موسى من القصر وجاءه أبو موسى فصاح به الاشتر أخرج لا أم لك وأجله تلك العشية ودخل الناس لينهبوا متاعه فمنعهم الاشتر ونفر الناس مع الحسن كما قلنا وكان الامراء على أهل النفير على كنانة وأسد وتميم والرباب ومزينة معقل بن يسار الرياحي وعلى قبائل قيس سعد بن مسعود الثقفى عم المختار وعلى بكر وتغلب وعلة بن مجدوح الذهلى وعلى مذحج والاشعريين حجر بن عدى وعلى بجيلة وانمار وخثعم والازد محنف بن سليم الازدي ورؤساء الجماعة من الكوفيين القعقاع بن عمرو وسعد بن مالك وهند بن عمرو والهيثم بن شهاب ورؤساء النفار زيد بن صوحان والاشتر وعدى بن حاتم والمسيب بن نجبة
ويزيد بن قيس وأمثالهم فقدموا على على بذى قار فركب إليهم ورحب بهم وقال يا أهل الكوفة دعوتكم لتشهدوا معنا اخواننا من أهل البصرة فان يرجعوا فهو الذى نريد وان يلحوا داويناهم بالرفق حتى يبدؤنا بالطلم ولا ندع أمرا فيه الصلاح الا آثرناه على ما فيه الفساد ان شاء الله فاجتمع الناس عنده بذى قار وعبد القيس بأسرها وهم ألوف ينتظرونه ما بينه وبين البصرة ثم دعا القعقاع وكان من الصحابة فأرسله إلى أهل البصرة وقال الق هذين الرجلين فادعهما للالفة والجماعة وعظم عليهما الفرقة وقال له كيف تصنع إذا قالوا ما لا وصاة منى فيه عندك قال نلقاهم بالذى أمرت به فإذا جاء منهم ما ليس عندنا منك رأى فيه اجتهدنا رأينا وكلمناهم كما نسمع ونرى انه ينبغى قال أنت لها فخرج القعقاع فقدم البصرة وبدأ بعائشة وقال أي أمه ما أشخصك قالت أريد الاصلاح بين الناس قال فابعثي إلى طلحة والزبير تسمعى منى ومنهما فبعثت اليهما فجاآ فقال لهما انى سألت ام المؤمنين ما أقدمها فقالت الاصلاح وكذلك قالا قال فأخبرانى ما هو قالا قتلة عثمان فان تركهم ترك للقرآن قال فقد قتلتم منهم ستمائة من أهل البصرة وغضب لهم ستة آلاف واعتزلوكم وطلبتم حرقوص بن زهير فمنعه ستة آلاف فان قاتلتم هؤلاء كلهم اجتمعت مضر وربيعة على حربكم فأين الاصلاح قالت عائشة فماذا تقول أنت قال هذا الامر دواؤه التسكين وإذا سكن اختلجوا فاثروا العافية ترزقوها وكونوا مفاتيح خير ولا تعرضونا للبلاء فنتعرض له ويصرعنا واياكم فقالوا قد أصبت وأحسنت فارجع فان قدم على وهو على مثل رأيك صلح هذا الامر فرجع وأخبر عليا فأعجبه وأشرف القوم على الصلح وقد كانت وفود أهل البصرة أقبلوا إلى على قبل رجوع القعقاع وتفاوضوا مع أهل الكوفة واتفقوا جميعا على الاصلاح ثم خطب على الناس وأمرهم بالرحيل من الغد وأن لا يرحل معه أحد ممن أعان على عثمان فاجتمع من أهل مصر ابن السوداء وخالد بن ملجم والاشتر والذين رضوا بمن سار إليه مثل علباء بن الهيثم وعدى بن حاتم وسالم بن ثعلبة القيسي وشريح بن أو في وتشاوروا فيما قال على وقالوا هو أبصر(2/160)
بكتاب الله وأقرب إلى العمل به من أولئك وهو يقول ما يقول وانما معه الذين أعانوا على عثمان فكيف إذا اصطلحوا واجتمعوا ورأوا قلتنا في كثرتهم فقال الاشتر رأيهم والله فينا واحد وأن يصطلحوا فعلى دمائنا فهلموا نثب على طلحة نلحقه بعثمان ثم يرضى منا بالسكون فقال ابن السوداء طلحة وأصحابه نحو من خمسة آلاف وانتم الفان وخمسمائة فلا تجدون إلى ذلك سبيلا وقال علباء بن الهيثم اعتزلوا الفريقين حتى يأتيكم من تقومون به فقال ابن السوداء ود والله الناس لو انفردتم فيتخطفونكم فقال عدى والله ما رضيت ولا كرهت فاما إذ وقع ما وقع ونزل الناس بهذه المنزلة فان لنا خيلا وسلاحا فان أقدمتم أقدمنا وان أحجمتم أحجمنا ثم قال سالم بن ثعلبة وسويد بن اوفى أبرموا امركم ثم تكلم ابن السوداء فقال يا قوم ان عزكم في خلطة الناس فصانعوهم وإذا التقى الناس غدا فانشبوا القتال فلا يجدون بدا منه ويشغلهم الله عما تكرهون وافترقوا على ذلك وأصبح على راحلا حتى نزل على عبد القيس فانضموا إليه وساروا معه فنزل الزاوية وسار من الزاوية إلى البصرة وسار طلحة والزبير وعائشة من الفرضة والتقوا بموضع قصر عبيد الله بن زياد منتصف جمادى الآخرة وتراسلت بكر بن وائل وعبد القيس وجاؤا إلى على رضى الله عنه فكانوا معه وأشار على الزبير بعض أصحابه أن يناجز القتال فاعتذر بما وقع بينه وبين القعقاع وطلب من على رضى الله تعالى عنه أصحابه مثل ذلك فأبى وسئل ما حالنا وحالهم في القتلى فقال ارجو أن لا يقتل منا ومنهم احد نقى قلبه لله الا أدخله الله الجنة ونهى عن قتالهم وبعث إليهم حكيم بن سلام ومالك بن حبيب ان كنتم على ما جاء به القعقاع فكفوا حتى ننزل وننظر في الامر وجاءه الاحنف بن قيس وكان معتزلا عن القوم وقد كان بايع عليا بالمدينة بعد قتل عثمان مرجعه من الحج قال الاحنف ولم أبايعه حتى لقيت طلحة والزبير وعائشة بالمدينة وعثمان محصور وعلمت انه مقتول فقلت لهم من أبايع بعده قالوا عليا
فلما رجعت وقد قتل عثمان بايعت عليا فلما جاؤا إلى البصرة دعوني إلى قتال على فحرت في أمرى بين خذلانهم أو خلع طاعتي فقلت ألم تأمروني بمبايعته قالوا نعم لكنه بدل وغير فقلت لا أنقض بيعتى ولا أقاتل أم المؤمنين ولكن أعتزل ونزل بالجلحاء على فرسخين من البصرة في زهاء ستة آلاف فلما قدم على جاءه وخيره بين القتال معه أو كف عشرة آلاف سيف عنه فاختار الكف ونادى في تميم وبنى سعد فأجابوه فاعتزل بهم حتى ظفر على فرجع إليه واتبعه ولما ترا آى الجمعان خرج طلحة والزبير وجاءهم على حتى اختلفت اعناق دوابهم فقال على لقد أعددتما سلاحا وخيلا ورجالا ان كنتما أعددتما عند الله عذرا ألم أكن أخاكما في دينكما تحرمان دمى وأحرم دمكما فهل من حدث أحل لكما دمى(2/161)
قال طلحة ألبت على عثمان قال على يومئذ يوفيهم الله دينهم الحق فلعن الله قتلة عثمان يا طلحة اما بايعتني قال والسيف على عنقي ثم قال للزبير أتذكر يوم قال لك رسول الله صلى الله عليه وسلم لتقاتلنه وأنت له ظالم قال اللهم نعم ولو ذكرت قبل مسيرى ما سرت ووالله لا أقاتلك أبدا وافترقوا فقال على لاصحابه ان الزبير قد عهد أن لا يقاتلكم ورجع الزبير إلى عائشة وقال ما كنت في موطن منذ عقلت الا وأنا أعرف أمرى غير موطنى هذا قالت فما تريد أن تصنع قال أدعهم وأذهب فقال له ابنه عبد الله خشيت رايات ابن أبى طالب وعلمت ان حامليها فتية انجاد وان تحتها الموت الاحمر فجنبت فأحفظه ذلك وقال حلفت قال كفر عن يمينك فأعتق غلامه مكحولا وقيل انما أراد الرجوع عن القتال حين سمع ان عمار بن ياسر مع على لما ورد ويح عمار تقتله الفئة الباغية وكان أهل البصرة على ثلاث فرق مفترقين مع هؤلاء وهؤلاء وثالثة اعتزلت كالاحنف ابن قيس وعمران بن حصين ونزلت عائشة في الازد ورأسهم صبرة بن شيمان وأشار عليه كعب بن سور بالاعتزال فأبى وكان معها قبائل كثيرة من مضر الرباب وعليهم المنجاب بن راشد وبنو عمرو بن تميم وعليهم أبو الجربا وبنو حنظلة وعليهم هلال بن وكيع
وسليم وعليهم مجاشع بن مسعود وبنو عامر وغطفان وعليهم زفر بن الحرث والازد وعليهم صبرة بن شيمان وبكر وعليهم مالك بن مسمع وبنو ناجية وعليهم الخريت بن راشد وهم في نحو ثلاثين ألفا وعلى في عشرين ألفا والناس جميعا متنازلون مضر إلى مضر وربيعة إلى ربيعة ولا يشكون في الصلح وقد ردوا حكيما ومالكا إلى على إنا على ما فارقنا عليه القعقاع وجاء ابن عباس إلى طلحة والزبير ومحمد بن طلحة إلى على وتقارب أمر الصلح وبات الذين أثاروا أمر عثمان بشر ليلة يتشاورون واتفقوا على انشاب الحرب بين الناس فغلسوا وما يشعر بهم أحد وقصد مضر إلى مضر وربيعة إلى ربيعة ويمن إلى يمن فوضعوا فيهم السلاح وثار أهل البصرة وثار كل قوم في وجوه أصحابهم وبعث طلحة والزبير عبد الرحمن بن الحرث بن هشام إلى الميمنة وهم ربيعة وعبد الرحمن بن عتاب إلى الميسرة وركبا في القلب وسألا الناس ما هذا فقالوا طرقنا أهل الكوفة ليلا فقال طلحة والزبير ان عليا لا ينتهى حتى يسفك الدماء ثم دفعوا أولئك المقاتلين فسمع على وأهل عسكره الصيحة فقال ما هذا فقيل له أظنه سقط من هنا طرقنا أو نحوه السبيئة بيتوتا ليلا فرددتهم فوجدنا القوم على أهبة فركبونا وثار الناس وركب على وبعث إلى الميمنة والميسرة صاحبها وقال ان طلحة والزبير لا ينتهيان حتى تسفك الدماء ونادى في الناس كفوا وكان رأيهم جميعا في تلك الفتنة أن لا يقتلوا حتى يقيموا الحجة ولا يقتلوا مدبرا ولا يجهزوا على جريح ولا يستحلوا سلبا وأقبل كعب بن سوار إلى عائشة وقال(2/162)
قد أبى القوم الا القتال فلعل الله يصلح بك فأركبها وألبسوا هودجها الادراع وأوقفوها بحيث تسمع الغوغاء واقتتل الناس حتى انهزم أصحاب الجمل وذهب وأصيب طلحة بسهم في رجله فدخل البصرة ودمه يسيل إلى أن مات وذهب الزبير إلى وادى السباع لما ذكره على فمر بعسكر الاحنف واتبعه عمرو بن الجرموز وكان يسائله حتى إذا قام إلى الصلاة قتله ورجع بفرسه وسلاحه وخاتمه إلى الاحنف فقال والله ما أدرى
أحسنت أم أسأت فجاء ابن جرموز إلى على وقال للحاجب استأذن لقاتل الزبير فقال لحاجبه ائذن له وبشره بالنار ولما بلغت الهزيمة البصرة ورأوا الخيل أطافت بالجمل فرجعوا وشبت الحرب كما كانت وقالت عائشة لكعب بن سور وناولته مصحفا تقدم فادعهم إليه واستقبل القوم فقتله السبئية رشقا بالسهم ورموا عائشة في هودجها حتى جأرت بالاستغاثة ثم بالدعاء على قتلة عثمان وضج الناس بالدعاء فقال على ما هذا قالوا عائشة تدعو على قتلة عثمان فقال اللهم العن قتلة عثمان ثم أرسلت عائشة إلى الميمنة والميسرة وحرضتهم وتقدم مضر الكوفة ومضر البصرة فاجتلدوا أمام الجمل حتى ضرسوا وقتل زيد بن صوحان من أهل الكوفة وأخوه سيحان وارتث أخوهما صعصعة وتزاحف الناس وتأخرت يمن الكوفة وربيعتها ثم عادوا فقتل على راياتهم عشرة ثم أخذها يزيد بن قيس فثبت وقتل تحت راية ربيعة زيد وعبد الله بن رقية وأبو عبيدة بن راشد بن سلمى واشتد الامر ولزقت ميمنة الكوفة بقلبهم وميسرة أهل البصرة بقلبهم ومنعت ميمنة هؤلاء ميسرة هؤلاء وميسرة هؤلاء ميمنة هؤلاء وتنادى شجعان مضر من الجانبين بالصبر وقصدوا الاطراف يقطعونها وأصيبت يد عبد الرحمن بن عتاب قبل قتله وقاتل عند الجمل الازد ثم بنو ضبة وبنو عبد مناة وكثر القتل والقطع وصارت المجنبات إلى القلب واستحر القتل إلى الجمل حتى قتل على الخطام أربعون رجلا أو سبعون كلهم من قريش فجرح عبد الله بن الزبير وقتل عبد الرحمن بن عتاب وجندب بن زهير العامري وعبد الله بن حكيم بن حزام ومعه راية قريش قتله الاشتر واعانه فيه عدى بن حاتم وقتل الاسود بن أبى البخترى وهو آخذ بالخطام وبعده عمرو بن الاشرف الازدي في ثلاثة عشر من أهل بيته وجرح مروان بن الحكم وعبد الله بن الزبير سبعا وثلاثين جراحة ما بين طعنة ورمية ونادى على اعقروا الجمل يتفرقوا وضربه رجل فسقط فما كان صوت أشد عجيجا منه وكانت راية الازد من أهل الكوفة مع مخنف بن سليم فقتل فأخذها الصقعب أخوه فقتل ثم أخوهما عبد الله
كذلك فأخذها العلاء بن عروة فكان الفتح وهى بيده وكانت راية عبد القيس من أهل الكوفة مع القاسم بن سليم فقتل ومعه زيد وسيحان ابنا صوحان وأخذها عدة فقتلوا(2/163)
منهم عبد الله بن رقية ثم منقذ بن النعمان ودفعها إلى ابنه مرة فكان الفتح وهى بيده وكانت راية بكر بن وائل في بنى ذهل مع الحرث بن حسان فقتل في خمسة من بنى أهله ورجال من بنى محدوج وخمسة وثلاثين من بنى ذهل وقيل في عقر الجمل ان القعقاع دعا الاشتر وقد جاء من القتال عند الجمل إلى العود فلم يجبه وحمل القعقاع والخطام بيد زفر ابن الحرث فأصيب شيوخ من بنى عامر وقال القعقاع لبجير بن دلجة من بنى ضبة وهو من أصحاب على يا بجير صح بقومك يعقروا الجمل قبل أن يصابوا وتصاب أم المؤمنين فضرب ساق البعير فوقع على شقه وأمن القعقاع من يليه واجتمع هو وزفر على قطع بطان البعير وحملا الهودج فوضعاه وهو كالقنفد بالسهام وفر من وراءه وأمر على فنودى لا تتبعوا مدبرا ولا تجهزوا على جريح ولا تدخلوا الدور وأمر بحمل الهودج من بين القتلى وأمر محمد بن أبى بكر أن يضرب عليها قبة وأن ينظر هل بها جراحة فجاء يسألها وقيل لما سقط الجمل أقبل محمد بن أبى بكر إليه ومعه عمار فاحتملا الهودج إلى ناحية ليس قربه أحد وأتاها على فقال كيف أنت يا أمه قالت بخير قال يغفر الله لك قالت ولك وجاء وجوه الناس إليها فيهم القعقاع بن عمرو فسلم عليها وقالت له وددت انى مت قبل هذا اليوم بعشرين سنة وجاء إلى على فقال له مثل قولها ولما كان الليل أدخلها أخوها محمد بن أبى بكر الصديق البصرة فاقرها في دار عبد الله بن خلف الخزاعى على صفية زوجه بنت الحرث بن أبى طلحة من بنى عبد الدار أم طلحة الطلحات بن عبد الله وتسلل الجرحى من بين القتلى فدخلوا ليلا إلى البصرة وأذن على في دفن القتلى فدفنوا بعد ان أطاف عليهم ورآى كعب بن سور وعبد الرحمن بن عتاب وطلحة بن عبيد الله وهو يقول زعموا انه لم يخرج الينا الا الغوغاء مع أن هؤلاء فيهم ثم صلى على القتلى من الجانبين وأمر
بالاطراف فدفنت في قبر عظيم وجمع ما كان في العسكر من كل شئ وبعث به إلى مسجد البصرة وقال من عرف شيئا فليأخذه الا سلاحا عليه سمة السلطان وأحصى القتلى من الجانبين فكانوا عشرة آلاف منهم من ضبة ألف رجل (ولما فرغ على من الوقعة) جاءه الاحنف بن قيس في بنى سعد فقال له تربصت فقال ما أرانى الا قد أحسنت وبأمرك كان ما كان فارفق فان طريقك بعيد وأنت إلى غدا أحوج منك أمس فلا تقل لى مثل هذا فانى لم أزل لك ناصحا ثم دخل البصرة يوم الاثنين فبايعه أهلها على راياتهم حتى الجرحى والمستأمنة وأتاه عبد الرحمن بن أبى بكرة فبايعه وعرض له في عمه زياد بأنه متربص فقال والله انه لمريض وعلى مسرتك لحريص فقال انهض امامى فمضى فلما دخل عليه على اعتذر فقبل عذره واعترض بالمرض قبل عذره وأراده على البصرة فامتنع وقال ولها رجلا من أهلك تسكن إليه الناس وسأشير عليه واشار بابن عباس(2/164)
فولاه وجعل زيادا على الخراج وبيت المال وأمر ابن عباس بموافقته فيما يراه ثم راح على إلى عائشة في دار ابن خلف وكان عبد الله بن خلف قتل في الوقعة فأساءت أمه وبعض النسوة عليه فأعرض عنهن وحرضه بعض أصحابه عليهن فقال ان النساء ضعيفات وكنا نؤمر بالكف عنهن وهن مشركات فكيف بهن مسلمات ثم بلغه ان بعض الغوغاء عرض لعائشة بالقول والاساءة فأمر من أحضر له بعضهم وأوجعهم ضربا ثم جهزها على إلى المدينة بما احتاجت إليه وبعثها مع أخيها محمد مع أربعين من نسوة البصرة اختارهن لمرافقتها وأذن للفل ممن خرج عنها ان يرجعوا معها ثم جاء يوم ارتحالها فودعها واستعتبت له واستعتب لها ومشى معها اميالا وشيعها بنوه مسافة يوم وذلك غرة رجب فذهبت إلى مكة فقضت الحج ورجعت إلى المدينة ورجع بنو أمية من الفل ناجين إلى الشام فعتبه بن أبى سفيان وعبد الرحمن ويحيى أخوا مروان خلصوا إلى عصمة بن أبير التيمى إلى أن اندملت جراحهم ثم بعثهم إلى الشام وأما عبد الله بن عامر
فخلص إلى بنى حرقوص ومضى من هنا لك وأما مروان بن الحكم فأجاره أيضا مالك بن مسمع وبعثه وقيل كان مع عائشة فلما ذهبت إلى مكة فارقها إلى المدينة وأما ابن الزبير فاختفى بدار بعض الازد وبعث إلى عائشة يعلمها بمكانه فأرسلت أخاها محمدا وجاء إليها به ثم قسم على جميع ما في بيت المال على من شهد معه وكان يزيد على ستمائة ألف فأصاب كل رجل خمسمائة وقال ان أظفركم الله بالشام فلكم مثلها إلى أعطياتكم فخاض السبئية في الطعن عليه بذلك وبتحريم أموالهم مع اراقة دمائهم ورحلوا عنه فأعجلوه عن المقام بالبصرة وارتحل في آثارهم ليقطع عليهم أمرا ان أرادوه وقد قيل في سياق أمر الجمل غير هذا وهو أن عليا لما أرسل محمد بن أبى بكر إلى أبى موسى ليستنفر له أهل الكوفة وامتنع سار هاشم بن عتبة ابن أبى وقاص إلى على بالربذة فأخبره فأعاده إليه يقول له انى لم أو لك الا لتكون من اعواني على الحق فامتنع أبو موسى وكتب إليه هاشم مع المحل بن خليفة الطائى فبعث على ابنه الحسن وعمار بن ياسر يستنفران كما مر وبعث قرظة بن كعب الانصاري أميرا وبعث إليه انى قد بعثت الحسن وعمارا يستنفران الناس وبعثت قرظة بن كعب واليا على الكوفة فاعتزل عملنا مذموما مدحورا وان لم تفعل فقد أمرته أن ينابذك وان ظفر بك أن يقطعك أربا أربا وان الناس تواقفوا للقتال وأمر على من يتقدم بالمصحف يدعوهم إلى ما فيه وان قطع وقتل وحمله بعض الناس وفعل ذلك فقتل وحملت ميمنتهم على ميسرتهم فاقتتلوا ولاذ الناس بجمل عائشة أكثرهم من ضبة والازد ثم انهزموا آخر النهار واستحر في الازد القتل وحمل عمار على الزبير يحوزه بالرمح ثم استلان له وتركه وألقى عبد الله بن الزبير نفسه مع الجرحى(2/165)
وعقر الجمل واحتمل عائشة أخوها محمد فأنزلها وضرب عليها قبة ووقف عليها على يعاتبها فقالت له ملكت فأسحح (3) نعم ما أبليت قومك اليوم فسرحها في جماعة رجال ونساء إلى المدينة وجهزها بما تحتاج إليه هذا أمر الجمل ملخص من كتاب أبى جعفر
الطبري اعتمدناه للوثوق به ولسلامته من الاهواء الموجودة في كتب ابن قتيبة وغيره من المؤرخين وقتل يوم الجمل عبد الرحمن أخو طلحة من الصحابة والمحرز بن حارثة العبشمى وكان عمر ولاه على أهل مكة ومجاشع ومجالد ابنا مسعود مع عائشة وعبد الله ابن حكيم بن حزام وهند بن أبى هالة وهو ابن خديجة قتل مع على وقيل بالبصرة وغيرهم انتهى أمر الجمل (ولما فرغ الناس) من هذه الوقعة اجتمع صعاليك من العرب وعليهم جبلة بن عتاب الحبطى وعمران بن الفضيل البرجمى وقصدوا سجستان وقد نكث أهلها وبعث على إليهم عبد الرحمن بن جرو الطائى فقتلوه فكتب إلى عبد الله بن عباس أن يبعث إلى سجستان واليا فبعث ربعى بن كاس العنبري في أربعة آلاف ومعه الحصين بن أبى الحر فقتل جبلة وانهزموا وضبط ربعى البلاد واستقامت * (انتقاض محمد بن أبى حذيفة بمصر ومقتله) * لما قتل أبو حذيفة بن عتبة يوم اليمامة ترك ابنه محمدا في كفالة عثمان وأحسن تربيته وسكر في بعض الايام فجلده عثمان ثم تنسك وأقبل على العبادة وطلب الولاية من عثمان فقال لست بأهل فاستأذنه على اللحاق بمصر لغزو البحر فأذن له وجهزه ولزمه الناس وعظموه لما رأوا من عبادته ثم غزا مع ابن أبى سرح غزوة الصوارى كما مر فكان يتعرض له بالقدح فيه وفى عثمان بتوليته ويجتمع في ذلك مع محمد بن أبى بكر وشكاهما ابن أبى سرح إلى عثمان فكتب إليه بالتجافي عنهما لوسيلة ذلك بعائشة وهذا تربيته وبعث إلى ابن أبى حذيفة ثلاثين ألف درهم وحمل من الكسوة فوضعهما ابن أبى حذيفة في المسجد وقال يا معشر المسلمين كيف أخادع عن دينى وآخذ الرشوة عليه فازداد أهل مصر تعظيما له وطعنا على عثمان وبايعوه على رياستهم وكتب إليه عثمان يذكره بحقوقه عليه فلم يرده ذلك وما زال يحض الناس عليه حتى خرجوا لحصاره وأقام هو بمصر وخرج ابن أبى سرح إلى عثمان فاستولى هو على مصر وضبطها إلى ان قتل
عثمان وبويع على وبايع عمرو بن العاصى لمعاوية وسارا إلى مصر قبل قدوم قيس بن سعد فمنعهما فخدعا محمد حتى خرج إلى العريش فتحصن بها في ألف رجل فحاصراه حتى نزل على حكمهم فقتلوه وفى هذا الخبر بعض الهون لان الصحيح ان عمرا ملك مصر بعد صفين وقيس ولاه على لاول بيعته وقد قيل ان ابن أبى حذيفة لما حوصر عثمان بالمدينة(2/166)
أخرج هو ابن أبى سرح عن مصر وضبطها وأقام ابن أبى سرح بفلسطين حتى جاء الخبر بقتل عثمان وبيعة على وليته قيس بن سعد على مصر فأقام بمعاوية وقيل ان عمرا سار إلى مصر بعد صفين فبرز إليه ابن أبى حذيفة في العساكر وخادعه في الرجوع إلى بيعة على وأن يجتمعا لذلك بالعريش في غير جيش من الجنود ورجع إلى معاوية عمرو فاخبره ثم جاء إلى ميعاده بالعريش وقد استعد بالجنود وأكمنهم خلفه حتى إذا التقيا طلعوا على اثره فتبين ابن أبى حذيفة الغدر فتحصن بقصر العريش إلى أن نزل على حكم عمرو وبعث به إلى معاوية فحبسه إلى أن فر من محبسه فقتل وقيل انما بعثه عمرو إلى معاوية عند مقتل محمد بن أبى بكر وانه أمنه ثم حمله إلى معاوية فحبسه بفلسطين * (ولاية قيس بن سعد على مصر) * كان على قد بعث إلى مصر لاول بيعته قيس بن سعد أميرا في صفر من سنة ست وثلاثين وأذن له في الاكثار من الجنود وأوصاه فقال له لو كنت لا أدخلها الا بجند آتى بهم من المدينة لا أدخلها أبدا فانا أدع لك الجند تبعثهم في وجوهك وخرج في سبعة من أصحابه حتى أتى مصر وقرأ عليهم كتابا يعلمهم بمبايعته وطاعته وانه أميرهم ثم خطب فقال بعد أن حمد الله أيها الناس قد بايعنا خير من نعلم بعد نبينا فبايعوه على كتاب الله وسنة رسوله فبايعه الناس واستقامت مصر وبعث عليها عماله الا بعض القرى كان فيها قوم يدعون إلى الطلب بدم عثمان مثل يزيد بن الحرث ومسلمة بن مخلد فهادنهم وجبى الخراج وانقضى أمر الجمل وهو بمصر وخشى معاوية أن يسير إليه على في أهل العراق وقيس
من ورائه في أهل مصر فكتب إليه يعظم قتل عثمان ويطوقه عليا ويحضه على البراءة من ذلك ومتابعته على أمره على أن يوليه العراقين إذا ظفر ولا يعزله يولى من أراد من أهله الحجاز كذلك ويعطيه ما شاء من الاموال فنظر في أهله بين موافقته أو معاجلته بالحرب فآثر الموافقة فكتب إليه أما بعد فانى لم أقارف شيئا مما ذكرته وما اطلعت لصاحبي على شئ منه وأما متابعتك فانظر فيها وليس هذا مما يسرع إليه وأنا كاف عنك فلا يأتيك شئ من قبلى تكرهه حتى نرى وترى فكتب إليه معاوية انى لم أرك تدنو فأعدك سلما ولا تتباعد فأعدك حربا وليس مثلى يصانع المخادع وينخدع للمكايد ومعه عدد الرجال وأعنة الخيل والسلام فعلم قيس ان المدافعة لا تنفع معه فأظهر له ما في نفسه وكتب إليه بالرد القبيح والشتم والتصريح بفضل على والوعيد فحينئذ أيس معاوية منه وكاده من قبل على فأشاع في الناس ان قيسا شيعة له تأتينا كتبه ورسله ونصائحه وقد ترون ما فعل باخوانكم القائمين بثار عثمان وهو يجرى عليهم من الاعطية والارزاق فأبلغ ذلك إلى على محمد بن أبى بكر ومحمد بن جعفر وعيونه بالشام(2/167)
فأعظم ذلك وفاوض فيه الحسن والحسين وعبد الله بن جعفر فقال له عبد الله دع ما يريبك إلى ما لا يريبك واعزله عن مصر ثم جاء كتابه بالكف عن قتال المعتزلين فقال ابن جعفر مره بقتالهم خشية أن تكون هذه ممالاة فكتب إليه يأمره بذلك فلم ير قيس ذلك رأيا وقال متى قاتلناهم ساعدوا عليك عدوك وهم الآن معتزلون والرأى تركهم فقال ابن جعفر يا أمير المؤمنين ابعث محمد بن أبى بكر على مصر وكان أخاه لامه واعزل قيسا فبعثه وقيل بعث قبله الاشتر النخعي ومات بالطريق فبعث محمدا ولما قدم محمد على قيس خرج عنها مغضبا إلى المدينة وكان عليها مروان بن الحكم فأخافه فخرج هو وسهل ابن حنيف إلى على وكتب معاوية إلى مروان يعاتبه لو أمددت عليا بمائة ألف مقاتل كان أيسر على من قيس بن سعد (ولما) قدم قيس على على وكشف له عن وجه الخبر قبل
عذره وأطاعه في أمره كله وقدم محمد مصر فقرا كتاب على على الناس وخطبهم ثم بعث إلى أولئك القوم المعتزلين الذين كان قيس وادعهم ادخلوا في طاعتنا أو اخرجوا عن بلادنا فقالوا دعنا حتى ننظر وأخذوا حذرهم ولما انقضت صفين وصار الامر إلى التحكيم بارزوه وبعث العساكر إلى يزيد بن الحرث الكنانى بخربتا وعليهم الحرث بن جمهان فقتلوه ثم بعث آخر فقتلوه * (مبايعة عمرو بن العاصى لمعاوية) * لما أحيط بعثمان خرج عمرو بن العاصى إلى فلسطين ومعه ابناه عبد الله ومحمد فسكن بها هاربا مما توقعه من قتل عثمان إلى أن بلغه الخبر بقتله فارتحل يبكى ويقول كما تقول النساء حتى أتى دمشق فبلغه بيعة على فاشتد عليه الامر وأقام ينتظر ما يصنعه الناس ثم بلغه مسير عائشة وطلحة والزبير فأمل فرجا من أمره ثم جاءه الخبر بوقعة الجمل فارتاب في أمره وسمع ان معاوية بالشام لا يبايع عليا وانه يعظم قتل عثمان فاستشار ابنيه في المسير إليه فقال له ابنه عبد الله توفى النبي صلى الله عليه وسلم والشيخان بعده وهم راضون عنك فأرى أن تكف يدك وتجلس في بيتك حتى يجتمع الناس وقال له محمد أنت ناب من أنياب العرب وكيف يجتمع هذا الامر وليس لك فيه صيت فقال يا عبد الله أمرتنى بما هو خير لى في دينى ويا محمد أمرتنى بما هو خير لى في دنياى وشر لى في آخرتي ثم خرج ومعه ابناه حتى قدم على معاوية فوجدوهم يطلبون دم عثمان فقال أنتم على الحق اطلبوا بدم الخليفة المظلوم فأعرض معاوية قليلا ثم رجع إليه وشركه في سلطانه * (أمر صفين) *(2/168)
لما رجع على بعد وقعة الجمل إلى الكوفة مجمعا على قصد الشام بعث إلى جرير بن عبد الله البجلى بهمدان والى الاشعث بن قيس باذربيجان وهما من عمال عثمان بأن ياخذا له
البيعة ويحضرا عنده فلما حضرا بعث جريرا إلى معاوية يعلمه ببيعته ونكث طلحة والزبير وحزبهما ويدعوه إلى الدخول فيما دخل فيه الناس فلما قدم عليه طاوله في الجواب وحمل أهل الشام ليرى جرير قيامهم في دم عثمان واتهامهم عليا به وكان أهل الشام لما قدم عليهم النعمان بن بشير بقميص عثمان ملوثا بالدم كما قدمناه وبأصابع زوجته نائلة وضع معاوية القميص على المنبر والاصابع من فوقه فمكث الناس يبكون مدة وأقسموا ألا يمسهم ماء الا لجنابة ولا يناموا على فراش حتى يثأروا من عثمان ومن حال دون ذلك قتلوه فرجع جرير بذلك إلى على وعذله الاشتر في بعث جرير وانه طال مقامه حتى تمكن أهل الشام من رأيهم فغضب لذلك جرير ولحق بقرقيسيا واستقدمه معاوية فقدم عليه وقيل ان شرحبيل بن السمط الكندى اشار على معاوية برد جرير لاجل منافسة كانت بينهما منذ أيام عمر وذلك ان شرحبيل كان عمر بن الخطاب بعثه إلى سعد بالعراق ليكون معه فقربه سعد وقدمه ونافسه له أشعث بن قيس فأوصى جريرا عند وفادته على عمر أن ينال من شرحبيل عنده ففعل فبعث عمر شرحبيل إلى الشام فكان يحقد ذلك على جرير فلما جاء إلى معاوية أغراه شرحبيل به وحمله على الطلب بدم عثمان ثم خرج على وعسكر بالنخيلة واستخلف على الكوفة أبا مسعود الانصاري وقدم عليه عبد الله بن عباس في أهل البصرة وتجهز معاوية وأغراه عمرو بقلة عسكر على واضطغان أهل البصرة له بمن قتل منهم وعبى معاوية أهل الشام وعقد لعمرو ولابنيه وغلامه وردان الالوية وبعث على في مقدمته زياد بن النضر الحارثى في ثمانية آلاف وشريح بن هانئ في أربعة آلاف وسار من النخيلة إلى المدائن واستنفر من كان بها من المقاتلة وبعث منها معقل بن قيس في ثلاثة آلاف يسير من الموصل ويوافيه بالرقة وولى على على المدائن سعد بن مسعود الثقفى عم المختار بن أبى عبيد وسار فلما وصل إلى الرقة نصب له جسر فعبر وجاء زياد وشريح من ورائه وكانا سمعا بمسير معاوية وخشيا أن يلقاهما معاوية وبينهما وبين على البحر ورجعا إلى هيت وعبرا الفرات ولحقا
بعلى فقدمهما امامه فلما أتيا إلى سور الروم لقيهما أبو الاعور السلمى في جند من أهل الشأم فطاولاه وبعثا إلى على فسرح الاشتر وامره ان يجعلهم على مجنبتيه وقال لا تقاتلهم حتى آتيك وكتب إلى شريح وزياد بطاعته فقدم عليهما وكف عن القتال سائر يومه حتى حمل عليهم أبو الاعور بالعشى فاقتتلوا ساعة وافترقوا ثم خرج من الغداة وخرج إليه من أصحاب الاشتر هاشم بن عتبة المرقال واقتتلوا عامة يومهم(2/169)
وبعث الاشتر سنان بن مالك النخعي إلى أبى الاعور السلمى يدعوه إلى البراز فأبى وحجز بينهم الليل ووافاهم من الغد على وعساكره فقدم الاشتر وانتهى إلى معاوية ولحق به على وكان معاوية قد ملك شريعة الفرات فشكى الناس إلى على العطش فبعث صعصعة بن صوحان إلى معاوية بأنا سرنا ونحن عازمون على الكف عنكم حتى نعذر اليكم فسابقنا جندكم بالقتال ونحن رأينا الكف حتى ندعوك ونحتج عليك وقد منعتم الماء والناس غير منتهين فابعث إلى أصحابك يخلون عن الماء للورد حتى ننظر بيننا وبينكم وان أردت القتال حتى يشرب الغالب فعلنا فأشار عمرو بن العاصى بتخلية الماء لهم وأشار ابن أبى سرح والوليد بن عقبة بمنعهم الماء وعرضا بشتم فتشاتم معهم صعصعة ورجع وأو عز أبى الاعور بمنعهم الماء وجاء الاشعث بن قيس إلى الماء فقاتلهم عليه ثم أمر معاوية أبا الاعور يزيد بن أبى أسد القسرى جد خالد بن عبد الله ثم بعمرو بن العاص بعدهم وأمر على الاشعث بشبث بن ربعى ثم بالاشتر وعليهم أصحاب على وملكوا الماء عليهم وأرادوا منعهم منه فنهاهم على عن ذلك وأقام يومين ثم بعث إلى معاوية أبا عمر وبشير بن عمرو بن محصن الانصاري وسعيد بن قيس الهمداني وشبث ابن ربعى التميمي يدعونه إلى الطاعة وذلك أول ذى الحجة سنة ست وثلثين فدخلوا عليه وتكلم بشير بن عمرو بعد حمد الله والثناء عليه والموعظة الحسنة وناشده الله أن لا يفرق الجماعة ولا يسفك الدماء فقال هلا أوصيت بذلك صاحبك فقال بشير ليس مثلك هو
أحق بالامر بالسابقة والقرابة قال فما رأيك قال تجيبه إلى ما دعا إليه من الحق قال معاوية ونترك دم عثمان لا والله لا أفعله أبدا ثم قال شبث بن ربعى يا معاوية انما طلبت دم عثمان تستميل به هؤلاء السفهاء الطغام إلى طاعتك ولقد علمنا انك أبطأت على عثمان بالنصر لطلب هذه المنزلة فاتق الله ودع ما أنت عليه ولا تنازع الامر أهله فأجابه معاوية وأبدع في سبه وقال انصرفوا فليس بينى وبينكم الا السيف فقال له شبث أقسم بالله لنعجلنها لك ورجعوا إلى على بالخبر وأقاموا يقتتلون أيام ذى الحجة كلها عسكر من هؤلاء وعسكر من هؤلاء وكرهوا أن يلقوا جمع أهل العراق بجمع أهل الشأم حذرا من الاستئصال والهلاك ثم جاء المحرم فذهبوا إلى الموادعة حتى ينقضى طمعا في الصلح وبعث إلى معاوية عدى بن حاتم ويزيد بن قيس الارحبي وشبث بن ربعى وزياد ابن خصفة فتكلم عدى بعد الحمد والثناء ودعا إلى الدخول في طاعة على ليجمع الله به الكلمة فلم يبق غيرك ومن معك واحذر يا معاوية أن يصيبك وأصحابك مثل يوم الجمل فقال معاوية كأنك جئت مهددا لا مصلحا هيهات يا عدى أنا ابن حرب والله ما يقعقع لى بالشنان وانك من قتلة عثمان وأرجو أن يقتلك الله به فقال له يزيد بن قيس(2/170)
انما أتيناك رسلا ولا ندع مع ذلك النصح والسعى في الالفة والجماعة وذكر من فضل على واستحقاقه للامر بتقواه وزهده فقال معاوية بعد الحمد والثناء أما الجماعة التى تدعون إليها فهى معنا وأما طاعة صاحبكم فلا نراها لانه قتل خليفتنا وآوى أهل ثارنا ونحن مع ذلك نجيبكم إلى الطاعة والجماعة إذا دفع الينا قتلة عثمان فقال شبث بن ربعى أيسرك يا معاوية أن تقتل عمارا قال نعم بمولاه قال شبث حتى تضيق والله الارض الفضاء عليك فقال معاوية لو كان ذلك لكانت عليك أضيق وافترقوا عن معاوية ثم خلا بزياد بن خصفة وشكى إليه من على وسأله النصر منه بعشيرته وأن يوليه أحد المصرين فأبى وقال انى على بينة من ربى فلن أكون ظهيرا للمجرمين وقام عنه فقال
معاوية لعمرو كان قلوبهم قلب رجل واحد ثم بعث معاوية إلى على حبيب بن مسلمة وشرحبيل بن السمط ومعن بن يزيد بن الاخنس فدخلوا عليه فتكلم حبيب بعد الحمد لله والثناء فقال ان عثمان كان خليفة مهديا يعمل بكتاب الله وينيب إلى أمره فاستثقلتم حياته واستبطأتم موته فقتلتموه فادفع الينا قتلته ان كنت لم تقتله ثم اعتزل أمر الناس فيولوا من اجمعوا عليه فقال على ما أنت وهذا الامر فاسكت فلست بأهل له فقال والله لتراني بحيث تكره فقال وما أنت لا أبقى الله عليك ان ابقيت اذهب فصوب وصعد ثم تكلم بعد الحمد لله والثناء وهداية الناس بمحمد صلى الله عليه وسلم وخلافة الشيخين وحسن سيرتهما وقد وجدنا عليهما أن توليا ونحن أقرب منهما إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم لكن سمحنا لهما بذلك وولى عثمان فعاب الناس عليه وقتلوه ثم بايعوني مخافة الفرقة فأجبتهم ونكث على رجلان وخالف صاحبكم الذى ليس له مثل سابقتي والعجب من انقيادكم له دون بيت نبيكم ولا ينبغى لكم ذلك وأنا أدعوكم إلى الكتاب والسنة ومعالم الدين وإماتة الباطل واحياء الحق فقالوا نشهد أن عثمان قتل مظلوما فقال لا اقول مظلوما ولا ظالما قالوا فمن لم يقل ذلك فنحن منه برآء وانصرفوا فقرأ على انك لا تسمع الموتى الآية ثم قال لاصحابه لا يكن هؤلاء في ضلالهم أجد منكم في حقكم ثم تنازع عدى بن حاتم في راية طيئ وعامر بن قيس الحزمرى وكان رهطه أكثر من رهط عدى فقال عبد الله بن خليفة البولانى ما فينا أفضل من عدى ولا من أبيه حاتم ولم يكن في الاسلام أفضل من عدى وهو الوافد إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ورأس طيئ في النخيلة والقادسية والمداين وجلولا ونهاوند وتستر وسأل على قومهم فوافقوه على ذلك فقضى بها لعدى ولما انسلخ المحرم نادى على في الناس بالقتال وعبى الكتائب وقال لا تقاتلوهم حتى يقاتلوكم فإذا هزمتموهم فلا تقتلوا مدبرا ولا تجهزوا على جريح ولا تكشفوا عورة ولا تمثلوا ولا(2/171)
تأخذوا مالا ولا تهيجوا امرأة وان شتمتكم فانهن ضعاف الانفس والقوى ثم حرضهم ودعا لهم وجعل الاشتر على خيل الكوفة وسهل بن حنيف على خيل البصرة وقيس بن سعد على رجالة البصرة وعمار بن ياسر على رجالة الكوفة وهاشم بن عتبة معه الراية ومسعر بن فدكى على القراء وعبى معاوية كتائبه فجعل على الميمنة ذا الكلاع الحميرى وعلى الميسرة حبيب بن مسلمة وعلى المقدمة أبا الاعور وعلى خيل دمشق عمرو بن العاصى وعلى رجالتها مسلم بن عقبة المرى وعلى الناس كلهم الضحاك بن قيس وتبايع رجال من أهل الشأم على الموت فعقلوا أنفسهم بالعمائم في خمسة صفوف فاقتتلوا عامة يومهم وفى اليوم الثاني هاشم بن عتبة وأبو الاعور السلمى وفى اليوم الثالث عمار بن ياسر وعمرو بن العاصى فاقتتلوا أشد قتال وحمل عمار فأزال عمرا عن موضعه وفى اليوم الرابع محمد بن الحنفية وعبيد الله بن عمر بن الخطاب وتداعيا إلى البراز فرد على ابنه وتراجعوا وفى اليوم الخامس عبد الله بن عباس والوليد بن عقبة فاقتتلا كذلك ثم عاد في اليوم السادس الاشتر وحبيب فاقتتلا قتالا شديدا وانصرفا وخطب على الناس عشية يومه وأمرهم بمناهضة القوم بأجمعهم وأن يطيلوا ليلتهم القيام ويكثروا التلاوة ويدعو الله بالنصر والصبر ويرموا غدا في لقائهم بالجد والحزم فبات الناس يصلحون ليلتهم سلاحهم وعبى على الناس ليلته إلى الصباح وزحف وسأل عن القبائل من أهل الشأم وعرف مواقفهم وأمر كل قبيلة أن تكفيه أختها من الشأم ومن ليس منهم أحد بالشأم يصرفهم إلى من ليس منهم أحد بالعراق مثل بجيلة صرفهم إلى لخم وخرج معاوية في أهل الشام فاقتتلوا يوم الاربعاء قتالا شديدا عامة يومهم ثم انصرفوا وغلس على يوم الخميس بالزحف وعلى ميمنته عبد الله بن بديل ابن ورقاء وعلى ميسرته عبد الله بن عباس والقراء مع عمار وقيس بن سعد وعبد الله ابن يزيد والناس على راياتهم ومراكزهم وعلى في القلب بين أهل الكوفة والبصرة ومعه أهل البصرة والكوفة ومعه أهل المدينة من الانصار وخزاعة وكنانة ورفع
معاوية قبة عظيمة والقى عليها الثياب وبايعه أكثر أهل الشأم على الموت وأحاط بقبته خيل دمشق وزحف ابن بديل في الميمنة فقاتلهم إلى الظهر وهو يحرض أصحابه ثم كشف خيلهم واضطرهم إلى قبة معاوية وجاء الذين تبايعوا على الموت إلى معاوية فبعثهم إلى حبيب فحمل بهم على ميمنة أهل العراق فانجفل الناس عن ابن بديل الا ثلثمائة أو مائتين من القراء وانتهت الهزيمة إلى على وأمده على بسهل بن حنيف في أهل المدينة فاستقبلهم جموع عظيمة لاهل الشأم فمنعتهم ثم انكشفت مضر من الميسرة وثبتت ربيعة وجاء على يمشى نحوهم فاعترضه أحمر مولى أبى سفيان فحال دونه كيسان مولاه فقتله(2/172)
أحمر فتناول على أحمر من درعه فجذبه وضرب به الارض وكسر منكبيه وعضديه ثم دنا من ربيعة فصبرهم وثبت أقدامهم وتنادوا بينهم أن أصيب بينكم أمير المؤمنين افتضحتم في العرب وكان الاشتر مر به راكضا نحو الميمنة واستقبل الناس منهزمين فأبلغهم مقالة على أين فراركم من الموت الذى لا تعجزوه إلى الحياة التى لا تبقى لكم ثم نادى أنا الاشتر فرجع إليه بعضهم فنادى مذحجا وحرضهم فأجابوه وقصد القوم واستقبله شباب من همدان ثمانمائة أو نحوها وكان قد هلك منهم في ذلك اليوم أحد عشر رئيسا وأصيب منهم ثمانون ومائة وزحف الاشتر نحو الميمنة وتراجع الناس واشتد القتال حتى كشف أهل الشأم وألحقهم بمعاوية عند الاصفرار وانتهى إلى ابن بديل في مائتين أو ثلثمائة من القراء قد لصقوا بالارض فانكشفوا عنهم أهل الشأم وأبصروا اخوانهم وسألوا عن على فقيل لهم هو في الميسرة يقاتل فقال ابن بديل استقدموا بنا ونهاه الاشتر فأبى ومضى نحو معاوية وحوله امثال الجبال تقتل كل من دنا منه حتى وصل إلى معاوية فنهض إليه الناس من كل جانب وأحيط به فقتل وقتل من أصحابه ناس ورجع آخرون مجرحين وأهل الشأم في اتباعهم فبعث الاشتر من نفس عنهم حتى وصلوا إليه وزحف الاشتر في همدان وطوائف من الناس فأزال أهل الشأم عن
مواقفهم حتى ألحقهم بالصفوف المعقلة بالعمائم حول معاوية ثم حمل أخرى فصرع منهم أربعة صفوف حتى دعا معاوية بفرسه فركبه وخرج عبد الله بن أبى الحصين الازدي في القراء الذين مع عمار فقاتلوا وتقدم عقبة بن حديد النميري مستميتا ومعه اخوته وقاتلوا حتى قتلوا وتقدم شمر بن ذى الجوشن مبارزا فضرب أدهم بن محرز الباهلى وجهه بالسيف وحمل هو على أدهم فقتله وحمل قيس بن المكشوح 3 ومعه راية بجيلة فقاتل حتى أخذها آخر كذلك ولما رآى على أهل ميمنة أصحابه قد عادوا إلى مواقفهم وكشفوا العدو قبالتهم أقبل إليهم وعذلهم بعض الشئ عن مفرهم وأثنى على وجوههم وقاتل الناس قتالا شديدا وتبارز الشجعان من كل جانب وأقبلت قبائل طيئ والنخع وخرجت حمير من ميمنة أهل الشأم وتقدم ذو الكلاع ومعهم عبيد الله بن عمر بن الخطاب فقصد ربيعة في ميسرة أهل العراق وعليهم ابن عباس وحملوا عليهم حملة شديدة فثبتت ربيعة وأهل الحفاظ منهم وانهزم الضعفاء والفشلة ثم رجعوا ولحقت بهم عبد القيس وحملوا على حمير فقتل ذو الكلاع وعبيد الله بن عمر وأخذ سيف ذى الكلاع وكان لعمر فلما ملك معاوية العراق أخذه من قاتله ثم خرج عمار بن ياسر وقال اللهم انى لا أعمل اليوم عملا أرضى من جهاد هؤلاء الفاسقين ثم نادى من سعى في رضوان ربه فلا يرجع إلى مال ولا ولد فأتاه عصابة اقصدوا بنا هؤلاء الذين يطلبون بدم عثمان(2/173)
يخادعون بذلك عما في نفوسهم من الباطل ثم مضى فلا يمر بواد من صفين الا اتبعه من هناك من الصحابة ثم جاء إلى هاشم بن عتبة وكان صاحب الراية فأنهضه حتى دنا من عمرو بن العاصى وقال يا عمرو بعت دينك بمصر تبا لك فقال انما أطلب دم عثمان فقال أشهد أنك لا تطلب وجه الله في كلام كثير من أمثال ذلك وان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال في عمار تقتله الفئة الباغية ولما قتل عمار حمل على وحمل معه ربيعة ومضر وهمدان حملة منكرة فلم يبق لاهل الشأم صف الا انتقض حتى بلغوا معاوية فناداه
على علام يقتل الناس بيننا هلم أحاكمك إلى الله فأينا قتل صاحبه استقام له الامر فقال له عمرو أنصفك فقال له معاوية لكنك ما أنصفت وأسر يومئذ جماعة من أصحاب على فترك سبيلهم وكذلك فعل على ومر على بكتيبة من الشأم قد ثبتوا فبعث إليهم محمد ابن الحنفية فأزالهم عن مواقفهم وصرع عبد الله بن كعب المرادى فمر به الاسود بن قيس فأوصاه بتقوى الله والقتال مع على وقال أبلغه عنى السلام وقال له قاتل على المعركة حتى تجعلها خلف ظهرك فانه من أصبح غدا والمعركة خلف ظهره فانه العالي ثم اقتتل الناس إلى الصباح وهى ليلة الجمعة وتسمى ليلة الهرير وعلى يسير بين الصفوف ويحرض كل كتيبة على التقدم حتى أصبح والمعركة كلها خلف ظهره والاشتر في الميمنة وابن عباس في الميسرة والناس يقتتلون من كل جانب وذلك يوم الجمعة ثم ركب الاشتر ودعا الناس إلى الحملة على أهل الشأم فحمل حتى انتهى إلى عسكرهم وقتل صاحب رايتهم وأمده على بالرجال فلما رآى عمرو شدة أهل العراق وخاف على أصحابه الهلاك قال لمعاوية مر الناس يرفعون المصاحف على الرماح ويقولون كتاب الله بيننا وبينكم فان قبلوا ذلك ارتفع عنا القتال وان أبى بعضهم وجدنا في افتراقهم راحة ففعلوا ذلك فقال الناس نجيب إلى كتاب الله فقال لهم على يا عباد الله امضوا على حقكم وقتال عدوكم فان معاوية وابن أبى معيط وحبيبا وابن أبى سرح والضحاك ليسوا بأصحاب دين ولا قرآن أنا أعرف بهم صحبتهم اطفالا ورجالا فكانوا شر اطفال وشر رجال ويحكم والله ما رفعوها الا مكيدة وخديعة فقالوا لا يسعنا أن ندعى إلى كتاب الله فلا نقبل فقال انما قتلناهم ليدينوا بكتاب الله فانهم نبذوه فقال له مسعر بن فدك التميمي وزيد بن حصين الطائى في عصابة من القراء الذين صاروا خوارج بعد ذلك يا على أجب إلى كتاب الله والا دفعنا برمتك إلى القوم أو فعلنا بك ما فعلنا بابن عفان فقال ان تطيعوني فقاتلوا وان تعصوني فافعلوا ما بدا لكم قالوا فابعث إلى الاشتر وكفه عن القتال فبعث إليه
يزيد بن هانئ بذلك فابى وقال قد رجوت أن يفتح الله لى فلما جاء يزيد بذلك ارتج الموقف(2/174)
باللغط وقالوا لعلى ما نراك الا أمرته بقتال فابعث إليه فليأتك ولا اعتزلناك فقال على ويحك يا يزيد قل له أقبل إلى فان الفتنة قد رفعت فقال الرفع المصاحف فقال نعم قال لقد ظننت أن ذلك يوقع فرقة كيف ندع هؤلاء وننصرف والفتح قد وقع فقال يزيد تحب أن تظفر وأمير المؤمنين يسلم على عدوه أو يقتل ثم أقبل إليهم الاشتر واطال عتبهم وقال امهلوني فواقا فقد احسست بالفتح فأبوا فعذلهم وأطال في عذلهم فقالوا دعنا يا أشتر قاتلناهم لله فقال بل خدعتم فانخدعتم ثم كثرت الملاحاة بينهم وتشاتموا فصاح بهم على فكفوا فقال له الاشعث بن قيس ان الناس قد رضوا بما دعوا إليه من حكم القرآن فان شئت أتيت معاوية وسألته ما يريد قال افعل فأتاه وسأله لاى شئ رفعتم المصاحف قال لنرجع نحن وأنتم إلى ما أمر الله به من كتابه تبعثون رجلا ترضونه ونحن آخر ونأخذ عليهما أن يعملا بما في كتاب الله لا يعدوانه ثم نتبع ما اتفقا عليه فقال الاشعث هذا الحق ورجع إلى على والناس وأخبرهم فقال الناس رضينا وقبلنا ورضى أهل الشأم عمرا وقال الاشعث وأولئك القراء الذين صاروا خوارج رضينا بأبى موسى فقال على لا أرضاه فقال الاشعث ويزيد بن الحصين ومسعر بن فدك لا نرضى الا به قال فانه ليس ثقة قد فارقني وخذل الناس عنى وهرب منى حتى أمنته بعد شهر قالوا لا نريد الا رجلا هو منك ومن معاوية سواء قال فالاشتر قالوا وهل سعر الارض غير الاشتر قال فاصنعوا ما بدا لكم فبعثوا إلى أبى موسى وقد اعتزل القتال فقيل ان الناس قد اصطلحوا فحمد الله قيل وقد جعلوك حكما فاسترجع وجاء أبو موسى إلى العسكر وطلب الاحنف بن قيس من على أن يجعله مع أبى موسى فأبى الناس من ذلك وحضر عمرو بن العاصى عند على لتكتب القضية بحضوره فكتبوا بعد البسملة هذا ما تقاضى عليه أمير المؤمنين فقال عمرو ليس هو بأميرنا فقال له الاحنف لا تمحها
فانى أتطير بمحوها فمكث مليا ثم قال الاشعث امحها فقال على الله أكبر وذكر قصة الحديبية وفيها انك ستدعى إلى مثلها فتجيبها فقال عمرو سبحان الله نشبه بالكفار ونحن مؤمنون فقال على يا ابن النابغة ومتى لم تكن للفاسقين وليا وللمؤمنين عدوا فقال عمرو والله لا يجمع بينى وبينك مجلس بعد اليوم فقال على أرجو أن يطهر الله مجلسي منك ومن اشباهك وكتب الكتاب هذا ما تقاضى عليه على بن أبى طالب ومعاوية بن أبى سفيان قاضى على على أهل الكوفة ومن معهم ومعاوية على أهل الشأم ومن معهم انا ننزل عند حكم الله وكتابه وان لا يجمع بيننا غيره وان كتاب الله بيننا من فاتحته إلى خاتمته نحيى ما أحيا ونميت ما أمات مما وجد الحكمان في كتاب الله وهما أبو موسى عبد الله ابن قيس وعمرو بن العاصى وما لم يجدا في كتب الله فالسنة العادلة الجامعة غير المفرقة(2/175)
وأخذ الحكمان من على ومعاوية ومن الجندين العهود والمواثيق أنهما آمنان على أنفسهما وأهليهما والامة لهما أنصار على الذى يتقاضيان عليه وعلى عبد الله بن قيس وعمرو بن العاصى عهد الله وميثاقه أن يحكما بين هذه الامة ولا يورداها في حرب ولا فرقة حتى يقضيا وأجلا القضاء إلى رمضان وأن أحبا أن يؤخرا ذلك أخراه وان مكان قضيتهما مكان عدل بين أهل الكوفة وأهل الشأم وشهد رجال من أهل العراق ورجال من أهل الشأم وضعوا خطوطهم في الصحيفة وأبى الاشتر أن يكتب اسمه فيها وحاوره الاشعث في ذلك فأساء الرد عليه وتهدده وكتب الكتاب لثلاث عشرة خلت من صفر سنة سبع وثلاثين واتفقوا على أن يوافي على موضع الحكمين بدومة الجندل وبأذرح في شهر رمضان ثم جاء بعض الناس إلى على يحضه على قتال القوم فقال لا يصلح الرجوع بعد الرضى ولا التبديل بعد الاقرار ثم رجع الناس عن صفين ورجع على وخالفت الحرورية وأنكروا تحكيم الرجال ورجعوا على غير الطريق الذى جاؤا فيه حتى جازوا النخيلة ورأوا بيوت الكوفة ومر على بقبر خباب بن الارت توفى بعد خروجه
فوقف واسترحم له ثم دخل الكوفة فسمع رجة البكاء في الدور فقال يبكين على القتلى فترحم لهم ولم يزل يذكر الله حتى دخل القصر فلم تدخل الخوارج معه وأتوا حرورا فنزلوا بها في اثنى عشر ألفا وقدموا شبث بن عمر التميمي أمير القتال وعبيد الله بن الكوا اليشكرى أمير الصلاة قالوا البيعة لله عزوجل والامر بالمعروف والنهى عن المنكر والامر شورى بعد الفتح فقالوا للناس بايعتم عليا انكم أولياء من والى وأعداء من عادى وبايع أهل الشأم معاوية على ما أحب وكرهوا فلستم جميعا من الحق في شئ فقال لهم زياد بن النضر والله ما بايعناه الا على الكتاب والسنة لكن لما خالفتموه تعينتم للضلال وتعينا للحق ثم بعث على عبد الله بن عباس إليهم وقال لا تراجعهم حتى آتيك فلم يصبر عن مكالمتهم وقال ما نقمتم من أمر الحكمين وقد أمر الله بهما بين الزوجين فكيف بالامة فقالوا لا يكون هذا بالرأى والقياس فان ذلك جعله الله حكما للعباد وهذا أمضاه كما أمضى حكم الزانى والسارق قال ابن عباس قال الله تعالى يحكم به ذوا عدل منكم قالوا والاخرى كذلك وليس أمر الصيد والزوجين كدماء المسلمين ثم قالوا له قد كنا بالامس نقاتل عمرو بن العاصى فان كان عدلا فعلى ما قتلناه وان لم يكن عدلا فكيف يسوغ تحكيمه وأنتم قد حكمتم الرجال في أمر معاوية وأصحابه والله تعالى قد أمضى حكمه فيهم أن يقتلوا أو يرجعوا وجعلتم بينكم الموادعة في الكتب وقد قطعها الله بين المسلمين وأهل الحرب منذ نزلت براءة ثم جاء على إلى فسطاط يزيد بن قيس منهم بعد ان علم أنهم يرجعون إليه في رأيهم فصلى عنده ركعتين وولاه على اصبهان(2/176)
والرى ثم خرج إليهم وهم في مجلس ابن عباس فقال من زعيمكم قالوا ابن الكوا قال فما هذا الخروج قالوا لحكومتكم يوم صفين قال أنشدكم الله أتعلمون انه لم يكن رأيى وانما كان رأيكم مع انى اشترطت على الحكمين أن يحكما بحكم القرآن فان فعلا فلا ضير وان خالفا فلا خير ونحن برآء من حكمهم قالوا فتحكيم الرجال في الدماء عدل قال
انما حكمنا القرآن الا أنه لا ينطق وانما يتكلم به الرجال قالوا فلم جعلتم الاجل بينكم قال لعل الله يأتي فيه بالهدنة بعد افتراق الامة فرجعوا إلى رأيه وقال ادخلوا مصركم فلنمكث ستة أشهر حتى يجبى المال ويسمن الكراع ثم نخرج إلى عدونا فدخلوا من عند آخرهم * (أمر الحكمين) * ولما انقضى الاجل وحان وقت الحكمين بعث على أبا موسى الاشعري في أربعمائة رجل عليهم شريح بن هانئ الحارثى ومعهم عبد الله بن عباس يصلى بهم وأوصى شريحا بموعظة عمر فلما سمعها قال متى كنت أقبل مشورة على وأعتد برأيه قال وما يمنعك أن تقبل من سيد المسلمين وأساء الرد عليه فسكت عنه وبعث معاوية عمرو بن العاصى في أربعمائة من أهل الشام والتقوا بأذرح من دومة الجندل فكان أصحاب عمرو أطوع من أصحاب ابن عباس لابن عباس حتى لم يكونوا يسألوه عن كتاب معاوية إذا جاءه ويسأل أهل العراق ابن عباس ويتهمونه وحضر مع الحكمين عبد الله بن عمر وعبد الرحمن ابن أبى بكر وعبد الله بن الزبير وعبد الرحمن بن الحرث بن هشام وعبد الرحمن ابن عبد يغوث الزهري وأبو جهم بن حذيفة العدوى والمغيرة بن شعبة وسعد بن أبى وقاص على خلاف فيه وقيل قدم على حضوره فأحرم بعمرة من بيت المقدس ولما اجتمع الحكمان قال عمرو لابي موسى أتعلم ان عثمان قتل مظلوما وان معاوية وقومه أولياؤه قال بلى قال فما يمنعك منه وهو في قريش كما علمت وان قصرت به السابقة قدمه حسن السياسة وانه صهر رسول الله صلى الله عليه وسلم وكاتبه وصاحبه والطالب بدم عثمان وعرض بالولاية فقال أبو موسى يا عمرو اتق الله واعلم ان هذا الامر ليس بالشرف والا لكان لآل ابرهة بن الصباح وانما هو بالدين والفضل مع انه لو كان بشرف قريش لكان لعلى بن أبى طالب وما كنت لارى لمعاوية طلبه دم عثمان وأوليه وأدع المهاجرين الاولين وما تعريضك بالولاية فلو خرج لى معاوية عن سلطانه ما وليته
وما أرتشى في حكم الله ثم دعاه إلى تولية عبد الله بن عمر فقال له عمرو فما يمنعك من ابني وهو من علمت فقال هو رجل صدق ولكنك غمسته في الفتنة فقال عمرو إن هذا الامر لا يصلح الا لرجل له ضرس يأكل ويطعم وكانت في ابن عمر غفلة وكان ابن الزبير بازائه(2/177)
فنبهه لما قال فقال ابن عمر لا أرشو عليها أبدا ثم قال أبو موسى يا ابن العاص ان العرب أسندت أمرها اليك بعد المقارعة بالسيوف فلا تردنهم في فتنة قال له فخبرني ما رأيك قال أرى أن نخلع الرجلين ونجعل الامر شورى يختار المسلمون لانفسهم فقال عمرو الرأى ما رأيت ثم أقبلوا على الناس وهم ينتظرونهم وكان عمرو قد عود أبا موسى أن يقدمه في الكلام لما له من الصحبة والسن فقال يا أبا موسى أعلمهم ان رأينا قد اتفق فقال إنا رأينا أمرا نرجوا الله أن يصلح به الامة فقال له ابن عباس ويحك أظنه خدعك فاجعل له الكلام قبلك فأبى وقال أيها الناس إنا نظرنا في أمر الامة فلم نر أصلح لهم مما اتفقنا عليه وهو أن نخلع عليا ومعاوية ويولى الناس أمرهم من أحبوا وانى قد خلعتهما فولوا من رأيتموه أهلا فقال عمرو ان هذا قد خلع صاحبه وقد خلعته كما خلعه وأثبت معاوية فهو ولى ابن عفان وأحق الناس بمقامه ثم غدا ابن عباس وسعد على ابى موسى باللائمة فقال ما أصنع غدرني ورجع باللائمة على عمرو وقال لا وفقك الله غدرت وفجرت وحمل شريح على عمرو فضربه بالسيف وضربه ابن عمر كذلك وحجز الناس بينهم فلحق أبو موسى بمكة وانصرف عمرو وأهل الشام إلى معاوية فسلموا عليه بالخلافة ورجع ابن عباس وشريح إلى على بالخبر فكان يقنت إذا صلى الغداة ويقول اللهم العن معاوية وعمرا وحبيبا وعبد الرحمن بن مخلد والضحاك بن قيس والوليد وأبا الاعور وبلغ ذلك معاوية فكان إذا قنت يلعن عليا وابن عباس والحسن والحسين والاشتر (3) * (أمر الخوارج وقتالهم) *
ولما اعتزم على أن يبعث أبا موسى للحكومة أتاه زرعة بن البرح الطائى وحرقوص بن زهير السعدى من الخوارج وقالا له تب من خطيئتك وارجع عن قضيتك واخرج بنا إلى عدونا نقاتلهم وقال على قد كتبنا بيننا وبينهم كتابا وعاهدناهم فقال حرقوص ذلك ذنب تنبغي التوبة منه فقال على ليس بذنب ولكنه عجز من الرأى فقال زرعة لئن لم تدع تحكيم الرجال لا قاتلنك أطلب وجه الله فقال على بؤسا لك كأنى بك قتيلا تسفى عليك الرياح قال وددت لو كان ذلك وخرجا من عنده يناديان لا حكم الا لله وخطب على يوما فتنادوا من جوانب المسجد بهذه الكلمة فقال على الله أكبر كلمة حق أريد بها باطل وخطب ثانيا فقالوا كذلك فقال أما ان لكم عندنا ثلاثا ما صحبتمونا لا نمنعكم مساجد الله أن تذكروا فيها اسمه ولا الفئ ما دمتم معنا ولا نقاتلكم حتى تبدؤنا وننتظر فيكم أمر الله ثم اجتمع الخوارج في منزل عبد الله بن وهب الراسبى فوعظهم وحرضهم على الخروج إلى بعض النواحى لانكار هذه البدع وتبعه حرقوص بن زهير في المقالة(2/178)
فقال حمزة بن سنان الاسدي الرأى ما رأيتم لكن لا بد لكم من أمير وراية فعرضوها على زيد بن حصين الطائى ثم حرقوص ثم زهير ثم حمزة بن سنان ثم شريح بن أو في العنسى فأبوا ثم عرضوها على عبد الله بن وهب فأجاب فبايعوه لعشر خلون من شوال وكان يقال له ذو الثفنات ثم اجتمعوا في منزل شريح وتشاوروا وكتب ابن وهب إلى أهل البصرة منهم يستحشدهم على اللحاق بهم ولما اعتزموا على السير تعبدوا ليلة الجمعة ويومها وساروا فخرج معهم طرفة بن عدى بن حاتم الطائى واتبعه أبوه إلى المدائن فلم يقدر عليه فرجع ولقيه عبد الله بن وهب في عشرين فارسا وأراد قتله فمنعه من كان معه من طيئ وأرسل على إلى عامل المدائن سعد بن مسعود بخبرهم فاستخلف ابن أخيه المختار بن عبيد وسار في طلبهم في خمسمائة فارس فتركوا طريقهم وساروا على بغداد ولحقهم سعد بالكرخ مساء وجاءه عبد الله في ثلاثين فارسا وقاتلهم وامتنعوا وأشار
أصحابه بتركهم إلى أن يأتي فيهم أمر على فأبى ولما جن عليهم الليل عبر عبد الله إليهم دجلة وسار إلى أصحابه بالنهروان واجتمعت خوارج البصرة في خمسمائة رجل عليهم مسعر بن فدكى التميمي واتبعهم أبو الاسود الدؤلى بأمر ابن عباس ولحقهم فاقتتلوا حتى حجز بينهم الليل فأدلج مسعر بأصحابه فلحق بعبد الله بن وهب بالنهروان ولما خرجت الخوارج بايع على أصحابه على قتالهم ثم انكر شان الحكمين وخطب الناس وقال بعد الحمد لله والموعظة ألا إن هذين الحكمين نبذا حكم القرآن واتبع كل واحد هواه واختلفا في الحكم وكلاهما لم يرشد فاستعدوا للسير إلى الشام وكتب إلى الخوارج بالنهروان بذلك واستحثهم للمسير إلى العدو وقال نحن على الامر الاول الذى كنا عليه فكتبوا إليه انك غضبت لنفسك ولم تغضب لربك فان شهدت على نفسك بالكفر وتبت نظرنا بيننا وبينك والا فقد نابذناك على السواء فيئس على منهم ورآى أن يمضى إلى الشام ويدعهم وقام في الناس يحرضهم لذلك وكتب إلى ابن عباس من معسكره بالنخيلة يأمره بالشخوص بالعساكر والمقام إلى أن يأتي أمره فأشخص ابن عباس الاحنف بن قيس في ألف وخمسمائة ثم خطب ثانية وندب الناس وقال كيف ينفر هذا العدد القليل وأنتم ستون ألف مقاتل ثم تهددهم وأمرهم بالنفير مع جارية بن قدامة السعدى فخرج معه ألف وستمائة ووافوا عليا في ثلاثة آلاف أو يزيدون ثم خطب أهل الكوفة ولاطفهم بالقول وحرضهم وأخبرهم بما فعل أهل البصرة مع كثرتهم وقال ليكتب إلى كل رئيس منكم ما في عشيرته من المقاتلة من أبنائهم ومواليهم فأجابه سعيد بن قيس الهمداني ومعقل بن قيس وعدى بن حاتم وزياد بن خصفة وحجر بن عدى واشراف الناس بالسمع والطاعة وأمروا ذويهم ألا يختلف منهم أحد فكانوا أربعين ألف مقاتل وسبعة عشر(2/179)
ممن بلغ الحلم وانتهت عساكره إلى ثمانية وستين ألفا وبلغه أن الناس يرون تقديم الخوارج فقال لهم ان قتال أهل الشام أهم علينا لانهم يقاتلونكم ليكونوا ملوكا جبارين
ويتخذوا عباد الله خولا فرجعوا إلى رأيه وقالوا سر بنا إلى حيث شئت وبينما هو على اعتزام السير إلى أهل الشام بلغه ان خوارج أهل البصرة لقوا عبد الله بن خباب من صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم قريبا من النهروان فعرفهم بنفسه فسألوه عن أبى بكر وعمر فأثنى خيرا ثم عن عثمان في أول خلافته وآخرها فقال كان محقا في الاول والآخر فسألوه عن على قبل التحكيم وبعده فقال هو أعلم بالله وأشد توقيا على دينه فقالوا انك توالى الرجال على أسمائها ثم ذبحوه وبقروا بطن امرأته ثم قتلوا ثلاث نسوة من طيئ فأسف عليا قتلهم عبد الله بن خباب واعتراضهم على الناس فبعث الحرث بن مرة العبدى لينظر فيما بلغه عنهم فقتلوه فقال له أصحابه كيف ندع هؤلاء ونأمن غائلتهم في أموالنا وعيالنا انما نقدم أمرهم على الشام وقام الاشعث بن قيس بمثل ذلك فوافقهم على وسار إليهم وبعث من يقول لهم ادفعوا الينا قتلة اخواننا منكم فنكف عنكم حتى نرجع من قتال العرب (3) لعل الله يردكم إلى خير فقالوا كلنا قتلهم وكلنا مستحل دماءكم ودماءهم ثم جاءهم قيس بن سعد ووعظهم وأبو أيوب الانصاري كذلك ثم جاءهم على فتهددهم وسفه رأيهم ويريهم شأن الحكمين وانهما لما خالفا حكم الكتاب والسنة نبذنا أمرهما ونحن على الامر الاول فقالوا انا كفرنا بالتحكيم وقد تبنا فان تبت أنت فنحن معك وان أبيت فقد نابذناك فقال كيف أحكم على نفسي بالكفر بعد ايمانى وهجرتي وجهادي ثم انصرف عنهم وقيل ان عليا خطبهم وأغلظ عليهم فيما فعلوه من الاستعراض والقتل فتنادوا لا تكلموهم وتأهبوا للقاء الله ثم قصدوا جسر الخوارج ولحقهم على دونه وقد عبى أصحابه وعلى ميمنته حجر بن عدى وعلى ميسرته شبث بن ربعى أو معقل بن قيس وعلى الخيل أبو أيوب وعلى الرجالة أبو قتادة وعلى أهل المدينة سبعمائة أو ثمانمائة قيس بن سعد وعبأت نحوه الخوارج على ميمنتهم زيد بن حصين الطائى وعلى الميسرة شريح بن أو في العنسى وعلى الخيل حمزة بن سنان الاسدي وعلى الرجالة حرقوص بن زهير ودفع على إلى أبى أيوب راية أمانا لهم لمن جاءها ممن لم يقتل ولم يستعرض فناداهم إليها
وقال من انصرف إلى الكوفة والمدائن فهو آمن فاعتزل عنهم فروة بن نوفل الاشجعى في خمسمائة وقال أعتزل حتى يتضح لى أمر في قتال على فنزل الدسكرة وخرج آخرون إلى الكوفة ورجع آخرون إلى على وكانوا أربعة آلاف وبقى منهم ألف وثمانمائة فحمل عليهم على والناس حتى فرقهم على الميمنة والميسرة ثم استقبلتهم الرماة وعطفت عليهم الخيل من المجنبتين ونهض إليهم الرجال بالسلاح فهلكوا كلهم في ساعة واحدة كأنما(2/180)
قيل لهم موتوا وقتل عبد الله بن وهب وزيد بن حصن وحرقوص بن زهير وعبد الله ابن شجرة وشريح بن أو في وأمر على أن يلتمس المخدج في قتلاهم وهو الذى ذكره رسول الله صلى الله عليه وسلم في علاماتهم فوجد في القتلى فاعتبر على وكبر واستنصر الناس وأخذ ما في عسكرهم من السلاح والدواب فقسمه بين المسلمين ورد عليهم المتاع والاماء والعبيد ودفن عدى بن حاتم ابنه طرفة ورجالا من المسلمين فنهى على عن ذلك وارتحل ولم يفقد من أصحابه الا سبعة أو نحوهم وشكا إليه الناس الكلال ونفود السهام والرماح وطلبوا الرجوع إلى الكوفة ليستعدوا فانه أقوى على القتال وكان الذى تولى كلامه الاشعث بن قيس فلم يجبه وأقبل فنزل ومنعهم من دخول منازلهم حتى يسيروا إلى عدوهم فتسللوا أيام المقامة إلى البيوت وتركوا المعسكر خاليا فلما رآى على ذلك دخل ثم ندبهم ثانيا فلم ينفروا فأقام أياما ثم كلم رؤساءهم على رأيهم والذى يبطئ بهم فلم ينشط من ذلك الا القليل فخطبهم وأغلظ في عتابهم وأعلمهم بما له عليهم من الطاعة في الحق والنصح فتثاقلوا وسكتوا * (ولاية عمرو بن العاصى مصر) * قد تقدم لنا ما كان من اجتماع العثمانية بنواحي مصر مع معاوية بن حديج السكوني وان محمد بن أبى بكر بعث إليهم العساكر من الفسطاط مع ابن مضاهم فهزموه وقتلوه واضطربت الفتنة بمصر على محمد بن أبى بكر وبلغ ذلك عليا فبعث إلى الاشتر من مكان
عمله بالجزيرة وهو نصيبين فبعثه على مصر وقال ليس لها غيرك وبلغ الخبر إلى معاوية وكان طمع في مصر فعلم أنها ستمتنع بالاشتر وجاء الاشتر فنزل على صاحب الخراج بالقلزم فمات هنالك وقيل ان معاوية بعث إلى صاحب القلزم فسمه على أن يسقط عنه الخراج وهذا بعيد وبلغ موته عليا فاسترجع واسترحم وكان محمد بن أبى بكر لما بلغته ولاية الاشتر شق عليه فكتب على يعتذر إليه وانه لم يوله لسوء رأى في محمد وانما هو لما كان يظن فيه من الشدة وقد صار إلى الله ونحن عنه راضون فرضى الله عنه وضاعف له الثواب فاصبر لعدوك وشمر للحرب وادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وأكثر من ذكر الله والاستعانة به والخوف منه يكفيك ما أهمك ويعينك على ما ولاك فأجابه محمد بالرضى برأيه والطاعة لامره وانه مزمع على حرابة من خالفه ثم لما كان من أمر الحكمين ما كان واختلف أهل العراق على على وبايع أهل الشام معاوية بالخلافة فاراد معاوية صرف عمله إلى مصر لما كان يرجو من الاستعانة على حروبه بخراجها ودعا بطانته أبا الاعور السلمى وحبيب بن مسلمة وبسر بن ارطاة والضحاك بن قيس وعبد الرحمن بن خالد بن الوليد وشرحبيل بن السمط وشاورهم في شأنها(2/181)
فأشار عليه عمرو بافتتاحها وأشار ببعث الجيش مع حازم صارم يوثق ويجتمع إليه من كان على رأيه من العثمانية وقال معاوية بل الرأى ان نكاتب العثمانية بالوعد ونكاتب العدو بالصلح والتخويف ونأتى الحرب من بعد ذلك ثم قال معاوية انك يا ابن العاصى بورك لك في العجلة وأنا في التؤدة فقال افعل ما تراه واظن الامر لا يصير الا للحرب فكتب معاوية إلى معاوية بن حديج ومسلمة بن مخلد يشكرهما على الخلاف ويحثهما على الحرب والقيام في دم عثمان وفرحا بجوابهما فطلب المدد فجمع أصحابه وأشاروا بذلك فأمر عمرو بن العاصى أن يتجهز إلى مصر في ستة آلاف رجل ووصاه بالتؤدة وترك العجلة فنزل أدنى أرض مصر واجتمعت إليه العثمانية وبعث كتابه وكتاب معاوية
إلى محمد بن أبى بكر بالتهديد وأن الناس اجتمعوا عليك وهم مسلموك فاخرج فبعث بالكتابين إلى على فوعده بانفاذ الجيوش وأمره بقتال العدو والصبر فقدم محمد بن أبى بكر كنانة بن بشر في ألفين فبعث معاوية عمرو بن حديج وسرحه في أهل الشام فأحاطوا بكنانة فترجل عن فرسه وقاتل حتى استشهد وجاء الخبر إلى محمد بن أبى بكر فافترق عنه أصحابه وآوى في مفره إلى خربة واستتر في تلك الخربة فقبض عليه فأخذه ابن حديج وجاء به إلى الفسطاط وطلب أخوه عبد الرحمن من عمرو أن يبعث إلى ابن حديج في البقاء عليه فأبى وطلب محمد الماء فمنعه ابن حديج جزاء بما فعل بعثمان ثم أحرقه في جوف حمار بعد أن لعنه ودعا عليه وعلى معاوية وعمرو وكانت عائشة تقنت في الصلاة بالدعاء على قتلته ويقال انه لما انهزم اختفى عند جبلة بن مسروق حتى أحاط به معاوية بن حديج وأصحابه فخرج إليهم فقاتل حتى قتل ولما بلغ الخبر عليا خطب الناس وندبهم إلى اعدائهم وقال اخرجوا بنا إلى الجرعة بين الحيرة والكوفة وخرج من الغد إلى منتصف النهار يمشى إليها حتى نزلها فلم يلحق به أحد فرجع من العشى وجمع اشراف الناس ووبخهم فأجاب مالك بن كعب الارحبي في ألفين فقال سر وما أراك تدركهم فسار خمسا ولقى حجاج بن عرفة الانصاري قادما من مصر فأخبره بقتل محمد وجاء إلى على عبد الرحمن ابن شبث الفزارى وكان عينا له بالشام فأخبره بقتل محمد واستيلاء عمرو على مصر فحزن لذلك وبعث إلى مالك بن كعب أن يرجع بالجيش وخطب الناس فأخبرهم بالخبر وعذلهم على ما كان منهم من التثاقل حتى فات هذا الامر ووبخهم طويلا ثم نزل * (دعاء ابن الحضرمي بالبصرة لمعاوية ومقتله) * ولما فتح معاوية مصر بعث عبد الله بن الحضرمي إلى البصرة داعيا لهم وقد آنس منهم الطاعة بما كان من مقتل على اياهم يوم الجمل وانهم على رأيه في دم عثمان وأوصاه بالنزول في مصر يتودد إلى الازد وحذره من ربيعة وقال انهم ترائبه يعنى شيعة لعلى(2/182)
فسار ابن الحضرمي حتى قدم البصرة (وكان ابن عباس قد خرج إلى على واستخلف عليها زيادا) ونزل في بنى تميم واجتمع إليه العثمانية فحضهم على الطلب بدم عثمان من على فقال الضحاك بن قيس الهلالي قبح الله ما جئت به وما تدعو إليه تحملنا على الفرقة بعد الاجتماع وعلى الموت ليكون معاوية أميرا فقال له عبد الله بن حازم السلمى اسكت فلست لها بأهل ثم قال لابن الحضرمي نحن انصارك ويدك والقول قولك فقرأ كتاب معاوية يدعوهم إلى رأيه من الطلب بدم عثمان على أن يعمل فيهم بالسنة ويضاعف لهم الاعطية فلما فرغ من قراءته قام الاحنف بن قيس معتزلا وحض عمر بن مرحوم على لزوم البيعة والجماعة وقام العباس بن حجر في مناصرة ابن الحضرمي فقال له المثنى بن مخرمة لا يغرنك ابن صحار وارجع من حيث جئت فقال ابن الحضرمي لصبرة بن شيمان الازدي ألا تنصرنى قال لو نزلت عندي فعلت ودعا زياد أمير البصرة حضين بن المنذر ومالك بن مسمع ورؤس بكر بن وائل إلى المنعة من ابن الحضرمي إلى أن يأتي أمر على فأجاب حضين وتثاقل مالك وكان هواه في بنى أمية فأرسل زياد إلى صبرة بن شيمان يدعوه إلى الجوار بما معه من بيت المال فقال ان حملته إلى دارى أجرتك فتحول إليه ببيت المال والمنبر وكان يصلى الجمعة في مسجد قومه وأراد زياد اختبارهم فبعث إليهم من ينذرهم بمسيره بهم إليهم وأخذ زياد جندا منهم بعد صبره لذلك وقال ان جاؤا جئناهم وكتب زياد إلى على بالخبر فارسل أعين بن ضبيعة ليفرق تميما عن ابن الحضرمي ويقاتل من عصاه بمن أطاعه فجاء لذلك وقاتلهم يوما أو بعض يوم ثم اغتاله قوم فقتلوه ويقال من الخوارج * (ولاية زياد على فارس) * ولما قتل ابن الحضرمي بالبصرة والناس مختلفون على على طمع أهل النواحى من بلاد العجم في كسر الخراج وأخرج أهل فارس عاملهم سهل بن حنيف فاستشار على الناس فأشار عليه جارية بن قدامة بزياد فأمر ابن عباس أن يوليه عليها فبعثه إليها في جيش كثيف
فطوى بهم أهل فارس وضرب ببعضهم بعضا وهرب قوم وأقام آخرون وصفت له فارس بغير حرب ثم تقدم إلى كرمان فدوخها مثل ذلك فاستقامت وسكن الناس ونزل اصطخر وسكن قلعة بها تسمى قلعة زياد * (فراق ابن عباس لعلى رضى الله عنهم) * وفى سنة أربعين فارق عبد الله بن عباس عليا ولحق بمكة وذلك انه مر يوما بأبى الاسود ووبخه على أمر فكتب أبو الاسود إلى على بان ابن عباس استتر بأموال الله فاجابه على(2/183)
يشكره على ذلك وكتب لابن عباس ولم يخبره بالكاتب فكتب إليه بكذب ما بلغه من ذلك وانه ضابط للمال حافظ له فكتب إليه على أعلمني ما أخذت ومن أين أخذت وفيما صنعت فكتب إليه ابن عباس فهمت استعظامك لما رفع اليك انى رزأته من هذا المال فابعث إلى عملك ولم يبعث الاموال وقال هذه ارزاقنا واتبعه أهل البصرة ووقفت دونه قيس فرجع صبرة بن شيمان الهمداني بالازد وقال قيس اخواننا وهم خير من المال فأطيعوني وانصرف معهم بكر وعبد القيس ثم انصرف الاحنف بقومه من بنى تميم وحجز بقية تميم عنه ولحق ابن عباس بمكة * (مقتل على) * قتل رضى الله عنه سنة أربعين لسبع عشرة من رمضان وقيل لاحدى عشرة وقيل في ربيع الآخر والاول أصح وكان سبب قتله ان عبد الرحمن بن ملجم المرادى والبرك بن عبدا لله التميمي الصريمى واسمه الحجاج وعمرو بن بكر التميمي السعدى ثلاثتهم من الخوارج لحقوا من فلهم بالحجاز واجتمعوا فتذاكروا ما فيه الناس وعابوا الولاة وترحموا على قتلى النهروان وقالوا ما نصنع بالبقاء بعدهم فلو شرينا أنفسنا وقتلنا أئمة الضلال وأرحنا منهم الناس فقال ابن ملجم وكان من مصر أنا أكفيكم عليا وقال البرك أنا أكفيكم معاوية وقال عمرو بن بكر التميمي أنا أكفيكم عمرو بن العاصى وتعاهدوا
أن لا يرجع أحد عن صاحبه حتى يقتله أو يموت واتعدوا لسبع عشرة من رمضان وانطلقوا ولقى ابن ملجم أصحابه بالكوفة فطوى خبره عنهم ثم جاء إلى شبيب بن شجرة من أشجع ودعاه إلى الموافقة في شأنه فقال شبيب ثكلتك أمك فكيف تقدر على قتله قال أكمن له في المسجد في صلاة الغد فان قتلناه والا فهى الشهادة قال ويحك لا أجدني أنشرح لقتله مع سابقته وفضله قال ألم يقتل العباد الصالحين اهل النهروان قال بلى قال فنقتله بمن قتله منهم فأجابه ثم لقى امرأة من تيم الرباب فائقة الجمال قتل أبوها وأخوها يوم النهروان فأخذت قلبه فخطبها فشرطت عليه عبدا وقينة وقتل على فقال كيف يمكن ما أنت تريدين قالت التمس غرته فان قتلته شفيت النفوس والا فهى الشهادة قال والله ما جئت الا لذلك ولك ما سألت قالت سأبعث معك من يشد ظهرك ويساعدك وبعثت معه رجلا من قومها اسمه وردان فلما كانت الليلة التى واعد ابن ملجم أصحابه على قتل على وكانت ليلة الجمعة جاء إلى المسجد ومعه شبيب ووردان وجلسوا مقابل السدة التى يخرج منها على للصلاة فلما خرج ونادى للصلاة علاه شبيب بالسيف فوقع بعضادة الباب وضربه ابن ملجم على مقدم رأسه وقال الحكم لله لا لك يا على ولا لاصحابك وهرب وردان إلى منزله وأخبر بعض أصحابه بالامر فقتله(2/184)
وهرب شبيب مغلسا وصاح الناس به فلحقه رجل من حضر موت فأخذه وجلس عليه والسيف في يد شبيب والناس قد أقبلوا في طلبه وخشى الحضرمي على نفسه لاختلاط الغلس فتركه وذهب في غمار الناس وشد الناس على ابن ملجم واستخلف على على الصلاة جعدة بن هبيرة وهو ابن أخته أم هانئ فصلى الغداة بالناس وأدخل ابن ملجم مكتوفا على على فقال أي عدو الله ما حملك على هذا قال شحذته أربعين صباحا وسألت الله أن يقتل به شر خلقه فقال أراك مقتولا به ثم قال ان هلكت فاقتلوه كما قتلني وان بقيت رأيت فيه رأيى يا بنى عبد المطلب لا تحرضون على دماء المسلمين وتقولون قتل أمير
المؤمنين لا تقتلوا الا قاتلي يا حسن ان أنا مت من ضربتي هذه فاضربه بسيفه ولا تمثلن بالرجل فانى سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول اياكم والمثلة وقالت أم كلثوم لابن ملجم وهو مكتوف وهى تبكى أي عدو الله انه لا بأس على أبى والله مخزيك قال فعلام تبكين والله لقد شريته بألف وضلعته أربعين ولو كانت هذه الضربة بأهل بلد ما بقى منهم أحد وقال جندب بن عبد الله لعلى أنبايع الحسن ان فقدناك قال ما آمركم به ولا أنهاكم أنتم أبصر ثم دعا الحسن والحسين ووصاهما قال أوصيكما بتقوى الله ولا تبغيا الدنيا وان بغتكما ولا تأسفا على شئ زوى منها عنكما وقولا الحق وارحما اليتيم وأعينا الضائع وكونا للظالم خصما وللمظلوم ناصرا واعملا بما في كتاب الله ولا تأخذكما في الله لومة لائم ثم قال لمحمد بن حنفية انى أوصيك بمثل ذلك وبتوقير أخويك لعظيم حقهما عليك ولا تقطع أمرا دونهما ثم وصاهما بابن الحنفية ثم أعاد على الحسن وصيته ولما حضرته الوفاة كتب وصيته العامة ولم ينطق الا بلا اله الا الله حتى قبض فأحضر الحسن ابن ملجم فقال له هل لك في البقاء على وانى قد عاهدت الله أن اقتل عليا ومعاوية وانى عاهدت الله على الوفاء بالعهد فخل بينى وبين ذلك فان قتلته وبقيت فلك عهد الله أن آتيك فقال لا والله حتى تعاين النار ثم قدمه فقتله واما البرك فانه قعد لمعاوية تلك الليلة فلما خرج للصلاة ضربه بالسيف في أليته واخذ فقال عندي بشرى اتنفعنى ان أخبرتك بها قال نعم قال ان أخا لى قتل عليا هذه الليلة قال فلعله لم يقدر عليه قال بلى ان عليا ليس معه حرس فأمر به معاوية فقتل وأحضر الطبيب فقال ليس الا الكى أو شربة تقطع منك الولد فقال في يزيد وعبد الله ما تقربه عينى والنار لاصبر لى عليها وقد قيل انه أمر بقطع البرك فقطع وأقام إلى أيام زياد فقتله بالبصرة وعند ذلك اتخذ معاوية المقصورة وحرس الليل وقيام الشرط على راسه إذا سجد ويقال ان أول من اتخذ المقصورة مروان بن الحكم سنة أربع وأربعين حين طعنه اليماني وأما عمرو ابن بكر فانه جلس لعمرو بن العاصى تلك الليلة فلم يخرج وكان اشتكى فأمر صاحب(2/185)
شرطته خارجة بن أبى حبيبة بن عامر بن لؤى يصلى بالناس فشد عليه فضربه فقتله وهو يرى أنه عمرو بن العاص فلما أخذوه وأدخلوه على عمرو قال فمن قتلت إذا قالوا خارجة فقال لعمرو بن العاص والله ما ظننته غيرك فقال عمرو أردت عمرا واراد الله خارجه وامر بقتله وتوفى على رضى الله عنه وعلى البصرة عبد الله بن عباس وعلى قضائها أبو الاسود الدؤلى وعلى فارس زياد بن سمية وعلى اليمن عبيد الله بن العباس حتى وقع أمر بسر بن أبى أرطاة وعلى مكة والطائف قثم بن عباس وعلى المدينة أبو أيوب الانصاري وقيل سهل بن حنيف * (بيعة الحسن وتسليمه الامر لمعاوية) * ولما قتل على رضى الله عنه اجتمع أصحابه فبايعوا ابنه الحسن وأول من بايعه قيس ابن سعد وقال ابسط يدك على كتاب الله وسنة رسوله وقتال الملحدين فقال الحسن على كتاب الله وسنة رسوله ويأتيان على كل شرط ثم بايعه الناس فكان يشترط عليهم انكم سامعون مطيعون تسالمون من سالمت وتحاربون من حاربت فارتابوا وقالوا ما هذا لكم بصاحب وما يريد القتال وبلغ الخبر بمقتل على إلى معاوية فبويع بالخلافة ودعى بأمير المؤمنين وقد كان بويع بها بعد اجتماع الحكمين ولاربعين ليلة بعد مقتل على مات الاشعث بن قيس الكندى من أصحابه ثم مات من أصحاب معاوية شرحبيل بن السمط الكندى وكان على قبل قتله قد تجهز بالمسلمين إلى الشام وبايعه أربعون ألفا من عسكره على الموت فلما بويع الحسن زحف معاوية في أهل الشام إلى الكوفة فسار الحسن في ذلك الجيش للقائه وعلى مقدمته قيس بن سعد في اثنى عشر ألفا وقيل بل كان عبد الله بن عباس على المقدمة وقيس في طلائعه فلما نزل الحسن في المدائن شاع في العسكر ان قيس بن سعد قتل واهتاج الناس وماج بعضهم في بعض وجاؤا إلى سرادق الحسن ونهبوا ما حوله حتى نزعوه بساطه الذى كان عليه واستلبوه رداءه
وطعنه بعضهم في فخذه وقامت ربيعة وهمدان دونه واحتملوه على سرير إلى المدائن ودخل إلى القصر وكاد امره ان ينحل فكتب إلى معاوية يذكر له النزول عن الامر على ان يعطيه ما في بيت المال بالكوفة ومبلغه خمسة آلاف ألف ويعطيه خراج دارابجرد من فارس وألا يشتم عليا وهو يسمع وأخبر بذلك أخوه الحسين وعبد الله بن جعفر وعذلاه فلم يرجع اليهما وبلغت صحيفته إلى معاوية فأمسكها وكان قد بعث عبد الله بن عامر وعبد الله بن سمرة إلى الحسن ومعهما صحيفة بيضاء ختم في أسفلها وكتب إليه أن اشترط في هذه الصحيفة ما شئت فهو لك فاشترط فيها أضعاف ما كان في الصحيفة فلما سلم له وطالبه في الشروط أعطاه ما في الصحيفة الاولى وقال هو الذى طلبت ثم نزعه أهل(2/186)
البصرة خراج دارابجرد وقالوا هو فيئنا لا نعطيه وخطب الحسن أهل العراق وقال سخى نفسي عنكم ثلاث قتل أبى وطعنى وانتهاب بيتى ثم قال ألا وقد أصبحتم بين قبيلين قبيل بصفين يبكون له وقبيل بالنهروان يطلبون بثاره وأما الباقي فخاذل وأما الباكى فثائر وان معاوية دعانا إلى أمر ليس فيه عز ولا نصفة فان أردتم الموت رددناه عليه وحاكمناه إلى الله بظبا السيوف وان أردتم الحياة قبلنا وأخذنا لكم الرضى فناداه الناس من كل جانب البقية البقية فأمضى الصلح ثم بايع لمعاوية لستة أشهر من بيعته ودخل معاوية الكوفة وبايعه الناس وكتب الحسن إلى قيس بن سعد يأمره بطاعة معاوية فقام قيس في أصحابه فقال نحن بين القتال مع غير امام أو طاعة امام ضلالة فقال الناس طاعة الامام أولى وانصرفوا إلى معاوية فبايعوه وامتنع قيس وانصرف فلما دخل معاوية الكوفة أشار عليه عمرو بن العاصى ان يقيم الحسن للناس خطيبا ليبدو للناس عيه فلما قدم حمد الله وقال أيها الناس ان الله هداكم بأولنا وحقن دماءكم بآخرنا وان لهذا الامر مدة والدنيا دول والله عزوجل يقول لنبيه وان أدرى لعله فتنة لكم ومتاع إلى حين فقال له معاوية اجلس وعرف أنه خدع في رأيه ثم ارتحل الحسن
في أهل بيته وحشمهم إلى المدينة وخرج أهل الكوفة لوداعه باكين فلم يزل مقيما بالمدينة إلى أن هلك سنة تسع وأربعين وقال أبو الفرج الاصبهاني سنة احدى وخمسين وعلى فراشه بالمدينة وما ينقل من ان معاوية دس إليه السم مع زوجه جعدة بنت الاشعث فهو من أحاديث الشيعة وحاشا لمعاوية من ذلك وأقام قيس بن سعد على امتناعه من البيعة وكان معاوية قد بعث عبد الله بن عامر في جيش إلى عبيد الله بن عباس لما كتب إليه في الامان بنفسه فلقيه ليلا وأمنه وسار معه إلى معاوية فقام بأمر العسكر بعده قيس بن سعد وتعاقدوا على قتال معاوية حتى يشترط لشيعة على على دمائهم وأموالهم وما كانوا أصابوا في الفتنة وبلغ الخبر إلى معاوية وأشار عليه عمرو في قتاله وقال معاوية يقتل في ذلك امثالهم من أهل الشام ولا خير فيه ثم بعث إليه بصحيفة ختم في أسفلها وقال اكتب في هذا ما شئت فهو لك فكتب قيس له ولشيعته الامان على ما أصابوا من الدماء والاموال ولم يسأل مالا فأعطاه معاوية ذلك وبايعه قيس والشيعة الذين معه ثم جاء سعد بن أبى وقاص فبايعه واستقر الامر لمعاوية واتفق الجماعة على بيعته وذلك في منتصف سنة احدى وأربعين وسمى ذلك العام عام الجماعة من أجل ذلك ثم خرج عليه الخوارج من كل جهة من بقية أهل النهروان وغيرهم فقاتلهم واستلحمهم كما يأتي في أخبارهم على ما اشترطناه في تأليفنا من افراد الاخبار عن الدول وأهل النحل دولة دولة وطائفة طائفة (وهذا) آخر الكلام في الخلافة الاسلامية وما كان فيها من الردة(2/187)
والفتوحات والحروب ثم الاتفاق والجماعة أوردتها ملخصة عيونها ومجامعها من كتاب محمد بن جرير الطبري وهو تاريخه الكبير فأنه أوثق ما رأيناه في ذلك وأبعد من المطاعن عن الشبه في كبار الامة من خيارهم وعدولهم من الصحابة رضى الله عنهم والتابعين فكثيرا ما يوجد في كلام المؤرخين أخبار فيها مطاعن وشبه في حقهم أكثرها من أهل الاهواء فلا ينبغى أن تسود بها الصحف وأتبعتها بمفردات من غير كتاب
الطبري بعد أن تخيرت الصحيح جهد الطاقة وإذا ذكرت شيئا في الاغلب نسبته إلى قائله وقد كان ينبغى أن تلحق دولة معاوية وأخباره بدول الخلفاء وأخبارهم فهو تاليهم في الفضل والعدالة والصحبة ولا ينظر في ذلك إلى حديث الخلافة بعدى ثلاثون سنة فانه لم يصح والحق ان معاوية في عداد الخلفاء وانما أخره المؤرخون في التأليف عنهم لامرين (الاول) ان الخلافة لعهده كانت مغالبة لاجل ما قدمناه من العصبية التى حدثت لعصره وأما قبل ذلك كانت اختيارا واجتماعا فميزوا بين الحالتين فكان معاوية أول خلفاء المغالبة والعصبية الذين يعبر عنهم أهل الاهواء بالملوك ويشبهون بعضهم ببعض وحاشى الله ان يشبه معاوية بأحد ممن بعده فهو من الخلفاء الراشدين ومن كان تلوه في الدين والفضل من الخلفاء المروانية ممن تلاه في المرتبة كذلك وكذلك من بعدهم من خلفاء بنى العباس ولا يقال ان الملك ادون رتبة من الخلافة فكيف يكون خليفة ملكا (واعلم) ان الملك الذى يخالف بل ينافى الخلافة هو الجبروتية المعبر عنها بالكسروية التى أنكرها عمر على معاوية حين رآى ظواهرها واما الملك الذى هو الغلبة والقهر بالعصبية والشوكة فلا ينافى الخلافة ولا النبوة فقد كان سليمان بن داود وأبوه صلوات الله عليهما نبيين وملكين كانا على غاية الاستقامة في دنياهما وعلى طاعة ربهما عزوجل ومعاوية لم يطلب الملك ولا أبهته للاستكثار من الدنيا وانما ساقه أمر العصبية بطبعها لما استولى المسلمون على الدول كلها وكان هو خليفتهم فدعاهم بما يدعو الملوك إليه قومهم عندما تستفحل العصبية وتدعو لطبيعة الملك وكذلك شأن الخلفاء أهل الدين من بعده إذا دعتهم ضرورة الملك إلى استفحال أحكامه ودواعيه والقانون في ذلك عرض أفعالهم على الصحيح من الاخبار لا بالواهى فمن جرت أفعاله عليها فهو خليفة النبي صلى الله عليه وسلم في المسلمين ومن خرجت افعاله عن ذلك فهو من ملوك الدنيا وانما سمى خليفة بالمجاز (الامر الثاني) في ذكر معاوية مع خلفاء بنى أمية دون الخلفاء الاربعة انهم كانوا أهل نسب واحد وعظيمهم معاوية فجعل مع أهل نسبه والخلفاء
الاولون مختلفو الانساب فجعلوا في نمط واحد وألحق بهم عثمان وان كان من أهل هذا النسب للحوقه بهم قريبا في الفضل والله يحشرنا في زمرتهم ويرحمنا بالاقتداء بهم(2/188)
* (تمت تكملة الجزء الثاني ويليه الجزء الثالث وأوله) * [ الخبر عن الدول الاسلامية ونبدأ منها بدولة بنى أمية معقبة لخلفاء صدر الاسلام وذكر أوليتهم وأخبار دولهم واحدة واحدة إلى انقضائها ] كان لبنى عبد مناف الخ كمل تصحيح هذه البقية في ذى الحجة ختام سنة 1284 وصححها الفقير نصر أبو الوفا الهورينى عفا الله عنه آمين (يقول مصححها) الفقير كان معتمدي في تصحيحها على مراجعة شرح المواهب اللدنية فيما يتعلق بسيرة امام المرسلين وعلى تاريخ ابن كثير وابن الاثير فيما يتعلق بالخلفاء الراشدين والحمد لله الذى بنعمته تتم الصالحات والصلاة والسلام على خير المخلوقات وآله تم يقول راجى غفران الاوزار ابراهيم الدسوقي عبد الغفار سبب تأخر طبع هذه البقية عدم وجودها بنسخ الديار المصرية وذلك أن هذا التاريخ البديع المثال البعيد المنال الفائق في بابه الرائق لطلابه لما كانت النفوس إلى طبعه مائلة والاعناق إلى حسن طلعته متطاولة لكون نسخه نادرة الوجود والنادر في حكم المفقود وما
فيه من النقص والبياض اليسير لا يمنع من طبعه والتكثير لان جلب النفع مقدم على ما سواه والطبع السليم يألفه ويتمناه وما لا يدرك كله لا يترك جله انتدب إلى اختيار طبعه صاحب النخوة الوطنية والطبيعة المدنية والنفس العزيزة الابيه والجبلة التى تأبى الدنيه المقتنص من شوارد صنائع الاوروبيين الرائقة وآلاتهم المحكمة القوانين الفائقة في أيام المعرض اليسيرة ما لم ينله غيره في الاعوام الكثيرة من لم يثن عزيمته عن نفع وطنه مثنى حضرة ناظر المطبعة حسين بيك حسنى فانه كان يقتبس من مخترعاتهم بمجرد النظر ما أطالوا فيه اتعاب الفكر فلله دره ما أسرع نقله وأوسع عقله ولما كمل طبعه وفيه بقية لا توجد بنسخ الديار النيلية شرع يجد ويدأب في البحث عنها والطلب فجعل يفتش عنها في كافة المظان لاجل تخليص(2/189)
الكتاب عن شين النقصان إلى أن بلغ ذلك من غذى بلبان المعارف وتضلع من تليدها والطارف الامير ابن الامير صاحب الفضل الغزير من أجابته المعارف بسعديك حضرة صبحى بيك فتفضل بارسال تلك التكملة البهيه التى هي زهرة التواريخ الاسلاميه بل هي المقصودة بالذات لاحتوائها على سيرة كامل الصفات وخلفائه الراشدين رضى الله عنهم أجمعين على ما فيها من يسير البياض في الاصلاب الذى لا تخلو عنه نسخ هذا الكتاب وكأن هذه البياضات في أصل التصنيف كما هو الغالب فيما لم يبيض من التآليف فبادر حضرة الناظر إلى طبع هذه التكملا وبها صارت النسخ متكاملة فجاءت موفية بالمرام وتمت في ختام ذى الحجة الحرام سنة 1284 أربع وثمانين بعد المائتين والالف من هجرة من خلقه الله على أكمل وصف بالمطبعة الكبرى ذات الآلات المتقنة والصنائع المستحسنة المعجبة بنفسها التائهة على أبناء جنسها في ظل من تعطرت الافواه بطيب ثنائه وبلغ من كل وصف جميل حد انتهائه ومحا ظلم الظلم بسنا صورته القمرية وأثبت مراسم العدل بسيرته العمرية
والطارف الامير ابن الامير صاحب الفضل الغزير من أجابته المعارف بسعديك حضرة صبحى بيك فتفضل بارسال تلك التكملة البهيه التى هي زهرة التواريخ الاسلاميه بل هي المقصودة بالذات لاحتوائها على سيرة كامل الصفات وخلفائه الراشدين رضى الله عنهم أجمعين على ما فيها من يسير البياض في الاصلاب الذى لا تخلو عنه نسخ هذا الكتاب وكأن هذه البياضات في أصل التصنيف كما هو الغالب فيما لم يبيض من التآليف فبادر حضرة الناظر إلى طبع هذه التكملا وبها صارت النسخ متكاملة فجاءت موفية بالمرام وتمت في ختام ذى الحجة الحرام سنة 1284 أربع وثمانين بعد المائتين والالف من هجرة من خلقه الله على أكمل وصف بالمطبعة الكبرى ذات الآلات المتقنة والصنائع المستحسنة المعجبة بنفسها التائهة على أبناء جنسها في ظل من تعطرت الافواه بطيب ثنائه وبلغ من كل وصف جميل حد انتهائه ومحا ظلم الظلم بسنا صورته القمرية وأثبت مراسم العدل بسيرته العمرية وأسبل على أهل مملكته غيوث إنعامه واحسانه وشملهم بعظيم رأفته وامتنانه وبسط لهم بساط عدله وحلاهم بحلى جوده وفضله عزيز الديار المصرية وحامى حمى حوزتها النيلية سعادة أفندينا ذى القدر العلى اسمعيل بن ابراهيم بن محمد على أدام الله عز مليك مصر * وأيده بتعزيز ونصر - ولا زالت مغردة عليه * طيور اليمن في بر وبحر - فلا وحياته ما عدل كسرى * يعادل عنده معشار كسر - وما لى حيلة الا دعاء * أرجى نفعه لولى أمرى - وأما مدحه فقصور مثلى * عن الاطناب فيه عين عذرى - اللهم إنا نسألك يا أكرم مسؤل ونتوسل اليك بأعظم نبى وأكرم رسول أن تديم علينا أحكامه وتنشر على هام الخافقين أعلامه وأن تبقى أنجاله الكرام وتحرسهم بعينك التى لا تنام بجاه خاتم الرسل عليه وعليهم الصلاة والسلام(2/190)
تاريخ ابن خلدون - ابن خلدون ج 3
تاريخ ابن خلدون
ابن خلدون ج 3(3/)
تاريخ ابن خلدون المسمى بكتاب العبر، وديوان المبتدإ والخبر، في أيام العرب والعجم والبربر ومن عاصرهم من ذوي السلطان الاكبر لوحيد عصره العلامة عبد الرحمن بن محمد بن خلدون الحضرمي المغربي المتوفى سنة 808 هجرية الجزء الثالث 1391 ه.
- 1971 م.
منشورات مؤسسه الاعلمي للمطبوعات بيروت - لبنان ص.
ب.
