاحب صقلية وصاحب الاندلس من الغوط لما كان الروم غلبوا على هؤلاء الامم اجمع وعنهم كلهم أخذوا دين النصرانية فكان الفرنجة هم الذين ولوا أمر افريقية ولم يكن للروم فيها شئ من ولاية وانما كان كل من كان منهم بها جند اللافرنج ومن حشودهم وما يسمع في كتب الفتح من ذكر الروم في فتح افريقية فمن باب التغليب لان العرب يومئذ لم يكونوا يعرفون الفرنج وما قاتلوا في الشام الا الروم فظنوا انهم هم الغالبون على أمم النصرانية فان هرقل هو ملك النصرانية كلها فغلبوا اسم الروم على جميع أمم النصرانية ونقلت الاخبار عن العرب كما هب فجرجير المقتول عند الفتح من الفرنج وليس من الروم وكذا الامة الذين كانوا بافريقية غالبين على البربر ونازلين بمدنها وحصونها انما كانوا من الفرنجة وكذلك ربما كان بعض هؤلاء البربر دانوا بدين اليهودية أخذوه عن بنى اسرائيل عند استفحال ملكهم لقرب الشأم وسلطانه منهم كما كان جراءة أهل جبل أوراس قبيلة الكاهنة مقتولة العرب لاول الفتح وكما كانت نفوسة من برابر افريقية وفندلاوقة ومديونة وبهلولة وغياتة وبنو بازاز من برابرة المغرب الاقصى حتى محا ادريس الاكبر الناجم بالمغرب من بنى حسن ابن الحسن جميع ما كان في نواحيه من بقايا الاديان والملل فكان البربر بافريقية والمغرب قبل الاسلام تحت ملك الفرنج وعلى دين النصرانية الذى اجتمعوا عليه مع الروم كما ذكرناه حتى إذا كان الفتح وزحف المسلمون إلى افريقية زمان عمر رضى الله عنه سنة تسع وعشرين وغلبهم عبد الله بن سعد بن أبى سرح من بنى عامر بن لؤى فجمع لهم جرير ملك الفرنجة يومئذ بافريقية من كان بامصارها من الفرنج والروم ومن بضواحيها من جموع البربر وملوكهم وكان ملك ما بين طرابلس وطنجة وكنت دار ملكه سبيطلة فلقوا المسلمين في زهاء مائة وعشرين ألفا والمسلمون يومئذ في عشرين(6/107)
ألفا فكان من هزيمة العرب لهم وفتحهم لسبيطلة وتخريبهم اياها وقتلهم جرجير ملكهم وما نفلهم الله من أموالهم وبناتهم التى اختصت منهن ابنته بقاتله عبد الله بن الزبير لعهد المسلمين له بذلك بعد الهزيمة رخلوصه بخبر الفتح والملا من المسلمين بالمدينة ما هو كله مذكور مشهور ثم أرزئ الفرنجة ومن معهم من الروم بعد الهزيمة وخلوصه بخبر الفتح إلى حصون افريقية وانساح المسلمون في البسائط بالغارات ووقع بينهم وبين البربر أهل الضواحى زحوف وقتل وسبى حتى لقد حصل في أسرهم يومئذ من ملوكهم وزمار بن صقلاب جد بنى حزر وهو يومئذ أمير مغوارة وسائر زنانة ورفعوه إلى عثمان بن عفان فأسلم على يده ومن عليه وأطلقه وعقد له على قومه ويقال انما وصله وافدا وحصن المسلمين عليهم ولاذ الفرنج بالسلم وشرطوا لابن أبى سرح ثلثمائة قنطار من الذهب على أن يرحل عنهم بالعرب ويخرج بهم من بلادهم ففعل ورجع المسلمون إلى المشرق وشغلوا بما كان من الفتن الاسلامية ثم كان الاجتماع والاتفاق على معاوية بن أبى سفيان وبعث معاوية بن خديج السكرنى من مصر لافتتاح افريقية سنة خمس وأربعين وبعث ملك الروم من القسطنطينية عساكره لمدافعتهم في البحر فلم تغن شيأ وهزمهم العرب بسائر أجم وحاصروا جلولاء وفتحوها وقفل معاوية بن خديج إلى مصر فولى معاوية بن أبى سفيان على افريقية بعده عقبة بن نافع فاختط القيروان وافترق أمر الفرنجة وصاروا إلى الحصون وبقى البربر بضواحيهم إلى أن ولى يزيد ابن معاوية وولى على افربقية أبا المهاجر مولى وكانت رياسة البربر يومئذ في أوربة لكسيلة بن لمزم وهو رأس البرانس ومرادفه سكرديد بن رومى بن ما زرت من أوربة وكان على دين النصرانية فأسلما لاول الفتح ثم ارتدا عند ولاية أبى المهاجر واجتمع اليهما البرانس وزحف إليهم أبو المهاجر حتى نزل عيون تلمسان فهزمهم وظفر بكسيلة فأسلم واستبقاه ثم جاء عقبة بعد أبى المهاجر فنكبه غيظا على صحابته لابي المهاجر ثم استفتح حصون الفرنجة مثل ماغانة ولميس ولقيه ملوك البربر بالزاب وتاهرت فغضهم
جمعا بعد جمع ودخل المغرب الاقصى واطاعته غمارة وأميرهم يومئذ بليان ثم أجاز إلى ولى ثم إلى جبال درن وقتل المصامدة وكانت بينهم وبينه حروب وحاصروه بجبال درن ونهضت إليهم جموع زناتة وكانوا خالصة للمسلمين منذ اسلام مغراوة فافرجت المصامدة عن عقبة وأثخن فيهم حتى حملهم على طاعة الاسلام ودوخ بلادهم ثم أجاز إلى بلاد السوس لقتال من بها من صنهاجة أهل اللثام وهم يومئذ على دين المجوسية ولم يدينوا بالنصرانية فأثخن فيهم وانتهى إلى تارود انت وهزم جموع البربر وقاتل مسوفة من وراء السوس وساسهم وقفل راجعا وكسبلة اثناء هذا كله في اعتقاله بجمعه معه(6/108)
في عسكر مسائر غزاوته فلما قفل من السوس سرح العساكر إلى القيروان حتى بقى في خف من الجنود وتراسل كسيلة وقومه فأرسلوا له شهودا وانتهزوا الفرصة فيه وقتلوه ومن معه وملك كسيلة افريقية خمس سنين ونزل القيروان واعطى الامان لمن بقى بها ممن تخلف من العرب أهل الذرارى والاثقال وعظم سلطانه على البربر وزحف قيس بن زهير البلوى في ولاية عبد الملك للثأر بدم عقبة سنة سبع وستين وجمع له كسيلة سائر البربر ولقيه بجيش من نواحى القيروان فاشتد القتال بين الفريقين ثم انهزم البربر وقتل كسيلة ومن لا يحصى منهم وأتبعهم العرب إلى محنة إلى ملوية وفى هذه الواقعة دل البربر وفنيت فرسانهم ورجالهم وخضدت شوكتهم واضمحل أمر الفرنجة فلم يعد وخاف البربر من زهير ومن العرب خوفا شديدا فلجؤا إلى القلاع والحصون ثم ترهب زهير بعدها وقفل إلى المشرق فاستشهد ببرقة كما ذكرناه واضطرمت افريقية نارا وافترق أمر البربر وتعدد سلطانهم في رؤسائهم وكان من أعظمهم شأنا يومئذ الكاهنة دهيا بنت ماتية بن تيفان ملكة جبل أوراس وقومها من جراوة ملوك البتروز وعمائهم فبعث عبد الملك إلى حسان بن النعمان الغساني عامله على مصر ان يخرج إلى جهاد افريقية وبعث إليه بالمدد فزحف إليها سنة تسع وسبعين
ودخل القيروان وغزا قرطاجنة وافتتحها عنوة وذهب من كان بقى بها من الافرنجة إلى صقلية والى الاندلس ثم سأل عن أعظم ملوك البربر فدلوه على الكاهنة وقومها جراوة فمضى إليها حتى نزل وادى مسكيانة وزحفت إليه فاقتتلوا قتالا شديدا ثم انهزم المسلمون وقتل منهم خلق كثير وأسر خالد بن يزيد القيسي ولم تزل الكاهنة والبربر في اتباع حسان والعرب حتى أخرجوهم من عمل قابس ولحق حسان بعمل طرابلس ولقيه كتاب عبد الملك بالمقام فأقام وبنى قصوره وتعرف لهذا العهد ثم رجعت الكاهنة إلى مكانها واتخذت عهدا عند أسيرها خالد بالرضاع مع ابنتها وأقامت في سلطان افريقية والبربر خمس سنين ثم بعث عبد الملك إلى حسان بالمدد فرجع إلى افريقية سنة أربع وسبعين وخربت الكاهنة جميع المدن والضياع وكانت من طرابلس إلى طنجة ظلا واحدا في قرى متصلة وشق ذلك على البربر فاستأمنوا لحسان فأمنهم ووجد السبيل إلى تفريق أمرها وزحف إليها وهى في جموعها من البربر فانهزموا وقتلت الكاهنة بمكان السر المعروف بها لهذا العهد بجبل أوراس واستأمن إليه البربر على الاسلام والطاعة وعلى أن يكون منهم اثنا عشر ألفا مجاهدين معه فأجابوا وأسلموا وحسن اسلامهم وعقد للاكبر من ولد الكاهنة على قومهم من جراوة وعلى جبل أوراس فقالوا لزمنا الطاعة له سبقناها إليها وبايعناه عليها وأشارت عليهم بذلك لاثارة من علم كانت لديها بذلك من(6/109)
شياطينها وانصرف حسان إلى القيروان فدون الدواوين وصالح من الفئ بيده إلى البربر على الخراج وكتب الخراج على عجم افريقية ومن أقام معهم على النصرانية من البربر والبرانس واختلفت أيدى البربر فيما بينهم على افريقية والمغرب فخلت أكثر البلاد وقدم موسى بن نصير إلى القيروان واليا على افريقية ورأى ما فيها من الخلاف وكان ينقل العجم من الاقاصى إلى الاداني وأثخن في البربر ودوخ المغرب وأدى إليه البربر الطاعة وولى على طنجة طار وبن زياد وأنزل معه سبعة وعشرين ألفا من العرب
واثنى عشر ألفا من البربر وأمرهم أن يعلموا البربر القرآن والفقه ثم أسلم بقية البربر على يد اسمعيل بن عبد الله بن أبى المهاجر سنة احدى ومائة * وذكر أبو محمد بن أبى زيدان البربر ارتدوا اثنتى عشرة مرة من طرابلس إلى طنجة ولم يستقر اسلامهم حتى أجاز طارق وموسى بن نصير إلى الاندلس بعد ان دوخ المغرب وأجاز معه كثير من رجالات البربر وامرهم برسم الجهاد فاستقروا هنا لك من لدن الفتح فحينئذ استقر الاسلام بالمغرب وأذعن البربر لحكمه ورسخت فيهم وكلمة الاسلام وتناسلوا الردة ثم نبضت فيهم عروق الخارجية فدانوا بها ولقنوها من العرب الناقلة ممن سمعها بالعراق وتعددت طوائفهم وتشعبت طرقها من الاباضية والصفرية كما ذكرنا في أخبار الخوارج وفشت هذه البدعة وعقدها رؤس النفاق من العرب وجرت إليهم الفتنة من البربر ذريعة الانتزاء على الامر فاختلوا في كل جهة ودعوا إلى قائدهم طغام البربر تتلون عليهم مذاهب كفرها ويلبسون الحق بالباطل فيها إلى ان رسخت فيهم عروق من غرائسها ثم تطاول البربر إلى الفتك بأمر العرب فقتلوا يزيد بن أبى مسلم سنة ثنتين ومائة لما نقموا عليه في بعض الفعلات ثم انتقض البربر بعد ذلك سنة ثنتين وعشرين ومائة في ولاية عبد الله بن الحجاب أيام هشام بن عبد الملك لما أوطأ عساكره بلاد السوس وأثخن في البربر وسبى وغنم وانتهى إلى مسوفة فقتل وسبى وداخل البربر منه رعب وبلغه أن البربر احسوا بانهم فئ للمسلمين فانتقضوا عليه وثار ميسرة المطغتى بطنجة على عمرو بن عبد الله فقتله وبايع لعبد الاعلى بن جريج الافريقى رومى الاصل ومولى العرب كان مقدم الصفرية من الخوارج في انتحال مذهبهم فقام بأمرهم مدة وبايع ميسرة لنفسه بالخلافة داعيا إلى نحلته من الخارجية على مذهب الصفرية ثم ساءت سيرته فنقم عليه البربر ما جاء به فقتلوه وقدموا على أنفسهم خالد بن حميد الزناتى (قال ابن عبد الحكم) هو من هتورة احدى بطون زناتة فقام بامرهم وزحف إلى العرب وسرح إليهم عبد الله بن الحجاب العساكر في مقدمته ومعهم خالد بن أبى حبيب
فالتقوا بوادي شلف وانهزم العرب وقتل خالد بن أبى حبيب ومن معه وسميت وقعة(6/110)
الاسراب وانتقضت البلاد ومرج أمر الناس وبلغ الخبر هشام بن عبد الملك فعزل ابن حجاب وولى كلثوم بن عياض القشيرى سنة ثلاث وعشرين وسرحه في اثنى عشر ألفا من أهل الشأم وكتب إلى ثغور مصر وبرقة وطرابلس أن يمدوه فخرج إلى افريقية والمغرب حتى بلغ وادى طنجة وهو وادى سبسر فزحف إليه خالد بن حميد الزناتى فيمن معه من البربر وكانوا خلقا لا تحصى ولقوا كلثوم بن عياض من بعد أن هزموا مقدمته فاشتد القتال بينهم وقتل كلثوم وأضرمت العساكر فمضى أهل الشأم إلى الاندلس مع فلح بن بشير القشيرى ومضى أهل مصر وافريقية إلى القيروان وبلغ الخبر إلى هشام بن عبد الملك فبعث حنظلة بن سفيان الكلبى فقدم القيروان سنة أربع وعشرين وأربعمائة وهوارة يومئذ خوارج على الدولة منهم عكاشة بن أيوب وعبد الواحد بن يزيد في قومهما فثارت هوارة ومن تبعهم من البربر فهزمهم حنظلة بن المعز وظاهر القيروان بعد قتال شديد وقتل عبد الواحد الهوارى وأخذ عكاشة أسيرا وأحصيت القتلى في هذه الوقيعة فكانوا مائة وثمانين ألفا وكتب بذلك حنظلة إلى هشام وسمعها الليث بن سعد فقال ما غزوة كنت أحب ان أشهدها بعد غزوة بدر أحب إلى من غزوة القرن والاصنام ثم خفت الخلافة بالمشرق والتاب أمرها لما كان من بنى أمية من الفتنة وما كان من أمر الشيعة والخوارج مع مروان وأفضى الامر إلى الادالة ببنى العباس من بنى أمية وأجاز الفخر عبد الرحمن بن حبيب من الاندلس إلى افريقية فملكها وغلب حنظلة عليها سنة ست وعشرين ومائة فعادت لفيف إلى أديانها واستشرى داء البربر وأعضل أمر الخارجية ورؤسها فانتقضوا من أطراف البقاع وتواثبوا على الامر بكل ما كان داعين إلى بدعتهم وتولى كبر ذلك يومئذ صنهاجة وتغلب أميرهم ثابت ابن وريدون وقومه على باجة وثار معه عبد الله بن سكرديد من أمرائهم فيمن تبعه
وثار بطرابلس عبد الجبار والحرث من هوارة وكانا يدينان برأى الاباضية فقتلوا عامل طرابلس بكر بن عيسى القيسي لما خرج إليهم يدعوهم إلى الصلح وبقى الامر على ذلك مدة وثار اسمعيل بن زياد في قتل البربر وأثخن فيهم وزحف إلى تلمسان سنة خمس وثلاثين فظفر بها ودوخ المغرب واذل من كان فيه من البربر ثم كانت بعد ذلك فتنة وربجومة وسائر قبائل نفزاوة سنة أربعين ومائة وذلك لما انحرف عبد الرحمن بن حبيب عن طاعة أبى جعفر وقتله أخواه الياس وعبد الوارث فولى مكانه ابنه حبيب عن طاعة أبى جعفر وقتله أخواه الياس وعبد الوارث فولى ومكانه ابنه حبيب وطالبهما بثار أبيه فقتل الياس ولحق عبد الوارث وربجومة فأجاره أميرهم عاصم بن جميل وتبعه على شأنه يزيد بن سكوم أمير ولهامة واجتمعت لهم كلمة نفزاوة ودعوا لابي جعفر المنصور وزحفوا إلى القيروان ودخلوها عنوة وفر حبيب بن قابس(6/111)
فأتبعه عاصم في نفزاوة وقبائلهم وولى على القيروان عبد الملك بن أبى الجعد وجموع نفزاوة الذين كانوا بالقيروان وقتلوه واستولت وربجومة على القيروان وسائر افريقية وقتلوا من كان بها من قريش وربطوا دوابهم بالمسجد الجامع واشتد البلاء على أهل القيروان وأنكرت ذلك من فعل وربجومة ومن إليهم من نفزاوة برابرة طرابلس الاباضية من هوارة وزنانة فخرجوا واجتمعوا إلى أبى الخطاب عليها واجتمع إليه سائر البربر الذين كانوا هنا لك من زناتة وهوارة وزحف بهم إلى القيروان فقتل عبد الملك بن أبى الجعد وسائر وربحومة ونفزاوة واستولى على القيروان سنة احدى وأربعين ثم ولى على القيروان عبد الرحمن بن رسين وهو من أبناء رستم أمير فارس بالقادسية كان من موالى العرب ومن رؤس هذه البدعة ورحيم أبو الخطاب إلى طرابلس واضطرم المغرب نارا وانتزى خوارج البربر على الجهات فملكوها واجتمعت الصفرية من مكناسة بناحية المغرب منه أربعين ومائة وقدموا عليهم عيسى بن يزيد الاسود واسسوا مدينة سجلماسة
ونزلوها وقدم محمد بن الاشعث واليا على افريقية من أبى جعفر المنصور فزحفها إليه أبو الخطاب ولقيه بسرت فهزموا ابن الاشعث وقتل البربر ببلاد ريفا وفر عبد الرحمن بن رستم من القيروان إلى تاهرت بالمغرب الاوسط واجتمعت إليه طوائف البربر الاباضية من لماية ولواتة ورجالة ونفزاوة فنزل بها واختط مدينتها سنة أربع وأربعين وضبط ابن الاشعث افريقية وخاف البربر ثم انتقل بنو يفرن من زناتة ومغيلة من البربر بنواحي تلمسان وقدموا على أنفسهم أبا قرة من بنى يفرن ويقال انه من مغيلة وهو الاصحح في شأنه وبويع له بالخلافة سنة ثمان وأربعين ومائة وزحف إليه الاغلب بن سود التميمي عامل طبنة فلما قرب منه هرب أبو قرة فنزل الاغلب الزاب ثم اعتزم على تلمسان ثم طنجة ورجع إليه الجند فرجع ثم انتقض البربر من بعد ذلك أيام عمرو بن حفص من ولد قبيصة بن أبى صفرة أعنى المهلب وكان تغلب هوارة منذ سنة احدى وخمسين واجتمعوا بطرابلس وقدموا عليهم أبا حاتم يعقوب بن حبيب بن مرين بن يسطوفت من أمراء مغيلة ويسمى أبا قادم ورجفت بجنود عمر بطبنة في اثنى عشر عسكرا وكان منهم أبو قرة في أربعين ألفا من الصفرية وعبد الرحمن بن رستم في ستة آلاف من الاباضية المسور بن هانئ في عشرة آلاف كذلك وجرير بن مسعود فيمن تبعه من مديونة وعبد الملك بن سكرديد الصنهاجى في ألفين منهم من الصفرية واشتد الحصار على عمر بن حفص فاعمل الحيلة في الخلاف وأعطى ابنه في اتمام ذلك أربعة آلاف وافترقوا وارتحلوا عن طبنة ثم بعث بعثا إلى ابن رستم فهزمه ودخل تاهرت مفلولا وزحف عمر بن حفص إلى أبى حاتم والبربر الاياضية الذين معه ونهضوا إليه(6/112)
فحالفهم إلى الفبروان وشحنها بالاقوات والرجال ثم لقى أبا حاتم والبربر وهزموه ورجع إلى القيروان وحاصروه وكانوا في ثلثمائة وخمسين ألفا الخيل منها خمسة وثلاثون ألفا وكانوا كلهم أبا ضية وطال الحصار وقتل عمر بن حفص في بعض أيامه سنة أربع
وخمسين ومائة وصالح أهل القيروان أبا حاتم على ما أحب وارتحل وقدم يزيد بن قبيصة بن المهلب سنة أربع وخمسين ومائة واليا على افريقية فزحف إليه أبو حاتم بعد أن خالف عليه عمر بن عثمان الفهرى وافترق أمرهم فلقيه يزيد بن حاتم بطرابلس فقتل أبو حاتم وانهزم البربر ولحق عبد الرحمن بن حبيب بن عبد الرحمن من أصحاب أبى حاتم بكتامة وبعث المخارق بن غفار الطائى فحاصره ثمانية أشهر ثم غلب عليه فقتله ومن كان معه من البربر وهربوا إلى كل ناحية وكانت حروبهم مع الجند من لدن قتل عمر بن حفص بطبنه إلى الفضاء ثلثمائة وخمسة وسبعين حربا وقدم يزيد افريقية فزال فسادها ورتب القيروان ولم تزل البلاد هادئة وانتقض ورفجومة سنة سبع وخمسين وولوا عليهم رجلا منهم اسمه أبو زرجونة فسرح إليهم يزيد من عشيرة ابن محراة المهلبى فهزموه واستأذنه ابنه المهلب وكان على الزاب وطبنة وكتامة في الزحف إلى ورفجومة فأذن له وأمده بالعلاء بن سعيد بن مروان المهلبى من عشيرتهم أيضا فأوقع بهم وقتلهم أبرح قتل وانتقض نفزاوة من بعد ذلك في سلطنة ابنه داود من بعد مهلكه سنة احدى وستين ومائة وولوا عليهم صالح بن نصير السفرى ودعوا إلى رأيهم رأى الاباضية فسرح إليهم ابن عمه سليمان بن الصحة في عشرة آلاف فهزمهم وقتل البربر أبرح قتل ثم تحيز إلى صالح بن نصير ولم يشهد الاولى من البربر الاباضية واجتمعوا بشغنبارية فهزمهم إليها سليمان ثانية وانصرف إلى القيروان وركدت ريح الخوارج من البربر من افريقية وتداعت بدعتهم إلى الاضمحلال ورغب عبد الرحمن بن رستم صاحب تاهرت سنة احدى وسبعين في موادعة صاحب القيروان روح بن حاتم بن قبيصة بن المهلب فوادعه وانحصدت شوكة البربر واستكانوا للغلب وأطاعوا للدين فضرب الاسلام بجرانه وألقت الدولة الضريبة على البربر بكلكلها وتقلد ابراهيم بن الاغلب التميمي أمر افريقية والمغرب من قبل الرشيد هرون سنة خمس وثمانين ومائة فاضطلع بأمر هذه الولاية وأحسن السرة وقوم القتاد ورآب الصدع وجمع الكلمة
ورضيت الكافة واستقل بولايتها غير منازع ولا متشوه وتوارثها بنوه خالفا عن سالف وكانت لهم بافريقية المغرب الدولة التى ذكرناها من قبل إلى ان انقرض أمر العرب بافريقية على زيادة الله عاقبتهم الفار إلى المشرق أمام كتامة سنة ست وتسعين ومائتين كما نذكره وخرج كتامة على بنى الاغلب بدعوة الرافضية قام فيهم أبو عبد الله المحتسب(6/113)
الشيعي داعية عبيد الله المهدى فكان ذلك آخر عهد العرب بالملك والدولة بافريقية واستقل كتامة بالامر من يومئذ ثم من بعدهم من برابرة المغرب وذهبت ريح العرب ودولتهم من المغرب وافريقية فلم يكن لهم بعد دولة إلى هذا العهد وصار الملك للبربر وقبائلهم يتداولونه طائفة بعد أخرى وجيلا بعد آخر تارة يدعون إلى الامويين الخلفاء بالاندلس وتارة إلى الهاشميين من بنى العباس وبنى الحسن ثم استقلوا بالدعوة لانفسهم آخرا حسبما نذكر ذلك كله مفصلا عندما يعرض لنا من ذكر دول زناتة والبربر الذين نحن في سياقة أخبارها { الخبر عن البرابرة البتر وشعوبهم ونبدأ منهم أولا بذكر نفوسة وتصاريف أحوالهم } كان مادغيس الابتر جد البرابرة البتر وكان ابنه زحيك ومنه تشعبت بطونهم فكان له من الولد فيما يذكر نسابة البربر أربعة نفوس واداس وضرا ولوا فاما اداس فصار في هوارة لما يقال ان هوارة خلف أبا ه زحيك على أمه قبل فصاله فانتسب إليه واختلط بولده واندرجت بطون اداس في هوارة كما ذكرناه وأما ضرا ولوا فسنأتي بذكر بطونهم واحدا واحدا وأما نفوس فهم بطن واحد تنسب إليه نفوسة كلها وكانوا من أوسع قبائل البربر فيهم شعوب كثيرة مثل بنى زمور وبنى مكسور وماطوسة وكانت مواطن جمهورهم بجهات طرابلس وما إليها وهناك الجبل المعروف بهم وهم على ثلاثه مراحل من قبلة طرابلس يسكنه اليوم بقاياهم وكانت مدينة صبرة قبل
الفتح في مواطنهم وتعزى إليهم وهى كانت باكورة الفتح لاول الاسلام وخرب المغرب بعد استيلائهم عليها فلم يبق مههم الا الاطلال ورسوم خافية وكان من رجالاتهم اسمعيل ابن زياد المتغلب على قابس سنة ثنتين وثلاثين ومائة لاول الدولة العباسية ومنهم لهذا العهد أوزاع متفرقون في الاقطار بعمالات مصر والمغرب والله وارث الارض ومن عليها وأمالوا فمن ولده نفزاوة ولو انه كما نذكر (الخبر عن نفزاوة وبطونهم وتصاريف أحوالهم) وهم بنو تطوفت بن نفزا وبن لوا الاكبر بن زحيك وبطونهم كثيرة مثل غساسة ومرنيسة وزهيلة وسومانة وزاتيمة وولهاصة ومجره وورسيف ومن بطونهم مكلانة ويقال ان مكلاتة من عرب اليمن وقع إلى توطفت صغيرا فتبناه وليس من البربر ولمكانة بطون متعددة مثل بنى ورياغل وكزناية وبنى يصلتن وبنى ديمان ورمحوق وبنى يزناسن ويقال ان غساسة منهم هكذا عند نسابة البربر مثل سابق المطماطى(6/114)
وغيره ومن بطون ولمهاصة ورتدين بن داحية بن ولهاصة وورفجومة بن نيرغاس بن ولهاص ومن بطون ورفجومة زكوله رجالة لذكاك بن ورفجوم إلى بطون أخرى كثيرة وكان ورفجومة هؤلاء أوسم بطون نفزاوه وأشدهم بأسا وقوة ولما انحرف عبد الرحمن بن حبيب عن طاعة أبى جعفر المنصور وقتله اخواه عبد الوارث والباس وطالبهما ابنه حبيب بالثار فلحق عبد الوارث بورفجومة ونزل على أميرهم عاصم بن جميل بأوراس وكان كاهنا فأجاره وقام بدعوة أبى جعفر المنصور واجتمعت إليه نفزاوة وكان من رجالاتهم عبد الملك بن أبى الجعد ويزيد بن سكوم وكانوا يدينون بدين الاباضية من الخوارج وزحفوا إلى القيروان سنة أربعين ومائة وفر عنها حبيب بن عبد الرحمن ودخلها عبد الملك بن أبى الجعد وقتل حبيبا واستولت نفزاوة على القيروان وقتلوا من كان بها من قريش وسائر العرب وربطوا دوابهم بالمسجد
وعظمت حوادثهم ونكر ذلك عليهم الاباضية من برابرة طرابلس وتولى كبرها زناتة وهوارة فاجتمعوا إلى الخطاب بن السمح ورجالات العرب واستولوا على طرابلس ثم عن القيروان سنة احدى وأربعين وقتلوا عبد الملك بن أبى الجعد وأثخنوا في قومه من نفزاوة وورفجومة ورجعوا إلى طرابلس بعد ان استعمل أبو الخطاب على القيروان عبد الرحمن بن رستم واضطرم المغرب نارا وعظمت فتنة ورفجومة هولاء إلى ان قدم محمد بن الاشعث سنة ست وأربعين من قبل المنصور فأثخن في البربر وأطفأ نار هذه الفتنة كما قدمناه ولما اختط عمر بن حفص مدينة طبنة سنة احدى وخمسين أنزل ورفجومة هؤلاء بها بما كانوا شيعا له وعظم غناؤهم فيها عند ما حاصره بها ابن رستم وبنو يفرن ثم انتقضوا بعد مهلك عمر على يزيد بن حاتم عند قدومه على افريقية سنة سبع وخمسين وولوا عليهم أبا زرجونة منهم وسرح إليهم يزيد العساكر مع ابنه وقومه فأثخنوا فيهم ثم انتقضت نفزاوه على أبيه داود ودعوا إلى دين الاباضية وولوا عليهم صالح بن نصر منهم فرجعت العساكر إليهم متراسلة وقتلوهم أبرح قتل وعليها كان ركود ريح الخوارج بافريقية واذعار البربر وافترق بنو ورفجوم بعد ذلك وانقرض أمرهم وصاروا أوزاعا في القبائل وكان رجالة منهم بطنا متسعا وكان منهم رجالات مذكورون في أول العبيديين وبنى أمية بالاندلس منهم الرحالى أحد الكتاب بقرطبة وبقى منهم لهذا العهد فرق بمرماجة وهناك قرية ببسيطها تنسب إليهم وأما سائر ولهاصة من ورفجومة وغيرهم فهم لهذا العهد أوزاع لذلك أشهرهم قبيلة بساحل تلمسان اندرجوا في كومية وعدوا منهم بالنسب والخلط وكان منهم في أواسط هذه المائة الثامنة ابن عبد المكاف استقل برياستهم وتملك بدعوى السلطان بعد استيلاء بنى عبد الواد على تلمسان(6/115)
ونواحيها ونغلب على سلطانهم لذلك العهد كما نذكره عثمان بن عبد الرحمن وسجنه بالمطبق بتلمسان ثم قتله ومن أشهر قبائل ولهاصة أيضا قبيلة أخرى ببسيط بونة يركبون
الخيل ويأخذون بمذاهب العرب في زيهم ولغتهم وسائر شعارهم كما هو شأن هوارة وهم في عداد القبائل الغارمة ورياستهم في بنى عريف منهم وهى لهذا العهد في ولد حازم ابن شداد بن حزام بن نصر بن مالك بن عريف وكانت قبلهم لعسكر بن بطنان منهم هذه أخبار ولهاصة فيما علماه (وأما نهاية بطون نفزاوة) فمنهم زاتيمة وبقية منهم لهذا العهد بساحل برسك ومنهم غساسة وبقية منهم لهذا العهد بساحل بوطة حيث القرية التى هناك حاضرة البحر ومرسي لاساطيل المغرب وهى مشهورة باسمهم وأما زهيلة فبقيتهم لهذا العهد بنواحي بادس مندرجون في غمارة وكان منهم لعهد مشيختنا أبو يعقوب البادسى أكبر الاولياء وآخرهم بالمغرب وأما مرنيسة فلا يعلم لهم موطن ومن أعقابهم أوزاع بين أحياء العرب بافريقية وأما سوماتة فمنهم بقية من نواحى القيروان كان منهم منذر بن سعيد القاضى بقرطبة لعهد الناصر والله أعلم وأما بقايا بطون نفزاوة فلا يعرف لهم لهذا العهد حى ولا موطن الا القرى الظاهرة المقدرة السير المنسوبة إليهم ببلاد قسطينة وبها معاهدون من الفرنجة أوطنوهم على الجزية واعتقاد الذمة عند عهد الفتح وأعقابهم بها لهذا العهد وقد نزل معهم كثير من بنى سليم من الشريد وزغبة وأوطنوها وتملكوا بها القفار والضياع وكان أمر هذه القرى راجعا إلى عامل توزر أيام استبداد الخلافة فلما تقلص ظل الدولة عنهم وحدثت العصبة في الامصار استبدت كل قرية بأمرها وصار مقدم توز ريحاول دخولهم في ايالته فمنهم من يعطيه ذلك ومنهم من يأباه حتى أظلتهم دولة مولانا السلطان أبى العباس وأدرجوا كلهم في طاعته واندرجوا في حبله والله ولى الامور لا رب غيره اه (الخبر عن لوانة من البرابرة البتر وتصاريف أحوالهم وهو بطن عظيم متسع من بطون البربر البتر ينتسبون إلى لوا الاصغر بن لوا الاكبر ابن زحيك ولوا الاصغر هو نفزا وكما قلناه ولوا اسم أبيهم والبربر إذا أرادوا العموم في الجمع زادوا الالف والتاء فصار لوات فلما عربته العرب حملوه على الافراد وألحقوا
به هاء الجمع وذكر ابن حزم أن نسابة البربر يزعمون ان سدراتة ولواتة ومزاته من القبط وليس ذلك بصحيح وابن حزم لم يطلع على كتب علماء البربر في ذلك وفى لواتة بطون كثيرة وفيهم قبائل كثيرة مثل سدراتة بن نيطط بن لوا ومثل عرورة بن ما صلت بن لوا وعد سابق وأصحابه في بنى ما صلت بطونا أخرى غير عروزة وهم أكررة وجرمانه ونقاعة مثل بنى زائد بن لوا وأكثر بطونهم مزاتة ونسائه البربر يعدون في مزاتة(6/116)
بطونا كثيرة مثل ملايان ومرنه ومحيحه ودكمه وحمره ومدونه وكان لواتة هؤلاء ظواعن في مواطنهم بنواحي برقة كما ذكر المسعودي وكان لهم في فتنة أبى يزيد آثار وكان منهم بجبل أوراس أمة عظيمة ظاهروا أبا يزيد مع بنى كملان على أمره ولم يزالوا بأوراس لهذا العهد مع من به من قبائل هوارة وكتامة ويدهم العالية عليهم تناهز خيالتهم الفا وتجاوز رجالاتهم العدة وتستكفى بهم الدولة في جباية من تحت أيديهم بجبل أوراس من القبائل الغارمة فيحسنون الغناء والكفا وكان البعوث مضروبة عليهم ينفرون بها في معسكر السلطان فلما تقلص ظل الدولة عنهم صار بنو سعادة منهم في أقطاع أولاد محمد من الزواودة فاستعملوهم في مثل ما كانت الدولة تستعملهم فيه فاصاروهم خولا للجباية وعسكر الاستنفاق وأصبحوا من جملة رعاياهم وقد كان بقى جانب منهم لم تستوفه الاقطاعات وهم بنو زنجان وبنو باديس فاستضافهم منصور بن مزنى إلى عمله فلما استبد مزنى عن الدولة واستقلوا بالزاب صاروا يبعدونهم بالجبلية بعض السنين ويعسكرون عليهم لذلك بأفاريق الاعراب وهم لهذا العهد معتصمون بجبلهم لا يجاوزونه إلى البسيط خوفا من عادية الاعراب ولبنى باديس منهم اتاوات على بلد نقاوس المحيطة في فسيح الجبل بما تغلبوا عن ضواحيها فإذا انحدر الاعراب إلى مشاتيهم اقتضوا منها اتاواتهم وخفارتهم وإذا أقبلوا إلى مصايفهم رجع لواتة إلى معاقلهم الممتنعة على الاعراب وكان من لواتة هؤلاء أمة عظيمة
بضواحي تاهرت إلى ناحية القبلة وكانوا ظواعن هنا لك على وادى ميناس ما بين جبل يعود من جهة الشرق والى وان حلف من جهة الغرب يقال ان بعض أمراء القيروان نقلهم معه في غزوة وأنزلهم هنا لك وكان كبيرهم أورغ بن على بن هشام قائدا لعبد الله الشيعي ولما انتقض حميد بن مصل صاحب ترهوت على المنصور ثالث خلفاء الشيعة ظاهروه على خلافه وجاوروه في مذاهب ضلاله إلى ان غلبه المنصور وأجاز حميد إلى الاندلس سنة ست وثلاثين وزحف المنصور يريد لواتة فهربوا أمامه إلى الرمال وهرب عنهم ونزل إلى وادى ميناس ثم انصرف إلى القيروان (وذكر) ابن الرقيق ان المنصور وقف هنا لك على أثر من اثار الاقدميز بالقصور التى على الجبال الثلاثة مبنية بالحجر المنحوت يبدو للناظر على البعد كأنها أسنمة قبور ورأى كتابا في حجر فسره له أبو سليمان السرد غرس خالف أهل هذا البلد على الملك فأخرجني إليهم ففتح لى عليهم وبنيت هذا البناء لاذكر به هكذا ذكر ابن الرقيق وكان بنو وجد يجى من قبائر زناتة بمواطنهم من منداس جيرانا للواتة هؤلاء والعجم بينهما وادى ميناس وتاهرت وحدثت بينهما فتنة بسبب امرأة أنكحها بنو وجد يجى في لواتة فعيروا بالقفر فكتبت بذلك إلى قومها(6/117)
ورئيسهم يومئذ غسان فتدامروا واستمدوا من وراءهم من زناتة فامدوهم بعلى بن محمد اليفرنى وزحفت مطماطة من الجانب الآخر في مظاهرتهم وعليهم عزانة أميرهم وزحفوا جميعا إلى لواتة فكانت بينهم وقائع وحروب هلك في بعضها علاق وأزاحوا عن الجانب الغربي السرسو والجؤهم إلى الجبل الذى في قبلة تاهرت المسمى لهذا العهد دارك وانتشرت عمائرها بتلوله وما وراءه إلى الجبال المطلة على متيجة وهم لهذا العهد في عداد القبائل الغارمة وجبل دارك في أقطاع ولد يعقوب بن موسى مشيخة العطاف من ورغة ولواتة أيضا بطون بالجبل المعروفة بهم قبلة قابس وصفاقس ومنهم بنو مكى رؤساء قابس لهذا العهد ومنهم أيضا لواحات مصر فيما ذكره
المسعودي أمة عظيمة بالجيزة التى بينها وبين مصر وكان لما قرب من هذه القصور شيخهم هنا لك بدر بن سالم وانتقض على الترك وسرحوا إليه العساكر فاستلحموا كثيرا من قومه وفر إلى ناحية برقة وهو الآن في جوار العرب بها ومن زناتة هؤلاء أحياء بنواحي تادلا قرب مراكش من الغرب الاقصى ولهم هنا لك كثرة ويزعم كثير من الناس انهم بنواحي جابر من عرب جسم واختلطوا بهم وصاروا في عدادهم ومنهم أوزاع مفترقون بمصر وقرى الصعيد شاوية وفلاحين ومنهم أيضا بضواحي بجاية قبيلة يعرفون بلواتة ينزلون بسيط تاكرارت من أعمالها ويعتمرونها فدنا لمرارعهم ومسارح لانعامهم ومشيختهم لهذا العهد في ولد راجح بن صواب منهم وعليهم للسلطان جباية مفروضة وبعث مضروب هؤلاء المعروفون من بطون لواتة ولهم شعوب أخرى كثيرة اندرجوا في البطون وتوزعوا بين القبائل والله وارث الارض ومن عليها { الخبر عن بنى فاتن من ضريسة احدى بطون البرابرة البتر وتصاريف أحوالهم } وهم بطون مضغرة ولماية وصدينة وكرمية ومديونة ومغيلة ومطماطة وملزوزة ومكناسة ودونة وكلهم من ولد فاتن بن ممصيب بن حريس بن زحيك بن مادغيس الابتر ولهم ظهور من البرابر واخبار نسردها بطنا بطنا إلى آخرها مصغرة وهم من أوفر هذه الشعوب وكانوا خصاصين آهلين وكان جمهورهم بالمغرب منذ عهد الاسلام نشبوا في نشر الردة وضروبها وكان لهم فيها مقامات ولما استوسق الاسلام في البربر أجازوا إلى فتح الاندلس وأجازت منهم أمم واستقروا هنا لك ولما سرى دين الخارجية في البربر أخذ مضغرة هولاء برأى الصفرية وكان شيخهم ميسرة ويعرف بالجفير مقدما فيه ولما ولى عبيد الله بن الحجاب على افريقية من قبل هشام بن عبد الملك وأمره أن يمضى إليها من مصر فقدمها سنة اربع عشرة واستعمل عمر بن عبد الله المرادى على(6/118)
طنجة والمغرب الاقصى وابنه اسمعيل على السوس وما وراءه واتصل أمر ولائهم وسار سيرتهم في البربر نقموا عنهم أحوالهم وما كانوا يطالبونهم به من الوظائف البربريات والاردية العسلية الالوان وأنواع طرف المغرب فكانوا يتغالون في جمعهم ذلك وانتحاله حتى كانت الصرمة من الغنم تهلك بالذبح لاتخاذ الجلود العسلية من سخالها ولا يوجد فيها مع ذلك الا الواحد وما قرب منه فكثر عيثهم بذلك في اموال البربر وجورهم عليهم وامتعض لذلك ميسرة الحسن زعيم مضغرة الحسن وحمل البرابرة على الفتك بعمر بن عبد الله عامل طنجة فقتلوه سنة خمس وعشرين وولى ميسرة مكانه عبد الاعلى من خديم الافريقى الرومي الاصل كان من موالى العرب واصل خارجيتهم وكان يرى رأى الصفرية فولاه ميسرة على طنجة وتقدم إلى السوس فقتله عامله اسمعيل ابن عبد الله واضطرم المغرب نارا وانتقض أمره على خلفاء المشرق فلم يراجع طاعتهم بعد وزحف بعض الحجاب إليه من القيروان في العساكر على مقدمة خالد بن أبى حبيب الفهرى فلقيهم ميسرة في جموع البرابرة فهزم المقدمة واستلحمهم وقتل خالد وتسامع البربر بالاندلس بهذا الخبر فشاروا بعاملهم عقبة بن الحاج السلولى وعزلوه وولوا عبد الملك بن قطر الفهرى وبلغ الخبر بذلك إلى هشام بن عبد الملك فسرح كلثوم بن عياض المرى في اثنى عشر الفا من جنود الشام وولاه على افريقية وأدال به من عبيد الله بن الحجابى وزحف كلثوم إلى البرابرة سنة ثلاث وعشرين حتى انتهت مقدمته إلى اسبو من أعمال طنجة فلقيه البرابرة هنا لك مع ميسرة وقد فحصوا عن أوساط رؤسهم وقادوا امعاد الخارجية فهزموا مقدمته ثم هزموه وقتلوه وكان كيدهم في لقائهم اياه وملؤا الشنان بالحجارة وربطوها بأذناب الخيل يفادى بها فتقعقع الحجارة في شنانها وسربت بمصاف العساكر من العرب فنفرت خيولهم واختل مصافهم وانحزب عليهم المرية فافترقوا وذهب ملح مع الطلائع من أهل الشام إلى سبتة كما ذكرناه في أخبارهم ورجع إلى القيروان أهل مصر وافريقية وظهرت الخوارج في كل جهة واقتطع
المغرب عن طاعة الخلفاء إلى ان هلك ميسرة وقام برياسة مضغرة من بعده يحيى بن حارث منهم وكان خلفا لمحمد بن خزر ومغراوة ثم كان من بعد ذلك ظهور ادريس بالمغرب فقدم بها البرابرة وتولى كبرها واربه منهم كما ذكرناه وكان على مضغرة يومئذ شيخهم بهلول بن عبد الواحد فانحرف مالك عن ادريس إلى طاعة هرون الرشيد بمداخله ابراهيم بن الاغلب عامل القيروان فصالحه ادريس وأنبأه بالسلم ثم ركد ريح مضغرة من بعد ذلك وافترق جمعهم وجرت الدول عليهم اذيالها واندرجوا في عمال البربر الغارمين لهذا العهد بتلول المغرب وصحرائه فمنهم ما بين فاس وتلمسان أمم(6/119)
يتصلون بكومية ويدخلون حلفهم واندرجوا من لدن الدعوة الموحدية منهم ورياستهم لولد خليفة كان شيخهم على عهد الموحدين وبنى لهم حصنا بمواطنهم على ساحل البحر سمى تاونت ولما انصرفت دولة بنى عبد المؤمن واستولى بنو مرين على المعرب قام يعرون بن موسى بن خليفة بدعوة يعقوب بن عبد الحق سلطانهم وتغلب على ندرومة وزحف إليه يغمراسن بن زيان فاسترجع ندرومة من يده وغلبه على ما رتب ثم زحف يعقوب بن عبد الحق إليهم وأخذها من أيديهم وشحنها بالاقوات واستعمل يعرون ورجع إلى المغرب محمد بن هرون نفسه بالاستبداد فدعا لنفسه معتصما بذلك الحصن خمس سنين ثم صاهره يغمراسن وأسدله على صلح سنة ثنتين وسبعين وستمائة ولحق هرون بيعقوب بن عبد الحق ثم أجاز إلى الجهاد فأذنه واستشهد هنا لك وقام بأمر مضغرة من بعده أخوه تاشفين إلى ان هلك سنة ثلاث وسبعمائة واتصلت رياستهم على عقبه لهذا العهد ومن قبائل مضغرة أمة بجبل قبلة فاس معروف بهم ومنهم أيضا قبائل كثيرون بنواحي سلجماسة وأكثر أهلها منهم وربما حدثت بها عصبية من جراهم ومن قبائل مضغرة أيضا بصحراء المغرب كثيرون نزلوا بقصورها واغترسوا شجرة النخل على طريقة العرب فمنهم بتوات قبلة سجلماسة إلى تمنطيت اخر عملها قوم كثيرون
موطنون مع غيرهم من أصناف البربر ومنهم في قبلة تلمسان وعلى ستة مراحل منها وهى قصور متقاربة بعضها من بعض ائتلف منها مصر كبير مستبحر بالعمران البدوى معدود في آحاد الامصار بالصحراء ضاح من ظل الملك والدول لبعده في القفر ورياسته في بنى سيد الملك منهم وفى شرقيها وعلى مراحل منها قرى أخرى متتابعة على سمتها متصاعدة قليلا إلى الجوف آخرها على مرحلة من قبلة جبل راشد وهى في مجالات بنى عامر من زغبة وأوطانهم من القفر وقد تملكوها لحظ أبنائهم وقضاء حاجاتهم حتى نسبت إليهم في الشهرة وفى جهة الشرق على هذه القصور وعلى خمس مراحل منها دامعة متوغلة في القفر تعرف بقليعة والى يعتمرها رهط من مضغرة هؤلاء وينتهى إليها المنتهى من أهل الصحراء بعض السنين إذا لفحهم الهجير يستبردون في تلولها لتوغلها في ناحيتهم ومن مضغرة هؤلاء اوزاع في أعمال المغرب الاوسط وافريقية ولله الخلق جميعا * (لماية) * وهم بطون كما ذكرناه أخوه مضغرة ولهم بطون كثيرة عد منها سابق وأصحابه هو زكرمار مزيزة ومليزة بنو مدنيين كلهم من لماية وكانوا ظواعن بافريقية والمغرب وكان جمهورهم بالمغرب الاوسط موطنين بسحومة مما يلى الصحراء ولما سرى دين الخارجية في البربر أخذوا برأى الاباضية ودانوا به وانتحلوه(6/120)
وانتحله جيرانهم من مواطنهم تلك من لواتة وهوارة وكانوا بارض السرسو قبلة منداس وزواغة الغرب عنهم وكانت مطماطة ومكناسة وزناتة جميعا في ناحية الجوف والشرق فكانوا جميعا على ناحية الخارجية وعلى رأى الاباضية منهم وكان عبد الرحمن بن رستم من مسلمة الفتح وهو من ولد رستم أمير الفرس بالقادسية وقدم إلى افريقية مع طوالع الفتح فكان بها وأخذ بدين الخارجية والاباضية منهم وكان صنيعة للمتة وحليفا لهم ولما تحزب الاباضية بناحية طرابلس منكرين على ورفجومة
فعلهم في القيروان كما مر واجتمعوا إلى ابن الخطاب عبد الاعلى بن السمح المغافرى امام الاباضية فملكوا طرابلس ثم ملكوا القيروان وقتل واليها مرون بحومة عبد الملك بن أبى الجعد وأثخنوا في ورفجومة وسائر مغراوة سنة احدى وأربعين ورجع أبو الخطاب والاباضية الذين معه من زناتة وهوارة وغيرهم بعد ان استخلف على القيروان عبد الرحمن بن رستم وبلغ الخبر بفتنة ورفجومة هذه واضطراب الخوارج من البربر بافريقية والمغرب وتسلقهم على الكرسي للامارة بالقيروان إلى المنصور أبى جعفر فسرح محمد بن الاشعث الخزاعى في العساكر إلى افريقية وقلده حرب الخوارج بها فقدمها سنة أربع وأربعين ولقيهم أبو الخطاب في جموعه قريبا من طرابلس فأوقع به ابن الاشعث وبقومه وقتل أبو الخطاب وطار الخبر بذلك إلى عبد الرحمن بن رستم بمكان امارته في القيروان فاحتمل أهله وولده ولحق باباضية المغرب الاوسط من البرابرة الذين ذكرناهم ونزل على لماية لقديم حلف بينه وبينهم فاجتمعوا إليه وبايعوا له بالخلافة واسفروا في مدينة منصور بها كرسى لامارتهم فشرعوا في بناء مدينة تاهرت في سفح جبل كزول السياح على تلول منداس واختطوها على وادى ميناس النابعة منه عيون بالقبلة وتمر بها وبالبطحاء إلى أن تصب في وادى شلف فأسسها عبد الرحمن بن رستم واختطها سنة أربع وأربعين ومائة فمدنت واتسعت خطتها إلى أن هلك عبد الرحمن وولى ابنه عبد الوهاب من بعده وكان رأس الاباضية وزحف سنة ست وسبعين مع هوارة إلى طرابلس وبها عبد الله بن ابراهيم بن الاغلب من قبل أبيه فحاصره في جموع الاباضية من البربر إلى أن هلك ابراهيم بن الاغلب واستقدم عبد الله بن الاغلب لامارته بالقيروان فصالح عبد الوهاب على أن تكون الصباحية لهم وانصرف إلى مقوسة ولحق عبد الله بالقيروان وولى عبد الوهاب ابنه ميمونا وكان رأس الاباضية والصفرية والواصلية وانصرف إلى مقوسة والصفرية والواصلية وكان يسلم عليه بالخلافة وكان أتباعه من الواصلية وحدهم ثلاثين ألفا
ظواعن ساكنين بالخيام ولم يزل الملك في بنى رستم هؤلاء بتاهرت وحازتهم جيرانهم من(6/121)
مغراوة وبنى يفرن على الدخول في طاعة الادارسة لما ملكوا تلمسان وأخذت بها زناتة من لدن ثلاث وسبعين ومائة فامتنعوا عليهم سائر أيامهم إلى ان كان الاستيلاء إلى عبد الله الشيعي على افريقية والمغرب سنة ست وسبعين فغلبهم على مدينة تاهرت وأسرهم ملكهم بها وبث دعوة عبد الله في أقطار المغربين فانقرض أمرهم بظهور هذه الدولة وعهد عروبة بن يوسف الكتامى فاتح المغرب للشيعة على تاهرت لابي حميد دراس بن صولان الهيصى فغدا إلى المغرب سنة ثمان وتسعين فأمحي في مؤامرتها الاباضية من لماية وازداجة ولواية ومكناسة ومطماطة وحملهم على دين الرافضة وشيخ بها دين الخارجية حتى استحكم في عقائدهم ثم وليها أيام اسمعيل المنصور بن صلاص بن حبوس ثم نزع إلى دعوة الاموية وراء البحر ولحق بالخير بن محمد بن حزر صاحب دعوتهم في زناتة واستعمل المنصور بعده على تاهرت ميسور الحصنى مولاه أحمد بن الرحالى من صنائعه فزحف إليها حميد والخير وانهزم ميسور واقتحموا تاهرت عنده وتعصبوا على أحمد الرحالى وميسور إلى ان أطلقوهما بعد حين ولم تزل تاهرت هذه بعد لاعمال الشيعة وصنهاجة سائر أيامهم وتغلب عليها زناتة مرارا ونازلها عسكر بنى أمية راجعة في اثر زيرى بن عطية أمير المغرب من مغراوة أيام أجاز المظفر بن أبى عامر من العدوة إلى حربه ولم يزل الشأن هذا إلى أن انقرض أمر تلك الدول وصار أمر المغرب إلى لمتونة ثم صار إلى دولة الموحدين من بعدهم وملكوا الفرس وخرج عليهم بنو غانية بناحية قابس ولم يزل يجئ منهم جلب على ثغور الموحدين وشن الغارات على بسائط افريقية والمغرب الاوسط وتكرر دخوله إليها عنوة مرة بعد أخرى إلى أن احتمل سكانها وخلا جوها وعفا رسمها لما تناهى عشرون من المائة السابعة والارض لله (وأما قبائل لماية) فانقرضوا وهلكوا بهلاك مصرهم الذى اختطوه وحازوه وملكوه
سنة الله في عباده وبقيت فرق منهم اوزاعا في القبائل ومنهم جربة الذين سميت بهم الجزيرة البحرية تجاه ساحل قابس وهم بها لهذا العهد وقد كان النصرانية من أهل صقلية ملكوها على من بها من المسلمين وهى قبائل لماية وكتامة مثل جربة وسدويكس ووضعوا عليهم الجزبة وشيدوا على ساحل البحر بها معقلا كافيا سموه القشتيل وطال تمرس العساكر به من حضرة الدولة الحفصية حتى كان افتتاحها أعوام ثمان وثلاثين من المائة الثامنة في دولة مولانا السلطان أبى بكر وعلى يد مخلوف بن الكماد من صنائعه واستقرت بها الدعوة الاسلامية إلى هذا العهد الا أن القبائل الذين بها من البربر لم يزالوا يدينون بدين الخارجية ويتدارسون مذاهبهم مجلدات تشتمل على تآليف لانهم في توعر ديانتهم وأصول عقائدهم وفروع مذاهبهم يناقلونها(6/122)
وبعكفون على دراستها وقراءتها والله خلقكم وما تعملون (مطماطة) وهم اخوة مضغرة ولماية من ولد فارس تمطيت الذين مر ذكرهم وهم شعوب كثيرة وعن سابق المطماطى وأصحابه من النسابة أن اسم مطماط مصكاب ومطماط أقتاله وأن شعوبهم من لو امن مطماطة وانه كان له ولد آخر اسمه واونشيط ولم يذكروا له عقبا قالوا وكان للوا أربعة من الولد ورماس وميلاغر ووريكول ويليص ولم يعقب يليص واعقب الثلاثة الباقون ومنهم افترقت شعوب مطماطة كلها فأما ورماس فمنه مصمود ويونس ونفرين وأما وريكول فكان له من الولد كلدام وسيده وقيدر ولم يعقب سيده ولا قيدر وكان لكلدام عصفراص وسليايان سافحان ووريقى ووصدى وقطسايان عمر ويقال لهؤلاء الخمسة بنو سمو بأمهم وكان لعصفراص زهاص ونهراص فمن عصفراص ورهل وحامد وسكوم ويقال لهم بنو تليكشان سموا بأمهم وكان من زهاص بلست وبصلاتين فمن بلست ورسقلاسن وسكر ومحمد ومكريل ودكوال ومريصلاسن بان يولى وسمساسن ومسامر وملوسن ويحمد
ونافع وعبد الله وعردابين واما يلاعب بن لوابن مطماط فكان له من الولد دحيا وتاينة فمن تاينة ما حرسكن وريغ وعجلان ومقام وقرة وكان لدحيا ورتجى ومحديل فمن ورتجى مغرين وبور ورسيكم وممجيس ومن محديل ماكور وأشول وكفلان ومذكور وفطارة وأبورة هذه شعوب مطماطة كما ذكر نساية البربر سابق وأصحابه وهم مفرقون في المواطن فمنهم من نواحى من قبلتها في جبل هنا لك معروف بهم ما بين فاس وصفرو ومنهم بجهات قابس والبلد المختط على العين الحامية من جهة غربها منسوب إليهم ولهذا العهد يقال حمه مطماطة ويأتى ذكرها في الدولة الحفصية وممالك افريقية وبقاياهم أوزاع من القبائل وكانت مواطن جمهورهم بتلول منداس عند جبل وانشريس وجبل كزول من نواحى تاهرت ولهم بتلك المواطن عزم بدولة صنهاجة استفحل وصولة وفى فتنة حماد بن بلكن مع باديس المنصور مقامات وآيات وكان كبيرهم يومئذ عزانة وكان له مع البرابرة المجاورين له من لواتة وغيرهم حروب وأيام (ولما هلك) عزانة قام بأمره في مطماطة ابنه زيرى فمكث فيهم أياما ثم غلبت صنهاجة على أمره فأجاز البحر إلى العدوة ونزل على المنصور بن أبى عامر فاصطنعه ونظمه في طبقة الامراء من البربر الذين كانوا في جملته واستظهره على أمره فكان من أوجه رجالهم عنده وأعظمهم قدرا لديه إلى أن هلك واجراه ابنه المظفر من بعده وأخوه عبد الرحمن الناصر سيداها في ترفيع مكانه واخلاص ولايته وكان عند ثورة محمد بن هشام بن عبد الجبار غائبا مع أبى عامر(6/123)
في أعراب النعمان مع من كان معه من أمراء البربر وعرفائهم فلما رأوا انتقاض أمره وسوء تدبيره لحقوا بمحمد بن هشام المهدى فكانوا معه إلى أن كانت الفتنة البربرية بالاندلس إلى ان هلك هنا لك ولا أدرى أي السنين كان مهلكه وأجاز إلى الاندلس أيضا من فصالهم بهلا بهلا من أبى لواى يصلاص ونزل على الناصر وهو من أهل العلم
بانساب البربر (وكان من مشاهيرهم) أيضا النسابة سابق بن سليمان بن حراث بن مولات بن دوياسر وهو كبير نسابة البربر ممن علمناه (وكان منهم) أيضا عبد الله بن ادريس كاتب الخراج لعبيدالله المهدى في آخرين يطول ذكرهم اه بان يولى بن يصلاس بن يرهاص بن عصفراس بن كلتام بن وريكول بن لو بن مطماط عرادي - عبد الله - نافع - مسامر - محديل - ناركسن بن ثابت - ورسملاسن واسكرى بن يحيلى بن دهيا بن يلاعف - كفلان - ماكور - باخرسن بن نابتة - سعدم فرب - قيدك - ولبخ - عجلان - مذكور - وابوره - بطاره - عجيس بن ورتجن - سكيم مفرين - لور - ورحيد - فلوس - تماس - دكران - سلف - محه - سالجان بن سليايان لسد مصصكوره - عمود - ريغى - نطسايان - وزدى - سليط - بلسيمسر - ورماكسن(6/124)
وهذا ما تلقيناه من أخبار مطماطة (وأما موطن منداس) فزعم بعض الاخباريين من البربر ووقفت على كتابه في ذلك انه سمى بمنداس بن مغر بن أوريغ بن لهرر بن المساو وهو هوارة وكانه والله أعلم بشير إلى اداس بن زحيك الذى يقال انه ربيب هوار كما يأتي في ذكرهم الا أنه اختلط عليه الامر وكان لمنداس من الولد شرارة وكلتوم وتبكم قال ولما استفحل أمر مطماطة وكان شيخهم لهذا العهد ارهاص بن عصفراص فأخرج منداس من الوطن وغلبه على أمره واعتمر بنوه موطن منداس ولم يزالوا به اه كلامه ولقيه هؤلاء القوم لهذا العهد بجبل أو تبتيش لحقوا به لما غلبهم بنو توجين من زناتة على منداس وصاروا في عداد قبائل الغارمة والله وارث الارض ومن عليها * (مغيلة) * وهم اخوة مطماطة ولماية كما قلناه واخوتهم ملزورة معدودون منهم وكذلك دونة وكشانة ولهم افتراق في الوطن وكان منهم جمهوران أحدهما بالمغرب الاوسط عند مصب شلف في البحر من صوادر ما دونه المصر لهذا العهد ومن ساحلهم أجاز عبد الرحمن الداخل إلى الاندلس ونزل بالمنكب فكان منهم أبو قرة المغيلى الدائن بدين
الصفرية من الخوارج ملك أربعين سنة وكانت بينه وبين امراء العرب بالقيروان لاول دولة بنى العباس حروب ونازل طبنة وقد قيل ان ابا قرة هذا من بنى مطماطة وهذا عندي صحيح فلذلك أخرت ذكر أخباره إلى أخبار بنى يفرن من زناتة (وكان) منهم أيضا أبو حسان ثار بافريقية لاول الاسلام وأبو حاتم يعقوب بن لبيب بن مرين ابن يطوفت من مازوز الثائر مع أبى قرة سنة خمسين ومائة وتغلب على القيروان فيما ذكر خالد بن خراش وخليفة بن خياط من علمائهم وذكروا من رؤسائهم أيضا موسى ابن خليد ومليح بن علوان وحسان بن زروال الداخل مع عبد الرحمن وكان منهم أيضا دلول بن حماد أميرا عليهم في سلطان يعلى بن محمد اليفرنى وهو الذى اختط تلك ايكرى على اثنى عشر ميلا من البحر وهى لهذا العهد خراب لم يبق منها الا الاطلال ماثلة ولم يبق من مغيلة بذلك الوطن جمع ولا حى وكان جمهورهم الآخر بالمغرب الاقصى وهم الذين تلوا مع أورية وصدينة القيام بدعوة ادريس بن عبد الله لما لحق بالمغرب واجازه وحملوا قبائل البربر على طاعته والدخول في أمره ولم يزالوا على ذلك إلى أن اضمحلت دولة الادارسة وبقاياهم لهذا العهد بمواطنهم ما بين فاس وصفرون ومكناسة والله وارث الارض ومن عليها * (مديونه) * وهم من اخوة مغيلة ومطماطة من ولد فاس كما قلناه وكانت مواطن جمهورهم بنواحي تلمسان ما بين جبل بنى راشد لهذا العهد إلى الجبل المعروف بهم قبلة وجدة يتقلبون بظواعنهم في ضواحيه وجهاته وكان بنو يلومى وبنو يفرن من قبلهم يحاورونهم من ناحية المشرق ومكناسة من ناحية(6/125)
المغرب وكومية وولهاصة من جهة الساحل (وكان) من رجالاتهم المذكورين جرير بن مسعود كان أميرا عليهم وكان مع أبى حاتم وأبى قرة في فتنتهم وأجاز إلى الاندلس في طوالع الفتح كثير منهم فكان لهم هنا لك استفحال وخرج هلال بن ابزبا منهم يشتد به على عبد الرحمن الداخل مسعاسعا المكناسى في خروجه ثم راجع
الطاعة فقتله وكتب له على قومه فكان بشرق الاندلس وسنتمرية ثم خلفه بها من قومه نابتة بن عامر ولما تغلب بنو توجين وبنو راشد من زناتة على ضواحي المغرب الاوسط وكان مديونة هؤلاء قد قل عددهم وفل حدهم فداخلتهم زناتة على الضواحى من مواطنهم وتملكوها وصارت مديونة إلى الحصون من بلاده بجبل ما ساله وجد وجده المعروف بهم وبنواحي ما بينها وبين صفروى قبيلة منهم مجاورة لمغيلة والله يرث الارض ومن عليها * (كومية) * وهم المعروفون قديما بصطفورة أحد مطاية ومضغرة وهم من ولد فاتن كما قدمنا ولهم ثلاث بطون منها تفرعت شعوبهم وقبائلهم وهى ندرومة ومغارة وبنو يلول فمن ندرومة مفوطة وحرسة ومردة ومصمانة ومراتة ومن بنى يلول مسيقة ورتيوة وهنشبة وهيوارة ووالغة ومن مغارة ملتيلة وبنو حباسة وكان منهم النسابة المشهور مانى بن مصدور بن مريس بن يعوط هذا هو المعروف في كتبهم وكانت مواطن أكدمية بالمغرب الاوسط سيف البحر من ناحية ارسكول وتلمسان وكان لهم كثرة موفوة وشوكة مرهوبة وصاروا من أعظم قبائل الموحدين لما ظاهروا المصامدة على أمر المهدى وكلمه لوجده وربما كانوا رهط عبد المؤمن صاحبه وخليفته فانه كان من بنى عابد احد بيوتاتهم وهم عبد المؤمن بن على بن مخلوف بن يعلى بن مروان بن نصر بن على بن عامر بن الاسر بن موسى بن عبد الله بن يحيى بن وريغ من صطفور هكذا نسبه مؤرخو دولة الموحدين إلى صطفور ثم يقولون صطفور بن يقور بن مطماط بن هودج بن قيس عيلان بن مضر ويذكر بعضهم أن في خط أبى عبد الواحد المخلوع ابن يوسف بن عبد المؤمن ما يدل على أنه مصنوع إذ هذه الاسماء ليست من أسماء البربر وانما هي كما تراه كلها عربية والقوم كانوا من البرابرة معروفون بينهم وانتساب مطفور إلى مطماط تخليط أيضا فانهما أخوان عند نسابة البربر أجمع وعبد المؤمن بلا شك منهم والله أعلم بما سوى ذلك وكان عبد المؤمن هذا من بيوتاتهم وأشرافهم وموطنهم
بتاكرارت وهو حصن في الجبل المطل على هنين من ناحية الشرق ولما نحج عبد المؤمن منهم وثب وارتحل في طلب العلم فنزل بتلمسان وأخذ عن مشيختها مثل ابن صاحب الصلاة وعبد السلام البرنسى وكان فقيها يعد في فنونه وكان شيخ عصره في الفقه(6/126)
والكلام يعطش التلميذ بعده إلى القراءة ومنهم الفقيه محمد بن تومرت المهدى ووصل إلى بجاية وكان يعرف إذ ذاك بالفقيه السوسى ونسبته إلى السوس ولم يكن لقب المهدى وضع عليه بعد وكان في ارتحاله من المشرق إلى المغرب قد أخذ نفسه مع تغيير المنكر الذى شانه وطريقته نشر العلم وتبيين الفتاوى وتدريس الفقه والكلام وكان له في طريقته الاشعرية امامة وقدم راسخة وهو الذى أدخلها إلى المغرب كما ذكرناه وتشوق طلبة العلم بتلمسان إلى الاخذ عنه وتفاوضوا في ذلك وندب بعضهم بعضا إلى الرحلة إليه لاستجلابه وأن يكون له السبق باتحاف القطر بعلومه فانتدب لها عبد المؤمن بن على فكأنه من صغر السن بنشاطة للسفر لبداوته فارتحل إلى بجاية للقائه وترغيبه في نزوله تلمسان فلقيه بملالة وقد استحكمت بينه وبين العزيز النفرة وبنو ورياكل متعصبون على اجارته منهم ومنعه من اذايته والوصول إليه فألقى إليه عبد المؤمن ما عنده من الترغيب وأدى إليه رسالة طلبة العلم بتلمسان وشأنه غير شأنهم وعكف عبد المؤمن على التعليم والاخذ عنه في ظعنه ومقامه وارتحل إلى المغرب في صحابته وصدق في العلم وآثره الامام بمزيد الخصوصية والقرب بما خصه الله به من الفهم والرعى للتعليم حتى كانه خالصة الامام وكنز صحابته وكان مؤمله لخلافته لما ظهر عليه من الشواهد المدونة بذلك ولما اجتازوا في طريقهم إلى المغرب بالثعالبة من موطن الغرب الذين ذكرناهم قبل في نواحى المدينة قربوا إليه حمارا فارها يتخذه له عطية لمركوبه فكان يؤثر به عبد المؤمن ويقول لاصحابه اركبوه الحمار يركبكم الخيول المسومة ولما
بويع له هرغة سنة خمس عشرة وخمسمائة واتفقت على دعوته كلمة المصامدة وحاربوا لمتونة نازلوا مراكش وكانت بينهم في بعض أيام منازلتها حرب شديدة هلك فيها من الموحدين الالف فقيل للامام ان الموحدين قد هلكوا فقال لهم ما فعل عبد المؤمن قالوا هو على جواده الادهم قد أحسن البلاء فقال ما بقى عبد المؤمن فلم يهلك أحد ولما احتضر الامام سنة ثنتين وعشرين عهد بخلافته في أمره لعبد المؤمن واستراب من العصبية بين المصامدة فكتم موت المهدى وأرجى أمره حتى صرح الشيخ أبو حفص أمير هنتانة وكبير المصامدة لمصاهرته وأمضى عهد الامام فيه فقام بالامر واستبد شياخة الموحدين وخلافة المسلمين ونهض سنة سبع وثلاثين إلى فتح المغرب فدانت له غمارة ثم ارتحل منها إلى الريف ثم إلى بطوية ثم إلى مطالة ثم إلى بنى يزناسين ثم إلى مديونة ثم إلى كومية وجيرانهم ولهاصة وكانوا يلونهم في الكثرة فاشتد عضده بقومه ودخلوا في أمره وشايعوه على تمكين سلطانه بين الموحدين وخلافته ولما رجع إلى(6/127)
المغرب وافتتح امصاره واستولى على مراكش استدعى قومه للرحلة إليها والعسكرة عليه بحب جمهورهم إلى المغرب واستوطن مراكش لحمل سرير الخلافة والقيام بأمر الدعوة والذب عن ثغورهم والمدافعة فاعتضد بهم عبد المؤمن وبنوه سائر الدولة وكانوا بمكانتهم فاتحة الكتاب وتداركه الجماعة وتقدموا في الفتوح والعساكر وأكلتهم الاقطار في تجهز الكتائب وتوزع الممالك فانقرضوا وبقى بمواطنهم الاولى بقايا منهم بنو عابد وهم في عداد القبائل القارمة قد انقلب زمانهم فأمهلهم فحملوا المغرم وألفوا نهوضهم بالتكاليف ونظموا مع جيرانهم ولهاصة في سوم الخسف والذل واقتضاء الخراج بالنكال والعذاب والله مبدل الامر ومالك الملك سبحانه { الخبر عن زواوة وزواغة من بطون ضرسة من البرابر البتر والالمام ببعض أحوالهم }
هؤلاء البطون من بطون البرابرة البتر من ولد سمكان بن يحيى بن ضرى بن زحيك بن مادغيس الابتر وأقرب ما إليهم من البرابر زناته لان أباهم جاقا هو أخو سمكان ابن أبيه فلذلك كانوا ذوى قربى لهم * (زواوة) * فأما زواوة فهم من بطونهم وقد يقال ان زواوة من قبائل كتامة ذكر ذلك ابن حزم ونسابة البربر انما يعدونهم من ولد سمكان كما قلناه والصحيح عندي ما ذكره ابن حزم ويشهد له الموطن ونحلة الشيع مع كتامة لعبد الله وعد نسابة البربر ولهم بطون كثيرة بنو مجسطة وبنو مليكش من صنهاجة والله أعلم ومن قبائلهم المشهورة لهذا العهد بنو بحرو وبنو ما بكلات وبنو مترون وبنو مانى وبنو بو عردان وبنو تورغ وبنو بو يوسف وبنو عبسى وبنو بو شعيب وبنو صدقة وبنو غبرين وبنو كشطولة ومواطن زواوة بنواحي بجاية ما بين مواطن كتامة وصنهاجة أوطنوا عنها جبالا شاهقة متوعرة تنذعر منها الابصار ويضل في غمرها السالك مثل بنى غبرين بجبل زيرى وفيه شعراء من شجر الزان يشعر بها لهذا العهد ومثل بنى فرلوسن وبنى سراو جبلهم ما بين بجاية وتدلس وهو أعظم معاقلهم وأمنع حصونهم فلهم به الاعتزاز على الدول والخيار عليها في اعطاء المغرم مع أن كلهم لهذا العهد قد امتنع لساهمه واعتز على السلطان في ابناء طاعته وقانون مزاجه وكانت لهم في دولة صنهاجة مقامات مذكورة في السلم والحرب بما كانوا أولياء لكتامة وظهر أولهم على أمرهم من أول الدولة وقتل بادس بن المنصور في احدى وقائعه بهم وشيخهم رمرى ابن اجانا لاتهامه أباه عامر حماداتهم واختط بنو حماد بعد ذلك بجاية وتمرسوا بهم فانقادوا واذعنوا لهم إلى آخر الدولة واتصل اذعانهم إلى هذا العهد أيضا ويحملهم عليه الموثقون بمنعه خبالهم وكانت رياسة بنى يراين منهم في بنى عبد الصمد من بيوتاتهم(6/128)
وكاتب عبد ثعلب السلطان أبو الحسن على المغرب الاوسط شيخة عليهم من بنى عبد الصمد هؤلاء اسمها شمسي وكان لها عشرة من الولد فاستفحل شأنها بهم وملكت
عليهم أمرهم ولما تقبض السلطان أبو الحسن على ابنه يعقوب المكنى بأبى عبد الرحمن عندما فر من معسكره بمخنقه سنة ثمان أو سبع وثلاثين وسرح في أثره الخيالة فرجعوه واعتقله ثم قتله من بعد ذلك حسبما يذكر في أخبارهم لحق حينئذ بنى يراتن هؤلاء خازن من بطحة فموه عليهم باسمه وسند سمتاله ودعا إلى الخروج على ابنه بزعمه فشمرت شمسي هذه عزائمها في اجازته وحملت قومها على طاعته وسرب السلطان أبو الحسن أمواله في قومها وهما على السلامة فأبته ثم نمى إليها الخبر بمكره وتمويهه فنبذت إليه عهده وخرج عنها إلى بلاد العرب كما نذكر بعض ذلك في أخبارهم وقدمت على السلطان أبى الحسن في وفد من قومها وبعض بنيها فاستبلغ السلطان من تكريمها وأحسن صلتها وأجاز الوفد ورجعت بهم إلى موطنها ولم تزل الرياسة في هذا البيت * (زواغة) * وأما زواغه فلم يتأد الينا من أخبارهم وتصاريف أحوالهم ما نعمل فيه الاقلام ولهم ثلاثة بطون وهى دمر بن زواغ وهراوطيل بن زحيك بن زواغ وبنو ماخر تبغون من زواغة ومن دمرس سمكان وهم أوزاع في القبائل ومنهم بنواحي طرابلس مفترقون في براريها ولهم هالك الجبل المعروف بدمر وفى جهات قسنطينة أيضا رهط من زواغة وكذلك بجبال شلف هراوطيل منهم وبنواحي فاس آخرون ولله الخلق والامر { الخبر عن مكناسة وسائر بطون بنى ورصطف وما كان لمكناسة من الدول بالمغرب وأولية ذلك وتصاريفه } كان لورصطف بن يحيى وهو أخو جانا بن يحيى وسمكان بن يحيى ثلاثة من البطون وهم مكناسة وورتناجة واوكته ويقال مكنه وبنو ورتناجة أربعة بطون سدرجة ومكسه ومطاسة وكرسطه وزاد سابق وأصحابه في بطونهم هناطة وفولالة وكذلك عدوا في بطون مكنه بنى درطين وبنى فولالين وبنى يزين وبنى جرين وبنى بو عال ولمكناسة عندهم أيضا بطون كثيرة منها وصولات وبوحاب وبنو ورفلاس وبنو وردنوس وقيصاره ونبعه وورقطنة وبطون ورصطف كلهم مندرجون في بطون مكناسة وكانت مواطنهم
على وادى ملوية من ولدن أعلاه سجلماسة إلى مصبه في البحر وما بين ذلك من نواحى تازا وتسول وكانت رياستهم جميعا في بنى ابا يرون واسمه مجدول بن ناقريس بن فراديس ابن ونيف بن مكناس وأجاز منهم إلى العدوة عضد الصلح أمم وكانت لهم بالاندلس رياسة وكثرة وخرج منهم على عبد الرحمن الداخل شعيا بن عبد الواحد سنة احدى وخمسين واعتصم يستم به ودعا لنفسه منتسبا إلى الحسن بن على ويسمى عبد الله بن محمد(6/129)
يلقب الشيعة ومصاله بن حبوس من منازل اتصل بعبيد الله الشيعي وكان من آعظم فواده وأوليائه رولاه بالغرب وافتتح له المغرب وفاس وسجلماسة ولما هلك أقام أخاه برصلتين بن حبوس مقامه في ولاية تاهرت والمغرب ثم هلك وأقام ابنه حميدا مقامه فانحرف عن الشيعة ودعا لعبد الرحمن الناصر واجتمع مع بنى حرزا من أحرازه على ولايته المروانية ثم أجاز إلى الاندلس وولى الولايات أيام الناصر وابنه الحكم وولى في بعضها تلمسان بدعوتهم ثم هلك وأقام ابنه لرصل بن حميد وأخوه يباطن ابن برصلتين وعلى ابن عمه من ماله في ظل الدولة الاموية إلى أن أجاز المظفر بن أبى عامر إلى المغرب فولى يصل بن حميد سجلماسة كما نذكر ثم رياسة مكناسة بالعدوة انقسمت في بنى أبى نزول وانقسمت مسايل مكناسة بانقسامها وصارت رياسة مكناسة في مواطن سجلماسة وما إليها من بنى واسول بن مصلان بن أبى نزول ورياسة مكناسة بجهات تازا وتوسول وملوية ومليله لبنى أبى العافية بن أبى نائل بن أبى الضحاك بن أبى نزول ولكل واحد من هذين الفريقين في الاسلام دولة ولمطان صاروا به في عداد الملوك كما نذكره * (الخبر عن دولة بنى واسول ملوك سجلماسة وأعمالها من مكناسة) * كان أهل مواطن سجلماسة من مكناسة يدينون لاول الاسلام بدين الصفرية من الخوارج لقنوه عن أئمتهم ورؤسهم من المغرب لما لحقوا من المغرب وأسروا على الامتناع وماجت أقطار المغرب لفتنة ميسرة فلما اجتمع على هذا المذهب زهاء أربعين
من رجالاتهم نقضوا طاعة الحفاد وولوا عليهم عيسى بن يزيد الاسود من موالى العرب ورؤس الخوارج واختطوا مدينة سجلماسة لاربعين ومائة من الهجرة ودخل سائر مكناسة من أهل تلك الناحية في دينهم ثم سخطوا أميرهم عيسى ونقموا عليه كثيرا من أحواله فشدوه كفاحا ووضعوه على قنة جبل إلى أن هلك سنة خمس وخمسين واجتمعوا بعده على كبيرهم أبى القاسم سمكو بن واسول بن مصلان بن أبى نزول كان أبو ه يتحقق من حملة العلم ارتحل إلى المدينة فادرك التابعين وأخذ عن عكرمة مولى بن عباس ذكره عريب بن حميد في تاريخه وكان صاحب ماشية وهو الذى بايع لعيسى ابن يزيد وحمل قومه على طاعته فبايعوه من بعده وقاموا بأمره إلى أن هلك سنة سبع وستين ومائة لمنتهى عشر سنين من ولايته وكان أباضيا صفريا وخطب في عمله للمنصور والمهدى من بنى العباس ولما هلك ولوا عليهم ابنه الياس وكان يدعى بالوزير ثم انتقضوا عليه سنة أربع وتسعين فخلعوه وولوا مكانه أخاه اليسع بن أبى القاسم وكسه بن منصور فلم يزل أميرا عليهم وبنى سور سجلماسة لاربع وثلاثين سنة من ولايته وكان صفريا وعلى عهده استفحل ملكهم بسجلماسة وهو الذى أتم بناءها وتشييدها واختط بها(6/130)
المصانع والقصور وانتقل إليها آخر المائة الثانية ودوخ بلاد الصغرا وأخذ اقلمس من معادن درعة وأصهر لعبد الرحمن بن رستم صاحب تاهرت بابنه مدرار في ابنته أروى فانكحه اياها ولما هلك سنة ثمان ومائتين ولى بعده ابنه مدرار ولقبه المنتصر وطال أمر ولايته وكان له ولدان اسم كل واحد منهما ميمون أحدهما لا روى بنت عبد الرحمن بن رستم وقيل ان اسمه أيضا عبد الرحمن والآخر لبغى وتنازع في الاستبداد على أبيه ودامت الحرب بينهما ثلاث سنين وكانت لابيهما مدرار صاغية إلى أن اردى فجال معه حتى غلب فاخذه وأخرجه عن سجلماسة ولم يلبث أن خلع أباه واستبد بأمره ثم ساءت سيرته في قومه ومدينته فخلعوه وصار إلى درعة وأعادوا مدرارا إلى أمره ثم
حدث نفسه باعادة ابنه ميمون بن الرستمية إلى امارته بصاغية إليه فخلعوه ورجعوا ابنه ميمونا من البغى وكان يعرف بالامير ومات مدرار اثر ذلك سنة ثلاث وخمسين لخمس وأربعين من ملكه وأقام ابنه ميمون في استبداده إلى أن هلك سنة ثلاث وستين وولى ابنه محمد وكان أباضيا وتوفى سنة سبعين فولى اليسع بن المنتصر وقام بأمره ولحق عبيد الله الشيعي وابنه وأبو القاسم بسجلماسة لعهده وأوعد المعتضد إليه في شأنهما وكان على طاعته فاستراب بهما وحبسهما إلى أن غلب الشيعي بنى الاغلب وملك رقاده فزحف إليه لاستخرج عبيد الله وابنه من محبسه وخرج إليه اليسع في قومه مكناسة فهزمه أبو عبد الله الشيعي واقتحم عليه سجلماسة وقتله سنة ست وتسعين واستخرج عبيد الله وابنه من محبسهما وبيع لهما وولى عبيد الله المهدى على سجلماسة ابراهيم بن غالب المراسى من رجالات كتامة وانصرف إلى افريقية ثم انتقض أمراء سجلماسة على واليهم ابراهيم فقتلوه ومن كان معه من كتامة سنة ثمان وتسعين وبايعوا الفتح بن ميمون الامير ابن مدرار ولقبه واسول وميمون ليس هو ابن البغى الذى تقدم ذكره وكان أباضيا وهلك قريبا من ولايته لرأس المائة الثالثة فولى أخوه أحمد واستقام أمره إلى أن زحف مصالة بن حبوس في جموع كتامة ومكناسة إلى المغرب سنة تسع وثلثمائة فدوخ المغرب وأخذهم بدعوة صاحبه عبيد الله المهدى وافتتح سجلماسة وتقبض على صاحبها أحمد بن ميمون بن مدرار وولى عليها ابن عمه المعتز بن محمد ابن ساور بن مدرار فلم يلبث ان استبد وبلغها المعتز وهلك سنة احدى وعشرين قبيل ملك المهدى وولى من بعده ابنه أبو المنتصر محمد بن المعتز فمكث عشرا ثم هلك وولى من بعده ابنه المنتصر سمكو شهرين وكانت جدته تدبر أمره لصغره ثم ثار عليه ابن عمه محمد ابن الفتح بن ميمون الامير وتغلب عليه وشغب عليه بنو عبيد الله لفتنة ابن أبى العافية وتاهرت ثم نقلته إلى أبى يزيد بعدهما فدعا محمد بن الفتح لنفسه بحواعا بالدعوة لبنى(6/131)
العباس وأخذ بمذاهب أهل السنة ورفض الخارجية ولقب الشاكر بالله واتخذ السكة باسمه ولقبه وكانت تسمى الدراهم الشاكرية كذا ذكره ابن حزم وقال فيه وكان غاية العدل حتى إذا فزع له بنو عبيد وحمت الفتنة زحف جوهر الكاتب أيام المعز لدين الله في جموع كتامة وصنهاجة وأوليائهم إلى المغرب سنة سبع وأربعين فغلب على سجلماسة وملكها وفر محمد بن الفتح إلى حصن تاسكرات على أميال من سجلماسة وأقام به ثم دخل سجلماسة متنكرا فعرفه رجل من مضغرة وأنذر به فتقبض عليه جوهر وقاده أسيرا إلى القيروان مع أحمد بن بكر صاحب فاس كما نذكره وقفل إلى القيروان فلما انتقض المغرب على الشيعة وفشت بدعة الامية وأخذ زناتة بطاعة الحكم المنتصر ثار بسجلماسة فاتم من ولد الشاكر وباهى المنتصر بالله ثم وثب عليه أخوه أبو محمد سنة ثنتين وخمسين فقتله وقام بالامر مكانه وبلغها المعتز بالله وأقام على ذلك مدة وأمر مكناسة يومئذ قد تداعى إلى الانحلال وأمر زناتة قد استفحل بالمغرب عليهم إلى أن زحف حرزون بن فلفول من ملوك مغراوة إلى سجلماسة سنة ست وستين وأبرز إليه أبو محمد المعتز فهزمه حرزون وقتله واستولى على بلده وذخيرته وبعث برأسه إلى قرطبة مع كتاب الفتح وكان ذلك لاول حجابة المنصور بن أبى عامر فنسب إليه واحتسب له لحدا بقبة وعقد لحرزون على سجلماسة فأقام دعوة هشام بأنحائها فكانت أول دعوة أقيمت لهم بالامصار في المغرب الاقصى وانقرض أمر بنى مدرار ومكناسة من المغرب أجمع وأدال منهم بمغراوة وبنى يفرن حسبما يأتي ذكرهم في دولتهم والامر لله وحده وله البقاء سبحانه وتعالى(6/132)
{ الخبر عن دولة بنى أبى العافية ملوك تسول من مكناسة وأولية أمرهم وتصاريف أحوالهم } كان مكناسة من أهل مواطن ملوية وكرسيف ومليلة وما إليها من التلول بنواحي
تازا وتسول والكل يرجعون في رياستهم إلى بنى أبى باسل بن أبى الضحاك بن أبى نزول وهم الذين اختطوا بلد كرسيف ورباط تازا ولم يزالوا على ذلك من أول الفتح وكانت رياستهم في المائة الثلالثة لمصالة بن حبوس وموسى بن أبى العافية بن أبى باسل واستفحل أمرهم في أيامه وعظم سلطانهم وتغلبوا على قبائل البربر بأنحاء تازا إلى الكاى وكانت بينهم وبين الادارسة ملوك المغرب لذلك العهد فتن وحروب وكانوا يقتلونهم على كثير من ضواحيها لما كان نزل بدولتهم من الهرم ولما استولى عبيد الله على المغرب واستفحل أمره كانوا من أعظم أوليائه وشيعه وكان مصالة بن حبوس من أكبر قواده لانحياشه إليه وولاه على مدينة تاهرت والمغرب الاوسط ولما زحف مصالة إلى المغرب الاقصى سنة خمس وثلثمائة واستولى على فاس وعلى سجلماسة وفرغ من شأن المغرب واستنزل يحيى بن ادريس من امارته بفاس إلى طاعة عبيد الله وأبقاه أميرا على فاس عقد حينئذ لابن عمه موسى بن أبى العافية آمير مكناسه على سائر ضواحي المغرب وأمصاره مضافة إلى عمله من قبل تسول وتازا وكرسيف وقبل مصالة إلى القيروان وقام موسى بن أبى العافية بأمر المغرب وناقضه يحيى بن ادريس صاحب فاس لما يظعن له من المظاهرة عليه فلما عاود مصالة غرق المغرب سنة تسع أنزل ابن أبى العافية يحيى بن ادريس فتقبض عليه واستصفاه وطرده عن عمله فلحق ببنى عمه بالبصرة والريف وولى مصالة على فاس ريحان الكتامى وقفل إلى القيروان فهلك وعظم ملك ابن أبى العافية بالمغرب ثم ثار بفاس سنة ثلاث عشرة الحسن بن محمد بن القاسم بن ادريس وكان مقداما شجاعا وتلفت لطعنه في المحاجر دخل فاس على حين غفلة من أهلها وقتل ريحان واليها واجتمع الناس على بيعته ثم خرج لقتاله ابن أبى العافية فتزاحفوا لحفص بفحص إذا ماد بين تازا وفاس ويعرف لهذا العهد بوادي المطاحن واشتدت الحرب بينهم وهلك منهال بن موسى بن أبى العافية في الفتن من مكناسة ثم كانت العاقبة لهم وانفض عسكر الحسن ورجع مفلولا إلى فاس فغدر به عامله على عدوة القرويين حامد
ابن حمدان الهمداني واستمكن من عاقله واستحث ابن أبى العافية للقدوم وأمكنه من البلد وزحف إلى عدوة الاندلس فملكها وقتل عاملها عبد الله بن ثعلة بن محارب ابن محمود وولى مكانه أخاه محمدا وطالب حامدا بصاحبه الحسن فدس إليه حامد بالفرار تجافيا عن دعاء أهل البيت وتدلى الحسن من السور فسقط وانكسر ساقه(6/134)
ومات مستخفيا بعدوة الاندلس لثلاث ليال منها وحذر حامد من سطوة أبى العافية فلحق بالمهدية واستولى ابن أبى العافية على فاس والمغرب أجمع وأجلى الادارسة عنهم وألجأهم إلى حصنهم بقلعة حجر النسر مما يلى البصرة وحاصرهم بها مرارا ثم خرجت العساكر وخلف فيهم قائده أبا الفتح فحاصرهم ونهض إلى تلمسان سنة تسع عشرة بعد ان استخلف على المعرب الاقصى ابنه مدين وأنزله بعدوة القرويين واستعمل على عدوة الاندلس طول بن أبى يزيد وعزل بن محمد بن ثعلبة وزحف إلى تلمسان فملكها وغلب عليها صاحب الحسن بن أبى العيش بن عيسى بن ادريس بن محمد ابن سليمان من عقب سليمان بن عبد الله أخى ادريس الاكبر الداخل إلى المغرب بعده فغلب موسى بن أبى العافية الحسن على تلمسان وأرعجه عنها إلى مليلة من جزائر ملوية ورجع إلى فاس وقد كان الخليفة الناصر لما فشت دعوته بالمغرب خاطبه بالمقاربة والوعد فسارع إلى اجابته ونقض طاعة الشيعة وخطب للناصر على منابر عمله فسرح إليه عبد الله المهدى قائده ابن أخى مصالة وهو حميد بن يصلت المكناسى قائد تاهرت فزحف في العساكر إلى حرمه سنة احدى وعشرين ولقيه موسى بن أبى العافية بفحص مسون فتزاحفوا أياما ثم لقيه حميد فهزمه ولحق ابن أبى العافية بتسول فامتنع بها وأفرج قائده أبو الفتح عن حصن الادارسة فاتبعوه وهزموه ونهبوا معسكره ثم نهض حميد إلى فاس ففر عنها أعزل بن موسى إلى ابنه واستعمل عليها حامد بن حمدان كان في جملته وقفل حميد إلى افريقية وقد دوخ المغرب ثم انتقض أهل المغرب على الشيعة بعد مهلك
