البيعة ويخطب له في بلاده فأجاب وبعث بالهدايا ووقعت لاول بيعته فتنة بين أهل السنة والشيعة وعظم الهرج والنهب والقتل وخربت فيها أسواق وقتل كثير من جباة المكوس وأصيب أهل الكرخ وتطرق الدعار إلى كبس المنازل ليلا وتنادى الجند بكراهية جلال الدولة وقطع خطبته ولم يجبهم القائم إلى ذلك وفرق جلال الدولة فيهم الاموال فسكنوا وقعد في بيته وأخرج دوابه من الاصطبل وأطلقها بغير سائس ولا حافظ لقلة العلف وطلب الاتراك منه أن يحملهم في كل وقت فأطلقها وكانت خمسة عشر
وفقد الجارى فطرد الطواشى والحواشي والاتباع وأغلق باب داره والفتنة تتزايد إلى آخر السنة * (وثوب الجند بجلال الدولة وخروجه من بغداد) * ثم جاء الاتراك سنة ست وعشرين إلى جلال الدولة فنهبوا داره وكتبه ودواوينه وطلبوا الوزير أبا اسحق السهيلي فهرب إلى حلة غريب بن مكين وخرج جلال الدولة إلى عكبرا وخطبوا ببغداد لابي كاليجار وهو بالاهواز واستقدموه فاشار عليه بعض أصحابه بالامتناع فاعتذر إليهم فأعادوا لجلال الدولة وساروا إليه معتذرين وأعادوه بعد ثلاثة وأربعين يوما واستوزر أبا القاسم بن ماكولا ثم عزله واستوزر عميد الملك أبا سعيد عبد الرحيم ثم أمره بمصادرة أبى المعمر بن الحسين البساسيرى فاعتقله في داره وجاء الاتراك لمنعه فضربوا الوزير ومزقوا ثيابه وأدموه وركب جلال الدولة فأطفأ الفتنة وأخذ من البساسيرى ألف دينار وأطلقه واختفى الوزير ثم شغب الجند ثانيا في رمضان وأنكروا تقديم الوزير أبى القاسم من غير علمهم وانه يريد التعرض لاموالهم فوثبوا به ونهبوا داره وأخرجوه إلى مسجد هنالك فوكلوا به فوثب العامة مع بعض القواد من أصحابه فأطلقوه وأعادوه إلى داره وذهب هو في الليل إلى الكرخ بحرمه ووزيره أبو القاسم معه واختلف الجند في أمره وأرسلوا إليه بأن يملكوا بعض أولاده الاصاغر وينحدر هو إلى واسط وهو في خلال ذلك يستميلهم حتى فرق جماعتهم وجاء الكثير إليه فأعادوه إلى داره واستخلف البساسيرى في جماعة للجانب الغربي سنة خمس وعشرين لاشتداد أمر العيارين ببغداد وكثرة الهرج وكفايته هو ونهضته ثم عاد أمر الخلافة و السلطنة إلى أن اضمحل وتلاشى وخرج بعض الجند إلى قرية فلقيهم اكراد وأخذوا دوابهم وجاؤا إلى بستان القائم فتعللوا على عماله بأنهم لم يدفعوا عنهم ونهبوا ثمرة البستان وعجز جلال الدولة عن عتاب الاكراد وعقاب الجند وسخط القائم أمره وتقدم إلى القضاة والشهود والفقهاء بتعطيل المراتب الدينية فرغب جلال الدولة من الجند أن يحملهم إلى ديوان
الخلافة فحملوا وأطلقوا وعظم أمر العيارين وصاروا في حماية الجند وانتشر العرب(3/448)
البساسيرى ببغداد للمستنصر العلوى صاحب مصر بجامع المنصور ثم بالرصافة وأمر بالاذان بحى على خير العمل وخيم بالزاهر وكان هوى البساسيرى لمذاهب الشيعة وترك أهل السنة للانحراف عن الاتراك فرأى الكندى المطاولة لانتظار السلطان ورأى رئيس الرؤساء المناجزة وكان غير بصير بالحرب فخرج لقتالهم في غفلة من الكندى فانهزم وقتل من أصحابه خلق ونهب باب الازج وهو باب الخلافة وهرب أهل الحريم الخلافى فاستدعى القائم العميد الكندى للمدافعة عن دار الخلافة فلم يرعهم الا اقتحام العدو عليهم من الباب النوبى فركب الخليفة ولبس السواد والنهب قد وصل باب الفردوس والعميد الكندى قد استأمن إلى قريش فرجع ونادى بقريش من السور فاستأمن إليه على لسان رئيس الرؤساء واستأمن هو أيضا معه وخرجا إليه وسارا معه ونكر البساسيرى على قريش نقضه لما تعاهدا عليه فقال انما تعاهدنا على الشركة فيما يستولى عليه وهذا رئيس الرؤساء لك والخليفة لى ولما حضر رئيس الرؤساء عند البساسيرى ونجه وسأله العفو فأبى منه وحمل قريش القائم إلى معسكره على هيئته ووضع خاتون بنت أخى السلطان طغرلبك في يد بعض الثقات من خواصه وأمره بخدمتها وبعث القائم ابن عمه مهارش فسار به إلى بلده حديثة خان وأنزله بها وأقام البساسيرى ببغداد وصلى عيد النحر بالالوية المصرية واحسن إلى الناس وأجرى أرزاق الفقهاء ولم يتعصب لمذهب وأنزل أم القائم بدارها وسهل جرايتها وولى محمود ابن الافرم على الكوفة وسعى الفرات وأخرج رئيس الرؤساء من محبسه آخر ذى الحجة فصلبه عند النجبى لخمسين سنة من تردده في الوزارة وكان ابن ماكولا قد قبل شهادته سنة أربع عشرة وبعث البساسيرى إلى المستنصر العلوى بالفتح والخطبة له بالعراق وكان هنالك أبو الفرج ابن أخى أبى القائم المغربي فاستهان بفعله وخوفه
عاقبته وأبطأت أجوبته مدة ثم جاءت بغير ما أمل وسار البساسيرى من بغداد إلى واسط والبصرة فملكها وأراد قصر الاهواز فبعث صاحبها هزار شب بن شكر فأصلح أمره على مال يحمله ورجع البساسيرى إلى واسط في شعبان سنة احدى وخمسين وفارقه صدقة بن منصور بن الحسين الاسدي إلى هزار شب وقد كان ولى بغداد أباه على ما يذكر ثم جاء الخبر إلى البساسيرى بظفر طغرلبك بأخيه وبعث إليه والى قريش في اعادة الخليفة إلى داره ويقيم طغرلبك وتكون الخطبة والسكة له فأبى البساسيرى من ذلك فسار طغرلبك إلى العراق وانتهى إلى قصر شيرين وأجفل الناس بين يديه ورحل أهل الكرخ بأهليهم وأولادهم برا وبحرا وكثر عيث بنى شيبان في الناس وارتحل البساسيرى بأهله وولده سادس ذى القعدة سنة احدى وخمسين لحول كامل(3/449)
أبى القاسم وأخذت أمواله وصودر على مائتي ألف دينار فأعطاها وجاء الملك أبو كاليجار البصرة فأقام بها أياما وولى فيها ابنه عز الملوك ومعه الوزير أبو الفرج ابن فسانجس ثم عاد إلى الاهواز وحمل معه الظهير * (شغب الاتراك على جلال الدولة) * ثم شغب الاتراك على جلال الدولة سنة ثنتين وثلاثين وخيموا بظاهر اللد ونهموا منها مواضع وخيم جلال الدولة بالجانب اغربي وأراد الرحيل عن بغداد فمنعه أصحابه فاستمد دبيس بن مزيد وقرواشا صاحب الموصل فأمدوه بالعساكر ثم صلحت الاحوال بينهم وعاد إلى داره وطمع الاتراك وكثر نهبهم وتعديهم وفسدت الامور بالكلية * (ابتداء دولة السلجوقية) * قد تقدم لنا أن أمم الترك في الربع الشرقي الشمالي من المعمور ما بين الصين إلى تركستان إلى خوارزم والشاش وفرغانة وما وراء النهر بخارا وسمرقند وترمذ وان المسلمين أزاحوهم أول الملة عن بلاد ما وراء النهر وغلوهم عليها وبقيت تركستان
وكاشغر والشاش وفرغانة بأيديهم يؤدون عليها الجزاء ثم أسلموا عليها فكان لهم بتركستان ملك ودولة نذكرها فيما بعد فان استفحالها كان في دولة بنى سامان جيرانهم فيما وراء النهر وكان في المفازة بين تركستان وبلاد الصين أمم من الترك لا يحصيهم الا خالقهم لاتساع هذه المفازة وبعد أقطارها فانها فيما يقال مسيرة شهر من كل جهة فكان هنالك احياء بادون منتجعون رجالة غذاؤهم اللحوم والالبان والذرة في بعض الاحيان ومراكبهم الخيل ومنها كسبهم وعليها قيامهم وعلى الشاء والبقر من بين الانعام فلم يزالوا بتلك القفار مذودين عن العمران بالحامية المالكين له في كل جهة وكان من أممهم الغز والخطا والتتر وقد تقدم ذكر هؤلاء الشعوب فلما انتهت دولة ملوك تركستان وكان شغر إلى غايتها وأخذت في الاضمحلال والتلاشى كما هو شأن الدول وطبيعتها تقدم هؤلاء إلى بلاد تركستان فأجلبوا عليها بما كان غالب معاشهم في تخطف الناس من السبل وتنازل الرزق بالرماح شأن أهل القفر البادين وأقاموا بمفازة بخارا ثم انقرضت دولة بنى سامان ودولة أهل تركستان واستولى محمود بن سبكتكين من قواد بنى سامان وصنائعهم على ذلك كله وعبر بعض الايام إلى بخارا فحضر عنده ارسلان ابن سلجوق فقبض عليه وبعث به إلى بلاد الهند فحبسه وسار إلى احيائه فاستباحها ولحق بخراسان وسارت العساكر في اتباعهم فلحقوا باصبهان وهم صاحبها علاء الدولة ابن كالويه بالغدر بهم وشعروا بذلك فقاتلوه باصبهان فغلبهم فانصرفوا إلى أذربيجان(3/450)
فقاتلهم صاحبها وهشودان من بنى المرزبان وكانوا لما قصدوا اصبهان بقى فلهم بنواحي خوارزم فعاثوا في البلاد وخرج إليهم صاحب طوس وقاتلهم وجاء محمود بن سبكتكين فسار في اتباعهم من رستاق إلى جرجان ورجع عنهم ثم استأمنوا فاستخدمهم وتقدمهم يغمر وأنزل ابنه بالرى ثم مات محمود وولى أخوه مسعود وشغل بحروب الهند فانتقضوا وبعث إليهم قائدا في العساكر وكانوا يسمون العراقية وأمراؤهم يومئذ كوكاش
ومرقاوكول ويغمر وباصعكى ووصلوا إلى الدامغان فاستباحوها ثم سمنان ثم عاثوا في أعمال الرى واجتمع صاحب طبرستان وصاحب الرى مع قائد مسعود وقاتلوهم فهزمهم الغز وفتكوا فيهم وقصدوا الرى فملكوه وهرپ صاحبه إلى بعض قلاعه فتحصن بها وذلك سنة ست وعشرين وأربعمائة واستألفهم علاء الدولة بن كالويه ليدافع بهم ابن سبكتكين فأجابوه أولا ثم انتقضوا وأما الذين قصدوا أذربيجان منهم ومقدموهم بوقا وكوكباش ومنصور ودانا فاستألفهم وهشودان ليستظهر بهم فلم يحصل على بغيته من ذلك وساروا إلى مراغة سنة تسع وعشرين فاستباحوها ونالوا من الاكراد الهديانية فحاربوهم وغلبوهم وافترقوا فرقتين فرجع بوقا إلى أصحابهم الذين بالرى وسار منصور وكوكباش إلى همذان وبها أبو كاليجار بن علاء الدولة بن كالويه فظاهرهم على حصاره متى خسرو بن مجد الدولة يلم فلما جهده الحصار لحق باصبهان وترك البلد فدخلوها واستباحوها وفعلوا في الكرخ مثل ذلك وحاصروا قزوين حتى أطاعوهم وبذلوا لهم سبعة آلاف دينار وسار طائفة منهم إلى بلد الارمن فاستباحوها وأثخنوا فيها ورجعوا إلى أرمينية ثم رجعوا من الرى إلى حصار همذان فتركها أبو كاليجار وملكوها سنة ثلاثين ومعهم حتى خسرو المذكور فاستباحوا تلك النواحى إلى استر اباذ وقاتلهم أبو الفتح بن أبى الشوك صاحب الدينور فهزمهم وأسر منهم وصالحوه على اطلاق أسراهم ثم مكروا بأبى كاليجار أن يكون معهم ويدبر أمرهم وغدروا به ونهبوه وخرج علاء الدولة من اصبهان فلقى طائفة منهم فأوقع بهم وأثخن فيهم وأوقع وهشودان بمن كان منهم في أذربيجان وظفر بهم الاكراد وأثخنوا فيهم وفرقوا جماعتهم ثم توفى كول أمير الفرق الذين بالرى وكانوا لما أجازوا من وراء النهر إلى خراسان بقى بمواطنهم الاولى هنالك طغرلبك بن ميكاييل بن سلجوق واخوته داود وسعوا ونيال وحقرى فخرجوا إلى خراسان من بعدهم وكانوا اشد منهم شوكة وأقوى عليهم سلطانا فسار نيال أخو طغرلبك إلى الرى فهربوا إلى أذربيجان
ثم إلى جزيرة ابن عمر وديار بكر ومكر سليمان بن نصير الدولة بن مروان صاحب الجزيرة بمنصور بن عز على منهم فحبسه وافترق أصحابه وبعث قرواش صاحب الموصل إليهم(3/451)
جيشه فطردهم وافترقت جموعهم ولحق الغز بديار بكر وأثخنوا فيها وأطلق نصير الدولة أميرهم منصورا من يد ابنه فلم ينتفع منهم بذلك وقاتلهم صاحب الموصل فحاصروه ثم ركب في السفين ونجا إلى السند وملكوا البلد وعاثوا فيها وبعث قرواش إلى الملك جلال الدولة يستنجده والى دبيس بن مزيد وأمراء العرب وفرض الغز على أهل الموصل عشرين ألف دينار فثار الناس بهم وكان كوكباش قد فارق الموصل فرجع ودخلها عنوة في رجب سنة خمس وثلاثين وأفحش في القتل والنهب وكانوا يخطبون للخليفة ولطغرلبك بعده فكتب الملك جلال الدولة إلى طغرلبك يشكو له بأحوالهم فكتب إليه ان هؤلاء الغز كانوا في خدمتنا وطاعتنا حتى حدث بيننا وبين محمود ابن سبكتكين ما علمتم ونهضنا إليه وساروا في خدمتنا في نواحى خراسان فتجاوزوا حدود الطاعة وملكة الهيبة ولا بد من انزال العقوبة بهم وبعث إلى نصير الدولة بعده يكفهم عنه وسار دبيس بن مزيد وبنو عقيل إلى قرواش حاجب الموصل وقعد جلال الدولة عن انجاده لما نزل به من الاتراك وسمع الغز بجموع قرواش فبعثوا إلى من كان بديار بكر منهم واجتمعوا إليهم واقتتل الفريقان فانهزم العرب أول النهار ثم أتيحت لهم الكرة على الغز فهزموهم واستباحوهم وأثخنوا فيهم قتلا وأسرا واتبعهم قرواش إلى نصيبين ورجع عنهم فساروا إلى ديار بكر وبلاد الارمن والروم وكثر عيثهم فيها وكان طغرلبك واخوته لما جاؤا إلى خراسان طالت الحروب بينهم وبين عساكر بنى سبكتكين حتى غلبوهم وحصل لهم الظفر وهزموا سياوشى حاجب مسعود آخر هزائمهم وملكوا هراة فهرب عنها سياوشى الحاجب ولحق بغزنة وزحف إليهم مسعود ودخلوا البرية ولم يزل في اتباعهم ثلاث سنين ثم انتهزوا فيه الفرصة باختلاف عسكره
يوما على الماء فانهزموا وغنموا عسكره وسار طغرلبك إلى نيسابور سنة احدى وثلاثين فملكها وسكن السادياج وخطب له بالسلطان الاعظم العمال في النواحى وكان الدعار قد اشتد ضررهم بنيسابور فسد أمرهم وحسم عللهم واستولى السلجوقية على جميع البلاد وسار بيقو إلى هراة فملكها وسار داود إلى بلخ وبها القوتباق حاجب مسعود فحاصره وعجز مسعود عن امداده فسلم البلد لداود واستقل السلجوقية بملك البلاد أجمع ثم ملك طغرلبك طبرستان وجرجان من يد أنو شروان بن متوجهر قابوس وضمنها أنو شروان بثلاثين ألف دينار وولى على جرجان مرداويح من أصحابه بخمسين الف دينار وبعث القائم القاضى أبا الحسن الماوردى إلى طغرلبك فقرر الصلح بينه وبين جلال الدولة القائم بدولته ورجع بطاعته * (فتنه قرواش مع جلال الدولة) *(3/452)
كان قرواش قد أنفذ عسكره سنة احدى وثلاثين لحصار خميس بن ثعلب بتكريت واستغاث بجلال الدولة وأمر قرواشا بالكف عنه فلم يفعل وسار لحصاره بنفسه وبعث إلى الاتراك ببغداد يستفسدهم على جلال الدولة فاطلع على ذلك فبعث أبا الحرث ارسلان البساسيرى في صفر سنة ثنتين وثلاثين للقبض على نائب قرواش بالسندسية واعترضه العرب فمنعوه ورجع وأقاموا بين صرصر وبغداد يفسدون السابلة وجمع جلال الدولة العساكر وخرج إلى الانبار وبها قرواش فحاصرها ثم اختلفت عقيل على قرواش فرجع إلى مصالحة جلال الدولة * (وفاة جلال الدولة وملك أبى كاليجار) * لما قلت الجبايات ببغداد مد جلال الدولة يده إلى الجوالى فأخذها وكانت خاصة بالخليفة ثم توفى جلال الدولة أبو طاهر بن بهاء الدولة في شعبان سنة خمس وثلاثين وأربعمائة لسبع عشرة من ملكه ولما مات خاف حاشيته من الاتراك والعامة فانتقل
الوزير كمال الملك بن عبد الرحيم وأصحابه الاكابر إلى حرم دار الخلافة واجتمع القواد للمدافعة عنهم وكاتبوا الملك العزيز أبا منصور بن جلال الدولة في واسط بالطاعة واستقدموه وطلبوا حق البيعة فراوضهم فيها فكاتبهم أبو كاليجار عنها فعدلوا إليه وجاء العزيز من واسط وانتهى إلى النعمانية فغدر به عسكره ورجعوا إلى واسط وخطبوا لابي كاليجار وسار العزيز إلى دبيس بن مزيد ثم إلى قرواش بن المقلد ثم فارقه إلى أبى الشوك فغدر به فسار إلى نيال أخى طغرلبك فأقام عنده مدة ثم قصد بغداد مختفيا فظهر على بعض أصحابه فقتله ولحق هو بنصير الدولة بن مروان فتوفى عنده بميا فارقين سنة احدى وأربعين وأما أبو كاليجار فخطب له ببغداد في صفر سنة ست وثلاثين وبعث إلى الخليفة بعشرة آلاف دينار وبأموال أخرى فرقت إلى الجند ولقبه القائم بمحيى الدين وخطب له أبو الشوك ودبيس بن مزيد ونصير الدولة بن مروان بأعمالهم وسار إلى بغداد ومعه وزيره أبو الفرج محمد بن جعفر بن محمد بن فسانجس وهم القائم لاستقباله فاستعفي من ذلك وخلع على أرباب الجيوش وهم البساسيرى والنساورى والهمام أبو اللقاء وأخرج عميد الدولة أبا سعيد من بغداد فمضى إلى تكريت وعاد أبو منصور بن علاء الدولة بن كالويه صاحب اصبهان إلى طاعته وخطب له على منبره انحرافا عن طغرلبك ثم راجعه بعد الحصار واصطلحا على مال يحمله وبعث أبو كاليجار إلى السلطان طغرلبك في الصلح وزوجه ابنته فأجاب وتم بينهما سنة تسع وثلاثين(3/453)
* (وفاة أبى كاليجار وملك ابنه الملك الرحيم) * كان أبو كاليجار والمرزبان بن سلطان الدولة قد سارا سنة أربعين إلى نواحى كرمان وكان صاحبها بهرام بن لشكرستان من وجوه الديلم قد منع الحمل فتنكر له أبو كاليجار وبعث إلى أبى كاليجار يحتمى به وهو بقلعة بردشير فملكها مر يده وقتل بهرام بعض الجند ظهر
منهم على الميل لابي كاليجار فسار إليه ومرض في طريقه ومات بمدينة جنايا في سنة أربعين لاربع سنين وثلاثة أشهر من ملكه ولما توفى نهب الاتراك معسكره وانتقل ولده أبو منصور فلاستون إلى مخيم الوزير أبى منصور وأرادوا نهبه فمنعهم الديلم وساروا إلى شيراز فملكها أبو منصور واستوحش الوزير منه فلحق ببعض قلاعه وامتنع بها ووصل خبر وفاة أبى كاليجار إلى بغداد وبها ولده الملك الرحيم أبو نصر حسره فيروز فبايع له الجند وبعث إلى الخليفة في الخطبة والتلقب بالملك الرحيم فأجابه إلى ما سال الا اللقب بالرحيم للمانع الشرعي من ذلك واستقر ملكه بالعراق وخوزستان والبصرة وكان بها أخوه أبو على واستولى أخوه أبو منصور كما ذكرنا على شيراز فبعث الملك الرحيم أخاه أبا سعد في العساكر فملكها وقبض على أخيه أبو منصور وسار العزيز جلال الدولة من عند قرواش إلى البصرة فدافعه أبولى بن كاليجار عنها ثم سار الملك الرحيم إلى خوزستان وأطاعه من بها من الجند وكثرت الفتنة ببغداد بين أهل السنة والشيعة * (مسير الملك الرحيم إلى فارس) * ثم سار الملك الرحيم من الاهواز إلى فارس سنة احدى وأربعين وخيم بظاهر شيراز ووقعت فتنة بين أتراك شيراز وبغداد فرحل أتراك بغداد إلى العراق وتبعهم الملك الرحيم لانحرافه عن أتراك شيراز وكان أيضا منحرفا عن الديلم بفارس لميلهم إلى أخيه فلاستون باصطخر وانتهى إلى الاهواز فأقام بها واستخلف بارجان أخويه أبا سعد وأبا طالب فزحف اليهما أخوهما فلاستون وخرج الملك الرحيم من الاهواز إلى رامهرمز للقائهم فلقيهم وانهزم إلى البصرة ثم إلى واسط وسارت عساكر فارس إلى الاهواز فملكوها وخيموا بظاهرها ثم شغبوا على أبى منصور وجاء بعضهم إلى الملك الرحيم فبعث إلى بغداد واستقر الجند الذين بها وسار إلى الاهواز فملكها وأقام ينتظر عسكر بغداد ثم سار إلى عسكر مكرم فملكها سنة ثنتين وأربعين ثم تقدم سنة ثلاث وأربعين ومعه دبيس بن مزيد والبساسيرى وغيرهما وسار هزار شب بن تنكير
ومنصور بن الحسين الاسدي فيمن معهما من الديلم والاكراد من ارجان إلى تستر فسبقهم الملك الرحيم إليها وغلبهم عليها ثم زحف في عسكر هزار شب فوافاه أميره(3/454)
أبو منصور بمدينة شيراز فاضطربوا ورجعوا ولحق منهم جماعة بالملك الرحيم فبعث عساكر إلى رامهرمز وبها أصحاب أبى منصور فحاصرها وملكها في ربيع سنة ثلاث وأربعين ثم بعث أخاه أبا سعد في العساكر إلى بلاد فارس لان أخاه أبا نصر خسرو كان باصطخر وضجر من تغلب هزار شب بن تنكير صاحب أخيه أبى منصور فكتب إلى أخيه الملك الرحيم بالطاعة فبعث إليه أخاه أبا سعد فأدخله اصطخر وملكه ثم اجتمع أبو منصور فلاستون وهزار شب ومنصور بن الحسين الاسدي وساروا للقاء الملك الرحيم بالاهواز واستمدوا السلطان طغرلبك وأبوا طاعته فبعث إليهم عسكرا وكان قد ملك اصبهان واستطال وافترق كثير من أصحاب الملك الرحيم عنه مثل البساسيرى ودبيس ابن مزيد والعرب والاكراد وبقى في الديلم الاهوازية وبعض الاتراك من بغداد ورأى أن يعود من عسكر مكرم إلى الاهواز ليتحصن بها وينتظر عسكر بغداد ثم بعث أخاه أبا سعد إلى فارس كما ذكرنا ليشغل أبا منصور وهزار شب ومن معهما عن قصده فلم يعرجوا على ذلك وساروا إليه بالاهواز وقاتلهم فانهزم إلى واسط ونهب الاهواز وفقد في الواقعة الوزير كمال الملك أبو المعالى عبد الرحيم فلم يوقف له على خبر وسار أبو منصور وأصحابه إلى شيراز لاجل أبى سعد وأصحابه فلقيهم قريبا منها وهزمهم مرات واستأمن إليه الكثير منهم واعتصم أبو منصور ببعض القلاع واعيدت الخطبة بالاهواز للملك الرحيم واستدعاه الجند بها وعظمت الفتنة ببغداد بين أهل السنة والشيعة في غيبة الملك الرحيم واقتتلوا وبعث القائم نقيب العلويين ونقيب العباسيين لكشف الامر بينهما فلم يوقف على يقين في ذلك وزاد الامر وأحرقت مشاهد العظماء من أهل البيت وبلغ الخبر إلى دبيس بن مزيد فاتهم القائم بالمداهنة في ذلك فقطع
الخطبة له ثم عوتب فاستعتب وعاد إلى حاله * (مهادنة طغرلبك للقائم) * قد تقدم لنا شأن الغز واستيلائهم على خراسان من يد بنى سبكتكين أعوام ثنتين وثلاثين ثم استيلاء طغرلبك على اصبهان من يد ابن كالويه سنة ثنتين وأربعين ثم بعث السلطان طغرلبك ارسلان بن أخيه داود إلى بلاد فارس فافتتحها سنة ثنتين وأربعين واستلحم من كان بها من الديلم ونزل مدينة نسا وبعث إليه القائم بامر الله بالخلع والالقاب وولاه على ما غلب عليه فبعث إليه طغرلبك بعشرة آلاف دينار واعلاق نفيسة من الجواهر والثياب والطيب والى الحاشية بخمسة آلاف دينار وللوزير رئيس الرؤساء بألفين وحضروا العيد في سنة ثلاث وأربعين ببغداد فأمر الخليفة بالاحتفال في الزينة والمراكب والسلاح ثم سار الغز سنة أربع وأربعين إلى شيراز(3/455)
وبها الامير أبو سعد أخو الملك الرحيم فقاتلهم وهزمهم كما نذكر في أخبارهم * (استيلاء الملك الرحيم على البصرة من يد أخيه) * ثم بعث الملك الرحيم سنة أربع وأربعين جيوشه إلى البصرة مع بصيرة البساسيرى فحاصروا بها أخاه أبا على وقاتلوا عسكره في السفن فهزموهم وملكوا عليهم دجلة والانهر وجاء الملك الرحيم بالعسكر في البر واستأمن إليه قبائل ربيعة ومضر فأمنهم وملك البصرة وجاءته رسل الديلم بخوزستان بطاعتهم ومضى أخوه أبو على إلى شط عمان وتحصن به فسار إليه الملك الرحيم وملك عليه شط عمان ولحق بعبادان وسار منها إلى ارجان ثم لحق بالسلطان طغرلبك باصبهان فأكرمه وأصهر إليه وأقطع له وأنزله بقلعة من أعمال جرباذقان وولى الملك الرحيم وزيره البساسيرى على البصرة وسار إلى الاهواز وأرسل منصور بن الحسين وهزار شب في تسليم ارجان وتستر فتسلمها واصطلحا وكان المقدم على ارجان فولاد بن خسرو من الديلم فرجع إلى طاعة الملك الرحيم سنة
خمس وأربعين * (فتنة ابن أبى الشوك ثم طاعته) * كان سعدى بن أبى الشوك قد أعطى طاعته للسلطان طغرلبك بنواحي الرى وسار في خدمته وبعثه سنة أربع وأربعين في العساكر إلى نواحى العراق فبلغ النعمانية وكثر عيثه وراسله ملد من بنى عقيل قرابة قريش بن بدران في الاستظهار له على قريش ومهلهل أخى أبى الشوك فوعدهم فسار إليهم مهلهل وأوقع بهم على عكبرا فساروا إلى سعدى وشكوا إليه وهو على سامرا فسار وأوقع بعمه مهلهل وأسره وعاد إلى حلوان وهم الملك الرحيم بتجهيز العساكر إليه بحلوان واستقدم دبيس بن مزيد لذلك ثم عظمت الفتنة سنة خمس وأربعين ببغداد من أهل الكرخ وأهل السنة ودخلها طوائف من الاتراك وعم الشر واطرحت مراقبة السلطان وركب القواد لحسم العلة فقتلوا علويا من أهل الكرخ فنادت نساؤه بالويل فقاتلهم العامة وأضرم النار في الكرخ بعض الاتراك فاحترق جميعه ثم بعث القائم وسكن الامر وكان مهلهل لما أسر سار ابنه بدر إلى طغرلبك وابن سعدى كان عنده رهينة وبعث إلى سعدى باطلاق مهلهل عند ذلك فامتنع سعدى من ذلك وانتقض على طغرلبك وسار من همذان إلى حلوان وقاتلها فامتنعت عليه فكاتب الملك الرحيم بالطاعة ولحقه عساكر طغرلبك فهزموه ولحق ببعض القلاع هنالك وسار بدر في اتباعه إلى شهرزور ثم جاءه الخبر بأن جمعا من الاكراد والاتراك قد أفسدوا السابلة وأكثروا العيث فخرج إليهم(3/456)
البساسيرى واتبعهم إلى البواريخ وأوقع بالطوائف منهم واستباحهم وعبروا الزاب فلم يمكنه العود إليهم ونجوا * (فتنة الاتراك) * وفى سنة ست وأربعين شغب الاتراك على وزير الملك الرحيم في مطالبة أرزاقهم
واستعدوه عليه فلم يعدهم فشكوا من الديوان وانصرفوا مغضبين وباكروا من الغد لحصار دار الخليفة وحضر البساسيرى واستكشف حال الوزير فلم يقف له على خبر وكبست الدور في طلبه فكان ذلك وسيلة للاتراك في نهب دور الناس واجتمع أهل المحال لمنعهم ونهاهم الخليفة فلم ينتهوا فهم بالرحلة عن بغداد ثم ظهر الوزير وانصفهم في أرزاقهم فتمادوا على بغيهم وعسفهم واشتد عيث الاكراد والاعراب في النواحى فخربت البلاد وتفرق أهلها وأغار أصحاب ابن بدران بالبرد وكبسوا حلل كامل بن محمد بن المسيب ونهبوها ونهبوا في جملتها ظهرا وأنعاما للبساسيرى وانحل أمر الملك والسلطنة بالكلية * (استيلاء طغرلبك على أذربيجان وعلى أرمينية والموصل) * سار طغرلبك سنة أربعين إلى أذربيجان فأطاعه صاحب قبرير أبو منصور وشهودان ابن محمد وخطب له ورهن ولده عنده ثم أطاعه صاحب جنده أبو الاسوار ثم تبايع سائر النواحى على الطاعة وأخذ رهنهم وسار إلى أرمينية فحاصر ملاذكرد وامتنعت عليه فخرب ما جاورها من البلاد وبعث إليه نصير الدولة بن مروان بالهدايا وقد كان دخل في طاعته من قبل وسار السلطان طغرلبك لغزو بلاد الروم واكتسحها إلى أن بلغ أردن الروم ورجع إلى أذربيجان ثم إلى الرى وخطب له قريش بن بدران صاحب الموصل في جميع أعماله وزحف إلى الانبار ففتحها ونهب ما فيها البساسيرى فانتقض لذلك وسار في العساكر إلى الانبار فاستعاده من يده * (وحشة البساسيرى) * كان أبو الغنائم وأبو سعد ابنا المجلبان صاحبي قريش بن بدران وبعثهما إلى القائم سرا من البساسيرى بما فعل بالانبار فانتقض البساسيرى لذلك واستوحش من القائم ومن رئيس الرؤساء وأسقط مشاهراتهم ومشاهرة حواشيهم وهم بهدم منازل بنى المجلبان ثم أقسر وسار إلى الانبار وبها أبو القاسم بن المجلبان وجاه دبيس بن مزيد
ممدا له فحاصر الانبار وفتحها عنوة ونهبها واسر من أهلها خمسمائة ومائة من بنى خفاجة(3/457)
وأسر أبا الغنائم وجاء به إلى بغداد فأدخله على جمل وشفع دبيس بن مزيد في قتله وجاء إلى مقابل التاج من دار الخليفة فقبل الارض وعاد إلى منزله * (وصول الغز إلى الدسكرة ونواحى بغداد) * وفى شوال من سنة ست وأربعين وصل صاحب حلوان من الغز وهو ابراهيم ابن اسحق إلى الدسكرة فافتتحها ونهبها وصادر النساء ثم سار إلى رمغباد وقلعة البردان وهى لسعدى بن أبى الشوك وبها أمواله فامتنعت عليه فخرب ما حولها من القرى ونهبها وقوى طمع الغز في البلاد وضعف أمر الديلم والاتراك ثم بعث طغرلبك أبا على ابن أبى كاليجار الذى كان بالبصرة في جيش من الغز إلى خورستان فاستولى على الاهواز وملكها ونهب الغز الذين معه أموال الناس ولقوا منهم عناء * (استيلاء الملك الرحيم على شيراز) * وفى سنة سبع وأربعين سار فولاد الذى كان بقلعة اصطخر من الديلم وقد ذكرناه إلى شيراز فملكها من يد أبى منصور فولاستون بن أبى كاليجار وكان خطب بها للسلطان طغرلبك فخطب فولاد بها للملك الرحيم ولاخيه أبى سعد يخادعهما بذلك وكان أبو سعد بأرجان فاجتمع هو وأخوه أبو منصور على حصار شيراز في طاعة أخيهما الملك واشتد الحصار على فولاد وعدمت الاقوات فهرب عنها إلى قلعة اصطخر وملك الاخوان شيراز وخطبا لاخيهما الملك الرحيم * (وثوب الاتراك ببغداد بالبساسيرى) * قد ذكرنا تأكد الوحشة بين البساسيرى ورئيس الرؤساء ثم تأكدت سنة سبع وأربعين وعظمت الفتنة بالجانب الشرقي بين العامة وبين أهل السنة للامر بالمعروف والنهى عن المنكر وحضروا الديوان حتى أذن لهم في ذلك وتعرضوا لبعض سفن
البساسيرى منحدرة إليه بواسط وكشفوا فيها عن جرار خمر فجاؤا إلى أصحاب الديوان الذين أمروا بمساعدتهم واستدعوهم لكسرها فكسروها واستوحش لذلك البساسيرى ونسبه إلى رئيس الرؤساء واستفتى الفقهاء في أن ذلك تعد على سفينته فأفتاه الحنفية بذلك ووضع رئيس الرؤساء الاعيان على البساسيرى باذن من دار الخلافة وأظهر معايبه وبالغوا في ذلك ثم قصدوا في رمضان دور البساسيرى باذن من دار الخلافة فنهبوها وأحرقوها ووكلوا بحرمه وحاشيته وأعلن رئيس الرؤساء بذم البساسيرى وانه يكاتب المستنصر صاحب مصر فبعث القائم إلى الملك الرحيم(3/458)
فأمره بابعاده فأبعده * (استيلاء السلطان طغرلبك على بغداد والخلعة والخطبة له) * قد ذكرنا من قبل رجوع السلطان طغرلبك من غزو الروم إلى الرى ثم رجع إلى همذان ثم سار إلى حلوان عازما على الحج والاجتياز بالشأم لازالته من يد العلوية وأجفل الناس إلى غربي بغداد وعظم الارجاف ببغداد ونواحيها وخيم الاتراك بظاهر البلد وجاء الملك الرحيم من واسط بعد أن طرد البساسيرى عنه كما أمره القائم فسار إلى بلد دبيس بن مزيد لصهر بينهما وبعث طغرلبك إلى لقائهما بالطاعة والى الاتراك بالمقاربة والوعد فلم يقبلوا وطلبوا من القائم اعادة البساسيرى لانه كبيرهم ولما وصل الملك الرحيم سأل من الخليفة اصلاح أمره مع السلطان طغرلبك فأشار القائم بأن يقوض الاجناد خيامهم ويخيموا بالحريم الخلافى ويبعثوا جميعا إلى طغرلبك بالطاعة فقبلوا اشارته وبعثوا إلى طغرلبك بذلك فأجاب بالقبول والاحسان وأمر القائم بالخطبة لطغرلبك على منابر بغداد فخطب آخر رمضان من سنة سبع وأربعين واستأذن في لقاء الخليفة وخرج إليه رؤساء الناس في موكب من القضاة والفقهاء والاشراف وأعيان الديلم وبعث طغرلبك للقائم وزيره أبا نصر الكندرى
وأبلغه رسالة القائم واستخلفه له وللملك الرحيم وأمراء الاجناد ودخل طغرلبك بغداد ونزل بباب الشماسية لخمس بقين من رمضان وجاء هنالك قريش بن بدران صاحب الموصل وكان من قبل في طاعته * (القبض على الملك الرحيم وانقراض دولة بنى بويه) * ولما نزل طغرلبك بغداد وافترق أهل عسكره في البلد يقضون بعض حاجاتهم فوقعت بينهم وبين بعض العام منازعة فصاحوا بهم ورجموهم وظن الناس أن الملك الرحيم قد اعتزم على قتال طغرلبك فتواثبوا بالغز من كل جهة الا أهل الكرخ فانهم سألوا من وقع إليهم من الغزو أرسل عميد الملك وزير طغرلبك عن عدنان بن الرضى نقيب العلويين وكان مسكنه بالكرخ فشكره عن السلطان طغرلبك ودخل أعيان الديلم وأصحاب الملك الرحيم إلى دار الخلافة فيا للتهمة عنهم وركب أصحاب طغرلبك فقاتلوا العامة وهزموهم وقتلوا منهم خلقا ونهبوا سائل الدروب ودور رئيس الرؤساء وأصحابه والرصافة ودور الخلفاء وكان بها أموال الناس نقلت إليها للحرمة فنهب الجميع واشتد البلاء وعظم الخوف وأرسل طغرلبك إلى القائم بالعتاب ونسبة ما وقع إلى الملك الرحيم والديلم وانهم انحرفوا وكانوا برآء من ذلك وتقدم إليهم الخليفة بالحضور(3/459)
عند طغرلبك مع رسوله فلما وصلوا إلى الخيام نهبها الغز ونهبوا رسل القائم معهم ثم قبض طغرلبك على الملك الرحيم ومن معه وبعث بالملك الرحيم إلى قلعة السيروان فحبس بها وكان ذلك لست سنين من ملكه ونهب في تلك الهيعة قريش بن بدران صاحب الموصل ومن معه من العرب ونجا سليبا إلى خيمة بدر بن المهلهل واتصل بطغرلبك خبره فأرسل إليه وخلع عليه وأعاده إلى محيمه وبعث القائم إلى طغرلبك بانكار ما وقع في اخفار ذمته في الملك الرحيم وأصحابه وانه يتحول عن بغداد فأطلق له بعضهم بلكسكسا لربه وأنزع الاقطاعات من يد أصحابه الملك الرحيم فلحقوا
بالبساسيرى وكثر جمعه وبعث طغرلبك إلى دبيس بالطاعة وانفاذ البساسيرى فخطب له في بلاده وطرد البساسيرى فسار إلى رحبة ملك وكاتب المستنصر العلوى صاحب مصر وأمر طغرلبك بأخذ أموال الاتراك الجند وأهملهم وانتشر الغز السلجوقية في سواد بغداد فنهبوا الجانب الغربي من تكريت إلى النيل والجانب الشرقي إلى النهر وانات وخرب السواد وانجلى أهله وضمن السلطان طغرلبك البصرة والاهواز من هزار شب بن شكر بن عياض بثلثمائة وستين ألف دينار وأقطعه ارجان وأمره أن يخطب لنفسه بالاهواز دون ما سواها وأقطع أبا على بن كاليجار ويسين وأعمالها وأمر أهل الكرخ بزيادة الصلاة خير من النوم في نداء الصبح وأمر بعمارة دار المملكة وانتقل إليها في شوال وتوفى ذخيرة الدين أبو العباس محمد بن القائم بالله في ذى القعدة من هذه السنة ثم انكح السلطان طغرلبك من القائم بالله خديجة بنت أخيه داود واسمها ارسلان خاتون وحضر للعقد عميد الملك الكندى وزير طغرلبك وأبو على ابن أبى كاليجار وهزار شب بن شكر بن عياض الكردى وابن أبى الشوك وغيرهم من أمراء الاتراك من عسكر طغرلبك وخطب رئيس الرؤساء وولى العقد وقبل الخليفة بنفسه وحضر نقيب النقباء أبو على بن أبى تمام ونقيب العلويين عدنان ابن الرضى والقاضى أبو الحسن الماوردى وغيرهم * (انتقاض أبى الغنائم بواسط) * كان رئيس الرؤساء سعى لابي الغنائم بن المجلبان في ولاية واسط وأعمالها فوليها وصادر أعيانها وجند جماعة وتقوى بأهل البطيحة وخندق على واسط وخطب للمستنصر العلوى بمصر فسار أبو نصر عميد العراق لحربه فهزمه وأسر من أصحابه ووصل إلى السور فحاصره حتى تسلم البلد ومر أبو الغنائم ومعه الوزير بن فسانجس ورجع عميد العراق إلى بغداد بعد أن ولى على واسط منصور بن الحسين فعاد ابن فسانجس إلى واسط وأعاد خطبة العلوى وقتل من وجده من الغز ومضى منصور بن الحسين إلى المدار(3/460)
وبعث يطلب المدد فكتب إليه عميد العراق ورئيس الرؤساء بحصار واسط فحاصرها وقاتله ابن فسانجس فهزمه وضيق حصاره واستأمن إليه جماعة من أهل واسط فملكها وهرب فسانجس واتبعوه فأدركوه وحمل إلى بغداد في صفر سنة ست وأربعين فشهر وقتل * (الوقعة بين البساسيرى وقطلمش) * وفى سلخ شوال من سنة ثمان وأربعين سار قطلمش وهو ابن عم السلطان طغرلبك وجد بنى قليچ ارسلان ملوك بلاد الروم فسار ومعه قريش بن بدران صاحب الموصل لقتال البساسيرى ودبيس وسار بهم إلى الموصل وخطبوا بها للمستنصر العلوى صاحب مصر وبعث إليهم بالخلع وكان معهم جابر بن ناشب وأبو الحسن وعبد الرحيم وأبو الفتح ابن ورائر ونصر بن عمر ومحمد بن حماد * (مسير طغرلبك إلى الموصل) * لما كان السلطان طغرلبك قد ثقلت وطأته على العامة ببغداد وفشا الضرر والاذى فيهم من معسكره فكاتبه القائم يعظه ويذكره ويصف له ما الناس فيه فأجابه السلطان بالاعتذار بكثرة العساكر ثم رأى رؤيا في ليلته كان النبي صلى الله عليه وسلم يونجه على ذلك فبعث وزيره عميد الملك إلى القائم بطاعة أمره فيما أمر وأخرج الجند من وراء العامة ورفع المصادرات ثم بلغه خبر وقعة قطلمش مع البساسيرى وانحراف قريش صاحب الموصل إلى العلوية فتجهز وسار عن بغداد ثلاثة عشر شهرا من نزوله عليها ونهبت عساكره أوانا وعكبرا وحاصر تكريت حتى رجع صاحبها نصر بن عيسى إلى الدعوة العباسية وقله السلطان ورجع عنه إلى البواريخ فتوفى نصر وخافت أمه غريبة بنت غريب بن حكن أن يملك البلد أخوه أبو العشام فاستخلفت أبا الغنائم ابن المجلبان ولحقت بالموصل ونزلت على دبيس بن مزيد وأرسل أبو الغنائم رئيس
الرؤساء فأصلح حاله ورجع إلى بغداد وسلم له تكريت وأقام السلطان بالبواريخ إلى سنة تسع وأربعين وجاءه أخوه ياقوتي في العساكر فسار إلى الموصل وأقطع مدينة بلد هزار شب بن شكر الكردى وأراد العسكر نهبها فمنعهم السلطان ثم أذن لهم في اللحاق إلى الموصل وتوجه إلى نصيبين وبعث هزار شب إلى البرية في ألف فارس ليصيب من العرب فسار حتى قارب رحالهم وأكمن الكمائن وقاتلهم ساعة ثم استطردهم واتبعوه فخرجت عليهم الكمائن فانهزموا وأثخن فيهم الغز بالقتل والاسر وكان فيهم جماعة من بنى نمير أصحاب حران والرقة وحمل الاسرى إلى السلطان فقتلهم أجمعين ثم بعث دبيس(3/461)
وقريش إلى هزار شب يستعطف لهم السلطان فقبل السلطان ذلك منهما ورد أمر البساسيرى إلى الخليفة ومعه الاتراك البغداديون وقتل ابن المقلد وجماعة من عقيل إلى الرحبة وأرسل السلطان اليهما أبا الفتح بن ورام يستخبرهما فجاء بطاعتهما وبمسير هزار شب اليهما فأذن له السلطان في المسير وجاء اليهما واستحلفهما وحثهما على الحضور فخافا وأرسل قريش أبا السيد هبة الله بن جعفر ودبيس ابنه منصورا فأكرمهما السلطان وكتب لهما بأعمالهما وكان لقريش نهر الملك وباذروبا والانبار وهيت ودحيل ونهر بيطر وعكبرا وأوانا وتكريت والموصل ونصيبين ثم سار السلطان إلى ديار بكر فحاصر جزيرة ابن عمر وبعث إليه يستعطفه ويبذل له المال وجاء ابراهيم نيال أخو السلطان وهو محاصر ولقيه الامراء والناس وبعث هزار شب إلى دبيس وقريش يحذرهما فانحدر دبيس إلى بلده بالعراق وأقام قريش عند البساسيرى بالرحبة ومعه ابنه مسلم وشكا قطلمش ما أصاب أهل سنجار منه عند هزيمته أمام قريش ودبيس فبعث العساكر إليها وحاصرها ففتحها عنوة واستباحها وقتل أميرها على ابن مرجى وشفع ابراهيم في الباقين فتركها وسلمها الله وسلم معها الموصل وأعمالها ورجع إلى بغداد في سنة تسع وأربعين فخرج رئيس الرؤساء للقائه عن القائم وبلغه
سلامه وهديته وهى جام من ذهب فيه جواهر وألبسه لباس الخليفة وعمامته فقبل السلطان ذلك بالشكر والخضوع والدعاء وطلب لقاء الخليفة فأسعف وجلس له جلوسا فخما وجاء السلطان في البحر فقرب له لما نزل من السهيرية من مراكب الخليفة والقائم على سرير علوه سبعة أذرع متوشحا البردة وبيده القضيب وقبالته كرسى لجلوس السلطان فقبل الارض وجلس على الكرسي وقال له رئيس الرؤساء عن القائم أمير المؤمنين شاكر لسعيك حامد لفعلك مستأنس بقربك وولاك ما ولاه الله من بلاده ورد اليك مراعاة عباده فاتق الله فيما ولاك واعرف نعمته عليك واجتهد في نشر العدل وكف الظلم واصلاح الرعية فقبل الارض وأفيضت عليه الخلع وخوطب بملك المشرق والمغرب وقبل يد الخليفة ووضعها على عينيه ودفع إليه كتاب العهد وخرج فبعث إلى القائم خمسين ألف دينار وخمسين مملوكا من الاتراك منتقين بخيولهم وسلاحهم إلى ما في معنى ذلك من الثياب والطيب وغيرهما * (فتنة نيال مع أخيه طغرلبك ومقتله) * كان ابراهيم نيال قد ملك بلاد الجبل وهمذان واستولى على الجهات من نواحيها إلى حلوان أعوام سنة سبع وثلاثين ثم استوحش من السلطان طغرلبك بما طلب منه أن يسلم إليه مدينة همذان والقلاع فأبى من ذلك نيال وجمع جموعا وتلاقيا فانهزم(3/462)
نيال وتحصن بقلعة سرماج فملكها عليه بعد الحصار واستنزله منها وذلك سنة احدى وأربعين وأحسن إليه طغرلبك وخيره بين المقام معه أو اقطاع الاعمال فاختار المقام ثم لما ملك طغرلبك بغداد وخطب له بها سنة سبع وأربعين أخرج إليه البساسيرى مع قريش بن بدران صاحب الموصل ودبيس بن مزيد صاحب الحلة وسار طغرلبك إليهم من بغداد ولحقه أخوه ابراهيم نيال فلما ملك الموصل سلمها إليه وجعلها لنظره مع سنجار والرحبة وسائر تلك الاعمال التى لقريش ورجع إلى بغداد سنة تسع وأربعين ثم بلغه
سنة خمسين بعدها أنه سار إلى بلاد الجبل فاستراب به وبعث إليه يستقدمه بكتابه وكتاب القائم مع العهد الكندى فقدم معه وفى خلال ذلك قصد البساسيرى وقريش ابن بدران الموصل فملكاها وجفلوا عنها فاتبعهم إلى نصيبين وخالفه أخوه ابراهيم نيال إلى همذان في رمضان سنة خمسين يقال ان العلوى صاحب مصر والبساسيرى كاتبوه واستمالوه وأطمعوه في السلطنة فسار السلطان في اتباعه من نصيبين ورد وزيره عميد الملك الكندى وزوجته خاتون إلى بغداد ووصل إلى همذان ولحق به من كان ببغداد من الاتراك فحاصر همذان في قلعة من العسكر واجتمع لاخيه خلق كثير من الترك وحلف لهم أن لا يصالح طغرلبك ولا يدخل بهم العراق لكثرة نفقانه وجاءه محمد وأحمد ابنا أخيه ارباش بأمداد من الغز فقوى بهم ووهن طغرلبك فأفرج عنه إلى الرى وكاتب إلى ارسلان ابن أخيه داود وقد كان ملك خراسان بعد أبيه سنة احدى وخمسين كما يذكر في أخبارهم فزحف إليه في العساكر ومعه أخواه ياقوت وقاروت بك ولقيهم ابراهيم فيمن معه فانهزم وجئ به وبابنى أخيه محمد وأحمد أسرى إلى طغرلبك فقتلهم جميعا ورجع إلى بغداد لاسترجاع القائم * (دخول البساسيرى بغداد وخلع القائم ثم عوده) * قد ذكرنا أن طغرلبك سار إلى همذان لقتال أخيه وترك وزيره عميد الملك الكندى ببغداد مع الخليفة وكان البساسيرى وقريش بن بدران فارقا الموصل عند زحف السلطان طغرلبك اليهما فلما سار عن بغداد لقتال أخيه بهمذان خالفه البساسيرى وقريش إلى بغداد فكثر الارجاف بذلك وبعث عن دبيس بن مزيد ليكون حاجبه ببغداد ونزلوا بالجانب الشرقي وطلب من القائم الخروج معه إلى احيائه واستدعى هزار شب من واسط للمدافعة واستمهل في ذلك فقال العرب لا نشير فأشيروا بنظركم وجاء البساسيرى ثامن ذى القعدة سنة خمسين في أربعمائة غلام على غاية من سوء الحال ومعه أبو الحسين بن عبد الرحيم وجاء حسين بن بدران في مائة فارس وخيموا مفترقين
عن البلد واجتمع العسكر والقوم إلى عميد العراق وأقاموا ازاء البساسيرى وخطب(3/463)
في النواحى فنهبوها وأفسدوا السابلة وبلغوا جامع المنصور من البلد وسلبوا النساء في المقبرة ولحق الوزير أبو سعيد وزير جلال الدولة بأبى الشوك مفارقا للوزراء ووزر بعده أبا القاسم فكثرت مطالبات الجند عليه فهرب وأخذه الجند وجاؤا به إلى دار الملك حاسرا عاريا الا من قميص خلق وذلك لشهرين من وزارته وعاد سعيد بن عبد الرحيم إلى الوزارة ثم ثار الجند سنة سبع وعشرين بجلال الدولة وأخرجوه من بغداد بعد أن استمهلهم ثلاثا فأبوا ورموه بالحجارة فأصابوه ومضى إلى دار المرتضى بالكرخ وسار منها إلى رافع بن الحسين بن مكن بتكريت ونهب الاتراك داره وقلعوا أبوابها ثم أصلح القائم شأنه مع الجند وأعاده وقبض على وزيره أبى سعيد بن عبد الرحيم وهى وزارته السادسة وفى هذه السنة نهى القائم عن التعامل بالدنانير المعزية وتقدم إلى الشهودان لا يذكروها في كتب التعامل * (الصلح بين جلال الدولة وأبى كاليجار) * ترددت الرسل سنة ثمان وعشرين بين جلال الدولة وابن أخيه أبى كاليجار حتى انعقد بينهما الصلح على يد القاضى أبى الحسن الماوردى وأبى عبد الله المردوسنى واستحلف كل واحد منهما للآخر وأظهر جلال الدولة سنة تسع وعشرين من القائم الخطاب بملك الملوك فرد ذلك إلى الفتيا وأجازه القاضى أبو الطيب الطبري والقاضى أبو عبد الله الصهيرى والقاضى بن البيضاوى وأبو القاسم الكرخي ومنع منه القاضى أبو الحسن الماوردى ورد عليهم فأخذ بفتواهم وخطب له بملك الملوك وكان الماوردى من أخص الناس بجلال الدولة وكان يتردد إليه ثم انقطع عنه بهذه الفتيا ولزم بيته من رمضان إلى النحر فاستدعاه جلال الدولة وحضر خائفا وشكره على القول بالحق وعدم المحاباة وقد عدت إلى ما تحب فشكره ودعا له وأذن للحاضرين بالانصراف معه وكان الاذن
لهم تبعا له * (استيلاء أبى كاليجار على البصرة) * وفى سنة احدى وثلاثين بعث أبو كاليجار عساكره إلى البصرة مع العادل أبى منصور مسافيه وكانت في ولاية الظهير أبى القاسم بن وليها بعد بختيار انتقض عليه مرة ثم عاد وكان يحمل إلى أبى كاليجار كل سنة سبعين ألف دينار وكثرت أمواله ودامت دولته ثم تعرض ملا الحسين بن أبى القاسم بن مكرم صاحب عمان فكاتب أبا كاليجار وضمن البصرة بزيادة ثلاثين ألف دينار وبعث أبو كاليجار العساكر مع ابن مسافيه كما ذكرنا وجاء المدد من عمان إلى البصرة وملكوها وقبض على الظهر(3/464)
من دخوله وكثر الهرج في المدينة والنهب والاحراق ورحل طغرلبك إلى بغداد بعد أن أرسل من طريقه الاستاذ أحمد بن محمد بن أيوب المعروف بابن فورك إلى قريش بن بدران بالشكر على فعله في القائم وفى خاتون بنت أخيه زوجة القائم وأن أبا بكر بن فورك جاء باحضارهما والقيام بخدمتهما وقد كان قريش بعث إلى مهارش بأن يدخل معهم إلى البرية بالخليفة ليصد ذلك طغرلبك عن العراق ويتحكم عليه بما يريد فأبى مهارش لنقض البساسيرى عهوده واعتذر بأنه قد عاهد الخليفة القائم بما لا يمكن نقضه ورحل بالخليفة إلى العراق وجعل طريقه على بدران بن مهلهل وجاء أبو فورك إلى بدر فحمله معه إلى الخليفة وأبلغه رسالة طغرلبك وهداياه وبعث طغرلبك للقائه وزيره الكندى والامراء والحجاب بالخيام والسرادقات والمقربات بالمراكب الذهبية فلقوه في بلد بدر ثم خرج السلطان فلقيه بالنهروان واعتذر عن تأخره بوفاة أخيه داود بخراسان وعصيان ابراهيم بهمذان وانه قتله على عصيان وأقام حتى رتب أولاد داود في مملكته وقال انه يسير إلى الشأم في اتباع البساسيرى وطلب صاحب مصر فقلده القائم سيفه إذ لم يجد سواه وأبدى وجهه للامراء فحيوه وانصرفوا وتقدم طغرلبك
إلى بغداد فجلس في الباب النوبى مكان الحاجب وجاء القائم فأخذ طغرلبك بلجام بغلته إلى باب داره وذلك لخمس بقين من ذى القعدة سنة احدى وخمسين وسار السلطان إلى معسكره وأخذ في تدبير أموره * (مقتل البساسيرى) * ثم أرسل السلطان طغرلبك خمارتكين في ألفين إلى الكوفة واستقر معه سرايا بن منيع في بنى خفاجة وسار السلطان طغرلبك في اثرهم فلم يشعر دبيس وقريش والبساسيرى وقد كانوا نهبوا الكوفة الا والعساكر قد طلعت عليهم من طريق الكوفة فاجفلوا نحو البطيحة وسار دبيس ليرد العرب إلى القتال فلم يرجعوا ومضى معهم ووقف البساسيرى وقريش فقتل من أصحابهما جماعة وأسر أبو الفتح بن ورام ومنصور بن بدران وحماد بن دبيس وأصاب البساسيرى سهم فسقط عن فرسه وأخذ رأسه لمتنكيرز وأتى العميد الكندرى وحمله إلى السلطان وغنم العسكر جميع أموالهم وأهليهم وحمل رأس البساسيرى إلى دار الخلافة فعلق قبالة النوبى في منتصف ذى الحجة ولحق دبيس بالبطيحة ومعه زعيم الملك أبو الحسن عبد الرحيم وكان هذا البساسيرى من مماليك بهاء الدولة بن عضد الدولة اسمه ارسلان وكنيته أبو الحرث ونسبه في الترك وهذه النسبة المعروفة له نسبة إلى مدينة بفارس حرفها الاول متوسط بين الفاء والباء والنسبة إليها فسوى ومنها أبو على الفارسى صاحب الايضاح وكان أولا ينسب إليها فلذلك قيل فيه(3/465)
هو بساسيرى (1) * (مسير السلطان إلى واسط وطاعة دبيس) * ثم انحدر السلطان إلى واسط أول سنة ثنتين وخمسين وحضر عنده هزار شب بن شكر من الاهواز وأصلح حال دبيس بن مزيد وصدقة بن منصور بن الحسين أحضرهما عند السلطان وضمن واسط أبو على بن فضلان بمائتي ألف دينار وضمن البصرة الاغر أبو
سعد سابور بن المظفر وأصعد السلطان إلى بغداد واجتمع بالخليفة ثم سار إلى بلد الجيل في ربيع سنة ثنتين وخمسين وأنزل ببغداد الامير برسو شحنة وضمن أبو الفتح المظفر بن الحسين في ثلاث سنين بأربعمائة ألف دينار ورد إلى محمود الاحرم امارة بنى خفاجة وولاه الكوفة وسقى الفرات وخواص السلطان بأربعة آلاف دينار في كل سنة * (وزارة القائم) * ولما عاد القائم إلى بغداد ولى أبا تراب الاشيرى على الانهار وحضور المراكب ولقبه حاجب الحجاب وكان خدمه بالحديثة ثم سعى الشيخ أبو منصور في وزارة أبى الفتح بن أحمد ابن دارست عى أن يحمل مالا فأجيب وأحضر من الاهواز في منتصف ربيع من سنة ثلاث وخمسن فاستوزره وكان من قبل تاجرا لابي كاليجار ثم ظهر عجزه في استيفاء الاموال فعزله وعاد إلى الاهواز وقدم اثر ذلك أبو نصر بن جهير وزير نصير الدولة بن مروان نازعا منه إلى الخليفة القائم فقبله واستوزره ولقبه فخر الدولة * (عقد طغرلبك على ابنة الخليفة) * كان السلطان طغرلبك قد خطب من القائم ابنته على يد أبى سعد قاضى الرى سنة ثلاث وخمسين فاستنكف من ذلك ثم بعث أبا محمد التميمي في الاستعفاء من ذلك والا فيشترط ثلثمائة ألف دينار وواسط وأعمالها فلما ذكر التميمي ذلك للوزير عميد الملك بنى الامر على الاجابة قال ولا يحسن الاستعفاء ولا يليق بالخليفة طلب المال وأخبر السلطان بذلك فسر به وأشاعه في الناس ولقب وزيره عميد الملك وأتى أرسلان خاتون زوجة القائم ومعه مائة ألف ألف دينار وما يناسبها من الجواهر والجوار وبعث معهم قرامرد بن كاكويه وغيره من امراء الرى فلما وصلوا إلى القائم استشاط وهم بالخروج من بغداد وقال له العميد ما جمع لك في الاول بين الامتناع والاقتراح وخرج مغضبا إلى النهروان فاستوقفه قاضى القضاة والشيخ أبو منصور بن يوسف وكتب من الديوان إلى خمارتكين من أصحاب السلطان بالشكوى من عميد الملك وجاءه الجواب
بالرفق ولم يزل عميد الملك يريض الخليفة وهو يتمنع إلى أن رحل في جمادى من سنة(3/466)
أربع وخمسين ورجع إلى السلطان وعرفه بالحال ونسب القضية إلى خمارتكين فتنكر له السلطان وهرب واتبعه أولاد نيال فقتلوه بثأر أبيهم وجعل مكانه سارتكين وبعث للوزير بشأنه وكتب السلطان إلى قاضى القضاة والشيخ أبى منصور بن يوسف بالعتب وطلب بنت أخى زوجة القائم فأجاب الخليفة حينئذ إلى الاصهار وفوض إلى الوزير عميد الكندرى عقد النكاح على ابنته للسلطان وكتب بذلك إلى أبى الغنائم المجلبان فعقد عليها في شعبان من تلك السنة بظاهر تبريز وحمل السلطان للخليفة أموالا كثيرة وجواهر لولى العهد وللمخطوبة وأقطع ما كان بالعراق لزوجته خاتون المتوفاة للسيدة بنت الخليفة وتوجه السلطان في المحرم سنة خمس وخمسين من ارمينية إلى بغداد ومعه من الامراء أبو على بن أبى كاليجار وسرخاب بن بدر وهزار وأبو منصور بن قرامرد بن كاكويه وخرج الوزير ابن جهير فتلقاه وترك عسكره بالجانب الغربي ونادى الناس بهم وجاء الوزير ابن العميد لطلب المخطوبة فأفرد له القائم دور السكناه وسكنى حاشيته وانتقلت المخطوبة إليها وجلست على سرير ملبس بالذهب ودخل السلطان فقبل الارض وحمل لها مالا كثيرا من الجواهر وأولم أياما وخلع على جميع امرائه وأصحابه وعقد ضمان بغداد على أبى سعد الفارسى بمائة وخمسين ألف دينار وأعاد ما كان أطلقه رئيس العراقين من المواريث والمكوس وقبض على الاعرابي سعد ضامن البصرة وعقد ضمان واسط على أبى جعفر بن فضلان بمائتي ألف * (وفاة السلطان طغرلبك وملك ابن أخيه داود) * ثم سار السلطان طغرلبك من بغداد في ربيع الآخر إلى بلد الجيل فلما وصل الرى أصابه المرض وتوفى ثامن رمضان من سنة خمس وخمسين وبلغ خبر وفاته إلى بغداد فاضطربت واستقدم القائم مسلم بن قريش صاحب الموصل ودبيس بن مزيد وهزار شب
صاحب الاهواز وبنى ورام وبدر بن مهلهل فقدموا وأقام أبو سعد الفارسى ضامن بغداد سورا على قصر عيسى وجمع الغلال وخرج مسلم بن قريش من بغداد فنهب النواحى وسار دبيس بن مزيد وبنو خفاجة وبنو ورام والاكراد لقتاله ثم استتيب ورجع إلى الطاعة وتوفى أبو الفتح بن ورام مقدم الاكراد والجاوانية وحمل العامة السلاح لقتال الاعراب فكانت سببا لكثرة الذعار ولما مات طغرلبك بايع عميد الدولة الكندرى بالسلطنة لسليمان بن داود وجعفر بك وكان ربيب السلطان طغرلبك خلف أخاه جعفر بك داود على أمه وعهد إليه بالملك فلما خطب له اختلف عليه الامر وسار باغى سيان وارذم إلى قزوين فخطب لاخيه الب ارسلان وهو محمد بن داود وهو يومئذ صاحب خراسان ووزيره نظام الملك سار إلى المذكور وسال الناس إليه وشعر(3/467)
الكندرى باختلال أمره فخطب بالرى للسلطان الب ارسلان وبعده لاخيه سليمان وزحف الب ارسلان في العساكر من خراسان إلى الرى فلقيه الناس جميعا ودخلوا في طاعته وجاء عميد الملك الكندرى إلى وزيره نظام الملك فخدمه وهاداه فلم يغن عنه وخشى السلطان غائلته فقبض عليه سنة ست وخمسين وحبسه بمرو الروذ ثم بعث بعد سنة من محبسه بقتله في ذى الحجة من سنة سبع وخمسين وكان من اهل نيسابور كاتبا بليغا فلما ملك طغرلبك نيسابور وطلب كاتبا فدله عليه الموفق والد أبى سهل فاستكتبه واستخلصه وكان خصيا يقال ان طغرلبك خصاه لانه تزوج بامرأة خطبها له وغطى عليه فظفر به فحاصره وأقره على خدمته وقيل أشاع عند أعدائه أنه تزوجها ولم يكن ذلك فخصى نفسه ليأمن من غائلته وكان شديد التعصب على الشافعية والاشعرية واستأذن السلطان في لعن الرافضة على منابر خراسان ثم أضاف إليهم الاشعرية فاستعظم ذلك أئمة السنة وفارق خراسان أبو القاسم القشيرى ثم أبو المعالى إلى مكة فأقام أربعة سنين يتردد بين الحرمين يدرس ويفتى حتى لقب امام الحرمين فلما جاءت دولة الب ارسلان
أحضرهم نظام الملك وزيره فأحسن إليهم وأعاد السلطان الب ارسلان السيدة بنت الخليفة التى كانت زوجة طغرلبك إلى بغداد وبعث في خدمتها الامير ايتكين السليمانى وولاه شحنة ببغداد وبعث معها أيضا أبا سهل محمد بن هبة الله المعروف بابن الموفق لطلب الخطبة ببغداد فمات في طريقه وكان من رؤساء الشافعية بنيسابور وبعث السلطان مكانه العميد أبا الفتح المظفر بن الحسين فمات ايضا في طريقه فبعث وزيره نظام الملك وخرج عميد الملك ابن الوزير فخر الدولة بن جهير لتلقيهم وجاس لهم القائم جلوسا فخما في جمادى الاولى من سنة ست وخمسين وساق الرسل بتقليد الب ارسلان السلطنة وسلمت إليهم الخلع بمشهد من الناس ولقب ضياء الدولة وأمر بالخطبة له على منابر بغداد وأن يخاطب بالولد المؤيد حسب اقتراحه فأرسل إلى الديوان لاخذ البيعة النقيب طراد الزينبي فأرسل إليه بنقجوان من اذربيجان وبايع وانتقض على السلطان الب ارسلان من السلجوقية صاحب هراة وصغانيان فسار إليهم وظفر بهم كما نذكر في أخبارهم ودولتهم عند افرادها بالدكر انتهى * (فتنة قطلمش والجهاد بعدها) * كان قطلمش هذا من كبار السلجوقية وأقربهم نسبا إلى السلطان طغرلبك ومن أهل بيته وكان قد استولى على قومة واقصراى وملطية وهو الذى بعثه السلطان طغرلبك أول ما ملك بغداد سنة تسع وأربعين لقتال البساسيرى وقريش ابن بدران صاحب الموصل ولقيهم على سنجار الرى فجهز الب ارسلان العساكر من نيسابور في المحرم من سنة سبع وخمسين وساروا على المفارقة فسبقوا قطلمش إلى الرى وجاء كتاب السلطان إليه(3/468)
ولقيه فلم يثبت ومضى منهزما واستباح السلطان عسكره قتلا وأسرا وأجلت الواقعة عنه قتيلا فحزن له السلطان ودفنه ثم سار إلى بلاد الروم معتزما على الجهاد ومر باذربيجان ولقيه طغرتكين من أمراء التركمان في عشيرة وكان ممارسا للجهاد فحثه على قصده
وسلك دليلا بين يديه فوصل إلى نجران على نهر ارس وأمر بعمل السفن لعبوره وبعث عساكر لقتال خوى وسلماس من حصون اذربيجان وسار هو في العساكر فدخل بلاد الكرخ وفتح قلاعها واحدة بعد واحدة كما نذكر في أخبارهم ودوخ بلادهم وأحرق مدنهم وحصونهم وسار إلى مدينة أي من بلاد الديلم فافتتحها وأثخن فيها وبعث بالبشائر إلى بغداد وصالحه ملك الكرخ على الجزية ورجع إلى اصبهان ثم سار منها إلى كرمان فأطاعه أخوه قاروت بن داود جعفر بك ثم سار إلى مرو وأصهر إليه خاقان ملك ما وراء النهر بابنته لابنه ملكشاه وصاحب غزنة بابنته لابنه الآخر انتهى * (العهد بالسلطنة لملكشاه بن الب ارسلان) * وفى سنة ثمان وخمسين عهد الب ارسلان بالسلطنة لابنه ملكشاه واستخلف له الامراء وخلع عليهم وأمر بالخطبة له في سائر أعماله وأقطع بلخ لاخيه سليمان وخوارزم لاخيه ازعزا ومرو لابنه ارسلان شاه وصغانيان وطخارستان لاخيه الباس ومازندران للامير ابنايخ وبيغوا وجعل ولاية نقشوان ونواحيها لمسعود بن ازناس وكان وزيره نظام الملك قد ابتدأ سنة سبع وخمسين بناء المدرسة النظامية ببغداد وتمت عمارتها في ذى القعدة سنة تسع وخمسين وعين للتدريس بها الشيخ اسحق الشيرازي واجتمع الناس لحضور درسه وتخلف لانه سمع أن في مكانها غصبا وبقى الناس في انتظاره حتى يئسوا منه فقال الشيخ أبو منصور لا ينفصل هذا الجمع الا عن تدريس وكان أبو منصور الصباغ حاضرا فدرس وأقام مدرسا عشرين يوما حتى سمع أبو اسحق الشيرازي بالتدريس فاستقر بها * (وزراء الخليفة) * كان فخر الدولة ابن جهير وزير القائم كما ذكرناه ثم عزله سنة ستين وأربعمائة فلحق بنور الدولة دبيس بن مزيد بالقلوجة وبعث القائم عن أبى يعلى والد الوزير أبى شجاع وكان يكتب لهزار شب بن عوض صاحب الاهواز فاستقدمه ليوليه الوزارة فقدم ومات
في طريقه ونفع دبيس بن مزيد في فخر الدولة بن جهير فأعيد إلى وزارنه سنة احدى وستين في صفر * (الخطبة بمكة) *(3/469)
وفى سنة ثنتين وستين خطب محمد بن أبى هاشم بمكة للقائم وللسلطان الب ارسلان وأسقط خطبة العلوى صاحب مصر وترك حى على خير العمل من الاذان وبعث ابنه وافدا على السلطان بذلك فأعطاه ثلاثين ألف دينار وخلع نفيسة ورتب كل سنة عشرة آلاف دينار * (طاعة دبيس ومسلم بن قريش) * كان مسلم بن قريش منتقضا على السلطان وكان هزار شب بن شكر بن عوض قد أغرى السلطان بدبيس بن مزيد ليأخذ بلاده فانتقض ثم هلك هزار شب سنة ثنتين وستين باصبهان منصرفا من وفادته على السلطان بخراسان فوفد دبيس على السلطان ومعه مشرف الدولة مسلم بن قريش صاحب الموصل وخرج نظام الملك لتلقيهما وأكرمهما السلطان ورجعا إلى الطاعة * (الخطبة العباسية بحلب واستيلاء السلطان عليها) * كان محمود بن صالح بن مراد قد استولى هو وقومه على مدينة حلب وكانت للعلوي صاحب مصر فلما رأى اقبال دولة الب ارسلان وقوتها خافه على بلده فحملهم على الدخول في دعوة القائم وخطب له على منابر حلب سنة ثلاث وستين وكتب بذلك إلى القائم فبعث إليه نقيب النقباء طراد بن محمد الزينبي بالخلع ثم سار السلطان الب ارسلان إلى حلب ومر بديار بكر فخرج إليه صاحبها ابن مروان وخدمه بمائة ألف دينار ومر بآمد فامتنعت عليه وبالرها كذلك ثم نزل على حلب وبعث إليه صاحبها محمود مع نقيب النقباء طراد بالاستعفاء من الحضور فالح في ذلك وحاصره
فلما اشتد عليه الحصار خرج ليلا إلى السلطان ومعه أمه منيعة بنت رتاب النميري ملقبا بنفسه فأكرمه السلطان وخلع عليه وأعاده إلى بلده فقام بطاعته * (واقعة السلطان مع ملك الروم وأسره) * كان ملك الروم في القسطنطينية وهو ارمانوس قد خرج سنة ثنتين وستين إلى بلاد الشأم في عساكر كثيفة ونزل على منبج ونهبها وقتل أهلها وزحف إليه محمود بن صالح ابن مرداس وابن حسان الطائى في بنى كلاب وطيئ ومن إليهم من جموع العرب فهزمهم وطال عليه المقام على منبج وعزت الاقوات فرجع إلى بلاده واحتشد وسار في مائتي ألف من الزنج والروم والروس والكرخ وخرج في احتفال إلى أعمال خلاط ووصل إلى ملازجرد وكان السلطان الب ارسلان بمدينة خوى من اذربيجان عند عوده من حلب فتشوق إلى الجهاد ولم يتمكن من الاحتشاد فبعث أثقاله وزوجته مع نظام الملك(3/470)
إلى همذان وسار فيمن حضره من العساكر وكانوا خمسة عشر ألفا ووطن نفسه على الاستماتة فلقيت مقدمته عند خلاط جموع الروسية في عشرة آلاف فانهزموا وجى بملكهم إلى السلطان فحبسه وبعث بالاسلاب إلى نظام الملك ليرسلها إلى بغداد ثم تقارب العسكران وجنح السلطان للمهادنة فأبى ملك الروم فاعتزم السلطان وزحف وأكثر من الدعاء والبكاء وعفر وجهه بالتراب ثم حمل عليهم فهزمهم وامتلات الارض بأشلائهم واسر الملك ارمانوس جاء به بعض الغلمان أسيرا فضربه السلطان على رأسه ثلاثا ووبخه ثم فاداه بألف ألف دينار وخمسمائة ألف دينار وعلى أن يطلق كل أسير عنده وأن تكون عساكر الروم مددا للسلطان متى يطلبها وتم الصلح على ذلك لمدة خمسين سنة وأعطاه السلطان عشرة آلاف دينار وخلع عليه وأطلقه ووثب ميخاييل على الروم فملك عليهم مكان ارمانوس فجمع ما عنده من الاموال فكان مائتي ألف دينار وجئ بطبق مملوء بجواهر قيمته تسعون ألفا ثم استولى ارمانوس بعد ذلك على أعمال
الارمن وبلادهم * (شحنة بغداد) * قد ذكرنا أن السلطان الب ارسلان ولى لاول ملكه ايتكين السليمانى شحنة ببغداد سنة ست وخمسين فأقام فيها مدة ثم سار إلى السلطان في بعض مهماته واستخلف ابنه مكانه فأساء السيرة وقتل بعض المماليك الدارية فأنفذ قميصه من الديوان إلى السلطان وخوطب بعزله وكان نظام الملك يعنى به فكتب فيه بالشفاعة وورد سنة أربع وستين فقصد دار الخلافة وسأل العفو فلم يجب وبعث إلى تكريت ليسوغها باقطاع السلطان فبرز المرسوم من ديوان الخلافة بمنع ذلك ولما رأى السلطان ونظام الملك اصرار القائم على عزله بعث السلطان مكانه سعد الدولة كوهر ابين اتباعا لمرضاة الخليفة ولما ورد بغداد خرج الناس للقائه وجلس له القائم واستقر شحنة * (مقتل السلطان ألب أرسلان وملك ابنه ملكشاه) * سار السلطان الب ارسلان محمد إلى ما وراء النهر وصاحبه شمس الملك تكين وذلك سنة خمس وستين وعبر على جسر عقده على جيحون في نيف وعشرين يوما وعسكره تزيد على مائتي ألف وجئ له بمستحفظ القلاع ويعرف بيوسف الخوارزمي فأمر بعقابه على ارتكابه فأفحش في سب السلطان فغضب وأمر باطلاقه ورماه بسهم فأخطأه فسير إليه يوسف وقام السلطان عن سريره فعثر ووقع فضربه بسكينة وضرب سعد الدولة ودخل السلطان خيمته جريحا وقتل الاتراك يوسف هذا ومات السلطان من جراحته(3/471)
عاشر ربيع سنة خمس وستين لتسع سنين ونصف من ملكه دفن بمرو عند أبيه وكان كريما عادلا كثير الشكر لنعمة الله والصدقة واتسع ملكه حتى قيل فيه سلطان العالم ولما مات وقد أوصى بالملك لابنه ملكشاه فجلس للملك وأخذ له البيعة وزيره نظام الملك وأرسل إلى بغداد فخطب له على منابرها وكان الب ارسلان أوصى أن يعطى
أخوه قاروت بك أعمال فارس وكرمان وشيأ عينه من المال وكان بكرمان وأن يعطى ابنه اياس من الب ارسلان ما كان لابيه داود وهو خمسمائة ألف دينار وعهد بقتال من لم يقص بوصيته وعاد ملكشاه من بلاد ما وراء النهر فعبر الجسر في ثلاثة أيام وزاد الجند في أرزاقهم سبعمائة ألف دينار ونزل نيسابور وأرسل إلى ملوك الاطراف بالطاعة والخطبة فأجابوا وأنزل أخاه اياس بن الب ارسلان ببلخ وسار إلى الرى ثم فوض إلى نظام الملك وأقطعه مدينة طوس التى هي منشؤه وغيرها ولقبه ألقابا منها أتابك ومعناها الامير الوالد فحمل الدولة بصرامة وكفاية وحسن سيرة وبعث كوهر ابين الشحنة إلى بغداد سنة ست وستين لاقتضاء العهد فجلس له القائم وعلى رأسه حافده وولى عهده المقتدى بأمر الله وسلم إلى سعد الدولة كوهر ابين عهد السلطان ملكشاه بعد ان قرأ الوزير أوله في المحفل وعقد له اللواء بيده ودفعه إليه * (وفاة القائم ونصب المقتدى للخلافة) * ثم توفى القائم بأمر الله أبو جعفر بن القادر افتصد منتصف شعبان من سنة سبع وستين ونام فانفجر فصاده وسقطت قوته ولما أيقن بالموت أحضر حافده أبا القاسم عبد الله ابن ابنه ذخيرة الدين محمد وأحضر الوزير ابن جهير والنقباء والقضاة وغيرهم وعهد له بالخلافة ثم مات لخمس و أربعين سنة من خلافته وصلى عليه المقتدى وبويع بعهد جده وحضر بيعته مؤيد الملك بن نظام الملك والوزير فخر الدولة بن جهير وابنه عميد الدولة وأبو اسحق الشيرازي وأبو نصر بن الصباغ ونقيب النقباء طراد والنقيب الطاهر المعمر بن محمد وقاضي القضاة أبو عبد الله الدامغاني وغيرهم من الاعيان والاماثل ولما فرغوا من البيعة صلى بهم العصر ولم يكن للقائم عقب ذكر غيره لان ابنه ذخيرة الدين أبا العباس محمدا توفى في حياته ولم يكن له غيره فاعتمد القائم لذلك ثم جاءت جاريته ارجوان بعد موته لستة أشهر بولد ذكر فعظم سرور القائم به ولما كانت حادثة البساسيرى حمله أبو الغنائم بن المجلبان إلى حران وهو ابن أربع سنين
وأعاده عند عود القائم إلى داره فلما بلغ الحلم عهد له القائم بالخلافة ولما تمت بيعته لقب المقتدى وأقر فخر الدولة بن جهير على وزارته بوصية جده القائم بذلك وبعث ابن عميد الدولة إلى السلطان ملكشاه لاخذ البيعة في رمضان من سنة سبع وستين(3/472)
وبعث معه من الهدايا ما يجل عن الوص وقدم سعد الدولة كوهر ابين سنة ثمان وستين إلى بغداد شحنة ومعه العميد أنصر ناظرا في أعمال بغداد وقدم مؤيد الملك ابن نظام الملك سنة سبعين للاقامة ببغد ونزل بالدار التى بجوار مدرستهم * (عزل الوزير ابن هير ووزارة أبى شجاع) * كان أبو نصر بن الاستاذ أبى القاسم قشيرى قد حج سنة تسع وستين فورد بغداد منصرفا من الحج ووعظ الناس بالنظلية وفى رباط شيخ الشيوخ ونصر مذهب الاشعري فأنكر عليه الحنابلة وكثر تعصب من الجانبين وحدثت الفتنة والنهب عند المدرسة النظامية فأرسل مؤ الملك إلى العميد والشحنة فحضروا في الجند وعظمت الفتنة ونسب ذلك إلى الوز فخر الدولة بن جهير وعظم ذلك على عضد الدولة فأعاد كوهر ابين إلى الشحنة ببغدار أوصاه المقتدى بعزل فخر الدولة من الوزارة وأمر كوهر ابين بالقبض على أصحابه مى الخبر إلى بنى جهير فبادر عميد الدولة ابن الوزير إلى نظام الملك يستعطفه ولما بلغ هرابين رسالة الملك إلى المقتدى أمر فخر الدولة بلزوم منزله ثم جاء ابنه عميد الدولة ند استصلح نظام الملك في الشفاعة لهم فأعيد عميد الملك إلى الوزارة دون أبيه فخر دولة وذلك في صفر سنة ثنتين وسبعين * (استيلاء تتش بن الب ارسان على دمشق وابتداء دولته ودولة نفيه فيها) * كان أتسز بهمزة وسين وزاى ابن ق الخوارزمي من أمراء السلطان ملك شاه وقد سار سنة ثلاث وستين إلى فلسطين الشأم ففتح مدينة الرملة ثم حاصر بيت المقدس وفتحها من يد العلويين أصحاب سر وملك ما يجاورها ما عدا عسقلان ثم حاصر
دمشق حتى جهدها الحصار فرج وبقى يردد الغزوات إليها كل سنة ثم حاصرها سنة سبع وستين وبها المعلى بن حمدة من قبل المنتصر العبيدي فأقام عليها شهرا ثم أقلع ديار أهل دمشق بالمعلى لسوء سيرته فهرب إلى بانياس ثم إلى صور ثم أخذ إلى مصر وجلس بها ومات محبوسا واجتملصا مدة بعد هربه من دمشق وولوا عليهم انتصار ابن يحيى المصمودى ولقبوه زير دولة ثم اختلفوا عليه ووقعت الفتنة وغلب الاسعار ورجع أتسز إلى حصارها فنزه عنها انتصار على الامان وعوضه عنها بقلعة بانياس ومدينة يافا من الساحل وخصفيها أتسز للمقتدى العباسي في ذى القعدة سنة ثمان وستين وتغلب على أكثر الثم ومنع من الاذان بحى على خير العمل ثم سار سنة تسع وستين إلى مصر وحاصرها تى أشرف على أخذها ثم انهزم من غير قتال ورجع إلى دمشق وقد انتقض عليه أكثر الشأم فشكر لاهل دمشق صونهم لمخلفه وأمواله(3/473)
ورفع عنهم خراج سنة وبلغه ان أهل القس وثبوا بأصحابه ومخلفه وحصروهم في محراب داود عليه السلام فسار إليهم وقاتل فملكهم عنوة وقتلهم في كل مكان الامن كان عند الصخرة ثم ان السلطان ملك شاه أقطع أخاه تاج الدولة تتش سنة سبعين وأربعمائة بلاد الشأم وما يفتحه من نواميها فسار إلى حلب سنة احدى وسبعين وحاصرها وضيق عليها وكانت معه جموع كثيرة من التركمان وكان صاحب مصر قد بعث عساكره مع قائده نصير الدولة لحصار دمشق فأحاطوا بها وبعث أتسز إلى تتش وهو على حلب يستمده فسار إليه وأجفلت العسكر المصرية عن دمشق وجاء إليها تتش فخرج أتسز للقائه بظاهر البلد فتحني عليه حيث يستعد للقائه وقبض عليه وقتله لوقته وملك البلد وأحسن السيرة فيها وذلك سنة ادى وسبعين فيما قال الهمذانى وقال الحافظ أبو القاسم بن عساكر ان ذلك كان سنة ثنتين وسبعين وقال ابن الاثير والشاميون في هذا الاسم افسلس والصحيح أنه أتز وهو اسم تركي
* (سفارة الشيخ أبى اسحق الشيرى عن الخليفة) * كان عميد العراق أبو الفتح بن أبى الليث قد ساء سيرة وأساء إلى الرعاية وعسفهم واطرح جانب الخليفة المقتدى وحواشيه فادعى المقتدى الشيخ أبا اسحق الشيرازي وبعثه إلى السلطان ملك شاه والوزير نفم الملك بالشكوى من ابن العميد فسار لذلك ومعه جماعة من أعيان الشافعية منهأبو بكر الشاشى وغيره وذلك سنة خمس وخمسين وتنافس أهل البلاد في لقائه لتمسح بأطرافه والتماس البركة في ملبوسه ومركوبه وكان أهل البلاد إذا مر بهم يتاءلون إليه ويزدحمون على ركابه وينشدون على موكبه كل أحد ما يناسب ذلك وصر الامر باهانة ابن العميد ورفع يده عما يتعلق بحواشي المقتدى وجرى بينه وبين ام الحرمين مناظرة بحصرة نظام الملك ذكرها الناس في كتبهم انتهى * (عزل ابن جهير عن الوزارة وامارته ديار بكر) * ثم ان عميد الدولة بن فخر الدولة بن جهير عزله اخليفة قتدى عن الوزارة وواصل من قبل السلطان ونظام الملك يطلب بنى جهير فأذن لهما روا بأهلهم إلى السلطان فلقاهم كرامة وبرا وعقد لفخر الدولة على ديار بككان بنى مروان وبعث معه العساكر سنة وأعطاء الآلة وأذن له أن يخطب فيها فسه ويكتب اسمه في السكة فسار لذلك سنة ست وسبعين ثم بعث إليه السلطان سنبع وسبعين بمدد العساكر مع الامير ارتق بن اكسب جل أصحاب ماردين لها العهد وكان ابن مروان(3/474)
قد استمد فخر الدولة بن جهير بنواحيها وكان معه جماعة من التركمان فتقدموا إلى قتل مشرف الدولة وانهزم أمامهم وغنم التركمان من كان معه من احياء العرب ودخل آمد فحصره بها فخر الدولة وأرتق فراسل ارتق وذل له مالا على الخروج من ناحيته فأذن له وخرج ورجع ابن جهير إلى ميا فارقين ومعه بهاء الدولة منصور بن مزيد صاحب الحلة
والنيل والجامعين وابنه سيف الدولة صدق ففارقوه إلى العراق وسار هو إلى خلاط وكان السلطان لما بلغه انهزام مشرف الدولة وحصاره بآمد بعث عميد الدولة بن فخر الدولة بن جهير في عسكره إلى الموصل ومعه قسيم الدولة اقسنقر جد نور الدين العادل وكاتب امراء التركمان بطاعته وساروا إلى اموصل فملكوها وسار السلطان بنفسه إليها وقارن ذلك خلوص مشرف الدولة من حصار آمد فراسل مؤيد الدولة بن نظام الملك وهو على الرحبة وأهدى له فسعى له عند السلطان وأحضره وأهدى للسلطان سوابق خيله وصالحه وأقره على بلاده وعاد إلى خراسان ولم يزل فخر الدولة بن جهير في طلب ديار بكر حتى ملكها فأنفذ إليه زعيم الرؤساء اقاسم سنة ثمان وسبعين وحاصرها وضيق عليها حتى غدر بها بعض أهل العسكر من خارج وملكها وعمد أهل البلد إلى بيوت النصارى بيتهم فنهبوها بما كانوا عمال بنى مروان وكان لهم جور على الناس وكان فخر الدولة مقيما على ميا فارقين محاصرا لها وجاءه سعد الدولة كوهر ابين في العسكر مددا من عند السلطان فخرج في حصارهما وسقط بعض الايام جانب من سورها فدهش أهل البلد وتنادوا بشعار السلطان ملك شاه واقتحم فخر الدولة البلد واستولى على ما كان لبنى مروان وبعث بأموالهم إلى السلطان مع ابنه زعيم الرؤساء فلحقه باصبهان سنة ثمان وسبعين ثم بعث فخر الدولة أيضا عسكرا إلى جزيرة ابن عمر وحاصروها حتى جهدهم الحصار فوثب طائفة من أهل البلد بعاملها وفتحوا الباب ودخل مقدم العسكر فملك البلد ودخل سنة ثمان وسبعين وانقرضت دولة بنى مروان من دياز بكر واستولى عليها فخر الدولة بن جهير ثم أخذها السلطان من يده وسار إلى الموصل فتوفى بها وكان مولده بها واستخدم لبرلة بن مقلة وسفر عنه إلى ملك الروم ثم سار إلى حلب ووزر لمعز الدولة أبى هال بن صالح ثم مضى إلى ملطية ثم إلى مروان بديار بكر فوزر له ولولده ثم سار إلى بغداد ووزر للخليفة كما مر في آخر ما ذكرنا وتوفى سنة ثلاث وثمانين انتهى * (خبر الوزارة) *
لما عزل الخليفة المقتدى عميد الدولة عن الوزارة سنة ست وسبعين رتب في الديوان أبا الفتح المطفر بن رئيس الرؤساء ثم استوزر أبا شجاع محمد بن الحسين فلم يزل في الوزارة إلى سنة أربع وثمانين فتعرض لابي سعد بن سمحاء اليهودي كان وكيلا للسلطان ونظام(3/475)
الملك وسار كوهر ابين الشحنة إلى السلطان باصبهان فمضى اليهودي في ركابه وسمع المقتدى بذلك فخرج توقيعه بالزام أهل الذمة بالغيار فأسلم بعضهم وهرب بعضهم وكان ممن أسلم أبو سعد العلاء بن الحسن بن وهب ن موصلا يا الكاتب وقرابته ولما وصل كوهر ابين وأبو سعد إلى السلطان وعظمت سعايتهما في الوزير أبى شجاع فكتب السلطان ونظام الملك إلى المقتدى في عز فعزله وأمره بلزوم بيته وولى مكانه أبا سعد ابن موصلايا الكاتب وبعث المقتدى ليهما في عميد الدولة بن جهير فبعثا به إليه واستوزره سنة أربع وثمانين وركب ليه نظام الدولة فهنأه بالوزارة في بيته وتوفى الوزير أبو شجاع سنة ثمان وثمانين * (استيلاء السلطان على حلب) * قد ذكرنا من قبل استيلاء السلطان لب ارسلان على حلب وخطبة صاحبها محمود ابن صالح بن مرداس على منابره باسمه سنة ثلاث وستين ثم عاد بعد ذلك إلى طاعة العلوية بمصر ثم انتقضت دولة بنى مردس بها وعادت رياستها شورى في مشيختها وطاعتهم لمسلم بن قريش صاحب الموصل وكبيرهم ابن الحثيثى واستقر ملك سليمان ابن قطلمش ببلاد الروم وملك انطاكية سنة سبع وسبعين وتنازع مع مشرف الدولة ابن قريش ملك حلب وتزاحفا فقتل سليمان بن قطلمش مسلم بن قريش سنة تسع وسبعين وكتب إلى أهل حلب يستدعيهم إلى طاعته فاستمهلوه إلى أن يكاتبوا السلطان ملك شاه فان الكل كانوا في طاعته وكتبوا إلى تتش أخى السلطان وهو بدمشق أن يملكوه فسار إليهم ومعه ارتق بن أكسب كان قد لحق به عند ما جاء السلطان
إلى الموصل وفتحها خشية مما فعله في خلاص مسلم بن قريش من حصار آمد فأقطعه تتش بيت المقدس فلما جاء تتش إلى حلب وحاصر القلعة وبها سالم بن مالك بن بدران بن عم مشرف الدولة مسلم بن قريش وكان ابن الحثيثى وأهل حلب قد كاتبوا السلطان ملك شاه أن يسلموا إليه البلد فسار من اصبهان في جمادى سنة تسع وستين ومر بالموصل ثم بحران فتسلمها وأقطعها محمد بن مسلم بن قريش ثم بالرها فملكها من يد الروم ثم بقلعة جفعر فحاصرها وملكها من يد بعض بنى قشير ثم بمنبج فملكها ثم عبر الفرات إلى حلب فأجفل أخوه تتش إلى البرية ومعه ارتق ثم عاد إلى دمشق وكان سالم بن مالك ممتنعا بالقلعة فاستنزله منها وأقطعه قلعة جعبر فلم تزل بيده ويد بنيه حتى ملكها منهم نور الدين العادل وبعث إلى السلطان بالطاعة على شيراز وولى السلطان على حلب قسيم الدولة صاحب شيراز نصر بن على بن منقذ الكنانى وسلم إليه اللاذقية وكفر طاب وفامية فأقر على شيراز وولى السلطان على حلب قسيم الدولة اقسنقر جد نور الدين العادل ورحل(3/476)
إلى العراق وطلب أهل حلب أن يعفيهم من ابن الحثيثى فحمله معه وأنزله بديار بكر فتوفى فيها بحلل املاق ودخل السلطان بغداد في ذى الحجة من سنة تسع وسبعين وأهدى إلى المقتدى وخلع عليه الخليفة وقد جلس له في مجلس حفل ونظام الملك قائم يقدم أمراء السلطان واحدا بعد واحد آخر للسلام للخليفة ويعرف بأسمائهم وأنسابهم ومراتبهم ثم فوض الخليفة المقتدى إلى السلطان أمور الدولة وقبل يده وانصرف ودخل نظام الملك إلى مدرسته فجلس في خزانة الكتب واسمع جزء حديث وأملى آخر وأقام السلطان ببغداد شهرا ورحل في صفر من سنة ثمانين إلى اصبهان وجاء إلى بغداد مرة أخرى في رمضان من سنة أربع وثمانين ونزل بدار الملك وقدم عليه أخوه تاج الدولة تتش وقسيم الدولة اقسنقر من حلب وغيرهما من أمراء النواحى وعمل ليلة الميعاد من سنة خمس وثمانين لم ير أهل بغداد مثله وأخذ الامراء في بناء الدور
ببغداد لسكناهم عند قدومهم فلم تمهلهم الايام لذلك * (فتنة بغداد) * كانت مدينة بغداد قد احتفلت في كثرة العمران بما لم تنته إليه مدينة في العالم منذ مبدء الخليفة فيما علمناه واضطربت آخر الدولة العباسية بالفتن وكثر فيها المفسدون والدعار والعيارون من الرها وأعيا على الحكام امرهم وربما أركبوا العساكر لقتالهم ويثخنون فيهم فلم يحسم ذلك من عللهم شيأ وربما حدثت الفتن من أهل المذاهب ومن أهل السنة والشيعة من الخلاف في الامامة ومذاهبها وبين الحنابلة والشافعية وغيرهم من تصريح الحنابلة بالتشبية في الذات والصفات ونسبتهم ذلك إلى الامام أحمد وحاشاه منه فيقع الجدال والنكير ثم يفضى إلى الفتنة بين العوام وتكرر ذلك منذ ححر الخلفاء ولم يقدر بنو بويه ولا السلجوقية على حسم ذلك منها لسكني أولئك بفارس وهؤلاء باصبهان وبعدهم عن بغداد والشوكة التى تكون بها حسم العلل لاتفاقهم وانما تكون ببغداد شحنة تحسم ما خف من العلل ما لم ينته إلى عموم الفتنة ولم يحصل من ملوكهم اهتمام لحسم ذلك لاشتغالهم بما هو أعظم منه في الدولة والنواحى وعامة بغداد أهون عليهم من أن يصرفوا همتهم عن العظائم إليهم فاستمرت هذه العلة ببغداد ولم يقلع عنها إلى أن اختلفت جدتها وتلاشى عمرانها وبقى طراز في ردائها لم تذهبه الايام * (مقتل نظام الملك وأخباره) * كان من أبناء الدهاقين بطوس أبو على الحسين بن على بن اسحق فشب وقرأ بها وسمع(3/477)
الحديث الكبير وتعلق بالاحكام السلطانية وظهرت فيها كفايته وكان يعرف بحسن الطوسى وكان أميره الذى يستخدمه يصادر كل سنة فهرب منه إلى داود وحقرى بك وطلبه مخدومه الامير فمنعه وخدم أبا على بن شادان متولى الاعمال ببلخ لحفري بك أخى
السلطان طغرلبك وهو والد السلطان الب ارسلان ولما مات أبو على وقد عرف نظام الملك هذا بالكفاية والامانة أوصى به الب ارسلان فأقام بأمور دولته ودولة ابنه ملك شاه من بعده وبلغ المبالغ كما مر واستولى على الدولة وولى أولاده العمال وكان فيمن ولاه منهم ابن ابنه عثمان جمال وولى على مرو وبعث السلطان إليها شحنة من أعظم أمرائه وقع بينه وبين عثمان نزاع فحملته الحداثة والادلال بجاهه على أن قبض على الامير وعاقبه فانطلق إلى السلطان مستغيثا وامتعض لها السلطان وبعث إلى نظام الملك بالنكير مع خواصه وثقاته فحملته الدالة على تحقيق تعديد حقوقه على السلطان واطلاق القول في العتاب والتهديد بطوارق الزمن وأرادوا طى ذلك عن السلطان فوشى به بعضهم فلما كان رمضان من سنة خمس وثمانين والسلطان على نهاوند عائدا من اصبهان إلى بغداد وقد انصرف الملك يومه ذلك من خيمة السلطان إلى خيمته فاعترضه صبى قيل انه من الباطنة في صورة مستغيث فطعنه بسكينة فمات وهرب الصبى فأدرك وقتل وجاء السلطان إلى خيمة نظام الملك يومه وسكن أصحابه وعسكره وذلك لثلاثين سنة من وزارته سوى ما وزر لابيه الب ارسلان أيام امارته بخراسان * (وفاة السلطان ملك شاه وملك ابنه محمود) * لما قتل نظام الملك على نهاوند كما ذكرناه سار السلطان لوجهه ودخل بغداد آخر رمضان من سنته ولقيه الوزير عميد الدولة بن جهير واعتزم السلطان أن يولى وزارته تاج الملك وهو الذى سعى بنظام الملك وكانت قد ظهرت كفايته فلما صلى السلطان العيد عاد إلى بيته وقد طرقه المرض وتوفى منتصف شوال فكتمت زوجته تركمان خاتون موته وأنزلت أموالها وأموال أهل الدولة بحريم دار الخلافة وارتحلت إلى اصبهان وسلوا السلطان معها في تابوته وقد بذلت الاموال للامراء على طاعة ابنها محمود والبيعة له فبايعوه وقدمت من طريق قوام الدولة كربوقا الذى ملك الموصل من بعد ذلك فسار بخاتم السلطان لنائب القلعة وتسلمها ولما بايعت لولدها محمود وعمره يومئذ أربع سنين
بعثت إلى الخليفة المقتدى في الخطبة له فأجابها على شرط أن يكون أنز من أمراء أبيه هو القائم بتدبير الملك وأن يصدر عن رأى الوزير تاج الملك ويكون له ترتيب العمال وجباية الاموال فأبت أولا من قبول هذا الشرط حتى جاءها الامام أبو حامد الغزلى(3/478)
وأخبرها أن الشرع لا يجيز تصرفاته فأذعنت لذلك فخطب لابنها آخر شوال من السنة ولقب ناصر الدولة والدين وكتب إلى الحرمين الشريفين فخطب له بهما * (ثورة بركيارق بملك شاه) * كانت تركمان خاتون عند موت السلطان ملك شاه قد كتمت موته وبايعت لابنها محمود كما قلناه وبعثت إلى اصبهان سرا في القبض على بركيارق ابن السلطان ملك شاه خوفا من أن ينازع ابنها محمودا فحبس فلما ظهر موت ملك شاه وثب مماليك بركيارق نظام الملك على سلاح كان له باصبهان وثاروا في البلد وأخرجوا بركيارق من محبسه وبايعوه وخطبوا له باصبهان وكانت أمه زبيدة بنت عم ملك شاه وهو ياقولى خائفة على ولدها من خاتون أم محمود وكان تاج الملك قد تقدم إلى اصبهان وطالبه العسكر بالاموال فطلع إلى بعض القلاع لينزل منها المال وامتنع منها خوفا من مماليك نظام الملك ولما وصلت تركمان خاتون إلى اصبهان جاءها فقبلت عذره وكان بركيارق لما أقامت خاتون ابنها محمودا باصبهان خرج فيمن معه من النظامية إلى الرى واجتمع معه بعض أمراء أبيه وبعثت خاتون العساكر إلى قتاله وفيهم أمراء ملك شاه فلما تراءى الجمعان هرب كثير من الامراء إلى بركيارق واشتد القتال فانهزم عسكر محمود وخاتون وعادوا إلى اصبهان وسار بركيارق في أثرهم فحاصرهم بها * (مقتل تاج الملك) * كان الوزير تاج الملك قد حضر مع عسكر خاتون وشهد وقعة بركيارق فلما انهزموا سار إلى قلعة يزد جرد فحبس في طريقه وحمل إلى بركيارق وهو محاصر اصبهان وكان يعرف
كفايته فأجمع أن يستوزره وأصلح هو النظامية وبذل لهم مائتي ألف دينار واسترضاهم بها ونمى ذلك إلى عثمان نائب نظام الملك فوضع الغلمان الاصاغر عليه الطالبين ثار سيدهم وأغراهم فقتلوه وقطعوه قطعا وذلك في المحرم سنة ست وثمانين ثم خرج إلى بركيارق من اصبهان وهو محاصر لها عز الملك أبو عبد الله بن الحسين بن نظام الملك وكان على خوارزم ووفد على السلطان ملك شاه قبل مقتل أبيه ثم كان ملكهما فأقام هو باصبهان وخرج إلى بركيارق وهو يحاصرها فاستوزره وفوض إليه أمر دولته انتهى * (الخطبة لبركيارق ببغداد) * ثم قدم بركيارق بغداد سنة ست وثمانين وطلب من المقتدى الخطبة فخطب له على(3/479)
منابرها ولقب ركن الدين وحمل الوزير عميد الدولة بن جهير إليه الخلع فلبسها وتوفى المقتدى وهو مقيم ببغداد * (وفاة المقتدى ونصب المستظهر للخلافة) * ثم توفى المقتدى بأمر الله أبو القاسم عبد الله بن الذخيرة محمد بن القائم بأمر الله في منتصف محرم سنة سبع وثمانين وكان موته فجأة أحضر عنده تقليد السلطان بركيارق ليعلم عليه فقرأه ووضعه ثم قدم إليه طعام فأكل منه ثم غشى عليه فمات وحضر الوزير فجهزوا جنازته وصلى عليه ابنه أبو العباس أحمد ودفن وذلك لتسع عشرة سنة وثمانية أشهر من خلافته وكانت له قوة وهمة لو لا أنه كان مغلبا وعظمت عمارة بغداد في أيامه وأظن ذلك لاستفحال دولة بنى طغرلبك ولما توفى المقتدى وحضر الوزير أحضر ابنه أبا العباس أحمد الحاشية فبايعوه ولقبوه المستظهر وركب الوزير إلى بركيارق وأخذ بيعته للمستظهر ثم حضر بركيارق لثالثة من وفاته ومعه وزيره عز الملك بن نظام الملك وأخوه بهاء الملك وأمر السلطان بأرباب المناصب فجمعوا
وحضر النقيبان طراد العباسي والمعمر العلوى وقاضي القضاة أبو عبد الله الدامغاني والغزالي والشاشى وغيرهم فحبسوا في العراء وبايعوا * (أخبار تتش وانتقاضه وحروبه ومقتله) * قد ذكرنا فيما تقدم أن تتش ابن السلطان الب ارسلان استقل بملك دمشق وأعمالها وانه وفد على السلطان ملك شاه ببغداد قبل موته وانصرف وبلغه خبر وفاته بهيت فملكها وسار إلى دمشق فجمع العساكر وزحف إلى حلب فأطاعه صاحبها قسيم الدولة اقسنقر وسار معه وكتب إلى ناعيسان صاحب انطاكية والى برار صاحب الرها وحران يشير عليهما بطاعة تتش حتى يصلح حال أولاد ملك شاه فقبلوا منه وخطبوا له في بلادهم وساروا معه فحضر الرحبة وملكها في المحرم سنة ست وثمانين وخطب فيها لنفسه ثم فتح نصيبين عنوة وعاث فيها وسلمها لمحمد بن مشرف الدولة وسار يريد الموصل ولقيه الكافي فخر الدولة بن جهير وكان في جزيرة ابن عمر فاستوزره وبعث إلى ابراهيم بن مشرف الدولة مسلم بن قريش وهو يومئذ ملك الموصل يأمره بالخطبة له وتسهيل طريقه إلى بغداد فأبى من ذلك وزحف إليه تتش وهو في عشرة آلاف واقسنقر على ميمنته وتوزران على ميسرته وابراهيم في ستين ألفا والتقوا فانهزم ابراهيم وأخذ أسيرا وقتل جماعة من أمراء العرب صبرا وملك تاج الدولة تتش الموصل وولى عليها على ابن مشرف الدولة وأمر صفية عمة تتش وبعث إلى بغداد يطلب مساعدة كوهر ابين(3/480)
الشحنة فجاء العذر بانتظار الرسل من العسكر فسار إلى ديار بكر وملكها ثم إلى اذربيجان وبلغ خبره إلى بركيارق وقد استولى على همذان والرى فسار لمدافعته فلما التقى العسكران جنح اقسنقر إلى بركيارق وفاوض توران في ذلك وانهما انما اتبعا تتش حتى يظهر أمر أولاد ملكشاه فوافقه على ذلك وسارا معا إلى بركيارق فانهزم تتش وعاد إلى دمشق واستفحل بركيارق وجاءه كوهر ابين يعتذر من مساعدته لتتش
في الخطبة فلم يقبله وعزله وولى الامير نكبرد شحنة بغداد مكانه ثم خطب لبركيارق ببغداد كما قدمناه ومات المقتدى ونصب المستظهر ولما عاد تتش من اذربيجان إلى الشأم جمع العساكر وسار إلى حلب لقتال اقسنقر وبعث بركيارق كربوقا الذى صار أمير الموصل مددا لاقسنقر ولقيهم تتش قريبا من حلب فهزمهم وأسر اقسنقر فقتله صبرا ولحق توران وكربوقا حلب وحاصرهما تتش فملكها وأخذهما أسيرين وبعث إلى حران والرها في الطاعة وكانتا لتوران فامتنعوا فبعث برأسه إليهم وأطاعوه وحبس كربوقا في حمص إلى أن أطاعه رضوان بعد قتل أبيه تتش ثم سار تتش إلى الجزيرة فملكها ثم ديار بكر ثم خلاط وارمينية ثم اذربيجان ثم سار إلى همذان فملكها وكان بها فخر الدولة نظام الملك سار من حران لخدمة بركيارق فلقيه الامير تاج من عسكر محمود بن ملكشاه باصبهان فنهب ماله ونجا بنفسه إلى همذان وصادف بها تتش وشفع فيه باغسيان وأشار بوزارته فاستوزره وأرسل إلى بغداد يطلب الخطبة من المستظهر وبعث يوسف بن أبق التركماني شحنته إلى بغداد في جمع من التركمان فمنع من دخولها وكان بركيارق قد سار إلى نصيبين وعبر دجلة فوق الموصل إلى اربل ثم إلى بلد سرخاب بن بدر حتى إذا كان بينه وبين عمه تسعة فراسخ وهو في ألف رجل وعمه في خمسين ألفا فبيته بعض الامراء من عسكر عمه فانهزم إلى اصبهان وبها محمود ابن أخيه وقد ماتت أمه تركمان خاتون فأدخله امراء محمود واحتاطوا عليه ثم مات محمود سلخ شوال من سنة سبع وثمانين واستولى بركيارق على الامر وقصده مؤيد الملك بن نظام الملك فاستوزره في ذى الحجة واستمال الامراء فرجعوا إليه وكثر جمعه وكان تتش بعد هزيمة بركيارق قد اختلف عليه الامراء وراسل امراء اصبهان يدعوهم إلى طاعته فواعدوه انتظار بركيارق وكان قد أصابه الجدرى فلما أبل نبذوا إليه عهده وساروا مع بركيارق من اصبهان وأقبلت إليهم العساكر من كل مكان وانتهوا إلى ثلاثين ألفا والتقوا قريبا من الرى فانهزم تتش وقتله بعض أصحاب اقسنقر وكان قد حبس وزيره فخر الملك بن نظام الملك فأطلق ذلك
اليوم واستفحل أمر بركيارق وخطب له ببغداد * (ظهور السلطان ملكشاه والخطبة له ببغداد) *(3/481)
كان السلطان بركيارق قد ولى على خراسان وأعمالها أخاه لابيه سنجر فاستقل باعمال خراسان كما يذكر في أخبار دولتهم عند انفرادها بالذكر وانما نذكر هنا من أخبارهم ما يتعلق بالخلافة والخطبة لهم ببغداد لان مساق الكلام هنا انما هو عن أخبار دولة بنى العباس ومن وزر لهم أو تغلب خاصة وكان لسنجر بن ملكشاه أخ ثقيق اسمه محمد ولما هلك السلطان ملكشاه سار مع أخيه محمود وتركمان خاتون إلى اصبهان فلما حاصرهم بركيارق لحق به أخوه محمد هذا وسار معه إلى بغداد سنة ست وثمانين وأقطعه دجلة وأعمالها وبعث معه قطلغ تكين أتابك فلما استوى على أمره قتله أنفة من حجره ثم لحق به مؤيد الملك بن عبيد الله بن نظام الملك كان مع الامير انز وداخله في الخلاف على السلطان بركيارق فلما قتل أنز كما نذكر في أخبارهم لحق مؤيد الملك بمحمد ابن السلطان ملك شاه وأشار عليه ففعل وخطب لنفسه واستوزر مؤيد الملك وقارن ذلك أن السلطان بركيارق قتل خاله مجد الملك البارسلانى فاستوحش منه أمراؤه ولحقوا بأخيه محمد وسار بركيارق إلى الرى واجتمع له بها عساكر وجاء عز الملك منصور بن نظام الملك في عساكر وبينما هو في الرى إذ بلغه مسير أخيه محمد إليه فأجفل راجعا إلى اصبهان فمنعه أهلها الدخول فسار إلى خورستان وجاء السلطان محمد إلى الرى أول ذى القعدة من سنة ثنتين وتسعين ووجد ام بركيارق بها وهى زبيدة خاتون فحبسها مؤيد الملك وقتلها واستفحل ملك محمد وجاءه سعد الدولة كوهر ابين شحنة بغداد وكان مستوحشا من بركيارق وجاء معه كربوقا صاحب الموصل وجكرمس صاحب جزيرة ابن عمر وسرخاب ابن بدر صاحب كركور فلقوه جميعا بقم وسار كربوقا وجكرمس معه إلى اصبهان ورد كوهر ابين إلى بغداد في طلب الخطبة من الخليفة وأن يكون شحنة بها فاجابه
المستظهر إلى ذلك وخطب له منتصف ذى الحجة سنة ثتين وتسعين ولقب غياث الدنيا والدين * (اعادة الخطبة لبركيارق) * لما سار بركيارق مجفلا من الرى إلى خورستان امام أخيه محمد وأمير عسكره يومئذ نيال بن أنوش تكين الحسامى ومعه جماعة من الامراء أجمع المسير إلى العراق فسار إلى واسط وجاءه صدقة بن مزيد صاحب الحلة ثم سار إلى بغداد فخطب له بها منتصف صفر من سنة ثلاث وتسعين ولحق سعد الدولة كوهر ابين ببعض الحصون هنالك ومعه ابو الغارى بن ارتق وغيره من الامراء وأرسل إلى السلطان محمد ووزيره مؤيد الملك يستحثهما في الوصول فبعث إليه كربوقا صاحب الموصل وجكرمس صاحب الجزيرة فلم يرضه وطلب جكرمس العود إلى بلده فأطلقه ثم نزع كوهر ابين ومن معه من الامراء(3/482)
إلى بركيارق باغزا كربوقا صاحب الموصل وكاتبوه فخرج إليهم ودخلوا معه بغداد واستوزره الاغر ابولمحاسن عبد الجليل بن على بن محمد الدهستانى وقبض على عميد الدولة ابن جهير وزير الخليفة وطالبه بأموال ديار بكر والموصل في ولايته وولاية أبيه وصادره على مائة وستين ألف دينار فحملها إليه وخلع المستظهر على السلطان بركيارق واستقر أمره * (المصاف الاول بين بركيارق ومحمد وقتل كوهر ابين والخطبة لمحمد) * ثم سار بركيارق من بغداد إلى شهر زور لقتال أخيه محمد واجتمع إليه عسكر عظيم من التركمان وكاتبه رئيس همذان بالمسير إليه فعدا عنه ولقى أخاه محمدا على فراسخ من همذان ومحمد في عشرين ألف مقاتل ومعه الامير سرخو شحنة اصبهان وعلى ميمنته أمير آخر وابنه اياز وعلى ميسرته مؤيد الملك والنظامية ومع بركيارق في القلب وزيره أبو المحاسن وفى ميمنته كوهر ابين وصدقة بن مزيد وسرخاب بن بدر وفى ميسرته كربوقا وغيره من
الامراء فحمل كوهر ابين من ميمنة بركيارق على ميسرة محمد فانهزموا حتى نهبت خيامهم ثم حملت ميمنة محمد على ميسرة بركيارق فانهزمت وحمل محمد معهم فانهزم بركيارق ورجع كوهر ابين للمنهزمين فكبابه فرسه وقتل وافترقت عساكر بركيارق وأسر وزيره أبو المحاسن فأكرمه مؤيد الملك وأنزله وأعاده إلى بغداد ليخاطب المستظهر في اعادة الخطبة للسلطان محمد ففعل وخطب له ببغداد منتصف رجب سنة ثلاث وتسعين وابتداء أمر كوهر ابين أنه كان لامرأة بخورستان وصار خادما للملك أبى كاليجار بن سلطان الدولة وحظي عنده وكان يستعرض حوائج تلك المرأة وأصاب أهلها منه خيرا وأرسله أبو كاليجار مع ولده أبى نصر إلى بغداد فلما قبض عليه السلطان طغرلبك مضى معه إلى محبسه بقلعة طبرك ولما مات أبو نصر سار إلى خدمة السلطان الب أرسلان فحظى عده وأقطعه واسط وجعله شحنة بغداد وكان حاضرا معه يوم قتله يوسف الخوارزمي ووقاه بنفسه ثم بعثه ابنه ملك شاه إلى بغداد لاحضار الخلع والتقليد واستقر شحنة ببغداد إلى أن قتل ورأى ما لم يره خادم قبله من نفوذ الكلمة وكمال القدرة وخدمة الامراء والاعيان وطاعتهم انتهى * (مصاف بركيارق مع أخيه سنجر) * ولما انهزم السلطان بركيارق من أخيه محمد لحق بالرى واستدعى شيعته وأنصاره من الامراء فلحقوا به ثم ساروا إلى اسفراين وكاتب الامير داود حبشي بن التونطاق يستدعيه وهو صاحب خراسان وطبرستان ومنزله بالدامغان فأشار عليه باللحاق(3/483)
بنيسابور حتى يأتيه فدخل نيسابور وقبض على رؤسائها ثم أطلقهم وأساء التصرف ثم أعاد الكتاب إلى داود حبشي بالاستدعاء فاعتذر بأن السلطان سنجر زحف إليه في عساكر بلخ ثم سأل منه المدد فسار بركيارق إليه في ألف فارس وهو في عشرين ألفا والتقوا بسنجر عند النوشجان وفى ميمنة سنجر الامير برغش وفى ميسرته كوكر ومعه
في القلب رستم فحمل بركيارق على رستم فقتله وانهزم أصحابه ونهب عسكرهم وكادت الهزيمة تتم عليهم ثم حمل برغش وكوكر على عسكر بركيارق وهم مشتغلون بالنهب فانهزموا وانهزم بركيارق وجاء بعض التركمان بالامير داود حبشي أسيرا إلى برغش فقتله ولحق بركيارق بجرجان ثم بالدامغان وقطع البرية إلى اصبهان بمراسلة أهلها فسبقه أخوه محمد إليها فعاد سميرهم انتهى * (عزل الوزير عميد الدولة بن جهير ووفاته) * قد ذكرنا أن وزير السلطان بركيارق وهو الاغر أبو المحاسن أسر في المصاف الاول بين بركيارق ومحمد وان مؤيد الملك بن نظام الملك وزير محمد أطلقه واصطنعه وضمنه عمارة بغداد وحمله طلب الخطبة لمحمد ببغداد من المستظهر فخطب له وكان فيما حمله للمستظهر عزل وزبره عميد الدولة بن جهير وبلغ ذلك عميد الدولة فأرسل من يعترض الاغر ويقتله فامتنع بعقر بابل ثم صالحه ذلك الذى اعترضه وطلب لقاءه فلقيه ودس الاغر إلى ابى الغازى بن ارتق وكان وصل معه وسبقه إلى بغداد فرجع إليه ليلا ويئس منه ذلك الذى اعترضه ووصل الاغر بغداد وبلغ إلى المستظهر رسالة مؤيد الدولة في عزل عميد الدولة فقبض عليه في رمضان من سنة ثلاث وتسعين وعلى اخوته وصودر على خمسة وعشرين ألف دينار وبقى محبوسا بدار الخلافة إلى أن هلك في محبسه * (المصاف الثاني بين بركيارق وأخيه محمد ومقتل مؤيد الملك والخطبة لبركيارق) * قد ذكرنا أن بركيارق لما انهزم امام أخيه محمد في المصاف الاول سار إلى اصبهان ولم يدخلها فمضى إلى عسكر مكرم إلى خورستان وجاءه الاميران زنكى والبكى ابنا برسق ثم سار إلى همذان فكاتبه اياز من كبار أمراء محمد بما كان استوحش منه فجاءه في خمسة آلاف فارس وأغراه باللقاء فارتحل لذلك ثم استأمن إليه سرخاب بن كنجسرو صاحب آوة فاجتمع له خمسون ألفا من المقاتلة وبقى أخوه في خمسة عشر ألفا ثم اقتتلوا أول جمادى الآخرة سنة أربع وتسعين وأصحاب محمد يغدون على محمد شيأ فشيأ
مستأمنين ثم انهزم آخر النهار وأسر وزيره مؤيد الملك وأحضره عند بركيارق غلام لمجد الملك البارسلانى ثار منه مولاه فلما حضر وبخه بركيارق وقتله وبعث الوزير أبو(3/484)
المحاسن من يسلم إليه أمواله وصادر عليها قرابته والى غير بغداد من بلاد العجم ويقال كان فيما أخذ له قطعة من البلخش زنة احدى وأربعين مثقالا ثم سار بركيارق إلى الرى ولقيه هناك كربوقا صاحب الموصل ونور الدولة دبيس بن صدقة بن مزيد واجتمعت إليه نحو من مائة ألف فارس حتى ضاقت بهم البلاد ففرق العساكر وعاد دبيس إلى أبيه وسار كربوقا إلى اذربيجان لقتال مودود بن اسمعيل بن ياقوتا كان خرج على السلطان هنالك وسار اياز إلى همذان ليقضى الصوم عند أهله ويعود فبقى بركيارق في خف من الجنود وكان محمد أخوه لما انهزم لجهات همذان سار إلى شقيقه بخراسان فانتهى إلى جرجان وبعث يطلب منه المدد فأمده بالمال أولا ثم سار إليه بنفسه إلى جرجان وسار معه إلى الدامغان وحرب عسكر خراسان ما مروا به من البلاد وانتهوا إلى الرى واجتمعت إليهم النظامية وبلغهم افتراق العساكر عن بركيارق فأغذوا إليه السير فرحل إلى همذان فبلغه أن اياز راسل محمدا فقصد خورستان وانتهى إلى تستر واستدعى بنى برسق فقعدوا عنه لما بلغهم مراسلة اياز للسلطان فسار بركيارق نحو العراق وكان اياز راسل محمدا في الكون معه فلم يقبله فسار من همذان ولحق بركيارق إلى حلوان وساروا جميعا إلى بغداد واستولى محمد على مخلف اياز بهمذان وحلوان وكان شيأ مما لا يعبر عنه وصادر جماعة من أصحاب اياز من أهل همذان ووصل بركيارق إلى بغداد منتصف ذى القعدة سنة أربع وتسعين وبعث المستظهر لتلقيه أمين الدولة بن موصلايا في المراكب وكان بركيارق مريضا فلزم بيته وبعث المستظهر في عيد الاضحى إلى داره منبرا خطب عليه باسمه وتخلف بركيارق عن شهود العيد لمرضه وضاقت عليه الاموال فطلب الاعانة من المستظهر وحمل إليه خمسين
ألف دينار بعد المراجعات ومديده إلى أموال الناس وصادرهم فضجوا وارتكب خطيئة شنعاء في قاضى جبلة وهو أبو محمد عبد الله بن منصور وكان من خيره أنا أباه منصورا كان قاضيا بجبلة في ملكة الروم فلما ملكها المسلمون وصارت في يد أبى الحسن على بن عمار صاحب طرابلس أقره على القضاء بها وتوفى فقام ابنه أبو محمد هذا مقامه ولبس شعار الجندية وكان شهما فهم ابن عمار بالقبض عليه وشعر فانتقض وخطب للخلفاء العباسية وكان ابن عمار يخطب للعلوية بمصر وطالت منازلة الفرنج بحصن جبلة إلى أن ضجر أبو محمد هذا وبعث إلى صاحب دمشق وهو يومئذ طغتكين الاتابك أن يسلم إليه البلد فبعث ابنه تاج الملوك مورى وتسلم منه البلد وجاء به إلى دمشق وبذل لهم فيه ابن عمار ثلاثين ألف دينار دون أمواله فلم يرضوا باخفار ذمتهم وسار عنهم إلى بغداد ولقى بها بركيارق فأحضره الوزير أبو المحاسن وطلبه(3/485)
في ثلاثين ألف دينار فأجاب وأحالهم على منزله بالانبار فبعث الوزير من أتاه بجميع ما فيه وكان لا يعبر فكانت من المنكرات التى أتاها بركيارق ثم بعث الوزير إلى صدقة بن منصور بن دبيس بن مزيد صاحب حلب يطلب منه ألف ألف دينار متخلفة من مال الجباية وتهدده عليها فغضب وانتقض وخطب لمحمد وبعث إليه بركيارق الامير اياز يستقدمه فلم يجب وبعث إلى الكوفة وطرد عنها نائب بركيارق واستضافها إليه * (استيلاء محمد على بغداد) * قد ذكرنا استيلاء محمد على همذان في آخر ذى الحجة من سنة أربع وتسعين ومعه أخوه سنجر وذهب بركيارق إلى بغداد فاستولى عليها وأساء السيرة بها وبلغ الخبر إلى محمد فسار من همذان في عشرة الاف فارس ولنيه بحلوان أبو الغازى بن أترق شحنته ببغداد في عساكره وأتباعه وكان بركيارق في شدة من المرض قد أشرف على الهلاك فاضطرب أصحابه وعبروا به إلى الجانب الغربي حتى إذا وصل محمد بغداد وترآى
الجمعان من عدوتى دجلة ذهب بركيارق وأصحابه إلى واسط ودخل محمد بغداد وجاءه توقيع المستظهر بالانتقاض مما وقع به بركيارق وخطب له على منابر بغداد وجاءه صدقة بن منصور صاحب الحلة فأخرج الناس للقائه ونزل سنجر بدار كوهر ابين واستوزر محمد بعد مؤيد الملك خطيب الملك أبا منصور محمد بن الحسين فقدم إليه في المحرم سنة خمس وتسعين انتهى * (المصاف الثالث والرابع وما تخلل بينهما من الصلح ولم يتم) * ثم ارتحل السلطان وأخوه سنجر عن بغداد منتصف المحرم من سنة خمس وتسعين وقصد سنجر خراسان ومحمد همذان فاعترض بركيارق خاص الخليفة المستظهر وأبلغه القبيح فاستدعى المستظهر محمدا لقتال بركيارق فجاء إليه وقال انا أكفيكه ورتب أبا المعالى شحنة ببغداد وكان بركيارق بواسط كما قلنا فلما أبل من مرضه عبر إلى الجانب الشرقي بعد جهد وصعوبة لفرار الناس من واسط لسوء سيرتهم ثم سار إلى بلاد بنى برسق حتى أطاعوا واستقاموا وساروا معه فاتبع أخاه محمدا إلى نهاوند وتصافوا يومين ومنعهما شدة البرد من القتال ثم اجتمع اياز والوزير الاغر من عسكر بركيارق وبلداجى وغيرهم من الامراء من عسكر محمد وتفاوضوا في شكوى ما نزل بهم من هذه الفتنة ثم اتفقوا على أن تكون السلطنة بالعراق لبركيارق ويكون لمحمد من البلاد الحيرة وأعمالها واذربيجان وديار بكر والجزيرة والموصل على أن يمده بركيارق بالعسكر متى احتاج إليه على من يمتنع عليه منها وتحالفا على ذلك وافترقا في ربيع الاول سنة خمس وتسعين ثم سار(3/486)
بركيارق إلى ساوة ومحمد إلى قزوين وبدا له في الصلح واتهم الامراء الذين سعوا فيه وأسر إلى رئيس قزوين أن يدعوهم إلى صنيع عنده وغدر بهم محمد فقتل بعضا وسمل بعضا وأظهر الفتنة وكان الامير نيال بن أنوش تكين قد فارق بركيارق وأقام مجاهدا للباطنية في الجبال والقلاع فلقى محمدا وسار معه إلى الرى وبلغ الخبر إلى بركيارق فأغذ
إليه السير في ثمان ليال واصطفوا في التاسع وكلا الفريقين في عشرة آلاف مقاتل وحمل سرخاب بن كنجسرو الديلمى صاحب آوة من أصحاب بركيارق على نيال بن أنوش تكين فهزمه وانهزم معه عسكر محمد وافترقوا فلحق فريق بطبرستان وآخر بقزوين ولحق محمد باصبهان في سبعين فارسا واتبعه اياز والبكى بن برسق فنجا إلى البلد وبها نوابه فلم ما تشعث من السور وكان من بناء علاء الدين بن كاكويه سنة تسع وعشرين لقتال طغرلبك وحفر الخنادق وأبعد مهواها وأجرى فيها المياه ونصب المجانيق واستعد للحصار وجاء بركيارق في جمادى ومعه خمسة عشر ألف فارس ومائة ألف من الرجل والاتباع فحاصرها حتى جهدهم الحصار وعدمت الاقوات والعلوفة فخرج محمد عن البلد في عيد الاضحى من سنته في مائة وخمسين فارسا ومعه نيال ونزل في الامراء وبعث بركيارق في اتباعه الامير اياز وكانت خيل محمد ضامرة من الجوع فالتفت إلى اياز يذكره العهود فرجع عنه بعد ان نهب منه خيلا ومالا وأخذ علمه وجنده وعاد إلى بركيارق ثم شد بركيارق في حصار اصبهان وزحف بالسلاليم والذبابات وجمع الايدى على الخندق فطمه وتعلق الناس بالسور فاستمات أهل البلد ودفعوهم وعلم بركيارق امتناعها فرحل عنها ثامن عشر ذى الحجة وجمر عسكرا مع ابنه ملكشاه وترشك الصوالى على البلد القديم الذى يسمى شهرستان وسار إلى همذان بعد ان كان قتل على اصبهان وزيره الاغر أبو المحاسن عبد الجليل الدهستانى اعترضه في ركوبه من خيمته إلى خدمة السلطان متظلم فطعنه وأشواه ورجع إلى خيمته فمات وذهب للتجار الذين كانوا يعاملونه أموال عظيمة لان الجباية كانت ضاقت بالفتن فاحتاج إلى الاستدانة ونفر منه التجار لذلك ثم عامله بعضهم فذهب مالهم بموته وكان أخوه العميد المهذب أبو محمد قد سار إلى بغداد لينوب عنه حين عقد الامراء الصلح بين بركيارق ومحمد فقبض عليه الشحنة ببغداد أبو الغازى ابن ارتق وكان على طاعة محمد * (الشحنة ببغداد والخطبة لبركيارق) *
كان أبو الغازى بن ارتق شحنة ببغداد وولاه عليها السلطان محمد عند استيلائه في المصاف الاول وكان طريق خراسان إليه فعاد بعض الايام منها إلى بغداد وضرب فارس من أصحابه بعض الملاحن سهم في ملاحات وقعت بينهم عند العبور فقتله(3/487)
فثارت بهم العامة وأمسكوا القاتل وجاؤا به إلى باب النوبة في دار الخلافة ولقيهم ولد ابى الغازى فاستنقذه من أيديهم فرجموه وجاء إلى أبيه مستغيثا وركب إلى محلة الملاحين فنهبها وعطف عليه العيارون فقتلوا من أصحابه وركبوا السفين للنجاة فهرب الملاحون وتركوهم فغرقوا وجمع أبو الغازى التركماني لنهب الجانب الغربي فبعث إليه المستظهر قاضى القضاة والكبا الهراسى مدرس النظامية بالامتناع من ذلك فاقتصر ابو الغازى اثناء ذلك متمسكا بطاعة السلطان محمد فلما انهزم محمد وانطلق من حصار اصبهان واستولى بركيارق على الرى بعث في منتصف ربيع الاول من سنة ست وتسعين من همذان كمستكين القيصرانى شحنة إلى بغداد فلما سمع أبو الغازى بعث إلى أخيه سقمان بحصن كيفا يستدعيه للدفاع وجاءه سقمان ومر بتكريت فنهبها ووصل كمستكين ولقيه شيعة بركيارق وأشاروا عليه بالمعاجلة ووصل إلى بغداد منتصف ربيع وخرج أبو الغازى وأخوه سقمان إلى دجيل ونهبا بعض قراها واتبعهما طائفة من عسكر كمستكين ثم رجعوا عنهما وخطب للسلطان بركيارق ببغداد وبعث كمستكين إلى سيف الدولة صدقة بالحلة عنه وعن المستظهر بطاعة بركيارق فلم يجب وكشف القناع وسار إلى جسر صرصر فقطعت الخطبة على منابر بغداد فلم يذكر أحد عليها من السلاطين واقتصر على الخليفة فقط وبعث سيف الدولة صدقة إلى ابى الغازى وسقمان بأنه جاء لنصرتهما فعادوا إلى دجيل وعاثوا في البلاد واجتمع لذلك حشد العرب والاكراد مع سيف الدولة وبعث إليه المستظهر في الاصلاح وخيموا جميعا بالرملة وقاتلهم العامة وبعث الخليفة قاضى القضاة أبا الحسن الدامغاني وتاج رؤساء الرياسة
ابن الموصلايا إلى سيف الدولة بكف الايدى عن الفساد فاشترطوا خروج كمستكين القيصرانى شحنة بركيارق واعادة الخطبة للسلطان محمد فتم الامر على ذلك وعاد سيف الدولة إلى الحلة وعاد القيصرانى إلى واسط وخطب بها لبركيارق فسار إليه صدقة وابو الغازى وفارقها القيصرانى فاتبعه سيف الدولة ثم استأمن ورجع إليه فأكرمه وخطب للسلطان محمد بواسط وبعده لسيف الدولة وابى الغازى واستناب كل واحد ولده ورجع أبو الغازى إلى بغداد وسيف الدولة إلى الحلة وبعث ولده منصورا إلى المستظهر يخطب رضاه بما كان منه في هذه الحادثة فأجيب إلى ذلك * (استيلاء نيال على الرى بدعوة السلطان محمد ومسيره إلى العراق) * كانت الخطبة بالرى للسلطان بركيارق فلما خرج السلطان محمد من الحصار باصبهان بعث نيال بن أنوش تكين الحسامى إلى الرى ليقيم الخطبة له بها فسار ومعه أخوه على وعسف الرعايا ثم بعث السلطان بركيارق إليه برسق بن برسق في العساكر(3/488)
فقاتله لى الرى وانهزم نيال وأخوه منتصف ربيع من سنة ست وتسعين وذهب على إلى قزوين وسلك نيال على الجبال إلى بغداد وتقطع أصحابه في الاوعار وقتلوا ووصل إلى بغداد في سبعمائة رجل وأكرمه المستظهر واجتمع هو وأبو الغازى وسقمان ابنا ارتق بمشهد أبى حنيفة فاستحلفوه على طاعة السلطان محمد وساروا إلى سيف الدولة صدقة واستحلفوه على ذلك واستقر نيال ببغداد في طاعة السلطان محمد وتزوج أخت أبى الغازى كانت تحت تاج الدولة تتش وعسف بالناس وصادر العمال واستطال أصحابه على العامة بالضرب والقتل وبعث إليه المستظهر مع القاضى الدامغاني بالنهي عن ذلك وتقبيح فعله ثم مع ابلغارى فأجاب وحلف على كف أصحابه ومنعهم واستمر على قبح السيرة فبعث المستظهر إلى سيف الدولة صدقة يستدعيه لكف عدوانه فجاء إلى بغداد في شوال من سنة ست وتسعين وخيم بالمنجمى ودعا نيالا للرحلة عن
العراق على أن يدفع إليه وعاد إلى الحلة وسار نيال مستهل ذى القعدة إلى أوانا ففعل من النهب والعسف أقبح مما فعل ببغداد فبعث المستظهر إلى صدقة في ذلك فأرسل ألف فارس وساروا إليه مع جماعة من أصحاب المستظهر وأبى الغازى الشحنة وذهب نيال أمامهم إلى أذربيجان قاصدا إلى السلطان محمد ورجع أبو الغازى والعساكر عنه * (المصاف الخامس بين السلطانين) * كانت كنجة وبلاد أرزن للسلطان محمد وعسكره مقيم بها مع الامير عز على فلما طال حصاره باصبهان جاؤا لنصرته ومعهم منصور بن نظام الملك ومحمد ابن أخيه مؤيد الملك ووصلوا إلى الرى آخر ذى الحجة سنة خمس وتسعين وفارقه عسكر بركيارق ثم خرج محمد من اصبهان فساروا إليه ولقوه بهمذان ومعه نيال وعلى ابنا أنوش تكر فاجتمعوا في ستة آلاف فارس وسار نيال وأخوه على الرى وأزعجتهم عنها عساكر بركيارق كما مر ثم جاءهم الخبر في همذان بزحف بركيارق إليهم فسار محمد إلى بلاد سروان ولما انتهى إلى أردبيل بعث إليه مودود بن اسمعيل بن ياقوتي وكان أميرا على بيلقان من أذربيجان وكان أبوه اسمعيل خال بركيارق وانتقض عليه أول أمره فقتله فكان موود يطالبه بثار أبيه وكانت أخته تحت محمد فبعث إليه وجاءه إلى بيلقان وتوفى مودود اثر قدومه منتصف ربيع من سنة ست وتسعين فاجتمع عسكره على الطاعة لمحمد وفبهم سقمان القطبى صاحب خلاط وأرمينية ومحمد بن غاغيسا كان أبوه صاحب انطاكية وكان الب ارسلان ابن السبع الاحمر ولما بلغ بركيارق اجتماعهم لحربه أغذ السير إليهم فوصل وقاتلهم على باب خوى من أذربيجان من المغرب إلى العشاء ثم حمل اياز من أصحاب بركيارق على عسكر محمد فانهزموا وسار إلى خلاط ومعه سقمان القطبى(3/489)
ولقيه الامير على صاحب ارزن الروم ثم سار إلى وبها منوجهر أخو فضلون الروادى ثم سار إلى تبريز ولحق محمد بن يزيد الملك بديار بكر وسار منها إلى بغداد وكان
من خبره انه كان مقيما ببغداد مجاورا للمدرسة النظامية فشكا الجيران منه إلى أبيه فكتب إلى كوهر ابين بالقبض عليه فاستجار بدار الخلافة ثم سار سنة ثنتين وتسعين إلى محمد الملك الباسلانى وأبوه حينئذ بكنجة عند السلطان محمد قبل أن يدعو لنفسه ثم سار بعد أن قتل محمد الملك إلى والده مؤيد الملك وهو وزير السلطان محمد ثم قتل أبوه واتصل هو بالسلطان وحضر هذه الحروب كما ذكرنا وأما السلطان بركيارق بعد هزيمة محمد فانه نزل جبلا بين مراغة وتبريز وأقام به حولا كان خليفة المستظهر سديد الملك أبو المعالى كما ذكرناه ثم قبض عليه منتصف رجب سنة ست وتسعين وحبس بدار الخليفة مع أهله كانوا قد وردوا عليه من اصبهان وسبب عزله جهله بقواعد ديوان الخلافة لانه كان يتصرف في أعمال السلاطين وليست فيها هذه القوانين ولما قبض عاد أمين الدولة أبو سعد بن الموصلايا إلى النظر في الديوان وبعث المستظهر عن زعيم الرؤساء أبى القاسم بن جهير من الحلة وكان ذهب إليها في السنة قبلها مستجيرا بسيف الدولة صدقة لان خاله أمين الدولة أبى سعد بن الموصلايا كان الوزير الاعز وزير بركيارق يشيع عنه أنه الذى يحمل المستظهر على موالاة السلطان محمد والخطبة له دون بركيارق فاعتزل أمين الدولة الديوان وسار ابن أخته هذا أبو القاسم بن جهير مستجيرا بصاحب الحلة فاستقدمه الخليفة الآن وخرج أرباب الدولة لاستقباله وخلع عليه للوزارة ولقيه قوام الدولة ثم عرله على رأس المائة الخامسة واستجار سيف الدولة صدقة بن منصور ببغداد فأجاره وبعث عنه إلى الحلة وذلك لثلاث سنين ونصف من وزارته وناب في مكانه القاضى أبو الحسن بن الدامغاني أياما ثم استوزر مكانه أبا المعالى بن محمد بن المطلب في المحرم سنة احدى وخمسمائة ثم عزله سنة ثنتين باشارة السلطان محمد وأعاده باذنه على شرطية العدل وحسن السيرة وأن لا يستعمل أحدا من أهل الذمة ثم عزل في رجب من سنة ثنتين وخمسين واستوزر ابا القاسم بن جهير سنة تسع وخمسين واستوزر بعده الربيع أبا منصور بن الوزير أبى شجاع محمد
ابن الحسين وزير السلطان * (الصلح بين السلطانين بركيارق ومحمد) * ولما تطاولت الفتنة بين السلطانين وكثر النهب والهرج وخربت القرى واستطال الامر عليهم وكان السلطان بركيارق بالرى والخطبة له بها وبالجبل وطبرستان وخوزستان وفارس وديار بكر والجزيرة والحرمين وكان السلطان محمد بأذربيجان والخطبة له بها(3/490)
وببلاد اران وأرمينية واصبهان والعراق جميعه الا تكريت واما البطائح فبعضها لهذا وبعضها لهذا والخطبة بالبصرة لهما جميعا وأما خراسان من جرجان إلى ما وراء النهر فكان يخطب فيها لسنجر بعد أخيه السلطان محمد فلما استبصر بركيارق في ذلك ورأى تحكم الامراء عليه وقلة المال جنح إلى الصلح وبعث القاضى أبا المظفر الجرجاني الحنفي وأبا الفرج أحمد بن عبد الغفار الهمذانى المعروف بصاحب قرا تكين إلى أخيه محمد في الصلح فوصلا إليه بمراغة وذكراه ووعظاه فأجاب إلى الصلح على أن السلطان لبركيارق ولا يمنع محمدا من اتخاذ الآلة ولا يذكر أحد منهما مع صاحبه في الخطبة في البلاد التى صارت إليه وتكون المكاتبة من وزيريهما في الشؤن لا يكاب أحدهما الآخر ولا يعارض أحد من العسكر في الذهاب إلى أيهما شاء ويكون للسلطان محمد من نهر اسبندرو إلى الابواب وديار بكر والجزيرة والموصل والشأم وأن يدخل سيف الدولة صدقة بأعماله في خلفه وبلاده والسلطنة كلها وبقية الاعمال والبلاد كلها للسلطان بركيارق وبعث محمد إلى أصحابه باصبهان بالافراج عنها لاصحاب أخيه وجاؤا بحريم محمد إليه بعد أن دعاهم السلطان بركيارق إلى خدمته فامتنعوا فأكرمهم وحمل حريم أخيه وزودهم بالاموال وبعث العساكر في خدمتهم ثم بعث السلطان بركيارق إلى لمستظهر بما استقر عليه الحال في الصلح بينهم وحضر أبو الغازى بالديوان وهو شحنة محمد وشيعته الا أنه وقف مع الصلح فسأل الخطبة لبركيارق فأمرج
المستظهر وخطب له على منابر بغداد وواسط في جمادى سنة سبع وتسعين ونكر الامير صدقة صاحب الحلة الخطبة لبركيارق وكان شيعة لمحمد وكتب إلى الخليفة بالنكير على أبى الغازى وأنه سائر لاخراجه عن بغداد فجمع أبو الغازى التركمان وفارق بغداد إلى عقرقوبا وجاء سيف الدولة صدقة ونزل مقابل التاج وقبل الارض وخيم بالجاب الغربي وأرسل إليه أبو الغازى يعتذر عن طاعة بركيارق بالصلح الواقع وان اقطاعه بحلوان في جملة بلاده التى وقع الصلح عليها وبغداد التى هو شحنه فيها قد صارت له فقبل ورضى وعاد إلى الحلة وبعث المستظهر في ذى القعدة من سنة سبع وتسعين الخلع للسلطان بركيارق والامير اياز والخطبر وزير بركيارق وبعث معهما العهد له بالسلطنة واستحلفه الرسل على طاعة المستظهر ورجعوا * (وفاة السلطان بركيارق وملك ابنه ملك شاه) * كان السلطان بركيارق بعد الصلح وانعقاده أقام باصبهان أشهرا وطرقه المرض فسار إلى بغداد فلما بلغ بلد يزدجرد اشتد مرضه وأقام بها أربعين يوما حتى أشفى على الموت فأحضر ولده ملك شاه وجماعة الامراء وولاه عهده في السلطنة وهو من حمس سمن(3/491)
وجعل الامير اياز اتابكه وأوصاهم بالطاعة لهما واستحلفهم على ذلك وأمرهم بالمسير إلى بغداد وتخلف عنهم ليعود إلى اصبهان فتوفى في شهر ربيع الآخر سنة ثمان وتسعين وبلغ الخبر إلى ابنه ملك شاه والامير اياز على اثنى عشر فرسخا من بلد يزدجرد فرجعوا وحضروا لتجهيزه وبعثوا به إلى اصبهان للدفن بها في تربة أعدها وأحضر اياز السرادقات والخيام والخفر والشمسة وجميع آلات السلطنة فجعلها لملك شاه وكان أبو الغازى شحنة ببغداد وقد حضر عند السلطان بركيارق باصبهان في المحرم وحثه على المسير إلى بغداد فلما مات بركيارق سار مع ابنه ملك شاه والامير اياز ووصلوا بغداد منتصف ربيع الآخر في خمسة آلاف فارس وركب الوزير أبو القاسم على بن جهير
لتلقيهم فلقيهم بدبالى وأحضر أبو الغازى والامير طمايدل بالديوان وطلبوا الخطبة لملك شاه بن بركيارق فأجاب المستظهر إلى ذلك وخطب له ولقب بالقاب جده ملك شاه ونثرت الدنانير عند الخطبة * (وصول السلطان محمد إلى بغداد واستبداده بالسلطنة والخطبة ومقتل اياز) * كان محمد بعد صلحه مع أخيه بركيارق قد اعتزم على المسير إلى الموصل ليتناولها من يد جكرمس لما كانت من البلاد النى عقد عليها وكان بتبريز ينتظر وصول أصحابه من أذربيجان فلما وصلوا استوزر سعد الملك أبا المحاسن لحسن أثره في حفظ اصبهان ثم رحل في صفر سنة ثمان وتسعين يريد الموصل وسمع جكرمس فاستعد للحصار وأمر أهل السواد بدخول البلد وجاء محمد فحاصره وبعث إليه كتب أخيه بأن الموصل والجزيرة من قسمته وأراه ايمانه بذلك ووعده بأن يقره على ولايتها فقال جكرمس قد جاءتني كتب بركيارق بعد الصلح بخلاف هذا فاشتد محمد في حصاره وقتل بين الفريقين خلق ونقب السور ليلة فأصبحوا وأعادوه ووصل الخبر إلى جكرمس بوفاة بركيارق عاشر جمادى فاستشار أصحابه ورأى المصلحة في طاعة السلطان محمد فأرسل إليه بالطاعة وأن يدخل إليه وزيره سعد الملك فدخل وأشار عليه بالحضور عند السلطان فحضر وأقبل السلطان عليه ورده لجيشه لما توقع من ارتياب أهل البلد بخروجه وأكثر من الهدايا والتحف للسلطان ولوزيره ولما بلغ وفاة أخيه بركيارق سار إلى بغداد ومعه سقمان القطبى نسبة إلى قطب الدولة اسمعيل بن ياقوتا بن داود وداود هو حقر بيك وأبو الب ارسلان وسار معه جكرمس وصاحب الموصل وغيرهما من الامراء وكان سيف الدولة صاحب الحلة قد جمع عسكرا خمسة عشر ألفا من الفرسان وعشرة آلاف رجل وبعث ولديه بدران ودبيس إلى السلطان محمد يستحثه على بغداد ولما سمع الامير اياز بقدومه خرج هو وعسكره وخيموا خارج بغداد(3/492)
واستشار أصحابه فصمموا على الحرب وأشار وزيره أبو المحاسن بطاعة السلطان محمد وخوفه عاقبة خلافه وسفه آراءهم في حربه وأطمعه في زيادة الاقطاع وتردد اياز في أمره وجمع السفن عنده وضبط المثار ووصل السلطان محمد آخر جمادى من سنة ثمان وتسعين ونزل بالجانب الغربي وخطب له هنالك ولملك شاه بالجانب الشرقي واقتصر خطيب جامع المنصور على الدعاء للمستظهر ولسلطان العالم فقط وجمع اياز أصحابه لليمين فأبوا من المعاودة وقالوا لا فائدة فيها والوفاء انما يكون بواحدة فارتاب اياز بهم وبعث وزيره المصفى أبا المحاسن إلى السلطان محمد في الصلح وتسليم الامر فلقى أولا وزيره سعد الملك أبا المحاسن سعد بن محمد وأخبر فأحضره عند السلطان محمد وأدى رسالة اياز والعذر عما كان منه أيام بركيارق فقبله السلطان وأعتبه وأجابه إلى اليمين وحضر من الغد القاضى والنقيبان واستحلف الكيا الهراسى مدرس النظامية بمحضر القاضى وزير اياز بمحضرهم لملك شاه ولاياز وللامراء الذين معه فقال أما ملك شاه فهو ابني وأما اياز والامراء فأحلف لهم الا نيال بن أنوش وسار واستحلفه الكيا الهراسى مدرس النظامية بمحضر القاضى والنقيبين ثم حضر اياز من الغد ووصل سيف الدولة صدقة وركب السلطان للقائهما وأحسن اليهما وعمل اياز دعوة في داره وهى دار كوهر ابين وحضر عنده السلطان وأتحفه بأشياء كثيرة منها حبل البلخش الذى كان أخذه من تركة مؤيد الملك بن نظام الملك وحضر مع السلطان سيف الدولة صدقة بن مزيد وكان اياز قد تقدم إلى غلمانه بلبس السلاح ليعرضهم على السلطان وحضر عندهم بعض الصفاعين فأخذوا معه في السخرية وألبسوه درعا تحت قميصه وجعلوا يتناولونه بايديهم فهرب منهم إلى خواص السلطان وراه السلطان متسلحا فأمر بعض غلمانه فالتمسوه وقد وجدوا السلاح فارتاب ونهض من دار اياز ثم استدعاه بعد أيام ومعه جكرمس وسائر الامراء فلما حضر وقف عليهم بعض قواده وقال لهم ان قليج ارسلان بن سليمان بن قطلمش قصد ديار بكر ليملكها
فأشيروا بمن نسيره لقتاله فأشاروا جميعا بالامير اياز وطلب هو مسير سيف الدولة صدقة معه فاستدعى اياز وصدقة ليفاوضهم في ذلك فنهضوا إليه وقد أعد جماعة من خواصه لقتل اياز فلما دخلوا ضرب اياز فقطع رأسه ولف شلوه في مشلح وألقى على الطريق وركب عسكره فنهبوا داره وأرسل السلطان لحمايتها فافنرقوا واختفى وزيره ثم حمل إلى دار الوزير سعد الملك وقتل في رمضان من سنته وكان من بيت رياسة بهمذان وكان اياز من مماليك السلطان ملك شاه وصار بعد موته في جملة أمير آخر فاتحذه ولدا وكان شجاعا حسن الرأى في الحرب واستبد السلطان محمديا لسلطنة وأحسن السيرة ورفع(3/493)
الضرائب وكتب بها الالواح ونصبت في الاسواق وعظم فساد التركمان بطريق خراسان وهى من أعمال العراق فبعث أبو الغازى بن ارتق شحنة بغداد بدل ابن أخيه بهرام بن ارتق على ذلك البلد فحماه وكف الفساد منه وسار إلى حصن من أعمال سرخاب بن بدر فحصره وملكه ثم ولى السلطان محمد سنقر البرسقى شحنة بالعراق وكان معه في حروبه وأقطع الامير قاياز لكوفة وأمر صدقة صاحب الحلة أن يحمى أصحابه من خفاجة ولما كان شهر رمضان من سنة ثمانية وتسعين عاد السلطان محمد إلى اصبهان وأحسن فيهم السيرة وكف عنهم الايدى العادية * (الشحنه ببغداد) * كان السلطان قد قبض سنة ثنتين وخمسين على أبى القاسم الحسين بن عبد الواحد صاحب المخزن وعلى ابن الفرج بن رئيس الرؤساء واعتقلهما وصادرهما على مال بحملانه وأرسل مجاهد الدين لقبض المال وأمره بعمارة دار الملك فاضطلع بعمارتها وأحسن السيرة في الناس وقدم السلطان اثر ذلك إلى بغداد فشكر سيرته وولاه شحنة بالعراق وعاد إلى اصبهان * (وفاة السلطان محمد وملك ابنه محمود) *
ثم توفى السلطان محمد بن ملك شاه آخر ذى الحجة من سنة احدى وخمسمائة وقد كان عهد لولده محمود وهو يومئذ غلام محتلم وأمره بالجلوس على التخت بالتاج والسوارين وذلك لثنتى عشرة سنة ونصف من استبداده بالملك واجتماع الناس عليه بعد أخيه وولى بعده ابنه محمود وبايعه أمراء السلجوقية ودبر دولته الوزير الرسب أبو منصور ابن الوزير أبى شجاع محمد بن الحسين وزير أبيه وبعث إلى المستظهر في الخطبة فخطب له على منابر بغداد منتصف المحرم سنة ثنتى عشرة وكان اقسنقر البرسقى مقيما بالرحبة استخلف بها ابنه مسعودا وسار لى السلطان محمد يطلب الزيادة في الاقطاع والولاية ولقيه خبر وفاته قريبا من بغداد فمنعه بهروز الشحنة من دخولها وسار إلى اصبهان فلقيه بحلوان توقيع السلطان محمود بأن يكون شحنة بغداد لسعى الامراء له في ذلك تعصبا على مجاهد الدين بهروز وغيره منه لمكانه عند السلطان محمد ولما رجع اقسنقر إلى بغداد هرب مجاهد الدين بهروز إلى تكريت وكانت من أعماله ثم عزل السلطان محمود اقسنقر وولى شحنة بغداد الامير منكبرس حاكما في دولته باصبهان فبعث نائبا عنه ببغداد والعراق الامير حسين بن أروبك أحد أمراء الاتراك ورغب البرسقى من المستظهر بالعدة فلم يتوقف فسار اقسنقر إليه وقاتله وانهزم الامير حسين(3/494)
وقتل أخوه وعاد إلى عسكر السلطان وذلك في ربيع الاول من سنة ثنتى عشرة * (وفاة المستظهر وخلافة المسترشد) * ثم توفى المستظهر بالله أبو العباس أحمد بن المقتدى بالله أبو القاسم عبد الله بن القائم بالله في منتصف ربيع الآخر سنة ثنتى عشرة وخمسمائة لاربع وعشرين سنة وثلاثة أشهر من خلافته وبويع بعده ابنه المسترشد بالله الفضل وكان ولى عهده منذ ثلاث وعشرين سنة وبايعه أخوه أبو عبد الله محمد وهو المقتدى وأبو طالب العباس وعمومته بنو المقتدى وغيرهم من الامراء والقضاة والائمة والاعيان وتولى أخذ البيعة
القاضى أبو الحسن الدامغاني وكان نائبا عن الوزارة فأقره المسترشد عليها ولم يأخذ البيعة قاض غير هذا للمسترشد وأحمد بن أبى داود للواثق والقاضى أبو على اسمعيل ابن اسحق للمعتضد ثم عزل المسترشد قاضى القضاة عن نيابة الوزارة واستوزر أبا شجاع محمد بن الرسب أبى منصور خاطبه أبوه وزير السلطان محمود وابنه محمد في شأنه فاستوزره ثم عزله سنة عشر واستوزر مكانه جلال الدين عميد الدولة أبا على بن صدقة وهو عم جلال الدين أبى الرضى بن صدقة وزير الراشد ولما شغل الناس ببيعة المسترشد ركب أخوه الامير أبو الحسن في السفن مع ثلاثة نفر وانحدر إلى المدائن ومنها إلى الحلة فأكرمه دبيس وأهم ذلك المسترشد وبعث إلى دبيس في اعادته مع النقيب على بن طراد الرثينى فاعتذر بالذمام وأنه لا يكرهه فخطب النقيب أبا الحسن أخا الخليفة في الرجوع فاعتذر بالخوف وطلب الامان ثم حدث من البرسقى ودبيس ما نذكره فتأخر ذلك إلى صفر من سنته وهى سنة ثلاث عشرة فسار أبو الحسن بن المستظهر إلى واسط وملكها فبادر المسترشد إلى ولاية العهد لابنه جعفر المنصور ابن اثنتى عشرة سنة فخطب له وكتب إلى البلاد بذلك وكتب إلى دبيس بمعاجلة أخيه أبى الحسن فانه فارق ذمامه فبعث دبيس العساكر إلى واسط فهرب منها وصادفوه عند الصبح فنهبوا أثقاله وهرب الاكراد والاتراك عنه وقبض عليه بعض الفرق وجاؤا به إلى دبيس فأكرمه المسترشد وأمنه وأنزله أحسن نزل { انتقاض الملك مسعود على أخيه السلطان محمود ثم مصالحته واستقرار جكرمس شحنة ببغداد } كان السلطان محمد قد أنزل ابنه مسعودا بالحلة وجعل معه حيوس بك اتابك فلما ملك السلطان محمود بعد وفاة أيبه ثم ولى المسترشد الخلافة بعد أبيه وكان دبيس صاحب الحلة ممرضا في طاعته وكان اقسنقر البرسقى شحنة بالعراق كما ذكرناه أراد قصد الحلة(3/495)
وأخلى دبيس عنها وجمع لذلك جموعا من العرب والاكراد وبرز من بغداد في جمادى سنة ثنتى عشرة وبلغ الخبر إلى الملك مسعود بالموصل وان العراق خال من الحامية فأشار عليه أصحابه بقصد العراق للسلطنة فلا مانع دونها فسار في جيوش كثيرة ومعه وزيره فخر الملك أبو على بن عمار صاحب طرابلس وسيأتى خبره وقسيم الدولة زنكى بن اقسنقر ابن الملك العادل وصاحب سنجار وأبو الهيجاء صاحب اربل وكربادى بن خراسان التركماني صاحب البواريخ ولما قربوا من العراق حافهم اقسنقر البرسقى بمكان حيوس بك من الملك المسعود وأما هو فقد كان أبوه محمد جعله أتابك لابنه مسعود فسار البرسقى لقتالهم وبعثوا إليه الامير كربادى في الصلح وأنهم انما جاؤا بحدة له على دبيس فقبل وتعاهدوا ورجعوا إلى بغداد كما مر خبره وسار البرسقى لقتاله فاجتمع مع دبيس بن صدقة واتفقا على المعاضدة وسار الملك مسعود ومن معه إلى المدائن للقاء دبيس ومنكبرس ثم بلغهم كثرة جموعهما فعاد الملك مسعود والبرسقى وحيوس بك وعبروا نهر صرصر وحفظ المخاضات وأفحش الطائفتان في نهب السواد واستباحته بنهر الملك ونهر صرصر ونهر عيسى ودجيل وبعث المسترشد إلى الملك مسعود والبرسقى بالنكير عليهم فأنكر البرسقى وقوع شئ من ذلك واعتزم على العود إلى بغداد وبلغه ان دبيس ومنكبرس قد جهز العساكر إليها مع منصور أخى دبيس وحسن بن أو ربك ربيب منكبرس فأغذ السير وخلف ابنه عز الدين مسعودا على العسكر بصرصر واستصحب عماد الدين زنكى بن اقسنقر وجاؤا بغداد ليلا فمنعوا عساكر منكبرس ودبيس من العبور ثم انعقد الصلح بين منكبرس والملك مسعود وكان سببه أن حيوس بك كاتب السلطان محمود وهو بالموصل في طلب الزيادة له وللملك مسعود فجاء كتاب الرسول بأنه أقطعهم أذربيجان ثم بلغه قصدهم بغداد فاتهمهم بالانتقاض وجهز العساكر إلى الموصل وسقط الكتاب بيد منكبرس وكان على أم الملك مسعود فبعث به إلى حيوس بك وداخله في الصلح والرجوع عماهم فيه فاصطلحوا
واتفقوا وبلغ الخبر إلى البرسقى فجاء إلى املك مسعود وأخذ ماله وتركه وعاد إلى بغداد فخيم بجانب منها وجاء الملك مسعود وحيوس بك فخيما في جانب آخر وأصعد دبيس ومنكبرس فحيما كذلك وتفرق على البرسقى أصحابه وجموعه وسار عن العراق إلى الملك مسعود فأقام معه واستقر منكبرس شحنة ببغداد وعاد دبيس إلى الحلة وأساء منكبرس السيرة في بغداد بالظلم والعسف وانطلاق أيدى أصحابه بالفساد حتى ضجر الناس وبعث عنه السلطان محمود فسار إليه وكفى الناس شره * (انتقاض الملك طغرل على أخه السلطان محمود) *(3/496)
كان الملك طغرل قد اقطعه أبوه السلطان محمد سنة اربع وخمسين وخمسمائة ساوة واوة وزنجان وجعل أتابكه الامير شركير وكان قد افتتح كثيرا من قلاع الاسماعيلية فاتسع ملك طغرل بها ولما مات السلطان محمد بعث السلطان محمود الامير كتبغرى أتابك طغرل وأمره أن يحمله إليه وحسن له المخالفة فانتقض سنة ثلاث عشرة فبعث إليه السلطان بثلاثين ألف دينار وتحف وودعه باقطاع كثيرة وطلبه في الوصول فمنعه كتبغرى وأجاب بأننا في الطاعة ومعنا العساكر والى أي جهة أراد السلطان قصدنا فاعتزم السلطان على السير إليهم وسار من همذان في جمادى سنة ثلاث عشرة في عشرة آلاف غازيا وجاء النذير إلى كتبغرى بمسيرة فأجفل هو وطغرل إلى قلعة سر جهان وجاء السلطان إلى العسكر بزنجان فنهبه وأخذ من خزانة طغرل ثلثمائة ألف دينار وأقام بزنجان وتوجه منها إلى الرى وكتبغرى من سر جهان بكنجة وقصده أصحابه وقويت شوكته وتأكدت الوحشة بينه وبين أخيه السلطان محمود * (الفتنة بين السلطان محمود وعمه سنجر صاحب خراسان والخطبة ببغداد لسنجر) * كان الملك سنجر أميرا على خراسان وما وراء النهر منذ أيام شقيقة السلطان محمد الاولى مع بركيارق ولما توفى السلطان محمد جزع له جزعا شديدا حتى أغلق البلد للعزاء وتقدم
للخطبة بذكر آثاره ومحاسن سيره من قتال الباطنية واطلاق المكوس وغير ذلك وبلغه ملك ابنه محمود مكانه وتغلب الامراء عليه فنكر ذلك واعتزم على قصد بلد الجيل والعراق وأتى له محمود بن أخيه وكان يلقب بناصر الدين فتلقب بمعز الدين لقب أبيه ملك شاه وبعث إليه السلطان محمود بالهدايا والتحف مع شرف الدولة أنو شروان ابن خالد وفخر الدولة طغايرك بن أكفربن وبذل عن مازندران مائتي ألف دينار كل سنة فتجهز لذلك ونكر على محمود تغلب وزيره أبى منصور وأمير حاجب على بن عمر عليه وسار وعلى مقدمته الامير أنز وجهز السلطان محمود على بن عمر حاجبه وحاجب أبيه في عشرة آلاف فارس وأقام هو بالرى فلما قارب الحاجب مقدمة سنجر مع الامير انز بجرجان راسله باللين والخشونة وان السلطان محمد اوصانا بتعظيم أخيه سنجر واستحلفنا على ذلك الا أنا لا نقضى على زوال ملكنا ثم تهدده بكثرة العساكر وقوتها فرجع انز عن جرجان واتبعه بعض العساكر فنالوا منه وعاد على بن عمر إلى السلطان محمود فشكره وأشار عليه أصحابه بالمقام بالرى فلم يقبل ثم ضجر وسار إلى حرقان وتوافت إليه الامداد من العراق منكبرس شحنة بغداد في عشرة آلاف فارس ومنصور أخو دبيس وأمراء البلخية وغيرهم وسار إلى همذان فأقام بها وتوفى بها وزيره الربيب واستوزر مكانه أبا طالب السميرى ثم جاء السلطان سنجر إلى الرى في عشرين ألفا وثمانية عشر(3/497)
فيلا ومعه ابن الامير أبى الفضل صاحب سجستان وخوارزم شاه محمد والامير انز والامير قماج واتصل به علاء الدولة كرساسف بن قرامرد بن كاكويه صاحب يزد وكان صهر محمد وسنجر على أختهما واختص بمحمد ودعاه محمود فتأخر عنه فأقطع بلده لقراجا الساقى الذى ولى بعد ذلك فارس وسار علاء الدولة إلى سنجر وعرفه حال السلطان محمود واختلاف أصحابه وفساد بلاده فزحف إليه السلطان محمود من همذان في ثلاثين ألفا ومعه على بن عمر أمير حاجب ومنكبرس وأتابكه غرغلى وبنو برسق وسنجق البخاري
وقراجا الساقى ومعه تسعمائة حمل من السلاح والتقيا على ساوة في جمادى سنة ثلاث عشرة فانهزمت عساكر السلطان سنجر أولا وثبت هو بين الفيلة والسلطان محمود واجتمع أصحابه إليه وبلغ الخبر إلى بغداد فأرسل دبيس بن صدقة إلى المسترشد في الخطبة للسلطان سنجر فخطب له آخر جمادى وقطعت خطبة محمود بعد الهزيمة إلى اصبهان ومعه وزيره أبو طالب السميرى والامير على بن عمر وقراجا واجتمعت عليه العساكر وقوى أمره وسار السلطان سنجر من همذان ورأى قلة عساكره فراسل ابن أخبه في الصلح وكانت والدته وهى جدة محمود تحرضه على ذلك فأجاب إليه ثم وصل إليه اقنسقر البرسقى الذى كان شحنة ببغداد وكان عند الملك مسعود من يوم انصرافه عنها وجاء رسوله من عند السلطان محمود بأن الصلح انما يوافق عليه الامراء بعد عود السلطان سنجر إلى خراسان فأنف من ذلك وسار من همذان إلى الكرج وأعاد مراسلة السلطان محمود في الصلح وأن يكون ولى عهده فأجاب إلى ذلك وتحالفا عليه وجاء السلطان محمود إلى عمه سنجر ونزل في بيت والدته وهى جدة محمود وحمل إليه هدية حقلة وكتب السلطان سنجر إلى أعماله بخراسان وغزنة وما وراء النهر وغيرها من الولايات بأن يخطب للسلطان محمود وكتب إلى بغداد بمثل ذلك وأعاد عليه جميع البلاد سوى الرى لئلا تحدث محمودا نفسه بالانتقاض ثم قتل السلطان محمود الامير منكبرس شحنة بغداد لانه لما انهزم محمود وسار إلى بغداد ليدخلها منعه دبيس فعاد في البلاد ورجع وقد استقر في الصلح فقصد السلطان مستجيرا به فأبى من اجارته ومؤاخذته وبعثه إلى السلطان محمود فقتله صبرا لما كان يستبد عليه بالامور وسار شحنة إلى بغداد على زعمه فحقد له ذلك وأمر السلطان سنجر باعادة مجاهد الدين بهروز شحنة بالعراق وكان بها نائب دبيس بن صدقة فعزل به ثم قتل السلطان محمود حاجبه على بن عمر وكان قد استخلفه ورفع منزلته فكثرت السعاية فيه فهرب إلى قلعة عند الكرخ كان بها أهله وماله ثم لحق بخورستان وكان بيد بنى برسق فاقتضى عهودهم وسار إليهم فلما كان
على تستر بعثوا من يقبض عليه فقاتلهم فلم يقر عنه وأسروه واستأذنوا السلطان محمودا(3/498)
في أمره فأمر بقتله وحمل رأسه إليه * (انتقاض الملك مسعود على أخيه السلطان محمود والفتنة بينهما) * كان الملك مسعود قد استقر بالموصل وأذربيجان منذ صالحه السلطان محمود عليها بأول ملكه وكان اقسنقر البرسقى مع الملك مسعود منذ فارق شحنة بغداد وأقطعه مراغة مضافة إلى الرحبة وكان دبيس يكاتب حيوس بك الاتابك في القبض عليه وبعثه إلى مولاه السلطان محمود ويبذل لهم المال على ذلك وشعر بذلك البرسقى ففارقه إلى السلطان محمو وعاد إلى جميل رأيه فيه وكان دبيس مع ذلك يعزى الاتابك حيوس بك بالخلاف على السلطان محمود ويعدهم من نفسه المناصرة لينال باختلافهم في تمهيد سلطانه ما ناله أبوه باختلاف بركيارق ومحمد وكان أبو المؤيد محمد بن أبى اسمعيل الحسين بن على الاصبهاني يكتب للملك محمود ويرسم الطغرى وهى العلامة على مراسيمه ومنها هباته وجاء والده أبو اسمعيل من اصبهان فعزل الملك مسعود وزيره أبا على بن عمار صاحب طرابلس واستوزره مكانه سنة ثلاث عشرة فحسن له الخلاف الذى كان دبيس يكاتبهم فيه ويحسنه لهم وبلغ السلطان محمودا خبرهم فكتب يحذرهم فلم يقبلوا وخلعوا وخطبوا للملك مسعود بالسلطنة وضربوا له النوب الخمس وذلك سنة أربع عشرة وكانت عساكر السلطان محمود مفترقة فبادروا إليه والتقوا في عقبة استر اباذ منتصف ربيع الاول والبرسقى في مقدمة محمود وأبلى يومئذ واقتتلوا يوما كاملا وانهزمت عساكر مسعود في عشيته وأسر جماعة منهم وفيهم الوزير الاستاذ أبو اسمعيل الطغرائي فأمر السلطان بقتله لسنة من وزارته وقال هو فاسد العقيدة وكان حسن الكتابة والشعر وله تصانيف في الكيمياء وقصد الملك مسعود بعد الهزيمة جبلا على اثنى عشر فرسخا من مكان الوقعة فاختفى فيه وبعث يطلب الامان من أخيه فبعث
إليه البرسقى يؤمنه ويحضره وكان بعض الامراء قد لحق به في الجبل وأشار عليه باللحاق بالموصل واستمدد بيسا فسار لذلك وأدركه البرسقى على ثلاثين فرسخا من مكانه وأمنه عن أخيه وأعاده إليه فأربب العساكر للقائه وبالغ في اكرامه وخلطه بنفسه وأما أتابكه حيوس بك فلما افتقد السلطان مسعود سار إلى الموصل وجمع العساكر وبلغه فعل السلطان مع أخيه فسار إلى الزاب ثم جاء السلطان بهمذان فأمنه وأحسن إليه وأما دبيس فلما بلغه خبر الهزيمة عاث في البلاد وأخربها وبعث إليه المسترشد بالنكير فلم يقبل فكتب بشأنه إلى السلطان محمود وخاطبه السلطان في ذلك فلم يقبل وسار إلى بغداد وخيم ازاء المسترشد وأطهر انه يثأر منهم بأبيه ثم عاد عن بغداد ووصل السلطان في رحب فبعث دبيس إليه زوجته بنت عميد الدولة بن جهير بمال وهدايا(3/499)
نفيسة وأجيب إلى الصلح على شروط امتنع منها فسار إليه السلطان في شوال ومعه ألف سفينة ثم استأمن إلى السلطان فأمنه وأرسل نساءه إلى البطيحة وسار إلى أبى الغازى مستجيرا به ودخل السلطان الحلة وعاد عنها ولم يزل دبيس عند أبى الغازى وبعث أخاه منصورا إلى أصحابه من أمراء النواحى ليصلح حاله مع السلطان فلم يتم ذلك وبعث إليه أخوه منصور يستدعيه إلى العراق فسار من قلعة جعبر إلى الحلة سنة خمس عشرة وملكها وأرسل إلى الخليفة والسلطان بالاعتذار والوعد بالطاعة فلم يقبل منه وسارت إليه العساكر مع سعد الدولة بن تتش ففارق الحلة ودخلها سعد وأنزل بالحلة عسكرا وبالكوفة آخر ثم راجع دبيس الطاعة على أن يرسل أخاه منصورا رهينة فقبل ورجع العسكر إلى بغداد سنة ست عشرة * (اقطاع الموصل للبرسقى وميا فارقين لابي الغازى) * ثم أقطع السلطان محمود الموصل وأعمالها والجزيرة وسنجار وما يضاف إلى ذلك للامير اقسنقر البرسقى شحنة بغداد وذلك انه كان ملازما للسلطان في حروبه ناصحا له
وهو الذى حمل السلطان مسعودا على طاعة أخيه محمود وأحضره عنده فلما حضر حيوس بك وزيره عند السلطان محمود من الموصل بقيت بدون أمير فولى عليها البرسقى سنة خمس عشرة وخمسمائة وأمره بمجاهدة الفرنج فاقام في امارتها دهرا هو وبنوه كما يأتي في أخبارهم ثم بعث الامير أبو الغازى بن ارتق ابنه حسام الديم تمرتاش شافعا في دبيس بن صدقة وأن يضمن الحلة بألف دينار وفرس في كل يوم ولم يتم ذلك فلما انصرف عن السلطان أقطع أباه أبا الغازى مدينة ميا فارقين وتسلمها من يد سقمان صاحب خلاد سنة خمس عشرة وبقيت في يده ويد بنيه إلى أن ملكها منهم صلاح الدين ابن أيوب سنة ثمانين وخمسمائة كما يذكر في أخبارهم * (طاعة طغرل لاخيه السلطان محمود) * قد تقدم ذكر انتقاض الملك طغرل بساوة وزنجان على أخيه السلطان محمود بمداخلة أتابكه كتبغرى وان السلطان محمودا المشار إليه أزعجه إلى كنجة وسار إلى أذربيجان يحاول ملكها ثم توفى أتابكه كتبغرى في شوال سنة خمس عشرة وكان اقسنقر الاحمد يلى صاحب مراغة فطمع في رتبة كتبغرى وسار إلى طغرل واستدعاه إلى مراغة وقصدوا أردبيل فامتنعت عليهم فجاؤا إلى تبريز وبلغهم أن السلطان أقطع أذربيجان لحيوس بك وبعثه في العساكر وأنه سبقهم إلى مراغة فعدلوا عنها وكافؤا صاحب زنجان فأجابهم وسار معهم إلى ابهر فلم يتم لهم مرادهم وراسلوا السلطان في الطاعة(3/500)
واستقر حالهم وأما حيوس بك فوقعت بينه وبين الامراء من عسكره منافرة فسعوا به عند السلطان فقتله بتبريز فيرمضان من سنته وكان تركيا من مماليك السلطان محمد وكان حسن السيرة مضطلعا بالولاية ولما ولى الموصل والجزيرة كان الاكراد قد عاثوا في نواحيها وأخافوا سبلها فأوقع بهم وحصر قلاعهم وفتح الكثير منها ببلد الهكارية وبلد الزوزان وبلد النسوية وبلد النحسة حتى خاف الاكراد واطمأن الناس
وأمنت السبل * (أخبار دبيس مع المسترشد) * قد ذكرنا مسير العساكر إلى دبيس مع برسق الكركوى سنة أربع عشرة وكيف وقع الاتفاق وبعث دبيس أخاه منصورا رهينة فجاء برتقش به إلى بغداد سنة ست عشرة ولم يرض المسترشسد ذلك وكتب إلى السلطان محمود بأن دبيس لا يصلحه شئ لانه مطالب بثار أبيه وأشار بأن يبعث عن البرسقى من الموصل لتشديد دبيس ويكون شحنة ببغداد فبعث إليه السلطان وأنزله شحنة ببغداد وأمره بقتال دبيس فأقام عشرين شهرا ودبيس معمل في الخلافة ثم أمره المسترشد بالمسير إليه واخراجه من الحلة فاستقدم البرسقى عساكره من الموصل وسار إلى الحلة ولقيه دبيس فهزم عساكره ورجع إلى بغداد في ربيع من سنة ست عشرة وكان معه في العسكر مضر بن النفيس بن مذهب الدولة أحمد بن أبى الخير عامل البطيحة فغدا عليه عمه المظفر بن عماد بن أبى الخير فقتله في انهزامهم وسار إلى البطيحة فتغلب عليها وكاتب دبيس في الطاعة وأرسل دبيس إلى المسترشد بطاعته وأن يبعث عماله لقرى الخاص يقبضون دخلها على أن يقبض المسترشد على وزيره جلال الدين بن على بن صدقة فتم بينهما ذلك وقبض المسترشد على وزيره وهرب ابن أخيه جلال الدين أبو الرضى إلى الموصل وبلغ الخبر بالهزيمة إلى السلطان محمود فقبض على منصور أخى دبيس وحبسه وأذن دبيس لاصحاب الاقطاع بواسط في المسير إلى اقطاعهم فمنعهم الاتراك بها فجهز إليهم عسكرا مع مهلهل ابن أبى العسكر وأمر مظفر بن أبى الخير عامل البطيحة بمساعدته وبعث البرسقى المدد إلى أهل واسط فلقيهم مهلهل بن أبى المظفر فهزموه وأسروه وجماعة من عسكره واستلحموا كثيرا منهم وجاء المظفر أبو الخير على أثره وكثر النهب والعيث وبلغه خبر الهزيمة فرجع وبعث أهل واسط بتذكرة وجدوها مع مهلهل بخط دبيس فأمره بالقبض على المظفر فمال إليهم وانحرف عن دبيس ثم بلغ دبيس ان السلطان محمودا
سمل أخاه منصورا فانتقض ونهب ما كان للخليفة باعماله وسار أهل واسط إلى النعمانية فأجلوا عنها أصحاب دبيس وتقدم المسترشد إلى البرسقى بالمسير لحرب دبيس(3/501)
فسار لذلك كما نذكر ثم أقطع السلطان محمود مدينة واسط للبرسقى مضافة إلى ولاية الموصل فبعث عماد الدين زنكى بن اقنسنقر ولد نور الدين العادل * (نكبة الوزير ابن صدقة وولاية نظام الملك) * قد ذكرنا آنفا أن دبيس اشترط على المسترشد في صلحه معه القبض على وزيره جلال الدين أبى على بن صدقة فقبض عليه في جمادى سنة ست عشرة وأقام في نيابة الوزارة شرف الدين على بن طراد الزينبي وهرب جلال الدين أبو الرضى ابن أخى الوزير إلى الموصل وبعث السلطان محمود إلى المسترشد في أن يستوزر نظام الدولة أبا نصر أحمد بن نظام الملك وكان السلطان محمود قد استوزر أخاه شمس الملك عثمان عند ما قل الباطنية بهمذان وزيره الكمال أبا طالب السميرى فقبل المسترشد اشارته واستوزر نظام الملك وقد كان وزر للسلطان محمد سنة خمسمائة ثم عزل ولزم داره ببغداد فلما وزر وعلم ابن صدقة أنه يخرجه طلب من المسترشد أن يسير إلى سليمان بن مهارش بحديثة غانة فأذن له فسار ونهب في طريقه وأسر ثم خلص إلى مأمنه في واقعة عجيبة ثم قتل السلطان محمود وزيره شمس الملك فعزل المسترشد أخاه نظام الدين أحمد عن وزارته وأعاد جلال الدين أبا على بن صدقة إلى مكانه * (واقعة المسترشد مع دبيس) * كان دبيس في واقعته مع البرسقى قد أسر عفيفا الخادم ثم أطلقه سنة سبع عشرة وحمله إلى المسترشد رسالة بخروج البرسقى للقتال يتهدده بذلك على ما بلغه من سمل أخيه وحلف لينهبن بغداد فاستطار المسترشد غضبا وأمر البرسقى بالمسير لحربه فسار في رمضان من سنته ثم تجهز للخليفة وبرز من بغداد واستدعى العساكر فجاءه سليمان
ابن مهارش صاحب الحديثة في بنى عقيل وقرواش بن مسلم وغيرهما ونهب دبيس نهر الملك من خاص الخليفة ونودى في بغداد بالنفير فلم يتخلف أحد وفرقت فيهم الاموال والسلاح وعسكر المسترشد خارج بغداد في عشر ذى الحجة وبرز لاربع بعدها وعبر دجلة وعليه قباء أسود وعمامة سوداء وعلى كتفه البردة وفى يده القضيب وفى وسطه منطقة حديد صينى ووزيره معه نظام الدين ونقيب الطالبيين ونقيب النقباء على بن طراد وشيخ الشيوخ صدر الدين اسمعيل وغيرهم فنزل بخيمة وبلغ البرسقى خروجه فعاد بعسكره إليه ونزل المسترشد بالحديثة بنهر الملك واستحلف البرسقى والامراء على المناصحة وسار فنزل المباركة وعبى البرسقى أصحابه للحرب ووقف المسترشد وراء العسكر في خاصته وعبى دبيس أصحابه صفا واحدا وبين يديهم(3/502)
الاماء تعزف وأصحاب الملاهي وعسكر الخليفة تتجاذب القراءة والتسبيح مع جنباته ومع اعلامه كرباوى خراسان وفى الساقة سليمان بن مهارش وفى ميمنة البرسقى أبو بكر ابن الياس مع الامراء البلخية فحمل عنتر بن أبى العسكر من عسكر دبيس على ميمنه البرسقى فدحرجها وقتل ابن أخى أبى بكر ثم حمل ثانية كذلك فحمل عماد الدين زنكى ابن اقسنقر في عسكر واسط على عنتر بن أبى العسكر فأسره ومن معه وكان من عسكر المسترشد كمين متوار فلما التحم الناس خرج الكمين واشتد الحرب وجرد المسترشد سيفه وكبر وتقدم فانهزمت عساكر دبيس وجئ بالاسرى فقتلوا بين يدى الخليفة وسبى نساؤهم ورجع الخليفة إلى بغداد في عاشوراء من سنة سبع عشرة وذهب دبيس وخفى أثره وقصد غزية من العرب فابوا من ذلك ايثار الرضا المسترشد والسلطان فسار إلى المشقر من البحرين فأجابوه وسار بهم إلى البصرة فنهبوها وقتلوا أميرها وتقدم المسترشد للبرسقى بالانحدار إليه بعد أن عنفه على غفلته عنه وسمع دبيس ففارق البصرة وبعث البرسقى عليها زنكى بن اقسنقر فأحسن حمايتها وطرد
العرب عن نواحيها ولحق دبيس بالفرنج في جعبر وحاصر معهم حلب فلم يظفروا وأقلعوا عنها سنة ثمان عشرة فلحق دبيس بطغزل ابن السلطان محمد وأغراه بالمسترشد وبملك العراق كما نذكر * (ولاية برتقش شحنة بغداد) * ثم ان المسترشد وقعت بينه وبين البرسقى منافرة فكتب إلى السلطان محمود في عزله عن العراق وابعاده إلى الموصل فأجابه إلى ذلك وأرسل إلى البرسقى بالمسير إلى الموصل لجهاد الافرنج وبعث إليه بابن صغير من أولاده يكون معه وولى على شحنة بغداد برتقش الزكوى وجاء نائبه إلى بغداد فسلم إليه البرسقى العمل وسار إلى الموصل بابن السلطان وبعث إلى عماد الدين زنكى أن يلحق به فسار إلى السلطان وقدم عليه بالموصل فأكرمه وأقطعه البصرة وأعاده إليها * (وصول الملك طغرل ودبيس إلى العراق) * قد ذكرنا مسير دبيس بن صدقة من الشأم إلى الملك طغرل فأحسن إليه ورتبه في خاص أمرائه وجعل دبيس يغريه بالعراق ويضمن له ملكه فسار لذلك سنة تسع عشرة ووصلوا دقوقا فكتب مجاهد الدين مهروز من تكريت إلى المسترشد بخبرهما فتجهز إلى دفاعهما وسار اليهما وأمر برتقش الزكوى الشحنة أن يستنفر ويستبعد فبلغت عدة العسكر اثنى عشر ألفا سوى أهل بغداد وبرز خامس صفر سنة تسع عشرة وسار(3/503)
فنزل الخالص وعدل طغرل إلى طريق خراسان وأكثرت عساكره النهب ونزل رباط جلولاء وسار إليه الوزير جلال الدين بن صدقة في العساكر فنزل الدسكرة وجاء المسترشد فنزل معه وتوجه طغرل ودبيس فنزلا الهارونية واتفقا أن يقطعا جسر النهروان فيقيم دبيس عل المعابر ويخالفهم طغرل إلى بغداد ثم عاقتهم جميعا عوائق المطر وأصابت طغرل الحمى وجاء دبيس إلى النهروان ليعبر وقد لحقهم الجوع فصادف احمالا
من البر والاطعمة جاءت من بغداد للمسترشد فنهبها وأرجف في معسكر المسترشد ان دبيس ملك بغداد فأجفلوا من الدسكرة إلى النهروان وتركوا أثقالهم ولما حلوا بالنهروان وجدوا دبيس وأصحابه نياما فاستيقظ وقبل الارض بين يدى المسترشد وتذلل فهم بصلحه ووصل الوزير ابن صدقة فثناه عن ذلك ثم مد المسترشد الجسر وعبر ودخل بغداد لفتنة خمسة وعشرين يوما وسار دبيس إلى طغرل ثم اعتزموا على المسير إلى السلطان سنجر ومروا بهمذان فعاثوا في أعمالها وصادروا واتبعهم السلطان فانهزموا بين يديه ولحقوا بالسلطان سنجر شاكين من المشترشد والشحنة برتقش * (الفتنة بين المسترشد والسلطان محمود) * ثم وقعت بين برتقش الزكوى وبين نواب المسترشد نبوة فبعث إليه المسترشد يتهدده فخافه على نفسه وسار إلى السلطان محمود في رجب سنة عشرين فحذر منه وانه ثاور العساكر ولقى الحروب وقويت نفسه وأشار بمعاجلته قبل أن يستفحل أمره ويمتنع عليه فسار السلطان نحو العراق فبعث إليه المسترشد بالرجوع عن البلاد لما فيها من الغلاء من فتنة دبيس وبذل له المال وأن يسير إلى العراق مرة أخرى فارتاب السلطان وصدق ما ظنه برتقش وأغذ السير فعبر المسترشد إلى الجانب الغربي مغضبا يظهر الرحيل عن بغداد إذ قصدها السلطان وصانعه السلطان بالاستعطاف وسؤاله في العود فأبى فغضب السلطان ودخل نحو بغداد وأقام المسترشد بالجانب الغربي وبعث عفيفا الخادم من خواصه في عسكر إلى واسط ليمنع عنها نواب السلطان فأرسل السلطان إليه عماد الدين زنكى بن اقنسقر وكان على البصرة كما ذكرناه فسار إليه وهزمه وقتل من عسكره ونجا عفيف إلى المسترشد برأسه فجمع المسترشد السفن وسد أبواب دار الخلافة الا باب النوبى ووصل السلطان في عشر ذى الحجة من سنة عشرين ونزل باب الشماسية ومنع العسكر عن دور الناس وراسل المسترشد في العود والصلح فأبى ونجا جماعة من عسكر السلطان فنهبوا التاج في أول المحرم سنة احدى
وعشرين فضج العامة لذلك واجتمعوا وخرج المسترشد والشمسية على رأسه والوزير من يديه وأمر بضرب الطبول ونفخ الابواق ونادى بأعلى صوته يا لهاشم ونصب الجسر(3/504)