7120(3/1)
* (بسم الله الرحمن الرحيم) * (كان) لبنى عبد مناف في قريش جمل من العدد والشرف لا يناهضهم فيها أحد من سائر بطون قريش وكان فخذ اهم بنو أمية وبنو هاشم حيا جميعا ينتمون لعبد مناف وينسبون إليه وقريش تعرف ذلك وتسأل لهم الرياسة عليهم الا أن بنى أمية كانوا أكثر عددا من بنى هاشم وأوفر رجالا والعزة انما هي بالكثرة قال الشاعر وانما العزة للكاثر * وكان لهم قبيل الاسلام شرف معروف انتهى إلى حرب أمية وكان رئيسهم في حرب الفجار وحدث الاخباريون أن قريشا تواقعوا ذات يوم وحرب هذا مسند ظهره إلى الكعبة فتبادر إليه غلمة منهم ينادون يا عم أدرك قومك فقام
يجر ازاره حتى اشرف عليهم من بعض الربا ولوح بطرف ثوبه إليهم أن تعالوا فبادرت الطائفتان إليه بعد أن كان حمى وطيسهم (ولما) جاء الاسلام ودهش الناس لما وقع من أمر النبوة والوحى وتنزل الملائكة وما وقع من خوارق الامور ونسى الناس أمر العصبية مسلمهم وكافرهم أما المسلمون فنهاهم الاسلام عن أمور الجاهلية كما في الحديث ان الله أذهب عنكم غبية الجاهلية وفخرها لاننا وأنتم بنو آدم وآدم من تراب وأما المشركون فشغلهم ذلك الامر العظيم عن شان العصائب وذهلوا(3/2)
عنه حينا من الدهر ولذلك لما افترق أمر بنى أمية وبنى هاشم بالاسلام انما كان ذلك الافتراق بحصار بنى هاشم في الشعب لا غير ولم يقع كبير فتنة لاجل نسيان العصبيات والذهول عنها بالاسلام حتى كانت الهجرة وشرع الجهاد ولم يبق الا العصبية الطبيعية التى لا تفارق وهى بعزة الرجل على أخيه وجاره في القتل والعدوان عليه فهذه لا يذهبها شئ ولا هي محظورة بل هي مطلوبة ونافعة في الجهاد والدعاء إلى الدين ألا ترى إلى صفوان بن أمية وقوله عند ما انكشف المسلمون يوم حنين وهو يومئذ مشرك في المدة التى جعل له رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى يسلم فقال له أخوه ألا بطل السحر اليوم فقال له صفوان اسكت فض الله فاك لان يربنى رجل من قريش أحب إلى من أن يربنى رجل من هوازن ثم ان شرف بنى عبد مناف لم يزل في بنى عبد شمس وبنى هاشم فلما هلك أبو طالب وهاجر بنوه مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وحمزة كذلك ثم من بعده العباس والكثير من بنى عبد المطلب وسائر بنى هاشم خلا الجو حينئذ من مكان بنى هاشم بمكة واستغلظت رياسة بنى أمية في قريش ثم استحكمتها مشيخة قريش من سائر البطون في بدر وهلك فيها اعظماء بنى عبد شمس عتبة وربيعة والوليد وعقبة بن أبى معيط وغيرهم فاستقل أبو سفيان بشرف بنى أمية والتقدم في قريش وكان رئيسهم في أحد وقائدهم في الاحزاب وما بعدها (ولما كان الفتح)
قال العباس للنبى صلى الله عليه وسلم لما أسلم أبو سفيان ليلتئذ كما هو معروف وكان صديقا له يا رسول الله ان أبا سفيان رجل يحب الفخر فاجعل له ذكرا فقال من دخل دار أبى سفيان فهو آمن ثم من على قريش بعد أن ملكهم يومئذ وقال اذهبوا فأنتم الطلقاء وأسلموا وشكت مشيخة قريش بعد ذلك لابي بكرما وجدوه في أنفسهم من التخلف عن رتب المهاجرين الاولين وما بلغهم من كلام عمر في تركه شوراهم فاعتذر لهم أبو بكر وقال أدركوا اخوانكم بالجهاد وأنفذهم لحروب الردة فأحسنوا الغناء عن الاسلام وقوموا الاعراب عن الحيف والميل ثم جاء عمر فرمى بهم الروم وأرغب قريشا في النفير إلى الشأم فكان معظمهم هنالك واستعمل يزيد بن أبى سفيان على الشأم وطال أمد ولايته إلى أن هلك في طاعون عمواس سنة ثمانى عشرة فولى مكانه أخاه معاوية وأقره عثمان من بعد عمر فاتصلت رياستهم على قريش في الاسلام برياستهم قبيل الفتح التى لم تحل صبغتها ولا ينسى عهدها أيام شغل بنى هاشم بأمر النبوة ونبذوا الدنيا من أيديهم بما اعتاضوا عنها من مباشرة الوحى وشرف القرب من الله برسوله وما زال الناس يعرفون ذلك لبنى أمية وانظر مقالة حنظلة بن زياد الكاتب لمحمد بن أبى بكر ان هذا الامر ان صار إلى التغالب غلبك عليه بنو عبد مناف(3/3)
(ولما هلك عثمان) واختلف الناس على على كانت عساكر على أكثر عدد المكان الخلافة والفضل الا أنها من سائر القبائل من ربيعة ويمن وغيرهم وجموع معاوية انما هي جند الشأم من قريش شوكة مضر وبأسهم نزلوا بثغور الشأم منذ الفتح فكانت عصبيته أشد وأمضى شوكة ثم كسر من جناح على ما كان من أمر الخوارج وشغله بهم إلى أن ملك معاوية وخلع الحسن نفسه واتفقت الجماعة على بيعة معاوية في منتصف سنة احدى وأربعين عند ما نسى الناس شأن النبوة والخوارق ورجعوا إلى أمر العصبية والتغالب وتعين بنو أمية للغلب على مضر وسائر العرب ومعاوية
يومئذ كبيرهم فلم تتعده الخلافة ولا ساهمه فيها غيره فاستوت قدمه واستفحل شأنه واستحكمت في أرض مصر رياسته وتوثق عقده وأقام في سلطانه وخلافته عشرين سنة ينفق من بضاعة السياسة التى لم يكن أحد من قومه أو فر فيها منه يدا من أهل الترشيح من ولد فاطمة وبنى هاشم وآل الزبير وأمثالهم ويصانع رؤس العرب وقروم مضر بالاغضاء والاحتمال والصبر على الاذى والمكروه وكانت غايته في الحلم لا تدرك وعصابته فيها لا تنزع ومرقاته فيها تزل عنها الاقدام (ذكر) أنه مازح عدى بن حاتم يوما يؤنبه بصحبة على فقال له عدى والله ان القلوب التى أبغضناك بها لفى صدورنا وان السيوف التى قاتلناك بها لعلى عواتقنا ولئن أدنيت الينا من الغدر شبرا لندنين اليك من الشر باعا وان حز الحلقوم وحشرجة الحيزوم لاهون علينا من أن نسمع المساءة في على فشم السيف يا معاوية يبعث السيف فقال معاوية هذه كلمات حق فاكتبوها وأقبل عليه ولاطفه وتحادثا وأخباره في الحلم كثيرة * (بعث معاوية العمال إلى الامصار) * لما استقل معاوية بالخلافة عام عدم الجماعة بعث العمال إلى الامصار فبعث على الكوفة المغيرة بن شعبة ويقال انه ولى عليها أولا عبد الله بن عمرو بن العاص فأتاه المغيرة منتصحا وقال عمرو بمصر وابنه بالكوفة فأنت بين نابى أسد فعزله وولى المغيرة وبلغ ذلك عمرا فقال لمعاوية يختان المال فلا تقدر على رده فعد فاستعمل من يخافك فنصب المغيرة على الصلاة وولى على الخراج غيره وكان على القضاء شريح (ولما ولى) المغيرة على الكوفة استعمل كثير بن شهاب على الرى وأقره زياد بعده وكان يغزو الديلم ثم بعث على البصرة بسر بن أرطاة وكان قد تغلب عليها حمران بن زيد عند صلح الحسن مع معاوية فبعث بسرا عليها فخطب الناس وتعرض لعلى ثم قال نشدت الله رجلا يعلم أنى صادق أو كاذب ولا صدقنى أو كذبني فقال أبو بكرة اللهم لا نعلمك الا كاذبا فأمر به فخنق فقام أبو لؤلؤة الضبى فدفع عنه وكان على فارس من أعمال(3/4)
البصرة زياد ابن أبيه وبعث إليه معاوية يطلبه في المال فقال صرفت بعضه في وجهه واستودعت بعضه للحاجة إليه وحملت ما فضل إلى أمير المؤمنين رحمه الله فكتب إليه معاوية بالقدوم لينظر في ذلك فامتنع فلما ولى بسر على البصرة جمع عنده أولاد زياد والاكابر عبد الرحمن وعبد الله وعباد وكتب إليه لتقدمن أو لاقتلن بنيك فامتنع واعتزم بسر على قتلهم فأتاه أبو بكرة وكان أخا زياد لامه فقال أخذتهم بلا ذنب وصالح الحسن على أصحاب على حيث كانوا فأمهله بسر إلى أن يأتي بكتاب معاوية ثم قدم أبو بكرة على معاوية وقال ان الناس لم يبايعوك على قتل الاطفال وان بسرا يريد قتل بنى زياد فكتب إليه بتخليتهم وجاء إلى البصرة يوم المهاد ولم يبق منه الا ساعة وهم موثقون للقتل فأدركهم وأطلقهم انتهى (ثم عزل) معاوية بسرا عن البصرة وأراد أن يولى عتبة ابن أبى سفيان فقال له ابن عامر ان لى بالبصرة أموالا وودائع وان لم تولني عليها ذهبت فولاه وجعل إليه معها خراسان وسجستان وقدمها سنة احدى وأربعين فولى على خراسان قيس بن الهيثم السلمى وكان أهل بلخ وباذغيس وهراة ويوشلخ قد نضوا فسار إلى بلخ وحاصرها حتى سألوا الصلح وراجعوا الطاعة وقيل انما صالحهم الربيع ابن زياد سنة احدى وخمسين على ما سيأتي (ثم قدم) قيس على ابن عامر فضربه وحبسه وولى مكانه عبد الله بن حازم وقدم خراسان فأرسل إليه أهل هراة وباذغيس ويوشلخ في الامان والصلح فأجابهم وحمل لابن عامر مالا انتهى (ثم ولى) معاوية سنة اثنتين وأربعين على المدينة مروان بن الحكم وعلى مكة خالد بن العاص بن هشام واستقصى مروان عبد الله بن الحرث بن نوفل وعزل مروان عن المدينة سنة تسع وأربعين وولى مكانه سعد بن العاص وذلك لثمان سنين من ولايته وجعل سعيدا على القضاء ابن عبد الرحمن مكان عبد الله بن الحرث ثم عزل معاوية سعيدا سنة أربع وخمسين ورد إليها مروان
(قدوم زياد) وكان زياد قد امتنع بفارس بعد مقتل على كما قدمناه وكان عبد الرحمن ابن أخيه أبى بكرة يلى أمواله بالبصرة ورفع إلى معاوية أن زيادا استودع أمواله عبد الرحمن فبعث إلى المغيرة بالكوفة أن ينظر في ذلك فأحضر عبد الرحمن وقال له ان يكن أبوك أساء إلى فقد أحسن عمك وأحسن العذر عند معاوية (ثم قدم المغيرة) على معاوية فذكر له ما عنده من الوجل باعتصام زياد بفارس فقال داهية العرب معه أموال فارس يدبر الحيل فما آمن أن يبايع لرجل من أهل البيت ويعيد الحرب خدعة فاستأذنه المغيرة أن يأتيه ويتلطف له ثم أتاه وقال ان معاوية بعثنى اليك وقد بايعه الحسن ولم يكن هناك غيره فخذ لنفسك قبل أن يستغنى معاوية عنك قال أشر على(3/5)
والمستشار مؤتمن فقال أرى أن تشخص إليه وتصل حبلك بحبله وترجع عنه فكتب إليه معاوية بأمانه وخرج زياد من فارس نحو معاوية ومعه المنجاب بن رابد الضبى وحارثة بن بدر الغدانى واعترضه عبد الله بن حازم في جماعة وقد بعثه ابن عامر ليأتيه به فلما رأى كتاب الامان تركه وقدم على معاوية فسأله عن أموال فارس فأخبره بما أنفق وبما حمل إلى على وبما بقى عنده مودعا للمسلمين فصدقه معاوية وقبضه منه ويقال انه قال له أخاف أن تكون مكر وبابى فصالحني فصالحه على ألفى ألف درهم بعث بها إليه واستأذنه في نزول الكوفة فأذن له وكان المغيرة يكرمه ويعظمه وكتب إليه معاوية أن يلزم زيادا وحجر بن عدى وسليمان بن صرد وسيف بن ربعى وابن الكوا وابن الحميق بالصلاة في الجماعة فكانوا يحضرون معه الصلوات (عمال ابن عامر على الثغور) لما ولى ابن عامر على البصرة استعمل عبد الرحمن بن سمرة على سجستان فأتاها وعلى شرطتها عباد بن الحصين ومعه من الاشراف عمر ابن عبيد الله بن معمر وغيره وكان أهل البلاد قد كفروا ففتح أكثرها حتى بلغ كابل وحاصرها أشهرا ونصب عليها المجانيق حتى ثلم سورها ولم يقدر المشركون على سد الثلمة
وبات عباد بن الحسين عليها يطاعنهم إلى الصبح ثم خرجوا من الغد للقتال فهزمهم المسلمون ودخلوا البلد عنوة اه (ثم سار) إلى نسف فملكها عنوة ثم إلى حسك فصالحه أهلها ثم إلى الرجح فقاتلوه وظفر بهم وفتحها اه ثم إلى زابلستان وهى غزنة وأعمالها ففتحها ثم عاد إلى كابل وقد نكث أهلها ففتحها اه (واستعمل) على ثغر الهند عبد الله بن سوار العبدى ويقال بل ولاه معاوية من قبله فغزا التيعان فأصاب مغنما ووفد على معاوية وأهدى له من خيولها ثم عاد إلى غزوهم فاستنجدوا بالترك وقتلوه وكان كريما في الغاية يقال لم يكن أحد يوقد النار في عسكره وسأل ذات ليلة عن نار رآها فقيل له خبيص يصنع لنفسا فأمر أن يطعم الناس الخبيص ثلاثة أيام (واستعمل) على خراسان قيس بن الهيثم فتغافل بالخراج والهدنة فولى مكانه عبد الله بن حاتم فخاف قيسا وأقبل فزاد ابن عامر غضبا لتضييعه الثغر وبعث مكانه رجلا من يشكر وقيل أسلم بن زرعة الكلابي اه (ثم بعث) عبد الله بن حازم وقيل ان ابن حازم قال لابن عامر ان قيسا لا ينهض بخراسان وأخاف ان لقى قيس حربا أن ينهزم ويفسد خراسان فاكتب لى عهدا ان عجز عن عدو قمت مقامه فكتب وخرجت خارجة من طخارستان فأشار ابن حازم عليه أن يتأخر حتى يجتمع عليه الناس فلما سار غير بعيد أخرج ابن حازم عهده وقام بأمر الناس وهزم العدو وبلغ الخبر إلى الامصار فغضبت أصحاب قيس وقالوا خدع صاحبنا وشكوا إلى معاوية فاستقدمه فاعتذر(3/6)
فقبل منه وقال له أقم في الناس بعذرك ففعل اه (وفى سنة) ثلاث وأربعين توفى عمرو ابن العاص بمصر فاستعمل معاوية مكانه عبد الله ابنه (عزل ابن عامر) وكان ابن عامر حليما لينا للسفهاء فطرق البصرة الفساد من ذلك وقال له زياد جرد السيف فقال لا أصلح الناس بفساد نفسي ثم بعث وفدا من البصرة إلى معاوية فوافقوا عنده وفد الكوفة ومنهم ابن الكوا وهو عبد الله بن أبى أوفى
اليشكرى فلما سألهم معاوية عن الامصار أجابه ابن الكوا بعجز ابن عامر وضعفه فقال معاوية تتكلم على أهل البصرة وهم حضور وبلغ ذلك ابن عامر فغضب وولى على خراسان من أعداء ابن الكوا عبد الله بن أبى شيخ اليشكرى أو طفيل بن عوف فسخر منه ابن الكوا لذلك وقال وددت أنه ولى كل يشكرى من أجل عداوتي ثم ان معاوية استقدم ابن عامر فقدم وأقام أياما فلما ودعه قال انى سائلك ثلاثا قال هن لك قال ترد على عملي ولا تغضب وتهب لى مالك بعرفة ودورك بمكة قال قد فعلت قال وصلتك رحم فقال ابن عامر وانى سائلك ثلاثا ترد على عملي بعرفة ولا تحاسب لى عاملا ولا تتبع لى أثرا وتنكحني ابنتك هندا قال قد فعلت ويقال ان معاوية خيره بين أن يرده على اتباع أثره وحسابه بما سار إليه أو يعزله ويسوغه ما أصاب فاختار الثالثة فعزله وولى مكانه الحرث بن عبد الله الازدي (استخلاف زياد) كانت سمية أم زياد مولاة للحرث بن كندة الطبيب وولدت عنده أبا بكرة ثم زوجها بمولى له وولدت زياد أو كان أبو سفيان قد ذهب إلى الطائف في بعض حاجاته فأصابها بنوع من أنكحة الجاهلية وولدت زيادا هذا ونسبه إلى أبى سفيان وأقر لها به الا أنه كان بخفية ولما شب زياد سمت به النجابة واستكتبه أبو موسى الاشعري وهو على البصرة واستكفاه عمر في أمر فحسن منار دينه وحضر عنده يعلمه بما صنع فأبلغ ما شاء في الكلام فقال عمرو بن العاص وكان حاضر الله هذا الغلام لو كان أبوه من قريش ساق العرب بعصاه قال أبو سفيان وعلى يسمع والله انى لاعرف أباه ومن وضعه في رحم أمه فقال له على اسكت فلو سمع عمر هذا منك كان اليك سريعا ثم استعمل على زيادا على فارس فضبطها وكتب إليه معاوية يتهدده ويعرض له بولادة أبى سفيان اياه فقام في الناس فقال عجبا لمعاوية يخوفني دين ابن عم الرسول في المهاجرين والانصار وكتب إليه على انى وليتك وأنا أراك أهلا وقد كان من أبى سفيان فلتة من آمال الباطل وكذب النفس لا توجب
ميراثا ولا نسبا ومعاوية يأتي الانسان من بين يديه ومن خلفه وعن يمينه وعن شماله فاحذر ثم احذر والسلام اه ولما قتل على وصالح زياد معاوية وضع مصقلة بن هبيرة(3/7)
الشيباني على معاوية ليعرض له بنسب أبى سفيان ففعل ورأى معاوية أن يميله باستلحاقه فالتمس الشهادة بذلك ممن علم لحوق نسبه بأبى سفيان فشهد له رجال من أهل البصرة وألحقه وكان أكثر شيعة على ينكرون ذلك ويتقمونه على معاوية حتى أخوه أبو بكرة (وكتب زياد) إلى عائشة في بعض الاحيان من زياد بن أبى سفيان يستدعى جوابها بهذا النسب ليكون له حجة فكتبت إليه من عائشة أم المؤمنين إلى ابنها زياد وكان عبد الله عامر يبغض زيادا وقال يوما لبعض أصحابه من عبد القيس بن سمية يقبح آثارى ويعترض عمالى لقد هممت بقسامة من قريش ان أبا سفيان لم ير سمية فأخبر زياد بذلك فأخبر به معاوية فأمر حاجبه أن يرده من أقصى الابواب وشكا ذلك إلى يزيد فركب معه فأدخله على معاوية فلما رآه قام من مجلسه ودخل إلى بيته فقال يزيد نقعد في انتظاره فلم يزالا حتى عدا ابن عامر فيما كان منه من القول وقال انى لا أتكثر بزياد من قلة ولا أتعزز به من ذلة ولكن عرفت حق الله فوضعته موضعه فخرج ابن عامر وترضى زيادا ورضى له معاوية (ولاية زياد البصرة) كان زياد بعد صلح معاوية واستلحاقه نزل الكوفة وكان يتشوف الامارة عليها فاستثقل المغيرة ذلك منه فاستعفي معاوية من ولاية الكوفة فلم يعفه فيقال انه خرج زياد إلى الشأم ثم ان معاوية عزل الحرث بن عبد الله الازدي عن البصرة وولى عليها زيادا سنة خمس وأربعين وجمع له خراسان وسجستان ثم جمع له السند والبحرين وعمان وقدم البصرة فخطب خطبته البتراء وهى معروفة وانما سميت البتراء لانه لم يفتنحها بالحمد والثناء فحذرهم في خطبته ما كانوا عليه من الانهماك في الشهوات والاسترسال في الفسق والضلال وانطلاق أيدى السفهاء
على الجنايات وانتهاك الحرم وهم يدنون منهم فأطال في ذلك عنفهم ووبخهم وعرفهم ما يجب عليهم في الطاعة من المناصحة والانقياد للائمة وقال لكم عندي ثلاث لا أحتجب عن طالب حاجة ولو طرقني ليلا ولا أحبس العطاء عن اباية ولا أحمر البعوث فلما فرغ من خطبته قال له عبد الله بن الاهم أشهد أنك أوتيت الحكمة وفصل الخطاب قال كذبت ذاك نبى الله داود ثم استعمل على شرطته عبد الله بن حصين وأمره أن يمنع الناس من الولوج بالليل وكان قد قال في خطبته لا أوتى بمدلج الا سفكت دمه وكان يأمر بقراءة سورة البقرة بعد صلاة العشاء مؤخرة ثم يمهل بقدر ما يبلغ الرجل أقصى البصرة ثم يخرج صاحب الشرطة فلا يجد أحدا الا قتله وكان أول من شدد أمر السلطان وشيد الملك فجرد السيف وأخذ بالظنة وعاقب على الشبهة وخافه السفها والذعار وأمن الناس على أنفسهم ومتاعهم حتى كان الشئ يسقط من يد الانسان(3/8)
فلا يتعرض له أحد حتى يأتي صاحبه فيأخذه ولا يغلق أحديا وأدر العطاء واستكثر من الشرط فبلغوا أربعة آلاف وسئل في اصلاح السابلة فقال حتى أصلح المصر فلما ضبطه أصلح ما وراءه وكان يستعين بعدة من الصحابة منهم عمران بن حصين ولاه قضاء البصرة فاستعفي فولى مكانه عبد الله بن فضالة الليثى ثم أخاه عاصما ثم زرارة بن أوفى وكانت أخته عند زياد وكان يستعين بأنس بن مالك وعبد الرحمن بن سمرة وسمرة بن جندب ويقال ان زياد أول من سير بين يديه بالحراب والعمد واتخذ الحرس رابطة فكان خمسمائة منهم لا يفارقون المسجد ثم قسم ولاية خراسان على أربعة فولى على مرو أمين ابن أحمد اليشكرى وعلى نيسابور خليد بن عبد الله الحنفي وعلى مروالروذ والعاربات والطالقات قيس بن الهيتم وعلى هراة وبادغيس وبوشنج نافع بن خالد الطاحى ثم ان نافعا بعث إليه بجواد باهر غنمه في بعض وجوهه وكانت قوائمه منه فأخذ منها قائمة وجعل مكانها أخرى ذهبا وبعث الجواد مع غلامه زيد وكان يتولى أموره فسعى فيه عند زياد
بأمر تلك القائمة فعزله وحبسه وأغرمه مائة ألف كتب عليه بها كتابا وقيل ثمانمائة ألف وشفع فيه رجال من الازد فأطلقه واستعمل مكانه الحكم بن عمرو الغفاري وجعل معه رجالا على الجباية منهم أسلم بن زرعة الكلابي وغزا الحكم طخارستان فغنم غنائم كثيرة ثم سار سنة سبع وأربعين إلى جبال الغور وكانوا قد ارتدوا ففتح وغنم وسبى وعبر النهر في ولايته إلى ما وراءه فلاه غارة ولما رجع من غزاة الغور مات بمرو واستخلف على عمله أنس بن أبى أناس بن ربين فلم يرضه زياد وكتب إلى خليد بن عبد الله الحنفي بولاية خراسان ثم بعث الربيع بن زياد المحاربي في خمسين ألفا من البصرة والكوفة (طوائف الشأم) ودخل المسلمون سنة اثنتين وأربعين إلى بلاد الروم فهزموهم رقتلوا جماعة من البطارقة وأثخنوا فيها ثم دخل بسر بن أرطاة أرضهم سنة ثلاث وأربعين ومشى بها وبلغ القسطنطينية ثم دخل عبد الرحمن بن خالد وكان على حمص فشتى بهم وغزاهم بسر تلك السنة في البحر ثم دخل عبد الرحمن إليها سنة ست وأربعين فشتى بها وشتى أبو عبد الرحمن السبيعى على انطاكية ثم دخلوا سنة ثمان وأربعين فشتى عبد الرحمن بانطاكية أيضا ودخل عبد الله بن قيس الفزارى في تلك السنة بالصائفة وغزاهم مالك بن هبيرة اليشكرى في البحر وعقبة بن عامر الجهنى في البحر أيضا بأهل مصر وأهل المدينة ثم دخل مالك بن هبيرة سنة تسع وأربعين فشتى بأرض الروم ودخل عبد الله بن كرز الجيلى بالصائفة وشتى يزيد بن غرة الرهاوى في بلاد الروم بأهل الشأم في البحر وعقبة بن نافع بأهل مصر كذلك (ثم) بعث معاوية سنة خمسين جيشا كثيفا إلى بلاد الروم مع سفيان بن عوف وندب يزيد ابنه معهم فتثاقل فتركه ثم بلغ(3/9)
الناس أن الغزاة أصابهم جوع ومرض وبلغ معاوية أن يزيد أنشد في ذلك ما ان أبالى بما لاقت جموعهم * بالفد فدا لبيد من حمى ومن شوم * إذا اتطأت على الانماط مرتفقا * بدير مران عندي أم كلثوم *
وهى امرأته بنت عبد الله بن عامر فحلف ليلحقن بهم فسار في جمع كثير جمعهم إليه معاوية فيهم ابن عباس وابن عامر وابن الزبير وأبو أيوب الانصاري فأوغلوا في بلاد الروم وبلغوا القسطنطينية وقاتلوا الروم عليها فاستشهد أبو أيوب الانصاري ودفن قريبا من سورها ورجع يز والعساكر إلى الشأم ثم شتى فضالة بن عبيد بأرض الروم سنة احدى وخمسين وغزا بسر بن أرطاة الصائفة (وفاة المغيرة) توفى المغيرة وهو عامل على الكوفة سنة خمسين بالطاعون وقيل سنة تسع وأربعين وقيل سنة احدى وخمسين فولى مكانه معاوية زيادا وجمع له المصرين فسار زياد إليها واستخلف على البصرة سمرة بن جندب فلما وصل الكوفة خطبهم فحصبوه على المنبر فلما نزل جلس على كرسى وأحاط أصحابه بأبواب المسجد يأتونه بالناس يستحلفهم على ذلك ومن لم يحلف حبسه فبلغوا ثمانين واتخذ المقصورة من يوم حبس ثم بلغه عن أوفى بن حسين شئ فطلبه فهرب ثم أخذه فقتله وقال له عمارة بن عتبة بن أبى معيط ان عمر بن الحمق يجتمع إليه شيعة على فأرسل إليه زياد ونهاه عن الاجتماع عنده وقال لا أبيح أحدا حتى يخرج على وأكثر سمرة بن جندب اليتامى بالبصرة يقال قتل ثمانية آلاف فأنكر ذلك عليه زياد اه (كان عمرو بن العاص) قبل وفاته استعمل عقبة بن عامر بن عبد قيس على افريقية وهو ابن خالته انتهى إلى لواته ومرانه فأطاعوا ثم كفروا فغزاهم وقتل وسبى ثم افتتح سنة اثنتين وأربعين غذا مس وفى السنة التى بعدها ودان وكورا من كور السودان وأثخن في تلك النواحى وكان له فيها جهاد وفتوح ثم ولاه معاوية على افريقية سنة خمسين وبعث إليه عشرة آلاف فارس فدخل افريقية وانضاف إليه مسلمة البربر فكبر جمعه ووضع السيف في أهل البلاد لانهم كانوا إذا جاءت عساكر المسلمين أسلموا فإذا رجعوا عنهم ارتدوا فرأى أن يتخذ مدينة يعتصم بها العساكر من البربر فاختط القيروان وبنى بها المسجد الجامع وبنى الناس مساكنهم ومساجدهم وكان دورها
ثلاثة آلاف باع وستمائة باع وكملت في خمس سنين وكان يغزو ويبعث السرايا للاغارة والنهب ودخل أكثر البربر في الاسلام واتسعت خطة المسلمين ورسخ الدين ثم ولى معاوية على مصر وافريقية مسلمة بن مخلد الانصاري واستعمل على افريقية مولاه أبا المهاجر فأساء عزل عقبة واستخف به فسير ابن مخلد الانصاري عقبة إلى معاوية(3/10)
وشكا إليه فاعتذر له ووعده برده إلى عمله ثم ولاه يزيد سنة اثنين وستين (وذكر) الواقدي أن عقبة ولى افريقية سنة ست وأربعين فاختط القيروان ثم عزله يزيد سنة اثنتين وستين بأبى المهاجر فحينئذ قبض على عقبة وضيق عليه فكتب إليه يزيد يبعثه إليه وأعاده واليا على افريقية فحبس أبا المهاجر إلى أن قتلهم جميعا كسلة ملك البرانس من البربر كما نذكر بعد * (كان المغيرة بن شعبة أيام امارته على الكوفة) كثيرا ما يتعرض لعلى في مجالسه وخطبه ويترحم على عثمان ويدعو له فكان حجر بن عدى إذا سمعه يقول بلاياكم قد أضل الله ولعن ثم يقول أنا أشهد أن من تذمون أحق بالفضل ومن تزكون أحق بالذم فبعث له المغيرة يقول يا حجر اتق غضب السطان وسطوته فانها تهلك أمثالك لا يزيده على ذلك (ولما كان) آخر امارة المغيرة قال في بعض أيامه مثل ما كان يقول فصاح به حجر ثم قال له مرلنا بأرزاقنا فقد حبستها منا وأصبحت مولعا بذم المؤمنين وصاح الناس من جوانب المسجد صدق حجر فمرلنا بأرزاقنا فالذي أنت فيه لا يجدى علينا نفعا فدخل المغيرة إلى بيته وعذله قومه في جراءة حجر عليه يوهن سلطانه ويسخط عليه معاوية فقال لا أحب أن آتى بقتل أحد من أهل المصر وسيأتى بعدى من يصنع معه مثل ذلك فيقتله ثم توفى المغيرة وولى زياد فلما قدم خطب الناس وترحم على عثمان ولعن قاتليه وقال حجر ما كان يقول فسكت عنه ورجع إلى البصرة واستخلف على الكوفة عمرو بن حريث وبلغه أن حجرا يجتمع إليه شيعة على
ويعلنون بلعن معاوية والبراءة منهم وانهم حصبوا عمرو بن حريث فشخص إلى الكوفة حتى دخلها ثم خطب الناس وحجر جالس يسمع فتهدده وقال لست بشئ ان لم أمنع الكوفة من حجر وأودعه نكالا لمن بعده ثم بعث إليه فامتنع من الاجابة فبعث صاحب الشرطة شداد بن الهيثم الهلالي إليه جماعة فسبهم أصحابه فجمع زياد أهل الكوفة وتهددهم فتبرؤا فقال ليدع كل رجل منكم عشيرته الذين عند حجر ففعلوا حتى إذا لم يبق معه الا قومه قال زياد لصاحب الشرطة انطلق إليه فأت به طوعا أو كرها فلما جاءه يدعوه امتنع من الاجابة فحمل عليهم وأشار إليه أبو العمرطة الكندى بأن يلحق بكندة فمنعوه هذا وزياد على المنبر ينتظر ثم غشيهم أصحاب زياد وضرب عمرو بن الحمق فسقط ودخل في دور الازد فاختفى وخرج حجر من أبواب كندة فركب ومعه أبو العمرطة إلى دور قومه واجتمع إليه الناس ولم يأته من كندة الا قليل ثم أرسل زياد وهو على المنبر مذحج وهمدان ليأتوه بحجر فلما علم أنهم قصدوه تسرب من داره إلى النخع ونزل على أخى الاشتر وبلغه أن الشرطة تسأل عنه في النخع فأتى الازد واختفى عند ربيعة بن ناجد وأعياهم طلبه فدعا حجر محمد بن الاشعث أن يأخذ له(3/11)
أمانا من زياد حتى يبعث به إلى معاوية فجاء محمد ومعه جرير بن عبد الله وحجر بن يزيد وعبد الله بن الحرث أخو الاشتر فاستأمنوا له زيادا فأجابهم ثم أحضروا حجرا فحبسه وطلب أصحابه فخرج عمرو بن الحمق إلى الموصل ومعه زواعة بن شداد فاختفى في جبل هناك ورفع أمرهما إلى عامل الموصل وهو عبد الرحمن بن عثمان الثقفى ابن أخت معاوية ويعرف بابن أم الحكم فسار اليهما وهرب زواعة وقبض على عمرو وكتب إلى معاوية بذلك فكتب إليه انه طعن عثمان سبعا بمشاقص كانت معه فاطعنه كذلك فمات في الاولى والثانية ثم جد زياد في طلب أصحاب حجر وأتى بقبيصة بن ضبعة العبسى بأمان فحبسه وجاء قيس بن عباد الشبلى برجل من قومه من أصحاب حجر فأحضره زياد
وسأله عن على فأثنى عليه فضربه وحبسه وعاش قيس بن عباد حتى قاتل مع ابن الاشعث ثم دخل بيته في الكوفة وسعى به إلى الحجاج فقتله ثم أرسل زياد إلى عبد الله ابن خليفة الطائى من أصحاب حجر فتوارى وجاء الشرط فأخذوه ونادت أخته الفرار بقومه فخلصوه فأخذ زياد عدى بن حاتم وهو في المسجد وقال ائتنى بعبد الله وخبره جهرة فقال آتيك بابن عمى تقتله والله لو كان تحت قدمى ما رفعتهما عنه فحبسه فنكر ذلك الناس وكلموه وقالوا تفعل هذا بصاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم وكبير طيئ قال أخرجه على أن يخرج ابن عمه عنى فأطلقه وأمر عدى عبد الله أن يلحق بجبل طيئ فلم يزل هنالك حتى مات وأتى زياد بكريم بن عفيف الخثعمي من أصحاب حجر وغيره ولما جمع منهم اثنى عشر في السجن دعا رؤس الارباع يومئذ وهم عمرو بن حريث على ربع أهل المدينة وخالد بن عرفطة على ربع تميم وهمدان وقيس ابن الوليد على ربع ربيعة وكندة وأبو بردة بن أبى موسى على ربع مذحج وأسد فشهدوا كلهم أن حجرا جمع الجموع وأظهر شتم معاوية ودعا إلى حربه وزعم أن الامر لا يصلح الا في الطالبيين ووثب بالمصر وأخرج لعامل وأظهر غدر أبى تراب والترحم عليه والبراءة من عدوه وأهل حربه وأن النفر الذين معه وهم رؤس أصحابه على مقدم رأيه ثم استكثر زياد من الشهود فشهد اسحق وموسى ابنا طلحة والمنذر ابن الزبير وعمارة بن عقبة بن أبى معيط وعمر بن سعد بن أبى وقاص وغيرهم وفى الشهود شريح بن الحرث وشريح بن هانئ ثم استدعى زياد وائل بن حجر الحضرمي وكثير ابن شهاب ودفع اليهما حجر بن عدى وأصحابه وهم الارقم بن عبد الله الكندى وشريك ابن شداد الحضرمي وصيفى بن فضيل الشيباني وقبيصة بن ضبيعة العبسى وكريم ابن عفيف لخثعمي وعاصم بن عوف البجلى وورقاء بن سمى البجلى وكرام بن حبان العنزي وعبد الرحمن بن حسان العنزي ومحرز بن شهاب التميمي وعبد الله بن حوية(3/12)
السعدى تم أتبع هؤلاء الاحدى عشر بعتبة بن الاخنس من سعد بن بكر وسعد بن غوات الهمداني وأمرهما أن يسيرا بهم إلى معاوية ثم لحقهما شريح بن هانئ ودفع كتابه إلى معاوية بن وائل ولما انتهوا إلى مرج غدراء قريب دمشق تقدم ابن وائل وكثير إلى معاوية فقرأ كتاب شريح وفيه بلغني أن زيادا كتب شهادتى وانى أشهد على حجر أنه ممن يقيم الصلاة ويؤتى الزكاة ويديم الحج والعمرة ويأمر بالمعروف وينهى عن المنكر حرام الدم والمال فان شئت فاقبله أو فدعه فقال معاوية ما أرى هذا الا أخرج نفسه من شهادتكم وحبس القوم بمرج غدراء حتى لحقهم عتبة بن الاخنس وسعد بن غوات اللذين ألحقهما زياد بهما وجاء عامر بن الاسود العجيلى إلى معاوية فأخبره بوصولهما فاستوهب يزيد بن أسد البجلى عاصما وورقاء ابني عمه وقد كتب يزيد يزكيهما ويشهد ببرأتهما فأطلقهما معاوية وشفع وائل بن حجر في الارقم وأبو الاعور السلمى في ابن الاخنس وحبيب بن سلمة في أخويه فتركهم وسأله مالك بن هبيرة السكوتي في حجر فرذه فغضب وحبس في بيته وبعث معاوية هدبة بن فياض القضاعى والحسين بن عبد الله الكلابي وأبا شريف البدرى إلى حجر وأصحابه ليقتلوا منهم من أمرهم بقتله فأتوهم وعرض عليهم البراءة من على فأبوا وصلوا عامة ليلتهم ثم قدموا من الغد للقتل وتوضأ حجر وصلى وقال لولا أن يظنوا بى الجزع من الموت لاستكثرت منها اللهم انا نستعديك على أمشاء أهل الكوفة يشهدون علينا وأهل الشأم يقتلوننا ثم مشى إليه هدبة بن فياض بالسيف فارتعد فقالوا كيف وأنت زعمت أنك لا تجزع من الموت فابرأ من صاحبك وندعك فقال ومالى لا أجزع وأنا بين القبر والكفن والسيف وان جزعت من الموت لا أقول ما يسخط الرب فقتلوه وقتلوا ستة معه وهم شريك بن شداد وصيفى بن فضيل وقبيصة بن حنيفة ومحرز بن شهاب وكرام ابن حبان ودفنوهم وصلوا عليهم بعبد الرحمن بن حسان العنزي وجئ بكريم بن الخثعمي إلى معاوية فطلب منه البراءة من على فسكت واستوهبه سمرة بن عبد
الله الخثعمي من معاوية فوهبه له على أن لا يدخل الكوفة فنزل إلى الموصل ثم سأل عبد الرحمن بن حسان عن على فأثنى خيرا ثم عن عثمان فقال أول من فتح باب الظلم وأغلق باب الحق فرده إلى زياد ليقتله شر قتلة فدفنه حيا وهو سابع القوم (وأما مالك) بن هبيرة السكوتي فلما لم يشفعه معاوية في حجر جمع قومه وسار ليخلصه وأصحابه فلقى القتلة وسألهم فقالوا مات القوم وسار إلى عدى فتيقن قتلهم فارسل في اثر القتلة فلم يدركوهم وأخبروا معاوية فقال تلك حرارة يجدها في نفسه وكانى بها قد طفئت ثم أرسل إليه بمائة ألف وقال خفت أن يعيد القوم حربا فيكون على المسلمين(3/13)
أعظم من قتل حجر فطابت نفسه (ولما بلغ) عائشة خبر حجر وأصحابه أرسلت عبد الرحمن ابن الحرث إلى معاوية يشفع فيهم فجاء وقد قتلوا فقال لمعاوية أين غاب عنك حلم أبى سفيان فقال حيث غاب على مثلك من حلماء قومي وحملنى ابن سمية فاحتملت وأسفت عائشة لقتل حجر وكانت تثنى عليه وقيل في سياقة الحديث غير ذلك وهو أن زيادا أطال الخطبة في يوم جمعة فتأخرت الصلاة فأنكر حجر ونادى بالصلاة فلم يلتفت إليه وخشى فوت الصلاة فحصبه بكف من الحصباء وقام إلى الصلاة فقام الناس معه فخافهم زياد ونزل فصلى وكتب إلى معاوية وعظم عليه الامر فكتب إليه أن يبعث به موثقا في الحديد وبعث من يقبض عليه فكان ما مر ثم قبض عليه وحمله إلى معاوية فلما رآه معاوية أمر بقتله فصلى ركعتين وأوصى من حضره من قومه لا تفكوا عنى قيدا ولا تغسلوا دما فانى لاقى معاوية غدا على الجادة وقتل اه (وقالت) عائشة لمعاوية أين حلمك عن حجر قال لم يحضرني رشيد اه (وكان) زياد قد ولى الربيع بن زياد الحارثى على خراسان سنة احدى وخمسين بعد أن هلك حسن بن عمر الغفاري وبعث معه من جند الكوفة والبصرة خمسين ألفا فيهم بريدة بن الحصيب وأبو برزة الاسلمي من الصحابة وغزا بلخ ففتحها صلحا وكانوا انتقضوا بعد صلح الاحمق بن قيس ثم فتح
قهستان عنوة واستلحم من كان بناحيتها من الترك ولم يفلت منهم الا قيزل طرخان وقتله قتيبة بن مسلم في ولايته فلما بلغ الربيع بن زياد بخراسان قتل حجر سخط ذلك وقال لا تزال العرب تقتل بعده صبرا ولو نكروا قتله منعوا أنفسهم من ذلك لكنهم أقروا فذلوا ثم دعا بعد صلاة جمعة لايام من خبره وقال للناس انى قد مللت الحياة وانى داع فأمنوا ثم رفع يديه وقال اللهم ان كان لى عندك خير فاقبضني اليك عاجلا وأمن الناس ثم خرج فما تواترت ثيابه حتى سقط فحمل إلى بيته واستخلف ابنه عبد الله ومات من يومه ثم مات ابنه بعده بشهرين واستخلف خليد بن عبد الله الحنفي وأقره زياد * (وفاة زياد) * ثم مات زياد في رمضان سنة ثلاث وخمسين بطاعون أصابه في يمينه يقال بدعوة ابن عمر وذلك أن زيادا كتب إلى معاوية انى ضبطت العراق بشمالي ويمينى فارغة فاشغلها بالحجاز فكتب له عهده بذلك وخاف أهل الحجاز وأتوا عبد الله بن عمر يدعو لهم الله أن يكفيهم ذلك فاستقبل القبلة ودعا معهم وكان من دعائه اللهم اكفناه ثم كان الطاعون فأصيب في يمينه فأشير عليه بقطعها فاستدعى شريحا القاضى فاستشاره فقال ان يكن الاجل فرغ فتلقى الله أجذم (1) كراهية في لقائه والا فتعيش أقطع ويعير ولدك فقال لا أبيت والطاعون في لحاف واحد واعتزم على قطعها فلما نظر إلى النار والمكاوى جزع وتركه وقيل تركه لاشاره شريح وعذل الناس(3/14)
شريحا في ذلك فقال المستشار مؤتمن ولما حضرته الوفاة قال له ابنه قد هيأت لكفنك ستين ثوبا فقال يا بنى قد دنا لابيك لباس خير من لباسه ثم مات ودفن بالتوسة قرب الكوفة وكان يلبس القميص ويرقعه ولما مات استخلف على الكوفة عبد الله بن خالد بن أسيد وكان خليفته على البصرة عبد الله بن عمر بن غيلان وعزل بعد ذلك عبد الله بن خالد عن الكوفة وولى عليها الضحاك بن قيس * (ولاية عبيد الله بن زياد على خراسان ثم على البصرة) *
ولما قدم ابنه عبيد الله على معاوية وهو ابن خمس وعشرين سنة قال من استعمل أبوك على المصرين فأخبره فقال لو استعملك لاستعملتك فقال عبيد الله أنشدك الله أن يقول لى أحد بعدك لو استعملك أبوك وعمك استعملتك فولاه خراسان ووصاه فكان من وصيته اتق الله ولا تؤثرن على تقواه شيأ فان في تقواه عوضا وق عرضك من أن تدنسه وان أعطيت عهدا فأوف به ولا تتبعن كثيرا بقليل ولا يخرجن منك أمر حتى تبرمه فإذا خرج فلا يردن عليك وإذا لقيت عدوك فكبر أكبر من معك وقاسمهم على كتاب الله ولا تطمعن أحدا في غير حقه ولا تؤيس أحدا من حق هو له ثم ودعه فسار إلى خراسان أول سنة أربع وخمسين وقدم إليها أسلم بن زرعة الكلابي ثم قدم فقطع النهر إلى جبال بخارى على الابل ففتح رامين ونسف وسكند ولقيه الترك فهزمهم وكان مع ملكهم امرأنه خاتون فأعجلوها عن لبس خفيها فأصاب المسلمون احدهما وقوم بمائتي ألف درهم وكان عبيد الله ذلك اليوم يحمل عليهم وهو يطعن حتى يغيب عن أصحابه ثم يرفع رايته تقطر دما وكان هذا الزحف من زحوف خراسان المعدودة وكانت أربعة منها للاحنف بن قيس بقهستان والمرعات وزحف لعبد الله ابن حازم قضى فيه جموع فاران وأقام عبيد الله واليا على خراسان سنتين وولاه معاوية سنة خمس وخمسين على البصرة وذلك أن ابن غيلان خطب وهو أمير على البصرة فحصبه رجل من بنى ضبة فقطع يده فأتاه بنو ضبة يسألونه الكتاب إلى معاوية بالاعتذار عنه وانه قطع على أمر لم يصح مخافة أن يعاقبهم معاوية جميعا فكتب لهم وسار ابن غيلان إلى معاوية رأس السنة وأوفاه الضبيون بالكتاب فادعوا أن ابن غيلان قطع صاحبهم ظلما فلما قرأ معاوية الكتاب قال أما القود من عمالى فلا سبيل إليه ولكن أدى صاحبكم من بيت المال وعزل عبد الله بن غيلان عن البصرة واستعمل عليها عبيد الله ابن زياد فسار إليها عبيد الله وولى على خراسان أسلم بن زرعة الكلابي فلم يغز ولم يفتح * (العهد ليزيد) *
ذكر الطبري بسنده قال قدم المغيرة على معاوية فشكا إليه الضعف فاستعفاه فاعفاه(3/15)
وأراد أن يولى سعيد بن العاص وقال أصحاب المغيرة للمغيرة ان معاوية قلاك فقال لهم رويدا ونهض إلى يزيد وعرض له بالبيعة وقال ذهب أعيان الصحابة وكبراء قريش ورادوا أسنانهم وانما بقى أبناؤهم وأنت من أفضلهم وأحسنهم رأيا وسياسة وما أدرى ما يمنع أمير المؤمنين من العهد لك فأدى ذلك يزيد إلى أبيه واستدعاه وفاوضه في ذلك فقال قد رأيت ما كان من الاختلاف وسفك الدماء بعد عثمان وفى يزيد منك خلف فاعهد له يكون كهفا للناس بعدك فلا تكون فتنة ولا يسفك دم وأنا أكفيك الكوفة ويكفيك ابن زياد البصرة فرد معاوية المغيرة إلى الكوفة وأمره أن يعمل في بيعة يزيد فقدم الكوفة وذاكر من يرجع إليه من شيعة بنى أمية فأجابوه وأوفد منهم جماعة مع ابنه موسى فدعاه إلى عقد البيعة ليزيد فقال أو قد رضيتموه قالوا نعم نحن ومن وراءنا فقال ننظر ما قدمتم له ويقضى الله أمره والاناة خير من العجلة ثم كتب إلى زياد يستنيره بفكر وكف عن هدم دار سعيد وكتب سعيد إلى معاوية يعذله في ادخال الظعينة بين قرابته ويقول لو لم تكن بنى أب واحد لكانت قرابتنا ما جمعنا الله عليه من نصرة الخليفة المظلوم يجب عليك أن تدعى ذلك فاعتذر له معاوية وتنصل وقدم سعيد عليه وسأله عن مروان فأثنى خيرا فلما كان سنة سبع وخمسين عزل مروان وولى مكانه الوليد ابن عتبة بن أبى سفيان وقيل سنة ثمان * (عزل الضحاك عن الكوفة وولاية ابن أم الحكم ثم النعمان بن بشير) * عزل معاوية الضحاك عن الكوفة سنة ثمان وخمسين وولى مكانه عبد الرحمن بن عبد الله ابن عثمان الثقفى وهو ابن أم الحكم أخت معاوية فخرجت عليه الخوارج الذين كان(3/16)
المغيرة حبسهم في بيعة المستورد بن علقمة وخرجوا من سجنه بعد موته فاجتمعوا على حيان بن ضبيان السلمى ومعاذ بن جرير الطائى فسير إليهم عبد الرحمن الجيش من الكوفة فقتلوا أجمعين كما يذكر في أخبار الخوارج ثم ان أهل الكوفة نقلوا عن عبد الرحمن سوء سيرته فعزله معاوية عنهم وولى مكانه النعمان بن بشير وقال أوليك خيرا من الكوفة فولاه مصر وكان عليها معاوية بن خديج السكوتي وسار إلى مصر فاستقبله معاوية على مرحلتين منها وقال ارجع إلى حالك لا تسرفينا سيرتك في اخواننا أهل الكوفة فرجع إلى معاوية وأقام معاوية بن خديج في عمله (ولاية عبد الرحمن بن زياد خراسان) وفى سنة تسع وخمسين قدم عبد الرحمن بن زياد وافدا على معاوية فقال يا أمير المؤمنين أما لنا حق قال بلى فماذا قال توليني قال بالكوفة النعمان بن بشير من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وبالبصرة وخراسان عبيد الله أخوك وبسجستان عباد أخوك ولا أرى ما يشبهك الا أن أشركك في عمل عبيد الله فان عمله واسع يحتمل الشركة فولاه خراسان فسار إليها وقدم بين يديه قيس ابن الهيتم السلمى فأخذ أسلم بن زرعة وحبسه ثم قدم عبد الرحمن فأغرمه ثلثمائة ألف درهم وأقام بخراسان وكان متضعفا لم يقر قط وقدم على يزيد بين يدى قتل الحسين فاستخلف على خراسان قيس بن الهيتم فقال له يزيد كم معك من مال خراسان قال عشرون ألف ألف درهم فخيره بين أخذها بالحساب ورده إلى عمله أو تسويغه اياها وعزله على أن يعطى عبد الله بن جعفر خمسمائة ألف درهم فاختار تسويغها والعزل وبعث إلى ابن جعفر بألف الف وقال نصفها من يزيد ونصفها منى ثم ان أهل البصرة وفدوا مع عبيد الله بن زياد على معاوية فأذن له على منازلهم ودخل الاحنف آخرهم وكان هيأ المنزلة من عبيد الله فرحب به معاوية وأجلسه معه على سريره ثم تكلم القوم وأثنوا على عبيد الله وسكت الاحنف فقال معاوية تكلم يا أبا بحر فقال أخشى خلاف القوم فقال انهضوا فقد عزلت عنكم عبيد الله واطلبوا واليا
ترضونه فطفق القوم يختلفون إلى رجال بنى أمية وأشراف الشأم وقعد الاحنف في منزله ثم أحضرهم معاوية وقال من اخترتم فسمى كل فريق رجلا والاحنف ساكت فقال معاوية تكلم يا أبا بحر فقال ان وليت علينا من أهل بيتك لم نعدل بعبيد الله أحدا وان وليت من غيرهم ينظر في ذلك قال فانى قد أعدته عليكم ثم أوصاه بالاحنف وقبح رأيه في مباعدته ولما هاجت الفتنة لم يعزله غير الاحنف ثم أخذ على وفد البصرة البيعة لابنه يزيد معهم (بقية الصوائف) دخل بسر بن أرطاة سنة اثنتين وخمسين أرض الروم وشتى بها(3/17)
وقيل رجع ونزل هنالك سفيان بن عوف الازدي فشتى بها وتوفى هنالك اه وغزا بالصائفة محمد بن عبد الله الثقفى ثم دخل عبد الرحمن ابن أم الحكم سنة ثلاث وخمسين إلى أرض الروم وشتى بها وافتتحت في هذه السنة رودس فتحها جنادة بن أبى أمية الازدي ونزلها المسلمون على حذر من الروم ثم كانوا يعترضونه في البحر ويأخذون سفنه وكان معاوية يدركهم بالعطاء حتى خافهم الروم ثم نقلهم يزيد في ولايته ثم دخل سنة أربع وخمسين إلى بلاد الروم محمد بن مالك وشتى بها وغزا بالصائفة ابن يزيد السلمى وفتح المسلمون جزيرة أروى قرب القسطنطينية ومقدمهم جنادة بن أبى أمية فملكوها سبع سنين ونقلهم يزيد في ولايته وفى سنة خمس وخمسين كان شتى سفيان بن عوف بأرض الروم وقيل عمر بن محرز وقيل عبد الله بن قيس وفى سنة ست وخمسين كان شتى جنادة بن أبى أمية وقيل عبد الرحمن بن مسعود وقيل غزا في البحر يزيد ابن سمرة وفى البر عياض بن الحرث وفى سنة سبع وخمسين كان شتى عبد الله ابن قيس بأرض الروم وغزا مالك بن عبد الله الخثعمي في البر وعمر بن يزيد الجهنى في البحر وفى سنة ثمان وخمسين كان شتى عمر بن مرة الجهنى بأرض الروم وغزا في البحر جنادة بن أمية وفتح المسلمون في هذه السنة حصن كفخ من بلاد الروم وعليهم عمير
ابن الحباب السلمى صعد سورها وقاتل عليه وحده حتى انكشف الروم وفتحه وفى سنة ستين غزا مالك بن عبد الله سوية وملك جنادة بن أبى أمية رودس وهدم مدينتها (وفاة معاوية) وتوفى معاوية سنة ستين وكان خطب الناس قبل موته وقال انى كزرع مستحصد وقد طالت امارتي عليكم حتى مللتكم ومللتموني وتمنيت فراقكم وتمنيتم فراقي ولن يأتيكم بعدى الا من أنا خير منه كما أن من كان قبلى خير منى وقد قيل من أحب لقاء الله أحب الله لقاءه اللهم انى قد أحببت لقاءك فاحبب لقائي وبارك لى فلم يمض الا قليل حتى ازداد به مرضه فدعا ابنه يزيد وقال يا بنى انى قد كفيتك الرحلة والترحال ووطأت لك الامور وأخضعت لك رقاب العرب وجمعت لك ما لم يجمعه أحد وانى لا أخاف عليك أن ينازعك هذا الامر الذى انتسب لك الا أربعة نفر من قريش الحسين بن على وعبد الله بن عمر وعبد الله بن الزبير و عبد الرحمن بن أبى بكر فأما ابن عمر فرجل قد وقذته العبادة وإذا لم يبق غيره بايعك وأما الحسين فان أهل العراق لم يدعوه حتى يخرجوه فان خرج عليك فظفرت به فاصفح عنه فان له رحما ما مثله وحقا عظيما وأما ابن أبى بكر فان رأى أصحابه صنعوا شيأ صنع مثله وليس له همة الا في النساء وأما الذى يجثم لك جثوم الاسد ويراوغك روغان الثعلب وإذا أمكنته فرصة وثب فذاك ابن الزبير فان هو فعلها بك وقدرت عليه فقطعه(3/18)
اربا اربا هذا حديث الطبري عن هاشم وله عن هاشم من طريق آخر قال لما حضرت وفاة معاوية سنة ستين كان يزيد غائبا فدعا بالضحاك بن قيس الفهرى وكان صاحب شرطته ومسلم بن عتبة المزني فقال أبلغا يزيد وصيتى انظر أهل الحجاز فانهم أهلك فأكرم من قدم اليك منهم وتعاهد من غاب وانظر أهل العراق فان سألوك أن تعزل عنهم كل يوم عاملا فافعل فان عزل عامل أخف من أن يشهر عليك مائة ألف سيف وانظر أهل الشأم فليكونوا بطانتك وعيبتك وان رابك شئ من عدوك فانتصر بهم فإذا أصبتم فاردد أهل الشأم إلى بلادهم فانهم ان قاموا بغير بلادهم تغيرت أخلاقهم ولست
أخاف عليك من قريش الا ثلاثا ولم يذكر في هذا الطريق عبد الرحمن بن أبى بكر وقال في ابن عمر قد وقذه الدين فليس ملتمسا شيأ قبلك وقال في الحسين ولو أنى صاحبه عفوت عنه وأنا أرجو أن يكفيك الله بمن قتل أباه وخذل أخاه وقال في ابن الزبير إذا شخص اليك فالبدله الا أن يلتمس منك صلحا فاقبل واحقن دماء قومك ما استطعت (وتوفى في منتصف رجب) ويقال جمادى لتسع عشرة سنة وأشهر من ولايته وكان على خاتمه عبد الله بن محصن الحميرى وهو أول من اتخذ ديوان الخاتم وكان سببه انه أمر لعمر بن الزبير بمائة ألف درهم وكتب له بذلك إلى زياد بالعراق ففض عمر الكتاب وصير المائة مائتين فلما رفع زياد حسابه أنكرها معاوية واخذ عمر بردها وحبسه فأداها عنه أخوه عبد الله فأحدث عند ذلك ديوان الخاتم وحزم الكتب ولم تكن تحزم وكان على شرطته قيس بن همزة الهمداني فعزله ابن بيد بن عمر العدوى وكان على حرسه المختار من مواليه وقيل أبو المحارى مالك مولى حميرة وهو أول من اتخذ الحرس وعلى حجابه مولاه سعد وكان كاتبه وصاحب أمره سرحون بن منصور الرومي وعلى القضاء فضالة بن عبد الله الانصاري وبعده أبو دويس عائذ بن عبد الله الخولانى * (بيعة يزيد) * بويع يزيد بعد موت أبيه وعلى المدينة الوليد بن عتبة بن أبى سفيان وعلى مكة عمر ابن سعيد بن العاصى وعلى البصرة عبيد الله بن زياد وعلى الكوفة النعمان ابن بشير ولم يكن همه الا بيعة النفر الذين أبوا على معاوية ببعته فكتب إلى الوليد بموت معاوية وأن يأخذ حسينا وابن عمر وابن الزبير بالبيعة من غير رخصة فلما قرأ مروان الكتاب بنعى معاوية استرجع وترحم واستشاره الوليد في أمر أولئك النفر فأشار عليه أن يحضرهم لوقته فان بايعوا والا قتلتهم قبل أن يعلموا بموت معاوية فيثب كل رجل منهم في ناحية الا ابن عمر فانه لا يحب القتال ولا يحب الولاية الا أن يرفع إليه الامر فبعث الوليد لوقته عبد الله بن عمرو بن عثمان وهو غلام حدث فحاء(3/19)
إلى الحسين وابن الزبير في المسجد في ساعة لم يكن الوليد يجلس فيها للناس وقال أجيبا الامير فقالا لا تنصرف الا أن نأتيه ثم حدثا فيما بعث اليهما فلم يعلموا ما وقع وجمع الحسين فتيانه وأهل بيته وسار إليه فأجلسهم بالباب وقال ان دعوتكم أو سمعتم صوتي عاليا فادخلوا بأجمعكم ثم دخل فسلم ومروان عنده فشكرهما على الصلة بعد القطيعة ودعا لهما باصلاح ذات البين فأقرأه الوليد الكتاب بنعى معاوية ودعاه إلى البيعة فاسترجع وترحم وقال مثلى لا يبايع سرا ولا يكتفى بها منى فإذا ظهرت إلى الناس ودعوتهم كان أمرنا واحدا وكنت أول مجيب فقال الوليد وكان يحب المسالمة انصرف فقال مروان لا يقدر منه على مثلها أبدا حتى تكثر القتلى بينك وبينهم ألزمه البيعة والا اضرب عنقه فوثب الحسين وقال أنت تقتلني أو هو كذبت والله وانصرف إلى منزله وأخذ مروان في عذل الوليد فقال يا مروان والله ما أحب أن لى ما طلعت الشمس من مال الدنيا وملكها وأنى قتلت الحسين ان قال لا أبايع وأما ابن الزبير فاختفى في داره وجمع أصحابه وألح الوليد في طلبه وبعث مواليه فشتموه وهددوه وأقاموا ببابه في طلبه فبعث ابن الزبير أخاه جعفرا يلاطف الوليد ويشكو ما أصابه من الذعر ويعده بالحضور من الغداة وأن يصرف رسله من بابه فبعث إليهم وانصرفوا وخرج ابن الزبير من ليلته مع أخيه جعفر وحدهما وأخذا طريق الفرع إلى مكة فسرح الرحالة في طلبه فلم يدركوه ورجعوا وتشاغلوا بذلك عن الحسين سائر يومه ثم أرسل إلى الحسين يدعوه فقال أصبحوا وترون وفرى وسار في الليلة الثانية ببنيه واخوته وبنى أخيه الا محمد بن الحنفية وكان قد نصحه وقال تنح عن يزيد وعن الامصار ما استطعت وابعث دعاتك إلى الناس فان أجابوك فاحمد الله وان اجتمعوا على غيرك فلم يضر بذلك دينك ولا عقلك ولم تذهب به مروأتك ولا فضلك وأنا أخاف أن تأتى مصرا أو قوما فيختلفون عليك فتكون الاول اساءة
فإذا خير الامة نفسا وأبا أضيعها ذمارا وأذلها قال له الحسين فانى ذاهب قال انزل مكة فان اطمأنت بك الدار فسبيل دلك وان فاتت بك لحقت بالرمال وشعب الجبال ومن بلد إلى آخر حتى ننظر مصير أمر الناس وتعرف الرأى فقال يا أخى نصحت وأشفقت ولحق بمكة وبعث الوليد إلى ابن عمر ليبايع فقال أنا أبايع الناس وقيل ابن عمر وابن عباس كانا بمكة ورجعا إلى المدينة فلقيا الحسين وابن الزبير وأخبراهما بموت معاوية وبيعة يزيد فقال ابن عمر لا تفرقا جماعة المسلمين وقدم هو وابن عباس المدينة وبايعا عنه بيعة الناس ولما دخل ابن الزبير مكة وعليها عمر بن سعيد قال أنا عائد بالبيت ولم يكن يصلى ولا يقف معهم ويقف هو وأصحابه ناحية(3/20)
* (عزل الوليد عن المدينة وولاية عمر بن سعيد) * ولما بلغ الخبر إلى يزيد بصنيع الوليد بن عتبة في أمر هؤلاء النفر عزله عن المدينة واستعمل عليها عمر بن سعيد الاشرق فقدمها في رمضان واستعمل على شرطته عمر ابن الزبير بالمدينة لما كان بينه وبين أخيه من البغضاء وأحضر نفرا من شيعة الزبير بالمدينة فضربهم من الاربعين إلى الخمسين إلى الستين منهم المنذر بن الزبير وابنه محمد وعبد الرحمن بن الاسود بن عبد يغوث وعثمان بن عبد الله بن حكيم بن حزام ومحمد ابن عمار بن ياسر وغيرهم ثم جهز البعوث إلى مكة سبعمائة أو نحوها وقال لعمر بن الزبير من نبعث إلى أخيك فقال لا تجد رجلا أنكى له منى فجهز معه سبعمائة مقاتل فيهم أنس بن عمير الاسلمي وعذله مروان بن الحكم في غزو مكة وقال له اتق الله ولا تحل حرمة البيت فقال والله لنغزونه في جوف الكعبة وجاء أبو شريح الخزاعى إلى عمر بن سعيد فقال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول انما أذن لى بالقتال فيها ساعة من نهار ثم عادت كحرمتها بالامس فقال له عمر نحن أعلم بحرمتها منك أيها الشيخ وقيل ان يزيد كتب إلى عمر بن سعيد أن يبعث عمر بن الزبير بالجيش إلى أخيه فبعثه في ألفى مقاتل
وعلى مقدمته أنيس فنزل أنيس بذى طوى ونزل عمر بالابطح وبعث إلى أخيه أن بر يمين يزيد فانه حلف أن لا يقبل بيعة الا أن يؤتى بك في جامعه فلا يضرب الناس بعضهم بعضا فانك في بلد حرام فأرسل عبد الله بن الزبير من اجتمع له من أهل مكة مع عبد الله بن صفوان فهزموا أنيسا بذى طوى وقتل أنيس في الهزيمة وتخلف عن عمر ابن الزبير أصحابه فدخل دار ابن علقمة وأجاره عبدة بن الزبير وقال لاخيه قد أجرته فانكر ذلك عليه وقيل ان صفوان قال لعبد الله بن الزبير اكفني أخاك وأنا أكفيك أنيس بن عمر وسار إلى أنيس فهزمه وقتله وسار مصعب بن عبد الرحمن إلى عمر فتفرق عقه أصحابه وأجاره أخوه عبدة فلم يجز أخوه عبد الله جواره وضربه بكل من ضربه بالمدينة وحبسه بسجن عارم ومات تحت السياط * (مسير الحسين إلى الكوفة ومقتله) * ولما خرج الحسين إلى مكة لقيه عبد الله بن مطيع وسأله أين تريد فقال مكة وأستخير الله فيما بعد فنصحه أن لا يقرب الكوفة وذكره قتلهم أباه وخذلانهم أخاه وأن يقيم بمكة لا يفارق الحرم حتى يتداعى إليه الناس ورجع عنه وترك الحسين بمكة فأقام والناس بختلفون إليه وابن الزبير في جانب الكعبة يصلى ويطوف عامة النهار ويأتى الحسين فيمن يأتي ويعلم أن أهل الحجاز لا يلقون إليه مع الحسين ولما بلغ أهل الكوفة بيعة يزيد ولحاق الحسين بمكة اجتمعت الشيعة في منزل سليمان بن صرد وكتبوا إليه عن نفر منهم(3/21)
سليمان والمسيب بن محمد ورفاعة بن شداد وحبيب بن مظاهر وغيرهم يستدعونه وأنهم لم يبايعوا للنعمان ولا يجتمعون معه في جمعة ولا عند ولو جئتنا أخرجناه وبعثوا بالكتاب مع عبد الله بن سبع الهمداني وعبد الله بن وال ثم كتبوا إليه ثانيا بعد ليلتين نحو مائة وخمسين صحيفة ثم ثالثا يستحقونه للحاق بهم كتب له بذلك شيث بن ربعى وحجاز ابن ابجر ويزيد بن الحرث ويزيد بن رويم وعروة بن قيس وعمر بن الحجاج الزيدى ومحمد
ابن عمير التميمي فأجابهم الحسين فهمت ما قصصتم وقد بعثت اليكم م ابن عمى وثقتى من أهل بيتى مسلم بن عقيل يكتب إلى بأمركم ورأيكم فان اجتمع ملؤكم على مثل ما قدمت به رسلكم أقدم عليكم قريبا ولعمري ما الامام الا العامل بالكتاب القائم بالقسط الدين بدين الحق وسار مسلم فدخل المدينة وصلى في المسجد وودع أهله واستأجر دليلين من قيس فضلا الطريق وعطش القوم فمات الدليلان بعد أن أشارا إليهم بموضع الماء فانتهوا إليه وشربوا ونجوا فتطير مسلم من ذلك وكتب إلى الحسين يستعفيه فكتب إليه خشيت أن لا يكون حملك على ذلك الا الجبن فامض لوجهك والسلام وسار مسلم فدخل الكوفة أول ذى الحجة من سنة ستين واختلف إليه الشيعة وقرأ عليهم كتاب الحسين فبكوا ووعدوه النصر وعلم مكانه النعمان بن بشير أمير الكوفة وكان حليما يجنح إلى المسالمة فخطب وحذر الناس الفتنة وقال لا أقاتل من لا يقاتلني ولا آخذ بالظنة والتهمة ولكن ان نكئتم بيعتكم وخالفتم امامكم فوالله لاضربنكم بسيفي مادام قائمته بيدى ولو لم يكن لى ناصر فقال له بعض حلفاء بنى أمية لا يصلح ما ترى الا الغشم وهذا الذى أنت عليه مع عدوك رأى المستضعفين فقال أكون من المستضعفين في طاعة الله أحب إلى من أن أكون من الاعزين في معصية الله ثم تركه فكتب عبد الله بن مسلم وعمارة بن الوليد وعمارة بن سعد بن أبى وقاص إلى يزيد بالخبر وتضعف النعمان وضعفه فابعث إلى الكوفة رجلا قويا ينفذ أمرك ويعمل عملك في عدوك فأشار عليه سرحون(3/22)
* (مسيرة المختار إلى الكوفة وأخذها من ابن المطيع بعد وقعة كربلاء) * مضى ابراهيم إلى المختار وأخبره الخبر وبعثوا في الشيعة ونادوا بثأر الحسين ومضى ابراهيم إلى النخع فاستركبهم وسار بهم في المدينة ليلا وهو يتجنب المواضع التى فيها الامراء ثم لقى بعضهم فهزمهم ثم آخرين كذلك ثم رجع إلى المختار فوجد
شيث بن ربعى وحجاز بن أبجر العجلى يقاتلانه فهزمهما وحاشب بن المطبع فأشار إليه بجمع الناس والنهوض إلى القوم قبل فولى أمرهم فركب واجتمع الناس وتوافى إلى المختار نحو أربعة آلاف من الشيعة وبعث ابن مطيع شيث بن ربعى في ثلاثة آلاف وربع بن اياس في أربعة آلاف فسرح إليهم المختار ابراهيم بن الاشتر لراشد في ستمائة فارس وستمائة راجل ونعيم بن هبيرة لشيث في ثلثمائة فارس وستمائة راجل واقتتلوا من بعد صلاة الصبح وقتل نعيم فوهن المختار لقتله وظهر شيث وأصحابه عليهم وقاتل ابراهيم بن الاشتر راشد بن اياس فقتله وانهزم أصحابه وركبهم الفشل وبعث ابن المطيع جيشا كثيفا فهزمهم ثم حمل على شيث فهزمه وبعث المختار فمنعه الرماة من دخول الكوفة ورجع المنهزمون إلى ابن مطيع فدهش فشجعه عمر ابن الحجاج الزبيدى وقال له اخرج واندب الناس ففعل وقام في الناس ووبخهم على هزيمتهم وندبهم ثم بعث عمر بن الحجاج في ألفين وشمر بن ذى الجوشن في ألفين ونوفل ابن مساحق في خمسة آلاف ووقف هو بكتائبه واختلف على القصر شيث بن ربعى فحمل بن الاشتر على ابن مساحق فهزمه وأسره ثم من عليه ودخل ابن مطيع القصر وحاصره ابراهيم بن الاشتر ثلاثا ومعه يزيد بن أنس وأحمد بن شميط ولما اشتد الحصار على ابن مطيع أشار عليه شيث بن ربعى بأن يستأمن للمختار ويلحق بابن الزبير وله ما يعده فخرج عنهم مساء ونزل دار أبى موسى واستأمن القوم للمختار فدخل القصر وغدا على الناس في المسجد فخطبهم ودعاهم إلى بيعة ابن الحنفية فبايعه أشراف الكوفة على الكتاب والسنة واللطف بأهل البيت ووعدهم بحسن السيرة وبلغه أن ابن مطيع في دار أبى موسى فبعث إليه بمائة ألف درهم وقال بحهز بهذه وكان ابن مطيع قد فرق بيوت الاموال على الناس وسار ابن مطيع إلى وجهه وملك الكوفة وجعل على شرطته عبد الله بن كامل وعلى حرسه كيسان أبا عمرة وجعل الاشراف جلساءه وعقد لعبد الله بن الحرث بن الاشتر على أرمينية ولمحمد بن عمير
ابن عطارد على أذربيجان ولعبد الرحمن بن سعيد بن قيس على الموصل ولاسحق ابن مسعود على المدائن ولسعد بن حذيفة بن اليمان على حلوان وأمره بقتال الاكراد واصلاح السابلة وولى شريحا على القضاء ثم طعنت فيه الشيعة بانه شهد على(3/23)
حجر بن عدى ولم يبلغ عن هانئ بن عروة رسالته إلى قومه وأن عليا غرمه وأنه عثماني وسمع ذلك هو فتمارض فجعل مكانه عبد الله بن عتبة بن مسعود ثم مرض فولى مكانه عبد الله بن مالك الطائى * (مسيرة ابن زياد إلى المختار وخلافة أهل الكوفة عليه) * كان مروان بن الحكم لما استوثق له الشأم بعث جيشين أحدهما إلى الحجاز مع جيش بن دلجة القينى وقد شاتة ومقتلة والآخر إلى العراق مع عبيد الله بن زياد فكان من أمره وأمر التوابين من الشيعة ما تقدم وأقام محاصر الزفر بن الحرث بقرقيسيا وهو مع قومه قيس على طاعة ابن الزبير فاشتغل بهم عن العراق سنة أو نحوها ثم توفى مروان وولى بعده عبد الملك فأقره على ولايته وأمره بالجد ويئس من أمر زفر وقيس فنهض إلى الموصل فخرج عنها عبد الرحمن بن سعيد عامل المختار إلى تكريت وكتب إلى المختار بالخبر فبعث يزيد بن أنس الاسدي في ثلاثة آلاف إلى الموصل فسار إليها على المدائن وسرح ابن زياد للقائه ربيعة بن المختار الغنوى في ثلاثة آلاف فالتقيا ببابل وعبى يزيد أصحابه وهو راكب على حمار وحرضهم وقال ان مت فأميركم ورقاء ابن عازب الاسدي وان هلك فعبد الله بن ضمرة الفزارى وان هلك فسعد الخثعمي ثم اقتتلوا يوم عرفة وانهزم أهل الشأم وقتل ربيعة وسار الفل غير بعيد فلقيهم عبد الله بن حملة الخثعمي قد سرحه ابن زياد في ثلاثة آلاف فرد المنهزمين وعاد القتال يوم الاضحى فانهزم أهل الشأم وأثخن فيهم أهل الكوفة بالقتل والنهب وأسروا منهم ثلثمائة فقتلوهم وهلك يزيد بن أنس من آخر يومه وقام بأمرهم ورقاء بن عازب خليفته
وهاب لقاء ابن زياد بعد يزيد وقال نرجع بموت أميرنا قبل أن يتجر أعلينا أهل الشأم بذلك وانصرف الناس وتقدم الخبر إلى الكوفة فأرجف الناس بالمختار وأشيع أن يزيد قتل وسر المختار رجوع العسكر فسرح ابراهيم بن الاشتر في سبعة آلاف وضم إليه جيش يزيد ثم تأخر ابن زياد فسار لذلك ثم اجتمع أشراف الكوفة عند شيث بن ربعى وكان شيخهم جاهليا اسلاميا وشكوا من سيرة المختار وايثاره الموالى عليهم ودعوه إلى الوثوب به فقال حتى ألقاه وأعذر إليه ثم ذهب إليه وذكر له جميع ما نكروه فوعده الرجوع إلى مرادهم وذكر له شأن الموالى وشركتهم في الفئ فقال ان أعطيتموني عهدكم على قتال بنى أمية وابن الزبير تركتهم فقال اخرج إليهم بذلك وخرج فلم يرجع واجتمع رأيهم على قتاله وهم شيث بن ربعى ومحمد بن الاشعث وعبد الرحمن بن سعد بن قيس وشمر ابن ذى الجوشن وكعب بن أبى كعب النخعي وعبد الرحمن بن مخنق الازدي وقد كان ابن مخنق أشار عليهم بأن يمهلوه لقدوم أهل الشأم وأهل البصرة فيكفونكم أمره(3/24)
قبل أن يقاتلكم بمواليكم وشجعانكم وهم عليكم أشد فأبوا من رأيه وقالوا لا تفسد جماعتنا خرجوا وشهروا السلاح وقالوا للمختار اعتزلنا فان ابن الحنفية لم يبعثك قال نبعث إليه الرسل منى ومنكم وأخذ يعللهم بأمثال هذه المراجعات وكف أصحابه عن قتالهم ينتظر وصول ابراهيم بن الاشتر وقد بعث إليه بالرجوع فحاء فرأى القوم مجتمعين ورفاعة بن شداد البجلى يصلى بهم فلما وصل ابراهيم عبد المختار أصحابه وسرح بين يديه أحمد بن شميط البجلى وعبد الله بن كامل الشادى فانهزم أصحابهما وصبرا ومدهما المختار بالفرسان والرجال فوجا بعد فوج وسار ابن الاشتر إلى مصر وفيهم شيث ابن ربعى فقاتلوه فهزمهم فاشتد ابن كامل على اليمن ورجع رفاعة بن شداد أمامهم إلى المختار فقاتل معه حتى قتل من أهل اليمن عبد الله بن سعيد بن قيس والفرات ابن زخر بن قيس وعمر بن مختف وخرج أخوه عبد الرحمن فمات وانهزم أهل اليمن
هزيمة قبيحة وأسر من الوادعيين خمسمائة أسير فقتل المختار كل من شهد قتل الحسين منهم فكانوا نصفهم وأطلق الباقين ونادى المختار الامان الا من شهد في دماء أهل البيت وفر عمر بن الحجاج الزبيدى وكان أشد من حضر قتل الحسين فلم يوقف له على خبر وقيل أدركه أصحاب المختار فأخذوا رأسه وبعث في طلب شمر بن ذى الجوشن فقتل طالبه وانتهى إلى قرية الكلبانية فارتاح يظن انه نجا وإذا في قرية أخرى بازائه أبو عمرة صاحب المختار بعثه مسلخة بينه وبين أهل البصرة فنمى إليه خبره فركب إليه فقتله وألقى شلوه للكلاب وانجلت الوقعة عن سبعمائة وثمانين قتيلا أكثرهم من اليمن وكان آخر سنة ست وستين وخرج أشراف الناس إلى البصرة وتتبع المختار قتلة الحسين ودل على عبيد الله بن أسد الجهنى ومالك بن نسير الكندى وحمل بن مالك المحاربي بالقادسية فأحضرهم وقتلهم ثم أحضر زياد بن مالك الضبعى وعمران بن خالد العثرى وعبد الرحمن بن أبى حشكارة البجلى وعبد الله بن قيس الخولانى وكانوا نهبوا من الورس الذى كان مع الحسين فقتلهم وأحضر عبد الله أو عبد الرحمن بن طلحة وعبد الله بن وهيب الهمداني ابن عم الاعشى فقتلهم وأحضر عثمان بن خالد الجهنى وأبا أسماء بشر بن سميط القابسى وكانا مشتركين في قتل عبد الرحمن بن عقيل وفى سلبه فقتلهما وحرقهما بالنار وبحث عن خولى بن يزيد الاصبحي صاحب رأس الحسين فجئ برأسه وحرق بالنار ثم قتل عمر بن سعد بن أبى وقاص بعد ان كان أخذ له الامان منه عبد الله بن ابن جعدة بن هبيرة فبعث أبا عمرة فجاءه برأسه وابنه حفص عنده فقال تعرف هذا قال نعم ولا خير في العيش بعده فقتله ويقال ان الذى بعث المختار على قتلة الحسين أن يزيد بن شراحيل الانصاري قدم على محمد بن الحنفية فقال له ابن الحنفية(3/25)
يزعم المختار انه لنا شيعة وقتلة الحسين عنده على الكراسي يحدثونه فلما سمع المختار ذلك تتبعهم بالقتل وبعث برأس عمرو ابنه إلى ابن الحنفية وكتب إليه أنه قتل من قدر عليه
وهو في طلب الباقين ثم أحضر حكيم بن طفيل الطائى وكان رمى الحسين بسهم وأصاب سلب العباس ابنه وجاء عدى بن حاتم يشفع فيه فقتله ابن كامل والشيعة قبل أن يصل حذرا من قبول المختار شفاعته وبحث عن مره بن منقذ بن عبد القيس قاتل على بن الحسين فدافع عن نفسه ونجا إلى مصعب بن الزبير وقد شلت يده بضربة وبحث عن زيد وفاد الحسين قاتل عبد الله بن مسلم بن عقيل رماه بسهمين وقد وضع كفه على جبهته يتقى النبل فأثبت كفه في جبهته وقتله بالاخرى فخرج بالسيف يدافع فقال ابن كامل ارموه بالحجارة فرموه حتى سقط وأحرقوه حيا وطلب سنان بن أنس الذى كان يدعى قتل الحسين فلحق بالبصرة وطلب عمر بن صبح الصدائى فقتله طعنا بالرماح وأرسل في طلب محمد بن الاشعث وهو في قريته عند القادسية فهرب إلى مصعب وهدم المختار داره وطلب آخرين كذلك من المتهمين بأمر الحسين فلحقوا بمصعب وهدم دورهم * (شأن المختار مع ابن الزبير) * كان على البصرة الحرث بن أبى ربيعة وهو القباع عاملا لابن الزبير وعلى شرطته عباد ابن حسين وعلى المقاتلة قيس بن الهيتم وجاء المثنى بن مخرمة العبدى وكان ممن شهد مع سليمان بن صرد ورجع فبايع للمختار وبعثه إلى البصرة يدعو له بها فأجابه كثير من الناس وعسكر لحرب القباع فسرح إليه عباد بن حسين وقيس بن الهيتم في العساكر فانهزم المثنى إلى قومه عبد القيس وأرسل القباع عسكرا يأتونه به فجاءه زياد بن عمر العنكبى فقال له لتردن خيلك عن اخواننا أو نقاتلنهم فأرسل الاحنف ابن قيس وأصلح الامر على أن يخرج المثنى عنهم فسار إلى الكوفة وقد كان المختار لما أخرج ابن مطيع من البصرة كتب إلى ابن الزبير يخادعه ليتم أمره في الدعاء لاهل البيت وطلب المختار في الوفاء بما وعده به من الولاية فأراد ابن الزبير أن يتبين الصحيح من أمره فولى عمر بن عبد الرحمن بن الحرث بن هشام على الكوفة وأعلمه بطاعة المختار وبعثه إليها وجاء الخبر إلى المختار فبعث زائدة بن قدامة في خمسمائة فارس وأعطاه
سبعين ألف درهم وقال ادفعها إلى عمر فهى ضعف ما أنفق وأمره بالانصراف بعد تمكث فان أبى فأره الخيل فكان كذلك ولما رأى عمر الحيل أخذ المال وسار نحو البصرة واجتمع هو وابن مطيبع في امارة القباع قبل وثوب ابن مخرمة وقيل ان المختار كتب إلى ابن الزبير انى اتخذت الكوفة دارا فان سوغتنى ذلك وأعطيتني مائة ألف درهم سرت إلى الشام وكفيتك مروان فمنعه من ذلك فأقام المختار يطاعنه(3/26)
ويوادعه ليتفرغ لاهل الشأم ثم بعث عبد الملك بن مروان عبد الملك بن الحرث ابن الحكم بن أبى العاص إلى وادى القرى فكتب المختار إلى ابن الزبير يعرض عليه المدد فأجابه أن يعجل بانفاذ الجيش إلى جند عبد الملك بوادي القرى فسرح شرحبيل ابن دوس الهمداني في ثلاثة آلاف اكريم من الموالى وأمره أن يأتي المدينة ويكاتبه بذلك واتهمه ابن الزبير فبعث من مكة عباس بن سهل بن سعد في ألفين وأمره أن يستنفر العرب وان رأى من جيش المختار خلافا ناجزهم وأهلكهم فلقيهم عباس بالرقيم وهم على تعبية فقال سيروا بنا إلى العدو الذى بوادي القرى فقال ابن دوس انما أمرنى المختار أن آتى المدينة ففطن عباس لما يريد فأتاهم بالعلوفة والزاد وتخير ألفا من أصحابه وحمل عليهم فقتل ابن دوس وسبعين معه من شجعان قومه وأمن الباقين فرجعوا للكوفة ومات أكثرهم في الطريق وكتب المختار إلى ابن الحنفية يشكو ابن الزبير ويوهمه أنه بعث الجيش في طاعته ففعل بهم ابن الزبير ما فعل ويستاذنه في بعث الجيوش إلى المدينة ويبعث ابن الحنفية عليهم رجلا من قبله فيفهم الناس أنى في طاعتك فكتب إليه ابن الحنفية قد عرفت قصدك ووفاءك بحقى وأحب الامر إلى الطاعة فأطع الله وتجنب دماء المسلمين فلو أردت القتال لوجدت الناس إلى سراعا والاعوان كنير الكنى أعتزلهم وأصبر حتى يحكم الله وهو خير الحاكمين (ثم دعا ابن الزبير) محمد بن الحنفية ومن معه من أهل بيته وشيعته إلى البيعة فامتنع
وبعث إليه ابن الزبير وأغلظ عليه وعليهم فاستكانوا وصبروا فتركهم فلما استولى المختار على الكوفة وأظهر الشيعة دعوة ابن الحنفية خاف ابن الزبير أن يتداعى الناس إلى الرضا به فاعتزم عليهم في البيعة وتوعدهم بالقتل وحبسهم بزمزم وضرب لهم أجلا وكتب ابن الحنفية إلى المختار بذلك فأخبر الشيعة وندبهم وبعث أمراء منهم في نحو ثلثمائة عليهم أبو عبد الله الجدلي وبعث لابن الحنفية أربعمائة ألف درهم وساروا إلى مكة فدخلوا المسجد الحرام وبأيديهم الخشب كراهة اشهار السيوف في الحرم وطفقوا ينادون بثأر الحسين حتى انتهوا إلى زمزم وأخرج ابن الحنفية وكان قد بقى من أجله يومان واستأذنوه في قتال ابن الزبير فقال لا أستحل القتال في الحرم ثم جاء باقى الجند وخافهم ابن الزبير وخرج ابن الحنفية إلى شعب على واجتمع له أربعة آلاف رجل فقسم بينهم المال (ولما قتل المختار) واستوثق أمر ابن الزبير بعث إليهم في البيعة فخافه على نفسه وكتب لعبد الملك فأذن له أن يقدم الشأم حتى يستقيم أمر الناس ووعده بالاحسان وخرج ابن الحنفية وأصحابه إلى الشأم ولما وصل مدين لقيه خبر مهلك عمر بن سعيد فندم وأقام بايلة وظهر في الناس فضله وعبادته(3/27)
وزهده وكتب له عبد الملك أن يبايعه فرجع إلى مكة ونزل شعب أبى طالب فأخرجه ابن الزبير فسار إلى الطائف وعذل ابن عباس ابن الزبير على شانه ثم خرج عنه ولحق بالطائف ومات هنالك وصلى عليه ابن الحنفية وعاش إلى أدرك حصار الحجاج لابن الزبير (ولما قتل ابن الزبير) بايع لعبد الملك وكتب عبد الملك إلى الحجاج بتعظيم حقه وبسط أمله ثم قدم إلى الشأم وطلب من عبد الملك أن يرفع حكم الحجاج عنه ففعل وقيل ان ابن الزبير بعث إلى ابن عباس وابن الحنفية في البيعة حتى يجتمع الناس على امام فان في هذه فتنة فحبس ابن الحنفية في زمزم وضيق على ابن عباس في منزله وأراد احراقهما فأرسل المختار جيشه كما تقدم ونفس عنهما ولما قتل المختار قوى
ابن لزبير عليهما فخرجا إلى الطائف * (مقتل ابن زياد) * ولما فرغ المختار من قتال أهل الكوفة آخر سنة ست وستين بعث ابراهيم بن الاشتر لقتال ابن زياد وبعث معه وجوه أصحابه وفرسانهم وشيعته وأوصاه وبعث معه بالكرسي الذى كان يستنصر به وهو كرسى قد غشاه بالذهب وقال للشيعة هذا فيكم مثل التابوت في بنى اسرائيل فكبر شأنه وعظم وقاتل ابن زياد فكان له الظهور وافتتن به الشيعة ويقال انه كرسى على بن أبى طالب وان المختار أخذه من والد جعدة بن هبيرة وكانت أمه أم هانئ بنت أبى طالب فهو ابن أخت على ثم أسرع ابراهيم بن الاشتر في السير وأوغل في أرض الموصل وكان ابن زياد قد ملكها كما مر فلما دخل ابراهيم أرض الموصل عبى أصحابه ولما بلغ نهر الحارم بعث على مقدمته الطفيل بن لقيط النخعي ونزل ابن زياد قريبا من النهر وكانت قيس مطبقة على بنى مروان عند المرج وجند عبد الملك يومئذ فلقى عمير بن الحساب السلمى ابراهيم بن الاشتر وأوعده أن ينهزم بالميسرة وأشار عليه بالمشاجرة ورأى عند ابن الاشتر ميلا إلى المطاولة فثناه عن ذلك وقال انهم ميلوا منكم رعبا وان طاولتهم اجترؤا عليكم قال وبذاك أوصاني صاحبي ثم عبى أصحابه في السحر الاول ونزل يمشى ويحرض الناس حتى أشرف على القوم وجاءه عبد الله بن زهير السلولى بأنهم خرجوا على دهش وفشل وابن الاشتر يحرض أصحابه ويذكرهم أفعال ابن زياد وأبيه ثم التقى الجمعان وحمل الحصين بن نمير من ميمنة أهل الشأم على ميسرة ابراهيم فقتل على بن مالك الخثعمي ثم أخذ الراية فرد بن على فقتل وانهزمت الميسرة فأخذ الراية عبد الله بن ورقاء بن جنادة السلولى ورجع بالمنهزمين إلى الميسرة كما كانوا وحملت ميمنة ابراهيم على ميسرة ابن زياد وهم يرجون أن ينهزم عمير بن الحاب كما وعدهم فمنعته الانفة(3/28)
من ذلك وقاتل قتالا شديدا وقصد ابن الاشتر قلب العسكر وسواده الاعظم فاقتتلوا أشد قتال حتى كانت أصوات الضرب بالحديد كاصوات القصارين وابراهيم يقول لصاحب رايته انغمس برايتك فيهم ثم حملوا حملة رجل واحد فانهزم أصحاب ابن زياد وقال ابن الاشتر انى قتلت رجلا تحت راية منفردة شممت مه رائحة المسك وضربته بسيفي فقصمته نصفين فالتمسوه فإذا هو ابن زياد فأخذت رأسه وأحرقت جثته وحمل شريك بن جدير الثعلبي على الحصين بن نمير فاعتقله وجاء أصحابه فقتلوا الحصين ويقال ان الذى قتل ابن زياد هو ابن جدير هذا وقتل شرحبيل بن ذى الكلاع وادعى قتله سفيان بن يزيد الازدي وورقاء بن عازب الازدي وعبيد الله بن زهير السلمى واتبع أصحاب ابن الاشتر المنهزمين فغرق في النهر أكثر ممن قتل وغنموا جميع ما في العسكر وطرأ ابن الاشتر بالبشارة إلى المختار فأتته بالمدائن وأنفذ ابن الاشتر عماله إلى البلاد فبعث أخاه عبد الرحمن على نصيبين وغلب على سنجار ودارا وما والاهما من أرض الجزيرة وولى زفر بن الحرث قيس وحاتم بن النعمان الباهلى حران والرهاء وشمشاط وعمير بن الحباب السلمى كفر نوبى وطور عبدين وأقام بالموصل وأنفذ رؤس عبيد الله وقواده إلى المختار * (مسير مصعب إلى المختار وقتله اياه) * كان ابن الزبير في أول سنة سبع وستين أو آخر ست عزل الحرث بن ربيعة وهو القباع وولى مكانه أخاه مصعبا فقدم البصرة وصعد المنبر وجاء الحرث فأجلسه مصعب تحته بدرجة ثم خطب وقرأ الآيات من أول القصص ونزل ولحق به أشراف الكوفة حتى قربوا من المختار ودخل عليه شيث بن ربعى وهو ينادى واغوثاه ثم قدم محمد ابن الاشعث بعده واستوثقوه إلى المسير وبعث إلى المهلب بن أبى صفرة وهو عامله على فارس ليحضر معه قتال المختار فأبطأ وأغفل فأرسل إليه محمد بن الاشعث بكتابه فقال المهلب ما وجد مصعب بريدا غيرك فقال ما أنا ببريد ولكن غلبنا عبيدنا على أبنائنا
وحرمنا فأقبل معه المهلب بالجموع والاموال وعسكر مصعب عند الجسر فأرسل عبد الرحمن بن مختف إلى الكوفة سر اليثبط الناس عن المختار ويدعو إلى ابن الزبير وسار على التعبية وبعث في مقدمته عباد بن الحصين الحبطى التميمي وعلى ميمنته عمر ابن عبيد الله بن معمر وعلى ميسرته المهلب وبلغ الخير المختار فقام في أصحابه وقربهم إلى الخروج مع ابن شميط وعسكر محمد في أعفر وبعث رؤس الارباع الذين كانوا مع ابن الاشتر مع ابن شميط وأصحابه فثبتوا وحمل المهلب من الميسرة على ابن كامل فثبت ثم كر المهلب وحمل حملة منكرة وصبر ابن كامل قليلا وانهزموا وحمل الناس(3/29)
جميعا على ابن شميط فانهزم وقتل واستمر القتل في الرجالة وبعث مصعب عبادا فقتل كل أسير أخذه وتقدم محمد بن الاشعث في خيل من أهل الكوفة فلم يدركوا منهزما الا قتلوه ولما فرغ مصعب منهم أقبل فقطع الفرات من موضع واسط وحملوا الضعفاء وأثفالهم في السفن ثم خرجوا إلى نهر الفرات وسار إلى الكوفة ولما بلغ المختار خبر الهزيمة ومن قتل من أصحابه وأن مصعبا أقبل إليه في البر والبحر سار إلى مجتمع الانهار نهر الجزيرة والمسلحين والقادسية ونهر يسر فسكر الفرات فذهب ماؤه في الانهار وبقيت سفن أهل البصرة في الطين فخرجوا إلى السكر وأزالوه وقصدوا الكوفة وسار المختار ونزل حروراء بعد أن حصن القصر وأدخل عدة الحصار وأقبل مصعب وعلى ميمنته المهلب وعلى ميسرته عمر بن عبيد الله وعلى الخيل عباد بن الحصين وجعل المختار على ميمنته سليم بن يزيد الكندى وعلى ميسرته سعيد بن منقذ الهمداني وعلى الخيل عمر بن عبيد الله النهدي ونزل محمد بن الاشعث فيمن هرب من أهل الكوفة بين العسكرين ولما التقى الجمعان اقنتلوا ساعة وحمل عبد الله بن جعدة بن هبيرة المخزومى على من بازائه فحطم أصحاب المختار حطمة منكرة وكشفوهم وحمل مالك ابن عمر النهدي في الرجالة عند المساء على ابن الاشعث حملة منكرة فقتل ابن الاشعث
وعامة أصحابه وقتل عبيد الله بن على بن أبى طالب وقاتل المختار ثم افترق الناس ودخل القصر وسار مصعب من الغد فنزل السبخة وقطع عنهم الميرة وكان الناس يأتونهم بالقليل من الطعام والشراب خفية ففطن مصعب لذلك فمنعه وأصابهم العطش فكانوا يصبون العسل في الآبار ويشربون ثم ان المختار أشار على أصحابه بالاستماته فتحنط وتطيب وخرج في عشرين رجلا منهم السائب بن مسلك الاشعري فعذله فقال ويحك يا أحمق وثب ابن الزبير بالحجاز ووثب بجدة باليمامة وابن مروان بالشأم فكنت كاحدهم الا أنى طلبت بثار أهل البيت إذ نامت عقد العرب فقاتل على حسبك ان لم يكن لك نية ثم تقدم فقاتل حتى قتل على يد رجلين من بنى حنيفة أخوين طرفة وطراف ابني عبد الله بن دجاجة وكان عبد الله بن جعدة بن هبيرة لما رأى عزم المختار على الاستمانة تدلى من القصر واختفى عند بعض اخوانه ثم بعث الذين بقوا بالقصر إلى مصعب ونزلوا على حكمه فقتلهم أجمعين وأشار عليه المهلب باستبقائهم فاعترضه أشراف أهل الكوفة ورجع إلى رأيهم ثم أمر بكف المختار بن أبى عبيد فقطعت وسمرت إلى جانب المسجد فلم ينزعها من هنالك الا الحجاج وقتل زوجه عمرة بنت النعمان بن بشير زعمت أن المختار فاستأذن أخاه عبد الله وقتلها ثم كتب مصعب إلى ابراهيم بن الاشتر يدعوه إلى طاعته ووعده بولاية أعنة الخليل(3/30)
وما غلب عليه من المغربة وكتب إليه عبد الملك بولاية العراق واختلف عليه أصحابه فجنح إلى مصعب خشية مما أصاب ابن زياد وأشراف أهل الشأم وكتب إلى مصعب بالاجابة وسار إليه فبعث على عمله بالموصل والجزيرة وارمينية واذربيجان المهلب بن أبى صفرة وقيل ان المختار انما أظهر الخلاف لابن الزبير عند قدوم مصعب البصرة وانه بعث على مقدمته أحمد بن شميط وبعث مصعب عبادا الحبطى ومعه عبيد الله بن على بن أبى طالب وتراضوا ليلا فناجزهم المختار من ليلته وانكشف أصحاب مصعب
إلى عسكرهم واشتد القتال وقتل من أصحاب مصعب جماعة منهم محمد بن الاشعث فلما أصبح المختار وجد أصحابه قد توغلوا في أصحاب مصعب وليس عنده أحد فانصرف ودخل قصر الكوفة وفقد أصحابه فلحقوا به ودخل القصر معه ثمانية آلاف منهم وأقبل مصعب فحاصرهم أربعة أشهر يقاتلهم بالسيوف كل يوم حتى قتل وطلب الذين في القصر الامان من مصعب ونزلوا على حكمه فقتلهم جميعا وكانوا ستة آلاف رجل ولما ملك مصعب الكوفة بعث عبد الله بن الزبير ابنه حمزة على البصرة مكان مصعب فأساء السيرة وقصر بالاشراف ففزعوا إلى مالك بن مسمع فخرج إلى الجسر وبعث إلى حمزة أن الحق بأبيك وكتب الاحنف إلى أبيه أن يعزله عنهم ويعيد لهم مصعبا ففعل وخرج حمزة بالاموال فعرض له مالك بن مسمع وقال لا ندعك تخرج باعطياتنا فضمن له عمر بن عبيد الله العطاء فكف عنه وقيل ان عبيد الله بن الزبير انما رد مصعبا إلى البصرة عند وفادته عليه بعد سنة من قتل المختار ولما رده إلى البصرة استعمل عمر بن عبيد الله بن معمر على فارس وولاه حرب الازارقة وكان المهلب على حربهم أيام مصعب وحمزة فلما رد مصعبا أراد أن يولى المهلب الموصل والجزيرة وارمينية ليكون بينه وبين عبد الملك فاستقدمه واستخلف على عمله المغيرة فلما قدم البصرة عزله مصعب عن حرب الخوارج وبلاد فارس واستعمل عليها عمر بن عبيد الله بن معمر فكان له في حروبهم ما ندكره في أخبار الخوارج * (خلاف عمر بن سعيد الاشرف ومقتله) * كان عبد الملك بعد رجوعه من قنسرين أقام بدمشق زمانا ثم سار لقتال زخر بن الحرث الكلابي بغرقيسيا واستخلف على دمشق عبد الرحمن ابن أم الحكم الثقفى ابن أخته وسار معه عمر بن سعيد فلما بلغ بطنان انتقص عمر وأسرى ليلا إلى دمشق وهرب ابن أم الحكم عنها فدخلها عمر وهدم داره واجتمع إليه الناس فخطبهم ووعدهم وجاء عبد الملك على اثره فحاصره بدمشق ووقع بينهما القتال أياما ثم اصطلحا وكتب
بينهما كتابا وأمنه عبد الملك فخرج إليه عمر ودخل عبد الملك دمشق فأقام أربعة أيام(3/31)
ثم بعث إلى عمر ليأتيه فقال له عبد الله بن يزيد بن معاوية وهو صهره وكان عنده لا تأتيه فانى أخشى عليك منه فقال والله لو كنت نائما ما أيقظني ووعد الرسول بالرواح إليه ثم أتى بالعشى ولبس درعه تحت القباء ومضى في مائة من مواليه وقد جمع عبد الملك عنده بنى مروان وحسان بن نجد الكلبى وقبيصة بن ذؤيب الخزاعى وأذن لعمر فدخل ولم يزل أصحابه يجلسون عند كل باب حتى بلغوا قاعة الدار وما معه الا غلام واحد ونظر إلى عبد الملك والجماعة حوله فأحس بالشر وقال للغلام انطلق إلى أخى يحيى وقل له يأتيني فلم يفهم عنه وأعاد عليه فيجيبه الغلام لبيك وهو لا يفهم فقال له اعزب عنى ثم أذن عبد الملك لحسان وقبيصة فلقيا عمر ودخل فأجلسه معه على السرير وحادثه زمنا ثم أمر بنزع السيف عنه فأنكر ذلك عمر وقال اتق الله يا أمير المؤمنين فقال له عبد الملك أتطمع أن تجلس معى متقلدا سيفك فأخذ عنه السيف ثم قال له عبد الملك يا أبا أمية انك حين خلعتني حلفت بيمين ان أنا رأيتك بحيث أقدر عليك أن أجعلك في جامعة فقال بنو مروان ثم تطلقه يا أمير المؤمنين قال نعم وما عسيت أن أصنع بأبى أمية فقال بنو مروان أبر قسم أمير المؤمنين يا أبا أمية فقال عمر قد أبر الله قسمك يا أمير المؤمنين فاخرج من تحت فراشه جامعة وأمر غلاما فجمعه فيها وسأله أن لا يخرجه على رؤس الناس فقال أمكرا عند الموت ثم جذبه جذبة أصاب فمه السرير فكسر ثنيته ثم سأل الابقاء فقال عبد الملك والله لو علمت أنك تبقى ان أبقيت عليك وتصلح قريش لا بقيتك ولكن لا يجتمع رجلان مثلنا في بلد فشتمه عمر وخرج عبد الملك إلى الصلاة وأمر أخاه عبد العزيز بقتله فلما قام إليه بالسيف ذكره الرحم فامسك عنه وجلس ورجع عبد الملك من الصلاة وغلقت الابواب فغلظ لعبد العزيز ثم تناول عمر فذبحه بيده وقيل أمر غلامه بن الزغير فقتله وفقد الناس عمر مع عبد الملك حين خرج
إلى الصلاة فأقبل أخوه يحيى في أصحابه وعبيده وكانوا ألفا ومعه حميد بن الحرث وحريث وزهير بن الابرد فهتفوا باسمه ثم كسروا باب المقصورة وضربوا الناس بالسيوف وخرج الوليد بن عبد الملك واقتتلوا ساعة ثم خرج عبد الرحمن ابن أم الحكم الثقفى بالرأس فألقاه إلى الناس وألقى إليهم عبد العزيز بن مروان بدر الاموال فانتهبوها وافترقوا ثم خرج عبد الملك إلى الناس وسأل عن الوليد فأخبر بجراحته وأتى بيحيى بن سعيد وأخيه عنبسة فحبسهما وحبس بنى عمر بن سعيد ثم أخرجهم جميعا وألحقهم بمصعب حتى حضروا عنده بعد قتل مصعب فأمنهم ووصلهم وكان بنو عمر أربعة أمية وسعد واسمعيل ومحمد ولما حضروا عنده قال أنتم أهل بيت ترون لكم على جميع قومكم فضلا لن يجعله الله لكم والذى كان بينى وبين أبيكم لم يكن حديثا(3/32)
بل كان قديما في أنفس أوليكم على أولينا في الجاهلية فقال سعيد يا أمير المؤمنين تعد علينا أمرا كان في الجاهلية والاسلام قد هدم ذلك ووعد جنة وحذر نارا وأما عمر فهو ابن عمك وقد وصل إلى الله وأنت أعلم بما صنعت وان أحد ثنابه فبطن الارض خير لنا من ظهرها فرق لهم عبد الملك وقال أبوكم خيرنى بين أن يقتلنى أو أقتله واخترت قتله على قتلتى وأما انتم فما أرغبني فيكم وأوصلني لقرابتكم وأحسن حالتهم وقيل ان عمر انما كان خلفه وقتله حين سار عبد الملك لقتال مصعب طلبه أن يجعل له العهد بعده كما فعل أبوه فلم يجبه إلى ذلك فرجع إلى دمشق فعصى وامتنع بها وكان قتله سنة تسعة وستين * (مسير عبد الملك إلى العراق ومقتل مصعب) * ولما صفا الشأم لعبد الملك اعتزم على غزو العراق وأتته الكتب من أشرافهم يدعونه فاستمهله أصحابه فأبى وسار نحو العراق وبلغ مصعبا سيره فأرسل إلى المهلب بن أبى صفرة وهو بفارس في قتال الخوارج يستشيره وقد كان عزل عمر بن عبيد الله بن معمر
عن فارس وحرب الخوارج وولى مكانه المهلب وذلك حين استخلف على الكوفة وجاء خالد بن عبيد الله بن خالد بن أسيد على البصرة مختفيا وأعيد لعبد الملك عند مالك ابن مسمع في بكر بن وائل والازد وأمد عبد الملك بعبيد الله بن زياد بن ضبيان وحاربهم عمر بن عبيد الله بن معمر ثم صالحهم على أن يخرجوا خالدا فأخرجوه وجاء مصعب وقد طمع أن يدرك خالدا فوجده قد خرج فسخط على ابن معمر وسب أصحابه وضربهم وهدم دورهم وحلقهم وهدم دار مالك بن مسمع واستباحها وعزل ابن معمر عن فارس وولى المهلب وخرج إلى الكوفة فلم يزل بها حتى سار للقاء عبد الملك وكان معه الاحنف فتوفى بالكوفة ولما بعث عن المهلب ليسير معه أهل البصرة الا أن يكون المهلب على قتال الخوارج رده وقال له المهلب ان أهل العراق قد كاتبوا عبد الملك وكاتبهم فلا يتعدى ثم بعث مصعب عن ابراهيم بن الاشتر وكان على الموصل والجزيرة فجعله في مقدمته وسار حتى عسكر في معسكره وسار عبد الملك وعلى مقدمته أخوه محمد ابن مروان وخالد بن عبيد الله بن خالد بن أسيد فنزلوا قريبا من قرقيسيا وحضر زفر ابن الحرث الكلابي ثم صالحه وبعث زفر معه الهذيل ابنه في عسكر وسار معه فنزل بمسكن قريبا من مسكن مصعب وفر الهذيل بن زفر فلحق بمصعب وكتب عبد الملك إلى أهل العراق وكتبوا إليه وكلهم بشرط اصفهان وأتى ابن الاشتر بكتاب مختوما إلى مصعب فقرأه فإذا هو يدعوه إلى نفسه ويجعل له ولاية العراق فأخبره مصعب بما فيه وقال مثل هذا لا يرغب عنه فقال ابراهيم ما كنت لا تقله الغدر والخيانة(3/33)
ولقد كتب عبد الملك لاصحابك كلهم مثل هذا فأطعني واقتلهم أو احبسهم في أضيق محبس فأبى عليه مصعب وأضمر أهل العراق الغدر بمصعب وعذلهم قيس بن الهيثم منهم في طاعة أهل الشأم فأعرضوا عنه ولما تدانى العسكران بعث عبد الملك إلى مصعب بقول فقال نجعل الامر شورى فقال مصعب ليس بيننا الا السيف فقدم
عبد الملك أخاه محمدا وقدم مصعب ابراهيم بن الاشتر وأمده بالجيش فأزال محمدا عن موقفه وأمده عبد الملك بعبيد الله بن يزيد فاشتد القتال وقتل من أصحاب مصعب بن عمر الباهلى والد قتيبة وأمد مصعب ابراهيم بعتاب بن ورقاء فساء ذلك ابراهيم ونكره وقال أوصيته لا يمدنى بعتاب وأمثاله وكان قد بايع لعبد الملك فجر الهزيمة على ابراهيم وقتله وحمل رأسه إلى عبد الملك وتقدم أهل الشأم فقاتل مصعب ودعا رؤس العراق إلى القتال فاعتذروا وتثاقلوا فدنا محمد بن مروان من مصعب وناداه بالامان وأشعره بأهل العراق فأعرض عنه فنادى ابنه عيسى بن مصعب فأذن له أبوه في لقائه فجاءه وبذل له الامان وأخبر أباه فقال أتظنهم يعرفون لك ذلك فان أحببت فافعل قال لا يتحدث نساء قريش انى رغبت بنفسى عنك قال فاذهب إلى عمك بمكة فأخبره بصنيع أهل العراق ودعني فانى مقتول فقال لا أخبر قريشا عنك أبدا ولكن الحق أنت بالبصرة فانهم على الطاعة أو بأمير المؤمنين بمكة فقال لا يتحدث قريش انى فررت ثم قال لعيسى تقدم يا بنى أحتسبك فتقدم في ناس فقتل وقتلوا وألح عبد الملك في قبول أمانه فأبى ودخل سرادقه فتحفظ ورمى السرادق وخرج فقاتل ودعاه عبيد الله بن زياد ابن ضبيان فشتمه وحمل عليه وضربه فجرحه وخذل أهل العراق مصعبا حتى بقى في سبعة أنفس وأثخنته الجراحة فرجع إليه عبيد الله بن زياد بن ضبيان فقتله وجاء برأسه إلى عبد الملك فأمر له بألف دينار فلم يأخذها وقال انما قتلته بثار أخى وكان قطع الطريق فقتله صاحب شرطته وقيل ان الذى قتله زائدة بن قدامة الثقفى من أصحاب المختار وأخذ عبيد الله رأسه وأمر عبد الملك به وبابنه عيسى فدفنا بدار الجاثليق عند نهر رحبيل وكان ذلك سنة احدى وسبعين ثم دعا عبد الملك جند العراق إلى البيعة فبايعوه وسار إلى الكوفة فأقام بالنخيلة أربعين يوما وخطب الناس فوعد المحسن وطلب يحيى بن سعيد من جعفة وكانوا اخواله فأحضروه فأمنه وولى أخاه بشر ابن مروان على الكوفة ومحمد بن نمير على همدان ويزيد بن ورقاء بن رويم على الرى
ولم يف لهم باصبهان كما شرطوا عليه وكان عبد الله بن يزيد بن أسد والد خالد القسرى ويحيى بن معتوق الهمداني قد لجآ إلى على بن عبد الله بن عباس ولجأ هذيل بن زفر ابن الحرث وعمر بن يزيد الحكمى إلى خالد بن يزيد فأمنهم عبد الملك وصنع عمر(3/34)
ابن حريث لعبد الملك طعاما فأخبره بالخورنق وأذن للناس عامة فدخلوا وجاء عمر ابن حريث فأجلسه معه على سريره وطعم الناس ثم طاف مع عمر بن حريث على القصر يسأله عن مساكنه ومعالمه ولما بلغ عبد الله بن حازم مسير مصعب لقتال عبد الملك قال أمعه عمر بن معمر قيل هو على فارس قال فالمهلب قيل في قتال الخوارج قال فعباد ابن الحسين قيل على البصرة قال وأنا بخراسان خذيني فجرينى جهارا وانشدى * بلحم امرئ لم يشهد اليوم ناصره * ثم بعث عبد الملك برأس مصعب إلى الكوفة ثم إلى الشأم فنصب بدمشق وأرادوا التطاوف به فمنعت من ذلك زوجة عبد الملك عاتكة بنت يزيد بن معاوية فغسلته ودفنته وانتهى قتل مصعب إلى المهلب وهو يحارب الازارقة فبايع الناس لعبد الملك ابن مروان ولما جاء خبر مصعب لعبد الله بن الزبير خطب الناس فقال الحمد لله الذى له الخلق والامر يؤتى الملك من يشاء وينزع الملك ممن يشاء ويعز من يشاء ويذل من يشاء الا وانه لم يذل الله من كان الحق معه وان كان الناس عليه طرا وقد أتانا من العراق خبر أحزننا وأفرحنا أتانا قتل مصعب فالذي أفرحنا منه ان قتله شهادة وأما الذى أحزننا فان لفراق الحميم لوعة يجدها حميمه عند المصيبة ثم عبد من عبيد الله وعون من أعوالى ألا وان أهل العراق أهل الغدر والنفاق سلموه وباعوه بأقل الثمن فان فوالله ما نموت على مضاجعنا كما يموت بنو أبى العاص والله ما قتل رجل منهم في الجاهلية ولا في الاسلام ولا نموت الا طعنا بالرماح وتحت ظلال السيوف الا انما الدنيا عارية من الملك الاعلى الذى لا يزول سلطانه ولا يبيد ملكه فان تقبل لا آخذها أخذا لا شر
البطور وان تدبر لم أبك عليها بكاء الضرع المهين أقول قولى هذا وأستغفر الله لى ولكم (ولما بلغ الخبر) إلى البصرة تنازع ولايتها حمدان بن أبان وعبد الله بن أبى بكرة واستعان حمدان بعبد الله بن الاهتم عليها وكانت له منزلة عند بنى أمية فلما تمهد الامر بالعراق لعبد الملك بعد مصعب ولى على البصرة خالد بن عبد الله بن أسيد فاستخلف عليها عبيد الله بن أبى بكرة فقدم على حمدان وعزله حتى جاء خالد ثم عزل خالدا سنة ثلاث وسبعين وولى مكانه على البصرة أخاه بشرا وجمع له المصرين وسار بشر إلى البصرة واستخلف على الكوفة عمر بن حريث وولى عبد الملك على الجزيرة وأرمينية بعد قتل مصعب أخاه محمد بن مروان سنة ثلاث وستين فغزا الروم ومزقهم بعد أن كان هادن ملك الروم أيام الفتنة على ألف دينار يدفعها إليه في كل يوم * (أمر زفر بن الحرث بقرقيسيا) * قد ذكرنا في وقعة راهط مسير بن زفر إلى قرقيسيا واجتماع قيس عليه وأقام بها يدعو(3/35)
لابن الزبير ولما ولى عبد الملك كتب إلى أبان بن عفبة بن أبى معيط وهو على حمص بالمسير إلى زفر فسار وعلى مقدمته عبد الله بن رميت العلائى فعاجله عبد الله بالحرب وقتل من أصحابه نحو ثلثمائة ثم أقبل أبان فواقع زفر وقيل ابنه وكيع بن زفر وأوهنه ثم سار إليه عبد الملك إلى قرقيسيا قبل مسيره إلى مصعب فحاصره ونصب عليه المجانيق وقال كلب لعبد الملك لا تخلط معنا القيسية فانهم ينهزمون إذا التقينا مع زفر ففعل واشتد حصارهم وكان زفر يقاتلهم في كل غداة وأمر ابنه الهذيل يوما أن يحمل زفر حتى يضرب فسطاط عبد الملك ففعل وقطع بعض أطنابه ثم بعث عبد الملك أخاه بالامان لزفر وابنه الهذيل على أنفسهما ومن معهما وان لهم ما أحبوا فأجاب الهذيل وأدخل أباه في ذلك وقال عبد الملك لنا خير من ابن الزبير فأجاب على أن له الخيار في بيعته سنة وأن ينزل حيث شاء ولا يعين على ابن الزبير وبينما الرسل تختلف بينهم إذ قيل لعبد الملك
قد هدم من المدينة أربعة أبراج فترك الصلح وزحف إليهم فكشفوا أصحابه إلى عسكرهم ورجع إلى الصلح واستقر بينهم على الامان ووضع الدماء والاموال وأن لا يبايع لعبد الملك حتى يموت ابن الزبير للبيعة التى له في عنقه وأن يدفع إليه مال نفسه في أصحابه وتأخر زفر عن لقاء عبد الملك خوفا من فعلته بعمر بن سعيد فأرسل إليه بقضيب النبي صلى الله عليه وسلم فجاء إليه وأجلسه عبد الملك معه على سريره وزوج ابنه مسلمة الرباب بنت زفر وسار عبد الملك إلى قتال مصعب فبعث زفر ابنه الهذيل معه بعسكر ولما قارب مصعبا هرب إليه وقاتل مع ابن الاشتر حتى إذا اقتتلوا اختفى الهذيل في الكوفة حتى أمنه عبد الملك كما مر * (مقتل ابن حازم بخراسان وولاية بكير بن وشاح عليها) * قد تقدم لنا خلاف بنى تميم على ابن حازم بخراسان وانهم كانوا على ثلاث فرق وكف فرقتين منهم وبقى يقاتل الفرقة الثالثة من نيسابور وعليهم بجير بن ورقاء الصريمى فلما قتل مصعب بعث عبد الملك إلى حازم يدعوه إلى البيعة ويطعمه خراسان سبع سنين وبعث الكتاب مع رجل من بنى عامر بن صعصعة فقال ابن حازم لو لا الفتنة بين سليم وعامر ولكن كل كتابك فأكله وكان بكير بن وشاح التميمي خليفة بن حازم على مرو فكتب إليه عبد الملك بعهده على خراسان ورغبه بالمطالع ان انتهى فخلع ابن الزبير ودعا إلى عبد الملك وأجابه أهل مرو وبلغ ابن حازم فخاف أن يأتيه بكير ويجتمع عليه أهل مرو وأهل نيسابور فترك بجيرا وارتحل عنه إلى مرو ويزيد ابنه يترمد فأتبعه بجير ولحقه قريبا من مرو واقتتلوا فقتل ابن حازم طعنه بجير وآخران معه فصرعوه وقعد أحدهم على صدره فقطع رأسه وبعث بجير البشير بذلك إلى عبد الملك وترك الرأس(3/36)
وجاء بكير بن وشاح في أهل مرو وأراد انفاذ الرأس إلى عبد الملك وأنه الذى قتل ابن حازم وأقام في ولاية خراسان وقيل ان ذلك انما كان بعد قتل ابن الزبير وأن عبد
الملك أنفذ رأسه إلى ابن حازم ودعاه إلى البيعة فغسل الرأس وكفنه وبعثه إلى ابن الزبير بالمدينة وكان من شأنه مع الرسول ومع بجير وبكير ما ذكرناه (كان) عبد الملك لما بويع بالشأم بعث إلى المدينة عروة بن أنيف في ستة آلاف من أهل الشأم وأمره أن يسكن بالعرصة ولا يدخل المدينة وعامل ابن الزبير يومئذ على المدينة الحرث بن حاطب بن الحرث بن معمر الجمحى فهرب الحرث وأقام ابن أنيف شهرا يصلى بالناس الجمعة بالمدينة ويعود إلى معسكره ثم رجع ابن أنيف إلى الشأم ورجع الحرث إلى المدينة وبعث ابن الزبير سليمان بن خالد الدورقى على خيبر وفدك ثم بعث عبد الملك إلى الحجاز عبد الملك بن الحرث بن الحكم في أربعة آلاف فنزل وادى القرى وبعث سرية إلى سليمان بخيبر وهرب وأدركوه فقتلوه ومن معه وأقاموا بخيبر وعليهم ابن القمقام وذكر لعبد الملك ذلك فاغتم وقال قتلوا رجلا صالحا بغير ذنب ثم عزل ابن الزبير الحرث بن حاطب عن المدينة وولى مكانه جابر بن الاسود بن عوف الزهري فبعث جابر إلى خيبر أبا بكر بن أبى قيس في ستمائة فانهزم ابن القمقام وأصحابه أمامه وقتلوا صبرا ثم بعث عبد الملك طارق بن عمر مولى عثمان وأمره أن ينزل بين ايلة ووادى القرى ويعمل كما يعمل عمال ابن الزبير من الانتشار وليسد خللا ان ظهر له بالحجاز فبعث طارق خيلا إلى أبى بكير بخيبر واقتتلوا فأصيب أبو بكير في مائتين من أصحابه وكتب ابن الزبير إلى القباع وهو عامله على البصرة يستمده ألفى فارس إلى المدينة فبعثهم القباع وأمر ابن الزبير جابر بن الاسود أن يسيرهم إلى قتال طارق ففعل ولقيهم طارق فهزمهم وقتل مقدمهم وقتل من أصحابه خلقا وأجهز على جريحهم ولم يستبق أسيرهم ورجع إلى وادى القرى ثم عزل ابن الزبير جابرا عن المدينة واستعمل طلحة بن عبد الله بن عوف وهو طلحة النداء وذلك سنة سبعين فلم يزل على المدينة حتى أخرجه طارق ولما قتل عبد الملك مصعبا ودخل الكوفة وبعث منها الحجاج بن يوسف الثقفى في ثلاثة آلاف من أهل الشأم لقتال ابن الزبير وكتب معه بالامان لابن الزبير ومن معه ان
أطاعوا فسار في جمادى سنة اثنتين وسبعين فلم يتعرض للمدينة ونزل الطائف وكان يبعث الخيل إلى عرفة ويلقاهم هناك خيل ابن الزبير فينهزمون دائما وتعود خيل الحجاج بالظفر ثم كتب الحجاج إلى عبد الملك يخبره بضعف ابن الزبير وتفرق أصحابه ويستأذنه في دخول الحرم لحصار ابن الزبير ويستمده فكتب عبد الملك إلى طارق يأمره باللحاق(3/37)
بالحجاج فقدم المدينة في ذى القعدة سنة اثنتين وسبعين وأخرج عنها طلحة النداء عامل ابن الزبير وولى مكانه رجلا من أهل الشأم وسار إلى الحجاج بمكة في خمسة آلاف ولما قدم الحجاج مكة أحرم بحجة ونزل بئر ميمون وحج بالناس ولم يطف ولا سعى وحصر ابن الزبير عن عرفة فنحر بدنة بمكة ولم يمنع الحاج من الطواف والسعى ثم نصب الحجاج المنجنيق على أبى قبيس ورمى به الكعبة وكان ابن عمر قد حج تلك السنة فبعث إلى الحجاج بالكف عن المنجنيق لاجل الطائفين ففعل ونادى منادى الحجاج عند الافاضة انصرفوا فانا نعود بالحجارة على ابن الزبير ورمى بالمنجنيق على الكعبة وألحت الصواعق عليهم في يومين وقتلت من أصحاب الشأم رجالا فذعروا فقال لهم الحجاج لا شك فهذه صواعق تهامه وان الفتح قد حضر فابشروا ثم أصابت الصواعق من أصحاب ابن الزبير فسرى عن أهل الشأم فكانت الحجارة تقع بين يدى ابن الزبير وهو يصلى فلا ينصرف ولم يزل القتال بينهم وغلت الاسعار وأصاب الناس مجاعة شديدة حتى ذبح ابن الزبير فرسه وقسم لحمها في أصحابه وبيعت الدجاجة بعشرة دراهم والمد من الذرة بعشرين وبيوت ابن الزبير مملوأة قمحا وشعيرا وذرة وتمرا ولا ينفق منها الا ما يمسك الرمق يقوى بها نفوس أصحابه ثم أجهدهم الحصار وبعث الحجاج إلى أصحاب ابن الزبير بالامان فخرج إليه منهم نحو عشرة آلاف وافترق الناس عنه وكان ممن فارقه ابناه حمزة وحبيب وأقام ابنه الزبير حتى قتل معه وحرض الناس الحجاج وقال قد ترون قلة أصحاب ابن الزبير وما هم فيه من الجهد والضيق فتقدموا وملؤا ما بين الحجون
والابواء فدخل ابن الزبير على أمه أسماء وقال يا أمه قد خذلني الناس حتى ولدى والقوم يعطوننى ما أردت من الدنيا فما رأيك فقالت له أنت أعلم بنفسك ان كنت على حق وتدعو إليه فامض له فقد قتل عليه أصحابك ولا تمكن من رقبتك وقد بلغت بها علمين بين بنى أمية وان كنت انما أردت الدنيا فبئس العبد أنت أهلكت نفسك ومن قتل معك وان قلت كنت على حق فلما وهن أصحابي ضعفت فليس هذا فعل الاحرار ولا أهل الدين فقال يا أمه أخاف أن يمثلوا بى ويصلبونى فقالت يا بنى الشاة إذا ذبحت لا تتألم بالسلخ فامض على بصيرتك واستعن بالله فقبل رأسها وقال هذا رأيى والذى خرجت به داعيا إلى يومى هذا وما ركنت إلى الدنيا ولا أحببت الحياة وما أخرجنى الا الغضب لله وأن تستحل حرماته ولكن أحببت أن أعلم رأيك فقد زدتيني بصيرة وانى يا أمه في يومى هذا مقتول فلا يشتد حزنك وسلمى لامر الله فان ابنك لم يتعمد اتيان منكر ولا عمد بفاحشة ولم يجر ولم يغدر ولم يظلم ولم يقر على الظلم ولم يكن آثر عندي من رضا الله تعالى اللهم لا أقر هذا تزكية لنفسي لكن تعزية لامى حتى تسلو عنى فقالت انى لارجو(3/38)
أن يكون عزائى فيك جميلا ان تقدمتني احتسبتك وان ظفرت سررت بظفرك ثم قالت اخرج حتى أنظر ما يصير أمرك جزاك الله خيرا قال فلا تدعى الدعاء لى فدعت له وودعها وودعته ولما عانقته للوداع وقعت يدها على الدرع فقالت ما هذا صنيع من يريد ما تريد فقال ما لبستها الا لاشد منك فقالت انه لا يشد منى فنزعها وقالت له البس نيابك مشمرة ثم خرج فحمل على أهل الشأم حملة منكرة فقتل منهم ثم انكشف هو وأصحابه وأشار عليه بعضهم بالفرار فقال بئس الشيخ اذن أنا في الاسلام إذا واقعت قوما فقتلوا ثم فررت عن مثل مصارعهم وامتلات أبواب المسجد بأهل الشأم والحجاج وطارق بناحية الابطح إلى المروة وابن الزبير يحمل على هؤلاء وعلى هؤلاء وينادى أبا صفوان لعبد الله ابن صفوان بن أمية بن خلف فيجيبه من جانب المعترك ولما رأى الحجاج احجام الناس
عن ابن الزبير غضب وترجل وحمل إلى صاحب الراية بين يديه فتقدم ابن الزبير إليهم وكشفهم عنه ورجع فصلى ركعتين عند المقام وحملوا على صاحب الراية فقتلوه عند باب بنى شيبة وأخذوا الراية ثم قاتلهم وابن مطيع معه حتى قتل ويقال أصابته جراحة فمات منها بعد أيام ويقال انه قال لاصحابه يوم قتل يا آل الزبير أو طبتم لى نفسا عن أنفسكم كاهل بيت من العرب اصطلمنه في الله فلا يرعكم وقع السيوف فان ألم الدواء في الجرح أشد من ألم وقعها صونوا سيوفكم بما تصونون وجوهكم وغضوا أبصاركم عن البارقة وليشغل كل امرئ قرنه ولا تسألوا عنى ومن كان سائلا فانى في الرحيل الاول ثم حمل حتى بلغ الحجون فأصابته حجارة في وجهه فأرغش لها ودمى وجهه ثم قاتل قتالا شديدا وقتل في جمادى الآخرة سنة ثلاث وسبعين وحمل رأسه إلى الحجاج فسجد وكبر أهل الشأم وثار الحجاج وطارق حتى وقفا عليه وبعث الحجاج برأسه ورأس عبد الله ابن صفوان ورأس عمارة بن عمرو بن حزم إلى عبد الملك وصلب جثته منكسة على ثنية الحجون اليمنى وبعثت إليه أسماء في دفنه فأبى وكتب إليه عبد الملك يلومه على ذلك فخلى بينها وبينه ولما قتل عبد الله ركب أخوه عروة وسبق الحجاج إلى عبد الملك فرحب به وأجلسه على سريره وجرى ذكر عبد الله فقال عروة انه كان فقال عبد الملك وما فعل قال قتل فخر ساجدا ثم أخبره عروة ان الحجاج صلبه فاستوهب جثته لامه فقال نعم وكتب إلى الحجاج يتكر عليه صلبه فبعث بجثته إلى أمه وصلى عليه عروة ودفنه وماتت أمه بعده قريبا ولما فرغ الحجاج من ابن الزبير دخل إلى مكة فبايعه أهلها لعبد الملك وأمر بكنس المسجد من الحجارة والدم وسار إلى المدينة وكانت من عمله فأقام بها شهرين وأساء إلى أهلها وقال أنتم قتلة عثمان وختم أيدى جماعة من الصحابة بالرصاص استخفافا بهم كما يفعل بأهل الذمة منهم جابر بن عبد الله وأنس بن مالك وسهل(3/39)
ابن سعد ثم عاد إلى مكة ونقلت عنه في ذم المدينة أقوال قبيحة أمره فيها إلى الله وقيل
ان ولاية الحجاج المدينة وما دخل منها كانت سنة أربع وسبعين وان عبد الملك عزل عنها طارقا واستعمله ثم هدم الحجاج بناء الكعبة الذى بناه ابن الزبير وأخرج الحجر منه وأعاده إلى البناء الذى أقره عليه النبي صلى الله عليه وسلم ولم يصدق ابن الزبير في الحديث الذى رواه عن عائشة فلما صح عنده بعد ذلك قال وددت انى تركته وما تحمل * (ولاية المهلب حرب الازارقة) * ولما عزل عبد الملك خالد بن عبد الله عن البصرة واستعمل مكانه أخاه بشر بن مروان وجمع له المصرين أمره أن يبعث المهلب إلى حرب الازارقة فيمن ينتخبه من أهل البصرة ويتركه وراءه في الحرب وأن يبعث من أهل الكوفة رجلا شريفا معروفا بالبأس والنجدة والتجربة في جيش كثيف إلى المهلب فيتبعوا الخوارج حتى يهلكوهم فأرسل المهلب جديع بن سعيد بن قبيصة ينتخب الناس من الديوان وشق على بشر ان امرأة المهلب جاءت من عند عبد الملك فغص به ودعا عبد الرحمن بن مختف فأعلمه منزلته عنده وقال انى أوليك جيش الكوفة بحرب الازارقة فكن عند حسن ظنى بك ثم أخذ يغريه بالمهلب وأن لا يقبل رأيه ولا مشورته فأظهر له الوفاق وسار إلى المهلب فنزلوا رامهرمز ولقى بها الخوارج فحدق عليه على ميل من المهلب حيث يتراءى العسكران ثم أتاهم نعى بشر بن مروان لعشر ليال من مقدمهم وانه استخلف على البصرة خالد بن عبد الله بن خالد فافترق الناس من أهل المصرين إلى بلادهم ونزلوا الاهواز وكتب إليهم خالد بن عبد الله يتهددهم ويحذرهم عقوبة عبد الملك ان لم يرجعوا إلى المهلب فلم يلتفتوا إليه ومضوا إلى الكوفة واستأذنوا عمر بن حريث في الدخول ولم يأذن لهم فدخلوا وأضربوا عن اذنه * (ولاية أسد بن عبد الله على خراسان) * ولما ولى بكير بن وشاح على خراسان اختلف عليه بطون تميم وأقاموا في العصبية له وعليه سنتين وخاف أهل خراسان أن تفسد البلاد ويقهرهم العدو فكتبوا إلى عبد الملك
بذلك وأنها لا تصلح الا على رجل من قريش واستشار أصحابه فقال له أمية بن عبيد الله ابن خالد بن أسيد نزكيهم برجل منك فقال لولا انهز امك عن أبى فديك كنت لها فاعتذر وحلف ان الناس خذلوه ولم يجد مقاتلا فانحزت بالعصبة التى بقيت من المسلمين عن الهلكة وقد كتب اليك خالد بن عبد الله بعذري وقد علمه الناس فولاه خراسان (ولما) سمع بكير بن وشاح بمسيرة بعث إلى بجير بن ورقاء وهو في حبسه كما مر فأبى وأشار عليه بعض أصحابه أن يقبل مخافة القتل فقبل وصالح بكير أو بعث إليه بكير بأربعين ألفا(3/40)
على أن لا يقاتله فلما قارب أمية نيسابور سار إليه بجير وعرفه عن أمور خراسان وما يحسن به طاعة أهلها وحذره غدر بكير وجاء معه إلى مرو فلم يعرض أمية لبكير ولا لعماله وعرض عليه شرطته فأبى وقال لا أحمل الجزية اليوم وقد كانت تحمل إلى بالامس وأراد أن يوليه بعض النواحى من خراسان فحذره بجير منه ثم ولى أمية ابنه عبد الله على سجستان فنزل بستا وغزا رتبيل الذى ملك على الترك بعد المقتول الاول وكان هائبا للمسلمين فراسلهم في الصلح وبعث ألف ألف وبعث بهدايا ورقيق فأبى عبد الله من قبولها وطلب الزيادة فجلا رتبيل عن البلاد حتى أوغل فيها عبد الله ثم أخذ عليه الشعاب والمضايق حتى سأل منه الصلح وأن يخلى عينه عن المسلمين فشرط رتبيل عليه ثلثمائة ألف درهم والعهد بأن لا يغزو بلادهم فأعطاه ذلك وبلغ الخبر بذلك عبد الملك فعزله * (ولاية الحجاج العراق) * ثم ولى عبد الملك الحجاج بن يوسف على الكوفة والبصرة سنة خمسة وسبعين وأرسل إليه وهو بالمدينة يأمره بالمسير إلى العراق فسار على النجب في اثنى عشر راكبا حتى قدم الكوفة في شهر رمضان وقد كان بشر بعث المهلب إلى الخوارج فدخل المسجد وصعد المنبر وقال على بالناس فظنوه من بعض الخوارج فهموا به حتى تناول عمير بن ضابى البرجمى الحصباء وأراد أن يحصبه فلما تكلم جعل الحصباء يسقط من يديه وهو
لا يشعر به ثم حضر الناس فكشف الحجاج عن وجهه وخطب خطبته المعروفة ذكرها الناس واحسن من أوردها المبرد في الكامل يتهدد فيها أهل الكوفة ويتوعدهم عن النخلف عن المهلب ثم نزل وحضر الناس عنده للعطاء واللحاق بالمهلب فقام إليه عمير ابن ضابى وقال أنا شيخ كبير عليل وابنى هذا أشد منى فقال هذا خير لنا منك قال ومن أنت قال عمير بن ضابى قال الذى غزا عثمان في داره قال نعم فقال يا عدو الله إلى عثمان بدلا قال انه حبس أبى وكان شيخا كبيرا فقال انى لا احب حياتك ان في قتلك صلاح المصرين وأمر به فقتل ونهب ماله وقيل ان عنبسة بن سعيد بن العاص هو الذى أغرى به الحجاج حين دخل عليه ثم أمر الحجاج مناديه فنادى ألا ان ابن ضابى تخلف بعد ثالثة من النداء فأمرنا بقتله وذمة الله بريئة ممن بات الليلة من جند المهلب فتسأل الناس إلى المهلب وهو بدار هرمز وجاءه العرفاء فأخذوا كتبه بموافاة العسكر ثم بعث الحجاج على البصرة الحكم بن أيوب الثقفى وأمره أن يشتد على خالد بن عبد الله وبلغه الخبر فقسم في أهل البصرة ألف ألف وخرج عنها ويقال ان الحجاج أول من عاقب على التخلف عن البعوث بالقتل قال الشعبى كان الرجل إذا أخل بوجهه الذى يكتب إليه زمن عمر وعثمان وعلى تنزع عمامته ويقام بين الناس فلما ولى مصعب أضاف إليه(3/41)
حلق الرؤس واللحى فلما ولى بشر أضاف إليه تعليق الرجل بمسمارين في يده في حائط فيخرق المسماران يده وربما مات فلما جاءا حجاج ترك ذلك كله وجعل عقوبة من تخلى بمكانه من الثغر أو البعث القتل ثم ولى الحجاج على السند سعيد بن أسلم بن زرعة فخرج عليه معاوية بن الحرث الكلابي العلاقى وأخوه فغلباه على البلاد وقتلاه فأرسل الحجاج مجاعة بن سعيد التميمي مكانه فغلب على النغر وغزا وفتح فتوحات بمكران لسنة من ولايته * (وقوع أهل البصرة بالحجاج) *
ثم خرج الحجاج من الكوفة واستخلف عليها عروة بن المغيرة بن شعبة وسار إلى البصرة وقدمها وخطب كما خطب بالكوفة وتوعد على القعود عن المهلب كما توعد فأتاه شريك ابن عمرو السكرى وكان به فتق فاعتذر به وبأن بشر بن مروان قبل عذره بذلك وأحضر عطاءه ليرد لبيت المال فضرب الحجاج عنقه وتتابع الناس مزدحمين إلى المهلب ثم سار حتى كان بينه وبين المهلب ثمانية عشر فرسخا وأقام يشد ظهره وقال يا أهل المصرين هذا والله مكانكم حتى يهلك الله الخوارج ثم قطع لهم الزيادة التى زادها مصعب في الاعطية وكانت مائة مائة وقال لسنا نجيزها فقال عبد الله بن الجارود انما هي زيادة عبد الملك وقد أجازها أخوه بشر بأمره فانتهره الحجاج فقال انى لك ناصح وانه قول من ورائي فمكث الحجاج أشهر الا يذكر الزيادة ثم أعاد القول فيها فرد عليه ابن الجارود مثل الرد الاول فقال له مضفلة بن كرب العبدى سمعا وطاعة للامير فيما أحببنا وكرهنا وليس لنا أن نرد عليه فانتهره ابن الجارود وشتمه وأتى الوجوه إلى عبد الله بن حكيم بن زياد المجاشعى وقالوا ان هذا الرجل مجمع على نقص هذه الزيادة وانا نبايعك على اخراجه من العراق ونكتب إلى عبد الملك أن يولى علينا غيره والا خلعناه وهو يخافنا ما دامت الخوارج في العراق فبايعوه سرا وتعاهدوا وبلغ الحجاج أمرهم فاحتاط وجد ثم خرجوا في ربيع سنة ستة وسبعين وركب عبد الله بن الجارود في عبد قيس على راياتهم ولم يبق مع الحجاج الا خاصته وأهل بيته وبعث الحجاج يستدعيه فأفحش في القول لرسوله وصرح بخلع الحجاج فقال له الرسول تهلك قومك وعشيرتك وأبلغه تهديد الحجاج اياه فضرب وأخرج وقال لولا انك رسول لقتلتك ثم زحف ابن الجارود في الناس حتى غشى فسطاطه فنهبوا ما فيه من المتاع وأخذوا زجاجته وانصرفوا عنها فكان رأيهم أن يخرجوه ولا يقتلوه وقال الغضبان بن أبى القبعثرى الشيباني لابن الجارود لا ترجع عنه وحرضه على معالجته فقال إلى الغداة وكان مع الحجاج عثمان بن قطن وزياد ابن عمر العتكى صاحب الشرطة بالبصرة فاستشارهما فأشار زياد بأن يستامن القوم(3/42)
ويلحق بأمير المؤمنين وأشار عثمان بالثبات ولو كان دونه الموت وقال لا تخرج إلى أمير المؤمنين من العراق بعد أن رقاك إلى ما رقاك وفعلت ما فعلت بابن الزبير والحجاز فقبل رأى عثمان وحقد على زياد في اشارته وجاءه عامر بن مسمع بقول قد أخذلك الامان من الناس فجعل الحجاج يغالطه رافعا صوته عليه ليسمع الناس ويقول والله لا آمنهم حتى تؤتوني بالهذيل بن عمران وعبد الله بن حكيم ثم أرسل لى عبيد بن كعب الفهرى ان ائتنى فامنعني فقال له ان أتيتني منعتك فأبى وبعث إلى محمد بن عمير بن عطارد وعبد الله بن حكيم بمثل ذلك وأجابوه مثله ثم ان عباد الحصين الجفطى مر بابن الجارود والهذيل وعبد الله بن حكيم يتناجون فطلب الدخول معهم فأبوا وغضب وسار إلى الحجاج وجاءه قتيبة بن مسلم في بنى أعصر للحمية القتيبية ثم جاءه سيرة بن على الكلابي وسعيد بن أسلم الكلابي وجعفر بن عبد الرحمن بن مختف الازدي فثابت إليه نفسه وعلم أنه قد امتنع وأرسل إليه مسمع بن مالك بن مسمع ان شئت أتيتك وان شئت أقمت وثبطت عنك فأجابه أن أقم فلما أصبح إذا حوله ستة آلاف وقال ابن الجارود لعبد الله ابن زياد بن ضبيان ما الرأى قال تركته أمس ولم يبق الا الصبر ثم تراجعوا وعبى ابن الجارود وأصحابه على ميمنة الهذيل وعلى ميسرته سعيد بن أسلم وحمل ابن الجارود حتى حاصر أصحاب الحجاج وعطف الحجاج عليه فقارب ابن الجارود ان يظفر ثم أصابه سهم غرب فوقع ميتا ونادى منادى الحجاج بأمان الناس الا الهذيل وابن حكيم وأمر أن لا يتبع المنهزمون ولحق ابن ضبيان بعمار فهلك هنالك وبعث الحجاج برأس ابن الجارود ورأس ثمانية عشر من أصحابه إلى الملك ونصبت ليراها الخوارج فيتأسوا من الاختلاف وحبس الحجاج عبيد بن كعب ومحمد بن عمير لامتناعهما من الاتيان إليه وحبس ابن القبعثرى لتحريضه عليه فأطلقه عبد الملك وكان فيمن قتل مع ابن الجارود عبد الله بن أنس بن مالك فقال الحجاج لا أرى أنسا يعين على ودخل البصرة وأخذ ماله
وجاءه أنس فأساء عليه وأفحش في كلمة في شتمه وكتب أنس إلى عبد الملك يشكوه فكتب عبد الملك إلى الحجاج يشتمه ويغلظ عليه في التهديد على ما فعل بأنس وأن تجئ إلى منزله وتتنصل إليه والا نبعث من يضرب ظهرك ويهتك سترك قالوا وجعل الحجاج في قراءته يتغير ويرتعد وجبينه يرشح عرقا ثم جاء إلى أنس بن مالك واعتذر إليه وفى عقب هذه الواقعة خرج الزنج بفرات البصرة وقد كانوا خرجوا قبل ذلك أيام مصعب ولم يكونوا بالكثير وأفسدوا النمار والزروع ثم جمع لهم خالد بن عبد الله فافترقوا قبل أن ينال منهم وقتل بعضهم وصلبه فلما كانت هذه الواقعة قدموا عليهم رجلا منهم اسمه رياح ويلقب بشير زنجى أي أسد الزنج وأفسدوا فلما فرغ الحجاج من ابن الجارود أمر زياد(3/43)
بن عمر صاحب الشرطة أن يبعث إليهم من يقاتلهم وبعث ابنه حفصا في جيش فقتلوه وانهزم أصحابه فبعث جيشا فهزم الزنج وأبادهم * (مقتل ابن مختف وحرب الخوارج) * كان المهلب وعبد الرحمن بن مختف واقفين للخوارج برامهرمز فلما أمدهم الحجاج بالعساكر من الكوفة والبصرة تأخر الخوارج من رامهرمز إلى كازرون وأتبعهم العساكر حتى نزلوا بهم وخندق المهلب على نفسه وقال ابن مختف وأصحابه خدمنا سيوفنا فبيتهم الخوارج وأصابوا الغرة في ابن مختف فقاتل هو وأصحابه حتى قتلوا هكذا حديث أهل البصرة وأما أهل الكوفة فذكروا أنهم لما ناهضوا الخوارج اشتد القتال بينهم ومال الخوارج على المهلب فاضطروه إلى معسكره وأمده عبد الرحمن بالخيل والرجال ولما رأى الخوارج مدده تركوا من يشغل المهلب وقصدوا عبد الرحمن فقاتلوه وانكشفوا عنه وصبر في سبعين من قومه فثابوا إلى عتاب بن ورقاء وقد أمره الحجاج أن يسمع للمهلب فثقل ذلك عليه فلم يحسن بينهما العشر وكان يتراءف في الكلام وربما أغلظ له المهلب فأرسل عتاب إلى الحجاج يسأله القعود وكان حرب الخوارج