عبيد الله وثار أحمد بن بكر بن عبد الرحمن بن سهل الجذامي على حامد بن حمدان فقتله وبعث برأسه إلى ابن أبى العافية فأرسله إلى الناصر بقرطبة واستولى على المغرب وزحف ميسور الخصى قائد أبى القاسم الشيعي إلى المغرب سنة ثلاث وعشرين وخام ابن أبى العافية عن لقائه واعتصم بحصن الكاى ونهض ميسور إلى فاس فحاصرها واستنزل أحمد بن بكر عاملها ثم تقبض عليه وأشخصه إلى المهدية وبدر أهل فاس بغدره فامتنعوا وقدموا على أنفسهم حسن بن قاسم اللواتى وحاصرهم ميسور مدة حتى رغبوا إلى السلم واشترطوا على أنفسهم الطاعة والاتاوة فتقبل ميسور ورضى وأقر حسن بن قاسم على ولايته بفاس وانحل إلى حرب بن أبى العافية فكانت بينهما حروب إلى أن غلبه ميسور فتقبض على ابنه الغورى وغربه إلى المهدية وأجلى موسى بن أبى العافية عن أعمال المغرب إلى نواحى ملوية ووطاط وما وراءها من بلاد الصحراء وقفل إلى القيروان ولما مر بارشكول خرج إليه صاحبها ملاطفا له بالتحف وهو ادريس بن ابراهيم من ولد سليمان بن عبد الله أخى ادريس الاكبر فتقبض عليه واصطلم نعمته(6/135)
وولى مكانه أبا العيش بن عيسى منهم وأغذ السير لى القيروان سنة أربع وعشرين ورجع موسى بن أبى العافية من الصحراء إلى أعماله بالمغرب فملكها وولى على الاندلس أبا يوسف بن محارب الازدي وهو الذى مدن عدوة لاندلس وكانت حصونا وأجمل موسى بن أبى العافية قلعة كرماط وخاطب الناصر فبعث إليه مددا من أسطوله وزحف إلى تلمسان ففر عنها أبو العيش واعتصم بارشكول عبارله وغلبه عليها سنة خمس وعشرين ولحق أبو العيش بتكور واعتصم بالقلعة التى بناها هنا لك لنفسه ثم زحف ابن أبى العافية إلى مدينة تنكور فحاصرها مدة ثم تغلب عليها وقتل صاحب عبد البديع بن صالح وخرب مدينتهم ثم سرح ابنه مدين في العساكر فحاصر أبا العباس بالقلعة حتى عقد له السلم عليها واستفحل أمر ابن أبى العافية في المغرب الاقصى واتصل
عمله بعمل محمد بن خزر ملك مغراوة وصاحب المغرب الاوسط وبثوا دعوة الاموية في أعمالها وبعث ابنه مدين بأمره في قومه وعقد له الناصر على أعمال ابنه بالمغرب واتصلت يده بيد الخير بن محمد كما كان بين آبائهما ثم فسد ما بينهما وتزاحفا للحرب وبعث الناصر قاضيه مقدر بن سعد لمشارفة أحوالهما واصلاح ما بينهما فتم ذلك كما أراده ولحق به سنة خمس وثلاثين أخوه البورى فارا من عسكر المنصور مع أحمد بن بكر الجذامي عامل فاس بعد أن لحق بالبريد فسار أحمد بن أبى بكر إلى فاس وأقام بها متنكرا إلى ان وثب بعاملها حسن بن قاسم اللواتى وتخلى له عن العمل وصار البورى إلى أخيه مدين واقتسم أعمال ابنه معه ومع ابنه الآخر منقذ فكانوا ثلاث الاثافي وأثار الثوري إلى الناصر سنة خمس وأربعين فعقد الناصر لابنه منصور على عمله وكانت وفاته وهو محاصر لاخيه مدين بفاس وأجاز ابناه أبو العيش ومنصور إلى الناصر فاجزل لهما الكرامة على سنن أبيها ثم هلك مدين فعقد الناصر لاخيه أبى منقذ على عمله سنة ثم غلب مغراوة على فاس وأعمالها واستفحل أمرهم بالمغرب وأزاحوا مكناسة عن ضواحيه وأعماله وساروا إلى مواطنهم وأجاز اسمعيل بن الثوري ومحمد بن عبد الله بن مرين إلى الاندلس فنزلوا بها إلى أن جازوا مع واضح أيام المنصور كما مر عندما نهض زيرى بن عطية طاغيتهم سنة ست وثمانين فملك واضح المغرب ورجعهم إلى أعمالهم وتغلب ملكين بن زيرى على المغرب الاوسط وغلب عليه ملوكة بن خزر من مغراوة فاتصلت يد مكناسة ولم يزالوا في طاعة بنى مزيدى ومظاهرتهم وهلك اسمعيل بن الثوري في حروب حماد مع باديس بشلف سنة خمس وأربعمائة وتوارث ملكهم في اعقاب موسى إلى أن ظهرت دولة المرابطين وغلب يوسف بن تاشفين على أعمال المغرب فزحف إليهم القاسم بن محمد بن عبد الرحمن(6/136)
ابن ابراهيم بن موسى بن أبى العافية فاستدعى أهل فاس وصريخ زناتة بعد مهلك
معنصرة المغراوى فلقى عساكر المرابطين بوادي صفر فهزمهم وزحف إليه يوسف ابن تاشفين من مكانه فحاصر قلعة فازاز فهزم القاسم بن محمد وجموع مكناسة وزناتة ودخل فاس عنوة كما ذكرناه في أخباره ثم زحف إلى أعمال مكناسة فاقتحم الحصن وقتل القاسم وفى بعض تواريخ المغرب أن مهلك ابراهيم بن موسى كان سنة خمس وأربعمائة وولى ابنه عبد الله أبو عبد الرحمن وهلك سنة ثلاثين وولى ابنه محمد وهلك سنة ست وأربعين وولى ابنه القاسم وهلك سول عند اقتحام لمتونة عليه سنة ثلاث وستين وانفض ملك مكناسة من المغرب بانقراض ملك مغراوة والامر لله وحده وهى من قبائل مكناسة لهذا العهد بهذه المواطن افاريق في جبال تازا بعد ما شرست بهم الدول وأناخت بساحتهم الامم وهم موصوفون بوفور الحمالية وقوة الشكيمة ولهم عناء في مظاهرة الدولة وحقوق عند الحشد والعسكرة وفيهم ميدان من الحمالية ومن مكناسة غير هؤلاء أوزاع في القبائل لهذا العهد مفرقون في نواحى افريقية والمغرب الاوسط ان يشأ يذهبكم ويأت بخلق جديد وما ذلك على الله بعزيز وهذا آخر الكلام في بنى ورصطيف فلنرجع إلى من بقى علينا من البربر وهم زناتة والله ولى العون وبه المستعان(6/137)
{ أخبار البرانس من البربر ولنبدأ أولا بالخبر عن هوارة من شعوبهم وذكر بطونهم وتصاريف أحوالهم وافتراق شعوبهم في عمالات افريقية والمغرب } وهوارة هؤلاء من بطون البرانس باتفاق من نسابة العرب والبربر ولد هوارة بن أوريغ ابن برنس الا ما يزعم بعضهم أنهم من عرب اليمن تارة يقولون من عاملة احدى بطون قضاعة وتارة يقولون من ولد المسور بن السكاسك بن وابل بن حمير وإذا تحروا الصواب المسور بن السكاسك بن أشريس بن كندة وينسبونه هكذا هوار بن أوريغ بن جنون بن المثنى بن المسور وعند هؤلاء هوارة وصنهاجة ولمطة وكزولة وهسكورة يعرف جميعهم بنى ينهل وان المسور جدهم جميعا وانه وقع إلى البتر ونزل على بنى زحيك
ابن مادغيس الابتر وكانوا أربعة اخوة لوا وضرا واداس ونفوس وانهم زوجوه أختهم بصكي العرجاء بنت زحيك فولدت منه المثنى أبا هوارة وتزوجها بعد المسور بن عافيل ابن زعزاع أبو صنهاجة ولمطة وكزولة وهسكورة كما يأتي فيما بعد أنهم اخوة المثنى لامه وبها عرف جميعهم قالوا وولد المثنى بن المسور خبوز وولد خبوز بن المثنى ريغ الذى يقال فيه أوريغ بن برنس ومنه عرفت قبائل هوارة قالوا انما سميت هوارة لان المسور لما جال البلاد ووقع في المغرب قال لقد تهورنا هكذا عند بعض نسابة البربر وعندي والله أعلم ان هذا الخبر مصنوع وان أثر الصنعة باد عليه ويعضد ذلك ان المحققين ونسابتهم مثل سابق وأصحابة قالوا ان بطون اداس بن زحيك دخلت كلها في هوارة من أجل ان هوار خلف زحيك على أم اداس فربى اداس في حجره وزحيك على ما في الخبر الاول هو جد هوار لآن المثنى جده الاعلى هو ابن بصكي وهى بنت زحيك فهو الخامس من زحيك فكيف يخلفه على امرأته هذا بعيد والخبر الثاني أصلح عند نسابتهم من الاول * (وأما بطون) * هوارة فكثير وأكثرهم بنو نبه وأوريغ أشهر والنسبة لشهرته وكبر سنه من بينهم فانتسبوا جميعا إليه وكان لاوريغ أربعة من الولد هوار وهو أكبرهم ومغر وقلدن ومندر ولكل واحد منهم بطون كثيرة وكلهم ينسبون إلى هوار فمن بطون مغرماوس وزمور وكياد وسواى ذكر هذه البطون الاربعة إلى حزم وزاد سابق المطماطى وأصحابه ورجين ومنداسة وكركوده من بطون قلدن خماصه وورصطيف وبيانة وبل ذكر هذه الاربعة ابن حزم وسابق ومن بطون مار مليلة وسطط وروفل واسيل ومسراتة ذكرها ابن حزم وقال جميعهم بنو لهال بن ملك وكذا عند سابق ويقال ان ورنيفن أيضا من نهانه ومن بطون هوارة بنو كهلان ويقال ان مليلة من بطونهم وعند نسابة البربر من بطونهم عريان وورغة وزكارة ومسلاتة ومجريس ويقال ان ونيفن منهم ومجريس لهذا العهد ينتسبون إلى ونيفن وعند سابق وأصحابه(6/139)
أن بنى كهلان وورجين احدى بطون مغروآن من بطون بنى كهلان بنى كسى ورتاكط ولشوه وهيوار وأما بطون اداس بن زحيك بن مادغيس الامراء الذين دخلوا في هوارة فكثير فمنهم هراعة وترهوتة وشتاتة وانداوة وهيزونة وأوطيعة وضيرة هؤلاء باتفاق من ابن حزم وسابق وأصحابه(6/140)
وكانت مواطن الجمهور من هوارة هؤلاء ومن دخل في نسبهم من اخوانهم البرانس والصمغر لاول الفتح بنواحي طرابلس وما يليها من برقة كما ذكره المسعودي والبكرى وكانوا ظواعن واهلين ومنهم من قطع الرمل إلى بلاد القفر وجاوز والمطة من قبائل الملثمين فيما يلى بلاد كوكو من السودان تجاه افريقية ويعرفون بنسبهم هكارة قلبت العجمة واوه كافا أعجمية تخرج بين الكاف العربية والقاف وكان لهم في الردة وحروبها آثار ومقامات ثم كان لهم في الخارجية والقيام بها ذكر وخصوصا بالاباضية منها وخرج على حنظلة منهم عبد الواحد بن يزيد مع عكاشة الفزارى فكانت بينهما وبين حنظلة حروب شديدة ثم هزمهما وقتلهما وذلك سنة أربع وعشرين ومائة أيام هشام بن عبد الملك وخرج على يزيد بن حاتم سنة ست وخمسين ومائة يحيى بن فوناس منهم واجتمع إليه كثير من قومه وغيرهم وزحف إليه قائد طرابلس عبد الله بن السمط الكندل على شاطئ البحر بسواريه من سواحلهم فانهزم وقتل عامة هوارة وكان منهم مع عبد الرحمن بن حبيب مجاهد بن مسلم من قواده ثم أجاز منهم إلى الاندلس مع طارق رجالات مذكورون واستقروا هنا لك وكان من خلفهم بنو عامر بن وهب أمير ولده أيام لمتونة وبنوذى النون الذين ملكوها من أيديهم واستضافوا معها طليطلة وبنو رزين أصحاب السهلة ثم ثارت هوارة من بعد ذلك على ابراهيم بن الاغلب سنة ست وتسعين ومائة وحاصروا طرابلس وافتتحوها فخربوها وتولى كبر ذلك منهم عياض ووهب وسرح ابراهيم إليهم ابنه أبا العباس فهزمهم وقتلهم وبنى طرابلس وحاجا هوارة بعبد
الوهاب بن رستم من مكان امارتهم بتاهرت فجلاهم واجمعوا إليه ومعهم قبائل نفوسة وحاصروا أبا العباس بن الاغلب بطرابلس إلى أن هلك أبو ه ابراهيم بالقيروان وقد عهد إليه فصالحهم على أن يكون الصحراء لهم وانصرف عبد الوهاب إلى نفوسة ثم أصبحوا بعد ذلك وغزوا مع الجيوش صقلية وشهد فتحها منهم زواوة من يعم الحلفاء ثم كان لهم مع أبى يزيد النكارلى وفى حروبه مقامات مذكورة اجتمعوا إليه من مواطنهم بجبل أوراس ومر ماجنه لما غلب عليه وأخذ أهلها بدعوته فانحاش إلى ولايته وفعلوا الافاعيل وكان من أظهرهم في تلك الفتنة بنو كهلان ولما هلك أبو يزيد كما نذكره سطا اسمعيل المنصور بهم وأثخن فيهم وانقطع ذكر بنى كهلان ثم جرت الدول عليهم اذيالها وأناخت بكلاكلها وأصبحوا في عداد القبائل الغارمة من كل ناحية فمنهم لهذا العهد بمصر أوزاع متفرقون أوطنوها أكرة وعباره وشاوية وآخرون موطنون ما بين برقة والاسكندرية يعرفون بالمثانية ويظعنون مع الحرة من بطون لهث من سليم بأرض التلول من افريقية ما بين تبسة إلى مزماحة إلى باجة ظواعن صاروا في عداد الناجعة(6/141)
عرب بنى سليم في اللغة والزى وسكنى الخيام وركوب الخيل وكسب الابل وممارسة الحروب وايلاف الرحلتين في الشتاء والصيف في تلولهم قد نسوا رطانة البربر واستبدلوا منها بفصاحة العرب فلا يكاد يفترق بينهم فأولهم مما يلى تبسة قبيله وينفن ورياستهم لهذا العهد في ولد يفرن بن حناش لاولاد دحمان بن فلان بعده وكانت الرياسة قبلهم سارية من بطون وينفن ومواطنهم ببسائط مزماحة وتبسة وما اليهما وبينهم قبيلة أخرى في الجانب الشرقي منهم يعرفون بقيصرون ورياستهم في بيت بنى مر من ما بين ولد زعازع وولد حركات ومواطنهم بفحص آبه وما إليها من نواحى الارنس وتليهم إلى جانب الشرق قبيلة أخرى منهم يعرفون بنصورة ورياستهم في بيت الرمامنة لولد سليمان بن جامع منهم ويراد بهم في رياسة نصرة قبيلة وربهامة ومواطنهم ما بين تبسة
إلى صامتة إلى جبل الزنجار إلى اطار على ساحل تونس وبسائطها ويجاورهم متساحلين إلى ضواحي باجة قبيلة أخرى من هوار يعرفون ببنى سليم ومعهم بطن من عرب نصر من هذيل من مدركة بن الياس جاؤا من مواطنهم بالحجاز مع العرب الهلاليين غد دخولهم إلى المغرب وأوطنوا بهذه الناحية من افريقية واختلطوا بهوارة وحملوا في عدادهم ومعهم أيضا بطن آخر من بطون رياح من هلال ينتمون إلى عتبة بن مالك ابن رياح صاروا في عدادهم وجروا على مجراهم والظعن والمغرم ومعم أيضا بطن من مرداس بنى سليم يعرفون ببنى حبيب ويقولون هو حبيب بن مالك وهم غارمة مثل سائر هوارة وضواحي افريقية من هذا العهد معهودة لهؤلاء الظواعن ومعظمهم من هوارة وهم أهل بقروشاء وركوب للخيل وللسلطان بافريقية عليهم وظائف من الجباية وضعها عليهم دهاقين العمال بديوان الخراج قوانين مقررة وتضرب عليهم مع ذلك البعث في غزوات السلطان بعسكر مفروض يحضر بمعسكر السلطان متى استنفروا لذلك ولرؤسائهم آراء ذلك قاطعات ومكان في الدول بين رجالات البدو ويربطون هوارة بمواطنهم الاولى من نواحى طرابلس ظواعن وآهلين توزعتهم العرب من دبان فيما توزعوه من الرعايا وغلبوهم على أمرهم منذ ضحا عملهم من ظل الدولة فتملكوهم تملك العبيد للجبابة منهم والاستكثار منهم في الانتجاع والحرب مثل برهونه وورقلة الظواعن ومجريس الموطنين بزر نزور من ونيفن وهى قرية من قرى طرابلس ومن هوارة هؤلاء بآخر عمل طرابلس مما يلى بلد سرت وبرقة قبيلة يعرفون بمسراتة لهم كثرة واعتزار ووضائع العرب عليهم قليلة ويعطونها من عزة وكثيرا ما ينقلون في سبيل التجارة ببلاد مصر والاسكندرية وفى بلاد الجريد من افريقية وبأرض السودان إلى هذا العهد (واعلم) ان في قبلة قابس وطرابلس جبالا متصلا بعضها ببعض من المغرب(6/142)
إلى المشرق فأولها من جانب الغرب جبل دمر يسكنه أمم من لواتة ويتصلون في بسطه
إلى فاس وصفاقس من جانب الغرب وأمم أخرى من نفوسة من جانب الشرق وفى طوله سبع مراحل ويتصل به شرقا جبل نفوسة تسكنه أمة كبيرة من نفوسة ومغراوة وسدراته وهو قبلة طرابلس على ثلاث مراحل عنها وفى طوله سبع مراحل ويتصل به من جانب الشرق جبل مسلاتة ويعتمره قبائل هوارة إلى بلد مسراتة وبرقة وهو آخر جبال طرابلس وكانت هذه الجبال من مواطن هوارة ونفوسة ولواتة وكانت هنا لك مدينة صغيرة بلد نفوسة قبل الفتح وكانت برقة من مواطن هوارة هؤلاء ومنهم مكان بنى خطاب ملوك زويلة احدى أمصار برقة كانت قاعدة ملكهم حتى عرفت بهم فكان يقال زويلة بن خطاب ولما خربت انتقلوا منها إلى فزان من بلاد الصحراء وأوطنوها وكان لهم بها ملك ودولة حتى إذا جاء قراموش الغزى الناصري مملوك تقى الدين ابن أخى صلاح الدين كما نذكر في مكانه عند ذكر الغورى بن مسوفة وأخباره وافتتح ولدوا وجله افتتح فزان بعدها وتقبض على عاملها محمد بن خطاب بن يصلتن بن عبد الله بن صنفل بن خطاب آخر ملوكهم وامتحنه وطالبه بالاموال وبسط عليه العذاب إلى ان هلك وانقرض أمر بنى خطاب هؤلاء الهواريين سارى بن سليم بن عبد الواحد بن عسكر - بن بعرة بن حناس بن ونيفن بن لهاتة بن هوار بعرة بن وامون عدى بن زيتون بن محمد شارن بن سرن بن دحمان(6/143)
(ومن قبائل) هوارة هؤلاء بالمغرب أمم كثيرة في مواطن من أعمال تعرف بهم وظواعن شاوية تنتجع لمسرحها في نواحيها وقد صاروا عبيدا للمغارم في كل ناحية وذهب ما كان لهم من الاعتزاز والمنعة أيام الفتوحات بسبب الكثرة وصاروا إلى الافتراق في الاودية بسبب القلة والله مالك الامور ومن أشهرهم بالمغرب الاوسط أهل الجبل المطل على
البطحاء وهو مشهور باسم هوارة وفيه من مسراتة وغيرهم من بطونهم ويعرف رؤساؤهم من بنى اسحق وكان الجبل من قبلهم فيما زعموا لبنى يلومين فلما انقرضوا صار إليه هوارة وأوطنوه وكانت رياستهم في بنى عبد العزيز منهم ثم ظهر من بنى عمهم رجل اسمه اسحق واستعمله ملوك القلعة وصارت رياستهم في عقبه بنى اسحق وحفظ كبيرهم محمد بن اسحق القلعة المنسوبة إليهم وورث رياسته فيهم أخوه حيول وصارت في عقبه واتصلوا بالسلطان أيام ملك بنى عبد الواد على المغرب الاوسط وانتظموا في شرائعهم واستعمل أبو تاشفين من ملوكهم يعقوب بن يوسف بن حيون قائدا على بنى توجين عندما غلبهم على أمرهم وفرض المغارم عليهم فقام بها أحسن قيام ودوخ بلادهم واذل من عزهم وبعد أن غلب بنو مرين بنى عبد الواد على المغرب الاوسط استعمل السلطان أبو الحسن عبد الرحمن بن يعقوب على قبيلة هؤلاء ثم استعمل بعده عمه عبد الرحمن ثم ابنه محمد ابن عبد الرحمن بن يوسف ثم تلاشى حال هذا القبيل وخف ساكن الجبل بما اضطرم بهم دولة بنى عبد الواد وأصبحت لهم في الظلامات وانقرض نبت بنى اسحق والامر على ذلك لهذا العهد والله وارث الارض ومن عليها * (الخبر عن ازداجة ومسطاسه وعجيسة من بطون البرانس ووصف أحوالهم) * اما ازداجة ويعرفون أيضا وزداجة فمن بطون البرانس وكثير من نسابة البربر يعدونهم في بطون زناتة وقد يقال ان ازداجة من زناتة ووزداجة من هوارة وانهما بطنان مفترقان وكان لهم وفور وكثرة وكانت مواطنهم بالمغرب الاوسط بناحية وهران وكان لهم اعتزاز وآثار في الفتن والحروب ومسطاسة مندرجون معهم فيقال انهم من عداد بطونهم ويقال انهم اخوة مسطاس اخى وزداج والله أعلم وكان من رجالتهم المذكورين شجرة بن عبد الكريم المسطاسى وأبو دليم بن خطاب وأجاز أبو دليم إلى الاندلس من ساحل تلمسان وكان لبنيه بها ذكروا في معها قرطبة وكان من بطون ازداجة بنو مشقق وكانا يجاوران مهران ونزل مرس وهران من رجال الدولة الاموية
محمد بن أبى عون ومحمد بن عبدون فداخلوا بنى مسكن وملكوا وهران سبع سنين مقيمين فيها للدعوة الاموية فلما ظهرت دعوة الشيعة وملك عبيد الله المهدى تاهرت وولى عليها دواس بن مولاة للقيط من كتامة وأخذت البرابرة بدعوتهم أوعزدواس بحصار(6/144)
وهران فرجعوا إليها سنة سبع وتسعين وأدخلوا بنى مسكن في ذلك فأجابوهم وفر محمد بن أبى عون فلحق بدواس وصولات والسحب ومعراق وأضرمت نارا ثم حدد بناءها دواس وأعاد محمد بن أبى عون إلى ولايتها فعادت أحسن ما كانت وأمراء تلمسان لذلك العهد ثم ولى على تاهرت أيام أبى القاسم بن عبد الله أيا ملك يغمراسن بن أبى سحمة وانتقض عليه البربر فحاصروه عند زحف ابن أبى العافية إلى المغرب الاوسط بدعوة المروانية وكان ممن أخذ بها محمد بن أبى عون صاحب وهران وأبو القاسم ميسور فولاه إلى المغرب وراجع طاعته إلى المروانية ثم كان شأن أبى يزيد وانتقاض سائر البرابرة على العبيديين واستفحل أمر زناتة وأخذ بدعوة المروانيين وكان الناصر عقد ليعلى بن أبى محمد النفزى على المغرب فخاطبه بمراوغة محمد بن ابن عون وقبائل ازداجة في الطاعة للعداوة بين القبيلتين بالمجاورة وزحف إلى ازداجة فحصرهم بجبل كيدرة ثم تغلب عليهم واستأصلهم وفرق جماعتهم وذلك لسنة ثلاث وأربعين وثلثمائة ثم زحف إلى وهران ونازلها ثم افتتحها عنوة وأضرمها نارا واستلحم ازداجة ولحق رياستهم بالاندلس فكانوا بها وكان منهم حزرون بن محمد من كبار أصحاب المنصور بن أبى عامر وابنه المظفر وأجاز إلى المغرب وبقى ازداجة بعد ذلك على حال من الهضيمة والمذلة وانتظموا في عداد الغارم من القبائل (وأما العجيسة) وهم من بطون البرانس من ولد عجيسة من برنس ومدلول هذا الاسم البطن فان البربر يسمون البطن بلغتهم عدس بالدال المشددة فلما عربتها العرب قلبت دالها جيما مخففة وكان لهم بين البربر كثرة وظهور وكانوا مجاورين في بطونهم
لصنهاجة وبقاياهم لهذا العهد في ضواحي تونس والجبال المطلة على المسيلة وكانت منهم يسكنون جبل القلعة وكان لهم في فتنة أبى يزيد ولما هزمهم المنصور لجأ إليهم واعتصم بقلعة كتامة من حصونهم حتى اقتحم عليه ثم بادر حماد بن بلكين من بعد ذلك مكانا لبناء مدينة فاختطها بينهم ونزلها ووسع خطتها واستبحر عمرانها وكانت حاضرة لملك آل حماد فاخلفت هذه المدينة من مدة عجيسة لما تمرست بهم وخضدت من شوكتهم وراموا كيد القلعة مرارا وأجلبوا على ملوكها بالاعياص منهم فاستلحمهم السيف ثم هلكوا وهلكت القلعة من بعدهم وورثت مواطنهم بذلك الجبل عياض من أفاريق العرب الهلاليين وسعى الحمل منهم وفى القبائل بالمغرب كثير من عجيسة هؤلاء مفترقون فيهم والله أعلم { الخبر عن أوربة من بطون البرانس وما كان لهم من الردة والثورة وما صار لهم من الدعاء لادريس الاكبر }(6/145)
كانت البطون التى فيها الكثرة والغلب من هؤلاء البربر البتر كلهم لعهد الفتح أوربة وهوارة وصنهاجة من البرانس ونفوسة وزناتة ومطغرة ونفزاوة من البتر وكان التقدم لعهد الفتح لاورية هؤلاء بما كانوا أكثر عددا وأشد بأسا وقوة وهم من ولد أورب بن برنس وهم بطون كثيرة فمنهم بجاية ونفاسة ونجد وزهكوجة ومزياتة ورغيوتة وديقوسه وكان أميرهم بين يدى الفتح ستردير بن رومى بن بارزت بن بزريات ولى عليهم مدة ثلاث وسبعين سنة وأدرك الفتح الاسلامي ومات سنة احد وسبعين وولى عليهم من بعده كسيلة بن لزم الاوربي فكان أميرا على البرانس كلهم ولما نزل ابن المهاجر تلمسان سنة خمس وخمسين كان كسيلة بن لزم مرتادا بالمغرب الاقصى في جموعه من أوربة وغيرهم فظفر به أبو المهاجر وعرض عليه الاسلام فأسلم واستنقذه وأحسن إليه وصحبه وقدم عقبة في الولاية الثانية أيام يريد سنة ثنتين وستين فاضطغن عليه صحابته
لابي المهاجر وتقدم أبو المهاجر في اصطناعه فلم يقبل وزحف إلى المغرب وعلى مقدمته زهير بن قيس البلوى فدوخه ولقيه ملوك البربر ومن انضم إليه من الفرنجة بالزاب وتاهرت فهزمهم واستباحهم وأذعن له بليان أمير غمارة ولاطفه وهاداه ودله على عوارات البرابرة وردأه بوليلة والسوس وما والاهما من مجالات الملثمين فغنم وسبى وانتهى إلى ساحل البحر وقفل ظافرا وكان في غزاتة تلك يستهين كسيلة ويستخف به وهو في اعتقاله وأمره يوما بسلخ شاة بين يديه فدفعها إلى غلماته وأراده عقبة على أن يتولاها بنفسه وانتهره فقام إليها كسيلة مغضبا وجعل كل ما دس يده في الشاة مسح بلحيته والعرب يقولون ما هذا يا بربرى فيقول هو أجير فيقول لهم شيخ منهم ان البربري يتوعدكم وبلغ ذلك أبا المهاجر فنهى عقبة عنه وقال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يستألف جبابرة العرب وأنت تعمد إلى رجل جبار في قومه بدار عزه قريب عهد بالشرك متفسد وأشار عليه بأن يوثق منه وخوفه فتكه فتهاون عقبة بقوله فلما قفل عن غزاته وانتهى إلى طبنة صرف العساكر إلى القيروان أفواجا ثقة بمادوخ من البلاد وأذل من البربر حتى بقى في القليل وسار إلى تهودة لينزل بها الحامية فلما نظر إليه الفرنجة طمعوا فيه وراسلوا كسيلة بن لزم ودلوه على الفرصة فيه فانتهزها وراسل بنى عمه ومن تبعهم من البربر واتبعوا عقبة وأصحابه رضى الله عنه حتى إذا غشوه بتهودة ترجل القوم وكسروا أجفان سيوفهم ونزل الصبر واستلحم عقبة وأصحابه رضى الله عنهم ولم يفلت منهم أحد وكانوا زهاء ثلثمائة من كبار الصحابة والتابعين استشهدوا في مصرع واحد وفيهم أبو المهاجر كان أصحابه في اعتقاله فأبلى رضى الله عنه في ذلك اليوم البلاء الحسن وأجداث الصحابة رضى الله عنهم أولئك الشهداء عقبة وأصحابه(6/146)
بمكانهم ذلك من أرض الزاب لهذا العهد وقد جعل على قبر عقبة اسنمة ثم جصص واتخذ عليه مسجد عرف باسمه وهو في عداد المزارات ومطان البركة بل هو أشرف مزور من
الاجداث في بقاع الارض لما توفر فيه من عدد الشهداء من الصحابة والتابعين الذين لا يبلغ أحد مد احدهم ولا نصيفه وأسر من الصحابة يومئذ محمد بن أوس الانصاري ويزيد بن خلف العبسى ونفر معهم ففداهم ابن مصاد صاحب قفصة وكان زهير بن قيس البلوى بالقيروان وبلغه الخبر فخرج هاربا وارتحل بالمسلمين ونزل برقة وأقام بها ينتظر المدد من الخلفاء واجتمع إلى كسيلة جميع أهل المغرب من البربر والفرنجة وزحف إلى القيروان فخرج العرب منها ولحق بزهير بن قيس ولحق بها أصحاب الذرارى والاثقال فامنهم وداخل القيروان وأقام أميرا على افريقية ومن بقى بها من العرب خمس سنين وقارن ذلك مهلك يزيد بن معاوية وفتنة الضحاك بن قيس مع المروانية بمرج راهط وحروب آل الزبير فاضطرب أمر الخلافة بعض الشئ واضطرم المغرب نارا وفشت الردة في زناتة والبرانس ثم استقل عبد الملك بن مروان من بعد ذلك وأذهب بالمشرق آثار الفتنة وكان زهير بن قيس مقيما منذ مهلك السلطان عقبة فبعث إليه بالمدد وولاه حرب الجبابرة والثأر بدم عقبة فزحف إليها في آلاف من العرب سنة سبع وستين وجمع كسيلة البرانس وسائر البربر ولقيه بجيش من نواحى القيروان واشتد القتال بين الفريقين ثم انهزم البربر وقتل كسيلة ومن لا يحصى منهم واتبعهم العرب إلى مرماجنة ثم إلى ملوية وذال البربر ولجأوا إلى القلاع والحصون وحدت شوكة أوربة من بينهم واستقر جمهورهم بديار المغرب الاقصى فلم يكن بعدها لهم ذكر واستولوا على مدينة وليلى بالمغرب كانت ما بين موضع فاس ومكناسة بجانب جبل زرهون وأقاموا على ذلك والجيوش من القيروان تدوخ المغرب مرة بعد أخرى إلى أن خرج محمد بن عبد الله ابن حسن بن الحسن بن على أيام المنصور وقتل بالمدينة سنة خمس وأربعين ثم خرج بعده ابن عمه حسين بن على بن حسن المثلث ابن حسن المثنى ابن حسن السبط أيام الهادى وقتل بفخ على ثلاثة أميال من مكة سنة تسع وستين ومائة واستلحم كثير من أهل بيته وفرادريس بن عبد الله إلى المغرب ونزل على أوربة سنة ثنتين وسبعين وأميرهم يومئذ
بو ليلى اسحق بن محمد بن عبد الحميد منهم فاجاره وجمع البرابر على دعوته واجتمعت عليه زوغة ولواتة وسراتة وغمات ونفزة ومكناسة وغمارة وكافة برابرة المغرب فبايعوه وائتمروا بأمره وتم له الملك والسلطان بالمغرب وكانت له الدولة التى ورثها أعقابه إلى حين انقراضها كما ذكرنا في دولة الفاطميين والله تعالى اعلم(6/147)
{ الخبر عن كتامة من بطون البرانس وما كان لهم من العز والظهور على القبائل وكيف تناولوا الملك من أيدى الاغالبة بدعوة الشيعة } هذا القبيل من قبائل البربر بالمغرب وأشدهم بأسا وقوة وأطولهم باعا في الملك عند نسابة البربر من ولد كتام بن برنس ويقال كتم ونسابة العرب يقولون إنهم من حمير ذكر ذلك ابن الكلبى والطبري وأول ملوكهم فريقش بن صيفي من ملوك التبابعة وهو الذى افتتح افريقية وبه سميت وقتل ملكها جرجير وسمى البربر بهذا الاسم كما ذكرناه يقال أقام في البربر من حمير صنهاجة وكتامة فهم إلى اليوم فيهم وتشعبوا في المغرب وانبثوا في نواحيه الا أن جمهورهم كانوا لاول الملة بعد تهييج الردة وطفئت تلك الفتن موطنين بارياف قسنطينة إلى تخوم بجاية غربا إلى جبل أوراس من ناحية القبلة وكانت بتلك المواطن بلاد مذكورة أكبرها لهم وبين ديارهم ومجالات ثقلهم مثل ابكجان وسطيف وباغاية وبفاس وتلزمه ويتكست وميلة وقسنطينة والسيكرة والقل وجيجل من حدود جبل أوراس إلى سيف البحر ما بين بجاية وبونة وكانت بطونهم كثيرة يجمعها كلها غرسن ويسوده بن كتم بن يوسف من يسودة فالسبد ودنهاجة ومتوسة ورسين كلهم بنو يسودة بن كتم والى دنهاجة ينسب قصور كتامة بالمغرب لهذا العهد ومن غرسن مصالة وقلان وما وطن ومعاذ بنو غرسن بن كتم ولهيفه وجيملة ومسالته وبنو يناوة بن غرسن وملوسة من ايان ولطاية واجانة وغسمان وأوباست بنو تيطاسن بن غرسن وملوسة من ايان غرسن بن غرسن ومن ملوسة
هؤلاء بنو زيدوى أهل الجبل المطل على قسنطينة لهذا العهد وبعد البرابرة من كتامة بنو يستيتن وهشتيوة ومصالة وبنى قنسيلة وعد ابن حزم منهم زواوة بجميع بطونهم وهو الحق على ما تقدم وكان من البطون بالمغرب الاقصى كثير منتبذون عن مواطنهم وهم بها إلى اليوم ولم يزالوا بهذه المواطن وعلى هذه الحالة من لدن ظهور الملة وملك المغرب إلى دولة الاغالبة ولم تكن الدولة تسومهم بهضيمة ولا ينالهم تعسف لاعتزازهم بكثرة جموعهم كما ذكره ابن الرقيق في تاريخه الا أن كان من قيامهم في دعوة الشيعة ما ذكرناه في دولتهم عند ذكر دولة الفاطميين إثر دولة بنى العباس فانظره هنا لك وتصفحه تجد تفصيله ولما صار لهم الملك بالمغرب زحفوا إلى المشرق فملكوا الاسكندرية ومصر والشام واختطوا القاهرة أعظم الامصار بمصر وارتحل المعز رابع خلفائهم فنزلها وارتحل معه كتامة على قبائلهم واستفحلت الدولة هنا لك وهلكوا في ترفها وبذخها وبقى في مواطنهم الاولى بجبل أوراس وجوانبه من البسائط بقايا من قبائلهم على أسمائها والقابها والآخرون بغير لقبهم وكلهم رعايا معبدون للمغارم الا من اعتصم(6/148)
بقنة الجبل مثل بنى زيدوى بجبلهم وأهل جبال جيجل وزواوة أيضا في جبالهم وأما البسائط فاشهر من فيها منهم سدويكش ورياستهم في أولاد سواد ولا أدرى إلى من يرجعون في قبائل كتامة المسمين بهذه الاسم الا أنهم منهم باتفاق من أهل الاخبار ونحن الآن ذاكرون ما عرفناه من أخبارهم المتأخرة بعد دولة كتامة والله تعالى ولى العون * (الخبر عن سدويكش ومن إليهم من بقايا كتامة في مواطنهم) * هذا الحى لهذا العهد وما قبله من العصور يعرفون سدويكش وديارهم في مواطن كتامة ما بين قسنطينة وبجاية في البسائط منها ولهم بطون كثيرة مثل سيلين وطرسون وطرغيان وموليت وبنى فتنة وبنى لماى وكايارة وبنى زغلان والنورة وبنى مزوان ووار مسكن وسكوال وبنى عيار وفيهم من لماته ومكلاتة وريغة والرياسة على جميعهم
في بطن منهم يعرفون أولاد سواد لهم جمع وقوة وعدد وعدة وكان جميع هذه البطون وعيالهم غارمة فيمتطون الخيل ويسكنون الخيام ويظعنون على الابل والبقر ولهم مع الدول في ذلك الوطن استقامة وهذا شأن القبائل الاعراب من العرب لهذا العهد وهم ينتفون من نسب كتامة ويفرون منه لما وقع منذ أربعمائة سنة من النكير على كتامة بانتحال الرافضة وعداوة الدول بعدهم فيتفادون بالانتساب إليهم وربما انتسبوا في سليم من قبائل مضر وليس ذلك بصحيح وانما هم من بطون كتامة وقد ذكرهم مؤرخو صنهاجة بهذا النسب ويشهد لذلك الموطن الذى استوطنوه من افريقية ويذكر نسابتهم ومؤرخوهم أن موطن أولاد سواق منهم كان في قلاع بنى بوخصرة من نواحى قسنطينه ومنه انتقلوا وانتشروا في سائر تلك الجهات وأولاد سواق بطنا وهم أولاد علاوة بن سواق من أولاد يوسف بن حمو بن سواق فاما أولاد علاوة فكانت الرياسة على قبائل سدويكش لهم فيما سمعناه من مشيختنا وان ذلك كان لعهد دولة الموحدين وكان بيتهم على بن علاوة وبعده ابنه طلحة بن على وبعده أخوه يحيى بن على وبعده أخوهما منديل ابن على وعرالت زين ابن أخيه طلحة ولما بويع السلطان أبو يحيى بقسنطينه سنة عشر من هذه المائة وقع من تازير انحراف على طاعته واعتلوا بطاعة ابن الخلوف ببجاية فقدم عوضا منه عمه منديل ثم استبدل منهم أجمعين بأولاد يوسف فشمروا في طاعته وأبلوا وغلب السلطان على بجاية وقتل ابن الخلوف فظهر أولاد يوسف وزحموا أولاد علاوة وأخرجوهم من الوطن فصاروا إلى عياض من أفاريق هلال وسكنوا في جوارهم بجبلهم الذى أوطنوه المطل على المسيلة واتصلت الرياسة على سدويكش في أولاد يوسف وهم لهذا العهد أربع قبائل بنو محمد بن يوسف وبنو المهدى وبنو ابراهيم بن يوسف والعزيزيون وهم بنو منديل وظافر وجرى وسير الملوك والعباس وعيسى والستة أولاد(6/149)
يوسف وهم اشقاء وأمهم تاعزيزت فنسبوا إليها أولاد محمد والعزيزيون يوطنون بنواحي
بجاية وأولاد المهدى وابراهيم بنواحي قسنطينة وما زالت الرياسة في هذه القبائل الاربع تجتمع تارة في بعضهم وتفترق أخرى إلى هذا العهد وكانت الاخرى دولة مولانا السلطان أبى يحيى اجتمعت رياستهم لعبد الكريم بن منديل بن عيسى بن العدرين ثم افترقت واستقلت كل بطن من هؤلاء الاربعة برياسة وأولاد علاوة في خلال هذا كله بجبل عياض ولما تغلب بنو مرين على افريقية نكر السلطان أبو عنان أولاد يوسف ورماهم بالميل إلى الموحدين وصرف الرياسة على سدويكش إلى مهنى من تازير بن طلحة من أولاد علاوة فلم يتم له ذلك وقبله أولاد يوسف ورجع أولاد علاوة إلى مكانهم من جبل عياض وكان رئيسهم لهذه العصور عدوان بن عبد العزيز بن زروق بن على بن علاوة وهلك ولم تجتمع رياستهم بعده لاحد وفى بطون سدويكش هؤلاء بطن مرادف أولاد سواق في الرياسة على بعض أحيائهم وهم بنو سكين ومواطنهم في السلطان أبو يحيى بالرياسة على قومه وكان له مقامات في خدمته ثم عرف بعده في الوفاء ابنه الامير أبو حفص فلم يزل معه إلى أن وقع به بنو مرين بناحية قابس وحاربه مع السرى الوقيعة فقطعه السلطان أبو الحسن من خلاف وهلك بعد ذلك وقام برياسته ابنه عبد الله وكان له فيها وفى خدمة السلطان ببجاية شأن إلى أن هلك لاعوام ثمانين وولى ابنه محمد من بعده والله وارث الارض ومن عليها * (الخبر عن بنى ثابت أهل الجبل المطل على فسنطينة من بقايا كتامة) * ومن بطون كتامة وقبائلهم أهل الجبل المطل على القل ما بينه وبين قسنطينة المعروف(6/150)
برياسة أولاد ثابت بن حسن بن أبى بكر من بنى تليلان ويقال ان أبا بكر هذا الجد هو الذى فرض المغرم على أهل هذا الجبل لايام الموحدين ولم يكن قبل ذلك عليه مغرم فلما انقرض ملك صنهاجة وغلب الموحدون على افريقية وفر أبو بكر هذا على الخليفة بمراكش لاول دولته وفى عنيته لابن عمر لدولة طرابلس أعوام أحدى عشر وسبعمائة
كما نذكره فلما تملك السلطان بجاية وقتل ابن خلوف ورجع ابن عمر من تونس إلى حجابته وجد حسن بن ثابت معسكرا بفرحيرة لانقضاء مغارم الوطن فبعث إليه من قبله وكان آخر رياسته بجبل على أدرك دولة بنى مرين بافريقية وولى بعده ابن عبد الرحمن ووفد على السلطان أبى عنان بفاس ولما استجد مولانا السلطان أبو العباس دولته بافريقية استولى عليهم ومحا أثر مشيختهم ورياستهم وصيرهم من عداد جنده وحاشيته واستعمل في الجبل عماله وهو جبل مطاوع وجبايته مؤداة لسولته وجواره للعسكر بقسنطينة ومن بقايا كتامة أيضا قبائل أخرى بناحية تدلس في هضابة مكتنهة وهم في عداد القبائل الغارمة وبالمغرب الاقصى منهم قبيلة من بنى سنس بجبل قبلة جبل يزناسن وقبيلة اخرى بناحية الهبط مجاورون لنصر بن عبد الكريم وقبائل أخرى بناحية مراكش نزلوا مع صنهاجة هنا لك ونسب كتامة لهذا العهد بين القبائل المثل السائر في الدولة لما نكرتهم الدول من بعدهم أربعمائة سنة بانتحالهم الرافضة ومذاهبها الكفرية حتى صار كبيرهم من أهل نسبهم يفرون منه وينتسبون فيمن سواهم من القبائل فرارا من هجنته والعزة لله وحده سلطان حسن عبد الرحمن بن على حسن ابن ابراهيم عبد الله * (الالمام بذكر زوارة من بطون كتامة) * هذا البطن من أكبر بطون البربر ومواطنهم متصلة بمواطن كتامة هؤلاء وأكثر الناس جاهلون بنسبهم وعامة نسابة البربر على أنهم من بنى سمكان يحيى بن ضريس وأنهم اخوة
زواغة والمحققون من النسابة مثل ابن حزم وانظاره انما يعدونهم في بطون كتامة وهو الاصوب والمواطن أوضح دليل عليه وإلافان مواطن زواغة وهى طرابلس بالمغرب(6/151)
الاقصى من مواطن كتامة وانما حمل على الغلط في نسبهم إلى كتامة تصحيف اسم زوازه بالزاى بعد الواو وهم اخوة زواغة بلا شك فصحف هذا القارى الزاى بالواو فعد زواوة اخوان زواغة ثم استمر التصحيف وجميعا في نسب سمكان والله أعلم وقد مر ذكرهم هنا لك مع ذكر زواغة وتعديد بطونهم { الخبر عن صنهاجة من بطون البرانس وما كان لهم من الظهور والدول في بلاد المغرب والاندلس } هذا القبيل من أوفر قبائل البربر وهو أكثر أهل الغرب لهذا العهد وما بعده لا يكاد قطر من أقطاره يخلو من بطن من بطونهم في جبل أو بسيط حتى لقد زعم كثير من الناس أنهم الثلث من أول البربر وكان لهم في الردة ذكر وفى الخروج على الامراء شان تقدم منه في صدر ذكر البرابر ونذكر منه هنا ما تيسر وأما ذكر نسبهم فانهم من ولد صنهاج وهو صناك بالصاد المشمة بالزاى والكاف القريبة من الجيم الا أن العرب عربته وزادت فيه الهاء بين النون والالف فصار صنهاج وهو عند نسابة البربر من بطون البرانس من ولد برنس بن بر وذكر ابن الكلبى والطبري انهم وكتامة جميعا من حمير كما تقدم في كتامة وفيما نقل الطبري في تاريخه أنهم صنهاج بن بر بن صوكان بن منصور بن الفند بن افريقش بن قيس وبعض النسابة يزعم أنه صنهاج بن المثنى بن المنصور بن مصباح ابن يحصاب بن مالك بن عامر بن حمير الاصغر من سبأ كذا نقل ابن النحوي من مؤرخي دولتهم وجعله ليحصب وقد مر ذكره في أنساب حمير وليس كما ذكر والله اعلم واما المحققون من نسابة البربر فيقولون هو صنهاج بن عاميل بن زعزاع بن قيمتا بن سدور بن مولان بن مصلين بن يبرين بن مكسيلة بن دقيوس بن حلحال بن شرو بن مصرايم بن حام
ويزعمون أن جزول واللمط وهسكور اخوة صنهاج وان أمهم الاربعة بصكي وبها يعرفون وهى بنت زحيك بن مادغيس ويقال لها العرجاء فهذه القبائل الاربعة من القبائل أخوة لام والله أعلم وأما بطون صنهاجة فكثيرة فمنهم بلكانة وأنجفه وسرطة والامتوته ومسوقة وكدالة ومندلسة وبنو وارت وبنو يتين ومن بطون أنجفة بنو مزوات وبنو تثليب وفشتالة وملواقة هكذا يكاد نقل بعض نسابة البربر في كتبهم وذكر آخرون من مؤرخي البربر أن بطونهم تنتهى إلى سبعين بطنا وذكر ابن الكلبى والطبري أن بلادهم بالصحراء مسيرة ستة أشهر وكان أعظم قبائل صنهاجة بلكانة وفيهم كان الملك الاول وكانت مواطنهم ما بين المغرب الاوسط وافريقية وهم أهل مدر ومواطن مسوقة والامتونة وكدالة وسرطة بالصحراء وهم أهل وبر وأما أنجفة فبطونهم مفترقة وهم أكثر بطون صنهاجة ولصنهاجة ولاية لعلى بن أبى طالب كما ان(6/152)
لمغراوة ولاية لعثمان بن عفان رضى الله تعالى عنهما الا أنا لا نعرف سبب هذه الولاية ولا أصلها وكان من مشاهيرهم في الدولة الاسلامية بالفاق ورمون ثار بافريقية أيام السفاح عند انقراض الاموية وعبد الله بن سكرد بر لك وعباد بن صادق من قواد حماد بن بلكين وسليمان بن مطعمان بن غيلان امام باديس ابن بلكين وبنى حمدون وورا بنى حماد وهو حمدون بن سليمان بن محمد بن على بن علم منهم ميمون بن جبل بن أخت طارق مولى عثمان بن عفان صاحب فتح الاندلس في آخرين يطول ذكرهم وكان الملك في صنهاجة في طبقتين الطبقة الاولى لملكانة ملوك افريقية والاندلس والثانية مسوقة ولمتونة من الملثمين ملوك المغرب المسمون بالمرابطين ويأتى ذكرهم كلهم ان شاء الله تعالى والله أعلم * (الطبقة الاولى من صنهاجة وما كان لهم من الملك) * كان أهل هذه الطبقة بنو لمكان بن كرت وكانت مواطنهم بالمسيلة إلى حمرة إلى
الجزائر مليوية ومليناتة من مواطن بنى يزيد وحصين والعطاف من زغبة ومواطن الثعالبة لهذا العهد وكان معهم بطون كثيرة من صنهاجة أعقابهم هنالك من متنان وانوغة وبنو مزغنة وبنو جعد وملكانة ويطوية وبنو يفرن وبنو خليل وبعض أعقاب ملكانة بجهات بجاية ونواحيها وكان التقدم منهم جميعا لبلكانة وكان أكثرهم لعهد الاغالبة مناد بن منقوش بن صنهاج الاصغر وهو صناك بن واسفاق بن جريل ابن يزيد بن واسلى بن سمليل بن جعفر بن الياس بن عثمان بن سكاد بن ملكان ابن كرت ابن صنهاج الاكبر هكذا نسبه ابن النحوي وزعم أن مناد بن منقوش ملك جانبى افريقية والمغرب الاوسط مقيما لدعوة ابن العباس وراجعا إلى أمر الاغالبة وأقام أمره من بعده ابنه زيرى بن مناد وكان من أعظم ملوك البربر وكانت بينه وبين مغراوة من زناتة المجاورين له من جهة المغرب الاوسط كما نذكر حروب وفتن طويلة ولما استوسق الملك للشيعة بافريقية تحثوا إليهم للولاية التى لعلى رضى الله عنه فيهم وكان من أعظم أوليائهم واستطال بهم على عدوه من مغراوة فكانوا ظهرا له عليهم وانحرفت لذلك مغراوة وسائر زناتة عن الشيعة سائر أيامهم وتحيزوا عن المروايين ملوك العدوة بالاندلس فأقاموا دعوتهم بالمغرب الاوسط والاقصى كما نذكره بعد ان شاء الله تعالى ولما كانت فتنة أبى يزيد والتاث أمر العبيديين بالقيروان والمهدية كان لزيرى بن مناد منافرة إلى الخوارج أصحاب أبى يزيد وأعقابهم وشريف بالحشود إلى مناصرة العبيديين بالقيروان كما ستراه وأحفظ مدينة واشين للتحصن بها سفح الجبل المسمى تيطرا لهذا العهد حيث مواطن حصن وحصنا بأمر المنصور وكانت من أعظم(6/153)
مدن المغرب واتسعت بعد ذلك خطتها واستبحر عمرانها ورحل إليها العلماء والتجار من القاصية وحين نازل اسمعيل المنصور أبا يزيد لقلعة كتامة جاءه زيرى في قومه ومن انضم إليه من حشود البربر وعظمت نكايته في العدو وكان الفتح وصحبة المنصور إلى
أن انصرف من المغرب ووصله صلات سنية وعقد له على قومه وأذن له في اتخاد القصور والمنازل والحمامات بمدينة أشير وعقد له على تاهرت وأعمالها ثم اختصت ابنه بلكين بأمره وعلى عهده مدينة الجزائر المنسوبة لبنى مزغد بساحل لبحر ومدينة ملينة بالعدوة الشرقية من شلف ومدينة لمدونة وهم بطن من بطون صنهاجة وهذه المدن لهذا العهد من أعظم مدن المغرب الاوسط ولم يزل زيرى على ذلك قائما بدعوة العبيديين منابذ المغراوة واتصلت الفتنة فيهم ولما نهض جوهر الكاتب إلى المغرب الاقصى أيام معد المعز لدين الله أمره أن يستصحب زيرى بن مناد فصحبه إلى المغرب وظاهره على أمره ولما ظهر يعلى بن محمد النفزى اتهمه زناتة بالممالاة عليه ولما نزل جوهر فاس وبها أحمد بن بكر الجذامي وطال حصاره اياها كان لزيرى في حصارها أعظم العياء وكان فتحها على يده سهر ذات ليلة وصعد سورها فكان الفتح ولما استمرت الفتنة بين زيرى ابن مناد ومغراوة ووصلوا أيديهم بالحاكم المستنصر وأقاموا دعوة المروانية بالمغرب الاوسط وشمر محمد بن الخير بن محمد بن خزر لذلك رماه معد لقريعة زيرى في قومه واحتشد أهل وطنه وقد جمع له محمد بن الخير وزناتة فسرح إليهم ولده بلكين في مقدمة وعارضهم قبل استكمالهم التعبية فدارت بينهم حرب شديدة بعد العهد بمثلها يومئذ واختل مصاف مغراوة وزناتة ولما أيقن محمد بن الخير بالمهلكة وعلم انه أحيط به مال إلى ناحية من العسكر وتحامل على سيفه فذبح نفسه وانفض جموع زناتة واستمرت الهزيمة عليهم سائر يومهم فاستلحموا ومكثت عظامهم ماثلة بمصارعهم عصورا وهلك فيما زعموا بضعة عشر أميرا منهم وبعث زيرى برؤوسهم إلى المعز بالقيروان فعظم سروره وهش لها الحكم المستنصر صاحب الدعوة بما أوهنوا من أمره واستطال زيرى وصنهاجة على بوادي المغرب وغلب يده على جعفر بن على صاحب المسيلة والزاب وسما به في الرتب عند الخلافة وتاخمه في العمالة واستدعى معد جعفر بن على من المسيلة لتولية افريقية حين اعتزم على الرحيل إلى القاهرة فاستراب مما كانت
السعاية كبرت فيه وبعث معد المعز بعض مواليه فخافه جعفر على نفسه وهرب من المسيلة ولحق بمغراوة فاشتملوا عليه وألقوا بيده زمام أمرهم وقام فيهم بدعوة الحكم المستنصر وكانوا أقدم لها اجابة وفاوضهم زيرى الحرب قبل استفحالهم فزحف إليهم واقتتلوا قتالا شديدا وكانت على زيرى الدبرة وكبابه فرسه وأجلت الهزيمة عن مصرعه(6/154)
ومصارع حاميته من قومه فخروا رأسه وبعثوا به إلى الحكم لمستنصر بقرطبة في وفد أوفدوه عليه من أمرائهم يؤدون الطاعة ويؤكدون البيعة ويجمعون لقومهم النصرة وكان مقدم وفدهم يحيى بن أخو جعفر هذا كما ذكرناه وهلك زيرى هذا سنة ستين وثلثمائة لست وعشرين سنة من ولايته ولما وصل خبره إلى ابنه بلكين وهو باشير نهض إلى زناتة ودارت بينهم حرب شديدة فانهزمت زناتة وثأر بلكين بابيه وقومه واتصل ذلك بالسلطان محمد اثره وعقد له على عمل ابيه باشير وتيهرت وسائر أعمال المغرب وضم إليه المسيلة والزاب وسائر عمل جعفر فاستعتب واستفحل أمره واتسعت ولايته وأثخن في البربر أهل الخصوص من احرابه وهوارة ونفزة وتوغل في المغرب في طلب زناتة فأثخن فيهم ثم رجع واستقدمه السلطان لولاية افريقية فقدم سنة احدى وستين واستبلغ السلطان في تكريمه ونفس ذلك عليه كتامة ثم نهض السلطان إلى القاهرة واستخلفه كما نذكره وكان ذلك أول دولة آل زيرى بافريقية والله تعالى أعلم { الخبر عن دولة آل زيرى بن مناد ولاة العبيديين من هذه الطبقة بافريقية وتصاريف أحوالهم } لما أخذ المعز في الرحلة إلى المشرق وصرف اهتمامه إلى ما يتخلف وراء ظهره من الممالك والعمالات ونظر فيمن يوليه أمر افريقية والمغرب ممن له الغناء والاضطلاع وبه الوثوق من صدق التشييع ورسوخ القدم في دراية الدولة فعثر اختياره على
بسكين بن زيرى بن مناد ولى الدولة منذ عهد أخذه ما بيده من أيدى زناتة وأموالها في سبيل الاباء على الدولة والمظاهرة للدولة * (دولة بلكين بن زيرى) * فبعث خلف بلكين بن زيرى وكان متوغلا في المغرب في حروب زناتة وولاه أمر افريقية ما عدا أصهلية كانت لبنى أبى الحسين الكلبى وطرابلس لعبد الله بن يخلف الكتامى وسماه يوسف بدلا من بلكين وكناه أبا الفتوح ولقبه سيف الدولة ووصله بالخلع والاكسية الفاخرة وحمله على مقرباته بالمراكب وانتقله وأنفذ أمره في الجيش والمال وأطلق يده في الاعمال وأوصاه بثلاث أن لا يرفع السيف عن البربر ولا يرفع الجباية عن أهل البادية ولا يولى أحدا من أهل بيته وعهد إليه أن يفتح أمره بغزو المغرب لحسم دائه وقطع علائق الاموية منه وارتحل يريد القاهرة سنة ثنتين وستين ورجع عنه لمكين من نواحى صفاقس فنزل نصر معه بالقيروان واضطلع بالولاية وأجمع غزو المغرب(6/155)
فغزاه في جموع صماحة وتخلف كتابه وارتحل إلى المغرب وفر امامه ابن خزر صاحب المغرب الاوسط إلى سجلماسة وبلغه خلاف أهل تاهرت واخراج عامله فرحل إليها وخربها ثم بلغه أن زناتة اجتمعوا إلى تلمسان فرحل إليهم فهربوا أمامه ونزل على تلمسان فحاصرها حتى نزل أهلها على حكمه ونقلهم إلى أشير وبلغه كتاب معد ينهاه عن التوغل في المغرب فرجع ولما كان سنة سبعين وستين رغب بلكين من الخليفة نزار بن المعز أن يضيف إليه عمل طرابلس وسرت واجد إليه فأجابه إلى ذلك وعقد له عليها ورحل عنها عبد الله بن يخلف الكتامى وولى بلكين عليه من قبله ثم ارتحل بلكين إلى المغرب وفرت أمامه زناتة فملك فاس وسجلماسة وأرض الهبط وطرد منها عمال بنى أمية ثم غزا جموع زناتة بسجلماسة وأوقع بهم وتقبض على ابن خزر أمير مغراوة فقتله وجعل ملوكهم أمامه مثل بنى يعلى بن محمد النفزى وبنى عطية بن عبد الله
ابن خزر وبنى فلفول بن خزر ويحيى بن على بن حمدون صاحب البصرة وبرزوا جميعا بقياطينهم إلى سبتة وبعثوا الصريخ إلى المنصور بن أبى عامر فخرج بعساكره إلى الجزيرة الخضراء وأمرهم بمن كان في حضرته من ملوك زناتة ورؤسائهم النازعين إلى خلفاء الاموية بالاندلس بقرطبة بالمقام في سبيل الطاعة واغتنام فضل الرباط بثغور المسلمين في ايالة الخلفاء واجتمعت منهم وراء البحر أمم مع ما انضم إليهم من العساكر والحشود وأجازهم البحر لقصر جعفر بن على بن حمدون صاحب المسيلة وعقد له على حرب بلكين وأمده بمائة حمل من المال فتعاقد ملوك زناتة واجتمعوا إليه وضربوا مصاف القتال بظاهر سبتة وهرع إليهم المدد من الجزيرة من عساكر المنصور وكادوا يخوضون البحر من فرائض الزقاق إلى مظاهرة أوليائهم من زناتة ووصل بلكين إلى تيطاوير وتسنم هضابها وقطع شعوبها لنهج المسالك والطرق بعسكره حتى أطل على معسكرهم بظاهر سبتة فرأى ما هاله واستيقن امتناعهم ويقال انه لما عاين سبتة من سنسرمة ورأى اتصال المدد من العدوة إلى معسكرهم بها قال هذه أفعى فغرت الينا فاها وكر راجعا على عقبه وكان موقفه ذلك أقصى اثره ورجع إلى البصرة فهدمها وكانت دار تلك بن الاندلس وبها عمارة عظيمة ثم انفتح له باب في جهاد برغواطة فارتحل إليهم وشغل بجهادهم وقتل ملكهم عيسى بن أبى الانصار كما نذكره وأرسل بالسبي إلى القيروان وأذهب دعوة بنى أمية من نواحى المغرب وزناتة مشردون بالصحراء إلى ان هلك سنة ثلاث وسبعين بواركش ما بين سجلماسة وتلمسان منصرفا من هذه الغارة الطويلة * (دولة منصور بن بلكين) *(6/156)
ولما توفى بلكين بعث مولاه أبو زغبل بالخبر إلى ابنه والى المنصور وكان واليا باشير وصاحب عهد أبيه فقام بأمر صنهاجة من بعده ونزل صره وقلده العزيز نزار بن معد
أمر افريقية والمغرب وكان على سنن أبيه وعقد لاخيه أبى البهار على تاهرت ولاخيه يطوفت على أشير وسرحه بالعساكر إلى المغرب الاقصى سنة أربع وسبعين يسترجعه من أيدى زناتة وقد بلغه انهم ملكوا سجلماسة وفاس فلقيه زيرى بن عطية المغراوى الملقب بالقرطاس أمير فاس فهزمه ورجع إلى أشير واقصى المنصور بعدها عن غزو المغرب وزناتة واستقبل به ابن عطية وابن خزرون وبدر بن يعلى كما نذكر بعد ثم رحل بلكين إلى رقاده وفتك بعبدالله بن الكاتب عامله وعامل ابيه على القيروان لهنات كانت منه وسعايات انجحت فيه فهلك سنة تسع وسبعين وولى مكانه يوسف ابن أبى محمد وكثر التواتر بكتابه فقتلهم وأثخن فيهم حتى أذعنوا وأخرج إليهم العمال وعقد لاخيه حماد على اشير وطالت الفتنة مع زناتة ونزل إليه منهم سعيد بن خزرون ولم يزل سعيد يطيعه إلى ان هلك سنة احدى وثمانين ولى ابنه فلفول بن سعيد وخالف أبو البهار بن زيرى سنة تسع وسبعين فزحف إليه المنصور وفر بين يديه إلى المغرب وأمد المنصور أهل تاهرت ومضى في اتباع أبى البهار حتى نفد عسكره وأشير عليه بالرجوع فرجع وبعث أبو البهار إلى أبى عامر صاحب الاندلس في المظاهرة والمدد واسسترهن ابنه في ذلك فكتب زيرى بن عطية صاحب دعوة الاموية من زناتة بفاس أن يكون معه يدا واحدة فظاهره زيرى واتفق رأيهما مدة وحاربهما بدر بن يعلى فهزماه وملكا فاس وما حولها ثم اختلفت ذات بينهما سنة ثنتين وثمانين ورجع أبو البهار إلى قومه ووفد على المنصور سنة ثنتين وثمانين بالقيروان فأكرمه ووصله وأنزله أحسن نزل وعقد له على تاهرت ثم هلك المنصور سنة خمس وثمانين * (دولة باديس بن المنصور) * ولما هلك المنصور قام بأمره ابنه باديس وعقد لعمه يطوفت على تاهرت وسرح عساكره لحرب زناتة مع عميه يطوفت وحماد فولوا منهزمين امام زناتة إلى أشير ونهض بنفسه سنة تسع وثمانين لحرب زيرى بن عطية راجعا إلى المغرب فولى باديس أخاه
يطوفت على تاهرت وأشير وخالف عليه عمومته ملكس وزاوى وحلال ومعتز وعزم واستباحوا عسكر يطوفت وأفلت منهم ووصل أبو البهار متبرئا من شأنهم وشغل السلطان باديس بحرب فلفول بن سعيد كما نذكره في أخبار بنى خزرون وسرح عمه حمادا لحرب بنى زيرى اخوته ووصل بنو زيرى أيديهم بفلفول ثم رجعوا إلى حماد فهزمهم وتقبض على ماكس منهم فاطمة الكلاب وقتل أولاد الحسن وباديس كذا ذكر ابن(6/157)
حزم وتجافلهم إلى جبل سنوه فنازلهم حماد آياما وعقد لهم السلم على ان يحارب الاندلس فلحقوا إلى عامر سنة احدى وتسعين وثلثمائة وهلك زيرى بن عطية المغراوى لتسع أيام من مهلك ماكس وأقفل باديس عمه حمادا على حضرته ليستعين به في حروب فلفول فاضطرب المغرب لقفوله وأظهرت زناتة الفساد وأضروا بالسابلة وحاصروا المسيلة واشير فسرح إليهم باديس عمه حماد اخرج على اثره سنة خمس وتسعين متحسب ودوخ حماد المغرب وأثخن في زناتة واختط مدينة القلعة ثم طلب منه باديس أن ينزل على عمل يتجس وقسنطينة واختيار النغاغية فأبى وأظهر الخلاف وبعث إليه أخاه ابراهيم فأقام معه وزحف إليهم باديس ثم رحل في طلبه إلى شلف ونزع إليه بعض العساكر ودخل في طاعته بنو توجين وحازوا في مدده ووصل أميرهم عطية بن دافلين وبدر بن أغمان بن المعتز فوصلها وكان حماد قبل دافلين ثم نزل باديس نهر واصل وانثنى حماد راجعا إلى القلعة واتبعه باديس ونازله بها وهلك بمعسكره عليها سنة ست وأربعمائة فجأة وهو نائم بين أصحابه بمصرية فارتحلوا راجعين واحتملوا باديس على أعواده * (دولة المعز بن باديس) * ولما بلغ الخبر بمهلك باديس بويع ابنه المعز لثمان سنين ووصل العسكر فبايعوه البيعة العامة ودخل حماد المسيلة واشير واستعد للحرب وحاصر باعانة وبلغ الخبر بذلك
فزحف المعز إليه وأفرج عن باعانة ولقيه فانهزم حماد وأسلم معسكره وتقبض على أخيه ابراهيم ونجا إلى القلعة ورغب في الصلح فاستجيب على أن يبعث ولده وانتهى المعز إلى سطيف وقصر الطين وقفل إلى حضرته ووصل إليه القائد بن حماد بعمل المسيلة وطبنة والزاب واشير وتاهت وما يفتح من بلاد المغرب وعقد للقائد بن محمد على طبنة والمسيلة مقره ومرسي الدجاج وسوق حمزة وزواوة وانقلب بهدية ضخمة ورفعت أوزارها من يومئذ واقتسموا المظلة والتحموا بالاصهار وافترق ملك صنهاجة إلى دولتين دولة إلى المنصور بن بلكين أصحاب القيروان ودولة إلى حماد بن بلكين أصحاب القلعة ونهض المعز إلى حماد سنة ثنتين وثلاثين فحاصره بالقلعة مدة سنين ثم أقلع عنها وانكفأ راجعا ولم يعاود فتنة بعد ووصل راوي بن زيرى من الاندلس سنة عشر وأربعمائة كما ذكرناه في خبره فتلقاه المعز أعظم لقاء وسلم عليه راجلا وفرشت القصور لنزله ووصله بأعظم الصلات وأرفعها واستمر ملك المعز بافريقية والقيروان وكان أضخم ملك عرف للبربر بافريقية وأترفه وأبذخه نقل ابن الرقيق من أحوالهم في الولائم والهدايا والخبائز والاعطيات ما يشهد بذلك مثل ما ذكر ان عطية(6/158)
صندل عامل باعانة مائة حمل من المال وان بعض توابيت الكبراء منهم كان العود الهندي بمسامير لذهب وان باديس أعطى فلفول بن مسعود الزناتى ثلاثين حملا من المال وثمانين تختا وان أعشار بعض أعمال الساحل بناحية صفاقس كان خمسين ألف قفيز وغير ذلك من أخبارهم وكانت بينه وبين زناتة حروب ووقائع كان له الغلب في جميعها كل هو مذكور وكان المعز منحرفا عن مذاهب الرافضة ومنتحلا للسنة فأعلن بمذهبه لاول ولايته ولعن الرافضة ثم صار إلى قتل من وجد منهم وكبابه فرسه ذات يوم فنادى مستغيثا باسم أبى بكر وعمر فسمعته العامة فثاروا لحينهم بالشيعة وقتلوهم أبرح قتل وقتل دعاة الرافضة يومئذ وامتعض لذلك خلفاء الشيعة بالقاهرة وخاطبه وزيرهم
أبو القاسم الجرجاني محذرا وهو يراجعه بالتعريض لخلفائه والمزج فيهم حتى أظل الجو بينه وبينهم إلى أن انقطع الدعاء لهم سنة أربعين وأربعمائة على عهد المستنصر من خلفائهم وأحرق بنوده ومحا اسمه من الطرر والسكة ودعا للقائم بن القادر من خلفاء بغداد وجاءه خطاب القائم وكتاب عهده صحبة داعيته أبى الفضل بن عبد الواحد التميمي فرماه المستنصر خليفة العبيديين بالمغرب من هلال الذين كانوا مع القرامطة وهم رياح وزغبة والاثيج وذلك بمشاركة من وزيره أبى محمد الحسن بن على البازورى كما ذكرنا في أخبار العرب ودخولهم إلى افريقية وتقدموا إلى البلاد وأفسدوا السابلة والقرى وسرح إليهم المعز جيوشه فهزموهم فنهض إليهم ولفيهم بجبل حيدران فهزموه واعتصم بالقيروان فحاصروه وتمرسوا به وطال عينهم في البلاد واضطرارهم بالرعايا إلى ان خربت افريقية وخرج ابن المعز من القيروان سنة تسع وأربعين مع خفيره منهم وهو مؤنس بن يحيى الصرى أمير رياح فلحق في خفارته بالمهدية بعد ان أصهر إليه في ابنته فأنكحه اياها ونزل بالمهدية وقد كان قدم إليها ابنه تميما فنزل عليه ودخل العرب القيروان وانتهبوها وأقام المعز بالمهدية وانتزى البوار في البلاد فغلب حمد بن مليل البرغواطى على مدينة صفاقس وملكها سنة احدى وخمسين وخالفت سوسة وصار أهلها إلى الشورى في أمرهم وصارت تونس آخرا إلى ولاية الناصر بن علناس ابن حماد صاحب القلعة وولى عليهم عبد الحق بن خراسان فاستبد بها واستقرت في ملكه وملك بنيه وتغلب موسى بن يحيى على قابس وصار عاملها المعز بن محمد الصنهاجى إلى ولايته وأخوه ابراهيم من بعده كما يأتي ذكره والثالث ملك آل يدرس وانقسم في الثوار كما نذكر في أخبارهم بعد مهلك المعز سنة أربع وخمسين والله أعلم * (دولة تميم بن المعز) * ولما هلك المعز قام بأمره ابنه تميم وغلبه العرب على افريقية فلم يكن له الا ما ضمه السور(6/159)
خلا انه كان يخالف بينهم ويسلط بعضهم على بعض وزحف إليه حمو بن مليل البرغواطى صاحب صفاقس فخرج تميم للقائه وانقسمت العرب عليها فانهزم حمو وأصحابه وذلك سنة خمس وسار منها إلى سوسة فافتتحها ثم بعث عساكره إلى تونس فحاصروا ابن خراسان حتى استقام على الطاعة لتميم ثم بعث عساكره أيضا إلى القيروان وكان بها قائد بن ميمون الصنهاجى من قبل المعز فأقام ثلاثا ثم غلبته عليها هواد وخرج إلى المهدية فبعث تميم إليه العساكر فلحق بالناصر وأسلم القيروان ثم رجع بعد ست إلى حمو بن مليل البرغواطى بصفاقس وابتاع له القيروان من مهنى بن على أمير زغبة فولاه عليها وحصنها سنة سبعين وكان بين تميم والناصر صاحب القلعة أثناء ذلك فتن كان سما بها العرب يجأجؤن بالناصر من قلعته ويطؤن عساكره ببلاد افريقية وربما ملك بعض أمصارها ثم يردونه على عقبه إلى داره إلى ان اصطلحا سنة سبعين وأصهر إليه تميم بابنته ونهض تميم سنة أربع وسبعين إلى قابس وبها ماضى بن محمد الصنهاجى وليها بعد أخيه ابراهيم فحاصرها ثم أفرج عنها ونازلته العرب سنة ست وسبعين بالمهدية ثم أفرجوا عنه وهزمهم فقصدوا القيروان ودخلوها فأخرجهم عنها وفى أيامه كان بعلها نصرى جنده على المهدية سنة ثمانين نزلوها في ثلثمائة مركب وثلاثين ألف مقاتل واستولوا عليها وعلى زويلة فبذل لهم تميم في النزول عنها مائة ألف دينار بعد ان انتهبوا جميع ما كان بها فاستخلصها من أيديهم ورجع إليها ثم استولى على قابس سنة تسع وثمانين من يد أخيه عمر بن المعز بايع له أهلها بعد موت قاص بن ابراهيم ثم استولى بعدها على صفاقس سنة ثلاث وتسعين وخرج منها حمو بن مليل إلى قابس فأجاره لكى ابن كامل الدهمانى إلى ان مات بها وكانت رياح قد تغلبت على رغبة وعلى افريقية من لدن سبع وستين وأخرجوه منها وفى هذه المائة الخامسة غلب الاخضر من بطون رياح على مدينة باجة وملكوها وهلك تميم اثر ذلك سنة احدى وخمسمائة * (دولة يحيى بن تميم) *
ولما هلك تميم بن المعز ولى ابنه يحيى وافتتح أمره بافتتاح امكيسة وغلب عليها ابن محفوظ الثائر بها وثار أهل صفاقس على ابنه أبى الفتوح فلطف الحيلة في تفريق كلمتهم وراجع طاعة العبيديين ووصلته المخاطبات والهدايا وكان قد صرف همه إلى غزو النصارى والاساطيل البحرية فاستكثر منها واستبلغ في اقتنائها وردد البعوث إلى دار الحرب فيها حتى لقبته أمم النصرانية بالجرى من وراء البحر من بلاد افريقية وجنوة وسردانية وكان له في ذلك آثار ظاهرة عزيزة وهلك فجأة في قصره سنة تسع وخمسمائة والله أعلم(6/160)
* (دولة على بن يحيى) * ولما هلك يحيى بن تميم ولى على ابنه استقدم لها من صفاقس فقدم أبى بكر ابى جابر عن عسكر ونظرائه من أمراء العرب وكان أعظم أمراء عساكر صنهاجة محاض بن لقط الاحم فاجتمعوا إليه وتمت بيعته ونهض إلى حصار تونس حتى استقام أحمد بن خرايان على الطاعة وفتح جبل وسلات وكان ممتنعا على من سلف من قومه فجرد إليه عسكرا مع ميمون بن زياد الصخرى المعادي من أمراء العرب فافتتحوه وقتلوا من كان به ووصل رسول الخليفة من مصر بالمخاطبات والهدايا على العادة ثم نهض إلى معصار رافع بن مكن بفاس سنة احدى عشرة وخمسمائة ودون لها قبائل بادغ من بنى على احدى بطون رياح كما نذكره في أخبار رافع ثم حدثت الفتنة بين رجار صاحب صقلية بمحلات رجار الرافع بن كامل عليه وامداده اياه بأسطوله بغير على ساحل على بن يحيى ويرصد أساطيله فاستخدم على بن يحيى الاساطيل وأخذ في الاهبة للحرب وهلك سنة خمس عشرة وخمسمائة والله اعلم * (دولة الحسن بن على) * ولما هلك على بن يحيى بن تميم ولى بعده ابنه الحسن بن على غلاما يفعة ابن ثنتى عشرة
سنة وقام بأمره مولاه صندل ثم مات صندل وقام بأمره مولاه موفق وكان أبوه أصدر المكاتبة إلى رجار عند الوحشة يهدده بالمرابطين ملوك المغرب ولما كان بينهما وبينهم المكاتبسة واتفق أن غزا أحمد بن ميمون قائد اسطول المرابطين صقلية وافتتح قرية منها فسباها وقتل أهلها سنة ست عشرة فلم يشك رجار أن ذلك باملاء الحسن فنزلت أساطيله إلى المهدية وعليهم عبد الرحمن بن عبد العزيز وجرجى بن محاييل الانطاكي وكان جرجى هذا نصرانيا هاجر من المشرق وقد تعلم اللسان وبرع في الحساب وتهذب في الشأم بانطاكية وغيرها فاصطنعه تميم واستولى عليه وكان يحيى يشاوره فلما هلك تميم أعمل جريحي الحيلة في اللحاق برجار فلحق به وحظي عنده واستعمله على اسطوله فلما استعجم على حصار المهدية بعثه لذلك فزحف في ثلثمائة مركب وبها عدد كثير من النصرانية فيهم ألف فارس وكان الحسن قد استعد لحربهم فافتتح جزيرة قوصرة وقصدوا إلى المهدية ونزلوا إلى الساحل وضربوا الابنية وملكوا قصر الدهانين وجزيرة الاملس وتكرر القتال فيهم إلى أن غلبهم المسلمون وأقلعوا راجعين إلى صقلية بعد ان استمر القتل فيهم ووصل بألاثر ذلك محمد بن ميمون قائد المرابطين باسطوله فعاث في نواحى صقلية واعتزم رجار على اعادة الغزو إلى المهدية ثم وصل اسطول يحيى بن العزيز صاحب بجاية لحصار المهدية ووصلت عساكره في البر مع قائده مطرف بن على بن(6/161)
حمدون الفقيه فصالح الحسن صاحب صقلية ووصل بدونه واستمد منه أسطوله واستمد الحسن اسطول رجار فأمده وارتحل مطرف إلى بلده وأقام الحسن مملكا بالمهدية وانتقض عليه رجار وعاد إلى الفتنة معه ولم يزل يردد إليه الغز والى ان استولى على المهدية قائد اسطوله جرجى بن مناسل سنة ثلاث وأربعين وخمسمائة ووصلها باسطوله في تلثمائة مركب وخاذلهم بأنهم انما جاؤا مددا له وكان عسكر الحسن قد توجه صريخا لمحرز بن زياد الفادعى صاحب على بن خراسان صاحب تونس فلم يجد صريخا فجلا عن
المهدية ورحل واتبعه الناس ودخل العدو إلى المدينة وتملكوها دون دفاع ووجد جرجى القصر كما هو لم يرفع منه الحسن الا ما خف وترك الذخائر الملوكية فأمن الناس وأبقاهم تحت إيالته ورد الفارين منه إلى أماكنهم وبعث اسطولا إلى صفاقس فملكها وأخذ إلى سوسه فملكها ايضا وأخذ إلى طرابلس كذلك واستولى رجار صاحب صقلية على بلاد الساحل كلها ووضع على أهلها الجزى وولى عليهم كما نذكره إلى ان استنقذهم من ملكة الكفر عبد المؤمن شيخ الموحدين وخليفة امامهم المهدى ولحق الحسن بن يحيى بعد استيلاء النصارى على المهدية بالعرب من رياح وكبيرهم محرز بن زياد الفادعى صاحب القلعة فلم يجد لديهم مصرخا وأراد الرحيل إلى مصر للحافظ عبد المجيد فأرصد له جرجى فارتحل إلى المغرب وأجاز إلى بونة وبها الحارث بن منصور وأخوه العزيز ثم توجه إلى قسنطينة وبها سبع بن العزيز أخو يحيى صاحب بجاية فبعث إليه من أجازه إلى الجزائر ونزل على ابن العزيز فأحسن نزله وجاوره إلى ان فتح الموحدون الجزائر سنة سبع وأربعين بعد تملكهم المغرب والاندلس فخرج إلى عبد المؤمن فلقاه تكرمة وقبولا ولحق به وصحبه إلى افريقية في غزاته الاولى ثم الثانية سنة سبع وخمسين فنازل المهدية وحاصرها أشهرا ثم افتتحها سنة خمس وخمسين وأسكن بها الحسن وأقطعه وحيش فأقام هنالك ثمانى سنين ثم استدعاه يوسف بن عبد المؤمن فارتحل بأهله يريد مراكش وهلك بتامسنا من طريقه باباررلو سنة ست وثلاثين والله وارث الارض ومن عليها وهو خير الوارثين ورب الخلائق أجمعين(6/162)
{ الخبر عن بنى خراسان من صنهاجة الثوار بتونس على آل باديس عند اضطراب افريقية بالعرب ومبدأ أمرهم ومصاير أحوالهم } لما تغلب العرب على القيروان وأسلم المعز وتحول إلى المهدية اضطرمت افريقية نارا واقتسمت العرب البلاد عمالات وامتنع كثير من البلاد على ملوك آل باديس مثل أهل
سوسة وصفاقس وقابس وصارت صاغية أهل افريقية إلى بنى حماد ملوك القلعة كما تقدم وانقطعت تونس عن ملك المعز ووفد مشيختها على الناصر بن علناس فولى عليهم عبد الحق بن عبد العزيز بن خراسان يقال انه من أهل تونس والاظهر انه من قبائل صنهاجة فقام بأمرهم وشاركهم في أمرهم وتردد إليهم وأحسن السيرة فيهم وصالح(6/163)
العرب أهل الضاحية على اتاوة معلومة لكف عاديتهم وزحف تميم بالمغرب من المهدية إلى سنة ثمان وخمسين في جموعه ومعه يبقى بن على أمير زغبة فحاصر تونس أربعة أشهر إلى أن صالحه ابن خراسان واستقام على طاعته فأفرج عنه ولم يزل قائما بأمره ابنه أحمد ابن عبد العزيز بن عبد الحق فضل عمه اسمعيل بن عبد الحق لمكان رسمه وقرابته أبو بكر إلى أن ببزرت فأقام بها خوفا على نفسه ونزع أحمد إلى التحلق بسير الملك والخروج عن سيرة المشيخة واشتدت وطأته وكان من مشاهير رؤساء بنى خراسان هؤلاء فاستبد بتونس لاول المائة السادسة وضبطها وبنى اسوارها وعامل العرب على اصلاح سابلتها فصلحت حاله وبنى قصور بنى خراساب وكان مجالسا للعلماء محبا فيهم ونازله على بن يحيى بن العزيز بن تميم سنة عشر وخمسمائة وضيق عليه ودافعه باسعاف غرضه فأفرج عنه ثم نازله عساكر العزيز بن منصور صاحب بجاية فعاد إلى طاعته سنة أربعة عشر ولم يزل واليا على تونس إلى ان نهض سنة ثنتين وعشرين مطرف بن على بن حمدون قائد يحيى ابن العزيز من بجاية في العساكر إلى افريقية وملك عامة امصارها فتغلب على تونس وأخرج أحمد بن عبد العزيز صاحبها ونقله إلى بجاية بأهله وولده وولى على تونس كرامة ابن المنصور عم يحيى بن العزيز فبقى واليا عليها إلى ان مات وولى عليها بعدها أخوه أبو الفتوح بن المنصور إلى ان مات وولى مكانه ابن ابنه محمد وساءت سيرته فعزل وولى مكانه عمه معد بن المنصور إلى ان استولى النصارى على المهدية وسواحلها ما بين سوسة وصفاقس وطرابلس سنة ثلاث وأربعين وصارت لصاحب صقلية وأخرج الحسن بن
على كما هو مذكور فأخذ أهل تونس في الاستعداد والحذر واستأسدوا لذلك على واليهم وانتشر بغاتهم وربما ثاروا بعض الايام عليه فقتلوا عبيده بمرأى منه واعتدوا عليه في خاصته فبعث عنه أخوه يحيى من بجاية فركب البحر في الاسطول وترك نائبه العزيز بن دامال من وجوه صنهاجة فأقام بينهم وهم مستبدون عليه وكان بالمعلقة جوارهم محرز ابن زياد أمير بنى على من بطون رياح وقد تغلب عليها وكانت الحرب بينه وبين أهل تونس سجالا والتحم بينهما المصف وكان محرز يستمد عساكر صاحب المهدية على أهل تونس فتأتيه إلى ان غلب النصر على المهدية وحدثت الفتنة بينهم بالبلد فكان المصاف بين أهل باب السويقة وأهل باب الجزيرة وكانوا يرجعون في أمورهم إلى القاضى عبد المنعم ابن الامام أبى الحسن ولما غلب عبد المؤمن على بجاية وقسنطينة وهم العرب صدف ورجع إلى مراكش انتهت إليه شكوى الرعايا بافريقية مما نزل بهم من العرب فبعث ابنه عبد الله من بجاية إلى افريقية في عساكر الموحدين فنازل تونس سنة ثنتين وخمسين وامتنعت عليه ودخل معهم محرز بن زياد وقومه من العرب واجتمع جندهم وبرزوا(6/164)
للموحدين فأوقعوا بهم وأفرجوا عن تونس وهلك أميرها عبد الله بن خراسان خلال ذلك وولى مكانه على بن أحمد بن عبد العزيز خمسة أشهر وزحف عبد المؤمن إلى تونس وهو أميرها فانقادوا لطاعته كما نذكره في أخبار الموحدين ورحل على بن أحمد بن خراسان إلى مراكش بأهله وولده وهلك في طريقه سنة أربع وخمسين وأفرج محرز بن زياد عن المعلقة واجتمعت إليه قومه وبدا من العرب عن مدافعة الموحدين واجتمعوا بالقيروان وبلغ الخبر إلى عبد المؤمن وهو منصرف من غزاته إلى المغرب فبعث إليهم العساكر وأدركوهم بالقيروان فأوقعوا بهم واستلحموهم قتلا وسبيا وتقبض على محرز ابن زياد أميرهم فقتل وصلب شلوه بالقيروان والله يحكم ما يشاء لا معقب لحكمه وهو على كل شئ قدير
{ الخبر عن بنى الرند ملوك قفصة الثائرين بها عند التياث ملك آل باديس بالقيروان واضطرابه بفتنة العرب ومبدأ دولتهم ومصاير أمورهم } لما تغلب العرب على افريقية وانحل نظام الدولة الصنهاجية وارتحل المعز من القيروان إلى المهدبة وكان بقفصة عاملا لصنهاجة عبد الله بن محمد بن الرند وأصله من حرمة من بنى صدغيان وكان ابن نحيل هو من بنى مرين من مغراوة وكان مسكنهم بالجوليين من نفزاوة فضبط قفصة وقطع عنها عادية الفساد وصالح العرب على الاتاوة فصلحت(6/165)
السابلة واستقام الحال ثم استبد بأمره وخلع الامتثال من عنقه سنة خمس واربعين واستمر على ذلك وبايعته توزر وقفصة وسوس والحامة ونفزاوة وسائر أعمال قسنطينة فاستفحل أمره وعظم سلطانه ورفد عليه الشعراء والقصاد وكان معظما لاهل الدين إلى ان هلك سنة خمس وستين وولى من بعده ابنه المعتز وكنيته أبو عمر وانقاد إليه الناس فضبط الامور وجبى الاموال واصطنع الرجال وتغلب على نموده وجبل هوارة وسائر بلاد قصطبيلة وما إليها وحسنت سيرته إلى ان عمى وهلك في حياته ابنه تميم فعهد لابنه يحيى بن تميم وقام بالامر واستبد على حده ولم يزالوا بخير حال إلى ان نازلهم عبد المؤمن سنة أربع وخمسين فمنعهم من الامر ونقلهم إلى بجاية فمات المعتز بها سنة سبع وخمسين لمائة وأربع عشرة من عمره وقيل لسبعين ومات بعده بيسير حافده يحيى بن تميم وولى عبد المؤمن على قفصة نعمان بن عبد الحق المنتاتى ثم عزله بعد سلان بميمون ابن أجانا الكنسيفى ثم عزله بعمران بن موسى الصنهاجى وأساء الرعية فبعثوا عن على بن العزيز ابن المعتز من بجاية وكان بها في مضيعة يحترف بالخياطة فقدم عليهم وثاروا بعمران ابن موسى عامل الموحدين فقتلوه وقدموا على بن العزيز فساس ملكه وحاط رعيته وأغزاه يوسف بن عبد المؤمن سنة ثلاث وستين أخاه السيد أبا زكريا فحاصره وضيق عليه وأخذه وأشخصه إلى مراكش بأهله وماله واستعمله على الاشغال بمدينة سلا إلى