وعبر الناس دفعة واحدة وكان في الدار رجال مختفون في السراديب فخرجوا على العسكر وهم مشتغلون في نهب الدار فأسروا جماعة منهم ونهب العامة دور أصحاب السلطان وعبر المسترشد إلى الجانب الشرقي في ثلاثين ألف مقاتل من أهل بغداد والسواد وأمر بحفر الخنادق فحفرت ليلا ومنعوا بغداد عنهم واعتزموا على كبس السلطان محمود وجاء عماد الدين زنكى من البصرة في حشود عظيمة ملات البر والبحر فاعتزم السلطان على قتال بغداد وأذعن المسترشد إلى الصلح فاصطلحوا وأقام السلطان ببغداد إلى ربيع الآخر سنة احدى وعشرين ومرض فأشير عليه بمفارقة بغداد فارتحل إلى همذان ونظر فيمن يوليه شحنة العراق مضافا إلى ما بيده ويثق به في سد تلك الخلة وحمل إليه الخليفة عند رحيله الهدايا والتحف والالطاف فقبل جميعها ولما أبعد السلطان عن بغداد قبض على وزيره أبى القاسم على بن الناصر النشاباذى لاتهامه بممالاة المسترشد واستوزر مكانه شرف الدين أنو شروان بن خالد وكان مقيما ببغداد فاستدعاه وأهدى إليه الناس حتى الخليفة وسار من بغداد في شعبان فوصل إلى السلطان باصبهان وخلع عليه ثم استعفى لعشرة أشهر وعاد إلى بغداد ولم يزل الوزير أبو القاسم محبوسا إلى أن جاء السلطان سنجر إلى الرى في السنة بعدها فأطلقه وأعاده إلى وزارة السلطان * (أخبار دبيس مع السلطان سنجر) * لما وصل دبيس إلى السلطان سنجر ومعه طغرل أغرياه بالمسترشد والسلطان محمود وانهما عاصيان عليه وسهلا عليه أمر العراق فسار إلى الرى واستدعى السلطان محمودا يختبر طاعته بذلك فبادر للقائه ولما وصل أمر سنجر العساكر فتلقوه وأجلسه معه على
سريره وأقام عنده مدة وأوصاه بدبيس أن يعيده إلى بلده ورجع سنجر إلى خراسان منتصف ذى الحجة ورجع محمود إلى همذان ودبيس معه ثم سار إلى بغداد فقدمها في تاسوعاء سنة ثلاث وعشرين واسترضى المسترشد لدبيس فرضى عنه على شريطة أن بوليه غير الحلة فبذل في الموصل مائة ألف دينار وشعر بذلك زنكى فجاء بنفسه إلى السلطان وهجم على الستر متذمما وحمل الهدايا وبذل مائة ألف فأعاده السلطان إلى الموصل وأعاد بهروز شحنة على بغداد وجعلت الحلة لنظره وسار السلطان إلى همذان في جمادى سنة ثلاث وعشرين ثم مرض السلطان فلحق دبيس بالعراق وحشد المسترشد لمدافعته وهرب بهروز من الحلة فدخلها دبيس في رمضان من سنة ثلاث وعشرين وبعث السلطان في اثره الاميرين اللذين ضمناه له وهما كزل والاحمد يلى فلما سمع دبيس بهما أرسل إلى المسترشد ستعطفه وتردد الرسل وهو يجمع الاموال والرجال(3/505)
حتى بلغ عسكره عشرة آلاف ووصل الاحمد يلى بغداد في شوال وسار في اثر دبيس ثم جاء السلطان إلى العراق فبعث إليه دبيس بالهدايا وبذل الاموال على الرضا فأبى ووصل إلى بغداد ودخل دبيس البرية وقصد البصرة فأخذ ما كان فيها للخليفة والسلطان وجاءت العساكر في اتباعه فدخل البرية انتهى * (وفاة السلطان محمود وملك ابنه داود ثم منازعته عمومه واستقلال مسعود) * ثم توفى السلطان محمود في شوال من سنة خمس وعشرين لثلاث عشرة سنة من ملكه واتفق وزيره أبو القاسم النشاباذى واتابكه اقسنقر الاحمد يلى على ولاية ابنه داود مكانه وخطب له في جميع بلاد الجبل واذربيجان ووقعت الفتنة بهمذان ونواحيها ثم سكنت فسار الوزير بأمواله إلى الرى ليأمن في ايالة السلطان سنجر ثم ان الملك داود سار في ذى القعدة من سنة خمس وعشرين من همذان إلى ربكان وبعث إلى المسترشد ببغداد في الخطبة وأتاه الخبر بأن عمه مسعودا سار من جرجان إلى تبريز وملكها
فسار إليه وحصره في تبريز إلى سلخ المحرم من سنة ست وعشرين ثم اصطلحا وأفرج داود عن تبريز وخرج السلطان مسعود منها واجتمعت عليه العساكر فانتقض وسار إلى همذان وأرسل إلى المسترشد في الخطبة فأجابهم جميعا بأن الخطبة للسلطان سنجر صاحب خراسان ويعين بعده من يراه وبعث إلى سنجر بأن الخطبة انما ينبغى أن تكون لك وحدك فوقع ذلك منه أحسن موقع وكاتب السلطان مسعود عماد الدين زنكى صاحب الموصل فأجابه وسار إليه وانتهى إلى المعشوق وبينماهم في ذلك إذ سار قراجا الساقى صاحب فارس وخورستان بالملك سلجوق شاه ابن السلطان محمد وكان اتابكه فدخل بغداد في عسكر كبير ونزل دار السلطان واستحلفه المسترشد لنفسه ووصل مسعود إلى عباسة فبرزوا للقائه وجاءهم خبر عماد الدين زنكى فعبر قراجا إلى الجانب الغربي للقائه وواقعه فهزمه وسار منهزما إلى تكريت وبها يومئذ نجم الدين أيوب أبو السلطان صلاح الدين فهيأ له الجسر للعبور وعبر فأمن وسار لوجهه وجاء السلطان مسعود من العباسة للقاء أخيه سلجوق ومن معه مدلا بمكان زنكى وعسكره من ورائهم وبلغه خبر انهزامهم فنكص على عقبه وراسل المسترشد بأن السلطان سنجر وصل إلى وطلب الاتفاق من المسترشد وأخيه سلجوق شاه وقراجا على قتال سنجر على أن يكون العراق للمسترشد يتصرف فيه نوابه والسلطنة لمسعود وسلجوق شاه ولى عهده فأجابوه إلى ذلك وجاء إلى بغداد في جمادى الاولى سنة ست وعشرين وتعاهدوا على ذلك * (واقعة مسعود مع سنجر وهزيمته وسلطنة طغرل) *(3/506)
لما توفى السلطان محمود وولى ابنه داود مكانه نكر ذلك عمه السلطان سنجر عليهم وسار إلى بلاد الجبل ومعه طغرل ابن أخيه السلطان محمد كان عنده منذ وصوله مع دبيس فوصل إلى الرى ثم إلى همذان وسار السلطان مسعود وأخوه سلجوق وقراجا الساقى
اتابك سلجوق للقائه وكان المسترشد قد عاهدهم على الخروج وألزموه ذلك ثم ان السلطان سنجر بعث إلى دبيس وأقطعه الحلة وأمره بالمسير إلى بغداد وبعث إلى عماد الدين زنكى بولاية شحنكية بغداد والسير إليها فبلغ المسترشد خبر مسيرهما فرجع لمدافعتهما وسار السلطان مسعود وأصحابه للقاء السلطان سنجر ونزل استر اباذ في مائة ألف من العسكر فخاموا عن لقائه ورجعوا أربع مراحل فاتبعهم سنجر وتراءى الجمعان عند الدينور ثامن رجب فاقتتلوا وعلى ميمنة مسعود قراجا الساقى وكزل وعلى ميسرته برتقش باردار ويوسف حاروس فحمل قراجا الساقى في عشرة آلاف على السلطان سنجر حتى تورط في مصافه فانعطفوا عليه من الجانبين وأخذ أسيرا بعد جراحات وانهزم مسعود وأصحابه وقتل بعضهم وفيهم يومئذ يوسف حاروس وأسر آخرون فيهم قراجا فأحضر عند السلطان سنجر فوبخه ثم أمر بقتله وجاء السلطان مسعود إليه فأكرمه وعاتبه على مخالفته وأعاده أميرا إلى كنجة وولى الملك طغرل ابن أخيه محمدا في السلطنة وجعل وزيره أبا القاسم النشاباذى وزير السلطان محمود وعاد إلى خراسان ووصل نيسابور في عشرى رمضان من سنته وأما الخليفة فرجع إلى بغداد كما قلناه لمدافعة دبيس وزنكى وبلغه الخبر بهزيمة السلطان مسعود فعبر إلى الجانب الغربي وسار إلى العباسة ولقيهما بحصن البرامكة آخر رجب وكان في ميمنته جمال الدولة اقبال وفى ميسرته مطر الخادم فانهزم اقبال لحملة زنكى وحمل الخليفة ومطر على دبيس فانهزم وتبعه زنكى فاستمرت الهزيمة عليهم وافترقوا ومضى دبيس إلى الحلة وكانت بيد اقبال وجاءه المدد من بغداد فلقى دبيس وهزمه ثم تخلص بعد الجهد وقصد واسط وأطاعه عسكرها إلى أن خلت سنة سبع وعشرين فجاءهم اقبال وبرتقش باردار وزحفوا في العساكر برا وبحرا فانهزمت أهل واسط ولما استقر طغرل بالسلطنة وعاد عمه سنجر إلى خراسان لخلاف أحمد خان صاحب ما وراء النهر عليه وكان داود ببلاد اذربيجان وكنجة فانتقض وجمع العساكر وسار إلى همذان
وبرز إليه طغرل وفى ميمنته ابن برسق وفى ميسرته كزل وفى مقدمته اقسنقر وسار إليه داود وفى ميمنته برتقش الزكوى والتقيا في رمضان سنة ست وعشرين فأمسك برتقش عن القتال واستراب التركمان منه فنهبوا خيمته واضطرب عسكر داود لذلك فهرب اتابكه اقسنقر الاحمد يلى واستمرت الهزيمة عليهم وأسر برتقش الزكوى ومضى داود(3/507)
ثم قدم بغداد ومعه اتابكه اقسنقر الاحمد يلى فأنزله الخليفة بدار السلطان وأكرمه ولما بلغ السلطان مسعودا هزيمة داود ووصوله إلى بغداد قدم إليها وخرج داود لتلقيه وترجل له عن فرسه ونزل مسعود بدار السلطنة في صفر سنة سبع وعشرين وخطب له على منابر بغداد ولداود بعده واتفقا مع المسترشد إلى اذربيجان وان يمدهما وسارا لذلك وملك مسعود سائر بلاد اذربيجان وحاصر جماعة من الامراء باردبيل ثم هزمهم وقتل منهم وسار إلى همذان وبرز أخو طغرل للقائه فانهزم واستولى مسعود على همذان وقتل اقسنقر قتله الباطنية يقال بدسيسة السلطان محمود ولما انهزم طغرل قصد الرى وبلغ قم ثم عاد إلى اصبهان ليمتنع بها وسار أخوه مسعود للحصار فارتاب طغرل بأهل أصبهان وسار إلى بلاد فارس فاتبعه مسعود واستأمن إليه بعض أمراء طغرل فارتاب بالباقين وانهزم إلى الرى في رمضان من سنته واتبعه مسعود فلحقه بالرى وقاتله فانهزم طغرل وأسر جماعة من أمرائه وعاد مسعود إلى همذان ظافرا وعند ما قصد طغرل الرى من فارس قتل في طريقه وزيره أبا القاسم النشاباذى في شوال من سنته لموجدة وجدها عليه * (مسير المسترشد لحصار الموصل) * لما انهزم عماد الدين زنكى امام المسترشد كما قلنا لحق بالموصل وشغل سلاطين السلجوقية في همذان بالخلف الواقع بينهم وجماعة من امراء السلجوقية إلى بغداد فرارا من الفتنة فقوى بهم المسترشد وبعث إلى عماد الدين زنكى بعض شيوخ الصوفية من حضرته فأغلظ له في الموعظة فأهانه زنكى وحبسه فاعتزم المسترشد على حصار الموصل
وبعث بذلك إلى السلطان مسعود وسار من بغداد منتصف شعبان سنة سبع وعشرين في ثلاثين ألف مقاتل ولما قارب الموصل فارقها زنكى نزل بها نائبه نصير الدين حقر ولحق بسنجر وأقام يقطع المدد والميرة عن عسكر المسترشد حتى ضاقت بهم الامور وحاصرها المسترشد ثلاثة أشهر فامتنعت عليه ورحل عائدا إلى بغداد فوصل يوم عرفة من سنته يقال ان مطرا الخادم جاء من عسكر السلطان مسعود لانه قاصد العراق فارتحل لذلك * (مصاف طغرل ومسعود وانهزام مسعود) ولما عاد مسعود إلى همذان بعد انهزام اخيه طغرل بلغه انتقاض داود ابن أخيه محمود باذربيجان فسار إليه وحصره ببعض قلاعها فخالفه طغرل إلى بلاد الجبل واجتمعت عليه العساكر ففتح كثيرا من البلاد وقصد مسعودا وانتهى إلى قزوين فسار مسعود للقائه وهرب من عسكره جماعة كان طغرل قد داخلهم واستمالهم فولى مسعود(3/508)
منهزما آخر رمضان سنة ثمان وعشرين واستأذن المسترشد في دخول بغداد وكان نائبه باصبهان البقش السلامى ومعه أخوه سلجوق شاه فلما بلغهم خبر الهزيمة لحقوا ببغداد ونزل سلجوق بدار السلطان وبعث إليه الخليفة بعشرة آلاف دينار ثم قدم مسعود بعدهم ولقى في طريقه شدة وأصحابه بين راجلين وركاب فبعث إليهم المسترشد بالمقام والخيام والاموال والثياب والآلات وقرب إليهم المنازل ونزل مسعود بدار السلطنة ببغداد منتصف شوال سنة ثمان وأقام طغرل بهمذان * (وفاة طغرل واستيلاء السلطان مسعود) * ولما وصل مسعود إلى بغداد أكرمه المسترشد ووعده بالمسير معه لقتال أخيه طغرل وازاح علل عسكره واستحثه لذلك وكان جماعة من أمراء السلجوقية قد ضجروا من الفتنة ولحقوا بالمسترشد فساروا معه ودس إليهم طغرل بالمواعيد فارتاب
المسترشد ببعضهم واطلع على كتاب طغرل إليه وقبض عليه ونهب ماله فلحق الباقون بالسلطان وبعث فيهم المسترشد فمنعهم السلطان فحدثت بينهم الوحشة لذلك وبعث السلطان إلى الخليفة يلزمه المسير معه وبينا هما على ذلك إذ جاءه الخبر بوفاة طغرل في المحرم من سنة تسع وعشرين فسار السلطان مسعود إلى همذان وأقبلت إليه العساكر فاستولى عليها وأطاعه أهل البلاد واستوزر شرف الدين أنو شروان خالدا وكان قد سار معه بأهله * (فتنة السلطان مسعود مع المسترشد) * لما استولى السلطان مسعود على همذان استوحش منه جماعة من أعيان الامراء منهم برتقش وكزل وسنقر والى همذان وعبد الرحمن بن طغرلبك ففارقوه ودبيس بن صدقة معهم واستأمنوا إلى الخليفة ولحقوا بخورستان وتعاهدوا مع برسق على طاعة المسترشد وحذر المسترشد من دبيس وبعث شديد الدولة بن الانباري بالامان للامراء دون دبيس ورجع دبيس إلى السلطان مسعود وسار الامراء إلى بغداد فأكرمهم المسترشد واشتدت وحشة السلطان مسعود لذلك ومنافرته للمسترشد فاعتزم المسترشد على قتاله وبرز من بغداد في عشرى رجب وأقام بالشفيع وعصى عليه صاحب البصرة فلم يجبه وأمراء السلجوقية الذين بقوا معه يحرضونه على المسير فبعث مقدمته إلى حلوان ثم سار من شعبان واستخلف على العراق اقبالا خادمه في ثلاثة آلاف فارس ولحقه برسق بن برسق فبلغ عسكره سبعة آلاف فارس وكان أصحاب الاعراب يكاتبون المسترشد بالطاعة فاستصلحهم مسعود ولحقوا به وبلغ عسكره خمسة عشر(3/509)
ألفا وتسلل إليه كثير من عسكر المسترشد حتى بقى في خمسة آلاف وبعث إليه داود ابن السلطان محمود من اذربيجان بأن يقصد الدينور ليلقاه بها بعسكره فجفل للقاء السلطان مسعود وسار وفى ميمنته برتقش باردار وكور الدولة سنقر وكزل وبرسق
ابن برسق وفى ميسرته جاولى برسقى وسراب سلار واعلبك الذى كان قبض عليه من امراء السلجوقية بموافقتهم السلطان عاشر رمضان سنة تسع وعشرين وانحازت ميسرة المسترشد إليه وانطبقت عساكر عليه وانهزم أصحاب المسترشد وأخذ هو أسيرا بموكبه وفيهم الوزير شرف الدين على بن طراد الزينبي وقاضي القضاة والخطباء والفقهاء والشهود وغيرهم وأنزل المسترشد في خيمة وحبس الباقون بقلعة سرحاب وعاد السلطان إلى همذان وبعث الامير بك آى المحمدى إلى بغداد شحنة فوصل سلخ رمضان ومعه عميد فقبضوا أملاك الخليفة وأخذوا غلاته وضبح الناس ببغداد وبكوا على خليفتهم وأعول النساء ثم عمد العامة إلى المنبر فكسروه ومنعوا من الخطبة وتعاقبوا في الاسواق يحثون التراب على رؤسهم وقاتلوا أصحاب الشحنة فأثخن فيهم بالقتل وهرب الوالى والحاجب وعظمت الفتنة ثم بلغ السلطان في شوال أن داود ابن أخيه محمود عصى عليه بالمراغة فسار لقتاله والمسترشد معه وتردد الرسل بينهما في الصلح * (مقتل المسترشد وخلافة الراشد) * قد ذكرنا مسير المسترشد مع السلطان مسعود إلى مراغة وهو في خمية موكل به وترددت الرسل بينهما وتقرر الصلح على أن يحمل مالا للسلطان ولا يجمع العساكر لحرب ولا فتنة ولا يخرج من داره فانعقد على ذلك بينهما وركب المسترشد وحملت الغاشية بين يديه وهو على العود إلى بغداد فوصل الخبر بموافاة رسول من السلطان سنجر فتأخر مسيره لذلك وركب السلطان مسعود للقاء الرسول وكانت خيمة المسترشد منفردة عن العسكر فدخل عليه عشرون رجلا أو يزيدون من الباطنية فقتلوه وجدعوه وصلوه وذلك سابع عشر ذى القعدة من سنة تسع وعشرين لسبع عشرة ونصف من خلافته وقتل الرجال الذين قتلوه وبويع ابنه أبو جعفر بعهد أبيه إليه بذلك فجددت له البيعة ببغداد في ملا من الناس وكان اقبال خادم المشترشد في بغداد فلما وقعت هذه الحادثة
عبر إلى الجانب الغربي وأصعد إلى تكريت ونزل على مجاهد الدين بهروز ثم بعد مقتل المسترشد بأيام قتل دبيس بن صدقة على باب سرادقه بظاهر مدينة خوى أمر السلطان مسعود غلاما ارمنيا بقتله فوقف على رأسه فضربه وأسقط رأسه واجتمع إلى أبيه صدقة بالحلة عساكره ومماليكه واستأمن إليه قطلغ تكين وأمر السلطان مسعود بك(3/510)
آى شحنة بغداد فأخذ الحلة من يد صدقة فبعث بعض عسكره إلى المدائن وخام عن لقانه حتى قدم السلطان إلى بغداد سنة احدى وثلاثين فقصده وصالحه ولزم بابه * (الفتنة بين الراشد والسلطان مسعود ولحاقه بالموصل وخلعه) * وبعد بيعة الراشد واستقراره في الخلافة وصل برتقش الزكوى من عند السلطان محمود يطلب من الراشد ما استقر على أبيه من المال أيام كونه عندهم وهو أربعمائة ألف دينار فأجابه بأنه لم يخلف شيأ وان ماله كان معه فنهب ثم نمى إلى الراشد أن برتقش تهجم على دار الخلافة وفتش المال فجمع الراشد العساكر وأصلح السور ثم ركب برتقش ومعه الامراء البلخية وجاؤا لهجم الدار وقاتلهم عسكر الخليفة والعامة فساروا إلى طريق خراسان وانحدر بك آى إلى خراسان وسار برتقش إلى البند هجين ونهبت العامة دار السلطان واشتدت الوحشة بين السلطان والراشد وانحرف الناس عن طاعة السلطان إلى الخليفة وسار داود ابن السلطان في عسكر اذربيجان إلى بغداد ونزل بدار السلطان في صفر من سنة ثلاثين ووصل عماد الدين زنكى من من الموصل ووصل برتقش باردار صاحب قزوين والبقش الكبير صاحب اصبهان وصدقة بن دبيس صاحب الحلة وابن برسق وابن الاحمد يلى وجفل الملك داود برتقش باردار شحنة ببغداد وقبض الراشد على ناصح الدولة أبى عبد الله الحسن بن جهير استادار وعلى جمال الدين اقبال وكان قدم إليه من تكريت فتنكر له أصحابه وخانوه وشفع زنكى في اقبال الخادم فأطلقه وصار عنده وخرج الوزير جلال الدين أبو الرضا
ابن صدقة لتلقى زنكى فأقام عنده ثم شفع فيه وأعاده إلى وزارته ولحق قاضى القضاة الزينبي بزنكى أيضا وسار معه إلى الموصل ووصل سلجوق شاه إلى واسط وقبض بها بك آى ونهب ماله فانحدر زنكى إليه وصالحه ورجع إلى بغداد ثم سار السلطان داود نحو طريق خراسان ومعه زنكى لقتال السلطان مسعود وبرز الراشد أول رمضان وسار إلى طريق خراسان ورجع بعد ثلاث وأرسل إلى داود والامراء بالعود وقتال مسعود من وراء السور وراسلهم مسعود بالطاعة والموافقة فأبوا وتبعهم الخليفة في ذلك وجاء مسعود فنزل على بغداد وحصرهم فيها وثار العيارون وكثر الهرج وأقاموا كذلك نيفا وخمسين وامتنعوا وأقلع السلطان عنهم ثم وصله طرنطانى صاحب واسط بالسفن فعاد وعبر إلى الجانب الغربي فاضطرب الراشد وأصحابه وعاد داود إلى بلاده وكان زنكى بالجانب الغربي فعبر إليه الراشد وسار معه إلى الموصل ودخل السلطان مسعود بغداد منتصف ذى القعدة سنة ثلاثين وأمن الناس واستدعى القضاة والفقهاء والشهود وعرض عليهم يمين الراشد بخطه انى متى جندت جندا وخرجت ولقيت(3/511)
أحدا من أصحاب السلطان بالسيف فقد خلعت نفسي من الامر فافتوا بخلعه ووافقهم على ذلك أصحاب المناصب والولايات واتفقوا على ذمه فتقدم السلطان لخلعه وقطعت خطبته ببغداد وسائر البلاد في ذى القعدة من سنة ثلاثين لسنة من خلافته * (خلافة المقتفى) * ولما قطعت خطبة الراشد استشار السلطان مسعود أعيان بغداد فيمن يوليه فأشاروا بمحمد بن المستظهر فقدم إليهم بعمل محضر في خلع الراشد وذكروا ما ارتكبه من أخذ الاموال ومن الافعال القادحة في الامامة وختموا آخر المحضر بان من هذه صفته لا يصلح أن يكون اماما وحضر القاضى أبو طاهر بن الكرخي فشهدوا عنده بذلك
وحكم بخلعه ونفذه القضاة الآخرون وكان قاضى القضاة غائبا عند زنكى بالموصل وحضر السلطان دار الخلافة ومعه الوزير شرف الدين الزينبي وصاحب المخزن ابن العسقلاني وأحضر أبو عبد الله بن المستظهر فدخل إليه السلطان والوزير واستخلفاه ثم أدخلوا الامراء وأرباب المناصب والقضاة والفقهاء فبايعوه ثامن عشر ذى الحجة ولقبوه المقتفى واستوزر شرف الدين على بن طراد الزينبي وبعث كتاب الحكم بخلع الراشد إلى الآفاق وأحضر قاضى القضاة أبا القاسم على بن الحسين فأعاده إلى منصبه وكمال الدين حمزة بن طلحة صاحب المخزن كذلك * (فتنة السلطان مسعود مع داود واجتماع داود للراشد للحرب ومقتل الراشد) * ولما بويع للمقتفى والسلطان مسعود ببغداد بعث عساكره يطلب الملك داود فلقيه عند مراغة فانهزم داود وملك قرا سنقر اذربيجان ثم قصد داود خورستان واجتمع عليه من عساكر التركمان وغيرهم نحو عشرة آلاف مقاتل وحاصر تستر وكان السلطان سلجوق شاه بواسط بعث إلى أخيه مسعود يستنجده فأنجده بالعساكر وسار إلى تستر فقاتله داود وهزمه وكان السلطان مسعود مقيما ببغداد مخافة أن يقصد الراشد العراق من الموصل وكان قد بعث لزنكى فخطب للمقتفى في رجب سنة احدى وثلاثين وسار الراشد من الموصل فلما بلغ خبر مسيره إلى السلطان مسعود أذن للعسكر في العود إلى بلادهم وانصرف صدقة بن دبيس صاحب الحلة بعد ان زوجه ابنته ثم قدم على السلطان مسعود جماعة الامراء الذين كانوا مع الملك داود مثل البقش السلامى وبرسق بن برسق صاحب تستر وسنقر خمار تكين شحنة همذان فرضى عنهم وولى البقش شحنة ببغداد فظلم الناس وعسفهم ولما فارق الراشد زنكى من الموصل سار إلى اذربيجان وانتهى(3/512)
إلى مراغة وكن بوزابة وعبد الرحمن طغرلبك صاحب خلخال والملك داود ابن السلطان محمود خائفين من السلطان مسعود فاجتمعوا إلى منكبرس صاحب فارس
وتعاهدوا على بيعة داود وان يردوا الراشد إلى الخلافة فأجابهم الراشد إلى ذلك وبلغ الخبر إلى السلطان فسار من بغداد في شعبان سنة ثنتين وثلاثين وبلغهم قبل وصوله وصول الراشد إليهم فقانلهم بخورستان فانهزموا وأسر منكبرس صاحب فارس فقتله السلطان مسعود صبرا وافترقت عساكره للنهب وفى طلب المنهزمين ورآه بوزابة وعبد الرحمن طغرلبك في فل من الجنود فحملوا عليه وقتل بوزابة جماعة من الامراء منهم صدقة بن دبيس وابن قرا سنقر الاتابك صاحب اذربيجان وعنتر بن أبى العسكر وغيرهم كان قبض عليهم لاول الهزيمة وأمسكهم عنده فلما بلغه قتل منكبرس قتلهم جميعا وانصرف العسكران منهزمين وقصد مسعود أذربيجان وداود همذان وجاء إليه الراشد بعد الوقعة وأشار بوزابة وكان كبير القوم بمسيرهم فسار بهم إلى فارس فملكها وأضافها إلى خورستان وسار سلجوق شاه ابن السلطان مسعود ليملكها فدافعه عنها البقش الشحنة ومطر الخادم أمير الحاج وثار العيارون أيام تلك الحرب وعظم الهرج ببغداد ورحل الناس عنها إلى البلاد فلما انصرف سلجوق شاه واستقر البقش الشحنة فتك فيهم بالقتل والصلب ولما قتل صدقة بن دبيس ولى السلطان على الحلة محمدا أخاه وجعل معه مهلهلا أخا عنتر بن أبى العسكر يدبره ولما وصل الراشد والملك داود إلى خورستان مع الامراء على ما ذكرنا وملكوا فارس ساروا إلى العراق ومعهم خوارزم شاه فلما قاربوا الجزيرة خرج السلطان مسعود لمدافعتهم فافترقوا ومضى الملك داود إلى فارس وخوارزم شاه إلى بلاده وبقى الراشد وحده فسار إلى اصبهان فوثب عليه في طريقه نفر من الخراسانية الذين كانوا في خدمته فقتلوه في القيلولة خامس عشر رمضان سنة ثنتين وثلاثين ودفن بشهرستان ظاهر اصبهان وعظم أمر هذه الفتنة واختلفت الاحوال والمواسم وانقطعت كسوة الكعبة في هذه السنة من دار الخلافة من قبل السلاطين حتى قام بكسوتها تاجر فارسي من المترددين إلى الهند أنفق فيها ثمانية عشر ألف دينار مصرية
وكثر الهرج من العيارين حتى ركب زعماؤهم الخيول وجمعوا الجموع وتستر الوالى ببغداد بلباس ابن أخيه سراويل الفتوة عن زعيمهم ليدخل في جملتهم وحتى هم زعيمهم بنقش اسمه في سكة بانبار فحاول الشحنة والوزير على قتله فقتل ونسب أمر العيارين إلى البقش الشحنة لما أحدث من الظلم والعسف فقبض عليه السلطان مسعود وحبسه بتكريت عند مجاهد الدين بهروز ثم أمر بقتله فقتل ثم قدم السلطان مسعود في ربيع(3/513)
سنة ثلاث وثلاثين في الشتاء وكان يشتى بالعراق ويصيف بالجبال فلما قدم أزال المكوس وكتب بذلك في الالواح فنصبت في الاسواق وعلى أبواب الجامع ورفع عن العامة نزول الجند عليهم فكثر الدعاء له والثناء عليه * (وزارة الخليفة) * وفى سنة أربع وثلاثين وقع بين المقتفى ووزيره على بن طراد الزينبي وحشة بما كان يعترض على المقتفى في أمره فخاف واستجار بالسلطان مسعود فأجاره وشفع إلى المقتفى في اعادته فامتنع وأسقط اسمه من الكتب واستناب المقتفى ابن عمه قاضى القضاة والزينبى ثم عزله واستناب شديد الدولة الانباري ثم وصل السلطان إلى بغداد سنة ست وثلاثين فوجد الوزير شرف الدين الزينبي في داره فبعث وزيره إلى المقتفى شفيعا في اطلاق سبيله إلى بيته فأذن له انتهى * (الشحنة ببغداد) * وفى سنة ست وثلاثين عزل مجاهد الدين بهروز شحنة بغداد وولى كزل أميرا آخر من مماليك السلطان محمود فكان على البصرة فأضيف إليه شحنكية بغداد ولما وصل السلطان مسعود إلى بغداد ورأى تبسط العيارين وفسادهم أعاد بهروز شحنة ولم ينتفع الناس بذلك لان العيارين كانوا يتمسكون بالجاه من أهل الدول فلا يقدر بهروز على منعهم وكان ابن الوزير وابن قاروت صهر السلطان يقاسمانهم فيما يأخذون
من النهب واتفق سنة ثمان وثمانين أن السلطان أرسل نائب الشحنكية ووبخه على فساد العيارين فأخبره بشأن صهره وابن وزيره فأقسم ليصلبنه ان لم يصلبهما فأخذ خاتمه على ذلك وقبض على صهره ابن قاروت فصلبه وهرب ابن الوزير وقبض على أكثر العيارين وافترقوا وكفى الناس شرهم * (انتقاض الاعياص واستبداد الامراء على الامير مسعود وقتله اياهم) * وفى سنة أربعين سار بوزابة صاحب فارس وخورستان وعساكره إلى قاشان ومعه الملك محمد ابن السلطان محمود واتصل بهم الملك سليمان شاه ابن السلطان محمد ولقى بوزابة الامير عباس صاحب الرى وتآمرا في الانتقاض على السلطان مسعود وملكا كثيرا من بلاده فسار السلطان مسعود عن بغداد ونزل بها الامير مهلهل والخادم مطر وجماعة من غلمان بهروز وسار معه الامير عبد الرحمن طغرلبك وكان حاجبه ومتحكما في دولته وكان هواه مع ذينك المكين فسار السلطان وعبد الرحمن حتى تقارب(3/514)
العسكران فلقى سليمان شاه أخاه مسعودا فحنق عليه وجرى عبد الرحمن في الصلح بين الفريقين وأضيفت وظيفة أذربيجان وأرمينية إلى ما بيده وسار أبو الفتح ابن هرار شب وزير السلطان مسعود ومعه وزير بوزابة فاستبدوا على السلطان وحجروه عن التصرف فيما يريده وكان بك ارسلان بن بلنكرى المعروف بخاص بك خالصة للسلطان بما كان من تربيته فداخلوه واستولوا به على هوى السلطان بكل معنى وكان صاحب خلخال وبعض أذربيجان فلما عظم تحكمه أسر السلطان إلى خاص بك بقتل عبد الرحمن فدس ذلك إلى جماعة من الامراء وقتلوه في موكبه ضربه بعضهم بمقرعة حديد فسقط إلى الارض ميتا وبلغ إلى السلطان مسعود ببغداد ومعه عباس صاحب الرى في عسكر أكثر من عسكره فامتعض لذلك فتلطف له السلطان واستدعاه إلى داره فلما انفرد عن غلمانه أمر به فقتل وكان عباس من غلمان السلطان محمود وولى
الرى وجاهد الباطنية وحسنت آثاره فيهم وكان مقتله في ذى القعدة سنة احدى وأربعين ثم حبس السلطان مسعود أخاه سليمان شاه بقلعة تكريت وبلغ مقتل عباس إلى بوزابة فجمع عساكره من فارس وخورستان وسار إلى اصبهان فحاصرها ثم سار إلى السلطان مسعود والتقيا بمرج قرا تكين فتل بوزابة قيل بسهم أصابه وقيل أخذ أسيرا وقتل صبرا وانهزمت عساكره إلى همذان وخراسان * (انتقاض الامراء ثانية على السلطان) * ولما قتل السلطان من قتل من أمرائه استخلص الامير خاص بك وأنفذ كلمته في الدولة ورفع منزلته فحسده كثير من الامراء وخافوا غائلته وساروا نحو العراق وهم ايلدكر المسعودي صاحب كنجة وارانيه وقيصر والبقش كون صاحب أعمال الجبل وقتل الحاجب وطرنطاى المحمودى شحنة واسط وابن طغابرك ولما بلغوا حلوان خاف الناس بأعمال العراق وعنى المقتفى باصلاح السور وبعث إليهم بالنهي عن القدوم فلم بنتهوا ووصلوا في ربيع الآخر سنة ثلاث وأربعين والملك محمد ابن السلطان محمود معهم ونزلوا بالجانب الشرقي وفارق مسعود جلال الشحنة ببغداد إلى تكريت ووصل إليهم على ابن دبيس صاحب الحلة ونزل بالجانب الغربي وجند المقتفى أجنادا وقتلوهم مع العامة فكانوا يستطردون للعامة والجند حتى يبعدوا ثم يكرون عليهم فيثخنوا فيهم ثم كثر عيثهم ونهبهم ثم اجتمعوا مقابل التاج وقبلوا الارض واعتذروا وترددت الرسل ورحلوا إلى النهروان وعاد مسعود جلال الشحنة من تكريت إلى بغداد وافترق هؤلاء الامراء وفارقوا العراق والسلطان مع ذلك مقيم ببلد الجبل وأرسل عمه سنجر إلى الرى سنة أربع وأربعين فبادر إليه مسعود وترضاه فأتبه وقبل عذره ثم جاءت(3/515)
سنة أربع وأربعين جماعة أخرى من الامراء وهم البقش كون والطرنطاى وابن دبيس وملك شاه ابن السلطان محمود فراسلوا المقتفى في الخطبة لملك شاه فلم يجبهم وجمع
العساكر وحصن بغداد وكاتب السلطان مسعودا بالوصول إلى بغداد فشغله عمه سنجر إلى الرى ولما علم البقش مراسلة المقتفى إلى مسعود نهب النهروان وقبض على على بن دبيس وهرب الطرنطاى إلى النعمانية ووصل السلطان مسعود إلى بغداد منتصف شوال ورحل البقش كون من النهروان وأطلق ابن دبيس * (وزارة المقتفى) * وفى سنة أربع وأربعين استوزر المقتفى يحيى بن هبيرة وكان صاحب ديوان الزمام وظهرت منه كفاية في حصار بغداد فاستوزره المقتفى * (وفاة السلطان مسعود وملك ملك شاه ابن أخيه محمود) * ثم توفى السلطان مسعود أول رجب سنة سبع واربعين وخمسمائة لاحدى وعشرين سنة من بيعته وعشرين من عوده بعد منازعة اخوته وكان خاص بك بن سلمكرى متغلبا على دولته فبايع لملك شاه ابن أخيه السلطان محمود وخطب له بالسلطنة في همذان وكان هذا السلطان مسعود آخر ملوك السلجوقية عن بغداد وبعث السلطان ملك شاه الامير شكار كرد في عسكر إلى الحلة فدخلها وسار إليه مسعود جلال الشحنة وأظهر له الاتفاق ثم قبض عليه وغرقه واستبد بالحلة وأظهر المقتفى إليه العساكر مع الوزير عون الدولة والدين بن هبيرة فعبر الشحنة إليهم الفرات وقاتلهم فانهزموا وثار أهل الحلة بدعوة المقتفى ومنعوا الشحنة من الدخول فعاد إلى تكريت ودخل ابن هبيرة الحلة وبعث العساكر إلى الكوفة وواسط فملكوها وجاءت عساكر السلطان إلى واسط فغلبوا عليها عسكر المقتفى فتجهز بنفسه وانتزعها من ايديهم وسار منها إلى الحلة ثم عاد إلى بغداد في عشر ذى القعدة ثم ان خاص بك المتغلب على السلطان ملك شاه استوحش وتنكر وأراد الاستبداد فبعث عن الملك محمد ابن السلطان محمد بخورستان سنة ثمان وأربعين فبايعه أول صفر وأهدى إليه وهو مضمر الفتك فسبقه السلطان محمد لذلك وقتله ثانى يوم البيعة ايدغدى التركماني المعروف بشملة من
أصحاب خاص بك ونهاه عن الدخوله إلى السلطان محمد فلم يقبل فلما قتل خاص بك نهب شملة عسكره ولحق بخورستان وكان خاص بك صبيا من التركمان اتصل بالسلطان مسعود واستخلصه وقدمه على سائر الامراء * (حروب المقتفى مع أهل الخلاف وحصار البلاد) *(3/516)
ثم بعث المقتفى عساكره لحصار تكريت مع ابن الوزير عون الدين والامير ترشك من خواصه وغيرهما ووقع بينه وبين ابن الوزير منافرة خشى لها ترشك على نفسه فصالح الشحنة صاحب تكريت وقبض على ابن الوزير والامراء رحبسهم صاحب تكريت وغرق كثير منهم وسار ترشك والشحنة إلى طريق خراسان فعاثوا فيها وخرج المقتفى في اتباعهم فهربا بين يديه ووصل تكريت وحاصرها أياما ثم رجع إلى بغداد وبعث سنة تسع وأربعين بتكريت في ابن الوزير وغيره من المأمورين فقبض على الرسول فبعث إليهم عسكرا فامتنعوا عليه فسار المقتفى بنفسه في صفر من سنته وملك تكريت وامتنعت عليه القلعة فحاصرها ورجع في ربيع ثم بعث الوزير عون الدين في العساكر لحصارها واستكثر من الآلات وضيق عليها ثم بلغه الخبر بأن شحنة مسعود وترشك وصلا في العساكر ومعهم الامير البقش كون وانهما استحثا الملك محمدا لقصد العراق فلم بتهيأ له فبعث هذا العسكر معهم وانضاف إليهم خلق كثير من التركمان فسار المقتفى للقائهم وبعث الشحنة مسعود عن ارسلان ابن السلطان طغرل بن محمد وكان محبوسا بتكريت فأحضره عنده ليقاتل به المقتفى والتقوا عند عقر بابل فتنازلوا ثمانية عشر يوما ثم تناجزوا آخر رجب فانهزمت ميمنة المقتفى إلى بغداد ونهبت خزائنه وثبت هو واشتد القتال وانهزمت عساكر العجم وظفر المقتفى بهم وغنم أموال التركمان وسبى نساءهم وأولادهم ولحق البقش كون ببلد المحلو وقلعة المهاكين وارسلان بن طغرل ورجع المقتفى إلى بغداد أول شعبان وقصد مسعود الشحنة وترشك بلد واسط
للعيث فيها فبعث المقتفى الوزير ابن هبيرة في العساكر فهزمهم ثم عاد فلقيه المقتفى سلطان العراق وارسلان بن طغرل وبعث إليه السلطان محمد في احضاره عنده ومات البقش في رمضان من سنته وبقى ارسلان مع ابن البقش وحسن الخازندار فحملاه إلى الجبل ثم سارا به إلى الركن زوج أمه وهو أبو البهلوان وارسلان وطغرل الذى قتله خوارزم شاه وكان آخر السلجوقية ثلاثتهم اخوة لام ثم سار المقتفى سنة خمسين إلى دقوقا فحاصرها أياما ثم رجع عنها لانه بلغه ان عسكر الموصل تجهز لمدافعته عنها فرحل * (استيلاء شملة على خورستان) * قد ذكرنا من قبل شأن شملة وأنه من التركمان واسمه ايدغدى وانه كان من أصحاب خاص بك التركماني وهرب يوم قتل السلطان محمد صاحبه خاص بك بعد أن حذره منه فلم يقبل ونجا من الواقعة فجمع جموعا وسلر يريد خورستان وصاحبها يومئذ ملك شاه ابن السلطان محمود بن محمد وبعث المقتفى عساكره لذلك فلقيهم شملة في رجب وهزمهم وأسر وجوههم ثم أطلقهم وبعث إلى الخليفة يعتذر فقبل عذره وسار إلى خورستان(3/517)
فملكها من يد ملك شاه ابن السلطان محمود * (اشارة إلى بعض أخبار السلطان سنجر بخورستان ومبدا دولة بنى خوارزم شاه) * كان السلطان سنجر من ولد السلطان ملك شاه لصلبه ولما استولى بركيارق بن ملك شاه على خورستان سنة تسعين وأربعمائة من يد عمه ارسلان أرعون كما نذكر في أخبارهم عند تفردها مستوفى ولى عليها أخاه سنجر وولى على خوارزم محمد بن انوش تكين من قبل الامير داود حبشي بن اليوساق ثم لما ظهر السلطان محمد ونازع بركيارق وتعاقبا في الملك وكان سنجر شقيقا لمحمد فولاه على خراسان ولم يزل عليها ولما اختلف أولاد محمد من بعده كان عقيد أمرهم وصاحب شوراهم إذا خلف له ببغداد مقدما اسمه على اسم سلطان العراق منهم سنة ثم خرجت أمم الخطا من الترك من مفازة الصيز
وملكوا ما وراء النهر من يد الجابية ملوك تركستان سنة ست وثلاثين كما نذكر في أخبارهم وسار سنجر لمدافعتهم فهزموه فوهن لذلك فاستبد عليه خوارزم شاه بعض الشئ وكان الخلفاء لما ملكوا بلاد تركستان أزعجوا لغز عنها إلى خراسان وهم بقية السلجوقية هناك وأجاز السلجوقية لاول دولتهم إلى خراسان فملكوها وبقى هؤلاء الغز بنواحي تركستان فأجازوا امام الخطا إلى خراسان وأقاموا السلطان بها حتى عتوا وغوا ثم كثر عيثهم وفسادهم وسار إليهم السلطان سنجر سنة ثمان وأربعين فهزموه واستولوا عليه وأسروه وملكوا بلاد خراسان وافترق أمراؤه على النواحى ثم ملكوه وهو أسير في أيديهم ذريعة لنهب البلاد واستولوا به على كثير منها وهرب من أيديهم سنة احدى وخمسين ولم يقدر على مدافعتهم ثم توفى سنة ثنتين وخمسين وافترقت بلاد خراسان على أمرائه كما يذكر في أخبارهم ثم تغلب بنو خوارزم شاه عليها كلها وعلى اصبهان والرى من ورائها وعلى أعمال غزنة من يد بنى سبكتكين وشاركهم فيها النور بعض الشيعة وقام بنو خوارزم شاه مقام السلجوقية إلى أن انقرضت دولتهم على يد جنكرخان ملك التتر من أمم الترك في أوائل المائة السابعة كما يذكر ذلك كله في أخبار كل منهم عند ما نفردها بالذكر ان شاء الله تعالى * { الخطبة ببغداد لسليمان شاه ابن السلطان محمد وحروبه مع السلطان محمد بن محمود } * كان سليمان بن محمد عند عمه سنجر بخراسان منذ أعوام وقد جعله ولى عهده وخطب له بخراسان فلما غلب الغز على سنجر وأسروه تقدم سليمان شاه على العساكر ثم غلبتهم الغز فلحق بخوارزم شاه فصاهره أولا بابنة اخيه ثم تنكر فسار إلى اصبهان فمنعه شحنتها من(3/518)
الدخول فسار إلى قاشان فبعث إليه السلطان محمد شاه بن محمود فقصد اللحف ونزل على السيد محسن وبعث إلى المقتفى ليستأذنه في القدوم وبعث زوجته وولده رهنا على
الطاعة والمناصحة فأذن له وقدم في خف من العساكر ثلثمائة أو نحوها وأخرج الوزير عون الدين بن هبيرة ولده لتلقيه ومعه قاضى القضاة والنقباء ودخل وعلى رأسه الشمسية وخلع عليه ولما كان المحرم من سنة احدى وخمسين حضر عند المقتفى بمحضر قاضى القضاة وأعيان العباسيين واستحلفه على الطاعة وأن لا يتعرض للعراق ثم خطب له ببغداد وبلقب أبيه السلطان محمد وبعث عسكرا نحو ثلاثة آلاف واستقدم داود صاحب الحلة فجعل له أمر الحجابة وسار نحو الجبل في ربيع وسار المقتفى إلى حلوان وسار إلى ملك شاه بن محمود أخى سليمان صاحب خورستان فاستحلفه لسليمان شاه وجعله ولى عهده وأمدهما بالمال والاسلحة وساروا إلى همذان واصبهان وجاءهم المذكر صاحب بلاد أران فكثر جمعهم وبلغ خبرهم السلطان محمد بن محمود فبعث إلى قطب الدين مودود بن زنكى صاحب الموصل ونائبه زين الدين ليستنجدهما فأجاباه وسار للقاء سليمان شاه وأصحابه فالتقوا في جمادى وانهزم سليمان شاه وافترقت عساكره وسار المذكر إلى بلاده وسار سليمان شاه إلى بغداد وسلك على شهرزور فاعترضه زين الدين على كوجك نائب قطب الدين بالموصل وكان مقطع شهرزور الامير بران من جهة زين الدين فاعترضاه وأخذاه أسيرا وحمل زين الدين إلى الموصل فحبسه بقلعتها وبعث إلى السلطان محمد بالخبر * (حصار السلطان محمد بغداد) * كان السلطان محمد قد بعث إلى المقتفى في الخطبة له ببغداد فامتنع من اجابته ثم بايع لعمه سليمان وخطب له وكان ما قدمناه من أمره معه ثم سار السلطان محمد من همذان في العساكر نحو العراق فقدم في ذى الحجة سنة احدى وخمسين وجاءته عساكر الموصل مددا من قبل قطب الدين ونائبه زين الدين واضطربت الناس ببغداد وأرسل المقتفى عن فضلوا بواش صاحب واسط فجاء في عسكره وملك مهلهل الحلة فاهتم ابن هبيرة بأمر الحصار وجمع السفن تحت الناحى وقطع الجسر وأجفل الناس من الجانب
الغربي ونقلت الاموال إلى حريم دار الخلافة وفرق المقتفى السلاح في الجند والعامة ومكثوا أياما يقتتلون ومد السلطان جسرا على دجلة فعبر على الجانب الشرقي حتى كان القتال في الجانبين ونفدت الاقوات في العسكر واشتد القتال والحصار على أهل بغداد لانقطاع الميرة والظهر من عسكر الموصل لان نور الدين محمود بن زنكى وهو أخو قطب الدين الاكبر بعث إلى زين الدين يلومه على قتال الخليفة ثم بلغ(3/519)
السلطان محمدا ان أخاه ملك شاه والمذكر صاحب بلاد أران وارسلان ابن الملك طغرل بن محمد ساروا إلى همذان وملكوها فارتحل عن بغداد في آخر ربيع سنة ثنتين وخمسين وسار إلى همذان وعاد زين الدين كوچك إلى الموصل ولما قصد السلطان محمد همذان صار ملك شاه والمذكر ومن معهما إلى الرى فقاتلهم شحنتها آبنايخ وهزموه وأمده السلطان محمد بالامير سقمان بن قيمار فسار لذلك ولقيهما منصرفين عن الرى قاصدين بغداد فقاتلهما وانهزم أمامهما فسار السلطان في اثرهما إلى خورستان فلما انتهى إلى حلوان جاءه الخبر بأن المذكر بالدينور وبعث إليه آبنايخ بأنه استولى على همذان وأعاد خطبته فيها فافترقت جموع ملك شاه والمذكر وفارقهم شملة صاحب خورستان فعادوا هاربين إلى بلادهم وعاد السلطان محمد إلى همذان * (حروب المقتفى مع أهل النواحى) * كان سنقر الهمذانى صاحب اللحف وكان في هذه الفتنة قد نهب سواد بغداد وطريق خراسان فسار المقتفى لحربه في جمادى سنة ثلاث وخمسين وضمن له الامير خلطوا براس اصلاحه فسار إليه خاله على أن يشرك المقتفى معه في بلد اللحف الامير ازغش المسترشدى فأقطعها لهما جميعا ورجع ثم عاد سنقر على ازغش وأخرجه وانفرد ببلده وخطب للسلطان محمد فسار إليه خلطوا براس من بغداد في العساكر وهزمه وملك اللحف وسار سنقر إلى قلعة الماهكى للامير قايماز العميدي ونزلها في أربعمائة ألف
فارس ثم سار إليه سنقر سنة أربع وخمسين فهزمه ورجع إلى بغداد فخرج المقتفى إلى النعمانية وبعث العساكر مع ترشك فهرب سنقر في الجبال ونهب ترشك مخلفه وحاصر قلعة الماهكى ثم عاد إلى البندنجين وبعث بالخبر إلى بغداد ولحق سنقر بملك شاه فأمده بخمسمائة فارس وبعث ترشك إلى المقتفى في المدد فأمده وبعث إليه سنقر في الاصلاح فحبس رسوله وسار إليه فهزمه واستباح عسكره ونجا سنقر جريحا إلى بلاد العجم فأقام بها ثم جاء بها سنة أربع وخمسين إلى بغداد وألقى نفسه تحت التاج فرضى عنه المقتفى وأذن له في دخول دار الخلافة ثم زحف إلى قايماز السلطان في ناحية بادرايا سنة ثلاث وخمسين فهزمه وقتله وبعث المقتفى عساكره لقتال شملة فلحق بملك شاه * (وفاة السلطان محمد بن محمود وملك عمه سلطان شاه ثم ارسلان بن طغرل) * ثم ان السلطان محمد بن محمود بن ملك شاه لما رجع عن حصار بغداد أصابه مرض السل وطال به وتوفى بهمذان في ذى الحجة سنة أربع وخمسين لسبع سنين ونصف من ملكه وكان له ولد فيئس من طاعة الناس له ودفعه لاقسنقر الاحمد يلى وأوصاه عليه فرحل به إلى(3/520)
مراغة ولما مات السلطان محمد اختلف الامر فيمن يولونه ومال الاكثر إلى سليمان شاه عمه وطائفة إلى ملك شاه أخيه وطائفة إلى ارسلان بن السلطان طغرل الذى مع الدكز ببلاد أران وبادر ملكشاه أخوه فسار من خورستان ومعه شملة التركماني ودكلا صاحب فارس ورحل إلى اصبهان فأطاعه ابن الخجندى وأنفق عليه الاموال وبعث إلى عساكر همذان في الطاعة فلم يجيبوه وأرسل أكابر الامراء من همذان إلى قطب الدين مودود ابن زنكى صاحب الموصل في سليمان شاه المحبوس عنده ليولوه عليهم وذلك أول سنة خمس وخمسين فأطلقه على أن يكون اتابكا له وجمال الدين وزيره وزيرا وجهزه بجهاز السلطنة وبعث معه نائبه زين الدين على كوچك في عسكر الموصل فلما فاربوا بلاد الجبل وأقبلت العساكر من كل جهة على السلطان سليمان فارتاب كوچك لذلك وعاد إلى
الموصل فلم ينتظم أمر سليمان ودخل همذان وبايعوا له وخطب له ببغداد وكثرت جموع ملك شاه باصبهان وبعث إلى بغداد في الخطبة وان يقطع خطبة عمه ويراجع القواعد بالعراق إلى ما كانت فوضع عليه الوزير عون الدين بن هبيرة جارية بعث بها إليه فسمته فمات سنة خمس وخمسين فأخرج أهل اصبهان أصحابه وخطبوا لسليمان شاه وعاد شملة إلى خراسان فملك كل ما كان ملك شاه تغلب عليه منها واستقر سليمان شاه بتلك البلاد وشغل باللهو والسكر ومنادمة الصفاعين وفوض الامور إلى شرف الدين دوا داره من مشايخ السلجوقية كان ذادين وعقل وحسن تربية فشكا الامراء إليه فدخل عليه وعذله وهو سكران فأمر الصفاعين بالرد عليه وخرج مغضبا وصحا سليمان فاستدرك أمره بالاعتذار فأظهر القبول واجتنب الحضور عنده وبعث سليمان إلى ابنايخ صاحب الرى يستقدمه فاعتذر بالمرض إلى أن يفيق ونمى الخبر إلى كربازه الخادم فعمل دعوة عظيمة حضرها السلطان والامراء وقبض عليه وعلى وزيره أبى القاسم محمود بن عبد العزيز الحامدي وعلى أصحابه في شوال من سنة ست وخمسين فقتل وزيره وخواصه وحبسه أياما وخرج ابنايخ صاحب الرى ونهب البلاد وحاصر همذان وبعث كردباز إلى الدكز يستدعيه ليبايع لربيبه ارسلان شاه بن طغرل فسار في عشرين ألف فارس ودخل همذان وخطب لربيبه ارسلان شاه بن طغرل بالسلطنة وجعل الدكز اتابكا له وأخاه من أمه البهلول بن الدكز حاجبا وبعث إلى المقتفى في الخطبة وان تعاد الامور إلى ما كانت عليه أيام السلطان مسعود فطرد رسوله وعاد إليه على أقبح حالة وبعث إلى ابنايخ صاحب الرى فحالفه على الاتفاق وصاهره في ابنته على البهلوان وجاءت إليه بهمذان وكان الدكز من مماليك السلطان مسعود وأقطعه اران وبعض اذربيجان ولم يحضر شيأ من الفتنة وتزوج أم ارسلان شاه(3/521)
وزوجه طغرل فولدت له محمدا البهلوان وعثمان كزل ارسلان ثم بعث الدكز إلى اقسنقر
الاحمد يلى صاحب مراغة في الطاعة لارسلان شاه ربيبه فامتنع وهددهم بالبيعة للطفل الذى عنده محمود بن ملك شاه وقد كان الوزير ابن هبيرة أطمعه في الخطبة لذلك الطفل فيما بينهم فجهز الدكز العساكر مع ابنه البهلوان وسار إلى مراغة واستمد اقسنقر ساهرمز صاحب خلاط فأمده بالعساكر والتقى اقسنقر والبهلوان فانهزم البهلوان وعاد إلى همذان وعاد اقسنقر إلى مراغة ظافرا وكان ملك شاه بن محمود لما مات باصبهان مسموما كما ذكرنا لحق طائفة من أصحابه ببلاد فارس ومعه ابنه محمود فقبض عليه صاحب فارس زنكى بن دكلا السلفرى بقلعة الصطخر ولما بعث الدكز إلى بغداد في الخطبة لربيبه ارسلان وشرع الوزير عون الدين أبو المظفر يحيى بن هبيرة في التصريف بينهم وبعث ابن دكلا وأطمعه في الخطبة لمحمود بن ملك شاه الذى عنده ان ظفر بالدكز فأطلقه ابن دكلا وبايع له وضرب الطبل على بابه خمس ونوب وبعث إلى ابنايخ صاحب الرى فوافقه وسار إليه في عشرة آلاف وبعث إليه اقسنقر الاحمد يلى وجمع الدكز العساكر وسار إلى اصبهان يريد بلاد فارس وبعث إلى صاحبها زنكى بن دكلا في الطاعة لربيبه ارسلان فأبى وقال ان المقتفى أقطعنى بلاده وأنا سائر إليه واستمد المقتفى وابن هبيرة فواعدوه وكاتبوا الامراء الذين مع الدكز بالتوبيخ على طاعته والانحراف عنه إلى زنكى بن دكلا صاحب فارس وابنايخ صاحب الرى وبدأ الدكز بقصد ابنايخ ثم بلغه أن زنكى بن دكلا نهب سميرم ونواحيها فبعث عسكرا نحوا من عشرة آلاف فارس لحفظها فلقيهم زنكى فهزمهم فبعث الدكز عن عساكر اذربيجان فجاء بها ابنه كزل ارسلان وبعث زنكى بن دكلا العساكر إلى ابنايخ ولم يحضر بنفسه خوفا على بلاد شملة صاحب خورستان ثم التقى الدكز وابنايخ في شعبان سنة ست وخمسين فانهزم ابنايخ واستبيه عسكره وحاصره الدكز ثم صالحه ورجع إلى همذان { وفاة المقتفى وخلافة المستنجد وهو أول الخلفاء المستبدين على أمرهم من بنى العباس عند تراجع الدولة وضيق نطاقها ما بين الموصل وواسط والبصرة وحلوان }
ثم توفى المقتفى لامر الله أبو عبد الله محمد بن المستظهر في ربيع الاول سنة خمس وخمسين لاربع وعشرين سنة وأربعة أشهر من خلافته وهو أول من استبد بالعراق منفردا عن سلطان يكون معه من أول أيام الديلم فحكم على عسكره وأصحابه فيما بقى لمملكتهم من البلدان بعد استبداد الملوك في الاعمال والنواحى ولما اشتد مرضه تطاول كل من أم ولده إلى ولاية ابنها وكانت أم المستنجد تخاف عليه وأم أخيه على تروم ولاية ابنها واعتزمت على قتل المستنجد واستدعته لزيارة أبيه وقد جمعت جواريها وآتت كل(3/522)
واحدة منهن سكينا لقتله وأمسكت هي وابنها سيفين وبلغ الخبر إلى يوسف المستنجد فأحضر استاذ دار أبيه وجماعة من الفراشين وأفرغ السلاح ودخل معهم الدار وثار به الجوارى فضرب احداهن وأمكنها فهربوا وقبض على أخيه على وأمه فحبسهما وقسم الجوارى بين القتل والتغريق حتى إذا توفى المقتفى جلس للبيعة فبايعه أقاربه وأولهم عمه أبو طالب ثم الوزير عون الدين بن هبيرة وقاضي القضاة وأرباب الدولة والعلماء وخطب له وأقر ابن هبيرة على الوزارة وأصحاب الولايات على ولايتهم وأزال المكوس والضرائب وقرب رئيس الرؤساء وكان استاذ دار فرفع منزلته عبد الواحد المقتفى وبعث عن الامير ترشك سنة ست وخمسين من بلد اللحف وكان مقتطعا بها فاستدعاه لقتال جمع من التركمان أفسدوا في نواحى البندنيجين فامتنع من المجئ وقال يأتيني العسكر وانا أقاتل بهم فبعث إليه المستنجد العساكر مع جماعة من الامراء فقتلوه وبعثوا برأسه إلى بغداد ثم استولى بعد ذلك على قلعة الماهكى من يد مولى سنقر الهمذانى ولاه عليها سنقر وضعف عن مقاومة التركمان والاكراد حولها فاستنزله المستنجد عنها بخمسة عشر ألف دينار وأقام ببغداد وكانت هذه القلعة أيام المقتدر بأيدى التركمان والاكراد * (فتنة خفاجة) *
اجتمعت خفاجة سنة ست وخمسين إلى الحلة والكوفة وطالبوا برسومهم من الطعام والتمر وكان مقطع الكوفة أرغش وشحنة الحلة قيصر وهما من مماليك المستنجد فمنعوهما فعاثوا في تلك البلاد والنواحى فخرجوا إليهم في أثرهم واتبعوهم إلى الرحبة فطلبوا الصلح فلم يجبهم أرغش ولا قيصر فقاتلوهم فانهزمت العساكر وقتل قيصر وخرج أرغش ودخل الرحبة فاستأمن له شحنتها وبعثوه إلى بغداد ومات أكثر الناس عطشا في البرية وتجهز عون الدين بن هبيرة في العساكر لطلب خفاجة فدخلوا البرية ورجع وانتهت خفاجة إلى البصرة وبعثوا بالعدو وسألوا الصلح فأجيبوا * (اجلاء بنى أسد من العراق) * كان في نفس المستنجد بالله من بنى أسد أهل الحلة لفسادهم ومساعدتهم السلطان محمد في الحصار فأمر يزدن بن قماج باجلائهم من البلاد وكانوا منبسطين في البطائح فجمع العساكر وأرسل إلى ابن معروف فقدم السفن وهو بأرض البصرة فجاءه في جموع وحاصرهم وطاولهم فبعث المستنجد يعاتبه ويتهمه بالتشيع فجهز هو وابن معروف في قتالهم وسد مسالكهم في الماء فاستسلموا وقتل منهم أربعة آلاف ونودى عليهم(3/523)
بالملا من الحلة فتفرقوا في البلاد ولم يبق بالعراق منهم أحد وسلمت بطائحهم وبلادهم إلى ابن معروف * (الفتنة بواسط وما جرت إليه) * كان مقطع البصرة منكبرس من موالى المستنجد وقتله سنة تسع وخمسين وولى مكانه كمستكين وكان ابن سنكاه ابن أخى شملة صاحب خورستان فانتهز الفرصة في البصرة ونهب قراها وأمر كمستكين بقتاله فعجز عن اقامة العسكر وأصعد ابن سنكاه إلى واسط ونهب سوادها وكان مقتطعها خلطوا برس فحمع وخرج لقتاله واستمال ابن سنكاه الامراء الذين معه فخذلوه وانهزم وقتله ابن سنكاه سنة احدى وستين ثم قصد
البصرة سنة ثنتين وستين ونهب جهتها الشرقية وخرج إليه كمستكين وواقعه وسار ابن سنكاه إلى واسط وخافه الناس ولم يصل إليها * (مسير شملة إلى العراق) * سار شملة صاحب خورستان إلى العراق سنة ثنتين وستين وانتهى إلى قلعة الماهكى وطلب من المستنجد اقطاع البلاد واشتط في الطلب فبعث المستنجد العساكر لمنعه وكتب إليه يحذره عاقبة الخلاف فاعتذر بأن الدكز وربيبه السلطان ارسلان شاه أقطعا الملك الذى عنده وهو ابن ملك شاه بلاده البصرة وواسط والحلة وعرض التوقيع بذلك وقال أنا أقنع بالثلث منه فأمر المستنجد حينئذ بلعنه وانه من الخوارج وتعبت العساكر إلى ارغمش المسترشدى بالنعمانية والى شرف الدين أبى جعفر البلدى ناظر واسط ليجتمعا على قتال شملة وكان شملة أرسل مليح ابن أخيه في عساكر لقتال بعض الاكراد فركب إليه ارغمش وأسره وبعض أصحابه وبعث إلى بغداد وطلب شملة الصلح فلم يجب إليه ثم مات ارغمش من سقطة سقطها عن فرسه وبقى العسكر مقيما ورجع شملة إلى بلاده لاربعة أشهر من سفره * (وفاة الوزير يحيى) * ثم توفى الوزير عون الدين يحيى بن محمد بن المظفر بن هبيرة سنة ستين وخمسمائة في جمادى الاولى وقبض المستنجد على أولاده وأهله وأقامت الوزارة بالنيابة ثم استوزر المستنجد سنة ثلاث وستين شرف الدين أبا جعفر أحمد بن محمد بن سعيد المعروف بابن البلدى ناظر واسط وكان عضد الدين أبو الفرج بن دبيس قد تحكم في الدولة فأمره المستنجد بكف يده وأيدي أصحابه وطالب الوزير أخاه تاج الدين بحساب عمله بنهر الملك من أيام المقتفى وكذلك فعل بغيره فخافه العمال وأهل الدولة وحصل بذلك أموالا جمة(3/524)
* (وفاة المستنجد وخلافة المستضئ) *
كان الخليفة المستنجد قد غلب على دولته استاذ دار عضد الدين أبو الفرج ابن رئيس الرؤساء وكان أكبر الامراء ببغداد وكان يرادفه قطب الدين قايماز المظفرى ولما ولى المستنجد أبا جعفر البلدى على وزارته غص من استاذ دار وعارضه في احكامه فاستحكمت بينهما العداوة وتنكر المستنجد لاستاذ دار وصاحبه قطب الدين فكانا يتهمان بأن ذلك بسعاية الوزير ومرض المستنجد سنة ست وستين وخمسمائة واشتد مرضه فتحيلا في اهلاكه يقال انهما واضعا عليه الطبيب وعلم أن هلاكه في الحمام فأشار عليه بدخوله فدخله وأغلقوا عليه بابه فمات وقيل كتب المستنجد إلى الوزير ابن البادى يالقبض على استاذ دار وقايماز وقتلهما وأطلعهما الوزير على كتابه فاستدعيا يزدن وأخاه يتماش وفاوضاهما وعرضا عليهما كتابه واتفقوا على قتله فحملوه إلى الحمام وأغلقوا عليه الباب وهو يصيح إلى أن مات تاسع ربيع من سنة ست وستين لاحدى عشرة سنة من خلافته ولما أرجف بموته قبل أن يقبض ركب الامراء والاجناد متسلحين وغشيتهم العامة واحتفت بهم وبعث إليه استاذ دار بأنه انما كان غشيا عرض وقد أفاق أمير المؤمنين وخف ما به فخشى الوزير من دخول الجند إلى دار الخلافة فعاد إلى داره وافترق الناس فعند ذلك أغلق استاذ دار وقايماز أبواب الدار وأحضرا ابن المستنجد أبا محمد الحسن وبايعاه بالخلافة ولقباه المستضئ بأمر الله وشرطا عليه أن يكون عضد الدين وزيرا وابنه كمال الدين استاذ دار وقطب الدين قايماز أمير العسكر فأجابهم إلى ذلك وبايعه أهل بيته البيعة الخاصة ثم توفى المستنجد وبايعه الناس من الغد في التاج البيعة العامة وأظهر العدل وبذل الاموال وسقط في يد الوزير وندم على ما فرط واستدعى للبيعة فلما دخل قتلوه وقبض المستضئ على القاضى ابن مزحم وكان ظلوما جائرا واستصفاه ورد الظلامات منه على أربابها وولى أبا بكر بن نصر بن العطار صاحب المخزن ولقبه ظهير الدين * (انقراض الدولة العلوية بمصر وعود الدعوة العباسية إليها) *
ولاول خلافة المستضئ كان انقراض الدولة العلوية بمصر والخطبة بها للمستضئ من بنى العباس في شهر المحرم فاتح سنة سبع وستين وخمسمائة قبل عاشوراء وكان آخر الخلفاء العبيديين بها العاضد لدين الله من أعقاب الحافظ لدين الله عبد المجيد وخافوا المستضئ معه ثامن خلفائهم وكان مغلبا لوزارته واستولى شاور منهم وثقلت وطأته عليهم فاستقدم ابن شوار من أهل الدولة من الاسكندرية وفر شاور إلى الشأم مستنجدا(3/525)
بالملك العادل نور الدين محمود بن زنكى من اقسنقر وكان من مماليك السلجوقية وأمرائهم المقيمين للدعوة العباسية وكان صلاح الدين يوسف بن نجم الدين أيوب بن الكردى هو وأبوه نجم الدين أيوب وعمه أسد الدين شير كوه في جماعة من الاكراد في خدمته نور الدين محمود بالشام فلما جاء شاور مستنجدا بعث معه هؤلاء الامراء الايوبية وكبيرهم أسد فأعاده إلى وزارته وقتل الضرغام ولم يوف له وشاور بما ضمن له عند مسيره الشأم في نجدته وكان الفرنج قد ملكوا سواحل مصر والشأم وزاحموا ما يليهم من الاعمال وضيقوا على مصر والقاهرة ان ملكوا بلبيس وايلة عند العقبة واستولوا على الدولة العلوية في الضرائب والطلبات وأصبحوا مأوى لمن ينحنى عن الدولة وداخلهم شاور في مثل ذلك فارتاب به العاضد وبعث عز الدين مستصرخا به على الفرنج في ظاهر أمره ويسرحون في ارتعاء من ابادة شاور والتمكن منه فوصل لذلك وولاه العاضد وزارته وقلده ما وراء بابه فقتل الوزير شاور وحسم داءه وكان مهلكه قريبا من وزارته يقال لسنة ويقال لخمسين يوما فاستوزر العاضد مكانه صلاح الدين ابن أخيه نجم الدين فقام بالامر وأخذ في اصلاح الاحوال وهو يعد نفسه وعمه من قبله نائبا عن نور الدين محمود بن زنكى الذى بعثه وعمه للقيام بذلك ولما ثبت قدمه بمصر وأزال المخالفين ضعف أمر العاضد وتحكم صلاح الدين في اموره وأقام خادمه قراقوش للولاية عليه في قصره والتحكم عليه فبعث إليه نور
الدين محمود الملك العادل بالشأم أن يقطع الخطبة للعاضد ويخطب للمستضئ ففعل ذلك على توقع النكير من أهل مصر فلما وقع ذلك ظهر منه الاغتباط وانمحت آثار الدولة العلوية وتمكنت الدولة العباسية فكان ذلك مبدأ الدولة لبنى أيوب بمصر ثم ملكوا من بعدها أعمال نور الدين بالشأم واستضافوا اليمن وطرابلس الغرب واتسع ملكهم كما يذكر في أخبارهم ولما خطب للمستضئ بمصر كتب له نور الدين محمود من دمشق مبشرا بذلك فضربت البشائر ببغداد وبعث بالخلع إلى نور الدين وصلاح الدين مع عماد الدين صندل من خواص المقتفوية وهو استاذ دار المستضئ فجاء إلى نور الدين بدمشق وبعث الخلع إلى صلاح الدين وللخطباء بمصر وباسلام السواد واستقرت الدعوة العباسية بمصر إلى هذا العهد والله وارث الارض ومن عليها وهو خير الوارثين ثم بعث نور الدين محمود إلى المستضئ رسوله القاضى كمال الدين أبا الفضل محمد بن عبد الله الشهر زورى قاضى بلاده يطلب التقليد لما بيده من الاعمال وهى مصر والشأم والجزيرة والموصل وبما هو في طاعته كديار بكر وخلاط وبلاد الروم التى لقليج ارسلان وان يقطع صريعين ودرب هارون من بلاد سواد العراق كما كانتا لابيه فأكرم الرسول وزاد في الاحسان(3/526)
إليه وكتب له بذلك * (خبر يزدن من امراء المستضئ) * كان يزدن قد ولاه المستضئ الحلة فكانت في أعماله وكانت حمايتها لخفاجة وبنى حزن منهم فجعلها يزدن لبنى كعب منهم وأمرهم الغضبان فغضب بنو حزن وأغاروا عليهم على السواد وخرج يزدن في العسكر لقتالهم ومعه الغضبان وعشيرة بنو كعب فيينما هم ليلة يسيرون رمى الغضبان بسهم فمات فعادت العساكر إلى بغداد وأعيدت حفاظة السواد إلى بنى حزن ثم مات يزدن سنة ثمان وستين وكانت واسط من أقطاعه فاقتطعت لاخيه ايتامش ولقب علاء الدين
* (مقتل سنكاه بن أحمد اخى شملة) * قد ذكرنا في دولة المستنجد فتنة سنكاه هذا وعمه شملة صاحب خورستان ثم جاء ابن سنكاه إلى قلعة الماهكى فبنى بازائها قلعة ليتمكن بها من تلك الاعمال فبعث المستضئ العسكر من بغداد لمنعه فقاتلهم واشتد قتاله ثم انهزم وقتل وعلق رأسه ببغداد وهدمت القلعة * (وفاة قايماز وهربه) * قد ذكرنا شأن قطب الدين قايماز وانه الذى بايع للمستضئ وجعله أمير العسكر وجعله عضد الدين أبو الفرج ابن رئيس الرؤساء وزيرا ثم استفحل أمر قايماز وغلب على الدولة وحمل المستضئ على عزل عضد الدين أبى الفرج من الوزارة فلم يمكنه مخالفته وعزله سنة سبع وستين فأقام معزولا وأراد الخليفة سنة تسع وتسعين ان يعيده إلى الوزارة فمنعه قطب الدين من ذلك وركب فأغلق المستضئ أبواب داره مما يلى بغداد وبعث إلى قايماز ولاطفه بالرجوع فيما هم به من وزارة عضد الدين فقال لا بد من اخراجه من بغداد فاستجار برباط شيخ الشيوخ صدر الدين عبد الرحيم بن اسمعيل فأجاره واستطال قايماز على الدولة وأصهر على علاء الدين يتامش في أخته فزوجها منه وحملوا الدولة جميعا ثم سخط قايماز ظهير الدين بن العطار صاحب المخزن وكان خاصا بالخليفة وطلبه فهرب فاحرق داره وجمع الامراء فاستحلفهم على المظاهرة وأن يقصدوا دار المستضئ ليخرجوا منها ابن العطار فقصد المستضئ على سطح داره وخدامه يستغيثون ونادى في العامة بطلب قايماز ونهب داره فهرب من ظهر بيته ونهبت داره وأخذ منها مالا يحصى من الاموال واقتتل العامة على ولحق قايماز بالحلة وتبعه الامراء وبعث إليه المستضئ شيخ الشيوخ عبد الرحيم ليسير عن الحلة إلى الموصل تخوفا من(3/527)
عوده إلى بغداد فيعود استيلاؤه لمحبة العامة فيه وطاعتهم له فسار إلى الموصل وأصابه
ومن معه في الطريق عطش فهلك الكثير منهم وذلك في ذى الحجة من سنة سبعين وأقام صهره علاء الدين يتامش بالموصل ثم استأذن الخليفة في القدوم إلى بغداد فقدم وأقام بها عاطلا بغير اقطاع وهو الذى حمل قايماز على ما كان منه وولى الخليفة استاذ داره سنجر المقتفوى ثم عزله سنة احدى وسبعين وولى مكانه أبا الفضل هبة الله بن على ابن الصاحب * (فتنة صاحب خورستان) * قد ذكرنا أن ملك شاه بن محمود ابن سلطان محمد استقر بخورستان وذكرنا فتنة شملة مع الخلفاء ثم مات شملة سنة سبعين وملك ابنه مكانه ثم مات ملك شاه بن محمود وبقى ابنه بخورستان فجاء سنة ثنتين وسبعين إلى العراق وخرج إلى البندنجين وعاث في الناس وخرج الوزير عضد الدين أبو الفرج في العساكر ووصل عسكر الحلة وواسط مع طاش تكين أمير الحاج وعز على وساروا للقاء العدو وكان معه جموع من التركمان فاجفلوا ونهبتهم عساكر بغداد ثم ردهم الملك ابن ملك شاه وأوقعوا بالعسكر أياما ثم مضى الملك إلى مكانه وعادت العساكر إلى بغداد * (مقتل الوزير) * قد ذكرنا أخبار الوزير عضد الدين أبى الفرج محمد بن عبد الله بن هبة الله بن المظفر بن رئيس الرؤساء أبى القاسم بن المسلمة كان أبوه استاذ دار المقتفى ولما مات ولى ابنه مكانه ولما مات المقتفى أقره المستنجد ورفع قدره ثم استوزره المستضئ وكان بينه وبين قايماز ما قدمناه وأعاده المستضئ للوزارة فلما كانت سنة ثلاث وسبعين استأذن المستضئ في الحج فأذن له وعبر دجلة فسافر في موكب عظيم من أرباب المناصب واعترضه متظلم ينادى بظلامته ثم طعنه فسقط وجاء ابن المعوذ صاحب الباب ليكشف خبره فطعن الآخر وحملا إلى بيتهما فماتا وولى الوزير ظهير الدين أبو منصور ابن نصر ويعرف بابن العطار فاستولى على الدولة وتحكم فيها
* (وفاة المستضئ وخلافة الناصر) * ثم توفى المستضئ بأمر الله أبو محمد الحسن بن يوسف المستنجد في ذى القعدة سنة خمس وسبعين لتسع سنين ونصف من خلافته وقام ظهير الدين العطار في البيعة لابنه أبى العباس أحمد ولقبه الناصر لدين الله فقام بخلافته وقبض على ظهير الدين بن العطار وحبسه واستصفاه ثم أخرجه من عشر ذى القعدة من محبسه ميتا وفطن به العامة(3/528)
فتناوله العامة وبعثوا به وتحكم في الدولة استاذ دار مجد الدين أبو الفضل بن الصاحب وكان تولى أخذ البيعة للناصر مع ابن العطار وبعث الرسل إلى الآفاق لاخذ البيعة وسار صدر الدين شيخ الشيوخ إلى البهلوان صاحب همذان واصبهان والرى فامتنع من البيعة فأغلظ له صدر الدين في القول وحرض اصحابه على نقض طاعته ان لم يبايع فاضطر إلى البيعة والخطبة ثم قبض سنة ثلاث وثمانين على استاذ دار أبى الفضل ابن الصاحب وقتله من أجل تحكمه وأخذ له أموالا عظيمة وكان الساعي فيه عند الناصر عبيد الله بن يونس من أصحابه وصنائعه فلم يزل يسعى فيه عند الناصر حتى أمر بقتله واستوزر ابن يونس هذا ولقبه جلال الدين وكنيته أبو المظفر ومشى أرباب الدولة في خدمته حتى قاضى القضاة * (هدم دار السلطنة ببغداد وانقراض ملوك السلجوقية) * قد ذكرنا فيما تقدم ملك ارسلان شاه بن طغرل ربيب الدكز واستيلاء الدكز عليه وحروبه مع ابنايخ صاحب الرى ثم قتله سنة أربع وستين واستولى على الرى ثم توفى الدكز الاتابك بهمذان سنة ثمان وستين وقام مكانه ابنه محمد البهلوان وبقى أخوه السلطان ارسلان بن طغرل في كفالته ثم مات سنة ثلاث وستين ونصب البهلوان مكانه ابنه طغرل ثم توفى البهلوان سنة ثنتين وثمانين وفى مملكته همذان والرى واصبهان وأذربيجان وأرانيه وغيرها وفى كفالنه السلطان طغرل بن ارسلان ولما مات البهلوان قام مكانه
أخوه كزل ارسلان ويسمى عثمان فاستبد طغرل وخرج عن الكفالة ولحق به جماعة من الامراء والجند واستولى على بعض البلاد ووقعت بينه وبين كزل حروب ثم قوى أمر طغرل وكثر جمعه وبعث كزل إلى الناصر يحذره من طغرل ويستنجده ويبذل الطاعة على ما يختاره المستضئ رسوله فأمر بعمارة دار السلطنة ليسكنها وكانت ولايتهم ببغداد والعراق قد انقطعت منذ أيام المقتفى فأكرم رسول كزل ووعده بالنجدة وانصرف رسول طغرل بغير حراب وأمر الناصر بهدم دار السلطنة ببغداد فمحى أثرها ثم بعث الناصر وزيره جلال الدين أبا المظفر عبيد الله بن يونس في العساكر لانجاد كزل ومدافعة طغرل عن البلاد فسار لذلك في صفر لسنة أربع وثمانين واعترضهم طغرل على همذان قبل اجتماعهم بكزل واقتنلوا ثامن ربيع وانهزمت عساكر بغداد وأسروا الوزير ثم استولى كزل على طغرل وحبسه ببعض القلاع ودانت له البلاد وخطب لنفسه بالسلطنة وضرب النوب الخمس ثم قتل على فراشه سنة سبع وثمانين ولم يعلم قاتله(3/529)
* (استيلاء الناصر على النواحى) * توفى الامير عيسى صاحب تكريت سنة خمس وثمانين قتله اخوته فبعث الناصر العساكر فحصروها حتى فتحوها على الامان وجاؤا باخوة عيسى إلى بغداد فسكنوها وأقطع لهم السلطان ثم بعث سنة خمس وثمانين عساكره إلى مدينة غانة فحاصروها مدة وقاتلوها طويلا ثم جهدهم الحصار فنزلوا عنها على الامان واقطاع عيونها ووفى لهم الناصر بذلك * (نهب العرب البصرة) * كانت البصرة في ولاية طغرل مملوك الناصر كان مقطعها واستناب بها محمد بن اسمعيل واجتمع بنو عامر بن صعصعة سنة ثمان وثمانين وأميرهم عميرة وقصدوا البصرة للنهب
والعيث وخرج إليهم محمد بن اسمعيل في صفر فقاتلهم سائر يومه ثم ثلموا في الليل ثلما في السور ودخلوا البلد وعاثوا فيها قتلا ونهبا ثم بلغ بنى عامر أن خفاجة والمشفق ساروا لقتالهم فرحلوا إليهم وقاتلوهم فهزموهم وغنموا أموالهم وعادوا إلى البصرة وقد جمع الامير أهل السواد فلم يقوموا للعرب وانهزموا ودخل العرب البصرة فنهبوها ورحلوا عنها * (استيلاء الناصر على خورستان ثم اصبهان والرى وهمذان) * كان الناصر قد استناب في الوزارة بعد أسر ابن يونس مؤيد الدين أبا عبد الله محمد ابن على المعروف بابن القصاب وكان قد ولى الاعمال في خورستان وغيرها وله فيها الاصحاب ولما توفى صاحبها شملة واختلف أولاده راسله بعضهم في ذلك فطلب من الناصر أن يرسل معه العساكر ليملكها فأجابه وخرج في العساكر سنة احدى وتسعين وحارب أهل خورستان فملك أولا مدينة تستر ثم ملك سائر الحصون والقلاع وأخذ بنى شملة ملوكها فبعث بهم إلى بغداد وولى الناصر على خورستان طاش تكين مجير الدين أمير الحاج ثم سار الوزير إلى جهات الرى سنة احدى وتسعين وجاءه قطلغ ابنايخ بن البهلوان وقد غلبه خوارزم شاه وهزمه عند زنجان وملك الرى من يده وجاء قطلغ إلى الوزير مؤيد ورحل معه إلى همذان وبها ابن خوارزم شاه في العساكر فأجفل عنها إلى الرى وملك الوزير همذان ورحل في اتباعهم وملك كل بلد مروا بها إلى الرى وأجفل عسكر خوارزم إلى دامغان وبسطام وجرجان ورجع الوزير إلى الرى فأقام بها ثم انتقض قطلغ بن البهلوان وطمع في الملك فامتنع بالرى وحاصره الوزير فخرج عنها إلى مدينة آوه فمنعهم الوزير منها ورحل الوزير في أثرهم من الرى إلى همذان وبلغه(3/530)
ان قطلغ قصد مدينة الكرج فسار إليه وقاتله وهزمه ورجع لى همذان فجاءه رسول خوارزم شاه محمد تكش بالنكير على الوزير في أخذ البلاد ويطلب اعادتها فلم يجبه الوزير
إلى ذلك فسار خوارزم شاه إلى همذان وقد توفى الوزير ابن القصاب خلال ذلك في شعبان سنة ثنتين وتسعين فقاتل العساكر التى كانت معه بهمذان وهزمهم وملك همذان وترك ولده باصبهان وكانوا يبغضون الخوارزمية فبعث صدر الدين الخجندى رئيس الشافعية إلى الديوان ببغداد يستدعى العساكر لمكها فجهز الناصر العساكر مع سيف الدين طغرل يقطع بلد اللحف من العراق وسار فوصل اصبهان ونزل ظاهر البلد وفارقها عسكر الخوارزمية فملكها طغرل وأقام فيها الناصر وكان من مماليك البهلوان ولما رجع خوارزم شاه إلى خراسان واجتمعوا واستولوا على الرى وقدموا عليهم كركجه من أعيانهم وساروا إلى اصبهان فوجدوا بها عسكر الناصر وقد فارقها عسكر الخوارزمية فملكوا اصبهان وبعث كركجه إلى بغداد بالطاعة وأن يكون له الرى وساوة وقم وقاشان ويكون للناصر اصبهان وهمذان وزنجان وقزوين فكتب له بما طلب وقوى أمره ثم وصل إلى بغداد أبو الهيجاء السمين من أكابر أمراء بنى أيوب وكان في اقطاعه بيت المقدس وأعماله فلما ملك العزيز والعادل مدينة دمشق من الافضل بن صلاح الدين عزلوا أبا الهيجاء عن القدس فسار إلى بغداد فأكرمه الناصر وبعثه بالعساكر إلى همذان سنة ثلاث وتسعين فلقى بها أزبك بن البهلوان وأمير علم وابنه سطلمش وقد كاتبوا الناصر بالطاعة فداخل أمير علم وقبض على ازبك وابن سطلمش بموافقته وأنكر الناصر ذلك على أبى الهيجاء وأمره باطلاقهم وبعث إليهم بالخلع فلم يأمنوا وفارقوا أبا الهيجاء فخشى من الناصر ودخل إلى اربل لانه كان من أكرادها ومات قبل وصوله إليها وأقام كركجه ببلاد الجبل واصطنع رفيقه ايد غمش واستخلصه ووثق به فاصطنع ايد غمش المماليك وانتقض عليه آخر المائة السادسة وحاربه فقتله واستولى على البلاد ونصب أزبك بن البهلوان للملك وكفله ثم توفى طاش تكين أمير خورستان سنة ثنتين وستمائة وولى الناصر مكانه صهره سنجر وهو من مواليه وسار سنجر سنة ثلاث وستمائة إلى جبال تركستان جبال منيعة بين فارس وعمان
واصبهان وخورستان وكان صاحب هذه الجبال يعرف بأبى طاهر وكان للناصر مولى اسمه قشتمر من أكابر مواليه ساءه وزير الدولة ببعض الاحوال فلحق بأبى طاهر صاحب تركستان فأكرمه وزوجه بابنته ثم مات أبو طاهر فأطاع أهل تلك الولاية قشتمر وملك عليهم وبعث الناصر إلى سنجر صاحب خورستان يعضده في العساكر فسار إليه وبذل له الطاعة على البعد فلم يقبل منه فلقيه وقاتله فانهزم سنجر وقوى قشتمر(3/531)
على أمره وأرسل إلى ابن دكلا صاحب فارس والى ايد غمش صاحب الجبل فاتفق معهما على الامتناع على الناصر واستمر حاله * (عزل الوزير نصير الدين) * كان نصير الدين ناصر بن مهدى العلوى من أهل الرى من بيت امارة وقدم إلى بغداد عند ما ملك الوزير ابن القصاب الرى فأقبل عليه الخليفة وجعله نائب الوزارة ثم استوزره وجعل ابنه صاحب المخزن فتحكم في الدولة وأساء إلى أكابر موالى الناصر فلما حج مظفر الدين سنقر المعروف بوجه السبع سنة ثلاث وستمائة وكان أميرا ففارق الحاج ومضى إلى الشأم وبعث إلى الناصر ان الوزير ينفى عليك مواليك ويريد أن يدعى الخلافة فعزله الناصر وألزمه بيته وبعث من كل شئ ملكه ويطلب الاقامة بالمشهد فأجابه الناصر بالامان والاتفاق وان المعزلة لم تكن لذنب وانما أكثر الاعداء المقالات فوقع ذلك واحترز لنفسه موضعا ينتقل إليه موقرا محترما فاختار ايالة الناصر خوفا أن يذهب الاعداء بنفسه ولما عزل عاد سنقر أمير الحاج وعاد أيضا قشتمر وأقيم نائبا في الوزارة فخر الدين أبو البدر محمد بن أحمد بن اسمينا الواسطي ولم يكن له ذلك التحكم وقارن ذلك وفاة صاحب المخزن ببغداد أبو فراس نصر بن ناصر ابن مكى المدائني فولى مكانه أبو الفتوح المبارك بن عضد الدين أبى الفرج بن رئيس الرؤساء وأعلى محله وذلك في المحرم سنة خمس وستمائة ثم عزل آخر السنة لعجزه ثم عزل
في ربيع من سنة ست وستمائة فخر الدين بن اسمينا ونقل إلى المخزن وولى نيابة الوزارة مكانه مكين الدين محمد بن محمد بن محمد بن بدر القمر كاتب الانشاء ولقب مؤيد الدين * (انتقاض سنجر بخورستان) * قد ذكرنا ولاية سنجر مولى الناصر على خورستان بعد طاش تكين أمير الحاج ثم استوحش سنة ست وستمائة واستقدمه الناصر فاعتذر فبعث إليه العساكر مع مؤيد الدين نائب الوزارة وعز الدين بن نجاح الشرابى من خواص الخليفة فلما قاربته العساكر لحق بصاحب فارس أتابك سعد بن دكلا فأكرمه ومنعه ووصلت عساكر الخليفة خورستان في ربيع من سنته وبعثوا إلى سنجر في الرجوع إلى الطاعة فأبى وساروا إلى ارجان لقصد ابن دكلا بشيراز والرسل تتردد بينهم ثم رحلوا في شوال يريدون شيراز فبعث ابن دكلا إلى الوزير والشرابى بالشفاعة في سنجر واقتضاء الامان له فأجابوه إلى ذلك وأعادوا سنجر إلى بغداد في المحرم سنة ثمان وستمائة ودخلوا به مقيدا وولى الناصر مولاه ياقوتا أمير الحاج على خورستان ثم أطلق الناصر سنجر في صفر(3/532)
من سنة ثمان وستمائة وخلع عليه { استيلاء منكلى على بلاد الجبل واصبهان وهرب ايد غمش ثم مقتله ومقتل منكلى وولاية اغلمش } قد ذكرنا استيلاء ايد غمش من أمراء البهلوانية على بلاد الجبل همذان واصبهان والرى وما إليها فاستفحل فيها وعظم شأنه وتخطى إلى أذربيجان وأرانيه فحاصر صاحبها أزبك بن البهلوان ثم خرج سنة ثمان وستمائة منكلى من البهلوانية ونازعه الملك وأطاعه البهلوانية فاستولى على سائر تلك الاعمال وهرب شمس الدين ايد غمش إلى بغداد وأمر الناصر بتلقيه فكان يوما مشهودا وخشى منكلى من اتصاله فأوفد ابنه محمدا في جماعة من العسكر وتلقاه الناس على طبقاتهم وقد كان الناصر شرع في امداد
ايد غمش فأمده وسار إلى همذان في جمادى من سنة عشر ووصل إلى بلاد ابن برجم من التركمان الايوبية وكان الناصر عزله عن امارة قومه وولى أخاه الاصغر فبعث إلى منكلى بخبر ايد غمش فبعث العساكر بطلبه فقتلوه وافترق جمعه وبعث الناصر إلى أزبك بن البهلوان صاحب أذربيجان وأرانيه يغريه به وكان مستوحشا منه وأرسل أيضا إلى جلال الدين صاحب الموت وغيرها من قلاع الاسماعيلية من بلاد العجم بمعاضدة أزبك على أن يقتسموا بلاد الجبل وجمع الخليفة العساكر من الموصل والجزيرة وبغداد وقدم على عسكر بغداد مملوكه مظفر الدين وجه السبع واستقدم مظفر الدين كوكبرى بن زين الدين كوچك وهو على اربل وشهر زور وأعمالها وجعله مقدم العساكر جميعا وساروا إلى همذان فهرب منكلى إلى جبل قريب الكرج وأقاموا عليه يحاصرونه ونزل منكلى في بعض الايام فقاتل أزبك وهزمه إلى مخيمه ثم جاء من الغد وقد طمع فيهم فاشتدوا في قتاله وهزموه فهرب عن البلاد أجمع وافترقت عساكره واستوات العساكر على البلاد وأخذ جلال الدين ملك الاسماعيلية منها ما عينته القسمة وولى أزبك بن البهلوان على بقية البلاد اغلمش مملوك أخيه وعادت العساكر إلى بلادها ومضى منكلى منهزما إلى مدينة ساوة فقبض عليه الشحنة بها وقتله وبعث أزبك برأسه إلى بغداد وذلك في جمادى سنة ثنتى عشرة * (ولاية حافد الناصر على خورستان) * كان للناصر ولد صغير اسمه على وكنيته أبو الحسن قد رشحه لولاية العهد وعزل عنها ابنه الاكبر وكان هذا أحب ولده إليه فمات في ذى القعدة سنة عشر فتفجع له وحزن عليه حزنا لم بسمع بمثله وشمل الاسف عليه الخاص والعام وكان ترك ولدين لقبهما المؤيد(3/533)
والموفق فبعثهما الناصر إلى تستر من خورستان بالعساكر في المحرم سنة ثلاث عشرة وبعث معهما مؤيد الدين نائب الوزارة وعزل مؤيد الدين الشرابى فأقاما بها أياما
ثم أعاد الموفق مع الوزير والشرابى إلى بغداد في شهر ربيع وأقام المؤيد بتستر * (استيلاء خوارزم شاه على بلاد الجبل وطلب الخطبة له ببغداد) * كان اغلمش قد استولى على بلاد الجبل كما ذكرناه واستفحل أمره وقوى ملكه فيها ثم قتله الباطنية سنة أربع عشرة وستمائة وكان علاء الدين محمد بن تكش خوارزم شاه وارث ملك السلجوقية قد استولى على خراسان وما وراء النهر فطمع في اضافة هذه البلاد إليه فسار في عساكره واعترضه صاحب بلاد فارس أتابك سعد بن دكلا على اصبهان وقد ساقه من الطمع في البلاد مثل الذى ساقه فقاتله وهزمه خوارزم وأخذه أسيرا ثم سار إلى ساوة فملكها ثم قزوين وزنجان وابهر ثم همذان ثم اصبهان وقم وقاشان وخطب له صاحب أذربيجان وأرانيه وكان يبعث في الخطبة إلى بغداد ولا يجاب فاعتزم الآن على المسير إليها وقدم أميرا في خمسة عشر ألف فارس وأقطعه حلوان فنزلها ثم أتبعه بأمير آخر فلما سار عن همذان سقط عليهم الثلج وكادوا يهلكون وتخطف بقيتهم بنو برجم من التركمان وبنو عكا من الاكراد واعتزم خوارزم شاه على الرجوع إلى خراسان وولى على همذان طابسين وجعل امارة البلاد كلها لابنه ركن الدين وأنزل معه عماد الملك المساوى متوليا أمورد ولته وعاد إلى خراسان سنة خمس عشرة وأزال الخطبة للناصر من جميع أعماله * (اجلاء بنى معروف عن البطائح) * كان بنو معروف هؤلاء من ربيعة ومقدمهم معلى وكانت رحالهم غربي الفرات قرب البطائح فكثر عيثهم وافسادهم السابلة وارتفعت شكوى أهل البلاد إلى الديوان منهم فرسم للشريف سعد متولى واسط وأعمالها أن يسير إلى قتالهم واجلائهم فجمع العساكر من تكريت وهيت والحدينة والانبار والحلة والكوفة وواسط والبصرة فهزمهم واستباحهم وتقسموا بين القتل والاسر والغرق وحملت الرؤس إلى بغداد في ذى القعدة سنة عشر
* (ظهور التتر) * ظهرت هذه الامة من أجناس الترك سنة ست عشرة وستمائة وكانت جبال طمغاج من أرض الصين بينها وبين بلاد تركستان ما يزيد على ستة أشهر وكان ملكهم بسمى(3/534)
جنكز خان من قبيلة يعرفون نوحي فسار إلى بلاد تركستان وما وراء النهر وملكها من أيدى الخطا ثم حارب خوارزم شاه إلى أن غلبه على ما في يده من خراسان وبلاد الجبل ثم تخطى أرانيه فملكها ثم ساروا إلى بلاد شروان وبلد اللان واللكز فاستولوا على الامم المختلفة بتلك الاصقاع ثم ملكوا بلاد قنجاق وسارت طائفة أخرى إلى غزنة وما يجاورها من بلاد الهند وسجستان وكرمان فملكوا ذلك كله في سنة أو نحوها وفعلوا من العيث واقتل والنهب ما لم يسمع بمثله في غابر الازمان وهزموا خوارزم شاه علاء الدين محمد بن تكش فلحق بجزيرة في بحر طبرستان فامتنع بها إلى أن مات سنة احدى وعشرين سنة من ملكه ثم هزموا ابنه جلال الدين بغزنة واتبعه جنكزخان إلى نهر السند فعبر إلى بلاد الهند وخلص منهم وأقام هنالك مدة ثم رجع سنة ثنتين وعشرين إلى خورستان والعراق ثم ملك أذربيجان وأرمينية إلى أن قتله المظفر حسبما نذكر ذلك كله مقسما بين دولتهم ودولة بنى خوارزم شاه أو مكررا فيهما فهناك تفصيل هذا المحل من أخبارهم والله الموفق بمنه وكرمه * (وفاة الناصر وخلافة الظاهر ابنه) * ثم توفى أبو العباس أحمد الناصر بن المستضئ في آخر شهر رمضان سنة ثنتين وعشرين سنة وستمائة لسبع وأربعين سنة من خلافته بعد أن عجز عن الحركة ثلاث سنين من آخر عمره وذهبت احدى عينيه وضعف بصر الاخرى وكانت حاله مختلفة في الجد واللعب وكان متفننا في العلوم وله تآليف في فنون منها متعددة ويقال انه الذى أطمع التتر في ملك العراق لما كانت بينه وبين خوارزم شاه من الفتنة وكان مع ذلك كثيرا
ما يشتغل برمى البندق واللعب بالحمام المناسيب ويلبس سراويل الفتوة شأن العيارين من أهل بغداد وكان له فيها سند إلى زعمائها يقتصه على من يلبسه اياها وكان ذلك كله دليلا على هرم الدولة وذهاب الملك عن أهلها بذهاب ملاكها منهم ولما توفى بويع ابنه أبو نصر محمد ولقب الظاهر وكان ولى عهده عهد له أولا سنة خمس وثمانين وخمسمائة ثم خلعه من العهد وعهد لاخيه الصغير على لميله إليه وتوفى سنة ثنتى عشرة فاضطر إلى اعادة هذا فلما بويع بعد أبيه أظهر من العدل والاحسان ما حمد منه ويقال انه فرق في العلماء ليلة الفطر التى بويع فيها مائة ألف دينار * (وفاة الظاهر وولاية ابنه المستنصر) * ثم توفى الظاهر أبو نصر محمد في منتصف رجب سنة ثلاث وعشرين وستمائة لتسعة أشهر ونصف من ولايته وكانت طريقته مستقمية وأخباره في العدل مأثورة ويقال انه قبل(3/535)
وفاته كتب بخطه إلى الوزير توقيعا يقرؤه على أهل الدولة فجاء الرسول به وقال أمير المؤمنين يقول ليس غرضنا أن يقال برز مرسوم وأنفذ مثال ثم لا يتبين له أثر بل أنتم إلى امام فعال أحوج منكم إلى امام قوال ثم تنالوا الكتاب وقرؤه فإذا فيه بعد البسملة انه ليس امهالنا اهمالا ولا اغضاؤنا اغفالا ولكن لنبلوكم أيكم أحسن عملا وقد غفرنا لكم ما سلف من اخراب البلاد وتشريد الرعايا وتقبيح السنة واظهار الباطل الجلى في صورة الحق الخفى حيلة ومكيدة وتسمية الاستئصال والاجتياح استيفاء واستدراكا للاغراض انتهزتم فرصتها مختلفة من براتن ليث باسل وأنياب أسد مهيب تنطقون بألفاظ مختلفة على معنى واحد وأنتم أمناؤه وثقاته فتميلون رأيه إلى هواكم ما طلتم بحقه فيطيعكم وأنتم له عاصون ويوافقكم وأنتم له مخالفون والآن فقد بدل الله سبحانه بخوفكم أمنا وفقركم غنى وباطلكم حقا ورزقكم سلطانا يقيل العثرة ولا يؤاخذ الامن أصر ولا ينتقم الا ممن استمر يأمركم بالعدل وهو يريده منكم
وينهاكم عن الجور وهو يكرهه يخاف الله فيخوفكم مكره وبرجوا لله تعالى ويرغبكم في طاعته فان سلكتم مسالك نواب خلفاء الله في أرضه وأمنائه على خلقه والا هلكتم والسلام ولما توفى بويع ابنه أبو جعفر المستنصر وسلك مسالك أبيه الا أنه وجد الدولة اختلفت والاعمال قد انتقضت والجباية قد انتقصت أو عدمت فضاقت عن أرزاق الجند وأعطياتهم فأسقط كثيرا من الجند واختلفت الاحوال وهو الذى أعاد له محمد بن يوسف بن هود دعوة العباسية بالاندلس آخر دولة الموحدين بالمغرب فولاه عليها وذلك سنة تسع وعشرين وستمائة كما يذكر في أخبارهم ولآخر دولته ملك التتر بلاد الروم من يد غياث الدين كنجسرو آخر ملوك بنى قليج ارسلان ثم تخطوها إلى بلاد أرمينية فملكوها ثم استأمن إليهم غياث الدين فولوه من قبلهم وفى طاعتهم كما يذكر في أخبارهم ان شاء الله تعالى انتهى * (وفاة المستنصر وخلافة المستعصم آخر بنى العباس ببغداد) * لم يزل هذا الخليفة المستنصر ببغداد في النطاق الذى بقى لهم بعد استبداد أهل النواحى كما قدمنا ثم انحل أمرهم من هذا النطاق عروة وتملك التتر سائر البلاد وتغلبوا على ملوك النواحى ودولهم أجمعين ثم زاحموهم في هذا النطاق وملكوا أكثره ثم توفى المستنصر سنة احدى وأربعين لست عشرة سنة من خلافته وبويع بالخلافة ابنه عبد الله ولقب المستعصم وكان فقيها محدثا وكان وزيره ابن العلقمي رافضيا وكانت الفتنة ببغداد لا تزال متصلة بين الشيعة وأهل السنة وبين الحنابلة وسائر أهل المذاهب وبين العيارين والدعار والمفسدين مبدأ الامراء الاول فلا تتجدد فتنة(3/536)
بين الملوك وأهل الدول الا ويحدث فيها بين هؤلاء ما يعنى أهل الدولة خاصة زيادة لما يحدث منهم أيام سكون الدول واستقامتها وضاقت الاحوال على المستعصم فأسقط أهل الجند وفرض أرزاق الباقين على البياعات والاسواق وفى المعايش فاضطرب
الناس وضاقت الاحوال وعظم الهرج ببغداد ووقعت الفتن بين الشيعة وأهل السنة وكان مسكن الشيعة بالكرخ في الجانب الغربي وكان الوزير ابن العلقمي منهم فسطوا بأهل السنة وأنفذ المستعصم ابنه أبا بكر وركن الدين الدوا دار وأمرهم بنهب بيوتهم بالكرخ ولم يراع فيه ذمة الوزير فآسفه ذلك وتربص بالدولة وأسقط معظم الجند يموه بأنه يدافع التتر بما يتوفر من أرزاقهم في الدولة وزحف هلاكو ملك التتر سنة ثنتين وخمسين إلى العراق وقد فتح الرى واصبهان وهمذان وتتبع قلاع الاسماعيلية ثم قصد قلعة الموت سنة خمس وخمسين فبلغه في طريقه كتاب ابن الصلايا صاحب اربل وفيه وصية من ابن العلقمي وزير المستعصم إلى هلاكو يستحثه لقصد بغداد ويهون عليه أمرها فرجع عن بلاد الاسماعيلية وسار إلى بغداد واستدعى أمراء النتر فجاءه بنحو مقدم العسكر ببلاد الروم وقد كانوا ملكوها ولما قاربوا بغداد برز للقائهم ايبك الدوا دار في العساكر فانكشف التتر أولا ثم تدامروا فانهزم المسلمون واعترضتهم دون بغداد أو حال مياه من بثوق انتفثت من دجلة فتبعهم التتر دونها وقتل الدوا دار وأسر الامراء الذين معه ونزل هلاكو بغداد وخرج إليه الوزير مؤيد الدين بن العلقمي فاستأمن لنفسه ورجع بالامان إلى المستعصم وانه يبقيه على خلافته كما فعل بملك بلاد الروم فخرج المستعصم ومعه الفقهاء والاعيان فقبض عليه لوقته وقتل جميع من كان معه ثم قتل المستعصم شدخا بالعمد ووطأ بالاقدام لتجافيه بزعمه عن دماء أهل البيت وذلك سنة ست وخمسين وركب إلى بغداد فاستباحها واتصل العيث بها أياما وخرج النساء والصبيان وعلى رؤسهم المصاحف والالواح فداستهم العساكر وماتوا أجمعون ويقال ان الذى أحصى ذلك اليوم من القتلى ألف ألف وستمائة ألف واستولوا من قصور الخلافة وذخائرها على ما لا يبلغه الوصف ولا يحصره الضبط والعد وألقيت كتب العلم التى كانت بخزائنهم جميعها في دجلة وكانت شيأ لا يعبر عنه مقابلة في زعمهم بما فعله المسلمون لاول الفتح في كتب الفرس
وعلومهم واعتزم هلاكو على اضرام بيوتها نارا فلم يوافقه أهل مملكته ثم بعث العساكر إلى ميا فارقين فحاصروها سنين ثم جهدهم الحصار واقتحموها عنوة وقتل حاميتها جميعا وأميرهم من بنى أيوب وهو الملك ناصر الدين محمد بن شهاب الدين غازى بن العادل أبى بكر بن أيوب وبايع له صاحب الموصل وبعث بالهدية والطاعة وولاه على عمله(3/537)
ثم بعث بالعساكر إلى اربل فحاصرها وامتنعت فرحل العساكر عنها ثم وصل إليه صاحبها ابن الصلاية فقتله واستولى على الجزيرة وديار بكر وديار ربيعة كلها وتاخم الشأم جميع جهاته حتى زحف إليه بعد كما يذكر وانقرض أمر الخلافة الاسلامية لبنى العباس ببغداد وأعاد لها ملوك الترك رسما جديدا في خلفاء نصبوهم هنالك من اعقاب الخلفاء الاولين ولم يزل متصلا لها العهد على ما نذكر الآن ومن العجب أن يعقوب بن اسحق الكندى فيلسوف العرب في ذكر ملاحمه وكلامه على القرآن الذى دل على ظهور الملة الاسلامية العربية أن انقراض أمر العرب يكون أعوام الستين والستمائة فكان كذلك وكانت دولة بنى العباس من يوم بويع للسفاح سنة ثنتين وثلاثين ومائة إلى أن قتل المستعصم سنة خمس وستمائة خمسمائة سنة وأربعا وعشرين وعدد خلفائهم ببغداد سعة وثلاثون خليفة والله وارث الارض ومن عليها وهو خير الوارثين(3/538)
الطائع بن المطيع المستكفى المتقى الراضي القاهر المرتضى بالله المقتدر المكتفى بن المعتضد المعتمد المهتدى المعتز المستعين المنتصر بن المتوكل الواثق بن المعتصم المأمون الامين بن الرشيد الهادى بن المهدى بن المنصور السفاح محمد بن على بن عبد الله بن عباس المستعصم بن المستنصر بن الظاهر بن الناصر بن المستضئ بن المستنجد بن المقتفى الراشد بن المسترشد بن المستظهر المقتدى بأمر الله بن محمد بن القائم بن القادر(3/539)
{ الخبر عن الخلفاء العباسيين المنصوبين بمصر من بعد انقراض الخلافة ببغداد ومبادي أمورهم وتصاريف أحوالهم } لما هلك المستعصم ببغداد واستولى التتر على سائر الممالك الاسلامية فافترق شمل الجماعة وانتثر سلك الخلافة وهرب القرابة المرشحون وغير المرشحين من قصور بغداد فذهبوا في الارض طولا وعرضا ولحق بمصر كبيرهم يومئذ أحمد ابن الخليفة الظاهر وهو عم المستعصم وأخو المستنصر وكان سلطانها يومئذ الملك الظاهر بيبرس ثالث ملوك الترك بعد بنى أيوب بمصر والقاهرة فقام على قدم التعظيم وركب لتلقيه وسر بقدومه وكان وصوله سنة تسع وخمسين فجمع الناس على طبقاتهم بمجلس الملك بالقلعة وحضر القاضى يومئذ تاج ابن بنت الاعزفا ثبت نسبه في بيت الخلفاء بشهادة العرب الواصلين معه بالاستفاضة ولم يكن شخصه خفيا وبايع له الظاهر وسائر الناس ونصبه للخلافة الاسلامية ولقوه المستنصر وخطب له على المنابر ورسم اسمه في السكة وصدرت المراسم السلطانية بأخذ البيعة له في سائر أعمال السلطان وفوض هو للسلطان الملك الظاهر سائر أعماله وكتب تقليده بذلك وركب السلطان ثاى يومه إلى خارج البلد ونصب خيمة يجتمع الناس فيها فاجتمعوا وقرأ كتاب التقليد وقام السلطان بأمر هذا الخليفة ورتب له أرباب الوظائف والمناصب الخلافية من كل طبقة واجري الارزاق السنية وأقام له الفسطاط والآلة ويقال أنفق عليه في معسكره ذلك ألف ألف دينار من الذهب العين واعتزم على بعثه إلى بلاد العراق لاسترجاعه ممالك الاسلام من يد أهل الكفر وقد كان وصل على اثر الخليفة صاحب الموصل وهو اسمعيل الصالح بن لؤلؤ أخرجه التتر من ملكه بعد مهلك أبيه فامتعض له الملك الظاهر ووعده باسترجاع ملكه وخرج آخر هذه السنة مشيعا للخليفة ولصالح بن لؤلؤ ووصل بهما إلى دمشق فبالغ هناك في تكرمتهما وبعث معهما أميرين من أمرانه مددا لهما وأمرهما أن ينتهيا معهما إلى الفرات فلما وصلوا الفرات بادر الخليفة بالعبور وقصد الصالح بن لؤلؤ الموصل
واتصل الخبر بالتتر فجردوا العساكر لنقائه والتقا الجمعان بغانة وصدموه هنالك فصادمهم قليلا ثم تكاثروا عليه فلم يكن له بهم طاقة وأبلى في جهادهم طويلا ثم استشهد رحمه الله وسارت عساكر التتر إلى الموصل فحاصروا الصالح اسمعيل بها سبعة أشهر وملكوها عليه عنوة وقتل رحمه الله وتطلب السلطان بمصر الملك الظاهر بعده آخر من أهل هذا البيت يقيم برسم الخلافة الاسلامية وبينما هو يسائل الركبان عن ذلك إذ وصل رجل من بغداد ينسب إلى الراشد بن المسترشد قال صاحب حماة في تاريخه عن نسابة مصر انه أحمد بن حسن بن أبى بكر ابن الامير أبى على ابن الامير حسن بن الراشد(3/540)
وعند العباسيين السليمانيين في درج نسبهم الثابت انه أحمد بن أبى بكر بن على بن أحمد بن الامام المسترشد انتهى كلام صاحب حماة ولم يكن في آبائه خليفة فيما بينه وبين الراشد وبايع له بالخلافة الاسلامية ولقبه الحاكم وفوض هو إليه الامور العامة والخاصة وخرج هو له عن العهدة وقام حافظا لسياج الدين باقامة رسم الخلافة وعمرت بذكره المنابر وزينت باسمه السكة ولم يزل على هدا الحال أيام الظاهر بيبرس وولديه بعده ثم أيام الصالح قلاون وابنه الاشرف وطائفة من دولة ابنه الملك الناصر محمد بن قلارن إلى أن هلك سنة احدى وسبعمائة ونصب ابنه أبو الربيع سليمان للخلافة بعده ولقبه المستكفى وحفظ به الرسم وحضر مع السلطان الملك الناصر محمد بن قلاون للقاء التتر في النوبتين اللتين لقيهم فيها فاستوحش منه السلطان بعض أيامه وأنزله بالقلعة وقطعه عن لقاء الناس عاما أو نحوه ثم أذن له في النزول إلى بيته ولقائه الناس إذا شاء وكان ذلك سنة ست وثلاثين ثم تجددت له الوحشة وغر به إلى قوص سنه ثمان وثلاثين ثم هلك الخليفة أبو الربيع سنة أربعين قبل مهلك الملك الناصر رحمهما الله تعالى وكان عهد بالخلافة لابنه أحمد فويع له ولقب الحاكم ثم بدا للسلطان في امضاء عهد ابيه بذلك فعزله واستبدل منه بأخيه ابراهيم ولقبه المواثق وكان مهلك الناصر لاشهر قريبة من
ذلك فأعادوا أحمد الحاكم ولى عهد أبيه سنة احدى وأربعين وأقام في الخلافة إلى سنة ثلاث وخمسين وهلك رحمه لله فولى من بعده أخوه أبو بكر ولقب المعتضد ولم يزل مقيما لرسم الخلافة إلى أن هلك لعشرة أعوام من خلافته سنة ثلاث وستين ونصب بعده ابنه محمد ولقب المتوكل فأقام برسم الخلافة وحضر مع السلطان الاشرف شعبان ابن حسين بن الملك الناصر عام انتقض عليه لترك في طريقه إلى الحج وفسد أمره ورجع الفل إلى مصر وطلبه أمراء الترك في البيعة له بالسلطنة مع الخلافة فامتع من ذلك ثم خلعه ايبك من أمراء الترك المستبدين أيام سلطانه بالقاهرة سنة تسع وتسعين لمغاضبة وقعت بينهما ونصب للخلافة زكريا ابن عمه ابراهيم الواثق فلم يطل ذلك وعزل زكريا لايام قليلة وأعاده إلى منصبه إلى أن كانت واقعة قرط التركماني من أمراء العساكر بمصر ومداخلته للمفسدين في الثورة بالسلطان الملك الظاهر أبى سعيد برقوف سنة خمس وثمانين وسعى عند السلطان بأنه ممن داخلة قرط هذا فاستراب به وحبسه بالقلعة سنة ستين وأدال منه بعمر ابن عمه الواثق ابراهيم ولقبه فأقام ثلاثا أو نحوها ثم هلك رحمه الله آخر عام ثمانية وثلاثين ونصب السلطان عوضه أخاه زكريا الذى كان ايبك نصبه كما قدمنا ذكره ثم حدثت فتنة بليقا الناصري صاحب حلب سنة احدى وتسعين وسبعمائة وتعالى على السلطان بحبسه الخليفة وأطال النكير(3/541)
في ذلك فأطلق السلطان الخليفة محمدا المتوكل من محبسه بالقلعة وأعاده إلى الخلافة على رسمه الاول وبالغ في تكرمته وجرت فيما بين ذلك خطوب نذكر أخبارها مستوفاة في دولة الترك المقيمين لرسم هؤلاء الخلفاء بمصر وانما ذكرنا هنا من أخبارهم ما يتعلق بالخلافة فقط دون أخبار الدولة والسلطان وهذا الخليفة المتوكل المنصوب الآن لرسم الخلافة والمعين لاقامة المناصب الدينية على مقتضى الشريعة والمبرك بذكره على منابر هذه الايالة تعظيما لابيهم الظاهر وجريا على سنن التبرك بسلفهم ولكمال الايمان(3/542)
في ذلك فأطلق السلطان الخليفة محمدا المتوكل من محبسه بالقلعة وأعاده إلى الخلافة على رسمه الاول وبالغ في تكرمته وجرت فيما بين ذلك خطوب نذكر أخبارها مستوفاة في دولة الترك المقيمين لرسم هؤلاء الخلفاء بمصر وانما ذكرنا هنا من أخبارهم ما يتعلق بالخلافة فقط دون أخبار الدولة والسلطان وهذا الخليفة المتوكل المنصوب الآن لرسم الخلافة والمعين لاقامة المناصب الدينية على مقتضى الشريعة والمبرك بذكره على منابر هذه الايالة تعظيما لابيهم الظاهر وجريا على سنن التبرك بسلفهم ولكمال الايمان في محبتهم وتوفية لشروط الامامة سعتهم وما زال ملوك الهند وغيرهم من ملوك الاسلام بالنواحي يطلبون التقليد منه ومن سلفه بمصر ويكاتبون في ذلك ملوك الترك بها من بنى قلاون وغيره فيجيبونهم إلى ذلك ويبعثون إليهم بالتقليد والخلع والابهة ويمدون القائمين بأمورهم بمواد التأييد والاعانة بمن الله وفضله(3/542)
* (خلفاء العباسيين بمصر بعد بغداد) * أول من بويع بمصر من العباسيين - أحمد المستنصر المستنصر بن الظاهر بن الناصر بن المستضئ بن المستنجد بن المقتفى محمد المتوكل بن أبى بكر المعتضد بن سليمان المستكفى بن أحمد الحاكم بن أبى بكر بن أحمد المسترشد بن المستظهر عمر بن ابراهيم الواثق - أحمد الحاكم تم الجزء الثالث ويليه الجزء الرابع أوله أخبار الدولة العلوية م(3/543)
تاريخ ابن خلدون - ابن خلدون ج 4
تاريخ ابن خلدون
ابن خلدون ج 4(4/)
تاريخ ابن خلدون المسمى بكتاب العبر، وديوان المبتداء والخبر، في أيام العرب والعجم والبربر ومن عاصرهم من ذوي السلطان الاكبر لوحيد عصره العلامة عبد الرحمن بن محمد بن خلدون الحضرمي المغربي المتوفى سنة 808 هجرية الجزء الرابع 1391 ه.
- 1971 م.
منشورات مؤسسة الاعلمي للمطبوعات بيروت - لبنان ص.
ب.
7120(4/1)
بسم الله الرحمن الرحيم * (أخبار الدولة العلوية المزاحمة لدولة بنى العباس) * ونبدأ منهم بدولة الادارسة بالمغرب الاقصى قد تقدم لنا ذكر شيعة أهل البيت لعلى ابن أبى طالب ونبيه رضى الله عنهم وما كان من شأنهم بالكوفة وموجدتهم على الحسن في تسليم الامر لغيره واضطراب الامر على زياد بالكوفة من أجلهم حتى قتل المتولون كبر ذلك منهم حجر بن عدى وأصحابه ثم استدعوا الحسين بعد وفاة معاوية فكان من قتله بكربلاء ما هو معروف ثم ندم الشيعة على قعودهم عن مناصرته فخرجوا بعد وفاة يزيد وبيعة مروان وخرج عبيد الله بن زياد عن الكوفة وسموا أنفسهم التوابين وولوا عليهم سليمان بن صردو لقيتهم جيوش بن زياد بأطراف الشأم فاستلحموهم ثم خرج المختار بن أبى عبيد بالكوفة طالبا بدم الحسين رضى الله عنه وداعيا لمحمد بن الحنفية وتبعه على ذلك جموعه من الشيعة وسماهم شرطة الله وزحف إليه عبيد الله بن زياد فهزمه المختار وقتله وبلغ محمد بن الحنفية من
أحوال المختار ما نقمه عليه فكتب إليه بالبراءة منه فصار إلى الدعاء لعبد الله بن الزبير ثم استدعى الشيعة من بعد ذلك زيد بن على بن الحسين إلى الكوفة أيام هشام(4/2)
ابن عبد الملك فقتله صاحب الكوفة يوسف بن عمرو صلبه وخرج إليه ابنه يحيى بالجوزجان من خراسان فقتل وصلب كذلك وطلت دماء أهل البيت في كل ناحية وقد تقدم ذلك كله في أخبار الدولتين ثم اختلف الشيعة وافترقت مذاهبهم في مصير الامامة إلى العلويه وذهبوا طرائق قددا فمنهم الامامية القائلون بوصية النبي صلى الله عليه وسلم لعلى بالامامة ويسمونه الوصي بذلك ويتبرؤن من الشيخين لما منعوه حقه بزعمهم وخاصموا زيدا بذلك حسين دعا بالكوفة ومن لم يتبرأ من الشيخين رفضوه فسموا بذلك رافضة ومنهم الزيدية القائلون بامامة بنى فاطمة لفضل على ونبيه على سائر الصحابة وعلى شروط يشترطونها وامامة الشيخين عندهم صحيحة وان كان على أفضل وهذا ما مذهب زيد واتباعه وهم جمهور الشيعة وأبعدهم عن الانحراف والغلو ومنهم الكيسانية نسبة إلى كيسان يذهبون إلى امامة محمد بن الحنفية ونبيه من بعد الحسن والحسين ومن هؤلاء كانت شيعة بنى العباس القائلون بوصية أبى هاشم بن محمد بن الحنفية إلى محمد بن على بن عبد الله بن عباس بالامامة وانتشرت هذه المذاهب بين الشيعة وافترق كل مذهب منها إلى طوائف بحسب اختلافهم وكان الكيسانية شيعة بنى الحنفية أكثرهم بالعراق وخراسان ولما صار أمر بنى أمية إلى اختلال أجمع أهل البيت بالمدينة وبايعوا بالخلافة سر المحمد بن عبد الله ابن حسن المثنى بن الحسن بن على وسلم له جميعهم وحضر هذا العقد أبو جعفر عبد الله ابن محمد بن على بن عبد الله بن عباس وهو المنصور وبايع فيمن بايع له من أهل البيت وأجمعوا على ذلك لتقدمه فيهم لما علموا له من الفضل عليهم ولهذا كان مالك وأبو حنيفة رحمهما الله يحتجان إليه حين خرج من الحجاز ويريدون أن امامته
أصح من امامة أبى جعفر لانعقاد هذه البيعة من قبل وربما صار إليه الامر من عند الشيعة بانتقال الوصية من زيد بن على وكان أبو حنيفة يقول بفضله ويحتج إلى حقه فتأدت اليهما المحنة بسبب ذلك ايام أبى جعفر المنصور حتى ضرب مالك على الفتيا في طلاق المكره وحبس أبو حنيفة على القضاء (ولما انقرضت) دولة بنى أمية وجاءت دولة بنى العباس وصار الامر لابي جعفر المنصور سعى عنده ببنى حسن وأن محمد ابن عبد الله يروم الخروج وأن دعاته ظهروا بخراسان فحبس المنصور لذلك بنى حسن واخوته حسن وابراهيم وجعفر وعلى القائم وابنه موسى بن عبد الله وسليمان وعبد الله ابن اخيه داود ومحمد واسمعيل واسحق بنو عمه ابراهيم بن الحسن في خمسة وأربعين من أكابرهم وحبسوا بقصر ابن هبيرة ظاهر الكوفة حتى هلكوا في حبسهم وارهبوا لطلب محمد بن عبد الله فخرج بالمدينة سنة خمس وأربعين وبعث اخاه ابراهيم(4/3)
إلى البصرة فغلب عليها وعلى الاهواز وفارس وبعث الحسن بن معاوية إلى مكة فملكها وبعث عاملا إلى اليمن ودعا لنفسه وخطب على منبر النبي صلى الله عليه وسلم وتسمى بالمهدي وكان يدعى النفس الزكية وحبس رباح بن عثمان المرى عامل المدينة فبلغ الخبر إلى أبى جعفر المنصور فأشفقوا من أمره وكتب إليه كتابه المشهور (ونصه) بعد البسملة من عبد الله أمير المؤمنين إلى محمد بن عبد الله أما بعد فانما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله ويسعون في الارض فسادا أن يقتلوا أو يصلبوا أو تقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف أو ينفوا من الارض ذلك لهم خزى في الدنيا ولهم في الآخرة عذاب عظيم الا الذين تابوا من قبل أن تقدروا عليهم فاعلموا أن الله غفور رحيم وان لك ذمة الله وعهده وميثاقه ان تبت من قبل أن نقدر عليك أن نؤمنك على نفسك وولدك واخوتك ومن تابعك وجميع شيعتك وأن أعطيك ألف ألف درهم وأنزلك من البلاد حيث شئت وأقضى لك ما شئت من الحاجات وأن اطلق من سجن
من أهل بيتك وشيعتك وأنصارك ثم لا أتبع أحدا منكم بمكروه وان شئت ان تتوثق لنفسك فوجه إلى من يأخذ لك من الميثاق والعهد والامان ما أحببت والسلام (فأجابه) محمد بن عبد الله بكتاب نصه بعد البسملة من عبد الله محمد المهدى أمير المؤمنين ابن عبد الله محمد أما بعد طسم تلك آيات الكتاب المبين نتلو عليك من نبا موسى وفرعون بالحق لقوم يؤمنون ان فرعون علا في الارض وجعل أهلها شيعا يستضعف طائفة منهم يذبح أبناءهم ويستحيى نساءهم أنه كان من المفسدين ونريد أن نمن على الذين استضعفوا في الارض ونجعلهم أئمة ونجعلهم الوارثين ونمكن لهم في الارض ونرى فرعون وهامان وجنودهما منهم ما كانوا يحذرون وأنا أعرض عليك من الامان مثل الذى أعطيتني فقد تعلم أن الحق حقنا وانكم انما أعطيتموه بنا ونهضتم فيه بسعينا وحزتموه بفضلنا وان أبانا عليا عليه السلام كان الوصي والامام فكيف ورثتموه دوننا ونحن أحياء وقد علمتم انه ليس أحد من بنى هاشم يشد بمثل فضلنا ولا يفخر بمثل قديمنا وحديثنا ونسبنا ونسيبنا وانا بنو بنته فاطمة في الاسلام من بينكم فا أنا أوسط بنى هاشم نسبا وخيرهم أما وأبا لم تلدني العجم ولم تعرف في أمهات الاولاد وان الله عز وجل لم يزل يختار لنا فولدني من النبيين أفضلهم محمد صلى الله عليه وسلم ومن أصحابه أقدمهم اسلاما وأوسعهم علما وأكثرهم جهادا على بن أبى طالب ومن نسائه أفضلهن خديجة بنت خويلد أول من آمن بالله وصلى إلى القبلة ومن بناته أفضلهن وسيدة نساء أهل الجنة ومن المتولدين في الاسلام سيدا شباب أهل الجنة ثم قد علمت أن هاشما ولد عليا مرتين من قبل جدى الحسن والحسين(4/4)
فما زال الله يختار لى حتى اختار لى في معنى النار فولدني أرفع الناس درجة في الجنة وأهون أهل النار عذابا يوم القيامة فأنا ابن خير الاخيار وابن خير الاشرار وابن خير أهل الجنة وابن خير أهل النار ولك عهد الله ان دخلت في بيعتى أن أؤمنك على
نفسك وولدك وكل ما أصبته الاحدا من حدود الله أو حقا لمسلم أو معاهد فقد علمت ما يلزمك في ذلك فأنا أو في بالعهد منك وأحرى بقبول الامان منك فاما أمانك الذى عرضت على فهو أي الامانات هي أأمان ابن هبيرة أم أمان عمك عبد الله بن على أم أمان أبى مسلم والسلام (فأجابه المنصور) بعد البسملة من عبد الله أمير المؤمنين إلى محمد بن عبد الله فقد أتانى كتابك وبلغني كلامك فإذا جل فحرك بالنساء لتضل به الحفاة والغوغاء ولم يجعل الله النساء كالعمومة ولا الآباء كالعصبة والاولياء وقد جعل الله العم أبا وبدأ به على الولد فقال جل ثنأوه عن نبيه عليه السلام واتبعت ملة آبائى ابراهيم واسمعيل واسحق ويعقوب ولقد علمت أن الله تبارك وتعالى بعث محمدا صلى الله عليه وسلم وعمومته أربعة فأجابه اثنان أحدهما أبى وكفر به اثنان أحدهما أبوك وأما ما ذكرت من النساء وقراباتهن فلو أعطى على قرب الانساب وحق الاحساب لكان الخير كله لآمنة بنت وهب ولكن الله يختار لدينه من يشاء من خلقه وأما ما ذكرت من فاطمة أم أبى طالب فان الله لم يهدأ حدا من ولدها إلى الاسلام ولو فعل لكان عبد الله بن عبد المطلب أولاهم بكل خير في الآخرة والاولى وأسعدهم بدخول الجنة غدا ولكن الله أبى ذلك فقال انك لا تهدى من أحببت ولكن الله يهدى من يشاء وأما ما ذكرت من فاطمة بنت أسد أم على بن أبى طالب وفاطمة أم الحسين وأن هاشما ولدا عليا مرتين وأن عبد المطلب ولدا الحسن مرتين فخير الاولين رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يلده هاشم الامرة واحدة ولم يلده عبد المطلب الامرة واحدة وأما ما ما ذكرت من أنك ابن رسول الله صلى الله عليه وسلم فان الله عز وجل قد أبى ذلك فقال ما كان محمد أبا أحد من رجالكم ولكن رسول الله وخاتم النبيين ولكنكم قرابة ابنته وانها لقرابة قريبة غير أنها امرأة لا تحوز الميراث ولا يجوز أن تؤم فكيف تورث الامامة من قبلها ولقد طلب بها أبوك من كل وجه وأخرجها تخاصم ومرضها سرا ودفنها ليلا وأبى الناس الا تقديم الشيخين ولقد حضر أبوك وفاة رسول الله
صلى الله عليه وسلم فأمر بالصلاة غيره ثم أخذ الناس رجلا رجلا فلم يأخذوا أياك فيهم ثم كان في أصحاب الشورى فكل دفعه عنها بايع عبد الرحمن عثمان وقبلها عثمان وحارب أباك طلحة والزبير ودعا سعدا إلى بيعته فاغلق بابه دونه ثم بايع معاوية بعده وأفضى أمر جدك إلى أبيك الحسن فسلمه إلى معاوية بخزف ودراهم وأسلم في يديه(4/5)
شيعته وخرج إلى المدينة فدفع الامر إلى غير أهله وأخذ ما لا من غير حله فان كان لكم فيها شئ فقد بعتموه فأما قولك ان الله اختار لك في الكفر فجعل أباك أهون أهل النار عذابا فليس في الشر خيار ولا من عذاب الله هين ولا ينبغى لمسلم يؤمن بالله واليوم الآخر أن يفتخر بالنار سترد فتعلم وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون واما قولك لم تلدك العجم ولم تعرف فيك أمهات الاولاد وانك أوسط بنى هاشم نسبا وخيرهم أما وأبا فقد رأيتك فخرت على بنى هاشم طرا وقدمت نفسك على من هو خير منك اولا وآخرا واصلا وفصلا فخرت على ابراهيم بن رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلى والد والده فانظر ويحك أين تكون من الله غدا وما ولد قبلكم مولود بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم أفضل من على بن الحسين وهو لام ولد ولقد كان خيرا من جدك حسن بن حسن ثم ابنه محمد خير من أبيك وجدته أم ولد ثم ابنه جعفر وهو خير ولقد علمت أن جدك عليا حكم الحكمين وأعطاهما عهده وميثاقه على الرضا بما حكما به فأجمعا على خلعه ثم خرج عمك الحسين بن على بن مرجانة فكان الناس الذين معه عليه حتى قتلوه ثم أتوا بكم على الاقتاب كالسبي المجلوب إلى الشأم ثم خرج منكم غير واحد فقتلكم بنو أمية وحرقوكم بالنار وصلبوكم على جذوع النخل حتى خرجنا عليهم فأدركنا يسيركم إذ لم تدركوه ورفعنا أقداركم وأورثناكم ارضهم وديارهم بعد أن كانوا يلعنون اباك في أدبار صلاة مكتوبة كما يلعن الكفرة فسفهناهم وكفرناهم وبينا فضله وأشدنا بذكره فاتخذت ذلك علينا حجة وظننت أنا بما ذكرنا من فضل على
قدمناه على حمزة والعباس وجعفر كل أولئك مضوا سالمين مسلما منهم وابتلى أبوك بالدماء ولقد علمت أن مآثرنا في الجاهلية سقاية الحجيج الاعظم وولاية زمزم وكانت للعباس من دون اخوته فناز عنا فيها أبوك إلى عمر فقضى لنا عمر بها وتوفى رسول الله صلى الله عليه وسلم وليس من عمومته أحد حيا الا العباس وكان وارثه دون عبد المطلب وطلب الخلافة غير واحد من بنى هاشم فلم ينلها الا ولده فاجتمع للعباس أنه أبو رسول الله صلى الله عليه وسلم خاتم الانبياء وبنوه القادة الخلفاء فقد ذهب بفضل القديم والحديث ولو لا ان العباس اخرج إلى بدركرها لمات عماك طالب وعقيل جوعا أو يلحسان جفان عتبة وشيبة فأذهب عنهما العارو الشنار ولقد جاء الاسلام والعباس يمون به طالب للازمة التى أصابتهم ثم فدى عقيلا يوم بدر فعززنا كم في الكفر وفديناكم من الاسر وورثناه دونكم خاتم الانبياء وادركنا بثأركم إذ عجزتم عنه ووضعناكم بحيث لم تضعوا أنفسكم والسلام (ثم عقد) أبو جعفر على حربه لعيسى ابن عمه موسى بن على فزحف إليه في العساكر وقاتله بالمدينة فهزمه وقتله في منتصف رمضان سنة خمس(4/6)
وأربعين ولحق ابنه على بالسند إلى أن هلك هناك واختفى ابنه الآخر عبد الله الاشتر إلى أن هلك في أخبار طويلة قد استوفيناها كلها في اخبار أبى جعفر المنصور ورجع عيسى إلى المنصور فجهزه لحرب ابراهيم أخى محمد بالعيرة فقاتله آخر ذى القعدة من تلك السنة فهزمه وقتله حسبما مر ذكره هنالك وقتل معه عيسى بن زيد بن على فيمن قتل من أصحابه (وزعم ابن قتيبة) أن عيسى بن زيد بن على نار على المنصور بعد قتل أبى مسلم ولقيه في مائة وعشرين ألفا وقاتله أياما إلى ان هم المنصور بالفرار ثم أتيح له الظفر فانهزم عيسى ولحق بابراهيم بن عبد الله بالبصرة فكان معه هناك الى أن لقيه عيسى ابن موسى بن على وقتلهما كما مر (ثم خرج بالمدينة أيام المهدى) سنة تسع وستين من بنى حسن الحسين بن على بن حسن المثلث وهو أخو عبد الله بن حسن المثنى وعم المهدى
وبويع للرضا من آل محمد وسار إلى مكة وكتب الهادى إلى محمد بن سليمان بن على وقد كان قدم حاجا من البصرة فولاه حربه يوم التروية فقاتله بفجة على ثلاثة أميال من مكة وهزمه وقتله وافترق أصحابه وكان فيهم عمه ادريس بن عبد الله فأفلت من الهزيمة مع من أفلت منهم يومئذ ولحق بمصر نازعا إلى المغرب وعلى بريد مصر يومئذ واضح مولى صالح بن المنصور ويعرف بالمسكين وكان يتشيع فعلم بشأن ادريس وأتاه إلى المكان الذى كان به مستخفيا وحمله على البريد إلى المغرب ومعه راشد مولاه فنزل بو ليلى سنة ست وسبعين وبها يومئذ اسحق بن محمد بن عبد الحميد أمير أوريه من قبائل البربر وكبيرهم لعهده فأجاره وأكرمه وجمع البربر على القيام بدعوته وخلع الطاعة العباسية وكشف القناع واجتمع عليه البرابرة بالمغرب فبايعوه وقاموا بأمره وكان فيهم مجوس فقاتلهم إلى ان أسلموا وملك المغرب الاقصى ثم ملك تلمسان سنة ثلاث وسبعين ودخلت ملوك زناتة أجمع في طاعته واستفحل ملكه وخاطب ابراهيم ابن الاغلب صاحب القيروان وخاطب الرشيد بذلك فشد إليه الرشيد مولى من موالى المهدى اسمه سليمان بن حريز ويعرف بالشماخ وأنفذه بكتابه إلى ابن الاغلب فأجازه ولحق با دريس مظهر اللنزوع إليه فيمن نزع من وحدان المغرب متبرئا من الدعوة العباسية ومتنحلا للطالبيين واختصه الامام ادريس وحلى بعينه وكان قد تأبط سما في سنون فناوله اياه عند شكايته من وجع أسنانه فكان فيها فيما زعموا حتفه ودفن ببو ليلى سنة خمس وسبعين وفر الشماخ ولحقه راشد بوادي ملوية فاختلفا بينهما ضربتين قطع فيها راشد يدة وأجاز الشماخ الوادي فأعجزه وبايع البرابرة بعد مهلكه ابنه ادريس سنة ثمان وثمانين واجتمعوا على القيام بأمره ولحق به كثير من العرب من افريقية والاندلس وعجز بنو الاغلب أمراء افريقية عنه فاستفحلت له(4/7)
ولبنيه بالمغرب الاقصى دولة إلى ان انقرضت على يد أبى العافية وقومه مكاتبة أولياء
العبيديين أعوام ثلاثة عشر وثلثمائة حسبما نذكر ذلك في أخبار البربر ونعدد ملوكهم هناك واحدا واحدا وانقراض دولتهم وعودها ونستوعب ذلك كله لانه أمس بالبر برفانهم كانوا القائمين بدعوتهم (ثم خرج يحيى) أخو محمد بن عبد الله بن حسن وادريس في الديلم سنة ست وسبعين أيام الرشيد واشتدت سؤكتهم وسرح الرشيد لحر به الفضل بن يحيى فبلغ الطالقان وتلطف في استنزاله من بلاد الديلم على أن يشترط ما أحب ويكتب له الرشيد بذلك خطه فتم بينهما وجاء به الفضل فوفى له الرشيد بكل ما أحب وأجرى له أرزا قاسنية ثم حبسه بعد ذلك لسعاية كانت فيه من آل الزبير فيقال أطلقه بعدها ووصله بمال ويقال سمه لشهر من اعتقاله ويقال أطلقه جعفر ابن يحيى افتياتا فكان بسببه نكبة البرامكة وانقرض شأن بنى حسن وخفيت دعو الزيدية حينا من الدهر حتى كان منهم بعد ذلك باليمن والديلم ما نذكره والله غالب على أمره * (الخبر عن خروج الفاطميين بعد فتنة بغداد) * كانت الدولة العباسية قد تمهدت من لدن أبى جعفر المنصور منهم وسكن أمر الخوارج والدعاة من الشيعة من كل جهة حتى إذا هلك الرشيد ووقع بين نبيه من الفتنة ما وقع وقتل الامين بيد طاهر بن الحسين ووقع في حصار بغداد من الحرب والعبث ما وقع وبقى المأمون مقيما بخراسان تسكينا لاهلها عن تائرة الفتن وولى على العراق الحسن بن سهل اتسع الخرق حينئذ بالعراق وأشيع عن المأمون أن الفضل بن سهل غلب عليه وحجره فامتعض الشيعة لذلك وتكلموا وطمع العلوية في التوثب على الامر فكان في العراق أعقاب ابراهيم بن محمد بن حسن المثنى المقتول بالبصرة أيام المنصور وكان منهم محمد بن اسمعيل بن ابراهيم ولقبه أبوه طباطبا للكنة كانت في لسانه أيام مرباه بين داياته فلقب بها وكان شيعته من الزيدية وغيرهم يدعون إلى امامته لانها كانت متوارثة في آبائه من ابراهيم الامام جده على ما قلناه في خبره فخرج سنة تسع
وتسعين ودعا لنفسه ووافاه أبو السرايا السرى بن منصور كبير بنى شيبان فبايعه وقام بتدبير حربه وملك الكوفة وكثر تابعوه من الاعراب وغيرهم وسرح الحسن بن سهل زهير بن المسيب لقتاله فهزمه طباطبا واستباح معسكره ثم مات محمد في صبيحة ذلك اليوم فجأة ويقال ان أبا السرايا سمه لما منعه من الغنائم فبايع أبو السرايا يومه ذلك لمحمد ابن محمد بن زيد بن على زين العابدين واستبد عليه وزحفت عليهم جيوش المأمون(4/8)
فهزمهم أبو السرايا وملك البصرة وواسط والمدائن وسرح الحسن بن سهل لحربه هرثمة بن أعين وكان مغضبا فاسترضاه وجهز له الجيوش وزحف إلى أبى السرايا وأصحابه فغلبهم عن المدائن وهزمهم وقتل منهم خلقا ووجه أبو السرايا إلى مكة الحسين الابطس ابن الحسن بن على زين العابدين والى المدينة محمد بن سليمان بن داود بن حسن المثنى اين الحسن والى البصرة زيد بن موسى بن جعفر الصادق وكان يقال له زيد النار لكثرة من أحرق من الناس بالبصرة فملكوا مكة والمدينة والبصرة وكان بمكة مسرور الخادم الاكبر وسليمان بن داود بن عيسى فلما أحسوا بقدوم الحسين فروا عنها وبقى الناس في الموقف فوضى ودخلها الحسين من الغدفعاث في أهل الموسم ما شاء الله واستخرج الكنز الذى كان في الكعبة من عهد الجاهلية وأقره النبي صلى الله عليه وسلم والخلفاء بعده وقدره فيما قيل مائتا قنطار ثنتان من الذهب فأنفقه وفرقه في أصحابه ما شاء الله ثم ان هرثمة واقع أبا السرايا فهزمه ثم بحث عن منصور بن المهدى فكان أميرا معه واتبع أبا السرايا فغلبه على الكوفة وخرج إلى القادسية ثم إلى واسط ولقيه عاملها وهزمه ولحبجل ولا مغلولا جريحا فقبض عليه عاملها وقدمه إلى الحسن بن سهل بالنهروان فضرب عنقه وذلك سنة مائتين وبلغ الخبر الطالبيين بمكة فاجتمعوا وبايعوا محمد بن جعفر الصادق وسموه أمير المؤمنين وغلب عليه ابناه على وحسين فلم يكن يملك معهما من الامر شيأ ولحق ابراهيم ابن أخيه موسى الكاظم
ابن جعفر الصادق باليمن في أهل بيته فدعا لنفسه هنالك وتغلب على الكثير من بلاد اليمن وسمى الجزار لكثرة ما قتل من الناس وخلص عامل اليمن وهو اسحق بن موسى ابن عيسى إلى المأمون فجهزه لحرب هؤلاء الطالبيين فتوجه إلى مكة وغلبهم عليها وخرج محمد بن جعفر الصادق إلى الاعراب بالساحل فاتبعهم اسحق وهزمهم ثم طلبهم وطلب محمد الامان فأمنه ودخل مكة وبايع للمأمون وخطب على المنبر بدعوته وسابقته الجيوش إلى اليمن فشردوا عنه الطالبيين وأقاموا فيه الدعوة العباسية ثم خرج الحسين الابطس ودعا لنفسه بمكة وقتله المأمون وقتل ابنيه عليا ومحمدا ثم ان المأمون لما رأى كثرة الشيعة واختلاف دعاتهم وكان يرى مثل رأيهم أو قريبا منه في شأن على والسبطين فعهد بالعهد من بعده لعلى الرضا بن موسى الكاظم بن جعفر الصادق سنة احدى ومائتين وكتب بذلك إلى الآفاق وتقدم إلى الناس فنزع السواد ولبس الخضرة فحقد بنوا العباس ذلك من أمره وبايعوا بالعراق لعمه ابراهيم بن المهدى سنة ثنتين ومائتين وخطب له ببغداد وعظمت الفتنة وشخص المأمون من خراسان متلافيا أمر العراق وهلك على بن موسى في طريقه فجأة ودفن بطوس سنة ثلاث ومائتين(4/9)
ووصل المأمون إلى بغداد سنة أربع وقبض على عمه ابراهيم وعفا عنه وسكن الفتنة (وفى سنة تسع) بعدها خرج باليمن عبد الرحمن بن أحمد بن عبد الله بن محمد بن عمر بن على ابن أبى طالب بدعو للرضا من آل محمد وبايعه أهل اليمن وسرح إليه المأمون مولاه دينارا واستأمن له فأمنه وراجع الطاعة (ثم كثر خروج الزيدية) من بعد ذلك بالحجاز والعراق والجبال والديلم وهرب إلى مصر خلق وأخذ منهم خلق وتتابع دعاتهم (فأول) من خرج منهم بعد ذلك محمد بن القاسم بن على بن عمر بن زين العابدين هرب خوفا من المعتصم سنة تسع عشرة ومائتين وكان بمكان من العبادة والزهد فلحق بخراسان ثم مضى إلى الطالقان ودعا بها لنفسه واتبعته أمم الزيدية كلهم ثم حاربه
عبد الله بن طاهر صاحب خراسان فغلبه وقبض عليه وحمله إلى المعتصم فحبسه حتى مات ويقال انه مات مسموما (ثم خرج) من بعده بالكوفة أيضا الحسين بن محمد بن حمزة بن عبد الله بن الحسين الاعرج بن على بن زين العابدين واجتمع إليه الناس من بنى أسد وغيرهم من جموعه وأشياعه وذلك سنة احدى وخمسين ومائتين وزحف إليه ابن شيكال من أمراء الدولة فهزمه ولحق بصاحب الزنج فكان معه وكاتبه أهل الكوفة في العود إليه وظهر عليه صاحب الزنج فقتله وكان خروج صاحب الزنج بالبصرة قبله بقليل واجتمعت له جموع العبيد من زنج البصرة وأعمالها وكان يقول في لفظه من أعلمه أنه من ولد عيسى بن زيد الشهيد وأنه على بن محمد بن زيد بن عيسى ثم انتسب إلى يحيى بن زيد الشهيد والحق أنه دعى في أهل البيت كما نذكره في أخباره وزحف إليه الموفق أخو المعتمد ودارت بينه وبينهم حروب إلى أن قتله ومحا أثر تلك الدعوة كما قدمناه في أخبار الموفق ونذكره في أخبارهم (ثم خرج في الديلم) من ولده الحسن بن زيد بن الحسن السبط الداعي المعروف بالعلوى وهو الحسن بن زيد بن محمد ابن اسمعيل بن الحسن خرج لخمس وخمسين فملك طبرستان وجرجان وسائر أعمالها وكانت له ولشيعته الزيدية دولة هناك ثم انقرضت آخر المائة الثالثة وورثها من ولد الحسن السبط ثم من ولد عمر بن على بن زين العابدين الناصر الاطروش وهو الحسن بن على بن الحسين بن على بن عمرو هو ابن عم صاحب الطالقان أسلم الديلم على يد هذا الاطروش وملك بهم طبرستان وسائر أعمال الداعي وكانت له ولبنيه هنالك دولة وكانوا سببا لملك الديلم البلاد وتغلبهم على الخلفاء كما نذكر ذلك في أخبار دولتهم (ثم خرج باليمن) من الزيدية من ولد القاسم الرسى بن ابراهيم طبا طبا أخى محمد صاحب أبى السرايا أعوام ثمانية وثمانين ومائتين يحيى بن الحسين بن القاسم الرسى فاستولى على صعدة وأورث عقبه فيها ملكا باقيا لهذا العهد وهى مركز الزيدية كما نذكر في أخبارهم (وفى خلال ذلك(4/10)
خرج بالمدينة الاخوان محمد وعلى ابنا الحسن بن جعفر بن موسى الكاظم وعاثا في المدينة عيثا شديدا وتعطلت الصلاة بمسجد النبي صلى الله عليه وسلم نحوا من شهر وذلك سنة احدى وسبعين (ثم ظهر بالمغرب) من دعاة الرافضة أبو عبد الله الشيعي في كتامة من قبائل البربر أعوام ستة وثمانين ومائتين داعيا لعبيد الله المهدى محمد بن جعفر بن محمد بن اسمعيل الامام بن جعفر الصادق فظهر على الاغالبة بالقيروان وبايع لعبيد الله المهدى سنة ست وتسعين فتم أمره وملك المغربين واستفحلت له درلة بالمغرب ورثها بنوه ثم استولوا بعد ذلك على مصر سنة ثمان وخمسين وثلثمائة فملكها منهم المعز لدين الله معد ابن اسمعيل بن أبى القاسم بن عبيد الله المهدى وشيد القاهرة يثم ملك الشأم واستفحل ملكه إلى ان انقرضت دولتهم على العاضد منهم على يد صلاح الدين بن أيوب سنة خمس وستين وخمسمائة (ثم ظهر في سواد الكوفة) سنة ثمان وخمسين ومائتين من دعاة الرافضة رجل اسمه الفرج بن يحيى ويدعى قرمط بكتاب زعم أنه من عند أحمد بن محمد بن الحنفية فيه كثير من كلمات الكفر والتحليل والتحريم وادعى أن أحمد بن الحنفية هو المهدى المنتظر وعاث في بلاد السواد ثم في بلاد الشأم وتلقب وكرويه بن مهرويه واستبد طائفة منهم بالبحرين ونواحيها ورئيسهم أبو سعيد الجناجى وكان له هناك ملك ودولة أورثها نبيه من بعده إلى ان انقرضت أعوامهم كما يذكر في أخبار دولتهم وكان أهل البحرين هؤلاء يرجعون إلى دعوة العبيديين بالمغرب وطاعتهم (ثم كان بالعراق) من دعاة الاسماعيلية وهؤلاء الرافضة طوائف آخرون واستبدوا بكثير من النواحى ونسب إليهم فيها القلاع قلعة الموت وغيرها وينسبون تارة إلى القرامطة وتارة إلى العبيديين وكان من رجالاتهم الحسن بن الصباح في قلعة الموت وغيرها إلى ان انقرض أمرهم آخر الدولة السلجوقية (وكان باليمامة ومكة والمدينة) من بعد ذلك دول للزيدية والرافضة فكان باليمامة دولة لبنى الاخضر وهو محمد بن يوسف بن ابراهيم بن موسى الجون بن عبد الله بن حسن المثنى خرج أخوه اسمعيل بن يوسف في بادية الحجاز سنة ثنتين وخمسين
ومائتين وملك مكة ثم مات فمضى أخوه محمد إلى اليمامة فملكها وأورثها لبنيه إلى ان غلبهم القرامطة (وكان بمكة) دولة لبنى سليمان بن داود بن حسن المثنى خرج محمد بن سليمان أيام المأمون وتسمى بالناهض وملك مكة واستقرت امارتها في نبيه إلى أن غلبهم عليها الهواشم وكبيرهم محمد بن جعفر بن أبى هاشم محمد بن الحسن بن محمد بن موسى ابن عبد الله أبى الكرام بن موسى الجون فملكها من ابراهيم سنة أربع وخمسين وأربعمائة وغلب بنى حسن على المدينة وداول الخطبة بمكة بين العباسيين والعبيديين واستفحل ملكه في نبيه إلى أن انقرضوا آخر المائة السادسة وغلب على مكة بنو أبى(4/11)
قمى امراؤها لهذا العهد ملك أولهم أبو عزيز قتادة بن ادريس مطاعن بن عبد الكريم ابن موسى بن عيسى بن محمد بن سليمان بن عبد الله بن موسى الجون وورث دولة الهواشم وملكهم وأورثها نبيه إلى هذا العهد كما نذكر في أخبارهم وهؤلاء كلهم زيدية (وبالمدينة) دولة للرافضة لولد الهناء قال المسيحي اسمه الحسن بن طاهر بن مسلم وفى كتاب العتبى مؤرخ دولة ابن سبكتكين ان مسلما اسمه محمد بن طاهر وكان صديقا لكافور ويدبر أمره وهو من ولد الحسن بن على زين العابدين واستولى طاهر بن مسلم على المدينة أعوام ستين وثلثمائة وأورثها نبيه لهذا العهد كما نذكر في أخبارهم والله وارث الارض ومن عليها (الخبر عن الادارسة ملوك المغرب الاقصى ومبدا) (دولتهم وانقراضها ثم تجددها مفترقة في نواحى المغرب) لما خرج حسين بن على بن حسن المثلث بن حسن المثنى بن الحسن السبط بمكة في ذى القعدة سنة ست وتسعين ومائة أيام المهدى واجتمع عليه قرابته وفيهم عماه ادريس ويحيى وقاتلهم محمد بن سليمان بن على بعجة على ثلاثة أميال بمكة فقتل الحسين في جماعة من أهل بيته وانهزموا وأسر كثير منهم ونجا يحيى بن ادريس وسليمان وظهر
يحيى بعد ذلك في الديلم وقد ذكرنا خبره من قبل وكيف استنزله الرشيد وحبسه * (وأما ادريس) * ففر ولحق بمصر وعلى بريدها يومئذ واضح مولى صالح بن المنصور ويعرف بالمسكين وكان واضح يتشيع فعلم شأن ادريس وأتاه إلى الموضع الذى كان به مستخفيا ولم يرشيأ أخلص من أن يحمله على البريد إلى المغرب ففعل ولحق ادريس بالمغرب الاقصى هو ومولاه راشد ونزل بولية سنة ثنتين وسبعين وبها يومئذ اسحق بن محمد بن عبد الحميد أميراورية وكبيرهم لعهده فأجاره وجمع البرابر على القيام بدعوته وكشف القناع في ذلك واجتمعت عليه زواغة ولواتة وسدراتة وغياثة ونفرة وسكناسة وغمارة وكافة البرابر بالمغرب فبايعوه وقاموا بأمره وخطب الناس يوم بويع فقال بعد حمد الله والصلاة على نبيه لاتمدن الاعناق إلى غير نافان الذى تجدونه عندنا من الحق لا تجدونه عند غيرنا ولحق به من اخوته سليمان ونزل بأرض زناته من تلمسان ونواحيها ونذكر خبره فيما بعد (ولما استوثق) أمر ادريس وتمت دعوته زحف إلى البرابرة الذين كانوا بالمغرب على دين المجوسية واليهودية والنصرانية مثل قندلاوه وبهلوانه ومديونة ما زار وفتح تامسنا ومدينة وتادلا وكان أكثرهم على دين اليهودية والنصرانية فأسلموا على يديه طوب وكرها وهدم معاقلهم وحصونهم ثم زحف إلى(4/12)
تلمسان وبها من قبائل بنى يعرب ومغراوه سنة ثلاث وسبعين ولقيه أميرها محمد بن حرز ابن حزلان فأعطاه الطاعة وبذل له ادريس الامان ولسائر زناتة فأمكنه من قياد البلد وبنى مسجدها وأمر بعمل منبره وكتب اسمه فيه حسبما هو مخطوط في صفح المنبر لهذا العهد ورجع إلى مدينة وليلى ثم دس إليه الرشيد مولى من موالى المهدى اسمه سليمان ابن حريز ويعرف بالشماخ أنفذه بكتابه إلى ابن الاغلب فأجازه ولحق بادريس مظهرا النزوع إليه فيمن نزع من وحران المغرب متبرئا من الدعوة العباسية ومنتحلا للطلب واختصه الامام ادريس وحلا بعينه وكان قد تأبط سما في سنون فناوله اياه عند شكايته
من وجع أسنانه فكان فيه كما زعموا حتفه ودفن بو ليلى سنة خمس وسبعين وفر الشماخ ولحقه فيما زعموا راشد بوادي ملوية فاختلفا ضربتين قطع فيها راشديد الشماخ وأجاز الوادي فاعجزه واعتلق بالبرابر من أوربة وغيرهم فجمل من دعوته في ابنه ادريس الاصغر من جاريته كنزه بايعوه حملا ثم رضيعا ثم فصيلا إلى ان شب وامتنم فبايعوه بجامع وليلى سنة ثمان وثمانين ابن احدى عشرة سنة وكان ابن الاغلب دس إليهم الاموال واستمالهم حتى قتلوا راشدا مولاه سنة ست وثمانين وقام بكفالة ادريس من بعده أبو خالد بن يزيد بن الياس العبدى ولم يزل كذلك إلى ان بايعوا الادريس فقاموا بأمره وجردوا لانفسههم رسوم الملك بتجديد طاعته وافتتحوا بلاد المغرب كلها واستوثق لهم الملك بها واستوزر ادريس مصعب بن عيسى الازدي المسمى بالملجوم من ضربة في بعض حروبهم وسمته على الخرطوم وكأنها خطام ونزع إليه كثير من قبائل العرب والاندلس حتى اجتمع إليه منهم زهاء خمسمائة فاختصهم دون البربر وكانوا له بطانة وحاشية واستفحل بهم سلطانة ثم قتل كبيرأ ورية اسحق بن محمود سنة ثنتين وتسعين لما أحس منه بموالاة ابراهيم بن الاغلب وكثرت غاشية الدولة وأنصارها وضاقت وليلى بهم فاعتام موضعا لبناء مدينة لهم وكانت فاس موضعا لبنى بوغش وبنى الخير من وزاغة وكان في بنى بوغش مجوس ويهود ونصارى وكان موضع شيبوبة منها بيت نار لمجوسهم وأسلموا كلهم على يده وكانت بينهم فتن فبعث للاصلاح بينهم كاتبه أبا الحسن عبد الملك بن مالك الخزرجي ثم جاء إلى فاس وضرب أبنيته بكز واوه وشرع في بنائها فاختط عدوة الاندلس سنة ثنتين وتسعين وفى سنة ثلاث بعدها اختط عدوة القرويين وبنى مساكنه وانتقل إليها وأسس جامع الشرفاء وكانت عدوة القرويين من لدن باب السلسلة إلى غدير الجوزاء والجرف واستقام له أمر الخلافة وأمر القائمين بدعوته وأمر العزو الملك ثم خرج غازيا المصامدة سنة سبع وتسعين فافتتح بلادهم ودانوا بدعوته ثم غزا تلمسان وجدد بناء مسجدها واصلاح منبرها وأقام بها ثلاث سنين وانتظمت كلمة البرابرة وزنانة(4/13)
ومحوا دعوة الخوارج منهم واقتطع الغربيين عن دعوة العباسيين من لدن الشموس الاقصى إلى شلف ودافع ابراهيم بن الاغلب عن حماه بعد ما ضايقه بالمكاد واستقاد الاولياء واستمال بهلول بن عبد الواحد المظفرى بمن معه من قومه عن طاعة ادريس إلى طاعة هرون الرشيد ووفد عليه بالقيروان واستراب ادريس بالبرابرة فصالح ابراهيم ابن الاغلب وسكن من غربه وعجز الاغالبة من بعد ذلك عن مدافعة هؤلاء الادارسة ودافعوا خلفاء بنى العباس بالمعاذير بالغض من ادريس والقدح في نسبه إلى أبيه ادريس بما هو أوهن من خيوط العناكب (وهلك ادريس) سنة ثلاث عشرة وقام بالامر من بعده ابنه محمد بعهده إليه فأجمع أمره بوفاة جدته كنزة أم ادريس على أن شرك اخوته في سلطانه ويقاسم ممالك أبيه فقسم المغرب بينهم أعمالا اختص منها القاسم بطنجة والبصرة وسبته وتيطاوين وقلعة حجر النسر وما إلى ذلك من البلاد والقبائل واختص عمر بتبكيسان وترغه وما بينهما من قبائل صنهاجة وغمارة واختص داود ببلاد هوارة وتسول وتازى وما بينهما من القبائل مكناسة وغياثة واختص عبد الله باغمات وبلد نفيس وجبال المصامدة وبلاد لمطة والسوس الاقصى واختص يحيى باصيلا والعرائش وبلاد روغة وما إلى ذلك واختص عيسى بشالة وسلا وازموروتا مسنا وما إلى ذلك من القبائل واختص حمزة بو ليلى واعمالها وأبقى الباقين في كفالتهم وكفالة جدتهم كنزة لصغرهم وبقيت تلمسان لولد سليمان بن عبد الله وخرج عيسى بازمور على أخيه محمد طالبا الامر لنفسه فبعث لحربه أخاه عمر بعد أن دعا القاسم لذلك فامتنع ولما أرقع عمر بعيسى وغلب على ما في يده استنابه إلى أعماله باذن أخيه محمد ثم أمره أخوه محمد بالنهوض إلى حرب القاسم لقعوده عن اجابته في محاربة عيسى فزحف إليه وأوقع به واستناب عليه إلى ما في يده فصار الريف البحري كله من عمل عمر هذا من تيكيشاش وبلاد غمارة إلى سبته ثم إلى طنجة وهذا ساحل البحر
الرومي ثم ينعطف إلى أصيلا ثم سلا ثم ازمور وبلاد تامسنا وهذا ساحل البحر الكبير وتزهد القاسم وبنى رباطا بساحل أصيلا للعبادة إلى ان هلك واتسعت ولاية عمر بعمل عيسى والقاسم وخلصت طويته لاخيه محمد الامير وهلك في امارة أخيه محمد ببلد صنهاجة بموضع يقال له فج الفرص سنة عشرين ومائتين ودفن بفاس وعمر هذا هو جد المحموديين الدائلين بالاندلس من بنى أمية كما نذكره وعقد الامير محمد على عمله لولده على ابن عمر ثم كان مهلك الامير محمد لسبعة أشهر من مهلك أخيه عمر سنة احدى وعشرين ومائتين بعد أن استخلف ولده عليا في مرضه وهو ابن تسع سنين فقام بأمره الاولياء(4/14)
والحاشية من العرب وأوربة وسائر البربر وصنائع الدولة وبايعوه غلاما مترعرعا وقاموا بأمره وأحسنوا كفالته وطاعته فكانت أيامه خير أيام وهلك سنة أربع وثلاثين لثلاث عشرة سنة من ولايته وعهد لاخيه يحيى بن محمد فقام بالامر وامتد سلطانه وعظمت دولته وحسنت آثار أيامه واستجدت فاس في العمران وبنيت بها الحمامات والفنادق للتجار وبنيت الارباض ورحل إليها الناس من الثغور القاصية واتفق ان نزلتها امرأة من أهل القيروان تسمى أم البنين بنت محمد الفهرى وقال ابن أبى ذرع اسمها فاطمة وانها من هوارة وكانت مترية بموروث أفادته من ذويها واعتزمت على صرفه في وجوه الخير فاختطت المسجد الجامع بعدوة القرويين أصغر ما كان سنة خمس وأربعين في أرض بيضاء كان أقطعها الامام ادريس وأنبطت بصحنها بئراشرا باللناس فكأنما نبهت بذلك عزائم الملوك من بعدها ونقلت إليه الخطبة من جامع ادريس لضيق محلته وجواريته واختط بعد ذلك أحمد بن سعيد بن أبى بكر اليغرنى صومعته سنة خمس وأربعين وثلثمائة على رأس مائة سنة من اختطاط الجامع حسبما هو منقوش في الحجارة بالركن الشرقي منها ثم أوسع في خطته المنصور بن أبى عامر وجلب إليه الماء وأعدله السقاية والسلسلة بباب الحفاتمنه
ثم أوسع في خطته آخر ملوك لمتونة من الموحدين وبنى مرين واستمرت العمارة به وانصرفت هممهم إلى تشييده والمنافسات في الاحتفال به فبلغ الاحتفال فيه ما شاء الله حسبما هو مذكور في تواريخ المغرب وهلك يحيى هذا سنة وولى ابنه يحيى به يحيى فأساء السيرة وكثر عبثه في الحرم وثارت به العامة لمركب شنيع أتاه وتولى كبر الثورة عبد الرحمن بن أبى سهل الحزامى وأخرجوه من عدوة القرويين إلى عدوة الاندلسيين فتوارى ليلتين ومات أسفا لليلته وانقطع الملك من عقب محمد بن ادريس وبلغ الخبر بشأن يحيى إلى ابن عمه على بن عمر صاحب الريف واستدعاه أهل الدولة من العرب والبربر والمولى فجاء إلى فاس ودخلها وبايعوه واستولى على أعمال المغرب إلى ان ثار عليه عبد الرزاق الخارجي خرج بجبال مديونة وكان على رأى الصفرية فزحف إلى فاس وغلب عليها ففر إلى أروبة وملك عبد الرزاق عدوة الاندلس وامتنعت منه عدوة القرويين وولوا على أنفسهم يحيى بن القاسم بن ادريس وكان يعرف بالصر ام بعثوا إليه فجاءهم في جموعه وكانت بينه وبين الخارجي حروب ويقال انه أخرجه من عدوة لاندلس واستعمل عليها ثعلبة بن محارب بن عبد الله كان من أهل الريض بقرطبة من ولد المهلب بن أبى صفرة ثم استعمل ابنه عبد الله المعروف بعبود من بعده ثم ابنه محارب بن عبود بن ثعلبة إلى أن اغتاله الربيع بن سليمان سنة ثنتين وتسعين(4/15)
ومائتين وقام بالامر مكانه يحيى بن ادريس بن عمر صاحب الريف وهو ابن أخى على بن عمر فلك جميع أعمال الادارسة وخطب له على سائر أعمال المغرب وكان أعلى بنى ادريس ملكا وأعظمهم سلطانا وكان فقيها عارفا بالحديث ولم يبلغ أحد من الادارسة مبلغه في السلطان والدولة وفى أثناء ذلك كله خلط الملك للشيعة بافريقية وتغلبوا على الاسكندرية واختطوا المهدية كما نذكره في دولة كتامة ثم طمعوا إلى ملك المغرب وعقدوا لمضالة بن حبوس كبير مكناسة وصاحب تاهرت على محاربة ملوكه سنة خمس وثلثمائة
فزحف إليه في عساكر مكناسة وكتامة وبرز لمدافعته يحيى بن ادريس صاحب المغرب مجموعه من المغرب وأولياء الدولة من أوربة وسائر البرابرة والموالي والتقوا على مكناسة وكانت الدبرة على يحيى وقومه ورجع إلى فاس مغلولا وأجاز له بها معاملة إلى أن صالحه على مال يؤديه إليه وطاعة معروفة لعبيد الله الشيعي سلطانه يؤديها فقبل الشرط وخرج عن الامر وخلع نفسه وأنفذ بيعته إلى عبيد الله المهدى وأبقى عليه مصالحه في سكنى فاس وعقد له على عملها خاصة وعقد لابن عمه موسى بن أبى العافية أمير مكناسة يومئذ وصاحب سنور وتازير على سائر أعمال البربر كما نذكره في أخبار مكناسة ودولة موسى وكان بين موسى بن أبى العافية وبين يحيى بن ادريس شحناه وعداوة يضطغنها كل واحد لصاحبه حتى إذ اعاد مضالة إلى المغرب في غزاته الثانية سنة تسع أغزاه موسى بن أبى العافية بطلحة بن يحيى بن ادريس صاحب فاس فقبض عليه مضالة واستصفى أمواله وذخائره وغربه إلى أصيلا والريف عمل ذى قرباه ورحمه وولى على فاس ريحان الكتامى ثم خرج يحى يريد افريقية فاعترضه ابن أبى العافية وسجنه سنتين وأطلقه ولحق بالمهدية سنة احدى وثلاثين وهلك في حصار أبى يزيد سنة واستبد ابن أبى العافية بملك المغرب وثار على ريحان الكتامى بفاس سنة ثلاث عشرة وثلثمائة الحسن ابن محمد بن القاسم بن ادريس الملقب بالحجام ونفى ريحان عنها وملكها عامين وزحف للقاء موسى بن أبى العافية وكانت بينهما حروب شديدة هلك فيها ابنه منهال بن موسى وانجلت المعركة على أكثر من ألف قتيل وخلص الحسن إلى فاس منهزما وغدر به حامد بن حمدان الاوربي واعتقله وبعث إلى موسى فوصل إلى فاس وملكها وطالبه باحضار الحسن فدافعه عن ذلك وأطلق الحسن متنكر افتدلى من السور فسقط ومات من ليلته وفر حامد بن حمدان إلى المهدية وقتل موسى بن أبى العافية عبد الله بن ثعلبة بن محارب وابنيه محمدا ويوسف وذهب ملك الادارسة واستولى ابن أبى العافية على جميع المغرب وأجلى بنى محمد بن القاسم بن ادريس وأخاه الحسن إلى الريف فنزلوا البصرة
واجتمعوا إلى كبيرهم ابراهيم بن محمد بن القاسم أخى الحسن وولوه عليهم واختط لهم(4/16)
الحصن المعروف بهم هنالك وهو حجر النسر سنة سبع عشرة وثلثمائة ونزلوه وبنو عمر بن ادريس يومئذ بغمارة من لدن تيجساس إلى سبتة وطنجة وبقى ابراهيم كذلك وشعر الناصر الروانى لطلب المغرب وملك سبتة على بن ادريس سنة تسع عشرة وكبيرهم يومئذ أبو العيش بن ادريس بن عمر فانجابوا له عنها وأنزل بها حاميته وهلك ابراهيم بن محمد كبير بنى محمد فتولى عليهم من بعده أخوه القاسم الملقب بكانون وهو أخو الحسن الحجام واسمه القاسم بن محمد بن القاسم وقام بدعوة الشيعة انحرافا عن أبى العافية ومذاهبه واتصل الامر في ولده وغمارة أولياؤهم والقائمون بأمرهم كما نذكره في أخبار غمارة ودخلت دعوة المروانيين خلفاء قرطبة إلى المغرب وتغلبت زنانة على الضواحى ثم ملك بنو يعرب فاس وبعدهم مغراوة وأقام الادارسة بالريف مع غمارة وتجدد لهم به ملك في بنى محمد وبنى عمر بمدينة البصرة وقلعة حجر النسر ومدينة سبتة وأصيلا ثم تغلب عليهم المروانيون وأثخنوهم إلى الاندلس ثم أجازوهم إلى الاسكندرية وبعث العزيز العبيدي بن كانون منهم لطلب ملكهم بالمغرب فغلبه عليه المنصور بن أبى عامر وقتله وعليه كان انقراض أمرهم وانقراض سلطان أورية من المغرب وكان من أعقاب الادارسة الذين اووا إلى غمارة فكانوا الدائلين من ملوك الاموية بالاندلس وذلك أن الادارسة لما انقرض سلطانهم وصاروا إلى بلاد غمارة واستجدوا بها رياسة واستمرت في بنى محمد وبنى عمر من ولد ادريس بن ادريس وكانت للبربر إليهم بسبب ذلك طاعة وخلطة وكان بنو حمود هؤلاء من غمارة فأجاز وامع البربر حين أجازوا في مظاهرة المستعين ثم غلبوه بعد ذلك على الامر وصار لهم ملك الاندلس حسبما نذكر في أخبارهم (وأما سليمان) أخو ادريس الاكبر فانه فر إلى المغرب أيام العباسيين فلحق بجهات تاهرت بعد مهلك أخيه ادريس وطلب الامر هناك فاستنكره البرابرة وطلبه ولاة
الاغالبة فكان في طلبهم تصحيح نسبه ولحق بتلمسان فملكها وأذعنت له زناتة وسائر قبائل البربر هنالك وورث ملكه ابنه محمد بن سليمان على سننه ثم افترق بنوه على ثغور المغرب الاوسط واقتسموا ممالكه ونواحيه فكانت تلمسان من بعده لابنه محمد بن أحمد بن القاسم ابن محمد بن أحمد وأظن هذا القاسم هو الذى يدعى بنو عبد الواد نسبه فان هذا أشبه من القاسم بن ادريس بمثل هذه الدعوى وكانت ارشكول لعيسى بن محمد بن سليمان وكان منقطعا إلى الشيعة وكانت جراوة لادريس بن محمد بن سليمان ثم لابنه عيسى وكنيته أبو العيش ولم تزل امارتها في ولده ووليها بعده ابنه ابراهيم بن عيسى ثم ابنه يحيى بن ابراهيم ثم أخوه ادريس بن ابراهيم وكان ادريس بن ابراهيم صاحب ارشكول منقطعا إلى عبد الرحمن الناصر وأخوه يحيى كذلك وارتاب من قبله ميسور قائد الشيعة فقبض(4/17)
عليه سنة ثلاث وعشرين وثلثمائة ثم انحرف عنهم فلما أخذ ابن أبى العافية بدعوة العلوية نابذ أولياء الشيعة فحاصر صاحب جراوة الحسن بن أبى العيش وغلبه على جراوة فلحق بابن عمه ادريس بن ابراهيم صاحب ارشكول ثم حاصرها البورى بن موسى بن أبى العافية وغلب عليهما وبعث بهما إلى الناصر فأسكنهما قرطبة وكانت تنس لابراهيم بن محمد بن سليمان ثم لابنه محمد من بعده ثم لابنه يحيى بن محمد ثم ابنه على بن يحيى وتغلب عليه زيرى بن مناد سنة ثنتين وأربعين وثلثمائة ففر إلى الجبر بن محمد بن خزر وجاز ابناه حمزة ويحيى إلى الناصر فتلقاهما رحبا وتكرمة ورجع يحيى منهما إلى طلب تنس فلم يظفر بها وكان من ولد ابراهيم هذا أحمد بن عيسى بن ابراهيم صاحب سوق ابراهيم وسليمان بن محمد بن ابراهيم من رؤساء المغرب الاوسط وكان من بنى محمد بن سليمان هؤلاء وبطوش بن حناتش بن الحسن بن محمد بن سليمان قال ابن حزم وهم بالمغرب كثير جدا وكان لهم بها ممالك وقد بطل جميعها ولم يبق منهم بها رئيس بنواحي بجاية وحمل بنى حمزة هؤلاء جوهر إلى القيروان وبقيت منهم بقايا في الجبال والاطراف معروفون هنالك عند
البربر والله وارث الارض ومن عليها * (الخبر عن صاحب الزنج وتصاريف أمره واضمحلال دعوته) * هذه الدعوة فيها اضطراب منذ أولها فلم يتم لصاحبها دولة وذلك أن دعاة العلوية منذ زمان المعتصم من الزيدية كماشر حناه وكان من أعظمهم الذين دعالهم شيعتهم بالنواحي على بن محمد بن أحمد بن عيسى بن زيد الشهيد ولما اشتهر أمره فر وقتل ابن عمه على بن محمد بن الحسن بن على بن عيسى وبقى هو متغيبا فادعى صاحب الزنج هذا سنة خمس وخمسين ومائتين أيام المهدى انه هو فلما ملك البصرة ظهر هذا المطلوب ولقيه صاحب الزنج حيا معروفا بين الناس فرجع عن دعوى نسبه وانتسب إلى يحيى بن يزيد قتيل الجون ونسبه المسعودي إلى طاهر بن الحسين بن على وقال فيه على بن محمد بن جعفر بن الحسين بن طاهر وبشكل ذلك بأن الحسين بن فاطمة لم يكن له عقب الا من زين العابدين قاله ابن حزم وغيره فان أراد بطاهر طاهر بن يحيى المحدث بن الحسن بن عبيد الله بن الحسن الاصغر بن زين العابدين فتطول سلسلة نسبه وتشتمل على اثنى عشر إلى الحسين ابن فاطمة ويبعد ذلك إلى العصر الذى ظهر فيه والذى عليه المحققون الطبري وابن حزم وغيرهما أنه رجل من عبد القيس من قرية تسمى ودريفن من قرى الرى واسمه على ابن عبد الرحيم حدثته نفسه بالتوئب ورأى كثرة خروج الزيدية من الفاطميين فانتجل هذا النسب وادعاه وليس من أهله ويصدق هذا انه كان خارجيا(4/18)
على رأى الازارقة يلعن الطائفتين من أهل الجمل وصفين وكيف يكون هذا من علوى صحيح النسب ولاجل انتحاله هذا النسب وبطلانه في دعاويه فسدا مره فقتل ولم تقم له دولة بعد أن فعل الافاعيل وعاث في جهات البصرة واستباح الامصار وخربها وهزم العساكر وقتل الامراء الاكابر واتخذ لنفسه حصونا قتل فيها لما جاوبه مكره سنة الله في عباده (وسياق الخبر عنه) انه شخص من الذين حجبوا ببغداد مع جماعة من حاشية
المنتصر ثم سار إلى البحرين سنة تسع وأربعين ومائتين فادعى أنه علوى من ولد الحسين ابن عبيد الله بن العباس بن على ودعا الناس إلى طاعته فاتبعه كثير من أهل هجر ثم تحول إلى الاحساء ونزل على بعض بنى تميم ومعه قوارة يحيى بن محمد الازرق وسليمان بن جامع وقاتل أهل البحرين فهزموه وافترقت العرب عنه ولحق بالبصرة والفتنة فيها بين البلالية والسعدية وبلغ خبره محمد بن رجاء العامل فطلبه فهرب وحبس ابنه وزوجته وبعض أصحابه ولحق هو ببغداد فانتسب إلى عيسى بن زيد الشهيد كما قلناه وأقام بها حولا ثم بلغه أن البلالية والسعدية أخرجوا محمد بن رجاء من البصرة وأن أهله خلصوا فرجع إلى البصرة في رمضان سنة خمس وخمسين ومعه يحيى بن محمد وسليمان بن جامع ومن أهل بغداد الذين استمالهم جعفر بن محمد الصمد حانى وعلى بن أبان وعبدان غير من سمينا فنزل بظاهر البصرة ووجه دعوته إلى العبيد من الزنوج وأفسدهم على مواليهم ورغبهم في العتق ثم في الملك واتخذ راية رسم فيها ان الله اشترى من المؤمنين أنفسهم الاية وجاءه موالى العبيد في طلبهم فأمرهم بضربهم وحسبهم ثم أطلقهم وتسايل إليه الزنوج واتبعوه وهزم عساكر البصرة والابلة وذهب إلى القادسية وجاءت العساكر من بغداد فهزمهم ونهب النواحى وجاء المدد إلى البصرة مع جعلان من قواد الترك وقاتلوه فهزمهم ثم ملك الابلة واستباحها وسار إلى الاهواز وبها ابراهيم ابن المدير على الخوارج فافتتحها وأسر ابن المدير سنة ست وخمسين إلى أن فر من محبسهم فبعث المعتمد سعيد بن صالح الحاجب لحربهم سنة سبع وخمسين وهو يومئذ عامل البصرة وسار من واسط فهزمه على بن أبان من قواد الزنج لحربهم هزمه إلى البحرين فتحصن بالبصرة وزحف على بن أبان لحصاره حتى نزل على أمانة ودخلها وأحرق جامعها ونكب عليه صاحب الزنج فصرفه وولى على البصرة مكانه يحيى بن محمد البحراني وبعث المعتمد محمدا المولد إلى البصرة فأخرج عنها الزنج ثم بيتوا محمد بن المولد فهزموه ثم ساروا إلى الاهواز وعليها منصور الخياط فواقع الزنج فغلبوه وكان
المعتمد قد استقدم أخاه أبا أحمد الموفق من مكة وعقد له على الكوفة والحرمين وطريق مكة واليمن ثم عقد له على بغداد والسواد وواسط وكور دجلة والبصرة والاهواز(4/19)
وأمره أن يعقد ليارجوج على البصرة وكور دجلة واليمامة والبحرين مكان سعيد ابن صالح ثم انهزم سعيد بن صالح فعقد يارجوج لمنصور بن جعفر مكانه ثم قتله الزنج كما قلناه فأمر المعتمد أخاه الموفق بالمسير إليهم في ربيع سنة ثمان وخمسين وعلى مقدمته مفلح فأجفل الزنج عن البصرة وسار قائدهم على بن ابان فلقى مفلحا فقتل مفلح وانهزم أصحابه ورجع الموفق إلى سامرا وكان اصطيخور ولى الاهواز بعد منصور الخياط وجاءه يحيى بن محمد البحراني من قواد الزنج وبلغهم مسير الموفق فانهزم يحيى البحراني ورجع في السفن فأخذ وحمل إلى سامرا فقتل وبعث صاحب الزنج مكانه على بن أبان وسليمان الشعرانى فملكوا الاهواز من يد اصطيخور سنة تسع وخمسين بعد أن هزموه وهرب في السفن فغرق وسرح المعتمد لحربهم موسى بن بغا بعد ان عقد له على تلك الاعمال فبعث إلى الاهواز عبد الرحمن بن مفلح والى البصرة اسحق بن كيدا حق والى باد اورد ابراهيم بن سليمان وأقاموا في حروبهم مدة سنة ونصفها ثم استعفى موسى ابن بغاو ولى على تلك الاعمال مكانه مسرور البلخى وجهز المعتمد أخاه أبا أحمد الموفق لحربهم بعد أن عهد له بالخلافة ولقبه الناصر لدين الله الموفق وولى على أعمال المشرق كلها إلى آخر اصفهان وعلى الحجاز فسار لذلك سنة ثنتين وستين واعترضه يعقوب الصفار يريد بغداد فشغل بحربه وانهزم الصفار وانتزع من يده ما كان ملكه من الاهواز وكان مسرور البلخى قد سار إلى المعتمد وحضر معه حرب الصفار فاغتنم صاحب الزنج خلو تلك النواحى من العسكر وبث سراياه للنهب والتخريب في القادسية وجاءت العساكر من بغداد مع اغرتمش وخشتش فهزمهم الزنج وقائدهم سليمان ابن جامع وقتل خشتش وكان على بن أبان من قوادهم قد سار إلى الاهواز وأميرها يومئذ
محمد بن هزار مرد الكردى فبعث مسرور البلخى أحمد بن الينونة للقائهم فغلب أولا على الاهواز على بن أبان ثم ظاهره محمد بن هزار مردو الاكراد فرجع إلى السوس وأقام على بن أبان وصاحبه بتستر وطمع انه يخطب لصاحب الزنج فخطب هو للصفار فاقتتلا وانهزم على بن أبان وخرج واضطربت فارس بالفتنة ثم ملك الصفار الاهواز وواعد الزنج وسار سليمان بن جامع من قواد الزنج وولى الموفق على مدينة واسط أحمد بن المولد فزحف إليه الخليل بن أبان فهزمه واقتحم واسطا واستباحها سنة أربع وستين وضربت خيولهم في نواحى السواد إلى النعمانية إلى جرجرايا فاستباحوها وسار على بن أبان إلى الاهواز فحاصرها واستعمل الموفق عليها مسرورا البلخى فبعث تكيد النحارى إلى تستر فهزمهم على بن أبان وجماعة الزنج وسألوه الموادعة فوادعهم واتهمه مسرور فقبض عليه وبعث مكانه أغرتمش فهزم الزنج أولا ثم هزموه ثانيا(4/20)
فوادعهم ثم سار على بن أبان إلى محمد بن هزار مرد الكردى فغلبه على رامهر مزحتى صالحه عليها على مائتي ألف درهم وعلى الخطبة له في أعماله ثم سار ابن أبان لحصار بعض القلاع بالاهواز فزحف إليه مسرور البلخى فهزمه واستباح معسكره وكان الموفق لما اقتحم الزنج مدينة واسط بعث ابنه أبا العباس سنة ست وستين في عشرة آلاف من المقاتلة ومعه السفن في النهر عليها أبو حمزة نصير فكتب إليه نصير بأن سليمان بن جامع أقبل في المقاتلة والسفن برار بحرا وعلى مقدمته الجنانى ولحقهم سليمان ابن موسى الشعرانى بالعساكر ونزلوا من الطفح إلى أسفل واسط فسار إليهم أبو العباس فهزمهم فتأخروا وراءهم وأقام على واسط يردد عليهم الحروب والهزائم مرة بعد أخرى ثم أمر صاحب الزنج قائده ابن أبان وابن جامع أن يجتمعا لحرب أبى العباس بن الموفق وبلغ ذلك الموفق فسار من بغداد في ربيع سنة سبع وستين فانتهى إلى المنيعة وقاتل الزنج فانهزموا أمامه واتبعهم أصحاب أبى العباس ابنه فاقتحموا عليهم
المنيعة وقتلوا وأسروا وهدم سور المنيعة وطمس خندقها وهرب الشعرانى وابن جامع وسار أبو العباس إلى المنصورة بطهشا فنازلها وغلب عليها وأفلت ابن جامع إلى واسط وغلب على ما فيها من الذخائر والاموال وهدم سورها وطم خنادقها ورجع إلى واسط ثم سار الموفق إلى الزنج با لاهواز واستخلف ابنه هرون على جنده بواسط وجاءه الخبر برجوع الزنج إلى طهشا والمنصورة فرد إليهم من يوقع بهم ومضى لوجهه فانتهى إلى السوس وعلى بن أبان با لاهواز فسار إلى صاحبه واستأمن المخلفون هنالك إلى الموفق فامنهم وسار إلى تستروأ من محمد بن عبد الله الكردى ثم وافى الاهواز وكتب إلى ابنه هرون أن يوافيه بالجند بنهر المبارك من فرات البصرة وبعث ابنه أبا العباس لحرب الخبيث بنهر أبى الخصيب واستأمن إليه جماعة من قواده فأمنهم وكتب إليه بالدعوة والاعذار وزحف إليه في مدينته المختارة له وأطلق السفن في البحر وعبى عساكره وهى نحو من خمسين ألفا والزنج في نحو من ثلثمائة ألف مقاتل ونصب الالات ورتب المنازل للحصار وبنى المقاعد للقتال واختط مدينة الموفقة لنزوله وكتب بحمل الاموال والميرة إليها فحملت وقطع الميرة عن المختارة وكتب إلى البلاد بانشاء السفن والاستكثار منها وقام يحاصرها من شعبان سنة سبع وستين إلى صفر من سنة سبعين ثم اقتحم عليهم المختارة فملكها وفر الخبيث وابنه انكلاى وابن جامع إلى معقل أعده واتبعه طائفة من الجند فانقطعوا عنه وأمرهم من الغد باتباعه فانهزم وقتل من أصحابه واسر ابن جامع ثم قتل صاحب الزنج وجئ برأسه ولحق انكلاى بالدينارى في خمسة آلاف ولحقهم أصحاب الموفق فظفروا بهم وأسروهم أجمعين وكان(4/21)
درمونة من قواده قد لحق بالبطيحة واعتصم بالمغايض والاجام ليقطع الميرة عن أصحاب الموفق فلما علم بقتل صاحبه استأمن إلى الموفق فأمنه ثم أقام الموفق بمدينته قليصلا وولى على البصرة والابلة وكور دجلة ورجع إلى بغداد فدخلها في جمادى سنة
سبعين وكان لصاحب الزنج من الولد محمد ولقبه انكلاى ومعناه بالزنجية ابن الملك ثم يحيى وسليمان والفضل حبسوا في المطبق إلى أن هلكوا والله وارث الارض ومن عليها.