وشبيب قد اتسع عليه فصادفا منه ذلك مرقعا واستقدمه وأمره أن يترك العسكر مع المهلب فولى المهلب عليهم ابنه حبيبا وأقام يقاتلهم بنيسابور نحوا من سنة وتحركت الخوارج على الحجاج من لدن سنة ستة وسبعين إلى سنة ثمان وشغل بحربهم وأول من خرج منهم صالح بن سرح من بنى تميم بعث إليه العساكر فقتل فولوا عليهم شبيبا واتبعه كثير من بنى شيبان وبعث إليهم الحجاج العساكر مع الحرث بن عميرة ثم مع سفيان الخثعمي ثم انحدر ابن سعيد فهزموها وأقبل شبيب إلى الكوفة فحاربهم الحجاج وامتنع ثم سرح عليه العساكر وبعث في أثرهم عبد الرحمن بن محمد بن الاشعث فهزموهم ثم بعث عتاب ابن ورقاء وزهرة ابن حوبة مددا لهم فانهزموا وقتل عتاب وزهرة ثم قتل شبيب واختلف الخوارج بينهم وقتل منهم جماعة كما يذكر ذلك كله في أخبارهم * (ضرب السكة لاسلامية) * كان عبد الملك كتب في صدر كتابه إلى الروم قل هو الله أحد وذكر النبي مع التاريخ فنكر ذلك ملك الروم وقال اتركوه والا ذكرنا نبيكم في دنانيرنا بما تكرهونه فعظم ذلك عليه واستشار الناس فأشار عليه خالد بن يزيد بضرب السكة وترك دنانيرهم ففعل ثم نقش الحجاج فيها قل هو الله أحد فكره الناس ذلك لانه قد يمسها غير الطاهر ثم بالغ في تحليص الذهب والفضة من الغش وزاد ابن هبيرة أيام يزيد بن عبد الملك عليه ثم زاد خالد القسرى عليهم في ذلك أيام هشام ثم أفرط يوسف بن عمر من بعدهم في المبالغة(3/44)
وامتحان العيار وضرب عليه فكانت الهبيرية والخالدية واليوسفية أجود نقود بنى أمية ثم أمر المنصور أن لا يقبل في الخراج غيرها وسميت النقود الاولى مكروهة أما لعدم جودتها أو لما نقش عليها الحجاج وكرهه وكانت دراهم العجم مختلفة بالصغر والكبر فكان منها مثقال وزن عشرين قيراطا واثنى عشر وعشرة قراريط وهى انصاف المثاقيل فجمعوا قراريط الانصاف الثلاثة فكانت اثنين وأربعين فجعلوا ثلثها وهو
اثنا عشر قيراطا وزن الدرهم العربي فكانت كل عشرة دراهم تزن سبعة مثاقيل وقيل ان مصعب بن الزبير ضرب دراهم قليلة أيام أخيه عبد الله والاصح أن عبد الملك أول من ضرب السكة في الاسلام * (مقتل بكير بن وشاح بخراسان) * قد تقدم لنا عزل بكير عن خراسان وولاية أمية بن عبيد الله بن خالد بن أسيد سنة أربع وسبعين وأن بكيرا أقام في سلطان أمية بخراسان وكان يكرمه ويدعوه لولاية ما شاء من أعمال خراسان فلا يجيب وانه ولاه طخارستان وتجهز لها فيه بجير بن ورقاء فمنعه ثم أمره بالتجهز لغزو ما وراء النهر فحذره منه بجير فرده فغضب بكير ثم تجهز أمية لغزو غارا وموسى ابن عبد الله ابن حازم لترمذ واستخلف ابنه على خراسان لما أراد قطع النهر قال لبكير ارجع إلى مرو فاكفنيها فقد وليتكها وقم بأمر ابن حازم فانى أخشى أن لا يضبطها فانتخب من وثق به من أصحابه ورجع وأشار عليه صاحبه عتاب بأن يحرق السفن ويرجع إلى مرو فيخلع أمية ووافقه الاحنف بن عبد الله العنبري على ذلك فقال لهم بكير اخشى على من معى قالوا نأتيك من أهل مرو بمن تشاء قال يهلك المسلمون قال ناد في الناس برفع الخراج فيكونون معك قال فيهلك أمية وأصحابه قال لهم عدد وعدد يقاتلون عن أنفسهم حتى يبلغوا الصين فأحرق بكير السفن ورجع إلى مرو فخلع أمية وحبس ابنه وبلغ الخبر أمية فصالح أهل الشام بخارى ورجع وأمر باتخاذ السفن وعبر وجاءه موسى بن عبد الله بن حازم من مددوا له وبعث شماس ابن ورقاء في ثمانمائة في مقدمته فبيته بكير وهزمه فبعث مكانه ثابت بن عطية فهزمه ثم التقى أمية وبكير فاقتتلوا أياما ثم انهزم بكير إلى مرو وحاصره أمية أياما حتى سأل الصلح على ولاية ما شاء من خراسان وأن يقضى عنه أربعمائة ألف دينه ويصل أصحابه ولا يقبل فيه سعاية بجير فتم الصلح ودخل أمية مدينة مرو وأعاد بكيرا إلى ما كان عليه من الكرامة وأعطى عتاب العدابى عشرين ألفا وعزل بجير عن شرطته بعطا بن أبى
السائب وقيل ان بكيرا لم يصحب أمية إلى النهر وانما استخلفه على مرو فلما عبر أمية النهر خلع وفعل ما فعل ثم ان بجيرا سعى بأمية بأن بكيرا دعاه إلى الخلاف وشهد عليه جماعة(3/45)
من أصحابه وأن معه ابني أخيه فقبض عليه أمية وقتله وقتل معه ابني أخيه وذلك سنة سبع وسبعين ثم عبر النهر لغزو بلخ فحصره الترك حتى جهد هو وعسكره وأشرفوا على الهلاك ثم نجوا ورجعوا إلى مرو * (مقتل بجير بن زياد) * ولما قتل بكير بسعاية بجير بن ورقاء تعاقد بنو سعد بن عوف من تميم وهم عشيرته على الطلب بدمه وخرج فتى منهم من البادية اسمه شمردل وقدم خراسان ووقف يوما على بجير فطعنه فصرعه ولم يمت وقتل شمردل وجاء مكانه صعصعة بن حرب العوفى ومضى إلى سجستان وجاور قرابة بجير مدة وانتسب إلى خنفية ثم قال لهم ان لى بخراسان ميراثا فاكتبوا إلى بجير يعيننى فكتبوا له وجاء إليه وأخبره بنسبه وميراثه وأقام عنده شهرا يحضر باب المهلب وقد أنس به وأمن غائلته وجاء صعصعة يوما وهو عند المهلب في قميص ورداء ودنا ليكلمه فطعنه ومات من الغد وقال صعصعة فمنعته مقاعس وقالوا أخذ بثاره فحمل المهلب دم صعصعة وجعل دم بجير ببكير وقيل ان المهلب بعثه إلى بجير فقتله والله أعلم وكان ذلك سنة احدى وثمانين * (ولاية الحجاج على خراسان وسجستان) * وفى سنة ثمان وسبعين عزل عبد الملك أمية بن عبد الله عن خراسان وسجستان وضمهما إلى الحجاج بن يوسف فبعث المهلب بن أبى صفرة على خراسان وقد كان فرغ من حرب الازارقة فاستدعاه وأجلسه معه على السرير وأحسن إلى أهل البلاد من أصحابه وزادهم وبعث عبيد الله بن أبى بكرة على سجستان فأما المهلب فقدم ابنه حبيبا إلى خراسان فلم يعرض لامية ولا لعماله حتى قدم أبوه المهلب بعد سنة من ولايته وسار في
خمسة الاف وقطع النهر الغربي وما وراء النهر وعلى مقدمته أبو الادهم الرماني في ثلاثة آلاف فنزل على كش وجاءه ابن عمر الختن يستنجده على ابن عمه فبعث معه ابنه يزيد فبيت ابن العم عساكر الختن وقتل الملك وجاء صر يريد قلعتهم حتى صالحوا بما رضى ورجع وبعث المهلب ابنه حبيبا في أربعة آلاف ووافى صاحب بخارى في أربعين ألفا وكبس بعض جنده في قرية فقتلهم وأحرقها ورجع إلى أبيه وأفام المهلب يحاصر كش سنتين حتى صالحوه على فدية وأما عبد الله بن أبى بكرة فأقام بسجستان ورتبيل على صلحه يؤدى الخراج ثم امتنع فأمر الحجاج ابن أبى بكرة فعزوه واستباحوا بلاده فسار في أهل المصرين وعلى أهل الكوفة شريح بن هانئ من أصحاب على فدخل بلاد رتبيل وتوغل فيها حتى كانوا على ثمانية عشر فرسخا من مدينتهم وأثخن واستباح وخرب القرى والحصون ثم أخذ الترك عليهم القرى والشعاب حتى ظنوا الهلكة(3/46)
فصالحهم عبيد الله على الخروج من أرضهم على أن يعطيهم سبعمائة ألف درهم ونكر ذلك عليه شريح وأبى الا القتال وحرض من الناس ورجع وقتل حير قتل في ناس من أصحابه ونجا الباقون وخرجوا من بلاد رتبيل ولقيهم الناس بالاطعمة فكانوا يموتون إذا شبعوا فجعلوا يطعمونهم السمن قليلا قليلا حتى استمروا وكتب الحجاج إلى عبد الملك يستأذنه في غزو بلاد رتبيل فأذن له فجهز عشرين ألف فارس من الكوفة وعشرين ألفا من البصرة واختار أهل الغنى والشجاعة وأزاح عللهم وأنفق فيهم ألفى ألف سوى أعطياتهم وأخذهم بالخيل الرائعة والسلاح الكامل وبعث عليهم عبد الرحمن بن محمد بن الاشعث وكان يبغضه ويقول أريد قتله ويخبر الشعبى بذلك عبد الرحمن فيقول أنا أزيله عن سلطانه فلما بعثه على ذلك الجيش تنصح أخوه اسمعيل للحجاج وقال لا نبعثه فانى أخشى خلافه فقال هو أهيب لى من أن يخالف أمرى وسار عبد الرحمن في الجيش وقدم سجستان واستنفرهم وحذر العقوبة
لمن يتعدى وساروا جميعا إلى بلاد رتبيل وبذل الخراج فلم يقبل منه ودخل بلاده فحواها شيأ فشيا وبعث عماله عليها ورجع المصالح بالنواحي والارصاد على العقاب والشعاب وامتلات أيد الناس من الغنائم ومنع من التوغل في البلاد إلى قابل وقد قيل في بعث عبد الرحمن بن الاشعث غير هذا وهو أن الحجاج كان قد أنزل هميان بن عدى السدى مسلحة بكرمان ان احتاج إليه عامل السند وسجستان فمضى هميان فبعث الحجاج عبد الرحمن بن الاشعث فهزمه وقام بموضعه ثم مات عبد الله بن أبى بكرة فولاه الحجاج مكانه وجهز إليه هذا الجيش وكان يسمى جيش الطواويس لحسن زيهم * (أخبار ابن الاشعث ومقتله) * ولما وصل كتاب ابن الاشعث إلى الحجاج كتب إليه يوبخه على القعود عن التوغل ويأمره بالمضي لما أمره به من هدم حصونهم وقتل مقاتلتهم وسبى ذراريهم وأعاد عليه الكتاب بذلك ثانيا وثالثا وقال له ان مضيت والا فأخوك اسحق أمير الناس فجمع عبد الرحمن الناس ورد الرأى عليهم وقال قد كنا عزمنا جميعا على ترك التوغل في بلد العدو ورأينا رأيا وكتبت بذلك إلى الحجاج وهذا كتابه يستعجزني ويستضعفني ويأمرني بالتوغل بكم وأنا رجل منكم فثار الناس وقالوا لا نسمع ولا نطيع للحجاج وقال أبو الطفيل عامر بن واثلة الكنانى اخلعوا عدو الله الحجاج وبايعوا الامير عبد الرحمن فتنادى الناس من كل جانب فعلنا فعلنا وقال عبد المؤمن بن شيث بن ربعى انصرفوا إلى عدو الله الحجاج فانفوه عن بلادكم ووثب الناس إلى عبد الرحمن على خلع الحجاج ونفيه من العراق وعلى النصرة له ولم يذكر عبد الملك وصالح عبد الرحمن رتبيل على أنه ان ظهر(3/47)
فلا خراج على رتبيل ما بقى من الدهر وان هزم منعه فمن يريده وجعل عبد الرحمن على سبت عياض بن هميان الشيباني وعلى روبى عبد الله بن عامر التميمي وعلى كرمان حرثة ابن عمر التميمي ثم سار إلى العراق في جموعه وأعشى همدان بين يديه يجرى بمدحه وذم
الحجاج وعلى مقدمته عطية بن عمير العيرنى ولما بلغ فارس بدا للناس في أمر عبد الملك وقالوا إذا خلعنا الحجاج فقد خلعناه فخلعه الناس وبايعوا عبد الرحمن على السنة وعلى جهاد أهل الضلالة والخلين وخلعهم وكتب الحجاج إلى عبد الملك يخبره ويستمده وكتب المهلب إلى الحجاج بأن لا يعترض أهل العراق حتى يسقطوا إلى أهليهم فنكر كتابه واتهمه وجند عبد الملك الجند إلى الحجاج فساروا إليه متتابعين وسار الحجاج من البصرة فنزل تستر وبعث مقدمة خيل فهزمهم أصحاب عبد الرحمن بعد قتال شديد وقتل منهم جمعا كثيرا وذلك في أضحى احدى وثمانين وأجفل الحجاج إلى البصرة ثم تأخر عنها إلى الغاوية وراجع كتاب المهلب فعلم نصيحته ودخل عبد الرحمن البصرة فبايعه أهلها وسائر نواحيها لان الحجاج كان اشتد على الناس في الخراج وأمر من دخل الامصار أن يرجع إلى القرى يستوفى الجزية فنكر ذلك الناس وجعل القرى يبكون منه فلما قدم عبد الرحمن بايعوه على حرب الحجاج وخلع عبد الملك ثم اشتد القتال بينهم في المحرم سنة اثنتين وثمانين وتزاحفوا على حرب الحجاج وخلع عبد الملك وانهزم أهل العراق وقصدوا الكوفة وانهزم منهم خلق كثير وفشا القتل في القرى فقتل منهم عقبة بن عبد الغافر الازدي في جماعة استلحموا معه وقتل الحجاج بعد الهزيمة منهم عشرة آلاف وكان هذا اليوم يسمى يوم الراوية واجتمع من بقى بالبصرة على عبد الرحمن ابن عباس بن ربيعة بن الحرث بن عبد المطلب وبايعوه فقاتل بهم الحجاج خمس ليال ثم لحق بابن الاشعث بالكوفة ربيعة طائفة من أهل البصرة ولما جاء عبد الرحمن الكوفة وخليفة الحجاج عليها عبد الرحمن بن عبد الرحمن بن عبد الله الحضرمي وثب به مطر بن ناجية من بنى تميم مع أهل الكوفة فاستولى على القصر وأخرجه فلما وصل ابن الاشعث لقيه أهل الكوفة واحتف به همدان وجاء إلى القصر فمنعه مطر فصعد الناس القصر وأخذوه فحبسه عبد الرحمن وملك الكوفة ثم ان الحجاج استعمل على البصرة الحكم بن أيوب الثقفى ورجع إلى الكوفة فنزل دويرفيرة ونزل عبد الرحمن دير
الجماجم واجتمع إلى كل واحد أمداده وخندق على نفسه وبعث عبد الملك ابنه عبد الله وأخاه محمدا في جند كثيف وأمرهما أن يعرضا على أهل العراق عزل الحجاج ويجرى عليهم اعطياتهم كاهل الشأم وينزل عبد الرحمن إلى أي بلد شاء عاملا لعبد الملك فوجم الحجاج لذلك وكتب إلى عبد الملك ان هذا ممن يزيدهم جراءة وذكره بقضية عثمان(3/48)
وسعيد بن العاص فأبى عبد الملك من رأيه وعرض عبد الله ومحمد بن مروان ما جاء به عبد الملك وتشاور أهل العراق بينهم وأشار عليهم عبد الرحمن بقبول ذلك وأن العزة لهم على عبد الملك لا تزول فتواثبوا من كل جانب منكرين لذلك ومجددين الخلع وتقدمهم في ذلك عبد الله بن دواب السلمى وعمير بن تيجان ثم برزوا للقتال وجعل الحجاج على ميمنته عبد الرحمن بن سليم الكلبى وعلى ميسرته عمارة بن تميم اللخمى وعلى الخيل سفيان بن الابرد الكلبى وعلى الرجالة عبد الله بن حبيب الحكمى وجعل عبد الرحمن على ميمنته الحجاج بن حارثة لخثعمي وعلى ميسرته الابرد بن قرة التميمي وعلى خيله عبد الرحمن بن العباس بن ربيعة بن الحرث بن عبد المطلب وعلى رجالته محمد بن سعد بن أبى وقاص وعلى مجنبته عبد الله بن رزم الحرشى وعلى القرى جبلة زخر بن قيس الجعفي وفيهم سعيد بن جبير وعامر الشعبى وأبو البحترى الطائى وعبد الرحمن بن أبى ليلى ثم أقاموا يتزاحفون كل يوم ويقتتلون بقية سنتهم وكتيبة القرى معروفة بالصبر يحملون عليها فلا تنتقص فعبى الحجاج ثلاث كتائب مع الجراح بن عبد الله الحكمى وحملوا على القرى ثلاث حملات وجبلة يحرض القرى ويبيتهم والشعبى وسعيد بن جبير كذلك ثم حملوا على الكتائب ففرقوها وأزالوها عن مكانها وتأخر جبلة عنهم ليكون لهم فئة يرجعون إليه وأبصره الوليد بن نجيب الكلبى فقصده في جماعة من أهل الشأم وقتله وجئ برأسه إلى الحجاج وقدموا عليهم مكانه وظهر القتل في القرى ثم اقتتلوا بعد ذلك ما يزيد على مائة يوم كثر فيها القتلى والمبارزة ثم اقتتلوا يوما في منتصف جمادى الآخرة وحمل سفيان
ابن الابرد في ميمنة الحجاج على ميسرة عبد الرحمن فانهزم الابرد بن قرة من غبر قتال فتقوضت صفوف الميمنة وركبهم أصحاب الحجاج ثم انهزم عبد الرحمن وأصحابه ومضى الحجاج إلى الكوفة ومحمد بن مرو إلى الموصل وعبد الله بن عبد الملك إلى الشأم وأخذ الحجاج الناس على أن يشهدوا على أنفسهم بالكفر وقتل من أبى ذلك ودعا بكميل ابن زياد صاحب على فقتله لاقتصاصه ثم أقام بالكوفة شهرا وأنزل أهل الشأم في بيوت أهل الكوفة ولحق ابن الاشعث بالبصرة فاجتمع إليه جموع المنهزمين ومعه عبيد الله بن عبد الرحمن بن سمرة ولحق به محمد بن سعيد بن أبى وقاص بالمدائن وسار نحو الحجاج ومعه بسطام بن مصقلة بن هبيرة الشيباني كان قدم عليه قبل الهزيمة من الرى وكان انتقض بها ثم غلب عليها ولحق بعبد الرحمن فكان معه وبايع عبد الرحمن خلق كثير على الموت ونزل مسكن وخندق عليه وعلى أصحابه والحجاج قبالتهم وقاتلهم خالد بن جرير بن عبد الله وكان قدم من خراسان في بعث الكوفة فقاتلهم خمسة عشر يوما من شعبان أشد قتال وقتل زياد بن غنيم القينى وكان على مالح الحجاج فهد منهم(3/49)
ثم أبا بكر والقتال وحل بسطام بن مصقلة بن هبيرة في أربعة آلاف من فرسان الكوفة والبصرة كسروا جفون سيوفهم وحملوا على أهل الشأم فكشفوهم مرارا وأحاط بهم الرماة ولحقوا فقتلوا وحمل عبد الملك بن المهلب على أصحاب عبد الرحمن فكشفوهم ثم حمل أصحاب الحجاج من كل جانب فانهزم عبد الرحمن وأصحابه وقتل عبد الرحمن بن أبى ليلى الفقيه وأبو البحترى الطائى ومعلى بن الاشعث نحو سجستان ويقال ان بعض الاعراب جاء إلى الحجاج فدله على طريق من وراء معسكر ابن الاشعث فبعث معه أربعة آلاف جاؤا من ورائه وأصبح الحجاج فقاتله واستطرد له حتى نهب معسكره وأقبلت السرية من الليل إلى معسكر ابن الاشعث وكان الغرقى منهم أكثر من القتلى وجاء الحجاج إلى المعسكر فقتل من وجد فيه وكان عدة القتلى أربعة آلاف منهم عبد
الله بن شداد بن الهادى وبسطام بن مصقلة وعمر بن ربيعة الرقاشى وبشر بن المنذر ابن الجارود وغيرهم (ولما سار) ابن الاشعث إلى سجستان أتبعه الحجاج بالعساكر وعليهم عمارة بن تميم اللخمى ومعهم محمد بن الحجاج فأدركوه بالسوس فقاتلوه وانهزم إلى سابور واجتمع إليه الاكراد وقاتلوا العساكر قتالا شديدا فهزم وخرج عمارة ولحق ابن الاشعث بكرمان فلقيه عامله بها وهيأ له النزول فنزل ثم رحل إلى زرنج فمنعه عامله من الدخول فحاصرها أياما ثم سار إلى بست وعليها من قبله عياض بن هميان ابن هشام السلوبى الشيباني ثم استغفله فأوثقه وكان رتبيل ملك الترك قد سار ليستقبله ونزل على بست وتهدد عياضا فأطلقه وحمل رتبيل إلى بلاده وأنزله عنده واجتمع المنهزمون فاتفقوا على قصد خراسان لينموا بعشائرهم وقصدوا للصلاة عبد الرحمن بن العباس بن ربيعة بن الحرث وكتبوا إلى عبد الرحمن بن الاشعث يستقدمونه فقدم عليهم وثناهم عن قصد خراسان مخافة من سطوة يزيد بن المهلب وأن يجتمع أهل الشأم وأهل خراسان فأبوا وقالوا بل يكثر بها تابعنا فسار معهم إلى هراة فهرب عنهم عبيد الله بن عبد الرحمن بن سمرة فخشى الانتقاض وقال انما أتيتكم وأمركم جميعا وأنا الآن منصرف إلى صاحبي الذى جئت من عنده يعنى رتبيل ورجع عنهم في قليل وبقى معظم العسكر مع عبد الرحمن بن العباس بسجستان فجمع بابن الاشعث وسار إلى خراسان في عشرين ألفا ونزل هراة ولقوا الرقاد فقتلوه وبعث إليه يزيد بن المهلب بالرحلة من البلاد فقال انما نزلنا لنستريح ونرتحل ثم أخذ في الجباية وسار نحوه يزيد بن المهلب والتقوا فافترق أصحاب عبد الرحمن عنه وصبرت معه طائفة ثم انهزموا وأمر يزيد بالكف عنهم وغنم ما في عسكرهم وأسر جماعة منهم فيهم محمد بن سعد ابن أبى وقاص وعمر بن موسى بن عبد الله بن معمر وعباس بن الاسود بن عوف والهلقام(3/50)
ابن نعيم بن القعقاع بن معبد بن زرارة وفيروز وأبو اعلج مولى عبيد الله بن معمر وسوار
ابن مروان وعبد الله بن طلحة الطلحات وعبد الله بن فضالة الزهراني الازدي ولحق عبد الرحمن بن العباس بالسند وأتى ابن سمرة إلى مرو وانصرف يزيد إلى مرو وبعث بالاسرى إلى الحجاج مع سيده بن نجدة وقال له أخوه حبيب ألا تبعث عبد الرحمن بن طلحة فان له عندنا يدين وقد ودى عن المهلب أبوه طلحة مائة ألف فتركه وترك عبد الله بن فضالة لانه من الازد وبعث الباقين وقدموا عليه بمكان واسط قبل بنائها فدعا بفيروز وقال ما أخرجك مع هؤلاء وليس بينك وبينهم نسب قال فتنة عمت الناس قال اكتب اموالك فكتب ألفى ألف وأكثر فقال للحجاج وأنا آمن على دمى قال لا والله لتؤدينها ثم أقتلك قال لا تجمع مالى ودمى وأمر به فنحى ثم أحضر محمد بن سعد بن أبى وقاص فوبخه طويلا ثم أمر به فقتل ثم دعا بعمر بن موسى فوبخه ولاطفه في العذر فلم يقبل ثم أمر به فقتل ثم أحضر الهلقام بن نعيم فوبخه وقال ابن الاشعث طلب الممالك فما الذى طلبت أنت قال أن توليني العراق مكانك فأمر به فقتل ثم أحضر عبد الله ابن عامر فعذله في عبد الله يزيد بن المهلب لانه أطلق قومه من الاسر وقاد نحوه مطرا فأطرف الحجاج ثم قال ما أنت وذاك ثم أمر به فقتل فلم يزل في نفسه من يزيد حتى عزله ثم أمر بفيروز فعذب ولما أحس بالموت قال أظهروني للناس ليردوا على ودائعي فلما ظهر نادى من كان لى عنده شئ فهو في حل فأمر به فقتل وأمر بقتل عمر بن فهر الكندى وكان شريفا وأحضر أعشى همدان واستنشده قصيدته بين الاثلج وبين قيس وفيها تحريض ابن الاشعث وأصحابه فقال ليست هذه وانما التى بين الاثلج وبين قيس بارق على روى الدال فأنشده فلما بلغ قوله بخ بخ للوالدة وللمولود قال والله لا تبخبخ بعدها أبدا وقتل (وسأل الحجاج) عن الشعبى فقال له يزيد بن أبى مسلم انه لحق بالرى فكتب إلى قتيبة بن مسلم وهو عامله على الرى بارسال الشعبى فقدم على الحجاج سنة ثلاث وثمانين وكان ابن أبى مسلم له صديقا فأشار عليه بحسن الاعتذار فلما دخل على الحجاج سلم عليه بالامرة وقال وايم الله لا أقول الا الحق قد والله حرضنا وجهدنا فما كنا أقوياء
فجرة ولا أتقياء بررة وقد نصرك الله وظفرت فان سطوت فبذنوبنا وان عفوت فبحلمك والحجة لك علينا فقال الحجاج هذا والله أحب إلى ممن يقول ما شهدت ولا فعلت وسيفه يقطر من دمائنا ثم أمنه وانصرف (ولما ظفر الحجاج) بابن الاشعث وهزمه لحق كثير من المنهزمين بعمر بن الصلت وقد كان غلب على الرى في تلك الفتنة فلما اجتمعوا أرادوا أن يحظوا عند الحجاج ويمحوا عن أنفسهم ذنب الجماجم فأشاروا على عمر بخلع الحجاج فامتنع فدسوا عليه أباه فأجاب ولما سار قتيبة إلى الرى خرجوا مع عمر لقتاله(3/51)
ثم غدروا به فانهزم ولحق بطبرستان وأقره الاصبهبد وأحسن إليه وأرادوا الوتوب على الاصبهبد فشاور أباه وقال قد علمت الاعاجم أنى أشرف منه فمنعه أبوه ودخل قتيبة الرى وكتب الحجاح إلى الاصبهبدان يبعث بهم أو برؤوسهم ففعل ذلك (ولما انصرف) عبد الرحمن بن الاشعث من هراة إلى رتبيل قال له علقمة بن عمر الاودى لا ادخل معك دار الحرب لان رتبيل ان دخل إليه الحجاج فيك وفى أصحابك قتلكم أو اسلمكم إليه ونحن خمسمائة قد تبايعنا على أن نتحصن بمدينة حتى نأمن أو نموت كراما وقدم عليهم مودود البصري وزحف إليهم عمارة بن تميم اللخمى وحاصرهم حتى استأمنوا فخرجوا إليه وقالهم وتتابعت كتب الحجاج إلى رتبيل في عبد الرحمن يرهبه ويرغبه وكان عبيد بن سميع التميمي من أصحاب ابن الاشعث وكان رسوله إلى رتبيل أولا فانس به رتبيل وزحف عليه وأغرى القاسم بن الاشعث أخاه عبد الرحمن بقتله فخافه وزين لرتبيل أخذ العهد من الحجاج واسلام عبد الرحمن إليه على أن يكف عن أرضه سبع سنين فأجابه رتبيل وخرج إلى عمارة سرا وكتب عمارة إلى الحجاج بذلك فأجاب وكتب له بالكف عنه عشر سنين وبعث إليه رتبيل برأس عبد الرحمن وقيل مات بالسل فقطع رأسه وبعث به وقيل أرسله مقيدا مع ثلاثين من أهل بيته إلى عمارة فألقى عبد الرحمن نفسه من سطح القصر فمات فبعث عمارة برأسه وذلك سنة أربع أو خمس وثمانين
قد كنا قدمنا حصار المهلب مدينة كش من وراء النهر فأقام عليها سنتين وكان استخلف على خراسان ابنه المغيرة فمات سنة اثنتين وثمانين فجزع عليه وبعث ابنه يزيد إلى مرو ومكنه في سبعين فارسا ولقيهم في مفازة نسف جمع من الترك يقاربون الخمسمائة فقاتلوهم قتالا شديدا يطلبون ما في أيديهم والمغيرة يمتنع حتى أعطى بعض أصحابه لبعضهم شيأ من المتاع والسلاح ولحقوا بهم ولحق يزيد بمرو ثم سأل أهل كش من المهلب الصلح على مال يعطونه فاسترهن منهم رهنا من أبنائهم في ذلك وانفتل المهلب وخلف حريث بن قطنة مولى خزاعة ليأخذ الفدية ويرد الرهن فلما صار ببلخ كتب إليه لا تخل الرهن وان قبضت الفدية حتى تقدم أرض بلخ لئلا يغيروا عليك فأقرأ صاحب كش كتابه وقال ان عجلت أعطيتك الرهن وأقول له جاء الكتاب بعد اعطائه فعجل صاحب كش بالفدية وأخذ الرهن وعرض له الترك كما عرضوا ليزيد وقاتلهم فقتلهم وأسر منهم أسرى ففدوهم فردا فردا وأطلقهم ولما وصل إلى المهلب ضربه ثلاثين سوطا عقوبة على مخالفة كتابه في الرهن فحلف حريث ابن قطنة ليقتلن المهلب وخاف ثابتا أن كان ذلك المسير إليه فبعث إليه المهلب أخاه(3/52)
ثابت بن قطنة يلاطفه فأبى وحلف ليقتلن المهلب وخاف ثابت ان كان ذلك أن يقتلوا جميعا فأشار عليه باللحاق بموسى بن عبد الله بن حازم فلحق به في ثلثمائة من أصحابهما (ثم هلك المهلب) واستخلف ابنه يزيد وأوصى ابنه حبيبا بالصلاة وأوصى ولده جميعا بالاجتماع والالفة ثم قال أوصيكم بتقوى الله وصله الرحم فانها تنسئ في الاجل وتثرى المال وتكثر العدد وأنهاكم عن القطيعة فانها تعقب النار والذلة والقلة وعليكم بالطاعة والجماعة ولتكن فعالكم أفضل من مقالكم واتقوا الجواب وزلة اللسان فان الرجل تزل قدمه فينعش ويزل لسانه فيهلك واعرفوا لمن يغشاكم حقه فكفى بغدو الرجل ورواحه اليكم تذكرة له وآثروا الجود على البخل وأحبوا العرف واصنعوا
المعروف فان الرجل من العرب تعده العدة فيموت فكيف بالصنيعة عنده وعليكم في الحرب بالتؤدة والمكيدة فانها أنفع من الشجاعة وإذا كان اللقاء نزل القضاء وان أخذ الرجل بالحزم فظفر قيل أتى الامر من وجهه فظفر وان لم يظفر قيل ما فرط ولا ضيع ولكن القضاء غالب وعليكم بقراءة القرآن وتعلم السنن وآداب الصالحين واياكم وكثرة الكلام في مجالسكم ثم مات وذلك سنة اثنتين وثمانين (ويقال) انه لما حثهم على الالفة والاجتماع أحضر سهاما محزومة فقال أتكسرون هذه مجتمعة قالوا لا قالوا فتكسرونها مفترقة قالوا نعم قال فهكذا الجماعة واستولى يزيد على خراسان بعد أبيه وكتب له الحجاج بالعهد عليها ثم وضع العيون على بيزك حتى بلغه خروجه عن قلعته فسار إليها وحاصرها ففتحها وغنم ما كان فيها من الاموال والذخائر وكانت من أحصن القلاع وكان بيزك إذا أشرف عليها يسجد لها ولما فتحها كتب إلى الحجاج بالفتح وكان كاتبه يعمر العدواني حليف هذيل فكتب انا لقينا العدو فمنحنا الله أكنافهم فقتلنا طائفة وأسرنا طائفة ولحقت طائفة برؤس الجبال ومهامه الاودية وأهضام الغيطان وأفناء الانهار فقال الحجاج من بكتب ليزيد قيل يحيى بن يعمر فكتب بحمله على البريد فلما جاءه قال أين ولدت قال بالاهواز قال فمن أين هسذه الفصاحة قال حفظت من أولاد أبى وكان فصيحا قال يلحن عنبسة بن سعيد قال نعم كثيرا قال ففلان قال نعم قال فأنا قال تلحن خفيفا تجعل أن موضع إن وإن موضع أن قال أجلتك ثلاثا وان وجدتك بأرض العراق قتلتك فرجع إلى خراسان * (بناء الحجاج مدينة واسط) * كان الحجاج ينزل أهل الشأم على أهل الكوفة فضرب البعث على أهل الكوفة إلى خراسان سنة ثلاث وثمانين وعسكروا قريبا من الكوفة حتى يستتموا ورجع منهم ذات ليلة فتى حديث عهد بعرس بابنة عمه فطرق يته ودق الباب فلم يفتح له الا بعد هنيهة(3/53)
وإذا سكران من أهل الشأم فشكت إليه ابنة عمه مراودته اياها فقال لها ائذنى له فأذنت له وجاء فقتله الفتى وخرج إلى العسكر وقال ابعثى إلى الشاميين وارفعي إليهم صاحبهم فأحضروها عند الحجاج فأخبرته فقال صدقت وقال للشاميين لا قود له ولا عقل فانه قتيل الله إلى النار ثم نادى مناديه لا ينزل أحد على أحد وبعث الرواد فارتادوا له مكان واسط ووجد هناك راهبا ينظف بقعته من النجاسات فقال ما هذه قال نجد في كتبنا أنه ينشأ ههنا مسجد للعبادة فاختط الحجاج مدينة واسط هنالك وبنى المسجد في تلك البقعة * (عزل يزيد عن خراسان) * يقال ان الحجاج وفد إلى عبد الملك ومر في طريقه براهب قيل له ان عنده علما من الحدثان فقال هل تجدون في كتابكم ما أنتم فيه قال نعم فقال مسمى أو موصوفا قال موصوفا قال فما تجدون صفة ملكنا قال صفته كذا قال ثم من قال آخر اسمه الوليد قال ثم من قال آخر اسمه ثقفي قال فمن تجد بعدى قال رجل يدعى يزيد قال أتعرف صفته قال لا أعرف صفته الا أنه يغدر غدرة فوقع في نفس الحجاج أنه يزيد بن المهلب ووجل منه وقدم على عبد الملك ثم عاد إلى خراسان وكتب إلى عبد الملك يذم يزيد وآل المهلب وأنهم زبيرية فكتب إليه ان وفاءهم لآل الزبير يدعوهم إلى الوفاء لى فكتب ليه الحجاج يخوفه غدرهم وما يقول الراهب فكتب إليه عبد الملك انك أكثرت في يزيد فانظر من تولى مكانه فسمى له قتيبة بن مسلم فكتب له أن يوليه وكره الحجاج أن يكاتبه بالعزل فاستقدمه وأمره أن يستخلف أخاه المفضل واستشار يزيد حصين بن المنذر الرقاشى فقال له أقم واعتل وكاتب عبد الملك فانه حسن الرأى فيك نحن أهل بيت بورك لنا في الطاعة وأنا أكره الخلاف وأخذ يتجهز وأبطأ فكتب الحجاج إلى المفضل بولاية خراسان واستلحاق يزيد فقال انه لا يضرك بعدى وانما ولاك مخافة أن امتنع وخرج يزيد في ربيع سنة خمس وثمانين ثم عزل المفضل لتسعة أشهر من ولايته وولى قتيبة بن
مسلم وقيل سبب عزل اليزيد أن الحجاج أذل العراق كلهم الا آل المهلب وكان يستقدم يزيد فيعتل عليه بالعدا والحروب وقيل كتب إليه أن يغزو خوارزم فاعتذر إليه بأنها قليلة السلب شديدة الكلف ثم استقدمه بعد ذلك فقال انى أغزو خوارزم فكتب الحجاج لا تغزها فغزاها وأصاب سبيا وصالحه أهلها وانفتل في الشتاء وأصاب الناس البرد فندثروا بلباس الاسرى فبقوا عرايا وقتلهم المفضل ولما ولى المفضل خراسان غزا باذغيس ففتحها وأصاب مغنما فقسمه ثم غزا شومان فغنم وقسم ما أصابه * (مقتل موسى بن حازم) *(3/54)
كان عبد الله بن حازم لما قتل بنى تميم بخراسان وافترقوا عليه فخرج إلى نيسابور وخاف بنو تميم على ثقله بمرو فقال لابنه موسى اقطع نهر بلخ حتى نلتجئ إلى بعض الملوك أو إلى حصن نقيم فيه فسار موسى عن مرو في مائتين وعشرين فارسا واجتمع إليه شبه الاربعمائة وقوم من بنى سليم وأتى قم فقاتله أهلها فظفر بهم وأصاب منهم مالا وقطع النهر وسأل صاحب بخارى أن يأوى إليه فأبى وخافه وبعث إليه بصلة فسار عنه وعرض نفسه على ملوك الترك فأبوا خشية منه وأتى سمرقند فأذن له ملكها طرخون ملك الصغد في المقام فأقام وبلغه قتل أبيه عبد الله بن حازم ولم يزل مقيما بسمرقند وبارز بعض أصحابه يوما بعض الصغد فقتله فأخرجه طرخون عنه فأتى كش فنزلها ولم يطق صاحبها مدافعته واستجاش عليه بطرخون فخرج موسى للقائه وقد اجتمع معه سبعمائة فارس فاقتتلوا إلى الليل ودس موسى بعض أصحابه إلى طرخون يخوفه عاقبة أمره وان كل من يأتي خراسان يطالبه بدمه فقال يرتحل عن كش قال له نعم وكف حتى ارتحل وأتى ترمذ فنزل إلى جانب حصن بها مشرف على النهر وأبى ملك ترمد من تمليكه الحصن فأقام هنالك ولاطف الملك وتودد له وصار يتصيد معه وصنع له الملك يوما طعاما وأحضره في مائة من أصحابه ليأكلوا فلما طعموا امتنعوا من الذهاب
وقال موسى هذا الحصن اما بيتى أو قبري وقاتلهم فقتل منهم عدة واستولى على الحصن وأخرج ملك ترمذ ولم يتعرض له ولا لاصحابه ولحق به جمع من أصحاب أبيه فقوى بهم وكان يغير على ما حوله ولما ولى أمية خراسان سار لغزوه وخالفه بكير كما تقدم ثم بعث إليه بعد صلحه مع بكيرا لجيوش مع رجل من خزاعة وحاصروه وعاود ملك ترمذ استنصاره بالترك في جمع كثير ونزلوا عليه من جانب آخر وكان يقاتل العرب أول النهار والترك آخره ثلاثة أشهر ثم بيت الترك ليلة فهزمهم وحوى عسكرهم بما فيه من المال والسلاح ولم يهلك من أصحابه الا ستة عشر رجلا وأصبح الخزاعى والعرب وقد خافوا مثلها وغدا عمر بن خالد بن حصين الكلابي على موسى بن حازم وكان صاحبه فقال انا لا نظفر الا بمكيدة فاضربني وخلنى فضربه خمسين سوطا فلحق بالخزاعى وقال ان ابن حازم اتهمني بعصبيتكم وأنى عين لكم فأمنه الخزاعى وأقام عنده ودخل عليه يوما وهو خال فقال له لا ينبغى أن تكون بغير سلاح فرفع طرف فراشه وأراه سيفا منتضى تحته فضربه عمر حتى قتله ولحق بموسى وتفرق الجيش واستأمن بعضهم موسى ولما ولى المهلب على خراسان قال لبنيه اياكم وموسى فانه ان مات جاء على خراسان أمير من قيس ثم لحق به حريث وثابت ابنا قطنة الخزاعى فكانا معه ولما ولى يزيد أخذ أموالهما وحرمهما وقتل أخاهما للام الحرث بن معقد فسار ثابت إلى(3/55)
طرخون صريخا وكان محببا إلى الترك فغضب له طرخون وجمع له نيزك وملك الصغد وأهل بخارى والصاغان فقدموا مع ثابت إلى موسى وقد اجتمع عليه فل عبد الرحمن ابن عباس من هراة وفل ابن الاشعث من العراق ومن كابل فكان معه نحو ثمانية آلاف فقال له ثابت وحريث سر بنا في هذا العسكر مع الترك فنخرج يزيد من خراسان ونوليك فحذر موسى أن يغلباه على خراسان ونصحه بعض أصحابه في ذلك فقال لهما ان أخرجنا يزيد قدم عامل المدينة عبد الملك ولكنا نخرج عمال يزيد من وراء النهر
ويكون لنا فأخرجوهم وانصرف طرخون والترك وقوى أمر العرب بترمذ وجبوا الاموال واستبد ثابت وحريث على موسى وأغراه أصحابه بهما فهم بقتلهما وإذا بجموع العجم قد خرجت إليهم من الهياطلة والتبت والترك فخرج موسى فيمن معه للقتال ووقف ملك الترك على قيل في عشرة آلاف فحمل عليهم حريث ابن قطنة حتى أزالهم عن موضعهم وأصيب بسهم في وجهه وتحاجزوا ثم بيتهم موسى فانهزموا وقتل من الترك خلق كثير ومات منهم قليل ومات حريث بعد يومين ورجع موسى بالظفر والغنيمة وقال له أصحابه قد كفينا أمر حريث فاكفنا أمر ثابت فأبى وبلغ ثابتا بعض ما كانوا يخوضون فيه ودس محمد بن عبد الله الخزاعى عليهم على أنه من سبى الباميان ولا يحسن العربية فاتصل بموسى وكان ينقل إلى ثابت خبر أصحابه فقال لهم ليلة قد أكثرتم على فعلى أي وجه تقتلونه ولا أغدر به فقال له أخوه نوح إذا أتاك غدا عدلنا به إلى بعض الدور فقتلناه قبل أن يصل اليك فقال والله انه لهلاككم وجاء الغلام إلى ثابت بالخبر فخرج من ليلته في عشرين فارسا وأصبحوا ففقدوه وفقدوا الغلام فعلموا أنه كان عينا ونزل ثابت بحشور واجتمع إليه خلق كثير من العرب والعجم وسار إليه موسى وقاتله فحصر ثابتا بالمدينة وأتاه طرخون مددا فرجع موسى إلى ترمذ ثم اجتمع ثابت وطرخون وأهل بخارى ونسف وأهل كش في ثمانين ألفا فحاصروا موسى بترمذ حتى جهد أصحابه وقال يزيد بن هذيل والله لاقتلن ثابتا أو أموت فاستأمن إليه وحذره بعض أصحابه منه فأخذا بنيه قدامة والضحاك رهنا وأقام يزيد يتلمس غرة ثابت ومات ابن الزياد والقصير الخزاعى فخرج إليه ثابت يعزيه وهو بغير سلاح فضربه يزيد على رأسه وهرب وأخذ طرخون قدامة والضحاك ابني يزيد فقتلهما وهلك ثابت لسبعة أيام وقام مكانه من أصحابه ظهير وضعف أمرهم وبيتهم موسى ليلا في ثلثمائة فبعث إليه طرخون كف أصحابك فانا نرحل الغداة فرجع وارتحل طرخون والعجم جميعا ولما ولى المفضل خراسان بعث عثمان بن مسعود
في جيش إلى موسى بن حازم وكتب إلى مدرك بن المهلب في بلخ بالمسير معه فعبر النهر(3/56)
في خمسة عشر ألفا وكتب إلى رتبيل والى طرخون أن يكونوا مع عثمان فحاصروا موسى بن حازم فضيقوا عليه شهرين وقد خندق عثمان على معسكره حذر البيات فقال موسى لاصحابه اخرجوا بنا مستميتين واقصدوا الترك فخرجوا وخلف النضر ابن أخيه سليمان في المدينة وقال له ان أنا قتلت فملك المدينة لمدرك بن المهلب دون عثمان وجعل ثلث أصحابه بازاء عثمان وقال لا تقاتلوه الا ان قاتلكم وقصد طرخون وأصحابه وصدقوهم القتال فانهزم طرخون وأخذوا وحجزت الترك والصغد بينهم وبين الحصر فقاتلهم فعقروا فرسه وأردفه مولى له فبصر به عثمان حين وثب فعرفه فقصده وعقروا به الفرس وقتلوه وقتل خلق كثير من العرب وتولى قتل موسى واصل العنبري ونادى منادى عثمان بكف القتل وبالاسر وبعث النضر بن سليمان إلى مدرك بن المهلب فسلم إليه مدينة ترمذ وسلمها مدرك إلى عثمان وكتب المفضل إلى الحجاج بقتل موسى فلم يسره لانه من قيس وكان قتل موسى (1) سنة خمس وثمانين لخمس عشرة سنة من تغلبه على ترمذ * (البيعة للوليد بالعهد) * وكان عبد الملك يروم خلع أخيه عبد العزيز من ولاية العهد والبيعة لابنه الوليد وكان فبيصة ينهاه عن ذلك ويقول لعل الموت يأتيه وتدفع العار عن نفسك وجاءه روح بن زنباع (2) ليلة وكان عنده عظيما ففاوضه في ذلك فقال لو فعلته ما انتطج فيه عنزان فقال نصلح ان شاء الله وأقام روح عنده ودخل عليهما قبيصة بن ذؤيب من جنج الليل وهما نائمان وكان لا يحجب عنه وليه الخاتم والسكة فاخبره بموت عبد العزيز أخيه فقال روح كفانا الله ما نريد ثم ضم مصر إلى ابنه عبد الله بن عبد الملك وولاه عليها ويقال ان الحجاج كتب إلى عبد الملك يزين له بيعة الوليد فكتب إلى عبد العزيز انى رأيت أن
يصير الامر إلى ابن أخيك فكتب له أن تجعل الامر له من بيعة فكتب له انى أرى في أبى بكر ما ترى في الوليد فكتب له عبد الملك أن يحمل خراج مصر فكتب إليه عبد العزيز انى واياك يا أمير المؤمنين قد أشرفنا على عمر أهل بيتنا ولا ندرى أينا يأتيه الموت فلا تفسد على بقية عمرى فرق له عبد الملك وتركه (ولما) بلغ الخبر بموت عبد العزيز عبد الملك أمر الناس بالبيعة لابنه الوليد وسليمان وكتب بالبيعة لهما إلى البلدان وكان على المدينة هشام بن اسمعيل المخزومى فدعا الناس إلى البيعة فأجابوا وأبى سعيد ابن المسيب فضربه ضربا مبرحا وطاف به وحبسه وكتب عبد الملك إلى هشام يلومه ويقول ان سعيدا ليس عنده شقاق ولا نفاق ولا خلاف وقد كان ابن المسيب امتنع من بيعة ابن الزبير فضربه جابر بن الاسود عامل المدينة لابن الزبير ستين سوطا وكتب إليه(3/57)
ابن الزبير يلومه وقيل ان بيعة الوليد وسليمان كانت سنة أربع وثمانين والاول أصح وقيل قدم عبد العزيز على أخيه عبد الملك من مصر فلما فارقه وصاه عبد الملك فقال ابسط بشرك وألن كنفك وآثر الرفق في الامور فهو أبلغ لك وانظر حاجبك وليكن من خير أهلك فانه وجهك ولسانك ولا يقفن أحد ببابك الا أعلمك مكانه لتكون أنت الذى تأذن له أو ترده فإذا خرجت إلى مجلسك فابد أجلساءك بالكلام يأنسوا بك وتثبت في قلوبهم محبتك وإذا انتهى اليك مشكل فاستظهر عليه بالمشورة فانها تفتح مغاليق الامور المبهمة واعلم أن لك نصف الرأى ولاخيك نصفه ولن يهلك امرؤ عن مشورة وإذا سخطت على أحد فأخر عقوبته فانك على العقوبة بعد التوقف عنها أقدر منك على ردها بعد اصابتها * (وفاة عبد الملك وبيعة الوليد) * ثم توفى عبد الملك منتصف شوال سنة ست وثمانين وأوصى إلى بنيه فقال أوصيكم بتقوى الله فانها أزين حلية وأحصن كهف ليعطف الكبير منكم على الصغير وانظروا
مسلمة فاصدروا عن رأيه فانه نابكم الذى عنه تفترون ولحيكم الذى عنه ترمون واكرموا الحجاج فانه الذى وطأ لكم المنابر ودوخ لكم البلاد وأذل لكم مغنى الاعداء وكونوا بنى أم بررة لا تدب بينكم العقارب وكونوا في الحرب أحرارا فان القتال لا يقرب منية وكونوا للمعروف منارا فان المعروف يبقى أجره وذخره وذكره وضعوا معروفكم عند ذوى الاحساب فانه لصون له واشكر لما يؤتى إليهم منه وتعهدوا ذنوب أهل الذنوب فان استقالوا فاقيلوا وان عادوا فانتقموا (ولما دفن عبد الملك) قال الوليد انا لله وانا إليه راجعون والله المستعان على مصيبتنا بموت أمير المؤمنين والحمد لله على ما أنعم علينا من الخلافة فكان أول من عزى نفسه وهنأها ثم قام عبد الله بن همام السامولى وهو يقول الله أعطاك التى لا فوقها * وقد أراد الملحدون عوقها * عنك ويأبى الله الا سوقها * اليك حتى قلدوك طوقها * وبايعه ثم بايعه الناس بعده وقيل ان الوليد صعد المنبر فحمد الله وأثنى عليه ثم قال أيها الناس لا مقدم لما أخره الله ولا مؤخر لما قدمه الله وقد كان من قضاء الله وسابق علمه وما كتب على أنبيائه وحملة عرشه الموت وقد صار إلى منازل الابرار وولى هذه الامة بالذى يحق لله عليه في الشدة على المذنب واللين لاهل الحق والفضل واقامة ما أقام الله من منازل الاسلام واعلائه من حج البيت وغزو الثغور وشن الغارة على أعداء الله فلم يكن عاجزا ولا مفرطا أيها الناس عليكم بالطاعة ولزوم الجماعة فان الشيطان مع(3/58)
المنفرد أيها الناس من أبدى لنا ذات نفسه ضربنا الذى فيه عيناه ومن سكت مات بدائه ثم نزل * (ولاية قتيبة بن مسلم خراسان وأخباره) * قدم قتيبة (1) خراسان أميرا عن الحجاج سنة ستة وثمانين فعرض الجند وحث على
الجهاد وسار غازيا وجعل على الحرب بمرو (2) اياس بن عبد الله بن عمرو وعلى الخراج عثمان بن السعدى وتلقاه دهاقين البلخ الطالقان وساروا معه ولما عبر النهر تلقاه ملك الصغانبان بهداياه وكان ملك اخرون وسومان يسئ جواره فدعاه إلى بلاده وسلمها إليه وسار قتيبة إلى اخرون وسومان وهو من طخارستان فصالحه ملكهما على فدية أداها إليه وقبضها ثم انصرف إلى مرو واستخلف على الجند أخاه صالح بن مسلم ففتح بعد رجوع قتبية كاشان وأورشت من فرغانة ثم اخسيكت مدينة فرغانة القديمة وكان معه ابن يسار وأبلى في هذه الغزاة وقيل ان قتيبة قدم خراسان سنة خمس وثمانين وكان من ذلك السبى امرأة برمك وكان برمك على النو بهار فصارت لعبد الله بن مسلم أخى قتيبة فوقع عليها وعلقت منه بخالد ثم صالح أهل بلخ وأمر قتيبة برد السبى فألحق عبد الله به حملها ثم ردت إلى برمك وذكر أن ولد عبد الله بن مسلم ادعوه ورفعوا أمرهم إلى المهدى وهو بالرى فقال لهم بعض قرابتهم انكم ان استلحقتموه لابد لكم أن تزوجوه فتركوه ولما صالح قتيبة ملك سومان كتب إلى بترك طرخان صاحب باذغيس فيمن عنده من أسرى المسلمين وهددهم فبعث بهم إليه ثم كتب إليه يستقدمه على الامان فخشى وتثاقل ثم قدم وصالح لاهل باذغيس على أن لا يدخلها قتيبة ثم غزا بيكنداد في مدائن بخارى إلى النهر سنة سبع وثمانين فلما نزل بهم استجاشوا بالصغد وبمن حولهم من الترك وساروا إليه في جموع عظيمة وأخذوا عليه الطرق فانقطعت الاخبار والرسل ما بينه وبين المسلمين شهرين ثم هزمهم بعض الايام وأثخن فيهم بالقتل والاسر وجاء إلى السور ليهدمه فسألوا الصلح فصالحهم واستعمل عليهم وسار عنهم غير بعيد فقتلوا العامل ومن معه فرجع إليهم وهدم سورهم وقتل المقاتلة وسبى الذرية وغنم من السلاح وآنية الذهب والفضة ما لم يصيبوا مثله ثم غزا سنة ثمان وثمانين بلد نومكثت فصالحوه وسار إلى رامسة فصالحوه أيضا فانصرف وزحف أيضا إليه الترك والصغد وأهل فرغانة في مائتي ألف وملكهم كوربعابور ابن أخت ملك الصين واعترضوا مقدمته وعليها أخوه عبد
الرحمن فقاتلهم حتى جاء قتيبة وكان ينزل معه فأبلى مع المسلمين ثم انهزم الترك وجموعهم ورجع قتيبة إلى مرو ثم أمره الحجاج سنة تسع وثمانين بغزو بخارى وملكها وردان خذاه فعبر النهر من زم ولقيه الصغد وأهل كش ونسف بالمفازة وقاتلوه فهزمهم(3/59)
ومضى إلى بخارى فنزل عن يمين وردان ولم يظفر منه بشئ ورجع إلى مرو * (عمارة المسجد) * كان الوليد عزل هشام بن اسمعيل المخزومى عن المدينة سنة سبع وثمانين لاربع سنين من ولايته وولى عليها عمر بن عبد العزيز فقدمها ونزل دار مروان ودعا عشرة من فقهاء المدينة فيهم الفقهاء السبعة المعروفون فجعلهم أهل مشورته لا يقطع أمرا دونهم وأمرهم أن يبلغوه الحاجات والظلامات فشكروه وجزوه خيرا ودعا له الناس ثم كتب إليه سنة ثمان أن يدخل حجر أمهات المؤمنين في المسجد ويشترى ما في نواحيه حتى يجعله مائتي ذراع في مثلها وقدم القبلة ومن أبى أن يعطيك ملكه فقومه قيمة عدل وادفع إليه الثمن واهدم عليه الملك ولك في عمر وعثمان اسوة فأعطاه أهل الا ملاك ما أحب منها بأثمانها وبعث الوليد إلى ملك الروم أنه يريد بناء المسجد فبعث إليه ملك الروم بمائة ألف مثقال من الذهب ومائة من الفعلة وأربعين حملا من الفسيفساء وبعث بذلك كله إلى عمر بن عبد العزيز واستكثر معهم من فعلة الشأم وشرع عمر في عمارته اه وولى الوليد في سنة تسع وثمانين على مكة خالد بن عبد الله القسرى * (فتح السند) * كان الحجاج قد ولى على ثغر السند ابن عمه محمد بن القاسم بن محمد بن الحكم بن أبى عقيل وجهز معه ستة آلاف مقاتل ونزل مكران فأقام بها أياما ثم أتى فيريوز ففتحها ثم ارمايل ثم سار إلى الدبيل وكان به بد عظيم في وسط المدينة على رأسه دقل عظيم وعليه راية فإذا هبت الريح دارت فأطافت بالمدينة والبد صنم مركوز في بناء والدقل
منارة عليه وكل ما يعبد فهو عندهم بد فحاصر الدبيل ورماهم بالمنجنيق فكسر الدقل فتطيروا بذلك ثم خرجوا إليه فهزمهم وتسنم الناس الاسوار ففتحت عنوة وأنزل فيها أربعة آلاف من المسلمين وبنى جامعها وسار عنها إلى النيروز وقد كانوا بعثوا إلى الحجاج وصالحوه فلقوا محمدا بالميرة وأدخلوه مدينتهم وسار عنها وجعل لا يمر بمدينة من مدائن السند الا فتحها حتى بلغ نهر مهران واستعد ملك السند لمحاربته واسمه داهر بن صصة ثم عقد الجسر على النهر وعبر فقاتله داهر وهو على الفيل وحوله الفيلة ثم اشتد القتال وترجل داهر فقاتل حتى قتل وانهزم الكفار واستلحمهم المسلمون ولحقت امرأة داهر بمدينة رارو فساروا إليها وخافته فأحرقت نفسها وجواريها وملك المدينة ولحق الفل بمدينة بدهمتاباد العتيقة على فرسخين من مكان المنصورة وهى يومئذ غيضة ففتحها عنوة واستلحم من وجد بها وخربها ثم استولى على مدائن السند واحدة واحدة وقطع نهر ساسل إلى الملقاد قحاصرها وقطع الماء عنها فنزلوا على حكمه فقتل(3/60)
المقاتلة وسبى الذرية وقتل سدنة البلد وهم ستة آلاف وأصابوا في البلد ذهبا كثيرا في بيت طوله عشرة أذرع وعرضه ثمانية كانت الاموال تهدى إليه من البلدان ويحجون إليه ويحلقون شعرهم عنده ويزعمون أنه هو أيوب فاستكمل فتح السند وبعث من الخمس بمائة وعشرين ألف ألف وكانت النفقة نصفها * (فتح الطالقان وسمرقند وغزو كش ونسف والشاش وفرغانة وصلح خوارزم) * قد تقدم أن قتيبة غزا بخارى سنة تسع وثمانين وانصرف عنها ولم يظفر وبعث إليه الحجاج سنة تسعين يوبخه على الانصراف عنها ويأمره بالعود فسار إليها ومعه نيزك طرخان صاحب باذغيس وحاصرها واستجاش ملكها وردان اخذاه بمن حوله من الصغد والترك فلما جاء مددهم خرجوا إلى المسلمين وكانت الازد في المقدمة فانهزموا حتى جازوا عسكر المسلمين ثم رجعوا وزحفت العساكر حتى ردوا الترك إلى موقفهم ثم
زحف بنو تميم وقاتلوا الترك حتى خالطوهم في مواقفهم وأزالوهم عنها وكان بين المسلمين وبينهم نهر لم يتجاسر أحد على عبوره الا بنو تميم فلما زالوا عن مواقفهم عبر الناس واتبعوهم وأثخنوا فيهم بالقتل وخرج خاقان وابنه وفتح الله على المسلمين وكتب بذلك إلى الحجاج ولما استوت الهزيمة جاء طرخون ملك الصغد ومعه فارسان ودنا من عسكر قتيبة يطلب الصلح على فدية يؤديها فأجابه قتيبة وعقد له ورجع قتيبة ومعه نيزك وقد خافه لما رأى من الفتوح فاستأذنه في الرجوع وهو بآمد فرجع يريد طخارستان وأسرع السير وبعث قتيبة إلى المغيرة بن عبد الله يأمره بحبسه وتبعه المغيرة فلم يدركه وأظهر نيزك الخلع ودعا لذلك الا صبهند ملك بلخ وباذان ملك مرو الروذ وملك الطالقان وملك القاربات وملك الجوزجان فأجابوه وتوعدوا لغزو قتيبة وكتب إلى كاتب شاه يستظهر به وبعث إليه باثقاله وأمواله واستأذنه في الاتيان ان اضطر إلى ذلك وكان جيفونة ملك طخارستان نيزك ينزل عنده فاستضعفه وقبض عليه وقيده خشية من خلافه وأخرج عامل قتيبة من بلده وبلغ قتيبة خبرهم قبل الشتاء وقد تفرق الجند فبعث أخاه عبد الرحمن بن مسلم في اثنى عشر ألف إلى البروقان وقال أقم بها ولا تحدث شيأ فإذا انقضى الشتاء تقدم إلى طخارستان وأنا قريب منك ولما انصرم الشتاء استقدم قتيبة الجنود من نيسابور وغيرها فقدموا فسار نحو الطالقان وكان ملكها قد دخل معهم في الخلع ففتحها وقتل من أهلها مقتلة عظيمة وصلب منهم سماطين أربعة فراسخ في مثلها واستخلف عليها أخاه محمد بن مسلم وسار إلى الفاربات فخرج إليه ملكها مطيعا واستعمل عليها وسار إلى الجوزجان فلقيه أهلها بالطاعة وهرب ملكها إلى الجبال واستعمل عليها عامر بن ملك الحماس ثم أتى بلخ وتلقاه أهلها بالطاعة وسار يتبع(3/61)
أخاه عبد الرحمن إلى شعب حمله ومضى نيزك إلى بغلان وخلف المقاتلة على فم الشعب ولا يهتدى إلى مدخل ومضايقوه يمنعونه ووضع أثقاله في قلعة من وراء الشعب وأقام
قتيبة أياما يقاتلهم على فم الشعب ولا يهتدى إلى مدخل حتى دله عليه بعض العجم هنالك على طريق سرب منه الرجال إلى القلعة فقتلوهم وهرب من بقى منهم ومضى إلى سمنجان ثم إلى نيزك وقدم أخاه عبد الرحمن وارتحل نيزك إلى وادى فرغانة وبعث أثقاله وأمواله إلى كابل شاه ومضى إلى الكون فتحصن به ولم يكن له الا مسلك واحد صعب على الدواب فحاصره قتيبة شهرين حتى جهدوا وأصابهم جهد الجدرى وقرب فصل الشتاء فدعا قتيبة بعض خواصه ممن كان بصادق نيزك فقال انطلق إليه وأثن عليه بغير أمان وان أعياك فأمنه وان جئت دونه صلبتك فمضى الرجل وأشار عليه بلقائه وانه عازم على أن يشق هنالك فقال أخشاه فقال له لا يخلصك الا اتيانك وتنصح له بذلك وبانه يخشى عليه من غدر أصحابه الذين معه ولم يزل يقتل له في الذروة والغارب وهو يمتنع حتى قال له انه قد أمنك فأشار عليه أصحابه بالقبول لعلمهم بصدقه وخرج معه نيزك ومعهم حيفونة ملك طخارستان الذى كان قيده حتى انتهوا إلى الشعب وهناك خيل اكمنه الرجل ما كان فيه وكتب إلى الحجاج يستأذنه في قتل نيزك فوافاه كتابه لاربعين يوما بقتله فقتله وقتل معه صول طرخان خليفة جيفونة وابن أخى نيزك ومن أصحابه سبعمائة وصلبهم وبعث برأسه إلى الحجاج وأطلق جيفونة وبعث به إلى الوليد ثم رجع إلى مرو وأرسل إليه ملك الجوزجان يستأمنه فأمنه على أن يأتيه فطلب الرهن فأعطاه وقدم ثم رجع فمات بالطالقان وذلك سنة احدى وتسعين ثم سار إلى شومان فحاصرها وقد كان ملكها طرد عامل قتيبة من عنده فبعث إليه بعد مرجعه من هذه الغزاة أن يؤدى ما كان صالح عليه فقتل الرسول فسار إليه قتيبة وبعث له صالح أخو قتيبة وكان صديقه ينصحه في مراجعة الطاعة فأبى فحاصره قتيبة ونصب عليه المجانيق فهدم الحصن وجمغ الملك ما في الحصن من مال وجوهر ورمى به في بئر لا يدرك قعره ثم استمات وخرج فقاتل حتى قتل وأخذ قتيبة القلعة عنوة فقتل المقاتلة وسبى الذرية ثم بعث أخاه عبد الرحمن إلى الصغد وملكهم طرخون فأعطى ما كان صالح عليه قتيبة وسار قتيبة
إلى كش ونسف فصالحوه ورجع ولقى أخاه ببخارى وساروا إلى مرو (ولما رجع) عن الصغد حبس الصغد ملكهم طرخون لاعطائه الجزية وولوا عليهم غورك فقتل طرخون نفسه ثم غزا في سنة اثنتين وتسعين إلى سجستان يريد رتبيل فصالحه وانصرف وكان ملك خوارزم قد غلبه أخوه خرزاد على أمره وكان أصغر منه وعاث في الرعية وأخذ أموالهم وأهليهم فكتب إلى قتيبة يدعوه إلى أرضه ليسلمها إليه على أن يمكنه(3/62)
من أخيه ومن عصاه من دونهم فأجابه قتيبة ولم يطلع الملك أحدا من مرازبتة على لك وتجهز قتيبة سنة ثلاث وتسعين وأظهر غزو الصغد فأقبل أهل خوارزم على شأنهم ولم يحتفلوا بغزوه وإذا به قد نزل هزارسب قريبا منهم وجاء أصحاب خوارزم شاه إليه فدعوه للقتال فقال ليس لنا به طاقة ولكن نصالحه على شئ نعطيه كما فعل غيرنا فوافقوه وسار إلى مدينة الفيد من وراء النهر وهذا حصن بلاده وصالحه بعشرة آلاف رأس وعين ومتاع وأن يعينه على خام جرد وقيل على مائة ألف رأس وبعث قتيبة أخاه عبد الرحمن إلى خام جرد وهو عدو لخوارزم شاه فقاتله وقتله عبد الرحمن وغلب على أرضه وأسر منهم أربعة آلاف فقتلهم وسلم قتيبة إلى خوارزم شاه أخاه ومن كان يخالفه من أمرائه فقتلهم ودفع أموالهم إلى قتيبة ولما قبض قتيبة أموالهم أشار عليه المحشر بن مخازم السلمى بغزو الصغد وهم آمنون على مسافة عشرة أيام فقال اكتم ذلك فقدم أخاه في الفرسان والرماة وبعثوا بالاثقال إلى مرو وخطب قتيبة الناس وحثهم على الصغد وذكرهم الضفائن فيهم ثم سار فأتى الصغد بعد ثلاث من وصول أخيه فحاصرهم بسمرقند شهرا واستجاشوا ملك الشاش واخشاد خاقان وفرغانة فانتخبوا أهل النجدة من ابناء الملوك والمرازبة والاساورة وولوا عليهم ابن خاقان وجاؤا إلى المسلمين فانتخب قتيبة من عسكره ستمائة فارس وبعث بهم أخاه صالحا لاعتراضهم في طريقهم فلقوهم بالليل وقاتلوهم أشد قتال فهزموهم وقتلوهم وقتلوا ابن خاقان ولم
يفلت منهم الا القليل وغنموا ما معهم ونصب قتيبة المجانيق فرماهم بها وثلم السور واشتد في قتالهم وحمل الناس عليهم إلى أن بلغوا الثلمة ثم صالحوه على ألفى ألف ومائتي ألف مثقال في كل عام وأن يعطوه تلك السنة ثلاثين ألف رأس وأن يمكنوه من بناء مسجد بالمدينة ويخلوها حتى يدخل فيصلى فيه فلما فعل ذلك ودخل المدينة أكرههم على اقامة جند فيها وقيل انه شرط عليهم الاصنام وما في بيوت النار فأعطوه فأخذ الحلية وأحرق الاصنام وجمع من بقايا مساميرها وكانت ذهبا خمسين ألف مثقال وبعث بجارية من سبيها من ولد يزدجرد إلى الحجاج فأرسلها الحجاج إلى الوليد وولدت له يزيد ثم قال فورك لقتيبة انتقل عنا فانتقل وبعث إلى الحجاج بالفتح ثم رجع إلى مرو واستعمل على سمرقند اياس بن عبد الله على حربها وعبيد الله بن أبى عبيد الله مولى مسلم على خراجها فاستضعف أهل خوارزم اياسا وجمعوا له فبعث قتيبة عبد الله عاملا على سمرقند وأمره أن يضرب اياسا وحبايا السطى مائة مائة ويخلعهما فلما قرب عبد الله من خوارزم مع المغيرة بن عبد الله فبلغهم ذلك وخشى ملكه من ابناء الذين كان قتلهم ففر إلى بلاد الترك وجاء المغيرة فقتل وسبى وصالحه الباقون على الجزية ورجع إلى(3/63)
قتيبة فولاه على نيسابور ثم غزا قتيبة سنة أربع وتسعين إلى ما وراء النهر وفرض البعث على أهل بخارى وكش ونسف وخوارزم فسار منهم عشرون ألف مقاتل فبعثهم إلى الشاش وسار هو إلى خجندة فجمعوا له واقتتلوا مرارا كان الظفر فيها للمسلمين وفتح الجند الذين ساروا إلى الشاش مدينة الشاش وأحرقوها ورجعوا إلى قتيبة وهو على كشان مدينة فرغانة وانصرف إلى مرو ثم بعث الحجاج إليه جيشا من العراق وأمره بغزو الشاش فسار لذلك وبلغه موت الحجاج فرجعوا إلى مرو * (خبر يزيد بن المهلب واخونه) * كان الحجاج قد حبس يزيد واخوته سنة ست وثمانين وعزل حبيب بن المهلب عن كرمان
فأقاموا في محبسهم إلى سنة تسعين وبلغه أن الاكراد غلبوا على فارس فعسكر قريبا من البصرة للبعث وأخرج معه بنى المهلب وجعلهم في فسطاط قريبا منه ورتب عليهم الحرس من أهل الشأم ثم طلب منهم ستة آلاف ألف وأمر بعذابهم وبكت أختهم هند بنت المهلب زوجة الحجاج فطلقها ثم كف عنهم وجعل يستأدبهم وبعثوا إلى أخيهم مروان وكان على البصرة أن يعدلهم خيلا وكان حبيب منهم يعذب بالبصرة فصنع يزيد للحرس طعاما كثيرا وأمر لهم بشراب فأقاموا يتعاقرون واستغفلهم يزيد والمفضل وعبد الملك وخرجوا ولم يفطنوا لهم ورفع الحرس خبرهم إلى الحجاج فخشيهم على خراسان وبعث البريد إلى قتيبة يخبرهم ليحذرهم وكان يزيد قد ركب السفن إلى البطائح واستقبلته الخيل المعدة له هناك وساروا إلى الشأم على السماوة ومعهم دليل من كاب ونمى خبرهم إلى الحجاج فبعث إلى الوليد بذلك وقدموا إلى فلسطين فنزلوا على وهيب بن عبد الرحمن الازدي وكان كريما على سليمان فأخبره بحالهم وانهم استجاروا به من الحجاج فقال ائتنى بهم فقد أجرتهم وكتب الحجاج إلى الوليد ان بنى المهلب خانوا مال الله وهربوا منى فلحقوا بسليمان فسكن ما به لانه كان خشيهم على خراسان كما خشيهم الحجاج وكان غضبا للمال الذى ذهبوا به فكتب سليمان إلى الوليد ان يزيد عندي وقد أمنته وكان الحجاج أغرمه ستة آلاف ألف فأد نصفها وأنا أؤدى النصف فكتب الوليد لا أؤمنه حتى تبعث به فكتب سليمان لاجيئن معه فكتب الوليد اذن لا أؤمنه فقال يزيد لسليمان لا يتشاءم الناس بى لكما فاكتب معى وتلطف ما أطقت فأرسله وارسل معه ابنه أيوب وكان الوليد أمر أن يبعث مقيدا فقال سليمان لابنه ادخل على عمك أنت ويزيد في سلسلة فقال الوليد لما رأى ذلك لقد بلغنا من سليمان ثم دفع أيوب كتاب أبيه بالشفاعة وضمان المال عن يزيد فقرأه الوليد واستعطفه أيوب في ذمة أبيه وجواره وتكلم يزيد واعتذر فأمنه الوليد ورجع إلى سليمان وكتب الوليد إلى الحجاج(3/64)
بالكف عنهم فكف عن حبيب وأبى عبسة وكانا عنده وأقام يزيد عند سليمان يهدى إليه الهدايا ويصنع له الاطعمة * (ولاية خالد القسرى على مكة واخراج سعيد بن جبير عنها ومقتله) * ولما كان في سنة ثلاث وتسعين كتب عمر بن عبد العزيز إلى الوليد يقص عليه أفعال الحجاج بالعراق وما هم فيه من ظلمه وعدوانه فبلغ بذلك الحجاج فكتب إلى الوليد ان كثيرا من المراق وأهل الشقاق قد انجلوا عن العراق ولحقوا بالمدينة ومكة ومنعهم عمر ذلك وهن فولى الوليد على مكة خالد بن عبد الله القسرى وعثمان بن حيان باشارة الحجاج وعزل عمر عن الحجاز وذلك في شعبان من السنة ولما قدم خالد مكة أخرج من كان بها من أهل العراق كرها وتهدد من أنزل عراقيا أو أجره دارا وكانوا أيام عمر بن عبد العزيز يلجأ إلى مكة والمدينة كل من خاف الحجاج فيأمن وكان منهم سعيد بن جبير هاربا من الحجاج وكان قد جعله على عطاء الجند الذين وجههم مع عبد الرحمن بن الاشعث إلى قتال رتبيل فلما خرج عبد الرحمن كان سعيد فيمن خلع فكان معه إلى أن هزم وسار إلى بلاد رتبيل فلحق سعيد باصبهان وكتب الحجاج فيه إلى عاملها فتحرج من ذلك ودس إلى سعيد فسار إلى أذربيجان ثم طال عليه المقام فخرج إلى مكة فكان بها مع ناس أمثاله من طلبة الحجاج يستخفون بأسمائهم فلما قدم خالد ابن عبد الله مكة أمره الوليد بحمل أهل العراق إلى الحجاج فأخذ سعيد بن جبير ومجاهدا وطلق بن حبيب وبعث بهم إلى الحجاج فمات طلق في الطريق وجئ بالآخرين إلى الكوفة وأدخلا على الحجاج فلما رأى سعيدا شتم خالدا القسرى على ارساله وقال لقد كنت أعرف أنه بمكة وأعرف البيت الذى كان فيه ثم أقبل على سعيد وقال ألم أشركك في أمانتى ألم أستعملك ثم تفعل يعدد أياديه عنده فقال بلى قال فما أخرجك على قتالي أنا امرؤ من المسلمين أخطئ مرة وأصيب أخرى ثم استمر في محاورته فقال انما كانت بيعة في عنقي فغضب الحجاج وقال ألم آخذ بيعتك لعبد الملك بمكة بعد مقتل
ابن الزبير ثم جددت له البيعة بالكوفة فأخذت بيعتك ثانيا قال بلى قال فنكثت بيعتين لامير المؤمنين وتوفى بواحدة للفاعل بن الفاعل والله لاقتلنك فقال انى لسعيد كما سمتنى أمي فضربت عنقه فهلل رأسه ثلاثا أفصح منها بمرة ويقال ان عقل الحجاج التبس يومئذ وجعل يقول قيودنا قيودنا فظنوها قيود سعيد بن جبير فأخذوها من رجليه وقطعوا عليها ساقيه وكان إذا نام يرى سعيد بن جبير في منامه آخذا بمجامع ثوبه يقول يا عدو الله فيم قتلتنى فينتبه مرعوبا يقول مالى ولسعيد بن جبير * (وفاة الحجاج) *(3/65)
وتوفى الحجاج في شوال سنة خمس وتسعين لعشرين سنة من ولايته العراق ولما حضرته الوفاة استخلف على ولايته ابنه عبد الله وعلى حرب الكوفة والبصرة يزيد بن أبى كبشة وعلى خراجهما يزيد بن أبى مسلم فأقرهم الوليد بعد وفاته وكتب إلى قتيبة بن مسلم بخراسان قد عرف أمير المؤمنين بلاءك وجهدك وجهادك أعداء المسلمين وأمير المؤمنين رافعك وصانع بك الذى تحب فاتمم مغازيك وانتظر ثواب ربك ولا تغيب عن أمير المؤمنين كتبك حتى كانى أنظر إلى بلادك والثغر الذى أنت فيه ولم يغير الوليد أحدا من عمال الحجاج * (أخبار محمد بن القاسم بالسند) * كان محمد بن القاسم بالملتان وأتاه خبر وفاة الحجاج هنالك فرجع إلى الدور والثغور وكان قد فتحها ثم جهزه الناس إلى السلماس مع حبيب فأعطوا الطاعة وسالمه أهل شرست وهى مغزى أهل البصرة وأهلها يقطعون في البحر ثم سار في العسكر إلى فخرج إليه دوهر فقاتله محمد وهزمه وقتله ونزل أهل المدينة على حكمه فقتل وسبا ولم يزل عاملا على السند إلى أن ولى سليمان بن عبد الملك فعزله وولى يزيد بن أبى كبشة السكسكى على السند مكانه فقيده يزيد وبعث به إلى العراق فحبسه
صالح بن عبد الرحمن بواسط وعذبه في رجال من قرابة الحجاج على قتلهم وكان الحجاج قتل أخاه آدم على رأى الخوارج ومات يزيد بن أبى كبشة لثمان عشرة ليلة من مقدمه فولى سليمان على السند حبيب بن المهلب فقدمها وقد رجع ملوك السند إلى ممالكهم ورجع حبشة بن داهر إلى فنزل حبيب على شاطئ مهران وأعطاه أهل الروم الطاعة وحارب فظفر ثم أسلم الملوك لما كتب عمر بن عبد العزيز إلى الاسلام على أن يملكهم وهم أسوة المسلمين فيما لهم وعليهم فأسلم حبشة والملوك وتسموا بأسماء العرب وكان عمر بن مسلم الباهلى عامل عمر على ذلك الثغر فغزا بعض الهند وظفر ثم ولى الجنيد بن عبد الرحمن على السند أيام هشام بن عبد الملك فأتى شط مهران ومنعه حبشة ابن داهر العبور وقال انى قد أعملت وولانى الرجل الصالح ولست آمنك فأعطاه الرهن ثم ردها حبشة وكفر وحارب فحاربه الجنيد في السفن وأسره ثم قتله وهرب صصه ابن داهر إلى العراق شاكيا لغدر الجنيد فلم يزل يؤنسه حتى جاءه فقتله ثم غزا الجنيد الكيرح من آخر الهند وكانوا نقضوا فاتخذ كباشا (1) زاحفة ثم صك بها سور المدينة فثلمها ودخل فقتل وسبى وغنم وبعث العمال إلى المرمد والمعدل ودهنج وبعث جيشا إلى أرين فأغاروا عليها وأحرقوا ربضها وحصل عنده سوى ما حمل أربعون ألف ألف وحمل مثلها وولى تميم بن زيد الضبى فضعف ووهن ومات قريبا من الديبل وفى أيامه(3/66)
خرج المسلمون عن بلاد الهند وتركوا مراكزهم ثم ولى الحكم بن سوام الكلبى وقد كفر أهل الهند الا أهل قصة فبنى مدينة سماها المحفوظة وجعلها مأوى المسلمين وكان معه عمر بن محمد بن القاسم وكان يفوض إليه عظائم الامور وأغزاه من المحفوظة فلما قدم وقد ظهر أمره فبنى مدينة وسماها المنصورة وهى التى كانت أمراء السند ينزلونها واستخلص ما كان غلب عليه العدو ورضى الناس بولايته ثم قتل الحكم وضعفت الدولة الاموية عن الهند وتأتى أخبار السند في دولة المأمون
* (فتح مدينة كاشغر) * أجمع قتيبة لغزو مدينة كاشغر سنة ست وتسعين وهى أدنى مدائن الصين فسار لذلك وحمل مع الناس عيالاتهم ليضعها بسمرقند وعبر النهر وجعل على المجاز مسلحة (1) يمنعون الراجع من العسكر الا باذنه وبعث مقدمه إلى كاشغر فغنموا وسبوا وختم أعناق السبى وأوغل حتى قارب الصين فكتب إليه ملك الصين يستدعى من أشراف العرب من يخبره عنهم وعن دينهم فانتخب قتيبة عشرة من العرب كان منهم هبيرة بن شمرج الكتابى وأمر لهم بعدة حسنة ومتاع من الخز والوشى وخيول أربعة وقال لهم أعلموه انى حالف انى لا أنصرف حتى أطأ بلادهم وأختم ملوكهم وأجبى خراجهم ولما قدموا على ملك الصين دعاهم في اليوم الاول فدخلوا وعليهم الغلائل والاردية وقد تطيبوا ولبسوا النعال فلم يكلمهم الملك ولا أحد ممن حضره وقالوا بعد انصرافهم هؤلاء نسوان فلبسوا الوشى والمطارف وعمائم الخز وغدوا عليه فلم يكلموهم وقالوا هذه أقرب إلى هيئة الرجال ثم دعاهم الثالثة فلبسوا سلاحهم وعلى رؤسهم البيضات والمغافر وتوشحوا السيوف واعتقلوا الرماح ونكبوا القسى فها لهم منظرهم ثم انصرفوا وركبوا فتطاردوا فعجب القوم منهم ثم دعا زعيمهم هبيرة بن شمرج فسأله لم خالفوا في زيهم فقال أما الاول فانا نساء في أهلنا وأما الثاني فزينا عند أمرائنا وأما الثالث فزيتا لعدونا فاستحسن ذلك ثم قال له قد رأيتم عظم ملكى وأنه ليس أحد يمنعكم منى وقد عرفت قلتكم فقولوا لصاحبكم ينصرف والا بعثت من يهلككم فقال هبيرة كيف نكون في قلة وأول خيلنا في بلادك وآخرها في منابت الزيتون وأما القتل فلسنا نكرهه ولا نخافه ولنا آجال إذا حضرت فلن نتعداها وقد حلف صاحبنا أنه لا ينصرف حتى يطأ أرضكم ويختم ملوككم ويأخذ جزيتكم قال الملك فانا نخرجه من يمينه نبعث له بتراب من أرضنا فيطؤه ويقبض أبناءنا فيختمهم وبهدية ترضيه ثم أجازهم فأحسن وقدموا على قتيبة فقبل الجزية ووطئ التراب وختم الغلمان وردهم ثم انصرف من غداته
وأوفد هبيرة إلى الوليد وبلغه وهو في الفرات موت الوليد(3/67)
* (وفاة الوليد وبيعة سليمان) * ثم توفى الوليد في منتصف جمادى الاخيرة من سنة ست وتسعين وصلى عليه عمر بن عبد العزيز وكان من أفضل خلفاء بنى أمية وبنى المساجد الئلاثة مسجد المدينة ومسجد القدس ومسجد دمشق ولما أراد بناء مسجد دمشق كانت في موضعه كنيسة فهدمها وبناها مسجدا وشكوا ذلك لعمر بن عبد العزيز فقال نرد عليكم كنيستكم ونهدم كنيسة توما فانها خارج المدينة مما فتح عنوة ونبنيها مسجدا فتركوا ذلك وفتح في ولايته الاندلس وكاشغر والهند وكان يتخذ الضياع وكان متواضعا يمر بالبقال فيسأله بكم حزمة البقل ويسعر عليه وكان بختم القرآن في ثلاث وفى رمضان في يومين وكان أراد أن يخلع أخاه سليمان ويبايع لولده عبد العزيز فأبى سليمان فكتب إلى عماله ودعا الناس إلى ذلك فلم يجبه الا الحجاج وقتيبة وبعض خواصه واستقدم سليمان ثم استبطأه فأجمع السير إليه ليخلعه فمات دون ذلك ولما مات بويع سليمان من يومه وهو بالرملة فعزل عثمان بن حيان من المدينة آخر رمضان وولى عليها أبا بكر بن محمد بن عمر بن حزم وعزل ولاة الحجاج عن العراق فولى يزيد بن المهلب على المصرين وعزل عنهما يزيد بن أبى مسلم فبعث يزيد أخاه زيادا على عمان وأمر سليمان يزيد بن المهلب بنكبة آل أبى العقيل قوم الحجاج وبنى أبيه وبسط أصناف العذاب عليهم فولى على ذلك عبد الملك بن المهلب * (مقتل قتيبة بن مسلم) * ولما ولى سليمان خافه قتيبة لما قدمناه من موافقته الوليد على خلعه فخشى أن يولى يزيد ابن المهلب خراسان فأجمع خلعه وكتب إليه لئن لم تقرنى على ما كنت عليه وتؤمني لاخلعنك ولاملانها عليك خيلا ورجلا فامنه وكتب له العهد على خراسان وبعث إليه رسوله بذلك فبعث الرسول وهو بحلوان انه قد خلع وكان هو بعد بعثة الكتاب
إلى سليمان قد اشتد وجله وأشار عليه أخوه عبد الله بالمعاجلة فدعا الناس إلى الخلع وذكرهم بواثقه وسوء ولاية من تقدمه فلم يجبه أحد فغضب وشتمهم وعدد مثابلهم قبيلة قبيلة وأثنى على نفسه بالاب والبلد والمعشر فغضب الناس وكرهوا خلع سليمان وأجمعوا على خلع قتيبة وخلافه وعذل قتيبة أصحابه فيما كان منه فقال لما لم تجيبوني غضبت فلم أدر ما قلت وجاء الازد إلى حضين بن المنذر بالضاد المعجمة فقالوا كيف ترى هذا يدعو إلى فساد الدين ويشتمنا فعرف مغزاهم فقال ان مضر بخراسان كثير وتميم أكثرهم وهم شوكتها ولا يرضون بغيرهم فيصيبوا قتيبة ولا أرى لها الا وكيعا وكان وكيع موثقا من قتيبة بعزله وولاية ضرار بن حصين الضبى مكانه وقال حيان(3/68)
النبطي مولى بنى شيبان ليس لها غير وكيع ومشى الناس بعضهم إلى بعض سرا وتولى كبر ذلك حيان ونمى خبره إلى قتيبة فأمر بقتله إذا دخل عليه وتنصح بعض خدم قتيبة بذلك إلى حيان فلما دعاه تمارض واجتمع الناس إلى وكيع وبايعوه فمن أهل البصرة والعالية من المقاتلة تسعة آلاف ومن بكر سبعة آلاف رئيسهم حضين بن المنذر ومن تميم عشرة آلاف عليهم ابن زخر ومن الموالى سبعة آلاف عليهم حيان النبطي وقيل من الديلم وسمى نبطيا للكنته وشرط على وكيع أن يحول له الجانب الشرقي من نهر بلخ فقبل وفشا الخبر وبلغ قتيبة فدس ضرار بن سيان الضبى إلى وكيع فبايعه وجاء إلى قتيبة بالخبر فأرسل قتيبة إلى وكيع فاعتذر بالمرض فقال لصاحب شرطته ائتنى به وان أبى ائتنى برأسه فلما جاء إلى وكيع ركب ونادى في الناس فأتوه ارسالا واجتمع إلى قتيبة أهل بيته وخواصه وثقاته وبنو عمه وأمر فنودى في الناس قبيلة قبيلة وأجابوه بالجفوة يقول أين بنو فلان فيقولون حيث وضعتهم فنادى بأذكركم الله والرحم فقالوا أنت قطعتها فنادى لكم العتبى فقالوا لا انا لنا الله إذا فدعا ببرذون ليركبه فمنعه ورمحه فعاد إلى سريره وجاء حيان النبطي في العجم فأمره
عبد الله أخو قتيبة أن يحمل على القوم فاعتذر وقال لابنه إذ القيتنى حولت قلنسوتي فمل بالاعاجم إلى وكيع ثم حولها وسار بهم ورمى صالح أخو قتيبة بسهم فحمل إلى أخيه ثم تهايج الناس وجاء إلى عبد الرحمن أخى قتيبة الغوغاء ونحوهم فأحرقوا اريا فيه ابل قتيبة ودوابه ثم زحفوا به حتى بلغوا فسطاطه فقطعوا أطنابه وجرح جراحات كثيرة ثم قطعوا رأسه وقتل معه اخوته عبد الرحمن وعبد الله وصالح وحصين وعبد الكريم ومسلم وابنه كثير وقيل قتل عبد الكريم بقزوين فكان عدة من قتل من أهله احد عشر رجلا ونجا أخوه عمر مع اخواله من تميم ثم صعد وكيع المنبر وأنشد الشعر في الثناء على نفسه وفعله والذم من قتيبة ووعد بحسن السيرة وطلب رأس قتيبة وخاتمه من الازد وهددهم عليه فجاؤا به فبعثه إلى سليمان ووفى وكيع لحيان النبطي بما ضمن له * (ولاية يزيد بن المهلب خراسان) * كان يزيد بن المهلب لما ولاه سليمان العراق على الحرب والصلاة والخراج استكره أن يحيف على الناس في الخراج فتلحقه المذمة كما لحقت الحجاج ويخرب العراق وان قصر عن ذلك لم يقبل منه فرغب من سليمان أن يعفيه من الخراج وأشار عليه بصالح بن عبد الرحمن مولى تميم فولاه سليمان الخراج وبعثه قبل يزيد فلما جاء صالح إلى يزيد ضيق عليه صالح وكان يزيد يطعم على ألف خوان فاستكثرها صالح فقال اكتب ثمنها على وغير ذلك وضجر يزيد وجاء خبر خراسان ومقتل قتيبة فطمع يزيد في ولايتها ومن عبد الله(3/69)
ابن الاهتم على سليمان أن يوليه خراسان ولا يشعر بطلبته بذلك وسيره على البريد فقال له سليمان ان يزيد كتب إلى يذكر عملك بالعراق فقال نعم بها ولدت وبها نشأت ثم استشاره فيمن يوليه خراسان ولم يزل سليمان يذكر الناس وهو يردهم ثم حذره من وكيع وغدره قال فسم أنت قال شريطة الكمال الاجازة ممن أشير به وإذا علم يكره ذلك ثم قال هو يزيد بن المهلب فقال سليمان العراق أحب إليه فقال ابن الاهتم
قد علمت ولكن نكرهه فيستخلف على العراق ويسير إلى خراسان فكتب عهد يزيد على خراسان وبعثه مع ابن الاهتم فلما جاء بعث ابنه مخادا على خراسان ثم سار بعده واستخلف على واسط الجراح بن عبد الله الحكمى وعلى البصرة ابن عبد الله بن هلال الكلابي وعلى الكوفة حرملة بن عيد اللخمى ثم عزله لاشهر بشير بن حيان النهدي فكانت قيس تطلب بثأر قتيبة وتزعم أنه لم يخلع فأوصى سليمان يزيد ان أقامت قيس بينة انه لم يخلع أن يقيد به من وكيع * (أخبار الصوائف وحصار قسطنطينية) * كانت الصوائف تعطلت من الشام منذ وفاة معاوية وحدوث الفتن واشتدت الفتن أيام عبد الملك اجتمعت الروم واستجاشوا على أهل الشأم فصالح عبد الملك صاحب قسطنطينية على أن يؤدى إليه كل يوم جمعة ألف دينار خشية منه على المسلمين ونظرا لهم وذلك سنة سبعين لعشر سنين من وفاة معاوية ثم لما قتل مصعب وسكنت الفتنة بعث الجيوش سنة احدى وسبعين في الصائفة فدخل فافتتح قيسارية ثم ولى على الجزيرة وأرمينية أخاه محمد بن مروان سنة ثلاث وسبعين فدخل في الصائفة إلى بلاد الروم فهزمهم ودخل عثمان بن الوليد من ناحية أرمينية في أربعة آلاف ولقيه الروم في ستين ألفا فهزمهم وأثخن فيهم بالقتل والاسر ثم غزا محمد بن مروان سنة أربع وسبعين فبلغ انبولية وغزا في السنة بعدها في الصائفة من طريق مرعش فدوخ بلادهم وخرج الروم في السنة بعدها إلى العتيق فغزاهم من ناحية مرعش ثانية ثم غزاهم سنة ست وسبعين من ناحية ملطية ودخل في الصائفة سنة سبع وسبعين الوليد بن عبد الملك فأثخن فيهم ورجع وجاء الروم سنة تسع وسبعين فأصابوا من أهل انطاكية وظفروا بهم فبعث عبد الملك سنة احدى وثمانين ابنه عبيد الله بالعسكر ففتح قاليقلا ثم غزا محمد بن مروان سنة اثنتين وثمانين أرمينية وهزمهم فسألوه الصلح فصالحهم وولى عليهم أبا شيخ بن عبد الله فغدروه وقتلوه فغزاهم سنة خمس وثمانين
وصاف فيها وشتى ثم غزا مسلمة بن عبد الملك أرض الروم ودوخها ورجع عاد إليها سنة سبع وثمانين فأثخن فيهم بناحية المصيصة وفتح حصونا كثيرة منها حصن بولق(3/70)
والاحزم وبولس وقمقيم وقتل من المستقر به ألف مقاتل وسبى أهاليهم ثم غزا بلاد الروم سنة تسع وثمانين مسلمة بن عبد الملك والعباس بن الوليد فافتتح مسلمة حصن سورية وافتتح العباس اردوليه ولقى جمعا من الروم فهزمهم وقيل ان مسلمة قصد عمورية فلقى بها جمعا من الروم فهزمهم وافتتح هرقلة وقمولية وغزا العباس الصائفة من ناحية البلد بدون وغزا مسلمة بن عبد الملك الترك سنة تسع وثمانين من ناحية أذربيجان ففتح حصونا ومدائن هناك ثم غزا سنة تسعين ففتح الحصون الخمس التى بسورية وغزا العباس حتى بلغ أردن وسورية وفى سنة احدى وتسعين غزا عبد العزيز بن الوليد في الصائفة مع مسلمة بن عبد الملك و كان الوليد قد ولى مسلمة على الجزيرة وارمينية وعزل عمه محمد بن مروان عنها فغزا الترك من ناحية أذربيجان حتى الباب وفتح مدائن وحصونا ثم غزا سنة اثنتين وتسعين بعدها ففتح ثلاثة حصون وجلا أهل سرسنة إلى بلاد الروم ثم غرا العباس بن الوليد سنة ثلاث بعدها بلاد الروم ففتح سبيطلة وغزا مروان بن الوليد فبلغ حنجرة وغزا مسلمة ففتح ماشية وحصن الحديد وغزالة من ناحية ملطية وغزا العباس بن الوليد سنة أربع وتسعين ففتح انطاكية وغزا عبد العزيز بن الوليد ففتح غزالة وبلغ الوليد بن هشام المعيطى مروج الحمام ويزيد بن أبى كبشة أرض سورية وفى سنة خمس وتسعين غزا العباس الروم ففتح هرقلة وفى سنة سبع وتسعين غزا مسلمة أرض الرضاخية وفتح الحصن الذى فتحه الرصاع وغزا عمر بن هبيرة أرض الروم في البحر فشتى بها وبعث سليمان بن عبد الملك الجيوش إلى القسطنطينية وبعث ابنه داود على الصائفة ففتح حصن المراة وفى سنة ثمان وتسعين مات ملك الروم فجاء القون إلى سليمان فأخبره
وضمن له فتح الروم وسار سليمان إلى وابق وبعث الجيوش مع أخيه مسلمة ولما دنا من القسطنطينية أمر أهل المعسكر أن يحمل كل واحد مدين مدين من الطعام ويلقوه في معسكرهم فصار أمثال الجبال واتخذ البيوت من الخشب وأمر الناس بالزراعة وصاف وشتى وهم يأكلون من زراعتهم وطعامهم الذى استاقوه مدخرا ثم جهد أهل القسطنطينية الحصار وسألوا الصلح على الجزية دينارا على الرأس فلم يقبل مسلمة وبعث الروم إلى القون ان صرفت عنا المسلمين ملكناك فقال لمسلمة لو أحرقت هذا الزرع علم الروم انك قصدتهم بالقتال فنأخذهم باليد وهم الآن يظنون مع بقاء الزرع انك تطاولهم فأحرق الزرع فقوى الروم وغدر القون وأصبح محاربا وأصاب الناس الجوع فأكلوا الدواب والجلود وأصول الشجر والورق وسليمان مقيم بوابق وحال الشتاء بينهم وبينه فلم يقدر أن يمدهم حتى مات وأغارت برجان على مسلمة وهر(3/71)
في قلة لهزمهم وفتح مدينتهم وغزا في هذه السنة الوليد بن هشام فأثخن في بلاد الروم وغزا داود بن سليمان سنة ثمان وتسعين ففتح حصن المراة مما يلى ملطية وفى سنة تسع وتسعين بعث عمر بن عبد العزيز مسلمة وهو بأرض الروم وأمده بالنفول بالمسلمين وبعث إليه بالخيل والدواب وحث الناس على معونتهم ثم أمر عمر بن عبد العزيز أهل طريدة بالجلاء عنها إلى ملطية وخربها وكان عبد الله بن عبد الملك قد أسكنها المسلمين وفرض على أهل الجزيرة مسلحة تكون عندهم إلى فصل الشتاء وكانت متوغلة في أرض الروم فخربها عمر وولى على ملطية جعونة بن الحرث من بنى عامر بن صعصعة وأغزى عمر سنة مائة من الهجرة بالصائفة الوليد بن هشام المعيطى وعمر بن قيس الكندى * (فتح جرجان وطبرستان) * كان يزيد بن المهلب يريد فتحهما لما أنهما كانتا للكفار وتوسطتا بين فارس وخراسان ولم يصبهما الفتح وكان يقول وهو في جوار سليمان بالشأم إذا قصت عليه أخبار
قتيبة وما يفعله بخراسان وما وراء النهر ما فعلت جرجان التى قطعت الطريق وأفسدت يوسس ونيسابور وليست هذه الفتوح بشئ والشأن في جرجان فلما ولاه سليمان خراسان سار إليها في مائة ألف من أهل العراق والشأم وخراسان سوى الموالى والمتطوعة ولم تكن جرجان يومئذ مدينة انما هي جبال ومخارم يقوم الرجل على باب منها فيمنعه فابتدأ بقهستان فحاصرها وبها طائفة من الترك فكانوا يخرجون فيقاتلون وينهزمون في كل يوم ويدخلون حصنهم ولم يزل على ذلك حتى بعث إليه دهقان بتستاذن يسأل في الصلح ويسلم المدينة وما فيها فصالحه وأخذ ما فيها من الاموال والكنوز والسبي ما لا يحصى وقتل أربعة عشر ألفا من الترك وكتب إلى سليمان بذلك ثم سار إلى جرجان وكان سعيد بن العاصى قد صالحهم على الجزية مائة ألف في السنة فكانوا أحيانا يجبون مائة وأحيانا مائتين وأحيانا ثلثمائة وربما أعطوا ذلك وربما منعوا ثم كفروا ولم يعطوا خراجا ولم يأت جرجان بعد سعيد أحد ومنعوا الطريق إلى خراسان على فكان الناس يسلكون على فارس وسلماس ثم فتح قتيبة طريق قومس وبقى أمر جرجان حتى جاء يزيد فصالحوه ولما فتح يزيد قهستان وجرجان طمع في طبرستان فاستعمل عبد الله بن معمر اليشكرى على ساسان وقهستان وخلف معه أربعة آلاف فارس وسار إلى أدنى جرجان من جهة طبرستان ونزل بآمد ونسا راشد بن عمر في أربعة آلاف ودخل بلاد طبرستان فسأل صاحبها الاصبهند في الصلح وأن يخرج من طبرستان فأبى يزيد ورجا أن يفتحها ووجه أخاه عيينة من وجه وابنه خالد بن يزيد من وجه وإذا اجتمعا فعيينة على الناس واستجاش الاصبهند(3/72)
أهل جيلان والديلم والتقوا فانهزم المشركون واتبعهم المسلمون إلى الشعب وصعد المشركون في الجبل فامتنعوا على المسلمين وصعد أبو عيينة بمن معه خلفهم فهزمهم المشركون في الوعر فكفوا وكاتب الاصبهند أهل جرجان ومقدمهم المرزبان
أن يبيتوا للمسلمين عندهم ليقطعوا المادة عن يزيد والطرق بينه وبين جرجان ووعدهم بالمكافأة على ذلك فساروا بالمسلمين وهم غارون وقتل عبد الله بن معمر وجميع من معه ولم ينج أحد وكتبوا إلى الاصبهند بأخذ المضايق والطرق وبلغ ذلك يزيد وأصحابه فعظم عليهم وهالهم وفزع يزيد إلى حيان النبطي وكان قد غرمه مائتي ألف درهم بسبب أنه كتب إلى ابنه مخلد كتابا فبدأ بنفسه فقال له لا يمنعك ما كان منى اليك من نصيحة المسلمين وقد علمت ما جاءنا من جرجان فاعمل في الصلح فأتى حيان الاصبهند ومت إليه بنسب العجم وتنصل له وفتل له في الذروة والغارب حتى صالحه على سبعمائة ألف درهم وأربعمائة وقر زعفران أو قيمته من العين وأربعمائة رجل على يد كل رجل منهم ترس وطيلسان وجام من فضة وخرقة حرير وكسوة فأرسل يزيد لقبض ذلك ورجع اه (وقيل) في سبب مسير يزيد إلى جرجان أن صولا التركي كان على قهستان والبحيرة جزيرة في البحر على خمسة فراسخ من قهستان وهما من جرجان مما يلى خوارزم وكان يغير على فيروز بن فولفول مرزبان جرجان وأشار فيروز بنصيب من بلاده فسار فيروز إلى يزيد هاربا منه وأخذ صول جرجان وأشار فيروز على يزيد أن يكتب إلى الاصبهند ويرغبه في العطاء ان هو حبس صولا بجرجان حتى يحاصر بها ليكون ذلك وسيلة إلى معاكسته وخروجه عن جرجان فيتمكن يزيد منه فكتب إلى الاصبهند وبعث بالكتاب إلى صول فخرج من حينه إلى البحيرة وبلغ يزيد الخبر فسار إلى جرجان ومعه فيروز واستخلف على خراسان ابنه مخلدا وعلى سمرقند وكش ونسف وبخاري ابنه معاوية وعلى طخارستان ابن قبيصة بن المهلب وأتى جرجان فلم يمنعه دونها أحد ودخلها ثم سار منها إلى البحيرة وحصر صولا بها شهرا حتى سأل الصلح على نفسه وماله وثلثمائة ويسلم إليه البحيرة فأجابه يزيد وخرج صول عن البحيرة وقتل يزيد من الاتراك أربعة عشر ألفا وأمر ادريس بن حنظلة العمى أن يحصى ما في البحيرة ليعطى الجند فلم يقدر وكان فيها من الحنطة والشعير والارز والسمسم والعسل شئ كثير ومن الذهب والفضة
كذلك ولما صالح يزيد اصبهند طبرستان كما قدمناه سار إلى جرجان وعاهد الله ان ظفر بهم ليطحنن القمح على سائل دمائهم ويأكل منه فحاصرهم سبعة أشهر وهم يخرجون إليه فيقاتلونه ويرجعون وكانوا ممتنعين في الجبل والاوعار وقصد رجل من عجم خراسان فأتبع بخلافي الجبل وانتهى إلى معسكرهم وعرف الطريق إليه ودل الادلة(3/73)
على معالمه وأتى يزيد فأخبره فانتخب ثلثمائة رجل مع ابنه خالد وضم إليه جهم بن ذخر وبعثه وذلك الرجل يدل به وواعده أن يناهضهم العصر من الغداة ولما كان الغد وقت الظهر أحرق يزيد كل حطب عنده حتى اضطرمت النيران ونظر العدو إلى النار فهالهم وحاموا للقتال آمنين خلفهم فناشبهم يزيد إلى العصر وإذا بالتكبير من ورائهم فهربوا إلى حصنهم وأتبعهم المسلمون فأعطوا ما بأيديهم ونزلوا على حكم يزيد فقتل المقاتلة وسبى الذرية وقاد منهم اثنى عشر ألفا إلى وادى جرجان ومكن أهل الثار منهم حتى استلحموهم وجرى الماء على الدم وعليه الارحاء فطحن وخبز وأكل وقتل منهم أربعين ألفا (1) وبنى مدينة جرجان ولم تكن بنيت قبل ورجع إلى خراسان وولى على جرجان جهم بن ذخر الجعفي ولما قتل مقاتلهم صلبهم فرسخين عن يمين الطريق ويساره * (وفاة سليمان وبيعة عمر بن عبد العزيز) * ثم توفى سليمان بدابق من أرض قنسرين من سنة تسعة وتسعين في صفر منها وقد كان في مرضه أراد أن يعهد إلى ولده داود ثم استصغره وقال له كاتبه رجاء بن حيوة ابنك غائب عنك بقسطنطينية ولا يعرف حياته من موته فعدل إلى عمر بن عبد العزيز وقال له انى والله لاعلم أنها تكون فتنة ولا يتركونه أبدا يلى عليهم الا أن أجعل أحدهم بعده وكان عبد الملك قد جعل ذلك له وكتب بعد البسملة هذا كتاب من عبد الله سليمان أمير المؤمنين لعمر بن عبد العزيز انى قد وليتك الخلافة من بعدى ومن بعدك يزيد بن عبد الملك فاسمعوا له وأطيعوا واتقوا الله ولا تختلفوا فيطمع فيكم وختم الكتاب ثم أمر
كعب بن جابر العبسى صاحب الشرطة أن يجمع أهل بيته وأمر رجاء بن حيوة أن يدفع لهم كتابه وقال أخبرهم انه كتابي فليبايعوا من وليت فيه فبايعوه رجلا رجلا وتفرقوا وأتى عمر إلى رجاء يستعمله ويناشده الله والمودة يستعفى من ذلك فأبى وجاءه هشام أيضا يستعمله ليطلب حقه في الامر فأبى فانصرف أسفا أن يخرج من بنى عبد الملك ثم مات سليمان وجمع رجاء أهل بيته فقرأ عليهم الكتاب فلما ذكر عمر قال هشام والله لا نبايعه أبدا فقال له رجاء والله نضرب عنقك فقام أسفا يجر رجليه حتى جاء إلى عمر بن عبد العزيز وقد أجلسه رجاء على المنبر وهو يسترجع لما أخطأه فبايعه واتبعه الباقون ودفن سليمان وصلى عليه عمر بن عبد العزيز والوليد كان غائبا عن موت سليمان ولم يعلم بيعة عمر فعقد لواء و دعا لنفسه وجاء إلى دمشق ثم بلغه عهد سليمان فجاء إلى عمر واعتذر إليه وقال بلغني أن سليمان لم يعهد فخفت على الاموال أن تنهب فقال عمر لو قمت بالامر لقعدت في بيتى ولم أنازعك فقال عبد العزيز والله لا أحب لهذا الامر غيرك وأول ما بدأ به عمر لما استقرت البيعة له انه رد ما كان لفاطمة بنت عبد الملك زوجته من المال والحلى(3/74)
والجوهر إلى بيت المال وقال لا أجتمع أنا وأنت وهو في بيت واحد فردته جميعه ولما ولى أخوها يزيد من بعد رده عليها فأبت وقالت ما كنت أعطيه حيا أعطيه ميتا ففرقه يزيد على أهله وكان بنو أمية يسبون عليا فكتب عمر إلى الآفاق بترك ذلك وكتب إلى مسلمة وهو بأرض الروم يأمره بالقفول بالمسلمين * (عزل يزيد بن المهلب وحبسه والولاية على عماله) * ولما استقرت البيعة لعمر كتب في سنة مائة إلى يزيد بن المهلب أن يستخلف على عماله ويقدم فاستخلف مخلدا ابنه وقدم من خراسان وقد كان عمر ولى على البصرة عدى بن أرطاة الفزارى وعلى الكوفة عبد الحميد بن عبد الرحمن بن زيد بن الخطاب وضم إليه أبا الزناد فكتب إلى عدى بن ارطاة موسى أن يقبض على يزيد بن المهلب ويبعثه
مقيدا فلما نزل يزيد واسط وركب السفن يريد البصرة بعث على بن ارطاة موسى بن الرحيبة الحميرى فلقيه في نهر معقل عند الجسر فقيده وبعث به إلى عمر وكان عمر يبغضه ويقول انه مراء وأهل بيته جبابرة فلما طالبه بالاموال التى كتب بها إلى سليمان من خمس جرجان قال انما كتبت لاسمع الناس وعلمت أن سليمان لم يكن ليأخذني بذلك فقال له عمر اتق الله وهذه حقوق المسلمين لا يسعنى تركها ثم حبسه بحصن حلب وبعث الجراح بن عبد الله الحكمى واليا على خراسان مكانه وانصرف يزيد بن يزيد فقدم على عمر واستعطفه لابيه وقال له يا أمير المؤمنين ان كانت له بينة فخذ بها والا فاستحلفه والا فصالحه أو فصالحني على ما تسأل فأبى عمر من ذلك وشكر من مخلد ما فعل ثم ألبس يزيد جبة صوف وحمله على جمل وسيره إلى دهلك ومر يزيد على الناس وهو ينادى بعشيرة وبالنكير لما فعل به فدخل سلامة بن نعيم الخولانى على عمر وقال اردد يزيد إلى محبسه لئلا ينزعه قومه فانهم قد غضبوا فرده إلى أن كان من أمر فزارة ما يذكر * (ولاية عبد الرحمن بن نعيم القشيرى على خراسان) * ولما عزل يزيد عن خراسان وكان عامل جرجان جهم بن ذخر الجعفي فأرسل عامل العراق على جرجان عاملا مكانه فحبسه جهم وقيده فلما جاء الجراح إلى خراسان أطلق أهل جرجان عاملهم ونكر الجراح على جهم ما فعل وقال لولا قرابتك منى ما سوغتك هذا يعنى أن جهما وجعفا معا ابنا سعد العشيرة ثم بعث في الغزو وأوفد على عمر وفدا فكلم فيه بعضهم عمر بأنه يعرى الموالى بلا عطاء ولا رزق ويؤاخذ من أسلم من أهل الذمة بالخراج ثم عرض بأنه سيف من سيوف الجراح قد علم بالظلم والعدوان فكتب عمر إلى الجراح انظر من صلى قبلك فخل عنه الجزية فسارع الناس إلى الاسلام فرارا من الجزية فامتحنهم بالختان وكتب إلى عمر بذلك فكتب إليه عمر ان الله بعث محمدا داعبا ولم(3/75)
يبعثه خاتنا واستقدم الجراح وقال احمل معك أبا مخلد واستخلف على حرب خراسان
عبد الرحمن بن نعيم القشيرى ولما قدم على عمر قال متى خرجت قال في شهر رمضان قال صدق من وصفك بالجفاء ألا أقمت حتى تفطر ثم تسافر ثم سأل عمر أبا مخلد عن عبد الرحمن بن عبد الله فقال يكافئ الاكفاء ويعادي الاعداء ويقدم ان وجد ما يساعده قال فعبد الرحمن بن نعيم قال يحب العافية وتأتيه قال هو أحب إلى فولاه الصلاة والحرب وولى عبد الرحمن القشيرى الخراج فلم يزل عبد الرحمن بن نعيم على خراسان حتى قتل يزيد بن المهلب وولى مسلمة فكانت ولايته أكثر من سنة ونصف وظهر من أيام الجراح بخراسان دعاة بنى العباس فيمن بعثه محمد بن على بن عبد الله بن العباس إلى الآفاق حسبما يذكر في أخبار الدولة العباسية * (وفاة عمر بن عبد العزيز وبيعة يزيد) * ثم توفى عمر بن عبد العزيز في رجب سنة احدى ومائة بدير سمعان و دفن بها لسنتين وخمسة أشهر من ولايته ولاربعين من عمره وكان يدعى أشج بنى أمية رمحته دابة وهو غلام فشجته ولما مات ولى بعده يزيد بن عبد الملك بعهد سليمان كما تقدم وقيل لعمر حين احتضر اكتب إلى يزيد فأوصه بالامة فقال بماذا أوصيه انه من بنى عبد الملك ثم كتب أما بعد فاتق يا يزيد الصرعة بعد الغفلة حين لا تقال العثرة ولا تقدر على الرجعة انك تترك ما أترك لمن لا يحمدك وتصير إلى من لا يعذرك والسلام ولما ولى يزيد عزل أبا بكر بن محمد بن عمر بن حزم عن المدينة وولى عليها عبد الرحمن بن الضحاك بن قيس الفهرى وغير كل ما صنعه عمر بن عبد العزيز وكان من ذلك شأن خراج اليمن فان محمدا أخا الحجاج جعل عليهم خراجا مجددا وأزال ذلك عمر إلى العشر أو نصف العشر وقال لان يأتيني من اليمن حبة ذرة أحب إلى من تقرير هذه الوظيفة فلما ولى يزيد أعادها وقال لعامله خذها منهم ولو صاروا حرضا وهلك عمه محمد بن مروان فولى مكانه على الجزيرة وأذربيجان وأرمينية عمه الآخر مسلمة بن عبد الملك * (اختيال يزيد بن المهلب ومقتله) *
قد تقدم لنا حبس يزيد بن المهلب فلم يزل محبوسا حتى اشتد مرض عمر بن عبد العزيز فعمل في الهرب مخافة يزيد بن عبد الملك لان زوجته بنت أخى الحجاج وكان سليمان أمر ابن المهلب بعذاب قرابة الحجاج كلهم فنقلهم من البلقاء وفيهم زوجة يزيد وعذبها وجاء يزيد بن عبد الملك إلى منزله شافعا فلم يشفعه فضمن حمل ما قرر عليها فلم يقبل فتهدده فقال له ابن المهلب لئن وليت أنت لارمينك بمائة ألف سيف فحمل يزيد بن عبد الملك عنها مائة ألف دينار ولما اشتد مرض عمر خاف من ذلك وأرسل إلى مواليه أن يغدوا(3/76)
له بالابل والخيل في مكان عينه لهم وبعث إلى عامل حلب باشفاقه من يزيد وبذل له المال والى الحرس الذين يحفظونه فخلى سبيله وأتى إلى دوابه فركبها ولحق بالبصرة وكتب إلى عمر انى والله لو وثقت بحياتك لم أخرج من محبسك ولكن خفت أن يقتلنى يزيد شر قتله فقرأ عمر الكتاب وبه رمق فقال اللهم ان كان ابن المهلب يريد بالمسلمين سوأ فأحقه به وهضه فقد هاض انتهى ولما بويع ليزيد بن عبد الملك كتب إلى عبد الحميد بن عبد الرحمن بالكوفة والى عدى بن ارطاة بالبصرة بهربه والتحرز منه وأبى عدى أن يأخذ المهلب بالبصرة فحبس المفضل حبيبا ومروان ابني المهلب وبعث عبد الحميد من الكوفة جندا عليهم هشام بن ساحق بن عامر فأتوا العذيب ومر بيزيد عليهم فوق القطقطانة فلم يقدموا عليه ومضى نحو البصرة وقد جمع عدى بن ارطاة أهل البصرة وخندق عليها وبعث على خيلها المغيرة بن عبد الله بن أبى عقيل وجاء يزيد على أصحابه الذين معه وانضم إليه أخوه محمد فيمن اجتمع إليه من قومهم وبعث عدى بن ارطاة على كل خمس من أخماس البصرة رجالا فعلى الازد المغيرة بن زياد بن عمر العتكى وعلى تميم محرز بن حمدان السعدى وعلى بكرة نوح بن شيبان بن مالك بن مسمع وعلى عبد القيس مالك بن المنذر بن الجارود وعلى أهل العالية عبد الاعلى بن عبد الله بن عامر وهم قريش وكنانة والازد وبجيلة وخثعم وقيس عيلان ومزينة فلم يعرضوا ليزيد وأقبل فانزل انتهى
واختلف الناس إليه وأرسل إلى عدى أن يطلق له اخوته فينزل به البصرة ويخرج حتى يأخذ لنفسه من يزيد وبعث حميد بن أخيه عبد الملك بن المهلب يستأمن له من يزيد بن عبد الملك فأجاره خالد القسرى وعمر بن يزيد الحكمى بأمان يزيد له ولاهله وقد كان بعد منصرف حميد فرق في الناس قطع الذهب والفضة فانثالوا عليه وعدى يعطى درهمين درهمين ثم تناجزوا الحرب وحمل أصحاب يزيد على أصحاب عدى فانهزموا ودنا يزيد من القصر وخرج عدى بنفسه فانهزم أصحابه وخاف اخوة يزيد وهم في الحبس أن يقتلوا قبل وصوله فأغلق الباب وامتنعوا فجاءهم الحرس يعالجون فأجفلهم الناس عنه فخلوا عنهم وانطلقوا إلى أخيهم ونزل يزيد دار مسلم بن زياد إلى جنب القصر وتسور القصر بالسلالم وفتحه وأتى بعدى بن ارطاة فحبسه وهرب رؤس البصرة من تميم وقيس ومالك بن المنذر إلى الكوفة والشام وخرج المغيرة بن زياد بن عمر العتكى إلى الشام فلقى خالدا القسرى وعمر بن يزيد وقد جاؤا بأمان يزيد بن المهلب مع حميد بن أخيه فأخبرهما بظهور يزيد على البصرة وحبسه عديا فرجعا إلى وعد لهما فلم يقبلا وقبض عبد الحميد بن عبد الرحمن بالكوفة على خالد بن يزيد بن المهلب وحماد بن ذخر وحملهما وسيرهما إلى الشام فحبسهما يزيد حتى هلكا بالسجن وبعث يزيد بن عبد(3/77)
الملك إلى أهل الكوفة يثنى عليهم ويمنيهم الزيادة وجهز أخاه مسلمة وابن أخيه العباس ابن الوليد إلى العراق في سبعين ألف مقاتل أو ثمانين من أهل الشام والجزيرة فقدموا الكوفة ونزلوا النخيلة وتكلم العباس يوما ببعض الكلام فأساء عليه حيان النبطي بالكشة الاعجمية ولما سمع ابن المهلب بوصول مسلمة وأهل الشام فخطب الناس وشجعهم للقائهم وهون عليهم أمرهم وأخبرهم ان أكثرهم له واستوثق له أهل البصرة وبعث عماله على الاهواز وفارس وكرمان وبعث إلى خراسان مدرك بن المهلب وعليها عبد الرحمن بن نعيم وبعث بنو تميم ليمنعوه ولقيه الازد على رأس المغارة فقالوا
ارجع عنا حتى نرى مآل أمركم ثم خطب يزيد الناس يدعوهم إلى الكتاب والسنة ويحثهم على الجهاد وأن جهاد أهل الشأم أعظم ثوابا من جهاد الترك والديلم ونكر ذلك الحسن البصري والنضر بن أنس بن مالك وتابعهما الناس في النكير وسار يزيد من البصرة إلى واسط واستخلف عليها أخاه مروان بن المهلب واقام بواسط أياما ثم خرج منها سنة اثنتين ومائة واستخلف عليها أمان معونة وقدم أخاه عبد الملك بن المهلب نحو الكوفة فاستقبله ابن الوليد بسور له فاقتتلوا وانهزم عبد الملك وعاد إلى يزيد وأقبل مسلمة على شاطئ الفرات إلى الانهار فعقد الجسر وعبر وسار حتى نزل على يزيد بن المهلب وفزع إليه ناس من أهل الكوفة وكان عسكره مائة وعشرين وكان عبد الحميد بن عبد الرحمن قد عسكر بالنخيلة وشق المياه وجعل الارصاد على أهل الكوفة أن يفزعوا إلى يزيد بن المهلب وبعث بعثا إلى مسلمة مع صبرة بن عبد الرحمن بن مختف فعزل مسلمة بن عبد الحميد عن الكوفة واستمعل عليها محمد بن عمر بن الوليد بن عقبة ثم أراد يزيد بن المهلب أن يبعث أخاه محمدا بالعساكر يبيتون مسلمة فأبى عليه أصحابه وقالوا قد وعدناهم بالكتاب والسنة ووعدوا بالاجابة فلا نغدرهم فقال يزيد ويحكم تصدقونهم انهم بخادعونكم ليمكروا بكم فلا يسبقوكم إليه والله ما في بنى مروان امكر ولا أبعد غورا من هذه الجرادة الصغرى يعنى مسلمة وكان مروان بن المهلب بالبصرة يحث الناس على اللحاق بيزيد أخيه والحسن البصري يثبطهم ويتهدده فلم يكف ثم طلب الذين يجتمعون إليه فافترقوا فأقام مسلمة بن عبد الملك يطاول يزيد بن المهلب ثمانية أيام ثم خرج يوم الجمعة منتصف صفر فعبى أصحابه وعبى العباس ابن الوليد كذلك والتقوا واشتد القتال وأمر مسلمة فأحرق الجسر فسطع دخانه فلما رآه أصحاب يزيد انهزموا واعترضهم يزيد يضرب في وجوههم حتى كثروا عليه فرجع ويرجل في أصحابه وقيل له قتل أخوك حبيب فقال لا خير في العيش بعده ولا بعد الهزيمة ثم استمات ودلف إلى مسلمة لا يريد غيره فعطف عليه أهل الشام فقتلوه هو وأصحابه(3/78)
وفيهم أخوه محمد وبعث مسلمة برأسه إلى يزيد بن عبد الملك مع خالد بن الوليد بن عقبة وقيل ان الذى قتله الهذيل بن زفر بن الحرث الكلابي وأنف أن ينزل فيأخذ رأسه فأخذه غيره وكان المفضل بن المهلب يقاتل في ناحية المعترك وما علم بقتل يزيد فبقى ساعة كذلك يكر ويفر حتى أخبر بقتل اخوته فافترق الناس عنه ومضى إلى واسط وجاء أهل الشام إلى عسكر يزيد فقاتلهم أبو روبة رأس الطائفة المرجئة ومعه جماعة منهم صدق فقاتلوا ساعة من النهار ثم انصرفوا وأسر مسلمة ثلثمائة أسير حبسهم بالكوفة وجاء كتاب يزيد إلى محمد بن عمر بن الوليد بقتلهم فأمر العريان بن الهيثم صاحب الشرطة بذلك وبدأ بثمانين من بنى تميم فقتلهم ثم جاء كتاب يزيد باعفائهم فتركهم وأقبل مسلمة فنزل الحيرة وجاء الخبر بقتل يزيد إلى واسط فقتل ابنه معاوية عدى بن أرطاة ومحمدا ابنه ومالكا وعبد الملك ابنا مسمع في ثلاثين ورجع إلى البصرة بالمال والخزائن واجتمع بعمه المفضل وأهل بيتهم وتجهزوا للركوب في البحر وركبوا إلى قندابيل وبها وداع بن حميد الازدي ولاه عليها يزيد بن المهلب ملجأ لاهل بيته ان وقع بهم ذلك فركبوا البحر بعيالهم وأموالهم إلى جبال كرمان فنزلوا بها واجتمع إليهم الفل من كل جانب وبعث مسلمة مدرك بن ضب الكلبى في طلبهم فقاتلهم وقتل من أصحاب المفضل النعمان بن ابراهيم ومحمد بن اسحق بن محمد بن الاشعث وأسر ابن صول قهستان وهرب عثمان بن اسحق بن محمد بن الاشعث فقتل وحمل رأسه إلى مسلمة بالحيرة ورجع ناس من أصحاب بنى المهلب فاستأمنوا وأمنهم مسلمة منهم مالك بن ابراهيم بن الاشتر والورد بن عبد الله بن حبيب السعدى التميمي ومضى إلى آل المهلب ومن معهم قندابيل فمنعهم وداع بن حميد من دخولها وخرج معهم لقتال عدوهم وكان مسلمة قد رد مدرك بن ضب بعد هزيمتهم في جبال كرمان وبعث في أثرهم هلال بن أحور التميمي فلحقهم بقندابيل فتبعوا لقتاله وبعث هلال راية أمان لمال إليه وداع بن حميد وعبد الملك
ابن هلال وافترق الناس عن آل المهلب ثم استقدموا فاستأمنوا فقتلهم عن آخرهم المفضل وعبد الملك وزياد ومروان بنو المهلب ومعاوية بن يزيد بن المهلب والمنهال بن أبى عيينة بن المهلب وعمر بن يزيد بن المهلب وعثمان بن المفضل بن المهلب برتبيل ملك الترك وبعث هلال بن أحور برؤوسهم وسبيهم وأسراهم إلى مسلمة بالحيرة فبعث بهم مسلمة إلى يزيد بن عبد الملك فسيرهم يزيد إلى العباس بن الوليد في حلب فنصب الرؤس وأراد مسلمة أن يبتاع الذرية فاشتراهم الجراح بن عبد الله الحكمى بمائة ألف وخلى سبيلهم ولم يأخذ مسلمة من الجراح شيأ ولما قدم بالاسرى على يزيد بن عبد الملك وكانوا ثلاثة عشر أمر يزيد فقتلوا وكلهم من ولد المهلب واستأمنت هند بنت المهلب لاخيها عيينة(3/79)
إلى يزيد بن عبد الملك فأمنه وأقام عمر وعثمان عند رتبيل حتى أمنهما أسد بن عبد الله القسرى وقدما عليه بخراسان * (ولاية مسلمة على العراق وخراسان) * ولما فرغ مسلمة بن عبد الملك من حرب بنى المهلب ولاه يزيد بن عبد الملك على العراق وجمع له ولاية البصرة والكوفة وخراسان فأقر على الكوفة محمد بن عمر بن الوليد وكان قد قام بأمر البصرة بعد بنى المهلب شبيب بن الحرث التميمي فبعث عليها مسلمة عبد الرحمن بن سليم الكلبى وعلى شرطتها عمر بن يزيد التميمي وأراد عبد الرحمن أن يقتل شيعة بن المهلب بالبصرة فعزله وولى على البصرة عبد الملك بن بشر بن مروان وأقر عمر ابن يزيد على الشرطة واستعمل مسلمة على خراسان صهره على سعيد ابن عبد العزيز بن الحرث بن الحكم بن أبى العباس ويلقب سعيد خدينة دخل عليه بعض العرب بخراسان وعليه ثياب مصبغة وحوله مرافق مصبغة وسئل عنه لما خرج فقال خدينة وهى الدهقانة ربة البيت ولما ولاه على خراسان سار إليها فاستعمل شعبة بن ظهير النهشلي على سمرقند فسار إليها وقدم الصغد وكان أهلها كفروا أيام عبد
الرحمن بن نعيم ثم عادوا إلى الصلح فوبخ ساكنها من العرب وغيرهم بالجبن فاعتذروا بأمر أميرهم على بن حبيب العبدى ثم حبس سعيد عمال عبد الرحمن بن عبد الله وأطلقهم ثم حبس عمال يزيد بن المهلب رفع لهم انهم اختانوا الاموال فعذبهم فمات بعضهم في العذاب وبقى بعضهم بالسجن حتى غزاهم الترك والصغد فأطلقهم * (العهد لهشام بن عبد الملك والوليد بن يزيد) * لما بعث يزيد بن عبد الملك الجيوش إلى يزيد بن المهلب مع مسلمة أخيه والعباس بن أخيه الوليد قال له العباس انا نخاف أن يرجف أهل العراق بموتك ويبث ذلك في أعضادنا وأشار عليه بالعهد لعبد العزيز أخيه بن الوليد وبلغ ذلك مسلمة فجاءه وقال أخوك أحق فان ابنك لم يبلغ وأشار عليه بأخيه هشام وابنه الوليد من بعده والوليد ابن احدى عشرة سنة فبايع لهما كذلك ثم بلغ ابنه الوليد فكان إذا رآه يقول الله بينى وبين من قدم هشاما عليك * (غزوة الترك) * لما ولى سعيد خراسان استضعفه الناس وسموه خدينة واستعمل شعبة على سمرقند ثم عزله كما مر وولى مكانه عثمان بن عبد الله بن مطرف بن الشخير فطمعت الترك وبعثهم خاقان إلى الصعد وعلى الترك كور صول وأقبلوا حتى نزلوا قصر الباهلى وفيه مائة أهل(3/80)
بيت بذراريهم وكتبوا إلى عثمان بسمرقند وخافوا أن يبطئ المدد فصالحوا الترك على أربعين ألفا وأعطوهم سبعة عشر رجلا رهينة وندب عثمان الناس فانتدب المسيب بن بشر الرياحي ومعه أربعة آلاف من سائر القبائل فقال لهم المسيب من أراد الغزو والصبر على الموت فليتقدم فرجع عنه ألف وقالها بعد فرسخ فرجع ألف آخر ثم أعادها ثالثة بعد فرسخ فاعتزله ألف وسار حتى كان على فرسخين من العدو فأخبره بعض الدهاقين بقتل الرهائن وميعادهم غدا وقال أصحابي ثلثمائة مقاتل وهم
معكم فبعث المسيب إلى القصر رجلين عجميا وعربيا يأتيانه بالخبر فجاؤا في ليلة مظلمة وقد أجرت الترك الماء بدائر القصر لئلا يصل إليه أحد فصاح بهما فقالا له اسكت وادع لنا فلانا فأعلماه قرب العسكر وسألا هل عندكم امتناع غدا فقال لهما نحن مستميتون فرجعا إلى المسيب فأخبراه فعزم على تبييت الترك وبايعه أصحابه على الموت وساروا يومهم إلى الليل ولما أمسى حثهم على الصبر وقال ليكن شعاركم يا محمد ولا تتبعوا موليا واعقروا الدواب فانه أشد عليهم وليست بكم قلة فان سبعمائة سيف لا يضرب بها في عسكر الا أوهنته وان كثر أهله ثم دنوا من العسكر في السحر وثار الترك وخالطهم المسلمون وعقروا الدواب وترجل المسيب في أصحاب له فقاتلوا قتالا شديدا وقتل عظيم من عظماء الترك فانهزموا ونادى منادى المسيب لا تتبعوهم واقصدوا القصر واحملوا من فيه ولا تحملوا من متاعهم الا المال ومن حمل امرأة أو صبيا أو ضعيفا حسبة فأجره على الله والا فله أربعون درهما وحملوا من في القصر إلى سمرقند ورجع الترك من الغد فلم يروا في القصر أحدا ورأوا قتلاهم فقالوا لم يكن الذين جاؤنا بالامس * (غزو الصغد) * ولما كان من انتقاض الصغد واعانتهم الترك على المسلمين ما ذكرنا تجهز سعيد لغزوهم وعبر النهر فلقيه الترك وطائفة من الصغد فهزمهم المسلمون ونهاهم سعيد عن اتباعهم وقال هم جباية أمير المؤمنين فانكفوا عنهم ثم سار المسلمون إلى واد بينهم وبين المرج فقطعه بعض العسكر وقد أكمن لهم الترك فخرجوا عليهم وانهزم المسلمون إلى الوادي وقيل بل كان المنهزمون مسلحة للمسلمين وكان فيمن قتل شعبة بن ظهر في خمسين رجلا وجاء الامير والناس فانهزم العدو وكان سعيد إذا بعث سرية فأصابوا وغنموا وسبوا رد السبى وعاقب السرية فثقل سعيد على الناس وضعفوه ولما رجع من هذه الغزاة وكان سورة بن الابجر قد قال لحيان لنبطي يوم أمر سعيد بالكف عن الصغد وانهم
جباية أمير المؤمنين فقال سورة ارجع عنهم يا حيان فقال عقيرة الله لا أدعها فقال(3/81)
انصرف يا نبطى قال انبط الله وجهك فحقدها عليه سورة وأغرى به سعيد خدينة وقال انه أفسد خراسان على قتيبة ويثب عليك ويتحصن ببعض القلاع فقال له سعيد لا يسمع هذا منك أحد ثم حاول عليه وسقاه لبنا قد ألقى فيه ذهبا مسحوقا ثم ركض والناس معه أربعة فراسخ فعاش حيان بن بعدها ليالى قلائل ومات * (ولاية ابن هبيرة على العراق وخراسان) * كان مسلمة لما ولى على هذه الاعمال لم يدفع من الخراج شيأ واستحيا يزيد من عزله فكتب إليه بالقدوم وأن يستخلف على عمله وسار لذلك سنة ثلاث وأربعمائة فلقيه عمر بن هبيرة بالطريق على دواب البريد وقال وجهنى أمير المؤمنين لحيازة أموال بنى المهلب فارتاب لذلك وقال له بعص أصحابه كيف يبعث ابن هبيرة من عند الجزيرة لمثل هذا الغرض ثم أتاه ان ابن هبيرة عزل عماله وكان عمر بن هبيرة من النجابة بمكان وكان الحجاج يبعثه في البعوث وهو ممن سار لقتال مطرف بن المغيرة حين خلع ويقال انه الذى قتله وجاء برأسه فسيره الحجاج إلى عبد الملك فاقطعه قرية قريبة من دمشق ثم بعثه إلى كروم ابن مرثد الفزارى ليخلص منه مالا فارتاب وأخذ المال ولحق بعبد الملك عائذا به من الحجاج وقال قتلت ابن عمه ولست آمنه على نفسي فأجاره عبد الملك وكتب الحجاج إليه فيه فقال أمسك عنه وعظم شأنه عبد الملك وبنوه واستعمله عمر بن عبد العزيز على الروم من ناحية أرمينية وأثخن فيهم وأسر سبعمائة منهم وقتلهم واستخدم أيام يزيد لمحبوبته حبابة فسعت له في ولاية العراق فولاه يزيد مكان أخيه مسلمة ولما ولى قدم عليه المجشر بن مزاحم السلمى وعبد الله بن عمر الليثى في وفد فشكوا من سعيد وحذيفة عاملهم وهو صهر مسلمة فعزله وولى مكانه على خراسان سعيد بن عمر الحريشى من بنى الحريش بن كعب بن ربيعة بن عامر بن صعصعة فسار خدينة عن خراسان
وقدم سعيد فلم يعرض لعماله ولما قدم على خراسان كان الناس بازاء العدو وقد نكثوا فحثهم على الجهاد وخاف الصغد منه بما كانوا أعانوا الترك أيام خدينة فقال لهم ملكهم احملوا له خراج ما مضى واضمنوا خراج ما يأتي والعمارة والغزو معه وأعطوه الرهن بذلك فأبوا الا أن يستجيروا بملك فرغانة وخرجوا من بلادهم إلى خجندة وسألوا الجوار وأن ينزلوا تعب عصام فقال أمهلونا عشرين يوما أو أربعين لنخليه لكم وليس لكم على جوار قبل دخولكم اياه ثم غزاهم الحريش سنة أربع ومائة فقطع النهر وترك قصر الريح على فرسخين من الدنوسية وأتاه ابن عم ملك فرغانة يغريه بأهل الصغد وانهم بخجندة ولم يدخلوا جواره بعد فبعث معه عبد الرحمن القسرى في عسكر وجاء في اثره حتى نزلوا على خجنده وخرج أهل صغد لقتالهم فانهزموا وقد كانوا حفروا(3/82)
خندقا وغطوه بالتراب ليسقط فيه المسلمون عند القتال فلما انهزموا ذلك اليوم أخطأهم الطريق وأسقطهم الله في ذلك الخندق ثم حاصرهم الحريشى ونصب عليهم المجانيق وأرسلوا إلى ملك فرغانة ليجيرهم فقال قد شرطت عليكم ان لا جوار قبل الاجل الذى بينى وبينكم فسألوا الصلح من الحريشى على أن يردوا ما في أيديهم من سبى العرب ويعطوا ما كسر من الخراج ولا يتخلف أحد منهم بخجندة وان أحدثوا حدثا استبيحت دماؤهم فقبل منهم وخرجوا من خجندة ونزلوا في العسكر على كل من يعرفه وبلغ الحريشى انهم قتلوا امرأة فقتل قاتلها فخرج قبيل منهم فاعترض الناس وقتل جماعة وقتل الصغد من أسرى المسلمين مائة وخمسين ولقى الناس منهم عنفا ثم أحاطوا بهم وهم يقاتلون بالخشب ليس لهم سلاح فقتلوا عن آخرهم ثلاثة آلاف أو سبعة آلاف وكتب الحريشى إلى يزيد بن عبد الملك ولم يكتب لعمر بن هبيرة فأحفطه ذلك ثم سرح الحريشى سليمان بن أبى السرى إلى حصن يطيف به وراء الصغد ومعه خوارزم شاه وملك أجرون وسومان فسار سليمان وعلى مقدمته المسيب
ابن بشر الرياحي ولقيه أهل الحصن فهزمهم ثم حاصرهم فسألوا الصلح على أن لا يعرض لسبيهم ويسلموا القلعة بما فيها فقبل وبعث إلى الحريشى فقبضه وبعث من قبضه وسار الحريشى إلى كش فصالحوه على عشرة آلاف رأس وولى نصر بن سيار على قبضها واستعمل على كش ونسف حربا وخراجا سليمان بن السرى واستنزل مكانه آخر اسمه قشقرى من حصنه على الامان وجاء به إلى مرو فشنقه وصلبه * (ولاية الجراح على أرمينية وفتح بلنجر) * ولما سار ابن هبيرة على الجزيرة وأرمينية تشبب البهرانى فحفل لهم الخزر وهم التركمان واستجاشوا بالقفجاق وغيرهم من أنواع الترك ولقوا المسلمين بمرج الحجارة فهزموهم واحتوى التركمان على عسكرهم وغنموا ما فيه وقدم المنهزمون على يزيد ابن عبد الملك فولى على أرمينية الجراح بن عبد الله الحكمى وأمده بجيش كثيف وسار لغزو الخزر فعادوا للباب والابواب ونزل الجراح بردعة فأراح بها قليلا ثم سار نحوهم وعبر نهر الكر وأشاع الاقامة ليرجع بذلك عيونهم إليهم ثم أسرى من ليلته وأجد السير إلى مدينة الباب فدخلها وبث السرايا للنهب والغارة وزحف إليه التركمان وعليهم ابن ملكهم فلقيهم عند نهر الزمان واشتد القتال بينهم ثم انهزم التركمان وكثر القتل فيهم وغنم المسلمون ما معهم وساروا حتى نزلوا على الحصن ونزل أهلها على الامان فقتلهم ثم سار إلى مدينة برغوا فحاصرها ستة أيام ثم نزلوا على الامان ونفلهم ثم ساروا إلى بلنجر وقاتلهم التركمان دونها فانهزموا وافتتح الحصن عنوة وغنم(3/83)
المسلمون جميع ما فيه فأصاب الفارس ثلثمائة دينار وكانوا بضعة وثلاثين ألفا ثم ان الجراح رجع حصن بلنجر إلى صاحبه ورد عليه أهله وماله على أن يكون عينا للمسلمين على الكفار ثم نزل على حصن الوبيد وكان به أربعون ألف بيت من الترك فصالحوا الجراح على مال أعطوه اياه ثم تجمع الترك والتركمان وأخذوا الطرق على
المسلمين فأقام في رستاق سبى وكتب إلى يزيد بالفتح وطلب المدد وكان ذلك آخر عمر يزيد وبعث هشام بعد ذلك إليه بالمدد وأقره على العمل * (ولاية عبد الواحد القسرى على المدينة ومكة) * كان عبد الرحمن بن الضحاك عاملا على الحجاز منذ أيام عمر بن عبد العزيز وأقام عليها ثلاث سنين ثم حدثته نفسه خطبة فاطمة بنت الحسين فامتنعت فهددها بأن يجلد ابنها في الخمر وهو عبد الله بن الحسن المثنى وكان على ديوان المدينة عامل من أهل الشام يسمى ابن هرمز ولما رفع حسابه وأراد السير إلى يزيد جاء ليودع فاطمة فقالت اخبر أمير المؤمنين بما ألقى من ابن الضحاك وما يتعرض لى ثم بعث رسولها بكتابها إلى يزيد يخبره وقدم ابن هرمز على يزيد فبينا هو يحدثه عن المدينة قال الحاجب بالباب رسول فاطمة بنت الحسين فدكر ابن هرمز ما حملته فنزل عن فراشه وقال عندك مثل هذا وما تخبرني به فاعتذر بالنسيان فأدخل يزيد الرسول وقرأ الكتاب وجعل ينكث الارض بخيزرانة ويقول لقد اجترأ بن الضحاك هل من رجل يسمعني صوته في العذاب قيل له عبد الواحد بن عبد الله القسرى فكتب إليه بيده فقد وليتك المدينة فانهض إليها واعزل ابن الضحاك وغرمه أربعين ألف دينار وعذبه حتى أسمع وأنا على فراشي وجاء البريد بالكتاب إليه ولم يدخل على ابن الضحاك فأحضر البريد ودس إليه بألف دينار فأخبره الخبر فسار ابن الضحاك إلى مسلمة بن عبد الملك واستجار به وسأل مسلمة فيه يزيد فقال والله لا أعفيه أبدا فردة مسلمة إلى عبد الواحد بالمدينة فعذبه ولقى شرا ولبس جبة صوف يسأل الناس وكان قد آذى الانصار فذموه وكان قدوم القسرى في شوال سنة أربع ومائة وأحسن السيرة فأحبه الناس وكان يستشير القاسم ابن محمد وسالم بن عبد الله * (عزل الحريشى وولاية مسلم الكلبى على خراسان) * كان سعيد الحريشى عاملا على خراسان لابن هبيرة كما ذكرنا وكان يستخف به ويكاتب
الخليفة دونه ويكنيه أبا المثنى وبعث من عيونه من يأتيه بخبره فبلغه أعظم مما سمع فعزله وعذبه حتى أدى الاموال وعزم على قتله ثم كف عنه وولى ابن هبيرة على خراسان مسلم بن سعيد بن أسلم بن زرعة الكلابي ولما جاء إلى خراسان حبسه وقيده وعذبه كما قلنا(3/84)
فلما هرب ابن هبيرة بعد ذلك عن العراق أرسل خالد القسرى في طلبه الحريشى فأدركه على الفرات وقال لابن هبيرة ما ظنك بى قال انك لا تدفع رجلا من قومك إلى رجل من قسر قال هو ذاك ثم انصرف وتركه * (وفاة يزيد وبيعة هشام) * ثم توفى يزيد بن عبد الملك في شعبان سنة خمس ومائة لاربع سنين من خلافته وولى بعده أخوه هشام بعهده إليه بذلك كما مر وكان بحمص فجاءه الخبر بذلك فعزل عمر ابن هبيرة عن العراق وولى مكانه خالد بن عبد الله القسرى فسار إلى العراق من يومه * (غزو مسلم الترك) * غزا مسلم بن سعيد الترك سنة خمسة ومائة فعبر النهر وعاث في بلادهم ولم يفتح شيأ وقفل فأتبعه الترك ولحقوه على النهر فعبر بالناس ولم ينالوا منه ثم غزا بقية السنة وحاصر افشين حتى صالحوه على ستة آلاف رأس ثم دفعوا إليه القلعة ثم غزا سنة ست ومائة وتباطأ عنه الناس وكان ممن تباطأ البخترى بن درهم فرد مسلم نصر بن سيار إلى بلخ وأمره أن يخرج الناس إليه وعلى بلخ عمر بن قتيبة أخو مسلم فجاء نصر وأحرق باب البخترى وزياد بن طريف الباهلى ثم منعهم عمر من دخول بلخ وقد قطع سعيد النهر ونزل نصر بن سيار البروقان وأتاه جند الضلاضيان وتجمعت ربيعة والازد بالبروقان على نصف فرسخ من نصر وخرجت مضر إلى نصر وخرج عمر بن مسلم إلى ربيعة والازد وتوافقوا وسفر الناس بينهما في الصلح وانصرف نصر ثم حمل البخترى وعمر بن مسلم على نصر فكر عليهم فقتل منهم ثمانية عشر وهزمهم وأتى بعمر بن مسلم والبخترى وزياد
ابن طريف فضربهم مائة مائة وحلق رؤسهم ولحاهم وألبسهم المسوح وقيل ان سبب تعزير عمر بن مسلم انهزام تميم عنه وقيل انهزام ربيعة والازد ثم أمنهم نصر بعد ذلك وأمرهم أن يلحقوا بمسلم بن سعيد ولما قطع مسلم النهر ولحقه من لحق من أصحابه سار إلى بخارى فلحقه بها كتاب خالد بن عبد الله القسرى بولايته وبأمره باتمام غزاته فسار إلى فرغانة وبلغه ان خاقان قد أقبل إليه فارتحل ولحقه خاقان بعد ثلاثة مراحل لقى فيها طائفة من المسلمين فأصابهم ثم أطاف بالعسكر وقاتل المسلمين وقتل المسيب ابن بشر الرياحي والبراء من فرسان المهلب وأخو غورك وثار الناس في وجوههم فأخرجوهم من العسكر ورحل مسلم بالناس ثمانية أيام والترك مطيفون بهم بعد أن أمر باحراق ما ثقل من الامتعة فأحرقوا ما قيمته ألف ألف وأصبحوا في التاسع قريب النهر دونه أهل فرغانة والشاش فأمر مسلم الناس أن يخرطوا سيوفهم ويحملوا فافرج أهل فرغانة والشاش عن النهر ونزل مسلم بعسكره ثم عبر من الغد واتبعهم(3/85)