أن هلك وفنيت دولة بنى الرند والبقاء لله وحده اه { الخبر عن جامع الهلاليين امراء قابس لعهد الصنهاجيين وما كان لتميم بها من الملك والدولة وذلك عند فتنة العرب بافريقية } ولما دخلت العرب إلى افريقية وغلبوا المعز على الضواحى ونازلوه بالقيروان وكان الوالى بفاس المعز بن محمد ولموية الصنهاجى وكان أخوه ابراهيم وماضي بالقيروان قائدين للمعز على جيوشه فعزلهما ولحقا مغاضبين بمؤنس بن يحيى وكان ذلك أول تملك العرب ثم أقام ابراهيم منهم واليا بقابس ولحق المعز بن محمد بمؤنس فكان معه إلى ان هلك ابراهيم وولى مكانه أخوه ماضى وكان سيئ السيرة فقتله أهل قابس وذلك لعهد عيم بن المعز بن باديس وبعثوا إلى عمر أخى السلطان إلى طاعة العرب فوليها بكر بن كامل بن جامع أمير المناقشة من دهمان من بنى على احدى بطون رياح فقام بأمرها واستبد على(6/166)
صنهاجة ولحق به مثنى بن تميم بن المعز نازعا عن أبيه فأجابه ونازل معه المهدية حتى امتنعت عليه واطلع على قبائح شتى فأفرج عنها ولم يزل كذا على حاله في اجابة قابس وامارة قومه دهمان إلى أن هلك وقام بأمره بعده رافع واستفحل بها ملكه وهو الذى اختط بحر العروسيين من مصانع الملك بها واسمه مكتوب لهذا العهد في جدرانها ولما ولى على بن يحيى على اسطول النصارى ثم ذوى قبائل العرب والاساطيل وزحف إلى قابس سنة احدى عشر وأربعمائة قال ابن أبى الصلت دول الثلاثة الاخماس من قبائل العرب الذين هم سعيد ومحمد ولحسة واضاف إليهم من الخمس الرابع أكابر بنى مقدم فامن كان منهم بفحص القيروان وفر رافع إلى القيروان وامتنع عليه أهلها ثم امتنع شيوخ دهمان واقتسموا البلاد وعينوا القيروان لرافع وأمكنوه وبعث على بن يحيى عساكره والعرب المدونة على منازلة رافع بالقيروان وخرج إلى محاربتهم فهلك بالطريق في بعض حروبه مع أشياع رافع ثم أن ميمون بن زياد الصخرى حمل رافع بن مكن على مسالمة
السلطان وسعى في اصلاح ذات بينهما فانصلح وارتفعت بينهما الفتنة وقام بقابس من ذلك رشيد بن كامل قال ابن بجيل وهو الذى اختط قصر العروسيين وضرب السكة الرشيدية وولى بعده ابنه محمد بن رشيد وغلب عليه مولاه يوسف ثم خرج محمد في بعض وجوهه وترك ابنه مع يوسف فطرده يوسف واستبد وانتهى إلى طاعة رجار فثار به أهل قابس ودفعوه عنهم فخرج إلى أخيه ولحق أخوه عيسى بن رشيد وأخبره الخبر فحاصرهم رجار بسبب ذلك مدة من الايام وكان آخر من ملكها من بنى جامع أخوه مدافع بن رشيد بن كامل ولما استولى عبد المؤمن على المهدية وصفاقس وطرابلس بعث ابنه عبد الله بعسكر إلى قابس ففر مدافع بن رشيد عن قابس وأسلمها للموحدين ولحق بعرب طرابلس من عرب فأجاروه سنتين ثم لحق بعبد المؤمن بقابس فأكرمه ورضى عنه وانقرض من بنى جامع من يؤانس والبقاء لله وحده اه(6/167)
{ الخبر عن ثورة رافع بن مكن بن مطروح بطرابلس والعرامي بصفاقس على النصارى واخراجهم واستبدادهم بأمر يلدهم في آخر دولة بنى باديس } أما طرابلس فكان رجار صاحب صقلية لعنه الله قد استولى عليها سنة أربعين وخمسمائة على يد قائده جرجى بن مخاييل الانطاكي وأبقى المسلمين بها واستعمل عليهم وبقيت في مملكة النصارى أياسا ثم ان أبا يحيى بن مطروح من أعيان البلد مشى في وجوه الناس وأعيانهم وداخلهم في الفتك بالنصارى فاجتمعوا لذلك وثاروا بهم وأحرقوهم بالنار ولما وصل عبد المؤمن إلى المهدية وافتتحها سنة خمس وخمسين وفد عليه أبو يحيى بن مطروح ووجوه أهل طرابلس فأوسعهم برا وتكرمة وقدم ابن مطروح المذكور وردهم إلى بلدهم فلم يزل عليهم إلى ان هرم وعجز بعد يوسف بن عبد المؤمن وطلب الحج فسرحه السيد أبو زيرى بن أبى حفص محمد بن عبد المؤمن عامل تونس فارتحل في البحر سنة ست وثمانين واستقر بالاسكندرية وأما صفاقس فكانت ولاتها أيام بنى باديس من
صنهاجة قبيلهم إلى أن ولى المعز بن باديس عليها منصور البرغواطى من صنائعه وكان فارسا مقداما فحدث نفسه بالثورة أيام تغلب العرب على افريقية وخروج المعز إلى المهدية ففتك به ابن عمه حمو بن مليل البرغواطى وقتله في الحمام غدرا وامتعض له حلفاؤه من العرب وحاصروا حمو حتى بذل لهم من المال ما رضوا به واستبد حمو بن مليل بأمر صفاقس حتى إذا هلك المعز حدثته نفسه بالتغلب على المهدية فزحف إليها في جموعه من العرب ولقيه تميم فانهزم حمو وأصحابه سنة خمس وخمسين ثم بعث ابنه يحيى مع العرب لحصار صفاقس فحاصرها مدة وأقلع عنها وزحف إليه تميم بن المعز سنة ثلاث(6/168)
وتسعين فغلبه عليها ولحق حمو لمكن بن كامل أمير قابس فأجاره وصارت صفاقس إلى ملكة تميم ووليها ابنه ولما تغلب النصارى على المهدية وملكها جرجى بن ميخاييل قائد رجار سنة ثلاث وأربعين فغلبوا بعدها على صفاقس وأنفوا أهلها واستعملوا عمر بن ابى الحسسن القربانى لمكانه فيهم وحملوا أباه أبا الحسن معهم إلى صقلية رهنا وكان ذلك مذهب رجار ودينه فيما ملك من سواحل افريقية يبقيهم ويستعمل عليهم منهم ويذهب إلى العدل فيهم فبقى عمر بن أبى الحسن عاملا لهم في أهل بلده وأبوه عندهم ثم ان النصارى الساكنين بصفاقس امتدت أيديهم إلى المسلمين ولحقوا بالضرر وبلغ الخبر أبا الحسن وهو بمكانه من صقلية فكتب إلى ابنه عمر وأمره بانتهاز الفرصة فيهم والاستسلام إلى الله في حق المسلمين فثار بهم عمر لوقته سنة احدى وخمسين وقتلهم وقتل النصارى أباه أبا الحسن وانتقضت عليهم بسبب ذلك سائر السواحل ولما افتتح عبد المؤمن المهدية من يد رجار وصل إليه عمر وأدى طاعته فولاه صفاقس ولم يزل واليا عليها وابنه عبد الرحمن من بعده إلى ان تغلب يحيى بن غانية فرغبه في الحج فسرحه ولم بعد { الخبر عما كان بافريقية من الثوار عن صنهاجة عند اضطرابها بفتنة العرب إلى ان محا أثرهم الموحدون }
لما كان أبو رجاء اللخمى عند اضطرام نار الفتنة بالعرب وتقويض المعز عن القيروان إلى المهدية وتغلبهم عليها قد ضم إليه جماعة من الدعار وكان ساكنا بقلعة قرسبنة من جبل شعيب فكان يضرب على النواحى بجهة بنزرت فريقان احدهما من لخم وهو قوم الورد وبقوا فوضى واختلف أمرهم فبعثوا إلى الورد في أن يقوم بأمرهم فوصل إلى بلدهم فاجتمعوا عليه وأدخلوه حصن بنزرت وقدموه على أنفسهم فحاطهم من العرب ودفع عن نواحيهم وكان بنو مقدم من الاثبج ودهمان من بنى احدى بطون رياح هم المتغلبون على ضاحيتهم فهادنهم على الاتاوة وكف بها عاديتهم واستفحل أمرهم وسمى بالامير وشيد المصانع والمباني وكثر عمران سدون إلى أن هلك فقام بأمره ابنه طراد وكان شهما وكانت العرب تهابه وهلك فولى من بعده ابنه محمد بن طراد وقتله أخوه مقرن لشهر من ولايته في مسامرة وقام بأمر بنزرت وسمى بالامير وحمى حوزته من العرب واصطنع الرجال وعظم سلطانه وقصده الشعراء وامتدحوه فوصلهم وهلك فولى من بعده ابنه عبد العزيز عشر سنين وجرى فيها على سنن أبيه وجده ثم ولى من بعده أخوه موسى على سننهم أربع سنين ثم من بعده أخوهما عيسى واقتفى أثرهم ولما نازل عبد الله بن عبد المؤمن تونس وأفرج عنه مر به في طريقه فاستفرغ جهده في قراه وتجمع بطاعته وطلب منه الحافظ بلده فأسعفه وولى(6/169)
عليهم أبا الحسن الهرغى فلما قدم عبد المؤمن على افريقية سنة أربع وخمسين راعى له ذلك وأقطعه واندرج في جملة الناس وكان بقلعة ورغة بدوكس بن أبى على الصنهاجى من أولياء العزيز المنصور صاحب بجاية والقلعة قد شادها وحصنها وكان مبدا أمره ان العزيز تغير عليه في حروب وقعت بينه وبين العرب نسب فيها إلى نفسه الاقدام والى السلطان العجز فخافه على نفسه ولحق ببجاية فأكرمه شيخها محمود بن نزال الريغى وآواه وترافع إلى محمود أهل ورغة من عمله وكانوا فئتين مختلفتين من زاتيمه احدى
قبائل البربر وهما أولاد مدنى وأولاد لاحق فبعث عليهم عد وسكن بن أبى على لينظر في أحوالهم وأقام معهم بالقلعة ثم استجلب بعض الدعار كانوا بناحيتها وأنزلهم بالقلعة معهم واصطنعهم وظاهر أولاد مدنى وظاهرهم على أولاد لاحق وأخرجهم من القلعة واستبد بها وقصدته الرجال من كل جانب إلى ان اجتمعت له خمسمائة فارس وأثخن في نواحيه وحارب بنى الورد ببنزرت وابن علان بطبربة وقتل محمد بن سباع أمير بنى سعيد من رياح وغصت القلعة بالساكن فاتخذ لها ربضا وجهز إليه العزيز عسكره من بجاية فبارز قائد العسكر وفتك به واسمه غيلاس وهلك بعد مدة وقام بأمره ابنه منيع ونازله بنو سباع وسعيد طالبين بثار أخيهما محمد وتمادى به الحصار وضاقت أحواله فاقتحموا عليه القلعة واستلحم هو وأهل بيته قتلا وسبيا والله مالك الامور وكان أيضا بطبربة مدافع بن علان القيسي شيخ من شيوخها فلما اضطربت افريقية عند دخول العرب إليها امتنع بطبربة وحصن قلعتها واستبد بها في جملة من ولده وبنى عمه وجماعته إلى أن ثار عليه ابن بيزون اللخمى في البحرين على واد بحرده بازاء الرياحين وطالت بينهما الفتنة والحرب وكان قهرون بن مخنوس بمنزل دحمون قد بنى حصنه وشيده وجمع إليه جيشا من أوباش القبائل وذلك لما أخرجه أهل تونس بعد ان ولاه العامة عليهم ثم صرفوه عن ولايتهم لسوء سيرته فخرج من البلد ونزل دحمون وبنى حصنا بنفسه مع الحنايا وردد الغارة على تونس وعاث في جهاتها فرغبوا من محرز بن زياد أن يظاهرهم عليه ففعل وبلغ خبره ابن علان صاحب طبرية فوصل ابن علال يده بصهر منه ونقله إلى بعض الحصون ببلده وهى قلعة عنوش وتظافروا على الافساد وخلفهما بنوهما من بعدهما إلى أن وصل عبد المؤمن إلى افريقية سنة أربع وخمسين فمحا آثار الفساد من جانب افريقية وكان أيضا حماد بن خليفة اللخمى بمنزل رقطون من اقليم زغوان على مثل حال ابن علال مر بن غنوش وابن يبزون وخلفه ولده في مثل ذلك إلى ان انقطع ذلك على يد عبد المؤمن وكب عماد بن نصر الله الكلاعى بقلعة شغضبارية قد صار إليه جند
من أهل الدعارة وأوباش القبائفل فحلها من العرب واستغاث به ابن قليه شيخ الاريس(6/170)
من العرب وسوء ملكتهم فزحف إليهم وأخرجهم من الاريس وفرض عليهم مالا يؤدونه إليه إلى ان مات وولى ابنه من بعده فجرى على سننه إلى ان دخل في طاعة عبد المؤمن سنة أربع وخمسين وخمسمائه والله مالك الملك لا رب غيره سبحانه اه { الخبر عن دولة آل حماد بالقلعة من ملوك صنهاجة الداعين لخلافة العبيديين وما كان لهم من الملك والسلطان بافريقية والمغرب الاوسط إلى حين انقراضه بالموحدين } هذه الدولة شعبة من دولة آل زيرى وكان المنصور بلكين قد عقد لاخيه حماد على أشيرو المسيلة وكان يتداولها مع أخيه يطوفت وعمه أبى البهار ثم استقل بها سنة سبع وثمانين أيام باديس من أخيه المنصور ودفعه لحرب زناتة سنة خمس وتسعين بالمغرب الاوسط من مغرواة وبنى يفرن وشرط له ولاية أشير والمغرب الاوسط وكل بلد يفتحه وأن لا يستقدمه فعظم عناؤه فيها وأثخن في زناتة وكان مظفرا عليهم واختط مدينة القلعة بجبل كتامة سنة ثمان وتسعين وهو جبل عجيسة وبه لهذا العهد قبائل عياض من عرب هلال ونقل إليها أهل المسيلة وأهل حمزة وخربهما ونقل جراوة من المغرب وأنزلهم بها وتم بناؤها وتمصرها على رأس المائة الرابعة وشيد من بنيانها واسوارها واستكثر فيها من المساجد والفنادق فاستبحرت في العمارة واتسعت في التمدن ورحل إليها من الثغور والقاصية والبلدء البعيد طلاب العلوم وأرباب الصنائع لنفاق اسواق المعارف والحرف والصنائع بها ولم يزل حماد أيام باديس هذا أميرا على الزاب والمغرب الاوسط ومتوليا حروب زناتة وكان نزوله ببلد أشير والقلعة مناقما لملوك زناتة واجيالهم البادية بضواحي تلمسان وتاهرت وحاربه بنو زيرى عند خروجهم على باديس سنى تسعين وثلثمائة وهم راوي وماسكن واخوانهما فقتل ما سكن وابناه وألجأ راوي
واخوته إلى جبل شنوه وأجازهم البحر إلى الاندلس ثم ان بطانة باديس ومن إليه من الاعجام والقرابة نفسوا على حماد رتبته وسعوا في مكانه من باديس إلى ان فسد ذات بينهما وطلب باديس أن يسلم عمل يتحست وقسنطينة لولده المعز لما قلده الحاكم ولاية عهد ابنه فأبى حماد وخالف دعوة باديس وقتل الرافضة وأظهر السنة ورضى عن الشيخين ونبذ طاعة العبيديين جملة وراجع دعوة آل العباس وذلك سنة خمس وأربعمائة وزحف إلى باجة فدخلها بالسيف ودس إلى أهل تونس الثورة على المشارقة والرافضة فبادوا لهم فناصبه باديس الحرب وعبى عساكره من القيروان وخرج الفيئة فنزع عن حماد أكثر أصحابه مثل بنى أبى واليل أصحاب معرة من زنانه وبنى حسن كبار صنهاجة وبنى يطوفت من زناتة وبنى عمرة أيضا منهم وفر حماد وملك باديس(6/171)
أشير ولحق حماد بشلف بنى واليل وباديس في اتباعه حتى نزل مواطين فحصر السرسوا من بلاد زناتة ونزل إليه عطية بن داقلتن في قومه من بنى توين لما كان حماد قتل أباه وجاء على أثره ابن عمه بدر بن لقمان من المعتز فوصلهما باديس واستظهر بهما على حماد ثم أجاز إليه باديس وادى شلف وناجزه الحرب ونزع إليه عامة اهل معسكره فانهزم وأغذ السير إلى القلعة وباديس في أثره حتى نزل فحاصر المسيلة وانحجر حماد في القلعة وحاصره ثم هلك بمعسكره من ذلك الحصار فجأة بصرية وهو نائم بين أصحابه آخر ست وأربعمائة فباعت صنهاجة لابنه المعز صبيا ابن ثمان سنين وتلاقوا من أشير وبعثوا كرامة بن منصور لسدها فلم يقدر واقتحمها عليه حماد واحتملوا باديس على أعواده إلى مدفنهم بالقيروان وبايعوا المعز بالبيعة التامة وزحف إلى حماد بناحية قفصة وأشفق حماد فبعث ابنه القائد لاحكام الصلح بينه وبين المعز فوصل إلى القيروان سنة ثمان وأربعمائة بهدية جليلة وأمضى له المعز ما سأله من الصلح ورجع إلى ابيه وهلك حماد سنة تسعة عشر وأربعمائة فقام بأمره ابنه القائد وكان حمارا فاختار أخوه
يوسف على المغرب وريعلان على حمزة بلدا حيطة حمزة بن ادريس وزحف إليه حمامة بن زيرى بن عطية ملك قفاس من مغراوة سنة ثلاثين فخرج إليه القائد وسرب الاموال في زناتة وأحس بذلك حمامة فصالحه ودخل في طاعته ورجع إلى فاس وزحف إليه المعز من القيروان سنة أربع وثلاثين وحاصره مدة طويلة ثم صالحه القائد وانصرف إلى أشير فحاصرها ثم أقلع عنها وانكفأ راجعا وراجع القائد طاعة العبيديين لما نقم عليه المعز ولقبوه شرف الدولة وهلك سنة ست وأربعين وولى ابنه محسن وكان جبارا وخرج عليه عمه يوسف ولحق بالمغرب فقتل سائر أولاد حماد وبعث محسن في طلبه بلكين ابن عمه محمد بن حماد وأصحبه من العرب خليفة بن بكير وعطية الشريف وأمرهما بقتل بلكين في طريقهما فأخبرا بلكين بذلك وتعاهدوا جميعا على قتل محسن ونذر بهم ففر إلى القلعة وأدركوه فقتله بلكين لتسعة أشهر من ولايته وولى الامر سنة سبع وثلاثين وكان شهما قرما حازما سفاكا للدماء وقتل وزير محسن الذى تولى قتله وفى أيامه قتل جعفر بن أبى رماز مقدم بسكرة لما أحس بنكثه فحالف أهل بسكرة باثر ذلك حسبما نذكره ثم مات أخوه مقاتل بن محمد فاتهم به زوجته ناميرت بنت عمه علناس بن حماد فقتلها وأحفظ ذلك أخاها الناصر وطوى على التبييت وكان بلكين كثيرا ما يردد الغزو إلى المغرب وبلغه استيلاء يوسف بن تاشفين والمرابطين على المصامدة فنهض نحوهم سنة أربع وخمسين وفر المرابطون إلى الصحراء وتوغل بلكين في ديار المغرب ونزل بفاس واحتمل من أكابر أهلها وأشرافهم رهنا على الطاعة وانكفأ(6/172)
راجعا إلى القلعة فانتهز منه الناصر ابن عمه الفرصة في الثار بأخته ومالاه قومه من صنهاجة لما لحقهم من تكلف المشقة بابعاد الغزو والتوغل في أرض العدو فقتله بتسالة سنة أربع وخمسين وقام بالامر من بعده واستوزر أبا بكر بن أبى الفتوح وعقد على المغرب لاخيه كباب وأنزله بلبا وعلى حمزة لاخيه ورمان وعلى تعارس لاخيه خزر وكان
المعز قد هدم سورها فأصلحه الناصر وعقد على قسنطينة لاخيه بلباز وعلى الجزائر وسوس الدحاج لابنه عبد الله وعلى أشير لابنه يوسف وكتب إليه حمو بن مليل البرغواطى من صفاقس بالطاعة وبعث إليه بالهدية ووفد عليه أهل قسنطينة ومقدمهم يحيى بن واطاس فاعلنوا بطاعته وأجزل صلتهم وردهم إلى أماكنهم وعقد عليها اليوسف ابن خلوف من صنهاجة ودخل أهل القيروان أيضا في طاعته وكذلك أهل تونس وكان أهل بسكرة لما قتل بلكين مقدمهم جعفر بن أبى رماز خلعوا طاعة آل حماد واستبدوا بأمر بلدهم وعليهم بنو جعفر فسرح الناصر إليهم خلف بن حيدرة وزيره ووزير بلكين قبله فنازلها وافتتحها عنوة واحتمل بنى جعفر في جماعة من رؤسائها إلى القلعة فقتلهم الناصر وصلبهم ثم قتل خلف بن أبى حيدرة بسعاية رجالات صنهاجة فيه انه لما بلغه خبر بلكين أراد تولية أخيه معمر وشاورهم فيذلك فقتله الناصر وولى مكانه أحمد بن جعفر ابن أفلح ثم خرج الناصر ليتفقد المغرب فوثب على بن ركان على تافر بوست دار ملكهم وكان لما قتل بلكين هرب إلى اخوانه من عجيسة واهتبوا الغرة في تافر بوست لغيبة الناصر فطرقوها ليلا وملكها على فرجع الناصر من المسيلة وعاجلهم فسقط في أيديهم وافتتحها عليهم عنوة وذبح على بن ركان نفسه بيده ثم وقعت بين العرب الهلاليين فتن وحروب ووفد عليه رجالات الاثبج صريخا به على رياح فأجابهم ونهض إلى مظاهرتهم في جموعه من صنهاجة وزناتة حتى نزل للاريس وتواقعوا بسببه فغدرت بهم زناتة وجروا عليه وعلى قومه الهزيمة بدسيسة ابن المعز بن زيرى بن عطية وإغراء تميم ابن المعز فانهرم الناصر واستباحوا حرابته ومضاربه وقتل أخوه القاسم وكاتبه ونجا إلى قسنطينة في اتباعه ثم لحق بالقلعة في فل وعسكره لم يبلغوا كاس وبعث وزيره ابن أبى الفتوح للاصلاح فعقد بينهم وبينه صلحا وتممه الناصر ثم وفد عليه رسول تميم وسعى عنده بالوزير بن أبى الفتوح وانه مائل إلى تميم فنكسه وقتله وكان المستنصر بن حزرون الزناتى خرج في أيام الفتنة بين الترك والمغاربة بمصر ووصل إلى طرابلس فوجد بنى
عدى بها قد أخرجهم الاثبج وزغبة من افريقية كما ذكرناه فرغبهم في بلاد المغرب وسار بهم حتى نزل المسيلة ودخلوا أشير وخرج إليه الناصر ففر إلى الصحراء ورجع فرجع إلى مكانه من الافساد فراسله الناصر في الصلح فأسعفه وأقطعه ضواحي الزاب وريغه(6/173)
واوعز إلى عروس بن هندي رئيس بسكرة لعهده وولى دولته أن يمكر به فوصل المنتصر إلى بسكرة وخرج إليه عروس بن هندي وأحمد نزله وأشار على حشمه عند انكباب المنتصر وذوبه على الطعام فبادروا مكبين لطعنه وفر اتباعه وأخذوا رأسه وبعث به إلى الناصر فنصبه ببجاية وصلب شلوه بالقلعة وجعلوه عظة لغيره وقتل كثير من رؤساء زناتة فمن مغراوة أبى الفتوح بن حنوش أمير بنى يستجلس وكانت له بلد المهدية والمرية قبيل من بطون صنهاجة سميت البلد بهم وقتل معنصر بن حماد منهم أيضا وكان يناحية شلف فأجلب على عامل مليانه وقتل شيوخ بنى وريسفان من مغراوة فكاتبهم السلطان لما كان مشتغلا عنهم بشأن العرب فزحفوا إلى معنصر وقتلوه وبعثوا برأسه إلى الناصر فنصبه مع رأس المنتصر وبعث إليه أهل الزاب أن عمر ومغراوة ظاهروا الاثبج من العرب على بلادهم فبعث ابنه المنصور في العساكر ونرل وعلان بلد المنتصر بن خريرون وهدمها وبعث سراياه وجيوشه إلى بلد واركلا وولى عليها وقفل بالغنائم والسبي وبلغه عن بنى توجين من زناتة انهم ظاهروا بنى عدى من العرب على الفساد وقطع السبيل وأميرهم إذ ذاك مناد بن عبد الله فبعث ابنه المنصور إليهم بالعسكر وتقبض على أمير بنى توجين وأخيه زيرى وعمهما الاغلب وحمامة وأحضرهم فوبخهم وقدر عليهم فغلبه في اجارتهم من أولاد القاسم رؤساء بنى عبد الواد وقتلهم جميعا على الخلاف وفى سنة ستين افتتح جبل بجاية وكان له قبيل من البربر يسمون بهذا الاسم الا أن الكاف فيهم بلغتهم ليست كافا بل هي بين الجيم والكاف وعلى هذا القبيل من صنهاجة يأتون لهذا العهد أوزاعا في البربر فلما افتتح هذا الجبل اختط به المدينة وسماها الناصرية وتسمى
عند الناس باسم وهى بجاية وبنى بها قصر اللؤلؤة وكان من أعجب قصور الدنيا ونقل إليها الناس وأسقط الخراج عن ساكنيها وانتقل إليها سنة احدى وستين وفى أيام الناصر هذا كان استفحال ملكهم وشفوفه على ملك بنى باديس اخوانهم بالمهدية ولما أصرع منه الدهر بفتنة العرب الهلاليين حتى اضطرب عليهم أمرهم وكثر الثوار عليهم والمنازعون من أهل دولتهم فاعتز آل حماد هؤلاء أيام الناصر هذا وعظم شأن ايامهم فبنى المباني العجيبة المؤنقة وشيد المدائن العظيمة وردد الغزو إلى المغرب وتوغل فيهم ثم هلك سنة احدى وثمانين وقام بالامر من بعده ابنه المنصور بن الناصر ونزل بجاية سنة ثلاث وثمانين وأوطنها بعساكر وخاصة بعراعر منازل الغرب وما كانوا يسومونهم بالقلعة من حصة الخسف وسوء العذاب بوطئ ساحتها والعيث في نواحيها وتخطف الناس من حولها لسهولة طرقها على رواحلهم وصعوبة المسالك عليها في الطريق إلى بجاية لمكان الاوعار فاتخذ بجاية هذه معقلا وصيرها دار الملكه وجدد قصورها وشيد(6/174)
جامعها وكان المنصور هذا جماعة مولعا بالنساء وهو الذى حضر ملك بنى حماد وتأنق في اختطاط المباني وتشييد المصانع واتخاذ القصور واجراء المياه في الرياض والبساتين فبنى في القلعة قصر الملك والمنار والكوكب وقصر الشأم وفى بجاية قصر اللؤلؤة وقصر أميميون وكان أخوه يلباز على قسنطينة منذ عهد الناصر إليها وهم بالاستبداد لاول ولاية المنصور فسرح إليه أبا يكنى بن محصن بن العابد في العساكر وعقد له على قسنطينة وبونة فتقبض على بلباز وأشخصه إلى القلعة وأقام واليا على قسنطينة سنة سبع وثمانين وبعث أخاه ابن موتة إلى تميم بن المعز بالمهدية واستدعاه لولاية بونة فبعث معه ابنه أبا الفتوح بن تميم ونزل بونة مع ريغلان وكاتبوا المرابطين بالمغرب الاقصى وجمعوا العرب على أمرهم وسرح المنصور فاعتقله بالقلعة ثم نازلت عساكره قسنطينة واضطرب أحوال ابن أبى يكنى فخرج إلى قلعة بجبل أو رأس وتحصن بها ونزل
بقسنطينة صليصل بن الاحمر من رجالات الاثبج وداخل صليصل المنصور في أريكته من قسنطينة على مال يبذله ففعل واستولى عليها المنصور وأقام أبو يكنى بحصنه من أوراس وردد الغارة على قسنطينة فتوجهت إليه العساكر وحاصروه بقلعته ثم اقتحموها عليه وقتلوه وكان بنور مانو من زناتة حيا جميعا وقوما أعزه وكانت إليهم رياسة زناتة وكان رئيسهم لعهده ماخوخ وكان بينهم وبين آل حماد صهر فكانت احدى بناتهم زوجة للناصر وكانت أخرى عند المنصور ولما تجددت الفتنة بينه وبين قومهما أغزاهم المنصور بنفسه في جموع صنهاجة وحشوده وجمع له ماخوخ ولقيه في زناتة فانهزم المنصور إلى بجاية فقتل أخت ماخوخ التى كانت تحته واستحكمت النفرة بين ماخوخ وبينه وصار إلى ولاية امراء تلمسان من لمتونة وحرضهم على بلاد صنهاجة فكان ذلك مما دعا المنصور إلى النهوض إلى تلمسان وذلك أن يوسف بن تاشفين لما ملك المغرب واستفحل به أمره سما إلى ملك تلمسان فغلب عليها أولاد يعلى سنة أربع وسبعين على ما يأتي ذكره وأنزلها محمد بن سعمر المسولى وصيرها لعز الملك فاصطنع بأمرها ونازل بلاد صنهاجة وثغورهم فزحف إليه المنصور وأخرب ثغوره وحصون ماخوخ وضيق عليه فبعث إليه يوسف بن تاشفين وصالحه وقبض أيدى المرابطين عن بلاد صنهاجة ثم يلاوذ المرابطين إلى شأنهم في بلاده فبعث ابنه الامير عبد الله وسمع به المرابطون فانقبضوا عن بلاده وزحفوا إلى مراكش واحتل هو بالمغرب الاوسط فشن الغارة في بلاد بنى ومابو وحاصر الجعبات وفتحوها ثم قراب كذلك وعفا عن أهلها ورجع إلى أبيه ثم وقعت الفتنة بينه وبين ماخوخ وقتل أخوه ولحق ابن ماخوخ بتلمسان وظاهره ابن سعمر صاحب تلمسان على أمره واجتلبوا(6/175)
على الجزائر فنازلوها يومين فاعقبهما محمد بن سعمر صاحب تلمسان وولى يوسف بن تاشفين مكان أخيه تاشفين بن سعمر فنهض إلى أشيروا فتتحها فقام المنصور في ركائبه ومعه
كافة صنهاجة ومن العرب أحياء الاثبج وزغبة وربيعة وهم العقل من زناتة أمما كثيرة ونهض إلى غزو تلمسان سنة ست وسبعين في نحو عشرين ألفا ولقى اسطقسه وبعث العسكر في مقدمته وجاء على أثرهم وكان تاشفين قد أفرج من تلمسان وخرج إلى تسأله ولقيته عساكر المنصور فهزموه ولجأ إلى جبل الصخرة وعاثت عساكر المنصور في تلمسان فخرجت إليه وأكرم بوصلتها وأفرج عنهم صبيحة يومه وانكفا راجعا إلى حضرته بالقلعة وأثحن بعدها في زناتة وشردهم بنواحي الزاب والمغرب الاوسط ورجع إلى بجاية وأثخن في نواحيها ودوخت عساكره قبائلها فساروا في جبالها المنيعة مثل بنى عمران وبنى تازروت والمنصورية والصهريج والناظور وحجر المعرق وقد كان اسلافه يرمون كثيرا عنها فتمتنع عليهم فاستقام أمره واستفحل ملكه وقدم عليه معز الدولة ابن صمارح من المرية فارا أمام المرابطين لما ملكوا الاندلس فنزل على المنصور وأقطعه بداس وأنزله بها وهلك سنة ثمان وتسعين فولى من بعده ابنه باديس فكان شديد البأس عظيم النظر فنكب عبد الكريم بن سليمان وزير أبيه لاول ولايته وخرج من القلعة إلى بجاية فنكب سهاما عامل بجاية وهلك قبل أن يستكمل سنة وولى من بعده أخوه العزيز وقد كان عزله عن الجزائر وغربه إلى حتحل فبعث عنه القائد على بن حمدون فوصل وبايعوه وصالح زناتة وأصهر إلى ماخوخ فأنكحه ابنته وطال أمر ملكه وكانت أيامه هدنة وأمنا وكان العلماء يتناظرون في مجلسه ونازلت أساطيله جربة فنزلوا على حكمه وأخذوا بطاعته ونازل تونس وصالحه صاحبها أحمد بن عبد العزيز وأخذ بطاعته وكبس العرب في أيامه القلعة وهم غارون فاكتسحوا جميع ما وجدوه بظواهرها وعظم عيثهم وقاتلتهم الحامية فغلبوهم وأخرجوهم من البلد ثم ارتحل العرب وبلغ الخبر إلى العزيز فبعث ابنه يحيى وقائده على بن حمدون من بجاية في عسكر وتعبية فصل إلى القلعة وسكن الاحوال وقد أمن العرب واستعتبوا فأعتبوا والكفا يحيى راجعا إلى بجاية في عسكره على عهد العزيز وهكذا كان وصول مهدى الموحدين إلى بجاية فافلا
إلى المشرق سنة ثنتى عشرة وغير بها المنكر فسعى به عند العزيز وائتمر به فحرج إلى بنى وريا كل من صنهاجة كانوا ساكنين بوادي بجاية فأجاروه ونزل عليهم بملالة وأقام بها يدرس العلم وطلبه العزيز فمنعوه وقاتلوا دونه إلى أن رحل عنهم إلى المغرب وهلك العزيز سنة خمس عشرة وأربعمائة فولى من بعده ابنه يحيى وطالت أيامه مستضعفا مغلبا للنساء مولعا بالصيد على حين انقراض الدولة وذهاب الايام بقبائل صنهاجة(6/176)
واستحدث السكة ولم يحدثها أحد من قومه أدبا مع خلفائهم العبيديين وبعث ابن حماد وان سكته في الدينار كانت ثلاثة سطور ودائرة في كل وجه فدائرة الوجه الواحد واتقوا يوما ترجعون فيه إلى الله ثم توفى كل نفس ما كسبت وهم لا يظلمون والسطور لا اله الا الله محمد رسول الله يعتصم بحبل الله يحيى بن العزيز بالله الامير المنصور ودائرة الوجه الآخر بسم الله الرحمن الرحيم ضرب هذا الدينار بالناصرية سنة ثلاث وأربعين وخمسمائة وفى سطوره الامام أبو عبد الله المقتفى لامر الله أمير المؤمنين العباسي ووصل سنة ثلاث وأربعين إلى القلعة لافتقادها ونقل ما بقى بها وانتقض عليه بنو زر ابن مروان فجهز إليه الفقيه مطرف بن على بن حمدون في العساكر فافتتحها عنوة وتقبض على ابن مروان وأوصله إليه فسجنه بالجزائر إلى أن هلك في معتقله وقيل قتله وبعث مطرف بابنه إلى تونس فافتتحها ونازل في وجهته هذه المهدية فامتنعت عليه ورجع إلى بجاية وتغلب النصارى على المهدية وقصده الحسن صاحبها فأجازه إلى الجزائر وأنزله بها مع أخيه القائد حتى إذا زحف الموحدون إلى بجاية وفر القائد من الجزائر وأسلمها قدموا الحسن على أنفسهم ولى عبد المؤمن فأمنهم وأخزج يحيى بن العزيز أخاه سبع للقاء الموحدين فانهزم وملك الموحدون بجاية وركب يحيى البحر إلى صقلية يروم الاجازة منها إلى بغداد ثم عدل إلى بونة فنزل على أخيه الحارث ونكر عليه سوء صنيعه واخراجه عن البلاد فارتحل عنه إلى
قسنطينة فنزل على أخيه الحسن فتخلى له عن الامر وفى خلال ذلك دخل الموحدون القلعة عنوة ودخل حوشن بن العزيز وابن الدحامس من الاثبج معه وخربت القلعة ثم بايع يحيى لعبد المؤمن سنة سبع وأربعين ونزل عن قسنطينة واشترط لنفسه فوفى له ونقله إلى مراكش فسكنها ثم انتقل إلى سلا سنة ثمان وخمسين فسكن قصر بنى عشيرة إلى ان هلك في سنته وأما الحارث صاحب بونة ففر إلى صقلية واستصرخ صاحبها فصارخه على أمره ورجع إلى بونة وملكها ثم غلب عليها الموحدون وقتلوه صبرا وانقرض ملك بنى حماد والبقاء لله وحده ولم يبق من قبائل ماكسن إلا أوزاع بوادي بجاية ينسبون إليهم وهم لهذا العهد في عداد الجند ولهم أقطاع بنواحي البلد على العسكرة في جملة السلطنة مع قواده والله وارث الارض ومن عليها اه(6/177)
{ الخبر عن ملوك بنى حيوس بن ماكسن من بنى زيرى من صنهاجة من غرناطة من عدوة الاندلس وأولية ذلك ومصايره } لما استبد باديس بن المنصور بن بلكين بن زيرى بن مناد بن هاد بولاية افريقية سنة خمس وثمانين ولى عمومته وقرابته ثغور عمله فأنزل حمادا بأشيرو أخاه يطوفت بتاهرت وزحف زيرى بن عطية صاحب فاس من مغراوة بدعوة المؤيد هشام خليفة قرطبة إلى عمل صنهاجة في جموع زناتة ونزل تاهرت وسرح باديس عساكره لنظر محمد بن أبى العون فالتقوا على تاهرت وانهزم صنهاجة فزحف باديس بنفسه للقائهم وخالف عليه فلفول ابن سعيد بن حزرون صاحب طنبة ثم أجفل زيرى بن عطية امامه ورجع إلى المغرب فرجع بادبس إلى وترك عمومته أولاد زيرى بأشير مع حماد وأخيه يطوفت وهم زاوى وحلال وعرم ومعنين وأجمعوا على الخلاف والخروج على باديس سنة سبع وثمانين فأسلموا حمادا برمته واستولوا على جميع ما معه واتصل الخبر بأبى البهار بن زيرى وهم مع باديس فخشيه على نفسه ولحق بهم واجتمعوا في الخلاف واشتغل باديس عنهم
بحرب فلفول بن يانس مولى الحاكم القادم على طرابلس من قبله وانفسح مجالهم في الفساد والعيث ووصلوا أيديهم بفلفول وعاقدوه ثم رجع أبو البهار عنهم إلى باديس فتقبله وصالح له ثم رجعوا إلى حماد سنة احدى وتسعين ولقيهم فهزمهم وقتل ماكسن وابنه ولحق زاوى بجبل شنوق من ساحل مليانة وأجاز البحر إلى الاندلس في بنيه وبنى أخيه وحاشيته ونزل على المنصور بن أبى عامر صاحب الدولة وكافل الخلافة الاموية فأحسن نزلهم وأكرم وفادتهم واصطنعهم لنفسه واتخذهم بطانة لدولته وأوليائه على ما يرومه من قهر الدولة والتغلب على الخلافة ونظمهم في طبقات زناتة وسائر رجالات البربر الذين أدال بجموعهم من جنود السلطان وعساكر الاموية وقبائل العرب واستغلظ أمر صنهاجة بالاندلس واستخلق امارتهم وحملوا دولة المنصور بن أبى عامر وولديه المظفر والناصر من بعده على كاهلهم ولما انقرض أمرهم واضمحلت دولتهم ونشأت الفتنة بالاندلس بين البرابرة وأهلها فكان زاوى ملث تلك الوقائع ومحش حروبها وتمرس بقرطبه هو وقومه صنهاجة وكافة زناتة والبربر حتى أثبتوا قدم خليفتهم المستعين سليمان بن الحكم بن سليمان بن الناصر الذى أتوه ببيعتهم واعطوه على الطاعة صفقتهم كما ذكرناه في أخبارهم ثم اقتحموا به قرطبة عنوة واصطلموا عامة أهلها وأنزلوا المعرات بذوى الصون منها وبيوتات الستر من خواصها فحدث الناس في ذلك بأخبار وتوصل زاوى عند استباحة قرطبة إلى رأس أبيه زيرى بن مناد المتصور بجدران قصر قرطبة فأزاله وأصاره إلى قومه ليدفن في جدثه ثم كان شأن بنى حمود من(6/179)
العلوية وافترق أمر البرابرة واضطرمت الاندلس نارا وامتلات جوانبها فتنة وأسرى الرؤساء من البرابرة ورجالات الدولة على النواحى والامصار فملكوها وتحيزت صنهاجة إلى ناحية السرة فكانت ضواحيها لهم وحصل عليها استيلاؤهم وزاوى يومئذ عضد البرابرة فنزل غرناطة واتخذها دارا لملكته ومعتصما لقومه ثم وقع في نفسه
سوء ثأر البربر بالاندلس أيام الفتنة وحذر مغبة الفعلة واستعاصت الدولة فاعتزم على الرحلة وآوى إلى سلطان قومه بالقيروان سنة عشر واربعمائة بعد مغيبه عشرين سنة وأنزل على المعز بن باديس حافد أخيه بلكين اجل ما كانت دولتهم بأمر افريقية وأترف وأوسع ملكا وأوفر عددا فلقيه المعز باحسن أحوال البر والتجلة وأنزله أرفع المنازل من الدولة وقدمه على الاعمام والقرابة وأسكنه بقصره وأبرز الحرم للقائه فيقال انه لقيه من ذوات محارمه ألف امرأة لا تحل له واحدة منهن ووارى ابراهيم مع شلوه بجدثه وكان استخلف على عمله ابنه ونافظعن لاهل غرناطة فانتقضوا عليه وبعثوا عن حيوس ابن عمه ماكسن بن زيرى مكانه ببعض حصون عمله فبادر إليهم ونزل بغرناطة فانتقضوا عليه وبايعوه واستحدث بها ملكا وكان من أعظم ملوك الطوائف بالاندلس إلى أن هلك سنة تسع وعشرين وولى من بعده ابنه باديس بن حيوس ويلقب بالمظفر ولم يزل مقيما لدعوة آل حمود امراء مالقة بعد تخلفهم عن قرطبة سائر أيامه وزحف إليها العامري صاحب المرية سنة تسع وعشرين فلقيه باديس بظاهر غرناطة فهزمه وقتله وطالت أيامه ومد ملوك الطوائف أيديهم جميعا إلى مدده فكان ممن استمده محمد بن عبد الله البرزالى لما حاصره اسمعيل بن القاضى بن عباد بعساكر أبيه فأمده باديس بنفسه وقومه وصار إلى صريخه مع ابن بقية قائد ادريس بن حمود صاحب المالقة سنة احدى وثلاثين ورجعوا من طريقهم وطمع اسمعيل بن القاضى بن عباد مع صريخه فيهم فاتبعهم ولحق بباديس في قومه فاقتتلوا وفر عسكر اسمعيل وأسلموه فقتله صنهاجة وحمل رأسه إلى ابن حمود وكان القادر بن ذى النون صاحب طليلة أيضا يستدفع به وبقومه استطالة ابن عباد واعوانه وباديس هذا هو الذى مصر غرناطة واختط قصبتها وشاد قصورها وشيد حصونها وآثاره في مبانيها ومصانعها باقية لهذا العهد واستولى على مالقة عند انقراض بنى حمود سنة تسع وأربعين وأضافها إلى عمله وهلك سنة سبع وستين وظهر أمر المرابطين بالمغرب واستفحل ملك يوسف بن تاشفين
فولى من بعده حافده عبد الله بن بلكين بن باديس وتغلب المظفر وعقد لاخيه تميم على مالقة فاستقام أمرها إلى أن جاز يوسف بن تاشفين الى العدوة اجاز له المعروفة كما نذكره في أخباره ونزل بغرناطة سنة ثلاث وثمانين فتقبض على عبد الله بن بلكين واستصفى(6/180)
أمواله وذخيرته وألحق به أخاه تميما من مالقة واستصحبهما إلى العدوة فأنزل عبد الله وتميما بالسوس الاقصى وأقطع لهما إلى ان هلكوا في ايالته ويزعم بنو الماكسن من بيوتات طنجة لهذا العهد انهم من أعقابهم فاضمحل ملك بلكانة من صنهاجة ومن افريقية والاندلس اجمع والبقاء لله وحده اه عبد الله بن بلكين بن باديس بن حيوس بن ماكسن - بن زيرى بن مناد ملوك غرناطة بعد الفتنة ملان بن زاوى { الطبقة الثانية من صنهاجة وهم الملثمون وما كان لهم بالمغرب من الملك والدولة } هذه الطبقة من صنهاجة هم الملثمون الموطنون بالقفر وراء الرمال الصحراوية بالجنوب أبعدوا في المجالات هنا لك منذ دهور قبل الفنح لا يعرف أولها فأصحروا عن الارياف ووجدوا بها المراد وهجروا التلول وجفوها واعتاضوا منها بالبان الانعام ولحومها انتباذا عن العمران واستئناسا بالانفراد وتوحشا بالعز عن الغلبة والقهر فنزلوا من ريف الحبشة جوارا وصاروا ما بين بلاد البربر وبلاد السودان حجزا واتخذوا اللشام خطاما تميزوا بشعاره بين الامم وعفوا في تلك البلاد وكثروا وتعددت قبائلهم من كذالة فلمتونه فمسوقة فوتريكة فنا وكافزغاوة ثم لمطة اخوة صنهاجة كلهم ما بين البحر المحيط بالمغرب إلى غدامس من قبلة طرابلس وبرقة وللمتونة فيهم بطون كثيرة منهم بنو ورتنطق وبنو زمال وبنو صولان وبنو ناسجة وكان موطنهم من بلاد الصحراء يعرف
كأكرم وكان دينهم جميعا المجوسية شان برابرة المغرب ولم يزالوا مستقرين بتلك المجالات حتى كان اسلامهم بعد فتح الاندلس وكانت الرياسة فيهم للمتونة واستوسق لهم ملك ضخم مذ دولة عبد الرحمن بن معاوية الداخل توارثه ملوك منهم تلاكاكين وورتكا أو راكن بن ورتنطق جد ابى بكر بن عمر أمير لمتونة في مبندا دولتهم وطالت أعمارهم فيها إلى الثمانين ونحوها ودوخوا تلك البلاد الصحراوية وجاهدوا من بها من أمم السودان وحملوهم على الاسلام فدان به كثيرهم واتقاهم آخرون بالجزية فقبلوها منهم وملك عليهم بعد تلاكاكين المذكور ثبولوثان (قال) ابن أبى زرع أول من ملك الصحراء من لمتونة ثبولوثان فدوخ بلاد الصحراء واقتضى مغارم السودان وكان يركب في مائة ألف(6/181)
نجيب وتوفى سنة ثنتين وعشرين ومائتين وملك بعده يلتان وقام بأمرهم وتوفى سنة سبع وثمانين ومائتين وقام بأمرهم بعده ابنه تميم لى سنة ست وثلثمائة وقتله صنهاجة وفترق أمرهم اه كلام ابن أبى زرع وقال غيره كان من أشهرهم تيزا وابن وانشق بن بيزا وقيل يرويان ابن واستولى ابن يزار ملك الصحراء بأسرها على عهد عبد الرحمن الناصر وابنه الحكم المنتصر في المائة الرابعة وفى عهد عبيد الله وابنه أبى القاسم من خلفاء الشيعة كان يركب في مائة ألف نجيب وعمله مسيرة شهرين في مثلها ودان له عشرون ملكا من ملوك السودان يعطونه الجزى وملك من بعده بنوه ثم افترق أمرهم من بعد ذلك وصار ملكهم طوائف ورياستهم شيعا قال ابن أبى زرع افترق أمرهم بعد تميم بن يلتان مائة وعشرون سنة إلى ان قام فيهم أبو عبيد الله بن تيفاوت المعروف بناشرت اللمتونى فاجتمعوا عليه وأحبوه وكان من أهل الدين والصلاح وحج وهلك لثلاثة أعوام من رياسته في بعض غزواته وقام بأمرهم صهره يحيى بن ابراهيم الكندالى وبعده يحيى بن عمر بن تلاكاكين اه كلامه وكان لهذه الطبقة ملك ضخم بالمغرب والاندلس أولا وبافريقية بعده فندكره الآن على نسقه
{ الخبر عن دولة المرابطين من لمتونة وما كان لهم بالعدوتين من الملك وأولية ذلك ومصايره } كان هولاء الملثمون في صحاريهم كما قلناه وكانوا على دين المجوسية إلى أن ظهر فيهم الاسلام لعهد المائة الثالثة كما ذكرناه وجاهدوا جيرانهم من السودان عليه فدانوا لهم واستوسق لهم الملك ثم افترقوا وكانت رياسة كل بطن منهم في بيت مخصوص فكانت رياسة لمتونه في بنى ورتانطق بن منصور بن مصالحة بن المنصور بن مزالت بن أميت بن رتمال بن ثلميت وهو لمتونة ولما أفضت الرياسة إلى يحيى بن ابراهيم الكندالى وكان له صهر في بنى ورتانطق هؤلاء وتظاهروا على امرهم وخرج يحيى بن ابراهيم لقضائه فرصة في رؤساء من قومه في سنى أربعين وأربعمائة فلقوا في منصرفهم بالقيروان شيخ المذاهب المالكى أبو عمران الفاسى واغتنموا ما متعوا به من عهده وما شافههم به من فروض أعيانهم من فتاويه ورياسة الامير يحيى ويصحبهم من تلميذه من يرجعون إليه في نوازلهم وقضايا بينهم فندب تلميذه إلى ذلك حرصا على ايصال الخير إليهم لما رأى من رغبتهم فيه فاستوعروا مسغبة بلادهم وكتب لهم الفقيه أبو عمران إلى الفقيه محمد وكاك ابن رلو اللمطى بسجلماسة من الآخذين عنه وعهد إليه أن يلتمس لهم من يثق بدينه وفقهه ويرونس نفسه على مسغمة أرضهم في معاشه فبعث معهم عبد الله بن ياسين بن بك الجزولى ووصل معهم بعلمهم القرآن ويقيم لهم الدين ثم هلك يحيى بن ابراهيم وافترق(6/182)
أمرهم واطرحوا عبد الله بن ياسين واستصعبوا علمه وتركوا الاخذ عنه لما تجشموا فيه من مشاق التكليف فأعرض عنهم وترهب وتنسك معه يحيى بن عمر بن تلاكاكين من رؤساء لمتونة وأخذه أبو بكر فنبذوا عن الناس في ربوة يحيط بحر النيل من جهاتها ضحضاحا في المصيف وغمرا في الشتاء فتعود جزرا منقطعة فدخلوا في غياضها منفردين للعبادة وتسامع بهم من في قلبه مثقال حبة من خير فتسايلوا إليهم ودخلوا في دينهم
وغيضتهم ولما كمل معهم ألف من الرجالات قال لهم شيخهم عبد الله بن ياسين ان ألفا لن تغلب من قلة وقد تعين علينا القيام بالحق والدعاء إليه وحمل الكافة عليه فاخرجوا بنا لذلك فخرجوا وقتلوا من استعصى عليهم من قبائل لمتونة وكثالة ومهمومة حتى أنابوا إلى الحق واستقاموا على الطريقة وأذن لهم في أخذ الصدقات من أموال المسلمين وسماهم بالمرابطين وجعل أمرهم في العرب إلى الامير يحيى بن عمر فتخطوا الرمال الصحراوية إلى بلاد درعة وسجلماسة فأعطوهم صدقاتهم وانقلبوا ثم كتب إليهم وكاك اللمطى بما نال المسلمين فيما إليه من العسف والجور من بنى وانودين امراء سجلماسة من مغراوة وحرضهم على تغيير أمرهم فخرجوا من الصحراء سنة خمس وأربعين وأربعمائة في عدد ضخم ركبانا على المهارى أكثرهم وعمدوا إلى درعة لابل كانت هنا لك بالحمى وكانت تناهز خمسين ألفا ونحوها ونهض إليهم مسعود بن وانودين أمير مغراوة وصاحب سجلماسة ودرعة لمدافعتهم عنها وعن بلاده فتواقعوا وانهزم ابن وانودين وقتل واستلحم عسكره مع اموالهم واستلحمهم ودوابهم وابل الحمى التى كانت ببلد درعة وقصدوا سجلماسة فدخلوها غلابا وقتلوا من كان بها من أهل مغراوة وأصلحوا من أحوالها وغيروا المنكرات وأسقطوا المغارم والمكوس واقتضوا الصدقات واستعملوا عليها منهم وعادوا إلى صحرائهم فهلك يحيى بن عمر سنة سبع وأربعين وقدم مكانه أخاه أبا بكر وندب المرابطين إلى فتح المغرب فغزا بلاد السوس سنة ثمان وأربعين وافتتح ماسة وتارودانت سنة تسع وأربعين وفر أميرها لقوط بن يوسف بن على المغراوى إلى تادلا واستضاف إلى بنى يفرن ملوكها وقتل معهم لقوط بن يوسف المغراوى صاحب غمات وتزوج امرأته زينب بنت اسحق النفزاوية وكانت مشهورة بالجمال والرياسة وكانت قبل لقوط عند يوسف بن على بن عبد الرحمن بن وطاس وكان شيخا على وريكة وهى زوجة هيلانة في دولة امغارن في بلاد المصامدة وهم الشيوخ وتغلب بنو يفرن على وريكة وملكوا غمات فتزوج لقوط زينب هذه ثم تزوجها بعده أبو بكر بن عمر كما ذكرنا
ثم دعا المرابطين إلى جهاد برغواطة بعضها سنة خمسين وقد أم المرابطين بعده سليمان ابن حروا ليرجعوا إليه في قضايا دينهم واستمر أبو بكر بن عمر في امارة قومه على جهادهم(6/183)
ثم استاصل شأفتهم ومحا أثر دعوتهم من المغرب وهلك في جهادهم سليمان بن عروا سنة احدى وخمسين لسنة من وفاة عبد الله بن ياسين ثم نازل أبو بكر مدينة لواتة وافتتحها عنوة وقتل من كان بها من زناتة سنة ثنتين وخمسين وبلغه وهو لم يستتم فتح المغرب بعد ما وقع من الخلاف بين لمتونة ومسوفة ببلاد الصحراء حيث أصل أعياصهم ووشايج أعراقهم ومنيع عددهم فخشى افتراق الكلمة وانقطاع الوصلة وتلافي أمره بالرحلة وأكد ذلك وزحف بلكين بن محمد بن حماد صاحب القلعة إلى المغرب سنة ثلاث وخمسين لقتالهم فارتحل أبو بكر إلى الصحراء واستعمل على المغرب ابن عمه يوسف بن تاشفين ونزل له عن زوجه زياب بنت اسحق ولحق بقومه ورفع ما كان بينهم من حرق الفتنة وفتح بابا من جهاد السودان فاستولى على نحو تسعين رحلة من بلادهم وأقام يوسف بن تاشفين باطراف المغرب ونزل بلكين صاحب القلعة فاس وأخذ رهنها على الطاعة وانكف راجعا فحينئذ سار يوسف بن تاشفين في عسكره من المرابطين ودوخ أقطار المغرب ثم رجع أبو بكر إلى المغرب فوجد يوسف بن تاشفين قد استبد عليه وأشارت عليه زينب أن يريه الاستبداد في أحواله وأن يعد له متاع الصحراء وما عونها ففطن لذلك الامير أبو بكر وتجافى عن المنازعة وسلم له الامر ورجع إلى أرضه فهلك لمرجعه سنة ثمانين وأربعمائة واختط يوسف مدينة مراكش سنة أربع وخمسين ونزلها بالخيام وأدار سورها على مسجد وقصبة صغيرة لاختزان أمواله وسلاحه وكمل تشييدها وأسوارها على ابنه من بعده سنة ست وعشرين وخمسمائة وجعل يوسف مدينة مراكش لنزله لعسكره وللتمرس بقبائل المصامدة المصيفة بمواطنهم بها في جبل دون فلم يكن في قبائل المغرب أشد منهم ولا أكثر جمعا ثم صرف عزمه إلى مطالبة مغراوة
وبنى يفرن وقبائل زناتة بالمغرب وجذب الخيل من أيديهم وكشف ما نزل بالرعايا من جورهم وعسفهم فقد كانوا من ذلك على ألم (حدث المؤرخون في أخبار مدينة فاس ودولتهم فيها بكثير منه) فنازل أولا قلعة فازاز وبها مهدى بن توالى من بنى يحفش قال صاحب نظم الجواهر وهم بطن من زناتة وكان أبو تولى صاحب تلك القلعة ووليها هو من بعده فنازله يوسف بن تاشفين ثم استجاش به على فاس مهدى بن يوسف الكرنامى صاحب مكناسة بما كان عدو المعنصر المغراوى صاحب فاس فزحف في عساكر المرابطين إلى فاس وجمع إليه معنصر ففض جموعه وارتحل يوسف إلى فاس وتقري منازلها وافتتح جميع الحصون المحيطة بها وأقام عليها أياما قلائل وظفر بعاملها بكار بن ابراهيم فقتله ثم نهض إلى مغراوة افتتحها وقتل من كان بها من أولاد وانودين المغراوى ورجع إلى فاس فافتتحها صلحا سنة خمس وخمسين ثم رجع إلى(6/184)
غمارة ونازلهم وفتح كثيرا من بلادهم وأشرف على طنجة وبها سكوت البرغواطى الحاجب صاحب سبتة وبقية الامراء من موالى الحمودية وأهل دعوتها ثم رجع إلى منازلة قلعة فازاز وخالفه معنصر إلى فاس فاستولى عليها وقتل عاملها واستدعى يوسف ابن تاشفين مهدى بن يوسف صاحب مكناسة ليستجيش به على فاس فاستعرضه معنصر في طريقه قبل أن تتصل بأيديهما وناجزه الحرب ففض جموعه وفتله وبعث برأسه إلى وليه ومساهمه في شدته الحاجب سكوت البرغواطى واستصرخ أهل مكناسة بالامير يوسف بن تاشفين فسرح عساكر لمتونة إلى حصار فاس فأخذوا بمخنقها وقطعوا المرافق عنها وألحوا بالقتال عليها فمسهم الجهد وبرز معنصر إلى مناجزة عدوه لاحدى الراحتين فكانت الدائرة عليه وهلك واجتمع زناتة من بعده على القاسم بن محمد بن عبد الرحمن من ولد موسى بن أبى العافية كانوا ملو كابتازا وتسول فزحفوا إلى عساكر المرابطين والتقوا بوادي سيمير فكان الظهور لزناتة واستلحم كثير من المرابطين واتصل
خبرهم بيوسف بن تاشفين وهو محاصر لقلعة مهدى بلاد فازاز فارتحل سنة ست وخمسين ونزل عليها عسكر من المرابطين وصار يتنقل في بلاد المغرب فافتتح بنى مراسن ثم قبولاوة ثم بلاد ورغة سنة ثمان وخمسين ثم افتتح بلاد غمارة سنة ستين وفى سنة ثنتين وستين نازل فاس فحاصرها مدة ثم افتتحها عنوة وقتل بمفازتها ثلاثة آلاف من مغراوة وبنى يفرن ومكناسة وقبائل زناتة حتى أعوزت مدافنهم فرادى فاتخذت لهم الاخاديد وقبروا جماعات منهم وخلص من نجا منهم من القتل إلى بلاد تلمسان وأمر بهدم لاسوار التى كانت فاصلة بين القرويين والاندلسيين من عدوتيها وصيرها مصرا واحدا وأدار عليها الاسوار وحمل أهلها على الاستكثار من المساجد ورتب بناءها وارتحل سنة ثلاث وستين إلى وادى ملوية فافتتح بلادها وحصون وطال من نواحيها ثم نهض سنة خمس وستين إلى مدينة الدمنة فافتتحها عنوة ثم افتتح حصن علودان من حصون غمارة ثم نهض سنة سبع وستين إلى جبال غياثة وبنى مكود من أحواز تازا فافتتحها ودوخها ثم اقتسم المغرب عمالات على بنيه وأمراء قومه وذويه ثم استدعاه المعتمد بن عباد إلى الجهاد فاعتذر له بمكان الحاجب سكوت البرغواطى وقومه من أولياء الدولة الحمودية بسبتة فأعاد إليه ابن عباد الرسل بالمشايعة إليهم فجهز إليهم قائده صالح بن عمران في عساكر لمتونة فلقيه سكوت الحاجب بظاهر طنجة في قومه ومعه ابنه ضياء الدولة فانكشف وقتل الحاجب سكوت ولحق ابنه العزيز ضياء الدولة وكتب صالح بن عمران بالفتح إلى يوسف بن تاشفين ثم أغزى الامير يوسف بن تاشفين إلى المغرب الاوسط سنة ثنتين وسبعين قائده مزدلى بن تيلكان بن محمد بن وركوت من عشيرة في عساكر لمتونة(6/185)
لمحاربة مغراوة ملوك تلمسان وبها يومئذ الامير العباس بن بختى من ولد يعلى بن محمد ابن الخير بن محمد بن خزر فدوخوا المغرب الاوسط وصاروا في بلاد زناتة وظفروا بيعلى ابن الامير العباسي فقتلوه وانكفوا راجعين من غزاتهم ثم نهض يوسف بن تاشفين سنة
ثلاث بعدها إلى الريف وافتتح كرسف ومليلة وسائر بلاد الريف برقاس ثم افتتح مدينة تلمسان واستلحم من كان بها من مغراوة وقتل العباس بن بختى أمير تلمسان وأنزل محمد ابن تيغمر المستوفى بها في عساكر المرابطين فصارت ثغرا لملكه ونزل بعساكره واختط بها مدينة تاكرارت بمكان محلته وهو اسم المحلة بلسان البربر ثم افتتح مدينة تنس ووهران وجبل وانشريس إلى الجزائر وانكف راجعا إلى المغرب قافلا مراكش سنة خمس وسبعين ولم يزل محمد بن تيغمر واليا بتلمسان إلى أن هلك وولى بعده اخوه تاشفين ثم ان الطاغية تكالب على بلاد المسلمين وراء البحر وانتهز الفرصة فيها بما كان من الفرقة بين ملوك الطوائف فحاصر طليطلة وبها القادر بن يحيى بن ذى النون حتى نالهم الجهد وتسلمها منه صلحا سنة ثمان وسبعين على أن يملكه بلنسية فبعث معه عسكرا من النصرانية فدخل يلنسية وتملكها على حين مهلك صاحبها أبى بكر بن العزيز بين يدى حصار طليطلة وسار الطاغية في بلاد الاندلس حتى وقف بفرضة المجاز من صريف وأعيا أمره أهل الاندلس واقتضى منهم الجزيه فأعطوها ثم نازل سرقسطة وضيق على ابن هودبها وطال مقامه وامتد امله إلى تملكها فخاطب المعتمد بن عباد أمير المسلمين يوسف بن تاشفين منتجزا وعده في صريخ الاسلام بالعدوة وجهاد الطاغية وكاتبه أهل الاندلس كافة من العلماء والخاصة فاهتز للجهاد وبعث ابنه المعز في عساكر المرابطين إلى سبتة فرضة المجاز فنازلها برا وأحاطت بها أساطيل ابن عباد بحرا فاقتحموها عنوة في ربيع الآخر سنة ست وسبعين وتقبض على ضيا الدولة وقيد إلى المغرب فقتله صبرا وكتب إلى أبيه بالفتح ثم أجاز ابن عباد البحر في جماعته والمرابطين ولقيه بفاس مستنفرا للجهاد وأنزل له ابنه الراضي عن الجزيرة الخضراء لتكون رباطا لجهاده فأجاز البحر في عساكر المرابطين وقبائل المغرب ونزل الجزيرة سنة تسع وثمانين واربعمائة ولقيه المعتمد بن عباد وابن الافطس صاحب بطليوس وجمع ابن أدفونس ملك الجلالقة أمم النصرانية لقتاله ولقى المرابطين بالزلاقة من نواحى بطليوس فكان
للمسلمين عليه اليوم المشهور سنة احدى وثمانين ثم رجع إلى مراكش وخلف عسكرا بالاشبيلية لنظر محمد ومجون بن سيمونن بن محمد بن وركوت من عشيرة ويعرف أبوه بالحاج وكان محمد من بطانته وأعاظم قواد تكاليب الطاغية على شرق الاندلس ولم يغن فيه أمراء الطوائف شيئا فزحف إليه من سبتة ابن الحاج قائد يوسف بن تاشفين(6/186)
في عساكر المرابطين فهزموا جميع النصارى هزيمة شنيعه وخلع ابن رشيق صاحب مرسية وتمادى إلى دانية ففر على بن مجاهد أمامه إلى بجاية ونزل على الناصر بن علناس فأكرمه ووصل ابن جحاف قاضى بلنسية إلى محمد بن الحاج مغريا بالقادر بن ذى النون فأنفذ معه عسكرا وملك بلنسية وقتل ابن ذى النون وذلك سنة خمس وثمانين وانتهى الخبر إلى الطاغية فنزل بلنسية واتصل حصاره اياها إلى أن ملكها سنة خمس وثمانين ثم استخلصتها عساكر المرابطين وولى عليها يوسف بن تاشفين الامير مزدلى واجاز يوسف ابن تاشفين ثانية سنة ست وثمانين وتثاقل امراء الطوائف عن لقائه لما أحسوا من نكيره عليهم لما يسمون به عليهم من الظلامات والمكوس وتلاحق المغارم فوجد عليهم وعهد برفع المكوس وتحرى المعدلة فلما أجاز انقبضوا عنه الا ابن عباد فانه بادر إلى لقائه وأغراه بالكثير منهم فتقبض على ابن رشيق فأمكن ابن عباد منه العداوة التى بينهما وبعث جيشا إلى المرية ففر عنها ابن صمادح ونزل على المنصور بن الناصر ببجاية وتوافق ملوك الطوائف على قطع المدد عن عساكره ومحلاته فساء نظره وأفتاه الفقهاء وأهل الشورى من المغرب والاندلس بخلعهم وانتزاع الامر من أيديهم وصارت إليه بذلك فتاوى أهل الشرق الاعلام مثل الغزالي والطرطوشي فعهد إلى غرناطه واستنزل صاحبها عبيد الله بن بلكين بن باديس وأخاه تميما من مالقة بعد ان كان منهما مداخلة الطاغية في عداوة يوسف بن تاشفين وبعث بهما إلى المغرب فخاف ابن عباد عند ذلك منه وانقبض عن لقائه وفشت السعايات بينهما ونهض يوسف بن تاشفين إلى سبتة
فاستقر بها وعقد للامير سير بن أبى بكر بن محمد وركوت على الاندلس وأجازه فقدم عليها وقعد ابن عباد عن تلقيه وميرته فأحفظه ذلك وطالبه بالطاعة للامير يوسف والنزول عن الامر ففسد ذات بينهما وغلبه على جميع عمله واستنزل أولاد المأمون من قرطبة ويزيد الراضي من رندة وقرمونة واستولى عن جميعهما وقتلهم وصمد إلى اشبيلية فحاصر المعتمد بها وضيق عليه واستنجد الطاغية فعمد إلى استنقاذه من هذا الحصار فلم يغن عنه شيئا وكان دفاع لمتونة مما فت في عضده واقتحم المرابطون اشبيلية عليه عنوة سنة أربع وثمانين وتقبض على المعتمد وقاده أسيرا إلى مراكش فلم يزل في اعتقال يوسف بن تاشفين إلى أن هلك في محبسه بأغمات سنة سبعين وأربعمائة ثم عمد إلى بطليوس وتقبض على صاحبها عمر بن الافطس فقتله وابنيه يوم الاضحى سنة تسع وثمانين بما صح عنده من مداخلتهم الطاغية وان يملكوه مدينة بطليوس ثم اجاز يوسف بن تاشفين الجواز الثالث سنة تسعين وزحف إليه الطاغية فبعث عساكر المرابطين لنظر محمد بن الحاج فانهزم النصارى امامه وكان الظهور للمسلمين ثم أجاز الامير يحيى بن أبى بكر بن يوسف(6/187)
ابن تاشفين سنة ثلاث وتسعين وانضم إليه محمد بن الحاج سير بن أبى بكر واقتحموا عامة الاندلس من أيدى ملوك الطوائف ولم يبق منها الا سرقسطة في يد المستعين بن هود معتصما بالنصارى وغزا الامير مزدلى صاحب بلنسية إلى بلد برشلونة فأثخن بها وبلغ إلى حيث لم يبلغ أحد قبله ورجع وانتظمت بلاد الاندلس في ملكة يوسف بن تاشفين وانقرض ملك الطوائف منها أجمع كان لم يكن واستولى على العدوتين واتصلت هزائم المرابطين مرارا وتسمى بأمير المسلمين وخاطب المستنصر العباسي الخليفة لعهده ببغداد وبعث إليه عبد الله بن محمد بن العرب المعامى الاشبيلى وولده القاضى أبا بكر فتلطفا في القول وأحسنا في الابلاغ وطلبا من الخليفة أن يعقد له على المغرب والاندلس فعقد له وتضمن ذلك مكتوب الخليفة بذلك منقولا في أيدى الناس وانقلبا إليه بتقليد
الخليفة وعهده على ما إلى نظره من الاقطار والاقاليم وخاطبه الامام الغزالي والقاضى أبو بكر الطرطوشى يحضانه على العدل والتمسك بالخير ويفتيانه في شأن ملوك الطوائف بحكم الله ثم أجاز يوسف بن تاشفين الجواز الرابع إلى الاندلس سنة سبع وتسعين وقد كان ما قدمناه في أخبار بنى حماد من زحف المنصور بن الناصر إلى تلمسان سنة سبع وتسعين للفتنة التى وقعت بينه وبين تاشفين بن يتنعمر وافتتاحه أكثر بلادهم فصالحه يوسف بن ناشفين واسترضاه بعدول تاشفين عن تلمسان سنة سبع وتسعين وبعث اليهما مزدلى من بلنسية وولى بلنسية عوضا منه أبا محمد بن فاطمة وكثرت غزواته في بلاد النصرانية وهلك يوسف على رأس المائة الخامسة وقام بالامر من بعده ابنه على بن يوسف فكان خير ملك وكانت ايامه صدرا منها وداعة ودولته على الكفر وصلة وظهورا وعزة وأجاز إلى العدوة فأثخن في بلاد العدو وقتلا وسبيا وولى على الاندلس الامير تميم بن وجمع الطاغية للامير تميم فهزمه تميم ثم أجاز على بن يوسف سنة ثلاث ونازل طليطلة وأثخن في بلاد النصارى ورجع وعلى اثر ذلك قصد ابن ردمير سرقسطة وخرج ابن هود للقائه فانهزم المسلمون ومات ابن هود شهيدا وحاصر ابن ردمير البلد حتى نزلوا على حكمه ثم كان سنة تسع شأن برقة وتغلب أهل جنوة عليها وأخلوها ثم رجع العمران إليها على يد مرتانا فرطست من قواد المرابطين كما مر في ذكرها عند ذكرها عند ذكر الطوائف ثم استمرت حال على بن يوسف في ملكه وعظم شأنه وعقد لولده تاشفين على غرب الاندلس سنة ست وعشرين وانزله قرطبة واشبيلية وأجاز معه الزبير بن عمر وحشد قومه وعقد لابي بكر ابن ابراهيم المسوقى على شرق الاندلس وأنزله بلنسية وهو ممدوح ابن خفاجة ومخدوم أبى بكر بن ماجه الحكيم المعروف بابن الصائغ وعقد لابن غانية المسوقى على الجزائر الشرقية دانية وميورقة واستقامت أيامه ولاربع عشرة سنة من دولته كان ظهور(6/188)
الامام المهدى صاحب دعوة الموحدين فقيها منتحلا للمعلم والفتيا والتدريس آمرا
بالمعروف ناهيا عن المنكر متعرضا بذلك للمكروه في نفسه ونالته ببجاية وتلمسان وكناسة اذايات من الفسقة ومن الظالمين وأحضره الامير على بن يوسف للمناظرة ففلج على خصومه من الفقهاء بمجلسه ولحق بقومه هرغة من المصامدة واستدرك على بن يوسف رأيه فتفقده وطالب هرغة بأحضاه فأبوا عليه فشرد إليهم البعث فأوقعوا به وتقاسم معهم هنتاتة وتينملل على اجارته والوفاء بما عاهدهم عليه من القيام بالحق والدعاء إليه حسبما يذكر ذلك كله بعد دولتهم وهلك المهدى في سنة أربع وعشرين وقام بأمرهم عبد المؤمن بن على الكومى كبير أصحابه بعهده إليه وانتظمت كلمة المصامدة وأغزوا مراكش مرارا وفشل ريح لمتونة بالعدوة الاندلسية وظهر أمر الموحدين وفشت كلمتهم في برابر المغرب وهلك على بن يوسف سنة سبع وثلاثين وقام بالامر من بعده ولده تاشفين وولى عهده وأخذ بطاعته وبيعته أهل العدوتين كما كانوا على حين استغلظ أمر الموحدين واستفحل شانهم وألحوا في طلبه وغزا عبد المؤمن غزوته الكبرى إلى جبال المغرب ونهض تاشفين بعساكره بالبسائط إلى أن نزل تلمسان ونازله عبد المؤمن والموحدون بكهف الضحاك بين الصخرتين من جبل تيطرى المطل عليها ووصله هنا لك مدد صنهاجة من قبل يحيى بن عبد العزيز صاحب بجاية مع قائده طاهر بن كباب وشرهوا إلى مدافعة الموحدين فغلبوهم وهلك طاهر واستلحم الصنهاجيون وفرتاشفين إلى وهران في موادعة لب بن ميمون قائد البحر بأساطيله واتبعه الموحدون واقتحموا عليه البلد فهلك يقال سنة احدى وأربعين واستولى الموحدون على المغرب الاوسط واستلحموا لمتونة ثم بويع بمراكش ابنه ابراهيم وألقوه مضعفا عاجزا فخلع وبويع عمه اسحق بن على بن يوسف بن تاشفين وعلى هيئة ذلك وصل الموحدون إليها وقد ملكوا جميع بلاد المغرب عليه فخرج إليهم في خاصته فقتلهم الموحدون واجاز عبد المؤمن والموحدون إلى الاندلس سنة احدى وخمسين وملكوا واستلحموا أمراء لمتونة وكافتهم وفروا في كل وجه ولحق فلهم بالجزائر الشرقية ميورقة ومن ورقة وبابسة إلى أن جددوا من
بعده للملك بناحية افريقية والله غالب على أمره { الخبر عن دولته ابن غانية من بقية المرابطين وما كان له من الملك والسلطان بناحية قابس وطرابلس واجلابه على الموحدين ومظاهرة قراقش الغزى له على أمره وأولية ذلك ومصايره } كان أمر المرابطين من أوله في كدالة من قبائل الملثمين حتى هلك يحيى بن ابراهيم(6/189)
فاختلفوا على عبد الله بن ياسين امامهم وتحول عنهم إلى لمتونة وأقصر عن دعوته وتنسك وترهب كما قلناه حتى إذا أجاب داعية يحيى بن عمر وأبى بكر بن عمر من بنى ورتانطو بيت رياسة لمتونة واتبعهم الكثير من قومهم وجاهدوا معه سائر قبائل الملثمين وكان مسوقة قد دخل في دعوة المرابطين كثير منهم فكان لهم بذلك في تلك الدولة حظ من الرياسة والظهور وكان يحيى المسوقى من رجالاتهم وشجعانهم وكان مقدما عند يوسف بن تاشفين لمكانه في قومه واتفق أنه قتل بعض رجالات لمتونة في ملاحاة وقعت بينهما فتثاور الحيان وفرهو إلى الصحراء ففدى يوسف بن تاشفين القتيل ووداه واسترجع عليا من مفره لسنين من مغيبه وأنكحه امرأة من أهل بيته تسمى غانية بعهد ابيها إليه في ذلك فولدت منه محمدا ويحيى تحت ابن تاشفين وحجر كفالته ورعى لهما على بن يوسف ذمام هذه الامور وعقد ليحيى على غرب الاندلس وأنزله قرطبة وعقد لمحمد على الجزاير الشرقية ميورقة ومن ورقة ويابسة سنة عشرين وخمسمائة وانقرض بعد ذلك أمر المرابطين وتقدم وفد الاندلس إلى عبد المؤمن وبعث معهم أبا اسحق براق بن محمد المصمودى من رجالات الموحدين وعقد له على حرب لمتونة كما يذكر في أخبارهم فملك اشبيلية واقتضى طاعة يحيى بن على بن غانية واستنزله عن قرطبة إلى حمال والقليعة فسار منها إلى غرناطة يستنرل من بها من لمتونة ويحملهم على طاعة الموحدين فهلك هنا لك سنة ثلاث وأربعين ودفن بقصر باديس وأما محمد بن على فلم يزل واليا إلى أن هلك
وقام بأمره بعده ابنه عبد الله ثم هلك وقام بالامر أخوه اسحق بن محمد بن على وقيل ان اسحق ولى بعد ابنه محمد وأنه قتله غيرة من أخيه عبد الله لمكان أبيه منه فقتلهما معا واستبد بأمره إلى أن هلك سنة ثمانين وخمسمائة وخلف ثمانية من الولد وهم محمد وعلى ويحيى وعبد الله والغاني وسير والمنصور وجبارة فقام بالامر ابنه محمد ولما أجاز يوسف بن عبد المؤمن بن على إلى ابن الربرتير لاختبار طاعتهم وأحسن وصوله نكر ذلك اخوته وتقبضوا عليه واعتقلوه وقام بالامر أخوه على بن محمد بن على وتلوموا في رد ابن الربرتير إلى مرسله وحالوا بينه وبين الاسطول حين بلغهم أن الخليفة يوسف القسرى استشهد في الجهاد باركش من العدوة وقام بالامر ابنه يعقوب واعتقلوا ابن الربرتير وركبوا البحر في ثنتين وثلاثين قطعة من أساطيلهم واسطوله وركب معه اخوته يحيى وعبد الله والغاني وولى على ميورقة عمه أبا الزبير وأقلعوا إلى بجاية فطرقوها على حين غفلة من أهلها وعليها السيد أبو الربيع بن عبد الله بن عبد المؤمن وكان بايميلول من خارجها في بعض مذاهبه فلم تمانعه أهل البلد واستولوا عليها في صفر سنة احدى وثمانين واعتقلوا بها السيد أبا موسى بن عبد المؤمن كان قافلا من افريقية يؤم المغرب(6/190)
واستجروا ما كان بدار السادة والموحدين وكان ولى القلعة فاصدا مراكش وهو يستخبر خبر بجاية فرجع وظاهر السيد ابا الربيع وزحف اليهما على بن غانية فهزمهما واستولى على أموالهما وأسريا ولحقا بتلمسان فنزلا بها على السيد أبى الحسن بن أبى حفص بن عبد المؤمن وأخذ في تحصين تلمسان ورم اسوارها وأقاما عند السيد يرومان الكرة من صاحب تلمسان وغار على بن محمد بن غانية في الاموال وفرقها في ذؤبان العرب ومن انضاف إليهم ورحل إلى الجزائر فافتتحها وولى عليها يحيى بن أبى طلحة ثم افتتح مازونة وانتهى إلى مليانة فافتتحها وولى عليها بدر بن عائشة ثم نهض إلى القلعة فحاصرها ثلاثا ودخلها عنوة وكانت له في المغرب خطة مشهورة ثم قصد قسنطينة فامتنعت عليه
واجتمعت إليه وفود العرب فاستنجدهم وجاؤا باحلافهم ولما اتصل الخبر بالمنصور وهو بسبتة مرجعه من الغزو سرح العساكر في البر لنظر السيد أبى زيد بن أبى حفص بن عبد المؤمن وعقد له على المغرب الاوسط وبعث الاساطيل إلى البحر وقائدها أحمد الصقلى وعقد عليها لابي محمد بن ابراهيم بن جامع وزحفت العساكر من كل جهة فثار أهل الجزائر على يحيى بن أبى طلحة ومن معه وأمكنوا منهم السيد أبا يزيد فقتلهم على شلف وعفا عن يحيى لنجدة عمه طلحة وكان بدر بن عائشة اسرى من مليانة واتبعه الجيش فلحقوه أمام العدو فتقبضوا عليه بعد قتال مع البرابرة حين أرادوا اجارته وقادوه إلى السيد أبى يزيد فقتله وسبق الاسطول الي بجاية فثار بيحيى بن غانية وفر إلى أخيه على لمكانه من حصار قسنطينة بعد ان كان أخذ بمخنقها ونزل السيد أبو زيد بعساكره بتكلات من ظاهر بجاية وأطلق السيد أبا موسى من معتقله ثم رحل في طلب العدو فأفرج عن قسنطينة بعد ان كان أخذوه مضى شديدا في الصحراء والموحدون في اتباعه حتى انتهوا إلى مغرة ونغارس ثم نقلوا إلى بجاية واستنفر السيد أبا زيد بها وقصد على بن غانية في قفصة فملكها ونازل بورق وقصطيلة فامتنعت وارتحل إلى طرابلس وفيها قراقش الغزى المطغرى وكان من خبره على ما نقل أبو محمد التيجاني في كتاب رحلته ان صلاح الدين صاحب مصر بعث تقى الدين ابن أخيه شاه إلى المغرب لافتتاح ما أمكنه من مدينة تكون له معقلا يتحصن فيه من مطالبة نور الدين محمود بن زنكى صاحب الشأم الذى كان صلاح الدين عمه من وزرائه واستعجلوا النصر فخشوا عاديته ثم رجع تقى الدين من طريقه لامر عرض له بعد قراقش الارمني بطائفة من جنوده وفر ابراهيم بن فراتسكين سلاح دار المعظم لسيده الملك المعظم صاحب الدولة ابن أيوب أخى صلاح الدين فأما قراقش فلحق ششرية وافتتحها وذلك سنة ست وثمانين وخطب فيها الصلاح الدين ولاستاذه تقى الدين وكتب لهما بفتح زويلة وغلبه ذى خطاب الهوارى(6/191)
على فلك فزار وكانت ملكا لعمه محمد بن الخطاب بن يصلتن بن عبد الله بن صنعل بن خطاب وهو آخر ملوكهم وكانت قاعدة ملكة زوبلة وتعرف زويلة ابن خطاب فتقبض عليه وغلبه على المال حتى هلك ولم يزل يفتح البلاد إلى أن وصل طرابلس واجتمع عليه عرب ذياب بن سليم ونهض بهم إلى جبل نفوسة فملكه واستخلص أموال العرب واتصل به مسعود بن زمام شيخ الزواودة من رياح عند مفره من المغرب كما ذكرناه واجتمعت أيديهم على طرابلس وافتتحها واجتمع إليه ذؤبان العرب من هلال وسليم وفرض لهم العطاء واستبد بملك طرابلس وما وراءها وكان قراقش من الارمن وكان يقال له المعظمى والناصري لانه يخطب للناصر صلاح الدين وكان يكتب في ظهائره ولى امير المؤمنين بسكون الميم ويكتب علامة الظهيرة بخطه وثقت بالله وحده أسفل الكتاب وأما ابراهيم بن قراقش صاحبه فانه سار مع العرب إلى قفصة فملك جميع منازلها واساء ذى المريد واساء قفصة فأمكنوه من البلد لانحرافهم عن بنى عبد المؤمن فدخلها وخطب للعباسي ولصلاح الدين إلى أن قتله المنصور عند فتح قفصة كما نذكره في أخبار الموحدين * (رجع الخبر إلى ابن غانية) * ولما وصل على ابن غانية إلى طرابلس ولقى قراقش اتفقا على المظاهرة على الموحدين واستمال ابن غانية كافة بنى سليم من العرب وما جاورهم من غلاتهم مسوقة وخالطوه في ولايتهم واجتمع إليه من كان منحرفا عن طاعة الموحدين من قبائل هلال مثل جشم ورياح والابثج وخالفتهم زغبة إلى الموحدين فاحتفلوا بطاعتهم سائر أيامهم ولحق بابن غانية فل قومه من لمتونة ومنونة من أطراف البقاع فانعقد أمره وتجدد بذلك القطر سلطان قومه وجدد رسوم الملك واتخذ الآلة وافتتح كثيرا من بلاد الجريد وأقام فيها الدعوة العباسية ثم بعث ولده وكاتبه عبد المؤمن من فرسان الاندلس إلى الخليفة الناصر بن المستضئ ببغداد مجددا ما سلف لقومه من المرابطين بالمغرب من البيعة
والطاعة وطلب المدد والاعانة فعقد له كما كان لقومه وكتب الكتاب من ديوان الخليفة إلى ملك مصر والشام النائب عن الخليفة بها صلاح الدين يوسف بن أيوب فجاء إلى مصر فكتب له صلاح الدين إلى قراقش واتصل أمرهما في اقامة الدعوة العباسية وظاهره ابن غانية على حصاروا شرفا فتتحها قراقش من يد سعيد بن ابن الحسن وولى عليها مولاه وجعل فيها ذخائره ثم اتصل بها إلى أن وصل قفصة خلعوا طاعة ابن غانية فظاهره قراقش عليها فافتتحها عنوة ثم رحل إلى توزر وقراقش في مظاهرته فافتتحها أيضا ولما اتصل بالمنصور ما نزل بافريقية من اجلاب ابن غانية وقراقش على بلاد الجريد(6/192)
نهض من مراكش سنة ثمان وثمانين لحسم هذا الداء واستنقاذ ما غلبوا عليه ووصل إلى تونس فأراح بها وسرح في مقدمته السيد أبا يوسف يعقوب بن أبى حفص عمر بن عبد المؤمن ومعه عمر بن أبى زيد من أعيان الموحدين فلقيهم ابن غانية في جموعه بعهده فانهزم الموحدون وقتل ابن أبى زيد وجماعة منهم وأسر على بن الربرتير في آخرين وامتلات أملاك العدو من اسلابهم ومتاعهم ووصل سرعان الناس إلى تونس وصمد المنصور إليهم فأوقع بهم بظاهر الحامة في شعبان من سنته وأفلت ابن غانية وقراقش بحومة الوفر وبادر أهل قابس وكانت خالصة لقراقش دون ابن غانية فأتوا طاعتهم وأسلموا من كان عندهم من أصحابه وذويه فأحملوا إلى مراكش وقصد المنصور إلى توزر فحاصرها فأسلموا إليه من كان فيها من أصحاب ابن غانية وبادر أهلها بالطاعة ثم رجع إلى قفصة فحاصرها حتى نزلوا على حكمه وقتل من كان بها من الحشود وقتل ابراهيم ابن فراتكين وامتن على سائر الاعوان وخلى سبيلهم وأمن أهل البلد في أنفسهم وجعل املاكهم بأيديهم على حكم المساقاة تم غزا العرب واستباح عليهم واحتازهم حتى استقاموا على طاعته وفر ذو المراس كثير الخلاف والفتنة منهم إلى المغرب قبل جشم ورياح والعاصم كما قدمناه وقفل إلى المغرب سنة أربع وثمانين ورجع
ابن غانية وقراقش إلى حالهما من الاجلاب على بلاد الجريد إلى أن هلك على في بعض حروبها مع أهل نفزاوة سنة أربع وثمانين أصابه سهم غرب كان فيه هلاكه فدفن هنا لك وعفى على قبره وحمل شلوه إلى ميورقة فدفن بها وقام بالامر أخوه يحيى بن اسحق ابن محمد بن غانية وجرى في مظاهرة قراقش وموالاته على سنن أخيه على ثم نزع قراقش إلى طاعة الموحدين سنة ست وثمانين فهاجر إليهم بتونس وتقبله السيد أبو زيد بن أبى حفص بن عبد المؤمن وأقام معه أياما ثم فر ووصل إلى قابس فدخلها مخادعة وقتل جماعة منهم واستبد على أشياخ ذباب والكعوب من بنى سليم فقتل سبعين منهم بقصر العروسيين كان منهم محمود بن طرق أبو المحاميد وحميد بن جارية أبو الجوارى ونهض إلى طرابلس فافتتحها ورجع إلى بلاد الجريد فاستولى على أكثرها ثم فسد ما بينه وبين يحيى بن غانية وسار إليه يحيى فانتهز قراقش ولحق بالجبال وتوغل فيها ثم فر إلى الصحراء ونزل ودان ولم يزل بها إلى أن حاصره ابن غانية من بعد ذلك بمدة وجمع عليه أهل الثار من ذباب واقتحمها عليه عنوة وقتله وابنه بالموحدين ولم يزل بالحضرة إلى أيام المستنصر ثم فر إلى ودان وأجلب في الفتنة فبعث إليه ملك كام من قتله لسنة ست وخمسين وخمسمائة (رجع الخبر) واستولى ابن غانية على الجريد واستنزل ياقوت فولى قراقش من طرده كذا ذكره التجانى في رحلته ولحق ياقوت بطرابلس ونازله ابن(6/193)
غاية بها وطال أمر حصاره وبالغ ياقوت في المدافعة وبعث يحيى عن أسطول ميورقة فأمده أخوه عبد الله بقطعتين منه فاستولى على طرابلس وأشخص ياقوت إلى ميورقة واعتقل بها إلى أن أخذها الموحدون وكان من خبر ميورقة ان على بن غانية لما نهض إلى فتح بجاية ترك أخاه محمدا وعلى بن الربيرتير في معتقلهما فلما خلا الجو من أولاد غانية وكثير من الحامية دخل في الربرتير نفر من معقل أهل الجزيرة وثاروا بدعوة محمد وحاصروا لقصيبة إلى ان صالحهم أهلها على اطلاق محمد بن اسحق فأطلق من معتقله