الخبر عن دعاة الديلم والجبل من العلوية وما كان لهم من الدولة بطبرستان للداعى وأخيه أولا ثم للاطروش وبنيه وتصاريف ذلك إلى انقضائه (كان) أبو جعفر المنصور قد اختص من العلوية من بنى الحسن السبط حافده الحسن ابن زيد بن الحسن وولاه المدينة وهو الذى امتحن الامام مالكا رحمه الله كما هو معروف وهو الذى أعز المنصور من قبل ببنى حسن وأخبره بدسيسة محمد المهدى وابنه عبد الله في شأن الدعاء لهم حتى قبض عليهم وحملهم إلى العراق كما قدمناه وكان له عقب بالرى منهم الحسن بن زيد بن محمد بن اسمعيل بن الحسن والى المدينة ولما حدث بين عامل طبرستان محمد بن أوس الكافل بها لسليمان بن عبد الله بن طاهر نائبا عن محمد بن طاهر صاحب خراسان وبين محمد وجعفر من بنى رستم من أهل نواحى طبرستان حادث فتنة وقد تقدم ذكرها أغروا به أهل تلك النواحى وبعثوا إلى الديلم ليستنجدوا بهم عليه وكانوا على المجوسية يومئذ وهم حرب لمحمد بن أوس لدخوله بلادهم وقتله وسبيه متهم أيام المسالمة وملكهم يومئذ وهشوذار بن حسان فأجابوا ابني رستم إلى حربه وبعث ابنا رستم إلى محمد بن ابراهيم بطبرستان لكون الدعوة له فامتنع ودلهم على الحسن بن زيد بالرى فاستدعوه بكتاب محمد بن ابراهيم فشخص إليهم وقد اتفق الديلم وابنا رستم وأهل ناحيتهم على بيعته فبايعوه وانضم إليهم أهل جبال طبرستان وزحف إلى أمد فقاتله ابن أوس دونه وخالفه الحسن بن زيد في جماعة إلى آمد فملكها ونجا ابن أوس إلى سليمان بن عبد الله بن طاهر بسارية وزحف إليهم الحسن فخرجوا للقائه فناشبهم الحرب وبعث بعض قواده إلى سارية فملكها وانهزم سليمان إلى جرجان و استولى الحسن على معسكره بما فيه وعلى حرمه وأولاده فبعثهم إليه في السفن ويقال ان سليمان
انهزم له لدسيسة التشيع التى كانت في بنى طاهر ثم أقبل الحسن بن زيد إلى طبرستان فملكها وهرب عنها سليمان ثم بعث الحسن دعاته إلى النواحى وكان يعرف بالداعى العلوى فبعث إلى الرى القاسم ابن عمه على بن اسمعيل وبها القاسم بن على بن زين العابدين السمرى فملكها واستخلف بها محمد بن جعفر بن أحمد بن عيسى بن حسين الصغير(4/22)
ابن زين العابدين وبعث إلى قزوين الحسين المعروف بالكوكبي بن أحمد بن محمد ابن اسمعيل بن محمد بن جعفر وهزمه وأسره فبعث الحسن بن زيد قائده دواجر إلى محمد بن ميكال فهزمه وقتله وملك الرى من يده وذلك سنة خمسين ومائتين ثم زحف سليمان بن عبد الله بن طاهر من جرجان في العساكر فأجفل الحسن بن زيد عن طبرستان إلى الديلم ودخلها سليمان ثم قصد سارية وأتاه ابنا قاران بن شهر زاه من الديلم وأتاه أهل آمد وغيرهم طائعين فصفح عنهم ثم سار محمد بن طاهر إلى لقاء الحسن فهزمه وقتل من أعيان أصحابه ثلثمائة وأربعين رجلا ثم زحف موسى بن بغال حربهم سنة ثلاث وخمسين فلقيه الحسن الكوكبى سنة ست وخمسين فاستولى على الرى واستولى القاسم ابن على بعدها على الكرخ سنة سبع ثم زحف الحسن بن زيد إلى جرجان وبعث إليها محمد بن طاهر صاحب خراسان العساكر فهزمهم الحسن وغلبهم عليها وانتقض أمر ابن طاهر بخراسان من يومئذ واختلف المغلبون عليه وكان ذلك داعيا إلى انتزاع يعقوب الصفار خراسان من يده ثم غلبه الحسين سنة تسع وخمسين على قومس * (استيلاء الصفار على طبرستان) * كان عبد الله السخرى ينازعه يعقوب بن الليث الصفار الرياسة بسجستان فلما استولى يعقوب على الامر هرب عبد الله إلى نيسابور مستجير ابا بن طاهر فأجاره فلما هلك يعقوب الصفار بنيسابور هرب عبد الله إلى الحسن بن زيد ونزل سارية وبعث فيه يعقوب الصفار فلم يسلمه الحسن بن زيد فسار إليه يعقوب سنة ستين وهزمه فلحق
بأرض الديلم ولحق عبد الله بالرى وملك يعقوب سارية وآمد وجبى خراجها وسار في طلب الحسن فتعلق بجبال طبرستان واعترضه الامطار والاوحال فلم يخلص الا بمشقة وكتب إلى الخليفة بخبر الحسن وما فعله معه وسار إلى الرى في طلب عبد الله السخرى فأمكنه منه والى الرى فقتله ثم رجع الحسن بن زيد إلى طبرستان سنة احدى وستين وغلب عليها أصحاب الصفار واقتطعها عنهم ثم انتقض السجستاني على يعقوب ابن الليث بخراسان وملكها من يده كما ذكرناه فسار وحاربه أبو طلحة بن شر كب وأمره الحسن بن زيد فسار السجستاني إلى محاربته بسبب ذلك سنة خمس وستين وانتزع جرجان من يده ثم خرج عنها لقتال عمرو بن الليث بعد موت أخيه يعقوب كما نذكر في أخبارهم فملكها الحسن بن زيد ثم أوقع السجستاني بالحسن بن زيد سنة ست وستين كبسه بجرجان وهو غار فهزمه ولحق بآمد وملك سارية واستخلف عليها الحسن ابن محمد بن جعفر بن عبد الله العبيعى بن الحسين الاصغر بن زين العابدين وانصرف(4/23)
فأظهر الحسن بسارية قتل الحسن بن زيد ودعا لنفسه فبايعه جماعة ثم وافاه الحسن بن زيد فظففر به وقتله * (وفاة الحسن بن زيد وولاية أخيه) * ثم توفى الحسن بن زيد صاحب طبرستان في رجب سنة سبعين وولى مكانه أخوه محمد وكان قيامهم أولا على ابن طاهر كما ذكرناه ثم غلب يعقوب الصفار على خراسان وانتقض عليه أحمد السجستاني وملكها من يده ثم مات يعقوب سنة خمس وستين وولى مكانه اخوه عمرو وزحف إلى خراسان وقاسم السجستاني فيها وكانت بينهما حروب وكان الحسن داعى طبرستان يقابلهما جميعا إلى أن هلك وولى مكانه اخوه كما ذكرناه وكانت قزوين تغلب عليها اثناء ذلك عساكر الموفق ووليها أذ كوتكين من مواليهم فزحف إلى الرى سنة ثنتين وسبعين وزحف إليه محمد بن زيد في عالم كبير من الديلم وأهل طبرستان
وخراسان فانهزم وقتل من عسكر مستة آلاف وأسر ألفان وغنم أذ كوتكين عسكره جميعا وملك الرى وفرق عماله في نواحيها ثم مات السجستاني وقام بأمره في خراسان رافع ابن الليث من قواد الظاهرية فغلب محمد بن زيد على طبرستان وجرجان فحلق بالديلم ثم صالحه سنة احدى وثمانين وخطب له فيها سنة ثنتين وثمانين على أن ينجده على عمرو ابن الليث وكتب له عمرو بن الليث يعذله عن ذلك فأقصر عنه فلما غلب عمرو على رافع رعى لمحمد بن زيد خذلانه لرواج فخلى له عن طبرستان وملكها * (مقتل محمد بن زيد) * كان عمرو بن الليث لما ملك خراسان وقتل رافع بن هرثمة طلب من المعتضد ولاية ما وراء النهر فولاه واتصل الخبر با سمعيل بن أحمد السامانى ملك تلك الناحية فعبر جيحون وهزم جيوش عمرو بن الليث ورجع إلى بخارى فزحف عمرو بن الليث من نيسابور إلى بلخ وأعوزه العبور وجاء اسمعيل فعبر النهر وأخذ عليه الجهات بكثرة جموعه فأصبح كالمحاصر ثم اقتتلوا فانهزم عمرو وأسره اسمعيل وبعث به إلى المعتضد سنة ثمان وثمانين فحبسه إلى أن قتل وعقد لاسمعيل على ما كان بيد عمرو ولما اتصل بمحمد بن زيد واقعة عمرو وأمره سار من طبرستان لا يرى أن اسمعيل يقصدها فلما انتهى إلى جرجان بعث إليه اسمعيل يصده عن ذلك فأبى فسرح إليه محمد بن هرون وكان من قواد رافع بن هرثمة وصار من قواد اسمعيل بن سامان فلقى محمد بن زيد وافترقت عساكره وقتل من عسكره عالم وأسر ابنه زيد وأصابته هو جراحات هلك منها(4/24)
لايام قلائل وغنم ابن هرون عسكره بما فيه وسار إلى طبرستان فملكها وبعث يزيد إلى اسمعيل فأنزله ببخارى ووسع عليه الانفاق واشتدت عليه شوكه الديلم وحاربهم اسمعيل سنة تسع وثمانين وملكهم يومئذ ابن حسان فهزمهم وصارت طبرستان وجرجان في ملك بنى سامان مع خراسان إلى أن ظهر بها الاطروش كما نذكر بعد
ويقال ان زيد بن محمد بن زيد ملك طبرستان من بعد ذلك إلى ان توفى وملكها من بعده ابنه الحسن بن زيد * (ظهور الاطروش العلوى وملكه طبرستان) * الاطروش هذا من ولد عمر بن زين العابدين الذى كان منهم داعى الطالقان أيام المعتصم وقد مر ذلك واسم الاطروش الحسن بن على بن الحسين بن على بن عمر دخل إلى الديلم بعد مقتل محمد بن زيد وأقام فيهم ثلاث عشرة سنة يدعوهم إلى الاسلام ويأخذ منهم العشر ويدافع عنهم ملكهم ابن حسان فاسلم منهم خلق كثير واجتمعوا عليه وبنى في بلادهم المساجد وحملهم على رأى الزيدية فدانوا به ثم دعاهم إلى المسير معه إلى طبرستان وكان عاملها محمد بن نوح من قبل أحمد بن اسمعيل بن سامان وكان كثير الاحسان إليهم فلم يجيبوا الاطروش إلى البغى عليه ثم عزل ابن سامان عن طبرستان ابن نوح وولى عليها غيره فأساء السيرة فأعاد إليها ابن نوح ثم مات فاستعمل عليها أبا العباس محمد بن ابراهيم صعلو كافأساء السيرة وتنكر لرؤساء الديلم فدعاهم الحسن الاطروش للخروج معه فأجابوه فسار إليهم صعلوك ولقيهم بشاطئ البحر على مرحلة من سالوس فانهزم وقتل من أصحابه نحو من أربعة آلاف وحصر الاطروش بقيتهم في سالوس حتى استأمنوا إليه فأمنهم ونزل آمد وجاء صهره الحسن بن قاسم ابن على بن عبد الرحمن بن القاسم بن محمد البطحانى بن القاسم بن الحسن بن زيد والى المدينة وقد مر ذره فلم يحضر قتل أولئك المستأمنين واستولى الاطروش على طبرستان وتسمى الناصر وذلك سنة احدى وثلثمائة ولحق صعلوك بالرى وسار منها إلى بغداد ثم زحف الناصر سنة ثنتين فخرج عن آمد ولحق بسالوس وبث إليه صعلوك العساكر فهزمهم الحسن الداعي وهو الحسن بن زيد ثم زحفت إليه عساكر خراسان وهى للسعيد نصر بن أحمد فقتلوه سنة أربع وثلثمائة وولى صهره وبنوه وكانت بينهم حروب بالديلم كما نذكره وكان له من الولد أبو القاسم وأبو الحسن وكان قواده من الديلم
جماعة منهم ليلى بن النعمان وولاه صهره الحسن بعد ذلك جرجان وما كان بن كالى وكانت له ولاية استراباد ويقرا من كتاب الديلم وكان من قواده من الديلم جماعة أخرى منهم اسفار بن شيرويه من أصحاب ماكان ومرداويج (1) من أصحاب اسفار(4/25)
والسيكرى من أصحابه أيضا ومولويه من أصحاب مرداويح ويأتى الخبر عن جميعهم وكان الحسن بن قاسم صهر الاطروش وكان رديفه في الامر حتى كان يعرف بالداعى الصغير واستعمل على جرجان سنة ثمان وثلثمائة ليلى بن النعمان من كبار الديلم وكان له مكان في قومه وكان الاطروش وأولاده يلقبونه المؤيد لدين الله المنتصر لآل رسول الله وكانت خراسان يومئذ لنصر بن أحمد من بنى سامان وكان الدامغان ثغرها من ناحية طبرستان وكان بها فراتكين من موالى ابن سامان فوقعت بينه وبنى ليلى حروب وهزمه ليلى واستفحل أمره ونزع إليه فارس مولى فراتكين فأكرمه وأصهر إليه بأخته واستأمن إليه أبو القاسم بن حفص وهو ابن أخت أحمد بن سهل قائد السامانية عند ما نكب خاله أحمد فأمنه وأجاره ثم حرضه الحسن بن قاسم الداعي الصغير على المسير إلى نيسابور فسار إليها ومعه أبو القاسم بن حفص فملكها من يد فراتكين سنة ثمان وثلثمائة وخطب بها للداعى وأنفذ السعيد نصر عساكره إليه من بخارى مع قائده حمويه بن على ومعه محمد بن عبيد الله البلعى و أبو جعفر صعلوك وخوارزم شاه وسيجور الدوانى ويقراخان فلقيهم ليلى بطوس و قاتلوه فانهزم إلى آمد ولم يقدر على الحصار ولحقه يقراخان فقبض عليه وبعث حمويه من قتله واستأمن الديلم إليهم فأمنوهم وأشار حمويه بقتلهم فاستجاروا بالقواد وبعث برأس ليلى إلى بغداد وذلك في ربيع من سنة تسع وبقى فارس مولى فراتكين بجرجان * (امارة العلوية بطبرستان بعد الاطروش) * ولما قتل الحسن الاطروش سنة أربع وثلثمائة كما قدمناه ولى مكانه بطبرستان
صهره وهو الحسن بن القاسم وقد مر ذكره ويسمى بالداعى الصغير وتلقب بالناصر وبعض الناس يقولون هو الحسن بن محمد أخى الاطروش هكذا قال ابن حزم وغيره وليس بصحيح وانما هو صهره الحسن بن القاسم من عقب الحسين بن زيد والى المدينة ثم من عقب حافده محمد البطحانى بن القاسم بن الحسن وكان أبو الحسن ابن الاطروش باستراباذ فبايع له ماكان بن كالى وقام بأمره فلما قتل ليلى بن النعمان صاحب جرجان وعاد فراتكين إليها ثم انصرف عنها وجاءه أبو الحسن بن الاطروش باستراباذ فبايع له فملكها فبعث السعيد بن سامان صاحب خراسان قائده سيجور الدوانى في أربعة آلاف فارس لحصاره بجرجان فحاصره شهرا ومع الحسن صاحب جيشه سرخاب بن وهشوداب وهو ابن عم ماكان بن كالى فلما اشتد بهم الحصار خرج أبو الحسن وسرخاب في ثمانية آلاف من الديلم والجند فانهزم سيجور أولا فاتبعوه وقد أكمن لهم الكمائن فخرجت عليهم وقتل من الديلم والجند نحو أربعة آلاف وخلص(4/26)
أبو الحسن في البحر إلى استراباذ ولحقه سرخاب فخلفه وأقام سيجور بجرجان ثم هلك سرخاب وسار أبو الحسن إلى سارية واستخلف ما كان بن كالى على استراباذ فاجتمع إليه الديلم وولوه على أنفسهم وزحف إليه عساكر السعيد بن سامان فحاصروه مدة ثم خرج عن استراباذ إلى سارية فملكوها وولوا عليها يقراخان وعادوا إلى جرجان ثم إلى نيسابور ثم سار ما كان بن كالى إلى استراباذ وملكها من يد يقرا خان ثم ملك جرجان وأقام بها وذلك سنة عشر وثلثمائة ثم استولى احفار بن شيرويه على جرجان واستقل بها وكان سبب ذلك أنه كان من أصحاب ما كان بن كالى ونكره لبعض أحواله فطرده من عسكره وسار إلى أبى بكر بن محمد بن اليسع من السامانية بنيسابور فخدمه وبعثه في عسكر إلى جرجان ليفتحها له وقد كان ما كان سار إلى طبرستان وولى على جرجان مكانه أخاه أبا الحسن عليا وك ان أبو الحسن بن الاطروش معتقلا عنده وهم ليلة بقتله
وقصده في محبسه فظفر به أبو على وقتله وخرج من الدار واختفى وبعث من الغدالى القواد فبايعوا له وولوا على جيشه عى بن خرشيد ورضوا به واستقدموا اسفار ابن شيرويه فاستأذن بكر بن محمد وقدم عليهم وسار إليهم ماكان بن كالى فحاربوه وغلبوه على طبرستان وأنزلوا بها أبا على بن الاطروش فأقام بها أياما ومات على اثره على ابن خرشيد صاحب جيشه وجاء ما كان بن كالى لحرب اسفار بطبرستان فانهزم اسفار ولحق بكر بن محمد بجرجان وأقام إلى ان توفى سنة خمس عشرة وثلثمائة فولاه السعيد على جرجان وأرسل إلى مردوايح بن دينار الجبلى وجعله امير جيشه وزحفوا إلى طبرستان فملكوها وكان الحسن بن القاسم الداعي قد استولى على الرى وقزوين وزنجار وأبهر وقم وقائده ما كان بن كالى الديلمى فسار إلى طبرستان وقاتله اسفار فانهزم ماكان والحسن بن القاسم الداعي وقتل بخذلان أصحابه اياه لانه كان يشتد عليهم في تغيير المنكرات فتشاوروا في ان يستقدموا هذر سيدان من رؤساء الجبل وكان خال مرداويح ووشكين فيقدموه عليهم ويحبسوا الحسن الداعي وينصبوا أبا الحسن ابن الاطروش ونما الخبر بذلك إلى الداعي وقدم هذر سيدان فلقيه الداعي مع القواد وأدخلهم إلى قصره بجرجان ليأكلوا من مائدته فدخلوا وقتلهم عن آخرهم فعظمت نفرتهم عنه فخذلوه في هذا الموطن وقتل واستولى اسفار على طبرستان والرى وجرجان وقزوين وزنجار وأبهر وقم والكرج ودعا للسعيد بن سامان صاحب خراسان وأقام بسارية واستعمل على آمد هرون بن بهرام وقصد بذلك استخلاصه لنفسه لانه كان يخطب لابي جعفر من ولد الناصر الاطروش فولاه آمد وزوجه باحدى نسائه الاعيان بها وحضر عرسه أبو جعفر وغيره من العلويين وهجم عليه اسفار يوم عرسه بآمد فقبض على أبى جعفر وغيره من أعيان العلويين وحملهم إلى بخارى فاعتقلوا بها(4/27)
إلى أن خلصوا من بعد ذلك (ومن تاريخ بعض المتأخرين) أن الحسن بن القاسم الداعي
صهر الاطروش بويع بعد موته ولقب الناصر وملك جرجان وكان الديلم قد اشتملوا على جعفر بن الاطروش وتابعوه فصار الداعي إلى طبرستان وملكها ولحق جعفر بدنباوند (1) فقبض عليه على بن أحمد بن نصر وبعث به إلى على بن وهشودان ابن حسان ملك الديلم وهو عامله فحبسه على بن وهشودان بن حسان ملك الديلم فلما قتل أطلقه من بعده حسرة فيروز فاستجاش جعفر بالديلم وعاد إلى طبرستان فملكها وهرب الحسن ثم مات جعفر فبويع أبو الحسن ابن أخيه الحسن فلما ظهر ما كان بن كالى بايع للحسن الداعي وأخرجه إليه وقبض على الحسن بن أحمد وهو ابن أخى جعفر وحبسه بجرجان عند أخيه أبى على ليقتله فقتله الحسن ونجاو بايعه القواد بجرجان ثم حاربه ما كان فانهزم الحسن إلى آمد ومات بها وبويع أخوه أبو جعفر بن محمد ابن أحمد وقصده ما كان من الرى فهرب من آمد إلى سارية وبها اسفار ابن شيرويه فقاتل دونه وانهزم اسفار إلى جرجان واستأمن إلى أبى بكر بن محمد ابن الياس ثم بايع ما كان لابي القاسم الداعي وخرج الحسن إلى الرى وطلب مرداويح بثأر خاله سيداب بن بندار وكان الداعي بجرجان سنة احدى وعشرين وثلثمائة وانصرف ماكان إلى الديلم ثم ملك طبرستان وبايع بها لابي على الناصر ابن اسمعيل بن جعفر بن الاطروش وهلك بعد مدة ومضى أبو جعفر محمد بن أبى الحسن أحمد بن الاطروش إلى الديلم إلى أن غلب مرداويح على الرى فكتب إليه وأخرجه عن الديلم وأحسن إليه فلما غلب على طبرستان وأخرج ما كان عنها بايع لابي جعفر هذا وسمى صاحب القلنسوة إلى أن مات وبويع أخوه ولقب الثائر وأقام مع الديلم وزحف سنة ست وثلاثين إلى جرجان وبها ركن الدولة بن بويه فسرح إليه ابن العميد فانهزم الثائر وتعلق الجبال وأقام مع الديلم وملوك العجم يخطبون له إلى أن هلك سنة خمس وخمسين وثلثمائة لثلاثين سنة من ملكه وبايعوا لاخيه الحسين ابن جعفر وتلقب بالناصر وتقبض عليه ليكو بن وشكس ملك الجبل وسلمه وانقرض
ملك الفاطميين أجمع بتلك الجبال والبقاء لله وحده (الخبر عن دولة الاسماعيلية ونبدأ منهم بالعبيديين الخلفاء بالقيروان) (والقاهرة وما كان لهم من الدولة من المشرق والمغرب) أصل هؤلاء العبيديين من الشيعة الامامية وقد تقدم لنا حكاية مذهبهم والبراءة من الشيخين ومن سائر الصحابة لعدولهم عن بيعة على إلى غيره مع وصية النبي صلى الله عليه وسلم له بالامامة بزعمهم وبهذا امتازوا عن سائر الشيعة والا فالشيعة كلهم(4/28)
مطبقون على تفضيل على ولم يقدح ذلك عند الزيدية في امامة أبى بكر لقولهم بجواز امامة المفضول مع الافضل ولا عند الكيسانية لانهم لم يدعوا هذا الوصية فلم يكن عندهم قادح فيمن خالفها وهذه الوصية لم تعرف لاحد من أهل النقل وهى من موضوعات الامامية وأكاذيبهم وقد يسمون رافضة قالوا لانه لما خرج زيد الشهيد بالكوفة واختلف عليه الشيعة ناظروه في أمر الشيخين وأنهم ظلموا عليا فنكر ذلك عليهم فقالوا له وأنت أيضا فلم يظلمك أحد ولا حق لك في الامر وانصرفوا عنه ورفضوه فسموا رافضة وسمى أتباعه زيدية ثم صارت الامامة من على إلى الحسن ثم الحسين ثم ابنه على زين العابدين ثم ابنه محمد الباقر ثم ابنه جعفر الصادق كل هؤلاء بالوصية وهم ستة أئمة لم يخالف أحد من الرافضة في امامتهم ثم افترقوا من ههنا فرقتين وهم الاثنا عشرية والاسماعيلية واختص الاثنا عشرية باسم الامامية لهذا العهد ومذهبهم أن الامامة انتقلت من جعفر الصادق إلى ابنه موسى الكاظم وخرج دعائه بعد موت أبيه فحملهن هرون من المدينة وحبسه عند عيسى بن جعفر ثم أشخصه إلى بغداد وحبسه عند ابن شاهك ويقال ان يحيى بن خالد سمه في رطب فقتله وتوفى سنة ثلاث وثمانين ومائة وزعم شيعتهم أن الامام بعده ابنه على الرضا وكان عظيما في بنى هاشم وكانت له مع المأمون صحبة وعهد له بالامر من بعده سنة احدى ومائتين
عند ظهور الدعاة للطالبيين وخروجهم في كل ناحية وكان المأمون يومئذ بخراسان لم يدخل العراق بعد مقتل أخية الامين فنكر ذلك عليه شيعة العباسيين وبايعوا لعمه ابراهيم بن المهدى ببغداد فارتحل المأمون إلى العراق وعلى الرضا معه فهلك على في طريقه سنة ثلاث ومائتين ودفن بطوس ويقال ان المأمون سمه (ويحكى) أنه دخل عليه يعوده في مرضه فقال له أوصى فقال له على اياك أن تعطى شيأ وتندم عليه ولا يصح ذلك لنزاهة المأمون عن اراقة الدماء بالباطل سيما دماء أهل البيت ثم زعم شيعتهم أن الامر من بعد على الرضا لابنه محمد التقى وكان له من المأمون مكان وأصهر إليه في ابنته فأنكحه المأمون اياها سنة خمس ومائتين ثم هلك سنة عشرين ومائتين ودفن بمقابر قريش وتزعم الاثنا عشرية أن الامام بعده ابنه على ويلقبونه الهادى ويقال الجواد ومات سنة أربع وخمسين ومائتين وقبره بقم وزعم ابن سعيد أن المقتدر سمه ويزعمون أن الامام بعده ابنه الحسن ويلقب العسكري لانه ولد بسر من رأى وكانت تسمى العسكر وحبس بها بعد أبيه إلى أن هلك سنة ستين ومائتين ودفن إلى جنب أبيه في المشهد وترك حملا ولد منه ابنه محمد فاعتقل ويقال دخل مع أمه في السرداب بدار أبيه وفقد فزعمت شيعتهم أنه الامام بعد أبيه ولقبوه المهدى والحجة(4/29)
وزعموا أنه حى لم يمت وهم الآن ينتظرونه ووقفوا عند هذا الانتظار وهو الثاني عشر من ولد على ولذلك سميت شيعته الاثنى عشرية وهذا المذهب في المدينة والكرخ والشأم والحملة والعراق وهم حتى الآن على ما بلغنا يصلون المغرب فإذا قضوا الصلاة قدموا مركبا إلى دار السرداب بجهازه وحليته ونادوا بأصوات متوسطة أيها الامام اخرج الينا فان الناس منتظرون والخلق حائرون والظلم عام والحق مفقود فاخرج الينا فتقرب الرحمة من الله في آثارك ويكررون ذلك إلى أن تبدوا النجوم ثم ينصرفون إلى الليلة القابلة هكذا دأبهم وهؤلاء من الجهل بحيث
ينتظرون من يقطع بموته مع طول الامد لكن التعصب حملهم على ذلك وربما يحتجون لذلك بقصة الخضر والاخرى أيضا باطلة والصحيح أن الخضر قد مات (واما الاسماعيلية) فزعموا ان الامام بعد جعفر الصادق ابنه اسمعيل وتوفى قبل أبيه وكان أبو جعفر المنصور طلبه فشهد له عامل المدينة بأنه مات وفائدة النص عندهم على اسمعيل وان كان مات قبل أبيه بقاء الامامة في ولده كما نص موسى على هرون صلوات الله عليهما ومات قبله والنص عندهم لا مرجع وراء لان البداء على الله محال ويقولون في ابنه محمد انه السابع التام من الائمة الظاهرين وهو أول الائمة المستورين عندهم الذين يستترون ويظهرون الدعاة وعددهم ثلاثة ولن تخلو الارض منهم عن امام اما ظاهر بذاته أو مستور فلا بد من ظهور حجته ودعاته والائمة يدور عددها عندهم على سبعة عدد الاسبوع والسموات والكواكب والنقباء تدور عندهم على اثنى عشر وهم يغلطون الائمة حيث جعلوا عدد النقباء للائمة واول الائمة المستورين عندهم محمد بن اسمعيل وهو محمد المكتوم ثم ابنه جعفر المصدق ثم ابنه محمد الحبيب ثم ابنه عبد الله المهدى صاحب الدولة بافريقية والمغرب التى قام بها أبو عبد الله الشيعي بكتامه وكان من هؤلاء الاسماعيلية القرامطة واستقرت لهم دولة بالبحرين في أبى سعيد الجناتى وبنيه أبى القاسم الحسين بن فروخ بن حوشب الكوفى داعى اليمن لمحمد الحبيب ثم ابنه عبد الله ويسمى بالمنصور وكان من الاثنى عشرية أولا فلما بطل ما في أيديهم رجع إلى رأى الاسماعيلية وبعث محمد الحبيب أبو عبد الله إلى اليمن داغية له فلما بلغه عن محمد بن يعفر ملك صنعاء أنه أظهر التوبة والنسك وتخلى عن الملك فقدم اليمن ووجديها شيعة يعرفون ببنى موسى في عدن لاعة وكان على بن الفضل من أهل اليمن وومن كبار الشيعة وطاهر بن حوحشب على أمره وكتب له الامام محمد بالعهد لعبد الله ابنه وأذن له في الحرب فقام بدعوته وبثها في اليمن وجيش الجيوش وفتح المدائن وملك صنعاء وأخرج منها بنى يبعن وفرق الدعاة في اليمن واليمامة والبحرين(4/30)
والسند والهند ومصر والمغرب وكان يظهر الدعوة للرضا من آل محمد ويبطن محمد ا الحبيب تسترا إلى ان استولى على اليمن وكان من دعائه أبو عبد الله الشيعي صاحب كتامة ومن عنده سار إلى افريقية فوجد في كتامة من الباطنية خلقا كثيرا وكان هذا المذهب هنالك من لدن الدعاة الذين بعثهم جعفر الصادق إلى المغرب أقاموا بافريقية وبثوا فيها الدعوة وتناقله من البرابرة أمم وكان أكثرهم من كتامة فلما جاء أبو عبد الله الشيعي داعية المهدى ووجد هذا المذهب في كتامة فقام على تعليه وبثه واحيانه حتى تم الامر وبويع لعبد الله كما نذكر الان في أخبارهم * (ابتداء دولة العبيديين) * وأولهم عبيد الله المهدى بن محمد الحبيب بن جعفر الصادق بن محدم المكتوم بن جعفر الصادق ولا عبرة بمن أنكر هذا النسب من أهل القيروان وغيرهم وبالمحضر الذى ثبت ببغداد أيام القادر بالطعن في نسبهم وشهد فيه أعلام الائمة وقد مر ذكرهم فان كتاب المعتضد إلى ابن الاغلب بالقيروان وابن مدرار بسجلماسة يغريهم بالقبض عليه لما سار إلى المغرب شاهد بصحة نسبهم وشعر الشريف الرضى مسجل لذلك والذين شهدوا في المحضر فشهادتهم على السماع وهى ما علمت وقد كان نسبهم ببغداد منكرا عند أعدائهم شيعة بنى العباس منذ مائة سنة فتلون الناس بمذهب أهل الدولة وجاءت شهادة عليه مع أنها شهادة على النفى مع أن طبيعة الوجود في الانقياد إليهم وظهور كلمتهم حتى في مكة والمدينة أدل شئ على صحة نسبهم وأما من يجعل نسبهم في اليهودية والنصرانية ليعمون القدح وغيره فكفاه ذلك انما وسفسفة وكان شيعة هؤلاء العبيديين بالمشرق واليمن وافريقية وكان أصل ظهورهم بافريقية دخول الحلواني وأبى سفيان من شيعتهم إليها أنفذهما جعفر الصادق وقال لهما بالمغرب أرض بور فاذهبا واحرثاها حتى يجئ صاحب البذر فنزل أحدهما ببلد مرغة والآخر ببلد
سوف جمار وكلاهما من أرض كتامة فقشت هذه الدعوة في تلك النواحى وكان محمد الحبيب ينزل سلمية من أرض حمص وكان شيعتهم يتعاهدونه بالزيارة إذا زاروا قبر الحسين فجاء محمد بن الفضل من عدن لاعة من اليمن لزيارة محمد الحبيب فبعث معه رستم بن الحسن بن حوشب من أصحابه لاقامة دعوته باليمن وأن المهدى خارج في هذا الوقت فسارو أظهر الدعوة للمهدى من آل محمد بنعوته المعروفة عندهم واستولى على أكثر اليمن وتسمى بالمنصور وابتنى حصنا بجميل لاعة وملك صنعاء من بنى يعفر وفرق الدعاة في اليمن واليمامة والبحرين والسند والهند ومصر والمغرب وكان أبو عبد الله الحسين بن محمد بن زكريا المعروف بالمحتسب وكان محتسبا بالبصرة وقيل انما المحتسب(4/31)
أخوه أبو العباس المخطوم وأبو عبد الله هذا يعرف بالمعلم لانه كان يعلم مذهب الامامية فاتصل أبو عبد الله بمحمد الحبيب ورأى ما فيه من الاهلية فأرسله إلى ابن حوشب باليمن ليأخذ عنه ثم يذهب إلى المغرب ويقصد بلد كتامة فيظهر بينهم الدعوة فجاء أبو عبد الله إلى ابن حوشب ولزمه وشهد مجاله وأفاد عمله ثم خرج مع حاج اليمن إلى مكة فلقى بالموسم رجالات كتامة ورؤساءهم وفيهم من لقى الحلواني وابن بكار وأخذوا عنهما فقصدهم أبو عبد الله في رجالهم وكان منهم موسى بن حريث كبير بنى سكان من جملة أحد شعوبهم وأبو القاسم الورنجومى من أحلافهم ومسعود ابن عيسى بن ملال المساكتى وموسى بن تكاد فجلس إليهم وسمعوا منه مذاهبهم ورأوا ما هو عليه من العبادة والزهد فعلق بقلوبهم وصار يتعهدهم في رجالهم فاغتبطوا به واغتبط بهم ولما أرادوا الرحلة إلى بلادهم سألوه الصحبة فوافقهم طاويا وجه مذهبه عنهم بعد أن سألهم عن قومهم وعصابتهم وبلادهم وملكة السلطان فيهم فكشفوا له علم ذلك وأنهم انما يعطون السلطان طاعة معروفة فاستيقن تمام أمره فيهم وخرج معهم إلى المغرب وسلكوا طريق الصحراء وعدلوا عن القيروان إلى أن
وصلوا بلد سومائة وبها محمد بن حمدون بن سماك الاندلسي من بجاية الاندلس نزيلا عندهم وكان قد أدرك الحلواني وأخذ عنه فنزل أبو عبد الله الشيعي عليه فأكرمه وفاوضه وتفرس ابن حمدون فيه أنه صاحب الدولة ثم ارتحلوا وصحبهم ابن حمدون ودخلوا بلد كتامة منتصف ربيع سنة ثمان وثمانين ومائتين فنزل على موسى بن حريث ببلده انكچان في بلد بنى سكتان من جبيلة وعين له مكان منزله بفج الاخيار وأن النص عنده من المهدى بذلك وبهجرة المهدى وأن أنصار الاخيا من أهل زمانه وأن اسمهم مشتق من الكتمان واجتمع إليه الكثير من أهل كتامة ولقى علماءهم واشتمل عليه الكثير من أهوائهم فجاهر مذهبه وأعلن بامامة أهل البيت ودعا للرضا من آل محمد واتبعه أكثر كتامة وكانوا يسمونه بأبى عبد الله الشيعي والمشرقي وبلغ خبره إلى أمير افريقية ابراهيم بن أحمد بن الاغلب فبعث إليه بالتهديد والوعيد فأساء الرد عليه وخاف رؤساء كتامة عادية ابن الاغلب وأغراهم عمال بلادهم بالشيعي مثل موسى بن عياش صاحب مسيلة وعلى بن حفص بن عسلوجة صاحب سريف وجاء ابن تميم صاحب يلزمة فاجتمعوا وتفاوضوا في شأنه وحضر يحيى المساكتى وكان يدعى بالامير ومهدى بن أبى كمارة رئيس لهيعة وفرج بن حيران رئيس اجانة وثمل بن بحل رئيس لطانة وراملوا بيان بن صفلان رئيس بنى سكتان وأبو عبد الله الشيعي عندهم بجبل ايكچان في أن يسلمه إليهم أو يخرجه من بلدهم وحذروه عاقبة أمره فرد أمره(4/32)
إلى أهل العلم فجاؤا بالعلماء وهموا باغتياله فلم يتم لهم ذلك وأطبقت جميلة على مظاهرته فهزموا هؤلاء المثيرين عليه وردوهم خائبين ثم راجعوا بيان بن صقلاب في أمره ولاطفوه حتى صفا إليهم وشعر بذلك أبو عبد الله الشيعي وأصحابه فبعثوا إلى الحسن ابن هرون الغساني يسألونه الهجرة إليهم فأجابهم ولحق ببلدة تازروت من بلادهم واجتمعت غسان لنصرته مع بطون كتامة الذين بايعوه من قبل فاعتزو امتنع وعظم
أمره ثم انتقض على الحسن بن هرون أخوه محمد منافسة له في الرياسة وكان صديقا لمهدي بن أبى كمارة فداخله في التثريب على أبى عبد الله وعظمت الفتنة بين لهيعة وغسان وولى أبو عبد الله الشيعي الحسن بن هرون على حروبه وظهر بعد أن كان مختفيا وكان لمهدي بن أبى كمارة شيخ لهيعة أخ اسمه أبو مدينى وكان من أحباب أبى عبد الله فقتل أخاه مهديا ورأس على لهيعة مكانه فصاروا جميعا إلى ولاية أبى عبد الله وأبى مدينى شيخهم ثم تجمعت كتامة لحرب الشيعي وأصحابه ونازلوه بمكانه من تازروت وبعث الشيعي سهل بن فوكاش إلى فحل بن نوح رئيس لطانة وكان صهره لينجد له عن حربهم في السلم فمشى إلى كتامة وأبوا الا أن يناجزوهم الحرب فغلبهم أبو عبد الله وأصحابه وانهزمت كتامة وأبلى عروبة بن يوسف الملوشى في ذلك اليوم بلاء حسنا واجتمعت إلى أبى عبد الله غسان كلها ويلزمة ولهيعة وعامة الجاية ورئيسهم يومئذ ماكنون بن ضبارة وأبو زاكى تمام بن معارك ولحق بجميلة من الجاية فرج بن خيران ويوسف بن محمد من لطانة وفحل بن نوح واستقام أمر الباقي للشيعي وجمع فتح ابن يحيى من أطاعه من قومه مسالمة لحرب الشيعي فسار إليهم وأوقع بهم ولحق فلهم بسطيف ثم استأمنوا إليه فأمنهم ودخلوا في أمره وولى منهم هرون بن يونس على حروبه ولحق رئيسهم فتح بن يحيى بعجيسة وجمع ثانية لحرب الشيعي فسار إليه ومعه جموع كتامة وتحصن منه فتح ببعض قلاعهم فحاصره الشيعي وفتحها واجتمعت إليه عجيسة وزواوة وجميع قبائل كتامة ورجع إلى تازروت وبث دعاته في كل ناحية فدخل الناس في أمره طوعا وكرها ولحق فتح بن يحيى با لامير ابراهيم بن أحمد بتونس واستحثه لحرب الشيعي ثم فتح أبو عبد الله مساكتة بمداخلة بعض أهلها وقتل صاحبها موسى بن عياش وولى عليها ما كنون بن ضبارة الجايى وهو أبو يوسف ولحق ابراهيم بن موسى بن عياش بابى العباس ابراهيم بن الاغلب بتونس بعد خروج أبيه إلى صقلية وكان فتح ابن يحيى المساكتى قد نزع إليه من قبل ذلك ووعده المظاهرة فجهز العساكر وعقد عليها
لابنه أبى خوال وزحف من تونس سنة تسع وثمانين فدوخ كتامة ثم صمد إلى تازروت فلقيه أبو عبد الله الشيعي في جموعه ببلد ملوسة فهزمهم أبو خوال وفر الشيعي من قصر تازروت إلى ايكجان فامتنع بها فهدم أبو خوال القصر واتبعه وتوغل أبو خوال(4/33)
في بلاد كتامة فاضطرب أمره وتوقع البيات وسار ابراهيم بن موسى بن عياش من عسكر أبى خوال إلى نواحى مسيلة يتجسس الاخبار فتواقع مع طائفة من أصحاب الشيعي فهزموه واتبعوه إلى المعسكر فاضطرب وأجفل أبو خوال وخرج من بلاد كتامة واستوطن أبو عبد الله ايكجان وبنى بها بلد أو سماها دار الهجرة واستبصر الناس في أمره ودخلوا في دعوته ثم هلك الحسن بن هرون وجهز أبو العباس العساكر ثانية مع ابنه أبى خوال ورده لحرب الشيعي وكتامة فسار في بلادهم ورجع منهزما وأقام قريبا منهم يدافعهم ويمنعهم من التقدم وفى خلال ذلك هلك ابراهيم بن أحمد بن الا غلب وقتل ابنه أبو العباس وقام بالامر ابنه زيادة الله فاستدعى أخاه أبا خوال وقتله وانتقل من تونس إلى وقادة وانهمك في لذاته وانتشرت جيوش الشيعي في البلاد وعلا أمره وبشرهم بأن المهدى قرب ظهوره فكان كما قال * (وصول المهدى إلى المغرب واعتقاله بسجلماسة ثم خروجه من الاعتقال وبيعته) * ولما توفى محمد الحبيب بن جعفر بن محمد بن اسمعيل الامام عهد إلى ابنه عبيد الله وقال له أنت المهدى وتهاجر بعدى هجرة بعيدة وتلقى محنا شديدة واتصل خبره بسائر دعاته في افريقية واليمن وبعث إليه أبو عبد الله رجالا من كتامة يخبرونه بما فتح الله عليهم وأنهم في انتظاره وشاع خبره واتصل بالعباسيين فطلبه المكتفى ففر من أرض الشأم إلى العراق ثم لحق بمصر ومعه ابنه أبو القاسم غلاما حدثا وخاصته ومواليه بعد أن كان أراد قصد اليمن فبلغه ما أحدث بها على بن الفضل بن بعد ابن حوشب وانه أساء السيرة فأنثى عن ذلك واعتزم على اللحاق بأبى عبد الله الشيعي بالمغرب فارتحل من مصر إلى
الاسكندرية ثم خرجوا من الاسكندرية في زى التجار وجاء كتاب المكتفى إلى عامل مصر وهو يومئذ عيسى النوشرى بخبرهم والقعود لهم بالمراصد وكتب نعته وحليته فسرح في طلبهم حتى وقف عليهم وامتحن أحوالهم فلم يقف على اليقين في شي منها فخلى سبيلهم وجد المهدى في السير وكان له كتب في الملاحم منقولة عن آبائه سرقت من رحله في طريقه فيقال ان ابنه أبا القاسم استردها من برقة حين زحف إلى مصر ولما انتهى إلى طرابلس وفارقه التجار أهل الرفقة بعث معهم أبا العباس أخا أبى عبد الله الشيعي إلى أخيه بكتامة ومر بالقيروان وقد سبق خبرهم إلى زيادة الله وهو يسأل عنهم فقبض على أبى العباس وساء له فأنكر فحبسه وكتب إلى عامل طرابلس بالقبض على المهدى ففائه وسار إلى قسنطينة ثم عدل عنها خشية على أبى العباس أخى الشيعي المعتقل بالقيروان فذهب إلى سجلماسة وبها اليسع بن مدرار فأكرمه ثم جاء كتاب زيادة الله ويقال كتاب المكتفى بأنه المهدى الذى داعيته في كتامة فحبسه اليسع ثم ان(4/34)
أبا عبد الله الشيعي بعد مهلك أبى خوال الذى كان مضايقا لهم اجتمعت إليه سائر كتامة وزحف إلى سطيف فحاصرها مدة وكان بها على بن جعفر بن عسكوجة صاحبها وأخوه أبو حبيب فملكها وكان بها أيضا داود بن جاثة من كبار لهيعة لحق بها فيمن لحق من وجوه كتامة فقام بها من بعد على وأخيه واستأمن أهل سطيف فأمنهم أبو عبد الله ودخلها فهدمها وجهز زيادة الله العساكر إلى كتامة مع قريبه ابراهيم بن حشيش وكانوا أربعين ألفا فانتهى إلى قسنطينة فأقام بها وهم متحصنون بجبلهم ثم زحف إليهم وواقعهم عند مدينة يلزمة فانهزم إلى باغاية ولحق بالقيروان وكتب الشيعي بالفتح إلى المهدى مع رجال من كتامة أخفوا أنفسهم حتى وصلوا إليه وعرفوه بالخبر ثم زحف الشيعي إلى طبنة فحاصرها وقتل فتح بن يحيى المساكتى ثم افتتحها على الامان ثم زحف إلى يلزمة فملكها عنوة وجهز زيادة الله العساكر مع هرون الطبنى عامل باغاية فانتهوا إلى مدينة ازمول
وكانوا في طاعة الشيعي فهدمها هرون وقتل أهلها وزحف إليه عروبة بن يوسف من أصحاب الشيعي فهزمه وقتله ثم فتح الشيعي مدينة يتجبت كلها على يد يوسف الغساني ولحق عسكرها بالقيروان وشاع عن الشيعي وفاؤه بالامان فأمنه الناس وكثر الارجاف بزيادة الله فجهز العساكر وأزاح العلل وأنفق ما في خزائنه وذخائره وخرج بنفسه سنة خمس وتسعين ونزل الاريس ثم حاد عن اللقاء وأشار عليه أصحابه بالرجوع إلى القيروان ليكون ردأ للعساكر فرجع وقدم على العساكر ابراهيم بن أبى الاغلب من قرابته وأمره بالمقام هنالك ثم زحف الشيعي إلى باغاية فهرب عاملها وملكها صلحا وبعث إلى مدينة قرطاجنة فافتتحها عنوة وقتل عاملها وسرح عساكره في افريقية فرددوا فيها الغارات على قبائل البربر من نفزة وغيرهم ثم استأمن إليه أهل تيفاش فأمنهم واستعمل عليهم صواب بن أبى القاسم السكتانى فجاء ابراهيم بن أبى الاغلب واقتحمها عليه ثم نهض الشيعي في احتفال من العساكر إلى باغاية ثم إلى سكتانة ثم إلى تبسة ففتحها كلها على الامان ثم إلى القصرين من قمودة فأمن أهلها وأطاعوه وسار يريد رقادة فخشى ابراهيم ابن أبى الاغلب على زيادة الله لقلة عسكره فنهض إلى الشيعي واعترضه في عساكره واقتتلوا ثم تحاجزوا ورجع الشيعي إلى ايكجان وابراهيم إلى الاربس ثم سار الشيعي ثانية بعساكره إلى قسنطينة فحاصرها واقتحمها على الامان ثم إلى قفصة كذلك ثم رجع إلى باغاية فأنزل بها عسكرا مع أبى مكدولة الجيلى ثم سار إلى ايكجان وخالفه ابراهيم إلى باغاية وبلغ الخبر إلى الشيعي فسرح لقتاله أبا مدينى بن فروخ اللهيمى ومعه عروبة بن يوسف الملوشى ورجاء بن أبى قنة في اثنى عشر ألفا فقاتلوا ابن أبى الاغلب ومنعوه من باغاية فرحل عنها واتبعوه إلى فج العرعر ورجعوا عنه ثم زحف أبو عبد الله الشيعي(4/35)
سنة ست وتسعين في مائتي ألف من العساكر إلى ابراهيم بن أبى الاغلب بالاربس ثم اقتتلوا أياما ثم انهزم ابراهيم واستبيح معسكره وفر إلى القيروان ودخل الشيعي الاربس
فاستباحها ثم سار فنزل قمودة واتصل الخبر بزيادة الله وهو برقادة ففر إلى المشرق ونهبت قصوره وافترق أهل رقادة إلى القيروان وسوسة ولما وصل ابراهيم بن أبى الاغلب إلى القيروان نزل قصر الامارة وجمع الناس وأرادهم على البيعة له على أن يعينوه بالاموال فاعتدوا وتصايحت به العامة ففر عنها ولحق بصاحبه وبلغ أبا عبد الله الشيعي خبر فرارهم بسبيبة فقدم إلى رقادة وقدم بين يديه عروبة بن يوسف وحسن بن أبى خنزير فساروا وأمنوا الناس وجاء على أثرهم وخرج أهل رقادة والقيروان للقائه فأمنهم وأكرمهم ودخل رقادة في رجب سنة ست وتسعين ونزل قصرها وأطلق أخاه أبا العباس من الاعتقال ونادى بالامان فتراجع الناس وفر العمال في النواحى وطلب أهل فهربوا وقسم دور البلد على كتامة فسكنوها وجمع أموال زيادة الله وسلاحه فأمر بحفظها وحفظ جواريه واستأذنه الخطباء لمن يخطبون فلم يعين أحدا ونقش على السكة من أحد الوجهين بلغت حجة الله ومن الآخر تفرق أعداء الله وعلى السلاح عدة في سبيل الله وفى وسم الخيل الملك لله ثم ارتحل إلى سجلماسة في طلب المهدى واستخلف على افريقية أخاه أبا العباس وترك معه أبا زاكى تمام بن معارك الالجايى واهتز المغرب لخروجه وفرت زناتة من طريقه ثم بعثوا إليه بالطاعة فقبلهم وأرسل إلى اليسع بن مدرار صاحب سجلماسة يتلطفه فقتل الرسل وخرج للقائه فلما تراءى الجمعان انفض معسكره وهرب هو وأصحابه وخرج أهل البلد من الغد للشيعي وجاؤا معه إلى محبس المهدى وابنه فأخرجهما وبايع للمهدى ومشى مع رؤساء القبائل بين أيديهما وهو يبكى من الفرح ويقول هذا مولاكم حتى أنزله بالمخيم وبعث في طلب اليسع فأدرك وجئ به فقتل وأقاموا بسجلماسة أربعين يوما ثم ارتحلوا إلى افريقية ومروا بايكجان فسلم الشيعي ما كان بها من الاموال للمهدى ثم نزلوا رقادة في ربيع سنة سبع وتسعين وحضر أهل القيروان وبويع للمهدى البيعة العامة واستقام أمره وبث دعاته في الناس فأجابوا الا قليلا عرض عليهم
السيف وقسم الاموال والجوارى في رجال كتامة وأقطعهم الاعمال ودون الدواوين وجبى الاموال وبعث العمال على البلاد فبعث على طرابلس ماكنون بن ضبارة الالجايى وعلى صقلية الحسن بن أحمد بن أبى خنزير فسار إليها ونزل البحر ونزل مازر في عيد الاضحى من سنة سبع وتسعين فاستقضى اسحق بن المنهال وولى أخاه على كربيت ثم أجاز البحر سنة ثمان وتسعين إلى العدوة الشمالية ونزل بسيط قلورية من بلاد(4/36)
الافرنج فأثخن فيها ورجع إلى صقلية فأساء السيرة في أهلها فثاروا به وحبسوه وكتبوا إلى المهدى فقبل عذرهم وولى عليهم مكانه على بن عمر البلوى فوصل خاتم تسع وتسعين * (مقتل أبى عبد الله الشيعي وأخيه) * لما استقام سلطان عبيد الله المهدى بافريقية استبد بأمره وكفح أبا عبد الله الشيعي وأخاه أبا العباس عن الاستبداد عليه والتحكم في أمره فعظم ذلك عليهما وصرح أبو العباس بما في نفسه فنهاه أخوه أبو عبد الله عن ذلك فلم يصغ إليه ثم استماله أبو العباس لمثل رأيه فأجابه وبلغ ذلك إلى المهدى فلم يصدقه ثم نهى أبا عبد الله عن مباشرة الناس وقال انه مفسد للهيبة فتلطف في رده ولم يجبه إليه ففسدت النية بينهما واستفسدوا كتامة وأغروهم به وذكروهم بما أخذه من أموال ايكجان واسستأثر به دونهم وألقوا إليهم أن هذا ليس هو الامام المعصوم الذى دعونا إليه حتى بعث إلى المهدى رجل كان في كتامة يعرف بشيخ المشايخ وقال له جئنا بآية على أمرك فقد شككنا فيك فقتله المهدى ثم عظمت استرابتهم واتفقوا على قتل المهدى وداخلهم في ذلك أبو زاكى تمام ابن معارك وغيره من قبائل كتامة ونمى الخبر إلى المهدى فتلطف في أمرهم وولى من داخلهم من قواد كتامة على البلاد فبعث تمام بن معارك على طرابلس وبعث إلى عاملها ماكنون بقتله فقتله عند وصوله ثم اتهم المهدى ابن الغريم بمداخلتهم وكان من أصحاب زيادة الله فأمر بقتله واستصفاء أمواله وكان أكثرها لزيادة الله ثم ان المهدى استدعى
عروبة بن يوسف وأخاه حباسة وأمرهما بقتل الشيعي وأخيه فوقفا لهما عند القصر وحمل عروبة على أبى عبد الله فقال له لا تفعل فقال الذى أمرتنا بطاعته أمرنا بقتلك ثم أجهز عليهما في نصف جمادى سنة ثمان وتسعين ويقال ان المهدى صلى على أبى عبد الله وترحم عليه وعلم أن الذى حمله على ذلك اغراء أبى العباس أخيه وثارت فتنة بسبب قتلهما من أصحابهما فركب المهدى وسكنها ثم ثارت فتنة أخرى بين كتامة وأهل القيروان وفشا القتل فيهم فركب المهدى وسكنها وكف الدعاة عن طلب التشيع من العامة وقتل جماعة من بنى الاغلب برقادة لما رجعوا إليها بعد زيادة الله * (بقية أخبار المهدى بعد الشيعي) * ولما استقام أمر المهدى بعد الشيعي جعل ولاية عهده لابنه أبى القاسم نزار وولى على برقة وما إليها حباسة بن يوسف وعلى المغرب أخاه عروبة وأنزله باغاية فسار إلى تاهرت فاقتحمها وولى عليها دواس بن صولات اللهيص ثم انتقضت عليه كتامة بقتله أبا عبد الله الشيعي ونصبوا طفلا لقبوه المهدى وزعموا أنه نبى وأن أبا عبد الله الشيعي لم يمت فجهز(4/37)
ابنه أبا القاسم لحربهم فقاتلهم وهزمهم وقتل الطفل الذى نصبوه وأثخن فيهم ورجع ثم انتقض أهل طرابلس سنة ثلثمائة وأخرجوا عاملهم ماكنون فبعث إليهم ابنه أبا القاسم فحاصرها طويلا ثم فتحها واثخن فيهم وأغرمهم ثلثمائة ألف دينار ثم أغزى ابنه أبا القاسم وجموعه كتامة سنة احدى وثلثمائة إلى الاسكندرية ومصر وبعث اصطوله في البحر في مائتين من المراكب وشحنها بالامداد وعقد عليها لحباسة بن يوسف وسارت العساكر فملكوا برقة ثم الاسكندرية والقيوم وبعث المقتدر العساكر من بغداد مع سبكتكين ومؤنس الخادم فتواقعوا مرات وأجلاهم عن مصر فرجعوا إلى المغرب ثم عاد حباسة في العساكر في البحر سنة ثنتين إلى الاسكندرية فملكها وسار يريد مصر فجاء مؤنس الخادم من بغداد المحاربته فتواقعوا مرات وكان الظهور آخر المؤنس وقتل
من أصحابه نحو من سبعة آلاف وانصرف إلى المغرب فقتله المهدى وانتقض لذلك أخوه عروبة بالمغرب واجتمع إليه خلق كثير من كتامة والبربر وسرح إليهم المهدى مولاه غالبا في العساكر فهزمهم وقتل عروبة وبنى عمه في أمم لا تحصى ثم انتقض اهل صقلية وتقبضوا على عاملهم على بن عمرو وولوا عليهم أحمد بن قهرب فدعا للمقتدر العباسي وذلك سنة أربع وثلثمائة وخلع طاعة المهدى وجهز إليه الاصطول مع الحسن بن أبى خنزير فلقيه أصطول بن قهرب فغلبه وقتل ابن أبى خنزير ثم راجع أهل صقلية أمرهم وكاتبوا المهدى وثاروا بابن قهرب فخلعوه وبعثوا به إلى المهدى فقتله على قبر ابن أبى خنزير وولى على صقلية على بن موسى بن أحمد وبعث معه عساكر كتامة ثم اعتزم المهدى على بناء مدينة على ساحل البحر يتخذها معصما لاهل بيته لما كان يتوقعه على الدولة من الخوارج (ويحكى عنه) أنه قال بنيتها لتعتصم بها الفواطم ساعة من نهار وأراهم موقف صاحب الحمار بساحتها فخرج بنفسه يرتاد موضعا لبنائها ومر بتونس وقرطا جنة حتى وقف على مكانها جزيرة متصلة بالبر كصورة كف تصلت بزند فاختط المهدية بها وجعلها دار ملكه وأدار بها سورا محكما وجعل لها أبوابا من الحديد وزن كل مصراع مائة قنطار وابتدأ ببنائها آخر سنة ثلاث ولما ارتفع السور رمى من فوقه بسهم إلى ناحية المغرب ونظر إلى منتهاه وقال إلى هذا الموضع يصل صاحب الحمار يعنى أبا يزيد ثم أمر أن يبحث في الجبل دار لانشاء السفن تسع مائة سفين وبحث في أرضها أهراء للطعام ومصانع للماء وبنى فيها القصور والدور فكملت سنه ست ولما فرغ منها قال اليوم أمنت على الفواطم ثم جهز ابنه أبا القاسم بالعساكر إلى مصر مرة ثانية سنة سبع وثلثمائة فملك الاسكندرية ثم سار فملك الجيزة والاشمونين وكثيرا من الصعيد وكتب إلى أهل مكة بطلب الطاعة فلم يجيبوا إليها وبعث المقتدر مؤنسا الخادم(4/38)
في العساكر وكانت بينه وبين أبى القاسم عدة وقعات ظهر فيما مؤنس وأصاب عسكر
أبى القاسم الجهد من الغلاء والوباء فرجع إلى افريقية وكانت مراكبهم قد وصلت من المهدية إلى الاسكندرية في ثمانين اصطولا مددا لابي القاسم وعليها سليمان الخادم ويعقوب الكتامى وكانا شجاعين وسار الاصطول من طرسوس للقائهم في خمسة وعشرين مركبا والتقوا على رشيد وظفرت مراكب طرسوس وأحرقوا وأسروا سليمان ويعقوب فمات سليمان في حبس مصر وهرب يعقوب من حبس بغداد إلى افريقية ثم اغزى المهدى سنة ثمان مضالة بن حبوس في رجالات مكناسة إلى بلاد المغرب فأوقع بملك فاس من الادارسة وهو يحيى بن ادريس بن ادريس بن عمرو واستنزله عن سلطانه إلى طاعة المهدى فأعطى بها صفقته وعقد لموسى بن أبى العافية المكناسى من رجالات قومه على أعمال المغرب ورجع ثم عاود غزو المغرب سنة تسع فدوخه ومهد جوانبه وأغراه قريبه عامل المغرب موسى بن أبى العافية بيحيى بن ادريس صاحب فاس فتقبض عليه وضم فاس إلى اعمال موسى ومحا دعوة الادريسية من المغرب وأجهضهم عن اعماله فتحيزوا إلى بلاد الريف وغمارة واستجدوا بها ولاية كما نذكره في أخبار غمارة ومنهم كان بنو حمود العلويون المستولون على قرطبة عند انقراض ملك الامويين في سنة ثلاث وأربعمائة كما نذكر هنالك ثم صمد مضالة إلى بلاد سجلماسة فقتل أميرها من آل مدرار المكناسيين المنحرف عن طاعة الشيعة وعقد لابن عمه كما نذكر في أخبارهم وسار في أتباعه زناتة في نواحى المغرب فكانت بينه وبينهم حروب هلك مضالة في بعضها على يد محمد بن خزر واضطرب المغرب فبعث المهدى ابنه أبا القاسم غازيا إلى المغرب في عساكر كتامة وأولياء الشيعة سنة خمس عشرة وثلثمائة ففر محمد بن خزر واصحابه إلى الرمال وفتح أبو القاسم بلد مزاتة ومطماطة وهوارة وسائر الا باضية والصفرية ونواحى تاهرت قاعدة المغرب الاوسط إلى ما وراءها ثم عاج إلى الريف فافتتح بلد لكور من ساحل المغرب الاوسط ونازل صاحب جراوة من آل ادريس وهو الحسن بن أبى العيش وضيق عليه ودوخ أقطار المغرب ورجع
ولم يلق كيدا ومر بمكان بلد المسيلة وبها بنو كملان من هوارة وكان يتوقع منهم الفتنة فنقلهم إلى فج القيروان وقضى الله أن يكونوا أولياء لصاحب الحمار عند خروجه ولما نقلهم أمر ببناء المسيلة في بلدهم وسماها المحمدية ودفع على بن حمدون الاندلسي من صنائع دولتهم إلى بنائها وعقد له عليها وعلى الزاب بعد اختطاطها فبناها وحصنها وشحنها با لاقوات فكانت مددا للمنصور في حصار صاحب الحمار كما يذكر ثم انتقض موسى بن أبى العافية عامل فاس والمغرب وخلع طاعة الشيعة وانحرف(4/39)
إلى الاموية من وراء البحر وبث دعوتهم في أقطار المغرب فنهض إليه أحمد بن بصلين المكناسى قائد المهدى وسار في العساكر فلقيه ميسور وهزمه وأوقع به وبقومه بمكناسة وأزعجه عن المغرب إلى الصحارى وأطراف البلاد ودوخ المغرب وثقف أطرافه ورجع ظافرا * (وفاة عبيد الله المهدى وولاية ابنه أبى القاسم) * ثم توفى عبيد الله المهدى في ربيع سنة ثنتين وعشرين لاربع وعشرين سنة من خلافته وولى ابنه أبو القاسم محمد ويقال نزار بعده ولقب القائم بأمر الله فعظم حزنه على أبيه حتى يقال انه لم يركب سائر أيامه الامرتين وكثر عليه الثوار وثار بجهات طرابلس ابن طالوت القرشى وزعم أنه ابن المهدى وحاصر طرابلس ثم ظهر للبربر كذبه فقتلوه ثم أغزى المغرب وملكه وولى على فاس أحمد بن بكر بن أبى سهل الجذابى وحاصر الادارسة ملوك الريف وغوارة فنهض ميسور الخصى من القيروان في العساكر ودخل المغرب وحاصر فاس واستنزل عاملها أحمد بن بكر ثم نهض في اتباع موسى فكانت بينهما حروب وأخذ الثوري بن موسى في بعضها أسيرا وأجلاه ميسور عن المغرب وظاهره عليه الادارسة الذين بالريف وانقلب ميسور إلى القيروان سنة أربع وعشرين وعقد للقاسم بن محمد كبير أدارسة الريف من ولد محمد بن ادريس على أعمال
ابن أبى العافية وما يفتحه من البلاد فملك المغرب كلها ما عدا فاس وأقام دعوة الشيعة بسائر أعماله ثم جهز أبو القاسم اصطولا ضخما لغزو ساحل الافرنجة وعقد عليه ليقرب ابن اسحق فأثخن في بلاد الافرنجة وسبى ونازل بلد جنوة وافتتحها وعظم صنع الله في شأنها ومروا بسردانية من جزر الفرنج فأثخنوا فيها ثم مروا بقرقيسا من سواحل الشأم فأحرقوا مراكبها ثم بعث عسكرا إلى مصر مع خادمه زير ان فملكوا الاسكندرية وجاءت عساكر الاخشيد من مصر فأزعجوهم عنها ورجعوا إلى المغرب * (أخبار أبى يزيد الخارجي) * وهو أبو يزيد مخلد بن كيراد وكان أبوه كيراد من أهل قسطيلة من مدائن بلد توزر وكان يختلف إلى بلاد السودان بالتجارة وبها ولد ولده أبو يزيد ونشأ بتوزر وتعلم القرآن وخالط النكارية من الخوارج وهم الصفرية فمال إلى مذهبهم وأخذ به ثم سافر إلى تاهرت وأقام بها يعلم الصبيان ولما صار الشيعي إلى سجلماسة في طلب المهدى انتقل هو إلى تقيوس وأقام يعلم فيها وكان يذهب إلى تكبير أهل ملته واستباحة الاموال والدماء والخروج على السلطان ثم أخذ نفسه بالحسبة على الناس وتغيير المنكر سنة(4/40)
ست عشرة وثلثمائة فكثر اتباعه ولما مات المهدى خرج بناحية جبل أو راس وركب الحمار وتلقب بشيخ المؤمنين ودعا للناصر صاحب الاندلس من بنى أمية فاتبعه امم من البربر وزحف إليه عامل باغاية فلقيه في جموع البربر وهزمه وزحف إلى باغاية فحاصرها ثم انهزم عنها وكتب إلى بنى واسى من قبائل زناتة بضواحي قسنطينة يأمرهم بحصارها فحاصروها سنة ثلاث وثلاثين ثم فتح تبسة صلحا ومجانة كذلك وأهدى له رجل من أهل مرما جنة حمارا أشهب فكان يركبه وبه لقب وكان يلبس جبة صوف قصيرة ضيقة الكمين وكان عسكر الكتاميين على الاربس فانفضوا وملكها أبو يزيد وأحرقها ونهبها وقتل في الجامع من لجأ إليه وبعث عسكرا إلى سبيبة ففتحها
وقتل عاملها وبلغ الخبر إلى القاسم فقال لابد أن يبلغ المصلى من المهدية ثم جهز العساكر وبعثها إلى رقادة والقيروان وبعث خادمه ميسورا الخصى لحربه وبعث عسكرا مع خادمه بشرى إلى باجة فنهض إليه أبو يزيد وهزمه إلى تونس ودخل أبو يزيد باجة فنهبها وأحرقها وقتل الاطفال وسبى النساء واجتمع إليه قبائل البربر واتخذ الابنية والبيوت وآلات الحرب وبعث إليه بشرى عسكرا من تونس وبعث أبو يزيد للقائهم عسكرا آخر فانهزم أصحاب أبى يزيد وظفر أصحاب بشرى ثم ثار أهل تونس ببشرى فهرب فاستأمنوا لابي يزيد فأمنهم وولى عليهم وسار إلى القيروان وبعث القائم خديمه بشرى للقائه وأمره أن يبعث من يتجسس عن أخباره فبعث طائفة وبعث أبو يزيد طائفة أخرى فانهزم عسكر أبى يزيد وقتل منهم أربعة آلاف وجئ بأسراهم إلى المهدية فقتلوا فسار أبو يزيد إلى قتال الكتاميين فهزم طلائعهم وأتبعهم إلى القيروان ونزل على رقادة في مائتي ألف مقاتل وعاملها يومئذ خليل بن اسحق وهو ينتظر وصول ميسور بالعساكر ثم ضايقه أبو يزيد وأغراه الناس بالخروج فخرج وهزمه أبو يزيد فمضى إلى القيروان ودخل أبو يزيد رقادة فعاث فيها وبعث أيوب الزويلى في عسكرالى القيروان فملكها في صفر سنة ثلاث وثلاثين ونهبها وأمن خليلا فقلته أبو يزيد وخرج إليه شيوخ أهل القيروان فأمنهم ورفع النهب عنهم وزحف ميسور إلى أبى يزيد وكان معه أبو كملان فكاتبوا أبا يزيد وداخلوه في الغدر بميسور وكتب إليه القائم بذلك فحذرهم فطردهم عنه ولحقوا بأبى يزيد وساروا معه إلى ميسور فانهزم ميسور وقتله بنو كملان وجاؤا برأسه فأطافه بالقيروان وبعث بالبشرى إلى البلاد وبلغت هزيمة ميسور إلى القائم بالمهدية فاستعد للحصار وأمر يحفر الخنادق وأقام أبو يزيد سبعين يوما في مخيم ميسور وبث السرايا في كل ناحية يغنمون ويعودون وأرسل سرية إلى سوسة ففتحوها عنوة واستباحوها وخرب عمران افريقية من سائر الضواحى ولحق(4/41)
فلهم بالقيروان حفاة عراة ومات أكثرهم جوعا وعطشا ثم بعث القائم إلى رؤساء كتامة والقبائل والى زيرى بن مناد ملك صنهاجة بالمسير إلى المهدية فتأهبوا لذلك وسمع أبو يزيد بخبرهم فنزل على خمسة فراسخ من المهدية وبث السرايا في جهاتها وسمع كتامة بافتراق عسكره في الغارة فخرجوا لبياته آخر جمادى الاولى وكان ابنه فضل قد جاء بالمدد من القيروان فبعثه للقاء كتامة وركب في اثرهم ولقى أصحابه منهزمين ولما رآه الكتاميون انهزموا بغير قتال وأتبعهم أبو يزيد إلى باب المهدية ورجع ثم جاء بعد أيام لقتالهم فوقف على الخندق المحدث وعليه جماعة من العبيد فقاتلهم ساعة وهزمهم وجاوز السور إلى البحر ووصل المصلى على رمية سهم من البلد والبربر يقاتلون من الجانب الاخر ثم حمل الكتاميون عليهم فهزموهم وبلغ ذلك أبا يزيد وسمع بوصول زيرى بن مناد فاعتزم أن يمر بباب المهدية ويأتى زيرى وكتامة من ورائهم فقاتلوا أهل الارباض ومالوا عليه لما عرفوه ليقتلوه وتخاص بعد الجهد ووصل إلى منزله فوجدهم يقاتلون العبيد كما تركهم فقوى أصحابه وانهزم العبيد ثم رحل وتأخر قليلا وحفر على معسكره خندقا واجتمع عليه خلق عظيم من البربر ونفوسة والزاب وأقاصى المغرب وضيق على أهل المرية ثم زحف إليها آخر جمادى فقاتلها وتورط في قتالها يومه ذلك ثم خلص وكتب إلى عامل القيروان ان يبعث إليه مقاتلتها فجاؤا وزحف بهم آخر رجب فانهزم وقتل من أصحابه ثم زحف الزحف الرابع آخر شوال ولم يظفر ورجع إلى معسكره واشتد الحصار على أهل المهدية حتى أكلوا الميتات والدواب وافترق أهلها في النواحى ولم يبق بها الا الجند وفتح القائم أهراء الزرع التى أعدها المهدى وفرقها فيهم ثم اجتمعت كتامة وعسكروا بقسنطينة فبعث إليهم أبو يزيد بعثا من وربجومة وغيرهم فهزموا كتامة ووافت أبا يزيد حشود البربر من كل ناحية وأحاط بسوسة وضيق عليها ثم انتقض البربر عليه بما كان منه من المجاهرة بالمحرمات والمنافسة بينهم فانفضوا عنه ورجع إلى القيروان سنة أربع وثلاثين وغنم أهل المهدية معسكره وكثر عبث البربر في أمصار
افريقية وضواحيها وثار أهل القيروان بهم وراجعوا طاعة القائم وجاء على بن حمدون من المسيلة بالعساكر فبيته أيوب بن أبى يزيد وهزمه وسار إلى تونس وجاءت عساكر القائم فواقعوه مرات وانهزم إلى القيروان في ربيع سنة أربع وثلاثين فبعث أيوب ثانية لقتال على بن حمدون ببلطة وكانت حروبه معه سجالا إلى أن اقتحم عليه البلد بمداخلة بعض أهلها ولحق ابن حمدون ببلاد كتامة واجتمعت قبائل كتامة ونفزة ومزاتة وعسكروا بقسنطينة وبعث ابن حمدون العساكر إلى هوارة فأوقعوا بهم وجاءهم مدد أبى يزيد فلم يغن عنهم وملك بن حمدون مدينة يتجست وباغاية ثم زحف أبو يزيد إلى(4/42)
سوسة في جمادى الاخرة من سنته وبها عسكر القائم وتوفى القائم وهو بمكانه من حصارها * (وفاة القائم وولاية ابنه المنصور) * ثم توفى القائم أبو القاسم محمد بن عبيد الله المهدى صاحب افريقية بعد أن عهد إلى ولده اسمعيل بعده وتلقب بالمنصور وكتم موت أبيه حذرا أن يطلع عليه أبو يزيد وهو بمكانه من حصار سوسة فلم يسم بالخليفة ولا غير السكة ولا الخطبة ولا البنود إلى أن فرغ من أمر أبى يزيد كما يذكر * (بقية أخبار أبى يزيد ومقتله) * ولما مات القائم كان أبو يزيد محاصر السوسة كما تقدم وقد وجهد أهلها الحصار فلما ولى اسمعيل المنصور وكان اول عمله أن بعث الاساطيل من المهدية إلى سوسة مشحونة بالمدد من المقاتلة والامتعة والميرة مع رشيق الكاتب ويعقوب بن اسحق وخرج بنفسه في أثرهم وأشار أصحابه بالرجوع فرجع ووصل الاسطول إلى سوسة وخرجو القتال أبى يزيد وعساكر سوسة معهم فانهزم أبو يزيد واستبيح معسكره منهبا واحراقا ولحق بالقيروان فمنعه أهلها من الدخول وثاروا بعامله فخرج إليه ورحل إلى سبيبة وذلك
أواخر شوال سنة أربع وجاء المنصور إلى القيروان وأمن أهلها وأبقى على حرم أبى يزيد وأولاده وأجرى عليهم الرزق وخرجت سرية من عسكر المنصور لاستكشاف خبر أبى يزيد وجاءت أخرى من عسكر أبى يزيد لمثل ذلك فالتقوا وانهزمت سرية المنصور فقوى أبو يزيد بذلك وكثر جمعه وعاد فقاتل القيروان وخندق المنصور على عسكره وقاتلهم أبو يزيد فكان الظفر أول يوم للمنصور ثم قاتلهم ثانيا فانهزموا وثبت المنصور وراجع أصحابه من طريق المهدية وسوسة ولما رأى أبو يزيد امتناعهم عليه رحل أواخر ذى القعدة ثم رجع فقاتلهم وكانت الحرب سجالا وبعث السرايا إلى طريق المهدية وسوسة نكاية فيهم وبعث إلى المنصور في حرمه وأولاده فبعثهم إليه بعد أن وصلهم وقد كان قسم على الرحيل فلما وصلوا إليه نكث وقاتلهم خامس المحرم سنة خمس وثلاثين فهزمهم ثم عبى المنصور عساكره منتصف المحرم وجعل البرابر في الميمنة وكتامة في الميسرة وهو وأصحابه في القلب وحمل أبو يزيد على الميمنة فهزمها ثم على القلب فلقيه المنصور واشتد القتال ثم حملوا عليه حملة رجل واحد فانهزم وأسلم اثقاله وعسكره وقتل خلق من أصحابه وبلغت رؤس القتلى الذى في أيدى صبيان القيروان عشرة آلاف ومضى أبو يزيد لوجهه ومر بباغاية فمنعه أهلها من الدخول(4/43)
فأقام يحاصرها ورحل المنصور في ربيع الاول لاتباعه واستخلف على المهدية مراما الصقلى وأدركه على باغاية فأجفل المنصور في اتباعه وكلما قصد حصنا سبقه المنصور إليه إلى ان نزل المنصور طبنة فجاءته رسل محمد بن خزر أمير مغراوة من أصحاب أبى يزيد ومواطئه بالغرب الاوسط فاستأمن للمنصور فامنه وأمره بطلب أبى يزيد ووصل أبو يزيد إلى بنى برزال وكانوا نكارية وبلغه خبر المنصور في اتباعه فسلك الرملة ثم عاد إلى نواحى غمرت فصادف المنصور وقاتله فانهزم أبو يزيد إلى جبل سالات والمنصور في أثره في جبال وأوعار ومضايق تفضى إلى القفر وأصابهم الجهد وعلم أنه ليس امامه
الا المفازة إلى بلاد السودان فرجع إلى غمرت من بلاد صنهاجة ووفد عليه هنالك زيرى ابن مناد أمير صنهاجة فأكرمه ووصله كما يجب له وجاء كتاب محمد بن خزر بالمكان الذى فيه أبو يزيد من المفازة وأقام المنصور هنالك لمرض أصابه فرجع أبو يزيد إلى المسيلة وحاصرها فلما عوفي المنصور رحل أول رجب سنة خمس وثلاثين وقصده فأفرج عن المسيلة وقصد المفازة يريد بلاد السودان فأبى عليه بنو كملان أصحابه فرجعوا إلى جبال كتامة وعجيسة فتحصنوا بها وجاء المنصور فنزل بساحتهم عاشر شعبان ونزل أبو يزيد فقاتلهم فانهزم وأسلم عسكره وأولاده وطعنه بعض الفرسان فأكبه وحامى عنه أصحابه فقتل في الحومة ما يزيد على عشرة آلاف وتخلص ثم سار المنصور في أثره أول رمضان ولم يقدر أحد من الفريقين على الهزيمة لضيق المكان وصعوبته ثم انهزم أبو يزيد لما ضرسه الحرب وترك اثقاله وساروا إلى رؤس الجبال يرمون بالصخر وتزاحفوا حتى تعانقوا بالايدي وكثر القتل ثم تحاجزوا وتحصن أبو يزيد بقلعة كتامة واستأمن الذين معه من هوارة فأمنهم المنصور وحصر أبا يزيد في القلعة وقاتلها غير مرة حتى افتتحها عنوة وأضرمها نارا وقتل أصحاب أبى يزيد في كل ناحية وجمع أهله وأولاده في القصر وأظلم الليل فامر المنصور باشعال النيران في الشعراء بالمحيطة بالقصر حتى أضاء الليل لتكون أحواله بمرأى منهم حذرا من فراره حتى خرج الليل وحمل في أصحاب المنصور حملة منكرة فأفرجوا له وأمر المنصور بطلبه فألفوه وقد حمله ثلاثة من أصحابه لانه كان جريحا فسقط من الوعر وارتث فحملوه إلى المنصور فسجد سجدة الشكر وأقام عنده إلى سلخ المحرم من سنة ست وثلاثين ثم هلك من الجراحة التى به فأمر بسلخ جلده وحشوة تبنا واتخذ له قفصا فأدخل فيه مع قردين يلاعبانه بعثاله له ورحل إلى القيروان والمهدية ولحق ابنه فضل بمعبد بن خزر وزحف به إلى طبنة وبسكرة وقصد المنصور فانهزم معبد وصعد إلى كتامة فبعث إليه العساكر مع مولييه شفيع وقيصر ومعهما زيرى بن مناد في صنهاجة فانهزم فضل ومعبد وافترق جمعهم ورجع المنصور إلى(4/44)
القيروان فدخلها * (بقية أخبار المنصور) * ثم انتقض حميد بن يضلبتن عامل المغرب وانحرف عن طاعة الشيعة ودعى للاموية من وراء البحر وزحف إلى تاهرت فحاصرها فنهض إليه المنصور في صفر سنة ست وثلاثين وجاء إلى سوق حمزة فأقام به وحشد زيرى بن مناد جموع صنهاجة من كل ناحية ورحل مع المنصور فأفرج حميد عن تاهرت وعقد عليها ليعلى بن محمد اليفرنى وعقد لزيرى ابن مناد على قومه وعلى سائر بلادهم ثم رحل لقتال لواته فهربوا إلى الرمال وأقام هو على وادميناس وكان هنالك ثلاثة جبال كل منهم عليه قصر مبنى بالحجر المنحوت فوجد في وجه احد هذه القصور كتابة على حجر فسيح فأمر المنصور التراجمة بقراءته وإذا فيه أنا سليمان السردغوس خالف أهل هذا البلد على الملك فبعثني إليهم ففتح الله عليهم وبنيت هذا البناء لا ذكر به ذكر هذه الغريبة ابن الرقيق في تاريخه ثم رحل المنصور إلى القيروان بعد ان خلع على زيرى بن مناد وحمله ودخل المنصورية في جمادى سنة ست وثلاثين فبلغه ان فضل بن أبى يزيد جاء إلى جبل أوراس وداخل البربر في الثورة فخرج إليه المنصور فدخل الرمل ورجع المنصور إلى القيروان ثم إلى المهدية ورجع فضل بن أبى يزيد إلى باغاية وأقام يحاصرها فغدر به باطيط وبعث برأسه إلى المنصور ثم عقد سنة تسع وثلاثين للحسين بن على بن أبى الحسين الكلبى على صقلية وأعمالها وكانت الخليل بن اسحق فصرفه الحسين واستقل بولايتها فكان له فيها ولبنيه ملك سنذكره وبلغ المنصور ان ملك افرنجة يريد غزو المسلمين فأخرج اسطوله وشحنه بالعساكر لنظر مولاه فرج الصقلى وأمر الحسين بن على عامل صقلية بالخروج معه فأجازوا البحر إلى عدوة الافرنجة ونزلوا قلورية ولقيهم رجاء ملك الفرنجة فهزموه وكان فتحا لا كفاء له وذلك سنة أربعين وثلثمائة ورجع فرج بالغنائم إلى المهدية سنة
ثنتين وأربعين وكان معبد بن خرز بعد مظاهرته لفضل بن أبى يزيد لم يزل منتقضا وأولياء المنصور في طلبه حتى أخذ في بعض الوقائع وسيق مع ابنه إلى المنصور فطيف بهما في أسواق المنصورية ثم قتلا سنة احدى وأربعين وثلثمائة * (وفاة المنصور وولاية ابنه المعز) * ثم توفى المنصور اسمعيل بن القاسم سلخ رمضان سنة احدى وأربعين لسبع سنين من خلافته أصابه الجهد من مطر وثلج تجلد على ملاقاته ودخل على أثره الحمام قعيت حرارته ولازمه السهر فمات وكان طبيبه اسحق بن سليمان الاسرائيلي قدنهاه عن(4/45)
الحمام فلم يقبل وولى الامر بعده ابنه معد ولقب المعز لدين الله فاستقام أمره وخرج لجبل أوراس سنة ثنتين وأربعين وجالت فيه عساكره واستأمن إليه بنو كملان ومليلة من هوارة ودخلوا في طاعته فأمنهم وأحسن إليهم واستأمن إليه محمد بن خزر بعد قتل أخيه معبد فأمنه ورجع إلى القيروان وترك مولاه قيصر في العساكر وعقد له على باغاية فدوخ البلاد وأحسن إلى الناس وألف من كان شاردا من البربر ورجع بهم إلى القيروان فأكرمهم المعزو وصلهم ثم وفد بعدهم محمد بن خزر أمير مغراوة فلقاه مبرة وتكريما وأقام عنده بالقيروان إلى ان هلك سنة ثمان وأربعين واستقدم المعز زيرى ابن مناد سنة ثلاث وأربعين أمير صنهاجة فقدم من استير فاجزل صلته ورده إلى عمله وبعث إلى الحسين بن على عامل صقلية سنة أربع وأربعين أن يخرجه باسطوله إلى ساحل المرية من بلاد الاندلس فعاث فيه وغنم وسبى ورجع فأخرج الناصر صاحب الاندلس اسطوله إلى سواحل افريقية مع غالب مولاه فمنعتهم العساكر وأقلعوا ثم عاودوا سنة خمس وأربعين في سبعين مركبا فأحرقوا مرسى الخزر وعاثوا في جهت سوسة ثم في نواحى طبرنة ورجعوا واستقام أمر المعز في بلاد افريقية والمغرب واتسعت ايالته وكانت أعماله من ايفكان خلف تاهرت بثلاثة مراحل إلى زناتة التى دون مصر وعلى
تاهرت وايفكان يعلى بن محمد اليفرنى وعلى أشير وأعمالها زيرى بن مناد الصنهاجى وعلى المسيلة وأعمالها جعفر بن على الاندلسي وعلى باغاية وأعمالها قيصر الصقلى وكان على فاس أحمد بن بكر بن أبى سهل الجذامي وعلى سلجماسة محمد بن واسول المكناسى ثم بلغه سنة سبع وأربعين ان يعلى بن محمد اليفرنى داخل الاموية من وراء البحر وان أهل المغرب الاقصى نقضوا طاعة الشيعة فأغزى جوهرا الصقلى الكاتب إلى المغرب بالعساكر وكان على وزارته وخرج معه جعفر بن على صاحب المسيلة وزيرى ابن مناد صاحب اشير وتلقاهم يعلى بن محمد صاحب المغرب الاوسط ولما ارتحل عن ايفكان وقعت هيعة في أصحاب صيلة وقيل له ان بنى يعرب أوقعوها فتقبض على يعلى وناشته سيوف كتامة لحينه وخرب ايفكان وأسر ابنه يدو بن يعلى وتمادوا إلى فاس ثم تجاوز وها إلى سلجماسة فأخذها وتقبض على الشاكر لله محمد بن الفتح الذى تلقب بامير المؤمنين من بنى واسول وولى ابن المعتز من بنى عمه مكانه ودوخ المغرب إلى البحر ثم رجع إلى فاس وحاصرها وواليها يومئذ أحمد بن بكر بن أبى سهل الجذامي وقاتلها مدة فامتنعت عليه وجاءته هدايا الامراء الادكرنية من السوس ثم رحل إلى سلجماسة وبها محمد بن واكول من مكناسة وقد تلقب بامير المؤمنين الشاكر لله وضرب السكة باسمه تقدست عزة الله فلما سمع بجوهر هرب ثم أخد أسير اوجئ به إلى جوهر وسار عن(4/46)
سلجماسة وافتتح البلاد في طريقه ثم عاد إلى فاس وأقام في حصارها إلى ان افتتحها عنوة على يد زيرى بن مناد تسنم أسوارها نيلا ودخلها وتقبض على أحمد بن بكر وذلك سنة ثمان وأربعين وولى عليها من قبله وطرد عمال بنى أمية من سائر المغرب وانقلب إلى القيروان ظافرا عزيزا وضم تاهرت إلى زيرى بن مناد وقدم بالفاطميين وباحمد ابن بكر وبمحمد بن واسال أسيرين في قفصين ودخل بهما إلى المنصورية في يوم مشهود وكانت ولاية المغرب والمشرق منقسمة بين مولييه قيصر ومظفر وكانا متغلبين على
دولته فقبض عليهما سنة تسع وأربعين وقتلهما وفى سنة خمسين كان تغلب النصارى على جزيرة اقريطش وكان بها أهل الاندلس من جالية الحكم بن هشام بسبب ثورة الرفض ففر بهم إلى الاسكندرية فثاروا بها وعبد الله بن طاهر يومئذ عامل مصر فحاصرهم بالاسكندرية حتى نزلوا على الامان وان يجيزوا البحر إلى جزيرة اقريطش فعمروها ونزلوها منذ تلك الايام وأميرها أبو حفص البلوطى منهم واستبدبها وورث بنوه رياسة فيها إلى ان نازلهم النصارى في هذه السنة في سبعمائة مركب واقتحموها عليهم عنوة وقتلوا منهم وأسروا وبقيت في أيدى النصارى لهذا العهد والله غالب على أمره وافتتح صاحب صقلية سنة احدى وخمسين قلعة طرمين من حصون صقلية بعد حصار طويل أجهدهم فنزلوا على حكم صاحب صقلية بعد تسعة أشهر ونصف للحصار وأسكن المسلمين بالقلعة وسماها المعزية نسبة إلى المعز صاحب افريقية ثم سار صاحب صقلية بعدها وهو أحمد بن الحسن بن على بن أبى الحسن إلى حصار رمطة من قلاع صقلية فاستمدوا ملكهم صاحب القسطنطينية فجهز لهم العساكر برا وبحرا واستمد صاحب صقلية المعز فامده بالعساكر مع ابنه الحسن ووصل مدده إلى مدينة ميسى وساروا بجموعهم إلى رمطة وكان على حصارها الحسن بن عمار فحمل عسكرا على رمطة وزحف إلى عسكر الروم مستميتا فقاتلهم فقتل أمير الروم وجماعة من البطارقة وهزموا أقبح هزيمة واعترضهم خندق فسقطوا فيه وأثخن المسلمون فيهم وغنموا عسكرهم واشتد الحصار على أهل رمطة وعدموا الاقوات فاقتحمها المسلمون عنوة وركب فل الروم البحر يطلبون النجاة فأتبعهم الامير أحمد بن الحسن في اسطوله فأدركهم وسبح بعض المسلمين في الماء فحرق مراكبهم وانهزموا وبث أحمد سرايا المسلمين في مدائن الروم فغنموا منها وعاثوا فيها حتى صالحوهم على الجزية وكانت هذه الواقعة سنة أربع وخمسين وتسمى وقعة المحاز * (فتح مصر) *
ثم ان المعز لدين الله بلغه اضطراب أحوال مصر بعد موت كافور الاخشيدى وعظم(4/47)
فيها الغلاء وكثرت الفتن وشغل بغداد عنهم بما كان من الفتن بين تختيار بن معز الدولة وعضد الدولة ابن عمه فاعتزم العز على المسير إلى مصر وأخرج جوهر الكاتب إلى المغرب لحشد كتامة وأوغر إلى أعمال برقة لحفر الابار في طريقها وذلك سنة خمس وخمسين فسيره إلى مصر وخرج لتوديعه وأقام أياما في معسكره وسار جوهر وبلغ خبره إلى عساكر الاخشيدية بمصر فافترقوا وكان ما يذكر في أخبارهم وقدم جوهر منتصف شعبان من سنة ثمان وخمسين فدخلها وخطب في الجامع العتيق منه باسم المعتز وأقيمت الدعوة العلوية وفى جمادى من سنة تسع وخمسين دخل جوهر جامع ابن طولون فصلى فيه وأمر بزيادة حى على خير العمل في الاذان فكان أول أذان أذن به في مصر ثم بعث إلى المعز بالهدايا وباعيان دولة الاخشيدية فحبسهم المعز بالمهدية وأحسن إلى القضاة والعلماء من وفدهم وردهم إلى مصر وشرع جوهر في بناء القاهرة واستحث المعز للقدوم على مصر * (فتح دمشق) * ولما فتحت مصر وأخذ بنو طفج هرب منهم الحسن بن عبد الله بن طفج إلى مكة ومعه جماعة من قوادهم فلما استشعر جوهر به بعث جعفر بن فلاح الكتامى في العساكر إليه فقاتله مرارا ثم أسره ومن كان معه من القواد وبعث بهم إلى جوهر فبعث بهم جوهر إلى المعز بافريقية ودخل جعفر الرملة عنوة فاستباحها ثم أمن من بقى وجبى الخراج وسار إلى طبرية وبها ابن ملهم وقد أقام الدعوة للمعز فتجا في عنه وسار إلى دمشق فافتتحها عنوة وأقام بها الخطبة للمعز لايام من المحرم سنة تسع وخمسين وكان بدمشق الشريف أبو القاسم بن يعلى الهاشمي وكان مطاعا فيهم فجمع الاوباش والذعارو ثار بهم في الجمعة الثانية ولبس السواد وأعاد الخطبة للمطيع فقاتلهم جعفر بن فلاح أياما
وأولى عليهم الهزائم وعاثت جيوش المغاربة في أهل دمشق فهرب ابن أبى يعلى ليلا من البلد وأصبحوا حيارى وكانوا قد بعثوا الشريف الجعفري إلى جعفر في الصلح فأعاده إليهم بتسكين الناس والوعد الجميل وان يدخل البلد فيطوف فيه ويرجع إلى معسكره فدخل وعاث المغاربة في البلد بالنهب فثار ال ناس بهم وحملوا عليهم وقتلوا منهم وشرعوا في حفر الخنادق وتحصين البلد ومشى الشريف أبو القاسم في الصلح بينهم وبين جعفر ابن فلاح فتم ذلك منتصف ذى الحجة من سنة تسع وخمسين ودخل صاحب شرطة جعفر فسكن الناس وقبض على جماعة من الاحداث وقتل منهم وحبس ثم قبض على الشريف أبى القاسم بن أبى يعلى في المحرم من سنة ستين وبعث به إلى مصر واستقام ملك دمشق لجعفر بن فلاح وكان خرج با فريقية في سنة ثمان وخمسين أبو جعفر الزناتى(4/48)
واجتمعت إليه جموع من البربر والنكارية وخرج إليه المعز بنفسه وانتهى إلى باغاية وافترقت جموع أبى خزر وسلك الاوعار فعاد المعز وأمر بلكين بن زيرى بالمسير في طلبه فسار لذلك حتى انقطع عنه خبره ثم جاء أبو جعفر مستأمنا سنة تسع وخمسين فقبله وأجرى عليه الرزق وعلى أثر ذلك وصلت كتب جوهر باقامة دعوته بمصر والشأم وبا ستدعائه إليها فاشتد سرور المعز بذلك وأظهره في الناس ونطق الشعراء بامتداحه ثم زحف القرامطة إلى دمشق وعليهم ملكهم الاعصم ولقيهم جعفر بن فلاح فظفر بهم وقتلهم ثم رجعوا إليه سنة احدى وستين وبرز إليهم جعفر فهزموه وقتلوه وملك الاعصم دمشق وسار إلى مصر وكاتب جوهر بذلك للمعز فاعتزم على الرحلة إليها * (مسير المعز إلى مصر ونزوله بالقاهرة) * ولما انتهت هذه الاخبار إلى المعز اعتزم على المسير إلى مصر وبدأ بالنظر في تمهيد المغرب وقطع شواغله وكان محمد بن الحسن بن خزر المغراوى مخالفا عليه بالمغرب الاوسط وقد كثرت جموعه من زنانة والبربر وكان جبارا طاغيا فأهم المعز أمره وخشى على
افريقية غائلته فأمر بلكين بن زيرى بن مناد بغزوه فغزاه في بلاده وكانت بينهما حروب عظيمة ثم انهزم محمد بن خزر وجموعه ولما أحس بالهزيمة تحامل على سيفه فقتل نفسه وقتل في المعركة سبعة عشر من أمراء زناتة وأسر منهم كثير وذلك سنة ستين وسر المعز ذلك وقعد للهناء به واستقدم بلكين بن زيرى فاستخلفه على افريقية والمغرب وأنزله القيروان وسماه يوسف وكناه أبا الفتوح وولى على طرابلس عبد الله بن يخلف الكتامى ولم يجعل لبلكين ولاية عليه ولا على صاحب صقلية وجعل على جباية الاموال زيادة الله بن الغريم وعلى الخراج عبد الجبار الخراساني وحسين بن خلف المرصدى بنظر بلكين وعسكر ظاهر المنصورية آخر شوال من سنة احدى وستين وأقام على سردانية قريبا من القيروان حتى فرغ من أعماله ولحقته عساكره وأهل بيته وعماله وحمل له ما كان في قصره من الاموال والامتعة وارتحل بعد أربعة أشهر من مقامه وسار معه بلكين قليلا ثم ودعه ورده إلى عمله وسار هو إلى طرابلس في عساكره وهرب بعضهم إلى جبل نفوسة فامتنعوا بها وسار إلى برقة فقتل بها شاعره محمد بن هانئ الاندلسي وجد قتيلا بجانب البحر في آخر رجب من سنة ثنتين وستين ثم سار إلى الاسكندرية وبلغها في شعبان من هذه السنة ولقيه بها أعيان مصر فأكرمهم ووصلهم وسار فدخل القاهرة لخمس من رمضان من هذه السنة فكانت منزله ومنزل الخلفاء بعده إلى آخر دولتهم * (حروب المعز مع القرامطة واستيلاؤه على دمشق) *(4/49)
كان للقرامطة على بن طفج بدمشق ضريبة يؤدونها إليهم فلما ملك بن فلاح بدعوة المعز قطع تلك الضريبة وآسفهم بذلك فرجعوا إلى دمشق وعليهم الاعصم ملكهم فبرز إليهم جعفر بن فلاح فهزموه وقتلوه وملكوا دمشق وما بعدها إلى الرملة وهرب من كان بالرملة وتحصنوا بيافا وملك القرامطة الرملة وجهزو العساكر على يافا وساروا إلى
مصر ونزلوا عين شمس وهى المعروفة لهذا العهد بالمطرية واجتمع إليهم خلق كثير من العرب وأولياء بنى طفج وحاصروا المغاربة بالقاهرة وقاتلوهم أياما فكان الظفر بهم ثم خرج المغاربة واستماتوا وهزمهم فرحلوا إلى الرملة وضيقوا حصار يافا وبعث إليهم جعفر بالمدد في البحر فأخذه القرامطة وانتهى الخبر إلى المعز بالقيروان وجاء إلى مصر ودخلها كما ذكرناه وسمع أنهم يريدون المسير إلى مصر فكتب إلى الاعصم يذكره فضل بنيه وأنهم انما دعوا له ولابائه وبالغ في وعظه وتهدده فاساء في جوابه وكتب إليه وصل كتابك الذى قل تحصيله وكثر تفصيله ونحن سائرون اليك والسلام وسار من الاحساء إلى مصر ونزل عين شمس في عساكره واجتمع إليه الناس من العرب وغيرهم وجاء حسان بن الجراح في جموع عظيمة من طيئ وبث سراياه في البلاد فعاثوا فيها وأهم المعز شأنه فراسل ابن الجراح واستماله بمائة ألف دينار على ان ينهزم على القرامطة واستحلفوه على ذلك وخرج المعز ليوم عينوه لذلك فانهزم ابن الجراح بالعرب وثبت القرامطة قليلا ثم انهزموا وأخذ منهم نحو ألف وخمسمائة أسير وساروا في اتباعهم ولحق القرامطة باذرعات وساروا منها إلى الاحساء وقتلوا صبرا ونهب معسكرهم وجرد المعز القائد أبا محمود في عشرة آلاف فارس وساروا في اتباعهم ولحق القرامطة باذرعات وساروا منها إلى الاحساء وبعث المعز القائد ظالم ابن موهوب العقيلى واليا على دمشق فدخلها وكان العامل بها من قبل القرامطة أبو اللجاء وابنه في جماعة منهم فحبسهم ظالم وأخذ أموالهم ورجع القائد أبو محمود من اتباع القرامطة إلى دمشق فتلقاه ظالم وسر بقدومه وسأله المقا بظاهر دمشق حذرا من القرامطة ففعل ودفع أبا اللجاء وابنه فبعث بهم إلى مصفحبسوا بها وعاث أصحاب أبى محمود في دمشق فاضطرب الناس وقتل صاحب الشرطة بعضهم فثاروا به وقتلوا أصحابه وركب ظالم بذراريهم وأجفل أهل الضواحى إلى البلد من عيث المغاربة ثم وقعت في منتصف شوال من سنة ثلاث وستين فتنة بين العامة وبين عسكر أبى محمود وقاتلوه أياما ثم هزمهم وتبعهم إلى
البلد وكان ظالم بن موهوب يدارى العامة فأشفق في هذا اليوم على نفسه وخرج من دار الامارة وأحرق المغاربة ناحية باب الفراديس ومات فيها خلق واتصلت الفتنة إلى ربيع الاخر من سنة أربع وستين ثم وقع الصلح بينهم على اخراج ظالم من البلد وولاية(4/50)
جيش بن الصمصامة ابن اخت محمود فسكن الناس إليه ثم رجع المغاربة إلى العيث وعاد العامة إلى الثورة وقصدوا القصر الذى فيه جيش فهرب ولحق بالعسكر وزحف إلى البلد فقاتلهم وأحرق ما كان بقى وقطع الماء عن البلد فضاقت الاحوال وبطلت الاسواق وبلغ الخبر إلى المعز فنكر ذلك على أبى محمود واستعظمه وبعث إلى ريان الخادم في طرابلس يأمره بالمسير إلى دمشق لاستكشاف حالها وان يصرف القائد أبا محمود عنها فصرفه إلى الرملة وبعث إلى المعز بالخبر وأقام بدمشق إلى أن وصل افتكين واليا على دمشق وكان أفتكين هذا من موالى عز الدولة بن بويه ولما ثار الاتراك على ابنه بختيار مع سبكتكين ومات سبكتكين قدمه الاتراك عليهم وحاصروا بختيار بواسط وجاء عضد الدولة لا نجاده فاجفلوا عن واسط فتركوه ببغداد وسار افتكين في طائفة من الجند إلى حمص فنزل قريبا منها وقصده ظالم بن موهوب العقيلى ليقبضه فعجز عنه وسار افتكين فنزل بظاهر دمشق وبها زياد خادم المعز وقد غلب عليه وعلى أعيان البلد الاحداث والذعار فلم يملكوا معهم أمر أنفسهم فخرج الاعيان إلى افتكين وسألوا منه الدخول إليهم ليولوه وشكوا إليه حال المغاربة وما يحملونهم عليه من عقايد بعض الرفض وما أنزل بهم عمالهم من الظلم والعسف فأجابهم واستحلفهم وحلف لهم وملك البلد وخرج منها زياد الخادم وقطع خطبة المعز العلوى وخطب للطائع العباسي وقع أهل الفساد ودفع العرب عما كانوا استولوا عليه من الضواحى واستقل ملك دمشق وكاتب المعز بطلب طاعته وولايتها من قبله فلم يثق إليه ورده وتجهز لقصده وجهز العساكر فتوفى بعسكره ببلبيس كما يذكر
* (وفاة المعز وولاية ابنه العزيز) * ثم توفى المعز بمصر في منتصف ربيع الاخر سنة خمس وستين لثلاث وعشرين سنة من خلافته وولى ابنه نزار بعهده إليه ووصيته ولقب العزيز بالله وكتم موت أبيه إلى عيد النحر من السنة فصلى بالناس وخطبهم ودعا لنفسه وعزى بأبيه وأقر يعقوب بن كلس على الوزارة كما كان أيام أبيه وأقر بلكين بن زيرى على ولاية افريقية وأضاف إليه ولاية عبد الله بن يخلف الكتامى وهى طرابلس وسرت وجرابيه وكان أهل مكة والمدينة قد خطبوا للمعز أبيه في الموسم فتركوا الخطبة للعزيز فبعث جيوشه إلى الحجاز فحاصروا مكة والمدينة وضيقوا عليهم حتى رجعوا إلى دعوتهم وخطب للعزيز بمكة وكان أمير مكة عيسى بن جعفر والمدينة طاهر بن مسلم ومات في هذه السنة فولى ابنه الحسن وابن أخيه مكانه(4/51)
ولما توفى المعز وولى العزيز قام افتكين وقصد البلاد التى لهم بساحل الشأم فبدأ بصيدا فحاصرها وبها ابن الشيخ في رؤس المغاربة وظالم بن موهوب العقيلى فبرزوا إليه وقاتلوه فاستنجد لهم ثم كرعليهم وأوقع بهم وقتل منهم أربعة آلاف وسار إلى عكة فحاصرها وقصد طبرية وفعل فيها مثل صيدا ورجع واستشار العزيز وزيره يعقوب ابن كلس فأشار بارسال جوهر الكاتب إليه فجهزه العزيز وبعثه وأقبل افتكين على أهل دمشق يريهم التحول عنهم ويذكرهم بذلك ليختبرهم فتطارحوا إليه واستماتوا واستحلفهم على ذلك ووصل جوهر في ذى القعدة سنة خمس وستين فحاصر دمشق شهرين وضيق حصارها وكتب افتكين إلى الاعصم ملك القرامطة يستنجده فسار إليه من الاحساء واجتمع إليهم من رجال الشأم والعرب نحو من خمسين ألفا وأدركوا جوهرا بالرملة وقطعوا عنه الماء فارتحل إلى عسقلان فحاصروه بها حتى بلغ الجهد وأرسل جوهر إلى افتكين بالمغاربة والوعد والقرمطى يمنعه ثم سأله في الاجتماع فجاءه افتكين
ولم يزل جوهر يعتل له في الدورة والغارب وافتكين يعتذر بالقرمطى ويقول أنت حملتني على مداراته فلما أيس منه كشف لهم عماهم فيه من الضيق وسأله الصنيعة وأنها يتخذها عند العزيز فحلف له على ذلك وعزله القرمطى وأراه جوهر أن يحمل العزيز على المسير بنفسه فضم من عزله وأبى الا الوفاء وانطلق جوهر إلى مصر وأغرى العزيز بالمسير إليهم فتجهز في العساكر وسار وجوهر في مقدمته ورجع افتكين والقرمطى إلى الرملة واحتشدوا ووصل العزيز فاصطفوا للحرب بظاهر الرملة في محرم سنة سبع وستين وبعث العزيز إلى افتكين يدعوه إلى الطاعة ويرغبه ويعده بالتقدم في دولته ويدعوه إلى الحضور عنده فتقدم بين الصفين وترجل وقبل الارض وقال قل لامير المؤمنين لو كان قبل هذه لسارعت وأما الان فلا يمكننى وحمل على الميسرة فهزمهم وقتل الكثير منهم فامتعض العزيز وحمل هو والميمنة جميعا فهزمهم ووضع المغاربة السيف فقتلوا نحوا من عشرين ألفا ثم نزل في خيامه وجئ بالاسرى فخلع على من جاء بهم وبذل لمن جاء بافتكين مائة ألف دينار فلقيه المفرج بن دغفل الطائى وقد جهده العطش فاستسقاه فسقاه وتركه بعرشه مكرما وجاء إلى العزيز فأخبره بمكانه وأخذ المائة ألف التى بذلها فيه وأمكنه من قياده ولما حضر عند العزيز وهو لا يشك انه مقتول أكرمه العزيز ووصله ونصب له الخيام وأعاد إليه ما نهب له ورجع به إلى مصر فجعله أخص خدمه وحجابه وبعث إلى الاعصم القرمطى من يرد إليه ليصله كما فعل بافتكين فأدرك بطبرية وامتنع من الرجوع فبعث إليه بعشرين ألف دينار وفرضها له ضريبة وسار(4/52)
القرمطى الا الاحساء وعاد العزيز إلى مصر ورفى رتبة افتكين وخص به الوزير يعقوب ابن كلس فسمه وسمع العزيز بأنه سمه فحبسه أربعين يوما وصادره على خمسمائة ألف دينار ثم خلع عليه وأعاده إلى وزارته وتوفى جوهر الكاتب في ذى القعدة من سنة احدى وثمانين وقام ابنه الحسن مقامه ولقب قائد القواد وكان افتكين قد استخلص
أيام وزارته بدمشق رجلا اسمه قسام فعلا صيته وكثر تابعه واستولى على البلد ولما انهزم افتكين والقرامطة بعث العزيز القائد أبا محمود بن ابراهيم واليا على دمشق كما كان لابيه المعز فوجد فيها قساما قد ضبط البلد وهو يدعو للعزيز فلم يتم له معه ولاية وبقى قسام مستبدا عليه إلى أن مات أبو محمود سنة سبعين ثم جاء أبو ثعلب بن حمدان صاحب الموصل إلى دمشق عند انهزامه أمام عضد الدولة فمنعه قسام من الدخول وخاف أن يغلبه على البلد بنفسه أو بأمر العزيز واستوحش أبو ثعلب لذلك فقاتله قليلا ثم رحل إلى مطرية وجاءت عساكر العزيز مع قائده الفضل فحاصروا قساما بدمشق ولم يظفروا به ورجعوا ثم بعث العزيز سنة تسع وستين سليمان بن جعفر بن فلاح فنزل بظاهرها ولم يمكنه قسام من دخولها ودس إلى الناس فقاتلوه وأزعجوه عن مكانه وكان مفرج بن الجراح أمير بنى طيئ وسائر العرب بأرض فلسطين قد كثرت جموع وقويت شوكته وعاث في البلاد وخر بها فجهز العزيز العساكر لحربه مع قائده بلتكين التركي فسار إلى الرملة واجتمع إليه العرب من قيس وغيرهم ولقى ابن الجراح وقد أكمن لهم بلتكين من ورائهم فانهزم ومضى إلى انطاكية فاجاره صاحبها وصادف خروج ملك الروم من القسطنطينية إلى بلاد الشأم فخاف ابن الجراح وكاتب بكجور مولى سيف الدولة وعامله على حمص ولجأ إليه فأجاره ثم زحف بلتكين إلى دمشق وأظهر لقسام انه جاء لاصلاح البلد وكان مع قسام جيش بن الصمصامة ابن خأت أبى محمود قد قام بعده في ولايته فخرج إلى بلتكين فأمره بالنزول معه بظاهر البلد هو وأصحابه واستوحش قسام وتجهز للحرب ثم قاتل وانهزم أصحابه ودخل بلتكين أطراف البلد فنهبوا وأحرقوا واعتزم أهل البلد على الاستئمان إلى بلتكين وشافهوه بذلك فأذن لهم وسمع قسام فاضطرب وألقى ما بيده واستأمن الناس إلى بلتكين لانفسهم ولقسام فأمن الجميع وولى على البلد أميرا اسمه خطلج فدخل البلد وذلك في المحرم سنة ثنتين وسبعين ثم اختفى قسام بعد يومين فنهبت دوره ودور أصحابه وجاء ملقيا بنفسه على
بلتكين فقبله وحمله إلى مصر فأمنه العزيز وكان بكجور في غوية من غلمان سيف الدولة وعامله على حمص وكان يمد دمشق أيام هذه الفتنة والغلاء ويحمل الاقوات من حمص إليها ويكاتب العزيز بهذه الخدم ثم استوحش سنة ثلاث وسبعين من مولاه أبى المعالى(4/53)
فاستنجز من العزيز وعده اياه بولاية دمشق وصادف ذلك ان المغاربة بمصر أجمعوا على التوئب بالوزير بن كلس ودعت الضرورة إلى استقدام بلتكين من دمشق فأمره العزيز بالقدوم وولاية بكجور على دمشق ففعل ودخلها بكجور في رجب من سنة ثلاث وسبعين وعاث في أصحاب ابن كامل وحاشيته بدمشق لما كان يبلغه عنه من صد العزيز عن ولايته ثم أساء السيرة في أهل دمشق فسعى ابن كلس في عزله عند العزيز وجهز العساكر سنة ثمان وسبعين مع منير الخادم وكتب إلى نزال عامل طرابلس بمظاهرته وجمع بكجور العرب وخرج للقانه فانهزم ثم خاف من وصول نزال فاستأمن لهم وتوجه إلى الرقة فاستولى عليها ودخل منير دمشق واستقرفى ولايتها وارتفعت منزلته عند العزيز وجهزه لحصار سعد الدولة بحلب وكان بكجور بعد انصرافه من دمشق إلى الرقة سأل من سعد الدولة العود إلى ولاية حمص فمنعه فأجلب عليه واستنجد العزيز لحربه وبعث إلى نزال عامل طرابلس بمظاهرته فسار إليه بالعساكر وخرج سعد الدولة من حلب للقائهم وقد أضمر نزال الغدر ببكجور تقدم إليه بذلك عيسى بن نسطورس وزير العزيز بعد ابن كلس وجاء سعد الدولة للقائهم وقد استمد عامل انطاكية للروم فأمده بجيش كثير وداخل العرب الذين مع بكجور في الانهزام عنه وعدوه ذلك من أنفسهم فلما تراءى الجمعان وشعر بكجور بخديعة العرب فاستمات وحمل على الصف بقصد سعد الدولة فقتل لؤلؤ الكبير مولاه بطعنه اياه ثم حمل عليه سعد الدولة فهزمه فسار إلى بعض العرب وحمل إلى سعد الدولة فقتله وسار إلى الرقة فملكها وقبض جميع أمواله وكانت شيأ لا يعبر عنه وكتب أولاده إلى العزيز يستشفعون به فشفع إلى سعد الدولة فيهم أن
يبعثهم إلى مصر ويتهدده على ذلك فأساء سعد الدولة الردو جهز لحصار حلب الجيوش مع منجو تكين فنزل عليها وحاصرها وبها أبن الفضائل ابن سعد الدولة ومولاه لؤلؤ الصغير وأرسلا إلى سيل ملك الروم يستنجد انه وهو في قتال بلغار فبعث إلى عامل انطاكية أن يمدهما فسار في خمسين ألفا حتى نزل حبس العاصى وبلغ خبره إلى منجو تكين فارتحل عن حلب ولقى الروم فهزمهم وأثخن فيهم قتلا وأسرا وسار إلى انطاكية وعاث في نواحيها وخرج أبو الفضائل في مغيب منجوتكين إلى ضواحي حلب فنقل ما فيها من الغلال وأحرق بقيتها لتفقد عساكر منجوتكين الاقوات فلما عاد منجوتكين إلى الحصار جهز عسكره وأرسل لؤلؤ إلى أبى الحسن المغربي في الصلح فعقد له ذلك ورحل منجوتكين إلى دمشق وبلغ الخبر إلى العزيز فغضب وكتب إلى منجوتكين بالعود إلى حصار حلب وابعاد الوزير المغربي وأنفذ الاقوات للعسكر في البحر إلى طرابلس وأقام منجوتكين في حصار حلب وأعادوا مراسلة ملك الروم(4/54)
فاستنجدوه وأغروه وكان قد توسط بلاد البلغار فعاد مجدا في السير وبعث لؤلؤ إلى منجوتكين بالخبر حذرا على المسلمين وجاءته جواسيسه بذلك فأجفل بعد أن خرب ماكان اتخذه في الحصار من الاسواق والقصور والحمامات ووصل ملك الروم إلى حلب ولقى أبا الفضائل ولؤلؤا ثم سار في الشأم وافتتح حمص وسيزر ونهبهما وحاصر طرابلس أربعين يوما فامتنعت عليه وعاد إلى بلاده وبلغ الخبر إلى العزيز فعظم عليه واستنفر الناس للجهاد وبرز من القاهرة وذلك سنة احدى وثمانين ثم انتقض منير في دمشق فزحف إليه منجوتكين إلى دمشق * (أخبار الوزراء) * كان وزير المعز لدين الله يعقوب بن يوسف بن كلس أصله من اليهود وأسلم وكان يدبر الاحوال الاخشيدية بمصر وعزله أبو الفضائل بن الفرات سنة سبع وخمسين وصادره
فاستتر بمصر ثم فر إلى المغرب ولقى المعز لدين الله وجاء في ركابه إلى مصر فاستوزره وعظم مقامه عنده واستوزره بعده ابنه العزيز إلى أن توفى سنة ثمانين وصلى عليه العزيز وحضر دفنه وقضى عنه دينه وقسم عمله فرد النظر في الظلامات إلى الحسن بن عمار كبير كتامة ورد النظر في الاموال إلى عيسى بن نسطورس ولم تزل الوزارة سائر دولتهم في أرباب الاقلام وكانوا بمكان وكان منهم البارزى وكان مع الوزارة قاضى القضاة وداعي الدعاة وسأل أن برسم اسمه على السكة فغرب ومنع ومات قتيلا بتنيس وأبو سعيد النسرى وكان يهوديا وأسلم قبل وزارته والجرجاني وقطع الجرجاني في أمر منع من الكتب فيه فكتب وحلف الحاكم بيمين لا تكفر ليقطعنه ثم رده بعد ثلاث وخلع عليه وابن أبى كدينة ثلاثة عشر شهرا ثم صرف وقتل وأبو الطاهر بن ياشاد وكان من أهل الدين واستعفى فأعفي وأقام معتكفا في جامع مصر وسقط ليلة من السطح فمات وكان آخرهم الوزير أبو القاسم بن المغربي وكان بعده بدر الجيالى أيام المستنصر وزير سيف الدولة واستبد له على الدولة ومن بعده منهم كما يأتي في أخبارهم * (أخبار القضاة) * كان النعمان بن محمد بن منصور بن أحمد بن حيون في خطة القضاء للمعز بالقيروان ولما جاء إلى مصر أقام بها في خطة القضاء إلى أن توفى وولى ابنه على ثم توفى سنة أربع وسبعين وثلثمائة قولى العزيز أخاه أبا عبد الله محمد اخلع عليه وقلده سيفا وكان المعز قد وعد أباه بقضاء ابنه محمد هذا بمصر وتم في سنة تسع وثمانين أيام الحاكم وكان كبير الصلت كثير الاحسان شديد الاحتياط في العدالة فكانت أيامه شريفة وولى بعده ابن(4/55)
عمه أبو عبد الله الحسين على بن النعمان أيام الحاكم ثم عزل سنة أربع وتسعين وقتل وأحرق بالنار وولى مكانه ملكة بن سعيد الفارقى إلى أن قتله الحاكم سنة خمس وأربعمائة بنواحي القصور وكان عالى المنزلة عند الحاكم ومداخلا له في أمور الدولة
وخالصة له في خلواته وولى بعده أحمد بن محمد بن عبد الله بن أبى العوام واتصل في آخرين إلى آخر دولتهم كان كثيرا ما يجمعون للقاضى المظالم والدعوة فيكون داعى الدعاة وربما يفردون كلام منهما وكان القاضى عندهم يصعد مع الخليفة المنبر مع من يصعده من أهل دولته عند ما يخطب الخلفاء في الجمع والاعياد * (وفاة المعز وولاية ابنه الحاكم) * قد تقدم لنا أن العزيز استنفر الناس للجهاد سنة احدى وثمانين وبرز في العساكر لغزو الروم ونزل بلبيس فاعتورته الامراض واتصلت به إلى أن هلك آخر رمضان سنة ست وثمانين لاحدى عشرة سنة ونصف من خلافته ولقب الحاكم بأمر الله واستولى برجوان الخادم على دولته كما كان لابيه العزيز بوصيته بذلك وكان مدبر دولته وكان رديفه في ذلك أبو محمد الحسن بن عمار ويلقب بأمين الدولة وتغلب على ابن عمار وانبسطت أيدى كتامة في أموال الناس وحرمهم ونكر منجوتكين تقديم ابن عمار في الدولة وكاتب برجوان بالموافقة على ذلك فأظهر الانتقاض وجهز العساكر لقتاله مع سليمان بن جعفر بن فلاح فلقيهم بعسقلان وانهزم منجوتكين وأصحابه وقتل منهم ألفين وسيق أسيرا إلى مصر فأبقى عليه ابن عمار واستماله للمشارقة وعقد على الشأم لسليمان بن فلاح ويكنى أبا تميم فبعث من طبرية أخاه عليا إلى دمشق فامتنع أهلها فكاتبهم أبو تميم وتهددهم وأذعنوا ودخل على البلد ففتك فيهم ثم قدم أبو تميم فأمن وأحسن وبعث أخاه عليا إلى طرابلس وعزل عنها جيش ابن الصمصامة فسار إلى مصر وداخل برجوان في الفتك بالحسن بن عمار وأعيان كتامة وكان معهما في ذلك شكر خادم عضد الدولة تزع إلى مصر بعد مهلك عضد الدولة ونكبة أخيه شرف الدولة اياه فخلص إلى العزيز فقربه وخطى عنده فكان مع برجوان وجيش بن الصمصامة وثارت الفتنة واقتتل المشارقة والمغاربة فانهزمت المغاربة واختفى ابن عمار وأظهر برجوان الحاكم وجد دله البيعة وكتب إلى دمشق بالقبض على أبى تميم بن فلاح فنهب ونهبت
خزائنه واستمر القتل في كتامة واضطربت الفتنة بدمشق واستولى الاحداث ثم أذن برجوان لابن عمار في الخروج من أستاره وأجرى له أرزاقه على أن يقيم بداره واضطرب الشأم فانتقض أهل صور وقام بها رجل ملاح اسمه القلاقة وانتقض مفرج بن دغفل بن الجراح ونزل على الرملة وعاث في البلاد وزحف الدوقش(4/56)
ملك الروم إلى حصن أفامية محاصر الها وجهز برجوان العساكر مع جيش ابن الصمصامة فسار إلى عبد الله الحسين بن ناصر الدولة بن حمدون واسطولا في البحر واستنجد القلاقة ملك الروم فأنجده بالمقاتلة في المراكب فظفر بهم أسطول المسلمين واضطرب أهل صور وملكها ابن حمدان وأسر القلاقة وبعث به إلى مصر فسلخ وصلب وسار جيش ابن الصمصامة إلى الفرج بن دغفل فهرب امامه ووصل إلى دمشق وتلقاه أهلها مذعنين وأحسن إليهم وسكنهم ورفع أيدى العدوان عنهم ثم سار إلى أفامية وصاف الروم عندها فانهزم أولا هو وأصحابه وثبت بشارة اخشيدى بن قرارة في خمس عشرة فارسا ووقف الدوقش ملك الروم على رابية في ولده وعدة من غلمانه ينظر فعل الروم في المسلمين فقصد كردى من مصاف الاخشيدى وبيده عصا من حديد يسمى الخشت وظنه الملك مستأمنا فلما دنا منه ضربه بالخشت فقتله وانهزم الروم وأتبعهم جيش ابن الصمصامة إلى انطاكية يغنم ويسبي ويحرق ثم عاد مظفرا إلى دمشق فنزل بظاهرها ولم يدخل واستخلص رؤساء الاحداث واستحجبهم وأقيم له الطعام في كل يوم وأقام على ذلك برهة ثم أمر أصحابه إذا دخلوا للطعام أن يغلق باب الحجرة عليهم ويوضع السيف في سائرهم فقتل منهم ثلاثة آلاف ودخل دمشق وطاف بها وأحضر الاشراف فقتل رؤساء الاحداث بين أيديهم وبعث بهم إلى مصر وأمن الناس ثم انه توفى وولى محمود بن جيش وبعث برجوان إلى سيل ملك الروم فصالحه لعشر سنين وبعث جيشا إلى برقة وطرابلس المغرب ففتحها وولى عليها يا نسا الصقلى ثم ثقل مكان برجوان
على الحاكم فقتله سنة تسع وثمانين وكان خصيا أبيض وكان له وزير نصراني استوزره الحاكم من بعده ثم قتل الحسين بن عمار ثم الحسين بن جوهر القائد ثم جهز العساكر مع يار خنكين إلى حلب وقصد حسان بن فرج الطائى لما بلغ من عيثه وفساده فلما رحل من غزوه إلى عسقلان لقيه حسان وأبوه مفرج فانهزم وقتل ونهبت النواحى وكثرت جموع بنى الجراح وملكوا الرملة واستقدموا الشريف أبا الفتوح الحسن ابن جعفر أمير مكة فبايعوه بالخلافة ثم استمالهما الحاكم ورغبهما فرداه إلى مكة وراجعا طاعة الحاكم وراجع هو كذلك وخطب له بمكة ثم جهز الحاكم العساكر إلى الشأم مع على بن جعفر بن فلاح وقصد الرملة فانهزم حسان بن مفرج وقومه وغلبهم على تلك البلاد واستولى على أموالهم وذخائرهم وأخذ ما كان لهم من الحصون بجبل السراة ووصل إلى دمشق في شوال سنة تسعين فملكها واستولى عليها وأقام مفرج وابنه حسان شر بدين بالقفر نحوا من سنتين ثم هلك مفرج وبعث حسان ابنه إلى الحاكم فأمنه وأقطعه ثم وفد عليه بمصر فأكرمه ووصله(4/57)
* (خروج أبى ركوة بيرقة والظفر به) * كان أبو ركوة هذا يزعم أنه الوليد بن هشام بن ععبد الملك بن عبد الرحمن الداخل وانه هرب من المنصور بن أبى عامر حين تتبعهم بالقتل وهو ابن عشرين سنة وقصد القيروان فأقام بها يعلم الصبيان ثم قصد مصر وكتب الحديث ثم سار إلى مكة واليمن والشأم وكان يدعو للقائم من ولد أبيه هشام واسمه الوليد وانما لقبه أبا ركوة لانه كان يحمله لوضوئه على عادة الصوفية ثم عاد إلى نواحى مصر ونزل على بنى قرة من بادية هلال بن عامر وأقام يعلم الصبيان ويؤمهم في صلاتهم ثم أظهر ما في نفسه ودعا للقائم وكان الحاكم قد أسرف في القتل في أصناف الناس وطبقاتهم والناس معه على خطر وكان قتل جماعة من بنى قرة وأحرقهم بالنار لفسادهم فبادر بنو قرة وكانوا في اعمال برقة
فأجابوه وانقادوا له وبايعوا وكان بينهم وبين لواتة ومزاتة وزناتة جيرانهم في الاصل حروب ودماء فوضعوها واتفقوا على بيعته وكتب عامل برقة أنيال الطويل بخبرهم إلى الحاكم فأمره بالكف عنهم ثم اجتمعوا وساروا إلى برقة فهزموا العامل برمادة وملكوا برقة وغنموا الاموال والسلاح وقتلوه وأظهر أبو ركوة العدل وبلغ الخبر إلى الحاكم فاطمأنت نفسه وكف عن الاذى والقتل وجهز خمسة آلاف فارس مع القائد أبى الفتوح الفضل بن صالح مبلغ ذات الحمام وبينها وبين برقة مفازة صعبة معطشة بأمر أبو ركوة من غورا المياه التى فيها على قلبها ثم سار للقائهم بعد خروجهم من المفازة على جهد العطش فقاتلهم ونال منهم وثبت أبو ركوة واستأمن إليه جماعة من كتامة لما نالهم من أذى الحاكم وقتله فأمنهم ولحقوا به وانهزمت عساكر الحاكم وقتل خلق كثير منهم ورجع أبو ركوة إلى برقة ظافرا وردد البعوث والسرايا إلى الصعيد وأرض مصر وأهم الحاكم أمره وندم على ما فرط وجهز على بن فلاح العساكر لحربهم وكاتب الناس أبا ركوة يستدعونه وممن كتب إليه الحسن بن جوهر قائد القواد وبعثهم في ستة عشر ألف مقاتل سوى العرب وبعث أخاه في سرية فواقع بنى قرة وهزمهم وقتل من شيوخهم عبد العزيز بن مصعب ورافع بن طراد ومحمد بن أبى بكر واستمال الفضل بنى قرة فاجابه ماضى بن مقرب من أمرائهم وكان يطالعه باخبارهم وبعث على بن فلاح عسكرا إلى الفيوم فكبسه بنو قرة وهزموه ونزل أبو ركوة بالهرمين ورجع من يومه ثم رحل الفضل إلى الفيوم لقتالهم فواقعهم برأس البركة وهزمهم واستأمن بنو كلاب وغيرهم ورجع على بن فلاح وتقدم الفضل لطلب أبى ركوة وخذل ماضى بن مقرب بنى قرة عن أبى ركوة فقالوا له انج بنفسك إلى بلد النوبة ووصل إلى تخومهم وقال أنا رسول الحاكم فقالوا لابد من استئذان الملك فوكلوا به وطالعوا الملك بحقيقة الحال(4/58)
وكان صغيرا قدولى بعد سرقة أبيه وبعث إليه الفضل بشأنه وطلبه فكتب إلى شجرة بن
منيا قائد الخيل بالثغر بان يسلمه إلى نائب الحاكم فجاء به رسول الفضل وأنزله الفضل في خيمة وحمله إلى مصر فطيف به على جمل لا بساطر طورا وخلفه فرد يصفعه ثم حمل إلى ظاهر القاهرة ليقتل فمات قبل وصوله وقطع رأسه وصلب وبالغ الحاكم في اكرام الفضل ورفع مرتبته ثم قتله بعد ذلك وكان ظفر الحاكم بابى ركوة سنة سبع وتسعين * (بقية أخبار الحاكم) * كان الحسن بن عمار زعيم كتامة مدبر دولته كما ذكرناه وكان برجوان خادمه وكافله وكان بين الموالى والكتاميين في الدولة منافسة وكان كثيرا ما يفضى إلى القتال واقتتلوا سنة سبع وثمانين وأركب المغارية ابن عمار والموالي برجوان وكانت بينهم حروب شديدة ثم تحاجزوا واعتزل ابن عمار الامور وتخلى بداره عن رسومه وجراتاته وتقدم برجوان بتدبير الدولة وكان كاتب بن فهر بن ابراهيم يربع وينظر في الظلامات ويطالعه وولى على برقة يانس صاحب الشرطة مكان صندل ثم قتل برجوان سنة تسع وثمانين ورجع التدبير إلى القائد أبى عبد الله الحسين بن جوهر وبقى ابن فهر على حاله وفى سنة تسعين انقطعت طرابلس عن منصور بن بلكين بن زيرى صاحب افريقية وولى عليها يانس العزيزي من موالى العزيز فوصل إليها وأمكنه عامل المنصور منها وهو عصولة بن بكار وجاء إلى الحاكم بأهله وولده وماله وأطلق بديانس على مخلفه بطرابلس يقال كان له من الولد نيف وستون بين ذكر وأنثى ومن السرارى خمس وثلاثون فتلقى بالمبرة وهيئ له القصور ورتب له الجراية وقلده دمشق وأعمالها فهلك بها لسنة من ولايته وفى سنة ثنتين وتسعين وصل الصريخ من جهة فلفول بن خزرون المغراوى في ارتجاع طرابلس إلى منصور بن بلكين فجهزت العساكر مع يحيى بن على الاندلسي الذى كان جعفر أخوه عامل الزاب للعبيديين ونزع إلى بنى أمية وراء البحر ولم يزل هو وأخوه في تصريفهم إلى أن قتل المنصور بن أبى عامر جعفرا منهما ونزع أخوه يحيى إلى العزيز بمصر فنزل عليه وتصرف في خدمته وبعثه الآن الحاكم في العساكر لما قدمناه فاعترضه
بنو قرة ببرقة ففضوا جموعه ورجع إلى مصر وسار يانس من برقة إلى طرابلس فكان من شأنه مع عصولة ما ذكرناه وبعد وفاة عصولة ولى على دمشق مفلح الخادم وبعده على ابن فلاح سنة ثمان وتسعين وبعد مسير يانس ولى على برقة صندل الاسود وفي سنة ثمان وتسعين عزل الحسين بن جوهر القائد وقام بتدبير الدولة صالح بن على بن صالح الروباذى ثم نكب حسين القائد بعد ذلك وقتل ثم قتل صالح بعد ذلك وقام بتدبير الدولة الكافي بن نصر بن عبدون وبعده زرعة بن عيسى بن نسطورس ثم أبو عبد الله الحسن(4/59)
ابن طاهر الوزان وكثر عيث الحاكم في أهل دولته وقتله اياهم مثل الجرجراى وقطعه أيديهم حتى ان كثيرا منهم كانوا يهربون من سطوته وآخرون يطلبون الامان فيكتب لهم به السجلات وكان حاله مضطربا في الجور والعدل والاخافة والامن والنسك والبدعة وأما ما يرمى به من الكفر وصدور السجلات باسقاط الصلوات فغير صحيح ولا يقوله ذو عقل ولو صدر من الحاكم بعض ذلك لقتل لوقته وأما مذهبه في الرافضة فمعروف ولقد كان مضطر بافيه مع ذلك فكان يأذن في صلاة التراويح ثم ينهى عنها وكان يرى بعلم النجوم ويؤثره وينقل عنه أنه منع النساء من التصرف في الاسواق ومنع من أكل الملوخيا ورفع إليه ان جماعة من الروافض تعرضوا لاهل السنة في التراويح بالرجم وفى الجنائز فكتب في ذلك سجلا قرئ على المنبر بمصر كان فيه أما بعد فان أمير المؤمنين يتلو عليكم آية من كتاب الله المبين لا اكراه في الدين الآية مضى أمس بما فيه وأتى اليوم بما يقتضيه معاشر المسلمين نحن الائمة وأنتم الامة من شهد الشهادتين ولا يحل عروة بى اثنين تجمعها هذه الاخوة عصم الله بها من عصم وحرم لها ما حرم من كل محرم من دم ومال ومنكح الصلاح والاصلح بين الناس أصلح والفساد والا فساد من العباد يستقبح يطوى ما كان فيما مضى فلا ينشر ويعرض عما انقضى فلا يذكر ولا يقبل على ما مرو أدبر من
اجراء الامور على ما كانت عليه في الايام الخالية أيام آبائنا الائمة المهتدين سلام الله عليهم أجمعين مهديهم بالله وقائمهم بامر الله ومنصورهم بالله ومعزهم لدين الله وهو إذ ذاك بالمهدية والمنصورية وأحوال القيروان تجرى فيها ظاهرة غير خفية ليست بمستورة عنهم ولا مطوية يصوم الصائمون على حسابهم ويفطرون ولا يغارض أهل الرؤية فيما هم عليه صائمون ومفطرون صلاة الخمس للدين بها جاءهم فيها يصلون وصلاة الضحى وصلاة التراويح لا مانع لهم منها ولا هم عنها يدفعون يخمس في التكبير على الجنائز المخمسون ولا يمنع من التكبير عليها المربعون يؤذن بحى على خير العمل المؤذنون ولا يؤذى من بها لا يؤذنون لا يسب أحد من السلف ولا يحتسب على الواصف فيهم بما يوصف والخالف فيهم بما خلف لكل مسلم مجتهد في دينه اجتهاده والى الله ربه ميعاده عنده كتابه وعليه حسابه ليكن عباد الله على مثل هذا عملكم منذ اليوم لا يستعلى مسلم على مسلم بما اعتقده ولا يعترض معترض على صاحبه فيما اعتمده من جميع مانصه أمير المؤمنين في سجله هذا وبعده قوله تعالى يأيها الذين آمنوا عليكم أنفسكم لا يضركم من ضل إذا اهتديتم إلى الله مرجعكم جميعا فينبئكم بما كنتم(4/60)
تعملون والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته كتب في رمضان سنة ثلاث وتسعين وثلثمائة * (وفاة الحاكم وولاية الظاهر) * ثم توفى الحاكم بأمر الله منصور بن العزيز نزار قتيلا ببركة الحبش بمصر وكان يركب الحمار ويطوف بالليل ويخلو بدار في جبل المقطم للعبادة ويقال لاستنزال روحانية الكواكب فصعد ليلة من ليالى لثلاث بقين من شوال سنة احدى عشرد ركب على عادته ومشى معه راكبان فردهما واحدا بعد آخر في تصاريف أموره ثم افتقد ولم يرجع وأقاموا أياما في انتظاره ثم خرج مظفرا لصقلي والقاضى وبعض الخواص إلى الجبل فوجدوا حماره مقطوع اليدين واتبعوا أثره
إلى بركة الحبش فوجدوا ثيابه مزررة وفيها عدة ضربات بالسكاكين فأيقنوا بقتله ويقال ان أخته بلغه أن الرجال يتناوبون بها فتوعدها فأرسلت إلى ابن دواس من قواد كتامة وكان يخاف الحاكم فأغرته بقتله وهو نته عليه لما يرميه به الناس من سوء العقيدة فقد يهلك الناس ونهلك معه ووعدته بالمنزلة والاقطاع فبعث إليه رجلين فقتلاه في خلوته ولما أيقنوا بقتله اجتمعوا إلى أخته ست الملك فأحضرت على بن دواس وأجلس على بن الحاكم صبيا لم يناهزا لحلم وبايع له الناس ولقب الظاهر لاعزاز دين الله ونفذت الكتب إلى البلاد بأخذ البيعة له ثم حضر ابن دواس من الغدو حضر معه القواد فأمرت ست الملك خادمها فعلاه بالسيف أمامهم حتى قتله وهو ينادى يثار الحاكم فلم يختلف فيه اثنان وقامت بتدبير الدولة أربع سنين ثم ماتت وقام بتدبير الدولة الخادم معضا دوتافر بن الوزان وولى وزارته أبو القاسم على بن أحمد الجرجراى وكان متغلبا على دولته وانتقض الشأم خلال ذلك وتغلب صالح بن مرداس من بنى كلاب على حلب وعاث بنو الجراح في نواحيه فبعث الظاهر سنة عشرين قائده الزريرى وإلى فلسطين في العساكر وأوقع بصالح بن الجراح وقتل صالح وابنه وملك دمشق وملك حلب من يد شبل الدولة نصر بن صالح وقتله وكان بينه وبين بنى الجراح قبل ذلك وهو بفلسطين حروب حتى هرب من الرملة إلى قيسارية فاعتصم بها وأخرب ابن الجراح الرملة وأحرقها وبعث السرايا فانتهت إلى العريش وخشى أهل بلبيس وأهل القرافة على أنفسهم فانتقلوا إلى مصر وزحف صالح بن مرداس في جموع العرب لحصار دمشق وعليها يومئذ ذو القرنين ناصر الدولة بن الحسين وبعث حسان ابن الجراح إليهم بالمدد ثم صالحوا صالح بن مرداس وانتقل إلى حصار حلب وملكها من يد شعبان الكتامى وجردت العساكر من الشام مع الوزيرى وكان ما تقدم وملك دمشق وأقام بها(4/61)
* (وفاة الظاهر وولاية ابنه المستنصر) * ثم توفى الظاهر لاعزاز دين الله أبو الحسن على ابن الحاكم منتصف شعبان سنة سبع وعشرين لست عشرة سنة من خلافته فولى ابنه أبو تميم معدو لقب المستنصر بأمر الله وقام بأمره وزير أبيه أبو القاسم على بن أحمد الجرجراى وكان بدمشق الوزيرى واسمه أقوش تكين وكانت البلاد صلحت على يديه لعدله ورفقه وضمطه وكان الوزير الجرجراى يحسده ويبغضه وكتب إليه بابعاد كاتبه أبى سعيد فأنفذ إليه أنه يحمل الوزيرى على الانتقاض فلم يجب الوزيرى إلى ذلك واستوحش وجاء جماعة من الجند إلى مصر في بعض حاجاتهم فداخلهم الجرجراى في التوثب به ودس معهم بذلك الى بقية الجند بدمشق فتعللوا عليه فخرج إلى بعلبك سنة ثلاث وثلاثين فمنعه عاملها من الدخول فسار إلى حماة فمنع أيضا فقوتل وهو خلال ذلك ينهب فاستدعى بعض أوليائه من كفر طاب فوصل إليه في ألفى رجل وسار إلى حلب فدخلها وتوفى بها في جمادى الآخرة من السنة وفسد بعده أمر الشأم وطمع العرب في نواحيه وولى الجرجراى على دمشق الحسين بن حمدان فكان قصارى أمره منع الشأم وملك حسان بن مفرج فلسطين وزحف معز الدولة ابن صالح الكلابي إلى حلب فملك المدينة وامتنع عليه أصحاب القلعة وبعثوا إلى مصر للنجدة فلم ينجدهم فسلموا القلعة لمعز الدولة ابن صالح فملكها * (مسير العرب إلى افريقية) * كان المعز بن باديس قد انتقض دعوة العبيديين بافريقية وخطب للقائم العباسي وقطع الخطبة للمستنصر العلوى سنة أربعين وأربعمائة فكتب إليه المستنصر يتهدده ثم انه استوزر الحسين بن على التازورى بعد الجرجراى ولم يكن في رتبته فخاطبه المعز دون ما كان يخاطب من قبله كان يقول في كتابه إليهم عبده ويقول في كتاب التازورى صنيعته فحقد ذلك وأغرى به المستنصر وأصلح بين زغبة ورياح من بطون
هلال وبعثهم إلى افريقية وملكهم كل ما يفتحونه وبعث إلى المعز أما بعد فقد أرسلنا اليك خيولا وحملنا عليها رجالا فحولا ليقضى الله أمرا كان مفعولا فساروا إلى برقة فوجدوها خالية لان المعز كان أباد أهلها من زنانة فاستوطن العرب برقة واحتقر المعز شأنهم واشترى العبيد واستكثر منهم حتى اجتمع له منهم ثلاثون ألفا وزحف بنو زغبة إلى طرابلس فملكوها سنة ست وأربعين وجازت رياح الاثبح وبنو عدى إلى افريقية فاضرموها نارا ثم سار أمراؤهم إلى المعزو كبيرهم مؤنس بن يحيى بن بنى مرداس(4/62)
من زياد فأكرمهم المعز وأجزل لهم عطاياه فلم يغن شيأ وخرجوا إلى ما كانوا عليه من الفساد ونزل بافريقية بلاء لم ينزل بها مثله فخرج إليهم المعز في جموعه من صنهاجة والسودان نحوا من ثلاثين ألفا والعرب في ثلاثة آلاف فهزموه وأثخنوا في صنهاجة بالقتل واستباحوهم ودخل المعز القيروان مهزوما ثم بيتهم يوم النحر وهم في الصلاة فهزموه أعظم من الاولى ثم سار إليهم بعد أن احتشد زناتة معه فانهزم ثالثة وقتل من عسكره نحو من ثلاثة آلاف ونزل العرب بمصلى القيروان ووالوا عليهم الهزائم وقتلت منهم أمم ثم أباح لهم المعز دخول القيروان للميزة فاستطالت عليهم العامة فقتلوا منهم خلقا وأدار المعز السور على القيروان سنة ست وأربعين ثم ملك مؤنس بن يحيى مدينة باجة سنة ست وأربعين وأمر المعز أهل القيروان بالانتقال إلى المهدية للتحصين بها وولى عليها ابنه تيما سنة خمس وأربعين ثم انتقل إليها سنة تسع وأربعين وانطلقت أيدى العرب على القيروان بالنهب والتخريب وعلى سائر الحصون والقرى كما يذكر في أخبارهم ثم كانت الخطبة للمستنصر ببغداد على يد السباسيرى من مماليك بنى بويه عند انقراض دولتهم واستيلاء السلجوقية كما نذكره في أخبارهم * (مقتل ناصر الدولة ابن حمدان بمصر) * كانت أم المستنصر متغلبة على دولته وكانت تصطنع الوزراء وتوليهم وكانوا يتخذون
الموالى من الاتراك للتغلب على الدولة فمن استوحشت منه أغرت به المستنصر فقتله فاستوزرت أولا أبات الفتح الفلاحى ثم استوحشت منه فقبض عليه المستنصر وقتله ووزر بعده أبا البركات حسن بن محمد وعزله ثم ولى الوزارة أبا محمد التازورى من قرية بالرملة تسمى تاز ورفقام بالدولة إلى ان قتل ووزر بعده أبو عبد الله الحسين بن البابلي وكان في الدولة من موالى السودان ناصر الدولة ابن حمدان واستمالوا معهم كتامة والمصامدة وخرج العبيد إلى الضياع واجتمعوا في خمسين ألف مقاتل وكان الاتراك سته آلاف وشكوا إلى المستنصر فلم يشكهم فخرجوا إلى غرمائهم والتقوا بكوم الريش وأكمن الاتراك للعبيد ولقوهم فانهزموا وخرج كمينهم على العبيد وضربوا البوقات والكاسات فارتاب العبيد وظنوه المستنصر فانهزموا وقتل منهم وغرق نحو أربعين ألفا وفدى الاتراك وتغلبوا وعظم الافتراء فيهم فخلت الخزائن واضطربت الامور وتجمع باقى العسكر من الشأم وغيره إلى الصعيد واجتمعوا مع العبيد وكانوا خمسة عشر ألفا وساروا إلى الجيزة فلقيهم الاتراك وعليهم ناصر الدولة بن حمدان فهزموهم إلى الصعيد وعاد ناصر الدولة والاتراك ظافرين واجتمع العبيد في الصعيد وحضر الاتراك بدار المستنصر فأمرت أمه العبيد بالدار أن يفتكوا بمقدمي الاتراك ففعلو(4/63)
وهربوا إلى ظاهر البلد ومعهم ناصر الدولة وقاتل أولياء المستنصر فهزمهم وملك الاسكندرية ودمياط وقطع الخطبة منهما ومن سائر الريف للمستنصر وراسل الخليفة العباسي ببغداد وافترق الناس من القاهرة ثم صالح المستنصر ودخل القاهرة واستبد عليه وصادر أمه على خمسين ألف دينار وافترق عنه أولاده وكثير من أهله في البلاد ودس المستنصر لقواد الاتراك بأنه يحول الدعوة فامتعضوا لذلك وقصدوه في بيته وهو آمن منهم فلما خرج إليهم تناولوه بسيوفهم حتى قتلوه وجاؤا برأسه ومروا على أخيه في بيته فقطعوا رأسه وأتوا بهما جميعا إلى المستنصر وذلك سنة خمس وستين وولى عليهم
الذكر منهم وقام بأمر الدولة.
* (استيلاء بدر الجمالى على الدولة) * أصل بدر هذا من الارمن من صنائع الدولة بمصر ومواليها وكان حاجبا لصاحب دمشق واستكفاه فيما وراء بابه ثم مات صاحب دمشق فقام بالامور إلى أن وصل الامير على دمشق وهو ابن منير فسار هو إلى مصر وترقى في الولايات إلى أن ولى عكا وظهر منه كفاية واضطلاع ولما وقع بالمستنصر ما وقع من استيلاء الترك عليه والفساد والتضييق استقدم بدر الجمالى لولاية الامور بالحضرة فاستأذن في الاستكثار من الجند لقهر من تغلب من جند مصر فاذن له في ذلك وركب البحر من عكافى عشرة مراكب ومعه جند كثيف من الارمن وغيرهم فوصل إلى مصر وحضر عند الخليفة فولاه ما وراء بابه وخلع عليه بالعقد المنظوم بالجوهر مكان الطوق ولقبه بالسيد الاجل أمير الجيوش مثل والى دمشق وأضيف إلى ذلك كافل قضاة المسلمين وداعي دعاة المؤمنين ورتب الوزارة وزاده سيفه ورد الامور كلها إليه ومنه إلى الخليفة وعاهده الخليفة على ذلك وجعل إليه ولاية الدعاة والقضاة وكان مبالغا في مذهب الامامية فقام بالامور واسترد ما كان تغلب عليه أهل النواحى مثل ابن عمار بطرابلس وابن معرف بعسقلان وبنى عقيل بصور ثم استرد من القواد والامراء بمصر جميع ما أخذوه أيام الفتنة من المستنصر من الاموال والامتعة وسار إلى دمياط وقد تغلب عليها جماعة من المفسدين من العرب وغيرهم فاثخن في لواتة بالقتل والنهب في الرجال والنساء وسبى نساءهم وغنم خيولهم ثم سار إلى جهينة ومعهم قوم من بنى جعفر فلقيهم على طرخ العليا سنة تسع وستين فهزمهم وأثخن فيهم وغنم أموالهم ثم سار إلى أسواز وقد تغلب عليها كنز الدولة محمد فقتله وملكها وأحسن إلى الرعايا ونظم حالهم وأسقط عنهم الخراج ثلاث سنين وعادت الدولة إلى أحسن ما كانت عليه.(4/64)
* (وصول الغزالي الشأم واستيلاؤهم عليه وحصارهم مصر) * كان السلجوقية وعساكرهم من العز قد استولوا في هذا العصر على خراسان والعراقين وبغداد وملكهم طغر لبك وانتشرت عساكرهم في سائر الاقطار وزحف اتسز بن افق من أمراء السلطان ملك شاه وسموه الشاميون أفسفس والصحيح هذا وهو اسم تركي هكذا قال ابن الاثير فزحف سنة ثلاث وثلاثين بل وستين ففتح الرملة ثم بيت المقدس وحصر دمشق وعاث في نواحيها وبها المعلى بن حيدرة ولم يزل يوالى عليها البعوث إلى سنة ثمان وستين وكثر عسف المعلى بأهلها مع ما هم فيه من شدة الحصار فثاروا به وهرب إلى بلسيس ثم لحق بمصر فحبس إلى أن مات ولما هرب من دمشق اجتمعت المصامدة وولو عليهم انتصار بن يحيى منهم ولقبوه وزير الدولة ثم اضطربوا مما هم فيه من الغلاء وجاء أمير من القدس فحاصرهم حتى نزلوا على أمانه وأنزل وزير الدولة بقلعة بانياس ودخل دمشق في ذى القعدة وخطب فيها للمقتدى العباسي ثم سار إلى مصر سنة تسع وستين فحاصرها وجمع بدر الجمالى العساكر من العرب وغيرهم وقاتله فهزمه وقتل أكثر أصحابه ورجع اتسز منهزما إلى الشأم فأتى دمشق وقد صانوا مخلفه فشكرهم ورفع عنهم خراج سنة تسع وستين وجاء إلى بيت المقدس فوجدهم قد عاثوا في مخلفه وحصروا أهله وأصحابه في مسجد داود عليه السلام فحاصرهم ودخل البلد عنوة وقتل أكثر أهله حتى قتل كثيرا في المسجد الاقصى ثم جهز أمير الجيوش بذر الجمالى العساكر من مصر مع قائده نصير الدولة فحاصر دمشق وضيق عليها وكان ملك السلجوقية السلطان ملك شاه قد أقطع أخاه تتش سنة سبعين وأربعمائة بلاد الشأم وما يفتحه منها فزحف إلى حلب وحاصرها وضيق عليها ومعه جموع كثيرة تمن التركمان فبعث إليه اتسز من دمشق يستصرخه فسار إليه وأجفلت عساكر مصر عن دمشق وخرج اتسز من دمشق للقائه فقتله وملك البلد وذلك سنة احدى وسبعين وملك ملك شاه بعد ذلك حلب واستولى السلجوقية على الشأم أجمع وزحف أمير الجيوش بدر الجمالى من مصر
في العساكر إلى دمشق وبها تاج الدولة تتش فحاصره وضيق عليه وامتنع عليه ورجع وزحفت عساكر مصر سنة ثنتين وثمانين إلى الشأم فاسترجعوا مدينة صور من يد أولاد القاضى عين الدولة بن أبى عقيل كان أبوهم قد انتزى عليها ثم فتحوا مدينة صيدا ثم مدينة جميل وضبط أمير الجيوش البلاد وولى عليها العمال وفى سنة أربع وثمانين استولى الفرنج على جزيرة صقلية وكان أمير الجيوش قد ولى على مدينة صور منير الدولة الجيوشى من طائفته فانتقض سنة ست وثمانين وبعث إليه أمير الجيوش العساكر فثار به أهل المدينة واقتحمت عليهم العساكر وبعث منير الدولة إلى مصر(4/65)
في جماعة من أصحابه فقتلوا كلهم ثم توفى أمير الجيوش بدر الجمالى سنة سبع وثمانين في ربيع الاول لثمانين سنة من عمره وكان له موليان أمين الدولة لاويز ونصير الدولة أنتكين فحذرهم بانه يروم الاستبداد ورغبه في ولد مولاه بدر فلما قضى بدر نحبه استدعى المستنصر لاويز ليقلده فانكر ذلك افتكين وركب في الجند وشغبوا على المستنصر واقتحموا القصر وأسمعوه خشن الكلام فرجع إلى ولاية ولد بدر وقدم للوزارة ابنه محمد الملك أبا القاسم شاه ولقبه با لافضل مثل لقب أبيه وكان أبو القاسم ابن المقرى رديفا لبدر في وزارته بما كان اختصه لذلك فولى بعد موته الوزارة المقرى وكانت عندهم عبارة عن التوقيع بالقلم الغليظ وقام الافضل أبو القاسم با لدولة وجرى على سنن أبيه في الاستبداد وكانت وفاة المستنصر قريبا من ولايته.
وفاة المستنصر وولاية ابنه المستعلى) * ثم توفى المستنصر معد بن الظاهر يوم التروية سنة سبع وثمانين لستين سنة من خلافته ويقال لخمس وستين بعد أن لقى أهو الا وشدائد وانفتقت عليه فتوق استهلك فيها أمواله وذخائره حتى لم يكن له الا بساطه الذى يجلس عليه وصار إلى حد العزل والخلع حتى تدارك أمره باستقدام بدر الجمالى من عكا فتقوم أمره ومكنه في خلافته ولما مات
خلف من الولد أحمد ونزارا وأبا القاسم وكان المستنصر فيما يقال قد عهد لنزار وكانت بين وبين أبى القاسم الافضل عداوة فخشى بادرته وداخل عمته في ولاية أبى القاسم على أن تكون لها كفالة الدولة فشهدت بأن المستنصر عهد له بمعضر القاضى والداعى فبويع ابن ست ولقب المستعلى بالله وأكره أخوه الاكبر على بيعته ففر إلى الاسكندرية بعد ثلاث وبها نصير الدولة افتكين مولى بدر الجمالى الذى سعى للافضل فانتقض وبايع لنزار بعهده ولقب المصطفى لدين الله وسار الافضل بالعساكر وحاصرهم بالاسكندرية واستنزلهم على الامان وأعطاهم اليمين على ذلك واركب نزارا السفن إلى القاهرة وقتل بالقصر وجاء الافضل ومعه افتكين أسيرا فاحضره يوما ووبخه فهم بالرد عليه فقتل بالضرب بالعصى وقال لا يتناول اليمين هذه للقتلة ويقال ان الحسين ابن الصباح رئيس الاسماعيلية بالعراق قصد المستنصر في زى تاجر وسأله اقامة الدعوة له ببلاد العجم فأذن له في ذلك وقال له الحسن من أمامى بعدك فقال ابني نزار فسار ابن الصباح ودعا الناس ببلاد العجم إليه سرا ثم أظهر أمره وملك القلاع هنالك مثل قلعة الموت وغيرها كما نذكره في أخبار الاسماعيلية وهم من أجل هذا الخبر يقولون بامامة نزار ولما ولى المستعلى خرج ثغرعن طاعته وولى عليه واليه كشيلة وبعث المستعلى العساكر فحاصره ثم اقتحموا عليه وحملوه إلى مصر فقتل بها سنة احدى(4/66)
وتسعين وأربعمائة وكان تتش صاحب الشام قد مات واختلف بعده ابناه رضوان ودقاق وكان دقاق بدمشق ورضوان بحلب فخطب رضوان في اعماله للمستعلى بالله أياما قلائل ثم عاود الخطبة للعباسيين.
* (استيلاء الفرنج على بيت المقدس) * كان بيت المقدس قد أقطعه تاج الدولة تتش للامير سليمان بن أرتق التركماني وقارن ذلك استفحال الفرنج واستطالتهم على الشأم وخروجهم سنة تسعين وأربعمائة ومروا
بالقسطنطينية وعبروا خليجها وخلى صاحب القسطنطينية سبيلهم ليحولوا بينه وبين صاحب الشأم من السلجوقية والغز فنازلوا أولا انطاكية فأخذوها من يد باغيسيان من قواد السلجوقية وخرج منها هاربا فقتله بعض الارمن في طريقه وجاء برأسه إلى الفرنج بانطاكية وعظم الخطب على عساكر الشأم وسار كربوقا صاحب الموصل فنزل مرج دابق واجتمع إليه دقاق بن تتش وسليمان بن أرتق وطفتكين اتافك صاحب حمص وصاحب سنجار وجمعوا من كان هنالك من الترك والعرب وبادروا إلى انطاكية لثلاثة عشر يوما من حلول الفرنج بها وقد اجتمع ملوك الفرنج ومقدمهم بنميدو خرج الفرنج وتصافوا مع المسلمين فانهزم المسلمون وقتل الفرنج منهم الوفا واستولوا على معسكرهم وساروا إلى معرة النعمان وحاصروها أياما وهربت حاميتها وقتلوا منها نحوا من مائة ألف وصالحهم ابن منقذ على بلد مشيرز وحاصروا حمص فصالحهم عليها جناح الدولة ثم حاصروا عكة فامتنعت عليهم وادرك عساكر الغز من الوهن مالا يعبر عنه فطمع أهل مصر فيهم وسار لافضل بن بدر بالعساكر لاسترجاع بيت المقدس فحاصرها وبها سقمان وأبو الغازى ابنا أرتق وابن أخيهما ياقوتي وابن عمهما سوتج ونصبوا عليها نيفا وأربعين منجنيقا وأقاموا عليها نيفا وأربعين يوما ثم ملكوها بالامان في سنة تسعين وأحسن الافضل إلى سقمان وأبى الغازى ومن معهما وخلى سبيلهم فسار سقمان إلى بلد الرها وأبو الغازى إلى بلد العراق وولى الافضل على بيت المقدس ورجع إلى مصر ثم سارت الفرنج إلى بيت المقدس وحاصروه نيفا وأربعين يوما ونصبوا عليه برجين ثم اقتحموها من الجانب الشمالي لسبع بقين من شعبان واستباحوها أسبوعا ولجأ المسلمون إلى محراب داود عليه السلام واعتصموا به إلى أن استنزلهم الفرنج بالامان وخرجوا إلى عسقلان وقتل بالمسجد عند الشجرة سبعون ألفا وأخذوا من المسجد نيفا وأربعين قنديلا من الفضة يزن كل واحد منها ثلاثة آلاف وستمائة وتنورا من الفضة يزن أربعين رطلا بالشامى ومائة وخمسين قنديلا من الصفر وغير ذلك(4/67)
مما لا يحصى وأجفل أهل بيت المقدس وغيرهم من أهل الشأم إلى بغداد باكين على ما أصاب الاسلام ببيت المقدس من القتل والسبي والنهب وبعث الخليفة أعيان العلماء إلى السلطان بركيارق واخوته محمد وسنجر بالمسير إلى الجهاد فلم يتمكنوا من ذلك للخلاف الذى كان بينهم ورجع الوفد مؤيسين من نصرهم وجمع الافضل أمير الجيوش بمصر العساكر وسار إلى الفرنج فساروا إليهم وكبسوهم على غير أهبة فهزموهم وافترق عسكر مصر وقد لاذوا بخم الشعراء هناك فاضرموها عليهم نارا فاحترقوا وقتل من ظهر ورجع الفرنج إلى عسقلان فحاصروها حتى أنزلوا لهم عشرين ألف دينار فارتحلوا * (وفاة المستعلى وولاية ابنه الامر) * ثم توفى المستعلى أبو القاسم أحمد بن المستنصر منتصف صفر سنة خمس وتسعين لسبع سنين من نحلافته فبويع ابنه أبو على بن خمس ستين ولقب الامر بأحكام الله ولم يل الخلافة فيهم أصغر منه ومن المستنصر فكان هذا لا يقدر على ركوب الفرس وحده * (هزيمة الفرنج لعساكر مصر) * ثم بعث الافضل أمير الجيوش بمصر العساكر لقتال الفرنج مع سعد الدولة الفراسى أميرا مملوك أبيه فلقى الفرنج بين الرملة ويافاو مقدمهم بغدوين فقاتلهم وانهزم وقتل واستولى الفرنج على معسكره فبعث الافضل ابنه شرف المعالى في العساكر فبارزوهم قرب الرملة وهزمهم واختفى بغدوين في الشجر ونجا إلى الرملة مع جماعة من زعماء الفرنج فحاصرهم شرف المعالى خمسة عشر يوما حتى أخذهم فقتل منهم أربعمائة صبرا وبعث ثلثمائة إلى مصر ونجى بقدوين إلى يافاو وصل في البحر جموع من الفرنج لنزيارة فندبهم بقدوين للغزو وسار بهم إلى عسقلان فهرب شرف المعالى وعاد إلى أبيه وملك الفرنج عسقلان وبعث العساكر في البرمع تاج العجم مولى أبيه إلى عسقلان وبعث الاسطول
في البحر إلى يا فامع القاضى ابن قادوس فبلغ إلى يافاو استدعى تاج العجم وحبسه وبعث جمال الملك من مواليه إلى عسقلان مقدم العساكر الشامية ثم بعث الافضل سنة ثمان وتسعين ابنه سنا الملك حسين وأمر جمال الملك بالسير معه لقتال الفرنج فساروا في خمسة آلاف واستمدوا طفتكين أتابك دمشق فأمدهم بألف وثلثمائة ولقوا الفرنج بين عسقلان ويافا فتفانوا بالقتل وتحاجزوا وافترق المسلمون إلى عسقلان ودمشق وكان مع الفرنج بكتاش بن تتش عدل عنه طفتكين با لملك إلى بنى أخيه دقاق بن تتش فلحق با لافرنج مغاصبا.(4/68)
* (استيلاء الفرنج على طرابلس وبيروت) * كانت طرابلس رجعت إلى صاحب مصر وكان يحاصرها من الفرنج ابن المردانى صاحب صيحيل والمدد يأتيهم من مصر فلما كانت سنة ثلاث وخمسين وصل اسطول من الفرنج مع ويمتدين صيحيل من قما مصتهم فنزل على طرابلس وتشاجر مع المردانى فبادر بقدوين صاحب القدس وأصلح بينهم ونزلوا جميعا على طرابلس وألصقوا أبراجهم بسورها وتأخرت الميرة عنهم من مصرفي البحر لركود البحر فاقتحمها الفرنج عنوة ثانى الاضحى من سنة ثلاث وخمسين وقتلوا ونهبوا وأسروا وغنموا وكان واليها قد استأمن قبل فتحها في جماعة من الجند فلحقوا بدمشق ووصل الاسطول بالمدد وكفاية سنة من الا قوات بعد فتحها ففرقوه في صور وصيدا وبيروت واستولى الفرنج على معظم سواحل الشأم وانما خصصنا هذه بالذكر في الدولة العلوية لانها كانت من أعمالهم وسنذكر البقية في أخبار الفرنج ان شاء الله تعالى * (استرجاع أهل مصر بعسقلان) * كان الامير قد استولى عسقلان من قواد شمس الخلافة فداخل بقدوين صاحب بيت المقدس من الفرنج وهاداه ليمتنع به على أهل مصر وجهز أمير الجيوش عسكرا من مصر
للقبض عليه إذا حضرو شعر بذلك وانتقض وأخرج من عنده من أهل مصر وخاف الافضل أن يسلم عسقلان إلى الفرنج فاقره على عمله وارتاب شمس الخلافة باهل عسقلان واتخذ بطانة من الارمن فاستوحش أهل البلد فثاروا به وقتلوه وبعثوا إلى الامر والافضل بذلك فارسل إليهم الوالى من مصر وأحسن إليهم واستقامت أحوالهم وحاصر بقدوين بعد ذلك مدينة صور وفيها عساكر الارمن واشتد في حصارها بكل نوع وكان بها عز الملك الاعز من أولياء الامر فاستمد طفتكين أتابك دمشق فامده بنفسه وطال الحصار وحضر أوان الغلال فخشى الفرنج أن يفسد طفتكين غلال بلدهم فافرجوا عنها إلى عكا وكفى الله شرهم ثم زحف بقدوين ملك الفرنج من القدس إلى مصر وبلغ سنتين وسبح في النيل فانتقض عليه جرح كان به وعاد إلى القدس ومات وعهد بملك القدس للقمص صاحب الرها ولولا ما نزل بملوك السلجوقية من الفتنة لكانوا قد استرجعوا من الفرنج جميع ما ملكوه من الشأم ولكن الله خبأ ذلك لصلاح الدين ابن أيوب حتى فاز بذكره.
* (مقتل الافضل) * قد قدمنا أن الامر ولاه الافضل صغيرا ابن خمس فلما استجمع واشتد تنكر للافضل(4/69)
وثقلت وطاته عليه فانتقل الافضل إلى مصر وبنى بها دارا ونزلها وخطب منه الافضل ابنته فزوجها على كره منه وشاور الامر أصحابه في قتله فقال له ابن عمه عبد المجيد وكان ولى عهده لا تفعل وحذره سوء الاحدوثة لما اشتهر بين الناس من نصحه ونصح أبيه وحسن ولايتهما للدولة ولا بد من اقامة غيره والاعتماد عليه فيتعرض للحذر من مثلها إلى الامتناع منه ثم أشار عليه من مداخلة ثقته أبى عبد الله بن البطائحى في مثل ذلك فانه يحسن تدبيره ويضع عليه من يغتاله ويقتل به فيسلم عرضك وكان ابن البطائحى فراشا بالقصر واستخلصه الافضل ورقاه واستحجبه فاستدعاه الامر وداخله في ذلك ووعده
بمكانه فوضع عليه رجلان فقتلاه بمصر وهو سائر في موكبه من القاهرة منقلبا من خزانة السلاح في سنة خمس عشرة وخمسمائة كان يفرق السلاح على العادة في الاعياد وثار الغبار في طريقه فانفرد عن الموكب فبدره الرجلان وطعناه فسقط وقتلا وحمل إلى داره وبه رمق فجاءه الامر متوجعا وسأله عن ماله فقال أما الظاهر فأبو الحسن ابن أبى اسامة يعرفه وكان أبوه قاضيا بالقاهرة وأصله من حلب وأما الباطن فان البطائحى يعرفه ثم قضى الافضل نحبه لثمان وعشرين سنة من وزارته واحتاط الامر على داره فوجد له ستة آلاف كيس من الذهب العين وخمسين أردبا من الورق ومن الديباج الملون والمتاع البغدادي والاسكندرى وظرف الهند وأنواع الطيوب والعنبر والمسك ما لا يحصى حتى لقد كان من ذخائره دكة عاج وأبنوس محلاة بالفضة عليها عرم مثمن من العنبر زنته ألف رطل وعلى العرم مثل طائر من الذهب برجلين مرجانا ومنقار زمرذا وعينان ياقوتتان كان ينصبها في بيته ويضوع عرفها فبعم القصر وصارت إلى صلاح الدين * (ولاية ابن البطائحى) * قال ابن الاثير كان أبوه من جواسيس الافضل بالعراق ومات ولم يخلف شيأ ثم ماتت أمه وتركته معلقا فتعلم البناء اولا ثم صار يحمل الامتعة بالاسواق ويدخل بها على الافضل فخف عليه واستخدمه مع الفراشين وتقدم عنده واستجبه ولما قتل الافضل ولاه الامر مكانه وكان يعرف بابن فاتت وابن القائد فدعاه الامر جلال الاسلام ثم خلع عليه بعد سنتين من ولايته للوزارة ولقبه المأمون فجرى على سنن الافضل في الاستبداد ونكر ذلك الامر وتنكر له واستوحش المأمون وكان له أخ يلقب المؤتمن فاستاذن الامر في بعثه إلى الاسكندرية لحمايتها ليكون له رد أهنالك فأذن له وسار معه القواد وفيهم على ابن السلار وتاج الملوك قائمين وسنا الملك الجمل ودرى الحروب وأمثالهم وأقام المأمون على استيحاش من الامر وكثرت السعاية فيه وأنه يدعى انه ولد نزار من جارية(4/70)
خرجت من القصر حاملا به وأنه يعث ابن نجيب الدولة إلى اليمن يدعو له فبعث الامر إلى اليمن في استكشاف ذلك.
* (مقتل البطانحى) * ولما كثرت السعاية فيه عند الامر وتوغر صدره عليه كتب إلى القواد الذين كانوا مع أخيه بثغر الاسكندرية بالوصول إلى دار الخلافة فهم لذلك على بن سلار فحضروا واستأذن المؤتمن بعدهم في الوصول فأذن له وحضر رمضان من سنة تسع عشرة فجاؤا إلى القصر للافطار على العادة ودخل المأمون والمؤتمن فقبض عليهما وحبسهما داخل القصر وجلس الامر من الغد في ايوانه وقرأ عليه وعلى الناس كتابا بتعديد ذنوبهم وترك الامر رتبة الوزارة خلوا وأقام رجلين من أصحاب الدواوين يستخرجان الاموال من الخراج والزكاة والمكس ثم عزلهما لظلمهما ثم حضر الرسول الذى بعثه إلى اليمن ليكشف خبر المأمون وحضر ابن نجيب وداعيته فقتل وقتل المأمون وأخوه المؤتمن * (مقتل الامر وخلافة الحافظ) * كان الامر مؤثر اللذاته طموحا إلى المعالى وقاعدا عنها وكان يحدث نفسه بالنهوض إلى العراق في كل وقت ثم يقصر عنه وكان يقرض الشعر قليلا ومن قوله أصبحت لا أرجو ولا ألقى * الا الهى وله الفضل جدى نبيى وامامي أبى * ومذهبى التوحيد والعدل وكانت الفداوية تحاول على قتله فيتحر زمنهم واتفق أن عشرة منهم اجتمعوا في بيت وركب بعض الايام إلى الروضة ومر على الجسر بين الجزيرة ومصر فسبقوه فوقفوا في طريقه فلما توسط الجسر انفرد عن الموكب لضيقه فوثبوا عليه وطعنوه وقتلوا لحينهم ومات هو قبل الوصول إلى منزله سنة أربع وعشرين وخمسمائة لتسع وعشرين سنة
ونصف من خلافته وكان قد استخلص مملوكين وهما برغش العادل وبر عوارد هزير الملوك وكان يؤثر العادل منهما فلما مات الامر تحيلوا في قيام المأمون عبد الحميد بالامر وكان أقرب القرابة سنا وأبوه أبو القاسم بن المستضئ معه وقالوا ان الامر أوصى بأن فلانة حامل فدلته الرؤيا بأنها تلد ذكرا فهو الخليفة بعدى وكفالته لعبد الحميد فاقاموه كافلا ولقبوه الحافظ لدين الله وذكروا من الوصية أن يكون هزير الملوك وزيرا والسعيد باس من موالى الافضل صاحب الباب وقرأوا السجل بذلك في دار الخلافة * (ولاية أبى على بن الافضل الوزارة ومقتله) *(4/71)
ولما تقرر الامر على وزارة هزير الملوك وخلع عليه أنكر ذلك الجند وتولى كبر ذلك رضوان بن ونحش كبيرهم وكان أبو على بن الافضل حاضرا بالقصر فحثه برغش العادل على الخروج حسد الصاحبه وأوجد له السبيل إلى ذلك فخرج وتعلق به الجند وقالوا هذا الوزير ابن الوزير وتنصل فلم يقبلوا وضربوا له خيمة بين الفصرين وأحدقوا به وأغلقت أبواب القصر فتسوروه وولجوا من طيقانه واضطر الحافظ إلى عزل هزير الملك ثم قتله وولى أبو على أحمد بن الافضل الوزارة وجلس بدست أبيه ورد الناس أموال الوزارة المقضية واستبد على الحافظ ومنعه من التصرف ونقل الاموال من الذخائر والقصر إلى داره وكان اماميا متشددا فاشار عليه الامامية باقامة الدعوة للقائم المنتظر وضرب الدراهم باسمه دون الدنانير ونقش عليها الله الصمد الامام محمد وهو الامام المنتظر وأسقط ذكر اسمعيل من الدعاء على المنابر وذكر الحافظ وأسقط من الاذان حى على خير العمل ونعت نفسه بنعوت أمر الخطباء بذكرها على المنابر وأراد قتل الحافظ بمن قتله الامر من اخوته فان الامر أحجفهم عند نكبة الافضل وقتلهم فلم يقدر أبو على على قتله فخلعه واعتقله وركب بنفسه في المواسم وخطب للقائم مموها فتنكر له أولياء الشيعة ومماليك الخلفاء وداخل يونس الجند من كتامة وغيرهم في شأنه واتفقوا على قتله
وترصد له قوم من الجند فاعترضوه خارج البلد وهو في موكبه وهم يتلاعبون على الخيل ثم اعتمدوه فطعنوه وقتلوه وأخرجوا الحافظ من معتقله وجددوا له البيعة بالخلافة ونهب دار أبى على وركب الحافظ وحمل ما بقى فيها إلى القصر واستوزر أبا الفتح يانسا الحافظى ولقبه أمير الجيوش وكان عظيم الهيبة بعيد الغور واستبد عليه فاستوحش كل منهما بصاحبه ويقال ان الحاكم وضع له سمافى المستراح هلك به وذلك آخر ذى الحجة سنة ست وعشرين * (قيام حسن بن الحافظ بأمر الدولة ومكره بأبيه ومهلكه) * ولما هلك يانس أراد الحافظ أن يخلى دست الوزارة ليستريح من التعب الذى عرض منهم للدولة وأجمع أن يفوض الامور إلى ولده وفوض إلى ابنه سليمان ومات لشهرين فأقام ابنه الاخر حسنا فحدثته نفسه بالخلافة وعزم على اعتقال أبيه وداخل الاجناد في ذلك فاطاعوه واطلع أبوه على أمره ففتك بهم يقال انه قتل منهم في ليلة أربعين وبعث أبوه خادما من القصر لقتله فهزمه حسن وبقى الحافظ محجورا وفسد أمره وبعث حسن بهرام الارمني لحشد الا زمن ليستظهر بهم على الجند وثاروا بحسن وطلبوه من أبيه ووقفوا بين القصرين وجمعوا الحطب لاحراق القصر واستبشع الحافظ قتله بالحديد فامر طبيبه ابن فرقة عنه في ذلك سنة تسع وعشرين(4/72)
* (وزارة بهرام ورضوان بعده) * ولما مات حسن بن الحافظ ورحل بهرام لحشد الارمن اجتمع الجند وكان بهرام كبيرهم راود والحافظ على وزارته فوافقهم وخلع عليه وفوض إليه الامور السلطانية واستثنى عليه الشرعية وتبعه تاج الدولة افتكين في الدولة واستعمل الارمن وأهانوا المسلمين وكان رضوان بن ولحيس صاحب الباب وهو الشجاع الكاتب من أولياء الدولة وكان ينكر على بهرام ويهز أبه فولاه بهرام الغربية ثم جمع رضوان واتى إلى القاهرة ففر بهرام
وقصد قوص في ألفين من الارمن ووجد أخاه قتيلا فلم يعرض لاهل قوص وباء بحق الخلافة وصعد إلى اسوان فامتنعت عليه بكنز الدولة ثم بعث رضوان العساكر في طلبه مع أخيه الاكبر وهو ابراهيم الاوحد فاستنزله على الامان له وللار من الذين معه وجاء به فأنزله الحافظ في القصر إلى أن مات على دينه واستقر رضوان في الوزارة ولقب بالافضل وكان سنيا وكان أخوه ابراهيم اماميا فأراد الاستبداد وأخذ في تقديم معارفه سيفا وقلما وأسقط المكوس وعاقب من تصدى لها فتغير له الخليفة فاراد خلعه وشاور في ذلك داعى الدعاة وفقهاء الامامية فلم يعينوه في ذلك بشئ وفطن له الحافظ فدس خمسين فارسا ينادون في الطرقات بالثورة عليه وينهضون باسم الحافظ فركب لوقته هاربا منتصف شول سنة ثلاث وثلاثين ونهبت داره وركب الحافظ وسكن الناس ونقل ما فيها إلى قصره وسار رضوان يريد الشأم ليستنجد الترك وكان في جملته شاور وهو من مصطفيه وأرسل الحافظ الامير بن مضيال ليرده على الامان فرجع وحبس في القصر وقيل وصل إلى سرخد فأكرمه صاحبها أمين الدولة كمستكين وأقام عنده ثم رجع إلى مصر سنة أربع وثلاثين فقاتلهم عند باب القصر وهزمهم ثم افترق عنه أصحابه وأرادوا العود إلى الشأم فبعث عنه الحافظ بن مضيال وحبسه بالقصر إلى سنة ثلاث وأربعين فنقب الحبس وهرب إلى الجيزة وجمع المغاربة وغيرهم ورجع إلى القاهرة فقاتلهم عند جامع ابن طيلون وهزمهم ثم دخل القاهرة ونزل عند جامع الاقمر وأرسل إلى الحافظ في المال ليفرقه فبعث عشرين ألفا على عادتهم مع الوزير ثم استزاد عشرين وعشرين وفى خلال ذلك وضع الحافظ عليه جمعا كثيرا من السودان فحملوا عليه وقتلوه وجاؤا برأسه إلى الحافظ واستمر الحافظ في دولته مباشرا لاموره وأخلى رتبة الوزارة فلم يول أحدا بعده * (وفاة الحافظ وولاية ابنه الطافر) * ثم توفى الحافظ لدين الله عبد الحميد بن الامير أبى القاسم أحمد بن المستنصر سنة أربع(4/73)
وأربعين لتسع عشرة سنة ونصف من خلافته وعن أبى العالية يقال بلغ عمر مسبعا وسبعين سنة ولم يزل في خلافته محجور الوزارة ولما مات ولى بعده ابنه أبو منصور اسمعيل بعهده إليه بذلك ولقب الظافر بأمر الله * (وزارة ابن مضيال ثم ابن السلار) * كان الحافظ لما عهد لابنه الظافر أوصاه بوزارة ابن مضيال فاستوزره أربعين يوما وكان على بن السلار واليا على الاسكندرية ومعه بلارة بنت عمه القاسم وابنه منها عباس وتزوجت بعده بابن السلار وشب عباس وتقدم عند الحافظ حتى ولى الغربية فلم يرض ابن السلار وزارة ابن مضيال واتفق مع عباس على عزله وبلغ الخبر إلى ابن مضيال فشكا إلى الظافر فلم يشكه فقال ذوو الحروب ليس هنا من يقاتل ابن السلار فغضب الظافر ودس عليه من بنى على مصلحيه فخرج إلى الصعيد وقدم ابن السلار إلى القاهرة فاستوزره الظافر وهو منكر له ولقبه العادل وبعث العساكر مع العباس ربيبه في اتباع ابن مضيال فخرج في مطلبه وكان جماعة من لواتة السودان فتحصنوا من عباس في جامع دولام فأحرقه عليهم وقتل ابن مضيال وجا برأسه وقام ابن سلار بالدولة وحفظ النواميس وشد من مذاهبه أهله وكان الخليفة مستوحشا منه منكرا له وهو مبالغ في النصيحة والخدمة واستخدم الرجلة لحراسته فارتاب له صبيان الخاص من حاشية الخليفة فاعتزموا على قتله ونعى ذلك إليه فقبض على رؤسهم فحبسهم وقتل جماعة منهم وافترقوا ولم يقدر انطافر على انكار ذلك واحتفل ابن السلار بأمر عسقلان ومنعها من الفرنج وبعث إليها بالمدد كل حين من الاقوات والاسلحة فلم يغن ذلك عنها وملكها الفرنج وكان لذلك من الوهو على الدولة ما تحدث به الناس ولما قتل العادل بن السلار صبيان الخاص تأكد نكر الخليفة له واشتد قلقه وكان عباس بن أبى الفتوح صيدقا ملاطغا له فكان بسكنه ويهديه وكان لعباس ولد اسمه
مصر استخصه الظافر واستدناه ويقال كان يهواه ففاوض العادل عباسا في شأن ابنه عن مخالفته ابنه للظافر فلم ينته ابنه فنهى العادل جدته أن يدخل إلى بيته فشق ذلك على نصير وعلى أبيه وتنكر للعادل وزحف الفرنج إلى عسقلان فجهز العادل الجيوش ولعساكر إليها مددا مع ما كان يدها به وبعثهم مع عباس بن أبى الفتوح فارتاب لذلك وفوض الظافر في قتل العادل وحضر معهم مؤيد الدولة الامير أسامة بن منقذ أحد أمراء سيرر وكان عند الظافر وصديقا لعباس فاستصوب ذلك وحت عليه وخرج عباس بالعساكر إلى بلبيس وأوصى ابنه نصير بقتله فجاء في جماعة إلى بت جدته والعادل نائم فدخل إليه وضربه فلم يجهز عليه وخرج إلى أصحابه ثم دخلوا(4/74)
جميعا فقتلوه وباؤا برأسه إلى الظافر ورجع عباس من بلبيس بلعساكر فاستوزره الظافر وقام بالدولة وأحسن إلى الناس وأيس أهل عسقلان من المدد فاسلموا أنفسهم بلدهم بعد حصار طويل وكان ذلك كله سنة ثمان وأربعين * (مقتل الظافر وأخويه وولاية ابنه الفائز) * ولما وزر عباس للظافر وقام با لدولة كان ولده نصير من ندمان الظافر وكان يهواه كما تقدم وكان أسامة بن منقذ من خلصاء عباس وأصدقائه فقبح عليه سوء المقالة في ابنه وأشار عليه بقتل الظافر فاستدعى ابنه نصيرا وقبح عليه في شناعة الاحدوثة فيه بين الناس وأغراه باغتيال الظافر ليمحو عنه ما يتحدث به الناس فسأل نصير من الظافر أن يأتي إلى بيته في دعوة فركب من القصر إليه فقتله نصير ومن جاء معه ودفنهم في داره وذلك في محرم سنة تسع وأربعين وباكر القصر ولم ير الظافر وسأل خدام القصر فأحسن العذر ورجع إلى اخوى الظافر يوسف وجبريل فخبرهما بركوب الظافر إلى دار نصير فقالا له خبر الوزير فلما جاء عباس من الغدا خبره بأنه ركب إلى بيت نصير ابنه ولم يعد فاستشاط غيظا عليه ورماه بأنه داخل أخويه في قتله ثم استدعاهما
لقتلهما وقتل معهما ابنا هنالك لحسن بن الحافظ ثم أخرج ابنه أبا القاسم عيسى بن خمس سنين وحمله على كتفه وأجلسه على سرير الملك وبايع له بالخلافة ولقبه الفائز بالله ونقل عباس بسبب ذلك ما في القصر من الاموال والذخائر ما لا حد له وعند خروجه بأخويه رأى القتلى فاضطرب وفزع وبقى سائر أيامه يعتاده الصرع * (وزارة الصالح بن رزيك) * ولما قتل الظافر وأخواه كما ذكرناه كتب النساء من القصر إلى طلائع بن رزبك وكان واليا على الاشموتين والبهنة وجاء الخبر بأن الناس اختلفوا على عباس بسبب ذلك فجمع وقصد القاهرة ولبس السواد حزنا ورفع على الرماح الشعور التى بعث بها النساء حزنا ولما عبر البحر خرج عباس وولده ودفعوا ما قدروا عليه من مال وسلاح من حاصل الدولة ومعهما صديقهما اسامة بن منقذ فاعتزضهم الفرنج وقاتلوا فقتل عباس وأسر ولده وفجا أسامة إلى الشأم ودخل طلائع القاهرة في ربيع سنة تسع وخمسين وجاء إلى القصر راجلا ثم مضى إلى دار عباس ومعه الخادم الذى حضر لقتله فاستخرجه من التراب ودفنه عند آبائه وخلع الفائز عليه الوزارة ولقبه الصالح وكان اماميا كاتبا أديبا فقام بأمر الدولة وشرع في جمع الاموال والنظر في الولايات وكان الاوحد بن تميم من قرابة عباس واليا على تنيس وكان لما سمع بفعله قريبه عباس جمع(4/75)
وقصد القاهرة فسبقه طلائع فلما استقل بالوزارة أعاده إلى عمله بدمياط وتنيس ثم بعث في فداء نصير بن عباس من الفرنج فجئ به وقتله وصلبه بباب زويلة ثم نظر في المزاحمين من أهل الدولة ولم يكن أرفع رتبة من تاج الملوك قايماز وابن غالب فوضع عليهما الجند فطلبوهما فهربا ونهب دورهما وتتبع كبراء الامراء بمثل ذلك حتى خلا الجو ووضع الرقباء والحجاب على القصر وثقلت وطأته على الحرم ودبرت عمة الفائز في قتل الصالح وفرقت الاحوال في ذلك ونمى الخبر إليه فجاء إلى القصر وأمر الاستاذين والصقالية
بقتلها فقتلوها سرا وصار الفائز في كفالة عمته الصغرى وعظم اشتداد الفائز واستفحل أمره وأعطى الولايات للامراء واتخذ مجلسا لاهل الادب يسامرون فيه وكان يقرض الشعر ولا يجيده وولى شاور السعدى على قرضه وأشار عليه حجابه بصرفه واستقدمه فامتنع وقال ان عزلني دخلت بلاد النوبة وعلى عهده كان استيلاء نور الدين محمود الملك العادل على دمشق من يد بنى طغتكين أتابك تتش سنة تسع وأربعين وخمسمائة * (وفاة الفائز وولاية العاضد) * ثم توفى الفائز بنصر الله أبو القاسم عيسى بن الظافر اسمعيل سنة خمس وخمسين لست سنين من خلافته فجاء الصالح بن رزيك إلى القصر وطلب الخدام باحضار أبناء الخلفاء ليختار منهم وعدل عن كبرائهم إلى صغرائهم لمكان استبداده فوقع اختياره على أبى محمد عبد الله بن يوسف قتيل عباس فبايع له بالخلافة وهو غلام ولقبه العاضد لدين الله وزوجه ابنته وجهزها بما لم يسمع بمثله * (مقتل الصالح بن رزيك وولاية ابنه رزيك) * ولما استفحل أمر الصالح وعظم استبداده بجباية الاموال والتصرف وحجر العاضد تنكر له الحرم ودسس إلى الامراء بقتله وتولت كبر ذلك عمة العاضد الصغرى التى كانت كافلة الفائز بعد أختها واجتمع قوم من القواد والسودان منهم الريفي الخادم وابن الداعي والامير بن قوام الدولة وكان صاحب الباب وتواطؤا على قتله ووقفوا في دهليز القصر وأخرج ابن قوام الدولة الناس امامه وهو خارج من القصر واستوقفه عنبر الريفي يحادثه وتقدم ابنه رزيك فوثب عليه جماعة منهم وجرحوه وضرب ابن الداعي الصالح فأثبته وحمل إلى داره فبقى يجود بنفسه يومه ذلك وإذا أفاق يقول رحمك الله يا عباس ومات من الغد وبعث إلى العاضد يعاتبه على ذلك فحلف على البراءة من ذلك ونسبه إلى العسمة وأحضر ابنه رزيك وولاه الوزارة مكان أبيه ولقبه(4/76)
العادل فأذن له في الاخذ بثاره فقتل العمة وابن قوام الدولة والاستاذ عنبر الريفي وقام بحمل الدولة وأشير عليه بصرف شاور من قوص وقد كان أبوه أوصاه ببقائه وقال له قد ندمت على ولايته ولم يمكني عزله فصرفه وولى مكانه الامير بن الرفعة فاضطرب شاور وخرج إلى طريق الواحات وجمع وقصد القاهرة وجاء الخبر إلى رزيك فعجز عن لقائه وخرج في جماعة من غلمانه بعدة أحمال من المال والثياب والجوهر وانتهى إلى طفيحة واعترضه ابن النضر وقبض عليه وجاء به إلى شاور فاعتقله واعتقل معه أخاه فأراد الهرب من محبسه فوشى به أخوه فقتل لسنة من ولايته ولتسع سنين من ولاية أبيه * (وزارة شاور ثم الضر غام من بعده) * ودخل شاور القاهرة سنة ثمان وخمسين ونزل بدار سعيد السعداء ومعه ولده طين وشجاع والطازى وولاه العاضد الوزارة ولقبه أمير الجيوش وأمكنه من أموال بنى رزيك فاستصفى معظمها وزاد أهل الرواتب والجرايات عشرة أمثالها واحتجب عن الناس وكان الصالح بن رزيك قد أنشأ في لواقته أمراء يسمون البرقية وكان مقدمهم الضرغام وكان صاحب الباب فنازع شاور في الوزارة لتسعة أشهر من ولايته وثار عليه وأخرجه من القاهرة فلحق بالشأم وقتل ولده عليا وكثيرا من أمراء المصريين حتى ضعفت الدولة وخلت من الاعيان وأدى ذلك إلى خرابها * (مسير شيركوه وعساكر نور الدين إلى مصر مع شاور) * ولما لحق شاور إلى الشأم نزل على الملك العادل نور الدين بدمشق صريخا وشرط له ثلث الجباية على أن يقيم له العساكر وجهز نور الدين شيركوه وكان مقدما في دولته ويذكر سبب اتصاله به في موضعه فساروا في جمادى الاخر سنة تسع وخمسين وقد تقدم نور الدين إلى أسد الدين شيركوه بأن يعيد شاور إلى وزارته وينتقم له ممن نازعه وسار نور
الدين بعساكره إلى طرف بلاد الفرنج ليمنعهم من اعتراض أسد الدين ان هموا به ولما وصل أسد الدين وشاور إلى بلبيس لقيهم ناصر الدين همام وفخر الدين همام أخو الضرغام في عساكر مصر فهزموه ورجع إلى القاهرة وقتل رفقاؤه الامراء البرقية الذين أغروه بشاور ودخل أسد الدين القاهرة ومعه أخو الضرغام أسيرا وفر الضرغام فقتل بالجسر عند مشهد السيدة نفيسة وقتل أخواه وعاد شاور إلى وزارته وتمكن منها ثم نكث عهده مع أسد الدين وسلطانه وصرفه إلى الشأم * (فتنة أسد الدين مع شاور وحصاره) *(4/77)
ولما رجع أسد الدين من مصر إلى الشأم أقام بها في خدمة نور الدين ثم استأذن نور الدين العادل سنة ثنتين وستين في العود إلى مصر فأذن له وجهزه في العساكر وسار إلى مصر ونازل بلاد الفرنج في طريقه ثم وصل إلى اطفيح من ديار مصر وعبر النيل إلى الجانب الغربي ونزل الجيزة وتصرف في البلاد الغربية نيفا وخمسين واستمد شاور الفرنج وجاء بهم إلى مصر وخرج معهم للقاء أسد الدين شيركوه فأدركون بالصعيد فرجع للقائهم على رهب لكثرة عددهم وصدقهم القتال فهزمهم على قلة من معه فانهم لم يبلغوا ألفى فارس ثم سار إلى الاسكندرية وهو يجبى الاموال في طريقه إلى أن وصلها فاستأمن أهلها وملكها وولى عليها صلاح الدين يوسف بن أخيه نجم الدين أيوب ورجع إلى جباية الصعيد واجتمعت عساكر مصر والفرنج على القاهرة وأزاحوا عللهم وساروا إلى الاسكندرية وحاصروا بها صلاح الدين فسار أسد الدين إليهم من الصعيد ثم خذله بعض من معه من التركمان بمداخلة شاور وبعثوا له اثر ذلك في الصلح فصالحهم ورد إليهم الاسكندرية ورجع إلى دمشق فدخلها آخرى ذى القعدة من سنة ثنتين وستين واستطال الفرنج على أهل مصر وشرطوا عليهم أن ينزلوا بالقاهرة وشحنة وأن تكون أبوابها بأيديهم لئلا تدخل عساكر نور الدين وقرر ضريبة يحملها كل
سنة فأجابه إلى ذلك * (رجوع أسد الدين إلى مصر ومقتل شاور ووزارته) * ثم طمع الافرنج في مصر واستطالوا على أهلها وملكوا بلبيس واعتزموا على قصد القاهرة وأمر شاور بتخريب مصر خشية عليها منهم فحرقت ونهب أهلها ونزل الفرنج على القاهرة وأرسل العاضد إلى نور الدين يستنجده وخشى شاور من اتفاق العاضد ونور الدين فداخل الفرنج في الصلح على ألفى ألف دينار مصرية معجلة وعشرة آلاف أردب من الزرع وحذرهم أمر القهر إلى ذلك وكان فيه السفير الجليس بن عبد القوى وكان الشيخ الموفق كاتب السرو كان العاضد قد أمرهم بالرجوع إلى رأيه وقال هو رب الحرمة علينا وعلى آبائنا وأهل النصيحة لنا فأمر الكامل شجاع بن شاور القاضى الفاضل عبد الرحيم البيسانى أن يأتيه ويشاوره فقال له قل لمولانا يعنى العاضد ان تقرير الجزية للفرنج خير من دخول الغز للبلاد وا طلاعهم على الاحوال ثم بعث نور الدين العساكر مع أسد الدين شيركوه مددا للعاضد كما سأل وبعث معه صلاح الدين ابن أخيه وجماعة الامراء فلما سمع الفرنج بوصولهم أفرجوا عن القاهرة ورجعوا إلى بلادهم وقال ابن الطويل مؤرخ دولة العبيديين انه هزمهم على القاهرة ونهب معسكرهم ودخل أسد الدين إلى القاهرة في جمادى سنة أربع وستين وخلع عليه(4/78)
العاضد ورجع إلى معسكره وفرضت له الجرايات وبقى شاور على ريبة وخوف وهو يماطله فيما يعين له من الاموال ودس العاضد إلى أسد الدين بقتل شاور وقال هذا غلامنا ولا خير لك في بقائه ولا لنا فبعث عليه صلاح الدين بن أخيه وعز الدين خرديك وجاء شاور إلى أسد الدين على عادته فوجده عند قبر الامام الشافعي فسار إليه هنالك فاعترضه صلاح الدين وخرديك فقتلاه وبعثا برأسه إلى العاضد ونهبت العامة دوره واعتقل ابناه شجاع والطازى وجماعة من أصحابه بالقصر وخلع عليه للوزارة ولقب المنصور
أمير الجيوش وجلس في دست الوزارة واستقر في الامر وغلب على الدولة وأقطع البلاد لعساكره واستعد أصحابه في ولايتها ورد أهل مصر إلى بلدهم وأنكر ما فعلوه في تخريبها ثم اجتمع بالعاضد مرة أخرى وقال له جوهر الاستاذ يقول لك مولانا لقد نيقنا ان الله ادخرك نصرة لنا على أعدائنا فحلف له اسد الدين على النصيحة فقال له الامل فيك أعظم وخلع عليه وحسن عنده موضع الجليس بن عبد القوى وكان داعى الدعاة وقاضي القضاة أبقاه على مراتبه * (وفاة أسد الدين وولاية صلاح الدين الوزارة) * ثم توفى أسد الدين رحمه الله تعالى لشهرين في أيام قلائل من وزارته وقيل لاحد عشر شهرا وأوصى أصحابه أن لا يفارقوا القاهرة ولما توفى كان معه جماعة من الامراء النورية منهم عين الدولة الفاروقى وقطب الدين يسال وعين الدين المشطوب الهكاوى وشهاب الدين محمود الحازمى فتنازعوا في طلب الرياسة وفى الوزارة وجمع كل أصحابه للمغالبة ومال العاضد إلى صلاح الدين لصغره وضعفه عنهم ووافقه أهل دولته على ذلك بعد أن ذهب كثير منهم إلى دفع الغزو عساكرهم إلى الشرقية ويولى عليهم قراقوش ومال آخرون إلى وزارة صلاح الدين ومال العاضد إلى ذلك لمكافأته عن خدمته السالفة فاستدعاه وولاه الوزارة واضطرب أصحابه وكان الفقيه عيسى الهكارى من خلصاء صلاح الدين فاستمالهم إليه الاعين الدولة الفاروقى فانه سار إلى الشأم وقام صلاح الدين بوزارة مصر نائبا عن نور الدين يكاتبه بالامير الاسفهسان ويشركه في الكتاب مع كافة الامراء بالديار المصرية ثم استبد صلاح الدين بالامور وضعف أمر العاضد وهدم دار المعرفة بمصر وكانت حبسا وبناها مدرسة للشافعية وبنى دار الغزل كذلك للمالكية وعزل قضاة الشيعة وأقام قاضيا شافعيا في مصر واستناب في جميع البلاد * (حصار الفرنج دمياط) *(4/79)
ولما جاء أسد الدين وأصحابه إلى مصر وملكوها ودفعوهم عنها ندموا على ما فرطوا فيها وانقطع عنهم ما كان يصل إليهم وخشوا غائلة الغز على بيت المقدس وكاتبوا الفرنج بصقلية والاندلس واستنجدوهم وجاءهم المدد من كل ناحية فنازلوا دمياط سنة خمس وستين وبها شمس الخواص منكوريين فأمدها صلاح الدين بالعساكر والاموال مع بهاء الدين قراقوش وأمراء العز واستمد نور الدين واعتذر عن المسير إليها بشأن مصر والشيعة فبعث نور الدين العساكر إليها شيأ فشيأ وسار بنفسه إلى بلاد الفرنج بسواحل الشأم فضيق عليها فاقلع الفرنج عن دمياط لخمسين يوما من نزولها فوجدوا بلادهم خرابا وأثنى العاضد على صلاح الدين في ذلك ثم بعث صلاح الدين غرابيه نجم الدين وأصحابه إلى مصر وركب العاضد للقائة تكرمة له * (واقعة الخصيان وعمارة) * ولما استقام الامر لصلاح الدين بمصر غص به الشيعة وأولياؤهم واجتمع منهم العوريش وقاضي القضاة ابن كامل والامير المعروف والكاتب عبد الصمد وكان فصيحا وعمارة اليمنى الشاعر الزبيدى وكان متولى كبرها فاتفقوا على استدعاء الفرنج لاخراج الغز من مصر وجعلوا لهم نصيبا وافرا من ارتفاعها وعمدوا إلى شيعي من خصيان القصر اسمه نجاح ولقبه مؤتمن الدولة وكان قدر بى العاضد وصهره فاغروه بذلك ورغبوا على أن يجمع رسول الفرنج بالعاضد فجمعه معه في بيته ملبسا بذلك ولم يكن العاضد الذى حضرو أوهموه أنه عقد معه ثم اتصل الخبر بنجم الدين بن مضيال من أولياء الشيعة وكان نجم الدين قد اختصه صلاح الدين وولاه الاسكندرية واستغضبه بهاء الدين قراقوش ببعض النزغات فظنوا انه غضب فاطلعوه على شأنهم وأن يكون وزيرا وعمارة كاتب الدست وصاحب ديوان الانشاء والمكاتبات مكان الفاضل بن كامل قاضى القضادة داعى الدعاة وعبد الصمد جابى الاموال والعوريش
ناظرا عليه فوافقهم ابن مضيال ووشى بهم إلى صلاح الدين فقبض عليهم وعلى رسول الفرنج وقررهم في عدة مجالس وأحضر زمام القصر وهو مختص العرز ونكر عليه خروج العاضد إلى بيت نجاح فحلف على نفسه وعلى العاضد ان هذا لم يقع وأخبر العاضد بطلب حضور نجاح مع مختص فحضروا عترف بالحق أن العاضد لم يحضر فتحقق صلاح الدين براءته وكان عمارة يجالس شمس الدولة تور نشاه فنقل لاخيه صلاح الدين انه امتدحه بقصيدة يغريه فيها بالضى إلى اليمن ويحمله على الاستبداد وانه تعرض فيها للجانب النبوى يوجب استباحة دمه وهو قوله فاخلق لنفسك ملكا لا تضاف به * إلى سواك وأور النار في العلم(4/80)
هذا ابن تومرت قد كانت ولايته * كما يقول الورى لحما على وضم وكان أول هذا الدين من رجل * سعى إلى أن دعوه سيد الامم فجمعهم صلاح الدين وشنقهم في يوم واحد بين القصرين وأخر ابن كامل عنهم عشرين يوما ثم شنقه ومر عمارة بباب القاضى الفاضل فطلب لقاءه فمنع فقال وهو سائر إلى المشنقة عبد الرحيم قد احتجب * ان الخلاص هو العجب وفى كتاب ابن الاثيران صلاح الدين انما اطلع على أمرهم من كتابهم الذى كتبوه إلى الفرنجة عثر على حامله وقرئ الكتاب وجئ به إلى صلاح الدين فقتل مؤتمن الخلافة لقرينة وعزل جميع الخدام واستعمل على القصر بهاء الدين قراقوش وكان خصيا أبيض وغضب السودان لقتل مؤتمن الخلافة واجتمعوا في خمسين ألفا وقاتلوا أجناد صلاح الدين بين القصرين وخالفهم إلى بيوتهم فأضرمها أنارا واحترق أموالهم وأولادهم فانهزموا وركبهم السيف ثم استأمنوا ونزلوا الجيزة وعبر إليهم شمس الدولة تور نشاه فاستلحمهم * (قطع الخطبة للعاضد وانقراض الدولة العلوية بمصر) *
كان نور الدين العادل يوم استقل صلاح الدين بملك مصر وضعف أمر العاضد بها وتحكم في قصره يخاطبه في قطع دعوتهم من مصر والخطبة بها للمستضئ العباسي وهو يماطل بذلك حذرا من استيلاء نور الدين عليه ويعتذر بتوقع المخالفة من أهل مصر في ذلك فلا يقبل ثم ألزمه ذلك فاستأذن فيه أصحابه فأشاروا به وأنه لا يمكن مخالفة نور الدين ووفد عليه من علماء العجم الفقيه الخبشانى وكان يدعى بالامير العالم فلما رأى احجامهم عن هذه الخطبة قال أنا أخطبها فلما كان أول جمعة من المحرم سنة سبع وستين وخمسمائة صعد المنبر قبل الخطيب ودعا للمستنصر فلم ينكر أحد عليه فأمر صلاح الدين في الجمعة الثانية الخطباء بمصر والقاهرة أن يقطعوا خطبة العاضد ويخطبوا للمستضئ ففعلوا وكتب بذلك إلى سائر أعمال مصر وكان العاضد في شدة من المرض فلم يعلمه أحد بذلك وتوفى في عاشوراء من السنة وجلس صلاح الدين للعزاء فيه واحتوى على قصر الخلافة بما فيه فحمله بهاء الدين قراقوش إليه وكان في خزائنهم من الذخيرة ما لم يسمع بمثله من أصناف الجواهر واليواقيت والزمرد وحلى الذهب وآنية الفضة والذهب ووجد ماعون القصر من الموائد والطسوت والاباريق والقدور والصحاف والخوان والبواقيل والمناير والطيافر والقباقب والاسورة كل ذلك من الذهب ووجد من أنواع الطيوب واللباس والمذهبات والقرقبيات المعلقات والوشى ما لا تقله الاوقار ومن الكتب ما يناهز مائة وعشرين(4/81)
ألف سفر أعطاها للفاضل عبد الرحيم البيسانى كاتبه وقاضيه ومن الظهر والكراع والسلاح ومن الخدم والوصائف خمسين ألفا ومن المال مائة بيت ثم حبس رجالهم ونساءهم حتى ماتوا وكانت بالدولة عند عهد العزيز والحاكم قد خلا جوها من رجالات كتامة وتفرقوا في المشرق في سبيل ذلك الملك وانقرضوا بانقراض أمر الشيعة وموت العاضد آخر خلفائهم وأكلتهم الاقطار والوقائع شأن الدول كما
ذكرناه من قبل ولما هلك العاضد وحول صلاح الدين الدعوة إلى العباسية اجتمع قوم من الشيعة بمصر وبايعوا لداود بن العاضد ونمى خبرهم إلى صلاح الدين فقبض عليهم وقتلهم وأحرج داود من القصر وذلك سنة تسع وستين وخمسمائة ثم خرج بعد حين ابنه سليمان بن داود رضى الله تعالى عنه بالصعيد وحبس إلى أن هلك وظهر بعد حين بجهة فاس بالمغرب محمد بن عبد الله بن العاضد ودعا هنالك وتسمى بالمهدي فقتل وصلب ولم يبق للعبيديين ذكر الا في بلاد الحثيثية من العراق وهم دعاة الفداوية وفى بلاد الاسماعيلية التى كانت فيها دعوتهم بالعراق وقام بها ابن الصباح في قلعة الموت وغيرها كما يذكر في أخبارهم إلى أن انقرضت تلك الدعوة أجمع بانقطاع دعوة العباسيين ببغداد على يد هولاكو من ولد جنكز خان ملوك التتر سنة خمس وخمسين وستمائة والامر لله وحده هذه أخبار الفاطميين ملخصة من كتاب ابن الاثير ومن تاريخ دولتهم لابن الطوير وقليل من ابن المسيحي جمعت ما أمكننى منهما ملخصا والله ولى العون * (الخبر عن بنى حمدون ملوك المسيلة والزاب بدعوة العبيديين ومآل أمرهم) * كان على بن حمدون أبوهم من أهل الاندلس وهو على بن حمدون بن سماك بن مسعود ابن منصور الجذامي يعرف با بن الاندلس واتصل بعبيد الله وأبى القاسم بالمشرق قبل شأن الدعوة وبعثوه من طرابلس إلى عبد الله الشيعي فأحسن اللقاء والانصراف ولزمهم أيام اعتقالهم بسجلمائة فلما استفحل ملكهم جذبوا أبا ضبيعة ورقوه إلى الرتب ولما رجع أبو القاسم من حركته إلى المغرب سنة خمس عشرة وثلثمائة واختط مدينة المسيلة استعمل على بن حمدون على بنائها وسماها المحمدية ولما تم بناؤها عقد له على الزاب وأنزله بها وشحنها با لاقوات التى كانت مسيرة للعساكر عند محاصرة المنصور لابي يزيد صاحب الحمار بجبل كتامة ولم يزل واليا على الزاب وربى ابنيه جعفر أو يحيى بدار أبى القاسم وكان جعفر صير المعد المعز ولما كانت فتنة أبى يزيد وأضرمت افريقية نارا وفتنة وأهاب القائم الاولياء من كل ناحية كتب إلى ابن حمدون أن يجند قبائل
البربر ويوافيه فنهض إلى المهدية في عسكر ضخم بقسنطينة وهو يحتشد كل من مر به في طريقه حتى وصل إلى شق بنارية ثم قارب باجة وكان بها أيوب بن أبى يزيد في عسكر(4/82)
كبير من النكارية والبربر فزحف إليهم وتناور الفريقان ثم بيته أيوب فاستباح معسكره وتردى على بن حمدون من بعض الشواهق فهلك سنة أربع وثلاثين وثلثمائة ولما انقضت فتنة أبى يزيد عقد المنصور على المسيلة والزاب لجعفر بن على بن حمدون وأنزله بها وأخاه يحيى واستجدوا بها سلطانا ودولة وبنوا القصور والمنتزهات واستفحل بها ملكهم وقصدهم بها العلماء والشعراء وكان فيمن قصدهم ابن هانئ شاعر الاندلس وأمداحه فيهم معروفة مذكورة وكان بين جعفر هذا وبين زيرى بن مناد عداوة جرتها المنافسة والمساماة في الدولة فساء أثر زيرى فيه عند صدمته للمغرب وفتكه بزناتة وسعوا به إلى الخليفة وألقح له في جوانحه العداوة فكانت داعيته إلى زناته وتولى محمد بن خزر أمير مغراوة ثم ان المعز لما اعتزم على الرحيل إلى القاهرة سنة ثنتين وثلثمائة استقدم جعفر افاستراب جعفر ومال بعسكره إلى زناتة قبل قدومه وانقطعت الرسائل بينه وبين صنهاجة والخليفة المعز وشملت عليه زناتة قبل قدومه واجتمعوا عليه ودعا إلى نقض طاعة المعز والدعاء للحاكم المستنصر فوجدهم أقدم اجابة لها وناهضهم زيرى الحرب قبل استكمال التعبية فكانت عليه من أمراء زناتة فكبا بزيرى فرسه فطاح فقصوا رأسه وبعثوا به مع جماعة من زناتة إلى الحاكم المستنصر فكرم الحاكم وفادتهم نصب رأس زيرى بسوق قرطبة وأسنى جوائز الوفد ورفع منزلة يحيى ابن على وأذن لجعفر في اللحاق بسدته ولما علمت زناتة أن يوسف بن زيرى يطالبهم بدم أبيه أظهروا العذر به ورأى أن تجنب شفاهم إلى ذات يده وعجز رؤساؤهم عن الذهب والدفاع عنها وقبض الايدى عن تناوله لدنوا الفتنة ومراس العصبية فأوجس الخيفة في نفسه وألطف الحيلة في الفرا رغبة بحيلته وشحن السفن بما معه من المال والمتاع
والرقيق والحشم وذخيرة السلطان وأجاز البحر ولحق بسدة الخلافة من قرطبة وأجاز معه عظماء الزناتيين معطين الصفقة على القيام بدعوته والاحتطاب في جبل طاعته فكرم مثواه وأجمل وفادتهم وأحسن منصرفهم وانقلبوا المحبته والتشيع له ومناغاة الادارسة في خدمته بالمغرب الاقصى وبث دعوته وتخلف عنهم أولاد على بن حمدون بالحضرة وأقاموا بسدة الخلافة ونظموا في طبقات الوزراء وأجرت عليهم سنيات الارزاق والتحقوا على حديث عهدهم بالقوم من أولياء الدولة ثم كان بعد ذلك شأن اعتقالهم على طريق التأديب لمرتكب من نازعهم خرقوا به حدود الاداب مع الخلافة فاستدعوا إلى القصر واعتقلوا ثم اطلقوا لايام قلائل لما انغمس الحكم في علة الفالج وركدت ريح المروانية بالمغرب واحتاجت الدولة إلى رجالهم لسد الثغور ودفع العدو واستدعى يحيى بن محمد بن هاشم من العدوة وكان(4/83)