ابن خاقان فكان حميد بن عبد الله على الساقة من وراء النهر وهو مثخن بالجراحة فبعث إلى مسلم بالانتظار وعطف على الترك فقاتلهم وأسر قائدهم وقائد الصغد ثم أصابه سهم فمات وأتوا خجندة وقد أصابتهم مجاعة وجهد ولقيهم هنالك كتاب أسد ابن عبد الله القسرى أخى خالد بولايته على خراسان واستخلافه عبد الرحمن بن نعيم فقرأ مسلم الكتاب وقال سمعا وطاعة * (ولاية أسد القسرى على خراسان) * ولما غزا خالد بن عبد الله خراسان استخلف عليها أخاه أسد بن عبد الله فقدم ومسلم ابن سعيد بفرغانة فلما رجع وأتى النهر ليقطعه فمنعه الاشهب بن عبد الله التميمي وكان على السفن بآمد حتى عرفه أنه الامير فأذن له ثم عبر أسد النهر ونزل بالمرج وعلى سمرقند هانئ بن هانئ فخرج بالناس وتلقى أسدا وأدخله سمرقند وبعث أسد
إلى عبد الرحمن بن نعيم بالولاية على العسكر فقفل بالناس إلى سمرقند ثم عزل أسدا عنها وولى مكانه الحسن بن أبى العمرطة لكندي ثم قدم مسلم بن سعيد بن عبد الله بخراسان فكان يكرمه ومر بابن هبيرة وهو يروم الهرب وأسلم على يديه ثم غزا الغور وهى جبال هراة فوضع أهلها أثقالهم في الكهوف ولم يكن إليها طريق فاتخذ التوابيت ووضع فيها الرجال ودلاها بالسلاسل فاستخرجوا ما قدروا عليه ثم قطع كماق النهر وجاءه خاقان ولم يكن بينهما قتال وقيل عاد مهزوما من الجسر ثم سار إلى عوبرين وقاتلها وأبلى نصر بن سيار ومسلم بن أحور وانهزم المشركون وحوى المسلمون عسكرهم بما فيه * (ولاية أشرس على العراق) * كان أسد بن عبد الله في ولايته على خراسان يتعصب حتى أفسد الناس وضرب نصر ابن سيار بالسياط وعبد الرحمن بن نعيم وسورة بن أبجر والبخترى بن أبى درهم وعامر ابن مالك الحمانى وحلقهم وسيرهم إلى أخيه وكتب إليه انهم أرادوا الوثوب بى فلامه خالد وعنفه وقال هلا بعثت برؤوسهم وخطب أسد يوما فلعن أهل خراسان فكتب هشام بن عبد الملك إلى خالد اعزل أخاك فعزله في رمضان سنة تسع وولى مكانه الحكم ابن عوانة الكلبى فقعد عن الصائفة تلك السنة فاستعمل هشام على خراسان أشرس ابن عبد الله السلمى وأمره أن يراجع خالدا فكان خيرا ففرح به أهل خراسان * (عزل أشرس) * أرسل أشرس إلى سمرقند سنة عشر ومائة أبا الصيدا صالح بن ظريف مولى بنى ضبة(3/86)
والربيع بن عمران التميمي إلى سمرقند وغيرها مما وراء النهر يدعوهم إلى الاسلام على أن توضع عنهم الجزية وعليها الحسن بن العمرطة الكندى على حربها وخراجها فدعاهم لذلك وأسلموا وكتب غورك إلى الاشرس ان الجراح قد انكسر فكتب أشرس
إلى ابن العمرطة بلغني ان أهل الصغد واشباههم لم يسلموا رغبة وانما أسلموا نفورا من الجزية فانظر من اختتن وأقام الفرائض وقرأ سورة من القرآن فارفع خراجه ثم عزل ابن العمرطة عن الخراج وولى عليها ابن هانئ ومنعهم أبو الصيدا أخذ الجزية ممن اسلم وكتب هانئ إلى اشرس بأنهم أسلموا وبنوا المساجد فكتب إليه والى العمال أن يعيدوا الجزية على من كانت عليه ولو أسلم فامتنعوا واعتزلوا في سبعة آلاف على فراسخ من سمرقند وخرج معهم أبو الصيدا وربيع بن عمران والهيثم الشيباني وأبو فاطمة الازدي وعامر بن قشير وبشير الجحدرى وبيان العنبري واسمعيل بن عقبة لينصروهم وبلغ الخبر إلى أشرس فعزل ابن العمرطة عن الحرب وولى مكانه المجشر ابن مزاحم السلمى وعميرة بن سعد الشيباني فكتب المجشر إلى أبى الصيدا يستقدمه هو وأصحابه فقدم ومعه ثابت قطنة فحبسهما وسيرهما إلى أشرس واجتمع الباقون وولوا عليهم أبا فاطمة ليقاتلوا هانئا فكتب أشرس ووضع عنهم الخراج فرجعوا وضعف أمرهم وتتبعوا فحبسوا كلهم وألح هانئ في الخراج واستخف بفعل العجم والدهاقين وأقيموا في العقوبات وحرقت ثيابهم وألقيت مناطقهم في أعناقهم وأخذت الجزية ممن أسلم فكفرت الصغد وبخاري واستجاشوا بالترك وخرج أشرس غازيا فنزل آمد وأقام أشهرا وقدم قطن بن قتيبة بن مسلم في عشرة آلاف فعبر النهر ولقى الترك وأهل الصغد وبخاري ومعهم خاقان فحصروا قطنا في خندقه وأغار الترك على سرح المسلمين وأطلق أشرس ثابت قطنة بكفالة عبد الله بن بسطام بن مسعود ابن عمرو بعثه معه في خيل فاستقدمه من أيدى الترك ما أخذوه ثم عبر أشرس بالناس ولحق بقطن ولقيهم العدو فانهزموا أمامهم وسار أشرس بالناس حتى جاء بيكند فحاصرها المسلمون وقطع أهل البلد عنهم الماء وأصابهم العطش فرحلوا إلى المدينة واعترضهم دونها العدو فقاتلوهم قتالا شديدا وأبلى الحرث بن شريح وقطن بن قتيبة بلاء شديدا وأزالوا الترك عن الماء فقتل يومئذ ثابت قطنة وصخر بن مسلم بن النعمان
العبدى وعبد الملك بن دثار الباهلى وغيرهم وحمل قطن بن قتيبة في جماعة تعاقدوا على الموت فانهزم العدو واتبعهم المسلمون يقتلونهم إلى الليل ثم رجع أشرس إلى بخارى وجهز عليها عسكرا يحاصرونها وعليهم الحرث بن شريح الازدي ثم حاصر خاقان مدينة كمرجة من خراسان وبها جمع من المسلمين وقطعوا القنطرة(3/87)
وأتاهم ابن جسر وابن يزد جرد وقال ان خاقان جاء يرد على منكبي وأنا آخذ لكم الامان فشتموه وأتاهم يزغرى في مائتين وكان داهية وكان خاقان لا يخالفه فطلب رجلا يكلمه فجاءه يزيد بن سعد الباهلى فرغبه باضعاف العطاء والاحسان على النزول ويسيرون معهم فلاطفه ورجع إلى أصحابه وقال هؤلاء يدعونكم لقتال المسلمين فأبوا وأمر خاقان فألقى الحطب الرطب في الخندق ليقطعه وألقى المسلمون البهائم ليأكلوها ويحشوا جلودها ترابا ويملؤا بها الخندق وأرسل الله سبحانه سحابة فاحتمل السيل ما في الخندق إلى النهر الاعظم ورمى المسلمون بالسهام فأصيب بزغرى بسهم ومات من ليلته فقتلوا جميع من عندهم من الاسرى والرهن ولم يزالوا كذلك حتى نزلت جيوش المسلمين فرغانة فجردوا عليهم واشتد قتالهم وصالحهم المسلمون على أن يسلموا لهم كمرجة ويرحلوا عليها إلى سمرقند والدنوسية وتراهنوا على ذلك وتأخر خاقان حتى يخرجوا وخلف معهم كور صول ليبلغهم إلى مأمنهم فارتحلوا حتى بلغوا الدنوسية وأطلقوا الرهن وكان مدة الحصار ستين يوما * (عزل أشرس عن خراسان وولاية الجنيد) * وفى سنة احدى عشرة ومائة عزل هشام أشرس بن عبد الله عن خراسان وولى مكانه الجنيد بن عبد الرحمن بن عمر بن الحرث بن خارجة بن سنان بن أبى حارثة المرى أهدى إلى أم حكيم بنت يحيى بن الحكم امرأة هشام قلادة فيها جواهر فأعجبت هشاما فاهدى له أخرى مثلها فولاه خراسان وحمله على البريد فقدم خراسان في خمسمائة ووجد الخطاب
ابن محرز السلمى خليفة أشرس على خراسان فسار الجنيد إلى ما وراء النهر ومعه الخطاب واستخلف على مرو المجشر بن مزاحم السلمى وعلى بلخ سورة بن أبجر التميمي وبعث إلى أشرس وهو يقاتل أهل بخارى والصغد أن يبعث إليه بسرية مخافة أن يعترضه العدو فبعث إليه أشرس عامر بن مالك الجابى فعرض له الترك والصغد فقاتلوهم ثم استداروا وراء معسكر الترك وحمل المسلمون عليهم من أمامهم فانهزم الترك ولحق عامر بالجنيد فأقبل معه وعلى مقدمته عمارة بن حزيم واعترضه الترك فهزمهم وزحف إليه خاقان بنواحي سمرقند وقطن بن قتيبة على ساقته فهزم خاقان وأسر ابن أخيسه وبعث به إلى هشام ورجع إلى مرو ظافرا واستعمل قطن بن قتية على بخارى والوليد بن القعقاع العبسى على هراة وحبيب بن مرة العبسى على شرطته ومسلم بن عبد الرحمن الباهلى على بلخ وعليها نصر بن سيار فبعث مسلم إلى نصر وجئ به في قميص دون سراويل فقال شيخ مضر جئتم به على هذه الحالة فعزل الجنيد مسلما عن بلخ وأوفد وفدا إلى هشام بخبر غزاته(3/88)
* (مقتل الجراح الحكمى) * قد كان تقدم لنا دخوله إلى بلاد الخزر سنة أربع ومائة وانهزامهم أمامه وانه أثخن فيهم وملك بلنجر وردها على صاحبها وأدركه الشتاء فأقام هنالك وان هشاما أقره على عمله ثم ولاه أرمينية فدخل بلاد التركمان من ناحية تفليس سنة احدى عشرة ففتح مدينتهم البيضاء وانصرف ظافرا فاجتمع الخزر والترك من ناحية اللاف وزحف إليهم الجراح سنة اثنتى عشرة ولقيهم بمرج اردبيل فاقتتلوا أشد قتال وتكاثر العدو عليه فاستشهد ومن معه وقد كان استخلف أخاه الحجاج على أرمينية ولما قتل طمع الخرز وهم التركمان وأوغلوا في البلاد حتى قاربوا الموصل وقيل كان قتله ببلنجر ولما بلغ الخبر هشاما دعا سعيد الحريشى فقال بلغني أن الجراح انهزم قال الجراح اعرف بالله من أن
ينهزم ولكن قتل فابعثني على أربعين من دواب البريد وابعث إلى كل يوم أربعين رجلا مددا واكتب إلى أمراء الاجناد يواسوني ففعل وسار الحريشى فلا يمر بمدينة الا ويستنهض أهلها فيجيبه من أراد الجهاد ووصل مدينة أزور فلقيه جماعه من أصحاب الجراح فردهم معه ووصل إلى خلاط فحاصرها وفتحها وقسم غنائمها ثم سار عنها يفتح القلاع والحصون إلى بروعة فنزلها وابن خاقان يومئذ باذربيجان يحاصر مدينة ورثان منها ويعيث في نواحيها وبعث الحريشى إلى أهل ورثان يخبرهم بوصوله فأخرج العدو عنهم ووصل إليهم الحريشى ثم اتبع العدو إلى أردبيل وجاءه بعض عيونه بان عشرة آلاف من عسكرهم على أربعة فراسخ منه ومعهم خمسة آلاف بيت من المسلمين أسارى وسبايا فبيتهم وقتلهم أجمعين ولم ينج منهم أحد واستنقذ المسلمين منهم وسار إلى باجروان فجاءه عين آخر ودله على جمع منهم فسار إليهم واستلحمهم أجمعين واستنقذ من معهم من المسلمين وكان فيهم أهل الجراح وولده فحملهم إلى باجروان ثم زحف إليهم جموع الخزر مع ابن ملكهم والتقوا بأرض زرند واشتد القتال والسبي من معسكر الكفار فبكى المسلمون رحمة لهم وصدقوا الحملة فانهزم الكفار واتبعهم المسلمون إلى نهر ارس وغنموا ما كان معهم من الاموال واستنقذوا الاسرى والسبايا وحملوهم إلى باجروان ثم تناصر الخرز في ملكهم ورجعوا فنزلوا نهر البيلقان واقتتلوا قتالا شديدا ثم انهزموا فكان من غرق أكثر ممن قتل وجمع الحريشى الغنائم وعاد إلى باجروان فقسمها وكتب إلى هشام بالفتح واستقدمه وولى أخاه مسلمة على أرمينية واذربيجان * (وقعة الشعب بين الجنيد وخاقان) * وخرج الجنيد سنة اثنتى عشرة ومائة من خراسان غازيا إلى طخارستان وبعث إليها عمارة(3/89)
ابن حزيم في ثمانية عشر ألفا وبعث ابراهيم بن سلم الليثى في عشرة آلاف إلى وجه آخر
وحاشتك الترك وزحف بهم خاقان إلى سمرقند وعليها سورة بن أبجر فكتب إلى الهند مستغيثا فأمر الجنيد بعبور النهر فقال له المجشر بن مزاحم السلمى وابن بسطام الازدي ان الترك ليسوا كغيرهم وقد مزقت جندك فسلم ابن عبد الرحمن بالنبراود والبخترى بهزاة وعمارة بن حزيم بطخارستان ولا تعبر النهر في أقل من خمسين ألفا فاستقدم عمارة وأمهل فقال أخى على سورة وعبر الجنيد فنزل كش وتأهب للسير وغور الترك الآبار في طريق كش وسار الجنيد على التعبية واعترضه خاقان ومعه أهل الصغد وفرغانة والشاش وحملوا على مقدمته وعليها عثمان بن عبد الله بن الشخير فرجعوا والترك في أتباعهم ثم حملوا على المدينة وأمدهم الجنيد بنصر بن سيار وشدوا على العدو وقتل أعيانا منهم وأقبل الجنيد على الميمنة وأقبل تحت راية الازد فقال له صاحب الراية ما قصدت كرامتنا لكن علمت انا لا نصل اليك ومناعين تطرف فصبروا وقاتلوا حتى كلت سيوفهم وقطع عبيدهم الخشب فقاتلوا بها حتى أدركهم الملل وتعانقوا ثم تحاجزوا وهلك من الازد في ذلك المعترك نحو من ثمانين فيهم عبد الله بن بسطام ومحمد بن عبد الله بن جودان والحسين بن شيخ ويزيد بن المفضل الحرانى وبين الناس كذلك إذ طلعت أوائل عسكر خاقان فنادى منادى الجنيد بالنزول فترجلوا وخندق كل كائن على رجاله وقصد خاقان جهة بكر بن وائل وعليهم زياد بن الحرث فحملت بكر عليهم فأفرجوا واشتد القتال وأشار أصحاب الجنيد عليه بأن يبعث إلى سورة بن أبجر من سمرقند ليتقدم الترك إليه ليكون لهم شغل به عن الجنيد وأصحابه فكتب يستقدمه فاعتذر فأعاد عليه وتهدده وقال اخرج وسر مع النهر لا تفارقه فلما خرج هو استبعد طريق النهر واستخلف على سمرقند موسى بن أسود الحنظلي وسار محمد في اثنى عشر ألفا حتى إذا بقى بينه وبين الجنيد وعساكره فرسخ لقيه خاقان عند الصباح وحال بينهم وبين الماء واضرم النار في اليبس حواليهم فاستماتوا وحملوا وانكشفت الترك وأظلم الجو بالعجاج وكان من وراء الترك لهب سقط فيه جميع العدو والمسلمون وسقط
سورة فاندقت فخذه ثم عطف الترك فقتلوا المسلمين ولم يبق منهم الا القليل وانحاش بالناس المهلب بن زياد والعجمي في ستمائة أو ألف ومعه قريش بن عبد الله العبدى إلى رستاق المرغاب وقاتلوا بعض قصوره فأصيب المهلب وولوا عليهم الرحب بن خالد وجاءهم الاسكيد صاحب نسف وغورك ملك الصغد فنزلوا معه إلى خاقان فلم يجز أمان غورك وقتلهم ولم ينج منهم ثم خرج الجنيد من الشعب قاصدا سمرقند وأشار عليه مجشر ابن مزاحم بالنزول فنزل ووافقته جموع الترك فجال الناس جولة وصبرا لمسلمون وقاتل(3/90)
العبيد وانهزم العدو ومضى الجنيد إلى سمرقند فحمل العيالات إلى مرو وأقام بالصغد أربعة أشهر وكان صاحب الرأى بخراسان في الحرب المجشر بن مزاحم السلمى وعبد الرحمن بن صبح المخزومى وعبيد الله بن حبيب الهجرى ولما انصرفت الترك بعث الجنيد نهار بن توسعة بن تيم الله وزميل بن سويد بن شيم بالخبر وتحامل فيه على سورة بن أبجر بما عصاه من مفارقة النهر حتى نال العدو منه فكتب إليه هشام قد بعث اليك من المدد عشرة آلاف من البصرة ومثلها من الكوفة وثلاثون ألف رمح ومثلها سيفا وأقام الجنيد بسمرقند وسار خاقان إلى بخارى وعليها قطن بن قتيبة بن مسلم فخاف عليه من الترك واستشار عبد الله بن أبى عبد الله مولى بنى سليم بعد ان اختلف عليه أصحابه فاشترط عليه أن لا يخالفه فأشار بحمل العيالات من سمرقند فقدمهم واستخلف بسمرقند عثمان بن عبد الله بن الشخير في أربعمائة فارس وأربعمائة راجل ووفر أعطياتهم وسار العيالات في مقدمته حتى من الضيق ودنا من الطواويس فأقبل إليه خاقان بكير ميمنية أول رمضان سنة اثنتى عشرة واقتتلوا قليلا ثم رجع الترك وارتحل من الغد فاعترضه الترك ثانيا وقتل مسلم بن أحوز بعض عظمائهم فرجعوا من الطواويس ثم دخل الجنيد بالمسلمين بخارى وقدمت الجنود من البصرة والكوفة فسرح الجنيد معهم حورثة بن زيد العنبري فيمن انتدب معه
* (ولاية عاصم على خراسان وعزل الجنيد) * بلغ هشاما سنة ست عشرة أن الجنيد بن عبد الرحمن عامل خراسان تزوج بنت يزيد بن المهلب فغضب لذلك وعزله وولى مكانه عاصم بن عبد الله بن يزيد الهلالي وكان الجنيد قد مرض بالاستسقاء فقال هشام لعاصم ان أدركته وبه رمق فأزهق نفسه فلما قدم عاصم وجده قد مات وكانت بينهما عداوة فحبس عمارة بن حزيم وكان الجنيد استخلفه وهو ابن عذبة فعذبه عاصم وعذب عمال الجنيد * (ولاية مروان بن محمد على أرمينية وأذربيجان) * لما عاد مسلمة من غزو الخزر وهم التركمان إلى بلاد المسلمين وكان في عسكره مروان بن محمد بن مروان فخرج مختفيا عنه إلى هشام وشكا له من مسلمة وتخاذله عن الغزو وما أدخل بذلك على المسلمين من الوهم وبعث إلى العدو بالحرب وأقام شهرا حتى استعدوا وحشدوا ودخل بلادهم فلم يكن له فيهم نكاية وقصد أراد السلامة ورغب إليه بالغزو إليهم لينتقم منهم وأن يمده بمائة وعشرين ألف مقاتل ويكتم عليه فأجابه لذلك وولاه على أرمينية فسار إليها وجاءه المدد من الشأم والعراق والجزيرة فاظهر انه نريد غزو اللان وبعث إلى ملك الخزر في المهادنة فأجاب وأرسل رسله لتقرير الصلح(3/91)
فأمسكهم مروان إلى أن تجهز وودعهم وسار على أقرب الطرق فوافاهم ورأى ملك الخزر أن اللقاء على تلك الحال غرر فتأخر إلى أقصى بلاده ودخل مروان فأوغل فيها وخرب وغنم وسبى إلى آخرها ودخل بلاد ملك السرير وفتح قلاعها وصالحوه على ألف رأس نصفها غلمان ونصفها جواري ومائة ألف مد تحمل إلى الباب وصالحه أهل تومان على مائة رأس نصفين وعشرين ألف مد ثم دخل أرض وردكران فصالحوه ثم أتى حمرين وافتتح حصنهم ثم أتى سبدان فافتتحها صلحا ثم نزل صاحب اللكز في قلعته وقد امتنع من أداء الوظيفة فخرج يريد ملك الخزر فأصيب بسهم ومات وصالح أهل
اللكز مروان وأدخل عامله وسار مروان إلى قلعة سروان فأطاعوا وسار إلى الرودانية فاوقع بهم ورجع * (خلع الحرث بن شريح بخراسان) * كان الحرث هذا عظيم الازد بخراسان فخلع سنة ست عشرة ولبس السواد ودعا إلى كتاب الله وسنة نبيه والبيعة للرضا على ما كان عليه دعاة بنى العباس هناك وأقبل إلى الغاربات وجاءته رسل عاصم مقاتل بن حيان النبطي والخطاب بن محرز السلمى فحبسهما وفروا من السجن إلى عاصم بدم الحرث وغدره وسار الحرث من الغاربات إلى بلخ وعليها نصر بن سيار والتجيبى فلفياه في عشرة آلاف وهو في أربعة فهزمهم وملك بلخ واستعمل عليها سليمان بن عبد الله بن حازم وسار إلى الجوزجان عليها ثم سار إلى مرو ونمى إلى عاصم ان أهل مرو يكاتبونه فاستوثق منهم بالقسامة وخرج وعسكر قريبا من مرو وقطع الجسور وأقبل الحرث في ستين ألفا ومعه فرسان الازد وتميم ودهاقين الجوزجان والغاربات وملك الطالقان وأصلحوا القناطر ثم نزع محمد بن المثنى في ألفين من الازد وحماد بن عامر الجابى في مثلها من بنى تميم إلى عاصم ولحقوابه ثم اقتتلوا فانهزم الحرث وغرق كثير من أصحابه في نهر مرو وقتلوا قتلا ذريعا وكان ممن غرق حازم ولما قطع الحرث نهر مرو ضرب رواقه واجتمع إليه بها ثلاثة آلاف فارس وكف عاصم عنهم * (ولاية أسد القسرى الثانية بخراسان) * كتب عاصم إلى هشام سنة سبع عشرة أن خراسان لا تصلح الا أن تضم إلى العراق ليكون مددها قريب الغوث فضم هشام خراسان إلى خالد بن عبد الله القسرى وكتب إليه ابعث أخاك يصلح ما أفسد فبعث خالد أخاه أسدا فسار على مقدمته محمد بن مالك الهمداني (ولما بلغ عاصم) الخبر راود الحرث بن شريح على الصلح وأن يكتبا جميعا إلى هشام يسألانه الكتاب والسنة فان أبى اجتمعا وأبى بعض أهل خراسان ذلك(3/92)
فانتقض بينهما واقتتلا فانهزم الحرث وأسر من أصحابه كثير قتلهم عاصم وبعث بالفتح إلى هشام مع محمد بن مسلم العنبري فلقيه أسد بالرى وجاء إلى خراسان فبعث عاصما وطلبه بمائة ألف درهم وأطلق عمارة بن حزيم وعمال الجنيد ولم يكن لعاصم بخراسان الا مرو ونيسابور وكانت مرو الروذ للحرث وواصل لخالد بن عبيد الله الهجرى على مثل رأى الحرث فبعث أسد عبد الرحمن بن نعيم في أهل الكوفة والشأم إلى الحرث وسار هو بالناس إلى آمد فخرج إليه زياد القرشى مولى حيان النبطي في العسكر فهزمهم أسد وحاصرهم حتى سألوا الامان واستعمل عليهم يحيى بن نعيم بن هبيرة الشيباني وسار إلى بلخ وقد بايعوا سليمان بن عبد الله بن حازم فسار حتى قدمها ثم سار منها إلى ترمذ والحرث محاصر لهما وأعجزه وصول المدد إليها فخرج إلى بلخ وخرج أهل ترمذ فهزموا الحرث وقتلوا أكثر أصحابه ثم سار أسد إلى سمرقند ومر بحصن زم وبه أصحاب الحرث فبعث إليهم وقال انما نكرتم منا سوء السيرة ولم يبلغ ذلك النساء واستحلال الفروج ولا مظاهرة المشركين على مثل سمرقند وأعطاه الامان على تسليم سمرقند وهدده ان قاتل بأنه لا يؤمنه أبدا فخرج إلى الامان وسار معه إلى سمرقند فانزلهم على الامان ثم رجع أسد إلى بلخ وسرح جديعا الكرماني إلى القلعة التى فيها ثقل الحرث وأصحابه في طخارستان فحاصرها وفتحها وقتل مقاتلهم ومنهم بنو بزرى من ثعلب أصحاب الحرث وباع سبيهم في سوق بلخ وانتقض على الحرث أربعمائة وخمسون من أصحابه بالقلعة ورئيسهم جرير ابن ميمون القاضى فقال لهم الحرث ان كنتم مفارقي ولابد فاطلبوا الامان وان طلبتموه بعد رحيلي لا يعطونه لكم فأبوا الا ان ارتحل فبعثوا بالامان فلم يجبهم إليه وسرح جديعة الكرماني في ستة آلاف فحصرهم حتى نزلوا على حكمه وحمل خمسين منهم إلى أسد فيهم ابن ميمون القاضى فقتلهم وكتب إلى الكرماني باهلاك الباقين واتخذ أسد مدينة بلخ دارا ونقل إليها الدواوين ثم غزا طخارستان وأرض حبونة
فغنم وسبى * (مقتل خاقان) * ولما كانت سنة تسع عشرة غزا أسد بن عبد الله بلاد الختل فافتتح منها قلاعا وامتلات أيدى العسكر من السبى والشاء وكتب ابن السائحى صاحب البلاد يستجيش خاقان على العرب ويضعفهم له فتجهز وخفف من الازودة استعجالا للعرب فلما أحس به ابن السائحى يعث بالنذير إلى أسد فلم يصدقه فأعاد عليه انى الذى استمددت خاقان لانك معرت البلاد ولا أريد أن يظفر بك خشية من معاداة العرب واستطالة خاقان على فصدقه حينئذ أسد وبعث الاثقال مع ابراهيم بن عاصم العقيلى الذى كان ولى(3/93)
سجستان وبعث معه المشيخة كثير بن أمية وأبا سفيان بن كثير الخزاعى وفضيل بن جيان لاهرى وغيرهم وأمدهما بجند آخر وجاء في أثرهم فانتهى إلى نهر بلخ وقد قطعه ابراهيم بن عاصم بالسبي والاثقال فخاض النهر من ثلاثة وعشرين موضعا وحمل الناس شياههم حتى حمل هو شاة فما استكمل العبور حتى طلعت عليهم الترك وعلى المسلحة الازد وميم فحمل خاقان عليهم فانكشفوا فرحع أسد إلى عسكره وخندق وظنوا أن خاقان لا يقطع النهر فقطع النهر إليهم وقاتله المسلمون في معسكرهم وباتوا والترك محيطون بهم فلما أصبحوا لم يروا منهم أحدا فعلموا أنهم اتبعوا الاثقال والسبي واستعلموا علمها من الطلائع فشاور أسد الناس فأشاروا بالمقام وأشار نصر بن سيار باتباعهم يخلص الاثقال ويقطع شقة لابد من قطعها فوافقه أسد وطير النذير إلى ابراهيم بن عاصم وصبح خاقان للاثقال وقد خندقوا عليهم فأمر أهل الصغد بقتلهم فهزمتهم مسلحة المسلمين فصعد على تل حتى رأى المسلمين من خلفهم وأمر الترك أن يأتوهم من هنالك ففعلوا وخالطوهم في معسكرهم وقتلوا صاغان خذاه وأصحابه وأحسوا بالهلاك وإذا بالغبار قد رهج والترك يتنحون قليلا قليلا وجاء أسد ووقف على التل الذى
كان عليه خاقان وخرج إليه بقية الناس وجاءته امرأة صاغان خذاه معولة فأعول معها ومضى خاقان يقود أسرى المسلمين في الآفاق ويسوق الابل الموقورة والجوارى وأراد أهل العسكر قتالهم فمنعهم أسد ونادى رجل من عسكر خاقان وهو من أصحاب الحرث بن شريح يعير أسدا ويحرضه ويقول قد كان لك عن الختل مندوحة وهى أرض آبائى وأجدادي قد كان ما رأيت ولعل الله ينتقم منك ومضى أسد إلى بلخ فعسكر في مرجها حتى جاء الشتاء فدخل البلد وشتى فيها وكان الحرث بن شريح بناحية طخارستان فانضم إلى خاقان وأغراه بغزو خراسان وزحفوا إلى بلخ وخرج أسد يوم الاضحى فخطب الناس وعرفهم بأن الحرث بن شريح استجلب الطاغية ليطفئ نور الله ويبدل دينهم وحرضهم على الاستنصار بالله وقال أقرب ما يكون العبد لله ساجدا ثم سجد وسجد الناس وأخلصوا الدعاء وخرج للقائهم وقد استمد خاقان من وراء النهر وأهل طخارستان وحبونة في ثلاثين ألفا وجاء الخبر إلى أسد وأشار بعض الناس بالتحصن منهم بمدينة بلخ واستمد خالد وهشام وأبى الاسد الا اللقاء فخرج واستخلف على بلخ الكرماني بن على وعهد إليه انه لا يدع أحدا يخرج من المدينة واعتزم نصر بن سيار والقاسم بن نجيب وغيرهم على الخروج فأذن لهم وصلى بالناس ركعتين وطول ثم دعا وأمر الناس بالدعاء ونزل من وراء القنطرة ينتظر من تخلف ثم بداله وارتحل فلقى طليعة خاقان وأسر قائدهم وسار حتى نزل على فرسخين من الجوزجان ثم أصبحوا وقد(3/94)
تراءى الجمعان وأنزل أسد الناس ثم تهيا للحرب ومعه الجوزجان اه وحملت الترك على الميسرة فانهزموا إلى رواق أسد فشدت عليهم الاسد وبنو تميم والجوزجان من الميمنة فانكشفوا إلى خاقان وقد انهزم والحرث معه واتبعهم الناس ثلاثة فراسخ يقتلونهم واستاقوا مائة وخمسين ألفا من الشاء ودواب كثيرة وملك خاقان غير الجادة والحرث بن شريح ولقيهم أسد عند الطريقة وملك الجوزجان بعثمان بن
عبد الله بن الشخير طريقا يعرفها حتى نزلوا على خاقان وهو آمن فتركوا الابنية والقدور تغلى وبناء العرب والموالي والعسكر مشحون من آنية الفضة وركب خاقان والحرث يمانع عنه وأعجلوا امرأة خاقان عن الركوب فقتلها الخصى الموكل بها وبعث أسد بجوار الترك دهاقين خراسان يفادون بها أسراهم وأقام خمسة أيام وانصرف إلى بلخ لتاسعة من خروجه ونزل الجوزجان وخاقان هارب امامه وانتهى خاقان إلى جونة الطخارى فنزل عليه وانصرف أسد إلى بلخ وأقام خاقان عند جونة حتى أصلح آلته وسار وسبيه بها فأخذه جد كاوش أبو فشين فأهدى إليه وأتحفه وحمل أصحابه يتخد بذلك عنده يدا ثم وصل خاقان بلاده وأخذ في الاستعداد في الحرب ومحاصرة سمرقند وحمل الحرث وابن شريح وأصحابه على خمسة آلاف برذون ولاعب خاقان بالنرد كور صول يوما فغمزه كور صول فأنف وتشاجر فصك كور صول يد خاقان فحلف خاقان ليكسرن يده فنحى وجمع ثم بيت خاقان فقتله وافترق الترك وحملوه وتركوه بالعراء فحمله بعض عظمائهم ودفنه وكان أسد بعث بالفتح من بلخ إلى خالد بن عبد الله فأخبره وبعث به إلى هشام فلم يصدقه ثم بعده القاسم بن نجيب بقتل خاقان فحثت قيس أسدا وخالدا وقالوا لهشام استقدم مقاتل بن حيان فكتب بذلك إلى خالد فأرسل إلى أسد أن يبعث به فقدم على هشام والابرش وزيره جالس عنده فقص عليه الخبر فسر بذلك وقال لمقاتل ما حاجتك قال يزيد بن المهلب أخذ من حيان أبى مائة ألف درهم بغير حق فأمر بردها على فاستحلفه وكتب له بردها وقسمها مقانل بين ورثة حيان ثم غزا أسد الختل بعد مقتل خاقان وقدم مصعب بن عمر الخزاعى إليها فسار إلى حصن بدر طرخان فاستأمن له أن يلقى أسدا فأمنه وبعث إلى أسد فسأل أن يقبل منه ألف درهم وراوده على ذلك فأبى أسد ورده إلى مصعب ليرده إلى حصنه فقال له مسلمة بن أبى عبد الله وهو من الموالى أن أمير المؤمنين سيندم على حبسه ثم أقبل أسد بالناس ووعد له المجشر بن مزاحم بدر طرخان أو قبول ما عرض فندم أسد
وأرسل إلى مصعب يسأل عنه فوجده مقيما عند مسلمة فجئ به وقطعت يده ثم أمر رجلا من الازد كان بدر طرخان قتل أباه فضرب عنقه وغلب على القلعة وبعث(3/95)
العساكر في بلاد الختل فامتلات أيديهم من الغنائم والسبي وامتنع ولد بدر طرخان وأمواله في قلعة فوق بلدهم صغيرة فلم يوصل إليهم * (وفاة أسد) * وفى ربيع الاول سنة عشرين توفى ابن عبد الله القسرى بمدينة بلخ واستخلف جعفر ابن حنظلة النهرواني فعمل أربعة أشهر ثم جاء عهد نصر بن سيار بالعمل في رجب * (ولاية يوسف بن عمر الثقفى على العراق وعزل خالد) * وفى هذه السنة عزل هشام خالدا عن أعماله جميعها بسعاية أبى المثنى وحسان النبطي وكانا يتوليان ضياع هشام بالعراق فثقلا على خالد وأمر الاشدق بالنهوض على الضياع وانهى ذلك حسان بعد أبى المثنى وأن غلته في السنة ثلاثة عشر ألف ألف فوقرت في نفس هشام وأشار عليه بلال بن أبى بردة والعريان بن الهيثم أن يعرض أملاكه على هشام ويضمنون له الرضا فلم يجبهم ثم شكا من خالد بعض آل عمر والاشدق بأنه أغلظ له في القول بمجلسه فكتب إليه هشام يوبخه ويأمره بأن يمشى ساعيا على قدميه إلى بابه ويترضاه ونميت عنه من هذا أقوال كثيرة وأنه يستقل ولاية العراق فكتب إليه هشام يا ابن أم خالد بلغني أنك تقول ما ولاية العراق لى بشرف يا ابن اللخناء كيف لا تكون امرة العراق لك شرفا وأنت من بجيلة القليلة الذليلة أما والله انى لاظن أن أول من يأتيك صقر من قريش يشد يديك إلى عنقك ثم كتب إلى يوسف ابن عمر الثقفى وهو باليمن يأمره أن يقدم في ثلاثين من أصحابه إلى العراق فقد ولاه ذلك فسار إلى الكوفة ونزل قريبا منها وقد ختن طارق خليفة خالد بالكوفة ولده وأهدى إليه وصيفا ووصيفة سوى الاموال والثياب ومر يوسف وأصحابه ببعض
أهل العراق فسألوهم فعرضوا وظنوهم خوارج وركب يوسف إلى دور ثقيف فكتموا ثم جمع يوسف بالمسجد من كان هنالك من مضر ودخل مع الفجر فصلى وأرسل إلى خالد وطارق فأخذهما وقيل ان خالدا كان بواسط وكتب إليه بالخبر بعض أصحابه من دمشق فركب إلى خالد وأخبره بالخبر وقال اركب إلى أمير المؤمنين واعتذر إليه قال لا أفعل بغير اذن قال فترسلني أستأذنه قال لا قال فاضمن له جميع ما انكسر في هذه السنين وآتيك بعهده وهى مائة ألف ألف قال والله ما أجد عشرة آلاف ألف قال أتحملها أنا وفلان وفلان قال لا أعطى شيأ وأغود فيه فقال طارق انما نقيك ونقى أنفسنا بأموالنا ونستبقي الدنيا وتبقى النعمة عليك وعلينا خير من أن يجئ من يطالبنا بالاموال وهى عند الكوفة فنقتل ويأكلون الاموال فأبى خالد من ذلك كله فودعه طارق ومضى وبكى ورجع إلى الكوفة وخرج خالد إلى الحمة وجاء كتاب هشام بخطه إلى(3/96)
يوسف بولاية العراق وأن يأخذ ابن النصرانية يعنى خالدا وعماله فيعذبهم فأخذ الاولاد وسار من يومه واستخلف على اليمن ابنه الصلت وقدم في جمادى الاخيرة سنة عشرين ومائة فنزل النجف وأرسل مولى كيسان فجاء بطارق ولقيه بالحيرة فضربه ضربا مبرحا ودخل الكوفة وبعث عثمان عطاء بن مقدم إلى خالد بالحمة فقدم عليه وحبسه وصالحه عنه ابان بن الوليد وأصحابه على سبعة آلاف ألف وقبل أخذ منه مائة ألف وكانت ولايته العراق خمس عشرة سنة ولما ولى يوسف نزلت الذلة بالعراق في العرب وصار الحكم فيه إلى أهل الذمة * (ولاية نصر بن سيار خراسان وغزوه وصلح الصغد) * ولما مات أسد بن عبد الله ولى هشام على خراسان نصر بن سيار وبعث إليه عهده على عبد الكريم بن سليط الحنفي وقد كان جعفر بن حنظلة لما استخلفه أسد عند موته عرض على نصر أن يوليه بخارى فقال له البحترى بن مجاهد مولى بنى شيبان لا تقبل
فانك شيخ مضر بخراسان وكان عهدك قد جاء على خراسان كلها فكان كذلك ولما ولى نصر استعمل على بلخ مسلم بن عبد الرحمن وعلى مرو الروذ وشاح بن بكير بن وشاح وعلى هراة الحرث بن عبد الله بن الحشرج وعلى نيسابور زياد بن عبد الرحمن القسرى وعلى خوارزم أبا حفص على بن حقنة وعلى الصغد قطن بن قتيبة وبقى أربع سنين لا يستعمل في خراسان الا مضريا فعمرت عمارة لم تعمر مثلها وأحسن الولاية والجباية وكان وصول العهد إليه بالولاية في رجب سنة عشرين فغزا غزوات أولها إلى ما وراء النهر من نحو باب الحديد وسار إليها من بلخ ورجع إلى مرو فوضع الجزية على من أسلم من أهل الذمة وجعلها على من كان يخفف عنه منهم وانتهى عددهم ثلاثين ألفا من الصنفين وضعت عن هؤلاء وجعلت على هؤلاء ثم غزا الثانية إلى سمرقند ثم الثالثة إلى الشاش سار إليها من مرو ومعه ملك بخارى وأهل سمرقند وكش ونسف في عشرين ألفا وجاء إلى نهر الشاش فحال بينه وبين عبوره كور صول عسكر نصر في ليلة ظلماء ونادى نصر لا يخرج أحد وخرج عاصم بن عمير في جند سمرقند فجاولته خيل الترك ليلا وفيهم كور صول فأسره عاصم وجاء به إلى نصر فقتله وصلبه على شاطئ النهر فحزنت الترك لقتله وأحرقوا أبنيته وقطعوا آذانهم وشعورهم وأذناب خيولهم وأمر نصر باحراق عظامه لئلا يحملوها بعد رجوعه ثم سار إلى فرغانة فسبى منها ألف رأس وكتب إليه يوسف بن عمران ليسير إلى الحرث بن شريح في الشاش ويخرب بلادهم ويسبيهم فسار لذلك وجعل على مقدمته يحيى بن حصين وجاء بهم إلى الحرث وقاتلهم وقتل عظيما من عظماء الترك وانهزموا وجاء ملك الشاش في الصلح والهدنة والرهن واشترط نصر(3/97)
عليه اخراج الحرث بن شريح من بلده فأخرجه إلى فاراب واستعمل على الشاش ينزل ابن صالح مولى عمرو بن العاصى ثم سار إلى أرض فرغانة وبعث أمه في اتمام الصلح فجاءت لذلك وأكرمها نصر وعقد لها ورجعت وكان الصغد لما قتل خاقان طمعوا
في الرجعة انى بلادهم فلما ولى نصر بعث إليهم في ذلك وأعطوه ما سألوه من الشروط وكان أهل خراسان قد نكروا شروطهم وكان منها أن لا يعاقب من ارتد عن الاسلام إليهم ولا يؤخذ منهم أسرى الا ببينة وحكم وعاب الناس ذلك على نصر لما أمضاه لهم فقال لو عاينتم شكوتهم في المسلمين مثل ما عاينت ما أنكرتم وأرسل إلى هشام في ذلك فأمضاه وذلك سنة ثلاثين وعشرين * (ظهور زيد بن على ومقتله) * ظهر زيد بن على بالكوفة خارجا على هشام داعيا للكتاب والسنة والى جهاد الظالمين والدفع عن المستضعفين واعطاء المحرومين والعدل في قسمة الفئ ورد المظالم وأفعال الخير ونصر أهل البيت واختلف في سبب خروجه فقيل ان يوسف بن عمر لما كتب في خالد القسرى كتب إلى هشام انه شيعة لاهل البيت وانه ابتاع من زيد أرضا بالمدينة بعشرة آلاف دينار ورد عليه الامن وانه أودع زيدا وأصحابه الوافدين عليه مالا فكان زيد قد قدم على خالد بالعراق هو ومحمد بن عمر بن على بن أبى طالب وداود بن على ابن عبد الله بن عباس فأجازهم ورجعوا إلى المدينة فبعث هشام عنهم وسألهم فأقروا بالجائزة وحلفوا على ما سوى ذلك وان خالدا لم يودعهم شيأ فصدقهم هشام وبعثهم إلى يوسف فقاتلوا خالدا وصدقهم الآخر وعادوا إلى المدينة ونزلوا القادسية وراسل أهل الكوفة زيدا فعاد إليهم وقيل في سبب ذلك ان زيدا اختصم مع ابن عمه جعفر ابن الحسن المثنى في وقف على ثم مات جعفر فخاصم أخوه عبد الله زيدا وكانا يحضران عند عامل خالد بن عبد الملك بن الحرث فوقعت بينهما في مجلسه مشاتمة وأنكر زيد من خالد اطالته للخصومة وان يستمع لمثل هذا فأغلظ له زيد وسار إلى هشام فجعبه ثم أذن له بعد حين فحاوره طويلا ثم عرض له بأنه ينكر الخلاف وتنقصه ثم قال له اخرج قال نعم ثم لا أكون الا بحيث تكره فسار إلى الكوفة وقال له محمد بن عمر بن على بن أبى طالب ناشدتك الله الحق بأهلك ولا تأت الكوفة وذكره بفعلهم مع جده وجده يستعظم
ما وقع به وأقبل الكوفة فأقام بها مستخفيا ينتقل في المنازل واختلف إليه الشيعة وبايعه جماعة منهم مسلمة بن كهيل ونصر بن خزيمة العبسى ومعاوية بن اسحق بن زيد ابن حارثة الانصاري وناس من وجوه أهل الكوفة يذكر لهم دعوته ثم يقول أتبايعون على ذلك فيقولون نعم فيضع يده على أيديهم ويقول عهد الله عليك ومشاقه وذمته وذمة(3/98)
نبيه بيقين تتبعني ولا تقاتلني مع عدوى ولتنصحن لى في السر والعلانية فإذا قال نعم وضع يده على يده ثم قال اللهم اشهد فبايعه خمسة عشر ألفا وقيل أربعون وأمرهم بالاستعداد وشاع أمره في الناس وقيل انه أقام في الكوفة ظاهرا ومعه داود بن على ابن عبد الله بن عباس لما جاؤا لمقاتلة خالد فاختلف إليه الشيعة وكانت البيعة وبلغ الخبر إلى يوسف بن عمر فأخرجه من الكوفة ولحق الشيعة بالقادسية أو الغلبية وعذله داود بن على في الرجوع معه وذكره حال جده الحسين فقالت الشيعة لزيد هذا انما يريد الامر لنفسه ولاهل بيته فرجع معهم ومضى داود إلى المدينة ولما أتى الكوفة جاءه مسلمة بن كهيل فصده عن ذلك وقال أهل الكوفة لا يعولون لك وقد كان مع جدك منهم أضعاف من معك ولم تعاوله وكان أعز عليهم منك على هؤلاء فقال له قد بايعوني ووجبت البيعة في عنقي وعنقهم قال فتأذن لى أن أخرج من هذا البلد فلا آمن أن يحدث حدث وأنا لا أهلك نفسي فخرج لليمامة وكتب عبد الله بن الحسن المثنى إلى زيد يعذله ويصده فلم يصغ إليه وتزوج نساء بالكوفة وكان يختلف اليهن والناس يبايعونه ثم أمر أصحابه يتجهزون ونمى الخبر إلى يوسف بن عمر فطلبه وخاف فتعجل الخروج وكان يوسف بالحيرة وعلى الكوفة الحكم بن الصلت وعلى شرطته عمر ابن عبد الرحمن من القاهرة ومعه عبيد الله بن عباس الكندى في ناس من أهل الشأم ولما علم الشيعة ان يوسف يبحث عن زيد جاء إليه جماعة منهم فقالوا ما تقول في الشيخين فقال زيد رحمهما الله وغفر لهما وما سمعت أهل بيتى يذكرونهما الا بخير وغاية
ما أقول انا كنا أحق بسلطان رسول الله صلى الله عليه وسلم من الناس فدفعونا عنه ولم يبلغ ذلك الكفر وقد عدلوا في الناس وعملوا بالكتاب والسنة قال فإذا كان أولئك لم يظلموك فلم تدعو إلى قتالهم فقال ان هؤلاء ظلموا المسلمين أجمعين فانا ندعوهم إلى الكتاب والسنة وأن نحيى السنن ونطفئ البدع فان أجبتم سعدتم وان أبيتم فلست عليكم بوكيل ففارقوه ونكثوا بيعته وقالوا سبق الامام الحق يعنون محمدا الباقر وان جعفرا ابنه امامنا بعده فسماهم زيد الراضة ويقال انما سماهم الرافضة حيث فارقوه ثم بعث يوسف بن عمر إلى الحكم بأن يجمع أهل الكوفة في المسجد فجمعوا وطلبوا زيدا في دار معاوية بن اسحق بن زيد بن حارثة فخرج منها ليلا واجتمع إليه ناس من الشيعة وأشعلوا النيران ونادوا يا منصور حى طلع الفجر وأصبح جعفر ابن أبى العباس الكندى فلقى اثنين من أصحاب زيد يناديان بشعاره فقتل واحدا وأتى بالآخر إلى الحكم فقتله وأغلق أبواب المسجد على الناس وبعث إلى يوسف بالخبر فسار من الحيرة وقدم الرياف بن سلمة الاراثنى في ألفين خيالة وثلثمائة ماشية(3/99)
وافتقد زيد الناس فقيل انهم في الجامع محصورون ولم يجد معه الا مائتين وعشرين وخرج صاحب الشرطة في خيله فلقى نصر بن خزيمة العبسى من أصحاب زيد ذاهبا إليه فحمل عليه نصر وأصحابه فقتلوه وحمل زيد على أهل الشأم فهزمهم وانتهى إلى دار أنس بن عمر الازدي ممن بايعه وناداه فلم يخرج إليه ثم سار زيد إلى الكناسة فحمل على أهل الشأم فهزمهم ثم دخل الكوفة والرايات في اتباعه فلما رأى زيد خذلان الناس قال لنصر بن خزيمة أفعلتموها حسينية قال أما أنا فوالله لاموتن معك وان الناس بالمسجد فامض بنا إليهم فجاء إلى المسجد ينادى بالناس بالخروج إليه فرماه أهل الشأم بالحجارة من فوق المسجد فانصرفوا عند المساء وأرسل يوسف بن عمر من الغد العباس ابن سعد المزني في أهل الشأم فجاءه في دار الزرق وقد كان أوى إليها عند المساء فلقيه
زيد بن ثابت فاقتتلوا فقتل نصر ثم حملوا على أصحاب العباس فهزمهم زيد وأصحابه وعبأهم يوسف بن عمر من العشى ثم سرحهم فكشفهم أصحاب زيد ولم يثبت حيلهم لحيله وبعث إليهم يوسف بن عمر بالقادسية واشتد القتال وقتل معاوية بن زيد ثم رمى زيد عند المساء بسهم أثبته فرجع أصحابه وأهل الشأم يظنون انهم تحاجزوا ولما نزع النصل من جبهته مات فدفنوه وأجروا عليه الماء وأصبح الحكم يوم الجمعة يتبع الجرحى من الدور ودله بعض الموالى على قبر زيد فاستخرجه وقطع رأسه وبعث بها إلى يوسف بالحيرة فبعثه إلى هشام فنصبه على باب دمشق وأمر يوسف الحكم أن يصلب زيدا بالكناسة ونصر بن خزيمة ومعاوية بن اسحق ويحرسهم فلما ولى الوليد أمر باحراقهم واسنجار يحيى بن زيد بعبد الملك بن شبر بن مروان فأجاره حتى سكن المطلب ثم سار إلى خراسان في نفر من الزيدية * (ظهور أبى مسلم بالدعوة العباسية) * كان أهل الدعوة العباسية بخراسان يكتمون أمرهم منذ بعث محمد بن على بن عبد الله ابن عباس دعاته إلى الآفاق سنة مائة من الهجرة أيام عمر بن عبد العزيز لما مر أبو هاشم عبد الله بن محمد بن الحنفية ذاهبا وجائيا من الشأم من عند سليمان بن عبد الملك فمرض عنده بالحميمة من أعمال البلقاء وهلك هنالك وأوصى له بالامر وكان أبو هاشم قد علم شيعته بالعراق وخراسان وان الامر صائر في ولد محمد بن على بن عبد الله ابن عباس فلما مات أبو هاشم قصدت الشيعة محمدا وبايعوه سرا وبعث دعاته منهم إلى الآفاق وكان الذى بعث إلى العراق مسيرة بن والى خراسان محمد بن حبيش وأما عكرمة السراج وهو أبو محمد الصادق وحيان العطار خال ابراهيم بن سلمة فجاؤا إلى خراسان ودعوا إليه سرا وأجابهم الناس وجاؤا بكتب من أجاب إلى مسيرة اه فبعث(3/100)
بها إلى محمد واختار أبو محمد الصادق اثنى عشر رجلا من أهل الدعوة فجعلهم نقباء
عليهم وهم سليمان بن كثير الخزاعى ولاهز بن قريط التميمي وأبو النجم عمران بن اسمعيل مولى أبو معيط ومالك بن الهيثم الخزاعى وطلحة بن زريق الخزاعى وأبو حمزة بن عمر ابن أعين مولى خزاعة وأخوه عيسى وأبو على شبلة بن طهمان الهروي مولى بنى حنيفة واختار بعده سبعين رجلا وكتب إليه محمد بن على كتابا يكون لهم مثالا يقتدون به في الدعوة وأقاموا على ذلك ثم بعث مسيرة رسله من العراق سنة ثنتين ومائة في ولاية سعيد خدينة وخلافة يزيد بن عبد الملك وسعى بهم إلى سعيد فقالوا نحن تجار فضمنهم قوم من ربيعة واليمن فأطلقهم وولد محمد ابنه عبد الله السفاح سنة أربع ومائة وجاء إليه أبو محمد الصادق في جماعة من دعاة خراسان فأخرجه لهم ابن خمسة عشر يوما وقال هذا صاحبكم الذى يتم الامر على يده فقبلوا أطرافه وانصرفوا ثم دخل معهم في الدعوة بكير بن هامان جاء من السند مع الجنيد ابن عبد الرحمن فلما عزل قدم الكوفة ولقى أبا عكرمة وأبا محمد الصادق ومحمد بن حبيش وعمار العبادي خال الوليد الازرق دعاه إلى خراسان في ولاية أسد القسرى أيام هشام ووشى بهم إليه فقطع أيدى من ظفر به منهم وصلبه وأقبل عمار إلى بكير ابن هامان فأخبره فكتب إلى محمد بن على بذلك فأجابه الحمد لله الذى صدق دعوتكم ومقالتكم وقد بقيت منكم قتلى ستعد ثم كان أول من قدم محمد بن على إلى خراسان أبو محمد زياد مولى همذان بعثه محمد بن على سنة تسعة في ولاية أسد أيام هشام وقال له انزل في اليمن وتلطف لمضر ونهاه عن الغالب النيسابوري شيعة بنى فاطمة فشتى زياد بمرو ثم سعى به إلى أسد فاعتذر بالتجارة ثم عاد إلى أمره فأحضره أسد وقتله في عشرة من أهل الكوفة ثم جاء بعدهم إلى خراسان رجل من أهل الكوفة اسمه كثير ونزل على أبى الشحم وأقام يدعو سنتين أو ثلاثة ثم اخذ أسد بن عبد الله في ولايته الثانية سنة سبع عشرة اخذ سليمان بن كثير ومالك بن الهيثم وموسى بن كعب ولاهز ابن قريط بثلثمائة سوط وشهد حسن بن زيد الازدي ببرأتهم فأطلقهم ثم بعث بكير
ابن هامان سنة ثمانى عشرة عمار بن زيد على شيعتهم بخراسان فنزل مرو وتسمى بخراش وأطاعه الناس ثم نزل دعوتهم بدعوة الحزمية فأباح النساء وقال ان الصوم انما هو عن ذكر الامام وأشار إلى اخفاء اسمه والصلاة الدعاء له والحج القصد إليه وكان خراش هذا نصرانيا بالكوفة واتبعه على مقالته مالك بن الهيثم والحريش بن سليم وظهر أسد على خبره وبلغ الخبر بذلك إلى محمد بن على فنكر عليهم قبولهم من خراش وقطع مراسلتهم فقدم عليه ابن كثير منهم يسعلم خبره ويستعطفه على ما وقع منهم وكتب(3/101)
معه إليهم كتابا مختوما لم يجدوا فيه غير البسملة فعلموا مخالفة خراش لامره وعظم عليهم ثم بعث محمد بن بكير بن بان وكتب معه بكذب خراش فلم يصدقوه فجاء إلى محمد وبعث معه عصيا مضببة بعضها بالحديد وبعضها بالنحاس ودفع إلى كل رجل عصا فعلموا انهم قد خالفوا السيرة فتابوا ورجعوا وتوفى محمد بن على سنة أربع وعشرين وعهد ابنه ابراهيم بالامر وأوصى الدعاة بذلك وكانوا يسمونه الامام وجاء بكير بن هامان إلى خراسان بنعيه والدعاء لابراهيم الامام سنة ست وعشرين ومائة ونزل مرو ودفع إلى الشيعة والنقباء كتابه بالوصية والسيرة فقبلوه ودفعوا إليه ما اجتمع عندهم من نفقاتهم فقدم بها بكير على ابراهيم ثم بعث إليهم أبا مسلم سنة أربع وعشرين وقد اختلف في أوليته اختلافا كثيرا وفى سبب اتصاله بابراهيم الامام أو أبيه محمد فقيل كان من ولد بزرجمهر ولد باصبهان وأوصى به أبوه إلى عيسى بن موسى السراج فحمله إلى الكوفة ابن سبع سنين ونشأ بها واتصل بابراهيم الامام وكان اسم أبى مسلم ابراهيم بن عثمان بن بشار فسماه ابراهيم الامام عبد الرحمن وزوجة أبيه أبى النجم عمران بن اسمعيل من الشيعة فبنى بها بخراسان وزوج ابنته من محرز بن ابراهيم فلم يعقب وابنته أسماء من فهم بن محرز فأعقبت فاطمة هي التى يذكرها الحزمية وقيل في اتصاله بابراهيم الامام ان أبا مسلم كان مع موسى السراج وتعلم منه صناعة السروج
وكان يتجهز فيها باصبهان والجبال والجزيرة والموصل واتصل بعاصم بن يونس العجلى صاحب عيسى السراج وابنى أخيه عيسى وادريس ابني معقل وادريس هو جد أبى دلف ونمى إلى يوسف بن عمر ان العجلى من دعاة بنى العباس فحبسهم مع عمال خالد القسرى وكان أبو مسلم معهم في السجن بخدمتهم وقبل منهم الدعوة وقيل لم يتصل بهم من عيسى السراج وانما كان من ضياع بنى العجلى بأصبهان أو الجبل وتوجه سليمان ابن كثير ومالك بن الهيثم ولاهز بن قريط وقحطبة بن شبيب من خراسان يريدون ابراهيم الامام بمكة فمروا بعاصم بن يونس وعيسى وادريس ابني معقل العجلى بمكانهم من الحبس فرأوا معهم أبا مسلم فأعجبهم وأخذوه ولقوا ابراهيم الامام بمكة فأعجبه فأخذه وكان يخدمه ثم قدم النقباء بعد ذلك على ابراهيم الامام يطلبون أن يوجه من قبله إلى خراسان فبعث معه أبا مسلم فلما تمكن ونوى أمره ادعى أنه من ولد سليط بن عبد الله بن عباس وكان من أولية هذا الخبر أن جارية لعبد الله بن العباس ولدت لغير رشدة فحدها واستعبد وليدها وسماه سليطا فنشأ واختص بالوليد وادعى ان عبد الله بن عباس أقر بأنه ابنه وأقام البينة على ذلك وخاصم على بن عبد الله في الميراث واذاه وكان في صحابته عمر الدن من ولد أبى رافع مولى رسول الله صلى الله(3/102)
عليه وسلم ودخل عليها سليط بالخبر فاستعدت الوليد على على فانكر وحلف فنبشوا في البستان فوجدوه فامر الوليد بعلى فضرب ليدله على عمر الدن ثم شفع فيه عباد ابن زياد فأخرج إلى الحميمة ولما ولى سليمان رده إلى دمشق وقيل ان أبا مسلم كان عبدا للعجليين وابن بكير بن هامان كان كاتبا لعمال بعض السند وقدم الكوفة فكان دعاة بنى العباس فحبسوا وبكير معهم وكان العجليون في الحبس وأبو مسلم العبسى بن معقل فدعاهم بكير إلى رأيه فأجابوه واستحسن الغلام فاشتراه من عيسى بن معقل بأربعمائة درهم وبعث به إلى ابراهيم الامام فدفعه ابراهيم إلى موسى السراج من الشيعة فسمع
منه وحفظ وصار يتردد إلى خراسان وقيل كان لبعض أهل هراة وابتاعه منه ابراهيم الامام ومكث عنده سنين وكان يتردد بكتبه إلى خراسان ثم بعثه أميرا على الشيعة وكتب إليهم بالطاعة له والى أبى سلمة الخلال داعيهم بالكوفة يأمره بانفاذه إلى خراسان فنزل على سليمان بن كثير وكان من أمره ما يذكر بعد هذا ان شاء الله تعالى ثم جاء سليمان بن كثير ولاهز بن قريط وقحطبة إلى مكة سنة سبع وعشرين بعشرين ألف دينار للامام ابراهيم ومائتي ألف درهم ومسك ومتاع كثير ومعهم أبو مسلم وقالوا هذا مولاك وكتب بكير بن هامان إلى الامام بأنه أوصى بأمر الشيعة بعده لابي سلمة حفص بن سليمان الخلال وهو رضى فكتب إليه ابراهيم بالقيام بأمر أصحابه وكتب إلى أهل خراسان بذلك فقبلوه وصدقوه وبعثوا بخمس أموالهم ونفقة الشيعة للامام ثم بعث ابراهيم في سنة ثمان وعشرين مولاه أبا مسلم إلى خراسان وكتب له انى قد أمرته بأمرى فاسمعوا له وأطيعوا وقد أمرته على خراسان وما غلبت عليه فارتابوا من قوله ووفدوا على ابراهيم الامام من قابل مكة وذكر له أبو مسلم انهم لم يقبلوه فقال لهم قد عرضت عليكم الامر فأبيتم من قبوله وكان عرضه على سليمان ابن كثير ثم على ابراهيم بن مسلمة فأبوا وانى قد أجمع رأيى على أبى مسلم وهو منا أهل البيت فاسمعوا له وأطيعوا وقال لابي مسلم انزل في أهل اليمن وأكرمهم فان بهم يتم الامر وآتهم البيعة وأما مضر فهم العدو والغريب واقتل من شككت فيه وان قدرت أن لا تدع بخراسان من يتكلم بالعربية فافعل وارجع إلى سليمان بن كثير واكتف به منى وسرحه معهم فساروا إلى خراسان * (وفاة هشام بن عبد الملك وبيعة الوليد بن يزيد) * توفى هشام بن عبد الملك بالرصافة في ربيع الآخر سنة خمس وعشرين ومائة لعشرين سنة من خلافته وولى بعده الوليد بن أخيه يزيد بعهد يزيد بذلك كما مر وكان الوليد متلاعبا وله مجون وشراب وندمان وأراد هشام خلعه فلم يمكنه وكان يضرب(3/103)
من يأخذه في صحبته فخرج الوليد في ناس من خاصته ومواليه وخلف كاتبه عياض ابن مسلم ليكاتبه بالاحوال فضربه هشام وحبسه ولم يزل الوليد مقيما بالبرية حتى مات هشام وجاءه مولى أبى محمد السفياني على البريد بكتاب سالم بن عبد الرحمن صاحب ديوان الرسائل بالخبر فسأل عن كاتبه عياض فقال لم يزل محبوسا حتى مات هشام فأرسل إلى الحراق أن يحتفظوا بما في أيديهم حتى منعوا هشاما من شئ طلبه ثم خرج بعد موته من الحبس وختم أبواب الخزائن ثم كتب الوليد من وقته إلى عمه العباس ابن عبد الملك أن يأتي الرصافة فيحصى ما فيها من أموال هشام وولده وعماله وخدمه الا مسلمة بن هشام فانه كان يراجع أباه في الرفق بالوليد فانتهى العباس لما أمر به الوليد ثم استعمل الوليد العمال وكتب إلى الآفاق بأخذ البيعة فجاءته بيعتهم وكتب مروان ببيعته واستأذن في القدوم ثم عقد الوليد من سنته لابنيه الحكم وعثمان بعده وجعلهما وليى عهده وكتب بذلك إلى العراق وخراسان * (ولاية نصر للوليد على خراسان) * وكتب الوليد في سنته إلى نصر بن سيار بولاية خراسان وأفرده بها ثم وفد يوسف بن عمر على الوليد فاشترى منه نصرا وعماله فرد إليه الوليد خراسان وكتب يوسف إلى نصر بالقدوم ويحمل معه الهدايا والاموال وعياله جميعا وكتب له الوليد بأن يتخذ له برابط وطنابير وأباريق ذهب وفضة ويجمع له البراذين الغرة ويجمع بذلك إليه في وجوه أهل خراسان واستحثه رسول يوسف فأجازه ثم سار واستخلف على خراسان عصمة بن عبد الله الاسدي وعلى شاش موسى بن ورقاء وعلى سمرقند حسان بن من أهل الصغانيان وعلى آمد مقاتل بن على الصغدى وأسر إليهم أن يداخلوا الترك من في المسير إلى خراسان ليرجع إليهم وبينا هو في طريقه إلى العراق ببيهق لقيه مولى لبنى ليث وأخبره بقتل الوليد والفتنة بالشأم وان منصور بن جمهور قدم العراق
وهرب يوسف بن عمر فرجع بالناس * (مقتل يحيى بن زياد) * كان يحيى بن زياد سار بعد قتل أبيه وسكون الطلب عنه كما مر فأقام عنه الحريش ابن عمر ومروان في بلخ ولما ولى الوليد كتب إلى نصر بأن يأخذه من عند الحريش فأحضر الحريش وطالبه بيحيى فأنكر فضربه ستمائة سوط فجاء ابنه قريش ودله على يحيى فحبسه وكتب إلى الوليد فأمره أن يخلى سبيله وسبيل أصحابه فأطلقه نصر وأمره أن يلحق بالوليد فسار وأقام بسرخس فكتب نصر إلى عبد الله بن قيس بن عياد يخرجه عنها فأخرجه إلى بيهق وخاف يحيى بن يوسف بن عمر فسار إلى نيسابور وبها عمر(3/104)
ابن زرارة وكان مع يحيى سبعون رجلا ولقوا دواب وأدركهم الاعياء فأخذؤها بالثمن وكتب عمر بن زرارة بذلك إلى نصر فكتب إليه يأمره بحربهم فحاربهم في عشرة آلاف فهزموه وقتلوه ومروا بهراة فلم يعرضوا لها وسرح نصر بن سيار مسلم بن أحور المازنى إليهم فلحقهم بالجوزجان فقاتلهم قتالا شديدا وأصيب يحيى بسهم في جبهته فمات وقتل أصحابه جميعا وبعثوا برأسه إلى الوليد وصلب بالجوزجان وكتب الوليد إلى يوسف بن عمر بأن يحرق شلو زيد فأحرقه وذراه في الفرات ولم يزل يحيى مصلوبا بالجوزجان حتى استولى أبو مسلم على خراسان فدفنه ونظر في الديوان اسماء من حضر لقتله فمن كان حيا قتله ومن كان ميتا خلفه في أهله بسوء * (مقتل خالد بن عبد الله القسرى) * قد تقدم لنا ولاية يوسف بن عمر على العراق وأنه حبس خالدا أصحاب العراق وخراسان قبله فأقام بحبسه في الحيرة ثمانية عشر شهرا مع أخيه اسمعيل وابنه يزيد بن خالد والمنذر ابن أخيه أسد واستأذن هشاما في عذابه فأذن له على أنه ان هلك قتل يوسف به فعذبه ثم أمر هشام باطلاقه سنة احدى وعشرين فأتى إلى قرية بازاء الرصافة فأقام بها
حتى خرج زيد وقتل وانقضى أمره فسعى يوسف بخالد عند هشام بانه الذى داخل زيدا في الخروج فرد هشام سعايته ووبخ رسوله وقال لسنانتهم خالدا في طاعة وسار خالد إلى الصائفة وأنزل أهله دمشق وعليها كلثوم بن عياض القشيرى وكان يبغض خالدا فظهر في دمشق حريق في ليال فكتب كلثوم إلى هشام بان موالى خالد يريدون الوتوب إلى بيت المال ويتطرقون إلى ذلك بالحريق كل ليلة في البلد فكتب إليه هشام بحبس الكبير منهم والصغير والموالي فحبسهم ثم ظهر على صاحب الحريق وأصحابه وكتب بهم الوليد بن عبد الرحمن عامل الخراج ولم يذكر فيهم أحدا من آل خالد ومواليه فكتب هشام إلى كلثوم يوبخه ويأمره باطلاق آل خالد وترك الموالى فشفع فيهم خالد عند مقدمه من الصائفة فلما قدم دخل منزله وأذن للناس فاجتمعوا ببابه فوبخهم وقال ان هشاما يسوقهن إلى الحبس كل يوم ثم قال خرجت غازيا سامعا مطيعا فحبس أهلى مع أهل الجرائم كما يفعل بالمشركين ولم يغير ذلك أحد منكم أخفتم القتل أخافكم الله والله ليكفن عنى هشام أو لاعودن إلى عراقى الهوى شامى الدار حجازى الاصل يعنى محمد بن على بن عبد الله بن عباس وبلغ ذلك هشاما فقال خرف أبو الهيثم ثم تتابعت كتب يوسف بن عمر إلى هشام بطلب يزيد بن خالد فأرسل إلى كلثوم بانفاذه إليه فهرب يزيد فطلبه كلثوم من خالد وحبسه فيه فكنب إليه هشام بتخليته ووبخه اه ولما ولى الوليد بن يزيد استقدم خالدا وقال أين ابنك قال هرب من هشام وكنا نراه عندك حتى استخلفك الله(3/105)
فلم نره وطلبناه ببلاد قومه من الشراة فقال ولكن خلفته طلبا للفتنة فقال انا أهل بيت طاعة فقال لتأتينى به أو لازهقن نفسك فقال والله لو كان تحت قدمى ما رفعتهما عنه فأمر الوليد بضربه ولما قدم يوسف بن عمر من العراق بالاموال اشتراه من الوليد بخمسين ألف ألف فقال له الوليد ان يوسف يشتريك بكذا فاضمنها لى قبل أن أدفعك إليه فقال ما عهدت العرب تباع والله لو سألتنى عودا ما ضمنته فدفعه إلى يوسف فألبسه عباءة
وحمله على غير وطاء وعذبه عذابا شديدا وهو لا يكلمه ثم حمله إلى الكوفة فاشتد في عذابه ثم قتله ودفنه في عباءة يقال انه قتله بشئ وضعه على وجهه وقيل وضع على رجليه الاعواد وقام عليها الرجال حتى تكسرت قدماه وذلك في المحرم سنة ستة وعشرين ومائة * (مقتل الوليد وبيعة يزيد) * ولما ولى الوليد لم يقلع عما كان عليه من الهوى والمجون حتى نسب إليه في ذلك كثير من الشنائع مثل رمية المصحف بالسهام حين استفتح فوقع على قوله وخاب كل جبار عنيد وينشدون له في ذلك بيتين تركتهما لشناعة مغزاهما ولقد ساءت القالة فيه كثيرا وكثير من الناس نفوا ذلك عنه وقالوا انها من شناعات الاعداء الصقوها به قال المدائني دخل ابن الغمر بن يزيد على الرشيد فسأله ممن أنت فقال من قريش قال من أيها فوجم فقال قل وأنت امن ولو أنك مروان فقال أنا ابن الغمر بن يزيد فقال رحم الله الوليد ولعن يزيد الناقض فانه قتل خليفة مجمعا عليه ارفع حوائجك فرفعها وقضاها وقال شبيب بن شبة كنا جلوسا عند المهدى فذكر الوليد فقال المهدى كان زنديقا فقام ابن علانة الفقيه فقال يا أمير المؤمنين ان الله عز وجل أعدل من أن يولى خلافة النبوة وأمر الامة زنديقا لقد أخبرني عنه من كان يشهده في ملاعبه وشربه ويزاه في طهارته وصلاته فكان إذا حضرت الصلاة يطرح الثياب التى عليه المصبية المصبغة ثم يتوضأ فيحسن الوضوء ويؤتى بثياب بيض نظيفة فيلبسها ويشتغل بربه أترى هذا فعل من لا يؤمن بالله فقال المهدى بارك الله عليك يا ابن علانة وانما كان الرجل محسودا في خلاله ومزأحما بكبار عشيرة بيته من بنى عمومته مع لهو كان يصاحبه أو جدلهم به السبيل على نفسه وكان من خلاله قرض الشعر الوثيق ونظم الكلام البليغ قال يوما لهشام يعزيه في مسلمة أخيه ان عقبى من بقى لحوق من مضى وقد أقفر بعد مسلمة الصيد لمن رمى واختل الثغر فهوى وعلى اثر من سلف يمضى من خلف فتزودوا فان خير الزاد التقوى فأعرض هشام وسكت القوم واما حكاية مقتله
فانه لما تعرض له بنو عمه ونالوا من عرضه أخذ في مكافأتهم فضرب سليمان بن عمه هشام مائة سوط وحلقه وغربه إلى معان من أرض الشأم فحبسه إلى آخر دولته(3/106)
وحبس أخاه يزيد بن هشام وفرق بين ابن الوليد وبين امرأته وحبس عدة من ولد الوليد فرموه بالفسق والكفر واستباحة نساء أبيه وخوفوا بنى أمية منه بانه اتخذ ميتة جامعة لهم وطعنوا عليه في تولية ابنيه الحكم وعثمان العهد مع صغرهما وكان أشدهم عليه في ذلك يزيد بن الوليد لانه كان يتنسك فكان الناس إلى قوله أميل ثم فسدت اليمامة عليه بما كان منه لخالد القسرى وقالوا انما حبسه ونكبه لامتناعه من بيعة ولديه ثم فسدت عليه قضاعة وكان اليمن وقضاعة أكثر جند الشأم واستعظموا منه ما كان من بيعة خالد ليوسف بن عمر وصنعوا على لسان الوليد قصيدة معيرة اليمنية بشأن خالد فازداد واختفى وأتوا إلى يزيد بن الوليد بن عبد الملك فأرادوه على البيعه وشاور عمر بن زيد الحكمى فقال شاور أخاك العباس والا فاظهر انه قد بايعك فان الناس له أطوع فشاور العباس فنهاه عن ذلك فلم ينته ودعا الناس سرا وكان بالبادية وبلغ الخبر مروان بارمينية فكتب إلى سعيد بن عبد الملك يعظم عليه الامر ويحذره الفتنة ويذكر له أمر يزيد فأعظم ذلك سعيد ويعث بالكتاب إلى العباس فتهدد أخاه يزيد فكتمه وصدقه ولما اجتمع ليزيد أمره أقبل إلى دمشق لاربع ليال متنكرا معه سبعة نفر على الحمر ودخل دمشق ليلا وقد بايع له أكثر أهلها سرا وأهل المرة وكان على دمشق عبد الملك بن محمد بن الحجاج فاستوياها فنزل قطنا واستخلف عليها ابنه محدا وعلى شرطته أبو العاج كثير بن عبد الله السلمى ونمى الخبر اليهما فكذباه وتواعد يزيد مع أصحابه بعد المغرب بباب الفراديس ثم دخلوا المسجد فصلوا العتمة ولما قضوا الصلاة جاء حرس المسجد لاخراجهم فوثبوا عليهم ومضى يزيد بن عنبسة إلى يزيد ابن الوليد فجاء به إلى المسجد في زهاء مائتين وخمسين وطرقوا باب المقصورة فأدخلهم
الخادم فأخذوا أبا العاج وهو سكران وخزان بيت المال وبعث عن محمد بن عبد الملك فأخذه وأخذوا سلاحا كثيرا كان بالمسجد وأصبح الناس من الغد من النواحى القريبة متسائلين للبيعة أهل المرة والسكاسك وأهل دارا وعيسى بن شيب الثعلبي في أهل درهة وحرستا وحميد بن حبيب اللخمى في أهل دمر عران وأهل حرش والحديثة ودريركا وربعي بن هشام الحرثى في جماعة من عرو سلامان ويعقوب بن عمير ابن هانئ العبسى وجهينة ومواليهم ثم بعث عبد الرحمن بن مصادى في مائتي فارس فجاء بعبد الملك بن محمد بن الحجاج من قصره على الامان ثم جهز يزيد الجيش إلى الوليد بمكانه من البادية مع عبد العزيز بن الحجاج بن عبد الملك ومنصور بن جمهور وقد كان الوليد لما بلغه الخبر بعث عبد الله بن يزيد بن معاوية إلى دمشق فأقام بطريقه قليلا ثم بايع ليزيد وأشار على الوليد أصحابه أن يلحق بحمص فيتحصن بها قال له ذلك يزيد بن خالد ابن يزيد وخالفه عبد الله بن عنبسة وقال ما ينبغى للخليفة أن يدع عسكره وحرمه قبل(3/107)
أن يقاتل فسار إلى قصر النعمان بن بشير ومعه أربعون من ولد الضحاك وغيره وجاء كتاب العباس بن الوليد بأنه قادم عليه وقاتلهم عبد العزيز ومنصور بعد أن بعث إليهم زياد بن حصين الكلبى يدعوهم إلى الكتاب والسنة فقتله أصحاب الوليد واشتد القتال بينهم وبعث عبد العزيز بن منصور بن جمهور لاعتراض العباس من الوليد أن يأتي بالوليد فجاء به كرها إلى عبد العزيز وأرسل الوليد إلى عبد العزيز بخمسين ألف دينار وولاية حمص ما بقى على أن ينصرف عنه فأبى ثم قاتل قتالا شديدا حتى سمع النداء بقتله وسبه من جوانب الحومة فدخل القصر فأغلق الباب وطلب الكلام من أعلى القصر فكلمه يزيد بن عنبسة السكسكى فذكره بحرمه وفعله فيهم فقال ابن عنبسة انا ما ننقم عليك في أنفسنا وانما ننقم عليك في انتهاك ما حرم الله وشرب الخمر ونكاح أمهات أولاد أبيك واستخفافك بأمر الله قال حسبك الله يا أخا السكاسك
فلعمري لقد أكثرت وأغرقت وان فيما أحل الله سعة عما ذكرت ثم رجع إلى الدار فجلس يقرأ في المصحف وقال يوم كيوم عثمان فتسوروا عليه وأخذ يزيد بن عنبسة بيده يقيه لا يريد قتله وإذا بمنصور بن جمهور في جماعة معه ضربوه واجتزوا رأسه فساروا به إلى يزيد فأمر بنصبه فتلطف له يزيد بن فروة مولى بنى مرة في المنع من ذلك وقال هذا ابن عمك وخليفة وانما تنصب رؤس الخوارج ولا آمن أن يتعصب له أهل بيته فلم يجبه وأطافه بدمشق على رمح ثم دفع إلى أخيه سليمان بن يزيد وكان معهم عليه وكان قتله آخر جمادى الآخرة سنة ست وعشرين لسنتين وثلاثة أشهر من بيعته ولما قتل خطب الناس يزيد فذمه وثلبه وانه انما قتله من أجل ذلك ثم وعدهم بحسن الظفر والاقتصار عن النفقة في غير حاجاتهم وسد الثغور والعدل في العطاء والارزاق ورفع الحجاب والا فلكم ما شئتم من الخلع وكان يسمى الناقض لانه نقض الزيادة التى زادها الوليد في أعطيات الناس وهى عشرة عشرة ورد العطاء كما كان أيان هشام وبايع لاخيه ابراهيم بالعهد ومن بعده لعبد العزيز بن الحجاج بن عبد الملك حمله على ذلك أصحابه القدرية لمرض طرقه ولما قتل الوليد وكان قد حبس سليمان بن عمه هشام بعمان خرج سليمان من الحبس وأخذ ما كان هناك من الاموال ونقله إلى دمشق ثم بلغ خبر مقتله إلى حمص وان العباس بن الوليد أعان على قتله فانتقضوا وهدموا دار العباس وسبوها وطلبوه فلحق بأخيه يزيد وكاتبوا الاجناد في الطلب بدم يزيد وأمروا عليهم مروان بن عبد الله بن عبد الملك ومعاوية بن يزيد بن حصين بن نمير وراسلهم يزيد فطردوا رسوله فبعث أخاه مسرورا(3/108)
في الجيش فنزل حوارين ثم جاء سليمان بن هشام من فرد عليه ما أخذ الوليد من أموالهم وبعث على الجيش وأمر أخاه مسرورا بالطاعة واعتزم أهل حمص على المسير إلى دمشق فقال لهم مروان ليس من الرأى أن تتركوا خلفكم هذا الجيش
وانما نقاتله قبل فيكون ما بعده أهون علينا فقال لهم السميط بن ثابت انما يريد خلافكم وانما هواه مع يزيد والقدرية فقتلوه وولوا عليهم محمدا السفياني وقصدوا دمشق فاعترضهم ابن هشام بغدرا فقاتلهم قتالا شديدا وبعث يزيد عبد العزيز بن الحجاج ابن عبد الملك في ثلاثة آلاف إلى ثنية العقاب وهشام بن مضاد في ألف وخمسمائة إلى عقبة السلامية وبينما سالم يقاتلهم إذ أقبلت عساكر من ثنية العقاب فانهزم أهل حمص ونادى يزيد بن خالد بن عبد الله القسرى الله الله على قومك يا سليمان فكف الناس عنهم وبايعوا ليزيد واخذ أبا محمد السفياني ويزيد بن خالد بن يزيد وبعثهما إلى يزيد فحبسهما اه واستعمل على حمص معاوية بن يزيد بن الحصين وكان لما قتل الوليد وثب أهل فلسطين على عاملهم سعيد بن عبد الملك فطردوه وتولى منهم سعيد وضبعان ابنا روح وكان ولد سليمان ينزلون فلسطين فأحضروا يزيد بن سليمان وولوه عليهم وبلغ ذلك أهل الاردن فولوا عليهم محمد بن عبد الملك وبعث يزيد سليمان بن هشام في أهل دمشق وأهل حمص الذين كانوا مع السفياني على ثمانين ألفا وبعث إلى ابني روح بالاحسان والولاية فرجعا بأهل فلسطين وقدم سليمان عسكرا من خمسة آلاف إلى طبرية فنهبوا القرى والضياع وخشى أهل طبرية على من وراءهم فانتهبوا يزيد بن سليمان ومحمد بن عبد الملك ونزلوا بمنازلهم فافترقت جموع الاردن وفلسطين وسار سليمان ابن هشام ولحقه أهل الاردن فبايعوا ليزيد وسار إلى طبرية والرملة وأخذ على أهلهما البيعة ليزيد وولى على فلسطين ضبعان بن روح وعلى الاردن ابراهيم بن الوليد * (ولاية منصور بن جمهور على العراق ثم ولاية عبد الله بن عمر) * لما ولى يزيد استعمل منصور بن جمهور على العراق وخراسان ولم يكن من أهل الدين وانما صار مع يزيد لرأيه في الغيلانية وحنقا على يوسف بقتله خالدا القسرى ولما بلغ يوسف قتل الوليد ارتاب في أمره وحبس اليمانية لما تجتمع المضرية عليه فلم ير عندهم ما يحب فاطلق اليمانية وأقبل منصور وكتب من عين البقر إلى قواد الشأم
في الحيرة بأخذ يوسف وعماله فأظهر يوسف الطاعة ولما قرب منصور دخل دار عمر ابن محمد بن سعيد بن العاصى ولحق منها بالشأم سرا وبعث يزيد بن الوليد خمسين فارسا لتلقيه فلما أحربهم هرب واختفى ووجد بين النساء فأخذوه وجاؤا به إلى يزيد فحبسه مع ابني الوليد حتى قتلهم مولى ليزيد بن خالد القسرى ولما دخل منصور(3/109)
ابن جمهور الكوفة لايام خلت من رجب أفاض العطاء وأطلق من كان في السجون من العمال وأهل الخراج واستعمل أخاه على الرى وخراسان فسار لذلك فامتنع نصر ابن سيار من تسليم خراسان له ثم عزل يزيد منصور بن جمهور لشهرين من ولايته وولى على العراق عبد الله بن عمر بن عبد العزيز وقال سر إلى أهل العراق فان أهله يميلون إلى أبيك فسار وانقاد له أهل الشأم وسلم إليه منصور العمل وانصرف إلى الشأم وبعث عبد الله العمال على الجهات واستعمل عمر بن الغضبان بن القبعثرا على الشرطة وخراج السواد والمحاسبات وكتب إلى نصر بن سيار بعهده على خراسان * (انتقاض أهل اليمامة) * ولما قتل الوليد كان على بن المهاجر على اليمامة عاملا ليوسف بن عمر فجمع له المهير بن سليمان بن هلال من بنى الدول بن خولة وسار إليه وهو في قصره بقاع هجر فالتقوا وانهزم على وقتل ناس من أصحابه وهرب إلى المدينة وملك المهير اليمامة ثم مات واستخلف عليها عبد الله بن النعمان من بنى قيس بن ثعلبة من الدول فبعث المندلب ابن ادريس الحنفي على الفلج قرية من قرى بنى عامر بن صعصعة فجمع له بنى كعب ابن ربيعة بن عامر وبنى عمير فقتلوا المندلب وأكثر أصحابه فجمع عبد الله ابن النعمان جموعا من حنيفة وغيرها وغزا الفلج وهزم بنى عقيل وبنى بشير وبنى جعدة وقتل أكثرهم ثم اجتمعوا ومعهم نمير فلقوا بعض حنيفة بالصحراء فقتلوهم وسلبوا نساءهم ثم جمع عمر بن الوازع الحنفي الجموع وقال لست بدون عبد الله بن النعمان
وهذه فترة من السلطان وأغار وامتلات يداه من الغنائم وأقبل ومن معه وأقبلت بنو عامر والتقوا فانهزم بنو حنيفة ومات أكثرهم من العطش ورجع بنو عامر بالاسرى والنساء ولحق عمر بن الوازع باليمامة ثم جمع عبيد الله بن مسلم الحنفي جمعا وأغار على قشير وعكل فقتل منهم عشرين وحمى المثنى بن يزيد بن عمر بن هبيرة واليا على اليمامة من قبل أبيه حتى ولى للعراق لمروان فتعرض المثنى لبنى عامر وضرب عدة من بنى حنيفة وحلقهم ثم سكنت البلاد ولم يزل عبيد الله بن مسلم الحنفي مستخفيا حتى قدم كسرى بن عبيد الله الهاشمي واليا على العامة لبنى العباس ودل عليه فقتله * (اختلاف أهل خراسان) * ولما قتل الوليد وقدم على نصر عهد خراسان من عبد الله بن عمر بن عبد العزيز صاحب العراق انتقض عليه جديع بن على الكرماني وهو أزدى وانما سمى الكرماني لانه ولد بكرمان وقال لاصحابه هذه فتنة فانظروا لاموركم رجلا فقالوا له أنت وولوه وكان الكرماني قد أحسن إلى نصر في ولاية أسد بن عبد الله فلما ولى نصر عزله(3/110)
عن الرياسة بغيره فتباعد ما بينهما وأكثر على نصر أصحابه في أمر الكرماني فاعتزم على حبسه وأرسل صاحب حرسه ليأتي به وأراد الازد أن يخلصوه فأبى وجاء إلى نصر يعدد عليه أياديه قبله من مراجعة يوسف بن عمر في قتله والغرامة عنه وتقديم ابنه للرياسة ثم قال فبدلت ذلك بالاجماع على الفتنة فأخذ يعتذر ويتنصل وأصحاب نصر يتحاملون عليه مثل مسلم بن أحور وعصمة بن عبد الله الاسدي ثم ضربه وحبسه آخر رمضان سنة ست وعشرين ثم نقب السجن واجتمع له ثلاثة آلاف وكانت الازد قد بايعوا عبد الملك بن حرملة على الكتاب والسنة فلما جاء الكرماني قدمه عبد الملك ثم عسكر نصر على باب مرو الروذ واجتمع إليه الناس وبعث سالم بن أحور في الجموع إلى الكرماني وسفر الناس بينهما على أن يؤمنه نصر ولا يحبسه وأجاب نصر إلى ذلك
وجاء الكرماني إليه وأمره بلزوم بيته ثم بلغه عن نصر شئ فعاد إلى حاله وكلموه فيه فأمنه وجاء إليه وأعطى أصحابه عشرة عشرة فلما عزل جمهور عن العراق وولى عبد الله بن عمر بن عبد العزيز خطب نصر قدام ابن جمهور وأثنى على عبد الله فغضب الكرماني لابن الجمهور وعاد لجمع المال واتخاذ السلاح وكان يحضر الجمعة في ألف وخمسمائة ويصلى خارج المقصورة ويدخل فيسلم ولا يحبس ثم أظهر الخلاف وبعث إليه نصر سالم بن أحور فافحش في صرفه وسفر بينهما الناس في الصلح على أن يخرج الكرماني من خراسان وتجهز للخروج إلى جرجان * (أمان الحرث بن شريح وخروجه من دار الحرث) * لما وقعت الفتنة بخراسان بين نصر والكرماني خاف نصر أن يستظهر الكرماني عليه بالحرث بن شريح وكان مقيما ببلاد الترك منذ اثنتى عشرة سنة كما مر فأرسل مقاتل ابن حيان النبطي يراوده على الخروج من بلاد الترك بخلاف ما يقتضى له الامان من يزيد بن الوليد وبعث خالد بن زياد البدى الترمذي وخالد بن عمرة مولى بنى عامر لاقتضاء الامان له من يزيد فكتب له الامان وأمر نصرا أن يرد عليه ما أخذ له وأمر عبد الله ابن عمر بن عبد العزيز عامل الكوفة أن يكتب لهما بذلك أيضا ولما وصل إلى نصر بعث إلى الحرث بذلك فلقيه الرسول راجعا مع مقاتل بن حيان وأصحابه ووصل سنة سبع وعشرين في جمادى الاخيرة وأنزله نصر بمرو ورد عليه ما أخذ له وأجرى عليه كل يوم خمسين درهما وأطلق أهله وولده وعرض عليه أن يوليه ويعطيه مائة ألف دينار فلم يقبل وقال لست من الدنيا واللذات في شئ وانما أسأل كتاب الله والعمل بالسنة وبذلك أساعدك على عدوك وانما خرجت من البلاد منذ ثلاث عشرة سنة انكارا للجور فكيف تزيدني عليه وبعث إلى الكرماني ان عمل نصر بالكتاب عضدته في أمر الله(3/111)
والا أعتبك ان ضمنت لى القيام بالعدل والسنة ثم دعا قبائل تميم فأجاب منهم ومن غيرهم
كثير واجتمع إليه ثلاثة آلاف وأقام على ذلك * (انتقاض مروان لما قتل الوليد) * كان مروان بن محمد بن مروان على أرمينية وكان على الجزيرة عبدة بن رياح العبادي وكان الوليد قد بعث بالصائفة أخاه فبعث معه مروان ابنه عبد الملك فلما انصرفوا من الصائفة لقيهم بجرزان حين مقتل الوليد وسار عبدة عن الجزيرة فوثب عبد الملك بالجزيرة وجرزان فضبطهما وكتب إلى أبيه بأرمينية يستحثه فسار طالبا بدم الوليد بعد أن أرسل إلى الثغور من يضبطها وكان معه ثابت بن نعيم الجذامي من اهل فلسطين وكان صاحب فتنة وكان هشام قد حبسه على افساد الجند بافريقية عند مقتل كلثوم بن عياض وشفع فيه مروان فأطلقاه واتخذا عنده يدا فلما سار من أرمينية داخل ثابت أهل الشأم في العود إلى الشأم من وجه الفرات واجتمع له الكبير من جند مروان وناهضه القتال ثم غلبهم وانقادوا له وحبس ثابت بن نعيم وأولاده ثم أطلقهم من حران إلى الشأم وجمع نيفا وعشرين ألفا من الجزيرة ليسير بهم إلى يزيد وكتب إليه يشترط ما كان عبد الملك ولى أباه محمدا من الجزيرة والموصل وأذربيجان فأعطاه يزيد ولاية ذلك وبايع له مروان وانصرف * (وفاة يزيد وبيعة أخيه ابراهيم) * ثم توفى يزيد آخر سنة ست وعشرين لخمسة أشهر من ولايته ويقال انه كان قدريا وبايعوا لاخيه ابراهيم من بعده الا أنه انتقض عليه الناس ولم يتم له الامر وكان يسلم عليه تارة بالخلافة وتارة بالامارة وأقام على ذلك نحوا من ثلاثة أشهر ثم خلعه مروان ابن محمد على ما يذكر وهلك سنة اثنتين وثلاثين * (مسير مروان إلى الشأم) * ولما توفى يزيد وولى أخوه ابراهيم وكان مضعفا انتقض عليه مروان لوقته وسار إلى دمشق فلما انتهى إلى قنسرين وكان عليها بشر بن الوليد عاملا لاخيه يزيد ومعه
أخوهما مسرور دعاهم مروان إلى بيعته ومال إليه يزيد بن عمر بن هبيرة وخرج بشر للقاء مروان فلما تراءى الجمعان مال ابن هبيرة وقيس إلى مروان وأسلموا بشرا ومسرورا فأخذهما مروان وحبسهما وسار بأهل قنسرين ومن معه إلى حمص وكانوا امتنعوا من بيعة ابراهيم فوجه إليهم عبد العزيز بن الحجاج بن عبد الملك في جند أهل دمشق فكان يحاصرهم فلما دخل مروان رحل عبد العزيز عنهم وبايعوا مروان وخرج(3/112)
للقائه سليمان بن هشام في مائة وعشرين ألفا ومروان في ثمانين فدعاهم إلى الصلح وترك الطلب بدم الوليد على أن يطلقوا ابنيه الحكم وعثمان وليى عهده فأبوا وقاتلوه وسرب عسكر اجاؤهم من خلفهم فانهزموا وأثخن فيهم أهل حمص فقتلوا منهم نحوا من سبعة عشر ألفا وأسروا مثلها ورجع مروان الفل وأخذ عليهم البيعة للحكم وعثمان ابني الوليد وحبس يزيد بن العفار والوليد بن مصاد الكلبيين فهلكا في حبسه وكان ممن شهد قتل الوليد ابن الحجاج وهرب يزيد بن خالد القسرى إلى دمشق فاجتمع له مع ابراهيم وعبد العزيز بن الحجاج وتشاوروا في قتل الحكم وعثمان خشية أن يطلقهما مروان فيثأرا بأبيهما وولوا ذلك يزيد بن خالد فبعث مولاه أبا الاسد فقتلهما وأخرج يوسف ابن عمر فقتله واعتصم أبو محمد السفياني ببيت في الحبس فلم يطيقوا فتحه وأعجلهم خيل مروان فدخل دمشق وأتى بأبى الوليد ويوسف بن عمر مقتولين فدفنهما وأتى بأبى عمر السفياني في قيوده فسلم عليه بالخلافة وقال ان ولى العهد جعلها لك ثم بايعه وسمع الناس فبايعوه وكان أولهم بيعة معاوية بن يزيد بن حصين بن نمير وأهل حمص ثم رجع مروان إلى خراسان واستأمن له ابراهيم بن الوليد وسليمان بن هشام وقدما عليه وكان قدوم سليمان من تدمر بمن معه من اخوته وأهل بيته ومواليه الذكوانية فبايعوا لمروان * (انتقاض الناس على مروان) *
ولما رجع إلى خراسان راسل ثابت بن نعيم من فلسطين أهل حمص في الخلاف على مروان فأجابوه وبعثوا إلى من كان بتدمر ممن طلب وجاء الاصبغ بن دوالة الكلبى وأولاده ومعاوية السكسكى فارس أهل الشأم وغيرها في ألف من فرسانهم ودخلوا حمص ليلة الفطر من سنة سبعة وعشرين وزحف مروان في العساكر من حران ومعه ابراهيم المخلوع وسليمان بن هشام ونزل عليهم ثالث يوم الفطر وقد سدوا أبوابهم فنادى مناديه ما دعاكم إلى النكث قالوا لم ننكث ونحن على الطاعة ودخل عمر الوضاح في ثلاثة آلاف فقاتله المحتشدون هنالك للخلاف وخرجوا من الباب الآخر وجفل مروان في اتباعهم وعلا الباب فقتل منهم نحو خمسمائة وصلبهم وهدم من سورها علوه وأفلت الاصبغ بن دوالة وابنه فرافصة ثم بلغ مروان وهو بحمص خلاف أهل الغوطة وانهم ولوا عليهم يزيد بن خالد القسرى وحاصروا دمشق وأميرها زامل بن عمر فبعث مروان إليهم أبا الورد بن الكوثر بن زفر بن الحرث وعمر بن الوضاح في عشرة آلاف فلما دنوا من دمشق حملوا عليهم وخرج إليهم من كان بالمدينة فهزموهم وقتلوا يزيد بن خالد وبعثوا برأسه إلى مروان وأحرقوا المرة وقرى البرامة ثم خرج ثابت بن نعيم في أهل(3/113)
فلسطين وحاصر طبرية وعليها الوليد بن معاوية بن مروان بن الحكم فبعث مروان إليه أبا الورد فلما قرب منه خرج أهل طبرية عليه فهزموه ولقيه أبو الورد منهزما فهزمه أخرى وافترق أصحابه وأسر ثلاثة من ولده وبعث بهم إلى مروان وتغيب ثابت وولى مروان على فلسطين الرماحس بن عبد العزيز الكنانى فظفر بثابت بعد شهرين وبعث به إلى مروان موثقا فقطعه وأولاده الثلاثة وبعثهم إلى دمشق فصلبوه ثم بايع لابنيه عبد الله وعبيد الله وزوجهما بنتى هشام ثم سار إلى ترمذ من دير ايوب وكانوا قد غوروا المياه فاستعمل المزاد والقرب والابل وبعث وزيره الابرش الكلبى إليهم وأجابوا إلى الطاعة وهرب نفر منهم إلى البلد وهدم الابرش سورها ورجع بمن أطاع إلى مروان
ثم بعث مروان يزيد بن عمر بن هبيرة إلى العراق لقتال الضحاك الشيباني الخارجي بالكوفة وأمده ببعوث أهل الشأم ونزل قرقيسيا ليقدم ابن هبيرة لقتال الضحاك وكان سليمان بن هشام قد استأذنه بالمقام في الرصافة أياما ويلحق به فرجعت طائفة عظيمة من أهل الشأم الذين بعثهم مروان مع ابن هبيرة فأقاموا بالرصافة ودعوا سليمان بن هشام بالبيعة فأجاب وسار معهم إلى قنسرين فعسكر بها وكاتب أهل الشأم فأتوه من كل وجه وبلغ الخبر مروان فكتب إلى ابن هبيرة بالمقام ورجع من قرقيسيا إلى سليمان فقاتله فهزمه واستباح معسكره وأثخن فيهم وقتل اسراهم وقتل ابراهيم أكبر ولد سليمان وخالد بن هشام المخزومى جا أبيه فيما ينيف على ثلاثين ألفا وهرب سليمان إلى حمص في الفل فعسكر بها وبنى ما كان تهدم من سورها وسار مروان إليه فلما قرب منه بيته جماعة من أصحاب سليمان تبايعوا على الموت وكان على احتراس وتعبية فترك القتال بالليل وكمنوا له في طريقه من الغد فقاتلهم إلى آخر النهار وقتل منهم نحوا من ستمائة وجاؤا إلى سليمان فلحق بتدمر وخلف أخاه سعيدا بحمص وحاصره مروان عشرة أشهر ونصب عليهم نيفا وثمانين منجنيقا حتى استأموا له وأمكنوه من سعيد بن هشام وآخرين شرطهم عليهم ثم سار لقتال الضحاك الخارجي بالكوفة وقيل ان سليمان بن هشام لما انهزم بقنسرين لحق بعبد الله بن عمر بن عبد العزيز بالعراق وسار معه إلى الضحاك فبايعوه وكان النضر بن سعيد قد ولى العراق فلما اجتمعوا على قتاله سار نحو مروان فاعترضه بالقادسية جنود الضحاك من الكوفة مع ابن ملحان فقتله النضر وولى الضحاك مكانه بالكوفة المثنى بن عمران وسار الضحاك إلى الموصل وأقبل ابن هبيرة إلى الكوفة فنزل بعيد التمر وسار إليه المثنى فهزمه ابن هبيرة وقتله وعدة من قواد الضحاك وانهزم الخوارج ومعهم منصور بن جمهور ثم جاؤا إلى الكوفة واحتشدوا وساروا للقاء ابن هبيرة فهزمهم ثانية ودخل الكوفة وسار إلى واسط وأرسل الضحاك عبيدة(3/114)
ابن سوار الثعلبي لقتاله فنزل الصراة وقاتله ابن هبيرة هنالك فانهزمت الخوارج كما يأتي في أخبارهم * (ظهور عبد الله بن معاوية) * كان عبد الله بن معاوية بن عبد الله بن جعفر قدم على عبد الله بن عمر بن عبد العزيز الكوفة في اخوانه وولده فأكرمهم عبد الله وأجرى عليهم ثلثمائة درهم في كل يوم وأقاموا كذلك ولما بويع ابراهيم بن الوليد بعد أخيه واضطرب الشام وسار مروان إلى دمشق حبس عبد الله بن عمر عبد الله بن معاوية عنده وزاد في رزقه بعده لمروان يبايعه ويقاتله فلما ظفر مروان بابراهيم سار اسمعيل بن عبد الله القسرى إلى الكوفة وقاتله عبد الله ابن عمر ثم خاف اسمعيل أن يفتضح فكفوا خبرهم فوقعت العصبية بين الناس من ايثار عبد الله بن عمر بعضا من مضر وربيعة بالعطاء دون غيرهم فثارت ربيعة فبعث إليهم أخاه عاصما ملقيا بيده فاستحيوا ورجعوا وأفاض في رؤس الناس يستميلهم فاستنفر الناس واجتمعت الشيعة إلى عبد الله بن معاوية فبايعوه وأدخلوه قصر الكوفة وأخرجوا منه عاصم بن عمر فلحق بأخيه بالحيرة وبايع الكوفيون ابن معاوية ومنهم منصور بن جمهور واسمعيل أخو خالد القسرى وعمر بن العطاء وجاءته البيعة من المدائن وجمع الناس وخرج إلى عبد الله بن عمر بالحيرة فسرح للقانه مولاه ثم خرج في أثره وتلاقيا ونزع منصور بن جمهور واسمعيل أخو خالد القسرى وعمر ابن العطاء وجاءته البيعة من ابن عمر ولحقوا بالحيرة وانهزم ابن معاوية إلى الكوفة وكان عمر بن الغضبان قد حمل على ميمنة ابن عمر فكشفها وانهزم أصحابه من ورائه فرجع إلى الكوفة وأقام مع ابن معاوية في القصر ومعهم ربيعة والزيدية على أفواه السكك يقاتلون ابن عمر ثم أخذ ربيعة الامان لابن معاوية ولانفسهم وللزيدية وسار ابن معاوية إلى المدائن وتبعه قوم من أهل الكوفة فتغلب بهم على حلوان والجبل وهمذان واصبهان والرى إلى أن كان من خبره ما نذكره
* (غلبة الكرماني على مرو وقتله الحرث بن شريح) * لما ولى مروان وولى على العراق يزيد بن عمر بن هبيرة كتب يزيد إلى نصر بعهده على خراسان فبايع لمروان بن محمد فارتاب الحرث وقال ليس لى أمان من مروان وخرج فعسكر وطلب من نصر أن يجعل الامر شورى فأبى وقرأ جهم بن صفوان مولى راسب وهو رأس الجهمية سيرته وما يدعو إليه على الناس فرضوا وكثر جمعه وأرسل إلى نصر في عزل سالم بن أحور عن الشرطة وتغيير العمال فتقرر الامر بينهما على أن يردوا ذلك إلى رجال أربعة مقاتل بن سليمان ومقاتل بن حيان بتعيين نصر والمغيرة بن(3/115)
شعبة الجهضى ومعاذ بن جبلة بتعيين الحرث وأمر نصر أن يكتب بولاية سمرقند وطخارستان لمن يرضاه هؤلاء الاربعة وكان الحرث يقول انه صاحب السور وانه يهدم سور دمشق ويزيل ملك بنى أمية فأرسل إليه نصر ان كان ما تقوله حقا فتعال نسير إلى دمشق والا فقد أهلكت عشيرتك فقال الحرث هو حق لكن لا تبايعني عليه أصحابي قال فكيف تهلك عشرين ألفا من ربيعة واليمن ثم عرض عليه ولاية ما وراء النهر ويعطيه ثلثمائة ألف فلم يقبل فقال له فابدأ بالكرمانى فاقتله وأنا في طاعتك ثم اتفقا على تحكيم جهم ومقاتل فاحتكما بأن يعزله نصر ويكون الامر شورى فأتى نصر فخالفه الحرث وقدم على نصر جمع من أهل خراسان حين سمعوا بالفتنة منهم عاصم بن عمير الضريمى وأبو الديال الناجى ومسلم بن عبد الرحمن وغيرهم فكانوا معه وأمر الحرث أن يقرأ سيرته في الاسواق والمساجد وأتاه الناس وقرئت على باب نصر فضرب غلمان نصر قارئها فنادى بهم ونجهزوا للحرب ونقب الحرث سور مرو من الليل ودخل بالنهار فاقتتلوا وقتل جهم بن مسعود الناجى وأعين مولى حيان ونهبوا منزل مسلم بن أحور فركب سالم حين أصبح فقاتل الحرث وهزمه وجاء إلى عسكره فقتل كاتبه وبعث نصر إلى الكرماني وكان في الازد وربيعة وكان موافقا للحرث لما قدمناه فجاءه نصر على الامان وحادثهم
وأغلظوا له في القول فارتاب ومضى وقتل من أصحابه جهم بن صفوان ثم بعث الحرث ابنه حاتما إلى الكرماني يستحيشه فقال له أصحابه دع عدويك يضطربان ثم ضرب بعد يومين وناوش القتال أصحاب نصر فهزمهم وصرع تميم بن نصر ومسلم بن أحور وخرج نصر من مرو من الغد فقاتلهم ثلاثة أيام وانهزم الكرماني وأصحابه ونادى مناد يا معشر ربيعة واليمن ان أبا سيار قتل فانهزمت مضر ونصر وترجل ابنه تميم فقاتل وأرسل إليه الحرث انى كاف عنك فان اليمانية يعير وينى بانهزامكم فاجعل أصحابك ازاء الكرماني ولما انهزم نصر غلب الكرماني على مرو ونهب الاموال فأنكر ذلك عليه الحرث ثم اعتزل عن الحرث بشر بن جرموز الضبى في خمسة آلاف وقال انما كنا نقاتل معك طلبا للعدل فأما ان اتبعت الكرماني للعصبية فنحن لا نقاتل فدع الحرث الكرماني إلى الشورى فأبى فانتقل الحرث عنه وأقاموا أياما ثم ثلم الحرث السور ودخل البلد وقاتله الكرماني قتالا شديدا فهزمه وقتله وأخاه سوادة واستولى الكرماني على مرو وقيل ان الكرماني خرج مع الحرث لقتال بشر بن جرموز ثم ندم الحرث على اتباع الكرماني وأتى عسكر بشر فأقام معهم وبعث إلى مضر من عسكر الكرماني فساروا إليهم وكانوا يقتتلون كل يوم ويرجعون إلى خنادقهم ثم نقب الحرث بعد أيام سور مرو ودخلها وتبعه الكرماني واقتتلوا فقتل الحرث وأخاه وبشر بن(3/116)
جرموز وجماعة من بنى تميم وذلك سنة ثمان وعشرين ومائة فانهزم الباقون وصفت مرو لليمن وهدموا دور المضرية * (ظهور الدعوة العباسية بخراسان) * قد ذكرنا أن أبا مسلم كان يتردد إلى الامام من خراسان ثم استدعاه سنة تسعة وعشرين ليسأله عن الناس فسار في سبعين من النقباء مؤدين بالحج ومر بنسا فاستدعى أسيدا فأخبره بان كتب الامام جاءت إليه مع الازهر بن شعيب وعبد الملك بن سعيد ودفع
إليه الكتب ثم لقيه بقومس كتاب الامام إليه والى سليمان بن كثير انى قد بعثت اليك براية النصر فارجع من حيث لقاك كتابي ووجه قحطبة إلى الامام بما معه من الاموال والعروض وجاء أبو مسلم إلى مرو وأعطى كتاب الامام لسليمان بن كثير وفيه الامر باظهار الدعوة فنصبوا أبا مسلم وقالوا رجل من أهل البيت ودعوا إلى طاعة بنى العباس وكتبوا إلى الدعاة باظهار الامر وترك أبو مسلم بقرية من قرى مرو في شعبان من سنة تسع وعشرين ثم بثوا الدعاة في طخارستان ومرو الروذ والطالقان وخوارزم وانهم ان أعجلهم عدوهم دون الوقت عاجلوه وجردوا السيوف للجهاد ومن شغله العدو عن الوقت فلا حرج عليه أن يظهر بعد الوقت ثم سار أبو مسلم فنزل على سليمان بن كثير الخزاعى آخر رمضان ونصر بن سيار يقاتل الكرماني وشيبان فعقد اللواء الذى بعث به الامام إليه وكان يدعى الظل على رمح أربعة عشر ذراعا ثم عقد الراية التى بعثها معه وتسمى السحاب وهو يتلو أذن للذين يقاتلون الآية ولبسوا السواد هو وسليمان ابن كثير وأخوه سليمان ومواليه ومن أجاب الدعوة من أهل تلك القرى وأوقدوا النيران ليلتهم لشيعتهم في خرقان فأصبحوا عنده ثم قدم عليه أهل السقادم مع أبى الوضاح في سبعمائة راجل وقدم من الدعاة أبو العباس المروزى وحصن أبو مسلم بسفيدنج ورمها وحضر عيد الفطر فصلى سليمان بن كثير وخطب على المنبر في العسكر وبدأ بالصلاة قبل الخطبة بلا أذان ولا اقامة وكبر في الاولى ست تكبيرات وفى الثانية خمسا خلاف ما كان بنو أمية يفعلون وكل ذلك مما سنه لهم الامام وأبوه ثم انصرفوا من الصلاة مع الشيعة فطمعوا وكان أبو مسلم وهو في الخندق إذا كتب نصر ابن سيار يبدأ باسمه فلما قوى بمن اجتمع إليه كتب إلى نصر وبدأ بنفسه وقال (أما بعد) فان الله تباركت أسماؤه عير قوما في القرآن فقال وأقسموا بالله جهد أيمانهم لئن جاءهم نذير إلى ولن تجد لسنة الله تحويلا فاستعظم الكتاب وبعث مولاه يزيد لمحاربة ابى مسلم لثمانية عشر شهرا من ظهوره فبعث إليه أبو مسلم مالك بن الهيثم الخزاعى فدعا
إلى الرضا من آل رسول الله صلى الله عليه وسلم فاستكبروا فقاتلهم مالك وهو في مائتين(3/117)
يوما بكماله وقدم على أبى مسلم صالح بن سليمان الضبى وابراهيم بن يزيد وزياد بن عيسى فسرحهم إلى مالك فقوى مالك بهم وقاتلوا القوم فحمل عبد الله الطائى على يزيد مولى نصر فأسره وانهزم أصحابه وأرسله الطائى إلى أبى مسلم ومعه رؤس القتلى فأحسن أبو مسلم إلى يزيد وعالجه ولما اندملت جراحه قال ان شئت أقمت عندنا والا رجعت إلى مولاك سالما بعد أن تعاهدنا على أن لا تحاربنا ولا تكذب علينا فرجع إلى مولاه وتفرس نصر أنه عاهدهم فقال والله هو ما ظننت وقد استحلفوني أن لا أكذب عليهم وانهم والله يصلون الصلاة لوقتها بأذان واقامة ويتلون القرآن ويذكرون الله كثيرا ويدعون إلى ولاية آل رسول الله صلى الله عليه وسلم وما أحسب أمرهم الا سيعلوا ولولا أنك مولاى لاقمت عندهم وكان الناس يرجفون عنهم بعبادة الاوثان واستحلال الحرام ثم غلب حازم بن خزيمة على مرو الروذ وقتل عامل نصر بها وكان من بنى تميم من الشيعة وأراد بنو تميم منعه فقال انا منكم فان ظفرت فهى لكم وان قتلت كفيتم أمرى فنزل قرية زاها ثم تغلب على أهلها فقتل بشر بن جعفر السغدى عامل نصر عليها أوائل ذى القعدة وبعث بالفتح إلى أبى مسلم مع ابنه خزيمة بن حازم وقيل في أمر أبى مسلم غير هذا وان ابراهيم الامام أزوج أبا مسلم لما بعثه خراسان بابنه أبى النجم وكتب إلى النقباء بطاعته وكان أبو مسلم من سواد الكوفة فهزما فانتهى لادريس بن معقل العجلى ثم سار إلى ولاية محمد بن على ثم ابنه ابراهيم ثم للائمة من ولاية من ولده وقدم خراسان وهو حديث السن واستصغره سليمان بن كثير فرده وكان أبو داود خالد بن ابراهيم غائبا وراء النهر فلما جاء إلى مرو أقرأه كتاب الامام وسألهم عن أبى مسلم فأخبروه أن سليمان بن كثير رده لحداثة سنة وأنه لا يقدر على الامر فنخاف على أنفسنا وعلى من يدعوه فقال لهم أبو داود ان الله بعث نبيه صلى الله عليه وسلم إلى جميع خلقه وأنزل عليه
كتابه بشرائعه وأنبأه بما كان وما يكون وخلف علمه رحمة لامته وعلمه انما هو عند عترته وأهل بيته وهم معدن العلم وورثة الرسول فيما علمه الله أتشكون في شئ من ذلك قالوا لا قال فقد شككتم والرجل لم يبعثه اليكم حتى علم أهليته لما يقوم به فبعثوا عن أبى مسلم وردوه من قومس بقول أبى داود وولوه أمرهم وأطاعوه ولم نزل في نفس أبى مسلم من سليمان بن كثير ثم بعث الدعاة ودخل الناس في الدعوة أفواجا واستدعاه الامام سنة تسع وعشرين أن يوافيه بالمرسوم ليأمره بأمره في اظهار الدعوة وأن يقدم معه قحطبة بن شبيب ويحمل ما اجتمع عنده من الاموال فسار في جماعة من النقباء والشيعة فلقيه كتاب الامام بقومس يأمره بالرجوع واظهار الدعوة بخراسان وبعث قحطبة بالمال وان قطحبة سار إلى جرجان واستدعى خالد بن برمك وأبا عون فقدما بما عندهما(3/118)
من مال الشيعة فسار به نحو الامام * (مقتل الكرماني) * قد ذكرنا من قبل أن الكرماني قتل الحرث بن شريح فخلصت له مرو وتنحى نصر عنها ثم بعث نصر سالم بن أحور في رابطته وفرسانه إلى مرو فوجد يحيى بن نعيم الشيباني في ألف رجل من ربيعة ومحمد بن المثنى في سبعمائة من الازد وأبو الحسن بن الشيخ في ألف منهم والحربي السغدى في ألف من اليمن فتلاحى سالم وابن المثنى وشتم سالم الكرماني فقاتلوه فهزموه وقتل من أصحابه نحو مائة فبعث نصر بعده عصمة بن عبد الله الاسدي فكان بينهم مثل ما كان أولا فقاتلهم محمد السغدى فانهزم السغدى وقتل من أصحابه أربعمائة ورجع إلى نصر فبعث مالك بن عمر التميمي فاقتتلوا كذلك وانهزم مالك قتل من أصحابه سبعمائة ومن أصحاب الكرماني ثلثمائة ولما استيقن أبو مسلم ان كلا الفريقين قد أثخن صاحبه وانه لا مدد لهم جعل يكتب إلى شيبان الخارجي يذم اليمانية تارة ومضر أخرى ويوصى الرسول بكتاب مضر أن يتعرض لليمانية ليقرؤا ذم مضر
والرسول بكتاب اليمانية أن يتعرض لمضر ليقرؤا ذم اليمانية حتى صار هوى الفريقين معه ثم كتب إلى نصر بن سيار والكرماني أن الامام أوصاني بكم ولا أعد ورأيه فيكم ثم كتب يستدعى الشيعة أسد بن عبد الله الخزاعى بنسا ومقاتل بن حكيم بن غزوان وكانوا أول من سود ونادوا يا محمد يا منصور ثم سود أهل ابى ورد ومرو الروذ وقرى مرو فاستدعاهم أبو مسلم وأقبل فنزل بين خندق الكرماني وخندق نصر وهابه الفريقان وبعث إلى الكرماني انى معك وقبل فانضم أبو مسلم إليه وكتب نصر بن سيار إلى الكرماني يحذره منه ويشير عليه بدخول مرو ليصالحه فدخل ثم خرج من الغد وأرسل إلى نصر في اتمام الصلح في مائتي فارس فرأى نصر فيه عزة فبعث إليه ثلثمائة فارس فقتلوه وسار ابنه إلى أبى مسلم وقاتلوا نصر بن سيار حتى أخرجوه من دار الامارة إلى بعض الدور ودخل أبو مسلم مرو فبايعه على بن الكرماني وقال له أبو مسلم أقم على ما أنت عليه حتى آمرك بأمرى وكان نصر حين نزل أبو مسلم بين خندقه وخندق الكرماني ورأى قوته كتب إلى مروان بن محمد يعلمه بخروجه وكثرة من معه ودعائه لابراهيم بن محمد أرى خلل الرماد وميض جمر * ويوشك أن يكون لها ضرام * فان النار بالعودين تذكو * وان الحرب اولها الكلام * فان لم تطفؤها يخرجوها * مسجرة يشيب لها الغلام * أقول من التعجب ليت شعرى * أأيقاظ أمية أم نيام *(3/119)
فان يك قومنا أضحوا نياما * فقل قوموا فقد حان القيام * تعزى عن رجالك ثم قولى * على الاسلام والعرب السلام * فوجده مشتغلا بحرب الضحاك بن قيس فكتب إليه الشاهد يرى مالا يرى الغائب فاحثهم التلول قبلك فقال نصر اما صاحبكم فقد أعلمكم أنه لا نصر عنده وصادف
وصول كتاب نصر إلى مروان عثورهم على كتاب من ابراهيم الامام لابي مسلم يوبخه حيث لم ينتهز الفرصة من نصر والكرماني إذ أمكنته ويأمره أن لا يدع بخراسان متكلما بالعربية فلما قرأ الكتاب بعث إلى عامله بالبلقاء أن يسير إلى الحيسة فيبعث إليه بابراهيم ابن محمد مشدود الوثاق فحبسه مروان * (اجتماع أهل خراسان على قتل أبى مسلم) * لما أظهر أبو مسلم أمره سارع إليه الناس وكان أهل مرو يأتونه ولا يمنعهم نصر وكان الكرماني وشيبان الخارجي لا يكرهان أمر أبى مسلم لانه دعا إلى خلع مروان وكان أبو مسلم ليس له حرس ولا حجاب ولا غلظة الملك فكان الناس يأنسون به لذلك وأرسل نصر إلى شيبان الخارجي في الصلح ليتفرغ لقتال أبى مسلم اما أن يكون معه أو يكف عنه ثم نعود إلى ما كنا فيه فهم شيبان بذلك وكتب أبو مسلم إلى الكرماني فحرضه على منع شيبان من ذلك فدخل عليه وثناه عنه ثم بعث أبو مسلم النضر بن نعيم الضبى إلى هراة فملكها وطرد عنها عيسى بن عقيل بن معقل الليثى عامل نصر فجاء يحيى بن نعيم بن هبيرة الشيباني إلى الكرماني وشيبان وأغراهما بمصالحة نصر وقال ان صالحتم نصرا قاتله ابو مسلم وترككم لان أمر خراسان لمضر وان لم تصالحوه صالحه وقاتلكم فقدموا نصر قبلكم فأرسل شيبان إلى نصر في الموادعة فأجلب وجاء مسلم بن أحور بكتب الموادعة فكتبوها وبعث أبو مسلم إلى شيبان في موادعة ثلاثة أشهر فقال ابن الكرماني إذا ما صالحت نصرا انما صالحه شيبان وأنا موتور بأبى ثم عاود القتال وقعد شيبان عن نصره وقال لا يحل الغدر فاستنصر ابن الكرماني بأبى مسلم فأقبل حتى نزل الماخران لشنتين وأربعين يوما من نزوله بسفيدنج وخندق على معسكره وجعل له بابين وعلى شرطته مالك بن الهيثم وعلى الحرس أبا اسحق خالد بن عثمان وعلى ديوان الجند أبا صالح كامل بن المظفر وعلى الرسائل أسلم بن صبيح وعلى القضاء القاسم بن مجاشع النقيب وكان القاسم يصلى بأبى مسلم ويقرأ القصص بعد العصر فيذكر فضل بنى هاشم وسالف بنى
أمية ولما نزل أبو مسلم الماخران أرسل إلى ابن الكرماني بأنه معه فطلب لقاءه فجاء أبو مسلم وأقام عنده يومين ثم رجع وذلك أول المحرم سنة ثلاثين ثم عرض الجند وأمر كامل ابن مظفر بكتب أسمائهم وأنسابهم في دفتر فبلغت عدته سبعة آلاف ثم ان القبائل من(3/120)
ربيعة ومضر واليمن توادعوا على وضع الحرب والاجتماع على قتال أبى مسلم فعظم ذلك عليه وتحول عن الماخران لاربعة أشهر من نزولها لانها كانت تحت الماء وخشى أن يقطع فتحول إلى طبسين وخندق بها وخندق نصر بن سيار على نهر عياض وأنزل عماله بالبلاد فأنزل أبا الدبال في جنده لطوسان فآذوا أهلها وعسفوهم وكان أكثرهم مع أبى مسلم في خندق فسير إليهم جندا فقاتلوه فهزموه وأسروا من أصحابه ثلاثين فأطلقهم أبو مسلم ثم بعث محرز بن ابراهيم في جمع من الشيعة ليقطع مادة نصر من مرو الروذ وبلخ وطخارستان فخندق بين نصر وبين هذه البلاد واجتمع إليه ألف رجل وقطع المادة عن نصر * (مقتل عبد الله بن معاوية) * قد تقدم لنا أن عبد الله بن معاوية بن عبد الله بن جعفر بويع بالكوفة وغلبه عليها عبد الله بن عمر بن عبد العزيز ولحق بالمدائن وجاءه ناس من أهل الكوفة وغيرها فسار إلى الجبال وغلب عليها وعلى حلوان وقومس واصبهان والرى وأقام باصبهان وكان محارب بن موسى مولى بنى يشكر عظيم القدر بفارس فجاء إلى دار الامارة باصطخر وطرد عامل عبد الله بن عمر عنها وبايع الناس لعبد الله بن معاوية ثم سار إلى كرمان فأعار عليها وانضم إليه قواد من أهل الشأم فسار إلى سالم بن المسيب عامل عبد الله بن عمر على شيراز فقتله سنة ثمان وعشرين ثم سار محارب إلى اصبهان وحول عبد الله بن معاوية إلى اصطخر بعد أن استعمل على الجبال أخاه الحسن بن معاوية وأتى إلى اصطخر فنزل بها وأتاه بنو هاشم وغيرهم وجبى المال وبعث العمال وكان معه منصور بن جمهور
وسليمان بن هشام وأتاه شيبان بن عبد العزيز الخارجي ثم أتاه أبو جعفر المنصور وعبد الله ابن أخيه عيسى ولما قدم يزيد بن عمر بن هبيرة على العراق أرسل نباتة ابن حنظلة الكلابي على الاهواز وأن يقاتل عبد الله بن معاوية وبلغ سليمان بن حبيب وهو بالاهواز فسرح داود بن حاتم للقاء نباتة وهرب سليمان من الاهواز إلى نيسابور وقد غلب الاكراد عليها فطردهم عنها وبايع لابن معاوية فبعث أخاه يزيد بن معاوية عليها ثم ان محارب بن موسى فارق عبد الله بن معاوية وجمع وقصد نيسابور فقاتله يزيد ابن معاوية وهزمه فأتى كرمان وأقام بها حتى قدم محمد بن الاشعث فصار معه ثم نافره فقتله ابن الاشعث وأربعة وعشرين ابنا له ثم بعث يزيد بن هبيرة بعد نباتة بن حنظلة ابنه داود بن يزيد في العساكر إلى عبد الله بن معاوية وعلى مقدمته داود بن ضبارة وبعث معن بن زائدة من وجه آخر فقاتلوا عبد الله بن معاوية وهزموه وأسروا وقتلوا وهرب منصور بن جمهور إلى السند وعبد الرحمن بن يزيد إلى عمان وعمر بن سهيل(3/121)
ابن عبد العزيز بن مروان إلى مصر وبعثوا بالاسرى إلى ابن هبيرة فأطلقهم ومضى ابن معاوية عن فارس إلى خراسان وسار معن بن زائدة في طلب منصور بن جمهور وكان فيمن اسر مع عبد الله بن معاوية عبد الله بن على بن عبد الله بن عباس شفع فيه حرب ابن قطن من أخواله بنى هلال فوهبه له ضبارة وغاب عبد الله بن معاوية عن ابن ضبارة ورمى أصحابه باللواطة فبعث إلى ابن هبيرة ليخبره وسار ابن ضبارة في طلب عبد الله بن معاوية إلى شيراز فحاصره بها حتى خرج منها هاربا ومعه اخوه الحسن ويزيد وجماعة من أصحابه فسلك المفازة على كرمان إلى خراسان طمعا في أبى مسلم لانه كان يدعو إلى الرضا من آل محمد وقد استولى على خراسان فوصل إلى نواحى هراة وعليها مالك فقال له انتسب نعرفك فانتسب له فقال أما عبد الله وجعفر فمن أسماء آل الرسول وأما معاوية فلا نعرفه في أسمائهم قال ان جدى كان عند معاوية حين ولد أبى فبعث إليه مائة ألف
على أن يسمى ابنه باسمه فقال لقد اشتريتم الاسعاء الخبيثة بالثمن اليسير فلا نرى لك حقا فيما تدعو إليه ثم بعث بخبره إلى أبى مسلم فأمره بالقبض عليه وعلى من معه فحبسهم ثم كتب إليه باطلاق أخويه الحسن ويزيد وقتل عبد الله فوضع الفراش على وجهه فمات لما تعاقد نصر وابن الكرماني وقبائل ربيعة واليمن ومضر على قتال أبى مسلم عظم على الشيعة وجمع أبو مسلم اصحابه ودس سليمان بن كثير إلى ابن الكرماني يذكره بثأر أبيه من نصر فانتقضوا فبعث نصر إلى أبى مسلم بموافقة مضر وبعث إليه أصحاب ابن الكرماني وهم ربيعة واليمن بمثل ذلك واستدعى وفد الفريقين ليختار الركون إلى أحدهما وأحضر الشيعة لذلك وأخبرهم بأن مضر أصحاب مروان وعماله وشيعته وقبله يحيى بن زيد فلما حضر الوفد تكلم سليمان بن كثير ويزيد بن شقيق السلمى بمثل ذلك وبان نصر بن سيار عامل مروان ويسميه أمير المؤمنين وينفذ أوامره فليس على هدى وانما يختار على بن الكرماني وأصحابه ووافق السبعون من الشيعة على ذلك وانصرف الوفد ورجع أبو مسلم من أبين إلى الماخران وأمر الشيعة ببناء المساكن وأمن من فتنة العرب ثم أرسل إليه على بن الكرماني أن يدخل مرو من ناحيته ليدخل هو وقومه من الناحية الاخرى فلم يطمئن لذلك أبو مسلم وقال ناشبهم الحرب من قبل فناشب ابن الكرماني نصر بن سيار الحرب ودخل مرو من ناحيته وبعث أبو مسلم بعض النقباء فدخل معه ثم سار وعلى مقدمته أسيد بن عبد الله الخزاعى وعلى ميمنته مالك بن الهيثم وعلى ميسرته القاسم بن مجاشع فدخل مرو والفريقان يقتتلان ومضى إلى قصر الامارة وهو يتلو ودخل المدينة على حين غفلة من أهلها(3/122)
وأمر الفريقين بالانصراف فانصرفوا إلى معسكرهم وصفت له مرو وأمر بأخذ البيعة من الجند وتولى أخذها أبو منصور طلحة بن زريق أجد النقباء الذين اختارهم محمد بن على من الشيعة حين بعث دعاته إلى خراسان سنة ثلاث وأربع وكانوا اثنى
عشر رجلا فمن خزاعة سليمان بن كثير ومالك بن الهيثم وزياد بن صالح وطلحة بن زريق وعمر بن أعين ومن طيئ قحطبة بن شبيب بن خالد بن سعدان ومن تميم أبو عيينة موسى ابن كعب ولاهز بن قريط والقاسم بن مجاشع وأسلم بن سلام ومن بكر بن وائل أبو داود خالد بن ابراهيم الشيباني وأبو على الهروي ويقال شبل بن طهمان وكان عمر ابن أعين مكان موسى بن كعب وأبو النجم اسمعيل بن عمران مكان أبى على الهروي وهو ختن أبى مسلم ولم يكن أحد من النقباء ووالده غير أبى منصور طلحة بن زريق ابن سعد وهو أبو نينب الخزاعى وكان قد شهد حرب ابن الاشعث وصحب المهلب وغزا معه وكان أبو مسلم يشاوره في الامور وكان نص البيعة أبايعكم على كتاب الله وسنة رسوله محمد صلى الله عليه وسلم والطاعة للرضا من آل رسول الله صلى الله عليه وسلم عليكم بذلك عهد الله وميثاقه والطلاق والعتاق والمشى إلى بيت الله الحرام وعلى أن لا تسألوا رزقا ولا طمعا حتى تبدأكم به ولاتكم وذلك سنة ثلاثين ومائة ثم أرسل أبو مسلم لاهز بن قريط في جماعة إلى نصر بن سيار يدعو إلى البيعة وعلم نصر أن أمره قد استقام ولا طاقة له بأصحابه فوعده بأنه يأتيه يبايعه من الغد وأرسل أصحابه بالخروج من ليلتهم إلى مكان يأمنون فيه فقال أسلم بن أحوز لا يتهيأ لنا الليلة فلا أصبح أبو مسلم كتابه وأعاد لاهز بن قريط إلى نصر يستحثه فأجاب وأقام لوضوئه فقال لاهز ان الملا يأتمرون بك ليقتلوك فخرج نصر عند المساء من خلف حجرته ومعه ابنه تميم والحكم بن غيلة النميري وامرأته المرزبانة وانطلقوا هرابا واستبطأه لاهز فدخل المنزل فلم يجده وبلغ أبا مسلم هربه فجاء إلى معسكره وقبض على أصحابه منهم سالم بن أحوز صاحب شرطته والبحتري كاتبه وابنان له ويونس ابن عبد ربه ومحمد بن قطن وغيرهم وسار أبو مسلم وابن الكرماني في طلبه ليلتهما فأدركا امرأته قد خلفها وسار فرجعوا إلى مرو وبلغ نصر من سرخس فأقام بطوس خمس عشرة ليلة ثم جاء نيسابور فأقام بها وتعاقد ابن الكرماني مع أبى مسلم على رأيه ثم بعث إلى شيبان الحروري يدعوه إلى البيعة فقال شيبان بل أنت تبايعني
واستنصر بابن الكرماني فأبى عليه وسار شيبان إلى سرخس واجتمع له جمع من بكر ابن وائل وبعث إليه أبو مسلم في الكف فسجن الرسل فكتب إلى بسام بن ابراهيم مولى بنى ليث المكنى بأبى ورد أن يسير إليه فقاتله وقتله وقتل بكر بن وائل الرسل الذين(3/123)
كانوا عنده وقيل ان أبا مسلم انما وجه إلى شيبان عسكرا من عنده عليهم خزيمة بن حازم وبسام بن ابراهيم ثم بعث أبو مسلم كعبا من النقباء إلى ابيورد فافتتحها ثم أبا داود خالد بن ابراهيم من النقباء إلى بلخ وبها زياد بن عبد الرحمن القشيرى فجمع له أهل بلخ وترمذ وجند طخارستان ونزل الجوزجان ولقيهم أبو داود فهزمهم وملك مدينة بلخ وساروا إلى ترمذ فكتب أبو مسلم إلى أبى داود يستقدمه وبعث مكانه على بلخ يحيى ابن نعيم أبا الميلا فداخله زياد بن عبد الرحمن في الخلاف على أبى مسلم واجتمع لذلك زياد ومسلم بن عبد الرحمن الباهلى وعيسى بن زرعة السلمى وأهل بلخ وترمذ وملوك طخارستان وما وراء النهر ونزلوا على فرسخ من بلخ وخرج إليهم يحيى بن نعيم بمن معه واتفقت كلمة مضر وربيعة واليمن ومن معهم من العجم على قتال المسودة وولوا عليهم مقاتل بن حيان النبطي مخافة أن يتنافسوا وبعث أبو مسلم أبا داود إليهم فأقبل بعساكره حتى اجتمعوا على نهر السر حسان واقتتلوا وكان زياد وأصحابه قد خلفوا أبا سعيد القرشى مسلحة وراءهم خشية أن يؤتوا من خلفهم وكانت راياته سودا وأغفلوا ذلك فلما اشتد القتال زحف أبو سعيد في أصحابه لمددهم فظنوه كمينا للمسودة فانهزموا وسقطوا في النهر وحوى أبو داود معسكرهم بما فيه وملك بلخ ومضى زياد ويحيى ومن معهما إلى ترمذ وكتب أبو مسلم يستقدم أبا داود وبعث النضر بن صبيح المزني على بلخ ولما قدم أبو داود أشار على أبى مسلم بالتفرقة بين على وعثمان ابني الكرماني فبعث عثمان على بلخ وقدمها فاستخلف الفرافضة بن ظهير العبسى وسار هو والنضر بن صبيح إلى مرو الروذ وجاء مسلم بن عبد الرحمن الباهلى من ترمذ في المضرية فاستولى على بلخ
ورجع إليه عثمان والنضر فهربوا من ليلتهم ولم يعن النضر في طلبهم وقاتلهم عثمان ناحية عنه فانهزم ورجع أبو داود إلى بلخ وسار أبو مسلم إلى نيسابور ومعه على بن الكرماني وقد اتفق مع أبى داود على قتال ابني الكرماني فقتل أبو داود عثمان في بلخ وقتل أبو مسلم عليا في طريقه إلى نيسابور * (مسير فحطبة للفتح) * وفى سنة ثلاثين قدم قحطبة بن شبيب على أبى مسلم من عند الامام ابراهيم وقد عقد له لواء على محاربة العدو فبعثه أبو مسلم في مقدمته وضم إليه العساكر وجعل إليه التولية والعزل وأمر الجنود بطاعته وقد كان حين غلب على خراسان بعث العمال على البلاد فبعث ساعى بن النعمان الازدي على سمرقند وأبا داود خالد بن ابراهيم على طخارستان ومحمد بن الاشعث الخزاعى على طبسين وجعل مالك بن الهيثم على شرطته وبعث قحطبة إلى طوس ومعه عدة من القواد أبو عون عبد الملك بن يزيد وخالد بن برمك(3/124)
وعثمان بن نهيك وحازم بن خزيمة وغيرهم فهزم أهل طوس وأفحش في قتلهم ثم بعث أبو مسلم القاسم بن مجاشع إلى نيسابور على طريق الحجة وكتب إلى قحطبة بقتال تميم ابن نصر بالسودقان ومعه الثاني بن سويد وأصحاب شيبان وأمده بعشرة آلاف مع على بن معقل فزحف إليهم ودعاهم بدعوته وقاتلهم فقتل تميم بن نصر وجماعة عظيمة من أصحابه يقال بلغوا ثلاثين ألفا واستبيح معسكرهم وتحصن الباقي بالمدينة فاقتحمها عليهم وخلف خالد بن برمك على قبض الغنائم وسار إلى نيسابور فهرب منها نصر بن سيار إلى قومس ثم تفرق عنه أصحابه فسار إلى نباتة بن حنظلة بجرجان وكان يزيد بن هبيرة بعثه مدد النصر فأتى فارس واصبهان ثم سار إلى الرى ثم إلى جرجان وقدم قحطبة نيسابور فأقام بها رمضان وشوال وارتحل إلى جرجان وجعل ابنه الحسن على مقدمته وانتهى إلى جرجان وأهل الشأم بها مع نباتة فهابهم أهل خراسان فخطبهم قحطبة وأخبرهم أن
الامام أخبره أنهم يلقونه مثل هذه العدد فينصرونه عليهم ثم تقدم للقتال وعلى ميمنته ابنه الحسن فانهزم اهل الشأم وقتل نباتة في عشرة آلاف منهم وبعث برأسه إلى أبى مسلم وذلك في ذى الحجة من السنة وملك قحطبة جرجان ثم بلغه أن أهل جرجان يرومون الخروج عليه فاستعرضهم وقتل منهم نحوا من ثلاثين ألفا وسار نصر من قومس إلى خوار الرى وعليها أبو بكر العقيلى وكتب إلى ابن هبيرة بواسط يستمده فحبس رسله فكتب مروان إلى ابن هبيرة فجهز ابن هبيرة جيشا كثيفا إلى نصر وعليهم ابن عطيف * (هلاك نصر بن سيار) * ثم بعث قحطبة ابنه الحسن إلى محاصرة نصر في خوار الرى في محرم سنة احدى وثلاثين وبعث إليه المدد مع أبى كامل وأبى القاسم محرز بن ابراهيم وأبى العباس المروزى ولما تقاربوا نزع أبو كامل إلى نصر فكان معه وهرب جند قحطبة وأصحاب نصر أصابهم شئ من متاعهم فبعثه نصر إلى ابن هبيرة فاعترضه ابن عطيف بالرى فأخذه فغاضبه نصر فأقام ابن عطيف بالرى وسار نصر إلى الرى وعليها حبيب بن يزيد النهشلي فلما قدمها سار ابن عطيف إلى همذان وكان فيها مالك بن أدهم بن محرز الباهلى فعدل ابن عطيف عنها إلى اصبهان وبها عامر بن ضارة وقدم نصر الرى فأقام بها يومين ومرض وارتحل فلما بلغ نهاوة مات لاثنى عشر من ربيع الاول من السنة ودخل أصحابه همذان * (استيلاء قحطبة على الرى) * ولما مات نصر بن سيار بعث الحسن بن قحطبة خزية بن حازم إلى سمنان واقبل قحطبة من جرجان وقدم زياد بن زرارة الفشيرى وقد كان قدم على طاعة أبى مسلم(3/125)
واعتزم على اللحاق بابن ضبارة فبعث قحطبة في أثره المسيب بن زهير الضبى فهزمه وقتل عامه من مع ابن معاوية ورجع ولحق قحطبة ابنه الحسن إلى الرى فخرج عنها حبيب بن
يزيد النهشلي وأهل الشأم ودخلها الحسن في صفر ثم لحق به أبوه وكتب بالخبر إلى أبى مسلم وقد أكثر أهل الرى إلى بنى أمية فأخذ أبو مسلم أملاكهم ولم يردها عليهم الا السفاح بعد حين فأقام قحطبة بالرى وكتب أبو مسلم إلى اصبهبد طبرستان بالطاعة واداء الخراج فأجاب وكتب إلى المصمغان صاحب دنباوند وكبير الديلم بمثل ذلك فافحش في الرد فكتب أبو مسلم إلى موسى بن كعب أن يسير إليه من الرى فسار ولم يتمكن منه لضيق بلاده وكان الديلم يقاتلونه كل يوم فكثر فيهم الجراح والقتل ومنعهم المبرة فأصابهم الجوع فرجع موسى إلى الرى ولم يزل المصمغان متمنعا إلى أيام المنصور فأغزاه حماد ابن عمر في جيش كثيف ففتح دنباوند ولما ورد كتاب قحطبة على ابى مسلم ارتحل عن مرو ونزل نيسابور ثم سير قحطبة ابنه الحسن بعد نزوله الرى بثلاث ليال فسار عنها مالك بن أدهم وأهل الشأم وخراسان إلى نهاوند ونزل على أربعة فراسخ من المدينة وأمده قحطبة بأبى الجهم بن عطية مولى باهلة في سبعمائة وأقام محاصرا لها * (استيلاء قحطبة على اصبهان ومقتل ابن ضبارة وفتح نهاوند وشهرزور) * قد تقدم لنا ان ابن هبيرة بعث ابنه داود بن يزيد لقتال عبد الله بن معاوية باصطخر وبعث معه عامر بن ضبارة فهزموه واتبعوه إلى كرمان سنة تسع وعشرين فلما بلغ ابن هبيرة مقتل نباتة بجرجان سنة ثلاثين كتب إلى ابنه داود بن ضبارة بالمسير إلى قحطبة فسار من كرمان في خمسين ألفا ونزلوا اصبهان وبعث إليهم قحطبة جماعة من القواد عليهم مقاتل بن حكيم الكعبي فنزلوا قم وسار قحطبة إلى نهاوند مدد الولده الحسن الذى حاصرهم فبعث مقاتلا بذلك قحطبة فسار حتى لحقه وزحفوا للقاء داود ابن ضبارة وهم في مائة ألف وقحطبة في عشرين ألفا وحمل قحطبة وأصحابه فانهزم ابن ضبارة وقتل واحتووا على ما كان في معسكرهم مما لا يعبر عنه من الاصناف وذلك في رجب وطير قحطبة بالخبر إلى ابنه الحسن وسار إلى اصبهان فأقام بها عشرين ليلة وقدم على ابنه فحاصروا نهاوند ثلاثة أشهر إلى آخر شوال ونصبوا عليهم المجانيق
وبعث بالامان إلى من كان في نهاوند من أهل خراسان فلم يقبلوا فبعث إلى أهل الشأم فقالوا أشغل عنا أهل المدينة بالقتال نفتح لك المدينة من ناحيتنا ففعلوا وخرجوا إليه جميعا فقتلوا أهل خراسان فيهم أبو كامل وحاتم بن شريح وابن نصر بن سيار وعاضم بن عمير وعلى بن عقيل وبيهس وكان قحطبة لما جاء إلى نهاوند بعث ابنه الحسن إلى جهات حلوان وعليها عبد الله بن العلاء الكندى فتركها وهرب ثم بعث قحطبة(3/126)
عبد الملك بن يزيد ومالك بن طرا في أربعة آلاف إلى شهرزور وبها عثمان بن سفيان على مقدمته عبد الله بن محمد فقاتلوا عثمان آخر ذى الحجة فانهزم وقتل وملك أبو عون بلاد الموصل وقيل ان عثمان هرب إلى عبد الله بن مروان وغنم أبو عون عسكره وقتل أصحابه وبعث إليه قحطبة بالمدد وكان مروان بن محمد بحران فسار في أهل الشأم والجزيرة والموصل ونزل الزاب الاكبر وأتوا شهرزور إلى المحرم سنة ثنتين وثلاثين * (حرب سفاح بن هبيرة مع قحطبة ومقتلهما وفتح الكوفة) * ولما قدم على يزيد بن هبيرة ابنه داود منهزما من حلوان خرج يزيد للقاء قحطبة في مدد لا يحصى وكان مروان أمده بحوثرة بن سهيل الباهلى فسار معه حتى نزل حلوان واحتفر الخندق الذى كانت فارس احتفرته أيام الواقعة وأقام وأقبل قحطبة إلى حلوان ثم عبر دجلة إلى الانبار فرجع ابن هبيرة مبادرا إلى الكوفة وقدم إليها حوثرة في خمسة عشر ألفا وعبر قحطبة الفرات من الانبار لثمان من المحرم سنة ثنتين وثلاثين وابن هبيرة معسكر على فم الفرات وعلى ثلاثة وعشرين فرسخا من الكوفة ومعه حوثرة وفل ابن ضبارة وأشار عليه أصحابه أن يدع الكوفة ويقصد هو خراسان فيتبعه قحطبة فأبى الا البدار إلى الكوفة وعبر إليها دجلة من المدائن وعلى مقدمته حوثرة والفريقان يسيران على جانب الفرات وقال قحطبة لاصحابه ان الامام أخبرني بأن وقعة تكون بهذا المكان والنصر لنا ثم دلوه على مخاضة فعبر منها وقاتل حوثرة
وابن نباتة فانهزم أهل الشأم وقعد قحطبة وشهد مقاتل العللى بأن قحطبة عهد لابنه الحسن بعده فبايع جميع الناس لاخيه الحسن وكان في سرية فبعثوا عنه وولوه ووجد قحطبة في جدول هو وحرب بن كم بن أحوز وقيل ان قحطبة لما عبر الفرات وقاتل ضربه معن بن زائدة فسقط وأوصى إذا مات أن يلقى في الماء ثم انهزم ابن نباتة وأهل الشأم ومات قحطبة وأوصى بأمر الشيعة إلى أبى مسلمة الخلال بالكوفة وزير آل محمد ولما انهزم ابن نباتة وحوثرة لحقوا بابن هبيرة فانهزم إلى واسط واستولى الحسن ابن قحطبة على ما في معسكرهم وبلغ الخبر إلى الكوفة فثار بها محمد بن خالد القسرى بدعوة الشيعة خرج ليلة عاشوراء وعلى الكوفة زياد بن صالح الحازنى وعلى شرطته عبد الرحمن بن بشير العجلى وسار إلى فهرب زياد ومن معه من أهل الشأم ودخل القصر ورجع إليه حوثرة وعن محمد عامة من معه ولزم القصر ثم جاء قوم من نجيلة من أصحاب حوثرة فدخلوا في الدعوة ثم آخرون من كنانة ثم آخرون من نجدل فارتحل حوثرة نحوه وكتب محمد إلى قحطبة وهو لم يعلم بهلاكه فقرأه الحسن على الناس وارتحل نحو الكوفة فصبحها الرابعة من مسيره وقيل(3/127)