وصار الامر له فدخل في دعوة الموحدين ووفد مع على بن الربيرتير على يعقوب المنصور وخالفهم إلى ميورقة عبد الله بن اسحق ركب البحر من افريقية إلى صقلية وأمدوه بأسطول ووصلا إلى ميورقة عند وفادة أخيه على المنصور فملكها ولم يزل بها واليا وبعث إلى أخيه على بالمدد إلى طرابلس كما ذكرناه وبعثوا إليه ياقوت فاعتقله عنوة إلى أن غلب عليه الموحدون سنة تسع وتسعين فقتل ومضى ياقوت إلى مراكش وبهامات (رجع الخبر) ولما فرغ ابن غانية من أمر طرابلس ولى عليها تاشفين ابن عمه الغانى وقصد قابس فوجد بها عامل الموحدين ابن عمر تافراكين بعثه إليهم صاحب تونس الشيخ أبو سعيد ابن أبى حفص فاستدعاه أهلها لما فر عنهم نائب قراقش أخذ ابن غانية لطرابلس فنازل قابس وضيق عليها حتى سألوه الامان على أن يخلى سبيل بن بافراس فعقد لهم ذلك وأمكنوه من البلد فملكها سنة احدى وتسعين وأغرمهم ستين ألف دينار وقصد المهدية سنة سبع وتسعين فاستولى عليها وقتل الثائر بها محمد بن عبد الكريم الكرابى (وكان من خبره) أنه نشأ بالمهدية وصار من جندها المرتدين وهو كوفى الاصل وكانت له شجاعة معروفة فجمع لنفسه خيلا ورجالا وصار يغير على المفسدين من الاعراب بالاطراف فداخلهم هيبة وبعد ذلك ملته وأمده الناس بالدعاء وقدم أبو سعيد بن أبى حفص على افريقية من قبل المنصور لاول ولايته وولى على المهدية أخاه يونس وطالب محمد بن عبد الكريم بالسهمان في المغانم وامتنع فانزل به النكال وعاقبه بالسجن فدبوا إلى ابن عبد الكريم الثورة وداخل فيها بطانته وتقبض على يونس سنة خمس وتسعين واعتقله إلى ان فداه أبو سعيد بخمسمائة دينار من الذهب العتيق واستبدل ابن عبد الكريم بالمهدية ودعا لنفسه وبلغت المتوكل على الله ثم وصل السيد أبو زيد بن أبى حفص عمر بن عبد المؤمن واليا على افريقية فنازل ابن عبد الكريم بتونس سنة ست وتسعين واضطرب معسكره بحلق الوادي وبرز إليه جيوش الموحدين فهزموهم وطال حصاره لهم ثم سألوه الافراج عنهم فأجاب لذلك وارتحل عنهم إلى حصار يحيى بن غانية
بفاس فنازله مدة ثما ارتحل إلى قفصة وخرج ابن غانية في اتباعه فانهزم ابن عبد الكريم(6/194)
امامه ولحق بالمهدية وحاصره ابن غانية برياسة سنة سبع وتسعين وأمده السيد أبو زيد بقطعتين من الغزاة حتى سأل ابن عبد الكريم النزول على حكمه وخرج إليه فقبض عليه ابن غانية وهلك في اعتقاله واستولى على المهدية واستضافها إلى ما كان بيده من طرابلس وقابس وصفاقس والجريد ثم نهض إلى الجانب الغربي من افريقية فنازل باجة ونصب عليها المجانيق وافتتحها عنوة وخربها وقتل عاملها عمر بن غاب ولحق شريدها بالاربع وشقنبا رية وتركها خالية على عروشها وبعد مدة تراجع إليها ساكنها بأمن السيد أبى زيد فزحف إليها ابن غانية ونازلها وزحف إليه السيد أبو الحسن أخو السيد أبى زيد فلقيه بقسنطينة وانهزم الموحدون واستولى على معسكرهم ثم نهض إلى بسكرة واستولى عليها وقطع أيدى أهلها وتقبض على حافظها أبى الحسن ابن أبى يعلى وتملك بعدها بلنسية والقيروان وبايعه أهل بونة ورجع إلى المهدية وقد استفحل ملكه فأزمع على حصار تونس وارتحل إليها سنة تسع وتسعين واستعمل على المهدية على بن الغانى ويعرف بالكافي بن عبد الله بن محمد بن على بن غانية ونزل بالجبل الاحمر من ظاهر تونس ونزل أخوه بحلق الوادي ثم ضايقوه بمعسكرهم وردموا خندقها ونصبوا المجانيق والآلات واقتحموها لاربعة أشهر من حصارها في ختام المائة السادسة وقبض على السيد أبى زيد وابنه ومن كان معه من الموحدين وأخذ أهل تونس بغرم مائة ألف دينار وولى بقبضها منهم كاتبه ابن عصفور وأبا بكر بن عبد العزيز ابن اسكالك فأرهبوا الناس بالطلب حتى لاذ معظمهم بالموت واستعملوا القتل فيما نقل أن اسمعيل بن عبد الرفيع من لؤمائها القى بنفسه في بئر فهلك فرجع الطلب بنفيها عنهم وارتحل إلى نفوسة والسيد أبو زيد معتقل في معسكره ففعل بهم مثل ذلك وأغرمهم ألف ألف مرتين من الدنانير وكثر عيثه واضراره بالرعية وعظم طغيانه وعتوة واتصل
بالناصر بمراكش مادهم أهل افريقية منه ومن ابن عبد الكريم قبله فامتعض لذلك ورحل إليها سنة ستمائة وبلغ يحيى بن غانية خبر مرجعه إليه فخرج من تونس إلى القيروان ثم إلى قفصة واجتمع إليه العرب وأعطوه الرهن على المظاهرة والدفاع ونازل طرة من حصون مغراوة واستمالها وانتقل إلى حامة مطماطة ونزل الناصر تونس ثم قفصة ثم قابس وتحصن منه ابن غانية في جبل دمر فرجع عنه إلى المهدية وعسكر عليها واتخذ الآلة لحصارها وسرح الشيخ أبا محمد عبد الواحد بن أبى حفص لقتال ابن غانية في أربعة آلاف من الموحدين سنة ثنتين وستمائة فلقيه بجبل تاجورا من نواحى قابس وأوقع به وقتل أخاه جبارة بن اسحق واستنقذ السيد أبا زيد من معتقله ثم افتتح الناصر المهدية ودخل إليها على بن الغانى في دعوته فتقبله ورفع مكانه ووصله بهدية وافق(6/195)
وصولها برسمه إليه على يد واصل مولاه وكان بها ثوبان منسوجان بالجواهر فوصله بذلك كله ولم يزل معه إلى أن استشهد مجاهدا وولى الناصر على المهدية محمد بن يعمور من الموحدين ورجع إلى تونس ثم نظر فيمن يوليه أمر افريقية لسد فرجها والذب عنها ومدافعة ابن غانية وجموعه دونها فوقع اختياره على الشيخ أبى محمد بن أبى حفص فعقد له على ذلك سنة ثلاث كما ذكرناه في أخباره ورجع الناصر إلى المغرب وأجمع ابن غانية النهوض لقتال الموحدين بتونس وجمع ذؤيان العرب من الزواودة وغيرهم وأوفد الزواودة يومئذ محمد بن مسعود بن سلطف بخبر بنى عوف بن سليم إلى الموحدين والتقوا بشبور من نواحى بلسة فانهزمت جموع ابن غانية ولجأ إلى جهة طرابلس ثم نهض إلى المغرب في جموعه من العرب والملثمين فانتهى إلى سجلماسة وامتلات أيدى اتباعه من النهاب وخرقوا الارض بالعيث والفساد وانتهى إلى المغرب الاوسط وداخله المفسدون من زناتة واعرف أن صاحب تلمسان السيد أبا عمران موسى بن يوسف بن عبد المؤمن فلقيه بتاهرت فهزمه ابن غانية وقتله وأسر وافده وكر راجعا إلى افريقية فاعترضه الشيخ
أبو محمد صاحب افريقية في جموع الموحدين واستنقذ الغنائم من أيديهم ولجأ ابن غاية إلى جبال طرابلس وهاجر أخوه سير بن اسحق إلى مراكش فقبله الناصر وأكرمه ثم اجتمع إلى ابن غانية طوائف العرب من رياح وعوف وهيث ومن معهم من قبائل البربر وعزم على دخول افريقية ونهض إليهم الشيخ أبو محمد سنة ست ولقيهم بجبل نفوسة ففل عسكرهم واستلحم أمرهم وغنم ما كان معهم من الظهر والكراع والاسلحة وقتل يومئذ محمد بن الغانى وجوارين ويفرن وقتل معه ابن عمه من كتاب ابن أبى الشيخ ابن عساكر بن سلطان وهلك يومئذ من العرب الهلاليين أمير قرة سماد بن نخيل (حكى) ابن نخيل ان مغانم الموحدين يومئذ من عساكر الملثمين كانت ثمانية عشر ألفا من الظهر فكان ذلك مما أوهن من شدته وطامن من بأسه وتارت قبائل نفوسة بكبت ابن عصفور فقتلوا ولديه وكان ابن غانية يبعثه عليهم للمغرم وسار أبو محمد في نواحى افريقية ودفع سلبهم واستتار أشياخهم بأهلهم وأسكنهم بتونس حسما لفسادهم وصلحت أحوال افريقية إلى أن هلك الشيخ أبو محمد سنة ثمان عشرة وولى أبو محمد السيد أبو العلا ادريس بن يونس بن عبد المؤمن ويقال بل وليها قبيل مهلك الشيخ أبى محمد فاستطار بعد مهلكه سور بن عبابة ولخم فعابه رعيته ونهض إليه السيد أبو العلا ونزل قابس وأقام بقصر العروسيين وسرح ولده السيد أبا زيد بعسكر من الموحدين إلى درج وغدامس وسرح عسكرا آخر إلى ودان لحصار ابن غانية فأرجف بهم العرب ونهضوا وهم بهم السيد أبو العلا وفر ابن غانية إلى الزاب واتبعه السيد أبو زيد فنازل(6/196)
بسكرة واقتحمها عليه ونجا ابن غانية وجمع أوباشا من العرب والبربر واتبعه السيد أبو زيد في الموحدين وقبائل هوارة وتزاحفوا بظاهر تونس سنة احدى وعشرين فانهزم ابن غانية وجموعه وقتل كثير من الملثمين وامتلات أيدى الموحدين من الغنائم وكان طرأ له يومئذ حماس من بعد ما سعى في هذا الزحف أثر مذكور وبلاء حسن
وبلغ السيد أبا زيد إثر هذه الوقيعة خبر مهلك أبيه بتونس فانكف راجعا وأعيد بنو أبى حفص إلى مكان أبيهم الشيخ أبى محمد بن أثال بافريقية واستقل الامير أبو زكريا منهم بأمرها واقتلعها عن ملكه إلى عبد المؤمن وتناولها من يد أخيه أبى محمد عبد وهذا الامير أبو زكريا هو جد الخلفاء الحفصيين وماهد أمرهم بافريقية فأحسن دفاع ابن غانية عنها وشرده في أقطارها ورفع يده شيئا فشيئا عن النيل من أهلها ورواياها ولم يزل شريدا مع العرب بالقفار فبلغ سجلماسة من أقصى المغرب والعقبة الكبرى من تخوم الديار المصرية واستولى على ابن مذكور صاحب السريقة من تخوم برقة وأوقع بمغراوة لواجد ماهولجة ومليانة وقتل أميرهم منديل بن عبد الرحمن وصلب شلوه بسور الجزائر وكان يستخدم الجند فإذا سئموا الخدمة تركهم لسبيلهم إلى أن هلك لخمسين سنة من امارته سنة احدى وثلاثين وقيل ثلاث وثلاثين ودفن وعفى أثر مدفنه يقال بوادي الرجوان قتله الاريس ونقل بجهة مليانة من وادى شلف ويقال بصحراء باديس ومديد من بلاد الزاب وانقرض أمر الملثمين من مسوقة ولمتونة ومن جميع بلاد افريقية والمغرب والاندلس بمهلكه وذهب ملك صنهاجة من الارض بذهاب ملكه وانقطاع أمره وقد خلف بنات بعثهن زعموا إلى الامير أبى زكريا لعهده بذلك إلى علجه جابر فوضعن في يده وبلغه وفاة أبيهن وحسن ظنه في كفالته اياهن فأحسن الامير أبو زكريا كفالتهن وبنى لهن بحضرته دارا لصونهن معروفة لهذا العهد بقصر البنات وأقمن تحت حراسته وفى سعة من رزقه موصولات لوصاة أبيهن بذلك منهن وحفظهن لوصاته ولقد يقال ان ابن عم لهن خطب احداهن فبعث إليها الامير أبو زكريا فقال لها هذا ابن عمك وأحق بك فقالت لو كان ابن عمنا ما كفلنا الاجانب إلى أن هلكن عوانس بعد ان متعن من العمر مجظ (أخبرني والدى رحمه الله) أنه أدرك واحدة منهن أيام حياته في سنى العشر والسبعمائة تناهز التسعين من السنين (قال) ولقيتها وكانت من أشرف النساء نفسا وأسراهن خلقا وأزكاهن حالا والله وارث
الارض ومن عليها ومضى هؤلاء الملثمون وقبائلهم لهذا العهد بمجالاتهم من جواز السواد ان حجزا بينهم وبين الرمال التى هي تخوم بلاد البربر من المقدس وافريقية وهم لهذا العهد متصلون من ساحل البحر المحيط في المغرب إلى ساحل النيل بالمشرق وهلك(6/197)
من قام بالملك منهم بالعدوتين وهم قفل من مسوفة ولمتونة كما ذكرناه أكلتهم الدولة وابتلعتهم الآفاق والاقطار وأفناهم الرق واستلحمهم أمراء الموحدين وبقى من أقام بالصحراء منهم على حالهم الاول من افتراق الكلمة واختلاف البين وهم الآن يعطون طاعة لملوك السودان يجبون إليهم خراجهم وينفرون في معسكرهم واتصل بنيانهم على بلاد السودان إلى المشرق مناظر السلع العرب على بلاد المغربين وافريقية فكدالة منهم في مقابلة ذوى حسان بن المعقل غرب السوس الاقصى ولمتونة وتريكة ذوى منصور وذوى عبد الله بن المعقل أيضا عرب المغرب الاقصى ومسوفة في مقابلة زغبة عرب المغرب الاوسط ولمطة في مقابله رياح عرب الزاب وبجاية وقسنطينة وتاوكا في مقابلة سليم عرب افريقية وأكثر ما عندهم من المواشى الابل لمعاشهم وحمل أثقالهم وركوبهم والخيل قليلة لديهم أو معدومة ويركبون من الابل الفارهة ويسمونها النجيب ويقاتلون عليها إذا كانت بينهم حرب وسيرها هملجة وتكاد تلحق بالركض وربما يغزوهم أهل القيض من العرب وخصوصا بنو سعيد من بادية رياح فهم أكثر العرب غزوا إلى بلادهم وهو يستبيحون من صحبوه منهم يرمونه في بطون مغاير فإذا اتصل السياح بأحيائهم وركبوا في اتباعهم واعترضوهم على المياه قبل فصولهم من تلك البلاد فلا يكادون يخلصون ويشتد الحرب بينهم فلا يخلص العرب من غوائلهم الا بعد جهد وقد يهلك بعضهم ولله الخلق والامر واذ عرض لنا ملوك السودان فلنذكر ملوكهم لهذا العهد المجاورين لملوك المغرب { الخبر عن ملوك السودان المجاورين للمغرب من وراء هؤلاء
الملثمين ووصف أحوالهم والالمام بما اتصل بنا من دولتهم } هذه الامم السودان من الادميين هم أهل الاقليم التالى وراءه إلى آخر الاول بل والى آخر المعمور متصلون ما بين المغرب والمشرق ويجاورون بلاد البربر بالمغرب وافريقية وبلاد اليمن والحجاز في الوسط والبصرة وما وراءها من بلاد الهند بالمشرق وهم أصناف وشعوب وقبائل أشهرهم بالمشرق الزنج والحبشة والنوبة وأما أهل المغرب منهم فنحن ذاكروهم بعد ما ننسبهم فبنو حام بن نوح بالحبش من ولد حبش بن كوش بن حام والنوبة من ولد نوبة بن كوش بن كنعان بن حام فيما قاله المسعودي وقال ابن عبد البر إنهم من ولد نوب بن قوط بن مصر بن حام والزنج من ولد زنجى بن كوش وأما سائر السودان فمن ولد قوط بن حام فيما قاله ابن عبد البر ويقال هو قبط بن حام وعد ابن سعيد من قبائلهم وأممهم سبعة عشر أمة فمنهم في المشرق الزنج على بحر الهند لهم مدينة فنقية وهم مجوس وهم الذين غلب رقيقهم بالنصر على ساداتهم مع دعى الزنج في خلافة المعتمد قال ويليهم(6/198)
بربرا وهم الذين ذكرهم امرؤ القيس في شعره والاسلام لهذا العهد فاش فيهم ولهم يومئذ مقاشن على البحر الهندي يعمرها تجار المسلمين ومن غربيهم وحولهم الدمادم وهم حفاة عراة قال وخرجوا إلى بلاد الحبشة وهم أعظم امم السودان وهم مجاورون لليمن على شاطئ البحر الغربي ومنه غزو ملك اليمن ذى نواس وكانت دار مملكتهم كفرة وكانوا على دين النصرانية وأخذ بالاسلام واحد منهم زمن الهجرة على ما ثبت في الصحيح والذى أسلم منهم لعهد النبي صلى الله عليه وسلم وهاجر إليه الصحابة قبل الهجرة إلى المدينة فآواهم ومنعهم وصلى عليه النبي صلى الله عليه وسلم عند ما نعى إليه كان اسمه النجاشي وهو بلسانهم انكاش بالكاف المشمة بالجيم عربتها العرب جيما محضة وألحقتها ياء النسب شأنها في الاسماء الاعجمية إذا تصرفت فيها وليس هذا الاسم سمة لكل من تملك منهم كما يزعم كثير من الناس ممن لا علم له بهذا ولو كان كذلك لشهروا اسمه إلى اليوم لان
ملكهم لم يتحول منهم وملكهم لهذا العهد اسمه الخطى اسم السلطان نفسه أو اسم العشيرة الذين فيهم الملك وفى غزبيه مدينة بها ملك من أعاظمهم وله ملك ضخم وفى شماليه ملك آخر منهم اسمه حق الدين محمد بن على ابن واصمع في مدينة أسلم أولوه في تواريخ مجهولة وكان جده واصمع مطيعا لملك دامرن وأدركت الخطى الغيرة من ذلك فغزاه واستولى على بلاده ثم اتصلت الفتنة وضعف أمر الخطى فاسترجع بنو واصمع بلادهم من الخطى وبنيه واستولوا على وفات وخربوها وبلغنا أن حق الدين هلك وملك بعده أخوه سعد الدين وهم مسلمون ويعطون الطاعة للخطى احيانا وينابذونه أخرى والله مالك الملك (قال ابن سعيد) ويليهم البجاوة وهم نصارى ومسلمون ولهم جزيرة بسواكن في بحر السوس ويليهم النوبة اخوة الزنج والحبشة ولهم مدينة دنقله غرب النبل وأكثرهم مجاورون للديار المصرية ومنهم رقيق ويليهم زغاوة وهم مسلمون ومن شعوبهم تاجرة ويليهم الكانم وهم خلق عظيم والاسلام غالب عليهم ومدينتهم حميمي ولهم التغلب على بلاد الصحراء إلى فزان وكانت لهم مهادنة مع الدولة الحفصية مذ أولها ويليهم من غربهم كوكو وبعدهم نغاله والتكرور ولمى وتميم وجاى وكورى وأفكزار ويتصلون بالبحر المحيط إلى غانية في الغرب اه كلام ابن سعيد ولما فتحت افريقية المغرب دخل التجار بلاد المغرب فلم يجدوا فيهم أعظم من ملوك غانية كانوا مجاورين للبحر المحيط من جانب الغرب وكانوا أعظم أمة ولهم أضخم ملك وحاضرة ملكهم غانية مدينتان على حافتى النيل من أعظم مدائن العالم وأكثرها معتمرا ذكرها مؤلف كتاب رجار وصاحب المسالك والممالك وكانت تجاورهم من جانب الشرق أمة أخرى فيما زعم الناقلون تعرف صوصو بصادين مضمومتين(6/199)
أو سينين مهملتين ثم بعدها أمة أخرى تعرف مالى ثم بعدها أمة أخرى تعرف كوكو ويقال ثاغو ثم بعدها أمه أخرى تعرف بالتكرور (وأخبرني) الشيخ عثمان فقيه أهل
غانية وكبيرهم علما ودينا وشهرة قدم مصر سنة تسع وتسعين حاجا بأهله وولده ولقيته بها فقال انهم يسمون التكر ورزغاى ومالى انكاويه اه ثم ان أهل غانية ضعف ملكهم وتلاشى أمرهم واستفحل أمر الملثمين المجاورين لهم من جانب الشمال مما يلى البربر كما ذكرناه وعبروا على السودان واستباحوا حماهم وبلادهم واقتضوا منهم الاتاوات والجزى وحملوا كثيرا منهم على الاسلام فدانوا به ثم اضمحل ملك أصحاب غانية وتغلب عليهم أهل صوصو المجاورون لهم من أمم السودان واستعبدوهم وأصاروهم في جملتهم ثم ان أهل مالى كثروا أمم السودان في نواحيهم تلك واستطالوا على الامم المجاورين لهم فغلبوا على صوصوا وملكوا جميع ما بأيديهم من ملكهم القديم وملك أهل غانية إلى ارن من ناحية الغرب وكانوا مسلمين يذكرون ان أول من أسلم منهم ملك اسمه برمندان ضبطه الشيخ عثمان وحج هذا الملك واقتفى سننه في الحجج ملوكهم من بعده وكان ملكهم الاعظم الذى تغلب على صوصو وافتتح بلادهم وانتزع الملك من أيديهم اسمه مارى جاطة ومعنى مارى عندهم الامير الذى يكون من نسل السلطان وجاطة الاسد واسم الحافد عندهم تلز ولم يتصل بنا نسب هذا الملك وملك عليهم خمسا وعشرين سنة فيما ذكروه ولما هلك ولى عليهم من بعده مولى من مواليهم تغلب على ملكهم اسمه ساكورة وقال الشيخ عثمان ضبطه بلسانهم أهل غانية سيكرة وحج أيام الملك الناصر وقتل عند مرجعه بتاجورا وكانت دولته ضخمة اتسع فيها نطاق ملكهم وتغلبوا على الامم المجاورة لهم وافتتح بلاد كوكو وأصارها في ملكة أهل مالى واتصل ملكهم من البحر المحيط وغانة بالمغرب إلى بلاد التكرور في المشرق واعتز سلطانهم وهابتهم أمم السودان وارتحل إلى بلادهم التجار من بلاد المغرب وافريقية وقال الحاج يونس ويمال التكرورى ان الذى فتح كوكو هو سقمنجه من قواد منسا موسى وولى من بعده ساكورة وهدانو ابن السلطان مارى جاطة ثم من بعده ابنه محمد بن قوثم انتقل ملكهم من ولد السلطان مارى جاطة إلى ولد أخيه أبى بكر فولى عليهم
منسا موسى بن أبى بكر وكان رجلا صالحا وملكا عظيما له في العدل أخبار تؤثر عنه وحج سنة أربع وعشرين وسبعمائة لقيه في الموسم شاعر الاندلس أبو اسحق ابراهيم الساحلي المعروف بالطونجق وصحبه إلى بلاده وكان له اختصاص وعناية ورثها من بعده إلى الآن وأوطنوا الاثر من تخوم بلادهم من ناحية المغرب ولقيه في منصرفه صاحبنا المعمر أبو عبد الله بن خديجة الكومى من ولد عبد المؤمن كان داعية بالزاب للفاطمي(6/200)
المنتظر وأجلب عليهم بعصائب من العرب فمكر به واركلا واعتقله ثم خلى سبيله بعد حين فخاض إلى السلطان منسا موسى مستجيشا به عليهم وقد كان بلغه توجهه للحج فأقام في انتظاره ببلد غدامس يرجو نصرا على عدوه ومعونة على أمره لما كان عليه منسا موسى من استفحال ملكه بالصحراء الموالية لبلد واركلا وقوة سلطانه فلقى منه مبرة وترحبا ووعده بالمظاهرة والقيام بثاره واستصحبه إلى بلدة اخرى وهو الثقة (قال كنا نواكبه أنا وأبو اسحق الطونجق ذون وزرائه ووجوه قومه نأخذ بأطراف الاحاديث نتمتع وكان متحفا في كل منزل بطرف المآكل والحلاوات قال والذى تحمل آلته وحربته من الوصائف خاصة اثنا عشر ألفا لابسات أقبية الديباج والحرير اليماني (قال الحاج يونس ترجمان هذه الامة بمصر) جاء هذا الملك منسا موسى من بلده بثمانين حملا من التبر كل حمل ثلاثة قناطير قال وانما يحملون على الوصائف والرجال في أوطانهم فقط وأما السفر البعيد كالحج فعلى المطايا (قال أبو خديجة) ورجعنا معه إلى حضرة ملكه فأراد أن يتخذ بيتا بمقعد سلطانه محكم البناء مجللا لغرابته بأرضهم فأطرافه أبو اسحق الطونجق ببناء قبة مربعة الشكل استفرغ فيها اجادته وكان صناع اليدين واصفى عليها من الكاس ووالى عليها بالاصباغ المشبعة فجاءت من أتقن المباني ووقعت من السلطان موقع الاستغراب لفقدان صنعة البناء بأرضهم ووصله باثنى عشر ألفا من مثاقيل التبر مثوبة عليها إلى ما كان له من الاثرة والميل إليه والصلات السنية وكان بين هذا
السلطان منسا موسى وبين ملك المغرب لعهد من بنى مرين السلطان أبى الحسن مواصلة ومهاداة سفرت بينهما فيها الاعلام من رجال الدولتين واستجاد صاحب المغرب من متاع وطنه وتحت ممالكه مما تحدث عنه الناس على ما نذكره عند موضعه بعث بها مع على بن غانم المغفل واعيان من رجال دولته وتوارثت تلك الوصلة أعقابهما كما سيأتي واتصلت أيام منسا موسى هذا خمسا وعشرين سنة ولما هلك ولى أمر مالى من بعده ابنه منسا مغاومغا عندهم محمد وهلك لاربع سنين من ولايته وولى أمرهم من بعده منسا سليمان بن أبى بكر وهو أخو موسى واتصلت أيامه أربعا وعشرين سنة ثم هلك فولى بعده ابنه منسا بن سليمان وهلك لنسعة من ولايته فولى عليهم من بعده مارى جاطه بن منسا مغا بن منسا موسى واتصلت أيامه أربعة عشر عاما وكان أشر وال عليهم بما سامهم من النكال والعسف وافساد الحرم وأتحف ملك المغرب لعهد السلطان أبا سالم بن السلطان أبى الحسن بالمهدية المذكورة سنة ثنتين وستين وكان فيها الحيوان العظيم الهيكل المستغرب بأرض المغرب المعروف بالزرافة تحدث الناس بما اجتمع فيه من مفترق الحلى والشبه في جثمانه ونعوته دهرا (وأخبرني القاضى الثقة أبو عبد الله(6/201)
محمد بن وانسول من أهل سجلماسة وكان أوطن بأرض كوكو من بلادهم واستعملوه في خطة القضا بمالقية منذ سنة ست وسبعين وسبعمائة فأخبرني عن ملوكهم بالكثير مما كتبته وذكر لى عن هذا السلطان جاطه انه أفسد ملكهم وأتلف ذخيرتهم وكاد أن ينتقض شأن سلطانهم (قال) ولقد انتهى الحال به في سرفه وتبذيره ان باع حجر الذهب الذى كان في جملة الذخبرة عن أبيهم وهو حجر يزن عشرين قنطارا منقولا من المعدن من غير علاج بالصناعة ولا تصفية بالنار كانوا يرونه من أنفس الذحائر والغرائب لندور مثله في المعدن فعرضه جاطه هذا الملك المسرف على تجار مصر المترددين إلى بلده وابتاعوه منه بأنجس ثمن إذ استهلك من ذخائر ملوكهم سرفا وتبذيرا في سبيل
الفسوق والتخلف (قال) وأصابته علة النوم وهو مرض كثيرا ما يطرق أهل ذلك الاقليم وخصوصا الرؤساء منهم يعتاده غشى النوم عامة ازمانه حتى يكاد أن لا يفيق ولا يستيقظ الا في القليل من أوقاته ويضر صاحبه ويتصل سقمه إلى أن يهلك (قال) ودامت هذه العلة بخلطه مدة عامين اثنين وهلك سنة خمس وسبعين وولوا من بعده ابنه موسى فأقبل على مذاهب العدل والنظر لهم ونكب عن طرق أبيه جملة وهو الآن مرجو الهداية ويغلب على دولته وزيره مارى جاطه ومعنى مارى عندهم الوزير وجاطه تقدم وهو الآن قد حجر السلطان واستبد بالامر عليه ونظر في تجهيز العساكر وتجهيز الكتائب ودوخ اقطار الشرق من بلادهم وتجاوز تخوم كوكو وجهز إلى منازلة نكرت بما وراءها من بلاد الملثمين كتائب نازلتها لاول الدولة وأخذت بمخنقها ثم أفرجت عنها وحاطهم الآن هدنة وتكرت هذه على سبعين مرحلة من بلد واركلا في الجانب القبلى الغربي وفيها من الملثمين يعرف بالسلطان وعليهم طريق الحاج من السودان وبينه وبين أمير الزاب ووركلا مهاداة ومراسلة (قال) وحاضرة الملك لاهل مالى هو بلد بنى بلد متسع الخطة معين على الزرع مستبحر العمارة نافق الاسواق وهو الآن محط لركاب البحر من المغرب وافريقية ومصر والبضائع مجلوبة إليها من كل قطر ثم بلغنا لهذا العهد ان منسا موسى توفى سنة تسع وثمانين وولى بعده أخوه منسا مغا ثم قتل لسنة أو نحوها وولى بعده صندكى زوج أم موسى صندكى الوزير ووثب عليه بعد أشهر من بيت مارى جاطة ثم خرج من بلاد الكفرة وراءهم وجاءهم رجل اسمه محمود ينسب إلى منساقو بن منسا ولى بن مارى جاطه الاكبر فتغلب على الدولة وملك أمرهم سنة ثنتين وتسعين ولقبه منسامغا والخلق والامر لله وحده(6/202)
{ الخبر عن لمطة وكزولة وهسكورة بنى يصكى وهم اخوة هوارة وصنهاجة }
هؤلاء القبائل النلاثة قد تقدم لنا أنهم اخوة لصنهاجة وأن أم الثلاثة بصكي العرجاء بنت زحيك بن مادغيس فأما صنهاجة فمن ولد عاميل بن زعزاع واما هوارة لمن وليد أوريغ وهو ابنها ابن برنس وأما الآخرون فلا تحقيق في نسبهم (قال ابن حزم) ان صنهاجة ولمطة لا يعرف لهما أب وهذه الامم الثلاثة موطنون بالسوس وما يليه من بلاد الصحراء وجبال دون تلو بسائطه وجباله (فأما لمطة) فأكثرهم مجاورون الثلثين من صنهاجة ولهم شعوب كثيرة وأكثرهم ظواعن أهل وبر ومنهم بالسوس مسلنازكن ولخس صاروا في عداد ذوى حسان من معقل وبقايا لمطة بالصحراء مع الملثمين ومعظمهم قبيلة بين تلمسان وافريقية وكان منهم الفقيه وكاك بن زيرك صاحب أبى عمران الفاسى وكان نزل سجلماسة ومن تلميذه كان عبد الله بن ياسين صاحب الدولة اللمتونية على ما مر (وأما كزولة) فبطونهم كثيرة ومعظمهم بالسوس ويجاورون لمطة ويحاربونهم ومنهم الآن ظواعن بأرض السوس وكان لهم مع المعقل حروب قبل أن يدخلوا السوس فلما دخلوه تغلب عليهم وهم الآن من خولهم وأحلافهم ورعاياهم (وأما هسكورة) وهم لهذا العهد في عداد المصامدة وينسبون إلى دعوة الموحدين وهم أمم كثيرة وبطون واسعة ومواطنهم بجبالهم متصلة من درن إلى تادلا من جانب الشرق إلى درعة من جانب القبلة وكان دخول بعضهم في دعوة المهدى قبل فتح مراكش ولم يستكملوا الدخول في الدعوة الا من بعده فلذلك لا يعدهم كثير من الناس في الموحدين وان عدوا فليسوا من أهل السابقة منهم لمخالفتهم الامام أول الامر وما كان من حروبهم معه ومع أوليائه وشيعته وكانوا ينادون بخلافهم وعداوتهم ويجهرون بلعنهم فتقول خطباؤهم في مجامع صلواتهم لعن الله هنتاتة وتينملل وهرنة وهرزجة فاستقامتهم على الدعوة كان بعد فتح مراكش وبطون هسكورة هؤلاء متعددون فمنهم مصطاوة وعجرامة وزمراوة وانتيفت وبنو نفال وبنو رسكونت إلى آخرين لم يحضرني أسماؤهم وكانت الرياسة عليهم آخر دولة الموحدين لعمر بن وقاريط المنتسب وذكره في أخبار المأمون والرشيد من بنى
عبد المؤمن خلاف الموحدين بمراكش ثم كان من بعده مسعود بن كلداسن وهو القائم بأمر دبوس والمظاهر له على شأنه وأظنه جد بنى مسعود الرؤفاء عليهم لهذا العهد من فطواكة المعروفين ببنى خطاب لاتصال الرياسة في هذا البيت ولما انقرض أمر الموحدين استعصوا على بنى مرين مدة واختلف حالهم معهم في الاستقامة والنفرة وكانوا ملجأ النازعين عن الطاعة من عرب جشم ومأوى للثائرين منهم ثم استقاموا(6/203)
وادعنوا لاداء الضرايب والمغارم وجبايتها من قومهم والخفوف إلى العسكر إلى السلطان متى دعوا إليها شأن غيرهم من سائر المصامدة (وأما انتيفت فكانت رياستهم في أولاد هنوا وكان يوسف بن كنون منهم اتخذ لنفسه حصن تاقيوت وامتنع به ولم يزل ولده على ومخلوف يشيدانه من بعده وهلك يوسف وقام بأمره ابنه مخلوف وجاهر بالنفاق سنة ثنتين وسبعمائة ثم راجع الطاعة وهو الذى تقبض على يوسف بن أبى عياد المتعدى على مراكش أيام أبى ثابت سنة سبع وسبعمائة كما نذكر في أخباره لما أحيط به فتقبض عليه مخلوف وأمكن منه وكانت وسيلته من الطاعة وكان من بعده ابنه هلال ابن مخلوف والرياسة فيهم متصلة لهذا العهد (وأما بنو نفال) فكانت رياسته لاولاد تروميت وكان منهم لعهد السلطان أبى سعيد وابنه أبى الحسن كبيرهم على بن محمد وكان له في الخلاف والامتناع ذكر واستنزله السلطان أبو الحسن من محله لاول ولايته بعد حصاره بمكانه وأصاره في جملته تحت عنايته وامرائه إلى ان هلك بتونس بعد واقعة القيروان في الطاعون الجارف وولى بنوه من بعده أمر قومهم إلى ان انقرضوا والرياسة لهذا العهد في أهل بيتهم ولاهل عمومتهم (واما فطواكة) وهم أوسع بطونهم وأعظمهم رياسة فيهم وأقربهم اختصاصا لصاحب الملك واستعمالا في خدمته وكان بنو خطاب منذ انقراض أمر الموحدين قد جنحوا إلى بنى عبد الحق وأعطوهم المقادة واختصوا شيوخهم في بنى خطاب بالولاية عليهم وكان شيخهم لعهد السلطان يوسف بن يعقوب محمد
ابن مسعود وابنه عمر من بعده وهلك عمر سنة أربع وسبعمائة بمكانه من محله وولى بعده عمه موسى بن مسعود وسخطه السلطان لتوقع خلافه فاعتقله وكان خلاصه من الاعتقال سنة ست وسبعمائة وقام بأمر هسكورة من بعده محمد بن عمر بن محمد بن مسعود ولما استفحل ملك بنى مرين وذهب أثر الملك من المصامدة وبعد عهدهم صار بنو مرين إلى استعمال رؤسائهم في جباية مغارمهم لكونهم من جلدتهم ولم يكن فيهم أكبر رياسة من أولاد تونس في هنتاتة وبنى خطاب هؤلاء في هسكورة فداولوا بينهم ولاية الاعمال المراكشية وليها محمد بن عمر هذا من بعد موسى بن على وأخيه محمد شيوخ هنتاتة فلم يزل واليا منها إلى ان هلك قبيل نكبة السلطان أبى الحسن بالقيروان ولحق ابنه ابراهيم بتلمسان ذاهبا إلى السلطان أبى الحسن فلما دعا أبو عنان إلى نفسه رجع عنه إلى محله وتمسك بما كان عليه من طاعة أبيه ورعاه أبو عنان لعمه عبد الحق وقلده الاعمال المراكشية فلم بغن في منازعه إلى أن لحق السلطان أبو الحسن بمراكش فكان من أعظم دعاته وأبلى في مظاهرته فلما هلك السلطان أبو الحسن اعتقله أبو عنان وأودعه السجن ثم قتله بين يدى نهوضه إلى تلمسان سنة ثلاث وخمسين وقام بأمره من بعده أخو(6/204)
منصور بن محمد إلى أن ملك الامير عبد الرحمن بن أبى بقلس مراكش سنة ست وسبعين فاستقدمه وتقبض عليه واعتقله بدار ابن عمه نحوا من العام ابن مسعود بن خطاب كان من جملته وكان هو وأبوه نازعا إلى بنى مرين خوفا على أنفسهم من أولاد محمد بن عمر لنرشحهم للامر فلما استمكن منه بداره معتقلا وثب عليه ففتله واستلحم بنيه معه وسخطه السلطان لها فاعتقله قليلا ثم أطلقه واستقل برياسة هكورة لهذا العهد والله قادر على ما يشاء * (الطبقة الثالثة من صنهاجة) * وهذه الطبقة ليس فيثها ملك وهم لهذا العهد أوفر قبائل المغرب فمنهم الموطنون بالجانب
الشرقي من جبال درن ما بين تازى وتادلا ومعدن بنى فازان حيث الثنية المفضية إلى آكرسلومن من بلاد النخل ومقصد تلك الثنية من بلادهم وبلاد المصامدة في المغرب من جبال درن ثم اعتم والسن تلك الجبال وشواهقها وتنعطف مواطنهم في تلك الثنية إلى ناحية القبلة إلى أن ينتهى إلى آكرسلومن ثم يرجع معدله من آكرسلومن إلى درعه إلى ضواحي السوس الاقصى وامصاره من تارودانت وأيفرى ان قوتان وغيرها ويعرف هؤلاء كلهم باسم صناكة حرفت إليها من اسم صنهاجة وأشموا صاده زايا وأبدلوا الجيم بالكاف المتوسطة المخرج عند العرب لهذا العهد بين الكاف والقاف أو بين الكاف والجيم وهى معربة النطق ولصنهاجة هؤلاء بين قبائل الغرب أوفر عدد وشدة بأس ومنعة وأعزهم جانبا أهل الجبال المطلة على تادلا ورياستهم لهذا العهد في ولد عمران الصناكى ولهم اعتز زعن الدولة ومنعة عن الهضمة والانقياد المعرى وتتصل بهم(6/205)
قبائل خباتة منهم ظواعن يسكنون الخط وينتجعون مواقع القطر في نواحى بلادهم بتيغانيمين من قبيلة مكناسة إلى وادى أم ربيع من تامسنا في الجانب الشمالي من جانبى جبل درن ورياستهم في ولد هيدى من مشاهيرهم ولهم اعتياد بالغر مروروم على الذل وتتصل بهم قبائل دكالة في وسط المغرب من عدوة أم ربيع إلى مراكش ويتصل بهم من جهة المغرب على ساحل البحر المحيط قبيلة بناحية آزمور وأخرى وافرة العدد مندرجة في عداد المصامدة وطنا ونحلة وجباية وعمالة ورياستهم لهذا العهد في دولة عزيز بن يبروك ورئيسهم لاول دولة زناتة ويأتى ذكره ويعرف عقله الآن ببنى بطال ومن بجبال تازى وما والاها مثل بطوية وبخاصة وبنى وارتين إلى جبل لداى من جبال المغرب معروف ببنى بكك احدى قبائلهم يعطون المغرم على عدة وبطوية منهم ثلاثة بطون بطوية على تازى وبنى ورياغل على ولد المزمة وأولاد على بتافرسيت وكان لاولاد على ذمة مع بنى عبد الحق ملوك بنى مرين وكانت أم يعقوب بن عبد الحق منهم فاستوزرهم
وكان منه طلحة بن على وأخوه عمر على ما يأتي ذكره في دولتهم ويتصل ببسيط بالمغرب ما بين جبال درن وجبال الريف من ساحل البحر الرومي حيث مساكن حماد الآتى ذكرهم قبائل أخرى من صنهاجة موطنون في هضاب وأودية وبسائط يسكنون بيوت الحجارة والطين مثل فشتالة وسطه وبنو ورياكل وبنو حميد وبنو مزجلدة وبنو عمران وبنو دركول وورتزر وملوانة وبنى وامرد ومواطن هؤلاء كلهم بورغة وامركو يحترفون بالحياكة والحراثة ويعرفون لذلك صنهاجة البز وهم في عداد القبائل المغارمة ولغتهم في الاكثر عربية لهذا العهد وهم مجاورون بجبال غمارة ويتصل بجبال غمارة من ناحيتهم جبل سريف موطن بنى زروال من صنهاجة وبنى مغالة لا يحترفون بمعاش ويسمون صنهاجة العز لما اقتضنه منعة جبالهم ويقولون لصنهاجة آزمور الذين قدمنا ذكرهم صنهاجة الذل لما هم عليه من الذل والمغرم والله وارث الارض ومن عليها وهو خير الوارثين وقد يقال في بعض مزاعم البربر ان بنى وديد من صنهاجة وبنو يزناسن وباطويه هم اخوال واصل بن ياسين أجناسن ومعناه بلغة الغرب الجالس على الارض { الخبر عن المصامدة من قبائل البربر وما كان لهم من الدولة والسلطان بالمغرب ومبدأ ذلك وتصاريفه } وأما المصامدة وهم من ولد مصمود بن يونس بربر فهم أكثر قبائل البربر وأوفرهم من بطونهم برغواطة وغمارة وأهل جبل درن ولم تزل مواطنهم بالمغرب الاقصى منذ الاحقاب المتطاولة وكان المتقدم فيهم قبيل الاسلام وصدره برغواطة ثم صار التقدم بعد ذلك لمصامدة جبال درن إلى هذا العهد وكان لبرغواطة في عصرهم دولة ولاهل درن(6/206)
منهم دولة أخرى ودول حسبما نذكر فلنذكر هذه الشعوب وما كان فيها من الدول بحسب ما بدا الينا من ذلك { الخبر عن برغواطة من بطون المصامدة
ودولتهم ومبدا أمرهم وتصاريف أحوالهم } وهم الجيل الاول منهم كان لهم في صدر الاسلام التقدم والكثرة وكانوا شيخا وشيعا مفترقين وكانت مواطنهم خصوصا من بين المصامدة في بسائط تامسنا وريف البحر المحيط من سلا وازمور وأنقى وأسفى وكان كبيرهم لاول المائة الثانية من الهجرة طريف أبو صبيح وكان من قواد ميسرة الخفير طريف المضفرى القائم بدعوة الصفرية ومعها معزوز بن طالوت ثم انقرض أمر ميسرة والصفرية وبقى طريف قائما بأمرهم بتامسنا ويقال أيضا انه تنبأ وشرع لهم الشرائع ثم هلك وولى مكانه ابنه صالح وقد كان حضر مع أبيه حروب ميسرة وكان من أهل العلم والخير فيهم ثم انسلخ من آيات الله وانتحل دعوى النبوة وشرع لهم الديانة التى كانوا عليها من بعده وهى معروفة في كتب المؤرخين وأدعى انه نزل عليه قرآن كان يتلو عليهم سورا منه يسمى منها سورة الديك وسورة الحمر وسورة الفيل وسورة آدم وسورة نوح وكثير من الانبياء وسورة هاروت وماروت وابليس وسورة غرائب الدنيا وفيها العلم العظيم بزعمهم حرم فيها وحلل وشرع وقصر وكانوا يقرؤنه في صلواتهم وكانوا يسمونه صالح المؤمنين كما حكاه البكري عن زمور بن صالح بن هاشم بن وراد الوافد منهم على الحاكم المستنصر الخليفة بقرطبة من قبل ملكهم أبى عيسى بن أبى الانصاري سنة ثنتين وخمسين وثلثمائة وكان يترجم عنه بجميع خبره داود بن عمر المسطاسى قال وكان ظهور صالح هذا في خلافة هشام بن عبد الملك من سنة سبع وعشرين من المائة الثانية من الهجرة وقد قيل ان ظهوره كان لاول الهجرة وانه انما انتحل ذلك عنادا ومحاكاة لما بلغه شأن النبي صلى الله عليه وسلم والاول أصح ثم زعم انه المهدى الاكبر الذى يخرج في آخر الزمان وان عيسى يكون صاحبه ويصلى خلفه وان اسمه في العرب صالح وفى السريان مالك وفى الاعجمي عالم وفى العبراني روبيا وفى البربري وربا ومعناه الذى ليس بعده نبى وخرج إلى المشرق بعد ان ملك أمرهم سبعا وأربعين سنة ووعدهم أنه يرجع إليهم في دولة السابع منهم وأوصى بدينه إلى ابنه
الياس وعهد إليه بموالاة صاحب الاندلس من بنى أمية وباظهار دينه إذا قوى أمرهم وقام بأمره بعده ابنه الياس ولم يزل مظهرا للاسلام مسرا لما أوصاه به أبوه من كلمة كفرهم وكان طاهرا عفيفا زاهدا وهلك لخمسين سنة من ملكه وولى أمرهم من بعده ابنه يونس فأظهر دينهم ودعا إلى كفرهم وقتل من لم يدخل في أمره حتى حرق مدائن تامسنا(6/207)
وما والاها يقال انه حرق ثلثمائة وثمانين مدينة واستلحم آهلها بالسيف لمخافتهم اياه وقتل منهم بموضع يقال له تاملوكاف وهو حجر عال نابت وسط الطريق فقتل سبعة آلاف وسبعمائة وسبعين (قال رمون) ورحل يونس إلى المشرق وحج ولم يحج احد من أهل بيته قبله ولا بعده وهلك لاربع وأربعين سنة من ملكه وانتقل الامر عن بنيه وولى أمرهم أبو غفير محمد بن معاد بن اليسع بن صالح بن طريف فاستولى على ملك برغواطة وأخذ بدين آبائه واشتدت شوكته وعظم أمره وكانت له في البربر وقائع مشههورة وأيام مذكورة أشار إليها سعيد بن هشام المصمودى في قوله قفى قبل التفرق واخبرينا * وقولى واخبرى خبرا يقينا وهذى أمة هلكوا وضلوا * وغاروا لا سقوا ماء معينا يقولون التبى أبو غفير * فأخزى الله أم الكاذبينا ألم تسمع ولم ترلؤم بيت * على آثار خيلهم ربينا وهن الباكيات فملكواكى * وعادمة ومسقطة جنينا ستعلم أهل تامسنا إذا ما * أتوا يوم القيامة سقطعينا هنا لك يونس وبنو أبيه * يقودون البرابر حائرينا إذا زرياور طافت عليهم * جبهتهم بأيدى المنكرينا فليس اليوم يومكم ولكن * ليالى كنتم متيسرينا واتخذ أبو غفير من الزوجات أربعا وأربعين وكان له من الولد مثلها وأكثر وهلك
أخريات المائة الثالثة لتسع وعشرين سنة من ملكه وولى بعده ابنه أبو الانصار عبد الله فاعتفى سننه وكان كثير الدعوة مهابا عند ملوك عصره يهادونه ويدافعونه بالمواصلة وكان يلبس الملحفة والسراويل ويلبس المخيط ولا يعتم أحد في بلاده الا الغرباء وكان حافظا للجاروفيا بالعهد وتوفى سنة احدى وأربعين من المائة الرابعة لاربع وأربعين سنة من ملكه ودفن باسلاخت وبها قبره وولى بعده ابنه أبو منصور عيسى ابن اثنتين وعشرين سنة فسار سير آبائه وادعى النبوة والكهانة واستد أمره وعلا سلطانه ودانت له قبائل المغرب (قال رمون) وكان عسكره يناهز الثلاثة آلاف من برغواملة وعشرة آلاف من سواهم مثل جراوة وزواغة والبرانس ومجاصة ومضغرة ودمر ومطماطة وبنو وارنكيت وكان أيضا بنو يفرى وآحدة وركامة وايزمن ورصافة ورنمصرارة على دمهم ولم تسجد ملوكهم الا له منذ كانوا اه كلام رمون وكان لملوك العدوتين في غزو برغواطة هؤلاء وجهادهم اساسوا بعده آثار عظيمة من الادارسة والاموية والشيعة ولما أجاز جعفر بن على من الاندلس إلى المغرب وقلده(6/208)
المنصور بن أبى عامر عمله سنة ست وستين وثلثمائة فنزل البصرة ثم اختلف ذات بينه وبين أخيه يحيى واستمال عليه وجوه الهند وأمر أن يأتيه فيما قاله جعفر عن العمل وصرف وجهه إلى جهاد برغواطة معتده من صالح عمله وزحف إليهم في أهل المغرب وكافة الجند الاندلسيين فلقوه ببسيط بلادهم وكانت عليه الدبرة ونجا بنفسه في فل من جنده ولحق بأخيه بالبصرة ثم أجاز بعدها إلى المنصور باستدعائه وترك أخاه يحيى على عمل المغرب ثم حاربتهم أيضا صنهاجة لما غزا بلكين بن زيرى المغرب سنة ثمان وستين بعدها وأجفلت زناتة امامه وانزووا إلى حائط سبتة وامتنعوا منه بأعوادها فانصرف عنهم إلى جهاد برغواطة وزحف إليهم فلقيه أبو منصور عيسى بن أبى الانصار في قومه وكانت عليهم الهزيمة وقتل أبو منصور وأثخن فيهم بلكين بالقتل وبعث سبيهم إلى القيروان ولم أقف على من ملك أمرهم بعد أبى منصور ثم حاربتهم أيضا جنود المنصور
ابن أبى عامر لما عقد عبد الملك بن المنصور لمولاه واضح إمرة برغواطة هؤلاء فيمن قبله من الاجناد وامراء النواحى وأهل الولاية فعظم الاثر فيهم بالقتل والسبي ثم حاربهم أيضا بنو يفرن لما استقل أبو يعلى بن محمد اليفرنى من بعد ذلك بناحية سلا من بلاد المغرب واقتطعوهم من عمل زيرى بن عطية المغراوى بعدما كان بينهما من الحروب وانتساب أولاد يعلى هؤلاء إلى تميم بن زيرى بن يعلى في أول المائة الخامسة وكان موطنا بمدينة سلا ومجاورا لبرغواطة فكان له أثر كبير في جهادهم وذلك في سنى عشرين وأربعمائة فغلبهم على تامسنا وولى عليها من قبله بعد ان أثخن فيهم سببا وقتلا ثم تراجعوا من بعده إلى أن ساءت دولة لمتونة وخرجوا من مواطنهم بالصحراء إلى بلاد المغرب وافتتحوا الكثير من معاقل السوس الاقصى وجبال المصامدة ثم بدالهم جهاد برغواطة بتامسنا وما إليها من الريف الغربي فزحف إليهم أبو بكر بن عمر أمير لمتونة في المرابطين من قومه وكانت له فيهم وقائع استشهد في بعضها صاحب الدعوة عبد الله ابن ياسين الكبروى سنة خمسين وأربعمائة واستمر أبو بكر وقومه من بعده على جهادهم حتى استأصلوا شأفتهم ومحوا من الارض آثارهم وكان صاحب أمرهم لعهد انقراض دولتهم أبو حفص عبد الله من أعقاب أبى منصور عيسى بن أبى الانصار عبد الله بن أبى غفير محمد بن معاد بن اليسع بن صالح بن طريف فهلك في حروبهم وعليه كان انقراض أمرهم وقطع دابرهم على يد هؤلاء المرابطين والحمد لله رب العالمين وقد نقل بعض الناس في نسب برغواطة فبعضهم يعده في قبائل زناتة وآخرون يقولون في صالح انه يهودى من ولد شمعون بن يعقوب نشأ ببرباط ورحل إلى المشرق وقرأ على عبد الله المغربي واشتغل بالسحر وجمع فنونا وقدم المغرب ونزل تامسنا فوجد بها قبائل جهالا(6/209)
من البربر فأظهر لهم الزهد وسحرهم بلسانه وموه عليهم فقصدوه واتبعوه فادعى النبوة وقيل له برباطى نسبة إلى الموطن الذى نشأ به وهو برباط واد بحصن شريش من بلاد
الاندلس فعربت العرب هذا الاسم وقالوا برغواط ذكر ذلك كله صاحب كتاب الجوهر وشئ من بساتين البر وهو من الاغاليط البينة وليس القوم من زناته ويشهد لذلك موطنهم وجوارهم لاخوانهم المصامدة وأما صالح بن طريف فمعروف منهم وليس من غيرهم ولا يتم الملك والتغلب على النواحى والقبائل لمنقطع جذمه دخيل في نسبه سنة الله في عباده وانما نسب الرجل برغواطة ولهم في شعوب المصامدة شعب معروف كما ذكرناه والله ولى المتقين { الخبر عن غمارة من بطون المصامدة وما كان فيهم من الدول وتصاريف أحوالهم } هذا القبيل من بطون المصامدة من ولد غمار بن مصمود وقيل غمار بن أصياد من مصيمولان ويقول بعض العامة انهم عرب فروا إلى تلك الجبال فسموا غمارة وهو مذهب عامى وهم شعوب وقبائل أكثر من أن تحصر والبطون المشهورة منهم بنو حمير ومثيوه وبنو مال وأعضاوه وبنو وزروال ومحكسة وهم آخر مواطنهم يعتمرون رحاب الريف بساحل بحر الدر من غير عين ببسائط المغرب من لدن عساسة فتكرر فبادس فبنكيليس فبتطاوير فسبتة فالقصر إلى طنجة خمس مراحل أو أزيد أوطنوا لها جبالا شاهقة اتصل بعضها ببعض سياجا بعد سياج خمس مراحل أخرى من العرض إلى أن يتخطى بسائط قصر كتامة ووادى ورغة من بسائط المغرب ترتد عنها الانصار وتنزل في حافاتها الطيور والهام وينفسح في رؤسها وسربها الفجاج سبل السفر ومراتع السائمة وفدن المزرعة وادواح الرياض ويبين لك انهم من المصامدة يبادر النسب المحيط سمو البعض شعوبهم يعرفون يمصمودة ساكنين ما بين سيتة وطنحة واليهم(6/210)
ينسب قصر المجاز الذى يعبر منه الخليج البحري إلى بلد طريف ويعضده أيضا اتصال مواطنهم بمواطن برغواطة من شعوب المصامدة بريف البحر الغربي وهو المحيط إذ ذاك
بنو حسان منهم موطنين بذلك الساحل من لدن آزغر وأصيلا الا أن أنفى من هنا لك تتصل بهم مواطن برغواطة ودوكالة إلى قبائل درن من المصامدة فما وراءها من بلاد القبلة فالمصامدة هم أهل الجبال بالمغرب الاقصى الا قليلا منهاع وغيرهم في البسائط ولم تزل غمارة هؤلاء بمواطنهم هذه من لدن الفتح ولم يعلم ما قبل ذلك وللمسلمين فيهم أزمان الفتح وقائع الملاحم وأعظمها لموسى بن نصير وهو الذى حملهم على الاسلام واسترهن أبناءهم وأنزل منهم عسكرا مع خلوف بطنجة وكان أميرهم لذلك العهد بليان وهو الذى وفد عليه موسى بن نصير وأعانه في غزو الاندلس وكان منزله سبتة كما نذكره وذلك قبل استحواء تاتكور وكانت في غمارة هؤلاء بعد الاسلام دول قاموا بها لغيرهم وكان فيهم متنبئوون ولم تزل الخوارج تقصد جبالهم للمنعة فيها كما نذكره ان شاء الله تعالى * (الخبر عن سبتة ودولة بنى عصام بها) * كانت سبتة هذه من الامصار القديمة قبل الاسلام وكانت يومئذ منزل بليان ملك غمارة ولما زحف إليه موسى بن نصير صانعه بالهدايا وأذعن للجزية فأقره عليها واسترهن ابنه وأبناء قومه وأنزل طارق بن زياد بطنجة للجزية وضرب عليهم العسكر للنزول معه ثم كانت اجازة طارق إلى الاندلس فضرب عليهم البعوث وكان الفتح لاكفاء له كما مر في موضعه ولما هلك بليان استولى العرب على مدينة سبتة صلحا من أيدى قومه فعمروها ثم كانت فتنة ميسرة الخفير وما دعا إليه من ضلالة الخارجية وأخذ بها الكثير من البرابر من غمارة وغيرهم فزحف من امرة طنجة إلى سبتة وأخرجوا العرب منها وسبوها وخربوها فبقيت خلاء ثم نزل بها ماحكس من رجالاتهم ووجوه قبائلهم وبه سميت محكسة فبناها ورجع إليها الناس وأسلم وسمع من أهل زمانه إلى أن مات فقام بأمره ابنه عصام ووليها دهرا ولما هلك قام بأمره ابنه مجير فلم يزل واليا عليها إلى أن هلك ووليها أخوه الرضى ويقال انه ابنه وكانوا يعطون لبنى ادريس طاعة مضعفة كما نذكره ولما سما للناصر أمل في ملك المغرب ويتناوله حيلة من أيدى بنى ادريس
المالكين ببلاد الهبط وغمارة حين أجهضتهم كتامة وزناتة عن ملكهم بفاس وقام بدعوة الناصر وبثوها في أعمالهم نزلوا حينئذ للناصر عن سبتة وأشاروا له إلى تناولها من بنى عاصم فسرح إليها عساكره وأساطيله مع قائده نجاح بن غفير فكان فتحها سنة تسع عشرة وثلثمائة ونزل له الرضى بن عصام عنها وآتاه طاعته وانقرض أمر بنى عصام وصارت سبتة إلى الناصر حتى استولى عليها بعد حين بنو حماد واستحدثوا بعدها دولة(6/211)
أخرى كما نذكره لما استولى المسلمون أيام الفتح على بلاد المغرب وعمالاتها واقتسموها وأمدهم الخلفاء بالبعوث إلى جهاد البربر وكان فيهم من كل القبائل من العرب وكان صالح بن منصور الحميدى من عرب اليمن في البعث الاول وكان يعرف بالعبد الصالح فاستخلص نكور لنفسه واقطعه البها الوليد بن عبد الملك في أعوام احدى وتسعين من الهجرة قاله صاحب المقباس وبلد نكور ينتهى من المشرق إلى زواغة وجراوة بن أبى الحفيظ مسافة خمسة أيام وتجاورها من هنا لك مطماطة وأهل كدالة ومن نبسة وغساسة أهل جبل مزك وقلدع جاره التى لبنى ورتندى ولميد وزناتة وينتهى من المغرب إلى مروان من غمارة بنى حميد إلى مسطاسة وصنهاجة ومن ورائهم أوربة حزب فرحون وبنى ولميد وزناتة وبنى يونيان وبنى واسن حزب قاسم صاحب والبحر جومى تكون على خمسة أميال فأقام صالح هنا لك لما اقتطع أرضها وكثر نسله واجتمع إليه قبائل غمارة وصنهاجة وأسلموا على يده وقاموا بأمره وملك تكسامان وانتشر الاسلام فيهم ثم ثقلت عليهم الشرائع والتكاليف وارتدوا وأخرجوا صالحا وولوا عليهم رجلا من نفزة يعرف بالرندى ثم تابوا وراجعوا الاسلام وراجعوا صالحا فأقام فيهم إلى أن هلك بتلمسان سنة ثنتين وثلاثين ومائة وولى أمره من بعده ابنه المعتصم بن صالح وكان شهما شريف النفس كثير العبادة وكان يلى الصلاة والخطبة لهم بنفسه ثم هلك لايام يسيرة وولى من
بعده أخوه ادريس فاختط مدينة نكور في عدوة الوادي ولم يكملها وهلك سنى ثلاث وأربعين وولى من بعده ابنه سعيد واستفحل أمره وكان ينزل مدينة تكسامان ثم اختط مدينة نكور لاول ولايته ونزلها وهى التى تسمى لهذا العهد المدة بين نهرين أحدهما نكور مخرجه كزنارية ومخرجه من مخرج وادى ورغة واحد والثانى غيس ومخرجه من بلد بنى ورياغيل يجتمع النهران في آكال ثم يفترقان إلى البحر ويقال نكور من عدوة الاندلس بزليانة وغزا المجوس نكور هذه في أساطيلهم سنة أربع وأربعين فغلبوا عليها واستباحوها ثانيا ثم اجتمع إلى سعيد البرانس وأخرجوهم عنها وانتقضت غمارة بعدها على سعيد فخلعوه وولوا عليهم رجلا منهم اسمه مسكن وتراجعوا فاظهر الله عليهم وفرق جماعتهم وقتل مقدمهم واستوسق أمره إلى أن هلك سنة ثمان وثمانين لسبع وثلاثين من أيامه وقام بأمره ابنه صالح بن سعيد فتقبل مذهب سلفه في الاستقامة والاقتداء وكان له مع البربر حروب ووقائع إلى أن هلك سنة خمسين ومائتين لاثنتين وسبعين سنة من ملكه وقام من بعده ابنه سعيد بن صالح وكان أصغر ولده فخرج إليه أخوه عبد الله وعمه الرضى وظفر بهما بعد حروب كثيرة فغرب أخاه إلى(6/212)
المشرق ومات بملكه وأبقى على عمه الرضى لمادة صهر بينهما وقتل سائر من ظفر به من عمومته وقرابته وأنهض لهما سعادة الله بن هرون منهم ولحق ببنى يصليتن أهل جبل أبى الحسن ودلهم على عورته وبيتوا معسكره واستولوا عليه وأخذوا الالة وقتل منهم خلق ونجا سعادة الله بتلمسان وتقبض على أخيه ميمون فضرب عنقه ثم سار سعادة الله إلى طلب الصلح فاسعفه وأنزله معه مدينة نكور ثم غزا سعيد بقومه وأهل ايالته من غمارة بلاد بطوية ومن يتصو وقلوع جلده وبنى وديدى وأصهر بأخيه إلى أحمد بن ادريس بن محمد بن سليمان صاحبه وأنزله مدينة نكور معه وتوطأ الامر لسعيد في تلك النواحى إلى أن خاطبه عبد الله المهدى يدعوه إلى أمره وفى أسفل كتابه لهم
وان تستقيموا أستقم بصلاحكم * وان تعدلوا عنى أرى قتلكم عدلا وأعلو بسيفي قاهرا لسيوفكم * وأدخلها عفوا واملؤها قتلا فكتب إليه شاعره الاحمس الطليطلى بأمر يوسف بن صالح أخى الامير سعيد كذبت وبيت الله ما تحسن العدلا * ولا علم الرحمن من قولك الفصلا وما أنت الا جاهل ومنافق * تمثل للجهال في السنة المثلى وهمتنا العليا لدين محمد * وقد جعل الرحمن همتك السفلى فكتب عبد الله إلى مصالة بن حيوس صاحب تاهرت وأغزى إليه فغزاه سنة أربع وثلثمائة لاربع وخمسين من دولته فغلبهم سعيد وقومه أياما ثم غلبهم مصالة وقتلهم وبعث برؤوسهم إلى رقادة فطيف بها وركب بقيتهم البحر إلى مالقة فتوسع الناصر في انزالهم وأجازهم واستبلغ في تكريمهم وأقام مصالة بمدينة نكور ستة أشهر ثم قفل إلى تاهرت وولى عليها دلول من كتامة فانفض العسكر من حوله وبلغ الخبر إلى بنى سعيد بن صالح وقومهم بمالقة وهم ادريس والمعتصم وصالح فركبوا السفن إليها وسبق صالح إليها منهم فاجتمع البربر بمرسى تكسامان وبايعوه سنة خمس وثلثمائة ولقبوه القيم لصغره وزحفوا إلى دلول فظفروا به وبمن معه وقتلوهم وكتب صالح بالفتح إلى الناصر وأقام دعوته باعماله وبعث إليه الناصر بالهدايا والتحف والآلة ووصل إليه اخوته وسائر قومه واتوه طاعة ولم يزل على هدى أوليه من الاقتداء إلى أن هلك سنة خمس عشرة فحاصره وتغلب عليه فقتله واستباح المدينة وخربها سنة سبع عشرة ثم راجع إليها وقام بأمرهم أبو نور اسمعيل بن عبد الملك بن عبد الرحمن بن سعيد بن ادريس بن صالح ابن منصور وأعاد المدينة التى بناها صالح بن منصور وعمرها وسكنها ثلاثا ثم أغزى ميسور مولى أبى القاسم بن عبد الله صندلا مولاه عندما أناخ على فاس فبعث عسكرا مع صندل هذا فحاصر جراوة ثم عطف على نكور وتحصن منه اسمعيل بن عبد الملك(6/213)
بقلعة آيرى وبعث إليه صندل رسله من طريقه فقتلهم فأغذ السير وقاتله ثمانية أيام ثم ظفر به فقتله واستباح القلعة وسباها واستخلف عليها من كتامة رجلا اسمه مرمازو ووصل صندل إلى فاس فترافع أهل نكور وبايعوا لموسى بن المعتصم بن صالح بن منصور وكان عند أبى الحسن عند يصليتن وكان يعرف بابن رومى وقال صاحب المقباس هو موسى بن رومى بن عبد السميع بن رومى بن ادريس بن صالح بن ادريس بن صالح بن منصور وأخذ مرمازو ومن معه وضرب أعناقهم وبعث برؤوسهم إلى الناصر ثم ثار عليه من اعياص بيته عبد السميع بن جرثم بن ادريس بن صالح بن منصور فخلعه وأخرجه عن نكور سنة تسع وعشرين ولحق موسى بالاندلس ومعه أهله وولده وأخوه هارون بن رومى وكثير من عمومته وأهل بيته فمنهم من نزل معه المرية ومنهم من نزل مالقة ثم انتقض أهل نكور على عبد السميع وقتلوه واستدعوا من مالقة جريج بن أحمد بن زيادة الله بن سعيد بن ادريس بن صالح بن منصور فبادر إليهم وبايعوه سنة ست وثلاثين فاستقامت له الامور وكان على مذهب سلفه في الاقتداء والعمل بمذهب مالك إلى أن مات آخر سنة ستين لخمس وعشرين سنة من ملكه واتصلت الولاية في بنيه إلى أن غلب عليهم ازداجة المتغلبين على وهران وزحف أميرهم يعلى بن أبى الفتوح الازداجى سنة ست وأربعمائة وقتل سنة عشر فغلبهم على فكور وخربها وانقرض ملكهم بعد ثلثمائه سنة وأربعة عشر سنة من لدن ولاية صالح وبقيت في بنى يعلى بن أبى الفتوح وأزداجة إلى أعوام ستين وأربعمائة والله مالك الامور لا اله الا هو اه(6/214)
* (الخبر عن حاميم المتنبي من غمارة) * كان غمارة هؤلاء عريقين في الجاهلية بل الجهالة والبعد عن الشرائع بالبداوة والانتباذ عن مواطن الخير وتنبأ فيهم من محكسة حاميم بن من الله بن جربر عمر بن زحفوا
ابن آزوال بن محكسة يكنى أبا محمد وأبوه ابا خلف تنبأ سنة ثلاث عشرة وثلثمائة بجبل حاميم المشتهر به قريبا من تطوان واجتمع إليه كثير منهم وأقروا بنبوته وشرع لهم الشرائع والديانات من العبادات والاحكام وصنع لهم قرآنا كان يتلوه عليهم بلسانه فمن كلامه يا من يخلى البصر ينظر في الدنيا خلنى من الدنيا يأمن أخرج موسى من البحر امتن بحاميم وبأبيه أبى خلف من الله وآمن رأسي وعقلي وما يكنه صدري وما أحاط به دمى ولحمي وآمنت نبا بقيت عمة حاميم أخت أبى خلف من الله وكانت كاهنة ساحرة إلى غير هذا وكان يلقب المفترى وكانت أخته دبو ساحرة كاهنة وكانوا يستغيثون بها في الحروب والقحوط وقتل في حروب مصمودة باحواز طنجة سنة خمسة عشر وثلثمائة وكان لابنه عيسى من بعده قدر جليل في غمارة ووفد على الناصر ورهطهم بنو زحفوا موطنون وادى لاو ووادى واشرقرب تطوان وكذلك تنبأ منهم بعد ذلك عاصم بن جميل البزدعوى وله أخبار مأثورة وما زالوا يفعلون السحر لهذا العهد وأخبرني المشيخة من أهل المغرب ان أكثر منتحلى السحر منهم النساء العواتق قال ولهم علم استجلاب روحانية ما يشاؤنه من الكواكب فإذا استولوا عليه وتكنفوا بتلك الروحانية تصرفوا منها في الاكوان بما شاؤا والله علم * (الخبر عن دولة الادارسة وهى غمارة وتصاريف أحوالهم) * كان عمر بن ادريس قد قاسم محمد بن ادريس أعمال المغرب بين اخوته برأى جدته كثيرة أم ادريس اختص منها بتكيباس وترغه وبلاد صنهاجة وعمارة واختص القاسم بطنجة وسبتة والبصرة وما إلى ذلك من بلاد غمارة ثم غلب عمر عليها عندما تنكر له أخوه محمد واستضافها إلى عمله كما ذكرنا في أخبارهم ثم تراجع بنو محمد بن القاسم من بعد ذلك إلى عملهم الاول فملكوه واختص منهم محمد بن ابراهيم بن محمد بن القاسم قلعة حجر النسر الدانية وسبتة معقلا لهم وثغرا لعملهم وبقيت الامارة بفاس وأعمال المغرب في ولد محمد بن ادريس ثم أدالوا منهم بولد عمر بن ادريس وكان آخرهم يحيى بن
ادريس بن عمر وهو الذى بايع لعبيد الله الشيعي على يد مصالة بن حبوس قائده وعقد له على فاس ثم نكبه سنة تسع وخرج عليها سنة ثلاث عشرة من بنى القاسم الحسن ابن محمد بن القاسم بن ادريس وتلقب الحجام لطعنه في المحاجم وكان مقداما شحاعا وثار أهل فاس بريحان وملكوا الحسن وزحف إليه موسى ففله ومات(6/216)
واستولى ابن أبى العافية على فاس وأعمال المغرب وأجلى الادارسة وأجذمهم بحصنهم حجر النسر ويحترف إلى جبال غمارة وبلاد الريف وكان لغمارة في التمسك بدعوتهم اياد ومقامات واستجدوا بتلك الناحية ملكا توزعوه قطعا كان أعظمها لبنى محمد هؤلاء ولبنى عمر بتيكيسان ونكور وبلاد الريف ثم سما الناصر عبد الرحمن إلى ملك العدوة ومدافعة الشيعة فنزل له بنو محمد عن سبتة سنة تسع وتناولها من يد الرضى بن عصام رئيس محكسة وكان يقيم فيها دعوة الادارسة فأفرجوا له عنها ودانوا بطاعته وأخذها من يده ولما غزا أبو القاسم ميسور إلى المغرب لمحاربة ابن أبى العافية بفاس نقض طاعتهم ودعا للمروانية وجد بنو محمد السبيل إلى الانتصار والانتقام منه بمظاهرة ميسور عليه ووالاهم على ذلك بنو عمر صاحب نكور ولما استقل ابن أبى العافية من نكسته ورجع من الصحراء سنة خمس وعشرين منصرف ميسور من المغرب نازل بنى محمد وبنى عمر وهلك بعد ذلك وأجاز الناصر وزيره قاسم بن محمد بن طملس سنة ثلاث وثلاثين لحربهم وكتب إلى ملوك مغراوة محمد بن حزر وابنه بمظاهرة عساكره مع ابن أبى العيش عليهم فتسارع أبو العيش بن ادريس بن عمر المعروف بابن شالة إلى الطاعة وأوفد رسله إلى الناصر فعقد له الامان وأوفد ابنه محمد بن أبى العيش مؤكدا للطاعة فاحتفل لقدومه وأكد له العقد ونصل سائر الادارسة من بنى محمد مذهبهم وسألوا مثل سؤالهم فعقد لجميع بنى محمد أيضا وكان وفد منهم محمد بن عيسى بن أحمد بن محمد والحسن بن القاسم بن ابراهيم بن محمد وكان بنو ادريس يرجعون في رياستهم إلى بنى محمد هؤلاء منذ
استبد بها آخرهم الحسن بن محمد الملقب بالحجام في ثورته على ابن أبى العافية فقدموا على أنفسهم القاسم بن محمد الملقب بكنون بعد فرار موسى بن أبى العافية وملك بلاد المغرب ما عدا فاس مقيما لدعوة الشيعة إلى ان هلك بقلعة حجر النسر سنة سبع وثلاثين وقام بأمرهم من بعده أبو العيش أحمد بن القاسم كنون وكان فقيها عالما بالايام والاخبار شجاعا ويعرف بأحمد الفاضل وكان منه ميل للمروانية فدعا للناصر وخطب له على منابر عمله ونقض طاعة الشيعة وبايعه أهل المغرب كافة إلى سجلماسة ولما بايعه أهل فاس استعمل عليهم محمد بن الحسن ووفد محمد بن أبى العيش بن ادريس بن عمر بن شالة على الناصر عن أبيه سنة ثمان وثلاثين فاتصل به وفاة أبيه وهو بالحضرة فعقد له الناصر على عمله وسرحه وهجم عيسى ابن عمه أبى العيش أحمد بن القاسم كنون على عمله بتيكيسان في غيبة محمد فهبطها واحتوى على مال ابن شالة ولما أقبل محمد من الحضرة زحف برابرة غمارة إلى عيسى المذكور ابن كنون ففظعوا به وأثخنوه جراحة وقتلوا أصحابه ببلاد غمارة وأجاز الناصر قواده إلى المغرب وكان أول من أجاز إلى بنى محمد هؤلاء سنة ثمان(6/217)
وثلاثين أحمد بن يعلى من طبقة القواد في العساكر ودعاهم إلى هدم تطوان فامتنعوا ثم انقادوا وتنصلوا وأجابوا إلى هدمها ورجع عنهم فانتقضوا فسرح إليهم حميد بن يصل المكناسى في العساكر سنة تسع وثلاثين وزحفوا إليه بوادي لاو فأوقع بهم فأذعنوا بعدها وتغلب الناصر على طنجة من يد أبى العيش أمير بنى محمد وبقى باصيلا على بيعة الناصر ثم تخطت عساكر الناصر إلى بسائط المغرب فاذعن له أهله وأخذ بدعوته فيه امراء زناتة من مغراوة وبنى يفرن ومكناسة كما ذكرناه فضعف أمر بنى محمد واستأذنه أميرهم أبو العيش في الجهاد فأذن له وأمر ببناء القصور له في كل مرحلة من الجزيرة إلى الثغر فكانت ثلاثين مرحلة فأجاز أبو العيش واستخلف على عمله أخاه الحسن به كنون وتلقاه الناصر بالميرة وأجرى له ألف دينار في كل يوم وهلك شهيدا في مواقف
الجهاد سنة ثلاث وأربعين وأخذ معه قائده جوهرا ولما قفل من المغرب راجع الحسن الطاعة للناصر إلى ان هلك سنة خمسين فأشحذ الحكم عزمه في سد ثغور المغرب وإحكام دعوتهم فيه وشحذ لها عزائم أوليائهم من ملوك زناتة فكان بينهم وبين زيرى وبلكين ما ذكرناه ثم أغزى معه بلكين بن زيرى المغرب سنة ثنتين وستين أولى غزواته فأثخن في زناتة وأوغل في ديار المغرب وقام الحسن بن كنون بدعوة الشيعة ونقض طاعة المروانية فلما انصرف بلكين أجاز الحكم إلى العدوة مع وزيره محمد بن قاسم بن طملس وخلف كثيرا من عسكره وأوليائه ودخل فلهم إلى سبتة واستصرخوا الحكم فبعث غالبا مولاه البعيد الصيت المعروف بالشهامة وأمده بما يعينه على ذلك من الاموال والجنود وأمره باستنزال الادارسة وأجاز بهم إليه وقال سر يا غالب مسير من لا اذن له في الرجوع الا حيا منصورا أو ميتا معذورا واتصل خبره بالحسن بن كنون فأفرج عن مدينة البصرة واحتمل منها أمواله وحرمه وذخيرته إلى حجر النسر معقلهم القريب من سبتة ونازله غالب ببعض مصمودة فاتصلت الحرب بينهم أياما ثم بث غالب المال في رؤساء البربر من غمارة ومن معه من الجنود وفروا وأسلموه والحجر بقلعة جبل النسر ونازله غالب وأمده الحكم بعرب الدولة ورجال الثغور وأجازهم مع وزيره صاحب الثغر الاعلى يحيى بن محمد بن ابراهيم التجينسى فيمن معه من أهل بيته وحشمه سنة ثلاث وستين فاجتمع مع غالب على القلعة واشتد الحصار على الحسن وطلب من غالب الامان فعقد له وتسلم الحصن من يده ثم عطف على من بقى من الادارسة ببلاد الريف فأزعجهم وسيرهم شردا واستنزل جميع الادارسة من معاقلهم وسار إلى فاس فملكها واستعمل عليها محمد بن على بن قشوش في عدوة القرويين وعبد الكريم بن ثعلبة الجذامي في عدوة الاندلس وانصرف غالب إلى قرطبة ومعه الحسن بن كنون وسائر(6/218)
ملوك الادارسة وقد مهد المغرب وحاله وقطع الشيعة وذلك سنة أربع وستين وتلقاهم
الحكم وأركب الناس للقديم وكان يوم دخولهم إلى قرطبة احفل أيام الدولة وعفا عن الحسن بن كنون ووفى له بالعهد وأجزل له ولرجاله العطاء والخلع والجعالات وأوسع عليهم الجراية وأسنى لهم الارزاق ورتب من حاشيتهم في الديوان سبعمائة من أنجاد المغاربة وتجنى عليه بعد ثلاث سنين بسؤاله من الحسن قطعة عنبر عظيمة تأدت عليه من بعض سواحل عمله بالمغرب أيام ملكه فاتخذ منها أريكة يرتفقها ويتوسدها فسأله حملها إليه على أن يحكمه في رضاه فأبى عليه مع سعاية بنى عمه فيه عند الخليفة وسوء خلق الحسن ولجاجته فنكبه واستصفى ما لديه من قطعة العنبر وسواها واستقام المغرب للحكم وتظافر امراؤه على مدافعة بلكين وعقد الوزير المنصوري لجعفر بن على على المغرب واسترجع يحيى بن محمد بن هاشم وغرب الحسن بن كنون الادارسة جميعا إلى المشرق استثقالا لنفقاتهم وشرط عليهم أن لا يعودوا فعبروا البحر من المرية سنة خمس وستين ونزلوا من جوار العزيز معد بالقاهرة خير نزل وبالغ في الكرامة ووعد بالنصرة والترة ثم بعث الحسن بن كنون إلى المغرب وكتب له إلى آل زيرى بن مناد بالقيروان بالمظاهرة فلحق بالمغرب ودعا لنفسه وبعث المنصور بن أبى عامر العساكر لمدافعته فغلبوه وتقبضوا عليه وأشخصوه إلى الاندلس فقتل في طريقه كما ذكرناه في أخبارهم وانقرض ملك الادارسة من المغرب أجمع إلى ان كان رجوع الامر لبنى حمود منهم ببلاد عمارة وسبتة وطنجة كما نذكره ان شاء الله تعالى(6/219)
{ الخبر عن دولة حمود ومواليهم بسبتة وطنجة وتصاريف أحوالهم وأحوال غمارة من بعدهم } كان الادارسة لما أجلاهم الحكم عن العدوة إلى المشرق ومحا آثارهم من سائر بلاد المغرب واستقامت غمارة على طاعة المروانية وأذعنوا لجند الاندلسبين ورجع الحسن ابن كنون لطلب أمرهم فهلك على يد المنصور بن أبى عامر فانقرض أمرهم وافترقت
الادارسة في القبائل ولاذوا بالاختفاء إلى أن خلعو اشارة ذلك النسب واستحالت صبغتهم منه إلى البداوة ولحق بالاندلس في جملة البرابرة من ولد عمر بن ادريس رجلان منهم وهم على والقاسم ابنا حمود بن ميمون بن أحمد بن على بن عبيد الله بن عمر بن ادريس فطار لهما ذكر في الشجاعة والاقدام ولما كانت الفتنة البربرية بالاندلس بعد انقراض الدولة العامرية ونصب البرابرة سليمان بن الحكم ولقبوه المستعين اختص بنى حمود هذين وأحسنوا العناء في ولايته حتى إذا استولى على ملكه بقرطبة وعقد للمغاربة الولايات عقد لعلى بن محمود هذا على طنجة وأعمال غمارة فنزلها وراجع عهده معهم فيها ثم انتقض ودعا لنفسه وأجاز إلى الاندلس وولى الخلافة بقرطبة كما ذكرناه فعقد على عمله بطنجة لابنه يحيى ثم أجاز يحيى إلى الاندلس بعد مهلك أبيه على منازعا لعمه القاسم واستقل أخوه ادريس من بعده بولاية طنجة وسائر أعمال ابيه بل بالعدوة من مواطن غمارة ثم أجاز بعد مهلك أخيه يحيى بمالقة فاستدعى رجال دولتهم وعقد لحسن ابن أخيه يحيى على عملهم بسبتة وطنجة وانفذ نجا الخادم معه ليكون تحت نظره واستبداده ولما هلك ادريس واعتزم ابن بقية على الاستبداد بمالقة أجاز نجا الخادم لحسن بن يحيى من طنجة فملك مالقة ورتب أمره في خلافته ورجع إلى سبتة وعقد لحسن على عملهم في مواطن غمارة حتى إذا هلك حسن أجاز نجا إلى الاندلس يروم الاستبداد واستخلف على العمل من وثق به من الموالى الصقلبية فلم يزل إلى نظرهم واحدا بعد آخر إلى ان استقل بسبتة وطنجة من موالى بنى حمود هؤلاء الحاجب سكوت البرغواطى كان عبد ا للشيخ حداد من مواليهم اشتراه من سبى برغواطه في بعض أيام جهله ثم صار إلى على بن حمود فأخذ النجابة بطبعه إلى ان استقل بأمرهم واقتعد كرسى عملهم بطنجة وسبتة وأطاعته قبائل غمارة واتصلت أيام ولايته إلى ان كانت دولة المرابطين وتغلب ابن تاشفين سنة احدى وسبعين ودعى الحاجب سكوت إلى مظاهرته على مغرواة بفاس ونجا إلى بلاد الدمنة من آخر بسيط المغرب مما يلى
بلاد غمارة ونازلهم يوسف بن تاشفين سنة احدى وسبعين ودعا الحاجب سكوت إلى مظاهرته عليهم فهم بالايجاش ومظاهرته على عدوه ثم ثناه عن ذلك ابنه الفائل الرأى(6/221)
فلما فرغ يوسف بن تاشفين من أهل الدمنة وأوقع بهم وافتتح حصن علودان من حصون غمارة من ورائه وانقاد المغرب لحربه صرف وجهه إلى سكوت فجهز إليه العساكر وعقد عليها للقائد صالح بن عمران من رجال لمتونة فتباشرت الرعايا بمقدمهم وانثالوا عليهم وبلغ الخبر إلى الحاجب سكوت فأقسم أن لا يسمع أحدا من رعيته هدير طبولهم ولحق هو بمدينة طنجة ثغر عمله وقد كان عليه من قبله ابنه ضياء الدولة المعز وبرز للقائهم فالتقى الجمعان بظاهر طنجة وانكشفت عساكر سكوت وطنت رحى المرابطين وسالت نفسه على ظباهم ودخلوا طنجة واستولوا عليها ولحق ضياء الدولة بسبتة ولما تكالب الطاغية على بلاد الاندلس وبعث ابن عباد صريخه إلى أمير المسلمين يوسف بن تاشفين مستنجزا وعده في جهاد الطاغية والذب عن المسلمين وكاتبه أهل الاندلس كافة بالتحريض إلى الجهاد وبعث ابنه المعز سنة ست وسبعين في عسكر المرابطين إلى سبتة فرضة المجاز فنازلها برا وأحاطت بها أساطيل ابن عباد بحرا واقتحموها عنوة وتقبض على ضياء الدولة ونبذ إلى المعز فطالبه بالمال لانحائه فأساء فقتله لوقته وعثر على ذخائره وفيها خاتم يحيى بن على بن حمود وكتب إلى أبيه بالفتح وانقرضت دولة بنى حمود وانمحى آثارهم وسلطانهم من بنى غمارة وأقاموا في طاعة لمتونة سائر أيامهم * ولما نجم المهدى بالمغرب واستفحل أمر الموحدين بعد مهلكه تنقل خليفته عبد المؤمن في بلادهم في غزاته الكبرى ففتح المغرب سنة سبع وثلاثين وما بعدها لما قبل استيلائه على مراكش كما نذكره في أخبارهم واتبعوا أثره ونازلوا سبتة في عساكره وامتنعت عليهم وتولى كبر امتناعها قائدهم عياض الطائر الذكر رئيسهم لذلك العهد بدينه وأبوته وعمله ومنصبه ثم افتتحت بعد فتح مراكش سنة احدى وأربعين فكانت هؤلاء للسابقة
التى رعيت لهم سائر أيام الدولة ولما فشل أمر بنى عبد المؤمن وذهب ريحه وكثر الثوار بالقاصية ثار فيهم ابن محمد الكتامى سنة خمس وعشرين كان أبوه من قصر كتامة منقبضا عن الناس وكان ينتحل الكيميا وتلقنه عنه ابنه محمد هذا وكان يلقب أبا الطواحن فارتحل إلى سبتة ونزل على بنى سعيد وادعى صناعة الكيميا فاتبعه الغوغاء ثم ادعى النبوة وشرع شرائع وأظهر أنواعا من الشعبذة فكثر تابعه ثم اطلعوا على خبثه ونبذوا إليه عهده وزحفت عساكر سبتة إليه ففر عنها وقتله بعض البرابرة غيلة ثم غلب بنو مرين على بسائط المغرب وامصاره سنة أربعين وستمائة واستولوا على كرسى الامر بمراكش سنة ثمان وستين فامتنع قبائل عمارة من طاعتهم واستعصوا عليهم وأقاموا بمنحاة من الطاعة وعلى ثبج من الخلاف وامتنعت سبتة من ورائهم على ملوك بنى مرين بسبب امتناعهم وصار أمرها إلى الشورى واستبد بها الفقيه أبو القاسم العزفى(6/222)
من مشيختها كما سنذكر ذلك كله إلى ان وقع بين قبائل غمارة ورؤسائهم فتن وحروب ونزعت احدى الطائفتين إلى طاعة السلطان بالمغرب من بنى مرين فأتوها طواعية وأدخل الآخرون في الطاعة ملاهم طوعا أو كرها فملك بنو مرين أمرهم واستعملوا عليهم وتخطوا إلى سبتة من ورائهم فملكو امر العزفيين سنة سبع وعشرين وسبعمائة على ما نذكره بعد عند ذكر دولتهم وهم الآن على أحسن أحوالهم من الاعتزاز والكثرة يؤتون طاعتهم وجبايتهم عند استقلال الدولة ويمرضون فيها عند التياثها بفشل واشتغال بمحاربها فتجهز البعوث إليهم من الحضرة حتى يستقيموا على الطاعة ولهم بوعوره جبالهم عز ومنعة وجوار لمن لحق بهم من أعياص الملك الخوارج إلى هذا العهد من بينهم الحظ الوافر من ذلك لاشراف جبلهم على سائرها وسموه بقلاعه إلى مجارى السحب دونها وتوعر مسالكه بهبوب الرياح فيها وهذا الجبل مطل على سبتة من غربيها
وصاحب أمره يوسف بن عمرو بنوه ولهم فيه عزة وثروة قد اتخذوا به المصانع والغروس وفرض لهم السلطان بديوان سبتة العطاء وأقطعهم ببسيط طنجة الضياع استئلافا لهم وحسما سائر غمارة بابناس طاعتهم ولله الخلق والامر بيده ملكوت السموات والارض { الخبر عن أهل جبال درن بالمغرب الاقصى من بطون المصامدة وما كان لهم من الظهور والاحوال ومبادي أمورهم وتصاريفها } هذه الجبال بقاصية المغرب من أعظم جبال المعمور بما أعرق في الثرى أصلها وذهبت في السماء فروعها ومدت في الجوهيا كلها ومثلث سياجا على ريف المغرب سطورها تبتدئ من ساحل البحر المحيط عند أسفى وما إليها وتذهب في المشرق إلى غير نهاية ويقال انها تنتهى إلى قبلة برنيق من أرض برقة وهى في الجانب مما يلى مراكش قد ركب بعضها بعضا متتالية على نسق من الصحراء إلى التل يسير الراكب فيه متعرضا من نامسنا وسواحل مراكش إلى بلاد السوس ودرعه من القبلة ثمان مراحل وأزيد تفجرت فيها الانهار وجلل الارض حمراء الشعراء وتطابقت بينها ظلال الادواح وزكت فيها مواد الزرع والضرع وانفسحت مسارح الحيوان ومراتع الصيد وطابت منابت الشجر ودرت أفاويق الجباية يعمرها من قبائل المصامدة أمم لا يحصيهم الا خالقهم قد اتخذوا المعاقل والحصون وشيدوا المباني والقصور واستغنوا بقطرهم عن سائر أقطار العالم فرحل إليهم التجر من الآفاق واختلفت إليهم أهل النواحى والامصار ولم يزالوا مذ أول الاسلام وما قبله معتمرين بتلك الجبال قد أوطنوا منها أقاليم تعددت(6/223)
فيها الممالك والعمالات بتعدد شعوبهم وقبائلهم وافترقت أسماؤها بافتراق أجيالهم تنتهى ديارهم من هذه الجبال إلى بنية المعروفة ببنى فازان حيث تبتدئ مواطن صنهاجة ويحفون بهم كذلك من ناحية القبلة إلى بلاد السوس وقبائل هؤلاء المصامدة بهذه