واليا على فاس والمغرب وأدا له الحاجب المصفحى لجعفر بن على بن حمدون وجمعوا بين الانتفاع في مقارعة زناتة بالعدوة والراحة مما يتوقع منه على الدولة عند الخلافة لما كانوا صاروا إليه من النكبة وطروق المحنة فعقدوا له ولاخيه يحيى على المغرب وخلعوا عليهما وأمكنوهما من مال وكسا فاخرة للخلع على ملوك العدوة فنهض جعفر إلى المغرب سنة خمس وستين وضبطه واجتمع إليه ملوك زناتة من بنى يفرن ومغراوة وملماسة ولما هلك الحكم وولى هشام وقام بأمره المنصور بن أبى عامر اقتصر لاول قيامه على سبتة من بلاد العدوة فضبطها جند السلطان ورجال الدولة وقلدها أرباب السيوف والاقلام من الاولياء والحاشية وعدل في ضبطه على ما وراء ذلك على ملوك زناتة ونفدهم بالجوائز والخلع وصار إلى اكرام وفودهم واثبات من رغب الاثبات في ديوان السلطان منهم فحدوا في ولاية الدولة وبث الدعوة وفسد ما بين هذين الاميرين جعفر وأخيه واقتطع يحيى مدينة البصرة لنفسه وذهب بأكثر
الرجال ثم كانت على جعفر النكبة التى نكبته بنو غواطة في غزاته اياهم ثم استدعاه محمد بن أبى عامر لاول أمره لما رأى من الاستكانة إليه وشد أزره به عليه كراهته لما لقيه بالاندلس من الحكم ثم أصحبه وتخلى لاخيه عن عمل المغرب وأجاز البحر إلى ابن أبى عامر فحل منه بالمكان الاثير ولما زحف بلكين إلى المغرب سنة تسع وستين زحفته المشهورة خرج محمد بن أي عامر من قرطبة إلى الجزيرة لمدافعته بنفسه وأجاز جعفر بن على إلى سبتة وعقد له على حرب بلكين وأمده بمائة حمل من المال وانضمت إليه ملوك زناتة ورجع عنهم بلكين كما نذكره ولما رجع إلى ابن أبى عامر فاغتاله في بعض ليالى معا قرتهم وأعد له رجالا في طريقه من سمره إلى داره فقتلوه سنة ولحق يحيى بن على بمصر ونزل بدار العزيز وتلقاه بالمبرة والتكريم وطال به ثواؤه واستكفى به العظائم ولما استصرخ فلفول بن خزرون بالحاكم في استرجاع طرابلس من يد صنهاجة المتغلبين عليه دفع إليه العساكر وعقد عليها ليحيى بن على واعترضه بنو قرة من الهلاليين ببرقة ففلوه وفضوا جموعه ورجع إلى مصر ولم يزل بمصر إلى أن هلك هنالك والله وارث الارض ومن عليها وهو خير الوارثين [ الخبر عن القرامطة واستبداد أمرهم وما لستقر لهم من الدولة بالبحرين وأخبارها إلى حين انقراضها ] هذه الدعوة لم يظهرها أحد من أهل نسب العلوية ولا الطالبيين وانما قام بها دعاة المهدى من أهل البيت على اختلاف منهم في تعيين هذا المهدى كما نذكره وكان مدار دعوتهم على رجلين أحدهما يسمى الفرج بن عثمان القاشانى من دعاة المهدى ويسمى(4/84)
أيضا كروية بن مهدوية وهو الذى انتهى إليه دعاتهم بسواد الكوفة ثم بالعراق والشأم ولم يتم لهؤلاء دولة والاخر يسمى أبا سعيد الحسن بن بهرام الجنابي كانت دعوته بالبحرين واستقرت له هنالك دولة ولبنيه وانتسب بعض مزاعهم إلى دعاة الاسماعيلية
الذين كانوا بالقيروان كما نذكره ودعوى هؤلاء القرامطة في غاية الاضطراب مختلة العقائد والقواعد منافية للشرائع والاسلام في الكثير من مزاعهم وأول من قام بها بسواد الكوفة سنة ثمان وسبعين ومائتين رجل أظهر الزهد والتقشف وزعم أنه يدعو إلى المهدى وأن الصلوات المفروضة خمسون كل يوم واستجاب له جمع كثير ولقب قرمط وأصلها بالكاف وكان يأخذ من كل من يجيب دعوته دينارا للامام وجعل عليهم نقباء وسماهم الحواريين وشغل الناس بذلك عن شؤنهم وحبسه عامل لناحية ففر من محبسه ولم يوقف له على خبر فازداد أتباعه فتنة فيه ثم زعم أنه الذى بشر به أحمد ابن محمد ابن الحنفية وأن أحمد نبى وفشى هذا المذهب في السواد وقرئ بينهم كتاب زعموا أنه جاءهم من داعيه المهدى نصه بعد البسملة يقول الفرج بن عثمان الحمد لله بكلمته وتعالى باسمه المنجد لاوليائه باوليائه قل ان الاهلة مواقيت للناس ظاهرها لتعلم عدد السنين والحساب والشهور والايام وباطنها أوليائي الذين عرفوا عبادي سبيلى اتقوني يا أولى الالباب وأنا الذى لا أسأل عما أفعل وأنا العليم الحكيم وأنا الذى أبلو عبادي وأستخبر خلقي فمن صبر على بلائى ومحنتي واختباري ألقيته في جنتي وأخلدته في نعمتي ومن زال عن أمرى وكذب رسلي أخلدته مهانا في عذابي واتممت أجلى وأظهرت على ألسنة رسل فأنا الذى لا يتكبر على جبار الا وضعته ولا عزيز الا ذللته فليس الذى أصر على أمره ودام على جهالته وقال لن نبرح عليه عاكفين وبه مؤمنين أولئك هم الكافرون ثم يركع ويقول في ركوعه مرتين سبحان ربى ورب العزة تعالى عما يصف الظالمون وفى سجوده الله أعلى مرتين الله أعظم مرة والصوم مشروع يوم المهرجان والنيروز والنبيذ حرام والخمر حلال والغسل من الجنابة كا لوضوء ولا يؤكل ذو ناب ولا ذو مخلب ومن خالف وحارب وجب قتله ومن لم يحارب أخذت منه الجزية انتهى إلى غير ذلك من دعاوى شنيعة متعارضة يهدم بعضها بعضا وشاهد عليهم بالكذب والذى حملهم على ذلك انما هو ما اشتهر بين الشيعة من أمر المهدى مستندين فيه إلى
الاحاديث التى خرجها بعضهم وقد أريناك عللها في مقدمة الكتاب في باب الفاطمي فلهجوا به وبالدعوة إليه فمن الصادق فيمن يعينه وان كان كاذبا في استحقاقه ومنهم من بنى أمره على الكذب والانتحال عساه يستولى بذلك على حظ من الدنيا بها صفقة وقد يقال ان ظهر هذا الرجل كان قبل مقتل صاحب الزنج وانه سار على(4/85)
الامان وقال له ان ورائي مائة ألف سيف فناظرني لعلنا نتفق ونتعاون ثم اختلفا وانصرف قرمط عنه وكان يسمى نفسه القائم بالحق وزعم بعض الناس أنه كان يرى رأى الازارقة من الخوارج ثم زحف إليه أحمد بن محمد الطائى صاحب الكوفة في العساكر فأوقع بهم وفتك بهم وتتابعت العساكر في السواد في طلبهم وأبادوهم وفر هو إلى احياء العرب فلم يجبه أحد منهم فاختفى في القفر في جب بناه واتخذه لذلك وجعل عليه باب حديد واتخذ بجانبه تنورا سحرا ان أرهقه الطلب فلا يفطن له ولما اختفى في الجب بعث أولاده في كاب بن دبرة بأنهم من ولد اسمعيل الامام مستجيرون بهم ثم دعوا إلى دعوتهم أثناء ذلك وكانوا ثلاثة يحيى وحسين وعلى فلم يجبهم أحد إلى ذلك الا بنو القليص بن ضمخم بن على بن جناب فبايعوا ليحيى على أنه يحيى بن عبد الله بن محمد بن اسمعيل الامام وكنوه أبا القاسم ولقبوه الشيخ ثم حول اسمه وادعى أنه محمد بن عبد الله وأنه كان يكتم هذا الاسم وأن نامته التى يركبها مأمورة ومن تبعها منصور فزحف إليه سبك مولى المعتضد في العساكر فهزمها وقتل فسار إليه محمد بن أحمد الطائى في العساكر فانهزمت القرامطة وجئ ببعضهم أسيرا فاحتضره المعتضد وقال هل تزعمون أن روح الله وأنبيائه تحل فيكم فتعصمكم من الزلل وتوفقكم لصالح العمل فقال له يا هذا أرأيت لو حلت روح ابليس فما ينفعك فاترك ما لا يعنيك إلى ما يعنيك فقال له قل فيما يعنينى فقال له قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبوكم العباس حى فلم يطلب هذا الامر ولا بايعه أحد ثم قبض أبو بكر واستخلف عمر وهو
يرى العباس ولم يعهد إليه عمر ولا جعله من أهل الشورى وكانوا ستة وفيهم الاقرب والا بعد وهذا اجماع منهم على دفع جدك عنها فبماذا تستحقون أنتم الخلافة فأمر المعتضد به فعذب وخلعت عظامه ثم قطع مرتين ثم قتل ثم زحف القرامطة إلى دمشق وعليها طفج مولى ابن طولون سنة تسعين واستصرخ بابن سيده بمصر فجاءت العساكر لامداده فقاتلهم مرارا وقتل يحيى بن ذكرويه المسمى بالشيخ في خلق من أصحابه واجتمع فلهم على أخيه الحسين وتسمى أحمد أبا العباس وكانت في وجهه شامة يزعم أنها فلقب صاحب الشامة المهدى أمير المؤمنين وأتاه ابن عمه عيسى بن مهدى وهو عبد الله بن أحمد بن محمد بن اسمعيل الامام ولقبه المدثر وعهد إليه وزعم أنه المذكور في القرآن ولقب غلاما من أهله المطوق ثم دعا الناس فأجابه كثير من أهل البوادى وسار إلى دمشق فحاصرها حتى صالحوه على مال ودفعوه له ثم سار إلى حمص وحماة والمعرة وبعلبك فخطب له بها واستباحها جميعا ثم إلى سليمة وبها جماعة من بنى هاشم فاستلحمهم حتى الصبيان بالمكاتب والبهائم ثم خرج المكتفى إليه وقدم عساكره(4/86)
فكبسهم ونجا فلهم إلى حلب وانتهى المكتفى إلى الرقة وقد سار بدر مولى ابن طولون في اتباع القرامطة فهزمهم وأثخن فيهم وبعث المكتفى العساكر مع يحيى بن سليمان الكاتب وفيهم الحسين بن حمدان من بنى تغلب ومعهم بنو شيبان فواقعوا القرامطة سنة احدى وتسعين فهزموهم وقتل منهم خلق من أصحاب القرمطى ونجا ابنه أبو القاسم ببعض ذخيرته وسار هو مستخفيا إلى ناحية الكوفة ومعه المدثر والمطوق وغلام له وانتهوا إلى الرحبة فوشى بهم إلى العامل فقبض عليهم وبعث بهم إلى المكتفى بالرقة ورجع إلى بغداد فقطعهم بعد أن ضرب صاحب الشامة مائتي سوط وأما على بن ذكرويه ففر بعد مقتل أخيه يحيى على دمشق إلى ناحية الفرات واجتمع إليه فل من القرامطة فاستباح طبرية ثم لما اتبعهم الحسين بن حمدان فر إلى اليمن واجتمع إليه
دعاتهم هنالك وتغلب على كثير من مدنه وقصد صنعاء فهرب عنها ابن يعفر فاستباحها وتجا في عن صعدة لذمة العلوية بينه وبين بنى الرمى ونازل بنى زياد بن بيد ومات في نواحى اليمن وفى خلال ذلك بعث أبوه ذكرويه إلى بنى القليص بعد أن كانوا استكانوا وأقاموا بالسماوة فبعث إليهم من أصحابه عبد الله بن سعيد ويسمى أبا غانم فجاءهم بكتابه سنة ثلاث وتسعين بأنه أوحى إليه بأن صاحب الشامة وأخاه الشيخ مقبلان وان امامه يظهره من بعدهما ويملا الارض عدلا ويظهر وطاب أبو غانم على احياء كلب فاجتمع إليه جماعة منهم وقصد الشأم فاستباح بصرى وأذرعات ونازل دمشق وعاملها يومئذ أحمد بن كيقلع وهو غائب بمصر في محاربة الجليجى الثائر من شيعة بنى طولون على عساكر المكتفى وقابله خلفاؤه فهزمهم وقتل بعضهم وسار إلى الاردن فقتل عاملها ونهب طبرية وبعث المكتفى الحسين بن حمدان في العساكر ففر أبو غانم إلى السماوة وغور مياهها واتبعته العساكر إلى أن جهدهم العطش ثم رجع الحسين بهم إلى الرحبة وقيل انهم تقبضوا على أبى غانم وقتلوه وافترق جمعهم وذلك سنة ثلاث وتسعين * (ظهور ذكرويه ومقتله) * ثم اجتمع القرامطة إلى ذكرويه وأخرجوه من الجب الذى كان مختفيا فيه منذ عشرين سنة وحضر عنده دعاتهم فاستخلف عليهم أحمد بن القاسم بن أحمد وعرفهم بما له عليهم من المنة وان رشادهم في امتثال أمره ورمز لهم في ذلك بآيات من القرآن حرف تأويلها وسار وهو محتجب يدعونه السيد ولا يرونه والقاسم يباشر الامور ويتولاها وبعث المكتفى عساكره فهزمهم القرامطة بالسواد وغنموا معسكرهم وساروا لاعتراض الحاج ومروا بالصوان وحاصروا الواقصة فامتنعت عليهم وطموا(4/87)
الابار والمياه في تلك النواحى وبعث المكتفى محمد بن اسحق بن كنداج الصهال
ورجعوا ونهب القرامطة الحاج وقتلوهم بعد أن قاتلوهم ثلاثا على غير ماء فاستسلموا وغنم أموالهم وأموال التجار وأموال بنى طولون كانوا نقلوها من مصر إلى مكة ثم من مكة إلى بغداد عندما أجمعوا النقل إليها ثم حاصر القرامطة بقية الحاج في حمص قيل فامتنعوا وجهز المكتفى العساكر مع وصيف بن صوارتكين وجماعة من القواد فساروا على طريق خفان وأدركوا القرامطة فقاتلوهم يومين ثم هزموهم وضرب ذكرويه على رأسه فانهشم وجئ به أسيرا وبخليفة القاسم وابنه وكاتبه وزوجته ومات الخمس ليال فسيق شلوه إلى بغداد وصلب وبعث برأسه إلى خراسان من أجل الحاج الذين نهبهم من أهلها ونجا الفل من أصحابه إلى الشأم فأوقع بهم الحسين بن حمدان واستلحمهم وتتبعوا بالقتل في نواحى الشأم والعراق وذلك سنة أربع وتسعين وثلثمائة * (خبر قرامطة البحرين ودولة بنى الجنابي منها) * وفى سنة احدى وثمانين جاء إلى القطيعى من البحرين رجل تسمى بيحيى بن المهدى وزعم أنه رسول من المهدى وانه قد قرب خروجه وقصد من أهل القطيف على بن المعلى ابن أحمد الدبادى وكان متغاليا في التشيع فجمع الشيعة وأقرأهم كتاب المهدى وشنع الخبر في سائر قرى البحرين فأجابوا كلهم وفيهم أبو سعيد الجنابي واسمه الحسن بن بهرام وكان من عظمائهم ثم غاب عنهم يحيى بن المهدى مدة ورجع بكتاب المهدى يشكرهم على اجابتهم ويأمرهم أن يدفعوا ليحيى ستة دنانير وثلاثين عن كل رجل فدفعوها ثم غاب وجاء بكتاب آخر يدفعوا إليه خمس أموالهم فدفعوا وقام يتردد في قبائل قيس ثم أظهر أبو سعيد الجنابي الدعوة بالبحرين سنة ثلاث وثمانين واجتمع إليه القرامطة والاعراب وسار إلى القطيف طالبا البصرة وكان عليها أحمد بن محمد بن يحيى الواثقي فأدار السور على البصرة وبعث المعتمد عن ابن عمر الغنوى وكان على فارس فاقطعه اليمامة والبحرين وضم إليه ألفين من المقاتلة وسيره إلى البصرة فاحتشد وخرج للقاء الجنابي ومن معه ورجع عنه عند اللقاء بنو ضبة فانهزم وأسره
الجنابي واحتوى على معسكره وحرق الاسرى بالنار ثم من عليه وأطلقه فسار إلى الابلة ومنها إلى بغداد وسار أبو سعيد إلى هجر فملكها وأمنها واضطربت البصرة للهزيمة وهم أهلها بالارتحال فمنعهم الواثقي ومن كتاب ابن سعيد في خبر قرامطة البحرين ملخصا من كلام الطبري فلعله كما ذكره قال كان ابتداء أمر القرامطة سنة ثمان وثلثمائة فنقل الكلام وكان أبو سعيد عهد لابنه الاكبر سعيد فلم به وثار به أخوه الاصغر والظاهر سليمان فقتله وقام بأمرهم وبايعه العقدانية وجاءه كتاب عبيد الله(4/88)
المهدى بالولاية وفى سنة ست وثمانين وصل أبو القاسم القائم إلى مصر واستدعى أبا طاهر القرمطى وانتظره فأعجله مؤنس الخادم عن انتظاره وسار من قبل المقتدر فهزمه ورجع إلى المهدية ثم سار أبو الطاهر سنة سبع إلى البصرة فاستباحها ورجع واضطربت بغداد وأمر المقتدر باصلاح ما تثلم من سورها ثم زحف إليها أبو الطاهر سنة احدى عشرة فاستباحها وخرب الجامع وتركها خربة ثم خرج سنة ثنتى عشرة لاعتراض الحاج فأوقع بهم وهزم قواد السلطان الذين كانوا معهم وأسر أميرهم أبا النجاء بن حمدون واستصفى النساء والصبيان وترك الباقي بالبرية فهلكوا ثم خرج سنة أربع عشرة إلى العراق فعاث في السواد ودخل الكوفة وفعل فيها أشد من البصرة وفى سنة أربع عشرة وقع بين العقدانية وأهل البحرين خلاف فخرج أبو الطاهر وبنى مدينة الاحساء وسماها المؤمنية فلم تعرف الا به وبنى قصره وأصحابه حوله وفى سنة خمش عشرة استولى على عمان وهرب واليها في البحر إلى فارس وزحف سنة ست عشرة إلى الفرات وعاث في بلاده وبعث المقتدر عن يوسف بن أبى الساج من اذربيجان وولاه واسط وبعثه لحربه فالتقوا بظاهر الكوفة وهزمه أبو طاهر وأسره وأرجف أهل بغداد وسار أبو طاهر إلى الانبار وخرجت العساكر من بغداد لدفاعه مع مؤنس المظفر وهرون بن غريب الخال فلم يطيقوا دفاعه وتوافقوا
ثم تحاجزوا وعاد مؤنس إلى بغداد وسار هو إلى الرحبة واستباحها ودوخ بلاد الجزيرة بسراياه وسار إلى هشت والكوفة وقاتل الرقة فامتنعت عليه وفرض الاتاوة على أعراب الجزيرة يحملونها إلى هجر ودخل في دعوته جماعة من بنى سليم بن منصور وبنى عامر بن صعصعة وخرج إليه هرون بن غريب الخال فانصرف أبو طاهر إلى البرية وظفر هرون بفريق منهم فقتلهم وعاد إلى بغداد وفى سنة سبع عشرة هجم على مكة وقتل كثيرا من الحاج ومن أهلها ونهب أموالهم جميعا وقلع باب البيت والميزاب وقسم كسوة البيت في أصحابه واقتلع الحجر الاسود وانصرف به وأراد أن يجعل الحج عنده وكتب إليه عبيد الله المهدى من القيروان يونجه على ذلك ويتهدده فكتب إليه بالعجز عن رده من الناس ووعد برد الحجر فرده سنة تسع وثلاثين بعد أن خاطبه منصور اسمعيل من القيروان في رده فردوه وقد كان الحكم المتغلب على الدولة ببغداد أيام المستكفى بذل لهم خمسين ألفا من الذهب على أن يردوه فأبوا وزعموا أنهم انما حملوه بأمر امامهم عبيد الله وانما يردونه بأمره وأمر خليفته وأقام أبو طاهر بالبحرين وهو يتعاهد العراق والشأم بالغزو حتى ضربت له الاتاوة ببغداد وبدمشق على بنى طفج ثم هلك أبو طاهر سنة ثنتين وثلاثين لاحدى وثلاثين سنة من ملكه ومات عن(4/89)
عشرة من الولد كبيرهم سابور وولى أخوه الاكبر أحمد بن الحسن واختلف بعض العقدانية عليه ومالوا إلى ولاية سابور بن أبى طاهر وكاتبوا القائم في ذلك فجاء جوابه بولاية الاخ أحمد وأن يكون الولد سابور ولى عهده فاستقر أحمد في الولاية عليهم وكنوه أبا منصور وهو الذى رد الحجر الاسود إلى مكانه كما قلناه ثم قبض سابور على عمه أبى منصور فاعتقله بموافقة اخوته له على ذلك وذلك سنة ثمان وخمسين ثم ثار بهم أخوه فأخرجه من الاعتقال وقتل سابور ونفى اخوته وأشياعهم إلى جزيرة أوال ثم هلك أبو منصور سنة تسع وخمسين يقال مسموما على يد شيعة سابور وولى ابنه أبو على الحسن
ابن أحمد ويلقب الاعصم وقيل الاغنم فطالت مدته وعظمت وقائعه ونفى جمع كثيرا من ولد أبى طاهر يقال اجتمع منهم بجزيرة أوال نحو من ثلثمائة وحج هذا الاعصم بنفسه ولم يتعرض للحاج ولا أنكر الخطبة للمطيع * (فتنة القرامطة مع المعز العلوى) * ولما استولى جوهر قائد المعز لدين الله على مصر وجعفر بن فلاح الكتامى على دمشق طالب الحسن بالضريبة التى كانت له على دمشق فمنعوه ونابذوه وكتب له المعز وأغلظ عليه ودس لشيعة أبى طاهر وبنيه ان الامر لولده وأطلع الحسن على ذلك فخلع المعز سنة ثنتين وخطب للمطيع العباسي في منابره ولبس السواد ثم زحف إلى دمشق وخرج جعفر بن فلاح لحربه فهزم الاعصم وقتله وملك دمشق وسار إلى مصر فحاصر جوهرا بها وضيق عليه ثم غدر به العرب وأجفلوا فأجفل معهم وعاد إلى الشأم ونزل الرملة وكتب إليه المعز سنة احدى وستين بالنفى والتوبيخ وعزله عن القرامطة وولى بنى أبى طاهر فخرجوا من أوال ونهبوا الاحساء في غيبته وكتب إليهم الطائع العباسي بالتزام الطاعة وأن يصالحوا ابن عمهم ويقيموا بجزيرة أوال وبعث من أحكم بينهم الصلح ثم سار الاعصم إلى الشأم وتخطاها دون صور فقاتلوه وراء الخنادق وبذل جوهر المال للعرب فافترقوا عنه وانهزم ونهب معسكره وجاء المعز من افريقية ودخل القاهرة سنة ثلاث وستين وسرح العساكر إلى الشأم فاستولوا عليه فنهض الاعصم إليهم فأوقع بهم وأثخن فيهم وانتزع ما ملكوه من الشأم وسار إلى مصر وبعث المعز لدين الله ابنه عبد الله فلقيهم على بلبيس وانهزم الاعصم وفشا القتل والاسر في أصحابه فكانوا نحوا من ثلاثة آلاف ورجع الاعصم إلى الاحساء واستخلص المعز بنى الجراح أمراء الشأم من طيئ حتى استرجع بهم ما غلب عليه القرامطة من الشأم بعد حروب وحصار ثم مات المعز سنة خمس وستين وطمع الاعصم في بلاد الشأم وكان افتكين التركي مولى معز الدولة بن بويه لما انتقض على أبيه بختيار وهزمه ببغداد سار(4/90)
افتكين منهزما إلى دمشق وكانوا مضطرين فخرجوا إليه وولوه عليهم وصالح المعز إلى أن توفى فنابذ العزيز وبعث إليه جوهر في العساكر فحاصره فكتب افتكين إلى الاعصم واستدعاه فجاء إلى الشأم سنة ست وستين وخرج معه افتكين ونازلوا الرملة فملكوها من يد جوهر وزحف إليهم العزيز وهزمهم وتقبض على افتكين ولحق الاعصم بطبرية منهزما ثم ارتحل منها إلى الاحساء وأنكروا ما فعله الاعصم من البيعة لبنى العباس واتفقوا على اخراج الامر عن ولد أبى سعيد الجنابي وقدموا رجلين منهم وهما جعفر واسحق وسار بنو أبى سعيد إلى جزيرة أوال وكان بنو أبى طاهر قبلهم فقتلوا كل من دخل إليهم من ولد أحمد بن أبى سعيد وأشياعه ثم قام بأمر القرامطة جعفر واسحق هذان ورجعوا إلى دعوة العلوية ومحاربة بنى ورجعوا سنة أربع وستين إلى الكوفة فملكوها وبعث صمصام الدولة بن بويه العساكر إليهم فهزمهم على الفرات وقتل منهم خلق واتبعوهم إلى القادسية ثم اختلف جعفر واسحق وطمع كل منهما في الرياسة على صاحبه وافترق أمرهم وتلاشت دعوتهم إلى أن استولى الاصغر بن أبى الحسن الثعلبي سنة ثمان وتسعين عليهم وملك الاحساء من أيديهم وأذهب دولتهم وخطب للطائع واستقرت الدولة ولبنيه * (ذكر المتغلبين بالبحرين من العرب بعد القرامطة) * كان بأعمال البحرين خلق من العرب وكان القرامطة يستنجدونهم على أعدائهم ويستعينون بهم في حروبهم وربما يحاربونهم ويقاطعونهم في بعض الاوقات وكان أعظم قبائلهم هنالك بنوة ثعلب وبنو عقيل وبنو سليم وأظهرهم في الكثرة والعزة بنو ثعلب ولما فشلت دولة القرامطة بالبحرين واستحكمت العداوة بينهم وبين بنى بويه بعد انقراض ملك بنى الجنابي وعظم اختلافهم عند القائم بدعوة العباسية وكان خالصة للقرامطة ودعاه إلى اذهاب دولتهم فأجابه وداخل بنى مكرم رؤساء عمان في مثل ذلك
فأجابوه واستولى الاصغر على البحرين وأورثها بنيه واستولى بنو مكرم على عمان ثم غص بنو ثعلب بسليم واستعانوا عليهم ببنى عقيل وطردوهم من البحرين فساروا إلى مصر ومنها كان دخولهم إلى افريقية كما يأتي ثم اختلف بنو ثعلب وبنو عقيل بعد مدة وطردهم بنو ثعلب إلى العراق فملكوا الكوفة والبلاد العراقية وامتد ملك الاصغر وطالت أيامه وتغلب على الجزيرة والموصل وحارب بنى عقيل سنة ثمان وثلاثين وأربعمائة برأس عين من بلاد الجزيرة وغص بشأنه نصير الدولة بن مروان صاحب ميافارقين وديار بكر فقام له وجمع له الملوك من كل ناحية فهزمه واعتقله ثم أطلقه ومات وبقى الملك متوارثا في بنيه بالبحرين إلى أن ضعفوا وتلاشوا وانقرضت(4/91)
دولة بنى عقيل بالجزيرة وغلبهم عليها وعلى تلك البلاد أولياء الدولة السلجوقية فتحولوا عنها إلى البحرين مواطنهم الاولى ووجدوا بنى ثعلب قد أدركهم الهرم فغلبوا عليهم قال ابن سعيد سألت أهل البحرين حين لقيتهم بالمدينة النبوية سنة احدى وخمسين وستمائة عن البحرين فقالوا الملك فيها لبنى عامر بن عوف بن عامر بن عقيل وبنو ثعلب من جملة رعاياهم وبنو عصفور منهم أصحاب الاحساء (ولنذكر) هنا نبذة في التعريف بكاتب القرامطة وامصار البحرين وعمان لما ان ذلك من توابع أخبارهم (الكاتب) كان كاتبهم أبو الفتح الحسين محمود ويعرف بكشاجم كان من أعلام الشعراء وذكره الثعالبي في اليتيمة والجيصرى في زهر الاداب وهو بغدادي المولد واشتهر بخدمة القرامطة فيما ذكره البيهقى وكتب لهم بعده ابنه أبو الفتح نصر ولقبه كشاجم مثل أبيه وكان كاتبا للاعصم (البحرين) اقليم يسمى باسم مدينته ويقال هجر باسم مدينة أخرى ومنه كانت حضرية فخر بها القرامطة وبنو الاحساء وصارت حاضرة وهذا الاقليم مسافة شهر على بحر فارس بين البصرة وعمان شرقيها بحر فارس وغربيها متصل باليمامة وشماليها البصرة
وجنوبها بعمان كثيرة المياه ببطونها على القامة والقامتين كثيرة البقل والفواكه مفرطة الحر منهالة الكتبان يغلب الرمل عليهم في منازلهم وهى من الاقليم الثاني وبعضها في الثالث كانت في الجاهلية لعبد القيس وبكر بن وائل من ربيعة وملكها للفرس وعاملها من قبلهم المنذر بن ساوى التميمي ثم صارت رياستها صدر الاسلام لبنى الجارودي ولم يكن ولاة بنى العباس ينزلون هجر إلى أن ملكها أبو سعيد القرمطى بعد حصار ثلاث سنين واستباحها قتلاوا حراقا وتخريبا ثم بنى أبو طاهر مدينة الاحساء وتوالت دولة القرامطة وغلب على البحرين بنو أبى الحسن بن ثعلب وبعدهم بنو عامر ابن عقيل قال ابن سعيد والملك الان فيهم في بنى عصفور (الاحساء) بناها أبو طاهر القرمطى في المائة الثالثة وسميت بذلك لما فيها من احساء المياه في الرمال ومراعى الابل وكانت للقرامطة بها دولة وجالوا في أقطار الشأم والعراق ومصر والحجاز وملكوا الشأم وعمان (دارين) هي من بلاد البحرين ينسب إليها الطيب كما تنسب الرماح إلى الخط بجانبها فيقال مسك دارين والرماح الخطية (عمان) وهى من ممالك جزيرة العرب المشتملة على اليمن والحجاز والشحر وحضر موت وعمان وهى خامسها اقليم سلطاني منفرد على بحر فارس عن غربيه مسافة شهر شرقيها بحر فارس وجنوبيها بحر الهند وغربيها بلاد حضر موت وشماليها البحرين كثيرة(4/92)
النخل والفواكه وبها مغاص اللؤلؤ سميت بعمان بن قحطان أول من نزلها بولاية أخيه يعرب وصارت بعد سيل العرم للازد وجاء الاسلام وملوكها بنو الجندي والخوارج بها كثيرة وكانت لهم حروب مع عمال بنى بويه وقاعدتهم تروى وملك عمان من البحر ملوك فارس غير مرة وهى في الاقليم الثاني وبها مياه وبساتين وأسواق وشجرها النخل وكانت بها في الاسلام دولة لبنى شامة بن لؤى بن غالب وكثير من نسابة
قريش يدفعونهم عن هذا النسب أولهم بها محمد بن القاسم الشامي بعثه المعتضد وأعانه ففتحها وطرد الخوارج إلى تروى قاعدة الجبال وأقام الخطبة لبنى العباس وتوارث ذلك بنوه وأظهر واشعار السنة ثم اختلفوا سنة خمس وثلثمائة وتحاربوا ولحق بعضهم بالقرامطة وأقاموا في فتنة إلى أن تغلب عليهم أبو طاهر القرمطى سنة سبع عشرة عند اقتلاعه الحجر وخطب بها لعبيد الله المهدى وترددت ولاة القرامطة عليها من سنة سبع عشرة إلى سنة خمس وسبعين فترهب واليها منهم وزهد وملكها أهل تروى الخوارج وقتلوا من كان بها من القرامطة والروافض وبقيت في أيديهم ورياستها للازد منهم ثم سار بنو مكرم من وجوه عمان إلى بغداد واستخدموا لبنى بويه وأعانوهم بالمراكب من فارس فملكوا مدينة عمان وطردوا الخوارج إلى جبالهم وخطبوا لبنى العباس ثم ضعفت دولة بنى بويه ببغداد فاستبد بنو مكرم بعمان وتوارثوا ملكها وكان منهم مؤيد الدولة أبو القاسم على بن ناصر الدولة الحسين بن مكرم وكان ملكا جوادا ممدوحا قاله البيهقى ومدحه مهيار الديلمى وغيره وما ات سنة ثمان وعشرين وأربعمائة بعد مدة طويلة في الملك وفى سنة ثنتين وأربعين ضعف ملك بنى مكرم وتغلب عليهم النساء والعبيد فزحف إليها الخوارج وملكوها وقتلوا بقيتهم وانقطع منها رسم الملك وصار في حجار من مدر هذا الاقليم قلهاة هي عرصة عمان على بحر فارس من الاقليم الثاني ومما يلى الشحر وحجار في شماليها إلى البحرين بينهما سبع مراحل وهى في جبال منيعة فلم تحتج إلى سور وكان ملكها سنة ثمان وأربعين زكريا بن عبد الملك الازدي من ذرية رياسة وكان الخوارج بتزوى مدينة الشراة يدينون لهم ويرون انهم من ولد الجلندى [ الخبر عن الاسماعيلية أهل الحصون بالعراق وفارس والشأم وسائر أمورهم ومصايرها ] هذا المذهب هو مذهب القرامطة وهم غلاة الرافضة وهو على ما رأيته من الاضطراب
والاختلاف ولم يزل متناقلا في أهله بانحاء العراق وخراسان وفارس والشأم واختلف بعضهم باختلاف الاعصار والامصار وكانوا يدعون أولا قرامطة ثم قيل لهم بالعراق(4/93)
باطنية ثم الاسماعيلية ثم النزارية لما حدث من عهد المستضئ العلوى لابنه نزار وقتله شيعتهم بمصر وليبايعوا له وكان عنده ابن الصباح من هؤلاء الاسماعيلية ونفى الامامة بعده عن أئمتهم بمصر فسموا أصحابه لذلك نزارية وكان هذا المذهب بعد موت ذكرويه وانحلال عقدتهم بقى منبثا في الاقطار ويتناوله أهله ويدعون إليه ويكتمونه ولذلك سموا الباطنية وفشت اذيتهم بالامصار بما كانوا يعتقدونه من استباحة الدماء فكانوا يقاتلون الناس ويجتمع لذلك جموع منهم يكمنون في البيوت ويتوصلون إلى مقاصدهم من ذلك ثم عظمت أمورهم أيام السلطان ملك شاه عند ما استمر الملك للعجم من الديلم والسلجوقية وعقل الخلفاء وعجزوا عن النظر في تحصين امامتهم وكف الغوائل عنها فانتشروا في هذه العصور وربما اجتمع منهم جماعة بساوة بانحاء همذان فصلوا صلاة العيد بانحائهم فحبسهم الشحنة ثم أطلقهم ثم استولوا بعد ذلك على الحصون والقلاع فأول قلعة غلبوا عليها قلعة عند فارس وكان صاحبها على مذهبهم فأووا إليه واجتمعوا عنده وصاروا يخطفون الناس من السابلة وعظم ضررهم بتلك النواحى ثم استولوا على قلعة اصفهان واسمها شاه دركان السلطان ملك شاه بناها وأنزل بها عامله فاتصل به أحمد بن غطاش كان أبوه من مقدمى الباطنية وعنه أخذ ابن الصباح وغيره منهم وكان أحمد هذا عظيما فيهم لمكان أبيه ورسوخه في العلم بينهم فعظموه لذلك وتوجوه وجمعوا له مالا وقدموه عليهم واتصل بصاحب القلعة فآثر مكانه وقلده الامور حتى إذا توفى استولى أحمد بن غطاش على قلعة شاه در وأطلق أيدى أصحابه في نواحيها يخيفون السابلة من كل ناحية ثم استولوا على قلعة الموت من نواحى قزوين وهى من بنيان الديلم ومعنى هذا الاسم عندهم تميل العقاب ويقال لتلك الناحية طالقان
وكانت في ضمان الجعفري فاستناب بها علويا وكان الرى أبو مسلم صهر نظام الملك واتصل به الحسن بن الصباح وكان بينهم عالما بالتعاليم والنجوم والسحر وكان من جملة تلامذة ابن غطاش صاحب قلعة اصفهان ثم اتهمه أبو مسلم بجماعة من دعاة المصريين عنده فهرب منه وجال في البلاد وانتهى إلى مصر فأكرمه المستنصر وأمره بدعاء الناس إلى امامته وقال له الحسن من الامام بعدك فأشار إلى ابنه نزار وعاد من مصر إلى الشأم والجزيرة وديار بكر وبلاد الروم ورجع إلى خراسان بقلعة الموت فنزل على العلوى فأكرمه واعتقد البركة فيه وأقام بها وهو يحاول احكام امره في تملكها فلما تم له من ذلك ما أراد أخرج العلوى منها وملكها واتصل الخبر بنظام الملك فبعث العسكر لحصارها فجهده الحصار وبعث جماعة من الباطنية فقتلوا نظام الملك ورجعت العساكر واستولوا أيضا على قلعة طبس وما جاورها من قلاع قوهستان وهى زرون(4/94)
وقائد وكان رئيس قوهستان المنور من اعقاب بنى سيجور أمراء خراسان للسامانية فطلبه عامل قوهستان وأراد اغتصاب أخته فاستدعى الاسماعيلية وملكهم هذه القلاع واستولوا على قلعة خالنجان على خمسة فراسخ من اصفهان كانت لمؤيد الملك بن نظام الملك وانتقلت إلى جاول سقاور من أمراء الغزو ولى عليها بعض الترك فاتصل به بعض الباطنية وخدمه وأهدى له حتى صارت مفاتيح القلعة في يده فدس لابن غطاش في قلعة شاه در فجاء في جمع من أصحابه ليلا وهرب التركي فملكها وقتل من كان بها وقوى بها على أهل اصفهان وفرض عليهم القطائع ومن قلاعهم أسويا وند بين الرمل وآمد ملكوها بعد ملك شاه غدرا ومنها ازدهر ملكها أبو الفتوح ابن أخت الحسن ابن الصباح ومنها كرد كوه ومنها قلعة الناظر بخوزستان وقلعة الطنبور قرب ارجان ملكها أبو حمزة الاسكاف من أهل ارجان وقد كان سافر إلى مصر فأخذ بمذهبهم ورجع داعية لهم ومنها قلعة ملاو خان بين فارس وخوزستان امتنع بها المفسدون نحوا من
مائتي سنة لقطع الطريق حتى فتحها عضد الدولة بن بويه وقتل من بها فلما ملك ملك شاه أقطعها للامير انز فولى عليها من قبله وداخله الباطنية الذين من أرجان في ببعها منهم فأبى فقالوا نرسل اليك من يناظرك حتى نرى الحق في مذهبنا وبعثوا إليهم رجالا منهم فاعتقلوا مملوكه حتى سلم لهم مفاتيح القلعة وقبضوا على صاحبها وقويت شوكتهم وامتدت أيدى الناس إلى قتلهم واعتقدوا جهادهم وثاروا بهم في كل وجهة فقتلوهم وقتلتهم العامة باصفهان وكانوا قد ظهروا بها عند محاصرة السطان بركيارق اصفهان وبها أخوه محمد وأمه خاتون الجلالية وفشت فيها دعوتهم وكثر فيها الاغتيال من أتباعهم فثاروا بهم وقتلوهم وحفروا الاخاديد وأوقدوها بالنيران وجعلوا يأتون بالباطنية فيلقونهم فيها وتجرد جاولى سقاور وكان واليا بفارس للجهاد فيهم وتحيل عليهم بجماعة من أصحابه أظهروا الهروب إليهم فأوثقوا بهم وسار هو من بعد ذلك إلى همذان فأغزاهم ثم صار الباطنية من بعد ذلك إلى همذان لقتل أمراء السلجوقية غدرا فكان يقصد أحدهم أميرا من هؤلاء وقد استبطن خنجرا واستمات حملهم على ذلك السلطان بركيارق واستعان بهم على أمر أخيه فكان أحدهم يعرض نفسه بين يدى الامير حتى يتمكن من طعنه فيطعنه ويهلك غاليا ويقتل الباطني لوقته فقتلوا منهم كذلك جماعة ولما ظهر بركيارق على أخيه محمد انتشروا في عسكره واستعنوا طائفة منهم وتهددوا بالقتل على ذلك حتى ارتاب أمراء العسكر بأنفسهم وخافوا عاديتهم ولازموا حمل السلاح وشكوا إلى بركيارق بذلك وبما يلقونه منهم ومن عسكر أخيه فيما يرمونهم به من الاتحاد بهؤلاء الباطنية فأذن في قتلهم وركب والعسكر معه(4/95)
فتتبعوهم بالقتل حتى ان الامير محمدا من أعقاب علاء الدولة بن كاكويه وكان صاحب مدينة يزداتهم برأيهم فهرب وقتل وكتب إلى بغداد في أبى ابراهيم الاستراباذى وكان بركيارق بعثه رسولا فأخذ هنالك وقتل واستلحموا في كل جهة واستلحم المتهمون
وانطلقت عليهم الايدى في كل ناحية وذلك سنة ست وثمانين ولما استفحل أمر السلطان محمد بعد أخيه بركيارق زحف إلى قلعة شاه در التى بها أحمد بن غطاش لقربها من اصفهان سرير ملكه فجمع العساكر والامم وخرج في رجب من أول المائة السادسة وأحاط بجبل القلعة ودوره أربعة فراسخ ورتب الامراء لقتالها نوبا ولما اشتد الامر بهم سألوا فتوى الفقهاء في أمرهم وكتبوا ما نصه ما يقول السادة الفقهاء أئمة الدين في قوم يؤمنون بالله واليوم الاخر وكتبه ورسله وان ما جاء به محمد صلى الله عليه وسلم حق وصدق وانما يخالفون في الامام هل يجوز للسلطان مساعدتهم ومراعاتهم وأن يقبل طاعتهم ويحرسهم من كل أذى أم لا فأجاب أكثر الفقهاء بجواز ذلك وتوقف بعضهم وجمعوا للمناظرة فقال السمنجانى من كبار الشافعية يجب قتالهم ولا يجوز اقرارهم بمكانهم ولا ينفعهم التلفظ بالشهادتين فانهم لا يرون مخالفة امامهم إذا خالف أحكام الشرع وبذلك تباح دماؤهم اجماعا وطالت المناظرة في ذلك ثم سألوا أن يأتيهم من العلماء من يناظرهم وعينوا أعيانا من اصفهان وقصدوا بذلك المطاولة والتعلل فبعثهم السلطان إليهم فعادوا من غير شئ فاشتد السلطان إليهم في حصارهم واستأمنوا على أن يعوضوا عن قلعتهم بقلعة خالنجان على سبعة فراسخ من اصفهان وأن يؤجلوا في الرحيل شهرا فأجابهم وأقاموا في تلك المدة يجمعون ما يقدرون عليه من الاطعمة ووثبوا على بعض الامراء وسلم منهم فجدد السلطان حصارهم وطلبوا أن ينتقلوا إلى قلعة الناظر وطبس ويبعث السلطان معهم من يوصلهم ويقيم الباقون بضرس من القلعة إلى أن يصل الاولون ثم يبعث مع الاخرين من يوصلهم إلى ابن الصباح بقلعة الموت فأجابهم إلى ذلك وخرج الاولون إلى الناظر وطبس وخرب السلطان القلعة وتمسك ابن غطاش بالضرس الذى هو فيه وعزم على الاعتصام به وزحف إليه الناس عامة وهرب بعضهم إلى السلطان فدله على عورة المكان فصعدوا إليه وقتلوا من وجدوا فيه وكانوا ثمانين وأخذ ابن غطاش أسيرا فسلخ وحشى جلده تبنا وقتل ابنه
وبعث برأسهما إلى بغداد وألقت زوجه نفسها من الشاهقه فهلكت * (خبر الاسماعيلية بالشأم) * لما قتل أبو ابراهيم الاستراباذى ببغداد كما تقدم هرب بهرام ابن أخيه إلى الشأم وأقام هنالك داعية متخفيا واستجاب له من الشأم خلق وكان الناس يتبعونهم لكثرة(4/96)
ما اتصفوا به من القتل غدرا وكان أبو الغازى بن ارتق بحلب يتوصل بهم إلى غرضه في أعدائه وأشار أبو الغازى على ابن طفتكين الاتا بك بدمشق بمثل ذلك فقبل رأيه ونقل إليه فأظهر حينئذ شخصه وأعلن بدعوته وأعانه الوزير أبو على ظاهر بن سعد المزدغانى لمصلحتهم فيه فاستفحل أمره وكثر تابعوه وخاف من عامة دمشق فطلب من ابن طغتكين ووزيره أبى على حصنا يأوى إليه فاعطوه قلعة بانياس سنة عشرين وخمسمائة وترك بدمشق خليفة له يدعو الناس إلى مذهبه فكثروا وانتشروا وملك هو عدة حصون في الجبال منها القدموس وغيره وكان بوادي التيم من أعمال بعلبك طوائف من المجوس والنصرانية والدرزية وأميرهم يسمى الضحاك فسار بهرام لقتالهم سنة ثنتين وعشرين واستخلف على بانياس اسمعيل من أصحابه ولقيهم الضحاك في ألف رجل وكبس عسكره فهزمهم وقتله وعاد فلهم إلى بانياس فأقام بأمرهم اسمعيل وجمع شملهم وبث دعاته في البلاد وعاضده المزدغانى وزير دمشق وانتصر لهذه الطائفة وأقام بدمشق خليفة لبهرام اسمه أبو الوفاء فقوى أمره وكثر أتباعه واستبد على صاحبها تاج الملوك بن طغتكين ثم ان المزدغانى راسل الفرنج أن يملكهم دمشق على أن يعطوه صور وتواعد واليوم عينوه ودس للاسماعيلية أن يكونوا ذلك اليوم على أهبة ونمى الخبر إلى اسمعيل فخاف أن يثور به الناس فأعطى بانياس للفرنج وانتقل إليهم ومات سنة أربع وعشرين وكان للاسماعيلية قلاع في تلك الجهات تتصل بعضها ببعض أعظمها قلعة مصيات فسار صلاح الدين لما ملك الشأم سنة ثنتين وسبعين إليها وحاصر مصيات
وضيق حصارها وبعث سنان مقدم الاسماعيلية إلى خال صلاح الدين بحماة وهو شهاب الدين الحادى أن يسأل صلاح الدين في الصلح معهم ويتهددونه على ذلك سر افسار إلى صلاح الدين وأصلح أمرهم عنده ورحل عنهم * (بقية الخبر عن قلاع الاسماعيلية بالعراق) * ولم تزل قلاع هؤلاء الاسماعيلية بالعراق عشا لهده الغواية وسفطا لهؤلاء الخباث منذ ثار بها أحمد بن غطاش والحسن بن الصباح وكان لهذا الحسن مقالات في مذاهب الرافضة غريقة في الغلو داخلة من باب الكفر وتسميها الرافضة المقالات الجديدة ولا يدين بقبولها الا الغلاة منهم وقد ذكرها الشهرستاني في كتاب الملل والنحل فعليك به ان أردت معرفتها وبقى الملوك يقصدونهم بالجهاد لما اشتهر عنهم من الضرر بالاغتيال ولما افترق أمر السلجوقية واستبدا يتغمش بالرى وهمذان سار إليهم سنة ثلاث وستمائة إلى قلاعهم المجاورة لقزوين فحاصرها وفتح منها خمس قلاع واعتزم على حصار قلعة الموت فعرض له ما شغله عن ذلك ثم زحف إليهم جلال الدين منكبرتى بن علاء الدين(4/97)
خوارزم شاه عند ما رجع من الهند وملك بلاد اذربيجان وأرمينية فقتلوا بعض أمرائه بمثل قتلهم فسار إلى بلادهم ودوخ نواحى الموت وقد مر ذكره وقلاعهم التى بخراسان خربها واستباحها قتلا ونهبا وكانوا منذ ظهر النترقد شرهوا على الجهات فأوقع بهم جلال الدين هذه الواقعة سنة ربع وعشرين وستمائة وكفحهم عما سموا إليه من ذلك ولما استفحل أمر التتر سار هولاكو أعوام الخمسين والستمائة من بغداد وخرب قلاعهم وزحف الظاهر بعد ذلك إلى قلاعهم التى بالشأم فخرب كثيرا منها وطوع ما بقى منها وصارت مصيات وغيرها في طاعته وانقرض أمرهم الا مغتالين يستعملهم الملوك في قتل أعدائهم على البعد غدرا ويسمون الفداوية أي الذين يأخذون فدية أنفسهم على الا ستمائة في مقاصد من يستعملهم والله وارث الارض
ومن عليها * (الخبر عن دولة بنى الاخيضر باليمامة من بنى حسن) * كان موسى الجون بن عبد الله بن حسن المثنى بن الحسن السبط لما اختفى أخواه محمد وابراهيم طالبه أبو جعفر المنصور باحضارهما فضمن له ذلك ثم اختفى وعثر عليه المنصور فضربه ألف سوط فلما قتل أخوه محمد المهدى بالمدينة اختفى موسى الجون إلى أن هلك وكان من عقبه اسمعيل وأخوه محمد الاخيضر ابنا يوسف بن ابراهيم بن موسى فخرج اسمعيل في أعراب الحجاز وتسمى السفاك سنة احدى وخمسين ومائتين ثم قصد مكة فهرب عاملها جعفر بسباسات وانتهب منزله ومنازل أصحاب السلطان وقتل جماعة من الجند وأهل مكة وأخذ ما كان حمل للاصلاح من المال وما في الكعبة وخزائنها من الذهب والفضة وأخذ كسوة الكعبة وأخذ من الناس نحوا من مائتي ألف دينار ثم نهبها وخرق بعضها بعضا وأقام في ذلك خمسين يوما ثم سار إلى المدينة فتوارى عاملها وحاصرها حتى مات أهلها جوعا ولم يصل أحد في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم ووصل عساكر المعتز إلى المدينة فافرج عنها ورجع إلى مكة وحاصرها حتى جهدها الحصار ورحل بعد مقامه شهرين إلى جدة فأخذ أموال التجار ونهب ما في مراكبهم ورجع إلى مكة وقد وصل إليها محمد بن عيسى بن المنصور وعيسى بن محمد المخزومى بعثهما المعتز لقتاله فتواقعوا بعرفة واقتتلوا وقتل من الحاج نحو ألف وسلبوا الناس وهربوا إلى مكة وبطل الموقف الا اسمعيل وأصحابه وخطب لنفسه ثم رجع إلى جدة واستباحوها ثانية ثم هلك لسنة من خروجه بالجدرى آخر سنة ثنتين وخمسين أيام حرب المستعين والمعتز وكان يتردد بالحجاز منذ ثنتين وعشرين سنة ومات ولم يعقب وولى مكانه أخوه محمد الاخيضر وكان أمن منه بعشرين سنة ونهض إلى اليمامة فملكها واتخذ(4/98)
قلعة الحضرمية وكان له من الولد محمد وابراهيم وعبد الله ويوسف وهلك فولى بعده ابنه
يوسف وأشرك ابنه اسمعيل معه في الامر مدة حياته ثم هلك وانفرد اسمعيل بملك اليمامة وكان له من الاخوة الحسن وصالح ومحمد بنو يوسف فلما هلك اسمعيل ولى من بعده أخوه الحسن وبعده ابنه أحمد بن الحسن ولم يزل ملكها فيهم إلى أن غلب عليهم القرامطة وانقرض أمرهم والبقاء لله وكان بمدينة غانة من بلاد السودان بالمغرب مما يلى البحر المحيط ملك بنى صالح ذكرهم صاحب كتاب رجار في الجغرافيا ولم نقف على نسب صالح هذا من خبر يعول عليه وقال بعض المؤرخين انه صالح بن عبد الله بن موسى بن عبد الله الملقب أبا الكرام ابن موسى الجون وأنه خرج أيام المأمون بخراسان وحمل إليه وحبسه وابنه محمد من بعده ولحق بنوه بالمغرب فكان لهم ملك في بلد غانة ولم يذكر ابن حزم في أعقاب موسى الجون صالحا هذا بهذا النسب ولعله صالح الذى ذكرناه آنفا في ولد يوسف بن محمد الاخيضر والله أعلم [ الخبر عن دولة السليمانيين من بنى الحسن بمكة ثم بعدها باليمن ومبادي أمورهم وتصاريف أحوالهم ] مكة هذه أشهر من أن نعرف بها أو نصفها الا أنه لما انقرض سكانها من قريش بعد المائة الثانية بالفتن الواقعة بالحجاز من العلوية مرة بعد أخرى فأقفرت من قريش ولم يبق بها الا اتباع بنى حسن اخلاط من الناس ومعظمهم موال سود من الحبشة والديلم ولم يزل العمال عليها من قبل بنى العباس وشيعتهم والخطبة لهم إلى أن اشتغلوا بالفتن أيام المستعين والمعتز وما بعدهما فحدثت الرياسة فيها لبنى سليمان بن داود بن حسن المثنى بن الحسن السبط وكان كبيرهم آخر المائة الثانية محمد بن سليمان وليس هو سليمان ابن داود لان ذلك ذكره ابن حزم أنه قام بالمدينة أيام المأمون وبين العصرين نحو من مائة سنة سنة احدى وثلثمائة أيام المقتدر وخلع طاعة العباسية وخطب في الموسم فقال الحمد لله الذى أعاد الحق إلى نظامه وأبرز زهر الايمان من أكمامه وكمل دعوة خير الرسل باسباطه لابنى أعمامه صلى الله عليه وآله الطاهرين وكف عنا ببركته
أسباب المعتدين وجعلها كلمة باقية في عقبه إلى يوم الدين ثم أنشد لاطلبن بسيفي * ما كان للحق دينا * وأسطون بقوم * بغوار جاروا علينا يهدون كل بلاد * من العراق علينا وكان يلقب بالزبيدي نسبة إلى نحلته من مذاهب الامامية وبقى ركب العراق يتعاهد مكة إلى أن اعترضه أبو طاهر القرمطى سنة ثنتى عشرة وأسر أبا الهيجاء بن حمدان والد سيف الدولة وجماعة معه وقتل الحجاج وترك النساء والصبيان بالقفر فهلكوا(4/99)
وانقطع الحاج من العراق بسبب القرامطة ثم أنفذ المقتدر سنة سبع عشرة منصور الديلمى من مواليه فوافاه يوم التروية بمكة أبو طاهر القرمطى فنهب الحاج وقتلهم حتى في الكعبة والحرم وامتلا زمزم بالقتل والحجاج يصيحون كيف يقتل جيران الله فيقول ليس بجار من خالف أوامر الله ونواهيه ويتلو انما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله الاية وكان يخطب لعبيد الله المهدى صاحب افريقية ثم قلع الحجر الاسود وحمله إلى الاحساء وقلع باب البيت وحمله وطلع رجل يقلع الميزاب فسقط ومات فقال اتركوه فانه محروس حتى يأتي صاحبه يعنى المهدى فكتب إليه ما نصه والعجب من كتبك الينا ممتنا علينا بما ارتكبته واجترمته باسمنا من حرم الله وجيرانه با لاماكن التى لم تزل الجاهلية تحرم اراقة الدماء فيها واهانه أهلها ثم تعديت ذلك وقلعت الحجر الذى هو يمين الله في الارض يصافح بها عباده وحملته إلى أرضك ورجوت أن نشكرك فلعنك الله ثم لعنك والسلام على من سلم المسلمون من لسانه ويده وفعل في يومه ما عمل فيه حساب غده انتهى فانحرفت القرامطة عن طاعة العبيديين لذلك ثم قتل المقتدر على يد مؤنس سنة عشرين وثلثمائة وولى أخوه القاهر وحج بالناس أميره تلك السنة وانقطع الحج من العراق بعدها إلى أن كاتب أبو على يحيى الفاطمي سنة سبع وعشرين من العراق أبا طاهر القرمطى أن يطلق السبيل للحجاج على مكس ياخذه
منهم وكان أبو طاهر يعظمه لدينه ويؤمله فأجابه إلى ذلك وأخذ المكس من الحجاج ولم يعهد مثله في الاسلام وخطب في هذه السنة بمكة للراضي بن المقتدر وفى سنة تسع وعشرين لاخيه المقتفى من بعده ولم يصل ركب العراق في هذه السنين من القرامطة ثم ولى المستكفى بن المكتفى سنة ثلاث وثلاثين على يد توروز أمير الامراء ببغداد فخرج الحاج في هذه السنة لمهادنة القرامطة بعد أبى طاهر ثم خطب للمطيع ابن المقتدر بمكة مع معز الدولة سنة أربع وثلاثين عندما استولى معز الدولة ببغداد وقلع عين المستكفى واعتقله ثم تعطل الحاج بسبب القرامطة وردوا الحجر الاسود سنة تسع وثلاثين بأمر المنصور العلوى صاحب افريقية وخطابه في ذلك لاميرهم أحمد بن أبى سعيد ثم جاء الحاج إلى مكة سنة ثنتين وأربعين مع أمير من العراق وأمير من مصر فوقعت الحرب بينهما على الخطبة لابن بويه ملك العراق أو ابن الاخشيد صاحب مصر فانهزم المصريون وخطب لابن بويه واتصل ورود الحاج من يومئذ فلما كانت سنة ثمان وأربعين وجاء الحاج من بغداد ومصر كان أمير الحاج من العراق ومحمد بن عبيد الله فأجابه إلى ذلك ثم جاء إلى المنبر مستعدا وأمر بالخطبة لابن بويه فوجم الاخر وتمت عليه الحيلة وعاقبه أميره كافور ويقال قتله ووقع ابن بويه لمحمد بن(4/100)
عبيد الله باتصال امارته على الحاج ولما كانت سنة ست وخمسين وصل بركب العراق أبو أحمد الموسوي نقيب الطالبيين وهو والد الشريف الرضى ليحج بالناس ونهب بنو سليم حاج مصر وقتل أميرهم وفى سنة ست وخمسين حج بالناس أبو أحمد المذكور وخطب بمكة لبختيار بعد موت أبيه معز الدولة والخليفة يومئذ المطيع واتصل حج أبى أحمد بركب العراق وفى سنة ثلاث وخمسين خطب للقرمطى بمكة فلما قتل أحمد وقعت الفتنة بين أبى الحسن القرمطى وخلع طاعة العبيديين وخطب للمطيع وبعث إليه بالرايات السود ونهض إلى دمشق فقتل جعفر بن فلاح قائد العلويين وخطب
للمطيع ثم وقعت الفتنة بين أبى الحسن وبين جعفر وحصلت بينهم دماء وبعث المعز العلوى من أصلح بينهم وجعل دية القتلى الفاضلة في مال المعز وهلك بمصر أبو الحسن فولى أخوه عيسى ثم ولى بعده أبو الفتوح الحسن بن جعفر سنة أربع وثمانين ثم جاءت عساكر عضد الدولة ففر الحسن بن جعفر إلى المدينة ولما مات العزيز بالرملة وعاد بنو أبى طاهر وبنو أحمد بن أبى سعيد إلى الفتنة فجاء من قبل الطائع أمير علوى إلى مكة وأقام له بها خطبة وفى سنة سبع وستين بعث العزيز من مصر باديس بن زيرى الصنهاجى وهو أخو بلكين صاحب افريقية أميرا على الحاج فاستولى على الحرمين وأقام له الخطبة وشغل عضد الدولة في العراق بفتنة بختيار ابن عمه فبطل ركب العراق ثم عاد في السنة بعدها وخطب لعضد الدولة أبو أحمد الموسوي وانقطعت بعدها خطبة العباسيين عن مكة وعادت لخلفاء مصر العبيديين إلى حين من الدهر وعظم شأن أبى الفتوح واتصلت امارته في مكة وكتب إليه القادر سنة ست وتسعين في الاذن الحاج العراق فأجابه على ان الخطبة للحاكم صاحب مصر وبعث الحاكم إلى ابن جراح أمير طيئ باعتراضهم وكان على الحاج الشريف الرضى وأخوه المرتضى فلاطفهم ابن جراح وخلى سبيلهم على أن لا يعودوا ثم اعترض حاج العراق سنة أربع وتسعين الاصيغر الثعلبي عندما ملك الجزيرة فوعظه قارئان كانا في الركب ثم اعترضهم في السنة بعدها اعراب خفاجة ونهبوهم وسار في طلبهم على بن يزيد أمير بنى أسد فأوقع بهم سنة ثنتين وأربعمائة ثم عادوا إلى مثل ذلك من السنة بعدها فعاد على بن يزيد وأوقع بهم وسما له بذلك ذكر وكان سببا لملكه وملك قومه ثم كتب الحاكم سنة ثنتين وأربعين إلى عماله بالبراءة من أبى بكر وعمر ونكر ذلك أبو الفتوح أمير مكة وانتقض له وحمل الوزير أبو القاسم المغربي على طلب الامر لنفسه وكان الحاكم قتل أباه وأعمامه فخطب أبو الفتوح لنفسه وتلقب الراشد بالله وسار إلى مدينة الرملة لاستدعاء ابن الجراح أمير طيئ لمغاضبة بينه وبين الحاكم ثم سرب الحاكم أمواله في بنى الجراح فانتقضوا على(4/101)
أبى الفتوح وأسلموه وفر الوزير المغربي إلى ديار بكر بن أرض الموصل ومعه ابن سبابة وفر التهامى إلى الرى وكان معه وقطع الحاكم الميرة عن الحرمين ثم راجع أبو الفتوح الطاعة فعفى عنه الحاكم وأعاده إلى امارته بمكة ولم يحج من العراق في هذه السنين أحد وفى سنة ثنتى عشرة حج بأهل العراق أبو الحسن محمد بن الحسن الافساسى فقيه الطالبيين واعترضهم بنو نبهان من طيئ وأميرهم حسان بن عدى وقاتلوهم فهزموهم وقتل أميرهم حسان وخطب في هذه السنة للظاهر بن الحاكم بمكة ولما كان الموسم سنة ثلاث عشرة وأربعمائة ضرب رجل من قوم مصر الحجر الاسود بدبوس فصدعه وثلمه وهو يقول كم تعبدكم تقبل فتبادر إليه الناس فقتلوه وثار أهل العراق بأهل مصر فنهبوهم وفتكوا فيهم ثم حج بركب العراق سنة أربع عشرة النقيب بن الافساسى وخشى من العرب فعاد إلى دمشق الشأم وحج في السنة التى بعدها وبطل حج العراق ولما بويع القائم العباسي سنة ثنتين وعشرين رام أن يجهز الحاج فلم يقدر لاستيلاء العرب وانحلال أمر بنى بويه ثم خطب بمكة للمستنصر بن الظاهر ثم توفى الامير أبو الفتوح الحسن بن جعفر بن محمد بن سليمان رئيس مكة وبنى سليمان سنة ثلاثين وأربعمائة لاربعين سنة من امارته وولى بعده امارة مكة ابنه شكر وجرت له مع أهل المدينة خطوب ملك في أثنائها المدينة وجمع بين الحرمين وعليه انقرض دولة بنى سليمان سنة ثلاثين بمكة وجاءت دولة الهواشم كما يذكر وشكر هذا هو الذى يزعم بنو هلال بن عامر انه تزوج الجازية بنت سرحان من أمراء الاثبج منهم وهو خبر مشهور بينهم في أقاصيصهم وحكايات يتناقلونها ويطرزونها بأعشار من جنس لغتهم ويسمونه الشريف ابن هاشم وقال ابن حزم غلب جعفر بن أبى هاشم على مكة أيام الاخشيديين وولى بنوه من بعده عيسى بن جعفر وأبو الفتوح وابنه شكر بن أبى الفتوح وقد انقرض لان شكرا لم يولد له وصار أمر مكة إلى عبد كان له انتهى كلام ابن حزم وليس أبو هاشم الذى
نسب جعفر إليه أبا الهواشم الذى يأتي ذكرهم لان هذا كان أيام الاخشيديين وذلك أيام المستضئ العبيدي وبينهما نحو من مائة سنة * (الخبر عن دولة الهواشم بمكة من بنى الحسن وتصاريف أحوالهم إلى انقراضها) * هؤلاء الهواشم من ولد أبى هاشم محمد بن الحسن بن محمد بن موسى بن عبد الله أبى الكرام بن موسى الجون ونسبه معروف وقد مر وكانت بين هؤلاء الهواشم وبين السليمانيين فتن متصلة ولما مات شكر ذهبت الرياسة من بنى سليمان لانه لم يعقب وتقدم فيهم طراد بن أحمد ولم يكن من بيت الامارة وانما كانوا يؤملونه لاقدامه وشجاعته وكان رئيس الهواشم يومئذ محمد بن جعفر بن محمد وهو أبو هاشم المذكور وقد ساد(4/102)
في الهواشم وعظم ذكره فاقتتلوا سنة أربع وخمسين بعد موت شكر فهزم الهواشم بنى سليمان وطردوهم عن الحجاز فساروا إلى اليمن وكان لهم بها ملك كما يذكر واستقل بامارة مكة الامير محمد بن جعفر وخطب للمستنصر العبيدي ثم ابتدأ الحاج من العراق سنة ست وخمسين بنظر السلطان البار سلان بن داود ملك السلجوقية حين استولى على بغداد والخلافة طلب منه القائم ذلك فبذل المال وأخذ رهائن العرب وحج بالناس أبو الغنائم نور الدين المهدى الزينى نقيب الطالبيين ثم جاور في السنة بعدها واستمال الامير محمد بن جعفر عن طاعة العبيديين فخطب لبنى العباس سنة ثمان وخمسين وانقطعت ميرة مصر عن مكة فعذ له أهله على ما فعل فرد الخطبة للعبيديين ثم خاطبه القائم وعاتبه وبذل له أموالا فخطب له سنة ثنتين وستين بالموسم فقط وكتب إلى المستنصر بمصر معتذرا ثم بعث القائم أبا الغنائم الزينى سنة ثلاث وستين أميرا على الركب العراقى ومعه عسكر ضخم ولامير مكة من عند البارسلان ثلاثون دينارا وتوقيعا بعشرة آلاف دينار واجتمعوا بالموسم وخطب الامير محمد بن جعفر وقال الحمد لله الذى هدانا إلى أهل بيته بالرأى المصيب وعوض بيته بلبسة الشباب بعد لبسة المشيب
وأمال قلوبنا إلى الطاعة ومتابعة امام الجماعة فانحرف المستنصر عن الهواشم ومال إلى السليمانيين وكتب إلى على بن محمد الصبيحى صاحب دعوتهم باليمن أن يعينهم على استرجاع ملكهم وينهض معهم إلى مكة فنهض وانتهى إلى المهجم وكان سعيد بن نجاح الاحول موثور بنى الصبيحى قد جاء من الهند ودخل صنعاء فثار بها واتبع الصبيحى في سبعين رجلا وهو في خمسة آلاف فبيثه بالمهجم وقتله ثم جمع محمد بن جعفر أجنادا من الترك وزحف بها إلى المدينة فأخرج منها بنى حسن وملكها وجمع بين الحرمين ثم مات القائم العباسي وانقطع ما كان يصل إلى مكة فقطع محمد بن جعفر الخطبة للعباسيين ثم جاء الزينى من قابل بالاموال فاعادها ثم بعث المقتدى سنة سبعين منبرا إلى مكة صنيعا استجيد خشبه ونقش عليه بالذهب اسمه وبعث على الحاج ختلع التركي وهو أول تركي تأمر على الحاج وكان واليا بالكوفة وقهر العرب مع جماعته فبعثه المقتدى أميرا على الحاج فوقعت الفتنة بين الشيعة وأهل السنة وكسر المنبر وأحرق وتم الحج ثم عاودوا الفتنة سنة ثلاث وسبعين وقطعت الخطبة للمستنصر وأعيدت للمقتدى واتصلت امارة ختلع على الحاج وبعده خمار تكين إلى أن مات ملك شاه ووزيره نظام الملك فانقطعت الخطبة للعباسيين وبطل الحاج من العراق باختلاف السلجوقية وتغلب العرب وما المقتدى خليفة بغداد وبويع ابنه المستظهر ومات المستنصر خليفة مصر وبويع ابنه المستعلى من امارته وهو الذى(4/103)
أظهر الخطبة العباسية بمكة وبها ابتدئ أمره وكان يسقطها بعض الاحيان وولى بعده ابنه قاسم فكثر اضطرابه ومهد بنو مزيد أصحاب الحلة طريق الحاج من العراق فاتصل حجهم وحج سنة ثنتى عشرة وخمسمائة نظر الخادم من قبل المسترشد بركب العراق وأوصل الخلع والاموال إلى مكة ثم توفى قاسم بن محمد سنة ثمان عشرة وخمسمائة لثلاثين سنة من امارته وكانت في اضطراب وتغلب وولى بعده ابنه أبو قليبة
بمكة فافتتح بالخطبة العباسية وأحسن الثناء عليه بالعدل ووصل نظر الخادم أميرا على الركب ومعه الاموال والخلع ثم مات أبو قليبة سنة سبع وعشرين لعشر سنين من امارته والخطبة للعباسيين وامارة الحاج لنظر الخادم ثم كانت واقعة المسترشد مع السلطان مسعود ومقتله وتعطل ركب الحاج ثم حج نظر الخادم في السنة بعدها ثم بعثت أسماء الصبيحية صاحبة اليمن لامير مكة قاسم بن أبى قليبة فتوعدته على قطع خطبة الحاظ وماتت فكفاه الله شرها وانقطع الركب العراقى في هذه السنين للفتن والغلاء ثم حج سنة أربع وأربعين نظر الخادم ومات في طريقه فولى مولاه قيماز واعترضه رعب من الاعراب فنهب الركب واتصل حج قيماز والخطبة لبنى العباس إلى سنة خمس وخمسين قبله وبويع المستنجد فخطب له كما كان لابيه المقتفى ثم قتل قاسم بن أبى قليبة سنة ست وستين وبعث المستضئ بالركب طاتنكين التركي وانقضت دولة العبيديين بمصر ووليها صلاح الدين بن أيوب واستولى على مكة واليمن وخطب له بالحرمين ثم مات المستضئ سنة خمس وسبعين وبويع ابنه الناصر وخطب له بالحرمين وحجت أمه بنفسها سنة خمس وثلاثين وكانت له آثار عظيمة ورجعت فانهت إلى الناصر ابن عيسى بن قاسم ما اطلعت عليه من أحواله فعزله عن امارة مكة وولى أخاه مكثر بن قاسم وكان جليل القدر ومات سنة تسع وثمانين السنة التى مات فيها صلاح الدين وضعف أمر الهواشم وكان أبو عزيز بن قتادة يناسبهم من وجة النساء فورث أمرهم وملك مكة من أيديهم وانقرضت دولتهم والبقاء لله [ الخبر عن بنى قتادة أمراء مكة بعد الهواشم ثم عن بنى أبى نمير منهم أمرائها لهذا العهد ] كان من ولد موسى الجون الذى مر ذكره في بنى حسن عبد الله أبى الكرام وكان له على ما نقل نسابتهم ثلاثة من الولد سليمان وزيد وأحمد ومنه تشعيت ولده فأما زيد فولده اليوم بالصحراء بنهر الحسنية وأما أحمد فولده بالدهنا وأما سليمان فكان من ولده
مطاعن بن عبد الكريم بن يوسف بن عيسى بن سليمان وكان لمطاعن ادريس وثعلب بالثعالبة بالحجاز فكان لادريس ولد ان قتادة النابغة وصرخة فأما صرخة فولده شيع(4/104)
يعرفون بالشكرة وأما قتادة النابغة فكان يكنى أبا عزيز وكان من ولده على الاكبر وشقيقه حسن فمن ولد حسن ادريس وأحمد ومحمد وجمان وامارة ينبع في أعقابهم ومنهم لهذا العهد أمير ان يتداولان امارتها من ولد ادريس بن حسن بن ادريس وأما أبو عزيز قتادة النابغة فمن ولده موالى عز أمراء مكة لهذا العهد وكان بنو حسن بن الحسن كلهم موطنين بنهر العلقمية من وادى ينبع لعهد امارة الهواشم بمكة وكانوا ظواعن بادية ولما نشأ فيهم قتادة هذا جمع قومه ذوى مطاعن وأركبهم واستبد بامارتهم وكان بوادي ينبع بنو خراب من ولد عبد الله بن حسن بن الحسن وبنو عيسى ابن سليمان بن موسى الجون فحاربهم بنو مطاعن هؤلاء وأميرهم أبو عزيز قتادة وأخرجهم وملك ينبع والصفراء واستكثر من الجند والمماليك وكان على عهد المستنصر العباسي في أواسط المائة السادسة وكان الامراء يومئذ بمكة الهواشم من ولد جعفر بن هاشم بن الحسن بن محمد بن موسى بن أبى الكرام عبد الله وقد مر ذكرهم وكان أخرجهم مكثر بن عيسى بن قاسم الذى بنى القلعة على جبل أبى قبيس ومات سنة تسع وثمانين وخمسمائة فسار قتادة إلى مكة وانتزعها من أيديهم وملكها وخطب للناصر العباسي وأقام في امارتها نحوا من أربعين سنة واستفحل ملكه واتسع إلى نواحى اليمن وكان لقبه أبا عزيز وفى سنة ثلاث وستمائة حج بالركب وجه السبع التركي من مماليك الناصر وفر من طريقه إلى مصر فنهب الركب وفى سنه ثمان وستمائة وثب شخص من حاج العراق على شريف من قرابة قتادة فقتله فاتهم الشرفاء به أمراء الركب فثاروا بهم وقتلوا منهم خلقا ثم بعث إليهم بالاموال من بغداد وبعث قتادة بعض أولاده يستعتب فأعتب (وفى سنة خمس عشرة) خطب بمكة للعادل بن أيوب بعد
الناصر الخليفة وللكامل بن العادل بعدهما (وفى سنة ست عشرة) كان خروج التتر وكان قتادة عادلا وأمن الناس في أيامه ولم يعد قط على أحد من الخلفاء ولا من الملوك وكان يقول أنا أحق بالخلافة وكانت الاموال والخلع تحمل إليه واستدعاه الناصر في بعض السنين فكتب إليه ولى كف ضرغام أذل ببسطها * وأشرى بها عز الورى وأبيع تظل ملوك الارض تلثم ظهرها * وفى بطنها للمجد بين ربيع أأجعلها تحت الرجا ثم ابتغى * خلاصا لها انى إذا لو ضيع وما أنا الا المسك في كل بقعة * يضوع وأما عندكم فيضيع واتسعت دولته فملك ملك مكة والينبع وأطراف اليمن وبعض اعمال المدينة وبلاد نجد وكان يستكثر من المماليك وتوفى سنة سبع عشرة وستمائة ويقال سمه ابنه حسن(4/105)
ويقال داخل ابنه حسن جاريته فأدخلته ليلا فخنق أباه ثم قتلها وملك مكة وامتعض لذلك ابنه راجح بن أبى عزيز قتادة وشكاه إلى أمير حاج اقباش التركي عند وصوله فأشكاه ووعده بالانصاف منه فأغلق حسن أبواب مكة وخرج بعض أصحابه إلى الامير اقباش فلقوه عند باب المعلى فقتلوه وعلقوه بالمسعى ثم جاء المسعود بن الكامل سنة عشرين من اليمن إلى مكة فحج وقاتله حسن ببطن المسعى فغلبه المسعود وملك مكة ونصب رايته وأزال راية أمير الركب وكتب الخليفة من بغداد يعاتب أباه على ذلك وعلى ما فعله في مكة والتخلف فكتب إليه أبوه برئت يا أقسى من ظهر العادل ان لم أقطع يمينك فقد نبذت وراء ظهرك دنياك ودينك ولا حول ولا قوة الا بالله العلى العظيم فغرم ديات الشرفاء وأصابه شلل في يده ومضى حسن بن قتادة إلى بغداد صريخا بعد أن بقى طريدا بالشأم والجزيرة والعراق ثم جاء إلى بغداد دخيلا وهم الترك بقتله باقباش أمير الركب فمنعوا منه ومات ببغداد سنة ثنتين وعشرين ودفن بمشهد الكاظم ثم مات المسعود
ابن الكامل بمكة سنة ست وعشرين ودفن بالمعلى وبقى على مكة قائده فخر الدين بن الشيخ وعلى اليمن أمير الجيوش عمر بن على بن رسول (وقصد راجح بن قتادة) مكة سنة تسع وعشرين مع عساكر عمر بن رسول فملكها سنة ثلاثين من يد فخر الدين بن الشيخ ولحق فخر الدين بمصر ثم جاءت عساكر مصر سنة ثنتين وثلاثين مع الامير جبريل وملكوا مكة وهرب راجح إلى اليمن ثم جاء عمر بن رسول معه بنفسه فهربت عساكر مصر وملك راجح مكة وخطب لعمر بن رسول بعد المستنصر ولما ملك التتر العراق سنة أربع وثلاثين وعظم أمرهم وانتهوا إلى اربل أبطل المستنصر الحج من أمر الجهاد وأفتاه العلماء بذلك ثم جهز المعتصم الحاج مع أمه سنة ثلاث وأربعين وشيعها إلى الكوفة ولما حجت ضرب تركي في الموسم شريفا وكتب راجح فيه إلى الخليفة فقطعت يده وبطل الحج بعد ذلك ثم قوى أمر الموطئ امام الزيدية باليمن واعتزم على قطع الخطبة لبنى العباسي فضاق به المظفر بن عمر بن رسول وكاتب المعتصم يحرصه على تجهيز الحاج بسبب ذلك ثم قوى أمر الموطئ امام الزيدية باليمن وسار جماز بن حسن بن قتادة سنة احدى وخمسين إلى الناصر بن العزيز بن الظاهر بن أيوب بدمشق مستجيشا على أبى سعيد على أن يقطع ذكر صاحب اليمن من مكة فجهز له عسكرا وسار إلى مكة فقتل أبا سعيد في الحرم ونقض عهد الناصر وخطب لصاحب اليمن (قال ابن سعيد) وفى سنة ثلاث وخمسين بلغني وأنا بالمغرب أن راجح بن قتادة جاء إلى مكة وهو شيخ كبير السن وكان يسكن السدبر على نحو اليمن فوصل إلى مكة وأخرج منها جماز بن أبى عزيز فلحق بالينبع قال وفى سنة ثنتين وستين وصل الخبر إلى المغرب بأن أمر مكة دائر بين أبى نمى بن ابى سعيد الذى(4/106)
قتل جماز به على امارة مكة وبين غالب بن راجح الذى أخرجه أبوه جماز إلى الينبع ثم استبد أبو نمى على أمر مكة ونفى قتله أبيه أبى سعيد إلى الينبع وهم ادريس وجماز ومحمد وقد كان ادريس منهم والى أمر مكة قليلا فانطلقوا إلى الينبع وملكوه
وأعقابهم أمراؤه لهذا العهد وأقام أبو نمى أميرا بمكة نحوا من خمسين سنة وهلك على رأس المائة السابعة أو بعدها بسنتين وخلف ثلاثين ولدا * (امارة بنى أبى نمى بمكة) * ولما هلك أبو نمى قام من بعده يأمر مكة ابناه رميثة وحميضة ونازعهما عطيفة وأبو الغيث فاعتقلاهما ووافق ذلك وصول بيبرس الجاشنكير كافل الملك الناصر بمصر لاول ولايته فأطلقهما وولاهما وبعث برميثة وحميضة إلى مصر ثم ردهما السلطان إلى امارتهما بمكة مع عسكره وبعث إليه بعطيفة وأبى الغيث ثم طال تنازعهم ونعاقبهم في امارة مكة مرة بعد أخرى وهلك أبو الغيث في بعض حروبهم ببطن مر ثم تنازع حميضة ورميثة وسار رميثة إلى الملك الناصر سنة خمس عشرة واستمد بأمرائه وعساكره وهرب حميضة بعد أن استصفى أموال أهل مكة ثم رجع بعد رجوع العساكر إلى مكة ثم اصطلحوا توافقوا ثم خالف عطيفة سنة ثمان عشرة ووصل إلى السلطان وجاء بالعسكر فملك مكة وتقبض على رميثة فسجن أياما ثم أطلق سنة عشرين عند مقدم السلطان من حجه وأقام بمصر وبقى حميضة مشردا إلى ان استأمن السلطان فأمنه وكان معه جماعة من المماليك فزوا إليه من مصر أيام انتقاضه فشعروا بطاعته فخافوا على أنفسهم أن يحضروا معه فقتلوه وجاؤا إلى السلطان يعتقدون ذلك وسيلة عنده فأقاد رميثة منهم بأخيه فقتل المباشر للقتل وعفا عن الباقين وأطلق رميثة إلى مكة مشاركا لاخيه عطيفة في امارتها ثم هلك عطيفة سنة وأقام أخوه رميثة بعده مستقلا بامارة مكة إلى أن كبر وهرم ثم هلك وكان ابناه ثقبة وعجلان قد اقتسما معه امارة مكة برضاه ثم أراد الرجوع عن ذلك فلم يجيباه إلى شئ مما أرادوا استمرا على ولايتهما معه ثم تنازعا وخرج ثقبة وبقى عجلان بمكة ثم غلبه عليها ثقبة ثم اجتمعا بمصر سنة ست وخمسين فولى صاحب الامر بمصر عجلان منهما وفر ثقبة إلى بلاد الحجاز فأقام هنالك وعاقبه إلى مكة مرارا وجاء عجلان سنة ثنتين وستين بالمدد من عسكر القاهرة
فكبسه ثقبة وقتل أخاه وبعضا من العسكر ولم يزل عجلان على امارته سالكا سبيل العدل والانصاف في الرعية متجافيا عن الظلم عما كان عليه قومه من التعرض للتجارو والمجاورين وسعى في أيام امارته في قطع ما كان لعبيدهم على الحاج من المكس وثبت لهم في ديوان السلطان عليها عطاء يتعاهدهم أيام الموسم(4/107)
وكانت من حسنات سلطان مصر وسعى هذا الامير عجلان جراه الله خيرا وأقام على ذلك إلى أن هلك سنة سبع وسبعين وولى ابنه أحمد بعده وقد كان فوض إليه في حياته وقاسمه في أمره فقام أحمد بأمر مكة وجرى على سنن أبيه في اثبات مراسم العدل واحياء معالمه حتى شاع عنه ذلك في الافاق على ألسنة الحاج والمجاورين وولاه صاحب مصر لعهده الملك الظاهر أبو سعيد برقوق على ما كان أبوه وسير إليه بالخلع والتفويض على عادتهم في ذلك وكان في محبس أحمد جماعة من قرابته منهم أخوه محمد ومحمد ابن أخيه ثقبة وعنان ابن عمه مغامس في آخرين فلما مات أحمد هربوا من محبسهم ولحقوا بهم فردوهم وأجلوا محمد بن عجلان منهم الاعنانا فانه لحق بمصر مستجيشا على محمد وكبيش فأنجده السلطان وبعثه مع أمير الركب ليطالع أحوالهم واستصحب معه جماعة من الباطنية فتكوا بمحمد عند لقائه المحمل الذى عليه كسوة الكعبة بشارة الخليفة وتقبيله الخف الذى يحمله على العادة في ذلك وتر كوه صريعا في مكانه ودخلوا إلى مكة فولى أمير الحاج عنان بن مغامس ولحق كبيش وشيعته بجدة فلما انقضى الموسم ورجع الحاج جاء كبيش وأصحابه وحاصروا مكة وكان بينهم وبين عنان حروب قتل كبيش في بعضها ثم لحق على بن عجلان وأخوه حسن بالملك الظاهر صاحب مصر فرأى أن يحسم المادة بولايته فولاه سنة تسع وثمانين مشار كا لعنان بن مغامس في الامارة وسار مع أمير الركب فلما وصلوا لكومرد بكروا إلى مكة على العادة وخرج عنان للقائهم ثم نكص من بعض الطريق هاربا ودخل على مكة واستقل بامارتها
ولما انفض الموسم ورجع الحاج جاء عنان ومعه بنو عمه مبارك وجماعة الشرفاء فحاصروا مكة على على ونازعوه الامارة ثم أفرجوا ثم رجعوا وحالهم على ذلك متصل لهذا العهد ووفدوا على السلطان بمصر سنة أربع وتسعين فأفرد عليا بالامارة وأفاض عليه العطاء وأكنف له الجند والمستخدمين وأبقى عنان بن مغامس عنده وأجرى عليه الرزق ونظمه في أهل دولته ثم نمى إلى السلطان أنه يروم الفرار إلى الحجاز لينازع أمير مكة على بن عجلان فقبض عليه وحبسه وقبض على بن عجلان على الاشراف الذين كانوا هنالك شيعة له ثم من عليهم وأطلقهم فعادوا إلى منازعته والفتنة معه لهذا العهد والله متولى الامور لارب غيره [ الخبر عن بنى مهنى امراء المدينة النبوية من بنى الحسن وذكر أوليتهم ومفتتح امارتهم ] كانت المدينة بلد الانصار من الاوس والخزرج كما هو معروف ثم افترقوا على أقطار الارض في الفتوحات وانقرضوا ولم يبق بها أحد الا بقايا من الطالبيين قال(4/108)
ابن الحصين في ذيله على الطبري دخلت المائة الرابعة والخطبة بالمدينة للمقتدر قال وترددت ولاية بنى العباس عليها والرياسة فيها بين بنى حسين وبنى جعفر إلى أن أخرجهم بنو حسين فسكنوا بين مكة والمدينة ثم أجلاهم بنو حرب من زبيد إلى القرى والحصون وأجازوهم إلى الصعيد فهم هنالك إلى اليوم وبقى بنو حسين بالمدينة إلى أن جاءهم ظاهر بن مسلم من مصر فملكوه عليهم وفى الخبر عن وصول ظاهر هذا أن مسلما أباه اسمه محمد بن عبيد الله بن ظاهر بن يحيى المحدث بن الحسن بن جعفر ويسمى عند الشيعة حجة الله بن عبيد الله بن الحسين الاصغر بن زيد العابدين وكان مسلم هذا صديقا لكافور المتغلب على الاخشيدية بمصر وكان يدبر أمره ولم يكن بمصر لعصره أوجه منه ولما ملك العبيديون مصر وجاء المعز لدين الله ونزل بالقاهرة التى اختطها وذلك سنة خمس وستين
وثلثمائة خطب يومئذ من مسلم هذا كريمته لبعض بنيه فرده مسلم فسخطه المعز ونكبه واستصفى أمواله وأقام في اعتقاله إلى أن هلك ويقال فر من محبسه فهلك في مفره ولحق ابنه ظاهر بن محمد بعد ذلك بالمدينة فقدمه بنو حسين على أنفسهم واستقل بامارتها سنين ثم مات سنة احدى وثمانين وثلثمائة وولى مكانه ابنه الحسن وفى كتاب العتبى مؤرخ دولة ابن سبكتكين ان الذى ولى بعده هو صهره وابن عمه داود بن القاسم ابن عبيد الله بن ظاهر وكنيته أبو على واستقل بها دون ابنه الحسن إلى أن هلك وولى بعده ابنه هاني ثم ابنه مهنى ولحق الحسن بمحمود بن سبكتكين فأقام عنده بخراسان وهذا غلط لان المسبحى مؤرخ العبيديين ذكر وفاة ظاهر بن مسلم في سنتها كما قلناه وولاية الحسن ابنه وقال في سنة ثلاث وثمانين وعامل المدينة الحسن بن ظاهر ويلقب مهنى والمسبحي أقعد بأخبار المدينة ومصر من العتبى الا أن أمراء المدينة لهذا العهد ينتسبون إلى داود ويقولون جاء من العراق فلعلهم لقنوا ذلك عمن لا يعرفه ومؤرخ حماة متى ينسب أحدا من أوليهم انما ينسبه إلى أبى داود والله أعلم وقال أبو سعيد وفى سنة تسعين وثلثمائة ملكها أبو الفتوح حسن بن جعفر أمير مكة من بنى سليمان بأمر الحاكم العبيدي وأزال عنها امارة بنى مهنى من بنى الحسين وحاول نقل الجسد النبوى إلى مصر ليلا فأصابتهم ريح عاصفة أظلم لها الجو وكادت تقتلع البناء من أصله فردهم أبو الفتوح عن ذلك ورجع إلى مكة وعاد بنو مهنى إلى المدينة وذكر مؤرخ حماة من أمرائهم منصور بن عمارة ولم ينسبه وقال مات سنة سبع وتسعين وأربعمائة وولى بعده ابنه قال وهم من ولد مهنى وذكر منهم أيضا القاسم بن مهنى ابن حسين بن مهنى بن داود وكنيته أبو قليتة وأنه حضر مع صلاح الدين بن أيوب غزاة انطاكية وفتحها سنة أربع وثمانين وخمسمائة وقال الزنجازى مؤرخ الحجاز فيما ذكر(4/109)
عنه ابن سعيد حين ذكر ملوك المدينة من ولد الحسين فقال وأحقهم بالذكر لجلالة قدره
قاسم بن جماز بن قاسم بن مهنى ولاه المستضئ فأقام خمسا وعشرين سنة ومات سنة ثلاث وثلاثين وخمسائة وولى ابنه سالم بن قاسم وكان شاعرا وهو الذى كانت بينه وبين أبى عزيز قتادة صاحب مكة وقعة المصارع ببدر سنة احدى وستمائة زحف أبو عزيز من مكة وحاصره بالمدينة واشتد في حصاره ثم ارتحل وجاء المدد إلى سالم من بنى لام احدى بطون همذان فأدرك أبا عزيز ببدر واقتتلوا وهلك من الفريقين خلق وانهزم أبو عزيز إلى مكة وفى سنة احدى وستمائة جاء المعظم عيسى بن العادل فجدد المصانع والبرك وكان معه سالم بن قاسم أمير المدينة جاء يشكو من قتادة فرجع معه ومات في الطريق قبل وصوله إلى المدينة وولى بعده ابنه شيخة وكان سالم قد استخدم عسكرا من التركمان فمضى بهم جماز بن شيخة إلى قتادة وغلبه وفر إلى الينبع وتحصن بها وفى سنة سبع وأربعين قتل صاحب المدينة شيخة وولى ابنه عيسى ثم قبض عليه أخوه جماز سنة تسع وأربعين وملك مكانه قال ابن سعيد وفى سنة تسع وخمسين كان بالمدينة أبو الحسن ابن شيخة بن سالم وقال غيره كان بالمدينة سنة ثلاث وخمسين أبو مالك منيف بن شيخة ومات سنة سبع وخمسين وولى أخوه جماز وطال عمره ومات سنة أربع وسبعمائة وولى ابنه منصور ولحق أخوه مقبل بالشأم ووفد على بيبرس بمصر فأقطعه نصف أقطاع منصور ثم أقبل إلى المدينة على حين غفلة من أخيه منصور وبها ابنه أبو كبيشة فملكها عليه ولحق أبو كبيشة باحياء العرب ثم استجاشهم ورجع إلى المدينة سنة تسع فقتل عمه مقبلا وجاء منصور إلى محل امارته وكان لمقبل ابن اسمه ماجد فأقطع بعض اقطاع أبيه فأقام مع العرب يجلب على المدينة ويخالف منصورا عمه إليها متى خرج عنها ووقع بين منصور وبين قتادة صاحب الينبع حرب سنة احدى عشرة من أجله ثم جاء ماجد بن مقبل بالمدينة سنة سبع عشرة لقتال عمه منصور واستنجد منصور بالسلطان فبعث إليه العساكر وحاصر ماجد بن مقبل بالمدينة ثم قاتلهم وانهزم وبقى منصور على امارته وتوفى سنة خمس وعشرين وولى ابنه كبيش بن منصور على امارته وطالت أيامه ونازعه ودى
ابن جماز وحاصره وولى بعده طفيل وقبض عليه طاز سنة احدى وخمسين وولى عطية ثم توفى عطية سنة ثلاث وثمانين وولى بعده طفيل وقبض عليه فامتنع وولى جماز بن هبة ابن جماز بن منصور وملوك الترك بمصر يختارون لولايتها من هذين البيتين لا يعدلون عنهما إلى سواهما وولايتها اليوم لجماز بن هبة بن جماز وابن عمه ابن محمد بن عطية ينازعه لما بينهما من المنازعة والمنافسة قديما وحديثا شأن العجليين في التثور وهما جميعا على مذهب الامامية من الرافضة ويقولون بالائمة الاثنى عشر(4/110)
وبما يناسب ذلك من اعتقادات الامامية والله يخلق ما يشاء ويختار هذا آخر الخبر عن أمراء المدينة ولم أقف على أكثر منه والله المقدر لجميع الامور سبحانه لا اله الا هو * (الخبر عن دولة بنى الرسى أئمة الزيدية بصعدة وذكر أوليتهم ومصاير أحوالهم) * قد ذكرنا فيما تقدم خبر محمد بن ابراهيم الملقب أبوه طباطبا بن اسمعيل بن ابراهيم ابن حسن الدعى وظهوره أيام المأمون وقيام أبى السرايا ببيعته وشأنه كله ولما هلك وهلك أبو السرايا وانقرض أمرهم طلب المأمون أخاه القاسم الرسى ابن ابراهيم طباطبا ففر إلى السند ولم يزل به إلى أن هلك سنة خمس وأربعين ومائتين ورجع ابنه الحسن إلى اليمن وكان من عقبه الائمة بصعدة من بلاد اليمن وكان من عقبة أقاموا للزيدية بها دولة اتصلت آخر الايام وصعدة جبل في الشرق عن صنعاء وفيه حصون كثيرة أشهرها صعدة وحصن تلا وجبل مطابة ونعرف كلها ببنى الرسى وأول من خرج بها منهم يحيى بن الحسين بن القاسم الرسى دعا لنفسه بصعدة وتسمى بالهادي وبويع بها سنة ثمان وثمانين في حياة أبيه الحسين وجمع الجموع من شيعتهم وغيرها وحارب ابراهيم ابن يعفر فقال أسعد بن يعفر السادس من أعقابه التبايعة لصنعاء وكملا فغلبه على صنعاء ونجران فملكها وضرب السكة ثم انتزعها بنو يعفر منه ورجع إلى صعدة وتوفى سنة ثمان وتسعين لعشر سنين من ولايته هكذا قال ابن الحار قال وله مصنفات في الحلال
والحرام وقال غيره كان مجتهدا في الاحكام الشرعية وله في الفقه آراء غريبة وتواليف بين الشيعة معروفة قال الصولى وولى بعده ابنه محمد المرتضى واضطرب الناس عليه وهلك سنة عشرين وثلثمائة لست وعشرين سنة من ولايته وولى بعده أخوه الناصر أحمد واستقام ملكه واطرد في بنيه بعده فولى بعده ابنه حسين المنتخب ومات سنة أربع وعشرين وولى بعده أخوه القاسم المختار إلى أن قتله أبو القاسم الضحاك الهمداني سنة أربع وأربعين وقال الصولى من بنى الناصر الرشيد والمنتخب ومات سنة أربع وعشرين وقال ابن حزم لما ذكر ولد أبى القاسم الرسى فقال ومنهم القائمون بصعدة من أرض اليمن أولهم يحيى الهادى له رأى في الفقه وقد رأيته ولم يبعد فيه عن الجماعة كل البعد كان لابيه أحمد الناصر بنون ولى منهم صعدة بعده جعفر الرشيد وبعده أخوه القاسم المختار ثم الحسن المنتخب ومحمد المهدى قال وكان اليماني القائم بماردة سنة ثلاث وأربعين وثلثمائة يذكر أنه عبد الله بن أحمد الناصر أخو الرشيد والمختار والمنتخب والمهدى وقال ابن الجاب ولم تزل امامتهم بصعدة مطردة إلى أن وقع الخلاف بينهم وجاء السليمانيون من مكة عندما أخرجهم الهواشم فغلبوا عليهم بصعدة وانقرضت دولتهم بها في المائة السادسة قال ابن سعيد وكان من بنى سليمان حين خرجوا من مكة(4/111)
إلى اليمن أحمد بن حمزة بن سليمان فاستدعاهم أهل زبيد لينصرهم على على بن مهدى الخارجي حين حاصرهم وبها فاتك بن محمد بن بنى نجاح فأجابهم على أن يقتلوا فاتكا فقتلوه سنة ثلاث وخمسمائة وملكوا عليهم أحمد بن حمزه فلم يطق مقاومة على بن مهدى ففر عن زبيد وملكها ابن مهدى قال وكان عيسى بن حمزة أخو أحمد في عشرة باليمن ومنهم غانم بن يحيى ثم ذهب ملك بنى سليمان من جميع التهائم والجبال واليمن على يد بنى مهدى ثم ملكهم بنو أيوب وقهروم واستقر ملكهم آخرا في المنصور عبد الله ابن أحمد بن حمزة قال ابن العديم أخذ الملك بصعدة عن أبيه واشتدت يده مع الناصر
العباسي وكان يناظره ويبعث دعاته إلى الديلم وجبلان حتى خطب له هنالك وصار له فيها ولاة وأنفق الناصر عليه أموالا في العرب باليمن ولم يظفر به قال ابن الاثير جمع المنصور عبد الله بن حمزة أيام الزيدية بصعدة سنة ثنتين وخمسمائة وزحف إلى اليمن فحاف منه المعز بن سيف الاسلام طفتكين بن أيوب ثم زحف إليه المعز فهزمه ثم جميع ثانية سنة ثنتى عشرة وستمائة جموعا من همذان وخولان وارتجت له اليمن وخاف المسعود بن الكامل وهو يومئذ صاحب اليمن ومعه الكرد والترك وأشار أمير الجيوش عمر بن رسول بمعاجلته قبل أن يملك الحصون ثم اختلف أصحاب المنصور ولقيه المسعود فهزمه وتوفى المنصور سنة ثلاثين وستمائة عن عمر مديد وترك ابنا اسمه أحمد ولاه الزيدية ولم يخطبوا له بالامامة ينتظرون علو سنه واستكمال شروطه ولما كانت سنة خمس وأربعين بايع قوم من الزيدية لاحمد الموطئ من بقية الرسى وهو أحمد بن الحسين من بنى الهادى لانهم لما أخرجهم بنو سليمان من كرسى امامتهم بصعدة آووا إلى جبل قطابة بشر في صعدة فلم يزالوا هنالك وفى كل عصر منهم امام شائع بأن الامر إليهم إلى أن بايع الزيدية الموطئ وكان فقيها أديبا عالما بمذهبهم قولما صواما بويع سنة خمس وأربعين وستمائة وأهم نور الدين عمر بن رسول شأنه فحاصره بحصن تلا سنة وامتنع عليه فأفرج عنه وحمل العساكر من الحصون المجاورة لحصاره ثم قتل عمر بن رسول وشغل ابنه المظفر بحصن الدملوة فتمكن الموطئ وملك عشرين مصنا وزحف إلى صعدة فغلب السليمانيين عليها وقد كانوا بايعوا الاحمد بن امامهم عبد الله المنصور ولقبوه المتوكل عند ما بويع للموطئ بالامامة في تلا لانهم كانوا ينتظرون استكمال سنه فلما بويع الموطئ بايعوه ولما غلبهم على صعدة نزل أحمد المتوكل امامهم وبايع له وأمنه وذلك سنة تسع وأربعين ثم حج سنة خمسين وبقى أمر الزيدية بصعدة في عقب الموطئ هذا وسمعت بصعدة أن الامام بصعدة كان قبل الثمانين والسبعمائة على بن محمد في أعقابهم وتوفى قبل الثمانين والسبعمائة عى بن محمد من(4/112)
أعقابهم وولى ابنه صلاح وبايعه الزيدية وكان بعضهم يقول ليس هو بامام لعدم شروط الامامة فيقول هو أنا لكم ما شئتم امام أو سلطان ثم مات صلاح آخر سنة ثلاث وتسعين وقام بعده ابنه نجاح وامتنع الزيدية من بيعته فقال أنا محتسب لله هذا ما بلغنا عنهم بمصر أيام المقام فيها والله وارث الارض ومن عليها * (الخبر عن نسب الطالبيين وذكر المشاهير من أعقابهم) * وأما نسب هؤلاء الطالبيين فأكثرها راجع إلى الحسن والحسين ابني على بن أبى طالب من فاطمة رضى الله عنها وهما سبطا الرسول صلى الله عليه وسلم والى أخيهما محمد ابن الحنفية وان كان لعلى رضى الله عنه غيرهم من الولد الا أن الذين طلبوا الحق في الخلافة وتعصبت لهم الشيعة ودعوا لهم في الجهات انما هم الثلاثة لا غيرهم فأما الحسن فمن ولده الحسن المثنى وزيد ومنهما العقب المشهود له في الدعوة والامامة ومن ولد حسن المثنى عبد الله الكامل وحسن المثلث وابراهيم العمر وعباس وداود فأما عبد الله الكامل وبنوه فقد مر ذكرهم وأنسابهم عند ذكر ابنه محمد المهدى وأخبارهم مع أبى جعفر المنصور وكان منهم الملوك الا دارسة بالمغرب الاقصى بنو ادريس بن ادريس ابن عبد الله الكامل ومن عقبهم بنو حمود ملوك الاندلس الدائلون بها من بنى أمية آخر دولتهم ومنهم بنو حمود بن أحمد بن على بن عبيد الله بن عمر بن ادريس وسيأتى ذكر أخبارهم ومنهم بنو سليمان بن عبد الله الكامل كان من عقبه ملوك اليمامة بنو محمد الاخيضر بن يوسف بن ابراهيم بن موسى الجون ومنهم بنو صالح بن موسى بن عبد الله الساقى ويلقب بأبى الكرام بن موسى الجون وهم الذين كانوا ملوكا بغانة من بلاد السودان بالمغرب الاقصى وعقبهم هنالك معروفون ومن عقبه أيضا الهواشم بنو أبى هاشم محمد بن الحسن بن محمد الاكبر بن موسى الثاني بن عبد الله أبى الكرام كانوا أمراء مكة لعهد العبيديين وقد مر ذكرهم ومن أعقابهم بنو قتادة بن ادريس
ابن مطاعن بن عبد الكريم بن موسى بن عيسى بن سليمان بن موسى الجون وملكوا مكة بعد الهواشم على يد قتادة أبيهم هذا فمنهم بنو نمى بن سعد بن على بن قتادة أمراء مكة لعهدنا ومن عقب داود بن حسن المثنى السليمانيون الذين كانوا بمكة وهم بنو سليمان ابن داود وغلبهم عليها الهواشم آخرا وصاروا إلى اليمن فقامت الزيدية بدعوتهم كما مر في أخبارهم ومن عقب حسن المثلث بن حسن المثنى حسين بن على بن حسن المثلث الخارج على الهادى وقد مر ذكره ومن عقب ابراهيم العمر بن حسن المثنى ابن طباطبا واسمه ابراهيم بن اسمعيل بن ابراهيم كان منهم محمد بن طباطبا أبو الائمة بصعدة الذين غلبهم عليها بنو سليمان بن داود بن حسن المثنى حين جاؤا من مكة ثم غلبهم(4/113)
بنو الرسى عليها ورجعوا إلى امامهم بصعدة وهم بها لهذا العهد ومنهم بنو سليمان بن داود ابن حسن المثنى وابنه محمد بن سليمان القائم بالمدينة أيام المأمون قال ابن حزم وعقبه بالمدينة لابي جعفر المنصور ولا عقب لزيد الا منه وكان من عقبه محمد بن الحسن بن محمد بن ابراهيم بن الحسن بن زيد قام بالمدينة أيام المعتمد وجاهر بالمنكرات والقتل إلى أن تعطلت الجماعات ومن عقبه أيضا القائم بطبرستان الحسن بن زيد بن محمد بن اسمعيل بن الحسن بن زيد وأخوه محمد القائم من بعده وقد مر خبرهما ومنهم الداعي الصغير بالرى وطبرستان وهو الحسن بن القاسم بن على بن عبد الرحمن بن القاسم بن محمد الطحانى بن القاسم بن الحسن بن زيد وكانت بين هذا الداعي الصغير وبين الاطروش حروب وقتل هذا الداعي سنة تسع عشرة وثلثمائة ومن عقبه أيضا القاسم بن على بن اسمعيل أحد قواد الحسن بن زيد وهم غيروا نعم أهل تلك الافاق وأذهبوا بمهجتهم وكانوا سببا لتورد الديلم ببلاد الاسلام لما يستجيشونهم وخرج معهم ومع الاطروش الحسنى ما كان ابن كالى ملك الديلم وكان مردوايح وبنو بويه من بعض رجاله وكان لهم من عشيرهم قواد ورجال تسموا باسم الديلم من أجل مرباهم بينهم والله يخلق ما يشاء (وأما الحسين)
وهو القتيل بالطعن أيام يزيد بن معاوية فمن ولده على بن زين العابدين بن زيد الشهيد ومحمد الباقر وعبد الله الارقط وعمر والحسن الاعرج فمن ولد الارقط الحسين الكويكى ابن أحمد بن محمد بن اسمعيل بن أحمد بن عبد الله الارقط كان من قواد الحسن الاطروش ابن الحسن بن على القائم بن على بن عمر قام بأرض الطالقان أيام المعتصم ثم هرب من سفك الدماء واستتر إلى أن مات وكان معتزليا ومنهم الاطروش أسلم على يديه الديلم وهو الحسن بن على بن الحسن بن على بن عمر وكان فاضلا حسن المذهب عدلا ولى طبرستان وقتل سنة أربع وثلثمائة وقام بعده أخوه محمد ومات وقام الحسين ابن أخيه محمد بن على وقتل بها سنة ست عشرة وثلثمائة قتله جيوش نصر بن أحمد بن اسمعيل بن أحمد بن نوح بن أسد السامانى صاحب خراسان ومن ولد الحسين المهرج بن زين العابدين بن عبد الله العقيقى بن الحسين كان من ولده الحسين بن محمد بن جعفر بن عبد الله العقيقى قتله الحسن بن زيد صاحب طبرستان ومنهم جعفر بن عبيد الله بن الحسين الاعرج كان شيعته يسمونه حجة الله وكان من عقبه الملقب بمسلم الذى دبر أمر مصر أيام كافور وهو محمد بن عبيد الله بن طاهر بن يحيى المحدث بن الحسين بن جعفر حجة الله وابنه طاهر ابن مسلم ومن عقب طاهر هذا أمراء المدينة لهذا العهد بنو جماز بن هبة بن جماز بن منصور بن جماز بن شيخة بن هاشم بن القاسم بن مهنى ومهنى بن مهنى بن داود بن القاسم أخى مسلم وعمر وطاهر وزعم ابن سعيد ان بنى جماز بن شيخة أمراء المدينة هؤلاء من(4/114)
ولد عيسى بن زيد الشهيد وفيه نظر ومن ولد الحسين الحسن الاعرج وزيد هو القائم بالكوفة على هشام بن عبد الملك سنة احدى وعشرين ومائة وقتل وخرج ابنه يحيى سنة خمس وعشرين بخراسان وقتل وقد انتمى صاحب الزنج في بعض أوقاته إليه وأخوه عيسى بن زيد الذى حارب المنصور أول خلافته من ولد الحسين الذى كان من عقبه يحيى بن عمر بن يحيى القائم بالكوفة أيام المستعين وكان حسن المذهب في الصحابة
واليه ينسب العمريون الذين استولوا على الكوفة أيام الديلم من قبل السلطان ببغداد وعلى بن زيد بن الحسين بن زيد قام بالكوفة ثم هرب إلى صاحب الزنج بالبصرة فقتله وأخذ جارية له كان سباها من البصرة ومن ولد محمد الباقر بن زيد العابدين عبد الله الافطح وجعفر الصادق فكانت لعبد الله الافطح شيعة يدعون اماميته منهم زرارة بن أعين الكوفى ثم قام بالمدينة وسأله عن مسائل من الفقه فألفاه جاهلا فرجع عن القول بامامته فانقطعت الافطحية وزعم ابن حزم أن بنى عبيد ملوك مصر ينسبون إليه وليس ذلك بصحيح ومن ولد جعفر الصادق اسمعيل الامام وموسى الكاظم ومحمد الديباجة فأما محمد الديباجة فخرج بمكة أيام المأمون وبايع له أهل الحجاز بالخلافة وحمله المعتصم لما حج وجاء به إلى المأمون فعفا عنه ومات سنة ثلاثا ومائتين وأما اسمعيل الامام وموسى الكاظم فعليهما وعلى بينهما مدار اختلاف الشيعة وكان الكاظم على زى الاعراب مائلا إلى السواد وكان الرشيد بؤثره ويتجافى عن السعاية فيه كما مر ثم حبسه ومن عقبه بقية الائمة الاثنى عشر عند الامامية من لدن على بن أبى طالب الوصي ووفاته سنة خمس وثلاثين ثم ابنه الحسن ووفاته سنة خمس وأربعين ثم أخوه الحسين ومقتله سنة احدى وستين ثم ابنه زين العابدين ووفاته ثم ابنه محمد الباقر ووفاته سنة احدى وثمانين ومائة ثم ابنه جعفر الصادق ووفاته سنة ثلاث وأربعين ومائة ثم ابنه موسى الكاظم ووفاته سنة ثلاث وثمانين ومائة وهو سابع الائمة عندهم ثم ابنه على الرضا ووفاته سنة ثلاث ومائتين ثم ابنه محمد المقتفى ووفاته سنة عشرين ومائتين ثم ابنه على الهادى ووفاته سنة أربع وخمسين ومائتين ثم ابنه حسن العسكري ووفاته سنة ستين ومائتين ثم ابنه محمد المهدى وهو الثاني عشر وهو عندهم حى منتظر وأخبارهم معروفة ومن عقب موسى الكاظم من غير الائمة ابنه ابراهيم المرتضى ولاه محمد بن طباطبا وأبو السرايا على اليمن فذهب إليها ولم يزل بها أيام المأمون يسفك الدماء حتى لقبه الناس بالجزار وأظهر الامامة عند ما عهد المأمون لاخيه
الرضا ثم اتهم المأمون بقتله فجاهر وطلب لنفسه ثم عقد المأمون على حرب الفاطميين باليمن لمحمد بن زياد بن أبى سفيان لما بينهم من البغضاء فأوقع بهم مرارا وقتل شيعتهم(4/115)
وفرق جماعتهم ومن عقبه موسى بن ابراهيم جد الشريف الرضى والمرتضى واسم كل منهما على بن الحسين بن محمد بن موسى بن ابراهيم ومن عقب موسى الكاظم ابنه زيد ولاه أبو السرايا على الاهواز فسار إلى البصرة وملكها وأحرق دور العباسيين بها فسمى زيد النار ومن عقبه زيد الجنة بن محمد بن زيد بن الحسن بن زيد النار من أفاضل هذا البيت وصلحائهم حمل إلى بغداد في محنة الفاطميين أيام المتوكل ودفع إلى ابن أبى دواد يمتحنه فشهد له وأطلقه ومن عقب موسى الكاظم ابنه اسمعيل ولاه أبو السرايا على فارس ومن عقب جعفر الصادق من غير الائمة محمد وعلى ابنا الحسين بن جعفر قاما بالمدينة سنة احدى وسبعين ومائتين وسفكا الدماء وانتهبا الاموال واستلحما آل جعفر بن أبى طالب وأقامت المدينة شهرا لاتقام فيها جمعة ولا جماعة ومن عقب اسمعيل الامام العبيديون خلائف القيروان ومصر بنو عبيد الله المهدى بن محمد بن جعفر بن محمد بن جعفر بن محمد بن اسمعيل وقد مر ذكرهم وما للناس من الخلاف في نسبهم وهو مطروح كله وهذا أصح ما فيه وقال ابن حزم انهم من بنى حسن البغيض وهو عم المهدى وعنده أنها دعوى منهم (وأما محمد ابن الحنفية) فكان من ولده عبد الله بن عباس وأخوه على بن محمد وابنه الحسن بن على بن محمد وكل ادعت الشيعة امامته وخرج باليمن على المأمون ولد على من غير هؤلاء عبد الرحمن بن أحمد بن عبد الله ابن محمد بن على بن أبى طالب ومن ولد جعفر بن أبى طالب عبد الله بن معاوية بن عبد الله ابن جعفر بن أبى طالب القائم بفارس وبويع بالكوفة وأراد بعض شيعة العباسية تحويل الدعوة إليه فمنع أبو مسلم من ذلك وكانت له شيعة ينتظرونه وساقوا الخلافة إليه من أبى هاشم بن محمد ابن الحنفية بالوصية وكان فاسقا وكان معاوية ابنه نظير أبيه في الشر
انتهى الكلام في أنساب الطالبيين وأخبارهم فلنرجع الان إلى أخبار بنى أمية بالاندلس المناز عين للدعوة العباسية ثم نرجع إلى دول القائمين بالدعوة العباسية المستبدين عليهم من العرب والترك واليمن والجزيرة والشأم والعراق والمغرب والله المستعان (الخبر عن دولة بنى أمية بالاندلس من هذه الطبقة المنازعين للدعوة) العباسية وبداية أمرهم وأخبار ملوك الطوائف من بعدهم) كان هذا القطر الاندلسي من العدوة الشمالية عن عدوة البحر الرومي وبالجانب الغربي منها يسمى عند العرب اندلوش وتسكنه أمم من افرنجة المغرب أشدهم وأكثرهم الجلالقة وكان القوط قد تملكوه وغلبوا على أمره لمئين من السنين قبل الاسلام بعد حروب كانت لهم مع اللطينيين حاصروا فيها رومة ثم عقدوا معهم السلم على أن تنصرف(4/116)
القوط إلى الاندلس فساروا إليها وملكوها ولما أخذ الروم واللطينيون لبسلة النصرانية حملوا من وراءهم بالمغرب من أهل افرنجة والقوط عليها فدانوا بها وكان ملوك القوط ينزلون طليطلة وكانت دار ملكهم وربما ما بينها وبين قرطبة وما ردة واشبيلية وأقاموا كذلك نحو أربعمائة سنة إلى أن جاء الله بالاسلام والفتح وكان ملكهم لذلك العهد يسمى لزريق وهو سمة لملوكهم كجرجير سمة ملوك صقلية ونسب القوط وخبر دولتهم قد تقدم وكانت لهم حظوة وراء البحر في هذه العدوة الجنوبية حظوها من فرضة المجاز بطنجة ومن زقاق البحر إلى بلاد البربر واستعبدوهم وكان ملك البرابرة بذلك القطر الذى هو اليوم جبال غمارة يسمى بليان وكان يدين بطاعتهم وبملتهم وموسى بن نصير أمير العرب إذ ذاك عامل على افريقية من قبل الوليد ابن عبد الملك ومنزله بالقيروان وكان قد أغزى لذلك العهد عساكر المسلمين بلاد المغرب الاقصى ودوخ أقطاره وأوغل في جبال طنجة هذه حتى وصل خليج الزقاق واستنزل
بليان لطاعة الاسلام وخلف مولاه طارق بن زياد الليئى واليا بطنجة وكان بليان ينقم على لزريق ملك القوط لعهده بالاندلس لفعله بابنته في داره كما زعموا على عادتهم في بنات بطارقتهم فغضب لذلك وأجاز إلى لزريق فأخذ ابنته منه ثم لحق بطارق فكشف للعرب عورة القوط ودلهم على غرة فيهم أمكنت طارقا الفرصة فانتهزها لوقته وأجاز البحر سنة ثنتين وتسعين من الهجرة باذن أميره موسى بن نصير في نحو ثلثمائة من العرب وانتهب معهم من البربر زهاء عشرة آلاف فصيرهم عسكرا ونزل بهم جبل الفتح فسمى جبل طارق به والاخر على طريف بن مالك النخعي ونزل بمكان مدينة طريف فسمى به وأداروا الاسوار على أنفسهم للتحصين وبلغ الخبر لزريق فنهض إليهم يجر أمم الاعاجم وأهل ملة النصرانية في زهاء أربعين ألفا فالتقوا بفحص شريش فهزمه إليه ونفلهم أموال أهل الكفر ورقابهم وكتب طارق إلى موسى بن نصير بالفتح وبالغنائم فحركته الغيرة وكتب إلى طارق يتوعده بأنه يتوغل بغير اذنه ويأمره أن لا يتجاوز مكانه حتى يلحق به واستخلف على القيروان ولده عبد الله وخرج معه حسين بن أبى عبد الله المهدى الفهرى ونهض من القيروان سنة ثلاث وتسعين من الهجرة في عسكر ضخم من وجوه العرب والموالي وعرفاء البربر ووا في خليج الزقاق ما بين طنجة والجزيرة الخضراء فأجاز إلى الاندلس وتلقاه طارق وانقادو اتبع وتمم موسى الفتح وتوغل في الاندلس إلى برشلونة في جهة الشرق وأربونة في الجوف وصنم قادس في الغرب ودوخ أقطارها وجمع غنائمها وجمع أن يأتي المشرق على القسطنطينية ويتجاوز إلى الشأم ودروب الاندلس ويخوض ما بينها من بلاد الاعاجم أمم(4/117)
النصرانية مجاهدا فيهم مستلحما لهم إلى أن يلحق بدار الخلافة ونمى الخبر إلى الوليد فاشتد قلقه بمكان المسلمين من دار الحرب ورأى أن ما هم به موسى غرر بالمسلمين فبعث إليه بالتوبيخ والانصراف وأسر إلى سفيره أن يرجع بالمسلمين ان لم يرجع هو وكتب له
بذلك عهده ففت ذلك في عزم موسى وقفل عن الاندلس بعد أن أنزل الرابطة والحامية بثغورها واستعمل ابنه عبد العزيز لغزوها وجهاد أعدائها وأنزله بقرطبة فاتخذها دار امارة واحتل موسى بالقيروان سنة خمس وتسعين وارتحل إلى الشرق سنة ست بعدها بما كان معه من الغنائم والذخائر والاموال على العجل والظهر يقال كان من جملتها ثلاثون ألف فارس من السبى وولى على افريقية ابنه عبد الله وقدم على سليمان فسخطه ونكبه وسارت عساكر الاندلس بابنه عبد العزيز باغراء سليمان فقتلوه لسنتين من ولايته وكان خيرا فاضلا وافتتح في ولايته مدائن كثيرة وولى من بعده أيوب بن حبيب اللخمى وهو ابن أتخت موسى بن نصير فتولى عليها سنة أشهر ثم تتابعت ولاة العرب على الاندلس فتارة من قبل الخليفة وتارة من قبل عامله على القيروان وأثخنوا في أمم الكفروا فتتحوا برشلونة من جهة الشرق وحصون بشتالة وبسائطها من جهة الجوف وانقرضت أمم القوط وارز الجلالقة ومن بقى من أمم العجم إلى جبال فشتالة واربونة وأفواه الدروب فتحصنوا بها وأجازت عساكر المسلمين ما وراء برشلونة من دروب الجزيرة حتى احتلوا بسائط وراءها وتوغلوا في بلاد الفرنجة وعصف ريح الاسلام بأمم الكفر من كل جهة وربما كان بين جنود الاندلس من العرب اختلاف وتنازع أوجب للعدو بعض الكرة فرجع الفرنج ما كانوا غلبوهم عليه وكان محمد بن يزيد عامل افريقية لسليمان بن عبد الملك لما بلغه مهلك عبد العزيز بن موسى بن نصير بعث إلى الاندلس الحرب بن عبد الرحمن بن عثمان فقدم الاندلس وعزل أيوب بن حبيب وولى سنتين وثمانية أشهر ثم بعث عمر بن عبد العزيز على الاندلس السنخم بن مالك الخولانى على رأس المائة من الهجرة وأمره أن يخمس أرض الاندلس فخمسها وبنى قنطرة قرطبة واستشهد غازيا بأرض الفرنجة سنة ثنتين ومائة فقدم أهل الاندلس عليهم عبد الرحمن بن عبد الله الغافقي إلى أن قدم عنبسة بن شحيم الكلبى من قبل يزيد بن مسلم عامل افريقية وكان أولهم يحيى بن سلمة الكلبى
أنقذه حنظلة ابن صفوان الكلبى والى افريقية لما استدعى منه أهل الاندلس واليا بعد مقتل عنبسة فقدمها آخر سنة سبع وأقام في ولايتها سنتين ونصفا ولم يغز ثم قدم إليها عثمان بن أبى واليا من قبل عبيدة بن عبد الرحمن السلمى صاحب افريقية وعزله لخمسة أشهر بحذيفة بن الاحوص العتبى فوافاها سنة عشر(4/118)
وعزل قريبا يقال لسنة من ولايته واختلف هل تقدمه عثمان أم هو تقدم عثمان ثم ولى بعده الهيثم بن عبيد الكلابي من قبل عبيدة بن عبد الرحمن أيضا قدم في المحرم سنة احدى عشرة وغزا أرض مقرشة فافتتحها وأقام عشرة أشهر وتوفى سنة ثلاث عشرة لسنتين من ولايته وقدم بعده محمد بن عبيد الله بن الحجاب صاحب افريقية فدخلها سنة ثلاث عشرة وغزا افرنجة وكانت له فيهم وقائع وأجب عسكره في رمضان سنة أربع عشرة فولى سنتين وقال الواقدي أربع سنين وكان ظلوما جائرا في حكومته وغزا أرض البشكنس سنة خمس عشرة ومائة وأوقع بهم وغنم ثم عزل في رمضان سنة ست عشرة وولى عتبة بن الحاج السلولى من قبل عبيد الله بن الحجاب فقدم سنة سبع عشرة وأقام خمس سنين محمود السيرة مجاهدا مظفرا حتى بلغ سكنى المسلمين أرمونة وصار مساكنهم على نهر ودونة ثم قام عليه عبد الملك بن قطن الفهرى سنة احدى وعشرين فخلعه وقتله ويقال أخرجه من الاندلس وولى مكانه إلى أن دخل بلخ بن بشر بأهل الشأم سنة أربع وعشرين كما مر فغلب عليه وولى الاندلس سنة أو نحوها وقال الرازي ثار أهل الاندلس بعقبة بن الحجاج أميرهم في صفر من سنة ثلاث وعشرين في خلافة هشام بن عبد الملك وولوا عليهم عمد الملك بن قطن ولايته الثانية فكانت ولاية عقبة ستة أعوام وأربعة أشهر وتوفى بسر قوسة في صفر سنة ثلاث وعشرين واستقام الامر لعبد الملك ثم دخل بلخ بن بشر من أهل الشأم ناجيا من وقعة كلثوم بن عياض مع البربر محلومه فثار على عبد الملك وقتله وانحاز الفهريون إلى جانب
فامتنعوا عليه وكاشفوه واجتمع عليهم من نكر فعلته بابن قطن وقام بأمرهم قطن وأمية ابنا عبد الملك بن قطن والتقوا فكانت الدبرة على الفهريين وهلك بلخ من الجراح التى أصابته في حربهم وذلك سنة أربع وعشرين لسنة أو نحوها من امارته ثم ولى ثعلبة بن سلامة الجذامي غلب على امارة الاندلس بعد مهلك بلخ وانحاز عنه الفهريون فلم يطيعوه وولى سنين أظهر فيها العدل ودانت له الاندلس عشرة أشهر إلى أن ثار به العصبة اليمانية فعسر أمره وهاجت الفتنة وقدم أبو الخطار حسام بن ضرار الكلبى من قبل حنظلة بن صفوان عامل افريقية وركب إليها البحر من تونس سنة خمس وعشرين فدانت له أهل الاندلس وأقبل إليه ثعلبة وابن أبى سعدوا بنا عبد الملك فلقيهم وأحسن إليهم واستقام أمره وكان شجاعا كريما ذارأى وحزم وكثر أهل الشأم عنده ولم تحملهم قرطبة ففرقهم في البلاد وأنزل أهل دمشق البيرة لشبهها بها وسماها دمشق وأنزل أهل حمص اشبيلية وسماها حمص لشبهها بها وأهل قنسرين حسان وسماها قنسرين واهل الاردن ريه وهى مالقة وسماها الاردن وأهل فلسطين شدونة(4/119)
وهى شريش وسماها فلسطين وأهل مصر تدمير وسماها مصر وقفل ثعلبة إلى الشرق ولحق بمروان بن محمد وحضر حروبه وكان أبو الخطاب أعرابيا عصبيا أفرط عند ولايته في التعصب لقومه من اليمانية وتحامل على المصرية وأسخط قيسا وأمر في بعض الايام بالضميل بن حاكم كبير القيسية وكان من طوالع بنخ وهو الضميل بن حاكم بن شمر بن ذى الجوشن ورأس على الحصرية فأمر به يوما فأقيم من مجلسه وتقنع فقال له بعض الحجاب وهو خارج من القصر أقم عمامتك يا أبا الجوشن فقال ان كان لى قوم فسيقيمونها فسار الضميل بن حاتم زعيمهم يومئذ وألب عليه قومه واستعان بالمنحرفين عنه من اليمنية فخلع أبا الخطاب سنة ثمان وعشرين لاربع سنين وتسعة أشهر من ولايته وقدم مكانه ثوابة من سلامة الجذامي وهاجت الحرب المشهورة وخاطبوا بذلك
عبد الرحمن بن حبيب صاحب افريقية فكتب إلى ثوابة بعهده على الاندلس منسلخ رجب سنة تسع وعشرين فضبط الاندلس وقام بأمره الضميل واجتمع عليه الفريقان وهلك لسنين من ولايته ووقع الخلاف بافريقية وتلاشت أمور بنى أمية بالمشرق وشغلوا عن قاصية المغرب بكثرة الخوارج وعظم أمر المسودة فبقى أهل الاندلس فوضى ونصبوا للاحكام خاصة عبد الرحمن بن كثير ثم اتفق جند الاندلس على اقتسام الامارة بين المضرية واليمنية وادالتها بين الجندين سنة لكل دولة وقدم المضرية على أنفسهم يوسف بن عبد الرحمن الفهرى سنة تسع وعشرين واستقر سنة ولايته بقرطبة دار الامارة ثم وافقتهم اليمنية لميعاد ادالتهم واثقين بمكان عهدهم وتراضيهم واتفاقهم فبيتهم يوسف بمكان نزلهم من شقندة من قرى قرطبة من الضميل بن حاتم والقيسية والمضرية فاستلحموهم واستبد يوسف بما وراء البحرين عدوة الاندلس وغلب اليمنية على أمرهم فاستكانوا للغلبة وتربصوا بالدوائر إلى أن جاء عبد الرحمن الداخل فكان يوسف بن عبد الرحمن قد ولى الضميل بن حاتم سرقسطة فلما ظهر أمر المسودة بالمشرق ثار الحباب بن رواحة الزهري بالاندلس داعيالهم وحاصر الضميل بسرقسطة واستمد يوسف فلم يمده رجاء هلاكه بما كان يغص به وأمدته القيسية فأخرج عنه الحباب وفارق الضميل سرقسطة فملكها الحباب وولى يوسف الضميل على طليطلة إلى أن كان من أمر عبد الرحمن الداخل ما نذكره * (مسير عبد الرحمن الداخل إلى الاندلس وتجديده الدولة بها) * لما نزل ما نزل ببنى أمية بالمشرق وغلبهم بنو العباس على الخلافة وأزالوهم عن كرسيها وقتل عبد الله بن محمد بن مروان بن الحكم آخر خلفائهم سنة ثنتين وثلاثين ومائة وتتبع بنو مروان بالقتل فطلبوا من بعدها بطن الارض وكان ممن أفلت منهم عبد الرحمن بن(4/120)
معاوية بن هشام بن عبد الملك وكان قومه يتحينون له ملكا بالمغرب ويرون فيه علامات
لذلك يؤثرونها عن مسلمة بن عبد الملك وكان هو قد سمعها منه مشافهة فكان يحدث نفسه بذلك فخلص إلى المغرب ونزل على أخواله نفرة من برابرة طرابلس وشعربه عبد الرحمن بن حبيب وكان قتل ابني الوليد بن عبد الملك لما دخلا افريقية من قبله فلحق عبد الرحمن بمغيلة ويقال بمكناسة ويقال نزل على قوم من زنانة فاحسنوا قبوله واطمأن فيهم ثم لحق بمليلة وبعث بدرا مولاه إلى من بالاندلس من موالى المروانيين وأشياعهم فاجتمع بهم وبثوا له با لاندلس دعوة ونشروا له ذكرا ووافق ذلك ما قدمناه من الفتنة بين اليمنية والمضرية فاجتمعت اليمنية على أمره ورجع إليه بدر مولاه بالخبر فأجاز البحر سنة ثمان وثلاثين في خلافة أبى جعفر المنصور ونزل بساحل السند وأتاه قوم من اهل اشبيلية فبايعوه ثم انتقل إلى كورة رحب فبايعه عاملها عيسى بن مسور ثم رجع إلى شدونة فبايعه عتاب بن علقمة اللخمى ثم أتى مورور فبايعه ابن الصباح ونهز الى قرطبة واجتمعت عليه اليمنية ونمى خبره إلى والى الاندلس يوسف بن عبد الرحمن الفهرى وكان غازيا بجليقة فانفض عسكره وسار إلى قرطبة وأشار عليه وزيره الضميل بن حاتم بالتلطف له والمكربه فلم يتم له مراده وارتحل عبد الرحمن من المنكب فاحتل بمالقة فبايعه جندها ثم برندة فبايعه جندها ثم بشريش كذلك ثم باشبيلية فتوافت عليه الامداد والامصار وتسايلت المضرية إليه حتى إذا لم يبق مع يوسف ابن عبد الرحمن غير الفهرية والقيسية لمكان الضميل منه زحف إليه حينئذ عبد الرحمن بن معاوية وناجزهم الحرب بظاهر قرطبة فانكشف ورجع إلى غرناطة فتحصن بها وأتبعه الامير عبد الرحمن فنازله ثم رغب إليه يوسف في الصلح فعقد له على ان يسكن قرطبة وأقفله معه ثم نقض يوسف عهده وخرج سنة احدى وأربعين ولحق بطليطلة واجتمع إليه زهاء عشرين ألفا من البربر وقدم الامير عبد الرحمن للقائه عبد الملك بن عمر المروانى كان وفد عليه من المشرق وكان أبوه عمر بن مروان بن الحكم في كفالة أخيه عبد العزيز بمصر فلما هلك سنة خمس عشر بقى عبد الملك بمصر فلما دخلت المسودة
أرض مصر خرج عبد الملك يوم الاندلس في عشرة رجال من بيته مشهورين بالبأس والنجدة حتى نزل على عبد الرحمن سنة احدى وأربعين فعقد له على اشبيلية ولابنه عمر بن عبد الملك على مورور وسار يوسف اليهما وخرجا إليه فلقياه وتناجز الفريقان فكانت الدبرة على يوسف وأبعد الفر واغتاله بعض أصحابه بناحية طليطلة واحتز رأسه وتقدم به إلى الامير عبد الرحمن فاستقام أمره واستقر بقرطبة وبنى القصر والمسجد الجامع أنفق ثمانين ألف دينار ومات قبل تمامه وبنى مساجد ووفد عليه جماعة من أهل بيته(4/121)
من المشرق وكان يدعو للمنصور ثم قطعها لما تم له الملك بالاندلس ومهد أمرها وخلد لبنى مروان السلطان بها وجدد ما طمس لهم بالمشرق من معالم الخلافة وآثارها واستلحم الثوار في نواحيها وقطع دعوة العباسيين من منابرها ومد المذاهب منهم دونها وهلك سنة ثنتين وسبعين ومائة وكان يعرف بعبد الرحمن الداخل لان اول داخل من ملوك بنى مروان هو وكان أبو جعفر المنصور يسميه صقر بنى امية لما رأى ما فعل بالاندلس وما ركب إليها من الاخطار وانه صمد إليها من أنأى ديار المشرق من غير عصابة ولا قوة ولا انصار فغلب على أهلها وعلى أميرهم وتناول الملك من أيديهم بقوة شكيمة وامضاء عزم ثم تحلى واطيع وأورثه عقبه وكان عبد الرحمن هذا يلقب بالامير وعليه جرى بنوه من بعده فلم يدع أحد منهم بأمير المؤمنين إذ بايع الخلافة بمقر الاسلام ومبتدا العرب حتى كان عبد الرحمن الناصر وهو الثامن منهم على ما نذكره فتسمى بأمير المؤمنين وتوارث ذلك بنوه واحدا بعد واحد وكان لبنى عبد الرحمن الداخل بهذه العدوة الاندلسية ملك ضخم ودولة ممتعة اتصلت إلى ما بعد المائة الرابعة كما نذكر وعند ما شغل المسلمون بعبد الرحمن وتمهيد أمره قوى أمر الخلافة واستفحل سلطانه وتجهز فرويلة بن الافونش ملكهم سار إلى ثغور البلاد فأخرچ المسلمين منها وملكها من أيديهم وردمد يزلك وبريعال وسمورة وسلمنقة وقشتالة وسقونية وصارت للجلالقة حتى
افتتحها المنصور بن أبى عامر رئيس الدولة كما نذكر في أخباره ثم استعادوها بعده من بلاد الاندلس واستولوا على جميعها وكان عبد الرحمن عند ما تمهد له الامر بالاندلس ودعا للسفاح ثم خلعه واستبد بأمره كما ذكرناه وجد هشام بن عبد ربه الفهرى مخالفا بطليطلة على يوسف من قبله وبقى على خلافه ثم أغزاه عبد الرحمن سنة تسع وأربعين يدرا مولاه وتمام بن علقمة فحاصراه ومعه حيوة بن الوليد الحصبى وحمزة بن عبد الله بن عمر حتى غلباه وجاء بهم إلى قرطبة فصلبوا وسار من افريقية سنة تسع وأربعين العلاء بن مغيث اليحصبى ونزل باجة من بلاد الاندلس داعيا لابي جعفر المنصور واجتمع إليه خلق فسار عبد الرحمن إليه ولقيه بنواحي اشبيلية فقاتله أياما ثم انهزم العلاء وقتل في سبعة آلاف من أصحابه وبعث عبد الرحمن برؤس كثيرة منهم إلى القيروان ومكة فألقيت في أسواقها سرا ومعها اللواء الاسود وكاتب المنصور للعلاء ثم ثار سعيد اليحصبى المعروف بالمطرى بمدينة لبلة طالبا بثنار من قتل من اليمنية مع العلاء وملك اشبيلية وسار إليه عبد الرحمن فامتنع ببعض الحصون فحاصره وكان عتاب بن علقمة اللخمى بمدينة شدونة فامد المطرى وبعث عبد الرحمن بدرا مولاه فحال دون المدد ودون المطرى ثم طال عليه الحصار وقتل في بعض أيامه وولى مكانه بالقلعة(4/122)
خليفة بن مروان ثم استأمن من بالقلعة إلى عبد الرحمن وأسلموا إليه الحصن فحربه وقتل عبد الرحمن خليفة ومن معه ثم سار إلى غياث فحاصره بشدونة حتى استأمنوا فأمنهم وعاد إلى قرطبة فخرج عليه عبد الرحمن بن خراشة الاسدي بكورة جيان وبعث إليه العساكر فافترق جمعه واستأمن فأمنه ثم خرج عليه سنة خمس غياث بن المستبد الاسدي فجمع عامل باجة العساكر وسار إليه فهزمه وقتله وبعث برأسه إلى عبد الرحمن بقرطبة وفى هذه السنة شرع عبد الرحمن في بناء السور على قرطبة ثم ثار رجل بشرق الاندلس من بربر مكناسة يعرف بشقنا بن عبد الواحد كان يعلم الصبيان وادعى انه من
ولد الحسين الشهيد وتسمى بعبد الله بن محمد وسكن شنة برية واجتمع إليه خلق من البربر فسار إليه عبد الرحمن فهرب في الجبال واعتصم بها فرجع وولى على طليطلة حبيب بن عبد الملك فولى حبيب شنة برية سليمان بن عثمان بن مروان بن عثمان بن أبان بن عثمان ابن عفان فسار إليه سليمان وقتله وغلب على ناحية فورية فسار إليه عبد الرحمن سنة ثنتين وخمسين وأعياه أمره وصار ينتقل في البلاد ويهزم العساكر وكان سكن بحصن شيطران من جبال بلنسية فسار إليه عبد الرحمن سنة ست وخمسين واستخلف على قرطبة ابنه سليمان فأتاه الخبر بعصيان أهل اشبيلية وثورة عبد الغفار وحيوة بن قلاقس مع اليمانية فرجع عن شقنا وها له أمر اشبيلية وقدم عبد الملك بن عمر لقتالهم فساروا إليه ولقيهم مستميتا فهزمهم وأثخن فيهم ولحق بعبد الرحمن فشكر ها له وجزاه خيرا ووصله بالصهر وولاه الوزارة ونجا عبد الغفار وحيوة بن قلاقس إلى اشبيلية فسار عبد الرحمن سنة سبع وخمسين إليها فقتلهم وقتل خلقا ممن كان معهم واستراب من يومئذ بالعرب فرجع إلى اصطناع القبائل من سواهم واتخاذ الموالى ولما كانت سنة احدى وستين غدر بشقنا رجلان من أصحابه وجاء برأسه إلى عبد الرحمن ثم سار عبد الرحمن بن حبيب الفهرى المعروف بالقلعى من افريقية إلى الاندلس مظهرا للدعوة العباسية ونزل بتدمير واجتمع إليه البربر وكان سليمان بن يقظان عاملا على برشلونة فكتب إليه يدعوه إلى أمره فلم يجبه فسار إليه في البربر ولقيه سليمان فهزمه وعاد إلى تدمير وزحف إليه عبد الرحمن من قرطبة فاعتصم بجبل بلنسية فبذل عبد الرحمن فيه الاموال فاغتاله رجل من أصحابه البربر وحمل رأسه إلى عبد الرحمن وذلك سنة ثنتين وستين ورجع عبد الرحمن إلى قرطبة ثم خرج دحية الغساني في بعض حصون البيرة فبعث إليه شهيد بن عيسى فقتله وخالف البربر وعليهم بحرة بن البرانس فبعث بدرا مولاه فقتله وفرق جموعهم وفر القائد السلمى من قرطبة إلى طليطلة وعصى بها فبعث حبيب بن عبد الملك وحاصره فهلك في الحصار وزحف عبد الرحمن سنة أربع(4/123)
وستين إلى سرقسطة وبها سليمان بن يقظان والحسين بن عاصي وقد حاصرهما ثعلبة بن عبيد من قواده فامتنعت عليه وقبض سليمان على ثعلبة وبعث إلى ملك الفرنج فجاء وقد تنفر عنه الحصار فدفع إليه ثعلبة ثم غلب الحسين على سليمان وقتله وانفرد فحاصره عبد الرحمن حتى صالحه وسار إلى بلاد الفرنج والبشكنس ومن وراءهم من الملوك ورجع إلى وطنه وغدر الحسين بسرقسطة فسار إليه عامله ابن علقمة فأسر أصحابه ثم سار إليه عبد الرحمن سنة ست وستين وملكها عنوة وقتل الحسين وقتل أهل سرقسطة ثم خرج سنة ثمان وستين أبو الاسود محمد بن يوسف بن عبد الرحمن فلقيه بقسطلونة وهزمه وأثخن في أصحابه ثم لقيه ثانية سنة تسع وستين فهزمه ثم هلك سنة سبعين في اعمال طليطلة وقام مكانه أخوه قاسم وغزاه عبد الرحمن فحاصره فجاء بغير امان فقتله ثم توفى عبد الرحمن سنة ثنتين وسبعين ومائة لثلاثة وثلاثين سنة من امارته * (وفاة عبد الرحمن الداخل وولاية ابنه هشام) * ولما هلك عبد الرحمن كان ابنه الاكبر سليمان واليا على طليطلة وكان ابنه هشام على ما ردة وكان قد عهد له بالامر وكان ابنه عبد الله المسكين حاضرا بقرطبة فأخذ البيعة لاخيه هشام وبعث إليه بالخبر فسار إلى قرطبة وقام بالدولة وغص بذلك أخوه سليمان فأظهر الخلاف بطليطلة ولحق به أخوه عبد الله وبعث هشام في أثره فلم يلحق وسار هشام في العساكر فحاصرهم بطليطلة وخالفه سليمان إلى قرطبة فلم يظفر بشئ منها وبعث هشام بن عبد الملك في أثره فقصد ما ردة فحاربه عامله وهزمه الله بغير أمان ودخل في طاعته فأكرمه ثم بعث سنة أربع وسبعين ابنه معاوية لحصار أخيه سليمان بتدمير فدوخ نواحيها وهرب سليمان إلى جبال بلنسية فاعتصم بها ورجع معاوية إلى أبيه بقرطبة ثم طلب سليمان العبور إلى عدوة البربر بأهله وولده فأجازه هشام وأعطاه ستين ألف دينار صلحا على تركة أبيه وأقام بعدوة المغرب وسار معه أخوه عبد الله
ثم خرج على هشام سعيد بن الحسين بن يحيى الانصاري بطرسوسة من شرق الاندلس وكان قد التجأ إليها حين قتل أبوه ودعى إلى اليمانية فملكها وأخرج عاملها يوسف العبسى فعارضه موسى بن فرقوق في المضرية بدعوة هشام وخرج أيضا مطروح بن سليمان بن يقظان بمدينة برشلونة وملك مدينة سرقسطة واشقة وكان هشام في شغل بأمر أخويه فلما فرغ منهما بعث أبا عثمان عبيد الله بن عثمان بالعساكر إلى مطروح فحاصره بسرقسطة أياما ثم أفرج عنه ونزل بطرسوسة قريبا وأقام بتحيفة ثم غدر بمطروح بعض أصحابه وجاء برأسه إلى أبى عثمان فبعث به إلى هشام وسار إلى سرقسطة فملكها ثم دخل إلى دار الحرب غازيا وقصد ألبة والقلاع فلقى العدو وظفر بهم وفتح الله(4/124)
عليه وذلك سنة خمس وسبعين وبعث هشام العساكر مع يوسف بن نحية إلى جليقة فلقى ملكها ابن مند وهزمه وأثخن في العدو وفى هذه السنة دخل أهل طليطلة في طاعة الامير هشام بعد منصرف أخويه عنهم فقبلهم وأمنهم وبعث عليها ابنه الحكم واليا فضبطها وأقام بها وفى سنة ست وسبعين بعث هشام وزيره عبد الملك بن عبد الواحد بن مغيث لغزاة العدو فبلغ ألبة والقلاع وأثخن في نواحيها ثم بعثه في العساكر إلى أريونة وجرندة فاثخن فيهما ووطئ أرض سرطانية وتوغل في بلادهم ورجع بالغنائم التى لا تحصى واستمد الطاغية بالبشكنس وجيرانه من الملوك فهزمهم عبد الملك ثم بعث بالعساكر مع عبد الكريم بن عبد الواحد إلى بلاد جليقة فأثخنوا في بلاد العدو وغنموا ورجعوا وفى هذه السنة هاجت فتنة بتاكدنا وهى بلاد رندة من الاندلس وخلع البربر هنالك الطاعة فبعث إليهم هشام ابن عبد القادر بن أبان بن عبد الله مولى معاوية ابن أبى سفيان فأبادهم وخرب بلادهم وفرمن بقى منهم فدخلوا في القبائل ويقيت تأكدنا قفراء خالية سبع سنين وفى سنة تسع وسبعين بعث هشام الحاجب عبد الملك بن عبد الواحد بن مغيث في العساكر إلى جليقة فانتهى إلى سترقة فجمع ملك الجلالقة
واستمد بالملوك ثم حام عن اللقاء ورجع أدارجة وأتبعه عبد الملك وتوغل في بلادهم وكان هشام قد بعث الجيوش من ناحية أخرى فالتقوا بعبد الملك وأثخنوا في البلاد واعترضهم عسكر الافرنج فنالوا منهم بعض الشئ ثم خرجوا ظافرين سالمين * (وفاة هشام وولاية ابنه الحكم) * ثم توفى هشام بن عبد الرحمن سنة ثمانين ومائة لسبع سنين من امارته وقيل ثمان سنين وكان من أهل الخير والصلاح وكان كثير الغزو والجهاد وهو الذى أكمل بناء الجامع بقرطبة الذى كان أبوه شرع فيه وأخرج المصرف لاخذي الصدقة على الكتاب والسنة ولما مات ولى ابنه الحكم بعده فاستكثر من المماليك وارتباط الخيل واستفحل ملكه وباشر الامور بنفسه ولاول ولايته أجاز ابنه عبد الله البلنسى من عدوة المغرب فملك بلنسية ثم أخوه سليمان من طنجة فحاربهما الحكم سنة ثم ظفر بعمه سليمان فقتله ستة أربع وثمانين وأقام عبد الله ببلنسية وكف عن الفتنة وأرسل الحكم في الصلح على يد يحيى بن يحيى الفقيه وغيره فصالحه سنة ست وثمانين وفى خلال الفتنة مع عميه سليمان وعبد الله اغتنم الفرنج الفرصة واجتمعوا وقصد وابرشلونة فملكوها سنة خمس وثمانين وتاخرت عساكر المسلمين إلى ما دونها وبعث الحكم العساكر إلى برشلونة مع الحاجب عبد الكريم بن مغيث إلى بلاد الجلالقة فأثخن فيها وخالفهم العدو إلى المضايق فرجع إلى التعبية وظفر بهم ورجع إلى بلاد الاسلام ظافرا وفى سنة احدى وثمانين ثار(4/125)
البهلول بن مرزوق بناحية الثغر وملك سرقسطة وفيها جاء عبد الله البلنسى عم الحكم كما ذكرناه وفى هذه السنة خالف عبيدة بن عمير بطليطلة وكان القائد عمروس بن يوسف من قواد الحكم بطلبيرة فكتب إلى هشام بحصارهم فحاصرهم ثم استمال بنى مخشى من أهل طليطلة فقتلوا عبيدة وبعثوا برأسه إلى عمروس فبعث به إلى الحكم وأنزل بنى مخشى عنده فقتلهم البربر بطلبيرة بثار كاتب لهم وقتل عمروس الباقين واستقامت تلك
الناحية واستعمل عمروس ابنه يوسف على مدينة طليطلة ولحق بالفرنج سنة تسع وثمانين بعض أهل الحرابة وأطمعوا الفرنج في ملك طليطلة فزحفوا إليها وملكوها وأسروا أميرها يوسف وحبسوه بصخرة قيسر وسار عمروس من فوره إلى سرقسطة ليحميها من العدو وبعث العساكر مع ابن عمه فلقى العدو وهزمهم وسار إلى صخرة قيسر وقد وهن الفرنج من الهزيمة فافتتحها وبعث عمروس نائبه وخلص يوسف وعظم صيته * (وقعة الربض) * كان الحكم في صدر ولايته قد انهمك في لذاته واجتمع أهل العلم والورع بقرطبة مثل يحيى بن يحيى الليثى وطالوت الفقيه وغيرهما فثاروا به وامتنع فخلعوه وبايعوا محمد بن القاسم من عمومة هشام وكان بالربض الغربي من قرطبة محلة متصلة بقصره وحصروه سنة تسعين ومائة وقاتلهم فغلبهم وافترقوا وهدم دورهم ومساجدهم ولحقوا بفاس من أرض العدوة ولحقوا بالاسكندرية ونزل بها منهم جمع وثاروا بها فزحف إليهم عبد الله بن طاهر صاحب مصروا فتتحها وأجازهم إلى جزيرة اقريطش كما مر وكان مقدمهم أبا حفص عمر البلوطى فلم يزل رئيسا عليهم وولده من بعده إلى أن ملكها الفرنج من أيديهم * (وقعة الحفرة بطليطلة) * كان أهل طليطلة يكثرون الخلاف ونفوسهم قوية لحصانة بلدهم فكانت طاعتهم ملتانة فأعيا الحكم أمرهم واستقدم عمروس بن يوسف من الثغر وكان أصله من أهل مدينة وشقة من المولدين وكان عاملا عليها فداخله في التدبير على أهل طليطلة وكتب له بولايتها فأنسوا به واطمأنوا إليه ثم داخلهم في الخلع وأشار عليهم ببناء مدينة يعتزل فيها مع أصحاب السلطان فوافقوه وأمضى رأيه في ذلك ثم بعث صاحب الاعلى إلى الحكم يستنجده على العدو فبعث العساكر مع ابنه عبد الرحمن والوزراء ومروا بطليطلة ولم يعرض عبد الرحمن لدخولها ثم رجع العدو وكفى الله شره فاعتزم عبد الرحمن على
العود إلى قرطبة فأشار عمروس عند ذلك على أهل طليطلة بالخروج إلى عبد الرحمن(4/126)
فخرج إليه الوجوه وأكرمهم ودس خادم الحكم كتابه إلى عمروس بالحيلة على أهل طليطلة فأشار عليهم عمروس بأن يدخلوا عبد الرحمن البلد وأنزله بداره واتخذ صنيعا للناس واستعد له على موعد لذلك فكان يدخلهم من باب ويخرجهم من آخر خشية الزحام فيدخلون إلى حفرة في القصر وتضرب رقابهم عليها إلى أن قتل معظمهم وفطن الباقون فنفر واوحسنت طاعتهم من بعد ذلك إلى أبام الفتنة كما نذكر ثم عصى اصبغ بن عبد الله بماردة وأخرج عامل الحكم فسار إليه الحكم وحاصره وجاءه الخبر بعصيان أهل قرطبة فرجع وقتلهم ثم استنزل أصبغ من بعد ذلك وأنزله قرطبة وفى سنة ثنتين وتسعين جمع لزريق بن قار له ملك الفرنج وسار لحصار طرسوسة فبعث الحكم ابنه عبد الرحمن في العساكر فهزمه وفتح الله على المسلمين ثم عاود أهل ماردة الخلاف عن الحكم سنة أربع وتسعين فسار إليهم وقاتلهم ثلاث سنين وكثر عيث الفرنج في الثغور فسار إليهم سنة ست وتسعين وفا فتتح الحصون وخرب النواحى وأثخن في القتل والسبي والنهب وعاد إلى قرطبة ظافرا وفى سنة مائتين بعث الحكم العساكر مع الحاجب عبد الكريم بن مغيث إلى بلاد الفرنج فسار فيها وخربها ونهبها وهدم عدة من حصونها وأقبل إليه ملك الجلالقة في جموع عظيمة وتنازلوا على نهر واقتتلوا عليه أياما ونال المسلمون منهم أعظم النيل وأقاموا على ذلك ثلاث عشرة ليلة ثم كثرت الامطار ومد النهر وقفل المسلمون ظافرين * (وفاة الحكم وولاية ابنه عبد الرحمن الاوسط) * ثم توفى الحكم بن هشام آخر سنة ست ومائتين لسبع وعشرين سنة من ولايته وهو أول من جند بالاندلس الاجناد والمرتزقة وجمع الاسلحة والعدد واستكثر من الحشم
والحواشي وارتبط الخيول على بابه واتخذ المماليك وكان يسميهم الخرس لعجمتهم وبلغت عدتهم خمسة آلاف وكان يباشر الامر بنفسه وكانت له عيون يطالعونه بأحوال الناس وكان يقرب الفقهاء والعلماء والصالحين وهو الذى وطأ الملك لعقبه بالاندلس ولما مات قام بأمره من بعده ابنه عبد الرحمن فخرج عليه لاول امارته عبد الله البلنسى عم أبيه وسار إلى تدمير بريد قرطبة فتجهز له عبد الرحمن فحام عن اللقاء ورجع إلى بلنسية ومات اثر ذلك فنقل عبد الرحمن ولده وأهله إلى قرطبة ثم غز الاول ولايته إلى جليقة فأبعد وأطال الغيبة وأثخن في أمم النصرانية هنالك ورجع وقدم عليه سنة ست ومائتين من العراق زرآب المغنى مولى المهدى ومعلم ابراهيم الموصلي واسمه على بن نافع فركب لتلقيه وبالغ في اكرامه وأقام عنده بخير حال وأورث صناعة الغناء بالاندلس وخلف ولده مخلفة كبيرهم عبد الرحمن في صناعته وحظوته وفى سنة سبع كانت وقعة بالثغر(4/127)
كان الحكم قد قبض على عاملها ربيع وصلبه حيا لما بلغه من ظلمه وهلك الحكم اثر ذلك فتوا في المتطلمون من ربيع إلى قرطبة يطلبون ظلاماتهم ومعظمهم جند البيرة ووقفوا بباب القصر وشغبوا وبعث عبد الرحمن من يسكتهم فلم يقبلوا فركبت العساكر إليهم وأوقعوا بهم ونجا الفل منهم إلى البيرة وبالشر وتتبعهم عبد الرحمن وفى هذه السنة نشأت الفتنه بين المضرية واليمانية واقتتلوا فهلك منهم نحو من ثلاثة آلاف وبعث عبد الرحمن إليهم يحيى بن عبد الله بن خالد في جيش كثيف ليكفهم عن الفتنة فكفوا عن القتال لما أحسوا بوصوله ثم عاودوا الحرب عند مغيبه وأقاموا على ذلك سبع سنين وفى سنة ثمان أغزا حاجبه عبد الكريم بن عبد الواحد بن مغيث إلى ألبة والقلاع فحرب كثيرا من البلاد وانتسفها وفتح كثيرا من حصونهم وصالح بعضا على الجزية واطلاق أسرى المسلمين وانصرف ظافرا وفى سنة ثلاث عشرة انتقض عليه أهل ماردة وقتلوا عامله فبعث إليهم العساكر فافتتحوها وعاودوا الطاعة وأخذوا رهائنهم
وخربوا سورها ورجعوا عنهم ثم أمر عبد الرحمن بنقل حجارة السور إلى النهر فعاودوا الخلال وأسروا العامل وأصلحوا سورهم فسار إليهم عبد الرحمن سنة أربع عشرة وحاصرهم فامتنعوا عليه ثم بعث العساكر سنة سبع عشرة فحاصرها فامتنعوا ثم حاصرها سنة عشرين وافتتحها ونجا فلهم مع محمود بن عبد الجبار منهم إلى ملت شلوط فاعتصم بها سنة عشرين ومائتين فبعث عبد الرحمن العساكر لحصاره فلحق بدار الحرب واستولى على حصن من حصونهم أقام بن خمسة أعوام حتى حاصره ادفونش ملك الجلالقة وافتتح الحصن وقتل محمود أو جميع أصحابه سنة خمس وعشرين وفى سنة خمس عشرة خرج بمدينة طليطلة هاشم الضراب من أهل واقعة الريض واشتدت شوكته واجتمعت له الخلق وأوقع بأهل شبت برية فبعث عبد الرحمن العساكر لقتاله فلم يصيبوا منه ثم بعث عساكر أخرى فقاتلوه بنواحي دورقة فهزموه وقتل هو وكثير من أصحابه واستمر أهل طليطلة على الخلاف وبعث عبد الرحمن ابنه أمية لحصارها فحاصرها مدة ثم أفرج عنها ونزل قلعة رياح وبعث عسكر اللاغارة عليها وكان أهل طليطلة قد خرجوا في اتباعه إلى قلعة رياح فكمن لهم فأوقعوا به فاغتم لذلك وهلك لايام قليلة وبعث عبد الرحمن العساكر لحصارها ثانيا فلم يظفروا وكمن المغيرون عليها بقلعة رياح يعاودونها بالحصار كل حين ثم بعث عبد الرحمن أخاه الوليد في العساكر سنة ثنتين وعشرين لحصارها وقد أشرفوا على الهلكة وضعفوا عن المدافعة فاقتحمها عنوة وسكن أهلها وأقام إلى آخر ثلاث وعشرين ورجع وفى سنة أربع وعشرين بعث عبد الرحمن قريبه عبيد الله بن البلنسى في العساكر لغزو بلاد ألبة والقلاع ولقى العدو(4/128)
فهزمهم وكثر السبى والقتل ثم خرج لزريق ملك الجلالقة وأغار على مدينة سالم بالثغر فسار إليه فرنون بن موسى وقاتله فهزمه وأكثر القتل في العدو والاسر ثم سار إلى الحصن الذى بناه أهل البة بالثغر نكاية للمسلمين فافتتحه وهدمه ثم سار عبد الرحمن
في الجيوش إلى بلاد جليقة فدوخها وافتتح عدة حصون منها وجال في أرضهم ورجع بعد طول المقام بالسبي والغنائم وفى سنة ست وعشرين بعث عبد الرحمن العساكر إلى أرض الفرنجة وانتهوا إلى أرض سرطانية وكان على مقدمة المسلمين موسى بن موسى عامل تطيلة ولقيهم العدو فصبروا حتى هزم الله عدوهم وكان لموسى في هذه الغزاة مقام محمود ووقعت بينه وبين بعض قواد عبد الرحمن ملاحاة وأغلظ له القائد فكان ذلك سببا لانتقاضه فعصى على عبد الرحمن وبعث إليه الجيوش مع الحرث بن بزيغ فقاتله موسى وانهزم وقتل ابن عمه ورجع الحرث إلى سرقسطة ثم زحف إلى تطيلة وحاصر بها موسى حتى نزل عنها على الصلح إلى اربط وأقام الحرث بتطيلة أياما ثم سار لحصار موسى في اربط فاستنصر موسى بغرسية من ملوك الكفر فجاءه وزحف الحرث وأكمنوا له فلقيهم على نهر بلبة فخرجت عليه الكمائن بعد أن أجاز النهر وأوقعوا به وأسروه وقد فقئت عينه واشتشاط عبد الرحمن لهذه الواقعة وبعث ابنه محمدا في العساكر سنة تسع وعشرين وحاصر موسى بتطيلة حتى صالحه وتقدم إلى ينبلونة فأوقع بالمشركين عندها وقتل غرسية صاحبها الذى أنجد موسى على الحرث ثم عاود موسى الخلاف فزحفت إليه العساكر فرجع إلى المسالمة ورهن ابنه عند عبد الرحمن على الطاعة وقبله عبد الرحمن وولاه تطيلة فسار إليها واستقرت في عمالته ثم كان في هذه السنة خروج المجوس في أطراف بلاد الاندلس ظهروا سنة ست وعشرين بساحل أشبونة فكانت بينهم وبين أهلها الحرب ثلاثة عشر يوما ثم تقدموا إلى قادس ثم إلى اشدونة وكانت بينهم وبين المسلمين بها وقعة ثم قصدوا اشبيلية ونزلوا قريبا منها وقاتلوا أهلها منتصف انحرم من سنة ثمان وعشرين فهزمهم المسلمون وغنموا ثم مضوا إلى باجة ثم إلى مدينة أشبونة ثم أقلعوا من هنالك وانقطع خبرهم وسكنت البلاد وذلك سنة ثلاثين وتقدم عبد الرحمن الاوسط باصلاح ما خربوه من البلاد وأكنف الحامية بها وذكر بعض المؤرخين حادثة المجوس هذه سنة ست وأربعين ولعلها غيرها والله أعلم
وفى سنة احدى وثلاثين بعث عبد الرحمن العساكر إلى جليقة فدوخوها وحاصروا مدينة ليون ورموا سورها فلم يقدروا عليه لان عرضه سبعة عشر ذراعا فثلموا فيه ثلمة ورجعوا ثم أغزى عبد الرحمن حاجبه عبد الكريم بن مغيث في العساكر إلى بلاد برشلونة فجاز في نواحيها وأجاز الدروب التى تسمى السرب إلى بلاد الفرنجة فدوخها(4/129)
قتلا وأسرا وسبيا وحاصر مدينتهم العظمى وعاث في نواحيها وقفل وقد كان ملك القسطنطينية توفلس بن نوفلس بن نوفيل بعث إلى الامير عبد الرحمن سنة خمس وعشرين بهدية ويطلب مواصلته فكافأه عبد الرحمن عن هديته وبعث إليه يحيى العزال من كبار الدولة وكان مشهورا في الشعر والحكمة فأحكم بينهما المواصلة وارتفع لعبد الرحمن ذكر عند منازعيه من بنى العباس وفى سنة ست وثلاثين هلك نصر الحفى القائم بدولة الامير عبد الرحمن وكان يضغن على مولاه ويمالئ ابنه عبد الرحمن على ابنه الاخر ولى عهده بما كانت أم عبد الله قد اصطنعته وكانت حظية عند السلطان ومنحرفة عن ابنه محمد ولى العهد فداخلت نصرا هذا في أمرها وداخل هو طيبب الدار في أن يسم محمدا ولى العهد ودس الطبيب بذلك إلى الامير مع قهرمانة داره وان نصرا أكرهه على اذابة السم فيه وباكر نصر القصر ودخل على السلطان يستفهمه عن شرب الدواء فوجده بين يديه وقال له ان نفسي قد بشعته فاشر به أنت فوجم فأقسم عليه فلم يسعه خلافه فشربه وركب مسرعا إلى داره فهلك لحينه وحسم السلطان علة ابنه عبد الله وكان من بعدها مهلكه * (وفاة عبد الرحمن الاوسط وولاية ابنه محمد) * ثم توفى عبد الرحمن الاوسط بن الحكم بن هشام بن عبد الرحمن الداخل في ربيع الاخر سنة ثمان وثلاثين لاحدى وثلاثين سنة من امارته وكان عالما بعلوم الشريعة والفلسفة وكانت أيامه أيام هدو وسكون وكثرت الاموال عنده واتخذ القصور
والمنتزهات وجلب إليها الماء وجعل له مصنعا اتخذه الناس شريعة وزاد في جامع قرطبة رواقين ومات قبل أن يستتمه فأتمه ابنه محمد بعده وبنى بالاندلس جوامع كثيرة ورتب رسوم المملكة واحتجب عن العامة ولما مات ولى مكانه ابنه محمد فبعث لاول ولايته العساكر مع أخيه الحكم إلى قلعة رباح لاصلاح أسوارها وكان أهل طليطلة خربوها فرمها وأصلح حالها وتقدم إلى طليطلة فعاث في نواحيها ثم بعث الجيوش مع موسى بن موسى صاحب تطيلة فعاث في نواحى البة والقلاع وفتح بعض حصونها ورجع وبعث عساكر أخرى إلى نواحى برشلونة وما وراءها فعاثوا فيها وفتحوا حصون برشلونة ورجعوا ثم سار محمد سنة أربعين في جيوشه إلى طليطلة فاستمدوا ملك جليقة وملك البشكنس فساروا لانجادهم مع أهل طليطلة فلقيهم الامير محمد على وادى سليط وقد أكمن لهم فأوقع بهم وبلغ عدة القتلى من أهل طليطلة والمشركين عشرين ألفا ثم سار إليهم سنة ثلاث وأربعين فأوقع بهم ثانية وأثخن فيهم وخرب ضياعهم فصالحوه ثم نكثوا وفى سنة خمس وأربعين ظهرت مراكب المجوس ونزلوا باشبيلية والجزيرة(4/130)
وأحرقوا مسجدها ثم عادوا إلى تدمير ودخلوا قصر اريولة وساروا إلى سواحل الفرنجة وعاثوا فيها وانصرفوا فلقيهم مراكب الامير محمد فقاتلوهم وغنموا منهم مركبين واستشهد جماعة من المسلمين ومضت مراكب المشركين إلى ينبلونة وأسروا صاحبها غرسية وفدى نفسه منهم بسبعين ألف دينار وفى سنة سبع وأربعين حاصر طليطلة ثلاثين يوما ثم بعث الامير محمد سنة احدى وخمسين أخاه المنذر في العساكر إلى نواحى البة والقلاع فعاثوا فيها وجمع لزريق للقائهم فلقيهم وانهزم وأثخن المسلمون في المشركين بالقتل والاسر وكان فتحا لا كفاء له ثم غزا الامير محمد بنفسه سنة احدى وخمسين بلاد الجلالقة فأثخن وخرب وانتقض عليه عبد الرحمن بن مروان الجليقى فيمن معه من المولدين وساروا إلى التخم ووصل يده باذفونش ملك جليقة فسار إلى
الوزير هاشم بن عبد الرحمن في عساكر الاندلس سنة ثلاث وستين فهزمه عبد الرحمن وحصل هاشم في أسره ثم وقعت المراودة في الصلح على أن ينزل عبد الرحمن بطليوس ويطلق الوزير هاشما فتم ذلك سنة خمس وستين ونزل عبد الرحمن بطليوس وكانت خربة فشيدها وأطلق هاشما بعد سنتين ونصف من أمره ثم تغير اذفونش لعبد الرحمن بن مروان وفارقه وخرج من دار الحرب بعد أن قاتله ونزل مدينة انطانية بجهات ماردة وهى خراب فحصنها وملك ما إليها من بلاد اليون وغيرها من بلاد الجلالقة واستضافها إلى بطليوس وكان مظفر بن موسى بن ذى النون الهوارى عاملا بشت برية فانتقض وأغار على أهل طليطلة فخرجوا إليه في عشرين ألفا ولقيهم فهزمهم وانهزم معهم مطرف بن عبد الرحمن وقتل من أهل طليطلة خلق وكان مطرف بن موسى فردا في الشجاعة ومحلا من النسب ولقى شنجة صاحب ينبلونة أمير البشكنس فهزمه شنجة وأسره وفر من الاسر ورجع إلى شت برية فلم يزل بها قويم الطاعة إلى أن مات آخر دولة الامير محمد وفى سنة احدى وستين انتقض أسد بن الحرث بن بديع بناكرنا وهى رندة فبعث إليهم الامير محمد العساكر وحاصروهم حتى استقاموا على الطاعة وفى سنة ثلاث وستين أغزى الامير محمد ابنه المنذر إلى دار الحرب وجعل طريقه على ماردة وكان بها ابن مروان الجليقى ومرت طائفة من عسكر المنذر بماردة فخرج عليهم ابن مروان ومعه جمع من المشركين استظهر بهم فقتل تلك الطائفة عن آخرهم وفى سنة أربع وستين بعث ابنه المنذر ثانية إلى بلد ينبلونة ومر بسر قسطة فقاتل أهلها ثم تقدم إلى تطيلة وعاث في نواحيها وخرب بلاد بنى موسى ثم مضى لوجهه إلى ينبلونة فدوخها ورجع وفى سنة ست وستين أمر الامير محمد بانشاء المراكب بنهر قرطبة ليدخل بها إلى البحر المحيط ويأتى جليقة من ورائها فلما تم انشاؤها وجرت في البحر أصابها الريح(4/131)
وتقطعت فلم يسلم منها الا القليل وفى سنة سبع وستين انتقض عمر بن حفصون بحصن
يشتر من جبال مالقة وزحف إليه عساكر تلك الناحية فهزمهم وقوى أمره وجاءت عساكر الامير محمد فصالحهم ابن حفصون واستقام أمر الناحية وفى سنة ثمان وستين بعث الامير محمد ابنه المنذر القتال أهل الخلاف فقصد سرقسطة وحاصرها وعاث في نواحيها وفتح حصن ريطة ثم تقدم إلى دير بروجة وفيه محمد بن لب بن موسى ثم قصد مدينة لاردة وقرطاجنة ثم دخل دار الحرب وعاث في نواحى البة والقلاع وفتح منها حصونا ورجع وفى سنة سبعين سار هاشم بن عبد العزيز بالعساكر لحصار عمر بن حفصون بحصن يشتر واستنزله إلى قرطبة فأقام بها وفيها شرع اسمعيل بن موسى ببناء مدينة لاردة فجمع صاحب برشلونة لمنعه من ذلك وسار إليه فهزمه اسمعيل وقتل أكثر رجاله وفى سنة احدى وسبعين وسار هاشم بن عبد العزيز في العساكر إلى سرقسطة فحاصرها هاشم وافتتحها ونزلوا جميعا على حكمه وكان في عسكره عمر بن حفصون واستدعاه من الثغر فحضر معه هذه الغزاة فهرب ولحق بيشتر فامتنع به وسار هاشم إلى عبد الرحمن بن مروان الجليقى وحاصره بحصن منت مولن ثم رجع عنه فأغار ابن مروان على اشبيلية ولقبت ثم نزل منت شلوط فامتنع فيه وصالح عليه الامير محمدا واستقام على طاعته إلى أن هلك الامير محمد وكان ملك رومة والفرنجة لعهده اسمه فرلبيب بن لوزنيق * (وفاة الامير محمد وولاية ابنه المنذر) * ثم توفى الامير محمد بن عبد الرحمن بن الحكم بن هشام بن عبد الرحمن الداخل في شهر صفر من سنة ثلاث وسبعين لخمس وثلاثين سنة من امارته وولى بعده ابنه المنذر فقتل لاول ولايته هاشم بن عبد العزيز وزير أبيه وسار في العساكر لحصار ابن حفصون فحاصره بحصن يشتار سنة أربع وسبعين وافتتح جميع قلاعه وحصونه وكان منها رية وهى مالقة وقبض على واليها من قبله عيشون فقتله ولما اشتد الحصار على ابن حفصون سأل الصلح فأجابه وأفرج عنه فنكث فرجع لحصاره وصالح ثم نكث مرتين فأقام
المنذر على حصاره وهلك قريبا فانفرج عن ابن حفصون * (وفاة المنذر وولاية أخيه عبيد الله ابن الامير محمد) * ثم توفى المنذر محاصر الابن حفصون بجبل يشتر سنة خمس وسبعين لسنتين من امارته فولى مكانه أخوه عبد الله ابن الامير محمد وقفل بالعساكر إلى قرطبة وقد اضطربت نواحى الاندلس بالثوار ولما كثر الثوار قل الخراج لامتناع أهل النواحى من الاداء(4/132)
وكان خراج الاندلس قبله ثلثمائة ألف دينار مائة ألف منها للجيوش ومائة ألف للنفقة في النوائب وما يعرض ومائة ألف ذخيرة ووفرا فأنفقوا الوفر في تلك السنين وقل الخراج * (أخبار الثوار وأولهم ابن مروان ببطليوس واشبونة) * قد تقدم لنا أن عبد الرحمن بن مروان انتقض على الامير محمد بن عبد الرحمن سنة خمس وخمسين في غزاته إلى بلاد الجلالقة واجتمع إليه المولدون وصار إلى التخم ووصل يده باذفونش ملك الجلالقة فعرف لذلك بالجليقى وذكرنا كيف سار إليه هاشم بن عبد العزيز سنة ثلاث وستين في عساكر الاندلس فهزمه ابن مروان وأسره ثم وقع الصلح على اطلاق هاشم وأنزل ينزل ابن مروان بطليوس فتم ذلك سنة خمس ونزل عبد الرحمن بطليوس فشيدها وترس بالدولتين ثم تغير له اذفونش وقاتله ففارق دار الحرب ونزل مدينة انطانية بجهات ماردة فحصنها وهى خراب وملك ما إليها من بلد اليون وغيرها من بلاد الجلالقة واستضافها إلى بطليوس واستعجل له الامير عبد الله على بطليوس وكان معه بدار الحرب سعدون السرساقى وكان من الابطال الشجعان وكان دليلا للغزو وهو من الخارجين معه فلما نزل عبد الرحمن بطليوس انتزى سعدون ببعض الحصون ما بين قلنيرة وباجة ثم ملك قلنيرة وترس بأهل الدولتين إلى أن قتله اذفونش في بعض حروبه معه * (ابن تاكيت بماردة) *
كان محمد بن تاكيت من مصمودة وثار بناحية الثغر أيام الامير محمد وزحف إلى ماردة وبها يومئذ جند من العرب وكتامة فاعمل الحيلة في اخراجهم منها ونزلها هو وقومه مصمودة * (بقية خبر ابن مروان) * ولما ملك ابن تاكيت ماردة زحفت إليه العساكر من قرطبة وجاء عبد الرحمن بن مروان بن بطليوس مددا له فحاصروهم أشهرا ثم أقلعوا وكان بماردة جموع من العرب ومصمودة وكتامة فتحيل محمد بن تاكيت على العرب وكتامة وأقاربهم فأخرجهم واستقل بماردة هو وقومه وعظمت الفتنة بينه وبين عبد الرحمن بن مروان صاحب بطليوس بسبب مظاهرته عليه وحاربه فهزمه ابن مروان مرارا كانت احداها على لقنت استلحم فيها مصمودة فقصت من جناح ابن تاكيت واستجاش بسعدون السرسا في صاحب قلنيرة فلم يغنه وعلا كعب ابن مروان عليهم وتوثق أمره وطلبه ابن(4/133)
حفصون في الولاية فامتنع ثم هلك اثر ذلك سنة أيام الامير عبد الله وولى ابنه عبد الرحمن بن مروان وأثخن في البرابرة المجاورين له وهلك لشهرين من ولايته فعقد الامير عبد الله على بطليوس لاميرين من العرب ولحق من بقى من ولد عبد الرحمن بحصن شونة وكانا اثنين من أعقابه وهما مروان وعبد الله ابنا ابنه محمد وعمهما مروان ثم خرجا من حصن شونة ولحقا بآخر من أصحاب جدهما عبد الرحمن ثم اضطرب الامير ان ببطليوس وتنازعا وقتل أحدهما الآخر واستقل ببطليوس ثم تسور عبد الله منها سنة ست وثمانين فقتله وملك بطليوس واستفحل أمره والمعجل له الامير عبد الله عليها ونازل حصون البرابرة حتى طاعوا له وحارب ابن تاكيت صاحب ماردة ثم اصطلحوا وأقاموا جميعا طاعة الامير عبد الله ثم تحاربوا فاتصلت حروبهم إلى آخر دولته
* (ثورة لب بن محمد بسرقسطة وتطيلة) * ثم ثار لب بن محمد بن لب بن موسى بسرقسطة سنة ثمان وخمسين ومائتين أيام الامير محمد فترددت إليه الغزوات حتى استقام وأسجل له الامير محمد على سرقسطة وتطيلة وطرسونة فأحسن حمايتها واستفحلت امارته فيها ونازله ملك الجلالقة اذفونش في بعض الايام بطرسونة فنزل إليه ورده على عقبه منهزما وقتل نحوا من ثلاثة آلاف من قومه وانتقض على الامير عبد الله وحاصر تطيلة * (ثورة مطرف بن موسى بن ذى النون الهوارى بشنت برية) * كان لمطرف صيت من الشجاعة ومحل من النسب والعصبية فثار في شنت برية وكانت بينه وبين صاحب ينبلونة سلطان البشكنس من الجلالقة حروب أسره العدو في بعضها ففر من الاسر ورجع إلى شنت برية واستقامت طاعته إلى آخر دولة الامير محمد * (ثورة الامير ابن حفصون في يشتر ومالقة ورندة واليس) * وهو عمر بن حفصون بن عمر بن جعفر بن دميان بن فرغلوش بن اذفونش القس هكذا نسبه ابن حبان أول ثائر كان بالاندلس وهو الذى افتتح الخلاف بها وفارق الجماعة أيام محمد بن عبد الرحمن في سنى السبعين والمائتين خرج بجبل يشتر من ناحية رية ومالقة وانضم إليه الكثير من جند الاندلس ممن في قلبه مرض في الطاعة وابتنى قلعته المعروفة به هنالك واستولى على غرب الاندلس إلى رندة وعلى السواحل من الثجة إلى البيرة وزحف إليه هاشم بن عبد العزيز الوزير فحاصره واستنزله إلى قرطبة سنة سبعين(4/134)
ثم هرب ورجع إلى حصن يشتر ولما توفى الامير محمد تغلب على حصن الحامة ورية ورندة والثجة وغزاه المنذر سنة أربع وسبعين فافتتح جميع قلاعه وقتل عامله برية ثم سأل الصلح فعقد له المنذر ثم نكث ابن حفصون وعاد إلى الخلاف فحاصره المنذر إلى أن هلك محاصرا له فرجع عنه الامير عبد الله واستفحل أمر ابن حفصون والثوار وتوالت عليه
الغزوات والحصار وكاتب ابن الاغلب صاحب افريقية وهاداء وأظهر دعوة العباسية بالاندلس فيما إليه وتثاقل ابن الاغلب على اجابته لاضطراب افريقية فأمسك وأكثر الاجلاب على قرطبة وبنى حصن بلاية قريبا منها وغزاه عبد الله وافتتح بلاية والثجة ثم قصده في حصنه فحاصره أياما وانصرف عنه فاتبعه ابن حفصون فكر عليه الامير عبد الله وهزمه وأثخن فيه وافتتح البيرة من أعماله ووالى عليه الحصار في كل سنة فلما كانت وثمانين عمر بن حفصون وخالص ملك الجلالقة فنبذ إليه أمراؤه بالحصون عهده وسار الوزير أحمد بن أبى عبيدة لحصاره في العساكر فاستنجد بابراهيم بن حجاج النائر باشبيلية ولقياه فهزمهما وراجع ابن حجاج الطاعة وعقد له الامير عبد الله على اشبيلية وبعث ابن حفصون بطاعته للشيعة عند ما تغلبوا على القيروان من يد الاغالبة وأظهر بالاندلس دعوة عبيد الله ثم راجع طاعة بنى أمية عند ماهيأ الله للناصر ما هيأه من استفحال الملك واستنزال الثوار واستقام إلى أن هلك سنة ست وثلثمائة لسبع وثلاثين سنة من ثورته وقام مكانه ابنه جعفر فأقره الناصر على أعماله ثم دس إليه أخوه سليمان بن عمر بعض رجالاتهم فقتله لسنتين أو ثلاثة من ولايته وكان مع الناصر فسار إلى أهل يشتر وملكوه مكان أخيه وذلك سنة ثمان وثلثمائة وخاطب الناصر فعقد له كما كان أخوه ثم نكث وتكرر انكاثه ورجوعه ثم بعث إليه الناصر وزيره عبد الحميد بن سبيل بالعساكر ولقيه فهزمه وقتله وجئ برأسه إلى قرطبة وقدم المولدون أخاه حفص بن عمر فانتكث ومضى على العصيان وغزاه الناصر وجهز العساكر لحصاره حتى اسنا من له ونزل إلى قرطبة بعد سنة من ولايته وخرج الناصر إلى يشتر فدخله وجال في اقطاره ورفع أشلاء عمر وابنه جعفر وسليمان فصلبهم بقرطبة وخرب جميع الكنافس التى كانت في الحصون التى بنواحي رية وأعمال مالقة ثلاثين حصنا فأكثر وانقرض أمر بنى حفصون وذلك سنة خمس عشرة وثلثمائة والبقاء لله
* (ثوار اشبيلية المتعاقبون) * ابن أبى عبيدة وابن خلدون وابن حجاج وابن مسلمة وأول الثوار كان باشبيلية أمية ابن عبد الله المغافر بن أبى عبيدة وكان جدة أبو عبدة عاملا عليها من قبل عبد الرحمن(4/135)
الداخل قال ابن سعيد ونقله عن مؤرخي الاندلس الحجازى ومحمد بن الاشعث وابن حبان قال لما اضطربت الاندلس بالفتن أيام الامير عبد الله وسما رؤساء البلاد إلى التغلب وكان رؤساء اشبيلية المرشحون لهذا الشأن أمية بن عبد الغافر وكليب ابن خلدون الحضرمي وأخوه خالد وعبد الله بن حجاج وكان الامير عبد الله قد بعث على اشبيلية ابنه محمدا وهو أبو الناصر والنفر المذكورون يحومون على الاستبداد فثاروا بمحمد ابن الامير عبد الله وحصروه في القصر مع أمه وانصرف ناجيا إلى أبيه ثم استبد أمية بولايتها على مداراتهم ودس على عبد الله بن حجاج من قتله فقام أخوه ابراهيم مكانه فثاروا به وحاصروه في القصر ولما أحيط به خرج إليهم مستميتا بعد أن قتل أهله وأتلف موجوده فقتل وعاثت العامة برأسه وذلك أعوام الثمانين والثلثمائة وكتب ابن خلدون وأصحابه بذلك إلى الامير عبد الله وأن أمية خلع وقتل فتقبل منهم للضرورة وبعث عليهم عمه هشام بن عبد الرحمن واستبدوا عليه وتولى كبر ذلك كريب ابن خلدون واستبد عليهم بالرياسة قال ابن حبان ونسبهم في حضر موت وهم باشبيلية نهاية في النباهة مقتسمين الرياسة السلطانية والعلمية وقال ابن حزم انهم من ولد وائل ابن حجر ونسبهم في كتاب الجمهرة وكذلك قال ابن حبان في بنى حجاج قال الحجازى ولما قتل عبد الله بن حجاج قام أخوه ابراهيم مقامه وظاهر بنى خلدون على قتل أمية وأنزل نفسه منهم منزلة الخديم واستبد كريب وعسف أهل اشبيلية فنفر عنه الناس وتمكن لابراهيم الغرض وصار يظهر الرفق كلما أظهر كريب الغلظة وينزل نفسه منزلة الشفيع والملاطف ثم دس للامير عبد الله بطلب الولاية ليشتد بكتابه على كريب
ابن خلدون وكتب له بذلك عهده فأظهره للعامة وثاروا جميعا بكريب فقتلوه واستقام ابراهيم بن حجاج على الطاعة للامير عبد الله وحصن مدينة قرمونة وجعل فيها مرتبط خيوله وكان يتردد ما بينها وبين اشبيلية وهلك ابن حجاج واستبد ابن مسلمة بمكانه ثم استقرت اشبيلية آخرا بيد الحجاج بن مسلمة وقرمونة بيد محمد بن ابراهيم بن حجاج وعقد له الناصر ثم انتقض وبعث له الناصر بالعساكر وجاء ابن حفصون لمظاهرة ابن مسلمة فهزمته العساكر وبعث ابنه شفيعا فلم يشفعه فبعث ابن مسلمة بعض أصحابه سرا فداخل الناصر في المكربه وعقد له وجاء بالعساكر وخرج ابن مسلمة للحديث معه فغدروا به وملكوا عليه أمره وحملوه إلى قرطبة ونزل عامل السلطان اشبيلية وكان من الثوار على الامير عبد الله قريبه وغدر به أصحابه فقتل * (مقتل الامير محمد ابن الامير عبد الله ثم مقتل أخيه المطرف) * كان المطرف قد أكثر السعاية في أخيه محمد عند أبيهما حتى إذا تمكنت سعابته وظهر(4/136)
سخطه على ابنه محمد لحق حينئذ ببلد ابن حفصون ثم استأمن ورجع وبالغ المطرف في السعاية إلى أن حبسه أبوه ببعض حجر القصر وخرج لبعض غزواته واستخلف ابنه المطرف على قصره فقتل أخاه في محبسه مفتاتا بذلك على أبيه وحزن الامير عبد الله على ابنه محمد وضم ابنه عبد الرحمن إلى قصره وهو ابن يوم فربى مع ولده ثم بعث الامير عبد الله ابنه المطرف بالصائفة سنة ثلاث وثمانين ومائتين ومعه الوزير عبد الملك بن أمية ففتك المطرف بالوزير لعداوة بينهما وسطا به أبوه الامير عبد الله وقتله أشر قتلة ثأر فيها منه بأخيه محمد وبالوزير وعقد مكان الوزير لابنه أمية فسخ على الفقراء بأنفه وترفع على الوزراء فمقتوه وسعوا فيه عند الامير عبد الله بأنه بايع جماعة من سماسرة الشر لاخيه هشام بن محمد ولفقت بذلك شهادات اعتمد القاضى حينئذ قبولها للساعين أن يجعلوا في الجماعة للمشهود عليهم بالبيعة بعض أعدائه فتمت الحيلة وقتل
هشام أمية الوزير وذلك سنة أربع وثمانين * (وفاة الامير عبد الله بن محمد وولاية حافده عبد الرحمن الناصر بن محمد) * ثم توفى الامير عبد الله في شهر ربيع الاول من آخر المائة الثالثة لست وعشرين سنة من امارته وولى حافده عبد الرحمن ابن ابنه محمد قتيل أخيه المطرف وكانت ولايته من الغريب لانه كان شابا وأعمامه وأعمام أبيه حاضرون فتصدى إليها وحازها دونهم ووجد الاندلس مضطربة فسكنها وقاتل المخالفين حتى اذعنوا واستنزل الثوار ومحا أثر ابن حفصون كبيرهم وحمل أهل طليطلة على الطاعة وكانوا معروفين بالخلاف والانتقاض واستقامت الاندلس وسائر جهاتها في نيف وعشرين سنة من أيامه ودامت أيامه نحوا من خمسين سنة استفحل فيها ملك بنى أمية بتلك النواحى وهو أول من تسمى بأمير المؤمنين عند ما تلاشى أمر الخلافة بالمشرق واستبدمو إلى الترك على بنى العباس وبلغه ان المقتدر قتله مؤنس المظفر مولاه سنة سبع وعشرين وثلثمائة فتلقب بألقاب الخلفاء وكان كثير الجهاد بنفسه والغزو إلى دار الحرب إلى أن انهزم عام الخندق سنة ثلاث وعشرين ومحصن الله المسلمين فقعد عن الغزو بنفسه وصار يردد الصوائف في كل سنة فاوطأ عساكر المسلمين من بلاد الفرنج ما لم يطأه قبل في أيام سلفه ومدت إليه أمم النصرانية من وراء الدروب يد الاذعان وأوفدوا إليه رسلهم وهداياهم من رومة والقسطنطينية في سبيل المهادنة والمسلم والاحتمال فيما يعن من مرضاته ووصل إلى سدنة ملوك الجلالقة من أهل جزيرة الاندلس المتاخمين لبلاد المسلمين كجهات قشتالة ومنبلونة وما إليها من الثغور الجوفية فقبلوا يده والتمسوا رضاه واحتقبوا حوائزه وامتطوا مركبه ثم سما إلى ملك العدوة فتناول سبتة من أيدى أهلها سنة سبع(4/137)
عشرة وأطاعه بنو ادريس امراء العدوة وملوك زناتة البربر وأجاز إليه الكثير منهم كما نذكر في أخباره وبدء أمره لاول ولايته بتخفيف المغارم عن الرعايا واستحجب موسى بن
محمد بن يحيى واستوزر عبد الملك بن جهور بن عبد الملك بن جوهر وأحمد بن عبد الملك ابن سعد وأهدى له هديته المشهورة المتعددة الاصناف ذكرها ابن حبان وغيره وهى مما نقل من ضخامة الدولة الاموية واتساع أحوالها وهى خمسمائة ألف مثقال من الذهب العين وأربعمائة رطل من التبر ومصارفه خمسة وأربعون ألف دينار ومن سبائك الفضة مائتا بدرة واثنا عشر رطلا من العود الهندي يختم عليه كالشمع ومائة وثمانون رطلا من العود الضعى المتخير ومائة رطل من العود الشبه المنقى ومائة أوقية من المسك الذكى المفضل في جنسه وخمسمائة أوقية من العنبر الاشهب المفضل في جنسه على خليقته من غير صناعته ومنها قطعة ململمة عجيبة الشكل وزن مائة أوقية وثلثمائة أوقية من الكافور المترفع الذكاء ومن اللباس ثلاثون شقة من الحرير المختم المرقوم بالذهب للباس الخلفاء مختلفة الالوان والصنائع وعشرة أقرية من عالى جلود الفنك الخراسانية وستة من السرادقات العراقية وثمان وأربعون من الملاحف البغدادية لزينة الخيل من الحرير والذهب وثلاثون شقة الغريون من الملاحف لسروج الهبات وعشرة قناطير من السمور فيها مائة جلد وأربعة آلاف رطل من الحرير المغزول وألف رطل من الحرير المنتقى للاستغزال وثلاثون بساطا من الصوف وعشر مائة منقاة مختلفة ومائة قطعة مصليات من وجوه الفرش المختلفة وخمسة عشر من نخاخ الخز المقطوع شطرها ومن السلاح والعدة ثمانمائة من تخافيف الزينة أيام البروز والمواكب وألف ترس سلطانية ومائة ألف سهم من النبال البارعة الصنعة ومن الظهر خمسة عشر فرسا من الخيل العراب المتخيرة لركاب السلطان فائقة النعوت وعشرون من بغال الركاب مسرجة ملجمة بمراكب خلافية ولجم بغال مجالس سروجها خز جعفرى عراقى ومائة فرس من عتاق الخيل التى تصلح للركوب في التصرف والغزوات ومن الرقيق أربعون وصيفا وعشرون جارية متخيرات بكسوتهن وزينتهن ومن سائر الاصناف ومن الصخر سيات ما أنفق عليه في عام واحد ثماثون ألف دينار
وعشرون ألف عود من الخشب من أجمل الخشب وأصلبه وأقدمه قيمته خمسون ألف دينار وعرضت الهدية على الناصر سنة سبع وعشرين فشكرها وحسن لديه موقعها * (سطوة الناصر بأخيه القاضى بن محمد) * كان محمد بن عبد الجبار ابن الامير محمد وعبد الجبار هو عم أبى الناصر قد سعى عنده(4/138)
في أخيه القاضى بن محمد وأنه يريد الخلاف والبيعة لنفسه وسعى القاضى في محمد ابن عبد الجبار وأنه يروم الاتتقاض واستطلع على الجلى من أمرهما وتحقق نقضهما فقتلهما سنة ثمان وثلثمائة * (سطوة الناصر ببنى اسحق المروانيين) * وهو اسحق بن محمد بن اسحق بن ابراهيم بن الوليد بن ابراهيم بن عبد الملك بن مروان دخل جدهم أول الدولة ولن يزالو في اكرام وعز واستقرت الرياسة في اسحق وسكن اشبيلية أيام الفتنة عند ابن حجاج ثم هلك ابن حجاج وولى ابن مسلمة فاتهمه وقبض عليه وعلى ولده وصهره يحيى بن حكيم بن هشام بن خالد بن أبان بن خالد بن عبد الله بن عبد الملك ابن الحرث بن مروان فقتل الولد والصهر وكان عنده سفير لابن حفصون فشفع في الشيخ اسحق وولده أحمد ثم ملك الناصر اشبيلية من يد ابن مسلمة فرحل اسحق إلى قرطبة واستوزره الناصر واستوزر بنيه أحمد وابنه ومحمد وعبد الله ففتحوا الفتوحات وكفوا المهمات وعلت مقاديرهم في الدولة وتوفى أبوهم اسحق فورثوا مكانه في كل رفيعة ثم هلك كبيرهم عبد الله وكان مقدمهم عند الناصر واستوزره ثم اتهمه الناصر بالخلاف وكثرت فيهم السعايات وصاروا في مجال الظنون فسطا بهم الناصر وغربهم في النواحى فانزوى أمية منهم في تسترين سنة خمس وعشرين وخلع الطاعة وقصده الناصر في العساكر فدخل دار الحرب وأجاره رذمير ملك الجلالقة ثم تغير له فجاء إلى الناصر من غير عهد وعفا عنه وبقى في غمار الناس إلى ان هلك وأما أحمد فعزل عن
سرقسطة لما نكب أبوه وبقى خاملا مغضيا ثم تكاثرت السعاية فيه فقتل وأما أحمد فبقى في جملة الناصر حتى إذا تحرك إلى سرقسطة نمى عنه ففر ولقى في مفره جماعة من أهل سرقسطة فقتلوه * (أخبار الناصر مع الثوار) * كان أول فتح أبيح له أسبحه بعث إليها بدرا مولاه وحاجبه فافتتحها من يد ابن حفصون سنة ثلثمائة وغزا في أثرها بنفسه فافتتح أكثر من ثلاثين حصنا من يد ابن حفصون منها البيرة ودوخ سائر أقطاره وضيق مخنقه بالحصار واستنزل سعيد بن مزيل من حصن المنتلون وحصن سمنان وفى سنة احدى وثلثمائة ملك اشبيلية من يد أحمد بن مسلمة كما ذكرناه ثم سار سنة ثنتين في العساكر فنازل حصون ابن حفصون وانتهى إلى الجزيرة الخضراء وضبط البحر ونظر في اساطيله واستكثر منها ومنع ابن حفصون من البحر وسأله في الصلح على لسان يحيى بن اسحق المروانى فعقد له ثم أغزى اسحق بن محمد القرشى(4/139)
إلى الثوار بمرسية وبلنسية فأثخن في نواحيها وفتح أريولة وأغزى بدرا مولاه إلى مدينة ليلة فاستنزل منها عثمان بن نصر الثائر بها وساقه مقيدا إلى قرطبة ثم أغزى اسحق ابن محمد سنة خمس مدينة قرمونة فملكها من يد حبيب بن سواره كان ثائرا بها وفتح حصن ستمرية سنة ست وحصن طرش سنة تسع وأطاعه أحمد بن أضحى الهمداني الثائر بحصن الجامة ورهن ابنه على الطاعة وغزا ابن حفصون سنة أربع عشرة فردته العساكر المجمرة لحصاره ورجع وبعث إليه حفص يستأمنه فأمنه وجاء إلى قرطبة وملك الناصر يشتر كما مر ثم انتقض سنة خمس وعشرين أمية بن اسحق في تسترين وقد مر ذكر أوليته ومحمد بن هشام التجيبى في سرقسطة ومطرف بن مندف التجيبى في قلعة أيوب فغزاهم الناصر بنفسه وبدأ بقلعة أيوب فحاصرها وقتل مطرف في أول جولة عليها وقتل معه يونس بن عبد العزيز ولجأ أخوه إلى القصبة حتى استأمن وعفا عنه وقتل من كان معهم من النصرانية أهل البة وافتتح ثلاثين من حصونهم وبلغه انتقاض
طوطة ملكة البشكنس فغزاها في ينبلونة ودوخ أرضها واستباحها ورجع ثم غزا سنة سبع وعشرين غزوة الخندق إلى جليقة فانهزم وأصيبت فيها المسلمون وأسر محمد ابن هاشم التجيبى وحاول الناصر اطلاقه فاطلق بعد سنتين وثلاثة أشهر وقعد الناصر بعدها عن الغزو بنفسه وصار يردد البعوث والصوائف وثار سنة ثلاث وأربعين بجهات ماردة ثائر وتوجهت إليه العساكر فجاؤا به وباصحابه ومثل بهم وقتلوا * (أخبار طليطلة ورجوعها إلى الطاعة) * قال ابن حبان اختطها ديرنيقيوش الجبار وكان قواد رومة ينزلونها دار ملك ثم ثار بها برباط من نجدانية فملكها واختلف قواد رومة على حصاره ثم وثب به بعض أصحابه فقتله وملكها ثم قتل ورجعت إلى قواد رومة ثم انتقض أهلها وولوا أميرا منهم اسمه انيش ثم قتل ورجعت إلى قواد رومة وقام أولهم شنتيلة وأطاعه أهل الاندلس وامتنع على ملوك رومة ثم غزاهم وحاصر رومة وفتح كثيرا من بلادها ورجع إلى طليطلة وثار عليه البشكنس فظهر عليهم وأوقع بهم ولحقوا بالجبال وهلك شنتيلة بعد تسع وملك مكانه على الغوط بسيلة ست سنين ولم يغن فيها ثم ولى منهم حندس وغزا افريقية وولى بعده قتيان وبنى الكنائس وبلغه خبر المبعث فقال له بليان وكان من أكابر الغوط وأعاظمهم وجدت في كتاب مطريوس العالم عن دانيال النبي أنهم يملكون الاندلس ثم هلك فتبادر وملك ابنه ست عشرة سنة وكان سيئ السيرة وولى بعده لزريق ثم لم تزل طليطلة دار فتنة وعصبية ومنعة أتعبت عبد الرحمن الداخل سبع سنين وانتقضت على هشام والحكم وعلى عبد الرحمن الاوسط إلى أن جاء الناصر فأدخلهم(4/140)
في الطاعة كرها لما أكمل فتح ماردة وبطليوس وتسترين سار إليهم في العساكر وحاصرهم وجاء الطاغية يظاهرهم فدافعه الناصر وجثم عليها فخرج أميرهم ثعلبة ابن محمد بن عبد الوارث إلى الناصر فاستقال واستأمن فأمنه وعفا عنه ودخلها الناصر
وجال في أقطارها ورجع عنها فلم يزالوا مستقيمين على الطاعة بعد * (أخبار الناصر مع أهل العدوة) * ثم سما للناصر أمل في ملك عدوة البربر من بلاد المغرب فافتتح أمره بملك سبتة من بنى عصام ولاتها واستدعى أمراء البربر بالعدوة وبلغ الخبر ابراهيم بن محمد أمير بنى ادريس فبادر إلى سبتة وحاصرها أنفة من عبور الناصر إليهم ثم استقال وكاتب الناصر بالولاية وأما ادريس بن ابراهيم صاحب ارشكوك من الادارسة فبادر بولاية الناصر وكاتبه وأهدى إليه وتقبل أثره في ذلك محمد بن خزر أمير مغراوة وموسى بن أبى العافية أمير مكناسة وهو يومئذ صاحب المغرب بعد أن ملك قواعد المغرب الاوسط وهى تنس ووهران وشرشال والبعلحاء وأهدوا إلى الناصر فقبل وكافأهم وأحكم ولايتهم وبادر جماعة من الادارسة إلى مثل ذلك منهم القاسم بن ابراهيم والحسن بن عيسى وأهدى صاحب فاس هدية عظيمة وعقد له الناصر على أهل بيته ولما فشت دعوة الناصر في المغرب الاقصى بعث عبيد الله المهدى قائده ابن يصل أمير مكناسة وعامل تاهرت فزحف في العساكر إلى المغرب سنة احدى وعشرين وكتب موسى بن أبى العافية إلى الناصر يستنجده فأخرج إليه قاسم بن طملس في العساكر ومعه الاسطول فوصل إلى سبتة وبلغه الخبر بأن موسى بن أبى العافية هزم عساكر حميد فاقصر ورجع حسبما هو مذكور في أخبارهم * (أخبار الناصر مع الفرنجة والجلالقة) * وكان في أول المائة الرابعة ملك على الجلالقة أر دون بن رذمير بن برمنذ بن قريولة ابن ذفونش بن بيطر وخرج سنة ثنتين وثلثمائة إلى الثغر الجو في لاول ولاية الناصر وعاث في جهات ماردة وأخذ حصن الحنش وبعث الناصر وزيره أحمد بن عبدة في العساكر إلى بلاده فدوخها ثم أغزاه ثانية سنة خمس فنكث وقتل ثم أغزى بدرا مولاه فدوخ ورجع ثم غزا بنفسه بلاد جليقة سنة ثمان واستنصر اردون بسانجة
ابن غرسية ملك البشكنس وصاحب بنبولة فهزمهم الناصر ووطئ بلادهم وخربها وفتح حصونهم وهدمها وردد الغزو بعد ذلك في بلد غرسية إلى أن هلك ادفونش وولى بعده ابنه فرويلة قال ابن حبان لما ملك فرويلة بن أر دون بن رذمير ملك الجلالقة سنة(4/141)
ثلاث عشرة وثلثمائة ملك أخوه ادفونش ونازعه أخوه سانجة واستقل غرسية بليون من قواعد ملكهم وظاهر ادفونش على أمره ابن أخيه وهو ادفونش بن فرويلة وصهره سانجة فانهزموا وافترقت كلمتهم ثم اجتمعوا ثانية وخلعوا سانجة وأخرجوه عن مدينة ليون ففر إلى قاصية جليقة وولى أخاه رذمير بن أر دون على ملكه بغربي جليقة إلى قلنسرية وهلك سانجة اثر ذلك ولم يعقب واستقل ادفونش وخرج على أخيه رذمير وملك مدينة سنت ماذكش ثم أكثروا عليه العذل في نزوعه عن الرهبانية فرجع إلى رهبانيته ثم خرج ثانيا وملك مدينة ليون وكان رذمير أخوه غازيا إلى سمورة فرجع إليه وحاصره بها حتى اقتحمها عليه عنوة سنة عشرين وثلثمائة فحبسه ثم سمله في جماعة من ولد أبيه اردون خافهم على أمره وكان غرسية بن سانجة ملك البشكنس لما هلك قام بأمرهم بعده أخته طوطة وكفلت ولده ثم انتقضت سنة خمس وعشرين فغزا الناصر بلادها وخرب نواحى بليونة وردد عليها الغزوات وفى أثناء هذه الغزوات نازل محمد ابن هشام التجيبى سرقسطة حتى أطاع كما مر وكذا أمية بن اسحق في تسترين وكان الناصر سنة ثنتين وعشرين قد غزا إلى وخشمة واستدعى محمد بن هشام من سرقسطة فامتنع ورجع إليه وافتتح حصونه وأخذ أخاه يحيى من حصن روطة ثم رحل إلى ينبلونة فجاءته طوطة بنت انثير بطاعتها وعقد لابنها غرسية بن سانجة على ينبلونة ثم عدل إلى البلة وبسائطها فدوخها وخرب حصونها ثم اقتحم جليقة وملكها يومئذ رذمير ابن أر دون فخام عن اللقاء ودخل هو وحشمه فنازله الناصر فيها وهدم برغث وكثيرا من معاقلهم وهزمهم مرارا ورجع ثم كانت بعدها غزوة الخندق ولم يغز الناصر بعدها
بنفسه وكان يردد الصوائف وهابته أمم النصرانية ووفدت عليه سنة ست وثلاثين رسل صاحب القسطنطينية وهديته وهو يومئذ قسنطين بن ليون بن شل واحتفل الناصر للقائهم في يوم مشهود وكتب فيه العساكر بالسلاح في أكمل هيئة وزى وزين القصر الخلافى بأنواع الزينة وأصناف الستور وجمل السرير الخلافى بمقاعد الابناء والاخوة والاعمام والقرابة ورتب الوزراء والخدمة في مواقفهم ودخل الرسل فهالهم ما رأوا وقربوا حتى أدوا رسالتهم وأمر يومئذ الاعلام ان يخطبوا في ذلك المحفل ويعظموا أمر الاسلام والخلافة ويشكروا نعمة الله على ظهور دينه واعزازه وذلة عدوه فاستعدوا لذلك ثم بهرهم هول المجلس فرجعوا وشرعوا في الغزل فارتج عليهم وكان فيهم أبو على القالى وافد العراق كان في جملة الحكم ولى العهد وندبه لذلك استئثارا لفخره فلما وجموا كلهم قام منذر بن سعيد البلوطى من غير استعداد ولا روية ولا تقدم له أحد في ذلك بشئ فخطب واستخفر وجلا في ذلك القصد وأنشد آخره شعرا طويلا(4/142)
ارتجله في ذلك الغرض ففاز بفخر ذلك المجلس وعجب الناس من شأنه أكثر من كل ما وقع وأعجب الناصر به وولاه القضاء بعدها وأصبح من رجالات العالم وأخباره مشهورة وخطبته في ذلك اليوم منقولة في كتب ابن حبان وغيره ثم انصرف هؤلاء الرسل وبعث الناصر معهم هشام بن كليب الحايليق ليجدد الهدنة ويؤكد المودة ويحسن الاجابة ورجع بعد سنتين وقد أحكم من ذلك ما شاء وجاءت معه رسل قسنطين ثم جاء رسل ملك الصقالبة وهو يومئذ هوتو وآخر من ملك اللمان وآخر من ملك الفرنجة وراء المغرب وهو يومئذ أفوه وآخر من ملك الفرنجة بقاصية المشرق وهو يومئذ كلدة واحتفل السلطان لقدومهم وبعث مع رسل الصقالبة ريفا الاسقف إلى ملكهم هوتو ورجعوا بعد سنتين وفى سنة أربع وأربعين جاء رسول اردون بن رذمير وأبوه رذمير وهو الذى سمل أخاه ادفونش وقد مر ذكره بعث يخطب السلم فعقد له ثم بعث في سنة
خمس وأربعين يطلب ادخال فردلند بن عبد شلب قومس قشتيلية فردلند وقد مر ذكره ومال إلى أر دون بن رذمير كما ذكرناه وكان غرسية بن سانجة حافد الطوطة بنت اسنين ملكة البشكنس فامتعضت لحل حافدها غرسية ووفدت على الناصر سنة سبع وأربعين ملقية بنفسها في عقد السلم لها ولولدها سانجة بن رذمير الملك واعانه حافدها غرسية بن سانجة على ملكه ونصره من عدوه وجاء ملك جليقة فرد عليه ملكه وخلع الجلالقة طاعة اردون وبعث إلى الناصر يشكوه على فعلته وكتب إلى الامم في النواحى بذلك وبما ارتكبه فردلند قومس قشتيلة وعظيم قوامسه في نكثه ووثوبه ونفر بذلك عند الامم ولم يزل الناصر على موالاته واعانته إلى ان هلك ولما وصل رسول كلدة ملك الا فرنجة بالمشرق كما تقدم وصل معه رسول مغيرة بن شبير ملك برشلونة وطركونة راغبا في الصلح فأجابه الناصر ووصل بعده رسول صاحب رومة يطلب المودة فأجيب * (سطوة الناصر بابنه عبد الله) * كان الناصر قد وشحه ابنه الحكم وجعله ولى عهده وآثره على جميع ولده ودفع إليه كثيرا من التصرف في دولته وكان أخوه عبد الله يساميه في الرتبة فغص لذلك وأغراه الحسد بالنكثة فنكث وداخل من في قلبه مرض من أهل الدولة فأجابوه وكان منهم ياسر الفتى وغيره ونمى الخبر بذلك إلى الناصر فاستكشف أمرهم حتى وقف على الجلى فيه وقبض على ابنه عبد الله وعلى ياسر الفتى وعلى جميع من داخلهم وقتلهم أجمعين سنة ثلاث وتسعين * (مباني الناصر) *(4/143)
ولما استفحل ملك الناصر صرف نظره إلى تشييد المباني والقصور وكان جده الامير محمد وأبو عبد الرحمن الاوسط وجده الحكم قد اختلفوا في ذلك وبنوا قصورهم على أكمل الاتفاق والضخامة وكان منها المجلس الزاهر والبهو الكامل والقصر المنيف
فبنى هو إلى جانب الزاهر قصره العظيم وسماه دار الروضة وجلب الماء إلى قصورهم من الجبل واستدعى عرفاء المهندسين والبنائين من كل قطر فوفدوا عليه حتى من بغداد والقسطنطينية ثم أخذ في بناء المنتزهات فاتخذ مينا الناعورة خارج القصور وساق لها الماء من أعلى الجبل على بعد المسافة ثم اختط مدينة الزهراء واتخذها منزله وكرسيا لملكه فانشأ فيها من المباني والقصور والبساتين ما علا على مبانيهم الاولى واتخذ فيها مجالات للوحش فسيحة الفناء متباعدة السياح ومسارح الطيور ومظللة بالشباك واتخذ فيها دار الصناعة آلات من آلاف السلاح للحرب والحلى للزينة وغير ذلك من المهن وأمر بعمل الظلة على صحن الجامع بقرطبة وقاية للناس من حر الشمس * (وفاة الناصر وولاية ابنه الحكم المستنصر) * ثم توفى الناصر سنة خمسين وثلثمائة أعظم ما كان سلطانه وأعر ما كان الاسلام بملكه وكان له قضاة أربعة مسلم بن عبد العزيز وأحمد بن بقى بن مخلد ومحمد ابن عبد الله بن أبى عيسى ومنذر بن سعيد البلوطى ولما توفى الناصر ولى ابنه الحكم وتلقب المستنصر بالله وولى على حجابته جعفر المصحفى وأهدى له يوم ولايته هدية كان فيها من الاصناف ما ذكره ابن حبان في المقتبس وهى مائة مملوك من الفرنج ناشئة على خيول صافنة كاملو الشيكة والاسلحة من السيوف والرماح والدرق والتراس والقلانس الهندوية وثلثمائة ونيف وعشرون درعا مختلفة الاجناس وثلثمائة خودة كذلك ومائة بيضة هندية وخمسون خودة حبشية من حبشيات الافرنجة غير الحبشى التى يسمونها الطاشانية وثلثمائة حرية افرنجية ومائة ترس سلطانية الجنس وعشرة جواشن نقية مذهبة وخمسة وعشرون قرنا مذهبة من قرون الجاموس ولاول وفاة الناصر طمع الجلالقة في الثغور فغزا الحكم بنفسه واستباحها وقفل فبادروا إلى عقد السلم معه وانقبضوا عما كانوا فيه ثم أغزى غالبا مولاه بلاد جليقة وسار إلى مدينة سالم قبل الدخول لدار الحرب فجمع له الجلالقة ولقيهم على