ان الحسن بن قحطبة سار إلى الكوفة بعد قتل ابن هبيرة وعليها عبد الرحمن بن بشير العجلى فهرب عنها وسبق محمد بن خالد وخرج في احد عشر رجلا فلقى الحسن ودخل معه وأتوا إلى أبى مسلمة فاستخرجوه من بنى مسلمة وعسكر بالنجيلة ثم نزل حمام أعين وبعث الحسن بن قحطبة إلى واسط لقتال ابن هبيرة وبايع الناس أبا مسلمة حفص ابن سليمان الخلال وزير آل محمد واستعمل محمد بن خالد القسرى على الكوفة وكان يسمى الامير حتى ظهر أبو العباس السفاح وبعث حميد بن قحطبة إلى المدائن في قواد والمسيب بن هبيرة وخالد بن مرمل إلى دير فناء وشراحيل إلى عير وبسام ابن ابراهيم بن بسام إلى الاهواز وبها عبد الرحمن بن عمر بن هبيرة فقاتله بسام وانهزم
إلى البصرة وعليها مسلم بن قتيبة الباهلى عاملا لاخيه وبعث بسام في أثره سفيان ابن معاوية بن يزيد بن المهلب واليا على البصرة فجمع سالم قيسا ومضر وبنى أمية وجاء قائد من قواد ابن هبيرة في ألفى رجل وجمع سفيان اليمانية وحلفاءهم من ربيعة واقتتلوا في صفر وقتل ابن سفيان واسمه معاوية فانهزم لذلك ثم جاء إلى سالم أربعة آلاف مددا من عند مروان فقاتل الازد واستباحهم ولم يزل بالبصرة حتى قتل ابن هبيرة فهرب عنها واجتمع ولد الحرث بن عبد المطلب إلى محمد بن جعفر فولوه أياما حتى قدم أبو مالك عبد الله بن أسيد الخزاعى من قبل أبى مسلم فلما بويع أبو العباس السفاح ولاها سفيان بن معاوية * (بيعة السفاح) * قد كنا قدمنا خبر الدعاة وقبض مروان على ابراهيم بن محمد وأنه حبسه بحران وكان نعى نفسه إلى أهل بيته وأمرهم باللحاق بالكوفة وأوصى على أخيه أبى العباس عبد الله بن الحرثية فسار أبو العباس ومعه أهل بيته وفى اخوته أبو جعفر المنصور وعبد الوهاب ومحمد ابن أخيه ابراهيم وعيسى ابن أخيه موسى ومن أعمامه داود وعيسى وصالح واسمعيل وعبد الله وعبد الصمد بنو على بن عبد الله بن عباس وموسى ابن عمه داود ويحيى بن جعفر بن تمام بن العباس فقدموا الكوفة في صفر وأبو سلمة والشيعة على حمام أعين بظاهر الكوفة وأنزلهم أبو سلمة دار الوليد بن سعد مولى بنى هاشم في بنى أود وكتم أمرهم عن جميع القواد والشيعة أربعين ليلة وأراد فيما زعموا أن يحول الامر إلى أبى طالب وسأله أبو الجهم من الشيعة وغيره فيقول لا تعجلوا ليس هذا وقته ولقى أبو حميد محمد بن ابراهيم ذات يوم خادم ابراهيم الامام وهو سابق الخوارزمي فسأله عن الامام فقال قتل ابراهيم وأوصى إلى أخيه أبى العباس وها هو بالكوفة ومعه أهل بيته فسأله في اللقاء فقال حتى أستأذن وواعده من الغد(3/128)
في ذلك المكان وجاء أبو حميد إلى أبى الجهم فأخبره وكان في عسكر ابى سلمة فقال له تلطف في لقائهم فجاء إلى موعد سابق ومضى معه ودخل عليهم فسأل عن الخليفة فقال داود ابن على هذا امامكم وخليفتكم يشير إلى أبى العباس فسلم عليه بالخلافة وعزاه بابراهيم الامام ورجع ومعه خادم من خدمهم إلى أبى الجهم فأخبره عن منزلهم وان أبا العباس أرسل إلى أبى سلمة أن يبعث إليه كراء الرواحل التى جاؤا إليها فلم يبعث إليهم شيأ فمشى أبو الجهم وأبو الحميد والخادم إلى موسى بن كعب وأخبروه بالامر وبعثوا إلى الامام مائتي دينار مع خادمه واتفق رأى القواد على لقاء الامام فنهض موسى بن كعب وأبو الجهم عبد الحميد بن ربعى وسلمة بن محمد وعبد الله الطائى واسحق بن ابراهيم وشراحيل وأبو حميد وعبد الله بن بسام ومحمد بن ابراهيم ومحمد بن حصين وسليمان بن الاسود فدخلوا على أبى العباس فسلموا عليه بالخلافة وعزوه في ابراهيم ورجع موسى ابن كعب وأبو الجهم وخلفوا الباقين عند الامام وأوصوهم ان جاء أبو سلمة لا يدخلن الا وحده وبلغه الخبر فجاء ودخل وحده كما حدوا له وسلم على أبى العباس بالخلافة وأمره بالعود إلى معسكره وأصبح الناس يوم الجمعة لاثنتى عشرة خلت من ربيع الاول فلبسوا الصفاح واصطفوا للخروج إلى أبى العباس وأتوه بالدواب له ولمن معه من أهل بيته وأركبوهم إلى دار الامارة ثم رجع إلى المسجد فخطب وصلى بالناس وبايعوه ثم صعد المنبر ثانية فقام في أعلاه وصعد عمه داود فقام دونه وخطب خطبته البليغة المشهورة وذكر حقهم في الامر وميراثهم له وزاد الناس في أعطياتهم وكان موعوكا فاشتد عليه الوعك فحبس على المنبر وقام عمه داود على أعلى المراقى فخطب مثله وذم سيرة بنى أمية وعاهد الناس على اقامة الكتاب والسنة وسيره ثم اعتذر عن عود السفاح بعد الصلاة إلى المنبر وأنه أراد أن لا يخلط كلام الجمعة بغيرها وانما قطعه عن اتمام الكلام شدة الوعك فادعوا الله له بالعافية ثم بالغ في ذم مروان وشكر شيعتهم من أهل خراسان وأن الكوفة منزلهم لا يتخلون عنها وأنه ما صعد هذا المنبر خليفة بعد رسول الله صلى
الله عليه وسلم الا على بن أبى طالب أمير المؤمنين وأمير المؤمنين عبد الله بن محمد وأشار إلى السفاح وأن هذا الامر فينا ليس بخارج عنا حتى نسلمه لعيسى بن مريم ثم نزل أبو العباس وداود امامه حتى دخل القصر وأجلس أخاه أبا جعفر في المسجد يأخذ البيعة على الناس حتى جن الليل وخرج أبو العباس إلى عسكر أبى سلمة ونزل معه في حجرته بينهما ستر وحاجب السفاح يومئذ عبد الله بن بسام واستخلف على الكوفة عمه داود وبعث عمه عبد الله إلى أبى عون بن يزيد بشهرزور وبعث ابن أخيه موسى إلى الحسن ابن قحطبة وهو يحاصر ابن هبيرة بواسط وبعث يحيى بن جعفر بن تمام بن العباس إلى(3/129)
أحمد بن قحطبة بالمذائن وبعث أبا اليقظان عثمان بن عروة بن محمد بن عمار بن ياسر إلى بسام بن ابراهيم بن بسام بالاهواز وبعث سلمة بن عمر بن عثمان بن مالك بن الطواف وأقام السفاح بالعسكر شهرا ثم ارتحل فنزل قصر الامارة من المدينة الهاشمية وقد قيل ان داود بن على وابنه موسى لم يكونا بالشأم عند مسير بنى العباس إلى الكوفة وانهما لقياهم بدومة الجندل فعرفا خبرهم وقال لهم داود كيف تأتون الكوفة ومروان ابن محمد في حران في أهل الشأم والجزيرة فطل على العراق ويزيد بن هبيرة بالعراق فقال يا عم من أحب الحياء ذل فرجع داود وابنه معه * (مقتل ابراهيم بن الامام) * قد تقدم لنا أن مروان حبسه بحران وحبس سعيد بن هشام بن عبد الملك وابنيه عثمان ومروان والعباس بن الوليد بن عبد الملك وعبد الله بن عمر بن عبد العزيز وأبا محمد السفياني فهلك منهم في السجن من وباء وقع بحران العباس بن الوليد وابراهيم بن الامام وعبد الله بن عمر وخرج سعيد بن هشام ومن معه من المحبوسين بعد أن قتلوا صاحب السجن فقتلهم الغوغاء من أهل حران وكان فيمن قتلوه شراحيل بن مسلمة بن عبد الملك وعبد الملك بن بشر الثعلبي وبطريق أرمينية واسمه كوشان وتخلف أبو محمد السفياني
في الحبس لم يستحل الخروج منه ولما قدم مروان منهزما من الزاب حل عنه فيمن بقى وقيل ان شراحيل بن مسلمة كان محبوسا مع ابراهيم وكانا يتزاوران ويتهاديان فدس في بعض الايام إلى ابراهيم بن الامام بلبن مسموم على لسان شراحيل فاستطلق بطنه وقيل ان شراحيل قال انا لله وانا إليه راجعون احتيل والله عليه وأصبح ميتا من ليلته * (هزيمة مروان بالزاب ومقتله بمصر) * قد ذكرنا أن قحطبة أرسل أبا عون عبد الملك بن يزيد الازدي إلى شهرزور فقتل عثمان ابن سفيان وأقام بناحية الموصل وأن مروان بن محمد سار إليه من حران في مائة وعشرين ألفا وسار أبو عون إلى الزاب ووجه أبو سلمة عيينة بن موسى والمنهال بن قبان واسحق بن طلحة كل واجد في ثلاثة آلاف مددا له فلما بويع أبو العباس وبعث مسلمة بن محمد في ألفين وعبد الله الطائى في ألف وخمسمائة وعبد الحميد بن ربعى الطائى في ألفين ودراس بن فضلة في خمسمائة كلهم مددا لابي عون ثم ندب أهل بيته إلى المسير إلى ابى عون فانتدب عبد الله بن على فسار وقدم على أبى عون فتحول له عن سرادقه بما فيه ثم أمر عيينة بن موسى بخمسة آلاف تعبر النهر من الزاب أول جمادى الاخير سنة اثنتين وثلاثين وقاتل عساكر مروان إلى المساء ورجع ففقد مروان الجسر من الغد وقدم ابنه عبد الله وعبر فبعث عبد الله بن على المخارق بن غفار في أربعة نحو عبد الله(3/130)
ابن مروان فسرح ابن مروان الوليد بن معاوية بن مروان بن الحكم فانهزم أصحاب المخارق وأسر هو وجئ به إلى مروان مع رؤس القتلى فقال أنت المخارق قال لا قال فتعرفه في هذه الرؤس قال نعم قال هو ذا فخلى سبيله وقيل بل أنكر أن يكون في الرؤس فخلى سبيله وعاجلهم عبد الله بن على بالحرب قبل أن يفشوا الخبر وعلى ميمنته أبو عون وعلى ميسرته الوليد بن معاوية وكان عسكره نحوا من عشرين ألفا وقيل اثنى عشر وأرسل مروان إليه في الموادعة فأبى وحمل الوليد بن معاوية بن مروان وهو صهر
مروان على ابنته فقاتل أبا عون حتى انهزم إلى عبد الله بن على فأمر الناس فارتحلوا ومشى قدما ينادى يا لتارات ابراهيم وبالاشعار يا محمد يا منصور وأمر مروان القبائل بأن يحملوا فتخاذلوا واعتذروا حتى صاحب شرطته ثم ظهر له الخلل فأباح الاموال للناس على أن يقاتلوا فأخذوها من غير قتال فبعث ابنه عبد الله يصدهم عن ذلك فتبادروا بالفرار وانهزموا وقطع مروان الجسر وكان من غرق أكثر ممن قتل وغرق ابراهيم بن الوليد المخلوع وقيل بل قتله عبد الله بن على بالشام وممن قتل يحيى بن على بن هشام وكان ذلك في جمادى الاخيرة سنة ثنتين وثلاثين وأقام عبد الله في عسكره سبعة أيام واجتاز عسكر مروان بما فيه وكتب بالفتح إلى أبى العباس السفاح وسار مروان منهزما إلى مدينة الموصل وعليها هشام بن عمر الثعلبي وابن خزيمة الاسدي فقطعا الجسر ومنعاه العبور إليهم وقيل هذا أمير المؤمنين فتجاهلوا وقالوا أمير المؤمنين لا يفر ثم أسمعوه الشتم والقبائح فسار إلى حران وبها أبان ابن أخيه وسار إلى حمص وجاء عبد الله إلى حران فلقيه أبو مسعود فأمنه ولقى الجزيرة ولما بلغ مروان حمص أقام بها ثلاثا وارتحل فاتبعه أهلها لينهبوه فقاتلهم وهزمهم وأثخن فيهم وسار إلى دمشق وعليها الوليد ابن عمه فاوصاه بقتال عدوه وسار إلى فلسطين فنزل نهر أبى فطرس وقد غلب على فلسطين الحكم بن ضبعان الجذامي فأرسل إلى عبد الله بن يزيد بن روح بن زنباع الجذامي فأجاره ثم سار عبد الله بن على في أثره من حران بعد أن هدم الدار التى حبس فيها أخوه الامام ابراهيم وانتهى إلى قنج فأطاعه أهلها وقدم عليه أخوه عبد الصمد بعثه السفاح مددا في ثمانية آلاف وافترق قواد الشيعة على أبواب دمشق فحاصروها أياما ثم دخلوها عنوة لخمس من رمضان واقتتلوا بها كثيرا وقتل عاملها الوليد بن معاوية وأقام عبد الله بدمشق خمس عشرة ليلة وارتحل يريد فلسطين فأجفل مروان إلى العريش وجاء عبد الله فنزل نهر ابى فطرس ووصله هناك كتاب السفاح بان يبعث صالح ابن على في طلب مروان فسار صالح في ذى القعدة وعلى مقدمته أبو عون وعامر بن
اسمعيل الحارثى فأجفل مروان إلى النيل ثم إلى الصعيد ونزل صالح الفسطاط وتقدمت(3/131)
عساكره فلقوا خيلا لمروان فهزموهم وأسروا منهم ودلوهم على مكانه ببوصير فسار إليه أبو عون وبيته هنالك خوفا من أن يفضحه الصبح فانهزم مروان وطعن فسقط في آخر ذى الحجة الحرام وقطع رأسه وبعث به طليعة أبى عون إليه فبعثه إلى السفاح وهرب عبد الله وعبيد الله ابنا مروان إلى أرض الحبشة وقاتلوهم فقتل عبيد الله ونجا عبد الله وبقى إلى أيام المهدى فأخذه عامل فلسطين وسجنه المهدى وكان طليعة أبى عون عامر بن اسمعيل الحارثى فوجد نساء مروان وبناته في كنيسة بوصير قد وكل بهن خادما يقتلهن بعده فبعث بهن صالح ولما دخلن عليه سألنه في الابقاء فلامهن على قتالهم عند بنى أمية ثم عفا عنهن وحملهن إلى حران يبكين وكان مروان يلقب بالحمار لحرنه في مواطن الحرب وكان أعداؤه يلقبونه الجعدى نسبة إلى الجعد بن درهم كان يقول بخلق القرآن ويتزندق وأمر هشام خالدا القسرى بقتله فقتله ثم تتبعوا بنى أمية بالقتل ودخل اسديف يوما على السفاح وعنده سليمان بن هشام وقد أمنه والده فقال لا يغرنك ما ترى من رجال * ان بين الضلوع داء دويا * فضع السيف وارفع السوط حتى * لا ترى فوق ظهرها أمويا * فأمر السفاح بسليمان فقتل ودخل شبل بن عبد الله مولى بنى هاشم على عبد الله بن على وعنده ثمانون أو تسعون من بنى أمية يأكلون على مائدته فقال أصبح الملك في ثبات الاساس * يا لبهاليل من بنى العباس * طلبوا امر هاشم فنعونا * بعد ميل من الزمان وباس * لا نقيلن عبد شمس عثارا * فاقطعن كل رقلة وغراس * فلنا أظهر التودد منها * وبها منكم كجز المواسى * فلقد غاضنى وغاض سوائى * قربهم من نمارق وكراسى *
* انزلوها بحيث أنزلها الله بدار الهوان والاتعاس واذكروا مصرع الحسين وزيدا * وقتيلا بجانب المهراس * والقتيل الذى بحران أضحى * ثاويا رهن غربة ونعاس * فامر بهم عبد الله فشدخوا بالعمد وبسط من فوقهم الانطاع فأكل الطعام عليها وأنيهم يسمع حتى ماتوا وذلك بنهر ابى فطرس وكان فيمن قتل محمد بن عبد الملك بن مروان والمعز بن يزيد وعبد الواحد بن سليمان وسعيد بن عبد الملك وأبو عبيدة بن الوليد ابن عبد الملك وقيل ان ابراهيم المخلوع قتل معهم وقيل ان اسديفا هو الذى أنشد هذا الشعر للسفاح وانه الذى قتلهم ثم قتل سليمان بن على بن عبد الله بن العباس بالبصرة جماعة من بنى أمية فامر باشلائهم في الطرق فأكلتهم الكلاب وقيل ان عبد الله(3/132)
ابن على أمر بنبش قبور الخلفاء من بنى أمية فلم يجدوا في القبور الا شبه الرماد وخيطا في قبر معاوية وجمجمة في قبر عبد الملك وربما وجد فيها بعض الاعضاء الا هشام بن عبد الملك فانه وجد كما هو لم يبل فضربه بالسوط ثم صلبه وحرقه وذراه في الريح والله أعلم بصحة ذلك ثم تتبعوا بنى أمية بالقتل فلم يفلت منهم الا الرضعاء أو من هرب إلى الاندلس مثل عبد الرحمن بن معاوية بن هشام وغيره ممن تبعه من قرابته كما يذكر في أخبارهم * (بقية الصوائف في الدولة الاموية) * قد انتهينا بالصوائف إلى آخر أيام عمر بن عبد العزيز وفى سنة اثنتين ومائة أيام اليزيد غزا عمر بن هبيرة الروم من ناحية أرمينية وهو على الجزيرة قبل أن يلى العراق فهزمهم وأسر منهم خلقا وقتل منهم سبعمائة أسير وغزا العباس بن الوليد الروم أيضا ففتحها لسند ثم غزا سنة ثلاث بعدها فافتتح مدينة رسلة ثم غزا الجراح الحكمى أيام هشام سنة خمس فبلغ وراء بلنجر وغنم وغزا في هذه السنة سعيد بن عبد الملك أرض الروم وبعث ألف مقاتل في سرية فهلكوا جميعا وغزا فيها مروان بن محمد بالصائفة اليمنى ففتح مدينة
قريبة من أرض الزوكخ ثم غزا سعيد بن عبد الملك بالصائفة أيام هشام سنة ست ثم غزا مسلمة بن عبد الملك الروم من الجزيرة وهو وال عليها ففتح قيسارية وغزا ابراهيم بن هشام ففتح حصنا وغزا معاوية بن هشام في البحر قبرس وغزا سنة تسع ففتح حصنا آخر يقال له طبسة وغزا سنة عشر بالصائفة عبد الله بن عقبة الفهرى وكان على جيش البحر عبد الرحمن بن معاوية بن خديج وغزا بالصائفة اليسرى سنة احدى عشرة معاوية بن هشام وبالصائفة اليمنى سعيد بن هشام وفى البحر عبد الله بن أبى مريم وافتتح معاوية في صائفة ثلاث عشرة مدينة خرشفة وغزا سنة ثلاث عشرة عبد الله البطال فانهزم فثبت عبد الوهاب من أصحابه فقتل ودخل معاوية بن هشام أرض الروم من ناحية مرعش ثم غزا سنة أربع عشرة بالصائفة اليسرى وأصحاب ربض أفرق والتقى عبد الله البطال مع قسطنطين فهزمه البطال وأسره وغزا سليمان بن هشام بالصائفة اليسرى فبلغ قيسارية وهزم مسلمة بن عبد الملك خاقان وباب الباب وغزا معاوية بن هشام بالصائفة سنة خمس عشرة وغزا سفيان بن هشام بالصائفة اليسرى سنة سبع عشرة وسليمان ابن هشام بالصائفة اليمنى من ناحية الجزيرة وفرق السرايا في أرض الروم وبعث فيها مروان بن محمد من أرمينية فافتتحوا من أرض اللان آهلها أخذها قوما نساه صلحا وغزا معاوية وسليمان أيضا أرض الروم سنة ثمانى عشرة وغزا فيها مروان بن محمد من أرمينية ودخل أرض وارقيس فهرب وارقيس إلى الحرور ونازل حصنه فحاصره وقتل وارقيس بعض من اجتاز به وبعث برأسه إلى مروان ونزل(3/133)
أهل الحصن على حكمه فقتل وسبى وغزا سنة تسع عشرة مروان بن محمد من أرمينية ومر ببلاد اللان إلى بلاد الخزر على بلنجر وسمندر وانتهى إلى خاقان فهرب خاقان منه وغزا سليمان بن هشام سنة عشرين بالصائفة فافتتح سندره وغزا اسحق بن مسلم العقيلى قوما نساه وافتتح قلاعه وخرب أرضه وغزا مروان من أرمينية سنة احدى
وعشرين وأفنى قلعة بيت السرير فقتل وسبى ثم قلعة أخرى كذلك ودخل عزسك وهو حصن الملك فهرب منه الملك ودخل حصنا له يسمى جرج فيه سرير الذهب فنازله مروان حتى صالحه على ألف فارس كل سنة ومائة ألف مدنى ثم دخل أرض أرزق ونصران فصالحه ملكها ثم أرض نومان كذلك ثم أرض حمدين فأخرب بلاده وحصر حصنا له شهرا حتى صالحه ثم أرض مسداد ففتحها على صلح ثم نزل كيلان فصالحه أهل طبرستان وكيلان وكل هذه الولايات على شاطئ البحر من أرمينية إلى طبرستان وغزا مسلمة بن هشام الروم في هذه السنة فافتتح بها مطامير وفى سنة اثنتين وعشرين بعدها قتل البطال واسمه عبد الله بن الحسين الانطاكي وكان كثير الغزو في بلاد الروم والاغارة عليهم وقدمه مسلمة على عشرة آلاف فارس فكان يغزو بلاد الروم إلى أن قتل هذه السنة وفى سنة أربعة وعشرين غزا سليمان بن هشام بالصائفة على عهد أبيه فلقى اليون ملك الروم فهزمه وغنم وفى سنة خمسة وعشرين خرجت الروم إلى حصن زنطره وكان افتتحه حبيب بن مسلمة الفهرى وخزينة الروم وبنى بناء غير محكم فأخربوه ثانية أيام مروان ثم بناه الرشيد وطرقه الروم أيام المأمون فشعبوه فأمر ببنائه وتحصينه ثم طرقوه أيام المعتصم وخبره معروف وفى هذه السنة غزا الوليد بن يزيد بالصائفة أخاه العمر وبعث الاسود بن بلال المحاربي بالجيش في البحر إلى قبرس ليجير أهلها بين الشأم والروم فافترقوا فريقين وغزا أيام مروان سنة ثلاثين بالصائفة الوليد بن هشام ونزل العمق وبنى حصن مرعش * (عمال بنى أمية على النواحى) * استعمل معاوية أول خلافته سنة أربعين عبد الله بن عمرو بن العاصى على الكوفة ثم عزله واستعمل المغيرة بن شعبة على الصلاة واستعمل على الخراج وكان على النقباء بها شريح وكان حمران بن أبان قد وثب على البصرة عند ما صالح الحسن معاوية فبعث معاوية بشر بن ارطاة على البصرة وأمده فقتل أولاد زياد بن أبيه وكان عاملا
على فارس لعلى بن أبى طالب فقدم البصرة وقد ذكرنا خبره مع بنى زياد فيما قبل ثم ولى على البصرة عبد الله بن عامر بن كرير بن حبيب بن عبد شمس وضم إليه خراسان وسجستان فجعل على شرطته حبيب بن شهاب وعلى القضاء عميرة بن تبرى وقد تقدم لنا(3/134)
أخبار قيس في خراسان وكان عمرو بن العاصى على مصر كما تقدم فولى سنة احدى وأربعين من قبله على افريقية عقبة بن نافع بن عبد قيس وهو ابن خالته فانتهى إلى لواتة ومزاتة فأطاعوه ثم كفروا فغزاهم وقتل وسبى ثم افتتح سنة اثنتين وأربعين بعدها غذا مس وقتل وسبى وافتتح سنة ثلاثة وأربعين بعدها بلد ودان وولى معاوية بالمدينة سنة اثنتين وأربعين مروان بن الحكم فاستقضى عبد الله بن الحرث بن نوفل وولى معاوية على مكة في هذه السنة خالد بن العاصى بن هشام وكان على أرمينية حبيب بن مسلمة الفهرى وولاه عليها معاوية ومات سنة اثنتين وأربعين فولى مكانه واستعمل ابن عامر في هذه السنة على ثغر الهند عبد الله بن سوار العبدى ويقال ولاه معاوية وعزل ابن عامر في هذه السنة قيس بن الهيثم عن خراسان وولى مكانه الحرث ابن عبد الله بن حازم ثم عزل معاوية عبد الله بن عامر عن البصرة سنة أربع وأربعين وولى مكانه الحرث بن عبد الله الازدي ثم عزله لاربعة أشهر وولى أخاه زيادا سنة خمس وأربعين فولى على خراسان الحكم بن عمر الغفاري وجعل معه على الخراج أسلم بن زرعة الكلابي ثم مات الحكم فولى خليد بن عبد الله الحنفي سنة سبعة وأربعين ثم ولى على خراسان سنة ثمان بعدها غالب بن فضالة الليثى وتولى عمرو بن العاصى سنة تسعة وأربعين فولى مكانه سعيد بن العاصى فعزل عبد الله بن الحرث عن القضاء واستقضى أبا سلمة بن عبد الرحمن وفى سنة خمسين توفى المغيرة بن شعبة فضم الكوفة إلى أخيه زياد فجاء إليها واستخلف على البصرة سمرة بن جندب وكان يقسم السنة بين المصرين في الاقامة نصفا بنصف وفى سنة خمسين هذه اقتطع معاوية افريقية عن معاوية بن
خديج بمصر وولى عقبة بن نافع العهرى وكان مقيما ببرقة وزويلة من فتحها أيام عمرو بن العاصى فأمده بعشرة آلاف فسار إليها وانضاف إليه من أسلم من البربر ودوخ البلاد وبنى بالقيروان وأنزل عساكر المسلمين ثم استعمل معاوية على مصر وافريقية مولاه أبا المهاجر فاساء عزل عقبة وجاء عقبة إلى الشأم فاعتذر إليه معاوية ووعده بعمله ومات معاوية فولاه يزيد سنة اثنتين وستين وذكر الواقدي أن عقبة ولى سنة اثنتين وستين واستعمل أبا المهاجر فولى الامصار فحبس عقبة وضيق عليه وأمره يزيد باطلاقه فوفد عقبة فأعاده إلى عمله فحبس أبا المهاجر وخرج غازيا وأثخن حتى قتله كسيلة كما يأتي في أخباره وفى سنة احدى وخمسين ولى زياد على خراسان الربيع بن زياد الحرث مكان خليد بن عبد الله الحنفي وفى سنة ثلاث وخمسين توفى زياد واستخلف على البصرة سمرة ابن جندب وعلى الكوفة عبد الله بن خالد بن أسيد ثم ولى الضحاك بن قيس سنة خمس بعدها وفى هذه السنة مات الربيع بن زياد عامل خراسان قبل موت زياد واستخلفه(3/135)
ابنه عبد الله ومات لشهرين واستخلف خليد بن يربوع الحنفي وكان على صفا بيروز الديلمى من قبل معاوية فمات سنة ثلاث وخمسين وفى سنة أربع وخمسين عزل معاوية عن المدينة سعيد بن العاص ورد إليها مروان بن الحكم ثم عزله سنة سبعة وولى مكانه الوليد بن عقبة بن أبى سفيان وعزل سنة تسعة وخمسين عن البصرة ابن جندب وولى مكانه عبد الله بن عمر بن غيلان وولى على خراسان عبيد الله بن زياد ثم ولاه سنة خمس بعدها على البصرة مكان بن غيلان ثم ولى على خراسان سنة ستة وخمسين سعيد بن عثمان بن عفان وفى سنة ثمانية وخمسين عزل معاوية عن الكوفة الضحاك بن قيس واستعمل مكانه ابن أم الحكم وهى أخته وهو عبد الرحمن بن عثمان الثقفى وطرده أهل الكوفة فولاه مصر فرده معاوية بن خديج وولى مكانه على الكوفة سنة تسعة وخمسين النعمان ابن بشير وولى فيها على خراسان عبد الرحمن بن زياد فقدم إليها قيس بن الهيثم السلمى
فحبس أسلم بن زرعة فأغرمه ثلثمائة ألف درهم ثم مات معاوية سنة ستين وولاته على النواحى من ذكرناه وعلى سجستان عباد بن زياد وعلى كرمان شريك بن الاعور وعزل يزيد لاول ولايته الوليد بن عقبة عن المدينة والحجاز وولاها عمر بن سعيد الاشدق ثم عزله سنة احدى وستين ورد الوليد بن عقبة وولى على خراسان سالم بن زياد فبعث سالم إليها الحرث بن معاوية الحرثى وبعث أخاه يزيد إلى سجستان وكان بها أخوهما عباد فخرج عنهما وقاتل يزيد أهل كابل فهزموه فبعث مسلم على سجستان طلحة الطلحات وهو طلحة بن عبد الله بن خلف الخزاعى سنة وبعث سنة اثنتين وستين عقبة بن نافع إلى افريقية فحبس أبا المهاجر واستخلف على القيروان زهير بن قيس البلوى كما نذكر في أخباره وتوفى في هذه السنة مسلمة بن مخلد الانصاري أمير مصر ثم هلك يزيد سنة أربع وستين واستخلف أهل العراق على عبيد الله بن زياد وولى أهل البصرة عليهم عبد الله ابن الحرث بن نوفل بن الحرث بن عبد المطلب ويلقب ببه وهرب ابن زياد إلى الشأم وجاء إلى الكوفة عامر بن مسعود من قبل ابن الزبير وبلغه خلاف أهل الرى وعليهم الفرحان فبعث عليهم محمد بن عمير بن عطارد بن حاجب فهزموه فبعث عتاب بن ورقاء فهمزمهم ثم بويع مروان وسار إلى مصر فملكها من يد عبد الرحمن بن حجام القرشى داعية ابن الزبير وولى عليها عمر بن سعيد ثم بعثه للقاء مصعب بن الزبير لما بعثه أخوه عبد الله إلى الشام وولى على مصر ابنه عبد العزيز فلم يزل عليها واليا إلى أن هلك لسنة خمسة وثمانين فولى عبد الملك عليها ابنه عبد الله بن عبد الملك وخلع أهل خراسان بعد يزيد سالم بن زياد واستخلف المهلب بن أبى صفرة ثم ولى مسلم عبدا لله بن حازم فاستبد بخراسان إلى حين ثم أخرج أهل الكوفة عمر بن حريث خليفة بن زياد وبايعوا لابن الزبير وقدم المختار بن(3/136)
أبى عبيد أميرا على الكوفة من قبله بعد ستة أشهر من مهلك يزيد وامتنع شريح من القضاء أيام الفتنة
واستعمل ابن الربير على المدينة أخاه مصعبا سنة خمس وستين مكان أخيه عبد الله وثار بنو تميم بخراسان على عبد الله بن حازم فغلبه عليها بكير بن وشاح وغلب المختار على ابن مطيع عامل ابن الزبير بالكوفة سنة ست وستين (ثم مات) مروان سنة خمس وستين وولى عبد الملك وولى ابن الزبير أخاه مصعبا على البصرة وولى مكانه بالمدينة جابر بن الاسود بن عوف الزهري ثم ملك عبد العزيز العراق سنة احدى وسبعين واستعمل على البصرة خالد بن عبد الله بن أسد وعلى الكوفة أخاه بشر بن مروان وكان على خراسان عبد الله ابن حازم بدعوة ابن الزبير فقام بكير بن وشاح التميمي بدعوة عبد الملك وقتله وولاه عبد الملك خراسان وكان على المدينة طلحة بن عبد الله بن عوف بدعوة ابن الزبير بعد جابر بن الاسود فبعث عبد الملك طارق بن عمر مولى عثمان فغلبه عليها ثم قتل ابن الزبير سنة ثلاث وسبعين وانفرد عبد الملك بالخلافة وولى على الجزيرة وأرمينية أخاه محمدا وعزل خالد بن عبد الله عن البصرة وضمها إلى أخيه بشر فسار إليها واستخلف على الكوفة عمر بن حريث وولى على الحجاز واليمن واليمامة الحجاج بن يوسف وبعثه من الكوفة لحرب ابن الزبير وعزل طارقا عن المدينة وسار من جنده وفى سنة أربع وسبعين استقضى أبا ادريس الخولانى وأمر بشر أخاه أن يبعث المهلب بن أبى صفرة لحرب الازارقة وعزل عن خراسان بكير بن وشاح وولى مكانه أمية بن عبد الله بن خالد بن أسيد فبعث أمية ابنه عبد الله على سجستان وكان على افريقية زهير بن قيس البلوى فقتله البربر سنة تسع وستين وشغلى عبد الملك بفتنة ابن الزبير فلما فرغ منها بعث إلى افريقية سنة أربع وسبعين حسان بن النعمان القيسانى في عساكر لم ير مثلها فأثخن فيها وافترقت جموع الروم والبربر وقتل الكاهنة كما يذكر في أخبار افريقية ثم ولى عبد الملك سنة وسبعين الحجاج بن يوسف على العراق فقط وولى على السند سعيد بن أسلم بن زرعة وقتل في حروبها وكان أمر الخوارج وفى سنة ست وسبعين ولى على المدينة أبان بن عثمان وكان على قضاء الكوفة شريح وعلى قضاء البصرة زرارة بن أبى أوفى بعد هشام بن
هبيرة وعلى قضاء المدينة عبد الله بن قشير بن مخرمة ثم كانت حروب الخوارج كما نذكر في أخبارهم وفى سنة ثمان وسبعين عزل عبد الملك أمية بن عبد الله عن خراسان وسجستان وضمهما إلى الحجاج بن يوسف فبعث الحجاج على خراسان المهلب بن أبى صفرة وعلى سجستان عبد الله بن ابى بكرة وولى على قضاء البصرة موسى بن أنس(3/137)
واستعفى شريح بن الحرت من القضاء بالكوفة فولى مكانه أبا بردة بن أبى موسى ثم ولى على قضاء البصرة عبد الرحمن بن أذينة وخرج عبد الرحمن بن الاشعث فملك سجستان وكرمان وفارس والبصرة ثم قتل ورجعت إلى حالها وذلك سنة احدى وثمانين وفى سنة اثنتين وثمانين مات المهلب بن أبى صفرة واستخلف ابنه يزيد على خراسان فأقره الحجاج وفى هذه السنة عزل عبد الملك أبان بن عثمان عن المدينة وولى مكانه هشام بن اسمعيل المخزومى فعزل هشام نوفل بن مساحق عن القضاء وولى مكانه عمر بن خالد الزرقى وبنى الحجاج مدينة واسط وفى سنة خمس وثمانين عزل الحجاج يزيد بن المهلب عن خراسان وولى مكانه هشام أخاه المفضل قليلا ثم ولى قتيبة بن مسلم وتوفى عبد الملك وعزل الوليد لاول ولايته هشام بن اسمعيل عن المدينة وولى مكانه عمر بن عبد العزيز فولى على القضاء أبا بكر بن عمر بن حزم وولى الحجاج على البصرة الجراح بن عبد الله الحكمى وولى على قضائها عبد الله بن أذينة وعلى قضاء الكوفة أبا بكر بن أبى موسى الاشعري وفى سنة تسع وثمانين ولى الوليد على مكة خالد بن عبد الله القسرى وكان على ثغر السند محمد بن القاسم بن محمد بن الحكم بن أبى عقيل الثقفى وهو ابن عم الحجاج ففتح السند وقتل ملكه وكان على مصر عبد الله بن عبد الملك ولاه عليها أبوه ففل ملكها فعزله الوليد في هذه السنة وولى مكانه قرة بن شريك وعزل خالدا عن الحجاز وولى عمر بن عبد العزيز وفى سنة احدى وتسعين عزل الوليد عمه محمد بن مروان عن الجزيرة وأرمينية وولى مكانه أخاه مسلمة بن عبد الملك وكان على طندة في قاصية المغرب طارق بن زياد
عاملا لمولاه موسى بن نصير عامل الوليد بالقيروان فأجاز البلاد والبحر إلى بلاد الاندلس وافتتحها سنة اثنتين وتسعين كما يذكر في أخبارها وفى سنة ثلاث وتسعين عزل عمر بن عبد العزيز عن الحجاز وولى مكانه خالد بن عبد الله على مكة وعثمان بن حيان على المدينة ومات الحجاج سنة خمس وتسعين ثم مات الوليد سنة ست وتسعين وفيها قتل قتيبة بن مسلم لانتقاضه على سليمان وولاها سليمان يزيد بن المهلب وفيها مات قرة بن شريك وكان على المدينة أبو بكر بن محمد بن عمر بن حزم وعلى مكة عبد العزيز بن عبد الله بن خالد بن أسيد وعلى قضاء الكوفة أبو بكر بن موسى وعلى قضاء البصرة عبد الرحمن بن أذينة وفى سنة سبع وتسعين عزل سليمان بن موسى بن نصير عن افريقية وولى مكانه محمد بن يزيد القرشى حتى مات سليمان فعزل واستعمل عمر مكانه اسمعيل بن عبد الله وفى سنة ثمان وتسعين كان فتح طبرستان وجرجان أيام سليمان بن عبد الملك على يد يزيد ابن المهلب وفى سنة تسع وتسعين استعمل عمر بن عبد العزيز على البصرة عدى بن(3/138)
ارطاة الفزارى وأمره بابقاء يزيد بن المهلب موثوقا فولى على القضاء الحسن بن أبى الحسن البصري ثم اياس بن معاوية وعلى الكوفة عبد الحميد بن عبد الرحمن بن يزيد بن الخطاب وولى على المدينة عبد العزيز بن ارطاة وولى على خراسان الجراح بن عبد الله الحكمى ثم عزل سنة مائة وولى عبد الرحمن بن نعيم القرشى وولى على الجزيرة عمر بن هبيرة الفزارى وعلى افريقية اسمعيل بن عبد الله مولى بنى مخزوم وعلى الاندلس السمح بن مالك الخولانى ثم في سنة احدى ومائة عزل اسمعيل عن افريقية وولاها يزيد بن أبى مسلم كاتب الحجاج فلم يزل عليها إلى أن قتل وفى سنة اثنتين ومائة ولى يزيد بن عبد الملك أخاه مسلمة على العراق وخراسان فولى على خراسان سعيد بن عبد العزيز بن الحرث بن الحكم ابن أبى العاصى بن أمية ويقال له سعيد خدينة ثم استحيا من مسلمة في أمر الجراح فعزله وولى مكانه ابن يزيد بن هبيرة فجعل على قضاء الكوفة القاسم بن عبد الرحمن بن عبد الله
ابن مسعود وعلى قضاء البصرة عبد الملك بن يعلى وكان على مصر أسامة بن زيد وليها بعد قرة بن شريك وولى ابن هبيرة على خراسان سعيدا الحريشى مكان حذيفة وفى سنة ثلاث ومائة جمع يزيد مكة والمدينة لعبد الرحمن بن الضحاك وعزل عبد العزيز بن عبد الله بن خالد عن مكة وعن الطائف وولى مكانه على الطائف عبد الواحد بن عبد الله البصري وفى سنة أربع ومائة ولى يزيد على أرمينية الجراح بن عبد الله الحكمى وعزل عبد الرحمن بن الضحاك عن مكة والمدينة لثلاث سنين من ولايته وولى عليهما مكانه عبد الواحد النصرى وعزل ابن هبيرة سعيدا الحريشى عن خراسان وولى عليها مسلم بن سعيد ابن أسلم بن زرعة الكلابي وولى على قضاء الكوفة الحسين بن حسين الكندى ومات يزيد بن عبد الملك سنة خمس وولى هشام فعزل ابن هبيرة عن العراق وولى مكانه خالد بن عبد الله القسرى واستعمل خالد على خراسان أخاه أسدا سنة سبع ومائة وعزل مسلم بن سعيد وولى على البصرة عقبة بن عبد الاعلى وعلى قضائها تمامة بن عبد الله بن أنس وولى على السند الجنيد بن عبد الرحمن واستعمل هشام على الموصل الحر بن يوسف وعزل عبد الواحد النصرى عن الحجاز وولى مكانه ابراهيم بن هشام بن اسمعيل المخزومى واستقضى بالمدينة محمد بن صفوان الجمحى ثم عزله واستقضى الصلت الكندى وعزل الجراح بن عبد الله عن ارمينية واذربيجان وولى مكانه أخاه مسلمة فولى عليها الحرث ابن عمر الطائى وكان على اليمن سنة ثمان يوسف بن عمر وفى سنة تسع عزل خالد أخاه أسدا عن خراسان وولى هشام عليها أشرس بن عبد الله السلمى وأمره أن يكاتب خالدا بعد أن كان خالد ولى الحكم بن عوانة الكلبى مكان أخيه فلم يقر فعزله هشام ومات في سنة تسع عامل القيروان بشر بن صفوان فولى هشام مكانه عبيدة بن عبد الرحمن بن(3/139)
الاغر السلمى فعزل عبيدة يحيى بن سلمة الكلبى عن الاندلس واستعمل حذيفة بن الاخوص الاشجعى ثم عزل لستة أشهر ووليها عثمان بن أبى تسعة الخثعمي وفى سنة عشر
ومائة جمع خالد الصلاة والاحداث والشرط والقضاء بالبصرة لبلال بن أبى بردة وعزل تمامة عن القضاء وفى سنة احدى عشرة عزل هشام عن خراسان أشرس بن عبد الله وولى مكانه الجنيد بن عبد الرحمن بن الحرث بن خارجة بن سنان بن أبى حارثة المرى وولى على ارمينية الجراح بن عبد الله الحكمى وعزل مسلمة وفيها عزل عبيدة بن عبد الرحمن عامل افريقية وعثمان بن أبى تسعة عن الاندلس وولى مكانه الهيثم بن عبيد الكنانى وفى سنة اثنتى عشرة قتل الجراح بن عبد الله صاحب ارمينية قتله التركمان فولى هشام مكانه سعيدا الحريشى ومات الهيثم عامل الاندلس وولوا على أنفسهم مكانه محمد بن عبد الله الاشجعى شهرين وبعده عبد الرحمن بن عبد الله الغافقي من قبيل ابن عبد الرحمن السلمى عامل افريقية وغزا افرنجة فاستشد فولى عبيدة مكانه عبد الملك بن قطن الفهرى وعزل عبيدة عن افريقية وولى مكانه عبيد الله بن الحبحاب وكان على مصر فسار إليها وفى سنة أربع عشرة عزل هشام مسلمة عن أرمينية وولى مكانه مروان بن محمد بن مروان وعزل ابراهيم بن هشام عن الحجاز وولى مكانه على المدينة خالد بن عبد الملك بن الحرث بن الحكم وعلى مكة والطائف محمد بن هشام المخزومى وفى سنة ست عشرة ومائة عزل هشام الجنيد بن عبد الرحمن المرى عن خراسان وولى مكانه عاصم بن عبد الله بن يزيد الهلالي وفيها استعمل عبد الله بن الحبحاب على الاندلس عقبة بن الحجاج القيسي مكان عبد الملك بن قطن ففتح خليتيه وفى سنة سبع عشرة ومائة عزل هشام عاصم بن عبد الله عن خراسان وولى مكانه خالد بن عبد الله القسرى فاستخلف خالد أخاه أسدا وولى هشام على افريقية والاندلس عبيد الله بن الحبحاب وكان على مصر فسار إليها واستخلف على مصر ولده وولى على الاندلس عقبة بن الحجاج وعلى طنجة ابنه اسمعيل وبعث حبيب بن أبى عبيدة بن عقبة بن نافع غازيا إلى المغرب فبلغ السوس الاقصى وأرض السودان وفتح وغنم وأغزاه إلى صقلية سنة اثنتين وعشرين ومائة ففتح أكثرها ثم استدعاه لفتنة ميسرة كما نذكره في أخبارهم وفى سنة ثمان عشرة عزل هشام عن المدينة خالد بن عبد
الملك بن الحرث وولى مكانه محمد بن هشام بن اسمعيل وفى سنة عشرين مات أسد بن عبد الله الخراساني وولى مكانه نصر بن سيار وعزل هشام خالدا القسرى عن جميع أعماله بالعراقين وخراسان وولى مكانه يوسف بن عمر الثقفى استقدمه إليها من ولاية اليمن فأقر نصر بن سيار على خراسان وكان على قضاء الكوفة ابن شرمة وعلى قضاء البصرة عامر بن عبيدة وولى يوسف بن عمر بن شرمة على سجستان واستقضى مكانه محمد بن عبد الرحمن(3/140)
ابن أبى ليلى وكان على قضاء البصرة اياس بن معاوية بن قرة فمات في هذه السنة وفى سنة ثلاث وعشرين قتل كلثوم بن عياض الذى حثه هشام لقتال البربر بالمغرب وتوفى عقبة بن الحجاج أمير الاندلس وقيل بل خلعوه وولى مكانه عبد الملك بن قطن ولايته الثانية كما يذكر وفى سنة أربع وعشرين ظهر أمر أبى مسلم بخراسان وتلقب بلخ على الاندلس ثم مات وكان سار إليها من فل كلثوم بن عياض لما قتله البربر بالمغرب وولى هشام على الاندلس أبا الخطار حسام بن ضرار الكلبى فأمر حنظلة بن صفوان أن يوليه فولاه وكان ثعلبة بن خزامة سلامة الجرابى قد ولوه بعد بلخ فعزله أبو الخطار وفى هذه السنة ولى الوليد بن يزيد خالد بن يوسف بن محمد بن يوسف الثقففى على الحجاز فأسره ثم قتل الوليد سنة ست وعشرين فعزل يزيد عن العراق يوسف بن عمر وولى مكانه منصور ابن جمهور فبعث عامله على خراسان فامتنع نصر بن سيار من تسليم العمل له ثم عزل يزيد منصور بن جمهور وولى مكانه على العراق عبد الله بن عمر بن عبد العزيز وغلب حنظلة على افريقية عبد الرحمن بن حبيب كما يذكر في خيرها وعزل يزيد عن المدينة يوسف بن محمد بن يوسف وولى مكانه عبد العزيز بن عمر بن عثمان وغلب سنة سبع وعشرين عبد الله بن معاوية بن عبد الله بن جعفر على الكوفة وولى مروان على الحجاز عبد العزيز بن عمر بن عبد العزيز وعلى العراق النضر بن سعيد الحريشى وامتنع ابن عمر من استلام العمل إليه ووقعت الفتنة بينهم ولحق ابن عمر بالخوارج كما يذكر في
أخبارهم واستولى بنو العباس على خراسان وفى سنة تسع وعشرين ولى يوسف بن عبد الرحمن الفهرى على الاندلس بعد نوابة بن سلامة كما يأتي في أخبارهم وولى مروان على الحجاز عبد الواحد وعلى العراق يزيد بن عمر بن هبيرة وفى سنة ثلاثين ملك أبو مسلم خراسان وهرب عنها نصر بن سيار فمات بنواحي همذان سنة احدى وثلاثين وجاء المسودة عليهم قحطبة فطلبوا ابن هبيرة على العراق وملكوه وبايعوا خليفتهم أبا العباس السفاح ثم غلبوا مروان على الشام ومصر وقتلوه وانقرض أمر بنى أمية وعاد الامر والخلافة لبنى العباس والملك لله يؤتيه من يشاء من عباده وهذه أخبار بنى أمية مخلصة من كتاب أبى جعفر الطبري ولنرجع إلى أخبار الخوارج كما شرطنا في اخبارها بالذكر والله المعين لا رب غيره * (الخبر عن الخوارج وذكر أوليتهم وتكرر خروجهم في الملة الاسلامية) * قد تقدم لنا خبر الحكمين في حرب صفين واعتزل الخوارج عليا منكرين للتحكيم مكفرين به ولاطفهم في الرجوع عن ذلك وناظرهم فيه بوجه الحق فلجوا وأبوا الا الحرب وجعلوا شعارهم النداء بلا حكم الا لله وبايعوا عبد الله بن وهب الراسبى(3/141)
وقاتلهم على بالنهروان فاستلحمهم أجمعين ثم خرج من فلهم طائفة بالانبار فبعث إليهم من استلحمهم ثم طويفة أخرى مع هلال بن علية فبعث معقل بن قيس فقتلهم ثم أخرى ثالثة كذلك ثم أخرى على المدائن كذلك ثم أخرى بشهرزور كذلك وبعث شريح بن هانئ فهزموه فجرح واستلحمهم أجمعين واستأمن من بقى فأمنهم وكانوا نحو خمسين وافترق شمل الخوارج ثم اجتمع من وجدانهم الثلاثة الذين توعدوا لقتل على ومعاوية وعمرو بن العاص فقتل بالسهم عبد الرحمن بن ملجم عليا رضى الله عنه وباء باثمه وسلم الباقون ثم اتفقت الجماعة على بيعة معاوية سنة احدى وأربعين واستقل معاوية بخلافة الاسلام وقد كان فروة بن نوفل الاشجعى اعتزل عليا والحسن ونزل شهرزور
وهو في خمسمائة من الخوارج فلما بويع معاوية قال فروة لاصحابه قد جاء الحق فجاهدوا واقبلوا فنزلوا النخيلة عند الكوفة فاستنفر معاوية أهل الكوفة فخرجوا لقتالهم وسألوا أهل الكوفة أن يخلوا بينهم وبين معاوية فأبوا فاجتمعت أشجع على فروة وأتوا له من القتال ودخلوا الكوفة قهرا واستعمل الخوارج بعده عبد الله بن أبى الحريشى من طيئ وقاتلوا أهل الكوفة فقاتلوا وابن أبى الحريشى معهم ثم اجتمعوا بعده على حوثرة بن وداع الاسدي وقدموا إلى النخيلة في مائة وخمسين ومعهم فل ابن أبى الحريشى وبعث معاوية إلى حوثرة أباه ليرده عن شأنه فأبى فبعث إليهم عبد الله بن عوف في معسكر فقتله وقتل أصحابه الا خمسين دخلوا الكوفة وتفرقوا فيها وذلك في جمادى الاخيرة سنة احدى وأربعين وسار معاوية إلى الشأم وخلف المغيرة بن شعبة فعاد فروة بن نوفل الاشجعى إلى الخروج فبعث إليه المغيرة خيلا عليها ابن ربعى ويقال معقل بن قيس فلقيه بشهرزور فقتله ثم بعث المغيرة إلى شبيب بن أبجر من قتله وكان من أصحاب ابن ملجم وهو الذى أتى معاوية يبشره بقتل على فخافه على نفسه وأمر بقتله فتنكر بنواحي الكوفة إلى أن بعث المغيرة من قتله ثم بلغ المغيرة أن بعضهم يريد الخروج وذكر له معن بن عبد الله المحاربي فحبسه ثم طالبه بالبيعة لمعاوية فأبى فقتله ثم خرج على المغيرة أبو مريم مولى بنى الحرث بن كعب فأخرج معه النساء فبعث المغيرة من قتله وأصحابه ثم حكم أبو ليلى في المسجد بمشهد الناس وخرج في اثنين من الموالى فأتبعه المغيرة معقل بن قيس الرباحى فقتله بسور الكوفة سنة اثنتين وأربعين ثم خرج على ابن عامر في البصرة سهم بن غانم الجهنى في سبعين رجلا منهم الحطيم وهو يزيد بن حالك الباهلى ونزلوا بين الجسرين والبصرة ومر بهم بعض الصحابة منقلبا من الغزو فقتلوه وقتلوا ابنه وابن أخيه وقالوا هؤلاء كفرة وخرج إليهم ابن عامر فقتل منهم عدة وأمن باقيهم ولما أتى زياد البصرة سنة خمس وأربعين هرب منهم الحطيم إلى الاهواز وجمع ورجع(3/142)
إلى البصرة فافترق عنه أصحابه فاختفى وطلب الامان من زياد فلم يؤمنه ثم دل عليه فقتله وصلبه بداره وقيل بل قتله عبد الله بعد زياد سنة أربع وخمسين ثم اجتمع الخوارج بالكوفة على المستورد بن عقلة التيمى من تيم الرباب وعلى حيان بن ضبيان السلمى وعلى معاذ بن جوين الطائى وكلهم من فل النهروان الذين ارتموا في القتلى ودخلوا 3 الكوفة بعد مقتل على واجتمعوا في أربعمائة في منزل حيان بن ضبيان وتشاوروا في الخروج وتدافعوا الامارة ثم اتفقوا على المستورد وبايعوه في جمادى الاخيرة وكبسهم المغيرة في منزلهم فسجن حيان وأفلت المستورد فنزل الحيرة واختلف إليه الخوارج وبلغ المغيرة خبرهم فخطب الناس وتهدد الخوارج فقام إليه معقل بن قيس فقال ليكفك كل رئيس قومه وجاء صعصعة بن صوحان إلى عبد القيس وكان عالما بمنزلهم عند سليم بن مخدوج العبدى الا أنه لا يسلم عشيرته فخرجوا ولحقوا بالصراة في ثلثمائة فجهز إليهم معقل بن قيس في ثلاثة آلاف وجعل معظمهم من شيعة على وخرج معقل في الشيعة وجاء الخوارج ليعبروا النهر إلى المدائن فمنعهم عاملها سمال بن عبد العبسى ودعاهم إلى الطاعة على الامان فأبوا فساروا إلى المذار وبلغ ابن عامر بالبصرة خبرهم فبعث شريك بن الاعور الحارثى في ثلاثة آلاف من الشيعة وجاء معقل بن قيس إلى المدائن وقد ساروا إلى المذار فقدم بين يديه أبا الرواع الشاكرى في ثلثمائة وسار ولحقهم أبو الرواع بالمذار فقاتلهم ثم لحقه معقل بن قيس متقدما أصحابه عند المساء فحملت الخوارج عليه فثبت وباتوا على تعبية وجاء الخبر إلى الخوارج بنهوض شريك بن الاعور من البصرة فأسروا من ليلتهم راجعين وأصبح معقل واجتمع بشريك وبعث أبا الرواع في أتباعهم في ستمائة فلحقهم بجرجان فقاتلهم فهزمهم إلى ساباط وهو في اتباعهم ورأى المستورد أن هؤلاء مع ابى الرواع حماة أصحاب معقل فتسرب عنهم إلى معقل وأبو الرواع في اتباعه ولما لحق بمعقل قاتلهم قتالا وأدركهم أبو الرواع بعد أن لقى كثيرا من أصحاب معقل منهزمين فردهم واقتتلوا قتالا شديدا وقتل المستورد معقلا طعنه بالرمح
فانفذه وتقدم معقل والرمح فيه إلى المستورد فقسم دماغه بالسيف وماتا جميعا وأخذ الراية عمر بن محرز بن شهاب التميمي بعهد معقل بذلك ثم حمل الناس على الخوارج فقتلوهم ولم ينج منهم الا خمسة أو ستة وعند ابن الكلبى ان المستورد من تيم من بنى رباح خرج بالبصرة أيام زياد قريب الازدي ورجاف الطائى ابنا الخالة وعلى البصرة سمرة بن جندب وقتلوا بعض بنى ضبة فخرج عليهم شبان من بنى على وبنى راسب فرموهم بالنبل وقتل قريب وجاء عبد الله بن أوس الطائى برأسه واشتد زياد في أمر الخوارج وسمرة وقتلوا منهم خلقا ثم خرج سنة اثنتين وخمسين على زياد ابن حراش العجلى في ثلثمائة بالسواد(3/143)
فبعث إليهم زياد سعد بن حذيفة في خيل فقتلوهم وخرج أيضا أصحاب المستورد حيان ابن ضبيان ومعاذ من طيئ فبعث اليهما من قتلهما وأصحابهما وقيل بل استأمنوا وافترقوا ثم اجتمع بالبصرة سنة ثمان وخمسين سبعون رجلا من الخوارج من عبد القيس وبايعوا طواف بن على أن يفتكوا بابن زياد وكان سبب ذلك أن ابن زياد حبس جماعة من الخوارج بالبصرة وحملهم على قتل بعضهم بعضا وخلى سبيل القانلين ففعلوا وأطلقهم وكان منهم طواف ثم ندموا وعرضوا على أولياء المقتولين القود والدية فأبوا وأفتاهم بعض علماء الخوارج بالجهاد لقوله تعالى ثم ان ربك للذين هاجروا من بعد ما فتنوا الآية فاجتمعوا للخروج كما قلنا وسعى بهم إلى ابن زياد فاستعجلوا الخروج وقتلوا رجلا ومضوا إلى الجلحاء كما قلنا فندب ابن زياد الشرط والمحاربة فقاتلوهم فانهزم الشرط أولا ثم كثرهم الناس فقتلوا عن آخرهم واشتد ابن زياد على الخوارج وقتل منهم جماعة كثيرة منهم عروة بن أدبة أخو مرداس وأدبة أمهما وأبوهما جرير بن تميم وكان وقف على ابن زياد يوما يعظه فقال أتبنون بكل ريع آية تعبثون الآيات فظن ابن زياد أن معه غيره فأخذه وقطعه وقتل ابنيه وكان أخوه مرداس من عظمائهم وعبادهم وممن شهد النهروان بالاستعراض ويحرم خروج النساء
ولا يرى بقتال من لا يقاتله وكانت امرأته من العابدات من بنى يربوع وأخذها ابن زياد فقطعها والح ابن زياد في طلب الخوارج وقتلهم وخلى سبيل مرداس من بينهم لما وصف له من عبادته ثم خاف فخرج إلى الاهواز وكان يأخذ مال المسلمين إذا مر به فيعطى منه أصحابه ويرد الباقي وبعث ابن زياد إليهم أسلم بن زرعة الكلابي في ألفى رجل ودعاهم إلى معاودة الجماعة فأبوا وقاتلوهم فهزموا أسلم وأصحابه فسرح إليهم ابن زياد عباد بن علقمة المازنى ولحقهم بتوج وهم يصلون فقتلهم أجمعين ما بين راكع وساجد لم يتغيروا عن حالهم ورجع إلى البصرة برأس أبى بلال مرداس فرصده عبيدة ابن هلال في ثلاثة نفر عند قصر الامارة ليستفتيه فقتلوه واجتمع عليهم الناس فقتلوا منهم وكان على البصرة عبيد الله بن أبى بكرة فأمره زياد بنتبع الخوارج إلى أن تقدم فحبسهم وأخذ الكفلاء على بعضهم وأتى بعروة بن أدبة فقال أنا كفيلك وأطلقه ولما جاء ابن زياد قتل المحبوسين منهم والمكفولين وطالب ابن أبى بكرة بعروة بن أدبة فبحث عنه حتى ظفر به وجاء به إلى ابن زياد فقطعه وصلبه سنة ثمان وخمسين ثم مات يزيد واستفحل أمر ابن الزبير بمكة وكان الخوارج لما اشتد عليهم ابن زياد بعد قتل أبى بلال مرداس أشار عليهم نافع بن الازرق منهم باللحاق بابن الزبير لجهاد عساكر يزيد لما ساروا إليه قالوا وان لم يكن على رأينا داحضا عن البيت وقاموا يقاتلون معه(3/144)
فلما مات يزيد وانصرفت العساكر كشفوا عن رأى ابن الزبير فيهم وجاؤه يرمون من عثمان ويتبرؤن منه فصرح بمخالفتهم وقال بعد خطبة طويلة أثنى فيها على الشيخين وعلى وعثمان واعتذر عنه فيما يزعمون وقال أشهدكم ومن حضرني أنى ولى لابن عفان وعدو لاعدائه قالوا فبرئ الله منك قال بل برئ الله منكم فافترقوا عنه وأقبل نافع ابن الازرق الحنظلي وعبد الله بن صفار السعدى وعبد الله بن أباض وحنظلة بن بيهس وبنو الماخور عبد الله وعبيد الله والزبير من بنى سليط بن يربوع وكلهم من
تميم حتى أتوا البصرة وانطلق أبو طالوت عن بنى بكر بن وائل وأبو فديك عبد الله ابن نور بن قيس بن ثعلبة وعطية بن الاسود اليشكرى إلى اليمامة فوثبوا بها مع أبى طالوت ثم تركوه ومالوا عنه إلى نجدة بن عامر الحنفي ومن هنا افترقت الخوارج على أربع فرق الازارقة أصحاب نافع بن الازرق الحنفي وكان رأيه البراءة من سائرة المسلمين وتكفيرهم والاستعراض وقتل الاطفال واستحلال الامانة لاته يراهم كفارا والفرقة الثانية النجدية وهم بخلاف الازارقة في ذلك كله والفرقة الثالثة الاباضية اصحاب عبد الله بن اباض المرى وهم يرون أن المسلمين كلهم يحكم لهم بحكم المنافقين فلا ينتهون إلى الرأى الاول ولا يقفون عند الثاني ولا يحرمون مناكحة المسلمين ولا موارثتهم ولا المنافقين فيهم وهم عندهم كالمنافقين وقول هؤلاء أقرب إلى السنة ومن هؤلاء البيهسية أصحاب أبى بيهس هيصم بن جابر الضبعى والفرقة الرابعة الصفرية وهم موافقون للاباضية الا في العقدة فان الاباضية أشد على العقدة منهم وربما اختلفت هذه الآراء من يعد ذلك واختلف في تسمية الصفرية فقيل نسبوا إلى ابن صفار وقيل اصفروا بما نهكتهم العبادة وكانت الخوارج من قبل هذا الافتراق على رأى واحد لا يختلفون الا في الشاذ من الفروع وفى أصل اختلافهم هذا مكاتبات بين نافع بن الازرق وأبى بيهس وعبد الله بن اباض ذكرها المبرد في كتاب الكامل فلينظر هناك (ولما جاء نافع) إلى نواحى البصرة سنة أربع وستين فأقام بالاهواز يعترض الناس وكان على البصرة عبد الله بن الحرث بن نوفل بن الحرث بن عبد المطلب فسرح إليه مسلم عبس بن كويز بن ربيعة من أهل البصرة باشارة الاحنف بن قيس فدافعه عن نواحى البصرة وقاتله بالاهواز وعلى ميمنة مسلم الحجاج بن باب الحميرى وعلى ميسرته حارثة ابن بدر العدابى وعلى ميمنة ابن الازرق عبيدة بن هلال وعلى ميسرته الزبير بن الماخور التميمي فقتل مسلم ثم قتل نافع وأمر أهل البصرة عليهم الحجاج بن باب والخوارج عبد الله بن الماخور ثم قتل الحجاج وعبد الله فأمر أهل البصرة ربيعة بن الاخدم
والخوارج عبيد الله بن الماخور ثم اقتتلوا حتى أمسوا وجاء إلى الخوارج مدد(3/145)
فحملوا على أهل البصرة فهزموهم وقتل ربيعة وولوا مكانه حارثة بن بدر فقاتل وردهم على الاعقاب ونزل الاهواز ثم عزل عن البصرة عبد الله بن الحرث وبعث ابن الزبير عليها الحرث القباع بن أبى ربيعة فزحف الخوارج إلى البصرة وأشار الاحنف بن قيس بتولية المهلب حروبهم وقد كان ابن الزبير ولاه خراسان فكتبوا لابن الزبير بذلك فأجاب واشترطوا للمسلم ما سأل من ولاية ما غلب عليه والاعانة بالاموال فاختار من الجند اثنى عشر ألفا وسار إليهم فدفعهم عن الجسر وجاء حارثة بن بدر بمن كان معه في قتال الخوارج فردهم الحرث إلى المهلب وركب حارثة البحر يريد البصرة فغرق في النهر وسار المهلب وعلى مقدمته ابنه المغيرة فقاتلهم المقدمة ودفعوهم عن سوق الاهواز إلى مادر ونزل المهلب بسولاف وقاتله الخوارج وصدقوا الحملة فكشفوا أصحاب المهلب ثم ترك من الغد قتالهم وقطع دجيل ونزل العقيل ثم ارتحل فنزل قريبا منهم وخندق عليه وأذكى العيون والحرس وجاء منهم عبيدة بن هلال والزبير بن الماخور في بعض الليالى ليبيتوا عسكر المهلب فوجدوهم حذرين وخرج إليهم المهلب من الغد في تعبية والازد وتميم في ميمنته وبكر وعبد القيس في ميسرته وأهل العالية في القلب وعلى ميمنة الخوارج عبيدة بن هلال اليشكرى وعلى ميسرتهم الزبير ابن الماخور واقتتلوا ونزل الصبر ثم شدوا على الناس فأجفل عسكر المهلب وانهزم وسبق المنهزمين إلى ربوة ونادى فيهم فاجتمع له ثلاثة آلاف أكثرهم من الازد فرجع بهم وقصد عسكر الخوارج واشتد قتالهم ورموهم بالحجارة وقتل عبد الله بن الماخور وكثير منهم وانكفؤا راجعين إلى كرمان وناحية اصبهان منهزمين واستخلفوا عليهم الزبير بن الماخور وأقام المهلب بمكانه حتى جاء مصعب بن الزبير أميرا على البصرة وعزل المهلب (وأما نجدة) وهو نجدة بن عامر بن عبد الله بن سيار بن مفرج الحنفي وكان
مع نافع بن الازرق فلما افترقوا سار إلى اليمامة ودعا أبو طالوت إلى نفسه وهو من بكر ابن وائل وتابعه نجدة ونهب الحصارم بلد بنى حنيفة وكان فيها رقيق كثير يناهز أربعة آلاف فقسمها في أصحابه وذلك سنة خمس وستين واعترض عيرا من البحرين جاءت لابن الزبير فأخذها وجاء بها إلى أبى طالوت فقسمها بين أصحابه ثم رأى الخوارج ان نجدة خير لهم من أبى طالوت فخالفوه وبايعوا نجدة وسار إلى بنى كعب بن ربيعة فهزمهم وأثخن فيهم ورجع نجدة إلى اليمامة في ثلاثة آلاف ثم سار إلى البحرين سنة سبع وستين فاجتمع أهل البحرين من عبد القيس وغيرهم على محاربته وسالمته الازد والتقوا بالعطيف فانهزمت عبد القيس وأثخن فيهم نجدة وأصحابه وأرسل سرية إلى الخط فظفروا بأهله ولما قدم مصعب بن الزبير البصرة سنة تسع وستين بعث عبد الله(3/146)
ابن عمر الليثى الاعور في عشرين ألفا ونجدة بالعطيف فقاتلوهم وهزمهم نجدة وغنم ما في عسكرهم وبعث عطية بن الاسود الحنفي من الخوارج إلى عمان وبها عباد ابن عبد الله شيخ كبير فقاتله عطية فقتله وأقام أشهرا وسار عنها واستخلف عليها بعض الخوارج فقتله أهل عمان وولوا عليهم سعيدا وسليمان ابني عباد ثم خالف عطية نجدة وجاء إلى عمان فامتنعت منه فركب البحر إلى كرمان وأرسل إليه المهلب جيشا فهرب إلى سجستان ثم إلى السند فقتله خيل المهلب بقندابيل ثم بعث نجدة المعرفين إلى البوادى بعد هزيمة ابن عمير فقاتلوا بنى تميم بكاظمة وأعانهم أهل طويلع فبعث نجدة من استباحهم وأخذ منهم الصدقة كرها ثم سار إلى صنعاء فبايعوه وأخذ الصدقة من مخاليفها ثم بعث أبا فديك إلى حضرموت فأخذ الصدقة منهم وحج سنة ثمان وستين في تسعمائة رجل وقيل في ألفين ووقف ناحية عن ابن الزبير على صلح عقد بينهما ثم سار نجدة إلى المدينة وتأهبوا لقتاله فرجع إلى الطائف وأصاب بنتا لعبد الله ابن عمر بن عثمان فضمها إليه وامتحنه الخوارج بسؤاله بيعها فقال قد أعتقت نصيبي
منها قالوا فزوجها قال هي أملك بنفسها وقد كرهت الزوج ولما قرب من الطائف جاءه عاصم بن عروة بن مسعود فبايعه عن قومه وولى عليهم الخازرق وعلى يبانه والسراة وولى على ما يلى نجران سعد الطلائع ورجع إلى البحرين وقطع الميرة عن الحرمين وكتب إليه ابن عباس أو ثمامة بن اشاك لما أسلم قطع الميرة عن مكة وهم مشركون فكتب إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم ان أهل مكة أهل الله فلا تمنعهم الميرة فخلاها لهم وانك قطعت الميرة ونحن مسلمون فخلاها لهم نجدة ثم اختلف إليه أصحابه لان أبا سنان حيى بن وائل أشار عليه بقتل من أطاعه تقية فانتهره نجدة وقال انما علينا أن نحكم بالظاهر وأغضبه عطية في منازعة جرت بينهما على تفضيله لسرية البر على سرية البحر في الغنيمة فشتمه نجدة فغضب وسأله في درء الحد في الخمر عن رجل من شجعانهم فأبى وكاتبه عبد الملك في الطاعة على أن يوليه اليمامة ويهدر له ما أصاب من الدماء فاتهموه في هذه المكاتبة ونقموا عليه أمثال هذه وفارقه عطية إلى عمان ثم انحازوا عنه وولوا أمرهم أبا فديك عبد الله بن ثور احد بنى قيس بن ثعلبة واستخفى نجدة وألح أبو فديك في طلبه وكان مستخفيا في قرية من قرى حجر ثم نذر به فذهب إلى اخواله من تميم وأجمع المسير إلى عبد الملك فعلم به أبو فديك وجاءت سرية منهم وقاتلهم فقتلوه وسخط قتله جماعة من أصحاب أبى فديك واعتمده مسلم بن جبير فطعنه اثنتى عشرة طعنة وقتل مسلم لوقته وحمل أبو فديك إلى منزله ثم جاء مصعب إلى البصرة سنة ثمان وستين واليا على العراقين عن أخيه وكان المهلب في حرب الازارقة(3/147)
فأراد مصعب أن يوليه بلاد الموصل والجزيرة وأرمينية ليكون بينه وبين عبد الملك فاستقدمه من فارس وولاه وولى على فارس وحرب الازارقة عمر بن عبد الله بن معمر وكان الخوارج قد ولوا عليهم بعد قتل عبد الله بن الماخور سنة خمس وستين أخاه الزبير فجاؤا به إلى اصطخر وقدم عمر ابنه عبيد الله إليهم فقتلوه ثم قاتل الزبير عمر فهزمهم وقتل
منهم سبعون وفلق قطرى بن الفجاءة وشتر صالح بن مخراق وساروا إلى نيسابور فقاتلهم عمر بها وهزمهم فقصدوا اصبهان فاستحموا بها ثم أقبلوا إلى فارس وتجنبوا عسكر عمر ومروا على ساجور ثم أرجان فأتوا الاهواز قاصدين العراق وأغذ عمر السير في اثرهم وعسكر مصعب عند الجسر فسار الزبير بالخوارج فقطع أرض صرصر وشن الغارة على أهل المدائن يقتلون الولدان والرجال ويبقرون بطون الحبالى وهرب صاحب المدائن عنها وانتهت جماعة منهم إلى الكرخ فقاتلهم أبو بكر بن مختف فقتلوه وخرج أمير الكوفة وهو الحرث بن أبى ربيعة القباع حتى انتهى إلى الصراة ومعه ابراهيم ابن الاشتر وشبيب بن ربعى وأسماء بن خارجة ويزيد بن الحرث ومحمد بن عمير وأشاروا عليه بعقد الجسر والعبور إليهم فانهزموا إلى المدائن وأمر الحرث عبد الرحمن ابن مختف باتباعهم في ستة آلاف إلى حدود أرض الكوفة فانتهوا إلى الرى وعليها يزيد بن الحرث بن دويم الشيباني وما والاهم عليه أهل الرى فهزموه وقتلوه ثم انحطوا إلى اصبهان وبها عتاب بن ورقاء فحاصروه أشهرا وكان يقاتلهم على باب المدينة ثم دعا إلى الاستمانة في قتالهم فخرجوا وقاتلوهم وانهزمت الخوارج وقتل الزبير واحتووا على معسكرهم ثم بايع الخوارج قطرى بن الفجاءة المازنى ويكنى أبا نعامة وارتحل بهم إلى كرمان حتى استجمعوا فرجعوا إلى اصبهان فامتنعت فأتوا الاهواز وقاموا وبعث مصعب إلى المهلب فرده إلى قتال الخوارج وولى على الموصل والجزيرة ابراهيم بن الاشتر وجاء المهلب فانتجعت الناس من البصرة وسار إلى الخوارج فلقيهم بسولاف واقتتلوا ثمانية أشهر وبعث مصعب إلى عتاب بن ورقاء الرباحى عامل اصبهان بقتال أهل الرى بما فعله في ابن دويم فسار إليهم وعليهم الفرحان فقاتلهم وافتتحها عنوة وقلاعها وعاث في نواحيها * (خبر ابن الحر ومقتله) * كان عبيد الله بن الحر الجعفي من خيار قومه صلاحا وفضلا ولما قتل عثمان حزن عليه
وكان مع معاوية على على وكانت له زوجة بالكوفة فتزوجت لطول مغيبه فأقبل من الشأم وخاصم زوجها إلى على فعدد عليه شهوده صفين فقال أيمنعني ذلك من عدلك قال لا ورد إليه امرأته فرجع إلى الشأم وجاء إلى الكوفة بعد مقتل على ولقى اخوانه(3/148)
وتفاوضوا في النكير على على ومعاوية ولما قتل الحسين تغيب على ملحمته وسأل عنه ابن زياد فلم يره ثم لقيه فأساء عذله وعرض له بالكون مع عدوه فأنكر وخرج مغضبا وراجع ابن زياد رأيه فيه فطلبه فلم يجده فبعث عنه فامتنع وقال أبلغوه انى لا آتيه طائعا أبدا وأتى منزل أحمد بن زياد الطائى فاجتمع إليه أصحابه وخرج إلى المدائن ومضى لمصارع الحسين وأصحابه فاستغفر لهم ولما مات يزيد ووقعت الفتنة اجتمع إليه أصحابه وخرج بنواحي المدائن ولم يعترض للقتل ولا للمال انما كان يأخذ مال السلطان متى لقيه فيأخذ منه عطاءه وعطاء أصحابه ويرد الباقي ويأخذ لصاحب المال بما أخذ وحبس المختار امر أنه بالكوفة وجاء فأخرجها من الحبس وأخرج كل من فيه وأراد المختار أن يسطو به فمنعه ابراهيم بن الاشتر إلى الموصل لقتال ابن زياد ثم فارقه ولم يشهد معه وشهد مع مصعب قتال المختار وقتله ثم أغرى به مصعب فحبسه وشفع فيه رجال من وجوه مذحج فشفعهم وأطلقه وأتى إليه الناس يهنونه فضرح بأن احدا لا يستحق بعد الاربعة ولا يحل أن يعقد لهم بيعة في أعناقنا فليس لهم علينا من الفضل ما يستحقون به ذلك وكلهم عاص مخالف قوى الدنيا ضعيف الآخرة ونحن أصحاب الايام مع فارس ثم لا يعرف حقنا وفضلنا وانى قد أظهرت لهم العداوة وخرج للحرب فأغار فبعث إليه مصعب سيف بن هانئ المرادى يعرض عليه الطاعة على أن يعطيه قطعة من بلاد فارس فأبى فسرح إليه الابرد بن فروة الرباحى في عسكر فهزمه عبيد الله فبعث إليه حريث بن زيد فهزمه فقتله فبعث إليه الحجاج بن حارثة الخثعمي ومسلم بن عمر فقاتلهما بنهر صرصر وهزمهما فأرسل إليه مصعب بالامان
والولاية فلم يقبل وأتى إلى فرس فهرب دهقانها بالمال وتبعه ابن الحر إلى عين النمر وعليه بسطام بن معقلة بن هبيرة الشيباني فقاتل عبيد الله وأوفاهم الحجاج بن حارثة فهزمهما عبيد الله وأسرهما وأخذ المال الذى مع الدهقان وأقام بتكريت ليجبى الخراج فسرح مصعب لقتاله الابرد بن فروة الرباحى والجون بن كعب الهمداني في ألف وأمدهم المهلب بيزيد بن المعقل في خمسمائة وقاتلهم عبيد الله يومين في ثلثمائة ثم تحاجزوا وقال لاصحابه انى سائر بكم إلى عبد الملك فتجهزوا ثم قال انى خائف أن أموت ولم أذعر مصعبا وقصد الكوفة وجاءته العساكر من كل جهة ولم يزل يهزمهم ويقتل منهم بنواحي الكوفة والمدائن وأقام يغير بالسواد ويجبى الخراج ثم لحق بعبد الملك فأكرمه وأجلسه معه على سريره وأعطاه مائة ألف درهم وقسم في أصحابه الاعطيات وسأل من عبد الملك أن يوجه معه عسكر القتال مصعب فقال سر بأصحابك وادع من قدرت عليه وأنا ممدك بالرجال فسار نحو الكوفة ونزل بناحية الانبار وأذن(3/149)
لاصحابه في اتيان الكوفة ليخبروا أصحابه بقدومه وبعث الحرث بن أبى ربيعة إليه جيشا كثيفا فقاتلهم وتفرق عنه أصحابه وأثخنه الجراح فخاض البحر إلى سفينة فركبها حتى توسط الفرات فأشرف خيل على السفينة وتبادروا به فقام يمشى في البحر فتعلقوا به فألقى نفسه في الماء مع بعضهم فغرقوه * (حروب الخوارج مع عبد الملك والحجاج) * ولما استقر عبد الملك بالكوفة بعد قتل مصعب بعث على البصرة خالد بن عبد الله وكان المهلب يحارب الازارقة فولاه على خراج الاهواز وبعث أخاه عبد العزيز بن عبد إلى قتال الخوارج ومعه مقاتل بن مسمع وأتت الخوارج من ناحية كرمان إلى دارابجرد وبعث قطرى بن الفجاءة صالح بن مخراق في تسعمائة فاستقبل عبد العزيز ليلا على غير تعبية فانهزم وقتل مقاتل بن مسمع وأسرت بنت المنذر بن الجارود امرأة
عبد العزيز فقتلها الخوارج وتغير عبد العزيز إلى رامهرمز وكتب خالد بالخبر إلى عبد الملك فكتب إليه على ولاية أخيه الحرب وولاية المهلب جباية الخراج وأمره بأن يسرح المهلب بحربهم وكتب إلى بشر بالكوفة بامداده بخمسة الاف مع من يرضاه فإذا فرغوا من قتال الخوارج ساورا إلى الرى فكانوا هنالك مسلحة فانفذ بشر العسكر وعليهم عبد الرحمن بن محمد بن الاشعث وكتب له عهده على الرى وخرج خالد بأهل البصرة ومعه المهلب واجتمعوا بالاهواز وجاءت الازارقة فأحرقوا السفن ومر المهلب بعبد الرحمن بن الاشعث وأمره أن يخندق عليه وأقاموا كذلك عشرين ليلة ثم زحف الخوارج بالناس فهال الخوارج كثرتهم وانصرموا وبعث خالد داود بن قحدم في آثارهم وانصرف إلى البصرة وكتب بالخبر إلى عبد الملك فكتب إلى أخيه بشر أن يبعث أربعة آلاف من أهل الكوفة إلى فارس ويلحقوا بداود بن قحدم في طلب الازارقة فبعث بهم بشر بن عتاب ولحقوا بداود واتبعوا الخوارج حتى أصابهم الجهد ورجع عامتهم مشاة إلى الاهواز (ثم خرج أبو فديك) من بنى قيس بن ثعلبة فغلب على البحرين وقتل نجدة بن عامر الحنفي كما مر وهزم خالدا فكتب إلى عبد الملك بذلك وأمر عبد الملك عمر بن عبيد الله ابن معمر أن يندب الناس من أهل الكوفة والبصرة ويسير لقتال أبى فديك فانتدب معه عشرة آلاف وسار بهم وأهل الكوفة على ميمنته عليهم محمد بن موسى بن طلحة بن عبيد الله وأهل البصرة في ميسرته عليهم عمر بن موسى أخيه وهو في القلب وانتهوا إلى البحرين واصطفوا للقتال وحملوا على أبى فديك وأصحابه فكشفوا ميسرته حتى أبعدوا الا المغيرة بن المهلب ومجاعة وعبد الرحمن وفرسان الناس فانهم فانهم مالوا إلى أهل لكوفة(3/150)
بالميمنة ورجع أهل الميسرة وحمل أهل الميمنة على الخوارج فهزموهم واستباحوا عسكرهم وقتلوا أبا فديك وحصروا أصحابه بالمشقر حتى نزلوا على الحكم فقتل منهم ستة
آلاف وأسر ثمانمائة وذلك سنة ثلاث وسبعين ثم ولى عبد الملك أخاه بشرا على البصرة فسار إليها وأمره أن يبعث المهلب إلى حرب الازارقة وأن ينتخب من أهل البصرة من أراد ويتركه ورأيه في الحرب ويمده بعسكر كثيف من أهل الكوفة مع رجل معروف بالنجدة فبعث المهلب لانتخاب الناس جديع بن سعيد بن قبيصة وشق على بشر أن ولاية المهلب من عبد الملك وأوغرت صدره فبعث على عسكر الكوفة عبد الرحمن ابن مختف وأغراه بالمهلب في ترك مشورته وتنغصه وسار المهلب إلى رامهرمز وبها الخوارج وأقبل ابن مختف في أهل الكوفة فنزل على ميل منه بحيث يتراءى العسكران ثم أتاهم نبأ بشر بن مروان وانه استخلف خالد بن عبد الله بن خالد على البصرة وخليفته على الكوفة عمر بن حريث فافترق ناس كثيرة من أهل البصرة وأهل الكوفة فنزلوا الاهواز وكتب إليهم خالد بن عبد الله يتهددهم فلم يلتفتوا إليه وأقبل أهل الكوفة إلى الكوفة وكتب إليهم عمر بن حريث بالنكير والعود إلى المهلب ومنعهم الدخول فدخلوا ليلا إلى بيوتهم (ثم قدم الحجاج) أميرا على العراقين سنة خمس وسبعين فخطب بالكوفة خطبته المعروفة كان منها ولقد بلغني رفضكم المهلب واقبالكم إلى مصركم عاصين مخالفين وايم الله لا أجد أحدا من عسكره بعد ثلاثة الا ضربت عنقه وأنهب داره ثم دعا العرفاء وقال ألحقوا الناس بالمهلب وأتوني بالبراءة بموافاتهم ولا تغلقن أبواب الجسر ووجد عمر بن ضابئ من المتخلفين وأخبر أنه من قتلة عثمان فقتله فأخرج جند المهلب وازدحموا على الجسر وجاء العرفاء إلى المهلب برامهز فأخذوا كتابه بموافاة الناس وأمرهم الحجاج بمناهضة الخوارج فقاتلوهم شيأ ثم انزاحوا إلى كازرون وسار المهلب وابن مختف فنزلوا بهم وخندق المهلب ولم يخندق ابن مختف وبيتهم الخوارج فوجدوا المهلب حذرا فمالوا إلى ابن مختف فانهزم عنه أصحابه وقاتل حتى قتل وفى حديث أهل الكوفة انهم لما ناهضوا الخوارج مالوا إلى المهلب واضطروه إلى معسكره وأمده عبد الرحمن بعامة عسكره وبقى في خف من الجن د
فمال إليه الخوارج فنزل ونزل معه القراء واحد وسبعون من أصحابه فقتلوا وجاء المهلب من الغد فدفنه وصلى عليه وكتب بالخبر إلى الحجاج فبعث على معسكره عتاب ابن ورقاء وأمره بطاعة المهلب فأجاب لذلك وفى نفسه منه شئ وعاتبه المهلب يوما ورفع إليه القضيب فرده ابنه المغيرة عن ذلك وكتب عتاب يشكو المهلب إلى الحجاج ويسأله العود وصادف ذلك أمر شبيب فاستقدمه وبقى المهلب(3/151)
* (حروب الصفرية وشبيب مع الحجاج) * ثم خرج صالح بن مسرح التميمي من بنى امرئ القيس بن زيد مناة وكان يرى رأى الصفرية وكان عابدا ومسكنه أرض الموصل والجزيرة وله أصحاب يقرئهم القرآن والفقه وكان يأتي الكوفة ويلقى أصحابه ويعد ما يحتاج إليه فطلبه الحجاج فترك الكوفة وجاء إلى أصحابه بالموصل ودار فدعاهم إلى الخروج وحثه عليه وجاءه كتاب شبيب بن يزيد بن نعيم الشيباني من رؤسهم يحثه على مثل ذلك فكتب إليه انى في انتظارك فاقدم فقدم شبيب في نفر من أصحابه منهم أخوه المضاد والمحلل بن وائل اليشكرى ولقيه بدارا وأجمع صالح الخروج وبث إلى أصحابه وخرجوا في صفر سنة ست وسبعين وأمر بالدعاء قبل القتال وخير في الدماء والاموال وعرضت لهم دواب لمحمد بن مروان بالجزيرة فأخذوها وحملوا عليها أصحابهم وبلغ محمد بن مروان وهو أمير الجزيرة خروجهم فسرح إليهم عدى بن عدى الكندى في ألف فسار من حران وكان ناسكا فكره حروبهم وبعث إليهم بالخروج فحبسوا الرسول فساروا إليه فطلعوا عليه وهو يصلى الضحى وشبيب في الميمنة وسويد بن سليم في الميسرة وركب عدى على غير تعبية فانهزم واحتوى الخوارج على معسكره ومضوا إلى آمد وسرح محمد بن مروان خالد بن حر السلمى في ألف وخمسمائة والحرث بن جعونة العامري في مثلها وقال أيكما سبق فهو أمير على صاحبه وبعث صالح شبيبا إلى الحرث وتوجه
هو نحو خالد وقاتلوهم أشد القتال واعتصم أصحاب محمد بخندقهم فسارت الخوارج عنهم وقطعوا أرض الجزيرة والموصل إلى الدسكرة فسرح إليهم الحجاج الحرث بن عميرة ابن ذى الشعار في ثلاثة آلاف من أهل الكوفة فلقيهم على تخم ما بين الموصل وصرصر والخوارج في تسعين رجلا فانهزم سويد بن سليم وقتل صالح وصرع شبيب ثم وقف على صالح قتيلا فنادى بالمسلمين فلاذوا به ودخلوا حصنا هنالك وهم سبعون وعاث الحرث بهم وأحرق عليهم الباب ورجع حتى يصبحهم من الغداة فقال لهم شبيب بايعوا من شئتم من أصحابكم واخرجوا بنا إليهم فبايعوه وأطفؤا النار بالماء في اللبود وخرجوا إليه فبيتوا وصرح الحرث فحملوا أصحابه وانهزموا نحو المدائن وحوى ثبيب عسكرهم وسار شبيب إلى أرض الموصل فلقى سلامة بن سنان التميمي من تميم شيبان الا أخاه فضالة من أكابر الخوارج وكان خرج قبل صالح في ثمانية عشر رجل ونزل على ماء لبنى عنزة فقتلوهم وأتوا برؤوسهم إلى عبد الملك يتقربون له بهم فلما دعا شبيب سلامة إلى الخروج شرط عليه أن ينتخب ثلاثين فارسا ويسير بهم إلى عنزة فيثأر منهم باخيه فقبل شرطه وسار إلى عنزة فأثخن فيهم وجعل يقتل الحلة بعد الحلة ثم أقبل شبيب إلى داران(3/152)
في نحو سبعين رجلا ففرت منهم طائفة من بنى شيبان نحو ثلاثة آلاف فنزلوا ديرا خرابا وامتنعوا منه وسار في بعض حاجاته واستخلف أخاه مضاد بن يزيد بجماعة من بنى شيبان في أموالهم مقيمين فقتل منهم ثلاثين شيخا فيهم حوثرة بن أسد وأشرف بنو شيبان على مضاد وأصحابه وسألوا الامان ليخرجوا إليهم ويسمعوا دعوتهم فأخرجوا وقبلوا ونزلوا إليهم واجتمعوا بهم وجاء شبيب فاستصوب فعلهم وسار بطائفة نحو اذربيجان وكان الحجاج قد بعث سفيان بن أبى العالية الخثعمي إلى طبرستان يحاصرها في ألف فارس فكتب إليه الحجاج أن يرجع فصالح أهل طبرستان ورجع فأقام بالدسكرة يطلب المدد وبعث الحجاج أيضا إلى الحرث بن عميرة الهمداني قاتل صالح أن يأتيه بجيش
الكوفة والمدائن والى سورة بن أبجر التميمي في خيل المناظر ويعجل سفيان في طلب شبيب فلحقه بخانقين فاستطردهم وأكمن كمينا لهم مع أخيه واتبعوه في سفح الجبل فخرج عليهم الكمين فانهزموا بغير قتال وثبت سفيان وقاتل ثم حمل شبيب فانكشف ونجا إلى بابل مهرود وكتب إلى الحجاج بالخبر وبوصول العساكر الا سورة بن ابجر فكتب الحجاج إلى سورة يتهدده ويأمره أن يتخذ من المدائن خمسمائة فارس ويسير إلى شبيب فسار وانتهى شبيب إلى المدائن ثم إلى الهندوان فترحم على أصحابه هنالك وبيتهم سورة هنالك وهم حذرون فلم يصب منهم الغرة ورجع نحو المدائن وشبيب في اتباعه وخرج ابن أبى العصعى عامر المدائن فقاتلهم وهرب كثير من جنده إلى الكوفة ومضى شبيب إلى تكريت ووصل سورة إلى الكوفة بالفل فحبسه الحجاج ثم أطلقه وسرح عثمان بن سعيد بن شرحيل الكندى ويلقب الجزل في أربعة آلاف ليس فيهم من المنهزمين أحد وساروا لحرب شبيب وأصحابه وقدم بين يديه عياض بن أبى لينة الكندى وجعلوا يتبعون شبيبا من رستاق إلى رستاق وهو على غير تعبية والجزل على التعبية ويخندق على نفسه متى نزل وطال ذلك على شبيب وكان في مائة وستين فقسمه على أربع فرق وثبت الجزل ومشايخه فلم يصب منهم فرجع عنهم ثم صبحهم ثانية فلم يظفر منهم بشئ وسار الجزل في التبعية كما كان وشبيب يسير في أرض الخوارج وغيرها يكسب الخراج وكتب الحجاج إلى الجزل ينكر عليه البطء ويأمره بالمناهضة وبعث سعيد بن المجالدى على جيش الجزل فجاءهم بالهندوان ووبخهم وعجزهم وجاءهم الخبر بان شبيبا قد دخل قطيطيا والدهقان يصلح لهم الغداء فنهض سعيد في الناس وترك الجزل مع العسكر وقد صف بهم خارج الخندق وجاء سعيد إلى قطيطيا وعلم به شبيب فأكل وتوضأ وصلى وخرج فحمل على سعيد وأصحابه مستعرضا فانهزموا وثبت سعيد فقتله وسار في اتاعهم إلى الجزل فقاتلهم الجزل حتى وقع بين القتلى جريحا وكتب إلى الحجاج(3/153)
بالخبر وأقام بالمدائن وانتهى شبيب إلى الكرخ وعبر دجلة إليه وأرسل إلى سوق بغداد فأتاهم في يوم سوقهم واشترى منه حاجاته وسار إلى الكوفة فلما قرب منها بعث الحجاج سويد بن عبد الرحمن السعدى في ألفى رجل فساروا إلى شبيب وأمر عثمان بن قطن فعسكر في السبخة وخالفه شبيب إلى أهل السبخة فقاتلوه وجاء سويد في آثاره فمضى نحو الحيرة وسويد في اتباعه ثم رحل من الحيرة وجاء كتاب الحجاج إلى سويد يأمره باتباعه فمضى في اتيانه وشبيب يغير في طريقه وأخذ على القطقطانة ثم على قصر بنى مقاتل ثم على الانبار ثم ارتفع على أدنى اذربيجان ولما أبعد سار الحجاج إلى البصرة واستعمل على الكوفة عروة بن المغيرة بن شعبة فجاءه كتاب دهقان بابل مهرود يخبره بقصد شبيب الكوفة فبعث بالكتاب إلى الحجاج وأقبل شبيب حتى نزل عقرقوبا ونزل وسار منها يسابق الحجاج إلى الكوفة وطوى الحجاج المنازل فوصل الكوفة عند العصر ووصل شبيب عند المغرب فأراح وطعموا ثم ركبوا ودخلوا إلى السوق وضرب شبيب القصر بعموده ثم اقتحموا المسجد الاعظم فقتلوا فيه من الصالحين ومروا بدار صاحب الشرطة فدعوه إلى الامير ونكرهم فقتلوا غلامه ومروا بمسجد بنى ذهل فقتلوا ذهل بن الحرث وكان يطيل الصلاة فيه ثم خرجوا من الكوفة واستقبلهم النضر بن القعقاع بن شور الذهلى وكان ممن أقبل مع الحجاج من البصرة فتخلف عنه فلما رآه قال السلام عليك أيها الامير فقال له شبيب قبل أمير المؤمنين ويلك فقالها وأراد شبيب أن يلقنه للقرابة بينهما وكان النضر ناحية بيت هانئ بن قبيصة الشيباني فقال له يا نضر لا حكم الا الله ففطن بهم وقال انا لله وانا إليه راجعون وشد عليه أصحاب شبيب فقتلوه ونادى منادى الحجاج بالكوفة يا خيل الله اركبي وهو بباب القصر وكان أول من أتاه عثمان بن قطن بن عبد الله بن الحسين ذى القصة ثم جاء الناس من كل جانب فبعث الحجاج خالد بن الاسدي وزائدة بن قدامة الثقفى وأبا الضريس مولى بنى تميم وعبد الاعلى ابن عبد الله بن عامر وزياد بن عبد الله العتكى في ألفين ألفين وقال ان كان حرب فأميركم
زائدة بن قدامة وبعث معهم محمد بن موسى بن طلحة بن عبيد الله من سجستان وكان عبد الملك قد ولاه عليها وأمر الحجاج أن يجهزه ويبعثه في آلاف من الجنود إلى عمله فجهزه وحدث أمر شبيب فقال له الحجاج تجاهد ويظهر اسمك ثم تمضى إلى عملك فساروا جميعا ونزلوا أسفل الفرات وأخذ شبيب نحو القادسية وجرد الحجاج ألفا وثمانمائة من نقاوة الجند مع ذخر بن قيس وأمره بمواقعة شبيب أينما أدركه وان ذهب فاتركه فأدركه بالسلخين وعطف عليه شبيب فقاتل ذخر حتى صرع وفيه بضعة عشر جرحا وانهزم أصحابه يظنون أنه قتل ثم أفاق من برد السحر فدخل قرية وسار إلى الكوفة ثم قصد(3/154)
شبيب وهم على أربعة وعشرين فرسخا من الكوفة فقال ان هزمناهم فليس دون الحجاج والكوفة مانع وانتهى إليهم وقد تعبوا للحرب وعلى الميمنة زياد بن عمر العتكى وعلى الميسرة بشر بن غالب الاسدي وكل أمير بمكانه وعبى شبيب أصحابه ثلاثة كتائب فحمل سويد بن سليم على زياد بن عمر فانكشفوا وثبت زياد قليلا ثم حمل الثانية فانهزموا وانهزم جريحا عند المساء ثم حملوا على عبد الاعلى بن عبد الله بن عامر فانهزم ولم يقاتل ولحق بزياد بن عمر وحملت الخوارج حتى انتهت إلى محمد بن موسى ابن طلحة عند الغروب فقاتلوه وصبر لهم ثم حمل مضاد أخو شبيب على بشر بن غالب في الميسرة فصبر ونزل في خمسين رجلا فقاتلوه حتى قتلوا وحملت الخوارج على أبى الضريس مولى بنى تميم فهزموه حتى انتهى إلى أعين ثم حملوا عليه وعلى أعين فهزموهما إلى زائدة بن قدامة فلما انتهوا إليه نادى نزال وقاتلهم إلى السحر ثم حمل شبيب عليه فقتله وقتل أصحابه ودخل أبو الضريس مع الفل إلى الجوسق بازائهم ورفع الخوارج عنهم السيف ودعوهم إلى البيعة لشبيب عند الفجر فبايعوه وكان فيمن بايعه أبو بردة وبقى محمد بن موسى لم ينهزم فلما طلع الفجر سمع شبيب أذانهم وعلم مكانهم فأذن وصلى ثم حمل عليهم فانهزمت طائفة منهم وثبتت أخرى وقاتل محمد حتى قتل وأخذ الخوارج
ما في العسكر وانهزم الذين بايعوا شبيبا فلم يبق منهم أحد وجاء شبيب إلى الجوسق الذى فيه أعين وأبو الضريس فتحصنوا منه فأقام يوما عليهم وسار عنهم وأراده أصحابه على الكوفة وازاءهم خوخى فتركها وخرج على نفر وسمع الحجاج بذلك فظن أنه يريد المدائن وهى باب الكوفة وأكثر السواد لها فهاله ذلك وبعث عثمان بن قطن أميرا على المدائن وخوخى والانبار وعزل عنها عبد الله بن أبى عصفير وقيل في مقتل محمد بن موسى غير هذا وهو أنه كان شهد مع عمر بن عبد الله بن معمر قتال أبى فديك فزوجه عمر ابنته وكانت أخته تحت عبد الملك فولاه سجستان فمر بالكوفة وقيل للحجاج ان جاء إلى هذا أحد ممن تطلبه منعك منه فمره بقتال شبيب في طريقه لعل الله يريحك منه ففعل الحجاج وعدل محمد إلى قتال شبيب وبعث إليه شبيب بدهاء الحجاج وخديعته اياه وأن يعدل عنه فأبى الا شبيبا فبارزه وقتله شبيب ولما انهزم الامراء وقتل موسى بن محمد ابن طلحة دعا الحجاج عبد الرحمن بن الاشعث وأمره أن ينتخب ستة آلاف فارس ويسير في طلب شبيب أين كان فسار لذلك ثم كتب إليه والى أصحابه يتهددهم ان انهزموا ومر ابن الاشعث بالمدائن وعاد الجزل من جراحته فوصاه وحذره وحمله على فرسه وكانت لا تجارى وسار شبيب على دقوقا وشهرزور وابن الاشعث في اتباعه إلى أن وقف على أرض الموصل وأقام يقاتله أهلها فكتب إليه الحجاج أما بعد فاطلب(3/155)
شبيبا واسلك في أثره أين سلك حتى تدركه فاقتله أو تنفيه فانما السلطان سلطان أمير المؤمنين والجند جنده فجعل ابن الاشعث يتبعه وشبيب يقصد به الارض الخشنة الغليظة وإذا دنا منه رجع يبيته فيجده على حذرة حتى أتعب الجيش وأحفى دوابهم ونزل بطن أرض الموصل ليس بينه وبين سواد الانهر حولايا في دادان الاعلى من أرض خوخى ونزل عبد الرحمن في عواقيل النهر وكانت أيام النحر وطلب شبيب الموادعة فيها فأجابه قصدا للمطاولة وكتب عثمان بن قطن بذلك إلى الحجاج فنكر وبعث
إلى عثمان بن قطن بامارة العسكر وأمره بالمسير وعزل عبد الرحمن بن الاشعث وبعث على المدائن مطرف بن المغيرة مكان ابن قطن وقدم ابن قطن على عسكر الكوفة عشية يوم التروية وناداهم إلى الحرب فاستمهلوه وأنزله عبد الرحمن بن الاشعث وأصبحوا إلى القتال ثالث يومهم على تعبية وفى الميمنة خالد بن نهيك بن قيس وفى الميسرة عقيل ابن شداد السلولى وابن قطن في الرجالة وعبر إليهم شبيب في مائة وثلاثين رجلا فوقف في الميمنة وأخوه مضاد في القلب وسويد بن سليم في الميسرة وحمل شبيب على ميسرة عثمان بن قطن فانهزموا ونزل عقيل بن شدادا فقاتل حتى قتل وقتل معه مالك بن عبد الله الهمداني وحمل سويد على ميمنة عثمان فهزمها وقاتل خالد بن نهيك فجاء شبيب من ورائه فقتله وتقدم عثمان إلى مضاد في القلب فاشتد القتال وحمل شبيب من وراء عثمان وعطف عليهم سويد بن سليم ومضاد من القلب حتى أحاطوا به فقتلوه وانهزمت العساكر ووقع عبد الرحمن بن الاشعث فأتاه ابن أبى شثبة الجعفي وهو على بغلة فأردفه ونادى في الناس باللحاق بدير أبى مريم ورفع شبيب السيف عن الناس ودعاهم إلى البيعة فبايعوه ولحق ابن الاشعث بالكوفة فاختفى حتى أمنه الحجاج ومضى شبيب إلى ماه نهرادان فأقام فيه فصل الصيف فلحق به من كان للحجاج عليه تبعة ثم أقبل إلى المدائن في ثمانمائة رجل وعليها مطرف بن المغيرة وبلغ الخبر إلى الحجاج فقام في الناس وتسخط وتوعد فقال زهرة بن حوية وهو شيخ كبير لا يستطيع القيام الا معتمدا أنت تبعث الناس متقطعين فيصيبون منهم فاستنفر الناس جميعا وابعث عليهم رجلا شجاعا مجربا يرى الفرار عارا والصبر مجدا وكرما فقال الحجاج أنت ذلك الرجل فقال انما يصلح من يحمل الدرع والرمح ويهز السيف ويثبت على الفرس ولا أطيق من هذا شيأ وقد ضعف بصرى ولكن أكون مع أمير وأشير عليه فقال له جزاك الله خيرا عن الاسلام وأهله أول أمرك وآخره ثم قال للناس سيروا فتجهزوا بأجمعكم فتجهزوا و كتب الحجاج إلى عبد الملك بأن شبيبا شارف المدائن يريد الكوفة وهم عاجزون عن قتاله بما هزم
جندهم وقتل أمراءهم ويستمده من جند الشأم فبعث إليه عبد الملك سفيان بن الابرد(3/156)
الكلبى في أربعة آلاف وحبيب بن عبد الرحمن الحكمى في ألفين وذلك سنة ست وسبعين وكتب الحجاج إلى عتاب بن ورقاء الرباحى يستقدمه من عند المهلب وقد وقع بينهما كما مر فقدم عتاب وولاه على الجيش فشكر زهرة بن حوية له وقال رميتهم بحجرهم والله لا يرجع اليك حتى يظفر أو يقتل وبعث الحجاج إلى جند الشأم يحذرهم البيات ويوصيهم الاحتياط وأن يأتوا على عين التمر وعسكر عتاب بجماع أعين ثم قطع شبيب دجلة إلى المدائن وبعث إليه مطرف أن يأتيه رجال من وجوههم ينظر في دعوتهم فرجا منه وبعث إليه بغيث بن سويد في جماعة مكثوا عنده أربعا ولم يرجعوا من مطرف بشئ ونزل عتاب الصراة وخرج مطرف إلى الجبال خوفا أن يصل خبره مع شبيب إلى الحجاج فخلالهم الجو وجاء مضاد إلى المدائن فعقد الجسر ونزل عتاب سوق حكم في خمسين ألفا وسار شبيب بأصحابه في ألف رجل فصلى الظهر بساباط وأشرف على عسكر عتاب عند المغرب وقد تخلف عنه أربعمائة من أصحابه فصلى المغرب وعبى أصحابه ستمائة سويد بن سليم في مائتين في الميسرة والمحلل بن وائل في مائتين في الميمنة وهو في مائتين في القلب وكان على ميمنة عتاب محمد بن عبد الرحمن بن سعيد وعلى ميسرته نعيم بن عليم وعلى الرجالة حنظلة بن الحرث اليربوعي وهو ابن عمه وهم ثلاثة صفوف بين السيوف والرماح والرماة ثم حرض الناس طويلا وجلس في القلب ومعه زهرة بن مرثد وعبد الرحمن بن محمد بن الاشعث وأبو بكر بن محمد بن أبى جهم العدوى وأقبل شبيب حين أضاء القمر بين العشاءين فحمل على الميسرة وفيها ربيعة فانفضوا وثبت قبيصة بن والق وعبيد بن الجليس ونعيم بن عليم على رايتهم حتى قتلوا ثم حمل شبيب على عتاب بن ورقاء وحمل سويد بن سليم على محمد بن سليم في الميمنة في تميم وهمدان واشتد القتال وخالط شبيب القلب وانفضوا وتركوا عتابا وفر ابن الاشعث في ناس كثيرين وقتل عتاب بن
ورقاء وركب زهرة بن حوية فقاتل ساعة ثم طعنه عامر بن عمر الثعلبي من الخوارج ووطأته الخيل فقتله الفضل بن عامر الشيباني منهم ووقف عليه شبيب وتوجع له ونكر الخوارج ذلك وقالوا أتتوجع لرجل كافر فقال اعرف قديمه ثم رفع السيف عن الناس ودعا للبيعة فبايعوه وهربوا تحت ليلهم وحوى ما في العسكر وأتاه أخوه من المدائن وأقام يومين ثم سار نحو الكوفة ولحق سفيان بن الابرد وعسكر الشأم بالحجاج فاستغنى بهم عن أهل الكوفة واشتد بهم وخطب فوبخ أهل الكوفة وعجزهم وجاء شبيب فنزل حمام أعين فسرح الحجاج إليه الحرث بن معاوية الثقفى في نحو ألف من الشرط لم يشهدوا يوم عتاب فبادر إليه شبيب فقتله وانهزم أصحابه إلى الكوفة وأخرج الحجاج مواليه فأخذوا بأفواه السكك وجاء شبيب فنزل السبخة ظاهر الكوفة وبنى(3/157)
بها مسجدا وسرح الحجاج مولاه أبا الورد في غلمان لقتاله فحمل عليه شبيب وقتله يظنه الحجاج ثم أخرج إليه مولاه طهمان كذلك فقتله فركب الحجاج في أهل الشأم وجعل سبرة بن عبد الرحمن بن مختف على أفواه السكك وقعد على كرسيه ونادى في أهل الشأم وحرضهم فغضوا الابصار وجثوا على الركب وشرعوا الرماح وأقبل شبيب في ثلاثة كراديس معه ومع سويد بن سليم ومع المحلل بن وائل وحمل سويد وبيتوا وطاعنوه حتى انصرف وقدم الحجاج كرسيه وحمل المحلل ثانية فكذلك وقدم الحجاج كرسيه فثبتوا له وألحقوه بأصحابه وسرب شبيب سويد بن سلم إلى أهل السكك وكان عليها عروة بن المغيرة بن شعبة فلم يطق دفاعه ثم حمل شبيب فطاعنوه وردوه وانتهى الحجاج إلى مسجده وصعده وملك العرصة وقال له خالد بن عتاب ائذن لى في قتالهم فأبى موتور فأذن له فجاءهم من ورائهم وقتل أخا شبيب وغزالة لمرأته وخرق عسكرهم وحمل الحجاج عليهم فانهزموا وتخلف شبيب ردأ لهم فأمر الحجاج أصحابه بموادعتهم ودخل الكوفة فخطب وبشر الناس ثم سرح حبيب بن عبد الرحمن الحكمى في ثلاثة آلاف فارس لاتباعه
وحذره بيانه فانتهى في اثره إلى الانبار وقد افترق عن شبيب كثير من أصحابه للامان الذى نادى الحجاج به فجاءه شبيب عند الغروب وقد قسم حبيب جنده أرباعا وتواصوا بالاستماتة فقاتلهم شبيب طائفة بعد طائفة فما زالت قدم انسان عن موضعها إلى آخر الليل ثم نزل شبيب وأصحابه واشتد القتال وكثر القتلى وسقطت الايدى وفقئت الاعين وقتل من أصحاب شبيب نحو ثلاثين ومن أهل الشأم نحو مائة وأدركهم الاعياء والفشل جميعا فانصرف شبيب بأصحابه وقطع دجلة ومر في أرض خوخى ثم قطع دجلة أخرى عند واسط ومضى على الاهواز وفارس إلى كرمان ليريح بها (وقد قيل) في هذه الحرب غير هذا وهو ان الحجاج بعث إليه أمراء واحدا بعد واحد فقتلهم وكان منهم أعين صاحب حمام أعين وكانت غزالة امرأة شبيب نذرت أن تصلى في مسجد الكوفة ركعتين بالبقرة وآل عمران فجاء شبيب ودخل الكوفة ليلا وأوفت بنذرها ثم قاتلهم الناس وخرجوا وقام الحجاج في الناس يستشيرهم وبرز إليه قتيبة وعذله في بعث الرعاع ينهزمون ويموت قائدهم والرأى أن تخرج بنفسك فتحالمه فخرج من الغد إلى السبخة وبها شبيب واختفى مكانه عن القوم ونصب ابا الورد مولاه تحت اللواء فحمل عليه شبيب فقتله ثم حمل على خالد بن عتاب في الميسرة ثم على مطرف بن ناجية في الميمنة فكشفهما ونزل عند ذلك الحجاج وأصحابه وجلس على عباءة ومعه عنبسة بن سعيد وبينماهم على ذلك إذ اختلف الخوارج وقال مصقلة بن مهلهل الضبى لشبيب ما تقول في صالح بن سرح قال برئت منه فبرئ مصقلة منه وفارقه وشعر الحجاج باختلافهم(3/158)
فسرح خالد بن عتاب لقتالهم فقاتلهم في عسكرهم وقتل غزالة وبعث برأسها إلى الحجاج فأمر شبيب من اعترضه فقتل حامله وجاء به فغسله ودفنه وانصرف الخوارج وتبعهم خالد وقتل مضاد أخو شبيب ورجع خالد عنهم بعد أن أبلى وسار شبيب إلى كرمان وكتب الحجاج إلى عبد الملك يستمده فبعث إليه سفيان بن الابرد الكلبى في العساكر فانفق
فيهم المال وسرحه بعد انصراف الخوارج بشهرين وكتب إلى عامل البصرة وهو الحكم بن أيوب زوج ابنته أن يبعث بأربعة آلاف فارس من جند البصرة إلى سفيان فبعثهم مع زياد بن عمر العتكى فلحقه انقضاء الحرب وكان شبيب بعد أن استجم بكرمان أقبل راجعا فلقى سفيان بالاهواز فعبر إليه جسر دجيل وزحف في ثلاثة كراديس فقاتلهم أشد قتال وحملوا عليهم أكثر من ثلاثين حملة وسفيان وأهل الشأم مستميتين يزحفون زحفا حتى اضطر الخوارج إلى الجسر فنزل شبيب في مائة من أصحابه وقاتل إلى المساء حتى إذا جاء الليل انصرف وجاء إلى الجسر فقدم أصحابه وهو على اثرهم فلما مر بالجسر اضطرب حجر تحت حافر فرسه وهو على حرف السفينة فسقط في الماء وغرق وهو يقول وكان أمر الله مفعولا ذلك تقدير العزيز العليم وجاء صاحب الجسر إلى سفيان وهو يريد الانصراف بأصحابه فقال ان رجلا من الخوارج سقط فتنادوا بينهم غرق أمير المؤمنين ومروا وتركوا عسكرهم فكبر سفيان وأصحابه وركب إلى الجسر وبعث إلى عسكرهم فحوى ما فيه وكان كثير الخيرات ثم استخرجوا شبيبا من النهر ودفنوه * (خروج المطرف والمغيرة بن شعبة) * لما ولى الحجاج الكوفة وقدمها وجد بنى المغيرة صلحاء أشرافا فاستعمل عروة على الكوفة ومطرفا على المدائن وحمزة على همذان فكانوا أحسن العمال سيرة وأشدهم على المريب ولما جاء شبيب إلى المدائن نزل نهر شير ومطرف بمدينة الابواب فقطع مطرف الجسر وبعث إلى شبيب أن يرسل إليه من يعرض عليه الدعوة فبعث إليه رجلا من أصحابه فقالوا نحن ندعو إلى كتاب الله وسنة رسوله وانا نقمنا على قومنا الاستئثار بالفئ وتعطيل الحدود والتبسط بالجزية فقال مطرف دعوتم إلى حق جورا ظاهرا وانا لكم متابع فبايعوني على قتال هؤلاء الظلمة باحداثهم وعلى الدعاء إلى الكتاب والسنة على الشورى كما تركها عمر بن الخطاب حتى يولى المسلمون من يرضونه
فان العرب إذا علمت أن المراد بالشورى الرضا من قريش رضوا فكثر مبايعكم فقالوا لا تجيبك إلى هذا وأقاموا أربعة أيام يتناظرون في ذلك ولم يتفقوا وخرجوا من عنده ثم دعا مطرف أصحابه وأخبرهم بما دار بينه وبين أصحاب شبيب وأن رأبه خلع عبد الملك(3/159)
والحجاج فوجموا من قوله وأشاروا عليه بالكتمان فقال له يزيد بن أبى زياد مولى أبيه لن والله يخفى على الحجاج شئ مما وقع ولو كنت في السحاب لاستنزلك فالنجاء بنفسك ودافقه أصحابه فسار عن المدائن إلى الجبال ولما كان في بعض الطريق دعا أصحابه إلى الخلع والدعاء إلى الكتاب والسنة وأن يكون الامر شورى فرجع عنه بعض إلى الحجاج منهم سبرة بن عبد الرحمن بن مختف وسار مطرف ومر بحلوان وبها سويد بن عبد الرحمن السعدى مع الاكراد فاعترضوه فأوقع مطرف بهم وأثخن في الاكراد ومال عن همذان ذات اليمين وبها أخوه حمزة واستمده بمال وسلاح فأمده سرا وسار إلى قم وقاسان فبعث عماله في نواحيها وفزع إليه من كل جانب فجاءه سويد بن سرحان الثقفى وبكير ابن هرون النخعي من الرى في نحو مائة رجل وكان على الرى عدى بن زياد الايادي وعلى أصبهان البراء بن قبيصة فكتب إلى الحجاج بالخبر واستمده فأمده بالرجال وكتب إلى عدى بالرى أن يجتمع مع البراء على حرب مطرف فاجتمعوا في ستة آلاف وعدى أميرهم وكتب الحجاج إلى قيس بن سعد البجلى وهو على شرطة حمزة بهمذان بأن يقبض على حمزة ويتولى مكانه فجاءه في جمع من عجل وربيعة واقرأه كتاب الحجاج فقال سمعا وطاعة وقبض قيس عليه وأودعه السجن وسار عدى والبراء نحو مطرف فقاتلوه وانهزم أصحابه وقتل يزيد مولى أبيه وكان صاحب الراية وقتل من أصحابه عبد الرحمن بن عبد الله بن عفيف الازدي وكان ناسكا صالحا وكان الذى تولى قتل مطرف عمر بن هبيرة الفزارى وبعث عدى أهل البلاء إلى الحجاج وأمر بكير بن هرون وسويد بن سرحان وكان الحجاج يقول مطرف ليس بولد للمغيرة وانما هو ابن مصقلة الحر لان أكثر الخوارج كانوا من
ربيعة ولم يكن فيهم من قيس * (اختلاف الازارقة) * قد تقدم لنا مقام المهلب في قتال الازارقة على سابور بعد مسير عتاب عنه إلى الحجاج وانه أقام في قتالهم سنة وكانت كرمان لهم وفارس للمهلب فانقطع عنهم المدد وضاقت حالهم فتأخروا إلى كرمان وتبعهم المهلب ونزل خير رفت مدينة كرمان وقاتلهم حتى أزالهم عنها وبعث الحجاج العمال على نواحيها وكتب إليه عبد الملك بتسويغ للمهلب معونة له على الحرب وبعث الحجاج إلى المهلب البراء بن قبيصة يستحثه لقتال الخوارج فسار وقاتلهم والبراء مشرف عليه من ربوة واشتد قتاله وجاء البراء من الليل فتعجب لقتاله وانصرف إلى الحجاج وأنهى غدر المهلب وقاتلهم ثمانية عشر شهرا لا يقدر منهم على شئ ثم وقع الاختلاف بينهم فقيل في سببه ان المقعطر الضبى وكان عاملا لقطرى على بعض نواحى كرمان قتل بعض الخوارج فطلبوا القود منه فمنعه قطرى(3/160)
وقال تأول فأخطأ وهو من ذوى السابقة فاختلفوا وقيل بل كان رجل في عسكرهم يصنع النصول مسمومة فيرمى بها أصحاب المهلب فكتب المهلب كتابا مع رجل وامرأة أن يلتقيه في عسكرهم وفيه وصلت نصا لك وقد أنفذت اليك ألف درهم فلما وقف على الكتاب سأل الصانع فأنكر فقتله فأنكر عليه عبد ربه الكبير واختلفوا (وقيل) بعث المهلب نصرانيا وأمره بالسجود لقطرى فقتله بعض الخوارج وولوا عبد ربه الكبير وخلعوا قطريا فبقى في نحو الخمسين منهم وأقاموا يقتتلون شهرا ثم لحق قطرى بطبرستان وأقام عبد ربه بكرمان وقاتلهم المهلب وحاصرهم بخيرفت ولما طال عليهم الحصار خرجوا بأموالهم وحريمهم وهو يقاتلهم حتى أثخن فيهم ثم دخل خيرفت وسار في اتباعهم فلحقهم على أربعة فراسخ فقاتلهم هو وأصحابه حتى أعيوا وكف عنهم ثم استمات الخوارج ورجعوا فقاتلوه حتى يئس من نفسه ثم نصره الله عليهم وهزمهم وقتل
منهم نحوا من أربعة آلاف كان منهم عبد ربه الكبير ولم ينج منهم الا القليل وبعث المهلب المبشر إلى الحجاج فأخبره وسأله عن بنى المهلب فأثنى عليهم واحدا واحدا قال فأيهم كان أنجد قال كانوا كالحلقة المفرغة لا يعرف طرفها فاستحسن وكتب إلى المهلب يشكره ويأمره أن يولى على كرمان من يراه وينزل حامية ويقدم عليه فولى عليها ابنه يزيد وقدم على الحجاج فاحتفل لقدومه وأجلسه إلى جانبه وقال يا أهل العراق أنتم عبيد المهلب وسرح سفيان بن الابرد الكلبى في جيش عظيم نحو طبرستان لطلب قطرى وعبيدة بن هلال ومن معهم من الخوارج والتقوا هنالك باسحق بن محمد بن الاشعث في أهل الكوفة واجتمعا على طلبهم فلقوهم في شعب من شعاب طبرستان وقاتلوهم فافترقوا عن قطرى ووقع عن دابته فتدهده إلى أسفل الشعب ومر به علج فاستقاه على أن يعطيه سلاحه فعمد إلى أعلى الشعب وحدر عليه حجرا من فوق الشعب فأصابه في رأسه فأوهنه ونادى بالناس فجاء في أولهم نفر من أهل الكوفة فقتلوه منهم سورة بن أبجر التميمي وجعفر بن عبد الرحمن ابن مختف والسياح بن محمد بن الاشعث وحمل رأسه أبو الجهم إلى اسحق بن محمد فبعث به إلى الحجاج وبعثه الحجاج إلى عبد الملك وركب سفيان فأحاط بالخوارج وحاصرهم حتى أكلوا دوابهم ثم خرجوا إليه واستماتوا فقتلهم أجمعين وبعث برؤوسهم إلى الحجاج ودخل دنباوند وطبرستان فكان هناك حتى عزله الحجاج قبل دير الجماجم قال بعض العلماء وانقرضت الازارقة بعد قطرى وعبيدة آخر رؤسائهم واول رؤسائهم نافع ابن الازرق واتصل أمرهم بضعا وعشرين سنة إلى أن افترقوا كما ذكرناه سنة سبع وسبعين فلم تظهر لهم جماعة إلى رأس المائة(3/161)
* (خروج سودب) * خرج سودب هذا أيام عمر بن عبد العزيز على رأس المائة واسمه بسطام وهو من بنى
يشكر فخرج في مائتي رجل وسار في خوخى وعامل الكوفة يومئذ عبد الحميد ابن عبد الرحمن بن زيد بن الخطاب فكتب إليه عمران لا يعرض لهم حتى يقتلوا أو يفسدوا فيوجه إليهم الجند مع صليب حازم فبعث عبد الحميد بن جرير بن عبد الله البجلى في ألفين فأقام بازائه لا يحركه وكتب عمر إلى سودب بلغني أنك خرجت غضبا لله ولرسوله وكنت أولى بذلك منى أناظرك فان كان الحق معنا دخلت مع الناس وان كان الحق معك نظرنا في أمرك فبعث إليه عاصما الحبشى مولى بنى شيبان ورجلا من بنى يشكر فقدما عليه بخاصر فسألهما ما أخرجكم وما الذى نقمتم فقال عاصم ما نقمنا سيرتك انك لتتحرى العدل والاحسان فأخبرنا عن قيامك بهذا الامر مشورة من الناس أم غلبت عليه قال عمر ما سألته ولا غلبت عليه وعهد إلى رجل قبلى فقمت ولم ينكر أحد ومذهبكم الرضا لكل من عدل وان أنا خالفت الحق فلا طاعة لى عليكم قالا فقد خالفت أعمال أهل بيتك وسميتها مظالم فتبرأ منهم والعنهم فقال عمر أنتم تريدون الآخرة وقد أخطأتم طريقها وان الله لم يشرع اللعن وقد قال ابراهيم ومن عصاني فانك غفور رحيم وقال أولئك الذين هدى الله فبهداهم اقتده وبقى تسمية أعمالهم مظالم ذما ولو كان لعن أهل الذنوب فريضة لوجب عليكم لعن فرعون أنتم لا تلعنونه وهو أخبث الخلق فكيف ألعن أنا أهل بيتى وهم مصلون صائمون ولم يكفروا بظلمهم لان النبي صلى الله عليه وسلم دعا إلى الايمان والشريعة فمن عمل بها قبل منه ومن أحدث حدثا فرض عليه الحد فقالا فان النبي صلى الله عليه وسلم دعا إلى التوحيد والاقرار بما نزل عليه فقال عمر وليس أحد ينكر ما نزل عليه ولا يقول لا أعمل بسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم لكن القوم أسرفوا على أنفسهم قال عاصم فابرأ منهم ورد أحكامهم قال عمر أتعلمان أن أبا بكرسبى أهل الردة وان عمر ردها بالفدية ولم يبرأ من أبى بكر وأنتم لا تبرؤن من واحد منهما قال فأهل النهروان خرج أهل الكوفة منهم فلم يقتتلوا ولا استعرضوا وخرج أهل البصرة فقتلوا عبد الله بن حباب
وجارية حاملا ولم يتبرأ من لم يقتل ممن قتل واستعرض ولا أنتم تتبرؤن من واحد منهما وكيف بنفعكم ذلك مع عليكم باختلاف أعمالكم ولا يسعنى أنا البراءة من أهل بيتى والدين واحد فاتقوا الله ولا تقبلوا المردود وتردوا المقبول وقد أمن رسول الله صلى الله عليه وسلم من شهد شهادة الاسلام وعصم ماله ودمه وأنتم تقتلونه ويأمن عندكم سائر الاديان وتحرمون دماءهم وأموالهم فقال اليشكرى من استأمن على قوم(3/162)
وأموالهم فعدل فيها ثم صيرها بعده إلى رجل غير مأمون أتراه أدى الحق الذى لزمه فكيف تسلم هذا الامر بعدك إلى يزيد مع علمك أنه لا يعدل فيه فقال انما ولاه غيرى والمسلمون أولى بذلك بعدى قال فهو حق ممن فعله وولاه قال أنظر انى ثلاثا ثم جاءه عاصم فرجع عن رأى الخوارج وقال له اليشكرى اعرض عليهم ما قلت واسمع حجتهم وأقام عاصم عند عمر وأمر له بالعطاء وتوفى عمر لايام قلائل ومحمد بن جرير ينتظر عود الرسل ولما مات عمر كتب عبد الحميد إلى محمد بن جرير بمناجزة سودب قبل أن يصل إليهم خبر عمر فقالت الخوارج ما خالف هؤلاء ميعادهم الا وقد مات الرجل الصالح واقتتلوا فانهزم محمد بن جرير واتبعه الخوارج إلى الكوفة ورجعوا وقدم على سودب صاحباه وأخبراه بموت عمر وسرح يزيد تميم بن الحباب في ألفين فهزمه أصحابه ثم بعث إليهم الشجاع بن وداع في ألفين فقتلوه وهزموه بعد أن قتل منهم هدبة ابن عم سودب وبقى الخوارج بمكانهم وجاء مسلمة إلى الكوفة فأرسل سعيد بن عمرو الحريشى في عسكر آلاف فاستماتت الخوارج وكشفوا العساكر مرارا ثم حملوا عليهم فطحنوهم طحنا وقتل سودب وأصحابه ولم يبق منهم أحد الخوارج إلى ظهور أيام هشام سنة عشرين ومائة بهلول بن بشر بن شيبان وبلغت كنارة وكان لما عزم على الخوارج حج ولقى بمكة من كان على رأيه فأبعدوا إلى قرية من قرى الموصل واجتمعوا بها وهم أربعون وأمروا عليهم البهلول وأخفوا أنفسهم بأنهم قدموا من عند هشام
ومروا بقرية كان بهلول ابتاع منها خلا فوجده خمرا وأبى البائع من رده واستعدى عليه عامل القرية فقال الخمر خير منك ومن قومك فقتلوه وأظهروا أمرهم وقصدوا خالدا القسرى بواسط وتعللوا عليه بأنه يهدم المساجد ويبنى الكنائس ويولى المجرد على المسلمين وجاء الخبر إلى خالد فتوجه من واسط إلى الحيرة وكان بها جند من بنى العين نحو ستمائة بعثوا مدد العامل الهند فبعثهم خالد مع مقدمهم لقتال بهلول وأصحابه وضم إليهم مائتين من الشرط والتقوا على الفرات فقتل مقدمهم وانهزموا إلى الكوفة وبعث خالد عابدا الشيباني من بنى حوشب بن يزيد بن رويم فلقيه بين الموصل والكوفة فهزمهم إلى الكوفة وارتحل يريد الموصل ثم بداله وسار يريد هشاما بالشأم وبعث خالد جندا من العراق وعامل الجزيرة جندا وبعث هشام جندا فاجتمعوا بين الجزيرة والموصل بكحيل وهم في عشرين ألفا وبهلول في سبعين فقاتلوا واستماتوا وصرع بهلول وسأله أصحابه العهد فعهد إلى دعامة الشيباني ثم إلى عمر اليشكرى من بعده ومات بهلول من ليلته وهرب دعامة وتركهم ثم خرج عمر اليشكرى فلم يلبث ان قتل (ثم خرج) على خالد بعد ذلك بسنتين الغفرى صاحب الاشهب وبهذا كان يعرف(3/163)
فبعث إليه السمط بن مسلم الجبلى في أربعة آلاف فالتقوا بناحية الفرات فانهزمت الخوارج ولقيهم عبيد أهل الكوفة وغوغاؤهم فرموهم بالحجارة حتى قتلوهم ثم خرج وزير السنحتيانى على خالد بالحيرة فقتل وأحرق القرى فوجه إليه خالد جندا فقتلوا أصحابه وأثخن بالجراح وأتى به خالد فوعظه فأعجبه وعظه فأعفاه من القتل وكان يسامره بالليل وسعى بخالد إلى هشام وانه أخذ حروريا يستحق القتل فجعله سميرا فكتب إليه هشام بقتله فقتله ثم خرج بعد ذلك الصحاوى بن شبيب بالفريقية فمضى وندم خالد فطلبه فلم يرجع وأتى جبل وبها نفر من اللات بن ثعلبة فأخبرهم وقال انما أردت التوصل إليه لاقتله بفلان من قعدة الصفرية كان خالد قتله صبرا ثم خرج
معه ثلاثون منهم فوجه إليهم خالد جندا فلقوهم بناحية المنادر فاقتتلوا فقتل الصحارى وأصحابه أجمعون ورد أمر الخوارج بعد ذلك مرة فلما وقعت الفتن أيام هشام بالعراق والشأم وشغل مروان بمن انتقض عليه فخرج بأرض كفر يموتا سعيد بن بهدل الشيباني في مائتين من أهل الجزيرة وكان على رأى الحرورية وخرج بسطام البهسى في مثل عدتهم من ربيعة وكان مخالفا لرأيه فبعث إليه سعيد بن بهدل قائده الخبيرى في مائة وخمسين فبيتهم وقتل بسطاما ومن معه ولم ينج منهم الا أربعة عشر رجلا ثم مضى سعيد بن بهدل نحو العراق فمات هنالك واستخلف الضحاك بن قيس الشيباني فبايعه السراة وأتى أرض الموصل وشهرزور واجتمع إليه من الصفرية أربعة آلاف أو يزيدون وولى مروان على العراق النضر بن سعيد الحريشى وعزل به عبد الله بن عمر بن عبد العزيز فامتنع عبد الله بالحيرة وسار إليه النضر وتحاربا أشهرا وكانت الصفرية مع النضر عصبة لمروان لطلبه بدم الوليد وأمه قيسية وكانت اليمنية مع ابن عمر عصبية لدخولهم في قتل الوليد بما فعله مع خالد القسرى فلما علم الضحاك والخوارج باختلافهم أقبل إلى العراق سنة سبع وعشرين وزحف إليهم فتراسل ابن عمر والنضر وتعاقدا واجتمعا لقتاله بالكوفة وكل واحد منهما يصلى بأصحابه وابن عمر أمير على الناس وجاء الخوارج فقاتلوهم فهزموهم إلى خندقهم ثم قاتلوهم في اليوم الثاني كذلك فسلك الناس إلى واسط منهم النضر بن سعيد الحريشى ومنصور بن جمهور واسمعيل أخو خالد القسرى وغيرهم من الوجوه فلحق ابن عمر بواسط واستولى الضحاك على الكوفة وعادت الحرب بين ابن عمر والنضر ثم زحف اليهما الضحاك فاتفقا وقاتلا حتى ضرستهما الحرب ولحق منصور بن جمهور بالضحاك والخوارج وبايعهم ثم صالحهم ابن عمر ليشغلوا مروان عنه وخرج إليهم وصلى خلف الضحاك وبايعه وكان معه سليمان بن هشام وصل إليه هاربا من حمص(3/164)
لما انتقض بها وعليه عليها مروان فلحق بابن عمر وبايع معه الضحاك وصار معه وحرضه على مروان انما لحق بالضحاك وهو يحاصر نضيرا وتزوج أخت شيبان الحروري فرجع الضحاك إلى الكوفة وسار منها إلى الموصل بعد عشرين شهرا من حصار واسط بعد أن دخل أهل الموصل وعليهم القطرن أم أكمه من بنى شيبان عامر لمروان فأدخلهم أهل البلد وقاتلهم القطرن فقتل ومن معه وبلغ الخبر إلى مروان وهو يحاصر حمص فكتب إلى ابنه عبد الله أن يسير إلى يمانع الضحاك عن توسط الجزيرة فسار في ثمانية آلاف فارس والضحاك في مائة ألف وحاصره بنصيبين ثم سار مروان بن محمد إليه فالتقيا عند كفر يموتا من نواحى ماردين فقاتله عامة يومه إلى الليل وترجل الضحاك في نحو ستة آلاف وقاتلوا حتى قتلوا عن آخرهم وعنر على الضحاك في القتلى فبعث مروان برأسه إلى الجزيرة وأصبح الخوارج فبايعوا الخبيرى قائد الضحاك وعاودوا الحرب مع مروان فهزموه وانتهوا إلى خيامه فقطعوا أطنابهم وجلس الخبيرى على فرشه والجناحان ثابتان وعلى الميمنة عبد الله بن مروان وعلى الميسرة اسحق بن مسلم العقيلى فلما انكشف قلة الخوارج أحاطوا بهم في مخيم مروان فقتلوهم جميعا والخبيري معهم ورجع مروان من نحو ستة أميال وانصرف الخوارج وبايعوا شيبان الحروري وهو شيبان بن عبد العزيز اليشكرى ويكنى أبا الدلقاء وقاتلهم مروان بعد ذلك بالكراديس وأبطل الصف من يومئذ وأقام في قتالهم أياما وانصرف عن شيبان كثير منهم وارتحلوا إلى الموصل باشارة سليمان بن هشام وعسكروا شرقي دجلة وعقدوا الجسور واتبعهم مروان فقاتلهم لتسعة أشهر وقتل من الطائفتين خلق كثير وأسر ابن براخ لسليمان بن هشام اسمه أمية ابن معاوية فقطعه ثم ضرب عنقه وكتب مروان إلى يزيد بن عمر بن هبيرة وهو بقرقيسة يأمره بالسير إلى العراق وولاه عليها وعلى الكوفة يومئذ المثنى بن عمران العائدى من قريش خليفة للخوارج فلقى ابن هبيرة بعين التمر فاقتتلوا وانهزمت الخوارج
ثم تجمعوا له بالنخيلة ظاهر الكوفة فهزمهم ثم تجمعوا بالبصرة فأرسل شيبان إليهم عبيدة بن سوار في خيل عظيمة فهزمهم ابن هبيرة وقتل عبيدة واستباح عسكرهم واستولى على العراق وكان منصور بن جمهور مع الخوارج فمضى إلى المايس وغلب عليها وعلى الخيل جميعا وسار ابن هبيرة إلى واسط فحبس ابن عمر وكان سليمان بن حبيب عامل ابن عمر على الاهواز فبعث ابن هبيرة إليه نباتة بن حنظلة وبعث هو رواد بن حاتم والتقيا على دجلة فانهزم داود وقتل وكتب مروان إلى ابن هبيرة أن يبعث إليه عامر ابن ضبابة المزني فكتبه في ثمانية آلاف وبعث شيبان لاعتراضه الحون بن كلاب(3/165)
الخارجي في جمع فانهزم عامر ومحصن بالسند وجعل مروان يمده بالجنود وكان منضور بن جمهور بالجبل يمد شيبان بالاموال ثم كثرت جموع عامر فخرج إلى الجون والخوارج اللذين يحاصرونه فهزمهم وقتل الجون وسار قاصدا الخوارج بالموصل فارتحل شيبان عنها وقدم عامر على مروان فبعثه في اتباع شيبان فمر على الجبل وخرج على بيضاء فارس وبها يومئذ عامر بن عبد الله بن حطوية بن جعفر في جموع كثيرة فسار ابن معاوية إلى كرمان وقاتله عامر فهزمه ولحق بهراة وسار عامر بمن معه فلقى شيبان والخوارج بخيرفت فهزمهم واستباح عسكرهم ومضى شيبان إلى سجستان فهلك بها سنة ثلاثين ومائة وقيل بل كان قتال مروان وشيبان على الموصل شهرا ثم انهزم شيبان ولحق بفارس وعامر بن صراة في اتباعه ثم سار شيبان إلى جزيرة ابن كاوان واقام بها ولما ولى السفاح بعث حارثة بن خزيمة لحرب الخوارج هنالك لموجدة وجدها عليه فأشير عليه ببعثه لذلك فسار في عسكر إلى البصرة وركب السفن إلى جزيرة ابن كاوان وبعث فضالة بن نعيم النهيلى في خمسمائة فانهزم شيبان إلى عمان وقاتل هناك وقتله جلندى بن مسعود بن جعفر بن جلندى ومن معه سنة أربع وثلاثين وركب سليمان بن هشام السفن بأهله ومواليه إلى الهند بعد مسير شيبان إلى جزيرة ابن كاوان
حتى إذا بويع السفاح قدم عليه وأنشده سديف البيتين المعروفين وهما لا يغرنك ما ترى من رجال * ان بين الضلوع داء دويا * فضع السيف وارفع الصوت حتى * لا ترى فوق ظهرها أمويا * فقتله السفاح وانصرف مروان بعد مسير شيبان إلى الموصل إلى منزله بحران فلم يزل بها حتى سار إلى الزاب ومضى شيبان بعد سلمة إلى خراسان والفتنة بها يومئذ بين نصر ابن سيار والكرماني والحرث بن شريح وقد ظهر أبو مسلم بالدعوة العباسية فكان له من الحوادث معهم ما ذكرناه واجتمع مع على بن الكرماني على قتال نصر بن سيار فلما صالح الكرماني أبا مسلم كما مرو فارق شيبان تجى شيبان عن عمر لعلمه أنه لا يقاومه ثم هرب نصر بن سيار إلى سرخس واستقام أمر أبى مسلم بخراسان فأرسل إلى شيبان يدعوه إلى البيعة ويأذنه بالحرب واستجاش بالكرمانى فأبى فسار إلى سرخس واجتمع إليه الكثير من بكر بن وائل وأرسل إليه أبو مسلم في الموادعة فحبس الرسل فكتب أبو مسلم إلى بسام بن ابراهيم مولى بنى ليث بالمسير إلى شيبان فسار إليه فهزمه وقتل في عدة من بكر بن وائل ويقال ان خزيمة بن حازم حضر مع بسام في ذلك * (خبر أبى حمزة وطالب واسحق) * كان اسم أبى حمزة الخارجي المختار بن عوف الازدي البصري وكان من الخوارج(3/166)
الاباضية وكان يوافي مكة كل موسم يدعو إلى خلاف مروان وجاء عبد الله بن يحيى المعروف بطالب الحق سنة ثمان وعشرين وهو من حضر موت فقال له انطلق معى فانى مطاع في قومي فانطلق معه إلى حضر موت وبايعه على الخلافة وبعثه عبد الله سنة تسع وعشرين مع بلخ بن عقبة الازدي في سبعمائة فقدموا مكة وحكموا بالموقف وعامل المدينة يومئذ عبد الواحد بن سليمان بن عبد الملك فطلبهم في الموادعة حتى ينقضى الموسم وأقام للناس حجهم ونزل بمنى وبعث إلى أبى حمزة عبيد الله بن حسن
ابن الحسن ومحمد بن عبد الله بن عمر بن عثمان وعبد الرحمن بن القاسم بن محمد وعبيد الله ابن عمر بن حفص بن عاصم بن عمر بن ربيعة بن أبى عبد الرحمن في أمثالهم فكشر في وجه العلوى والعثماني وانبسط إلى البكري والعمرى وقال لهما ما خرجنا الا بسيرة أبويكما فقال له عبيد الله بن حسن ما جئنا للتفضيل بين آبائنا وانما جئنا برسالة من الامير وربيعة يخبرك بها ثم أحكموا معه الموادعة إلى مدتها ونفر عبد الواحد في النفر الاول فمضى إلى المدينة وضرب على أهلها البعث وزادهم في العطاء عشرة وبعث عليهم عبد العزيز بن عبد الله بن عمر بن عثمان فانتهوا إلى فديك وجاءتهم رسل أبى حمزة يسألونهم التجافي عن حربهم وأن يخلوا بينهم وبين عدوهم فلما نزلوا قديد وكانوا مترفين ليسوا بأصحاب حرب فطلع عليهم أصحاب أبى حمزة من الغياض فأثخنوا فيهم وكان قتلاهم نحو سبعمائة من قريش وبلغ الخبر إلى عبد الواحد فلحق بالشأم ودخل أبو حمزة المدينة منتصف صفر سنة ثلاثين وخطب على المنبر وأعلن بدعوته ووعظ وذكر ورد مقالات من عابهم وسفه رأيهم وأحسن السيرة في أهل المدينة واستمالهم حتى سمعوه يقول من زنا فهو كافر ومن سرق فهو كافر وأقام ثلاثة أشهر ثم ودعهم وسار نحو الشأم وكان مروان قد سرح إليهم عبد الملك بن محمد بن عطية بن هوازن في أربعة آلاف ليقاتل الخوارج حتى يبلغ اليمن فلقى أبا حمزة في وادى القرى فانهزمت الخوارج وقتل أبو حمزة ولحق فلهم بالمدينة وسار عطية في أثرهم إلى المدينة فأقام بها شهرا ثم سار إلى اليمن واستخلف على المدينة الوليد ابن أخيه عروة وعلى مكة رجلا من أهل الشأم وبلغ عبد الله طالب الحق مسيره إليه وهو بصنعاء فخرج للقائه واقتتلوا وقتل طالب الحق وسار ابن عطية إلى صنعاء وملكها وجاء كتاب مروان باقامة الحج بالناس فسار في اثنى عشر رجلا ومعه أربعون ألف دينار وخلف ثقله بصنعاء ونزل الحرف فاعترضه ابن حماية المرادى في جمع وقال له ولاصحابه أنتم لصوص فاستظهروا بعهد مروان فكذبوه وقاتلهم فقتلوه وركد ريح الخوارج من يومئذ إلى أن ظهرت الدولة العباسية
وبويع المنصور بعد السفاح (فخرج سنة سبع وثلاثين) بالجزيرة ملبد بن حرملة الشيباني(3/167)
فسارت إليه روابط الجزيرة في ألف فارس فهزمهم وقاد منهم ثم سار إليه يزيد بن حاتم المهلبى ومهلل بن صفوان مولى المنصور ثم نزار من قواد خراسان ثم زياد بن مسكان ثم صالح بن صبيح فهزمهم كلهم واحدا بعد واحد وقتل منهم ثم سار إليه حميد بن قحطبة وهو عامل الجزيرة فهزمه وتحصن حميد منه فبعث المنصور عبد العزيز بن عبد الرحمن أخا عبد الجبار في الجيوش ومعه زياد بن مسكان فأكمن له الملبد وقاتلهم ثم خرج الكعبين فانهزم عبد العزيز وقتل عامة أصحابه فبعث المنصور حازم بن خزيمة في ثمانية آلاف من أهل خراسان فسار إلى الموصل وعبر إليه الملبد دجلة فقاتله فانهزم أهل الميمنة وأهل الميسرة من أصحاب حازم وترجل حازم وأصحابه وترجل ملبد كذلك وأمر حازم أصحابه فنضحوهم بالنبل واشتد القتال وتزاحفت الميمنة والميسرة ورشقوهم فقتل ملبد في ثمانمائة ممن ترجل معه وثلثمائة قبل أن يترجل وتبعهم فضالة صاحب الميمنة فقتل منهم زهاء مائة وخمسين ثم خرج سنة ثمان وأربعين أيام المنصور بنواحي الموصل حسان بن مخالد بن مالك بن الاجدع الهمداني أخو مسروق وكان على الموصل الصفر بن يجدة وليها بعد حرب بن عبد الله فسار إليهم فهزموه إلى الدجلة وسار حسان إلى العمال ثم إلى البحر وركب إلى السند وقاتل وكاتب الخوارج بعمان يدعوهم ويستأذنهم في اللحاق بهم فأبوا وعاد إلى الموصل فخرج إليه الصفر بن الحسن ابن صالح بن جنادة الهمذانى وهلال فقتل هلالا واستبقى ابن الحسن فاتهمه بعض أصحابه بالعصبية وفارقوه وقد كان حسان أمه من الخوارج وخاله حفص بن أشتم من فقائهم ولما بلغ المنصور خروجه قال خارجي من همذان فقيل له انه ابن أخت حفص بن أشتم قال من هناك وانما أنكر المنصور ذلك لان عامة همذان شيعة وعزم المنصور على الفتك بأهل الموصل فانهم عاهدوه على أنهم ان خرجوا فقد فلت ديارهم
وأموالهم وأحضر أبا حنيفة وابن أبى ليلى بن شبرمة واستفتاهم فتلطفوا له في العفو فأشار إلى أبى حنيفة فقال أبا حوا ما لا يملكون كما لو أباحت امرأة فزوجها بغير عقد شرعى فكف عن أهل الموصل ثم خرج أيام المهدى بخراسان يوسف بن ابراهيم المعروف بالبرة واجتمع بشركس فبعث إليه المهدى يزيد بن مزيد الشيباني ابن أخى معن فاقتتلوا قتالا شديدا وأسره يزيد وبعث به إلى المهدى موثقا وحمل من النهروان على بعير وحول وجهه إلى ذنبه كذلك فدخلوا إلى الرصافة وقطعوا ثم صلبوا وكان حروبا متعودا فغلب على بوشنج ومرو الروذ والطالقان والجوزجان وكان على بوشنج مصعب بن زريق جد طاهر بن الحسين فهرب منه وكان من أصحابه معاد الفاريانى وقبض معه ثم خرج معه أيام المهدى بالجزيرة حمزة بن مالك الخزاعى سنة تسع وستين(3/168)