المواطن كثيرة فمنهم هرعة وهنتاتة وتينملل وكيد موية وكنفيسة ووريكله وهزيمرة ودكالة وصاحة وأمادين وازكيت وبنو ماكروايلنة ويقال هيلانة ويقال أيضا ان ايلان هو ابن براصهر المصامدة فكانوا حلفاء لهم ومن بطون أمادين مصفاوة وماغوس ومن مصفاوة دغاغة وبوطابان ويقال إن غمارة ورهون وأمل من أمادين والله أعلم ويقال إن من بطون صاحة زكرو لحقيس الظواعن الآن بأرض السوس أحلافا لذوى حسان المتغلبين عليها من عرب المعقل ومن بطون كنفيسة أيضا قبيلة سكسباوة الموطنون بأمنع المعاقل بهذه الجبال المطل جبلهم على بسيط السوس من القبلة وعلى ساحل البحر المحيط من المغرب ولهم بمنعة ومعقلهم ذلك اعتزاز على أهل جلدتهم حسبما يذكر بعد وكان لهؤلاء المصامدة صدر الاسلام بهذه الجبال عدد وقوة وطاعة للدين ومخالفة لاخوانهم برغواطة في نحلة كفرهم وكان من مشاهيرهم كثير ابن وسلاس بن شملال بن امادة وهو يحيى بن يحيى راوي الموطأ عن مالك دخل الاندلس وشهد الفتح مع طارق وفى آخرين من مشاهيرهم استقروا بالاندلس وكان لاعقابهم بها ذكر في الدولة الاموية كان منهم قبل الاسلام ملوك وامراء ولهم مع لمتونة ملوك المغرب حروب وفتن سائر أيامهم حتى كان اجتماعهم على المهدى وقيامهم بدعوته فكانت لهم دولة عظيمة أدالت من لمتونة العدوتين ومن صنهاجة بافريقية حسبما هو مشهور ويأتى الآن نذكره ان شاء الله وبالله التوفيق لا رب سواه ولا معبود الا اياه(6/224)
{ الخبر عن مبدا أمر المهدى ودعوته وما كان للموحدين القائمين بها على يدى بنى عبد المؤمن من السلطان والدولة بالعدوتين وافريقية وبداية ذلك وتصاريفه } لم يزل أمر هؤلاء المصامدة بجبال درن عظيما وجماعتهم موفورة وبأسهم قويا وفى أخبار الفتح من حروبهم مع عقبة بن نافع وموسى بن نصير حتى استقاموا على الاسلام ما هو معروف مذكور إلى ان أظلتهم دولة لمتونة فكان أمرهم فيها مستفحلا وشأنهم
على أهل السلطان والدولة مهما حتى لما اختطوا مدينة مراكش أنزلهم جوار مواطنهم من درن ليتميزوا عمن سواهم ويذللوا من صعابهم وفى عنفوان تلك الدولة على عهد على بن يوسف منها نجم امامهم العالم الشهير محمد بن تومرت صاحب دولة الموحدين المشتهر بالمهدي أصله من هرغة من بطون المصامدة الذين عددناهم يسمى أبوه عبد الله وتومرت وكان يلقب في صغره أيضا امغار وهو محمد بن عبد الله بن وجليه ابن بامصال بن حمزة بن عيسى فيما ذكر ابن رشيق وحققه ابن القطان وذكر بعض مؤرخي المغرب انه محمد بن تومرت بن نيطاوس بن ساو لابن سفيون بن الكلديس بن خالد(6/225)
وزعم كثير من المؤرخين ان نسبه في أهل البيت وانه محمد بن عبد الله بن عبد الرحمن ابن هود بن خالد بن تمام بن عدنان بن سفيان بن عفوان بن جابر بن عطا بن رباح بن محمد من ولد سليمان بن عبد الله بن الحسن بن على بن أبى طالب أخى ادريس الاكبر الواقع نسب الكثير من بيته في المصامدة وأهل السوس كذا ذكر ابن نحيل في سليمان هذا وانه لحق بالمغرب ابن أخيه ادريس ونزل تلمسان وافترق ولده في المغرب قال فمن ولده كل طالبي بالسوس وقيل بل هو من قرابة ادريس اللاحقين به إلى المغرب وان رباحا الذى في عمود هذا النسب انما هو ابن يسار بن العباس بن محمد بن الحسن وعلى الامرين فان نسبة الطالبى وقع في هرغة من قبائل المصامدة ورسخت عروقه فيهم والتحم بعصبيتهم فلبس جلدتهم وانتسب بنسبتهم وصار في عددهم وكان أهل بيته أهل نسك ورباط وشب محمد هذا قارئا محبا للعلم وكان يسمى أسافو ومعناه الضياء لكثرة ما كان يسرج القناديل بالمساجد لملازمتها وارتحل في طلب العلم إلى المشرق على راس المائة الخامسة ومر بالاندلس ودخل قرطبة وهى إذ ذاك دار علم ثم أجاز إلى الاسكندرية وحج ودخل العراق ولقى جملة من العلماء يومئذ وفحول النظار وأفاد علما واسعا وكان يحدث نفسه بالدولة لقومه على يده لما كان الكهان والحزاء يتحينون ظهور دولة
يومئذ بالمغرب ولقى فيما زعموا أبا حامد الغزالي وفاوضه بذات صدره بذلك فاراده عليه لما كان فيه الاسلام يومئذ باقطار الارض من اختلال الدولة وتقويض أركان السلطان الجامع الامة المقيم للمله بعد ان ساء له عمن له من العصابة والقبائل التى يكون بها الاعتزاز والمنعة ونشأ بها يتم أمر الله في درك البغية وظهور الدعوة وانطوى هذا الامام راجعا إلى المغرب بحرا متفجرا من العلم وشهابا واريا من الدين وكان قد لقى بالمشرق ائمة الاشعرية من أهل السنة وأخذ عنهم واستحسن طريقهم في الانتصار للعقائد السلفية والدب عنها بالحجج العقلية الدافعة في صدر أهل البدعة وذهب إلى رأيهم في تأويل المتشابه من الآى والاحاديث بعد ان كان أهل المغرب بمعزل عن اتباعهم في التأويل والاخذ برأيهم فيه اقتداء بالسلف في ترك التأويل واقرار المتشابهات كما جاءت ففطن أهل المغرب في ذلك وحملهم على القول بالتأويل والاخذ بمذاهب الاشعرية في كافة العقائد وأعلن بامامتهم ووجوب تقليدهم وألف العقائد على رأيهم مثل المرشدة في التوحيد وكان من رأيه القول بعصمة الامام على رأى الامامية من الشيعة وألف في ذلك كتابه في الامامية الذى افتتحه بقوله اعز ما يطلب وصار هذا المفتتح لقبا على ذلك الكتاب وأحل بطرابلس أول بلاد المغرب معنيا بمذهبه ذلك مظهر النكير على علماء المغرب في عدولهم عنه آخذا نفسه بتدريس العلم والامر(6/226)
بالمعروف والنهى عن المنكر ما استطاع حتى لقى بسبب ذلك اذيات في نفسه احتسبها من صالح عمله ولما دخل بجاية وبها يومئذ العزيز بن المنصور بن الناصر بن علناس بن حمار من أمراء صنهاجة وكان من المقترفين فاغلظ له ولاتباعه بالنكير وتعرض يوما لتغيير بعض المنكرات في الطرق فوقعت بسببها هيعة نكرها السلطان والخاصة وائتمروا به فخرج منها حائفا ولحق بملاله على رسخ منها وبها يومئذ بنو ورياعل من قبائل صنهاجة وكان لهم اعتزاز ومنعة فآووه وأجاروه وطلبهم السلطان صاحب بجاية باسلامه إليه
فأبوا وأسخطوه وأقام بينهم يدرس العلم أياما وكان يجلس إذا فرغ على صخرة بقارعة الطريق قريبا من ديار ملاله وهى لهذا العهد معروفة وهناك لقيه كبير صحابته عبد المؤمن بن على حاجا مع عمه فأعجب بعلمه وانتهى عزمه عن وجهه ذلك واختص به وتشمر للاخذ عنه وارتحل المهدى إلى المغرب وهو في جملته ولحق بوانشريش صحبه منها البشير من جملة أصحابه ثم لحق بتلمسان وقد تسامع الناس بخبره فأحضره القاضى بها بن صاحب الصلاة ووبخه على منتحله ذلك وخلافه لاهل قطره وظن أن من العدل نزعه عن ذلك فصم عن قوله واستمر على طريقه إلى فاس ثم إلى مكناسة ونهى بها عن بعض المناكير فأوقع به الشر من الغوغا فأوجعوه ضربا ولحق بمراكش وأقام بها آخذا في شأنه ولقى على بن يوسف بالمسجد الجامع في صلاة الجمعة فوعظه وأغلظ له القول ولقى ذات يوم الصورة أخت على بن يوسف حاسرة قناعها على عادة قومها الملثمين في زى نسائهم فوبخها ودخلت على أخيها باكية لما نالها من تقريعه ففاوض الفقهاء في شأنه بما وصل إليه من شهرته وكانوا ملئوا منه حسدا وحفيظة لما كان ينتحل مذهب الاشعرية في تأويل المتشابه وينكر عليهم جمودهم على مذهب السلف في إقراره كما جاء ويرى ان الجمهور لقنوه تجسيما ويذهب إلى تكفيرهم بذلك أحد قولى الاشعرية في التكفير فمال إلى الرأى فأغروا الامير به فأحضره للمناظرة معهم فكان له الفلج والظهور عليهم وخرج من مجلسه ونذر بالشر منهم فلحق من يومه بأغمات وغير المناكير على عادته وأغرى به أهلها على بن يوسف وطيروا إليه بخبره فخرج منها هو وتلميذه الذين كانوا في صحابته ودعا اسمعيل بن أبكيك من أصحابه وهو من انجاد قومه وخرج به إلى منحاة من جبال المصامدة لحق أولا بمسفيوه ثم بهنتاتة ولقيه من أشياخهم عمر بن يحيى بن محمد بن وانودين بن على وهو أبو حفص ويعرف بيته ابن هنتاتة ببنى فاصكات وتقول نسابتهم ان فاصكات هو جد وانودين ويقال لهنتاتة بلسانهم هننى فلذلك كان يعرف عمر بهنتى وسيأتى الكلام في تحقيق نسبهم عند ذكر دولتهم ثم ارتحل المهدى عغنهم إلى ايكيلين من
بلاد هرغة فنزل على قومه وذلك سنة خمس عشرة وخمسمائة وبنى رابطة للعبادة(6/227)
اجتمعت إليه الطلبة والقبائل يعلمهم المرشدة في التوحيد باللسان البربري وشاع أمره في محجته واستدرك فقيه العلمية بمجلس الامير على بن يوسف وهو مالك بن وهيب أغراه به وكان حزاء ينظر في النجوم وكان الكهان يتحدثون بان ملكا كائنا بالمغرب بأمة من المغرب ويتغير فيه شكل السمكة لقران بين الكوكبين العلويين والسيارة تقتضي ذلك في أحكامهم وكان الامير يتوقعها فقال احتفظوا بالدولة من الرجل فانه صاحب القران والدرهم المربع في كلام سفساف بسجع سوقى يتناقلها الناس نصه * وهو اجعل على رجله كبلا * لئلا يسمعك طبلا * وأظنه صاحب الدرهم المربع فطلبه على بن يوسف ففقده وسرح الخيالة في طلبه ففاتهم وداخل عامل السوس وهو أبو محمد اللمتونى بعض سرعة في قتله ونذر بهم اخوانهم فنقلوا إلى معقل أشياعهم وقتلوا من داخل في أمرهم ودعوا المصامدة إلى بيعته على التوحيد وقتال المجسمين دونه سنة خمسة عشر وخمسمائة فتقدم إليها رجالاتهم من العشرة وغيرها وكان فيهم من هنتاتة أبو حفص عمر بن يحيى وأبو يحيى بن يكبت ويونس بن وانودين وابن يغمور ومن تينملل أبو حفص عمر بن على الصناكى ومحمد بن سليمان وعمرو بن تافراتكين وعبد الله بن ملويات وأهب قبيلة هرغة فدخلوا في أمره كلهم ثم دخل معهم كيدموية وكنفيسة ولما كملت بيعته لقبوه بالمهدي وكان لقبه قبلها الامام وكان يسمى أصحابه الطلبة وأهل دعوته الموحدين ولما تم له خمسون من أصحابه سماهم ايت الخمسين وزحف إليهم عامل السوس أبو بكر بن محمد اللمتونى بمكانهم من هرغة فاستجاشوا باخوانهم من هنتاتة وتينملل فاجتمعوا إليه وأوقعوا بعسكر لمنونة فكانت هزمة الفتح وكان الامام يعدهم بذلك فاستبصروا في أمره وتسابق كافتهم إلى الدخول في دعوته وترددت عساكر لمتونة إليهم مرة بعد أخرى ففضوهم وانتقل لثلاث سنين من بيعته إلى حبل تينملل فأوطنه وبنى داره ومسجده
بينهم وحو إلى منبع وادى نفيس وقاتل من تخلف عن بيعته من المصامدة حتى استقاموا فقاتل أولاد هزرجة وأوقع بهم مرارا ودانوا بالطاعة ثم قاتل هسكورة ومعهم أبو دوقة اللمتونى فغلبهم وقفل فاتبعه بنو واسكيت فأوقع بهم الموحدون وأثخنوا فيهم قتلا وأسرا ثم غزا بلد غجرامة وكان قد افتتحه وترك فيه الشيخ أبا محمد عطية من أصحابه فغدروا به وقتلوه فغزاهم واستباحهم ورجع إلى تينملل وأقام بها إلى ان كان شأن البشير وميز الموحد من المنافق وكانوا يسمون لمتونة الحشم فاعتزم على غزوهم وجمع كافة أهل دعوته من المصامدة وزحف إليهم فلقوه بكبكب وهزمهم لموحدون واتبعوهم إلى أغمات فلقيهم هنا لك زحوف لمتونة مع بكر بن على بن يوسف وابراهيم بن تاعماشت فهزمهم الموحدون وقفل ابراهيم واتبعوهم إلى مراكش فنزلوا البحيرة في زهاء أربعين(6/228)
ألفا كلهم راجلين الا أربعمائة فارس واحتفل على بن يوسف الاحتشاد وبرز إليهم لاربعين من نزولهم خرج عليهم من باب ايلان فهزمهم وأثخن فيهم قتلا وسبيا وفقد البشير من أصحابه واستحر القتل في هيلانة وأبلى عبد المؤمن في ذلك اليوم أحسن البلاء وكانت وفاة المهدى لاربعة أشهر بعدها وكان يسمى أصحابه بالموحدين تعريضا بلمتونة في أخذهم بالعدول عن التأويل وميلهم إلى التجسيم وكان حصورا لا يأتي النساء وكان يلبس العباءة المرقعة وله قدم في التقشف والعبادة ولم تحفظ عنه فلتة في البدعة الا ما كان من وفاقه الامامية من الشيعة في القول بالامام المعصوم والله تعالى أعلم { الخبر عن دولة عبد المؤمن خليفة المهدى والخلفاء الاربعة من بنيه ووصف أحوالهم ومصاير أمورهم } لما هلك المهدى سنة ثنتين وعشرين كما ذكرناه وقد عهد بأمره من بعده لكبير صحابته عبد المؤمن بن على الكومى المتقدم ذكره ونسبه عند ذكر قومه فقبره بمسجده لصق داره من تينملل وخشى أصحابه من افتراق الكلمة وما يتوقع من سخط المصامدة ولاية عبد
المؤمن بن على لكونه من غير جلدتهم فارجأوا الامر إلى أن يخالط بشاش الدعوة قلوبهم وكتموا موته زعموا ثلاث سنين يموهون عرضه ويقيمون سنته في الصلاة والحزب الراتب يدخل أصحابه إلى البيت كأنه اختصهم بعبادته فيجلسون حوالى قبره ويتفاوضون في شؤونهم ثم يخرجون لانفاذ ما رموه ويتولاه عبد المؤمن بتلقينهم حتى إذا استحكم أمرهم وتمكنت الدعوة من نفوس كافتهم كشفوا جسد القناع عن حالهم وتمالا من بقى من العشرة على تقديم عبد المؤمن وتولى كبر ذلك الشيخ أبو حفص وأراد هنتاته وسائر المصامدة غلبه فأظهروا للناس موت المهدى وعهده لصاحبه وانقياد بقية أصحابه لذلك وروى يحيى بن يعمور انه كان يقول في دعائه اثر صلواته اللهم بارك في الصاحب الافضل فرضى الكافة وانقادوا وأجمعوا على بيعته بمدينة تينملل سنة أربع وعشرين فقام بأمر الموحدين وأبعد في الغزوات فصبح نادلا وأقام بها وأصاب منهم ثم غزا درعه واستولى عليها سنة ست وعشرين ثم غزا تاسعون وافتتحها وقتل واليها أبا بكر بن مازرو ومن كان معه من قومه غمارة بنى وزار وبنى مرزع ثم تسابق الناس إلى دعوتهم أفواجا وانتقض البرابر في سائر أقطار المغرب على لمتونة فسرح على بن يوسف ابنه تاشفين لقتالهم سنة ثلاث وستين فجاءهم من ناحية أرض السوس وأحشد معه قبائل كزولة وجعلهم في مقدمته فلقيهم الموحدون بأوائل حفلهم وهزموهم ورجع تاشفين ولم يلق حربا ودحل كزولة من بعدها في دولة الموحدين وأجمع عبد المومن على غزو بلاد المغرب فغزا غزاته الطويلة منذ سنة أربع وثلاثين إلى سنة احدى وأربعين(6/229)
ولم يراجع فيها تينملل حتى إذا انقضت بالفتح والاستيلاء على المغربين خرج إليها من تينملل وخرج تاشفين بعساكره يحاذيه في البسائط والناس يفرون منه إلى عبد المؤمن وهو ينقل في الجبال في سعة من الفواكه للاكل والحطب للدف ء إلى أن وصل إلى جبل غمارة واشتعلت نار الفتنة والغلا بالمعرب واقشعت الرعايا من المغرب وألح الطاغية
على المسلمين بالعدوة وهلك خلال ذلك على بن يوسف أمير لمتونة ملك العدوتين سنة سبع وثلاثين وخمسمائة وولى أمرهم تاشفين ابنه وهو في غزاته هذه وقد أحيط به وحزن بعد أبيه على فتنة بنى لمتونة ومسوقة ففزع أمراء مسوقة مثل بدران بن محمد ويحيى بن ناكصتن ويحيى بن اسحق المعروف بانكار وكان والى تلمسان ولحقوا بعبد المؤمن إليهم من الجملة ودخلوا في دعوته ونبذ إليهم لمتونة العهد والى سائر مسوقة واستمر عبد المؤمن على حاله فنازل سبتة وامتنعت عليه وتولى كبر دفاعه عنها القاضى عياض الشهير الذكر كان رئيسها يومئذ بدينه وأبوته ومنصبه ولذلك سخطته الدولة آخر الايام حتى مات مغربا عن سبتة بتادلا مستعملا في خطة القضاء بالبادية وتمادى عبد المؤمن في غزاته إلى جبال غياثه وبطوية فافتتحها ثم نزل ملوية فافتتح حصونها ثم تخطى إلى بلاد زناتة فاطاعته قبائل مديونة وكان بعث إليهم عساكر من الموحدين إلى نظر يوسف بن وانودين وابن مومو فخرج إليهم محمد بن يحيى بن فانو عامل تلمسان فيمن معه من عساكر لمتونة وزناتة فهزمهم الموحدون وقتل ابن فانو وانقض عسكر زناتة ورجعوا إلى بلادهم وولى ابن تاشفين على تلمسان أبا بكر بن مزدلى ووصل إلى عبد المؤمن بمكانه من الريف أبو بكر بن ماخوخ ويوسف بن بدر أمراء بنى مانو فبعث معهم ابن يغمور وابن وانودين في عسكر من الموحدين فأثخنوا في بلاد عبد الواد وبنى باجدى سبيا وأسرا وأمدهم عساكر لمتونة ومعهم الربرتير قائد الروم ونزلوا منداماس واجتمعت عليهم زناتة في بنى بلومي وبنى عبد الواد وشيخهم حمامة بن مطهر وبنى نيكياس وبنى ورسفان وبنى توجين فأوقعوا في بنى مانو واستنقذوا غنائمهم وقتل أبو بكر بن ماخوخ في ستمائة من قومه وتحصن الموحدون وابن وانودين بجبال سيرات ولحق تاشفين بن ماخوخ بعبد المؤمن صريحا على لمتونة وزناتة فارتحل معه إلى تلمسان ثم أجاز إلى سيرات وقصد محلة لتونة وزناتة فأوقع بهم ورجع إلى تلمسان فنزل ما بين الصخرتين من جبل بنى ورتيك ونزل كاشفين باصطفصف ووصل مدد صنهاجة من قبل يحيى بن عبد العزيز صاحب بجاية
ينظر طاهر بن كباب من قواده أمدوا به تاشفين وقومه لعصبية الصنهاجية وفى يوم وصوله أشرف على معسكر الموحدين وكان يدل بأقوام فورا بلمتونة وأميرهم يتعودهم لمناجزة الموحدين وقال انما جئتكم أؤمنكم من صاحبكم عبد المؤمن(6/230)
هذا وأرجع إلى قومي فامتعض تاشفين لكلمته وأذن له في المناجزة فحمل على القوم فركبوا وصموا للقائه فكان آخر العهد به وبعسكره وكان تاشفين بعث من قبل ذلك قائده على الروم الروبرتير في عسكر ضخم كما قلناه فاغار على بنى سندم وزناتة الذين كانوا في بسيطهم ورجع بالغنائم فاعترضه الموحدون من عسكر عبد المؤمن فقتلوهم وقتل الروبرتير ثم بعث بعثا آخر إلى بلاد بنى نوما فلقيهم تاشفين بن ماخوخ ومن كان معه من الموحدين واعترضوا عسكر بجاية عند رجوعهم فنالوا منهم أعظم النيل وتوالت هذه الوقائع على تاشفين فأجمع الرحلة إلى وهران وبعث ابنه ابراهيم ولى عهده إلى مراكش في جماعة من لمتونة وبعث كاتبا معه أحمد بن عطية ورحل هو إلى وهران سنة تسع وثلاثين فأقام عليها شهرا ينتظر قائد اسطوله محمد بن ميمون إلى أن وصله من المرية بعشرة أساطيل فأرسى قريبا من معسكره وزحف عبد المؤمن من تلمسان وبعث في مقدمته الشيخ أبا حفص عمر بن يحيى وبنى مانو من زناتة فتقدموا إلى بلاد بنى يلومى وبنى عبد الواد وبنى ورسيفين وبنى توجين وأثخنوا فيهم حتى دخلوا في دعوتهم ووفد على عبد المومن برؤوسائهم وكان منهم سيد الناس بن أمير الناس شيخ بنى يلومى فتلقاهم بالقبول وسار بهم في حموع الموحدين إلى وهران ففتحوا لمتونة بمعسكرهم ففضوهم ولجأ تاشفين إلى رابية هناك فأحدقوا بها وأضرموا النيران حولها حتى غشيهم الليل فخرج تاشفين من الحصن راكبا على فرسه فتردى من بعض حافات الجبل وهلك لسبع وعشرين من رمضان سنة تسع وثلاثين وخمسمائة وبعث برأسه إلى تينملل ونجافل العسكر إلى وهران فانحصروا مع أهلها حتى جهدهم العطش ونزلوا جميعا على
حكم عبد المؤمن يوم الفطر من تلك السنة وبلغ خبر مقتل تاشفين إلى تلمسان مع فل لمتونة وفيهم أبو بكر بن ولحف وسير بن الحاج وعلى بن ميلوفى آخرين من أعيانهم ففر معهم من كان بها من لمتونة وقدم عبد المؤمن فقتل من وجد بتاكرارت بعد ان كانوا بعثوا ستين من وجوههم فلقيهم يصليتن من مشيخة بنى عبد الواد فقتلهم أجمعين ولما وصل عبد المؤمن إلى تلمسان استباح أهل تاكرارت لما كان أكثرهم من الحشم وعفا عن أهل تلمسان ورحل عنها لسبعة أشهر من فتحها بعد ان ولى عليها سليمان بن محمد بن وانودين وقيل يوسف بن وانودين وفيما نقل بعض المؤرخين انه لم يزل محاصرا تلمسان والفتوح ترد عليه وهنا لك وصلته بيعة سجلماسة ثم اعتزم على الرحيل إلى المغرب وترك ابراهيم بن جامع محاصر التلمسان فقصد فاس سنة احدى وأربعين وقد تحصن بها يحيى الصحراوي من فل تاشفين من تلمسان فنازلهلم عبد المؤمن وبعث عسكرا لحصار مكناسة ثم رحل في اتباعه وترك عسكرا من الموحدين على فاس وعليهم الشيخ(6/231)
أبو حفص وأبو ابراهيم وصحابة المهدى العشرة فحاصروه سبعة أشهر ثم داخلهم ابن الجيانى فسرب البلد وأدخل الموحدين ليلا وفر الصحراوي إلى طنجة واجاز منها إلى ابن غانية بالاندلس وبلغ خبر فاس إلى عبد المؤمن وهو بمكانه من حصار مكناسة فرجع إليها وولى عليها ابراهيم بن جامع لما فتح تلمسان ارتحل إلى عبد المؤمن وهو محاصر لفاس فاعترضه في طريقه المخضب بن عسر امير بنى مرين ونالوا منه ومن رفقته فكتب عبد المؤمن إلى يوسف وانودين عامل تلمسان أن يجهز إليهم العساكر فبعثا صحبة عبد الحق ابن منقاد شيخ ببنى عبد الواد فأوقعوا ببنى مرين وقتل المخضب أميرهم ولما ارتحل عبد المؤمن من فاس إلى مراكش وصلته في طريقه بيعة أهل سبتة فولى عليهم يوسف ابن مخلوف من مشيخة هنتاتة ومر على سلا فافتتحها بعد مواقعة قليلة ونزل منها بدار ابن عشرة ثم تمادى إلى مراكش وسرح الشيخ أبا حفص لغزو برغواطة فأنحن فيهم
ورجع ولقيه في طريقه ووصلوا جميعا إلى مراكش وقد ضموا إليها جموع لمطة فأوقع بهم الموحدون وأثخنوا فيهم قتلا واكتسحوا اموالهم وظعائنهم وأقاموا على مراكش تسعة أشهر وأميرهم اسحق بن على بن يوسف بايعوه صبيا صغيرا عند بلوغ خبر أبيه ولما طال عليهم الحصار وجهدهم الجوع برزوا إلى مدافعة الموحدين فانهزموا وتتبعهم الموحدون بالقتل واقتحموا عليهم المدينة في اخريات شوال سنة احدى وأربعين وقتل عامة الملثمين ونجا اسحق في جملته واعيان قومه إلى القصبة حتى نزلوا على حكم الموحدين وأحضر اسحق بين يدى عبد المؤمن فقتله الموحدون بأيديهم وتولى كبر ذلك أبو حفص بن واكاك منهم وانمحى أثر الملثمين واستولى الموحدون على جميع البلاد ثم خرج عليهم بناحية السوس ثائر ن سوقة سلا يعرف محمد بن عبد الله بن هود وتلقب بالهادي وظهر في رباط ماسة فأقبل إليه الشراد من كل جانب وانصرفت إليه وجوه الاغمار من أهل الآفاق وأخذ بدعوته أهل سجلماسة ودرعة وقبائل دكالة وركراكة وقبائل تامسنا وهوارة وفشت ضلالته في جميع العرب فسرح إليه عبد المؤمن عسكرا من الموحدين لنظر يحيى انكمارا للمتونى النازع إليه من ايالة تاشفين بن على ولقى هذا الثائر الماسى ورجع مهزوما إلى عبد المؤمن فسرح الشيخ أبا حفص عمر بن يحيى وأشياخ الموحدين واحتفل في الاستعداد فنهضو الرابطة ماسة وبرز إليهم الثائر في نحو ستين ألفا من الرجال وسبعمائة من الفرسان فهزمهم الموحدون وقتل داعيتهم في المعركة مع كثرة اتباعه وذلك في ذى الحجة سنة احدى وأربعين وكتب الشيخ أبو حفص بالفتح إلى عبد المؤمن من انشاء أبى حفص بن عطية الشهير الذكر كان أبوه أبو أحمد كاتبا لعلى بن يوسف وابنه تاشفين وتحصل في قضة الموحدين فعفا عنه عند(6/232)
المؤمن ولما نزل على فاس اعتزم أبو حفص هذا على الفرار فتقبض عليه في طريقه واعتذر فلم يقبل عذره وقتل وكان ابنه أحمد كاتبا لاسحق بن على بمراكش فشمله عفو
السلطان فيمن شمله من ذلك الغل وخرج في جملة الشيخ أبى حفص في وجهته هذه وطلبه للكتاب في ذلك فاجابه واستحسن كتابه عبد المؤمن لما وقف عليه فاستكتبه أولا ثم ارتفع عنده مكانه فاستوزروه وبعد في الدولة صيته وقاد العساكر وجمع الاموال وبذلها ونال من الرتبة عند السلطان ما لم ينله أحد في دولته إلى ان دبت السعاية إلى جهاده الوثير فكان فيها حتفه ونكبه الخليفة سنة ثلاث وخمسين وقتله بمحبسه حسبما هو مشهور ولما انصرف الشيخ أبو حفص من غزاة ماسة راح بمراكش أياما ثم خرج غازيا إلى القائمين بدعوة الماسى بجبال درن فأوقع باهل نفيس وهيلانة وأثخن فيهم بالقتل والسبي حتى أذعنوا بالطاعة ورجع ثم خرج إلى هسكورة وأوقع بهم وافتتح معاقلهم وحصونهم ثم نهض إلى سجلماسة فاستولى عليها ورجع إلى مراكش ثم خرج ثالثة إلى برغواطة فحاربوه مرة ثم هزموه واضطرمت نار الفتنة بالمغرب وانتقض أهل سبتة وأخرجوا يوسف بن مخلوف التينمللى وقتلوه ومن كان معه من الموحدين وأجاز القاضى عياض البحر إلى يحيى بن على بن غانية المسوقى الوالى بالاندلس فلقيه وطلب منه واليا إلى سبتة فبعث معه يحيى بن أبى بكر الصحراوي الذى كان بفاس منذ منازلة عبد المؤمن لها وذكر انه لحق بطنجة فأجاز البحر إلى الاندلس ولحق بابن غانية بقرطبة وصار في جملته وبعثه ابن غانية إلى سبتة مع القاضى عياض كما ذكرناه وقام بأمرها ووصل يده بالقبائل الناكثة لطاعة الموحدين من برغواطة ودكالة على حين هزيمتهم للموحدين كما ذكرناه ولحق بهم من مكانه لسبتة وخرج إليهم عبد المؤمن بن على سنة ثنتين وأربعين فدوخ بلادهم واستأصل شأفتهم حتى انقادوا للطاعة وتبرؤا من يحيى الصحراوي ولمتونة ورجع إلى مراكش لستة أشهر من خروجه ووصلته المرعبة من مشيخة القبائل في يحيى الصحراوي فعفا عنه وصلحت أحوال المغرب وراجع أهل سبتة طاعتهم فتقبل منهم وكذلك أهل سلا فصفح لهم وأمر بهدم سورهم والله أعلم * (فتح الاندلس وشؤونها) *
ثم صرف عبد المؤمن من قصره إلى الاندلس وكان من خبرها انه اتصل بالملثمين مقتل تاشفين ابن على ومنازلة الموحدين مدينة فاس وكان على بن عيسى بن ميمون قائد اسطولهم قد نزع طاعة لمتونة وامترى بجزيرة قادس فلحق بعبد المؤمن بمكانه من حصار فاس ودخل في دعوته وخطب له بجامع فاس أول خطبة خطبت لهم بالاندلس عام أربعين وخمسمائة وبعث أحمد بن قسى صاحب مرتلة ومقيم الدعوة بالاندلس أبا بكر بن حبيس(6/233)
رسولا إلى عبد المؤمن فلقيه على تلمسان وأدى كتاب صاحبه فأنكر ما تضمنه من النعت بالمهدي ولم يجاوب وكان سدراتى بن وزير صاحب بطليوس وباجة وغرب الاندلس قد تغلب على أحمد بن قيسى هذا وغلبه على مرتلة فأجاز أحمد بن قيسى البحر إلى عبد المؤمن من بعد فتح مراكش لمداخلة على بن عيسى بن ميمون ونزل بسبتة فجهره يوسف ابن مخلوف ولحق بعبد المؤمن ورغبه في ملك الاندلس وأغراه بالملثمين فبعث معه عساكر الموحدين لنظر برار بن محمد المسوقى الناظر إلى عبد المؤمن من جملة تاشفين وعقد له على حروب من بها من لمتونة والثوار وأمده بعسكر آخر لنظر موسى بن سعيد وبعده بعسكر آخر لنظر عمر بن صالح الصنهاجى ولما أجازوا إلى الاندلس نزلوا بالغمر بن عزرون من الثوار بشريش وكانت له مع ولده ثم قصدوا لبلة وبها من الثوار يوسف ابن أحمد البطروجى فأعطاهم الطاعة ثم قصدوا مرتلة وهى تحت الطاعة لتوحيد صاحبها أحمد بن قيسى ثم قصدوا شلب ففتحوها وامكنوا منها ابن قيسى ثم نهضوا إلى باجة وبطليوس فأطاعهم صاحب سدراتى بن وزير ثم بران في عسكر الموحدين إلى مرتلة حتى انصرم فصل الشتاء فخرج إلى منازلة اشبيلية فأطاعه أهل طليطلة وحصن القصر واجتمع إليه سائر الثوار وحاصروا اشبيلية برا وبحرا إلى أن افتتحوها في شعبان من سنة احدى وأربعين وفر الملثمون بها إلى قرمونة وقتل من ادرك منهم وأتى القتل على عبد الله بن القاضى أبى بكر بن العربي في هيعة تلك الدخلة من غير قصد
وكتبوا بالفتح إلى عبد المؤمن بن على وقدم عليه وفودهم بمراكش يقدمهم القاضى أبو بكر فتقبل طاعتهم وانصرفوا بالجوائر والاقطاعات لجميع الوفد سنة ثنتين وأربعين وخمسمائة وهلك القاضى أبو بكر في طريقه ودفن بمقبرة فاس وكان عبد العزيز وعيسى أخو المهدى من مشيخة العسكر باشبيلية ساء أثرهما بالبلد واستطالت أيديهما على أهله واستباحوا الدماء والاموال ثم اعتز ما على الفتك بيوسف البطروجى صاحب لبلة فلحق ببلده وأخرج الموحدين الذين بها وحول الدعوة عنهم وبعث إلى طليطلة وحصن القصر ووصل يده بالملثمين الذين كانوا بالدعوة وارتد ابن قيسى في مدينة شلف وعلى بن عيسى بن ميمون بجزيرة قادس ومحمد بن الحجام بمدينة بطليوس وثبت أبو الغمر بن عزرون على طاعة الموحدين بشريش ورندة وجهاتهما وتغلب ابن غانية على الجزيرة الخضراء وانتقض أهل سبتة كما ذكرناه وضاقت أحوال الموحدين باشبيلية فخرج منها عيسى وعبد العزيز أخو المهدى وابن عمهما يصليتن بمن كان معهم ولحقوا بجبال بستر وجاءهم أبو الغمر بن عزرون واتصلت أيديهم على حصار الجزيرة حتى افتتحوها وقتلوا من كان بها من لمتونة ولحق أخو المهدى بمراكش وبعث عبد المؤمن على اشبيلية يوسف بن(6/234)
سليمان في عسكر من الموحدين وأبقى بران بن محمد على الجباية فخرج يوسف ودوخ اعمال البطروجى بلبلة وطليطلة وعمل ابن قيسى بشلب ثم أغار على جبيرة وأطاعه عيسى بن ميمون صاحب شنتمرية وغزا معهم وأرسل محمد بن على بن الحاج صاحب بطليوس بهداياه فتقبلت ورعيت له ورجع يوسف إلى اشبيلية وفى اثناء ذلك استغلظ الطاغية على يحيى بن على بن غانية بقرطبة والح على جهاته حتى نزل له عن ماسة ورندة وتغلب على الاشبونة وطرطوشة ولاردة وافراغه وشنتمرية وغيرها من حصون الاندلس وطالب ابن غانية بالزيادة في بيته أو الافراج له عن قرطبة فأرسل ابن غانية بران بن محمد واجتمعا باستجة وضمن له بران امداد الخليفة على ان يتخلى عن قرطبة وقرمونة فغدر
باقماطه واقتلعهم بقلعة ابن سعيد وأفرج الطاغية عن جيان ولحق هو بغرناطة وبها ميمون بن بدر اللمتونى في جماعة من المرابطين قصده ابن غانية ليحمله على مثل حاله مع الموحدين فكان مهلكه بها في شعبان سنة ثلاث وأربعين وقبره بها معروف لهذا العهد وانتهز الطاغية فرصة في قرطبة فزحف إليها ودفع الموحدون باشبيلية أبا المغمر بن عزرون لحمايتها ووصل إليه مدد يوسف البطروجى من لبلة وبلغ الخبر عبد المؤمن فبعث إليها عسكرا من الموحدين لنظر يحيى بن يغمور ولما دخلها أفرج عنها الطاغية لايام من مدخله وبادر الثوار إلى يحيى بن يغمور في طلب الامان من عبد المؤمن ثم تلاحقوا به بمراكش فتقبلهم وصفح لهم ونهض إلى مدينة سلا سنة خمس وأربعين واستدعى منها أهل الاندلس فوفدوا عليه وبايعوه جميعا وبايعه الرؤساء من الثوار على الانخلاع من الامر مثل سدراتى بن وزير صاحب باجة وباثورة والبطروجى صاحب لبلة وابن عزرون صاحب شريش ورندة وابن الحجام صاحب بطليوس وعامل بن مهيب صاحب طلبيرة وتخلف ابن قيسى وأهل شلب عن هذا الجمع فكان سببا لقتله من بعده ورجع عبد المؤمن إلى مراكش وانصرف أهل الاندلس إلى بلادهم واستصحب الثوار فلم يزالوا بحضرته والله تعالى أعلم * (فتح افريقية وشؤونها) * ثم بلغ عبد المؤمن ماهيج افريقية عليه من اختلاف الامراء واستطالة العرب عليها بالعيث والفساد وانهم حاصروا مدينة القيروان وان موسى بن يحيى الرياحي المرداسى دخل مدينة باجة وملكها فأجمع الرحلة إلى غزو افريقية بعد أن شاور الشيخ أبا حفص وابا ابراهيم وغيرهما من المشيخة فوافقوه وخرج من مراكش في أواخر سنة ست وأربعين موريا بالجهاد حتى انتهى إلى سبتة واستوضح أحوال أهل الاندلس ثم رحل عن سبتة موريا بمراكش وأغذ السير إلى باجة فدخل الجزائر على حين غفلة وخرج إليه الحسن(6/235)
ابن على صاحب المهدية فصحبه واعترضه جيوش صنهاجة بأم العلو فهزمهم وصبح بجاية من الغد فدخلها وركب يحيى بن العزيز البحر في اسطولين كان أعدهما لذلك واحتمل فيهما ذخائره وأمواله ولحق بقسنطينة إلى أن نزل بعد ذلك منها على أمان عبد المؤمن واستقر بمراكش تحت الجراية والعناية إلى أن هلك رحمه الله ثم سرح عبد المؤمن عساكر الموحدين وعليهم ابنه عبد الله إلى القلعة وبها جوش بن عبد العزير في جموع صنهاجة فاقتحمها واستلحم من كان بها منهم وأضرم النار في مساكنها وقتل جوش ويقال ان القتلى بها كانوا ثمانية عشر ألفا وامتلات أيدى الموحدين من الغنائم والسبي وبلغ الخبر إلى العرب بافريقية من الاثبج وزغبة ورياح وقسرة فعسكروا بظاهر باجة وتئامروا على الدفاع عن ملكهم يحيى بن العزيز وارتحلوا إلى سطيف وزحف إليهم عبد الله بن عبد المؤمن في الموحدين الذين معه وكان عبد المؤمن قد قفل إلى المغرب ونزل متيحة فلما بلغه الخبر بعث المدد لابنه عبد الله والتقى الفريقان بسطيف واقتتلوا ثم انفضت جموع العرب واستلحموا وسبيت نساؤهم واكتسحت أموالهم وأسر أبناؤهم ورجع عبد المؤمن إلى مراكش سنة سبع وأربعين ووفد عليه كبراء العرب من أهل افريقية طائعين فوصلهم ورجعوا إلى قومهم وعقد على فاس لابنه السيد أبى الحسن واستوزر له يوسف بن سليمان وعقد على تلمسان لابنه السيد أبى حفص واستوزر له أبا محمد بن وانودين وعلى سبتة لابنه السيد ابى سعيد واستوزر له محمد بن سليمان وعلى بجاية للسيد أبى محمد عبد الله واستوزر له يخلف بن الحسين واختص ابنه أبا عبد الله بولاية عهده وتغير بذلك كله ضمائر عبد العزيز وعيسى أخوى المهدى فلحقا بمراكش مضمرين للغدر وأدخلوا بعض الاوغاد في شأنهم فوثبوا بعمر بن تافراكين وقتلوه بمكانه من القصبة ووصل على اثرهما الوزير أبو حفص بن عطية وعبد المؤمن على اثره فطفا آثار تلك الثورة وقتل أخو المهدى ومن داخلهم فيها والله أعلم * (فتح بقية الاندلس) *
وبلغه بمراكش سنة تسع وأربعين أن يحيى بن يغمور صاحب اشبيلية قتل أهل لبلة بما كان من غدر الوهنى لها وتقبل معذرتهم في ذلك فسخط يحيى بن يغمور وعزله عن اشبيلية بأبى محمد عبد الله بن أبى حفص بن على التينمللى وعن قرطبة بأبى زيد بن بكيت وبعث عبد الله بن سليمان فجاء بابن يغمور معتقلا إلى الحضرة وألزمه منزله إلى ان بعثه مع ابنه السيد أبى حفص إلى تلمسان واستقام أمر الاندلس وخرج ميمون بن بدر اللمتونى عن غرناطة للموحدين فملكوها وأجاز إليها السيد أبا سعيد صاحب سبتة بعهد ابنه عبد المؤمن إليه بذلك ولحق الملثمون بمراكش ونازل السيد أبو سعيد مدينة المرية(6/236)
حتى نزل من كان بها من النصارى على الامان وحضر لذلك الوزير أبو حفص بن عطية بعد ان أمدهم ابن مودهشى الثائر بشرق الاندلس والطاغية معه وعجزوا جميعا عن المدافعة ثم وفد أشياخ اشبيلية سنة احدى وخمسين ورغبوا من عبد المؤمن ولاية بعض أبنائه عليهم فعقد لابنه السيد أبى يعقوب عليها وافتتح أمره بمنازلة على الوسينى الثائر بطلبيرة ومعه الوزير أبو حفص بن عطية حتى استقام على الطاعة ثم استولى على عمل ابن وزير وابن قيسى واستنرل تاشفين اللمتونى من تلة سنة ثنتين وخمسين وكان الذى أمكن الملثمين منها ابن قيسى واستتم الفتح ورجع السيد إلى اشبيلية وانصرف أبو حفص بن عطية إلى مراكش فكانت فيها نكبته ومقتله واستوزر عبد المؤمن من بعده عبد السلام الكومى كان يمت إليه بذمة صهر فلم يزل على وزارته والله أعلم * (بقية فتح افريقية) * لما بلغ عبد المؤمن سنة ثلاث وخمسين ما كان من ايقاع الطاغية بابنه السيد أبى يعقوب بظاهر اشبيلية ومن استشهد من أشياخ الموحدين وحفاظهم ومن الثوار مثل ابن عزرون وابن الحجام نهض يريد الجهاد واحتل بسلا فبلغه انتقاض افريقية وأهمه شأن النصارى بالمهدية فلما توافت العساكر بسلا استخلف الشيخ أبا
حفص على المغرب وعقد ليوسف بن سليمان على مدينة فاس ونهض يغذ السير حتى نزل المهدية وبها من نصارى أهل صقلية فافتتحها صلحا سنة خمس وخمسين واستنقذ جميع البلاد الساحلية مثل صفاقس وطرابلس من أيدى العدو وبعث ابنه عبد الله من مكان حصاره للمهدية إلى قابس فاستخلصها من يد بنى كامل المتغلبين عليها من دهمان بعض بطون رياح واستخلص قفصة من يد بنى الورد وورغة من يد بنى بروكسن وطبرية من يد ابن علال وجبل زغوان من يد بنى حماد بن خلفة وسقتبارية من يد بنى عباد ومدينة الاربع من يد من ملكها من العرب حسبما بلغه أن الاعراب وهؤلاء الثوار في دولة صنهاجة ولما استكمل الفتح وثنى عنانة إلى المغرب وخمسين بلغه أن الاعراب بافريقيه انتقضوا عليه فرجع إليهم عسكر من الموحدين فنهضوا إلى القيروان وأوقعوا بالعرب وقتل كبيرهم عزر بن زياد الفارغى من بنى على أحد بطون رياح والله تعالى أعلم * (أخبار ابن مردنيش الثائر بشرق الاندلس) * كان بلغ عبد المؤمن وهو بافريقية أن محمد بن مردنيش الثائر بشرق الاندلس خرج من مرسية ونزل جيان وأطاعه واليها محمد بن على الكومى ثم نازل بعدها قرطبة ورحل نها وغدر بقرمونة وملكها ثم رجع إلى قرطبة وخرج ابن بكيت لحربه فهزمه وقتله(6/237)
فكتب إلى عماله بالاندلس بفتح افريقية وانه واصل إليهم وعبر إلى جبل الفتح واجتمع إليه أهل الاندلس ومن بها من الموحدين ثم رجع وكان السيد أبو يعقوب صاحب اشبيلية وأبو سعيد صاحب غرناطة ارتحلا لزيارة الخليفة بمراكش فخالف ابن همشك إلى مدينة غرناطة وعلا ليلا بمداخلة من بعض أهلها واستولى عليها وانحصر الموحدون بقصبتها وخرج عبد المؤمن من مراكش لاستنقاذهم فوصل إلى سلا وقدم السيد أبو سعيد فأجاز البحر ولقيه عامل اشبيلية عبد الله بن أبى حفص بن على ونهضوا
جميعا إلى غرناطة فنهض إليهم ابن همشك وهزمهم ورجع السيد أبو سعيد إلى مالقة وردأة عبد المؤمن بأخيه السيد أبى يعقوب في عساكر الموحدين ونهضوا إلى غرناطة وكان قد وصلها ابن مردنيش في جموع من النصارى مددا لابن همشك فلقيهم الموحدون بفحص غرناطة وهزموهم وفر ابن مردنيش إلى مكانه في المشرق ولحق ابن همشك بجيان فنازله الموحدون وأقبل السيدان إلى قرطبة فأقاما بها إلى أن استدعى السيد أبو يعقوب بمراكش سنة ثمان وخمسين لولاية العهد والادالة به من أخيه محمد فلحق بمراكش وخرج في ركاب أخيه الخليفة عبد المؤمن لما نهض للجهاد وأدركته المنية بسلا في جمادى الاخيرة من هذه السنة ودفن بتينمللى إلى جانب المهدى والله أعلم * (دولة الخليفة يوسف بن عبد المؤمن) * لما هلك عبد المؤمن أخذ البيعة على الناس السيد أبو حفص لاخيه أبى يعقوب باتفاق من الموحدين كافة ورضا من الشيخ أبى حفص خاصة واستقل في رتبة وزارته ورجعوا إلى مراكش وكان السيد أبو حفص هذا وزيرا لاخيه عبد المؤمن واستوزره عند نكبة عبد السلام الكومى فرجعه من افريقية سنة خمس وخمسين وكان أبو على ابن جامع متصرفا بين يديه في رسم الوزارة إلى أن هلك عبد المؤمن فأخذ أبو حفص البيعة لاخيه أبى يعقوب ثم هلك اثر وفاة عبد المؤمن ابنه السيد أبو الحسن صاحب فاس والسيد أبو محمد صاحب بجاية في طريقه إلى الحضرة ثم استقدم أبو يعقوب السيد أبا سعيد من غرناطة سنة ستين فقدم ولقيه السيد أبو حفص بسبتة ثم صرح الخليفة أبو يعقوب معه أخاه السيد أبا حفص إلى الاندلس في عسكر الموحدين لما بلغه ان الحاج بن مردنيش علا قرطبة بعد ان احتشد معه قبائل العرب رغبة ورياح والاثبج فاجاز البحر وقصد ابن مردنيش وقد جمع جمعه وأولياءه من النصارى ولقبهم عساكر الموحدين بفحص مرسية فانهزم ابن مردنيش وأصحابه وفر إلى مرسية من سبتة ونازله الموحدون بها ودوخوا نواحيه وانصرف السيد أبو حفص وأخوه أبو
سعيد سنة احدى وستين إلى مراكش وخمدت نار الفتنة من ابن مردنيش وعقد(6/238)
الخليفة على بجاية لاخيه السيد أبى زكريا وعلى اشبيلية للشيخ أبى عبد الله بن ابراهيم ثم أدال عنه بأخيه السيد أبى ابراهيم واقر الشيخ أبا عبد الله على وزارته وعقد على قرطبة لاخيه السيد أبى اسحق واقر السيد أبا سعيد على غرناطة ثم نظر الموحدون في موضع العلامات في المكتوبات بخط الخليفة فاختاروا الحمد لله وحده لما وقفوا عليها بخط الامام المهدى في بعض مخاطبانه فكانت علامتهم إلى آخر دولتهم والله تعالى أعلم * (فتنة غمارة) * وفى سنة ثنتين وستين تحرك الامير أبو يعقوب إلى جبال غمارة لما كان ظهر بها من الفتنة التى تولى كبرها سبع بن منغفاد ونازعهم في الفتنة صنهاجة جيرانهم فبعث الامير أبو يعقوب عساكر الموحدين لنظر الشيخ أبى حفص ثم تعاظمت فتنة غمارة وصنهاجة فخرج إليهم بنفسه وأوقع بهم واستأصلهم وقتل سبع بن منغفاد وانحسم داؤهم وعقد لاخيه السيد أبى على الحسن على سبتة وسائر بلادهم وفى سنة ثلاث وستين اجتمع الموحدون على تجديد البيعة واللقب بأمير المؤمنين وخاطب العرب بافريقية يستدعيهم إلى الغزو ويحرضهم وكتب إليهم في ذلك قصيدة ورسالة مشهورة بين الناس وكان من أحافلهم ووفودهم عليه ما هو معروف لما استوسق الامر للخليفة أبى يعقوب بالعدوة وصرف نظره إلى الاندلس والجهاد واتصل به ما كان من غدر العدو دمره الله بمدينة ترحالة ثم مدينة يابدة ثم حصن شبرمة ثم حصن جلمانيه ازاء بطليوس ثم مدينة بطليوس فسرح الشيخ أبا حفص في عساكر من الموحدين احتفل في انبعاثهم وخرج سنة أربع وستين لاستنقاذ بطليوس من هذا الحصار فلما وصل إلى اشبيلية بلغه أن الموحدين وبطليوس هزموا ابن الزمك الذى كان
يحاصرهم باعانة ابن ادفونش وان ابن الزمك تحصل في قبضتهم أسيرا وفر جواندة الحليفى إلى حصنه فقصد الشيخ أبو حفص مدينة قرطبة وبعث إليهم ابراهيم بن همشك من جيان بطاعته وتوحيده ومفارقته صاحبه ابن مردنيش لما حدث بينهما من الشحناء والفتنة فألح عليه ابن مردنيش بالحرب وردد إليه الغزو فبعث إلى الشيخ أبى حفص بطاعته وكان الشيخ أبو حفص في عساكر الموحدين فنهض من مراكش سنة خمس وستين وفى جملته السيد أبو سعيد أخوه فوصل إلى اشبيلية وبعث أخاه أبا سعيد إلى بطليوس فعقد الصلح مع الطاغية وانصرف ونهضوا جميعا إلى مرسية ومعهم ابن همشك فحاصروا ابن مردنيش وثار أهل لورقة بدعوة الموحدين فملكها السيد أبو حفص ثم افتتح مدينة بسطة وطاع ابن عمه محمد بن مردنيش صاحب المرية فحص بذلك جناحه واتصل الخبر(6/239)
بالخليفة بمراكش وقد توافت عنده جموع العرب من افريقية صحبة أبى زكريا صاحب بجاية والسيد أبى عمران صاحب تلمسان وكان يوم قدومهم عليه يوما مشهودا فاعترضهم وسائر عساكرهم ونهض إلى الاندلس واستخلف على مراكش السيد أبا عمران أخاه فاحتل بقرطبة سنة سبع وستين ثم ارتحل بعدها إلى اشبيلية ولقيه السيد أبو حفص هنا لك منصرفا من غزاته وكان ابن مردنيش لما طال عليه الحصار ارتاب ففتك بهم وباد أخوه أبو الحجاج وهلك هو في رجب من هذه السنة ودخل ابنه هلال في الطاعة وبادر السيد أبو حفص إلى مرسية فدخلها وخرج هلال في جملته وبعثه إلى الخليفة باشبيلية ثم ارتحل الخليفة غازيا إلى العدو فنازل رندة أياما وارتحل عنها إلى مرسية ثم رجع إلى اشبيلية سنة ثمان وستين واستصحب هلال بن مردنيش وصهر له في ابنته وولى عمه يوسف على بانسية وعقد لاخيه السيد أبى سعيد على غرناطة ثم بلغه خروج العدو إلى أرض المسلمين مع القومس الاحدب فخرج للقائهم وأوقع بهم بناحية قلعة رياح وأثخن فيهم ورجع إلى اشبيلية وأمر ببناء حصن القلعة ليحصن جهاتها وقد كان خرابا منذ فتنة ابى
حجاج فيه مع كريت ابن خلدون بمدة ازمان المنذر بن محمد وأخيه عبد الله من امراء بنى أمية ثم انتقض ابن ادفونيش وأغار على بلاد المسلمين فاحتشد الخليفة وسرح السيد أبا حفص إليه فغزاه بعقر داره وافتتح قنصرة بالسيف وهزم جموعه في كل جهة ثم ارتحل الخليفة من اشبيلية راجعا إلى مراكش سنة احدى وسبعين لخمس سنين من اجازته إلى الاندلس وعقد على قرطبة لاخيه الحسن وعلى اشبيلية لاخيه على وأصاب مراكش الطاعون فهلك من السادات أبو عمران وأبو سعيد وأبو زكريا وقدم الشيخ أبو حفص من قرطبة فهلك في طريقه ودفن بسلا واستدعى الخليفة أخويه السيدين أبا على وأبا الحسن فعقد لابي على على سجلماسة ورجع أبو الحسن إلى قرطبة وعقد لابنى أخيه السيد أبى حفص لابي زيد منهما على غرناطة ولابي محمد عبد الله على مالقة وفى سنة ثلاث وسبعين سطا بذرية بنى جامع وغربهم إلى ماردة وفى سنة خمس وسبعين عقد لقائم بن محمد ابن مردنيش على اسطوله واغزاه مدينة الاشبونة فغنم ورجع وفيه كانت وفاة أخيه السيد الوزير ابى حفص بعدما أبلى في الجهاد وبالغ في نكاية العدو وقدم ابناه من الاندلس وأخبر الخليفة بانتقاض الطاغية واعتزم على الجهاد وأخذ في استدعاء العرب من افريقية والله تعالى أعلم * (الخبر عن انتقاض قفوصة واسترجاعها) * كان على بن المعز ويعرف بالطويل من أعقاب بنى الرند ملوك قفصة قد ثار سنة خمس وسبعين كما ذكرناه في أخبارهم وبلغ الخليفة خبره فنهض إليها من مراكش وسار إلى(6/240)
بجاية وبقى عنده يعلى بن المنتصر الذى كان عبد المؤمن استتزله من ففوصة أنه يواصل قريبه الثائر بها ويخاطب العرب فتقبض عليه ووجدت المخاطبات عنده شاهدة بتلك السعاية واستصفى ما كان بيده وارتحل إلى قفصة ونزلها ووفدت عليه مشيخة العرب من رياح بالطاعة فقتلهم ولم يزل محاصرا لقفصة إلى ان نزل على بن المعز وانكف راجعا
إلى تونس وأنفذ عساكر العرب وعقد على افريقية والزاب للسيد أبى على أخيه وعلى بجاية للسيد أبى موسى وقفل إلى الحضرة والله تعالى أعلم * (معاودة الجهاد) * لما قفل من فتح قفصة سنة سبع وسبعين وفد عليه أخوه السيد أبو اسحق من اشبيلية والسيد أبو عبد الرحمن يعقوب من مرسية وكافة الموحدين ورؤساء الاندلس يهنونه بالاياب فأكرم موصلهم وانصرفوا إلى بلادهم واتصل به أن محمد بن يوسف بر وانودين تحدر بالموحدين من اشبيلية إلى أرض العدو فنازل مدينة بابورة وغنم ما حولها وافتتح بعض حصونها ورجع إلى اشبيلية التقوا بأسطول أهل اشبونه في البحر فهزموهم وأخذوا عشرين من قطائعهم مع السبى والغنائم ثم بلغ الخبر بان أدفوش ابن شانجة نازل قرطبة وشن الغارات على جهات مالقة ورندة وغرناطة ثم نزل استجة وتغلب على حصن شقيلة وأسكن بها النصارى وانصرف فاستنفر السيد أبو اسحق سائر الناس للغزو ونازل الحصن نحوا من أربعين يوما ثم بلغه خرج ادفونش من طليضلة بمدده فانكف راجعا وخرج محمد بن يوسف بن وانودين من اشبيلية في جموع الوحدين ونازل طلبيرة وبرز إليه أهلها فأوقع بهم وانصرف بالغنائم اعتزم الخليفة أبو يعقوب على معاودة الجهاد وولى على الاندلس أمناءه وقدمهم للاحتشاد فعقد لابنه السيد أبى زيد الحصرصانى على غرناطة ولابنه السيد أبى عبد الله على مرسية ونهض سنة تسع وسبعين إلى سلا ووافاه بها أبو محمد بن أبى اسحق بن جامع من افريقية بحشود العرب وسار إلى فاس وبعث في مقدمته هنتاتة وتينملل وحشود العرب وأجاز البحر من سبتة في صفر من سنة ثمانين فاحتل بجبل الفتح وصار إلى اشبيلية فوافته بها حشود الاندلس وسخط محمد بن وانودين وغربه إلى حصن غافق ورحل غازيا إلى شنتمرين فحاصرها أياما ثم أقلع عنها واستمر الناس يوم اقلاعه وخرج النصارى من الحصن فوجدوا الخليفة في غير أهبة ولا استعداد فأب في الجهاد هو ومن حضره وانصرفوا بعد جولة شديدة وهلك
في ذلك اليوم الخليفة يقال من عنهم اصابه في حومة القتال وقيل من مرض طرقه عفى الله عنه ولما هلك الخليفة أبو يعقوب على حصن شنتمرين سنة ثمانين بويع ابنه يعقوب ورجع بالناس إلى اشبيلية فاستكمل البيعة واستوزر الشيخ أبا محمد عبد الواحد بر(6/241)
أبى حفص واستفر الناس للغزو مع أخيه السيد يحيى فأخذ بعض الحصون وأثخن في بلاد الكفار ثم أجاز البحر إلى الحضرة ولقيه بقصر مصمودة السيد أبو زكريا ابن السيد أبى حفص قادما من تلمسان مع مشيخة زغبة ومضى إلى مراكش فغير المناكير وبسط العدل ونشر الاحكام وكان من أول الاحداث في دولة شأن بن غانية * (الخبر عن شأن ابن غانية) * كان على بن يوسف بن تاشفين لما تغلب العدو على جزيرة ميورقة وهلك واليها من موالى مجاهد وهو مبشر وبقى أهلها فوضى وكان مبشر بعث إليه بالصريخ والعدو محاصر له فلما أخدها العدو وغنم وأحرق وأقلع وبعث على بن يوسف واليا عليها وانور بن أبى بكر من رجالات لمتونة وبعث معه خمسمائة فارس من معسكره فأرهب لهم حده وارادهم على بناء مدينه أخرى بعيدة من البحر فامتنعوا وقتل مقدمهم فناروا به وحبسوه ومضوا إلى على بن يوسف فأسفاهم منه وولى عليهم محمد بن على بن يحيى المسوقى المعروف بابن غانية وكان أخوه يحيى على غرب الاندلس وكان نزله باشبيلية واستعمل أخاه على قرطبة فكتب إليه على بن يوسف يأمره بصرف محمد أخيه إلى ولاية ميورقة فارتحل إليها من قرطبة ومعه أولاده عبد الله واسحق وعلى والزبير وابراهيم وطلحة وكان عبد الله واسحق في تربية عمهما يحيى وكفالته فتبناهما ولما وصل محمد بن على ابن غانية إلى ميورقة قبض على وانور وبعثه مصفدا إلى مراكش وأقام على ذلك عشرا وهلك يحيى بن غانية وقد ولى عبد الله بن أخيه محمد على غرناطة وأخاه اسحق بن محمد على قرمونة ثم هلك على وضعف أمر لمتونة وظهر عليهم الموحدون فبعث محمد عن ابنيه
عبد الله واسحق فوصلا إليه في الاسطول وانفض ملك لمتونة ثم عهد محمد إلى ابنه عبد الله فنافسه أخوه اسحق وداخل جماعة من لمتونة في قتله فقتلوه وقتلوا أبا ه محمدا ثم اجمعوا الفتك به فارتاب بهم وداخل لب بن ميمون قائد البحر في أمرهم لكبسهم في منازلهم وقتلهم سنة ست وأربعين وخمسمائة وبقى أمير الميورقة واشتغل أول أمره بالبناء والغراسة وضجر منه الناس لسوء ملكته وفر عنه لب بن ميمون إلى لموحدين ثم رجع أخيرا إلى الغزو وكان يبعث الاسارى والعلوج للخليفة أبى يعقوب لى أن هلك قبيل مهلكه سنة ثمانين وخلف من الولد محمدا وعليا ويحيى وعبد الله سير والمنصور وجبارة وتاشفين وطلحة وعمر ويوسف والحسن فولى ابنه محمد وبعث إلى لخليفة أبى يعقوب بطاعته فبعث هو على ابن الروبرتير لاختبار ذلك منه وأحس بذلك خوته فمنكروه وتقبضوا عليه وقدموا عليا منهم وبلغهم مهلك الخليفة وولاية ابنه(6/242)
المنصور فاعتقلوا ابن الروبرتير وركبوا البحر في أسطولهم إلى بجاية وولى على ميورقة أخاه طلحة وطرق بجاية في اسطوله على حين غفلة وعليها السيد أبو ربيع بن عبد الله بن عبد المؤمن وكان خارجها في بعض مذاهبه فاستولوا عليه سنة احدى وثمانين وتقبضوا على السيد أبى ربيع والسيد أبى موسى عمران بن عبد المؤمن صاحب افريقية وكان بها مجازا واستعمل أخاه يحيى على بجاية ومضى إلى الجزائر فافتتحها وولى عليها يحيى ابن أخيه طلحة ثم إلى مليانة فولى عليها بدر بن عائشة ونهض إلى القلعة ثم إلى قسنطينة فنازلها واتصل الخبر بالمنصور وهو بسبته مرجعه من الغزو فسرح السيد أبا زيد بن عمه السيد أبى حفص وعقد له على حرب ابن غانية وعقد لمحمد بن أبى اسحق بن جامع على الاساطيل والى نظره أبو محمد بن عطوش وأحمد الصقلى وانتهى السيد أبو زيد إلى تلمسان وأخوه يومئذ السيد أبو الحسن كان واليا وقد أمعن النظر في تحصينها ثم ارتحل بعساكره من تلمسان ونادى بالعفو في الرعية فثار أهل مليانة على ابن عائشة فأخرجوه
وسبقت الاساطيل إلى الجزائر فملكوها وقبضوا على يحيى بن طلحة وسيق بدر بن عائشة من أم العلو فقتلوا جميعا بثلف وتقدم القائد أحمد الصقلى بأسطوله إلى بجاية فملكها ولحق يحيى بن غانية بأخيه على بمكانه من حصار قسنطينة فأقلع عنها ونزل السيد أبو ريد للهكلات وخرج السيد أبو موسى من اعتقاله فلقيه هنا لك ثم ارتحل في طلب العدو فأفرج عن قسنطينة وخرج إلى الصحراء واتبعه الموحدون إلى مقره بفاس ثم قفلوا إلى بجاية واستقر السيد أبو زيد بها وقصد على بن غانية قفصة فملكها ونازل توزر فامتنعت عليه ولحق بطرابلس وخرج غزى الصنهاجى من جموع ابن غانيه في بعض احياء العرب فتغلب على أشير وسرح إليهم السيد أبو زيد ابنه أبا حفص عمر ومعه غانم بن مردنيش فأوقعوا بهم واستولى على حللهم وقتل غزى وسيق رأسه إلى بجاية ونصب بها وألحق به عبد الله أخوه وغزا بنو حمدون من بجاية إلى سلا لاتهامهم بالدخول في أمرا بن غانية واستقدم الخليفة السيد أبا زيد من مكانه ببجاية وقدم مكانه أخاه السيد أبا عبد الله وانصرف إلى الحضرة وبلغ الخبر اثناء ذلك باستيلاء على بن الروبرتير على ميورقة وكان من خبره ان الامير يوسف بن عبد المؤمن بعثه إلى ميورقة لدعاء بنى غانية إلى أمره لما كان أخوهم محمد خاطبه بذلك فلما وصل ابن الروبرتير إليهم نكروا شأنه على أخيهم محمد واجتمعوا دونه وتقبضوا عليه وعلى ابن الروبرتير في أمره وداخل مواليهم من العلوج في تخلية سبيله من معتقله على أن يخلى سبيلهم بأهليهم وولدهم إلى أرضهم فتم له مرادهم منه وصار بالقصبة واستنقذ محمد ابن أبى اسحق من مكان اعتقاله ولحقوا جميعا بالحضرة وبلغ الخبر على بن غانية بمكانه من طرابلس فبعث أخاه عبد الله(6/243)
إلى صقلية وركب منها إلى ميورقة ونزل في بعض قراها وأعمل الحيلة في تملك البلد فاستولى عليه وأضرم نار الفتنة بافريقية ونازل على بن غانية بلاد الجريد وتغلب على الكثير منها وبلغ الخبر باستيلائه على نفصة فخرج المنصور إليه من مراكش سنة
ثنتين وثمانين ووصل فاس فأراح بها وسار إلى رباط تازا ثم سار إلى التعبية إلى تونس وجمع ابن غانية من إليه من الملثمين مين والاعراب وجاء معه قرقش الغزى صاحب طرابلس فسرح إليهم المنصور عساكره لنظر السيد أبى يوسف بن السيد أبى حفص ولقيهم بغمرة فانفض جموع الموحدين وأفلت المعركة عن قتل على بن الروبرتير وأبى على بن يغمور وفقد الوزير عمر بن أبى زيد ولحق فلهم بقفصة فأثخنوا فيهم قتلا ونجا الباقون إلى تونس وخرج المنصور متلافيا خبر الواقع في هذا الحال ونزل القيروان وأغذ السير إلى الحامة فتشاور الفريقان وتزاحفوا فكانت الدبرة على ابن غانية وأحزابه وأفلت من المعركة بذماء نفسه ومعه خليله قراقش وأتى القتل على كثيرهم فصبح المنصور قابس فافتتحها ونقل من كان بها من حرم ابن غانية وذويه في البحر إلى تونس وثنى العنان إلى تونس فافتتحها وقتل من وجد بها ثم إلى قفصة فنازلها أياما حتى نزلوا على حكمه وأمن أهل البلد والاغراب أصحاب قراقش وقتل سائر الملثمين ومن كان معهم من الحشود وهدم أسوارها وانكف راجعا إلى تونس فعقد على افريقية للسيد أبى زيد وقفل إلى المغرب سنة أربع وثمانين ومر بالمهدية واستجر على طريق تاهرت والعباس بن عطية أمير بنى توجين دليله إلى تلمسان فنكب بها عمه السيد أبا اسحق لشئ بلغه عنه وأحفظه ثم ارتحل إلى مراكش ورفع إليه ان أخاه السيد أبا حفص والى مرسية الملقب بالرشيد وعمه السيد أبا الربيع والى تادلا عندما بلغهم خبر الوقيعة بغمرة حدثوا أنفسهم بالتوثب على الخلافة فلما قدما عليه للتهنئة أمر باعتقالهما برباط الفتح خلال ما استملى امرهما ثم قتلهما وعقد للسيد أبى الحسن بن السيد أبى حفص على بجاية وقصد يحيى بن غاية قسنطينة فزحف إليه السيد أبو الحسن من بجاية فهزمه ودخل قسنطينة ودخل ابن غانية إلى نسيا كره فقطع نخلها وفتتحها عنوة ثم حاصر قسنطينة فامتنعت عليه فارتحل إلى بجاية وحاصرها وكثر عيثه بافريقية إلى ان كان من خبره ما يذكر ان شاء الله تعالى والله أعلم
* (اخباره في الجهاد) * بلغه تغلب العدو على قاعدة شلب وانه أوقع بعسكر اشبيلية وترددت سراياهم على واحيها واقتحم كثيرا من حصونها وخاطبه السيد أبو يوسف بن حفص صاحب(6/244)
اشبيلية بذلك استنفر الياس للجهاد وخرج سنة ست وثمانين إلى قصر مصمودة فأرح به ثم أجاز إلى طريف وأغذ السير منها إلى شلب ووافته بها حشود الاندلس فتركهم لحصارها وزحف إلى حصن طرش فافتتحه ورجع إلى اشبيلية ثم رجع إلى منازلة شلب سنة سبع وثمانين فافتتحه وقدم عليه ابن وزير بعد ان كان افتتح في طريقه إليه حصونا أخرى ثم قفل إلى حضرته بعد استكماله غزانه وكتب بعهده لابنه الناصر وقدم عليه سنة ثمان وثمانين السيد أبو زيد صاحب افريقية ومعه مشيخة العرب من هلال وسليم فتلقاهم مبرة وتكريما وانقلب وفدهم إلى بلادهم ثم بلغه سنة تسعين استفحال ابن غانية بافريقية وكثرة العيث والفساد بها فاعتزم على النهوض إليها ووصل إلى مكناسة فبلغه من أمر الاندلس ما أهمه فصرف وجهه إليها ووصل قرطبة سنة احدى وتسعين فأراح بها ثلاثا وامداد الحشود تتلاحق به من كل ناحية ثم ارتحل للقاء العدو ونزل بالارك من نواحى بطليوس وزحف إليه العدو من النصارى وأمراؤهم يومئذ ثلاثة ابن ادفونش وابن الرند والبيوح وكان اللقاء يوم كذا سنة احدى وتسعين وأبو محمد ابن ابى حفص يومئذ على المطوعة وأخوه أبو يحيى على العساكر والموحدين فكانت الهزية المشهورة على النصارى واستلحم منهم ثلاثين ألفا بالسيف واعتصم فلهم بحصن الارك وكانوا خمسة آلاف من زعمائهم فاستنزلهم المنصور على حكمه وفودي بهم عددهم من المسلمين واستشهد في هذا اليوم أبو يحيى بن الشيخ أبى حفص بعد ان أبلى بلاء حسنا وعرف بنوه بعدها ببنى الشهيد وانكف المنصور راجعا إلى اشبيلبة ثم خرج منها سنة ثنتين وتسعين غازيا إلى بلاد الجوف فافتتح حصونا ومدنا وخربها كان منها
برحالة وطلبيرة واطل على نواحى طيليطلة فخرب بسائطها واكتسح مسارحها وقفل إلى اشبيلية سنة ثلاث وتسعين فرفع إليه في القاضى أبى الوليد بن رشد مقالات فيها إلى المرض في دينه وعقده وربما لقى بعضها بخطه فحبس ثم أطلق وأشخص إلى الحضرة وبها كانت وفاته ثم خرج المنصور من اشبيلية غازيا إلى بلاد ابن ادفونش حتى احتل بساحة طليطلة وبلغه ان صاحب برشلونة أمد ابن أدفونش بعساكره وانهم جميعا بحصن مجريط فنهص إليهم ولما أطل عليهم انفضت جموع ابن ادفونش من قبل القتال ثم انكف المنصور راجعا إلى اشبيلية ثم رغب إليه ملوك النصرانية في السلم فبذله لهم وعقد على اشبيلية للسيد أبى زيد ابن الخليفة وعلى مدينة بطليوس للسيد أبى الربيع بن السيد أبى حفص وعلى المغرب للسيد أبى عبد الله بن السيد أبى حفص وأجاز إلى حضرته سنة أربع وتسعين فطرقه المرض الذى كان منه حنفه وأوصى وصيته التى تناقلها الناس وحضر لوصيته عيسى ابن الشيخ أبى حفص وهلك رحمه الله سنة خمس(6/245)
وتسعين في آخر ربيعها والله تعالى أعلم * (الخبر عن وصول ابن منقذ بالهدية من قبل صاحب الديار المصرية) * كان الفرنج قد ملكوا سواحل الشأم في آخر الدولة العبيدية منذ تسعين سنة وملكوا بيت المقدس فلما استولى صلاح الدين بن أيوب على ديار مصر والشأم اعتزم على جهادهم وصار يفتتح حصونها واحدا بعد واحد حتى أتى على جميعها وافتتح بيت المقدس سنة ثلاث وثمانين وهدم الكنيسة التى بنواحيها وانقضت أمم النصرانية من كل جهة واعترضوا أسطول صلاح الدين في البحر فبعث صريخه إلى المنصور سنة خمس وثمانين يطلب اعانته بالاساطيل لمنازلة عكا وصور وطرابلس ووفد عليه أبو الحرث عبد الرحمن بن منقذ بقية أمراء شيزر من حصون الشأم كانوا أشروا به عند اختلال الدولة العبيدية فلما استقام الامر على يد صلاح الدين وانتظم ملك مصر والشأم
واستنزل بنى منقذ هؤلاء ورعى لهم سابقتهم وبعثه في هذه إلى المنصور بالمغرب بهدية تشتمل على مصحفين كريمين منسوبين ومائة درهم من دهن البلسان وعشرين رطلا من العود وستمائة مثقال من المسك والعنبر وخمسين قوسا عربية باوتارها وعشرين من النصول الهندية وسروج عدة ثقيلة ووصل إلى المغرب ووجد المنصور بالاندلس فانتظره بفاس إلى حين وصوله فلقيه وأدى الرساله فاعتذر له عن الاسطول وانصرف ويقال انه جهز له بعد ذلك مائة وثمانين أسطولا ومنع النصارى من سواحل الشأم والله تعالى أعلم * (دولة الناصر بن المنصور) * لما هلك المنصور وأمر ابنه محمد ولى عهده وتلقب النصار لدين الله واستوزر أبا زيد ابن يوخلين وهو ابن أخى الشيخ أبى حفص ثم استوزر أبا محمد بن الشيخ أبى حفص وعقد للسيد أبى الحسن بن السيد أبى حفص على بجاية وفوض إليه في شؤنها وبلغه سنة ست وتسعين اجحاف العدو بافريقية وفساد الاعراب في نواحيها ورجوع السيد أبى الحسن من قسنطينة منهزما أمام ابن غانية فأنفذ السيد أبا زيد بن أبى حفص إلى تونس في عسكر من الموحدين لسد ثغورها وأنفذ أبا سعد بن الشيخ أبى حفص فتغلب ابن غانية خلال ذلك على حصن المهدية وثار بالسوس سنة ثمان وتسعين ثائر من كزولة يعرف بأبى قفصة فسرح الناصر إليه عساكر الموحدين فقصدوا جموعه وقتل وفى أيامه كان فتح ميورقة على ما نتلوا من خبرها * (فتح افريقية) *(6/246)
وكان من خبرها ان محمد بن اسحق لما فصل اخوته على ويحيى إلى افريقية وولى على ميورقة أخاهم طلحة داخل محمد بعض الحاشية وخرج من الاعتقال هو وابن الروبرتير وقام بدعوة المنصور وبعث بها مع ابن الروبرتير فبعث المنصور أسطوله مع أبى العلا بن
جامع لتملك ميورقة فابى محمد من ذلك وأرسل طاغية برشلونة في المدد بجند من النصارى يستخدمهم فأجابه وانتقض عليه أهل ميورقة لذلك وخشوا عادية المنصور فطردوا محمد بن اسحق وولوا عليهم أخاه تاشفين وبلغ ذلك عليا وهو على قسنطينة فبعث اخوته عبد الله والغاني فداخلوا بعض أهل البلد وعزلوا تاشفين وولوا عبد الله وبعث المنصور أسطوله مرارا مع أبى العلا بن جامع ثم مع يحيى ابن الشيخ ابراهيم الهزرجى فامتنعوا عليهم وقتلوا منهم خلقا وقوى أمره وذلك سنة ثلاث وثمانين ثم لما هلك المنصور بعث الناصر أسطوله مع عمه السيد أبى العلا والشيخ أبى سعيد بن أبى حفص فنازلوه وانخدل عنه أخوه تاشفين بالناس ودخل البلد عنوة واستفتحت وقتل وانصرف السيد إلى مراكش وولى عليها عبد الله بن طاع الله الكومى ثم ولى الناصر عليها عمه السيد أبا زيد وجعل ابن طاع الله على قيادة البحر وبعد السيد أبى زيد وليها السيد أبو عبد الله بن أبى حفص بن عبد المؤمن ثم أبو يحيى على بن أبى عمران التينمللى ومن يده أخذها النصارى سنة سبع وعشرين وستمائة والله تعالى أعلم * (خبر افريقية وتغلب ابن غانية عليها ولاية أبى محمد بن أبى الشيخ أبى حفص) * لما هلك المنصور قوى أمر ابن غانية بافريقية وولى الناصر السيد أبا ريد والشيخ أبا سعيد بن أبى حفص ويقال ان المنصور ولاهما وكثر الهرج بافريقية وثار بالمهدية محمد بن عبد الكريم الرجراجى ودعا لنفسه ونازع ابن غانية والموحدين الامر ويسمى صاحب قبة الاديم محمد بن عبد الكريم الركراكى ونزل تونس وعاث في قراها سنة ست وتسعين ونازل ابن غانية بفاس فامتنع عليه وكان محمد بن مسعود البلطى شيخ رياح من أشياعه فانتقض عليه وراجع ابن غانية فاتيح له الظهور على محمد بن عبد الكريم وقصده وهو على قفصة فهزمه واتبعه إلى المهدية فنازله بها وبعث إلى صاحب تونس في المدد بأسطوله قائده فضاقت حال ابن عبد الكريم فسأل الامان من ابن غانية فأمنه وخرج إليه فتقبض عليه واستولى على المهدية سنة تسع وتسعين وبعث الناصر
اسطوله في البحر مع عمه أبى العلا وعساكر الموحدين مع السيد أبى الحسن بن أبى حفص ابن عبد المؤمن ونازلوا ابن عبد الكريم قبل استيلاء ابن غانية عليها فادعى ابن عبد الكريم بانه حافظ للحسن من العدو لا يمكنه الا لثقة الخليفة وانصرف السيد أبو الحسن إلى بجاية موضع عمله وقسم العسكر بينه وبين أخيه السيد أبى زيد صاحب(6/247)
تونس وصلحت الاحوال ثم ان ابن غانية لما تغلب على المهدية وعلى قراقش الغزى صاحب طرابلس وقد مرت اخباره في أخبار ابن غانية ثم تغلب على بلاد الجريد ثم نزل تونس سنة تسع وتسعين وافتتحها عنوة وتقبض وطالب أهل تونس بالنفقة التى أنفق وبسط عليهم العذاب وتولى ذلك فيهم كاتبه ابن عصفور حتى هلك في الامتحان كثير من بيوتاتهم ثم دخل في دعوته أهل موته وتسررت وسعارمة والارض والقيروان وسبتة وصفانس وقابس وطرابلس وانتظمت له أعمال افريقية وفرق العمال وخطب للعباسي كما ذكرناه في أخباره ثم ولى على تونس أخاه الغازى ونهض إلى جبال طرابلس فأغرمهم ألف ألف دينار مكررة مرتين ورجع إلى تونس واتصل بالناصر كثرة الهرج بافريقية واستيلاء ابن غانية عليها وحصول السيد في قبضته فشاور الموحدين في أمره فأشاروا بمسالمة ابن غانية وأشار أبو محمد بن الشيخ أبى حفص بالنهوض إليها والمدافعة عنها فعمل على رأيه ونهض من مراكش سنة احدى وستمائة وبعث الاسطول في البحر لنظر أبى يحيى بن أبى زكريا الهزرجى فبعث ابن غانية ذخيرته وحرمه إلى المهدية مع على بن الغانى ابن محمد بن على وانتقض أهل طرابلس على ابن غانية وأخرجوا عاملهم تالمفين بن الغانى ابن محمد بن على بن غانية وقصدهم ابن غانيه فافتتحها وخربها ووصل أسطول الناصر إلى تونس فدخلوها وقتلوا من كان بها من اتباع ابن غانية ونهض الناصر في اتباع ابن غانية فأعجزه ونازل المهدية وبعث أبا محمد بن الشيخ أبى حفص للقاء ابن غانية فلقيه بتاجرا فأوقع به وقتل جبارة وكاتبه ابن اللمطى وعامله الفتح بن محمد قال ابن نحيل وكانت
الغنائم من عسكره يومئذ ثمانية عشر ألفا من أحمال المال والمتاع والخرثي ولآلة ونجا بآهله وولده فاطلق السيد ابا زيد من الاعتقال بعد ان هم حرسه بقتله عند الهزيمة ثم تسلم الناصر للمهدية من يد على بن الغازى المعروف بالحاج الكافر على أن يلحق بابن عمه فقبل شرطه ومضى لوجهه ثم رجع من طريقه واختار التوحيد فناله من لكرامة والتقريب مالا فوقه وهلك في يوم العقاب الآتى ذكره ثم فرض الناصر على المهدية واستعمل عليها محمد يغمور الهرغى وعلى طرابلس عبد الله بن ابراهيم بن جامع ورجع إلى تونس فأقام إلى سنة ثلاث وستمائة وسرح أخاه السيد أبا اسحق في عسكر من الموحدين لاتباع العدو فدوخوا ما وراء طرابلس واستأصلوا بنى دمر ومطماطة وجبال نفوسة وتجاوزوها إلى سويقة بنى مذكور وقفل السيد أبو اسحق بهم إلى أخيه الناصر بتونس وقد كمل الفتح ثم اعتزم على الرحيل إلى المغرب وأجمع راى على تولية أبى محمد ابن الشيخ أبى حفص وكان شيخ دولته وصاحب رأيه فامتنع إلى ان بعث إليه الناصر في ذلك بابنه يوسف فأكبر مجيئه وأناب لذلك على أن يقيم بافريقية(6/248)
ثلاث سنين خاصة خلاف ما يستحكم صلاحها وأن يحكم فيمن يقيم معه من العسكر فتقبل شرطه ورجع الناصر إلى مراكش فدخلها في ربيع سنة أربع وستمائة وقدم عبد العزيز بن أبى زيد اللهثانى على الاشغال بالعدوتين وكان على الوزارة أبو سعيد بن جامع وكان صديقا لابن عبد العزيز وعند مرجعه من افريقية توفى السيد أبو الربيع بن عبد الله بن عبد المؤمن صاحب بجاية وقد كان أبو الربيع هذا ولى بجاية من قبل وهو الذى جدد للربيع وكان بنو حماد شيدوها من قبل فأصابها الحريق وجددها السيد أبو الربيع وفى سنة خمس بعدها عقد للسيد أبى عمران بن يوسف بن عبد المؤمن على تلمسان أدال به من السيد أبى الحسن فوصل إلى تلمسان في عساكر الموحدين وتطوف أقطارها وزحف إليه ابن غانية هنا لك فانفض الموحدون وقتل السيد أبو عمران وارتاع
باهل تلمسان وأسرع السيد أبو زكريا من فاس إليها فسكن نفوسهم خلال ما عقد الناصر لابي زيد بن يوجان على تلمسان وسرحه في العساكر فنزل بها وفر ابن غانية إلى مكانه من قاصية افريقية ومعه محمد بن مسعود البلط شيخ الزواودة من رياح وغيره من اعراب رياح وسلم واعترضهم أبو محمد بن أبى حفص فانكشفوا واستولى الموحدون على محلاتهم وما بأيديهم ولحقوا بجهات طرابلس ورجع عنهم سيربن اسحق آخذا بدعوة الموحدين وفى هذه السنة عقد الناصر على جزيرة ميورقة لابي يحيى بن أبى الحسين بن أبى عمران أدال به من السيد أبى عبد الله بن أبى حفص وعقد على بلنسية وعلى مرسية لابي عمران بن ياسين الهنتاتى أدال به من أبى الحسن بن زكاك وعقد للسيد أبى زيد على كورة جيان أدال به من أبى موسى بن أبى حفص وعقد للسيد أبى ابراهيم بن يوسف على أشبيلية ولابي عبد الله بن أبى يحيى بن الشيخ أبى حفص على غرناطة إلى ان كان ما يذكر ان شاء الله تعالى * (أخباره في الجهاد) * لما بلغ الناصر تغلب العدو على كثير من حصون بلنسية أهمه ذلك وأقلقه وكتب إلى الشيخ أبى محمد بن أبى حفص يستشيره في الغزو فأبى عليه فخالفه وخرج من مراكش سنة تسع ووصل اشبيلية واستقر بها واستعد للغزو ثم رجع من اشبيلية وقصد بلاد ابن اذفونش فافتتح قلعة شلبطرة والبخ في طريقه ونازل الطاغية قلعة رياح وبها يوسف ابن قادس وأخذ بمخنقه فصالحه على النزول ووصل إلى الناصر فقتله وصار على التعبية إلى الموضع المعروف بالعقاب وقد استعد له الطاغية وجاءه طاغية برشلونة مددا بنفسه فكانت الدبرة على المسلمين فانكشفوا في بوم بلاء وتمحيص أواخر صفر سنة تسع وستمائة وانكف راجعا إلى مراكش فهلك في شعبان من السنة بعدها وكان ابن(6/249)
اذفونش قد ناظر ابن عمه اليهوج صاحب لون في ان يوالى الناصر ويجر الهزيمة على
المسلمين ففعل ذلك ثم رجعوا إلى الاندلس بعد الكائنة للاغارة على بلاد المسلمين فلقيهم السيد أبو زكريا بن أبى حفص بن عبد المؤمن قريبا من اشبيلية فهزمهم وانتعش المسلمون بها واتصلت الحال على ذلك والله أعلم * (ثورة ابن الفرس) * كان عبد الرحيم بن عبد الرحمن بن الفرس من طبقة العلماء بالاندلس ويعرف بالمهر وحضر مجلس المنصور في بعض الايام وتكلم بما خشى عاقبته في عقده وخرج من المجلس فاختفى مدة ثم بعد مهلك المنصور ظهر في بلاد كزولة وانتحل الامامة وادعى أنه القحطاني المراد في قوله صلى الله عليه وسلم لا تقوم الساعة حتى يخرج رجل من قحطان يقود الناس بعصاه يملؤه عدلا كما ملئت جورا إلى آخر الحديث وكان مما ينسب إليه من الشعر قولوا لابناء عبد المؤمن بن على * تأهبوا لوقوع الحادث الجلل قد جاء سيد قحطان وعالمها * ومنتهى القول والغلاب للدول والناس طوعا عصاه وهو سائقهم * بالامر والنهى بحر العلم والعمل وبادروا أمره فالله ناصره * والله خاذل أهل الزيغ والميل فبعث الناصر إليه الجيوش فهزموه وقتل وسيق رأسه إلى مراكش فنصب بها والله أعلم * (دولة المستنصر بن الناصر) * لما هلك محمد بن الناصر بن المنصور بويع ابنه يوسف سنة احدى عشرة وهو ابن ست عشرة سنة ولقب المستنصر بالله وغلب عليه ابن جامع ومشيخة الموحدين فقاموا بأمره وتأخرت بيعة أبى محمد ابن الشيخ أبى حفص من افريقية لصغر سن المستنصر ثم وقعت المحاولة من الوزير ابن جامع وصاحبها لاشتغال عبد العزيز بن أبى زيد فوصلت بيعته واشتغل المستنصر عن التدبير بما يقتضيه الشباب وعقد للسادة على عمالات
ملكه فعقد للسيد أبى ابراهيم أخى المنصور وتلقب بالظاهر على فاس وهو أبو المرتضى وعقد على اشبيلية لعمه السيد أبى اسحق الاحول واستولى الفنش على المعاقل التى أخذها الموحدون وهزم حامية الاندلس وفر رسوله إلى الفجار فحاوله ابن جامع في السلم فعقده ثم صرف ابن جامع عن الوزارة بعد مهلك ابن أبى زيد بن يوجان واستوزر أبا يحيى الهزوجى وولى على الاشغال أبا على بن أشرف ثم رضى عن ابن جامع وأعاده وعزل أبا زيد بن يوجان من ولاية تلمسان بابى سعيد بن المنصور وبعثه إلى مرسية فاعتقل(6/250)
بها واستمرت أيام المنصور في هدنة وموادعة إلى ان ظهر بنو مرين بجهات فاس سنة ثلاث عشرة فخرج إليهم واليها السيد أبو ابراهيم في جموع الموحدين فهزموه وأسروه ثم عرفوه وأطلقوه ثم وصل الخبر بمهلك أبى محمد بن أبى حفص صاحب افريقية فولى عليها أبا العلى اخا المنصور وكان واليا باشبيلية فعزل وولى على افريقية سعاية بن مثتى خاصة السلطان فتوجه إليها كما يذكر في أخبار بنى أبى حفص وخرج بناحية فاس رجل من العبيديين انتسب للعاضد وتسمى بالمهدي فبعث السيد أبو ابراهيم أخو المنصور إلى فاس إلى شيعته وبذل لهم المال فنقضوا عليه وساقوه إليه فقتل وفى سنة تسع عشرة عقد المستنصر لعمه أبى محمد المعروف بالعادل على مرسية وعزله عن غرناطة وهلك سنة عشرين وقد التاثت الامور فكان ما يذكر والله تعالى أعلم * (الخبر عن دولة المخلوع أخى المنصور) * لما هلك المستنصر في الاضحى من سنة عشرين اجتمع ابن جامع والموحدون وبايعوا للسيد أبى محمد عبد الواحد أخى المنصور فقام بالامر وأمر بمطالبة ابن أشرفى بالمال وكتب أخوه لابي العلا بتجديد الولاية على افريقية بعد ان كان المستنصر أوعز بعزله فأدركته الولاية ميتا فاستبد بها ابنه أبو زيد المشمر كما نذكره في أخبار افريقية ونفذ المخلوع أمره باطلاق ابن يوجان فأطلق ثم صده ابن جامع عن ذلك وأنفذ أخاه أبا اسحق