اشتة فهزمهم واستباحهم وأوطأ العساكر بلاد فردلند القومس ودوخها وكان سانجة بن رذمير ملك البشكنس قد انتقض فاغزاه الحكم يحيى بن محمد التجيبى صاحب سرقسطة في العساكر وجاء ملك الجلالقة لنصره فهزمهم وامتنعوا وعاث في نواحيها وأغزى الهذيل بن هاشم ومولاه غالبا فعاثا فيها(4/144)
وقفلا وعظمت فتوحات الحكم وقواد الثغور في كل ناحية وكان من أعظمها فتح قلهرة من بلاد البشكنس على يد غالب فعمرها الحكم واعتنى بها ثم فتح قطريبة على يد قائد وشقة وغنم ما فيها من الاموال والسلاح والالات والاقوات وفى بسيطه من الغنم والبقر والرمك والا طعمة والسبي ما لا يحصى وفى سنة أربع وخمسين سار غالب إلى بلاد البة ومعه يحيى بن محمد التجيبى وقاسم بن مطرف بن ذى النون فأخذ حصن غرماج ودوخ بلادهم وانصرف وظهرت في هذه السنة مراكب المجوس في البحر الكبير وأفسدوا بسايط احشبونة وناشبهم الناس القتال فرجعوا إلى مراكبهم وأخرج الحكم القواد لاحتراس السواحل وأمر قائد البحر عبد الرحمن بن رماحس بتعجيل حركة الاسطول ثم وردت الاخبار بأن العساكر نالت منهم من كل جهة من السواحل ثم كانت وفادة أر دون بن ادفونش ملك الجلالقة وذلك أن الناصر لما أعان عليه سانجة بن رذمير وهو ابن عمه وهو الملك من قبل أر دون وحمل النصرانية واستظهر أر دون بصهره فردلند قومس فشتيلية ثم توقع مظاهرة الحكم لسانجة كما ظهره أبو الناصر فبادر بالوفادة على الحكم مستجيرا به فاحتفل لقدومه وكان يوما مشهودا وصفه ابن حبان كما وصف أيام الوفادات قبله ووصل إلى الحكم وأجلسه ووعده بالنصر على عدوه وخلع عليه لما جاء ملقيا بنفسه وعاقده على موالاة الاسلام ومقاطعة فردلند قومس وأعطى على ذلك صفقة يمينه ورهن ولده غرسية ودفعت الصلات والحملات له ولاصحابه وانصرف معه وجوه نصارى الذمة
بقرطبة ولبدبن مغيث القاضى وأصبغ بن عبد الله بن نبيل الجاتليق وعبد الله بن قاسم مطران طليطلة ليوطؤا له الطاعة عند رسميته ويقبضوا رهنه وذلك سنة احدى وخمسين وعند ذلك بعث ابن عمه سانجة بن رذمير ببيعته وطاعته مع قولب من أهل جليقة وسمورة وأساقفهم يرغب في قبوله ويبقى بما فعل أبوه الناصر معه فتقبل بيعتهم على شروط شرطها كان منها هدم الحصون والابراج القريبة من ثغور المسلمين ثم بعث قومس الفرنجة برسل ومنيرة اثناء سير ملك برشلونة وطركونة وغيرها يسألان تجديد العهد واقرارهما على ما كانا عليه وبعثا بهدية وهى عشرون صبيا من الخصيان الصقالبة وعشرون قنطارا من الصوف السمور وخمسة قناطير من الفرصدس وعشرة أذراع صقلبية ومائتا سيف افرنجية فقبل هديتهم وعقد لهم على أن يهدما الحصون التى بقرب الثغور وعلى أن لا يظاهروا عليه أهل ملتهم وان ينذوره بما يكون من النصارى في الاجلاب على المسلمين ثم وصلت رسل غرسية بن سانجة ملك البشكنس في جماعة من الا ساقفة والقواميس يسألون الصلح بعد ان كان توقف فعقد لهم الحكم ورجعوا(4/145)
وفى سنة وردت أم لزريق بن بلاكش القومس بالقرب من جليقة وهو القومس الاكبر فأخرج الحكم لتلقيها واحتفل لقدومها في يوم مشهود فوصلها وأسعفها وعقد السلم لابنها كما رغبت وأحبت ودفع لها مالا تقسمه بين وفدها وحملت على بغلة فارهة بسرج ولجام مثقلين بالذهب وملحفة ديباج ثم عاودت مجلس الحكم للوداع فعاودها بالصلات لسفرها وانطلقت ثم أوطأ عساكره من أرض العدوة من المغرب الاقصى والاوسط وتلقى دعوته ملوك زناتة من مغراوة ومكناسة فبثوها في أعمالهم وخطبوا بها على منابرهم وزاحموا بها دعوة الشيعة فيما بينهم ووفد عليه ملوكهم من آل خزر وبنى أبى العافية فأجزل صلتهم وأكرم وفادتهم واحسن منصرفهم واستنزل بنى ادريس من ملكهم بالعدوة في ناحية الريف وأجازهم البحر إلى
قرطبة ثم أجلاهم إلى الاسكندرية حسبما نشير إلى ذلك كله بعد وكان محبا للعلوم مكرما لاهلها جماعة للكتب في أنواعها ما لم يجمعه أحد من الملوك قبله قال ابن حزم أخبرني بكية الخصى وكان على خزانة العلوم والكتب بدار بنى مروان أن عدد الفهارس التى فيها تسمية الكتب أربعة وأربعون فهرسة في كل فهرسة عشرون ورقة ليس فيها الا ذكر أسماء الدواوين لا غير قأقام العلم والعلماء سلطانا نفقت فيها بضائعة من كل قطر ووفد عليه أبو على الغالى صاحب كتاب الامالى من بغداد فأكرم مثواه وحسنت منزلته عنده وأورث أهل الاندلس علمه واختص بالحكم المستنصر واستفاد علمه وكان يبعث في الكتب إلى الاقطار رجالا من التجار ويسرب إليهم الاموال لشرائها حتى جلب منها إلى الاندلس ما لم يعهدوه وبعث في كتاب الاغانى إلى مصنفه أبى الفرج الاصفهانى وكان نسبه في بنى أمية وأرسل إليه فيه ألف دينار من الذهب العين فبعث إليه بنسخة منه قبل أن يخرجه بالعراق وكذلك فعل مع القاضى أبى بكر الابهري المالكى في شرحه لمختصر بن عبد الحكم وأمثال ذلك وجمع بداره الحذاق في صناعة النسخ والمهرة في الضبط والاجادة في التجليد فأوعى من ذلك كله واجتمعت بالاندلس خزائن من الكتب لم تكن لاحد من قبله ولا من بعده الا ما يذكر عن الناصر العباسي ابن المستضئ ولم تزل هذه الكتب بقصر قرطبة إلى أن بيع أكثرها في حصار البربر أمر باخراجها وبيعها الحاجب واضح من موالى المنصور بن أبى عامر ونهب ما بقى منها عند دخول البربر قرطبة واقتحامهم اياها عنوة كما نشير إليه بعد واتصلت أيام الحكم المستنصر وأوطأ العساكر أرض العدوة من المغرب الاقصى والاوسط وتلقى دعوته ملوك زناتة ومغراوة ومكناسة فبثها في أعمالهم وخطبوا بها على منابرهم وزاحموا بها دعوة الشيعة فيما يليهم ووفد عليه ملوكهم من آل خزر وبنى أبى العافية فأجزل(4/146)
صلتهم وأكرم وفادتهم
* (وفاة الحكم المستنصر وبيعة ابنه هشام المؤيد) * ثم أصابت الحكم العلة فلزم الفراش إلى أن هلك سنة ست وستين وثلثمائة لست عشرة سنة من خلافته وولى من بعده ابنه هشام صغيرا مناهز الحلم وكان الحكم قد استوزر له محمد بن أبى عامر نقله من خطة القضاء إلى وزارته وفوض إليه في أموره فاستقل وتوفت حاله عند الحكم فلما توفى الحكم بويع هشام ولقب المؤيد بعد ان قتل ليلتئذ أخو الحكم المرشح لامره تناول الفتك به محمد بن عامر هذا بممالاة جعفر بن عثمان المصحفى حاجب أبيه وغالب مولى الحكم صاحب مدينة سالم ومن خصيان القصر ورؤسائهم فائق وجود رفقتل محمد بن أبى عامر المغيرة وبايع لهشام * (أخبار المنصور بن أبى عامر) * ثم سما محمد بن أبى عامر المتغلب على هشام لمكانه في السن وثاب له رأى في الاستبداد فمكر بأهل الدولة وضرب بين رجالها وقتل بعضها ببعض وكان من رجال اليمنية من مغافرو اسمه محمد بن عبد الله بن ابى عامر بن محمد بن عبد الله بن عامر بن محمد بن الوليد بن يزيد بن عبد الملك المغافرى دخل جده عبد الملك مع طارق وكان عظيما في قومه وكان له في الفتح أثر فاستوزره الحكم لابنه هشام كما ذكرناه فلما مات الحكم حجبه محمد وغلب عليه ومنع الوزراء من الوصول إليه الا في النادر من الايام يسلمون وينصرفون وأرخص للجند في العطاء وأعلى مراتب العلماء وقمع أهل البدع وكان ذا عقل ورأى وشجاعة وبصر بالحروب ودين متين ثم تجرد لرؤساء الدولة ممن عائده وزاحمه فمال عليهم وحطهم عن مراتبهم وقتل بعضها ببعض كل ذلك عن أمر هشام وخطه وتوقيعه حتى استأصل بهم وفرق جموعهم وأول ما بدأ بالصقالبة الخصيان الخدام بالقصر فحمل الحاجب المصحفى على نكبتهم فنكبهم وأخرجهم من القصر وكانوا ثمانمائة أو يزيدون ثم أصهر إلى غالب مولى الحكم وبالغ في خدمته والتنصح له واستعان بن على المصحفى فنكبه ومحا أثره من الدولة ثم استعان على غالب بجعفر بن على بن حمدون صاحب
المسيلة الفازع إلى الحكم أول الدولة بمن كان معه من زناتة والبربر ثم قتل جعفر عماله ابن عبد الودود وابن جوهر وابن ذى النون وأمثالهم من أولياء الدولة من العرب وغيرهم ثم لما خلا الجو من أولياء الخلافة والمرشحين للرياسة رجع إلى الجند فاستدعى أهل العدوة من رجال زناتة والبرابرة فرتب منهم جندا واصطنع أولياء وعرف عرفاء من صنهاجة ومغراوة وبنى يفرن وبنى برزال ومكناسة وغيرهم فتغلب على هشام وحجره(4/147)
واستولى على الدولة وملا الدنيا وهو في جوف بيته مع تعظيم الخلافة والخضوع لها ورد الامور إليها وترديد الغزو والجهاد وقدم رجال البرابرة زناتة وأخر رجال العرب وأسقطهم عن مراتبهم فتم له ما أراد من الاستقلال بالملك والاستبداد بالامر وابتنى لنفسه مدينة فنزلها وسماها الزاهرة ونقل إليها خزائن الاموال والاسلحة وقعد على سرير الملك وأمر أن يحيا بتحية الملوك وتسمى بالحاجب المنصور ونفذت الكتب والاوامر والمخاطبات باسمه وأمر بالدعاء له على المنابر وكتب اسمه في السكة والطرز وعمر ديوانه بما موى ذلك وجند البرابرة والمماليك واستكثر من العبيد والعلوج للاستيلاء على تلك الرغبة وقهر من يطاول إليها من الغلبة فظفر من ذلك بما أراد وردد الغزو بنفسه إلى دار الحرب فغزا اثنتين وخمسين غزوة في سائر أيام ملكه لم ينكسر له فيها راية ولا فل له جيش ولا أصيب له بعث ولا هلكت سرية وأجاز عساكره إلى العدوة وضرب بين ملوك البرابرة بعضهم في بعض فاستوثق ملكه بالمغرب وأذعنت له ملوك زناتة وانقاد والحكمه وأطاعو السلطانة وأجاز ابنه عبد الملك إلى ملوك مغراوة بفاس من آل خزر لما سخط زيرى بن عطية ملكهم لما بلغه من اعلانه بالنيل منه والغض من والتأنف لحجر الخليفة هشام فأوقع به عبد الملك سنة ست وثمانين ونزل بفاس وملكها وعقد لملوك زناتة على المغرب واعماله من سجلماسة وغيرها على ما نشير إليه بعد وشرد زيرى بن عطية إلى تاهرت وأبعد المفر وهلك في مفره ثم قفل عبد الملك إلى قرطبة واستعمل واضحا
على المغرب وهلك المنصور أعظم ما كان ملكا وأشد استيلاء سنة أربع وتسعين وثلثمائة بمدينة سالم منصرفه من بعض غزواته ودفن هنالك وذلك لسبع وعشرين سنة من ملكه * (المظفر بن المنصور) * ولما هلك المظفر قام بالامر من بعده أخوه عبد الرحمن وتلقب بالناصر لدين الله وجرى على سنن أبيه وأخيه في حجر الخليفة هشام والاستبداد عليه والاستقلال بالملك دونه ثم ثاب له رأى في الاستئثار بما بقى من رسوم الخلافة فطلب من هشام المؤيد أن يوليه عهده فأجابه وأحضر لذلك الملا من أرباب الشورى وأهل الحل والعقد فكان يوما مشهودا وكتب عهده من انشاء أبى حفص بن برد بما نصه هذا ما عهد هشام المؤيد بالله أمير المؤمنين إلى الناس عامة وعاهد الذى عليه من نفسه خاصة وأعطى به صفقة يمينه بيعة تامة بعد أن أمعن النظر وأطال الاستخارة وأهمه ما جعل الله إليه من الامامة ونصب إليه من أمر المؤمنين واتقى حلول القدر بما لا يؤمن وخاف نزول القضاء بما لا يصرف وخشى ان هجم محتوم ذلك عليه ونزل مقدوره به ولم يرفع لهذه الامة علما تأوى إليه وملجا تنعطف إليه أن يلقى ربه تبارك وتعالى مفرطا ساهيا عن أداء(4/148)
الحق إليها واعتبر عند ذلك من أحياء قريش وغيرها من يستحق أن يستند هذا الامر إليه ويعول في القيام به عليه ممن يستوجبه بدينه وأمانته وهديه وصيانته بعد اطراح الهوى والتحرى للحق والتزلف إلى الله عز وجل بما يرضيه وبعد أن قطع الاقاصى وأسخط الاقارب فلم يجد أحدا يوليه عهده ويفوض إليه الخلافة بعده غيره لفضل نسبه وكرم خيمه وشرف مرتبته وعلو منصبه مع تقاه وعفافه ومعرفته وحزمه وتفاوته المأمون العيب الناصح الحبيب أبى المظفر عبد الرحمن بن المنصور بن أبى عامر وفقه الله تعالى إذ كان أمير المؤمنين قد ابتلاه واختبره ونظر في شأنه واعتبره فرآه مسارعا في الخيرات سابقا إلى الجليات مستوليا على الغايات جامعا للماثرات ومن
كان المنصور أباه والمظفر أخاه فلا غر وأن يبلغ من سبل البرمداه ويحوى من خلال الخير ما حواه مع أن أمير المؤمنين أيده الله بما طالع من مكنون العلم ووعاه من مخزون الغيب رأى أن يكون ولى عهده القحطاني الذى حدث عنه عبد الله بن عمرو بن العاص وأبو هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لا تقوم الساعة حتى يخرج رجل من قحطان يسوق الناس بعصاه فلما استوى له الاختيار وتقابلت عنده الاثار ولم يجد عنه مذهبا ولا إلى غيره معد لا خرج إليه من تدبير الامور في حياته وفوض إليه الخلافة بعد وفاته طائعا راضيا مجتهدا وأمضى أمير المؤمنين هذا وأجازه وأنفذه ولم يشترط فيه ثنيا ولا خيارا وأعطى على الوفاء به في سره وجهره وقوله وفعله عهد الله وميثاقه وذمة نبيه صلى الله عليه وسلم وذمة الخلفاء الراشدين من آبائه وذمة نفسه ان لا يبدل ولا يغير ولا يحول ولا يزول وأشهد على ذلك الله والملائكة وكفى بالله شهيدا وأشهد من أوقع اسمه في هذا وهو جائز الامر ماضى القول والفعل بمحضر من ولى عهده المأمون أبى المظفر عبد الرحمن بن المنصور وفقه الله تعالى وقيد له ما قلده والزمه نفسه ما في الذمة وذلك في شهر ربيع الاول سنة ثمان وتسعين وثلثمائة وكتب الوزراء والقضاة وسائر الناس شهادتهم بخطوط أيديهم وتسمى بعدها بولي العهد ونقم أهل الدولة عليه ذلك فكان فيه حتفه وانقراض دولته ودولة قومه والله وارث الارض ومن عليها * (تورة المهدى ومقتل عبد الرحمن المنصور وانقراض دولتهم) * ولما حصل عبد الرحمن المنصور على ولاية العهد ونقم ذلك الاميون والقرشيون وغصوا بأمره واتفقوا على تحويل الامر جملة من المضرية إلى اليمنية فاجتمعوا لشأنهم وتمشت من بعض إلى بعض رجالاتهم وأجمعوا أمرهم في غيبة من الحاجب الناصر ببلاد الجلالقة في غزاه من صوائف ووثبوا بصاحب الشرطة ففتكوا به بمقعده من باب قصر الخلافة بقرطبة سنة تسع وتسعين وثلثمائة وخلعوا هشاما المؤيد وبايعوا محمد بن(4/149)
هشام بن عبد الجبار بن أمير المؤمنين الناصر لدين الله من اعياص الملك واعقاب الخلفاء ولقبوه المهدى وطار الخبر إلى الحاجب بمكانه من الثغر فانفض جمعه وقفل إلى الحضرة مدلا بمكانه زعيما بنفسه حتى إذا قرب من الحضرة تسلل عنه الجند ووجوه البربر ولحقوا بقرطبة وبايعوا المهدى القائم با لامر وأغروه بالناصر واعترضه منهم من تقبض عليه واحتز رأسه وحمله إلى المهدى والى الجماعة وذهبت دولة العامريين * (ثورة البربر وبيعة المستعين وفرار المهدى) * كان الجند من البرابرة وزناتة قد ظاهروا المنصور على أمره وأصبحوا شيعة لبنيه من بعده ورؤساؤهم يومئذ زاوى بن مناد الصنهاجى وبنو ماكير ابن أخيه زيرى ومحمد ابن عبد الله البرز إلى ونصيل بن حميد المكناسى الفازع أبوه عن العبيديين انى الناصر وزيرى بن غزانة المتيطى وأبو زيد بن دوناس اليفرنى وعبد الرحمن بن عطاف اليفرنى وأبو نور بن أبى قرة اليفرنى وأبو الفتوح بن ناصر وحزرون بن محصن المغراوى وبكساس ابن سيد الناس ومحمد بن ليلى المغراوى فيمن إليهم من عشائرهم فلحقوا بمحمد بن هشام لما رأوا من انتقاض أمر عبد الرحمن وسوء تدبيره وكانت الاموية تعتد عليهم ما كان من مظاهرتهم العامريين وتنسب إليهم تغلب المنصور وبنيه على أمرهم فسخطتهم القلوب وخزرتهم العيون وتنفست بذلك صدور الغوغاء من أذيال الدولة ولفظت به ألسنة الدهماء من المدينة وأمر محمد بن هشام ان لا يركبوا ولا يتسلحوا وردوا في بعض الايام من باب القصر وانتهب العامة يومئذ دورهم ودخل زاوى وابن أخيه حساسة وأبو الفتوح بن الناصر على المهدى شاكين بما أصابهم فاعتذر إليهم وقتل من آذاهم من العامة في أمرهم وكان مع ذلك مظهر البغضهم مجاهرا بسوء الثناء عليهم وبلغهم انه سره الفتك بهم فتمشت رجالاتهم وأسروا نجواهم هشام بن سليمان بن أمير المؤمنين الناصر لدين الله وفشافى الخاصة حديثهم فعوجلوا عن أمرهم ذلك وأغرى بهم السواد الاعظم فثاروا بهم وأزعجوهم عن المدينة وتقبض
على هشام وأخيه أبى بكر وأحضرا بين يدى المهدى فضرب أعناقهما ولحق سليمان ابن أخيهما الحكم بجنود البربر وزناتة وقد اجتمعوا بظاهر قرطبة وتآمروا فبايعوه ولقبوه المستعين بالله ونهضوا به إلى ثغر طليطلة فاستجاش بابن ادفونش ثم نهض في جموع البرابرة والنصرانية إلى قرطبة وبرز إليهم المهدى في كافة أهل البلد وخاصة الدولة وكانت الدبرة عليهم واستلحم منهم ما يزيد على عشرين ألفا وهلك من خيار الناس وأئمة المساجد وسدنتها ومؤذنيها عالم ودخل المستعين قرطبة خاتم المائة الرابعة ولحق ابن عبد الجبار بطليطلة(4/150)
* (رجوع المهدى إلى ملكه بقرطبة) * ولما استولى المستعين على قرطبة خالفه محمد بن هشام المهدى إلى طليطلة واستجاش بابن ادفونش ثانية فنهض معه إلى قرطبة وهزم المستعين والبرابرة بعقبة البقر من ظاهرها في آخر باب سبتة ودخل المهدى قرطبة وملكها * (هزيمة المهدى وبيعته للمؤيد هشام ومقتله) * ولما دخل المهدى إلى قرطبة خرج المستعين إلى البرابرة وتفرقوا في البسائط والقرى فينهبون ويقتلون ولا يبقون على أحد ثم ارتحلوا إلى الجزيرة الخضراء فخرج المهدى وابن ادفونش واتبعهم المستعين والبرابرة اثناء ذلك يحاصرونهم حتى خشى الناس من اقتحام البرابرة عليهم فاغروا أهل القصر وحاجبه المدبر بالمهدي وان الفتنة انما جاءت من قبله وتولى كبر ذلك واضح العامري فقتلوا المهدى محمد بن هشام واجتمعت الكافة على تجديد البيعة لهشام المؤيد ليعتصموا به من معرة البرابرة وما يسومونهم به ملوكهم من سوء العذاب وعاد هشام إلى خلافته وأقام واضح العامري لحجابته وهو من موالى المنصور بن أبى عامر * (حصار قرطبة واقتحامها عنوة ومقتل هشام) *
واستمر البرابرة على حصار قرطبة والمستعين بينهم ولم يفر عن أهل قرطبة تبعه هشام المؤيد والبرابرة يترددون إليها ذاهبين وجائين بأنواع النهب والفتك إلى أن هلكت القرى والبسائط وعدمت المرافق وصافت أحوال أهل قرطبة وجهدهم الحصار وبعث المستعين والبرابرة إلى ابن ادفونش يستقدمونه لمظاهرتهم فبعث إليه هشام المؤيد وحاجبه واضحا يكفونه عن ذلك بأن نزلوا له عن ثغور قشتالة التى كان المنصور اقتحمها فسكن عزمه وسكن عن مظاهرتهم ثم اتصل الحصار بمخنق البلد وصدق البرابرة القتال فاقتحموها عنوة سنة ثلاث وأربعمائة وفتكوا بهشام المؤيد ودخل المستعين ولحق باهل قرطبة من البرابرة في نسائهم ورجالهم وبناتهم وأبنائهم ومنازلهم وظن المستعين ان قد استحكم أمره وتوثبت البرابرة والعبيد على الاعمال فولوا المدن العظيمة وتقلد والاعمال الواسعة مثل باديس بن حزس في غرناطة ومحمد بن عبد الله البرز إلى في قرمونة وأبو ثور بن أبى شبل * بالاندلس وصار الملك طوائف في آخرين من أهل الدولة مثل ابن عباد باشبيلية وابن الافطس ببطليوس وابن ذى النون بطليطلة وابن أبى عامر ببلنسية ومرسية وابن هود بسرقسطة ومجاهد العامري بدانية والجزائر منذ عهد هذه الفتنة كما نذكر في أخبارهم(4/151)
* (ثوار ابن حمود واستيلاوه وقومه على ملك قرطبة) * ولما افترق شمل جماعة قرطبة وتغلب البرابرة على الامر وكان على بن حمود وأخوه قاسم بن عقب ادريس قد أجازوا معهم من العدوة فدعو الا نفسهم وتعصب معهم الكثير من البربر وملكوا قرطبة سنة سبع وأربعمائة وقتلوا المستعين ومحوا ملك بنى أمية واتصل ذلك في خلق منهم سبع سنين ثم رجع الملك في بنى أمية وفى ولد الناصر نحوا من سبع سنين ثم خرج عنهم وافترق الامر في رؤساء الدولة من العرب والموالي والبربر واقتسموا الاندلس ممالك ودولا وتلقبوا بألقاب الخلفاء كما نذكر ذلك كله مستوفى
في أخبارهم * (عود الملك إلى بنى أمية وأولاد المستظهر) * لما قطع أهل قرطبة دعوة المحموديين بعد سبع من ملكهم وزحف إليهم قاسم بن حمود في جموع من البربر فهزمهم أهل قرطبة ثم اجتمعوا واتفقوا على رد الامر إلى بنى أمية واختاروا لذلك عبد الرحمن بن هشام بن عبد الجبار أخا المهدى وبايعوه في رمضان سنة أربع عشرة وأربعمائة ولقبوه المستظهر وقام بأمره المستكفى ثم ثار على المستظهر لشهرين من خلافته محمد بن عبد الرحمن بن عبيد الله بن الناصر أمير المؤمنين كان المنصور بن أبى عامر قتل أباه عبد الرحمن لسعيه في الخلاف فثار الان محمد هذا وتبعه الغوغاء وفتك بالمستظهر واستقل بأمر قرطبة وتلقب بالمستكفى * (عود الامر إلى بنى حمود) * وبعد ستة عشر شهرا من بيعة المستكفى رجع الامر إلى يحيى بن على بن حمود وهو المعتلى كما يذكر في أخبارهم وفز المستكفى إلى ناحية الثغر ومات في مفره * (المعتمد من بنى أمية) * ثم خلع أهل قرطبة المعتلى بن حمود ثانيا سنة سبع عشرة وبايع الوزير أبو محمد جهور ابن محمد بن جهور عميد الجماعة وكبير قرطبة لهشام بن محمد أخى المرتضى وكان بالثغر في لاردة عند ابن هود ولما بلغه خبر البيعة له انتقل إلى البرنث واستقر عند التغلب عليها محمد بن عبد الله بن قاسم وكانت البيعة له انتقل سنة ثمان عشرة وأربعمائة وتلقب المعتمد بالله وأقام مترددا في الثغر ثلاثة أعوام واشتدت الفتن بين رؤساء الطوائف واتفقوا على أن ينزل دار الخلافة بقرطبة فاستقدمه ابن جهور والجماعة ونزلها آخر سنة عشرين وأقام يسيرا ثم خلعه الجند سنة ثنتين وعشرين وفر إلى لاردة فهلك بها(4/152)
سنة ثمان وعشرين وانقطعت دولة الاموية والله غالب على أمره
[ الخبر عن دولة بنى حمود التى ادالت من دولة بنى أمية بالاندلس وأولية ملكهم وتصاريف أمورهم إلى آخرها ] كان في جملة المستعين مع البربر والمغاربة أخوان من ولد عمر بن ادريس وهما القاسم وعلى ابنا حمود بن ميمون بن أحمد بن على بن عبيد الله بن عمر كانوا في لفيف البرابرة في بلاد غمارة واستجدوا بها رياسة استمرت في بنى محمد وبنى عمر من ولد ادريس فكانت للبربر إليهم صاغية بسبب ذلك وخلطة وبقى الفخر منهم بتاز غدره من غمارة فأجازوا مع البربر وصاروا في جملة المستعين مع امراء العدوة من البربر فعقد لهما المستعين فيمن عقد له من المغاربة عقد لعلى منهما على طنجة وعملها وللقاسم وكان الاسن على الجزيرة الخضراء وكان في نفوس المغاربة والبرابرة تشيع لاولاد ادريس متوارث من دولتهم بالعدوة كما ذكرناه واستقام أمر على بن حمود وتمكن سلطانه واتصلت دولته عامين إلى ان قتله صقالبته بالحمام سنة ثمان وأربعمائة فولى مكانه أخوه القاسم بن حمود وتلقب بالمأمون ونازعه في الامر بعد أربع سنين من خلافته يحيى ابن أخيه على بسبتة وكان أمير الغرب وولى عهد أبيه فبعث إليه أشياعهم من البربر ما لا مع جند الاندلس سنة عشر واحتل بمالقة وكان أخوه ادريس بها منذ عهد أبيهما فبعث إلى سبتة ووصل إلى يحيى بن على راوي بن زيرى من غرناطة وهو عميد البرابرة ثانية يومئذ فزحف إلى قرطبة فملكها سنة ثنتى عشرة وتلقب المعتلى واستوزر أبا بكر بن ذكوان وفر المأمون إلى اشبيلية وبايع له القاضى محمد بن اسمعيل بن عباد واستمال بعضا من البرابرة ثانية واستجاشهم على ابن أخيه ورجع إلى قرطبة سنة ثلاث عشرة ولحق المعتلى بمكانه من مالقة وتغلب على الجزيرة الخضراء عمل المأمون من لدن عهد المستعين وتغلب أخوه ادريس على طنجة من وراء البحر وكان المأمون يعتدها حصنا لنفسه وبنيه ويستودع بها ذخيرته وبلغ الخبر إلى قرطبة بتغلبه على قواعده وحصونه مع ما كان يتشدد على بنى أمية فاضطرب أمر المأمون وثار عليه أهل قرطبه ونقضوا طاعته
وبايعوا للمستظهر ثم للمستكفي من بنى أمية كما ذكرناه وتحيز المأمون وبرابرته إلى الارباض فاعتصموا به وقاتلوا دونه وحاصروا المدينة خمسين يوما ثم صمم أهل قرطبة لمدافعتهم فافرجوا عن الارباض وانفضت جموعهم سنة أربع عشرة ولحق المأمون باشبيلية وبها ابنه محمد ومحمد بن زيرى من رجالات البربر فاطمعه القاضى محمد ابن اسمعيل بن عباد في الملك وان يمتنعوا من القاسم فمنعوه وأخرجوا إليه ابنه وضبطوا بلدهم ثم اشتد ابن عباد وأخرج محمد بن زيرى ولحق المأمون بشريش ورجع عنه البربر(4/153)
إلى يحيى المعتلى ابن أخيه فبايعوه سنة خمس عشرة وزحف إلى عمه المأمون بشريش فتغلب عليه ولم يزل عنده أسيرا وعند أخيه ادريس من بعده بمالقة إلى أن هلك في محبسه سنة سبع وعشرين وأربعمائة واستقل يحيى المعتلى بالامور واعتقل محمدا والحسن ابني عمه القاسم المأمون بالجزيرة ووكل بهما أبا الحجاج من المغاربة وأقاما كذلك ثم خلع أهل قرطبة المستكفى وصاروا إلى طاعة المعتلى واستعمل عليهم عبد الرحمن ابن عطاف اليفرنى من رجالات البربر وفر المستكفى إلى ناحية الثغر فهلك بمدينة سالم ثم نقض أهل قرطبة طاعة المعتلى سنة سبع عشرة وصرفوا عامله عليهم ابن عطاف وبايعوا للمعتمد أخى المرتضى ثم خلعوه كما ذكرنا في خبره واستبد بأمر قرطبة الوزير ابن جهور بن محمد كما نذكره في أخبار ملوك الطوائف وأقام يحيى بن المعتلى يتخيفهم ويردد العساكر لحصارهم إلى ان اتفقت الكافة على اسلام المدائن والحصون له فعلا سلطانه واشتد أمره وظاهره محمد بن عبد الله البرز إلى على أمره فنزل عنده بقرمونة يحاصر فيها ابن عباد باشبيلية إلى أن هلك سنة ست وعشرين بمداخلة ابن عباد للبرز إلى في اغتياله فركب المعتلى لخيل أغارت على معسكره بقرمونة من جند ابن عباد وقد أكمنوا له فكبايه فرسه وقتل وتولى قتله محمد بن عبد الله البرز إلى وانقطعت دولة بنى حمود بقرطبة وكان أحمد بن موسى بن بقية والخادم نجى الصقلى وزيرى دولة
الحموديين عند أولها فرجعا إلى مالقة دار ملكهم واستدعوا أخاه ادريس بن على ابن حمود من سبتة وطنجة وبايعوه على أن يولى سبتة حسن ابن أخيه يحيى فتم أمره بمالقة وتلقب المتأيد بالله وبايعه المرية وأعمالها ورندة والجزيرة وعقد لحسن ابن أخيه يحيى على سبتة ونهض معه نجى الخادم وكان له ظهور على ملوك الطوائف وكان أبوه القاسم بن عباد قد استفحل ملكه لذلك العهد ومديده إلى انتزاع البلاد من أيدى الثوار وملك أشبونة واستجة من يد محمد بن عبد الله البرز إلى وبعث العساكر مع ابنه اسمعيل لحصار قرمونة فاستصرخ محمد بن عبد الله بالقائد هذا وبزاوى فجاء زاوى بنفسه وبعث القائد هذا عساكره مع ابن بقية فكانت بينهم وبين ابن عباد حروب شديدة هزم فيها ابن عباد وقتل وحمل رأسه إلى ادريس المتأيد وهلك ليومين بعدها سنة احدى وثلاثين وأربعمائة واعتزم ابن بقية على ببعة ابنه يحيى الملقب حبون فأعجله عن ذلك نجى الخادم وبادر إليه من سبتة ومعه حسن بن يحيى المعتلى فبايعه البربر ولقب المستنصر وقتل ابن بقية وفر يحيى بن ادريس إلى قمارش فهلك بها سنة أربع وثلاثين ويقال بل قتله نجى ورجع نجى إلى سبتة ليحفظ ثغرها ومعه ولد حسن بن يحيى صبيا وترك السطيفى على وزارة حسن لثقته به وبايعته غرناطة وجملة من بلاد الاندلس(4/154)
وهلك حسن مسموما بيد ابنة عمه ادريس ثارت بأخيها حسن سنة ثمان وثلاثين فاعتقل السطيفى أخاه ادريس بن يحيى وكتب إلى نجى وابن حسن المستنصر الذى كان عنده بسبتة ليعقد له واغتاله نجى وأجاز إلى مالقة ودعى لنفسه ووافقه البربر والجند ثم نهض إلى الجزيرة ليستأصل حسنا ومحمدا ابني قاسم بن حمود ورجع خاسئا فاغتاله في طريقه بعض عبيد القاسم وقتلوه وبلغ الخبر إلى مالقة فثارت العامة بالسطيفى وقتل وأخرج ادريس بن يحيى المعتلى من معتقله وبويع له سنة أربع وثلاثين وأطاعته غرناطة وقرمونة وما بينهما ولقب العالي وولى على سبتة سكوت ورزق الله من عبيد أبيه ثم قتل
محمدا وحسنا ابني عمه ادريس فثار السودان بدعوة أخيهما محمد بمالقة وامتنعوا بالقصبة وكانت العامة مع ادريس ثم أسلموه وبويع محمد بمالقة سنة ثمان وثلاثين وتلقب المهدى وولى أخاه عهده ولقبه السانى ثم نكر منه بعض النزغات ونفاه إلى العدوة فأقام بين غمارة ولحق العالي بقمارش فامتنع بها وأقام يحاصر مالقة وزحف باديس من غرناطة منكرا على المهدى فعله فامتنع عليه فبايع له وانصرف وأقام المهدى في ملكه بمالقة وأطاعته غرناطة وحيان وأعمالها إلى أن مات بمالقة سنة أربع وأربعين وبويع ادريس المخلوع ابن يحيى المعتلى من مكانه بقمارش وبويع له بمالقة وأطلق أيدى عبيده عليها لحقده عليهم ففر كثير منهم إلى أن هلك سنة سبع وأربعين وبويع محمد الاصغر ابن ادريس المتأيد وتلقبه وخطب له بمالقة والمرية ورندة ثم سار إليه باديس فتغلب على مالقة سنة تسع وأربعين وأربعمائة وسار محمد المستعلى إلى المرية مخلوعا واستدعاه أهل مليلة فأجاز إليهم وبايعوه سنة تسع وخمسين وبايعه بنو ورقدى وقلوع جارة ونواحيها وهلك سنة وأربعمائة وأما محمد بن القاسم المعتقل بمالقة ففر هو من ذلك الاعتقال سنة أربع عشرة ولحق بالجزيرة الخضراء فملكها وتلقب المعتصم إلى أن مات سنة أربعين ثم ملكها بعده ابنه القاسم الواثق إلى أن هلك سنة خمسين وصارت الجزيرة للمعتضد بن عباد وكان سكوت البرغوا طى الحاجب مولى القاسم الواثق محمد بن المعتصم ويقال مولى يحيى المعتلى واليا على سبتة من قبلهم فلما غلب ابن عباد على الجزيرة طلبه في الطاعة وطلب هو ملك الجزيرة فامتنعت عليه واتصلت الفتنة بينهما إلى أن كان من أمر المرابطين وتغلبهم على سبتة وعلى الاندلس ما سنذكره والبقاء لله وحده سبحانه وتعالى * (الخبر عن ملوك الطوائف بالاندلس بعد الدولة الاموية) * كان ابتداء أمرهم وتصاريف أحوالهم لما انتثر ملك الخلافة العربية بالاندلس وافترق الجماعة بالجهات وصار ملكها في طوائف من الموالى والوزراء واعياص(4/155)
الخلافة وكبار العرب والبربر واقتسموا خططها وقام كل واحد بأمر ناحية منها وتغلب بعض على بعض استقل آخرا بأمرها ملوك منهم استفحل شأنهم ولاذوا بالجزية للطاغية أو يظاهرون عليهم أو ينتزعونهم ملكهم حتى أجاز إليهم يوسف بن تاشفين أمير المرابطين وغلبهم جميعا على أمرهم فلنذكر أخبارهم واحدا بعد واحد [ الخبر عن بنى عباد ملوك اشبيلية وغربي الاندلس وعمن تغلبوا عليه من أمراء الطوائف ] كان أولهم القاضى أبو القاسم محمد بن ذى الوزارتين أبى الوليد اسمعيل بن محمد بن اسمعيل بن قريش بن عباد بن عمر بن أسلم بن عمر بن عطاف بن نعيم اللخمى وعطاف هو الداخل إلى الاندلس في طوالع لخم وأصلهم من جند حمص ونزل عطاف قرية طشانة بشرق اشبيلية ونسل بنيه بها وكان محمد بن اسمعيل بن قريش صاحب الصلاة بطشانة ثم ولى ابنه اسمعيل الوزارة باشبيلية سنة ثلاث عشرة وأربعمائة وولى ابنه أبو القاسم القضاء بها والوزارة من سنة أربع عشرة وأربعمائة إلى أن هلك سنة ثلاث وثلاثين وكان أصل رياسته أنه كان له اختصاص بالقاسم بن حمود وهو الذى أحكم عقد ولايته وكان محمد بن زيرى من اقيال البرابرة واليا على اشبيلية فلما فر القاسم من قرطبة وقصده داخل ابن عباد محمد بن زيرى في غرناطة ففعل وطردوا القاسم وطردوا بعده ابن زيرى وصار الامر شورى بينه وبين أبى بكر الزبيدى معلم هشام وصاحب مختصر العين في اللغة ومحمد بن برمخ الالهانى ثم استبد عليهم وجند الجند ولم يزل على القضاء ولما منع القاسم من اشبيلية عدل منها إلى قرمونة ونزل على محمد بن عبد الله البرز إلى وكان ولى قرمونة أيام هشام والمهدى من بعده ثم استبد بها سنة أربع وأربعمائة ازمان الفتنة فداخله ابن عباد في خلع القاسم والاستبداد بها ثم تنصح للقاسم فتحول إلى شريش واستبد محمد بن البرز إلى بقرمونة واستبد أبو القاسم إلى أن هلك سنة ثلاث وثلاثين
كما قلناه وقام بأمره ابنه عباد وتلقب المعتضد واستولى على سلطانه واشتدت حروبه وأيامه وتناول طائفة من الممالك بعد بالاندلس وانفسح أمده وأول ما افتتح أمره بمداخلة محمد بن عبد الله البرز إلى صاحب قرمونة في افساد ما بينه وبين القاسم بن حمود حتى تحول عنه إلى شريش ثم تحارب مع عبد الله بن الافطس صاحب بطليوس وغزاه ابن اسمعيل في عساكره ومعه محمد بن عبد الله البرز إلى فلقيه المظفر بن الافطس فهزمهما وأسر المظفر بن البرز الى إلى أن أطلقه بعد حين ثم فسد ما بينه وبين البرز إلى واتصلت الفتنة بينهما إلى أن قتله ابنه اسمعيل خرج إليه في سرية فأغار على قرمونة وأكمن الكمائن فركب محمد البرز إلى في أصحابه واستطزد له اسمعيل إلى أن بلغ بن الكمين(4/156)
فخرجوا عليه فقتلوه وذلك سنة أربع وثلاثين ثم خالف عليه ابنه اسمعيل وأغراه العبيد والبرابرة بالملك فأخذ ما قدر عليه من المال والذخيرة وفر إلى جهة الجزيرة للتوثب بها وكان أبوه مليلتئذ بحصن الفرج فأنفذ الخيالة في طلبه فمال إلى قلعة الورد فتقبض واليها عليه وأنفذه إلى أبيه فقتله وقتل كاتبه وكل من كان معه ثم رجع إلى مطالبة البربر المنتزين بالثغور وأول من نذكر منهم صاحب قرمونة وكان بها المستظهر العزيز بن محمد بن عبد الله البرز إلى وليها بعد أبيه كما ذكرناه وكانت له معها استجة والمرور وكان نموز ورو اركش للوزير نوح الرموى من برابرة العدوة شيعة المنصور واستبد بها سنة أربع ومات سنة ثلاث وثلاثين وولى ابنه عز الدولة الحاجب أبو مياد محمد بن نوح ومات سنة وكان يزيد أبو ثور بن أبى قرة اليفرنى استبد بها أيام الفتنة سنة خمسين من يد عامر بن فتوح من صنائع العلويين ولم يزل المعتضد يضايقه واستدعاه بعض الايام لولاية فحبسه وكاده في ابنه بكتاب على لسان جاريته برندة أنه ارتكب منها محرما ثم أطلقه فقتل ابنه وشعر بالمكيدة فمات أسفا سنة خمسين وولى ابنه أبو نصر إلى أن غدر به في الحصن بعض أجناده فسقط من السور ومات سنة تسع وخمسين
وكان بشريش خزرون بن عبدون ثار بها سنة ثنتين وأربعمائة فتقبض عليه ابن عباد وطالبهم وطاف على حصونهم وصار يهاديهم وأسجل لهم بالبلاد التى بأيديهم فأسجل لابن نوح بأركش ولابن خزرون بشريش ولابن أبى قرة برندة وصاروا في حزبه ووثقوا به ثم استدعاهم لوليمة وغدر بهم في حمام استعمله لهم على سبيل الكرامة وأطبقه عليهم فهلكوا جميعا الا ابن نوح فانه سالمه من بينهم لليد التى كانت له عنده في مثلها ثم بعث من تسلم معاقلهم وصارت في أعماله وخرج باديس لطلب ثارهم منه واجتمعت إليه عشائرهم فنازلوه مدة ثم انصرفوا وأجازوا إلى العدوة فاحتلوا بسبتة وطردهم سكوت فهلكوا في المجاعة التى صادفوا وأحلوا بالمغرب لذلك العهد واستقل ابن عباد وكان باونية وشلطليش عبد العزيز البكري وكانت عساكر المعتضد ابن عباد تحاصره فشفع فيه ابن جهور للمعتضد فسالمه مدة ثم هلك ابن جهور فعاد إلى مطالبته إلى أن تخلى له عنها سنة ثلاث وأربعين فولى عليها ابنه المعتمد ثم سار إلى شلب وبها المظفر أبو الأصبغ عيسى بن القاضى أبى بكر محمد بن سعيد بن مزين ثار بها سنة تسع عشرة ومات سنة ثنتين وأربعين فسار إليها المعتضد وملكها من يد ابنه ونقل إليها المعتمد فنزلها واتخذها دار امارة ثم سار إلى شنت بريه وبها المعتصم محمد بن سعيد بن هرون فانخلع له عنها سنة تسع وثلاثين وأضافها للمعتمد وكان بلبلة تاج الدين أبو العباس أحمد بن يحيى التحصينى ثار بها سنة أربع عشرة وخطب له بأونية(4/157)
وشلطليش ومات سنة ثلاث وثلاثين وأوصى إلى أخيه محمد وضايقه المعتضد فهرب إلى قرطبة واستبد بها ابن أخيه فتح بن خلف بن يحيى وانخلع للمعتضد سنة خمس وأربعين وصارت هذه كلها من ممالك بنى عباد وتملك المعتضد أيضا مرسية وثار بها عليه ابن رشيق البناء وتسمى خاصة الدولة وبقى ثمان سنين ثم ثاروا عليه سنة خمس وخمسين ورجعوا لابن عباد وتملك المعتضد مرثلة من يد ابن طيفور سنة ست وثلاثين
وكان تملكها من يد عيسى بن نسب الجيش الثائر بها وصارت هذه الممالك كلها في ملك ابن عباد وكانت بينه وبين باديس بن حبوس صاحب غرناطة حروب إلى أن هلك سنة احدى وستين وولى من بعده ابنه المعتمد بن المعتضد بن اسمعيل أبو القاسم بن عباد وجرى على سنن أبيه واستولى على دار الخلافة قرطبة من يد ابن جهور وفرق أبناءه على قواعد الملك وأنزلهم بها واستفحل ملكه بغرب الاندلس وعلت يده على من كان هنالك من ملوك الطوائف مثل ابن باديس بن حبوس بغرناطة وابن الافطس ببطليوس وابن صمادح بالمرية وغيرهم وكانوا يطلبون سلمه ويعملون في مرضاته وكلهم يدارون الطاغية ويتقونه بالجزى إلى أن ظهر بالعدوة ملك المرابطين واستفحل أمر يوسف بن تاشفين وتعلقت آمال المسلمين في الاندلس باعانته وضايقهم الطاغية في طلب الجزية فقتل ابن عباد ثقته اليهودي الذى كان يتردد إليه لاخذ الجزية بسبب كلمة أسف بها ثم أجاز البحر صريخا إلى يوسف بن تاشفين وكان من اجازته إليه ومظاهرته اياه ما يأتي ذكره في أخباره ثم طلب الفقهاء بالاندلس من يوسف بن تاشفين رفع المكوس والظلامات عنهم فتقدم بذلك إلى ملوك الطوائف فأجازوه بالامتساك حتى إذا رجع من بلادهم رجعوا إلى حالهم وهو خلال ذلك يردد العساكر للجهاد ثم أجاز إليهم وخلع جميعهم ونقلهم إلى العدوة واستولى على الاندلس كما يأتي ذكره في أخباره وصار ابن عباد في قبضة حكمه بعد حروب نذكرها ونقله إلى اغمات قرية مراكش سنة أربع وثمانين وأربعمائة واعتقله هنالك إلى أن هلك سنة ثمان وثمانين وكانت بالاندلس ثغور أخرى دون هذه ولم يستول عليها ابن عباد فمنها بلد السهلة استبد بها هذيل بن خلف ابن رزين أول المائة الخامسة بدعوة هشام وتسمى مؤيد الدولة وهلك شهيدا سنة خمسين وملك بعده أخوه حسام الدولة عبد الملك بن خلف ولم يزل أميرا عليها إلى أن ملكها المرابطون من يده عند تغلبهم على الاندلس ومنها بلد البونت واللج تغلب عليها عبد الله بن قاسم الفهرى أزمان الفتنة وتسمى نظام الدولة وهو الذى كان المعتمد عنده
عندما ولاه الجماعة بقرطبة ومن عنده جاء إليها وهلك سنة احدى وعشرين وولى ابنه محمد يمين الدولة وكانت بينه وبين مجاهد حروب وهلك بعده ابنه أحمد عقد الدولة وهلك(4/158)
سنة أربعين وملك أخوه عبد الله جناح الدولة إلى أن خلعه المرابطون سنة خمس وثمانين ولنرجع إلى ذكر بقية الملوك الاكابر من الطوائف والله سبحانه وتعالى أعلم بالصواب * (أخبار ابن جهور) * كان رئيس الجماعة أيام الفتنة بقرطبة أبو الحزم جهور بن محمد بن جهور بن عبد الله ابن محمد بن المعمر بن يحيى ابن أبى المغافر بن أبى عبيدة الكلبى هكذا نسبه ابن شكوال وأبو عبيدة هو الداخل إلى الاندلس وكانت لهم وزارة الدولة العامرية بقرطبة واستبد جهور هذا سنة ثنتين وعشرين وأربعمائة لما خلع الجند المعتز آخر خلفاء بنى أمية ولم يدخل في أمور الفتنة فاستولى على المملكة ورتب الامور ولم يتحول عن داره إلى قصر الخلافة وكان على سنن أهل الفضل يعود المرضى ويشهد الجنائز ويؤذن عند مسجدهم بالربض الشرقي ويصلى التراويح ولا يحتجب عن الناس فأسندوا أمرهم إليه إلى أن يوجد خليفة إلى أن خاطبهم محمد بن اسمعيل بن عباد يعرفهم أن هشاما المؤيد عنده باشبيلية وأكثر في ذلك فخطب له بقرطبة بعد مراوضات ثم أتى به إلى قرطبة فمنعوه الدخول وأضربوا عن ذكره في الخطبة وانفرد ابن جهور بأمرهم إلى أن هلك في محرم سنة خمس وثلاثين ودفن بداره وولى ابنه أبو الوليد محمد بن جهور باتفاق من الكافة فجرى على سنن أبيه وكان قد قرأ على مكى بن أبى طالب المكى وغيره فكان مكرما لاهله واستورز ثقته ابراهيم بن يحيى فكفاه وهلك كما هو معروف ففوض التدبير إلى ابنه عبد الملك فأساء السيرة وتكره إلى الناس وحاصره ابن ذى النون بقرطبة فاستغاث بمحمد بن عباد فأمده بالجيش ووصى عسكره بذلك
فداخلوا أهل قرطبة وخلعوه سنة احدى وستين وأخرجوه عن قرطبة واعتقل بشلطليش إلى أن هلك سنة ثنتين وسبعين وولى ابن عباد على قرطبة ابنه سراج الدولة وقدمها من بلنسية ودخلها إلى أن قتل بها مسموما وحمل إلى طليطلة فدفن بها وزحف المعتمد بن عباد بعده مهلكه إلى قرطبة فملكها سنة تسع وستين وقتل ابن عكاشة واستخلف ابنه المأمون الفتح بن محمد وصار غرب الاندلس كله في ملكه إلى أن دخل المرابطون الاندلس وغلبوا عليهم سنة أربع وثمانين فقتل الفتح وحمل أباه المعتمد إلى اغمات كما ذكرناه ونذكره والله وارث الارض ومن عليها وهو خير الوارثين * (أخبار ابن الافطس صاحب بطليوس من غرب الاندلس ومصاير أمره) *(4/159)
ملك بطليوس من غرب الاندلس عند الفتنة واهتياجها أبو محمد عبد الله بن مسلمة التجيبى المعروف بابن الافطس واستبد بها سنة احدى وستين وأربعمائة فهلك وولى من بعده ابنه المظفر أبو بكر واستفحل ملكه وكان من أعاظم ملوك الطوائف وكانت بينه وبين ابن ذى النون حروب مذكورة وكذا مع ابن عباد بسبب ابن يحيى صاحب مليلة أعانه ابن عباد عليه فاستولى بسبب ذلك على كثير من ثغوره ومعاقله واعتصم المظفر ببطليوس بعد هزيمتين هلك فيهما خلق كثير وذلك سنة ثلاث وأربعين ثم أصلح بينهما ابن جهور وهلك المظفر سنة ستين وأربعمائة وتولى بعده ابنه المتوكل أبو حفص عمر بن محمد المعروف بساجة ولم يزل سلطانا بها إلى أن قتله يوسف ابن تاشفين أمير المرابطين سنة تسع وثمانين وأربعمائة وقتل معه أولاده أغراه به ابن عباد فلما تمكنت الاسترابة من المتوكل خاطب الطاغية واستراح إليه مما دهمه وشعر به ابن عباد فكاتب يوسف بن تاشفين واستحثه لمعاجلته قبل أن يتصل بالطاغية ويتصل بالثغر فاغذ إليه السيرو وافاه سنة فقبض عليه وعلى بنيه وقتلهم يوم الاضحى حسبما نذكر في أخبارهم ورثاه ابن عبدون بقصيدته المشهورة وهى
الدهر يفجع بعد العين بالاثر * فما البكاء على الاشباح والصور عدد فيها أهل النكبات ومن عثر به الزمان بما يبكى الجماد وسنذكر قصتهم في أخبار لمنونة وفتحهم الاندلس والله يفعل ما يشاء ويحكم ما يريد * (أخبار باديس بن حسون ملك غرناطة والبيرة) * كان عميد صنهاجة في الفتنة البربرية زاوى بن زيرى بن مناد أجاز إلى الاندلس على عهد المنصور فلما هاجت الفتنة البربرية وانحل نظام الخلافة كان فحل ذلك الشول وكبش تلك الكتائب وعمد إلى البيرة ونزل غرناطة واتخذها دار الملكه ولما بايع الموالى العامريون للمرتضى المروانى وتولى كبر ذلك مجاهد العامري ومنذر بن يحيى بن هاشم التجيبى وعمد إلى غرناطة فلقيهم زاوى بن زيرى في جموع صنهاجة وهزمهم سنة عشرين وأربعمائة وقتل المرتضى وأصاب زاوى من ذخائرهم وأموالهم وعددهم ما لم يقتنه ملك ثم وقع في نفسه سوء آثار البربر بالاندلس أيام هذه الفتنة وحذر مغبة ذلك فارتحل إلى سلطان قومه بالقيروان واستخلف على غرناطة ابنه فدبر القبض على ابن رصين ومشيخة غرناطة إذا رجعوا عن أبيه وشعروا بذلك فبعثوا إلى ابن أخيه ماكس بن زيرى من بعض الحصون فوصل وملك غرناطة واستبد بها إلى أن هلك سنة تسع وعشرين وولى ابنه باديس وكانت بينه وبين ذى النون وابن عباد حروب واستولى على سلطانه كاتبه وكاتب أبيه اسمعيل بن نغزلة الذمي ثم نكبه وقتله سنة(4/160)
تسع وخمسين وقتل معه خلقا من اليهود وتوفى سنة سبع وستين وولى حافده المظفر أبو محمد عبد الله بن بلكين بن باديس وولى أخاه تميما بمالقة بعهد جده وخلعهما المرابطون سنة ثلاث وثمانين وأربعمائة وحملا إلى اغمات ووريكة واستقرا هنالك حسبما يذكر بعد في أخبارهم مع يوسف بن تاشفين والله وارث الارض ومن عليها وهو خير الوارثين
[ الخبر عن بنى ذى النون ملوك طليطلة من الثغر الجوفى وتصاريف أمورهم ومصاير أحوالهم ] جدهم اسمعيل الظافر بن عبد الرحمن بن سليمان بن ذى النون أصله من قبائل هوارة ورأس سلفه في الدولة المروانية وكانت لهم رياسة في شنترية ثم تغلب على حصن افلنتين أزمان الفتنة ستة تسع وأربعمائة وكانت طليطلة ليعيش بن محمد بن يعيش واليها منذ أول الفتنة فلما هلك سنة سبع وعشرين استدعاه اسمعيل الظافر من حصن افلنتين بعض أجناه طليطلة فمضى إليها وملكها وامتد ملكه جنجالة من عمل مرسية ولم يزل أميرا بها إلى أن هلك سنة تسع وعشرين وولى ابنه المأمون أبو الحسن يحيى واستفحل ملكه وعظم بين ملوك الطوائف سلطانه وكانت بينه وبين الطاغية مواقف مشهورة وفى سنة خمس وثلاثين غزى بلنسية وغلب على صاحبها المظفر ذى السابقين من ولد المنصور بن أبى عامر ثم غلب على قرطبة وملكها من يد ابن عباد وقتل ابنه أبا عمر بعد ان كان ملكها وهلك الظافر بها مسموما سنة سبع وستين كما ذكرناه وولى بعده على طليطلة حافده القادر يحيى بن اسمعيل بن المأمون يحيى بن ذى النون وكان الطاغية بن ادفونش قد استفحل أمره لما خلا الجو من مكان الدولة الخلافية وخف ما كان على كاهله من أمر العرب فالتهم البسائط وضايق ابن ذى النون حتى غلب على طليطلة فخرج له القادر عنها سنة ثمان وسبعين وأربعمائة وشرط عليه أن يظاهره على أخذ بلنسية وعليها عثمان القاضى ابن أبى بكر بن عبد العزيز من وزراء ابن أبى عامر فخلعه أهلها خوفا من القادر أن يمكن منهم الفنش فدخلها القادر وأقام بها سنتين وقتل سنة احدى وثمانين على ما نذكر بعد ان شاء الله تعالى [ الخبر عن ابن أبى عامر صاحب شرق الاندلس من بنى ملوك الطوائف وأخبار الموالى العامريين الذين كانوا قبله وابن صمادح قائده بالمرية وتصاريف أحوالهم ومصايرها ]
بويع للمنصور عبد العزيز بن عبد الرحمن الناصر بن أبى عامر بشاطبة سنة احدى(4/161)
عشرة وأربعمائة أقامه الموالى العامريون عند الفتنة البربرية فاستبد بها ثم ثار عليه أهل شاطبة فأفلت ولحق ببلنسية فملكها وفوض أمره للموالي وكان من وزرائه ابن عبد العزيز وكان خيران العامري من مواليهم تغلب من قبل ذلك على أربو لة منة أربع ثم ملك مرسية سنة سبع ثم حيان ثم المرية سنة تسع وبايعوا جميعا للمنصور عبد العزيز ثم انتقض خيران على المنصور وسار من المرية إلى مرسية وأقام بها ابن عمه أبا عامر محمد بن المظفر بن المنصور بن أبى عامر خرج إليه من قرطبة من حجر القاسم بن حمود وخلص إلى خيران بانوال جليلة فجمع الموالى فأخذوا ما له وطردوه ثم ولاه خيران وسماه المؤتمن ثم المعتصم ثم تنكر عليه وأخرجه من مرسية ولحق بالمرية وأغرى به الموالى فأخذوا ما له وطردوه ولحق بغرب الاندلس إلى ان مات ثم هلك خيران بالمرية سنة تسع عشرة وقام بالامر بعده الامير عميد الدولة أبو القاسم زهير العامري وزحف إلى غرناطة فبرز إليه باديس بن حبوس وهزمه وقتل بظاهرها سنة تسع وعشرين فصار ملكه للمنصور عبد العزيز صاحب بلنسية وملكها من يده سنة سبع وخمسين ولما هلك المأمون بن ذى النون وولى حافده القادر ولى على بلنسية أبا بكر بن عبد العزيز بقية وزراء ابن أبى عامر فداخله ابن هود في الانتقاض على القادر ففعل واستبد بها وضبطها سنة ثمان وستين حين تغلب المقتدر على دانية ثم هلك سنة ثمان وسبعين لعشر سنين من ولايته وولى ابنه القاضى عثمان فلما سلم القادر بن ذى النون طليطلة زحف إلى بلنسية ومعه الفنش كما قلناه وخلع أهل بلنسية عثمان بن أبى بكر وأمكنوا منها القادر خوفا من استيلاء النصراني وذلك سنة ثمان وسبعين وأربعمائة ثم ثار على القادر سنة ثلاث وثمانين القاضى جعفر بن عبد الله بن حجاب وقتله واستبد بها ثم تغلب النصارى عليها سنة تسع وثمانين وقتلوه ثم تغلب المرابطون على الاندلس وزحف ابن ذى النون قائدهم
إلى بلنسية فاسترجعها من أيديهم سنة خمس وتسعين وأربعمائة وأما معن بن صالح قائد الوزير ابن أبى عامر فأقام بالمرية لما ولاه المنصور سنة ثمان وثمانين وتسمى ذا الوزارتين ثم خلعه وولى ابنه المعتصم أبو يحيى محمد بن معن بن صمادح واستبد بها أربعا وأربعين سنة وثار عليه صاحب لورقة ابن شبيب وكان أبوه معز ولا عليها فجهز إليه المعتصم جيشا واستمد ابن شبيب المنصور بن أبى عامر صاحب بلنسية ومرسية بالعدو واستمد المعتصم بباديس ونهض عمه صمادح بن باديس بن صمادح فقاتلوا حصونا من حصون لورقة واستولوا عليها ورجعوا ولم يزل المعتصم أميرا بالمرية إلى أن هلك سنة ثمانين وولى ابنه وخلعه يوسف بن تاشفين أمير المرابطين سنة أربع وثمانين وأجاز إلى العدوة ونزل على آل حماد بالقلعة وبها مات ولده والله وارث الارض ومن عليها(4/162)
[ الخبر عن بنى هود ملوك سرقسطة من الطوائف صارت إليهم من بنى هاشم وما كان من أوليتهم ومصاير أمورهم ] كان منذر بن مطرف بن يحيى بن عبد الرحمن بن محمد بن هاشم النجيبى صاحب الثغر الاعلى وكان بين المنصور عبد الرحمن منافسة على الامارة والرياسة وكانت دار امارته سرقسطة ولما بويع المهدى بن عبد الجبار وانقرض أمر العامريين وجاءت فتنة البربر كان مع المستعين حتى قتل هشام مولاه فامتعض لذلك وفارقه وبايع المروانى للمرتضى مع مجاهد ومن اجتمع إليه من الموالى والعامريين وزحفوا إلى غرناطة فلقيهم زاوى بن زيرى وهزمهم ثم ارتابوا بالمرتضى ووضعوا عليه من قتله مع خيران بالمرية واستبد منذر هذا بسرقسطة والثغر وتلقب بالمنصور وعقد ما بين طاغية جليقو برشلونة وبنيه وهلك سنة أربع عشرة وولى ابنه وتلقب المظفر وكان أبو أيوب سليمان بن محمد بن هود الجذامي من أهل نسبهم مستبدا بمدينة تطيلة ولاها منذ أو الفتنة وجدهم هود هو الداخل للاندلس ونسبه الازد إلى سالم مولى أبى حذيفة قال هود بن عبد الله بن موسى بن سالم
وقيل هود من ولد روح بن زنباع فتغلب سليمان على المظفر يحيى بن المنذر وقتله سنة احدى وثلاثين وملك سرقسطة والثغر الاعلى وابنه يوسف المظفر لاردة ثم نشأت الفتنة بينهما وانتصر المقتدر بالافرنج والبشكنس فجاؤا الميعاد فوقعت الفتنة بين المسلمين وبينهم ثائرة وانصرفوا إلى يوسف صاحب لاردة فحاصرهم بسرقسطة وذلك سنة ثلاث وأربعين وهلك أحمد المقتدر سنة أربع وسبعين لتسع وثلاثين سنة من ملكه فولى بعده ابنه يوسف المؤتمن وكان قائما على العلوم الرياضية وله فيها تآليف مثل الاستهلال والمناظر ومات سنة ثمان وسبعين وهى السنة التى استولى فيها النصارى على طليطلة من يد القادر بن ذى النون وولى بعده المستعين وعلى يده كانت وقعة وسقة زحف سنة تسع وثمانين في آلاف لا تحصى من المسلمين وهلك فيها خلق نحو عشرة آلاف ولم يزل أميرا بسرقسطة إلى ان هلك شهيدا سنة ثلاث وخمسمائة بظاهر سرقسطة في زحف الطاغية إليها وولى بعده ابنه عبد الملك وتلقب عماد الدولة وأخرجه الطاغية من سرقسطة سنة ثنتى عشرة فنزل روطة من حصونها وأقام بها إلى ان هلك سنة ثلاث عشرة وولى ابنه أحمد وتلقب سيف الدولة والمستنصر وبالغ النكاية في الطاغية ثم سلم له روطة على أن يملكه بلاد الاندلس فانتقل معه إلى طليطلة بحشمه وآلته هنالك هلك سنة ست وثلاثين وخمسمائة وكان من ممالك بنى هود هؤلاء مدينة طرطوشة وقد كان بقايا من الموالى العامريين فملكها سنة ثلاث وثلاثين وأربعمائة ثم هلك سنة خمس وأربعين وملكها بعده يعلى العامري ولم تطل مدته وملكها بعده شبيل إلى انزل عنها لعماد الدولة أحمد(4/163)
ابن المستعين سنة ثلاث وخمسين فلم تزل في يده وفى يد بنيه من بعده إلى ان غلب عليها العدو فيما غلب عليه من شرق الاندلس والله وارث الارض ومن عليها وهو خير الوارثين [ الخبر عن مجاهد العامري صاحب دانية والجزائر الشرقية وأخبار بنيه ومواليهم من بعدهم ومصاير أمورهم ]
كان فتح ميورقة سنة تسعين ومائتين على يد عصام الخولانى وذلك انه خرج حاجا في سفينة اتخذها لنفسه فعصفت بهم الريح فأرسوا بجزيرة ميورقة وطال مقامهم هنالك واختبروا من أحوالهم ما أطمعهم في فتحها فلما رجع بعد فرضه أخبر الامير بما رأى فيها وكان من أهل الغناء عنده في مثلها فبعث معه القطائع في البحر ونفر الناس معه إلى الجهاد فحاصرها أياما وفتحوها حصنا حصنا إلى أن كمل فتحها وكتب عصام بالفتح إلى الامير عبد الله فكتب له بولايتها فوليها عشر سنين وبنى فيها المساجد والفنادق والحمامات ولما هلك قدم أهل الجزيرة عليهم ابنه عبد الله وكتب له الامير بالولاية ثم زهد وترهب وركب إلى الشرق حاجا وانقطع خبره وذلك سنة خمسين وثلثمائة وبعث الناصر المروانى إليها الموفق من الموالى فأنشأ الاساطيل وغزا بلاد الافرنج وهلك سنة تسع وخمسين أيام الحكم المستنصر وولى بعده كوثر من مواليه فجرى على سنن الموفق في جهاده وهلك سنة تسع وثمانين أيام المنصور فولى عليها مقاتل من مواليه وكان كثير الغزو والجهاد وكان المنصور وابنه المؤيد يمدانه في جهاده وهلك سنة ثلاث وأربعمائة أزمان الفتنة وكان مجاهد بن يوسف بن على من فحول الموالى العامريين وكان المنصور قد رباه وعلمه مع مواليه القراآت والحديث والعربية فكان مجيدا في ذلك وخرج من قرطبة يوم قتل المهدى سنة أربعمائة وبايع هو والموالي العامريين وكثير من جند الاندلس للمرتضى كما قدمناه ولقيهم زاوى بفحص غرناطة فهزمهم وبدد شملهم ثم قتل المرتضى كما تقدم وسار مجاهد إلى طرطوشة فملكها ثم تركها وانتقل إلى دانية واستقل بها وملك ميورقة ومن ورقة ويابسة واستبد سنة ثلاث عشرة ونصب العيطى كما مر فأراد الاستبداد ومنع طاعة مجاهد ومنعه أهل ميورقة من ذلك فبعث عنه مجاهد وقدم على ميورقة عبد الله ابن أخيه فولى خمس عشرة سنة ثم هلك وكان غزا سرادنية في الاساطيل فاقتحمها وأخرج النصارى منها وتقبضوا على ابنه أسيرا ففداه بعد حين وولى مجاهد على ميورقة بعد ابن أخيه مولاه الاغلب
سنة ثمان وعشرين وكان بين مجاهد صاحب دانية وبين خيران صاحب مرسية وابن أبى عامر صاحب بلنسية حروب إلى أن هلك مجاهد سنة ست وثلاثين وولى ابنه على وتسمى اقبال الدول وأصهر إلى المقتدر بن هود وأخرجه من دانية سنة ثمان وستين(4/164)
ونقله إلى سرقسطة ولحق ابنه سراج الدولة با لافرنجة وأمدوه على شروط شرطها لهم فتغلب عل بعض حصونه ثم مات فيما زعموا مسموما بحيلة من المقتدر سنة تسع ومات على قريبا من وفاة المقتدر سنة أربع وسبعين ويقال بل فر أمام المقتدر إلى بجاية ونزل على صاحبها يحيى بن حماد ومات هنالك وأما الاغلب مولى مجاهد صاحب ميورقة فكان صاحب غزو وجهاد في البحر ولما هلك مجاهد استأذن ابنه عليا في الزيارة فأذن له وقدم على الجزيرة صهره ابن سليمان بن مشكيان نائبا عنه وبعث على آل الاغلب فاستعفاه وأقام سليمان خمس سنين ثم مات فولى على مكانه مبشرا وتسمى ناصر الدولة وكان أصله من شرق الاندلس أسر صغيرا وجبه العدو وأقام بدانية مجبوبا يجاهد في أسرى وسرادنية واصطفاه فولاه بعد مهلك سليمان فولى خمس سنين وانقرض ملك على وتغلب عليه المقتدر بن هود فاستبد بشر بميورقة والفتنة يومئذ تموج بين ملوك الطوائف وبعث إلى دانية في تسليم أهل سيده فبعثوا إليه بهم وأولاهم جميلا ولم يزل يردد الغزو إلى أرض العدو إلى أن جمع طاغية برشلونة ونازله بميورقة عشرة أشهر ثم افتتحها واستباحها سنة من ولايته وكان بعث بالصريخ إلى على ابن يوسف صاحب المغرب من لمتونة فلم يوافهم الاسطول بالمدد الا بعد استيلاء العدو فلما وصل الاسطول دفعوا العدو عنها وولى على بن يوسف من قبله وأنور بن أبى بكر اللمتونى فعسف بهم وأرادهم على بناء مدينة أخرى بعيدة من البحر فثاروا به وصفدوه وبعثوا إلى على بن يوسف فردهم إلى ولاية محمد بن على بن اسحق بن غانية المستولي صاحب غرب الاندلس فبعث إليها أخاه محمد بن على من قرطبة كان واليا عليها فوصل
إلى ميورقة فصفد أنور وبعث به إلى مراكش وأقام في ولايتها عشر سنين إلى أن هلك أخوه يحيى وسلطانهم على بن يوسف واستقرت ميورقة في ملك بنى غانية هؤلاء وسلطانهم وكانت لهم في زمن على بن يوسف بها دولة وخرج منها على ويحيى إلى بجاية وملكوها من الموحدين وكانت لهم معهم حروب بافريقية كما نذكر في أخبارهم بعد أخبار لمتونة وملك الافرنج ميورقة من أيدى الموحدين آخر دولتهم والبقاء لله والملك يؤتيه من يشاء وهو العزيز الحكيم [ الخبر عن ثوار الاندلس آخر الدولة اللمتونية واستبداد بنى مردنيش ببلنسية ومزاحمتهم لدولة بنى عبد المؤمن من أولها إلى آخرها ومصاير أحوالهم وتصاريفها ] لما شغل لمتونة بالعدو وبحرب الموحدين بعد عليهم الاندلس وعادت إلى الفرقة بعض الشئ فثار ببلنسية سنة سبع وثلاثين وخمسمائة القاضى مروان بن عبد الله بن مروان(4/165)
ابن حضاب وخلعوه لثلاثة أشهر من ملكه ونزل بالمرية ثم حمل إلى ابن غانية بميورقة فسجن بها وثار بمرسية أبو جعفر أحمد بن عبد الرحمن بن ظاهر ثم خلع وقتل لاربعة أشهر من ولايته وولى حافد المستعين بن هود شهرين ثم ولى ابن عياض وبايع أهل بلنسية بعد ابن حضاب للامير أبى محمد عبد الله بن سعيد بن مردنيش الجذامي وأقام مجاهدا إلى ان استشهد في بعض أيامه مع النصارى سنة أربعين وخمسمائة فبويع لعبد الله ابن عياض كان ثائرا بمرسية كما قدمناه وهلك سنة ثنتين وأربعين فبويع إلى ابن أخيه محمد بن أحمد بن سعيد بن مردنيش وملك شاطبة ومدينة شقر ومرسية وكان ابراهيم ابن همشك من قواده فعبث في أقطار الاندلس وأغار على قرطبة وتملك بها ثم استرجعت منه ثم غدر بغرناطة وملكها من أيدى الموحدين وحصرهم بالقصبة هو وابن مردنيش ثم استخلصها عبد المؤمن من أيديهم بعد حروب شديدة دارت بينهم بفحص غرناطة لقيه
فيها ابن همشك وابن مردنيش وجيوش من أمم النصرانية استعانوا بهم في المدافعة عن غرناطة فهزمهم عبد المؤمن وقتلهم أبرح قتل وحاصر يوسف بلنسية فخطب للخليفة العباسي المستنجد وكاتبه فكتب له بالعهد والولاية ثم بايع للموحدين سنة ست وستين وكان المظفر عيسى بن المنصور بن عبد العزيز الناصر بن أبى عامر عند ما انصرف إلى ملك شاطبة ومرسية تغلب على بلنسية مدة ثم هلك سنة خمس وخمسين وخمسمائة ورجعت إلى ابن مردنيش وكان أحمد بن عيسى تغلب على حصن مزيلة ثائرا بالمرابطين من أتباعه فغلب منذر بن أبى وزير عليه فأجاز سنة أربعين وخمسمائة إلى عبد المؤمن ورغبه في ملك الاندلس فبعث معه البعوث وتغلبوا على بنى غانية أمراء المرابطين بالاندلس وكان بميورقة أيضا منذ اضطراب أمر لمتونه محمد بن على بن غانية المستوفى وليها سنة عشرين وخمسمائة واستشهد بها ورحل عنها سنة سبع وثلاثين إلى زيارة أخيه يحيى ببلنسية واستخلف على ميورقة عبد الله بن تيما قدمت فلما مكث وثار عليه ثوار فرجع محمد بن غانية وأصلح شأنها إلى أن هلك سنة سبع وستين وولى ابنه ابراهيم أبو اسحق وتوفى سنة ثمانين وخمسمائة وولى بعده أخوه طلحة وبايع للموحدين سنة احدى وثمانين وأوفد عليهم أهل ميورقة فبعثوا معهم على بن الربرتبر فلما وصل إلى ميور قة ثار على طلحة بنو أخيه اسحق وهم على ويحيى ويعفر ابن الربرتبر وخلعوا طلحة ثم بلغهم موت يوسف بن عبد المؤمن فخرجوا إلى افريقية حسبما نذكر في أخبار دولتهم فانقرضت دولة المرابطين بالمغرب والاندلس وادال الله منهم بالموحدين وقتلوهم في كل وجه واستفحل أمرهم بالاندلس واستعملوا فيها القرابة من بنى عبد المؤمن وكانوا يسمونهم السادة واقتسموا ولايتها بينهم وأجاز يعقوب المنصور منهم غازيا بعد(4/166)
ان استقر أهل العدوة كافة من زناتة فاوقع العرب بابن أدفونش ملك الجلالقة بالاركه من نواحى بطليوس الوقعة المذكورة سنة احدى وسبعين وخمسمائة وأجاز ابنه
الناصر من بعده سنة تسع فمحص الله المسلمين واستشهد منهم عدة ثم تلاشت أمراء الموحدين من بعده وانتزى بالسادة بنواحي الاندلس في كل عمله وضعف بمراكش فصاروا إلى الاستجاشة بالطاغية بقص واستسلام حصون المسلمين إليه في ذلك فسمت رجالات الاندلس واعقاب العرب من دولة الاموية وأجمعوا اخراجهم فثاروا بهم لحين وأخرجوهم وتولى كبر ذلك محمد بن يوسف بن هود الجذامي الثائر بالاندلس وقام ببلنسية زيان بن أبى الحملات مدافع بن يوسف بن سعد بن أعقاب دولة بنى مردنيش وثوار آخرون ثم خرج على بن هود في دولته من اعقاب دولة العرب أيضا وأهل نسبهم محمد بن يوسف بن نصر المعروف بابن الاحمر وتلقب محمد هذا بالشيخ فحاربه أهل الجبل وكانت لكل منهما دولة أورثها بنيه فاما زيد بن مردنيش فكان مع عشرة من بنى مردنيش رؤساء بلنسية واستظهر الموحدون على امارتها ولما وليها السيد أبو زيد ابن محمد بن أبى حفص بن عبد المؤمن بعد مهلك المستنصر كما نذكر في أخبارهم وذلك سنة عشرين وستمائة كان زياد هذا بطانته وصاحب أمره ثم انتقض عليه سنة ست وعشرين عندما بويع ابن هود بمرسية وخرج إلى ابده فخشيه السيد أبو زيد وبعث إليه يلاطفه في الرجوع فامتنع ولحق السيد أبو زيد بطاغية برشلونة ودخل في دين النصرانية اعاذنا الله من ذلك وملك زيان بلنسية واتصلت الفتنة بينه وبين ابن هود وخالف عليه بنو عمه عزيز بن يوسف بن سعد في جزيرة سقر وصاروا إلى طاعة ابن هود وزحف زيان للقائه على شريش فانهزم وتبعه ابن هود ونازله في بلنسية أياما وامتنعت عليه فاقلع وتكالب الطاغية على ثغور المسلمين ونازل صاحب برشلونة أنيشة وملكها وزحف زيان إليها بجميع من معه من المسلمين سنة أربع وثلاثين ونفر معه أهل شاطبة وجزيرة شقر فكانت عليهم الواقعة العظيمة التى استشهد فيها أبو الربيع سليمان وأخذ الناس في الانتقال عن بلنسية فبعث إليهم يحيى بن أبى زكريا صاحب افريقية بالمدد من الاموال والاسلحة والطعام مع قريبه يحيى عندما نبذ دعوة بنى عبد المؤمن وأوفد
عليه أعيان بلنسية وهى محصورة فرجع إلى دانية ثم أخذ الطاغية بلنسية سنة ست وثلاثين وخرج زيان إلى جزيرة شقر وأقام بدعوة الامير أبى زكريا وبعث إليه بيعتها مع كاتبه الحافظ أبى عبد الله محمد بن الانباري فوصل إلى تونس وأنشده قصيدته المشهورة على روى السين بلغ فيها من الاجادة حيث شاء وهى معروفة وسيأتى ذكرها في دولة بنى حفص بافريقية من الموحدين ثم هلك ابن هود وانتقض أهل مرسية على ابنه(4/167)
أبى بكر الواثق وكان واليه بها أبو بكر بن خطاب فبعثوا إلى زيان واستدعوه فدخلها وانتهب قصرها وحملهم على البيعة للامير أبى زكريا على ولاية شرف الاندلس كله وذلك سنة سبع وثلاثين ثم انتقض عليه ابن عصام باريولة ولحق به قرابة زيان بمدينة لقنت فلم يزل بها إلى أن أخذها منه طاغية برشلونة سنة أربع وأربعين فأجاز إلى تونس وبها مات سنة ثمان وستين وأما ابن هود فسيأتي الخبر عن دولته وأما ابن الاحمر فلم تزل الدولة في أعقابه لهذا العهد ونحن ذاكرون أخبارهم لانهم من بقايا دولة العرب والله خير الوارثين [ الخبر عن ثورة ابن هود على الموحدين بالاندلس ودولته وأولية أمره وتصاريف أحواله ] هو محمد بن يوسف بن محمد بن عبد العظيم بن أحمد بن سليمان المستعين بن محمد بن هود ثار بالصخيرات من عمل مرسية مما يلى رقوط عند فشل دولة الموحدين واختلاف الموحدون بمراكش لعمه المخلوع عبد الواحد بن أمير المؤمنين يوسف ثار العادل ابن أخيه المنصور بمرسية ودخل في طاعته صاحب حيان أبو محمد عبد الله بن أبى حفص بن عبد المؤمن وخالفهما في ذلك السيد أبو زيد أخوه ابن محمد بن أبى حفص وتفاقمت الفتنة واستظهر كل على أمره بالطاغية ونزلوا له عن كثير من الثغور وقلقت من ذلك ضمائر أهل الاندلس فتصدر ابن هود هذا للثورة وهو من أعقاب بنى هود من ملوك الطوائف وكان يؤمل لها وربما امتحنه الموحدون لذلك مرات فخرج في نفر
من الاجناد سنة خمس وعشرين وجهز إليه والى مرسية يومئذ السيد أبو العباس بن أبى عمران موسى بن أمير المؤمنين يوسف بن عبد المؤمن عسكرا فهزمهم وزحف إلى مرسية فدخلها واعتقل السيد وخطب للمستنصر صاحب بغداد لذلك العهد من بنى العباس وزحف إليه السيد أبو زيد بن محمد بن أبى حفص بن عبد المؤمن من شاطبة وكان واليه بها فهزمه ابن هود ورجع إلى شاطبة واستجاش بالمأمون وهو يومئذ باشبيلية بعد أخيه العادل فخرج في العساكر ولقيه ابن هود فانهزم واتبعه إلى مرسية فحاصره مدة وامتنعت عليه فاقلع عنه ورجع إلى اشبيلية ثم انتقض على السيد أبى زيد ببلنسية زيان بن أبى الحملات مدافع ابن حجاج بن سعد بن مردنيش وخرج عنه إلى أبدء وذلك سنة ست وعشرين وكان بنو مردنيش هؤلاء أهل عصابة وأولى بأس وقوة فتوقع أبو زيد اختلال أمره وبعث إليه ولاطفه في الرجوع فامتنع فخرج أبو زيد من بلنسية ولحق بطاغية برشلونة ودخل في دين النصرانية نعوذ بالله وبايعت أهل شاطبة لابن هود ثم تابعه أهل جزيرة شقر حملهم عليها ولاتهم بنو عزيز بن يوسف عم زيان بن(4/168)
مردنيش ثم بايعه اهل خبيان واهل قرطبة وتسمى بامير المسلمين وبايعه اهل اشبيلية عند رحيل المأمون عنها إلى مراكش وولى عليهم أخاه ونازعه زيان بن مردنيش وكانت بينهما ملاقاة انهزم فيها زيان سنة تسع وعشرين وحاصره ابن هود ببلنسية ثم أقلع ولقى الطاغية علما ردة فانهزم ومحص الله المسلمين وانهزم بعدها أخرى على الكوس ولم تزل غزواته مترددة في بلاد العدو كل سنة وحربه معهم سجالا والطاغية يلتقم الثغور والقواعد ثم استولى ابن هود على الجزيرة الخضراء وجبل الفتح فرضتي المجاز على سبتة من يد السيد أبى عمران موسى لما انتقض على أخيه المأمون ونازله بسبتة فبايع هو لابن هود وأمكنه منها ثم ثار بها الينا شتى على ما يذكر ثم بويع للسلطان محمد بن يوسف بن نصر سنة تسع وعشرين بأرجونة ودخلت قرطبة في طاعته ثم قرمونة
ثم انتقض أهل اشبيلية وأخرجوا سالم بن هود وبايعوا لابن مروان أحمد بن محمد الباجى وجهز عسكرا للقاء ابن الاحمر فانهزموا وأسر قائده ثم أصفق الباجى مع ابن الاحمر على فتنة ابن هود وصالح ابن هود الفنش على فعلتهم على ألف دينار في كل يوم ثم صارت قرطبة إلى ابن هود وزحف إلى الباجى وابن الاحمر فانهزم ونزل ابن الاحمر ظاهر اشبيلية ثم غدر الباجى فقتله وتولى ذلك صهره اشقيلولة وزحف سالم بن هود إلى اشبيلية فنازلها وامتنعت عليه ووصل خطاب الخليفة المستنصر العباسي إلى ابن هود من بغداد سنة احدى وثلاثين وفدبه أبو على حسن بن على بن حسن بن الحسين الكردى الملقب بالكمال وجاء بالراية والخلع والعهد ولقبه المتوكل وقدم عليه بذلك في غرناطة في يوم مشهود وبايع له ابن الاحمر وعند ما غدر ابن الاحمر بالباجى فر من اشبيلية شعيب بن محمد إلى البلد فاعتصم بها وتسمى المعتصم فحاصره ابن هود وأخذها من يده ثم خرج العدو من كل جهة ونازلوا ثغور المسلمين وأحاطوا بهم وانتهت محلاتهم على الثغور إلى سبع محلاتهم ثم حاصر الطاغية مدينة قرطبة وغلب عليها سنة ثلاث وثلاثين وبايع أهل اشبيلية للرشيد من بنى عبد المؤمن ثم زحف ابن الاحمر إلى غرناطة وملكها كما يذكر وبويع للرشيد سنة سبع وثلاثين وكان عبد الله أبو محمد بن عبد الله ابن محمد بن عبد الملك الاموى الرميمى وزير ابن هود وكان يدعوه ذا الوزارتين ولاه المرية من عمله فلم يزل بها وقدم عليه المتوكل سنة خمس وثلاثين وستمائة فهلك بالحمام ودفن بمرسية ويقال انه قتله ثم استبد من بعده المؤيد واستنزله عنها ابن الاحمر سنة ثلاث وأربعين ولما هلك المتوكل ولى من بعده بمرسية ابنه أبو بكر محمد بعهده إليه وتلقب بالواثق وثار عليه عزيز بن عبد الملك بن خطاب سنة ست وثلاثين لاشهر من ولايته فاعتقله وكان يلقب ضياء الدولة ثم تغلب زيان بن مردنيش على مرسية وقتل ابن(4/169)
خطاب لاشهر من ولايته وأطلق الواثق من هود من اعتقاله ثم ثار عليه بمدينة مرسية
محمد بن هود عم المتوكل سنة ثمان وثلاثين وأخرج منها زيان بن مردنيش وتلقب بهاء الدولة وهلك سنة سبع وخمسين وستمائة وولى ابنه الامير أبو جعفر ثم ثار عليه سنة ثنتين وستين أبو بكر الواثق الذى كان ابن خطاب خلعه وهو المتوكل أمير المسلمين وبقى بها أميرا إلى أن ضايقه الفنش والبرشلونى فبعث إليه عبد الله بن على بن اشقيلولة وتسلم مرسية منه وخطب بها لابن الاحمر ثم خرج منها راجعا إلى ابن الاحمر فأوقع به البصري في طريقه ورجع الواثق إلى مرسية ثالثة فلم يزل بها إلى أن مكلها العدو من يده سنة ثمان وستين وعوضه منها حصنا من عملها يسمى يس إلى أن هلك والله خير الوارثين [ الخبر عن دولة بنى الاحمر ملوك الاندلس لهذا العهد ومبدا أمورهم وتصاريف أحوالهم ] أصلهم من أرجونة من حصون قرطبة ولهم فيها سلف في أبناء الجند ويعرفون ببنى نصر وينسبون إلى سعد بن عبادة سيد الخزرج وكان كبيرهم لا خر دولة الموحدين محمد ابن يوسف بن نصر ويعرف بالشيخ وأخوه اسمعيل وكانت لهم وجاهة في ناحيتهم ولما فشل ريح الموحدين وضعف أمرهم وكثر الثوار بالاندلس وأعطى حصونها للطاغية واستقل بأمر الجماعة محمد بن يوسف بن هود الثائر بمرسية فأقام بدعوته العباسية وتغلب على شرق الاندلس أجمع فتصدى محمد بن يوسف هذا للثورة على ابن هود وبويع له سنة تسع وعشرين وستمائة على الدعاء للامير أبى زكريا صاحب افريقية وأطاعته حيان وشريش سنة ثلاثين بعدها وكان يعرف بالشيخ ويلقب بابى دبوس واستظهر على أمره أولا بقرابته من بنى نصر وأصهاره بنى اشقيلولة عبد الله وعلى ثم بايع لابن هود سنة احدى وثلاثين عند ما وصله خطاب الخليفة من بغداد ثم ثار باشبيلية أبو مروان الباجى عند خروج ابن هود عنها ورجوعه إلى مرسية فداخله محمد ابن الاحمر في الصلح على أن يزوجه ابنته فأطاعه ودخل اشبيلية سنة ثنتين وثلاثين
ثم فتك بابن الباجى وقتله وتناول الفتك به على بن اشقيلولة ثم راجع أهل اشبيلية بعدها لشهر دعوة ابن هود وأخرجوا ابن الاحمر ثم تغلب على غرناطة سنة خمس وثلاثين بمداخلة أهلها ثم ثار ابن أبى خالد بدعوته في لحيان ووصلته بيعتها فقدم إليها أبا الحسن بن اشقيلولة ثم جاء على اثره ونزلها واستقر بها بعد مهلك ابن هود وبايع للرشيد سنة تسع وثلاثين ثم تناول المؤيد من يد محمد بن الرميمى فخلعه أهل البلد سنة ثلاث وستين وبايعوا لابن الاحمر ثم ثار أبو عمرو بن الجد واسمه يحيى بن عبد الملك بن محمد(4/170)
الحافظ أبى بكر وملك اشبيلية وبايع للامير أبى زكريا بن حفص صاحب افريقية سنة ثلاث وأربعين وولى عليهم أبو زكريا أميرا وقام بأمرهم القائد شغاف والعدو أثناء ذلك يلتقم بلاد المسلمين وحصونهم من لدن عام عشرين أو قبله وصاحب برشلونة من ولد البطريق الذى استعمله الافرنجة عليها لاول استرجاعهم لها من أيدى العرب فتغلب عليها وبعد عن الفرنجة وضعف لعهده سلطانهم ووصلوا وراء الدروب وعجزوا فكانوا عن برشلونة وجماعتها أعجز فسما أهل طاغيتها منهم لذلك العهد واسمه حاقمة إلى التغلب على ثغور المسلمين واستولى على ماردة سنة ست وعشرين وستمائة ثم ميورقة سنة سبع وعشرين إلى سرقسطة وشاطبة كان تملكها منذ مائة وخمسين من السنين قبلها ثم بلنسية سنة ست وثلاثين وستمائة بعد حصار طويل وطوى ما بين ذلك من الحصون والقرى حتى انتهى إلى المرية وحصونها وابن أدفونش أيضا ملك الجلالقة هو ابن وآباؤه من قبله يتقرى الفرستيرة حصنا حصنا ومدينة مدينة إلى أن طواها واستعبد ابن الاحمر هذا لاول أمره بما كان بينه وبين الثوار بالاندلس من المنازعة فوصل يده بالطاغية في سبيل الاستظهار على أمره فوصله وشد عضده وصار ابن الاحمر في جملته وأعطاه ابن هود ثلاثين من الحصون أو نحوها في كف غربه عن ابن الاحمر وأن يعينه على ملك قرطبة فتسلمها ثم تغلب على قرطبة سنة ثلاث وثلاثين
وأعاد إليها خيرة الله كلمة الكفر ثم نازل اشبيلية سنة ست وأربعين وابن الاحمر معه مظهر الامتعاض لابن الجد وحاصرها سنتين ثم دخلها صلحا وانتظم معها حصونها وثغورها وأخذ طليطلة من يد ابن كماشة وغلب بعد ذلك ابن محفوظ على شلب وطليبرة سنة تسع وخمسين ثم ملك مرسية سنة خمس وستين ولم يزل الطاغية يقتطع ممالك الاندلس كورة كورة وثغرا ثغرا إلى أن ألجأ المسلمين إلى سيف البحر ما بين رندة من الغرب والبيرة من شرق الاندلس نحو عشر مراحل من الغرب إلى الشرق وفى مقدار مرحلة أو ما دونها في العرض ما بين البحر والجوف ثم سخط بعد ذلك الشيخ ابن الاحمر وطمع في الاستيلاء على كافة الجزيرة فامتنعت عليه وتلاحق بالاندلس غزاة من زناتة الثائرين يومئذ من بنى عبد الواد وتوجين ومغراوة وبنى مرين وكان أعلاهم كعبا في ذلك وأكثرهم غزى بنو مرين فأجاز أولا أولاد ادريس بن عبد الحق وأولاد رحو بن عبد الله بن عبد الحق اعياص الملك منهم سنة ستين أو نحوها عقد لهم عمهم يعقوب بن عبد الحق سلطان المغرب وأجازوا في ثلاثة آلاف أو نحوها فتقبل ابن الاحمر اجازتهم ودفع بهم في نحر عدوه ورجعوا ثم تهايلوا إليه من بعد ذلك من كل بيت من بيوت بنى مرين ومعظمهم الاعياص من بنى عبد الحق لما تزاحمهم مناكب(4/171)
السلطان في قومهم وتغص بهم الدولة فينزعون إلى الاندلس مغنين بها من بأسهم وشوكتهم في المدافعة عن المسلمين ويخلصون من ذلك على حظ من الدولة بمكان ولم يزل الشأن هذا إلى أن هلك محمد بن يوسف بن الاحمر سنة احدى وسبعين وستمائة وقام بأمره من بعده ابنه محمد وكان يعرف بالفقيه لما كان يقرأ الكتاب من بين أهل بيته ويطالع كتب العلم وكان أبوه الشيخ أوصاه باستصراخ ملوك زناتة من بنى مرين الدائلين بالمغرب من الموحدين وأن يوثق عهد مبهم ويحكى أراضي سلطانه بمداخلتهم فأجاز محمد الفقيه ابن الاحمر إلى يعقوب بن عبد الحق سلطان بنى مرين سنة ثنتين وسبعين
وستمائة عندما تم استيلاؤه على بلاد المغرب وتغلبه على مراكش وافتقاده سرير ملك الموحدين بها فأجاب صريخه وأجاز عساكر المسلمين من بنى مرين وغيرهم إلى الجهاد مع ابنه منديل ثم جاء على أثرهم وأمكنه ابن هشام بن الجزيرة الخضراء كان ثائرا بها فتسلمها منه ونزل بها وجعلها ركابا لجهاده وينزل بها جيش الغزو ولما أجاز سنة ثنتين وسبعين كما قلناه هزم زعيم النصرانية ثم حذره ابن الاحمر على ملكه فداخل الطاغية ثم حذر الطاغية فراجعه وهو مع ذلك يده في نحره بشوكة الاعياص الدين نزعوا إليه من بنى مرين بما شاركوا صاحب المغرب من نسب ملكه وقاسموه في يعسوبية قبيلته فكان له بذلك مدفع عن نفسه ومرض في طاعة قرابته من بنى اشقيلولة كان عبد الله منهم بمالقة وعلى بوادي آش وابراهيم بحصن قمارش فالتاثوا عليه وداخلوا يعقوب بن عبد الحق سلطان بن مرين في المظاهرة عليه فكان له معهم فتنة وأمكنوا يعقوب بن الثغور التى بأيديهم مالقة ووادى آش حتى استخلصها هذا السلطان الفقيه من بعد ذلك كما نذكره في أخبار بنى مرين مع بنى الاحمر وصار بنو اشقيلولة آخرا وقرابتهم بنى الزرقاء إلى المغرب ونزلوا على يعقوب بن عبد الحق وأكرم مثواهم واقطعهم واستعملهم في كبير الخطط للدولة حسبما يذكر واستبد السلطان الفقيه ابن الاحمر بملك ما بقى من الاندلس وأورثه عقبه من غير قبيل ولا كثير عصبة ولا استكثار من الحامية الا من يأخذه الجلاء من فحول زناتة وأعياص الملك فينزلون بهم غزى ولهم عليهم عزة وتغلب وسبب ذلك ما قدمناه في الكتاب الاول من افقاد القبائل والعصائب بأرض الاندلس جملة فلا تحتاج الدولة هنالك إلى كبير عصبية وكان للسلطان ابن الاحمر في أول أمره عصبية من قرابته بنى نصر وأصهارهم بنى اشقيلولة وبنى المولى ومن تبعهم من الموالى والمصطنعين كانت كافية في الامر من أوله مع معاضدة الطاغية على ابن هود وثوار الاندلس ومعاضدة ملك المغرب على الطاغية والاستظهار بالاعياص على ملك المغرب فكان لهم بذلك كله اقتدار على بلوغ أمرهم وتمهيده وربما يفهم(4/172)
في مدافعة الطاغية اجتماع الخاصة والعامة في عداوته والرهب منه بما هو عدو للدين فتستوي القلوب في مدافعته ومخافته فينزل ذلك بعض الشئ منزلة العصبية وكانت اجازة السلطان يعقوب بن عبد الحق إليه أربع مرات وأجاز ابنه يوسف إليهم بعد أبيه ثم شغلته الفتنة مع بنى يغمراسن إلى أن هلك السلطان الفقيه سنة احدى وسبعمائة وهو الذى أعان الطاغية على منازلة طريف وأخذها وكان يمير عسكره مدة حصاره اياها إلى أن فتحها سنة لما كانت ركابا لصاحب المغرب متى هم بالجواز لقرب مسافة الزقاق فلما ملكها الطغاية صارت عينا على من يروم الجواز من الغزاة فعضب أمره عليهم وولى من بعده ابنه محمد المخلوع واستبد عليه وزيره محمد بن محمد ابن الحكم اللخمى من مشيخة رندة ووزرائها فحجره واستولى على أمره إلى أن ثار به أخوه أبو الجيوش نصر بن محمد فقتل الوزير واعتقل أخاه سنة ثمان وسبعمائة وكان أبوهما السلطان الفقيه استعمل على مالقة الرئيس أبا سعيد بن عمه اسمعيل بن نصر وطالت فيها امارته وهو الذى تملك سبتة وغدر بنى الغرفى بها على عهد المخلوع وبدعوته كما يذكر في أخبار سبتة ودولة بنى مرين وكان أصهر إليه في ابنته وكان له منها ابنه أبو الوليد اسمعيل فلما تملك الجيوش نصر غرناطة واستولى على سلطانهم بها ساءت سيرته وسيرة وزيره ابن الحاج وأحقد الاعياص من بنى مرين واستظهر الرعية بالقهر والعسف وكان بنو ادريس بن عبد الله بن عبد الحق أمراء على الغزاة بمالقة وكان كبيرهم عثمان بن أبى المعلى فداخل أبا الوليد في الخروج على السلطان نصر وتناول الامر من يده لضعفه وسعفه بطانته وأقربائه فاعتزموا على ذلك ولم يتم لهم الا باعتقال أبيه أبى الجيوش فاعتقلوه وبايعوا أبا الوليد وثار بمالقة سنة سبع عشرة الرئيس أبو سعيد وزحفوا إلى غرناطة فهزموا عساكر أبى الجيوش وثارت به الدهماء من أهل المدينة وأحيط به وصالحهم على الخروج إلى وادى آش فلحق بها وجدد بها ملكا
إلى أن مات سنة ثنتين وعشرين ودخل أبو الوليد إلى غرناطة فاصل بها لنفسه وبنيه ملكا جديدا وسلطانا فسيحا ونازله ملك النصارى الفنش بغرناطة سنة ثمان عشرة وأبلى فيها بنى أبى العلا ثم كان من تكييف الله تعالى في قتله وقتل رديفه واستلحام جيوش النصرانية بظاهر غرناطة ما ظهرت فيه معجزة من معجزات الله وتردد إلى أرض النصرانية بنفسه غازيا مرات مع عساكر المسلمين من زناتة والاندلس وكانت زناتة أعظم غناء في ذلك لقرب عهدهم بالتقشف والبداوة التى ليست للناس وبلغ أبو الوليد من العز والشوكة إلى أن غدر به بعض قرابته من بنى نصر سنة سبع وعشرين وسبعمائة طعنه غدرا عندما انفض مجلسه بباب داره فأنفذه وحمل إلى فراشه ولحق القادر بدار(4/173)
عثمان بن أبى العلى فقتله لحينه وقتل الموالى المجاهدين فخرج عليهم ولحق بانديس فتملكها واستدعى محمد بن الرئيس أبى سعيد في معتقله بسلوباشة ونصبه للملك فلم يتم له مراده من ذلك ورجعوا آخر اللمهادنة وقتل السلطان محمد وزيره ابن المحروق بداره غدرا سنة تسع وعشرين استدعاه للحديث على لسان عمته المتغلبة عليه مع ابن المحروق وتناوله مع علوجه طعنا بالخناجر إلى أن مات وقام السلطان باعباء ملكه ورجع عثمان ابن أبى العلى إلى مكانه من يعسوبية الغزاة وزناتة حق إذا هلك قدم عليهم مكانه ابنه ابا ثابت وأجاز السلطان محمد إلى المغرب صريخا للسلطان أبى الحسن على الطاغية فوجده مشغولا بفتنة أخيه محمد ومع ذلك جهز له العساكر وعقد عليها سنة ثلاث وثلاثين واستراب بنو أبى العلى بمداخلة السلطان أبى الحسن فتشاوروا في أمره وغدروا به يوم رحيله عن الجبل إلى غرناطة فتقاصفوه بالرماح وقدموا أخاه أبا الحجاج يوسف فقام بالامر وشمر عن ساعده في الاخذ بثار أخيه فتكب بنى العلى وغر بهم إلى تونس وقدم على الغزاة مكان أبى ثابت بن عثمان قرثية من بنى رحو بن عبد الله بن عبد الحق وهو يحيى بن عمر بن رحو فقام بأمرهم وطال أمر رياسته واستدعى السلطان
أبو الحجاج السلطان أبا الحسن صاحب المغرب فأجاز ابنه عند ما تم له الفتح بتلمسان وعقد له على عساكر جمة من زناتة والمطوعة فغزاهم وغنم وقفل راجعا وتلاحقت به جموع النصارى وبيتوه على حدود أرضهم فاستشهد كثير من الغزاة وأجاز السلطان أبو الحسن سنة احدى وأربعين بكافة أهل المغرب من زناتة ومغراوة والمرتزقة والمتطوعة فنازل طريف وزحف إليه الطاغية فلقيه بظاهرها فانكشف المسلمون واستشهد الكثير منهم وهلك فيها نساء السلطان وحريمه وفسطاطه من معسكره وكان يوم ابتلاء وتمحيص وتغلب الطاغية اثرها على القلعة ثغر غرناطة ونازل الجزيرة الخضراء وأخذها صلحا سنة ثلاث وأربعين ولم يزل أبو الحجاج في سلطانه إلى أن هلك يوم الفطر سنة خمس وخمسين طعنه في سجوده من صلاة العيد وغد من صفاعفة البلد كان مجتمعا وتولى ابنه واستبد عليه مولاهم رضوان حاجب أبيه وعمه فقام بأمره وغلبه عليه وحجبه وكان اسمعيل أخوه ببعض قصور الحمراء قلعة الملك وكانت له ذمة وصهر من محمد بن عبد الله بن اسمعيل بن محمد ابن الرئيس أبى سعيد بما كان أبوه أنكحه شقيقة إسماعيل هذا وكان أبو يحيى هذا يدعى بالرئيس وجده محمد هذا هو الذى قدمنا أن عثمان بن أبى العلى دعاه من مكان اعتقاله للملك فداخل محمد هذا الرئيس بعض الزعالقة من الغوغاء وبيت حصن الحمراء وتسوره ولج على الحاجب رضوان في داره فقتله وأخرج صهره اسمعيل ونصبه للملك ليلة سبع وعشرين من رمضان سنة ستين(4/174)
وسبعمائة وكان السلطان محمد هذا المخلوع بروضة خارج الحمراء فلحق بوادي آش وأجاز منها إلى العدوة ونزل على ملك المغرب السلطان أبى سالم ابن السلطان أبى الحسن فرعى له ذمته وأحمد نزوله وارتاب شيخ الغزاة يحيى بن عمر وبالدولة ففر إلى دار الحرب ولحق منها بالمغرب ونزل على السلطان أبى سالم فأحمد نزوله وولى مكانه على الغزاه بغرناطة من جهة ادريس بن عثمان بن أبى العلى وقام الرئيس بأمر اسمعيل أخيه ودبر ملكه
ثم ترددت السعايات ونذر الرئيس بالنكبة فغدر باسمعيل وقتله واخوته جميعا سنة احدى وستين وقام بملك الاندلس ونبذ إلى الطاغية عهده ومنعه ما كان سلفه يعطونه من الجزية على بلاد المسلمين فشمر الطاغية لحربه وجهز العساكر إليه فأوقع المسلمون بهم بوادي آش وعليهم بعض الرؤساء من قرابة السلطان فعظمت النكاية وأرسل ملك المغرب إلى الطاغية في شأن محمد المخلوع ورده إلى ملكه فأركب الاساطيل وأجازه إلى الطاغية فلقيه ووعده المظاهرة على أمره وشرط له الاستئثار بما يفتح من حصون المسلمين ثم نقض فيما افتتح منها ففارقه السلطان واوى إلى الثغر المغربي في ملكة بنى مرين وأمكن من ثغور رندة فزحف منها إلى مالقة سنة خمس وستين فافتتحها وفر الرئيس محمد بن اسمعيل بن غرناطة ولحق بالطاغية وكان معه ادريس بن عثمان شيخ الغزاة بحبسه إلى أن فر من محبسه بعد حين كما يذكر في أخبارهم وزحف السلطان محمد فيمن معه وأتوه بحاجب الرئيس وقتله واستلحم معه الرجال من الزعالقة الذين قتلوا الحاجب وتسور وقصور الملك ودخل السلطان محمد غرناطة واستولى على ملكه وقدم على الغزاة شيخهم يحيى بن عمر واختص ابنه عثمان ثم نكبهما لسنة وحبسهما بالمطبق بالمرية ثم غر بهما بعد أعوام وقدم على الغزاة قريبهما على بن بدر الدين بن محمد بن رحو ثم مات فقدم مكانه عبد الرحمن بن أبى يفلوسن وترفع على السلطان أبى على بن محمد ملك المغرب وتملا هذا السلطان محمد المخلوع أريكة ملكه بالحمراء ممتنعا بالظهور والترف والعزة على الطاغية والجلالقة وعلى ملوك المغرب بالعدوة بما نال دولتهم جميعا من الهرم الذى يلحق الدول وأما الجلالقة فانتقضوا على ملكهم بطرة بن ادفونش سنة ثمان وستين من لدن مهلك أبيهما ووقعت بين بطرة وبين ملك برشلونة بسبب اجارته عليه فتن وحروب حجر منها الجلالقة وكانت سببا لا نتقاضهم على بطرة واستدعائهم لاخيه الفنش فجاء وبايعوه وانحرفوا إليه جميعا عن بطرة فتحيز إلى ناحية بلاد المسلمين واستدعى هذا السلطان محمدا صاحب غرناطة لنصره من عدوه وأغزاه ببلاد الفنش ففتح
كثيرا من معاقلها وخربها مثل حيان وابدة واثر وغيرها وعاث في بسائطها ونزل قرطبة وخرب نواحيها ورجع ظافرا غانما ولحق ببطرة سلطان الافرنجة الاعظم في ناحية الشمال(4/175)
من وراء جزيرة الاندلس وهو صاحب جزيرة اركبلطرة وتسمى بنسر غالس وفد عليه صريخا وزوجه بنته فبعث ابنه لنصره في أمم الافرنج وانهزم الفنش أمامهم وارتجع بطرة البلاد حتى إذا رجعت عساكر الافرنجة رجع الفنش فارتجع البلاد ثانيا وحاصر أخاه بطرة في بعض حصون جليقة حتى أخذه وقتله واستولى على ملكهم واغتنم السلطان صاحب غرناطة شغلهم بهذه الفتنة فاعتز عليهم ومنع الجزية التى كانوا يأخذونها من المسلمين منذ عهد سلفه فأقاموا من لدن سنة ثنتين وسبعين لا يعطونهم شيأ واستمر على ذلك وسما إلى مطالبتهم بنسر غالس ملك الفرنجة من ورائهم الذى جاء لنصر بطرة وأنكحه بطرة ابنته وولدت له ولدا فزعم أبوه هذا الملك أنه أحق بالملك من الفنش وغيره على عادة العجم في تمليك الاسباط من ولد البطن وطالت الحرب بينهما ونزل بالجلالقة من ذلك شغل شاغل واقتطع الكثير من ثغورهم وبلادهم فمنعهم ابن الاحمر الجزية واعتز عليهم كما ذكرناه والحال على ذلك لهذا العهد وأمملوك المغرب فان السلطان عبد العزيز بن السلطان أبى الحسن لما استبد بملكه واستفحل أمره وكان عبد الرحمن بن ابى يفلوسن مقدما على الغزاة بالاندلس كما قلناه وهو قسيمه في النسب ومرادفه في الترشيح للملك فعثر السلطان عبد العزيز على مكاتبة بينه وبين أهل دولته فارتاب وبعث إلى ابن لاحمر في حبسه فحبسه وحبس معه الامير مسعود بن ماسى لكثرة خوضه في الفتنة ومكاتبته لاهل الدولة فلما توفى السلطان عبد العزيز سنة أربع وسبعين وبويع ابنه محمد السعيد يافعا وكفله وزير أبيه أبو بكر بن غازى الثائر أطلق ابن الاحمر عبد الرحمن بن يفلوسن من محبسه فنقم ذلك عليه الوزير أبو بكر كافل الدولة بالمغرب واعتزم على بعث الرؤساء من قرابة ابن الاحمر إلى الاندلس لمنازعته ومده بالمال
والجيش وبلغ ذلك ابن الاحمر فعاجله عند وسار في العساكر إلى فرضة المجاز ونازل جبل الفتح ومعه ابن يفلوسن وابن ماسى واركبهما السفن فنزلوا ببلاد بطرة فاضطرب المغرب واشتد الحصار على أهل جبل الفتح واستأمنوا لابن الاحمر وأطاعوه وكان بسبتة محمد بن عثمان بن الكاس صهر أبى بكر بن غازى وقريبه بعثه لضبط المراسى عند ما نزل ابن الاحمر على الجبل وبطنجة يومئذ جماعة من ولد السلطان أبى الحسن المرشحين محبوسون منذ عهد عبد العزيز فوقعت المراسلة من السلطان ابن الاحمر ومحمد ابن عثمان ونكر عليه مبايعتهم لولد صغير لم يراهق وأشار بيعة واحد من أولئك المرشحين المحبوسين بطنجة ووعده بالمظاهرة والمدد بالمال والجيش ووقع اختيار محمد ابن عثمان على السلطان أبى العباس أحمد فأخرجه وبايع له وقد كان أولئك الفتية تعاهدوا في محبسهم أن من استولى منهم على الملك أطلق الباقين منهم فوفى لهم السلطان(4/176)
أبو العباس لاول بيعته وأطلقهم من المحبس وبعثهم إلى الاندلس ونزلوا على السلطان ابن الاحمر فأكرمهم وجعلهم لنظره وبعث بالاموال والعساكر للسلطان أبى العباس ولوزيره محمد بن عثمان وكتب إلى عبد الرحمن بن يفلوسن بموافقتهما واجتماعهما على الامر فساروا جميعا ونازلوا دار الملك بفاس حتى استأمن أبو بكر بن غازى للسلطان أبى العباس وأمكنه من البلد الجديد دار الملك فدخلها في محرم سنة ست وسبعين وشيع عبد الرحمن بن يفلوسن إلى مراكش وأعمالها وسوغ له ملكها كما كان الوفاق بينهما من قبل وبعث بالسعيد بن عبد العزيز المنصوب واتصلت الموالاة والمهاداة بينه وبين ابن الاحمر وانتقض ما بينه وبين عبد الرحمن صاحب مراكش ونهض مرارا وحاصره وابن الاحمر يمده تارة ويسعى بينهما في الصلح أخرى إلى أن نهض إليه سنة أربع وثمانين وحاصره شهرا واقتحم عليه حصنه عنوة وقتله ورجع إلى فاس ثم نهض إلى تلمسان وهرب صاحبها أبو أحمد سلطان بنى عبد الواد ودخل
السلطان أبو العباس تلمسان وكان جماعة من سماسرة الفتن قد سعوا ما بينه وبين السلطان ابن الاحمر بالفساد حتى أو غروا صدره وحملوه على نقض دولة السلطان أبى العباس ببعض الاعياص الذين عنده فاختار من أولئك الفتية الذين نزلوا عليه من طنجة موسى ابن السلطان أبى عنان واستوزر له مسعود بن ماسى وركب السفن معه إلى سبتة فبادر أهلها بطاعة موسى وأتوه ببيعتهم وارتحل عنهم إلى فاس وملك السلطان ابن الاحمر سبتة وصارت في دعوته وعمد السلطان موسى إلى دار الملك بفاس فوقف عليها يوما واستأمنوا له آخر النهار فدخلها سنة ست وثمانين وأصبح جالسا على سرير ملكه وطار الخبر إلى السلطان أبى العباس وقد ارتحل من تلمسان لقصد أبى حمو وبنى عبد الواد بمكانهم من فكر راجعا وأغذ السير إلى فاس فلما تجاوز تازى وتوسط ما بينها وبين فاس افترق عنه بنو مرين وسائر عساكره وساروا على راياتهم إلى السلطان موسى ونهب معسكره ورجع هو إلى تازى فتوثق منه عاملها حتى جاء يريد السلطان من فاس فتقبض عليه وحمله إلى فاس وأزعجه السلطان موسى إلى الاندلس ونزل على ابن الاحمر كما كان هو واستولى السلطان موسى على المغرب واستبد عليه وزيره مسعود وطالب ابن الاحمر بالنزول على سبتة فامتنع ونشأت بينهما الفتنة ودس ابن ماسى لاهل بيته بالثورة على حامية السلطان ابن الاحمر عندهم فثاروا عليهم وامتنعوا بالقصبة حتى جاءهم المدد في اساطيل ابن الاحمر فسكن أهل بيته واطمأنت الحال ونزع إلى السلطان ابن الحمر جماعة من أهل الدولة وسألوه ابن يبعث لهم ملكا من الاعياص الذين عنده فبعث إليهم الواثق محمد بن الامير أبى الفضل ابن السلطان أبى(4/177)
الحسن وشيعة في الاسطول إلى سبتة وخرج إلى غمارة وبلغ الخبر إلى مسعود بن ماسى فخرج إليه في العسكر وحاصره بتلك الجبال ثم جاءه الخبر بموت سلطانه موسى ابن السلطان أبى عنان بفاس فارتحل راجعا ولما وصل إلى دار الملك نصب على
الكرسي صبيا من ولد السلطان أبى العباس كان تركه بفاس وجاء السلطان أبو عنان ابن الامير أبى الفضل ونزل بجبل زرهون قبالة فاس وخرج ابن ماسى في العساكر فنزل قبالته وكان متولى أمره أحمد بن يعقوب الصبيحى وقد غص بن أصحابه فذبوا عليه وقتلوه امام خيمة السلطان وامتعض السلطان لذلك ووقعت المراسلة بينه وبين ابن ماسى على ابن يبايع بشرط الاستبداد عليه واتفقا على ذلك ولحق السلطان بابن ماسى ورجع به إلى دار الملك فبايع له وأخذ له البيعة من الناس وكانت معه حصة من جند السلطان ابن الاحمر مع مولى من مواليه فحبسهم جميعا وامتعض لذلك السلطان فاركب أبا العباس البحر وجاء معه بنفسه إلى سبتة فدخلها وعساكر ابن ماسى عليها يحاصرونها فبايعوا جميعا للسلطان أبى العباس ورجع ابن الاحمر إلى غرناطة وسار السلطان أبو العباس إلى فاس واعترضه ابن ماسى في العساكر فحاصره بالصفيحة من جبل غمارة وتحدث أهل عسكره في اللحاق بالسلطان أبى العباس ففزعوا إليه وهرب ابن ماسى وحاصره السلطان شهرا حتى نزلوا على حكمه فقطع ابن ماسى بعد أن قتله ومثل به وقتل سلطانه واستلحم سائر بنى ماسى بالنكيل والقتل والعذاب واستولى على المغرب واستبد بملكه وأفرج السلطان ابن الاحمر على سبتة وأعادها إليه واتصلت الموالاة بينهما وأقام ابن الاحمر في اعترازه ولم تطرقه نكبة ولا حادثة سائر أيامه الا ما بلغنا أنه نمى له عن ابنه ولى عهده أبى الحجاج يوسف انه يروم التوثب به وكان على سفر في بعض نواحى الاندلس فقبض على ولده لحينه ورجع إلى غرناطة ثم استكشف حاله فظهرت براءته فاطلقه وأعاده إلى أحسن أحواله والا ما بلغنا أيضا انه لما سار من غرناطة إلى جبل الفتح شار بالاحوال السلطان أبى العباس وهو بالصفيحة من جبال غمارة وابن ماسى يحاصره فنمى إليه ان بعض حاشيته من أولاد الوزراء وهو ابن مسعود البلنسى ابن الوزير أبى القاسم بن حكيم قد اتفقوا على اغتياله وان ابن ماسى دس إليهم بذلك ونصبت له على ذلك العلامات التى عرفها فقبض عليهم لحينه ولم
يمهلهم وقتلهم وجميع من داخلهم في ذلك ورجع إلى غرناطة وأقام ممتنعا بملكه إلى ان هلك سنة ثلاث وتسعين فولى مكانه ابنه أبو الحجاج وبايعه الناس وقام بأمره خالد مولى أبيه وتقبض على اخوته سعد ومحمد ونصر فهلكوا في محبسهم ولم يوقف لهم على خبر ثم سعى عنده في خالد القائم بدولته أنه أعد السم القتله وان يحيى بن الصائغ اليهودي(4/178)
طبيب دارهم داخلة في ذلك ففتك بخالد وقتل بين يديه صبرا بالسيوف لسنة أو نحوها من ملكه وحبس الطبيب فذبح في محبسه ثم هلك سنة أربع وتسعين لسنتين أو نحوها من ملكه وبويع ابنه محمد وقام بأمره محمد الخصاصى القائد من صنائع أبيه والحال على ذلك لهذا العهد والله غالب على امره وقد انقضى ذكر الدولة الاموية المنازعين لبنى العباس ومن تبعهم من الملوك بالاندلس فلنذكر الان شيأ من أخبار ملوك النصرانية الذين يجاورون المسلمين بجزيرة الاندلس من سائر نواحيهم ونلم بطرف من أنسابهم ودولهم [ الخبر عن ملوك بنى ادفونش من الجلالقة ملوك الاندلس بعد الغوط ولعهد المسلمين وأخبار من جاورهم من الفرنجة والبشكنس والبرتغال والالمام ببعض أخبارهم ] والملوك لهذا العهد من النصرانية أربعة في أربعة من العمالات محيطة بعمالة المسلمين قد ظهر اعجاز الملة في مقامهم معهم وراء البحر بعد ما استرجعوا من أيديهم ما نظمه الفتح الاسلامي أول الامر واعظم هؤلاء الملوك الاربعة قشتالة وعمالاته عظيمة متسعة مشتلمة على أعمال جليقية كلها مثل قشتالة وغليسية والقرنتيرة وهى بسيط قرطبة واشبيلية وطليطلة وجيان آخذة في جوف الجزيرة من المغرب إلى المشرق ويليه من جانب الغرب ملك البرتغال وعمالته صغيرة وهى أشبونة ولا أدرى نسبه فيمن هو من الامم ويغلب على الظن أنه من أعقاب القواميس الذين تغلبوا على عمالات بنى أدفونش
في العصور الماضية كما نذكر بعد ولعله من أسباطهم وأولى نسبهم والله أعلم ويلى ملك قشتالة هذا من جهة الشرق ملك نبرة وهو ملك البشكنس وعمالته صغيرة فاصلة بين عمالات قشتالة وعمالة ملك برشلونة وقاعدة ملك نبرة وهى مدينة ينبلونة وملك برشلونة وما وراءها ونحن الان نذكر أخبار هذه الامم من عهد الفتح بما يظهر لك منه تفصيل أخبارهم وذلك أن النصرانية لما تغلب عليهم المسلمون عند الفتح سنة تسعين من الهجرة وقتلوا الزريق ملك الغوط وانساحوا في نواحى جزيرة الاندلس وأجفلت أمم النصرانية كلها أمامهم إلى سيف البحر من جانب الجوف وتجاوزوا الدروب وراء قشتالة واجتمعوا بجليقية وملكوا عليهم ثلاثة ابن ناقلة فأقام ملكا تسع عشرة سنة وهلك سنة ثلاث وثلاثين ومائة وولى ابنه قافلة سنتين ثم هلك فولوا عليهم بعدهما أدفونش ابن بطرة وهو الذى اتصل ملكه في عقبه لهذا العهد ونسبهم في الجلالقة من العجم كما تقدم ويزعم ابن حبان انهم من أعقاب الغوط وعندي ان ذلك ليس بصحيح فان أمة الغوط قد دثرت وغبرت وهلكت وقل أن يرجع أمر بعد ادباره وانما هو ملك مستحد(4/179)
في أمة أخرى والله أعلم فجمعهم ادفونش بن بطرة على حماية ما بقى من أرضهم بعد أن ملك المسلمون عامتها وانتهوا إلى جليقية وأقصروا عن الفتح بعدها حتى فشلت الدولة الاسلامية بالاندلس وارتجع النصارى الكثير مما غلبوا عليه وكان مهلك أدفونش بن بطرة سنة اثنتين وأربعين ومائة لثمان عشرة سنة من ملكه وولى بعده ابنه فرويلة احدى عشرة سنة قوى فيها سلطانه وقارنه فيها شغل عبد الرحمن الداخل بتمهيد أمره فاسترجع مدينة بك وبرتغال وسمورة وسلمنقة وشقرنية وقشتالة بعد ان كانت انتظمت للمسلمين في الفتح وهلك سنة ثمان وخمسين وولى ابنه شيلون عشر سنين وهلك سنة ثمان وستين فولوا مكانه أدفونش منهم ووثب عليه سمول ماط فقتله وملك مكانه سبع سنين وعلى عقب ذلك استفحل ملك عبد الرحمن بالاندلس وأغزى جيوشه أرض
جليقية ففتح وغنم وأسر ثم ولى منهم أدفونش آخر سنة ثنتين وخمسين وهلك سنة ثمان وستين فولوا مكانه أدفونش منهم ووثب أحد ملوكهم المستبدين بأمرهم قال ابن حبان كانت ولاية رذمير هذا عند ترهب أخيه أدفونش الملك قبله وذلك سنة تسع عشرة وثلثمائة على عهد الناصر وتهيأ للناصر الظهور عليه إلى أن كان التمحيص على المسلمين في غزوة الخندق وذلك سنة سبع وعشرين وثلثمائة وكانت الواقعة بالخندق وقريبا من مدينة شنت ماكس كما ذكر في أخباره ثم هلك رذمير سنة تسع وثلاثين وولى اخوه سانجة وكان تياها معجبا بطالا فانتقض سلطانه ووهن ملك قومه وانتزى عليه قوامس دولته فلم يتم لبنى ادفونش بعدها ملك مستند في الجلالقة الا من بعد أزمان الطوائف وملوكهم كما ذكرناه وكان اضطراب ملكهم كما نقل ابن حبان على يد فردلند بن عبد شلب قومس البة والقلاع فكان أعظم القوامس وهم ولاة الاعمال من قبل الملك الاعظم فانتقض على سانج البة وظاهرهم ملك البشكنس على سانجة وورد سانجة على الناصر بقرطبة صريخا فأمده واستولى بذلك الامداد على سمورة فملكها وأنزل المسلمين بها واتصلت الحرب بين سانجة وبين فردلند إلى أن أسر فردلند في بعض أيام حروبهم وحصل في أسر ملك البشكنس على أن ينفذ إليه أسيره فردلند بن عبد شلب قومس البة والقلاع فأبى من ذلك وأطلقه ووفد على المنتصر أرذون بن أدفونش المقارع لسانجة صريخا سنة احدى وخمسين فأجابه وأنفذ غالبا مولاه في مدده ثم هلك سانجة ملك بنى أدفونش ببطليوس وقام بأمرهم بعده ابنه رذمير وهلك أيضا فردلند بن عبد شلب قومس ألبة وولى بعده ابنه غرسية ولقى رذمير المسلمين بالثغر في بعض صوائفهم وعظمت نكايته بعد مهلك الحكم المستنصر إلى أن قيض الله لهم المنصور بن أبى عامر حاجب ابنه هشام فأثخن في عمل رذمير وغزاه مرارا وحاصره في سمورة ثم في ليون(4/180)
بعد أن زحف إلى غرسية بن فردلند صاحب البة وظاهر معه ملك البشكنس فغلبهما
ثم ظاهروا مع رذمير وزحفوا جميعا للقائه بشنت ماكس فهزمهم واقتحهما عليهم وخربها وتشاءم الجلالقة برذمير وخرج عليهم عمه بزمند بن أرذون وافترق أمرهم ثم رجع رذمير طاعة المنصور سنة أربع وسبعين وهلك على أثرها فأطاعت أمه واتفقت الجلالقة على بزمند بن أرذون وعقد له المنصور على سمورة والعيون وما اتصل بهما من أعمال غليسية إلى البحر الاخضر واشترط عليه فقبل ثم امتعض بزمند لما نزل بالجلالقة عيث المنصور سنة ثمان وسبعين فافتتح حيون وحاصره في سمورة ففر عنها وأسلمها أهلها إلى المنصور فاستباحها ولم يبق لملك الجلالقة الاحصون يسيرة بالجبل الحاجز بين بلدهم وبين البحر الاخضر ثم اختلف حال بزمند في الطاعة والانتقاض والمنصور يردد إليه الغزو حتى أذعن وأخفر ذمته الخارج على المنصور فأسلمه إليه سنة خمس وثمانين وضرب عليه الجزية وأوطن المسلمين مدينة سمورة سنة تسع وثمانين وولى عليها أبا الاحوص معن بن عبد العزيز التجيبى ثم سار إلى غرسية بن فردلند صاحب البة وكان أعان المخالفين على المنصور وكان فيمن أعان عليه حين خرج عليه فنازل المنصور مدينة أشبونة قاعدة غليسية فملكها وخربها وهلك غرسية هذا فولى ابنه سانجة وضرب المنصور عليهم الجزية وصار أهل جليقية جميعا في طاعته وكانوا كالعمال له الا بزمند بن أرذون ومسد بن عبد شلب قومس غليسية فانهما كانا أملك لامرهما على أن مسدا بعث بنته للمنصور سنة ثلاث وثمانين وصيرها جارية له فأعتقها وتزوجها ثم انتقض بزمند وغزاه المنصور فبلغ شنت ياقب موضع حج النصرانية ومدفن يعقوب الحوارى من أقصى غليسية وأصابها خالية فهدمها ونقل أبوابها إلى قرطبة فجعلها في سنت الزيادة التى أضافها إلى المسجد الاعظم ثم تطارح بزمند بن أرذون في السلم وأنفذ ابنه يلانة مع معن بن عبد العزيز صاحب جليقية فوصل به إلى قرطبة وعقد له السلم وانصرف إلى أبيه والح المنصور على أرغومس من القوامس وكانوا في طرف جليقية بين سمورة وقشيلة وقاعدتهم شنت برية فافتتحها سنة خمس
وثمانين ثم هلك بزمند بن أرذون ملك بنى أدفونش وولى ابنه أدفونش وهو صاحب بسيط غرسية واحتكما إلى عبد الملك بن المنصور فخرج أصبغ بن سلمة قاضى النصارى للفصل بينهما فقضى به لمسد بن عبد شلب فلم يزل أدفونش بزمند في كفالته إلى أن قتل غيلة سنة ثمان فاستبد أدفونش بأمره وطلب القواميس المقتدرين على أبيه وعلى من سلف من قومه برسوم الملك فحاز ذلك منهم لنفسه وبعث على نواحيهم من عنده وأذعنوا له وسقط ذكرهم في وقته مثل بنى أرغومس وبنى فردلند الذين قدمنا ذكرهم وقد(4/181)
كان قيامهم أيام سانجة بن رذمير من بنى أدفونش كما قدمناه جمعهم أدفونش للقاء عبد الملك المظفر بن المنصور فظاهرهم ملك البشكنس ولقيهم بظاهر فلونية فهزمهم وافتتح الحصن صلحا ثم انقرض أمر المنصور وبنيه وجاءت الفتنة البربرية على رأس المائة الرابعة فانتهز الفرصة في المسلمين صاحب البة وهو سانجة بن غرسية وصار يظاهر الفرقة الخارجة على الاخرى إلى ان أدرك بعض الامل وقتله ملك البشكنس سنة ست وأربعمائة وتغلب النصارى على ما كان غلب عليه بقشتالة وجليقية ولم يزل أدفونش ملكا على جليقية وأعمالها واتصل الملك في عقبه إلى ان كان شأن الطوائف وتغلب المرابطون ملوك المغرب من لمتونة على ملوك الطوائف واستولوا على الاندلس وانقرض منها ملك العرب أجمع وفى تواريخ لمتونة وأخبارهم ان ملك قشتالة الذى ضرب الجزية على ملوك الطوائف سنة خمسين وأربعمائة هو البيطبيين ويظهر انه كان متغلبا على سانجة بن أبرك الملك يومئذ بن بنى أدفونش وهو مذكور في أخبارهم وانه لما هلك قام بأمره بنوه فردلند وغرسية ورذمير وولى أمرهم فردلند واحتوى على شنت برية وعلى كثير من عمل ابن الافطس ثم هلك وخلف سانجة وغرسية والفنش فتنازعوا ثم خلص الملك للفنش وعلى عهده مات الظاهر اسمعيل بن ذى النون سنة سبع وستين وأربعمائة وهو المستولي على طليطلة سنة ثمان وسبعين وهو يومئذ اعتزاز
النصرانية بجزيرة الاندلس وكان من بطارقته وقواميس دولته البرهانس فكان يلقب الانبنذور ومعناه ملك الملوك وهو الذى لقى يوسف بن تاشفين بالزلاقة وكانت الدائرة عليه وذلك سنة احدى وثمانين وحاصر ابن هود في سرقسطة وكان ابن عمه رذمير منازعا له فزحف إلى طليطلة وحاصرها فامتنعت عليه وحاصر القسريلية وغرسية المرية والبرهانس مرسية وقسطون شاطبة وسرقسطة ثم استولى على بلنسية سنة تسع وثمانين وارتجعها المرابطون من يده بعد ان غلبوا ملوك الطوائف على أمرهم ثم مات الفنش سنة احدى وخمسمائة وقام بأمر الجلالقة زوجته وتزوجت رذمير ثم فارقته وتزوجت بعده قمطا من أقماطها وجاءت منه بولد كانوا يسمونه السليطين وأوقع ابن رذمير بابن هود سنة ثلاث وخمسمائة الواقعة المشهورة التى استشهد فيها وملك ابن رذمير سرقسطة وفر عماد الدولة وابنه على روطة فأقام إلى ان استنزله السليطين ونقله إلى قشتالة ثم كانت بين رذمير وأهل قشتالة حرب هلك فيها البرهانس سنة سبع وخمسمائة وذلك الاخر أيام المرابطين بلمتونة ثم انقرض أمرهم على يد الموحدين وكان أمر النصارى لعهد المنصور يعقوب ابن أمير المؤمنين يوسف بن عبد المؤمن كان دائرا بين ثلاثة من ملوكهم الفنش والبيبوح وابن الرند وكبيرهم الفنش وهو أميرهم يوم(4/182)
الارك الذى كان للمنصور عليهم سنة احدى وتسعين وخمسمائة والبيبوح صاحب ليون هو الذى مكر بالناصر عام العقاب فداخله وقدم عليه وأظهر له التنصيح فبذل له أموالا ثم غدر به وكر عليه الهزيمة يوم العقاب ثم هلك الناصر وولى ابنه المستنصر وفشل ريح بنى عبد المؤمن واستولى الفنش على جميع ما افتتحه المسلمون من معاقل الاندلس وارتجعها ثم هلك الفنش وولى ابنه هراندة وكان احول وكان يلقب بذلك وهو الذى ارتجع قرطبة واشبيلية من أيدى بنى هود وعلى عهده زحف ملك أرغون فارتجع شرق الاندلس كله شاطبة ودانية وبلنسية وسرقسطة وسائر الثغور والقواعد الشرقية
وانحاز المسلمون إلى سيف البحر وملكوا عليهم ابن الاحمر بعد ولاية ابن هود ثم هلك هراندة وولى ابنه ثم هلك ابنه وولى ابنه هراندة وأجاز بنو مرين إلى الاندلس صريخا لابن الاحمر وسلطانهم يومئذ يعقوب بن عبد الحق فلقيته جموع النصرانية بوادلك وعليهم ذنبة من اقماط بنى أدفونش وزعمائهم فهزمهم يعقوب بن عبد الحق وبقيت فتن متصلة ولم يلقه يعقوب وانما كان يغزو بلادهم ويكثر فيها العبث إلى أن ألقوه بالسلم وخالف على هراندة ملك قشتالة هذا ابنه سانجة فوفد هراندة على يعقوب بن عبد الحق صريخا وقبل يده فقبل وفادته وأمده بالمال والجيش ورهن في المال التاج المعروف من ذخائر سلفهم فلم يزل بدار بنى عبد الحق من بنى مرين لهذا العهد ثم هلك هراندة سنة ثلاث وثمانين واستقل ابنه سانجة بالملك ووفد على يوسف بن يعقوب بالجزيرة الخضراء بعد مهلك أبيه يعقوب وعقد معه السلم ثم انتقض وحاصر طريف وملكها وهلك سنة ثلاث وتسعين فولى ابنه هراندة ثم هلك سنة ثنتى عشرة وسبعمائة فولى ابنه بطرة صغيرا وكفله عمه جران وكان نزلهما جميعا على غرناطة عند زحفهما إليها سنة ثمان عشرة وسبعمائة فولى ابنه الهنشة بن بطرة صغيرا وكفله زعماء دولتهم ثم استبد بأمره وزحف إلى السلطان أبى الحسن وهو محاصر لطريف سنة احدى وخمسين فهلك في الطاعون الجارف وملك ابنه بطرة وقرابته القمط برشلونة فأجاره ملكها وزحف إليه بطرة مرارا وتغلب على كثير من أعماله وحاصر بلنسية مرارا ثم اتيح الغلب للقمط سنة ثمان وسبعين وسبعمائة فاستولى على بلاد قشتالة وزحفت إليه أمم النصرانية لما كانوا سئموا من عنف بطرة وسوء ملكته ولحق بطرة بامم الفرنجة الذين وراء قشتالة في الجوف بجهات الليمانية وفرطانية إلى سيف البحر الاخضر وجزيرة قدوج شنت مزين ملكهم الاعظم وهو البلنس غالس وجاء معه مددا بامم لا تحصى حتى ملك قشتاله والقرنتيرة ورجعوا عنه إلى بلادهم بعد ان أصابهم وباء هلك الكثير منهم ثم اتصلت الحرب بين بطرة وأخيه القمط إلى أن غلبه القمط واعتصم منه بطرة ببعض الحصون ونازله(4/183)
القمط حتى إذا أشرف على أخذه بعث بطرة إلى بعض الزعماء سر النيل النزول في جواره فأجابه ووشى به لاخيه القمط فكبسه في بيت ذلك الزعيم وقتله سنة ثنتين وسبعين وسبعمائة واستولى القمط على ملك بنى ادفونش أجمع واستنزل ابن أخيه بطرة من قرمونة وقد كان اعتصم بها بعد مهلك أبيه مع وزيره مرتين لبس هو واستقام له ملك قشتالة ونازعه البلنس غالس ملك الافرنجة بالابن الذى هو من بنت بطرة على عادة العجم في تمليك ابن البنت محتجا بأن القمط لم يكن لرشدة واتصلت الحرب بينهما وشغله ذلك عن المسلمين فامتنعوا من الجزية التى كانت عليهم لمن قبله وهلك هذا القمط سنة احدى وثمانين وسبعمائة فملك ابنه سانجة وفر ابنه الاخر غرمس إلى غرناطة ثم رجع إلى نواحى قشتالة والامر على ذلك لهذا العهد وفتنتهم مع الفنش ملك الفرنج موصولة وعاد يتهم لذلك عن المسلمين مرفوعة والله من ورائهم محيط واما ملك البرتغال بجهة اشبونة غرب الاندلس ومملكته صغيرة وهى من أعمال جليقية وصاحبها لهذا العهد متميز بسمته وملكه مشارك لابن ادفونش في نسبه ولا أدرى كيف يتصل نسبه معهم واما ملك برشلونة بجهة شرق الاندلس فعمالتهم واسعة ومملكتهم كبيرة تشتمل على برشلونة بجهة وارغون وشاطبة وسرقسطة وبلنسية وجزيرة دانية وميورقة وبنورقة ونسبهم في الفرنج وسياق الخبر عن ملكهم ما نقل ابن حبان ان الغوط الذين كانوا بالاندلس كانوا قديما في ملك الفرنج ثم اعتزوا عليهم وامتنعوا ونبذوا إليهم عهدهم وكانت برشلونة من ممالك الفرنج وعمالاتهم فلما جاء الله بالاسلام وكان الفتح قعد الفرنج عن نصر الغوط لتلك العداوة فلما انقضى أمر الغوط زحف المسلمون إلى الفرنج فازعجوهم عن برشلونة وملكوها ثم تجاوزوا الدروب من ورائها إلى البسائط بالبر الكبير فملكوا من قواعدها جزيرة أربوبة وما إليها من تلك البسائط ثم كانت فترة عند انقراض الدولة الاموية بالمشرق وبداية
الدولة العباسية افتتن فيها العرب بالاندلس وانتهز الفرنج فرصتهم فارتجعوا بلادهم إلى برشلونة فملكوها لهذا العهد مائتين من الهجرة وولوا عليهم من قبلهم وصار أمرها راجعا إلى ملك رومة من الفرنجة وهو قار له الاكبر وكان من الجبابرة ثم ركبهم من الخلاف والمنافسة في أوقات ضعفهم واختلاف ملوكهم كالذى ركبه المسلمون من ضعفت يده من الملوك فاقتطع الامراء نواحيهم بكل جهة فكان ملوك برشلونة هؤلاء ممن اقتطع عمله وكان ملوك بنى أمية لاول دولتهم يتراضون بمهادنة هؤلاء الملوك أهل برشلونة حذرا من مدد صاحب رومة ثم صاحب القسطنطينية من ورائه فلما كانت دولة المنصور بن أبى عامر بين اقطاع برشلونة عن ملك الفرنج شمر المنصور لغزوهم(4/184)
واستباح بلادهم وأثخن في أعمالهم وافتتح برشلونة وخربها وأنزل بهم النقمات وملكهم لعهده برويل بن سير وكانت حالة الظهور عليه كحاله مع سائر الملوك النصارى ولما هلك برويل ترك من الولد فلبة وريند وأومنقود ثم انتقض أو منقود على عبد الملك ابن المنصور فغزاه وأخذه في بعض ثغوره صلحا ثم كانت الفتنة البربرية وحضرها أو منقود فهلك في الوقعة مع البربر سنة أربعمائة وانفرد بيمند بملك برشلونة إلى ان هلك بعد عشر وأربعمائة وملك ابنه يلتنفير وكفلته امه وحاربت يحيى بن منذر من ملوك الطوائف وهى التى تغلبت على ثغر طرشوشة واتصل الملك في عقب بيمند وكان الملك منهم لاخر دولة الموحدين جامعة بن بطرة بن ادفونش بن ريند وهو الذى ارتجع بلنسية وملكهم بهذا العهد اسمه بطرة ولم يبلغني كيف اتصال نسبه بقومه وملك بعد العشرين من هذه المائة وهو حى لهذا العهد وابنه غالب عليه لكبر سنه والله وارث الارض ومن عليها وهو خير الوارثين [ أخبار القائمين بالدولة العباسية من العرب المستبدين بالنواحي ونبدأ منهم ببنى الاغلب ولاة افريقية وأولية أمرهم ومصاير أحوالهم ]
قد ذكرنا في خلافة عثمان بن عفان رضى الله عنه شأن فتح افريقية على يد عبد الله ابن أبى سرح وكيف زحف إليها في عشرين ألفا من الصحابة وكبار العرب ففض جموع النصرانية الذين كانوا بها من الفرنجة والروم والبربر وهدم سبيطلة قاعدة ملكهم وخربها واستبيحت أموالهم وسبيت نساؤهم وبناتهم وافترق أمرهم وساخت خيول العرب في جهات افريقية وأثخنوا بها في أهل الكفر قتلا وأسرا حتى لقد طلب أهل افريقية من ابن أبى سرح ان يرحل عنهم بالعرب إلى بلادهم ويعطوه ثلثمائة قنطار من الذهب ففعل وقفل إلى مصر سنة سبع وعشرين * (معاوية بن خديج) * ثم أغزى معاوية بن أبى سفيان معاوية بن خديج السكوني افريقية سنة أربع وثلاثين وكان عاملا على مصر فغزاها ونازل جلولاء وقاتل مدد الروم الذى جاءها من قسطنطينية لقيهم بقصر الاحمر فغلبهم وأقلعوا إلى بلادهم وافتتح جلولاء وغنم أثخن وقفل * (عقبة بن نافع) * ثم ولى معاوية سنة خمس وأربعين عقبة بن نافع بن عبد الله بن قيس الفهرى على(4/185)
افريقية واقتطعها عن معاوية بن خديج فبنى القيروان وقاتل البربر وتوغل في أرضهم * (أبو المهاجر) * ثم استعمل معاوية على مصر وافريقية مسلمة بن مخلد فعزل عقبة عن افريقية وولى مولاه أبا المهاجر دينارا سنة خمس وخمسين فغزا المغرب وبلغ إلى تلمسان وخرب قيروان عقبة واساء عزله وأسلم على يديه كسيلة الا وربى بعد حرب ظفر به فيها * (عقبة بن نافع ثانيا) *
ولما استقل يزيد بن معاوية بالخلافة رجع عقبة بن نافع إلى افريقية سنة ثنتين وستين فدخل افريقية وقد نشات الردة في البرابرة فزحف إليهم وجعل مقدمته زهير بن قيس البلوى وفر منه الروم والفرنجة فقاتلهم وفتح حصونهم مثل لميس وباغاية وفتح أذنة قاعدة الزاب بعد أن قاتله ملوكها من البربر فهزمهم وأصاب من غنائمهم وحبس أبا المهاجر فلم يزل في اعتقاله ثم رحل إلى طنجة فأطاعه بلبان ملك غمارة وصاحب طنجة وهاداه وأتحفه ودله على بلاد البربر وراء بالمغرب مثل وليلى عند زرهون وبلاد المصامدة وبلاد السوس وكانوا على دين المجوسية ولم يدينوا بالنصرانية فسار عقبة وفتح وغنم وسبى وأثخن فيهم وانتهى إلى السوس وقاتل مسوفة من أهل اللثام وراء السوس ووقف على البحر المحيط وقفل راجعا وأذن لجيوشه في اللحاق بالقيروان وكان كسيلة ملك أروبة والبرانس من البربر قد اضطغن عليه بما كان يعامله به من الاحتصار يقال انه كان يحاصره في كل يوم ويأمره بسلخ الغنم إذا ذبحت لمطبخة فانتهز فيه الفرصة وأرسل البربر فاعترضوا له في تهودا وقتلوه في ثلثمائة من كبار الصحابة والتابعين واستشهدوا كلهم وأسر في تلك الوقعة محمد بن أوس الانصاري في نفر فخلصهم صاحب قفصة وبعث بهم إلى القيروان مع من كان بها من المخلفين والذراري ورجع زهير ابن قيس إلى القيروان واعتزم على القتال وخالفه حنش بن عبد الله الصنعانى وارتحل إلى مصر واتبعه الناس فاضطر زهير إلى الخروج معهم وانتهى إلى برقة فأقام بها مرابطا واستأمن من كان بالقيروان إلى كسيلة فأمنهم ودخل القيروان وأقاموا في عهده * (زهير بن قيس البلوى) * ولما ولى عبد الملك بن مروان بعث إلى زهير بن قيس بمكانه من برقة بالمدد وولاه حرب(4/186)
البرابرة فزحف سنة سبع وستين ودخل افريقية ولقيه كسيلة على ميس من نواحى
القيروان فهزمه زهير بعد حروب صعبة وقتله واستلحم في الوقعة كثير من أشراف البربر ورجالاتهم ثم قفل زهير إلى المشرق زاهدا في الملك وقال انما جئت للجهاد وأخاف ان نفسي تميل إلى الدنيا وسار إلى مصر واعترضه بسواحل برقة اسطول صاحب قسطنطينية جاؤا لقتاله فقاتلهم واستشهد رحمه الله تعالى * (حسان بن النعمان الغساني) * ثم ان عبد الملك بن مروان بعد أن قتل عبد الله بن الزبير وصفا له الامر أمر حسان بن النعمان الغساني بغزو افريقية وأمده بالعساكر ودخل القيروان وافتتح قرطاجنة عنوة وخربها وفر من كان بها من الروم والفرنجة إلى صقلية والاندلس ثم اجتمعوا في صطفورة وبنزرت وهزمهم ثانية وانحاز الفل إلى باجة وبونة فتحصنوا بها ثم سار حسان إلى الكاهنة ملكة جرارة بجبل أوراس وهى يومئذ أعظم ملوك البربر فحاربها وانهزم المسلمون وأسر منهم جماعة وأطلقتهم الكاهنة سوى خالد بن يزيد القيسي فانها أمسكته وأرضعته مع ولديها وصيرته أخا لهما وأخرجت العرب من افريقية وانتهى حسان إلى برقة وجاءه كتاب عبد الملك بالمقام حتى يأتيه المدد ثم بعث إليه المدد سنة أربع وسبعين فسار إلى افريقية ودس إلى خالد بن يزيد يستعمله فأطلعه على خبرهم واستحثه فلقى الكاهنة وقتلها وملك جبل اوراس وما إليه ودوخ نواحيه وانصرف إلى القيروان وأمن البربر وكتب الخراج عليهم وعلى من معهم من الروم والفرنج على أن يكون معه اثنا عشر ألفا من البربر لا يفارقونه في مواطن جهاده ورجع إلى عبد الملك واستخلف على افريقية رجلا اسمه صالح من جنده * (موسى بن نصير) * ولما ولى الوليد بن عبد الملك كتب إلى عمه عبد الله وهو على مصر ويقال عبد العزيز أن يبعث بموسى بن نصير إلى افريقية وكان أبوه نصير من حرس معاوية فبعثه عبد الله وقدم القيروان وبها صالح خليفة حسان فعقد له ورأى البربر قد طمعوا في البلاد
فوجه البعوث في النواحى وبعث ابنه عبد الله في البحر إلى جزيرة ميورقة فغنم منها وسبى وعاد ثم بعثه إلى ناحية أخرى وابنه مروان كذلك وتوجه هو إلى ناحية فغنم منها وسبى وعاد وبلغ الخمس من المغنم سبعين ألف رأس من السبى ثم غزا طنجة وافتتح درعة وصحراء تافيلالت وارسل ابنه إلى السوس وأذعن البربر لسلطانه ودولته(4/187)
وأخذ رهائن المصامدة وأنزلهم بطنجة وذلك سنة ثمان وثمانين وولى عليها طارق بن زياد الليثى ثم أجاز طارق إلى الاندلس دعاه إليها بلبان ملك غمارة فكان فتح الاندلس سنة تسعين وأجاز موسى بن نصير على أثره فكمل فتحها كما ذكرناه ثم قفل موسى إلى الشرق واستخلف على افريقية ابنه عبد الله وعلى الاندلس عبد العزيز وهلك الوليد وولى سليمان سنة ست وتسعين فسخط موسى وحبسه * (محمد بن يزيد) * ولما ولى سليمان وحبس موى بن نصير عن ابنه عبد الله عن افريقية ولى مكانه محمد ابن يزيد مولى قريش فلم يزل عليها حتى مات سليمان * (اسمعيل بن أبى المهاجر) * ولما مات سليمان استعمل عمر بن عبد العزيز على افريقية اسمعيل بن عبد الله بن أبى المهاجر وكان حسن السيرة وأسلم جميع البربر في أيامه * (يزيد بن أبى مسلم) * ولما تولى يزيد بن عبد الملك ولى على افريقية يزيد بن أبى مسلم مولى الحجاج وكاتبه فقدم سنة احدى ومائة واساء السيرة في البربر ووضع الجزية على من أسلم من أهل الذمة منهم تأسيا بما فعله الحجاج بالعراق فقتله البربر لشهر من ولايته ورجعوا إلى محمد ابن يزيد مولى من الانصار الذين كان عليهم قبل اسمعيل وكتبوا إلى يزيد بالطاعة والعذر عن قتل ابن أبى مسلم فأجابهم بالرضا وأقر محمد بن أبى يزيد على عمله
* (بشر بن صفوان الكلبى) * ثم ولى يزيد على افريقية بشر بن صفوان الكبى فقدمها سنة ثلاث ومائة فمهدها وسكن أرجاءها وغزا بنفسه صقلية سنة تسع وهلك مرجعه عنها * (عبيدة بن عبد الرحمن) * ثم عزل هشام بن عبد الملك بشر بن صفوان عن افريقية وولى مكانه عبيدة بن عبد الرحمن السلمى وهو ابن أخى أبى الاعور فقدمها سنة عشر * (عبيد الله بن الحبحاب) * ثم عزل هشام عبيدة بن عبد الرحمن وولى مكانه عبيد الله بن الحبحاب مولى بنى سلول وكان واليا على مصر فأمره أن يمضى إلى افريقية واستخلف على مصر ابنه أبا القاسم وسار إلى(4/188)
افريقية فقدمها سنة أربع عشرة وبنى جامع تونس واتخذ لها دار الصناعة لانشاء المراكب البحرية وبعث إلى طنجة ابنه اسمعيل وجعل معه عمر بن عبيد الله المرادى وبعث على الاندلس عقبة بن حجاج القيسي وبعث حبيب بن عبيدة بن عقبة بن نافع غازيا إلى المغرب فبلغ السوس الاقصى وأرض السودان وأصاب من مغانم الذهب والفضة والسبي كثيرا ودوخ بلاد المغرب وقبائل البربر ورجع ثم أغزاه ثانية في البحر إلى صقلية سنة ثنتين وعشرين ومعه عبد الرحمن بن حبيب فنازل سرقوسة أعظم مدائن صقلية وضرب عليهم الجزية وأثخن في سائر الجزيرة وكان محمد بن عبيد الله بطنجة قد اساء السيرة في البربر وأراد أن يخمس من أسلم منهم وزعم أنه الفئ فاجمعوا الانتقاض وبلغهم مسير العساكر مع حبيب بن أبى عبيدة إلى صقلية فسار ميسرة المظفرى بدعوة الصفرية من الخوارج وزحف إلى طنجة فقتل عمر بن عبيد الله وملكها واتبعه البربر وبايعوه بالخلافة وخاطبوه بأمير المؤمنين وفشت مقالته في سائر القبائل بافريقية وبعث ابن الحبحاب إليه خالد بن حبيب الفهرى فيمن بقى معه من العساكر واستقدم حبيب
ابن أبى عبيدة من صقلية ومن معه من العساكر وبعثه في اثر خالد ولقيهم ميسرة والبربر بناحية طنجة فاقتتلا قتالا شديدا ثم تحاجزوا ورجع ميسرة إلى طنجة فكره البربر سوء سيرته فقتلوه وولوا عليهم مكانه خالد بن حبيب الزناتى واجتمع إليه البربر ولقيه خالد ابن حبيب في العرب وعساكر هشام فانهزموا وقتل خالد بن حبيب وجماعة من العرب وسميت بهم غزوة الاشراف وانتقضت افريقية على ابن الحبحاب وبلغ الخبر إلى الاندلس فعزلوا عامله عقبة بن الحجاج وولوا عبد الملك بن قطن كما مر * (كلثوم بن عياض) * ولما انتهى الخبر إلى هشام بن عبد الملك بهزيمة العساكر بالمغرب استنقص ابن الحبحاب وكتب إليه يستقدمه وولى على افريقية سنة ثلاث وعشرين كلثوم بن عياض وعلى مقدمته بلخ بن بشر القشيرى فا ساء إلى أهل القيروان فشكوا إلى حبيب بن أبى عبيدة وهو بتلمسان موافق للبربر فكتب إلى كلثوم بن عياض ينهاه ويتهدده فا عتذر واغضى له عنها ثم سار واستخلف على القيروان عبد الرحمن بن عقبة ومر على طريق سبيبة وانتهى إلى تلمسان ولقى حبيب بن عبيدة واقتتلا ثم اتفقا ورجعا جميعا وزحف البرابرة إليهم على وادى طنجة وهو وادى سوا فانهزم بلخ في الطلائع وانتهوا إلى كلثوم فانكشف واشتد القتال وقتل كلثوم وحبيب بن أبى عبيدة وكثير من الجند وتحيز أهل الشأم إلى سبتة مع بلخ بن بشر فحاصرهم البرابرة وأرسلوا إلى عبد الملك بن قطن أمير الاندلس في ان يجيزوا إليه فأجابهم إلى ذلك بشرط ان يقيموا سنة واحدة وأخذ رهنهم على ذلك وانقضت(4/189)
السنة وطالبهم بالشرط فقتلوه وملك بلخ الاندلس وكان عبد الرحمن بن حبيب بن عبيدة ابن عقبة بن نافع لما قتل أبوه حبيب مع كلثوم بن عياض وأجاز بلخ إلى الاندلس فملكها فأجاز عبد الرحمن إلى الاندلس يحاول ملكها فلما جاء أبو الخطار إلى الاندلس من قبل حنظلة ايس عبد الرحمن من أمرها ورجع إلى تونس سنة ست وعشرين وقد توفى
هشام وولى الوليد بن يزيد فدعا لنفسه وسار إلى القيروان ومنع حنظلة من قتاله وبعث إليه وجوه الجند فانتهز عبد الرحمن الفرصة فيهم وأوثقهم لئلا يقاتلة أصحابهم وأغذ السير إلى القيروان فرحل حنظلة من افريقية وقفل إلى المشرق سنة سبع وعشرين واستقل عبد الرحمن بملك افريقية وولى مروان بن محمد فكتب له بولايتها ثم ثارت عليه الخوارج في كل جهة فكان عمر بن عطاب الازدي بطبنياش وعروة بن الوليد الصفرى بتونس وثابت الصنهاجى بباجة وعبد الجبار بن الحرث بطرابطس على رأى الاباضية فزحف عبد الرحمن اليهما سنة احدى وثلاثين فظفر بهما وقتلهما وسرح أخاه الياس لابن عطاب فهزمه وقتله ثم زحف الى عروة بتونس فقتله وانقطع أمر الخوارج وزحف سنة خمس وثلاثين إلى جموع من البربر بنواحي تلمسان فظفر بهم وقفل ثم بعث جيشا في البحر إلى صقلية وآخر إلى سردانية فاثخنوا في امم الفرنج حتى استقروا بالجزاء ثم دالت دولة بنى العباس وبعث عبد الرحمن بطاعته إلى السفاح ثم إلى أبى جعفر بن بعده ولحق كثير من بنى أمية إلى افريقية وكان ممن قدم عليه القاضى وعبد المؤمن ابنا الوليد بن يزيد ومعهما ابنة عم لهما فزوجها عبد الرحمن من أخيه الياس ثم بلغ عبد الرحمن عنهما السعي في الخلافة فقتلهما وامتعضت لذلك ابنة عمهما فاغرت زوجها بأخيه عبد الرحمن واستفسدته وكان عبد الرحمن قد أرسل إلى أبى جعفر بهدية قليلة وذهب يعتذر عنها فلم يحسن العذر وأفحش في الخطاب فكتب إليه المنصور يتهدده وبعث إليه بالخلعة فانتقض هو ومزق خلعته على المنبر فوجد أخوه الياس بذلك السبيل إلى ما كان يحاول عليه وداخل وجوها من الجند في الفتك بعبد الرحمن واعادة الدعوة للمنصور ومالاه في ذلك أخوه عبد الوارث وفطن عبد الرحمن لهما فأمر الياس بالمسير إلى تونس وجاء ليودعه ومعه أخوه عبد الوارث فقتلاه في آخر سبع وثلاثين لعشر سنين من امارته * (حبيب بن عبد الرحمن) *
ولما قتل عبد الرحمن نجا ابنه حبيب إلى تونس فلحق به بعد ان طلبوه وضبطوا أبواب القصر ليأخذوه فلم يظفروا به وكان عمه عمران بن حبيب بتونس فلحق به واتبعه الياس فاقتتلوا مليا ثم اصطلحوا على أن يكون لحبيب قفصة وقصطيلة ونفزاوة ولعمران(4/190)
تونس وصطفورة وهى تبرزو والجزيرة ولا لياس سائر افريقية وتم هذا الصلح سنة ثمان وثلاثين وسار حبيب إلى عمله ببلاد الجريد وسار الياس مع أخيه عمران إلى تونس فغدر بعمران وقتله وجماعة من الاشراف معه وعاد إلى القيروان وبعث بطاعته إلى أبى جعفر المنصور مع عبد الرحمن بن زياد بن أنعم قاضى افريقية ثم سار حبيب إلى تونس فملكها وجاءه عمه الياس فقاتله وخالفه حبيب إلى القيروان فدخلها وفتق السجون فرجع الياس في طلبه وفارقه أكثر أصحابه إلى حبيب فلما تواقفا دعاه حبيب إلى البراز فتبارزا وقتله حبيب ودخل القيروان وملكها آخر سنة ثمان وثلاثين ونجا عمه الاخر عبد الوارث إلى وربجومة من قبائل البربر وكبيرهم يومئذ عاصم بن جميل وكان كاهنا ويدعى النبوة فأجار عبد الوارث وقاتلهم حبيب فهزموه إلى قابس واستفحل أمرهم وكتب من كان بالقيروان من العرب إلى عاصم بن جميل يدعونه للولاية عليهم واستخلفوه على الحماية والدعاء للمنصور فلم يجب إلى ذلك وقاتلهم فهزمهم واستباح القيروان وخرب المساجد واستهانها ثم سار إلى حبيب بن عبد الرحمن بقابس فقاتله وهزمه ولحق حبيب بجبل أوراس فأجاره أهله وجاء عاصم فقاتلهم فهزموه وقتل جماعة من أصحابه وقام بأمر وربجومة والقيروان من بعده عبد الملك وقتله سنة أربعين ومائة وكانت امارة الياس على افريقية سنة ونصفا وامارة حبيب ثلاث سنين * (عبد الملك بن أبى الجعد الوربجومى) * ولما قتل عبد الملك بن أبى الجعد حبيب بن عبد الرحمن رجع في قبائل وربجومة إلى القيروان وملكها واستولت وربجومة على افريقية وساروا في أهل القيروان بالعسف
والظلم كما كان عاصم واسو أمنه وافترق أهل القيروان بالنواحي فرارا بأنفسهم وشاع خبرهم في الافاق فخرج بنواحي طرابلس عبد الاعلى بن السمح المغافرى الاباضي منكرا لذلك وقصد طرابلس وملكها * (عبد الاعلى بن السمح المغافرى) * ولما ملك عبد الاعلى مدينة طرابلس بعث عبد الملك بن أبى الجعد العساكر لقتاله سنة احدى وأربعين فلقيهم أبو الخطاب وهزمهم وأثخن فيهم واتبعهم إلى القيروان فملكها وأخرج وربجومة منها واستخلف عليها عبد الرحمن بن رستم وسار إلى طرابلس للقاء العساكر القادمة من ناحية أبى جعفر * (محمد بن الاشعث الخزاعى) * كان أبو جعفر المنصور لما وقع بافريقية ما وقع من الفتنة وملك قبائل وربجومة(4/191)
القيروان وفد عليه رجالات من جند افريقية يشكون ما نزل بهم من وربجومة ويستصرخونه فولى على مصر وافريقية محمد بن الاشعث الخزاعى فنزل مصر وبعث على افريقية أبا الاحوص عمرو بن الاحوص العجلى وسار في مقدمته فلقيه أبو الخطاب عبد الاعلى بسرت ودهمه بالعساكر ومعهم الاغلب بن سالم بن عقال ابن خفاجة بن سوادة التميمي فسار لذلك ولقى أبا الخطاب بسرت ثانية فانهزم أبو الخطاب وقتل عامة أصحابه وذلك سنة أربع وأربعين وبلغ الخبر إلى عبد الرحمن ابن رستم بالقيروان ففر عنها إلى تاهرت وبنى هالك مدينة ونزلها وقام ابن الاشعث فافتتح طرابلس واستعمل عليها المخارق غفارا الطائى وقام بأمر افريقية وضبطها وولى على طبنة والزاب الاغلب بن سالم ثم ثارت عليه المضرية وأخرجوه سنة ثمان وأربعين فقفل إلى المشرق الاغطب بن سالم ولما قفل بن الاشعث إلى المشرق ولى على المضرية عيسى بن موسى الخراساني فبعث أبو جعفر المنصور الاغلب بن سالم بن عقال بن خفاجة
التميمي بعده على افريقية وكان من أصحاب أبى مسلم بخراسان وقدم مع ابن الاشعث فولاه على الزاب وطبنة فقدم القيروان وسكن الناس ثم خرج عليه أبو قرة اليفرنى في جموع البربر فهرب وسكن فابى عليه الجند وخلعوه وكان الحسن بن حرب الكندى بقابس فكاتب الجند وثبطهم عن الاغلب فلحقوا به وأقبل بهم إلى القيروان فملكها ولحق الاغلب بقابس ثم رجع إلى اقبال الحسن بن حرب سنة خمسين فهزمه وسار إلى القيروان فكر عليه الحسن دونها واقتتلوا واصاب الاغلب سهم فقتله وقدم أصحابه عليهم المغافر بن غفار الطائى الذى كان على طرابلس وحملوا على الحسن فانهزم أمامهم إلى تونس ثم لحق بكتامة وخيل المخارق في اتباعه ثم رجع إلى تونس بعد شهرين فقتله الجند وقيل أصحاب الاغلب قتلوه في الموقف الذى قتل فيه الاغلب وقام بأمر افريقية المخارق بن غفار إلى ان كان ما نذكره * (عمر بن حفص هزارمرد) * ولما بلغ أبا جعفر المنصور قتل الاغلب بن سالم بعث على افريقية مكانه عمر بن حفص هزارمرد من ولد قبيصة بن أبى صفرة أخى المهلب فقدمها سنة احدى وخمسين فاستقامت أموره ثلاث سنين ثم سار لبناء السور على مدينة طبنة واستخلف على القيروان أبا حازم حبيب بن حبيب المهلبى فلما توجه لذلك ثار البربر بافريقية وغلبوا على من كان بها وزحفوا إلى القيروان وقاتلوا أبا حازم فقتلوه واجتمع البربر الاباضية بطرابلس وولوا عليهم أبا حاتم يعقوب(4/192)
ابن حبيب الاباضي مولى كندة وكان على طرابلس الجنيد بن بشار الاسدي من قبل عمر بن حفص فأمده بالعساكر وقاتلوا أبا حازم فهزمهم وحصرهم بقابس وانقضت افريقية من كل ناحية ثم ساروا في عسكر إلى طبنة وحاصروا بها عمر بن حفص فيهم أبو قرة اليعقوبي في أربعين ألفا من الصفرية وعبد الرحمن بن رستم في خمسة
عشر ألفا من الاباضية جاؤا معه والمسور الزناتى في عشرة آلاف من الاباضية وأمم من الخوارج من صنهاجة وزناتة وهوارة ما لا يحصى فدافعهم عمر بن حفص با لاموال وفرق كلمتهم وبذل لاصحاب أبى قرة مالا فانصرفوا واضطر أبو قرة لاتباعهم فبعث عمر جيشا إلى ابن رستم وهو بتهودا فانهزم إلى تاهرت وضعف الا باضية عن حصار طبنة فافرجوا عنها وسار أبو حاتم إلى القيروان وحاصرها ثمانية أشهر واشتد حصارها وسار عمر بن حفص وجهز العساكر لطبنة فخالفه أبو قرة إلى طبنة فهزموه وبلغ أبا حاتم وأصحابه وهو على القيروان مسير عمر بن حفص إليهم فساروا للقائه فمال هو من الاربس إلى تونس ثم جاء إلى القيروان فدخلها واستعد للحصار واتبعه أبو حاتم والبربر فحاصروه إلى أن جهده الحصار وخرج لقتالهم مستميتا فقتل آخر سنة أربع وخمسين وولى مكانه أخوه لامه حميد بن صخر فوادع أبا حاتم على أن يقيم دعوة العباسية بالقيروان وخرج أكثر الجند إلى طبنة وأحرق أبو حاتم أبواب القيروان وثلم سورها * (يزيد بن حاتم بن قبيصة بن المهلب) * ولما بلغ المنصور انتقاض افريقية على عمر بن حفص وحصاره بطبنة ثم بالقيروان بعث إليه يزيد بن أبى حاتم بن قبيصة بن المهلب بن أبى صفرة في ستين ألف مقاتل وبلغ خبره عمر بن حفص فحمله ذلك على الا ستمائة حتى قتل وسار يزيد بن حاتم فقدم عليها وأبو حاتم يعقوب بن حبيب مستول عليها فسار إلى طرابلس للقائه واستخلف على القيروان عمر بن عثمان الفهرى فانتقض وقتل أصحابه وخرج المخارق بن غفار فرجع اليهما أبو حاتم ففرا من القيروان ولحقا بجيجل من سواحل كتامة فتركهما واستخلف على القيروان عبد العزيز بن السبع المغافرى وسار للقاء يزيد وسار يزيزد إلى طرابلس فلحق أبو حاتم بجبال نفوسة واتبعته عساكر يزيد فهزمهم فسار إليه يزيد بنفسه وقاتله قتالا شديدا فانهزم البربر وقتل أبو حاتم في ثلاثين ألفا من أصحابه وتتبعهم يزيد بالقتل بثأر عمر بن حفص ثم ارتحل إلى القيروان فدخلها منتصف سنة خمس وخمسين وكان عبد الرحمن بن
حبيب بن عبد الرحمن الفهرى مع أبى حاتم فلحق بكتامة وبعث يزيد في طلبه فحاصروهم ثم ظفروا بهم وهرب عبد الرحمن وقتل جميع من كان معه وبعث يزيد المخارق بن غفار على الزاب ونزل طبنة وأثخن في البربر في وقائع كثيرة مع وربجومة وغيرهم إلى أن(4/193)
هلك يزيد سنة سبعين ومائة في خلافة هرون الرشيد وقام بأمره ابنه داود فخرج عليه البربر وأوقع بهم ورجع إلى القيروان إلى ان كان من أمره ما نذكر * (أخوه روح بن حاتم) * ولما بلغ الرشيد وفاة يزيد بن حاتم وكان أخوه روح على فلسطين استقدمه وعزاه في أخيه وولاه على افريقية فقدمها منتصف احدى وسبعين وسار داود ابن أخيه يزيد إلى الرشيد وكان يزيد قد أذل الخوارج ومهد البلاد فكانت ساكنة أيام روح ورغب في موادعة عبد الوهاب بن رستم وكان من الوهبية فوادعه ثم هلك روح في رمضان سنة أربع وسبعين وكان الرشيد قد بعث بعهده سرا إلى نصر بن حبيب من قرابتهم فقام بالامر بعد روح إلى أن ولى الفضل * (ابنه الفضل بن روح) * ولما توفى روح بن حاتم قام حبيب بن نصر مكانه وسار ابنه الفضل إلى الرشيد فولاه على افريقية مكان أبيه فعاد إلى القيروان في محرم سنة سبع وسبعين واستعمل على تونس المغيرة ابن أخيه بشر بن روح وكان غلاما ماغرا فاستخف بالجند واستوحشوا من الفضل لما أساء فيهم السيرة واخذهم بموالاة حبيب بن نصر فاستعفي أهل تونس من المغيرة فلم يستفعهم فانتقضوا وقدموا عليهم عبد الله بن الجارود ويعرف بعبد ربه الانباري وبايعوه على الطاعة وأخرجوا المغيرة وكتبوا إلى الفضل أن يولى عليهم من أراد فولى عليهم ابن عمه عبد الله بن يزيد بن أبى حاتم وسار إلى تونس ولما قار بها بعث ابن الجارود جماعة لتلقيه واستفهامه في أي شئ جاء فعدوا عليه وقتلوه افتياتا بذلك على ابن
الجارود واضطر إلى اظهار الخلاف وتولى كبر ذلك محمد بن الفارسى من قواد الخراسانية وكتب إلى القواد والعمال في النواحى واستفسدهم على الفضل وكثر جموع ابن الجارود وخرج الفضل فانهزم واتبعه ابن الجارود واقتحم عليه القيروان ووكل به وبأهله من يوصلهم إلى قابس ثم رده من طريقه وقتله منتصف ثمان وسبعين ورجع ابن الجارود إلى تونس وامتعض لقتل الفضل جماعة من الجند مقدمهم ملك بن المنذر ووثبوا بالقيروان فملكوها وسار إليهم ابن الجارود من تونس فقتلهم وقتل مالك ابن المنذر وجماعة من أعيانهم ولحق فلهم بالاندلس فقدموا عليهم الصلت بن سعيد وعادوا إلى القيروان واضطربت افريقية * (خزيمة بن أعين) * ولما بلغ الرشيد مقتل الفضل بن روح وما وقع بافريقية من الاضطراب ولى مكانه(4/194)
خزيمة بن أعين وبعث إلى ابن الجارود يحيى بن موسى نحله عند أهل خراسان ويقال يقطين يرغبه في الطاعة فأجابه بشرط الفراغ من العلاء بن سعيد وعلم يقطين أنه يغالطه فداخل صاحبه محمد بن الفارسى واستماله فنزع عن ابن الجارود وخرج ابن الجارود من القيروان فرارا من العلاء في محرم سنة تسع وسبعين لسبعة أشهر من ولايته وسار للقاء ابن الفارسى من القيروان وتزاحفا للقتال فدعا ابن الجارود ابن الفارسى إلى خلوة وقد دس رجلا من أصحابه يغتاله في خلوتهما فقتله وانهزم أصحابه وسابق العلاء ابن سعيد ويقطين إلى القيروان فسبق إليها العلاء وملكها وفتك في أصحاب ابن الجارود ولحق ابن الجارود بهرثمة فبعث به إلى الرشيد وكتب إليه أن العلاء بن سعيد هو الذى أخرجه من القيروان فأمره بان يبعث بالعلاء فبعث به مع يقطين فاعتقل ابن الجارود وأحسن إلى العلاء إلى أن توفى بمصر وسار هرثمة إلى القيروان فقدمها سنة سبع وسبعين فأمن الناس وسكنهم وبنى القصر الكبير بالمنستير لسنة من قدومه وبنى
السور على طرابلس مما يلى البحر وكان ابراهيم بن الاغلب عاملا على الزاب وطبنة فهاداه ولاطفه فعقد له على عمله فقام بأمره وحسن أثره ثم خرج عليه عياض بن وهب الهوارى وكليب بن جميع الكلبى وجمعا الجموع فسرح هرثمة اليهما يحيى بن موسى بن قواد الخراسانية ففرق جموعهما وقتل كثيرا من أصحابهما ورجع إلى القيروان ولما رأى هرثمة كثرة الثوار والخلاف بافريقية استعفى الرشيد من ولايتها فأعفاه ورجع إلى العراق لسنتين ونصف من ولايته * (محمد بن مقاتل الكعبي) * ثم بعث الرشيد على افريقية محمد بن مقاتل الكعبي وكان صنيعه فقدم القيروان في رمضان سنة احدى وثمانين فكان مسئ السيرة فاختلف عليه الجند وقدموا مخلد ابن مرة الازدي فبعث إليه العساكر فهزم وقتل ثم خرج عليه بتونس تمام بن تميم التميمي سنة ثلاث وثمانين واجتمع إليه الناس وسار إلى القيروان فخرج إليه محمد بن مقاتل ولقيه فانهزم أمامه ورجع إلى القيروان وتمام في اتباعه إلى أن دخل عليه القيروان وأمنه تمام على أن يخرج عن افريقية فسار محمد إلى طرابلس وبلغ الخبر إلى ابراهيم بن الاغلب بمكانه من الزاب فانتقض لمحمد وسار بجموعه إلى القيروان وهرب تمام بين يديه إلى تونس وملك القيروان واستقدم محمد بن مقاتل من طرابلس وأعاده إلى امارته بالقيروان آخر ثلاث وثمانين وزحف تمام لقتالهم فخرج إليه ابراهيم بن الاغلب بأصحابه فهزمه وسار في اتباعه إلى تونس واستأمن له تمام فأمنه وجاء به إلى القيروان وبعث به إلى بغداد فاعتقله الرشيد(4/195)
* (ابراهيم بن الاغلب) * ولما استوثق الامر لمحمد بن مقاتل كره أهل البلاد ولايته وداخلوا ابراهيم بن الاغلب في أن يطلب من الرشيد الولاية عليهم فكتب ابراهيم إلى الرشيد في ذلك على أن يترك
المائة ألف دينار التى كانت من مصر إلى افريقية وعلى أن يحمل هو من افريقية أربعين ألفا وبلغ الرشيد غناؤه في ذلك واستشار فيه أصحابه فأشار هرثمة بولايته فكتب له بالعهد إلى افريقية منتصف أربع وثمانين فقام ابراهيم بالولاية وضبط الامور وقفل ابن مقاتل إلى المشرق وسكنت البلاد بولاية ابن الاغلب وابتنى مدينة العباسية قرب القيروان وانتقل إليها بجملته وخرج عليه سنة ست وثمانين بتونس حمديس من رجالات العرب ونزع السواد فسرح إليه ابن الاغلب عمران بن مجالد في العساكر فقاتله وانهزم حمديس وقتل من أصحابه نحو عشرة آلاف ثم صرف همه إلى تمهيد المغرب الاقصى وقد ظهر فيه دعوة العلوية بادريس بن عبد الله وتوفى ونصب البرابرة ابنه الاصغر وقام مولاه راشد بكفالته وكبر ادريس واستفحل أمره براشد فلم يزل ابراهيم يدس إلى البربر ويسرب فيهم الاموال حتى قتل راشد وسيق رأسه إليه ثم قام بأمر ادريس بعده بهلول بن عبد الرحمن المظفر من رؤس البربر فاستفحل أمره فلم يزل ابراهيم يتلطفه ويستميله بالكتب والهدايا إلى أن انحرف عن دعوة الادارسة إلى دعوة العباسية فصالحه ادريس وكتب إليه يستعطفه بقرابته من رسول الله صلى الله عليه وسلم فكف عنه ثم خاف أهل طرابلس على ابراهيم بن الاغلب سنة تسع وثمانين وثاروا بعاملهم سفيان بن المهاجر وأخرجوه من داره إلى المسجد وقتلوا عامه أصحابه ثم أمنوه على أن يخرج من طرابلس فخرج سفيان لشهر من ولايته واستعملوا عليهم ابراهيم بن سفيان التميمي فبعث إليهم ابراهيم بن الاغلب العساكر وهزمهم ودخل طرابلس عسكره ثم استحضر ابراهيم الذين تولوا كبر ذلك فحضروا في ذى الحجة آخر السنة وعفا عنهم وأعادهم إلى بلدهم ثم انتقض عمران بن مجالد الربعي سنة خمس وتسعين على ابن الاغلب وكان بتونس واجتمع معه على ذلك قريش بن التونسى وكثرت جموعهما وسار عمران إلى القيروان فملكها وقدم عليه قريش من تونس وخندق ابراهيم على نفسه بالعباسية فحاصروه سنة كاملة كانت بينه وبينهم
حروب كان الظفر في آخرها لابن الاغلب وكان عمران يبعث إلى أسد بن الفرات القاضى في الخروج إليهم وامتنع ثم بعث الرشيد إلى ابراهيم بالمال فنادى في الناس بالعطاء ولحق به أصحاب عمران وانتقض أمره ولحق بالزاب فأقام به إلى أن توفى ابن الاغلب ثم بعث ابراهيم على طرابلس ابنه عبد الله سنة ست وتسعين فثار عليه الجند(4/196)
وحاصروه بداره ثم أمنوه على أن يخرج عنهم فخرج واجتمع إليه الناس وبذل العطاء وأتاه البربر من كل ناحية وزحف إلى طرابلس فهزم جندها ودخل المدينة ثم عزله أبوه وولى سفيان بن المضاء فثارت هوارة بطرابلس وهجموا الجند فلحقوا بابراهيم بن الاغلب وأعاد معهم ابنه عبد الله في ثلاثة عشر ألفا من العساكر ففتك بهوارة وأثخن فيهم وجدد سور طرابلس وبلغ الخبر إلى عبد الوهاب بن عبد الرحمن بن رستم فجمع البربر وجاء إلى طرابلس فحاصرها وسد عبد الوهاب باب زناتة وكان يقاتل من باب هوارة ثم جاء الخبر بوفاة أبيه فصالحهم على أن يكون البلد والبحر لعبد الله وأعمالها لعبد الوهاب وسار إلى القيروان وكانت وفاة ابراهيم في شوال سنة ست وتسعين * (ابنه أبو العباس عبد الله) * ولما توفى ابراهيم بن الاغلب عهد لابنه عبد الله وكان غائبا بطرابلس والبربر يحاصرونه كما ذكرناه وأوصى ابنه الاخر زيادة الله أن يبايع له بالامارة ففعل وأخذ له البيعة على الناس بالقيروان وكتب إليه بذلك فقدم أبو العباس عبد الله في صفر سنة سبع وتسعين ولم يرع حق أخيه فيما فعله وكان ينقصه ولم يكن في أيامه فتنة بما مهد له أبوه الامر وكان جائرا حتى قيل ان مهلكه كان بدعوة حفص بن حميد من الاولياء الصالحين من أهل حمود ومهريك وفد عليه في جماعة من الصالحين يشكو ظلامة فلم يصغ إليهم فخرج حفص يدعو عليه وهم يؤمنون فأصابته قرحة في أذنه عن قريب هلك منها في ذى الحجة سنة احدى ومائتين لخمس سنين من ولايته
* (أخوه زيادة الله) * ولما توفى أبو العباس ولى مكانه أخوه زيادة الله وجاءه التقليد من قبل المأمون وكتب إليه يأمره بالدعاء لعبد الله بن طاهر على منابره فغضب من ذلك وبعث مع الرسول بدنانير من سكة الادارسة يعرض له بتحويل الدعوة ثم استأذنه قرابته في الحج وهم أخوه الاغلب وابناء أخيه أبى العباس محمد وأبو محمد بهر وابراهيم أبو الاغلب فأذن لهم وانطلقوا لقضاء فرضهم فقضوه وأقاموا بمصر حتى وقعت بين زيادة الله وبين الجند الحروب فاستقدمهم واستوزر أخاه الاغلب وهاجت الفتن واستولى كل رئيس بناحية فملكوها عليه كلها وزحفوا إلى القيروان فحصروه وكان فاتحة الخلاف زياد بن سهل بن الصقلية خرج سنة سبع ومائتين وجمع وحاصر مدينة باجة فسرح إليه العساكر فهزموه وقتلوا أصحابه ثم انتقض منصور الترمذي بطبنة وسار إلى تونس فملكها وكان العامل عليها اسمعيل بن سفيان وسفيان أخو الاغلب فقتله لتستخلص له(4/197)
طاعة الجند وسرح زيادة الله العساكر من القيروان مع غلبون ابن عمه ووزيره اسمه الاغلب بن عبد الله بن الاغلب وتهددهم بالقتل ان انهزموا فهزمهم منصور وخشوا على أنفسهم ففارقوا الوزير غلبون وافترقوا على افريقية واستولوا على باجة والجزيرة وصطفورة والاربس وغيرها واضطريت افريقية ثم اجتمعوا إلى منصور وسار بهم إلى القيروان فملكها وحاصره في العباسية أربعين يوما وعمروا سور القيروان الذى خربه ابراهيم بن الاغلب ثم خرج إليه زيادة الله فقاتله فهزمه ولحق بتونس وخرب زيادة الله سور القيروان ولحق قواد الجند بالبلاد التى تغلبوا عليها فلحق منهم عامر بن نافع الازرق بسبيبة وسرح زيادة الله سنة تسع ومائتين عسكرا مع محمد بن عبد الله بن الاغلب فهزمهم عامر وعادوا ورجع منصور إلى تونس ولم يبق على طاعة زيادة الله من افريقية الا تونس والساحل وطرابلس ونفزاوة وبعث الجند إلى زيادة الله بالامان
وأن يرتحل عن افريقية وبلغه ان عامر بن نافع يريد نفزاوة وان برابرتها دعوه فسرح إليهم مائتي مقاتل المنع عامر بن نافع فرجع عامرا عنها وهزمه إلى قسطيلة ورجع ثم هرب عنها واستولى سفيان على قسطيلة وضبطها وذلك سنة تسع ومائتين واسترجع زيادة الله قسطيلة والزاب وطرابلس واستقام أمره ثم وقعت الفتنة بين منصور الطبندى وبين عامر بن نافع لان منصورا كان يحسده ويضغن عليه فاستمال عامر الجند وحاصره بقصره بطبندة حتى استأمن إليه على أن يركب إلى الشرق وأجابه إلى ذلك وخرج منصور من طبندة منهزما ثم رجع فحاصره عامر حتى استأمن إليه ثانيا على يد عبد السلام بن المفرج من قواد الجند وأخذ له الامان من عامر على أن يركب البحر إلى المشرق فأجابه عامر وبعثه مع ثقاته إلى تونس وأوصى ابنه وكان يغريه أن يقتله إذا مر به فقتله وبعث برأسه ورأس ابنه وأقام عامر بن نافع بمدينة تونس إلى أن توفى سنة أربع عشرة ورجع عبد السلام بن المفرج إلى باجة فأقام بها إلى أن انتقض فضل ابن أبى العين بجزيزة شريك سنة ثمان عشرة ومائتين فسار إليه عبد السلام بن المفرج الربعي وجاءت عساكر زيادة الله فقاتلوهما وقتل عبد السلام وانهزم فضل إلى مدينة تونس وامتنع بها وحاصرته العساكر حتى اقتحموها عليه وقتلوا كثيرا من أهلها وهرب آخرون حتى أمنهم زيادة الله وعادوا وفى سنة تسع عشرة ومائتين فتح أسد ابن الفرات صقلية كانت صقلية من عمالات الروم وأمرها راجع إلى صاحب قسطنطينية وولى عليها سنة احدى عشرة ومائتين بطريقا اسمه قسنطيل واستعمل على الاسطول قائدا من الروم حازما شجاعا فغزا سواحل افريقية وانتهبها ثم بعد مدة كتب ملك الروم إلى قسنطيل يأمره بالقبض على مقدم الاسطول وقتله ونمى الخبر(4/198)
إليه بذلك فانتقض وتعصب له أصحابه وسار إلى مدينة سرقوسة من بلاد صقلية فملكها وقاتله قسنطيل فهزمه القائد ودخل مدينة تطانية فأتبعه جيشا أخذوه وقتلوه
واستولى القائد على صقلية فملكها وخوطب الملك وولى على ناحية من الجزيرة رجلا اسمه بلاطة وكان ميخاييل ابن عم بلاطة على مدينة بليرم فانتقض هو وابن عمه على القائد واستولى بلاطة على مدينة سرقوسة وركب القائد في أساطيلة إلى افريقية مستنجدا بزيادة الله فبعث معهم العساكر واستعمل عليهم أسد بن الفرات قاضى القيروان فخرجوا في ربيع سنة ثنتى عشرة فنزلوا بمدينة مأزرو ساروا إلى بلاطة ولقيهم القائد وجميع الروم الذين بها استمدهم فهزموا بلاطة والروم الذين معه وغنموا أموالهم وهرب بلاطة إلى فلونرة فقتل واستولى المسلمون على عدة حصون من الجزيرة ووصلوا إلى قلعة الكرات وقد اجتمع بها خلق كثير فخادعوا القاضى أسد بن الفرات في المراودة على الصلح وأداء الجزية حتى استعدوا للحصار ثم امتنعا عليه فحاصرهم وبعث السرايا في كل ناحية وكثرت الغنائم وحاصروا سرقوسة برا وبحرا وجاءه المدد من افريقية وحاصروا بليرم وزحف الروم إلى المسلمين وهم يحاصرون سرقوسة قد بعثوهم واشتد حصار المسلمين بسرقوسة ثم أصاب معسكرهم الفناء وهلك كثير منهم ومات أسد بن الفرات أميرهم ودفن بمدينة قصريانة ومعهم القائد الذى جاء يستنجدهم فخادعه أهل قصريانة وقتلوه وجاء المدد من القسطنطينية فتصافوا مع المسلمين وهزموهم ودخل فلهم إلى قصريانة ثم توفى محمد بن الحوارى أمير المسلمين وولى بعده زهير بن عوف ثم محص الله المسلمين فهزمهم الروم مرات وحصروهم في معسكرهم حتى جهدهم الحصار وخرج من كان في كبركيب من المسلمين بعد أن هدموها وساروا إلى مأزر وتعذر عليهم الوصول إلى اخوانهم وأقاموا كذلك إلى سنة أربع عشرة إلى أن أشرفوا على الهلاك فوصلت مراكب افريقية مددا واسطول من الاندلس خرجوا للجهاد واجتمع منهم ثلثمائة مركب فنزلوا الجزيرة وأفرج الروم عن حصار المسلمين وفتح المسلمون مدينة بليرم بالامان سنة سبع عشرة ثم ساروا سنة تسع عشرة إلى مدينة قصريانة وهزموا الروم عليها سنة عشرين ثم بعثوا إلى طرميس ثم بعث
زيادة الله الفضل بن يعقوب في سرية إلى سرقوسة فغنموا ثم سارت سرية أخرى واعترضها بطريق صقلية فامتنعوا منه في وعر وخمل من الشعراء حتى يئس منهم وانصرف على غير طائل فحمل عليهم أهل السرية وانهزموا وسقط البطريق عن فرسه فطعن وجرح وغنم المسلمون ما معهم من سلاح ودواب ومتاع ثم جهز زيادة الله إلى صقلية ابراهيم بن عبد الله بن الاغلب في العساكر وولاه أميرا عليها فخرج منتصف(4/199)
رمضان وبعث اسطولا فلقى اسطولا للروم فغنمه وقتل من كان فيه وبعث اسطولا آخر إلى قصوره فلقى اسطولا فغنمه وسارت سرية إلى جبل النار والحصون التى في نواحيها وكثر السبى بايدى المسلمين وبعث الاغلب سنة احدى وعشرين اسطولا نحو الجزائر فغنموا وعادوا وبعث سرية إلى قطلبانة وأخرى إلى قصريانة كان فيهما التمحيص على المسلمين ثم كانت وقعة أخرى كان فيها الظفر للمسلمين وغنم المسلمون من اسطولهم تسع مراكب ثم عثر بعض المسلمين على عورة من قصريانة فدل المسلمين عليها ودخلوا منها البلد وتحصن المشركون بحصنه حتى استأمنوا وفتحه الله وغنم المسلمون غنائمه وعادوا إلى بليروم إلى ان وصلهم الخبر بوفاة زيادة الله فوهنوا أولا ثم انشطوا وعادوا إلى الصبر والجهاد وكانت وفاة زيادة الله منتصف سنة ثلاث وعشرين ومائتين لاحدى وعشرين سنة ونصف من ولايته * (أخوهما أبو عقال الاغلب بن ابراهيم بن الاغلب) * ولما توفى زيادة الله بن ابراهيم تولى أخوه الاغلب ويكنى أبا عقال فأحسن إلى الجند وازال المظالم وزاد العمال في أرزاقهم وكفهم عن الرعية وخرج عليه بقسطيلة خوارج زواغة ولواتة وبسكاسة وقتلوا عاملها بها وبعث إليهم العساكر فقتلهم واستأصلهم وبعث سنة أربع وعشرين سرية إلى صقلية فغنموا وعادوا ظافرين وفى سنة خمس وعشرين استأمن للمسلمين عدة حصون من صقلية فأمنوهم وفتحوها
صلحا وسار اسطول المسلمين إلى قلورية ففتحوها ولقوا اسطول القسطنطينية فهزموهم وفى سنة ست وعشرين سارت سرايا المسلمين بصقلية إلى قصريانة ثم حصن الفيران وأثخنوا في نواحيها كما نذكر ثم توفى الاغلب بن ابراهيم في ربيع بن سنة ست وعشرين ومائتين لسنتين وسبعة أشهر من امارته * (ابنه أبو العباس محمد بن الاغلب بن ابراهيم) * ولما توفى أبو عقال الاغلب ولى بعده ابنه أبو العباس ودانت له افريقية وشيد مدينة بقرب تاهرت وسماها العباسية وذلك سنة سبع وعشرين وأحرقها أفلح بن عبد الوهاب ابن رستم وكتب إلى صاحب الاندلس يتقرب إليه بذلك فبعث إليه بمائة ألف درهم وفى أيامه ولى سحنون القضاء سنة أربع وثلاثين بعد عزل ابن الجواد وضربه سحنون فمات ومات سحنون سنة أربعين ومائتين وثار عليه أخوه أبو جعفر وغلبه ثم اتفقا على ان يستوزره فاستبد عليه وقتل وزراءه ومكث على ذلك ثم أقام أبو العباس محمد بأمره واستبد سنة ثلاث وأربعين بعد ان استعد لذلك رجالا وحارب أخوها بو جعفر فغلبه محمد(4/200)
وانتقض عليه وأخرجه من افريقية إلى مصر سنة ست وأربعين ومائتين لستة عشر شهرا من ولايته * (ابنه أبو ابراهيم أحمد بن أبى العباس محمد) * لما توفى أبو العباس محمد بن أبى عقال سنة ثنتين وأربعين ولى مكانه ابنه أبو ابراهيم أحمد فأحسن السيرة وأكثر العطء للجند وكان مولعا بالعمارة فبنى بافريقية نحوا من عشرة آلاف حصن بالحجارة والكلس وأبواب الحديد واتخذ العبيد جندا وخرج عليه بناحية طرابلس خوارج من البربر فغلبهم عاملها وهو يومئذ أخوه عبد الله بن محمد بن الاغلب سرح إليهم أخاهما زيادة الله يحاربهم واستلحمهم وكتب إلى أخيه أبى ابراهيم بالفتح وفى أيامه افتتحت قصريانة من مدن صقلية في شوال سنة ربع وأربعين وبعث بفتحها
إلى المتوكل وأهدى له من سبيها ثم توفى ابراهيم هذا سنة تسع وأربعين لثمان سنين من ولايته * (ابنه زيادة الله الاصغر بن أبى ابراهيم بن أحمد) * ولما توفى أبو ابراهيم ولى مكانه ابنه زيادة الله ويعرف بزيادة الله الاصغر فجرى على سنن سلفه ولم تطل أيامه وتوفى سنة خمسين لحول من ولايته * (أخوه أبو الغرانيق بن أبى ابراهيم بن أحمد) * ولما توفى زيادة الله كما قدمناه ولى مكانه أخوه محمد ويلقب بابى الغرانيق فغلب عليه اللهو والشراب وكانت في أيامه حروب وفتن وفتح جزيرة مالطة سنة خمس وخمسين وتغلب الروم على مواضع من جزيرة صقلية وبنى محمد حصونا ومحارس على ساحل البحر بالمغرب على مسيرة خمسة عشر يوما من برقة إلى جهة المغرب وهى الان معروفة ثم توفى أبو الغرانيق منتصف احدى وستين لاحدى عشرة سنة من ولايته * (بقية أخبار صقلية) * وفى سنة ثمان وعشرين سار الفضل بن جعفر الهمداني في البحر ونزل مرسى مسينة وحاصرها فامتنعت عليه وبث السرايا في نواحيها فغنموا ثم بعث طائفة من عسكره وجاؤا إلى البلد من وراء جبل مطل عليه وهم مشغولون بقتاله فانهزموا وأعطوا باليد ففتحها ثم حاصر سنة ثنتين وثلاثين مدينة لسى وكاتب أهلها بطريق صقلية يستمدونه فأجابهم وأعطاهم العلامة بايقاد النار على الجبل وبلغ ذلك الفضل بن جعفر فأوقد النار على الجبل وأكمن لهم من ناحيته فخرجوا واستطرد لهم حتى جاوزوا الكمين فخرجوا عليهم فلم ينج منهم الا القليل وسلموا البلد على الامان وفى سنة ثلاث وثلاثين(4/201)
أجاز المسلمون إلى أرض انكبردة من البر الكبير وملكوا منها مدينة وسكنوها وفى سنة أربع وثلاثين صالح أهل رغوس وسلموا المدينة للمسلمين فهدموها بعد أن حملوا
جميع ما فيها وفى سنة ثلاث وثلاثين توفى أمير صقلية محمد بن عبد الله بن الاغلب واجتمع المسلمون بعده على ولاية العباس بن الفضل بن يعقوب بعد موت أميرهم وكتب له محمد ابن الاغلب بعهده على صقلية وكان من قبل يغزو ويبعث السرايا وتأتيه الغنائم ولما جاءه كتاب الولاية خرج بنفسه وعلى مقدمته عمه رياح فعاث في نواحى صقلية وردد البعوث والسرايا إلى قطانية وسرقوسة وبو طيف ورغوس فغنموا وخربوا وحرقوا وافتتح حصونا جمة وهزم أهل قصريانة وهى مدينة ملك صقلية وكان الملك قبله يسكن سرقوسة فلما فتحها المسلمون كما ذكرناه انتقل الملك إلى قصريانة وخبر فتحها أن العباس كان يردد الغزو إلى نواحى سرقوسة وقصريانة شاتبة وصائفة فيصيب منهم ويرجع بالغنائم والاسارى فلما كان في شاتية منها أصاب منهم أسارى وقدمهم للقتل فقال له بعضهم وكان له قدر وهيبة استبقني وأنا املك قصريانة ودولهم على عورة البلد فجاؤها ليلا ووقفهم على باب صغير فدخلوا منه فلما توسطوا البلد وضعوا السيف وفتحوا الابواب ودخل العباس في العسكر فقتل المقاتلة وسبى بنات البطارقة وأصاب فيها ما يعجز الوصف عنه وذل الروم بصقلية من يومئذ وبعث ملك الروم عسكرا عظيما مع بعض بطارقته وركبوا البحر إلى مرسى سرقوسة فجاءهم العباس من بليرم فقاتلهم وهزمهم وأقلع فلهم إلى بلادهم بعد أن غنم المسلمون من اسطولهم ثلاثة أو أكثر وذلك سنة سبع وثلاثين وافتتح بعدها كثيرا من قلاع صقلية وجاء مدد الروم من القسطنطينية وهو يحاصر قلعة الروم فنزلوا سرقوسة وزحف إليهم العباس من مكانه وهزمهم ورجع إلى قصريانة فحصنها وأنزل بها الحامية ثم سار سنة سبع وأربعين إلى سرقوسة فغنم ورجع واعتل في طريقه فهلك منتصف سنته ودفن في نواحى سرقوسة وأحرق النصارى شلوه وذلك لاحدى عشرة سنة من امارته واتصل الجهاد بصقلية الفتح وأجاز المسلمون إلى عدوة الروم في الشمال وغزوا أرض فلورية وانكبرده وفتحوا فيها حصونا وسكن بها المسلمون ولما توفى العباس اجتمع الناس على ابنه عبد الله وكتبوا
إلى صاحب افريقية وبعث عبد الله السرايا ففتح القلاع وبعد خمسة أشهر من ولايته وصل خفاجة بن سفيان من افريقية على صقلية في منتصف ثمان وأربعين وأخرج ابنه محمودا في سرية إلى سرقوسة فعاث في نواحيها وخرج إليهم الروم فقاتلهم وظفر ورجع ثم فتح مدينة نوطوس سنة خمس وخمسين إلى سرقوسة وجبل النار واستأمن إليه أهل طرميس ثم غدروا فسرح ابنه محمدا في العساكر وسبى أهلها ثم سار خفاجة إلى رغوس(4/202)
وافتتحها وأصابه المرض فعاد إلى بليرم ثم سار سنة ثلاث وخمسين إلى سرقوسة وقطانية فحرب نواحيها وأفسد زرعها وبعث سراياه في أرض صقلية فامتلات أيديهم من الغنائم وفى سنة أربع وخمسين وصل بطريق من القسطنطينية لاهل صقلية فقاتله جمع من المسلمين وهزموه وعاث خفاجة في نواحى سرقوسة ورجع إلى بليرم وبعث سنة خمس وخمسين ابنه محمدا في العساكر إلى طرميس وقد دله بعض العيون على بعض عوراتها فدخلوها وشرعوا في النهب وجاء محمد بن خفاجة من ناحية أخرى فظنوه مددا للعدو فاجفلوا ورآهم محمد مجفلين فرجع ثم سار خفاجة إلى سرقوسة فحاصرها وعاث في نواحيها ورجع فاغتاله بعض عسكره في طريقه وقتله وذلك سنة خمس وخمسين وولى الناس عليهم ابنه محمدا وكتبوا إلى محمد بن أحمد أمير افريقية فأقره على الولاية وبعث إليه بعهده * (ابراهيم بن أحمد أخو أبى الغرانيق) * ولما توفى أبو الغرانيق ولى أخوه ابراهيم وقد كان عهد لابنه أبى عقال واستحلف أخاه ابراهيم أن لا ينازعه ولا يعرض له بل يكون نائبا عنه إلى أن يكبر فلما مات عدا عليه أهل القيروان وحملوه على الولاية عليهم لحسن سيرته وعدله فامتنع ثم أجاب وترك وصية أبى الغرانيق في ولده أبى عقال وانتقل إلى قصر الامارته وقام بالامر أحسن قيام وكان عادلا حازما فقطع البغى والفساد وجلس لسماع شكوى المتظلمين فأمنت البلاد وبنى
الحصون والمحارس بسواحل البحر حتى كانت النار توقد في ساحل سبتة للنذير بالعدو فيصل ايقادها بالاسكندرية في الليلة الواحدة وبنى سورسوسة وفى أيامه كان مسير العباس بن أحمد بن طولون مخالفا على أبيه صاحب مصر سنة خمس وستين فملك برقة من يد محمد بن قهرب قائد ابن الاغلب ثم ملك لبدة ثم حاصر طرابلس واستمد ابن قهرب بقوسة فأمدوه ولقى العباس بن طولون بقصر حاتم سنة سبع وستين فهزمه ورجع إلى مصر ثم خالفت وزداجة ومنعو الرهن وفعلت مثل ذلك هوارة ثم لواتة وقتل ابن قهرب في حروبهم فسرح ابراهيم ابنه أبا العباس عبد الله إليهم في العساكر سنة تسع وستين فأثخن فيهم وفى سنة ثمانين كثر الخوارج وفرق العساكر إليهم فاستقاموا واستركب العبيد السودان واستكثر منهم فبلغوا ثلاثة آلاف وفى سنة احدى وثمانين انتقل إلى سكنى تونس واتخذ بها القصور ثم تحرك إلى مصر سنة ثلاث ثمانين لمحاربة ابن طولول واعترضته نفوسة فهزمهم وأثخن فيهم ثم انتهى إلى سرت نفضت عنه الحشود فرجع وبعث ابنه أبا العباس عبد الله على صقلية سنة سبع وثمانين فوصل إليها في مائة وستين مركبا وحصر طرابة وانتقض عليه بليرم وأهل كبركيت وكانت بينهم فتنة(4/203)
فاغراه كل واحد منهم بالاخرين ثم اجتمعوا لحربه وزحف إليه أهل بليرم في البحر فهزمهم واستباحهم وبعث جماعة من وجوهها إلى أبيه وفر آخرون من أعيانهم إلى القسطنطينية وآخرون إلى طرميس فاتبعهم وعاث في نواحيها ثم حاصر أهل قطانية فامتنعا عليه فأعرض عن قتال المسلمين وتجهز سنة ثمان وثمانين للغزو فغزا دمقش ثم مسينى ثم جاء في البحر إلى ربو ففتحها عنوة وشحن مراكبه بغنائمها ورجع إلى مسينى فهدم سورها وجاء مدد القسطنطينية في المراكب فهزمهم وأخذ لهم ثلاثين مركبا ثم أجاز إلى عدوة الروم وأوقع بأمم الفرنجة من وراء الحبر ورجع إلى صقلية وجاء في هذه السنة رسول المعتضد بعزل الامير ابراهيم لشكوى أهل تونس به فاستقدم ابنه
أبا العباس من صقلية وارتحل هو إليها مظهر الغربة الانتجاع هكذا قال ابن لرقيق وذكر انه كان جائرا ظلوما سفاكا للدماء وانه أصابه آخر عمره ما ليخوليا أسرف بسببها في القتل فقتل من خدمه ونسائه وبنائه ما لا يحصى وقتل ابنه أبا الاغلب لظن ظنه به وافتقد ذات يوم منديلا لشرابه فقتل بسببه ثلثمائة خادم واما ابن الاثير فاثنى عليه بالعقل والعدل وحسن السيرة وذكر أن فتح سرقوسة كان في أيامه على يد جعفر بن محمد أمير صقلية وأنه حاصرها تسعة أشهر وجاءهم المدد من قسطنطينية في البحر فهزمهم ثم فتح البلد واستباحها واتفقوا كلهم على أنه ركب البحر من افريقية إلى صقلية فنزل طرابنة ثم تحول عنها إلى بليرم ونزل على دمشق وحاصرها سبعة عشر يوما ثم فتح مسينى وهدم سورها ثم فتح طرميس آخر شعبان من سنة تسع وثمانين ووصل ملك الروم بالقسطنطينية ففتحها ثم بعث حافده زيادة الله ابن ابنه أبى العباس عبد الله إلى قلعة بيقش فافتتحها وابنه أبو محرز إلى رمطة فأعطوه الجزية ثم عبر إلى عدوة البحر وسار في بر الفرنج ودخل قلورية عنوة فقتل وسبى ورهب منه الفرنجة ثم رجع إلى صقلية ورغب منه النصارى في قبول الجزية فلم يجب إلى ذلك ثم سار إلى كنسة فحاصرها واستأمنوا إليه فلم يقبل ثم هلك وهو محاصر لها آخر تسع وثمانين لثمان وعشرين سنة من امارته فولى أهل العسكر عليهم حافده أبا مضر ليحفظ العساكر والامور إلى أن يصل ابنه أبو العباس وهو يومئذ بافريقية فأمن أهل كنسة قبل أن يعلموا بموت جده وقبل منهم الجزية وأقام قليلا حتى تلاحقت به السرايا من النواحى ثم ارتحل وحمل جده ابراهيم فدفنه في بليرم وقال ابن الاثير حمله إلى القيروان فدفنه بها * (ظهور الشيعي بكتامة) * وفى أيامه ظهر أبو عبد الله الشيعي بكتامة يدعو للرضا من آل محمد ويبطن الدعوة لعبيد الله المهدى من ابناء اسمعيل الامام واتبعه كتامة وهو من الاسباب التى دعته(4/204)
للتوبة والاقلاع والخروج إلى صقلية وبعث إليه موسى بن عياش صاحب صلة بالخبر وبعث ابراهيم رسوله إلى الشيعي بانكجان يهدده ويحذره فلم يقبل وأجابه بما يكره فلما قربت أمور أبى عبد الله وجاء كتاب المعتضد لابراهيم كما قدمناه أظهر التوبة ومضى إلى صقلية وكانت بعده بافريقية حروب أبى عبد الله الشيعي مع قبائل كتامة حتى استولى عليهم واتبعوه وكان ابراهيم قد أسر لابنه أبى العباس في شأن الشيعي ونهاه عن محاربته وأن يلحق به إلى صقلية ان ظهر عليه * (ابنه أبو العباس عبد الله بن ابراهيم أخى محمد أبى الغرانيق) * ولما هلك ابراهيم سنة تسع وثمانين كما قدمناه قدم حافده زيادة الله بالجيوش على أبيه أبى العباس عبد الله فقام بأمر افريقية وعظم غناؤه وكتب إلى العمال كتابا يقرأ على الناس بالوعد الجميل والعدل والرفق والجهاد واعتقل ابنه زيادة الله هذا لما بلغه عنه من اعتكافه على اللذات واللهو وأنه يروم التوثب عليه وولى على صقلية مكانه محمد بن السرقوسى وكان أبو العباس حسن السيرة عادلا بصيرا بالحروب وكانت أيامه صالحة وكان نزوله بتونس ولما توفى استولى أبو عبد الله الشيعي على كتامة ودخلوا في أمره كافة وزحف إلى ميلة فافتتحها وقتل موسى بن عياش وكان فتح بن يحيى أمير مسالة من كتامة حارب أبا عبد الله طويلا ثم غلبه واستولى على قومه فنزع فتح إلى أبى العباس وحرضه على قتال يكزا خول وانما كان يكر على جفنة إذا نظر وزحف إليه من تونس سنة تسع وثمانين ودخل سطيف ثم بلزمه وقتل من دخل في دعوتهم ولقيه أبو عبد الله الشيعي فانهزم وهرب من تاوزرت إلى انكجان وهدم أبو خول قصر الشيعي ثم قاتلهم يوما إلى الليل فانهزم عسكر أبى خول ولحق بتونس ورجع بكتامة إلى مواضعهم ولما دخل أبو خول بأبيه جذدله العسكر وأعاده ثانية وانتظمت إليه القبائل وسار حتى نزل سطيف ثم ارتحل منها إلى لقائهم وزحف إليه أبو عبد الله فهزمه ورجع إلى سطيف ثم ارتحل منها إلى لقائهم وفى أثناء ذلك صانع زيادة الله بعض الخدم
على قتل أبيه أبى العباس فقتل نائما في شعبان سنة تسعين ومائتين واطلق زيادة الله من اعتقاله * (ابنه أبو مضر زيادة الله) * ولما أطلق زيادة الله من الاعتقال اجتمع أهل الدولة وبايعوا له فقتل الخصيان الذين قتلوا أياه وأقبل على اللذات واللهو ومعاشرة المضحكين والصفاعين وأهمل أمور الملك(4/205)