وهزم منصور بن زياد وصاحب الخراج وقوى أمره ثم اغتاله بعض أصحابه فقتله ثم خرج آخر أيام المهدى بأرض الموصل خارجي من بنى تميم اسمه ياسين يميل إلى مقاتلة صالح بن مسرح فهزم عسكر الموصل وغلب على أكثر ديار ربيعة والجزيرة فبعث إليه المهدى القائد أبا هريرة محمد بن مروخ وهزيمة بن أعين مولى بنى ضبة فحارباه حتى قتل في عدة من أصحابه وانهزم الباقون ثم خرج بالجزيرة أيام الرشيد سنة ثمان وسبعين الوليد بن طريف من بنى مغلب وقتل ابراهيم بن خالد بن خزيمة بنصيبين ثم دخل أرمينية وحاصر خلاط عشرين يوما وافتدوا بثلاثين ألفا ثم سار إلى أذربيجان ثم إلى حلوان وأرض السواد وعبر إلى غرب دجلة وعاث في أرض الجزيرة فبعث إليه الرشيد يزيد بن مزيد بن زائدة الشيباني وهو ابن أخى معن في العساكر فمكث يقاتله وكانت البرامكة منحرفة عن يزيد فاغروا به الرشيد وأنه أبقى على الوليد برجم وائل فكتب إليه الرشيد يتهدده فناجزه يزيد الحرب في رمضان سنة تسع وسبعين وقاتلهم قتالا شديدا فقتل الوليد وجئ برأسه ثم أصبحت أخته مستلئمة للحرب فخرج إليها
يزيد وضربها على رأسها بالرمح وقال لها اعدى فقد فضحت العشيرة فاستحيت وانصرفت وهى تقول في رثائه الابيات المشهورة التى منها أيا شجر الخابور مالك مورقا * كانك لم تجزع على ابن طريف * فتى لا يحب الزاد الا من التقى * ولا المال الا من قنا وسيوف * وانقرضت كلمة هؤلاء بالعراق والشأم فلم يخرج بعد ذلك الاشذاذ متفرقون يستلحمهم الولاة بالنواحي الا ما كان من خوارج البربر بافريقية فان دعوة الخارجية فشت فيهم من لدن مسيرة الظفرى سنة ثلاث وعشرين ومائة ثم فشت دعوة الاباضية والصفرية منهم في هوارة ولماية ونفزة ومغيلة وفى مغراوة وبنى يفرن من زنانة حسبما يذكر في أخبار البربر لسى رستم من الخوارج بالمغرب دولة في تاهرت من الغرب الاوسط نذكرها في أخبار البربر أيضا ثم سار بافريقية منهم على دولة العبيديين خلفاء القيروان أبو يزيد بن مخلد المغربي وكانت له معهم حروب وأخبار نذكرها في موضعها ثم لم يزل أمرهم في تناقص إلى أن اضمحلت ديانتهم وافترقت جماعتهم وبقيت آثار نحلتهم في أعقاب البربر الذين دانوا بها أول الامر ففى بلاد زناتة بالصحراء منها أثر باق لهذا العهد في قصور ربع وواديه وفى مغراوة من شعوب زناتة ويسمون الراهبية نسبة إلى عبد الله بن وهب الراهبى أول من بويع منهم أيام على بن أبى طالب وهم في قصور هنالك مظهرين لبدعتهم لبعدهم عن مقال أهل السنة والجماعة وكذلك في جبال طرابلس وزناتة أثر باق من تلك النحلة يدين بها أولئك البربر في المجاورة لهم مثل ذلك وتطير الينا هذا العهد(3/169)
من تلك البلاد دواوين ومجلدات من كلامهم في فقه الدين وتمهيد عقائده وفروعه مباينة لمناحى السنة وطرقها بالكلية الا أنها ضاربة بسهم في اجادة التأليف والترتيب وبناء الفروع على أصولهم الفاسدة وكان بنواحي البحرين وعمان إلى بلاد حضر موت وشرقي اليمن ونواحى الموصل آثار تفشى وعروق في كل دولة إلى أن خرج على بن
مهدى من خولان باليمن ودعا إلى هذه النحلة وغلب يومئذ من كان من الملوك باليمن واستلحم بنى الصليحى القائمين بدعوة العبيديين من الشيعة وغلبوهم على ما كان بأيديهم من ممالك اليمن واستولوا أيضا على زبيد ونواحيها من يدمو إلى بنى نجاح ومولى ابن زياد كما نذكر ذلك كله في أخبارهم ان شاء الله سبحانه وتعالى فلتصفح في أماكنها ويقال ان باليمن لهذا العهد شيعة من هذه الدعوة ببلاد حضر موت والله يضل من يشاء ويهدى من يشاء * (الدولة الاسلامية بعد افتراق الخلافة) * لم يزل أمر الاسلام جميعا دولة واحدة أيام الخلفاء الاربعة وبنى أمية من بعدهم لاجتماع عصبية العرب ثم ظهر من بعد ذلك أمر الشيعة وهم الدعاة لاهل البيت فعلت دعاة بنى العباس على الامر واستقلوا بخلافة الملك ولحق الفل من بنى أمية بالاندلس فقام بأمرهم فيها من كان هنالك من مواليهم ومن هرب فلم يدخلوا في دعوة بنى العباس وانقسمت لذلك دولة الاسلام بدولتين لافتراق عصبية العرب ثم ظهر دعاة أهل البيت بالمغرب والعراق من العلوية ونازعوا خلفاء بنى العباس واستولوا على القاصية من النواحى كالادارسة بالمغرب الاقصى والعبيديين بالقيروان ومصر والقرامطة بالبحرين والدواعي بطبرستان والديلم والاطروش فيها من بعده وانقسمت دولة الاسلام بذلك دولا متفرقة نذكرها واحدة بعد واحدة ونبدأ منها أولا بذكر الشيعة ومبادي دولهم وكيف انساقت إلى العباسية ومن بعدهم إلى آخر دولهم ثم نرجع إلى دولة بنى أمية بالاندلس ثم نرجع إلى دولة الدعاة للدولة العباسية في النواحى من العرب والعجم كما ذكرناه في برنامج الكتاب والله الموفق للصواب * (مبدأ دولة الشيعة) * (اعلم) أن مبدأ هذه الدولة ان أهل البيت لما توفى رسول الله صلى الله عليه وسلم كانوا يرون أنهم أحق بالامر وأن الخلافة لرجالهم دون من سواهم من قريش وفى الصحيح أن
العباس قال لعلى في وجع رسول الله صلى الله عليه وسلم الذى توفى فيه اذهب بنا إليه نسأله فيمن هذا الامر ان كان فينا علمنا ذلك وان كان في غيرنا علمناه فأوصى بنا فقال له على ان منعناها لا يعطيناها الناس بعده وفى الصحيح أيضا أن رسول الله صلى الله عليه(3/170)
وسلم قال في مرضه الذى توفى فيه هلموا أكتب لكم كتابا لن تضلوا بعده أبدا فاختلفوا عنده في ذلك وتنازعوا ولم يتم الكتاب وكان ابن عباس يقول ان الرزية كل الرزية ما حال بين رسول الله صلى الله عليه وسلم وبين ذلك الكتاب لاختلافهم ولغطهم حتى لقد ذهب كثير من الشيعة إلى أن النبي صلى الله عليه وسلم أوصى في مرضه ذلك لعلى ولم يصح ذلك من وجه يعول عليه وقد أنكرت هذه الوصية عائشة وكفى بانكارها وبقى ذلك معروفا من أهل البيت وأشياعهم وفيما نقله أهل الآثار أن عمر قال يوما لابن العباس ان قومكم يعنى قريشا ما أرادوا أن يجمعوا لكم يعنى بنى هاشم بين النبوة والخلافة فتحموا عليهم وأن ابن عباس نكر ذلك وطلب من عمر اذنه في الكلام فتكلم بما عصب له وظهر من محاورتهما أنهم كانوا يعلمون أن في نفوس أهل البيت شيأ من أمر الخلافة والعدول عنهم بها وفى قصة الشورى أن جماعة من الصحابة كانوا يتشيعون لعلى ويرون استحقاقه على غيره ولما عدل به إلى سواه تأففوا من ذلك وأسفوا له مثل الزبير ومعه عمار بن ياسر والمقداد بن الاسود وغيرهم الا أن القوم لرسوخ قدمهم في الدين وحرصهم على الالفة لم يزيدوا في ذلك على النجوى بالتأنف والاسف ثم لما فشا التكبر على عثمان والطعن في الآفاق كان عبد الله بن سبا ويعرف بابن السوداء من أشد الناس خوضا في التشنيع لعلى بما لا يرضاه من الطعن على عثمان وعلى الجماعة في العدول إليه عن على وانه ولى بغير حق فأخرجه عبد الله بن عامر من البصرة ولحق بمصر فاجتمع إليه جماعة من أمثاله جنحو إلى الغلو في ذلك وانتحال المذاهب الفاسدة فيه مثل خالد بن ملجم وسوذان بن حمدان وكنانة بن بشر وغيرهم ثم كانت بيعة على وفتنة الجمل
وصفين وانحراف الخوارج عنه بما أنكروا عليه من التحكيم في الدين وتمحضت شيعته للاستماتة معه في حرب معاوية مع على وبويع ابنه الحسن وخرج عن الامر لمعاوية فسخط ذلك شيعة على منه وأقاموا يتناجون في السر باستحقاق أهل البيت والميل إليهم وسخطوا من الحسن ما كان منه وكتبوا إلى الحسين بالدعاء له فامتنع وأوعدهم إلى هلاك معاوية فساروا إلى محمد بن الحنفية وبايعوه في السر على طلب الخلافة متى أمكنه وولى على كل بلد رجلا وأقاموا على ذلك ومعاوية يكف بسياسة من غربهم ويقتلع الداء إذا تعين له منهم كما فعل بحجر بن عدى وأصحابه ويروض من شماس أهل البيت ويسامحهم في دعوى تقدمهم واستحقاقهم ولا يهيج أحدا منهم بالتثريب عليه في ذلك إلى أن مات وولى يزيد وكان من خروج الحسين وقتله ما هو معروف فكانت من أشنع الوقائع في الاسلام عظمت بها الشحناء وتوغل الشيعة في شأنهم وعظم النكير والطعن على من تولى ذلك أو قعد عنه ثم تلاوموا على ما أضاعوه من أمر الحسين وانهم دعوه ثم لم ينصروه(3/171)
فندموا ورأوا أن لا كفارة في ذلك الا الاستماتة دون ثاره وسموا أنفسهم التوابين وخرجوا لذلك يقدمهم سليمان بن صرد الخزاعى ومعه جماعة من خيار أصحاب على وكان ابن زياد قد انتقض عليه العراق ولحق بالشأم وجمع وزر ينج قاصدا العراق فزحفوا إليه وقاتلوه حتى قتل سليمان وكثير من أصحابه كما ذكرنا في خبره وذلك سنة خمس وستين ثم خرج المختار بن أبى عبيد ودعا لمحمد بن الحنفية كما قدمناه في خبره وفشا التعصب لاهل البيت في الخاصة والعامة بما خرج عن حدود الحق واختلفت مذاهب الشيعة فيمن هو أحق بالامر من أهل البيت وبايعت كل طائفة لصاحبها سرا ورسخ الملك لبنى أمية وطوى هؤلاء الشيعة قلوبهم على عقائدهم فيها وتستروا بها مع تعدد فرقهم وكثرة اختلافهم كما ذكرناه عند نقل مذاهبهم في فصل الامامة من الكتاب الاول ونشأ زيد بن على بن الحسين وقرأ على واصل بن عطاء امام المعتزلة في وقته وكان واصل مترددا
في اصابة على في حرب صفين والجمل فنقل ذلك عنه وكان أخوه محمد الباقر يعذله في الاخذ عمن يرى سخطية جده وكان زيد أيضا مع قوله بافضلية على على أصحابه يرى ان بيعة الشيخين صحيحة وأن اقامة المفضول جائزة خلاف ما عليه الشيعة ويرى انهما لم يظلما عليا ثم دعته الحال إلى الخروج بالكوفة سنة احدى وعشرين ومائة واجتمع له عامة الشيعة ورجع عنه بعضهم لما سمعوه يثنى على الشيخين وأنهما لم يظلما عليا وقالوا لم يظلمك هؤلاء ورفضوا دعوته فسموا الرافضة من أجل ذلك ثم قاتل يوسف بن عمر فقتله يوسف وبعث برأسه إلى هشام وصلب شلوه بالكناسة ولحق ابنه يحيى بخراسان فأقام بها ثم دعته شيعة إلى الخروج فخرج هنالك سنة خمس وعشرين وسرح إليه نصر بن سيار العساكر مع سالم بن أحور المازنى فقتلوه وبعث برأسه إلى الوليد وصلب شلوه بالجوزجان وانقرض شأن الزيدية وأقام الشيعة على شأنهم وانتظار أمرهم والدعاء لهم في النواحى يدعون على الاحجال للرضا من آل محمد ولا يصرحون بمن يدعون له حذرا عليه من أهل الدولة وكان شيعة محمد بن الحنفية أكثر شيعة أهل البيت وكانوا يرون أن الامر بعد محمد بن الحنفية لابنه أبى هشام عبد الله وكان كثيرا ما يغدو على سليمان بن عبد الملك فمر في بعض أسفاره محمد بن على بن عبد الله بن عباس بمنزله بالحميمة من أعمال البلقاء فنزل عليه وأدركه المرض عنده فمات وأوصى له بالامر وقد كان أعلم شيعته بالعراق وخراسان أن الامر صائر إلى ولد محمد بن على هذا فلما مات قصدت الشيعة محمد بن على وبايعوه سرا وبعث الدعاة منهم إلى الآفاق على رأس مائة من الهجرة أيام عمر بن عبد العزيز واجابه عامة أهل خراسان وبعث عليهم النقباء وتداول أمرهم هنالك وتوفى محمد سنة أربع وعشرين وعهد لابنه ابراهيم وأوصى(3/172)
الدعاة بذلك وكانوا يسمونه الامام ثم بعث أبو مسلم إلى أهل دعوته بخراسان ليقوم فيهم بأمره فهلك وكتب إليهم بولايته ثم قبض مروان بن محمد على ابراهيم الامام وحبسه
بخراسان فهلك هنالك لسنة وملك أبو مسلم خراسان وزحف إلى العراق فملكها كما ذكرنا ذلك كله من قبل وغلبوا بنى أمية على أمرهم وانقرضت دولتهم { الخبر عن بنى العباس من دول الاسلام في هذه الطبقة الثالثة للعرب وأولية أمرهم وانشاء دولتهم والالمام بنكت أخبارهم وعيون أحاديثهم } هذه الدولة من دولة الشيعة كما ذكرناه وفرقها منهم يعرفون بالكيسانية وهم القائلون بامامة محمد بن على بن الحنفية بعد على ثم بعده إلى ابنه أبى هشام عبد الله ثم بعده إلى محمد بن على بن عبد الله بن عباس بوصيته كما ذكرنا ثم بعده إلى ابنه ابراهيم الامام ابن محمد ثم بعده إلى أخيه أبى العباس السفاح وهو عبد الله ابن الحارثية هكذا مساقها عند هؤلاء الكيسانية ويسمون أيضا الحرماقية نسبة إلى أبى مسلم لانه كان يلقب بحرماق ولبنى العباس أيضا شيعة يسمون الرواندية من أهل خراسان يزعمون أن أحق الناس بالامامة بعد النبي صلى الله عليه وسلم هو العباس لانه وارثه وعاصبه لقوله وأولو الارحام بعضهم أولى ببعض في كتاب الله وان الناس منعوه من ذلك وظلموه إلى أن رده الله إلى ولده ويذهبون إلى البراءة من الشيخين وعثمان ويجيزون بيعة على لان العباس قال له يا ابن أخى هلم أبايعك فلا يختلف عليك اثنان ولقول داود بن على منبر الكوفة يوم بويع السفاح يا أهل الكوفة انه لم يقم فيكم امام بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم الا على بن أبى طالب وهذا القائم فيكم يعنى السفاح * (دولة السفاح) * قد تقدم لنا كيف كان أصل هذه الدعوة وظهورها بخراسان على يد أبى مسلم ثم استيلاء شيعتهم على خراسان والعراق ثم بيعة السفاح بالكوفة سنة ثلاث وثلاثين ومائة ثم قتل مروان بن محمد وانقراض الدولة الاموية ثم خرج بعض أشياعهم وقوادهم وانتقضوا على أبى العباس السفاح وكان أول من انتقض حبيب بن مرة المرى من قواد مروان وكان بخولان والبلقاء خاف على نفسه وقومه فخلع وبيض ومعناه لبس
البياض ونصب الرايات البيض مخالفة لشعار العباسية في ذلك وتابعته قيس ومن يليهم والسفاح يومئذ بالحيرة بلغه أن أبا الورد مجزأة بن الكوثر بن زفر بن الحرث الكلابي انتقض بقنسرين وكان من قواد مروان ولما انهزم مروان وقدم عليه عبد الله بن على بايعه ودخل في دعوة العباسية وكان ولد مسلمة بن عبد الملك مجاورين له(3/173)
فعبث بهم وبنسائهم القائد الذى جاءهم من قبل عبد الله بن على وشكوا ذلك إلى أبى الورد فقتل القائد وخلع معه أهل قنسرين وكاتبوا أهل حمص في الخلاف وقدموا عليهم أبا محمد عبد الله بن يزيد بن معاوية وقالوا هو السفياني الذى يذكر ولما بلغ ذلك عبد الله بن على وادع حبيب بن مرة وسار إلى أبى الورد بقنسرين ومر بدمشق فخلف بها أبا غانم عبد الحميد بن ربعى الطائى في أربعة آلاف فارس مع حرمه وأثقاله وسار إلى حمص فبلغه أن أهل دمشق خلعوا وبيضوا وقام فيهم بذلك عثمان بن عبد الاعلى ابن سراقة الازدي وانهم هزموا أبا غانم وعسكره وقتلوا منهم مقتلة عظيمة وانتهبوا ما خلف عندهم فأعرض عن ذلك وسار للقاء السفياني وأبى الورد وقدم أخاه عبد الصمد في عشرة آلاف فكشف ورجع إلى أخيه عبد الله منهزما فزحف عبد الله في جماعة القواد ولقيهم بمرج الاحزم وهم في أربعين ألفا فانهزموا وثبت أبو الورد في خمسمائة من قومه فقتلوا جميعا وهرب أبو محمد تلى ترمذ وراجع أهل قنسرين طاعة العباسية ورجع عبد الله بن على تلى قتال أهل دمشق ومن معهم فهرب عثمان بن سراقة ودخل أهل دمشق في الدعوة وبايعوا لعبد الله بن على ولم يزل أبو محمد السفياني بأرض الحجاز متغيبا إلى أيام المنصور فقتله زياد بن عبد الله الحارثى عامل الحجاز يومئذ وبعث برأسه إلى المنصور مع ابنين له أسيرين فأطلقهما المنصور ثم خلع أهل الجزيرة وبيضوا وكان السفاح قد بعث اليهما ثلاثة آلاف من جنده مع موسى بن كعب من قواده وأنزلهم بحران وكان اسحق بن مسلم العقيلى عامل مروان على ارمينية فلما
بلغته هزيمة مروان سار عنها واجتمع إليه أهل الجزيرة وحاصروا موسى بن كعب بحران شهرين فبعث السفاح أخاه أبا جعفر إليهم وكان محاصرا لابن هبيرة بواسط فسار لقتال اسحق بن مسلم ومر بقرقيسيا والر وقد خلعوا وبيضوا وسار نحو حران فأجفل اسحق بن مسلم عنها ودخل الرها وبعث أخاه بكار بن مسلم إلى قبائل ربيعة بنواحي ماردين ورئيسهم يومئذ برمكة من الحرورية فصمد إليهم أبو جعفر فهزمهم وقتل برمكة في المعركة وانصرف بكار إلى أخيه اسحق فخلفه بالرها وسار إلى شمشاط بمعظم عسكره وجاء عبد الله بن على فحاصروه ثم جاء أبو جعفر فحاصروه سبعة أشهر وهو يقول لا أخلع البيعة من عنقي حتى أتيقن موت صاحبها ثم تيقن موت مروان فطلب الامان واستأذنوا السفاح فأمرهم بتأمينه وخرج اسحق إلى أبى جعفر فكان من آثر أصحابه واستقام أهل الجزيرة والشأم وولى السفاح أخاه أبا جعفر على الجزيرة وأرمينية وأذربيجان فلم يزل عليها حتى استخلف * (حصار ابن هبيرة بواسط ومقتله) *(3/174)
ثم تقدم لنا هزيمة يزيد بن هبيرة امام الحسن بن قحطبة وتحصنه بواسط وكان جويرة وبعض أصحابه أشاروا عليه بعد الهزيمة باللحاق بالكوفة فأبى وأشار عليه يحيى بن حصين باللحاق بمروان وخوفه عاقبة الحصار فأبى خشية على نفسه من مروان واعتصم بواسط وبعث أبو مسلمة الحسن بن قحطبة في العسكر لحصاره وعلى ميمنته ابنه داود فانهزم أهل الشأم واضطروا إلى دجلة وغرق منهم كثير ثم تحاجزوا ودخل ابن هبيرة المدينة وخرج لقتالهم ثانية بعد سبعة أيام فانهزم كذلك ومكثوا أياما لا يقتتلون الا رميا وبلغ ابن هبيرة أن أبا أمية الثعلبي قد سود فحبسه فغضبت لذلك ربيعة ومعن بن زائدة وحبسوا ثلاثة نفر من فزارة رهنا في أبى أمية واعتزل معن وعبد الله بن عبد الرحمن بن بشير العجلى فيمن معهما فخلى ابن هبيرة سبيل أبى أمية وصالحهم وعادوا إلى
اتفاقهم ثم قدم على الحسن بن قحطبة من ناحية سجستان أبو نصر مالك بن الهيثم فأوفد غيلان بن عبد الله الخزاعى على السفاح يخبره بقدوم أبى نصر وكان غيلان واجدا على الحسن فرغب من السفاح أن يبعث عليهم رجلا من أهل بيته فبعث أخاه أبا جعفر وكتب إلى الحسن العسكر لك والقواد قوادك ولكن أحببت أن يكون أخى حاضرا فأحسن طاعته وموازرته وقدم أبو جعفر فأنزله الحسن في خيمته وجعل على حرسه عثمان بن نهيك ثم تقدم مالك بن الهيثم لقتال أهل الشأم وابن هبيرة فخرجوا لقتاله وأكمنوا معن بن زائدة وأبا يحيى الجرافى ثم استطردوا لابن الهيثم وانهزموا للخنادق فخرج عليهم معن وأبو يحيى فقاتلوهم إلى الليل وتحاجزوا وأقاموا بعد ذلك أياما ثم خرج أهل واسط مع معن ومحمد بن نباتة فهزمهم أصحاب الحسن إلى دجلة فتساقطوا فيها وجاء مالك بن الهيثم فوجد ابنه قتيلا في المعركة فحمل على أهل واسط حتى أدخلهم المدينة وكان مالك يملاء السفن حطبا ويضرمها نارا فتحرق ما تمر به فيأمر ابن هبيرة بأن تجر بالكلاليب ومكثوا كذلك احد عشر شهرا وجاء اسمعيل بن عبد الله القسرى إلى ابن هبيرة بقتل مروان وفشلت اليمانية عن القتال معهم وتبعهم الفزارية فلم يقاتل معه الا الصعاليك وبعث ابن هبيرة إلى محمد بن عبد الله بن الحسن المثنى بأن يبايع له فأبطأ عنه جوابه وكاتب السفاح اليمانية من أصحاب ابن هبيرة وأطمعهم فخرج إليه زياد بن صالح وزياد بن عبيد الله الحرثيان ووعدا ابن هبيرة أن يصلحا له جهة السفاح ولم يفعلا وتردد الشعراء بين أبى جعفر وابن هبيرة في الصلح وأن يكتب له كتاب أمان على ما اختاره ابن هبيرة وشاور فيه العلماء أربعين يوما حتى رضيه وأنفذه إلى أبى جعفر فانفذه إلى السفاح وأمر بامضائه وكان لا يقطع أمرا دون أبى مسلم فكتب إليه يحيى بن هبيرة قد خرج بعد الامان إلى أبى جعفر في ألف وثلثمائة فلقيه الحاجب سلام(3/175)
ابن سليم فأنزله وأجلسه على وسادة وأطاف بحجرة أبى جعفر عشرة آلاف من أهل
خراسان ثم أذن لابن هبيرة فدخل على المنصور وحادثه وخرج عنه ومكث يأتيه يوما ويغبه يوما ثم أغرى أبا جعفر أصحابه بأنه يأتي في خمسمائة فارس وثلثمائة راجل فيهتز له العسكر فأمر أبو جعفر أن يأتي في حاشيته فقط فكان يأتي في ثلاثين ثم آخرا في ثلاثة ثم الح السفاح على أبى جعفر في قتله وهو يراجعه للامان الذى كتب له حتى كتب إليه السفاح والله لتقتلنه أو لابعن من يخرجه من حجرتك فيقتله فبعث أبو جعفر إلى وجوه القيسية والمضرية وقد أعد لهم ابن نهيك في مائة من الخراسانية في بعض حجره وجاء القوم في اثنين وعشرين رجلا يقدمهم محمد بن نباتة وجويرة بن سهبل فدعاهم سلام الحاجب رجلين رجلين وعثمان بن نهيك يقيدهما إلى أن استكملهم وبعث أبو جعفر لحازم بن خزيمة والهيثم بن شعبة في مائة إلى ابن هبيرة فقالوا نريد حمل المال فدلهم حاجبه على الخزائن فأقاموا عندها الرجال وأقبلوا نحوه فقام جاجبه في وجوههم فضربه الهيثم فصرعه وقاتل ابنه داود فقتل في جماعة من مواليه ثم قتل ابن هبيرة آخرا وحملت رؤسهم إلى أبى جعفر ونادى بالامان للناس الا الحكم بن عبد الملك أبى بشر وخالد بن مسلمة المخزومى وعمر بن در فهرب الحكم وأمن أبو جعفر خالدا فلم يجز السفاح أمانه وقتله واستأمن زياد بن عبيد الله لابن در فأمنه * (مقتل أبى مسلمة بن الخلال وسليمان بن كثير) * قد تقدم لنا ما كان من أبى مسلمة الخلال في أمر أبى العباس السفاح واتهام الشيعة في أمره وتغير السفاح عليه وهو بعكوة أعين ظاهر الكوفة ثم تحول إلى مدينة الهاشمية ونزل قصرها وهو يتنكر لابي مسلمة وكتب إلى أبى مسلم ببغيته وبرأيه فيه فكتب إليه أبو مسلم بقتله وقال له داود بن على لا تفعل فيحتج بها أبو مسلم عليك والذين معك أصحابه وهم له أطوع ولكن اكتب إليه يبعث من يقتله ففعل وبعث أبو مسلم مرار بن أنس الضبى فقتله فلما قدم نادى السفاج بالرضا عن أبى مسلمة ودعا به وخلع عليه ثم دخل عنده ليلة أخرى فسهر عامة ليله ثم انصرف إلى منزله فاعترضه مرار بن
أنس وأصحابه فقتلوه وقالوا قتله الخوارج وصلى عليه من الغد يحيى أخو السفاح وكان يسمى وزير آل محمد وأبو مسلم أمير آل محمد وبلغ الخبر إلى أبى مسلم وسرح سليمان بن كثير بالنكير لذلك فقتله أبو وبعث على فارس محمد بن الاشعث وأمره أن يقتل ابن أبى مسلمة ففعل * (عمال السفاح) * ولما استقام الامر للسفاح ولى على الكوفة والسواد عمه داود بن على ثم عرله وولاه(3/176)
على الحجاز واليمن واليمامة وولى مكانه على الكوفة عيسى ابن أخيه موسى بن محمد ثم توفى داود سنة ثلاث وثلاثين فولى مكانه على الحجاز واليمامة خالد بن زياد بن عبيد الله ابن عبيد وعلى اليمن محمد بن يزيد بن عبيد الله بن عبد وولى السفاح على البصرة سفيان بن معاوية المهلبى ثم عزله وولى مكانه عمه سليمان بن على وأضاف إليه كور دجلة والبحرين وعمان وولى عمه اسمعيل بن على الاهواز وعمه عبد الله بن على على الشأم وأبا عون عبد الملك بن يزيد على مصر وأبا مسلم على خراسان وبرمك على ديوان الخراج وولى عمه عيسى بن على على فارس فسبقه إليها محمد ابن الاشعث من قبل أبى مسلم فلما قدم عليه عيسى هم محمد بقتله وقال أمرنى أبو مسلم أن أقتل من جاءني بولاية من غيره ثم أقصر عن قتله واستحلفه بأيمان لا مخارج لها أن لا يعلو منبرا ما عاش ولا يتقلد سيفا الا في جهاد فوفى عيسى بذلك بقية عمره واستعمل بعده على فارس عمه اسمعيل بن على واستعمل على الموصل محمد بن صول فطرده أهلها وقالوا بل علينا تولى خثعم وكانوا منحرفين عن بنى العباس فاستعمل السفاح عليهم أخاه يحيى وبعثه في اثنى عشر ألفا فنزل قصر الامارة وقتل منهم اثنى عشر رجلا فثاروا به وحمل السلاح فنودى فيهم بالامان لمن دخل المسجد الجامع فتسايل الناس إليه وقد أقام الرجال على أبو ابه فقتلوا كل من دخل يقال قتل
احد عشر ألفا ممن لبس وما لا يحصى من غيرهم وسمع صياح النساء بالليل فأمر من الغد بقتل النساء والصبيان واستباحهم ثلاثة أيام وكان في عسكره أربعة آلاف من الزنوج فعانوا في النساء وركب في اليوم الرابع وبين يديه الحراب والسيوف فاعترضته امرأة وأخذت بعنان دابته وقالت له ألست من بنى هاشم ألست ابن عم الرسول أما تعلم أن المؤمنات المسلمات ينكحهن الزنوج فامسك عنها وجمع الزنج من الغد للعطاء وأمر بهم فقتلوا عن آخرهم وبلغ السفاح سوء أمره في أهل الموصل فعزله وولى مكانه اسمعيل بن على وولى يحيى مكان اسمعيل بالاهواز وفارس وملك الروم ملطية وقاليقلا وفى سنة ثلاث وثلاثين أقبل قسطنطين ملك الروم فحصر ملطية والفتن يومئذ بالجزيرة وعاملها يومئذ موسى بن كعب بن اسان فلم يزل حاصرهم حتى نزلوا على الامان وانتقلوا إلى بلاد الجزيرة وحملوا ما قدروا عليه وخرب الروم ملطية وسار عنها إلى مرج الحصى وأرسل قسطنطين العساكر إلى قاليقلا من نواحى ماردين مع قائده كوشان الارمني فحصرها وداخل بعض الارمن من أهل المدينة فنقبوا له السور فاقتحم البلد من ذلك النقب واستباحها(3/177)
* (النوار بالنواحي) * (1) كان المثنى بن يزيد بن عمر بن هبيرة قد ولاه أبو على اليمامة فلما قتل يزيد أبوه امتنع هو باليمامة فبعث إليه زياد بن عبيد المدن بالعساكر من المدينة مع ابراهيم بن حبان السلمى فقتله وقتل أصحابه وذلك سنة ثلاث وثلاثين (وفيها) خرج شريك بن شيخ اسحارا على أبى مسلم ونقض أفعاله واجتمع إليه أكثر من ثلاثين ألفا فبعث إليه أبو مسلم زياد ابن صالح الخزاعى فقاتله وقتله (وفيها) توجه أبو داود وخالد بن ابراهيم إلى الختل فتحصن ملكهم ابن السبيل منهما ومنعه الدهاقين فحاصره أبو داود حتى جهد الحصار فخرج من حصنه مع الدهاقين ولحق بفرغانة ثم سار منها إلى بلد الصين وأخذ أبو داود من
ظفر به في الحصن فبعث بهم إلى أبى مسلم (وفيها) الفتنة بين اخشيد فرغانة وملك الشاش واستمد الاخشيد ملك الصين فأمده بمائة ألف مقاتل وحصروا ملك الشاش حتى نزلوا على حكم ملك الصين فلم يعرض له ولا لقومه بسوء وبعث أبو مسلم زياد بن صالح لاعتراضهم فلقيهم على نهر الطرار فظفر بهم وقتل منهم نحوا من خمسين ألفا وأسر نحوا من عشرين ألفا ولحق بهم بالصين وذلك في ذى الحجة سنة ثلاث وثلاثين ثم انتقض بسام بن ابراهيم بن بسام من فرسان أهل خراسان وسار من عسكر السفاح وجماعة على رأيه سرا إلى المدائن فبعث السفاح في اثرهم خازم بن خزيمة فقاتلهم وقتل أكثرهم واستباحهم وبلغ ماه وانصرف فمر بذات المطامير وبها أخوال السفاح من بنى عبد المدان في نحو سبعين من قرابتهم ومواليهم وقيل له ان المغيرة من أصحاب بسام عندهم فسألهم عنه فقالوا مر بنا مجتازا فهددهم ان لم يأخذه فأغلظوا له في القول فقتلهم أجمعين ونهب أموالهم وهدم دورهم وغضبت اليمانية لذلك ودخل بهم زياد ابن عبيد الله الحرثى على السفاح وشكوا إليه ما فعل بهم فهم يقتله وبلغ ذلك موسى ابن كعب وأبا الجهم بن عطية فدخلا على السفاح وذكراه سابقة الشيعة وطاعتهم وانهم آثره كم على الاقارب والاولاد وقتلوا من خالفكم فان كان لابد من قتله فابعثه لوجه من الوجوه فان قتل فهو الذى تريد وان ظفر فلك بعثه إلى الخوارج الذين بجزيرة ابن كاوان من عمان مع شيبان بن عبد العزيز اليشكرى فبعث معه سبعمائة رجل فحملهم سليمان بن على من البصرة في السفن وقد انضم إليه من أهله وعشيرته ومواليه وعدت من بنى تميم من البصرة فلما أرسوا بجزيرة ابن كاوان قدم حازم فضلة ابن نعيم المنشلى في خمسمائة إلى شيبان فانهزم هو وأصحابه وكانوا صفرية وركبوا إلى عمان فقاتلهم الجلندى في الاباضية فقتل شيبان ومن معه كما مر وشيبان هذا غير شيبان بن سلمة الذى قتل بخراسان فربما يشتبهان ثم ركب خازم البحر إلى ساحل عمان(3/178)
فنزل وقاتل الجلندى أياما أمر خازم أصحابه في آخرها أن يجعلوا على أطراف أسنتهم المشاقة ودوروها بالنفط ويشعلوها بالنيران ويرموها في بيوت القوم وكانت من خشب فلما اضطرمت فيها النار شغلوا بأهليهم وأولادهم عن القتل فحمل عليهم خازم وأصحابه فاستلحموهم وقتل الجلندى وعشرة آلاف فبعث خازم برؤوسهم إلى البصرة فبعثها سليمان إلى السفاح فندم اه ثم غزا خالد بن ابراهيم أهل كش فقتل الاخريد ملكها وهو مطيع واسنباحهم وأخذ من الاواني الصينية المنقوشة المذهبة ومن الديباج والسروج ومتاع الصين وظرفه ما لم ير مثله وحمله إلى أبى مسلم بسمرقند وقتل عدة من دهاقين كش وملك طازان أخا الاخريد على كش ورجع أبو مسلم إلى مرو وبعد أن فتك في الصغد وبخاري وأمر ببناء سور سمرقند واستخلف زياد ابن صالح على بخارى وسمرقند ورجع أبو داود إلى بلخ ثم بلغ السفاح انتقاض منصور ابن جمهور بالسند فبعث صاحب شرطته موسى بن كعب واستخلف مكانه على الشرطة المسيب بن زهير وسار موسى لقتال ابن جمهور فلقيه بتخوم الهند وهو في نحو اثنى عشر ألفا فانهزم ومات عطشا في الرمال ورحل عامله على السند بعياله وثقلته فدخل بهم بلاد الخزر ثم انتقض سنة خمس وثلاثين زياد بن صالح وراء النهر فسار أبو مسلم إليه من مرو وبعث أبو داود خالد بن ابراهيم نصر بن راشد إلى ترمذ ليمنعها من زياد فلما وصل إليها خرج عليه ناس من الطالقان فقتلوه فبعث مكاته عيسى بن ماهان فسمع قتلة نصر فقتلهم وسار أبو مسلم فانتهى إلى آمد ومعه سباع بن النعمان الازدي وكان السفاح قد دس معه إلى زياد بن صالح الازدي أن ينتهز فرصة في أبى مسلم فيقتله ونمى الخبر إلى أبى مسلم فحبس سباعا بآمد وسار عنها وأمر عامله بقتله ولقيه قواد زياد في طريقه وقد خلعوا زيادا فدخل أبو مسلم بخارى ونجا زياد إلى دهقان هناك فقتله وحمل رأسه إلى أبى مسلم وكتب أبو مسلم إلى أبى داود فقتله وكان قد شغل بأهل الطالقان فرجع إلى كش وبعث عيسى بن ماهان إلى بسام فلم يظفر منها بشئ وبعث
إلى بعض أصحاب أبى مسلم يعيب أبا داود عيسى فضربه وحبسه ثم أخرجه فوثب عليه الجند فقتلوه ورجع أبو مسلم إلى مرو * (حج أبى جعفر وأبى مسلم) * وفى سنة ست وثلاثين استأذن أبو مسلم السفاح في القدوم عليه للحج وكان منذ ولى خراسان لم يفارقها فأذن له في القدوم مع خمسمائة من الجند فكتب إليه أبو مسلم ان قد عاديت الناس ولست آمن على نفسي فاذن له في ألف وقال ان طريق مكة لا تحتسل العسكر فسار في ثمانية آلاف فرقهم ما بين نيسابور والرى وخلف أمواله وخزائنه بارى(3/179)
وقدم في ألف وخرج القواد بأمر السفاح لتلقيه فدخل على السفاح وأكرمه وأعظمه واسئأذن في الحج فأذن له وقال لو لا أن أبا جعفر يريد الحج لاستعملتك على الموسم فأنزله بقرية وكان قد كتب إلى أبى جعفر ان أبا مسلم استأذنني في الحج وأذنت له وهو يريد ولاية الموسم فاسألني أنت في الحج فلا تطمع أن يتقدمك وأذن له فقدم الانبار وكان ما بين أبى جعفر وأبى مسلم متباعدا من حيث بعث السفاح أبا جعفر إلى خراسان ليأخذ البيعة له ولابي جعفر من بعده ويولى أبا مسلم على خراسان فاستخلى أبو مسلم بأبى جعفر فلما قدم ألان أبو جعفر السفاح بقتله وأذن له فيه ثم ندم وكفه عن ذلك وسار أبو جعفر إلى الحج ومعه أبو مسلم واستعمل على حران مقاتل بن حكيم العكى * (موت السفاح وبيعة المنصور) * كان أبو العباس السفاح قد تحول من الحيرة إلى الانبار في ذى الحجة سنة أربع وثلاثين فأقام بها سنتين ثم توفى في ذى الحجة سنة ست وثلاثين لثلاث عشرة ليلة خلت منه ولاربع سنين وثمانية أشهر من لدن بويع وصلى عليه عمه عيسى ودفن بالانبار وكان وزيره أبو الجهم بن عطية وكان قبل موته قد عهد بالخلافة لاخيه أبى جعفر ومن بعده لعيسى ابن أخيهما موسى وجعل العهد في ثوب وختمه بخواتيمه وخواتيم أهل بيته
ودفعه إلى عيسى ولما توفى السفاح وكان أبو جعفر بمكة فأخذ البيعة على الناس عيسى ابن موسى وكتب إليه بالخبر فجزع واستدعى أبا مسلم وكان متأخرا عنه فاقرأه الكتاب فبكى واسترجع وسكن أبا جعفر عن الجزع فقال أخاف شر عبد الله بن على فقال أنا أكفيكه وعامة جنده أهل خراسان وهم أطوع لى منه فسرى عنه وبايع له أبو مسلم والناس وأقبلا حتى قدما الكوفة ويقال ان أبا مسلم كان متقدما على أبى جعفر فان الخبر قد أتاه قبله فكتب أبو مسلم إليه يعزيه ويهنيه بالخلافة وبعد يومين كتب له ببيعته وقدم أبو جعفر الكوفة سنة سبع وثلاثين وسار منها إلى الانبار فسلم إليه عيسى بيوت الاموال والدواوين واستقام أمر أبى جعفر * (انتقاض عبد الله بن على وهزيمته) * كان عبد الله بن على قدم على السفاح قبل موته فبعثه إلى الصائفة في جنود أهل الشأم وخراسان فانتهى إلى دلوك ولم بدر حتى جاءه كتاب عيسى بن موسى بوفاة السفاح وأخذ البيعة لابي جعفر وله من بعده كما عهد به السفاح فجمع عبد الله الناس وقرأ عليهم الكتاب وأعلمهم أن السفاح حين أراد أن يبعث الجنود إلى حران تكاسل بنو أبيه عنها فقال لهم من انتدب منكم فهو ولى عهدي فلم يتدب غيرى وشهد له أبو غانم الطائى(3/180)
وخفاف المروزى وغيرهما من القواد وبايعوه وفيهم حميد بن حكيم بن قحطبة وغيره من خراسان والشأم والجزيرة ثم سار عبد الله حتى نزل حران وحاصر مقاتل بن حكيم العكى أربعين يوما وخشى من أهل خراسان فقتل منهم جماعة وولى حميد بن قحطبة على حلب وكتب معه إلى عاملها زفر بن عاصم بقتله فقرأ الكتاب في طريقه وسار إلى العراق وجاء أبو جعفر من الحج فبعث أبا مسلم لقتال عبد الله ولحقه حميد بن قحطبة نازعا عن عبد الله فسار معه وجعل على مقدمته مالك بن الهيثم الخزاعى ولما بلغ عبد الله خبر اقباله وهو على حران بذل الامان لمقاتل بن حكيم ومن معه وملك حران ثم بعث
مقاتلا بكتابه إلى عثمان بن عبد الاعلى فلما قرأ الكتاب قتله وحبس ابنيه حتى إذا هزم عبد الله قتلهما وأمر المنصور محمد بن صول وهو على أذربيجان أن يأتي عبد الله بن على ليمكر به فجاء وقال انى سمعت السفاح يقول الخليفة بعدى عمى عبد الله فشعر بمكيدته وقتله وهو جد ابراهيم بن العباس الصولى الكاتب ثم أقبل عبد الله بن على حتى نزل نصيبين وخندق عليه وقدم أبو مسلم فيمن معه وكان المنصور قد كتب إلى الحسن ابن قحطبة عامله على أرمينية بأن يوافي أبا مسلم فقدم عليه بالموصل وسار معه ونزل أبو مسلم ناحية نصيبين وكتب إلى عبد الله انى قد وليت الشأم ولم أومر بقتالك فقال أهل الشأم لعبد الله سر بنا إلى الشأم لنمنع نساءنا وأبناءنا فقال لهم عبد الله ما يريد الا قتالنا وانما قصد المكر بنا فأبوا الا الشأم فارتحل بهم إلى الشأم ونزل أبو مسلم في موضع معسكره وغور ما حوله من المياه فوقف أصحاب عبد الله بكار بن مسلم العقيلى وعلى ميسرته حبيب بن سويد الاسدي وعلى الخيل عبد الصمد بن على أخو عبد الله وعلى ميمنة أبى مسلم الحسن بن قحطبة وعلى ميسرته خازم بن خزيمة فاقتتلوا شهرا ثم حمل أصحاب عبد الله على عسكر أبى مسلم فأزالوهم عن مواضعهم وحمل عبد الصمد فقتل منهم ثمانية عشر رجلا ثم حمل عليهم ثانية فأزالوا صغهم ثم نادى منادى أبى مسلم في أهل خراسان فتراجعوا وكان يجلس إذا لقى الناس على عريش ينظر منه إلى الحومة فان رأى خللا أرسل بسده فلا تزال رسله تختلف بينه وبين الناس حتى ينصرفوا فلما كان يوم الاربعاء لسبع خلون من جمادى الآخرة سنة سبع وثلاثين اقتتلوا وأمر أبو مسلم الحسن بن قحطبة أن يضم إلى الميسرة وينزل في الميمنة حماة أصحابه فانضم أهل الشأم من الميسرة إلى الميمنة كما أمرهم وأمر أبو مسلم أهل القلب فحطموهم وركبهم أصحاب أبى مسلم فانهزم أصحاب عبد الله فقال لابن سراقة ما ترى قال الصبر إلى أن تموت فالغرار فيكم بمثلك قبيح قال بل آتى العراق فأنا معك فانهزموا وحوى أبو مسلم عسكرهم وكتب بذلك إلى المنصور ومضى عبد الله وعبد الصمد فقدم عبد(3/181)
الصمد الكوفة فاستأمن له عيسى بن موسى وأمنه المنصور وقيل بل أقام بالرصافة حتى قدمها جمهور بن مران العجلى في خيول أرسلها المنصور فبعث به موثقا مع أبى الخطيب فاطلقه المنصور وأما عبد الله فقدم البصرة وأقام عند أخيه سليمان متواريا حتى طلبه وأشخص إليه ثم ان أبا مسلم أمن الناس بعد الهزيمة وأمر بالكف عنهم كان أبو مسلم لما حج مع المنصور يؤيد نفسه عليه ويتقدم بالاحسان للوفود واصلاح الطريق والمياه وكان الذكر له وكان الاعراب يقولون هذا المكذوب عليه ولما صدروا عن الموسم تقدم أبو مسلم ولقيه الخبر بوفاة السفاح فبعث إلى أبى جعفر يعزيه ولم يهنئه بالخلافة ولا رجع إليه ولا أقام ينتظره فغضب أبو جعفر وكتب إليه وأغلظ في العتاب فكتب يهنئه بالخلافة ويقدم إلى فدعا عيسى بن موسى إلى أن يبايع له فأبى وقدم أبو جعفر وقد خلع عبيد الله بن على فسرح أبا مسلم لقتاله فهزمه كما مر وجمع الغنائم من عسكره فبعث المنصور مولاه أبا الخصيب لجمعها فغضب أبو مسلم وقال أنا أعين على الدعاء فكيف أخون الاموال وهم بقتل الخصيب ثم خلى عنه وخشى المنصور أن يمضى إلى خراسان فكتب إليه بولاية مصر والشأم فازداد نفارا وخرج من الجزيرة يريد خراسان وسار المنصور إلى المدائن وكتب إليه يستقدمه فأجابه بالامتناع والمسك بالطاعة عن بعد والتهديد بالخلع ان طلب منه سوى ذلك فكتب إليه المنصور ينكر عليه هذا الشرط وانه لا يحسن طاعة وبعث إليه عيسى بن موسى برسالة يونسه ويسليه وقيل بل كتب إليه أبو مسلم يعرض له بالخلع وانه قد تاب إلى الله مما جناه من القيام بدعوتهم وأخذ أبو مسلم طريق حلوان وأمر المنصور عمه عيسى ومشيخة بنى هاشم بالكتاب على أبى مسلم يحرضونه على التمسك بالطاعة ويحذرونه عاقبة البغى ويأمرونه بالمراجعة وبعث الكتب مع مولاه أبى حميد المرو دوذى وأمره بملاينته والخضوع له بالقول حتى ييأس منه فإذا يئس
يخبره بقسم أمير المؤمنين لاوكلت أمرك إلى غيرى ولو خضت البحر لخضته وراءك ولو اقتحمت النار لاقتحمتها حتى أقتلك أو أموت فأوصل أبو حميد الكتب وتلطف له في القول ما شاء واحتج عليه بما كان منه في التحريض على طاعتهم فاستشار أبو مسلم مالك بن الهيثم فأبى له من الاصغاء إلى هذا القول وقال والله لئن أتيته ليقتلنك ثم بعث إلى نيزك صاحب الرى يستشيره فأبى له من ذلك وأشار عليه بنزول الرى وخراسان من ورائه فيكون أمكن لسلطانه فأجاب أبا حميد بالامتناع فلما يئس منه أبلغه مقالة المنصور فوجم طويلا ورعب من ذلك القول وأكيره وكان المنصور قد كتب إلى(3/182)
عامل أبى مسلم بخراسان يرغبه في الانحراف عنه بولاية خراسان فأجاب سرا وكتب إلى أبى مسلم يحذره الخلاف والمعصية فزاده ذلك رعبا وقال لابي حميد قبل انصرافه قد كنت عزمت على المضى إلى خراسان ثم رأيت ان أوجه أبا اسحق إلى أمير المؤمنين يأتيني برايته فانى أثق به ولما قدم أبو اسحق تلقاه بنو هاشم وأهل الدولة بكل ما يجب وداخله المنصور في صرف أبى مسلم عن وجهة خراسان ووعده بولايتها فرجع إليه وأشار عليه بلقاء المنصور فاعتزم على ذلك واستخلف مالك بن الهيثم على عسكره بحلوان وسار فقدم المدائن في ثلاثة آلاف وخشى أبو أيوب وزير المنصور أن يحدث منه عند قدومه فتك فدعا بعض اخوانه وأشار عليه بأن يأتي أبا مسلم ويتوسل به إلى المنصور في ولاية كسكر ليصيب فيها مالا عظيما وأن يشرك أخاه في ذلك فان أمير المؤمنين عازم أن يوليه ما ورى به ويريح نفسه واستأذن له المنصور في لقاء أبى مسلم فأذن له فلقى أبا مسلم وتوسل إليه وأخبره الخبر فطابت نفسه وذهب عنه الحزن ولما قرب أمر الناس بتلقيه ثم دخل على المنصور فقبل يده وانصرف ليريح ليلته ودعا المنصور من الغد حاجبه عثمان بن نهيك وأربعة من الحرس منهم شبيب بن رواح وابن حنيفة حرب بن قيس وأجلسهم خلف الرواق وأمرهم بقتل أبى مسلم إذا صفق بيديه
واستدعى أبا مسلم فلما دخل سأله عن سيفين أصابهما لعمه عبد الله بن على وكان متقلدا بأحدهما فقال هذا أحدهما فقال أرنى فانتضاه أبو مسلم وناوله اياه فأخذ يقلبه بيده ويهزه ثم وضعه تحت فراشه وأقبل يعاتبه فقال كتبت إلى السفاح تنهاه عن الموات كانك تعلمه قال ظننت انه لا يحل ثم اقتديت بكتاب السفاح وعلمت انكم معدن العلم قال فتوركك عنى بطريق مكة قال كرهت مزاحمتك على الماء قال فامتناعك من الرجوع إلى حين بلغك موت السفاح أو الاقامة حتى ألحقك قال طلبت الرفق بالناس والمبادرة إلى الكوفة قال فجارية عبد الله بن على أردت أن تتخذها لنفسك قال لا انما وكلت بها من يحفظها قال فمراغمتك ومسيرك إلى خراسان قال خشيت منك فقلت آتى خراساني وأكتب بعذري فأذهب ما في نفسك منى قال فالمال الذى جمعته بحران قال أنفقته في الجند تقوية لكم قال ألست الكاتب إلى تبدأ بنفسك وتخطب آسية بنت على وتزعم أنك ابن سليط بن عبد الله بن عباس لقد ارتقيت لا أم لك مرتقى صعبا ثم قال له وما الذى دعاك إلى قتل سليمان بن كثير مع اثره في دعوتنا وهو أحد نقبائنا من قبل أن ندخلك في هذا الامر قال أراد الخلافة فقتلته ثم قال أبو مسلم كيف يقال هذا بعد بلائى وما كان منى قال يا ابن الخبيثة لو كانت أمة مكانك لاغنت انما ذلك بدولتنا وربحنا وأكب أبو مسلم يقبل يده ويعتذر فازداد المنصور(3/183)
غضبا ثم قال أبو مسلم دع هذا فقد أصبحت لا أخاف الا الله فشتمه المنصور و صفق بيديه فخرج الحرس وضربه عثمان بن نهيك فقطع حمائل سيفه فقال استبقني لعدوك فقال لا أبقاني الله إذا وأى عدو أعدى منك وأخذه الحرس بسيوفهم حتى قتلوه وذلك لخمس بقين من شعبان سنة سبع وثلاثين وخرج الوزير أبو الجهم فصرف الناس وقال الامير قائل عند أمير المؤمنين فانصرفوا وأمر لهم بالجوائز وأعطى اسحق مائة ألف ودخل عيسى بن موسى على المنصور فسأل عنه وأخذ في الثناء على طاعته وبلائه
وذكر رأى الامام ابراهيم فيه فقال المنصور والله ما أعلم على وجه الارض عدوا أعدى لكم منه هو ذا في البساط فاسترجع عيسى فأنكر عليه المنصور وقال وهل كان لكم ملك معه ثم دعا جعفر بن حنظلة واستشاره في أمر أبى مسلم فأشار بقتله فقال له المنصور وفقك الله ثم نظر إليه قتيلا فقال له يا أمير المؤمنين عد خلافتك من هذا اليوم ثم دعا أبا اسحق عن متابعة أبى مسلم وقال تكلم بما أردت وأخرجه قتيلا فسجد أبو اسحق ثم رفع رأسه يقول الحمد لله أميت هو والله ما جئته قط الا تكفنت وتحنطت ورفع ثيابه وأراه كفنه وحنوطه فرحمه وقال له استقبل طاعتك واحمد الله الذى أراحك وكتب المنصور بعد قتل أبى مسلم إلى أبى نصر بن الهيثم على لسان أبى مسلم يأمره بحمل أثقاله وقد كان أبو مسلم أوصاه ان جاءك كتاب بخاتمي تاما فاعلم انى لم أكتبه فلما رآه كذلك فطن وانحدر إلى همذان يريد خراسان فكتب له المنصور بولاية شهرزور وكتب إلى زهير بن التركي بهمذان بحبسه فمر أبو نصر بهمذان وخادعه زهير ودعاه إلى طعامه وحبسه وجاء كتاب العهد بشهرزور لابي نصر فأطلقه زهير ثم جاءه بعد ذلك الكتاب بقتله فقال جاءني كتاب عهده فخليت سبيله وقدم أبو نصر على المنصور فعذله في اشارته على أبى مسلم بخراسان فقال نعم استنصحني فنصحت له وان استنصحني أمير المؤمنين نصحت وشكرت واستعمله على الموصل وخطب أبو جعفر الناس بعد قتل أبى مسلم وانسهم وافترق أصحابه وخرج منهم بخراسان رجل اسمه سنباد ويسمى فيروز اصبهبد وتبعه أكثر الجيال يطلبون بدم أبى مسلم وغلب على نيسابور والرى وأخذ خزائن أبى مسلم التى خلفها بالرى حين شخص إلى السفاح وسبى الحرم ونهب الاموال ولم يعرض إلى التجار وكان يظهر أنه قاصد إلى الكعبة يهدمها فسرح إليه المنصور جمهور بن حرار العجلى والتقوا على طرق المفازة بين همذان والرى فقاتلهم وهزمهم وقتل منهم نحوا من ستين ألفا وسبى ذراريهم ونساءهم ولحق سنباد بطبرستان فقتله بعض عمال صاحبها وأخذ ما معه وكتب إلى المنصور بذلك فكتب إليه المنصور في الاموال فأنكرها فسرح
إليه الجنود فهرب إلى الديلم ثم ان جمهور بن مرار لما حوى ما في عسكر سنباد ولم يبعث به(3/184)
خاف من المنصور فخلع واعتصم بالرى فسرح إليه محمد بن الاشعث في الجيوش فخرج من الرى إلى اصبهان فملكها وملك محمد الرى ثم اقتتلوا وانهزم جمهور فلحق بأذربيجان وقتله بعض أصحابه وحملوا رأسه إلى المنصور وذلك سنة ثمان وثلاثين * (حبس عبد الله بن على) * كان عبد الله بن على بعد هزيمته امام أبى مسلم لحق بالبصرة ونزل على أخيه سليمان ثم ان المنصور عزل سليمان سنة تسع وثلاثين فاختفى عبد الله وأصحابه فكتب المنصور إلى سليمان وأخيه عيسى بأمان عبد الله وقواده ومواليه واشخاصهم إلى المنصور منهما فشخصوا ولما قدما عليه فأذن لهما فاعلماه بحضور عبد الله واستأذناه له فشغلهما بالحديث وأمر بحبسه في مكان قد هيئ له في القصر فلما خرج سليمان وعيسى لم يجدا عبد الله فعلما انه قد حبس وان ذمتهما قد أخفرت فرجعا إلى المنصور فحبسا عنه وتوزع أصحاب عبد الله بين الحبس والقتل وبعث ببعضهم إلى أبى داود خالد بن ابراهيم بخراسان فقتلهم بها ولم يزل عبد الله محبوسا حتى عهد المنصور إلى المهدى سنة تسع وأربعين وأمر موسى بن عيسى فجعله بعد المهدى ودفع إليه عبد الله وأمره بقتله وخرج حاجا وسار عيسى كاتبه يونس بن فروة في قتل عبد الله بن على فقال لا تفعل فانه يقتلك به وان طلبه منك فلا ترده إليه سرا فلما قفل المنصور من الحج دس على أعمامه من يحرضهم على الشفاعة في أخيهم عبد الله فشفعهم وقال لعيسى جئنا به فقال قتلته كما أمرتنى فأنكر المنصور وقال خذوه بأخيكم فخرجوا به ليقتلوه حتى اجتمع الناس واشتهر الامر فجاء به وقال هو ذا حى سوى فجعله المنصور في بيت أساسه ملح وأجرى عليه الماء فسقط ومات * (وقعة الراوندية) *
كان هؤلاء القوم من أهل خراسان ومن أتباع أبى مسلم يقولون بالتناسخ والحلول وان روح آدم في عثمان بن نهيك وان الله حل في المنصور وجبريل في الهيثم بن معاوية فحبس المنصور نحوا من مائتين منهم فغضب الباقون واجتمعوا وحملوا بينهم نعشا كأنهم في جنازة وجاؤا إلى السجن فرموا بالنعش وأخرجوا أصحابهم وحملوا على الناس في ستمائة رجل وقصدوا قصر المنصور وخرج المنصور من القصر ماشيا وحاء معن بن زائدة الشيباني وكان مستخفيا من المنصور لقتاله مع ابن هبيرة وقد اشتد طلب المنصور له فحضر عنده هذا اليوم متلثما وترجل وأبلى ثم جاء إلى المنصور ولجام بغلته في يد الربيع حاجبه وقال تنح ذا أنا أحق بهذا اللجام في هذا الوقت وأعظم(3/185)
فنازل وقاتل حتى ظفر بالراوندية ثم سأله فانتسب فامنه واصطنعه وجاء أبو نصر مالك ابن الهيثم ووقف على باب المنصور وقال أنا اليوم بواب ثم قاتلهم أهل السوق وفتح باب المدينة ودخل الناس وحمل عليهم خازم بن خزيمة والهيثم بن شعبة حتى قتلوهم عن آخرهم وأصاب عثمان بن نهيك في الحومة سهم فمات مثه بعد أيام وجعل على الحبس بعده أخاه عيسى ثم بعده أبا العباس الطوسى وذلك كله بالهاشمية ثم أحضر معنا ورفع منزلته وأثنى عليه بما كان منه في ذلك اليوم مع عمه عيسى فقال معن والله يا أمير المؤمنين لقد جئت إلى الحومة وجلا حتى رأيت شدتك فحملني ذلك على ما رأيت منى وقيل انه كان مختفيا عند أبى الخصيب حاجب المنصور وانه جاء يوم الراوندية فاستأذن أبو الخصيب وشاوره المنصور في أمرهم فأشار ببث المال في الناس وأبى المنصور الا الركوب إليهم بنفسه فخرج بين يديه وأبلى حتى قتلوا ثم تغيب فاستدناه وأمنه وولاه على اليمن * (انتقاض خراسان ومسير المهدى إليها) * كان السفاح قد ولى على خراسان أبا داود خالد بن ابراهيم الذهلى بعد انتقاض بسام
ابن ابراهيم ومهلكه فلما كان سنة أربعين ثار به بعض الجند وهو بكشماهن وجاؤا إلى منزله فاشرف عليهم ليلا من السطح فزلت قدمه فسقط ومات ليومه وكان عصام صاحب شرطته فقام بالامر بعده ثم ولى المنصور على خراسان عبد الجبار بن عبد الرحمن فقدم عليها وحبس جماعة من القواد اتهمهم بالدعاء للعلوية منهم مجاشع ابن حريث الانصاري عامل بخارى وأبو المعرة خالد بن كثير مولى بنى تميم عامل قهستان والحريش بن محمد الذهلى ابن عم أبى داود في آخرين ثم قتل هؤلاء وألح على عمال أبى داود في استخراج المال وانتهت الشكوى إلى المنصور بذلك فقال لابي أيوب انما يريد بفناء شيعتنا الخلع فأشار عليه أبو أيوب أن تبعث من جنود خراسان لغزو الروم فإذا فارقوه بعثت إليه من شئت واستمكن منه فكتب إليه بذلك فأجاب بأن الترك قد جاشت وان فرقت الجنود خشيت على خراسان فقال له أبو أيوب اكتب إليه بأنك ممده بالجيوش وابعث معها من شئت يستمكن منه فأجاب عبد الجبار بأن خراسان مغلبة في عامها ولا تحتمل زيادة العسكر فقال له أبو يوسف هذا خلع فعاجله فبعث ابنه المهدى فسار ونزل الرى وقدم خازم بن خزيمة لحرب عبد الجبار فقاتلوه فانهزم وجاء إلى مقطنة وتوارى فيها فعبر إليه المحسد بن مزاحم من أهل مرو الروذ وجاء به إلى خازم فحمله على بعير وعليه جبة صوف ووجهه إلى عجز البعير وحمله إلى المنصور في ولده وأصحابه فبسط إليهم العذاب حتى استخرج الاموال ثم قطع يديه ورجليه وقتله(3/186)
وذلك سنة اثنتين وأربعين وبعث بولده إلى دهلك فعزلهم بها وأقام المهدى بخراسان حتى رجع إلى العراق سنة تسع وأربعين وفى سنة اثنتين وأربعين انتقض عيينة بن موسى بن كعب بالسند وكان عاملا عليها من بعد أبيه وكان أبوه يستخلف المسيب بن زهير على الشرط فخشى المسيب ان خضر عيينة عند المنصور أن يوليه على الشرط فحذره المنصور وحرضه على الخلاف فخلع
الطاعة وسار المنصور إلى البصرة وسرح من هنالك عمر بن حفص بن أبى صفوة العتكى لحرب عيينة وولاه على السند والهند فورد السند وغلب عليها وفى هذه السنة انتقض الاصبهبد بطبرستان وقتل من كان في أرضه من المسلمين فبعث المنصور مولاه أبا الخصيب وخازم بن خزيمة وروح بن حاتم في العساكر فحاصروه في حصنه مدة ثم تحيلوا ففتح لهم الحصن من داخله وقتلوا المقاتلة وسبى الذرية وكان مع الاصبهبد سم فشربه فمات * (أمر بنى العباس) * بنو هاشم حين اضطرب أمر مروان بن محمد اجتمعوا إليه وتشاوروا فيمن يعقدون له الخلافة فاتفقوا على محمد بن عبد الله بن الحسن المثنى بن على وكان يقال ان المنصور ممن بايعه تلك الليلة ولما حج أيام أخيه السفاح سنة ست وثلاثين تغيب عنه محمد وأخوه ابراهيم ولم يحضرا عنده مع بنى هاشم وسأل عنهما فقال له زياد بن عبيد الله الحرثى أنا آتيك بهما وكان بمكة فرده المنصور المدينة ثم استخلف المنصور وطفق يسأل عن محمد ويختص بنى هاشم بالسؤال سرا فكلهم يقول انك ظهرت على طلبه لهذا الامر فخافك على نفسه ويحسن العذر عنه الا الحسن بن زيد بن الحسن بن على فانه قال له والله ما آمن وثوبه عليك فانه لا ينام عنك فكان موسى بن عبد الله بن حسن يقول بعد هذا اللهم اطلب الحسن بن زيد بدماءنا ثم ان المنصور حج سنة وألح على عبد الله بن حسن في احضار ابنه محمد فاستشار عبد الله سليمان بن على في احضاره فقال له لو كان عافيا عفى عن عمه فاستمر عبد الله على الكتمان وبث المنصور العيون بين الاعراب في طلبه بسائر بوادي الحجاز ومياهها ثم كتب كتابا على لسان الشيعة إلى محمد بالطاعة والمسارعة وبعثه مع بعض عيونه إلى عبد الله وبعث معه بالمال والالطاف كانه من عندهم وكان للمنصور كاتب على سره ينشيع فكتب إلى عبد الله بن حسن بالخبر وكان محمد بجهينة وألح عليه صاحب الكتاب أمر محمد
ليدفع إليه كتاب الشيعة فقال له اذهب إلى على بن الحسن المدعو بالاغر يوصلك إليه(3/187)
في جبل جهينة فذهب وأوصله إليه ثم جاءهم حقيقة خبره من كاتب المنصور وبعثوا أبا هبار إلى محمد وعلى بن حسن يحذرهما الرجل فجاء أبو هبار إلى على بن حسن وأخبره ثم سار إلى محمد فوجد العين عنده جالسا مع أصحابه فخلا به وأخبره فقال وما الرأى قال تقتله قال لا أقارف دم مسلم قال تقيده وتحمله معك قال لا آمن عليه لكثرة الخوف والاعجال قال فتودعه عند بعض أهلك من جهينة قال هذه اذن ورجع فلم يجد الرجل ولحق بالمدينة ثم قدم على المنصور وأخبره الخبر وسمى اسم أبى هبار وكنيته وقال معه وبر فطلب أبو جعفر وبرا المرى فسأله عن أمر محمد فأنكره وحلف فضربه وحبسه ثم دعا عقبة بن سالم الازدي وبعثه منكرا بكتاب والطاف من بعض الشيعة بخراسان إلى عبد الله بن حسن ليظهر على أمره فجاءه بالكتاب فانتهره وقال لا أعرف هؤلاء القوم فلم يزل يتردد إليه حتى قبله وأنس به وسأله عقبة الجواب فقال لا أكتب لاحد ولكن أقرئهم منى سلاما واعلمهم ان ابني خارجان لوقت كذا فرجع عقبة إلى المنصور فأنشأ الحج فلما لقيه بنو حسن رفع مجالسهم وعبد الله إلى جنبه ثم دعا بالغداء فأصابوا منه ثم قال لعبد الله بن حسن قد أعطيتني العهود والمواثيق أن لا تبغيني بسوء ولا تكيد لى سلطانا فقال وأنا على ذلك فلحظ المنصور عقبة بن سالم فوقف بين عبد الله حتى ملاء عينه منه فبادر المنصور يسأله الاقالة فلم يفعل وأمر بحبسه وكان محمد يتردد في النواحى وجاء إلى البصرة فنزل في بنى راهب وقيل في بنى مرة بن عبيد وبلغ الخبر إلى المنصور فجاء إلى البصرة وقد خرج عنها محمد فلقى المنصور عمر بن عبيد فقال له يا أبا عثمان هل بالبصرة أحد نخافه على أمرنا فقال لا فانصرف واشتد الخوف على محمد وابراهيم وسار إلى عدن ثم إلى السند ثم إلى الكوفة ثم إلى المدينة وكان المنصور حج سنة أربعين وحج محمد وابراهيم وعزما على اغتيال المنصور وأبى محمد من ذلك ثم طلب
المنصور عبد الله باحضار ولديه وعنفه وهم به فضمنه زياد عامل المدينة وانصرف المنصور وقدم محمد المدينة قدمة فتلطف له زياد وأعطاه الامان له ثم قال له الحق بأى بلاد شئت وسمع المنصور فبعث أبا الازهر إلى المدينة في جمادى سنة احدى وأربعين ليستعمل على المدينة عبد العزيز بن المطلب ويقبض زيادا وأصحابه فسار بهم فحبسهم المنصور وخلف زياد ببيت المال ثمانين ألف دينار ثم استعمل على المدينة محمد ابن خالد بن عبد الله القسرى وأمره بطلب محمد وانفاق المال في ذلك فكثرت نفقته واستبطأه المنصور واستشار في عزله فأشار عليه يزيد بن أسيد السلمى من أصحابه باستعمال رباح بن عثمان بن حسان المزني فبعثه أميرا على المدينة في رمضان سنة أربع وأربعين وأطلق يده في محمد بن خالد القسرى فقدم المدينة وتهدد عبد الله(3/188)
ابن حسن في احضار ابنيه وقال له عبد الله يومئذ انك لتريق المذبوح فيها كما تذبح الشاة فاستشعر ذلك ووجد فقال له حاجبه أبو البخترى ان هذا ما اطلع على الغيب فقال ويلك والله ما قال الا ما سمع فكان كذلك ثم حبس رباح محمد بن خالد وضربه وجد في طلب محمد فأخبر أنه في شعبان رضوى من أعمال ينبع وهو جبل جهينة فبعث عامله في طلبه فأفلت منه ثم ان رباح بن مرة حبس بنى حسن وقيدهم وهم عبد الله ابن حسن بن الحسن واخوته حسن وابراهيم وجعفر وابنه موسى بن عبد الله وبنو أخيه داود واسمعيل واسحق بنو ابراهيم بن الحسن ولم يحضر معهم أخوه على العائد ثم حضر من الغد عند رباح وقال جئتك لتحبسني مع قومي فحبسه وكتب إليه المنصور أن يحبس معهم محمد بن عبد الله بن عمر بن عثمان المعروف بالديباجة وكان أخا عبد الله لامه أمهما فاطمة بنت الحسين وكان عامل مصر قد عثر على على بن محمد بن عبد الله ابن حسن بعثه أبوه إلى مصر يدعو له فأخذه وبعث به إلى المنصور فلم يزل في حبسه وسمى من أصحاب أبيه عبد الرحمن بن أبى المولى وأبا جبير فضربهما المنصور وحبسهما
وقيل عبد الله حبس أولا وحده وطال حبسه فأشار عليه أصحابه بحبس الباقين فحبسهم ثم حج المنصور سنة أربع وأربعين فلما قدم مكة بعث إليهم وهم في السجن محمد بن عمران ابن ابراهيم بن طلحة ومالك بن أنس يسألهم أن يرفعوا إليه محمدا وابراهيم ابني عبد الله فطلب عبد الله الاذن في لقائه فقال المنصور لا والله حتى يأتيني به وبابنيه وكان محسنا مقبولا لا يكلم أحدا الا أجابه إلى رأيه ثم ان المنصور قضى حجه وخرج إلى الربدة وجاء رباح ليودعه فأمر باشخاص بنى حسن ومن معهم إلى العراق فأخرجهم في القيود والاغلال وأردفهم في محامل بغير وطئ وجعفر الصادق يعاينهم من وراء ستر ويبكى وجاء محمد وابراهيم مع أبيهما عبد الله يسايرانه مستترين بزى الاعراب ويستأذنانه في الخروج فيقول لا تعجلا حتى يمكنكما وان منعتما أن تعيشا كريمين فلا تمنعا أن تموتا كريمين وانتهوا إلى الزيدية وأحضر العثماني الديقا عند المنصور فضربه مائة وخمسين سوطا بعد ملاحاة جرت بينهما أغضبت المنصور ويقال ان رباحا أغرى المنصور به وقال له ان أهل الشأم شيعته ولا يتخلف عنه منهم أحد ثم كتب أبو عون عامل خراسان إلى المنصور بأن أهل خراسان منتظرون أمر محمد بن عبد الله واحذر منهم فأمر المنصور بقتل العثماني وبعث برأسه إلى خراسان وبعث من يحلف أنه رأس محمد ابن عبد الله وان أمه فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم قدم المنصور بهم الكوفة وحبسهم بقصر ابن هبيرة يقال انه قتل محمد بن ابراهيم بن حسن منهم على اسطوانة وهو حى فمات ثم بعده عبد الله بن حسن ثم على بن حسن ويقال ان المنصور(3/189)
أمر بهم فقتلوا ولم ينج منهم الا سليمان وعبد الله ابنا داود واسحق واسمعيل ابنا ابراهيم ابن حسن وجعفر بن حسن والله أعلم * (ظهور محمد المهدى ومقتله) * ولما سار المنصور إلى العراق وحمل معه بنى حسن رجع رباح إلى المدينة وألح في طلب
محمد وهو مختف يتنقل في اختفائه من مكان إلى مكان وقد أرهقه الطلب حتى تدلى في بئر فتدلى فغمس في مائها وحتى سقط ابنه من جبل فتقطع ودل عليه رباح بالمداد فركب في طلبه فاختفى عنه ولم يره ولما اشتد عليه الطلب أجمع الخروج وأغراه أصحابه بذلك وجاء الخبر إلى رباح بأنه الليلة خارج فأحضر العباس بن عبد الله بن الحرث بن العباس ومحمد بن عمران بن ابراهيم بن محمد قاضى المدينة وغيرهما وقال لهم أمير المؤمنين يطلب محمدا شرق الارض وغربها وهو بين أظهركم والله لئن خرج ليقتلنكم أجمعين وأمر القاضى باحضار عشيرة بنى زهرة فجاؤا في جمع كثير وأجلسهم بالباب ثم أحضر نفرا من العلويين فيهم جعفر بن محمد بن الحسين وحسين بن على بن حسين بن على ورجال من قريش فيهم اسمعيل بن أيوب بن سلمة بن عبد الله بن الوليد بن المغيرة وابنه خالد وبينماهم عنده إذ سمعوا التكبير وقيل قد خرج محمد فقال له ابن مسلم ابن عقبة أعطني واضرب أعناق هؤلاء فأبى وأقبل من المداد في مائة وخمسين رجلا وقصد السجن فأخرج محمد بن خالد بن عبد الله القسرى وابن أخيه النذير بن يزيد ومن كان معهم وجعل على الرجالة خوات بن جبير وأتى دار الامارة وهو ينادى بالكف عن القتل فدخلوا من باب المقصورة وقبضوا على رباح وأخيه عباس وابن مسلم ابن عقبة فحبسهم ثم خرج إلى المسجد وخطب الناس وذكر المنصور بما نقمه عليه ووعد الناس واستنصر بهم واستعمل على المدينة عثمان بن محمد بن خالد بن الزبير وعلى قضائها عبد العزيز بن المطلب بن عبد الل المخزومى وعلى بيت السلاح عبد العزيز الدراوردى وعلى الشرط أبا الغلمش عثمان بن عبيد الله بن عبد الله بن عمر بن الخطاب وعلى ديوان العطاء عبد الله بن جعفر بن عبد الرحمن بن المسور بن مخرمة وأرسل إلى محمد بن عبد العزيز يلومه على القعود عنه فوعده بالبصرة وسار إلى مكة ولم يتخلف عن محمد من وجوه الناس الا نفر قليل منهم الضحاك بن عثمان بن عبد الله بن خالد ابن حرام وعبد الله بن المنذر بن المغيرة بن عبد الله بن خالد وأبو سلمة بن عبيد الله بن
عبد الله بن عمر وحبيب بن ثابت بن عبد الله بن الزبير واستفتى أهل المدينة مالكا في الخروج مع محمد وقالوا في أعناقنا بيعة المنصور فقال انما بايعتم مكرهين فتشارع الناس إلى محمد ولزم مالك بيته وأرسل محمد إلى اسمعيل بن عبد الله بن جعفر يدعوه(3/190)
إلى بيعته وكان شيخا كبيرا فقال أنت والله وابن أخى مقتول فكيف أبايعك فرجع الناس عنه قليلا وأسرع بنو معاوية بن عبد الله بن جعفر إلى محمد فجاءت جمادة أختهم إلى عمها اسمعيل وقالت يا عم ان مقالتك ثبطت الناس عن محمد واخوتي معه فأخشى أن يقتلوا فردها فيقال انها عدت عليه فقتلته ثم حبس محمد بن خالد القسرى بعد أن أطلقه واتهمه بالكتاب إلى المنصور فلم يزل في حبسه ولما استوى أمر محمد ركب رجل من آل أويس بن أبى سرح اسمه الحسين بن صخر وجاء إلى المنصور في تسع فخبره الخبر فقال أنت رأيته قال نعم وكلمته على منبر رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم تتابع الخبر وأشفق المنصور من أمره واستشار أهل بيته ودولته وبعث إلى عمه عبد الله وهو محبوس يستشيره فأشار عليه بأن يقصد الكوفة فانهم شيعة لاهل البيت فيملك عليهم أمرهم ويحفها بالمسالح حتى يعرف الداخل والخارج ويستدعى سالم بن قتيبة من الرى فيتحشد معه كافة أهل الشأم ويبعثه وأن يبعث العطاء في الناس فخرج المنصور إلى الكوفة ومعه عبد الله بن الربيع بن عبد الله بن عبد المدان ولما قدم الكوفة أرسل إلى يزيد بن يحيى وكان السفاح يشاوره فأشار عليه بأن يشحن الاهواز بالجنود وأشار عليه جعفر بن حنظلة الهرانى بأن يبعث الجند إلى البصرة فلما ظهر ابراهيم بتلك الناحية تبين وجه اشارتهما وقال المنصور لجعفر كيف خفت البصرة قال لان أهل المدينة ليسوا أهل حرب حبسهم أنفسهم وأهل الكوفة تحت قدمك وأهل الشأم أعداء الطالبيين ولم يبق الا البصرة ثم ان المنصور كتب إلى محمد المهدى كتاب أمان فأجابه عنه بالرد والتعريض بأمور في الانساب والاحوال فأجابه المنصور
عن كتابه بمثل ذلك وانتصف كل واحد منهما لنفسه بما ينبغى الاعراض عنه مع أنهما صحيحا مرويان نقلهما الطبري في كتاب الكامل فمن أراد الوقوف فليلتمسها في أماكنها ثم ان محمدا المهدى استعمل على مكة محمد بن الحسن بن معاوية بن عبد الله ابن جعفر وعلى اليمن القاسم بن اسحق وعلى الشأم موسى بن عبد الله فسار محمد بن الحسن إلى مكة والقاسم معه ولقيهما السرى بن عبد الله عامل مكة ببطن أذاخر فانهزم وملك محمد مكة حتى استنفره المهدى لقتال عيسى بن موسى فنفر هو والقاسم ابن عبيد الله وبلغهما قتل محمد بنواحي قديد فلحق محمد بابراهيم فكان معه بالبصرة واختفى القاسم بالمدينة حتى أخذت له الامان امرأة عيسى وهى بنت عبد الله بن محمد ابن على بن عبد الله بن جعفر وأما موسى بن عبد الله فسار إلى الشأم فلم يقبلوا منه فرجع إلى المدينة ثم لحق بالبصرة مختفيا وعثر عليه محمد بن سليمان بن على وعلى ابنه عبد الله وبعث بهما إلى المنصور فضربهما وحبسهما ثم بعث المنصور عيسى بن موسى إلى(3/191)
المدينة لقتال محمد فسار في الجنود ومعه محمد بن أبى العباس بن السفاح وكثير ابن حصين العبدى وحميد بن قحطبة وهو ازمرد وغيرهم فقال له ان ظفرت فأعمد سيفك وابذل الامان وان تغيب فخذ أهل المدينة فانهم يعرفون مذاهبه ومن لقيك من آل أبى طالب فعرفني به ومن لم يلقك فاقبض ماله وكان جعفر الصادق فيمن تغيب فقبض ماله ويقال انه طلبه من المنصور لما قدم بالمدينة بعد ذلك فقال قبضه مهديكم ولما وصل عيسى إلى فئته كتب إلى نفر من أهل المدينة ليستدعيهم منهم عبد العزيز بن المطلب المخزومى وعبيد الله بن محمد بن صفوان الجمحى وعبد الله ابن محمد بن عمر بن على بن أبى طالب فخرج إليه عبد الله هو وأخوه عمر وأبو عقيل محمد بن عبد الله بن محمد بن عقيل واستشار المهدى أصحابه في القيام بالمدينة ثم في الخندق عليها فأمر بذلك اقتداء برسول الله صلى الله عليه وسلم وحفر الخندق
الذى حفره رسول الله صلى الله عليه وسلم للاحزاب ونزل عيسى الاعرض وكان محمد قد منع الناس من الخروج فخيرهم فخرج كثير منهم بأهلهم إلى الجبال وبقى في شرذمة يسيرة ثم تدارك رأيه وأمر أبا الغلمش بردهم فأعجزوه ونزل عيسى على أربعة أميال من المدينة وبعث عسكرا إلى طريق مكة يعترضون محمدا ان انهزم إلى مكة وأرسل إلى المهدى بالامان والدعاء إلى الكتاب والسنة ويحذره عاقبة البغى فقال انما أنا رجل فررت من القتل ثم نزل عيسى بالحرف لاثنتى عشرة من رمضان سنة خمس وأربعين فقام يومين ثم وقف على مسلم ونادى بالامان لاهل المدينة وأن تخلوا بينه وبين صاحبه فشتموه فانصرف وعاد من الغد وقد فرق القواد من سائر جهات المدينة وبرز محمد في أصحابه ورايته مع عثمان بن محمد بن خالد بن الزبير وشعارهم أحد أحد وطلب أبو الغلمش من أصحابه البراز فبرز إليه أخو أسد فقتله ثم آخر فقتلوا وقال أنا ابن الفاروق وأبلى محمد المهدى يومئذ بلاء عظيما وقتل بيده سبعين رجلا ثم أمر عيسى بن موسى حميد بن قحطبة فتقدم في مائة من الرجال إلى حائط دون الخندق فهدمه وأجازوا الخندق وقاتلوا من ورائه وصابرهم أصحاب محمد إلى العصر ثم أمر عيسى أصحابه فرموا الخندق بالحقائب ونصبوا عليها الابواب وجازت الخيل واقتتلوا وانصرف محمد فاغتسل وتحنط ثم رجع فقال اترك أهل المدينة والله لا أفعل أو أقتل وأنت منى في سعة فمشى قليلا معه ثم رجع وافترق عنه جل أصحابه وبقى في ثلثمائة أو نحوها فقال له بعض أصحابه نحن اليوم في عدة أهل بدر وطفق عيسى بن حصين من أصحابه يناشده في اللحاق بالبصرة أو غيرها فيقول والله لا تبتلون بى مرتين ثم جمع بين الظهر والعصر ومضى فاحرق الديوان الذى فيه أسماء من بايعهم وجاء إلى السجن(3/192)
وقتل رياح بن عثمان وأخاه عباسا وابن مسلم بن عقبة وتوثق محمد ابن القسرى بالابواب فلم يصلوا إليه ورجع ابن حصين إلى محمد فقاتل معه وتقدم محدم إلى بطن سلع ومعه
بنو شجاع من الخمس فعرقبوا دوابهم وكسروا جفون سيوفهم واستماتوا وهزموا أصحاب عيسى مرتين أو ثلاثة وصعد نفر من أصحاب عيسى الجبل وانحدروا منه إلى المدينة ورفع بعض نسوة إلى العباس خمارا لها اسود على منارة المسجد فلما رآه أصحاب محمد وهم يقاتلون هربوا وفتح بنو غفار طريقا لاصحاب عيسى فجاؤا من وراء أصحاب محمد ونادى حميد بن قحطبة للبراز فأبى ونادى ابن حصين بالامان فلم يصغ إليه وكثرت فيه الجراح ثم قتل وقاتل محمد على شلوه فهد الناس عنه هدا حتى ضرب فسقط لركبته وطعنه ابن قحطبة في صدره ثم أخذ رأسه وأتى به عيسى فبعثه إلى المنصور مع محمد بن الكرام عبد الله بن على بن عبد الله بن جعفر وبالبشارة مع القاسم بن الحسن بن زيد ابن الحسن وأرسل معه رؤس بنى شجاع وكان قتل محمد منتصف رمضان وأرسل عيسى الالوية فنصبت بالمدينة للامان وصلب محمد وأصحابه ما بين ثنية الوداع والمدينة واستأذنت زينب أخته في دفنه بالبقيع وقطع المنصور الميرة في البحر عن المدينة حتى أذن فيها المهدى بعده وكان مع المهدى سيف على ذو الفقار فأعطاه يومئذ رجلا من التجار في دين كان له عليه فلما ولى جعفر بن سليمان المدينة أخذه منه وأعطاه من دينه ثم أخذه منه المهدى وكان الرشيد يتقلده وكان فيه ثمان عشرة فقرة وكان معه من مشاهير بنى هاشم أخو موسى وحمزة بن عبد الله بن محمد بن على بن الحسين وحسين وعلى ابنا زيد بن على وكان المنصور يقول عجبا خرجا على ونحن أخذنا بثار أبيهما وكان معه على وزيد ابنا الحسن بن زيد بن الحسن وأبوهما الحسن مع المنصور والحسن ويزيد وصالح بنو معاوية بن عبد الله بن جعفر والقاسم بن اسحق بن عبد الله بن جعفر والمرجى على بن جعفر بن اسحق بن على بن عبد الله بن جعفر وأبوه على مع المنصور ومن غير بنى هاشم محمد بن عبد الله بن عمر بن سعيد بن العاص ومحمد بن عجلان وعبد الله ابن عمر بن حفص بن عاصم وأبو بكر بن عبد الله بن محمد بن أبى سبرة أ خذ أسيرا فضرب وحبس في سجن المدينة فلم يزل محبوسا إلى أن نازل السودان بالمدينة على عبد الله بن
الربيع الحارثى وفرعنها إلى بطن نخل وملكوا المدينة ونهبوا طعام المنصور فخرج ابن أبى سبرة مقيدا وأتى المسجد وبعث إلى محمد بن عمران ومحمد بن عبد العزيز وغيرهما وبعثوا إلى السودان وردوهم عما كانوا فيه فرجعوا ولم يصل الناس يومئذ جمعة ووقف الاصبغ بن أبى سفيان بن عاصم بن عبد العزيز لصلاة العشاء ونادى أصلى بالناس على طاعة أمير المؤمنين وصلى ثم أصبح ابن أبى سبرة ورد من العبيد ما نهبوه ورجع ابن(3/193)
الربيع من بطن نخل وقطع رؤساء العبيد وكان مع محمد ابن عبد الله أيضا عبد الواحد بن أبى عون مولى الازد وعبد الله بن جعفر بن عبد الرحمن بن المسور بن مخرمة وعبد العزيز بن محمد الدراوردى وعبد الحميد بن جعفر وعبد الله بن عطاء بن يعقوب مولى بنى سباع وبنوه تسعة وعيسى وعثمان ابنا خضير وعثمان بن محمد بن خالد بن الزبير قتله المنصور من بعد ذلك لما أخذ بالبصرة وعبد العزيز ابن ابراهيم بن عبد الله بن مطيع وعلى بن المطلب بن عبد الله بن حنطب وابراهيم بن جعفر بن مصعب بن الزبير وهشام بن عميرة بن الوليد بن بن عبد الجبار وعبد الله ابن يزيد بن هرمز وغيرهم * (شأن ابراهيم بن عبد الله وظهوره ومقتله) * كان ابراهيم بن عبد الله أخو المهدى محمد قد اشتد الطلب عليه وعلى أخيه مند خمس سنين وكان ابراهيم يتنقل في النواحى بفارس وبكرمان والجبل والحجاز واليمن والشأم وحضر مرة مائدة المنصور بالموصل وجاء أخرى إلى بغداد حين خطها المنصور مع النظار على قنطرة الفرات حين شدها وطلبه فغاض في الناس فلم يوجد ووضع عليه الرصد بكل مكان ودخل بيت سفيان بن حيان العمى وكان معروفا بصحبته فتحيل على خلاصه بأن أتى المنصور وقال أنا آتيك بابراهيم فاحملني وغلامي على البريد وابعث معى الجند ففعل وجاء بالجند إلى البيت وأركب معه ابراهيم في زى غلامه وذهب بالجند إلى
البصرة ولم يزل يفرقهم على البيوت ويدخلها موهما أنه يفتشه حتى بقى وحده فاختفى وطلبه أمير البصرة سفيان بن معاوية فأعجزه وكان قدم قبل ذلك الاهواز فطلبه محمد بن حصين واختفى منه عند الحسن بن حبيب ولقى من ذلك غيا ثم قدم ابراهيم البصرة سنة خمس وأربعين بعد ظهور أخيه محمد بالمدينة يحيى بن زياد بن حيان النبطي وأنزله بداره في بنى ليث فدعا الناس إلى بيعة أخيه وكان أول من بايعه نميلة بن مرة العبسى وعبد الله بن سفيان وعبد الواحد بن زياد وعمر بن سلمة الهجيمى وعبد الله بن حى بن حصين الرقاشى وبثوا دعوته في الناس واجتمع لهم كثير من الفقهاء وأهل العلم وأحصى ديوانه أربعة آلاف واشتهر أمره ثم حولوه إلى وسط البصرة ونزل دار أبى مروان مولى بنى سليم في مقبرة ليشكر لينوب من الناس وولاه سفيان أمير البصرة على أمره وكتب إليه أخوه محمد يأمره بالظهور وكان المنصور بظاهر وأرسل من القواد مدد السفيان على ابراهيم ان ظهر ثم ان ابراهيم خرج أول رمضان من سنة خمس وأربعين وصلى الصبح في الجامع وجاء دار الامارة بابن سفيان وحبسه وحبس القواد معه وجاء جعفر ومحمد ابنا سليمان بن على في ستمائة رجل وأرسل ابراهيم إليها(3/194)
المعين بن القاسم الحدرورى في خمسين رجلا فهزمهما إلى باب زينب بنت سليمان بن على واليها ينسب الزينبيون من بنى العباس فنادى بالامان وأخذ من بيت المال ألفى ألف درهم وفرض لكل رجل من أصحابه خمسين ثم أرسل المغيرة على الاهواز في مائة رجل فغلب عليها محمد بن الحصين وهو في أربعة آلاف وأرسل عمر بن شداد إلى فارس وبها اسمعيل وعبد الصمد ابنا على فتحصنا في دارابجرد وملك عمر نواحيها فأرسل هرون ابن شمس العجلى في سبعة عشر ألفا إلى واسط فغلب عليها هرون بن حميد الايادي وملكها وأرسل المنصور لحربه عامر بن اسمعيل في خمسة آلاف وقيل في عشرين فاقتتلوا أياما ثم تهادنوا حتى يروا مال الاميرين المنصور وابراهيم ثم جاء نعى محمد إلى
أخيه ابراهيم قبل الفطر فصلى يوم العيد وأخبرهم فازدادوا حنقا على المنصور ونفر في حره وعسكر من الغد واستخلف على البصرة غيلة وابنه حسنا معه وأشار عليه أصحابه من أهل البصرة بالمقام وارسال الجنود وأمدادهم واحدا بعد واحد وأشار أهل الكوفة باللحوق إليها لان الناس في انتظارك ولو رأوك ماتوا نواعنك فسار وكتب المنصور إلى عيسى بن موسى باسراع العود والى مسلم بن قتيبة بالرى والى سالم بقصد ابراهيم وضم إليه غيرها من القواد وكتب إلى المهدى بانفاذ خزيمة بن خازم الاهواز وفارس والمدائن وواسط والسواد والى جانبه أهل الكوفة في مائة ألف يتربصون به ثم رمى كل ناحية بحجرها وأقام خمسين يوما على مصلاه ويجلس ولم ينزع عنه جبته ولا قميصه وقد توسخا ويلبس السواد إذا ظهر للناس وينزعه إذا دخل بيته وأهديت له من المدينة امرأتان فاطمة بنت محمد بن عيسى بن طلحة بن عبيد الله وأمة الكريم بنت عبد الله من ولد خالد بن أسيد فلم يحفل بهما وقال ليست هذه أيام نساء حتى أنظر رأس ابراهيم إلى أو رأسي له وقدم عليه عيسى بن موسى فبعثه لحرب ابراهيم في خمسة عشر ألفا وعلى مقدمته حميد بن قحطبة في ثلاثة آلاف وسار ابراهيم من البصرة ومائة ألف حتى نزلا بازاء عيسى بن موسى على ستة عشر فرسخا من الكوفة وأرسل إليه مسلم بن قتيبة بأن يخندق على نفسه أو يخالف عيسى إلى المنصور فهو في حف من الجنون ويكون أسهل عليك فعرض ذلك ابراهيم على أصحابه فقالوا نحن هرون وأبو جعفر في أيدينا فأسمع ذلك رسول سالم فرجع ثم تصافوا للقتال وأشار عليه بعض أصحابه أن يجعلهم كراديس ليكون أثبت والصف إذا انهزم بعضه تداعى سائره فأبى ابراهيم الا الصف صف أهل الاسلام ووافقه بقية أصحابه ثم اقتتلوا وانهزم حميد بن قحطبة وانهزم معه الناس وعرض لهم عيسى يناشدهم الله والطاعة فقال لهم حميد لا طاعة في الهزيمة ولم يبق مع عيسى الا فل قليل فثبت واستمات وبينما هو كذلك إذ قدم جعفر ومحمد بن سليمان(3/195)
ابن على وجاء من وراء ابراهيم وأصحابه فانعطفوا لقتالهم واتبعهم أصحاب عيسى ورجع المنهزمون من أصحابه بأجمعهم اعترضهم امامهم فلا يطيقون مخافة ولا وثوبة فانهزم أصحاب ابراهيم وثبت هو في ستمائة أو أربعمائة من أصحابه وحميد يقاتله ثم أصابه سهم بنحره فأنزلوه واجتمعوا عليه وقال حميد شدوا على تلك الجماعة فاحصروهم عن ابراهيم وقطعوا رأسه وجاؤا به إلى عيسى فسجد وبعثه إلى المنصور وذلك لخمس بقين من ذى القعدة الحرام سنة خمس وأربعين ولما وضع رأسه بين يدى المنصور بكى وقال والله انى كنت لهذا كارها ولكني ابتليت بك وابتليت بى ثم جلس للعامة فأذن للناس فدخلوا ومنهم من يثلب ابراهيم مرضاة للمنصور حتى دخل جعفر بن حنظلة النهرانى فسلم ثم قال عظم الله أجرك يا أمير المؤمنين في ابن عمك وغفر له ما فرط فيه من حقك فتهلل وجه المنصور وأقبل عليه وكناه بابى خالد واستدناه * (بناء مدينة بغداد) * وابتدأ المنصور سنة ست وأربعين في بناء مدينة بغداد وسبب ذلك ثورة الراوندية عليه بالهاشمية ولانه كان يكره أهل الكوفة ولا يأمن على نفسه منهم فتجافى عن جوارهم وسار إلى مكان بغداد اليوم وجمع من كان هنالك من البطارقة فسألهم عن أحوال مواضعهم في الحر والبرد والمطر والوحل والهوام واستشارهم فأشاروا عليه بمكانها وقالوا تجيئك الميرة في السفن من الشأم والرقة ومصر والمغرب إلى المصرات ومن الصين والهند والبصرة وواسط وديار بكر والروم والموصل في دجلة ومن أرمينية وما اتصل بها في تامرا حتى يتصل بالزاب وأنت بين أنها وكالخنادق لا تعبر الا على القناطر والجسور وإذا قطعتها لم يكن لعدوك مطمع وأنت متوسط بين البصرة والكوفة وواسط والموصل قريب من البر والبحر والجبل فشرع المنصور في عمارتها وكتب إلى الشأم والجبل (1) والكوفة وواسط والبصرة في الصناع والفعلة واختار من ذوى الفضل والعدالة والعفة والامانة والمعرفة بالهندسة فأحضرهم لذلك منهم الحجاج بن ارطاة وأبو حنيفة
الفقيه وأمر بخطها بالرماد فشكلت أبوابها وفضلانها وطاقاتها ونواحيها وجعل على الرماد حب القطن فاضرم نارا ثم نظر إليها وهى تشتعل فعرف رسمها وأمر أن تحفر الاسس على ذلك الرسم ووكل بها أربعة من القواد يتولى كل واحد منهم ناحية ووكل أبا حنيفة بعد الآجر واللبن وكان أراده على القضاء والمظالم فأبى فحلف أن لا يقلع عنه حتى يعمل له عملا فكان هذا وأمر المنصور أن يكون عرض أساس القصر من أسفله خمسين ذراعا ومن أعلاه عشرين وجعل في البناء القصب والخشب ووضع بيده أول لبنة وقال بسم الله والحمد لله والارض لله يورثها من يشاء من عباده والعاقبة للمتقين(3/196)
ثم قال ابنوا على بركة الله فلما بلغ مقدار قامة جاء الخبر بظهور محمد المهدى فقطع البناء وسار إلى الكوفة حتى فرغ من حرب محمد وأخيه ورجع من مدينة ابن هبيرة إلى بغداد واستمر في بنائها واستشار خالد بن برمك في نقض المدائن والايوان فقال لا أرى ذلك لانه من آثار الاسلام وفتوح العرب وفيه مصلى على بن أبى طالب فاتهمه بمحبة العجم وأمر بنقض القصر الابيض فإذا الذى ينفق في نقضه أكثر من ثمن الجديد فأقصر عنه فقال خالد لا أرى اقصارك عنه لئلا يقال عجزوا عن هدم ما بناه غيرهم فاعرض عنه ونقل الابواب إلى بغداد من واسط ومن الشأم ومن الكوفة وجعل المدينة مدورة وجعل قصره وسطها ليكون الناس منه على حد سواء وجعل المسجد الجامع بجانب القصر وعمل لها سورين والداخل أعلى من الخارج ووضع الحجاج بن ارطاة قبلة المسجد وكان وزن اللبنة التى يبنى بها مائة رطل وسبعة عشر رطلا وطولها ذراع في ذراع وكانت بيوت جماعة من الكتاب والقواد تشرع أبوابها إلى رحبة الجامع وكانت الاسواق داخل المدينة فأخرجهم إلى ناحية الكرخ لما كان الغرباء يطرقونها ويبيتون فيها وجعل الطرق أربعين ذراعا وكان مقدار النفقة عليها في المسجد والقصر والاسواق والفضلان والخنادق والابواب أربعة آلاف ألف وثمانمائة ألف وثلاثة
وثلاثين ألف درهم وكان الاستاذ من البنايين يعمل يومه بقيراط والروز كارى بحبتين وحاسب القواد عند الفراغ منها فالزم كلا بما بقى عنده وأخذه حتى أخذ من خالد بن الصلت منهم خمسة عشر درهما بعد أن حبسه عليها * (العهد للمهدى وخلع عيسى بن موسى) * كان السفاح قد عهد إلى عيسى بن موسى بن على وولاه على الكوفة فلم يزل عليها فلما كبر المهدى أراه المنصور أبوه أن يقدمه في العهد على عيسى وكان يكرمه في جلوسه فيجلس عن يمينه والمهدى عن يساره فكلمه في التأخر عن المهدى في العهد فقال يا أمير المؤمنين كيف بالايمان التى على وعلى المسلمين وأبى من ذلك فتغير له المنصور وباعده بعض الشئ وصار يأذن للمهدى قبله ولعمه عيسى بن على وعبد الصمد ثم يدخل عيسى فيجلس تحت المهدى واستمر المنصور على التنكر له وعزله عن الكوفة لثلاث عشرة سنة من ولايته وولى مكانه محمد بن سليمان بن على ثم راجع عيسى نفسه فبايع المنصور للمهدى بالعهد وجعل عيسى من بعده ويقال انه أعطاه احد عشر ألف ألف درهم ووضع الجند في الطرقات لاذاه واشهاد خالد بن برمك عليه جماعة من الشيعة بالخلع تركت جميعها لانها لا تليق بالمنصور وعدالته المقطوع بها فلا يصح من تلك الاخبار شئ(3/197)
* (خروج استادسيس) * كان رجل ادعى النبوة في جهات خراسان فاجتمع إليه نحو ثلثمائة ألف مقاتل من أهل هراة وباذغيس وسجستان وسار إليه الاخثم عامر مرو الروذ في العساكر فقاتل الاخثم وعامة أصحابه وتتابع القواد في لقائه فهزمهم وبعث المنصور وهو بالبرادق خازم بن خزيمة إلى المهدى في اثنى عشر ألفا فولاه المهدى حربه فزحف إليه في عشرين ألفا وجعل على ميمنته الهيثم بن شعبة بن ظهير وعلى ميسرته نهار بن حصن السعدى
وفى مقدمته بكار بن مسلم العقيلى ودفع لواءه للزبرقان ثم راوعهم في المزاحفة وجاء إلى موضع فخندق عليه وجعل له أربعة أبواب وأتى أصحاب استادسيس بالفوس والمواعيل ليطموا الخندق فبدؤا بالباب الذى يلى بكار بن مسلم فقاتلهم بكار وأصحابه حتى ردوهم عن بابهم فأقبلوا على باب خازم وتقدم منهم الحريش من أهل سجستان فأمر خازم الهيثم بن شعبة أن يخرج من باب بكار ويأتى العدو من خلفهم وكانوا متوقعين قدوم أبى عون وعمر بن مسلم بن قتيبة وخرج خازم على الحريش واشتد قتاله معهم وبدت أغلام الهيثم من ورائهم فكبر أهل العسكر وحملوا عليهم فكشفوهم ولقيهم أصحاب الهيثم فاستمر فيهم القتل فقتل سبعون ألفا وأسر أربعة عشر وتحصن استادسيس على حكم أبى عون فحكم بأن يوثق هو وبنوه ويعتق الباقون وكتب إلى المهدى بذلك فكتب المهدى إلى المنصور ويقال ان استادسيس أبو مراجل أم المأمون وابنه غالب خال المأمون الذى قتل الفضل بن سهل * (ولاية هشام بن عمر الثعلبي على السند) * كان على السند أيام المنصور عمر بن حفص بن عثمان بن قبيصة بن أبى صفرة ويلقب مرامي ألف رجل ولما كان من أمر المهدى ما قدمناه بعث ابنه عبد الله الاشتر إلى البصرة ليدعو له فسار من هنالك إلى عمر بن حفص وكان يتشيع فأهدى له خيلا ليتمكن بها من لقائه ثم دعاه فأجاب وبايع له وأنزله عنده مختفيا ودعا القواد وأهل البلد فأجابوا فمزق الاعلام وهيأ لبسة من البياض يخطب فيها وهو في ذلك إذ فجأه الخبر بقتل المهدى فدخل على ابنه أشتر وعزاه فقال له الله في دمى فأشار عليه باللحاق بملك من ملوك السند عظيم المملكة كان يعظم جهة النبي صلى الله عليه وسلم وكان معروفا بالوفاء فأرسل إليه بعد أن عاهده عليه واستقر عند ذلك الملك وتسلل إليه جماعة من الزيدية نحوا من أربعمائة وبلغ ذلك المنصور فغاظه وكتب إلى عمر بن حفص بعزله وأقام يفكر فيمن يوليه السند وعرض له يوما هشام بن عمر الثعلبي وهو راكب ثم اتبعه
إلى بيته وعرض عليه أخته فقال للربيع لو كانت لى حاجة في النكاح لقبلت فجزاك(3/198)
الله خيرا وقد وليتك السند فتجهز لها وأمره أن يحارب ملك السند ويسلم إليه الاشتر ففعل وأقام المنصور يستحثه ثم خرجت خارجة بالسيند فبعث هشام أخاه سفيحا لحسم الداء عنها فمر بنواحي ذلك الملك فوجد الاشتر يتنزه في شاطئ همذان في عشرة من الفرسان فجاء ليأخذه فقاتلهم حتى قتل وقتل أصحابه جميعا وكتب هشام بذلك إلى المنصور فشكره وأمر بمحاربة ذلك الملك فظفر به وغلب على مملكته وبعث بسرارى عبد الله الاشتر ومعه ولد منه اسمه عبد الله بعث بهم المنصور إلى المدينة وأسلمه إلى أهله ولما ولى هشام بن عمر على السند وعزل عمر بن حفص عنها ثم حدثت فتق بافريقية بعثه إلى سده كما سيأتي في أخبارها * (بناء الرصافة للمهدى) * ولما رجع المهدى من خراسان قدم عليه أهل بيته من الشأم والكوفة والبصرة فأجازهم وكساهم وجملهم وكذلك المنصور ثم شعب عليهم الجند فأشار عليهم قثم بن العباس ابن عبيد الله بن العباس بان يفرق بينهم ويستكفيه في ذلك وأمر بعض غلمانه أن يعترضه بدار الخلافة ويسأله بحق الله ورسله والعباس وأمير المؤمنين أبى الحسين من أشرف اليمن أم مضر فقال مضر كان منها رسول الله صلى الله عليه وسلم وفيها كتاب الله وعندها بيت الله ومنها خليفة الله فغضب اليمن إذا لم يذكر لها فضلا ثم كبح بعضهم بغلة قثم فامتنعت مضر وقطعوا الذى كبحها فتشاجرا لحيان وتعصبت لليمن ربيعة والخراسانية للدولة وأصبحوا أربع فرق وقال قثم للمنصور اضرب كل واحدة بالاخرى وسير لابنك المهدى فلل أنير له بجنده فيتناظرون أهل مدينتك فقبل رأيه وأمر صالحا صاحب المصلى ببناء الرصافة للمهدى * (مقتل معن بن زائدة) *
كان المنصور قد ولى على سجستان معن بن زائدة الشيباني وأرسل إلى رتبيل في الضريبة التى عليه فبعث بها عروضا زائدة الثمن فغضب معن وسار إلى الرحج على مقدمته يزيد ابن أخيه يزيد ففتحها وسبى أهلها وقتلهم ومضى رتبيل إلى عزمه وانصرف معن إلى بست فشتى بها ونكر قوم من الخوارج سيرته فهجموا عليه وفتكوا به في بيته وقام يزيد بأمر سجستان وقتل قاتليه واشتدت على أهل البلاد وطأته فتحيل بعضهم بأن كتب المنصور على لسانه كتابا يتضجر من كتب المهدى إليه ويسأله أن يعفى من معاملته فأغضب ذلك المنصور وأقرأ المهدى كتابه وعزله وحبسه ثم شفع فيه شخص إلى مدينة السلام فلم يزل مجفوا حتى بعث إلى يوسف البرم بخراسان كما يذكر بعد * (العمال على النواحى أيام السفاح والمنصور) *(3/199)
كان السفاح قد ولى عند بيعته على الكوفة عمه داود بن على وجعل على حجابته عبد الله بن بسام وعلى شرطته موسى بن كعب وعلى ديوان الخراج خالد بن برمك وبعث عمه عبد الله لقتال مروان مع أبى عون بن يزيد بن قحطبة تقدمة وبعث يحيى بن جعفر ابن تمام بن العباس إلى المدائن وكان أحمد بن قحطبة تقدمة وبعث أبا اليقظان عثمان بن عروة بن عمار بن ياسر إلى الاهواز مدد البسام بن ابراهيم ودفع ولاية خراسان إلى أبى مسلم فولى أبو مسلم عليها ايادا وخالد بن ابراهيم وبعث عمه عبد الله في مقدمته لحرب مروان أخاه صالحا ومعه أبو عون بن يزيد فلما ظفر وانصرف ترك أبا عون يزيد بمصر واستقل عبد الله بولاية الشأم وولى السفاح أخاه أبا جعفر على الجزيرة وارمينية واذربيجان فولى على ارمينية يزيد بن أسد وعلى اذربيجان محمد بن صول ونزل الجزيرة وكان أبو مسلم ولى على فارس محمد بن الاشعث حين قتل أبا مسلمة الخلال فبعث السفاح عليها عيسى فمنعه محمد بن الاشعث واستخلفه على الولاية فبعث عليها عمه اسمعيل وولى على الكوفة ابن أخيه موسى وعلى البصرة سفيان بن معاوية المهلبى وعلى السند منصور بن جمهور
ونقل عمه داود إلى ولاية الحجاز واليمن واليمامة ثم ولى على البصرة وأعمالها وكور دجلة والبحرين وعمان وتوفى داود بن على سنة ثلاث وثلاثين فولى مكانه على اليمن محمد بن يزيد بن عبد الله بن عبد المدان وعلى مكة والمدينة والطائف واليمامة خاله زياد بن عبد الله بن عبد المدان الحارثى وهو عم محمد بن يزيد وفيها بعث محمد بن الاشعث إلى افريقية ففتحها وفى سنة أربع وثلاثين بعث صاحب الشرطة موسى بن كعب لقتال منصور بن جمهور وولاه مكانه على السند فاستخلف مكانه على الشرطة المسيب بن زهير وتوفى عامل اليمن محمد بن يزيد فولى مكانه على بن الربيع بن عبيد الله الحارثى ولما استخلف المنصور وانتقض عبد الله بن على وأبو مسلم ولى على خراسان أبا داود خالد بن ابراهيم وعلى مصر صالح بن على وعلى الشام ثم هلك خالد ابن ابراهيم سنة أربعين فولى مكانه عبد الجبار بن عبد الرحمن فانتقض لسنة من ولايته فبعث المنصور ابنه المهدى على خراسان وفى مقدمته خازم بن خزيمة فظفر بعبد الجبار وتوفى سليمان عامل البصرة سنة أربعين فولى مكانه سفيان بن معاوية ومات موسى بن كعب بالسند وولى مكانه ابنه عيينة فانتقض فبعث المنصور مكانه عمر بن حفص بن أبى صفرة وولى على مصر في هذه السنة حميد بن قحطبة وولى على الجزيرة والثغور والعواصم أخاه العباس بن محمد وكان بها يزيد بن أسيد وعزل عمه اسمعيل عن الموصل وولى مكانه مالك بن الهيثم الخزاعى وفى سنة ست وأربعين عزل الهيثم بن معاوية وولى على مكة والطائف مكانه السرى بن عبد الله بن الحرث بن العباس نقله(3/200)
إليها من اليمامة وولى مكانه من اليمن قثم بن العباس بن عبد الله بن العباس وعزل حميد ابن قحطبة عن مصر وولى مكانه نوفل بن الفرات ثم عزله وولى مكانه يزيد بن حاتم بن قبيصة ابن المهلب بن أبى صفرة وولى على المدينة محمد بن خالد بن عبد الله القسرى ثم اتهمه في أمر ابن أبى الحسن فعزله وولى مكانه رباح بن عثمان المزني ولما قتله أصحاب محمد
المهدى ولى مكانه عبد الله بن الربيع الحارثى ولما قتل ابراهيم أخو المهدى سنة خمس وأربعين ولى المنصور على البصرة سالم بن قتيبة الباهلى وولى على الموصل ابنه جعفرا مكان مالك بن الهيثم وبعث معه حرب بن عبد الله بن أكابر قواده ثم عزل سالم بن قتيبة عن البصرة سنة ست وأربعين وولى مكانه محمد بن سليمان وعزل عبد الله بن الربيع عن المدينة وولى مكانه جعفر بن سليمان وعزل السرى بن عبد الله عن مكة وولى مكانه عمه عبد الصمد بن على وولى سنة سبع وأربعين على الكوفة محمد بن سليمان مكان عيسى بن موسى لما سخطه بسبب العهد وولى مكان محمد بن سليمان على البصرة محمد ابن السفاح فاستعفاه ورجع إلى بغداد فمات واستخلف بها عقبة بن سالم فأقره وولى على المدينة جعفر بن سليمان وولى سنة ثمان وأربعين على الموصل خالد بن برمك لافساد الاكراد في نواحيها وعزل سنة تسع وأربعين عمه عبد الصمد عن مكة وولى مكانه محمد بن ابراهيم وفى سنة خمسين عزل جعفر بن سليمان عن المدينة وولى مكانه الحسن ابن زيد بن الحسن وفى سنة احدى وخمسين عزل عمر بن حفص عن السند وولى مكانه هشام بن عمرو الثعلبي وولى عمر بن حفص على افريقية ثم بعث يزيد بن حاتم من مصر مددا له وولى مكانه بمصر محمد بن سعيد وفى هذه السنة قتل معن بن زائدة بسجستان كما تقدم فقام بأمره يزيد ابن أخيه يزيد فأقره المنصور ثم عزله وفى هذه السنة سار عقبة بن سالم بن البصرة واستخلف نافع بن عقبة فغزا البحرين وقتل ابن حكيم العدوى واستقصره المنصور باطلاق أسراهم فعزله وولى جابر بن مومة الكلابي ثم عزله وولى مكانه عبد الملك بن طيبان النهيرى ثم عزله وولى الهيثم بن معاوية العكى وفيها ولى على مكة والطائف محمد بن ابراهيم الامام ثم عزله وولى مكانه ابراهيم ابن أخيه يحيى ابن محمد وولى على الموصل اسمعيل بن خالد بن عبد الله القسرى ومات أسيد بن عبد الله أمير خراسان فولى مكانه حميد بن قحطبة وفى سنة ثلاث وخمسين توفى عبيد الله ابن بنت أبى ليلى قاضى الكوفة فاستقضى شريك بن عبد الله النخعي وكان على اليمن يزيد بن
منصور وفى سنة خمس وأربعين بل أربع وخمسين عزل عن الجزيرة أخاه العباس وأغرمه مالا وولى مكانه موسى بن كعب الخثعمي وكان سبب عزله شكاية يزيد بن أسيد منه ولم يزل ساخطا على العباس حتى غضب على عمه اسمعيل فشفع فيه اخوته عمومة(3/201)
المنصور فقال عيسى بن موسى يا أمير المؤمنين شفعوا في أخيهم وأنت ساخط على أخيك العباس منذ كذا ولم يكلمك فيه أحد منهم فرضى عنه وفى سنة خمس وخمسين عزل محمد ابن سليمان عن الكوفة وولى مكانه عمر بن زهير الضبى أخا المسيب صاحب الشرطة وكان من أسباب عزله انه حبس عبد الكريم بن أبى العوجاء خال معن بن زائدة على الزندقة وكتب إليه أن يتبين أمره فقتله قبل وصول الكتاب فغضب عليه المنصور وقال لقد هممت أن أقيده به وعزل عمه عيسى في أمره لانه الذى كان أشار بولايته وفيها عزل الحسن بن زيد عن المدينة وولى مكانه عمه عبد الصمد بن على وكان على الاهواز وفارس عمارة بن حمزة وفى سنة سبع وخمسين ولى على البحرين سعيد بن دعلج صاحب الشرطة بالبصرة فأنفذ إليها ابنه تميما ومات سوار بن عبد الله قاضى البصرة فولى مكانه عبيد الله بن الحسن بن الحصين العيرى وعزل محمد بن الكاتب عن مصر وولى مكانه مولاه مطرا وعزل هشام بن عمر عن السند وولى مكانه معبد بن الخليل وفى سنة ثمان وخمسين عزل موسى بن كعب عن الموصل لشئ بلغه عنه فأمر ابنه المهدى أن يسير إلى الرقة موريا بزيارة القدس ويكفل طريقه على الموصل فقبض عليه وكان المنصور قد ألزم خالد بن برمك ثلاثة آلاف ألف درهم وأجله في احضارها ثلاثا والا قتله فبعث ابنه يحيى إلى عمارة بن حمزة ومبارك التركي وصالح صاحب المصلى وغيرهم من القواد ليستقرض منهم قال يحيى فكلهم بعث الا أن منهم من منعنى الدخول ومنهم من يجيبنى بالرد الا عمارة بن حمزة فانه أذن لى ووجهه إلى الحائط ولم يقبل على وسلمت فرد خفيفا وسأل كيف خالد فعرفته واستقرضته فقال ان أمكننى شئ يأتيك فانصرفت عنه ثم أنفذ
المال فجمعناه في يومين وتعذرت ثلثمائة ألف وورد على المنصور انتقاض الموصل والجزيرة وانتشار الاكراد بها وسخط موسى بن كعب فأشار عليه المسيب بن زهير بخالد ابن برمك فقال كيف يصلح بعد ما فعلنا فقال أنا ضامنه فصفح له عما بقى عليه وعقد له على الموصل ولابنه يحيى على أذربيجان وسارا مع المهدى فعزل موسى بن كعب وولاهما قال يحيى وبعثنى خالد إلى عمارة بقرضه وكان مائة ألف فقال لى أكنت لابيك صديقا قم عنى لاقمت ولم يزل خالد على الموصل إلى وفاة المنصور وفى هذه السنة عزل المنصور المسيب بن زهير عن شرطته وحبسه مقيدا لانه ضرب أبان بن بشير الكاتب بالسياط حتى قتله وكان مع أخيه عمر بن زهير بالكوفة وولى المنصور على فارس نصر بن حرب بن عبد الله ثم على الشرطة ببغداد عمر بن عبد الرحمن أخا عبد الجبار وعلى قضائها عبد الله بن محمد بن صفوان ثم شفع المهدى في المسيب وأعاده إلى شرطته * (الصوائف) *(3/202)
كان أمر الصوائف قد انقطع منذ سنة ثلاثين بما وقع من الفتن فلما كانت سنة ثلاث وثلاثين أقبل قسطنطين ملك الروم إلى ملطية ونواحيها فنازل حصن بلخ واستنجدوا أهل ملطية فأمدوهم بثمانمائة مقاتل فهزمهم الروم وحاصروا ملطية والجزيرة مفتوحة وعاملها موسى بن كعب بخراسان فسلموا البلد على الامان لقسطنطين ودخلوا إلى الجزيرة وخرب الروم ملطية ثم ساروا إلى قاليقلا ففتحوها وفى هذه السنة سار أبو داود وخالد بن ابراهيم إلى الجتن فدخلها فلم تمتنع عليه وتحصن منه السبيل ملكهم وحاصره مدة ثم فرض الحصن ولحق بفرغانة ثم دخلوا بلاد الترك وانتهوا إلى بلد الصين وفيها بعث صالح بن على بن فلسطين سعيد بن عبد الله لغزو الصائفة وراء الدروب وفى سنة خمس وثلاثين غزا عبد الرحم ن بن حبيب عامل افريقية جزيرة صقلية فغنم وسبى وظفر بما لم يظفر به أحد قبله ثم سفل ولاة افريقية بفتن البربر فأمن أهل
صقلية وعمر الحصون والمعاقل وجعلوا الاساطيل تطوف بصقلية للحراسة وربما صادفوا تجار المسلمين في البحر فأخذوهم وفى سنة ثمان وثلاثين خرج قسطنطين ملك الروم فأخذ ملطية عنوة وهدم سورها وعفا عن أهلها فغزا العباس بن محمد الصائفة ومعه عماه صالح وعيسى وبنى ما خربه الروم من سور ملطية من سورة الروم ورد إليها أهلها وأنزل بها الجند ودخل دار الحرب من درب الحرث وتوغل في أرضهم ودخل جعفر بن حنظلة البهرانى من درب ملطية وفى سنة تسع وثلاثين كان الفداء بين المسلمين والروم في اسرى قاليقلا وغيرهم ثم غزا بالصائفة سنة أربعين عبد الوهاب بن ابراهيم الامام ومعه الحسن بن قحطبة وسار إليهم قسطنطين ملك الروم في مائة ألف فبلغ جيحان وسمع كثرة المسلمين فأحجم عنهم ورجع ولم تكن بعدها صائفة إلى سنة ست وأربعين لاشتغال المنصور بفتنة بنى حسن وفى سنة ست وأربعين خرج الترك والحدر بن باب الابواب وانتهوا إلى ارمينية وقتلوا من أهلها جماعة ورجعوا وفى سنة سبع وأربعين أغار استرخان الخوارزمي في جمع من الترك على أرمينية فغنم وسبى ودخل تفليس فعاث فيها وكان حرب بن عبد الله مقيما بالموصل في ألفين من الجند لمكان الخوارزمي بالجزيرة فأمره المنصور بالمسير لحرب الترك مع جبريل بن يحيى فانهزموا وقتل حرب في كثير من المسلمين وفيها غزا بالصائفة مالك بن عبد الله الخثعمي من أهل فلسطين ويقال له ملك الصوائف فغنم غنائم كثيرة وقسمها بدرب الحرث وفى سنة تسع وأربعين غزا بالصائفة العباس بن محمد ومعه الحسن بن قحطبة ومحمد بن الاشعث فدخلوا أرض الروم وعاثوا ورجعوا ومات محمد بن الاشعث في طريقه في سنة احدى وخمسين وقتل أخوه محمد ولم يدر ثم غزا بالصائفة سنة أربع وخمسين زفر بن عاصم الهلالي وفى سنة خمس(3/203)
بعدها طلب ملك الروم الصلح على أن يؤدى الجزية وغزا بالصائفة يزيد بن أسيد السلمى وغزا بها سنة ست وخمسين وغزا بالصائفة معيوب بن يحيى من درب الحرثى ولقى العدو
فاقتتلوا ثم تحاجزوا * (وفاة المنصور وبيعة المهدى) * وفى سنة ثمان وخمسين توفى المنصور منصرفا من الحج ببئر ميمون لست خلت من ذى الحجة وكان قد أوصى المهدى عند وداعه فقال لم أدع شيأ الا تقدمت اليك فيه وسأوصيك بخصال وما أظنك تفعل واحدة منها وله سفط فيه دفاتر علمه وعليه قفل لا يفتحه غيره فقال للمهدى انظر إلى هذا السفط فاحتفظ به فان فيه علم آبائك ما كان وما هو كائن إلى يوم القيامة فان أحزنك أمر فانظر في الدفتر الكبير فان أصبت فيه ما تريد والا ففى الثاني والثالث حتى تبلغ سبعة فان ثقل عليك فالكراسة الصغيرة فانك واجد ما تريد فيها وما أظنك تفعل فانظر هذه المدينة واياك أن تستبدل بها غيرها وقد جمعت فيها من الاموال ما أنكر عليك الخراج عشر سنين كفاك لارزاق الجند والنفقات والذرية ومصلحة البيوت فاحتفظ بها فانك لا تزال عزيزا ما دام بيت مالك عامرا وما أظنك تفعل وأوصيك بأهل بيتك وأن تظهر كرامتهم وتحسن إليهم وتقدمهم وتوطئ الناس أعقابهم وتوليهم المنابر فان عزك عزهم وذكرهم لك وما أظنك تفعل وأوصيك بأهل خراسان خيرا فانهم انصارك وشيعتك الذين بذلوا أموالهم ودماءهم في دولتك وأن لا تخرج محبتك من قلوبهم وأن تحسن إليهم وتتجاوز عن مسيئهم وتكافثهم عما كان منهم وتخلف من مات منهم في أهله وولده وما أظنك تفعل واياك أن تبنى مدينة الشرقية فانك لا تتم بناءها وأظنك ستفعل واياك أن تستعين برجل من بنى سليم وأظنك ستفعل واياك أن تدخل النساء في أمرك وأظنك ستفعل وقيل قال له انى ولدت في ذى الحجة ووليت في ذى الحجة وقد يحس في نفسي أن أموت في ذى الحجة في هذه السنة وانما حد لى الحج على ذلك فاتق الله فيما أعهد اليك من أمور المسلمين بعدى يجعل لك فيما كربك وحزنك فرجا ومخرجا ويرزقك السلامة وحسن العاقبة من حيث لا تحتسب يا بنى احفظ محمدا صلى الله عليه وسلم في أمته يحفظك الله ويحفظ عليك
أمورك واياك والدم الحرام فانه حوب عند الله عظيم وعار في الدنيا لازم مقيم والزم الحدود فان فيها صلاحك في الآجل وصلاحك في العاجل ولا تعتد فيها فتبور فان الله تعالى لو علم ان شيأ أصلح منها لدينه وأزجر عنى معاصيه لامر به في كتابه واعلم ان من شدة غضب الله لسلطانه أمر في كتابه بتضعيف العذاب والعقاب على من سعى في الارض فسادا مع ما ادخر له من العذاب الاليم فقال انما جزاء الذين يحاربون الله(3/204)
ورسوله ويسعون في الارض فسادا الآية فالسلطان يا بنى حبل الله المتين وعروته الوثقى ودينه المقيم فاحفظه وحصنه وذب عنه وأوقع بالملحدين واقمع المارقين منه وقابل الخارجين عنه بالعقاب ولا تجاوز ما أمر الله به في محكم القرآن واحكم بالعدل ولا تشطط فان ذلك أقطع للشعث وأحسم للعدو وأنجع في الدواء واعف عن الفئ فليس بك إليه حاجة مع ما أخلفه لك وافتتح بصلة الرحم وبر القرابة واياك والاثرة والتبديد لاموال الرعية واشحن الثغور واضبط الاطراف وأمن السبيل وسكن العامة وأدخل المرافق عليهم وارفع المكاره عنهم وأعد الاموال واخزنها واياك والنبديد فان النوائب غير مأمونة وهى من شيم الزمان وأعد الاكراع والرجال والجند ما استطعت واياك وتأخير عمل اليوم لغد فتتداول الامور وتضيع وخذ في احكام الامور والنازلات في أوقاتها أولا أولا واجتهد وشمر فيها وأعد رجالا بالليل لمعرفة ما يكون بالنهار ورجالا بالنهار لمعرفة ما يكون بالليل وباشر الامور بنفسك ولا تضجر ولا تكسل واستعمل حسن الظن وأسئ الظن بعملك وكتابك وخذ نفسك بالتيقظ وتفقد من يبيت على بابك وسهل اذنك للناس وانظر في أمر النزاع اليك وكل بهم عينا غير نائمة ونفسا غير ساهية ولا تنم فان أباك لم ينم منذ ولى الخلافة ولا دخل عينه الغمض الا وقلبه مستيقظ هذه وصيتى اليك والله خليفتي عليك ثم ودعه وسار إلى الكوفة فأحرم منها فارنا وساق الهدى وأشعره وقلده لايام خلت من ذى القعدة ولما سار منازل عرض له وجعه الذى مات به
ثم اشتد فجعل يقول للربيع وكان عديله بادر بى إلى حرم ربى هاربا من ذنوبي فلما وصل بئر ميمون مات سحر السادس من ذى الحجة لم يحضر الا خدمه والربيع مولاه فكتموا الامر ثم غدا أهل بيته على عادتهم فدعا عيسى بن على العم ثم عيسى بن موسى بن محمد ولى العهد ثم الاكابر وذوى الانساب ثم عامتهم فبايعهم الربيع للمهدى ثم بايع القواد وعامة الناس وسار العباس بن محمد ومحمد بن سليمان إلى مكة فبايعا الناس للمهدى بين الركن والمقام وجهزوه إلى قبره وصلى عليه عيسى بن موسى وقيل ابراهيم بن يحيى ودفن في مقبرة المعلاة وذلك لاثنتين وعشرين سنة من خلافته وذكر على بن محمد النوفلي عن أبيه وهو من أهل البصرة وكان يختلف إلى المنصور تلك الايام قال جئت من مكة صبيحة موته إلى العسكر فإذا موسى بن المهدى عند عمود السرادق والقاسم بن المنصور في ناحية فعلمت انه قد مات ثم أقبل الحسن بن زيد العلوى والناس حتى ملؤا السرادق وسمعنا همس البكاء ثم خرج أبو العنبر الخادم مشقوق الاقبية وعلى رأسه التراب وهو يستغيث وقام القاسم فشق ثيابه ثم خرج الربيع وفى يده قرطاس فقرأه على الناس وفيه بسم الله الرحمن الرحيم من عبد الله المنصور أمير المؤمنين إلى من خلف(3/205)
من بنى هاشم وشيعة من أهل خراسان وعامة المسلمين ثم بكى وبكى الناس ثم قال البكاء امامكم فانصتوا رحمكم الله ثم قرأ أما بعد فانى كتبت كتابي هذا وأنا حى في آخر يوم من أيام الدنيا اقرأ عليكم السلام وأسأل الله أن لا يفتنكم بعدى ولا يلبسكم شيعا ولا يذيق بعضكم بأس بعض ثم أخذ في وصيتهم للمهدى وحثهم على الوفاء بعهده ثم تناول الحسن بن زيد وقال قم فبايع فبايع موسى بن المهدى لابيه ثم بايع الناس الاول فالاول ثم دخل بنو هاشم وهو في أكفانه مكشوف الرأس لمكان الاحرام فحملوه على ثلاثة أميال من مكة فدفنوه وكان عيسى بن موسى لما بايع الناس أبى من الشيعة فقال له على بن عيسى بن ماهان والله لتبايعن والا ضربنا عنقك ثم بعث موسى
ابن المهدى والربيع بالخبر والبردة والقضيب وخاتم الخلافة إلى المهدى وخرجوا من مكة ولما وصل الخبر إلى المهدى منتصف ذى الحجة اجتمع إليه أهل بغداد وبايعوه وكان أول ما فعله المهدى حين بويع انه أطلق من كان في حبس المنصور الا من كان في دم أو مال أو ممن يسعى بالفساد وكان فيمن أطلق يعقوب بن داود وكان محبوسا مع الحسن ابن ابراهيم بن عبد الله بن حسن بن الحسن فلما أطلق ساء ظن ابراهيم وبعث إلى من يثق به بحفر سرب يفضى إلى محبسه وبلغ ذلك يعقوب بن داود فجاء إلى ابن علاثة القاضى وأوصله إلى أبى عبيد الله الوزير ليوصله إلى المهدى فأوصله واستخلاه فلم يحدثه حتى قام الوزير والقاضى وأخبره بتحقيق الحال فأمره بتحويل الحسن ثم هرب بعد ذلك ولم يظفر به وشاور يعقوب بن داود في أمره فقال أعطه الامان وأنا أحضره وأحضره ثم طلب من المهدى أن يجعل له السبيل في رفع أمور الناس وراء بابه إليه فأذن له وكان يدخل كلما أرادو يرفع إليه النصائح في أمر الثغور وبناء الحصون وتقوية الغزاة وترويح العذاب وفكاك الاسرى والمحبوسين والقضاء عن الغارمين والصدقة على المتعففين فخطى بذلك وتقدمت منزلته وسقطت منزلة أبى عبد الله ووصله المهدى بمائة ألف وكتب له التوقيع بالاخاء في الله * (ظهور المقنع ومهلكه) * كان هذا المقنع من أهل مرو ويسمى حكيما وهاشميا وكان يقول بالتناسخ وأن الله خلق آدم فتحول في صورته ثم في صورة نوح ثم إلى أبى مسلم ثم إلى هاشم وهو المقنع فظهر بخراسان وادعى الالهية واتخذ وجها من ذهب فجعله على وجهه فسمى المقنع وأنكر قتل يحيى بن زيد وزعم أنه يأخذ بثاره وتبعه خلق عظيم من الناس وكانوا يسجدون له وتحصن بقلعة بسام من رماتيق كش وكان قد ظهر ببخارى والصغد جماعة من المبيضة فاجتمعوا معه على الخلاف وأعانهم كفار الاتراك وأغاروا على المسلمين(3/206)
من ناحيتهم وحاربهم أبو النعمان والجنيد وليث بن نصر بن سيار فقتلوا أخاه محمد ابن نصر وحسان ابن أخيه تميم وأنفذ المهدى إليهم جبريل بن يحيى وأخاه يزيد لقتال المبيضة فقاتلوهم أربعة أشهر في بعض حصون بخارى وملكوه عنوة فقتل منهم سبعمائة ولحق فلهم بالمقنع وجبريل في اتباعهم ثم بعث المهدى أبا عون لمحاربة المقنع فلم يبالغ في قتاله فبعث معاذ بن مسلم في جماعة القواد والعساكر وعلى مقدمته سعيد الحريشى وأتاه عقبة بن مسلم من ذم فاجتمعوا بالطواويس وأوقعوا بأصحاب المقنع فهزموهم ولحق فلهم بالمقنع في بسام فتحصنوا بها وجاء معاذ فنازلهم وفسد ما بينه وبين الحريشى فكتب الحريشى إلى المهدى بالسعاية في معاذ ويضمن الكفاية ان أفرد بالحرب فأجابه المهدى إلى ذلك وانفرد بحرب المقنع وأمده معاذ بابنه وجاؤا بآلات الحرب حتى طلب أصحاب المقنع الامان سرا فامنهم وخرج إليه ثلاثون ألفا وبقى معه زهاء ألفين وضايقوه بالحصار فأيقن بالهلاك وجمع نساءه وأهله فيقال سقاهم السم ويقال بل أحرقهم وأحرق نفسه بالنار ودخلوا القلعة وبعث الحريشى برأس المقنع إلى المهدى فوصل إليه بحلب سنة ثلاث وتسعين * (الولاة أيام المهدى) * وعزل المهدى سنة تسع وخمسين عمه اسمعيل عن الكوفة وولى عليها اسحق بن الصفاح الكندى ثم الاشعى وقتل عيسى بن لقمان بن محمد بن صاحب الجمحى وعزل سعيد بن دعلج عن احداث البصرة وعبيد الله بن الحسن عن الصلاة وولى مكانهما عبد الملك بن أيوب ابن طيبان الفهيرى ثم جعل الاحداث إلى عمارة بن حمزة فولاها للسود بن عبد الله الباهلى وعزل قثم بن العباس عن اليمامة وولى مكانه الفضل بن صالح وعزل مطرا مولى المنصور عن مصر وولى مكانه أبا ضمرة محمد بن سليمان وعزل عبد الصمد بن على عن المدينة وولى مكانه محمد بن عبد الله الكثيرى ثم عزله وولى عبد الله بن محمد بن عبد الرحمن بن صفوان ثم عزله وولى مكانه زفر بن عاصم الهلالي وتوفى معبد بن الخليل
عامل السند فولى مكانه روح بن حاتم باشارة وزيره أبى عبد الله وتوفى حميد بن قحطبة بخراسان فولى عليها مكانه أبا عون عبد الملك بن يزيد ثم سخطه سنة ستين فعزله وولى معاذ بن مسلم وولى على سجستان حمزة بن يحيى وعلى سمرقند جبريل بن يحيى فبنى سورها وحصنها وكان على اليمن رجاء بن روح وولى على قضاء الكوفة شريك وولى على فارس والاهواز ودجلة قاضى البصرة عبيد الله بن الحسن ثم عزله وولى مكانه محمد بن سليمان وولى على السند بسطام بن عمر وولى على اليمامة بشر ابن المنذر وفى سنة احدى وتسعين ولى على السند محمد بن الاشعث واستقضى عافية(3/207)
القاضى مع ابن علاثة بالرصافة وعزل الفضل بن صالح عن الجزيرة وولى مكانه عبد الصمد بن على وولى عيسى بن لقمان على مصر ويزيد بن منصور على سواد الكوفة وحسان السرورى على الموصل وبسطام بن عمرو الثعلبي على أذربيجان وعزله عن السند وتوفى نصر بن مالك بن صالح صاحب الشرطة فولى مكانه حمزة بن مالك وكان الا بان بن صدقة كاتبا للرشيد فصرفه وجعله مع الهادى وجعل هو مع هررن يحيى ابن خالد وعزل محمد بن سليمان أبا ضمرة عن مصر وولى مكانه سليمان بن رجاء وكان على سواد الكوفة يزيد بن منصور وعلى احداثها اسحق بن منصور وفى سنة ست وستين عزل على بن سليمان عن اليمن وولى مكانه عبد الله بن سليمان وعزل مسلمة بن رجاء عن مصر وولى مكانه عيسى بن لقمان ثم عزله لاشهر وولى مكانه مولاه واضحا ثم عزله وولى مكانه يحيى الحريشى وكان على طبرستان عمر بن العلاء وسعيد بن دعلج وعلى جرجان مهليل بن صفوان ووضع ديوان الارمة وولى عليها عمر بن يزيع مولاه * (العهد للهادي وخلع عيسى) * كان جماعة من بنى هاشم وشيعة المهدى خاضوا في خلع عيسى بن موسى من ولاية العهد والبيعة لموسى الهادى بن المهدى ونمى ذلك إلى المهدى فسر به واستقدم عيسى
ابن موسى من منزله بالرحبة من أعمال الكوفة فامتنع من العدوا فاستعمل المهدى على الكوفة روح بن حاتم وأوصاه بالافراه فلم يجد سبيلا إلى ذلك وكان عيسى لا يدخل الكوفة الا يوم جمعة أو عيد وبعث إليه المهدى يتهدده فلم يجب ثم بعث عمه العباس يستقدمه فلم يحضر فبعث قائدين من الشيعة فاستحضراه إليه وقدم على عسكر المهدى وأقام أياما يختلف إليه ولا يكلم بشئ حضر الدار يوما وقد اجتمع رؤساء الشيعة لخلعه فثاروا به وأغلق الباب الذى كان خلفه فكسروه وأظهر المهدى النكير عليهم فلم يرجعوا إلى أن كاشفه أكابر أهل بيته وأشدهم محمد بن سليمان واعتذر بالايمان التى عليه فأحضر المهدى القضاة والفقهاء وفيهم محمد بن علاثة ومسلم بن خالد الزنجي فأفتوه بمخارج الايمان وخلع نفسه وأعطاه المهدى عشرة آلاف درهم وضياعا وشكر وبايع لابنه موسى الهادى بالعهد ثم جلس المهدى من الغد وأحضر أهل بيته وأخذ بيعتهم وخرج إلى الجامع وعيسى معه فخطب وأعلم الناس ببيعة الهادى ودعاهم إليها فبادروا وأشهد عيسى بالخلع * (فتح باربد من السند) * وبعث المهدى سنة تسع وخمسين عبد الملك بن شهاب المسمعى في جمع كثير من الجند(3/208)
والمقطوعة إلى بلاد الهند فركبوا البحر من فارس ونزلوا بأرض الهند وفتحوا باربد فافتتحوها عنوة ولجأ أهلها إلى البد فأحرقوه عليهم فاحترق بعض وقتل الباقون واستشهد من المسلمين بضعة وعشرون وأقاموا بعض أيام إلى أن يطيب الريح فوقع فبهم موتان فهلك ألف فيهم ابراهيم بن صبيح ثم ركبوا البحر إلى فارس فلما انتهوا إلى ساحل حران عصفت بهم الريح فانكسرت عامة مراكبهم وغرق الكثير منهم * (حج المهدى) * وفى سنة ستين حج المهدى واستخلف على بغداد ابنه الهادى وخاله يزيد بن منصور
واستصحب ابنه هرون وجماعة من أهل بيته وكان معه الوزير يعقوب بن داود فجاء في مكة بالحسن بن ابراهيم الذى ضمنه على الامان فوصله المهدى وأقطعه ولما وصل إلى مكة اهتم بكسوة الكعبة فكساها بأفخر الكسوة بعد أن نزع ما كان عليها وكانت فيها كسوة هشام بن عبد الملك من الديباج الثخين وقسم مالا عظيما هنالك في مصارف الخير فكان منه مما جاء به من العراق ثلاثون ألف درهم ووصل إليه مر مصر ثلثمائة ألف دينار ومن اليمن مائة ألف دينار ففرق ذلك كله وفرق مائة ألف ثوب وخمسين ألف ثوب ووسع المسجد ونقل خمسمائة من الانصار إلى العراق جعلهم في حرسه وأقطع لهم وأجرى الارزاق ولما رجع أمر ببناء القصور بطريق مكة أوسع من قصور المنصور من القادسية إلى زبالة وأمر باتخاذ المصانع في كل منها منهل وبتجديد الاميال وحفر الآبار وولى على ذلك بقطير بن موسى وأمر بالزيادة في مسجد البصرة وتصغير المنابر إلى مقدار منبر النبي صلى الله عليه وسلم وأمر في سنة سبع وستين بالزيادة في الحرمين على يد بقطير فدخلت فيه دور كثيرة ولم يزل البناء فيهما إلى وفاة المهدى * (نكبة الوزير أبى عبد الله) * كان أبو عبد الله الاشعري قد اتصل بالمهدي أيام أبيه المنصور فلطفت عنده منزلته واستوزره وسار معه إلى خراسان وعظمت به بطانة المهدى فأكثروا فيه السعاية وكان الربيع يدرأ عنه ويعرض كتبه على المنصور ويحسن القول فيه فكتب المنصور إلى المهدى بالوصاة به وأن لا يقبل فيه السعاية ولما مات المنصور وقام الربيع ببيعة المهدى وقدموا إلى بغداد جاء الربيع إلى باب أبى عبد الله قبل المهدى وقبل أهله فعذله ابنه الفضل على ذلك فقال هو صاحب الرجل وينبغى أن نعامله بغير ما كنا نعامله واياك أن تذكر ما كنا نصنع في حقه أو تمنن بذلك في نفسك فلما وقف ببابه أمهله(3/209)
طويلا من المغرب إلى العشاء ثم أذن له فدخل عليه وهو متكئ فلم يجلس ولا أقبل عليه وشرع الربيع يذكر أمر البيعة فكفه وقال قد بلغنا أمركم فلما خرج استطال عليه ابنه الفضل بالعذل فيما فعل بان لم يكن الصواب فقال له ليس الصواب الا ما عملته ولكن والله لانفقن مالى وجاهى في مكروهه وجد في السعاية فيه فلم يجد طريقا إليها لاحتياطه في أمر دينه وأعماله فأتاه من قبل ابنه محمد ودس إلى المهدى بعرضه لحرمه وانه زنديق حتى إذا استحكمت التهمة فبه أحضره المهدى في غيبة من أبيه ثم قال له اقرأ فلم يحسن فقال لابيه ألم تقل ان ابنك يقرأ القرآن فقال فارقني منذ سنين وقد نسى فأمر به المهدى فقتل واستوحش من أبى عبد الله وساءت منزلته إلى أن كان من أمره ما نذكره وعزله عن ديوان الرسائل ورده إلى الربيع وارتفعت منزلة يعقوب بن داود عند المهدى وعظم شأنه وأنفذ عهده إلى جميع الآفاق بوضع الامناء ليعقوب وكان لا ينفذ كتاب المهدى حتى يكتب يعقوب إلى يمينه بانفاذ ذلك * (ظهور دعوة العباسية بالاندلس وانقطاعها) * وفى سنة احدى وستين أجاز عبد الرحمن بن حبيب الفهرى من افريقية إلى الاندلس داعية لبنى العباس ونزل بساحل مرسية وكاتب سليمان بن يقطن عامل سرقسطة في طاعة المهدى فلم يجبه وقصد بلاده فيمن معه من البربر فهزمه سليمان وعاد إلى تدبير وسار إليه عبد الرحمن صاحب الاندلس وأحرق السفن في البحر تضييقا على ابن حبيب في النجاة فاعتصم بجبل منيع بنواحي بلنسية فبذل عبد الرحمن فيه المال فاغتاله بعض البربر وحمل رأسه إليه فأعطاه ألف دينار وذلك سنة اثنتين وستين وهم عبد الرحمن صاحب الاندلس أمر ذلك لغزو الشأم من الاندلس على العدوة الشمالية لاخذ ثاره فعصى عليه سليمان بن يقطن والحسين بن يحيى بن سعيد بن سعد بن عثمان الانصاري في سرقسطة فشغلوه عما اعتزم عليه من ذلك * (غزو المهدى) *