في الاسطول ليغربه إلى ميورقة كما كان المستنصر أنفذه قبل وفانه وكان الوالى بمرسية أبو محمد عبد الله بن المنصور وأغراه ابن يوجان بالتوثب على الامر وشهد له أنه سمع من المنصور العهد له بالخلافة من بعد الناصر وكان الناس على كره ابن جامع وولاة الاندلس كلهم بنو منصور فأصغى إليه وكان مترددا في بيعة عمه فدعا لنفسه وتسمى بالعادل وكان اخوته أبو العلى صاحب قرطبة وأبو الحسن صاحب غرناطة وأبو موسى صاحب مالقة فبايعوه سرا وكان أبو محمد بن أبى حفص بن عبد المؤمن المعروف بالبياسى صاحب جيان وعزله المخلوع بعمه أبى الربيع بن أبى حفص فانتقض وبايع للعادل وزحف مع أبى العلى صاحب قرطبة وهو أخو العادل إلى اشبيلية وبها عبد العزيز أخو المنصور والمخلوع فدخل في دعوتهم وامتنع السيد أبو زيد بن أبى عبد الله أخى البياسى عن بيعة العادل وتمسك بطاعة المخلوع وخرج العادل من مرسية إلى اشبيلية فدخلها مع أبى زيد بن يوجان وبلغ الخبر إلى مراكش فاختلف الموحدون على المخلوع وبادروا بعزل ابن جامع وتغريبه إلى هسكورة وقام بأمر هنتاتة أبو زكريا يحيى بن أبى يحيى السيد ابن أبى حفص وبأمر تينملل يوسف بن على وبعث على اسطول البحر أبا اسحق بن جامع وأنفذه لمنع الجواز من الزقاق وكان أسر إلى ابن جامع حين خرج إلى هسكورة أن(6/251)
يحاول عليه من هنا لك فلم يتم أمره وقتل بمكان خفى في ربيع سنة احدى وعشرين وبعث الموحدون ببيعتهم إلى العادل والله أعلم * (الخبر عن دولة العادل بن المنصور) * لما بلغت بيعة الموحدين للعادل وكتاب ابن زكريا بن الشهيد بقصة المخلوع قارن ذلك تغييره للبياسى فانتقض عليه ودعا لنفسه وتلقب الظافر وشغل بشأنه وبعث أخاه ابا العلى لحصاره فامتنع عليه وبعث بعده ابنه أبا سعيد ابن الشيخ أبى حفص فامتنع عليه أيضا واختلت الاحوال بالاندلس على العادل
وكثرت غارة النصارى على اشبيلية ومرسية وهو مقيم بها وانهزمت جيوش الموحدين على طليطلة وأغراه خاصته بابن يوجان فأخذ إلى سبتة وعظم أمر البياسى بالاندلس وظاهر النصارى على شأنه فأجاز العادل إلى العدوة وولى اخاه أبا العلى على الاندلس ولما كان بقطر الحجاز دخل عليه عبو ابن أبى محمد بن الشيخ أبى حفص فقال له كيف حالك فأنشده حال متى علم ابن منصور بها * جاء الزمان إليه منها تأسا فاستحسن ذلك وولاه افريقية وكتب للسيد أبى زيد ابن عمه بالقدوم ووصل إلى سلا فأقام بها وبعث عن شيوخ جشم وكان لابن يوجان عناية واختصاص بهلال بن حمدان ابن مقدم أمير الخلط فتشاقل ابن جرمون أمير سفيان عن الوصول وأقبل الخلط وسفيان وبادر العادل إلى مراكش فدخلها واستوزر أبا زيد بن أبى محمد بن الشيخ أبى حفص وتغير لابن يوجان ففسد باطنه وتغلب على الدولة ابن الشهيد ويوسف بن على شيخا هنتاتة وتينملل ثم خالفت هسكورة والخلط وعاثوا في نواحى مراكش وخرج إليهم ابن يوجان فلم يغن شيئا فخربوا بلاد دكالة فأنفذ إليهم العادل عسكرا من الموحدين لنظر ابراهيم بن اسمعيل بن الشيخ أبى حفص وهو الذى كان نازع أولاد الشيخ أبى محمد بافريقية كما نذكره فانهزم وقتل وخرج ابن السيد ويوسف بن على إلى قبائلها للحشد ومدافعة هسكورة فاتفقا على خلع العادل والبيعة ليحيى بن الناصر وقصدوا مراكش فاقتحموا عليه القصر ونهبوه وقتل العادل خنقا أيام الفطر من سنة أربع وعشرين والله تعالى أعلم * (الخبر عن دولة المأمون بن المنصور ومزاحمة يحيى بن الناصر له) * كان المأمون لما بلغه انتقاض الموحدين والعرب على أخيه وتلاشى أمره لنفسه باشبيلية فبويع وأجابه أكثر الاندلس وبايع السيد أبو زيد صاحب بلنسية وشرق الاندلس ثم كان ما قدمناه من انتقاض الموحدين على العادل وقتله بالقصر وبيعتهم(6/252)
ليحيى ابن أخيه الناصر ابن يوجان سرا وعمل على افساد الدولة فداخلهم هسكورة والعرب في الغارة على مراكش وهزم عساكر الموحدين وفظن الشهيد لتدبير ابن يوجان فقتله بداره وخرج يحيى بن الناصر إلى معتصمه كما ذكرناه فخلع الموحدون العادل وبعتوا بيعتهم إلى المأمون وتولى كبر ذلك الحسن أبو عبد الله العريقى والسيد أبو حفص بن أبى حفص فبلغ خبرهم إلى يحيى بن الناصر وابن الشهيد فنزلوا إلى مراكش سنة ست وعشرين وقتلوهم وبايع للمأمون صاحب فاس وصاحب تلمسان محمد بن أبى زيد بن يوجان وصاحب سبتة أبو موسى بن المنصور وصاحب بجاية ابن أخته ابن الاطامى وامتنع صاحب افريقية وكان ذلك سببا لاستبداد الامير أبى زكريا على ما يذكر ولم يبق على دعوة يحيى بن الناصر الا افريقية وسجلماسة وزحف البياسى إلى قرطبة فملكها ثم زحف إلى اشبيلية فنازل بها المأمون والطاغية بعد أن نزل له عن مخاطة وغيرها من حصون المسلمين فهزمهم المأمون بنواحي اشبيلية ثم ثار محمد بن يوسف بن هود وملك مرسية واستولى على الكثير من شرق الاندلس كما ذكرناه في أخباره وزحف إليه المأمون وحاصره وامتنع عليه فرجع إلى اشبيلية ثم خرج سنة ست وتسعين إلى مراكش لما استدعاه أهل المغرب وبعثوا إليه ببيعاتهم وبعث إليه هلال بن حميدان أمير الخلط يستدعيه واستمد الطاغية عسكرا من النصارى وأمره على شروط يقبلها منه المأمون وأجاز إلى العدوة وبادر أهل اشبيلية بالبيعة لابن هود واعترضه يحيى بن الناصر فهزمه المأمون واستلحم من كان معه من الموحدين والعرب ولحق يحيى بجبل هنتاتة ثم دخل المأمون الحضرة وأحضر مشيخة الموحدين وعدد عليهم قولاتهم وتقبض على مائة من أعيانهم فقتلهم وأحدر كتابه إلى البلدان بمحو اسم المهدى من السكة والخطبة والنعى عليه في النداء للصلاة باللغة البربرية وزيادة النداء لطلوع الفجر وهو أصبح ولله الحمد وغير ذلك من السنن التى اختص بها المهدى
المعصوم وأعاد في ذلك وأبدى وأذن للنصارى القادمين معه في بناء الكنيسة بمراكش على شرطهم فضربوا بها نواقيسهم واستولى ابن هود بعده على الاندلس وأخرج منها سائر الموحدين وقتلهم العامة في كل محل وقتل السيد أبو الربيع بن أخى المنصور وكان المأمون تركه واليا بقرطبة واستبد الامير أبو زكريا بن أبى محمد بن الشيخ أبى حفص بافريقية وخلع طاعته سنة سبع وعشرين فعقد للسيد أبى عمران ابن عمه محمد الخرصان على بجاية مع أبى عبد الله اللحيانى أخى الامير أبى زكريا وزحف إليه يحيى بن الناصر فانهزم ثم ثانية كذلك واستلحم من كان معه ونصبت رؤسهم باسوار الحضرة ولحق يحيى ابن الناصر ببلاد درعة وسجلماسة ثم انتقض على المأمون أخوه موسى ودعا لنفسه(6/253)
بسبتة وتسمى بالمؤيد فخرج المأمون من مراكش وبلغه في طريقه أن قبائل بنى فازان ومكلاتة حاصروا بمكناسة وعاثوا في نواحيها فساروا إليها وحسم عاملها واستمر إلى سبتة فحاصرها ثلاثة أشهر واستمد أخوه أبو موسى صاحب الاندلس لابن هود فأمده بأساطيله وخالف يحيى بن الناصر المأمون إلى الحضرة فافتحمها مع عرب سفيان وشيخهم جرمون ابن عيسى ومعهم أبو سعيد بن وانودين شيخ هنتاتة وعاثوا فيها فأقلع المأمون عن سبتة يريد الحضرة وهلك في طريقه بوادي أم الربيع مفتتح سنة ثلاثين وحين اقلاعه دخل أخوه السيد أبو موسى في طاعة ابن هود وأمكنه من سبتة فأداله منها والله تعالى أعلم * (الخبر عن دولة الرشيد بن المأمون) * لما هلك المأمون بويع ابنه عبد الواحد ولقب الرشيد وكتموا موت أبيه وأغذوا السير إلى مراكش ولقيهم يحيى بن الناصر في طريقهم بعد ان استخلف بمراكش أبا سعيد ابن وانودين فهزموه وقتل أكثر من معه وصبح الرشيد مراكش فامتنعوا عليه باشياعهم ثم خرجوا إليه واستقاموا على بيعته وكان وصل في صحبته عمه السيد أبو محمد سعد فحل من الدولة بمكان وكان إليه التدبير والحل والعقد وبعد استقرار الرشيد
بالحضرة وصل إليه عمر بن وقاريط كبير الهساكرة بمن كان عنده من أولاد المأمون السيد واخوته جاؤا من اشبيلية عند ثورة أهلها بهم واستقروا بسبتة عند عمهم أبى موسى ومنها إلى الحضرة عند استيلاء ابن هود على سبتة ومروا بهسكورة وكان ابن وفاريط حذرا من المأمون ومعتقده أن لا يعود إليه فتذمم بصحبة هؤلاء الاولاد وقدم على الرشيد فتقبله وأعلق بوصله من السيد أبى محمد سعد وصحبه لمسعود بن حمدان كبير الخلط ولما هلك السيد أبو محمد لحق ابن وقاريط بقومه ومعتصمه وكشف وجه الخلاف وأخذ بدعوة يحيى بن الناصر واستنفر له قبائل الموحدين ونهض إليهم الرشيد سنة احدى وثلاثين واستخلف على الحضرة صهره أبا العلى ادريس وصعد إليهم الجبل فأوقع بيحيى وجموعه بمكانهم من هزوجة واستولى على معسكرهم ولحق يحيى ببلاد سجلماسة وانكف الرشيد راجعا إلى حضرته واستأمن له كثير من الموحدين الذين كانوا مع يحيى بن الناصر فأمنهم ولحقوا بحضرته وكان كبيرهم أبو عثمان سعيد بن زكريا الكدميوى وجاء الباقون على أثره ولسعيه بعد ان شرطوا عليه اعادة ما كان ازاله المأمون من رسوم المهدى فأعيدت وقدم فيهم أبو بكر بن يعزى التنمللى رسولا عن يوسف ابن على بن يوسف شيخ تينملل ومحمد بن يوزيكن الهنتاتى رسولا عن أبى على بن عزوز ورجعا إلى مرسليهما بالقبول فقدما على الحضرة وقدم معهم موسى بن الناصر أخو يحيى وكبيره وجاء على أثرهم أبو محمد بن أبى زكريا وأنسوا لاعادة رسوم الدعوة المهدية(6/254)
وكان مسعود بن حمدان الخلطى قد اغراه عمر بن وقاريط بالخلاف لصحابة بينهما وكان مولى ببأسة وكثرت جموعه يقال ان الخلط كانوا يومئذ يناهزون اثنى عشر ألفا سوى الرجل والاتباع والحشود فمرض في الطاعة وتثاقل عن الوفادة ولما علم بعقد الموحدين اجتمع اعتراضهم وقبلهم للفرقة والشتات في الدولة فأعمل الرشيد في استدعائه وصرف عساكره إلى باجة لنظر وزيره السيد أبى محمد حتى خلا لابن حمدان
الجو وذهب عنه الريب واستقدمه فأسرع اللحاق بالحضرة وقذم معه معاوية عم عمر بن وقاريط فتقبض عليه وقتل لحينه واستدعى مسعود بن حمدان إلى المجلس الخلافى للحديث فتقبض عليه وعلى أصحابه وقتلوا ساعتئذ بعد جولة وهيعة وقضى الرشيد حاجة نفسه فيهم واستقدم وزيره وعساكره من باجة فقدموا ولما بلغ خبر مقتلهم إلى قومهم قدموا عليهم يحيى بن هلال بن حمدان وأجلبوا على سائر النواحى وأخذوا بدعوة يحيى واستقدموه من مكانه بقاصية الصحراء وداخلهم في ذلك عمرو بن وقاريط وزحفوا لحصار الحضرة وخرجت العساكر لقتالهم ومعهم عبد الصمد بن يلولان فدفع ابن وقاريط في جموعه من العساكر فانهزموا وأحيط بجند النصارى فقتلوا وتفاقم الامر بالحضرة وعدمت الاقوات واعتزم الرشيد على الخروج إلى جبال الموحدين فخرج إليها وسار منها إلى سجلماسة فملكها واشتد الحصار على مراكش وافتتحها يحيى بن الناصر وقومه من هسكورة والخلط وسار أمرهم فيها وتغيرت أحوال الخلافة وتغلب على السلطان السيد أبو ابراهيم بن أبى حفص الملقب بابى حافة وفى سنة ثلاث وثلاثين خرج الرشيد من سجلماسة بقصد مراكش وخاطب جرمون بن عيسى وقومه من سفيان فأجازوا وادى الربيع وبرز إليه يحيى في جموعه والتقى الفريقان فانهزمت جموع يحيى واستحر القتل فيهم ودخل الرشيد إلى الحضرة ظافرا وأشار يحيى بن وقاريط على الخلط بالاستصراخ بابن هود صاحب الاندلس والاخذ بدعوته فنكثوا بيعة يحيى وبعثوا وفدهم إلى ابن هود صحبة عمر بن وقاريط على الخلط بالاستصراخ فاستقر هنا لك وخرح الرشيد من مراكش وفر الخلط أمامه وسار إلى فاس وسرح وزيره السيد أبا محمد إلى غمارة وفازاز لجباية أموالها وكان يحيى بن الناصر لما نكث الخلط بيعته لحق بعرب المعقل فأجاروه ووعدوه النصرة واشتطوا عليه المطالب وأسف بعضهم بالمنع فاغتاله في جهة تازى وسيق رأسه إلى الرشيد بفاس فبعثه إلى مراكش وأوغر إلى نائبه بها أبى على بن عبد العزيز لقتال العرب الذين كانوا في اعتقاله وهو حسن بن زيد شيخ العاصم
وقائد اتباعا من شيخها أبى ابر فقتلهم وانكف الرشيد راجعا إلى حضرته سنة أربع وثلاثين وبلغه استيلاء صاحب درعه أبى محمد بن وانود بن على سجلماسة وذلك أن(6/255)
الرشيد لما فصل من سجلماسة استخلف عليها يوسف بن على التنمللى فاستعمل ابن خالته من بنى مردنيش وهو يحيى بن أرقم بن محمد بن مردنيش فثار عليه ثائر من صنهاجة وقتله في حبائله وقدم ابنه أرقم يطلب الثار وبلغ منه ما أراد ثم حدثته نفسه بالانتقاض خوفا من عزل الرشيد اياه فانتقض ونهض إليه الرشيد سنة ثنتين وثلاثين فلم يزل أبو محمد بن وانودين يعمل الحيلة في استخلاصها حتى تمكن منها وعفا عن أرقم وكان ابن وقاريط لما فصل إلى ابن هود سنة أربع وثلاثين ركب البحر في اسطول ابن هود وقصد اسلا وبها السيد أبو العلى صهر الرشيد فكاد ان يغلب عليها وفى سنة خمس وثلاثين بايع أهل اشبيلية للرشيد ونقضوا طاعة ابن هود وتولى كبر ذلك أبو عمر بن الجد واستخف بنو حجاج إلى سبتة ووصل وفدهم إلى الحضرة ومروا في طريقهم بسبتة فاقتدى أهلها بهم في بيعة الرشيد وخلعوا أميرهم اليانشى الثائر بها على ابن هود وقدموا على الحضرة وولى عليهم الرشيد أبا على بن خلاص منهم ولايام من مقدمهم فأمكنهم من ابن وقاريط وبعث إلى الرشيد في وفد من رسله فاعتقل بأزمور وقتل وصلب برباط هسكورة بعد ان طيف به على جمل وانصرف وفد اشبيلية وسبتة واستقدم الرشيد رؤساء الخلط فقبض عليهم وبعث عساكره فاستباحوا حللهم واحياءهم ثم أمر بقتل مشيختهم وقتل معهم ابن وقاريط وقطع دابرهم وفى سنة ست وثلاثين وصلت بيعة محمد بن يوسف بن نصر بن الاحمر الثائر بالاندلس على ابن هود وفى سنة سبع وثلاثين اشتدت الشوكة بالمغرب وانتشر بنو مرين وزحف إليهم فهزموه ثم زحف ثانية وثالثة فهزموه وأقام في محاربتهم سنتين ورجع إلى الحضرة واشتد عدوان بنى مرين بالمغرب وألحوا على مكناسة حتى أعطوا الاتاوة لبنى حمامة منهم فاستنفوا بنى عسكر بذلك واتصل عليهم في نواحيها وفى سنة سبع وثلاثين
قتل الرشيد كاتبه ابن الموميانى لمداخلة له مع بعض السادة وهو عمر بن عبد العزيز أخى المنصور وقف على كتابه إليه بخطه وغلط الرسول بها فدفعها بدار الخليفة وفى سنة أربعين بعدها كانت وفاة الرشيد غريقا في بعض جواري القصر ويقال انه أخرج من الماء وحم لوقته وكانه فيها مهلكه والله تعالى أعلم * (الخبر عن دولة السعيد بن المأمون) * لما هلك الرشيد بويع أخوه أبو الحسن السعيد بتعيين أبى محمد بن وانودين وتلقب المقتدر بالله واستوزر السيد أبا اسحق بن السيد أبى ابراهيم ويحيى بن عطوش وتقبض على جملة من مشيخة الموحدين واستصفى أموالهم واستخلف لنفسه رؤساء العرب من جشم واستظهر بجموعهم على أمره وكان شيخ سفيان كانون بن جرمون كبير محكسة ولاول بيعته انتقض عليه أبو على بن الخلاص البلنسى صاحب سبتة وكذلك أهل(6/256)
اشبيلية وبايعوا جيمعا للامير ابى زكريا صاحب افريقية ثم انتقض عليه بسجلماسة عبد الله بن زكريا الهزوجى صاحب تلمسان فنهض الامير أبو زكريا صاحب افريقية بسبب ذلك إلى تلمسان واستولى عليها ثم عقد عليها بغمراسن حسبما يذكر في أخباره وخرج السعيد من مراكش لتمهيد بلاد المغرب سنة ثنتين وأربعين وتغير لسعيد بن زكريا الكدميوى فتقبض عليه من معسكره بنانسفت وفر أخوه أبو زيد ومعه أبو سعيد العود الرطب ولحقوا بسجلماسة فاستصفى أموالهم بمراكش وارتحل بقصد سبجلماسة وأخذ واليها عبد الله الهزوجى في اسباب الامتناع فغدر به أبو زيد بن زكريا الكدميوى وداخل أهل سجلماسة في الثورة عليه وملك البلد واستدعى السيد لها فوصل وقتل الهزرجى وفر أبو سعيد العود الرطب إلى تونس ثم رجع السعيد إلى المغرب وقتل سعيد بن زكريا ونزل العغرقدة من احواز فاس وعقذ المهادنة مع بنى مرين وقفل إلى مراكش فتقبض على أبى محمد بن وانودين واعتقله بأزمور واعتقل معه يحيى بن
مزاحم ويحيى بن عطوش لنظر ابن ماكس فأعمل الحيلة في الفرار من معتقله وخلص ليلا إلى كانون بن جرمون فأركبه وبعث معه من عرب سفيان من أوصله إلى قومه هنتاتة وراسله السعيد على أثرها وسكنه واعتذر له وأسعفه بسكنى تاقيوت من حصون عمله بأهله وولده ثم انتقض على السعيد كانون بن جرمون وسفيان وخالفهم إليه بنو جابر والخلط وخرج من مراكش واستوزر السيد أبا اسحق بن السيد أبى ابراهيم اسحق أخى المنصور واستخلف أخاه أبا زيد على مراكش وأخاهما أبا حفص عمر على سلا وفصل من مراكش سنة وجمع له أبو يحيى بن عبد الحق جموع بنى راشد وبنى ورار سفيان حتى إذا تراآى الفريقان للقاء خالف كانون بن جرمون الموحدين إلى ازمور واستولى عليها ورجع السعيد ادراجه في اتباعه ففر كانون واعترضه السعيد فأوقع به واستلحم كثيرا من سفيان قومه واستولى على ماله من مال وماشية ولحق كانون في فل بنى مرين ورجع السعيد إلى الحضرة وفى سنة ثلاث وأربعين ثارت العامة بمكناسة على واليها من قبل السعيد فقتلوه وحذر مشيختها من سطوته فحولو الدولة إلى الامير أبى زكريا بن أبى حفص صاحب افريقية وبعثوا إليه ببيعتهم وكان من الثنا أبى مطرف بن عميرة وذلك بمداخلة أبى يحيى بن عبد الحق أمير بنى مرين ووفاقه له على ذلك وشارطوا أبا يحيى بن عبد الحق بمال دفعوه إليه على الحماية ثم راجعوا أمره وأوفدوا صلحاءهم لبيعتهم فرضى عنهم السعيد ورضوا عنه وفى هذه السنة بعث أهل اشبيلية وأهل سبتة بطاعتهم للامير أبى زكريا صاحب افريقية وبعث ابن خلاص بهديته مع ابنه في اسطول أنشأه لذلك فغرق عند اقلاعه من المرسى وفى سنة ست(6/257)
وأربعين كان استيلاء الطاغية على اشبيلية لسبع وعشرين من رمضان ولما بلغ السيد بيعة أهل اشبيلية وسبتة للامير أبى زكريا إلى ما كان من تغلبه على تلمسان وأمر يغمراسن بدعوته ثم ما كان من بيعة أهل مكناسة وأهل سجلماسة أعمل نظره في الحركة إلى
تلمسان ثم إلى افريقية وخرج إلى مراكش في ذى الحجة من سنة خمس وأربعين ووافاه كانون بن جرمون فعاوده الطاعة واستحشد سفيان وجاء في جملة السعيد مع سائر القبائل من جشم ولما احتل السعيد بتازى وافاه وفد بنى مرين عن أميرهم أبى يحيى بن عبد الحق فاعطوه الطاعة وبعثوا معه عسكرا من قومهم مددا له ثم ثار السعيد إلى تلمسان فكان مهلكه بتامزردكت على يد بنى عبد الواد في صفر سنة ست وأربعين حسبما يشرح في أخبارهم ويقال ان ذلك كان بمداخلة من الخلط فاستولوا على المحلة وقتلوا عدوهم كانون وانفض العسكر إلى المغرب وقد اجتمعوا إلى عبد الله بن السعيد واعترضهم بنو مرين بجهات تازى فقتلوا عبد الله بن السعيد ولحق الفل بمراكش فبايعوا المرتضى كما يذكر ان شاء الله تعالى * (الخبر عن دولة المرتضى ابن أخى المنصور) * لما هلك لحق فل العسكر بعد مهلك السعيد بمراكش اجتمع الموحدون على بيعة السيد أبى حفص عمر بن السيد أبى ابراهيم اسحق وأخى المنصور واستقدموه لها من سلا فلقيه وافدهم بتامسنا من طريقه ومعه أشياخ العرب فبايعوه وتلقب المرتضى وعقد ليعقوب بن كانون على بنى جابر ولعمه يعقوب بن جرمون على عرب سفيان بعد ان كان قومه قدموه عليهم ودخل الحضرة فاستوزر أبا محمد بن يونس وتقبض على حاشية السعيد ثم وصل أخوه السيد أبو اسحق من الفل آخذا على طريق سجلماسة فاستوزره واستند عليه واستولى أبو يحيى بن عبد الحق وبنو مرين أن هلك السعيد على رباط تازى من يد السيد ابى على أخى أبى دبوس وأخرجوه فلحق بمراكش ثم استولوا بعدها على مدينة فاس سنة سبع وأربعين كما يذكر في أخبارهم بعد وفى هذه السنة ثار بسبتة أبو القاسم العز في وأخرج ابن الشهيد الوالى على سبتة من قرابة الامير أبى زكريا صاحب افريقية حول الدعوة للرتضى حسبما يذكر في أخبار الدولة الحفصية وأخبار بنى العزفى وفى سنة تسع وأربعين وفد على المرتضى موسى بن زيان الونكاسى وأخوه على من قبائل بنى مرين
أغروه بقتال بنى عبد الحق فخرج إليهم ولما انتهى إلى أمان ايملولى أشاع يعقوب بن مون قضية الصلح بينهما فأصبحوا راحلين وقد استولى الجزع على قلوبهم فانفضوا وقعت الهزيمة من غير قتال ووصل المرتضى إلى الحضرة فعزل أبا محمد بن يونس عن وزارة لشيئ بلغه عنه وأسكنه بحملته مع حاشيته وفر من حملته على بن بدر إلى السوس سنة(6/258)
احدى وخمسين وجاهر بالعناد وسرح إليه السلطان عسكرا من الجند فرجعوا عنه ولم يظفروا به وتفاقم أمره سنة ثنتين وخمسين وجمع اعراب الشبانات وبنى حسان وحل أموال ونازل تارودانت فحاصر من كان بها وسرح المرتضى إليه عسكرا من الموحدين فأفرج عنها ثم رجع بعد قفولهم إلى حاله وعثر المرتضى على خطابه لقريبه ابن يونس إليه بخطه فاعتقل هو وأولاده ثم قتل وفى هذه السنة استدعى مشيخة الخلط إلى الحضرة وقتلوا لما كان منهم في مهلك السعيد وفيها خرج أبو الحسن بن يعلو في عسكر من الموحدين إلى تامسنا ليكشف أحوال العرب ومعه يعقوب بن جرمون وعهد إليه المرتضى بالقبض على يعقوب بن محمد بن قيطون شيخ بنى جابر فتقبض عليه وعلى وزيره ابن مسلم وطير بهما إلى الحضرة معتقلين وفى سنة ثلاث وخمسين خرج المرتضى من مراكش لاسترجاع فاس ونواحيها من يد بنى مرين المتغلبين عليها فوصل إلى بنى بهلول وزحف إليه بنو مرين وأميرهم أبو بحيى فكانت الهزيمة على الموحدين بذلك الموضع ورجع المرتضى مفلولا إلى مراكش ورعى بنى مرين من بعد ذلك سائر أيامه واستبد العزفى بسبتة وابن الامير بطنجة كما نذكره في أخبارهم وفى سنة خمس وخمسين بعث المرتضى إلى السوس عسكرا من الموحدين لنظر أبى محمد بن فلقيهم على ابن بدر وهزمهم واستبد بأمره في السوس وفى هذه السنة استولى أبو يحيى بن عبد الحق على سجلماسة وتقبض على واليها عبد الحق بن أصكو بمداخلة من خديم له يعرف بمحمد القطراني بنواحي سلا فصرف عبد الحق ابنه محمدا هذا في وقر به من بين أهل
خدمته وحدثته نفسه بالثورة استمال عرب المعقل أولا بالمشاركة في حاجاتهم عند مخدومه والاحسان إليهم حتى اشتملوا عليه ثم داخل أبا يحيى بن عبد الحق فقاده وسرحه إلى مراكش وكان القطراني شرط على أبى بحيى أن يكون والى سجلماسة فأمضى له شرطه وأنزل معه بها من رجالات بنى مرين حتى إذا هلك أبو يحيى بن عبد الحق أخرجهم محمد القطراني واستبد بأمر سجلماسة وراجع دعوة المرتضى واعتذر إليه واشترط عليه الاستبداد فأمضى له شرطه الا في أحكام الشريعة وبعث أبا عمر بن حجاج قاضيا من الحضرة وبعض السادات للنظر في القضية وقائدا من النصارى بعسكر للحماية فأعمل ابن الحجاج الحيلة في قتل القطراني وتولاه قائد النصارى واستبد السيد بأمر سجلماسة بدعوة المرتضى واستفحل أمر بنى مرين اثناء ذلك ونزل يعقوب بن عبد الحق بسائط تامسنا فسرح إليهم المرتضى عساكر الموحدين لنظر يحيى بن وانودين فاجفلوا إلى وادى أم ربيع فاتبعهم الموحدون فرجعوا إليهم وغدرهم بنو جابر فانهزم الموحدون بأمر الرجلين ولحق شيخ الخلط عيسى بن على ببنى مرين وارتحلوا إلى(6/259)
أوطانهم وكان المرتضى قدم يعقوب بن جرمون على قبائل سفيان وكان محمد ابن أخيه كانون يناهضه في رياسة قومه وغص به فقتله وثار به أخواه مسعود وعلى بفدفد فقتلاه وولى المرتضى مكانه ابنه عبد الرحمن فاستوزر يوسف بن وازرك ويعقوب بن علوان وشغل بلذاته وتصدى لقطع السابلة ثم نكث الطاعة ولحق ببنى مرين فولى مكانه عمه عبد الله بن جرمون بأبى زمام وعقد له المرتضى ثم أدال منه بأخيه مسعود لعجزه ووفد على المرتضى عواج بن هلال من امراء الخلط نازعا إلى طاعته ومفارقا لبنى مرين فأنزل معه أصحابه بمراكش وجاء على أثره عبد الرحمن بن يعقوب بن جرمون فتقبض على عواج ودفعه إلى على بن أبى على فقتله وكان تقبض معه على عبد الرحمن بن يعقوب ووزيره فقتلوا جميعا واستبد برياسة سفيان
مسعود بن كانون وبرياسة بنى جابر اسمعيل بن يعقوب بن قيطون وفى سنة ستين عند رجوع يحيى بن وانودين من واقعة أم الرجلين خرج عسكر من الموحدين إلى السوس لنظر محمد بن على الزلماط ولقيه على بن بدر فهزم جموعه وقتله وعقد المرتضى من بعده على حرب على بن بدر للوزير أبى زيد بن زكنت وسرح معه عسكرا من الجند وكان فيهم دنلب من زعماء النصرانية فدارت الحرب بين الفريقين ولم يكن للموحدين فيها ظهور على كثرتهم وقوة جلدهم وحسن بلائهم فسلبهم عن ذلك تكاسل دنلب وخروجه عن طاعة الوزير وكتب بذلك للمرتضى فاستقدمه وأمر أبو زيد بن يحيى الكدميوى باعتراضه في طريقه وقتله وفى سنة ثنتين وستين أقبل يعقوب بن عبد الحق في جموع بنى مرين فنازلوا مراكش واتصلت الحرب بينهم وبين الموحدين بظاهرها أياما هلك فيها عبد الله انعجون ابن يعقوب فبعث المرتضى إلى أبيه بالتعزية ولاطفه وضرب له اتاوة يبعث بها إليه في كل عام فرضى ارتحل عنهم والله أعلم { الخبر عن انتقاض أبى دبوس وتغلبه على مراكش ومهلك المرتضى وما كان في دولته من الاحداث } لما ارتحل بنو مرين عن مراكش بعد مهلك انعجون فر من الحضرة قائد حروبه السيد أبو العلى الملقب بأبى دبوس ابن السيد أبى عبد الله محمد بن السيد أبى حفص بن عبد المؤمن لسعاية تمكنت فيه عند المرتضى وصحبه ابن عمه السيد أبو موسى عمران بن عبد الله بن الخليفة فلحقا بمسعود بن كلداسن كبير هسكورة فأجاره ثم لحق بيعقوب بن عبد الحق بفاس صريخا به على شأنه واشترط له المقاسمة في العمالة والذخيرة فأمده بالمال يقال خمسة آلاف دينار عشرية وأوعز إلى ابن أبى على الخلطى بمظاهرته واعطائه آلات ورجع إلى على بن أبى على الخلطى فأمده بقومه ثم سار إلى هسكورة ونزل على(6/260)
صاحبه مسعود بن كلداسن فأطاعه قبائل هسكورة وهزوجة وبعثوا إليه عزوز بن
بيورك كبير صنهاجة في ناحية ازمور وكان منحرفا عن طاعة المرتضى إلى حملة يعقوب ابن عبد الحق ووفد عليه جماعه من السادة والموحدين والجند والنصارى وارتاب المرتضى بمسعود بن كانون شيخ سفيان وبإسمعيل بن قيطون شيخ بنى جابر فتقبض عليهما واعتقلهما وسار الكثير من قومهما إلى أبى دبوس وقتل اسمعيل بن يقطون معتقله فانتقض أخوه ثائرا ولحق بهم وحذر علوش بن كانون مثلها على أخيه فاتبعهم وزحف أبو العلى إلى مراكش ولما بلغ اغمات وجد بها الوزير أبا يزيد بن بكيت في عساكر حمايتها فناجزه الحرب فانهزم ابن بكيت وقتل عامة أصحابه وسار أبو دبوس إلى مراكش وأغار علوش بن كانون على باب الشريعة والناس في صلاة الجمعة وركز رمحه بمصراعه ودخلت سنة خمس وستين والمرتضى بمراكش غافر عن شأن أبى دبوس والاسوار خالية من الحراس والحامية وقصد أبو دبوس باب اغمات فتسور البلد من هنا لك ودخلها على حين غفلة وقصد القصبة فدخلها من باب الطبول وفر المرتضى ومعه الوزير أبو زيد بن يعلو الكومى وأبو موسى بن عزوز الهنتاتى فلحقوا بهنتاتة وألفوهم فأذعنوا بطاعتهم فرحل إلى كدميوة ومر في طريقه بعلى بن زكدان الونكاسى كان نزع إليه عن قومه ولم يفد عليه بعد فنزل به المرتضى ورحل معه إلى كدميوة وكان فيها وزيره أبو زيد عبد الرحمن ابن عبد الكريم فأراد النزول عليه فمنعه ابن سعد الله وسار إلى شفشاوة ووجد بها عددا من الظهر فمنحها على بن زكدان وكتب إلى ابن وانودين بمعسكره من خاصته والى ابن عطوش بمعسكره من ركراكة باللحاق به فأقلعا إلى الحضرة وخاطب أبو دبوس على بن زكدان يرغبه في القدوم عليه فارتاب المرتضى لذلك ولحق بازمور قتقبض عليه واليها ابن عطوش وكذا صهره واعتقله وطير بالخبر إلى ابى دبوس فأمر وزيره السيد أبا موسى ان يكاتبه كيف اماكن الذخيرة فأجابه بانكار ان يكون ذخر شيأ عندهم والحلف على ذلك وسألهم بالرحم فعطف أبو دبوس عليه وجنح إلى الاهل وبعث وزيره السيد أبا موسى ومسعود بن كانون في ازعاجه إليه ثم بدا له في استحيائه باشارة بعض السادة
فكتب خطه إلى السيد أبى موسى بقتله فقتله واستقل أبو دبوس بالامر وتلقب الواثق بالله والمعتمد على الله واستوزر السيد أبا موسى وأخاه السيد أبا زيد وبذل العطاء ونظر في الولايات ورفع المكوس عن الرعية وحدث بينه وبين مسعود بن كلداسن وحشة فارتحل إليه لازالتها وقدم عبد العزيز بن عطوش سفيرا إليه في ذلك وبلغه أن يعقوب ابن عبد الحق نزل تامسنا فأوفد عليه حميد بن مخلوف الهسكورى بهدية فقبلها وأكد بينهما العهد وانكف راجعا إلى وطنه ورجع حميد إلى الواثق ووافق وصول عبد العزيز(6/261)
ابن عطوش بطاعة مسعود بن كلداسن فرجع أبو دبوس إلى مراكش بعد ان عقد لابي موسى بن عزوز على بلاد حاجة وبلغه في طريقه عن عبد العزيز بن السعيد انه حدث نفسه بالملك وان ابن مكيث وابن كلداسن داخلوه بالولاية فصروا منهم الشكوة وأصاروهم في الحملة والله وارث الارض ومن عليها * (وأما هسكورة) * وهم أكثر قبائل المصامدة وفيهم بطون كثيرة أوسعها بطن هسكورة وأما سواهم من بطون كنفيسة فأنفقتهم الدولة بما تولوا من مشايعتها وإبرام عقدتها فهلك رجالاتهم في انفاقها سبل الامم قبلهم في دولهم وأما هسكورة فكان لهم بين الموحدين مكان واعتزاز بكثرتهم وغلبهم الا أنهم كانوا أهل بدو ولم يخالطوهم في ترفهم ولا انغمسوا في نعيمهم وكان جبلهم الذى أوطنوه من حاله دون القنة منها والذروة واعتصموا منه بالآفاق الفدد واليفاع الاشم والطود الشاهق قد لمس الافلاك بيده ونظم النجوم في مفرقه وتلفع بالسحاب في مروطه وآوى الرياح العواصف الدجوة وألقى إلى خبر السماء باذنه وأظل على البحر الاخضر بشماريخه واستدبر القفر من بلاد السوس بظهره وأقام سائر جبال درن في حجره ولما انقرض أمر الموحدين وتغلب بنو مرين على المصامدة أجمع وساموهم خطة الخسف في وضع الضرائب والمغارم عليهم
فاستكانوا لعزهم وأعطوهم يد الطواعية واعتصم هسكورة هؤلاء بمعقلهم واعتزوا فيه بمنعتهم فلم يغمسوا في خدمتهم يدا ولا أعطوهم مقادا ولا رفعوا بدعوتهم راية انما هي منابذة لامرهم وامتناع عليهم سائر الايام فإذا زحفت الحشود وتمرست بهم العساكر دافعوهم بطاعة معروفة واتاوة غير ملتزمة ورئيسهم مع ذلك يستخلص جبايتهم لنفسه ويدفعهم في المضايق لحمايته وربما تخطاهم إلى بعض قبائل الجبل ومن قاربه من أهل بسائط السوس يعسكر بذلك للرجل من قومه هكسورة وكنفيسة وبالحشد من العرب الموطنين بأرض السوس وسفيان وهم بطن الحارث ومن المعقل وهم بطن الثبانات وكان رئيسهم في ذكرنا بعد انقراض عبد المؤمن بن يوسف وحرروا لسان الاعجمين هو عبد الواحد وكان له في الاستبداد والصرامة ذكر وهلك سنة ثمانين وستمائة وكان منتحلا للعلم واعية له جماعة لكتبه ودواوينه حافظا لفروع الفقه يقال ان المدونة كانت من محفوظاته محبا في الفلسفة مطالعا لكتبها حريصا على نتائجها من علم الكيمياء والسيمياء والسحر والشعوذة مطلعا على الشرائع القديمة والكتب المنزلة بكتب التورية ويجالس احبار اليهود حتى لقد اتهم في عقده ورمى بالرغبة عن دينه ثم ولى من بعده ابنه عبد الله وكان مقتفيا سنن أبيه في ذلك وخصوصا في انتحال السحر(6/262)
والاستشراف إلى صنعة الكيمياء ولما فرغ السلطان أبو الحسن من شأن أخيه عمر وسكن فتنة المغرب ودوخ أقطاره وحل معتصمه بالعساكر وأوطأ ساحاته الكتائب رجاله دون من يمده من اعراب السوس من ورائه بما كان من تغلبه على بلادهم واقتضائه بطاعتهم وانزال عماله بالعساكر بينهم فلاذ منه عبد الله السكسيوى بطاعة معروفة رهن فيها ابنه واشترط للسلطان الهدية والضيافة فتقبل منه ومنحه جانب الرضى ولما كانت نكبة السلطان بالقيروان واضطرب المغرب فتنة وخلا جو البلاد المراكشية من المشايخ اجتمع رأى الملا من المصامدة على النزول إلى مراكش وأحكموا عقد الاتفاق
بينهم واجمعوا تخريبها بما كانت دارا للامرة ولمقامة الكتائب المجمرة وزعم عبد الله السكسيوى هذا بانفاذ ذلك فيها وضمن هو تخريب المساجد لتجافهم عنها فكانت مذكورة على الايام ثم انحل عزمهم وافترقت جماعتهم وكلمتهم بما كانت من استقامة الدولة بفاس واجتماع بنى مرين على السلطان أبى عنان كما يذكر بعد فانحجر كل منهم بوجاره ولما فرغ أبو عنان من شأن أبيه واستولى على المغرب الاوسط وغلب عليه بنو عبد الواد ولحق أخوه أبو الفضل بن مطرح اغترابه في الاندلس بالطاعة يروم الاجازة إلى المغرب لطلب حقه فأركبه السفير إلى مراحل السوس فنزل به ولحق بعبدالله السكسيوى فأواه وظاهره على أمره فجرد أبو عنان العزائم إليهم وعقد لوزيره فارس ابن ميمون بن وادرار على حربهم واستخرج جيوش المغرب وأناخ بساحته سنة أربع وخمسين واختط بسفح الجبل مدينة لحصاره سماها القاهرة وأخذت بمخنقه وزاحمت بمناكبها اركان معقله حتى لاذت للسلم واشترط ان ينبذ العهد إلى أبى الفضل المصرى عنده يذهب حيث يشاء فتقبل منه وعقد له سلما على عادته وأفرج عنه وخرج على عبد الله السكسيوى لايام السلطان أبى سالم ابنه محمد المعروف في لغتهم ايزم ومعناه الاسد فغلبه على أمره ولحق عبد الله بعامر بن محمد الهنتاتى كبير المصامدة لعهده وعامل السلطان عليهم فاستجاش به ووعده عامر النصرة وأمهله عاما ونصفه حتى وفد على السلطان واستوهب في ذلك ثم أجمع على نصره من عدوه فجمع له الناس وخاطب أهل ولايته أن يكون معه يدا وزحف عبد الله حتى نزل بالقاهرة وأخذ بمخنق أبيه وأشياعه ثم داخله بعض بطانته ودله على بعض العورات اقتحم منها الجبل وثاروا بابنه يزم فصاح به عبد الله وقوم وفر محمد أمامهم فأدرك بتلاسف من نواحى الجبل وقتل واسترجع عبد الله ملكه واستقلت قدمه إلى أن مكر به ابن عمه يحيى بن سليمان حين بلغ استبداد الوزير عمر بن عبد الله على سلطان المغرب واستبداد عامر بن محمد بولاية مراكش وثأر منه يحيى هذا بأبيه سليمان وهو عم عبد الله كان قتله أيام امارته الاولى(6/263)
وأقام مملكا على سكسيوة إلى سنى خمس وسبعين فثار عليه أبو بكر بن عمر بن خرو فقتله بأخيه عبد الله واستقل بأمر سكسيوة ومن إليهم ثم خرج عليهم لاعوام من استقلاله ابن عم له من أهل بيته لم ينقل لى من تعريفه الا أن اسمه عبد الرحمن لان ثورته كانت بعد رحلتي الثانية من المغرب سنة ست وسبعين فأخبرني الثقة بأمره وانه ظفر بأبى بكر بن عمر وقتله واستبد بأمر الجبل إلى هذا العهد فيما زعم وهو سنة تسع وسبعين ثم بلغني سنة ثمان وثمانين أن عبد الرحمن هذا ويعرف بأبى زيد بن مخلوف بن عمر آجليد قتله يحيى بن عبد الله بن عمر واستبد بأمر هذا الجبل وهو الآن مالكه وهو أخو ايزم بن عبد الله والله وارث الارض ومن عليها وهو خير الوارثين (وأما بقية قبائل المصامدة) من سوى هؤلاء السبع مثل هيلانة وحاجة ودكالة وغيرهم ممن أوطن هضاب الجبل أو ساحته فهم أمم لا تنحصر ودكالة منهم في ساحة الجبل من جانب الجوف مما يلى مراكش إلى البحر من جانب الغرب وهناك رباط آسفى المعروف ببنى ماكر من بطونهم وبين الناس اختلاف في انتسابهم في المصامدة أو صنهاجة وتجاورهم من جانب الغرب في بسيط ينعطف ما بين ساحل البحر وجبل درن في بسيط هناك يفضى إلى السوس يعمره من حاجة هؤلاء خلق أكثرهم في حمراء الشعراء من الشجر المعروف بارجان يتحصنون بملتفها وأدواحها ويعتصرون الزيف لادامهم من ثمارها وهو زيت شريف طيب اللون والرائحة والطعم يبعث منه العمال إلى دار الملك في هداياهم فيطرفون به وبآخر مواطنهم مما يلى أرض السوس وفى القبلة عن جبل درن بلدتا دنست وبها معظم هذه الشعرا ينزلها رؤساؤهم ورياستهم في بطن منهم يعرفون بمغراوة وكان شيخهم لعهد السلطان أبى عنان ابراهيم بن حسين بن حماد بن حسين وبعده ابنه محمد بن ابراهيم بن حسين وبعده ابن عمهم خالد بن عيسى بن حماد واستمرت رياسته عليهم إلى اعوام ست وسبعين وسبعمائة أيام استيلاء السلطان
عبد الرحمن بن بطوسن على مراكش فقتله شيخ بنى مرين على بن عمر الورتاجى من بنى ويغلان منهم وما أدرى لمن صارت رياستهم من بعده وهم ودكالة جميعا أهل مغرم واسع وجباية موفورة فيما علمناه ولله الخلق والامر وهو خير الوارثين داخلة في ذلك وسائل عن ذلك السيد أبا زيد ابن السيد أبى عمران خليفته وأخبره بما سمع وأمره بالقبض عليه وقتله فانفذ ذلك ثم ارتحل إلى السوس لتمهيده وحسم هلال بن بدر فيه وقدم يحيى بن وانودين لاستنفار قبائل السوس من كزولة ولمطة وكنفيسة وصناكة وغيرهم وسار يتعدى المنازل(6/264)
ويستنفر القبائل وهو بتادورنت فوجدها قفرا خلاء الا قليلا من الدور بخارجها ونزل على حميدين صهر على بن بدر وقريبه بحصن تيسخت على وادى السوس كان لصنهاجة فغلبهم عليه ابن بدر وملكه فنازله أبو دبوس وحاصره أياما وهزم فيها جموعه وداخل محمد ابن على بن زكدان في افراج أبى دبوس على سبعين ألف دينار يؤديها إليه فأعجله الفتح من ذلك ونجا بذمائه إلى بيته وطولب بالمال وبقى معتقلا عند ابن زكدان وامتنع على ابن بدر بحصنه ثم أطاع ووصلت رسله بطاعته فانصرف الواثق إلى حضرته ودخلها سنة خمس وستين وبلغه الخبر بانتقاض يعقوب بن عبد الحق وأنهى إليه فبعث بمرتبه إلى تلمسان صحبة أبى الحسن بن قطرال وابن أبى عثمان رسول يغمراسن خرج إليهم من مراكش ابن أبى مديون الونكاسى دليلا وسلك بهم على الثغر إلى سجلماسة وبها يحيى ابن يغمراسن فبعثهم مع بعض المعقل إلى أبيه وألفوه بجهة مليانة فأقام ابن قطرال بتلمسان ينتظره وكان يعقوب بن عبد الحق لما بلغه ذلك نهض إلى مراكش بجيوش بنى مرين ونزل بضواحي مراكش وأطاعه أهل النواحى ونهض إليه أبو دبوس بعساكر الموحدين فاستجره يعقوب إلى وادى أعفر ثم ناجزه الحرب فاختل مصافه وفر عسكره وانهزم يريد مراكش والقوم في اتباعه فأدرك وقتل وبادر يعقوب بن عبد الحق فدخل
مراكش في المحرم فاتح سنة ثمان وستين وفر بقية المشيخة من الموحدين إلى معاقلهم بعد ان كانوا بايعوا عبد الحق احد بنى أبى دبوس وسموه المعتصم مدة من خمسة أيام وخرج في جملتهم وانقرض أمر بنى عبد المؤمن والبقاء لله وحده اه(6/265)
{ الخبر عن بقايا قبائل الموحدين من المصامدة بجبال درن بعد انقراض دولتهم بمراكش وتصاريف أحوالهم } هذا العهد لما دعا المهدى إلى أمره في قومه من المصامدة بجبال درن وكان أصل دعوته نفى التجسيم الذى آل إليه مذهب أهل المغرب باعتمادهم وترك التأويل في المتشابه من الشريعة وصرح بتكفير من أبى ذلك أخذا بمذهب التكفير بالمآل فسمى لذلك دعوته بدعوة التوحيد وأتباعه بالموحدين نعيا على الملثمين فان مذاهبهم إلى اعتقاد الجسمية وخص بالمزية من دخل في دعوته قبل تمكنها وجعل علامة تمكنها فتح مراكش فكان انما اختص بهذا اللقب أهل السابقة قبل ذلك الفتح وكان أهل تلك السابقة قبل فتح مراكش ثمانى قبائل سبعة من المصامدة هرغة وهم قبيلة الامام المهدى وهنتاتة(6/266)
وتينملل وهم الذين بايعوه مع هرغة على الحرابة والحماية وكنفيسة وهزوجة وكدميوة وريكة ونامنة قبائل الموحدين كومية قبيلة عبد المؤمن كبير صحابته دخلوا إلى دعوته قبل الفتح فكانت لهم المزية عند عبد المؤمن بسابقتهم فاختص هؤلاء القبائل بمزية هذه السابقة واسمها وأقاموا بالامر وحملوا سريره فاتفقوا في مذاهبه وممالكه في سائر الاقطار على نسبة قويم من أصحاب الامر وبعدهم وبقى من بقى منهم بمحالهم ومعاقلهم تقية حتوف وجرت عليهم قبل زناتة من بعد الملك اذيال الغلب والقهر حتى أبقوهم بالاتاوات وانتظموا في عدد الغارمين من الرعايا وصاروا يولون عليهم من زناتة تارة ومن رجالاتهم أخرى وفى ذلك عبرة وذكرى لاولى الالباب والملك لله
يورثه من يشاء * (هرغة) * فأما هرغة وهم قبيل الامام المهدى قد دثروا وتلاشوا وانتفقوا في الفاصية من كل وجه لما كان أمرهم إلى غيرهم من رجالات المصامدة لا يملكون عليهم منه شيئا * (تينملل) * وكذا تينملل اخوتهم في التعصب على دعوة المهدى والاشتمال عليه والقيام بأمره حتى تحيز إليهم وبنى داره ومسجده بينهم فكان يعطيهم من الفئ بقدر عظمهم من الابتلاء وأبعدوا في ممالك الدولة وعمالاتها فانقرض رجالاتهم وملك غيرهم من المصامدة أمرهم عليهم وقبر الامام بينهم بهذا العهد على حاله من التجلة والتعظيم وقراءة القرآن عليه احزابا بالغدو والعشي وتعاهده بالزيارة وقام بالحجاب دون الزائرين من الغرباء تسهيل الاذن واستشعار الابهة وتقديم الصدقات بين يدى زناتة على الرسم المعروف في احتفال الدولة وهم مصممون مع كافة المصامدة ان الامر سيعود وان الدولة ستظهر على أهل المشرق والمغرب وتملا الارض كما وعدهم المهدى لا يشكون في ذلك ولا يستريبون فيه * (هنتاتة) * وأما هنتاتة وهم تلو القبيلتين في الامر وكل من بعدهم فانما جاؤا على أثرهم وتبعا لهم لما كانوا عليه من الكثرة والبأس ومكان شيخهم أبى حفص عمر بن يحيى من صحابة الامام والاعتزاز على المصامدة وكانت لهم بافريقية دولة كما نذكرهم فاتفقت الدولتان منهم عوالم في سبيل الاستظهار وبقى بموطنهم المعروف بهم من جبال درن وهو الجبل المتاخم لمراكش على توسط من الاستبداد والخضوع ولهم في قومهم مكان(6/267)
بامتناع معقلهم واطلاله على مراكش ولما تغلب بنو مرين على المصامدة وقطعوا عنهم
أسباب الدعوة كان لرؤسائهم أولاد يونس انحياش إليهم بما كانوا مسخوطين في آخر دولة بنى عبد المؤمن فاختصوهم بالاثرة والمخالطة وكان على بن محمد كبيرهم لعهد السلطان يوسف بن يعقوب بن عبد الحق خالصة له من بين قومه وهلك سنة سبعين على يد ابن المليانى الكاتب بكتاب لبس فيه وأنفذه على السلطان لابنه أمير مراكش فقتل رهط من مشيخة المصامدة في اعتقاله كان منهم على بن محمد فقام السلطان لها في ركائبه وندم على ما فرط من أمره في أفلات ابن المليانى على ما يذكر من أمر هذه الواقعة في أخبار السلطان يوسف بن يعقوب ولما ولى السلطان أبو سعيد وانقطع عن المصامدة ما كان لهم من أثر الملك والسلطان وانقادوا للدولة رجع بنو مرين إلى التولية عليهم من رجالاتهم ودالوا بينهم في ذلك وأخبار السلطان بعد صدر من دولة موسى بن على ابن محمد للولاية على المصامدة وجبايتهم فعقد له وأنزله مراكش فاضطلع بهذه الولاية سنين ورسخت فيها قدمه وأورثها أهل بيته وصار لهم بها في الدولة مكان انتظموا له في الولاية وترشحوا للوزارة ولما هلك موسى عقد السلان من بعده لاخيه محمد وأجراه على سننه إلى أن هلك فاستعمل السلطان بنيه في وجوه خدمته وعقد لعامر منهم على قومه ولما ارتحل السلطان أبو الحسن إلى افريقية صحبه عامر فيمن صحبه من أمراء المصامدة وكافة الوجوه حتى إذا كانت نكبة القيروان سنة تسع واربعين وسبعمائة عقد له على الشرطة بتونس على رسم الموحدين من بيوت الخطة وسعة الرزق وأسام إليه فيها فكفاه همها ولما فصل من تونس ركب الكثير من حرمه وخطاياه السفن لنظر عامر هذا حتى إذا غرق الاسطول بالسلطان أبى الحسن بما أصابهم من عاصف الريح رمى الموج بالسفينة التى كانوا بها إلى المرية من ثغور الاندلس فأنزل بها كرا ثم السلطان لنظره وبعث عنهن ابنه أبو عنان المستبد على أبيه بملك المغرپ فامتنع من اسلامهن إليه وفاء بأمانته في خدمتهم وخلص السلطان أبو الحسن بعد النكبة البحرية إلى الجزيرة سنة خمسين وزحف إلى بنى عبد الواد ففلوه ونهض إلى المغرب وسلك إليه القفر حتى
نزل سجلماسة فقصده أبو عنان فخرج منها إلى مراكش وقام بدعوته المصامدة وعرب جشم فاحتشد ولفى ابنه بأغمات بجهات أم ربيع فكانت الدبرة عليه ونجا إلى جبل هنتاتة وكان عبد العزيز بن محمد شيخا عليهم منذ مغيب عامر وكان في جملته وخاص معه فأنزله عبسد العزيز بداره وتآمر هو وقومه على اجارته والموت أشهرا حتى هلك السلطان أبو الحسن كما نذكره بعد فحملوه على الاعواد ونزلوا على حكم ابى عنان فأكرمهم ورعى لهم وسلة هذا الوفاء وعقد لعبد العزيز على امارته واستقدم(6/268)
عامرا كبيرهم من مكانه بالمرية فقام بهن لامانته من خطايا السلطان وحرمه فلقاه السلطانة مبرة وتكريما وأناله من اعتنائه حظا وتخلى له أخوه عبد العزيز عن الامر فأقره نائبا ثم عقد السلطان لعامر سنة أربع وخمسين على سائر المصامدة واستعمله لجبايتهم فقام بها مضطلعا وكفاه هم الاعمال المراكشية حتى عرف غناءه فيها وشكر له جبايته وهلك السلطان أبو عنان واستبد على ابنه السعيد ووزيره الحسن بن عمر المودودى وكان ينفس عليه ما كان له من الترشيح للرتبة وبينهما في ذلك شحناء فخشى بادرته وخرج من مراكش إلى معقله من جبل هنتاتة وحمل معه ابن السلطان أبى عنان الملقب بالمعتمد وكان أبوه عقد له يافعا قبيل وفاته على مراكش لنظر عامر فخلص به إلى الجبل حتى إذا استوت قدم السلطان أبى سالم في الامر واستقل بملك المغرب سنة ستين وفد عليه عامر بن محمد مع رسله إليه وأوفد ابن أخيه محمد المعتمد فتقبل السلطان وفادته وشكر وفاءه وأقام ببابه مدة ثم عقد له على قومه ثم استنفره معه إلى تلمسان ولم يزل مقيما ببابه إلى قبل وفاته فأنفذه لمكان امارته ولما هلك السلطان أبو سالم واستبد بالمغرب بعده عمر بن عبد الله بن عمر على ما نذكره وكانت بينه وبين عامر السلطان صداقة وملاطفة وصل يده بيده وأكد العهد معه على سد تلك الفرجة وحول عليه في حوط البلاد المراكشية وأن لا يولى من قبله وكان زعيما بذلك وعقد له على الاعمال المراكشية
وما إليها إلى وادى أم ربيع وفوض إليه أمر تلك الناحية واقتسما المغرب شق الابلمة وخاص إليه الاعياص من ولد السلطان أبى سعيد أبو الفضل بن السلطان أبى سالم وعبد المؤمن بن السلطان أبى على فاعتقل عبد المؤمن وامكن أبا الفضل من امارته على ما يذكر بعد وساءت الحال بينه وبين عمر ونهض إليه من فاس بجموع بنى مرين وكافة العساكر واعتصم بجيله وقومه واستبد على الامر من بعده ووصل عبد المؤمن من معتفله يجاجى به بنو مرين لما كانوا يوملون من ولايته واستبداده لما آسفهم من حجر الوزراء لملوكهم فلما رأوا استبداد عامر عليه أعرضوا عنه وانعقد السلم بينه وبين عمر ابن عبد الله على ما كان عليه من مقاسمته اياه في أعمال المغرب ورجع واستقل عامر بناحية مراكش وأعمالها حتى إذا هلك عمر بن عبد الله بيد عبد العزيز بن السلطان أبى الحسن كما نذكره حدثت أبا الفضل بن السلطان أبى سالم نفسه بالفتك بعامر بن محمد كما فتك عمه بعمر بن عبد الله ونذر بذلك فاحتمل كرائمه وصعد إلى داره بالجبل ففتك أبو الفضل بعبد المؤمن ابن عمه لانه كان معتقلا بمراكش واستحكمت لذلك النقرة بينه وبين عامر بن محمد وبعث إلى السلطان عبد العزيز فنهض من فاس في جموعه سنة تسع وستين وفر أبو الفضل فلحق بتادلا وتقبض عليه عمه السلطان عبد العزيز وقتله كما يذكر(6/269)
في أخباره وطلب عامرا في الوفادة فخشيه على نفسه واعتصم بمعقله فرجع إلى حضرته واستجمع عزائمه وعقد على مراكش وأعمالها لعلى بن أجانا من صنائع دولتهم وأوعز إليه بمنازلة عامر وقومه من معتصمه وأوقع به وتقبض على طائفة من بنى مرين وصنائع السلطان في المعركة أودعهم نتيجته فحرك بها عزائم السلطان إليه في قومه من بنى مرين وعساكر المغرب وأحاط به ونازله حولا ثم تغلب عليه سنة احدى وسبعين وانفضت جموعه وتقبض عليه عند اقتحام الجبل فسيق أسيرا إلى السلطان فقيده وقفل به إلى الحضرة ولما قضى نسك الفطر من سنته
أحضره ووبخه ثم أمر به فتل إلى مصرعه واثخن جلدا بالسياط وضربا بالمقارع حتى فاض عفا الله عنه وعقد السلطان على قومه لفارس ابن أخيه عبد العزيز كان نزع إليه بين يدى مهلك عمه وعفا عن ابنه أبى يحيى بسابقته إلى الطاعة قبيل اقتحام الجبل عليهم أشار عليه بذلك أبوه نظرا له فظفر بالسلامة والحظ وأصاره السلطان في جملته ثم هلك بعد ذلك فارس بن عبد العزيز واضطرم المغرب فتنة بعد مهلك السلطان عبد العزيز سنة أربع وسبعين وصارت أعمال مراكش في ايالة السلطان عبد الرحمن بن على الملقب بأبى تعلوس ابن السلطان أبى على ونزع إليه أبو يحيى بن عامر فعقد له على قومه ثم أتهمه باحتمال الاموال منذ عهد ابنه وميزه إلى استصفائه ونذر به ابن عامر فلحق ببعض قبائل المصامدة سراتهم بأطراف السوس ونزل عليهم وكان مهلكه فيهم أعوام ثمانين وسبعمائه والله وارث الارض ومن عليها * (كدميوة) * وأما كدميوة وكانوا تبعا لهنتاتة وتينملل في الامر وجبلهم بصدف جبل هنتاتة وكان رؤساءهم لعهد الموحدين بنو سعد الله ولما تغلب بنو مرين على المصامدة ووضعوا عليهم الضرائب امتنع يحيى بن سعد الله وبعض الشئ يحصن تافرجا وتيسخنت من جبلهم وخالفه عبد الكريم بن عيسى وقومه إلى طاعة بنى مرين واختلف إليهم العساكر إلى أن هلك يحيى بن سعد الله سنة أربع وتسعين وستمائة وعساكر يوسف بن يعقوب مجمرة على حصاره فهدموا حصونه وأذلوا من قومه واستخلص السلطان يوسف بن يعقوب عبد الكريم بن عيسى منذ عهد أبيه فعقد له عليهم ثم تقبض على أمراء المصامدة وعقله فيمن اعتقل منهم حتى إذا فعل ابن المليانى فعلته في استهلاكهم لعداوة عمه بما لبس الكتاب على لسان السلطان لابيه على أمير مراكش فقتل عبد الكريم فيمن قتل منهم وقتل معه بنو عيسى وعلى ومنصور وابن أخيه عبد العزيز ابن محمد وامتعض السلطان لذلك وأفلت ابن الملبانى من معسكره لحصار تلمسان فدخلها(6/270)
ثم قام بأمر كدميوة عبد الحق المليانى سعد الله أيام السلطان أبى الحسن وابنه أبى عنان وكانت بينه وبين عامر بن محمد فتنة جرها منصب العمالة شأن المجاورين من القبائل وقديم العداوة بين السلف فلما استفحل أمر عامر بالولاية على مراكش وسائر المصامدة نبذ إلى عبد الحق العهد ونحلة الخلاف والمداخلة للسكسيوى شيخ الفتنة المستعصى منذ أول الدولة فصمد إليه سنة سبع وخمسين وسبعمائة في قومه ومشايخ السلطان التى كانت بمراكش لنظره فاقتحم عليه معقله عنوة وقتله واستولى على كدميوة ولحق بنو سعد الله بفاس فأقاموا بها حتى إذا خاض السلطان أبو سالم البحر إلى ملكه بعد أخيه أبى عنان ونزل بغمارة نزل إليه يوسف بن سعد الله واعتقد منه ذمة سابقيته تلك فلما استولى على البلد الجديد واستقل سلطانه عقد له على قومه رعيا لوسيلته فأقام في ولايته مدة السلطان أبى سالم وكان عامل مراكش محمد بن أبى العلى من حاشية السلطان وبيوت الولاة بالمغرب معولا على أعمال مراكش ليستظهر وطير إليه الكتاب بذلك ونزل إلى مراكش وقتل بها يوسف بن سعد الله ونكث ابن أبى العلى ثم قتله والحقه بابنه عبد الحق وذهبت الرياسة من كدميوة برهة من الدهر ثم رجعت إليهم في بنى سعد الله والله تعالى قادر على ما يشاء وبيده تصاريف الامور لا رب سواه ولا معبود الا اياه * (واما وريكه) * وهم مجاورون لهنتاتة وبينهم فتنة قديمة وحروب متصلة ودماء مطلولة كانت بينهم سجالا وهلك فيها من الفريقين أمم إلى ان غلبهم هنتاتة باعتزازهم بالولاية والله تعالى أعلم بغيبه وهو على كل شئ قدير(6/271)
{ الخبر عن بنى يدر امراء السوس من الموحدين بعد
انقراض بنى عبد المؤمن وتصاريف أحوالهم } كان أبو محمد بن يونس من جملة وزراء الموحدين من هنتاتة وكان المرتضى قد استوزره ثم سخطه وعزله سنة خمسين وستمائة وألزمه داره بتا مصلحت وفر عنه قومه وحاشيته وكان من أهل قرابته على بن يدر من بنى باداسن ففر إلى السوس وجاهر بالخلاف سنة احدى وخمسين ونزل بحصن تانصاحت بسفح الجبل حيث يدفع وادى السوس سن درن وشيده وحصنه وتغلب على حصن تيسخت من أيدى صنهاجة وشيده وأنزل فيه(6/272)
ابن عمه بوحمدين ثم تغلب على بسيط السوس وجاجأ بنى حسان من اعراب المعقل من مواطنهم بنواحي ملوية إلى بلاد الريف فارتحلوا إليه وعاث بهم في نواحى السوس وأطاع له كثير من قبائله فاستوفى جبايتهم وأجلب على عامل الموحدين بتار ودانت وضيق عليه المسالك وتفاقم أمره واتهم الوزير أبو محمد بن يونس بمداخلته وعثر على كتابه إلى على بن يدر فأمر المرتضى باعتقاله وقتله سنة ثنتين وخمسين وأغزى أبا محمد بن اصال إلى بلاد السوس في عسكر الموحدين والجند وعقد له عليها فنزل تارودانت وتحصن على بن يدر في تيونودين وزحف إليه ابن أصناك في عسكره فهزمه ابن يدر وقتل كثيرا منهم ورجع إلى مراكش مفلولا وأقام على بن يدر على حاله من الخلاف وأغزاه المرتضى محمد بن على ازلماط في عسكر من الموحدين سنة ستين فهزمهم وقتل ابن ازلماط فعقد المرتضى من بعده على السوس لوزيره أبى زيد بن بكيت فزحف إليه ودارت الحرب بينهما مليا وانقلب من غير ظفر واستفحل ابن يدر ببلاد السوس واستخدم الاعراب من الشبانات وذوى حسان واطاعته القبائل من بنيه وبنى كزولة وكانت لهم فتن وحروب يستظهر في اكثرها بذوى حسان ولما استولى أبو دبوس على مراكش سنة خمس وستين وفرغ من تمهيد ملكه بها اعتزم على الحركة إلى السوس ورحل من مراكش وقدم بين يديه يحيى بن وانودين
لاحتشاد القبائل ومن بالجبل ثم أسهل من تامسكروط إلى بسيط السوس ونزل على بنى باداس وقبيلة ابن يدر على فرسخين من تيو نودين وقصد تيزخت بنارودنت وعاين اثار الخراب الذى بها من عيث ابن يدر ولما بلغ حصن تيزخت خيم بساحته وحشد أمما من القبائل لحصاره وكان بو حمدين ابن عم على بن يدر فحاصره أياما ولما اشتد عليه الحصار داخل على بن زكدان من مشيخة بنى مرين كان في جملة أبى دبوس فداخله في الطاعة وتقبل السلطان طاعته على النزول عن حصنه ثم أعجله الحرب واقتحم عليهم الجلب ولجؤا إلى الحصن وفر حمدين إلى بيت على بن زكدان وأمره السلطان باعتقاله واستولى السلطان على الحصن وأنزل به بعض السادة لولايته وارتحل أبو دبوس إلى محاصرة على ابن يدر فحاصره أياما ونصب عليه المجانيق ولما اشتد عليه الحصار رغب في الاقالة ومعاودة الطاعة فتقبل وأقلع السلطان عن حصاره وقفل إلى حضرته ولما استولى بنو مرين على مراكش سنة ثمان وستين استبد على بن يدر وتملك سوس واستولى على تارودنت والقرى وسائر امصاره وقواعده ومعاقله وأرهف حده للاعراب فزحفوا عليه وكانت عليه الدبرة وقتل سنة ثمان وستين وقام بأمره على ابن أخيه عبد الرحمن ابن الحسن مدة ثم هلك وقام بأمرهم على بن الحسن بن بدر ولما صار أبو على بن السلطان(6/273)
أبى سعيد إلى ملك سجلماسة يصلح عقده مع أبيه كما يذكر في أخبارهم فنزلها وشيد ملكه بها واستخدم كافة عرب المعقل فرغبوه في ملك السوس وأطمعوه في أموال ابن يدر فغزاه من سجلماسة وفر ابن يدر امامه إلى جبال نكيسة واستولى السلطان أبو على على حصنه بانصاصت وسائر امصار السوس واستصفى ذخيرته وأمواله ورجع إلى سجلماسة ثم استولى السلطان أبو الحسن من بعد ذلك عليه وانقرض ملك بنى يدر ولحق به عبد الرحمن ابن على بن الحسن وصار في جملته وأنزل السلطان بأرض السوس مسعود بن ابراهيم ابن عيسى البريتانى من طبقة وزرائه وعقد له على تلك العمالة إلى أن هلك وعقد لاخيه
حسون من بعده إلى ان كانت نكبة القيروان وهلك حسون وانفض العسكر من هنا لك وتغلب عليه العرب من بنى حسان والشبانات ووضعوا على قبائله الاتاوات والضرائب ولما استبد أبو عنان بملك المغرب من بعد أبيه أغزى عساكره السوس لنظر وزيره فارس بن ودرار سنة ست وخمسين فملكه واستخدم القبائل والعرب من أهله ورتب المشايخ بامصاره وقفر إلى مكان وزارته فانفضت المشايخ ولحقت به وبقى عمل السوس ضاحيا من ظل الملك لهذا العهد وهو وطن كبير في مثل عرض البلاد الجريدية وهوائها المتصل من لدن البحر المحيط إلى نيل مصر الهابط من وراء خط الاستواء في القبلة إلى الاسكندرية وهذا الوطن قبلة جبال درن ذو عمائر وقرى ومزارع ومدن وامصار وجبال وحصون ويحدق به وادى السوس ينصب من باطن الجبل إلى ما بين كلاوة وسيكسيوة ويدفع إلى بسيطه ثم يمر مغربا إلى أن ينصب في البحر المحيط والعمائر متصلة حفا في هذا الوادي ذات المدن والمزارع وأهلها يتخذون فيها قصب السكر وعند مصب هذا الوادي من الجبل في البسيط مدينة تارودنت وبين مصب هذا الوادي في البحر ومصب وادى آش مرحلتان إلى ناحية الجنوب على ساحل البحر وهناك رباط ماسة الشهير المعروف بتردد الاولياء وعبادتهم وتزعم العامة ان خروج الفاطمي منهم ومنه أيضا إلى زوايا أولاد بو نعمان مرحلتان في الجنوب كذلك على ساحل البحر وبعدها على مراحل عصب الساقية الحمراء وهى منتهى مجالات المعقل في مشاتيهم وفى رأس وادى السوس جبل زكنون قبلة جبل الكلاوى وفى قبلة جبال درن جبال نكيسة تنتهى إلى جبال درعه ويعرف الآخر منها في الشرق بابن حميدي ويصب من جبال نكيسة وادى نول ويمر مغربا إلى ان يصب في البحر وعلى هذا الوادي بلدتا كاوصت محط الرفاق والبضائع بالقبلة وبها سوق في يوم واحد يقصده التجار من الآفاق وهو من الشهرة لهذا العهد بمكان وبلد ايفرى بسفح جبال نكيسة وبينها وبين تاكوصت مرحلتان وأرض السوس مجالات لنزول لمطة فلمطه منهم مما يلى(6/274)
درن وكزولة مما يلى الرمل والقفر ولما تغلب المعقل على بسائطه اقتسموها مواطن فكان الشبانات أقرب إلى جبال درن وصارت قبائل لمط من أحلافهم وصارت كزولة من احلاف ذوى حسان والامر على ذلك لهذا العهد وبيد الله تصاريف الامور لا رب سواه ولا معبود الا اياه على عبد الرحمن بن يحيى بن عبد الرحمن بن بدر من بنى باداسن { الخبر عن دولة بنى حفص ملوك افريقية من الموحدين ومبدا أمرهم وتصاريف أحوالهم } قد قدمنا أن قبائل المصامدة بجبل درن وما حوله كثير مثل هنتاتة وتينملل وهرغه وكنفيسة وسكسيوة وكدميوة وهزوجة ووريكة وهزميرة وركراكة وحاحة وكلاوة وغيرهم ممن لا يحصى وكان منهم قبل الاسلام وبعده رؤساء وملوك وهنتاتة هؤلاء من أعظم قبائلهم وأكثرها جمعا وأشدها قوة وهم السابقون للقيام يدعوة المهدى والممهدون لامره وأمر عبد المؤمن من بعده كما ذكرنا في أخباره بلسان المصامدة حتى كان كبيرهم لعهد الامام المهدى الشيخ أبو حفص عمر بن يحيى ونقل البيدق ان اسمه بلسانهم فارصكات وهنتاتة لهذا العهد تقول انه اسم جدهم وكان عظيما فيهم غير مدافع وهو أول من تابع الامام المهدى من قومه فجاء يوسف بن وانودين وأبو يحيى بن بكيت وابن يغمور وغيرهم منهم على أثره واختص بصحابة المهدى فانتظم في العشرة السابقين إلى دعوته وكان تلو عبد المؤمن فيهم ولم تكن مزية عبد المؤمن عليه الا من حيث صحابة المهدى وأما في المصامدة فكان كبيرهم غير مدافع وكان يسمى بين الموحدين بالشيخ كما كان المهدى يسمى بالامام وعبد المؤمن بن يحيى بن محمد بن وانودين ابن على بن أحمد بن والال بن ادريس بن خالد بن اليسع بن الياس بن عمر بن وافتق بن محمد
ابن نجية بن كعب بن محمد بن سالم بن عبد الله بن عمر بن الخطاب هكذا نسبه ابن نخيل وغيره من من الموحدين ويظهر منه ان هذا النسب الفرشى وقع في المصامدة والتحم بهم واشتملت عليه عصبيته شأن الانساب التى تقع من قوم إلى قوم وتلتحم بهم كما قلناه أول الكتاب ولما هلك الامام وعهد بأمره إلى عبد المؤمن وكان بعيدا عن عصبية المصامدة الا ما كان له من أثرة المهدى واختصاصه فكتم موت المهدى وعهد عبد المومن ابتلا لطاعة المصامدة وتوقف عبد المؤمن عن ذلك ثلاث سنين ثم قال له أبو حفص نقدمك كما كان الامام يقدمك فعلم ان أمره منعقد ثم أعلن ببيعته(6/275)
وأمضى عهد الامام بتقديمه وحمل المصامدة على طاعته فلم يختلف عليه اثنان وكان الحل والعقد في المهمات إليه سائر أيام عبد المؤمن وابنه يوسف واستكفوا به نوائب الدعوة فكفاهم همها وكان عبد المؤمن يقدمه في المواقف قبلى فيها وبعثه على مقدمته حين زحف إلى المغرب الاوسط قبل فتح مراكش سنة سبع وثلاثين وزناتة كلهم مجتمعون بمنداس لحرب الموحدين مثل بنى ومانو وبنى عبد الواد وبنى ورسيعان وبنى توحين وغيرهم فحمل زناتة على الدعوة بعد ان أثخن فيهم لاول دخول عبد المؤمن لمراكش خرج عليه الثائر بماسة وانصرفت إليه وجوه الغوغا وانتشرت ضلالته في النواحى وتفاقم أمره فدفع لحربه الشيخ أبا حفص فحسم داءه ومحا أثر غوايته ولما اعتزم عبد المؤمن على الرحلة إلى افريقية حركته الاولى لم يقدم شيئا على استشارة أبى حفص ولما رجع منها وعهد إلى ابنه محمد خالفه الموحدون ونكروا ولاية ابنه فاستدعى أبا حفص من مكانه بالاندلس وحمل الموحدين على البيعة له وأشار بقتل الهرغى رأس المخالفين في شأنه فقتله وتم أمر العهد لابنه محمد ولما اعتزم عبد المؤمن على الرحلة إلى افريقية سنة أربع وخمسين حركته الثانية لفتح المهدية استخلف الشيخ أبا حفص على المغرب وينقل من وصاة عبد المؤمن على الرحلة إلى افريقية
لبنيه انه لم يبق من أصحاب الامام الا عمر بن يحيى ويوسف بن سليمان فأما عمر فانه من أوليائكم وأما يوسف فجهزه بعسكره إلى الاندلس تسترح منه وكذلك فافعل بكل من تكرهه من المصامدة وأما ابن مردنيش فاتركه ما تركك وتربص به ريب المنون وأخل افريقية من العرب وأجلهم إلى بلاد المغرب وادخرهم لحرب ابن مردنيش ان احتجت إلى ذلك ولما ولى يوسف بن عبد المؤمن تخلف الشيخ أبو حفص عن بيعته ووجم الموحدون لتخلفه حتى استبد غرضه في حكم امضاه بمقعد سلطانه وأعجب بفضله واعطاه صفقة يمينه وأعلن بالرضا بخلافته فكانت عند يوسف وقومه من أعظم البشائر وتسمى بأمير المؤمنين سنة ثلاث وستين ولما ولى يوسف بن عبد المؤمن وتحركت الفتنة بجبال غمارة وصنهاجة التى تولى كبرها سبع بن منقفاد سنة ثنتين وستين عقد للشيخ أبى حفص على حربهم فجلى في ذلك ثم خرج بنفسه فأثخن فيهم وكمل الفتح كما ذكرناه ولما بلغه سنة أربع وستين تكالب الطاغية على الاندلس وغدره بمدينة بطليوس واعتزم على الاجازة لحمايتها قدم عساكر الموحدين إليها لنظر الشيخ أبى حفص ونزل قرطبة وأمر من كان بالاندلس من السادة أن يرجعوا إلى رأيه فاستنقذ بطليوس من هذا الحصار وكانت له في الجهاد هنا لك مقامات مشهورة ولما انصرف من قرطبة إلى الحضرة سنة احدى وسبعين هلك عفا الله عنه في طريقه بسلا قربها وكان ابناؤه(6/276)
من بعده يتداولون الامارة بالاندلس والمغرب وافريقية مع السادة من بنى عبد المؤمن فولى المنصور ابنه أبا سعيد على افريقية لاول ولايته وكان من خبره مع عبد الكريم المنتزى بالمهدية ما ذكرناه في أخباره واستوزر أبا يحيى بن أبى محمد بن عبد الواحد وكان في مقدمته يوم المعركة سنة احدى وتسعين فجلى عن المسلمين وكان له في ذلك الموقف من النصرة والثبات ما طار له به ذكر واستشهد في ذلك الموقف وعرف أعقابه ببنى الشهيد آخر الدهر وهم لهذا العهد بتونس ولما نهض الناصر إلى افريقية سنة احدى وستمائة
لما بلغه من تغلب ابن غانية على تونس فاسترجعها ثم نازل المهدية فتعاونت عليه ذئاب الاعراب وجمعهم ابن غانية ونزل قابس فسرح الناصر إليهم أبا محمد عبد الواحد ابن الشيخ أبى حفص في عسكر من الموحدين فأوقع بابن غانية بتاجرا من نواحى قابس سنة ستين وستمائة وقتل جبارة أخو ابن غانية وأثخن فيهم قتلا وسبيا واستبعد منهم السيد أبا زيد بن يوسف بن عبد المؤمن الوالى كان بتونس وأسره ابن غانية ورجع إلى النصار بمكانه من حصار المهدية فكان سببا في فتحها وكان ذلك مما حمل الناصر على ولاية الشيخ أبى محمد بافريقية حسبما يذكر ان شاء الله تعالى لما تكالب ابن غانية واتباعه على افريقية واستولى على امصارها وحاصر تونس وملكها وأسر السيد أبا زيد أميرها ونهض الناصر من المغرب سنة احدى وستمائة كما ذكرناه فاسترجعها من أيديهم وشردهم عن نواحيها وخيم على المهدية يحاصرها وقد أنزل ابن غانية ذخيرته وولده بها وأجلب في جموعه خلال ذلك على قابس فسرح الناصر إليه الشيخ أبا محمد هذا في عساكر الموحدين وزحف إليهم بتاجرا من جهات قابس فهزمهم واستولى على معسكرهم وما كان بأيديهم وأثخن فيهم بالقتل والسبي واستنقذ السيد أبا زيد من أسرهم ورجع إلى الناصر بمعسكره من حصار المهدية ظافرا ظاهرا وعاين أهل المدينة يوم هزمه بالغنائم والاسرى فبهتوا وسقط في ايديهم وسألوا النزول على الامان وكمل فتح المهدية ورجع الناصر إلى تونس فأقام بها حولا إلى منتصف سنة ثلاث وستمائه وسرح أثناء ذلك أخاه السيد أبا اسحق يتبع المفسدين ويمحو مواقع عينهم فدوخ ما وراء طرابلس وأثخن في بنى دمر ومطماطة ونفوسه وشارف أرض سرت وبرقة وانتهى إلى سويقة ابن مذكور وفر ابن غانية إلى صحراء برقة وانقطع خبره وانكف السيد راجعا إلى تونس واعتزم الناصر على الرحلة إلى المغرب وقد أفاء على افريقية ظل الرضى وضرب عليهم سرادق الحماية وبدا له ان ابن غانية سيخالفه إليها وان مراكش بعيدة عن الصريخ وأنه لا بد من رجل يسد فيها مسد الخلافة ويقيم(6/277)
بها شؤن الملك فوقع اختياره على أبى محمد بن الشيخ أبى حفص ولم يكن ليعدوه لما كان عليه هو وأبو ه في دولتهم من الجلالة وأن أمر بنى عبد المؤمن انما تم بوفاق الشيخ أبى حفص ومظاهرته وان أبا ه المنصور كان قد أوصى الشيخ أبا محمد به وباخوته وكان يوليه صلاة الصبح إذا حضره شغل وأمثال ذلك وسار الخبر بذلك إلى أبى محمد فامتنع وشافهه الناصر به فاعتذر فبعث إليه ابنه يوسف فأكرم موصله وأجاب على شريطة اللحاق بالمغرب بعد قضاء مهمات افريقية في ثلاث سنين وأن يختار عليهم من رجالات الوحدين وأن لا يتعقب عليه في توليته ولا عزله فقبل شرطه ونودى في الناس بولايته ورفعت بين الموحدين رايته وارتحل الناصر إلى المغرب ورجع عنه الشيخ أبو محمد من بجاية فقعد مقعد الامارة بقصبة تونس في السبت العاشر من شوال سنة ثلاث وستمائة وأنفذ أوامره واستكتب أبا عبد الله محمد بن أحمد بن نخيل ورجع ابن غانية إلى نواحى طرابلس فجمع أحزابه واتباعه من العرب من سليم وهلال وكان فيهم محمد بن مسعود في قومه من الزواودة وعاودوا عيثهم وخرج إليهم أبو محمد سنة أربع وستمائة في عساكر الموحدين وتحيز إليه بنو عوف من سليم وهم مرداس وعلاق فلقيهم بشير فتواقعوا واحتربوا عامة يومهم ونزل النصر ثم انفض عسكر ابن غانية آخر النهار واتبعهم الموحدون والعرب واكتسحوا أموالهم وأفات ابن غانية جريحا إلى أقصامبرة ورجع أبو محمد إلى تونس بالظفر والغنيمة وخاطب الناصر بالفتح واستنجاز وعده في التحول عن الولاية فخاطبه بالتنكر والعذر بمهمات المغرب عن ادالته وأنه يستانف النظر في ذلك وبعث إليه بالمال والخيل والكسى للانفاق والعطاء كان مبلغها مائة ألف ألف دينار ثنتان وألف وثمانمائة كسوة وثلثمائة سيف ومائة فرس غير ما كان أنفذ إليه من سبتة وبجاية ووعده بالزيادة وكان تاريخ الكتب سنة خمس فاستمر أبو محمد على شاته وترادفت الوقائع بينه وبين يحيى الميورقى كما نذكره ان شاء الله تعالى
* (وقيعة تاهرت وما كان من أبى محمد في تلافيها واستنقاذ غنائمها) * كان يحيى بن غانية لما أفلت من وقيعة أشير بدا له ليقصدن بلاد زناتة بنواحي تلمسان وقارن ذلك وصول الشيخ أبى عمران بن موسى بن يوسف بن عبد المؤمن واليا عليها من مراكش وخروجه إلى بلاد زناتة لتمهيد انحائه وجباية مغارمهم وكتب إليه الشيخ أبو محمد نذيرا بشأنه وأن لا يعرض له وانه في اتباعه فابى من ذلك وارتحل إلى تاهرت وصبحه بها ابن غانية فانغض معسكره وقرب زناتة إلى حصن بها وقتل السيد أبو عمران واستبيحت تاهرت فكان آخر العهد بعمرانها وامتلات أيديهم من الغنائم والسبي وانقلبوا إلى افريقية فاعترضه الشيخ أبو محمد في موضع(6/278)
فأوقع بهم واستنقذ الاسرى من أيديهم واكتسح سائر مغانمهم وقتل فيها كثير من الملثمين ولحق فلهم بناحية طرابلس إلى ان كان من أمرهم ما نذكره ان شاء الله تعالى كان ابن غانية بعد واقعة أشير واستنقاذ أبى محمد تاهرت من يده خلص إلى جهة طرابلس وتلاحق به فل الملثمين وأولياؤه من العرب وكان المجلى معه في مواقف الزواودة من رياح وكبيرهم محمد بن مسعود فتوامروا واعتزموا على معاودة الحرب وتعاقدوا على الثبات والصبر وانطلقوا يستألفون الاعرباب من كل ناحية حتى اجتمع إليهم من ذلك أمم كان فيهم رياح وزغب والشريد وعوف وذباب ونعات واحتفلوا في الاحتشاد وأجمعوا دخول افريقية فبادرهم أبو محمد قبل وصولهم إليه وخرج من تونس سنة ست وأغذ السير إليهم وتزاحفوا عند جبل نفوسة واشتدت الحرب ولما حمى الوطيس ضرب أبو محمد أبنيته وفسطاطه وتحيز إليه بعض الفرق من بنى عوف بن سليم واختل مصاف ابن غانية واتبعه الموحدون إلى أن دخل في غيابات الليل وامتلات أيديهم بالاسرى والغنائم وسيقت ظعائن العرب وقد كانوا قدموها بين ايديهم للحفيظة افذاذا في الكر والفر فأصبحت مغنما للموحدين وربات خدورها سببا وهلك في المعركة خلق من
الملثمين وزناتة والعرب وكان فيهم إليه بن محمد بن مسعود البلط بن سلطان شيخ الزواودة وابن عمه حركات بن الشيخ بن عساكر ابن السلطان وشيخ بنى قرة وجراز بن ويفرن كبير مغراوة ومحمد بن العارى بن غانية في آخرين من أمثالهم وانصرف ابن غانية مهيض الجناح مفلول الحد عفوفا بالياس من جميع جهاته وانقلب أبو محمد والموحدون أعزة ظاهرين واستفحل أمر أبى محمد بافريقية وحسم عامة الغساد واستوفى جبايتها وطالت مواقف حروبه ولم تهزم له راية وهلك الناصر وولى ابنه يوسف المنتصر واستبد عليه المشيخة لمكان صغره وشغلوا بفتنة بنى مرين وظهورهم بالمغرب فاستكفي بالشيخ أبى محمد في افريقية وعول على غنائه فيها وضبطه لاحوالها وقيامه بملكها فأبقاه على أعمالها وسرب إليه الاموال لنفقاتها وأعطياتها ولم يزل بها إلى أن هلك سنة ثمان عشرة والله أعلم * (الخبر عن مهلك الشيخ ابى محمد بن الشيخ أبى حفص وولاية عبد الرحمن ابنه) * كانت وفاة الشيخ أبى محمد فاتح سنة ثمان عشرة ولما هلك انباع الناس لمهلكه وافترق أمر الموحدين في الشورى فريقين ابنه عبد الرحمن بن الشيخ أبى محمد وابراهيم ابن عمه اسمعيل ابن الشيخ أبى حفص فتردد وامليا ثم اتفقوا على الامير أبى زيد عبد الرحمن ابنه وأعطوه صفقة ايمانهم وأقعدوه بمجلس أبيه في الامارة فسكن الثائرة وشمر للقيام(6/279)
بالامر عزائمه وأفاض العطا وأجاز الشعراء واستكتب أبا عبد الله ابن أبى الحسن وخاطب المستنصر بالشأن وخرج في عساكره لتمهيد النواحى وحماية الجوانب إلى ان وصل كتاب المستنصر بعزله لثلاثة أشهر من ولايته حسبما نذكره فارتحل الثورة حجبون الرنداحى لمداخلة أبى القاسم العزفى واتفق الملا على ولاية العزفى وحولوا الدعوة للمرتضى وذلك سنة سبع وأربعين وتبعهم أهل طنجة في الدعوة واستبد بها ابن الامير وهو يوسف بن محمد بن عبد الله بن أحمد الهمداني كان واليا عليها من قبل أبى على بن