واستقل وكتب إلى أخيه أبى خول على لسان أبيه يستقدمه وقدم فقتله وقتل عمومته واخوته وقوى أمر الشيعي وانتقل زيادة الله إلى رقادة ليلا ان يخالفه الشيعي إليها وفتح الشيعي مدينة سطيف فسرح زيادة الله العساكر لحربه وعقد عليها لابراهيم ابن حبيش من صنائعه فخرج في أربعين ألفا وأقام بقسطيله ستة أشهر فاجتمعت إليه مائة ألف وزحف إلى كتامة وتلقوه باجانة فاخترمت عساكره وولت الهزيمة عليه وانتهى إلى باغاية ثم انتقل إلى القيروان وافتتح أبو عبد الله مدينة طبنة وقتل فتح ابن يحيى المسالتى وكان بها ثم فتح بلزمة وهدم سورها ثم وصل عروبة بن يوسف من امراء كتامة إلى باغاية وأوقع بالعساكر التكانت بها مجمرة لحربهم بنظر هرون بن الطبنى وأرسل أبو عبيد الله الشيعي إلى تيحيسن فحاصرها ثم افتتحها صلحا وكثر الارجاف بالقيروان ففتح زيادة الله ديوان العطاء واستلحق واستركب وأجمع الخروج فخرج إلى الاربس سنة خمس وتسعين فلما انتهى إليها تخوف غائلة الشيعي وأشار عليه أهل بيته بالرجوع فرجع إلى رقادة وقدم على العساكر ابراهيم بن أبى الاغلب من وجوه أهل بيته ثم زحف أبو عبد الله إلى باغاية ففتحها صلحا وهرب عاملها ثم سرب أبو عبد الله الجيوش فبلغت مجانة وأوقعوا بقبائل نفزة واستولوا على تيفاش وزحف ابن أبى الاغلب إلى تيفاش فمنعه أهلها وهزموا طلائعه فافتتحها وقتل من كان بها ثم خرج أبو عبد الله الشيعي في عساكر كتامة إلى باغاية ثم إلى سكاية ثم إلى سبيبة ثم إلى حمودة
فاستولى على جميعها وأمن أهلها ورحل ابن أبى الاغلب من الاربس ثم سار أبو عبد الله إلى قسطيلة وقفصة فأمنهم ودخلوا في دعوته وانصرف إلى باغاية ثم إلى انكجان وزحف ابن أبى الاغلب إلى باغاية فقاتلها وامتنعت عليه ورجع إلى الاربس ثم زحف أبو عبد الله إلى الاربس سنة ست وتسعين في جمادى ومر بشق بنارية وأمن أهلها إلى قمودة * (خروج زيادة الله إلى المشرق) * ولما وصل الخبر إلى زيادة الله بوصول الشيعي إلى قمودة حمل أمواله وأثقاله ولحق بطرابلس معتزما على الشرق وأقبل الشيعي إلى افريقية وفى مقدمته عروبة بن يوسف وحسن بن أبى خنزير ووصل إلى رقادة في رجب سنة ست وتسعين وتلقاه أهل القيروان وبايعوا لعبيد الله المهدى كما ذكرناه في أخبارهم ودولتهم وأقام زيادة الله بطرابلس سبعة عشر يوما وانصرف ومعه ابراهيم بن الاغلب وكان نمى عنه أنه أراد الاستبداد لنفسه بالقيروان بعد خروج زيادة الله فاعرض عنه واطرحه وبلغ مصر فمنعه عاملها عيسى البرشدى من الدخول الا عن أمر الخليفة وأنزله بظاهر البلد ثمانية أيام وانصرف إلى ابن الفرات وزير المقتدر يستأذن له في الدخول فأتاه كتابه بالمقام(4/206)
في الرقة حتى يأتيه رأى المقتدر فأقام بها سنة ثم جاءه كتاب المقتدر بالرجوع إلى افريقية وامر النوشزى بامداده بالرجال والمال لاسترجاع الدعوة بافريقية ووصل إلى مصر فأصابته بها علة مزمنة وسقط شعره ويقال انه سم وخرج إلى بيت المقدس ومات بها وتفرق بنو الاغلب وانقطعت أيامهم والبقاء لله وحده والله سبحانه وتعالى أعلم [ بقية أخبار صقلية ودولة بنى أبى الحسن الكلبيين بها من العرب المستبدين بدعوة العبيديين وبذاية أمرهم وتصاريف أحوالهم ] ولما استولى عبيد الله المهدى على افريقية ودانت له وبعث العمال في نواحيها بعث على جزيرة صقلية الحسن بن محمد بن أبى خنزير من رجالات كتامة فوصل إلى مأزر سنة
سبع وتسعين في العساكر فولى أخاه على كبر كيت وولى على القضاء بصقلية اسحق بن المنهال ثم سار سنة ثمان وتسعين في العساكر إلى ومش فعاث في نواحيها ورجع ثم شكى أهل صقلية سوء سيرته وثاروا به وحبسوه وكتبوا إلى المهدى معتذرين فقبل عذرهم وولى عليهم أحمد بن قهرب وبعث سرية إلى أرض قلورية فدوخوها ورجعوا بالغنائم والسبي ثم أرسل سنة ثلثمائة ابنه عليا إلى قلعة طرمين المحدثة ليتخذها حصنا لحاشيته وأمواله حذرا من ثورة أهل صقلية فحصرها ابنه ستة أشهر ثم اختلف عليه العسكر فأحرقوا خيامه وأرادوا قتله فمنعه العرب ودعا هو الناس إلى طاعة المقتدر فأجابوه وقطع خطبة المهدى وبعث الاسطول إلى افريقية ولقوا أسطول المهدى وقائده الحسن بن أبى خنزير فقتلوه وأحرقوا الاسطول وسار أسطول بن قهرب إلى صفاقس فخربوها وانتهوا إلى طرابلس وانتهى الخبر إلى القائم بن المهدى ثم وصلت الخلع والالوية من المقتدر إلى ابن قهرب ثم بعث الجيش في الاسطول إلى قلورية فعاثوا في نواحيها ورجعوا ثم بعث ثانية اسطولا إلى افريقية فظفر به اسطول المهدى فانتقض أمره وعصى عليه أهل كبركيت وكاتبوا المهدى ثم ثار الناس بابن قهرب آخر الثلثمائة وحبسوه وأرسلوه إلى المهدى فأمر بقتله على قبر ابن خنزير في جماعة من خاصته وولى على صقلية أبا سعيد بن أحمد وبعث معه العساكر من كتامة فركب إليها البحر فنزل في طرابنة وعصى عليه أهل صقلية بمن معه من العساكر فامتنعوا عليه وقاتله أهل كبركيت وأهل طرابنة فهزمهم وقتلهم ثم استأمن إليه أهل طرابنة فأمنهم وهدم أبوابها وأمره المهدى بالعفو عنهم ثم ولى المهدى على صقلية سالم بن راشد وأمده سنة ثلاث عشرة بالعساكر فعبر البحر إلى أرض انكبردة فدوخها وفتحوا فيها حصونا ورجعوا ثم عادوا إليها ثانية وحاصروا مدينة ادونت أياما ورحلوا عنها ولم يزل أهل صقلية يغيرون على ما بأيدى الروم من جزيرة صقلية وقلورية ويعيثون في نواحيها(4/207)
وبعث المهدى سنة ثنتين وعشرين جيشا في البحر مع يعقوب بن اسحق فعاث في نواحى جنوة ورجعوا ثم بعث جيشه من قابل ففتحوا مدينة جنوة ومروا بسرادنية فأحرقوا فيها مراكب وانصرفوا ولما كانت سنة خمس وعشرين انتقض أهل كبركيت على أميرهم سالم بن راشد وقاتلوا جيشه وخرج إليهم سالم بنفسه فهزمهم وحصرهم ببلدهم واستمد القائم فأمده بالعساكر مع خليل بن اسحق فلما وصل إلى صقلية شكا إليه أهلها من سالم بن راشد واسترحمته النساء والصبيان وجاءه أهل كبركيت وغيرها من أهل صقلية بمثل ذلك فرق لشكواهم ودس إليهم سالم بأن خليلا انما جاء للانتقام منهم بمن قتلوا من العسكر فعاودوا الخلاف واختط خليل مدينة على مرسى المدينة وسماها الخالصة وتحقق بذلك أهل كبركيت ما قال لهم سالم واستمدوا للحرب فسار إليهم خليل منتصف ست وعشرين وحصرهم ثانية أشهر يغاديهم بالقتال ويراوحهم حتى إذا جاء الشتاء رجع إلى الخالصة واجتمع أهل صقلية على الخلاف واستمدوا ملك القسطنطينية فأمدهم بالمقاتلة والطعام واستمد خليل القائم فأمده بالجيش فافتتح قلعة أبى ثور وقلعة البلوط وحاصر قلعة بلاطنو إلى أن انقضت سنة سبع وعشرين فارتحل عنها وحاصر كبركيت ثم حبس عليها عسكرا للحصار مع أبى خلف بن هرون ورحل عنها وطال حصارها إلى سنة تسع وعشرين فهرب كثير من أهل البلد إلى بلد الروم واستأمن الباقون فأمنهم على النزول عن القلعة ثم غدر بهم فارتاع لذلك سائر القلاع وأطاعوا ورجع خليل إلى افريقية آخر سنة تسع وعشرين وحمل معه وجوه أهل كبركيت في سفينة وأمر بخرقها في لجة البحر فغرقوا أجمعين ثم ولى على صقلية عطاف الازدي ثم كانت فتنة أبى يزيد وشغل القائم والمنصور بأمره فلما انقضت فتنة أبى يزيد عقد المنصور على صقلية للحسن بن أبى الحسن الكلبى من صنائعهم ووجوه قواده وكنيته أبو الغنائم وكان له في الدولة محل كبير وفى مدافعة أبى يزيد غناء عظيم وكان سبب ولايته أن أهل بليرم كانوا قد استضعفوا عطافا واستضعفهم العدو لعجزه
فوثب به أهل المدينة يوم الفطر من سنة خمس وثلاثين وتولى كبر ذلك بنو الطير منهم ونجا عطاف إلى الحصن وبعث للمنصور يعلمه ويستمده فولى الحسن بن على على صقلية وركب البحر إلى مأزر وأرسى بها فلم يلقه أحد منهم وأتاه في الليل جماعة من كتامة واعتذروا إليه عن الناس بالخوف من بنى الطير وبعث بنو الطير عيونهم عليه واستضعوه وواعدوه أن يعودوا إليه فسبق ميعادهم ودخل المدينة ولقيه حاكم البلد وأصحاب الدواوين واضطر بنو الطير إلى لقائه وخرج إليهم كبيرهم اسمعيل ولحق بن من انحرف عن بنى الطير فكثر جمعه ودس اسمعيل بعض غلمانه فاستغاث بالحسن من بعض عبيده(4/208)
انه أكره امرأته على الفاحشة يعتقد ان الحسن لا يعاقب مملوكه فتخشن قلوب أهل البلد عليه وفطن الحسن لذلك فدعا الرجل واستحلفه على دعواه وقتل عبده فسر الناس بذلك ومالوا عن الطيرى وأصحابه وافترق جمعهم وضبط الحسن أمره وخشى الروم بادرته فدفعوا إليه جزية ثلاث سنين وبعث ملك الروم بطريقا في البحر في عسكر كبير إلى صقلية واجتمع هو والسردغوس واستمد الحسن بن على المنصور فأمده بسبعة آلاف فارس وثلاثة آلاف وخمسمائة راجل وجمع الحسن من كان عنده وسار برا وبحرا وبعث السرايا في أرض فلورية ونزل على ابراجه فحاصرها وزحف إليه الروم فصالحه على مال أخذه وزحف إلى الروم ففروا من غير حرب ونزل الحسن على قلعة قيشانة فحاصرها شهرا وصالحهم على مال ورجع بالاسطول إلى مسينى فشتى بها وجاءه أمر المنصور بالرجوع إلى قلورية فعبر إلى خراجة فلقى الروم والسردغوس فهزمهم وامتلا من غنائهم وذلك يوم عرفة سنة أربعين وثلثمائة ثم سار إلى خراجة فحاصرها حتى هادنه ملك الروم قسطنطين ثم عاد إلى ربو وبنى بها مسجدا وسط المدينة وشرط على الروم أن لا يعرضوا له وان من دخله من الاسرى أو من ولما توفى المنصور وملك ابنه المعز سار إليه الحسن واستخلف على صقلية ابنه أحمد وأمره المعز بفتح
القلاع التى بقيت للروم بصقلية فغزاها وفتح طرمين وغيرها سنة احدى وخمسين وأعيته رمطة فحاصرها فجاءها من القسطنطينية أربعون ألفا مددا وبعث أحمد يستمد المعز فبعث إليه المدد بالعساكر والاموال مع أبيه الحسن وجاء مدد الروم فنزلوا بمرسى مسينة وزحفوا إلى رومطة ومقدم الجيوش على حصارها الحسن بن عمار وابن أخى الحسن بن على فأحاط الروم بهم وخرج أهل البلد إليهم وعظم الامر على المسلمين فاستماتوا وحملوا على الروم وعقروا فرش قائدهم منويل فسقط عن فرسه وقتل جماعة من البطارقة معه وانهزم الروم وتتبعهم المسلمون بالقتل وامتلات أيديهم من الغنائم والاسرى والسبي ثم فتحوا رمطة عنوة وغنموا ما فيها وركب فل الروم من صقلية وجزيرة رفق في الاسطول ناجين بأنفسهم فأتبعهم الامير أحمد في المراكب فحرقوا مراكبهم وقتل كثير منهم وتعرف هذه الوقعة بوقعة المجاز وكانت سنة أربع وخمسين وأسر فيها ألف من عظمائهم ومائة بطريق وجاءت الغنائم والاسارى إلى مدينة بليرم حضرة صقلية وخرج الحسن للقائهم فاصابته الحمى من الفرح فمات وحزن الناس عليه وولى ابنه أحمد باتفاق أهل صقلية بعد أن ولى المعز عليهم يعيش مولى الحسن فلم ينهض بالامر ووقعت الفتنة بين كتامة والقبائل وعجز عن تسكينها وبلغ الخبر إلى المعز فولى عليها أبا القاسم على بن الحسن نيابة عن أخيه أحمد ثم توفى أحمد بطرابلس سنة تسع(4/209)
وخمسين واستبد بالامارة أخوه أبو القاسم على وكان مدلا محيا وسار ابنه سنة احدى وسبعين ملك الفرنج في جموع عظيمة وحصر قلعة رمطة وملكها وأصاب سرايا المسلمين وسار الامير أبو القاسم في العساكر من بليرم يريدهم فلما قاربهم خام عن اللقاء ورجع وكان الافرنج في الاسطول يعاينونه فبعثوا بذلك للملك بردويل فسار في اتباعه وأدركه فاقتتلوا وقتل أبو القاسم في الحرب وأهم المسلمين أمرهم فاستماتوا وقاتلوا الفرنج فهزموهم أقبح هزيمة ونجا بردويل إلى خيامه برأسه وركب البحر إلى رومة وولى
المسلمون عليهم بعد الامير أبى القاسم ابنه جابر فرحل بالمسلمين لوقته راجعا ولم يعرج على الغنائم وكانت ولاية الامير أبى القاسم اثنتى عشرة سنة ونصفا وكان عادلا حسن السيرة ولما ولى ابن عمه جعفر بن محمد بن على بن أبى الحسن وكان من وزراء العزيز وندمائه استقامت الامور وحسنت الاحوال وكان يحب أهل العلم ويجزل الهبات لهم وتوفى سنة خمس وسبعين وولى أخوه عبد الله فاتبع سيرة أخيه إلى أن توفى سنة تسع وسبعين وولى ابنه ثقة الدولة أبو الفتوح يوسف بن عبد الله بن محمد بن على بن أبى الحسن فأنسى بجلائله وفضائله من كان قبله منهم إلى أن أصابه الفالج وعطل نصفه الايسر سنة ثمان وثمانين وولى ابنه تاج الدولة جعفر بن ثقة الدولة يوسف فضبط الامور وقام باحسن قيام وخالف عليه أخوه على سنة خمس وأربعمائة مع البربر والعبيد فزحف إليه جعفر فظفر به وقتله ونفى البربر والعبيد واستقامت أحواله ثم انقلبت له واختلت على يد كاتبه ووزيره حسن بن محمد الباغانى فثار عليه الناس بسببها وجاؤا حول القصر وأخرج إليهم أبو الفتوح في محفة فتلطف بالناس وسلم إليهم الباغانى فقتلوه وقتلوا حافده أبا رافع وخلع ابنه ابن جعفر ورحل إلى مصر وولى ابنه ابن جعفر سنة عشرة ولقبه بأسد الدولة بن تاج الدولة ويعرف بالاكحل فسكن الاضطراب واستقامت الاحوال وفوض الامور إلى ابنه ابن جعفر وجعل مقاليد الامور بيده فاساء ابن جعفر السيرة وتحامل على صقلية ومال إلى أهل افريقية وضج الناس وشكوا أمرهم إلى المعز صاحب القيروان وأظهروا دعوته فبعث الاسطول فيه ثلثمائة فارس مع ولديه عبد الله وأيوب واجتمع أهل صقلية وحصروا أميرهم الاكحل وقتل وحمل رأسه إلى المعز سنة سبع عشرة وأربعمائة ثم ندم أهل صقلية على ما فعلوه وثاروا بأهل افريقية وقتلوا منهم نحوا من ثلثمائة وأخرجوهم وولوا الصمصام أخا الاكحل فاضطربت الامور وغلب السفلة على الاشراف ثم ثار أهل بليرم على الصمصام وأخرجوه وقدموا عليهم ابن الثمنة من رؤس الاجناد وتلقب القادر بالله
واستبد بمازر ابنه عبد الله قبل الصمصام وغلب ابن الثمنة على ابن(4/210)
الاكحل فقتله واستقل بملك الجزيرة إلى أن أخذت من يده ولما استبد ابن الثمنة بصقلية تزوج ميمونة بنت الجراس فتخيل له منها شئ فسقاها السم ثم تلافاها وأحضر الاطباء فانعشوها وأفاقت فندم واعتذر فأظهرت له القبول واستأذنته في زيارة أخيها بقصريانة وأخبرت أخاها فخلف أن لا يردها ووقعت الفتنة وحشد ابن الثمنة فهزمه ابن جراس فانتصر ابن الثمنة بالروم وجاء القمص وجاز ابن ينقر بن خبرة ومعه سبعة من اخوته وجمع من الافرنج ووعدهم بملك صقلية فداخل في بيع مية وقصد قصريانة وحكموا على مروا من المنازل وخرج ابن جراس فهزمه ورجع إلى افريقية عمر بن خلف بن مكى فنزل تونس وولى قضاءها ولم يزل الروم يملكونها حتى لم يبق الا المعاقل وخرج ابن الجراس باهله وماله صلحا سنة أربع وستين وأربعمائة وتملكها رجار كلها وانقطعت كلمة الاسلام منها ودولة الكلبيين وهم عشرة ومدتهم خمس وتسعون سنة ومات رجار في قلعة مليطو من أرض فلورية سنة أربع وتسعين وولى ابنه رجار الثاني وطالت أيامه وله الف الشريف أبو عبد الله الادريسي كتاب نزهة المشارق في أخبار الافاق وسماه قصار رجار علما عليه معروفا به في الشهرة والله مقدر الليل والنهار [ الخبر عن جزيرة اقريطش وما كان بها للمسلمين من الملك على يد بنى البلوطى إلى أن استرجعها العدو ] هذه الجزيرة من جزر البحر الرومي ما بين صقلية قبرس في مقابلة الاسكندرية على يد الجالية أهل الربض وذلك أن أهل الربض الغربي من قرطبة وكان محلة متصلة بقصر الحكم بن هشام فنقموا عليه وثاروا به سنة ثنتين ومائتين فأوقع بهم الوقعة المشهورة واستلحمهم وهدم ديارهم ومساجدهم وأجلى الفل منهم إلى العدوة ونزلوا بفاس وغيرها وغرب آخرين إلى الاسكندرية فنزلوا وافترقوا في جوانبها وتلاحى رجل
منهم مع جزار من سوقة الاسكندرية فنادوا بالثار واستلحموا كثيرا من أهل البلد وأخرجوا بقيتهم وامتنعوا بها وولوا عليهم أبا حفص عمر بن شعيب البلوطى ويعرف بأبى الفيض من أهل قرية مطروح من عمل فحص البلوط المجاور لقرطبة فقام برياستهم وكان على مصر يومئذ عبد الله بن طاهر فزحف إليهم وحصرهم بالاسكندرية فاستأمنوا له فأمنهم وبعثهم إلى جزيرة اقريطش فعمروها وأميرهم أبو حفص البلوطى وتداولها بنوه من بعده مدة من مائة وأربعين سنة إلى أن ملكها أريانوس بن قسطنطين ملك القسطنطينية من يد عبد العزيز بن شعيب من أعقابه سنة خمس وثلثمائة وأخرجوا المسلمين عنها والله بعيد الكرة وبذهب آثار الكفرة والله سبحانه وتعالى أعلم بالصواب(4/211)
[ أخيار اليمن والدول الاسلامية التى كانت فيه للعباسيين والعبيديين وسائر ملوك العرب وابتداء ذلك وتصاريفه على الجملة ثم تفصيل ذلك على مدنه وممالكه واحدة بعد واحدة ] قد كنا قدمنا في أخبار السير النبوية كيف صار اليمن في ملكة الاسلام بدخول عامله في الدعوة الاسلامية وهو باذان عامل كسرى وأسلم معه أهل اليمن وأمره النبي صلى الله عليه وسلم على جميع مخاليفها وكان منزله صنعاء كرسى التبايعة ولما مات بعد حجة الوداع قسم النبي صلى الله عليه وسلم اليمن على عمال من قبله وجعل صنعاء لابنه شهربان بن باذان وذكرنا خبر الاسود العنسى وكيف أخرج عمال النبي صلى الله عليه وسلم من اليمن وزحف إلى صنعاء فملكها وقتل شهربان بن باذان وتزوج امرأته واستولى على أكثر اليمن وارتد أكثر أهله وكتب النبي صلى الله عليه وسلم إلى أصحابه وعماله والى من ثبت على اسلامه فداخلوا زوجة شهربان بن بذان التى تزوجها في أمره على يد ابن عمها فيروز وتولى كبر ذلك قيس بن عبد يغوث المرادى فبيته هو
وفيروز وذاذويه باذن زوجته فقتلوه ورجع عمال النبي صلى الله عليه وسلم إلى أعمالهم وذلك قبيل الوفاة واستبد قيس بصنعاء وجمع الفل من جند الاسود فولى أبو بكر على اليمن فيروز فيمن إليه من الابناء وأمر الناس بطاعته فقاتل قيس بن مكشوح وهزمه ثم ولى أبو بكر المهاجر بن أبى أمية فقاتل أهل الردة باليمن وكذلك عكرمة بن أبى جهل وأمره أن يبدأ بالمرتدة فسار معها وحضر حرب الجمل وولى على اليمن عبيد الله بن عباس ثم أخاه عبد الله ثم ولى معاوية على صنعاء فيروز الديلمى ومات سنة ثلاث وخمسين ثم جعل عبد الملك اليمن في ولاية الحجاج لما بعثه لحرب ابن الزبير سنة ثنتين وسبعين ولما جاءت دولة بنى العباس ولى السفاح على اليمن عمه داود بن على حتى إذا توفى سنة ثلاث وثلاثين ولى مكانه محمد بن يزيد بن عبيد الله بن عبد الملك عبد الدار ثم تعاقب الولاة على اليمن وكانوا ينزلون صنعاء حتى انتهت الخلافة إلى المأمون وظهرت دعاة الطالبيين بالنواحي وبايع أبو السرايا من بنى شيبان بالعراق لمحمد بن ابراهيم طباطبا بن اسمعيل بن ابراهيم أخو المهدى النفس الزكية محمد بن عبد الله بن حسن وكثر الهرج وفرق العمال في الجهات ثم قتل وبويع محمد بن جعفر الصادق بالحجا وظهر باليمن ابراهيم بن موسى الكاظم سنة مائتين ولم يتم أمره وكان يعرف بالجزار لسفكه الدماء وبعث المأمون عساكره إلى اليمن فدوخوا نواحيه وحملوا كثيرا من وجوه الناس فاستقام أمر اليمن كما نذكره * (دعوة زياد بالدعوة العباسية) *(4/212)
ولما وفد وجوه أهل اليمن على المأمون كان فيهم محمد زياد ولد عبد الله بن زياد بن أبى سفيان فاستعطف المأمون وضمن له حياطة اليمن من العلويين فوصله وولاه على اليمن وقدمها سنة ثلاث ومائتين وفتح تهامة اليمن وهى البلد التى على ساحل البحر الغربي واختط بها مدينة زبيد ونزلها وأصارها كرسيا لتلك المملكة وولى على الجبال مولاه
جعفرا وفتح تهامة بعد حروب من العرب واشترط على عرب تهامة أن لا يركبوا الخيل واستولى على اليمن أجمع ودخلت في طاعته أعمال حضر موت والشجر وديار كندة وصار في مرتبة التبابعة وكان في صنعاء قاعدة اليمن بنو جعفر من حمير بقية الملوك التبابعة استبدوا بها مقيمين بالدعوة العباسية ولهم مع صنعاء سحان ونجران وحرش وكان أخوهم أسعد بن يعفر ثم أخوه قد دخلوا في طاعة ابن زياد وولى بعده ابنه ابراهيم ثم ابنه زياد بن ابراهيم ثم أخوه أبو الجيش اسحق بن ابراهيم وطالت مدته إلى إلى ان أسن وبلغ الثمانين وقال عمارة ملك ثمانين سنة باليمن وحضر موت والجزائر البحرية ولما بلغه قتل المتوكل وخلع المستعين واستبداد الموالى على الخلفاء مع ارتفاع اليمن ركب بالمظلة شأن سلاطين العجم المستبدين وفى أيامه خرج باليمن يحيى بن الحسين ابن القاسم الرسى ابن ابراهيم بن طباطبا بدعوة الزيدية جاء بها من السند وكان جده القاسم قد فر إلى السند بعد خروج أخيه محمد مع أبى السرايا ومهلكه كما مر فلحق القاسم بالسند وأعقب بها الحسين ثم ابنه يحيى باليمن سنة ثمان وثمانين ونزل صعدة وأظهر دعوة الزيدية وزحف إلى صنعاء فملكها من يد أسعد بن يعفر ثم استردها منه بنو أسعد ورجع إلى صعدة وكان شيعته يسمونه الامام وعقبه الان بها وقد تقدم خبرهم وفى أيام أبى الجيش بن زياد أيضا ظهرت دعوة العبيديين باليمن فأقام بها محمد ابن الفضل بعده لاعة وجبال اليمن إلى جبال المد بحرة سنة أربعين وثلثمائة وبفى له باليمن من السرجة إلى عدن عشرون مرحلة ومن مخلافة إلى صنعاء خمس مراحل ولما غلبه محمد بن الفضل بهذه الدعوة امتنع أصحاب الاطراف عليه مثل بنى اسعد ابن يعفر بصنعاء وسليمان بن طرف بعتر والامام الرسى بصعدة فسلك معهم طريق المهادنة ثم هلك أبو الجيش سنة احدى وسبعين وثلثمائة بعد ان اتسعت جبايته وعظم ملكه قال ابن سعيد رأيت مبلغ جبايته وهو ألف ألف مكررة مرتين وثلثمائة ألف وستة وستون ألفا من الدنانير العشرية ما عد اضرابية على مراكب السند وعلى
العنبر الواصل بباب المندب وعدن ابين وعلى مغائص اللؤلؤ وعلى جزيرة هلك ومن بعضها وصائف وكانت ملوك الحبشة من وراء البحر يهادونه ويخطبون مواصلته ولما مات خلف صبيا صغيرا اسمه عبد الله وقيل ابراهيم وقيل زياد وكفلته واخته ومولاه(4/213)
رشيد الحبشى واستبد عليهم إلى ان انقرضت دولتهم سنة سبع وأربعمائة ثم هلك هذا الطفل فولوا طفلا آخر من بنى زياد أصغر منه وقال ابن سعيد لم يعرف عمارة اسمه لتوالى الحجبة عليه ويعنى عمارة مؤرخ اليمن وقيل هذا الطفل الاخير اسمه ابراهيم وكفلته عمته ومرجان من موالى الحسن بن سلامة واستبد بأمرهم ودولتهم وكان له موليان اسم احدهما قيس والاخر نجاح فجعل الطفل المملك في كفالته وأنزله معه بزبيد وولى نجاحا على سائر الاعمال خارج زبيد ومنها الكرارة واللجم وكان يؤثر قيسا على نجاح ووقع بينهما تنافر ورفع لقيس ان عمة الطفل تميل إلى نجاح وتكاتبه دونه فقبض عليها باذن مولاه مرجان ودفنها حية واستبد وركب بالمظلة وضرب السكة وانتقض نجاح لذلك فزحف في العساكر وبرز قيس للقائه فكانت بينهما حروب ووقائم انهزم قيس في آخرها وقتل في خمسة آلاف من عسكره وملك نجاح زبيد سنة عشر وأربعمائة ودفن قيسا ومولاه مرجانا مكان الطفل والعمة واستبد وضرب السكة باسمه وكاتب ديوان الخلافة ببغداد فعقد له على اليمن ولم يزل مالكا لتهامة قاهر الاهل الجبال وانتزع الجبال كلها من مولاه الحسن بن سلامة ولم تزل الملوك تتقى صولته إلى أن قتله على الصليحى القائم بدعوة العبيديين على يد جارية بعث بها إليه سنة ثنتين وخمسين وأربعمائة فقام بالامر بعده بزبيد مولاه كهلان ثم استولى الصليحى على زبيد وملكها من يده كما يذكر * (الخبر عن بنى الصليحى القائمين بدعوه العبيديين باليمن) * كان القاضى محمد بن على الهمداني ثم الصليحى رئيس حران من بلاد همذان وينتسب في بنى يام ونشأ له ولد اسمه على وكان صاحب الدعوة يومئذ عامر بن عبد الله الزوايى نسبة
إلى زواية من قرى حران ويقال انه كان عنده كتاب لجعفر من ذخائر أبيهم بزعمهم فزعموا ان على ابن القاضى محمد مذكور فيه فقرأ على على عامل الداعي وأخذ عنه ولما توسم فيه الاهلية أراه مكان اسمه في الجفر وأوصافه وقال لابيه القاضى احتفظ با بنك فيملك جميع اليمن ونشأ فقيها صالحا وجعل يحج بالناس على طريق الطائف والسروات خمس عشرة سنة فطار ذكره وعظمت شهرته وألقى على ألسنة الناس انه سلطان اليمن ومات الداعي عامر الزوابى فأوصى له بكتبه وعهد إليه بالدعوة ثم حج بالناس سنة ثمان وعشرين وأربعمائة على عادته واجتمع بجماعة من قومه همدان كانوا معه فدعاهم إلى النصرة والقيام معه فأجابوه وبايعوه وكانوا ستين رجلا من رجالات قومهم فلما عادوا قام في مصار وهو حصن بذروة جبل حمام وحصن ذلك الحصن ولم يزل أمره ينمى وكتب إلى المستنصر صاحب مصر يسأله الاذن في اظهار الدعوة فأذن له وأظهرها وملك اليمن كله ونزل صنعاء واختط بها القصور وأسكن عنده ملوك اليمن الذين غلب(4/214)
عليهم وهزم بنى طرف ملوك عترة وتهامة وأعمل الحيلة في قتل نجاح مولى بنى زياد ملك زبيد حتى تم له ذلك على يد جارية أهداها إليه كما ذكرناه سنة ثنتين وخمسين ثم سار إلى مكة بأمر المستنصر صاحب مصر ليمحو منها الدعوة العباسية والامارة الحسنية واستخلف على صنعاء ابنه المكرم أحمد وحمل معه زوجته أسماء بنت شهاب قد سباها سعيد بن نجاح ليلة البيات فكتبت إلى ابنها المكرم انى حبلى من العبد الاحول فا دركني قبل ان أضع والا فهو العار الذى لا يمحوه الدهر فسار المكرم من صنعاء سنة خمس وسبعين في ثلاثة آلاف ولقى الحبشة في عشرين ألفا فهزمهم ولحق سعيد بن نجاح بجزيرة دهلك ودخل المكرم إلى أمه وهى جالسة بالطاق الذى عنده رأس الصليحى وأخيه فأنزلهما ودفنهما ورفع السيف وولى خاله أسعد بن شهاب على أعمال تهامة كما كان وأنزله بزبيد منها وارتحل بامه إلى صنعاء وكانت تدبر ملكه ثم جمع أسعد بن شهاب
أموال تهامة وبعث بها مع وزيره أحمد بن سالم ففرقتها أسماء على وفود العرب ثم هلكت أسماء سنة سبع وسبعين وخرجت زبيد من يد المكرم واستردها سعيد بن نجاح سنة تسع وسبعين ثم انتقل المكرم إلى ذى جبلة سنة ثمانين وولى على صنعاء عمران بن الفضل الهمداني فاستبد بها وتوارثها عقبه وتسمى ابنه أحمد باسم السلطان واشتهر به وبعده ابنه حاتم بن أحمد وليس بعد بصنعاء من له ذكر حتى ملكها بنو سليمان لما غلبهم الهواشم على مكة كما مر في أخبارهم ولما انتقل المكرم إلى ذى جبلة وهى مدينة اختطها عبد الله ابن محمد الصليحى سنة ثمان وخمسين وأربعمائة وكان انتقاله باشارة زوجه سيدة بنت أحمد التى صار إليها تدبير ملكه بعد أمه اسماء فنزلها وبنى فيها دار العز وتحيل على قتل سعيد بن نجاح فتم له كما نذكر في أخبار ابن نجاح وكان مشغولا بلذاته محجوبا بزوجته ولما حضرته الوفاة سنة أربع وثمانين عهد إلى ابنه عمه المنصور بن أحمد المظفر بن على الصليحى صاحب معقل اشيح وأقام بمعقله وسيدة بنت أحمد بذى جبلة وخطبها المنصور سبا وامتنعت منه فحاصرها بذى جبلة وجاءها أخوها لامها سليمان بن عامر وأخبرها ان المستنصر زوجك منه وأبلغها أمره بذلك وتلا عليها وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمرا أن تكون لهم الخيرة من أمرهم وان أمير المؤمنين زوجك من الداعي المنصور أبى حمير سبا بن أحمد بن المظفر على مائة ألف دينار وخمسين ألفا من أصناف التحف واللطائف فانعقد النكاح وسار إليها من معقل أشيح إلى ذى جبلة ودخل إليها بدار العز ويقال انها شبهت بجارية من جواريها فقامت على رأسه ليلها كله وهو لا يرفع الطرف إليها حتى أصبح فرجع إلى معقله وأقامت هي بذى جبلة وكان المتولي عليها المفضل بن أبى البركات من بنى تام رهط الصليحى واستدعى عشيرته جنيا(4/215)
وأنزلهم عنده بذى جبلة فكان يسطو بهم وكانت سيدة تأتى التعكر في الصيف وبه ذخائرها وخزائنها فإذا جاء الشتاء رجعت إلى ذى جبلة ثم انفرد المفضل لقتال نجاح
فرتب في حصن التعكر فقيها يلقب بالجمل مع جماعة من الفقهاء أحدهم ابراهيم بن زيد ابن عمر عمارة الشاعر فبايعوا الجمل على أن يمحو الدعوة الامامية فرجع المفضل بن طريقه وحاصرهم وجاءت خولان لنصرتهم وضايقهم المفضل وهلك في حصارهم سنة أربع وخمسمائة فجاءت بعده الحرة سيدة وأنزلتهم على عهد فنزلوا ووفت لهم به وكفلت عقب المفضل وولده وصار معقل التعكر في يد عمران بن الذر الخولانى وأخيه سليمان واستولى عمران على الحرة سيدة مكان المفضل ولما ماتت استبد عمران وأخوه بحصن التعكر واستولى منصور بن لمفضل بن أبى البركات على ذى جبلة حتى باعه من الداعي الذريعى صاحب عدن كما يأتي واعتصم بمعقل أشيح الذى كان للداعى المنصور سبا بن أحمد وذلك ان المنصور توفى سنة ست وثمانين وأربعمائة واختلف أولاده من بعده وغلب ابنه على منهم على المعقل وكان ينازع المفضل بن أبى البركات والحرة سيدة وأعياهما أمره فتحيل المفضل بسم أودعه سفر جلا أهداه إليه فمات منه واستولى بنو أبى البركات على بنى المظفر في أشيح وحصونه ثم باع حص ذى جبلة من الداعي الزريعى صاحب عدن بمائة ألف دينار ولم يزل يبيع معاقله حصنا حصنا حتى لم يبق له غير معقل تعز أخذ منه على بن مهدى بعد أن ملك ثمانين سنة وبلغ من العمر مائة سنة والله سبحانه وتعالى أعلم بالصواب [ الخبر عن دولة بنى نجاح بزبيد موالى بنى زياد ومبادي أمورهم وتصاريف أحوالهم ] ولما استولى الصليحى على زبيد من يد كهلان بعد ان أهلكه بالسم على يد الجارية التى بعثها إليه سنة ثنتين وخمسين وأربعمائة كما مر وكان لنجاح ثلاثة من الولد معارك وسعيد وجياش فقتل معارك نفسه ولحق سعيد وجياش بجزيرة دهلك وأقاما هنالك يتعلمان القرآن والاداب ثم رجع سعيد إلى زبيد مغاضبا لاخيه جياش واختفى بها في نفق احتفره تحت الارض ثم استقدم أخاه جياشا فقدم وأقاما هنالك في الاختفاء
ثم ان المستنصر العبيدي الخليفة بمصر قطع دعوته بمكة محمد بن جعفر أميرها من الهواشم فكتب إلى الصليحى يأمره بقتاله وحمله على اقامة الدعوة العلوية بمكة فسار على الصليحى لذلك من صنعاء وظهر سعيد وأخوه من الاختفاء وبلغ خبرهم الصليحى فبعث عسكرا نحوا من خمسة آلاف فارس وأمرهم بقتلهما وقد كان سعيد وجياش خالفا العسكر وسارا في اتباع الصليحى وهو في عساكره فبيتوه في اللجم وهو متوجه إلى(4/216)
مكة فانتقض عسكره وقتل وتولى قتله جياش بيده سنة ثلاث وسبعين ثم قتل عبد الله الصليحى أخا على في مائة وسبعين من بنى الصليحى وأسر زوجته أسماء بنت عمه شهاب في مائة وخمس وثلاثين من ملوك القحطانيين الذين غلبوا باليمن وبعث إلى العسكر الذين ساروا القتل سعيد وجياش فأمنهم واستخدمهم ورحل إلى زبيد وعليها أسعد بن شهاب أخو زوجة الصليحى ففر أسعد إلى صنعاء ودخل سعيد إلى زبيد وأسماء زوجته الصليحى امامه في هودج ورأس الصليحى وأخيه عند هودجها وأنزلها بدارها ونصب الرأسين قبالة طاقها في الدار وامتلات القلوب منه رعبا وتلقب نصير الدولة وتغلب ولاة الحصون على ما بأيديهم ودس المكرم بن الصليحى بن سعيد بن نجاح بصنعاء على لسان بعض أهل الثغور وضمن له الظفر فجاء سعيد لذلك في عشرين ألفا من الحبشة وسار إليه المكرم من صنعاء وهزمه وحال بينه وبين زبيد فهرب إلى جزيرة دهلك ودخل المكرم زبيد وجاء إلى أمه وهى جالسة بالطاق وعندها رأس الصليحى واخيه فأنزلهما ودفنهما وولى على زبيد خاله أسعد سنة سبع وتسعين وكتب المكرم إلى عبد الله بن يعفر صاحب حصن الشعر بأن يغرى سعيدا بالمكرم وانتزاع ذى جبلة من يده لاشتغاله بلذاته واستيلاء زوجه سيدة بنت أحمد عليه وانه بلخ فتمت الحيلة فسار سعيد في ثلاثين ألفا من الحبشة وأكمن له المكرم تحت حصن الشعر فثاروا به هنالك وانهزمت عساكره وقتل ونصب رأسه عند الطاق الذى كان فيها رأس الصليحى بزبيد واستولى عليها
المكرم وانقطع منها ملك الحبشة وهرب جياش ومعه وزير أخيه خلف بن أبى الظاهر المروانى ودخلا عدن متنكرين ثم لحقا بالهند وأقاما بها ستة أشهر ولقيا هنالك كاهنا جاء من سمر قند فبشرهما بما يكون لهما فرجعا إلى اليمن وتقدم خلف الوزير إلى زبيد وأشاع موت جياش واستأمن لنفسه ولحق جياش فاقاما هنالك مختفيين وعلى زبيد يومئذ أسعد بن شهاب خال المكرم ومعه على بن القم وزير المكرم وكان حنقا على المكرم ودولته فداخله الوزير خلف ولاعب ابنه الحسين الشطرنج ثم انتقل إلى ملاعبة أبيه فاغتبط به وأطلعه على رأيه في الدولة وكان يتشيع لان نجاح وانتمى بعض الايام وهو يلاعب فسمعه على بن القم واستكشف أمره فكشف له القناع واستحلفه وجياش أثناء ذلك يجمع أشياعه من الحبشة وينفق فيهم الاموال حتى اجتمع له خمسة آلاف فثار بهم في زبيد سنة ثنتين وثمانين ونزل دار الامارة ومن على أسعد بن شهاب وأطلقه لزمانة كانت به وبقى ملكا على زبيد يخطب للعباسيين والصليحيون يخطبون للعبيديين والمكرم يبعث العرب للغارة على زبيد كل حين إلى ان هلك جياش على رأس المائة الخامسة وكانت كنيته ابن القطاى وكان(4/217)
موصوفا بالعدل وولى بعده ابنه الفاتك صبيا لم يحتلم ودبروا ملكه وجاء عمه ابراهيم لقتاله وبرزوا له فثار عبد الواحد بالبلد وبعث منصور إلى الفضل بن أبى البركات صاحب التعكر فجاء لنصره مضمرا للغدر به ثم بلغه انتقاض أهل التعكر عليه فرجع ولم يزل منصور في ملكه بزبيد إلى ان وزر له أبو منصور عبيد الله فقتله مسموما سنة سبع عشرة وخمسمائة ونصب فاتكا ابنه طفلا صغيرا واستبد عليه وقام بضبط الملك وهان عليه التعرض لال نجاح حتى هربت منه أم فاتك هذا وسكنت خارج المدينة وكان قرما شجاعا وله وقائع مع الاعداء وحاربه ابن نجيب داعى العلوية فامتنع عليه وهو الذى شيد المدارس للفقهاء بزبيد واعتنى بالحاج ثم راود مفارك بنت جياش ولم تجد بدا من
اسعافه فامكنته حتى إذا قضى وطره مسحت ذكره بمنديل مسموم فنثر لحمه وذلك سنة أربع وعشرين وخمسمائة وقام بأمر فاتك بعده زريق من موالى نجاح قال عمارة كان شجاعا فاتكا قرما وكان من موالى ام فاتك المختصين بها قال عمارة وفى سنة احدى وثلاثين وخمسمائة توفى فاتك بن المنصور وولى بعده ابن عمه وسميه فاتك ابن محمد بن فاتك وسرور قائم بوزارته وتدبير دولته ومحاربة اعدائه وكان يلازم المسجد إلى ان دس عليه على بن مهدى الخارجي من قتله في المسجد وهو يصلى العصر يوم الجمعة ثانى عشر صفر سنة احدى وخمسين وثار السلطان بالقاتل فقتل جماعة من أهل المسجد ثم قتل واضطرب موالى نجاح بالدولة وثار عليهم ابن مهدى الخارجي وحار بهم مرارا وحاصرهم طويلا واستعانوا بالشريف المنصور أحمد بن حمزة السليمانى وكان يملك صعدة فاغاثهم على ان يملكوه ويقتلوا سيدهم فاتك بن محمد فقتلوه سنة ثلاث وخمسين وملكوا عليهم الشريف أحمد فعجز عن مقاومة ابن مهدى وفر تحت الليل وملكها على بن مهدى سنة أربع وخمسين وانقرض أمر آل نجاح والملك لله [ الخبر عن دولة بنى الزريع بعدن من دعاة العبيديين باليمن وأولية أمرهم ومصايره ] وعدن هذه من أمنع مدائن اليمن وهى على ضفة البحر الهندي وما زالت بلد تجارة من عهد التبابعة وأكثر بنائهم بالاخصاص ولذلك يطرقها الحرير كثيرا وكانت صدر الاسلام دار ملك لبنى معن ينتسبون إلى معن بن زائدة ملكوها من أيام المأمون وامتنعوا على بنى زياد وقنعوا منهم بالخطبة والسكة ولما استولى الداعي على بن محمد الصليحى رعى لهم ذمام العروبية وقرر عليهم ضريبة يعطونها ثم أخرجهم منها ابنه أحمد المكرم وولى عليها بنى المكرم من عشيرة جسم بن يام من همذان وكانوا أقرب عشائره إليه فأقامت في ولايتهم زمنا ثم حدثت بينهم الفتنة وانقسموا إلى فثتين بنى مسعود(4/218)
ابن المكرم وبنى الزريع بن العباس بن المكرم وغلب بنو الزريع بعد حروب عظيمة قال ابن سعيد وأول مذكور منهم الداعي بن أبى السعود بن الزريع أول من اجتمع له الملك بعد بنى الصليحى وورثه عنه بنوه وحاربه ابن عمه على بن أبى الغارات بن مسعود ابن المكرم صاحب الزعازع فاستولى على عدن من يده بعد مقاساة ونفقات في الاعراب ومات بعد فتحها بسبعة أشهر سنة ثلاث وثلاثين وخمسمائة وولى ابنه الاغر وكان مقيما بحصن الدملوة المعقل الذى لا يرام وامتنع عليه بعده ابن بلال ابن الزريع من مواليه وخشى محمد بن سبا على نفسه ففر إلى منصور بن المفضل من ملوك الجبال الصليحيين بذى جبلة ثم مات الاغر قريبا فبعث بلال عن محمد بن سبا فوصل إلى عدن وكان التقليد جاء من مصر باسم الاغر فكتب مكانه محمد بن سبا وكان في نعوته الداعي المعظم المتوج المكنى بسيف أمير المؤمنين فوقعت كلها عليها وزوجه بلال بنته ومكنه من الاموال التى كانت في خزائنه ثم مات بلال عن مال عظيم وورثه محمد بن سبا وأنفقه في سبيل الكرم والمروآت واشترى حصن ذى جبلة من منصور بن المفضل بن أبى البركات كما ذكرناه واستولى عليه وهو دار ملك الصليحيين وتزوج سيدة بنت عبد الله الصليحى وتوفى سنة ثمان وأربعين وولى ابنه عمران بن محمد بن سبا وكان ياسر بن بلال يدبر دولته وتوفى سنة ستين وخمسمائة وترك ولدين صغيرين وهما محمد وأبو السعود فحبسهما ياسر بن بلاد في القصر واستبد بالامر وكان ياسر محمد كثير العطية للشعراء ومن وفد عليه ومدحه ابن قلاقس شاعر الاسكندرية ومن قصائده في مدحه سافر إذا حاولت قدرا * سار الهلال فصار بدرا وهو آخر ملوك الزريعيين ولما دخل سيف الدولة أخو صلاح الدين إلى اليمن سنة ست وستين وستمائة واستولى عليها جاء إلى عدن فملكها وقبض على ياسر بن بلال وانقطعت دولة بنى زريع وصار اليمن للمعزو فيه ولا تهم بنو أيوب كما نذكر في أخبارهم وكانت مدينة الجدة قرب عدن اختطها ملوك الزريعيين فلما جاءت دولة بنى أيوب تركوها
ونزلوا تعز من الجبال كما يأتي ذكره * (أخبار ابن مهدى الخارجي وبنيه وذكر دولتهم باليمن وبدايتها وانقراضها) * هذا الرجل من أهل العترة من سواحل زبيد وهو على بن مهدى الحميرى كان أبوه مهدى معروفا بالصلاح والدين ونشأ ابنه على طريقته فاعتزل ونسك ثم حج ولقى علماء العراق وأخذ الوعظ من وعاظهم وعاد إلى اليمن واعتزل ولزم الوعظ وكان حافظا فصيحا ويخبر بحوادث أحواله فيصدق فمال إليه الناس واغتبطوا به وصار يتردد للحج سنة احدى وستين ويعظ الناس في البوادى فإذا حضر الموسم ركب على نجيب له ووعظ الناس(4/219)
ولما استولت ام فاتك على بنى جياش أيام ابنها فاتك بن منصور أحسنت فيه المعتقد وأطلقت له ولقرابته وأصهاره خرجهم فحسنت أحوالهم وآثروا وركبوا الخيول وكان يقول في وعظه دنا الوقت يشير إلى وقت ظهوره واشتهر ذلك عنه وكانت ام فاتك تصل أهل الدولة عنه فلما ماتت سنة خمس وأربعين جاءه أهل الجبال وحالفوه على النصرة وخرج من تهامة سنة ثمان وثلاثين وقصد الكودا فانهزم وعاد إلى الجبال وأقام إلى سنة احدى وأربعين ثم اعادته الحرة ام فاتك إلى وطنه وماتت سنة خمس وأربعين فخرج إلى خوازن ونزل ببطن منهم يقال له حيوان في حصن يسمى الشرف وهو حصن صعب ليس يرتقى على مسيرة يوم من سفح الجبل في طريقه أو عار في واد ضيق عقبة كؤد وأصحابه سماهم الانصار وسمى كل من صعد معه من تهامة المهاجرين وأمر للانصار رجلا اسمه سبا وللمهاجرين آخر اسمه شيخ الاسلام واسمه النوبة واحتجب عمن سواهما وجعل يشن الغارات على أرض تهامة وأعانه على ذلك خراب النواحى بزبيد فاخرب سابلتها ونواحيها وانتهى إلى حصن الدائر على نصف مرحلة من زبيد وأعمل الحيل في قتل مسرور مدبر الدولة فقتل كما مر وأقام يخيف زبيد بالزحوف قال عمارة زاحفها سبعين وحفا وحاصرها طويلا واستمدوا الشريف أحمد بن حمزة
السليمانى صاحب صعدة فامدهم وشرط عليهم قتل سيدهم فاتك فقتلوه سنة ثلاث وخمسين وملك عليهم الشريف ثم عجز وهرب عنهم واستولى على بن مهدى عليها في رجب سنة أربع وخمسين ومات لثلاثة اشهر من ولايته وكان يخطب له بالامام المهدى أمير المؤمنين وقامع الكفرة والملحدين وكان على رأى الخوارج يتبرأ من على وعثمان ويكفر بالذنوب وله قواعد وقواميس في مذهبه يطول ذكرها وكان يقتل على شرب الخمر قال عمارة كان يقتل من خالفه من أهل القبلة ويبيح نساءهم وأولادهم وكانوا يعتقدون فيه العصمة وكانت أموالهم تحت يده ينفقها عليهم في مؤنهم ولا يملكون معه مالا ولا فرسا ولا سلاحا وكان يقتل المنهزم من أصحابه ويقتل الزانى وشارب الخمر وسامع الغناء ويقتل من تأخر عن صلاة الجماعة ومن تأخر عن وعظه يوم الاثنين والخميس وكان حنفيا في الفروع ولما توفى تولى بعده ابنه عبد النبي وخرج من زبيد واستولى على اليمن أجمع وبه يومئذ خمس وعشرون دولة فاستولى على جميعها ولم يبق له سوى عدن ففرض عليها الجزية ولما دخل شمس الدولة تور شاه بن أيوب أخو صلاح الدين سنة ست وستين وخمسمائة واستولى على الدولة التى كانت باليمن فقبض على عبد النبي وامتحنه وأخذ منه أموالا عظيمة وحمله إلى عدن فاستولى عليها ثم نزل زبيد واتخذها كرسيا لملكه ثم استوخمها وسار في الجبال ومعه الاطباء يتخير مكانا صحيح الهواء ليتخذ فيه سكناه فوقع(4/220)
اختيارهم على مكان تعز فاختط به المدينة ونزلها وبقيت كرسيا لملكه وبنيه ومواليهم بنى رسول كما نذكر في أخبارهم وبانقراض دولة بنى المهدى انقرض ملك العرب من اليمن وصار للعز ومواليهم * (ولنذكر الان) * طرفا من الكلام على قواعد اليمن ومدنه واحدة واحدة كما أشار إليه ابن سعيد * (اليمن) * من جزيرة العرب يشتمل على كراسي سبعة للملك تهامة والجبال وفى تهامة مملكتان مملكة زبيد ومملكة عدن ومعنى تهامة ما انخفض من بلاد اليمن مع ساحل البحر من البرين من جهة الحجاز
إلى آخر أعمال عدن دورة البحر الهندي قال ابن سعيد وجزيرة العرب في الاقليم الاول ويحيط بها البحر الهندي من جنوبها وبحر السويس من غربها وبحر فارس من شرقها وكانت اليمن قديما للتبايعة وهى أخصب من الحجاز وأكثر أهلها القحطانية وفيها من عرب وائل وملكها لهذا العهد لبنى رسول موالى بنى أيوب ودار ملكهم تعز بعد أن نزلوا الحرة أولا وبصعدة من اليمن أئمة الزيدية وبزبيد وهى مملكة اليمن شمالها الحجاز وجنوبها البحر الهندي وغربها بحر السويس اختطها محمد بن زياد أيام المأمون سنة أربع ومائتين وهى مدينة مسورة تدخلها عين جارية تحلها الملوك وعليها غيطان يسكنونها أيام الغلة وهى الان من ممالك بنى رسول وبها كان ملك بنى زياد ومواليهم ثم غلب عليها بنو الصليحى وقد مر خبرهم * (عتر وحلى والسرجة) * من أعمال زبيد في شمالها وتعرف باعمال ابن طرف مسيرة سبعة أيام في يومين من السرجة إلى حلى ومكة ثمانية أيام وعتر هي منبر الملك وهى على البحر وكان سليمان بن طرف ممتنعا بها على أبى الجيش بن زياد وكان مبلغ ارتفاعه خمسمائة ألف دينار ثم دخل في طاعته وخطب له وحمل المال ثم صارت هذه المملكة للسليمانيين من بنى الحسن من امراء مكة حين طردهم الهواشم عن مكة وكان غالب بن يحيى منهم يؤدى الاتاوة لصاحب زبيد وبه استعان محمد مفلح الفاتكى من سرور ثم هلك بعدها ثم عيسى بن حمزة من بنيه ولما ملك الغز اليمن أخذ يحيى أخو عيسى أسيرا وسيق إلى العراق فحاول عليه عيسى فتخلصه من الاسر ورجع إلى اليمن فقتل أخاه عيسى وولى مكانه المهجم من أعمال زبيد على ثلاثة مراحل عليها وعربها من العسيرة من حكم وجعفر قبيلتين منهم ويجلب منها الزنجبيل * (السرير) * آخر أعمال تهامة من اليمن وهى على البحر دون سور وبيوتها أخصاص وملكها راجح بن قتادة سلطان مكة أعوام الخمسين وستمائة وله قلعة على نصف مرحلة منها * (الزرائب) * من الاعمال الشمالية من زبيد وكانت لابن مطرف واجتمع له فيها عشرون ألفا من الحبشة الذين معه جميعا وقال ابن سعيد في أعمال زبيد
والاعمال التى في الطريق الوسطى بين البحر والجبال وهى في خط زبيد في شماليها وهى(4/221)
الجادة إلى مكة قال عمارة هي الجادة السلطانية منها إلى البحر يوم أو دونه وكذلك إلى الجبال ويجتمع الطريقان الوسطى والساحلية في السرير ويفترقان * (عدن) * من ممالك اليمن في جوف زبيد وهى كرسى عملها وهى على ضفة البحر الهندي وكانت بلد تجارة منذ أيام التبايعة وبعدها عن خط الاستواء ثلاث عشرة درجة ولا تنبت زرعا ولا شجرا ومعاشهم السمك وهى ركاب الهند من اليمن وأول ملكها لبنى معن بن زائدة استقاموا لبنى زياد وأعطوهم الاتاوة ولما ملك الصليحيون أقرهم الداعي ثم أخرجهم ابنه أحمد المكرم وولاها بنى المكرم من جشم بن يام رهطه بهمدان وصفا الملك فيها لبنى الزريع منهم وقنع منهم بالاتاوة حتى مكلها من أيديهم شمس الدولة بن أيوب كما تقدم * (عدن أبين) * من بينات المدن وهى إلى جهة الشحر * (الزعزاع) * باودية ابن أيوب عدن وكانت لبنى مسعود بن المكرم المقارعين لبنى الزريع * (الجوة) * اختطها ملوك الزريعيين قرب عدن ونزلها بنو أيوب ثم انتقلوا إلى تعز * (حصن ذى جبلة) * من حصون مخلاف جعفر اختطه عبد الله الصليحى أخو الداعي سنة ثمان وخمسين وأربعمائة وانتقل إليه ابنه المكرم من حصن صنعاء وزوجه سيدة بنت أحمد المستبدة عليه وهى التى تحكمت سنة ثمانين ومات المكرم وقد فوض الامر في ملك والدعوة إلى سبا بن أحمد بن المظفر الصليحى وكان في معقل أشيح وكانت تستظهر بقبيل جنب وكانوا خاملين في الجاهلية فظهروا بمخلاف جعفر ثم وصل من مصر ابن نجيب الدولة داعيا ونزل مدينة جند واعتضد بهمذان فحاربته السيدة بجنب وخولان إلى ان ركب البحر وغرق وكان يتولى أمورها المفضل بن أبى البركات بعد زوجها المكرم واستولى عليها * (التعكر) * من مخلاف جعفر كان لبنى الصليحى ثم لسيدة من بعدهم ثم طلبه منها المفضل بن أبى البركات فسلمته إليه وأقام فيه إلى ان سار إلى زبيد وحاصر
فيها بنى نجاح وطالت غيبته فثار بالتعكر جماعة من الفقهاء وقتلوا نائبه وبايعوا لابراهيم ابن زيدان منهم وهو عم عمارة الشاعر واستظهروا بخولان فرجع المفضل وحاصرهم كما ذكرنا ذلك من قبل * (حصن خدد) * كان لعبد الله بن يعلى الصليحى وهو من مخلاف جعفر وكان المفضل قد أدخل من خولان في حصون المخلاف عددا كثيرا في بنى بحر وبنمنبه ورواح وشعب فلما مات المفضل وفى كفالته سيدة كما مر وثب مسلم بن الذر من خولان في حصن خدد وملكه من يد عبد الله بن يعلى الصليحى ولحق عبد الله بحصن مصدود ورشحته سيدة لمكان المفضل واسخلصته الدولة من مدينة الجند ومن اليمن بأمرها * (حصن مصدود) * من حصون مخلاف جعفر وهى خمسة ذو جبلة والتعكر وحصن خدد ولما غلبت خولان على حصن خدد من يد عبد الله الصليحى ولحق بحصن(4/222)
مصدود واستولى عليه منهم زكريا بن شكير البحري وكان بنو الكردى من حمير ملوكا قبل بنى الصليحى باليمن وانتزع بنو الصليحى ملكهم وكان لهم مخلاف بحصونه ومخلاف معافر ومخلاف الجند وحصن سمندان ثم استقرت لمنصور بن المفضل بن أبى البركات وباعها من بنى الزريع كما مر * (صنعاء) * قاعدة التبابعة قبل الاسلام وأول مدينة اختطت باليمن وبنتها فيما يقال عاد وكانت تسمى أوال من الاولية بلغتهم وقصر غمدان قريب منها أحد البيوت السبعة بناء الضحاك باسم الزهرة وحجت إليه الامم وهدمه عثمان وصنعاء أشهر حواضر اليمن وهى فيما يقال معتدلة وكان فيها أول المائة الرابعة بنو يعفر من التبايعة ودار مكلهم كحلان ولم يكن لها نباهة في الملك إلى أن سكنها بنو الصليحى وغلب عليها الزيدية ثم السليمانيون من بعد بنى الصليحى * (قلعة كحلان) * من أعمال صنعاء لبنى يعفر من التبابعة بناها قرب صنعاء ابراهيم وكانت له صعدة ونجران واعتصم بنو يعفر بقلعة كحلان وقال البيهقى سيد قلعة كحلان أسعد بن يعفر وحارب بنى الرسى وبنى زياد أيام أبى الجيش * (حصن الصمدان) * من أعمال صنعاء
كانت فيه خزائن بنى الكردى الحمير بين إلى أن ملكه على الصليحى ورد عليهم المكرم بعض حصونهم إلى ان انقرض أمرهم على يد على بن مهدى وكان لهم مخلاف جعفر الذى منه مدينة ذى جبلة ومعقل التعكر وهو مخلاف الجند ومخلاف معافر مقر ملكهم السمدان وهو أحصن من الدمولة * (قلعة منهاب) * من قلاع صنعاء بالجبال ملكها بنو زريع واستبد بها منهم الفضل بن على بن راضى بن الداعي محمد بن سبا بن زريع نعته صاحب الجزيرة بالسلطان وقال كانت له قلعة منهاب وكان حيا سنة ست وثمانين وخمسمائة وصارت بعده لاخيه الاغرابى على * (جبل الدبجرة) * وهو بقرب صنعاء وقد اختط جعفر مولى بنى زياد سلطان اليمن مخلاف جعفر فنسب إليه * (عدن لاعة) * بجانب الدبجرة أول موضع ظهرت فيه دعوة الشيعة باليمن ومنها محمد ابن المفضل الداعي ووصل إليها أبو عبد الله الشيعي صاحب الدعوة بالمغرب وفيها قرأ على على بن محمد الصليحى صبيا وهى دار دعوة اليمن كان محمد بن المفضل داعيا على عهد أبى الجيش بن زياد وأسعد بن يعفر * (بيجان) * ذكرها عمارة في المخاليف الجبلية ومكلها نستوان بن سعيد القحطاني * (تعمر) * من أجل معاقل الجبال المطلة على تهامة ما زال حصنا للملوك وهو اليوم كرسى لبنى رسول ومعدود في الامصار وكان به من ملوك اليمن منصور بن المفضل بن أبى البركات وبنو المظفر وورثها عنه ابنه منصور ثم باعها حصنا حصنا من الداعي بن المظفر والداعى الزريعى إلى أن بقى بيده حصن تعمر فأخذه منه ابن مهدى * (معقل اشيح) * من أعظم حصون الجبال وفيه خزائن(4/223)
بنى المظفر من الصليحيين صارت له بعهد المكرم ابن عمه صاحب ذى جبلة وقلده المستنصر الدعوة وتوفى سنة ست وثمانين وأربعمائة وغلب ابنه على على معقل الملك أشيح واعيا المفضل أمره إلى أن تحيل عليه وقتله بالسم وصارت حصون بنى المظفر إلى بنى أبى البركات ثم مات المفضل وخلف ابنه منصورا واستقل بملك أبيه بعد حين وباع
جميع الحصون فباع ذاجبلة من الداعي الزريعى صاحب عدن بمائة ألف دينار وحصن منبر بعد أن كان حلف بالطلاق من زوجته أنه يستبقيه وطلق زوجته الحرة وتزوجها الزريعى وطال عمره ملك ابن عشرين وبقى في الملك ثمانين وأخذ منه معقل على بن مهدى * (صعدة) * مملكتها تلو مملكة صنعاء وهى في شرقيها وفى هذه المملكة ثلاثة قواعد صعدة وجبل قطابة وحصن ثلا وحصون أخرى وتعرف كلها ببنى الرسى وقد تقدم ذكر خبره وأما حصن تلا فمنه كان ظهور الموطئ الذى أعاد امامة الزيدية لبنى الرضا بعد ان استولى عليها بنو سليمان فأوى إلى جبل قطابة ثم بايعوا لاحمد الموطئ سنة خمس وأربعين وستمائة وكان فقيها عابدا وحاصره نور الدين بن رسول في هذا الحصن سنة جمر عليه عسكرا للعصار ثم مات ابن رسول سنة ثمان وأربعين واشتغل ابنه المظفر بحصار حصن الدمولة فتمكن الموطئ وملك حصون اليمن وزحف إلى صعدة وبايعه السليمانيون وامامهم أحمد المتوكل كما مر في أخبار بنى الرسى وأما قطابة فهو جبل شاهق مشرف على صعدة إلى ان كان ما ذكرناه * (حران ومسار) * أما حران فهو اقليم من بلاد همذان وحران بطن من بطونهم كان منهم الصليحى وحصن مسار هو الذى ظهر فيه الصليحى وهو من اقليم حران قال البيهقى بلادهم شرقية بجبال اليمن وتفرقوا في الاسلام ولم يبق لهم قبيلة وفرقة الا في اليمن وهو أعظم قبائل اليمن وبهم قام الموطئ وملكوا جملة من حصون الجبال ولهم بها اقليم بكيل واقليم حاشد وهما ابنا جشم ابن حيوان أنوق بن همدان قال ابن حزم ومن بكيل وحاشد افترقت قبائل همدان انتهى ومن همدان بنو الزريع أصحاب السلطنة والدعوة في عدن والجوة ومنهم بنو يام من قبائل همدان انتهى ومن همدان بنو الزريع سبعة وهم الان في نهاية من التشيع ببلادهم وأكثرهم زيدية * (بلاد خولان) * قال البيهقى هي شرقية من جبال اليمن ومتصلة ببلاد همذان وهى حصون خدد والتعكر وغيرهما وهم أعظم قبائل اليمن مع همدان ولهم بطون كثيرة وافترقوا على بلاد الاسلام ولم يبق منهم وبرية الا باليمن
* (مخلاف بن أصبح) * هو بوادي محول وذو أصبح الذى ينسبون إليه قد تقدم ذكره في انساب حمير من التبابعة والاقيال ومخلاف يحصب مجاور له وهو أخو أصبح * (مخلاف بن وائل) * مدينة هذا المخلاف شاحط وصاحبها أسعد بن وائل وبنو(4/224)
وائل بطن من ذى الكلاع وذو الكلاع من سبا تغلبوا على هذه البلاد عن مهلك الحسن بن سلامة حتى عادوا إلى الطاعة واختط مدينة الكدد على مخلاف سهام ومدينة المعقل على وادى دوال ومات سنة ثنتين وأربعمائة * (بلاد كندة) * وهى من جبال اليمن مما يلى حضرموت وجبال الرمل وكان لهم بها ملوك وقاعدتهم دمون ذكرها امرؤ القيس في شعره * (بلاد مذحج) * موالى جهات الجند من الجبال وينزلها من مذحج عنس وزبيد ومراد ومن عنس بافريقية فرقة وبرية مع ظواعن أهلها ومن زبيد بالحجاز بنو حرب بين مكة والمدينة وبنو زبيد الدين بالشام والجزيرة فهم من طيئ وليسوا من هؤلاء * (بلاد بنى نهد) * في أجواف السروات وتبا لة والسروات بين تهامة والجبال ونجد من اليمن والحجاز كسوأة الفرس وبنو نهد من قضاعة سكنوا اليمن جوار خثعم وهم كا لوحوش والعامة تسميهم السرو وأكثرهم أحلاط من جبلة وخثعم ومن بلادهم تبالة يسكنها قوم من نهير وائل ولهم بها صولة وهى التى وليها الحجاج واستحقرها فتركها * (البلاد المضافة إلى اليمن) * أولها الثمامة قال البيهقى هو بلد منقطع بعمله والتحقيق انه من الحجاز كما هي نجران من اليمن وكذا قال ابن حوقل وهى دونها في المملكة وأرضها تسمى العروض لاعتراضها بين الحجاز والبحرين وفى شرقيها البحرين وغربيها أطراف اليمن والحجاز وجنوبها نجران وشمالها نجد من الحجاز وفى أطرافها عشرون مرحلة وهى على أربعة أميال من مكة وقاعدتها حجر بالفتح وبلد اليمامة كانت مقرا لملوك بنى حنيفة ثم اتخذ بنو حنيفة حجرا وبينهما يوم وليلة وبظواهرها أحياء من بنى يربوع من تميم واحياء من بنى عجل قال البكري واسمها جو وسميت باسم
زرقاء اليمامة سماها بذلك تبع الاخر وهى في الاقليم الثاني مع مكة وبعدهما عن خط الاستواء واحد منازلها توضيح وقرقرا وقال الطبري ان رمل عالج من اليمامة والشحر وهى من أرض وبار وكانت اليمامة والطائف لبنى مزان بن يعفر والسكسك وغلبتهم عليها طسم وجديس ثم غلبتهم بنو مزان آخرا وملكوا اليمامة وطسم وجديس في تبعهم وآخر ملوك بنى ثم غلبت جديس ومنهم باليمامة التى سميت مدينة جو بها وأخبارها معروفة ثم استولى على اليمامة بعد طسم وجديس بنو حنيفة وكان منهم هودة بن على ملك اليمامة وتتوج ويقال انما كانت خرزات هودة بن على ملك اليمامة على عهد النبوة وأسر وأسلم وثبت عند الردة وكان منهم مسيلمة وأخبار معروفة قال ابن سعيد وسألت عرب البحرين وبعض مذحج لمن اليمامة اليوم فقالوا العرب من قيس عيلان وليس لبنى حنيفة بها ذكر * (بلاد حضرموت) * قال ابن حوقل هي في شرقي عدن بقرب البحر ومدينتها صغيرة(4/225)
ولها أعمال عريضة وبينها وبين عمان من الجهة الاخرى رمال كثيرة تعرف بالاحقاف وكانت مواطن لعاد وبها قبر هود عليه السلام وفى وسطها جبل بشام وهى في الاقليم الاول وبعدها عن خط الاستواء ثنتا عشرة درجة وهى معدودة من اليمن بلد نخل وشجر ومزارع وأكثر أهلها يحكمون بأحكام على وفاطمة ويبغضون عليا للتحكم وأكبر مدينة بها الان قلعة بشام فيها خيل الملك وكانت لعاد مع الشحر وعمان وغلبهم عليها بنو يعرب بن قحطان ويقال ان الذى دل عادا على جزيرة العرب هو رقيم بن ارم كان سبق إليها مع بنى هود فرجع إلى عاد ودلهم عليها وعلى دخولها بالجوار فلما دخلوا غلبوا على من فيها ثم غلبهم بنو يعرب بن قحطان بعد ذلك وولى على البلاد فكانت ولاية ابنه حضرموت على هذه البلاد وبه سميت الشحر من ممالك جزيرة العرب مثل الحجاز واليمن وكان معقل عن حضرموت وعمان والذى يسمى الشحر قصبته
ولا زرع فيه ولا نخل انما أموالهم الا بل والمعز ومعاشهم من اللحوم والالبان ومن السمك الصغار ويعلفونها للدواب وتسمى هذه البلاد أيضا بلاد مهرة وبها الابل المهرية وقد يضاف الشحر إلى عمان وهو ملاصق لحضرموت وقيل هو بسائطها وفى هذه البلاد يوجد اللوبان وفى ساحلة العنبر الشحرى وهو متصل في جهة الشرق ومن غربيها ساحل البحر الهندي الذى عليه عدن وفى شرقيها بلاد عمان وجنوبها بحر الهند مستطيلة عليه وشمالها حضرموت كأنها ساحل لها ويكونان معا لملك واحد وهى في الاقليم الاول وأشد حرا من حضرموت وكانت في القديم لعاد وسكنها بعدهم مهرة من حضرموت أو من قضاعة وهم كالوحوش في تلك الرمال ودينهم الخارجية على رأى الاباضية منهم وأول من نزل بالشحر من القحطانية مالك بن حمير خرج على أخيه والك وهو ملك بقصر عمدان فحاربه طويلا ومات مالك فولى بعده ابنه قضاعة بن مالك فلم يزل السكسك يحاربه إلى ان قهره واقتصر قضاعة على بلاد مهرة وملك بعده ابنه اطاب ثم مالك بن الحاف وانتقل إلى عمان وبها كان سلطانه قال البيهقى وملك مهرة ابن حيدان بن الحاف بلاد قضاعة وحارب عمه مالك بن الحاف صاحب عمان حتى غلبهم عليها وليس لهم اليوم في غير بلادهم ذكر وببلاد الشحر مدينة مرياط وضفان على وزن نزال وضفان دار ملك التبابعة ومرياط بساحل الشحر وقد خرجت هاتان المدينتان وكان أحمد بن محمد بن محمود الحميرى ولقبه الناخودة وكان تاجرا كثير المال يعبر إلى صاحب مرياط بالتجارة ثم استوزره ثم هلك فملك أحمد الناخودة ثم خربها وخرب ضفان سنة تسع عشرة وستمائة وبنى على الساحل مدينة ضفا بضم الضاد المعجمة وسماها الاحمدية باسمه وخرب القديمة لانها لم يكن لها مرسى * (نجران) * قال(4/226)
صاحب الكمائم هي صقع منفرد عن اليمن وقال غيره هي من اليمن قال البيهقى مسافتها عشرون مرحلة وهى شرقي صنعاء وشماليها وتوالى الحجاز وفيها مدينتان نجران
وجرش متقاربتان في القدر والعادية غالبة عليها وسكانها كالاعراب وبها كعبة نجران بنيت على هيئة عمدان كعبة اليمن وكانت طائفة من العرب تحج إليها وتنهر عندها وتسمى الدير وبها قس بن ساعده كان يتعبد فيها ونزلها من القحطانية طائفة من جرهم ثم غلبهم عليا حمير وصاروا ولاة للتبابعة وكان كل ملك منهم يسمى الافعى وكان منهم افعى نجران واسمه القلمس بن عمرو بن همذان بن مالك بن شهاب بن زيد بن وائل بن حمير وكان كاهنا وهو الذى حكم بين أولاد نزار لما أتوه حسبما هو مذكور وكان واليا على نجران لبلقيس فبعثته إلى سليمان عليه السلام وآمن وبث دين اليهودية في قومه وطال عمره ويقال ان البحرين والمسلل كانتا له قال البيهقى ثم نزل نجران بنو مذحج واستولوا عليها ومنهم الحرث بنو كعب وقال غيره لما خربت اليمانية في سيل العرم مروا بنجران فحاربتهم مذحج ومنها افترقوا قال ابن حزم ونزل في جوار مذحج بالصلح الحرث بن كعب ابن عبد الله بن مالك بن نصر بن الازد ثم غلبوا عليها مذحجا وصارت لهم رياستها ودخلت النصرانية نجران من قيمون وخبره معروف في كتب السير وانتهت رياسة بنى الحرث فيها إلى بنى الريان ثم صارت إلى بنى عبد المدان وكان يزيد منهم على عهد النبي صلى الله عليه وسلم وأسلم على يد خالد بن الوليد ووفد مع قومه ولم يذكره ابن عبد المؤمن وهو مستدرك عليه وابن أخيه زياد بن عبد الرحمن بن عبد المدان خال السفاح ولاه نجران واليمامة وخلف ابنيه محمدا ويحيى ودخلت المائة الرابعة والملك بها لبنى أبى الجود ابن عبد المدان واتصل فيهم وكان بينهم وبين الفاطميين حروب وربما يغلبونهم بعض الاحيان على نجران وكان آخرهم عبد القيس الذى أخذ على بن مهدى الملك من يده ذكره عمارة وأثنى عليه والله سبحانه وتعالى أعلم بالصواب [ الخبر عن دولة بنى حمدان المستبدين بالدعوة العباسية من العرب بالموصل والجزيرة والشام ومبادي أمورهم وتصاريف أحوالهم ] كان بنو ثعلب بن وائل من أعظم بطون ربيعة بن نزار ولهم محل في الكثرة والعدد وكانت
مواطنهم بالجزيرة في ديار ربيعة وكانوا على دين النصرانية في الجاهلية وصاغيتهم مع قيصر وحاربوا المسلمين مع غسان وهرقل أيام الفتوحات في نصارى العرب يومئذ من غسان واياد وقضاعة وزابلة وسائر نصارى العرب ثم ارتحلوا مع هرقل إلى بلاد الروم ثم رجعوا إلى بلادهم وفرض عليهم عمر بن الخطاب رضى الله عنه الجزية فقالوا يا أمير المؤمنين لا تذلنا بين العرب باسم الجزية واجعلها صدقة مضاعفة ففعل(4/227)
وكان قائدهم يومئذ حنظلة بن قيس بن هرير من بنى مالك بن بكر بن حبيب بن عمر وبن غنم ابن ثعلب وكان من رهطه عمر وبن بسطام صاحب السند أيام بنى أمية ثم كان منهم بعد ذلك في الاسلام ثلاثة بيوت آل عمر بن الخطاب العدوى وآل هرون المغمر وآل حمدان ابن حمدون بن الحرث بن لقمان بن أسد ولم يذكر ابن حزم هؤلاء البيوت الثلاثة في بطون بنى ثعلب في كتاب الجمهرة ووقفت على حاشية في هذا الموضع من كتابه فيها ذكر هؤلاء الثلاثة كا لاستلحاق عليه وقال في بنى حمدان وقيل انهم موالى بنى أسد ثم قال آخر الحاشية انه من خط المصنف يعنى ابن حزم ولمفشا دين الخارجية بالجزيرة أيام مروان بن الحكم وفرق جموعه ومحا آثار تلك الدعوة ثم ظهر في الجزيرة بعد حين أثر من تلك الدعوة وخرج مساور بن عبد الله بن مساور البجلى من الشراب أيام الفتنة بعد مقتل المتوكل واستولى على أكثر أعمال الموصل وجعل دار هجرته الحديثة وكان على الموصل يومئذ عقبة بن محمد بن جعفر بن الاشعث الخزاعى الذى ولى المنصور جده محمدا على افريقية وعليه خرج مساور ثم ولى على الموصل أيوب بن أحمد بن عمر ابن الخطاب الثعلبي سنة أربع وخمسين واستخلف عليه ابنه الحسن فسار إلى مساور في جموع قومه وفيهم حمدون بن الحرث فهزموا الخوارج وفرقوا جمعهم ثم ولى أيام المهتدى عبد الله بن سليمان بن عمران الازدي فغلبه الخوارج وملك مساور الموصل ورجع إلى الحديثة ثم انتقض أهل الموصل أيام المعتمد سنة تسع وخمسين وأخرجوا
العامل وهو ابن اساتكين الهيتم بن عبد الله بن المعتمد العدوى من بنى ثعلب فامتنعوا عليه وولوا مكانه اسحق بن أيوب بن آل الخطاب فزحف ومعه حمدان بن حمدون وحاصرها مدة ثم كانت فتنة اسحق بن كنداجق وانتقاضه على المعتمد واجتمع لمدافعته على بن داود صاحب الموصل وحمدان بن حمدون واسحق بن أيوب فهزمهم اسحق بن كنداجق وافترقوا فاتبع اسحق بن أيوب إلى نصيبين ثم إلى آمد واستجار فيها بعيسى بن الشيخ الشيباني وبعث إلى المعز موسى بن زرارة صاحب أرزن فامتنع بانجادهما ثم ولى المعتمد ابن كنداجق على الموصل سنة سبع وستين فاجتمع لحربه اسحق بن أيوب وعيسى بن الشيخ وأبو العز بن زرارة وحمدان بن حمدون في ربيعة وثعلب فهزمهم ابن كنداجق وحاصره هو ولجؤا إلى آمد عند عيسى بن الشيخ الشيباني وحاصرهم بها وتوالت عليهم الحزوب وهلك مساور الخارجي أثناء هذه الفتن في حربه مع العساكر سنة ثلاث وستين واجتمع الخوارج بعده على هرون بن عبد الله البجلى واستولى على الموصل وكثر تابعه وخرج عليه محمد بن خردان من أصحابه فغلبه على الموصل فقصد حمدان بن حمدون مستنجدا به فسار معه ورده إلى الموصل(4/228)
ولحق محمد بالحديثة ورجع أصحابه إلى هرون ثم سار هرون من الموصل إلى محمد فاوقع به وقتله وعاث في الاكراد الجلالية أصحابه وغلب على القرى والرساتيق وجعل رجله يأخذ الزكاة والعشر ثم زحف بنو شيبان لقتاله سنة ثنتين وسبعين فاستنجد بحمدان بن حمدون وانهزم قبل وصوله إليه ثم كانت الفتنة بين اسحق بن كنداجق ويوسف بن أبى الساج وأخذ ابن أبى الساج بدعوة ابن طولون وغلب على الجزيرة والموصل ثم عاد وملكها لابن كنداجق وولى عليها هرون بن سيما سنة تسع وسبعين ومائتين فطرده أهلها واستنجد ببنى شيبان فساروا معه إلى الموصل واستمد أهلها الخوارج وبنى ثعلب فسار لامدادهم هرون السارى وحمدان فهزمهم بنو شيبان
وخاف أهل الموصل من ابن سيما فبعثوا إلى بغداد وولى عليهم المعتمد على بن داود الازدي ولما بلغ المعتضد مما لاة حمدان بن حمدون لهروى السارى وما فعله بنو شيبان وقد كان خرج لاصلاح الجزيرة وأعطاه بنو شيبان رهنهم على الطاعة زحف إلى حمدان وهزمه فلحق بماردين وترك بها ابنه الحسين وهرب فسار مع وصيف ونصر القسورى ومروا بدير الزعفران وبه الحسين بن حمدان فاستأمن لهم وبعثوا به إلى المعتضد وأمر بهدم القلعة ولقى وصيف حمدان فهزمه وعبر إلى الجانب الغربي ثم سار إلى معسكر المعتضد وكان اسحق بن أيوب الثعلبي قد سبق إلى طاعة السلطان وهو في معسكره فقصد خيمته ملقيا بنفسه عليه فأحضره عند المعتضد فحبسه ثم سار نصر القسورى في اتباع هرون فهزم الخوارج ولحق باذربيجان واستأمن آخرون إلى المعتضد ودخل هرون البرية ثم سار المعتضد سنة ثلاث وثمانين في طلب هرون وبعث في مقدمته وصيفا وسرح معه الحسين بن حمدان بن يكرين واشترط له اطلاق ابنه ان جاء بهرون فاتبعه وأسره وجاء به إلى المعتضد فخلع عليه وعلى اخوته وطوقه وفك القيود عن حمدان ووعده باطلاقه ومات اسحق بن أيوب العدوى وكان على ديار ربيعة فولى المعتضد مكانه عبد الله بن لهيثم بن عبد الله بن المعتمد * (مبدأ لدولة وولاية أبى الهيجاء عبد الله بن حمدان على الموصل) * ولما ولى المكتفى عقد لابي الهيجاء عبد الله بن حمدان على الموصل وأعمالها وكان الاكراد الهدبانية قد عاثوا في نواحيها ومقدمهم محمد بن سلال فقاتلهم وعبر وراءهم إلى الجانب الشرقي وقاتلهم على الخازر وقتل مولاه سيما ورجع ثم أمده الحليفة فسار في اثرهم سنة أربع وتسعين وقاتلهم على اذربيجان وهزم محمد بن سلال بأهله وولده واستباحهم ابن حمدان ثم استأمن محمد وجاءه إلى الموصل واستأمن سائر الاكراد الحميدية واستقام أمر أبى الهيجاء ثم كانت فتنة الخلع ببغداد سنة ست وتسعين وقتل(4/229)
الوزيرر العباس بن الحسن وخلع المقتدر وبويع عبد الله بن المعتز يوما أو بعض يوم وعاد المقتدر كما مر ذلك كله في أخبار الدولة العباسية وكان الحسين بن حمدان على ديار ربيعة وكان ممن تولى كبر هذه الفتنة مع القواد وباشر قتل الوزير مع من قتله فهرب وطلبه المقتدر وبعث في طلبه القاسم بن سيما وجماعة من القواد فلم يظفروا به فكتب إلى أبى الهيجاء وهو على الموصل فسار مع القاسم ولقيهم الحسين عند تكريت فانهزم واستأمن فأمنه المقتدر وخلع عليه وولاه أعمال قم وقاشان ثم رده بعد ذلك إلى ديار ربيعة * (انتقاض أبى الهيجاء ثم الحسين بن حمدان) * ولما كانت سنة تسع وتسعين خالف أبو الهيجاء بالموصل إلى سنة ثنتين وثلثمائة وكان الحسين بن حمدان على ديار ربيعة كما قدمناه فطالبه الوزير عيسى بن عيسى بحمل المال فدافعه فأمره بتسليم البلاد إلى العمال فامتنع فجهز إليه الجيش فهزمهم فكتب إلى مؤنس العجلى وهو بمصر يقاتل عساكر العلوية بأن يسير إلى قتال الحسين بعد فراغه من أمره فسار إليه سنة ثلاث وثلثمائة فارتحل بأهله إلى أرمينية وترك البلاد وبعث مؤنس العساكر في اثره فأدركوه وقاتلوه فهزموه وأسر هو وابنه عبد الوهاب وأهله وأصحابه وعاد به إلى بغداد فأدخل على جمل وقبض المقتدر يومئذ على أبى الهيجاء وجميع بنى حمدان فحبسهم جميعا ثم أطلق أبا الهيجاء سنة خمس بعدها وقتل الحسين سنة ست وولى ابراهيم بن حمدان سنة سبع على ديار ربيعة وولى مكانه داود بن حمدان * (ولاية أبى الهيجاء ثانية على الموصل ثم مقتله) * ثم ولى المقتدر أبا الهيجاء عبد الله بن حمدان على الموصل سنة أربع عشرة فبعث ابنه ناصر الدولة الحسين عليها وأقامها ببغداد ثم بلغه افساد العرب والاكراد في نواحيها وفى نواحى عمله الاخر بخراسان فبعث إلى أبيه ناصر الدولة فأوقع بالعرب في الجزيرة ونكل بهم وجاءه في العساكر إلى تكريت فخرج ورحل بهم إلى شهر زور وأوقع
بالاكراد الجلالية حتى استقاموا على الطاعة ثم كان خلع المقتدر سنة سبع عشرة وثلثمائة بأخيه القاهر ثم عاد ثانى يوم وأحيط بالقاهر في قصره فتذمم بأبى الهيجاء وكان عنده يومئذ وأطال المقام يحاول على النجاة به فلم يتمكن من ذلك وانقض الناس على القاهر ومضى أبو الهيجاء يفتش عن بعض المنافق في القصر يتخلص منه فاتبعه جماعة وفتكوا به وقتلوه منتصف المحرم من السنة وولى المقتدر مولاه تحريرا على الموصل * (ولاية سعيد ونصرا بنى حمدان على الموصل) *(4/230)
ثم ان أبا العلاء سعيد بن حمدان ضمن الموصل وديار ربيعة وما بيد ناصر الدولة فولاه الراضي سنة ثلاث وعشرين وسار إلى الموصل فخرج ناصر الدولة لتلقيه وخالفه أبو العلاء إلى بيته وقعد ينتظره فأنفذ ناصر الدولة جماعة من غلمانه فقتلوه وبلغ الخبر إلى الراضي فأعظم ذلك وأمر الوزير ابن مقلة بالمسير إلى الموصل فسار إليها وارتحل ناصر الدولة واتبعه الوزير إلى جبل السن ورجع عنه وأقام بالموصل واحتال بعض أصحاب ابن حمدان ببغداد على ابن الوزير وبذل له عشرة آلاف دينار على أن يستحث أباه ففعل وكتب إليه بأمور أزعجته فاستعمل على الموصل من وثق به من أهل الدولة ورجع إلى بغداد في منتصف شوال ورجع ناصر الدولة إلى الموصل فاستولى عليها وكتب إلى الراضي في الصفح وأن يضمن البلاد فأجيب إلى ذلك واستقر في ولايته * (مسير الراضي إلى الموصل) * وفى سنة سبع وعشرين تأخر ضمان البلاد من ناصر الدولة فغضب الراضي وسار ومدبر دولته تحكم وسار إلى الموصل وتقدم تحكم إلى تكريت فخرج إليه ناصر الدولة فانهزم أصحابه وسار إلى نصيبين واتبعه تحكم فلحق به وكتب تحكم إلى الراضي بالفتح فسار في السفن يزيد الموصل وكان ابن رائق مختفيا ببغداد منذ غلبه ابن البريدى على الدولة فظهر عند ذلك واستولى على بغداد وبلغ الخبر إلى الراضي فأصعد
من الماء إلى البر واستقدم تحكم من نصيبين واستعاد ناصر الدولة ديار ربيعة وهو يعلم بخبر ابن رائق وبعث في الصلح على تعجيل خمسمائة ألف درهم فأجابه إلى ذلك وسار الراضي وتحكم إلى بغداد ولقيهم أبو جعفر محمد بن يحيى بن سريق رسولا من ابن رائق في الصلح على أن يولى ديار مضر وهى حران والرها والرقة وتضاف إليها قنسرين والعواصم فاجيب إلى ذلك وسار عن بغداد إلى ولايته ودخل الراضي وتحكم بغداد ورجع ناصر الدولة بن حمدان إلى الموصل * (مسير المتقى إلى الموصل وولاية ناصر الدولة امارة الامراء) * كان ابن رائق بعد مسيره إلى ديار مضر والعواصم سار إلى الشأم وملك دمشق بن يد الاخشيد ثم الرملة ثم لقيه الاخشيد على عريش مصر وهزمه ورجع إلى دمشق ثم اصطلحا على أن يجعلا الرملة تخما بين الشأم ومصر وذلك سنة ثمان وعشرين ثم توفى الراضي سنة تسع وعشرين وولى المتقى وقتل تحكم وجاء البريدى إلى بغداد وهرب الاتراك التحكمية إلى الموصل وفيهم توزون وحججح ثم لحقوا بأبى بكر محمد بن رائق واستحثوه إلى العراق وغلب بعدهم على الخلافة الاتراك الديلمية وجاء أبو الحسن(4/231)
البريدى من واسط فأقام ببغداد أربعة وعشرين يوما أمير الامراء ثم شغب عليه الجند فرجع إلى واسط وغلب كورتكين ثم حجر المتقى وكتب إلى ابن رائق يستدعيه فسار من دمشق في رمضان سنة تسع وعشرين واستخلف عليها أبا الحسن أحمد بن على بن حمدان على أن يحمل إليه مائة ألف دينار وسار ابن رائق إلى بغداد وغلب كورتكين والديلمية وحبس كورتكين بدار الخلافة ثم شغب عليه الجند وبعث أبو عبد الله البريدى أخاه أبا الحسن إلى بغداد في العساكر فغلبوا عليها وهرب المتقى وابنه أبو منصور وزاد في المبرة فنثر الدراهم على ابن الخليفة وبلغ في مبرته حتى ركب للانصراف وأمسك ابن رائق للحديث معه فاستدعاه المتقى وخلع عليه ولقبه ناصر
الدولة وجعله أمير الامراء وخلع على أخيه أبى الحسن ولقبه سيف الدولة وكان قتل ابن رائد لتسع بقين من رجب وولاية ناصر الدولة مستهل شعبان من سنة ثمانين ثم سار الاخشيدى من مصر إلى دمشق فملكها من يد عامل ابن رائق وسار ناصر الدولة مع المتقى إلى بغداد * (أخبار بنى حمدان ببغداد) * ولما قتل ابن رائق وأبو الحسن البريدى على بغداد وقد سخطه العامة والخاصة فهرب حججح إلى المتقى وأجمع توزون وأصحابه إلى الموصل واستحثوا المتقى وناصر الدولة فأنجدوهم إلى بغداد وولى على الخراج والضياع بديار مضر وهى الرها وحران والرقة أبا الحسن على بن خلف بن طياب وكان عليها أبو الحسن على بن أحمد بن مقاتل من قبل ابن رائق فقاتله ابن طياب وقتله ولما قرب المتقى وناصر الدولة من بغداد هرب أبو الحسن بن البريدى إلى واسط بعد مقامه مائة يوم وعشرة أيام ودخل المتقى بغداد ومعبنو حمدان وقلد توزون شرطة جانبى بغداد وذلك في شوال من السنة ثم سار بنو حمدان إلى واسط فنزل ناصر الدولة بالمدائن وبعث أخاه سيف الدولة إلى قتال البريدى وقد سار من واسط إليهم فقاتلوه تحت المدائن ومعهم توزون وحججج والاتراك فانهزموا أولا ثم أمدهم ناصر الدولة بمن كان معه من المدائن فانهزم البريدى إلى واسط وعاد ناصر الدولة إلى بغداد منتصف ذى الحجة وبين يديه الاسرى من أصحاب البريدى وأقام سيف الدولة بموضع المعركة حتى اندملت جراحه وذهب وهنه ثم سار إلى واسط فلحق البريدى بالبصرة واستولى على واسط فأقام بها معتزما على اتباع البريدى إلى البصرة واستمد أخاه ناصر الدولة في المال فلم يمده وكان للاتراك عليه استطالة وخصوصا توزون وحججح ثم جاء أبو عبد الله الكوفى بالمال من قبل ناصر الدولة ليفرقه في الاتراك فاعترضه توزون وحججح وأراد البطش به فأخفاه سيف الدولة عنهما ورده إلى أخيه(4/232)
ثم ثار الاتراك بسيف الدولة سلخ شعبان فهرب من معسكره إلى بغداد ونهب سواده قتل جماعة من أصحابه وكان أبو عبد الله الكوفى لما وصل إلى ناصر الدولة وأخبره خبر أخيه أراد أن يسير إلى الموصل فركب المتقى إليه واستمهله وعاد إلى قصره فأغذ السير إلى الموصل بعد ثلاثة عشر شهرا من امارته وثار الديلم والاتراك ونهبوا داره ولما هرب سيف الدولة من معسكره بواسط عاد الاتراك إلى معسكرهم وولوا توزون أميرا وحججح صاحب جيش ولحق سيف الدولة ببغداد منتصف رمضان بعد مسير أخيه وبلغه خبر تورون ثم اختلف الاتراك وقبض تورون على حججح وسمله وسار سيف الدولة ولحق بأخيه بالموصل وولى تورون امارة الامراء ببغداد * (خبر عدل التحكمى بالرحبة) * كان عدل هذا مولى تحكم ثم صار مع ابن رائق وأصعد معه إلى الموصل ولما قتل ابن رائق صار في جملة ناصر الدولة بن حمدان فبعثه مع على بن خلف بن طياب إلى ديار مضر فاستولى ابن طياب عليها وقتل نائب ابن رائق وكان بالرحبة من ديار مضر رمل من قبل ابن رائق يقال له مسافر بن الحسين فامتنع بها وجبى خرابها واستولى على تلك الناحية فأرسل إليه ابن طياب عدلا التحكمى فاستولى عليها وفر مسافرا عنها واجتمع التحكمية إلى عدل واستولى على طريق الفرات وبعض الخابور ثم استنصر مسافر بجمع من بنى نمير وسار إلى قرقيسيا وملكها وارتجعها عدل من يده ثم اعتزم عدل على ملك الخابور وانتصر أهله ببنى نمير فأعرض عدل عن ذلك حينا حتى امنوا ثم أسرى إلى فسيح سمصاب وهى من أعظم قرى خابور فقاتلها ونقب السور وملكها ثم ملك غيرها وأقام في الخابور ستة أشهر وجبى الاموال وقوى جمعه واتسعت حاله ثم طمع في ملك بنى حمدان فسار يريد نصيبين لغيبة سيف الدولة عن الموصل وبلاد الجزيرة ونكب عن الرحبة وحران لان يأنس المؤنسى كان بها في عسكر ومعه جمع من بنى نمير فحاد عنها إلى رأس عين ومنها إلى نصيبين وبلغ الخبر إلى أبى عبد الله الحسين بن سعيد بن حمدان
فجمع وسار إليه فلما التقى الجمعان استأمن أصحاب عدل إلى ابن حمدان ولم يبق معه الا القليل فقبض عليه وسمله وبعث به مع ابنه إلى بغداد في آخر شعبان سنة احدى وثلاثين ومائتين * (مسير المتقى إلى الموصل وعوده) * ولما انصرف ناصر الدولة وسيف الدولة عن المتقى من بغداد جاء تورون من واسط واستولى على الدولة ثم رجع إلى واسط ووقعت بينه وبين ابن البريدى بالبصرة مواصلة(4/233)
وصهر استوحش لها المتقى وكان بعض أصحاب تورون منافرا له فأكثر فيه السعاية عند المتقى والوزير ابن مقلة وخوفهما اتصال يده بابن البريدى وقارن ذلك اتصال ابن شير زاده بتورون ومسيره إليه بواسط فذكروا الخليفة بما فعل ابن البريدى معه في المرة الاخرى وخوفوه عاقبة أمرهم فكتب إلى ابن حمدان أن ينفذ إليه عسكرا يسير صحبته إليهم فأنفذه مع ابن عمه الحسين بن سعيد بن حمدان ووصلوا إلى بغداد سنة ثنتين وثلاثين وخرج المتقى معهم باهله وأعيان دولته ومعه الوزير ابن مقلة وانتهى إلى تكريت فلقيه سيف الدولة هنالك وجاء ناصر الدولة فأصعد المتقى إلى الموصل ولما بلغ الخبر إلى تورون سار نحو تكريت فلقيه سيف الدولة عندها فقاتله ثلاثة أيام ثم هزمه تورون ونهب سواده وسواد أخيه وسار سيف الدولة إلى الموصل وتورون في اتباعه فخرج ناصر الدولة والمتقي وجملته إلى نصيبين ثم إلى الرقة ولحقهم سيف الدولة إليها وملك تورون الموصل وبعث إليه المتقى يعاتبه على اتصاله بابن البريدى وأنه انما استوحش من ذلك فان آثر رضاه واصل ابن حمدان فأجاب تورون إلى ذلك وعقد الضمان لناصر الدولة على ما بيده من البلاد لثلاث سنين كل سنة بثلاثة آلاف ألف وستمائة ألف وعاد تورون إلى بغداد وأقام المتقى بالرقة ثم أحس من ابن حمدان ضجرا به وبلغ سيف الدولة أن محمد بن نيال الترجمان أغرى المتقى بسيف الدولة وهو الذى كان أفسد بين المتقى
وتورون فقبض عليه سيف الدولة وقتله وارتاب المتقى بذلك فكتب إلى تورون يستصلحه وكتب إلى الاخشيذ محمد بن طغج صاحب مصر يستقدمه فسار إليه الاخشيذ ولما وصل إلى حلب وعليها من قبل سيف الدولة ابن عمهم أبو عبد الله سعيد بن حمدان فرحل عنها وتخلف عنه ابن مقاتل الذى كان بدمشق مع ابن رائق ولما وصل الاخشيذ إلى حلب لقيه ابن مقاتل فأكرمه واستعمله على خراج مصر ثم سار إلى المتقى بالرقة فلقيه منتصف ثلاث وثلاثين فبالغ المتقى في اكرامه وبالغ هو في الادب معه وحمل إليه الهدايا والى وزيره وحاشيته وسأله المسير إلى مصر أو الشأم فأبى فأشار عليه أن لا يرجع إلى تورون فأبى وأشار عى ابن مقلة ان يسير معه إلى مصر ليحكمه في دولته وخوفه من تورون فلم يعمل وجاءهم رسل تورون في الصلح وأنهم استحلفوه للخليفة والوزير فانحدر المتقى إلى بغداد اخر المحرم وعاد الاخشيذ إلى مصر ولما وصل المتقى إلى هيت لقيه تورون فقبل الارض ورأى أنه تحلل عن يمينه بتلك الطاعة ثم وكل به وسمل المتقى ورجع إلى بغداد فبايع للمستكفي ولما ارتحل المتقى عن الرقة ولى عليها ناصر الدولة ابن عمه أبا عبد الله بن سعيد بن حمدان وعلى طريق الفرات وديار مضر وقنسيرين وجند والعواصم وحمص فلما وصل إلى الرقة طمع أهلها فيه فقاتلهم وظفر(4/234)
بهم ورجع إلى حلب وقد كان ولى على هذه البلاد قبله أبا بكر محمد بن على بن مقاتل * (استيلاء سيف الدولة على حلب وحمص) * ولما ارتحل المتقى من الرقة وانصرف الاخشيذ إلى الشأم بقى يأنس المؤنسى بحلب فقصده سيف الدولة وملكها من يده ثم سار إلى حمص فلقيه بها كافور مولى الاخشيذ فهزمه سيف الدولة وسار إلى دمشق فامتنعوا عليه فرجع وجاء الاخشيذ من مصر إلى الشأم وسار في اتباع سيف الدولة فاصطفا بقنسرين ثم تحاجزوا ورجع سيف الدولة إلى الجزيرة والاخشيذ إلى دمشق ثم سار سيف الدولة إلى حلب فملكها وسارت عساكر
الروم إليها فقاتلهم وظفر بهم ثم بلغ ناصر الدولة بن حمدان ما فعله تورون من سمل المتقى وبيعة المستكفى فامتنع من حمل المال وهرب إليه غلمان تورون فاستخدمهم ونقض الشرط في ذلك وخرج تورون والمستكفى قاصدين الموصل وتردد الرسل بينهما في الصلح فتم ذلك آخر سنة ثلاث وثلاثين وعاد المستكفى وتورون إلى بغداد فتوفى تورون اثر عوده وولى الامور بعده ابن شير زاده واستعمل على واسط قائدا وعلى تكريت آخر فأما الذى على واسط فكاتب معز الدولة ابن بويه واستقدمه فقدم بغداد واستولى على الدولة فخل المستكفى وبايع للمطيع وأما الذى على تكريت فسار إلى ناصر الدولة بن حمدان بالموصل وسار معه وولاه عليها من قبله * (الفتنة بين ابن حمدان وابن بويه) * ولما خلع معز الدولة بن بويه المستكفى عند استيلانه على بغداد امتعض ناصر الدولة ابن حمدان لذلك وسار من الموصل إلى العراق وبعث معز الدولة بن بويه قواده فالتقى الجمعان بعكبرا واقتتلوا وخرج معز الدولة مع المطيع إلى عكبرا وكان ابن شير زاده ببغداد وأقام بها ولحق بناصر الدولة بن حمدان وجاء بعساكره إلى بغداد فنزلوا بالجانب الغربي وناصر الدولة بالجانب الشرقي ووقع الغلاء في معسكر معز الدولة والخليفة لانقطاع الميرة وبقى عسكر ابن حمدان في رخاء من العيش الاتصال الميرة من الموصل واستعان ابن شير زاده بالعامة والعمارين على حرب معز الدولة والديلم وضاق الامر بمعز الدولة حتى اعتزم على الرجوع إلى الاهواز ثم أمر أصحابه بالعبور من قطر بال بأعلى دجلة وتسابق أصحاب ناصر الدولة إلى مدافعتهم ومنعهم وبقى في خف من الناس فأجاز إليه شجعان الديلم من أقرب الاماكن فهزموه وملك معز الدولة الجانب الشرقي وأعاد المطيع إلى داره في محرم سنة خمس وثلاثين ورجع ناصر الدولة إلى عكبرا وأرسل في الصلح فوقف الاتراك التورونية الذين معه على خبر رسالته فهموا بقتله فأغذ السير(4/235)
إلى الموصل ومعه ابن شير زاده وأحكم الصلح مع معز الدولة * (استيلاء سيف الدولة على دمشق) * وفى سنة خمس وثلاثين وثلثمائة توفى الاخشيذ أبو بكر محمد بن طغج صاحب مصر والشأم فنصب للامر بعده ابنه أبو القاسم أنو جور واستولى عليه كافور الاسود وخادم أبيه وسار بهما إلى مصر وجاء سيف الدولة إلى دمشق فملكها وارتاب به أهلها فاستدعوا كافورا فجاءهم وخرج سيف الدولة إلى حلب ثم اتبعوه فعبر إلى الجزيرة وأقام أنو جور على حلب ثم اتفقوا واصطلحوا وعاد أنو جور إلى مصر وسيف الدولة إلى حلب وأقام كافور بدمشق قليلا ثم عاد إلى مصر واستعمل على دمشق بدرا الاخشيذ ويعرف ببدير ثم عزله بعد سنة وولى أبا المظفر طغج * (الفتنة بين ناصر الدولة بن حمدان وبين تكين والاتراك) * كان مع ناصر الدولة جماعة من الاتراك أصحاب تورون فروا إليه كما قدمنا فلما وقعت المراسيلة بينه وبين معز الدولة في الصلح ثاروا به وهرب منهم وعبر إلى الجانب الغربي ونزل والقرامطة فأجاروه وبعثوا معه إلى مأمنه وفى جملته ابن شير زاده فقبض ناصر الدولة عليه واجتمع الاتراك بعده فقدموا عليهم تكين الشيرازي وقبضوا على من تخلف من أصحاب ناصر الدولة واتبعوه إلى الموصل فسار عنها إلى نصيبين ودخل الاتراك الموصل وبعث ناصر الدولة إلى معز الدولة يستصرخه فبعث إليه الجيوش مع وزيره أبى جعفر الصيمري وخرج الاتراك من الموصل في اتباع ناصر الدولة إلى نصيبين فمضى إلى سنجار ثم إلى الحديثة ثم إلى السن وهم في اتباعه وبقى هنالك العساكر فقاتلوا الاتراك وهزموهم وسيق قائدهم تكين إلى ناصر الدولة فسمله لوقته ثم حبسه وسار مع الصيمري إلى الموصل فأعطاه ابن شير زاده وارتحل به إلى بغداد * (انتقاض جمان بالرحبة ومهلكه) * كان جمان هذا من أصحاب تورون وسار إلى ناصر الدولة بن حمدان فلما كان في محاربة
معز الدولة ببغداد استراب بمن معه من الديلم وجمعهم على جمان هذا وأخرجه إلى الرحبة واليا فعظم أمره وانتقض سنة ست وثلاثين على ناصر الدولة وحدثته نفسه بالتغلب على ديار مضر فسار إلى الرقة وحاصرها سبعة عشر يوما وانهزم عنها ووثب أهل الرحبة بأصحابه وعماله فقتلوهم لسوء سيرتهم وجاء من الرقة فأثخن فيهم وبعث ناصر الدولة بن حمدان حاجبه باروخ مع عسكر فاقتتلوا على الفرات وانهزم جمان فغرق في الفرات واستأمن أصحابه إلى باروخ فأمنهم ورجع إلى ناصر الدولة(4/236)
* (فتنة ناصر الدولة مع معز الدولة) * ثم وقعت الفتنة بين ناصر الدولة بن حمدان ومعز الدولة ابن بويه وسار إليه معز الدولة من بغداد سنة سبع وثلاثين فسار هو من الموصل إلى نصيبين وملك معز الدولة الموصل فظلم الرعايا وأخذ أموالهم وأجمع الاستيلاء على بلاد ابن حمدان كلها فجاء الخبر بأن عساكر خراسان قصدت جرجان والرى وبعث أخوه ركن الدولة يستمده فصالح ناصر الدولة عن الموصل والجزيرة والشأم على ثمانية آلاف ألف درهم كل سنة وعلى أن يخطب له ولاخويه عماد الدولة وركن الدولة وعاد إلى بغداد في ذى الحجة آخر سبع وثلاثين * (غزوات سيف الدولة) * كان أمر الثغور راجعا إلى سيف الدولة بن حمدان ووقع الفداء سنة خمس وثلاثين في ألفين من الاسرى على يد نصر النملى ودخل الروم سنة ثنتين وثلاثين مدينة واسرغين ونهبوها وسبوها وأقاموا بها ثلاثا وهم في ثمانين ألفا مع الدمشق ثم سار سيف الدولة سنة سبع وثلاثين غازيا إلى بلاد الروم فقاتلوه وهزموه ونزل الروم على مرعش فأخذوها وأوقعوا بأهل طرسوس ثم دخل سنة ثمان وثلاثين وتوغل في بلاد الروم وفتح حصونا كثيرة وغنم وسبا ولما قفل أخذت الروم عليه المضايق وأثخنوا في المسلمين قتلا
وأسرا واسترد واما غنموه ونجا سيف الدولة في فل قليل ثم ملك الروم سنة احدى وأربعين مدينة سروج واستباحوها ثم دخل سيف الدولة سنة ثلاث وأربعين إلى بلاد الروم فأثخن فيها وغنم وقتل قسطنطين بن الدمشق فيمن قتل فجمع الدمشق عساكر الروم والروس وبلغار وقصد الثغور فسار إليه سيف الدولة بن حمدان والتقوا عند الحرث فانهزم الروم واستباحهم المسلمون قتلا وأسرا وأسر صهر الدمشق وبعض أسباطه وكثير من بطارقته ورجع سيف الدولة بالظفر والغنيمة ثم دخل بلاد الروم النصرانية ثم رجع إلى أذنة وأقام بها حتى جاءه نائبه على طرسوس فخلع عليه وعاد إلى حلب وامتعض الروم لذلك فرجعوا إلى بلادهم ثم غزا الروم طرسوس والرها وعاثوا في نواحيها سبيا وأسرا ورجعوا ثم غزا سيف الدولة بلاد الروم سنة ست وأربعين وأثخن فيها وفتح عدة حصون وامتلات أيدى عسكره من الغنائم والسبي وانتهى إلى خر سنة ورجع وقد أخذت الروم عليه المضايق فقال له أهل طرسوس ارجع معنا فان الدروب التى دخلت منها قد ملكها الروم عليك فلم يرجع إليهم وكان معجبا برأيه فظهر الروم عليه في الدرب واستردوا ما أخذوا منهم ونجا في فل قليل يناهزون الثلثمائة(4/237)
ثم دخل سنة خمسين قائد من موالى سيف الدولة إلى بلاد الروم من ناحية ميافارقين فغنم وسبا وخرج سالما * (الفتنة بين ناصر الدولة ومعز الدولة بن بويه) * قد تقدم لنا ما وقع من الصلح بين ناصر الدولة وبين معز الدولة بن بويه وطالبه في المال فانتقض وسار إليه معز الدولة إلى الموصل منتصف السنة وملكها وفارقها ناصر الدولة إلى نصيبين وحمل نوابه ومن يعرف وجوه المال وحمايته وأنزلهم في قلاعه مثل الزعفراني وكواشى ودس إلى العرب بقطع الميرة عن عسكر معز الدولة فضاقت عليهم الاقوات فرحل معز الدولة إلى نصيبين لما بها من الغلات السلطانية واستخلف سبكتكين
الحاجب الكبير على الموصل وبلغه في طريقه أبا الرجاء وعبد الله ابني ناصر الدولة مقيمان بسنجار فقصدهما فهربا وخلفا أثقالهما وانتهب العسكر خيامهما ثم عادا إلى معسكر عز الدولة وهم غارون فنالوا منهم ورجعوا إلى سنجار وسار معز الدولة إلى نصيبين ففارقها ناصر الدولة إلى ميافارقين واستأمن كثير من أصحابه إلى معز الدولة فسار ناصر الدولة إلى أخيه سيف الدولة بحلب فقام بخدمته وباشرها بنفسه وأرسل إلى معز الدولة في الصلح بينه وبين أخيه فامتنع معز الدولة من قبول ناصر الدولة لانتقاضه واخلافه فضمن سيف الدولة البلاد بالفى ألف وتسعمائة ألف درهم وأطلق معز الدولة أسرى أصحابهم وتم ذلك محرم سنة ثمان وأربعين ورجع معز الدولة إلى العراق وناصر الدولة إلى الموصل * (استيلاء الروم على عين زربة ثم على مدينة حلب) * وفى المحرم من سنة احدى وخمسين نزل الدمشق في جموع الروم على عين زربة وملك الجبل المطل عليها وضيق عليها حصارها ونصب عليها المنجنيقات وشرع في النقب فاستأمنوا ودخل المدينة ثم ندم على تأمينهم لما رأى من اختلال أحوالهم فنادى فيهم ان يخرجوا بجميع أهاليهم إلى المسجد فمات منهم في الابواب بكض الزحام خلق ومات آخرون في الطرقات وقتل من وجدوا آخر النهار واستولى الروم على أموالهم وامتعتهم وهدموا سور المدينة وفتحوا في نواحى عين زربة أربعة وخمسين حصنا ورحل الدمشق بعد عشرين يوما بنية العود وخلف جيشه بقيسارية وكان ابن الزيات صاحب طرسوس قد قطع الخطبة لسيف الدولة بن حمدان واعترضه الدمشق في بعض مذاهبه فأوقع به وقتل أخاه وأعاد أهل البلد الخطبة لسيف الدولة وألقى ابن الزيات نفسه في النهر فغرق ثم رجع الدمشق إلى بلاد الثغور وأغذ السير إلى مدينة حلب وأعجل سيف(4/238)
الدولة عن الاحتشاد فقاتله في خف من أصحابه فانهزم سيف الدولة واستلحم آل حمدان
واستولى الدمشق على ما في داره خارج حلب من خزائن الاموال والسلاح وخرب الدار وحصر المدينة وأحس أهل حلب مدافعته فتأخر إلى جبل حيوش ثم انطلقت أيدى الدعار بالبلد على النهب وقاتلهم الناس على متاعهم وخربت الاسوار من الحامية فجاء الروم ودخلوها عليهم وبادر الاسرى الذين كانوا في حلب وأثخنوا في الناس وسبى من البلد بضعة عشر ألفا ما بين صبى وصبية واحتمل الروم ما قدروا عليه وأحرقوا الباقي ولجأ المسلمون إلى قصبة البلد فامتنعوا بها وتقدم ابن أخت الملك إلى القلعة يحاصرها فرماه حجر منجنيق فمات وقتل الدمشق به من كان معه من أسرى المسلمين وكانوا ألفا ومائتين وارتحل الدمشق عنهم ولم يعرض لسواد حلب وأمرهم بالعمارة على أنه يعود ابن عمه عن قريب فخيب الله ظنه وأعاد سيف الدولة عين زربة وأصلح أسوارها وغزا حاجبه مع أهل طرسوس إلى بلاد الروم فأثخنوا فيها ورجعوا فجاء الروم إلى حصن سبة فملكوه وملكوا أيضا حصن دلوكة وثلاثة حصون مجاورة لهم ثم سار نجا غلام سيف الدولة إلى حصن زياد فلقيهم جمع من الروم فانهزم الروم وأسر منهم خمسمائة رجل وفى هذه السنة أسر أبو فراس بن سعيد بن حمدان وكان عاملا على منبج وفيها سار جيش من الروم في البحر إلى جزيرة اقريطش وبعث إليهم المعز بالمدد فاسر الروم وانهزم من بقى منهم ثم ثار الروم في ثنتين وخمسين بعدها بملكهم فقتلوه وملكوا غيره وصار ابن السميسرة دمشقا * (انتقاض أهل حران) * كان سيف الدولة قد ولى هبة الله ابن أخيه ناصر الدولة غيرها من ديار مضر فساء أثره فيهم وطرح الامتعة على التجار وبالغ في الظلم فانتظروا به غيبته عند عمه سيف الدولة وثاروا بعماله ونوابه فطردوهم فسار هبة الله إليهم وحاصرهم شهرين وأفحش في القتل فيهم ثم سار سيف الدولة فراجعوا الطاعة وأدخلوا هبة الله وأفحش في القتل واستقاموا * (انتقاض هبة الله) *
وفى هذه السنة بعث سيف الدولة الصوائف إلى بلاد الروم فدخل أهل طرسوس من درب ومولاه نجا من درب وأقام هو ببعض الدروب لانه كان أصابه الفالج قبل ذلك بسنتين فكان يعالج منه شدة إذا عاوده وجعه وتوغل أهل طرسوس في غزوتهم وبلغوا قونية وعادوا فعاد سيف الدولة إلى حلب واشتد وجعه فأرجف الناس بموته فوثب عبد الله ابن أخيه وقتل ابن نجا النصراني من غلمان سيف الدولة ولما تيقن حياة عمه(4/239)
رحل إلى حران وامتنع بها وبعث سيف الدولة غلامه فجاء إلى حران في طلبه فلحق هبة الله بأبيه بالموصل ونزل نجا على حران اخر شوال من سنة ثنتين وخمسين وصادر اهلها على ألف ألف درهم وأخذها منهم في خمسة أيام بالضرب والنكال وباعوا فيها ذخائرهم حتى أملقوا وصاروا إلى ميافارقين ونزلها شاعرة فتسلط العيارون على أهلها * (انتقاض نجا بميافارقين وأرمينية واستيلاء سيف الدولة عليها) * ولما فعل نجا بأهل حران ما فعل واستولى على أموالهم فقوى بها وبطر وسار إلى ميافارقين وقصد بلاد أرمينية وكان قد استولى على أكثرها رجل من العراق يعرف بأبى الورد فغلبه نجا على ما ملك منها وأخذ قلاعه وبلاده فملك خلاط وملا ذكرد وأخذ كثيرا من أموال أبى الورد وقتله ثم انتقض على سيف الدولة واتفق ان معز الدولة ابن بويه استولى على الموصل ونصيبين فكاتبه نجا يعده المساعدة على بنى حمدان ثم صالحه ناصر الدولة ورجع إلى بغداد فسار سيف الدولة إلى نجا فهرب منه بين يديه واستولى على جميع البلاد التى ملكها من أبى الورد واستأمن إليه نجا واخوه واصحابه فأمنهم وأعاد نجا إلى مرتبته ثم وثب عليه غلمانه وقتلوه في داره بميافارقين في ربيع سنة ثلاث وخمسين * (مسير معز الدولة إلى الموصل وحروبه مع ناصر الدولة) * كان الصلح قد استقر بين ناصر الدولة ومعز الدولة على ألف ألف درهم في كل سنة
ثم طلب ناصر الدولة دخول ولده أبى ثعلب المظفر في اليمن على زيادة بذلها وامتنع سيف الدولة من ذلك وسار إلى الموصل منتصف سنة ثلاث وخمسين ولحق ناصر الدولة بنصيبين وملك معز الدولة الموصل وسار عنها في اتباع ناصر الدولة بعد ان استخلف على الموصل في الجباية والحرب فلم يثبت ناصر الدولة وفارق نصيبين وملكها معز الدولة وخالفه أبو ثعلب إلى الموصل وعاث في نواحيها وهزمه قواد معز الدولة بالموصل فسكنت نفس معز الدولة وأقام يترقب أخباره وخالف ناصر الدولة إلى الموصل فأوقع بأصحابه وقتلهم وأسر قواده واستولى على مخلفه من المال والسلاح وحمل ذلك كله إلى قلعة كواشى وبلغ الخبر إلى معز الدولة فلحق بالنواب وأعيا معز الدولة أمرهم ثم أرسلوا إليه في الصلح فأجاب وعقد لناصر الدولة على الموصل وديار ربيعة وجميع أعماله بمقرها المعلوم وعلى أن يطلق الاسرى الذين عنده من أصحاب معز الدولة ورجع معز الدولة إلى بغداد * (حصار المصيصة وطرسوس واستيلاء الروم عليها) *(4/240)
وفى سنة ثلاث وخمسين وثلثمائة خرج الدمشق في جموع الروم فنازل المصيصة وشد حصارها وأحرق رساتيقها وبلغ إلى نقب السور فدافعه أهلها أشد مدافعتهم ثم رحل إلى اذنة وطرسوس وطال عيثه في نواحيها وأكثر القتل في المسلمين وغلت الاسعار في البلاد وقلت الاقوات وعاود مرض سيف الدولة فمنعه من النهوض إليهم وجاء من خراسان خمسة آلاف رجل غزاة فبلغوا إلى سيف الدولة فارتحل بسببهم للمدافعة فوبد الروم انصرفوا ففرق هؤلاء الغزاة في الثغور من أجل الغلاء وكان الروم قد انصرفوا بعد خمسة عشر يوما وبعث الدمشق إلى أهل المصيصة واذنة وطرسوس يتهددهم بالعود ويأمرهم بالرحيل من البلاد ثم عاد إليهم وحاصر طرسوس فقاتلهم أشد قتال وأسروا بطريقا من بطارقته وسقط الدمشق إلى أهل المصيصة ورجعوا إلى
بلادهم ثم سار يعفور ملك الروم من القسطنطينية سنة أربع وخمسين إلى الثغور وبنى بقيسارية مدينة ونزلها وجهز عليها العساكر وبعث أهل المصيصة وطرسوس في الصلح فامتنع وسار بنفسه إلى المصيصة فدخلها عنوة واستباحها ونقل أهلها إلى بلاد الروم وكانوا نحوا من مائتي ألف ثم سار إلى طرسوس واستنزل أهلها على الامان وعلى أن يحملوا من أموالهم وسلاحهم ما قدروا عليه وبعث معهم حامية من الروم يبلغونهم انطاكية وأخذ في عمارة طرسوس وتحصينها وجلب الميرة إليها ثم عاد إلى القسطنطينية وأراد الدمشق بن شمسيق ان يقصد سيف الدولة في ميافارقين ومنعه الملك من ذلك * (انتقاض أهل انطاكية وحمص) * ولما استولى الروم على طرسوس لحق الرشيق النعيمي من قوادهم وأولى الرأى فيهم بانطاكية في عدد وقوة فاتصل به ابن أبى الاهوازي من الجباة بانطاكية وحسن له العصيان وأراه أن سيف الدولة بميافارقين عاجز عن العود إلى الشأم بما هو فيه من الزمانة وأعانه بما كان عنده من مال الجباة فأجمع رشيق الانتقاض وملك انطاكية وسار إلى حلب وبها عرقوبة وجاء الخبر إلى سيف الدولة بأن رشيقا جمع الانتقاض ونجا ابن الاهواز إلى انطاكية فأقام في امارتها رجلا من الديلم اسمه وزير ولقبه الامير وأوهم أنه علوى وتسمى هو با لاشاد واساء السيرة في أهل انطاكية وقصدهم عرقوبة من حلب فهزموه ثم جاء سيف الدولة من ميافارقين إلى حلب وخرج إلى انطاكية وقاتل وزيرا وابن الاهوازي أياما وجئ بهما إليه أسيرين فقتل وزير أو حبس ابن الاهوازي أياما وقتله وصلح أمر انطاكية ثم ثار بحمص مروان القرمطى كان من متابعة القرامطة وكان يتقلد السواهل لسيف الدولة فلما تمكن ثار بحمص فملكها وملك غيرها في غيبة سيف الدولة بميافارقين وبعث إليه عرقوبة مولاه بدرا بالعساكر(4/241)
فكانت بينهما عدة حروب أصيب فيها مروان بسهم فأثبت وبقى أياما يجود بنفسه
والقتال بين أصحابه وبين بدر وأسر بدر في بعض تلك الحروب فقتله مروان وعاش بعده أياما ثم مات وصلح أمرهم * (خروج الروم إلى الثغور واستيلاؤهم على دارا) * وفى سنة خمس وخمسين خرجت جموع الروم إلى الثغور فحاصروا آمد ونالوا من أهلها قتلا وأسرا فامتنعت عليهم فانصرفوا إلى دارا قريبا من ميافارقين فأخذوها وهرب الناس إلى نصيبين وسيف الدولة يومئذ بها فهم بالهروب وبعث عن العرب ليخرج معهم ثم انصرف الروم وأقام هو بمكانه وساروا إلى انطاكية فحاصروها مدة وعاثوا في جهاتها فامتنعت فعاد الروم إلى طرسوس * (وفاة سيف الدولة ومحبس أخيه ناصر الدولة) * وفى صفر من سنة خمس وخمسين توفى سيف الدولة أبو الحسن على بن أبى الهيجاء عبد الله ابن حمدان بحلب وحمل إلى ميافارقين فدفن بها وولى مكانه بعده ابنه أبو المعالى شريف ثم في جمادى الاولى منها حبس ناصر الدولة أخوه بقلعة الموصل حبسه ابنه أبو ثعلب فضل الله القظنفر وكان كبير ولده وكان سبب ذلك أنه كبر وساءت اخلاقه وخالف أولاده وأصحابه في المصالح وضيق عليهم فضجروا منه ولما بلغهم معز الدولة بن بويه اعتزم أولاده على قصد العراق فنهاهم ناصر الدولة وقال لهم اصبروا حتى ينفق بختيار ما خلف أبوه معز الدولة من الذخيرة فتظفروا به والا استظهر عليكم وظفر بكم فلجوا في ذلك ووثب به أبو ثعلب بموافقة البطانة وحبسه بالقلعة ووكل بخدمته وخالفه بعض اخوته في ذلك واضطرب أمره واضطر إلى مداراة بختيار بن معز الدولة وأرسل له في تجديد الضمان ليحتج به على اخوته فضمنه بألفى ألف درهم في كل سنة * (ولاية أبى المعالى بن سيف الدولة بحلب ومقتل أبى فراس) * ولما مات سيف الدولة كما ذكرناه ولى بعده ابنه أبو المعالى شريف وكان سيف الدولة قد ولى أبا فراس بن أبى العلاء سعد بن حمدان عندما خلصه من الاسر الذى أسره الروم
في منبج فاستفداه في الفداء الذى بينه وبين الروم سنة خمس وخمسين وولاه على حمص فلما مات سيف الدولة استوحش من أبى المعالى بعده ففارق حمص ونزل في صدد قرية في طرف البرية قريبا من حمص فجمع أبو المعالى الاعراب من بنى كلاب وغيرهم وبعثهم مع عرقوبة في طلبه فجاء إلى صدد واستأمن له أصحاب أبى فراس وكان في جملتهم فأمر به عرقوبة فقتل واحتمل رأسه إلى أبى المعالى وكان أبو فراس خاله(4/242)
* (أخبار أبى ثعلب مع اخوته بالموصل) * كان لناصر الدولة بن حمدان زوجة تسمى فاطمة بنت أحمد الكردية وهى ام أبى ثعلب وهى التى دبرت مع ابنها أبى ثعلب على أبيه فلما حبس ناصر الدولة كاتب ابنه حمدان يستدعيه ليخلصه مما هو فيه وظفر أبو ثعلب بالكتاب فنقل أباه إلى قلعة كواشى واتصل ذلك بحمدان وكان قد سار عند وفاة عمه سيف الدولة من الرحبة إلى الرقة فملكها ولما اتصل به شأن الكتاب سار إلى نصيبين وجمع الجموع وبعث إلى اخوته في الافراج عن أبيهم فسار أبو ثعلب لحربه وانهزم حمدان قبل اللقاء للرقة فحاصره أبو ثعلب أشهرا ثم اصطلحا وعاد كل منهما إلى مكانه ثم مات ناصر الدولة في محبسه سنة ثمان وخمسين ودفن بالموصل وبعث أبو ثعلب أخاه أبا البركات إلى حمدان بالرحبة فافترق عنه أصحابه وقصد العراق مستجيرا ببختيار فدخل بغداد في شهر رمضان من سنته وحمل إليه الهدايا وبعث بختيار إلى أبى ثعلب النقيب أبا أحمد والد الشريف الرضى في الصلح مع أخيه حمدان فصالحه وعاد إلى الرحبة منتصف سنة تسع وخمسين وفارقه أبو البركات ثم استقدمه أبو ثعلب فامتنع من القدوم عليه فبعث إليه أخاه أبا البركات ثانيا في العساكر فخرج حمدان إلى البرية وترك الرحبة فملكها أبو البركات واستعمل عليها وسار إلى الرقة ثم إلى عرابان وخالفه حمدان إلى الرحبة فكبسها وقتل أصحاب أبى ثعلب بها فرجع إليه أبو البركات وتقاتلا فضرب أبا البركات على رأسه فشجه ثم ألقاه
إلى الارض وأسره ومات من يومه وحمل إلى الموصل فدفن بها عند أبيه وجهز أبو ثعلب إلى حمدان وقدم أخاه أبا فراس محمدا إلى نصيبين ثم عزله عنها لانه داخل حمدان ومالاه عليه فاستدعاه وقبض عليه وحبسه بقلعة ملاشى من بلاد الموصل فاستوحش أخوه ابراهيم والحسن ولحقا بأخيهما حمدان في شهر رمضان وساروا جميعا إلى سنجار وسار أبو ثعلب من الموصل في أثرهم في شهر رمضان سنة ستين وثلثمائة فخاموا عن لقائه واستأمن إليه أخوه ابراهيم والحسن خديعة ومكرا فأمنهما ولم يعلم وتبعهما كثير من أصحاب حمدان وعاد حمدان من سنجار إلى عرابان واطلع أبو ثعلب على خديعة أخويه فهربا منه ثم استأمن الحسن ورجع إليه وكان حمدان أقام نائبا بالرحبة غلامه نجا فاستولى على أمواله وهرب بها إلى حران وبها سلامة البرقعيدى من قبل أبى ثعلب فرجع حمدان إلى الرحبة وسار أبو ثعلب إلى قرقيسيا وبعث العساكر إلى الرحبة فعبروا الفرات واستولوا عليها ونجا حمدان بنفسه ولحق بسنجار مستجيرا به ومعه أخوه ابراهيم فاكرمهما ووصلهما وأقاما عنده ورجع أبو ثعلب إلى الموصل وذلك كله آخر سنة ستين وثلثمائة(4/243)
* (خروج الروم إلى الجزيرة والشام) * وفى سنة خمس وثمانين دخل ملك الروم الشأم فسار في نواحيها ولم يجد من يدافعه فعاث في نواحى طرابلس وكان أهلها قد أخرجوا عاملهم إلى عرقة لسوء سيرته فنهب الروم أمواله ثم حاصر الروم عرقة فملكوها ونهبوها ثم قصدوا حمص وقد انتقل أهلها عنها فأحرقوها ورجعوا إلى بلاد السواحل وملكوا منها ثمانية عشر بلدا واستباحوا عامة القرى وساروا في جميع نواحى الشأم ولا مدافع لهم الا أن بعض العرب كانوا يغيرون على أطرافهم ثم رجع ملك الروم مجمعا حصار حلب وانطاكية وبلغه استعدادهم فرحل عنهم إلى بلاده ومعه من السبى مائة ألف رأس وكان بحلب قرعوية
مولى سيف الدولة فمانعهم وبعث ملك الروم سراياه إلى الجزيرة فبلغوا كفر توثا وعاثوا في نواحيها ولم يكن من أبى ثعلب مدافعة لهم * (استبداد قرعوية بحلب) * كان قرعوية غلام سيف الدولة وهو الذى أخذ البيعة لابنه أبى المعالى بعد موته فلما كان سنة ثمان وخمسين انتقض على أبى المعالى وأخرجه من حلب واستبد بملكها وسار أبو المعالى إلى حران فمنعه أهلها فسار إلى والدته بميافارقين وهى بنت سعيد بن حمدان أخت أبى فراس ولحق أصحابه بأبى ثعلب وبلغ أمه بميافارقين وهى بنت سعيد بن حمدان أخت أبى فراس انه يريد القبض عليها فمنعته أياما من الدخول حتى استوثقت لنفسها وأذنت له ولمن رضيته وأطلقت لهم الارزاق ومنعت الباقين وسار أبو المعالى لقتال قرعوية بحلب فامتنع عليه ثم لحق أبو المعالى بحماة وأقام بها وبقيت الخطبة بحران له ولا والى عليهم من قبله فقدموا عليهم من يحكم بينهم * (مسير أبى ثعلب من الموصل إلى ميافارقين) * ولما سمع أبو ثعلب بخروج أبى المعالى من ميافارقين إلى حلب لقتال قرعوية سار إليها وامتنعت زوجة سيف الدولة منه واستقر الامر بينهما على أن تحمل إليه مائتي ألف درهم ثم نمى إليها انه يحاول على ملك البلد فكبسته ليلا ونالت من معسكره فبعث إليها يلاطفها فاعادت إليه بعض ما نهب وحملت إليه مائة ألف درهم وأطلقت الاسارى فرجع عنها * (استيلاء الروم على انطاكية ثم حلب ثم ملاذ كرد) * وفى سنة تسع وخمسين خرج الروم إلى انطاكية فمروا بحصن الوفاة بقربها وهم نصارى(4/244)
فحاصروهم واتفقوا على أن يرحلوا إلى انطاكية فإذا نزل الروم عليها ثاروا من داخل وانتقل أهل الوفاة ونزلوا بجبل انطاكية وجاء بعد شهرين أخو يعفور ملك الروم
في أربعين ألفا من جموع الروم ونازل انطاكية فأخلا له أهل الوفاة السور من ناحيتهم وملكوا البلد وسبوا منها عشرين ألفا ثم أنفذ ملك الروم جيشا كثيفا إلى حلب وأبو المعالى بن سيف الدولة عليها يحاصرها ففارقها أبو المعالى وقصد البرية وملك الروم حلب وتحصن قرعوية وأهل البلد بالقلعة فحاصروها مدة ثم ضربوا الهدنة بينهم على مال يحمله قرعوية وعلى ان الروم إذا أرادوا الميرة من قرى الفرات لا يمنعونهم منها ودخل في هذه الهدنة حمص وكفر طاب والمعرة وافامية وشيزر وما بين ذلك من الحصون والقرى وأعطاهم رهنهم على ذلك الروم وأفرج الروم عن حلب وكان ملك الروم قد بعث جيشا إلى ملاذ كرد من أعمال أرمينية فحاصروها وفتحوها عنوة ورعب أهل الثغور منهم في كل ناحية * (مقتل يعفور ملك الروم) * كان يعفور ملكا بالقسطنطينية وهى البلاد التى بيد بنى عثمان لهذا العهد وكان من يليها يسمى الدمشق وكان يعفور هذا شديدا على المسلمين وهو الذى أخذ حلب أيام سيف الدولة وملك طرسوس والمسينة وعين زربة وكان قتل الملك قبله وتزوج امرأته وكان له منها ابنان فكفلهما يعفور وكان كثيرا ما يطرق بلاد المسلمين ويدوخها في ثغور الشأم والجزيرة حتى هابه المسلمون وخافوه على بلادهم ثم أراد أن يجب ريبيه ليقطع نسلهما ففرقت أمهما من ذلك وأرسلت إلى الدمشق بن الشميشق وداخلته في قتله وكان شديد الخوف من يعفور وهذا كان أبوه مسلما من أهل طرسوس يعرف بابن العفاش تنصر ولحق بالقسطنطينية ولم يزل يترقى في الاطوار إلى أن نال من الملك ما ناله وهذه غلطة ينبغى للعقلاء أن يتنزهوا عنها ولا ينال الملك من كان عريقا في السوقة وفقيد اللعصابة بالكلية وبعيدا عن نسب أهل الدولة فقد تقدم من ذلك في مقدمة الكتاب ما فيه كفاية * (استيلاء أبى ثعلب على حران) * وفى منتصف سنة تسع وخمسين سار أبو ثعلب إلى حران وحاصرها نحوا من شهر ثم جنح
أهلها إلى مصالحته واضطربوا في ذلك ثم توافقرا عليه وخرجوا إلى أبى ثعلب واعطوه الطاعة ودخل في اخوانه وأصحابه فصلى الجمعة ورجع إلى معسكره واستعمل عليهم سلامه البرقعيدى وكان من أكابر أصحاب بنى حمدان وبلغه الخبر بأن نميرا عاثوا في بلاد الموصل وقتلوا العامل ببرقعيد فأسرع العود(4/245)
* (مصالحة قرعوية لابي المعالى) * قد تقدم لنا استبداد قرعوية بحلب سنة ثمان وخمسين وخروج أبى المعالى بن سيف الدولة منها وانه لحق بأمه بميافارقين ثم رجع لحصار قرعوية بحلب ثم رجع إلى حمص ونزل بها ثم وقع الاتفاق بينه وبين قرعوية على أن يخطب له بحلب ويخطبان جميعا للمعز العلوى صاحب مصر * (مسير الروم إلى بلاد الجزيرة) * وفى سنة احدى وستين سار الدمشق في جموع الروم إلى الجزيرة فأغار على الرها ونواحيها ثم تنقل في نواحى الجزيرة ثم بلغ نصيبين واستباحها ودوخها ثم سار في ديار بكر ففعل فيها مثل ذلك ولم يكن لابي ثعلب في مدافعتهم أكثر من حمل المال إليهم وسار جماعة من أهل تلك البلاد إلى بغداد مستنفرين وجلسوا إلى الناس في المساجد والمشاهد يصفون ما جرى على المسلمين وخوفوهم عاقبة أمرهم فتقدمهم أهل بغداد إلى دار الطائع الخليفة وأرادوا الهجوم عليه فأغلقت دونهم الابواب فأعلنوا بشتمه ولحق آخرون من أهل بغداد ببختيار وهو بنواحي الكوفة يستغيثونه من الروم فوعدهم بالجهاد وأرسل إلى الحاجب سبكتكين يأمره بالتجهيز للغزو وأن يستنفر العامة وكتب إلى أبى ثعلب بن حمدان باعداد الميرة والعلوفات والتجهيز وأنه عازم على الغزو ووقعت بسبب ذلك فتنة في بغداد من قبل اشتغال العامة بذلك أدت إلى القتل والنهب بين عصائب الفتيان والعيارين
* (أسر الدمشق وموته) * ولما فعل الدمشق في ديار مضر والجزيرة ما فعل قوى طمعه في فتح آمد فسار إليه أبو ثعلب وقدم أخاه أبا القاسم هبة ال له واجتمعا على حرب الدمشق ولقياه في رمضان سنة ثنتين وستين وكانت الجولة في مضيق لا تتحرك فيه الخيل وكان الروم على غير أهبة فانهزموا وأخذ الدمشق أسيرا فلم يزل محبوسا عند أبى ثعلب إلى أن مرض سنة ثلاث وستين وبالغ في علاجه وجمع له الاطباء فلم ينتفع بذلك ومات * (استيلاء بختيار بن معز الدولة على الموصل وما كان بينه وبين أبى ثعلب) * قد تقدم لنا ما كان بين أبى ثعلب وأخويه حمدان وابراهيم من الحروب وأنهما سارا إلى بختيار بن معز الدولة صريخين فوعدهما بالنصرة وشغل عن ذلك بما كان فيه فأبطأ عليهما أمره وهرب ابراهيم ورجع إلى أخيه ابى ثعلب فتحرك عزم بختيار على(4/246)
قصد الموصل وأغراه وزيره ابن بقية لتقصيره في خطابه فسار ووصل إلى الموصل في ربيع سنة ثلاث وستين ولحق أبو ثعلب بسنجار وأخلى الموصل من الميرة ومن الدواوين وخالف بختيار إلى بغداد ولم يحدث فيها حدثا من نهب ولا غيره وانما قاتل أهل بغداد فحدثت فيها الفتنة بسبب ذلك بين عامتها واضطرب أمرهم وخصوصا الجانب الغربي وسمع بختيار بذلك فبعث في أثره وزيره ابن بقية وسبكتكين فدخل ابن بقية بغداد وأقام سبكتكين في الضاحية وتأخر أبو ثعلب عن بغداد وحاربه يسيرا ثم داخله في الانتقاض واستيلاء سبكتكين على الامر ثم أقصر سبكتكين عن ذلك وخرج إليه ابن بقية وراسلوا أبا ثعلب في الصلح على مال يضمنه ويرد على أخيه حمدان اقطاعه ما سوى ماردين وكتبوا بذلك إلى بختيار وارتحل أبو ثعلب إلى الموصل وأشار ابن بقية على سبكتكين باللحاق ببختيار فتقاعد ثم سار وارتحل بختيار عن الموصل بعد أن جهد منه أهل البلد بما نالهم من ظلمه وعسفه وطلب منه أبو ثعلب الاذن في لقب
سطانى وأن يحط عنه من الضمان فأجابه وسار ثم بلغه في طريقه أن أبا ثعلب نقض وقتل بعضا من أصحاب بختيار عادوا إلى الموصل لنقل أهاليهم فاستشاط بختيار واستدعى ابن بقية وسبكتكين في العساكر وعادوا جميعا إلى الموصل وفارقها أبو ثعلب وبعث أصحابه بالاعتذار والحلف على انكار ما بلغه فقبل وبعث الشريف أبا أحمد الموسوي لاستحلافه وتم الصلح ورجع بختيار إلى بغداد فجهزا بنته إلى أبى ثعلب وقد كان عقد له عليها من قبل * (عود أبى المعالى بن سيف الدولة إلى حلب) * قد تقدم لنا أن قرعوية مولى أبيه سيف الدولة كان تغلب عليه وأخرجه من حلب سنة سبع وخمسين وثلثمائة فسار إلى والدته بميافارقين ثم إلى حماة فنزلها وكانت الروم قد أمنت حمص وكثر أهلها وكان قرعوية قد استناب بحلب مولاه بكجور فقوى عليه وحبسه في قلعة حلب وملكها سنين فكتب أصحاب قرعوية إلى أبى المعالى واستدعوه فسار وحاصرها أربعة أشهر وملكها وأصلح أحوالها وازدادت عمارتها حتى انتقل إلى ولاية دمشق كما يذكر * (استيلاء عضد الدولة بن بويه على الموصل وسائر ملوك بنى حمدان) * ولما ملك عضد الدولة بن ركن الدولة بن بويه بغداد وهزم بختيار ابن عمه معز الدولة سار بختيار في الفل إلى الشأم ومعه حمدان بن ناصر الدولة أخو أبى ثعلب فحسن له قصد الموصل على الشأم وقد كان عضد الدولة عاهده أن لا يتعرض لابي ثعلب لمودة بينهما(4/247)
فنكث وقصدها ولما انتهى إلى تكريت أتته رسل أبى ثعلب بالصلح وأن يسير إليه بنفسه وعساكره ويعيده على ملك بغداد على أن يسلم إليه أخاه حمدان فسلمه إلى رسل أبى ثعلب فحبسه وسار بختيار إلى الحديثة ولقى أبا ثعلب وسار معه إلى العراق في عشرين ألف مقاتل وزحف نحوهما عضد الدولة والتقوا بنواحي تكريت في شوال سنة ست
وستين فهزمهما عضد الدولة وقتل بختيار ونجا أبو ثعلب إلى الموصل فاتبعه عضد الدولة وملك الموصل في ذى القعدة وحمل معه الميرة والعلوفات للاقامة وبث السرايا في طلب أبى ثعلب ومعه المرزبان بن بختيار وأخواله أبو اسحق وظاهرا بنا معز الدولة ووالدتهم وسار لذلك أبو الوفاء ظاهر بن اسمعيل من أصحابه وسار حاجبه أبو ظاهر طغان إلى جزيرة ابن عمر ولحق أبو ثعلب بنصيبين ثم انتقل إلى ميافارقين فأقام بها وبلغه مسير أبى الوفاء إليه ففارقها إلى تدليس وجاء أبو الوفاء إلى ميافارقين فامتنعت عليه فتركها وطلب أبا ثعلب فخرج من ارزن الروم إلى الحسينية من أعمال الجزيرة وصعد إلى قلعة كواشى وغيرها من قلاعه ونقل منها ذخيرته وعاد فعاد أبو الوفاء إلى ميافارقين وحاصرها واتصل بعضد الدولة مجيئه إلى القلاع فسار إليه ولم يدركه واستأمن إليه كثير من أصحابه وعاد إلى الموصل وبعث قائده ظعان إلى تدليس فهرب منها أبو ثعلب واتصل بملكهم المعروف بورد الرومي وكان منازعا لملكهم الاعظم في الملك فوصل ورد يده بيد أبى ثعلب وصاهره ليستعين به واتبعه في مسيره عسكر عضد الدولة وأدركوه فهزمهم وأثخن فيهم ونجا فلهم إلى حصن زياد ويسمى خرت برت وأرسل إلى ورد يستمده فاعتذر بما هو فيه ووعده بالنصر ثم انهزم ورد أمام ملك الروم فأيس أبو ثعلب من نصره وعاد إلى بلاد الاسلام ونزل بآمد حتى جاء خبر ميافارقين وكان أبو الوفاء لما رجع من طلب أبى ثعلب حاصر ميافارقين والوالى عليها هزار مرد فضبط البلد ودافع أبا الوفاء ثلاثة أشهر ثم مات وولى أبو ثعلب مكانه مؤنسا من موالى الحمدانية ودس أبو الوفاء إلى بعض أعيان البلد فاستماله فبعث له في الناس رغبة وشعر بذلك مؤنس فلم يطق مخالفتهم فانقاد واستأمن وملك أبو الوفاء البلد وكان في أيام حصاره قد افتتح سائر حصونه فاستولى على سائر ديار بكر وأمن أصحاب أبى ثعلب وأحسن إليهم ورجع إلى الموصل وبلغ الخبر إلى أبى ثعلب منقلبه من دار الحرب فقصد الرحبة وبعث إلى عضد الدولة يستعطفه فشرط عليه المسير إليه فامتنع ثم استولى
عضد الدولة على ديار مضر وكان عليها من قبل أبى ثعلب سلامة البرقعيدى من كبار أصحاب بنى حمدان وكان أبو المعالى ابن سيف الدولة بعث إليها جيشا من حلب فحاربوها وامتنعت عليهم وبعث أبو المعالى إلى عضد الدولة وعرض بنفسه عليه فبعث عضد(4/248)
الدولة النقيب أبا احمد الموسوي إلى سلامة البرقعيدى وتسلمها بعد حروب وأخذ لنفسه منها الرقة ورد باقيها على سعد الدولة فصارت له ثم استولى عضد الدولة على الرحبة وتفرغ بعد ذلك لفتح قلاعه وحصونه واستولى على جميع أعماله واستخلف أبا الوفاء على الموصل ورجع إلى بغداد في ذى القعدة سنة ثمان وستين ثم بعث عضد الدولة جيشا إلى الاكراد الهكارية من أعمال الموصل فحاصروهم حتى استقاموا وسلموا قلاعهم ونزلوا إلى الموصل فحال الثلج بينهم وبين بلادهم فقتلهم قائدا الجيش وصلبهم على جانبى طريق الموصل * (مقتل أبى ثعلب بن حمدان) * ولما أيس أبو ثعلب بن حمدان من اصلاح عضد الدولة والرجوع إلى ملكه بالموصل سار إلى الشأم وكان على دمشق قسام داعية العزيز العلوى غلب عليها بعد افتكين وقد تقدم ذلك وكيف ولى افتكين على دمشق فخاف قسام من أبى ثعلب ومنعه من دخول البلد فأقام بظاهرها وكاتب العزيز وجاء الخبر بأنه يستقدمه فرحل إلى طبرية بعد مناوشة حرب بينه وبين قسام وجاء فل يد العزيز لحصار قسام بدمشق ومر بأبى ثعلب ووعده عن العزيز بكل جميل ثم حدثت الفتنة بين دغفل وقسام وأخرجهم وانتصروا بأبى ثعلب فنزل بجوارهم مخافة دغفل والقائد الذى يحاصر دمشق ثم ثار أبو ثعلب في بنى عقيل إلى الرملة في محرم سنة تسع وتسعين فاستراب به الفضل ودغفل وجمعوا لحربه ففر بنو عقيل عنه وبقى في سبعمائة من غلمانه وغلمان أبيه وولى منهزما فلحقه الطلب فوقف يقاتل فضرب وأسر وحمل إلى دغفل وأراد الفضل حمله إلى العزيز
فخاف دغفل أن يصطنعه كما فعل بافتكين فقتله وبعث الفضل بالرأس إلى مصر وحمل بنو عقيل أخته جميلة وزوجته بنت سيف الدولة إلى أبى المعالى بحلب فبعث بجميلة إلى الموصل وبعث بها أبو الوفاء إلى عضد الدولة ببغداد فاعتقلها * (وصول ورد المنازع لملك الروم إلى ديار بكر مستجيرا) * كان ملك الروم أرمانوس لما توفى خلف ولدين صغيرين وهما بسيل وقسطنطين ونصب أحدهما للملك وعاد حينئذ الدمشق يعفور من بلاد الاسلام بعد أن عاث في نواحيها وبالغ في النكاية فاجتمع إليه الروم ونصبوه للنيابة عن ابني أرمانوس فداخلت أمهما ابن الشميشق على الدمشقية وقبض على لاوون أخى دمشق وعلى ابنه ورديس ابن لاوون واعتقلهما في بعض القلاع وسار إلى بلاد الشأم وأعظم فيها النكاية ومر بطرابلس فحاصرها وكان لوالده الملك أخ خصى وهو يومئذ وزير فوضع على(4/249)
ابن الشميشق من سقاه السم وأحس به من نفسه فأغذ السير إلى القسطنطينية فمات في طريقه وكان ورد بن منير من عظماء البطارقة في الامر وصاهر أبا ثعلب بن حمدان واستجاش بالمسلمين من الثغور وقصد الروم ووالى عليهم الهزائم فخافه الملكان وأطلقا ورديس بن لاوون وبعثاه على الجيوش لقتال الورد فقاتله فانهزم ورد إلى ديار بكر سنة تسع وستين وثلثمائة ونزل بظاهر ميافارقين وبعث أخاه إلى عضد الدولة مستنصرا به وبعث ملكا الروم بالقسطنطينية إلى عضد الدولة فاستمالاه فرجح جانبهما وأمر بالقبض على ورد وأصحابه فقبض عليه أبو على التميمي عامل ديار بكر وعلى ولده وأخيه وأصحابه وأودعهم السجن بميافارقين ثم بعثهم إلى بغداد فحبسوا بها إلى أن أطلقهم بهاء الدولة ابن عضد الدولة سنة خمس وسبعين وشرط عليه اطلاق عدد من المسلمين واسلام سبعة من الحصون برساتيقها وأن لا يتعرض لبلاد المسلمين ما عاش وجهزه فسار وملك في طريقه ملطية وقوى بما فيه وصالحه ورديس بن لاوون على أن يكون قسطنطينية
وجانب الشمال من الخليج له وحاصر قسطنطينية وبها الملكان ابنا أرمانوس وهما بسيل وقسطنطين في ملكها وأقرا وردا على ما بيده قليلا ثم مات وتقدم بسيل في الملك ودام عليه ملكه وحارب البلغار خمسا وثلاثين سنة وظفر بهم وأجلاهم عن بلادهم وأسكنها الروم * (ولاية بكجور على دمشق) * قد قدمنا ولاية بكجور على حمص لابي المعالى بن سيف الدولة وأنه عمرها وكان أهل دمشق ينتقلون إليها لما نالهم من جور قسام وما وقع بها من الغلاء والوباء وكان بكجور يحمل الاقوات من حمص تقربا إلى العزيز صاحب مصر وكاتبه في ولايتها فوعده بذلك ثم استوحش من أبى المعالى سنة ثلاث وسبعين وأرسل إلى العزيز يستنجز وعده في ولاية دمشق فمنع الوزير بن كلس من ولايته ريبة به وكان بدمشق من قبل العزيز القائد بلكين بعثه فمنع الوزير بعد قسام وساء أثر ابن كلس في الدولة واجتمع الكتاميون بمصر على التوثب بابن كلس ودعته الضرورة لاستقدام بلكين من دمشق فأمر العزيز باستقدامه وولى بكجور مكانه فدخلها في رجب سنة ثلاث وسبعين وأساء السيرة فيها وعاث في أصحاب الوزير بن كلس وأقام على ذلك ستا وعجز أهل دمشق منه وجهزت العساكر من مصر مع القائد منير الخادم وكوتب نزال والى طرابلس بمعاضدته فسار في العساكر وجمع بكجور عسكرا من العرب وغيرهم وخرج للقائه فهزمه منير واستأمن إليه بكجور على أن يرحل عن دمشق فأمنه ورحل إلى الرقة واستولى عليها وتسلم منير دمشق وأقام بكجور بالرقة واستولى على الرحبة ما بجاور الرقة وراسل بهاء الدولة(4/250)
ابن عضد الدولة بالطاعة وباد الكردى المتغلب على ديار بكر والموصل بالمسير إليه وأبا المعالى سعد الدولة صاحب حلب بالعود إلى طاعته على أن يقطعه حمص فلم يجبه أحد إلى شئ فأقام بالرقة يراسل موالى سعد الدولة أبى المعالى ويستميلهم في الغدر به
فأجابوه وأخبروه أن أبا المعالى مشغول بلذاته فاستمد حينئذ العزيز فكتب إلى نزال بطرابلس وغيره من ولاة الشأم أن يمدوه ويكونوا في تصرفه ودس إليهم عيسى ابن نسطورس النصراني وزير العزيز في المباعدة عنه لعداوته مع ابن كلس الوزير قبله وتجديدها مع ابن منصور هذا فكتب نزال إلى بكجور يواعده بذلك في يوم معلوم وأخلفه وسار بكجور من الرقة وبلغ خبره مسيره إلى أبى المعالى فسار من حلب ومعه لؤلؤ الكبير مولى أبيه وكتب إلى بكجور يستميله ويذكره الحقوق وأن يقطعه من الرقة إلى حمص فلم يقبل وكتب أبو المعالى إلى صاحب انطاكية يستمده فأمده بجيش الروم وكتب إلى العرب الذين مع بكجور يرغبهم في الاموال والاقطاع فوعدوه خذلان بكجور عند اللقاء فلما التقى العسكران وشغل الناس بالحرب عطف العرب على سواد بكجور فنهبوه ولحقوا بأبى المعالى فاستمات بكجور وحمل على موقف أبى المعالى يريده وقد أزاله لؤلؤ عن موقفه ووقف مكانه خشية عليه وحمل ذلك فلما انتهى بكجور لحملته برز إليه لؤلؤ وضربه فأثبته وأحاط به أصحابه فولى منهزما وجاء بعضهم إلى أبى المعالى فشارطه على تسليمه إليه فقبل شرطه وأحضره فقتله وسار إلى الرقة وبها سلامة الرشقى مولى بكجور وأولاده وأبو الحسن على بن الحسين المغربي وزيره فاستأمنوا إليه فأمنهم ونزلوا عن الرقة فملكها واستكثر ما مع أولاد بكجور فقال له القاضى ابن أبى الحصين هو مالك وبكجور لا يملك شيأ ولا حنث عليك فاستصفى ما لهم أجمع وشفع فيهم العزيز فأساء عليه الرد وهرب الوزير المغربي إلى مشهد على * (خبر باد الكردى ومقتله على الموصل) * كان من الاكراد الحميدية بنواحي الموصل ومن رؤسائهم رجل يعرف بباد وقيل باد لقب له واسمه أبو عبد الله الحسين بن ذوشتك وقيل باد اسمه وكنيته أبو شجاع ابن ذوشتك وانما أبو عبد الله الحسين أخوه وكان له بأس وشدة وكان يخيف السابلة ويبذل ما تجمع له من النهب في عشائره فكثرت جموعه ثم سار إلى مدينة أرمينية فملك
مدينة ارجيش ثم رجع إلى ديار بكر فلما ملك عضد الدولة الموصل حضر عنده في جملة الوفود وخافه على نفسه فعدا وأبعد في مذهبه وبلغ عضد الدولة أمره فطلبه فلم يظفر به ولما هلك عضد الدولة سار باد إلى ديار بكر فملك آمد وميافارقين ثم ملك نصيبين فجهز صمصام الدولة العساكر إليه مع الحاجب أبى القاسم سعيد بن محمد فلقيه على خابور(4/251)
الحسينية من بلاد كواشى فانهزم الحاجب وعساكره وقتل كثير من الديلم ولحق الحاجب سعيد بالموصل وباد في اتباعه وثارت عامة الموصل بالحاجب لسوء سيرته فأخرجوه ودخل باد الموصل سنة ثلاث وسبعين وقوى أمره وسما إلى طلب بغداد وأهم صمصام الدولة أمره ونظر مع وزيره ابن سعدان في توجيه العساكر إليه وأنفذ كبير القواد زياد بن شهرا كونه فتجهز لحربه وبالغوا في مدده وازاحة عملله فلقيهم في صفر سنة أربع وسبعين وانهزم باد وقتل كثير من أصحابه وأسر آخرون وطيف بهم في بغداد واستولى الديلم على الموصل وأرسل زياد القائد عسكرا إلى نصيبين فاختلفوا على مقدمهم وكتب ابن سعدان وزير صمصام الدولة إلى أبى المعالى بن حمدان صاحب حلب يومئذ بولاية ديار بكر وادخالها في عمله فسير إليه أبو المعالى عسكره إلى ديار بكر فلم يكن لهم طاقة بأصحاب باد فحاصروا ميافارقين أياما ورجعوا إلى حلب وبعث سعد الحاجب من يستولى غدر باد فدخل عليه رجل في خيمته وضربه بالسيف على ساقه يظنها رأسه فنجا من الهلكة ثم بعث باد إلى زياد القائد وسعد الحاجب بالموصل بطلب الصلح فأتمروا بينهم على أن تكون ديار بكر لباد والنصف من طور عبدين فخلصت ديار بكر لباد من يومئذ وانحدر زياد القائد إلى بغداد وأقام سعد الحاجب بالموصل إلى أن توفى سنة سبع وسبعين فطمع باد في الموصل وبعث إليها شرف الدولة بن بويه أبا نصر خواشاده في العساكر فزحف إليه باد وتأخر المدد عن أبى نصر فبعث عن العرب من بنى عقيل وبنى نمير لمدافعة باد وأقطعهم البلاد واستولى باد على طور عبدين آخر الجبال
ولم يضجر وأرسل أخاه في عسكر لقتال العرب فقتل وانهزم عسكره وأقام باد قبالة خواشاده حتى جاء الخبر بموت شرف الدولة بن بويه فزحف خواشاده إلى الموصل وقامت العرب بالصحراء وباد بالجبال * (عود بنى حمدان إلى الموصل ومقتل باد) * كان أبو طاهر ابراهيم وأبو عبد الله الحسن ابنا ناصر الدولة بن حمدان قد لحقا بعد مهلك أخيهما أبى ثعلب وكانا ببغداد واستقرا في خدمة شرف الدولة بن عضد الدولة فلما تولى شرف الدولة وخواشاده في الموصل بعثهما إليها ثم أنكر ذلك عليه أصحابه فكتب إلى خواشاده عامل الموصل فمنعهما فكتب اليهما بالرجوع عنه فلم يجيبا واغذا السير إلى الموصل حتى نزلا بظاهرها وثار أهل الموصل بالديلم والاتراك الذين عندهم وخرجوا إلى بنى حمدان وزحف الديلم لقتالهم فانهزموا وقتل منهم خلق وامتنع باقيهم بدار الامارة وأراد أهل الموصل استلحامهم فمنعهم بنو حمدان وأخرجوا خواشاده(4/252)
وبلغ الخبر إلى باد وهو بديار بكر بملك الموصل وجمع فاجتمع إليه الاكراد البثنوية أصحاب قلعة فسك وكان جمعهم كثيرا واستمال أهل الموصل بكتبه فأجابه بعضهم فسار ونزل على الموصل وبعث أبو طاهر وأبو عبد الله ابنا حمدان إلى أبى عبد الله محمد بن المسيب أمير بنى عقيل يستنصر انه وشرط عليهما جزيرة ابن عمر ونصيبين فقبلا شرطه وسار أبو عبد الله صريخا وأقام أخوه أبو طاهر بالموصل وباد يحاصره وزحف أبو الراود في قومه مع أبى عبد الله بن حمدان وعبروا دجلة عند بدر وجاؤا إلى باد من خلفه وخرج أبو طاهر والحمدانية من أمامه والتحم القتال ونكب بباد فرسه فوقع طريحا ولم يطق الركوب وجهض العدو عنه أصحابه فتركوه فقتله بعض العرب وحمل رأسه إلى بنى حمدان ورجعوا ظاهرين إلى الموصل وذلك سنة ثمانين * (مهلك أبى طاهر بن حمدان واستيلاء بنى عقيل على الموصل) *
لما هلك باد طمع أبو طاهر وأبو عبد الله ابنا حمدان في استرجاع ديار بكر وكان أبو على ابن مروان الكردى وهو ابن أخت باد قد خلص من المعركة ولحق بحصن كيفا وبه أهل باد وماله وهو من أمنع المعاقل فتزوج امرأة خاله واستولى على ماله وعلى الحصن وسار في ديار بكر فملك ما كان لخاله فيها تليدا وبينما هو يحاصر ميافارقين زحف إليه أبو طاهر وأبو عبد الله ابنا حمدان يحار بانه فهزمهما وأسر عبد الله منهما ثم اطلقه ولحق بأخيه أبى طاهر وهو يحاصرا مد فزحفا لقتال ابن مروان فهزمهما وأسر أبا عبد الله ثانية إلى أن شفع فيه خليفة مصر فأطلقه واستعمله الخليفة على حلب إلى أن هلك وأما أبو طاهر فلحق بنصيبين في فل من أصحابه وبها أبو الدرداء محمد بن المسيب أمير بنى عقيل وسار إلى الموصل فملكها وأعمالها وبعث إلى بهاء الدولة أن ينفذ إليه عاملا من قبله فبعث إليها قائدا كان تصرفه عن أبى الدرداء ولم يكن له من الامر شئ إلى أن استبد أبو الدرداء واستغنى عن العامل وانقرض ملك بنى حمدان من الموصل والبقاء لله * (ملك سعد الدولة بن حمدان بحلب وولاية ابنه أبى الفضائل واستبداد لؤلؤ عليه) * ولما هزم سعد الدولة مولاه بكجور وقتله حين سار إليه من الرقة رجع إلى حلب فأصابه فالج وهلك سنة احدى وثمانين وكان مولاه لؤلؤ كبير دولته فنصب ابنه أبا الفضائل وأخذ له العهد على الاجناد وتراجعت إليهم العساكر وبلغ الخبر أبا الحسن المغربي وهو بمشهد على فسار إلى العزيز بمصر وأغراه بملك حلب فبعث إليها قائده منجو تكين في العساكر وحاصرها ثم ملك البلد واعتصم أبو الفضائل ولؤلؤ بالقلعة وبعث أبو الفضائل ولؤلؤ إلى ملك الروم يستنجد انه وكان مشغولا بقتال البلغار فأرسل إلى(4/253)
نائبه بانطاكية أن يسير إليهم فسار في خمسين ألفا ونزل جسر الحديد على وادى العاصى فنفر إليه منجوتكين في عساكر المسلمين وهزم الروم إلى انطاكية واتبعهم فنهب بلادها وقراها وأحرقها ونزل أبو الفضائل ولؤلؤ من القلعة إلى مدينة حلب فنقل ما فيها من
الغلال وأحرق الباقي وعاد منجوتكين إلى حصارهم بحلب وبعث لؤلؤ إلى أبى الحسن المغربي في الوساطة لهم في الصلح فصالحهم منجوتكين ورحل إلى دمشق حجرا من الحرب وتعذر الاقوات ولم يراجع العزيز في ذلك فغضب العزيز وكتب إليه يونجه ويأمره بالعود لحصار حلب فعاد وأقام عليها ثلاثة عشر شهرا فبعث أبو الفضائل ولؤلؤ مراسلة لملك الروم وحرضوه على انطاكية وكان قد توسط بلاد البلغار فرجع عنها وأجفل في الحشد ورجع إلى حلب وبلغ الخبر إلى منجوتكين فأجفل عنها بعد أن أحرق خيامه وهدم مبانيه وجاء ملك الروم وخرج إليه أبو الفضائل ولؤلؤ فشكرا له ورجعا ورحل ملك الروم إلى الشأم ففتح حمص وشيزر ونهبهما وحاصر طرابلس فامتنعت عليه فأقام بها أربعين ليلة ثم رحل عائدا إلى بلده * (انقراض بنى حمدان بحلب واستيلاء بنى كلاب عليها) * ثم ان أبا نصر لؤلؤ مولى سيف الدولة عزل أبا الفضائل مولاه بحلب وأخذ البلد منه ومحا دعوة العباسية وخطب للحاكم العلوى بمصر ولقبه مرتضى الدولة ثم فسد حاله معه فطمع فيه بنو كلاب بن ربيعة وأميرهم يومئذ صالح بن مرداس وتقبض لؤلؤ على جماعة منهم دخلوا إلى حلب كان فيهم صالح فاعتقله مدة وضيق عليه ثم فر من محبسه ونجا إلى أهله وزحف إلى حلب ولؤلؤ وكانت بينه وبينهم حروب هزمه صالح آخرها وأسره سنة ستين وأربعمائة وخلص أخوه نجا إلى حلب فحفظها وبعث إلى صالح في فدية أخيه وشرط له ما شاء فأطلقه ورجع إلى حلب واتهم مولاه فتحا وكان نائبه على القلعة بالمداخلة في هزيمته فأجمع نكبته ونمى إليه الخبر فكاتب الحاكم العلوى وأظهر دعوته وانتقض على لؤلؤ فأقطعه الحاكم صيدا وبيروت ولحق لؤلؤ بالروم في انطاكية فأقام عندهم ولحق فتح بصيدا واستعمل الحاكم على حلب من قبله وانقرض أمر بنى حمدان من الشأم والجزيرة أجمع وبقيت حلب في ملك العبيديين ثم غلب عليها صالح بن مرادس الكلابي وكانت بها دولة له ولقومه وورثها عنه بنوه كما يذكر في أخبارهم
[ الخبر عن دولة بنى عقيل بالموصل وابتداء أمرهم بأبى الدرداء وتصاريف أحوالهم ] كان بنو عقيل وبنو كاذب وبنو نمير وبنو خفاجه وكلهم من عامر بن صعصعة وبنو طيئ(4/254)
من كهلان قد انتشروا ما بين الجزيرة والشأم في عدوة الفرات وكانوا كالرعايا لبنى حمدان يؤدون إليهم الا تاوات وينفرون معهم في الحروب ثم استفحل أمرهم عند فشل دولة بنى حمدان وساروا إلى ملك البلاد ولما انهزم أبو طاهر بن حمدان أمام أبى على بن مروان بديار بكر كما قدمناه سنة ثمانين ولحق بنصيبين وقد استولى عليها أبو الدرداء محمد ابن المسيب بن رافع بن المقلد بن جعفر بن عمر بن مهند أمير بنى عقيل ابن كعب بن ربيعة ابن عامر فقتل أبا طاهر وأصحابه وسار إلى الموصل فملكها وبعث إلى بهاء الدولة بن بويه المستبد على الخليفة بالعراق في أن يبعث عاملا على الموصل فبعث عاملا من قبله والحكم راجع لابي الدرداء وأقام على ذلك سنتين وبعث بهاء الدولة سنة ثنتين وثمانين عساكره إلى الموصل مع أبى جعفر الحجاج بن هرمز فغلب عليها أبا الدرداء وملكها وزحف لحربه أبو الدرداء في قومه ومن اجتمع إليه من العرب فكانت بينهم حروب ووقائع وكان الظفر فيها للديلم * (مهلك أبى الدرداء وولاية أخيه المقلد) * ثم مات أبو الدرداء سنة ست وثمانين وولى امارة بنى عقيل مكانه أخوه على بعد أن تطاول إليها أخوهما المقلد بن المسيب وامتنع بنو عقيل لان عليا كان أسن منه فصرف المقلد وجهه إلى ملك الموصل واستمال الديلم الذين فيها مع أبى جعفر بن هرمز فمالوا إليه وكتب إلى بهاء الدولة أن يضمنه الموصل بألفى ألف درهم كل سنة ثم أظهر لاخيه على وقومه أن بهاء الدولة قدولاه واستمدهم فساروا معه ونزلوا على الموصل وخرج إلى المقلد من كان استماله من الديلم واستأمن إليهم أبو جعفر قائد الديلم فأمنوه وركب
السفن إلى بغداد واتبعوه فلم يظفروا منه بشئ وتملك المقلد ملك الموصل * (فتنة المقلد مع بهاء الدولة بن بويه) * كان المقلد يتولى حماية غربي الفرات وكان له ببغداد نائب فيه تهور وجرى بينه وبين أصحاب بهاء الدولة مشاجرة وكان بهاء الدولة مشغولا بفتنة أخيه فكتب نائب المقلد إليه يشكو من أصحاب بهاء الدولة فجاء في العساكر وأوقع بهم ومديده إلى جباية الاموال وخرج نائب بهاء الدولة ببغداد وهو أبو على بن اسمعيل عن ضمان القصر وغيره فغالط بهاء الدولة وأنفذ أبا جعفر الحجاج بن هرمز للقبض على أبى على بن اسمعيل ومصالحة المقلد بن المسيب فصالحه على أن يحمل إلى بهاء الدولة عشرة آلاف دينار ويخطب له ولابي جعفر بعده ويأخذ من البلاد رسم الحماية وأن يخلع على المقلد الخلع السلطانية ويلقب حسام الدولة ويقطع الموصل والكوفة والقصر والجامعين(4/255)
وجلس له ولابي جعفر القادر بالله فاستولى على البلاد وقصده الاعيان والامائل وعظم قدره وقبض أبو جعفر على أبى على بن اسمعيل ثم هرب ولحق بمهذب الدولة * (القبض على على بن المسيب) * كان المقلد بن المسيب قد وقعت المشاجرة بين أصحابه وأصحاب أخيه في الموصل قبل مسيره إلى العراق فلما عاد إلى الموصل أجمع الانتقام من أصحاب أخيه ثم نوى أنه لا يمكنه ذلك مع أخيه فأعمل الحيلة في قبض أخيه وأحضر عسكره من الديلم والاكراد وورى بقصر دقوقا واستحلفهم على الطاعة ثم نقب دار أخيه وكانت ملاصقة له ودخل إليه فقبض عليه وحبسه وبعث زوجته وولديه قراوش وبدران إلى تكريت واستدعى رؤساء العرب وخلع عليهم وأقام فيهم العطاء فاجتمعت له زهاء ألفى فارس وخرجت زوجة أخيه بولديها إلى أخيها الحسن بن المسيب وكانت أحياؤه قريبا من تكريت فاستجاش العرب على المقلد وسار إليه في عشر آلاف فخرج المقلد عن الموصل واستشار
الناس في محاربة أخيه فأشار رافع بن محمد بن مغز بالحرب وأشار أخوه غريب بن محمد بالموادعة وصلة الرحم وبينما هو في ذلك إذ جاءت أخته رميلة بنت المسيب شافعة في أخيها على فأطلقه ورد عليه ماله وتوادع الناس وعاد المقلد إلى الموصل وتجهز لقتال على بن مزيد الاسدي بواسط لانه كان مغضبا لاخيه الحسن فلما قصد الحلة خالفه على إلى الموصل فدخلها وعاد إليه المقلد وتقدمه أخوه الحسن مشفقا عليه من كثرة جموع المقلد فاصلح ما بينهما ودخل المقلد إلى الموصل وأخواه معه ثم خاف على فهرب ثم وقع الصلح بينهما على أن يكون أحدهما بالبلد ثم هرب على فقصده المقلد ومعه بنو خفاجه فهرب إلى العراق واتبعه المقلد فلم يدركه ورجع عنه ثم سار المقلد إلى بلد على بن مزيد فدخله ثانية ولحق ابن مزيد بمهذب الدولة صاحب البطيحة فأصلح ما بينهما * (استيلاء المقلد على دقوقا) * ولما فرغ المقلد من شان أخويه وابن مزيد سار إلى دقوقا فملكها وكانت لنصرانيين قد استعبدا أهلها وملكها من أيديهما جبريل بن محمد من شجعان بغداد أعانه عليها مهذب الدولة صاحب البطيحة وكان مجاهدا يحب الغزو فملكها وقبض على النصرانيين وعدل في البلد ثم ملكها المقلد من يده وملكها بعده محمد بن نحبان ثم بعده قراوش ابن المقلد ثم انتقلت إلى فخر الملك أبى غالب فعاد جبريل واستجاش بموشك بن حكويه من أمراء الاكراد وغلب عليها عمال فخر الدولة ثم جاء بدران بن المقلد فغلب جبريل وموشك عليها وملكها(4/256)
* (مقتل المقلد وولاية ابنه قراوش) * كان للمقلد موال من الاتراك فهربوا منه واتبعهم فظفر بهم وقتل وقطع وأفحش في المثلة فخاف اخوانهم منه واغتنموا غفلته فقتلوا فيها بالانبار سنة احدى وسبعين وكان قد عظم شأنه وطمع في ملك بغداد ولما قتل كان ولده الاكبر قراوش غائبا وكانت
أمواله بالانبار فخاف نائبه فيها عبد الله بن ابراهيم بن شارويه بادرة عمه الحسن وراسل أبا منصور بن قراد وكان بالسندية وقاسمه في مخلف المقلد على أن يدافع الحسن ان قصده فأجابه إلى ذلك وأرسل عبد الله إلى قراوش يستحثه فوصل ووفى لابن قراد بما عاهده عليه نائبه عبد الله وأقام ابن قراد عنده ثم ان الحسن بن المسيب جاء إلى مشايخ بنى عقيل شاكيا مما فعله قراوش وابن قراد عنده فسعوا بينهم في الصلح واتفق الحسن وقراوش على الغدر بابن قراد وأن يسير أحدهما إلى الاخر متحاربين فإذا تلاقيا قبضا على ابن قراد ففعلا ذلك فلما تراءى الجمعان نمى الخبر إلى ابن قراد فهرب واتبعه قراوش والحسن ولم يدركاه ورجع قراوش إلى بيوته فأخذها بما فيها من الاموال فوجه الاموال إلى أن أخذها أبو جعفر الحجاج بن هرمز * (فتنة قراوش مع بهاء الدولة بن بويه) * ولما كانت سنة ثنتين وتسعين بعث قراوش بن المقلد جمعا من بنى عقيل إلى المدائن فحصروها فبعث أبو جعفر بن الحجاج بن هرمز نائب بهاء الدولة ببغداد عسكرا إليهم فدفعوهم عنها فاجتمعت عقيل وبنو أسد وأميرهم على بن مزيد وخرج أبو جعفر إليهم واستجاش بخفاجه وأحضرهم من الشأم فانهزم واستبيح عسكره وقتل وأسر من الاتراك والديلم كثير ثم جمع العساكر ثانيا ولقيهم بنواحي الكوفة فهزمهم وقتل وأسر وسار إلى أحياء بنى مزيد ونهب منها ما لا يقدر قدره ثم سار قراوش إلى الكوفة سنة سبع وتسعين وكانت لابي على بن ثمال الخفاجى وكان غائبا عنها فدخل قراوش الكوفة وصادرهم ثم قتل أبو على سنة تسع وتسعين وكان الحاكم صاحب مصر قد ولاه الرحبة فسار إليها وخرج إليه عيسى بن خلاط العقيلى فقتله وملكها ثم ملكها بعده غير إلى أن ولى أمرها صالح بن مرداس الكلابي صاحب حلب * (قبض قراوش على وزرائه) * كان معتمد الدولة قراوش بن المقلد قد استوزر أبا القاسم الحسين بن على بن الحسين
المغربي وكان من خبره أن أباه من أصحاب سيف الدولة بن حمدان فذهب عنه إلى مصر وولى بها الاعمال وولد ابنه أبا القاسم ونشأ هنالك ثم قتله الحاكم فلحق أبو القاسم(4/257)
بحسان بن مفرج بن الجراح الطائى بالشأم وأغراه بالانتقاض والبيعة لابي الفتوح الحسن بن جعفر صاحب مكة ففعل ذلك ولم يتم أمر أبى الفتوح ورجع إلى مكة ولحق أبو القاسم المغربي بالعراق واتصل بفخر الملك فارتاب به القادر لانتسابه إلى العلوية فأبعده فخر الملك فقصد قراوش بالموصل فاستوزره ثم قبض عليه سنة احدى عشرة وأربعمائة وصادره على مال زعم أنه ببغداد والكوفة فأحضره وترك سبيله فعاد إلى بغداد ووزر لشرف الدولة بن بويه بعد وزيره مؤيد الملك الرجيحى وكان مداخلا لعنبر الخادم الملقب بالاثير المستولي على الدولة يومئذ ثم سخطه الاتراك وسخطوا الابهر فأشار عليه بالخروج عن بغداد فخرج الوزير وأبو القاسم معه إلى السندية وبها قراوش فأنزلهم وساروا إلى أوانا وبعث الاتراك إلى الاثير عنبر بالاستعتاب فاستعنب ورجع وهرب أبو القاسم المغربي إلى قراوش سنة خمس وعشرة لعشرة أشهر من وزارته ثم وقعت فتنة بالكوفة كان منشؤها من صهره ابن أبى طالب فأرسل الخليفة إلى قراوش في ابعاده عنه فأبعده وسار إلى ابن مروان إلى ديار بكر وهنالك يذكر بقية خبره ثم قبض معتمد الدولة قراوش على أبى القاسم سليمان بن فهر عامل الموصل له ولابيه وكان من خبره أنه كان يكتب في حداثته بين يدى أبى اسحق الصابى ثم اتصل بالمقلد بن المسيب وأصعد معه إلى الموصل واقتنى بها الضياع ثم استعمله قراوش على الجبايات فظلم أهلها وصادرهم فحبسه وطالبه بالمال فعجز وقتل * (حروب قراوش مع العرب وعساكر بغداد) * وفى سنة احدى عشرة اجتمع العرب على فتن قراوش وسار إليه دبيس بن على بن مزيد الاسدي وغريب بن معن وجاءهم العسكر من بغداد فقاتلوه عند سر من رأى ومعه
رافع بن الحسين فانهزم ونهبت أثقاله وخزائنه وحصل في أسرهم وفتحوا تكريت عنوة من أعماله ورجعت عساكر بغداد إليها واستجار قراوش بغريب بن معن فأطلقه ولحق بسلطان بن الحسن بن عمال أمير خفاجه واتبعه عسكر من الترك وقاتلهم غربي الفرات وانهزم هو وسلطان وعاث العسكر في أعماله فبعث إلى بغداد بمراجعة الطاعة وقبل ثم كانت الفتنة بينه وبين أبى أسد وخفاجه سنة سبع عشرة لان خفاجه تعرضوا لاعماله بالسواد فسار إليهم من الموصل وأميرهم أبو الفتيان منيع بن حسان فاستجاش بدبيس ابن على بن مزيد فجاءه في قومه بنى أسد وعسكر من بغداد والتقوا بظاهر الكوفة وهو يومئذ لقراوش فخام قراوش عن لقائهم وأجفل ليلا للانبار واتبعوه فرحل عنها إلى حلله واستولى القوم على الانبار وملكوها ثم فارقوها وافترقوا فاستعادها قراوش ثم كانت الحرب بينه وبين بنى عقيل في هذه السنة وكان سببها ان الاثير عنبر الخادم(4/258)
حاكم دولة بنى بويه انتقض عليه الجند وخافهم على نفسه فلحق بقراوش فجاء قراوش وأخذ له أقطاعه وأملاكه بالقيروان فجمع مجد الدولة بن قراد ورافع بن الحسين جمعا كبيرا من بنى عقيل وانضم إليهم بدران أخو قراوش وساروا لحربه وقد اجتمع هو وغريب بن معن والاثير عنبر وأمدهم ابن مروان فكانوا في ثلاثة عشر ألفا والتقوا عند بلدهم فلما تصافوا والتحم القتال خرج بدران بن المقلد إلى أخيه قراوش فصالحه وسط المصاف وفعل ثوران بن قراد كذلك مع غريب بن معن فتوا دعوا جميعا واصطلحوا وأعاد قراوش إلى أخيه بدران مدينة الموصل ثم وقعت الحرب بين قراوش وبين خفاجه ثانيا وكان سببها أن منيع بن حسان أمير خفاجه وصاحب الكوفة سار إلى الجامعين بلد دبيس ونهبها فخرج دبيس في طلبه إلى الكوفة فقصد الانبار ونهبها هو وقومه فسار قراوش إليهم ومعه غريب بن معن الانبار ثم مضى في اتباعهم إلى القصر فخالفوه إلى الانبار ونهبوها وأحرقوها واجتمع قراوش ودبيس
في عشرة آلاف وخاموا عن لقاء خفاجه فلم يكن من قراوش الابناء السور على الانبار ثم سار منيع بن حسان الخفاجى إلى الملك كيجار والتزم الطاعة وخطبله بالكوفة وأزال حكم بنى عقيل عن سقى الفرات ثم سار بدران بن المقلد في جموع من العرب إلى نصيبين وحاصرها وهى لنصير الدولة بن مروان فجهز لهم الجند وبعثهم إليها فقاتلوا بدران فانهزم أولا ثم عطف عليهم فانهزموا وأثخن فيهم وبلغه الخبر أن أخاه قراوش قد وصل إلى الموصل فأجفل خوفا منه * (استيلاء الغز على الموصل) * كان هؤلاء الغز من شعوب الترك بمفازة بخارى وكثر فسادهم في جهاتها فأجاز إليهم محمود بن سبكتكين وهرب صاحب بخارى وحضر عنده أميرهم أرسلان بن سلجوق فقبض عليه وحبسه بالهند ونهب أحياءهم وقتل كثيرا منهم فهربوا إلى خراسان وأفسدوا ونهبوا فبعث إليهم العساكر فأثخنوا فيهم وأجلوهم عن خراسان ولحق كثير منهم باصبهان وقاتلوا صاحبها وذلك سنة عشرين وأربعمائة ثم افترقوا فسارت طائفة منهم إلى جبل بكجار عند خوارزم ولحقت طائفة أخرى بأذربيجان وأميرها يومئذ وهشوذان فأكرمهم ووصلهم ليكفوا عن فسادهم فلم يفعلوا وكان مقدموهم أربعة توقا وكوكناش ومنصور ودانا فدخلوا مراغة سنة تسع وعشرين ونهبوها وأثخنوا في الاكراد الهدبانية وسارت طائفة منهم إلى الرى فحاصروها وأميرها علاء الدين بن كاكويه واقتحموا عليه البلد وأفحشوا في النهب والقتل وفعلوا كذلك في الكرخ وقزوين ثم ساروا إلى أرمينية وعاثوا في نواحيها وفى أكرادها ثم عاثوا في الدينور سنة(4/259)
ثلاثين ثم أوقع وهشوذان صاحب تبريز لجماعة منهم في بلده وكانوا ثلاثين ومقدمهم فضعف الباقون وأكثر فيهم القتل واجتمع الغز الذين بأرمينية وساروا نحو بلاد الاكراد الهكارية من أعمال الموصل فأثخنوا فيهم وعاثوا في البلاد ثم كر عليهم الاكراد
فنالوا منهم وافترقوا في الجبال وتمزقوا وبلغهم مسير نبال أخى السلطان طغر لبك وهم في الرى وكانوا شاردين منه فأجفلوا من الرى وقصدوا ديار بكر والموصل سنة ثلاث وثلاثين ونزلوا جزيرة ابن عمر ونهبوا باقردى وبا زندي والحسنية وغدر سليمان بن نصير الدولة بن مروان بأمير منهم وهو منصور بن عزعنيل فقبض عليه وحبسه وافترق أصحابه في كل جهة وبعث نصير الدولة بن مروان عسكرا في اتباعهم وأمدهم قراوش صاحب الموصل بعسكر آخر وانضم إليهم الاكراد البثنوية أصحاب فتك فأدركوهم فاستمات الغزو قاتلوهم ثم تحاجزوا وتوجهت العرب إلى العراق للمشتى وأخربت الغز ديار بكر ودخل قراوش الموصل ليدفعهم عنها لما بلغه أن طائفة منهم قصدوا بلده فلما نزلوا برقعيد عزم على الاغارة عليهم فتقدموا إليه فرجع إلى مصانعتهم بالمال على ما شرطوه وبينما هو يجمع لهم المال وصلوا إلى الموصل فخرج قراوش في عسكره وقاتلهم عامة يومه وعادوا للقتال من الغد فانهزمت العرب وأهل البلد وركب قراوش سفينة في الفرات وخلف جميع ماله ودخل الغز البلد ونهبوا ما لا يحصى من المال والجوهر والحلى والاثاث ونجا قراوش إلى السند وبعث إلى الملك جلال الدولة يستنجده والى دبيس بن على بن مزيد وأمراء العرب والاكراد يستمدهم وأفحش الغز في أهل الموصل قتلا ونهبا وعيثا في الحرم وصانع بعض الدروب والمحال منها عن أنفسهم بمال ضمنوه فكفوا عنهم وسلموا وفرضوا على أهل المدينة عشرين ألف دينار فقبضوها ثم فرضوا أربعة آلاف أخر وشرعوا في تحصيلها فثار بهم أهل الموصل وقتلوا من وجدوا منهم في البلد ولما سمع اخوانهم اجتمعوا ودخلوا البلد عنوة منتصف سنة خمس وثلاثين ووضعوا السيف في الناس واستباحوها اثنى عشر يوما وانسدت الطرق من كثرة القتلى حتى واروهم جماعات في الحفائر وطلبوا الخطبة للخليفة ثم لطغر لبك وطال مقامهم بالبلد فكتب الملك جلال الدولة بن بويه ونصير الدولة بن مروان إلى السلطان طغرلبك يشكون منهم فكتب إلى جلال الدولة معتذرا بأنهم كانوا عبيدا وخدما لنا
فأفسدوا في جهات الرى فخافوا على أنفسهم وشردوا ويعده بأنه يبعث العساكر إليهم وكتب إلى نصير الدولة بن مروان يقول له بلغني أن عبيدنا قصدوا بلادك فصانعتهم بالمال وأنت صاحب ثغور ينبغى أن تعطى ما تستعين به على الجهاد ويعده انه يرسل من يدفعهم عن بلاده ثم سار دبيس بن مزيد إلى قراوش مددا واجتمعت إليه بنو عقيل(4/260)
وساروا من السن إلى الموصل فتأخر الغزالي تل اعفر وأرسلوا إلى أصحابهم بديار بكر ومقدمهم ناصفلى وبوقا فوصلوا إليهم وتزاحفوا مع قراوش في رمضان سنة خمس وثلاثين فقاتلوهم إلى الظهر وكشفوا العرب عن حللهم ثم استماتت العرب فانهزمت الغزو أخذهم السيف ونهب العرب أحياءهم وبعثوا برؤس القتلى إلى بغداد واتبعهم قراوش إلى نصيبين ورجع عنهم وقصدوا ديار بكر فنهبوها ثم أرزن الروم كذلك ثم اذربيجان ورجع قراوش إلى الموصل * (استيلاء بدران بن المقلد على نصيبين) * قد تقدم لنا محاصرة بدران نصيبين ورحيله عنها من أخيه قراوش ثم اصطلحا بعد ذلك واتفقا وتزوج نصير الدولة ابنة قراوش فلم يعدل بينها وبين نسائه وشكت إلى أبيها فبعث عنها ثم هرب بعض عمال ابن مروان إلى قراوش وأطمعه في الجزيرة فتعلل عليه قراوش بصداق ابنته وهو عشرون ألف دينار وطلب الجزيرة ونصيبين لاخيه بدران فامتنع ابن مروان من ذلك فبعث قراوش جيشا لحصار الجزيرة وآخر مع أخيه بدران لحصار نصيبين ثم جاء بنفسه وحاصرها مع أخيه وامتنعت عيه وتسللت العرب والاكراد إلى نصير الدولة بن مروان بميافارقين وطلب منه نصيبين فسلمه إليه وأعطى قراوش من صداق ابنته خمسة عشر ألف دينار وكان ملك ابن مروان في دقوقا فزحف إليه أبو الشوك من امراء الاكراد فحاصره بها وأخذها من يده عنوة وعفا عن أصحابه ثم توفى بدران سنة خمس وعشرين وجاء ابنه عمر إلى قراوش فأقره على ولاية
نصيبين وكان بنو نمير قد طمعوا فيها وحاصروه فسار إليهم ودافعهم عنها * (الفتنة بين قراوش وغريب بن معن) * كانت تكريت لابي المسيب رافع بن الحسين من بنى عقيل فجمع غريب جمعا من العرب والاكراد وأمده جلال الدولة بعسكر وسار إلى تكريت فحاصرها وكان رافع ابن الحسين عند قراوش بالموصل فسار النصرة بالعساكر ولقيه غريب في نواحى تكريت فانهزم واتبعه قراوش ورافع ولم يتعرضوا لمحلته وماله ثم تراسلوا واصطلحوا * (فتنة قراوش وجلال الدولة وصلحهما) * كان قراوش قد بعث عسكره سنة احدى ثلاثين لحصار خميس بن ثعلب بتكريت وامتجار خميس بجلال الدولة فبعث إليه بالكف عنه فلم يفعل فسار بنفسه يحاصره وكتب إلى الاتراك ببغداد يستفسدهم عن جلال الدولة وسار جلال الدولة إلى الانبار(4/261)
فامتنعت عليه وسار قراوش للقائه واعوزت عساكر جلال الدولة الاقوات ثم اختلفت عقيل على قراوش وبعث إلى جلال الدولة بمعاودة الطاعة فتحا لفا وعاد كل إلى بلده * (أخبار ملوك القسطنطينية لهذه العصور) * كان بسيل وقسطنطين قد تزوج أبوهما امهما في يوم عيد ركب إلى الكنيسة فرآها في النظارة فشغف بها وكان أبوها من أكابر الروم فخطبها منه وتزوجها وولدت الولدين ومات أبوهما وهما صغيران وتزوجت بعده بمدة تغفور وملك وتصرف وأراد أن يجب ولديها وأغرت الدمشق بقتله فقتله وتزوجت به وأقامت معه سنة ثم خافها وأخرجها بولديها إلى دير بعيد فأقامت فيه سنة أخرى ثم دست إلى بعض الرهبان ليقتل الدمشق فأقام بكنيسة الملك يتحيل لذلك حتى جاء الملك واستطعمه القربان في العيد من يده فدس له معه سما ومات وجاءت هي قبل العيد بليال إلى القسطنطينية فملك ولدها بسيل واستبدت عليه لصغره فلما كبر سار لقتال البلغار في بلادهم وبلغه وهو هنالك وفاتها
فأمر خادما له بتدبير الامر في غيبته بالقسطنطينية وأقام في قتال البلغار أربعين سنة ثم انهزم وعاد إلى القسطنطينية وتجهز ثانية وعاد إليهم فظهر بهم وقتل ملكهم وملك بلادهم ونقل أهلها إلى بلاد الروم قال ابن الاثير وهؤلاء البلغار الذين ملك بلادهم بسيل غير الطائفة المسلمة منهم وهؤلاء أقرب من أولئك إلى بلاد الروم بشهرين وكلاهما بلغار انتهى وكان بسيل عاد لاحسن السيرة وملك على الروم نيفا وسبعين سنة ولما مات ملك أخوه قسطنطين ثم مات وخلف بناتا ثلاثا فملكت الكبرى وتزوجت بأرمانوس من بيت ملكهم وهو الذى ملك الرها من المسلمين وكان له من قبل الملك رجل يخدمه من السوقة الصيارفة اسمه ميخاييل فاستخلصه وحكمه في دولته فمالت زوجة أرمانوس إليه وأعملا الحيلة في قتل الملك أرمانوس فقتلاه خنقا وتزوجته على كره من الروم ثم عرض لميخاييل هذا مرض شوه خلقته فعهد بالملك إلى ابن أخيهن واسمه ميخاييل فملك بعده وقبض على أخواله واخوتهم وضرب الدنانير باسمه سنة ثلاث وثلاثين وأربعمائة ثم أحضر زوجته بنت الملك وحملها على الرهبانية والخروج له عن الملك وضربها ونفاها إلى جزيرة في البحر ثم اعتزم على قتل البطرك للراحة من تحكمه فأمره بالخروج إلى الدير لعمل وليمة يحضرها عنده وأرسل جماعة من الروم وبلغار لقتله فبذل لهم البطرك مالا على الابقاء ورجع إلى بيته وحمل الروم على عزل ميخاييل فأرسل إلى زوجته الملكة من الجزيرة التى نفاها إليها فلم تفعل وأقبلت على رهبانيتها فخلعها البطرك من الملك وملكت اختها الصغيرة بدرونة وأقاموا من خدم أبيها من(4/262)
يدبر ملكها وخلعوا ميخاييل وقاتل أشياعه أشياع بدرونة فظفر بهم أشياع بدرونة ونهبوهم وفزع الروم إلى التماس ملك يدبرهم وقارعوا بين المرشحين فخرجت القرعة على قسطنطين فملكوه وتزوجته الملكة الكبرى ونزلت لها الصغيرة عن الملك سنة أربع وثلاثين ثم خرج خارجي من الروم اسمه ميناس وكثر جمعه وبلغ عشرين ألفا وجهز
قسطنطين إليه العساكر فقتلوه وسيق رأسه إليه وافترق أصحابه ثم ورد على القسطنطينية سنة خمس وثلاثين مراكب للروم ووقعت منها محاورات نكرها الروم فحاربوهم وكانوا قد فارقوا مراكبهم إلى البر فأحرقوها وقتلوا الباقين * (الوحشة بين قراوش والاكراد) * كان للاكراد عدة حصون تجاور الموصل فمنها للحميدية قلعة العقرو ما إليها وصاحبها أبو الحسن بن عكشان وللهدبانية قلعة أرمل وأعمالها وصاحبها أبو الحسن بن موشك ونازعه أخوه أبو على بن اربل فأخذها منه باعانة ابن عكشان وأسر أخاه أبا الحسن وكان قراوش وأخوه زعيم الدولة أبو كامل مشغولين بالعراق فنكرا ذلك لما بلغهما ورجعا إلى الموصل فطلب قراوش من الحميدى والهدبانى النجدة على نصير الدولة ابن مروان فجاء الحميدى بنفسه وبعث الهدبانى أخاه وأصلح قراوش نصير الدولة ثم قبض على عكشان وصالحه على اطلاق أبى الحسن بن موشك وامتنع أخوه أبو على وكان عكشان عونا عليه فأجاب ورهن في ذلك ولده ثم أرسل أبا على في ذلك الامر وحضر بالموصل ليسلم اربل إلى أخيه أبى الحسن وسلم قراوش إليه قلاعه وخرج ابن عكشان وأبو على ليسلما اربل إلى أبى الحسن بن موشك فغدرا به وقبضا على أصحابه وهرب هو إلى الموصل وتأكدت الوحشة بينهما وبين قراوش * (خلع قراوش بأخيه أبى كامل ثم عوده) * ثم وقعت الفتنة بين معتمد الدولة وقراوش وأخيه زعيم الدولة أبى كامل وكان سببها ان قريشا ابن أخيهما بدران فتن عمه أبا كامل وجمع عليه الجموع وأعانه عمه الاخر واستمد قراوش بنصير الدولة بن مروان فبعث إليه بابنه سليمان وأمده الحسن ابن عكشان وغيرهما من الاكراد وساروا إلى معلا بافنهبوها وأحرقوها ثم اقتتلوا في المحرم سنة احدى وأربعين يوما وثانيا ووقفت الاكراد ناحية عن المصاف ولم يغشوا المجال وتسلل عن قراوش بعض جموعه من العرب إلى أخيه وبلغه ان شيعة أخيه
أبى كامل بالانبار ووثبوا فيها وملكوها فعضف أمره وأحس من نفسه الظهور عليه ولم يبرح فركب أخوه أبو كامل وقصد حلته فركب قراوش للقائه وجاء به أبو كامل لحلته(4/263)
ثم بعث به إلى الموصل ووكل به وملك أبو كامل الموصل واشتط عليه العرب فخاف العجز ولفضيحة ان يراجعوا طاعة أخيه فسبقهم إليها وأعاده إلى ملكه وبايعه على الطاعة ورجع قراوش إلى ملكه وكان أبو كامل قد أحدث الفتنة بين البساسيرى كافل الخلافة ببغداد وملك الامراء بها لما فعله بنو عقيل في عراق العجم من التعرض لاقطاعه فسار إليهم البساسيرى وجميع أبو كامل بنى عقيل ولقيه فاقتتلوا قتالا شديدا ثم تحاجزوا فلما رجع قراوش إلى ملكه نزع جماعة من أهل الانبار إلى البساسيرى شاكرين شاكين سيرة قراوش وطلبوا أن يبعث معهم عسكرا وعاملا إلى بلدهم ففعل ذلك وملكها من يد قراوش وأظهر فيهم العدل * (خلع قراوش ثانية واعتقاله) * كان قراوش لما أطاعه أخوه أبو كامل بقى معه كالوزير يتصرف الا ان قراوش أنف من ذلك وأعمل الحيلة في التخلص منه فخرج من الموصل سائرا إلى بغداد وشق ذلك على أخيه أبى كامل فأرسل إليه أعيان قومه ليردوه طوعا أو كرها فلاطفوه أولا وشعر منهم بالدخيلة فأجاب إلى العود وشرط سكنى دار الامارة فلما جاء إلى أبى كامل قام بمبرته وأكرامه ووكل به من بمعنه التصرف * (وفاة أبى كامل وولاية قريش بن بدران) * لما ملك قريش بن بدران وحبس عمه بقلعة الجراحية ارتحل يطلب العراق سنة أربع وأربعين فانتقض عليه أخوه المقلد وسار إلى نور الدولة دبيس بن مزيد فنهب قريش حلله وعاد إلى الموصل واختلف العرف عليه ونهب عمال الملك الرحيم ما كان لقريش بنواحي العراق ثم استمال قريش العرب عليه ونهب عمال الملك الرحيم ما كان لقريش
ابن المسيب صاحب الحظيرة مخالفا عليه وبعث قريش بعض أصحابه فلقيهم وأوقع بهم فسار إليه قريش لقيه فهزمه واتبعه إلى حلل بلاد ابن غريب ونهبها ودخل العراق وبعث إلى عمال الملك الرحيم بالطاعة وضمان ما كان عليه في أعماله فأجابوه إلى ذلك لشغل الملك الرحيم بخوزستان فاستقر أمره وقوى * (وفاة قراوش) * وفى سنة أربع وأربعين هذه توفى معتمد الدولة أبو منيع قراوش بن المقلد بمحبسه في قلعة الجراحية وحمل إلى الموصل ودفن بها ببلد نينوى شرقيها وكان من رجال العرب * (استيلاء قريش على الانبار) * وفى سنة ست وأربعين زحف قريش بن بدران من الموصل ففتح مدينة الانبار وملكها من يد عمال البساسيرى وسار البساسيرى إلى الانبار فاستعادها(4/264)
* (حرب قريش بن بدران والبساسيرى ثم اتفاقهما وخطبة قريش لصاحب مصر) * كان قريش بن بدران قد بعث بطاعته إلى طغرلبك وهو بالرى وخطب له بجميع أعماله وقبض على الملك الرحيم وكان قريش معه فنهب معسكره واختفى وسمع به السلطان فأمنه ووصل إليه فأكرمه ورده إلى عمله وكان البساسيرى قد فارق الملك الرحيم عند مسيره من واسط إلى بغداد ومسير طغرلبك من حلوان وقصد نور الدولة دبيس بن مزيد للمصاهرة بينهما وكان سبب مفارقة البساسيرى للملك الرحيم كتاب القائم له بابعاده لاطلاعه على كتابه إلى خليفة مصر فلما وصل قريش بن بدران إلى بغداد وعظم استيلاء السلطان طغرلبك على الدولة بعث جيشا وزحف البساسيرى للقائهم ومعه نور الدولة دبيس فالتقوا بسنجار فانهزم قريش وقطلمش وأصحابهما وقتل كثير منهم وعاث أهل سنجار فيهم وسار بهم إلى الموصل وخطب بها للمستنصر خليفة مصر وقد كانوا بعثوا إليه بطاعتهم من قبل فبعث إليهم بالخلع ولقريش جملتهم * (استيلاء طغرلبك على الموصل وولاية أخيه نيال عليها ومعاودة قريش الطاعة) *
كان السلطان طغرلبك لما طال مقامه ببغداد ساء أثر عساكره في الرعايا فبعث القائم وزيره رئيس الرؤساء أن يحضر عميد الملك المكندرى وزير طغرلبك ويعظه في ذلك ويهدده برحيل القائم عن بغداد فبلغه خلال ذلك شأن الموصل فرحل إليها وحاصر تكريت ففتحها وقبل من صاحبها نصر بن عيسى بن بنى عقيل مالا بدله منه ورحل عنه فمات نصر وولى بعده أبو الغنائم بن البحلبان فأصلح حاله مع رئيس الرؤساء ورحل السلطان من البواريح وكان في انتظار أخيه ياقوتي بن تنكير ثم توجه السلطان إلى نصيبين وبعث هزار سب إلى البرية القتال العرب وفيهم قريش ودبيس وأصحاب حران والرقة من نمير فأوقع بهم ونال منهم وأسر جماعة فقتلهم وعاد إلى السلطان طغرلبك فبعث إليه قريش ودبيس بطاعتهما وان يتوسط لهما عند السلطان فعفا السلطان عنهما وقال للبساسيرى ردهما إلى الخليفة فيرى ما عندهما فرحل البساسيرى عند ذلك إلى الرحبة وتبعه انزال بغداد ومقبل بن المقلد وجماعة من بنى عقيل وبعث السلطان إلى قريش ودبيس هزار سب بن تنكير ليقضى ما عندهما ويحضرهما وكان ذلك بطلبهما ثم خافا على أنفسهما فبعث قريش أبا السيد هبة الله بن جعفر ودبيس ابنه بهاء الدولة منصورا فقبلهما السلطان وكتب لهما باعمالهما وكان لقريش من الاعمال الموصل ونصيبين وتكريت وقوانا ونهر بيطر وهيت والانبار وبادرونا ونهر الملك ثم قصد السلطان ديار بكر ووصل إليه أخوه ابراهيم نيال وأرسل هزار سب إلى قريش ودبيس(4/265)
يحذرهما منه وسار لسنجار لاجل واقعته مع قريش ودبيس فبعث العساكر إليها واستباحوها وقتل أميرها على بن مرحا وخلق كثير من اهلها رجالا ونساء وشفع ابراهيم نيال في الباقين فكف عنهم وأقطع سنجار والموصل وتلك الاعمال كلها لاخيه ابراهيم نيال وعاد إلى بغداد فدخلها في ذى القعدة سنة تسع وأربعين [ مفارقة نيال الموصل وما كان لقريش فيها
وفى بغداد مع البساسيرى وحبسهما القائم ] وفى سنة خمسين وأربعمائة خرج ابراهيم نيال من الموصل إلى بلاد الروم فخشى طغرلبك أن يكون منتقضا وبادر بكتابه وكتاب الخليفة إليه فرجع وخرج الوزير الكندرى للقائه وخالفه البساسيرى وقريش إلى الموصل فملكها وحاصر القلعة حتى استأمن أهلها على يد ابن موسك وصاحب اربد فأمناهم وهدما القلعة وسار السلطان طغرلبك من وقته إلى الموصل ففارقها واتبعهما إلى نصيبين ففارقه أخوه نيال في رمضان سنة خمسين وسار السلطان طغرلبك في اثره وحاصره بهمذان وجاء البساسيرى إلى بغداد وكان هزار سب بواسط ودبيس بغداد قد استدعاه الخليفة للدفاع فسئم المقام ورجع إلى بلده وجاء البساسيرى وقريش ووزير بنى بويه أبو الحسن بن عبد الرحيم ونزلوا بجوانب بغداد ونزل عميد العراق بالعسكر قبالة البساسيرى ورئيس الرؤساء وزير الخليفة قبالة الاخرين وخطب البساسيرى للمستنصر صاحب مصر بجوامع بغداد وأذن بحى على خير العمل ثم استعجل رئيس الرؤساء الحرب فاستجده القوم ثم كروا عليه فهزموه واقتحموا حريم الخلافة وملكوا القصور بما فيها وركب الخليفة فوجد عميد العراق قد استأمن إلى قريش بن بدران فاستأمن هو كذلك وأمنهما قريش وأعادهما وعذله البساسيرى في الانفراد بذلك دونه وقد تعاهدا على خلاف ذلك فاستعتب له بالوزير رئيس الرؤساء ودفعه إليه وأقام الخليفة والعميد عنده فقتل البساسيرى الوزير ابن عبد الرحيم وبعث قريش بالخليفة القائم مع ابن عمه مهارش بن نجلى إلى حديثة عانة فأنزله بها مع أهله وحرمه وحاشيته حتى إذا فرغ السلطان طغرلبك من أمر أخيه نيال وقتله ورجع إلى بغداد بعث البساسيرى وقريش في اعادة القائم إلى داره فامتنع وأجفل عن بغداد في ذى القعدة سنة احدى وخمسين وشمل النهب مدينة بغداد وضواحيهنا من بنى شيبان وغيرهم وبعث السلطان طغرلبك الامام أبا بكر محمد بن فورك إلى قريش بن بدران يشكره على فعله بالخليفة وبابنة أخيه زوجة الخليفة ارسلان
خاتون وانه بعث ابن فورك لاحضارهما وكتب قريش إلى مهارش ابن عمه بأن يلحق به هو والخليفة في البرية فأبى وسار بالخليفة إلى العراق وجعل طريقه على الرى ومر ببدر(4/266)
ابن مهلهل فخدم القائم وخرج السلطان للقاء الخليفة وقدم إليه الاموال والالات وعرضه أرباب الوظائف ولقيه بالنهروان وجاء معه إلى قصره كما تقدم في أخباره وبعث السلطان خبار تكين الطغرائي في العساكر لاتباع البساسيرى والعرب وجاء إلى الكوفة واستصحب سرايا ابن منيع ببنى خفاجة وسار السلطان في اثرهم وصبحت السرية البساسيرى في حلة دبيس بن مزيد من الكوفة فنهبوها وفر دبيس وقاتل البساسيرى وأصحابه فقتل في المعركة * (وفاة قريش بن بدران وولاية ابنه مسلم) * ثم توفى قريش بن بدران سنة ثلاث وخمسين ودفن بنصيبين وجاء فخر الدولة أبو نصر محمد ابن محمد بن جهير من دارا وجمع بنى عقيل على ابنه أبى المكارم مسلم بن قريش فولوه عليهم واستقام أمره وأقطعه السلطان سنة ثمان وخمسين الانبار وهيت وحريم والسن والبواريح ووصل إلى بغداد فركب الوزير بن جهير في المركب للقائه ثم سار سنة ستين وأربعمائة إلى الرحبة فقاتل بها بنى كلاب وهم في طاعة المستنصر العلوى فهزمهم وأخذ اسلابهم وبعث بأشلائهم وعليها سمات العلوية فطيف بها منكسة ببغداد * (استيلاء مسلم بن قريش على حلب) * وفى سنة ثنتين وسبعين سار شرف الدولة مسلم بن قريش صاحب الموصل إلى مدينة حلب فحاصرها ثم أفرج عنها فحاصرها تتش بن البارسلان وقد كان ملك الشأم سنة احدى وسبعين قبلها فأقام عليها أياما ثم أفرج عنها وملك بزاغة والبيرة وبعث أهل حلب إلى مسلم بن قريش بأن يمكنوه من بلدهم ورئيسها يومئذ ابن الحسين العباسي فلما قرب منهم امتنعوا من ذلك فترصد لهم بعض التركمان وهو صاحب حصن
بنواحيها وأقام كذلك أياما حتى صادف ابن الحسين يتصيد في ضيعته فأسره وبعث به إلى مسلم بن قريش فأطلقه على أن يسلموا له البلد فلما عاد إلى البلد تمم له ذلك وسلم له البلد فدخله سنة ثلاث وسبعين وحصر القلعة واستنزل منها سابغا ووثابا ابني محمد بن مرادس وبعث ابنه ابراهيم وهو ابن عمة السلطان إلى السلطان يخبره بملك حلب وسأل ان يقدر عليه ضمانه فأجابه السلطان إلى ذلك وأقطع ابنه محمدا مدينة بالس ثم ساره مسلم إلى حران وأخذها من بنى وثاب النميريين وأطاعه صاحب الرها ونقش السكة باسمه * (حصار مسلم بن قريش دمشق وعصيان أهل حران عليه) * وفى سنة ست وسبعين سار شرف الدولة إلى دمشق فحاصرها وصاحبها تتش فخرج في عسكره وهزم مسلم بن قريش فارتحل عنها راجعا إلى بلاده وقد كان استمد أهل مصر(4/267)
فلم يمدوه وبلغه الخبر بأن أهل حران نقضوا الطاعة وان ابن عطية وقاضيها ابن حلية عازمون على تسليم البلد للترك فبادر إلى حران وصالح في طريقه ابن ملاعب صاحب حمص وأعطاه سليمة ورفسة وحاصر حران وخرب أسوارها واقتحمها عنوة وقتل القاضى وابنه * (حرب ابن جهير مع مسلم بن قريش واستيلاؤه على الموصل ثم عودها إليه) * كان فخر الدولة أبو نصر محمد بن أحمد بن جهير من أهل الموصل واتصل بخدمة بنى المقلد ثم استوحش من قريش بن بدران واستجار ببعض رؤساء بنى عقيل فأجاروه منه ومضى إلى حلب فاستوزره معز الدولة أبو ثمال بن صالح ثم فارقه إلى نصير الدولة بن مروان بديار بكر فاستوزره ولما عزل القائم وزيره أبا الفتح محمد بن منصور بن دارس استدعاه للوزارة فتحيل في المسير إلى بغداد واتبعه ابن مروان فلم يدركه ولما وصل إلى بغداد استوزره القائم سنة أربع وخمسين وطغرلبك يومئذ هو السلطان المستبد على الخلفاء واستمرت وزارته وتخللها العزل في بعض المرات إلى أن مات القائم وولى المقتدى وصارت