تجهز المهدى سنة ثلاث وستين لغزو الروم وجمع الاجناد من خراسان ومن الآفاق وتوفى عمه عيسى بن على آخر جمادى الاخيرة بعسكره وسار من الغد واستخلف على بغداد ابنه موسى الهادى واستصحب هرون ومر في طريقه بالجزيرة والموصل فعزل عبد الصمد بن على وحبسه ثم أطلقه سنة ست وستين ولما جاز ببنى مسلمة بن عبد الملك ذكره عمه العباس بما فعله مسلمة مع جدهم محمد بن على وكان أعطاه مرة في اجتيازه عليه ألف دينار فأحضر المهدى ولد مسلمة ومواليه وأعطاهم عشرين(3/210)
ألف دينار وأجرى عليهم الارزاق وعبر الفرات إلى فأقام بها وبعث ابنه هرون للغزو وأجاز معه الدروب إلى جيحان مشيعا وبعث معه عيسى بن موسى وعبد الملك بن صالح والحسن بن قحطبة والربيع بن يونس ويحيى بن خالد بن برمك وكان إليه أمر العسكر والنفقات وحاصروا حصن سمالوا أربعين يوما ثم فتحوه بالامان وفتحوا بعده فتوحات كثيرة وعادوا إلى المهدى وقد أثخن في الزنادقة وقتل من كان في تلك الناحية منهم ثم قفل إلى بغداد ومر ببيت المقدس وصلى في مسجده ورجع إلى بغداد * (العهد لهرون) * وفى سنة ست وستين أخذ المهدى البيعة لابنه هرون بعد أخيه الهادى ولقبه الرشيد * (نكبة الوزير يعقوب بن داود) * كان أبو داود بن طهمان كاتبا لنصر بن سيار هو واخوته وكان شيعيا وعلى رأى الزيدية ولما خرج يحيى بن زيد بخراسان كان يكاتبه بأخبار نصر فأقصاه نصر فلما طلب أبو مسلم بدم يحيى جاءه داود فأمنه في نفسه وأخذ ما اكتسبه من المال أبام نصر وأقام بعد ذلك عاطلا ونشأ له ولد أهل أدب وعلم وصحبوا أولاد الحسن وكان داود يصحب ابراهيم بن عبد الله فورثوا ذلك عنه ولما قتل ابراهيم طلبهم المنصور وحبس يعقوب
وعليا مع الحسن بن ابراهيم حتى توفى وأطلقهما المهدى بعده مع من أطلق وداخله المهدى في أمر الحسن لما فر من الحبس فكان ذلك سببا لوصلته بالمهدي حتى استوزره فجمع الزيدية وولاهم شرقا وغربا وكثرت السعاية فيه من البطانة بذلك وبغيره وكان المهدى يقبل سعايتهم حتى يروا أنها قد تمكنت فإذا غدا عليه تبسم وسأله وكان المهدى مشتهرا بالنساء فيخوض معه في ذلك وفيما يناسبه ويتغلب برضاه وسامره في بعض الليالى وجاء ليركب دابته وقد نام الغلام فلما ركب نفرت الدابة من قعقعة ردائه فسقط ورمحته فانكسر فانقطع عن المهدى وتمكن أعداؤه من السعاية حتى سخطه وأمر به فحبس وحبس عماله وأصحابه ويقال بل دفع إليه علويا ليقتله فأطلقه ونمى ذلك إلى المهدى فأرسل من أحضره وقال ليعقوب أين العلوى فقال قتلته فأخرجه إليه حتى رآه ثم حبس في المطبق ودلى في بئر فيه وبقى أيام المهدى والهادي ثم أخرج وقد عمى وسأل من الرشيد المقام بمكة فأذن له وقيل في سبب تغيره انه كان ينهى المهدى عن شرب أصحابه النبيذ عنده ويكثر عليه في ذلك ويقول أبعد الصلوات الخمس في المسجد الجامع يشرب عندك النبيذ لا والله لا على هذا استوزرتني ولا عليه صحبتك(3/211)
* (مسير الهادى إلى جرجان) * وفى سنة سبع وستين عصى وتداهر من شر وبن ملكا طبرستان من الديلم فبعث المهدى ولى عهده موسى الهادى وجعل على جنده محمد بن حميد وعلى حجابته نفيعا مولى المنصور وعلى حرسه عيسى بن ماهان وعلى رسائله ابان بن صدقة وتوفى ابان بن صدقة فبعث المهدى مكانه أبا خالد الاجرد فسار المهدى وبعث الجنود في مقدمته وأمر عليهم يزيد فحاصرهما حتى استقاما وعزل المهدى يحيى الحريشى عن طبرستان وما كان إليه وولى مكانه عمر بن العلاء وولى على جرجان فراشة مولاه ثم بعث سنة ثمان وستين يحيى الحريشى في أربعين ألفا إلى طبرستان
* (العمال بالنواحي) * وفى سنة ثلاث وستين ولى المهدى ابنه هرون على المغرب كله وأذربيجان وارمينية وجعل كاتبه على الخراج ثابت بن موسى وعلى الرسائل يحيى بن خالد بن برمك وعزل زفر ابن عاصم عن الجزيرة وولى مكانه عبد الله بن صالح وعزل معاذ بن مسلم عن خراسان وولى مكانه المسيب بن زهير الضبى وعزل يحيى الحريشى عن اصبهان وولى مكانه الحكم بن سعيد وعزل سعيد بن دعلج عن طبرستان وولى مكانه عمر بن العلاء ومهلهل ابن صفوان عن جرجان وولاها هشام بن سعيد وكان على الحجاز واليمامة جعفر ابن سليمان وعلى الكوفة اسحق بن الصباح وعلى البحرين والبصرة وفارس والاهواز محمد بن سليمان فعزله سنة أربع وستين وولى مكانه صالح بن داود وكان على السند محمد بن الاشعث وفى سنة خمس وستين عزل خلف بن عبد الله عن الرى وولاها عيسى مولى جعفر وولى على البصره روح بن حاتم وعلى البحرين وعمان والاهواز وفارس وكرمان النعمان مولى المهدى وعزل محمد بن الفضل عن الموصل وولى مكانه أحمد بن اسمعيل وفى سنة ست وستين عزل عبيد الله بن الحسن العنبري عن قضاء البصرة واستقضى مكانه خالد بن طليق بن عمران بن حصين فاستعفي أهل البصرة منه وولى المهدى على قضائه أبا يوسف حين سار إلى جرجان واضطربت في هذه السنة خراسان على المسيب بن زهير فولاها أبا العباس الفضل بن سليمان الطوسى وأضاف إليه سجستان فولى هو على سجستان سعيد بن دعلج وولى على المدينة ابراهيم ابن عمه وعزل منصور بن يزيد عن اليمن وولى مكانه عبد الله بن سليمان الربعي وكان على مصر ابراهيم بن صالح وتوفى في هذه السنة عيسى بن موسى بالكوفة وهى سنة سبع وستين وعزل المهدى يحيى الحريشى عن طبرستان والرويان وما كان إليه وولاه عمر بن العلاء(3/212)
وولى على جرجان فراشة مولاه وحج بالناس ابراهيم ابن عمه يحيى وهو على المدينة ومات
بعد قضاء الحج فولى مكانه اسحق بن موسى بن على وعلى اليمن سليمان بن يزيد الحارثى وعلى اليمامة عبد الله بن مصعب الزبيري وعلى البصرة محمد بن سليمان وعلى قضائها عمر ابن عثمان التميمي وعلى الموصل أحمد بن اسمعيل الهاشمي وقتل موسى بن كعب ووقع الفساد في بادية البصرة من الاعراب بين اليمامة والبحرين وقطعوا الطرق وانتهكوا المحارم وتركوا الصلاة * (الصوائف) * وفى سنة تسع وخمسين أغزى المهدى عمه العباس بالصائفة وعلى مقدمته الحسن الوصيف فبلغوا أهرة وفتحوا مدينة أو هرة ورجعوا سالمين ولم يصب من المسلمين أحد وفى سنة احدى وستين غزا بالصائفة يمامة بن الوليد فنزل دابق وجاشت الروم مع ميخاييل في ثمانين ألفا ونزل عمق مرعش فقتل وسبى وغنم وحاصر مرعش وقتل من المسلمين عددا وانصرف إلى جيحان فكان عيسى بن على مرابطا بحصن مرعش فعظم ذلك على المهدى وتجهز لغزو الروم وخرجت الروم سنة اثنتين وستين إلى الحرث فهدموا أسوارها وغزا بالصائفة الحسن بن قحطبة في ثمانين ألفا من المرتزقة فبلغ جهة أدر ركبه وأكثر التحريق والتخريق ولم يفتح حصنا ولا لقى جمعا ورجع بالناس سالما وغزا يزيد بن أسيد السلمى من ناحية قاليقلا فعنم وسى وفتح ثلاثة حصون ثم غزا المهدى بنفسه سنة ثلاث وستين كما مر ثم غزا سنة أربع وستين عبد الكبير بن عبد الرحمن بن زيد بن الخطاب من درب الحرت فخرج إليه ميخاييل وطارد الارمني البطريقان في تسعين ألفا فخام عن لقائهم ورجع بالناس فغضب عليه المهدى وهم بقتله فشفع فيه وحبسه وفى سنة خمس وستين بعث المهدى ابنه هرون بالصائفة وبعث معه الربيع فتوغل في بلاد الروم ولقيه عسكر نقيطا من القواميس فبارزه يزيد ابن مزيد فهزمهم وغلب على عسكرهم ولحقوا بالدمشق صاحب المسالح فحمل لهم مائتي ألف دينار واثنتين وعشرين ألف درهم وسار الرشيد بعساكره وكانت نحوا من مائة ألف فبلغ خليج قسطنطينية وعلى الروم يومئذ غسطة امرأة اليوك كافلة لابنها
منه صغيرا فجرى الصلح على الفدية وأن تقيم له الادلاء والاسواق في الطريق لان مدخله كان ضيقا مخوفا فأجابت لذلك وكان مقدار الفدية سبعين ألف دينار كل سنة ومدة الصلح ثلاث سنين وكان ما سباه المسلمون قبل الصلح خمسة آلاف رأس وستمائة رأس وقتل من الروم في وقائع هذه الغزوات أربعة وخمسون ألفا ومن الاسرى ألفان ثم نقض الروم هذا الصلح سنة ثمان وستين ولم يستكملوا مدته بقى منها(3/213)
أربعة أشهر وكان على الجزيرة وقنسرين على بن سليمان فبعث يزيد بن البدر بن البطال في عسكر فغنموا وسبوا وظفروا ورجعوا * (وفاة المهدى وبيعة الهادى) * وفى سنة تسع وستين اعتزم المهدى على خلع ابنه موسى الهادى من العهد والبيعة للرشيد به وتقديمه على الهادى وكان بجرجان فبعث إليه بذلك فاستقدمه فضرب الرسول وامتنع فسار إليه المهدى فلما بلغ ماسيدان توفى هنالك يقال مسموما من بعض جواريه ويقال سمت احداهما الاخرى في كثرى فغلط وأكلها ويقال حاز صيدا فدخل وراءه إلى خربة فدق الباب ظهره وكان موته في المحرم وصلى عليه ابنه الرشيد وبويع ابنه موسى الهادى لما بلغه موت أبيه وهو مقيم بجرجان يحارب أهل طبرستان وكان الرشيد لما توفى المهدى والعسكر بما سيدان نادى في الناس بالعطاء تسكينا وقسم فيهم مائتين مائتين فلما استوفوها تنادوا بالرجوع إلى بغداد وتشايعوا إليها واستيقنوا موت المهدى فأتوا باب الربيع وأحرقوه وطالبوا بالارزاق ونقبوا السجون وقدم الرشيد بغداد في اثرهم فبعثت الخيزران إلى الربيع فامتنع يحيى خوفا من غيرة الهادى وأمرت الربيع بتسكين الجند فسكنوا وكتب الهادى إلى الربيع يتهدده فاستشار يحيى في أمره وكان يثق بوده فأشار عليه بأن يبعث ابنه الفضل يعتذر عنه وتصحبه الهدايا والتحف ففعل ورضى الهادى عنه وأخذت البيعة ببغداد للهادي
وكتب الرشيد بذلك إلى الآفاق وبعث إلى الهادى بجرجان فركب اليزيد إلى بغداد فقدمها في عشرين يوما فاستوزر الربيع وهلك لمدة قليلة من وزارته واشتد الهادى في طلب الزنادقة وقتلهم وكان منهم على بن يعطى ويعقوب بن الفضل من ولد ربيعة بن الحرث بن عبد المطلب كان قد أقر بالزندقة عند المهدى الا أنه كان مقسما أن لا يقتل هاشميا فحبسه وأوصى الهادى بقتله وبقتل ولد عمهم داود بن على فقتلهما * (وأما عماله) فكان على المدينة عمر بن عبد العزيز بن عبيد الله بن عبد الله بن عمر ابن الخطاب وعلى مكة والطائف عبد الله بن قشم وعلى اليمن ابراهيم بن مسلم بن قتيبة وعلى اليمامة والبحرين سويد القائد الخراساني وعلى عمان الحسن بن سليم الحوارى وعلى الكوفة موسى بن عيسى بن موسى وعلى البصرة ابن سليمان وعلى جرجان الحجاج مولى الهادى وعلى قومس زياد بن حسان وعلى طبرستان والرويان صالح بن عميرة مولى وعلى الموصل هاشم بن سعيد بن خالد وعزله الهادى لسوء سيرته وولى مكانه عبد الملك وصالح بن على (وأما الصائفة) فغزا بها في هذه السنة وهى سنة تسع وستين معيوب ابن يحيى وقد كان الروم خرجوا مع بطريق لهم إلى الحرث فهرب الوالى ودخلها الروم(3/214)
وعاتوا فيها فدخل معيوب وراءهم من درب الراهب وبلغ مدينة استة وغنم وسبى وعاد * (ظهور الحسين المقتول بفتح) * رهو الحسين بن على بن حسن المثلث بن حسن المثنى بن الحسن السبط كان الهادى قد استعمل على المدينة عمر بن عبد العزيز كما مر فأخذ يوما الحسن بن المهدى بن محمد ابن عبد الله بن الحسين الملقب أبا الزفت ومسلم بن جندب الهذلى الشاعر وعمر بن سلام مولى العمريبن على شراب لهم فضربهم وطيف بهم بالمدينة بالحبال في أعناقهم وجاء الحسين إليه فشفع فيهم وقال ليس عليهم حد فان أهل العراق لا يرون به بأسا وليس من الحد أن نطيفهم فحبسهم ثم جاء ثانية ومعه من عمومته يحيى بن عبد الله بن الحسن
صاحب الديلم بعد ذلك فكفلاه وأطلقه من الحبس وما زال آل أبى طالب يكفل بعضهم بعضا ويعرضون فغاب الحسن عن العرض يومين فطلب به الحسين بن على ويحيى بن عبد الله كافليه وأغلظ لهما فحلف يحيى انه يأتي به من ليلته أو يدق عليه الباب يؤذنه به وكان بين الطالبيين ميعاد للخروج في الموسم فأعجلهم ذلك عنه وخرجوا من ليلتهم وضرب يحيى على العمرى في باب داره بالسيف واقتحموا المسجد فصلوا الصبح وبايع الناس الحسين المرتضى من آل محمد على كتاب الله وسنة رسوله وجاء خالد اليزيدى في مائتين من الجند والعمرى وابن اسحق الازرق ومحمد بن واقد في ناس كثيرين فقاتلوهم وهزموهم من المسجد واجتمع يحيى وادريس بن عبد الله بن حسن فقتلاه وانهزم الباقون وافترق الناس وأغلق أهل المدينة أبوابهم وانتهب القوم من بيت المال بضعة عشر ألف دينار وقيل سبعين ألفا واجتمعت شيعة بنى العباس من الغد وقاتلوهم إلى الظهر وفشت الجراحات وافترقوا ثم قدم مبارك التركي من الغد حاجا فقاتل مع العباسية إلى منتصف النهار وافترقوا وواعدهم مبارك الرواح إلى القتال واستغفلهم وركب رواحله راجعا واقتتل الناس المغرب ثم افترقوا ويقال ان مباركا دس إلى الحسين بذلك تجافيا عن أذية أهل البيت وطلب أن يأخذ له عذرا في ذلك بالبيات فبيته الحسين واستطرد له راجعا وأقام الحسين وأصحابه بالمدينة احدا وعشرين يوما آخر ذى القعدة ولما بلغها نادى في الناس بعتق من أتى إليه من العبيد فاجتمع إليه جماعة وكان قد حج تلك السنة رحال من بنى العباس منهم سليمان ابن المنصور ومحمد بن سليمان بن على والعباس بن محمد بن على وموسى واسمعيل أبناء عيسى بن موسى ولما بلغ خبر الحسين إلى الهادى كتب إلى محمد بن سليمان وولاه على حربه وكان معه رجال وسلاح وقد أغذبهم عن البصرة خوف الطريق فاجتمعوا بذى طوى وقدموا مكة فحلوا من العمرة التى كانوا أحرموا بها وانضم إليهم من حج(3/215)
من شيعتهم ومواليهم وقوادهم واقتتلوا يوم التروية فانهزم الحسين وأصحابه وقتل كنير منهم وانصرف محمد بن سليمان وأصحابه إلى مكة ولحقهم بذى طوى رجل من خراسان برأس الحسين ينادى من خلفهم بالبشارة حتى ألقى الرأس بين أيديهم مضروبا على قفاه وجبهته وجمعت رؤس القتلى فكانت مائة ونيفا فيها رأس سليمان أخى المهدى ابن عبد الله واختلط المنهزمون بالحاج وجاء الحسن بن المهدى أبو الزفت فوقف خلف محمد بن سليمان والعباس بن محمد فأخذه موسى بن عيسى وقتله وغضب محمد بن سليمان من ذلك وغضب الهادى لغضبه وقبض أمواله وغضب على مبارك التركي وجعله سائس الدواب فبقى كذلك حتى مات الهادى وأفلت من المنهزمين ادريس بن عبد الله أخو المهدى فأتى مصر وعلى يريدها وأصبح مولى صالح بن المنصور وكان يتشيع لآل على فحمله على البريد إلى المغرب ووقع بمدينة وليلة من أعمال طنجة واجتمع البريد على دعوته وقتل الهادى وأصحابه بذلك وصلبه وكان لادريس وابنه ادريس وأعقابهم حروب نذكرها بعده * (حديث الهادى في خلع الرشيد) * كان الهادى يبغض الرشيد بما كان المهدى أبو هما يؤثره وكان رأى في منامه انه دفع اليهما قضيبين فأورق قضيب الهادى من أعلاه وأورق قضيب الرشيد كله وتأول ذلك بقصر مدة الهادى وطول مدة الرشيد وحسنها فلما ولى الهادى أجمع خلع الرشيد والبيعة لابنه جعفر مكانه وفاوض في ذلك قواده فأجابه يزيد بن مزيد وعلى بن عيسى وعبد الله بن مالك وحرضوا الشيعة على الرشيد لينقصوه ويقولوا لا نرضى به ونهى الهادى أن يشاور بين يديه بالحرب فاجتنبه الناس وكان يحيى بن خالد يتولى أموره فاتهمه الهادى بمداخلته وبعث إليه وتهدده فحضر عنده مستميتا وقال يا أمير المؤمنين أنت أمرتنى بخدمته من بعد المهدى فسكن غضبه وقال له في أمر الخلع فقال يا أمير المؤمنين أنت ان حملت الناس على نكث الايمان فيه هانت عليهم فيمن توليه
وان بايعت بعده كان ذلك أوثق للبيعة فصدقه وسكت عنه وعاد أولئك الذين جفلوه من القواد والشيعة فأغروه بيحيى وانه الذى منع الرشيد من خلع نفسه فحبسه الهادى فطلب الحضور للنصيحة وقال له يا أمير المؤمنين أتظن الناس يسلمون الخلافة لجعفر وهو صبى ويرضون به لصلاتهم وحجهم وغزوهم وتأمن أن يسمو إليها عند ذلك أكابر أهل بيتك فتخرج من ولد أبيك والله لو لم يعقده المهدى لكان ينبغى أن تعقده أنت له حذرا من ذلك وانى أرى أن تعقده لاخيك فإذا بلغ ابنك أتيتك بأخيك فخلع نفسه وبايع له فقبل الهادى قوله وأطلقه ولم يقنع القواد ذلك لانهم كانوا حذرين(3/216)
من الرشيد في ذلك وضيق عليه واستأذنه في الصيد فمضى إلى قصر مقاتل ونكره الهادى وأظهر خفاءه وبسط الموالى والقواد فيه ألسنتهم * (وفاة الهادى وبيعة الرشيد) * ثم خرج الهادى إلى حديقة الموصل فمرض واشتد مرضه هنالك واستقدم العمال شرقا وغربا ولما ثقل تآمر القواد الذين بايعوا جعفرا في قتل يحيى بن خالد ثم أمسكوا خوفا من الهادى ثم توفى الهادى في شهر ربيع الاول سنة سبعين ومائة وقيل توفى بعد أن عاد من حديقة الموصل ويقال ان أمه الخيزران وصت بعض الجوارى عليه فقتلته لانها كانت أول خلافته تستبد عليه بالامور فعكف الناس واختلفت المواكب ووجد الهادى لذلك فكلمته يوما في حاجة فلم يجبها فقالت قد ضمنتها لعبد الله بن مالك فغضب الهادى وشتمه وحلف لا قضيتها فقامت مغضبة فقال مكانك والا انتفيت من قرابتي من رسول الله صلى الله عليه وسلم لئن بلغني أن أحدا من قوادى وخاصتي وقف ببابك لاضربن عنقه ولاقبضن ماله ما للمواكب تغدو وتروح عليك أما لك مغزل يشغلك أو مصحف يذكرك أو بيت يصونك اياك اياك لا تفتحي بابك لمسلم ولا ذمى فانصرفت وهى لا تعقل ثم قال لاصحابه أيكم يحب أن يتحدث الرجال بخبر أمه ويقال فعلت أم
فلان وصنعت فقالوا لا نحب ذلك قال فما بالكم تأتون أمي فتتحدثون معها فيقال انه لما جد في خلع الرشيد خافت عليه منه فلما ثقل مرضه وصت بعض الجوارى فجلست على وجهه فمات وصلى عليه الرشيد وجاء هرثمة بن أعين إلى الرشيد فأخرجه وأجلسه للخلافة وأحضر يحيى فاستوزره وكتب إلى الاطراف بالبيعة وقيل ان يحيى هو الذى جاءه وأخرجه فصلى على الهادى ودفنه إلى يحيى وأعطاه خاتمه وكان يحيى يصدر عن رأى الخيزران أم الرشيد وعزل لاول خلافته عمر بن عبد العزيز العمرى عن المدينة وولى مكانه اسحق بن سليمان وتوفى يزيد بن حاتم عامل افريقية فولى مكانه روح بن حاتم ثم توفى فولى مكانه ابنه الفضل ثم قتل فولى هرثمة بن أعين كما يذكر في أخبار افريقية وأفرد الثغور كلها عن الجزيرة وقنسرين وجعلها عمالة واحدة وسماها العواصم وأمره بعمارة طرسوس ونزلها الناس وحج لاول خلافته وقسم في الحرمين مالا كثيرا وأغزى بالصائفة سليمان بن عبد الله البكائى وكان على مكة والصائف عبد الله ابن قثم وعلى الكوفة عيسى بن موسى وعلى البحرين والبصرة واليمامة وعمان والاهواز وفارس محمد بن سليمان بن على وعلى خراسان أبو الفضل العباس بن سليمان الطوسى ثم عزله وولى مكانه جعفر بن محمد بن الاشعث فسار إلى خراسان وبعث ابنه العباس إلى كابل فافتتحها وافتتح سابهار وغنم ما كان فيها ثم استقدمه الرشيد فعزله وولى مكانه(3/217)
ابنه العباس وكان على الموصل عبد الملك بن صالح فعزله وولى مكانه اسحق بن محمد بن فروح فبعث إليه الرشيد أبا حنيفة حرب بن قيس فأحضره إلى بغداد وقتله وولى مكانه وكان على ارمينية يزيد بن مزيد بن زائدة ابن أخى معن فعزله وولى مكانه أخاه عبد الله بن المهدى وولى سنة احدى وسبعين على صدقات بنى ثعلب روح بن صالح الهمداني فوقع بينه وبين ثعلب خلاف وجمع لهم الجموع فبيتوه وقتلوه في جماعة من أصحابه وتوفى سنة ثلاث وسبعين محمد بن سليمان والى البصرة وكان أخوه
جعفر كثير السعاية فيه عند الرشيد وانه يحدث نفسه بالخلافة وان أمواله كلها فئ من أموال المسلمين فاستصفاها الرشيد وبعث من قبضها وكان لا يعبر عنها من المال والمتاع والدواب وأحضروا من العين فيها ستين ألف ألف دينار ولم يكن الا أخوه جعفر فاحتج عليه الرشيد باقراره انها فئ وتوفى سنة أربع وسبعين والى الرشيد اسحق بن سليمان على السند ومكران واستقضى يوسف بن أبى يوسف في حياة أبيه وفى سنة خمس وسبعين عقد لابنه محمد بن زبيدة ولاية العهد ولقبه الامين وأخذ له البيعة وعمره خمس سنين بسعاية خاله عيسى بن جعفر بن المنصور ووساطة الفضل بن يحيى وفيها عزل الرشيد العباس بن جعفر عن خراسان وولاها خاله الغطريف بن عطاء الكندى * (خبر يحيى بن عبد الله في الديلم) * وفى سنة خمس وسبعين خرج يحيى بن عبد الله بن حسن أخو المهدى بالديلم واشتدت شوكته وكثر جمعه وأتاه الناس من الامصار فندب إليه الرشيد الفضل بن يحيى في خمسين ألفا وولاه جرجان وطبرستان والرى وما إليها ووصل معه الاموال فسار ونزل بالطالقان وكاتب يحيى وحذره وبسط أمله وكتب إلى صاحب الديلم في تسهيل أمر يحيى على أن يعطيه ألف ألف درهم فأجاب يحيى على الامان بخط الرشيد وشهادة الفقهاء والقضاة واجلة بنى هاشم ومشايخهم عن عبد الصمد منهم فكتب له الرشيد بذلك وبعثه مع الهدايا والتحف وقدم يحيى مع الفضل فلقيه الرشيد بكل ما أحب وأفاض عليه العطاء وعظمت منزلة الفضل عنده ثم ان الرشيد حبس يحيى إلى أن هلك في حبسه * (ولاية جعفر بن يحيى مصر) * كان موسى بن موسى قد ولاه الرشيد مصر فبلغه أنه عازم على الخلع فرد أمرها إلى جعفر ابن يحيى وأمره باحضار عمر بن مهران وأن يوليه عليها وكان مشوه الخلق خامل البزة يردف غلامه خلفه فلما ذكرت له الولاية قال على شرطية أن يكون أمرى بيدى إذا صلحت البلاد انصرفت فأجابه إلى ذلك وسار إلى مصر وأتى مجلس
موسى فجلس في أخريات الناس حتى إذا افترقوا رفع الكتاب إلى موسى فقراه وقال(3/218)
متى يقدم أبو حفص فقال انا أبو حفص فقال موسى لعن الله فرعون حيث قال أليس لى ملك مصر ثم سلم له العمل فتقدم عمر إلى كاتبه أن لا يقبل من الهدية الا ما يدخل في الكيس فبعث الناس بهداياهم وكانوا يمطلون بالخراج فلما حضر النجم الاول والثانى وشكوا الضيق في الثالث احضر الهدايا وحسبها لاربابها واستوفى خراج مصر ورجع إلى بغداد * (الفتنة بدمشق) * وفى هذه السنة هاجت الفتنة بدمشق بين المضرية واليمانية ورأس المضرية أبو الهيدام عامر بن عمارة من ولد خارجة بن سنان بن أبى حارثة المرى وكان أصل الفتنة بين القيس وبين اليمانية أن اليمانية قتلوا منهم رجلا فاجتمعوا لثاره وكان على دمشق عبد الصمد بن على فجمع كبار العشائر ليصلحوا بينهم فأمهلتهم اليمانية وبيتوا المضرية فقتلوا منهم ثلثمائة أو ضعفها فاستجاشوا بقبائل قضاعة وسليم فلم ينجدوهم وأنجدتهم قيس وساروا معهم إلى البلقاء فقتلوا من اليمانية ثمانمائة وطال الحرب بينهم وعزل عبد الصمد عن دمشق وولى مكانه ابراهيم بن صالح بن على ثم اصطلحوا بعد سنين ووفد ابراهيم على الرشيد وكان هواه مع اليمانية فوقع في قيس عند الرشيد واعتذر عنهم عبد الواحد بن بشر واستخلف ابراهيم على دمشق ابنه اسحق فحبس جماعة من قيس وضربهم ثم وثبت غسان برجل من ولد قيس بن العبسى فقتلوه واستنجد أخوه بالدواقيل من حوران فأنجدوه وقتلوا من اليمانية نفرا ثم وثبت اليمانية بكليب بن عمر بن الجنيد بن عبد الرحمن وعنده ضيف له فقتلوهم فجاءت أم الغلام سابة إلى أبى الهيدام فقال انظرينى حتى ترفع دماؤنا إلى الامير فان نظر فيها والا فأمير المؤمنين ينظر فيها وبلغ ذلك اسحق وحضر عنده أبو الهيدام فلم يأذن له ثم قتل بعض الدواقيل رجلا من اليمانية وقتلت اليمانية رجلا من
سليم ونهبوا جيران محارب وركب أبو الهيدام معهم إلى اسحق فوعده بالنظر لهم وبعث إلى اليمانية يغريهم به فاجتمعوا وأتوا إلى باب الجابية فخرج إليهم أبو الهيدام وهزمهم واستولى على دمشق وفتق السجون ثم اجتمعت اليمانية واستنجدوا كلبا وغيرهم فاستمدوهم واستجاش أبو الهيدام المضرية فجاؤه وهو يقاتل اليمانية عند باب توما فهزمهم أربع مرات ثم أمره اسحق بالكف وبعث إلى اليمانية يخبرهم بغرته وجاء الخبر وركب وقاتلهم فهزمهم ثم هزمهم أخرى على باب توما ثم جمعت اليمانية أهل الاردن والجولان من كلب وغيرهم فأرسل من يأتيه بالخبر فأبطؤا ودخل المدينة فأرسل اسحق من دلهم على مكمنه وأمرهم بالعبور إلى المدينة فبعث من أصحابه من يأتيهم من ورائهم فانهزموا ولما كان مستهل صفر جمع اسحق الجنود عند قصر الحجاج وجاء(3/219)
أصحاب الهيدام من أراد نهب القرى التى لهم بنواحي دمشق ثم سألوا الامان من أبى الهيدام فأمنهم وسكن الناس وفرق أبو الهيدام أصحابه وبقى في نفر يسير من أهل دمشق فطمع فيه اسحق وسلط عليه العذافر السكسكى مع الجنود فقاتلهم فانهزم العذافر وبقى الجند يحاربونه ثلاثا ثم ان اسحق قاتله في الثالثة والجند في اثنى عشر ألفا ومعهم اليمانية فخرج أبو الهيدام من المدينة وقاتلهم على باب الجابية حتى أزالهم عنه ثم أغار جمع من أهل حمص على قرية لابي الهيدام فقاتلهم أصحابه وهزموهم وقتلوا منهم خلقا وأحرقوا قرى وديار الليمانية في الغوطة ثم توادعوا سبعين يوما أو نحوها وقدم السندي في الجنود من قبل الرشيد وأغزته اليمانية بأبى الهيدام فبعث هو إليه بالطاعة فأقبل السندي إلى دمشق واسحق بدار الحجاج وبعث قائده في ثلاثة آلاف وأخرج إليهم أبو الهيدام ألفا وأحجم القائد عنهم ورجع إلى السندي فصالح أبا الهيدام وأمن أهل دمشق وسار أبو الهيدام إلى حوران وأقام السندي بدمشق ثلاثا وقدم موسى بن عيسى واليا عليها فبعث الجند يأتونه بأبى الهيدام فكبسوا داره وقاتلهم هو وابنه
وعبد ه فانهزموا وجاء أصحابه من كل جهة وقصد بصرى ثم بعث إليه موسى فسار إليه في رمضان سنة سبع وسبعين وقيل ان سبب الفتنة بدمشق أن عامل الرشيد بسجستان قتل أخا الهيدام فخرج هو بالشأم وجمع الجموع ثم بعث الرشيد أخا له ليأتيه به فتحيل حتى قبض عليه وشده وثاقا وأتى به إلى الرشيد فمن عليه وأطلقه وبعث جعفر بن يحيى سنة ثمانين إلى الشأم من أجل هذه الفتن والعصبية فسكن الثائرة وأمن البلاد وعاد * (فتنة الموصل ومصر) * وفي سنة سبع وثمانين تغلب العطاف بن سفيان الازدي على خراسان وأهل الموصل على العامل بها محمد بن العباس الهاشمي وقيل عبد الملك بن صالح فاجتمع عليه أربعة آلاف رجل وجبى الخراج وبقى العامل معه مغلبا إلى أن سار الرشيد إلى الموصل وهدم سورها ولحق العطاف بأرمينية ثم بالرقم فاتخذها وطنا وفى سنة ثمان وسبعين ثارت الحوفية بمصر وهم من قيس وقضاعة على عاملها اسحق بن سليمان وقاتلوه وكتب الرشيد إلى هرثمة بن أعين وكان بفلسطين فسار إليهم وأذعنوا بالطاعة وولى على مصر ثم عزله لشهر وولى عبد الملك بن صالح كان على خراسان أيام المهدى والهادي أبو الفضل العباس بن سليمان الطوسى فعزله الرشيد وولى على خراسان جعفر بن محمد بن الاشعث الخزاعى فأبوه من النقباء من أهل مصر ومقدم ابنه العباس سنة ثلاث وسبعين ثم قدم فغزا طخارستان وبعث ابنه العباس إلى كابل في الجنود وافتتح سابهار ورجع إلى مرو ثم سار إلى العراق سنة ثلاث في رمضان وكان الامين في حجره قبل أن يجعله في حجر(3/220)
الفضل بن يحيى ثم ولى الرشيد ابنه العباس بن جعفر ثم عزله عنها فولى خالدا الغطريف بن عطاء الكندى سنة خمس وسبعين على خراسان وسجستان وجرجان فقدم خليفة داود ابن يزيد وبعث عامل سجستان وخرج في أيامه حصين الخارجي من موالى قيس بن ثعلبة من أهل أوق وبعث عامل سجستان عثمان بن عمارة الجيوش إليه فهزمهم حصين وقتل
منهم وسار إلى باذغيس وبوشنج وهراة فبعث إليه الغطريف اثنى عشر ألفا من الجند فهزمهم حصين وقتل منهم خلقا ولم يزل في نواحى خراسان إلى أن قتل سنة سبع وسبعين وسار الفضل إلى خراسان سنة ثمان وسبعين وغزا ما وراء النهر سنة ثمانين ثم ولى الرشيد على خراسان على بن عيسى بن ماهان وقدم إليه يحيى فأقام بها عشرين سنة وخرج عليه في ولايته حمزة بن أترك وقصد بوشنج وكان على هراة عمرويه ابن يزيد الازدي فنهض إليه في ستة آلاف فارس فهزمهم حمزه وقتل جماعة منهم ومات عمرويه في الزحام فبعث على بن عيسى ابنه الحسن في عشرة آلاف ففض حربه فعزله وبعث ابنه الآخر عيسى فهزمه حمزة فأمده بالعساكر ورده فهزم حمزة وقتل أصحابه ونجا إلى قهستان في أربعين وأثخن عيسى في الخوارج بارق وجوين وفيمن كان يعينهم من أهل القرى حتى قتل ثلاثين ألفا وخلف عبد الله بن العباس النسيقى بزرنج فجبى الاموال وسار بها ومعه الصفة ولقيه حمزة فهزموه وقتلوا عامة أصحابه وسار حمزة في القرى فقتل وسبى وكان على قد استعمل طاهر بن الحسين على بوشنج فخرج إلى حمزة وقصد قرية ففر الخوارج وهم الذين يرون التحكم ولا يقاتلون والمحكمة هم الذين يقاتلون وشعارهم لا حكم الا لله فكتب العقد إلى حمزة بالكف وواعدهم ثم انتقض وعاث في البلاد وكانت بينه وبين أصحاب على حروب كثيرة ثم ولى الرشيد سنة اثنتين وثمانين ابنه عبد الله العهد بعد الامين ولقبه المأمون وولاه على خراسان وما يتصل بها إلى همذان واستقدم عيسى بن على من خراسان وردها إليه من قبل المأمون وخرج عليه بنسا أبو الخصيب وهب بن عبد الله النسائي وعاث في نواحى خراسان ثم طلبه الامان فأمنه ثم بلغه أن حمزة الخارجي عاث بنواحي باذغيس فقصده وقتل من أصحابه نحوا من عشرة آلاف وبلغ كل من وراء غزنة ثم غدر أبو الخصيب ثانية وغلب أبيورد ونسا وطوس ونيسابور وحاصر مرو وانهزم عنها وعاد إلى سرخس ثم نهض إليه ابن ماهان سنة ست وثمانين فقتله في نسا وسبى أهله ثم نمى إلى الرشيد سنة تسع وثمانين
أن على بن عيسى مجمع على الخلاف وانه قد أساء السيرة في خراسان وعنفهم وكتب إليه كبراء أهلها يشكون بذلك فسار الرشيد إلى الرى فأهدى له الهدايا الكثيرة والاموال ولجميع من معه من أهل بيته وولده وكتابه وقواده وتبين للرشيد من مناصحته خلاف(3/221)
ما أنهى إليه فرده إلى خراسان وولى على الرى وطبرستان ودنباوند وقومس وهمذان وبعث على ابنه عيسى لحرب خاقان سنة ثمان وثمانين فهزمه وأسر اخوته وانتقض على ابن عيسى رافع بن الليث بن نصر بن سيار بسمرقند وطالت حروبه معه وهلك في بعضها ابنه عيسى ثم ان الرشيد نقم على على بن عيسى أمورا منها استخفافه بالناس واهانته أعيانهم ودخل عليه يوما الحسين بن مصعب والد طاهر فأغلظ له في القول وأفحش في السب والتهديد وفعل مثل ذلك بهشام بن فأما الحسين فلحق بالرشيد شاكيا ومستجيرا وأما هشام فلزم بيته وادعى أنه بعلة الفالج حتى عزل على وكان مما نقم عليه أيضا أنه لما قتل ابنه عيسى في حرب رافع بن الليث أخبر بعض جواريه انه دفن في بستانه ببلخ ثلاثين ألف دينار وتحدث الجوارى بذلك فشاع في الناس ودخلوا البستان ونهبوا المال وكان يشكو إلى الرشيد بقلة المال ويزعم أنه باع حلى نسائه فلما سمع الرشيد هذا المال استدعى هرثمة بن أعين وقال له وليتك خراسان وكتب له بخطه وقال له اكتم أمرك وامض كانك مدد وبعث معه رجاء الخادم فسار إلى نيسابور وولى أصحابه فيها ثم سار إلى مرو ولقيه على بن عيسى فقبض عليه وعلى أهله وأتباعه وأخذ أمواله فبلغت ثمانين ألف ألف وبعث إلى الرشيد من المتاع وقر خمسمائة بعير وبعث إليه بعلى بن عيسى على بعير من غير غطاء ولا وطاء وخرج هرثمة إلى ما وراء النهر وحاصر رافع بن الليث بسمرقند إلى أن استامن فأمنه وأقام هرثمة بسمرقند وكان قدم مرو سنة ثلاث وتسعين * (ابداع كتاب العهد) *
وفى سنة ست وثمانين حج الرشيد وسار من الانبار ومعه أولاده الثلاثة محمد الامين وعبد الله المأمون والقاسم وكان قد ولى الامين العهد وولاه العراق والشأم إلى آخر الغرب وولى المأمون العهد بعده وضم إليه من همذان إلى آخر المشرق وبايع لابنه القاسم من بعد المأمون ولقبه المؤتمن وجعل خلعه واثباته للمأمون وجعل في حجر عبد الملك صالح وضم إليه الجزيرة والثغور والعواصم ومر بالمدينة فأعطاه فيها ثلاثة أعطية عطاء منه ومن الامين ومن المأمون فبلغ ألف ألف دينار وخمسمائة ألف دينار ثم سار إلى مكة فأعطى مثلها وأحضر الفقهاء والقضاة والقواد وكتب كتابا أشهد فيه على الامين بالوفاء للمأمون وآخر على المأمون بالوفاء للامين وعلق الكتابين في الكعبة وجدد عليها العهود هنالك ولما شخص إلى طبرستان سنة تسع وثمانين وأقام بها أشهد من حضره أن جميع ما في عسكره من الاموال والخزائن والسلاح والكراع للمأمون وجدد له البيعة عليهم وأرسل إلى بغداد فجدد له البيعة على الامين(3/222)
* (أخبار البرامكة ونكبتهم) * قد تقدم لنا أن خالد بن برمك كان من كبار الشيعة وكان له قدم راسخ في الدولة وكان يلى الولايات العظام وولاه المنصور على الموصل وعلى أذربيجان وولى ابنه يحيى على أرمينية ووكله المهدى بكفالة الرشيد فأحسن تربيته ودفع عنه أخاه الهادى أراده على الخلع وتولية العهد ابنه وحبسه الهادى لذلك فلما ولى الرشيد استوزر يحيى وفوض إليه أمور ملكه وكان أولا يصدر عن رأى الخيزران أم الرشيد ثم استبد بالدولة ولما ماتت وكان بيتهم مشهورا بالرجال من العمومة والقرابة وكان بنوه جعفر والفضل ومحمد قد شابهوا آباءهم في عمل الدولة واستولوا على حظ من تقريب السلطان واستخلاصه وكان الفضل أخاه من الرضاع أرضعت أمه الرشيد وأرضعته الخيزران وكان يخاطب يحيى يا أبت واستوزر الفضل وجعفرا وولى جعفرا على مصر وعلى خراسان
وبعثه إلى الشام عند ما وقعت الفتنة بين المضرية واليمانية فسكن الامور ورجع وولى الفضل أيضا على مصر وعلى خراسان وبعثه لاستنزال يحيى بن عبد الله العلوى من الديلم ودفع المأمون لما ولاه العهد إلى كفالة جعفر بن يحيى فحسنت آثارهم في ذلك كله ثم عظم سلطانهم واستيلاؤهم على الدولة وكثرت السعاية فيهم وعظم حقد الرشيد على جعفر منهم يقال بسبب انه دفع إليه يحيى بن عبد الله لما استنزله أخوه الفضل من الديلم وجعل حبسه عنده فأطلقه استبدادا على السلطان ودالة وأنهى الفضل بن الربيع ذلك إلى الرشيد فسأله فصدقه الخبر فأظهر له التصويب وحقدها عليه وكثرت السعاية فيهم فتنكر لهم الرشيد ودخل عليه يوما يحيى بن خالد بغير اذن فنكر ذلك منه وخاطب به طبيبه جبريل بن بختيشوع منصرفا به من مواجهته وكان حاضرا فقال يحيى هو عادتي يا أمير المؤمنين واذ قد نكرت منى فسأكون في الطبقة التى تجعلني فيها فاستحيى هرون وقال ما أردت ما يكره وكان الغلمان يقومون بباب الرشيد ليحيى إذا دخل فتقدم لهم مسرور الخادم بالنهي عن ذلك فصاروا يعرضون عنه إذا أقبل وأقاموا على ذلك زمانا فلما حج الرشيد سنة سبعة وثمانين ورجع من حجه ونزل الانبار أرسل مسرورا الخادم في جماعة من الجند ليلا فأحضر جعفرا بباب الفسطاط وأعلم الرشيد فقال ائتنى برأسه فطفق جعفر بتذلل ويسأله المراجعة في أمره حتى قذفه الرشيد بعصى كانت في يده وتهدده فخرج وأتاه برأسه وحبس الفضل من ليلته وبعث من احتاط على منازل يحيى وولده وجميع موجودهم وحبسه في منزله وكتب من ليلته إلى سائر النواحى بقبض أموالهم ورقيقهم وبعث من الغد بشلو جعفر وأمر أن يقسم قطعتين وبنصبان على الجسر وأعفى محمد بن خالد من النكبة ولم يضيق على يحيى ولابنيه الفضل(3/223)
ومحمد وموسى ثم تجردت عنه التهمة بعبد الملك بن صالح بن على وكانوا أصدقاء له فسعى فيه ابنه عبد الرحمن بأنه يطلب الخلافة فحبسه عنه الفضل بن الربيع ثم أحضره من
الغداة وقرعه ووبخه فأنكر وحلف واعترف لحقوق الرشيد وسلفه عليه فأحضر كاتبه شاهدا عليه فكذبه عبد الملك فأحضر ابنه عبد الرحمن فقال هو مأمور معذور أو عاق فاجر فنهض الرشيد من مجلسه وهو يقول سأصبر حتى أعلم ما يرضى الله فيك فانه الحكم بينى وبينك فقال عبد الملك رضيت بالله حكما وبأمير المؤمنين حاكما فانه لا يؤثر هواه على رضا ربه ثم أحضره الرشيد يوما آخر فأرعد له وأبرق وجعل عبد الملك يعدد وسائله ومقاماته في طاعته ومناصحته فقال له الرشيد لو لا ابقائى على بنى هاشم لقتلتك ورده إلى محبسه وكلمه عبد الله بن مالك فيه وشهد له بنصحه فقال أطلقه إذا قال أما في هذا القرب فلا ولكن سهل حبسه ففعل وأجرى عليه مؤنه حتى مات الرشيد وأطلقه الامين وعظم حقده على البرامكة بسبب ذلك فضيق عليهم وبعث إلى يحيى يلومه فيما ستر عنه من أمر عبد الملك فقال يا أمير المؤمنين كيف يطلعني عبد الملك على ذلك وأنا كنت صاحب الدولة وهل إذا فعلت ذلك يجازيني بأكثر من فعلك أعيذك بالله ان تظن هذا الظن الا أنه كان رجلا متجملا يسرنى أن يكون في بيتك مثله فوليته ولا خصصته فعاد إليه الرسول يقول ان لم تقر قتلت الفضل ابنك فقال أنت مسلط علينا فافعل ما أردت وجذب الرسول الفضل وأخرجه فودع أباه وسأله في الرضا عنه فقال رضى الله عنك وفرق بينهما ثلاثة أيام ولم يجد عندهما شيأ فجمعهما واحتفظ ابراهيم بن عثمان بن نهيك لقتل جعفر فكان يبكيه ويبكى قومه حزنا عليهم ثم انتهى به إلى طلب الثار بهم فكان يشرب النبيذ مع جواريه ويأخذ سيفه وينادى واجعفراه واسيداه والله لاثأرن بك ولاقتلن قاتلك فجاء ابنه وحفص كان مولاه إلى الرشيد فأطلعاه على أمره فأحضر ابراهيم وأظهر له الندم على قتله جعفرا والاسف عليه فبكى ابراهيم وقال والله يا سيدى لقد أخطأت في قتله فانتهره الرشيد وأقامه ثم دخل عليه ابنه بعد ليال قلائل فقتله يقال بأمر الرشيد وكان يحيى بن خالد محبوسا بالكوفة ولم يزل بها كذلك إلى أن مات سنة تسعين ومائة ومات بعده ابنه الفضل سنة ثلاث وتسعين وكانت البرامكة من محاسن
العالم ودولتهم من أعظم الدول وهم كانوا نكتة محاسن الملة وعنوان دولتها * (الصوائف وفتوحاتها) * كان الرشيد على ما نقله الطبري وغيره يغزو عاما ويحج عاما ويصلى كل يوم مائة ركعة ويتصدق بألف درهم وإذا حج حمل معه مائة من الفقهاء ينفق عليهم وإذا لم يحج أنفق على ثلثمائة حاج نفقة شائعة وكان يتحذى بآثار المنصور الا في بذل المال فلم ير خليفة(3/224)
قبله أبذل منه للمال وكان إذا لم يغز غزا بالصائفة كبار أهل بيته وقواده فغزا بالصائفة سنة سبعين سليمان بن عبد الله البكائى وقيل غزا بنفسه وغزا بالصائفة اثنتين وسبعين اسحق بن سليمان بن على فأثخن في بلاد الروم وغنم وسبى وغزا في سنة أربع وسبعين بالصائفة عبد الملك بن صالح وقيل أبوه عبد الملك فبلغ في نكاية الروم ما شاء وأصابهم برد شديد سقطت منه أيدى الجند ثم غزا بالصائفة سنة سبع وسبعين عبد الرزاق بن عبد الحميد الثعلبي وفى سنة ثمان وسبعين زفر بن عاصم وغزا سنة احدى وثمانين بنفسه فافتتح حصن الصفصاف وأغزى عبد الملك بن صالح فبلغ أنقرة وافتتح مطمورة وكان الفداء بين المسلمين والروم وهو أول فداء في دولة بنى العباس وتولاه القاسم بن الرشيد وأخرج له من طرسوس الخادم الوالى عليها وهو أبو سليمان فرج فنزل المدامس على اثنى عشر فرسخا وحضر العلماء والاعيان وخلق من أهل الثغور وثلاثون ألفا من الجند المرتزقة فحضروا هنالك وجاء الروم بالاسرى ففودى بهم من كان لهم من الاسرى وكان أسرى المسلمين ثلاثة آلاف وسبعمائة وغزا بالصائفة سنة ثنتين وثمانين عبد الرحمن بن عبد الملك بن صالح دقشوسوس مدينة أصحاب الكهف وبلغهم أن الروم سلوا ملكهم قسطنطين بن اليون وملكوا أمه ربى وتلقب عطشة نأثخنوا في البلاد ورجعوا وفى سنة ثلاث وثمانين حملت ابنة خاقان ملك الخزر إلى الفضل ابن يحيى فماتت ببردعة ورجع من كان معها فأخبروا أباها انها قتلت غيلة فتجهز
إلى بلاد الاسلام وخرج من باب الابواب وسبى أكثر من مائة ألف فارس وفعلوا ما لم يسمع بمثله فولى الرشيد يزيد بن مزيد أمر أرمينية مضافة إلى أذربيجان وأمره بالنهوض إليهم وأنزل خزيمة بن خازم بنصيبين ردأ لهم وقيل ان سبب خروجهم ان سعيد بن مسلم قتل الهجيم السلمى فدخل ابنه إلى الخزر مستجيشا بهم على سعيد ودخلوا أرمينية وهرب سعيد والخزر ورجعوا وفى سنة سبع وثمانين غزا بالصائفة القاسم بن الرشيد وجعله قربانا لله وولاه العواصم فأناخ على قرة وضيق عليها وبعث عليها ابن جعفر بن الاشعث فحاصر حصن سنان حتى جهد أهله وفادى الروم بثلثمائة وعشرين أسيرا من المسلمين على أن يرحل عنهم فأجابهم وتم بينهم الصلح ورحل عنهم وكان ملك الروم يومئذ ابن زينى وقد تقدم ذكره فخلعه الروم وملكوا يقفور وكان على ديوان خراجهم ومات زينى بعد خمسة أشهر ولما ملك يقفور كتب إلى الرشيد بما استفزه فسار إلى بلاد الروم غازيا ونزل هرقل وأثخن في بلادهم حتى سأل يقفور الصلح ثم نقض العهد وكان البرد شديد الكلب وظن يقفور ان ذلك يمنعه من الرجوع فلم يمنعه ورجع حتى أثخن في بلاده ثم خرج من أرضهم وغزا بالصائفة سنة ثمان(3/225)
وثمانين ابراهيم بن جبريل ودخل من درب الصفصاف فخرج إليه يقفور ملك الروم وانهزم وقتل من عسكره نحوا من أربعين ألفا وفى هذه السنة رابط القاسم بن الرشيد ابق وفى سنة تسع وثمانين كتب الرشيد وهو بالرى كتب الامان لشروين ابى قارن وندا هرمز جد مازيار مرزبان خستان صاحب الديلم وبعث بالكتب مع حسين الخادم إلى طبرستان فقدم خستان ووندا هرمز فأكرمهما الرشيد وأحسن اليهما وضمن وندا هرمز وشروين صاحبي طبرستان وذكرا كيف توجه الهادى لهما وحاصرهما وفى سنة ست وثمانين كان فداء بين المسلمين حتى لم يبق بأرض الروم مسلم الا فودى وفى سنة تسعين سار الرشيد إلى بلاد الروم بسبب ما قدمناه من غدر يقفور في مائة
وخمسة وثلاثين ألفا من المرتزقة سوى الاتباع والمتطوعة ومن ليس له ذكر في الديوان واستخلف المأمون بالرقة وفوض إليه الامور وكتب إلى الآفاق بذلك فنزل على هرقل فحاصرها ثلاثين يوما وافتتحها وسبى أهلها وغنم ما فيها وبعث داود بن عيسى بن موسى في سبعين أنفا غازيا في أرضهم ففتح الله عليه وخرب ونهب ما شاء وفتح شراحيل بن معن ابن زائدة حصن الصقالبة وديسة وافتتح يزيد بن مخلد حصن الصفصاف وقونية وأناخ عبد الله بن مالك على حصن ذى الكلاع واستعمل الرشيد حميد بن معيوب على الاساطيل ممن بسواحل الشأم ومصر إلى قبرس فهزم وخرق وسبى من أهلها نحوا من سبعة عشر ألفا وجاء بهم إلى الواقعة فبايعوا بها وبلغ فداء أسقف قبرس ألفى دينار ثم سار الرشيد إلى حلوانة فنزل بها وحاصرها ثم رحل عنها وخلف عليها عقبة بن جعفر وبعث يقفور بالخراج والجزية عن رأسه أربعة دنانير وعن ابنه دينارين وعن بطارقته كذلك وبعث يقفور في جارية من بنى هرقلة وكان خطبها ابنه فبعث بها إليه ونقض في هذه السنة قبرس فغزاهم معيوب بن يحيى فأثخن فيهم وسباهم ولما رجع الرشيد من غزاته خرجت الروم إلى عيز زربة والكنيسة السوداء وأغاروا ورجعوا فاستنقذ أهل المصيصة ما حملوه من الغنائم وفيها غزا يزيد بن مخلد الهبيرى أرض الروم في عشرة آلاف فأخذت الروم عليه المضايق فانهزم وقتل في خمسين من أصحابه على مرحلتين من طرسوس واستعمل الرشيد على الصائفة هرثمة بن أعين قبل أن يوليه خراسان وضم إليه ثلاثين ألفا من أهل خراسان وأخرجه إلى الصائفة وسار بالعساكر الاسلامية في اثره ورتب بدرب الحرث عبد الله بن مالك و بمرعش سعيد ابن مسلم بن قتيبة وأغارت الروم عليه أصابوا من المسلمين وانصرفوا ولم يتحرك من مكانه وبعث الرشيد محمد بن زيد بن مزيد إلى طرسوس وأقام هو بدرب الحرث وأمر قواده بهدم الكنائس في جميع الثغور وأخذ أهل الذمة بمخالفة زى المسلمين في ملبوسهم(3/226)
وأمر هرثمة ببناء هرطوس وتولى ذلك فخرج الخادم بأمر الرشيد وبعث إليها جندا من خراسان ثلاثة أيام وأشخص إليهم ألفا من أهل المصيصة وألفا من انطاكية فتم بناؤها سنة ثنتين وتسعين وفى هذه السنة تحركت الحرمية بناحية أذربيجان فبعث إليهم عبد الله بن مالك في عشرة آلاف فقتل وسبى وأسر بقرمامين فأمره بقتل الاسرى وبيع السبى وفيها استعمل الرشيد على الثغور ثابت بن مالك الخزاعى فافتتح مطمورة وكان الفداء على يديه بالبرذون ثم كان الفداء الثاني وكان عدة أسرى المسلمين فيه ألفين وخمسمائة * (الولاية على النواحى) * كان على افريقية مزيد بن حاتم كما قدمناه ومات سنة احدى وسبعين بعد أن استخلف ابنه داود فبعث الرشيد على افريقية أخاه روح بن حاتم فاستقدمه من فلسطين وبعثه إلى افريقية وعزل أبا هريرة محمد بن فروج عن الجزيرة وقتله وولى مكانه وفى سنة ست وسبعين ولى الرشيد على الموصل الحكم بن سليمان وقد كان خرج الفضل الخارجي بنواحي نصيبين وغنم وسار إلى داريا وآمد وارزق وخلاط فقفل لذلك ورجع إلى نصيبين فأتى الموصل وخرج إليه الفضل في عساكرها فهزمهم على الزاب ثم عادوا لقتاله فقتل الفضل وأصحا وفى سنة ست وسبعين مات روح بن حاتم بافريقية واستخلف حبيب بن نصر المهلبى فسار الفضل إلى الرشيد فولاه على افريقية وعاد إليها فاضطرب عليه الخراسانية من جند افريقية ولم يرضوه فولى مكانه هرثمة بن أعين وبعث في العساكر فسكن الاضطراب ورأى ما بافريقية من الاختلاف فاستعفي الرشيد من ولايتها فأعفاه وقدم إلى العراق بعد سنتين ونصف من مغيبه وفى هذه ولى الفضل بن يحيى على مصر مكان أخيه جعفر مضافا إلى ما بيده من الرى وسجستان وغيرهما ثم عزله عن مصر وولى عليها اسحق بن سليمان فثارت به الجوقية من مصر وهم جموع من قيس وقضاعة فأمده بهرثمة بن أعين فأذعنوا وولاه عليهم شهرا ثم عزله وولى عبد الملك بن
صالح مكانه وفيها فوض أمر دولته إلى يحيى بن خالد وفى سنة ثمانين بعث جعفر بن يحيى إلى الشأم في القواد والعساكر ومعه السلاح والاموال والعصبية التى كانت بها فسكنت الفتنة ورجع فولاه خراسان وسجستان فاستعمل عليها عيسى بن جعفر وولى جعفر بن يحيى المريس وقدم هرثمة بن أعين من افريقية فاستخلفه جعفر على الحرد وعزل الفضل بن يحيى عن طبرستان والرويان وولاها عبد الله بن حازم وولى على الجزيرة سعيد بن مسلم وولى على الموصل يحيى بن سعد الحريشى فأساء السيرة وطالبهم بخراج سنن ماضية فانجلا أكثر أهل البلد وعزله لرشيد وولى عليها وفى سنة(3/227)
احدى وثمانين ولى على افريقة محمد بن مقاتل بن حكيم العكى وكان أبوه من قواد الشيعة ومحمد رضيع الرشيد وتلاده فلما استعفى هرثمة ولاه مكانه واضطربت عليه افريقية وكان ابراهيم بن الاغلب بها واليا على الزاب وكان جند افريقية يرجعون إليه فأعانه وحمل الناس على طاعته بعد أن أخرجوه فكرهوا ولاية محمد بن مقاتل وحملوا ابراهيم بن الاغلب على أن كتب إلى الرشيد يطلب ولاية افريقية على أن يترك المائة ألف دينار التى كانت تحمل من مصر معونة إلى والى افريقية ويحمل هو كل سنة أربعين ألف دينار فاستشار الرشيد بطانته فأشار هرثمة بابراهيم بن الاغلب وولاه الرشيد في محرم سنة أربعة وثمانين فضبط الامور وقبض على المؤمنين وبعث بهم إلى الرشيد فسكنت البلاد وابتنى مدينة بقرب القيروان سماها العباسية وانتقل إليها بأهله وخاصته وحشمه وصار ملك افريقية في عقبه كما يذكر في أخبارها إلى أن غلبهم عليها الشيعة العبيديون وكان يزيد بن مزيد على أذربيجان فولاه الرشيد سنة ثمان وثمانين على أرمينية مضافة إليها وولى خزيمة بن خازم على نصيبين وولى الرشيد سنة أربع وثمانين على اليمن ومكة حمادا البربري وعلى السند داود بن يزيد بن حاتم وعلى الجبل يحيى الحريشى وعلى طبرستان مهروية الزاى وقتله أهل طبرستان سنة خمس
وثمانين فولى مكانه عبد الله بن سعيد الحريشى وفيها توفى يزيد بن زائدة الشيطاني ببردعة وكان على أذربيجان وأرمينية فولى مكانه ابنه أسد بن يزيد بن حاتم وفى سنة تسع وثمانين سار الرشيد إلى الرى وولى على طبرستان والرى ودنباوند وقوس وهمذان عبد الملك بن مالك وفى سنة تسعين ولى على الموصل خالد بن يزيد بن حاتم وقد تقدم لنا ولاية هرثمة على سليمان ونكبة على بن عيسى في سنة احدى وتسعين ظفر حماد البربري بهيصيم اليماني وجاء به إلى الرشيد فقتله وولى في هذه السنة على الموصل محمد بن الفضل ابن سليمان وكان على مكة الفضل بن العباس أخى المنصور والسفاح * (خلع رافع بن الليث بما وراء النهر) * كان رافع بن نصر بن سيار من عظماء الجند فيما وراء النهر وكان يحيى بن الاشعث قد تزوج ببعض النساء المشهورات الجمال وتسرى عليها وأكثر ضرارها وتشوقت إلى التخلص منه فدس إليها رافع بن الليث بأن تحاول من يشهد عليها بالكفر لتخلص منه وتحل للازواج ثم ترجع وتتوب فكان وتزوجها وشكا يحيى بن الاشعث إلى الرشيد وأطلعه على جل الامر فكتب إلى على بن عيسى أن يفرق بينهما ويقيم الحد على رافع ويطوف به في سمرقند مقيدا على حمار ليكون عظة لغيره ففعل ذلك ولم يجده رافع وحبس بسمرقند فهرب من الحبس ولحق بعلى بن عيسى في بلخ فهم بضرب عنقه فشفع(3/228)
فيه ابنه عيسى فأمره بالانصراف إلى سمرقند فرجع إليها ووثب بعاملها فقتله وملكها وذلك سنة تسعين فبعث على لحربه ابنه عيسى فلقيه رافع وهزمه وقتله فخرج على بن عيسى لقتله وسار من بلخ إلى مرو مخافة عليها من رافع بن الليث ثم كانت نكبة على بن عيسى وولاية هرثمة بن أعين على خراسان وكان مع رافع بن الليث جماعة من القواد ففارقوه إلى هرثمة منهم عجيف بن عنبسة وغيره وحاصر هرثمة رافع بن الليث في سمرقند وضايقه واستقدم طاهر بن الحسين من خراسان فحضر عنده وعاث حمزة
الخارجي في نواحى خراسان لخلائها من الجند وحمل إليه عمال هراة وسجستان الاموال ثم خرج عبد الرحمن إلى نيسابور سنة أربع وتسعين وجمع نحوا من عشرين ألفا وسار إلى حمزة فهزمه وقتل من أصحابه خلقا وأتبعه إلى هراة حتى كتب المأمون إليه ورده عن ذلك وكانت سنة ثلاث وتسعين بين هرثمة وبين أصحاب رافع وقعة كان الظفر فيها لهرثمة وأسر بشرا أخا رافع وبعث به إلى الرشيد وافتتح بخارى وكان الرشيد قد سار من الرقة بعد مرجعه من الصائفة التى بنى فيها طرسوس على اعتزام خراسان لشأن رافع وكان قد أصابه المرض فاستخلف على الرقة ابنه القاسم وضم إليه خزيمة ابن خازم وجاء إلى بغداد ثم سار منها إلى خراسان في شعبان سنة ثنتين وتسعين واستخلف عليها ابنه الامين وأمر المأمون بالمقام معه فأشار عليه الفضل بن سهل بأن يطلب المسير مع الرشيد وحذره البقاء مع الامين فأسعفه الرشيد بذلك وسار معه * (وفاة الرشيد وبيعة الامين) * ولما سار الرشيد عن بغداد إلى خراسان بلغ جرجان في صفر سنة ثلاث وتسعين وقد اشتدت عليه فبعث ابنه المأمون إلى مرو ومعه جماعة من القواد عبد الله بن مالك ويحيى بن معاذ وأسد بن خزيمة والعباس بن جعفر بن محمد بن الاشعث والسدى والحريشي ونعيم بن خازم ثم سار الرشيد إلى موسى واشتد به الوجع وضعف عن الحركة وثقل فأرجف الناس بموته وبلغه ذلك فأراد الركوب ليراه الناس فلم يطق النهوض فقال ردوني ووصل إليه وهو بطوس بشير أخو رافع أسيرا بعث به هرثمة بن أعين فأحضره وقال لو لم يبق من أجلى الا حركة شفتي بكلمة لقلت اقتلوه ثم أمر قصابا ففصل أعضاءه ثم أغمى عليه وافترق الناس ولما يئس من نفسه أمر بقبره فحفر في الدار التى كان فيها وأنزل فيه قوما قرؤا فيه القرآن حتى ختموه وهو في محفة على شفيره بنظر إليه وينادى واسوأتاه من رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم مات وصلى عليه ابنه صالح وحضر وفاته الفضل بن الربيع واسمعيل بن صبيح ومسرور وحسين ورشيد وكانت
خلافته ثلاثا وعشرين سنة أو تزيد وترك في بيت المال تسعمائة ألف ألف دينار(3/229)
ولما مات الرشيد بويع الامين في العسكر صبيحة يومه والمأمون يومئذ بمرو وكتب حموية مولى المهدى صاحب البريد إلى نائبه ببغداد وهو سلام أبو مسلم يعلمه بوفاة الرشيد وهنأه بالخلافة فكان أول من فعل ذلك وكتب صالح إلى أخيه الامين مع رجاء الخادم بوفاة الرشيد وبعث معه بالخاتم والبردة والقضيب فانتقل الامين من قصره يالخلد إلى قصر الخلافة وصلى بالناس الجمعة وخطب ثم نعى الرشيد وعزى نفسه والناس وبايعته جملة أهله ووكل سليمان بن المنصور وهم عم أبيه وأمه بأخذ البيعة على الفواد وغيرهم ووكل السندي بأخذ البيعة على الناس سواهم وفرق في الجند ببغداد رزق سنين وقدمت أمه زبيدة من الرقة فلقيها الامين بالانبار في جمع من بغداد من الوجوه وكان معها خزائن الرشيد وكان قد كتب إلى معسكر الرشيد وهو حى مع بكر بن المعتمر لما اشتدت علة الرشيد والى المأمون بأخذ البيعة لهما وللمؤتمن أخيهما والى أخيه صالح بالقدوم بالعسكر والخزائن والاموال برأى الفضل والى الفضل بالاحتفاظ على ما معه من الحرم والاموال وأقر كل واحد على عمله كصاحب الشرطة والحرس والحجابة وكان الرشيد قد سمع بوصول بكر بالكتاب فدعاه ليستخرجها سنه فجحدها فضربه وحبسه ثم مات الرشيد وأحضره الفضل فدفعها إليه ولما قرؤا الكتاب تشاورا في اللحاق بالامين وارتحل الفضل بالناس لهواهم في وطنهم وتركوا عهود المأمون فجمع المأمون من كان عنده من قواد أبيه وهم عبد الله بن مالك ويحيى بن معاذ وشبيب ابن حميد بن قحطبة والعلاء مولى الرشيد وكان على حجابته والعباس بن المسيب بن زهير وكان على شرطته وأيوب بن أبى سمير وهو على كتابته وعبد الرحمن بن عبد الملك بن صالح وذو الرياستين الفضل بن سهل وهو أخصهم به وأحظاهم عنده فأشار بعضهم أن يركب في اثرهم ويردهم ومنعه الفضل من ذلك وقال أخشى عليك منهم ولكن تكتب وترسل
رسولك إليهم تذكرهم البيعة والوفاء وتحذرهم الحنث فبعث سهل بن صاعد ونوفلا الخادم بكتابه إليهم بنيسابور فقرأ الفضل كتابه وقال أنا واحد من الجند وشد عبد الرحمن برجليه على سهل ليطعنه بالرمح وقال لو كان صاحبك حاضرا لوضعته فيه وسب المأمون وانصرفوا ورجع سهل ونوفل بالخبر إلى المأمون فقال له الفضل ابن سهل هؤلاء أعدا استرحت منهم وأنت بخراسان وقد خرج بها المقنع وبعده يوسف البر فتضعضعت لهما الدولة ببغداد وأنت رأيت عند خروج رافع بن الليث كيف كان الحال وأنت اليوم نازل في أخوالك وبيعتك في أعناقهم فاصبر وأنا أضمن لك الخلافة فقال المأمون قد فعلت وجعلت الامر اليك فقال ان عبد الله بن ما والقواد انفع لك منى لشهرتهم وقوتهم وأبا خادم لمن يقوم أمرك منهم حتى ترى رأيك(3/230)
وجاءهم الفضل في منازلهم وعرض عليهم البيعة للمأمون فمنهم من امتنع ومنهم من طرده فرجع إلى المأمون وأخبره فقال قم أنت بالامر وأشار عليه الفضل أن يبعث على الفقهاء ويدعوهم إلى الحق والعمل به واحياء السنة ورد المظالم وبعقد على الصفوف ففعل جميع ذلك وأكرم القواد وكان يقول للتميمي نقمك مقام موسى ابن كعب وللربعي مكان أبى داود وخالد بن ابراهيم ولليماني مكان قحطبة ومالك بن الهيثم وكل هؤلاء نقباء الدولة ووضع عن خراسان ربع الخراج فاغتبط به أهلها وقالوا ابن أختنا وابن عم نبينا وأقام المأمون يتولى ما كان بيده من حراسان والرى وأهدى إلى الامين وكتب إليه وعظمه ثم ان الامين عزل لاول ولايته أخاه القاسم المؤتمن عن الجزيرة واستعمل عليها خزيمة بن خازم وأقر المؤتمن على قنسرين والعواصم وكان على مكة داود بن عيسى بن موسى بن محمد وعلى حمص اسحق بن سليمان فخالف عليه أهل حمص وانتقل عنهم إلى ملية فعزله الامين وولى مكانه عبد الله بن سعيد الحريشى فقتل عدة منهم وحبس عدة واضرم النار في نواحيها وسألوا الامان فأجابهم
ثم انتقضوا فقتل عدة منهم ثم ولى عليهم ابراهيم بن العباس * (أخبار رافع وملوك الروم) * وفى سنة ثلاث وتسعين دخل هرثمة بن أعين سمرقند وملكها وقام بها ومعه طاهر ابن الحسين فاستجش رافع بالترك فأتوه وقوى بهم ثم انصرموا وضعف أمره وبلغه الحسن سيرة المأمون فطلب الامان وحضر عند المأمون فأكرمه ثم قدم هرثمة على المأمون فولاه الحرس وأنكر الامين ذلك كله وفى هذه السنة قتل يقفور ملك الروم في حرب برجان لسبع سنين من ملكه وملك بعده ابنه استبراق وكان جربأ فمات لشهرين وملك بعده صهره على أخته ميخاييل بن جرجيس ووثب عليه الروم سنة أربع وتسعين بعد ثنتين من ملكه فهرب وترهب وولوا بعده اليوق القائد * (الفتنة بين الامين والمأمون) * ولما قدم الفضل بن الربيع على الامين ونكث عهد المأمون خشى غائلته فأجمع قطع علائقه من الامور وأغزى الامين بخلعه والبيعة للعهد لابنه موسى وواقفه في ذلك على بن عيسى بن ماهان والسندى وغيرهما ممن يخشى المأمون وخلفهم خزيمة بن خازم وأخوه عبد الله وناشدوا الامين في الكف عن ذلك وأن لا يحمل الناس على نكت العهود فيطرقهم لنكث عهده ولج الامين في ذلك وبلغه ان المأمون عزل العياص ابن عبد الله بن مالك عن الرى وانه ولى هرثمة بن أعين على الحرس وان رافع بن الليث(3/231)
استأمن له فآمنه وسار في جملته فكتب إلى العمال بالدعاء لموسى ابنه بعد الدعاء للمأمون والمؤتمن فبلغ ذلك المأمون فأسقط اسم الامين من الطرد وقطع البريد عنه وأرسل الامين إليه العباس بن موسى بن عيسى وخاله عيسى بن جعفر بن المنصور وصالحا صاحب الموصل ومحمد بن عيسى بن نهيك يطلب منه تقديم ابنه موسى عليه في العهد ويستقدمه فلما قدموا على المأمون استشار كبراء خراسان فقالوا انما بيعتنا
لك على أن لا تخرج من خراسان فأحضر الوفد وأعلمهم بامتناعه مما جاؤا فيه واستعمل الفضل بن سهل العباس بن موسى ليكون عينا لهم عند الامين ففعل وكانت كتبه تأتيهم بالاخبار ولما رجع الوفد عاودوه بطلب بعض كور خراسان وأن يكون له بخراسان صاحب بريد يكاتبه فامتنع المأمون من ذلك وأوعد إلى قعوده بالرى ونواحيها يضبط الطرق وينقذها من غوائل الكتب والعيون وهو مع ذلك يتخوف عاقبة الخلاف وكان خاقان ملك التبت قد التوى عليه وجيفونة فارق الطاعة وملوك الترك منعوا الضريبة فخشى المأمون ذلك وحفظ عليه الامر بأن يولى خاقان وجيفونة بلادهما ويوادع ملك كابل ويترك الضريبة لملوك الترك الآخرين وقال له بعد ذلك ثم أضرب الحيل بالخيل والرجال بالرجال فان ظفرت والا لحقت بخاقان مستجيرا فقبل اشارته وفعلها وكتب إلى الامين يخادعه بأنه عامله على هذا الثغر الذى أمره الرشيد بلزومه وان مقامه به أشد غناء ويطلب اعفاءه من الشخوص إليه فعلم الامين أنه لا يتابعه على مراده فخلعه وبايع لولده في أوائل سنة خمس وتسعين وسماه الناطق بالحق وقطع ذكر المأمون والمؤتمن من المنابر وجعل ولده موسى في حجر على بن عيسى وعلى شرطته محمد بن عيسى بن نهيك وعلى حرسه أخوه عيسى وعلى رسائله صاحب القتلى وكان يدعى له على المنابر ولابنه الآخر عبد الله ولقبه القائم بالحق وأرسل إلى الكعبة من جاء بكتابي العهد للامين والمأمون اللذين وضعهما الرشيد هنالك وسارت الكتب من ذلك إلى المأمون ببغداد من عيونه بها فقال المأمون هذه أمور أخبر الرائى عنها وكفاني أنا أن أكون مع الحق وبعث الفضل بن سهل إلى جند الرى بالاقوات والاحسان وجمع إليهم من كان بأطرافهم ثم بعث على الرى طاهر بن الحسين بن مصعب بن زريق أسعد الخزاعى أبا العباس أميرا وضم إليه القواد والاجناد فنزلها ووضع المسالح والمراصد وبعث الامين عصمة بن حماد بن سالم إلى همذان في ألف رجل وأمره أن يقيم بهمذان ويبعث مقدمته إلى ساوة
* (خروج ابن ماهان لحرب طاهر ومقتله) * ثم جهز الامين على بن عيسى بن ماهان إلى خراسان لحرب المأمون يقال دس بذلك(3/232)
الفضل بن سهل العين له عند الفضل بن الربيع فأشار به عليهم لما في نفوس أهل خراسان من النفرة عن ابن ماهان فجدوا في حربه ويقال حرض أهل خراسان على الكتب إلى ابن ماهان ومخادعته ان جاء فأمره الامين بالمسير وأقطعه نهاوند وهمذان وقم واصبهان وسائر كور الجبل حربا وخراجا وحكمه في الخزائن وأعطاه الاموال وجهز معه خمسين ألف فارس وكتب إلى أبى دلف القاسم بن عيسى بن ادريس العجلى وهلال ابن عبد الله الحضرمي في الانضمام وركب إلى باب زبيدة ليودعها فأوصته بالمأمون بغاية ما يكون أن يوصى به وانه بمنزلة ابنها في الشفقة والموصلة وناولته قيدا من فضة وقالت له ان سار اليك فقيده به مع المبالغة في البر والادب معه ثم سار على بن عيسى من بغداد في شعبان وركب الامين يشيعه في القواد والجنود ولم ير عسكر مثل عسكره ولقى السفر بالسابلة فأخبروه ان طاهرا بالرى يعرض أصحابه وهو مستعد للقتال وكتب إلى ملوك الديلم وطبرستان يعدهم ويمنيهم وأهدى لهم والا سورة على أن يقطعوا الطرق عن خراسان فأجابوا ونزل أول بلاد الرى فأشار عليه أصحابه باذكاء العيون والطلائع والتحصن بالخندق فقال مثل طاهر لا يستعد له وهو اما أن يتحصن بالرى فتثبت إليه أهلها واما أن يفر إذا قربت منه خيلنا ولما كان من الرى على عشرة فراسخ استشار أصحاب طاهر في لقائه فمالوا إلى التحصن بالرى فقال أخاف أن يثبت بنا أهلها وخرج فعسكر على خمسة فراسخ منها في أقل من أربعة آلاف فارس وأشار عليه أحمد بن هشام كبير جند خراسان أن ينادى بخلع الامين وبيعة المأمون لئلا يخادعه على بن عيسى بطاعة الامين وانه عامله ففعل وقال على لاصحابه بادروهم فانهم قليل ولا يصبرون على حد السيوف وطعن الرماح وأحكم تعبية جنده وقدم بين يديه
عشر رايات مع كل راية ألف رجل وبين كل رايتين غلوة سهم ليقاتلوا نوبا وعبى طاهر أصحابه كراديس وحرضهم وأوصاهم وهرب من أصحاب طاهر جماعة فجلدهم على وأهانهم فأقصر الباقون وجدوا في قتاله وأشار أحمد بن هشام على طاهر بأن يرفع كتاب البيعة على رمح ويذكر على بن عيسى بها نكثه ثم اشتد القتال وحملت ميمنة على فانهزمت ميسرة طاهر وكذلك ميسرته على ميمنة طاهر فأزالوها واعتمد طاهر القلب فهزموهم ورجعت المجنبتان منهزمة وانتهت الهزيمة إلى على وهو ينادى بأصحابه فرماه رجل من أصحاب طاهر بسهم فقتله وجاء برأسه إلى طاهر وحمل شلوه على خشبة وألقى في بئر بأمر طاهر واعتق طاهر جميع غلمانه شكر الله وتمت الهزيمة واتبعهم أصحاب طاهر فرسخين واقفوهم فيها اثنتى عشرة مرة يقتلونهم في كلها ويأسرونهم حتى جن الليل بينهم ورجع طاهر إلى الرى وكتب إلى الفضل كتابي إلى أمير(3/233)
المؤمنين ورأس على بين يدى وخاتمه في اصبعي وجنده متصرفون تحت أمرى والسلام وورد الكتاب على البريد في ثلاثة أيام فدخل الفضل على المأمون وهنأه بالفتح ودخل الناس فسلموا عليه بالخلافة ووصل رأس على بعدها بيومين وطيف به في خراسان ووصل الخبر إلى الامين بمقتل على وهزيمة العسكر فأحضر الفضل ابن الربيع وكيل المأمون ببغداد وهو نوفل الخادم فقبض ما بيده من ضياعه وغلاته وخمسين ألف ألف درهم كان الرشيد وصاه بها وندم الامين على فعله وسعت الجند والقواد في طلب الارزاق فهم عبد الله بن حاتم بقتالهم فمنعه الامين وفرق فيهم أموالا * (مسير ابن جبلة إلى طاهر ومقتله) * ولما قتل على بن عيسى بعث الامين عبد الرحمن بن الانباري في عشرين ألف فارس إلى همذان وولاه عليها وعلى كل ما يفتحه من بلاد خراسان وأمده بالمال فسار إلى همذان وحصنها وجاءه طاهر فبرز إليه ولقيه فهزمه طاهر إلى البلد ثم خرج عبد الرحمن
ثانية فانهزم إلى المدينة وحاصره طاهر حتى ضجر منه أهل المدينة وطلب الامان من طاهر وخرج من همذان وكان طاهر عند نزوله عليها قد خشى من صاحب قزوين أن يأتيه من ورائه فجهز العسكر على همذان وسار إلى قزوين في ألف فارس ففر عاملها وملكها ثم ملك همذان وسائر أعمال الجبل وأقام عبد الرحمن بن جبلة في أمانه ثم أصاب منه بعض الايام غرة فركب وهجم عليه في عسكر فقاتله طاهر أشد القتال حتى انهزم أصحابه وقتل ولحق فلهم بعبد الله وأحمد ابني الحريشى في عسكر عظيم بعثهما الامين مدد العبد الرحمن فانهزموا جميعا إلى بغداد وأقبل طاهر نحو البلاد وحده وأخذه إلى حلوان فخندق بها وجمع أصحابه * (بيعة المأمون) * وأمر المأمون عندها بأن يخطب له على المنابر ويخاطب يأمير المؤمنين وعقد للفضل ابن سهل على المشرق كله من جبل همذان إلى البيت طولا ومن بحر فارس إلى بحر الديلم وجرجان عرضا وحمل له عماله ثلاثة آلاف ألف درهم وعقد له لواء ذا شعبتين ولقبه ذا الرياستين يعنى الحرب والعلم وحمل اللواء على بن هشام وحمل العلم نعيم بن حازم وولى أخاه الحسن بن سهل ديوان الخراج * (ظهور السفياني) * هو على بن عبد الله بن خالد بن يزيد بن معاوية ويلقب أبا العميطر لانه زعم أنها كنية الحردون فلقبوه بها وكانت أمه نفيسة بنت عبد الله بن العباس بن على بن أبى طالب(3/234)
وكان يقول أنا ابن شيخي صفين يعنى عليا ومعاوية وكان من بقايا بنى أمية بالشأم وكان من أهل العلم والرواية فادعى لنفسه بالخلافة آخر سنة خمس وتسعين وأعانه الخطاب بن وجه العلس مولى بنى أمية كان متغلبا على صيدا فملك دمشق من يد سليمان ابن المنصور وكان أكثر أصحابه من كلب وكتب إلى محمد بن صالح بن بيهس يدعوه
ويتهدده فأعرض عنه وقصد السفياني القيسية فاستجاشوا بمحمد بن صالح فجاءهم في ثلثمائة فارس من الصبات ومواليه وبعث السفياني يزيد بن هشام للقائهم في اثنى عشر ألفا فانهزم يزيد وقتل من أصحابه ألفان وأسر ثلاثة آلاف أطلقهم ابن بيهس وحلقهم ثم جمع جمعا مع ابنه القاسم وخرجوا إلى ابن بيهس فانهزموا وقتل القاسم وبعث برأسه إلى الامين ثم جمع جمعا آخر وخرجوا إلى ابن بيهس فانهزموا وقتل القاسم وبعث برأسه إلى الامين ثم جمع جمعا آخر وخرجوا مع مولاه المعتمر فانهزموا وقتل المعتمر فوهن أمر السفياني وطمعت فيه قيس ثم ان ابن بيهس مرض فجمع رؤساء بنى نمير وأوصاهم بيعة مسلمة بن يعقوب بن على بن محمد بن سعيد بن مسلمة بن عبد الملك بالخلافة وقال لهم تولوه وكيدوا به السفياني فانكم لا تتقون بأهل بيته وعاد ابن بيهس إلى حوران واجتمعت نمير على مسلمة فبايعوه فقتل منهم وجمع مواليه ودخل على السفياني فقيده وحبس رؤساء بنى أمية وأدنى القيسية وجعلهم بطانة وأفاق ابن بيهس من مرضه فجاء إلى دمشق وحاصرها وسلمها له القيسية في محرم سنة ثمان وتسعين وهرب مسلمة والسفياني إلى المرة وملك ابن بيهس دمشق إلى أن قدم عبد الله بن طاهر دمشق وسار إلى مصر ثم عاد إليها فاحتمل ابن بيهس معه إلى العراق ومات بها * (مسير الجيوش إلى طاهر ورجوعهما بلا قتال) * ولما قتل عبد الرحمن بن جبلة أرسل الفضل بن الربيع عن أسد بن يزيد بن مزيد ودعاه لحرب طاهر بعد أن ولى الامين الخلافة وشكر لاسد فضل الطاعة والنصيحة وشدة البأس ويمن التقية وطلب منه أرزاق الجند من المال لسنة وألف فرس تحمل من معه بعد ازاحته عللهم بالاموال وأن لا يطلب بحسبان ما يفتتح فقال قد أشططت ولابد من مناظرة أمير المؤمنين ثم ركب ودخل على الامين فأمر بحبسه وقيل انه طلب ولدى المأمون كانا عند أمهما ابنة الهادى ببغداد بحملهما معه فان أطاعه المأمون والا قتلهما فغضب الامين لذلك وحبسه واستدعى عبد الله بن حميد بن قحطبة فاشتط كذلك فاستدعى أحمد مزيد واعتذر له عن حبس أسد وبعثه لحرب طاهر وأمر الفضل
بأن يجهز له عشرين ألف فارس وشفع في أسد ابن أخيه فأطلقه ثم سار وسار معه عبد الله بن حميد بن قحطبة في عشرين ألفا أخرى وانتهوا إلى حلوان وأقاموا وطاهر بموضعه ودس الجرجفين في عسكرهم بأن العطاء والمنع ببغداد(3/235)
والجند يقبضون أرزاقهم حتى مشى الجند بعضهم إلى بعض واختلفوا واقتتلوا ورجعوا من غير لقاء وتقدم طاهر فنزل حلوان وجاءه هرثمة في جيش من عند المأمون ومعه كتاب بأن يسلم إلى هرثمة ما ملكه من المدن ويتقدم إلى الاهواز ففعل ذلك * (أمر عبد الملك بن صالح وموته) * قد تقدم لنا حبس عبد الملك بن صالح إلى أن مات الرشيد وأخرجه الامين ولما كان أمر طاهر جاء عبد الملك إلى الامين وأشار عليه بأن يقدم أهل الشأم لحربه فهم اجرأ من أهل العراق وأعظم نكاية في العدو وضمن طاعتهم بذلك فولاه الامين أهل الشأم والجزيرة وقر له بالمال والرجال واستحثه فسار إلى الرقة وكاتب أهل الشأم فتسالموا إليه فأكرمهم وخلع عليهم وكثرت جموعه ثم مرض واشتد مرضه ووقعت فتنة في عسكره بين الخراسانيين وأهل الشأم بسبب دابة أخذت لبعضهم في وقعة سليمان ابن أبى جعفر وعرفها عند بعض أهل الشأم فاقتتلوا وأرسل إليهم عبد الملك بالقتل فلم يقتلوا وكثر القتل وأظهر عبد الملك النصرة للشاميين وانتقض الحسين بن على للخراسانيين وتنادى الناس بالرجوع إلى بلادهم فمضى أهل حمص وقبائل كلب فانهزم أهل الشأم وأقام عبد الملك بن صالح بالرقة توفى بها * (خلع الامين واعادته) * ولما مات عبد الملك بن صالح نادى الحسين بن على في الجند بالرحيل إلى بغداد وقدمها فلقيه القواد ووجوه الناس ودخل منزله واستدعاه الامين من جوف الليل فامتنع وأصبح فوافى باب الجسر وأغراهم بخلع الامين وحذرهم من نكثه ثم أمرهم بعبور
الجسر فعبروا ولقيه أصحاب الامين فانهزموا وذلك منتصف رجب سنة ست وأخذ البيعة للمأمون من الغد ووثب العباس بن عيسى بن موسى بالامين فأخرجه من قصر الخلد وحبسه بقصر المنصور ومعه أمه زبيدة فلما كان من الغد طلب الناس أرزاقهم من الحسين وماج بعضهم في بعض وقام محمد بن أبى خالد فنكر استبداد الحسين بخلع الامين وليس بذى منزلة ولا حسب ولا نسب ولا غنائم وقال أسد الحربى قد ذهب أقوام بخلع الامين فاذهبوا أنتم بفكه يا معشر الحربية فرجع الناس على أنفسهم باللائمة وقالوا ما قتل قوم خليفتهم الا سلط الله عليهم السيف ثم نهضوا إلى الحسين وتبعهم أهل الارض فقاتلوه قتالا شديدا وأسروه ودخل أسد الحربى إلى الامين وكسر قيوده وأجلسه على أريكته وأمرهم الامين بلبس السلاح فانتهبه الغوغاء وجئ بالحسين إليه أسرا فاعتذر إليه وأطلقهم وأمره بجمع الجند والمسير إلى طاهر وخلع عليه ما وراء(3/236)
بابه ووقف الناس يهنؤنه بباب الجسر حتى إذا خف عنه الناس قطع الجسر وهرب وركب الجند في طلبه وأدركوه على فرسخ من بغداد وقتلوه وجاؤا برأسه إلى الامين واختفى الفضل بن الربيع عند ذلك فلم يوقف له على خبر * (استيلاء طاهر على البلاد) * ولما جاء كتاب المأمون بالمسير إلى الاهواز قدم إليها الحسين بن عمر الرستمى وسار في أثره وأتته عيونه بأن محمد بن يزيد بن حاتم قد توجه من قبل الامين في جند ليحمى الاهواز من أصحاب طاهر فبعث من أصحابه محمد بن طالوت ومحمد بن العلاء والعباس بن بخارا أخذاه مددا للرستمي ثم أمدهم بقريش بن شبل ثم سار بنفسه حتى كان قريبا منهم وأشرفوا على محمد بن يزيد بعسكر مكرم وقد أشار إليه أصحابه بالرجوع إلى الاهواز والتحصن بها حتى تأتيه قومه الازد من البصرة فرجع وأمر طاهر قريش بن شبل باتباعه قبل أن يتحصن بالاهواز فخرج لذلك وفاته محمد بن يزيد إلى الاهواز وجاء على
أثره فاقتتلوا قتالا شديدا وفر أصحاب محمد واستمات هو ومواليه حتى قتلوا وملك طاهر الاهواز وولى على اليمامة والبحرين وعمان ثم سار إلى واسط وبها السندي بن يحيى الحريشى والهيثم بن شعبة خليفة خزيمة بن حازم فهربا عنها وملكها طاهر وبعث قائدا من قواده إلى الكوفة وبها العباس بن الهادى فخلع الامين وبايع للمأمون وكتب بذلك إلى طاهر وكذلك فعل المنصور بن المهدى بالبصرة والمطلب بن عبد الله ابن مالك بالموصل وأقرهم طاهر على أعمالهم وبعث الحرث بن هشام وداود بن موسى إلى قصر ابن هبيرة وأقام بجرجابا ولما بلغ الخبر بذلك إلى الامين بعث محمد بن سليمان القائد ومحمد بن حماد البربري إلى قصر ابن هبيرة فقاتلهم الحرث وداود قتالا شديدا وهزموهم إلى بغداد وبعث الامين أيضا الفضل بن موسى على الكوفة فبعث إليه طاهر بن العلاء في جيش فلقيه في طريقه فأراد مسالمته بطاعة المأمون كيادا ثم قاتله فانهزم إلى بغداد ثم سار طاهر إلى المدائن وعليها البرمكى والمدد متصل له كل يوم فقدم قريش بن شبل فلما أشرف عليهم وأخذ البرمكى في التعبية فكانت لا تتم له فأطلق سبيل الناس وركب بعضهم بعضا نحو بغداد وملك طاهر المدائن ونواحيها ثم نزل صرصر وعقد بها جسرا * (بيعة الحجاز للمأمون) * ولما أخذ الامين كتب العهد من مكة وأمر داود بن عيسى وكان على مكة والمدينة بخلع المأمون قام في الناس ونكر نقض العهد وذكرهم ما أخذ الرشيد عليهم من(3/237)
الميثاق لابنيه في المسجد الحرام أن يكونوا على الظالم وأن محمدا بدأ بالظلم والنكث وخلع اخويه وبايع لطفل صغير رضيع وأخذ الكتابين من الكعبة فحرقهما ظلما ثم دعا إلى خلعه والبيعة للمأمون فأجابوه ونادى بذلك في شعاب مكة وخطبهم وكتب إلى ابنه سليمان بالمدينة بمثل ذلك ففعله وذلك في رجب سنة ست وتسعين وسار من مكة على
البصرة وفارس وكرمان إلى المأمون وأخبره فسر بذلك وولاه مكانه وأضاف إليه ولاية عك وأعطاه خمسمائة ألف درهم وسير معه ابن أخيه العباس بن موسى بن عيسى ابن موسى على الموسم ويزيد بن جرير بن مزيد بن خالد القسرى في جند كثيف عاملا على اليمن ومروا بطاهر وهو محاصر بغداد فأكرمهم وأقام يريد اليمن فبايعوه للمأمون وأطاعوه * (حصار بغداد واستيلاء طاهر عليها ومقتل الامين) * ولما اتصلت بالامين هذه الاحوال وقتل الحسين بن على بن عيسى شمر لحرب طاهر واستعد له وعقد في شعبان سنة ست وتسعين وأربعمائة شتى وأمر عليهم على بن محمد بن عيسى بن نهيك وأمرهم بالمسير إلى هرثمة فساروا إليه والتقوا بنواحي النهروان في رمضان فانهزموا وأسر قائدهم على بن محمد فبعث به هرثمة إلى المأمون وترك النهروان وأقام طاهر بصرصر والجيوش تتعاقب من قبل الامين فيهزمها ثم بذل الامين الاموال ليستفسد بها عساكرهم فسار إليه من عسكر طاهر نحو من خمسة آلاف ففرق فيهم الاموال وقود جماعة من الحربية ودس إلى رؤساء الجند في عسكر طاهر ورغبهم فشغبوا على طاهر وسار كثير منهم إلى الامين وانضموا إلى قواد الحربية وقواد بغداد وساروا إلى صرصر فعبى أصحابه كراديس وحرضهم ووعدهم ثم تقدم فقاتلهم مليا من النهار وانهزم أصحاب الامين وغنم أصحاب طاهر عسكرهم ولما وصلوا إلى الامين فرق فيهم الاموال وقود منهم جماعة ولم يعط المنهزمين شيأ ودس إليهم طاهر واستمالهم فشغبوا على الامين فأمر هؤلاء المحدثين بقتالهم وطاهر يراسلهم وقد أخذ رهائنهم على الطاعة وأعطاهم الاموال فسار فنزل باب الانبار بقواده وأصحابه واستأمن إليه كثير من جند الامين وثارت العامة وفتقت السجون ووثب الشطار على الاخيار ونزل زهير بن مسيب الضبى من ناحية ونصب المجانيق والعرادات وحفر الخنادق ونزل هرثمة بناحية أخرى وفعل مثل ذلك ونزل عبيد الله بن الوضاح
بالشماسية ونزل طاهر بباب الانبار فضيق على الامين بمنزله ونفد ما كان بيد الامين من الاموال وأمر ببيع ما في الخزائن من الامتعة وضرب آنية الذهب والفضة ليفرقها في الجند وأحرق الحديثة فمات بها خلق واستأمن سعيد بن مالك بن قادم إلى(3/238)
طاهر فولاه الاسواق وشاطئ دجلة وأمره بحفر الخنادق وبناء الحيطان وكل ما غلب عليه من الدروب وأمده بالرجال والاموال ووكل الامين بقصر صالح وقصر سليمان ابن المنصور إلى دجلة بعض قواده فألح في احراق الدور والرمى بالمجانيق وفعل طاهر مثل ذلك وكثر الخراب ببغداد وصار طاهر يخندق على ما يمكنه من النواحى ويقاتل من لم يجبه وقبض ضياع من لم يخرج إليه من بنى هاشم والقواد وعجز الاجناد عن القتال وقام به الباعة والعيارون وكانوا ينهبون أموال الناس واستأمن إليه القائد الموكل بقصر صالح فأمنه وسلم إليه ما كان بيده من تلك الناحية في جمادى الاخيرة من سنة سبع واسستأمن إليه محمد بن عيسى صاحب الشرطة فوهن الامين واجتمع العيارون والباعة والاجناد وقاتلوا أصحاب طاهر في قصر صالح وقتلوا منهم خلقا وكاتب طاهر القواد بالامان وبيعة المأمون فأجابه بنو قحطبة كلهم ويحيى بن على ابن ماهان ومحمد بن أبى العباس الطائى وغيرهم وفشل الامين وفوض الامر إلى محمد ابن عيسى بن نهيك والى الحسن الهرش ومعهم الغوغاء يتولون أمر تلك الفتنة وأجفل الناس من بغداد وافترقوا في البلاد ولما وقع بطاهر في قصر صالح ما وقع بأصحابه شرع في هدم المباني وتخريبها ثم قطع الميرة عنهم وصرف السفن التى تحمل فيها إلى الفرات فغلت الاسعار وضاق الحصار واشتد كلب العيارين فهزموا عبيد الله ابن الوضاح وغلبوه على الشماسية وجاء هرثمة ليعينه فهزموه أيضا وأسروه ثم خلصه أصحابه وعقد طاهر جسرا فوق الشماسية وعبر إليهم وقاتلهم أشد قتال فردهم على أعقابهم وقاتل منهم بشرا كثيرا وعاد ابن الوضاح إلى مركزه وأحرق منازل الامين
بالخيزرانية وكانت النفقة فيها بلغت عشرين ألف درهم وأيقن الامين بالهلاك وفر منه عبد الله بن حازم بن خزيمة إلى المدائن لانه اتهمه وحمل عليه السفلة والغوغاء ويقال بل كاتبه طاهر وقبض ضياعه فخرج عن الامين وقصد الهرش ومن معه جزيرة العباس من نواحى بغداد فقاتلهم بعض أصحاب طاهر وهزموهم وغرق منهم خلق كثير وضجر الامين وضعف أمره وسار المؤتمن بن الرشيد إلى المأمون فولاه جرجان وكاتب طاهر خزيمة بن حازم ومحمد بن على بن موسى بن ماهان وأدخلهما في خلع الامين فأجاباه ووثبا آخر محرم من سنة ثمان وتسعين فقطعا جسر دجلة وخلع الامين وبعث إلى هرثمة وكان بازائهما فسار اليهما من ناحيته ودخل عسكر المهدى وملكه وقدم طاهر من الغد إلى المدينة والكرخ فقاتلهم وهزمهم وملكها عنوة ونادى بالامان ووضع الجند بسوق الكرخ وقصر الوضاح وأحاط بمدينة المنصور وقصر زبيدة وقصر الخلد من باب الجسر إلى باب البصرة وشاطئ الصراة إلى مصبها في دجلة(3/239)
ونصب عليها المجانيق واعتصم الامين في أمه وولده بمدينة المنصور واشتد عليه الحصار وثبت معه حاتم بن الصقر والحريشي والافارقة وافترق عامة الجنود والخصيان والجوارى في الطرق وجاء محمد بن حاتم بن الصقر ومحمد بن ابراهيم بن الاغلب الافريقى إلى الامين وقالا له بقى من خيلك سبعة آلاف فرس نختار سبعة آلاف فنجعلهم عليها ونخرج على بعض الابواب ولا يشعر بنا أحد ونلحق بالجزيرة والشأم فيكون ملك جديد وربما مال اليك الناس ويحدث الله أمرا فاعتزم على ذلك وبلغ الخبر إلى طاهر فكتب إلى سليمان بن المنصور ومحمد بن عيسى بن نهيك والسندى بن شاهك يتهددهم ان لم يصرفوه عن ذلك الرأى فدخلوا على الامين وحذروه من ابن الصقر وابن الاغلب أن يجعل نفسه في أيديهم فيتقربوا به إلى طاهر وأشاروا عليه بطلب الامان على يد هرثمة بن أعين والخروج إليه وخالفهم إليه ابن الصقر وابن الاغلب وقالوا له إذا ملت
إلى الخوارج فطاهر خير لك من هرثمة فأبى وتطير من طاهر وأرسل إلى هرثمة يستأمنه فأجابه أنه يقاتل في أمانة المأمون فمن دونه وبلغ ذلك طاهرا فعظم عليه أن يكون الفتح لهرثمة واجتمع هو وقواده لهرثمة وقواده في منزل خزيمة بن حازم وحضر سليمان والسندى وابن نهيك وأخبروا طاهرا انه لا يخرج إليه أبدا وانه يخرج إلى هرثمة ويدفع اليك الخاتم والقضيب والبردة وهو الخلافة فرضى ثم جاءه الهرش وأسر إليه انهم يخادعونه وانهم يحملونها مع الامين إلى هرثمة فغضب وأعد رجالا حول قصور الامين وبعث إليه هرثمة لخمس يقين من محرم سنة ثمان وتسعين بأن يتربص ليلة لانه رأى أولئك الرجال بالشط فقال قد افترق عنى الناس ولا يمكننى المقام لئلا يدخل على طاهر فيقتلني ثم ودع ابنيه وبكى وخرج إلى الشط وركب حراقة هرثمة وجعل هرثمة يقبل يديه ورجليه وأمر بالحراقة أن تدفع وإذا بأصحاب طاهر في الزواريق فشدوا عليها ونقبوها ورموهم بالآجر والنشاب فلم يرجعوا ودخل الماء إلى الحراقة فغرقت قال أحمد بن سالم صاحب المظالم فسقط الامين وهرثمة وسقطنا فتعلق الملاح بشعر هرثمة وأخرجه وشق الامين ثيابه قال وخرجت إلى الشط فحملت إلى طاهر فسألني عن نفسي فانتسبت وعن الامين فقلت غرق فحملت إلى بيت وحبست فيه حتى أعطيتهم مالا فاديتهم به على نفسي فبعد ساعة من الليل فتحوا على الباب وادخلوا على الامين عريان في سراويل وعمامة وعلى كتفه خرقة فاسترجعت وبكيت ثم عرفني فقال ضمنى اليك فانى أجد وحشة شديدة فضممته وقلبه يخفق فقال يا أحمد ما فعل أخى فقلت حى قال قبح الله بريدهم كان يقول قد مات يريد بذلك العذر عن محاربته فقلت بل قبح الله وزراءك فقال تراهم يفون لى بالامان قلت نعم ان شاء الله ثم دخل محمد بن حميد(3/240)
الطاهري فاستثبتنا حتى عرفه وانصرف ثم دخل علينا منتصف الليل قوم من العجم منتضين سيوفهم فدافع عن نفسه قليلا ثم ذبحوه ومضوا برأسه إلى طاهر ثم جاؤا من
السحر فأخذوا جثته ونصب طاهر الرأس حتى رآه الناس ثم بعث به إلى المأمون مع ابن عمه محمد بن الحسن بن مصعب ومعه الخاتم والبردة والقضيب وكتب معه بالفتح فلما رآه المأمون سجد ولما قتل الامين نادى طاهر بالامان ودخل المدينة يوم الجمعة فصلى بالناس وخطب للمأمون وذم الامين ووكل بحفظ القصور الخلافية وأخرج زبيدة أم الامين وابنيه موسى وعبد الله إلى بلاد الزاب الاعلى ثم أمر بحمل الولدين إلى المأمون وندم الجند على قتله وطالبوا طاهرا بالاموال فارتاب بجند بغداد وبجنده أنهم تواطؤا عليه وثاروا به لخمس من قتل الامين فهرب إلى عقرقوبا ومعه جماعة من القواد ثم تعبي لقتالهم فجاؤا واعتذروا وأحالوا على السفهاء والاحداث فصفح عنهم وتوعدهم ان يعود والمثلها وأعطاهم أربعة أشهر واعتذر إليه مشيخة بغداد وحلفوا أنهم لم يدخلوا الجند في شئ من ذلك فقبل منهم ووضعت أهل الحرب أوزارها واستوسق الامر للمأمون في سائر الاعمال والممالك ثم خرج الحسن الهرش في جماعة من السفلة واتبعه كثير من بوادي الاعراب ودعا إلى الرضا من آل محمد وأتى النيل فجبى الاموال ونهب القرى وولى المأمون الحسن بن سهل أخا الفضل على ما افتتحه طاهر من كور الجبل والعراق وفارس والاهواز والحجاز واليمن فقدم سنة تسعة وتسعين وفرق العمال وولى طاهرا على الجزيرة والموصل والشأم والمغرب وأمره أن يسير إلى قتال نصر بن شبيب وأمر هرثمة بالمسير إلى خراسان وكان نصر بن شبيب من بنى عقيل بن كعب بن ربيعة بن عامر في كيسوم شمالى حلب وكان له ميل إلى الامين فلما قتل أظهر الوفاء له بالبيعة وغلب على ما جاوره من البلاد وملك سميساط واجتمع عليه خلق كثير من الاعراب وعبر إلى شرقي العراق وحصر حران وسأل منه شيعة الطالبيين أن يبايعوا لبعض آل على لما رأوه من بنى العباس ورجالهم وأهل دولتهم وقال والله لا أبايع أولاد السوداوات فيقول انه خلقني ورزقني قالوا فبعض بنى أمية قال قد أدبر أمرهم والمدبر لا يقبل ولو سلم على رجل مدبر لاعدانى بادباره وانما
هواى في بنى العباس وانما حاربتهم لتقديمهم العجم على العرب ولما سار إليه طاهر نزل الرقة وأقام بها وكتب إليه يدعوه إلى الطاعة وترك الخلاف فلم يجبه وجاء الخبر إلى طاهر في الرقة بوفاة أبيه الحسين بن زريق بن مصعب بخراسان وأن المأمون حضر جنازته ونزل الفضل قبره وجاء كتاب المأمون يعزيه فيه وبعد قتل الامين كانت الوقعة بالموصل بين اليمانية والترارية وكان على بن الحسن الهمداني متغلبا على الموصل فعسف(3/241)
بالترارية وسار عثمان بن نعيم البرجمى إلى ديار مصر وشكا إلى أحيائهم واستنفرهم فسار معه من مصر عشرون ألفا وأرسل إليهم على بن الحسن بالرجوع إلى ما يريدون فأبى عثمان فخرج على في أربعة آلاف فهزمهم وأثخن فيهم وعاد إلى البلد * (ظهور ابن طباطبا العلوى) * لما بعث المأمون الحسن بن سهل إلى العراق وولاه على ما كان افتتحه طاهر من البلاد والاعمال تحدث الناس أن الفضل بن سهل غلب على المأمون واستبد عليه وحجبه عن أهل بيته وقواده فغضب بنو هاشم ووجوه الناس واجترؤا على الحسن بن سهل وهاجت الفتنة وكان أبو السرايا السرى بن منصور ويذكر أنه من بنى شيبان من ولد هانئ بن قبيصة بن هانئ بن مسعود وقيل من بنى تميم بالجزيرة وطلب فعبر إلى شرقي الفرات وأقام هنالك يخيف السابلة ثم لحق بيزيد بن مزيد بارمينية في ثلاثين فارسا فقوده وقاتل معه الحرمية وأسر منهم وأخذ منهم علامه أبا الشوك ومات يزيد بن مزيد فكان مع ابنه اسد وعزل أسد فسار إلى أحمد بن مزيد ولما بعث الامين احمد بن مزيد لحرب هرثمة بعثه طليعة إلى عسكره فاستماله هرثمة فمال إليه ولحق به وقصد بنى شيبان مع الجزيرة واستخرج لهم الارزاق من هرثمة واجتمع إليه أزيد من ألفى فارس فلما قتل الامين تعصى هرثمة عن أرزاقهم فغضب واستأذن في الحج فأذن له وأعطاه عشرين ألف درهم ففرقها في أصحابه ومضى وأوصاهم باتباعه فاجتمع له منهم نحو مائتين وسار
إلى عين النمر فأخذوا عاملها وقسموا ماله ولقوا عاملا آخر بمال موقور على ثلاثة أنفار فاقتسموه وأرسل هرثمة عسكرا خلفه فهزمهم ودخل البرية ولحق به من تخلف من أصحابه فكثر جمعه وسار نحو دقوقا وعليها أبو ضرغامة في سبعمائة فارس فخرج وقاتله فهزمه ورجع إلى القصر فحاصره أبو السرايا حتى نزل على الامان وأخذ أمواله وسار إلى الانبار وعليها ابراهيم الشروى مولى المنصور فقتله وأخذ ما فيها وعاد إليها عند ادراك الغلال فافتتحها ثم قصد الرقة ومر بطوق بن مالك الثعلبي فاستجاشه على قيس فأقام عنده أربعة أشهر يقاتل قيسا بعصبية ربيعة حتى انقادت قيس إلى طوق وسار أبو السرايا إلى الرقة فلقى محمد بن ابراهيم بن اسمعيل بن ابراهيم بن الحسن المثنى ابن الحسن السبط بن على وتلقب أبوه ابراهيم طباطبا فدعاه إلى الخروج وأنفذ إلى الكوفة فدخلاها وبايعهم أهلها على بيعة الرضا من آل محمد ونهب أبو السرايا قصر العباس بن موسى بن عيسى وأخذ مما فيه من الاموال والجواهر ما لا يحصى وذلك منتصف جمادى الاخيرة سنة تسعة وتسعين وقيل ان أبا السرايا مطله هرثمة بارزاق أصحابه فغضب ومضى إلى الكوفة فبايع ابن طباطبا ولما ملك الكوفة هرع إليه(3/242)
الناس والاعراب من النواحى فبايعوه وكان عليها سليمان بن المنصور من قبل الحسن ابن سهل فبعث إليه زهير بن المسيب الضبى في عشرة آلاف وخرج إليه ابن طباطبا وأبو السرايا فهزموه واستباحوا عسكره وأصبح محمد بن طباطبا من الغد ميتا فنصب أبو السرايا مكانه غلاما من العلوية وهو محمد بن جعفر بن محمد بن زيد بن على بن الحسين واستبد عليه ورجع زهير إلى قصر ابن هبيرة فأقام به وبعث الحسن بن سهل عبدوس ابن محمد بن خالد المرو زوذى في أربعة آلاف فلقيه أبو السرايا منتصف رجب وقتله ولم يفلت من أصحابه أحد كانوا بين قتيل وأسير وضرب أبو السرايا الدراهم بالكوفة وبعث جيوشا إلى البصرة وواسط وولى على البصرة العباس بن محمد بن عيسى بن محمد
الجعفري وعلى مكة الحسين الافطس بن الحسين بن على زين العابدين وجعل إليه الموسم وعلى اليمن ابراهيم بن موسى بن جعفر الصادق وعلى فارس اسمعيل بن موسى بن جعفر الصادق وعلى الاهواز زيد بن موسى الصادق فسار إلى البصرة وأخرج عنها العباس بن محمد بن داود بن الحسن المثنى إلى المدائن وأمره أن يأتي بغداد من الجانب الشرقي ففعل وكان بواسط عبد الله بن سعد الخرشى من قبل الحسن بن سهل ففر امامهم وبعث الحسن بن سهل إلى هرثمة يستدعيه لحرب ابى السرايا وكان قد سار إلى خراسان مغاضبا له فرجع بعد امتناع وسار إلى الكوفة في شعبان وبعث الحسن إلى المدائن وواسط على بن أبى سعيد وأبلغ الخبر أبا السرايا وهو بقصر ابن هبيرة فوجه جيشا إلى المدائن فملكوها في رمضان وتقدم فنزل نهر صرصر وعسكر هرثمة بازائه غدوة وسار على بن أبى سعيد في سؤال المدائن فحاصر بها أصحاب أبى السرايا ورجع هو من نهر صرصر إلى قصر ابن هبيرة وهرثمة وأتباعه ثم حصره وقتل جماعة من أصحابه فانجاز إلى الكوفة ووثب الطالبيون على دور بنى العباس وشيعتهم فنهبوها وخربوها وأخرجوهم واستخرجوا ودائعهم عند الناس وكان على مكة داود بن عيسى بن موسى بن محمد بن على فلما بلغه قدوم حسين الافطس جمع شيعة بنى العباس وكان مسرور الكبير قد حج في مائة فارس فتعبي للحرب ودعا داود إلى حربهم فقال لا أستحل ذلك في الحرم وخرج إلى العراق وتبعه مسرور وكان حسين الافطس بسرف يخاف دخول مكة فبلغه الخبر بنى العباس عنها فدخل في عشرة أنفس وطاف وسعى ووقف بعرفة ليلا وأتم الحج وأقام هرثمة بنواحي الكوفة يحاصرها واستدعى منصور بن المهدى وكاتب رؤساء الكوفة وسار على بن سعيد من المدائن إلى واسط فملكها ثم توجه إلى البصرة واشتد الحصار على أبى السرايا بالكوفة فهرب عنها في ثمانمائة فارس ومعه صاحبه الذى نصبه وهو محمد بن جعفر بن محمد ودخلها هرثمة(3/243)
منتصف محرم فأقام بها يوما وولى عليها غسان صاحب الحرس بخراسان وعاد وقصد أبو السرايا القادسية وسار منها إلى السوس ولقى بخراسان مالا حمل من الاهواز فقسمه في أصحابه وكان على الاهواز الحسن بن على المأمونى فخرج إليه فقاتله فهزمه وافترق أصحابه وجاء إلى منزله برأس عين من جلولاء ومعه صاحبه محمد وغلامه أبو الشوك فظفر بهم حماد الكندغوش وجاء بهم إلى الحسن بن سهل في النهروان فقتل أبا السرايا وبعث برأسه إلى المأمون وبصاحبه محمد معه ونصب شلوه على جسر بغداد وسار على بن أبى سعيد إلى البصرة فملكها من يد زيد بن موسى بن جعفر الصادق وكان يسمى زيد النار لكثرة ما أحرق من دور العباسيين وشيعتهم فاستأمن إليه زيد فأمنه وأخذه وبعث الجيوش إلى مكة والمدينة واليمن لقتال من بها من العلويين وكان ابراهيم بن موسى بن جعفر بمكة فلما بلغه خبر أبى السرايا ومقتله ولى وسار إلى اليمن وبها اسحق بن موسى بن عيسى فهرب إلى مكة واستولى ابراهيم على اليمن وكان يسمى الجزار لكثرة قتله وفتكه ثم بعث رجلا من ولد عقيل بن أبى طالب إلى مكة ليحج بالناس وقد جاء لذلك أبو الحسن المعتصم في جماعة من القواد فيهم حدوية بن على بن عيسى بن ماهان واليا على اليمن من قبل الحسن بن سهل فخام العقيلى عن لقائهم واعترض قافلة الكسوة فأخذها ونهب أموال التجار ودخل الحجاج إلى مكة عراة فبعث الخلودى من القواد فصبحهم وهزمهم وأسر منهم وتفقد أموال التجار وكسوة الكعبة وطيبها وضرب الاسراء عشرة أسواط لكل واحد وأطلقهم وحج المعتصم بالناس * (بيعة محمد بن جعفر بمكة) * هو محمد بن جعفر الصادق بن محمد الباقر بن على زين العابدين ويلقب الديباجة وكان عالما زاهدا ويروى عن أبيه وكان الناس يكتبون عنه ولما ملك الحسين الافطس مكة كما ذكرناه عاث فيها ونزع كسوة الكعبة وكساها بأخرى من الغد أنفذها أبو السرايا من الكوفة وتتبع ودائع بنى العباس وجعلها ذريعة لاخذ أموال الناس فخرجوا من
مكة وقلع أصحابه شبابيك الحرم وقلع ما على الاساطين من الذهب واستخرج ما كان في الكعبة من المال فقسمه في أصحابه وساء أثره في الناس فلما قتل أبو السرايا تنكروا له فخشى على نفسه فجاء إلى محمد بن جعفر ليبايع له بالخلافة فلم يزل به هو وابنه حسن واستعانا عليه بابنه على حتى بايعوه ودعوه بأمير المؤمنين واستبد عليه ابنه على وابن الافطس بأسوا مما كان قبل وأفحشوا في الزنا واللواط واغتصاب النساء والصبيان فاجتمع الناس على خلع محمد بن جعفر أو يرد إليهم ابن القاضى كان مغتصبا ببيت ابنه على فاستأمنهم حتى ركب إلى بيت ابنه وسلم إليهم الغلام وجاء اسحق بن موسى بن عيسى(3/244)
من اليمن فاجتمع الناس وخندقوا مكة وقاتلهم اسحق وامتنعوا عليه فسار نحو العراق ولقى الجند الذين بعثهم هرثمة إلى مكة مع الجلودى ورجاء بن جميل وهو ابن عم الحسين بن سهل فرجع بهم وقاتل الطالبيين فهزمهم وافترقوا واستأمن إليه محمد بن جعفر فامنه وملك مكة وسار محمد بن جعفر إلى الجحفة ثم إلى بلاد جهينة فجمع وقاتل هرون بن المسيب والى المدينة فانهزم محمد وفقئت عينه وقتل خلق من أصحابه ورجع إلى موضعه ولما انقضى الموسم استأمن الجلودى ورجاء بن جميل فأمناه ودخل مكة وخطب واعتذر عما فعله بأنه بلغه موت المأمون ثم صح انه حى وخلع نفسه وسار إلى الحسن والى المأمون بمرو فلم يزل عنده إلى أن سار المأمون إلى العراق فمات بجرجان في طريقه * (مقتل هرثمة) * لما فرغ هرثمة من أبى السرايا رجع وكان الحسن بن سهل بالمدائن فلم يعرج عليه وسار على عقرقوبا إلى النهروان قاصدا خراسان ولقيته كتب المأمون متلاحقة أن يرجع إلى الشأم والحجاز فأبى الا لقاءه دالة عليه بما سبق له من نصحه له ولآبائه وكان قصد أن يطلع المأمون على حال الفضل بن سهل في طيه الاخبار عنه وما عند الناس من القلق بذلك
وباستبداده عليه ومقامه بخراسان وعلم الفضل بذلك فأغرى به المأمون وألقى إليه أنه سلط أبا السرايا وهو من جنده وقد خالف كتبك وجاء معاندا سيئ القالة وان سومح في ذلك اجترأ غيره فسخطه المأمون وبقى في انتظاره ولما بلغ مرو قرع طبوله يسمعها لئلا يطوى خبره عن المأمون وسأل المأمون عنها فقيل هرثمة أقبل يرعد ويبرق فاستدعاه وقال هرثمة مالات العلويين وأبا السرايا ولو شئت اهلاكهم جميعا لفعلت فذهب يعتذر فلم يمهله وأمر فربس بطنه وشدخ أنفه وسحب إلى السجن ثم دس إليه من قتله * (انتقاض بغداد على الحسن بن سهل) * ولما بلغ خبر هرثمة إلى العراق كتب الحسن بن سهل إلى على بن هشام والى بغداد من قبله أن يتعلل على الجند الحربية والبغداديين في أرزاقهم لانه كان بلغه عنهم قبل مسير هرثمة انهم عازمون على خلعه وطرد عماله وولوا عليهم اسحق بن الهادى خليفة المأمون فلم يزل الحسين يتلطف إليهم ويكاتبهم حتى اختلفوا فأنزل على بن هشام ومحمد ابن أبى خالد في أحد جانبيها وزهير بن المسيب في الجانب الآخر وقاتلوا الحربية ثلاثة أيام ثم صالحهم على العطاء وشرع فيه وكان زيد بن موسى بن جعفر قد أخذه على بن أبى سعيد من البصرة وحبسه كما ذكرناه قبل فهرب من محبسه وخرج بناحية الانبار ومعه أخ لابي السرايا ثم تلاشى أمره وأخذو إلى على بن هشام ثم جاء خبر هرثمة وقد(3/245)
انتقض محمد بن أبى خالد على على بن هشام بما كان يستحق به وغضب يوما مع زهير بن المسبب فقنعه بالسوط فسار إلى الحربية ونصب لهم الحرب وانهزم على بن هشام إلى صرصر وقيل ان ابن هشام أقام الحد على عبد الله بن على بن عيسى فغضب الحربية وأخرجوه واتصل ذلك بالحسن بن سهل وهو بالمدائن كما قلناه فانهزم إلى واسط أول سنة احدى ومائتين والفضل بن الربيع وقد ظهر من اختفائه من لدن الامين وجاء عيسى ابن محمد بن أبى خالد من الرقة من عند طاهر فاجتمع هو وأبوه على قتال الحسن وهزموا
كل من تعرض للقائهم من أصحابه وكان زهير بن المسيب عاملا للحسن على جوخى من السواد وكان يكاتب بغداد فركب إليه محمد بن أبى خالد وأخذه أسيرا وانتهب ماله وحبسه ببغداد عند ابنه جعفر ثم تقدم إلى واسط وبعثه ابنه هرون إلى النيل فهزم نائب الحسن بها إلى الكوفة فلحق بواسط ورجع هرون إلى أبيه وتقدم نحو واسط فسار الحسن عنها واقام الفضل بن الربيع مختفيا بها واستأمن لمحمد وبعثه إلى بغداد وسار إلى الحسن على البقية ولقيتهم عساكر الحسن وقواده وانهزم محمد وأصحابه وتبعهم الحسن إلى تمام الصلح ثم لحقوا بجرجابا ووجه محمد ابن ابنه هرون إلى فأقام بها وسار محمد ابن ابنه أبو رتيل وهو جريح إلى بغداد فمات بها ودفن في داره سرا ومحمد أبو رتيل إلى زهير بن المسيب فقتله من ليلته وقام خزيمة بن خازم بأمر بغداد وبعث إلى عيسى بن محمد بأن يتولى حرب الحسن مكان أبيه وبلغ الحسن موت محمد فبعث عسكره إلى هرون بالنيل فغلبوا وانتهبوها ولحق هرون بالمدائن ثم اجتمع أهل بغداد وأرادوا منصور بن المهدى على الخلافة فأبى فجعلوه خليفة للمأمون ببغداد والعراق انحرافا عن الحسن بن سهل وقيل ان الحسن لما ساعد أهل بغداد عيسى بن محمد بن أبى خالد على حربه خام عنه فلاطفه ووعده بالمصاهرة ومائة ألف دينار والامان له ولاهل بيته ولاهل بغداد وولاية النواحى فقبل وطلب خط المأمون بذلك وكتب إلى أهل بغداد انى شغلت بالحرب عن جباية الخراج فولوا رجلا من بنى هاشم فولوا المنصور ابن المهدى وأحصى عيسى أهل عسكره فكانوا مائة ألف وخمسة وعشرين ألفا وبعث منصور غسان بن الفرج إلى ناحية الكوفة فغزاه حميد الطوسى من قواد الحسن بن سهل وأخذ أسيرا ونزل النيل فبعث منصور بن محمد يقطين في العساكر إلى حميد فلقيه حميد بكونا فهزمه وقتل من أصحابه ونهب ما حول كونا ورجع إلى النيل وأقام ابن يقطين بصرصر * (أمر المطوعة) *
ولما كثر الهرج ببغداد وامتدت أيدى الدعاوى باذاية الناس في أموالهم وأفشى(3/246)
المناكير فيهم وتعذر ذلك فخرجوا إلى القرى فانتهبوها واستعدى الناس أهل الامر فلم يغدوا عليهم فتمشى الصلحاء من عمل ريظ وكل بينهم ورأوا أنهم في كل درب قليلون بالنسبة إلى خيارهم فاعتزموا على مدافعتهم واشتد خالد المدريوش من أهل بغداد فدعا جيرانه وأهل محلته إلى الامر بالمعروف والنهى عن المنكر من غير أن يغيروا على السلطان فشد على من كان عندهم من ادعار وحبسهم ورفعهم إلى السلطان وتعدى ذلك إلى غير محلته ثم قام بعده سهل بن سلامة الانصاري من الحريشية من أهل خراسان ويكنى أبا حاتم فدعا إلى مثل ذلك والى العمل بالكتاب والسنة وعلق في عنقه مصحفا وعبر على العامة وعلى أهل الدولة فبايعوه على ذلك وعلى قتال من خالف وبلغ خبرهما إلى منصور بن المهدى وعيسى بن محمد بن أبى خالد فنكروا ذلك لان أكثر الدعار كانوا يشايعونهم على أمرهم فدخلوا بغداد بعد أن عقد عليه الصلح مع الحسن بن سهل على الامان له ولاهل بغداد وانتظروا كتاب المأمون ورضى أهل البلد بذلك فسهل عليهم أمر المدريوش وسهل * (العهد لعلى الرضا والبيعة لابراهيم بن مهدى) * ولما بلغ اهل بغداد أن المأمون قد بايع بالعهد لعلى بن موسى الكاظم ولقبه الرضا من آل محمد وأمر الجند بطرح السواد ولبس الخضرة وكتب بذلك إلى الآفاق وكتب الحسن ابن سهل إلى عيسى بن محمد بن أبى خالد ببغداد يعلمه بذلك في رمضان من سنة احدى ومائتين وأمره أن يأخذ من عنده من الجند وبنى هاشم بذلك فأجاب بعض وامتنع بعض وكبر عليهم اخراج الخلافة من بنى العباس وتولى كبر ذلك منصور وابراهيم ابنا المهدى وشايعهم عليه المطلب بن عبد الله بن مالك والسدى ونصر الوصيف وصالح صاحب المصلى ومنعوا يوم الجمعة من نادى في الناس بخلع المأمون والبيعة لابراهيم بن
المهدى ومن بعده لاسحق بن الهادى ثم بايعوه في المحرم سنة اثنتين ومائتين ولقبوه المبارك ووعد الجند بارزاق ستة أشهر واستولى على الكوفة والسواد وخرج فعسكر بالمدائن وولى بها لى الجانب الغربي العباس بن الهادى وعلى الجانب الشرقي اسحق ابن الهادى وكان بقصر ابن هبيرة حميد بن عبد الحميد عاملا للحسن بن سهل ومعه القواد سعيد بن الساحور وأبو البط وغسان بن الفرج ومحمد بن ابراهيم بن الاغلب كانوا منحرفين عن حميد فداخلوا ابراهيم بن الهادى في أن يهلكوه في قصر ابن هبيرة وشعر بذلك الحسن بن سهل فاستقدم حميدا وخلالهم الجو منه فبعث ابراهيم بن المهدى عيسى بن محمد بن أبى خالد وملك قصر ابن هبيرة وانتهب عسكر حميد ولحق به ابنه بجواريه ثم عاد إلى الكوفة فاستعمل عليها العباس بن موسى الكاظم وأمره أن(3/247)
يدعو لاخيه فامتنع غلاة الشيعة من اجابته وقالوا لا حاجة لنا بذكر المأمون وقعدوا عنه وبعث ابراهيم بن المهدى من القواد سعيدا وأبا البط لقتاله فسرح إليهم العباس بن عمه وهو على بن محمد الديباجة فانهزم ونزل سعيد وأبو البط الحيرة ثم تقدموا لقتال أهل الكوفة وقاتلهم شيعة بنى العباس ومواليهم ثم سألوا الامان للعباس وخرجوا من داره ثم قاتل أصحابه أصحاب سعيد فهزموهم وأحرقوا دور عيسى بن موسى وبلغ الخبر إلى سعيد بالحيرة بان العباس قد نقض ورجع عن الامان فركب وجاء إلى الكوفة وقتل من ظفر به ولقيه أهله فاعتذروا إليه بان هذا فعل الغوغاء وان العباس باق على عهده ودخل سعيد وأبو البط ونادوا بالامان وولوا على الكوفة الفضل بن محمد بن الصباح الكندى ثم عزلوه وولوا مكانه غسان بن الفرج فقتل أخا السرايا ثم عزلوه وولوا الهول ابن أخى سعيد القائد وقدم حميد بن عبد الحميد لحربهم بالكوفة فهرب الهول وبعث ابراهيم بن المهدى بن عيسى بن محمد بن أبى خالد لحصار الحسن بواسط على طريق النيل وكان الحسن متحصنا بالمدينة فسرح أصحابه لقتالهم فانهزموا وغنم عسكرهم ورجع
عيسى إلى بغداد فقاتل سهل بن سلامة المطوع حتى غلبه على منزله فاختفى في عمار النظار وأخذوه بعد ليال وأتوا به اسحق فقال كل ما كنت أدعو إليه باطل فقالوا اخرج فأعلم الناس بذلك فخرج وقال قد كنت أدعوكم إلى الكتاب والسنة ولم أزل على ذلك فضربوه وقيدوه وبعثوا به إلى ابراهيم المهدى فضربه رحبسه وظهر أنه قتل في محبسه خفية لسنة من قيامه ثم أطلقه فاختفى إلى أن انقرض أمر ابراهيم وزحف حميد بن عبد الحميد سنة ثلاث ومائتين إلى قتال ابراهيم بن المهدى وأصحابه وكان عيسى ابن محمد بن أبى خالد هو المتولي لقتالهم بأمر ابراهيم فداخلهم في الغدر بابراهيم وصار يتعلل عليه في المدافعة عنه ونمى ذلك إلى ابراهيم بن هرون أخى عيسى فتنكر له ونادى عيسى في الناس بمسالمة حميد فاستدعاه ابراهيم وعاتبه بذلك فأنكر واعتذر فأمر به فضرب وحبس عدة من قواده وأفلت العباس خليفته فمشى بعض الناس إلى بعض ووافقوا العباس على خلع ابراهيم وطردوا عامله من الجسر والكرخ وثار الرعاء والغوغاء وكتب العباس إلى حميد يستقدمه ليسلم إليه بغداد ونزل صرصر وخرج إليه العباس والقواد وتواعدوا لخلع ابراهيم على أن يدفع لهم العطاء وبلغ الخبر إلى ابراهيم فأخرج عيسى واخوته وسأله قتال حميد فامتنع ودخل حميد فصلى الجمعة وخطب للمأمون وشرع في العطاء ثم قطعه عنهم فغضب الجند وعاود ابراهيم سؤال عيسى في قتال حميد ومدافعته فقاتل قليلا ثم استأسر لهم وانفض العسكر راجعين إلى ابراهيم وارتحل حميد فنزل في وسط المدينة وتسلل أصحاب ابراهيم إلى المدائن فملكوها وقاتل(3/248)
بقيتهم حميد وكان الفضل بن الربيع مع ابراهيم فتحول إلى حميد وكاتب المطلب بن عبد الله بن مالك بأن يسلموه إليه وكان سعيد بن الساحور والبط وغيرهم من القواد يكاتبون على بن هشام بمثل ذلك ولما علم ابراهيم بما اجتمعوا عليه أقبل على مداراتهم إلى أن جن الليل ثم تسرب في البلد واختفى منتصف ذى الحجة من سنة ثلاث وبلغ الخبر
إلى حميد وعلى بن هشام فأقبلوا إلى دار ابراهيم فلم يجدوه وذلك لسنتين من بيعته وأقام على بن هشام على شرقي بغداد وحميد على غربيها وأظهر سهل بن سلامة ما كان يدعو إليه فقربه حميد ووصله * (قدوم المأمون إلى العراق) * لما وقعت هذه الفتن بالعراق بسبب الحسن بن سهل ونفور الناس من استبداده وأخيه على المأمون ثم من العهد لعلى الرضا بن موسى الكاظم واخراج الخلافة من بنى العباس وكان الفضل بن سهل يطوى ذلك عن المأمون ويبالغ في اخفائه حذرا من أن يتغير رأى المأمون فيه وفى أخيه ولما جاء هرثمة للمأمون وعلم أنه يخبره بذلك وان المأمون يثق بقوله احكم السعاية فيه عند المأمون حتى تغير له فقتله ولم يصغ إلى كلامه فازدادت نفرة الشيعة وأهل بغداد وكثرت الفتن وتحدث القواد في عسكر المأمون بذلك ولم يقدروا على ابلاغه فجاؤا إلى على الرضا وسألوه انهاء ذلك إلى المأمون فأخبره بما في العراق من الفتنة والقتال وانهم بايعوا ابراهيم بن المهدى فقال المأمون انما جعلوه أميرا يقوم بأمرهم فقال ليس كذلك وان الحرب الآن قائمة بين ابن سهل وبينه وان الناس ينقمون عليك مكان الفضل والحسن ومكاني وعهدك لى فقال له المأمون ومن يعلم هذا غيرك فقال يحيى بن معاذ وعبد العزيز بن عمران وغيرهما من وجوه قوادك فاستدعاهم فكتموا حتى استأمنوا إليه ثم أخبروه بما أخبره به الرضا وان الناس بالعراق يتهمونه بالرفض لعهده لعلى الرضا وان طاهر بن الحسين مع علم أمير المؤمنين ببلائه قد دفع إلى الرقة وضعف أمره والبلاد تفيفت من كل جانب وان لم يتدارك الامر ذهبت الخلافة منهم فاستيقن المأمون ذلك وأمر بالرحيل واستخلف على خراسان غسان بن عباد وهو ابن عم الفضل بن سهل وعلم الفضل بن سهل بذلك فشرع في عقاب أولئك القواد فلم يغنه ولما نزل المأمون شرحبيل وثب بالفضل أربعة نفر فقتلوه في الحمام وهربوا وجعل المأمون جعلا لمن جاء بهم فجاء بهم العباس
ابن الهيثم الدينورى فلما حضروا عند المأمون قالوا له أنت أمرتنا بقتله وقيل بل اختلفوا في القول فقال بعضهم أمرنا بقتله ابن أخيه وقال آخرون بل عبد العزيز ابن عمران من القواد وعلى وموسى وغيرهم وأنكر آخرون فأمر المأمون بقتلهم(3/249)
وقتل من أقروا عليه من القواد وبعث إلى الحسن بن سهل وسار إلى العراق وجاءه الخبر بأن الحسن بن سهل أصابته الماليخوليا واختلط فبعث دينارا مولاه ووكله بأمور العسكر وكان ابراهيم بن المهدى وعيسى بالمدائن وأبو البط وسعيد بالنيل والحرب متصلة بينهم والمطلب بن عبد الله بن مالك قد اعتل بالمدائن فرجع إلى بغداد وجعل يدعو إلى المأمون سرا والى خلع ابراهيم وأن يكون منصور بن المهدى خليفة للمأمون وداخله في ذلك خزيمة بن خازم وغيره ومن القواد وكتب إلى على بن هشام وحميد أن يتقدما فنزل حميد نهر صرصر وعلى النهروان وعاد ابراهيم بن المهدى من المدائن إلى بغداد منتصف صفر وقبض على منصور وخزيمة ومنع المطلب مواليه فأمر ابراهيم بنهب داره ولم يظفر ونزل حميد وعلى بن هشام المدائن وأقاما بها وزوج المأمون في طريقه ابنته من على الرضا وبعث أخاه ابراهيم بن موسى الكاظم على الموسم وولاه اليمن وكان به حمدويه بن على بن عيسى بن ماهان قد غلب عليه ولما نزل المأمون مدينة طوس مات على الرضا فجأة آخر صفر من سنة ثلاث من عنب أكله وبعث المأمون إلى الحسن بن سهل بذلك والى أهل بغداد وشيعته يعتذر من عهده إليه وانه قد مات ويدعوهم إلى الرجوع لطاعته ثم سار إلى جرجان وأقام بها أشهرا وعقد على جرجان لرجاء بن أبى الضحاك قاعدا وراء النهر ثم عزله سنة أربع وعقد لغسان ابن عباد من قرابة الفضل بن سهل على خراسان وجرجان وطبرستان وسجستان وكرمان وروبان ودهارير ثم عزله بطاهر كما نذكره ثم سار إلى النهروان فلقيه أهل بيته وشيعته والقواد ووجوه الناس وكان قد كتب إلى طاهر أن يوافيه بها فجاء من الرقة
ولقيه هنالك وسار المأمون فدخل بغداد منتصف صفر من سنة أربعة فنزل الرصافة ثم نزل قصره بشاطئ دجلة وبقى القواد في العسكر وانقطعت الفتن وبقى الشيعة يتكلمون في لبس الخضرة وكان المأمون قد أمر طاهر بن الحسين أن يسأل حوائجه فأول شئ سأل لبس السواد فأجابه وقعد للناس وخلع عليه وعليهم الثياب السود واستقامت الامور كانت الفتنة قد وقعت بالموصول بين بنى شامة وبنى ثعلبة وكان على ابن الحسن الهمداني متغلبا عليها في قومه فاستجارت ثعلبة بأخيه محمد فأمرهم بالخروج إلى البرية ففعلوا وتبعهم بنو شامة في ألف رجل وحاصروهم بالقوجاء ومعهم بنو ثعلب وبعث على ومحمد إليهم بالمدد فقتلوا جماعة من بنى شامة وأسروا منهم ومن بنى ثعلب فجاء أحمد بن عمر بن الخطاب الثعلبي إلى على فوادعه وسكنت الفتنة ثم ان على بن الحسين سطا بمن كان في الموصل من الازد عسفا في الحكم عليهم وقال لهم يوما ألحقوا بعمان فاجتمعت الازد إلى السيد بن أنس كبيرهم وقاتلوه(3/250)
وكان في تلك النواحى مهدى بن علوان من الخوارج فأدخله على بن الحسين وبايعه وصلى بالناس واشتدت الحرب ثم كانت اصرا على على وأصحابه وأخرجهم الازد عن البلد إلى الحديثة ثم اتبعوهم فقتلوا عليا وأخاه أحمد في جماعة ولجأ محمد إلى بغداد وملك السيد بن أنس والازد الموصل وخطب للمأمون ولما قدم المأمون بغداد وفد عليه السيد بن أنس فشكاه محمد بن الحسين بن صالح واستعداءه عليه بقتل اخويه وقومه فقال نعم يا أمير المؤمنين ادخلوا الخارجي بلدك وأقاموه على منبرك وأبطلوا دعوتك فأهدر المأمون دماءهم * (ولاية طاهر على خراسان ووفاته) * كان المأمون بعد وصوله إلى العراق قد ولى طاهر بن الحسين الجزيرة والشرطة بجانبى بغداد والسواد ودخل عليه يوما في خلوته فأذن له بالجلوس وبكى ففداه فقال المأمون أبكى لامر ذكره ذل وستره حزن ولن يخلو أحد من شجن وقضى طاهر حديثه وانصرف
وكان حسين الخادم حاضرا فدس إليه على يد كاتبه محمد بن هرون أن يسأل المأمون عن مكاتبته على مائة ألف درهم ومثلها للكاتب وخلا حسين بالمأمون وسأله ففطن وقال له ان الثناء منى ليس برخيص والمعروف عندي ليس بضائع فعيبى عن غير المأمون فاجابه وركب إلى المأمون وفاوضه في أمر خراسان وانها يخشى عليها من الترك وان غسان بن عباد ليس بكف ء لها فقال لقد فكرت في ذلك فمن ترى يصلح لها قال طاهر بن الحسين قال هو خالع قال أنا ضامنه فاستدعاه وعقد له من مدينة السلام إلى أقصى عمل المشرق من حلوان إلى خراسان وعسكر من يومه خارج بغداد وأقام شهرا تحمل إليه كل يوم عشرة آلاف ألف درهم عادة صاحب خراسان وولى المأمون مكانه بالجزيرة ابنه عبد الله وكان ينوب عن أبيه بالشرطة فحملها إلى ابن عمه اسحق بن ابراهيم ابن مصعب وخرج إلى عمله ونزل الرقه لقتال نصر بن شيث ثم سار طاهر إلى خراسان آخر ذى القعدة سنة خمس ومائتين وقيل في سبب ولاية طاهر خراسان أن عبد الرحمن المطوع جمع جموعا كثيرة بنيسابور لقتال الحرورية ولم يستأذن غسان بن عباد وهو الوالى على خراسان فخشى أن يكون ذلك من المأمون فاضطرب وتعصب له الحسن بن سهل وخشى المأمون على خراسان فولى طاهرا وسار إلى خراسان فأقام بها إلى سنة سبع ثم اعتزم على الخلاف وخطب يوما فأمسك عن الدعاء للمأمون ودعا بصلاح الامة وكتب صاحب البريد بذلك إلى المأمون بخلعه فدعا بأحمد بن أبى خالد فقال أنت ضمنته فسر وائتنى به ثم جاء من الغد الخبر بموته فقال المأمون للبريد ونغم الحمد لله الذى قدمه وأخرنا وولى طلحة من قبله وبعث إليه المأمون أحمد بن أبى خالد ليقوم بأمره فعبر أحمد(3/251)
إلى ما وراء النهر وافتتح اسروسنه واسر كاووس بن خالد حدد وابنه الفضل وبعث بهما إلى المأمون ووهب طلحة لاحمد بن أبى خالد ثلاثة آلاف ألف درهم وعروضا بألف بألف ولمكاتبته خمسمائة ألف درهم ثم خالف الحسين بن الحسين بن مصعب بكرمان فسار
إليه أحمد بن أبى خالد وأتى به إلى المأمون فعفا عنه * (ولاية عبد الله بن طاهر الرقة ومصر ومحاربته نصر بن شيث) * وفى سنة ست ومائتين بلغ الخبر بوفاة يحيى بن معاذ عامل الجزيرة وانه استخلف ابنه أحمد فولى المأمون عبد الله بن طاهر مكانه وجعل له ما بين الرقة ومصر فأمره بحرب نصر ابن شيث وقيل ولاه سنة خمس وقيل سنة سبع واستخلف على الشرطة ببغداد اسحق ابن ابراهيم بن الحسين بن مصعب وهو ابن عمه وكتب إليه أبو طاهر كتابا بالوصية جمع فيه محاسن الآداب والسياسة ومكارم الاخلاق وقد ذكرناه في مقدمة كتابنا فسار عبد الله بن طاهر لذلك وبعث الجيوش لحصار نصر بن شيث بكيسوم في نواحى جانب ثم سار إليه بنفسه سنة تسع ومائتين وأخذ بمخنقه وبعث إليه المأمون محمد بن جعفر العامري يدعوه إلى الطاعة فأجاب على شرط أن لا يحضر عنده فتوقف المأمون وقال ما باله ينفر منى فقال أبو جعفر لما تقدم من ذنبه فقال افتراه أعظم ذنبا من الفضل ابن الربيع وقد أخذ جميع ما أوصى له به الرشيد من الاموال والسلاح وذهب مع القواد إلى أخى واسلمني وأفسد على حتى كان ما كان ومن عيسى بن أبى خالد وقد خالف على ببلدي وأخرب دارى وبايع لابراهيم دوني فقال ابن جعفر يا أمير المؤمنين هؤلاء لهم سوابق ودالة يبقون بها ونصر ليست له في دولتكم سابقة وانما كان من جند بنى أمية وأنا لا أجيب إلى هذا الشرط ولح نصر في الخلاف حتى جهده الحصار واستأمن فأمنه عبد الله بن طاهر وخرج إليه سنة عشرة وبعث به إلى المأمون وأخرب حصن كيسوم لخمس سنين من حصاره ورجع عبد الله بن طاهر إلى الرقة ثم قدم بغداد سنة احدى عشر فتلقاه العباس بن المأمون والمعتصم وسائر الناس * (الظفر بابن عائشة وبإبراهيم بن المهدى) * كان ابراهيم بن محمد بن عبد الوهاب بن ابراهيم الامام ويعرف بابن عائشة ممن تولى كبر البيعة لابراهيم بن المهدى ومعه ابراهيم بن الاغلب ومالك بن شاهين وكانوا