اخلاص فلما وصل الامر للعزفى والقائد حجبون الرنداحى حالفهم هو إلى الدعوة الحفصية واستبد عليهم ثم خطب للعباسي وأشرك نفسه معه في الدعاء إلى ان قتله بنو مرين غدرا كما نذكره وانتقل بنوه إلى تونس ومعهم صهرهم القاضى أبو الصنم عبد الرحمن بن يعقوب ابن خالته ساطبه انتقل هو وقومه إلى طنجة أيام الجلا فنزلوا بها وأصهر إليهم بنو الامين وارتحلوا معهم إلى تونس وعرف دين القاضى أبو القاسم وفضله ومعرفته بالاحكام والوثائق واستعمل في خطة القضاء بالحضرة أيام السلطان وكان له فيها ذكر ولما بلغ الخبر بمهلك الامير أبى زكريا إلى صقلية أيضا وكان المسلمون بها في مدينة بلرم قد عقد لهم السلطان مع صاحب الجزيرة على الاشتراك في البلد والضاحية فتساكنوا حتى إذا بلغهم مهلك السلطان بادر النصارى إلى العيث فيهم فلجأوا إلى الحصن والاوعار ونصبوا عليهم ثائرا من بنى عباس وحاصر طاغية صقلية من الجبل وأحاط بهم حتى استنزلهم فأجازهم البحر إلى دعوته وأنزلهم لو جاره من عمائرها ثم نفد إلى جزيرة مالطه فأخرج وألحقهم باخوانهم واستولى الطاغية على صقلية وجزائرها ومحا منها كلمة الاسلام بكلمة كفره والله غالب على أمره { الخبر عن بيعة السلطان أبى عبد الله المستنصر وما كان في أيامه من الاحداث } لما هلك السلطان أبو زكريا بظاهر بونه سنة سبع وأربعين كما قدمناه اجتمع الناس على ابنه الامير أبى عبد الله وأخذ له البيعة عمه محمد اللحيانى على الخاصة وسائر أهل العسكر وأرتحل إلى تونس فدخل الحضرة ثالث رجب من سنته وجدد بيعته يوم وصوله وتلقب المستنصر بالله ثم جدد البيعة بعد حين واختار لوضع علامته الحمد لله والشكر لله وقام باعباء ملكه وتقبض على خاصة أبيه الخصى كافور كان قهرمان داره فأشخصه إلى المهدية وأوعز إلى الجهات بأخذ البيعة على أهل العمالات فترادفت من كل جانب واستوزر أبا عبد الله بن أبى يهدى واستعمل على القضاء أبا زيد التوزرى وكان معلم ولد
عمه محمد اللحيانى كما نذكره والله تعالى أعلم(6/280)
كان للامير أبى زكريا من الاخوة اثنان محمد وكان أسن منه ويعرف باللحيانى لطول لحيته والآخر أبو ابراهيم وكان بينهم من المخالصة والمصافاة مالا يعبر عنه ولما هلك الامير أبو زكريا وقام بالامر ابنه أبو عبد الله المستنصر واستوزر محمد بن أبى يهدى الهنتاتى وكان عظيما في قومه فأمل ان يستبد عليه لمكان صغره إذ كان في سن العشرين ونحوها واستصعب عليه حجر السلطان بما كان له من الموالى العلوج والصنائع من بيوت الاندلس فقد كان أبو ه اصطنع منهم رجالا ورتب جندا غلبوا الموحدين وزاحموهم في مراكزهم من الدولة فداخل ابن أبى يهدى اخوى السلطان وبث عندهما الاسف على ما فاتهما من الامر فلم يجد عندهما ما أمل من ذلك فرجع إلى ابن محمد اللحيانى فاجابه إلى ذلك وبايعه ابن أبى يهدى سرا ووعده المظاهرة وغى الخبر بذلك إلى السلطان من عمه محمد اللحيانى وحذره من غائلة ابنه وأبلغه ذلك أيضا القاضى أبو زيد التوزرى منتصحا وباكر ابن أبى يهدى مقعده للوزارة بباب السلطان لعشرين من جمادى سنة ثمان وأربعين وتقبض على الوزير أبى زيد بن جامع وخرج ومشيخة الموحدين معه فبايعوا لابن محمد اللحيانى بداره واستركب السلطان أولياءه وعقد للقائد ظافر على حربهم فخرج في الجند والاولياء ولحق الموحدين بالمصلى خارج البلد ففل جمعهم وقتل ابن أبى يهدى وابن وازكتدن وسار ظافر موسى السلطان إلى دار اللحيانى عم السلطان فقتله وابنه صاحب البيعة وحمل رؤسهما إلى السلطان وقتل في طريقه أخاه أبا ابراهيم وابنه وانتهب منازل الموحدين وخربت ثم سكنت الفتنة وهدأت الثائرة وعطف السلطان على الجند والاولياء وأهل الاصطناع فادر ارزاقهم ووصل تفقدهم وأعاد عبد الله بن أبى الحسين إلى مكانه بعد ان كان هجره أول الدولة وتزحزح لابن أبى يهدى عن رتبته وتضاءل لاستطالته فرجع إلى حاله واستقامت الامور على ذلك ثم سعى
عند السلطان بمولاه ظافر وقمعوا عنوة ما أتاه من الافتيات في قتل عمه من غير جرم ونذر بذلك فخشى البادرة ولحق بالزواودة وكان المتولي لكبر هذه السعاية هلال مولاه فعقد له لمكانه واستقر في جوار العرب طريدا إلى ان كان من أمره ما نذكره ان شاء الله تعالى * (الخبر عن الآثار التى أظهرها السلطان في أيامة) * فمنها شروعه في اختطاط المصانع الملوكية وأولها المصيد بناحية بنزرت اتخذه للصيد سنة خمسين فأدار سياجا على بسيط من الارض قد خرج نطاقه عن التحديد بحيث لا يراع فيه سرب الوحش فإذا ركب للصيد تخطى ذلك السياج إلى قورا في لمة من مواليه(6/281)
المختصين وأصحاب يبرزون بما معهم من الجوارح بازات وصقورا وكلابا سلوقية وفهودا فيرسلونها على الوحش في تلك القورا وقد وثقوا باعتراض البناء لها من امام فيقضى وطرا من ذلك القنص سائر يومه فكان ذلك من أفخم ما عمل في مثلها ثم وصل ما بين قصوره ورياض رأس الطالبية بحائطين ممتدين يجوزان عرض العشرة أذرع أو نحوها طريقا سالكا ما بينهما وعلى ارتفاع عشرة أذرع يتحجب الحرم في خروجهن إلى تلك البساتين عن أن تقع العيون عليهم فكان ذلك مصنعا فخما وأثرا على أيام الدولة خالدا ثم بنى بعد ذلك الصرح العالي بفناء داره ويعرف بقية اساراك باللسان المصعمودى هو القورا الفسيحة وهذا الصرح هو ايوان مرتفع السماك متباعد الاقطار متسع الارجاء يشرع منه إلى الغرب وجانبيه ثلاثة أبو اب لكل باب منها مصراعان من الخشب مؤنق الصنعة ينوء كل مصراع منها في فتحه وغلقه بالعصبة أولى القوة ويفضى بابها الاعظم المقابل لسمت الغرب إلى معارج قد نصبت للظهور عليها عريضة ما بين الجوف إلى القبلة بعرض الايوان يناهز عددها الخمسين أو نحوها ويفضى البابان عن جانبيه إلى طريقين تنتهيان إلى حائط القورا ثم تنعطفان إلى ساحة القورا يجلس
السلطان فيها على اريكته مقابل الداخل أيام العرض والوفود ومشاهد الاعياد فجاءت من أفخم الاواوين واحفل المصانع التى تشهد بأبهة الملك وجلالة الدولة واتخذ ايضا بخارج حضرته البستان الطائر الذكر المعروف بأبى فهر يشتمل على جنات معروشات وغير معروشات اغترس فيها من شجره كل فاكهة من أغصان التين والزيتون والرمان والنخيل والاعناب وسائر الفواكه وأصناف الشجر ونضد كل صنف منها في دوحة حتى لقد اغترس من السرو والطلح والشجر البرى وسمى دوح هذه بالشعراء واتخذ وسطها البساتين والرياضات بالمصانع والجرار وشجر النور والنزهة من الليم والنارنج والسدر والريحان وشجر الياسمين والخيرى والنيلوفر وأمثاله وجعل وسط هذه الرياض روضا فسيح الساحة وصنع فيه للماء حاجزا من اعواد الحور جلب إليه الماء في القناة القديمة كانت ما بين عيون زغوان وقرطاجنة تسلك بطن الارض في أماكن وتركب البناء العالي ذالهيا كل الهائلة والقسى القائمة على الارجل الضخمة في أخرى فعطف هذه القناة من أقرب الثمرات إلى هذا البستان وامطاها حائطا وصل ما بينهما حتى ينبعث من فوهة عظيمة إلى جب عميق المهوى رصيف البناء متباعد الاقطار مربع الفناء مجلل بالكلس إلى أن يعمه الماء فيرسله في قناة أخرى قريبة الغاية فينبعث في الصهريج إلى أن يعبق حوضه وتضطرب أمواجه ويترفه الحظايا عن السعي بشاطئه لبعد مداه فيركبن في الجوارى المنشآت فيبارى بهن لما استقل(6/282)
ابن جميل زيان بن أبى الحمالات مدافع بن أبى الحجاج بن سعد بن مردنيش بملك بلنسية وغلب عليها السيد أبو زيد وأبو حفص وذلك عند خمود ريح عبد المؤمن بالاندلس وخروج ابن هود وثورة ابن الاحمر بأرجونة واضطراب الاندلس بالفتنة وأسف الطاغية إلى ثغور الاندلس من كل جانب وزحف ملك أرغون إلى بلنسية فحاصرها وكانت للعدو سنة ثلاث وثلاثين سبع محلات لحصار المسلمين اثنان منها على بلنسية
وجزيرة شقر وشاطبة ومحلة بجيان ومحلة بلطسيرة ومحلة بمرسية ومحلة بليلة وأهل جنوة من وراء ذلك على سبتة ثم تملك طاغية قشتا له مدينة قرطبة وظفر طاغية ارغون بكثير من حصون بلنسية والجزيرة وبنى حصن أنيسة لحصار بلنسية وأنزل بها عسكره وانصرف فاعتزم زيان ابن مردنيش على غزو من بقى بها من عسكره وانتفر أهل شاطبة وشمر وزحف إليهم فانكشف المسلمون وأصيب أكثرهم واستشهد أبو الربيع بن سالم شيخ المحدثين بالاندلس وكان يوما عظيما وعنوانا على أخذ بلنسية ثم ترددت عليها سرايا العدو ثم زحف إليها طاغية ارغون في رمضان سنة خمس وثلاثين فحاصرها واستبلغ في نكايتها وكان عبد المؤمن بمراكش قد فشل ريحهم وظهر أمر بنى أبى حفص بافريقية فأمل ابن مردنيش وأهل شرق الاندلس الامير أبا زكريا للكرة وبعثوا إليه بيعتهم وأوفد عليه ابن مردنيش كاتبه الفقيه أبا عبد الله بن الابار صريخا فوفد وأدى بيعتهم في يوم مشهود بالحضرة وأنشد في ذلك المحفل قصيدته على روى السين يستصرخه فيها للمسلمين وهى هذه أدرك بخيلك خيل الله أندلسا * ان الشهيد إلى منحاتها درسا وهب لنا من عزيز النصر ما التمست * فلم يزل منك عز النصر ملتمسا وحاش ممن تعانيه حشاشتها * فطال ما ذاقت البلوى صباح ما يا للجزيرة أضحى أهلها جزرا * للنائبات وأمسى جدها تسعا في كل شارقة امام بائقة * يعود مأتمها عند العدا عرسا وكل غاربة اجحاف نائبة * تثنى الامان حذارا والسرور أسا تقاسم الروم لا نالت مقاسمهم * ولا عقائلهم المحجوية الانسا وفى بلنسية منها وقرطبة * ما يذهب النفس أو ما ينزف النفسا مدائن حلها الاشراك مبتسما * جولان وارتحل الاسلام منبئسا وصيرتها العوادى الحادثات بها * يستوحش الصرف منها ضعف ما أنسا
يا للمسا جدعادت للعدا بيعا * وللنداء يرى انباؤها جرسا لهفا عليها إلى استرجاع فائتها * مدارسا للمثاني أصبحت درسا(6/283)
وأربعا نهلت أيدى الربيع بها * ما شئت من خلع موشية وكسا كانت مدائن للاحداق مونقة * فسرح النظر من أدواحها وعسى وحال ما حولها من منظر عجب * يستوقف الركب أو يستركب الجلسا سرغانما عاد جيش الكفر محتربا * بعث الربا في مغانيها الذى كبسا وابتز بزتها تخيف حائف الاس * - د الضاريات بها لكل ما افترسا فأين عيش جنيناه بها سمرا * وأين غصن جنيناه بها سلسا محا محاسنها طاغ أتيح لها * ما نام عن هضمها حينا ولا نعسا وريح ارجائها لما أحاط بها * فغادر الشم من أعلامها خنسا خلا له الجو فامتدت يداه إلى * ادراك ما لم تنل رجلاه مختلسا وأكثر الزعم بالتثليث منفردا * ولو رأى زائد التوحيد ما نبسا صل حبلها أيها المولى الرحيل فما * ابقى المراسى لها حبلا ولا مرسا وأحى ما طمست منها العداة كما * أحييت من دعوة المهدى ما طمسا أيام صرت لنصر الحق مستبقا * وبت من نور ذاك الهدى مقتبسا وقت فيها لامر الله منتصرا * كالصارم اهتز أو كالعارض انجسا تمحو الذى كتب التجسيم من ظلم * والصبح ماحية أتواره الغلسا هذى رسائلها تدعوك من كتب * وأنت أفضل مرجو لمن يئسا وافتك جارية بالنحج راجية * منك الامير الرضا والسيد الرئسا خاضت خضارة يعلوها ويخفضها * عبا به فتعاني اللين والشرسا وربما سمحت والريح عاتية * كما طلبت بأقصى شدة الفرسا
تؤم يحيى بن عبد الواحد بن أبى * حفص مقبلة من تربه القدسا ملك تقلدت الاملاك طاعته * دينا ودنيا فغشاها الرضا يئسا من كل غاد على يمناه ملتثما * وكل صاد إلى نعماه ملتمسا مؤيد نورها نجما لاثبته * ولو دعا آبقا ولى وما احتبسا امارة تحمل الاقدار رايتها * ودولة عزها يستعصب القعسا يبدى النهار بها من ضوئه شنبا * و يطلع الليل من ظلمائه لعسا كأنه البدر والعلياء هالته * تحف من حوله شهب القنا حرسا له الثرا والثريا خطتان فلا * أعز من خطتيه ماسما ورسا يا أيها الملك المنصور أنت لها * عليا توسع اعداء الهدى تعسا وقد تواترت الانباء انك من * يحيى تقبل ملوك الصغر أندلسا(6/284)
طهر بلادك منهم انهم نجس * ولا طهارة ما لم تغسل النجسا وأوطئ الفيلق الجزار أرضهم * حتى يطاطئ رأسا كل من رأسا وانصر عبيدا باقصى شرقها شرق * عيونهم أدمعا تهمى زكا وخسا هم شيعة الامر وهى الدار قد نهكت * داء متى لم تباشر جسمه انتكسا املا هنيأ لك التمكين ساحتها * جردا سلاهب أو خطية دغسا واضرب لها موعدا للفتح نرقبه * لعل يوم الاعادي قد أتى وعسى فأجاب الامير أبو زكريا داعيتهم وبعث إليهم اسطوله مشحونا بمدد الطعام والاسلحة والمال مع أبى يحيى بن يحيى بن الشهيد بن اسحق بن أبى حفص وكانت قيمة ذلك مائة ألف دينار وجاءهم الاسطول بالمدد وهم في هوة الحصار فنزل بمرسى دانية واستفرغ المدد بها ورجع بالناض إذ لم يخلص إليه من قبل ابن مردنيش من يتسلمه واشتد الحصار على أهل بلنسية وعدمت الاقوات وكثر الهلاك من الجوع فوقعت المراودة على تسليم البلد
فتسلمها جانبه ملك ارغون في صفر سنة ست وثلاثين وخرج عنها ابن مردنيش إلى جزيرة شقر فأخذ البيعة على أهلها للامير أبى زكريا ورجع ابن الابار إلى تونس فنزل على السلطان وصار في جملته وألح العدو على حصار ابن مردنيش بجزيرة شقر وأزعجه عنها إلى دانية فدخلها في رجب من سنته وأخذ عليهم البيعة للامير أبى زكريا ثم داخل أهل مرسية وقد كان بويع بها أبو بكر عزيز بن عبد الملك بن خطاب في مفتتح السنة فاقتحمها عليه في رمضان من سنته فقتله وبعث بيعتهم إلى الامير أبى زكريا وانتظمت البلاد الشرقية في طاعته وانقلب وفد ابن مردنيش إليه من تونس بولايته على عمله سنة سبع وثلاثين ولم يزل بها إلى أن غلبه ابن هود على مرسية وخرج عنها إلى لمنت الحصون سنة ثمان وثلاثين إلى أن أخذها طاغية برشلونة من يده سنة أربع وأربعين وأجاز إلى تونس والبقاء لله وحده * (الخبر عن الجوهرى وأوليته ومآل أمره) * اسم هذا الرجل محمد بن محمد الجوهرى وكان مشتهرا بخدمة ابن اكمازير الهنتاتى والى سبتة وغمارة من اعمال الغرب وكان حسن الضبط متراميا إلى الرياسة ولما ورد على تونس وتعلق باعتمال السلطان نظر فيما يزلفه ويرفع من شأنه فوجد جباية أهل الخيام بافريقية من البرابرة الموطنين من الاعراب غير منظبطة ولا محصية في ديوان فنبسه على انها مأكلة للعمال ونهبة للولاة فدفع إليها فأنهى جبايتها وصارت عملا منفردا يسمى عمل العمود وصار له بذلك بين العمال ذكر جذب له السلطان أبو زكريا بضبعه وعول على نصيحته وآثره باختصاصه ووافق ذلك موت أبى الربيع الكنفيسى المعروف بابن(6/285)
القرقير صاحب الاشغال بالحضرة فاستعمل مكانه وكان لا يلى تلك الخطة الا كبير من مشيخة الموحدين فرشحه السلطان لها لكفايته وغنائه فظفر منها بحاجة نفسه واعتدها ذريعة إلى امنيته فاتخذ شارة أرباب السيوف وارتبط الخيل واتخذ الآلة في
حروبه مع أهل البادية إذا احتاج إليها واسف اثناء ذلك أبا على بن النعمان وأبا عبيد الله ابن الحسين بعدم الخضوع لهما فنصبا له وأغريا به السلطان وحذراه غائلة عصيانه وكان فيه اقدام أوجد به السبيل على نفسه ويحكى أن السلطان استشاره ذات يوم في تقديم بعض أهل الخلاف والعصيان فقال له عندي ببابك آلاف من الجنود ارم بها من تشاء من امثالهم فأعرض عنه السلطان واعتدها عليه ووجد لها مصداقا لما نمى عنه ولما قدم عنه عبد الحق بن يوسف بن ياسين على الاشغال ببجاية مع زكريا ابن السلطان أظهر له الجوهرى ان ذلك له بسعايته وعهد إليه بالوقوف عند أمره والعمل بكتابه فألقى عبد الحق ذلك إلى الامير زكريا فقام لها وقعد وأنف من استبداد الجوهرى عليه ولم تزل هذه وأمثالها تعد عليه حتى حق عليه القول فسطا به الامير أبو زكريا وتقبض عليه سنة تسع وثمانين ووكل امتحانه إلى اعدائه ابن لمان والندومى فتجلد على العذاب وأصبح في بعض أيامه ميتا في محبسه ويقال خنق نفسه وألقى شلوه بقارعة الطريق فتفنن على أهل الشماتة في العبث به والى الله المصير كان الامير أبو زكريا منذ استقل بأمر افريقية واقتطعها من بنى عبد المؤمن كما ذكرنا متطاولا إلى ملك الحضرة بمراكش والاستيلاء على كرسى الدعوة وكان يرى أن بمظاهرة زناتة له في شأنه يتم له ما يسمو إليه من ذلك فكان يداخل امراء زناتة فيه ويرغبهم ويراسلهم بذلك على الاحياء من بنى مرين وبنى عبد الواد وتوجين ومغراوة وكان يغمراسن منذ تقلد طاعة آل عبد المؤمن أقام دعوتهم بعمله متحيزا إليهم سلما لوليهم وحربا على عدوهم وكان الرشيد منهم قد ضاعف له البر والخلوص وخطب منه مزيد الولاية والمصافاة وعاوده الاتحاف بأنواع الالطاف والهدايا تيمما لمسراته وميلا إليه من جانب أمثاله بنى مرين المجلبين على المغرب والدولة فاستنكر السلطان أبو زكريا اتصال الرشيد هذا بيغمراسن وألزمهم من جواره بالمحل القريب وبينما هو على ذلك إذ وفد إليه عبد القوى أمير بنى توجين وبعض وفد بنى منديل بن عبد الرحمن امراء مغراوة صريخا على
يغمراسن فسهلوا له أمره وسولوا له الاستبداد على تلمسان وجمع كلمة زناتة واعتداد ذلك ركابا لما يرومه من امتطاء ملك الموحدين بمراكش وانتظامه في أمره وسلما لارتقاء ما سموا إليه من ملكه وبابا لولوج المغرب على أصله فحركه املاؤهم وهزه إلى النفرة صريخهم وأهب الموحدين وسائر الاولياء والعساكر إلى الحركة على تلمسان واستنفر(6/286)
لذلك سائر البدو من الاعراب الذين في طاعته من بنى سليم ورياح بظعنهم فاهبطوا الحامية ونهض سنة تسع وثلاثين في عسكر ضخم وجيوش وافرة وسرح امام حركته عبد القوى بن العباس وأولاد منديل بن محمد لحشد من وافى بأوطانهم وذوبان قبائلهم وأحياء زغبة أحلافهم والعرب وضرب لهم موعدا لموافاتهم في تخوم بلادهم ولما نزل صحراء زامز قبلة تيطخ منتهى مجالات رياح وبنى سليم بالمغرب تثاقل العرب عن الرحلة بظعنهم في ركاب السلطان وتلووا بالمعاذير فالطف الامير أبو زكريا الحيلة في استنهاضهم وتنبيه عزائمهم وارتحلوا معه حتى نازل تلمسان بجميع عساكر الموحدين بساحة البلد وبرز يغمراسن وجموعه للقاء بصحبتهم ناشبة السلطان بالنبل فانكشفوا ولاذوا بالجدران وعجزوا عن حماية الاسوار فاستمكنت المقاتلة من الصعود ورأى يغمراسن ان قد أحيط بالبلد فقصد باب العقبة من أبو اب تلمسان ملتفا في ذويه وخاصته واعترضته عساكر الموحدين فصمم نحوهم وجدل بعض أبطالهم فأفرجوا له ولحق بالصحراء وتسللت الجيوش إلى البلد من كل حرف فاقتحموه وعاثوا فيه بقتل النساء والصبيان واكتساح الاموال ولما تجلى غشى تلك الهيعة وحسر مثار الصدمة وخمدت نار الحرب راجع الموحدون بصائرهم وامعن الامير أبو زكريا نظره فيمن يقلده أمر تلمسان والمغرب الاوسط وينزله بثغرها لاقامة دعوة الدائلة من دعوة بنى عبد المؤمن والمدافعة عنها واستكبر ذلك أشرافهم وتدافعوه وتشرد له امراء زناتة ضعفا عن مقاومة يغمراسن وعلما بأنه الفحل الذى لا يقرع انفه ولا يطرق غيله ولا يصد عن
فريسته وسرح يغمراسن الغارة في نواحى المعسكر واختطفوا الناس من حوله واطلعوا من المراقب عليه ثم بعث وفده متطار حين على السلطان في الملائمة والاتفاق واتصال اليد على صاحب مراكش طالبا الوتر في تلمسان وافريقية وأن يفرده بالدعوة المحمدية فأجابه إلى ذلك ووفدت أمه سوط النساء للاشتراط والقبول فأكرم موصلها واسنى جائزتها وأحسن وفادتها ومنقلبها وسوغ ليغمراسن في شرطه بعض الاعمال بافريقية وأطلق أيدى عماله على جبايته وارتحل إلى حضرته لسبع عشرة ليلة من نزوله وفى اثناء طريقه وسوس إليه الموحدون باشتداد يغمراسن عليه وأشاروا باقامة منافسيه من زناتة وامراء المغرب الاوسط شجا في صدره ومعترضا عن مرامه والبسهم ما لبس من شارة السلطان وزيه فأجابهم وقلد كلا من عبد القوى ابن عطية التوجينى والعباس بن منديل المغراوى ومنصور الملكيشى أمر قومه ووطنه وعهد إليهم في ذلك وأذن لهم في اتخاذ الآلة والمراسم السلطانية على سنن يغمراسن قريعهم فاتخذوها بحضرته وبمشهد ملا من الموحدين وأقاموا مراسمها ببابه(6/287)
واتخذ السير إلى تونس قرير العين بامتداد ملكه وبلوغ وطره والاشراف على اذعان المغرب لطاعته وانقياده لحكمه وادالة دعوة بنى عبد المؤمن فيه بدعوته فدخل الحضرة واقتعد أريكته وأنشده الشعراء بالفتح وأسنى جوائزهم وتطاولت إليه أعناق الآفاق كما نذكره والله أعلم { الخبر عن دخول أهل الاندلس في الدعوة الحفصية ووصول بيعة اشبيلية وكثير من امصارها } كان باشبيلية أبو مروان أحمد الباجى من أعقاب أبى الوليد وأبو عمرو بن الجد من أعقاب الحافظ أبى بكر الطائر الذكر ورثوا التجلة عن جدهم وأجراهم الخلفاء على سننهم وكانا مسمتين متبوعين من أهل بلدهما ومطاعين وجاء أبو القاسم في جملة الامير
زكريا وأوصى به ابنه إلى ان حدثته نفسه بالتوثب والخروج وخامره الرعب من اشاعة تناقلها الدهماء سببها أن السلطان استحدث احداث الفلوس من التحاس مقدرة على سكته من الفضة حاكى بها سكة الفلوس بالمشرق تسهيلا على الناس في المعاملات باسواقهم وتيسير الاقتضاء حاجاتهم ولما كان لحق سكة الفضة من غش اليهود المتناولين لصرفها وصوغها وسمى سكته التى استحدثها بالحندوس ثم أفسدها الناس بالتدليس وضربها أهل الرتب ناقصة من الوزن وفشا فيها الفساد واشتد السلطان في العقوبة عليها فقطع وقتل وصارت ريبة لمن تناولها وأعلن الناس بالنكير في شأنها وتنادوا بالسلطان في قطعها وكثر الخوض في ذلك وتوقعت الفتنة وأشيع من طريق الحدثان الذى تكلف به العامة ان الخارج الذى يثير الفتنة هو قاسم بن أبى زيد فأزال السلطان تلك السكة وعفا عنها وهمه شأن أبى القاسم ابن عمه وبلغه الخبر فخامره الرعب إلى ما كان يحدث نفسه بالخروج ففر من الحضرة سنة احدى وستين ولحق برياح ونزل على أميرهم شبل بن موسى بن محمد رئيس الزواودة فتابع له زمام أمره ثم بلغه اعتزام السلطان على النهوض إليه فخشى بادرته واضطرب أمر العرب من قبيله ولما أحس أبو القاسم باضطرابهم وخشى أن يسلموه إذا أرادهم السلطان عليها تحول عنها ولحق بتلمسان وأجاز البحر منها إلى الاندلس وصحب الامير أبا اسحق ابن عمه في مثوى اعتزامهما بالاندلس ثم ساءت أفعاله وعظم استئثاره وفشا النكر عليه من الدولة فلحق بالمغرب وأقام بتينملل مدة ثم رجع إلى تلمسان وبهامات وقام الامير أبو اسحق بمكانه من جوار ابن الاحمر إلى ان كان من امره ما نذكره ان شاء الله تعالى * (الخبر عن خروج السلطان إلى المسيلة) * لما اتصل بالسلطان شأن قاسم ابن عمه أبى زيد وفصاله من رياح إلى المغرب بعد عقدهم(6/288)
بيعته واجلابهم على البلاد معه خرج من تونس سنة أربع وستين في عساكر الموحدين
وطبقات الجنود لتمهيد الوطن ومحو آثار الفساد منه وتقديم العرب على الطاغية وتنقل في الجهات إلى ان وصل بلاد رياح فدوخها ومهد ارجاءها وفر شبل بن موسى وقومه الزواودة إلى القفر واحتل السلطان بالمسيلة آخر وطن رياح ووافاه هنا لك محمد ابن عبد القوى أمير بنى توجين من زناتة فجدد الطاعة متبركا بزيارته فتلقاه بالبر تلقى امثاله وأثقل كاهله بالجهاز والجوائز وجنب له الجياد والمقربات بالمراكب المثقلة بالذهب واللجوم المحملات وضرب الفساطيط الفسيحة الارجاء من ثياب الكتان وجيد القطن إلى ما يتبع ذلك من المال والظهر والكراع والاسلحة وأقطع له مدينة مقره وبلدا وماش من عمل الزاب وانقلب إلى وطنه ورجع السلطان إلى تونس وفى نفسه من رياح ضغن إلى أن صرف إليهم وجه تدبيره كما نذكره ولثانية احتلاله في الحضرة كان مهلك مولاه هلال ويعرف بالقائد وكان له في الدولة مكان بمكان تلاد للسلطان وكان شجاعا جوادا خيرا محببا سهلا مقبلا على أهل العلم وذوى الحاجات وله في سبل الخير آثار منقولة طار له بها ذكر فارتمض السلطان لمهلكه والله أعلم كان شبل بن موسى وقومه من الزواودة فعلوا الافاعيل في اضطراب الطاغية ونصب من لحق بهم من أهل هذا البيت للملك فتابعوا أولا للامير أبى اسحق كما ذكرناه ثم بعده لابي القاسم ابن عمه أبى زيد وخرج إليهم السلطان سنة أربع وستين ودوخ أوطانهم ولحقوا بالصحراء ودافعوه على البعد بطاعة ممرضة فتقبلها وطوى لهم على البت ورجع إلى تونس فأوعز إلى أبى هلال عباد عامل بجاية من مشيخة الموحدين باصطناعهم واستئلافهم لتكون وفادتهم عليه من غير عهد وجمع السلطان احلافه من كعوب بنى سليم وذياب أفاريق بنى هلال وخرج من تونس سنة ستين في عساكر الموحدين وطبقات الجند ووافاه بنو عساكر ابن السلطان اخوة بنى مسعود ابن السلطان من الزواودة فعقد لمهد بن عساكر عن امارة قومه وغيرهم من رياح وفر بنو مسعود ابن السلطان مصحرين والسلطان في اثرهم حتى نزل نقاوس
وعسكروا بثنايا الزاب ورسلهم تختلف إلى أبى هلال ايناسا للمراجعة على يده للدخلة في الساحة فأشار عليهم بالوفادة على السلطان وفاء بقصده من ذلك فتقبلوا اشارته ووفد أميرهم شبل بن موسى بن محمد بن مسعود وأخوه فتقبض عليهم لحينهم وعلى دريد ابن تازير من شيوخ كرفة وانتهبت اسلابهم وضربت اعناقهم ونصبت اشلاؤهم بزوايا من جهات نقاوس حيث كانت بيعتهم لابي القاسم بن أبى زيد وبعث برؤوسهم إلى بسكرة فنصبها بها وأغذ السير غازيا إلى أحيائهم وأحلهم بمكانها من ثنايا الزاب(6/289)
وصحبهم هنا لك فأجفلوا وتركوا الظهر والكراع والابنية فامتلات أيدى وسدريكش منها ونجوا بالعيال والولد على الاقتاب والعساكر في اتباعهم إلى ان أجازوا وادى شدى قبلة الزاب وهو الوادي الذى يخرج أصله من جبل راشد قبلة المغرب الاوسط ويمر إلى ناحية الشرق مجتازا بالزاب إلى أن يصب في سبخة نفزاوة من بلاد الجريد فلما جاز فلهم الوادي أصحروا إلى المفازة المعطشة والارض الحرة السوداء المستحجرة المسماة بالحمادة فرجعت العساكر عنهم وانقلب السلطان من غزاته ظافرا ظاهرا وانشده الشعراء في التهنئة ولحق فل الزواودة بملوك زناتة فنزل بنو يحيى بن دريد على يغمراسن بن زيان وبنو محمد بن مسعود على يعقوب بن عبد الحق فأجازوهم واوسعوهم حباء وملؤا ايديهم بالصلات ومرابطهم بالخيل واحياءهم بالابل ورجعوا إلى مواطنهم فتغلبوا على واركلة وقصور ريغة واقتطعوها من ايالة السلطان ثم انحرفوا إلى الزاب فجمع لهم عامله ابن عتو وكان موطنا بمقرة ولقيهم على حدود ارض الزاب فهزموه واتبعوه إلى بطاوة فقتلوه عندها واستطالوا على الزاب وجبل أوراس وبلاد الحصنة إلى ان اقتطعتهم الدول اياها من بعد ذلك فصارت ملكا لهم والله تعالى أعلم * (الخبر عن طاغية الافرنجة ومنازلته تونس في أهل نصرانيته) * هذه الامة المعروفة بالافرنجة وتسميها العامة بالافرانسيس نسبة إلى بلد من أمهات
أعمالهم تسمى افرانسة ونسبهم إلى بافت بن نوح وهم بالعدوة الشمالية من عدوتى هذا البحر الرومي الغربي ما بين جزيرة الاندلس وخليج القسنطينة مجاورون الروم من جانب الشرق والجلالقة من جانب الغرب وكانوا قد أخذوا بدين النصرانية مع الروم ومنهم لقنوا دينها واستفحل ملكهم عند تراجع ملك الروم وأجازوا البحر إلى افريقية مع الروم فملكوها ونزلوا امصارها العظيمة مثل سبيطلة وجلولا وقرطاجنة ومرناق وباغاية ولمس وغيرها من الامصار وغلبوا على من كان بها من البربر حتى اتبعوهم في دينهم وأعطوهم طاعة الانقياد ثم جاء الاسلام وكان الفتح بانتزاع الاعراب من أيديهم سائر امصار افريقية والعدوة الشرقية والجزر البحرية مثل اقريطش ومالطة وصقلية وميورقة ورجوعهم إلى عدوتهم ثم أجازوا خليج طنجة وغلبوا القوط والجلالقة والبشكنس وملكوا جزيرة الاندلس وخرجوا من ثناياها ودورها إلى بسائط هؤلاء الافرنجة فدوخها وعاثوا فيها ولم تزل الصوائف تتردد إليها صدرا من دولة بنى أمية بالاندلس وكان ولاة افريقية من الاغالبة ومن قبلهم أيضا يرددون عساكر المسلمين وأساطيلهم من العدوة حتى غلبوهم على الجزر البحرية ونازلوهم في بسائط عدوتهم فلم تزل في نفوسهم من ذلك ضغائن فكان يخالجها الطمع في ارتجاع ما غلبوا عليه منها وكان الربع أقرب(6/290)
إلى سواحل الشام وطمع فيها فلما وصل أمر الروم بالقسطنطينة ورومة واستفحل ملك الفرنجة هؤلاء وكان ذلك على هيئة سمو الخلافة بالمشرق فسموا حينئذ إلى التغلب على معاقل الشأم وثغوره وزحفوا إليها وملكوا الكثير منها واستولوا على المسجد الاقصى وبنوا فيه الكنيسة العظمى بدل المسجد ونازلوا مصر والقاهرة مرارا حتى جاد الله للاسلام من صلاح الدين أبى أيوب الكردى صاحب مصر والشأم في أواسط المائة السادسة جنة واقية وعذابا على أهل الكفر مصبوبا فابلى في جهادهم وارتجع ما ملكوه وظهر المسجد الاقصى من افكهم وكفرهم وهلك على حين عمل من الغزو
والجهاد ثم عاودوا الكرة ونازعوا مصر في المائة السابعة على عهد الملك الصالح صاحب مصر والشأم وأيام الامير أبى زكريا بتونس فضربوا أبنيتهم بدمياط وافتتحوها وتغلبوا في قرى مصر وهلك الملك الصالح خلال ذلك وولى ابنه المعظم وأمكنت المسلمين في الغزو فرصة أيام فيض النيل ففتحوا الغياض وأزالوا مدد الماء فأحاط بمعسكرهم وهلك منهم عالم وقيد سلطانهم أسيرا من المعركة إلى السلطان فاعتقله بالاسكندرية حتى مر عليه بعد حين من الدهر وأطلقه على أن يمكنوا المسلمين من دمياط فوفوا له ثم على شرط المسالمة فيما بعد فنقضه لمدة قريبة واعتزم على الحركة إلى تونس متجنيا عليهم فيما زعموا بمال ادعياء تجار أرضهم وأنهم أقرضوا الليانى فلما نكبه السلطان طالبوه بذلك المال وهو نحو ثلثمائة دينار بغير موجب يستندون إليه فغضبوا لذلك واشتكوا إلى طاغيتهم فامتعض لهم ورغبوه في غزو تونس لما كان فيها من المجاعة والموتان فأرسل الفرنسيس طاغية الافرنج واسمه سنلويس بن يونس وتلقب بلغة الافرنج ريد افرنس ومعناه ملك افرنس فأرسل إلى ملوك النصارى يستنفرهم إلى غزوها وأرسل إلى القائد خليفة المسيح بزعمهم فأوعز إلى ملوك النصرانية بمظاهرته وأطلق يده في أموال الكنائس مددا له وشاع خبر استعداد النصارى للغزو في سائر بلادهم وكان الذين أجابوه للغزو ببلاد المسلمين من ملوك النصرانية ملك الانكشار وملك اسكوسنا وملك نزول وملك برشلونة واسمه ريدراكون وجماعة آخرون من ملوك الافرنج هكذا ذكر ابن الاثير وأهم المسلمين بكل نغر شأنهم وأمر السلطان في سائر عمالاته بالاستكثار من العدة وأرسل في الثغور لذلك باصلاح الاسوار واختزان الحبوب وانقبض تجار النصارى عن تعاهد بلاد المسلمين وأوفد السلطان رسله إلى الفرنسيس لاختبار حاله ومشارطته على ما يكف عزمه وحملوا ثمانين ألفا من الذهب لاستتمام شروطهم فيما زعموا فأخذ المال من أيديهم وأخبرهم أن غزوه إلى ارضهم فلما طلبوا المال اعتل عليهم بأنه لم يباشر قبضه ووافق شأنهم معه وصول رسول عن صاحب مصر فأحضر عند الفرنسيس واستجلس فأبى(6/291)
وأنشده قائلا من قول أبى مطروح شاعر السلطان بمصر قل للفرنسيس إذا جئته * مقال صدق من وزير نصيح آجرك الله على ما جرى * من قتل عباد نصارى المسيح أتيت مصرا تبتغى ملكها * تحسب ان الزمر بالطبل ريح فساقك الحين إلى أدهم * ضاق به عن ناظريك الفسيح وكل أصحابك أودعتهم * بسوء تدبيرك بطن الضريح سبعون ألفا لا يرى منهم * الا قتيل أو أسير جريح ألهمك الله إلى مثلها * لعل عيسى منكم يستريح ان كان باباكم بذا راضيا * فرب غش قد أتى من نصيح فاتخذوه كاهنا انه * أنضح من شق لكم أو سطيح وقل لهم ان أزمعوا عودة * لاخذ ثار أو لشغل قبيح دار ابن لقمان على حالها * والقيد باق والطواشي صبيح يعنى بدار ابن لقمان موضع اعتقاله بالاسكندرية والطواشي في عرف أهل مصر هو الخصى فلما استكمل انشاده لم يزد ذلك الطاغية الا عتوا واستكبارا واعتذر عن نقض العهد في غزو تونس بما يسمع عنهم من المخالفات عذرا دافعهم به وصرف الرسل من سائر الآفاق ليومه فوصل رسل السلطان منذرين بشأنهم وجمع الطاغية حشده وركب أساطيله إلى تونس آخر ذى القعدة سنة ثمان وستين فاجتمعوا بسردانية وقيل بصقلية ثم واعدهم بمرسى تونس وأقلعوا ونادى السلطان في الناس بالنذير بالعدو والاستعداد له والنفير إلى أقرب المدائن وبعث الشوانى لاستطلاع الخبر واستفهم أياما ثم توالت الاساطيل بمرسى قرطاجنة ونفاوض السلطان مع أهل الشورى من الاندلس والموحدين في تخليتهم وشأنهم من النزول بالساحل أو صدهم عنه فأشار بعضهم بصدهم
حتى تنفد ذخيرتهم من الزاد والماء فيضطرون إلى الاقلاع وقال آخرون إذا أقلعوا من مرسى الحضرة ذات الحامية والعدد صبحوا بعض الثغور سواها فملكوه واستباحوه واستصعبت مغالبتهم عليه فوافق السلطان على هذا وخلوا وشأنهم من النزول فنزلوا بساحل قرطاجنة بعد ان ملئت سواحل رودس بالمرابطة بجند الاندلس والمطوعة زهاء أربعة آلاف فارس لنظر محمد بن الحسين رئيس الدولة ولما نزل النصارى بالساحل وكانوا زهاء ستة آلاف فارس وثلاثين ألفا من الرجالة فيما حدثنى أبى عن أبيه رحمهما الله قال وكان أساطيلهم ثلثمائة بين كبار وصغار وكانوا سبعة يعاسيب كان فيهم الفرنسيس واخوة جرون صاحب صقلية وصاحب الجزر والعلجة زوج(6/292)
الطاغية تسمى الرينة وصاحب البر الكبير وتسميهم العامة من أهل الاخبار ملوكا ويعنون انهم متباينون ظاهروا على غزو تونس وليس كذلك وانما كان واحدا وهو طاغية الفرنجة واخوته وبطارقته عد كل واحد منهم ملكا لفضل قوته وشدة بأسه فأنزلوا عساكرهم في المدينة القديمة من قرطاجنة وكانت مائلة الجدران اضطرم المعسكر بداخلها ووصلوا ما فصله الخراب من أسوارها بألواح الخشب ونضدوا شرفاتها وأداروا على السور خندقا بعيد المهوى وتحصنوا وندم السلطان على اضاعة الحزم في تخريبها أو دفاعهم عن نزلها وأقام ملك الفرنجة وقومه متمرسين بتونس ستة أشهر والمدد ياتيه في أساطيله من البحر من صقلية والعدوة بالرجل والاسلحة والاقوات وسلك بعض المسلمين طريقا في البحيرة واتبعه العرب فأصابوا غرة في العدو فظفروا وغنموا وشعروا بمكانهم فكلفوا بحراسة البحيرة وبعثوا فيها الشوانى بالرماة ومنعوا الطريق إليهم وبعث السلطان في ممالكه حاشدا فوافته الامداد من كل ناحية ووصل أبو هلال صاحب بجاية وجاءت جموع العرب وسد ويكش وولهاصة وهوارة حتى أمده ملوك المغرب من زناتة وسرح إليه محمد بن عبد القوى عسكر بنى توجين لنظر ابنه زيان
وأخرج السلطان ابنيته وعقد لسبعة من الموحدين على سائر الجند من المرتزقة والمطوعة وهم اسمعيل بن أبى كلداسن وعيسى بن داود ويحيى بن أبى بكر ويحيى بن صالح وأبو هلال عياد صاحب بجاية ومحمد بن عبو وأمرهم كلهم راجع ليحيى بن صالح ويحيى ابن أبى بكر منهم واجتمع من المسلمين عدد لا يحصى وخرج الصلحاء والفقهاء والمرابطون لمباشرة الجهاد بأنفسهم والتزم السلطان القعود بايوانه مع بطانته وأهل اختصاصه وهم الشيخ أبو سعيد المعروف بالعود وابن أبى الحسين وقاضيه أبو القاسم بن البراء وأخو العيش واتصلت الحرب والتقوا في منتصف محرم سنة تسع بالمنصف فزحف يومئذ يحيى بن صالح وجرون فمات من الفريقين خلق وهجموا على المعسكر بعد العشاء وتدامر المسلمون عنده ثم غلبوا عليه بعد ان قتل من النصارى زهاء خمسمائة فأصبحت ابنيته مضروبة كما كانت وأمر بالخندق على المعسكر فتعاورته الايدى واحتفر فيه الشيخ أبو سعيد بنفسه وابتلى المسلمون بتونس وظنوا الظنون واتهم السلطان بالتحول عن تونس إلى القيروان ثم ان الله أهلك عدوهم وأصبح ملك الفرنجة ميتا يقال حتف أنفه ويقال أصابه سهم غرب في بعض المواقف فأبته ويقال أصابه مرض الوباء ويقال وهو بعيد ان السلطان بعث إليه مع ابن جرام الدلاصى بسيف مسموم وكان فيه مهلكه ولما هلك اجتمع النصارى على ابنه دمياط سمى بذلك لميلاده بها فبايعوه واعتزموا على الاقلاع وكان أمرهم راجعا إلى العلجة فراسلت المستنصر أن يبذل لها ما خسروه(6/293)
في مؤنة حركتهم وترجع بقومها فاسعفها السلطان لما كان العرب اعتزموا على الانصراف إلى مشاتيهم وبعث مشيخة الفقهاء لعقد الصلح في ربيع الاول سنة تسع وستين فتولى عقده وكتابه القاضى ابن زيتون لخمسة عشر عاما وحضر أبو الحسن على بن عمرو وأحمد بن الغماز وزيان بن محمد بن عبد القوى أمير بنى توجين واختص جرون صاحب صقلية بسلم عقده على جزيرته وأقلع النصارى باساطيلهم وأصابهم عاصف
من الريح أشرفوا منه على العطب وهلك الكثير منهم واغرم السلطان الرعايا ما أعطى العدو من المال فأعطوه طواعية يقال انه عشرة أحمال من المال وترك النصارى بقرطاجنة تسعين منجنيقا وخاطب السلطان صاحب المغرب وملوك النواحى بالخبر ودفاعه عن المسلمين وما عقده من الصلح وأمر بتخريب قرطاجنة وأن يؤتى بنيانها من القواعد فصير ابنيتها طامسة ورجع الفرنجة إلى دعوتهم فكان آخر عهدهم بالظهور والاستفحال ولم يزالوا في تناقص وضعف إلى أن افترق ملكهم عمالات واستبد صاحب صقلية لنفسه وكذا صاحب نايل وحنوة وسردانية وبقى بيت ملكهم الاقدم لهذا العهد على غاية من الفشل والوهن والله وارث الارض ومن عليها وهو خير الوارثين أصل هذا الرجل من بنى سعيد رؤسا القلعة المجاورة لغرناطة وكان كثير منهم قد استعملوا أيام الموحدين بالعدوتين وكان جده أبو الحسن سعيد صاحب الاشغال بالقيروان ونشأ حافده محمد هذا في كفالته ولما عزل وقفل إلى المغرب هلك ببونة سنة أربع وستمائة ورجع حافده محمد إلى تونس والشيخ أبو محمد بن أبى حفص صاحب افريقية لذلك العهد فاعتلق بخدمة ابنه أبى زيد ولما ولى الامر بعد وفاة أبيه غلب محمد هذا على هواه ثم جاء السيد أبو على من مراكش وعلى افريقية محمد بن أبى الحسين في جملته إلى أن هلك في حصار هسكورة بمراكش كما قدمناه ورجع ابن أبى الحسين إلى تونس واتصل بالامير أبى زكريا لاول استبداده فغلب على هواه وكان منحتا في صحابة الملوك ولما ولى المستنصر اجراه على سنته برهة ثم تنكر له اثر كائنة اللحيانى وعظمت سعاية اعدائه من الباطنية وأشاعوا مداخلته لابي القاسم بن عزومة أبى زيد ابن الشيخ أبى محمد فنكبه السلطان واعتقله بداره تسعة أشهر ثم سرحه واعاده إلى مكانه وثأر من اعدائه واستولى على أمور السلطان إلى أن هلك سنة احدى وتسعين وكلف ابن عمه سعيد بن يوسف بن أبى الحسن اشغال الحضرة وكان قد اقتنى مالا جسيما ونال من الحضرة منالا عظيما وكان الرئيس أبو عبد الله متفننا في العلوم مجيدا في اللغة والشعر
ينظم فيجيد وينتر فيحسن وله من التآليف كتاب ترتيب المحكم لابن سيده على نسق(6/294)
الصحاح للجوهري واختصاره وكان في رياسته صليب الرأى قوى الشكيمة عالى الهمة شديد المراقبة والحزم في الخدمة وله شعر نقل منه التيجاني وغيره ومن أشهره ما نقل له يخاطب عنان بن جابر عن الامير أبى زكريا لما خالف واتبع ابن غانية وهى على روى الراء وكان قبلها أخرى على روى الدال وكان له ولد اسمه سعيد وتوفى في حياة أبيه في المراتب السلطانية ثم اغتبط دون غايته وفى ثالث مهلكه كان مهلك الشيخ أبى سعيد عثمان بن محمد الهنتاتى المعروف بالعود الرطب ويعرف أهل بيته بالمغرب ببنى أبى زيد وكان منهم عبد العزيز المعروف بصاحب الاشغال كان فر من المغرب أيام السعيد بجفوة ثالثة ولحق بسجلماسة سنة احدى وأربعين وقد كان انتزى بها عبد الله الهزوجى وبايع للامير أبى زكريا فأجازه عبد الله إلى تونس ونزل على الامير أبى زكريا ونظمه في طبقات مشيخة الموحدين وأهل مجلسه ثم حظى عند ابنه المستنصر بعد نكبة بنى النعمان حظوة لا كفاء لها واستولى على الرأى والتدبير إلى أن هلك سنة ثلاث وسبعين فشيع طيب الذكر ملحقا بالرضوان من الخاصة والعامة والله مالك الامور * (الخبر عن انتقاض أهل الجزائر وفتحها) * كان أهل الجزائر لما رأوا تقلص ظل الدولة عن زناتة وأهل المغرب الاوسط حدثوا أنفسهم بالاستبداد والقيام على أمرهم وخلع ربقة الطاعة من أعناقهم فجاهروا بالخلعان وسرح السلطان إليهم العساكر سنة تسع وستين وأوعز إلى صاحب القفر صاحبه وهو أبو هلال عياد بن سعيد الهنتاتى فقدم إليها في عساكر الموحدين سنة احدى وسبعين ونازلها مدة حول وامتنعت عليه فأقلع عنها ورجع إلى بجاية وهلك بمعسكر ببنى ورا سنة ثلاث وسبعين ثم ان السلطان صرف عزمه إلى منازلتهم سنة أربع وسبعين وسرح إليهم العساكر في البر وأنفذ الاساطيل في البحر وعقل على عسكر
تونس لابي الحسن بن ياسين وأوعز إلى عامل بجاية بانفاذ عسكر آخر فانفذه لنظر أبى العباس بن أبى الاعلام ونهضت هذه العساكر برا وبحرا إلى أن نازلتها وأحاطت بها من كل جانب واشتد حصارها ثم افتتحها عنوة وأثخن فيهم القتل وانتهبت المنازل وافتضح الكرائم في ابكارهن وتقبض على مشيخة البلد فنقلوا إلى تونس مصفدين واعتقلوا بالقصبة إلى ان سرحهم الواثق بعد مهلك السلطان والله تعالى أعلم كان السلطان بعد فتح الجزائر قد خرج من تونس للصيد وتفقد العمالات فأصابه في سفره مرض ورجع إلى داره واشتدت علته وكثر الارجاف بموته وخرج يوم الاضحى سنة خمس وخمسين يتهادى بين رجلين ورجلاه تخطان في الارض وجلس للناس(6/295)
على منبر منجلدا ثم دخل بيته وهلك لليلته تلك رضوان الله عليه وكان شأن هذا السلطان في ملوك ال حفص عظيما وشهرته طائرة الذكر بما انفسح من أمر سلطانه ومدت إليه ثغور القاصية من العدوتين يد الاعتصام به وما اجتمع بحضرته من أعلام الناس الوافدين على ابنه وخصوصا الاندلس من شاعر مفلق وكاتب بليغ وعالم نحرير وملك أورع وشجاع أهيش متفيئين ظل ملكة متناغين في البادية لطموس معالم الخلافة شرقا وغربا على عهده وخفوق صوت الملك الا في ايوانه فقد كان الطاغية التهم قواعد الملك بشرق الاندلس وغربها فأخذت قرطبة سنة ثلاث وثلاثين وبلنسية سنة ست بعدها واشبيلية سنة ست وأربعين واستولى على بعداد دار خلافة العرب بالمشرق وحاضرة الاسلام سنة ست وخمسين وانتزع بنو مرين ملك بنى عبد المؤمن واشتملوا على حضرة مراكش دار خلافة الموحدين سنة ثمان وستين كل ذلك على عهده وعهد أبيه ودولتهم أشد ما كانت قوة وأعظم رفاهية وجباية وأوفر قبيلا وعصابة واكثر عساكر وجندا فامله أهل العلم للكرة وأجفلوا إلى الامساك بحقويه وكان له في الابهة والجلال أخبار وفى الحروب والفتوح آثار مشهودة وفى أيامه عظمت حضارة تونس وكثر ترف
ساكنها وتأنق الناس في المراكب والملابس والمباني والماعون والآنية فاستجادوها وتناغوا في اتخاذها وافشائها إلى أن بلغت غايتها ثم رجعت من بعده ادراجها والله مالك الامور ومصرفها كيف يشاء * (الخبر عن بيعة الواثق يحيى بن المستنصر وهو المشهور بالمخلوع وذكر أحواله) * لما هلك السلطان المستنصر سنة خمس وسبعين كما قدمناه اجتمع الموحدون وسائر الناس على طبقاتهم إلى ابنه يحيى فبايعوه ليلة مهلك أبيه وفى غدها وتلقب الواثق وافتتح أمره برفع المظالم وتسريح أهل السجون وافاضة العطاء في الجند وأهل الديوان واصلاح المساجد وازالة كثير من الوظائف عن الناس وامتدحه الشعراء فأسنى جوائزهم وأطلق عيسى بن داود من اعتقاله ورده إلى حاله وكان المتولي لاخذ البيعة عن الناس والقائم بأمره سعيد بن يوسف بن أبى الحسين لمكانه من الدولة ورسوخه في الشهرة فقام بالامر ولم يزل على ذلك إلى ان نكبه وأدال منه بالخير والله أعلم هذ الرجل اسمه يحيى بن عبد الملك الغافقي وكنيته أبو الحسن أندلسيا من أعمال مرسية وفد مع الجالية من شرق الاندلس أيام استيلاء العدو وكان يحسن الكتابة ولم يكن له من الخلال سواها فصرف في الاعمال ثم ارتقى إلى خدمة أبى الحسن فاستكتبه ثم رقاه إلى ولاية الديوان فعظمت حالته وكانت له اثناء ذلك مداخلة للواثق ابن السلطان واعتدها(6/296)
له سابقة فلما استوثق الامر للواثق رفع منزلته واختصه بالشورى وقلده كتاب علامته وكان سعيد بن ابى الحسين مزاحما له منافسا لما كان أسف من تقديمه فأغرى به السلطان ورغبه في ماله فتقبض على أبى سعيد بن أبى الحسين لستة أشهر من الدولة سنة وسبعين واعتقل بالقصبة واستقل على معلة ابن ياسين وابن صياد الرجالة وغيرهم وقدم على الاشغال مدافعا في الموالى المعلوجين ووكل أبا زيد بن أبى الاعلام من الموحدين بمصادرة ابن أبى الحسين على المال وامتحانه ولم يزل يستخرج منه حتى ادعى الاملاق
واستحلف فخلف ثم ضرب فادعى مؤتمنا من ماله عند قوم استكشفوا عنه فأدوه نم دل بعض مواليه على ذخيرة بداره دفينة فاستخرج منه زهاء ستمائة آلاف من الدنانير فلم يقبل بعدها مقاله وبسط عليه العذاب إلى أن هلك في ذى الحجة من سنته ودفن شلوه بحيث لم يعرف مدفنه واستبد أبو الحسن الخير على الدولة والسلطان وبعث أخاه أبا العلاء واليا على بجاية وأسف المشيخة والبطانة بعتوه واستبداده وما يتجشمونه من مكابرة بابه إلى ان عاد وبال ذلك على الدولة كما نذكره ان شاء الله تعالى * (الخبر عن اجازة السلطان أبى اسحق من الاندلس ودخول أهل بجاية في طاعته) * كان السلطان المستنصر قد عقد على بجاية سنة ستين لابي هلال عياد بن سعيد الهنتاتى وادال به من أخيه الامير أبى حفص فأقام واليا عليها إلى أن هلك ببنى ورا سنة ثلاث وسبعين كما قدمنا وعقد عليها من بعده لابنه محمد وكان له غناء في ولايته واضطلاع بأمره إلى أن هلك المستنصر وولى ابنه الواثق فبادر إلى انقياد طاعته وبعث وفد بجاية ببيعتهم ثم قلد أبو الحسن القائم بالدولة أخاه ادريس ولاية الاشغال ببجاية فقام بها وأفنى الاموال وتحكم في المشيخة وأنف محمد بن أبى هلال من استبداده عليه فهم ادريس بنكبته فخشى محمد بن أبى هلال بادرته وداخل بعض بطانته في قتله وفاوض الملا فيه فعدوا عليه لاول ذى القعدة سنة سبع وسبعين بمقعده من باب السلطان فقتلوه ورموا برأسه إلى الغوغاء والزعانف فبعثوا به ووافق ذلك حلول السلطان أبى اسحق بتلمسان وكان عند بلوغ الخبر إليه بمهلك أخيه المستنصر أجمع أمره على الاجازة لطلب حقه بعدما تردد برهة ثم اعتزم وعاد إلى تلمسان ونزل على يغمراسن بن زيان فقام لمورده واحتفل في مبرته وفعل أهل بجاية وابن أبى هلال فعلتهم وخشوا بوادر السلطان بالحضرة فخاطب السلطان أبا اسحق واتوه ببيعتهم وبعثوا وفدهم يستحثونه للملك فأجابهم ودخل إليها آخر ذى القعدة من سنته فبايعه الموحدون والملا من أهل بجاية وقام بأمره محمد بن هلال ثم زحف في عساكره إلى قسنطينة فنازلها وبها عبد العزيز
ابن عيسى بن داود فامتنعت عليه فأقلع عنها إلى ان كان من أمره ما نذكره(6/297)
لما بلغ الخبر إلى الواثق ووزيره المستبد عليه ابن المبر بدخول السلطان أبى اسحق بجاية شيع العساكر إلى حربه وعقد عليها لعمه أبى حفص واستوزر له أبا زيد بن جامع فخرج من تونس واضطرب معسكره ببجاية وعقد الواثق على قسنطينة لعبد العزيز بن عيسى ابن داود لذمة صهر كانت له من ابن الجيد فتقدم إلى قسنطينة ومانع عنها الامير أبا اسحق كما ذكرناه ثم اضطرب رأى ابن الجيد في خروج الامير أبى حفص وأراد انقباض عسكره فكتب الواثق إلى أبى حفص ووزيره ابن جامع يغرى كل واحد منهما بصاحبه فتفاوضا واتفقا على الدعاء للامير أبى اسحق وبعثوا إليه بذلك واتصل الخبر بالواثق وهو بتونس منتبذا عن الحامية والبطانة فاستيقن ذهاب ملكه وأشهد الملا وانخلع عن الامر لعمه السلطان أبى اسحق غرة ربيع الاول من سنة ثمان وسبعين وتحول عن قصور الملك بالقصبة إلى دار الاقورى وانقرضت دولته وأمره والبقاء لله وحده * (الخبر عن استيلاء السلطان أبى اسحق على الحضرة) * لما بلغ السلطان أبا اسحق كتاب أخيه الامير أبى حفص وابن جامع من بجاية بادر مغذا إليهم ثم وافاه خبر انخلاع الواثق ابن أخيه بتونس فارتحلوا جميعا وسائر أهل الحضرة على طبقاتهم إلى لقائه وآتوا طاعتهم ودخل الحضرة منتصف الحجة آخر سنة ثمان وسبعين ومحمد بن هلال شيخ دولته وعقد على حجابته لابي القاسم بن الشيخ كاتب أبى الحسن وعلى خطة الاشغال لابن أبى بكر بن الحسن بن خلدون كان وفد مع ابنه الحسن على الامير أبى زكريا من اشبيلية لدمة رعاها لهم لما كانت أم ولده أم الخلائف من هدايا ابن المحتسب أبى زكريا محلهم ورحل الحسن إلى المشرق ومات هنا لك وبقى ابنه أبو بكر بالحضرة فاستعمله الامير أبو اسحق لاول دخوله في خطة الاشغال ولم يكن يليها الا الموحدون كما قلناه وعقد لفضل بن على بن مرى على الزاب ولم يكن أيضا يليه الا
الموحدون لكن رعى لفضل بن مرى ذمة اغترابه معه إلى الاندلس فعقد له على الزاب ولاخيه عبد الواحد على بلاد قصطيلة ثم تقبض على أبى الخير وأمر باعتقاله ودفعه إلى موسى بن محمد بن ياسين للمصادرة والامتحان ووجد مكان التمائم عليه طوابع وطلسمات مختلفة الاشكال والصور وتسحر بها فيما زعموا مخدومه فجاوبه وكان شأنه الامتحان والاستحلاف والهلاك شأن سعيد أبى الحسن أيام صولته إلى أن هلك في شهر جمادى الاولى من سنته والله لا يظلم مثقال ذرة ولما اعتقد السلطان أبو اسحق كرسى ملكه واستوثق عرى خلافته تقبض على محمد بن أبى هلال وقتله بجرنكبته سنة ست وسبعين لما كان يتوقع منه من المكروه في الدولة وما عرف(6/298)
به من المساعى في الفتنة والله أعلم لما انخلع الواثق عن الامر وتحول إلى دار الاقورى فأقام بها أياما وكان له ثلاثة من الولد أصاغر الفضل والطاهر والطيب فكانوا معه ثم نمى عنه للسلطان أبى اسحق انه يروم الثورة وانه داخل في ذلك بعض رؤساء النصارى من الجند فأقلق مكان ترشيحه واعتقله بمكان اعتقال بنيه وهو من القصبة أيام أخيه المستنصر ثم بعث إليهم ليلتهم فذبحوا جميعا في شهر صفر سنة تسع وسبعين واستوثق له الامر وأطلق من عنان الامارة لولده إلى ان كان من شأنهم ما يذكر ان شاء الله تعالى { الخبر عن ولاية الامير أبى فارس ابن السلطان أبى اسحق على بجاية بعهد أبيه والسبب في ذلك } كان للسلطان أبى اسحق من الابناء خمس أبو فارس عبد العزيز وكان أكبرهم وأبو محمد عبد الواحد وأبو زكريا يحيى وخالد وعمر وكان السلطان المستنصر قد حبسهم عند فرار أبيهم إلى رياح في أيامه ببعض حجر القصر وأجرى عليهم رزقا فنشؤا في ظل كفالته وجميم رزقه إلى ان استولى أبو هم السلطان أبو اسحق على الملك فطلعوا بآفاقه
وطالت فروعهم في دوحه واشتملوا على العز واصطنعوا أهل الوابق من الرجال وأرخى السلطان لهم ظلهم في ذلك وكان المجلى فيها كبيرهم أبو فارس لما كان مرشحا لولاية العهد وكان ممن اصطنعه وألقى عليه رداء محبته في الناس وعنايته أحمد بن أبى بكر بن سيد الناس اليعمرى وأخوه أبو الحسين لسابقة رعاها لهما وذلك أن أبا هما أبا بكر بن سيد الناس كان من بيوت اشبيلية حافظا للحديث راوية ظاهريا في فقهه على مذهب داود وأصحابه وكانت لاهل اشبيلية خصوصا من بين الناس الاندلس فلما تكالب الطاغية على الدولة والتهم ثغورها واكتسح بسائطها وأشف إلى قواعدها وامصارها أجاز الاعلام وأهل البيوت إلى أرض المغربين وافريقية وكان قصدهم إلى تونس أكثر لاستفحال الدولة الحفصية فلما رأى الحافظ أبو بكر اختلال أحوال الاندلس وقبح مصايرها وخفة ساكنها أجمع الرحلة عنها إلى ما كان بتونس من سابقته عند هؤلاء الخلفاء فأجازو البحر ونزل بتونس فلقاه السلطان تكرمة وجعل إليه تدريس العلم بالمدرسة عند حمام الهواء التى أنشأتها أمه أم الخلائف ونشأ بنوه أحمد وأبو الحسن في جو الدولة وحجر كفالتها للاختصاص الذى كان لابيهم بها وعدلوا عن طلب العلم إلى طلب الدنيا وتشوفوا إلى مراتب السلطان واتصلوا بأبناء السلطان أبى اسحق بمكانهم من حجر القصر حيث أنزلهم عمهم بعد ذهاب أبيهم فخالطوهم واستخدموا(6/299)
لهم ولما استولى السلطان على الامر ورشح ابنه أبا فارس للعهد وأجراه على سنين الوزارة فاصطنع أحمد بن سيد الناس ونوه باسمه وخلع عليه ملبوس كرامته واختصه بلقب حجابته وأخوه أبو الحسين يناهضه في ذلك عنوة ونفس ذلك عليهما البطانة فأغروا السلطان أبا اسحق ثانية وخوفوه شأنه وان أحمد بن سيد الناس داخله في التوثب بالدولة وتولى كبر هذه السعاية عبد الوهاب بن قائد الكلاعى من علية الكتاب ووجوههم كان يكتب للعامة يومئذ فسطا السلطان بابن سيد الناس سنة تسع
وستين آخر ربيع استدعى إلى باب القصر فتعاورته السيوف هبرا ووورى شلوه ببعض الحفر وبلغ الخبر إلى الامير أبى فارس فركب إلى أبيه في لبوس الحزن فعزاه أبوه عن ذلك بأنه ظهر لابن سيد الناس على المكر والخديعة بالدولة واماط سواده بيده ونجا أبو الحسين من هذه المهلكة واعتقل في لمة من رجال الامير أبى فارس بعد ان توارى أياما إلى أن أطلق من محبسه وكان من أمره ما نذكره بعد واستبلغ السلطان في تأنيس ابنه ومسح الضغينة عن صدره فعقد له على بجاية وأعمالها وأنفذه إليها أميرا مستقلا وأنفذ معه في رسم الحجابة جدى محمد ابن صاحب اشغاله أبى بكر بن الحسن بن خلدون فخرج إليها سنة تسع وستين وقام بأمرها ولم يزل أميرا بها إلى آخر دولته كما نذكر والله أعلم اسم هذا الرجل أبو بكر بن موسى بن عيسى ونسبته في كوميه من بيوت الموحدين كان مستخدما لابن كلداني الوالى بقسنطينة فكان له غناء وصداقة وولاه السلطان أبو اسحق حافظا على قسنطينة واتصلت ولايته وهلك المستنصر واضطربت الاحوال ثم ولاه الواثق ثم السلطان أبو اسحق وكان ابن وزير هذا طموعا جموعا لاموال الناس لا يمل وعلم أن قسنطينة معقل ذلك النصر وحصنه فحدثته نفسه بالامتناع بها والاستبداد على الدولة وساء أثره في أهلها فرفعوا أمرهم إلى السلطان أبى اسحق واستعدوه فلم يعدهم لما رأى من مخايل الحرابة من الطاغية وكتب هو بالاعتذار والنكير لما جاء به فتقبله وأعطى له من هنياته ولما مر به الامير أبو فارس إلى محل امارته من بجاية سنة تسع وسبعين قعد عن لقائه وأوفد إليه جمعا من الصلحاء بالمعاذير والاستعطاف فمنحه من ذلك كفاء مرضاته حتى إذا أبعد الامير أبو فارس إلى بجاية اعتزم على الانتزاء كاتب ملك ارغون في جيش من النصارى يكون معهم في ثغره يردد بهم الغزو على أن يكون فيما زعموا داعية له فأجابه ووعده ببعث الاسطول إليه فجاهر بالخلعان وانتزى بثغر قسنطينة داعيا لنفسه آخر سنته وزحف إليه الامير أبو فارس من بجاية في عساكره واحتشد الاعراب وفرسان القبائل إلى أن احتل بميلة ووفد عليه من(6/300)
أهل قسنطينة جمع من الرعية بعثهم ابن وزير فأعرض عنهم وقصد قسنطينة في أول ربيع سنة احدى وثمانين فثار بها وجمع الايدى على حصارها ونصب المجانيق وقرر قواعد الرماة وقاتلها يوما أو بعض يوم وتسور عليهم المعقل من بعض جهاته وكان المتولي لتسوره صاحبه محمد بن أبى بكر بن خلدون وابان بن وزير عند الصدمة حتى أحيط به قتل هو وأخوه وأشياعهما ونصبت رؤسهم بسور البلد وتمشى الامير في سكك البلد مسكنا ومؤنسا وأمر برم ما تثلم من الاسوار وباصلاح القناطر ودخل إلى القصر وبعث بالفتح إلى أبيه بالحضرة وجاء اسطول النصارى إلى مرسى الفل في مواعدة ابن وزير فأخفق مسعاهم وارتحل الامير أبو فارس ثالثة الفتح إلى بجاية فدخلها آخر ربيع من سنته والله أعلم * (الخبر عن قيادة ابن السلطان العساكر إلى الجهاد) * كان السلطان يؤثر ابناءه بمراتب ملكه ويوليهم خطط سلطانه شغفا بهم وترشيحا لهم فعقد في رجب سنة احدى وثمانين لابنه الامير زكريا على عسكر من الموحدين والجند وبعثه إلى قفصة للاشراف على جهاتها وضم جبايتها فخرج إليهم وقضى شأنه من حركته وانصرف إلى تونس في رمضان من سنته ثم عقد لابنه الآخر أبى محمد عبد الواحد على عسكره وأنفذه إلى وطن هوارة لانقضاء مغارمهم وجباية ضرائبهم وفرائضهم وبعث معه عبد الوهاب بن قائد الكلاعى مباشرا لذلك وواسطة بينه وبين الناس فانتهى إلى القيروان وبلغه شأن الدعى وظهوره في ذباب بنواحي طرابلس فطير بالخبر إلى السلطان وأقبل على شأنه ثم انتشر أمر الدعى وانكفأ راجعا إلى تونس والله تعالى أعلم كان السلطان لما أجاز البحر من الاندلس لطلب ملكه ونزل على يغمراسن بن زيان بتلمسان فاحتفل لقدومه وأركب الناس للقائه وأتاه ببيعته على عادته مع سلفه لما علم انه أحق بالامر ووعده النصرة من عدوه والموازرة على أمره وأصهر إليه في احدى
بناته المقصورات في خيام الخلافة بابنه عثمان تشريفا خطبه منه فأولاه اسعافا به ولما استولى السلطان على حضرته واستبد بأحوال ملكه بعث يغمراسن ابنه ابراهيم المكنى بأبى عامر في وفد من قومه لاتمام ذلك العقد فاعتمد السلطان مبرتهم وأسعف طلبتهم وأقاموا بالحضرة أياما وظهر من اقدامهم في فتن الدعى مقامات وانصرفوا بظعينتهم سنة احدى وثمانين محبوين وابتنى بها عثمان لحين وصولها فكانت من عقائل قصورهم ومفاخر دولتهم وذكرا لهم ولقومهم إلى آخر الايام(6/301)
{ الخبر عن ظهور الدعى أبى عمارة وما وقع من الغريب في أمره } كان أحمد بن مرزوق أبو عمارة من بيوتات بجاية الطارئين عليها من المسيله نشأ ببجاية وسيما محترفا بصناعة الخياطة غمرا وكان يحدث نفسه بالملك لما كان يزعم أن العارفين يخبرونه بذلك وكان هو يخط فيريه خطه ذلك ثم اغترب عن بلده ولحق بصحراء سجلماسة واختلط بعرب المعقل وانتمى إلى أهل البيت وادعى أنه الفاطمي المنتظر عند الاغمار وانه يحيل المعادن إلى الذهب بالصناعة فاشتملوا عليه وحدثوا بشأنه أياما أخبرني طلحة ابن مظفر من شيوخ العمارية احدى بطون المعقل انه رآه أيام ظهوره بالمعقل ملتبسا بتلك الدعوى حتى فضحه العجز ثم لما زهدوا فيه لعجز مدعاه ذهب يتقلب في الارض حتى وصل إلى جهات طرابلس ونزل على ذياب وصحب منهم الفتى نصيرا مولى الواثق بن المستنصر ويلقب برى ولما رآه تبين فيه شبها من الفضل ابن مولاه فطفق يبكى ويقبل قدميه فقال له ابن أبى عمارة ما شأنك فقص عليه الخبر فقام صدقتني في هذه الدعوى وأنا أثئرك من قاتلهم وأقبل نصير على أمراء العرب مناديا بالسرور بابن مولاه حتى خيل عليهم ثم نزل بادس إلى ابن أبى عمارة من محاورات وقعت بين العرب وبين الواثق قصها عليهم بن أبى عمارة نفيا للريب بأمره فصدقوا واطمأنوا وأتوه ببيعتهم وقام بأمره صرغم
ابن صابر بن عسكر أمير ذباب وجمع له العرب ونازلوا طرابلس وبها يومئذ محمد بن عيسى الهنتاتى وشهر بعنق الفضة فامتنعت عليهم ورحلوا إلى بحر بين الموطنين بزيزور وجهاتها من هوارة فأوقعوا بهم ثم سار في تلك النواحى واستوفى جباية لماية وزواوة وأغرم نفوسة وغريان ونفزة من بطون هوارة وضائع ألزمها اياهم واستوفاها ثم زحف إلى قابس فبايع له عبد الملك بن مكى في رجب سنة احدى وثمانين وأعطاه صفقته طواعية وفاء بحق آبائه فيما طوقوه وذريعة إلى الاستقلال الذى كان يؤمله وأعلن بخلافته ونادى بقومه واستخدم له بنى كعب بن سليم ورياستهم في بنى شيخه لعبد الرحمن ابن فأجابوا داعيه وأنابوا إلى خدمته وتوافت إليه بيعة أهل حزبه والحامية وقرى نفزاوة ثم زحف إلى توزر وبلاد قصطيلة فأطاعوه ثم رجع إلى قفصة فبايع له أهلها وعظم أمره وعلا صيته فجهز إليه السلطان أبو اسحق العساكر من تونس كما نذكره والله تعالى أعلم لما تفاقم أمر الدعى بنواحي طرابلس ودخل الكثير من أهل الانصار في طاعته جهز السلطان عساكره وعقد لابنه الامير أبى زكريا على حربه فخرج من تونس ونازل القيروان واقتضى منها غرائم ووضائع استأثر منها بأموال ثم ارتحل إلى لقاء الدعى(6/302)
وانتهى إلى نموده وبلغه هنا لك ما كان من استيلاء الدعى على قفصة فارجف به العسكر وانفضوا من حوله ورجع إلى تونس فدخلها آخر يوم من رمضان من سنته وارتحل الدعى على أثره من قفصة واحتل باليقيروان فبايع له أهلها واقتدى به أهل المهدية وصفاقس وسوسة فبايعوا له وكثر الارجاف بتونس فاضطرب السلطان وأخرج معسكره بظاهر البلد في وسط شوال وضرب الغزو على الناس واستكثر من العدد وخرج إلى معسكره بظاهر البلد وتلوم بها لازاحة العلل وارتحل الدعى من القيروان زاحفا إليه فتسربت إليه طبقات الجنود ومشيخة الموحدين رضى عنهم بمكانه وطاغية بنى المستنصر خليفتهم الطويل أمد الولاية عليهم رحمة لما نازل الواثق وأبناءه من عملهم
ثم انفض عن السلطان كبير الدولة موسى بن ياسين في معظم من الموحدين ولحق الدعى بطريقه فاحتل من السلطان وانتقضت عرى ملكه وفر إلى بجاية كما نذكره ان شاء الله تعالى { الخبر عن لحاق السلطان أبى اسحق بجاية ودخول الدعى بن أبى عمارة إلى تونس وما كان من أمره بها } لما انفض معسكر السلطان أبى اسحق آخر شوال من سنة احدى وثمانين ركب في خاصته وبعض جنوده ذاهبا إلى بجاية ومر بتونس فوقف عندها ثم احتمل أهله وولده وسار في كلب البرد فكان يعانى من قلة الاقوات وتعاور المطر والثلج شدة وكان يصانع القبائل في طريقه سلما له ثم مر بقسنطينة فمنعه عاملها عبد الله بن توفيان الهرغى من دخولها وقرب إليه بعض القرى من الاقوات وارتحل إلى بجاية وكان من أمره ما يذكر ودخل الدعى بن أبى عمارة إلى الحضرة وقلد موسى بن ياسين وزارته وأبا القاسم أحمد بن الشيخ حجابته وتقبض على صاحب الاشغال أبى بكر بن الحسين بن خلدون فاستصفاه وصادره على مال امتحنه عليه ثم قتله خنقا وصرف خطة بجاية إلى عبد الملك بن مكى رئيس قابس واستكمل القاب الملك وقسم الخطط بين رجال الدولة وصرف همه إلى غزو بجاية والله تعالى أعلم لما وصل السلطان أبو اسحق إلى بجاية في شهر ذى القعدة من سنته طريدا عن ملكه غافلا عن كرسى سلطانه انتضى عليه ابنه الامير أبو فارس ومنعه من الدخول إلى قصره فنزل بروض الرفيع وأراده على الخلع فانخلع له وأشهد الملا من الموحدين ومشيخة بجاية بذلك وأنزله قصر الكوكب ودعا الناس إلى بيعته آخر ذى القعدة فبايعوه وبلغت المعتمد على الله ونادى في أوليائه من رياح وسدويكش وخرج من(6/303)
بجاية زاحفا إلى الدعى واستخلف عليه أخاه الامير أبا زكريا وخرج معه الامير أبو حفص
وأخواه فكان من أمره ما نذكره ان شاء الله تعالى { الخبر عن زحف الامير أبى فارس للقاء الدعى ثم انهزامه امامه واستلحامه واخوته في المعركة وما كان اثر ذلك من مهلك أبيهم السلطان أبى اسحق وفرار أخيهم الامير أبى زكريا إلى تلمسان } لما بلغ الخبر إلى الدعى باستبداد الامير أبى فارس على أبيه واستعداده للقائه تقبض على أهل البيت الحفصى فاعتقلهم بعد ان هم بقتلهم وخرج من تونس في عساكر من الموحدين وطبقاتهم الجند في صفر سنة ثنتين وثمانين فانتهى إلى مرماجنة وتراءى الجمعان ثالث ربيع الاول فاقتتلوا عامة يومهم ثم اختل مصاف الامير أبى فارس وتخاذل انصاره فقتل في المعركة وانتهب معسكره وقتل اخوته صبرا عبد الواحد قتله الدعى بيده وعمر وخالد وأبو محمد بن عبد الواحد وبعث برؤوسهم إلى تونس فطيف بها على الرماح ونصبت باسوار البلد وتخلص عمه الامير أبو حفص من الواقعة إلى ان كان من أمره ما نذكر وبلغ خبر الواقعة إلى بجاية فاضطرب أهلها وماج بعضهم في بعض وخرج السلطان أبو اسحق وابنه الامير أبو زكريا إلى تلمسان فقدم أهل بجاية عليهم محمد ابن السيد قائما فيهم بطاعة الدعى وخرج في اثناء السلطان فأدركه بجبل بنى غبرين من زواوة فتقبض عليه ونجا الامير أبو زكريا إلى تلمسان وبقى السلطان أبو اسحق ببجاية معتقلا ريثما بلغ الخبر إلى تونس وأرسل الدعى محمد بن عيسى بن داود فقتله آخر ربيع الاول سنة ثنتين وانفض أمره ولله عاقبة الامور لا رب غيره ولا معبود سواه قد ذكرنا أن الامير أبا حفص حضر واقعة بنى أخيه مع الدعى بمرماجنة فخلص من المعركة راجلا ونجا إلى قلعة سنان معقل هوارة القريب من مكان الملحمة ولاذ به في ذهابه إلى منجاته ثلاثة من صنائعهم أبو الحسن بن أبى بكر بن سيد الناس الفازازى ومحمد بن أبى بكر بن خلدون وهو جد المؤلف الاقرب وربما كانوا يتناقلونه على ظهورهم إذا أصابه
الكلال ولما نجا إلى قلعة سنان تحدث به الناس وشاع خبر منجاته إليها وكان الدعى قد أشف العرب وثقلت وطأته عليهم بما كان يسئ والملكة فيهم فليوم دخوله شكا إليه الناس عيثهم فتقبض على ثلاثة منهم وقتلهم وصلبهم ثم سرح شيخ الموحدين عبد الحق ابن تافراكين لحسم عللهم واوعز إليه بالاثخان فيهم فاستلحم من لقى منهم ثم تقبض على مشايخ بنى علال وأودع سجونه منهم نحوا من الثمانين فساء أثره فيهم وتطلبوا أعياص(6/304)
لبيت وتسامعوا بخبر الامير أبى حفص بمكانه من قلعة سنان فرحلوا إليه وأتوه ببيعتهم في ربيع سنة ثلاث وثمانين وجمعوا له شيأ من الآلة والاخبية وقام بأمره أبو ليل بن أحمد أميرهم وبلغ الخبر إلى الدعى فداخلته الظنة في أهل دولته وتقبض على أبى عمران ابن ياسين شيخ دولته وعلى أبى الحسن بن ياسين وابن وانودين وعلى الحسن بن عبد الرحمن يعسوب زناتة فامتحنهم واستصفى أموالهم ثم قتلهم آخرا وتوجع لهم الناس واضطرب أمر الدعى إلى ان كان ما نذكره انتهى { الخبر عن خروج الدعى ورجوعه واستيلاء السلطان أبى حفص على ملكه وغلبه ومهلكه } لما ظهر السلطان أبو حفص وبايعه العرب تسامع به أهل الحضرة واجتمع إليه الناس وأوقع الدعى بأهل الدولة فمقتوه وخرج من تونس يريد قتاله فأرجف به أهل العسكر ورجع منهزما ودخلت البلاد في طاعة السلطان أبى حفص ونهض إلى تونس فنزل بسحوم قريبا منها وعسكر الدعى بظاهر البلد تجاهه وطالت بينهما الحرب أياما والناس كل يوم يستوضحون خب ء الدعى ومكره إلى ان تبرؤا منه وأسلموه ورحل من مكان معسكره ولاذ بالاختفاء ودخل السالمطان البلد في ربيع الآخر سنة ثلاث وثمانين واستولى على سرير ملكه وطهر من الدنس قاصيه ودانيه واختفى الدعى بتونس وغاص في لجة ساكنيها وأحاط به البحث فعثر عليه لليال من مدخل السلطان بدور بعض السوقة
يعرف بأبى قاسم القرمادى فهدمت لحينها ونزل إلى السلطان فأحضر له الملا ووبخه وساء له فاعترف بادعائه في نسبهم فأمر بامتحانه وقتله وذهب في غير سبيل مرحمة وطيف بشلوه ونصب رأسه وكان عبد الله بن يغمور المباشر لقتله وكان خبره من المثلات واستبد السلطان بملكه وتلقب المستنصر بالله وبادر الناس إلى الدخول في طاعته وبعث أهل القاصية ببيعتهم من طرابلس وتلمسان وما بينهما وعقد للشيخ أبى عبد الله الفازازى على عساكره على الحروب والضاحية وأقطع البلاد والمغارم للقرب رعيا لذمة قيامهم بأمره ولم يكن لهم قبلها اقطاع وكان الخلفاء قبله يتحامون عن ذلك لا يفتحون فيه على أنفسهم بابا وأقام متمتعا في ماله وفى حضرته إلى ان كان ما نذكر ان شاء الله تعالى كان من أعظم الحوادث تكالب العدو في أيام هذا السلطان على الجزر البحرية فاستوت أساطيلهم على جزيرة جربة في رجب من سنة ثمان وثمانين ورياستها يومئذ من محمد بن مهو من شيخ الوهبية ويخلف بن امغار شيخ النكازة وهما فرقنا الخوارج وزحف إليها المراكيا صاحب صقلية نائبا عن العدريك بن البريدا كون ملك برشلونة(6/305)
شاطئة البحر وكانوا فيما قيل سبعين اسطولا من غربان وشوانى وضايقهم مرارا ثم تغلبوا عليها فانتهبوا أموالها وحملوا أهلها أسرا وسبيا فقيل انهم بلغوا ثمانية آلاف بعد أن رموا بالرضف في الجبوب فكانت هذه الواقعة من أشجى الوقائع للمسلمين ثم بنوا بساحلها حصنا واعتمروه وشحنوه حامية وسلاحا وفرض عليهم المقرب مائة ألف دينار كل سنة وأقام على ذلك المراكيا إلى رأس المائة وبقيت الجزيرة في ملك النصارى إلى أن عادوا إلى مالقة أواخر الاربعين والسبعمائة كما نذكره وفى سنة خمس وثمانين ظفر العدو بجزيرة ميورقة ركب إليها طاغية برشلونة اساطيله في عشرين ألفا من الرجال المقاتلة ومروا بميورقة كأنهم بحر من البحار وطلبوا من أبى عمر بن حكيم ورديسا
النزول للاستسقاء فأذن لهم فلما تساحلوا آذنوا أهلها بالحرب فتزاحفوا ثلاثا يثخن فيهم المسلمون في كلها قتلا وجراحة بما يناهز آلافا والطاغية في بطارقته فانحدر عن الزحف فلما كان اليوم الثالث واستولت الهزيمة على قومه زحف الطاغية في العسكر فانهزم المسلمون ولجؤا إلى قلعتهم فانحصروا بكعابها وعقدوا لابن حكم ذمة في أهله وحاشيته فخرجوا إلى سبتة ونزل الباقون على حكم العدو وسار إلى ميورقة واستولى على ما فيها من الذخيرة والعدة والامر بيد الله وحده وفى سنة ست وثمانين بعدها غدر النصارى بمرسى الخزور فاقتحموها بعد أن ثلموا أسوارها واكتسحوا ما فيها واحتملوا أهلها اسرى وأضرموا بيوتها ثم مروا بمرسى تونس وانصرفوا إلى بلادهم وفيها أو في سنة تسع بعدها نازل اسطول العدو مدينة المهدية وكان فيها الفرسان لقتالها فزحفوا إليها ثلاثا ظفر بهم المسلمون في كلها ثم جاء مدد أهل الاجم فانهزم العدو حتى اقتحموا عليه الاسطول وانقلبوا خائبين وتمت النعمة { الخبر عن استيلاء الامير أبى بكر زكريا على الثغر المغربي بجاية والجزائر وقسنطينة وأولية ذلك ومصايره } كان للامير أبى بكر زكريا ابن السلطان من الترشيح للامر بهديه وشرف همته وحسن ملكته ومخالطته أهل العلم ما يشهد له بحسن حاله وهو الذى اختط المدرسة للعلم بازاء دار الاقورى حيث كان سكناه بتونس ولما لحق بتلمسان بعد منجاته من مهلك أبيه ببجاية نزل على صهره عثمان بن يغمراسن بتلمسان وجاء في أثره أبو الحسن بن أبى بكر بن سيد الناس صنيعة أبيه وأخيه بعد ان خلص مع السلطان أبى حفص من الواقعة التى من ماجنة فلما بايع له العرب وبدت مخايل الملك رأى أبو الحسن ايثار السلطان للفازازى عليهم فنكب عنه ولحق بالامير أبى زكريا بتلمسان واستحثه لطلب ملكه واستقرض من تجار بجاية مالا أنفقه في اقامة ابهة الملك له وجمع الرجال واصطنع(6/306)
الاولياء وفشا الخبر بما يرومه من ذلك فصده عثمان بن يغمراسن عنه بما كان تقلد من طاعة السلطان أبى حفص على سننهم مع الخلفاء بالحضرة قبله فاعتزم الامير أبو زكريا على شأنه وحرج من تلمسان موريا بالصيد الذى كان ينتحله أيام قيامه بينهم ولحق بداود بن هلال بن عطاف أمير بنى يعقوب وكافة بنى عامر من زغبة وأوعز عثمان بن يغمراسن إلى داود وبرده إليه فابى من اخفار ذمته وارتحل معه بقومه إلى آخر بلاد زغبة ونزلوا على عطية بن سليمان بن سباع من رؤساء الزواودة فتلقاه بالطاعة وارتحلوا جميعا إلى ضواحي قسنطينة فدخل العرب وسوريكش في طاعته ونازل البلد سنة ثلاث وثمانين وعاملها يومئذ أبو نوفيان من مشيخة الموحدين وكان صاحب بجاية بها أبو الحسن بن طفيل كان له من العامل صهر فداخل الامير أبا زكريا في شأن البلد وشرط لنفسه وصهره فأمضى السلطان شريطتهم وأمكنوه من البلد وأقاموا بها دعوته وارتحل إلى بجاية وكان قد حدث فيها اضطراب بين أهلها أدى إلى الخلاف والتباين واستحثوا الامير أبا زكريا فأغذ السير إليهم ودخلها سنة أربع وثمانين ويقال ان ملكه ببجاية كان سابقا على ملكه بقسنطينة وهو الاصح فيما سمعناه من شيوخنا وبعث إليهم أهل الجزائر بطاعتهم فاستولى على هذه الثغور القريبة وتلغب المنتخب لاحياء دين الله وأغفل ذكر أمير المؤمنين أدبا مع عمه الخليفة بالحضرة حيث مالا الموحدين أهل الحل والعقد من الجماعة ونصب للحجابة أبا الحسن بن سيد الناس فقام بها ورسخ ملكه وملك بنيه بهذه الناحية الغربية وانقسمت به الدولة إلى أن خلص الامر للملوك من عقبه واستولوا على الحضرة كما نذكره ان شاء الله تعالى والله ولى التوفيق لما استولى الامير أبو زكريا على الناحية الغربية واقتطعا من أعمال الحضرة اعتمد في الحركة على تونس فنهض إليها في عساكره سنة خمس وثمانين ووفد عليه عبد الله بن رحاب بن محمود من مشيخة ذياب ومانعه الفازازى عن احواز تونس فنازل قابس