السلطنة إلى ملك شاه فعزله المقتدى سنة احدى وسبعين بشكوى نظام الملك إلى الخليفة به وسؤاله عزله فعزله وسار ابنه عميد الدولة إلى نظام الملك باصفهان واستصلحه وشفع فيه إلى المقتدى فأعاد ابنه عميد الدولة ثم عزله سنة ست وسبعين فبعث السلطان ملك شاه ونظام الملك إلى المقتدى بتخلية سبيل بنى جهير إليه فوفدوا عليه باصفهان ولقوا منه مبرة وتكرمة وعقد السلطان ملك شاه لفخر الدولة على ديار بكر وبعث معه العساكر وأمره أن يأخذ البلاد من ابن مروان وأن يخطب لنفسه بعد السلطان وينقش اسمه على السكة كذلك فسار لذلك وتوسط ديار بكر ثم أردفه السلطان سنة سبع وسبعين بالعساكر مع الامير أرتق جد الملوك بماردين لهذا العهد وكان ابن مروان عندما أحس بمسير العساكر إليه بعث إلى شرف الدولة مسلم بن قريش يستنجده على أن يعطيه آمد من أعماله فجاء إلى آمد وفخر الدولة بنواحيها وقد ارتاب من اجتماع العرب على نصرة ابن مروان ففتر عزمه عن لقائهم وسارت عساكر الترك الذين معه فصبحوا العرب في أحيائهم فانهزموا وغنموا أموالهم ومواشيهم ونجا شرف الدولة إلى آمد وحاصره فخر الدولة فيمن معه من العساكر وبعث مسلم بن قريش إلى الامير أرتق يقضى عنه في الخروج من آمد على مال بذله له فأغضي له وخرج إلى الرقة وسار أحمد بن جهير إلى ميافارقين بلد ابن مروان لحصارها ففارقه بهاء الدولة منصور بن مزيد وابنه سيف الدولة صدقة إلى العراق وسار ابن جهير إلى خلاط وكان السلطان ملك شاه لما بلغه انحصار مسلم بن قريش بآمد بعث عميد الدولة اقسنقر جد الملك العادل محمود(4/268)
في عساكر الترك ولقيهم الامير أرتق في طريقهم سائرا إلى العراق فعاد معهم وجاؤا إلى الموصل فملكوها وسار السلطان في عساكره إلى بلاد مسلم بن قريش وانتهى إلى البواريح وقد خلص مسلم بن قريش من الحصار بآمدو وصل إلى الرحبة وقد ملكت عليه الموصل وذهبت أمواله فراسل مؤيد الملك بن نظام الملك فتوسل به فتقبل وسيلته
وأذن له في الوصول إلى السلطان بعد أن أعطاه من العهد ما رضى به وسار مسلم ابن قريش من الرحبة فأحضره مؤيد الملك عند السلطان وقدم هدية فاخرة من الخيل وغيرها ومن جملتها فرسه الذى نجا عليه وكان لا يجارى فوقع من السلطان موقعا وصالحه وأقره على بلاده فرجع إلى الموصل وعاد السلطان إلى ما كان بسبيله * (مقتل مسلم بن قريش وولاية ابنه ابراهيم) * قد قدمنا ذكر قطلمش قريب السلطان طغرلبك وكان سار إلى بلاد الروم فملكها واستولى على قونية واقصراى ومات فملك مكانه ابنه سليمان وسار إلى انطاكية سنة سبع وسبعين وأربعمائة وأخذها من يد الروم كما نذكر في أخباره وكان لشرف الدولة مسلم بن قريش بانطاكية جزية يؤديها إليه صاحبها القردروس من زعماء الروم فلما ملكها سليمان ابن قطلمش بعث إليه يطالبه بتلك الجزية ويخوفه معصية السلطان فأجابه بأنى على طاعة السلطان وأمري فيها غير خفى وأما الجزية فكانت مضروبة على قوم كفار يعطونها عن رؤسهم وقد ادال الله منهم بالمسلمين ولا جزية عليهم فسار شرف الدولة ونهب جهات انطاكية وسار سليمان فنهب جهات حلب وشكت إليه الرعايا فرد عليهم ثم جمع شرف الدولة جموع العرب وجموع التركمان مع أميرهم جق وسار إلى انطاكية فسار سليمان للقائه والتقيا في أعمال انطاكية في صفر سنة ثمان وسبعين ولما التقوا مال الامير جق بمن معه من التركمان إلى سليمان فاختل مصاف مسلم بن قريش وانهزمت العرب عنه وثبت فقتل في أربعمائة من أصحابه وكان ملكه قد اتسع من نهر عيسى وجميع ما كان لابيه وعمه قراوش من البلاد وكانت أعماله في غاية الخصب والامن وكان حسن السياسة كثير العدل ولما قتل مسلم اجتمع بنو عقيل وأخرجوا أخاه ابراهيم من محبسه بعد أن مكث فيه سنين مقيدا حتى أفسد القيد مشيته فأطلقوه وولوه على أنفسهم مكان أخيه مسلم ولما قتل مسلم سار سليمان بن قطلمش إلى انطاكية وحاصرها شهرين فامتنعت عليه ورجع وفى سنة تسع وسبعين بعدها بعث عميد الدولة عسكرا إلى الانبار
فملكها من يد بنى عقيل وفيها أقطع السلطان ملك شاه مدينة الرحبة وأعمالها وحران وسروج والرقة والخابور لمحمد بن شرف الدولة مسلم بن قريش وزوجه باخته خاتون زليخة فتسلم جميع هذه البلاد وامتنع محمد بن المشاطر من تسليم حران فأكرهه السلطان(4/269)
على تسليمها [ نكبة ابراهيم وتنازع محمد وعلى ابني مسلم بعده على ملك الموصل ثم استيلاء على عليها ] لم يزل ابراهيم بن قريش ملكا بالموصل وأميرا على قومه بنى عقيل حتى استدعاه السلطان ملك شاه سنة ثنتين وثمانين فلما حضر اعتقله وبعث فخر الدولة بن جهير على البلاد فملك الموصل وغيرها وأقطع السلطان عمته صفية مدينة بلد وكانت زوجا لمسلم بن قريش ولها منه ابنه على وتزوجت بعده بأخيه ابراهيم فلما مات ملك شاه ارتحلت صفية إلى الموصل ومعها ابنها على بن مسلم وجاءه أخوه محمد بن مسلم وتنازعا في ملك الموصل وانقسمت العرب عليهما واقتتلوا على الموصل فانهزم محمد وملك على ودخل الموصل وانتزعها من يد ابن جهير * (عود ابراهيم إلى ملك الموصل ومقتله) * لما مات ملك شاه واستبدت تركان خاتون بعده بالامور وأطلقت ابراهيم من الاعتقال فبادر إلى الموصل فلما قار بها سمع ان على بن أخيه مسلم قد ملكها ومعه أمه صفية عمة ملك شاه فبعث إليها وتلطف بها فدفعت إليه ملك الموصل فدخلها وكان تتش صاحب الشأم أخو ملك شاه قد طمع في ملك العراق واجتمع إليه الامراء بالشأم وجاء أقسنقر صاحب حلب وسار إلى نصيبين فملكها وبعث إلى ابراهيم أن يخطب له ويسهل طريقه إلى بغداد فامتنع ابراهيم من ذلك فسار تتش ومعه أقسنقر وجموع الترك وخرج ابراهيم للقائه في ثلاثين ألفا والتقى الفريقان بالمغيم فانهزم ابراهيم وقتل وغنم الترك حللهم
وقتل كثير من نساء العرب أنفسهن خوفا من الفضيحة واستولى تتش على الموصل [ ولاية على بن مسلم على الموصل ثم استيلاء كربوقا وانتزاعه اياها من يده وانقراض أمر بنى المسيب من الموصل ] ولما قتل ابراهيم وملك تتش الموصل ولى عليها على بن أخيه مسلم بن قريش فدخلها مع أمه صفية عند ملك شاه واستقرت هي وأعمالها في ولايته وسار تتش إلى ديار بكر فملكها ثم إلى أذربيجان فاستولى عليها وزحف إليه بركيان وابن أخيه ملك شاه وتقاتلا فانهزم تتش وقام بمكانه ابنه رضوان وملك حلب وأمره السلطان بركيان باطلاق كربوقا فأطلقه واجتمعت عليه رجال وجاء إلى حران فملكها وكاتبه محمد بن مسلم بن قريش وهو بنصيبين ومعه ثوران بن وهيب وأبو الهيجاء الكردى يستنصرونه على على بن مسلم بن قريش بالموصل فسار إليهم وقبض على محمد بن مسلم وسار به إلى نصيبين فملكها ثم سار إلى(4/270)
الموصل فامتنعت عليه ورجع إلى مدينة بلد وقتل بها محمد بن مسلم غريقا وعاد إلى حصار الموصل واستنجد على بن مسلم بالامير جكرمس صاحب جزيرة ابن عمر فسار إليه منجدا له وبعث كربوقا إليه عسكرا مع أخيه التوتناش فرده مهزوما إلى الجزيرة فتمسك بطاعة كربوقا وجاء مددا له على حصار الموصل واشتد الحصار بعلى بن مسلم فخرج من الموصل ولحق بصدقة بن مزيد بالحلة وملك كربوقا بلد الموصل بعد حصار تسعة أشهر وانقرض ملك بنى المسيب من الموصل وأعمالها واستولى عليها ملوك الغز من السلجوقية أمراؤهم والبقاء لله وحده * (الخبر عن دولة بنى صالح بن مرداس بحلب وابتداء أمرهم وتصاريف أحوالهم) * كان ابتداء أمر صالح بن مرداس ملك الرحبة وهو من بنى كلاب بن ربيعة بن عامر بن صعصعة ومجالاتهم بضواحي حلب وقال ابن حزم انه من ولد عمرو بن كلاب وكانت مدينة الرحبة لابي على بن ثمال الخفاجى فقتله عيسى بن خلاط العقيلى ومكلها من
يده وبقيت له مدة ثم أخذها منه بدران بن المقلد وزحف لؤلؤ السارى نائب الحاكم بدمشق فملك الرقة ثم الرحبسة من يد بدران وعاد إلى دمشق وكان رئيس الرحبة ابن مجلكان فاستبد بها وبعث إلى صالح بن مرادس يستعين بن على أمره فأقام عنده مدة ثم فسد ما بينهما وقاتله صالح ثم اصطلحا وزوجه ابن مجلكان ابنته ودخل البلد ثم انتقل ابن مجلكان إلى عانة باهله وماله بعد أن أطاعوه وأخذ رهنهم ثم نقضوا وأخذوا ماله وسار إليهم ابن مجلكان مع صالح فوضع عليه صالح من قتله وسار إلى الرحبة فملكها واستولى على أموال ابن مجلكان وأقام دعوة العلويين بمصر * (ابتداء أمر صالح في ملك حلب) * قد قدمنا أن لؤلؤا مولى أبى المعالى بن سيف الدولة استبد بحلب على ابنه أبى الفضائل وأخذ البلد منه ومحا دعوة العباسية وخطب للحاكم العلوى بمصر ثم فسد حاله معه وطمع صالح بن مرادس في ملك حلب وذكرنا هنالك ما كان بين صالح ولؤلؤ من الحروب وأنه كان له مولى اسمه فتح وضعه في قلعة حلب حافظا لها فاستوحش وانتقض على لؤلؤ بممالاة صالح بن مرداس وبايع للحاكم على أن أقطعه صيد أو بيروت وسوغه ما كان في حلب من الاموال ولحق لؤلؤ بانطاكية وأقام عند الروم وخرج فتح بحرم لؤلؤ وأمه وتركهن في منيح وترك حلب وقلعتها إلى نواب الحاكم وتداولت في أيديهم حتى وليها بعض بنى حمدان من قبل الحاكم يعرف بعزيز الملك اصطنعه الحاكم وولاه حلب ثم عصى على ابنه الظاهر وكانت عمته بنت الملك مدبرة لدولته فوضعت على عزيز الملك(4/271)
من قتله وولوا على حلب عبد الله بن على بن جعفر الكتامى ويعرف بابن شعبان الكتامى وعلى القلعة صفى الدولة موصوفا الخادم * (استيلاء صالح بن مرداس على حلب) * ولما ضعف أمر العبيديين بمصر من بعد المائة اإ = لرابعة وانقرض أمر بنى حمدان من
الشأم والجزيرة تطاولت العرب إلى الاستيلاء على البلاد فاستولى بنو عقيل على الجزيرة واجتمع عرب الشأم فتقاسموا البلاد على أن يكون لحسان بن مفرج بن دغفل وقومه طيئ من الرملة إلى مصر ولصالح بن مرداس وقومه بنى كلاب من حلب إلى عانة ولسان ابن عليان وقومه دمشق وأعمالها وكان العامل على هذه البلاد من قبل الظاهر خليفة مصر أنوشتكين إلى عسقلان وملكها ونهبها حسان وسار صالح بن مرداس إلى حلب فملكها من يد ابن شعبان وسلم له أهل البلد ودخلها وصعد ابن شعبان إلى القلعة فحصرهم صالح بالقلعة حتى جهدهم الحصار واستأمنوا وملك القلعة وذلك سنة أربع وعشرين وأربعمائة واتسع ملكه ما بين بعلبك وعانة * (مقتل صالح وولاية ابنه أبى كامل) * ولم يزل صالح مالكا لحلب إلى سنة عشرين فجهز الظاهر العساكر من مصر إلى الشأم لقتال صالح وحسان وعليهم أنوشتكين الدريدى فسار لذلك ولقيهما على الاردن بطبرية وقاتلهما فانهزما وقتل صالح وولده الاصغر ونجا ولده الاكبر أبو كامل نصر بن صالح إلى حلب وكان يلقب شبل الدولة ولما وقعت هذه الواقعة طمع الروم أهل انطاكية في حلب فزحفوا إليها في عدد كثير * (مسير الروم إلى حلب وهزيمتهم) * ثم سار ملك الروم إلى حلب في ثلثمائة ألف مقاتل ونزل قريبا من حلب ومعه ابن الدوقس من أكابر الروم وكان منافرا له فخالفه وفارقه في عشرة آلاف مقاتل ونمى إليه انه يروم الفتك به وأنه دس عليه فكر راجعا وقبض على ابن الدوقس واضطرب الروم واتبعهم العرب وأهل السواد الارمن ونهبوا أثقال الملك أربعمائة حمل وهلك أكثر عسكره عطشا ثم أشرف بعض العرب على معسكره فهربوا وتركوا سوادهم وأموالهم وأكرم الله المسلمين بالفتح * (مقتل نصر بن صالح واستيلاء الوزيرى على حلب) *
وفى سنة تسع وعشرين زحف الوزيرى من مصر في العساكر إلى حلب وخليفتهم يومئذ(4/272)
المستنصر وبرز إليه نصر فالتقوا عند حملة وانهز نصر وقتل وملك الوزيرى حلب في رمضان من هذه السنة * (مهلك الوزيرى وولاية ثمال بن صالح) * ولما ملك الوزيرى حلب واستولى على الشأم عظم أمره واستكثر من الاتراك في الجند ونمى عنه إلى المستنصر بمصر ووزيره الجرجاى أنه يروم الخلاف فدس الجرجاى إلى جانب الوزيرى والجند بدمشق في الثورة به وكشف لهم عن سوء رأى المستنصر فثاروا به وعجز عن مدافعتهم فاحتمل أثقاله وسار إلى حلب ثم إلى حماة فمنع من دخولها فكاتب صاحب كفر طاب فسار إليه وشيعه إلى حلب ودخلها وتوفى سنة ثلاث وثلاثين ولما توفى فسد أمر الشأم وانحل النظام وتزايد طمع العرب وكان معز الدولة ثمال بن صالح بالرحبة منذ مهلك أبيه وأخيه فقصد حلب وحاصرها فملك المدينة وامتنع أصحاب الوزيرى بالقلعة واستمدوا أهل مصر وشغل الوالى بدمشق بعد الوزيرى وهو الحسين بن حمدان لحرب حسان بن مفرج صاحب فلسطين فاستأمن أصحاب الوزيرى إلى ثمال بن صالح بعد حصاره اياها حولا فأمنهم وملكها في صفر سنة أربع وثلاثين فلم يزل مملكا عليها إلى أن زحفت إليه العساكر من مصر مع أبى عبيد الله بن ناصر الدولة بن حمدان وبلغت جموعهم خمسة آلاف مقاتل فخرج إليهم ثمال وقاتلهم وأحسن دفاعهم وأصابهم سيل كاد يذهب بهم فأفرجوا عن حلب وعادوا إلى مصر ثم عادت العساكر ثانية من مصر سنة احدى وأربعين مع رفق الخادم فقاتلهم نمل وهزمهم وأسر الخادم رفقا ومات عنده * (رغبة ثمال عن حلب ورجوعها لصاحب مصر وولاية ابن ملهم عليها) * لم تزل العساكر تتردد من مصر إلى حلب وتضيق عليها حتى سئم ثمال بن صالح امارتها
وعجز عن القيام بها فبعث إلى المستنصر بمصر وصالحه على أن ينزل له عن حلب فبعث عليها مكين الدولة أبا على الحسن بن ملهم فتسلمها آخر سنة تسع وأربعين وسار ثمال إلى مصر ولحق أخوه عطية بن صالح بالرحبة واستولى ابن ملهم عليها * (ثورة أهل حلب بابن ملهم وولاية محمود بن نصر بن صالح) * وأقام ابن ملهم بحلب سنتين أو نحوها ثم بلغه عن أهل حلب أنهم كاتبوا محمد بن نصر بن صالح فقبض عليه فثار به أهل حلب وحصروه بالقلعة وبعثوا إلى محمود فجاء منتصف ثنتين وخمسين وحاصره معهم بالقلعة واجتمعت معه جموع العرب واستمد ابن ملهم المستنصر فكتب إلى أبى محمد الحسن بن الحسين بن حمدان أن يسير إليه في العساكر(4/273)
فسار إلى حلب وأجفل محمود عنها ونزل ابن ملهم إلى البلد ودخلها ناصر الدولة ونهبتها عساكره وابن ملهم ثم تواقع محمود وناصر الدولة بظاهر حلب فانهزم ناصر الدولة بن حمدان وأسر فرجع به محمود إلى البلد وملكها وملك القلعة في شعبان من هذه السنة وأطلق أحمد بن حمدان وابن ملهم فعاد إلى مصر * (رجوع ثمال بن صالح إلى ملك حلب وفرار محمود بن نصر عنها) * لما هزم محمود بن حمدان وأخذ القلعة من يد ابن ملهم وكان معز الدولة ثمال بن صالح بمصر منذ سلمها للمستنصر سنة تسع وأربعين فسرحه المستنصر الان وأذن له في ملك حلب من ابن أخيه فحاصره في ذى الحجة من سنة ثنتين وخمسين واستنجد محمود بخاله منيع بن شبيب بن وثاب النميري صاحب حران فأمده بنفسه وجاء لنصره فأفرج ثمال عن حلب وسار إلى البرية في محرم سنة ثلاث وخمسين ثم عاد منيع إلى حران وملك ثمال حلب في ربيع سنة ثلاث وخمسين وغزا بلاد الروم فظفر وغنم * (وفاة ثمال وولاية أخيه عطية) * ثم توفى ثمال بحلب قريبا من استيلائه وذلك في ذى القعدة سنة أربع وخمسين وعهد
بحلب لاخيه عطية بن صالح وكان بالرحبة من لدن مسير ثمال إلى مصر فسار وملكها * (عود محمود إلى حلب وملكه اياها من يد عطية) * ولما ملك عطية حلب وكان ذلك عند استيلاء السلجوقية على ممالك العراق والشأم وافتراقهم على العمالات ونزل به قوم منهم فاستخدمهم وقوى بهم ثم خشى أصحابه غائلتهم فأشاروا بقتلهم فسلط أهل البلد عليهم فقتلوا منهم جماعة ونجا الباقون فقصدوا محمود بن نصر بحران فاستنهضوه لملك حلب وجاءهم فحاصرها وملكها في رمضان سنة خمس وخمسين واستقام أمره ولحق عطية عمه بالرقة فملكها إلى أن أخذها منه شرف الدولة مسلم بن قريش سنة ثلاث وستين فسار إلى بلد الروم سنة خمس وستين واستقام أمر محمود بن نصر في حلب وبعث الترك الذين جاؤا في خدمته مع أميرهم ابن خان سنة ستين إلى بعض قلاع الروم فحاصروها وملكها وسار محمود إلى طرابلس فحاصرها وصالحوه على مال فأفرج عنهم ثم سار إليه السلطان البارسلان بعد فراغه من حصار ديار بكر وآمد والرها ولم يظفر بشئ منها كما نذكر في أخبارهم وجاء إلى حلب وحاصرها وبها محمود بن نصر وجاءت رسالة الخليفة القائم بالرجوع إلى الدعوة العباسية فأعادها وسأل من الرسول ازهر أبو الفراس طراد الزينى أن يعفيه السلطان من الحضور عنده فأبى السلطان من ذلك واشتد الحصار على محمود وأضربهم(4/274)
حجارة المجانيق فخرج ليلا ومعه والدته منيعة بنت وثاب متطارحين على السلطان فخلع على محمود في حلب آخر ثمان وستين وعهد لابنه شبيب إلى الترك الذين ملكوا أباه وهم بالحاضر وقد بلغه عنهم العيث والفساد فلما دنا من حللهم تلقوه فلم يحهم وقاتلهم وأصيب بسهم في تلك الجولة ومات * (مهلك نصر بن محمود وولاية أخيه سابق) * ولما هلك نصر ملك أخوه سابق قال ابن الاثير وهو الذى أوصى له أبوه بالملك فلم ينفذ
عهده لصغره فلما ولى استولى أحمد شاه مقدم التركمان الذين قتلوا أباه فخلع عليه وأحسن إليه وبقى فيها ملكا [ استيلاء مسلم بن قريش على حلب من يد سابق وانقراض دولة بنى صالح بن مرداس ] ولما كانت سنة ثنتين وسبعين زحف تتش بعد أن ملك دمشق إلى حلب فحاصرها أياما ورجل أهل حلب من ولاية الترك فبعثوا إلى مسلم بن قريش ليملكوه ثم بدالهم في أمره ورجع من طريقه وكان مقدمهم يعرف بابن الحسين العباسي وخرج ولده متصيدا في ضيعة له فأرسل له بعض أهل القلاع بنواحي حلب من التركمان وأسره وأرسله إلى مسلم بن قريش فعاهده على تمكينه من البلد وعاد إلى أبيه فسلم البلد إلى مسلم بن قريش وملكها سنة ثلاث وسبعين ولحق سابق بن محمود وأخوه وثاب إلى القلعة واستنزلهما بعد أيام على الامان واستولى على نواحيها وبعث إلى السلطان ملك شاه بالفتح وان يضمن البلد على العادة فأجابه إلى ذلك وصارت في ولاية مسلم بن قريش إلى ان ملكها السلطان من بعده * (استيلاء السلطان ملك شاه على حلب وولاية أقسنقر عليها) * قد تقدم لنا أن مسلم بن قريش قتله سليمان بن قلطمش كما مر في أخبار مسلم فلما قتله أرسل إليه ابن الحسين العباسي مقدم أهل حلب يطلب تسليمها إليه وكان تتش أيضا قد حاصرها وضيق عليها يطلب ملكها فوعد كلا منهما ونمى الخبر إلى تتش فسار إلى حلب وجاءه سليمان بن قلطمش فاقتتلا وقتل سليمان سنة تسع وسبعين وبعث برأسه إلى ابن الحسين فكتب انه يشاور السلطان ملك شاه في ذلك فغضب تتش وحاصره وداخله بعض أهل البلد فغدر به وأدخله ليلا فملك تتش مدينة حلب وشفع الامير ارتق بن اكسك من امراء تتش في ابن الحثيثى وامتنع بالقلعة سالم بن مالك بن بدران(4/275)
ابن المقلد فحاصره تتش وكان ابن الحثيثى قد كاتب السلطان ملك شاه واستدعاه لملك حلب عند ما خاف من أخيه تاج الدولة تتش فسار إليها من اصفهان سنة تسع وأربعين ومر بالموصل ثم تسلم حران من يد ابن الشاطر وأقطعها لمحمد بن قريش ثم سار إلى الرها فملكها من يد الروم وكانوا اشتروها من ابن عطية وسار إلى قلعة جعفر فملكها وقتل من بها من بنى قشير وأخذ صاحبها جعفرا شيخا أعمى وولدين له وكانوا يفسدون السابلة ويرجعون إليها ثم سار إلى منبج فملكها وسار إلى حلب وأخوه تتش يحاصر القلعة سبعة عشر يوما من حصارها وعاد إلى دمشق وملك السلطان مدينة حلب وقاتل القلعة ساعة من نهار رشقا بالسهام فاذعن سالم بن مالك بن بدران بالطاعة والنزول عنها على ان يقطعه قلعة جعفر فاقطعها له السلطان فلم تزل بيده ويد بنيه إلى ان ملكها منهم نور الدين الشهيد وبعث نصر بن على بن منقذ الكنانى صاحب شيزر بالطاعة وولى على حلب قسيم الدولة اقسنقر جد العادل نور الدين الشهيد وارتحل عائدا إلى العراق وسأله أهل حلب ان يعفيهم من ابن الحثيثى فاستصلحه وأرسله إلى ديار بكر فنزلها إلى ان توفى على حال شديدة من الفقر والاملاق والله مالك الامور لا رب غيره * (الخبر عن دولة بنى مزيد ملوك الحلة وابتداء أمرهم وتصاريف أحوالهم) * كان بنو مزيد هؤلاء من بنى أسد وكانت محلاتهم من بغداد إلى البصرة إلى نجد وهى معروفة وكانت لهم النعمانية وكانت بنو دبيس من عشائرهم في نواحى خوزستان في جزائر معروفة بهم وكان كبير بنى مزيد أبو الحسن على بن مزيد وأخوه أبو الغنائم وسار أبو الغنائم إلى بنى دبيس فأقام عندهم وفر فلم يدركوه ولحق بناحية أبى الحسن فسار إليهم أبو الحسن واستمد عميد الجيوش فأمده بعسكر من الديلم في البحر ولقيهم فانهزم أبو الحسن وقتل أبو الغنائم وذلك سنة احدى وأربعمائة فلما كانت سنة خمس جمع أبو الحسن وسار إليهم لا دراك الثار بأخيه وجمع بنى دبيس وهم مضر وحسان ونبهان وطراد فاجتمع إليهم العرب ومن في نواحيهم من الاكراد الشاهجان والحاذانية
وتزاحفوا ثم انهزم بنو دبيس وقتل حسان ونبهان واستولى أبو الحسن بن مزيد على أموالهم وحللهم ولحق الفل منهم بالجزيرة وقلده فخر الدولة أمر الجزيرة الدبيسية واستثنى منها الطيب وقرقوب وأقام أبو الحسن هناك ثم جمع مضر بن دبيس جمعا وكبسه فنجا في فل يسير ولحق ببلد النيل منهزما واستولى مضر على أمواله وعلى الجزيرة وملكها * (وفاة على بن مزيد وولاية ابنه دبيس) *(4/276)
ثم توفى أبو الحسن بن مزيد سنة ثمان وقام بالامر مكانه ابنه نور الدولة أبو الاغر دبيس وقد كان أبوه عهد لاخيه في حياته وخلع عليه سلطان الدولة وأذن في ولايته فلما ولى بعد أبيه نزع أخوه المقلد إلى بنى عقيل فأقام بينهم وكانت بسبب بذلك بين دبيس وقراوش أميرى بنى عقيل فتن وحروب وجمع دبيس عليه بنى خفاجه وملك الانبار من يده سنة سبع عشرة ثم انتقض خفاجه على دبيس وأميرهم منيع بن حسان وسار إلى الجامعين فنهبها وملك الكوفة وصار أمر دبيس وقراوش إلى الوفاق واستوى الامر على ذلك ومنعت خفاجه بنى عقيل من سقى الفرات * (استيلاء منصور بن الحسين على الجزيرة الدبيسية) * كانت الجزيرة الدبيسية قد استقرت لطراد بن دبيس وكان منصور بن الحسين بن شعوب بنى أسد تغلب عليها وأخرج طراد بن دبيس عنها سنة ثمان عشرة ثم مات طراد فسار ابنه أبو الحسن إلى جلال الدولة ببغداد وكان منصور بن الحسين قد خطب للملك أبى كليجار وقطع الخطبة لجلال الدولة فسأل منه على بن طراد أن يبعث معه عسكرا ليخرج منصورا من الجزيرة فأنفذه معه العسكر وسار إلى واسط ثم أغذ السير وكان منصور جمع للقائه وأعانه بعض امراء الترك وهو أبو صالح كركبر وكان قد هرب من جلال الدولة إلى أبى كليجار فأعان منصورا على شأنه ولقوا على بن طراد فهزموه وقتلوه
وجماعة من الترك الذين بعثهم جلال الدولة لنصرته واستقر ملك الجزيرة الدبيسية لمنصور بن الحسين * (فتنة دبيس مع جلال الدولة وحروبه مع قومه) * كان المقلد أخود بيس بن مزيد قد لحق ببنى عقيل كما ذكرناه وكانت بينه وبين نور الدولة دبيس عداوة فسار إلى منيع بن حسان أمير خفاجه واجتمعا على قتال دبيس على خلافة جلال الدين وخطب لابي كايجار واستقدمه للعراق فجاء إلى واسط وبها ابن جلال الدولة ففارقها وقصد النعمانية ففجر عليه البثوق من بلده وأرسل أبو كليجار إلى قراوش صاحب الموصل والاثير عنبر الخادم ان ينحدروا إلى العراق فانحدروا إلى الكحيل ومات بها الاثير عنبر وجمع جلال الدولة عساكره واستنجد أبا الشوك صاحب بلاد الاكراد فانجده وانحدر إلى واسط وأقام بها وتتابعت الامطار والاوحال فسار جلال الدولة إلى الاهواز بلد أبى كليجار لينهبها وبعث أبو كليجار إليه بأن عساكر محمود بن سبكتكين قد قصدت العراق ليرده عن الاهواز فلم يلتفت إلى ذلك وسار نهب الاهواز وبلغ الخبر إلى أبى كليجار فسار إلى مدافعته وتخلف عنه دبيس خوفا على حلله(4/277)
من خفاجه والتقى أبو كليجار وجلال الدولة فانهزم أبو كليجار وقتل من أصحابه كثير واستولى جلال الدولة على واسط وأعاد إليها ابنه عبد العزيز كما كان ولما فارق دبيس أبا كليجار وجد جماعة من عشيرته قد خالفوا عليه وعاثوا في نواحى الجامعين فقاتلهم وظفر بهم وأسر منهم جماعة منهم أبو عبد الله الحسين ابن عمه أبى الغنائم وشبيب وسرايا ووهب بنو عمه حماد بن مزيد وحبسهم بالجوسق ثم جمع المقلد أخوه جموعا من العرب واستمد جلال الدولة فأمدة بعسكر وقصدوا دبيس فانهزم وأسر جماعة من أصحابه ونزل المعتقلون بالجوسق فنهبوا حلله ولحق دبيس بالشر يد منهزما فسار به إلى مجد الدولة وضمن عنه المال المقرر في ولايته فأجيب إلى ذلك وخلع عليه واستقام حاله
وذهب المقلد مع جماعة من خفاجه فنهبوا مطيرا باد والنيل أقبح نهب وعاثوا في منازلها ولم تكن الحلة بنيت يومئذ وعبر المقلد دجلة إلى أبى الشوك فأقام عنده حتى أصلح أمره * (الفتنة بين دبيس وأخيه ثابت) * كان أبو قوام ثابت بن على بن مزيد متصلا بالبساسيرى سنة أربع عشرين وتزحزح لهم دبيس عن البلاد وملك ثابت النيل وأعمال دبيس وبعث دبيس طائفة من أصحابه لقتال ثابت فانهزموا فسارد بيس عن البلاد وتركها لنابت حتى رجع البساسيرى إلى بغداد فسار في جموع بنى أسد وخفاجه ومعه أبو كامل منصور بن قراد وتركوا حللهم بين حصنى وجرى وساروا جريدة ولقيهم ثابت عند جر جرا فاقتتلوا مليا ثم تحاجزوا واصطلحوا على ان يعود بيس إلى أعماله ويقطع أخاه ثابتا بعض تلك الاعمال وتحالفوا على ذلك وافترقوا وجاء البساسيرى منجد الثابت فبلغه الخبر بالنعمانية فرجع * (الفتنة بين دبيس وعسكر واسط) * كان الملك الرحيم قد أقطع دبيس بن مزيد سنة احدى وأربعين حماية نهر الصلة ونهر الفضل وهى من اقطاع جند واسط فسخطوا ذلك واجتمعوا وبعثوا إليه بالتهديد فراجعهم إلى حكم الملك الرحيم فغضبوا وزحفوا إليه فلقيهم وأكمن لهم فهزمهم وأثخن فيهم وغنم أموالهم ودوابهم ورجعوا إلى واسط يستنجدون جند بغداد ويرغبون من البساسيرى في المدافعة عنهم ويعطو منهر الصلة ونهر الفضل * (ايقاع دبيس بخفاجه) * وفى سنة ست وأربعين قصد بنو خفاجه الجامعين من أعمال دبيس فعاثوا فيها من عرفى الفرات وكان دبيس في شرقيه فاستنجد البساسيرى فجاء نفسه وعبر دبيس الفرات(4/278)
معه وقاتل خفاجه وآجلاهم عن الجامعين فسلكوا البرية ورجع عنهم ثم عاد والفساد
فعاد إليهم فدخلوا البرية فاتبعهم إلى خفان فأوقع بهم وأثخن فيهم وحاصر خفان ثم اقتحمه وأخرجهم ورجع إلى بغداد ومعه اسارى من خفاجه فصلبوا ثم سار إلى جرى فحاصرها ووضع عليهم سبعة آلاف دينار فالتزموها وأمنهم * (حرب دبيس مع الغز وخطبته للعلوي صاحب مصر ومعاردته الطاعة) * ولما انقرض أمر بنى بويه وغلب عليهم الغزو صارت الدولة للسلطان طغرلبك سلطان السلجوقية وجاء السلطان طغر لبك إلى بغداد واستولى على الخليفة وخطب له على منابر الاسلام وقبض على الملك الرحيم آخر ملوك بنى بويه حسبما ذلك كله مذكور في أخبارهم وكان البساسيرى قد فارق الملك الرحيم قبل مسيره من واسط إلى بغداد للقاء طغرلبك مجمعا على الخلاف على الغز مع قطلمش ابن عم طغرلبك جد الملوك ببلاد الروم أولاد قليج ارسلان ومعه متمم الدولة أبو الفتح عمرو سار معهم قريش بن بدران صاحب الموصل فلقيهم دبيس والبساسيرى على سنجار وهزمهم ورجع قريش إلى دبيس جريحا فخلع عليه وسار معهم وذهب بهم إلى الموصل وخرج دبيس وقريش والبساسيرى إلى البرية ومعهم جماعة من بنى غير أصحاب حران والرقة واتبعهم عساكر السلطان مع هزارست من امراء السلجوقية فأوقع بهم ورجع بالغنائم والاسرى وأرسل دبيس وقريش إلى هزارست ان يستعطف بهم السلطان ففعل وبعث دبيس ابنه بهاء الدولة مع وافد قريش فاكرمهما السلطان طغرلبك ثم انتقض عليه أخوه نيال بهمذان فسار لحربه وترك بغداد وخالفه البساسيرى إليها وبعث الخليفة القائم عن دبيس ليقيم عنده ببغداد فاعتذر بأن العرب لا تقيم وطلب الخليفة في الخروج إليه حتى يجتمع عليه هو وهزارست ويدافعوا عن بغداد وجاء البساسيرى ودخل بغداد ومعه قريش بن بدران فملكها سنة خمسين وخطب فيها للعلويين واستذم الخليفة القائم بقريش بن بدران فاذمه وبعثه إلى عانة عند مهاوش العقيلى من بنى عمه وفعل البساسيرى وجموعه في بغداد الافاعيل وأطاعه دبيس بن على بن مزيد وصدقة بن منصور بن الحسين
صاحب الجزيرة الدبيسية وكان ولى بعد أبيه وقد تقدم ذكر هذا كله ثم رجع السلطان من همذان بعد قتل أخيه وقضى أشغاله فاجفل البساسيرى وأصحابه من بغداد ولحق ببلاد دبيس وفارقه صدقة بن منصور إلى هزارست بواسط وأعاد طغرلبك الخليفة إلى داره وسار السلطان في اتباعه وفى مقدمته خمارتكين الطغرائي في ألفى فارس ومعه سرايا بن منيع الخفاجى فصبحت المقدمة دبيس بن مزيد والبساسيرى فهرب دبيس ووقف البساسيرى فقتل وذلك سنة احدى وخمسين ورجع السلطان إلى بغداد ثم انحدر(4/279)
إلى واسط وجاءه هزارست بن تنكين فأصلح عنده حال دبيس بن مزيد وصدقة بن منصور ابن الحسين وحضرا عند السلطان وجاآفى ركابه إلى بغداد فخلع عليهما وردهما إلى عمالتهما * (وفاة دبيس وامارة ابنه منصور) * ولم يزل دبيس على أعماله إلى ان توفى سنة اربع وسبعين لسبع وخمسين سنة من امارته وكان ممدوحا ورثاه الشعراء بعد وفاته بأكثر مما مدحوه في حياته ولما مات ولى في أعماله وعلى بنى أسد ابنه أبو كامل منصور ولقب بهاء الدولة وسار إلى السلطان ملك شاه فأقره على أعماله وعاد في صفر سنة خمس وسبعين فاحسن السيرة * (وفاة منصور بن دبيس وولاية ابنه صدقة) * ثم توفى بهاء الدولة أبو كامل منصور بن دبيس بن على بن مزيد صاحب الحلة والنيل وغيرهما في ربيع الاول سنة تسع وسبعين فأرسل الخليفة نقيب العلويين أبا الغنائم إلى ابنه سيف الدولة صدقة يعزيه وسار صدقة إلى السلطان ملك شاه فخلع عليه وولاه مكان أبيه * (انتقاض صدقة بن منصور بن دبيس على السلطان بركيارق) * وكان السلطان بركيارق قد خرج عليه أخوه محمود بن ملك شاه ينازعه في الملك وكانت
بينهما عدة وقعات ولم يزل صدقة بن منصور على طاعته ويحضر حروبه تارة بنفسه وتارة يبعث إليه العساكر مع ابنه إلى سنة أربع وتسعين فبعث إليه وزير السلطان بركيارق وهو الاغر أبو المحاسن الدهستانى يطلبه فيما تخلف عنده من المال وهو ألف ألف دينار ويتهدده عليه فقطع صدقة الخطبة لبركيارق وعاد إلى بغداد في هذه السنة منهزما امام أخويه محمد وسنجر فبعث الامير اياز من أكبر أصحابه وطرد نائب السلطان عن الكوفة واستضافها إليه * (استيلاء صدقة على واسط وهيت) * كان السلطان محمد في سنة ست وتسعين مستوليا على بغداد والخطبة بها وشحنته فيها أبو الغازى بن ارتق وصدقة بن دبيس على طاعته ومظاهرته ثم ظهر في هذه السنة بركيارق على محمد وحاصره بأصفهان فامتنع عليه فأفرج عنه إلى همذان وبعث كستكين القصيرى شحنة إلى بغداد فاستدعى أبو الغازى أخاه سقمان بن أرتق من حصن كيفا يستعين به في مدافعة كمستكين وجاء كمستكين إلى بغداد وخطب بها لبركيارق وخرج أبو الغازى وسقمان إلى دجيل فأقاما به يجرى وجاء صدقة بن مزيد إلى(4/280)
صرصر بعد أن جاء رسول الخليفة في طاعة ابلغارى وسقمان فعادا وعاثت عساكرهما في نواحى دجيل وتقدما إلى بغداد وبعث معهما صدقة ابنه دبيسا فخيسموا بالرملة وقاتلهم العامة وكثر الهرج وبعث الخليفة إلى صدقة يعظم عليه الامر فأشار باخراج كمستكين القيصري من بغداد لتصلح الاحوال فأخرج إلى النهروان في ربيع سنة ست وتسعين وعاد صدقة إلى الحلة وأعيدت خطبة السلطان محمد ببغداد ولحق القيصري بواسط وخطب بها لمحمد فسار إليه صدقة وأخرجه وجاء ابلغارى واتبعوا القيصري واستأمن إلى صدقة فأكرمه وأعيدت خطبة السلطان محمد بواسط وبعده لصدقة وابلغارى وولى كل واحد منهما ولده على واسط وذهب ابلغارى إلى بغداد
وعاد صدقة إلى الحلة وأرسل ابنه منصورا مع ابلغارى إلى المستنصر ليستظهر رضاه فرضى عنه ثم استولى صدقة على هثت وكان بركيارق أقطعها لبهاء الدولة توران بن تهيبة وكان مقيما في جماعة من بنى عقيل عند صدقة ثم تشاجرا ومال بنو عقيل إلى صدقة وحج عقب ذلك ورجع فوكل به صدقة وبعث ابنه دبيس ليتسلم هثت فمنعه نائب توران بها وهو محمد بن رافع بن رفاع بن منيعة بن مالك بن المقلد فلما أخذ صدقة واسطا سار إلى هثت وبها منصور بن كثير نائبا عن عمه توران فلقى صدقة وحاريه ثم انتقض جماعة من أهل البلد وفتحوا لصدقة فملكها وخلع على منصور وأصحابه وعاد إلى الحلة واستخلف على هثت ابن عمه ثابت بن كامل ثم اصطلح السلطان محمد وبركيارق وسار صدقة في شوال إلى واسط فملكها وأخرج الترك الذين كانوا بها وأحضر مهذب الدولة بن أبى الخير فضمنه البلد لثلاثة أشهر بقيت من السنة بخمسين ألف دينار وعاد إلى الحلة * (استيلاء صدقة بن مزيد على البصرة) * كانت البصرة منذ سنين في ولاية اسمعيل بن ارسلان جق من السلجوقية أقام فيها عشر سنين وعظم تمكنه للخلاف الواقع بين بركيارق ومحمد وكان يظهر طاعة صدقة وموافقته فلما صفا الامر لمحمد رغب إليه صدقة في ابقائه فأبقاه وبعث السلطان محمد عاملا على خاصة البصرة فمنعه اسمعيل فأمر السلطان صدقة بأخذ البصرة منه وأظهر منكبرس الخلاف فشغلوا عن البصرة وبعث إليه صدقة بتسليم الشرطة إلى مهذب الدولة بن أبى الخير فمنع من ذلك فسار صدقة إليه وحصن اسمعيل القلاع التى استجده حوالى البصة واعتقل وجوه البلد من العباسيين والعلويين والقاضى والمدرس والاعيان وحاصرها صدقة وخرج اسمعيل لقتاله وخالفه طائفة من أصحاب صدقة إلى مكان آخر من البلد فاقتحموها وانهزم اسمعيل إلى قلعة الجزيرة فامتنع بها ونهبت البلد وانحدر المهذب بن أبى الخير في السفن فأخذ القلعة التى كانت لاسمعيل بمطارا(4/281)
ثم استأمن اسمعيل إلى صدقة فآمنه وجاء صدقة فأمن أهل البصرة ورتب عندهم شحنة وعاد إلى الحلة منتصف تسع وتسعين وأربعمائة لستة عشر يوما من مقامه بالبصرة وسار اسمعيل نحو فارس فطرته المرض في رام هرمز ومات وكان صدقة قد استعمل على البصرة مملوك جده دبيس واسمه اليونشاش ورتب معه مائة وعشرين فارسا فاجتمعت ربيعة والمتقن وقصدوا البصرة قد خلوها بالسيف وأسروا اليونشاش وأقاموا بها شهرا ينهبون ويخربون وبعث صدقة عسكرا فوصل بعد خروجهم من البلد فانتزع السلطان البصرة من صدقة وبعث إليها شحنة وعميدا واستقام أمرها * (استيلاء صدقة على تكريت) * كانت تكريت لبنى معن من بنى عقيل وكانت إلى آخر سبع وعشرين وأربعمائة بيد رافع بن الحسين بن معن فلما مات وليها ابن أخيه أبو منعة بن ثعلب بن حماد ووجد بها خمسمائة ألف دينار وتوفى سنة خمس وثلاثين ووليها ابنه أبو غشام إلى سنة أربع وأربعين فوثب عليه أخوه عيسى فحبسه وملك القلعة والاموال فلما اجتاز به طغرلبك سنة ثمان وأربعين صالحه على بعض المال فرحل عنه ومات عيسى اثر ذلك وخافت زوجته من عود أخيه أبى غشام إلى الملك فقتلته في محبسه وولت على القلعة أبا الغنائم ابن المجلبان فسلمها إلى أصحاب طغرلبك وسارت هي إلى الموصل فقتلها ابن أبى غشام بأبيه وأخذ مسلم بن قريش مالها وولى طغرلبك على قلعة تكريت أبا العباس الرازي فمات لستة أشهر فولى عليها المهرباط وهو أبو جعفر محمد بن أحمد بن غشام من بلد الثغر فأقام بها احدى وعشرين سنة ومات فوليها ابنه سنتين وأخذتها من تركمان خاتون وولت عليها كوهو ابين الشحنة ثم مات ملك شاه فملكها قسيم الدولة اقسنقر صاحب حلب فلما قتل صارت للامير كمستكين الجاندار فولى عليها رجلا يعرف بأبى نصر المصارع ثم عادت إلى كوهوا بين اقطاعا ثم أخذها منه محمد الملك البلاسلانى فولى عليها لمقا بن هزارشب الديلمى وأقام بها اثنتى عشرة سنة فظلم أهلها وأساء السيرة فلما أجاز به سقمان بن
فلما استقر السلطان محمد بعد أخيه بركيارق أقطعها للامير اقسنقر البرسقى شحنة بغداد فسار إليها وحصرها مدة تزيد على سعبة أشهر حتى ضاق على كيقباد الامر فراسل صدقة بن مزيد ايسلها إليه فسار إليها في صقر من هذه السنة وتسلمها منه وانحدر البرسقى ولم يملكها ومات كيقباد بعد نزوله من القلعة بثمانية أيام وكان عمره ستين سنة واستناب صدقة بها ورام بن أبى قريش بن ورام وكان كيقباد ينسب إلى البطانية(4/282)
فد كنا قدمنا أن السلطان محمدا أقطع صدقة بن مزيد مدينة واسط فضمنها صدقة لمهذب الدولة بن أبى الخير وولى في أعمالها أولاده فبذروا الاموال وطالبه صدقة عند انقضاء السنة بالمال وحبسه وسعى في خلاصه بدران بن ابن صدقة وكان صهرا لمذهب الدولة وأعاده إلى البطيحة وضمن حماد والختم محمد والد مهذب الدولة كانا أخوين وهما ابنا أبى الخير وكانت لهما رياسة قومهما وهلك المصطنع وقام ابنه أبو السيد المظفر والد حماد مقامه وهلك المختم محمد وقام ابنه مهذب الدولة مقامه ونازعا ابراهيم صاحب البطيحة حتى غلبه مهذب الدولة وقبض عليه وسلمه إلى كوهوا بين فحمله إلى اصفهان فهلك في الطريق وعظم أمر مهذب الدولة يداريه بجهده وهو يضمر نقضه فلما مات كوهوا بين انتقض حماد عن مهذب الدولة وأظهر ما في نفسه واجتهد مهذب الدولة في استصلاحه فلم يقدر وجمع ابنه القيسر وقصد حماد افهرب إلى صدقة بالحلة وبعث معه مددا من العسكر وحشد مهذب الدولة وسار في العساكر أو بحرا أو أكمن حماد لهم وأصحابه واستطردوا بين أيديهم ثم خرجت عليهم الكمائن فانهزموا وأرسل حماد يستمد صدقة فبعث إليه مقدم جيشه وجمعوا السفن وكان مهذب الدولة جوادا فبعث إلى مقدم الجيش بالانعامات والصلات فمال إليه وأشار عليه أن يبعث ابن النفيس إلى صدقة فرضى عنه وأصلح بينه وبين حماد ابن عمه وذلك اخرا لمائة الخامسة * (مقتل صدقة وولاية ابنه دبيس) * كان صدقة بن منصور بن مزيد شيعة للسلطان محمد بن ملك شاه على أخيخ بركيارق ومن
أعظم أنصاره ولما هلك بركيارق واستبد السلطان محمد بالملك رعى وسائله في ذلك وأقطعه واسطاو أذن له في ملك البصرة وأنزله منزل المصافاة حتى كان يجبر عليه وسخط مرة على سرخاب بن كيخس صاحب سارة فلجئ إليه مستجيرا به فأجاره وطلبه السلطان فمنعه وكان العميد أبو جعفر يستبد له السلطان لكثرة السعاية ويغريه به وينكر دالته وتسبطه فتعين السلطان وسار إلى العراق وأرسل إلى صدقة فاستشار صدقة أصحابي فأشار ابنه دبيس بملاطفته واستعطافه بالهدايا وأشار سعيد بن حميد صاحب جيشه بالمحارية فجنح إلى رأيه واستطال في الخطاب وجمع الجند وأفاض فيهم العطاء واعترضهم فكانوا عشرين ألف فارس وثلاثين ألف راجل وبعث إليه المستظهر مع على بن طراد الزينى نقيب النقباء يعظه في المخالفة ويحضه على لقاء السلطان فاعتذر بالخوف منه(4/283)
ثم بعث إليه السلطان أقضى القضاة أبا سعيد الهروي ليومنه ويستنفر ه لجهاد الفرنج في جملته فامتنع ووصل السلطان إلى بغداد في ربيع من سنة احدى وخمسمائة ومعه وزيره نظام الملك أحمد بن نظام الملك فقدم البرقى شحنة بغداد في جماعة من الامراء فنزلوا بصر صر مسلحة لقلة عسكر السلطان وانه انما جاء في ألفى فارس للاصلاح والاستئلاف فلما تبين له لجاج صدقة أرسل إلى الامراء بأصفها ن بأن يستجيشوا ويقدموا فكتب صدقة إلى الخليفة بالمقاربة وموافقة السلطان ثم رجع صدقة عن رأيه وقال إذا رجل السلطان عن بغداد مدينة بالاموال والرجال لجهاده واما الان وعساكره متصلة فلا وفاق عندي وقد أرسل إلى جاولى سكاوو صاحب الموصل وابلغارى بن أرتق صاحب ماردين بالانتقاض على السلطان وأيس السلطان من استقامته ووصل إليه ببغداد قراوش شرف الدولة وكروباوى بن خراسان التركماني وأبو عمران فضل بن ربيعة بن خادم بن الجرج الطائى وكان آباؤه أصحاب البلقاء وبيت المقدس ومنهم حسان بن مفرج وطرده كفرتكين أتابك دمشق لما كان عليه من
الاجلاب تارة مع الفرنج وتارة مع أهل مصر فلجا إلى صدقة وقبله وأكرمه وأجزل له العطاء سبعة آلاف دينار فلما كانت هذه الحادثة رغب من صدقة وسار في طلائعه فهرب إلى السلطان فخلع عليه وعلى أصحابه وسوغه دار صدقة عن الهروب وأذن له فعبر من الانبار وكان آخر العهد به ثم أنفذ السلطان في جمادى الاولى إلى واسط الامير محمد بن بوقا التركماني فملكها وأخرج منها أصحاب صدقة وأنفذ خيله إلى بلد قوسان من أعمال صدقة فنهبه وأقام أياما حتى بعث صدقة ابن عمه ثابت بن سلطان في عسكر فخرج منها الامير محمد وملكها ثابت وأقاموا على دجلة وخرج ثابت لقتالهم فهزموه واقتحموا البلد ومنعهم الامير محمد من النهب ونادى بالامان وأمر السلطان الامير محمدا ينهب بلاد صدقة فسار إليها وأقطع مدينة واسط لقسيم الدولة البرسقى ثم سار السلطان من بغداد آخر رجب ولقيه صدقة واشتد القتال وتخاذلت عنه عبادة وخفاجه ورفع صوته بالايتهال بالناشرة بالعرب ورغب الاكراد بالمواعد ثم غشيه الترك فحمل عليهم وهو ينادى أنا ملك العرب أنا صدقة فأصابه سهم أثبته وتعلق به غلام تركي يسمى برغش فجذبه إلى الارض فقال بايرغش ارفق فقتله وحمل رأسه إلى السلطان فأنفذه إلى بغداد وأمر بدفن شلوه وقتل من أصحابه ثلاثة آلاف أو يزيدون ومن بنى شيبان نحو مائة وأسر ابنه دبيس ونجا ابنه بدران إلى الحلة ومنها إلى البطيحة عند صهره مهذب الدولة وسرسرجان بن كخسرو المستجير بصدقة على السلطان وسعيد ابن حميد العمدي صاحب الجيش وكان مقتل صدقة لاحدى وعشرين سنة من امارته(4/284)
وهو الذى بنى الحلة بالعراق وكان قد عظم شأنه وعلا قدره بين الملوك وكان جواد حليما صدوقا عادلا في رعيته وكان يقرأ ولا يكتب وكانت له خزانة كتب منسوبة الخط ألوف مجلدات ورجع السلطان إلى بغداد من دون الحلة وأرسل أما نا لزوج صدقة فجاءت إلى بغداد وأمر السلطان الامراء بتلقيها وأطلق لها ولدها دبيسا واعتذر لها
من قتل صدقة واستحلف دبيسا على الطاعة وأن لا يحدث حدثا وأقام في ظله وأقطعه السلطان اقطاعا كثيرا ولم يزل دبيس مضما عند السلطان محمد إلى أن توفى وملك ابنه محمود سنة احدى عشرة فرغب دبيس من السلطان محمود أن يسرحه إلى بلده فسرحه وعاد إليها فملكها واجتمع عليه خلق كثير من العرب والاكراد واستقام أمره * (خبر دبيس مع البرسقى ومع الملك مسعود) * لما توفى الخليفة المستظهر سنة ثنتى عشرة وبويع ابنه المسترشد خاف ابنه الآخر من غائلة أخيه وانحدر في البحر إلى المدائن وسار منها إلى الحلة فأبى أن يكرهه فتلطف على بن طراد لاخى الخليفة فأجاب وتكفل دبيس بما يطللبه وبينما هو في خلال ذلك برز البرسقى من بغداد مجلبا على دبيس الجموع وسار أخو الخليفة إلى واسط فملكها في صفر سنة ثلاث عشرة وخمسمائة وقوى أمره وكثرت جموعه فبعث الخليفة إلى دبيس في شأنه وانه خرج عن جواره فلقى أمره وكثرت جموته فبعث الخليفة إلى دبيس في شأنه وانه خرج عن جواره فلقى أمره بالطاعة وبعث إليه وهو بواسط عسكرا من قبله فتلقاء وقبض عليه وبعثه إلى أخيه المسترشد وكان مسعود أخو السلطان محمد بالموصل ومعه أتابكه حيوس بك فاعتزما على قصد العراق لغيبة السلطان محمود عنه فسار لذلك ومعه وزيرة فخر الملك أبو على بن عمار صاحب طرابلس وقسيم الدولة زنكى بن اقسنقر أبو المعالى أبو الملك العادل وكروياوى بن خراسان التركماني صاحب البواريح وأبو الهيجاء صاحب اربل وصاحب سنجار فلما قاربوا بغداد خاف البرسقى شانهم وبعث إليه الملك مسعود وحيوس بك أنهم انما جاؤا نجدة على دبيس وكان البرسقى انما ارتاب من حيوس بك فصالحهم ودخل مسعود بغداد ونزل دار المملكة وجاء منكبرس في العساكر فسار البرسقى عن بغداد لمحاربته ودفاعه فمال إلى النعمانية وعبر دجلة واجتمع مع دبيس بن صدقة وكان دبيس قد صانع مسعود أو صاحبه بالهدايا والالطاف مدافعة عن نفسه فلما لقيه منكبرس اعتضد به وسار الملك مسعود والبرسقى وحيوس بك
إلى المدائن للقائهما لكثرة جموعهما ونكبوا عن المدائن وعبروا نهر صرصر وأكثروا النهب في تلك النواحى من الطائفتين وبعث إليهم المسترشد بالموعظة ويأمرهم بالموادعة والمصالحة فأجابوا إلى ذلك ثم يلغهم أن دبيسا ومنكبرس قد بعثا العساكر مع منصور أخى دبيس وحسين بن أوزبك ربيب منكبرس ليخالفوهم(4/285)
إلى بغداد فخلوها من الحامية فأغذ البرسقى السير إلى بغداد وترك ابنه عز الدين مسعود على العسكر وصحبه عماد الدين زنكى بن أقسنقرو انتهى إلى وبالى ومنع العسكر من العبور ثم جاءه الخبر ليومين يصلح الفريقين كما أشار الخليفة ففتر نشاطه وعبر إلى الجانب الغربي من بغداد وجاء في أثره منصور أخود بيس وحسين ربيب منكبرس فنزلا في الجانب الشرقي من بغداد وأغار البرسقى على نعم الملك مسعود فأخذها وعاد فخيم بجانب اخر من بغداد وخيم مسعود وحيوس بك من جانب آخر ودبيس ومنكبرس من جانب ومعهما عز الدولة بن البرسقى منفردا عن أبيه وكان حيوس بك قد بعث إلى السلطان محمود بطلب الزيادة له وللملك مسعود فجاء كتاب مع رسوله يذكر أن السلطان كان أقطعهم اذبيجان حق إذا بلغه مسيرهم إلى بغداد تثاقل عن ذلك وقد جهز العساكر إلى الموصل ووقع الكتاب بيد منكبرس فبعث إلى حيوس بك وضمن له اصلاح الحال وكان يوثر مصلحته إذ كان متزوجا بأمه فتم الصلح وافترق عن البرسقى أصحابه وبطل ما كان يحدث به نفسه من الاستبداد بالعراق وصار مع الملك مسعود واستقر منكبرس شحنة ببغداد ورجع دبيس إلى الحلة * (فتنة دبيس مع السلطان محمود واجلاؤه عن بغداد ثم معاودته الطاعة) * كان دبيس بن صدقة كثيرا ما يكاتب حيوس بك أتابك الملك مسعود ويغريهم بطلب السلطنة ويعدهم بالمساعدة ليحصل له بذلك علو اليد كما كان لابيه مع بركيارق ومحمدا بنى ملك شاه وكان قسيم الدولة البرسقى شحنة بغداد قد سار للملك مسعود وأقطعه مراغة
مع الرحبة وكانت بينه وبين دبيس عداوة مستحكمة فأغراهم دبيس بالقبض عليه ففارقهم البرسقى إلى السلطان محمود فأكرمه ثم اتصل الاستاذ أبو اسمعيل الحسين بن على الاصفهانى الطغرائي بالملك مسعود وكان ولده أبو المؤيد محمد يكاتب الطغرائي عن الملك مسعود فلما وصل أبوه عزل أبا على بن عمار صاحب طرابلس واستوزره وحسن لهم ما أشار به دبيس فعزموا عليه ونمى الخبر إلى السلطان محمود فكاتبهم بالوعيد فأظهروا أمرهم وخطبوا للملك مسعود بالسلطنة وضربوا له النوب الخمس وبلغهم أن عساكر محمود متفرقة فأغذوا السير لمحاربته والتقوا عنه عقبة استراباد في ربيع سنة أربع عشرة وأبلى البرسقى وكان في مقدمته ثم انهزم مسعود وأمر كثير من أصحابه وجئ بالوزير أبى اسمعيل الطغرائي فأمر بقتله لسنة من ولايته وكان حسن الكتابة والشعر وله تصانيف في صنعة الكيمياء وسار مسعود يطلب الموصل بعد أن استأمن البرسقى وأدركه فرده إلى أخيه وعفا عنه وعطف عليه ولحق حيوس بك بالموصل ثم بلغه فعل السلطان محمود ومعه ألف سفينة لعبوره فبادر دبيس لطلب الامان بعد أن أرسل(4/286)
حرمه إلى البطيحة وسار بأمواله عن الحلة وأمر بنهبها ولحق بأبلغارى بن أرتق بماردين ووصل السلطان إلى الحلة فوجدها خاوية على عروشها فرجع عنها وأرسل دبيس أخاه منصورا من قلعة صفد في عسكر إلى العراق فمر بالحلة والكوفة وانحدر إلى البصرة وبعث إلى برتقش الذكوى في صلاح حالهما مع السلطان محمود فقبض على منصور أخى دبيس وولده وحبسهما ببعض القلاع حذاء الكرخ ثم أذن دبيس لجماعة من أصحابه بالمسير إلى أقطاعهم بواسط فمنعهم أتراك واسط فبعث إليهم عسكرا مع مهلهل بن أبى العسكر وأمر مظفر بن أبى الخير فساعده واستمد أهل واسط البرسقى فأمدهم بعسكر وسار مهلهل للقائهم قبل مجئ المظفر فهزم وأخذ أسيرا في جماعة من أصحابه وأصعد المظفر من البطيحة ينهب ويفسد حتى قارب واسط وسمع بالهزيمة
فأسرع منحدرا ووقع على كتاب بخط دبيس إلى مهلهل يأمره بالقبض على مظفر بن أبى الخير ومطالبته بالاموال فبعثوا به إلى المظفر وسار معهم وبلغ دبيسا أن السلطان كحل أخاه فلبس السواد ونهب البلاد وأخذ للمسترشد بنهرا لملك وأجفل الناس إلى بغداد وسار عسكر واسط إلى النعمانية فأوقعوا بمن هنالك من عساكر دبيس وأجلوهم عنها وكان دبيس قد أسر في واقعة البرسقى عفيفا خادم الخليفة فأطلقه وحمله إلى المسترشد عقابا ووعيدا على كحل أخيه فغضب الخليفة وتقدم إلى البرسقى بالخروج لحرب دبيس وخرج بنفسه في رمضان سنة عشرة وأتاه سليمان بن مهارش من الحديثة في جماعة من بنى عقيل وقريش بن مسلم صاحب الموصل في كافة بنى عقيل وأمر المسترشد باستنفار الجند كافة وفرق فيهم الاموال والسلاح وجاء دبيسا ما لم يكن يحتسبه فرجع إلى الاستعطاف وبرز الخليفة آخر ذى الحجة وعبر دجلة وهو في أكمل زيه ومعه وزيره نظام الدين أحمد بن نظام الملك ونقيب الطالبيين ونقيب النقباء على بن طراد وشيخ الشيوخ صدر الدين اسمعيل وبلغ البرسقى مسير المسترشد فعاد إلى خدمته ونزل معه بالحديثة ثم سار إلى الموصل على سبيل التعبية والبرسقى في المقدمة وعجى دبيس أصحابه صفا واحدا وجعل الرجالة بين يدى الخيالة وقد كان وعد أصحابه بنهب بغداد وسبى حريمها فالتقى الفريقان فانهزم عسكر دبيس وأسر جماعة من أصحابه فقتلوا صبرا وسبيت حرمه ورجع المسترشد إلى بغداد يوم عاشوراء من سنة سبع عشرة ونجا دبيس وعبر الفرات وقصد غزنة من عرب نجد مستنصرا بهم فأبوا عليه فسار إلى المنتقى وحالفهم على أخذ البصرة فدخلوا ونهبوا أهلها وقتل مقدم عسكرها وبعث المسترشد إلى البرسقى بالعتاب على اهمال أمر البصيرة فتجهز البرسقى للانحدار إليها ففارقها دبيس ولحق بقلعة جعبر وصار مع الفرنج وأطمعهم في حلب وسار معهم(4/287)
لحصارها سنة ثمان عشرة فامتنعت عليهم فعادوا عنها ولحق هو بالملك طغرلبك بن
السلطان ابن محمد فأغراه بالمسير إلى العراق كما نذكر * (مسير دبيس إلى الملك طغرل) * لما سار دبيس من الشأم إلى الملك طغرل باذربيجان تلقاه بالمبرة والتكرمة وأنظمه في خواصه ووزرائه وأغراه دبيس بالعراق وضمن له ملكه فسار معه لذلك وانتهوا إلى دقوقا في عساكر كثيرة وكتب مجاهد الدين مهرور صاحب تكريت إلى المسترشد بالخبر فتجهز لمدافعتهم وجمع العساكر فبلغوا اثنى عشر ألف فارس وبرز من بغداد في صفر سنة تسع عشرة وفى مقدمته برتقش الذكوى ونزل الخالص وانتهى إلى طغرل خروج المسترشد فعدل إلى طريق خراسان ونزل جلولاء وتفرق أصحابه للنهب وبرز إليه الوزير جلال الدين بن صدقة في عسكر كبير فنزل الدسكرة ولحقه المسترشد وكان معه ورحل طغرل ودبيس إلى الهارونية ثم سارا إلى تامر اليقطعا جسر النهروان فحفظ دبيس المعابر وتقدم طغرل إلى بغداد وتملكها ونهبها ثم رحل دبيس من تامرا وأقام طغرل لحمى أصابته وحالت بينهما الامطار والسيول ثم أخذ دبيس ثقلا جاء للخليفة فيه ملبوس وطعام كثير وكان لحقه الجوع والتعب والبرد فأخذ من ذلك الملبوس ولبسه وأكل من الطعام كثيرا واستقبل الشمس فأخذه النوم ورقد وأما الخليفة لما بلغه الخبر بأخذ الثقل رجع إلى بغداد ففى حال سيره عثر على دبيس وهو نائم فوقف وأيقظه فحل عينيه ورأى الخليفة فبادر بتقبيل الارض على العادة وسأل العفو فرق له الخليفة وثناه الوزير بن صدقة عن ذلك ووقف دبيس ازاء عسكر برتقش يحادثهم ثم مدوا الجسر آخر النهار للعبور فتسلل دبيس عنهم ولحق بالملك طغرل وسار معه إلى عمه الملك سنجر وعاثوا في أعمال همذان واتبعهم السلطان محمود فلم يظفر بهم * (مسير دبيس إلى السلطان سنجر) * لما أيس طغرل من ملك العراق عندما سار إليه مع دبيس عاد منه وسار هو ودبيس إلى السلطان سنجر وهو يومئذ صاحب خراسان والمتقدم على بنى ملك شاه فشكى إليه
طغرل ودبيس من المسترشد وبرتقش الشحنة ووعدهم النصفة منهم ثم داخله دبيس واطمعه في ملك العراق وخيل له أن المسترشد والسلطان محمود متفقان على مباعدته ولم يزل يفتل له في الذروة والغارب حتى حرك حفيظته لذلك وسار إلى العراق سنة ثنتين وعشرين فوصل إلى الرى واستدعى السلطان محمودا من همذان يختبر ما خيل له دبيس فجاء محمود مبادرا وأكذب دبيسا فيما خيل وأمر السلطان سنجر العساكر(4/288)
بتلقي السلطان محمود وأجلسه معه على التخت وأقام عنده إلى آخر سنة ثنتين وعشرين ثم عاد إلى خراسان وأوصاه باعادة دبيس إلى بلده فرجع السلطان محمود إلى همذان ودبيس معه ثم سار إلى بغداد في محرم سنة ثلاث وعشرين وأنزل دبيس بداره واسترضى له الخليفة فرضى عنه وامتنع من ولايته وبذل دبيس مائة ألف دينار لذلك فلم يقبله وعاد السلطان محمود إلى همذان منتصف السنة * (فتنة دبيس مع محمود وأسره) * كانت زوجة السلطان محمود وهى ابنة عمه سنجر تعين بأمر دبيس فماتت عند رحيل السلطان إلى همذان فانحل أمره ثم مرض السلطان فأخذ دبيس ابنه الصغير وقصد العراق فجمع المسترشد لمدافعته وكان بهرور شحنة بغداد بالحلة فهرب عنها وملكها دبيس في رمضان سنة ثلاث وعشرين وبلغ الخبر إلى السلطان محمود فأحضر الامير ابن قزل والحمد يلى وكانا ضمنا دبيس فطالبهما بالضمان فسار الاحمد يلى في أثره وجاء السلطان إلى العراق فبعث إليه دبيس بهدايا عظيمة كان فيها مائتا ألف دينار وثلثمائة فرس بسروج مثقلة بالذهب ثم جاء إلى البصرة ونهبها وأخذ ما في بيوت الاموال وبعث السلطان في أثره العساكر فدخل البرية وجاءه عند مفارقته البصرة قاصدا من صرصر يستدعيه وكان صاحبها خصيا فتوفى في هذه السنة وخلف سرية له فاستولت على القلعة وأرادت أن تتم أمرها برجل له قوة ونجدة فوصف لها دبيس وحاله في العراق
وكثرة عشيرته فكتبت تستدعيه لتتزوج به وتملكه القلعة بما فيها فلحقه الكتاب بعد مفارقته البصرة وقفل من العراق إلى الشام ومعه الادلاء ومر بدمشق فحبسه واليها عنده وبعث فيه عماد الدين زنكى وكان عدوه وكان عنده ابن تاج الملوك مأسورا في واقعة كانت بينهما فطلب أن يبعث إليه دبيس ويفادى به ابنه والامراء الذين معه ففعل ذلك تاج الملوك وحصل دبيس في يد زنكى وقد أيقن بالهلاك فاطلقه زنكى وحمل له الاموال والدواب والسلاح وخزائن الامتعة كما يفعل مع أكابر الملوك وبلغ المسترشد خبره فبعث سديد الدين بن الانبار يطلبه من تاج الملوك فسار لذلك من جزيرة ابن عمر وبلغه في طريقه أنه بعثه إلى زنكى وأنه فاته القصد منه * (مسير دبيس إلى بغداد مع زنكى وانهزامهما) * لما توفى السلطان محمود سنة خمس وعشرين وولى بعده داود ونازعه عمومته مسعود وسلجوق ثم استقرت السلطنة لمسعود وكان أخوهما طغرل عند عمه سنجر بخراسان وكان كبير بيت أهل السلجوقية وله الحكم على ملوكهم فنكر على السلطان محمود لقتال(4/289)
سلجوق وطغرل وسار به إلى العراق وانتهى إلى همذان وبعث إلى عماد الدين زنكى فولاه شحنة بغداد والى دبيس بن صدقة وهو عند زنكى فأقطعه الحلة وتجهز السلطان محمود لقتال سنجر وطغرل واستدعى الخليفة للحضور معه فخرج من بغداد وعاجلهم ورجع المسترشد إلى بغداد وقد سمع بوصول زنكى ودبيس إليها ولقيهم بالعباسية فهزمهم وقتل من عسكرهم ودخل بغداد وسار دبيس إلى بلاد الحلة وكانت بيد أقيال المسترشد فبعث إليها بالمدد فهزموا دبيس ونجا من المعركة ثم جمع جمعا وقصد واسط وانضم إليه عسكرها وابن أبى الخير صاحب البطيحة وملكها إلى سنة سبع وعشرين فبعث اقبال الخادم وبرتقش الشحنة العساكر إلى دبيس فلقيهم في عسكر واسط وانهزم وسار إلى السلطان مسعود فأقام عنده
* (مقتل دبيس وولاية ابنه صدقة) * لم يزل دبيس مقيما عند السلطان مسعود إلى أن حدثت الفتنة بينه وبين المسترشد ومات أخوه طغرل كما هو مذكور في أخبارهم وسار مسعود إلى همذان بعد موت أخيه طغرل فملكها وفارقه جماعة من أعيان أمرائه ومعهم دبيس بن صدقة مستوحشين منه واستأمنوا للخليفة فحذر من دبيس ولم يقبلهم فمضوا إلى خورستان واتفقوا مع برسق بن برسق ثم تدارك الخليفة رأيه وبعث إلى الامراء الذين مع دبيس بالامان وكانوا لما ردهم الخليفة بسبب دبيس أجمعوا القبض عليه وخدمة الخليفة به وشعر بهم وهرب إلى السلطان مسعود وبرز الخليفة من بغداد في رجب من سنة تسع وعشرين لقتال مسعود وكتب إليه أكثر أهل الاعمال بالطاعة وأرسل إليه داود بن السلطان محمود من اذربيجان بأن يقصد المسترشد الدينور ليحضر داود حربه فأبى وسار على التعبية حتى بلغ واعرج فالتقوا هنالك وانهزمت عساكر المسترشد وأخذ أسيرا ومعه وزيره شرف الدين على بن طراد وقاضي القضاة وابن الانباري وجماعة من أعيان الدولة وغنم ما في عسكره وعاد السلطان إلى بغداد وبعث الامير بكاية شحنة إلى بغداد وكثر العويل والبكاء والضجيج ببغداد على الخليفة وجعل الخليفة في خيمة ووكل به وراسله السلطان مسعود في الصلح وشرط عليه ما لا يؤديه ولا يجمع العساكر ولا يخرج من داره ما بقى وانعقد ذلك بينهما وبينما هما في ذلك وصل رسول السلطان سنجر فركب السلطان مسعود للقائه وافترق المتوكلون بالمسترشد فدخل عليه خيمته آخر ذى القعدة من سنة تسع وعشرين جماعة الباطنية وقتلوه وقتلوا معه جماعة من أصحابه ولما قتل المسترشد اتهم السلطان مسعود أن دبيس بن صدقة دس أولئك النفر عليه فأمر بقتله وقصده غلام فوقف على رأسه عند باب خيمته وهو ينكث الارض باصبعه(4/290)
فأطار رأسه وهو لا يشعر وبلغ الخبر إلى ابنه صدقة وهو بالحلة فاجتمعت إليه عساكر أبيه
وممالكه واستأمن إليه الامير قطلغ تكين وأمر السلطان مسعود الشحنة بك آية بمعاجلته وأخذ الحلة من يده إلى أن قدم السلطان بغداد سنة احدى وثلاثين فقصده صدقة وأصلح حاله معه ولزم بابه * (مقتل صدقة وولاية ابنه محمد) * ولما قتل المسترشد ولى ابنه الراشد باشارة السلطان مسعود ثم حدثت الفتنة بينه وبين السلطان مسعود وأغراه بها عماد الدين زنكى صاحب الموصل ومعه الراشد وبايع السلطان مسعود للمقتفى سنة ثلاثين وخلع الراشد ففارق الموصل وسار الامراء الذين كانوا مع داود إلى السلطان مسعود ورضى عنهم ورجع إلى همذان وأذن للعساكر في العود إلى بلادهم وتمسك بصدقة بن دبيس وزوجه ابنته وسار الراشد من الموصل إلى اذربيجان قاصدا الملك واجتمع إليه صاحب فارس وخورستان وجماعة الامراء فسار إليهم السلطان مسعود وهزمهم وأخذه صاحب فارس الامير منكبرس فقتله صبرا وتسلل صاحب خورستان وعبد الرحمن طغابرك صاحب خلخال إلى السلطان مسعود وهو في خف من الناس فحملوا عليه وهزموه وقبضوا على جماعة من الامراء الذين معه فقتلهم منكبرس فيهم صدقة بن دبيس وعنبر بن أبى العسكر وذهب داود إلى همذان فملكها واستقال السلطان مسعود من عثرته وولى على الحلة محمد بن دبيس وجعل معه مهلهل بن أبى العسكر أخا نمير بربره واستقام أمره بالحلة وكان من شأن الراشد والسلجوقية ما نذكره في أخبارهم * (تغلب على بن دبيس على الحلة وملكه اياها من أخيه محمد) * ثم خرج على السلطان مسعود سنة ست وأربعين بوزاية صاحب فارس وخورستان وبايع للسلطان محمد ابن السلطان محمود وسار معهم عباس صاحب الرى وملكوا كثيرا من البلاد فسار السلطان مسعود إليهم من بغداد واستخلف بها الامير مهلهل ابن أبى العسكر ونظر الخادم وأشار مهلهل على السلطان مسعود عند رحيله من بغداد
أن يحبس على بن دبيس بقلعة تكريت ونمى إليه الخبر فهرب في نفر قليل ومضى إلى بنى أشد فجمعهم فسار إلى الحلة فبرز إليه محمد أخوه فهزمه على وملك الحلة واستهان السلطان أمره أولا فاستفحل وضم إليه جمعا من غلمانه وغلمان أبيه وأهل بيته وعساكرهم وكثر جمعهم فسار إليه مهلهل فيمن معه في بغداد من العسكر وضربوا عليه مصافا وكسرهم وعادوا منهزمين إلى بغداد وكان أهلها يتعصبون لعلى بن دبيس(4/291)
فكانوا يعيطون إذا ركب مهلهل أو بعض أصحابه يا على كله فكثر ذلك منهم بحيث امتنع مهلهل من الركوب ويد على فرق كل يد في أوضاع الامراء بالحلة وتصرف فيها وصار شحنة بغداد ومن فيها على وجل منه ووضع الخليفة الحامية على الاسوار وأرسل إلى على يحضه على الاستقامة فأجاب بالامال والطاعة فسكن الناس * (أخذ السلطان الحلة من يد على وعوده إليها) * كان على بن دبيس كثير العسف بالرعية والظلم لهم وارتفعت شكوى الرعية به إلى السلطان مسعود سنة ثنتين وأربعين فاشكاهم وأقطع الحلة سلاركرد فسار إليها من همذان وجمع عسكرا من بغداد وقصد الحلة واحتاط على أهل على وأقام بالحلة في مماليكه وأصحابه ورجعت عنه العساكر ولحق على بن دبيس بالتقشكنجر وكان في اقطاعه باللحف متجنيا على السلطان مسعود فاستنجده على فأنجده وسار معه إلى واسط وسار معهما الطرنطاى صاحب واسط فانتزعوا الحلة من سلاركرد ورجع إلى بغداد آخر ثنتين وأربعين واستولى على على الحلة * (نكبة على بن دبيس) * ثم انتقض على السلطان مسعود سنة أربع وأربعين جماعة من الامراء منهم التقشكنجر والطرنطاى وعلى بن دبيس وبايعوا ملك شاه ابن السلطان محمود وساروا به إلى العراق وراسلوا المقتفى في الخطبة له فامتنع وجمع العساكر وحصن بغداد وأرسل إلى
السلطان مسعود بالخبر فشغل عنهم بلقاء عمه السلطان سنجر كان سار إليه بالرى ولما علم التقشكنجر بذلك نهب النهروان وقبض على على بن دبيس وهرب الطرنطاى إلى النعمانية ثم وصل السلطان مسعود إلى بغداد فرحل التقشكنجر من النهروان وأطلق على بن دبيس فسار إلى السلطان مسعود فلقيه ببغداد واستعطفه فرضى عنه * (وفاة على بن دبيس وانقراض بنى مزيد) * ثم توفى على بن دبيس صاحب الحلة عليلا بسدايا دواتهم طبيبه محمد بن صالح بالادهان فيه فمات بعده بقليل ثم مات السلطان مسعود آخر ملوك السلجوقية الاعاظم وبويع ملك شاه ابن أخيه محمود بعهده واستبد المقتفى على ملوك السلجوقية بعده وبعث السلطان ملك شاه سلاركرد إلى الحلة فملكها ولحق به مسعود بلاك شحنة بغداد هرب منها عند موت السلطان مسعود وأظهر لسلاركرد الوفاق ثم قبض عليه وغرقه واستبد بالحلة وبعث المقتفى إليه العساكر مع الوزير عون الدين بن هيرة فبرز مسعود بلاك للقائهم فانهزم وعاد إلى الحلة فمنعه أهلها من الدخول فسار إلى تكريت وملك ابن هبيرة الحلة وبعث(4/292)
العساكر إلى الكوفة وواسط فملكوها ثم جاءت عساكر السلطان ملك شاه إلى واسط وخرجت منها عساكر المقتفى إلى واسط فملكها ثم إلى الحلة كذلك ثم عاد إلى بغداد آخر ذى القعدة سنة سبع وأربعين ثم قبض الامراء على ملك شاه سنة ثمان وأربعين وبايعوا لاخيه محمد وطلب الخطبة من المقتفى فمنع منها فسار السلطان محمد بن محمود إلى العراق سنة احدى وخمسين واضطرب الناس ببغداد واهتم المقتفى بالاحتشاد وجاءته عساكر واسط وبعث السلطان مهلهل بن أبى العسكر إلى الحلة فملكها وحاصر السلطان محمد بغداد سنة ثنتين وخمسين وامتنعت عليه فرجع وتوفى المقتفى سنة خمس وخمسين وبويع ابنه المستنجد واستبد بأمره كما كان أبوه ومنع خطبة السلجوقية من بغداد وكان في نفسه شئ من بنى أسد لاجلا بهم على بغداد مع مهلهل بن أبى العسكر أيام حصار
السلطان محمد لها فأمر بردن بن قماج بقتالهم واجلائهم وكانوا منتشرين في البطائح ولا يقدر عليهم وجمع عساكره وبعث عن ابن معروف مقدم النفق من أرض البصرة فجاءه في جمع كبير وحاصرهم حتى انحسر الماء عنهم وأبطأ أمرهم على المستنجد فبعث إلى بردن يعاتبه وينسبه إلى موافقتهم في الشيع فجهد هو وابن معروف في قتالهم وسد مسالكهم في الماء واستسلموا فقتل منهم أربعة آلاف ونودى عليهم بالجلاء من الحلة فافترقوا في البلاد ولم يبق منهم بالعراق من يعرف وسلمت بطائحهم وبلادهم إلى ابن معروف والمتفق وانقرضت دولة بنى مزيد والبقاء لله [ الخبر عن ملوك العجم القائمين بالدعوة العباسية في ممالك الاسلام والمستبدين على الخلفاء ونبدأ منهم اولا بدولة ابن طولون بمصر وبداية أمرهم ومصاير أحوالهم ] قد تقدم لنا عند ذكر الفتوحات فتح مصر على يد عمرو بن العاص سنة عشرين من الهجرة في خلافة عمر بن الخطاب رضى الله عنه باذنه وولاه عليها وافتتح ما وراءها في المغرب إلى طرابلس وودان وغذامس حسبما ذلك مذكور هنالك وأقام عمر وفى ولايتها أيام عمر كلها وولى عثمان على الصعيد عبد الله بن أبى سرح وأفردها بالولاية وكان يعدو على عمرو فغضب عمرو وأبى من الرجوع إلى ولاية مصر فضمها عثمان لعبد الله بن أبى سرح وولاه عليها وكانت في أيامه غزوة الصوارى جاءت مراكب الروم من القسطنطينية في ألف مركب ونزلوا بسواحل الاسكندرية وانتقض أهل القرى ورغب أهل الاسكندرية من عثمان أن يمدهم بعمرو بن العاص فبعثه وزحف إليهم في العرب ومعه المقوقس في القبط وخرجوا من البحر ومعهم من انتقض من أهل القرى ففتح الله على المسلمين وهزموا الروم إلى الاسكندرية وأمضى عمر عمرو في قتلهم ورد على أهل القرى ما غنم المسلمون منهم وعذرهم بالاكراه ورجع إلى المدينة وأقام عبد الله في ولايتهما(4/293)
وغزا افريقية وافتتحها ثم غزا بلد النوبة ووضع عليهم الجزية المعروفة الباقية على
الايام وذلك سنة احدى وثلاثين ثم كان من بعد ذلك يبعث معاوية بن حديج فيفتح ويثخن إلى ان استملك فتح افريقية ووفد على عثمان آخر أيامه عندما اهتاجت الفتنة وكثر الطعن عليه من جماعة جند مصر يتعللون بالشكوى من ابن أبى سرح مع وفد من الجند شاكين من عمالهم بالامصار وعزله عثمان يسترضيهم به فكانت قضية الكتاب المنسوب إلى مروان وحصارهم عثمان بداره وخرج عبد الله من مصر مدد العثمان فخالفه محمد بن ابى حذيفة بن عتبة بن ربيعة إلى مصر وانتزى بها ورجع عبد الله من طريقه فمنعه الدخول فسار إلى عسقلان وأقام بها حتى قتل عثمان ثم سار إلى الرملة وكانت من مهماته فأقام بها هربا من الفتنة حتى مات ولم يبايع عليا ولا معاوية ثم قتل عمرو بن العاص محمد بن أبى حذيفة وفى كيفية قتله اياه اضطراب ثم ولى على على مصر قيس بن سعد بن عبادة وكان ناصحا له شديدا على عدوه واستماله معاوية فا ساء في الرد عليه وأشاع معاوية خلاف ذلك عنه فعزله على من أجل ذلك وولى ذلك الاشتر النخعي واسمه مالك بن الحرث بن يغوث بن سلمة بن ربيعة بن الحرث بن خزيمة بن سعد بن مالك بن النخع وسار إليها فمات بالقلزم قريبا منها سنة سبع وثلاثين فولى على مكانه محمد بن أبى بكر وكان نشأ في حجره ثم بعث معاوية إلى عمرو بن العاص وهو بفلسطين قد اعتزل الناس بعد مقتل عثمان واستماله واجتمع معه على قتال على وولاه مصر فسار إليها بعد انقضاء أمر صفين وأمر الحكمين وطلب معاوية الخلافة وقد اضطرب الامر على محمد ابن أبى بكر وخرج عليه معاوية بن حديج السكوني مع جماعة من العثمانية بنواحي مصر فكاتب عمر والعثمانية وسرح الكاتب إلى مصر وفى مقدمتها معاوية بن حديج فهزموا عساكر حمد وافترق عنه أصحابه وقتل كما هو معروف في أخباره ودخل عمرو ابن العاص الفسطاط وملك مصر إلى سنة ثلاث وأربعين فتوفى وملك مكانه ابنه عبد الله ثم عزله معاوية وولى أخاه عتبة بن أبى سفيان وتوفى سنة أربع وأربعين وولى مكانه عقبة بن عامر الجهنى ثم عزله سنة سبع وأربعين وولى مكانه معاوية بن حديج ثم اقتطع
عنه افريقية سنة خمسين وولى عليها عقبة بن نافع ثم جمع مصر وافريقية لمسلمة بن مخلد الانصاري فبعث مسلمة على افريقية مولاه أبا المهاجر واساء عزل عقبة كما هو معروف ثم مات معاوية وولى ابنه يزيد واضطربت الامور وبويع عبد الله بن الزبير بمكة وانتشرت دعوته في الممالك الاسلامية فبعث على مصر عبد الرحمن بن جحدم القرشى وهو عبد الرحمن بن عقبة بن اياس بن الحرث بن عبد بن أسد بن جحدم الفهرى ثم بويع مروان وانتقض ابن الزبير وسار مروان إلى مصر فأخرج منها عبد الرحمن بن جحدم(4/294)
وولى عليها عمر بن سعيد الاشرف ثم بعثه للقاء مصعب بالشام وولى مكانه على مصر ابنه عبد العزيز بن مروان ثم هلك سنة خمس وكان مروان قد مات فولى مكانه ابنه عبد الله ابن عبد الملك ثم عزله الوليد سنة تسع وثمانين وولى عليها مرة بن شريك بن مرثد ابن الحرث العبسى ومات سنة خمس وتسعين فولى الوليد مكانه عبد الملك بن رفاعة سنة تسع وتسعين وكان قد استخلفه عند موته ويقال بل ولى قبله أسامة بن زيد التنوخى ثم عزل عمر بن عبد العزيز عبد الملك بن رفاعة سنة تسع وتسعين وولى مكانه أيوب ابن شر حبيل بن أكرم بن ابرهة بن الصباح الاصبحي ثم عزله يزيد بن عبد الملك وولى مكانه بشر بن صفوان وأقره يزيد ثم عزله هشام بن عبد الملك وولى ابن رفاعة وتوفى بعد خمس عشرة ليلة واستخلف أخاه الوليد بن رفاعة وأقره هشام فأقام سبعة أشهر ثم عزله وولى حنظلة بن صفوان في المحرم سنة أربع وعشرين وأقره هشام ثم استعفى مروان بن محمد حين ولى فاعفاه وولى مكانه حسان بن عتامة بن عبد الرحمن السبحينى وكان بالشأم فاستخلف حمير بن نعيم الحصرى بمصر ثم قدم ورفض ولايتها فولى مكانه حفص بن الوليد لستة عشر يوما من ولايته وبقى حفص شهرين ثم ولى مروان الحوثرة بن سهل بن العجلان الباهلى في محرم سنة ثمان وعشرين ثم صرف عنها في رجب سنة احدى وثلاثين وولى المغيرة بن عبد الله بن مسعود الفزارى ثم مات في جمادى سنة
ست وثلاثين واستخلف ابنه الوليد وولى مروان بن عبد الملك بن موسى بن نصير فأمر باتخاذ المنابر في السكور وانما كانوا يخطبون على العصى ثم قدم مروان بن محمد إلى مصر وكان فيها مهلكه كما هو معروف ثم جاءت الدولة العباسية فولى السفاح على مصر عمه صالح بن على سنة أربع وثلاثين ومائة وبقيت في ولايته يستخلف عليها فاستخلف أولا محصن بن فانى الكندى ثمانية أشهر ثم أبا عون عبد الملك بن يزيد مولى مناه ثمانية أشهر وولى داود بن يزيد بن حاتم بن قبيصة في محرم سنة أربع وسبعين ثم عزله في محرم سنة خمس وسبعين لسنة من ولايته وأعاد إليها موسى بن عيسى ثم صرفه في ربيع سنة ست وسبعين وولى ابن عمه ابراهيم بن صالح وتوفى لثلاثة أشهر من ولايته وقام بالامر بعده ابنه صالح فولى الرشيد عبد الله بن المسيب بن زهير الضبى في رمضان سنة ست وسبعين ثم عزله بعد الحول وولى هرثمة بن أعين ثم أمره بالمسير إلى افريقية لثلاثة أشهر من ولايته سلخ ثمان وسبعين وولى أخاه عبيد الله بن المسيب ثم أعاد موسى بن عيسى في رمضان سنة تسع وسبعين فاستخلف ابنه يحيى ثم صرف موسى في منتصف سنة ثمانين لعشرة أشهر من ولايته واعيد عبيد الله بن المهدى ثم صرفه في رمضان سنة احدى وثمانين وأعيد اسمعيل بن صالح بن على من العمومة فاستخلف ثم صرف في منتصف ثنتين وثمانين(4/295)
وأعيد لعشرة أشهر من ولايته وولى الليث بن الفضل من أهل اسبورد فوليها أربع سنين ونصفا وعزل ثم ولى الرشيد من قرابته احمد بن اسمعيل بن على منتصف سبع وثمانين فبقى عليها سنتين وشهرين ثم ولى مكانه عبد الله بن محمد بن الامام ابراهيم بن محمد ويعرف بابن زينب وصرفه عنها آخر شعبان من سنة تسعين لسنة وشهرين من ولايته وولى حاتم بن هرثمة بن أعين فقدم في شوال سنة أربع وتسعين ثم صرفه الامير منتصف خمس وتسعين لسنة وثلاثة أشهر من ولايته وولى جابر بن الاشعث بن يحيى بن النعمان الطائى منتصف خمس وتسعين فأخرجه الجند منها سنة ست وتسعين لسنة من ولايته
ثم ولى المأمون عليها عباد بن محمد بن حيان البلخى مولى كندة ويكنى أبا نصر ثم عزله لسنة ونصف من ولايته في صفر سنة ثمان وتسعين وولى المطلب بن عبد الله بن مالك ابن الهيثم الخزاعى وقدمها من مكة في منتصف ربيع الاول ثم صرفه في شوال الثمانية أشهر من ولايته وولى من عمومته العباس بن موسى بن عيسى فبعث عليها ابنه عبد الله ومعه الامام محمد بن ادريس الشافعي رضى الله تعالى عنه فأقام عليها شهرين ونصفا فقتله الجند يوم النحر سنة ثمان وتسعين وولوا عليهم المطلب بن عبد الله ثم جرت بينه وبين السدى وبين الحكم بن يوسف مولى بنى ضبة من أهل بلخ من قوم يقال لهم الزط جرت بينه وبين أهل المطلب حروب وخرج هاربا إلى مكة بعد سنة وثمانية أشهر من ولايتها ووليها السرى باجماع الجند في رمضان سنة مائتين ثم وثب به الجند بعد ستة أشهر وولوا سليمان بن غالب بن جبريل بن يحيى بن قرة العجلى في ربيع الاول سنة احدى عشرة وولى عبد الله بن طاهر بن الحسين مولى خزاعة فأقام عشرة ثم ولى المأمون عليها أخاه أبا اسحق الملقب في خلافته بالمعتصم فأقر عيسى الجلودى وبعده عمير بن الوليد التميمي في صفر سنة أربع عشرة ثم قتل بعد شهرين واستخلف ابنه محمد بن عمير شهرا ثم أعاد عيسى الجلودى ثم جاء أبو اسحق المعتصم إلى الفسطاط وعاد إلى الشأم واستخلف عبدويه بن جبلة في المحرم فاتح خمس عشرة فأقام سنة وولى عيسى بن منصور بن موسى الخراساني الرافعى مولى بنى نصر بن معاوية ثم قدم المأمون مصر لسنة من ولايته فسخط على عيسى بن منصور وعمر المقياس وجسرا آخر بالفسطاط وولى كندر بن عبد الله ابن نصر الصفدى ويكنى أبا مالك ورجع إلى العراق ومات كندر في ربيع سنة تسع عشرة ومائتين واستخلف ابنه المظفر ولما صارت الخلافة للمعتصم ولى على مصر مولاه اشناس ويكنى أبا جعفر في رجب سنة ثمان عشرة فاستخلف عليها موسى بن أبى العباس ثابت من بنى حنيفة من أهل الشاش في رمضان سنة تسع عشرة ومائتين واستخلف ابنه المظفر فأقام مستخلفا لاشناس أربع سنين ونصفا ثم عزله بعد سنتين واستخلف مالك(4/296)
ابن كيد بن عبد الله الصفدى فقدم في ربيع سنة أربع وعشرين ثم عزله بعد سنتين واستخلف على بن يحيى الارمني وقدم في ربيع سنة ست وعشرين ثم عزله بعد سنتين وثمانية أشهر واستخلف عيسى بن منصور الذى كان مستخلفا للمعتصم أيام المأمون وسخطه المأمون عند قدومه مصر فقدم عيسى في محرم سنة تسع وعشرين ثم مات اشناس بعد الثلاثين وقد استخلف على مصر اتياخ مولى المعتصم وأقيم اتياخ مكان اشناس فأقرا لواثق اتياخ على مصر فأقر اتياخ عيسى بن منصور في ربيع سنة ست وثلاثين فبقى أربعة أشهر ثم استخلف اتياخ هرثمة بن النضر الجبلى فقدم منتصف سنة ثلاث وثلاثين وأقام سنة ثم مات سنة أربع وثلاثين وقام بأمره ابنه حاتم رضى الله تعالى عنه فاستخلف اتياخ على بنى يحيى الارمني في رمضان سنة أربع وثلاثين ثم صرف اتياخ عن ولاية مصر في محرم سنة خمس وثلاثين بعد وفاة المعتصم وولى المتوكل على مصر ابنه المستنصر فاستخلف عليها اسحق بن يحيى بن معاذ الختلى وقدم في ذى القعدة منه سنته وفي أيامه أخرج ولد على من مصر إلى العراق ثم صرف في ذى القعدة من سنة ست وثلاثين واستخلف المستنصر عليها عبد الرحمن بن يحيى بن منصور بن طلحة وريق وهو ابن عم طاهر بن الحسين وقدم في ذى القعدة سنة ست وثلاثين ثم صرفه واستخلف عنبسة بن اسحق بن عبس بن عبسة من أهل هراة ويكنى أبا حاتم في صفر سنة ثمان وثلاثين وفي ولايته كبس الروم دمياط يوم عرفة من سنة ثمان وثلاثين واستخلف يزيد بن عبد الله بن دينار من مواليهم ويكنى أبا خالد وفى أيامه منع العلويون من ركوب الخيل واقتناء العبيد ثم ولى المسنتصر الخلافة في شوال سنة سبع وأربعين فأقر يزيد على ولاية مصر ثم صرف عنها في ربيع سنة ثلاث وخمسين لعشر سنين من ولايته وولى المعتز مكانه مزاحم بن خاقان بن عزطوج التركي في ربيع سنة أربع وخمسين وعهد إلى أزجور بن أولغ طرخان التركي فأقام خمسة أشهر وخرج حاجا في رمضان سنة أربع وخمسين وولى
أحمد بن طولون واستفحل بها أمره وكانت له ولبنيه بها دولة لما نذكر الآن أخبارها (الخبر عن دولة أحمد بن طولون بمصر وبنيه ومواليه بنى طغج وابتداء أمرهم وتصاريف أحوالهم) قال ابن سعيد ونقله من كتاب ابن الداية في أخبار بنى طولون كان طولون أبو أحمد من الطغز غزوهم التتر حمله نوح بن أسد عامل بخارى إلى المأمون في وظيفته من المال والرقيق والبراذين وولد له احمد سنة عشرين ومائتين من جارية اسمها ناسم وتوفى طولون سنة أربعين ومائتين وكفله رفقاء أبيه بدار الملك حتى ثبتت مرتبته وتصرف في خدمة السلطان وانتشر له ذكر عند الاولياء فاق به على أهل طبقته وشاع بين الترك صونه ودينه(4/297)
وأمانته على الاسرار والاموال والفروج وكان يستصغر عقول الاتراك ويرى أنهم ليسوا بأهل للرتب وكان يحب الجهاد وطلب من محمد بن أحمد بن خاقان أن يسأل من عبد الله الوزير أن يكتب لهما بأرزاقهما إلى الثغر ويقيما هنالك مجاهدين وسار إلى طرسوس وأعجبه ما عليه أهل الحق من تغيير المنكر واقامة الحق فأنس وعكف على طلب الحديث ثم رجع إلى بغداد وقد امتلاء علما ودينا وسياسة ولما تنكر الاتراك للمستعين وبايعوا المعتز وآل أمر المستعين إلى الخلع والتغريب إلى واسط وكلوا به أحمد بن طولون فأحسن عشرته ووسع عليه وألزمه أحمد بن محمد الواسطي يومه وكان حسن العشرة فكه المجالسة ولما اعتزموا على قتله بعثوا إلى أحمد بن طولون أن يمضى ذلك فتفادى منه فبعثوا سعيدا الحاجب فسمله ثم قتله ودفنه ابن طولون وعظم محله بذلك عند أهل الدولة انتهى كلام ابن سعيد وقال ابن عبد الظاهر وقفت على سيرة للاخشيذ قديمة عليها خط الفرغانى وفيها أن أحمد هو ابن النج من الاتراك كان طولون صديق أبيه ومن طبقته فلما مات النج رباه طولون وكفله فلما بلغ من الحداثة مشى مع الحشوية وغزا وتنقلت به الاحوال إلى أن صار معدودا في الثقات وولى مصر واستقر بها قال
صدر الدين بن عبد الظاهر ولم أر ذلك لغيره من المؤرخين انتهى ولما وقع اضطراب الترك ببغداد وقتل المستعين وولى المعتز واستبد عليه الاتراك وزعميهم يومئذ باك باك وولاه المعتز مصر ونظر فيمن يستخلفه عليه فوقع اختياره على أحمد بن طولون فبعثه عليها وسار معه أحمد بن محمد الواسطي ويعقوب بن اسحق ودخلها في رمضان سنة أربع وخمسين وعلى الخوارج بها أحمد بن المدبر وعلى البريد سفير مولى قبيحة فأهدى له ابن المدبر ثم استوحش منه وكاتب المعتز بأن ابن طولون يروم العصيان وكاتب صاحب البريد بمثل ذلك فسطا بسفير صاحب البريد ومات من غده ثم قتل المعتز وولى المهتدى فقتل باك باك ورتب مكانه يارجوج وولاه مصر وكانت بينه وبين أحمد ابن طولون مودة أكيدة فاستخلفه على مصر وأطلق يده على الاسكندرية والصعيد بعد أن كان مقتصرا على مصر فقط وجعلي إليه الخراج فسقطت رتبة ابن المدبر ثم أعاده المعتمد فلم ينهض إلى مساماة ابن طولون ولا منازعته ثم كتب إليه المعتمد بضبط عيسى ابن شيخ الشيباني وكان يتقلد فلسطين والاردن وتغلب على دمشق وطمع في مصر ومنع الحمل واعترض حمل ابن المدبر وكان خمسة وسبعين حملا من الذهب فأخذها فكتب إليه المعتمد يومئذ بولاية أعماله فادعى المعجز وأنكر مال الحمل ونزع السواد وأنفذأ اجور من الحضرة في العساكر إلى دمشق سنة سبع وخمسين ثم خرج أحمد بن طولون إلى الاسكندرية ومعه أخوه موسى وكان يتجنى عليه ويرى أنه لم يوف بحقه وظهر ذلك منه(4/298)
في خطابه فأوقع به ونفاه وحبس كاتبه اسحق بن يعقوب واتهمه بأنه أفضى بسره إلى أخيه وخرج أخوه حاجا وسار من هنالك إلى العراق ووصف أخاه بالجميل فخطى بذلك عند الموفق واستفحل أمر أحمد واستكثر من الجند وخافه أنا جور بالشأم وكتب الموفق يغريه بشأنه وأنه يخشى على الشأم منه فكتب الموفق إلى ابن طولون بالشخوص إلى العراق لتدبير أمر السلطان وأن يستخلف على مصر فشعر ابن طولون بالمكيدة
في ذلك فبعث كاتبه أحمد بن محمد الواسطي إلى يا رجوج والى الوزير وحل اليهما الاموال والهدايا وكان يا رجوج متمكنا في الدولة فسعى في أمره وأعفاه من الشخوص وأطلق ولده وحرمه واشتدت وطأة ابن طولون وخافه أحمد بن المدبر فكتب إلى أخيه ابراهيم أن يتلطف له في الانصراف عن مصر فورد الكتاب بتقليده خراج دمشق وفلسطين والاردن وصانع ابن طولون بضياعه التى ملكها وسار إلى عمله بمصر وشيعه وتقدم لابن طولون باستحثاثه فتتابع حمل الاموال إلى المعتمد ثم كتب ابن طولون بأن تكون جباية الخراج له فأسعف بذلك وأنفذ المعتمد نفيسا الخادم بتقليده خراج مصر وضريبتها وخراج الشأم وبعث إليه نفيس الخادم ومعه صالح بن أحد بن حنبل قاضى الثغور ومحمد بن أحمد الجزوعى قاضى واسط شاهدين باعفائه ما زاد على الرسم من المال والطرز ومات يارجوج في رمضان سنة تسع وخمسين وكان صاحب مصر ومن أقطاعه ويدعى له قبل ابن طولون فلما مات استقل أحمد بمصر * (فتنة ابن طولون مع الموفق) * لما استأمن من الزنج وتغلبوا على نواحى البصرة وهزموا العساكر بعث المعتمد إلى الموفق وكان المهتدى نفاه إلى مكة فعهد له المعتمد بعد ابنه المفوض وقسم ممالك الاسلام بينهما وجعل الشرق للموفق ودفعه لحرب الزنج وجعل الغرب للمفوض واستخلف عليه موسى بن بغا واستكتب موسى بن عبيد الله بن سليمان بن وهب وأودع كتاب عهدهما في الكعبة وسار الموفق لحرب الزنج واضطرب الشرق وقعد الولاة عن الحمل وشكا الموفق الحاجة إلى المال وكان ابن طولون يبعث الاموال إلى المعتمد يصطنعه بذلك فأنفذ الموفق نحرير اخادم المتوكل إلى أحمد بن طولون يستحثه لحمل الاموال والطرز والرقيق والخيل ودس إليه أن يعتقله واطلع على الكتب وقتل بعض القواد وعاقب آخرين وبعث مع نحرير ألفى ألف ومائتي ألف دينار ورقيقا وطرزا وجمع الرسم وبعث معه من أسلمه إلى ثقة اناجور صاحب الشأم ولما فعل ابن طولون بتحرير ما فعل
كتب الموفق إلى موسى بن بغا بصرف أحمد بن طولون عن مصر وتقليدها أنا جور(4/299)
فكتب إلى أنا جور بتقليدها فعجز عن مناهضة أحمد فسار موسى بن بغا ليسلم إليه مصر وبلغ الرقة واستحث أحمد في الاموال فتهيأ أحمد لحربه وحصن الجزيرة معقلا لحربه وذخيرته وأقام موسى بالرقة عشرة أشهر واضطرب عليه الجند وشغبوا وطالبوه بالارزاق واختفى موسى بن عبيد الله بن وهب فرجع وتوفى سنة أربع وستين ثم كتب الموفق إلى ابن طولون باستقلال ما حمله من المال وعنفه وهدده فأساء ابن طولون جوابه وان العمل لجعفر بن المعتمد ليس لك فأحفظ ذلك الموفق وسأل من المعتمد أن يولى على الثغور من يحفظها وأن ابن طولون لا يؤمن عليها لقلة اهتمامه بأمرها فبعث محمد بن هرون التغلبي عامل الموصل وركب السفن فألقته الريح بشاطئ دجلة فقتله الخوارج أصحاب مساو السارى * (ولاية أحمد بن طولون على الثغور) * وكانت أمهات الثغور يومئذ انطاكية وطرسوس والمصيصة وملطية وكان على انطاكية محمد بن على بن يحيى الارمني وعلى طرسوس سيما الطويل واليه أمر الثغور وجاء في بعض أيامه إلى انطاكية فمنعه الارمني من الدخول فدس إلى أهل البلد بقتله فقتلوه وأحفظ ذلك الموفق فولى على الثغور أرجون بن أولغ طرخان التركي وأمره بالقبض على سيما الطويل فقام بالثغور وأساء التصرف وحبس الارزاق عن أهلها وكانت قلعة لؤلؤة من قلاع طرسوس في نحر العدو وأهم أهل طرسوس أمرها فبعثوا إلى حاميتها خمسة آلاف دينار رزقا من عندهم فأخذها أرجون لنفسه وضاعت وحاميتها وافترقوا وكتب الموفق إلى أحمد بن طولون بتقليد الثغور وأن يبعث عليها من قبله فبعث من قبله طحشى بن بكر وان وحسنت حالهم وطلب منه ملك الروم الهدنة واستأذن في ذلك ابن طولون فمنعه وقال انما حملهم على ذلك تخريبكم لقلاعهم
وحصونهم فيكون في الصلح راحة لهم فحاش لله منه وأمره برم الثغور وأرزاق الغزاة * (استيلاء أحمد بن طولون على الشأم) * قد تقدم لنا ولاية أنا جور على دمشق سنة سبع وخمسين وما وقع بينه وبين أحمد بن طولون ثم توفى أنا جور في شعبان سنة أربع وستين ونصب ابنه على مكانه وقام يدبر أمره أحمد بن بغا وعبيد الله بن يحيى بن وهب وسار إلى الشأم موريا بمشارفة الثغور واستخلف ابنه العباس على مصر وضم إليه أحمد بن محمد الواسطي وعسكر في مينة الاصبح وكتب إلى على بن أنا جور باقامة الميرة للعساكر فأجاب الآمال وسار ابن طولون إلى الرملة وبها محمد بن أبى رافع من قبل أنا جور ومدبر دولته أحمد بن(4/300)
هنالك منذ نفاه المهتدى فأكرمه ثم سار عن دمشق واستخلف عليها أحمد بن دوغياش ورحل إلى حمص وبها أكبر قواد أنا جور فشكت الرعية منه فعزله وولى يمتا التركي ثم سار إلى انطاكية وقد امتنع بها سيما الطويل بعد أن كتب بالطاعة وأن ينصرف عنه فأبى وحاصرها وشد حصارها وضجر أهلها من سيما فداخل بعضهم أحمد بن طولون ودلوه على بعض المسارب فدخلها منه في فاتحة خمس وستين وقتل سيما الطويل وقبض على أمرائه وكاتبه ثم سار إلى طرسوس فملكها ودخلها في خلق كثير وشرع في الدخول إلى بلاد الروم للغزو وبينما هو يروم ذلك جاءه الخبر بانتقاض ابنه العباس الذى استخلفه بمصر فرجع وبعث عسكرا إلى الرقة وعسكرا إلى حران وكانت لمحمد بن أنا شرفا خرجوه عنها وهزموه وبلغ الخبر إلى أخيه موسى فسار إلى حران وكان شجاعا وكان مقدم العسكر بحران بن جيعونة فأهمه أمرهم فقال له أبو الاغر من العرب أنا آتيك بموسى واختار عشرين فارسا من الشجعان وسار إلى معسكر موسى فأمن بعضهم ودخل بالباقين بعض الخيام فعقدت واهتاج العسكر وهرب أبو الاغر واتبعوه فخرج عليهم الكمين فهزموهم وأسر موسى وجاء به أبو الاغر إلى جيعونة قائد ابن طولون فاعتقله
وعاد إلى مصر سنة ست وستين * (الخبر عن انتقاض العباس بن أحمد بن طولون على أبيه) * لما رحل أحمد بن طولون إلى الشأم واستخلف ابنه العباس وكان أحمد بن الواسطي محكما في الدولة وكان للعباس بطانة يدار سونه الادب والنحو وأراد أن يولى بعضهم الوظائف ولم يكونوا يصلحون لها فمنع الواسطي من ذلك خشية الخلل في الاعمال فحمل هؤلاء البطانة عليه عند العباس وأغروه به وكتب هو الى أحمد يشكوهم فأجابه بمداراة الامور إلى حين وصوله وكان محمد بن رجاء كاتب أحمد مداخلا لابنه العباس فكان يبعث إليه بكتب الواسطي يتنزل له فاطلع على جواب أبيه عن كتبه بالمداراة فازداد خوفا وحمل ما كان هنالك من المال والسلاح وهو ألف ألف دينار وتسلف من التجار مائتي ألف أخرى واحتمل أحمد بن محمد الواسطي وأيمن الاسود مقيدين وسار إلى برقة ورجع أحمد إلى مصر وبعث له جماعة فيهم القاضى أبو بكرة بكار بن قتيبة والصابوني القاضى وزياد المرى مولى أشهب فتلطفوا به بالموعظة حتى لان ثم منعه بطانته وخوفوه فقال لبكارنا شدتك الله هل تأمنه على فقال هو قد حلف وأنا لا أعلم فمضى على ريبته ورجع القوم إلى أبيه وسار هو إلى افريقية يطلب ملكها وسهل عليه أصحابه أمر ابراهيم بن أحمد بن الاغلب صاحبها وكتب إليه بأن المعتمد قلده افريقية وأنه أقره عليه وانتهى إلى مدينة لبدة فخرج عليه عامل ابن الاغلب فقبض عليه ونهب البلد(4/301)
وقتل أهله وفضح نساءهم فاستغاتوا بالياس بن منصور كبير نفوسة ورئيس الاباضية وقد كان خاطبه يتهدده على الطاعة وبلغ الخبر إلى ابن الاغلب فبعث العساكر مع خادمه بلاغ وكتب إلى محمد بن قهرب عامل طرابلس بأن يظاهر معه على قتال العباس فسار ابن قهرب وناوشه القتال من غير مسارعة ثم صحبهم الياس في اثنى عشر ألفا من قومه وجاء بلاغ الخادم من خلفه فأجفل واستبيح أمواله وذخائره وقتل أكثر من كان معه وأفلت
بحاشيته وانطلق أيمن الاسود من القيد ورجع إلى مصر رجاء العباس إلى برقة مهزوما وكان قد أطلق أحمد الواسطي بعد أن ضمن حزب برقة احضاره فلما رجع أعاده إلى محبسه فهرب من الحبس ولحق بالفسطاط ووجد أحمد بن طولون قد سار إلى الاسكندرية عازما على الرحيل إلى برقة فهون أمره ومنعه من الرحيل بنفسه وخرج طبارجى وأحمد الواسطي فجاؤا به مقيدا على بغل وذلك سنة سبع وستين وقبض على كاتبه محمد بن رجاء وحبسه لما كان يطلع ابنه العباس على كتبه ثم ضرب ابنه وهو باك عليه وحبسه * (خروج الصوفى والعمرى بمصر) * كان أبو عبد الرحمن العمرى بمصر وهو عبد الحميد بن عبد العزيز بن عبد الله بن عمر مقيما بالقاصية من الصعيد وكان البجاة يغيرون في تلك الاعمال ويعيثون فيها وجاؤا يوم عيد فنهبوا وقتلوا فخرج هذا العمرى غضبا لله وأكمن لهم في طريقهم ففتك بهم وسار في بلادهم حتى أعطوه الجزية واشتدت شوكته وزحف العلوى للقائه فهزمه العمرى وذلك سنة ستين وكان من خبر هذا العلوى أنه ظهر بالصعيد سنة سبع وخمسين وذكر أن اسمه ابراهيم بن محمد يحيى بن عبد الله بن محمد بن على بن أبى طالب ويعرف بالصوفى فملك مدينة اسنا ونهبها وعاث في تلك الناحية وبعث إليه ابن طولون جيشا فهزمهم وأسر مقدم الجيش فقطعه فأعاد إليه جيشا آخر وانهزم إلى الواحات ثم عاد إلى الصعيد سنة تسع وخمسين وسار إلى الاشمونين ثم سار للقاء العمرى وانهزم إلى اسوان وعاث في جهاتها وبعث إليه ابن طولون العسكر فهرب إلى عيذاب وعبر البحر إلى مكة فقبض عليه الوالى بمكة وبعث به إلى ابن طولون فحبسه مدة ثم أطلقه ومات بالمدينة ثم بعث ابن طولون العسكر إلى العمرى فلقى قائدهم وقال انى لم أخرج بالفساد ولا يؤذى مسلم ولا ذمى وانما خرجت للجهاد فشاور أميرك في فأبى وناجزه الحرب فانهزم العسكر ورجعوا إلى ابن طولون فأخبروه بشأنه فقال هلا كنتم شاورتموني فيه فقد نصره الله عليكم ببغيكم ثم وثب عليه بعد مدة غلامان له فقتلاه وجاآ
برأسه إلى أحمد بن طولون فقتلهما * (انتقاض برق) *(4/302)
وفى سنة احدى وستين وثب أهل برقة بعاملهم محمد بن فرج الفرغانى فأخرجوه ونقضوا طاعة ابن طولون فبعث إليهم العساكر مع غلامه لؤلؤ وأمره بالملاينة فحاصرهم أياما وهو يلين لهم حتى طمعوا فيه ونالوا من عسكره فبعث الى أحمد بخبره فأمره بالاشتداد فشد حصارهم ونصب عليهم المجانيق فاستأمنوا ودخل البلد وقبض على جماعة من أعيانهم فضربهم وقطعهم ورجع إلى مصر واستعمل عليهم مولى من مواليه وذلك قبل خلاف العباس على أبيه * (انتقاض لؤلؤ على ابن طولون) * كان ابن طولون قد ولى مولاه لؤلؤا على حلب وحمص وقنسرين وديار مضر من الجزيرة وأنزله الرقة وكان يتصرف عن أمره ومتى وقع في مخالفته عاقب ابن سليمان كاتب لؤلؤ فسقط لؤلؤ في المال وقطع الحمل عن أحمد بن طولون وخاف الكاتب مغبة ذلك فحمل لؤلؤا على الخلاف وأرسل إلى الموفق بعد أن شرط على المعتمد شروطا أجابه الموفق إليها وسار إلى الرقة وبها ابن صفوان العقيلى فحاربه وملكها منه وسلمها إلى أحمد بن مالك بن طوق وسار إلى الموفق فوصل إليه بمكانه من حصار صاحب الزنج وأقبل عليه واستعان به في تلك الحروب وولاه على الموصل ثم قبض عليه سنة ثلاث وسبعين وصادره على أربعمائة ألف دينار فافتقرو عاد إلى مصر آخر أيام هرون بن خمارويه فقيرا فريدا * (مسير المعتمد إلى ابن طولون وعوده عنه من الشأم) * كان ابن طولون يداخل المعتمد في السر ويكاتبه ويشكو إليه المعتمد ما هو فيه من الحجر والتضييق عليه من أخيه الموفق والموفق بسبب ذلك ينافر ابن طولون ويسعى في ازالته
عن مصر ولما وقع خلاف لؤلؤ على ابن طولون خاطب المعتمد وخوفه الموفق واستدعاه إلى مصر وأن الجيوش عنده لقتال الفرنج فأجابه المعتمد إلى ذلك وأراد لقاءه بجميع عساكره فمنعه أهل الرأى من أصحابه وأشاروا عليه بالعدول عن المعتمد جملة وأن أمره يؤل معه إلى أكثر من أمر الموفق من أجل بطانته التى يؤثرها على كل أحد واتصلت الاخبار بأن الموفق شارف القبض على صاحب الزنج فبعث ابن طولون بعض عساكره إلى الرقة لانتطار المعتمد واغتنم المعتمد غيبة الموفق وسار في جمادى سنة ثمان وستين ومعه جماعة من القواد الذين معه فقبض عليهم وقيدهم وقد كان ساعد بن مخلد وزير الموفق خاطبه في ذلك عن الموفق فأظهر طاعتهم حين صاروا إلى عمله وسار معهم إلى أول عمل أحمد بن طولون فلم يرحل معهم حين رحلوا ثم جلس معهم بين يدى المعتمد(4/303)
وعذلهم في المسير إلى ابن طولون ودخولهم تحت حكمه وحجره ثم قام بهم عند المعتمد ليناظرهم في خلوة فلما دخلوا خيمته قبض عليهم ثم رجع إلى المعتمد فعذ له في الخروج عن دار خلافته وفراق أخيه وهو في قتال عدوه ثم رجع بالمعتمد والذين معه حتى أدخلهم سر من رأى وبلغ الخبر إلى ابن طولون فقطع خطبة الموفق ومحا اسمه من الطرز فتقدم الموفق إلى المعتمد بلعن ابن طولون في دار العامة فأمر بلعنه على المنابر وعزله عن مصر وفوض إليه من باب الشاتية إلى افريقية وبعث إلى مكة بلعنه في المواسم فوقعت بين أصحاب ابن طولون وعامل مكة حرب ووصل عسكر الموفق مع جعفر الباعردى فانهزم فيها أصحاب ابن طولون وسلبوا وأمر جعفر المصريين وقرؤا الكتاب في المسجد بلعن ابن طولون * (اضطراب الثغور ووصول أحمد بن طولون إليها ووفاته) * كان عامل أحمد بن طولون على الثغور طلخشى بن بلذدان واسمه خلف وكان نازلا بطرسوس وكان مازيار الخادم مولى فتح بن خاقان معه بطرسوس وارتاب به طلخشو
فحبسه فوثب جماعة من أهل طرسوس واستقدموا ما زيار من يده وولوه وهرب خلف وتركوا الدعاء لابن طولون فسار ابن طولون من مصر وانتهى إلى أذنة وكاتب ما زيار واستماله فامتنع واعتصم بطرسوس فرجع ابن طولون إلى حمص ثم إلى دمشق فأقام بها ثم رجع وحاصره في فصل الشتاء بعد أن بعث إليه يدعوه وانساح على معسكر أحمد وخيمه وكادوا يهلكون فتأخر ابن طولون إلى أذنة وخرج أهل طرسوس فنهبوا العسكر وطال مقام أحمد بأذنة في طلب البرد ثم ثار إلى المصيصة فأقام بها ومرض هناك ثم تماسك إلى انطاكية فأشتد وجعه ونهاه الطبيب عن كثرة الغذاء فتناوله سرا فكثر عليه الاختلاف لان أصل غلته هيضة من لبن الجواميس وثقل عليه الركوب فحملوه على العجلة فبلغ الفرمار وركب من ساحل الفسطاط إلى داره وحضره طبيبه فسهل عليه الامر وأشار بالحمية فلم يداوم عليها وكثر الاسهال وحميت كبده من سوء الفكر فساءت أفعاله وضرب بكار بن قتيبة القاضى وأقامه للناس في الميدان وخرق سواده وأوقع با بن هرثمة وأخذ ماله وحبسه وقتل سعيد بن نوفل مضروبا بالسياط ثم جمع أولياءه وغلمانه وعهد إلى ابنه أبى الجيش خمارويه وأوصاهم بانظاره وحسن النظر فكسنوا إلى ذلك لخوفهم من ابنه أبى العباس المعتقل ثم مات سنة ست وسبعين ومائتين لست عشرين سنة من امارته وكان حازما سائسا وبنى جامعه بمصر وأنفق فيه مائة وعشرين ألف دينار وبنى قلعة يافا وكان يميل إلى مذهب الشافعي رضى الله تعالى عنه وخلف من المال عشرة آلاف ألف دينار ومن الموالى سبعة آلاف ومن الغلمان أربعة آلاف(4/304)
ومن الخيل المرتبطة مائة ومن الدواب لركابه مائتين وثلاثين وكان خراج مصر لايامه مع ما ينضاف إليها من ضياع الامراء لحضرة السلطان أربعة آلاف ألف دينار وثلثمائة ألف دينار وعلى المارستان وأوقافه ستين ألف دينار وعلى حصن الجزيرة والجزيرة وهى المسماة لهذا العهد بقلعة الروضة ثمانين ألف دينار وخربت بعد موته
وجددها الصالح نجم الدين بن أيوب ثم خربت ثانية ولم يبق منها الا اطلال دائرة وكان يتصدق في كل شهر بألف دينار ويجرى على المسجونين خمسمائة دينار في كل شهر وكانت نفقة مطابخه وعلوفته ألف دينار في كل يوم * (ولاية خمارويه بن أحمد بن طولون) * ولما توفى أحمد بن طولون اجتمع أهل الدولة وخواص الاولياء وكبيرهم أحمد بن محمد الواسطي والغالب على الدولة الحسن بن مهاجر فاتفقوا على بيعة ابنه أبى الجيش خمارويه وأحضروا ابنه العباس من محبسه وعزاه الواسطي وهم يبكن ثم قال بايع لاخيك فأبى فقام طبارجى وسعد الآيس من الموالى وسحبوه إلى حجرة في القصر فاعتقلوه بها وأخرج من الغد ميتا وأخرجوا أحمد إلى مدفنه وصلى عليه ابنه أبو الجيش وواراه ورجع إلى القصر مقيما لامر سلطانه * (مسير خمارويه إلى الشام وواقعته مع ابن الموفق) * ولما توفى أحمد بن طولون كان اسحق بن كنداج عاملا على الجزيرة والموصل وابن أبى الساج على الكوفة وقد ملك الرحبة من يد أحمد بن مالك فطمعا في ملك الشام واستأذنا الموفق فأذن لهما ووعدهما بالمدد وسار اسحق إلى الرقة والثغور والعواصم فملكها من يد ابن دعاس عامل ابن طولون واستولى اسحق على حمص وحلب وانطاكية ثم على دمشق وبعث خمارويه العساكر إلى الشام فملكوا دمشق وهرب العامل الذى انتقض بها ثم سار العسكر إلى شيزر فأقام عليها قبالة اسحق وابن أبى الساج وهما ينتظران المدد من العراق ثم هجم الشتاء فتفرق عسكر خمارويه في دور شيزرو وصل العسكر من العراق مع أبى العباس أحمد بن الموفق الذى صارت إليه الخلافة ولقب المعتضد فكبسوا عسكر خمارويه في دور شيزر وفتكوا فيهم ونجا الفل إلى دمشق والمعتضد في اتباعهم فارتحلوا عنها وملكها المعتضد في شعبان سنة احدى وسبعين ولحق عسكر خمارويه بالرملة فأقاموا بها وكتبوا إلى خمارويه بالخبر وسار
المعتضد نحوهم من دمشق وبلغه وصول خمارويه وكثرة عساكره فهم بالعود ومعه أصحاب خمارويه الذين خالفوا عليه ولحقوا به وكان ابن كنداج وابن أبى(4/305)
الساج متوحشين من المعتضد لؤ معاملته لهما والتقى العسكران على الماء الذى عليه الطواحين بالرملة فولى خمارويه منهزما مع عصابة معه ليس لهم دربة بالحرب ومضى إلى مصر بعد أن أكمن مولاه سعد الآيس في عسكر وجاء المعتضد فملك خيام خمارويه وسواده وهو يظن الظفر فخرج سعد الآيس من كمينه وقصد الخيام وظن المعتضد أن خمارويه قد رجع فركب وانهزم لا يلوى على شئ وجاء إلى دمشق فمنعوه الدخول فمضى إلى طرسوس ولما افتقد سعد الآيس خمارويه نصب أخاه أبا العشائر لقيادة العساكر ووضع العطاء ووصلت البشائر إلى مصر فسر خمارويه بالظفر وخجل من الهزيمة وأكثر الصدقة وأكرم الاسرى وأطلقهم وسارت عساكره إلى الشام فارتجعوه كله من أصحابه فأخرجوهم ولحقوا بالعراق وغزا بالصائفة هذه السنة مازيار صاحب الثغر وغنم وعاد ثم غزا كذلك سنة ثلاث وسبعين * (فتنة ابن كندج وابن أبى الساج والخطبة لابن طولون بالجزيرة) * كان ابن أبى الساج عاملا على قنسرين واسحق على الجزيرة والموصل فتناقسوا في الاعمال واستظهر ابن أبى الساج بخمارويه وخطب له بأعماله وبعث ابنه رهينة إليه فسار في عساكره بعد أن بعث إليه الاموال وانتهى إلى السن وعبر ابن أبى الساج الفرات ولقى اسحق بن كنداج على الرقة فهزمه وجاز خمارويه من بعده فعبر الفرات إلى الرافقية ونجا اسحق إلى ماردين وحصره ابن أبى الساج ثم خرج وسار إلى الموصل فصده ابن أبى الساج عنها وهزمه فعاد إلى ماردين واستولى ابن أبى الساج على الجزيرة والموصل وخطب في أعمالها لخمارويه ثم لنفسه بعده وبعث العساكر مع غلامه فتح لجباية نواحى الموصل فأوقع بالشراة اليعقوبية ومكربهم وعلم أصحابهم بما فعل معهم
فجاؤا إليه وهزموه واستلحموا أصحابه ونجا ابن أبى الساج في فل قليل ثم انتقض ابن ابى الساج على خمارويه سنة خمس وسبعين وذلك أن اسحق بن كنداج سار إلى خمارويه بمصر وصار في جملته فانتقض ابن أبى الساج وسار خمارويه إليه فلقيه على دمشق في المحرم فانهزم ابن أبى الساج واستبيح معسكره وكان وضع بحمص خزائنه فبعث خمارويه عسكرا إلى حمص فمنعوه من دخولها واستركوا على خزائنه ومضى ابن أبى الساج إلى حلب ثم إلى الرقة وخمارويه في اتباعه ثم فارق رقة إلى الموصل وعبر خمارويه الفرات واحتل بمدينة بلد وأقام بها وسار ابن أبى الساج إلى الحديثة وبعث خمارويه عساكره وقواده مع اسحق بن كنداج في طلب ابن أبى الساج فعبر دجلة وأقام بتكريت واسحق في عشرين ألفا وابن أبى الساج في ألفين وأقاموا يترامون في العدوتين ثم جمع ابن كنداج السفن ليمد الجسر للعبور فخالفهم ابن أبى الساج إلى(4/306)
الموصل ونزل بظاهرها فرحلوا في اتباعه فسار لقتالهم فانهزم اسحق إلى الرقة وتبعه ابن أبى الساج وكتب إلى المفوق يستأذنه في عبور الفرات إلى الشام وأعمال خمارويه فاجابه بالتربص وانتظار المدد ولما انهزم اسحق سار إلى خمارويه وبعث معه العسكر ورجع فنزل على حد الفرات من أرض الشام وابن أبى الساج قبالته على حدود الرقة فعبرت طائفة من عسكر ابن كنداج لم يشعروا بهم وأوقعوا بجمع من عسكر ابن أبى الساج فلما رأى أن لا مانع لهم من العبور سار إلى الرقة إلى بغداد وقدم على الموفق سنة ست وسبعين فأقام عنده إلى أن ولاه اذربيجان في سنته واستولى ابن كنداج على ديار ربيعة وديار مضر وأقام الخطبة فيها لخمارويه * (عود طرسوس إلى ايالة خماروبه) * قد كنا قدمنا أن مازيار الخادم ثار بطرسوس سنة سبعين وحاصره أحمد بن طولون فامتنع عليه فلما ولى خمارويه وفرغ شواغله أنفذ إلى مازيار سنة سبع وسبعين ثلاثين ألف
دينار وخمسمائة ثوب خمسمائة مطرف واصطنعه فرجع إلى طاعته وخطب له بالثغور ثم دخل بالصائفة سنة ثمان وسبعين وحاصروا اسكند فأصابه منها حجر منجنيق رثه ورجع إلى طرسوس فمات بها وقام بأمر طرسوس ابن عجيف وكتب إلى خمارويه فأقره على ولايتها ثم عزله واستعمل مكانه محمد ابن عمه موسى بن طولون وكان من خبره أن أباه موسى لما ملك أحمد أخوه مصر تبسط عليه بدلالة القرابة وذوى الارحام فلم يحتمله له أحمد ورده عليه وكسر جاهه فانحرف موسى وسخط دولته ثم خاطبه في بعض مجالسه بما لا يحتمله السلطان فضربه ونفاه إلى طرسوس وبعث إليه بمال يتزوده فأبى من قبوله وسار إلى العراق ورجع إلى طرسوس فأقام بها إلى أن مات وترك ابنه محمدا وولاه خمارويه وبعث إلى أميرهم راغب فأكرمه خمارويه وأنس به وطالت مقامته عنده وشاع بطرسوس أن خمارويه حبسه فاستعظم الناس ذلك وثاروا بأميرهم محمد بن موسى وسجنوه رهينة في راغب وبلغ الخبر إلى خمارويه فسرحه إلى طرسوس فلما وصلها أطلقوا أميرهم محمد بن موسى وقد سخطهم فسار عنهم إلى بيت المقدس وعاد ابن عجيف إلى ولايته بدعوه خمارويه وغزا سنة ثمانين بالصائفة ودخل معه بدر الحمامى فظفروا وغنموا ورجعوا ثم دخل بالصائفة سنة احدى وثمانين من طرسوس طغج بن جف الفرغانى من قبل خمارويه في عساكره طرابزون وفتح مكودية * (صهر المعتضد مع خمارويه) * ولما ولى المعتضد الخلافة بعث إلى خمارويه خاطبا قطر الندا ابنته وكانت أكمل نساء(4/307)
عصرها في الجمال والاداب وكان مستولى خطبتها أمينه الخصى ابن عبد الله ابن الجصاص فزوجه خمارويه بها وبعثها مع ابن الجصاص وبعث معها من الهدايا ما لا يوصف وقدمت سنة تسع وسبعين فدخل بها وتمتع بجمالها وآدابها وتمكن سلطانه في مصر والشام والجزيرة إلى أن هلك
* (مقتل خمارويه وولاية ابنه جيش) * كان خمارويه قد سار سنة ثنتين وثمانين إلى دمشق فأقام بها أياما وسعى إليه بعض أهل بيته بأن جواريه يتخذون الخصيان يفترشوهن وأراد استعلام ذلك من بعضهم فكتب إلى نائبه بمصر أن يقرر بعضهن فلما وصله الكتاب قرر بعض الجوارى وضربهن وخاف الخصيان ورجع خمارويه من الشام وبات في مخدعه فأتاه بعضهم وذبحه على فراشه في ذى الحجة سنة ثنتين وثمانين وهرب الذين تولوا ذلك فاجتمع القواد صبيحة ذلك اليوم وأجلسوا ابنه جيش بن خمارويه على كرسى سلطانه وأفيض العطاء فيهم وسيق الخدم الذين تولوا قتل خمارويه فقتل منهم نيف وعشرون * (مقتل جيش بن خمارويه وولاية أخيه هرون) * ولما ولى جيش كان صبيا غرا فعكف على لذاته وقرب الاحداث والسفلة وتنكر لكبار الدولة وبسط فيهم القول وصرح لهم بالوعيد فأجمعوا على خلعه وكان طغج بن جف مولى أبيه من كبار الدولة وكان عاملا لهم على دمشق فانتقض وخلع طاعته وسار آخرون من القواد إلى بغداد منهم اسحق بن كنداج وخاقان المعلجى وبدر بن جف أبو طغج وقدموا على المعتضد فخلع عليهم وأقام سائر القواد بمصر على انتقاضهم وقتل قائدا منهم ثم وثبوا بجيش فقتلوه ونهبوا داره ونهبوا مصر وحرقوه وبايعوا لاخيه هرون وذلك لتسعة أشهر من ولايته * (فتنة طرسوس وانتقاضها) * قد تقدم لنا أن راغبا مولى الموفق نزل طرسوس للجهاد فأقام بها ثم غلب عليها بعد ابن عجيف ولما ولى هرون بن خمارويه سنة ثلاث وثمانين ترك الدعاء له ودعا لبدر مولى المعتضد وقطع طرسوس والثغور من عمالة بنى طوطون ثم بعث هرون بن خمارويه إلى المعتضد أن يقاطعه على أعماله بمصر والشام بأربعمائة ألف وخمسين ألف دينار ويسلم قنسرين والعواصم وهى الثغور للمعتضد فأجابه إلى ذلك وسار من آمد وكان
قد ملكها من يد محمد بن أحمد ابن الشيخ فاستخلف ابنه المكتفى عليها وسار سنة ست وثمانين فتسلم قنسرين والثغور من يد أصحاب هرون وجعلها مع الجزيرة في ولاية(4/308)
ابنه المكتفى * (ولاية طغج بن جف على دمشق) * ولما ولى هرون بعد أخيه جيش على ما ولى عليه من اختلاف القواد وقوة أيديهم خشى أهل الدولة من افتراق الكلمة ففوضوا أمرها إلى أبى جعفر بن ايام كان مقدما عند أحمد وخمارويه فأصلح ما استطاع وبقى يرتق الفتق ويجبر الصدع ثم نظر إلى الجند الذين كانوا خالفوا بدمشق مع طغج بن جف فبعث إليهم بدرا الحمامى والحسين بن أحمد الماردانى فأصلحا مورد الشام وأفردا طغج بن جف بولاية دمشق واستعملا في سائر الاعمال ورجعا إلى مصر والامور مضطربة والقواد طوائف لا ينقاد منهم أحد إلى أحد إلى أن وقع ما نذكر * (زحف القرامطة إلى دمشق) * قد تقدم لنا ابتداء أمر القرامطة وما كان منهم بالعراق والشام وأن ذكرويه ابن مهداويه داعية القرامطة لما هزم بسواد الكوفة وأفنى أصحابه القتل لحق ببنى القليص بن كلب بن وبرة في السماوة فبايعوه ولقبوه الشيخ وسموه يحيى وكنوه أبا القاسم وزعم أنه محمد بن عبد الله بن المكتوم بن اسمعيل الامام فلقبوه المدثر وزعم أنه المشار إليه في القرآن ولقب غلاما من أهله المطوق وسار من حمص إلى حماة ومعرة النعمان إلى بعلبك ثم إلى سليمة فقتل جميع من فيها حتى النساء والصبيان والبهائم ونهب سائر القرى من كل النواحى وعجز طغج بن جف وسائر جيشه وصاحبه هرون عن دفاعهم وتوجه أهل الشام ومصر إلى المكتفى مستغيثين فسار إلى أهل الشام سنة تسعين ومر بالموصل وقدم بين يديه أبا الاعز من بنى حمدان في عشرة آلاف رجل ونزل قريبا
من حلب وكبسه القرمطى صاحب الشامة فقتل منهم جماعة ونجا أبو الاعز إلى حلب في فل من أصحابه وحاصره القرمطى ثم أفرج عنه وانتهى المكتفى إلى الرقة وبعث محمد ابن سليمان الكاتب في العساكر ومعه الحسين من بنى حمدان وبنو شيبان فناهضه في المحرم سنة احدى وتسعين على حماة وانهزم القرامطة وأخذ صاحب الشامة أسيرا فبعث به إلى الرقة وبين يديه المدثر والمطوق وتقدم المكتفى إلى بغداد ولحقه محمد ابن سليمان بهم فأمر المكتفى بضربهم وقطعهم وضرب أعناقهم وحسم دائهم حتى ظهر منهم من ظهر بالبحرين [ استيلاء المكتفى على الشام ومصر وقتل هرون وشيبان ابني خمارويه وانقراض دولة بنى طولون ](4/309)
ونبدأ أولا بخبر محمد بن سليمان المتولي بتحويل دولة بنى طولون كان أصله من ديار مضر من الرقة اصطنعه أحمد بن طوطون وخدمه في مصر ثم تنكر له وعامله في جاهه وأقاربه بما أحفظه وخشى على نفسه فلحق ببغداد ولقى بها مبرة وتكرمة واستخدمه الخلفاء وجعلوه كاتبا للجيش فما زال يغريهم بملك مصر إلى أن ولى هرون بن خمارويه وفشلت دولة بنى طولون بالشام وعاث القرامطة في نواحيه وعجز هرون عن مدافعتهم ووصل صريخ أهل الشأم إلى المكتفى فقام لدفع ضررهم عن المسلمين ودفع محمد بن سليمان لذلك وهو يومئذ من أعظم قواده فسار بالعساكر في مقدمته ثم أمره المكتفى باتباع القرامطة وأقام بالرقة فسار حتى لقيهم وقاتلهم حتى هزمهم واستلحمهم ودفع عن الشأم ضررهم ورجع بالقرمطى صاحب الشامة وأصحابه أسرى إلى المكتفى بالرقة فرجع إلى بغداد وقتلهم هنالك وشفى نفسه ونفس المسلمين منهم وكان محمد بن سليمان لما تخلف عن المكتفى عند وصوله إلى بغداد فأمره بالعود وبعث معه جماعة من القواد وأمده بالاموال وبعث دميانة غلام مازيار في الاسطول وأمره بالمسير إلى سواحل
مصر ودخول نهر النيل والقطع عن أهل مصر ففعل وضيق عليهم وسار محمد بن سليمان والعساكر واستولى على الشأم وما وراءه فلما قارب مصر كاتب القواد يستميلهم فجاء إليه بدر الحمامى وكان رئيسهم فكسر ذلك من شوكتهم وتتابع إليه القواد مستأمنين فبرز هرون لقتالهم فيمن معه من العساكر وأقام قبالتهم واضطرب عسكره في بعض الايام من فتنة وقعت بينهم واقتتلوا فركب هرون ليسكنهم فأصابته حربة من بعض المغاربة كان فيها حتفه فقام عمه شيبان بن أحمد بن طولون بعده وبذل الاموال للجند من غير حسبان ولا تقدير ثم أباح نهب ما بقى منه يصطنعهم بذلك فنهبوه في ساعة واحدة وتشوف إلى جمع المال فعجز عنه واضطرب وفسد تدبيره وتسايل إلى محمد ابن سليمان جنده وفاوض أعيان دولته في أمره فاتفقوا على الاستئمان إلى محمد بن سليمان فبعث إليه مستأمنا فسار إليه ثم تبعه قواده وأصحابه فركب محمد إلى مصر واستولى عليها وقيد بنى طوطون وحبسهم وكانوا سبعة عشر رجلا وكتب بالفتح فأمره المكتفى باشخاص بنى طوطون جميعا من مصر والشأم إلى بغداد فبعث بهم ثم أمر باحراق القطائع التى بناها أحمد بن طوطون على شرقي مصر وكانت ميلا في ميل فأحرقت ونهب الفسطاط * (ولاية عيسى النوشزى على مصر وثورة الخليجى) * ولما اعتزم محمد بن سليمان على الرجوع إلى بغداد وكان المكتفى قد ولاه على مصر فولى المكتفى عيسى بن محمد النوشزى وقدم في منتصف سنة ثنتين وتسعين ثم ثار بنواحي مصر(4/310)
ابراهيم الخليجى وكان من قواد بنى طوطون وتخلف عن محمد بن سليمان وكتب إلى المكتفى عيسى النوشزى بالخبر وكثرت جموع الخليجى وزحف إلى مصر فخرج النوشزى هاربا إلى الاسكندرية وملك الخليجى مصر وبعث المكتفى العسار مع فاتك مولى أبيه المعتضد وبدر الحمامى وعلى مقدمتهم أحمد بن كيغلغ في جماعة من القواد
ولقيهم الخليجى على العريش في صفر سنة ثلاث وتسعين فهزمهم ثم تراجعوا وزحفوا إليه وكانت بينهم حروب فنى فيها أكثر أصحاب الخليجى وانهزم الباقون فظفر عسكر بغداد ونجا الخليجى إلى الفسطاط واختفى به ودخل قواد المكتفى المدينة وأخذوا الخليجى وحبسوه وكان المكتفى عندما بلغته هزيمة ابن كيغلغ وسار ابن كيغلغ في ربيع وبرز المكتفى من ورائهم يسير إلى مصر فجاءه كتاب فاتك بالخبر وبحبس الخليجى فكتب المكتفى بحمله ومن معه إلى بغداد وبرز من تكريت فبعث فاتك بهم وحبسوا ببغداد ورجع عيسى النوشزى إلى مصر في منتصف ثلاث وتسعين فلم يزل واليا عليها إلى ان توفى في شعبان سنة سبع وتسعين لخمس وسنين من ولايته وشهرين وقام بأمره ابنه محمد وولى المقتدر على مصر أبا منصور تكين الخزرى فقدمها آخر شوال من سنة سبع وتسعين وقام واليا عليها واستفحلت دولة العلويين بالمغرب وجهز عبيد الله المهدى العساكر مع ابنه أبى القاسم سنة احدى وثلثمائة فملك برقة في ذى الحجة آخرها ثم سار إلى مصر وملك الاسكندرية والفيوم وبلغ الخبر إلى المقتدر فقلد ابنه أبا العباس مصر والمغرب وعمره يومئذ أربع سنين وهو الذى ولى الخلافة بعد فاتك ولقب الراضي ولما قلده مصر استخلف له عليها مؤنسا الخادم وبعثه في العساكر إلى مصر وحار بهم فهزمهم ورجعوا إلى المغرب فأعاد عبيد الله العساكر سنة ثنتين مع قائده حامسة الكتامى وجاء في الاسطول فملك الاسكندرية وسار منها إلى مصر وجاءه مؤنس الخادم في العساكر فقاتله وهزمه ثم كانت بينهم وقعات وانهزم أصحاب المهدى آخرا في منتصف ثنتين وثلثمائة وقتل منهم نحوا من سبعة آلاف ورجعوا إلى المغرب فقتل المهدى حامسة وعاد مؤنس إلى بغداد * (ولاية ذكاء الاعور) * لم يزل تكين الخزرى واليا على مصر استخلافا إلى أن صرف آخر ثنتين وثلثمائة فولى المقتدر مكانه أبا الحسن ذكاء الاعور وقدم منتصف صفر من سنة ثلاث فلم يزل واليا
عليها إلى أن توفى سنة سبع لاربع سنين من ولايته * (ولاية تكين الخزرى ثانية) *(4/311)
لما صرف المقتدر ذكاء ولى مكانه أبا منصور تكين الخزرى ولاية ثانية فقدم في شعبان سنة سبع وكان عبيد الله المهدى قد جهز العساكر مع ابنه أبى القاسم ووصل إلى الاسكندرية في بيع من سنة سبع وملكها ثم سار إلى مصر وملك الجزيرة والاشمونين من الصعيد وما إليه وكتب أهل مكة بطاعته وبعث المقتدر من بغداد مؤنسا الخادم في العساكر فواقع أبا القاسم عدة وقعات وجاء الاسطول من افريقية إلى الاسكندرية في ثمانين مركبا مددا لابي القاسم وعليه سليمان بن الخادم ويعقوب الكتامى فسار إليهم في اسطول طرسوس في خمسة وعشرين مركبا وفيها النفط والمدد وعليها أبو اليمن فالتقت العساكر في الاساطيل في مرسى رشيد فظفر اسطول طرسوس باسطول افريقية وأسر كثير منهم وقتل بعضهم وأطلق البعض وأسر سليمان الخادم فهلك في محبسه بمصر وأسر يعقوب الكتامى وحمل إلى بغداد فهرب منها إلى افريقية واتصل الحرب بين أبى القاسم ومؤنس وكان الظفر لمؤنس ووقع الغلاء والوباء في عسكر أبى القاسم ففنى كثير منهم بالموت ووقع الموتان في الخيل فعاد العسكر إلى المغرب واتبعهم عساكر مصر حتى أبعدوا فرجعوا عنهم ووصل أبو القاسم إلى القيروان منتصف السنة ورجع مؤنس إلى بغداد وقدم تكين إلى مصر كما مرو لم يزل واليا عليها إلى أن صرف في ربيع من سنة تسع * (ولاية أحمد بن كيغلغ) * ولاه المقتدر بعد هلال بن بدر فقدم في جمادى وصرف لخمسة أشهر من ولايته وأعيد تكين المرة الثالثة فقدم في عاشوراء سنة ثلاث عشرة وأقام واليا عليها تسع سنين إلى أن توفى في منتصف ربيع الاول سنة احدى وعشرين وفى أيامه جدد المقتدر عهده لابنه
أبى العباس على بلاد المغرب ومصر والشأم واستخلف له مؤنسا وذلك سنة ثمان عشرة وقال ابن الاثير وفى سنة احدى وعشرين توفى تكين الخزرى بمصر فولى عليها مكانه ابنه محمد وبعث له القاهر بالخلع وثار به الجند فظفر بهم انتهى * (ولاية أحمد بن كيغلغ الثانية) * ولاه القاهر في شوال سنة احدى وعشرين بعد أن كان ولى محمد بن طغج وهو عامل دمشق وصرفه لشهر من ولايته قبل ان يتسلم العمل ورده إلى أحمد بن كيغلغ كما قلناه فقدم مصر في رجب سنة ثنتين وعشرين ثم عزل آخر رمضان من سنة ثلاث وعشرين وولى الراضي الخليفة بأن يدعى على المنبر باسمه ويزاد في ألقابه الاخشيذ فقام بولاية مصر أحسن قيام ثم انتزع الشام من يده كما يذكر(4/312)
* (استيلاء ابن رائق على الشام من يد الاخشيذ) * كان محمد بن رائق الامير الامراء ببغداد وقد مر ذكره ثم نازعه مولاه تحكم وولى مكانه سنة ست وعشرين وهرب ابن ارئق ثم استتر ببغداد واستولى عليها ورجع الخليفة من تكريت بعد أن كان قدم تحكم ثم كتب إليه واسترده وقد عقد الصلح مع ناصر الدولة بن حمدان من قبل أن يسمع بخبر ابن رائق ثم عادوا جميعا إلى بغداد وراسلهم ابن رائق مع أبى جعفر محمد بن يحيى بن شير زاد في الصلح فاجيب وقلده الراضي طريق الفرات وديار مضر التى هي حران والرها وما جاورهما وجند قنسرين والعواصم فسار إليها واستقر بها ثم طمحت نفسه سنة ثمان وعشرين إلى ملك الشام فسار إلى مدينة حمص فملكها وكان على دمشق بدر بن عبد الله مولى الاخشيذ ويلقب بتدبير فملكها ابن رائق من يده وسار إلى الرملة يريد مصر وبرز الاخشيذ من مصر فالتقوا بالعريش وأكمن له الاخشيذ ثم التقيا فانهزم الاخشيذ أولا وملك أصحاب ابن رائق سواده ونزلوا في خيامهم ثم خرج عليهم كمين الاخشيذ فانهزموا ونجا ابن رائق إلى دمشق
في فل من أصحابه فبعث إليه الاخشيذ أخاه أبا نصر بن طغج في العسكر فبرز إليهم ابن رائق وهزمهم وقتل أبو نصر في المعركة فبعث ابن رائق شلوه إلى مصر مع ابنه مزاحم بن محمد بن رائق وكتب إليه بالعزاء والاعتذار وان مزاحما في فدائه فخلع عليه ورده إلى أبيه وتم الصلح بينهما على أن تكون الشام لابن رائق ومصر للاخشيذ والتخم بينهما للرملة وحمل الاخشيذ عنها مائة واربعين ألفا كل سنة وخرج الشأم عن حكم الاخشيذ وبقى في عمالة ابن رائق إلى أن قتل تحكم والبريدي وعاد ابن رائق من الشأم إلى بغداد فاستدعاه المتقى وصار أمير الامراء بها فاستخلف على الشام أبا الحسن على بن أحمد بن مقاتل ولما وصل إلى بغداد قاتله كورتكين القائم بالدولة فظفر به وحبسه وقاتل عامة أصحابه من الديلم وزحف إليهم البريدى من واسط سنة ثلاثين فانهزم المتقى وابن رائق وسار إلى الموصل وكان المتقى قد استنجد ناصر الدولة بن حمدان فبعث إليه أخاه سيف الدولة ولقيه المتقى بتكريت ورجع معه إلى الموصل وقتل ناصر الدولة بن حمدان محمد بن رائق وولى امارة الامراء للمتقى فلما سمع الاخشيذ بمقتل ابن رائق سار إلى دمشق ثم استولى يوسف بعد ذلك عليها سنة ثنتين وثلاثين وولى ناصر الدولة بن حمدان في ربيع سنة ثنتين وثلاثين على اعمال ابن رائق كلها وهى طريق الفرات وديار مضر وجند قنسرين والعواصم وحمص أبا بكر محمد بن على بن مقاتل وأنفذه إليها من الموصل في جماعة من القواد ثم ولى بعده في رجب ابن عمه أبا عبد الله الحسين بن سعيد بن حمدان على تلك الاعمال وامتنع أهل الكوفة من طاعته(4/313)
فظفر بهم وملكها وسار إلى حلب كان المتقى قد سار إلى الموصل سنة احدى وثلاثين مغاضبا لامير الامراء تورون فأقام بالموصل عند بنى حمدان ثم سار إلى الرقة فأقام بها وكتب إلى الاخشيذ يشكو إليه ويستقدمه فأتاه من مصر ومر بحلب فخرج عنها الحسين بن سعيد بن حمدان وتخلف عنه أبو بكر بن مقاتل للقاء
الاخشيذ فأكرمه واستعمله على خراج مصر وولى على حلب يانس المؤنسى وسار الاخشيذ من حلب إلى الرقة في محرم سنة ثلاث وثلاثين وأهدى له ولوزيره الحسين بن مقلة وحاشيته وأشار عليه بالمسير إلى مصر والشأم ليقوم بخدمته فأبى فخوفه من تورون وأن يلزم الرقة وكان قد أنفذ رسله إلى تورون في الصلح وجاؤه بالاجابة فلم يعرج على شئ من اشارته وسار إلى بغداد وانصرف الاخشيذ إلى مصر وكان سيف الدولة بالرقة معهم فسار إلى حلب وملكها ثم سار إلى حمص وبعث الاخشيذ عساكره إليها مع كافور مولاه فلقيهم سيف الدولة إلى قنسرين والتقيا هنالك وتحاربا ثم افترقا على منعة وعاد الاخشيذ إلى دمشق وسيف الدولة إلى حلب وذلك سنة ثلاث وثلاثين وسارت الروم إلى حلب وقاتلهم سيف الدولة فظفر بهم [ وفاة الاخشيذ وولاية ابنه أنوجور واستبداد كافور عليه واستيلاء سيف الدولة على دمشق ] ثم توفى الاخشيذ أبو بكر بن طغج بدمشق سنة أربع وثلاثين وقيل خمس وولى مكانه أبو القاسم أنوجور وكان صغيرا فاستبد عليه كافور وسار من دمشق إلى مصر فخالفه سيف الدولة فسار إلى حلب وزحف أنوجور في العساكر إليه فعبر سيف الدولة إلى الجزيرة وحاصر أنوجور حلب أياما ثم وقع الصلح بينهما وعاد سيف الدولة إلى حلب وأنوجور إلى مصر ومضى كافور إلى دمشق وولى عليها بدرا الاخشيذى المعروف بتدبير فرجع إلى مصر فأقام يدبر بها سنة ثم عزل عنها وولى أبو المظفر طغج وقبض على تدبير * (وفاة أنوجور ووفاة أخيه على واستبداد كافور عليه) * ثم علت سن أبى القاسم أنوجور ورام الاستبداد بأمره وازالة كافور فشعر به وقتله فيما قبل مسموما سنة ونصب أخاه عليا للامر في كفالته وتحت استبداده إلى أن هلك * (وفاة على بن الاخشيذ وولاية كافور) *
ثم توفى على بن الاخشيذ سنة خمس وخمسين فأعلن كافور بالاستبداد بالامر دون بنى الاخشيذ وركب بالمظلة وكتب له المطيع بعهده على مصر والشأم والحرمين وكناه العالي(4/314)
بالله فلم يقبل الكنية واستوزر أبا الفضل جعفر بن الفرات وكان من أعاظم الملوك جوادا ممدوحا سيوسا كثير الخشية لله والخوف منه وكان يدارى المعز صاحب المغرب ويهاديه وصاحب بغداد وصاحب اليمن وكان يجلس للمظالم في كل سبت إلى أن هلك * (وفاة كافور وولاية أحمد بن على بن الاخشيذ) * ثم توفى كافور منتصف سبع وخمسين لعشرة سنين وثلاثة أشهر من استبداده منها سنتان وأربعة أشهر مستقلا من قبل المطبع وكان أسود شديد السواد واشتراه الاخشيذ بثمانية عشر دينارا ولما هلك اجتمع أهل الدولة وولوا أحمد بن على بن الاخشيذ وكنيته أبو الفوارش وقام بتدبير أمره الحسن بن عمه عبد الله بن طغج وعلى العساكر شمول مولى جده وعلى الاموال جعفر بن الفضل واستوز كاتبه جابر الرياحي ثم أطلق ابن الفرات بشفاعة ابن مسلم الشريف وفوض أمر مصر إلى ابن الرياحي * (مسير جوهر إلى مصر وانقراض دولة بن طغج) * ولما فرغ المعز لدين الله من شواغل المغرب بعث قائده جوهرا الصقلى الكاتب إلى مصر وجهزه في العساكر وأزاح عللها وسار جوهر من القيروان إلى مصر ومر ببرقة وبها أفلح مولى المعز فلقيه وترجل له فملك الاسكندرية ثم الجيزة ثم أجاز إلى مصر وحاصرها وبها أحمد بن على بن الاخشيذ وأهل دولته ثم افتتحها سنة ثمان وخمسين وقتل أبا الفوارس وبعث بضائعهم وأموالهم إلى القيروان صحبة الوفد من مشيخة مصر وقضاتها وعلمائها وانقرضت دولة بنى طغج وأذن سنة تسع وخمسين في جامع ابن طوطون بحى على خير العمل وتحولت الدعوة بمصر للعلوية واختط جوهر مدينة القاهرة في موضع العساكر وسير جعفر بن فلاح اللتامى إلى الشأم فغلب القرامطة عليه كما تقدم
ذلك في أخبارهم [ الخبر عن دولة بنى مروان بديار بكر بعد بنى حمدان ومبادي أمورهم وتصاريف أحوالهم ] كان حق هذه الدولة أن نصل ذكرها بدولة بنى حمدان كما فعلنا في دولة بنى المقلد بالموصل وبنى صالح بن مرادس بحلب لان هذه الدول الثلاث انما نشأت وتفرعت عن دولتهم الا أن بنى مروان هؤلاء ليسوا من العرب وانما هم من الاكراد فأخرنا دولتهم حتى ننسقها مع العجم ثم أخرناها عن دولة بنى طوطون لان دولة بين طوطون متقدمة عنها في الزمن بكثير فلنشرع الان في الخبر عن الدولة بنى مروان وقد كان تقدم لنا خبر باد الكردى واسمه الحسين بن دوسك وكنيته أبو عبد الله وقيل كنيته أبو شجاع وانه(4/315)
خال أبى على بن مروان الكردى وأنه تغلب على الموصل وعلى ديار بكر ونازع فيه الديلم ثم غلبوه عليها وأقام بجبال الاكراد ثم مات عضد الدولة وشرف الدولة ثجاء أبو طاهر ابراهيم وأبو عبد الله الحسن إلى الموصل فملكاها ثم حدثت الفتنة بينهما وبين الديلم وطمع باد في ملك الموصل وهو بديار بكر فسار إلى الموصل فغلبه ابنا ناصر الدولة وقتل في المعركة وقد مر الخبر عن ذلك كله فلما قتل خلص ابن أخته أبو على بن مروان من المعركة ولحق بحصن كيفاوبه أهل بادو ذخيرته وهو من أمنع المعاقل فتحيل في دخوله بأن خاله أرسله واستولى عليه وتزوج امرأة خاله ثم سار في ديار بكر فملك جميع ما كان لخاله باد وزحف إليه ابنا حمدان وهو يحاصر ميافارقين فهزمهما ثم رجعا إليه وهو يحاصر آمد فهزمهما ثانيا وانقرض أمرهما من الموصل وملك أبو على بن مروان ديار بكر وضبطها واستطال عليه أهل ميافارقين وكان شيخها أبو الاصغر فتركهم يوم العيد حتى أصحروا وكبسهم بالصحراء وأخذ أبا الاصغر فالقاه من السور ونهب الاكراد عامة البلد وأغلق أبو على الابواب دونهم ومنعهم من الدخول فذهبوا كل مذهب وذلك
كله سنة ثمانين وثلثمائة * (مقتل أبى على بن مروان وولاية أخيه أبى منصور) * كان أبو على بن مروان قد تزوج بنت سعد الدولة بن سيف الدولة وزفت إليه من حلب وأراد البناء بها بآمد فخاف شيخها أن يفعل به وبهم ما فعل في ميافارقين فحذر أصحابه منه وأشار عليهم أن ينثروا الدنانير والدراهم إذا دخل ويقصدوا بها وجهه فيضربوه فكان كذلك ثم أغفله وضرب رأسه واختلط أصحابه فرمى برأسه إليهم وكر الاكراد راجعين إلى ميافارقين فاستراب بهم مستحفظها أن يملكوها عليه ومنعهم من الدخول ثم وصل مهد الدولة أبو منصور بن مروان أخو أبى على إلى ميافارقين فأمكنه المستحفظ من الدخول فملكه ولم يكن له فيه الا السكة والخطبة ونازعه أخوه أبو نصر فأقام بها مضيقا عليه فغلبه أبو منصور وبعثه إلى قلعة اسعرد فأقام بها مضيقا عليه وأما آمد فتغلب عليها عبد الله شيخهم أياما وزوج بنته من ابن دمنة الذى تولى قتل أبى على بن مروان فقتله ابن دمنة وملك آمد وبنى لنفسه قصرا ملاصقا للسور وأصلح امره مع مهد الدولة بالطاعة وهادى ملك الروم وصاحب مصر وغيرهما من الملوك وانتشر ذكره * (مقتل مهد الدولة بن مروان وولاية أخيه أبى نصر) * ثم ان مهد الدولة أقام بميافارقين وكان قائده شروة متحكما في دولته وكان له مولى(4/316)
قد ولاه الشرطة وكان مهد الدولة يبغضه ويهم بقتله مرارا ثم يتركه من أجل شروة فاستفسد مولاه شروة على مهد الدولة لحضوره فلما حضر عنده قتله وذلك سنة ثنتين وأربعمائة ثم خرج على أصحابه وقرابته يقبض عليهم كأنه بأمر مهد الدولة ثم مضى إلى ميافارقين ففتحوا له يظنونه مهد الدولة فملكها وكتب إلى أصحاب القلاع يستدعيهم على لسان مهد الدولة وفيهم خواجا أبا القاسم صاحب أرزن الروم فسار إلى
ميافارقين ولم يسلم القلعة لاحد وسمع في طريقه بقتل مهد الدولة فرجع من الطريق إلى أرزن الروم وأحضر أبا نصر بن مروان من اسعرد وجاء به إلى أبيهم مروان وكان قد أضر ولزم قبر ابنه أبى على بارزن هو وزوجته فأحضره خواجا عنده واستحلفه عند أبيه وقبر أخيه وملك أرزن وبعث شروة من ميافارقين إلى اسعرد عن أبى نصر بن مروان ففاته إلى أرزن فأيقن بانتقاض أمره ثم ملك أبو نصر سائر ديار بكر ولقب نصير الدولة ودامت أيامه وأحسن السيرة وقصده العلماء من سائر الافاق وكثروا عنده وكان ممن قصده أبو عبد الله الكازرونى وعنه انتشر مذهب الشافعي بديار بكر وقصده الشعراء ومدحوه وأجزل جوائزهم وأقامت الثغور معه آمنة والرعية في أحسن ملكة إلى أن توفى * (استيلاء نصير الدولة بن مروان على الرها) * كانت مدينة الرها بيد عطير وكاتبوا أبا نصر بن مروان أن يملكوه فبعث نائبه بآمد ويسمى زنك فملكها واستشفع عطير بصالح بن مرداس صاحب حلب إلى ابن مروان فأعطاه نصف البلد ودخل إلى نصير الدولة بميافارقين فأكرمه ومضى إلى الراها فأقام بها مع زنك وحضر بعض الايام مع زنك في صنيع وحضر ابن النائب الذى قتله فحمله زنك على الاخذ بثاره فاتبعه لما خرج ونادى بالثار واستنفر أهل السوق فقتلوه في ثلاثة نفر وكمن له بنو نمير خارج البلد وبعثوا من يغير منهم عليها فخرج زنك في العسكر ولما جاوز الكمين خرجوا عليه وقاتلوه وأصابه حجر فمات من ذلك فاتح ثمان عشرة وخلصت الرها لنصير الدولة ثم شفع صالح بن مرداس في ابن عطير وابن شبل فرد اليهما البلد إلى أن باعه ابن عطير من الروم كما يأتي * (حصار بدران بن مقلد نصيبين) * كانت نصيبين لنصير الدولة بن نصر بن مروان فسار إليها بدران بن المقلد في جموع بنى عقيل وحاصرها فظهر على العساكر الذين بها وأمدهم نصير الدولة بعسكر آخر فبعث
بدران من اعترضهم في طريقهم وهزمهم فاحتفل ابن مروان في الاحتشاد وبعث(4/317)
العساكر إلى نصيبين فخرجوا عليه فهزموه أولا ثم كر عليهم ففتك فيهم وأقام يقاتلهم حتى سمع بأن أخاه قراوش وصل إلى الموصل فخشى منه وارتحل منها * (دخول الغزالي ديار بكر) * هؤلاء الغز من طوائف الترك وهم الشعب الذين منهم السلجوقية وقد تقدم لنا كيف أجازوا إلى خراسان لما قبض محمد بن سبكتكين على ارسلان بن سلجق منهم فحبسه وما ظهر من فسادهم في خراسان وكيف أوقع بهم مسعود بن سبكتكين من بعد أبيه محمود ففروا إلى الذين يريدون أذربيجان واللحاق بمن تقدم منهم هنالك ويسمون العراقية بعد أن عاثوا في همذان وقزوين وأرمينية وعاث الاخرون في اذربيجان وقتل وهشوذان صاحب تبريز منهم جماعة ثم عاثوا في الاكراد واستباحوهم ثم جاءهم الخبر بأن ينال ابراهيم أخا السلطان طغرلبك سار إلى الرى فأجفلوا منها سنة ثلاث وثلاثين ووصلوا اذربيجان واتصلت الاخبار بأن نيال في أثرهم فأجفلوا ثانيا خوفا منه لانهم كانوا له ولاخوته رعية ولما أجفلوا سلك بهم الدليل في الجبال على الزوزان وأسهلوا إلى جزيرة ابن عمر فسار بعضهم إلى ديار بكر ونهبوا قزوين ويا زيدي والحسنية وبقى آخرون بالجانب الشرقي من الجزيرة وسار آخرون إلى الموصل وكان سليمان بن نصير الدولة قيما بها فراسلهم في الصلح على أن يسير معهم إلى الشأم فقبلوا ثم صنع سليمان صنعيا ودعا إليه ابن غرغلى وقبض عليه وحبسه وأجفل الغز في كل ناحية واتبعهم عساكر نصير الدولة وقراوش والاكراد البثنوية ثم قصدت العرب العراق للمشتى وعاد الغز إلى جزيرة ابن عمر فحصروها وخربوا ديار بكر نهبا وقتلا وصانعهم نصير الدولة باطلاق منصور بن غرغلى الذى حبسه سليمان فلم يكف اطلاقه من فسادهم وساروا إلى نصيبين وسنجار والخابور ودخل قرواش الموصل كما نبهنا واتبعه طائفة منهم فكان من خبره
معهم ما قدمناه في أخباره * (مسير الروم إلى بلد ابن مروان ثم فتح الرها) * ولما كانت الدعوة العلوية قد انتشرت في الشأم والجزيرة وكان سبب ذلك أن وثابا النميري صاحب حران والرقة يخطب لهم فلما ولى الوزيرى للعلويين على الشأم بعث إلى ابن مروان بالتهديد وأنه يسير إلى بلاده فاستمد ابن مروان قرواش صاحب الموصل وشبيب بن وثاب صاحب الرقة ودعاهما إلى الموافقة وقطع الدعوة العلوية فأجابوه وخطبوا للقائم وقطعوا الخطبة للمستنصر وذلك سنة ثلاثين فقام الوزيرى في ركائبه وتهددهم وأعاد ابن وثاب خطبة العلوية بحران في ذى الحجة آخر السنة(4/318)
* (مقتل سليمان بن نصير الدولة) * كان نصير الدولة قد ولى ابنه سليمان ويكنى أبا حرب الامور وكان يحاوره في الجزيرة بشر موشك بن المحلى زعيم الاكراد في حصون له هنالك منيعة ووقعت بينهما منافرة ثم استماله سليمان ومكر به وكان الامير أبو طاهر البثنوى صاحب قلعة فنك وغيرها وهو ابن أخت نصير الدولة وكان صديقا لسليمان فكان مما استماله به موشك ان زوجه بابنة أبى طاهر فاطمأن موشك إلى سليمان وسار إلى غزو الروم بارمينية وأمده نصير الدولة ابن مروان بالعساكر والهدايا وقد كان خطب له من قبل ذلك وأطاعه فشفع عنده في موشك فقتله سليمان وقال لطغرلبك انه مات وشكر له أبو طاهر حيث كان صهره ذريعة إلى قتله فخافه سليمان وتبرأ إليه مما وقع فأظهر القبول وطلب الاجتماع ونزل من حصنه فنك لذلك وخرج سليمان إليه في قلة من أصحابه فقتله عبيد الله وأدرك من ثار أبيه وبلغ الخبر إلى نصير الدولة فبادر بابنه نصير وبعث معه العساكر لحماية الجزيرة وسمع قريش بن بدران صاحب الموصل فطمع في ملك جزيرة ابن عمر فسار إليها واستمال الاكراد الحسنية والبثنوية واجتمعوا على قتال نصير بن مروان فأحسن
المدافعة عن بلده وقاتلهم وجرح قريش جراحا عديدة ورجع إلى الموصل وأقام نصير ابن مروان بالجزيرة والاكراد على خلافه * (مسير طغرلبك إلى ديار بكر) * ولما انصرف طغرلبك من الموصل وملكها وفر قريش عنها ثم عاود الطاعة وذلك سنة ثمان وأربعين فسار طغرلبك بعدها إلى ديار بكر وحاصر جزيرة ابن عمرو كان ابن مروان في خدمته وهداياه مترادفة عليه في مسيره إلى الموصل وعوده فبعث إليه بالمال مفاداة عن الجزيرة ويذكر ما هو بصدده من الجهاد وحماية الثغر فأفرج عنه طغرلبك وسار إلى سنجار كما ذكرناه في أخبار قريش * (وفاة نصير الدولة بن مروان وولاية ابنه نصر) * وفى سنة ثلاث وخمسين توفى نصير الدولة أحمد بن مروان الكردى صاحب ديار بكر وكان لقبه القادر بالله ومات لثنتين وخمسين سنة من ولايته وكان قد عظم استيلاؤه وتوفرت أمواله وحسن في عمارة الثغور وضبطها اثره وكان يهادى السلطان طغرلبك بالهدايا العظيمة ومنها حبل الياقوت الذى كان لبنى بويه اشتراه من أبى منصور بن جلال الدولة وأرسل معه مائة ألف دينار فحسنت حاله عنده وكان يناغى عظماء الملوك في الترف فيشترى الجارية بخمسمائة دينار وأكثر واجتمع عنده منهن للافتراش(4/319)
والاستخدام أزيد من ألف واقتنى من الاواني والالات ما تزيد قيمته على مائتي ألف دينار وجمع في عصمته بنات الملوك وأرسل طباخين إلى الديار المصرية وأنفق عليهم جملة حتى تعلموا الطبخ هنالك ووفد عليه أبو القاسم ابن المغربي من أهل الدولة العلوية بمصر وفخر الدولة بن جهير من الدولة العباسية فأقبل عليهما واستوزرهما ووفد عليه الشعراء فوصلهم وقصده العلماء فحمدوا عنده مقامهم ولما توفى في كان الظفر فيها لنصر واستقر بميافارقين ومضى أخوه سعيد إلى آمد فملكها واستقر الحال
بينهما على ذلك * (وفاة نصر بن نصير الدولة وولاية ابنه منصور) * ثم توفى نظام الدين نصر بن نصير الدولة في ذى الحجة سنة ثنتين وسبعين وولى ابنه منصور ودبر دولته ابن الانباري ولم يزل في ملكه إلى أن قدم ابن جهير وملك البلاد من يده * (مسير ابن جهير إلى ديار بكر) * كان فخر الدولة أبو نصر محمد بن محمد بن جهير من أهل الموصل واستخدم لجارية قرواش ثم لاخيه بركة وسار عنه بالعوائد إلى ملك الروم ثم استخدم لقريش بن بدران وأراد حبسه فاستجار ببعض بنى عقيل ومضى إلى حلب فوزر لمعز الدولة أبى ثمال بن صالح ثم مضى إلى عطية ولحق منها بنصير الدولة بن مروان واستوزره وأصلح حال دولته ولما توفى سنة ثلاث وخمسين دبر أمر ابنه نصر القائم بعده ثم هرب إلى بغداد سنة أربع وخمسين استدعى منها للوزارة فوزر بعد محمد بن منصور بن دوات ثم تداول العزل والولاية مرات هو وابنه عميد الملك واستخدم لنظام الملك والسلطان طغرلبك وكان شفع عند الخليفة فلما عزل ابنه آخرا بعث عنه السلطان ونظام الملك وعن ابنه وجميع أقاربه وسار إليه باصفهان ولقاه مبرة وتكريما وبعثه في العساكر لفتح ديار بكر وأخذها من يد بنى مروان وأعطاه الالات وأذن له أن يخطب لنفسه بعد السلطان وينقش اسمه على السكة فسار لذلك سنة ست وسبعين * (استيلاء ابن جهير على آمد) * قد ذكرنا مسير فخر الدولة بن جهير في العساكر إلى ديار بكر ثم أمده السلطان سنة سبع وسبعين بأرتق بن أكسك في العساكر واستنجد نصر بن مروان شرف الدولة مسلم بن قريش على أن يعطيه آمد فأنجده وسار لمظاهرته فأقصر فخر الدولة بن جهير عن حربهم عصبة للعرب وخالفه أرتق وسار في الترك إليهم وهزمهم ولحق مسلم بآمد وحاصره بها فبذل المال لارتق وخلص من أمره ولحق بالرقة وسار ابن جهير إلى ميافارقين(4/320)
فرجع عنه منصور بن مزيد وابنه صدقة ومن معهما من العرب وسار فخر الدولة المعروف بالقرم فنزل عليها وشد حصارها ونزل يوما بعض الحامية من السور وأخلى مكانه فوقف فيه بعض العامة ونادى بشعار السلطان واتبعه سائر الحامية بالسور وبعثوا إلى زعيم الرؤساء ابن جهير فركب إليهم وملك البلد وذلك سنة ثمان وسبعين ونصب أهل البلد بيوت النصارى الذين كانوا يستخدمون لبنى مروان في الجبايات وانتقموا منهم والله أعلم * (استيلاء ابن جهير على ميافارقين وجزيرة ابن عمر وانقراض دولة بنى مروان) * كان فخر الدولة بن جهير لما بعث ابنه إلى آمد سار هو إلى ميافارقين وأقام على حصارها منذ سنة سبع وسبعين وجاءه سعد الدولة كوهوا بين مددا واشتد الحصار وانثلم السور في بعض الايام فنادى أهلها بشعار ملك شاه ودخل فخر الدولة وملك البلد واستولى على أموال بنى مروان وذخائرهم وبعثها إلى السلطان ملك شاه مع ابنه زعيم الرؤساء فوصل اصفهان في شوال سنة ثمان وسبعين وسار فخر الدولة وكوهوا بين إلى بغداد وكان قد بعث عسكر الحصار جزيرة ابن عمر فحصروها وثار بها أهل بيت من أعيانها يعرفون ببنى رهان وفتحوا بابا صغيرا للبلد كان منفذ للرجالة وأدخلوا العسكر منه وملكوه بدعوة السلطان ملك شاه وانقرضت دولة بنى مروان ولحق منصور بن نظام الدين نصر بن نصير الدولة بالجزيرة وأقام في ايالة الغز ثم قبض عليه جكرمس وحبسه بدار يهودى فمات بها سنة تسع وثمانين والبقاء لله وحده [ الخبر عن دولة بنى الصفار ملوك سجستان المتغلبين على خراسان ومبادي أمورهم وتصاريف أحوالهم ] كان أهل هذه الدولة قوما اجتمعوا بنواحي سجستان ونسبوا لقتال الخوارج الشراة بتلك الناحية عندما اضطربت الدولة ببغداد لقتل المتوكل وسموا أنفسهم المتطوعة
وكان اجتماعهم على صالح بن نصر الكنانى ويقال له صالح المتطوعى وصحبه جماعة منهم درهم بن الحسن ويعقوب بن الليث الصفار وغلبوا على سجستان وملكوها ثم سار إليهم طاهر بن عبد الله أمير خراسان وغلبهم عليها وأخرجهم منها ثم هلك صالح اثر ذلك وقام بأمره في المتطوعة درهم بن الحسن فكثر أتباعه وكان يعقوب بن الليث قائده وكان درهم مضعفا فتحيل صاحب خراسان عليه حتى ظفر به وبعثه إلى بغداد فحبس بها واجتمع المتطوعة على يعقوب بن الليث قائده وكان درهم بكاتب المعتز يسأله ولايتها وأن يقلده حرب الخوارج فكتب له بذلك وأحسن الغناء في حرب الشراة وتجاوزه إلى سائر أبواب الامر بالمعروف والنهى عن المنكر ثم سار من سجستان إلى(4/321)
خراسان سنة ثلاث وخمسين ومائتين وعلى الانبار ابن أوس فجمع لمحاربة يعقوب وسار إليهم في التعبية فاقتتلوا وانهزم ابن أوس وملك يعقوب هراة وبوشنج وعظم أمره وهابه صاحب خراسان وغيرها من الاطراف * (استيلاء يعقوب الصفار على كرمان ثم على فارس وعودها) * كان على فارس على بن الحسن بن شبل وكتب إلى المعتز يطلب كرمان ويذكر عجز ابن طاهر عنها وكان قد أبطأ الخوارج فكتب له المعتز بولاية كرمان وكتب ليعقوب الصفار أيضا بولايتها بقصد التضريب بينهما لتتمحض طاعتهما أو طاعة أحدهما فارسل على بن الحسين من فارس على كرمان طوق بن المفلس من أصحابه فسبق إليها يعقوب وملكها وجاء يعقوب فأقام قريبا منها شهرين يترقب خروج طوق إليه ثم ارتحل إلى سجستان ووضع طوق أوزار الحرب وأقبل على اللهو واتصل ذلك بيعقوب في طريقه فكر راجعا وأغذ السير ودخل كرمان وحبس طوقا وبلغ الخبر إلى على بن الحسين وهو على شيراز فجمع عسكره ونزل مضيق شيراز وأقبل يعقوب حتى نزل قبالته والمضيق متوعر بين جبل ونهر ضيق المسلك بينهما فاقتحم يعقوب النهر بأصحابه وأجاز
إلى على بن الحسين وأصحابه فانهزموا وأخذ على بن الحسين أسيرا واستولى على سواده ودخل شيراز وملكها وجبى الخراج وذلك سنة خمس وخمسين وقيل قد وقع بينهما بعد عبور النهر حروب شديدة وانهزم آخرها على وكان عسكره نحوا من خمسة عشر ألفا من الموالى والاكراد فرجعوا منهزمين إلى شيراز آخر يومهم وازدحموا في الابواب وبلغ القتلى منهم خمسة آلاف ثم افترقوا في نواحى فارس وانتهبوا الاموال ولما دخل يعقوب شيراز وملك فارس امتحن عليا وأخذ منه ألف بدرة ومن الفرش والسلاح والا لة ما لا يحصى وكتب للخليفة بطاعته وأهدى هدية جليلة منها عشرة بازات بيض وباز أبلق صينى ومائة نافجة من المسك وغير ذلك من الطرف ورجع إلى سجستان ومعه على وطوق في اعتقاله ولما فارق فارس بعث المعتز عماله إليها * (ولاية يعقوب الصفار على بلغ وهراة) * ولما انصرف يعقوب عن فارس ولى عليها المعتز من قبله والخلفاء بعده وليها الحرث بن سيما فوثب به محمد بن واصل بن ابراهيم التميمي من رجال العرب وأحمد بن الليث من الاكراد الذين بنواحي فقتلاه واستولى ابن واصل على فارس سنة ست وخمسين وأظهر دعوة المعتمد وبعث عليها المعتمد الحسين بن الفياض فسار إليه يعقوب بن الليث سنة سبع وخمسين وكتب إليه المعتمد بالنكير على ذلك وبعث إليه الموفق بولاية بلخ(4/322)
وطخارستان فملكها وخرب المباني التى بناها داود بن العباس بظاهر بلخ وتسمى باساديانج ثم سار إلى كابل واستولى عليها وقبض على رتبيل وبعث بالاصنام التى أخذها من كابل وملك البلاد إلى المعتمد وأهدى إليه هدية جليلة المقدار وعاد إلى بست معتزما على العود إلى سجستان فاحفظه بعض قواده بالرحيل قبله فغضب وأقام منه إلى سجستان ثم سار إلى خراسان وملك هراة ثم إلى بوشنج فملكها وقبض على عاملها الحسين ابن على بن طاهر الكبير وكان كبير بيتهم وشفع له فيه محمد بن طاهر صاحب خراسان فأبى
من اسعافه وبقى في قلبه وولى على هراة وبوشنج وباذغيس ورجع إلى سجستان * (استيلاء الصفار على خراسان وانقراض أمر بنى طاهر) * كان بسجستان عبد الله السجزى ينازع يعقوب بن الليث فلما قوى يعقوب واستفحل سار عبد الله إلى خراسان وطمع في ملكها وحاصر محمد بن طاهر في كرسى ولايته نيسابور ثم تردد الفقهاء بينهم في الصلح حق تم بينهما وولاه محمد الطبسين وخنهستان ثم بعث يعقوب إلى محمد في طلبه فأجاره وأحفظ ذلك يعقوب فسار إلى محمد بنيسابور فخام محمد عن لقائه ونزل يعقوب بظاهر نيسابور وخرج إليه قرابة محمد وعمومته وأهل بيته ودخل نيسابور واستعمل عليها وذلك سنة تسع وخمسين وكتب إلى المعتمد بأن أهل خراسان استدعوه لعجز ابن طاهر وتفريطه في أمره وغلبه العلوى على طبرستان فكتب إليه المعتمد بالنكير والاقتصار على ما بيده والاسلك به سبيل المخالفين وقيل في ملكه نيسابور غير ذلك وهو ان محمد بن طاهر لما أصاب دولته العجز والادبار كاتب بعض قرابته يعقوب ابن الليث الصفار واستدعوه فكتب يعقوب إلى محمد بن طاهر بمجيئه إلى ناحيته موريا بقصد الحسن بن زيد في طبرستان وأن المعتمد أمره بذلك وأنه لا يعرض لشئ من أمر خراسان وبعث بعض قواده عينا عليه وعنفه على الاهمال والعجز وقبض على جميع أهل بيته نحوا من مائة وستين رجلا وحملهم جميعا إلى سجستان وذلك لاحدى عشرة سنة من ولاية محمد واستولى يعقوب على خراسان وهرب منازعه عبد الله السجزى إلى الحسين بن يزيد صاحب طبرستان وقد كان ملكها من لدن سنة احدى وخمسين فأجاره الحسين وسار إليه يعقوب سنة ستين وحاربه فانهزم الحسين إلى أرض الديلم واعتصم بجبال طبرستان وملك يعقوب سارية وآمد ورجع في طلب السجزى إلى الرى وتهدد العامل على دفعه إليه فبعث به وقتله يعقوب * (استيلاء الصفار على فارس) * قد تقدم لنا تغلب محمد بن واصل على فارس سنة ست وخمسين ومسير الصفار إليه سنة(4/323)
سبع ورجوعه عنها وانه أعاضه عنها ببلخ وطخارستان ثم ان المعتمد أضاف فارس إلى موسى بن بغا مع الاهواز والبصرة والبحرين واليمامة وما بيده من الاعمال فولى موسى على فارس من قبله عبد الرحمن بن مفلح وبعثه إلى الاهواز وأمده بطا شتمر وزحفوا إلى ابن واصل وسار لحرب موسى بن بغا بواسط فولى على الاهواز مكانه أبا الساج وأمره بمحاربة الزنج فبعث صهره عبد الرحمن لذلك فلقيه على بن اياز قائد الزنج وهزمه وقتل وملك الزنج الاهواز وعاثوا فيها وأديل من أبى الساج بابراهيم بن سيما وسار الحرب ابن واصل واضطربت الناحية على موسى بن بغا فاستعفي من ولايتها وأعفاه المعتمد وطمع يعقوب الصفار في ملك فارس فسار من سجستان ممدا ورجع ابن واصل من الاهواز إليه وترك محاربة ابن سيما وأغذ السير ليفجأه على بغتة ففطن له الصفار وسار إليهم وقد أعيوا وتعبوا من شدة السير والعطش ولما تراءى الجمعان تخاذل أصحاب ابن واصل وانهزموا من غير قتال وغنم الصفار في معسكره وما كانوا أصابوا لابن مفلح واستولى على بلاد فارس ورتب بها العمال وأوقع بأهل ذم لاعانتهم ابن واصل وطمع في الاستيلاء على الاهواز وغيرها * (حروب الصفار مع الموفق) * ولما ملك الصفار خراسان من يد ابن طاهر وقبض عليه وملك فارس من يد ابن واصل وكان المعتمد نهاه عن تلك فلم ينته صرح المعتمد بأنه لم يوله ولا فعل ما فعل باذنه وأحضر حاج خراسان وطبرستان والرى وخاطبهم بذلك فسار الصفار إلى الاهواز سنة ثنتين أصحابه الذين أسروا بخراسان فأبى الا العزم على الوصول إلى الخليفة ولقائه وبعث حاجبه درهما يطلب ولاية طبرستان وخراسان وجرجان والرى وجارس والشرطة ببغداد فولاه المعتمد ذلك كله مضافا إلى سجستان وكرمان وأعاد حاجبه بذلك ومعه عمرو بن سيما فكتب يقول لا بد من الحضور بباب المعتمد وارتحل من
عسكر مكرم جائيا وخرج أبو الساج من الاهواز لتلقيه لدخول الاهواز في أعماله فأكرمه ووصله وسار إلى بغداد ونهض المعتمد من بغداد فعسكر بالزعفرانية ووافاه مسرور البلخى من مكانه من مواجهة الزنج وجاء يعقوب إلى واسط فملكها ثم سار منها إلى دير العاقول وبعث المعتمد أخاه الموفق لمحاربته وعلى ميمنته موسى بن بغا وعلى ميسرته موسى البلخى فقاتله منتصف رجب وانهزمت ميسرة الموفق وقتل فيها ابراهيم ابن سيما وغيره من القواد ثم تزاحفوا واشتدت الحرب وجاء للموفق محمد بن أوس والدرانى مددا من المعتمد وفشل أصحاب الصفار ولما رأوا مدد الخليفة انهزموا وخرج الصفار واتبعهم أصحاب الموفق وغنموا من عسكره نحوا من عشرة آلاف من(4/324)
الظهر ومن الاموال والمسك ما يؤد حمله وكان محمد بن طاهر معتقلا في العسكر منذ قبض عليه بخراسان فتخلص ذلك اليوم وجاء إلى الموفق وخلع عليه وولاه الشرطة ببغداد وسار الصفار إلى خوزستان فنزل جند يسابور وراسله صاحب الزنج على الرجوع ويعده المساعدة فكتب له قل يأيها الكافرون لا أعبد ما تعبدون السورة وكان ابن واصل قد خالف الصفار إلى فارس وملكها فكتب إليه المعتمد بولايتها وبعث إليه الصفار جيشا مع عمر بن السرى من قواده فأخرجه عنها وولى على الاهواز محمد بن عبيد الله بن هزار مرد الكردى ثم رجع المعتمد إلى سامرا والموفق إلى واسط واعتزم الموفق على اتباع الصفار فقعد به المرض عن ذلك وعاد إلى بغداد ومعه مسرور البلخى وأقطعه ما لا بى الساج من الضياع والمنازل وقدم معه محمد بن طاهر فقام بولاية الشرطة ببغداد * (انتقاض الخجستاني بخراسان على يعقوب الصفار وقيامه بدعوة بنى طاهر) * كان من أصحاب محمد بن طاهر ورجالاته أحمد بن عبد الله بن خجستان وكان متوليا على وهى من جبال سراة وأعمال باذغيس فلما استولى الصفار على نيسابور وخراسان انضم أحمد هذا إلى أخيه على بن الليث وكان شركب الحمال قد
تغلب على مرو ونواحيها سنة تسع وخمسين وتغلب على نيسابور سنة ثلاث وستين وأخرج منها الحسين بن طاهر وكان لشركب ثلاثة من الولد ابراهيم وهو أكبرهم وأبو حفص يعمر وأبو طلحة منصور وكان ابراهيم قد أبلى في واقعة المغار مع الحسن بن زيد بجرجان فقدمه الصفار وحسده أحمد الخجستاني فخوفه عادية الصفار وزين له الهرب وكان يعمر أخوه محاصر البعض بلاد بلخ فاتفق ابراهيم وأحمد الخجستاني في الخروج إلى يعمر وسبقه ابراهيم إلى الموعد ولم يلقه فسار إلى سرخس ولما عاد الصفار إلى سجستان سنة احدى وستين ولى على هراة أخاه عمرو بن الليث فاستخلف عليها طاهر بن حفص الباذغيسى وجاء الخجستاني إلى على بن الليث وزين له أن يقيم بخراسان نائبا عنه في أموره وأقطاعه فطلب ذلك من أخيه يعقوب فأذن له فلما ارتحلوا عن خراسان جمع أحمد الخجستاني وأخرج على بن الليث من بلده سنة احدى وستين وملك تونس وأعاد دعوة بنى طاهر وملك نيسابور سنة ثنتين وستين واستقدم رافع بن هرثمة من رجالات بنى طاهر فجعله صاحب جيشه وسار إلى هراة فملكها من يد طاهر بن حفص وقتله ثم قتل يعمر ابن شركب واستولى على بلاد خراسان ومحا منها دعوة يعقوب بن الليث ثم جاء الحسن ابن طاهر أخو محمد باصفهان ليخطب له فأبى فخطب له أبو طلحة بن شركب بنيسابور وانتقض الخجستاني واضطربت خراسان فتنة وزحف إليها الحسن بن زيد فقاتلوه وهزموه ثم ملك نيسابور من يد عمرو بن الليث وترك الخطبة لمحمد بن طاهر وخطب(4/325)
للمعتمد ولنفسه من بعده كما هو مشروح في أخبار الخجستاني * (استيلاء الصفار على الاهواز) * قد تقدم لنا استيلاء الصفار على فارس بعد خراسان ثم سار منها إلى الاهواز وكان أحمد ابن لسوقة قائد مسرور البلخى على الاهواز قد نزل تستر فرحل عنها ونزل يعقوب جند يسابور وفرت عساكر السلطان من تلك النواحى وبعث يعقوب بالخضر بن العين
إلى الاهواز وعلى بن أبان والزنج يحاصرونها فتأخروا عنها إلى نهر السدرة ودخل الخضر الاهواز وملكها بدعوة الصفار وكان عسكره وعسكر الزنج يغير بعضهم على بعض ثم أوقع الزنج بعسكره ولحق الخضر بعسكر مكرم واستخرج ابن أبان ما كان في الاهواز ورجع إلى نهر السدرة وبعث يعقوب الامداد إلى الخضر وأمره بالكف عن قتال الزنج والمقام بالاهواز فوادع الزنج وشحن الاهواز بالاقوات وأقام * (وفاة يعقوب الصفار وولاية عمر وأخيه) * ثم توفى يعقوب الصفار في شوال سنة خمس وستين بعد أن افتتح الزنج وقتل ملكها وأسلم أهلها على يده وكانت مملكة واسعة الحدود وافتتح زابلستان وهى غزنة وأعمالها وكان المعتمد قد استماله وولاه على سجستان والسند ثم تغلب على كرمان وخراسان وفارس وولاه المعتمد على جميعها ولما مات قام مكانه أخوه عمرو بن الليث وكتب إلى المعتمد بطاعته فولاه الموفق من قبل اعمال أخيه وهى خراسان واصفهان وسجستان والسند وكرمان والشرطة ببغداد وبعث إليه بالخلع فولى عمرو بن الليث على الشرطة ببغداد وسر من رأى من قبله عبيد الله بن عبد الله بن طاهر وخلع عليه الموفق وعمرو بن الليث وولى على اصفهان من قبله أحمد بن عبد العزيز بن أبى دلف وولى على طريق مكة والحرمين محمد بن أبى الساج * (مسير عمرو بن الليث إلى خراسان لقتال الخجستاني) * قد تقدم ذكر الخجستاني وتغلبه على نيسابور وهراة بدعوة بنى طاهر سنة ثنتين وستين فلما توفى يعقوب سار عمر والى خراسان سنة خمس وستين واستولى على هراة وسار الخجستاني بنيسابور فقاتله فانهزم عمرو ورجع إلى هراة وكان الفقهاء بنيسابور يشيعون لعمرو لولاية الخليفة اياه فأوقع الخجستاني الفتنة بينهم بالميل إلى بعضهم وتكرمتهم عن بعض ليشغلهم بها ثم سار إلى هراة سنة سبع وستين وحاصر عمرو بن الليث فلم يظفر بشئ فتركه وخالفه إلى سجستان ووثب أهل نيسابور بنائبه عليهم وأمدهم عمرو بن الليث بجنده
فقبضوا على نائب الخجستاني وأقاموا بها ورجع الخجستاني من سجستان فأخرجهم(4/326)
وملكها وكان أبو منصور طلحة بن شركب محاصر البلخ من قبل ابن طاهر وكاتبه عمرو بن الليث واستقدمه وأعطاه أموالا واستخلفه على خراسان ورجع إلى سجستان وبقى أبو طلحة بخراسان والخجستاني يقاتله إلى أن قتل الخجستاني سنة ثمان وستين قتله بعض مواليه كما مر في أخباره مع رافع بخراسان كان رافع بن هرثمة من قواد بنى طاهر بخراسان فلما ملكها يعقوب سار إليه واستقر في منزله بنامين من قرى باذغيس فلما قتل الخجستاني اجتمع الجيش على رافع وهو بهراة فأقروه عليهم وكان أبو طلحة بن شركب قد سار من جرجان إلى نيسابور فسار إليه رافع وحاصرها وخرج عنها أبو طلحة إلى مرو وخطب بها وبهراة لمحمد بن طاهر وولى على هراة من قبله ثم زحف إليه عمرو بن الليث فغلبه عليها وولى عليها محمد بن سهل بن هاشم ورجع وبعث أبو طلحة إلى اسمعيل بن أحمد يستنجده فأنجده بعسكر سار بهم إلى مرو وأخرج منها محمد بن سهل وخطب لعمرو بن الليث وذلك في شعبان سنة احدى وسبعين ثم عزل المعتمد عمرو بن الليث عن سائر أعمال خراسان وقلدها الموفق محمد بن طاهر وهو مقيم ببغداد فاستخلف محمد عليها رافع بن هرثمة وأقر نصر بن محمد أحمد السامانى على ما وراء النهر فسار رافع إلى اسمعيل يستنجده على أبى طلحة فجاءه في أربعة آلاف مددا واستقدم رافع أيضا على بن الحسين المروروذى وساروا جميعا إلى أبى طلحة وهو بمرو سنة ثنتين وسبعين وغلبوه عليها ولحق بهراة وعاد اسمعيل إلى خوارزم فجبى أموالها ورجع إلى نيسابور * (حروب عمر ومع عساكر المعتمد ومع الموفق) * ولما عزل المعتمد عمرو بن الليث عن خراسان أمر بلعنه على المنابر وأعلم حاج خراسان بذلك وقلد محمد بن طاهر أعمالها فاستخلف عليها رافع بن الليث وكتب المعتمد إلى أحمد ابن عبد العزيز بن أبى دلف بعزله عن اصفهان والرى وبعث إليه العساكر لقتاله سنة
احدى وسبعين فزحف إليه عمرو في خمسة عشر ألفا من المقاتلة فهزمه أحمد بن عبد العزيز والعساكر واستباحوا معسكره ودفعوه عن اصفهان والرى وكان المعتمد لما عزله ولعنه بعث صاعد بن مخلد في العساكر إلى فارس لقتال عمرو بن الليث واخراجه من فارس فسار لذلك ولم يظفر ورجع سنة ثنتين وسبعين ثم سار الموفق سنة أربع وسبعين إلى فارس لحرب عمرو بن الليث فسير عمرو قائده عباس بن اسحق إلى شيراز وابنه محمد بن عمرو إلى ارجان وبعث على مقدمته أبا طلحة بن شركب صاحب جيشه فاستأمن أبو طلحة إلى الموفق وفت ذلك في عضد عمرو وخام عن لقائه وسار الموفق إلى شيراز وارتاب بأبى طلحة فقبض عليه وملك الموفق فارس وعاد عمرو إلى كرمان فسار الموفق في طلبه فلحق بسجستان على المفازة وتوفى ابنه محمد بن عمرو بها وامتنعت كرمان وسجستان على(4/327)
الموفق فعاد إلى بغداد وارتاب عمرو بن الليث باخيه على فحبسه بكرمان وحبس معه ابنه المعدل والليث فهربوا من محبسهم ولحقوا برافع بن الليث عندما ملك طبرستان وجرجان من ممد بن زيد العلوى سنة سبع وسبعين فأقاموا عنده وهلك على بن الليث وبقى ولداه عنده ثم رضى المعتمد عن عمرو بن الليث وولاه الشرطة ببغداد وكتب اسمه على الاعلام والترسة سنة ست وسبعين واستخلف في الشرطة عبيد الله بن عبد الله بن طاهر ثم سخطه لسنة ومحا اسمه من الاعلام * (ولاية عمرو بن الليث على خراسان ثانيا ومقتل رافع بن الليث) * ثم سخط المعتمد رافع بن الليث لامتناعه من تخلية قرى السلطان بالرى بعد أن أمره بذلك فكتب إلى أحمد بن عبد العزيز بن أبى دلف يأمره بمحاربة رافع واخراجه عن الرى وكتب إلى عمرو بن الليث بولاية خراسان وحارب أحمد بن عبد العزيز سنة ثمانين فقاتل أخويه عمرو بكرا ابني عبد العزيز فهزمهما إلى اصفهان وأقام بالرى باقى سنته ثم سار إلى اصفهان فملكها سنة احدى وثمانين وعاد إلى جرجان ووافى عمرو بن الليث خراسان
واليا عليها بجموعه وتورط رافع بن الليث ورجع إلى مصالحة محمد بن زيد ويعيد إليه طبرستان فصالح محمد بن زيد وخطب له بطبرستان سنة ثنتين وثمانين على أن يمده باربعة آلاف من الديلم وسار عن طبرستان إلى نيسابور سنة ثلاث وثمانين فحاربه عمرو وهزمه إلى ابيورد وأخذ منه المعدل والليث ابني أخيه ثم أراد رافع المسير إلى هراة فأخذ عليه عمرو الطريق لسرخس وسرب رافع في المضايق ونكب عن جمهور الطريق فدخل نيسابور وحاصره فيها عمرو بن الليث ثم برز للقائه واستأمن بعض قواد رافع إلى عمرو فانهزم رافع وأصحابه وبعث إلى محمد بن وهب يستمده كما شرط له وكان عمرو قد حذر محمد بن زيد من امداده فأقصر عن ذلك وتفرق عن رافع أصحابه وغلمانه وكانوا أربعة آلاف غلام وفارقه محمد بن هرون إلى أحمد بن اسمعيل بن سمان ببخارى وخرج رافع منهزما إلى خوارزم في فل من العسكر وحمل بقية المال والالة وذلك في رمضان سنة ثلاث وثمانين فلما رآه صاحب خوارزم أبو سعيد الدرغانى في قلة من العسكر غدر به وقتله في أول شوال وحمل رأسه إلى عمرو بن الليث بنيسابور فأنفذه عمرو إلى بغداد فكتب إليه المعتضد بولاية الرى مضافة إلى خراسان وأنفذ له الالوية والخلع سنة أربع وثمانين * (استيلاء بنى سامان على خراسان وهزيمة عمرو بن الليث وحبسه ثم مقتله) * لما بعث عمرو بن الليث برأس رافع بن هرثمة إلى المعتضد طلب ولاية ما وراء النهر فولاه(4/328)
وبعث إليه بالخلع واللواء فسرح عمرو الجيوش من نيسابور مع قائده محمد بن بشير وغيره من قواده لمحاربة اسمعيل بن أحمد وانتهوا إلى آمد فعبر اسمعيل جيحون وهزمهم وقتل محمد بن بشير وغيره من قواده ورجع الفل إلى عمرو بنيسابور وعاد اسمعيل إلى بخارى وتجهز للسير إلى اسمعيل وسار إلى بلخ وبعث إليه اسمعيل انك قد حزت الدنيا العريضة فاتركني في هذا الثغر فأبى وعبر اسمعيل وأخذ عليه الجهات فصار محصورا وندم
وطلب المحاجزة فأبى اسمعيل وقاتله فانهزم عمرو ونكب عن طريق العسكر إلى مضيق ينفرد فيه وتوارى في أجمة فوحلت به دابته ولم يتفطن له أصحابه فأخذ أسيرا وبعث به اسمعيل إلى المعتضد بعد أن خيره فاختار المسير إليه ووصل إلى بغداد سنة ثمان وثمانين وأدخل على جمل وحبس وبعث المعتضد إلى اسمعيل بولايته خراسان إلى أن توفى المعتضد وجاء المكتفى إلى بغداد وكان في نفسه اصطناعه وكره ذلك الوزير القاسم بن عبيد الله فوضع عليه من قتله سنة تسع وثمانين * (ولاية طاهر بن محمد بن عمرو على سجستان وكرمان ثم على فارس) * ولما أسر عمرو وسار إلى محبسه قام مكانه بسجستان وكرمان حافده طاهر بن محمد بن عمرو وهو الذى مات أبوه محمد بمفازة سجستان عند ما هرب عمرو أمام الموفق من فارس ثم سار طاهر إلى فارس وسار إليها في الجيوش سنة ثمان وثمانين واعترضه بدر فعاد طاهر إلى سجستان وملك بدر فارس وجبى أموالها ثم بعث طاهر بن محمد سنة تسع وثمانين يطلب المقاطعة على فارس بمال يحمله وكان المعتضد قد توفى فعقد له المكتفى عليها وتشاغل طاهر بالصيد واللهو ومضى إلى سجستان فغلب على الامر بفارس الليث ابن عمه على بن الليث وسيكرى مولى جده عمرو وكان معهما أبو قابوس قائد طاهر فلحق بالخليفة المكتفى وكتب طاهر رده بما جباه من المال ويحتسب له من جملته فلم يجب إلى ذلك * (استيلاء الليث على فارس ثم مقتله واستيلاء سيكرى) * ولما تغلب سيكرى على فارس لحق الليث بن على بطاهر ابن عمه وزحف طاهر إلى فارس فهزمه السيكرى وأسره وبعث به وبأخيه يعقوب إلى المقتدر سنة سبع وتسعين وضمن فارس بالحمل الذى كان قرره فولاه على فارس ثم زحف إليه الليث بن على بن الليث فملك فارس الليث للقائهم وجاءه الخبر بأن الحسين بن حمدان سار من قم مدد المؤنس فركب لاعتراضه وتاه الدليل عن الطريق فأصبح على معسكر
مؤنس فثاروا واقتتلوا وانهزم عسكر الليث وأخذ أسيرا وأشار أصحاب مؤنس بأن(4/329)
يقبض على سيكرى معه ويملك بلاد فارس ويقره الخليفة فوعدهم بذلك ودس إلى سيكرى بأن يهرب إلى شيراز وأصبح يلوم أصحابه على ظهور الخبر من جهتهم وعاد بالليث إلى بغداد واستولى سيكرى على فارس واستبد كاتبه عبد الرحمن بن جعفر على أموره فسعى فيه أصحابه عند سيكرى حتى قبض عليه وحملوه على العصيان فمنع الحمل فكتب هو من محبسه إلى الوزير ابن الفرات يعرفه بأمرهم وكتب ابن الفرات إلى مؤنس وهو بواسط يأمره بالعود إلى فارس ويعاتبه حيث لم يقبض على سيكرى فسار مؤنس إلى الاهواز وراسله سيكرى وهاداه وعلم ابن الفرات بميل مؤنس إليه فأنفذ وصيفا وجماعة من القواد ومعهم محمد بن جعفر وأمرهم بالتعويل عليه في فتح فارس وكتب إلى مؤنس باستصحاب الليث إلى بغداد ففعل وسار محمد بن جعفر إلى فارس ورافع سيكرى على شيراز فهزمه وحاصره بها وحاربه ثانية فهزمه ونهب أمواله ودخل سيكرى مفازة خراسان فظفرت به جيوش خراسان وأسروه وبعثوا به إلى بغداد وولى على فارس فتح خادم الافشين * (انقراض ملك بنى الليث من سجستان وكرمان) * وفى سنة ثمان وتسعين توفى فتح صاحب فارس فولى المقتدر مكانه عبد الله بن ابراهيم المسمعى وأضاف إليه كرمان من أعمال بنى الليث وسار أحمد بن اسمعيل بن سامان إلى الرى فبعث منها جيوشه إلى سجستان سنة ثمان وتسعين مع جماعة من قواده وعليهم الحسن بن على المروروذى وكانت سجستان لما أسر طاهر سنة سبع وتسعين ولى بها بعده الليث بن على بن الليث فلما أسر الليث كما تقدم ولى بعده أخوه المعدل بن على بن الليث فلما بلغه مسير هذه العساكر إليه من قبل أحمد بن اسمعيل بعث أخاه أبا على بن الليث محمد بن على بن الليث إلى بست والرخج ليجبيهما ويبعث منهما إلى سجستان بالميرة
فسار إليه أحمد بن اسمعيل بن سامان وعلى سجستان أبو صالح منصور بن عمه اسحق بن أحمد بن سامان مسير سيكرى من فارس إلى سجستان في المفازة فبعث إليه جيشا فأخذه وكتب الامير أحمد إلى المقتدر بالخبر وبالفتح فأمره بحمل سيكرى والليث فبعث إلى بغداد وحبسهما (ثورة أهل سجستان بأصحاب ابن سامان ودعوتهم إلى بنى عمرو) ابن الليث بن الصفار ثم عودهم إلى طاعة أحمد بن اسمعيل بن سامان) كان محمد بن هرمز ويعرف بالمولى الصندلى خارجيا وهو من أهل سجستان خرج أيام بنى سامان وأقام ببخارى وسخط بعض الاعيان بها فسار إلى سجستان واستمال جماعة(4/330)
من الخوارج رئيسهم ابن الحفار فخرجوا وقبضوا على منصور بن اسحق عاملهم من بنى سامان وحبسوه وولوا عليهم عمرو بن يعقوب بن محمد بن الليث وخطبوا له فبعث أحمد بن اسمعيل الجيوش ثانيا مع الحسين بن على سنة ثلثمائة وحاصرها ستة أشهر ومات الصندلى فاستأمن عمرو بن يعقوب الصفار وابن الحفار إلى الحسين بن على وخرج منصور بن اسحق من محبسه واستعمل أحمد بن اسمعيل على سجستان سيمجور الدوانى ورجع الحسين بالجيوش إلى الامير أحمد ومعه يعقوب وابن الحفار في ذى الحجة سنة ثلثمائة * (استيلاء خلف بن أحمد بن على على سجستان ثم انتقاضهم عليه) * كان خلف بن أحمد من ذرية عمرو بن الليث الصفار وهو بسطة برسمه بانوا ولما فشل أمر بنى سامان استولى على سجستان وكان من أهل العلم ويجالسهم ثم حج سنة ثلاث وخمسين وثلثمائة واستخلف على أعماله طاهر بن الحسين من أصحابه فلما عاد من الحج انتقض عليه طاهر بن الحسين من أصحابه فسار خلف إلى بخارى مستجيشا بالامير منصور بن سامان فبعث معه العساكر وملك سجستان وكثرت أمواله وجنوده وقطع ما كان يحمله
إلى بخارى فسارت العساكر إليه ومقدمهم وحاصروا خلف ابن أحمد في حصن أول من أمنع الحصون وأعلاها ولما اشتد به الحصار وفنيت الاموال والالات كتب إلى نوح بن منصور صاحب بخارى بأن يستأمنه ويرجع إلى دفع الحمل فكتب نوح بن منصور إلى أبى الحسن بن سيمجور عامله على خراسان وقد عزل بالمسير إلى حصار خلف فسار من قهستان إلى سجستان وحاصر خلف وكانت بينهما مودة فأشار عليه سيمجور بتسليم حصن أول للحسن لتتفرق الجيوش عنه إلى بخارى ويرجع هو إلى شأنه مع صاحبه فقبل خلف مشورته ودخل سيمجور إلى حصن أول وخطب فيه للامير نوح ثم سلمه للحسن بن طاهر وانصرف إلى بخارى وكان هذا أول وهن دخل على بنى سامان من سوء طاعة أصحابهم * (استيلاء خلف بن أحمد على كرمان ثم انتزاع الديلم لها) * ولما استفحل أمر خلف بسجستان حدث نفسه بملك كرمان وكانت في أيدى بنى بويه وملكهم يومئذ عضد الدولة فلما وهن أمرهم ووقع الخلف بين صمصام الدولة وبهاء الدولة ابني عضد الدولة جهز العساكر إلى كرمان وعليهم عمرو ابنه وقائدهم يومئذ تمرتاش من الديلم فلما قار بها عمر وهرب تمرتاش إلى برد شير وحمل ما أمكنه وغنم عمرو الباقي وملك كرمان وجى الاموال وكان صمصام الدولة صاحب فارس فبعث العساكر إلى(4/331)