وحاصرها وكان له في قتالها أثر واستولت الهزيمة على مقاتلتها ذات يوم فأثخن فيهم قتلا وأسرا وهدم ربضها وأحرق المنازل والنخل وارتحل إلى مسراته وكان من خبره أن الامير أبا زكريا لما فصل من تلمسان لطلب ملكه على كره منه وامتنع جاره وداود ابن عطاف من رده وامتلا له عداوة وحقدا جدد البيعة لصاحب تونس واوفد بها على بن محمد الخراساني من صنائعه وكان له اثناء ذلك ظهور على ابن توجين ومغراوة بالمغرب الاوسط وضاق ذرع أهل الحضرة بمكان الامير أبى زكريا من مطالبتهم(6/307)
وتدويخه لفاصيتهم فداخلوا عثمان بن يغمراسن في منازلة معقله بعد بجاية ليردوه على عقبه عنهم فزحف إلى بجاية سنة ست وثمانين ونازلها أياما وامتنع عليه سائر ضواحيها فلم يظفر بأكثر من الاطلال عليها وانكفأ الامير أبو زكريا راجعا إلى بجاية سنة ست وثمانين إلى ان كان من أمره ما سنذكره ان شاء الله تعالى * (الخبر عن فاتحة استبداد أهل الجزيرة) * كان بعض الايام بين سداده وكثومه من عمل تقويس فتنة قتل فيها ابن شيخ سداده وأقسم لينارن فيه بشيخ كثومة نفسه وكان عامل توزر محمد بن أبى بكر التينملل من مشيخة الموحدين فتذمم شيخ كثومة وبذل له مالا على نصره من عدوه فكاتب الحضرة وأعلن بالخلاف أهل اسواد واحتشد لهم أهل نفطة وتقيوس وخرج في حشد أهل توزر وغزاهم في بلدهم ولاذ باعطاء الرهن وبذل المال فلم يقبل فامدهم أهل نفزاوة وزحفوا إليه فانهزمت جموعه وأنحنوا فيهم قتلا وأسرا إلى توزر وذلك سنة ست وثمانين ثم عاود غزوهم عقب ذلك ففتحوا عليه ثم عقد لهم سلما على الوفاء بمغارمهم واشترطوا أن لا حكم عليهم في سواها وان رؤساء نفزاوة منهم فأمضى شرطهم وكان أول استبداد أهل الجريد كما نذكره ان شاء الله تعالى كان أبو دبوس آخر خلفاء بنى عبد المؤمن بمراكش لما قتل سنة ثمان وخمسين وستمائة
وافترق بنوه وتقلبوا في الارض لحق منهم عثمان بشرق الاندلس ونزل على طاغية برشلونة فأحسن تكريمه ووجد هنا لك أعقاب عمه السيد أبى زيد المنتصر أخى أبى دبوس في مثواهم من ايالة العدو وكان لهم هنا لك مكان وجاه لنزوع أبيهم السيد أبى زيد عن دينه إلى دينهم فاستبلغوا في مساهمة قريبهم هذا الوافد وخطبوا له عن الطاعة خطبا ووافق ذلك حصول مرغم بن صابر بن عسكر شيخ الجوارى من بنى ذياب في قبضة أسره وكان قد أسره الغزى من أهل صقلية بنواحي طرابلس سنة ثنتين وثمانين وباعوه من أهل برشلونة فاشتراه الطاغية وقام عنده أسيرا إلى ان نزع إليه عثمان بن أبى دبوس هذا كما ذكرناه وشهر بطلب حق الدعوة الموحدية وأمل الظفر في القاصية لبعدها عن الحامية فعبر البحر إلى طرابلس وكان من حظوظ كرامته عند الطاغية ان أطلق له مرغم بن صابر وعقد له حلفا معه على مظاهرته وجهز له أساطيل وشحنها بالمدد من المقاتلة والاقوات على مال شرطوه فنزلوا على طرابلس سنة ثمان وثمانين واحتشد مرغم قومه وحملهم على طاعة ابن أبى دبوس ونازلوا البلد معه ومع جنده من النصرانية فحاصروهم ثلاثا وساء أثرهم فيها ثم رحل النصارى باسطولهم ورسوا بأقرب السواحل(6/308)
إلى البلد وتنقل ابن أبى دبوس ومرغم في نواحى طرابلس بعد أن أنزلوا عليها عسكرا للحصار فاستوفوا من جباية المغارم والوضائع مالا دفعوه للنصارى في شرطهم وانقلبوا في اسطولهم وأقام ابن أبى دبوس يتقلب مع العرب واستدعاه ابن مكى من بعد ذلك لان يشتد به في استبداده فلم يتم أمره إلى أن هلك بحربة والله وارث الارض ومن عليها { الخبر عن مهلك أبى الحسن بن سيد الناس حاجب بجاية وولاية ابن أبى حى مكانه } قد قدمنا سلف هذا الرجل وأوليته وانه لحق بالامير أبى زكريا بتلمسان وأبلى في خدمته
فلما استولى الامير أبو زكريا على الثغر الغربي واقتطعه عن اعمال الحضرة ونزل ببجاية وظاهر بها تونس عقد لابي الحسن بن سيد الناس على حجابته وفوض إليه فيما وراء بابه وأجراه في رياسته على سنن أبى الحسن الرئيس قبله في دولة المستنصر الذى كانوا ينقلون طرقه وينزعون إلى مراميه بل كانت رياسة هذا في حجابته أبلغ من رياسة ابن أبى الحسن لجلاء جو الدولة ببجاية من مشيخة الموحدين الذين يزاحمونه كما كان ابن أبى الحسن من احمائهم فاستولى أبو الحسن بن سيد الناس على الدولة ببجاية وقام بأمر مخدومه أحسن قيام وصار إلى الحل والعقد وانصرفت إليه الوجوه وتمكن في يده الزمام إلى أن هلك سنة تسعين أعظم ما كان رياسة وأقرب من صاحبه مكانا وشرفا فأقام الامير أبو زكريا مكانه كاتبه أبا القاسم بن أبى حى ولا أدرى من أوليته أكثر من أنه من جالية الاندلس ورد على الدولة وتصرف في اعمالها واتصل بأبى الحسن بن سيد الناس فاستكتبه ثم رقاه واستخلصه لنفسه وأجره رسنه وتناول زمام الدولة من يد سيد الناس فقادها في يد مظفر خدمته حتى اجتمعت عليه الوجوه وأمله الخاصة واطلع السلطان على اضطلاعه وكفايته في أمور مخدومه وهلك أبو الحسن بن سيد الناس فرشحه السلطان بخطته فقام بها سائر أيامه وصدرا من أيام ابنه الامير أبى البقاء حتى كان من أمره ما نذكره بعد ان شاء الله تعالى من أمره { الخبر عن خروج الزاب عن طاعة الامير أبى حفص إلى طاعة الامير أبى زكريا وانتظام بسكرة في جماعته } كان السلطان أبو اسحق قد عقد على الزاب لفضل بن على بن مزنى من مشيخة بسكرة كما قدمناه ققام بأمره ولما هلك السلطان عدا عليه بعض أفاريق العرب الموطنين قرى الزاب بمداخلة قوم من أعدائه وقتلوه سنة ثلاث وثمانين كما نذكره وأملوا الاستبداد بالبلد فدفعهم عنها المشيخة من بنى زيان واستقلوا بأمر بلدهم وبايعوا للامير أبى(6/309)
حفص صاحب الحضرة ودانوا بطاعته على السنن وتواقعوا دانية منصور بن فضل بن مزنى وكان لحق بالحضرة عند مهلك ابنه بكرفة من أحياء هلال بن عامر وهم العرب المتولون أمر جبل أوراس ونزل على الشبه بأفاريقهم فاركبوه وكسبوه ولحق ببجاية سنة ثنتين وسبعين فنزل بباب السلطان ورغبه في ملك الزاب وصانع الحاجب ابن أبى حى بأنواع التحف وضمن له تحويل الدعوة بالزاب للسلطان الامير أبو زكريا وتسريب جبايته إليه فاستماله بذلك وعقد له على الزاب وامده بالعسكر ونازل بسكرة فامتنعت عليه ورأى مشيختها بنو دمار بعدهم عن ضريح تونس والحاح عدوهم منصور ابن فضل فأعلنوا بطاعة الامير أبى زكريا وبعثوا إليه ببيعتهم ووفدهم ودفع عادية ابن مزنى عنهم فأرجعهم بما أملوه من القبول وأن تسكون أحكامهم إلى قائد عسكره ونظر ابن مزنى مصروفا إلى بجاية ولما وصل الوفد إلى بسكرة خرجوا إلى القائد ومنصور بن مزنى فأدخلوه البلد ودانوا بالطاعة وتصرفت الامور على ذلك إلى أن كان من أمر منصور بن مزنى ما نذكره في اخباره ولم يزل الزاب في دعوة الامير أبى زكريا وبنيه إلى ان استولى على الحضرة وبنوه لهذا العهد كما تراه في الاخبار بعد ان شاء الله تعالى { الخبر عن مهلك عبد الله الفازازى شيخ الموحدين والحاجب أبى القاسم بن الشيخ رؤساء الدولة } كان أبو عبد الله الفازازى من مشيخة الموحدين وكان خالصة للسلطان أبى حفص وعقد له على العساكر كما قدمناه ودفعه إلى الحروب وتمهيد النواحى فقام في ذلك المقام المحمود ودوخ الجهات واستنزل الثوار ودفعهم وجبى الخراج وكانت له في ذلك آثار مذكورة وفى بلاد الجريد ومشيختها تصاريف وأحوال وهو الذى امتحن أحمد بن بهلول بسعاية المشيخة من أهل توزر وكج عنانه من مراميه إلى الرياسة عليهم وهلك آخر حركاته إلى بلاد الجريد على مرحلتين من تونس سنة ثلاث وتسعين ولسنة منها كان مهلك الحاجب أبى القاسم بن الشيخ وكان من خبر أوليته انه قدم من بلده دانية إلى
بجاية سنة ست وعشرين واتصل بعاملها محمد بن ياسين فاستكتبه وغلب عليه واستدعى ابن ياسين إلى الحضرة وابن الشيخ في جملته والتمس السلطان من يرشحه لكتابته ويخف عليه فاطنب ابن ياسين في وصف كاتبه أبى القاسم بن الشيخ وحلاه وابتلاه السلطان فلم يرضه وصرفه ثم راجع رأيه فيه واستحسنه ورسمه في خدمته وأمر ابن أبى الحسن بتلقينه الآداب وتصريفه في وجوه الخدمة ومذاهبها فكان له في ذلك غناء وخفة على مخدومه إلى ان هلك ابن أبى الحسن وكان الخراج بدار السلطان موقوفا على نظره من جملة ما إليه وكان قلمه عاملا فيه فأفرد ابن الشيخ بذلك بعد مهلكه إلى آخر أيام(6/310)
السلطان المنتصر ولما ولى السلطان الواثق استبد ابن أبى الحسن عليه كما قلناه فأبقاه على خطته واختصه لنفسه ودرجه في جملته ثم جاءت دولة السلطان أبى اسحق فأقامه في رسمه وزاحمه بأبى بكر بن خلدون صاحب اشغاله وكانت الرياسة الكبرى على عهده لبنيه أبى فارس ثم أبى زكريا عبد المؤمن من بعده ثم كانت قضية الدعى فاستولى على ملكهم فاستخلص أبا القاسم بن الشيخ واستضاف له إلى خطة الشفير كتاب العلامة في فواتح السجلات فلما ارتجع للسلطان أبى حفص ملكه وقتل الدعى خافه ابن الشيخ لما كان من رتبته عند الدعى فلاذ بالصلحاء لامارة من الخير والعبادة وصلت بينهم وبينه فشفعوا له وتقبلها السلطان وأظهر لهم ذات نفسه في الحاجة إلى استعماله وقلده حجابته مجموعة إلى تنفيذ كتاب العلامة في فواتح السجلاث فلما ارتجع السلطان أبو حفص ملكه وقتل الخارج وصرف العلامة إلى غيره من طبقة الدولة فلم يزل على ذلك إلى أن هلك سنة أربع وتسعين وبقى اسم الحجابة من بعده في هذه الخطط الثلاثة وأمر التدبير والحرب ورياستهما راجع إلى مشيخة الوحدين إلى أن تصرمت الاحوال واديل بعضها من بعض كما يأتيك أثناء الاخبار وقلد السلطان من بعد ابن الشيخ حجابته لابي عبد الله المحبى من طبقة الخير فقام بها إلى آخر الدولة والله وارث الارض ومن
عليها * (الخبر عن مهلك السلطان أبى حفص وعهده بالامر من بعده) * لم يزل السلطان أبو حفص على أكمل حالات الظهور والدعة إلى أن استوفى مدنه وأصابه وجع أول ذى الحجة من سنة أربع وتسعين ثم اشتد به الوجع وأهمه أمر المسلمين وما قلده من عدتهم فعهد لابنه عبد الله بالخلافة ثانى أيام التشريق ونكره الموحدون لتخلفه عن المراتب لصغره وانه لم يحتلم وتحدثوا في ذلك وأفضى الخبر إلى السلطان فأسخطه وعدل عنهم إلى الشورى مع الولى أبى محمد المرجاني وكان رأيه فيه جميلا وظنه به صالحا وكان الواثق بن المستنصر لما قتل هو وبنوه بمحبسهم فرت احدى جواريه وقد اشتملت على حمل منه إلى رباط هذا الولى فوضعته في بيته فسماه الشيخ محمدا وعق عليه وأطعم الفقراء يومئذ عصيدة الحنطة فلقب بأبى عصيدة إلى آخر الدهر ثم صار بعد الاختفاء ودواعيه إلى قصورهم ونشأ في ظل الخلفاء من قومه حيث شب وبقيت له مع الولى أبى محمد ذمة يثابر كل منها على الوفاء بها فلما فاوضه السلطان أبو حفص في شأن العهد وقص نكير الموحدين لولده أشار عليه الشيخ بصرف العهد إلى محمد بن الواثق فتقبل اشارته وعلم ترشيحه وأنفذ بذلك عهده بمحضر الملا ومشيخة الموحدين وهلك آخر ذى الحجة سنة أربع وتسعين والى الله المصير اه(6/311)
* (الخبر عن دولة السلطان أبى عصيدة وما كان على أثرها من الاحوال) * لما هلك السلطان أبو حفص اجتمع الملا من الموحدين والاولياء والجند والكافة إلى القصبة فبايعوا بيعة عامة لولى عهده السلطان أبى عبد الله محمد ويلقب كما ذكرناه بأبى عصيدة ابن السلطان الواثق في الرابع والعشرين لذى الحجة سنة أربع وتسعين فانشرحت ببيعته الصدور ورضيته الكافة وتلقب المستنصر بالله وافتتح أمره بقتل عبد الله ابن السلطان أبى حفص لمكان ترشيحه وقلد وزارته محمد بن يرزيكش من
مشيخة الموحدين وأبقى محمدا الشخشى على خطة الحجابة وصرف التدبير والعساكر ورياسة الموحدين إلى أبى يحيى زكريا بن أحمد بن محمد اللحيانى فقام بما دفع إليه من ذلك وضايقه فيه عبد الحق بن سليمان رئيس الموحدين قبله حتى إذا نكب وهلك استبد هو على الدولة واستقل الشخشى بحجابته وكان محمد بن ابراهيم بن الدباغ رديفا له فيها وكان من خبر ابن الدباغ هذا ان ابراهيم أبا ه وفد على تونس في جالية اشبيلية سنة ست وأربعين فولد هو بتونس ونشأ بها واستفاد صناعة الديوان وحسبانه من المبرزين فيه كابى الحسن وأبى الحكم بن مجاهد وأصهر اليهما في ابنة أبى الحسن فانكحاه ورشحاه للامانة على ديوان الاعمال ولما استقل أبو عبد الله الفازازى بالرياسة استكتبه وكان طياشا مستعصيا على الخليفة فكان كاتبه محمد بن الدباغ يروضه لاغراض الخليفة إذ دسها إليه الحاجب ابن الشيخ فيقع ذلك من الخليفة أحسن الموقع ولما ولى السلطان أبو عصيدة وكانت له عنوة سابقة رعاها وكان حاجبه الشخشى بهمة غفلا عن أدوات الكتاب فاستكتب السلطان ابن الدباغ ثم رقاه إلى كتابة علامته سنة خمس وتسعين وكان يتصرف فيها فأصبح رديفا للشخشى في حجابته وجرت أمور الدولة على ذلك إلى أن هلك الشخشى سنة تسع وتسعين فقلده السلطان حجابته فاستقل بها على ما قدمناه من ان التدبير والحرب مصروف إلى مشيخة الموحدين * (الخبر عن نكبة عبد الحق بن سليمان وخبر بنيه من بعده) * كان أبو محمد عبد الحق بن سليمان رئيس الموحدين لعهد السلطان أبى حفص وأصله من تينملل الموطنين بتيرس مذ أول الدولة كانت له ولسلفة الرياسة عليهم وصارت إليه رياسة الموحدين كافة بالحضرة أيام هذا السلطان وكان له خالصة وشيعة وكان حريصا على ولاية ابنه عبد الله للعهد وكان يدافع نكير الموحدين في ذلك فاسره بماله السلطان أبو عصيدة ولما استوثق له الامر وقتل عبد الله بمحبسه تقبض على أبى محمد محمد بن سليمان واعتقله في صفر سنة خمس وتسعين ولم يزل معتقلا إلى أن قتل بمحبسه على رأس
المائة وفر عند نكبته ابناه محمد وعبد الله فأما عبد الله فلحق بالامير أبى زكريا وصار(6/312)
في جملته إلى ان دخل تونس مع ابنه السلطان ابى البقاء خالد وأما محمد فأبعد المفر ولحق بالمغرب الاقصى ونزل على يوسف بن يعقوب سلطان بنى مرين من معسكر من حصار تلمسان فاستبلغ في تكريمه وأقام عنده مدة ثم عاود وطنه ونزل عن طريقه إلى النسك ولبس الصوف وصحب الصالحين وقضى فريضة الحج وامتد عمره وحسنت فيه ظنون الكافة واعتقدوا فيه وفى دعائه وكثرت غاشيته لالتماس البركة منه وأوجب الخلفاء ازاء ذلك تجلة أخرى وأوفدوه على ملوك زناتة مرة بعد مرة في مذاهب الرد وقصود الخير وحضر في بعض الجهاد بجبل الفتح عندما ازلته عساكر السلطان أبى الحسن ولم يزل هذا دأبه إلى ان هلك في الطاعون الجارف في منتصف المائة الثامنة والله تعالى أعلم * (الخبر عن مراسلة يوسف بن يعقوب سلطان بنى مرين ومهاداته) * كان السلطان أبو عصيدة لما استفحل أمره واستوسق ملكه حدث نفسه يغزو الناحية الغربية وارتجاع ثغورها من يد الامير أبى زكريا وكان الامير أبو زكريا قد انتقض عليه أهل الجزائر بعد مهلك عاملها عليها من الموحدين من بنى الحمارير وانتزى بها بعده محمد ابن علان من مشيختها واستفحل أمر عثمان بن يغمراسن وبنى عبد الواد من ورائه وتغلبوا على توجين ومغراوة وبلكين وكان سعيه لصاحب الحضرة بما كان متمسكا بدعوتهم ومتقبلا مذهب أبيه في بيعتهم فقويت عزائم السلطان أبى عصيدة لذلك ونهض من الحضرة سنة خمس وتسعين وتجاوز تخوم عمله إلى أعمال قسنطينة وأجفلت امامه الرعايا والقبائل وانتهى إلى ميلة وفيها كان منقلبه إلى حضرته في رمضان من سنته ولما ضايق عمل بجاية بغزوه أعمل الامير أبو زكريا نظره في تسكين الناحية الغربية ليتفرغ عنها إلى مدافعة السلطان صاحب الحضرة فوصل يده بعثمان بن يغمراسن
وأكد معه قديم الصهر بحادث الود والمواصلة وفى خلال ذلك زحف يوسف بن يعقوب سلطان بنى مرين إلى تلمسان وألقى عليها بكلكله واستجاش عثمان بن يغمراسن بالامير أبى زكريا فأمده بعسكر من الموحدين لقيهم عسكر من بنى مرين فهزموهم وأثخنوا فيهم قتلا ورجع فلهم إلى بجاية وسرح يوسف بن يعقوب عساكر بنى مرين إلى بجاية وعقد عليها لاخيه أبى يحيى بعد ان كان عثمان بن سباع وفد عيها نازعا عن صاحب بجاية إليه ومرغبا له في ملكها فأوسع له في الحباء والكرامة ما شاء وبعث معه هذا العسكر فانتهوا إلى بجاية وضايقوها ثم جاوزوها إلى تاكرارت وبلاد سدونكش وعاثوا في تلك الجهات ودوخوها وانقلبوا راجعين إلى السلطان يوسف بن يعقوب بمعسكره من تلمسان وكان السلطان أبى عصيدة صاحب الحضرة لما علم بامداد الامير أبى زكريا لعثمان بن(6/313)
يغمراسن بعث إلى يوسف بن يعقوب عدوهم وحرضه على بجاية ونواحيها وسفر له في ذلك رئيس الموحدين أبا عبد الله بن الكجار من اولى سفارته ثم سفر ثانية سنة ثلاث وسبعمائة بهدية ضخمة فأغرب فيها بسرج وسيف ومهماز من الذهب من صنعة الحلى الفاخر من حصى الياقوت والجوهر ورافقه في هذه السفارة الثانية وزير الدولة أبو عبد الله بن يرزكين ورجع بهدية ضخمة من يوسف بن يعقوب كان من جملتها ثلثمائة من البغال واتصلت المخاطبات والسفارات والهدايا والملاطفات وكان يوسف ابن يعقوب يكاتب السلطان في تلك الشؤن تعريضات ويكاتب رئيس الموحدين ابا يحيى اللحيانى وتردد عساكر بنى مرين إلى نواحى بجاية إلى أن هلك يوسف بن يعقوب كما يأتي في أخباره ان شاء الله تعالى { الخبر عن مقتل هداج وفتنة الكعوب وبيعتهم لابن أبى دبوس وما كان بعد ذلك من نكبتهم } كان هؤلاء الكعوب قد عظمت ثروتهم واصطناعهم منذ قيامهم بأمر الامير أبى حفص
فعمروا ونموا وبطروا النعمة وكثر عينهم وفسادهم وطال اضرارهم بالسابلة وحطمهم للجنات وانتهابهم الزرع فاضطغن لهم العامة وحقدوا عليهم سوء آثارهم ودخل رئيسهم هداج بن عبيد سنة خمس وسبعمائة إلى البلد فحضرته العيون وهمت به العامة وحضر المسجد لصلاة الجمعة فتجنوا عليه بأنه وطئ المسجد بخفيه وقال لم أنكر على ذلك انى أدخل مجلس السلطان بهما فنادوا به عقب الصلاة وقتلوه وجروا شلوه في سكك المدينة فزاد عينهم واجلابهم على السلطان واستقدم أحمد بن أبى الليل شيخ الكعوب لذلك العهد عثمان بن أبى دبوس من مكانه نواحى طرابلس ونصبه للامر وأجلب بعد على الحضرة فلم يزالا وخرج إليهم الوزير أبو عبد الله بن يرزكين في العساكر فهزمهم وسار بالعسكر لتمهيد الجهات وتسكين ثائرة العرب فوفد عليه أحمد بن أبى الليل ومعه سليمان من رجالات هوارة بعد ان راجع الطاعة وصرف ابن أبى دبوس إلى مكانه فتقبض عليهما وبعث بهما إلى الحضرة فلم يزالا معتقلين إلى ان هلك أحمد بمحبسه سنة ثمان وقام بأمر الكعوب محمد بن أبى الليل ومعه حمزة ومولاهم ابن أخيه عمر رديفين لهم خرج الوزير بعساكره سنة سبع واستوفد مولاهم ابن عمرو تقبض عليه وبعث به إلى الحضرة فاعتقل معه عمه أحمد وجاهر أخوه حمزة بالخلاف واتبعه عليه قومه فكثر عينهم وأضروا الرعايا وكثرت الشكاية من العامة ولغطوا بها في الاسواق وتصايحوا ثم نفر إلى باب يريدون الثورة فسد الباب دونهم فرموا بالحجارة وهم في ذلك يعتدون ما نزل بهم عند الحاجب ابن الدباغ ويطلبون شفاء صدورهم بقتله ورفع أمرهم الحاجب واستلحمهم(6/314)
جميعا فأبى من ذلك السلطان وأمره بملاطفتهم إلى ان مكنت بيعتهم ثم تتبع بالعقاب من تولى كبر ذلك منهم وانحسم الداء وكان ذلك في رمضان من سنة ثمان واستمر العرب في غلوائهم إلى أن هلك السلطان فكان ما يأتي ذكره ان شاء الله تعالى والله أعلم * (الخبر عن انتقاض أهل الجزائر واستبداد ابن علان بها) *
قد قدمنا ما كان من انتقاض الجزائر أيام المستنصر ودخول عساكر الموحدين عليهم عنوة واعتقال مشيخته بتونس حتى أطلقوا بتونس بعد مهلكه ولما استقل الامير أبو زكريا الاوسط بملك الثغور الغربية من بجاية وقسنطينة وكان الوالى على الجزائر ابن الحكم زمن الموحدين فبادر إلى طاعته باتفاق من مشيخة الجزائر ووفد عليه وكتب ابن الكجار بولايتها فلم يزل واليا عليهم إلى ان نشأت بنو مرين وزحفوا إلى بجاية وكان ابن الجكمار قد أسن وهرم فأدركته الوفاة خلال ذلك وكان ابن علان من مشيخة الجزائر مختصا به ومنتصرا بأوامره ونواهيه ومصدرا لامارته حصلت له بذلك الرياسة على أهل الجزائر سائر أيامه ويقال كان له معه صهر فلما وصل ابن الكجار حدثته نفسه بالاستبداد والانتزاء بالجزائر فبعث عن أهل الشوكة من بطوانة ليلة هلاك أميره وضرب أعناقهم وأصبح مناديا بالاستبداد والامير أبو زكريا عنده لما كان من منازلة بنى مرين ببجاية إلى ان هلك وبقيت في انتقاضبها على الموحدين آخر الدهر إلى ان تملكها بنو عبد الواد كما يذكر ان شاء الله تعالى * (الخبر عن مهلك الامير أبى زكريا وبيعة ابنه الامير أبى البقاء خالد) * كان الامير أبو زكريا قد استولى على الثغور الغربية كما قلنا واقتطعها من أعمال الحضرة وقسم الدعوة الحفصية بدولتين وكان على غاية من الحزم والتيقط والصرامة لم يبلغها سواه وكان كثير الاشراف على وطنه والمباشرة لاعماله بنفسه وسد خلله ولم يزل على ذلك إلى أن هلك على رأس المائة السابعة وكان قد عهد بالامر لابنه الامير أبى البقاء خالد سنة ثمان وتسعين وعقد له على قسنطينة وأنزله بها فلما هلك الامير أبو زكريا جمع الحاجب أبو القاسم بن أبى حى مشيخة الموحدين وطبقات الجند وأخذ بيعتهم للامير أبى البقاء وطير له بالخبر واستقدمه فقدم وبويع البيعة العامة وأبقى ابن أبى حى على حمايته واستوزر يحيى بن أبى الاعلام وقدم على صنهاجة أبا عبد الرحمن بن يعقوب بن حلوب منهم ويسمى المزدار وقلد رياسة الموحدين أبا زكريا يحيى بن زكريا من أهل البيت
الحفصى واستمر الامر على ذلك إلى ان كان ما نذكره ان شاء الله تعالى * (الخبر عن سفارة القاضى الغيرينى ومقتله) *(6/315)
قد قدمنا ما كان من زحف بنى مرين إلى بجاية بمداخلة صاحب تونس ولما تولى السلطان أبو البقاء اعتزم على المواصلة مع صاحب تونس قطعا للزبون عنه وعين للسفارة في ذلك شيخ القرابة المائة أبا زكريا يحيى بن زكريا الحفصى ليحكم شأن المواصلة بينهما وبعث معه القاضى أبا العباس الغيرينى كبير بجاية وصاحب شوراها فأدى رسالتهم انقلبوا إلى بجاية ووجد بطانة السلطان السبيل في الغيرينى فأغروه به وأشاعوا أنه داخل صاحب الحضرة في التوثب بالسلطان وتولى كبر ذلك ظافر الكبير وذكر بحديثه وما كان منه في شأن السلطان أبى اسحق وانه أغرى بنى غبرين به فاستوحش منه السلطان وتقبض عليه سنة أربع وسبعمائة ثم أغروه بقتله فقتل بمحبسه في سنة ثلاث وتولى قتله منصور التركي والله غالب على أمره { الخبر عن سفارة الحاجب بن أبى حى إلى تونس وتنكر السلطان له بعدها وعزله } ولما ولى السلطان أبو البقاء كانت عساكر بنى مرين مترددين إلى أعمال بجاية بمداخلة صاحب تونس كما ذكرناه فدوخوا نواحيها وكان ابن أبى حى مستبدا على الدولة في حجابته فضاق ذرعه بشأنهم وأهمته حال الدولة معهم ورأى ان اتصال اليد بصاحب الحضرة مما يكف عن عزمهم فعزم على مباشرة ذلك بنفسه لوثوقه من سلطانه فخرج من بجاية سنة خمس وسبعمائة وقدم إلى الحضرة رسولا على سلطانه فاهتزت له الدولة ولقى بما يجب له ولمرسله من البر وأنزله شيخ الموحدين ومدبر الدولة أبو يحيى زكريا بن اللحيانى بداره استبلاغا في تكريمه وقضى من أمر تلك الرسالة حاجة صدره وكانت بطانة الامير أبى البقاء لما خلا لهم وجه سلطانهم منه تهافتوا على النصح إليه والسعاية بابن أبى
حى عنده وشمر لذلك يعقوب بن عمر وجلا منه وتابعه عليه عبد الله الرخامى من كاتب ابن أبى حى وصديقه بما كان ابن طفيل قريبه يسخط عليه الناس ويوغر له صدورهم ببأوه وتمغيره بهم فالح له العداوة في كل جانحة وأسخطه على عبد الله الرخامى وكان صديقه ومداخله فتولى من السعاية فيه مع يعقوب بن عمر كبرها وألقى إلى السلطان أن ابن أبى حى داخل صاحب الحضرة في تمكينه بثغور قسنطينة بما كان على الامير العامل بقسنطينة صهرا لابن أبى حى وهو الذى ولاه عليها فاستراب السلطان به وتنكر له بعد عوده من تونس وخشى كل منهما بادرة صاحبه ثم رغب ابن أبى حى في قضاء فرضه وتخلية سبيله إليه فأسعف وخرج من بجاية ذاهبا إلى الحج ولحق بالقبائل من ضواحي قسنطينة وبجاية فنزل عليهم وأقام بينهم مدة ثم لحق بتونس وأقام بها إلى حين مهلك السلطان أبى عصيدة وبيعة أبى بكر الشهيد وحضر دخول الامير أبى البقاء عليه بتونس وخلص(6/316)
من تيار تلك الصدمة فلحق بالمشرق وقضى فرضه ثم عاد إلى المغرب وفر بافريقية ولحق بتلمسان وأغرى أبو حمو بالحركة على بجاية فكان ما نذكره ان شاء الله تعالى * (الخبر عن حجابة أبى عبد الرحمن بن عمر ومصاير أمره) * هو يعقوب بن أبى بكر بن محمد بن عمر السلمى وكنيته أبو عبد الرحمن كان جده محمد فيما حدثنى أهل بيتهم قاضيا بشاطبة وخرج مع الجالية أيام العدو إلى تونس ونزل بالربع الجوفى أيام السلطان أبى عصيدة وانتقل ابناه أبو بكر ومحمد إلى قسنطينة ونزلا على ابن أوقتان العامل عليها من مشيخة الموحدين لعهد الامير أبى زكريا الاوسط فأوسعهما عناية وتكريما وولى أبا بكر على الديوان واستخلصه لنفسه وكان يتردد إلى الحضرة ببجاية في شؤنه فاتصل بمرجان الخصى من موالى الامير أبى زكريا وخواص داره واستخدم على يد الامير خالد وأمه من كرائم السلطان فحظى عندهم وتزوج ابنه يعقوب من بنات القصر وخوله ونشأ في جو تلك العناية وأعلقوا بصحبة الحاج فضل
قهرمان دار السلطان وخاصته فاستخدم له سائر أيامه إلى ان هلك وكان الحاج فضل كثيرا ما يتردد إلى الاندلس لاستجادة الثياب منها وبعثه السلطان آخر امره إلى الاندلس فاستصحب ابن عمر وهلك الحاج فضل هنا لك فعدل السلطان عن خطاب ابنه محمد إلى خطاب ابن عمر فأمره باتمام ذلك العمل والقدوم به فقدم هو وابن الحاج فضل وساء لهما السلطان عن عملهما فكان ابن عمر أوعى من صاحبه فحلى بعينه وخف عليه واعتلق بذمة من خدمته أحظته عند السلطان ورقته فاستعمل في الجباية ثم قلد أعمال الاشغال وزاحم ابن أبى حى وعبد الله الرخامى وغصوا به فأغروا السلطان بنكبته فنكبه وأشخصه إلى الاندلس فأقام هنا لك واستعطف السلطان أبا البقاء بعد مهلك أبيه وتشفع بوسائل خدمته فاستقدمه وقدم على على وحسين ابني الرنداحى وركب معهما البحر إلى بجاية في مغيب ابن أبى حى كما ذكرناه فقلد السلطان حجابته ليعقوب بن عمر وقدم على الاشغال عبد الله الرخامى وكان ناهضا في أمور الحجابة لمباشرتها مع مخدومه فأصبح رديفا لابن عمر وغص بمكانه فأغرى به السلطان ودله على مكان تثريبه وعلى عداوته فنكب وصودر وامتحن وغرب إلى ميورقة حتى افتداه يوسف بن يعقوب سلطان بنى مرين من أسره واستقدمه ليقلده أشغاله عن تنكره لعبد الله بن أبى مدين كما نذكره في اخباره فهلك يوسف بن يعقوب دون ما أمل من ذلك وأقام الرخامى بتلمسان وبها كان مهلكه واستقل يعقوب بن عمر بأعباء خطته واضطلع بها وفوض إليه السلطان في الابرام والنقض فحول المراتب بنظره وأجرى الامور على غرضه وكان أول ما أتاه صرعته لمرجان مصطنعه ملا صدر السلطان عليه وحذره مغبته فتقبض(6/317)
عليه وألقى في البحر فالتقمه الحوت فخلا وجه السلطان لابن عمر وتفرد بالعقد والحل إلى أن استولى السلطان أبو البقا على الحضرة وكان من أمره ما يذكر ان شاء الله تعالى { الخبر عن ثورة ابن الامير بقسنطينة وبيعة السلطان
أبى عصيدة ثم فتح السلطان أبى البقاء خالد لها وقتله } كان يوسف بن الامير الهمداني بعد ان قتله بطنجة أبناء أبى يحيى من بنى مرين كما يأتي في أخبارهم انتقل بنوه إلى تونس أيام المستنصر ورعى لهم السلطان وسيلة قيامهم بالدعوة الحفصية أيام على ابن خلاص بسبتة وبعدها إلى أن غلبهم عليها العزفى كما نذكره في أخبارهم فلقاهم مبرة وتكريما ونزلوا من الحضرة حين نزل تحت جارية ونعمة وعناية وكان كبيرهم متحمقا متعاظما فربما لقى من الدولة لذلك شغبا الا أن الابقاء عليهم صار مانعا من اضطهادهم ونشأ بنوهم في ظل ذلك النعيم ثم هلك السلطان واضطربت الامور وضرب الدهر ضرباته ولحق على منهم بالثغر الغربي وتأكدت له مع ابن أبى حى لحمة نسب وذمة صهر ووشجت بينهما عروقها فلما استقل ابن أبى حى بحجابة الامير أبى زكريا لم يأل جهدا في مشاركة على ابن الامير وترقيته المنازل إلى أن ولاه ثغر قسنطينة مستقلا بها وحاجبا للسلطان أبى بكر بن الامير أبى زكريا وأنزله معه فقام بحجابته وأظهر فيها غناءه وحزمه حتى إذا سخط السلطان ابن أبى حى وصرفه عن حجابته تنكر أبو الحسن بن الامير وخشى بوادر السلطان فحول الدعوة إلى صاحب الحضرة وطير إليه بالبيعة واستدعى المدد والنائب فوصله رئيس الموحدين والدولة أبو يحيى زكريا بن أحمد بن محمد اللحيانى وعقد البيعة لسلطانه سنة أربع وسبعمائة وبلغ الخبر إلى السلطان أبى البقاء ببجاية فنهض إليه بالعساكر آخر سنة أربع وسبعمائة ونازله أياما فامتنع عليه وهم بالافراج عنه ثم داخل رجل من بطانة ابن الامير يعرف بابن نوزة أبا الحسن بن عثمان من مشيخة الموحدين وكان معسكره بباب الوادي فناجزهم الحرب من هنا لك حتى انتهى إلى السور فتسنمه المقاتلة باغضاء ابن موزة لهم عنه وركب السلطان في العساكر عند الصدمة ووقف على باب البلد وقد استكمن أولياؤه منه فخرج إليه بنو المعتمد وبنو باديس ومشيخة البلد فاقتحم البلد عنوة ومضى أبو محمد الرخامى واستنزله ثم حمله في رجال السلطان إلى دار ابن الامير فغشيه بها وقد انفض عنه
الناس واستخفى بغرفة من غرف داره واستمار فلاطفه الرخامى واستنزله ثم حمله على برذون مستدبرا وأحضره بين يدى السلطان فقتل ونصب شلوه وأصبح آية للمعتبرين والله أعلم * (الخبر عن حركة السلطان أبى البقاء إلى الجزائر) *(6/318)
قد قدمنا ما كان من انتفاض الجزائر على الامير أبى زكريا واستبداد ابن علان بها فلما استولى السلطان أبو البقاء على الامر وتمهدت له الاحوال وأقلع بنو مرين بعد مهلك يوسف بن يعقوب عن تلمسان أعمل السلطان نظره في الحركة إليها فخرج إليهم سنة سبع أو ست وانتهى إلى منيجه ودخل في طاعته منصور بن محمد شيخ ملكين وجمع قومه ولجأ إليه راشد بن محمد بن ثابت بن منديل أمير مغراوة هاربا امام بنى عبد الواد فاواه إلى ظله وألقى عليه جناح حمايته واحتشد جميع من في تلك النواحى من القبائل وزحف إلى الجزائر وأقام عليها أياما فامتنعت عليه وأنكفأ راجعا إلى حضرته ببجاية ومطاولته الجزائر بالقتال إلى ان كان من أمرها وتغلب بنو عبد الواد عليها كما نذكره في أخبارهم وجاء معه راشد بن محمد إلى بجاية متذمما لخدمته إلى أن قتله عبد الرحمن بن خلوف كما يذكر في موضعه ان شاء الله تعالى * (الخبر عن السلف وشروطه بين صاحب تونس وصاحب بجاية) * لما افتتح السلطان أبو البقاء خالد قسنطينة وقتل ابن الامير وفرغ من ذلك الشأن أدرك أهل الحضرة الندم على ما استدبر وأمن مهادنة صاحب الثغر وقارن ذلك مهلك يوسف ابن يعقوب الذى كانوا يرجونه شاغلا له فجنحوا إلى السلم وبعثوا وفدهم في ذلك إليه فأسدوا وألحمموا وشرط عليهم السلطان أبو البقا ان من هلك منهما قبل صاحبه فالامر من بعده للآخر والبيعة له فتقرر الشرط وحضر الملا والمشيخة من الموحدين ببجاية ثم بتونس فأشهدوا به على أنفسهم وربط ذلك العهد وأحكمت أو أخيه إلى أن نقضها
أهل الحضرة عند مهلك السلطان أبى عصيدة كما نذكره ان شاء الله تعالى * (الخبر عن سفر شيخ الدولة بتونس ابن اللحيانى لحصار جربة ومضيه منها إلى الحج) * لما انعقد أمر هذا الصلح واستتم راجع رئيس الدولة أبو يحيى زكريا بن اللحيانى نظره لنفسه وأعمل فكره في الخلاص ممن استوطنه وكان يؤمل رجوع الوفد المقربين بالهدية من أمراء الديار المصرية إلى يوسف بن يعقوب فيصحبهم لقضاء فرضه وأبطأ عليه شأنهم فاعتزم على قصده وورى بحركة آل جزيرة جربة لاسترجاعها من أيدى النصارى والرجوع عنها ففر بعد ذلك إلى الجريد لتمهيد أحواله وتناول الرأى في الظاهر من أمره مع السلطان فأذن له وسرح معه العساكر فخرج من تونس في جمادى سنة ست غازيا آل جربة ولم يزل يغذ السير حتى انتهى إلى محازها ثم عبر عنه إلى الجزيرة وكانت النصارى لما تغلبوا عليها سنة ثمان وثمانين شيدوا بها حصنا لاعتصام الحامية بالقشتيل فنزلت العساكر عليه وأبعد الشيخ أبو يحيى عماله ببجاية وأقام في منازلته(6/319)
شهرين وانقطعت الاقوات واستعصى الحصن الا بالمطاومة فرجع إلى قابس ثم ارتحل إلى بلاد الجريد وانتهى إلى توزر ونزلها وأعمل في خدمته أجمع محمد بن بهلول من مشيختها فاستولى جباية الجريد وعاد إلى قابس وأنزله عبد الملك بن عثمان بن مكى بداره وصرح بما ورى عنه من حجه وصرف العساكر إلى الحضرة وولى بعده رياسة الموحدين وتدبير الدولة أبو يعقوب بن يزدوتن وتحول عن قابس إلى بعض جبالها تجافيا عن هوائها الوخم وأقام في انتظار الركب الحجازى وكان مريضا فتحول إلى طرابلس فأقام بها عاما ونصفه إلى ان وصل وفد الترك من الغرب الاقصى آخر سنة ثمان فخرج معهم حاجا ثم قضى فرضه وعاد فكان من شأنه واستيلائه على منصب الخلافة ما يأتي ذكره ووصل من النصرانية إلى قشتيل سنة ثمان بعد منصرف العساكر عنهم وفيهم مدرك ابن الطاغية صاحب صقلية فقاتلهم أهل الجزيرة من المكارية بنظر أبى عبد الله بن
الحسين من مشيخة الموحدين ومعه ابن أومغار في قومه من أهل جربة فأظفره الله بهم ولم يزل شأن هذه الجزيرة من المكان مع العدو كذلك منذ نشأت دولة صنهاجة وربما وقعت الفتنة بين المكارية فتصل احدى الطائفين يدها بالنصارى إلى ان كان ارتجاعها في هذه النوبة سنة وأربعين لعهد مولانا السلطان أبى يحيى كما نذكره في اخباره ان شاء الله تعالى * (الخبر عن مهلك السلطان أبى عصيدة وخبر أبى بكر الشهيد) * كان السلطان أبو عصيدة بعد تهيؤ سلطانه وتمهيد ملكه طرقه مرض الاستسقاء فأزمن به ثم مات على فراشه في ربيع الآخر سنة تسع ولم يخلف ابنا وكان بقصرهم سبط من أعقاب الامير أبى زكريا جدهم من ولد أبى بكر ابنه الذى ذكرنا وفاته في خبر شقيقه أبى حفص في فتح مليانة أيام السلطان المستنصر فلم يزل بنوه في قصورهم وفى ظل ملكهم ونشأ منهم أبو بكر بن عبد الرحمن بن أبى بكر في ايالة السلطان أبى عصيدة وربى في جميع نعمته فلما هلك السلطان أبو عصيدة ولم يعقب وكان السلطان أبو البقاء خالد قد نزع إليه حمزة بن عمر عند الايالة من خروج أخيه من محبسه فرغبه في ملك الحضرة واستحثه عليها ثم وصل أبو عبد الله بن يرزكين السلطان أبا عصيدة واستنهض السلطان أبا البقاء من ملك تونس فنهض كما نذكر واستراب الموحدون بتونس في شأن حركته فخافوه على أنفسهم فبايعوا لهذا الامير أبى بكر الذى عرف بالشهيد بما كان من قبله لسبع عشرة ليلة من بيعته وأبقى أبا عبد الله بن يرزكين على وزارته وزحزح محمد بن الدباغ عن رتبة الحجابة فتوعده لما كان يحقد عليه من التقصير به أيام سلطانه فكان عونا عليه إلى ان هلك عند استيلاء السلطان أبى البقاء كما نذكره ان شاء الله تعالى(6/320)
* (الخبر عن استيلاء السلطان أبى البقاء على الحضرة وانفراده بالدعوة الحفصية) * لما بلغ السلطان أبا البقاء بمكانه من بجاية وأعمالها الخبر بمرض السلطان أبى عصيدة
مع ما كان من العقد بينهما بأن من مات قبل صاحبه جمع الامر بعده للآخر داخلته الظنة أن ينتقض أهل الحضرة في هذا الشرط واعتزم على النهوض لمشارفة الحضرة ووصل إليه حمزة بن عمر نازغا عنهم فرغبه واستحثه وخرج من بجاية في عساكره وورى بالحركة إلى الجزائر لما كان من انتقاضهم على أبيه واستبداد ابن علان بها ثم ارتحل إلى قصر جابر وعند بلوغه إليه ورد الخبر بمهلك السلطان أبى عصيدة وبيعة الموحدين بعده لابي بكر بن عبد الرحمن بن أبى بكر ابن الامير أبى زكريا فاضطغنها على الموحدين وأغذ السير وانحاش إليه كافة أولاد أبى اليل واجتمع أمثالهم أولاد مهلهل إلى صاحب تونس وخرج معهم شيخ الدولة أبو يعقوب بن يزدرتن والوزير أبو زنكن أبو عبد الله بن تبكن في العساكر للقاء ووقوا سلطانهم بأنفسهم فلما زحف إليهم السلطان أبو البقاء اختل مصافهم وانهزموا وانتهب المعسكر وقتل الوزير أبو زنكن وأجفلت أحياء العرب إلى القفر ودخل العسكر إلى البلد واضطرب الامر وخرج الامير أبو بكر بن عبد الرحمن فوقف بساحة البلد قليلا ثم تفرق عنه العسكر وتسايلوا إلى السلطان أبى البقاء وفر أبو بكر ثم ادرك ببعض الجهات فمثل إلى السلطان فاعتقله وغزا بالسلطان أهل الحضرة من المشيخة والموحدين والفقهاء والكافة فعقدوا بيعته وقتل الامير فسمى الشهيد آخر الدهر وباشر قتله ابن عمه أبو زكريا يحيى بن زكريا شيخ الموحدين ودخل السلطان من الغد إلى الحضرة واستقل بالخلافة وتلقب بالناصر لدين الله المنصور ثم استضاف إلى لقبه المتوكل وأبقى ابا يعقوب بن يزدرتن في رياسته على الموحدين مشاركا لابي زكريا يحيى بن ابى الاعلام الذى كان رئيسا عنده قبلها واستمر على خطة الحجابة أبو عبد الرحمن يعقوب بن عمر وولى على الاشغال بالحضرة منصور بن فضل بن مزنى وجرت الحال على ذلك إلى أن كان ما نذكره ان شاء الله تعالى * (الخبر عن بيعة ابن مزنى يحيى بن خالد ومصاير أموره) * كان يحيى بن خالد ابن السلطان أبى اسحق في جملة السلطان أبى البقاء خالد وتنكرت له
الدولة لبعض النزغات فخشى البدار وفر فلحق بمنصور بن مزنى وكان منصور قد استوحش من ابن عمر فدعاه إلى القيام بأمره فأجاب وعقد له على حجابته وجمع له العرب وأجمع على قسنطينة أياما وبها يومئذ ابن طفيل وكانت قد اجتمعت ليحيى بن خالد زعنفة من الاوغاد اشتملوا عليه واشتمل عليهم وأغروه بابن مزنى فوعدهم إلى حين ظفره واطلع ابن مزنى على سوء دغلته فنفض يده من طاعته وانصرف عنه إلى بلده فانفضت جموعه(6/321)
وراجع ابن مزنى طاعة السلطان أبى البقاء ومخالصة بطانته وحاجه فتقبلوه ولحق يحيى بن خالد بتلمسان مستجيشا ونزل على أميرها أبى زيان محمد بن عثمان بن يغمراسن فهلك لايام من قدومه وولى بعده أبو حمو موسى بن عثمان فأمده وزحف إلى محاربة قسنطينة فامتنعت عليه ثم استدعاه ابن مزنى إلى بسكرة فأقام عنده وأسنى له الجراية ورتب عليه الحرس وكان السلطان ابن اللحيانى يبعث إليه من تونس بالجائزة مصانعة له في شأنه حتى لقد أقطع له بتونس من قرى الضاحية ما كان للسلطان وابنه فلم يزل في اسهامه واسهام بنيه من بعده إلى أن هلك يحيى بن خالد بمكان عنده سنة احدى وعشرين والله تعالى أعلم * (الخبر عن بيعة السلطان أبى بكر بقسنطينة على يد الحاجب ابن عمر وأولية ذلك) * لما نهض السلطان أبو البقاء إلى الحضرة عقد على بجاية لعبد الرحمن بن يعقوب بن مخلوف مضافا إلى رياسته في قومه كما كانوا يستخلفون أبا ه عليها عند سفرهم عنها وكان يلقب المزوار وجعله حاجبا لاخيه الامير أبى بكر على قسنطينة فانتقل إليها وعكف السلطان أبو البقاء في تونس وعظم بطشه فقتل عدوان بن المهدى من رجالات سدونكش ودعار بن حريز من رجالات ابن امانج فتفاوض رجال الدولة في شأنه وخشوا غدرته وأعمل الحاجب ابن عمر وصاحبه منصور بن فضل عامل الزاب الحيلة في التخلص من ايالته واستعصب راشد بن محمد أمير مغراوة كان نزع إليهم عند استيلاء
بنى عبد الواد على وطنهم فتلقوه من الكرامة بما يناسبه واستقر في جملتهم وعليه وعلى قومه تدور رحى حروبهم واستصحب السلطان أبو البقاء خالد إلى الحضرة الامير على زناتة فدفع بعضهم حشمه إلى الحاجب في مقعد حكمه وقد استعدى عليه بعض الخدم فأمر بقتله لحينه وأحفظ ذلك الامير راشد بن محمد فرتب لها عزائمه وقوض خيامه لحينه مغاضبا فوجد الحاجب بذلك سبيلا إلى قصده وتمت حيلته وحيلة صاحبه وأهم السلطان شأن بجاية ونواحيها وخشى عليها من راشد بما كان صديقا ملاطفا لعبد الرحمن بن مخلوف وفاوضهما فيمن بدفعه إليها فأشار عليه الحاجب بمنصور بن مزنى وأشار منصور بالحاجب وتدافعاها أياما حتى دفعاها جميعا إليه وطلب ابن عمر من السلطان العقد لاخيه أبى بكر على قسنطينة فعقد له وولى عليا ابن عمه الحجابة بتونس نائبا عنه وفصل من الحضرة ولحق بقسنطينة وصرف منصور بن فضل إلى عمله بالزاب فكان من خلافه ما يذكر وقام ابن عمر بخدمة السلطان أبى بكر بتصرف في حجابته ثم داخله في الانتقاض على أخيه وبدت مخايل ذلك عليهم فارتاب لهم السلطان أبو البقاء وأحس على بن الغمر بارتيابه فلحق بقسنطينة وجهز السلطان أبو البقاء عسكرا وعقد(6/322)
عليه لظافر مولاه المعروف بالكبير وسرحه إلى قسنطينة فانتهى إلى باجة وأناخ بها إلى أن كان من أمره ما يذكر وبادر ابن عمر إلى المجاهدة ودعا مولانا السلطان أبا بكر إليه فأجابه وأخذله البيعة على الناس فتمت سنة احدى عشرة وسبعمائة وتلقب بالمتوكل وعسكر بظاهر قسنطينة إلى أن بلغه مجاهرة ابن مخلوف بخلافهم فكان ما نذكره ان شاء الله تعالى { الخبر عن استيلاء السلطان على بجاية ومقتل ابن مخلوف وما كان من الادارة في ذلك } كان يعقوب بن مخلوف ويكنى أبا عبد الرحمن كبير صنهاجة من جند السلطان الموطنين
بنواحي بجاية وكان له مكان في الدولة وغناء في حروبهم ودفاع عدوهم ولما نزلت عساكر بنى مرين على بجاية مع أبى يحيى بن يعقوب بن عبد الحق سنة ثلاث وسبعمائة كان له في حروبهم مقامات مذكورة وآثار معروفة وكان الامير أبو زكريا وابنه يستخلفونه بجاية ازمان سفرهم عنها وكان يلقب بالمزوار ولما هلك خلفه في سبيله تلك ابنه عبد الرحمن واستخلفه السلطان أبو البقاء خالد على بجاية عندما نهض إلى تونس سنة تسع وأنزله بها وكان طموعا لجوجا مدلا ببأسه وقدمه ومكانه من الدولة فلما دعا السلطان أبو بكر لنفسه وخلع طاعه أخيه وأخذله أبو عبد الرحمن بن عمر البيعة على الناس وخاطبوه بأخذ البيعة له على من يليه ببجاية وأعمالها فأبى منها وتمسك بدعوة صاحبه ونفس على ابن عمر ما تحصل له من ذلك من الحظ فجاهر بخلافهم وجمع واحتشد وتقبض على صاحب الاشغال عبد الواحد بن القاضى أبى العباس الغمارى وعلى صاحب الديوان محمد بن يحيى القالون مصطنع الحاجب بن عمر من أهل المرية كان اسدي إليه عند اجتيازه به معروفا ورحل إليه عندما استولى على لرتبة ببجاية فكافأه عن معروفه واصطنعه وألقى عليه محبته ورقاه إلى الرتب وصرفه في أعمال الجباية وقلده ديوان بجاية فتقبض عبد الرحمن بن مخلوف عليه وعلى صاحبه وجمع الناس وأعلن بالدعوة للسلطان أبى البقاء خالد وارتحل السلطان أبو بكر من معسكره بظاهر قسنطينة وأغذ السير إلى بجاية ونزل مطلا عليه وأمهل الناس عامه يومهم وشرط ابن مخلوف على السلطان عزل ابن عمر وترددت الرسل بينهم في ذلك وكان الوزير أبو زكريا بن أبى الاعلام من الساعين في هذا الاصلاح بما كان له من الصهر على ابن مخلوف وحين رجع إليه بامتناع السلطان عن شرطه ومنعه من الرجوع إليهم وحبسه عنده وزحف أهل المعسكر بالسلطان وخاموا عن لقاء صنهاجة ومن معهم من مغراوة أهل الشوكة والعصبية والعدد والقوة وأجفل السلطان من معسكره فانتهب وأحدث(6/323)
إليه وسلب من كان من المعسكر وأخلاط الناس ودخل السلطان إلى قسنطينة في فل من عسكره وبعث ابن مخلوف عسكرا في اتباعه فوصلوا إلى ميله فدخلوها عنوة ثم وصلوا إلى قسنطينة فقاتلوها أياما ثم رجعوا إلى بجاية وأقام السلطان واضطرب أمره وتوقع زحف ظافر إليه من باجة واتصل به أن أبا يحيى زكريا بن أحمد اللحيانى قفل من المشرق وانه لما انتهى طرابلس دعا لنفسه لما وجد بافريقية من الاضطراب فبويع وتوافت إليه العرب من كل جهة فرأى السلطان من مذاهب الحزم أن يبعث إليه بالحاجب ابن أبى عبد الرحمن بن عمر ليشيد من سلطانه ويشتغل أهل الحضرة عنه فورى بالفرار عن السلطان وتواطأ معه على المكر بابن مخلوف في ذلك ولحق ابن عمر باللحيانى واستحثه لملك تونس وهون عليه الامر وغدا السلطان عند فصول ابن عمر على منازله فكبسها وسطا بحاشيته وولى حجابته حسن بن ابراهيم بن أبى بكر بن ثابت رئيس أهل الجبل المطل على قسنطينة والقل من كتامة ويعرف قومه ببنى نهلان وكان قد اصطنعه من قبل وارتحل بالعساكر إلى بجاية سنة ثنتى عشرة واستخلف على قسنطينة عبد الله بن ثابت أخا الحاجب وأشيع بالجهات أن السلطان تنكر لابن عمر وسخطه وأنه ذهب إلى ابن اللحيانى واستجاشه على الحضرة وبلغ ذلك ابن مخلوف واستيقن اضطراب حال السلطان خالد بتونس فطمع في حجابة السلطان أبى بكر وتوثق لنفسه منه بالعهد بمداخلة عثمان ابن سل بن عثمان بن سباع بن يحيى من رجالات الزواودة والولى يعقوب الملاذى من نواحى قسنطينة وأغذ السير من بجاية ولقى السلطان ببرجيوه من بلاد مدونكش فلقاه مبرة ورحبا ثم استدعاه من جوف الليل على رواقه إلى شرب مع مواليه فعاقرهم الخمر إلى أن ثمل واستغضبوه ببعض النزعات فغضب وأفزع فتناولوه طعنا بالخناجر إلى أن قتلوه وجر واشلوه فطرحوه بين الفساطيط وتقبض على سائر قومه وحاشيته وفر كاتبه عبد الله بن هلال فلحق بالمغرب وارتحل السلطان مغذا إلى بجاية فدخلها وظفر بها وتملك بها حتى ريا ملكه وعلا وكان دخوله إلى بجاية على حين غفلة
من أهلها واستولى السلطان على سائر المملكة التى كانت تحت ايالة أبيه بالجهة المعروفة بالناحية الغربية وتكمل واستوسق له أمرها وأقام في انتظار صاحبه ابن عمر إلى أن كان من الامر ما نذكره ان شاء الله تعالى { الخبر عن مهلك السلطان أبى البقاء خالد واستيلاء السلطان أبى يحيى بن اللحيانى على الحضرة } كان السلطان أبو البقاء خالد بعد بيعة السلطان أبى بكر بقسنطينة قد اضطربت أحواله وجهز إليه العساكر لمنازلة قسنطينة وعقد عليها لمولاه ظافر المعروف بالكبير فعسكر(6/324)
ببجاية وأراح ينتظر أمر السلطان وكان أبو يحيى زكريا بن أحمد بن محمد بن اللحيانى ابن أبى محمد عبد الواحد ابن الشيخ أبى حفص قد بويع بطرابلس لما قفل من المشرق ورأى اضطراب الاحوال ووفد عليه هنا لك الحاجب أبو عبد الرحمن بن عمر بهدية من السلطان أبى بكر وانه يمده ويظاهره على شأنه فأحكم ذلك من عقدتي وشد من أمره وتوافت إليه رجالات الكعوب أولاد أبى اليل ومعهم شيخ دولته أبو عبد الله محمد بن محمد المزدورى فأغذوا السير إلى الحضرة وبعث السلطان إلى مولاه ظافر بمكانه من باجة مستجيشا به فاعترضوه قبل وصوله وأوقعوا به واعتقلوا ظافرا وصبحوا تونس ثامن جمادى سنة احدى عشرة ووقفوا بساحتها فكانت هيعة بالبلد قتل فيها شيخ الدولة أبو زكريا الحفصى وغدا القاضى أبو اسحق بن عبد الرفيع على السلطان وكان متبوعا صارما قوى الشكيمة فأغراه بمدافعة العدو فخام عن لقائه واعتذر بالمرض واشهد بالانخلاع عن الامر وحل البيعة ودخل أبو عبد الله المزدورى القصر فاستمكن من اعتقاله ثم جاء السلطان أبو يحيى اللحيانى على أثره بلا تأخر فبويع البيعة العامة بظاهرها ودخل إلى البلد واستولى عليها وولى على حجابته كاتبه أبا زكريا يحيى ابن على بن يعقوب على الاشغال بالحضرة بحضرة ابن عمه محمد بن يعقوب وبنو يعقوب
هؤلاء أهل بيت بشاطبة من بيوت العلم والقضاء وقدموا إلى الحضرة امام بجاية وكان منهم أبو القاسم عبد الرحمن بن يعقوب وفد مع ابن الامين صاحب طنجة كما قدمناه وتصرف في القضاء بافريقية وولاه السلطان المنتصر قضاء الحضرة وسافر عنه إلى ملوك مصر وكان بنو على هؤلاء عبد الواحد ويحيى ومحمد من أقاربه فكان لهم ظهور في دولة السلطان أبى حفص وبعدها وكان عبد الواحد منهم صاحب جباية الجريد وهلك بنو زر سنة ثنتين وسبعمائة وكان السلطان أبو يحيى بن اللحيانى قد استكتب أخاه أبا زكريا يحيى ايام رياسته على الموحدين فحظى عنده واختصه ولازمه وحج معه فلما ولى الخلافة أحطاه وولاه حجابته ولما استقر بتونس واستوسق له الامر أعاد الحاجب أبا عبد الرحمن بن عمر إلى مرسله السلطان ابن بكر بعد أن وثق معه العهد إلى أبى يحيى على المعاهدة وضمن له ابن عمر فأقام عنده مكرما متسع الجراية والاسهام إلى أن كان من الامر ما نذكره ان شاء الله تعالى والله أعلم * (الخبر عن قدوم ابن عمر على السلطان ببجاية ونكبة ابن ثابت وظافر الكبير) * لما قدم ابن عمر على بجاية استبد بمحاربته وكفالته كما كان وليوم وصوله من عبد الله ابن هلال كاتبه ابن مخلوف ولحق بتلمسان وشمر ابن عمر عزائمه للاطلاع بأمره ودفع حسن بن ابراهيم بن ثابت عن الرتبة فلم يتزحزج يوما وخرج لجباية الوطن ثم أغرى به(6/325)
السلطان وحذره من استبداده بقسنطينة لمكان معقله المجاور لها وسعايات تنصح بها حتى صادفت القفول بمكانه والوثوق بنصائحه وخرج السلطان في العساكر من بجاية إلى قسنطينة سنة ثلاث عشرة للنظر في أحوالها فلما انتهى إلى برجيوه لقيه عبد الله بن ثابت فتقبض عليه وعلى أخيه حسن بن الحاجب سنة ثلاث عشرة بعد أن استصفى أموالهما ويقال انه بعد خروج حسن بن ثابت إلى عمل قسنطينة بعث في أثره بعض مواليه وأوعز معهم إلى عمل عبد الكريم بن منديل ورجالات سدونكش فقتلوه
بوادي القطن وأن السلطان لم يباشر نكبته وكان ظافر الكبير بعد انهزامه وحصوله في أسر العرب كما قدمناه انعموا عليه وأطلقوه ولحق بالسلطان أبى بكر فآثره واستخلصه كما كان لاخيه وولاه على قسنطينة عند نكبة بن ثابت واستكتب أبا القاسم ابن عبد العزيز لخلوه من الولايات فأقام ظافرا واليا بقسنطينة ثم استقدمه السلطان إلى بجاية وقد غص ابن عمر بمكانه فأغرى به السلطان فتقبض عليه وأشخصه في السعية إلى الاندلس والله أعلم * (الخبر عن منازلة عساكر بنى عبد الواد ببجاية وما كان في ذلك من الاحداث) * كان السلطان أبو يحيى بعد انهزام جنده عن بجاية سنة عشر بعث سعيد بن بشر بن يخلف عن مواليه إلى أبى حمو موسى بن عثمان بن يغمراسن وكان قد أتيح له في زناتة المغرب الاوسط ظفر واعتزاز فملك أمصارهم من أيدى بنى مرين من بعد مهلك يوسف بن يعقوب على تلمسان ودوخ جهاته واستولى على أعمال مغراوة وتوجين وملك الجزائر واستنزل منها ابن علان الثائر بها وملك تدلس من يد ابن مخلوف فطمع لذلك موسى بن عثمان في ملك بجاية ثم بلغه مهلك ابن مخلوف فبعث إليه السلطان في المواصلة واستيلاء السلطان على ثغره فاستمر على المطالبة وادعى أن بجاية له في شرطه وقارن ذلك لحاق صنهاجة إليه عند مهلك صاحبهم فرغبوا في ملك بجاية وضغنوا له ثم قدم عثمان بن سباع ابن يحيى مغاضبا للسلطان بما كان من اساءته عليه في ابن مخلوف واخفار ذمته وعهده فيه واستقر عنده ابن أبى يحيى بعد منصرفه عن الحجابة ورجوعه من الحج فرغبوا في ذلك واستحثوه لطلب بجاية فسرح العساكر إليها لنظر محمد ابن عمه يوسف بن يغمراسن ومسعود بن عمه أبى عامر ابراهيم ومولاه مسامح وبعث معهما أبا القاسم بن أبى يحيى الحاجب ففصلوا عنه بدار مقامه بشلف فأغذوا السير وهلك ابن أبى يحيى في طريقه بجبل ونازلوا البلد ثم جاوزوها إلى الجهات الشرقية فأثخنوا فيها ودخلو خيل ابن ثابت واستولوا عليه واستباحوه سنة ثلاث عشرة ونالت منهم الحامية في المدافعة بالقتل
والجراحات أعظم النيل وقفلوا راجعين فشيدوا حصنا باوصفون فخرب وانتهبت(6/326)
أقواته وعدده وسرح أبو حمو عساكرا آخر لحصار بجاية عقد عليه لمسعود بن عمر بن عامر بن ابراهيم بن يغمراسن فنازلوها سنة خمس عشرة واتصل بهم خروج محمد بن يوسف بن يغمراسن وبنو توجين معه على أبى حمو وانهم أوقعوا به وهزموه واستولوا على معسكره فأجفل مسعود بن أبى عامر وعسكره وأفرجوا عن بجاية ووصل على أثرها خطاب محمد بن يوسف بالطاعة والانحياش فبعث السلطان إليه صنيعته محمد ابن الحاج فضل بالهدية والآلة ووعده بالمظاهرة وتسويغ السهام التى كانت ليغمراسن بافريقية وشغل ابن عبد الواد عن بجاية وخرج السلطان في عساكره للاشراف على وطنه إلى أن كان ما نذكره ان شاء الله تعالى * (الخبر عن استبداد ابن عمر ببجاية) * لم يزل ابن عمر مستبدا على السلطان في حجابته يرى أن زمامه بيده وأمره متوقف على انفاذه وصار يغريه ببطانته فيقتلهم ويغرمهم وربما كان السلطان يأنف من استبداده عليه وداخله بعض أهل قسنطينة سنة ثلاث عشرة لما أهمهم من حصارها واتصلت حاله معه على ذلك النحو من الاستبداد إلى أن بلغ السلطان الشوة وأرهف حده وسطا محمد بن فضل فقتلهم في خلوة مع قربه من غير مؤامرة الحاجب وباكر ابن عمر مقعده بباب دار السلطان فوجد شلوه ملقى في الطريق مدرجا في ثيابه وأخبر أن السلطان سطا به فداخله الريب من استبداد السلطان وارهاف حده وخشى بوادره وتوقع سعاية البطانة وأهل الخلوة فتحيل في بعده عنه واستبداده بالثغر دونه فاغراهم بطلب افريقية من يد ابن اللحيانى وجهزهم بما يصلح من الآلة والفساطيط والعساكر والخدام ورتب له المراتب وارتحل السلطان إلى قسنطينة سنة خمس عشرة ثم تقدم غازيا إلى بلاد هوارة وأجفل عنها ظافرا بهم وكان قائدها من مواليهم فاستوفى جباية
هوارة وقفل إلى قسنطينة سنة ست عشرة واستبد ابن عمر ببجاية ومدافعة العدو من زناتة عنها واستخلف على حجابة السلطان محمد بن قانون قرة عينه بما كان يؤمل من استبداده إلى أن كان من أمره ما نذكره ان شاء الله تعالى * (الخبر عن سفر السلطان أبى يحيى اللحيانى إلى قابس وتجافيه عن الخلافة) * كان هذا السلطان أبو يحيى اللحيانى قد طعن في السن وكان بصيرا بالسياسة مجربا للامور وكان يرى من نفسه العجز عن الخلافة واستحقاقها مع أبناء الامسير أبى زكريا الاكبر استفحال صاحب الثغور الغريبة الامير أبى زكريا واستغلاظ أمره بمن انتظم في ديوان جنده من أعياص زناتة وفحول شولهم من توجين مغراوة وبنى عبد الواد وبنى مرين كانوا(6/327)
يفزعون إليه مع الامام من ملوكهم خشية على أنفسهم لما فاسموهم في النسب وساهموهم في يعسوبية القبيل وفحولية الشول ومنهم من غلبوا على مواطنهم فملكوها عليهم مثل مغراوة وبنى توجين وملكيش فاستكنف بذلك جند السلطان وكثرت جموعه وهابه الملوك ونهض سنة ست عشرة إلى افريقية وجال في بلاد هوارة وأخذ جبايتها كما ذكرنا فتوقع السلطان ابن اللحيانى زحفه إليه بتونس وكانت افريقية مضطربة عليه وكان تعويله في الحامية والمدافعة على أوليائه من العرب ولى منهم حمزة بن عمر بن أبى ليل فحكمه الشركة في سلطانه وأفرده برياسة العرب وأجره الرسن وسرب إليه الاموال وكثر بذلك زبون العرب واخلافهم عليه فاجتمع على التقويض عن افريقية ونفض من الخلافة فجمع الاموال والذخيرة وباع ما كان بمودعاتهم من الآنية والفرش والخرثي والماعون والمتاع حتى الكتب التى كان الامير أبو زكريا الاكبر جمعها واستجاد أصولها ودواوينها أخرجت للوراقين فبيعت بدكاكين سوقهم فجمع من ذلك زعموا قناطير من الذهب تجاوز العشرين
قنطارا وجوالقين من حصى الدر والياقوت وخرج من تونس إلى قابس موريا بمشارفة عملها فاتح سنة سبع عشرة بعد ان رتب الحامية والحضرة وباجة والحمامات واستخلف بالحضرة وخرج من تونس إلى قابس وانتهى إلى قابس فأقام بها وصرف المال في جهاتها إلى أن كان من بيعة ولده من تونس كما نذكره بعد ان شاء الله تعالى * (الخبر عن نهوض السلطان أبى بكر إلى الحضرة ورجوعه إلى قسنطينة) * لما رجع السلطان من هوارة إلى قسنطينة سنة ست عشرة كما قدمناه استبلغ في جهاد حركة أخرى إلى تونس فاحتشد وقسم العطاء وأزاح العلل واعترض الجنود على طبقاتهم من زناتة والعرب وسدونكش واستخلف على قسنطينة الحاجب محمد بن القانون وبعث إلى حاجبه الاعظم أبى عبد الرحمن بن عمر بمكانه من امارة بجاية في مدد المال للنفقات والاعطيات فبعث إليه منصور بن فضل موزنى عامل الزاب وكان ابن عمر لما رأى من كفايته وانه جماعة للمال استضاف له عمل جبل أوراس والحصنة وسدونكش وعياص وسائر اعمال الضاحية فكانت اعمال الجباية كلها بنظره واموالها في حساب دخله وخرجه فبعثه ابن عمر ليقيم انفاق السلطان واستخلفه على خطة حجابته وارتحل السلطان من قسنطينة في جمادى سنة سبع عشرة يطوى المراحل ولقيه في طريقه وفود العرب وانتهى إلى باجة مستغيثا حاميتها إلى تونس وكان السلطان أبو يحيى اللحيانى قد خرج عنها إلى قابس كما قدمناه واستخلف عليها أبا الحسن بن وانودين وبعث إليه بنهوض السلطان أبى بكر إلى تونس وانه محتاج(6/328)
إلى المدافعة فاعتذر لهم اللحيانى بما قبله من الاموال وأطلق يدهم في الجيش والمال فركبوا واستلحقوا رئيس الديوان وأخرجوا ابنه محمدا ويكنى أبا ضربة فأطلقوه من اعتقاله ولقيهم الخبر باشراف السلطان أبى بكر إلى باجة فخرجوا جميعا من تونس وخالفهم إلى السلطان مولاهم ابن عمر بن أبى اليل كان مضطغنا على الدولة متربصا بها كما كان
اللحيانى يؤثر عليه أخاه حمزة فلقى السلطان دوين باجة فأعطاه صفقته واستحثه ووصل إلى تونس فنزل روض السنافرة من رياض السلطان في شعبان من سنة سبع عشرة وخرج إليه الملا وترددوا في البيعة بعض الشئ انتظار الشأن أبى ضربة وأصحابه وكان من خبرهم ان السلطان لما أغذ السير من باجة بادر حمزة بن عمر إلى بطانة اللحيانى وأوليائه بتونس فلقيهم وقد خرجوا عنها فأشار عليهم ببيعة أبى ضربة ابن السلطان اللحيانى ومزاحفة القوم به فبايعوه وزحفوا إلى لقاء السلطان ودس حمزة إلى أخيه مولاهم أن يزحف بالمعسكر فأجفل السلطان عن مقامته بروض السنافرة سبعة أيام من احتلاله قبل أن يستكمل البيعة وارتحل إلى قسنطينة ورجع عنه مولاهم من تخوم وطنة وسرح منصور بن مزنى إلى ابن عمر بباجة ودخل أبو ضربة بن اللحيانى والموحدون إلى تونس منتصف شعبان من سنته وبويع بالحضرة البيعة العامة وتلقب المنتصر وأراد أهل تونس على ادارة سور بالارباض فيكون سياجا عليها فأجابوه إلى ذلك وشرع فيه وأوهنه العرب في مطالبهم واشتطوا عليه في شروطهم إلى أن عاود مولانا السلطان حركته كما نذكر ان شاء الله تعالى { الخبر عن استيلاء السلطان أبى بكر على الحضرة وايقاعه بأبى ضربة وفرار أبيه من طرابلس إلى المشرق } لما قفل السلطان من تونس إلى قسنطينة بعث قائده محمد بن سيد الناس بين يديه إلى بجاية فارتاب لذلك ابن عمر بوصول أمره وتنكر له ولعر السلطان بذلك وأغضى له وطالبه في المدد فاحتفل في الحشد والآلة والابنية وبعث إليه سبعة من رجال الدولة بسبعة عساكر وهم محمد بن سيد الناس ومحمد بن الحكم وظفر السنان وأخوه من موالى الامير أبى زكريا الاوسط ومحمد المديوني ومحمد المحرسى ومحمد البطوى وبعث له من فحول زناتة وعظمائهم عبد الحق بن عثمان من أعياص بنى مرين كان ارتحل إليه من الاندلس كما نذكر في خبره وأبا رشيد بن محمد بن يوسف من أعياص بنى
عبد الواد فيمن كان معهم من قومهم وحاشيتهم وتراموا بعساكرهم عند السلطان بقسنطينة فاعتزم على معاودة الزحف إلى تونس وكان قد اختبر أحوال افريقية وأحسن في ارتياضها فخرج في صفر من سنة ثمانى عشرة واستعمل على حجابته أبا عبد الله(6/329)
ابن القالون ويرادفه أبو الحسن بن عمرو وافاه بالاندلس وفد هوارة وكبيرهم سليمان بن جامع وأخبروه بأن أبا ضربة بن اللحيانى انتقل من باجة بعد أن نازلها معتزما على اللقاء فارتحل مولانا السلطان مغذا ولقيه مولاهم ابن عمر فراجع الطاعة وارتحلوا في اتباع أبى ضربة وجموعه حتى شارفوا القيروان فخرج إليه عاملها ومشيختها فألقوا إليه باليد وأعطوا الطاعة وارتحل السلطان راجعا عن اتباع عدوه إلى الحضرة وقد نزل بها أبو ضربة بن اللحيانى من بطانة محمد بن الفلاق لتمانع ذويها فأخرج الرماة إلى ساحتها وقفل العساكر ساعة من نهار ثم اقتحموها عليه واستبيح عامة أرباضها وقتل ابن الفلاق ودخل السلطان إلى الحضرة في ربيع من سنته فأقام خلالا انعقدت بين العامة وقدم على الشرطة ميمون بن أبى زيد واستخلفه على البلد ورحل في اتباع أبى ضربة بن اللحيانى وجموعه فأوقع بهم بمصبوح من جهات بلاد هوارة وقتل من مشيخة الموحدين أبا عبد الله بن الشهيد من أهل البيت الحفصى وأبا عبد الله بن ياسين ومن ضبة كتاب أبى الفضل البجائى وتقبض على شيخ الدولة أبى محمد عبد الله بن يعمور وقيد إلى السلطان فعفا عنه وقومه ليومه ثم أعاده إلى خطته بعد ذلك ورجع السلطان إلى تونس من سنته وكان السلطان أبو عيسى بن اللحيانى لما بلغه الخبر بنهوض السلطان إلى تونس حركته الثانية سنة سبع عشرة وما كان من بيعة الموحدين والعرب لابنه أبى ضربة وارتحل من مقامه بقابس إلى نواحى طرابلس ثم بلغه رجوع السلطان إلى قسنطينة فأوطن طرابلس أبا عبد الله بن يعقوب قريب حاجبه ومعه هجرس بن مرغم كبير الجوازى من ذئاب فدوخ البلاد وفتح
المعاقل وجبى الاموال وانتهى إلى برقة واستخدم آل سالم وآل سليمان من حزب ذئاب ورجع إلى سلطانه بطرابلس ووافاه الجند بانهزام أبى ضربة ابنه فبعث حاجبه أبا زكريا ابن يعقوب ووزيره أبا عبد الله بن ياسين بالاموال لاحتشاد العرب ففرقوها في علان وذئاب وزحف أبو ضربة إلى القيروان وبلغ خبره إلى السلطان أبى بكر فخرج من تونس آخر شعبان من سنة ثمان عشرة فأجفلوا عن القيروان ثم تذامروا وعقلوا رواحلهم مستميتين بزعمهم حتى أطلت عليهم العساكر بمكان فج النعام فانفضت جموعهم وشردت رواحلهم وارتحلوا منهزمين والقتل والنهب يأخذ منهم مأخذه ولجأ أبو ضربة في فله إلى المهدية وكانوا مقيمين على دعوة أبيه فامتنع منها إلى أن كان من شأنه ما نذكره وبلغ خبره إلى أبيه بمكانه من طرابلس فاضطرب معسكره وبعث إلى النصارى في اسطول بحمله إلى الاسكندرية فوافده ستة أساطيل فاحتمل أهله وولده وركب البحر ومعه حاجيه أبو زكريا بن يعقوب إلى الاسكندرية واستخلف على طرابلس أبا عبد الله بن أبى(6/330)
عمران من ذوى قرابته وصهره فلم يزل بها إلى أن استدعاه الكعوب ونصبوه للامر وأجلبوا به على السلطان مرارا كما نذكره بعد وركب السلطان أبو يحيى بن اللحيانى البحر إلى الاسكندرية فنزل بها على السلطان محمد بن قلاون من ملوك الترك بمصر والشام واستقدمه إلى مصر فعظم من مقدمه واهتز للقائه ونوه من مجلسه وأسنى من جرايته واقطاعه إلى أن هلك سنة ثمان وعشرين ورجع السلطان أبو بكر إلى تونس بعد الواقعة على أبى ضربة وقومه بفج النعام فدخلها في شوال من سنته واستقامت افريقية على طاعته وانتظمت أمصارها وثغورها في دعوته إلى المهدية وطرابلس كما ذكرناه إلى أن كان ما يأتي ذكره ان شاء الله تعالى { الخبر عن مهلك الحاجب بن عمر ببجاية وولاية الحاجب محمد بن القالون عليها ثم الادالة منه بابن سيد الناس }
كان الحاجب بن عمر لما استبد ببجاية سنة خمس عشرة انتقل السلطان إلى قسنطينة ولم يراجعها بعد ثم لما رجع من تونس ثانية حركته سنة سبع عشرة صرف إليه منصور ابن فضل وبعث في أثره قائده أبا عبد الله محمد ابن حاجب أبيه محمد بن سيد الناس يهيئ له قصوره ببجاية للتحول إليها فرده ابن عمر وتنكر له وطالبه السلطان في المدد فبادر به فأقطعه جانب الرضا وعقد له على بجاية وقسنطينة كما ذكرنا ذلك كله قبل فاستبد ابن عمر بالثغر وما إليه من الاعمال مقتصرا على ذكر السلطان في الخطبة واسمه في السكة وأقام على ذلك إلى أن ملك السلطان تونس واستولى على جهاتها وبعث إليه بابن عمه على بن محمد بن عمر فعقد له أبو عبد الرحمن الحاجب على قسنطينة فمضى إليها وهو في خلال ذلك كله يدافع عساكر زناتة عن بجاية وقد كان أبو حمو صاحب تلمسان بعد ظهوره على محمد بن يوسف واسترجاعه بلاد مغراوة وتوجين من يده كما قدمناه يسرب العساكر لحصارها وابتنى بالوادي على مرحلتين منها قلعة بكر يجهز بها الكتائب لحصارها ثم هلك أبو حمو وولى ابنه أبو تاشفين من بعده سنة ثمان عشرة فتنفس مخنق الحصار عن بجاية ريثما كانت حركة السلطان إلى تونس وفتحها ثم خرج أبو تاشفين من تلمسان لتمهيد أعماله وقتل محمد بن يوسف بمعقله من جبل وانشريس كما نذكره في أخبارهم فارتحل من هنا لك راجعا إلى تلمسان وأصاب ابن عمر مرض فبعث عن على ابن عمه بمكان عمله بقسنطينة وعهد إليه بأمره والقيام بولاية بجاية إلى أن يصل أمر السلطان وهلك لايام على فراشه في شوال من سنة تسع عشرة وقام على بن عمر بأمر بجاية واتصل الخبر بالسلطان فأهمه شأن الثغر وطير ابن سيد الناس إليه مع قهرمانة داره لتحصيل خرينته والبحث عن ذخيرته فاستوفى من ذلك فوق الكثرة من الصامت والذخيرة وقدم معه(6/331)
على بن غمر فأولاه السلطان من رضاه ما أحسب أمله وأقام بالحضرة إلى أن كان منه خلاف مع ابن أبى عمران ثم راجع الطاعة وقد أحفظ السلطان بولاية عدوه فلما
عاد إلى تونس أوعز إلى مولاه نجاح وحملال بقتله فاغتالوه خارجا من بستانه فأشووه وهلك من جراحته والله اعلم { الخبر عن امارة الامير أبى عبد الله على قسنطينة وأخيه الامير أبى زكريا على بجاية وتولية ابن القالون على حجابتها } لما هلك ابن عمر أهم السلطان شأن بجاية لما كانت عليه من حال الحصار ومطالبة بنى عبد الواد فرأى أن يكشف الحامية بالثغور القريبة وينزل بها ابناءه للمدافعة والحماية وعقد على قسنطينة لابنه الامير أبى عبد الله وعقد على بجاية لابنه الآخر الامير أبى زكريا وجعل حجابتها لابي عبد الله بن القالون مستبدا عليها لمكان صغرهما وأكثف له الجند وأمره بالمقام ببجاية للممانعة من العدو الملح على حصارها وارتحلوا من تونس فاتح سنة عشرين في احتفال من العسكر والاصحاب والابهة وابقى خطة الحجابة خلوا ممن يقوم بها ابقاء على ابن القالون وبقى للتصرف في الامور من رجالات السلطان أبو عبد الله محمد بن عبد العزيز الكردى الملقب بالمزوار وكان مقدما على بطانة السلطان المعروف بالدخلة وعلى الاشغال الكاتب أبو القاسم بن عبد العزيز وسنذكر أوليتهما بعد وانصرف إلى بجاية رافلا في حلل العز والتنويه إلى أن كان من أمره ما نذكره ان شاء الله تعالى والله أعلم { الخبر عن استقدام ابن القالون والادالة منه بابن سيد الناس في بجاية وبظافر الكبير في قسنطينة } لما انصرف أبو عبد الله بن يحيى بن قالون إلى بجاية وخلا وجه السلطان فيه لبطانته عند ولايته ببجاية بثوا فيه السعايات ونصبوا له الغوائل وتولى كبر ذلك المزوار بن عبد العزيز بمداخلة أبى القاسم بن عبد العزيز صاحب الاشغال وعظمت السعاية فيه عند السلطان حتى داخلته فيه الظنة وعقد لمحمد بن سيد الناس على بجاية وقام بأمر حصارها وحجابة أميرها إلى أن استقدم للحجابة وكان من أمره ما نذكره ومر ابن قالون
بقسنطينة في طريقه إلى الحضرة فحدثته نفسه بالامتناع بها وداخل مشيختها في ذلك فأبوا عليه فأشخصهم إلى الحضرة نكالا بهم ونمى الخبر بذلك إلى السلطان فاسرها لابن فالون وعزم على استضافة الحجابة بقسنطينة لابن سيد الناس فاستعفي مشيختها وأروه ان الامين قريبه وابن أخيه وذكروه ثروة أبيه فأقصر عن ذلك وصرف اعتزامه إلى مولاه ظافر الكبير وذلك عند قدومه من المغرب وكان من خبره انه كان من موالى الامير(6/332)
أبى زكريا وكان له في دولة ابنه السلطان أبى البقاء ظهور وزحف هو بالعساكر عند ما استراب السلطان أبو بكر فأقام بباجة وجاء المزدورى والعرب إلى تونس في مقدمة ابن اللحيانى فزحف إليهم ففضوه وتقبضوا عليه كما ذكرنا ذلك كله ثم لحق بعدها بمولانا السلطان أبى يحيى وأعاده إلى مكانه من الدولة وولاه قسنطينة عند مهلك ابن ثابت سنة ثلاث عشرة ثم غص به ابن عمرو أغرى به السلطان فأشخصه في السفين إلى الاندلس وجاز إلى المغرب ونزل على السلطان أبى سعيد إلى أن بلغه الخبر بمهلك ابن عمر فكر راجعا إلى تونس ولقاه السلطان مبرة وتكريما ووافق ذلك وصول الحاجب ابن قالون من بجاية فعقد السلطان لظافر هذا على حجابة ابنه بقسنطينة الامير أبى عبد الله فقدمها وقام بأمرها واستعمل ذويه وحاشيته في وجوه خدمتها وصرف من كان هنا لك من الخدام أهل الحضرة إلى بلدهم وكان بها أبو العباس بن ياسين متصرفا بين يدى الامير أبى عبد الله والكاتب أبو زكريا بن الدباغ على أشغال الجباية وكانا قدما من الحضرة في ركاب الامير أبى عبد الله فصرفهما القائد ظافر لحين وصوله واشتغل بأمره إلى أن كان ما نذكره ان شاء الله تعالى * (الخبر عن ظهور ابن أبى عمران وفرار ابن قالون إليه على عينه) * كان محمد بن أبى عمران هذا من أعقاب أبى عمران موسى بن ابراهيم ابن الشيخ أبى حفص وهو الذى ولى افريقية نائبا عن أبى محمد عبد الله ابن عمه الشيخ أبى محمد
عبد الواحد كتب له بها من مراكش لاول ولايته فأقام واليا عليها ثمانية أشهر إلى أن قدم آخر سنة ثلاث وعشرين وستمائة وأقام أبو عمران هذا في جملتهم إلى أن هلك ونشأ بنوه في ظل دولتهم إلى أن كان من عقبه أبو بكر والد محمد هذا فكان له صيت وذكر وكان السلطان أبو يحيى زكريا بن اللحيانى قد رعى له ذمة قرابته ووصله بصهر عقده لابنه محمد على ابنته واستخلفه على تونس عند خروجه عنها ثم استخلفه على طرابلس عند ركوبه السفينة إلى الاسكندرية وكان أبو ضربة بعد انهزامه وافتراق جموعه اعتصم بالمهدية ونازله بها السلطان أبو بكر فامتنعت عليه وأقلع عنها على سلم عقده لابي ضربة وأقام حمزة ابن عمر في سبيل خلافه على السلطان يتقلب في نواحى افريقية حتى عظم زبونه على السلطان ونزع إليه الكثير من الاعراب وكثرت جموعه فاستقدم محمد بن أبى عمران من مكان ولايته لثغر طرابلس وزحف إلى تونس مفاوضا إلى السلطان وكمال تعبيته فخرج السلطان أبو بكر عن تونس في رمضان من سنة احدى وعشرين ولحق بقسنطينة وصحبه إليها مولاهم ابن عمرو كان الحاجب محمد بن يحيى بن قالون قد غصته البطانة والحاشية بالمعاية فيه عند السلطان وتبين له انحرافه عنه وكان معن بن مطاع الفزارى وزير(6/333)