تمرتاش مع أبى جعفر وأمره بالقبض عليه لاتهامه بالميل إلى أخيه بهاء الدولة فسار وقبض عليه وحمله إلى شيراز وسار بالعساكر إلى عمرو بن خلف فقاتله عمرو بدار زين وانهزم الديلم وعادوا على طريق جيرفت وبعث صمصام الدولة عسكرا آخر مع العباس ابن أحمد من أصحابه فلقوا عمرو بن خلف بالسيرجان في المحرم ستة ثنتين وثمانين فهزموه وعاد إلى أبيه بسجستان مهزوما روبخه ثم قتله ثم عزل صمصام الدولة العباس عن كرمان فأشاع خلف بأن أستاذ هرمز سمه واستنفر الناس لغزو كرمان وبعثهم مع ابنه طاهر
فانتهوا إلى برما شير وملكوها من الديلم ولحق الديلم بجيرفت واجتمعوا بها وبعثوا بها إلى برد شير حامية من العسكر وهو أصل بلاد كرمان ومصرها فحصرها طاهر ثلاثة أشهر وضيق على أهلها وكتبوا إلى أستاذ هرمز يستمدونه قبل أن يغلبهم عليها طاهر فخاطر بنفسه وركب إليهم المضايق والاوعار حتى دخلها وعاد طاهر إلى سجستان واستنفر الناس لغزو الديلم بجيرفت واجتمعوا بها وبعثوا إلى برد شير حامية من العسكر وهو أصل بلاد كرمان وذلك سنة أربع وثمانين * (استيلاء طاهر بن خلف على كرمان وعوده عنها ومقتله) * كان طاهر بن خلف من العقوق لابيه على عظيم وانتقض عليه وجرت بينهما وقائع كان الظفر بها لخلف ففارق طاهر سجستان وسار إلى كرمان وبها الديلم عسكر بهاء الدولة فصعد إلى جبالها واحتمى بقوم هنالك كانوا عصاة ونزل على جيرفت فملكها ولقيه الديلم فهزمهم واستولى على الكثير مما بأيديهم فبعث بهاء الدولة عسكرا مع أبى جعفر بن أستاذ هرمز فغلب طاهرا على كرمان فعاد إلى سجستان وقاتل أباه فهزمه وملك البلاد وامتنع أبوه خلف ببعض حصونه وكان الناس قد سئموا منه لسوء سيرته فرجع إلى مخادعة ابنه فتواعد اللقاء تحت القلعة وأكمن له بالقرب كمينا فلما لقيه خرج الكمين واستمكن منه أبوه خلف فقتله أبوه * (استيلاء محمود بن سبكتكين على سجستان ومحو آثار بنى الصفار منها) * كان خلف بن أحمد قد بعث ابنه طاهرا إلى قهستان فملكها ثم إلى بوشنج كذلك وكانت هي وهراة لبغراجق عم محمود وكان محمود مشتغلا بالفتنة مع قواد بنى سامان فلما فرغ منها استأذنه عمه في اخراج طاهر بن خلف فأذن له وسار إليه سنة تسعين وثلثمائة ولقيه بنواحي بوشنج فهزمه ولج في طلبه فكر عليه طاهر وقتله فساء ذلك محمودا وجمع عساكره وسار إلى خلف بن أحمد وحاصره بحصن اصبهيل وضيق عليه حتى بذل له أموالا جليلة وأعطاه الرهن عليها فأفرج عنه ثم عهد خلف بملكه إلى ابنه وعكف على العبادة والعلم(4/332)
خوفا من محمود بن سبكتكين فلما استولى طاهر على الملك عق أباه وكان من أمره ما تقدم ولما قتل طاهر تغيرت نيات عساكره وساءت فيه ظنونهم واستدعوا محمود بن سبكتكين وملكوه مدينتهم وقعد خلف في حصنه وهو حصن الطاق له سبعة أسوار محكمة وعليها خندق عتيق له جسر يرفع ويحط عند الحاجة فحاصره محمود سنة ثلاث وتسعين وطم الخندق بالاعواد والتراب في يوم واحد وزحف لقتاله بالفيول وتقدم عظيمها فاقتلع باب الحصن بنابه وألقاه وملك محمود السور الاول ودفع عنه أصحاب خلف إلى السور الثاني ثم إلى الثالث كذلك فخرج خلف واستأمن وحضر عنده محمود وخيره في المقام حيث شاء من البلاد فاختار الجوزجان وأقام بها أربع سنين ثم نقل عنه الخوض في الفتنة وأنه راسل ايلدخان يغريه بمحمود فنقله إلى جردين وحبسه هنالك إلى أن هلك سنة تسع وتسعين وورثه ابنه أبو حفص ولما ملك محمود سجستان واستنزل خلف من حصن الطاق ولى على سجستان أحمد الفتحى من قواد أبيه ثم انتقض أهل سجستان فسار إليهم محمود سنة ثلاث وتسعين في ذى الحجة وحصرهم في حصن أول واقتحمه عليهم عنوة وقتل أكثرهم وسبى باقيهم حتى خلت سجستان منهم وصفا ملكها له فاقطعها أخاه نصر امضافة إلى نيسابور وانقرض ملك بنى الصفار وذويهم من سجستان والبقاء لله وحده (الخبر عن دولة بنى سامان ملوك ما وراء النهر المقيمين) (بها الدولة العباسية وأولية ذلك ومصائره) أصل بنى سامان هؤلاء من العجم كان جدهم أسد بن سامان من أهل خراسان وبيوتها وينتسبون في الفرس إلى بهرام حشيش الذى ولاه كسرى أنو شروان مرزبان اذربيجان وبهرام حشيش من اهل الرى ونسبهم إليه هكذا أسد بن سامان خذاه بن جثمان بن طغان بن نوشردين بن بهرام نجرين بن بهرام حشيش ولا وثوق لنا بضبط هذه
الاسماء وكان لاسد أربعة من الولد نوح وأحمد ويحيى والياس وأصل دولتهم هذه فيما وراء النهر أن المأمون لما ولى خراسان اصطنع بنى أسد هؤلاء وعرف لهم حق سلفهم واستعملهم فلما انصرف إلى العراق ولى على خراسان غسان بن عباد من قرابة الفضل بن طاهر مكان ابنه اسحق ومحمد بن الياس ثم مات أحمد بن أسد بفرغانة سنة احدى وستين وكان له من الولد سبعة نصر ويعقوب ويحيى واسمعيل واسحق واسد وكنيته أبو الاشعث وحميد وكنيته أبو غانم ولما توفى أحمد وكانت سمرقند من أعماله استخلف عليها ابنه نصرا وأقام في ولايتها أيام بنى طاهر وبعدهم وكان يلى أعماله من قبل ولاة خراسان إلى حين انقراض أمر بنى طاهر واستولى الصفار على خراسان(4/333)
* (ولاية نصر بن أحمد على ما وراء النهر) * ولما استولى الصفار على خراسان وانقرض أمر بنى أمر بنى طاهر عقد المعتمد لنصر بن أحمد على أعمال ما وراء النهر فبعث جيوشه إلى شط جيحون مسلحة من عبور الصفار فقتل مقدمهم ورجعوا إلى بخارى وخشيهم واليها على نفسه ففر عنها وولوا عليهم ثم عزلوا ثم لواثم عزلوا فبعث نصر أخاه اسمعيل على شط بخارى وكان يعظم محله ويقب في خدمته ثم ولى على غزنة أبا اسحق بن التكين ثم ولى على خراسان من بعد ذلك رافع بن هرثمة بولاية بنى طاهر وأخرج عنها الصفار وحصلت بينه وبين اسمعيل أعمال خوارزم فولاه اياها وفسد ما بين اسمعيل وأخيه نصر وزحف إليه سنة ثنتين وسبعين فأرسل قائده حمويه ابن على إلى رافع يستنجده فسار إليه بنفسه منها وأصلح بينهما ورجع إلى خراسان ثم انتقض ما بينهما وتحاربا سنة خمس وسبعين وظفر اسمعيل بنصر ولما حضر عنده ترجل له اسمعيل وقبل يده ورده إلى كرسى امارته بسمرقند وأقام نائبا عنه ببخارى وكان اسمعيل خيرا مكرما لاهل العلم والدين * (وفاة نصر بن أحمد وولاية أخيه اسمعيل على ما وراء النهر) *
ثم توفى نصر سنة تسع وسبعين وقام مكانه في سلطان ما وراء النهر أخوه اسمعيل وولاه المعتضد ثم ولاه خراسان سنة سبع وثمانين وكان سبب ولايته على خراسان أن عمرو بن الليث كان المعتضد ولاه خراسان وأمره بحرب رافع بن هرثمة فحاربه وقتله وبعث برأسه إلى المعتضد وطلب منه ولاية ما وراء النهر فولاه وسير العساكر لمحاربة اسمعيل بن أحمد مع محمد بن بشير من خواصه فانتهوا إلى آمد بشط جيحون وعبر إليهم اسمعيل فهزمهم وقتل محمد بن بشير ورجع إلى بخارى فسار عمرو بن الليث من نيسابور إلى بلخ يريد العبور إلى ما وراء النهر فبعث إليه اسمعيل يستعطفه بأن الدنيا العريضة في يدك وانما لي هذا الثغر فأبى ولج وعبر اسمعيل النهر وأحاط به وهو على نجد فصا محصورا وسال المحاجزة فأبى اسمعيل وقاتله فهزمه وأخذه بعض العسكر أسيرا وبعث به إلى سمرقند ثم خيره في انفاذه إلى المعتضد فاختاره فبعث به إليه ووصل إلى بغداد سنة ثمان وثمانين وأدخل على جمل وحبس وأرسل المعتضد إلى اسمعيل بولاية خراسان كما كانت لهم فاستولى عليها وصارت بيده ولما قتل عمرو بن الليث طمع محمد بن زيد العلوى صاحب طبرستان والديلم في ملك خراسان فسار إليها وهو يظن أن اسمعيل بن أحمد لا يريدها ولا يتجاوز عمله فلما صار إلى جرتجان وقد وصل كتاب المعتضد إلى اسمعيل بولاية خراسان مكتب إليه ينهاه عن المسير إليها فأبى فسرح إليه محمد بن هرون قائد رافع وكان قد فارقه مند هزيمته ومقتله ولحق باسمعيل فسرحه في العساكر لقتل محمد بن زيد(4/334)
العلوى ولقيه على جرجان فانهزم محمد بن زيد وغنم ابن هرون عسكره وأصابت محمد بن زيد جراحات هلك لايام منها وأسر ابنه زيد فانزله اسمعيل ببخارى وأجرى عليه وسار محمد ابن هرون إلى طبرستان فملكها وخطب فيها لاسمعيل وولاه اسمعيل عليها * (استيلاء اسمعيل على الرى) * كان محمد بن هرون قد انتقض في طبرستان على اسمعيل وخلع دعوة العباسية وكان
الوالى على أهل الرى من قبل المكتفى أغرتمش التركي وكان سيئ السيرة فيهم فاستدعوا محمد بن هرون من طبرستان فسار إليها وحارب أغرتمش فقتله وقتل ابنين له وأخاه كيغلغ من قواد المكتفى واستولى على الرى فكتب المكتفى إلى اسمعيل بولاية الرى وسار إليها فخرج محمد بن هرون عنها إلى قزوين وزنجان وعاد إلى طبرستان واستعمل اسمعيل بولاية الذين على جرجان فارس الكبير وألزمه باحضار محمد بن هرون فكاتبه فارس وضمن له اصلاح حاله فقبل قوله وانصرف عن حسان الديلمى إلى بخارى في شعبان سنة تسعين ثم قبض في طريقه وأدخل إلى بخارى مقيدا فحبس بها ومات لشهرين * (وفاة اسمعيل بن أحمد وولاية ابنه احمد) * ثم توفى اسمعيل بن أحمد صاحب خراسان وما وراء النهر في منتصف سنة خمس وتسعين وكان يلقب بعد موته بالماضي وولى بعده أبو نصر أحمد وبعث إليه المكتفى بالولاية وعقد له لواء بيده وكان اسمعيل عاد لاحسن السيرة حليما وخرجت الترك في أيامه سنة احدى وتسعين إلى ما وراء النهر في عدد لا يحصى يقال كان معهم سبعمائة قبة وهى لا تكون الا للرؤساء فاستنفر لهم اسمعيل الناس وخرج من الجند والمتطوعة خلق كثير وخرجوا إلى الترك وهم غارون فكبسوهم مصبحين وقتلوا منهم ما لا يحصى وانهزم الباقون واستبيح عسكرهم ولما مات وولى ابنه أبو نصر أحمد واستوسق أمره ببخارى بعث عن عمه اسحق بن أحمد من سمرقند فقبض عليه وحبسه ثم عبر إلى خراسا ن ونزل نيسابور وكان فارس الكبير مولى أبيه عاملا على جرجان وكان ظهر له أن أباه عزله عن جرجان بفارس هذا وكان فارس قد ولى الرى وطبرستان وبعث إلى اسمعيل بن أحمد بثمانين حملا من المال فلما سمع بوفاة اسمعيل استردها من الطريق وحقد له أبو نصر ذلك كله فخافه فارس فلما نزل أبو نصر نيسابور كتب فارس إلى المكتفى يستأذنه في المسير إليه وسار في أربعة آلاف فارس وأتبعه أبو نصر فلم يدركه وتحصن منه عامل أبى نصر بالرى ووصل إلى بغداد فوجد المقتدر قد ولى بعد المكتفى وقد وقعت حادثة ابن المعين
فولاه المقتدر ديار ربيعة وبعثه في طلب بنى حمدان وخشى أصحاب المقتدر أن يتقدم(4/335)
عليهم فوضعوا عليه غلاما له فسمه ومات بالموصل وتزوج الغلام امرأته * (استيلاء أحمد بن اسمعيل على سجستان) * كانت سجستان في ولاية الليث بن على بن الليث وخرج لى طلب فارس فأسره مؤنس الخادم وحبس ببغداد وولى على سجستان أخوه المعدل ثم سار أبو نصر أحمد بن اسمعيل سنة سبع وتسعين من بخارى إلى الرى ثم إلى هراة وطمع في ملك سجستان فبعث إليه العسكر في محرم سنة ثمان وتسعين مع أعيان قواده أحمد بن سهل ومحمد بن المظفر وسيمجور الدوانى والحسين بن على المروروذى فلما بلغ الخبر إلى المعدل بعث أخاه محمد ابن على إلى بست والزنج فحاصرته العساكر بسجستان وسار أحمد بن اسمعيل إلى بست فملكها وأسر محمد بن على وبلغ الخبر إلى المعدل فاستأمن إلى الحسين فملكها وحمل المعدل معه إلى بخارى وولى الامير على سجستان أبا صالح منصور بن عمه اسحق بن أحمد وكان قد قبض على اسحق لاول ولايته ثم أطلقه الان وأعاده إلى سمرقند وفرغانة وقد كان سيكرى هزمته عساكر المقتدى بفارس وخرج إلى مفازة سجستان فبعث الحسين عسكر الاعتراضه وأخذ أسيرا وبعثوا به وبمحمد بن على إلى بغداد وبعث المقتدر إلى أحمد بالخلع والهدايا ثم انتقض أهل سجستان على سيمجور الدوانى وولوا منصور ابن عمه اسحق على نيسابور * (مقتل أبى نصر أحمد بن اسمعيل وولاية ابنه نصر) * ثم قتل أبو نصر أحمد صاحب خراسان وما وراء النهر آخر جمادى الاخرة سنة احدى وثلثمائة وكان مولعا بالصيد فخرج إلى برير متصيدا وكان له أسد يربط كل ليلة على باب خيمته فأغفل ليلة فعدا عليه بعض غلمانه وذبحوه على سريره وحمل إلى بخارى فدفن بها ولقب الشهيد وقتل من وجد من أولئك الغلمان وولى الامير مكانه ابنه أبا الحسن
نصر بن أحمد وهو ابن ثمان سنين ولقب السعيد وتولى الامور له أصحاب أبيه ببخارى وحمله على عاتقه أحمد بن الليث مستولى الامور وانتقض عليه أهل سجستان وعم أبيه اسحق بن أحمد بسمرقند وابناه منصور والياس ومحمد بن الحسين ونصر بن محمد وأبو الحسين بن يوسف والحسن بن على المروروذى وأحمد بن سهل وليلى بن النعمان من الديلم صاحب العلويين بطبرستان ومعه سيمجور وأبو الحسين بن الناصر الاطروش وقرا تكين وخرج عليه اخوته يحيى ومنصور وابراهيم بنو أبيه وجعفر بن داود ومحمد ابن الياس ومرداويج وشكيرا بنا زياد من أمراء الديلم وكان السعيد نصر مظفرا على جميعهم(4/336)
* (انتقاض سجستان) * ولما قتل أحمد بن اسمعيل انتقض أهل سجستان وبايعوا للمقتدر وبعثوا إليه وأخرجوا سيجور الدوانى فاضافها المقتدر إلى بدر الكبير وأنفذ إليها الفضل بن حميد وأبا يزيد من قبل السعيد نصر وسعيد الطالقاني بغزنة كذلك فقصدها الفضل وخالد واستوليا على غزنة وبسنة وقبضا على سعيد الطالقاني وبعثا به إلى بغداد وهرب عبيد الله الجهستانى ثم اعتل الفضل وانفرد خالد بالامور ثم انتقض فأنفذ إليه المقتدر أخا تحج الطولونى فهزمه خالد وسار إلى كرمان فأنفذ إليه بدر الجيش فأخذ أسيرا ومات وحمل إلى بغداد * (انتقاض اسحق العم وابنه الياس) * كان اسحق بن أحمد عم الامير أحمد بن اسمعيل واليا على سمرقند فلما بلغه مقتل الامير أحمد وولاية ابنه السعيد نصر دعا لنفسه بسمرقند وتابعه ابنه الياس على ذلك وساروا إلى بخار افبرز إليهم القائد حمويه بن على فهزمهم إلى سمرقند ثم جمعوا وعادوا فهزمهم ثانية وملك سمرقند من أيديهم عنوة واختفى اسحق وجد حمويه في طلبه فضاق به مكانه
واستأمن إلى حمويه وحمله إلى بخارا وأقام بها إلى أن هلك ولحق الياس بفرغانة فاقام بها إلى أن خرج ثانية كما يأتي * (ظهور الاطروش واستيلاؤه على طبرستان) * قد تقدم لنا في أخبار العلوية شأن دولة الاطروش وبنيه بطبرستان وهو الحسن بن على بن الحسن بن على بن عمرو بن على بن الحسن السبط وأنه استعمل الامير أحمد على طبرستان مكانه أبا العباس أحمد عبد الله بن محمد بن نوح فأحسن السيرة وعدل في الرعية وأكرم العلوية وبالغ في الاكرام والاحسان إليهم واستمال رؤساء الديلم وهاداهم وكان الحسن الاطروش قد دخل إليهم بعد قتل محمد بن زيد وأقام فيهم ثلاث عشرة سنة يدعوهم إلى الاسلام ويقتصر منهم على العشر ويدافع عنهم ملكهم ابن حسان فاسلم منهم خلق كثيرو اجتمعوا إليه وبنى في بلادهم المساجد ودعاهم للمسير معه إلى طبرستان فلم يجيبوه إلى ذلك ثم عزل أبو العباس وتولى سلام فلم يحسن سياسة الديلم فخرجوا عليه وقاتلوه فهزمهم واستعان بالامير أحمد السعيد فأعاد الامير أحمد إليها ابن نوح فاستعمل عليها أبا العباس محمد بن ابراهيم صعلوك ففسد ما بينه وبين الديلم باساءة السيرة وعدم السياسة فطلبهم الاطروش في الخروج معه فخرجوا ولقيهم ابن صعلوك على مرحلة من(4/337)
سالوس وهى ثغر طبرستان فانهزم وقتل من أصحابه أربعة آلاف وحصر الاطروش الباقين ثم أمنهم وعاد إلى آمد وسار إليهم الحسن بن القاسم العلوى الداعي صهر الاطروش فقتلهم متعللا عليهم بأنه لم يحضر لعهدهم واستولى الاطروش على طبرستان سنة احدى وثلثمائة أيام السعيد نصر وخرج صعلوك إلى الرى متعللا عليهم ومنها إلى بغداد وكان الذين أسلموا على يد الاطروش الديلم من وراء اسفيجاب إلى امد فيهم شيعة زيدية وكان الاطروش زيديا وخرجت طبرستان يومئذ من ملك بنى سامان * (انتقاض منصور بن اسحق العم والحسين المروروذى) *
كان الامير أحمد بن اسمعيل لما افتتح سجستان ولى عليها منصور ابن عمه اسحق وكان الحسين بن على هو الذى تولى فتحها وطمع في ولايتها ثم افتتحها ثانيا كما ذكر نافوليا سيجور الدوانى فاستوحش الحسين لذلك وداخل منصور بن اسحق في الانتقاض على أن تكون امارة خراسان لمنصور والحسين بن على خليفته على اعماله فلما قتل الامير أحمد انتقض الحسين بهراة وسار إلى منصور بنيسابور فانتفض أيضا وخطب لنفسه سنة ثنتين وثلاثين وسار القائد حمويه بن على من بخارا في العساكر لمحاربتهما ومات منصور قبل وصوله فلما قارب حمويه نيسابور سار الحسين عنها إلى هراة وأقام بها وكان محمد بن جند على شرطته من مدة طويلة وبعث من بخارا بالنكير فخشى على نفسه وعدل عن الطريق إلى هراة فسار الحسين بن على من هراة إلى نيسابور بعد أن استخلف عليها اخاه منصورا فملك نيسابور فسار إلى محاربته من بخارا أحمد ابن سهل فحاصر هراة وملكها من منصور على الامان ثم سار إلى نيسابور فحاصر بها الحسين وملكها عنوة وأسر الحسين سنة ثنتين وثلثمائة وأقام أحمد بن سهل بنيسابور وجاءه ابن جيد مزمر وقبض عليه وسيره والحسين بن على إلى بخار افاما ابن جيد مزمر فسير إلى خوارزم ومات بها وأما الحسين فحبس ثم خلصه أبو عبد الله الجهانى مدبر الدولة وعاد إلى خدمة السعيد نصر * (انتقاض أحمد بن سهل بنيسابور وفتحها) * كان الامير أحمد بن سهل من قواد اسمعيل ثم ابنه أحمد ثم ابنه نصر بن أحمد قال ابن الاثير وهو أحمد بن سهل بن هاشم بن الوليد بن جبلة بن كامكان بن يزد جرد بن شهربان الملك قال وكان كامكان دهقان بنواحي مرو قال وكان لاحمد اخوة ثلاثة وهم محمد والفضل والحسين قتلوا في عصبية العرب والعجم وكان خليفة عمرو بن الليث على مرو فسخطه وحبسه بسجستان ثم فرمن محبسه ولحق بمرو فملكها واستأمن إلى أحم بن(4/338)
اسمعيل وقام بدعوته فاستدعاه إلى بخارا وأكرمه ورفع منزلته ونظمه في طبقة القواد وبقى في خدمته وخدمة بنيه فلما انتقض الحسين بن على بنيسابور على السعيد نصر بن أحمد بن اسمعيل سنة ثنتين وثلثمائة سار إليه أحمد بن سهل في العساكر وظفر به كما مر وولى السعيد نصر بن احمد بن اسمعيل على نيسابور قراتكين مولاهم * (مقتل ليلى بن النعمان ومهلكه) * كان ليلى بن النعمان من كبار الديلم ومن قواد الاطروش وكان الحسن بن القاسم الداعي قد ولاه على جرجان سنة ثلاث وثلثمائة وكان أولاد الاطروش يحلونه في كتابهم بالمؤيد لدين الله المنتصر لاولاد رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان كريما شجاعا ولما ولى جرجان سار إليه قراتكين وقاتله عشرة فراسخ من جرجان فانهزم قراتكين واستأمن غلامه فارس إلى ليلى في ألف رجل من أصحابه فأمنه وأكرمه وزوجه اخته واستأمن إليه أبو القاسم بن حفص ابن أخت سهل وحرضه على المسير إلى نيسابور وبها قراتكين وكان أجناده قد كثروا وضاقت عليهم الاموال فاستأذن الداعي في المسير إلى نيسابور فأذن له وسار إليها في ذى الحجة سنة ثمان وثلثمائة فملكها وأقام بها الخطبة للداعى الحسين بن القاسم وأنفذ السعيد نصر العساكر من بخارا مع حمويه بن على ومحمد بن عبيد الله البلغمي وأبى جعفر صعلوك وخوارزم شاه وسيجور الدوانى فانهزم أكثر أصحاب حمويه وثبت القواد وجالت العساكر جولة فانهزم ليلى ودخل آمد ولحقه بقراخان ملك الترك جاء مع العساكر مددا فقبض على ليلى في آمد وبعث إلى حمويه بذلك فبعث إليه من قطع رأس ليلى في ربيع سنة تسع وثلثمائة وبعث به إلى بخارا وطلب قواد الديلم الذين كانوا مع ليلى الامان فأمنوهم بعد أن أشار حمويه بقتلهم والراحة منهم فلم يوافقوه وهؤلاء القواد هم الذين خرجوا بعد ذلك على الجهات وملكوها مثل أسفار ومرداويح وشبكين وبنى بويه وستأتى أخبارهم وبقى فارس غلام قراتكين بجرجان واليا عليها ثم جاءه قراتكين واستأمن إليه غلامه فارس فأمنه ثم قتله سنة ست عشرة
وثلثمائة وانصرف عن جرجان * (حرب سيجور مع ابن الاطروش) * ولما قتل قراتكين غلامه سنة ست عشرة وثلثمائة وانصرف عن جرجان سار إليها أبو الحسن بن ناصر الاطروش من استراباذ فملكها وأنفذ السعيد لحربه سيجور الدوانى في أربعة آلاف فارس فنزل على فرسخين من جرجان وخرج إليه أبو الحسن في ثمانية آلاف راجل من الديلم فاقتتلا وكان سيجور قد أكمن لهم وأبطأ عليه الكمين فانهزم(4/339)
واتبعه سرخاب وشغل عسكر أبى الحسن بالنهب ثم خرج عليهم الكمين بعد ساعة فانهزم أبو الحسن وقتل من عسكره نحو من أربعة آلاف وركب البحر إلى استراباذ واجتمع إليه فل من أصحابه وجاءه سرخاب بعد أن رجع عن سيجور وجمع عيال أصحابه ومخلفهم وقدم بهم وأقام سيجور بجرجان ثم مات سرخاب ورجع ابن الاطروش إلى سارية بعد أن استخلف ما كان بن كالى على استراباذ واجتمع إليه الديلم وأمروه ثم سار إلى استراباذ ومعه محمد ليظهر غناؤهم فخرج من سارية وولوا عليها بقراخان ووصلوا إلى جرجان ثم إلى نيسابور ورجع ماكان إلى استراباذ مع جرجان ولحق بقراخان بنيسابور وهذا كان مبتدأ أمر ماكان بن كالى وستأتى أخباره * (خروج الياس بن اسحق) * قد تقدم لنا انتقاض اسحق وابنه الياس بسمرقند سنة احدى وثلثمائة وكيف غلبهم القائد حمويه وسار باسحق إلى بخارا ومات بها ولحق ابنه الياس بفرغانة فأقام بها إلى سنة ست عشرة وثلثمائة وأجمع المسير إلى سمرقند واستظهر بمحمد بن الحسين برمت من قواد بنى سامان واستمد أهل فرغانة من الترك فأمدوه واجتمع إليه ثلاثون ألف فارس وقصد سمرقند وبعث السعيد للمدافعة عنها أبا عمرو ومحمد بن أسد وغيره في ألفين وخمسمائة راجل فلما ورد الياس كمنوا له بين الشجر حتى إذا اشتغلت عساكره بضرب
الابنية خرجوا عليه فانهزم الحسن بن ست ولحق باسفيجاب ومنها إلى ناحية طراز وكريت فلقيه دهقان الناحية فقتله وأنفذ رأسه إلى بخارا ثم استمد الياس صاحب الشاش وهو أبو الفضل بن أبى يوسف فأمده بنفسه وبعث إليه اليسع بالمدد وعاود محاربة الوالى بسمرقند فانهزم إلى كاشغر وأسر أبو الفضل وحمل إلى بخارا فمات بها وسار الياس إلى كاشغر وصاحبها طغاتكين من ملوك الترك فصاهره بابنته وأقام معه * (استيلاء السعيد على الرى) * كان المقتدر قد عقد على الرى ليوسف بن أبى الساج وسار إليه سنة احدى عشرة فملكه من يد أحمد بن على أخى صعلوك وقد كان فارق أخاه صعلوكا وسار إلى المقتدر فولاه على الرى ثم انتقض على المقتدر ووصل يده بما كان بن كالى قائد الديلم وأولاد الاطروش وهم بطبرستان وجرجان وفارق طاعة المقتدر فسار إليه يوسف ابن أبى الساج وحاربه فقتله واستولى على الرى ثم استدعاه المقتدر سنة أربع عشرة إلى واسط لقتال القرامطة وكتب إلى السعيد نصر بن أحمد بولاية الرى فاستخلف عليها وأمره بالمسير إليها وأخذها فاتك مولى يوسف بن أبى الساج فسار نصر السعيد لذلك(4/340)
أول سنة أربع عشرة فلما وصل إلى جبل قارن منعه أبو نصر الطبري من الاجتياز به فبذل له ثلاثين ألف دينار واسترضاه وسار إلى الرى فخرج عنها فاتك واستولى عليها السعيد منتصف السنة وأقام بها شهرين ثم عاد عنها إلى البخاري واستعمل عليها محمد بن على الملقب صعلوك فأقام بها إلى شعبان سنة ست عشرة ومرض فكاتب الداعي وما كان بن كالى في القدوم ليسلم لهم الرى فقدموا واستولوا على الرى وسار صعلوك عنها فمات في طريقه وأقام الحسن الداعي بالرى بالرى مالكا لها واستولى معها على قزوين وزنجان وأبهر وقم ومعه ما كان وكان أسفار قد استولى على طبرستان فسار الداعي وما كان إليه والتقوا على سارية فانهزم وقتل الداعي كما مر في أخبار العلوية
بطبرستان * (ولاية أسفار على جرجان والرى) * كان أسفار بن شيرويه من أعيان الديلم وكان من أصحاب ما كان بن كالى وقد تقدم لنا أن أبا الحسن بن الاطروس ولى ما كان على استراباذ وان الديلم اجتمعوا إليه وأمروه وأنه ملك جرجان واستولى بعدها على طبرستان وولى أخاه أبا الحسن بن كالى على جرجان وكان أسفار بن شيرويه من قواده فانصرف مغاضبا عنه سنة خمس عشرة إلى بكر بن محمد بن اليسع بنيسابور فبعثه بكر إلى جرجان ليفتحها واضطرب أمر جرجان لان ما كان ابن كالى اعتقل بها أبا على الاطروش بنظر أخيه ابن كالى فوثب الاطروش على أخيه أبى الحسن وقتله وملك جرجان واستقدم أسفار بن شيرويه فقدم وضبط أمره وسار إليهم ما كان من طبرستان في جيوشه فهزموه واتبعوه إلى طبرستان فملكوها وأقاموا بها وهلك أبو على بن الاطروش بطبرستان فعاد ما كان بن كالى وأخرج اسفار بن شيرويه من طبرستان ثم زحف اسفار إلى الداعي وما كان والتقوا على السيارية فانهزم الداعي وما كان وقتل الداعي واستولى اسفار على طبرستان وجرجان والرى وقزوين وزنجان وأبهر وقم والكرخ ودعا للسعيد نصر بن أحمد صاحب خراسان واستعمل على آمد هرون بن بهرام يريد استخلاصه لنفسه لان هرون كان يخطب لابي جعفر من ولد الاطروش فولاه آمد وزوجه ببعض نساء الاعيان بها وحضر عرسه أبو جعفر وغيره من العلويين فهجم عليه اسفار يوم العرش فقبض على أبى جعفر والعلويين وحملهم إلى بخارى فاعتقلوا بها واستفحل أمر اسفار وانتقض على السعيد صاحب خراسان وعلى الخليفة المقتدر وسار السعيد من بخارى إلى نيسابور لمحاربته وأشار عليه وزيره محمد بن مطرف الجرجاني بطاعة السعيد وخوفه منه فقبل اشارته ورجع إلى طاعة السعيد وقبل شروطه من حمل المال وغيره ثم انتقض عليه مرداويح(4/341)
واستدعى ما كان من طبرستان وهزم اسفار وقتله وملك ما بيده من الاعمال كما يذكر في أخبار الديلم ثم ملك طبرستان وجرجان من يد ما كان فاستمد ما كان السعيد فأمده بأبى على بن محمد المظفر فهزمهما مرداويح وعاد أبو على إلى نيسابور وما كان إلى خراسان * (خروج أولاد الامير أحمد بن اسمعيل على أخيهم السعيد) * كان السعيد نصر بن أحمد لما ولى استراب باخوته وكانوا ثلاثة أبو زكريا يحيى وأبو صالح منصور وأبو اسحق ابراهيم أولاد الامير أحمد بن اسمعيل فحبسهم في القندهان ببخارى ووكل بهم فلما سار السعيد إلى نيسابور سنة خمس عشرة فتقوا السجن وخرجوا منه على يد رجل خباز من اصفهان يسمى أبا بكر داخلهم في محبسهم بتسهيل نفقتهم التى كانت على يده وجاء إلى القندهان قبل يوم الجمعة الذى كان ميقاتا لفتحه وأقام عندهم مظهر اللزهد والدين وبذل للبواب دنانير على أن يخرجه ليلحق الصلاة في الجماعة ففتح له الباب وقد أعدهم جماعة للوثوب فحبسوا البواب وأخرجوا أولاد الامير أحمد ومن معهم في الحبس من العلويين والديلم والعيارين واجتمع إليهم من كان وافقهم من العسكر والقواد ورأسهم شروين الجبلى وبايعوا يحيى بن الامير أحمد ونهبوا خزائن السعيد وقصوره وقدم يحيى أبا بكر الخباز وبلغ الخبر إلى السعيد فعاد من نيسابور إلى بخارى وكان أبو بكر محمد بن المظفر بن محتاج صاحب خراسان مقيما بجرجان فاستعدى ما كان بن كالى وصاهره وولاه نيسابور فسار إليها ولما جاء السعيد إلى بخارا اعترضه أبو بكر الخباز عند النهر فهزمه السعيد وأسره ودخل بخارا فعذبه وأحرقه في تنوره الذى كان يخبز فيه ولحق يحيى بسمرقند ثم مر بنواحي الصغانيان وبها أبو على بن أحمد بن أبى بكر بن المظفر بن محتاج صاحب خراسان مقيما بجرجان فاستدعى ما كان بن كالى إلى جرجان ولقوا بها محمد بن الياس وقوى أمره فلما جاء يحيى إلى نيسابور خطب له وأظهر دعوته ثم قصدهم السعيد فافترقوا ولحق ابن الياس
بكرمان ولحق يحيى وقرا تكين ببست والرخج ووصل السعيد إلى نيسابور سنة عشرين واصطلح قراتكين وأمنه وولاه بلخ وذهبت الفتنة وأقام السعيد بنيسابور إلى أن استأمن إليه أخواه يحيى ومنصور وحضرا عنده وهلكا وفر ابراهيم إلى بغداد ومنها إلى الموصل وهلك قراتكين ببست وصلحت أمور الدولة وكان جعفر بن أبى جعفر بن داود واليالبنى سامان على الختل فاستراب به السعيد وكتب إلى أبى على أحمد بن أبى بكر محمد بن المظفر وهو بالصغانيان أن يسير إليه فسار إليه وحاربه وكسره وجاء به إلى بخارى فحبس بها فلما فتق السجن خرج مع يحيى وصحبهم ثم لما رأى تلاشى أموره(4/342)
استأذنه في المسير إلى الختل فأذن له فسار إليها وأقام بها ورجع إلى طاعة السعيد سنة ثمان عشرة وصلح حاله والختل بخاه معجمة مضمومة وتاء مثناة فوقانية مشددة مفتوحة * (ولاية ابن المظفر على خراسان) * كان أبو بكر محمد بن المظفر واليا للسعيد نصر على جرجان ولما استفحل أمر مرداويح بالرى كما يأتي في أخبار الديلم خرج عنها ابن المظفر ولحق بالسعيد نصر في نيسابور وهو مقيم بها فسار السعيد في عساكره نحو جرجان ووقعت المكاتبة بين محمد ابن عبيد الله البلغمي مدبر دولته وبين مطرف بن محمد واستماله محمد فمال إليه مطرف وقتله سلطانه مرداويح ثم بعث محمد ينتصح لمرداويح ويذكره نعمة السعيد عنده في اصطناعه وتوليته وتطوق العار في ذلك لمطرف الوزير الهالك ويهول عليه أمر السعيد ويخوفه ويشير عليه بمسالمة جرجان إليه وصالحه السعيد عليها ولما فرغ السعيد من أمر جرجان وأحكمه استعمل محمد بن المظفر بن محتاج على جيوش خراسان سنة احدى وعشرين ورد إليه تدبير الامور بجميع نواحيها وسار إلى كرسى ملكه ببخارى واستقر بها * (استيلاء السعيد على كرمان) *
كان محمد بن الياس من أصحاب السعيد ثم سخطه وحبسه وشفع فيه محمد بن عبيد الله البلغمي فأطلقه وسيره محمد بن المظفر إلى جرجان ثم سار إلى يحيى واخوته عندما توثبوا ببخارى فكان معه في الفتنة وخطب له بنيسابور كما مر فلما زحف السعيد إليهم فارق يحيى ولحق بكرمان واستولى عليها ثم خرج إلى بلاد فارس وبها ياقوت مولى الخلفاء فوصل إليه باصطخر يريدان يستأمن له وأطلع ياقوت على مكره فرجع إلى كرمان ثم بعث السعيد ما كان بن كالى في العساكر سنة احدى وعشرين وقاتل ابن الياس وهزمه وملك كرمان بدعوة السعيد نصر بن أحمد وسار الياس إلى الدينور ثم رجع ما كان عن كرمان على ما نذكره بعد فرجع إليها ابن الياس وسبب خروج ما كان ان السعيد بعد قتل مرداويح كتب إليه والى محمد بن المظفر صاحب خراسان ان يقصد جرجان والرى وبها وشمكير أخو مرداويح فجاء ما كان على المفازة ووصل إلى نيسابور بعد ان كان محمد بن المظفر قد استولى عليها بعث إليه مددا فهزمتهم عساكر وشمكين فأقصر ما كان عن حربهم وأقام بنيسابور وجعلت ولايتها له وذلك أول سنة أربع وعشرين ثم صفت كرمان لمحمد بن الياس بعد حروب مع جيش نصر كان له الظفر فيها آخرا(4/343)
* (استيلاء ما كان على كرمان وانتقاضه) * لما ملك مانحين جرجان وأقام ماكان بنيسابور وجعلت ولايتها له وهلك مانحين لايام من دخوله جرجان استنفر محمد المظفر ماكان للمسير إلى جرجان فاعتل بالخروج بجميع أصحابه وسار إلى اسفراين فانفذ عسكرا إلى جرجان واستولى عليها ثم انتقض وسار إلى نيسابور وبها محمد بن المظفر وكان غير مستعد للحرب فسار نحو سرخس ودخل ماكان نيسابور سنة أربع وعشرين ثم رجع عنها خوفا من اجتماع العساكر * (ولاية على بن محمد على خراسان وفتحه جرجان) *
كان أبو بكر محمد بن المظفر بن محتاج صاحب خراسان من ولاة السعيد عليها سنة احدى وعشرين فلما كانت سنة سبع وعشرين اعتل أبو بكر وطال به مرضه وقصد السعيد راحته فاستقدم ابنه أبا على من الصغانيان وبعثه أميرا على خراسان واستدعى أباه أبا بكر فلقى ابنه أبا على على ثلاث مراحل من نيسابور فوصاه وحمله حملا من سياسته وسار إلى بخارى ودخل ابنه أبو على نيسابور من السنة فأقام بها أياما ثم سار في محرم سنة ثمان وعشرين إلى جرجان وبها ماكان بن كالى مستنقضا على السعيد وقد غوروا المياه في طريقه فسلك إليهم غمرة حتى نزل على فرسخ من جرجان وحاصرها وضيق عليها وقطع الميرة عنها حتى جهدهم الحصار وبعث ماكان بن كالى إلى وشمكير وهو بالرى فأمده بقائد من قواده فلما وصل إلى جرجان شرع في الصلح بينهما لينجو فيه ماكان فتم ذلك وهرب ماكان إلى طبرستان واستولى أبو على على جرجان سنة ثلاث وعشرين واستخلف عليها ابراهيم بن سيجور الدوانى * (استيلاء أبى على على الرى وقتل ماكان بن كالى) * ولما ملك أبو على جرجان أصلح أمورها ثم استخلف عليها ابراهيم بن سيجور وسار إلى الرى في ربيع سنة ثمان وعشرين وبها وشمكير بن زياد أخو مرداويح قد تغلب عليها من بعد أخيه وكان عماد الدولة وركن الدولة ابنا بويه يكاتبان أبا على صاحب خراسان ويستحثانه لقصد الرى بأن أبا على لا يقيم بها لسعة ولايته فتصفو لهما فلما سار أبو على لذلك بعث وشمكير إلى ماكان بن كالى يستنجده فسار إليه من طبرستان وسار أبو على وجاءه مدد ركن الدولة بن بويه والتقوا بنواحي الرى فانهزم وشمكير وما كان ثم ثبت ماكان ووقف مستميتا فأصابه سهم فقتله وهرب وشمكير إلى طبرستان فأقام بها واستولى أبو على على الرى سنة تسع وعشرين وأنفذ رأس ماكان والاسرى معه إلى بخارا فأقاموا حتى دخل وشمكير في طاعة بنى سامان وسار إلى خراسان سنة ثلاثين(4/344)
واستوهبهم الاسرى فأطلقوا له وبقى الرأس ببخارا ولم يحمل إلى بغداد * (استيلاء أبى على على بلد الجيل) * ولما ملك أبو على بن محتاج صاحب خراسان بلد الرى والجبل من يد وشمكير وأقام بها دعوة السعيد نصر بعث العساكر إلى بلد الجيل ففتحها واستولى على زنجان وأبهر وقزوين وقم وكرخ وهمذان ونهاوند والدينور إلى حدود حلوان ورتب فيها العمال وجبى الاموال وكان الحسن بن القيرزان بسارية وهو ابن عم ماكان بن كالى وكان وشمكير يطمع في طاعته له وهو يتمنع فقصده وشمكير وحاصره بسارية وملكها عليه واستنجد الحسن أبا على بن محتاج فسار معه لحصار وشمكير بسارية سنة ثلاثين وضيق عليه حتى سأل الموادعة فصالحه أبو على على طاعة السعيد نصر وأخذ رهنه ورحل عنه إلى جرجان سنة احدى وثلاثين ثم بلغه موت السعيد فعاد أبو على إلى خراسان فملكها وراسله الحسن بن القيرزان يستميله ورد عليه ابنه سلار الرهينة ليستعين به على الخراسانية فوعده وأطمعه ولما ملك وشمكير الرى طمع فيه بنو بويه لانه كان قد اختل أمره بحادثته مع أبى على فسار الحسن بن القيرزان إلى الرى وقاتل وشمكير فهزمه واستأمن إليه الكثير من جنده وسار وشمكير إلى الرى فاعترضه الحسن بن القيرزار من جرجان وهزمه إلى خراسان وراسل الحسن ركن الدولة وتزوج بنته واتصل ما بينهما * (وفاة السعيد نصر وولاية ابنه نوح) * ثم أصاب السعيد نصرا صاحب خراسان وما وراء النهر مرض السل فاعتل ثلاثة عشر شهرا ومات في شعبان سنة احدى وثلاثين لثلاثين سنة من ولايته وكان يؤثر عنه الكرم والحلم وأخلص في مرضه التوبة إلى أن توفى ولما مات ولى مكانه ابنه نوح وكان يؤثر الكرم والحلم عنه وبايعه الناس ولقب الحميد وقام بتدبير ملكه أبو الفضل أحمد بن حويه وهو من أكابر أصحاب أبيه كان أبوه السعيد ولى ابنه اسمعيل بخارا في كفالة أبى الفضل وولايته فأساء السيرة مع نوح وحقد له ذلك وتوفى اسمعيل في حياة أبيه وكان
يؤثر أبا الفضل فحذره من ابنه نوح فلما ولى نوح سار أبو الفضل من بخارا وعبر جيحون إلى آمد وكان بينه وبين أبى على بن محتاج صهر فبعث إليه يخبره بقدومه فنهاه عن القدوم عليه ثم كتب له نوح بالامان وولاه سمرقند وكان على الحاكم صاحب الدولة ولا يلتفت إليه والاخر يحقد عليه ويعرض عنه ثم انتقض عبد الله بن اشكام بخوارزم على الامير نوح فسار من بخار إلى مرو سنة ثنتين وثلاثين وبعث إليه جيشا مع ابراهيم بن فارس فمات في الطريق واستجار ابن اشكام بملك الترك وكان(4/345)
ابن محبوسا ببخارا فبعث إليه نوح باطلاق ابنه على أن يقبض على ابن اشكام وأجابه ملك الترك لذلك ولما علم بذلك ابن اشكام عاد إلى طاعة نوح وعفا عنه وأكرمه * (استيلاء أبى على على الرى ودخول جرجان في طاعة نوح) * ثم ان الامير نوحا سار إلى مرو وأمر أبا على بن محتاج أن يسير بعساكر خراسان إلى الرى وينتزعها من يد ركن الدولة بن بويه فسار لذلك ولقى في طريقه وشمكير وافدا على الامير نوح فبعثه إليه وسار أبو على إلى بسطام فاضطرب جنوده وعاد عنه منصور بن قراتكين من أكابر أصحاب نوح فقصدوا جرجان وصدهم الحسن بن القيرزان فانصرفوا إلى نيسابور وسار إلى الامير نوح بمرو فأعاده وأمده بالعساكر وسار من نيسابور في منتصف ثلاث وثلاثين وعلم ركن الدولة بكثرة جموعه فخرج من الرى واستولى أبو على عليها وعلى سائر أعمال الجبال وأنفذ نوابه إلى الاعمال وذلك في رمضان من سنته ثم سار الامير نوح من مرو إلى نيسابور وأقام بها ووضع جماعة من الغوغاء والعامة يستغيثون من أبى على ويشكون سوء السيرة منه ومن نوابه فولى على نيسابور ابراهيم بن سيجور وعاد عنها وقصد أن يقيم أبو على بالرى لحسن دفاعه عنها وينقطع طمعه عن خراسان فاستوحش أبو على للعزل وشق عليه وبعث أخاه أبا العباس الفضل بن محمد إلى كور الجبال وولاه همذان وخلافة العساكر فقصد الفضل
نهاوند والدينور واستولى عليها واستأمن إليه رؤساء الاكراد بتلك النواحى واعطوا رهنهم على الطاعة وكان وشمكير لما وفد على الامير نوح بمرو كما قدمناه استمده على جرجان فأمده بعسكر وبعث إلى أبى على بمساعدته فلقى أبا على منصرفه في المرة الاولى من الرى إلى نيسابور فبعث معه جميع من بقى من العسكر وسار وشمكير إلى جرجان وقاتل الحسن ابن القيرزان فهزمه واستولى على جرجان بدعوة نوح بن السعيد وذلك في صفر سنة ثلاث وثلاثين * (انتقاض أبى على وولاية منصور بن قراتكين على خراسان) * قد تقدم لنا أن الامير نوحا عزل أبا على بن محتاج عن خراسان وكان من قبلها عزله عن ديوان الجند وهو لنظره وبعث من يستعرض الجند فمحا وأثبت وزاد في العطاء ونقص فاستوحش لذلك كله واستوحش الجند من التعرض إليهم بالاسقاط ولا رزاقهم بالنقصان وخلص بعضهم إلى بعض بالشكوى واتفقوا في سيرهم إلى الرى وهم بهمذان على استقدم ابراهيم بن أحمد أخى السعيد الذى كان قد هرب امامه إلى الموصل كما تقدم وظهر أبو على على شأنهم فنكر عليهم فتهددوه وكاتبوا ابراهيم(4/346)
واستدعوه وجاء إليهم بهمذان في رمضان سنة أربع وثلاثين وكاتبه أبو على وكتب أخوه الفضل سرا إلى الامير نوح بذلك ونمى خبر كتابه إلى أخيه أبى على فقبض عليه وعلى متولى الديوان وسار إلى نيسابور واستخلف على الرى والجبل وبلغ الخبر إلى الامير نوح فنهض إلى مرو واضطرب الناس عليه وشكوا من محمد بن أحمد الحاكم مدبر ملكه ورأوا أنه الذى أوحش أبا على وأفسد الدولة فنقموا ذلك عليه واعتلوا عليه فدفع إليهم الحاكم فقتلوه منتصف خمس وثلاثين ووصل أبو على إلى نيسابور وبها ابراهيم بن سيجور ومنصور بن قراتكين وغيرهما من القواد فاستمالهم وساروا معه ودخلها في محرم سنة ست وثلاثين ثم ارتاب بمنصور بن قراتكين فحبسه وسار من
نيسابور ومعه العم ابراهيم إلى مرو وهرب أخوه الفضل في طريقه من محبسه ولحق بقهستان ولما قاربوا مرو اضطراب عسكر الامير نوح وجاء إليهم أكثرهم واستولى عليها وعلى طخارستان وبعث نوح العساكر من بخارا مع الفضل أبى على إلى الصغانيان فأقاموا بها ودس إليهم أبو على فقبضوا على الفضل وبعثوا به إلى بخارا وعاد أبو على من طخارستان إلى الصغانيان فأقاموا بها في ربيع سنة سبع وثلاثين وقاتل العساكر فغلبوه ورجع إلى الصغانيان ثم تجاوزها وأقام قريبا منها ودخلتها العساكر فخرجوا قصوره ومساكنه وخرجوا في اتباعه فرجع وأخذ عليهم المسالك فضاقت أحوالهم وجنحوا إلى الصلح معه على أن يبعث بابنه أبى المظفر عبد الله إلى الامير نوح رهينة فانعقد ذلك منتصف سنة سبع وثلاثين وبعث بابنه إلى بخارا فأمر نوح بلقائه وخلع عليه وخلطه بند مائه وسكنت الفتنة قال ابن الاثير هذا الذى ذكره مؤرخو خراسان في هذه القصة وأما أهل العراق فقالوا ان أبا على لما سار نحو الرى استمد ركن الدولة بن بويه أخاه عماد الدولة فكتب يشير عليه بالخروج عن الرى وملكها أبو على وكتب عماد الدولة إلى نوح سرا يبذل له في الرى في كل سنة مائة ألف دينار وزيادة على ضمان أبى على ويعجل له ضمان سنة وسجله عليه ثم دس عماد الدولة إلى نوح في القبض على أبى على وخوفه منه فأجاب الامير نوح إلى ذلك وبعث تقرير الضمان وأخذ المال ودس ركن الدولة إلى أبى على بهمذان ورجع به على خراسان وعاد ركن الدولة إلى الرى واضطربت خراسان ومنع عماد الدولة مال الضمان خوفا عليه في طريقه من أبى على وبعث إلى أبى على يحرضه على اللقاء ويعده بالمدد وفسد ما بينه وبين ابراهيم وانقبض عنه وان الامير نوحا سار إلى بخارا عند مفارقتها أبى على وحارب ابراهيم العم ففارقه القواد إلى الامير نوح فأخذ أسيرا وسمله الامير نوح وجماعة من أهل بيته والله أعلم(4/347)
* (انتقاض ابن عبد الرزاق بخراسان) * كان محمد بن عبد الرزاق عاملا بطوس وأعمالها وكان أبو على استخلفه بنيسابور عند ما زحف منها إلى الامير نوح فلما راجع الامير نوح ملكه انتقض ابن عبد الرزاق بخراسان وولى الامير نوح على خراسان محمد بن عبد الرزاق واتفق وصول وشمكير منهزما من جرجان امام الحسن بن قيرزان واستمد الامير نوحا فأخرج معه منصورا في العساكر وأمرهما بمعاجلة ابن عبد الرزاق فخرج سنة ست وثلاثين إلى استراباذ ومنصور في اتباعه فلحق بجرجان واستأمن إلى ركن الدولة بن بويه ومضى إلى الرى وسار منصور بن قراتكين إلى طوس وحاصر رافع إلى قلعة اخرى فحاصره منصور بها حتى استأمن إليه وجمع ما معه فانهبه أصحابه وخرج معهم فافترقوا في الجبال واحتوى منصور على ما وجد بالحصن وحمل عيال محمد بن عبد الرزاق وامه إلى بخارا فاعتقلوا بها ولما وصل محمد بن عبد الرزاق إلى ركن الدولة بن بويه أفاض عليه العطاء وسرحه إلى محاربة المرزبان باذربيجان كما يأتي [ استيلاء ركن الدولة بن بويه على طبرستان وجرجان ومسير العساكر إلى جرجان والصلح مع الحسن بن القيرزان ] ولما وقع من الاضطراب ما وقع بخراسان اجتمع ركن الدولة بن بويه والحسن ابن القيرزان وقصدوا بلاد وشمكير فهزموه وملك ركن الدولة طبرستان وسار إلى جرجان فملكها وأقام بها الحسن بن القيرزان واستأمن قواد وشمكير إليهم فامنوهم وسار وشمكير إلى خراسان مستنجدا بصاحب خراسان فسار معه منصور بن قراتكين في عساكر خراسان إلى جرجان وبها الحسن بن القيرزان واسترهن ابنه ثم أبلغه عن الامير نوح ما أقلعه فأعاد على الحسن ابنه وعاد إلى نيسابور وأقام وشمكير باورن * (مسير ابن قراتكين إلى الرى وعوده إليه) * ثم سار منصور بن قراتكين سنة تسع وثمانين إلى الرى بأمر الامير نوح لغيبة ركن
الدولة بن بويه في نواحى فارس فوصل إلى الرى واستولى عليها وعلى الجبل إلى قرميسين فكبس الذين بها من العسكر وهم غارون وأسروا مقدمهم محكما وحبس ببغداد ورجع الباقون إلى همذان فسار سبكتكين نحوهم وجاء ركن الدولة اثر الانهزام وشاور وزيره أبا الفضل بن العميد فأشار عليه بالثبات ثم أجفل عسكر خراسان إلى الرى لانقطاع الميرة عنهم وكان ذلك سواء بين الفريقين الا ان الديلم كانوا أقرب إلى(4/348)
البداوة فكانوا أصبر على الجوع والشظف فركب ركن الدولة واحتوى على ما خلفه عسكر خراسان * (وفاة ابن قراتكين ورجوع أبى على بن محتاج إلى ولاية خراسان) * ثم توفى منصور بن قراتكين صاحب خراسان بالرى بعد عوده من اصفهان في ربيع سنة أربعين وحملت جنازته إلى اسفيجاب فدفن بها عند والده فولى الامير نوح على خراسان أبا على بن محتاج وأعاده إلى نيسابور وقد كان منصور يستقيل من ولاية خراسان لما يلقى بها من جندها ويستعفى نوحا المرة بعد المرة وكان نوح يعد أبا على بعوده إلى ولايته فلما توفى منصور بعث إليه بالخلع واللواء وأمره بالمسير وأقطعه الرى وأمره بالمسير إليها فسار عن الصغانيان في رمضان سنة أربعين واستخلف مكانه ابنه أبا منصور وانتهى إلى مرو فأقام إلى ان أصلح أمر خوارزم وكانت شاغرة ثم سار إلى نيسابور فأقام بها ولما كانت سنة ثنتين وأربعين كتب وشمكير إلى الامير نوح يأمر أبا على ابن محتاج بالمسير معه في عساكر خراسان فساروا في ربيع من السنة وخام ركن الدولة عن لقائهم فامتنع بطزل وأقام عليه أبو على عدة شهور يقاتله حتى سئم العسكر وعجفت دوابهم فمال إلى الصلح وسعى بينهما فيه محمد بن عبد الرزاق المقدم ذكره فتصالحا على مائتي ألف دينار ضريبة يعطيها ركن الدولة في كل سنة ورجع أبو على إلى خراسان وكتب وشمكير إلى الامير نوح بأن أبا على لم ينصح في الحرب وان بينه وبين ركن الدولة
مداخلة وسار ركن الدولة بعد انصراف أبى على نحو وشمكير فانهزم إلى اسفراين واستولى ركن الدولة على طبرستان [ عزل الامير أبى على عن خراسان ومسيره إلى ركن الدولة وولاية بكر بن مالك مكانه ] ولما تمكنت سعاية وشمكير من أبى على عند الامير نوح كتب إليه بالعزل عن خراسان سنة ثنتين وأربعين وكتب إلى القواد بمثل ذلك واستعمل على الجيوش مكانه أبا سعيد بكر بن مالك الفرغانى وبعث أبو على يعتذر فلم يقبل وأرسل جماعة من أعيان نيسابور يسألون ابقاءه فلم يجيبوا فانتقض أبو على وخطب لنفسه بنيسار وكتب نوح إلى وشمكير والحسن بن القيرزان بأن يتفقا ويتعاضدا على أولياء ركن الدولة حيث كانوا ففعلا ذلك فارتاب أبو على بأمره ولم يمكنه العود إلى الصغانيان ولا المقام خراسان فصرف وجهه إلى ركن الدولة واستاذنه في المسير إليه فأذن وسار أبو على إلى الرى سنة ثلاث وأربعين فأكرمه ركن الدولة وأنزله معه واستولى بكر على خراسان(4/349)
* (وفاة الامير نوح وولاية ابنه عبد الملك) * ثم توفى الامير نوح بن نصر ولقبه الحميد في ربيع الاخر سنة ثلاث وأربعين وثلثمائة لثنتى عشرة سنة من ولايته وولى بعده ابنه عبد الملك وقام بأمره بكر بن مالك الفرغانى فلما قرر أمر دولته وثبت ملكه أمر بكرا بالمسير إلى خراسان فكان من شأنه مع أبى على ما قدمناه * (مسير العساكر من خراسان إلى الرى واصفهان) * ثم زحفت عساكر خراسان إلى الرى سنة أربع وأربعين وبها ركن الدولة بن بويه قدم إليها من جرجان واستمد أخاه معز الدولة ببغداد فأمده بالحاجب سبكتكين وبعث بكر عسكرا آخر من خراسان مع محمد بن ماكان على طريق المفازة إلى اصفهان وكان
بأصفهان أبو منصور على بن بويه بن ركن الدولة فخرج عنها بحرم أبيه وخزائنه وانتهى إلى خالنجان ودخل محمد بن ماكان أصفهان وخرج في اتباع بن بويه وأدرك الخزائن فأخذها وسار فأدركه ووافق وصول أبى الفضل بن العميد وزير ركن الدولة في تلك الساعة فقاتله ابن ماكان وهزم أصحابه وثبت ابن العميد وشغل عسكر ابن ماكان بالنهب فاجتمع على ابن العميد لمة من العسكر فاستمات وحمل على عسكر ابن ما كان فهزمهم وأسر ابن ماكان وسار ابن العميد إلى اصفهان فملكها وأعاد حرم ركن الدولة وأولاده إلى حيث كانوا من اصفهان ثم بعث ركن الدولة إلى بكر بن مالك صاحب الجيوش بخراسان وقرر معه الصلح على مال يحمله ركن الدولة إليه على الرى وبلد الجيل فتقرر ذلك بينهما وبعث إليه من عند أخيه ببغداد بالخلع واللواء بولاية خراسان فوصلت إليه في ذى القعدة سنة أربع وأربعين * (وفاة عبد الملك بن نوح صاحب ما وراء النهر وولاية أخيه منصور) * ثم توفى الامير عبد الملك لاحدى عشرة خلت من شوال سنة خمس وثلاثين وثلثمائة لسبع سنين من ولايته وولى بعده أخوه أبو الحرث منصور بن نوح واستولى ركن الدولة لاول أيامه على طبرستان وجرجان فملكهما وسار وشمكير عنها فدخل بلاد الجبل * (مسير العساكر من خراسان إلى الرى ووفاة وشمكير) * قد ذكرنا من قبل ان وشمكير كان يقدح في عمال بنى سامان بأنهم لا ينصحون لهم ويداخلون عدوهم من الديلم ووفد أبو على بن الياس صاحب كرمان على الامير أبى الحرث منصور مستجيشا به على بنى بويه فحرضه على قصد الرى وحذره من الاستمالة(4/350)
في ذلك إلى عماله كما أخبره وشمكير وبعث إلى الحسن بن القيرزان بالنفير مع عساكره ثم أمر صاحب جيوش خراسان أبا الحسن بن محمد بن سيجور الدوانى بالمسير إلى الرى وأوصاه بالرجوع إلى رأى وشمكير وبلغ الخبر إلى ركن الدولة فاضطرب وبعث بأهله
وولده إلى اصفهان واستمد ابنه عضد الدولة بفارس وبختيار ابن أخيه عز الدولة ببغداد فبادر عضد الدولة إلى امداده وبعث العساكر على طريق خراسان يريد قصدها لخلوها من العسكر فاجحفت عساكر خراسان وانتهوا إلى الدامغان فأقاموا وبرز ركن الدولة نحوهم في عساكره من الرى وبينما هم في ذلك ركب وشمكير يوما ليتصيد فاعترضه خنزير فاجفل فرسه وسقط إلى الارض وانهشم ومات وذلك في المحرم سنة سبع وخمسين وانتقض ما كانوا فيه وقام يسنون بن وشمكير مقام أبيه وراسل ركن الدولة وصالحه فامده ركن الدولة بالمال والرجال * (خبر ابن الياس بكرمان) * كان أبو على بن الياس قد ملك كرمان بدعوة بنى سامان واستبد بها وأصابه فالج وأزمن به وكان له ثلاثة من الولد اليسع والياس وسليمن فعهد إلى اليسع وبعده الياس وأمر سليمان بالعود إلى أرضهم ببلاد الصغد يقيم بها فيما لهم هنالك من الاموال لعداوة كانت بين سليمان واليسع فخرج سليمان لذلك واستولى على السيرجان فانفذ إليه أبوه أبو على ابنه الاخر في عسكر وأمره باجلائه عن البلاد ولا يمكنه من قصد الصغدان طلبها فسار وحاصره ولما ضاق الحصار على سليمان جمع أمواله ولحق بخراسان وملك اليسع السيرجان وسار إلى خراسان ثم لحق أبو على ببخارا ومعه ابنه سليمان فأكرمه الامير أبو الحرث وقر به وأغزاه أبو على بالرى وتجهيز العساكر إليه كما ذكرناه وأقام عنده إلى ان توفى سنة ست وخمسين وكما نذكر في أخباره ولحق اليسع ببخارا فأقام بها ثم سعى سليمان عند الامير أبى الحرث منصور في المسير إلى كرمان وأطمعه في ملكها وان أهلها في طاعته فبعث معه عسكرا ولما وصل اطاعه أهل نواحيها من القمص والبولص وجميع المنتقضين على عضد الدولة واستفحل أمره فسار إليه كوركين عامل عضد الدولة بكرمان وحاربه ونزعت عساكره عنه فانهزم وقتل معه ابنا أخيه اليسع وهما بكر والحسين وكثير من القواد وصارت كرمان للديلم
* (انعقاد الصلح بين منصور بن نوح وبين بنى بويه) * ثم انعقد الصلح بين الامير أبى الحرث منصور بن نوح صاحب خراسان وما وراء النهر وبين ركن الدولة وزوجه ابنته وحمل إليه من الهدايا والتحف ما لم يحمل مثله وكتب(4/351)
بينهم كتاب الصلح شهد فيه أعيان خراسان وفارس والعراق وتم ذلك على يد أبى الحسن محمد بن ابراهيم بن سيجور صاحب الجيوش بخراسان من جهة الامير أبى الحرث في سنة احدى وستين * (وفاة منصور بن نوح وولاية ابنه نوح) * ثم توفى الامير أبو الحرث منصور ببخارا منتصف سنة ست وستين وثلثمائة وولى بعده ابنه أبو القاسم نوح صبيا لم يبلغ الحلم فاستوزر أبا الحسن العتبى وجعل على حجابة بابه مولاه أبا العباس قاسما وكان من موالى أبى الحسن العتبى فاهداه إلى الامير أبى صالح وشركهما في أمر الدولة أبو الحسن فائق وأقر على خراسان أبا الحسن محمد بن ابراهيم ابن سيجور واطردت أمور الدولة على استقامتها * (عزل ابن سيجور عن خراسان وولاية أبى العباس تاش) * قد تقدم لنا شأن خلف بن أحمد الليثى صاحب سجستان وانتصاره بالامير منصور ابن فرج على قريبه طاهر بن خلف بن أحمد بن الحسين المنتقض عليه لسنة أربع وخمسين وأنه مده بالعسكر ورده إلى ملكه ثم انتقض طاهر ثانيا بعد انصراف العسكر عن خلف وبعث مستجيشا فأمده ثانيا وقد هلك طاهر وولى ابنه الحسين فحاصره خلف وأرهقه الحصار فنزل لخلف عن سجستان ولحق بالسعيد نوح بن منصور وأقام خلف دعوة نوح في سجستان وحمل المال متقررا عليه كل سنة ثم قصر في الطاعة والخدمة وصار يتلقى الاوامر بالاعراض والاهمال فرمى بالحسين بن طاهر في جيوش خراسان وحاصره بقلعة ارك وطال انحصاره وأمده العتبى الوزير بجماعة القواد كالحسن
ابن مالك وبكتاش فأقاموا عليه سبع سنين حتى فنيت الرجال والاموال وكان ابن سيجور بخراسان وكانت أيامه قد طالت بها فلا يطيع السلطان الا فيما يراه وكان خلف بن احمد صاحبه فلم يغن عليه وعوتب في ذلك وعزل عن خراسان بابى العباس تاش فكتب يعتذر ورحل إلى قهستان ينتظر جواب كتابه فجاءه كتاب الامير نوح بالمسير إلى سجستان فسار واستنزل خلفا من معقله للحسين بن طاهر وسار خلف إلى حصن الطاق وداخله ابن سيجور وأقام خطبة لرضا نوح بن وانصرف ولما ولى الامير نوح الحاجب أبا العباس تاش قيادة خراسان سار إليها سنة احدى وسبعين فلقى هنالك فخر الدولة ابن ركن الدولة وشمس المعالى قابوس بن وشمكير ناجين من جرجان وكان من خبرهما ان عضد الدولة لما استولى على بلاد أخيه فخر الدولة وهزمه ولحق فخر الدولة بقابوس وبعث عضد الدولة في طلبه ترغيبا وترهيبا فأجاره قابوس وبعث عضد الدولة(4/352)
في طلبه أخاه مؤيد الدولة في العساكر إليهم ولقيهم قابوس فهزموه فسار إلى بعض قلاعه واحتمل منها ذخائره ولحق بنيسابور ولحق به فخر الدولة ناجيا من المعركة فأكرمهم أبو العباس تاش وأنزلهم خير منزل وأقاموا عنده واستولى مؤيد الدولة على جرجان وطبرستان * (مسير أبى العباس في عساكر خراسان إلى جرجان ثم مسيره إلى بخارا) * ولما وصل قابوس بن وشمكير وفخر الدولة بن ركن الدولة إلى أبى العباس تاش مستجيرين بالامير نوح على استرجاع جرجان وطبرستان من يد مؤيد الدولة كتب بذلك إلى الامير نوح ببخارا فأمره بالمسير معهما واعادتهما إلى ملكهما فسار معهما لذلك في العساكر ونازلوا جرجان شهرين حتى ضاق عليهم الحصار وداخل مؤيد الدولة فائقا من قواد خراسان ورغبه فوعده بالانهزام ثم خرج مؤيد الدولة من جرجان في عساكره مستميتا فهزمهم ورجعوا إلى نيسابور وكتبوا إلى بخارا بالخبر فأجابهم الامير نوح
بالوعد واستنفر العساكر من جميع الجهات إلى نيسابور للمسير مع قابوس وفخر الدولة فاجتمعوا هنالك ثم جاء الخبر بقتل الوزير أبى الحسن العتبى وكان زمام الدولة بيده فيقال ان أبا الحسن محمد بن ابراهيم بن سيجور وضع عليه من قتله وذلك سنة ثنتين وسبعين ولما قتل كتب الامير نوح بن منصور إلى الحاجب أبى العباس تاش يستدعيه لتدبير دولته ببخارا فسار عن نيسابور إليها وقتل من ظفر به من قتله أبى الحسن * (رد أبى العباس إلى خراسان ثم عزله وولاية ابن سيجور) * ولما سار أبو العباس إلى بخارا وكان أبو الحسن بن سيجور من حين سار إلى سجستان كما مر مقيما بها ثم رجع آخرا إلى قهستان فلما سار أبو العباس تاش إلى بخارا وكتب ابن سيجور إلى فائق يطلب مظاهرته على ملك خراسان اجابه إلى ذلك واجتمعا بنيسابور واستوليا على خراسان وسار اليهما أبو العباس تاش في العساكر ثم تراسلوا كلهم واتفقوا على أن يكون بنيسابور وقيادة العساكر لابي العباس تاش وبلخ لفائق وهراة لابي الحسن بن سيجور وانصرف كل واحد إلى ولايته وكان فخر الدولة بن بويه خلال ذلك معهما بنيسابور ينتظر النجدة إلى أن هلك أخوه مؤيد الدولة بجرجان في شعبان سنة ثلاث وسبعين واستدعاه أهل دولته للملك فكاتبه الصاحب ابن عباد وغيره فسار إليهم واستولى على ملك أخيه بجرجان وطبرستان وكان الامير نوح لما سار أبو العباس من بخارا إلى نيسابور استوزر مكانه عبد الله بن عزيز وكانت بينه وبين أبى الحسن العتبى منافسة وعداوة ثم لما ولى الوزارة تقدم على عزل أبى العباس عن خراسان(4/353)
وكتب إلى أبى الحسن محمد بن ابراهيم بخراسان بولاية نيسابور * (انتقاض أبى العباس وخروجه مع ابن سيجور ومهلكه) * ولما عزل أبو العباس تاش عن خراسان كتب إلى الامير نوح يستعطفه فلم يجبه فانتقض وكتب إلى فخر الدولة يستمده على ابن سيجور فأمده بالاموال والعسكر مع أبى محمد
عبد الله بن عبد الرزاق وسار إلى نيسابور في عساكره وعساكر الديلم وتحصن ابن سيجور بنيسابور وجاءه مدد آخر من فخر الدولة وبرز ابن سيجور للقائهم فهزموه وغنموا منه واستولى أبو العباس على نيسابور وكتب إلى الامير نوح يستعطفه ولج ابن عزيز في عزله ثم ثاب لابن سيجور رأيه وعادت إليه قوته وجاءه الامراء من بخارا مددا وكاتب شرف الدولة أبا الفوارس بن عضد الدولة بفارس يستمده فأمده بألفى فارس مراغمة لعمه فخر الدولة فلما كثف جمع زحف إلى أبى العباس وقاتله فهزمه ولحق بفخر الدولة ابن بويه بجرجان فأكرمه وعظمه وترك له جرجان ودهستان واستراباذ اقطاعا وسار عنها إلى الرى وبعث إليه من الاموال والالات ما يخرج عن الحد وأقام أبو العباس بجرجان ثم جمع العساكر وسار إلى خراسان فلم يقدر على الوصول إليها وعاد إلى جرجان وأقام بها ثلاث سنين ومات سنة سبع وسبعين وقام أهل جرجان بأصحابه لما كانوا يحقدون عليهم من سوء السيرة فقاتلهم أصحابه واستباحوهم حتى استأمنوا وكفوا عنهم ثم افترق أصحابه وسار أكثرهم وهم كبار الخواص والغلمان إلى خراسان وقد كان صاحبها أبو الحسن سيجور مات فجأة وقام بأمرها مكانه ابنه أبو على وأطاعه اخوته وكبيرهم أبو القاسم ونازعه فائق الولاية فلحق به أصحاب أبى العباس واستكثر بهم لشأنه * (ولاية أبى على بن سيجور على خراسان) * قد تقدم اتفاق أبى الحسن بن سيجور وأبى العباس تاش وفائق على أن تكون نيسابور وقيادة خراسان لتاش وبلخ لفائق وهراة لابي على بن أبى الحسن سيجور ثم عزل تاش بسعاية الوزير ابن عزيز وولى أبو الحسن وكانت بينهما الحرب التى مر ذكرها وانهزم تاش إلى جرجان فاستقر أبو على بهراة وفائق ببلخ وكان ابن عزيز يستحث الحسن لقصد جرجان ثم عزل ابن عزيز ونفى إلى خوارزم وقام مكانه أبو على محمد بن عيسى الدامغاني ثم عجز لما نزل بالدولة من قلة الخراج وكثرة المصاريف فصرف عن الوزارة بابى نصر بن أحمد
ابن محمد بن أبى يزيد ثم عزل وأعيد أبو على الدامغاني وهلك أبو الحسن بن سيجور خلال ذلك وقام ابنه أبو على مقامه وكاتب الامير نوح بن منصور يطلب أن يعقد له الولاية(4/354)
كما كانت لابيه فأجيب إلى ذلك ظاهرا وكتب لفائق بولاية خراسان وبعث إليه بالخلع والالوية وكان أبو على يظن أنها له فلما بدا له من ذلك ما لم يحتسب جمع عسكره وأغذ السير وأوقع بفائق ما بين هراة وبوشنج فانهزم فائق إلى مرو الروذ وملك أبو على مرو ووصله عهد الامير نوح بقيادة الجيوش وولاية نيسابور وهراة وقهستان ولقبه عماد الدولة ثم رقاه الامير نوح واستولى على سائر خراسان واستبد بها على السلطان حتى طلبه نوح في بعض أعمالها لنفقته فمنعه وأقام مظهر الطاعته وخشى غائلة السلطان من طلبة نوح فكاتب بقراخان ملك الترك ببلاد كاشغر وشاغور يغريه ويستحثه لملك بخارا وما وراء النهر على أن يستقر هو بخراسان * (خبر فائق) * وأقام بعد انهزامه أمام أبى على بمرو الروذ حتى اندملت جراحه واجتمع إليه أصحابه وسار إلى بخارا قبل أن يستأذن فارتاب به الامير نوح فسرح إليه العساكر مع أخى الحاجب وفكنزرون فانهزم وعبر النهر إلى بلخ فأقام بها أياما وسار إلى ترمذ وكاتب بقراخان يستحثه وكتب الامير نوح إلى والى الجوزجان أبى الحرث أحمد بن محمد الفيرقونى بقصد فائق فقصده في جموعه وسرح فائق إليه بعض عسكره فهزمه وعاد إلى بلخ وكان طاهر بن الفضل قد ملك الصغانيان على أبن المظفر محمد بن أحمد وهو واحد خراسان فانقطع أبو المظفر إلى فائق صريخا فأمده وسار إلى طاهر بعسكر فائق واقتتلوا فانهزم طاهر وقتل وصارت الصغانيان لفائق * (استيلاء الترك على بخارا) * ولما خرج الامير نوح عن بخارا عبر النهر واستقر بآمل الشط وكاتب أبا على بن سيجور
يستحثه للنصرة وكاتب فائقا أيضا يستصرخه فلم يصرخه أحد منهما وبلغه مسير بقراخان عن بخارا فأغذ السير إليها وعاود الجلوس على كرسى ملكه وتباشر الناس بقدومه ثم بلغه مهلك بقراخان فتزايد سرورهم ولما عاد الامير نوح إلى بخارا ندم أبو على على ما فرط فيه من نصرته وأجمع الاستظهار بفائق فأزاحوه عن ملكه وملكوها ولحق فائق بأبى على بن سيجور وتظاهرا على الامير نوح وذلك سنة أربع وثمانين * (عزل أبى على بن سيجور عن خراسان وولاية سبكتكين) * ولما اجتمع أبو على بن سيجور وفائق على منافرة الامير نوح وعصيانه كتب الامير نوح إلى سبكتكين وكان أميرا على غزنة ونواحيها يستقدمه لنصره منهما وانجاده عليهما(4/355)
وولاه خراسان وكان سبكتكين في شغل عن أمرهم بما هو فيه من الجهاد مع كفار الهند فلما جاءه كتاب نوح ورسوله بادر إليه وتلقى أمره في ذلك وعاد إلى غزنة فجمع العساكر وبلغ الخبر أبا على وفائقا فبعثا إلى فخر الدولة بن بويه يستنجدانه واستعانا في ذلك بوزيره الصاحب بن عباد فبعث اليهما مددا من العساكر ثم سار سبكتكين وابنه محمود نحو خراسان سنة اربع وثمانين وسار الامير نوح واجتمعوا ولقوا أبا على وفائقا بنواحي هراة وكان معهما دار ابن قابوس بن وشمكير فنزع إلى الامير نوح وانهزم أصحاب أبى على وفائق وفتك فيهم أصحاب سبكتكين واتبعوهم إلى نيسابور فلحقا بجرجان وتلقاهما فخر الدولة بالهدايا والتحف والاموال وأنزلهما بجرجان واستولى نوح على نيسابور واستعمل عليها وعلى جيوش خراسان محمود بن سبكتكين ولقبه سيف الدولة ولقب أباه سبكتكين ناصر الدولة وعاد نوح إلى بخارى وترك سبكتكين بهراة ومحمود بنيسابور * (عود ابن سيجور إلى خراسان) * لما افترق نوح وسبكتكين طمع أبو على وفائق في خراسان فسار عن جرجان إلى نيسابور
في ربيع سنة خمس وثمانين وبرز محمود للقائهما بظاهر نيسابور وأعجلوه عن وصول المدد من أبيه سبكتكين وكان في قلة وانهزم إلى أبيه وغنموا سواده وأقام أبو على بنيسابور وكان الامير نوح يستميله ويتلطف في العذر مما كان من سبكتكين فلم يجيباه إلى ما طلب * (ظهور سبكتكين وابنه محمود على أبى على وفائق ومقتل أبى على) * ولما دخل أبو على نيسابور وانهزم عنها محمود جمع سبكتكين العساكر وسار إليه فالتقوا بطوس وجاء محمود على أثره مددا فانهزم هو وفائق إلى أبيورد فاتبعهما سبكتكين بعد أن استخلف ابنه محمودا بنيسابور فلحقا بمرو ثم آمل الشط وكتبا إلى الامير نوح يستعطفانه فشرط على أبى على أن ينزل بالجرجانية ويفارق فائقا ففعل ونزل قريبا من خوارزم بالجرجانية فأكرمه أبو عبد الله خوارزم شاه وسكن إليه وبعث من ليلته من جاء به واعتقله وأعيان أصحابه وبلغ الخبر إلى مأمون بن محمد صاحب الجرجانية فاستعظم ذلك وسار بعساكره إلى خوارزم شاه وافتتح مدينته وتسمى كاش عنوة وخلص أبا على من محبسه وعاد إلى الجرجانية واستخلف بعض أصحابه على بلاد خوارزم ولما عاد إلى الجرجانية أخرج خوارزم شاه وقتله بين يدى أبى على بن سيجور وكتب إلى الامير نوح يشفع في أبى على فشفعه واستدعى أبا على إلى بخارا فسار إليها وأمر الامراء والعساكر بتلقيه فلما دخل عليه أمر بحبسه وشفع سبكتكين فيه فهرب(4/356)
ولحق بفخر الدولة وأقام عنده وأما فائق فلما فارقه أبو على كما شرط عليه الامير نوح سار إلى ايلك خان ملك الترك بكاشغر فأكرمه وكتب إلى نوح يشفع فيه فقبل شفاعته وولاه عليها وأقام بها * (وفاة الامير نوح وولاية ابنه منصور وولاية بكثر زون على خراسان) * ثم توفى الامير نوح بن منصور منتصف سبع وثمانين لاحدى وعشرين سنة من ملكه وانتقض بموته ملك بنى سامان وصار إلى الانحلال ولما توفى قام بالملك بعده ابنه
أبو الحرث منصور وتابعه أهل الدولة واتفقوا على طاعته وقام بتدبير دولته بكثرزون واستوزر أبا طاهر محمد بن ابراهيم وبلغ خبر وفاة نوح إلى ايلك خان فطمع في ملكهم وسار إلى سمرقند وبعث من هنالك فائقا والخاصة إلى بخارا فاضطرب منصور وهرب عن بخارا وقطع النهر ودخل فائق بخارا وأعلم الناس أنه انما جاء لخدمة الامير منصور فبعث مشايخ بخارا بذلك إلى منصور ودخل واستقدموه بعد أن أخذوا له مواثيق العهود من فائق فاطمأن وعاد إلى بخارا وأقام فائق بتدبير أمره وتحكم في دولته وأبعد بكثرزون إلى خراسان أميرا وقد كان سبكتكين توفى في شعبان من هذه السنة ووقعت الفتنة بين ابنيه اسمعيل ومحمود فقدم بكثرزون أيام فتنتهما واستولى على خراسان * (عود أبى القاسم بن سيجور إلى خراسان وخيبته) * قد ذكرنا مسير بكثرزون إلى خراسان عند مفره أيام محمود بن سبكتكين من خراسان وأقام عند فخر الدولة وعند أبيه مجد الدولة واجتمع عنده أصحاب أبيه وكتب إليه فائق من بخارا يغريه ببكثرزون ويأمره بقصد خراسان ويخرج بكثرزون منها فسار عن جرجان إلى نيسابور وبعث جيشا إلى اسفراين فملكوها من يد أصحاب بكثرزون ثم تردد السفراء بينهما ووقع الصلح والصهر وعاد بكثرزون إلى نيسابور * (انتقاض محمود بن سبكتكين وملكه نيسابور ثم خروجه عنها) * لما فرغ محمود بن سبكتكين من أمر الفتنة بينه وبين أخيه اسمعيل واستولى على ملك غزنة وعاد إلى بلخ وجد بكثرزون واليا على خراسان كما ذكرناه فبعث إلى الامير منصور بن نوح يذكر وسائله في الطاعة والمحاباة ويطلب ولاية خراسان فاعتذر له عنها وولاه ترمذ وبلخ وما وراءهما من أعمال بست فلم يرض ذلك وأعاد الطلب فلم يجب فسار إلى نيسابور وهرب منها بكثرزون وملكها محمود سنة ثمان وثمانين فسار الامير منصور من بخارا إليه فخرج عنها إلى مرو الروذ وأقام بها(4/357)
* (خلع الامير منصور وولاية أخيه عبد الملك) * ولما سار الامير منصور عن بخارا إلى خراسان لمدافعة محمود بن سبكتكين عن نيسابور سار بكثرزون للقائه فلقيه بسرخس ثم لم يلق من قبوله ما كان يؤمله فشكا ذلك إلى فائق فألفاه واجدا مثل ذلك فخلصا في نجواهما واتفقا على خلعه واقامة أخيه عبد الملك مقامه ووافقهما على ذلك جماعة من أعيان العسكر ثم قبضوا عليه وسملوه أول سنة تسعين لعشرين شهرا من ولايته وولى مكانه أخوه عبد الملك وبعث محمود إلى فائق وبكثرزون يقبح عليهما فعلهما وسار نحوهما طامعا في الاستيلاء على الملك * (استيلاء محمود بن سبكتكين على خراسان) * ثم سار محمود بن سبكتكين إلى فائق وبكثرزون ومعهما عبد الملك الصبى الذى نصبوه فساروا إليه والتقوا بمرو سنة تسعين وقاتلهم فهزمهم وافترقوا ولحق عبد الملك ببخارا ومعه فائق ولحق بكثرزون بنيسابور ولحق أبو القاسم بن سيجور بقهستان وقصد محمود نيسابور وانتهى إلى طرسوس فهرب بكثرزون إلى جرجان وبعث في اثره ارسلان الحاجب إلى أن وصل جرجان ورجع فاستخلفه محمود على طرسوس وسار إلى هراة فخالفه بكثرزون إلى نيسابور وملكها ورجع إليها محمود فأجفل عنها ومر بمرو فنهبها ولحق ببخارا واستقر محمود بخراسان وأزال عنها ملك بنى سامان وخطب فيها للقادر العباسي واستدعى الولاية من قبله فبعث إليه بالعهد عليها والخلع لبنى سيجور وأنزله نيسابور وسار هو إلى بلخ كرسى أبيه فافتقده واتفق أصحاب الاطراف بخراسان على طاعته مثل آل افريقون بالجوزجان والشاه صاحب غرسيان وبنى مأمون بخوارزم * (استيلاء ايلك خان على بخارا وانقراض دولة بنى سامان) * ولما ملك محمود خراسان ولحق عبد الملك ببخارا اجتمع إليه فائق وبكثرزون وغيرهما من الامراء وأخذوا في جمع العساكر لمناهضة محمود بخراسان ثم مات فائق في شعبان
من هذه السنة فاضطربوا ووهنوا لانه كان المقدم فيهم وكان خصيا من موالى نوح بن نصر فطمع ايلك خان في الاستيلاء على ملكهم كما ملكه بقراخان قبله فسار في جموع الترك يظهر المدافعة لعبد الملك عنه فاطمأنوا لذلك وخرج بكثرزون وغيره من الامراء والقواد للقائه فقبض عليهم جميعا ودخل بخارا عاشر ذى القعدة ونزل دار الامارة واختفى عبد الملك فبعث العيون عليه حتى ظفر به وأودعه السجن في أرز كند فمات وحبس معه أخاه أبا الحرث منصورا المخلوع واخوته الاخرين أبا ابراهيم اسمعيل وأبا يعقوب وأعمامه أبا زكريا وأبا سليمان وأبا صالح القارى وغيرهم من بنى سامان(4/358)
وانقرضت دولتهم بعد ان كانت انتشرت في الافاق ما بين حلوان وبلاد الترك ووراء النهر وكانت من أعظم الدول وأحسنها سياسة * (خروج إسماعيل بن نوح بخراسان) * ثم هرب أبو ابراهيم اسمعيل بن نوح من محبسه في زى امرأة كانت تتعاهد خدمته فاختفى ببخارا ثم لحق بخوارزم وتلقب المنتصر واجتمع إليه بقايا القواد والاجناد وبعث قابوس عسكرا مع ابنيه منوجهر ودارا ووصل اسمعيل إلى نيسابور في شوال سنة احدى وتسعين وجبى أموالها وبعث إليه محمود مع التوتناش الحاجب الكبير صاحب هراة فلقيهم فانهزم المنتصر إلى ابيورد وقصد جرجان فمنعه قابوس منها فقصد سرخس وجبى أموالها وسكنها في ربيع سنة ثنتين وتسعين فأرسل إليها محمود العساكر مع منصور والتقوا فانهزم اسمعيل وأسر أبو القاسم بن سيجور في جماعة من أعيان العسكر فبعث بهم منصور إلى غزنة وسار اسمعيل حائرا فوافى أحياء الغز بنواحي بخارا فتعصبوا عليه وسار بهم إلى ايلك خان في شوال سنة ثلاث وتسعين فلقيه بنواحي سمرقند وانهزم ايلك واستولى الغز على سواده وأمواله وأسرى من قواده ورجعوا إلى أحيائهم وتفاوضوا في اطلاق الاسرى من أصحاب ايلك خان وشعر بهم
اسمعيل فسار عنهم خائفا وعبر النهر إلى آمل الشط وبعث إلى مرو ونسا وخوارزم فلم يقبلوه وعاودوا العبور إلى بخارا وقاتله واليها فانهزم إلى دبوسية وجمع بها ثم عاد فانهزم من عساكر بخارا وقاتله واليها وجاءه جماعة من فتيان سمرقند فصاروا في جملته وبعث إليه أهله بأموال وسلاح ودواب وسار إليه ايلك خان بعد أن استوعب في الحشد ولقيه بنواحي سمرقند في شعبان سنة أربع وتسعين وظاهر الغز اسمعيل فكانت الدبرة على ايلك خان وعاد إلى بلاد الترك فاحتشد ورجع إلى اسمعيل وقد افترقت عنه أحياء الغزالي أوطانهم وخف جمعه فقاتلهم بنواحي مروسية فهزموه وفتك الترك في أصحابه وعبر اسمعيل النهر إلى جوزجان فنهبها وسار إلى مرو وركب المفازة إلى قنطرة راغول ثم إلى بسطام وعساكر محمود في اتباعه مع أرسلان الحاجب صاحب طوس وأرسل إليه قابوس عسكرا مع الاكراد الشاهجانية فأزعجوه عن بسطام فرجع إلى ما وراء النهر وأدرك أصحابه الكلل والملال ففارقه الكثير منهم وأخبروا أصحاب ايلك خان وأعلموهم بمكانه فكبسه الجند فطاردهم ساعة ثم دخل في حى من أحياء العرب بالفلاة من طاعة محمود بن سبكتكين يعرف أميرهم بابن بهيج وقد تقدم إليهم محمود في طلبه فأنزله عندهم حتى إذا جن الليل وثبوا عليه وقتلوه وذلك سنة خمس وتسعين وانقرض أمر بنى سامان وانمحت آثار دولتهم والبقاء لله وحده(4/359)
[ الخبر عن دولة بنى سبكتكين ملوك غزنة وما ورثوه من الملك بخراسان وما وراء النهر عن مواليهم وما فتحوه من بلاد الهند وأول أمرهم ومصاير أحوالهم ] هذه الدولة من فروع دولة بنسامان وناشئة عنها وبلغت من الاستطالة والعز المبالغة العظيمة واستولت على مكانت دولة بنى سامان عليه في عدوتى جيحون وما ورء النهر وخراسان وعراق العجم وبلاد الترك وزيادة بلاد الهند وكان مبدأ أمرهم عن غزنة وذلك ان سبكتكين من موالى بنى التيكين وكان التيكين من موالى بنى سامان وكان في جملته
وولاه حجابته وورد بخارا أيام السعيد منصور بن نوح وهواذ ذاك حاجبه ثم توفى التيكين هذا وعقد له السعيد منصور بن نوح سنة خمس وستين وثلثمائة وولى ابنه نوح ويكنى أبا القاسم واستورز أبا الحسن العتبى وولى على نيسابور أبا الحسن محمد بن سيجور وكان سبكتكين شديد الطاعة له والقيام بحاجاته وطرقت دولة بنى سامان النكبة من الترك واستولى بقراخان على بخارا من يد الامير نوح ثم رجع إليها ومات أبو الحسن بن سيجور وولى مكانه بخراسان ابنه أبو على واستبد على الامير نوح في الاستيلاء على خراسان عند نكبة الترك فلما عاد الامير نوح إلى كرسية وثبت في الملك قدمه كاشفه أبو على في خراسان بالانتقاض واستدعى أبا منصور سبكتكين يستمده على أبى على ويستعين به في أحوال الدولة فبادر لذلك وكان له المقام المحمود فيه وولاه الامير نوح خراسان فدفع عنها أبا على ثم استبد بعد ذلك على بنى سامان بها ثم غلبهم على بخارا وما وراء النهر ومحا أثر دولتهم وخلفهم أحسن خلف وأورث ذلك بنيه واتصلت دولتهم في تلك الاعمال إلى أن ظهر الغز وملك الشرق والغرب بنو سلجوق منهم فغلبوهم على أمرهم وملكوا تلك الاعمال جميعا من أيديهم حسبما يذكر ذلك كله ولنبدا الان بسبكتكين من الجهاد في بلاد الهند قبل ولايته خراسان ثم نأتى بأخبارهم * (فتح بست) * كانت بست هذه من أعمال سجستان وفى ولايتها ولما فسد نظام تلك الولاية بانقراض دولة بنى الصفار واخترقت تلك العمالات طوائف فانفرد ببست أمير اسمه طغان ثم غلبه عليها آخر اسمه كان يكنى بأبى ثور فاستصرخ طغان سبكتكين على مال ضمنه على الطاعة والخدمة فسار سبكتكين إلى بست وفتحها وأخذ الوزير أبا الفتح على بن محمد البستى الشاعر المشهور فأحضره واستكتبه وكتب لابنه محمود من بعده ثم استخلف سبكتكين وسار إلى قصد ارمن ورائها فملكها وتقبض على صاحبها ثم أعاده إلى ملكه على مال يؤديه وطاعة يبذ لها له(4/360)
* (غز والهند) * ثم سار سبكتكين بعد ما فتح بست وقصد غازيا بلاد الهند وتوغل فيها حتى افتتح بلادا لم يدخلها أحد من بلاد الاسلام ولما سمع به ملك الهند سار إليه في جيوشه وقد عبى العساكر والفيلة على عادتهم في ذلك بالتعبية المعروفة بينهم وانتهى إلى لمغان من ثغوره وتجاوزه وزحف إليه سبكتكين من غزنة في جموع المسلمين والتقى الجمعان ونصر الله المسلمين وأسر ملك الهند وفدى نفسه على ألف ألف درهم وخمسين فيلا ورهن في ذلك من قومه وبعث معه رجالا لقبض ذلك فغدر بهم في طريقه وتقبض عليهم فسار سبكتكين في تعبيته إلى الهند فقبض كل من لقيه من جموعهم وأثخن فيهم وفتح لمغان وهدمها وهى ثغر الهند مما يلى غزنة فاهتز لذلك جميال واحتشد وسار إلى سبكتكين فكانت بينهم حرب شديدة وانهزم جميال وجموع الكفر وخمدت شوكتهم ولم يقم لملوك الهند بعدها معه قائمة ثم صرف وجهه إلى اعانة سلطانه الامير نوح كما نذكر * (ولاية سبكتكين على خراسا) * قد قدمنا أن الامير نوح بن منصور لما طرقته النكبة ببخارا من الترك وملكها عليه بقراخان عبر النهر إلى آمل الشط واستصرخ ابن سيجور صاحب خراسان وفائقا صاحب بلخ فلم يصرخاه وبلغه مسير بقراخان عن بخارا فأغذ السير إليها وارتجع ملكه كما كان وهلك بقراخان فنبت قدمه في سلطانه وارتاب أبو على وفائق بامرهم عنده وغلط فائق بالمبادرة إلى بخارا للتهنئة والتقدم في الدولة من غير اذن في ذلك فسرح الامير نوح غلمانه ومواليه فجاربوه وملكوا بلخا من يده ولحق بأبى على بن سيجور فاستظهر به على فتنة الامير نوح وذلك سنة أربع وثمانين فكتب الامير نوح عند ذلك إلى سبكتكين يستدعيه للنصرة عليهما وعقد له على خراسان وأعمالها وكان في شغل شاغل من الجهاد بالهند كما ذكرناه فبادر لذلك وسار إلى نوح فلقيه واتفق معه ثم رجع إلى غزنة واحتشد
وسار هو وابنه محمود ولقيا الامير نوحا بخراسان في الموضع الذى تواعد معه ولقيهم أبو على بن سيجور وفائق فهزمهما وفتك فيهم أصحاب سبكتكين واتبعوهم إلى نيسابور ثم صدوهم عنها إلى جرجان واستولى نوح على نيسابور واستعمل عليها وعلى جيوش خراسان محمود بن سبكتكين وأنزله بها ولقبه سيف الدولة وأنزل أباه سبكتكين بهراة ولقبه ناصر الدولة ورجع إلى بخارا * (الفتنة بين سيجور وفائق بخراسان وظهور سبكتكين وابنه محمود عليهم) * ولما رجع نوح إلى بخارا وطمع أبو على بن سيجور وفائق في انتزاع خراسان من يد(4/361)
سبكتكين وابنه وبادروا إلى محمود بن سبكتكين بنيسابور سنة خمس وثمانين وأعجلوه عن وصول المدد إليه من ابنه سبكتكين وكان في قلة فانهزم إلى أبيه بهراة وملك أبو على نيسابور وسار إليه سبكتكين في العساكر والتقوا بطوس فانهزم أبو على وفائق حتى انتهيا إلى آمل الشط واستعطف أبو على الامير نوحا فاستدعاه وحبسه ثم بعث به إلى سبكتكين وحبسه عنده ولحق فائق بملك الترك ايلك خان في كاشغر وشفع فيه إلى الامير نوح فولاه سمرقند كما مر ذلك كله في أخبارهم وكان أبو القاسم أخو أبى على قد نزع إلى سبكتكين يوم اللقاء فأقام عنده مدة مديدة ثم انتقض وزحف إلى نيسابور فجاء محمود بن سبكتكين فهرب ولحق بفخر الدولة بن بويه فأقام عنده واستولى سبكتكين على خراسان * (مزاحفة سبكتكين وايلك خان) * كان ايلك خان ولى بعد بقراخان على كاشغر وشاغور وعلى أمم الترك وطمع في أعمال الامير نوح كما طمع أبوه ومديده إليها شيأ فشيأ ثم اعتزم على الزحف إليه فكتب الامير نوح إلى سبكتكين بخراسان يستجيشه على ايلك خان فاحتشد وعبر النهر وأقام بين نسف وكشف حتى لحقه ابنه محمود بالحشود من كل جهة وهنالك وصله أبو على بن سيجور مقيدا بعث به إليه الامير نوح فأبى من ذلك وجمع ايلك خان أمم الترك من سائر النواحى
وبعث سبكتكين إلى الامير نوح يستحثه فخام عن اللقاء وبعث قواده وجميع عساكره وجعلهم لنظره وفى تصريفه فألح عليه سبكتكين وبعث أخاه بغراجق وابنه محمودا لاستحثاثه فهرب الوزير بن عزيز خوفا منهم وتفادى نوح من اللقاء فتركوه وفت ذلك في عزم سبكتكين وبعث ايلك خان في الصلح فبادر سبكتكين وبعث أبا القاسم ثم ارتاب به عند عبوره إلى ايلك خان فحبسه مع أبى على وأصحابه حتى رجع سبكتكين من طوس إلى بلخ فبلغ الخبر بمقتلهم ووصل نعى مأمون بن محمد صاحب الجرجانية بخوارزم غدر به صاحب جيشه في صنيع أعده له وقتله ووصل خبر الامير نوح اثرهما وانه هلك منتصف رجب سنة سبع وثمانين وثلثمائة * (أخبار سبكتكين مع فخر الدولة بن بويه) * كان أبو على بن سيجور وفائق لما هزمهما سبكتكين لحقا بجرجان عند فخر الدولة بن بويه تم لما أجلب أبو القاسم على خراسان وسار إليه محمود بن سبكتكين وعمه بغراجق وكان معه أبو نصر بن محمود الحاجب فهربا إلى فخر الدولة وأقاما في نزله وتحت حرابة بقومس والدامغان وجرجان وأباخ سبكتكين على طوس ثم وقعت المهاداة بينه وبين فخر الدولة ابن بويه صاحب الرى وكان آخر هدية من سبكتكين جاء بها عبد الله الكاتب من(4/362)
ثغابة ونمى إلى فخر الدولة انه يتجسس عدد الجند وغوامض الطرق فبعث إلى سبكتكين بالعتاب في ذلك ثم ضعف الحال بينهما واتصل ما بين فخر الدولة والامير نوح على يد سبكتكين * (وفاة سبكتكين وولاية ابنه اسمعيل) * ولما فرغ سبكتكين من أمر ايلك خان ورجع إلى بلخ وأقام بها قليلا طرقه المرض فبادر به إلى غزنة وهلك في طريقه في شعبان سنة سبع وثمانين لعشرين سنة من ملكه في غزنة وخراسان ودفن بغزنة وكان عاد لا خيرا حسن العهد محافظا على الوفاء كثير
الجهاد ولما هلك بايع الجند لابنه اسمعيل بعهده إليه وكان أصغر من محمود فأفاض فيهم العطاء وانعقد أمره بغزنة * (استيلاء محمود بن سبكتكين على ملك أبيه وظفره بأخيه اسمعيل) * ولما ولى اسمعيل بغزنة استضعفه الجند واستولوا عليه واشتطوا عليه في العلب حتى أنفذ خزائن أبيه وكان أخوه محمود بنيسابور فبعث إليه أن يكتب له بالاعمال التى لنظره مثل بلخ فأبى وسعى أبو الحرب والى الجوزجان في الاصلاح بينهما فامتنع اسمعيل فسار محمود إلى هراة معتزما عليه وتحيز معه عمه بغراجق ثم سار إلى بست وبها أخوه نصر فاستماله وساروا جميعا إلى غزنة وقد كتب إليه الامراء الذين مع اسمعيل واستدعوه ووعدوه بالطاعة وأغذ السير ولقيه اسمعيل بظاهر غزنة فاقتتلوا قتالا شديدا وانهزم اسمعيل واعتصم بقلعة غزنة واستولى محمود على الملك وحاصر أخاه اسمعيل حتى استنزله على الامان فأكرمه وأشركه في سلطانه وذلك لسبعة أشهر من ولاية اسمعيل واستقامت الممالك لمحمود ولقب بالسلطان ولم يلقب به أحد قبله ثم سار إلى بلخ * (استيلاء محمود على خراسان) * لما ولى أبو الحرث منصور بعد نوح استوزر محمد بن ابراهيم وفوض أمره إلى فائق كفالة وتدبير الصغره وكان عبد الله بن عزيز قد هرب من بخارا عند قدوم محمد إليها في استحثاث الامير نوح للقاء ايلك خان كما مر فلما مات الامير نوح وولى ابنه منصور أطمع عزيز أبا منصور محمد بن الحسين الاسبيجابى في قيادة الجيش بخراسان وحمله على الانحدار به إلى بخارا مستغيثا بايلك خان على غرضه فنهض ايلك خان لمصاحبتهما وسار بهما كائنه يريد سمرقند ثم قبض على أبى منصور وابن عزيز وأحضر فائقا وأمره بالمسير على مقدمته إلى بخارا فهرب أبو الحرث وملك فائق بخارا ورجع ايلك خان واستدعى فائق أبا الحرث فاطمأن وبعث من مكانه بكثر زون الحاجب الاكبر على(4/363)
خراسان ولقبه بستان الدولة ورجع إلى بخارا فتلقاه فائق وقام بتدبير دولته وكانت بينه وبين بكثرزون دغن فأصلح أبو الحرث بينهما وأقام بكثرزون وجبى الاموال وزحف إليه أبو القاسم بن سيجور وكانت بينهما الفتنة التى مر ذكرها وجاء محمود إلى بلخ بعد فراغه من فتنة أخيه اسمعيل فبعث إلى أبى الحرث منصور رسله وهداياه فعقد له على بلخ وترمذ وهراة وبست واعتذر عن نيسابور فراجعه مع ثقته أبى الحسن الحمولى فاستخلصه أبو الحرث لوزارته وقعد عن رسالة صاحبه فأقبل محمود إلى نيسابور وهرب عنها بكثرزون فنهض أبو الحرث إلى نيسابور فخرج محمود عنها إلى مرو الروذ وجمع أبو الحرث وكحلة بكثرزون وبايعوا لاخيه عبد الملك بن نوح وبعث محمود إلى فائق وبكثرزون بالعتاب على صنيعهما بالسلطان وزحف اليهما فبرزا من مر وللقائه ثم سألوه الابقاء فأجاب وارتحل عنهم وبعض أوباشهم في اعقابه فرجع إليهم وحشدوا الناس للقائه فهزمهم وافترقوا فسار عبد الملك إلى بخارا وبكثرزون إلى نيسابور وكان معهم أبو القاسم بن سيجور ولحق بقهستان واستولى محمود على خراسان وذلك سنة تسع وثمانين ثم سار إلى طوس وهرب بكثرزون إلى جرجان وبعث محمود ارسلان الحاجب في أثره فأخرجه من نواحى خراسان فولى ارسلان على طوس وسار إلى هراة لمطالعة أحوالها فخالفه بكثرزون إلى نيسابور وملكها ورجع فطرده عنها أبو القاسم بن سيجور وملكها وولى محمود أخاه نصر بن سبكتكين قيادة الجيوش بخراسان وأنزله بنيسابور ثم سار إلى بلخ فأنزل بها سريره ثم استراب باخيه اسمعيل فاعتقله ببعض القلاع موسعا عليه وكتب بالبيعة للقادر الخليفة من بنى العباس فبعث إليه بالخلع والالوية على العادة وقام بين يديه السماطان واستوثق له ملك خراسان وبقى يردد الغزو إلى الهند كل سنة * (استيلاء محمود على سجستان) * كان خلف بن أحمد صاحب سجستان في طاعة بنى سامان ولما شغل عنه بالفتن استفحل أمره وشغل للاستبداد فلما سار سبكتكين للقاء ملك الهند كما مر اغتنم الفرصة من
بست وبعث إليها عسكرا فملكوها وحبوها ولما رجع سبكتكين من الهند ظافر اتلقاه بالمعاذير والتعزية والهدايا والطاعة فقبل وأعرض عنه وارتهن عنده على طاعته وسار معه الحرث أبو على بن سيجور بخراسان فملا يده ويد عسكره بالعطاء وبتقدمه لقتال ايلك خان بما وراء النهر كما مر فدس إلى ايلك خان يغريه بسبكتكين واعتزم سبكتكين على غزو سجستان ثم أدركه الموت فاغتنم خلف الفرصة وبعث طاهرا الى قهستان وبوشنج فملكها وكاتب البغراجق أخا سبكتكين فلما فرغ محمود من شأن خراسان بعث لبغراجق عمه بانتزاع قهستان وبوشيخ فسار إلى طاهر فهزمه واتبعه وكر عليه طاهر فقتله(4/364)
وانهزم الفريقان وزحف محمود إلى خلف سنة تسعين وثلثمائة فامتنع في أحصن بلد وهى قلعة عالية منيعة وحاصر مبها حتى لاذ بالطاعة وبذل مائة ألف دينار فافرج عنه وسار إلى الهند فتوغل فيها وانتهى في اثنى عشر ألف فارس وثلاثين ألف راجل فاختار محمود من عساكره خمسة عشر ألفا وسار لقتال جميال فهزمه وأسره في بنيه وحفدته وكثير من قرابته ووجد في سلبه مقلد من فصوص يساوى مائة ألف دينار وأمثال ذلك على أصحابه وكان الاسرى والسبي خمسمائة ألف رأس وذلك سنة ثنتين وتسعين وفتح من بلاد الهند بلادا أوسع من بلاد خراسان ثم فادى جميال ملك الهند نفسه بخمسين رأسا من الفيلة ارتهن فيها ابنه وحافده وخرج إلى بلده فبعث إلى ابنه اندبال وشاهينة وراء سيجور فأعطوه تلك الفيلة وسار لا يعود له ملك وسار السلطان محمود إلى ويهند فحاصرها وافتتحها وبعث العساكر لتدويخ نواحيها فأثخنوا في القتل في أوباش كانوا مجتمعين للفساد مستترين بخمر الغياض فاستلحموهم ورجع السلطان محمود إلى غزنة وكان خلف بن أحمد عند منصرف السلطان عنه أظهر النسك وولى ابنه طاهرا على سجستان فلما طالت غيبة السلطان أراد الرجوع إلى ملكه فلم يمكنه ابنه فتمارض وبعث إليه بالحضور للوصية والاطلاع على خبايا الذخيرة فلما حضر اعتقله ثم قتله كما مر
وبلغت ضمائر قواده لذلك وخافوه وبعثوا للسلطان محمود بطاعتهم ما بقيت له الدعوة في سجستان سنة ثلاث وتسعين وسار السلطان محمود إلى خلف فا متنع منه في معقله بحصن الطاق وهو في رأس شاهق تحيط به سبعة أسوار عالية ويحيط به خندق بعيد المهوى وطريقه واحدة على جسر فجثم عليه أشهرا ثم فرض على أهل العسكر قطع الشجر التى تليه وطم بها الخندق وزحف إليه وقدم الفيول بين يديه على تعبيتها فحطم الفيل الاعظم على باب الحصن فقلعه ورمى باوفشا القتل في أصحاب خلف وتماسكوا داخل الباب يتناضلون باحجار المجانيق والسهام والحراب فرأى خلف هول المطلع فأثاب واستأمن وخرج إلى السلطان وأعطاه كثيرا من الذخيرة فرفع من قدره وخيره في مقاماته فاختار الجوزجان فأذن له في المسير إليها على ما بينه وبين ايلك خان من المداخلة ثم هلك خلف سنة تسع وتسعين وأبقى السلطان على ولده عمرو كان خلف كثير الغاشية من الوافدين والعلماء وكان محسنا لهم ألف تفسيرا جمع له العلماء من أهل ايالته وأتفق عليهم عشرين ألف دينار ووضعه في مدرسة الصابونى بنيسابور ونسخه يستغرق عمر الكاتب الا أن يستغرق في النسخ واستخلف السلطان على سجستان أحمد الفتحى من قواد أبيه ورجع إلى غزنة ثم بلغه انتقاض أحمد بسجستان فسار إليهم في عشرة آلاف ومعه أخوه صاحب الجيش أبى المظفر نصر والبوتناش الحاجب وزعيم(4/365)
العرب أبو عبد الله محمد بن ابراهيم الطائى فحاصرهم وفتحها ثانية وولى عليها أخاه صاحب الجيش ينصر بن سبكتكين مضافة إلى نيسابور فاستخلف عليها وزيره أبا منصور نصر بن اسحق وعاد السلطان محمود إلى بلخ مضمرا غزو الهند هكذا مساق خبر السلطان محمود مع خلف بن أحمد وخبر سجستان عند العينى وأما عند ابن الاثير فعلى ما وقع في أخبار دولة بنى الصفار * (غزوة بهاطية والملتان وكوكبر) * ولما فرغ السلطان محمود من سجستان اعتزم على غزو بهاطية من أعمال الهند وهى
وراء الملتان مدينة حصينة عليها انطاق من الاصبوان وآخر من الخنادق بعيدة المهوى وكانت مشحونة بالمقاتلة والعدة واسم صاحبها بجير فعبر السلطان إليها جيحون وبرز إليه بجيره فاقتتلوا بظاهر بهاطية ثلاثة أيام ثم انهزم بجير وأصحابه في الرابع وتبعهم المسلمون إلى باب البلد فملكوه عليهم وأخذتهم السيوف من أمامهم ومن ورائهم فبلغ القتل والسبي والسلب والنهب فيهم مبالغه وسار بجير في رؤس الجبال فستر في شعابها وبعث السلطان سرية في طلبه فأحاطوا به وقتلوا من أصحابه ولما أيقن بالهلكة قتل نفسه بخنجر معه وأقام السلطان محمود في بهاطية حتى أصلح أمورها واستخلف عليها من يعلم أهلها قواعد الاسلام ورجع إلى غزنة فلقى في طريقه شدة من الامطار في الوحل وزيادة المدد في الانهار وغرق كثير من عسكره ثم بلغه عن أبى الفتوح وإلى الملتان انه ملحدو أنه يدعو أهل ولايته إلى مذهبه فاعتزم على جهاده وسار كذلك ومنعه سيجور من العبور لكثرة المدد فبعث السلطان إلى اندبال ملك الهند في أن يبيح له العبور إلى بلاده لغزو الملتان فأبى فبد أبجهاده وسار في بلاده ودوخها وفراندبال بين يديه وهو في طلبه إلى أن بلغ قشمير ونقل أبو الفتوح أمواله على الفيول إلى سرنديب وترك الملتان فقصدها السلطان وامتنع أهلها فحاصرهم حتى افتتحها عنوة وأغرمهم عشرين ألف ألف درهم عقوبة لهم على عصيانهم ثم سار إلى كوكبر واسم صاحبها بيدا وكان بها ستمائة صنم فافتتحها وأحرق أصنامها وهرب صاحبها إلى قلعته وهى كالبحار وهو حصن كبير تسع خمسمائة ألف انسان وفيه خمسمائة وعشرون ألف راية وهو مشحون بالا قوات والمسالك إليه متعذرة بخمر الشجر وملتف الغياض فأمر بقطع الاشجار حتى اتضحت المسالك واعترضه دون الحصن واد بعيد المهوى فطم منه عشرين ذراعا با لاجربة المحشوة بالتراب وصيره جسرا ومضى منه إلى القلعة وحاصرها ثلاثة وأربعين يوما حتى جنح صاحبها إلى السلم وبلغ السلطان أن ايلك خان مجمع غزو خراسان فصالح ملك الهند على خمسين فيلا وثلاثة آلاف من الفضة وخلع عليه السلطان فلبس خلعته(4/366)
وشد منطقته ثم قطع خلعته وأنفذها إلى السلطان وتبعه بما عقد معه وعاد السلطان إلى خراسان بعد ان كان عازما على التوغل بلاد الهند * (مسير ايلك خان إلى خراسان وهزيمته) * كان السلطان محمود لما ملك ايلك خان بخارا كما مر وكتب إليه مهنيا وتردد السفراء بينهما في الوصلة وأوفد عليه سهل بن محمد بن سليمان الصعلوكى امام الحديث ومعه طغان جق والى سرخس في خطبة كريمته بهدية فاخرة من سبائك العقيان واليواقيت والدر والمرجان والوشى والحمر وصوانى الذهب مملوأة بالعنبر والكافور والعود والنصول وأمامه الفيول تحت الخروج المغشاة فقوبلت الهدية بالقبول والوافد بالتعظيم له ولمن أرسله وزفت المخطوبة بالهدايا والالطاف واتحدت الحال بين السلطانين ولم يزل السعاة يغرون ما بينهما حتى فسد ما بينهما فلما سار السلطان محمود إلى الملتان اغتنم ايلك خان الفرصة وبعث سياسي تكين قريبه وقائد جيشه إلى خراسان وبعث معه أخاه جعفر تكين وذلك سنة تسعين فملك بلخا وأنزل بها جعفر تكين وكان ارسلان الحاجب بهراة أنزله السلطان بها وأمره إذا دهمه أن ينحاز إلى غزنة وقصد سباسى هراة وسكنها وندب الحسين بن نصر إلى نيسابور فملكها ورتب العمال واستخرج الاموال وطار الخبر إلى السلطان بالهند وقصد بلخ فهرب جعفر تكين إلى ترمذ واستقر السلطان ببلخ وسرح ارسلان الحاجب في عشرة آلاف من العساكر إلى سباسى تكين بهراة فسار سباسى إلى مرو واعترضه التركمان وقاتلهم فهزمهم وأثخن فيهم ثم سار إلى أبيورد ثم إلى نساو ارسلان في اتباعه حتى انتهى إلى جرجان فصد عنها وركب قلل الجبال والغياض وتسلط الكراكلة على اثقاله ورجاله واستأمن طوائف من أصحابه إلى قابوس لعدم الظهر ثم عاد إلى نساو أصدر ما معه إلى خوارزم شاه أبى الحسن على بن مأمون وديعة لايلك خان واقتحم المفازة إلى مرو
فسار السلطان لاعتراضه ورماه محمد بن سبع بمائة من القواد حملوا إلى غزنة ونجا سباسى تكين في فل من أصحابه فعبر النهر إلى ايلك خان وقد كان ايلك خان بعث أخاه جعفر تكين في ستة آلاف راجل إلى بلخ ليفتر من عزيمة السلطان عن قصد سباسى تكين فلم يفتر ذلك من عزمه حتى أخرج سباسى من خراسان ثم قصدهم فانهزموا أمامه وتبعهم أخوه نصر بن سبكتكين صاحب جيش خراسان إلى ساحل جيحون فقطع دابرهم ولما بلع الخبر إلى ايلك خان قام في ركائبه وبعث بالصريخ إلى ملك الختل وهو قدر خان بن بقرا خان لقرابة بينهما وصهر فجاءه بنفسه ونفر معه واستجاش أحياء النزل ودهاقين ما وراء النهر وعبر النهر في خمسين ألفا وانتهى إلى السلطان خبره وهو(4/367)
بطخارستان فقدم إلى بلخ واستعد للحرب واستنفر جموع الترك والجند والخلنجية والافقانية والفربوية وعسكر على أربعة فراسخ من بلخ وتزاحفوا على التعبية فجعل السلطان في القلب أخاه نصرا صاحب الجيش بخراسان وأبا نصر بن أحمد الفريغونى صاحب الجوزجان وأبا عبد الله بن محمد بن ابراهيم الطائى في كماة الاكراد والعرب والهنود وفى الميمنة حاجبه الكبير أبا سعيد التمر تاشى وفي الميسرة ارسلان الحاجب وحصن الصفوف بخمسمائة من الفيلة وجعل ايلك خان على ميمنته قدر خان ملك الختل وعلى ميسرته أخاه جعفر تكين وهو في القلب وطالت الحرب واستمات الفريقان ونزل السلطان وعفر خده بالارض متضرعا ثم ركب وحمل في فيلته على القلب فازاله عن مكانه وانهزم الترك واتبعوهم يقتلون ويأسرون إلى أن عبروا بهم النهرو أكثر الشعراء تهنئة السلطان بهذا الفتح وذلك سنة سبع وتسعين ولما فرغ السلطان من هذه الحرب سار للهند للايقاع بنواسه شاه أحد أولاد الملوك كان أسلم على يده واستخلفه على بعض المعاقل التى افتتحها فارتد ونبذ الاسلام فأغذ السير إليه ففر أمامه واحتوى على المعاقل التى كانت في يده من أصحابه وانقلب إلى غزنة ظافرا وذلك سنة سبع وتسعين
* (فتح بهيم نقرا) * ثم سار السلطان سنة ثمان وتسعين في ريبع منها غازيا إلى الهند فانتهى إلى سبط وبهند فلقبه هنالك بن هزبال ملك الهند في جيوش لا تحصى فصدقهم السلطان القتال فهزمهم واتبعهم إلى قلعة بهيم نقرا وهى حصن على حصن عالية اتخذها أهل الهند خزانة للصنم ويودعون به أنواع الذخائر والجواهر التى يتقرب بها للصنم فدافع عنه خزنته أياما ثم استأمنوا وأمكنوا السلطان من القلعة فبعث عليه أبا نصر الفريغونى وحاجبه الكبير ابن التمر تاش وواسع تكين وكلفهما بنقل ما في الخزائن فكان مبلغ المنقول من الوزن سبعين ألف ألف شامية ومن الذهبيات والفضيات موزونة والديباج السوسى ما لا عهد بمثله ووجد في جملتها بيت من الفضة الخاصة طوله ثلاثون ذراعا في خمسة عشر صفائح مضروبة ومعالق للطى والنشر وشراع من ديباج طوله أربعوا ذراعا في عرض عشرين بقائمتين من ذهب وقائمتين من فضة فوكلهما بحفظ ذلك ومضوا إلى غزنة فأمر بساحة داره ففرشت بتلك الجواهر واجتمعت وفود الاطراف لمشاهدتها وفيهم رسول طغان أخى ايلك خان * (خبر الفريغون واستيلاء السلطان على الجوزجان) * وكان بنو فريغون هؤلاء ولاة على الجوزجان أيام بنى سامان يتوارثونها وكان لهم شهرة(4/368)
مكارم وكان أبو الحرث أحمد بن محمد غرتهم وكان سبكتكين خطب كريمته لابنه محمود وأنكح كريمته أخت محمود لابنه أبى نصر فالتحم بينهما وهلك أبو الحرث فأقر السلطان محمود ابنه أبا نصر على ولايته إلى أن مات سنة احدى وأربعمائة وكان أبو الفضل أحمد ابن الحسين الهمذانى المعروف بالبديع يؤلف له التآليف ويجعلها باسمه ونال عنده بذلك فوق ما أمل * (غزوة بارين) *
ثم سار السلطان محمود على راس المائة الرابعة لغزو بلاد الهند فدوخها واستباحها وأوقع بملكها ورجع إلى غزنة فبعث إليه ملك الهند في الصلح على جزية مفروضة وعسكر مقرر عليه وعلى تعجيل مال عظيم وهدية فيها خمسون فيلا وتقرر الصلح بينهما على ذلك * (غزوة الغور وقصران) * بلاد الغور هذه تجاور بلاد غزنة وكانوا يفسدون السابلة ويمتنعون بجبالهم وهى وعرة ضيقة وأقاموا على ذلك متمردين على كفرهم وفسادهم فامتعض السلطان محمود وسار لحسم عللهم سنة احدى وأربعمائة وفى مقدمته الترنتاش الحاجب والى هراة وأرسلان الحاجب والى طوس وانتهوا إلى مضيق الجبل وقد شحنوه بالمقاتلة فنازلتهم الحرب ودهمهم السلطان فارتدوا على أعقابهم ودخل عليهم لبلادهم وملكها ودخل حصنا في عشرة آلاف واستطرد لهم السلطان إلى فسيح من الارض ثم كر عليهم فهزمهم وأثخن فيهم وأسر ابن سورى وقرابته وخواصه وملك قلعتهم وغنم جميع أموالهم وكانت لا يعبر عنها وأسف ابن سورى على نفسه فتناول سما كان معه ومات ثم سار السلطان سنة ثنتين وأربعمائة لغزو قصران وكان صاحبها يحمل ضمانه كل سنة فقطع الحمل وامتنع بموالاة ايلك خان وسار إليه فبادر باللقاء وتنصل واعتذر وأهدى عشرين فيلا وألزمه السلطان خمسة عشر ألف درهم ووكل بقبضها ورجع إلى غزنة * (خبر اليشار واستيلاء السلطان على غرشتان) * كان اسم اليشار عند الاعاجم لقبا على ملك غرشتان كما أن كسرى على ملك الفرس وقيصر على ملك الروم ومعناه الملك الجليل وكان اليشار أبو نصر محمد بن اسمعيل أسد ملكها إلى ان بلغ ولده محمد سن النجابة فغلب على أبيه وانقطع أبو نصر للنظر في العلوم لشغفه بها وصاحب خراسان يومئذ أبو على بن سيجور ولما انتقض على الرضى نوح خطبهم لطاعته وولايته فابوا من ذلك لانتقاضه على سلطانه فبعث العساكر إليهم(4/369)
وحاصرهم زمانا ثم نهض سبكتكين إلى أبى على بن سيجور وانضاف اليشار إلى سبكتكين في تلك الفتنة كلها فلما ملك السلطان محمود خراسان وأذعن له ولاة الاطراف والاعمال بعث إليهم في الخطبة فأجابوه ثم استنفر محمد بن أبى نصر في بعض غزواته فقعد عن النفير فلما رجع السلطان من غزوته بعث حاجبه الكبير أبا سعيد الترنتاش في العساكر وأردفه بارسلان الحاجب وإلى طوس لمناهضة اليشار ملك غرشتان واستصحبا معهما أبا الحسن المنيعى الزعيم بمرو الروذ لعلمه بمخادع تلك البلاد فاما أبو نصر فاستأمن إلى الحاجب وجاء به إلى هراة مر فها محتاطا عليه وأما ابنه محمد فتحصن بالقلعة التى يناها أيام ابن سيجور فحاصروها طويلا واقتحموها عنوة وأخذ أسير فبعث به إلى غزنة واستصفيت أمواله وصودرت حاشيته واستخلف الحاجب على الحصن ورجع إلى غزنة فامتحن الولد بالسياط واعتقله مرفها واستقدم أباه أبا نصر من هراة فأقام عنده في كرامة إلى ان هلك سنة ست وأربعمائة * (وفاة ايلك خان وصلح أخيه طغان خان مع السلطان) * كان ايلك خان بعد هزيمته بخراسان يواصل الاسف وكان أخوه طغان يكبر عليه على فعلته وينقضه العهد مع السلطان وبعث إلى السلطان يتبر أو يعتذر فنافره ايلك خان بسبب ذلك وزحف إليه ثم تصالحا ثم هلك ايلك خان سنة ثلاث وأربعمائة وولى مكانه أخوه طغان خان فراسل السلطان محمود وصالحه وقال له اشتغل أنت بغزو الهند وأنا بغزو الترك فأجابه إلى ذلك وانقطعت الفتنة بينهما وصلحت الاحوال ثم خرجت طوائف الترك من جانب الصين في مائة ألف خركاة وقصدوا بلاد طغان فهال المسلمين أمرهم فاستنفر طغان من الترك أزيد من مائة ألف واستقبل جموع الكفرة فهزمهم وقتل نحوا من مائة ألف وأسر مثلها ورجع الباقون منهزمين وهلك طغان اثر ذلك وملك بعده أخوه ارسلان خان سنة ثمان وأربعمائة وخلص ما بينه وبين السلطان محمود
وخطب بعض كرائمه للسلطان مسعود ولده فأجابه وعقد السلطان لابنه على هراة فسار إليها سنة ثمان وأربعمائة * (فتح بارين) * ثم سار السلطان سنة ثمان وأربعمائة عندما فصل الشتاء غازيا إلى الهند وتوغل فيها مسيرة شهرين وامتنع عظيم الهند في جبل صعب المرتقى ومنع القتال واستدعى الهنود وملك عليهم الفيلة وفتح الله بارين وكثرت الاسرى والغنائم ووجد به في بيت البدجى حجر منقوش قال التراجمة كتابته انه مبنى منذ أربعين ألف سنة ثم عاد إلى غزنة وبعث(4/370)
إلى القادر يطلب عهد خراسان وما بيده من الممالك * (غزوة تنيشرة) * كان صاحب تنيشرة عاليا في الكفر والطغيان وانتهى الخبر إلى السلطان في ناحيته من الفيلة فيلة من الفيتلمان الموصوفة في الحروب فاعتزم السلطان على غزوه وسار إليه في مسالك صعبة وعرة بين أودية وقفارات حتى انتهى إلى نهر طام قليل المخاضة وقد استندوا من ورائه إلى سفح جبل فسرب إليهم جماعة من الكماة خاضوا النهر وشغلوهم بالقتال حتى تعدت بقية العسكر ثم قاتلوهم وانهزموا واستباحهم المسلمون وعادوا إلى غزنة ظافرين ظاهرين ثم غزا السلطان على عادته فضل الادلاء طريقهم فوقع السلطان في مخاضات من المياه غرق فيها كثير من العسكر وخاض الماء بنفسه أياما حتى تخلص ورجع إلى خراسان * (استيلاء السلطان على خوارزم) * كان مأمون بن محمد صاحب الجرجانية من خوارزم وكان مخلصا في طاعة الرضى نوح أيام مقامه في آمد كما مر فأضاف نسا إلى عمله فلم يقبلها المودة بينه وبين أبى على ابن سيجور وكان من خبره مع ابن سيجور واستنقاذه اياه من أسر خوارزم شاه سنة
ست وثمانين ما مر ذكره وصارت خوارزم كلها له ثم هلك وملك مكانه أبو الحسن على ثم هلك وملك مكانه ابنه مأمون وخطب إلى السلطان محمود بعض كرائمه فزوجه اخته واتحد الحال بينهما إلى ان هلك وولى مكانه أبو العباس مأمون ونكح اخته كما نكحها أخوه من قبله ثم دعاه إلى الدخول في طاعته والخطبة له كما دعا الناس فمنعه أصحابه وأتباعه وتوجس الخيفة من السلطان في ذلك فرجعوا إلى الفتك به فقتلوه وبايعوا ابنه داود وازداد خوفهم من السلطان ذلك فتعاهدا على الامتناع ومقدمهم التكين البخاري وسار إليهم السلطان في العساكر حتى أناخ عليهم وبيتوا محمد بن ابراهيم الطائى وكان في مقدمة السلطان فقاتلهم إلى ان وصل السلطان فهزمهم وأثخن فيهم بالقتل والاسر وركب التكين السفن ناجيا فغدره الملاحون وجاؤا به إلى السلطان فقتله في جماعة من القواد الذين قتلوا مأمونا على قبره وبعث بالباقين إلى غزنة فأخرجوا في البعوث إلى الهند وأنزلوا هنالك في حامية الثغور وأجريت لهم الارزاق واستخلف على خوارزم الحاجب الترنتاش ورجع إلى بلاده * (فتح قشمير وقنوج) * ولما فرغ السلطان من أمر خوارزم وانضافت إلى مملكته عدل إلى بست وأصلح(4/371)
أحوالها ورجع إلى غزنة ثم اعتزم على غزو الهند سنة تسع وأربعمائة وكان قد دوخ بلادها كلها ولم يبق عليه الاقشمير ومن دونها الفيافي والمصاعب فاستنفر الناس من جميع الجهات من المرتزقة والمتطوعة وسار تسعين مرحلة وعبر نهر جيحون وحيلم وخيالا هو وامراؤه وبث عساكره في أودية لا يعبر عن شدة جريها وبعد اعماقها وانتهى إلى قشمير وكانت ملوك الهند في تلك الممالك تبعث إليه بالخدمة والطاعة وجاءه صاحب درب قشمير وهو جنكى بن شاهى وشهى فأقر بالطاعة وضمن دلالة الطريق وسار أمام العسكر إلى حصن مأمون لعشرين من رجب وهو خلال ذلك يفتتح القلاع
إلى أن دخل في ولاية هردت أحسد ملوك الهند فجاء طائعا مسلما ثم سار السلطان إلى قلعة كلنجد من أعيان ملوكهم فبرز للقائه وانهزم واعترضهم انهار عميقة سقطوا فيها وهلكوا قتلا وغرقا يقال هلك منهم خمسون ألفا وغنم السلطان منهم مائة فيل وخمسة إلى غير ذلك مما جل عن الوصف ثم عطف إلى سقطا لتقيذ وهو بيت مبنى بالصخور الصم بشرع منها بابان إلى الماء المحيط موضوعة ابنيته فوق التلال وعن جنبتيه ألف قصر مشتملة على بيوت الاصنام وفي صدر البلد بيت أصنام منها خمسة من الذهب الاحمر مضروبة على خمسة أذرع في الهواء قد جعلت عينا كل واحدة منهما ياقوتتان تساويان خمسين ألف دينار وعين الآخر قطعة ياقوت أزرق تزن أربعمائة وخمسين مثقالا وفى وزن قدمى الضم الواحد أربعة آلاف وأربعمائة مثقال وجملة ما في الاشخاص من الذهب ثمانية وتسعون ألف مثقال وزادت شخوص الفضة على شخوص الذهب في الوزن فهدمت تلك الاصنام كلها وخربت وسار السلطان طالبا قنوج وخرب سائر القلاع في طريقه ووصل إليها في شعبان سنة تسع وقد فارقها نزو جبال حين سمع بقدومه وعبر نهر كنك الذى تغرق الهنود فيه أنفسهم ويذرون فيه رماد المحرقين منهم وكان أهل الهند واثقين بقنوج وهى سبع قلاع موضوعة على ذلك الماء فيها عشرة آلاف بيت للاصنام تزعم الهنود أن تاريخها منذ مائتي ألف سنة ثلثمائة ألف سنة وانها لم تزل متعبدا لهم فلما وصلها السلطان ألفاها خالية قد هرب أهلها ففتحها كلها في يوم واحد واستباحها أهل عسكره ثم أخذ في السير منها إلى قلعة لنج وتعرف بقلعة البراهمة فقاتلوا ساعة ثم تساقطوا من أعاليها على سنا الرماح وضياء الصفاح ثم سار إلى قلعة اسا وملكها جندبال فهرب وتركها وأمر السلطان بتخريبها ثم عطف على جندراى من أكابر الهنود في قلعة منيعة وكان جميال ملك الهند من قبل ذلك يطلبه للطاعة والالفة فيمتنع عليه ولحق جميال بنهوجد أحد المغرورين بحصانة المعقل فنجا بنفسه ورام جندراى المدافعة وثوقا بامتناع قلعته ثم تنصح له بهميال ومنعه من ذلك(4/372)
فهرب إليه أمواله وأنصاره إلى جبال وراء القلعة وافتتحها السلطان وحصل منها على غنائم وسار في أتباع جندراى وأثخن فيهم قتلا ونهبا وغنم منهم أموالا وفيولا وبلغت الغنائم ثلاثة آلاف ألف درهم ذهبا وفضة ويواقيت والسبي كثير وبيع بدرهمين إلى عشرة وكانت الفيول تسمى عندهم جنداى داد ثم قضى السلطان جهاده ورجع إلى غزنة فابتنى مسجدها الجامع وجلب إليه جذوع الرخام من الهندو فرشه بالمرمر وأعالى جدرانه بالاصباغ وصباب الذهب المفرغة من تلك الاصنام واحتضر بناء المسجد بنفسه نقل إليه الرخام من نيسابور وجعل أمام البيت مقصورة تسع ثلاثة آلاف غلام وبنى بازاء المسجد مدرسة احتوت فيها الكتب من علوم الاولين والآخرين وأجريت بها الارزاق واختصت لنفسه يفضى منه إليه في أمن من العيون وامر القواد والحجاب وسائر الخدام فبنوا بجانب المسجد من الدور ما لا يحصى وكانت غزنة تحتوى على مربط ألف فيل يحتاج كل واحد منها لسياسة ومائدته خطة واسعة * (غزوة الافقانية) * لما رجع السلطان إلى غزنة راسل بيد والى والى قنوج واسمه راجبان بدلحه وطال بينهما العتاب وآل إلى القتال فقتل والى قنوج واستلحمت جنوده وطغى بيدو وغلب على الملوك الذين معه وصاروا في جملته ووعدهم برد ما غلبهم عليه السلطان محمود ونمى الخبر بذلك إليه فامتعض وسار إلى بيد وفغلبه على ملكه وكان ابتداؤه في طريقه بالافقانية طوائف من كفار الهند معتصمون بقلل الجبال ويفسدون السابلة فسار في بلادهم ودوخها وعبر نهر كنك وهو واد عميق وإذا جيبال من ورائه فعبر إليه على عسر العبور فانهزم جيبال وأسر كثير من أصحابه وخلص جريحا واستأمن إلى السلطان فلم يؤمنه الا أن يسلم فسار ليلحق ببيدو فغدر به بعض الهنود وقتله فلما رأى ملوك الهند ذلك تابعوا رسلهم إلى السلطان في الطاعة على الاتاوة وسار إلى مدينة بارى من أحصن بلاد
الهند فألفاها خالية فأمر بتخريبها وعشر قلاع مجاورة لها وقتل من أهلها خلقا وسار في طلب بيدو وقد تحصن بنهر أدار ماءه عليه من جميع جوانبه ومعه ستة وخمسون ألف فارس وثمانون ألف راجل وسبعمائة وخمسون فيلا فقاتلهم هنالك يوما وحجز بينهم الليل فأجفل بيدو وأصبحت دياره بلا قع وترك خزائن الاموال والسلاح فغنمها المسلمون وتتبعوا آثارهم فوجدوهم في الغياض والآكام فاكثروا فيهم القتل والاسر ونجا بيدو بذماء نفسه ورجع السلطان إلى غزنة ظافرا * (فتح سومنات) *(4/373)
كان للهند صنم يسمونه وهو أعظم أصنامهم في حصن حصين على ساحل البحر بحيث تلتقفه أمواجه والصنم مبنى في بيته على ستة وخمسين سارية من الساج المصفح بالرصاص وهو من حجر طوله خمسة أذرع منها ذراعان غائصان في البناء وليس له صورة مشخصة والبيت مظلم يضئ بقناديل الجوهر الفائق وعنده سلسلة ذهب بجرس وزنها مائة من تحرك بأدوار معلومة من الليل فيقوم عباد البرهميين لعبادتهم بصوت الجرس وعنده خزانة فيها عدد كثير من الاصنام ذهبا و فضة عليها ستور معلقة بالجوهر منسوجة بالذهب تزيد قيمتها على عشرين ألف ألف دينار وكانوا يحجون إلى هذا الصنم ليلة خسوف القمر فتجتمع إليه عوالم لا تحصى وتزعم الهنود أن الارواح بعد المفارقة تجتمع إليه فيبثها فيمن شاء بناء على التناسخ والمد والجذر عندهم هو عبادة البحر وكانوا يقربون إليه كل نفيس وذخائرهم كلها عنده ويعطون سدنته الاموال الجليلة وكان له أوقاف تزيد على عشرة آلاف ضيعة وكان نهرهم المسمى كنك الذى يزعمون أن مصبه في الجنة ويلقون فيه عظام الموتى من كبرائهم وبينه وبين سومنات مائتا فرسخ وكان يحمل من مائه كل يوم لغسل هذا الصنم وكان يقوم عند الصنم من عباد البرهميين ألف رجل في كل يوم للعبادة وثلثمائة لحلق رؤس الزوار ولحاهم وثلثمائة رجل وخمسمائة
امرأة يغنون ويرقصون ولهم على ذلك الجرايات الوافرة وكان كلما فتح محمود بن سبكتكين من الهند فتحا أو كسر صنما يقول أهل الهندان سومنات ساخط عليهم ولو كان راضيا عنهم لا هلك محمود ادونه فاعتزم محمود بن سبكتكين إلى غزوه وتكذيب دعاويهم في شأنه فسار من غزنة في شعبان سنة ست عشرة في ثلاثين ألف فارس سوى المتطوعة وقطع القفر إلى الملتان وتزود له من القوت والماء قدر الكفاية وزيادة عشرين ألف حمل وخرج من المفازة إلى حصون مشحونة بالرجال قد غوروا آبارهم مخافة الحصار فقذف الله الرعب في قلوبهم وفتحها وقتل سكانها وكسر أصنامها واستقى منها الماء وسار إلى انهلوارن وأجفل عنها صاحبها بهيم وسار إلى بعض حصونه و ملك السلطان المدينة ومر إلى سومنات ووجد في طريقه حصونا كثيرة فيها أصنام وضعوها كالنقباء والخدمة لسومنات ففتحها وخربها وكسر الاصنام ثم سار في قفر معطش واجتمع من سكانه عشرون ألفا لدفاعه فقاتلهم سراياه وغنموا أموالهم وانتهوا إلى دبلواه على مرحلتين من سومنات فاستولى عليها وقتل رجالها ووصل إلى سومنات منتصف ذى القعدة يفوجد أهلها مختفين في أسوارهم وأعلنوا بكلمة الاسلام فوقها فاشتد القتال حتى حجز بينهم الليل ثم أصبحوا إلى القتال وأثخنوا في الهنود وكانوا يدخلون إلى الصنم فيعنفونه ويبكون ويتضرعون إليه ويرجعون إلى القتال ثم انهزموا بعد(4/374)
أن أفناهم القتل وركب فلهم السفن فأدركوا وانقسموا بين النهب والقتل والغرق وقتل منهم نحو من خمسين ألفا واستولى السلطان على جميع ما في البيت ثم بلغه أن بهيم صاحب انهلوارن اعتصم بقلعة له تسمى كندهة في جزيرة على أربعين فرسخا من البر فرام خوض البحر إليها ثم رجع عنها وقصد المنصورة وكان صاحبها ارتد عن الاسلام ففارقها وتسرب في غياض هناك فأحاطت عساكر السلطان بها وتتبعوهم بالقتل فأفنوهم ثم سار إلى بهاطية فدان أهلها بالطاعة ورجع إلى غزنة في صفر سنة سبع عشرة
* (دخول قابوس صاحب جرجان وطبرستان في ولاية السلطان محمود) * قد قدمنا وفادة قابوس على الامير نوح بن منصور بن سامان وعامله بخراسان أبى العباس تاس مستصرخا على بنى بويه عندما ملكوا طبرستان وجرجان من يده سنة احدى وسبعين وأقام بخراسان ثمانى عشرة سنة وهم يعدونه بالنصرة والمدد حتى يئس منهم ولما جاء سبكتكين وعده بمثل ذلك ثم شغله شغل بنى سيجور ثم وعده السلطان محمود وشغلته فتنة أخيه واستولى أبو القاسم بن سيجور على جرجان بعد مهلك فخر الدولة بن بويه ثم أمر من ببخارا بالمسير إلى خراسان فسار إلى اسفراين واستمد قابوس رجال الديلم والجيل فأمدوه وظاهروه على أمره حتى غلب على طبرستان وجرجان وملكها كما يذكر في أخبار الديلم والجيل وكان نصر بن الحسن بن القيرزان وهو ابن عم ماكان ابن كالى ينازعه فيهما فآل الحال بنصر إلى أن اعتقله بنو بويه بالرى واستقل قابوس بولاية جرجان وطبرستان كوديار الديلم كلها من ممالك محمود * (استيلاء السلطان محمود على الرى والجيل) * كان مجد الدولة بن فخر الدولة صاحب الرى وكان قد ضعف أمره وأدبرت دولته وكان يتشاغل بالنساء والكتاب نسخا ومطالعة وكانت أمه تدبر ملكه فلما توفيت انتقضت أحواله وطمع فيه جنده وكتب إلى محمود يشكو ذلك ويصتدعى نصرته فبعث إليه جيشا عليهم حاجبه وأمره أن يقبض على مجد الدولة فقبض عليه وعلى ابنه أبى دلف عند وصوله وطير بالخبر إلى السلطان فسار في ربيع من سنة عشرين ودخل الرى وأخذ أموال مجد الدولة وكانت ألف ألف دينار ومن الجوارى قيمة خمسمائة ألف دينار ومن الثياب ستة آلاف ثوب ومن الآلات ما لا يحصى ووجد له خمسين زوجة ولدن نيفا وثلاثين ولدا فسئل عن ذلك فقال هذه عادة وأحضر مجد الدولة وعنفه وعرض له بتسفيه رأيه في الانتصار عن جند راى منه وبعثه إلى خراسان فحبس بها ثم ملك السلطان قزوين وقلاعها ومدينة ساوه وآوه وصلب أصحاب مجد الدولة من الباطنية(4/375)
ونفى المعتزلة إلى خراسان وأحرق كتب الفلسفة والاعتزال والنجوم وأخذ مما سوى ذلك من الكتب مائة حمل وتحصن منه منوجهر بن قابوس ملك الجيل بالجبال الوعرة فقصده فيها ولم تصعب عليه فهرب منوجهر وتحصن بالغياض وبعث له بخمسمائة ألف دينار استصلاحا فقبلها ورجع عنه إلى نيسابور وتوفى منوجهر عقب ذلك وولى بعده ابنه أنو شروان فأقره السلطان على ولايته وقرر عليه خمسمائة ألف دينار ضريبة وخطب للسلطان محمود في بلاد الجيل إلى أرمينية وافتتح ابنه مسعود زنجان وأبهر من يد ابراهيم السيلار بن المرزبان من عقب شوذان بن محمد بن مسافر الديلمى وجميع قلاعه ولم يبق بيده الاشهر زان قرر عليه فيها ضريبة كما يأتي في أخبار الديلم ثم أطاعه علاء الدولة بن كاكويه بأصفهان وخطب له وعاد السلطان إلى خراسان واستخلف بالرى ابنه مسعود افقصد أصفهان وملكها من علاء الدولة واستخلف مسعود عليها بعض أصحابه وعاد عنها فثار أهلها بعامله وقتلوه فرجع إليهم واستباحهم ثم عاد إلى الرى فأقام بها * (استيلاء السلطان محمود على بخارا ثم عوده عنها) * كان ايلك خان ملك الترك وصاحب تركستان لما ملك بخارا من يد بنى سامان سنة تسعين وثلثمائة ولى عليها ورجع إلى بلاده كما مر وكان الغز أحياء بادية بضواحي بخارا وزعميهم أرسلان بن سلجوق عم السلطان طغرلبك وكان بينه وبين ايلك خان وأخيه بقراخان حروب وفتن بسبب استظهار بنى سامان بهم فلما ملك ايلك خان بخارا عرف لارسلان بن سيجور حقه ورفع محله وهو مع ذلك مستوحش وكان على تكين أخو ايلك خان وحبس أرسلان ولحق ببخارا فاستولى عليها وطلب موالاة أرسلان بن سيجور فوالاه واستفحل أمر هما ونهض اليهما ايلك خان وقاتلهما فهزماه واستوثق أمرتكين في بخارا وكان يسئ جوار السلطان محمود بن سبكتكين في أعماله ويعترض
رسله المترددين إلى ملوك الترك فأحفظ ذلك السلطان وأجمع المسير إليه فنهض من بلخ سنة عشرين وأربعمائة وعبر النهر وقصد بخارا فهرب منها على تكين ولحق بايلك خان ودخل السلطان بخارا وملك سائر أعمالها وأخذ الجزية من سمرقند وأجفلت أحياء الغزو ارسلان بن سلجوق وتلطف في استدعانه فلما حضر عنده تقبض عليه وبعثه إلى بعض قلاع الهند وحبسه بها وسار إلى أحياء الغز قنهبهم وأثخن فيهم قتلا وأسرا ورجع إلى خراسان * (خبر السلطان محمود مع الغز بخراسان) *(4/376)
ثم توفى أبو الحسن بن مزيد سنة ثمان وقام بالامر مكانه ابنه نور الدولة أبو الاغر دبيس وقد كان أبوه عهد لاخيه في حياته وخلع عليه سلطان الدولة وأذن في ولايته فلما ولى بعد أبيه نزع أخوه المقلد إلى بنى عقيل فأقام بينهم وكانت بسبب ذلك بين دبيس وقراوش أميرى بنى عقيل فتن وحروب وجمع دبيس عليه بنى خفاجه وملك الانبار من يده سنة سبع عشرة ثم انتقض خفاجه على دبيس وأميرهم منيع بن حسان وسار إلى الجامعين فنهبها وملك الكوفة وصار أمر دبيس وقراوش إلى الوفاق واستوى الامر على ذلك ومنعت خفاجه بنى عقيل من سقى الفرات * (استيلاء منصور بن الحسين على الجزيرة الدبيسية) * كانت الجزيرة الدبيسية قد استقرت لطراد بن دبيس وكان منصور بن الحسين بن شعوب بنى أسد ثغلب عليها وأخرج طراد بن دبيس عنها سنة ثمان عشرة ثم مات طراد فسار ابنه أبو الحسن إلى جلال الدولة ببغداد وكان منصور بن الحسين قد خطب للملك أبى كليجار وقطع الخطبة لجلال الدولة فسأل منه على بن طراد أن يبعث معه عسكرا ليخرج منصورا من الجزيرة فأنفذ معه العسكر وسار إلى واسط ثم أغذ السير وكان منصور جمع للقائه وأعانه بعض امراء الترك وهو أبو صالح كركبر وكان قد هرب من
جلال الدولة إلى أبى كليجار فأعان منصورا على شأنه ولقوا على بن طراد فهزموه وقتلوه وجماعة من الترك الذين بعثهم جلال الدولة لنصرته واستقر ملك الجزيرة الدبيسية لمنصور بن الحسين * (فتنة دبيس مع جلال الدولة وحروبه مع قومه) * كان المقلد أخود بيس بن مزيد قد لحق ببنى عقيل كما ذكرناه وكانت بينه وبين نور الدولة دبيس عداوة فسار إلى منيع بن حسان أمير خفاجه واجتمعا على قتال دبيس على خلافة جلال الدين وخطب لابي كليجار واستقدمه للعراق فجاء إلى واسط وبها ابن جلال الدولة ففارقها وقصد النعمانية ففجر عليه البثوق من بلده وأرسل أبو كليجار إلى قراوش صاحب الموصل والاثير عنبر الخادم ان ينحدروا إلى العراق فانحدروا إلى الكحيل ومات بها الاثير عنبر وجمع جلال الدولة عساكره واستنجد أبا الشوك صاحب بلاد الاكراد فانجده وانحدر إلى واسط وأقام بها وتتابعت الامطار والاوحال فسار جلال الدولة إلى الاهواز بلد أبى كليجار لينهبها وبعث أبو كليجار إليه بأن عساكر محمود بن سبكتكين قد قصدت العراق ليرده عن الاهواز فلم يلتفت إلى ذلك وسار ونهب الاهواز وبلغ الخبر إلى أبى كليجار فسار إلى مدافعته وتخلف عنه دبيس خوفا على حلله(4/377)
وبيقو وأخوه لامه نيال المسمى بعد الاسلام ابراهيم فانهزموا وأقاموا بعد سلجوق ببلاد ما وراء النهر وكان بينهم وبين على تكين صاحب بخارا حروب ظهر عليهم فيها فعبروا جيحون إلى خوارزم وخراسان وكان من أخبارهم فيها ومآل أمرهم إلى الملك والدولة ما يأتي ذكره * (افتتاح نرسى من الهند) * كان السلطان محمود قد استخلف على الهند من مواليه أحمد نيال تكين فغزا سنة احدى وعشرين مدينة نرسى من أعظم مدن الهند في مائة ألف مقاتل فنهب وخرب
الاعمال واستباحها وجاء إلى المدينة فدخلها من أحد جوانبها واستباحها يوما ولم يستوعبها حتى خرجوا فباتوا بظاهرها خوفا على أنفسهم من أهل البلد وقسموا الاموال كيلا وارادوا العود من الغد فدافعهم أهلها ورجع أحمد نيال بعساكره إلى بلده * (وفاة السلطان محمود وولاية ابنه محمد) * ثم توفى السلطان محمود في ربيع سنة احدى وعشرين وأربعمائة وكان ملكا عظيما استولى على كثير من الممالك الاسلامية وكان يعظم العلماء ويكرمهم وقصدوه من أقطار البلاد وكان عادلا في رعيته رفيقا بهم محسنا إليهم وكان كثير الغزو والجهاد وفتوحاته مشهورة ولما حضرته الوفاة أوصى بالملك لابنه محمد وهو ببلخ وكان أصغر من مسعود الا أنه كان مقبلا عليه ومعرضا عن مسعود فلما توفى بعث أعيان الدولة إلى محمد بخبر الوصية واستحثوه وخطب له في أقاصى الهند إلى نيسابور وسار إلى غزنة فوصلها لاربعين يوما واجتمعت العساكر على طاعته وقسم فيهم الاعطيات * (خلع السلطان محمد ابن السلطان محمود وولاية ابنه الآخر مسعود الاكبر) * لما توفى السلطان محمود كان ابنه مسعود بأصفهان فسار إلى خراسان واستخلف على اصفهان فثار أهلها بخليفته وعسكره فقتلوهم فعاد إليهم مسعود وحصرها وافتتحها عنوة واستباحها ثم استخلف عليها وسار إلى الرى ومنها إلى نيسابور وكتب إلى أخيه محمد بالخبر وانه لا ينازعه ويقتصر على فتحه من طبرستان وبلد الجبل وأصفهان ويطلب تقديمه على محمد في الخطبة فأحفظه ذلك واستخلف العساكر وسار إلى مسعود وكان أكثر العساكر يميلون إلى مسعود لقوته وشجاعته وعلو سنه وأرسل التوتناش صاحب خوارزم وكان من أصحاب السلطان محمود يشير على محمد بترك الخلاف فلم يسمع وسار فانتهى إلى بكياباد أول رمضان من سنته وأقام وكان مشتغلا باللعب عن تدبير الملك(4/378)
فتفاوض جنده في خلعه والا دالة منه بأخيه مسعود وتولى كبر ذلك عمه يوسف بن
سبكتكين وعلى حشاوند صاحب أبيه وحبسوا محمدا بقلعة بكياباد وكتبوا بالخبر إلى مسعود وارتحلوا إليه بالعساكر فلقوه بهراة فقبض على عمه وعلى صاحب أبيه وعلى جماعة من القواد واستقر في ملك أبيه شهر ذى القعدة من سنته وأخرج الوزير أبا القاسم أحمد بن الحسن السيمندى من محبسه وفوض إليه الوزارة وأمور المملكة وكان أبوه قبض عليه سنة ست عشرة وصادره على خمسة آلاف دينار ثم سار إلى غزنة فوصلها منتصف ثنتين وعشرين ووفدت عليه رسل جميع الملوك من جميع الآفاق واجتمع له ملك خراسان وغزنة والهند والسند وسجستان وكرمان ومكران والرى وأصفهان والجيل وعظم سلطانه * (عود أصفهان إلى علاء الدولة بن كاكويه ثم رجوعها للسطان مسعود) * كان قناخر مجد الدولة بن بويه صاحب أصفهان وملكها السلطان محمود من يده فهرب عنها وامتنع بحصن قصران وأنزل السلطان محمود ابنه مسعودا بأصفهان وأنزل معه علاء الدولة بن كاكويه فاستقل بها وسار عنه مسعود ثم زحف إليه وملكها من يده ولحق علاء الدولة بخوزستان يستنجد أبا كليجار بن سلطان الدولة وسار عنه إلى تستر ليستمد له من أخيه جلال الدولة العساكر لمعاودة أصفهان وكان ذلك عقب فتنة وحرب بين أبى كليجار وأخيه جلال الدولة فوعده أبوه بذلك إذا اصطلحا وأقام عنده إلى أن توفى السلطان محمود ولما توفى السلطان محمود جمع قناخر جمعا من الديلم والاكراد وقصد الرى وقاتله نائبه مسعود فهزمه ودفعه عن الرى وفتك في عسكره قتلا وأسرا وعاد قناخر إلى بلده وبلغ الخبر إلى علاء الدولة بموت السلطان محمود وهو عند أبى كليجار بخوزستان وقد أيس من النصر فبادر إلى أصفهان فملكها ثم همذان وقصد الرى فقاتله نائب مسعود ورجع إلى أصفهان ثم اقتحموا عليه البلد عنوة ونجا علاء الدولة إلى قلعة قرد خان على خمسة عشر فرسخا من همذان وخطب لمسعود بالرى وجرجان وطبرستان * (فتح التيز ومكران وكرمان ثم عود كرمان لابي كليجار) *
كان صاحب التيز ومكران لما توفى خلف ولدين أبا العساكر وعيسى واستبد عيسى منهما بالملك فسار أبو العساكر إلى خراسان مستنجد بمسعود فبعث معه عسكرا ودعوا عيسى إلى الطاعة فامتنع وقاتلوه فاستأمن كثير من أصحابه إلى أبى العساكر فانهزم عيسى وقتل في المعركة واستولى أبو العساكر على البلاد وملكها وخطب فيها للسلطان(4/379)
مسعود وذلك سنة ثنتين وعشرين وفي هذه السنة ملك السلطان مسعود كرمان وكانت للملك أبى كليجار بن سلطان الدولة فبعث إليها السلطان مسعود عساكر خراسان فحاصروا مدينة بردسير وشدوا في حصارها واستبد إلى أطراف البلاد ثم وصل عسكر أبى كليجار إلى جيرفت واتبعوا الخراسانية بأطراف البلاد فعاود هزيمتهم ودخلوا المفازة إلى خراسان وعادت العساكر إلى فارس * (فتنة عساكر السلطان مسعود مع علاء الدولة بن كاكويه وهزيمته) * قد تقدم لنا هزيمة علاء الدولة أبى جعفر بن كاكويه من الرى ونجاته إلى قلعة قرد خان ثم سار منها إلى يزد جرد ومعه فرهاد بن مرداويح مدد اله وبعث صاحب الجيوش بخراسان عسكرا مع ابن عمران الديلمى لاعتراضهما فلما قاربهما العسكر فر فرهاد إلى قلعة شكمين ومضى علاء الدولة إلى سابور خرات وملك على بن عمران يزد جرد ثم ارسل فرهاد إلى الاكراد الذين مع على بن عمران وداخلهم في الفتك به وشعر بذلك فسار إلى همذان ولحقه فرهاد فاعتصم بقلعة في طريقه منيعة وكادوا يأخذونه لولا عوائق الثلج والمطر في ذلك اليوم وكانوا ضاحين من الخيام فتركوه ورجعوا عنه وبعث ابن عمران إلى تاش قرواش صاحب جيوش خراسان يستمده في العسكر إلى همذان وبعث علاء الدولة يستدعى أبا منصور ابن أخيه من أصفهان بالسلاح والاموال ففعل وسار على بن عمران من همذان لاعتراضه فكبسه بجرباذقان وغنم ما معه وقتل كثيرا من عسكره وأسره وبعث به إلى تاش قرواش صاحب جيوش خراسان وسار إلى همذان
وزحف إليه علاء الدولة وفرهاد فانقسموا عليه وجاؤه من ناحيتين فانهزم علاء الدولة ونجا الى أصفهان وفرهار إلى قلعة شمكين فتحصن بها * (مسير السلطان مسعود إلى غزنة والفتن بالرى والجيل) * لما استولى السلطان على أمره سار من غزنة إلى خراسان لتمهيد أمورها وكان عامله وعامل أبيه على الهند أحمد نيال تكين قد استفحل فيها أمره وحدثته نفسه بالاستبداد فمنع الحمل وأظهر الانتقاض فسار السلطان إلى الهند ورجع أحمد نيال إلى الطاعة وقام علاء الدولة باصفهان وأظهر الانتقاض ومعه فرهاد بن مرادويح فزحف إليهم أبو سهل وهزمهم وقتل فرهاد ونجا علاء الدولة إلى جبال أصفهان وجرباذقان فامتنع بها وسار أبو سهل إلى اصفهان فملكها سنة خمس وعشرين ونهب خزائن علاء الدولة وحمل كتبه إلى غزنة وأحرقها الحسين الغورى بعد ذلك * (عود أحمد نيال تكين إلى العصيان) *(4/380)
ولما عاد السلطان إلى خراسان لقتال الغز عاد أحمد نيال تكين إلى العصيان بالهند وجمع الجموع فبعث السلطان سنة ست وعشرين إليه جيشا كثيفا وكتب إلى ملوك الهند بأخذ المذاهب عليه فلما قاتله الجيوش انهزم ومضى هاربا إلى ملتان وقصد منها بهاطية وهو في جمع فلم يقدر ملك بهاطية على منعه وأراد عبور نهر السند في السفن فهيأ له الملك ليعبر إلى جزيرة وسط النهر ظنها متصلة بالبر وأوصى الملك الملاحين أن ينزلوه بها ويرجعوا عنه وعملوا أنها منقطعة فضعفت نفوسهم وأقاموا بها سبعة أيام ففنيت أزوادهم وأكلوا دوابهم وأوهنهم الجوع وأجاز إليهم ملك بهاطية فاستوعبهم بالقتل والغرق والاسر وقتل أحمد نفسه * (فتح جرجان وطبرستان) * كانت جرجان وطبرستان وأعمالهما لدار ابن منوجهر بن قابوس وكان السلطان
مسعود قد أقره عليها فلما سار السلطان إلى الهند وانتشر الغز في خراسان منع الحمل وداخل علاء الدولة بن كاكويه وفرهاد بن ماكان في العصيان فلما عاد مسعود من الهند وأجلى الغز عن خراسان سار إلى جرجان سنة ست وعشرين فملكها ثم سار إلى آمد فملكها وفارقها أصحابها وافترقوا في الغياض فتبعهم وقتل منهم وأسر ثم راسله دارا في الصلح وتقرير البلاد عليه وحمل ما بقى عليه فأجابه السلطان إلى ذلك ورجع إلى خراسان * (مسير علاء الدولة إلى اصفهان وهزيمته) * كان أبو سهل الحمدونى قد أنزله السلطان باصفهان ودلهم على النواحى القريبة من علاء الدولة فأوقع بهم وغنم ما معهم وقوى طمعه بذلك في أصفهان فجمع الجموع وسار إليها فخرج إليهم أبو سهل وقاتلهم وتحيز من كان مع علاء الدولة من الاتراك إلى أبى سهل فانهزم علاء الدولة ونهب سواده وسار إلى يزدجرد ثم إلى الطرم فلم يقبله ابن السلار صاحبها * (استيلاء طغرلبك على خراسان) * كان طغرلبك وأخواه بيقو وحقر بيك واسم طغرلبك محمد ولما أسر السلطان محمود أرسلان بن سلجوق وحبسه كما مرو أجاز أحياء من الغز إلى خراسان فكان من أخبارهم ما قدمناه وأقام طغرلبك واخوته في أحيائهم بنواحي بخارا ثم حدثت الفتنة بينهم وبين على تكين صاحب بخارا وكانت بينهم حروب ووقائع وأوقعوا بعساكره مرارا فجمع أهل البلاد عليهم وأوقع بهم واستلحمهم واستباحهم فانحازوا الى خراسان سنة(4/381)
ست وعشرين واستخدموا لصاحب خوارزم وهو هرون بن التوتناش وغدر بهم فساروا عنه إلى مفازة نسلثم قصدوا مرو وطلبوا الامان من السلطان مسعود على أن يضمنهم امان السابلة فقبض على الرسل ولم يجبهم على ما سألوا وبعث العساكر فأوقعوا
بهم على نساثم طار شررهم في البلاد وعم ضررهم وسار السلطان ألب أرسلان إلى نيسابور ففارقها أبو سهل الحمدونى فيمن معه واستولى عليها داود وجاء أخوه طغرلبك على اثره ولقيهم رسل الخليفة إليهم والى العراقية الذين قتلهم بالرى وهمذان يعنفهم وينهاهم عن الفساد ويطمعهم فتلقوا الرسل بالاعظام والتكرمة ثم امتدت عين داود إلى نهب نيسابور فمنعه طغرلبك وعرض له بشهر رمضان ووصية الخليفة فلج فقوى طغرلبك في المنع وقال والله لئن نهبت لاقتلن نفسي فكف داود عن ذلك وقسطوا على أهل نيسابور ثلاثين ألف دينار فرقوها في أصحابهم وجلس طغرلبك على سرير ملك مسعود بدار الملك وصار يقعد للمظالم يومين في الاسبوع على عادة ولاة خراسان وكانوا يخطبون للملك مسعود مغالطة وايهاما * (مسير السلطان مسعود من غزنة إلى خراسان واجلاء السلجوقية عنها) * ولما بلغ الخبر إلى السلطان مسعود باستيلاء صغرلبك والسلجوقية على نيسابور جمع عساكره من غزنة وسار إلى خراسان فنزل بلخ في صفر سنة ثلاثين وأصهر إلى بعض ملوك الخانية دفعا لشره واقطع خوارزم ولحق اسمعيل بطغرلبك ثم أراح السلطان مسعود وفرغ من خوارزم والخانية فبعث السلطان سباسى فسار إليهم في العساكر فلم يشف نفسه ونزل سرخس وعدلوا عن لقائه ودخلوا المفازة التى بين مرو وخوارزم واتبعهم السلطان مسعود وواقعهم في شعبان من هذه السنة فهزمهم فما بعدوا حتى عادوا في نواحيه فأوقع بهم أخرى وكان القتلى فيها منهم ألفا وخمسمائة وهربوا إلى المفازة وثار أهل نيسابور بمن عندهم وقتلوهم ولحق فلهم باصحابهم في المفازة وعدل السلطان إلى هراة ليجهز العساكر ليطلبهم فبلغه الخبر بأن طغرلبك سار إلى استراباذ وأقام بها في فصل الشتاء يظن أن الثلج يمنعهم عنه فسار السلطان إليه هنالك ففارقها طغرلبك وعدل عن طوس إلى جبال الرى الذى كان فيها طغرلبك وأصحابه وقد امتنعوا بحالهم خوفا من السلطان لما كان منهم من موالاة السلجوقية فاغذا لهم السير وصبحهم فتركوا
أهلهم وأموالهم واعتصموا بوعر الجبل وغنمت عساكره جميع ما استولوا عليه ثم صعد إليهم بنفسه وعساكره وهلك كثير من العسكر بالثلج في شعاب الجبل ثم ظفروا بهم في قنة الجبل واستلحموهم وسار مسعود إلى نيسابور في جمادى سنة احدى وثلاثين ليريح ويخرج في فصل الربيع لطلبهم في المفاوز ثم عاد طغرلبك وأصحابه من المفازة وبعث إليهم(4/382)
السلطان بالوعيد فيقال ان طغرلبك قال لكاتبه اكتب إليه قل اللهم مالك الملك الآية ولا تزده عليها ولما ورد الكتاب على السلطان مسعود كتب إليه وآنسه بالمواعيد وبعث إليه بالخلع وأمره بالرحيل إلى آمل الشط على جيحون وأقطع نسا لطغرلبك ودهستان لداود وبداوة لبيقو وسمى كل واحد منهما بالدهقان فلم يقبلوا شيأ من ذلك ولا وثقوا به وأكثروا من العيث والفساد ثم كفوا عن ذلك وبعثوا إلى السلطان مسعود يخادعونه بالطاعة ببلخ ورغبوه في أن يسرح إليهم أخاهم ارسلان المحبوس بالهند فبعث إليه السلطان مسعود وجاؤا بارسلان من الهند ولما لم يتم بينهم أمر باعادته إلى محبسه * (هزيمة السلطان مسعود واستيلاء طغرلبك على مدائن خراسان وأعمالها) * ولما تغلبت السلجوقية على نواحى خراسان وفضوا عساكر السلطان وهزموا الحاجب سباسى اهتز السلطان لذلك وأجمع لخراسان الحشدو بث العطاء وأزاح العلل وسار من غزنة في الجيوش الكثيفة والفيلة العديدة على التعبية المألوفة ووصل إلى بلخ ونزل بظاهرها وجاء داود باحيائه فنزل قريبا منه وأغار يوما على معسكره فساق من باب الملك مسعود عدة من الجنائب المقربات معها الفيل الاعظم وارتاع الملك لذلك وارتحل مسعود من بلخ في رمضان سنة تسع وعشرين ومعه مائة ألف مقاتل ومر بالجوزجان فصلب الوالى الذى كان بها للسلجوقية وانتهى إلى مرو الشاهجان ومضى داود إلى سرخس واجتمع معه أخوه طغرلبك وبيقو وبعث إليهم السلطان في الصلح فوفد عليه يبقو فأكرمه السلطان وخلع عليه واجابه هو عن أصحابه بالامتناع من الصلح للخوف
من السلطان وسار من عند السلطان فسقط في يده وسار في اتباعهم من هراة إلى نيسابور ثم سرخس كلما تبعهم إلى مكان هربوا منه إلى آخر حتى أظلهم فصل الشتاء فأقاموا بنيسابور ينتظرون انسلاخه فانسلخ والسلطان عاكف على لهوه غافل عن شأنه حتى انقضى زمن الربيع واجتمع وزراؤه وأهل دولته وعذلوه في اهمال أمر عدوه فسار من نيسابور إلى مرو في طلبهم فدخلوا المفازة فدخل وراءهم مرحلتين وقد ضجر العسكر من طول السفر وعنائه وكانوا منذ ثلاث سنين منقلبين فيه مذ سفرهم مع سباسى فنزل بعض الايام في منزلة على قليل من الماء وازدحم الناس على الورود واستأثر به أهل الدولة والحاشية فقاتلهم عليه الجمهور ووقعت في العساكر لذلك هيعة وخالفهم الدعرة إلى الخيام ينهبون ويتخطفون وكان داود وأحياؤه متابعا للعسكر على قرب يتخطف الناس من حولهم فشعر بتلك الهيعة فركب في قومه وصدم العساكر وهم في تلك الحال فولوا منهزمين والسلطان والوزير ثابتان في موقفهما يحرضان الناس على الثبات فلم يثبت أحد فانصرفا مع(4/383)
المنهزمين في قل وأتبعهم داود وأثخن فيهم بالقتل ثم رجع إلى العسكر وقد غنمه أصحابه فأثرهم بالغنائم وقسم فيهم ما حصل له وقعد على كرسى السلطان وأقام عسكره ثلاثة أيام ولياليها على ظهر خشية من كر العسكر السلطانية عليهم ونجا السلطان إلى غزنة فدخلها في شوال سنة احدى وثلاثين وقبض على سباسى وغيره من الامراء وسار طغرلبك إلى نيسابور فملكها آخر احدى وثلاثين ونهب عسكره أهلها وكان بها هرج عظيم من الدعرة وكانوا ينالون من الناس بالنهب والزنا والقتل فارتدعوا لذلك لهيبة طغرلبك وسكن الناس وملك السلجوقية البلاد فسار يبقو الى هراة ملكها وسار داود إلى بلخ وبها الحاجب التوتناش فاستخلفه السلطان عليها فأرسل إليه داود في الطاعة فسجن الرسل وحاصره داود وبعث السلطان مسعود جيشا كثيفا لامداده ودفع السلجوقية
عن البلاد فسار فريق منهم إلى الرخج فدفعوا من كان بها من السلجوقية وهزموهم وافحشوا في قتلهم واسرهم وسار فريق منهما إلى يبقو في هراة فقاتلوه ودفعوه عنها ثم بعث السلطان ابنه مودود بعساكر أخرى وجعل معه وزيره أبا نصر أحمد بن محمد ابن عبد الصمد يدبره فسار عن غزنة سنة ثنتين وثلاثين فلما قارب بلخ وداود يحاصرها بعث داود جماعة من عسكره فلقوا طلائع مودود فهزمهم فلما وصلت منهزمة تأخر مودود عن نهايته وأقام وسمع التوتناش باحجام مودود عنه فأطاع داود وخرخ إليه * (خلع السلطان مسعود ومقتله وولاية أخيه محمد مكانه) * ولما بعث السلطان ولده مودود إلى خراسان لمدافعة السلجوقية عنها وأقام بعده سبعة أيام وخرج من غزنة في ربيع سنة ثنتين وثلاثين يريد الهند للمشتى به على عادة أبيه ويستنفر الهنود لقتال السجوقية واستصحب أخاه محمدا المسمول معه وكان أهل الدولة قد ضجروا منه فتفاوضوا في خلعه وولاية أخيه محمد وأجمعوا ذلك فلما عبروا نهر سيحون وتقدم بعض الخزائن فتخلف أنوش تكين البلخى في جماعة من الغلمان الفداوية ونهبوا بقية الخزائن وبايعوا لمحمد المسمول وذلك في منتصف ربيع الآخر من السنة وافترق العسكر واقتتلوا وعظم الخطب وانهزم السلطان محمو وحاصروه في رباط هناك ثم استنزلوه على الامان وخيره أخوه محمد في السكنى فاختار مسعود قلعة كيدى فبعث إليها وأمر باكرامه ورجع محمد بالعساكر إلى غزنة وفوض انى ابنه أحمد أمر دولته وكان أهوج فاعتزم على قتل عمه مسعود وداخل في ذلك عمه يوسف وعلى خشاوند فوافقوه عليه وحرضوه فطلب من أبيه خاتمه ليختم به بعض خزائنهم وبعث به إلى القلعة مع بعض خدمه ليؤدي رسالة مسعود وهو بخراسان يعتذر بأن أولاد أحمد نيال تكين قتلوا السلطان مسعود قصاصا بأبيهم فكتب إليه يتوعده ثم طمع الجند في السلطان(4/384)
محمد ومدوا أيديهم إلى الرعايا ونهبوها وخربت البلاد وارتحل عنها محمد وكان السلطان
مسعود شجاعا كريما عزيز الفضل حسن الخط سخيا محبا للعلماء مقر بالهم محسنا إليهم والى غيرهم من ذوى الحاجات كثير الصلات والعطاء والجوائز للشعراء حليت تصانيف العلوم باسمه وكثرت المساجد في البلاد بعمارته وكان ملكه فسيحا ملك اصفهان وهمذان والرى وطبرستان وجرجان وخراسان وخوارزم وبلاد الدارون وكرمان وسجستان والسند والرخج وغزنة وبلاد الغور وأطاعه أهل البر والبحر وقد صنف في أخباره ومناقبه * (مقتل السلطان محمد وولاية مودود بن أخيه مسعود) * لما بلغ الخبر بمقتل السلطان مسعود إلى ابنه مودود بخراسان سار مجدا في عساكره إلى غزنة فلقيه عمه محمد في شعبان سنة ثنتين وثلاثين وانهزم محمد وقبض عليه وعلى ابنيه أحمد وعبد الرحمن وعلى أنوش تكين البلخى الخصى وعلى على خشاوند وقتلهم أجمعين الا عبد الرحمن لرفقه بأبيه مسعود عند القبض عليه وقتل كل من داخل في قبض أبيه وخلعه وسار سيرة جده محمود وبلغ الخبر إلى أهخراسان فثار أهل هراة بمن عندهم من السلجوقية فأخرجوهم وتشوف أهل خراسان للنصر على الغز من قبل مودود وكان أبوه السلطان مسعود قد بعث ابنه الاخر إلى الهند أميرا عليها سنة ست وعشرين فلما بلغه موت أبيه بايع لنفسه وقفل إلى لهاور والملتان فملكهما وأخذ الاموال وجمع العساكر وأظهر الخلاف على أخيه مودود وحضر عيد الاضحا فأصبح ثالثه ميتا بلهاور بعد ان كان مودود يجهز العساكر من غزنة لقتاله وهو في شغل شاغل من أمره ففرغ عن الشواغل ورسخت قدمه في ملكه وخالفه السلجوقية بخراسان وخاطبه خان الترك من وراء النهر بالانقياد والمتابعة * (استيلاء طغرلبك على خوارزم) * كانت خوارزم من ممالك محمود بن سبكتكين وابنه مسعود من بعده وكان عليها التوتناش حاجب محمود من أكابر امرائه ووليها لهما معا ولما شغل مسعود بفتنة أخيه
محمد عند مهلك أبيهما أغار على تكين صاحب بخارا من أطراف البلاد وغيرهما فلما فرغ مسعود من مراجعة محمد واستقل بالملك بعث إلى التوتناش بالمسير إلى أعمال على وانتزاع بخارا وسمرقند منه وأمده بالعساكر فعبر جيحون سنة أربع وعشرين وأخذ من بلاد تكين كثيرا فأقام بها وهرب تكين بين يديه تم دعته الحاجة إلى الاموال للعساكر ولم يكن في جبايته تلك البلاد وجاء بها فاستأذن في العود إلى خوارزم وعاد(4/385)
واتبعه على تكين وكبسه على غرة فثبت وانهزم على تكين ونجا إلى قلعة دبوسية وحاصره التوتناش وضيق عليه فبعثا ليه واستعطفه فأفرج عنه وعاد إلى خوارزم وكانت به جراحة من هذه الوقعة فانتقض عليه ومات وترك من الولد ثلاثة وهم هرون ورشيد واسمعيل وضبط وزيره أحمد بن عبد الصمد البلد والخزائن حتى جاء هرون الاكبر من الولد من عند السلطان بعهده على خوارزم ثم توفى المتميدى وزير السلطان مسعود وبعث على أبى نصر لوزارته واستناب أبو نصر عند هرون بخوارزم ابنه عبد الجبار ثم استوحش من هرون وسخطه وأظهر العصيان في رمضان سنة خمس وعشرين فاختفى عبد الجبار خوفا من غائلته وسعى عند السلطان مسعود وكتب مسعود إلى شاه ملك ابن على أحد ملوك الاطراف بنواحي خوارزم بالمسير لقتال اسمعيل فسار وملك البلد فهزمهما وهرب اسمعيل وشكر إلى طغرلبك وداود صريخين فسار داود إلى خوارزم فلقيهما شاه ملك وهزمهما ثم قتل مسعود وملك ابنه مودود فدخل شاه ملك بأمواله وذخائره في المفاوز إلى دهستان ثم إلى طبس ثم إلى نواحى كرمان ثم إلى أعمال البتر ومكران وقصد ارتاش أخا ابراهيم نيال وهو ابن عم طغرلبك في أربعة آلاف فارس فأسره وسلمه إلى داود واستأثر هو بما غنم من أمواله ثم أعاد ارتاش إلى باذغيس وأقام على محاصرة هراة على طاعة مودود بن مسعود فامتنعوا منه خوفا من معرة هجرمه عليهم
* (مسير العساكر من غزنة إلى خراسان) * ولما ملك الغز خراسان واستولوا على سائر أملاكها وأعمالها واستولى طغرلبك على جرجان وطبرستان وخوارزم وابراهيم نيال على همذان وعلى الرى والجبل وولى على خراسان وأعمالها داود بن ميكايل وبعث السلطان أبو الفتح مودود عساكره مع بعض حجابه إلى خراسان سنة خمس وثلاثين فسرح إليهم داود ابنه البارسلان في العساكر فاقتتلوا وكان الغلب لالب ارسلان وعاد عسكر غزنة مهزوما وسار عسكر من الغزالي نواحى بست وعاثوا وأفسدوا فبعث أبو الفتح مودود إليهم عسكرا فقاتلهم وانهزموا وظفر عسكر مودود بهم وأثخنوا فيهم * (مسير الهنود لحصار لهاور وامتناعها وفتح حصون اخرى من بلادهم) * وفى سنة خمس وثلاثين اجتمع ثلاثة من ملوك الهند على لهاور فجمع مقدم العساكر الاسلامية هناك عسكره وبعثهم للدفاع عنها وبعث إلى السلطان مودود وحاصرها الثلاثة ملوك ثم أفرج الاخران وعادا إلى بلادهما وسارت عساكر الاسلام في اتباع(4/386)
أحدهما وهود وبالى هربابة فانهزم منهم وامتنع بقلعة له هو وعساكره وكانوا خمسة آلاف فارس وسبعين الف راجل وحاصرهم المسلمون حتى استأمنوا وسلموا ذلك الحصن وجميع الحصون التى من أعمال الملك وغنموا أموالهم وأطلقوا من كان في الحصون من أسرى المسلمين بعد ان أعطوهم خمسة آلاف ثم ساروا إلى ولاية الملك الاخر واسمه باس الرى فقاتلوه وهزموه وقتل في المعركة هو وخمسة آلاف من قومه وأسر الباقون وغنم المسلمون ما معهم وأذعن ملوك الهند بعدها بالطاعة وحملوا الاموال وطلبوا الامان والاقرار على بلادهم فأجيبوا * (وفاة مودود وولاية عمه عبد الرشيد) * ثم توفى أبو الفتح مودود بن مسعود بن محمود بغزنة لعشر سنين من ولايته في رجب سنة
احدى واربعين وقد كان كاتب فأجابوه وجمع كليجار صاحب اصفهان العساكر وسار في المفازة لنصره فمرض في طريقه ورجع وسار خاقان إلى ترمذ لنصره وطائفة أخرى مما وراء النهر إلى خوارزم وسار مودود من غزنة فعرض له بعد رحيله من غزنة مرض القولنج فعاد إلى غزنة وبعث إلى وزيره أبى الفتح عبد الرزاق ابن أحمد المتميدى في العساكر إلى سجستان لانتزاعها من الغز ثم اشتد وجعه فمات ونصب ابنه للامر خمسة أيام ثم عدل الناس عنه إلى عمه على بن مسعود وكان مسعود لاول ولايته قبض على عمه عبد الرشيد أخى محمود وحبسه بقلعة بطريق بست فلما قار بها الوزير أبو الفتح وبلغه وفاة مودود ونزل عبد الرشيد إلى العسكر فبايعوا له ورجعوا به إلى غزنة فهرب على بن مسعود واستقر الامر لعبد الرشيد ولقب سيف الدولة وقيل جمال الدولة واستقام أمر السلجوقية بخراسان واندفعت العواثق عنهم * (مقتل عبد الرشيد وولاية قرخاد) * كان لمودود صاحب اسمه طغرل وجعله حاجبا ببابه وكان السلجوقية قد ملكوا سجستان وصارت في قسم بيقو أخى طغرلبك وولى عليها أبا الفضل من قبله فأشار طغرلبك على عبد الرشيد بانتزاعها منهم والح عليهم في ذلك فبعث إليها طغرل في ألف فارس فحاصر حصن الطاق أربعين يوما وكتب أبو الفضل من سجستان يستنجده وسار طغرل ولما سمع أصوات البوقات والدبادب وأخبر أنه بيقوا فتحا جزوا وعلم أنه تورط ولقيهم مستميتا فهزمهم وسار إلى هراة واتبعهم طغرل فرسخين وعاد إلى سجستان فملكها وكتب إلى عبد الرشيد بالخبر واستمده لغز وخراسان فأمده بالعساكر ثم حدثته نفسه بالملك فاغذ السير إلى غزنة حتى كان على خمسة فراسخ منها كتب إلى عبد الرشيد(4/387)
باستيجاش العسكر وطلبهم الزيادة في العطاء فشاور أصحابه فكشفوا له وجه المكيدة في ذلك وحذروه من طغرل فصعد إلى قلعة غزنة وتحصن بها وجاء طغرل من الغد فنزل
في دار الامارة وراسل أهل القلعة في عبد الرشيد فاسلموه إليه فقتله واستولى على ملكهم وتزوج ابنة السلطان عبد الرشيد ويحضهم على الاخذ بثاره فأجابوا ودخلوا عليه في مجلسه وقتلوه وجاء ذخير الحاجب لخمسة أيام من قتله وجمع وجوه القواد وأعيان البلد وبايع قرخاد بن السلطان مسعود وقام بتدبير دولته وقتل الساعين في(4/388)
إلى غزنة ولقى الغز وهزمهم ودخل غزوة فملكها من أيديهم ثم سار من غزنة إلى كرمان وسنوران فملكها وكرمان هذه بين غزنة والهند وليست كرمان المعروفة ثم سار غياث الدين إلى نهر السند ليعبر إلى لهاور كرسى خسرو شاه بن بهرام شاه فبادر خسرو شاه ومنعه العبور فرجع وملك ما يليه من جبال الهند وأعمال الانبار وولى على غزنة أخاه شهاب الدين ورجع إلى فيروز كوه * (استيلاء الغورية على لهاور ومقتل خسرو شاه وانقراض دولة بنى سبكتكين) * ولما ولى شهاب الدين الغورى غزنة أحسن السيرة فيهم وافتتح جبال الهند مما يليه فاستفحل ملكه وتطاول إلى ملك لهاور قاعدة الهند من يد خسرو شاه فسار سنة تسع وسبعين في عسكر غزنة والغور وعبر إليها وحاصرها وبذل الامان لخسرو شاه وأنكحه ابنته وسوغه ما يريد من الاقطاع على ان يخرج إليه ويخطب لاخيه فأبى من ذلك وأقام شهاب الدين يحاصره حتى ضاق مخنقه وخذله أهل البلد فبعث القاضى والخطيب يستأمنان له فأمنه ودخل شهاب الدين وبقى خسرو شاه عنده مكرما وبقى شهرين من يد غياث الدين فأنفذ خسرو شاه إليه فارتاب من ذلك وأمنه شهاب الدين وحلف له وبعث به وباهله وولده مع جيش يحفظونهم فلما وصلوا بلد الغور حبسهم غياث الدين ببعض قلاعه فكان آخر العهد به وانقرضت دولة بنى سبكتكين بموته وكان مبدؤها سنة ست وستين وثلثمائة فتكون مدة الدولة مائتين وثلاث عشرة سنة
[ الخبر عن دولة الترك في كاشغر وأعمال تركستان وما كان لهم من الملك في الملة الاسلامية بتلك البلاد وأولية أمرهم ومصاير أحوالهم ] كان هؤلاء الترك ملوك تركستان ولا أدرى أولية أمرهم بها الا أن أول من أسلم منهم سبق قراخان وتسمى عبد الملك وكانت له تركستان وقاعدتها كاشغر وساغون وخيمو وما يتصل بها إلى أوان المفازة المتصلة بالصين في ناحية الشمال عنهم أعمال طراز والشاش وهى للترك أيضا الا أن ملوك تركستان أعظم ملكان منهم بكثير وفى المغرب عنهم بلاد ما وراء النهر التى كان ملكها لبنى سامان وكرسيهم بخارا ولما أسلم ملكهم عبد الكريم سبق أقام على ملكه بتلك الناحية وكان يطيع بنى سامان هو وعقبه يستنفرونهم في حروبهم إلى ان ملك عهد الامير نوح بن منصور في عشر التسعين والثلثمائة على حين اضطراب دولة بنى سامان وانتقاض عمالهم بخراسان وانتقض أبو على بن سيجور فراسل بقراخان وأطمعه في ملك بخارا فطمع بقراخان في البلاد ثم قصد أعمال بنى سامان وملكها شيأ فشيا وبعث الامير نوح إليه العساكر(4/389)
مع قائده أنج فلقيهم بقراخان وهزمهم واسرانج وجماعة من القوادر وسار فائق إلى بقراخان واختص به وصار في جملته ورجع الامير نوح إلى بخارا كما مر من قبل وهلك بقراخان في طريقه * (وفاة بقراخان وملك أخيه ايلك خان سليمان) * ولما ارتحل بقراخان من بخارا وهو على ما به من المرض أدركه الموت في طريقه فمات سنة ثلاث وثمانين وكان دينا عاد لاحسن السيرة محبا للعلماء وأهل الدين مكرما لهم متشيعا سنيا وكان يبعث مولى لال رسول الله صلى الله عليه وسلم ولما مات ولى بعده أخوه ايلك خان سليمان ولقبه شهير الدولة واستوثق ملكه بتركستان وأعمالها ووفد عليه فائق بعد حروبه بخراسان مع جيوش الامير نوح وسبكتكين وابنه محمود ولحق به
مستصرخا فأكرمه ووعده وكتب إلى الامير نوح يشفع في فائق وان يوليه سمرقند فولاه عليها وأقام بها * (استيلاء ايلك خان على ما وراء النهر) * لما عاد بقراخان على بخارا وعاد إليها الامير نوح وقد كان من أبى على بن سيجور واجلائه عن خراسان ما كان استدعى الامير نوح مولاه سبكتكين بعد ذلك واختلف ابناه بكثرزون كما تقدم ذلك سنة خمس وثمانين ثم هلك سبكتكين كما تقدم ذلك كله قبل ثم استوحش بكثرزون من منصور واتفق مع فائق على خلعه فخلعه وسمله بخراسان سنة تسع وثمانين وكان فائق خصيا من موالى نوح بن منصور وهذه الاخبار كلها مستوفاة في دولة بنى سامان ثم بلغ الخبر إلى ايلك خان فطمع في ملك بخارا وأعمالها وسار في جموع الترك إلى بخارا موريا بالمحاماة عن عبد الملك والنصرة له وخرج بكثرزون والامراء والقواد للقائه فقبض عليهم وسار فدخل بخارا عاشر ذى القعدة من سنة تسع وثمانين ونزل دار الامارة وظفر يعبد الملك فحبسه فانكدر حتى مات وحبس معه أخاه المخلوع أبا الحرث منصور وأخويه الاخرين اسمعيل ويوسف ابني وأعمامه محمودا وداود وغيرهم وانقرضت دولة بنى سامان والبقاء لله * (نورة اسمعيل إلى بخارا ورجوعه عنها) * قد تقدم لنا أن اسمعيل فر من محبسه ولحق بخوارزم واجتمع إليه قوادهم وبايعوه ولقبوه المستنصر وبعث قائدا من أصحابه إلى بخارا ففر من كان بها من عساكر ايلك خان فهزمهم وقتل منهم وحبس وكان النائب بها جعفر تكين أخى ايلك خان فحبسه واتبع المنهزمين إلى سمرقند ولحق اسمعيل باحياء الغزو جمعوا عليه وجاء ايلك خان(4/390)
في جيوشه والتقوا فانهزم ايلك خان وأسر واقواده وغنموا سواده ورجعوا إلى بلادهم وتشاوروا في الاسرى فارتاب بهم اسمعيل وعبر النهر وانضمت إليه فتيان سمرقند
واتصل الخبر بايلك خان فجمع والتقى هو واسمعيل وهزمه بنواحي اسروشنة وعبر النهر إلى نواحى الجوزجان ثم إلى مرو وبعث محمود العساكر في اثره من خراسان وكذلك قابوس من جرجان فعاد إلى ما وراء النهر وقد ضجر أصحابه ونزل بحى من العرب فأمهلوه الليل وقتلوه واستقرت بخارا في ملك ايلك خان وولى عليه أخوه على تكين * (عبور ايلك خان إلى خراسان) * قد تقدم لنا ما كان انعقد بين ايلك خان ومحمود من المواصلة ثم دبت عقارب السعاية بينهما وأكثر محمود من غزو بلاد الهند ولما سار إلى الملتان اغتنم ايلك خان الفرصة في خراسان وبعث سباسى تكين صاحب جيشه وأخاه جعفر تكين إلى بلخ في عدة من الامراء وأرسلان الحاجب فسار أرسلان إلى غزنة وملك سباسى هراة وأقام بها وبعث إلى نيسابور عسكرا فاستولى عليها وبادر محمود بالرجوع من الهند وفرق العطايا وأزاح العلل واستنفر الاتراك الخلنجية وسار إلى جعفر تكين ببلخ ففارقها إلى ترمذ وبعث العساكر إلى سباسى بهراة ففارقها إلى مرو ليعبر النهر فاعترضه التركمان فأوقع بهم وسار إلى أبيورد والعساكر في اتباعه ثم سار إلى خراسان فاعترضه محمود وهزمه وأسر أخاه وجماعة من قواده وعبر النهر إلى ايلك وأجلى عساكره وأصحابه من خراسان فبعث ايلك خان إلى قراخان ملك الختل فاستنفر الترك الغزية ولخلخ والهنود وعسكر على فرسخين من بلخ وتقدم ايلك وقراخان في عساكرهما ونزلوا قبالته واقتتلوا يوما إلى الليل ومن الغد اشتدت الحرب ونزل الصبر ثم حمل محمود في الفيلة على ايلك خان في القلب فاختل المصاف وانهزم الترك واتبعهم عساكر محمود وأثخنوا فيهم بالقتل والاسر إلى أن عبر النهر وانقلب ظافرا غانما وذلك سنة سبع وتسعين وثلثمائة * (وفاة ايلك خان وولاية أخيه طغان خان) * ثم هلك ايلك خان سنة ثلاث وأربعمائة وكان مواليا للسلطان محمود ومظاهرا له على أخيه طغان خان فلما ولى تجدد ما بينه وبين السلطان من الولاية وصلحت الاموال وانمحت
آثار الفتنة في خراسان وما وراء النهر * (وفاة طغان خان وولاية أخيه أرسلان خان) * ثم توفى طغان خان ملك الترك سنة ثمان وأربعمائة بعد ان كان لها جهاد خرجوا من الصين في زهاء ثلثمائة ألف وقصدوا بلاده في ساعون وهال المسلمين أمرهم فاستنفر(4/391)
طغان طوائف المسلمين وغيرهم واستقبلهم فهزمهم وقتل منهم نحو مائة ألف وأسر مثلها ورجع الباقون منهزمين ومات طغان اثر ذلك وولى بعده أخوه ارسلان وكان من الغريب الدال على قصد ايمان طغان انه كان عند خروج الترك إلى بلاد ساغون عليلا فلما بلغه الخبر تضرع لله أن يعافيه حتى ينتقم من هؤلاء الكفرة ويدفعهم عن البلاد فاستجاب الله دعاءه وكان محبا لاهل العلم والدين ولما توفى واصل أرسلان خان الولاية مع السلطان محمود وأصهر إلى ابنه مسعود في بعض كرائمة فاستحكم الاتصال بينهما * (انتقاض قراخان على أرسلان وصلحه) * كان ارسلان خان قد ولى على سمرقند قراخان يوسف بن بقراخان هرون الذى ملك بخارا فانتقض عليه سنة تسع وأربعمائة وكاتب السلطان محمود صاحب خراسان يستظهر به على ارسلان خان فعقد السلطان على جيحون جسرا من السفن محكمة الربط بسلاسل الحديد وعبر إليه ثم خام عن لقائه فعاد إلى خراسان وانقطعت الموالاة بينه وبين أرسلان خان وتصالح مع قراخان واتفقا على محاربة السلطان محمود والمسير إلى بلاده فسار إلى بلخ وقاتلهما السلطان قتالا شديدا حتى انهزم الترك وعبروا النهر إلى بلادهم وكان من غرق أكثر ممن نجا وعبر السلطان في اثرهم ثم رجع عنهم * (أخبار قراخان) * الذى يظهر من كلام ابن الاثير أن قراخان ولى بلاد الترك بتركستان وساغون فانه
ذكره عقب هذا الخبر بالعدل وحسن السيرة وكثرة الجهاد ثم قال عقب كلامه فمن فتوحاته ختن بين الصين وتركستان وهى كثيرة العلماء والفضلاء ثم قال وبقى كذلك إلى سنة ثلاث وعشرين وأربعمائة فتوفى فيها ولما توفى خلف ثلاثة بنين أرسلان خان وكنيته أبو شجاع ولقبه شرف الدولة وبقراخان ولم يذكر الثالث والظاهر انه شرف الدولة قال وكان لارسلان كاشغر وختن وساغون وخطب له على منابرها وكان عادلا مكرما للعلماء وأهل الدين محسنا لهم وقصده كثير منهم فأكرمهم قال وكان لبقراخان طراز واسبيجاب ووقعت الفتنة بين بقراخان وأرسلان فغلبه بقراخان وحبسه وملك بلاده وقال في موضع آخر كان يقنع من اخوته وأقاربه بالطاعة فقسم البلاد بينهم وأعطى اخاه أرسلان تكين كثيرا من بلاد الترك وأعطى أخاه طراز واسبيجاب واعطى عمه طغان خان فرغانة باسرها وأعطى ابنه على تكين بخارا وسمرقند وغيرهما وقنع هو ببلاد ساغون وكاشغر قال وفى سنة خمس وثلاثين أسلم كثير من كفار الترك الذين كانوا يطرقون بلاد(4/392)
الاسلام بنواحي ساغون وكاشغر ويعيثون فيها ويصيفون ببلاد بلغار فأسلموا وافترقوا في البلاد وبقى من لم يسلم التتر والخطا في نواحى الصين انتهى ورجع إلى بقراخان الاول وقال فيه حبس أخاه ارسلان خان وملك بلاده ثم عهد بالملك لولده الاكبر واسمه حسين جعفر تكين وكان له ولد آخر أصغر من حسين اسمه ابراهيم فغارت أمه لذلك وقتلت بقراخان بالسم وخنقت أخاه ارسلان في محبسه ثم استلحمت وجوه اصحابه وأمرائه وملكت ابنها ابراهيم سنة تسع وثلاثين وأربعمائة وبعثته في العساكر إلى برسخان مدينة بنواحي تركستان وكان صاحبها يسمى نيال تكين فانهزم ابراهيم وظفر به نيال تكين وقتله واختلف أولاد بقراخان وفسد أمرهم وقصدهم طقفاج خان صاحب سمرقند وفرغانة فأخذ من أولاد بقراخان الملك من أيديهم * (الخبر عن طقفاج خان وولده) *
كان بسمرقند وفرغانة أيام بنى بقراخان واخوته ملك من الترك الخانية اسمه نصر ايلك يلقب عماد الدولة ويكنى أبا المظفر ثم فلج سنة ثنتين وأربعمائة ومات وقد عهد بملكه لابنه شمس الدولة نصر فقصده أخوه طغان خان ابن طقفاج وحاصره بسمرقند وبيته شمس الدولة فهزمه وظفر به وكان ذلك في حياة أبيهما ثم جاء بعد مماته إلى محاربة شمس الدولة بقراخان هرون بن قدر خان يوسف وطغرك خان وكان طقفاج قد استولى على ممالكها وحاصره بسمرقند ولم يظفروا به ورجعوا عنه وصارت أعمال الخانية كلها في أيديهما والاعمال المتاخمة لسيحون لشمس الدولة والتخم بينهما خجندة وكان السلطان البارسلان قد تزوج بابنة قدر خان وكانت قبله زوجا لمسعود بن محمود بن سبكتكين وتزوج شمس الدولة بابنة البارسلان شمس الدولة وذلك سنة خمس وستين وملكها ونقل ذخائرها إلى سمرقند وخاف أهل بلخ منه فاستأمنوا إليه وخطبوا له فيها لان ارباس البارسلان سار إلى الجوزجان وجاء إليها تكين وولى عليها وعاد إلى ترمذ فثار أهل بلخ بأصحابه وقتلوهم فرجع إليهم وأمر باحراق المدينة ثم عفا عنهم وصادر التجار وبلغ الخبر إلى البارسلان فعاد من الجوزجان وسار في العساكر إلى ترمذ في منتصف سنة خمس فلقيه التكين وهزمه وغرق كثير من اصحابه في النهر ثم استقامت الامور للسلطان ملك شاه فسار إلى ترمذ سنة ست وستين وحاصرها ورماها بالمنجنيق وطم خندقها حتى استأمن أهلها واعتصم بقلعتها أخو التكين ثم استأمن وأطلقه السلطان إلى أخيه ثم سار ملك شاه إلى سمرقند ففارقها وبعث أخوه السلطان في الصلح فأجابه ورده إلى سمرقند ورجع السلطان إلى خراسان انتهى قال ابن الاثير ثم مات شمس الدولة وولى بعده أخوه خضر خان ثم مات خضر خان فولى بعده ابنه أحمد خان وكان أحمد هذا أسره(4/393)
ملك شاه في سمرقند لما فتحها ووكل به جماعة من الديلم فلقن عنهم معتقدات الاباحة والزندقة فلما ولى أظهر الانحلال فاعتزم جنده على قتله وتفاوضوا في ذلك مع نائبه بقلعة
قاشان فأظهر العصيان عليه يستجلب إليه فسار في العساكر وحاصر القلعة وتمكن جنده منه فقبضوا عليه ورجعوا به إلى سمرقند فدفعوه إلى القضاة وقتلوه بالزندقة وولوا مكانه مسعود خان ابن عمه قال ابن الاثير وكان جده من ملوكهم وكان أصم وقصده طغار خان ابن قراخان صاحب طراز فقتله واستولى على الملك وولى على سمرقند أبا المعالى محمد ابن محمد بن زيد العلوى فوليها ثلاث سنين ثم عصى عليه فحاصره وأخذه فقتله ثم خرج طغان خان إلى ترمذ فلقيه السلطان سنجر وظفر به وقتله وأخذها منه عمر خان وملك سمرقند ثم هرب من جنده إلى خوارزم فظفر بن السلطان أحمد وولى سمرقند محمد خان وولى بخارى محمد تكين وقال ابن الاثير في ذكر كاشغر وتركستان انها كانت لارسلان خان بن يوسف قدر خان كما ذكرنا ثم صارت لمحمود نوراخان صاحب طراز والشاش فملكها سنة وثلاثة أشهر ثم مات فولى بعده طغراخان بن يوسف قدر خان وملك بلاد ساغون وأقام ست عشرة سنة ثم توفى فملك ابنه طغرل تكين شهرين ثم جاء هرون بقراخان بن طقفاج نوراخان وهو اخو يوسف طغرل خان فملك كاشغر وقبض على هرون واستولى على ختن وما يتصل به إلى ساغور وأقام عشرين سنة وتوفى سنة ست وتسعين وأربعمائة فولى بعده أحمد بن ارسلان خان وبعث إليه المستظهر بالخلع ولقبه نور الدولة * (مقتل قدر خان صاحب سمرقند) * قال ابن الاثير سنة خمس وتسعين وأربعمائة ولما سار سنجر إلى بغداد مع أخيه السلطان محمد طمع قدر خان جبريل بن عمر صاحب سمرقند في خراسان فخالف إليها سنجر بعد رجوعه إليها وقد عظم الخلاف بين بركيارق وأخيه محمد وكان بعض أمراء سنجر اسمه كنذعرى يكاتب قدر خان ويغريه ويستحثه إلى البلاد فسار قدر خان إلى بلخ سنة سبع وتسعين في مائة ألف وبادر سنجر إليها في ستة آلاف فلما تقار بالحق كنذعرى بقدر خان فبعثه إلى ترمذ وملكها وجاء الخبر إلى سنجر بأن قدر خان نزل قريبا من بلخ وأنه خرج
متصيدا في ثلثمائة فارس فجرد إليه عسكرا مع أميره برغش فهزمهم وجاء بكنذعرى وقدر خان أسيرين وقيل انه وقع بينهما مصاف وانهزم قدر خان وأسر فقتله سنجر وسار إلى ترمذ فحاصرها حتى استأمن إليه كنذعرى فأمنه ولحق بغزنة وكان محمد ارسلان خان ابن سليمان بن داود بقرا خان نازلا بمرو فبعث عنه السلطان سنجر وولاه على سمرقند وهو من نسل الخانية مما وراء النهر وأمه بنت السلطان سنجر وولا ملك شاه(4/394)
دفع عن ملك آبائه فقصد مرو وأقام بها فلما قتل قدر خان ولاه سنجر أعماله وبعث معه العساكر الكثيرة فاستولى عليها واستفحل ملكه ثم انتقض عليه من أمراء الترك تيمورلنك وجمع وسار إلى محمد خان بسمرقند وغيرها فاستنجد محمد خان بالسلطان سنجر فأنجده بالعساكر وسار إلى تيمورلنك فهزمه وفض جموعه ورجعت العساكر إليه * (انتقاض محمد خان عن سنجر) * ثم بلغ السلطان سنجر سوء سيرة محمد في رعيته واهماله لاوامر السلطان فسار إليه سنة سبع وخمسمائة فخاف محمد خان غائلته وبعث إلى الامير قماج أعظم أمراء سنجر يعتذر ويسأله الصلح فشرط عليه الحضور عند السلطان فاعتذر بالخوف وأنه يقف من وراء جيحون ويقبل الارض من هنالك فأجيب إلى ذلك ووقفوا بعدوة النهر حتى وافى محمد خان بشرطه وسكنت الفتنة * (استيلاء السلطان سنجر على سمرقند) * كان السطان سنجر لما ملك سمرقند ولى عليها ارسلان خان بن سليمان بقراخان داود فأصابه الفالج واستناب ابنه نصرخان فوثب به أهل سمرقند وقتلوه وتولى كبر ذلك اثنان منهم أحدهما علوى وكان أبوه محمد المفلوج غائبا فعظم عليه وبعث عن ابنه الاخر من تركستان فجاء وقتل العلوى وصاحبه وكان والد ارسلان خان قد بعث إلى السلطان
سنجر يستحثه قبل قدوم ابنه الاخر فسار سنجر لذلك فلما قدم إلى أبيه ارسلان وقتل قاتلي أخيه بعث ارسلان إلى السلطان سنجر يعرفه ويسأله العود إلى بلده فغضب لذلك وأقام أياما ثم جئ إليه بأشخاص واعترفوا بأن محمدا خان بعثهم لقتله فغضب وسار إلى سمرقند فملكها عنوة وتحصن محمد خان ببعض الحصون حتى استنزله سنجر بالامان بعد مدة وأكرمه وكانت بنته تحبه فبعثه إليها وأقام عندها وولى على سمرقند حسين تكين ورجع إلى خراسان ومات حسين تكين فولى بعده عليها محمود بن محمد خان أخا زوجته * (استيلاء الخطا على تركستان وبلاد ما وراء النهر وانقراض دولة الخانية) * نقل ابن الاثير هذا الخبر عن اضطراب عنده فيه على أن أخبار هذه الدولة الخانية في كتابه ليست حلية ولا متضحة وأرجو ان مد الله في العمر أن أحقق أخبارها بالوقوف عليها في مظان الضحة وألخصها مرتبة فانى لم أوفها حقها من الترتيب لعدم وضوحها في نقله وحاصل ما قرر في هذا الخبر من أحد طرقه أنه قال ان بلاد تركستان وهى كاشغر وبلاد ساغون وختن وطراز وغيرها مما بجوارها من بلاد ما وراء النهر(4/395)
كانت بيد الملوك الخانية من الترك وهم من نسل فراسياب ملكهم الاول المنازع لملوك اليكنية من الفرس وأسلم جدهم الاول سبق قراخان ويقال سبب اسلامه أنه رأى في منامه رجلا نزل من السماء فقال له باللسان التركي ما معناه اسلم تسلم في الدنيا والاخرة فأسلم في منامه وأصبح مظهر الاسلامه ولما مات قام مقامه ابنه موسى واتصل الملك في عقبه إلى ارسلان خان بن محمد بن سليمان سبق فخرج عليه قدرخان في ملكه سنة أربع وتسعين وأربعمائة واجتمع الترك عليه وكانوا طوائف فكان منهم القارغلية وبقية الغز الذين عبروا إلى خراسان ونهبوها على ما مر وكان لارسلان ابن اسمه نصرخان وفى صحابته شريف علوى اسمه الاشرف محمد بن أبى شجاع السمرقندى فحسن له طلب الملك من أبيه وأطمعه فيه فقتلهما ارسلان ثم وقعت بينه وبين القارغلية
من الترك وحشة دعتهم إلى الانتقاض والعصيان واستنجد بالسلطان سنجر فعبر جيحون بعساكره سنة أربع وعشرين وخمسمائة ووصل إلى سمرقند وهرب القارغلية بين يديه ثم عثر على رجالة استراب بهم فقبض عليهم وتهددهم فذكروا أن ارسلان خان وضعهم على قتله فرجع إلى سمرقند وملك القلعة وبعث ارسلان أميرا إلى بلخ فمات بها وقيل انه اختراع منه ووضع هذه الحكاية وسيلة لذلك ثم ولى السلطان سنجر على سمرقند فلج طمغاج وهو أبو المعالى الحسن بن على المعروف بحسين تكين كان من أعيان بيت الخانية فلم تطل أيامه ومات فولى سنجر مكانه محمود ابن أخته وهو ابن السلطان ارسلان فأقام ملكا عليها وكان ملك الصين كوخان قد وصل إلى كاشغر سنة ثنتين وعشرين وخمسمائة في جيوش كثيفة ومعنى كوبلسان أهل الصين أعظم وخان سمة ملوك الترك وكان أعور وكان يلبس لبسة ملوك الترك وهو ما نوى المذهب ولما خرج من الصين إلى تركستان انصاف إليه طوائف الخطا من الترك وكانوا قد خرجوا قبله من الصين وأقاموا في خدمة الخانية أصحاب تركستان فانضافوا إلى كو ملك الصين وكثف جمعه بهم وزحف إليه صاحب كاشغر وهو الخان أحمد بن الحسين بجموعه فهزمه وأقامت طوائف الخطا معه في تلك البلاد وكان سبب خروجهم من الصين ونزولهم ساغون ان ارسلان محمد كان يستنجد بهم ويجرى عليهم الارزاق والاقطاعات وينزلهم مسالح في ثغوره ثم استوحشوا منه ونفروا وطلبوا الرحلة إلى غير بلده وارتادوا البلاد واختاروا منها بلد الساغون فساروا إليها وردد عليهم ارسلان الغزو ولما جاء كوخان ملك الصين صاروا في جملته حتى إذا رجع زحفوا إلى بلاد تركستان فملكوها بلدا بلدا وكانوا إذا ملكوا المدينة يأخذون دينارا من كل بيت ولا يزيدون عليه ويكلفون من يطيعهم من الملوك أن يعلق في منطقته لوحا من فضة علامة على الطاعة ثم ساروا إلى(4/396)