قد اختفوا عند قدوم المأمون في نواحى بغداد ولما وصل نصر بن شيث وخرجت النظارة أنفذوا للخروج في ذلك اليوم ثم غلبهم بعض الناس فأخذوا في صفر من سنة عشرة ثم ضربوا حتى أقروا على من كان معهم في الامر فلم يعرض لهم المأمون وحبسهم(3/252)
فضاق عليهم المحبس وأرادوا أن ينقوه فركب المأمون بنفسه وقتلهم وصلب ابن عائشة ثم صلى عليه ودفنه ثم أخذ في هذه السنة ابراهيم بن المهدى وهو متنقب في زى امرأة يمشى بين امرأتين واستراب به بعض العسس وقال أين تردن في هذا الوقت فأعطاه ابراهيم خاتم ياقوت في يده فازداد ريبة ورفعهن إلى صاحب المسلحة وجاء بهن إلى صاحب الجسر فذهب به إلى المأمون وأحضره والغل في عنقه والملحبة على صدره ليراه بنو هاشم والناس ثم حبسه عند أحمد بن أبى خالد ثم أخرجه معه عند ما سار الحسن بن سهل ليغنم الصلح فشفع فيه الحسن وقيل ابنته بوران وقيل ان ابراهيم لما أخذ حمل إلى دار المعتصم وكان عند المأمون فأدخله عليه وانبه فيما كان منه واعتذر بمنظوم من الكلام ومنثور أتى فيه من وراء الغاية وهو منقول في كتب التاريخ فلا نطيل بنقله * (انتقاض مصر والاسكندرية) * كان السرى بن محمد بن الحكم واليا على مصر وتوفى سنة خمس ومائتين وبقى ابنه عبد الله فانتقض وخلع الطاعة وأنزل بالاسكندرية جالية من الاندلس أخرجهم الحكم بن هشام من ربضى قرطبة وغربهم إلى المشرق ولما نزلوا بالاسكندرية ثاروا وملكوها وولوا عليهم أبا حفص عمر البلوطى وفشل عبد الله بن طاهر عنهم بمحاربة نصر بن شيث فلما فرغ منه ثار من الشأم إليهم وقدم قائدا من قواده ولقيه ابن السرى وقاتله وأغذ ابن طاهر المسير فلحقهم وهم في القتال وانهزم ابن السرى إلى مصر وحاصره عبد الله بن طاهر حتى نزل على الامان وذلك سنة عشرة ثم بعث إلى الجالية الذين ملكوا
الاسكندرية بالحرب فسألوا الامان على أن يرتحلوا إلى بعض الجزائر في بحر الروم مما يلى الاسكندرية ففعل ونزلوا جزيرة اقريطش واستوطنوها وأقامت في مملكة المسلمين من أعقابهم دهرا إلى أن غلب عليها الافرنجة * (العمال بالنواحي) * لما استقر المأمون ببغداد وسكن الهيج وذلك سنة أربع ولى على الكوفة أخاه أبا عيسى وعلى البصرة أخاه صالحا وعلى الحرمين عبد الله بن الحسين بن عبد الله بن العباس بن على بن أبى طالب وعلى الموصل السيد بن أنس الازدي وولى على الشرطة ببغداد ومعاون السواد طاهر بن الحسين استقدمه من الرقة وكان الحسن بن سهل ولاه عليها فقدم واستخلف ابنه عبد الله عليها ثم ولاه المأمون سنة خمس خراسان وأعمال المشرق كلها واستقدم ابنه عبد الله فجعله على الشرطة ببغداد مكان أبيه وولى يحيى(3/253)
ابن معاذ على الجزيرة وعيسى بن محمد بن أبى خالد على ارمينية وأذربيجان ومحاربة بابك ومات عامل مصر السرى بن محمد بن الحكم فولى ابنه عبيد الله مكانه ومات داود بن يزيد عامل السند فولى بشر بن داود مكانه على أن يحمل ألف ألف درهم كل سنة ثم مات يحيى بن معاذ سنة ست واستخلف ابنه أحمد فعزله المأمون وولى مكانه عبد الله بن طاهر وضاف إليه مصر وسيره بمحاربة نصر بن شيث وولى عيسى بن يزيد الجلودى محاربة الزط سنة خمس ثم عزله سنة ست وولى داود بن منحور مع أعمال البصرة وكور دجلة واليمامة والبحرين وولى في سنة سبع محمد بن حفص على طبرستان والرويان ودنباوند وفيها أوقع السيد بن أنس بجماعة من عرب بنى شيبان ووديعة بما فشا من افسادهم في البلاد فكبسهم بالدسكرة واستباحهم بالقتل والنهب وفى سنة تسع ولى صدقة بن على ويعرف بزريق على ارمينية وأذربيجان وأمره بمحاربة بابك وقام بأمره أحمد بن الجنيد الاسكافي فأسره بابك فولى ابراهيم بن الليث بن الفضل أذربيجان
وكان على جبال طبرستان شهريار بن شروين فمات سنة عشر وقام مكانه ابنه سابور فقتله مازيار بن قارن في حرب أسره فيها وملك جبال طبرستان وفى سنة احدى عشرة قتل زريق بن على بن صدقة الازدي السيد بن أنس صاحب الموصل وقد كان زريق تغلب على الجبال ما بين الموصل وأذربيجان وولاه المأمون عليها فجمع وقصد الموصل لحرب السيد فخرج إليه أربعة آلاف فاشتد القتال بينهم وقتل السيد في المعركة فغضب المأمون لقتله وولى محمد بن حميد الطوسى على الموصل وأمره بحرب زريق وبابك الخرمى فسار إلى الموصل واستولى عليها سنة ثنتى عشرة ومات موسى بن حفص عامل طبرستان فولى المأمون مكانه ابنه وولى حاجب بن صالح على الهند فوقعت بينه وبين بشر بن داود صاحب السند حرب وانهزم بشر إلى كرمان ثم قتل محمد بن حميد الطوسى سنة أربع عشرة قتله بابك الخرمى وذلك انه لما فرغ من أمر المتغلبين بالموصل سار إلى بابك في العساكر الكاملة الحشد وتجاوز إليه المضايق ووكل بحفظها حتى انتهى إلى الجبل فصعد وقد أكمن بابك الرجال في الشعراء فلما جاز ثلاثة فراسخ خرجت عليهم الكمائن فانهزموا وثبت محمد بن حميد حتى إذا لم يبق معه الا رجل واحد فتسلل يطلب النجاة فعثر في جماعة من الحربية يقاتلون طائفة من أصحابه فقصدوه وقتلوه وعظم ذلك على المأمون واستعمل عبد الله بن طاهر على خراسان لانه كان بلغه ان أخاه طلحة بن طاهر مات وقام على أخوه مكانه خليفة لعبد الله وعبد الله بالدينور يجهز العساكر إلى بابك فولى على نيسابور محمد بن حميد فكثر عيث الخوارج بخراسان فأمره المأمون بالمسير إليها فسار ونزل نيسابور وسأل عن سيرة محمد بن حميد فسكتوا فعزله(3/254)
اسكوتهم وفى سنة اثنتى عشرة خلع أحمد بن محمد العمرى يعرف بالاحمر العين باليمن فولى المأمون ابنه العباس على الجزيرة والثغور والعواصم وأخاه أبا اسحق المعتصم على الشأم ومصر وسير عبد الله بن طاهر إلى خراسان وأعطى لكل واحد منهم خمسمائة ألف
درهم وبعث المعتصم أبا عميرة الباذغيسى عاملا على مصر فوثب به جماعة من القيسية واليمانية فقتلوه سنة أربع عشرة فسار المعتصم إلى مصر فقاتلهم وافتتح مصر وولى عليها واستقامت الامور وفى سنة ثلاث عشرة ولى المأمون غسان بن عباس على السند لما بلغه خلاف بشر بن داود وفى سنة أربع عشرة استقدم المأمون أبا دلف وكان بالكرخ من نواحى همذان منذ سار مع عيسى بن ماهان لحرب طاهر وقتل عيسى فعاد إلى همذان وراسله طاهر يدعوه إلى البيعة فامتنع وقال له ولا أكون مع أحد وأقام بالكرخ فلما خرج المأمون إلى الرى أرسل إليه يدعوه فسار نحوه وجلا بعد أن أغرى عليه أصحابه الامتناع وفى سنة أربع عشرة قتل باليمن وفيها ولى المأمون على بن هشام الجبل وقم واصبهان وأذربيجان وخلع أهل قم وكانوا سألوا الحطيطة من خراجهم وهو ألف ألف درهم لان المأمون لما جاء من العراق أقام بالرى أياما وخفف عنهم من الخراج فطمع أهل قم في مثلها فأبى فامتنعوا من الاداء فسرح إليهم على بن هشام وعجيف بن عنبسة وظفروا بهم وقتلوا يحيى بن عمران وهدموا سورها وجبوها على سبعة آلاف ألف وفى سنة ست عشرة ظهر عبد وس الفهرى بمصر وقتل بعض عمال المعتصم فسار المأمون إلى مصر وأصلحها وأتى بعبدوس فقتله وقدم من برقة وأقام بمصر وفيها غضب المأمون على على بن هشام ووجه عجيفا وأحمد بن هشام لقبض أمواله وسلاحه لما بلغه من عسفه وظلمه وأراد قتل عجيف واللحاق ببابك فلم يقدر وظفر به عجيف وجاء به إلى المأمون فأمر بقتله وطيف برأسه في الشأم والعراق وخراسان ومصر ثم ألقى في البحر وقدم غسان بن عباد من السند ومعه بشر بن داود مستأمنا فولى على السند عمران بن موسى العكى وهرب جعفر بن داود القمى إلى قم فخلع وكان محبوسا بمصر منذ عزله المأمون عن قم فهرب الآن وخلع فغلبه على بن عيسى القمى وبعث به إلى المأمون فقتل * (الصوائف) *
وفى سنة مائتين قتل الروم ملكهم اليون لسبع سنين ونصف من ملكه وأعادوا ميخاييل ابن جرجس المخلوع وبقى عليهم تسع سنين ثم مات سنة خمس عشرة وملك ابنه نوفل وفتح عبد الله بن حرداديه والى طبرستان البلاد والسيرن من بلاد الديلم وافتتح جبال طبرستان وأنزل شهريار بن شروين عنها وأشخص مازيار بن قارن إلى المأمون وأسر(3/255)
اباليل ملك الديلم وذلك سنة احدى ومائتين وفيها ظهر بابك الخرمى في الجاوندانية أصحاب باوندان سهل وتفسيره الدائم الباقي وتفسير خرم فرح وكانوا يعتقدون مذاهب المجوس وفى سنة ربع عشرة خرج أبو بلال الصابى الشارى فسرح إليه المأمون ابنه العباس في جماعة من القواد وقتلوه وفى سنة خمس عشرة دخل المأمون بلاد الروم بالصائفة وسار عن بغداد في المحرم واستخلف عليها اسحق بن ابراهيم بن مصعب وهو ابن عم طاهر وولاه السواد وحلوان وكور دجلة ولما وصل تكريت لقيه محمد بن على الرضا فأجازه وزف إليه ابنته أم الفضل وسار إلى المدينة فأقام بها وسار المأمون على الموصل إلى منبج ثم رابق ثم انطاكية ثم المصيصة وطرطوس ودخل من هناك فافتتح حصن قرة عنوة وهدمه وقيل بل فتحه على الامان وفتح قبله حصن ماجد كذلك وبعثه اشناس إلى حصن سدس ودخل ابنه العباس ملطية ووجه المأمون عجيفا وجعفر الخياط إلى حصن سنان فأطاع وعاد المعتصم من مصر فلقى المأمون قبل الموصل ولقيه العباس ابنه برأس عين وجاء المأمون منصرفه من العراق إلى دمشق ثم بلغه أن الروم أغاروا على طرطوس والمصيصة وأثخنوا فيهم بالقتل وكتب إليه ملك الروم فيه بنفسه فرجع إليهم وافتتح كثيرا من معاقلهم وأناخ على هرقلة حتى استأمنوا وصالحوه وبعث المعتصم فافتتح ثلاثين حصنا منها مطمورة وبعث يحيى بن أكثم فأثخن في البلاد وقتل وحرق وسبى ثم رجع المأمون إلى كيسوم فأقام بها يومين ثم ارتحل إلى دمشق وفى سنة سبع عشرة رجع المأمون إلى بلاد الروم فأناخ
على لؤلؤة فحاصرها مائة يوم ثم رحل عنها وخلف عجيفا على حصارها وجاء نوفل ملك الروم فأحاط به فبعث إليه المأمون بالمدد فارتحل نوفل واستأمن أهل لؤلؤة إلى عجيف وبعث نوفل في المهادنة والمأمون على سلوين فلم يجبه ثم رجع المأمون سنة ثمان عشرة وبعث ابنه العباس إلى بناء طوانة فبنى بها ميلا في ميل ودورها أربعة فراسخ وجعل لها أربعة أبواب ونقل إليها الناس من البلدان * (وفاة المأمون وبيعة المعتصم) * ثم مرض المأمون على نهر البربرون واشتد مرضه ودخل العراق وهو مريض فمات بطرطوس وصلى عليه المعتصم وذلك لعشرين سنة من خلافته وعهد لابنه المعتصم وهو أبو اسحق محمد فبويع له بعد موته وذلك منتصف رجب من سنة ثمان عشرة ومائتين وشغب الجند وهتفوا باسم العباس بن المأمون فأحضره وبايع فسكتوا وخرب لوقته ما كان بناه من مدينة طوانة وأعاد الناس إلى بلادهم وحمل ما أطاق حمله من الآلة وأحرق الباقي(3/256)
* (ظهور صاحب الطالقان) * وهو محمد بن القاسم بن على بن عمر بن على زين العابدين بن الحسين كان ملازما للمسجد بالمدينة فلزمه شيطان من أهل خراسان وزين له انه أحق بالامامة وصار يأتيه بحجاج خراسان يبايعونه ثم خرج به إلى الجوزجان وأخفاه وأقبل على الدعاء له ثم حمله على اظهار الدعوة للرضا من آل محمد على عادة الشيعة في هذا الابهام كما قدمناه وواقعه قواد عبد الله بن طاهر بخراسان المرة بعد المرة فهزموه وأصحابه وأخرج ناجيا بنفسه ومر بنسا فوشى به إلى العامل فقبض عليه وبعثه إلى عبد الله بن طاهر فبعثه إلى المعتصم منتصف ربيع أول سنة تسع عشرة فحبسه عند الخادم مسرور الكبير ووكل بحفظه فهرب من محبسه ليلة الفطر من سنته ولم يوقف له على خبر * (حرب الزط) *
وهم قوم من أخلاط الناس غلوا على طريق البصرة وعاثوا فيها وأفسدوا البلاد وولوا عليهم رجلا منهم اسمه محمد بن عثمان وقام بأمره اخر منهم اسمه سماق وبعث المعتصم لحربهم في هذه السنة عجيف بن عنبسة في جمادى الآخرة فسار إلى واسط وحاربهم فقتل منهم في معركة ثلثمائة وأسر خمسمائة ثم قتلهم وبعث برؤوسهم إلى باب المعتصم وأقام قبالتهم سبعة أشهر ثم استأمنوا إليه في ذى الحجة آخر السنة وجاؤا بأجمعهم في سبعة وعشرين ألفا المقاتلة منهم اثنا عشر ألفا فعباهم عجيف في السفن على هيئتهم في الحرب ودخل بهم بغداد في عاشوراء سنة عشرين وركب المعتصم إلى الشماسة في سفينة حتى رآهم ثم غربهم إلى عين زربة فأغارت عليهم الروم فلم يفلت منهم أحد * (بناء سامرا) * كان المعتصم قد اصطنع قوما من أهل الحرف بمصر وسماهم المطاربة وقوما من سمرقند واسروسنة وفرغانة وسماهم الفرغانة وأكثر من صبيانهم وكانوا يركضون الدواب في الطرق ويختلفون بها ركضا فيصدمون النساء والصبيان فتتأذى العامة بهم وربما انفرد بعضهم فقتلوه وتأذى الناس من ذلك ونكروه وربما أسمعوا النكير للمعتصم فعمد إلى بناء القاطون وكانت مدينة بناها الرشيد ولم يستتمها وخربت فجددها المعتصم وبناها سنة عشرين وسماها سر من رأى فرخمها الناس سامرا وسارت دار الملكهم من لدن المعتصم ومن بعده واستخلف ببغداد حتى انتقل إليها ابنه الواثق(3/257)
* (نكبة الفضل بن مروان) * كان للمعتصم في ولاية أخيه كاتب يعرف بيحيى الجرمقابى واتصل به الفضل بن مروان وهو من البردان وكان حسن الخط فلما هلك الجرمقاب استكتبه المعتصم وسار معه
إلى الشام فأثرى ولما استخلف المعتصم استولى على هواه واستتبع الدواوين واحتجر الاموال ثم صار يرد أوامر المعتصم في العطايا ولا ينفذها واختلفت فيه السعايات عند المعتصم ودسوا عليه عنده من ملا مجلسه ومساخره من يعير المعتصم باستبداده عليه ورد أوامره فحقد له ذلك ثم نكبه سنة عشرين وصادره وجميع أهل بيته وجعل مكانه محمد بن عبد الملك بن الزيات وغرب الفضل إلى بعض قرى الموصل قد تقدم لنا حديث بابك الخرمى وظهوره سنة اثنتين ومائتين بدعوة جاوندان ابن سهل واتخذ مدينة البر لامتناعه وولى المأمون حروبه فهزم عساكره وقتل جماعة من قواده وخرب الحصون فيما بين أردبيل وزنجان فلما ولى المعتصم بعث أبا سعيد محمد بن يوسف فبنى الحصون التى خربها وشحنها بالرجال والاقوات وحفظ الصائلة لجلب الميرة وبينما هو في ذلك اغارت بعض سرايا بابك بتلك النواحى فخرج في طلبهم واستنقذ ما أخذوه وقتل كثيرا وأسر أكثر وبعث بالرؤس والاسرى إلى المعتصم وكان ابن البعيث أيضا في قلعة له حصينة من كور أذربيجان ملكها من يد ابن الرواد وكان يصانع بابك ويضيف سراياه إذا مروا به ومر به في هذه الايام قائده عصمة وأضافه على العادة ثم قبض عليه وقتل أصحابه وبعث به إلى المعتصم فسأله عن عورات بلاد بابك فدله عليها ثم حبسه وعقد لقائده الافشين حيدر بن كاوس على الجبال ووجهه لحرب بابك فسار إليها ونزل بساحتها وضبط الطرقات ما بينه وبين أردبيل وأنزل قواده في العساكر ما بينه وبين أردبيل يتلقون الميرة من أردبيل من واحد إلى الآخر حتى تصل عسكر الافشين وكان إذا وقع بيده أحد من جواسيس بابك يسأله عن احسان بابك إليه فيضاعفه ويطلقه ثم ان المعتصم بعث بغا الكبير بمدد الافشين بالنفقات وسمع بابك فاعتزم على اعتراضه وأخبر الافشين بذلك بعض جواسيسهم فكتب إلى بغا أن يرتحل من حصن النهر قيلا ثم يرجع إلى أردبيل ففعل ذلك وجاءت الاخبار إلى بابك وركب الافشين في يوم مواعدته لبغا واغذ المسير وخرجت سرية بابك فلقيت
قافلة النهر ولم يصادفوا بغا فيها فقتلوا من وجدوا فيها من الجند وفاتهم المال ولقوا في طريقهم الهيثم من قواد الافشين فهزموه وامتنع بحصنه ونزل بابك عليه يحاصره وإذا بالافشين قد وصل فأوقع بهم وقتل الكثير من جنده ونجا بابك إلى موقان وأرسل إلى عسكره في البر فلحقت به وخرج معهم من موقان إلى الفل ولما رجع الافشين(3/258)
إلى عسكره استمر على حصار بابك وانقطعت عنه الميرة من سائر النواحى ووجه صاحب مراغة إليه ميرة فلقيتها سرية من سرايا بابك فأخذوها ثم خلص إليه بغا بما معه من المال ففرقه في العساكر وأمر الافشين قواده فتقدموا ليضيقوا الحصار على بابك في حصن البد ونزل على ستة أميال منه وسار بغا الكبير حتى أحاط بقرية البد وقاتلهم وقتلوا منهم جماعة فتأخر إلى خندق محمد بن حميد من القواد وبعث إلى الافشين في المدد فبعث إليه أخاه الفضل وأحمد بن الخليل بن هشام وأبا خوس وصاحب شرطة الحسن بن سهل وأمره بمناجزتهم إلى الحرب في يوم عينه له فركبوا في ذلك اليوم وقصدوا البدو أصابهم برد شديد ومطر وقاتل الافشين فغلب من بازائه من أصحاب بابك واشتد عليهم المطر فنزلوا واتخذ بغا دليلا أشرف به على جبل يطل منه على الافشين ونزل عليهم الثلج والضباب فنزلوا منازلهم وعمد بابك إلى الافشين ففض معسكره وضجر أصحاب بغا من مقامهم في رأس الجبل فارتحل بهم ولا يعلم ما تم على الافشين وقصد حصن البد فتعرف خبر الافشين ورجع على غير الطريق الذى دخلوا منه لكثرة مضايقه وعقابه وتبعته طلائع بابك فلم يلتفت إليهم مسابقة للمضايق امامه وأجنهم الليل وخافوا على أثقالهم وأموالهم فعسكر بهم بغا من رأس جبل وقد تعبوا وفنيت أزوادهم وبيتهم بابك ففضهم ونهبوا ما كان معهم من المال والسلاح ونجوا إلى خندقهم الاول في أسفل الجبل وأقام بغا هنالك وكان طرحان كبير قواد بابك قد استأذنه أن يشتوا بقرية في ناحية مراغة فارسل الافشين إلى بعض
قواده بمراغة فأسرى إليه وقتله وبعث برأسه ودخلت سنة اثنتين وعشرين فبعث المعتصم جعفرا الخياط بالعساكر مددا للافشين وبعث اتياخ بثلاثين ألف ألف درهم لنفقات الجند فأرسلها وعاد ورحل الافشين لاول فصل الربيع ودنا من الحصن وخندق على نفسه وجاءه الخبر بأن قائد بابك واسمه أدين قد عسكر بازائه وبعث عياله إلى بعض حصون الجبل فبعث الافشين بعض قواده لاعتراضهم فسلكوا مضايق وسلقوا وأغاروا إلى أن لقوا العيال فأخذوهم وانصرفوا وبلغ الخبر أدين فركب لاعتراضهم وحاربهم واستنقذ بعض النساء وعلم بشأنهم الافشين من علامات كان أمرهم بها ان رأى بهم ريبا فركب إليهم فلما أحسوا به فرجوا عن المضيق ونجا القوم وتقدم الافشين قليلا قليلا إلى حصن البد وكان يأمر الناس بالركوب ليلا للحراسة خوف البيات فضجر الناس من التعب وارتاد في رؤس تلك الجبال أماكن يتحصن فيها الرجالة فوجد ثلاثة فأنزل فيها الرجالة بأزوادهم وسد الطرق إليها بالحجارة وأقام يحاصرهم وكان يصلى الصبح بغلس ثم يسير زحفا ويضرب الطبول ليزحف الناس(3/259)
لزحفه في الجبال والاودية على مصافهم وإذا امسك وقفوا وكان إذا أراد أن يتقدم المضيق الذى أتى منه عام أول خلف به عسكرا على رأس العقبة يحفظونه لئلا يأخذه الحرسة منه عليهم وكان بابك متى زحفوا عليه كمن عسكرا تحت تلك العقبة واجتهد الافشين أن يعرف مكان الكمين فلم يطق وكان يأمر أبا سعيد وجعفرا الخياط وأحمد ابن الخليل بن هشام فيتقدمون إلى الوادي في ثلاثة كراديس ويجلس على تلك ينظر إليهم والى قصر بابك ويقف بابك قبالته في عسكر قليل وقد أكمن بقية العسكر فيشربون الخمر ويلعبون بالسرياني فإذا صلى الافشين الظهر رجع إلى خندقه برود الرود مصافا بعد مصاف الاقرب إلى العدو ثم الذى يليه وآخرين ترجع العسكر الذى عقبه المضيق حتى ضجرت الخرمية من المطاولة وانصرف بعض الايام وتأخر جعفر فخرج
الخرمية من البد على أصحابه فردهم جعفر على أعقابهم وارتفع الصياح ورجع الافشين وقد نشبت الحرب وكان مع أبى دلف من أصحاب جعفر قوم من المطوعة فضيقوا على أصحاب بابك وكانوا يصدعون البد وبعث جعفر إلى الافشين يستمده خمسمائة راجل من الناشبة فأتى له وأمره بالتحيل في الانصراف وتعلق أولئك المطوعة بالبد وارتفع الصياح وخرج الكمناء من تحت العقبة وتبين الافشين أماكنهم واطلع على خدعتهم وانصرف جعفر إلى الافشين وعاتبه فاعتذر إليه يستأمن الكمين وأراه مكانه فانصرف عن عتابه وعلم أن الرأى معه وشكا المطوعة ضيق العلوفة والزاد فأذن لهم في الانصراف وتناولوه بألسنتهم ثم طلبوه في المناهضة فأذن لهم ووادعهم ليوم معلوم ومجهز وحمل المال والزاد والماء والمحامل لجرجا وتقدم إلى مكانه بالامس وجهز العسكر على العقبة على عادته وأمر جعفرا بالتقدم بالمطوعة وأن يأتوا من أسهل الوجوه وأطلق يده بمن يريده من الناشبة والنفاطين وتقدم جعفر إلى مكانه بالامس والمتطوعة معه فقاتلوا وتعلقوا بسور لبد حى ضرب جمعهم ما به وجاء الفعلة بالفؤس وطيف عليهم بالمياه والازودة ثم جاء الخرمية من الباب وكسروا على المطوعة وطرحوهم على السور ورموهم بالحجارة فنالت منهم وضعفوا عن الحرب ثم تحاجزوا آخر يومهم وأمرهم الافشين بالانصراف وداكلهم البأس من الفتح تلك السنة وانصرف أكثر المطوعة ثم عاود الافشين الحرب بعد أسبوعين وبعث من جوف الليل ألفا من الناشبة إلى الجبل الذى وراء البد حتى يعاينوا الافشين من هذه الناحية فيرمون على الخرمية وبعث عسكرا آخر كمينا تحت ذلك الجبل الذى وراء البد وركب هو من الغداة إلى المكان الذى يقف فيه على عادته وتقدم جعفر الخياط والقواد حتى صاروا جميعا حول ذلك الجبل فوثب كمين بابك من أسفل الجبل(3/260)
بالعسكر الذى جاء إليه لما فضحهم الصبح وانحدر الناشبة من الجبل وقد ركبوا
الاعلام على رماحهم وقصدوا جميعا أدين قائد بابك في جفلة فانحدر إلى الوادي فحمل عليه جماعة من أصحاب القواد فرمى عليهم الصخور من الجبل وتحدرت إليهم ولما رأى ذلك بابك استأمن للافشين على أن يحمل عياله من البد وبينماهم في ذلك إذ جاء الخبر إلى الافشين بدخول البد وان الناس صعدوا بالاعلام فوق قصور بابك حتى دخل واديا هنالك وأحرق الافشين قصور بابك وقتل الخرمية عن اخرهم وأخذ أمواله وعياله ورجع إلى معسكره عند المساء وخالفه بابك إلى الحصن فحمل ما أمكنه من المال والطعام وجاء الافشين من الغد فهدم القصور وأحرقها وكتب إلى ملوك أرمينية وبطارقتهم باذكاء العيون عليه في نواحيهم حتى ياتوه به ثم عثر على بابك بعض العيون في واد كثير الغياض يمر من أذربيجان إلى أرمينية فبعث من يأتي به فلم يعثروا عليه لكثرة الغياض والشجر وجاء كتاب المعتصم بأمانه فبعث به الافشين بعض المستأمنة من أصحاب بابك فامسع من قبوله وقتل بعضهم ثم خرج من ذلك الوادي هو وأخوه عبد الله ومعاوية وأمه يريدون أرمينية ورآهم الحرس الذين جاؤا لاخذه وكان أبو السفاح هو المقدم عليهم فمروا في اتباعهم وأدركوهم على بعض المياه فركب ونجا وأخذ أبو السفاح معاوية وأم يك وبعث بهم إلى الافشين وسار بابك في جبال أرمينية مختفيا وقد أذكوا عليه العيون حتى إذا مسه الجوع بعث بعض أصحابه بدنانير لشراء قوتهم نعثر به بعض المسلحة وبعث إلى سهل بن ساباط فجاء واجتمع بصاحب بابك الذى كانت حراسة الطريق عليه ودله على بابك فأتاه وخادعه حتى سار إلى حصنه وبعث بالخبر إلى الافشين فبعث إليه بقائدين من قبله وأمرهما بطاعة ابن ساباط فأكمنهما في بعض نواحى الحصن وأغرى بابك بالصيد وخرج معه فخرج القائدان من الكمين فأخذاه وجاآ به إلى الافشين ومعهما معاوية بن سهل بن ساباط فحبسه ووكل بحفظه وأعطى معاوية ألف درهم وآتى سهلا ألف ألف درهم ومنطقة مفرقة بالجوهر وبعث إلى عيسى بن يوسف بن أسطقانوس ملك البيلقان يطلب منه عبد الله
أخا بابك وقد كان لجأ إلى حصنه عند ما أحاط به ابن ساباط فأنفذه إليه وحبسه الافشين مع أخيه وكتب إلى المعتصم فأمره بالقدوم بهما وذلك في شوال من سنة ثنتين وعشرين وسار الافشين بهما إلى سامرا فكان يلقاه في كل رحلة رسول من المعتصم بخلعة وفرس ولما قرب من سامرا تلقاه الواثق وكبر لقدومه وأنزل الافشين وبابك عنده بالمطيرة وتوج الافشين وألبسه وشاحين ووصله بعشرين ألف ألف درهم وعشرة آلاف ألف درهم يفرقها في عسكره وذلك في صفر سنة ثلاث وعشرين وجاء أحمد(3/261)
ابن أبى داود إلى بابك متنكرا وكلمه ثم جاء المعتصم أيضا متنكرا فرآه ثم عقد من الغد واصطف النظارة سماطين وجئ ببابك راكبا على الفيل فلما وصل أمر المعتصم بقطع أطرافه ثم بذبحه وأنفذ رأسه إلى خراسان وصلب شلوه بسامرا وبعث بأخيه عبد الله إلى اسحق بن ابراهيم ببغداد ليفعل به مثل ذلك ففعل وكان الذى أنفق الافشين في مدة حصاره لبابك سوى الارزاق والانزال والمعارن عشرة آلاف ألف درهم يوم ركوبه لمحاربته وخمسة آلاف يوم قعوده وجميع من قتل بابك في عشرين سنة أيام قتيبة مائة ألف وخمسة وخمسين ألفا وهزم من القواد يحيى بن معاذ وعيسى بن محمد بن أبى خالد وأحمد بن الجنيد وزريق بن على بن صدقة ومحمد بن حميد الطوسى وابراهيم بن الليث وكان الذين أسروا مع بابك ثلاثة آلاف وثلثمائة والذى استنقذ من يديه من المسلمات وأولادهن سبعة آلاف وستمائة انسان جعلوا في حظيرة فمن أتى من أوليائهم وأقام بينة على أحد منهم أخذه والذى صار في يد الافشين من بنى بابك وعياله سبعة عشر رجلا وثلاثا وعشرين امرأة * (فتح عمورية) * وفى سنة ثلاث وعشرين خرج نوفل بن ميخاييل ملك الروم إلى بلاد المسلمين فأوقع بأهل زبطرة لان بابك لما أشرف على الهلاك كتب إليه أن المعتصم قد وجه عساكره
حتى خياطه يسنى جعفر بن دينار وطباخه يعنى اتياخ ولم يبق عنده أحد فانتهز الفرصة ثلاثا أو دونها وظن بابك أن ذلك يدعو المعتصم إلى انفاذ العساكر لحرب الروم فيخف عنه ما هو فيه فخرج نوفل في مائة ألف وفيهم من المجمرة الذين كانوا خرجوا بالجبال وهزمهم اسحق بن ابراهيم بن مصعب فلحق بالروم وبلغ نوفل زبطرة فاستباحها قتلا وسبيا وأعاد على ملطية وغيرها ومثل بالاسرى وبلغ الخبر إلى المعتصم فاستعظمه وبلغه ان هاشمية صاحت وهى في أيدى الروم وامعتصماه فأجاب وهو على سريره لبيك لبيك ونادى بالنفير ونهض من ساعته فركب دابته واحتقب شكالا رسله من حديد فيها رداؤه وجمع العساكر وأحضر قاضى بغداد عبد الرحمن بن اسحق ومعه ابن سهل في ثلثمائة وثلاثين من العدول فأشهدهم بما وقف من الضياع ثلثا لولده وثلثا لمواليه وثلثا لوجه الله وسار فعسكر بقرى دجلة لليلتين من جمادى الاولى وبعث عجيف بن عنبسة وعمر الفرغانى وجماعة من القواد مدد الاهل زبطرة فوجدوا الروم قد ارتحلوا عنها فأقاموا حتى تراجع الناس واطمأنوا ولما ظفر ببابك سأل أي بلاد الروم أعظم عندهم فقيل له عمورية فتجهز إليها بما لا يماثله أحد قبله من السلاح والآلة والعدد وحياض الادم والقرب والروايا وجعل مقدمته أشناس وبعده محمد بن ابراهيم بن مصعب(3/262)
وعلى الميمنة اتياخ وعلى الميسرة جعفر بن دينار الخياط وعلى القلب عجيف بن عنبسة وجاء إلى بلاد الروم فأقام بسلوقية على نهر السن قريبا من البحر وعلى سيرة يوم من طرطوس وبعث الافشين إلى سروج وأمره بالدخول من درب الحرث وبعث اشناس من درب طرطوس وأمره بانتظاره بالصفصاف وقدم وصيفا في أثر اشناس وواعدهم يوم اللقاء ورحل المعتصم لست بقين من رجب وبلغه الخبر ان ملك الروم عازم على كبس مقدمته فبعث إلى اشناس بذلك وأن يقيم ثلاثة أيام ليلحق به ثم كتب إليه أن يبعث إليه من قواده من يأتيه بخبر الروم وملكهم فبعث عمر الفرغانى في مائتي فارس فطاف
في البلاد وأحضر جماعة عند اشناس أخبروه بأن ملك الروم بينما هو ينتظر المقدمة ليواقعها إذ حاءه الخبر بأن العساكر دخلت من جهة أرمينية يعنى عسكر الافشين فاستخلف ابن خاله على عسكره وسار إلى تلك الناحية فوجه اشناس بهم إلى المعتصم وكتب المعتصم إلى الافشين بالمقام حذرا عليه وجعل لمن يوصل الكتاب عشرة آلاف درهم وأوغل في بلاد الروم فلم يدركه الكتاب وكتب المعتصم إلى اشناس بان يتقدم والمعتصم في أثره حتى إذا كانوا على ثلاث مراحل من أنقرة أسر اشناس في طريقه جماعة من الروم فقتلهم وقال لهم شيخ منهم أنا أدلك على قوم هربوا من أنقرة معهم الطعام والشعير فبعث معه مالك بن كرد في خمسمائة فارس فدل بهم إلى مكان أهل أنقرة فغنموا منهم ووجدوا فيهم جرحى قد حضروا وقعة ملك الروم مع الافشين وقالوا لما استخلف على عسكره سار إلى ناحية أرمينية فلقينا المسلمين صلاة الغداة فهزمناهم وقتلنا رجالهم وافترقت عساكرنا في طلبهم ثم رجعوا بعد الظهر فقاتلونا وحرقوا عسكرنا وفقدنا الملك وانهزمنا ورجعنا إلى العسكر فوجدناه قد انتقض وجاء الملك من الغد فقتل نائبه الذى استخلفه وكتب إلى بلاده بعقاب المنهزمين ومواعدتهم بمكان كذا ليلقى المسلمين بها ووجه خصيا له إلى أنقرة ليحفظها فوجد أهلها قد أجلوا فأمره الملك بالمسير إلى عمورية فوعى مالك بن كرد خبرهم ورجع بالغنيمة والاسرى إلى اشناس وأطلق الامير الذى دله وكتب اشناس بذلك إلى المعتصم ثم جاء البشير من ناحية الافشين بالسلامة وان الوقعة كانت لخمس بقين من شعبان وقدم الافشين على المعتصم بأنقرة ورحل بعد ثلاث والافشين في ميمنته واشناس في ميسرته وهو في القلب وبين كل عسكر وعسكر فرسخان وأمرهم بالتخريب والتحريق ما بين أنقرة وعمورية ثم وافى عمورية وقسمها على قواده وخرج إليه رجل من المنتصرة فدله على عورة من السور بنى ظاهره واخل باطنه فصرب المعتصم خيمته قبالته ونصبت عليه المجانيق فتصدع السور وكتب بطريقها باطيس والخصى إلى الملك يعلمانه بشأنهما في السور وغيره(3/263)
فوقع في يد المسلمين مع رجلين وفى الكتاب ان باطيس عازم على أن يخرج ليلا ويمر بعسكر المسلمين ويلحق بالملك فنادى المعتصم حرسه ثم انثلمت فوهة من السور بين برجين وقد كان الخندق طم بأوعية الجلود المملوأة ترابا ثم ضرب بالذبالات عليها فدحرجها الرجال إلى السور فنشبت في تلك الاوعية وخلص من فيها بعد الجهد ولما جاء من الغد بالسلالم والمنجنيقات فقاتلوهم على تلك الثلمة وحارب وبدر بالحرب اشناس وجمعت المنجنيقات على تلك الثلمة وحارب في اليوم الثاني الافشين والمعتصم راكب ازاء الثلمة واشناس وافشين وخواص الخدام معه ثم كانت الحرب في اليوم الثالث على المعتصم وتقدم اتياخ بالمغاربة والاتراك واشتد القتال على الروم إلى الليل وفشت فيهم الجراحات ومشى بطريق تلك الناحية إلى رؤساء الروم وشكا إليهم واستمدهم فأبوا فبعث إلى المعتصم يستأمن فامنه وخرج من الغد إلى المعتصم وكان اسمه وبدوا فبينما هو المعتصم يحادثه أومأ عبد الوهاب بن على من بين يديه إلى المسلمين بالدخول فافتتحوا من الثلمة ورآهم وبدوا فخاف فقال له المعتصم كل شئ تريده هو لك ودخل المسلمون المدينة وامتنع الروم بكنيستهم وسطها فأحرقها المسلمون عليهم وامتنع باطيس البطريق في بعض أبراجها حتى استنزله المعتصم بالامان وجاء الناس بالاسرى والسبي من كل جانب واصطفى الاشراف وقتل من سواهم وبيعت مغانمهم في خمسة أيام وأحرق الباقي ووثب الناس على المغانم في بعض الايام ينهبونها فركب المعتصم وسار نحوهم فكفؤا بعمورية فهدمت وأحرقت وحاصرها خمسة وخمسين يوما من سادس رمضان إلى آخر شوال وفرق الاسرى على القواد ورجع نحو طرطوس ولم يزل نوفل مملكا على الروم إلى أن هلك سنة تسع وعشرين ومائتين في ولاية الواثق ونصبوا ابنه ميخاييل في كفالة أمه ندورة فأقامت عليهم ست سنين ثم اتهمها ابنها ميخاييل بقمط من اقماطها عليها وألزمها بيتها سنة ثلاث وثلاثين
* (حبس العباس بن المأمون ومهلكه) * كان المعتصم يقدم الافشين على عجيف بن عنبسة ولما بعثه إلى زبطرة لم يطلق يده في النفقات كما أطلق للافشين وكان يستقصر شأن عجيف وأفعاله فطوى عجيف على النكث ولقى العباس بن المأمون فعذله على قعوده عند وفاة المأمون عن الامر حتى بويع المعتصم وأغراه قبلا في ذلك فقبل العباس منه ودس رجلا من بطانته يقال له السمرقندى قرابة عبد الله بن الوضاح وكان له أدب ومداراة فاستأمن له جماعة من القواد ومن خواص المعتصم فبايعوه وواعد كل واحد منهم أن يثب بالقائد الذى معه فيقتله من اصحاب المعتصم والافشين واشناس(3/264)
بالرجوع إلى بغداد فأبى من ذلك وقال لا أفسد العراق فلما فتحت عمورية وصعب التدبير بعض الشئ أشار عجيف بأن يضع من ينهب الغنائم فإذا ركب المعتصم وثبوا به ففعلوا مثل ما ذكرنا وركب فلم يتجاسروا عليه وكان للفرغانى قرابة غلام أمرد في جملة المعتصم فجلس مع ندمان الفرغانى تلك الليلة وقص عليهم ركوب المعتصم فأشفق الفرغانى وقال يا بنى اقلل من المقام عند أمير المؤمنين والزم خيمتك وان سمعت هيعة فلا تخرج فأنت غلام غر ثم ارتحل المعتصم إلى الثغور وتغير اشناس على عمر الفرغانى وأحمد بن الخليل وأساء عليهما فطلبا من المعتصم أن يضمهما إلى من شاء وشكيا من اشناس فقال له المعتصم أحسن أدبهما فحبسهما وحملهما على بغل فلما صار بالصفصاف حدث الغلام ما سمع من قريبه عمر الفرغانى فأمر بغان يأخذه من عند اشناس ويساله عن تأويل مقالته فأنكر وقال انه كان سكران فدفعه إلى اتياخ ثم دفع أحمد بن الخليل إلى اشناس عنده نصيحة للمعتصم وأخبره خبر العباس بن المأمون والقواد والحرث السمرقندى فأنفذ اشناس إلى الحرث وقيده وبعث به إلى المعتصم وكان في المقدمة فأخبر الحرث المعتصم بجلية الاثر فأطلقه وخلع عليه ولم يصدقه على القواد
لكثرتهم ثم حضر العباس بن المأمون واستحلفه أن لا يكتم عنه شيأ فشرح له القصة فحبسه عند الافشين وتتبع القواد بالحبس والتنكيل وقتل منهم المشاء بن سهيل ثم دفع العباس للافشين فلما نزل منبج طلب الطعام فأطعم ومنع الماء ثم أدرج في نبج فمات ولما وصل المعتصم إلى نصيبين احتفر لعمر الفرغانى بئرا وطمت عليه ولما دخلوا بلاد الموصل قتل عجيف بمثل ما قتل به العباس واستلحم جميع القواد في تلك الايام وسموا العباس اللعين ولما وصل إلى سامرا جلس أولاد المأمون في داره حتى ماتوا * (انتقاض مازيار وقتله) * كان مازيار بن قارن بن وندا هرمز صاحب طبرستان وكان منافر العبد الله بن طاهر فلا يحمل إليه الخراج وقال لا أحمله الا للمعتصم فيبعث المعتصم من يقبضه من أصحابه ويدفعه إلى وكيل عبد الله بن طاهر يرده إلى خراسان وعظمت الفتنة بين مازيار وعبد الله وعظمت سعاية عبد الله في مازيار عند المعتصم حتى استوحش منه ولما ظفر الافشين ببابك وعظم محله عند المعتصم وطمع في ولاية خراسان ظن ان انتقاض مازيار وسيلة لذلك فجعل يستميل مازيار ويحرضه على عداوة ابن طاهر وان أدت إلى الخلاف ليبعثه المعتصم لحربه فيكون ذلك وسيلة له إلى استيلائه على خراسان ظنا بأن ابن طاهر لا ينهض لمحاربته فانتقض مازيار وحمل الناس على بيعته كرها وأخذ رهائنهم وعجل جباية الخراج فاستكثر منه وخرب سور آمد وسور سابة وفتل أهلها إلى جبل يعرف(3/265)
بهر مازابارونى سرخاشان سور طمس منها إلى البحر على ثلاثة أميال وهى على حد جرجان وكانت تبنيه سدا بين الترك وطبرستان وجعل عليه خندقا ومن أهل جرجان إلى نيسابور وأنفذ عبد الله بن طاهر عمه الحسن بن الحسين في جيش كثيف لحفظ جرجان فعسكر على الخندق ثم بعث مولاه حيان بن جبلة إلى قومس فعسكر على جبال شروين وبعث المعتصم من بغداد محمد بن ابراهيم بن مصعب وبعث منصور بن
الحسن صاحب دنباوند إلى الرى وبعث أبا الساج إلى دنباوند وأحاطت العساكر بحياله من كل ناحية وداخل أصحاب الحسن بن الحسين أصحاب سرخاشان في تسليم سورهم وليس بينهما الا عرض الخندق فكلموه وسار الآخرون إليه على حين غفلة من القائدين وركب الحسن بن الحسين وقد ملك أصحابه السور ودخلوا منه فهرب سرخاشان وقبضوا على أخيه شهريار فقتل ثم قبض على سرخاشان على خمسة فراسخ من معسكره وجئ به إلى الحسن بن الحسين فقتله أيضا ثم وقعت بين حيان بن جبلة وبين فارق بن شهريار وهو ابن أخى مازيار ومن قواده مداخلة استمالت حيان فأجاب أن يسلم مدينة سارية إلى حد جرجان على أن يملكوه جبال آبائه وبعث حيان إلى ابن طاهر فسجل لقارن بما سأل وكان قارن في جملة عبد الله بن قارن أخى مازيار ومن قواده فأحضر جميعهم لطعامه وقبض عليهم وبعث بهم إلى حيان فدخل جبال قارن في جموعه واعتصم لذلك مازيار وأشار عليه أخوه القوهيار أن يخلى سبيل من عنده من أصحابه ينزلون من الجبل إلى مواطنهم لئلا يؤتى من قبلهم فصرف صاحب شرطته وخراجه وكاتبه حميدة فلحقوا بالسهل ووثب أهل سارية بعامله عليهم مهرستان ابن شهرين فهرب ودخل حيان سارية ثم بعث قوهيار أخو مازيار محمد بن موسى بن حفص عامل طبرستان وكانوا قد حبسوه عند انتقاضهم فبعثه إلى حيان ليأخذ له الامان وولاية جبال آبائه على أن يسلم إليه مازيار وعذل قوهيار بعض أصحابه في عدوله بالاستئمان عن الحسن إلى حيان فرجع إليهم وكتبوا إلى الحسن يستدعونه قوهيار من أخيه مازيار فركب من معسكره بطمس وجاء لموعدهم ولقى حيان على فرسخ فرده إلى جبال شروين التى افتتحها ووبخه على غيبته عنها فرجع سارية وتوفى وبعث عبد الله مكانه محمد بن الحسين بن مصعب وعهد إليه أن لا يمنع قارن ما يريده ولما وصل الحسن إلى خرماباذ وسط جبال مازيار لقيه قوهيار هنالك واستوثق كل منهما من صاحبه وكاتب محمد بن ابراهيم بن مصعب من قواد المعتصم قوهيار بمثل ذلك فركب قاصدا
إليه وبلغ الحسن خبره فركب في العسكر وحازم يسابق محمد بن ابراهيم إلى قوهيار فسبقه ولقى قوهيار وقد جاء بأخيه مازيار فقبض عليه وبعثه مع اثنين من قواده إلى(3/266)
خرماباذ ومنها إلى مدينة سارية ثم ركب واستقبل محمد بن ابراهيم بن مصعب وقال أين تريد فقال إلى المازيار فقال هو بسارية ثم حبس الحسن أخوى المازيار ورجع إلى مدينة سارية فقيد المازيار بالقيد الذى قيد به محمد بن محمد بن موسى بن حفص وجاء كتاب عبد الله بن طاهر بأن يدفع المازيار وأخويه وأهل بيته إلى محمد بن ابراهيم يحملهم إلى المعتصم وسأل الحسن المازيار عن أمواله فذكر أنها عند قوم من وجوه سارية سماهم وأمر الحسن القوهيار بحمل هذه الاموال وسار إلى الجبل ليحملها فوثب به مماليك المازيار من الديلم وكانوا ألفا ومائتين فقتلوه بثار أخيه وهربوا إلى الديلم فاعترضتهم جيوش محمد بن ابراهيم وأخذوهم فبعث بهم إلى مدينة سارية وقيل ان الذى غدر بالمازيار ابن عم له كان يتوارث جبال طبرستان والمازيار يتوارث سهلها وكانت جبال طبرستان ثلاثة أجبل فلما انتقض واحتاج إلى الرجال دعا ابن عمه من السهل وولاه على أصعبها وظن أنه قد توثق به فكاتب هو الحسن وأطلعه على مكاتبة الافشين لمازيار وداخله في الفتك على أن يوليه ما كان لآبائه وأن المازيار لما ولاه الحسن بن سهل طبرستان انتزع الجبل من يده فأفضى له الحسن كتاب ابن طاهر وتوثق له فيه وأوعده ليوم معلوم ركب فيه الحسن إلى الجبل فأدخله ابن عم مازيار وحاصروه حتى نزل على حكمه ويقال أخذه أسيرا في الصيد ومضى الحسن به ولم يشعر صاحب الجبل الآخر وأقام في قتاله لمن كان بازائه فلم يشعر الا والعساكر من ورائه فانهزم ومضى إلى بلاد الديلم فأتبعوه وقتلوه ولما صار المازيار في يده طلبت منه كتب الافشين فأحضرها وأمر ابن طاهر أن يبعث بها معه إلى المعتصم فلما وصل إلى المعتصم ضربه حتى مات وصلبه إلى جانب بابك وذلك سنة أربع وعشرين
* (ولاية ابن السيد على الموصل) * وفى سنة أربع وعشرين ولى المعتصم على الموصل عبد الله بن السيد بن أنس الازدي وكان سبب ولايته أن رجلا من مقدمى الاكراد يعرف بجعفر بن فهر حس كان قد عصى باعمال الموصل وتبعه خلق كثير من الاكراد وغيرهم وأفسدوا البلاد فبعث المعتصم لحربه عبد الله بن السيد بن أنس فقاتله وغلبه وأخرجه منها بعد أن كان استولى عليها ولحق بجبل دانس وامتنع بأعاليه وقاتله عبد الله وتوغل في مضايق ذلك الجبل فهزمه الاكراد وأثخنوا في أصحابه بالقتل وقتل اسحق بن أنس عم عبد الله فبعث المعتصم مولاه اتياخ في العساكر إلى الموصل سنة خمس وعشرين وقصد جبل داسن فقاتل جعفرا وقتله وافترق أصحابه وأوقع بالاكراد واستباحهم وفروا أمامه إلى تكريت(3/267)
* (نكبة الافشين ومقتله) * كان الافشين من أهل اسروسنة تبوأها ونشأ ببغداد عند المعتصم وعظم محله عنده ولما حاصر بابك وكان يبعث إلى اشروسنة بجميع أمواله فيكتب ابن طاهر بذلك إلى المعتصم فيأمره المعتصم بأن يجعل عيونه عليه في ذلك وعثر مرة ابن طاهر على تلك الاموال فأخذها وصرفها في العطاء وقال له حاملوها هذا مال الافشين فقال كذبتم لو كان ذلك لا علمني أخى افشين به وانما أنتم لصوص وكتب إلى الافشين بذلك بأنه دفع المال إلى الجند ليوجههم إلى الترك فكتب إليه افشين مالى ومال أمير المؤمنين واحد وسأله في اطلاق القوم فأطلقهم واستحكمت الوحشة بينهما وتتابعت السعاية فيه من طاهر وربما فهم الافشين أن المعتصم يعزله عن خراسان فطمع في ولايتها وكان مازيار يحسن له الخلافة ليدعو المعتصم ذلك إلى عزله وولاية الافشين لحرب مازيار فكان من أمر مازيار ما ذكرناه وسيق إلى بغداد مقيدا وولى المعتصم الافشين على
أذربيجان فولى عليها من قبله منكجور من بعض قرابته فاستولى على مال عظيم لبابك وكتب به صاحب البريد إلى المعتصم فكذبه منكجور وهم بقتله فمنعه أهل اردبيل فقاتلهم وسمع ذلك المعتصم فأمر الافشين بعزل منكجور وبعث قائدا في عسكره مكانه فخلع منكجور وخرج من اردبيل فهزمه القائد ولحق ببعض حصون اذربيجان كان بابك خربه فأصلحه وتحصن فيه شهرا ثم وثب فيه أصحابه وأسلموه إلى القائد فقدم به إلى سامرا فحبسه المعتصم واتهم الافشين في أمره وذلك سنة خمس وعشرين ومائتين بأن القائد كان بغا الكبير وأنه خرج إليه بالامان اه * ولما أحس الافشين بتغير المعتصم أجمع أمره على الفرار واللحاق بارمينية وكانت في ولايته ويخرج منها إلى بلاد الخرر ويرجع إلى بلاد اشروسنة وصعب عليه ذلك بمباشرة المعتصم أمره فأراد أن يتخذ لهم صنيعا يشغلهم فيه نهارهم ثم يسير من أول الليل وعرض له في أثناء ذلك غضب على بعض مواليه وكان سيئ الملكة فأيقن مولاه بالهلكة وجاء إلى اتياخ فأحضره إلى المعتصم وخبره الخبر فأمره باحضاره وحبسه بالجوسق وكان ابنه الحسن عاملا على بعض ما وراء النهر فكتب المعتصم إلى عبد الله بن طاهر في الاحتيال عليه وكان يشكو من نوح بن أسد صاحب بخارى فكتب ابن طاهر إلى الحسن بولاية بخارى وكتب إلى نوح بذلك وأن يستوثق منه إذا وصل إليه ويبعث به ثم يبعث به إلى ابن طاهر ثم إلى المعتصم ثم أمر المعتصم باحضار الافشين ومناظرته فيما قيل عنه فأحضر عند الوزير محمد بن عبد الملك بن الزيات وعنده القاضى أحمد بن ابى دواد واسحق ابن ابراهيم وجماعة القواد والاعيان وأحضر المازيار من محبسه والمؤيد والمرزبان بن(3/268)
تركش أحد ملوك الصغد ورجلان من أهل الصغد يدعيان أن الافشين ضربهما وهما امام ومؤذن بمسجد فكشفا عن ظهورهما وهما عاريان من اللحم فقال ابن الزيات للافشين ما بال هذين قال عهدا إلى معاهدين فوثبا على بيت أصنامهم فكسراها
واتخذا البيت مسجدا فعاقبتهما على ذلك وقال ابن الزيات ما بال الكتاب المحلى بالذهب والجوهر عندك وفيه الكفر قال كتاب ورثته من آبائى وأوصوني بما فيه من آدابهم فكت آخذها منه واترك كفرهم ولم أحتج إلى نزع حليته وما ظننت ان مثل هذا يخرج عن الاسلام ثم قال المؤيد انه يأكل لحم المنخنقة ويحملني على أكلها ويقول هو أرطب من لحم المذبوحة ولقد قال لى يوما حملت على كل مكروه لى حتى أكلت الزيت وركبت الجمل ولبست النعل إلى هذه الغاية لم أخنتن ولم تسقط عنى شعرة العانة فقال الافشين أثقة هذا عندكم في دينه وكان مجوسيا قالوا لا قال فكيف تقبلونه على ثم قال للمؤيد أنت ذكرت انى أسررت اليك ذلك فلست بثقة في دينك ولا بكريم في عهدك ثم قال له المرزبان كيف يكاتبك أهل اشروسنة قال ما أدرى قال أليس يكاتبونك بما تفسره بالعربى إلى اله الآلهة من عبد ه فلان قال بلى فقال ابن الزيات فما أبقيت لفرعون قال هذه عادة منهم لابي وجدى ولى قبل الاسلام ولو منعتهم لفسدت على طاعتهم ثم قال له أنت كاتبت هذا وأشار إلى المازيار كتب أخوه إلى أخى قوهيار انه لن ينصر هذا الدين غيرى وغيرك وغير بابك فأما بابك فقد قتل نفسه بجمعه ولقد عهدت أن أمنفه فأبى الا خنقه وأنت ان خالفت لم يرمك القوم بغيرى ومعى أهل النجدة وان توجهت اليك لم يبق أحد يحاربنا الا العرب والمغاربة والترك والعربي كلب تناوله لقمة وتضرب رأسه والمغاربة أكلة رأس والاتراك لهم صدمة ثم تجول الخيل جولة فتأتى عليهم ويعود هذا الدين إلى ما كان عليه أيام العجم فقال الافشين هذا يدعى ان أخى كتب إلى أخيه فما يجب على ولو كتب فأنا أستميله مكرا به لا حظى عند الخليفة كما حظى به ابن طاهر فزجره ابن أبى دواد فقال له الافشين ترفع طيلسانك فلا تضعه حتى تقتل جماعة فقال أمتطهر أنت قال لا قال فما يمنعك وهو شعار الاسلام قال خشيت على نفسي من قطعه قال فكيف وأنت تلقى الرماح والسيوف قال تلك ضرورة أصبر عليها وهذا أستجلبه فقال ابن أبى دواد لبغا الكبير قد بان لكم أمره يا بغا عليك به فدفعه
بيديه ورده إلى محبسه وضرب مازيار أربعمائة سوط فمات منها وطلب افشين من المعتصم أن ينفذ إليه من يثق به فبعث حمدون به اسمعيل فاعتذر له عن جميع ما قيل فيه وحمل إلى دار اتياخ فقتل بها وصلب على باب العامة ثم أحرق وذلك في شعبان من سنة ست وعشرين وقيل قطع عنه الطعام والشراب حتى مات(3/269)
* (ظهور المبرقع) * كان هذا المبرقع يعرف بأبى حرب اليماني وكان بفلسطين وأراد بعض الجند النزول في داره فمنعه بعض النساء فضربها الجندي وجاء فشكت إليه بفعل الجندي فسار إليه وقتله ثم هرب إلى جبال الاردن فأقام به واختفى ببرقع على وجهه وصار يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر ويعيب الخليفة ويزعم أنه أموى واجتمع له قوم من تلك الناحية وقالوا هو السفياني ثم أجابه جماعة من رؤساء اليمانية منهم ابن بهيس وكان مطاعا في قومه وغيره فاجتمع له مائة ألف وسرح المعتصم رجاء بن أيوب في ألف من الجند فخام عن لقائه لكثرة من معه وعسكر قبالته ينتظر أوان الزراعة وانصراف الناس عنه لاعمالهم وبينماهم في الانصراف توفى المعتصم وثارت الفتنة بدمشق فأمره الواثق بقتل من أثار الفتنة والعود إلى المبرقع ففعل وقاتله فأخذه أسيرا وابن بهيس معه وقتل من أصحابه عشرين ألفا وحمله وذلك سنة سبع وعشرين ومائتين * (وفاة المعتصم وبيعة الواثق) * وتوفى المعتصم أبو اسحق محمد بن المأمون بن الرشيد منتصف ربيع الاول سنة سبع وعشرين لثمان سنين وثمانية أشهر من خلافته وبويع ابنه هرون الواثق صبيحته وتكنى أبا جعفر فثار أهل دمشق بأميرهم وحاصروه وعسكروا بمرج واسط وكان رجاء بن أيوب بالرملة في قتال المبرقع فرجع إليهم بأمر الواثق فقاتلهم وهزمهم وأثخن فيهم وقتل منهم نحو ألف وخمسمائة ومن أصحابه نحو ثلثمائة وصلح أمر دمشق ورجع رجاء
إلى قتال المبرقع حتى جاء به أسيرا بيعة الواثق نوجه اشناس ووشحه وكان للواثق سمر يجلسون عنده ويفيضون في الاخبار حتى أخبروه عن شأن البرامكة واستبدادهم على الرشيد واحتجابهم الاموال فأغراه ذلك بمصادرة الكتاب فحبسهم وألزمهم الاموال فأخذ من أحمد بن اسرائيل ثمانين ألف دينار بعد أن ضربه ومن سليمان بن وهب كاتب اتياخ أربعمائة ألف ومن الحسن بن وهب أربعة عشر ألفا ومن ابراهيم بن رباح وكاتبه مائة ألف ومن أبى الوزر مائة وأربعين ألفا وكان على اليمن اتياخ وولاه عليها المعتصم بعد ما عزل جعفر بن دينار وسخطه وحبسه ثم رضى عنه وأطلقه فلما ولى الواثق ولى اتياخ على اليمن من قبله سار باميان فسار إليها وكان الحرس اسحق بن يحيى بن معاذ ولاه المعتصم بعد عزل الافشين وولى الواثق على المدينة سنة احدى وعشرين محمد بن صالح بن العباس وبقى محمد بن داود على مكة وتوفى عبد الله ابن طاهر سنة ثلاثين وكان على خراسان وكرمان وطبرستان والرى وكان له الحرب والشرطة والسواد فولى الواثق لى أعماله كلها ابنه طاهرا(3/270)
* (وقعة بغا في الاعراب) * كان بنو سليم يفسدون بنواحي المدينة ويتسلطون على الناس في أموالهم وأوقعوا بناس من كنانة وباهلة وبعث محمد بن صالح إليهم مسلحة المدينة ومعهم متطوعة من قريش والانصار فهزمهم بنو سليم وقتلوا عامتهم وأحرقوا لباسهم وسلاحهم وكراعهم ونهبوا القرى ما بين مكة والمدينة وانقطع الطريق فبعث الواثق بغا الكبير وقدم المدينة في شعبان فقاتلهم وهزمهم وقتل منهم خمسين رجلا وأسر مثلها واستأمنوا له على حكم الواثق فقبض على ألف منهم ممن يعرف بالفساد فحبسهم بالمدينة وذلك سنة ثلاثين ثم حج وسار إلى ذات عرق وعرض على بنى هلال مثل بنى سليم فأخذ من المفسدين منهم نحو ثلثمائة رجل وحبسهم بالمدينة وأطلق الباقين ثم خرج بغا إلى بنى مرة فنقب
أولئك الاسرى الحبس وقتلوا الموكلين فاجتمع عليهم أهل المدينة ليلا ومنعوهم من الخروج فقاتلوهم إلى الصبح ثم قتلوهم وشق ذلك على بغا وكان سبب غيبته ان فزارة وبنى مرة تغلبوا على فدك فخرج إليهم وقدم رجلا من قواده يعرض عليهم الامان فهربوا من سطوته إلى الشأم واتبعهم إلى تخوم الحجاز من الشام وأقام أربعين ليلة ثم رجع إلى المدينة بمن ظفر منهم وجاءه قوم من بطون غفار وفزارة وأشجع وثعلبة فاستحلفهم على الطاعة ثم سار إلى بنى كلاب فأتوه في ثلاثة آلاف رجل فحبس أهل الفساد منهم ألفا بالمدينة وأطلق الباقين وأمره الواثق سنة اثنين وثلاثين بالمسير إلى بنى نمير باليمامة وما قرب منها لقطع فسادهم فسار إليهم ولقى جماعة الشريف منهم فحاربهم وقتل منهم خمسين وأسر أربعين ثم سار إلى مرة وبعث إليهم في الطاعة فامتنعوا وساروا إلى جبال السند وطف اليمامة وبعث سراياهم فأوقع بهم في كل ناحية ثم سار إليهم في ألف رجل فلقيهم قريبا من اضاخ فكشفوا مقدمته وميسرته وأثخنوا في عسكره بالقتل والنهب ثم ساروا تحت الليل وهو في اتباعهم يدعوهم إلى الطاعة وبعث طائفة من جنده يدعون بعضهم وأصبح وهو في قلة فحملوا عليه وهزموه إلى معسكره وإذا بالطائفة الذين بعثهم قد جاؤا من وجهتهم فلما رآهم بنو نمير من خلفهم ولوا منهزمين وأسلموا رجالهم وأموالهم ونجوا غلى خيلهم ولم يفلت من رجالتهم أحد وقتل منهم نحو ألف وخمسمائة وأقام بمكان الوقعة واستأمن له أمراؤهم فقيدهم وحبسهم بالبصرة وقدم عليه واجن الاشروسنى في سبعمائة مقاتل مددا فبعثه إلى اتباعهم إلى أن بلغ تبالة من اعمال اليمن ورجع وسار بغا إلى بغداد بمن معه منهم وكانوا نحو ألفى رجل ومائتي رجل وكتب إلى صالح أمير المدينة أن يوافيه ببغداد من عنده منهم فجاء بهم وسلموا جميعا(3/271)
* (مقتل أحمد بن نصر) *
وهو أحمد بن مالك وهو أحد النقباء كما تقدم وكان أحمد هذا نسيبة لاهل الحديث ويغشاه جماعة منهم مثل ابن حصين وابن الدورقى وأبى زهير ولقن منهم النكير على الواثق بقوله بخلق القرآن ثم تعدى ذلك إلى الشتم وكان ينعته بالخنزير والكافر وفشا ذلك عنه وانتدب رجلان ممن كان يغشاه هما أبو هرون السراج وطالب وغيرهما فدعوا الناس له وبايعه خلق على الامر بالمعروف والنهى عن المنكر وفرقوا الاموال في الناس دينارا لكل رجل وأنفذوا لثالث تمضى من شعبان من سنة احدى وثلاثين يظهرون فيها دعوتهم واتفق أن رجالا ممن بايعهم من بنى الاشرس جاؤا قبل الموعد بليلة وقد نال منهم السكر فضربوا الطبل وصاحب الشرطة اسحق بن ابراهيم غائب فارتاع خليفته محمد أخوه فأرسل من يسأل عن ذلك فلم يوجد أحد وأتوه برجل أعور اسمه عيسى وجدوه في الحمام فدلهم على بنى الاشرس وعلى أحمد بن نصر وعلى أبى هرون وطالب ثم سيق خادم أحمد بن نصر فذكر القصة فقبض عليه وبعث بهم جميعا إلى الواثق بسامرا مقيدين وجلس لهم مجلسا عاما وحضر فيه أحمد بن ابى دواد ولم يسأله الواثق عن خروجه وانما سأله عن خلق القرآن فقال هو كلام الله ثم سأله عن الرؤية فقال جاءت بها الاخبار الصحيحة ونصيحتي أن لا يخالف حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم سأل لواثق العلماء حوله عن أمره فقال عبد الرحمن بن اسحق قاضى الجانب الغربي هو حلال الدم وقال ابن أبى دواد هو كافر يستتاب فدعا الواثق بالصمصامة فانتضاها ومشى إليه فضربه على حبل عاتقه ثم على رأسه ثم وخزه في بطنه ثم أجهز سيما الدمشقي عليه وحزوا رأسه ونصب ببغداد وصلب شلوه عند بابها * (الفداء والصائفة) * وفى سنة احدى وثلاثين عقد الواثق لاحمد بن سعيد بن مسلم بن قتيبة على الثغور والعواصم وأمره بحضور الفداء هو وجانمان الخادم وأمرهما أن تمتحن الاسرى باعتقاد القرآن والرؤية وجاء الروم بأسراهم والمسلمون كذلك والتقوا على نهر اللامس
على مرحلة من طرطوس وكان عدة أسرى المسلمين أربعة آلاف وأربعة وستين والنساء والصبيان ثمانمائة وأهل الذمة مائة فلما فرغوا من الفداء غزا أحمد بن سعيد بن مسلم شاتيا وأصاب الناس ثلج ومطر وهلك منهم مائة نفس وأسر منهم نحوها وخرق بالنبل قرون خلق ولقيه بطريق من الروم فخام على لقائه ثم غنم ورجع فعزله الواثق وولى مكانه نصر بن حمزة الخزاعى * (وفاة الواثق وبيعة المتوكل) *(3/272)
وتوفى الواثق أبو جعفر هرون بن المعتصم محمد لست بقين من سنة ثنتين وثلاثين وكانت علته الاستسقاء وأدخل في تنور مسجر فلقى خفة ثم عاوده في اليوم الثاني اكثر من الاول فأخرج في محفة فمات فيها ولم يشعروا به وقيل ان ابن أبى دواد غمضه ومات لخمس سنين وتسعة أشهر من خلافته وحضر في الدار أحمد بن أبى دواد واتياخ ووصيف وعمر بن فرح وابن الزيات وأراد البيعة لمحمد بن واثق وهو غلام إمر فألبسوه فإذا هو قصير فقال وصيف أما تتقون الله تولون الخلافة مثل هذا ثم تناظروا فيمن يولونه وأحضروا المتوكل فألبسه ابن أبى دواد الطويلة وعممه وسلم عليه بامارة المؤمنين ولقبه المتوكل وصلى على الواثق ودفنه ثم وضع العطاء للجند لثمانية أشهر وولى على بلاد فارس ابراهيم ابن محمد بن مصعب وكان على الموصل غانم بن محمد الطويس فأقره وعزل ابن العباس محمد بن صول عن ديوان النفقات وعقد لابنه المنتصر على الحرمين واليمن والطائف * (نكبة الوزير ابن الزيات ومهلكه) * كان محمد بن عبد الملك بن الزيات قد استوزره الواثق فاستمكن من دولته وغلب على هؤلاء وكان لا يحفل بالمتوكل ولا يوجب حقه وغضب الواثق عليه مرة فجاء إلى ابن الزيات ليستنزله فأساء معاملته في التحية والملاقاة فقال اذهب فانك إذا صلحت رضى عنك وقام عنه حزينا فجاء إلى القاضى أحمد بن دواد فلم يدع شيأ من البر الا فعله وحياه وفداه
وخطب حاجته فقال أحب أن ترضى عنى أمير المؤمنين فقال أفعل ونعمة عين ولم يزل بالواثق حتى رضى عنه وكان ابن الزيات كتب إلى الواثق عند ما خرج عنه المتوكل ان جعفرا أتانى فسأل الرضا عنه وله وفرة شبه زى المخنثين فأمره الواثق أن يحضره من شعر قفاه فاستحضره فجاء يظن الرضا عنه وأمر حجاما أخذ من شعره وضرب به وجهه فحقد له ذلك واساء له ولما ولى الخلافة بقى شهرا ثم أمر اتياخ أن يقبض عليه ويقيده بداره ويصادره وذلك في صفر سنة ثلاث وثلاثين فصادره واستصفى أمواله وأملاكه وسلط عليه أنواع العذاب ثم جعله في ثنور خشب في داخله مسامير تمنع من الحركة وتزعج من فيه لضيقه ثم مات منتصف ربيع الاول وقيل انه مات من الضرب وكان لا يزيد على التشهد وذكر الله وكان عمر بن الفرج الرحجى يعامل المتوكل بمثل ذلك فحقد له ولما استخلف قبض عليه في رمضان واستصفى أمواله ثم صودر على أحد عشر ألف ألف * (نكبة اتياخ ومقتله) * كان اتياخ مولى السلام الابرص وكان عنده ناخوريا طباخا وكان شجاعا فاشتراه المعتصم منه سنة تسع وتسعين وارتفع في دولته ودولة الواثق ابنه وكان له المؤنة(3/273)
بسامرا مع اسحق بن ابراهيم بن مصعب وكانت نكبة العظماء في الدولة على يديه وحبسهم بداره مثل أولاد المأمون وابن الزيات وصالح وعجيف وعمر بن الفرج وابن الجنيد وأمثالهم وكان له البريد والحجابة والجيش والمغاربة والاتراك وشرب ذات ليلة مع المتوكل فعربد على اتياخ وهم اتياخ بقتله ثم غدا عليه فاعتذر له ودس عليه من زين له الحج فاستأذن المتوكل فأذن له وخلع عليه وجعله أمير كل بلد يمر به وسار لذلك في ذى القعدة سنة أربع وثلاثين أو ثلاث وثلاثين وسار العسكر بين يديه وجعلت الحجابة إلى وصيف الخادم ولما عاد اتياخ من الحج بعث إليه المتوكل بالهدايا والالطاف وكتب إلى اسحق بن ابراهيم بن مصعب يأمره بحبسه فلما قارب بغداد
كتب إليه اسحق بأن المتوكل أمر أن يدخل بغداد وأن تلقاه بنو هاشم ووجوه الناس وأن يقعد بدار خزيمة بن خازم فيأمر للناس بالجوائز على قدر طبقاتهم ففعل ذلك ووقف اسحق على باب الدار فمنع أصحابه من الدخول إليه ووكل بالابواب ثم قبض على ولديه منصور ومظفر وكاتبيه سليمان بن وهب وقدامة بن زياد وبعث اتياخ إليه يسأله الرفق بالولدين ففعل ولم يزل اتياخ مقيدا بالسجن إلى أن مات فقيل انهم منعوه الماء وبقى ابناه محبوسين إلى أن أطلقهما المنتصر بعد المتوكل * (شأن ابن البغيث) * كان محمد بن البغيث بن الحليس ممتنعا في حصونه باذربيجان وأعظمها مرند واستنزل من حصنه أيام المتوكل وحبس بسامرا فهرب من حبسه ولحق بمرند وقيل انه في حبس اسحق بن ابراهيم بن مصعب وشفع فيه بغا الشرابى فأطلقه اسحق في كفالة محمد بن خالد بن يزيد بن مزيد الشيباني وكان يتردد إلى سامرا حتى مرض المتوكل ففر ولحق بمرند وشحنها بالاقوات وجاءه أهل الفتنة من ربيعة وغيرهم فاجتمع له نحو ألفين ومائتي رجل والوالى بأذربيجان يومئذ محمد بن حاتم بن هرثمة فلم يقامعه فعزله المتوكل وولى حمدويه بن على بن الفضل السعدى فسار إليه وحاصره بمرند مدة وبعث إليه المتوكل بالمدد وطال الحصار فلم يقن فيه فبعث بغا الشرابى في ألفى فارس فجاء لحصاره وبعث إليه عيسى بن الشيخ بن السلسل بالامان له ولوجوه أصحابه أن ينزلوا على حكم المتوكل فنزل الكثير منهم وانفض جمعه ولحق ببغا وخرج هو هاربا ونهبت منازله وأسرت نساؤه وبناته ثم أدرك بطريقه وأتى به أسيرا وباخويه صقر وخالد وأبنائه حليس وصقر والبغيث وجاء بهم بغا إلى بغداد وحملهم على الحجال يوم قدومه حتى رآهم الناس وحبسوا ومات االبغيث لشهر من وصوله سنة خمس وثلاثين وجعل بنوه في الشاكرية مع عبد الله بن يحيى خاقان(3/274)
* (بيعة العهد) * وفى سنة خمس وثلاثين ومائتين عقد المتوكل البيعة والعهد وكانوا ثلاثة محمدا وطلحة وابراهيم ويقال في طلحة ابن الزبير وجعل محمدا أولهم ولقبه المستنصر وأقطعه افريقية والمغرب وقنسرين والثغور الشامية والخزرية وديار مضر وديار ربيعة وهيت والموصل وغانة والخابور وكور دجلة والسواد والخرمين وحضر موت والحرمين والسند ومكران وقندابيل وكور الاهواز والمستغلات بسامرا وماء الكوفة وماء البصرة وجعل طلحة ثانيهم ولقبه المعتز وأقطعه أعمال خراسان وطبرستان والرى وأرمينية وأذربيجان وأعمال فارس ثم أضاف إليه سنة أربعين خزن الاموال ودور الضرب في جميع الآفاق وأمر أن يرسم اسمه في السكة وجعل الثالث ابراهيم وأقطعه حمص ودمشق وفلسطين وسائر الاعمال الشامية وفى هذه السنة أمر الجند بتغيير الزى فلبسوا الطيالسة العسلية وشدوا الزنانير في أوساطهم وجعلوا الطراز في لباس المماليك ومنع من لباس المناطق وأمر بهدم البيع المحدثة لاهل الذمة ونهى أن يستغاث بهم في الاعمال وأن يظهروا في شعابهم الصلبان وأمر أن يجعل على أبو ابهم صور شياطين من الخشب * (ملك محمد بن ابراهيم) * كان محمد بن ابراهيم بن الحسن بن مصعب على بلاد فارس وهو ابن أخى طاهر وكان أخوه اسحق بن ابراهيم صاحب الشرطة ببغداد منذ أيام المأمون والمعتصم والواثق والمتوكل وكان ابنه محمد بباب الخليفة بسامرا نائبا عنه فلما مات اسحق سنة خمس وثلاثين ولاه المتوكل وضم إليه أعمال أبيه واستخلفه المعتز على اليمامة والبحرين ومكة وحمل إلى المتوكل وبنيه من الجواهر والذخائر كثيرا وبلغ ذلك محمد بن ابراهيم فتنكر للخليفة ولمحمد بن أخيه وشكا ذلك محمد إلى المتوكل فسرحه إلى فارس وولاه مكان عمه محمد فسار وعزل عمه محمدا وولى مكانه ابن عمه الحسين بن اسمعيل بن مصعب
وأمره بقتل عمه محمد فأطعمه ومنعه الشراب فمات * (انتقاض أهل أرمينية) * كان على أرمينية يوسف بن محمد فجاءه البطريق بقراط بن أسواط وهو بطريق البطارقة يستأمن فقبض عليه وعلى ابنه وبعث بهما إلى المتوكل فاجتمع بطارقة أرمينية مع ابن أخيه وصهره موسى بن زرارة وتحالفوا على قتله وحاصروه بمدينة طرون في رمضان سنة سبع وثلاثين وخرج لقتالهم فقتلوه ومن كان معه فسرح(3/275)
المتوكل بغا الكبير فسار على الموصل والجزيرة وأناخ على أردن حتى أخدها وحمل موسى واخوته إلى المتوكل وقتل منهم ثلاثين ألفا وسبى خلقا وسار إلى مدينة دبيل فأقام بها شهرا ثم سار إلى تفليس فحاصرها وبعث في مقدمته ربزك التركي وكان بتفليس اسحق بن اسمعيل بن اسحق مولى بنى أمية فخرج وقاتلهم وكانت المدينة كلها مشيدة من خشب الصنوبر فأمر بغا أن يرمى عليها بالنفط فاضطرمت النار في الخشب واحترقت قصور اسحق وجواريه وخمسون ألف انسان وأسر الباقون وأحاطت الاتراك والمغاربة باسحق فأسروه وقتله بغا لوقته ونجا أهل اسحق بأمواله إلى صعد نيل مدينة حذا تفليس على نهر الكرمن من شرقيه بناها أنو شروان وحصنها اسحق وجعل أمواله فيها فاستباحها بغا ثم بعث الجند إلى قلعة أخرى بين بردعة وتفليس ففتحوها وأسروا بطريقها ثم سار إلى عيسى بن يوسف في قلعة كيس من كور البليقان ففتحها وأسره وحمل معه جماعة من البطارقة وذلك سنة ثمان وثلاثين ومائتين * (عزل ابن أبى دواد وولاية ابن أكثم) * وفى سنة سبع وثلاثين غضب المتوكل على أحمد بن أبى دواد وقبض ضياعه وحبس أولاده فحمل أبو الوليد منهم مائة وعشرين ألف دينار وجواهر تساوى عشرين ألفا ثم صولح عن ستة عشر ألف ألف درهم وأشهد عليهم ببيع أملاكهم وفلح أحمد فأحضر
المتوكل يحيى بن أكثم وولاه قضاء القضاة وولى أبا الوليد بن أبى دواد المظالم ثم عزله وولى أبا الربيع محمد بن يعقوب ثم عزله وولى يحيى بن أكثم على المظالم ثم عزله سنة أربعين وصادره على خمسة وسبعين ألف دينار وأربعة آلاف حربو وولى مكانه جعفر ابن عبد الواحد بن جعفر بن سليمان بن على وتوفى في هذه السنة أحمد بن أبى دواد بعد ابنه أبى الوليد بعشرين يوما وكان معتزليا أخذ مذهيهم عن بشر المريسى وأخذه بشر عن جهم بن صفوان وأخذه جهم عن الجعد بن دهم معلم مروان * (انتقاض أهل حمص) * وفى سنة سبع وثلاثين وثب أهل حمص بعاملهم أبى المغيث موسى بن ابراهيم الرافقى بسبب أنه قتل بعض رؤسائهم فأخرجوه وقتلوا من أصحابه فولى مكانه محمد بن عبد ويه الانباري فأساء إليهم وعسف فيهم فوثبوا به وأمره المتوكل بجند من دمشق والرملة فظفر بهم وقتل منهم جماعة وأخرج النصارى منها وهدم كنائسهم وأدخل منها بيعة في الجامع كانت تجاوره(3/276)
* (اغارة البجاة على مصر) * كانت الهسدنة بين أهل مصر والبجاة من لدن الفتح وكان في بلادهم معادن الذهب يؤدون منها الخمس إلى أهل مصر فامتنعوا أيام المتوكل وقتلوا من وجدوه من المسلمين بالمعادن وكتب صاحب البريد بذلك إلى المتوكل فشاور الناس في غزوهم فأخبروه انهم أهل ابل وشاء وان بين بلادهم وبلاد المسلمين مسيرة شهر ولابد فيها من الزاد وان فنيت الازواد هلك العسكر فأمسك عنهم وخاف أهل الصغد من شرهم فولى المتوكل محمد ابن عبد الله القمى على أسوان وقفط والاقصر واسنا وأرمنت وأمره بحرب البجاة وكتب إلى عنبسة بن اسحق الضبى عامل مصر بتجهيز العساكر معه وأزاحه عليهم فسار في عشرين ألفا من الجند والمتطوعة وحملت المراكب من القلزم بالدقيق والتمر
والادم إلى سواحل بلاد البجاة وانتهى إلى حصونهم وقلاعهم وزحف إليه ملكهم واسمه على بابا في أضعاف عساكرهم على المهارى وطاولهم على بابا رجاء أن تفنى أزوادهم فجاءت المراكب وفرقها القمى في أصحابه فناجزهم البجاة الحرب وكانت ابلهم نفورة فأمر القمى جنده باتخاذ الاجراس بخيلهم ثم حملوا عليهم فانهزموا وأثخن فيهم قتلا وأسرا حتى استأمنوا على أداء الخراج لما سلف ولما يأتي وأن يرد إلى مملكته وسار مع القمى إلى المتوكل واستخلف ابنه فخلع القمى عليه وعلى أصحابه وكسا أرجلهم الجلال المديحة وولاهم طريق ما بين مصر ومكة وولى عليهم سعدا الاتياخى الخادم فولى سعد محمدا القمى فرجع معهم واستقامت ناحيتهم * (الصوائف) * وفى سنة ثمان وثلاثين ورد على دمياط اسطول الروم في مائة مركب فكبسوها وكانت المسلحة الذين بها قد ذهبوا إلى مصر باستدعاء صاحب المعونة عنبسة بن اسحق الضبى فانتهزوا الفرصة في مغيبهم وانتهبوا دمياط وأحرقوا الجامع بها وأوقروا سفنهم سبيا ومتاعا وذهبوا إلى تنيس ففعلوا فيها مثل ذلك وأقطعوا وغزا بالصائفة في هذه السنة على بن يحيى الارمينى صاحب الصوائف وفى سنة احدى وأربعين كان الفداء بين الروم وبين المسلمين وكانت ندورة ملكة الروم قد حملت أسرى المسلمين على التنصر فتنصر الكبير منهم ثم طلبت المفاداة فيمن بقى فبعث المتوكل سيفا الخادم بالفداء ومعه قاضى بغداد جعفر بن عبد الواحد واستخلف على القضاء ابن أبى الشوارب وكان الفداء على نهر اللامس ثم أغارت الروم بعد ذلك على روبة فأسروا من كان هنالك من الزط وسبوا نساءهم وأولادهم ولما رجع على بن يحيى الارمينى من الصائفة(3/277)
خرجت الروم في ناحية سمسياط فانتهوا إلى آمد واكتسحوا نواحى النغور والخزرية نهبا وأسروا نحوا من عشرة آلاف ورجعوا واتبعهم فرشاس وعمر بن عبد الاقطع
وقوم من المتطوعة فلم يدركوهم وأمر المتوكل على بن يحيى أن يدخل بالثانية في تلك السنة ففعل وفى سنة أربع وأربعين جاء المتوكل من بغداد إلى دمشق وقد اجتمع نزولها ونقل الكرسي إليها فأقام بها شهرين ثم استوبأها ورجع بعد أن بعث بغا الكبير في العساكر للصائفة فدخل بلاد الروم فدوخها واكتسحها من سائر النواحى ورجع وفى سنة خمس وأربعين أغارت الروم على سميساط فغنموا وغزا على بن يحيى الارمينى بالصائفة كركرة وانتقض أهلها على بطريقهم فقبضوا عليه وسلموه إلى بعض موالى المتوكل فأطلق ملك الروم في فداء البطريق ألف أسير من المسلمين وفى سنة ست وأربعين غزا عمر بن عبيد الله الاقطع بالصائفة فجاؤا بأربعة آلاف رأس وغزا قرشاس فجاء بخمسة آلاف رأس وغزا الفضل بن قاران في الاسطول بعشرين مركبا فافتتح حصن انطاكية وغزا ملكها دورهم وسبا وغزا على بن يحيى فجاء بخمسة آلاف رأس ومن الظهر بعشرة آلاف وكان على يده في تلك السنة الفداء في ألفين وثلثمائة من الاسرى * (الولاية في النواحى) * ولى المتوكل سنة ثنتين على بلاد فارس محمد بن ابراهيم بن مصعب وكان على الموصل غانم بن حميد الطوسى واستوزر لاول خلافته محمد بن عبد الله بن الزيات وولى على ديوان الخراج يحيى بن خاقان الخراساني مولى الازد وعزل الفضل بن مروان وولى على ديوان النفقات ابراهيم بن محمد بن حتول وولى سنة ثلاث وثلاثين على الحرمين واليمن والطائف ابنه المستنصر وعزل محمد بن عيسى وولى على حجابة بابه وصيفا الخادم عند ما سار اتياخ للحج وفى سنة خمس وثلاثين عهد لاولاده كما مر وولى على الشرطة ببغداد اسحق بن ابراهيم بن الحسين بن مصعب مكان ابنه ابراهيم عند ما توفى وكانت وفاته ووفاة الحسن بن سهل في سنة واحدة وفى سنة ست وثلاثين استكتب عبيد الله بن يحيى بن خاقان ثم استوزره بعد ذلك وولى على
ارمينية وأذربيجان حربا وخواجا يوسف بن أبى سعيد محمد بن يوسف المروذوذى عند ما توفى أبوه فجاءه فسار إليها وضبطها وأساء إلى البطارقة بالناحية فوثبوا به كما مر وقتلوه وبعث المتوكل بغا الكبير في العساكر فأخذ ثاره منهم وولى معادن السواد عبد الله بن اسحق بن ابراهيم وفى سنة تسع وثلاثين عزل ابن أبى دواد عن القضاء وصادره وولى مكانه يحيى بن أكثم وقدم محمد بن عبد الله بن طاهر من خراسان فولاه(3/278)
الشرطة والجزية وأعمال السواد وكان على مكة على بن عيسى بن جعفر بن المنصور فحج بالناس ثم ولى مكانه في السنة القابلة عبد الله بن محمد بن داود بن عيسى بن موسى وولى على الاحداث بطريق مكة والمواسم جعفر بن دينار وكان على حمص أبو المغيب موسى بن ابراهيم الرافقى وثبوا به سنة تسع وثلاثين فولى مكانه محمد بن عبد ويه وفى سنة تسع وثلاثين عزل يحيى بن أكثم عن القضاء وولى مكانه جعفر بن عبد الواحد ابن جعفر بن سليمان وفى سنة ثنتين وأربعين ولى على مكة عبد الصمد بن موسى بن محمد ابن ابراهيم الامام وولى على ديوان النفقات الحسن بن مخلد بن الجراح عند ما توفى ابراهيم بن العباس الصولى وكان خليفته فيها من قبل وفى سنة خمس وأربعين اختط المتوكل مدينته وأنزلها القواد والاولياء وأنفق عليها ألف ألف دينار وبنى فيها قصر اللؤلؤة لم ير مثله في علوه وأجرى له الماء في نهر احتفره وسماها المتوكلية وتسمى الجعفري والماخورة وفيها ولى على طريق مكة أبا الساح مكان جعفر بن دينار لوفاته تلك السنة وولى على ديوان الضياع والتوقيع نجاح بن سلمة وكانت له صولة على العمال فكان ينام المتوكل فسعى عنده في الحسن بن مخلد وكان معه على ديوان الضياع وفى موسى ابن عقبة عبد الملك وكان على ديوان الخراج وضمن للمتوكل في مصادرتهما أربعين ألفا وأذن المتوكل وكانا منقطعين إلى عبيد الله بن خاقان فتلطف عند نجاح وخادعه حتى كتب على الرقعتين وأشار إليه بأخذ ما فيهما معا وبدأ بنجاح فكتبه وقبض منه
مائة وأربعين ألف دينار سوى الغلات والفرش والضياع ثم ضرب فمات وصودر أولاده في جميع البلاد على أموال جمة * (مقتل المتوكل وبيعة المنتصر ابنه) * كان المتوكل قد عهد إلى ابنه المنتصر ثم ندم وأبغضه لما كان يتوهم فيه من استعجاله الامر لنفسه وكان يسميه المنتصر والمستعجل لذلك وكان المنتصر تنكر عليه انحرافه عن سنن سلفه فيما ذهبوا إليه من مذهب الاعتزال والتشيع لعلى وربما كان الندمان في مجلس المتوكل يفيضون في ثلب على فينكر المنتصر ذلك ويتهددهم ويقول للمتوكل ان عليا هو كبير بيننا وشيخ بنى هاشم فان كنت لا بد ثالبه فتول ذلك بنفسك ولا تجعل لهؤلاء الصفاغين سبيلا إلى ذلك فيستخف به ويشتمه ويأمر وزيره عبيد الله بصفعه ويتهدده بالقتل ويصرح بخلعه وربما استخلف ابنه الحبر في الصلاة والخطبة مرارا وتركه فطوى من ذلك على النكث وكان المتوكل قد استفسد إلى بغا ووصيف الكبير ووصيف الصغير ودواجن فأفسدوا عليه الموالى وكان المتوكل قد أخرج بغا الكبير من الدار وأمره بالمقام بسميساط لتعهد الصوائف فسار لذلك واستخلف مكانه(3/279)
ابنه موسى في الدار وكان ابن خالة المتوكل واستخلف على الستر بغا الشرابى الصغير ثم تغير المتوكل لوصيف وقبض ضياعه باصبهان والجبل وأقطعها الفتح بن خاقان فتغير وصيف لذلك وداخل المنتصر في قتل المتوكل وأعد لذلك جماعة من الموالى بعثهم مع ولده صالح وأحمد وعبد الله ونصر وجاؤا في الليلة انعدوا فيها وحضر المنتصر ثم انصرف على عادته وأخذ زرافة الخادم معه وأمر بغا الشرابى الندمان بالانصراف حتى لم يبق الا الفتح وأربعة من الخاصة وأغلق الابواب الا باب دجلة فأدخل منه الرجال وأحس المتوكل وأصحابه بهم فخافوا على أنفسهم واستماتوا وابتدروا إليه فقتلوه والقى الفتح نفسه عليهم ليقيه فقتلوه وبعث إلى المنتصر وهو
ببيت زرافة فأخبره وأوصى بقتل زرافة فمنعه المنتصر وبايع له زرافة وركب إلى الدار فبايعه من حضر وبعث إلى وصيف ان الفتح قتل أبى فقتلته فحضر وبايع وبعث عن اخويه المعتز والمؤيد فحضرا وبايعا له وانتهى الخبر إلى عبيد الله بن يحيى فركب من ليله وقصد منزل المعتز فلم يجده واجتمع عليه عشرة آلاف من الازد والارمن والزواقيل وأغروه بالحملة على المنتصر وأصحابه فأبى وخام عن ذلك وأصبح المنتصر فأمر بدفن المتوكل والفتح وذلك لاربع خلون من شوال سنة سبع وأربعين ومائتين وشاع الخبر بقتل المتوكل فثار الجند وتبعهم وركب بعضهم بعضا وقصدوا باب السلطان فخرج إليهم بعض الاولياء فاسمعوه ورجع فخرج المنتصر بنفسه وبين يديه المغاربة فشردوهم عن الابواب فتفرقوا بعد أن قتل منهم ستة أنفس { الخبر عن الخلفاء من بنى العباس أيام الفتنة وتغلب الاولياء وتضايق نطاق الدولة باستبداد الولاة في النواحى من لدن المنتصر إلى أيام المستكفى } كان بنو العباس حين ولوا الخلافة قد امتدت ايالتهم على جميع ممالك الاسلام كما كان بنو أمية من قبلهم ثم لحق بالاندلس من فل بنى أمية من ولد هاشم بن عبد الملك حافده عبد الرحمن بن معاوية بن هشام ونجا من تلك الهلكة فأجاز البحر ودخل الاندلس فملكها من يد عبد الرحمن بن يوسف الفهرى وخطب للسفاح فيها حولا ثم لحق به أهل بيته من المشرق فعزلوه في ذلك فقطع الدعوة عنهم وبقيت بلاد الاندلس مقتطعة من الدولة الاسلامية عن بنى العباس ثم لما كانت وقعة فتح أيام الهادى على ابن الحسن بن على سنة تسع وتسعين ومائة وقتل داعيتهم يومئذ حسين بن على بن حسن المثنى وجماعة من أهل بيته ونجا آخرون وخلص منهم ادريس بن عبد الله بن حسن إلى المغرب الاقصى وقام بدعوته البرابرة هنالك فاقتطع المغرب عن بنى العباس فاستحدثوا هنالك دولة لانفسهم ثم ضعفت الدولة العباسية بعد الاستفحال وتغلب على الخليفة(3/280)
فيها الاولياء والقرابة والمصطنعون وصار تحت حجرهم من حين قتل المتوكل وحدثت الفتن ببغداد وصار العلوية إلى النواحى مظهرين لدعوتهم فدعا أبو عبد الله الشيعي سنة ست وثمانين ومائتين بافريقية في طامة لعبيد الله المهدى بن محمد بن جعفر بن محمد ابن اسمعيل بن جعفر الصادق وبايع له وانتزع افريقية من يد بنى الاغلب استولى عليها وعلى المغرب الاقصى ومصر والشأم واقتطعوا سائر هذه الاعمال عن بنى العباس واستحدثوا له دولة أقامت مائتين وسبعين سنة كما يذكر في أخبارهم ثم ظهر بطبرستان من العلوية الحسن بن زيد بن محمد بن اسمعيل بن الحسن بن زيد بن الحسن السبط ويعرف بالداعى خرج سنة خمسين ومائتين أيام المستعين ولحق بالديلم فأسلموا على يديه وملك طبرستان ونواحيها وصار هنالك دولة أخذها من يد أخيه سنة احدى وثلثمائة الاطروش من بنى الحسين ثم من بنى على عمر داعى الطالقان أيام المعتصم وقد مر خبره واسم هذا الاطروش الحسن بن على بن الحسين بن على بن عمر وكانت لهم دولة وانقرضت أيام الحسين والثلثمائة واستولى عليها الديلم وصارت لهم دولة أخرى وظهر باليمن الرئيس وهو ابن ابراهيم طباطبا بن اسمعيل بن ابراهيم بن حسن المثنى فأظهر هنالك دعوة الزيدية وملك صعدة وصنعاء وبلاد اليمن وكانت لهم هنالك دولة ولم تزل حتى الآن وأول من ظهر منهم يحيى بن الحسين بن القاسم سنة تسعين ومائتين ثم ظهر أيام الفتنة من دعاة العلوية صاحب الزنج ادعى انه أحمد بن عيسى بن زيد الشهيد وذلك سنة خمس وخمسين ومائتين أيام المهتدى وطعن الناس في نسبه فادعى أنه من ولد يحيى بن زيد قتيل الجوزجان وقيل انه انتسب إلى طاهر بن الحسين بن على والذى ثبت عند المحققين أنه على بن عبد الرحيم بن عبد القيس فكانت له ولبنيه دولة بنواحي البصرة أيام الفتنة قام بها الزنج إلى أن انقرضت على يد المعتضد أيام السبعين ومائتين ثم ظهر القرظ بنواحي البحرين وعمان فسار إليها من الكوفة سنة تسع وسبعين أيام المعتضد وانتسب إلى بنى اسمعيل الامام بن جعفر الصادق دعوى كاذبة
وكان من أصحابه الحسن الجمالى وزكرونة القاشانى فقاموا من بعده بالدعوة ودعوا لعبد الله المهدى وغلبوا على البصرة والكوفة ثم انقطعوا عنها إلى البحرين وعمان وكانت لهم هنالك دولة انقرضت آخر المائة الرابعة وتغلب عليهم العرب من بنى سليم وبنى عقيل وفى خلال ذلك استبد بنو سامان بما وراء النهر آخر الستين ومائتين وأقاموا على الدعوة الا أنهم لا ينفذون أوامر الخلفاء وأقامت دولتهم إلى آخر المائة الرابعة ثم اتصلت دولة أخرى في مواليهم بغزنة إلى منتصف المائة السادسة وكانت للاغالبة بالقيروان وافريقية دولة أخرى بمصر والشأم بالاستبداد من لدن الخمسين والمائتين(3/281)
أيام الفتنة إلى آخر المائة الثالثة ثم أعقبتها دولة أخرى لمواليهم بنى طفج إلى الستين والثلثمائة وفي خلال هذا كله تضايق نطاق الدولة العباسية إلى نواحى السواد والجزيرة فقط الا أنهم قائمون ببغداد على أمرهم ثم كانت للديلم دولة أخرى استولوا فيها على النواحى وملكوا الاعمال ثم ساروا إلى بغداد وملكوها وصيروا الخليفة في ملكتهم من لدن المستكفى أعوام الثلاثين والثلثمائة وكانت من أعظم الدول ثم أخذها من أيديهم السلجوقية من الغز احدى شعوب الترك فلم تزل دولتهم من لدن القائم سنة أربعين وأربعمائة إلى آخر المائة السادسة وكانت دولتهم من أعظم الدول في العالم وتشعبت عنها دول هي متصلة إلى عهدنا حسبما يذكر ذلك كله في مكانه ثم استبد الخلفاء من بنى العباس آخرا في هذا النطاق الضيق ما بين دجلة والفرات وأعمال السواد وبعض أعمال فارس إلى أن خرج التتار من مفازة الصين وزحفوا إلى الدولة السلجوقية وهم على دين المجوسية وزحفوا إلى بغداد فقتلوا الخليفة المعتصم وانقرض أمر الخلافة وذلك سنة ست وخمسين وستمائة ثم أسلموا بعد ذلك وكانت لهم دولة عظيمة وتشعبت عنها دول لهم ولاشياعهم في النواحى وهى باقية لهذا العهد آخذة في الثلاثين كما نذكر ذلك كله في أماكنه
* (دولة المنتصر) * ولما بويع المنتصر كما ذكرناه ولى على المظالم أبا عمرو أحمد بن سعيد وعلى دمشق عيسى ابن محمد النوشزى وكان على وزارته أحمد بن الخصيب واستقامت أموره وتفاوض وصيف وبغا وأحمد بن الخصيب في شأن المعتز والمؤيد لما توقعوا من سطوتهما بسبب قتل المتوكل فحملوا المنتصر على خلعهما لاربعين يوما من خلافته وبعث اليهما بذلك فأجاب المؤيد وامتنع المعتز فأغلظوا عليه وأوهموه القتل فخلا به المؤيد وتلطف به حتى أجاب وخلع نفسه وكتبا ذلك بخطهما ثم دخلا على المنتصر فأجلسهما واعتذر لهما بسمع من الامراء بأنهم الذين حملوه على خلعهما فأجبتهم إلى ذلك خشية عليكما منهم فقبلا يده وشكرا له وشهد عليهما القضاة وبنو هاشم والقواد ووجوه الناس وكتب بذلك المنتصر إلى الآفاق والى محمد بن طاهر ببغداد ثم ان أحمد بن الخصيب أخا المنتصر أمر باخراج وصيف للصائفة وابعاده عن الدولة لما بينهما من الشحناء فأحضره المنتصر وقال له قد أتانا من طاغية الروم أنه أفسد الثغر فلا بد من مسيرك أو مسيرى فقال بل أنا أشخص يا أمير المؤمنين فأمر أحمد بن الخصيب أن يجهزه ويزيح علل العسكر معه وأمره أن يوافي ثغر ملطية فسار وعلى مقدمته مزاحم بن خاقان أخو الفتح وعلى نفقات العساكر والمغانم والمقاسم أبو الوليد القر والى أن يأتيه رأيه(3/282)
* (وفاة المنتصر وبيعة المستعين) * ثم أصابت المنتصر علة الذبحة فهلك لخمس بقين من ربيع الاول من سنة ثمان وأربعين ومائتين لستة أشهر من ولايته وقيل بل أكثر من ذلك فجعل السم في مشرطة الطبيب فاجتمع الموالى في القصر وفيهم بغا الصغير وبغا الكبير وأتامش وغيرهم فاستحلفوا قواد الاتراك والمغاربة والاشروسية على الرضا بمن يرضونه لهم ثم خلصوا للمشورة ومعهم أحمد بن الخصيب فعدلوا عن ولد المتوكل خوفا منهم ونظروا في ولد المعتصم
فبايعوه واستكتب أحمد بن الخصيب واستوزر أتامش وغدا على دار العامة في زى الخلافة وابراهيم بن اسحق يحمل بين يديه الحربة وصفت الممالك والاشروسية صفين بترتيب دواجن وحضر أصحاب المراتب من العباسيين والطالبيين وثار جماعة من الجند وقصدوا الدار يذكرون أنهم من أصحاب محمد بن عبد الله بن طاهر والغوغاء فشهروا السلاح وهتفوا باسم المعتز وشدوا على أصحاب دواجن فتضعضعوا ثم جاءت المبيضة والشاكرية وحمل عليهم المغاربة والاشروسية فنشبت الحرب وانتهبت الدروع والسلاح من الخزائن بدار العامة وجاء بغا الصغير فدفعهم عنها وقتل منهم عدة وفتقت السجون وتمت بيعة الاتراك للمستعين ووضع العطاء على البيعة وبعث إلى محمد ابن عبد الله بن طاهر فبايع له هو والناس ببغداد ثم جاء الخبر بوفاة طاهر بن عبد الله ابن طاهر بخراسان وهلك عمه الحسين بن طاهر بمرو فعقد المستعين لابنه محمد بن طاهر مكانه وعقد لمحمد بن عبد الله بن طاهر على خراسان سنة ثمان وأربعين ومائتين وولى عمه طلحة على نيسابور وابنه منصور بن طلحة على مرو وسرخس وخوارزم وعمه الحسين بن عبد الله على هراة وأعمالها وعمه سليمان بن عبد الله على طبرستان والعباس ابن عمه على الجوزجان والطالقان ومات بغا الكبير فولى ابنه موسى على أعماله كلها وبعث أنا جور من قواد الترك إلى العمرط الثعلبي فقتله واستأذنه عبد الله بن يحيى ابن خان في الحج فأذن له ثم بعث خلفه من نفاه إلى برقة وحبس المعتز والمؤيد في حجره بالجوسق بعد أن أراد قواد الاتراك قتلهما فمنعهم أحمد بن الخصيب من ذلك ثم قبض على أحمد بن الخصيب فاستصفى ماله ومال ولده ونفاه إلى قرطيش واستوزر اتامش وعقد له على مصر والمغرب وعقد لبغا الصغير على حلوان وما سيدان ومهرجا تعرف وجعل شاهك الخادم على داره وكراعه وحرمه وخاصة أموره وخادمه واشناس على جميع الناس وعزل على بن يحيى الارمني عن الثغور الشامية وعقد له على أرمينية وأذربيجان وكان على حمص كندر فوثب به أهلها فأخرجوه فبعث المستعين الفضل
ابن قارن وهو أخو مازيار فاستباحهم وحمل أعيانهم إلى سامرا وبعث المستعين(3/283)
إلى وصيف وهو بالثغر الشامي بأن يغزو بالصائفة فدخل بلاد الروم وافتتح حصن قرورية ثم غزا بالصائفة سنة تسع وأربعين جعفر بن دينار وافتتح مطامير واستأذنه عمر بن عبد الله الاقطع في تدويخ بلاد الروم فأذن له فدخل في جماعة من أهل ملطية ولقى ملك الروم فخرج الاسقف في خمسين ألفا حاطوا به وقتل عمر في ألفين من المسلمين وكان على الثغور الجزرية فأغار عليها الروم وبلغ ذلك على بن يحيى وهو قابل من أرمينية إلى ميا فارقين ومعه جماعة من أهلها فنفر إليهم وهو في نحو أربعمائة فقتلوا وقتل * (فتنة بغداد وسامرا) * ولما اتصل الخبر ببغداد وسامرا بقتل عمر بن عبد الله وعلى بن يحيى شق ذلك على الناس لما كانوا عليه من عظيم الغناء في الجهاد واشتد نكيرهم على الترك في غفلتهم عن المصالح وتذكروا قتل المتوكل واستيلاءهم على الامور فاجتمعت العامة وتنادوا بالنفير إلى الجهاد وانضم إليهم الشاكرية يطلون أرزاقهم ثم فتقوا السجون وقطعوا الجسور وانتهبوا دور كتاب محمد بن عبد الله بن طاهر ثم أخرج أهل اليسار من بغداد الاموال ففرقوها في المجاهدين وجاءت العامة من الجبال وفارس والاهواز فنفروا للغزو ولم يظهر للمستعين ولا لاهل الدولة في ذلك أثر ثم وثب العامة بسامرا وفتقوا السجون وخرج من كان فيها وجاء جماعة من الموالى في طلبهم فوثب العامة بهم وهزموهم وركب بغا ووصيف وأتامش في الترك فقتلوا من العامة خلقا وانتهبوا منازلهم وسكنت الفتنة * (مقتل أتامش) * كان المستعين لما ولى أطلق يدامه وأتامش وشاهك الخادم في الاموال وما فضل عنهم فلنفقات العباس بن المستعين وكان في حجر أتامش فبعث ذلك عليه بغا ووصيف
وضاق حال الاتراك والفراعنة ودسهم عليهم بغا ووصيف فخرج منهم أهل الكرخ والدور وقصدوه في الجوسق مع المستعين وأراد الهرب فلم يطق واستجار بالمستعين فلم يجره وحاصروه يومين ثم افتتحوا عليه الجوسق وقتلوه وقتلوا كاتبه شجاع ابن القاسم ونهبت أموالهم واستوزر المستعين مكانه أبا صالح عبد الله بن محمد بن على على الاهواز ولبغا الصغير على فلسطين ثم غضب بغا الصغير على أبى صالح فهرب إلى بغداد واستوزر المستعين مكانه محمد بن الفضل الجرجاني وولى على ديوان الرسائل سعيد بن حميد * (ظهور يحيى بن عمر ومقتله) *(3/284)
كان على الطالبيين بالكوفة يحيى بن عمر بن يحيى بن زيد الشهيد ويكنى أبا الحسين وأمه من ولد عبد الله بن جعفر وكان من سراتهم ووجوههم وكان عمر بن فرج يتولى أمر الطالبيين أيام المتوكل فعرض له أبو الحسين عند مقدمه من خراسان يسأله صلة لدين لزمه فأغلظ له عمر القول وحبسه حتى أخذ عليه الكفلاء وانطلق إلى بغداد ثم جاء إلى سامرا وقد أملق فتعرض لوصيف في رزق يجرى له فأساءه عليه واليها فرجع إلى الكوفة وعاملها يومئذ أيوب بن الحسين بن موسى بن جعفر بن سليمان بن على من قبل محمد بن عبد الله بن طاهر فاعتزم على الخروج والتف عليه جمع من الاعراب وأهل الكوفة ودعا للرضى من آل محمد ففتق السجون ونهبه وطرد العمال وأخذ من بيت المال ألفى دينار وسبعين ألف درهم وكان صاحب البريد قد طير بخبره إلى محمد بن عبد الله بن طاهر فكتب إلى عامله بالسواد عبد الله بن محمود السرخسى أن يصير مددا إلى الكوفة فلقيه وقاتله فهزمهم يحيى وانتهب ما معهم وخرج إلى سواد الكوفة واتبعه خلق من الزيدية وانتهى إلى ناحية واسط وكثرت جموعه وسرح محمد ابن عبد الله بن طاهر إلى محاربة الحسين بن اسمعيل بن ابراهيم بن الحسين بن مصعب
في العساكر فسار إليه وقد كان يحيى قصد الكوفة فلقيه عبد الرحمن بن الخطاب المعروف بوجه الفلس فهزمه يحيى إلى ناحية ساهى ودخل الكوفة واجتمعت عليه الزيدية واشتمل عليه عامة أهل الكوفة وأمداد الزيدية من بغداد وجاء الحسين بن اسمعيل وانضم إليه عبد الرحمن بن الخطاب وخرج يحيى من الكوفة ليعاجلهم الحرب فأسرى ليلته وصبح العساكر فساروا إليه فهزموه ووضعوا السيف في أصحابه واسروا الكثير من اتباعه كان منهم الهيصم العجلى وغيره وانجلت الحرب عن يحيى ابن عمر قتيلا فبعثوا برأسه إلى محمد بن عبد الله بن طاهر فبعث به إلى المستعين وجعل في صندوق في بيت السلاح وجئ بالاسرى فحبسوا وكان ذلك منتصف رجب سنة خمس ومائتين * (ابتداء الدولة العلوية بطبرستان) * لما ظهر محمد بن عبد الله بن طاهر بيحيى بن عمر وكان له من الغناء في حربه ما قدمناه أقطعه المستعين قطائع من صوافي السلطان بطبرستان كانت منها قطعة بقرب ثغر الديلم تسمى روسالوس وفيها أرض موات ذات غياض وأشجار وكلا مباحة لمصالح الناس من الاحتطاب والرعى وكان عامل طبرستان يومئذ من قبل محمد بن طاهر صاحب خراسان عمه سليمان بن عبد الله بن طاهر وهو أخو محمد صاحب القطائع وكان سليمان مكفولا لامه وقد حظى عندها وتقدم وفرق أولاده في أعمال طبرستان(3/285)
وأساؤا السيرة في الرعايا ودخل محمد بن أوس بلاد الديلم وهم مسالمون فسبى ثهم وانحرفوا لذلك وجاء نائب محمد بن عبد الله لقبض القطائع فحاز فيها تلك الارض الموات المرصدة لمرافق الناس فنكر ذلك الناظر على تلك الارض وهما محمد وجعفر ابنا رستم ولستنهضا من أطاعهما من أهل تلك الناحية لمنعه من ذلك فخافهما النائب ولحق بسليمان صاحب طبرستان وبعث ابنا رستم إلى الديلم يستنجد انهم على حرب سليمان
وبعثا إلى محمد بن ابراهيم من العلويين بطبرستان يدعوانه إلى القيام بأمره فامتنع ودلهما على كبير العلوية بالرى الحسن بن زيد بن محمد بن اسمعيل بن الحسن بن زيد ابن الحسن السبط فشخص اليهما وقد اجتمع أهل كلار وسالوس ومقدمهم ابنا رستم وأهل الريان ومعهم الديلم بأسرهم فبايعوه جميعا وطردوا عمال سليمان وابن أوس ثم انضم إليهم جبال طبرستان وزحف الحسن بمن معه إلى مدينة آمد وخرج ابن أوس من سارية لمدافعته فانهزم ولحق بسليمان في سارية فخرج سليمان لحرب الحسن ولما التقى الجمعان بعث الحسن بعض قواده خلف سليمان إلى سارية وسمع بذلك سليمان فانهزم وملك الحسن سارية وبعث بعيال سليمان وأولاده في البحر إلى جرجان وقيل ان سليمان انهزم اختيارا لما كان بنو طاهر يتهمون به من التشييع ثم بعث الحسن إلى الرى ابن عمه وهو القاسم بن على بن اسمعيل ويقال محمد بن جعفر بن عبد الله العقيقى بن الحسين بن على بن زين العابدين فملكها وبعث المستعين جندا إلى همذان ليمنعها ولما ملك محمد بن جعفر قائد الحسن بن زيد الرى أساء السيرة وبعث محمد ابن طاهر قائد محمد بن ميكال أخو الشاه فغلبه على الرى وانتزعها منه وأسره فبعث إليه الحسن بن زيد قائده دواجن فهزم ابن ميكال وقتله واسترجع الرى ثم رجع سليمان بن طاهر من جرجان إلى طبرستان فملكها ولحق الحسين بالديلم وسار سليمان إلى سارية وآمد ومعهم أبناء قارن بن شهرزاد فصفح عنهم ونهى أصحابه عن الفتك والاذى ثم جاء موسى بن بغا بالعساكر فملك الرى من يدى أبى دلف وبعث مصلحا إلى طبرستان فحارب الحسن بن زيد وهزمه واستولى على طبرستان ولحق الحسن بالديلم ودخل مفلح آمد وخرب منازل الحسن ورجع إلى موسى بالرى * (مقتل باغر) * وكان باغر هذا من قواد الترك ومن جملة بغا الصغير ولما قتل المتوكل زيد في أرزاقه وأقطعوه قرى بسواد الكوفة وضمنها له بعض أهل باروسما بألفى دينار فطلبه ابن
مارمة وكيل باغر وحبسه ثم تخلص وسار إلى سامرا وكانت له ذمة من نصراني عند بغا(3/286)
الصغير فأجاره النصراني من كيد بغا وأغراه عليه فغضب لذلك باغر وشكى إلى بغا فأغلظ له القول وقال انى مستبدل من النصراني وافعل فيه بعد ذلك ما تريد ودس إلى النصراني بالحذر من باغر وأظهر عزله وبقى باغر يتهدده وقد انقطع المستعين وقد وفد بغا في يوم نوبته عن الحضور بدار السلطان فسأل المستعين وصيفا عن أعمال اتياخ وقلدها لباغر فعذل وصيفا في الشأن فحلف له انه ما علم قصد الخليفة وتنكر بغا لباغر فجمع أصحابه الذين بايعوه على المتوكل وجدد عليهم العهد في قتل المستعين وبغا ووصيف وأن ينصبوا ابن المعتصم أو ابن الواثق ويكون الامر لهم ونما الخبر على الترك إلى المستعين فأحضر بغا ووصيفا وأعلمهما بالخبر فحلفا له على العلم وأمروا بحبس باغر ورجلين معه من الاتراك فسخطوا ذلك وثاروا فانتهبوا الاصطبل وحضروا الجوثق وأمر بغا ووصيف وشاهك الخادم وكاتبه أحمد بن صالح بن شير زاده ونزل على محمد ابن طاهر في بيته في المحرم سنة احدى وخمسين ولحق به القواد والكتاب والعمال وبنو هاشم وتخلف جعفر الخياط وسليمان بن يحيى بن معاذ فندم الاتراك وركب جماعة من قوادهم إلى المستعين وأصحابه ليردوهم فأبوا ورجعوا آيسين منه وتفاوضوا في بيعة المعتز * (بيعة المعتز وحصار المستعين) * كان قواد الاتراك لما جاؤا إلى المستعين ببغداد يعتذرون من فعلهم ويتطارحون في الرضا عنهم والرجوع إلى دار مكة وهو يوبخهم ويعدد عليهم احسانه واساءتهم ولم يزالوا به حتى صرح لهم بالرضا فقال بعضهم فان كنت رضيت فقم واركب معنا إلى سامرا فكلمه ابن طاهر لسوء خطابهم وضحك المستعين لعجمتهم وجهلهم بآداب الخطاب وأمر باستمرار أرزاقهم ووعدهم بالرجوع فانصرفوا حاقدين ما كان
من ابن طاهر وأخرجوا المعتز من محبسه وبايعوا له بالخلافة وأعطى للناس شهرين وحضر للبيعة أبو أحمد بن الرشيد فامتنع منها وقال قد خلعت نفسك فقال أكرهت فقال ما علمنا ذلك ولا مخلص لنا في ايماننا فتركه وولوا على الشرطة ابراهيم البربرح وأضيفت له الكتابة والدواوين وبيت المال وهرب عتاب بن عتاب من القواد إلى بغداد وقال محمد بن عبد الله بن طاهر بالاحتشاد واستقدم مالك بن طوق في أهل بيته وجنده وأمر حوبة بن قيس وهو على الانبار وبالاحتشاد وكتب إلى سليمان بن عمران صاحب الموصل بمنع الميرة عن سامرا وشرع في تحصين بغداد وأدار عليها الاسوار والخنادق من الجانبين وجعل على كل باب قائدا ونصب على الابواب المجانيق والعدادات وشحن الاسوار بالرماة والمقاتلة وبلغت النفقة في ذلك ثلثمائة وثلاثين(3/287)
ألف دينار وفوض للعيارين الرزق وعرف عليهم وأنفذ كتب المستعين إلى العمال بالنواحي تحمل الخراج إلى بغداد وكتب المستعين إلى الاتراك يأمرهم بالرجوع عما فعلوا وكتب المعتز إلى محمد يدعوه إلى بيعته وطالت المراجعات في ذلك وكان موسى بن بغا قد خرج لقتال أهل حمص فاختلفت إليه وهو بالشأم كتب المستعين والمعتز يدعوه كل واحد منهما إلى نفسه فاختار المعتز ورجع إليه وهرب إليه عبد الله بن بغا الصغير من بغداد بعد أن هرب عنه فقتله وهرب الحسن بن الافشين إلى بغداد فخلع عليه المستعين وضم إليه الاشروسية ثم عقد المعتز لاخيه إلى أحمد الواثق عن حرب بغداد وضم إليه الجنود باكليال من قوادهم فسار في خمسين ألفا من الاتراك والفراغنة والمغاربة وانتهبوا ما بين عكبرا وبغداد من القرى والضياع وخربوها وهرب إليهم جماعة من أصحاب بغا الصغير ووصلوا إلى باب الشماسية وولى المستعين على باب الشماسية الحسين ابن اسمعيل بن ابراهيم بن الحسن بن مصعب وجعل القواد هنالك تحت يده ووانقت طلائع الاتراك بالقرب منه وأمده ابن طاهر بالشاه بن ميكال
وبيدار الطبري ثم ركب محمد بن عبد الله بن طاهر من الغد ومعه بغا ووصيف والفقهاء والقضاة وذلك عاشر صفر وبعث إليهم يدعوهم إلى مراجعة الطاعة على المعتز ولى عهده فلم يجيبوا فانصرفوا وبعث إليه القواد من الغد بأنهم زحفوا إلى باب الشماسية فنهاهم عن مناداتهم بالقتال وقدم ذلك اليوم عبد الله بن سليمان خليفة بغا من مكة في ثلثمائة رجل ثم جاء الاتراك من الغد فاقتتلوا مع القواد وانهزم القواد وبلغ ابن طاهر أن جماعة من الاتراك ساروا نحو النهروان فبعث قائدا من أصحابه إليهم فرجع منهزما واستولى الاتراك على طريق خراسان وقطعوها عن بغداد ثم بعث المعتز عسكرا آخر نحو اربعة آلاف فنزلوا في الجانب الغربي وبعث ابن طاهر إليهم الشاه ابن ميكال فهزمهم وأثخن فيهم ورجع إلى بغداد فخلع عليه وعلى سائر القواد أربع خلع وطوقا وسوارا من ذهب لكل واحد ثم أمر ابن طاهر بهدم الدور والحوانيت إلى باب الشماسية ليتسع المجال للحرب وقدمت عليه أموال فارس والاهواز مع مكحول الاشروسى وخرج الاتراك لاعتراضه وبعث ابن طاهر لحفظه فقدموا به بغداد ولم يظفر به الاتراك ومضوا نحو النهروان فأحرقوا سفن الجسر وكان المستعين قد بعث محمد بن خالد بن يزيد بن مزيد واليا على الثغور الجزرية وأقام ينتظر الجند والمال فلما بلغه خبر هذه الفتنة جاء على طريق الرقة إلى بغداد فخلع عليه ابن طاهر وبعثه في جيش كثيف لمحاربتهم وصار إلى ضبيعة بالسواد فأقام بها فقال ابن طاهر لن يفلح أحد من العرب الا أن يكون معه نبى ينصره الله به ثم ذهب الاتراك وقاتلوا(3/288)
واتصل الحصار واشتدت الحرب وانتهبت الاسواق وورد الخبر من الثغور بأن بلكاجور حمل الناس على بيعة المعتز فقال ابن طاهر لعله ظن موت المستعين فكان كذلك ووصل كتابه بأنه جدد البيعة وكان موسى بن بغا مع الاتراك كما قدمنا فأراد الرجوع على المستعين فامتنع أصحابه وقاتلوه فلم يتم له أمره وفر القعاطون من
البصرة ورموا على الاتراك فأحرقوهم فبعث ابن طاهر إلى المدائن ليحفظها وأمده بثلاثة آلاف فارس وبعث إلى الانبار حوبة بن قيس فشق الماء إلى خندقها من الفرات وجاء إلى الاسحاقي من قبل المعتز فسبق المدد الذى جاء من قبل ابن طاهر وملك الانبار ورجع حوبة إلى بغداد فأنفذ ابن طاهر الحسين بن اسمعيل في جماعة من القواد والجند فاعترضه الاتراك وحاربوه وعاد الانبار وتقدم هو لينزل عليهما وبينما هو يحط الاثقال إذا بالاتراك فقاتلهم وهزمهم وأثخن فيهم وكانوا قد كمنوا له فخرج الكمين وانهزم الحسين وغرق كثير من أصحابه في الفرات وأخذ الاتراك عسكره ووصل إلى الياسرية آخر جمادى الآخرة ومنع ابن طاهر المنهزمين من دخول بغداد وتوعدهم على الرجوع إليه وأمده بجند آخر فدخل من الياسرية وبعث على المخاض الحسين بن على بن يحيى الارمينى في مائتي مقاتل ليمنع الاتراك من العبور إليه من عدوة الفرات فوافوه وقاتلوه عليها فهزموه وركب الحسين في زورق منحدرا وترك عسكره وأثقاله فاستولى عليها الاتراك ووصل المنهزمون إلى بغداد من ليلتهم ولحق من عسكره جماعة من القواد والكتاب بالمعتز وفيهم على ومحمد ابنا الواثق وذلك أول رجب ثم كانت بينهم عدة وقعات وقتل من الفريقين خلق ودخل الاتراك في كثير من الايام بغداد وأخرجوا عنها ثم ساروا إلى المدائن وغلبوا عليها ابن أبى السفاح وملكوها وجاء الاتراك الذين بالانبار إلى الجانب الغربي وانتهوا إلى صرصر وقصر ابن هبيرة واتصل الحصار إلى شهر ذى القعدة وخرج ابن طاهر في بعض أيامه في جميع القواد والعساكر فقاتلهم وانهزموا وقتل منهم خلق وارتقم الذين كانوا مع بغا ووصيف لذلك فلحقوا بالاتراك ثم تراجع الاتراك وانهزم أهل بغداد ثم خرج في ذى الحجة رشيد بن كاووس أخو الافشين ساعيا في الصلح بين الفريقين واتهم الناس ابن طاهر بالسعي في خلع المستعين فلما جاء رشيد وأبلغهم سلام المعتز وأخيه ابى أحمد شتموه وشتموا ابن طاهر وعمدوا إلى دار رشيد ليهدموها وسأل ابن طاهر من المستعين
أن يسكنهم فخرج إليهم ونهاهم وبرأ ابن طاهر مما اتهموه به فانصرفوا وترددت الرسل بين ابن طاهر وبين أبى أحمد فتجدد للعامة والجند سوء الظن وطلب الجند أرزاقهم فوعدهم بشهرين وأمرهم بالنزول فأبوا الا أن يعلمهم الصحيح من رأيه في المستعين وخاف(3/289)
أن يدخلوا الاتراك كما عمل أهل المدائن والانبار فاصعد المستعين على سطح دار العامة حتى رآه الناس وبيده البردة والقضيب وأقسم عليهم فانصرفوا واعتزم ابن طاهر على التحول إلى المدائن فجاءه وجوه الناس واعتذروا له بالغوغاء فأقصروا بنقل المستعين عن دار ابن طاهر إلى دار رزق الخادم بالرصافة وأمر القواد وبنى هاشم بالكون مع ابن طاهر فركب في تعبية وحلف لهم على المستعين وعلى قصد الاصلاح فدعوا له وسار إلى المستعين وأغراه به وأمر بغا ووصيفا بقتله فلم يفعلا وجاءه أحمد ابن اسرائيل والحسين ابن مجلد بمثل ذلك في المستعين فتغير له ابن طاهر فلما كان يوم الاضحى وقد حضر الفقهاء والقضاة طالبه ابن طاهر بامضاء الصلح فأجاب وخرج إلى باب الشماسية فجلس هناك ابن طاهر إلى المستعين وأخبره بأنه عقد الامر إلى أن يخلع نفسه ويبتذلوا له خمسين ألف دينار ويعطوه غلة ثلاثين ألف دينار ويقيم بالحجاز مترددا بين الحرمين ويكون بغا واليا على الحجاز ووصيف على الجبل ويكون ثلث الجباية لابن طاهر وجند بغداد والثلثان للموالي والاتراك فامتنع المستعين أولا من الخلع ظنا منه أن وصيفا وبغا معه ثم تبين موافقتهما عليه فأجاب وكتب بما أراد من الشروط وأدخل الفقهاء والقضاة وأشهدهم بأنه قد صير أمره إلى ابن طاهر ثم أحضر القواد وأخبرهم بأنه ما قصد بهذا الاصلاح الا حقن الدماء وأخرجهم إلى المعتز ليوافقهم بخطه على كتاب الشرط ويشهدوا على اقراره فجاؤا بذلك لست خلون من المحرم سنة ثنتين وخمسين ومائتين * (خلع المستعين ومقتله والفتن خلال ذلك) *
ولما تم ما عقده ابن طاهر ووافى القواد بخط المعتز على كتاب الشروط أخذ البيعة للمعتز على أهل بغداد وخطب له بها وبايع له المستيعن وأشهد على نفسه بذلك فنقله من الرصافة إلى قصر الحسن بن سهل ومعه عياله وأهله وأخذ البردة والقضيب والخاتم ومنع من الخروج إلى مكة فطلب البصرة فمنع منها وبعث إلى واسط فاستوزر المعتز أحمد بن أبى اسرائيل ورجع أخوه أبو أحمد إلى سامرا وفى آخر المحرم انصرف أبو الساج دبواز بن درموسب إلى بغداد فقلده ابن طاهر معاون السواد فبعث معه مؤنه إليها لطرد الاتراك والمغاربة عنها وسار هو إلى الكوفة ثم كتب المعتز إلى ابن طاهر باسقاط بغا ووصيف ومن معهما من الدواوين وكان محمد أبو عون من قواد ابن طاهر قد تكفل لابي اسحق بقتلهما وعقد له المعتز على اليمامة والبحرين والبصرة ونمى الخبر اليهما بذلك فركبا إلى ابن طاهر وأخبراه الخبر وأن القوم قد نقضوا العهد ثم بعث وصيف أخته سعاد إلى المؤيد وكان في حجرها فاستوهبت له الرضا من المعتز وكذا فعل أبو أحمد(3/290)
مع بغا وكتب لهما المعتز جميعا بالرضا ثم رغب الاتراك في احضارهما بسامرا فكتب بذلك ودس إلى ابن طاهر بمنعهما فخرجا فيمن معهما ولم يقدر ابن طاهر على منعهما وحضرا بسامرا فعقد اليهما المعتز على أعمالهما ورد البريد إلى موسى بن بغا الكبير ثم كانت فتنة بين جند بغداد وابن طاهر في شهر رمضان جاؤا إليه يطلبون أرزاقهم قال كتبت إلى أمير المؤمنين في ذلك فكتب إلى ان كنت تريد الجند لنفسك فأعطهم وان كان لنا فلا حاجة لنا فيهم فشغبوا ففرق فيهم ألفى دينار فسكنوا ثم اجتمعوا ثانية ومعهم الاعلام والطبول وضربوا الخيام بباب الشماسية وبنوا البيوت من الاعواد والقصب وجمع محمد بن ابراهيم أصحابه وشحن داره بالرجال وأرادوا يوم الجمعة أن يمنعوا الخطيب من الدعاء للمعتز فقعد واعتذر بالمرض فخرجوا إلى الجسر ليقطعوه فقاتلهم أصحاب ابن طاهر ودفعوهم عنه ثم دفعوا أصحاب ابن طاهر باعانة أهل الجانب
الشرقي وجاء العامة فجلس الشرطة فأمر ابن طاهر باحراق الحوانيت إلى باب الجسر ومات أصحاب تعبية الحرب وجاء من دله على عورة الجند فسرح الشاه ابن ميكال وعرض القواد فسار إلى ناحيتهم وافترقوا وقتل بينهم ابن الخليل وحمل رئيسهم الآخر ابن القاسم عبد ون بن الموفق إلى ابن طاهر ومات في خلال ذلك وأخرج المعتز أخاه المؤيد من ولاية العهد وذلك أن العلاء بن أحمد عامل ارمينية بعث إلى المؤيد بخمسة آلاف دينار فأخذها عيسى بن فرخانشاه فأغرى المؤيد بعيسى الاتراك والمغاربة فبعث المعتز إلى المؤيد وابى أحمد فحبسهما وقتل المؤيد فأخذ حظه مبلغ نفسه ثم نمى إليه أن الاتراك يرومون اخراجه من الحبس فسأل عن ذلك موسى بن بغا فأنكر علم ذلك وأخرج المؤيد من الغد ميتا ودفنته أمه فيقال غطى على أنفه فمات وقيل اقعد في الثلج ووضع على رأسه ثم نقل أخوه ابن أحمد إلى مجلسه ثم اعتزم المعتز على قتل المستعين فكتب إلى محمد بن عبد الله بن طاهر أن يسلمه إلى سيما الخادم وكتب محمد في ذلك إلى الموكلين به بواسط يقال بل أرسل بذلك أحمد بن طولون فسار به في القاطون وسلمه إلى سعيد بن صالح فضربه سعيد حتى مات وقيل ألقاه في دجلة بحجر في رجله وكانت معه دابته فقتلت معه وحمل رأسه إلى المعتز فأمر بدفنه وأمر لسعيد بخمسين ألف درهم وولاه معونة البصرة ثم وقعت فتنة بين الاتراك والمغاربة مستهل رجب بسبب ان الاتراك وثبوا بعيسى بن فرخانشاه فضربوه وأخذوا دابته لما أمرهم المؤيد فامتعضت المغاربة له ونكروا على الاتراك وغلبوهم على الجوسق وأخذوا دوابهم وركبوها وملكوا بيت المال واستجاش الاتراك بمن كان منهم في الكرخ والدور وانضم الغوغاء والشاكرية إلى المغاربة فضعفت الاتراك عن لقائهم وسعى بينهم جعفر بن عبد الواحد في الصلح فتوادعوا أياما(3/291)
ثم اجتمع الاتراك على حين افتراق المغاربة فقصد محمد بن راشد ونصر بن سعيد منزل محمد بن عون يختفيان عنده حتى تسكن الهيعة فدس للاتراك بخبرهما وجاؤا فقتلوهما
في منزله وبلغ ذلك المعتز فهم بقتل بن عون ثم نفاه * (أخبار مساور الخارجي) * كان الوالى على الموصل عقبة بن محمد بن جعفر بن محمد بن الاشعث بن هاني الخزاعى وكان صاحب الشرطة بالحديثة من أعمالها حسين بن بكير وكان مساور بن عبد الله ابن مساور البجلى من الخوارج يسكن بالبواريح وحبس صاحب الشرطة حسين بن بكير بالحديثة ابنا للمساور هذا يسمى جوثرة وكان جميلا فكتب إلى أبيه مساور بأن حسين بن بكير نال منه الفاحشة فغضب لذلك وخرج فقصد الحديثة فاختفى حسين وأخرج ابنه من الحبس ثم كثر جمعه من الاكراد والاعراب وقصد الموصل فقاتلهما أياما ثم رجع فكان تحت طريق خراسان وكانت لنظر بندأر ومظفر بن مشبك فسار إليه بندار في ثلثمائة مقاتل والخوارج مع مساور في سبعمائة فهزموه وقتلوه ولم ينج منهم الا نحو خمسين رجلا وفر مظفر إلى بغداد وجاء الخوارج إلى جلولاء وكانت فيهم حرب هلك فيها من الجانبين خلق ثم سار خطر مش في العساكر فلقيهم بجلولاء وهزمه مساور ثم استولى مساور على أكثر أعمال الموصل ثم ولى الموصل أيوب بن أحمد بن عمر بن الخطاب التغلبي سنة أربع وخمسين فاستخلف عليها ابنه الحسن فجمع عسكرا كان فيهم حمدون ابن الحرث بن لقمان جد الامراء من بنى حمدان ومحمد بن عبد الله بن السيد بن أنس وسار إلى مساور وعبر إليه نهر الزاب فتأخر عن موضعه وسار الحسن في طلبه فالتقوا واقتتلوا وانهزم عسكر الموصل وقتل محمد بن السيد الازدي ونجا الحسن بن أيوب إلى أعمال اربل ثم كانت الفتنة سنة خمس وخمسين خلع المعتز وبويع للمهتدي وولى على الموصل عبد الله بن سليمان فزحف إليه مساور وخام عبد الله عن لقائه فملك مساور البلد وأقام بها جمعة وصلى وخطب ثم خرج منها إلى الحديثة وكانت دار هجرته ثم انتقض عليه سنة ست وخمسين رجل من الخوارج اسمه عبيدة بن زهير العمرى بسبب الخلاف في توبة الخاطئ وقال عبيدة لا تقبل واجتمع معه جماعة وخرج إليهم مساور من
الحديثة واقتتلوا قتالا شديدا ثم قتل عبيدة وانهزم أصحابه وخرج إليه آخر من بنى زهر اسمه طوق فجمع له الحسن بن أيوب بن أحمد العدوى جمعا كثيرا وحاربه فقاتله سنة خمس أو سبع واستولى مساور على أكثر العراق ومنع الاموال فسار إليه موسى بن بغا بابكيال في العساكر فانتهوا إلى وبلغهم خبر الاتراك مع المهتدى فأقاموا ثم زحفوا بخلع المهتدى فلما ولى المعتمد سر مفلحا إلى قتال مساور في عسكر كبير وخرج(3/292)
مساور عن الحديثة إلى جبلين حذاءها وقاتله مفلح في اتباعه ولحق الجبل فاعتصم به وأقام مفلح في حصاره فكانت بينهما وقعات وكثرت الجراحة في أصحاب مساور من لدن حربه مع عبيدة إلى هذه الحروب فسار عن الجبل وتركه وأصبح مفلح وقد فقدهم فسار إلى الموصل ثم إلى ديار ربيعة وسنجار ونصيبين والخابور فأصلح أمورها وخرج من الموصل إلى الحديثة ففارقها عنه فرجع مساور في اتباعهم يتخطف من أعقابهم ويقاتلهم حتى وصل الحديثة فأقام بها أياما ثم سار إلى بغداد في رمضان سنة ست وخمسين فرجع مساور الحديثة واستولى على البلاد واشتدت شوكته ثم أوقع به مسرور البلخى سنة ثمان وخمسين وجهز العسكر بالحديثة مع جعلان من قواد الترك ثم قتل سنة احدى وستين يحيى بن جعفر من ولاة خراسان وسار مسرور في طلبه وتبعه الموفق فلم يدركاه * (مقتل وصيف ثم بغا) * وفى سنة ثلاث وخمسين أيام المعتز اجتمع الجند من الاتراك والفراغنة والاشروسية فطلبوا أرزاقهم منهم لاربعة أشهر وشغبوا فخرج إليهم بغا ووصيف وسيما الطويل وكلمهم وصيف واعتذر بعدم المال وقال خذوا الزاب في أرزاقكم ونزلوا بدار اشناس يتناظرون في ذلك ومضى بغا وسيما إلى المعتز يسألانه في أمرهم وبقى وصيف في أيديهم فوثب عليه بعضهم فقتله وقطعوا رأسه ونصبوه ثم انقادوا وأهدر لهم ذلك وجعل
المعتز لبغا الشرابى ما كان لوصيف وألبسه التاج والوشاحين ثم تغير له المعتز لما عليه من الاستبداد على الدولة وخشى غائلته ومال باطنا إلى بابكيال وداخله في أمره واعتده لذلك ثم زوج بغا بنته آمنة من صالح بن وصيف وشغل بجهازها فركب المعتز في تلك الغفلة ومعه حمدان بن اسرائيل إلى بابكيال في كرخ سامرا وكانت بينه وبين بغا وحشة شديدة وبلغ ذلك بغا فركب في خمسمائة من غلمانه وولده وقواده وكان أكثرهم منحرفين عنه ولحق بالسن وأقام المعتز على وجل لا ينام الا بسلاحه ثم تعلل أصحاب بغا عليه فأعرض عنهم وركب البحر راجعا إلى بغداد وجاء الجسر ليلا لئلا يفطن به الموكلون هنالك وبعثوا لى المعتز بخبره فأمر بقتله وحمل إليه رأسه ونصب بسامرا وأحرقت المغاربة شلوه وكان قصد دار صالح بن وصيف ليثبوا على المعتز * (ابتداء دولة الصفار) * كان يعقوب بن الليث عمر الصفر بسجستان وكان صالح بن النضر الكنانى من أهل البيت قد ظهر بتلك الناحية وقام يقاتل الخوارج وسمى أصحابه(3/293)
المتطوعة حتى قيل له صالح المطوعى وصحبه جماعة منهم درهم بن الحسن ويعقوب بن الليث هذا وغلبوا على سجستان ثم أخرجهم عنها طاهر بن عبد الله أمير خراسان وهلك صالح اثر ذلك وقام بأمر المتطوعة درهم بن الحسن فكثر اتباعه وكان يعقوب بن الليث شهما وكان درهم مضعفا واحتال صاحب خراسان حتى ظفر به وحبس ببغداد فاجتمعت المتطوعة على يعقوب بن الليث وقام بقتال السراة وأتيح له الظفر عليهم وأثخن فيهم وخرب قراهم وكانت له شرية في أصحابه لم تكن لاحد قبله فحسنت طاعتهم له وعظم أمره وملك سجستان مظهر اطاعة الخليفة وكاتبه وقلده حرب السراة فأحسن الغناء فيه وتجاوزه إلى سائر أبواب الامر بالمعروف والنهى عن المنكر ثم سار من سجستان إلى نواحى خراسان وعليها يومئذ محمد بن عبد الله بن طاهر وعلى هراة من قبله محمد بن أوس
الانباري فجمع لمحاربة يعقوب وسار إليهم في التعبية فاقتتلوا وانهزم ابن أوس وملك يعقوب هراة وبوشنج وعظم أمره وهابه صاحب خراسان وغيرها من الاطراف وكان المعتز قد كتب بولاية سجستان فكتب له الآن بولاية كرمان وكان على فارس على بن الحسين بن وأبطأ عامل الخراج واعتذر فكتب له المعتز بولاية كرمان يريد اعداء كل منهما بصاحبه لان طاعتهما مهوضة فأرسل على بن الحسين بفارس طوق بن الغلس خليفة على كرمان وسار يعقوب الصفار من سجستان فسبقه طوق واستولى عليها وأقام يعقوب بمكانه قريبا منها يترقب خروج طوق إليه وبعد شهرين ارتحل إلى سجستان فوضع طوق أوزار الحرب وأقبل على اللهو واتصل ذلك بيعقوب في طريقه فكر راجعا واغذ السير فصادفه بعد يومين وركب أصحابه وقد أحيط بهم ففروا ناجين بأنفسهم وملك يعقوب كرمان وحبس طوق وبلغ الخبر إلى على بن الحسين وهو على شيراز فجمع جيشه ونزل على مضيق شيراز وأقبل عليه يعقوب حتى نزل قبالته والمضيق متوعر بين جبل ونهر ضيق المسلك بينهما فاقتحم يعقوب النهر بينهما وأجاز إلى على بن الحسين وأصحابه فانهزموا وأخذ على أسيرا واستولى على جميع عسكره ودخل شيراز وملكها وجبى الخوارج ورجع إلى سجستان وذلك سنة خمس وخمسين ويقال بل وقع بينهما بعد عبور النهر حرب شديدة انهزم آخرها على وكان عسكره نحوا من خمسة عشر ألفا من الموالى والاكراد ورجعوا منهزمين إلى شيراز آخر يومهم وازدحموا في الابواب وافترقوا في نواحى فارس وانتهوا إلى الاهواز وبلغ القتلى منهم خمسة آلاف ولما دخل يعقوب وملك فارس امتحن عليا وأخذ منه ألف بردة ومن الفرش والسلاح والآلة ما لا يحد وكتب إلى الخليفة بطاعته وأهدى هدية جليلة يقال منها عشر بازات بيض وباز أبلق صينى ومائة نافجة من المسك وغير ذلك من الطرف ورجع إلى سجستان ثم(3/294)
استعاد الخليفة بعد ذلك فارس وبعث عماله إليها
* (ابتداء دولة ابن طولون بمصر) * كان بابكيال من أكابر قواد الاتراك مع بغا ووصيف وسيما الطويل ولما حدثت هذه الفتن وتغلبوا على الخلفاء أخذوا الاعمال والنواحى في اقطاعهم فاقطع المعتز بابكيال هذا أعمال مصر وبها يومئذ ابن مدبر وكان بابكيال مقيما بالحفيدة فنظر فيمن يستخلفه عليها وكان أحمد بن طولون من أبناء الاتراك وأبوه من سبى فرغانة وربى في دار الخلفاء ونشأ ابنه أحمد بها على طريقة مستقيمة لبابكيال خاله وأشير عليه بتوليته فبعثه على مصر فاستولى عليها أولا دون أعمالها والاسكندرية ثم قتل المعتز بابكيال وصارت مصر في اقطاع بارجوع الترك وكان بينه وبين أحمد بن طولون مودة متأكدة فكتب إليه واستخلفه على مصر جميعها ورسخت قدمه فيها وأصارها تراثا لبنيه فكانت لهم فيها الدولة المعروفة * (استقدام سليمان بن طاهر لولاية بغداد) * قد تقدم لنا أن محمد بن عبد الله بن طاهر بن الحسين كان على العراق والسواد وكانت لهم الشرطة وغيرها وكان مقيما ببغداد وكان في المدافعة عن المستعين لما لجأ إليه ثم صلح ما بينه وبين المعتز واستقل المعتز بالخلافة والآثار المذكورة ثم هلك آخر سنة ثلاث وثمانين أيام المعتز وفوض ما كان بيده من الولاية إلى أخيه عبيد الله نازعه ابنه طاهر في الصلاة عليه ومالت العامة مع أصحاب طاهر والقواد مع عبيد الله لوصية أخيه ثم أمضى المعتز عهد أخيه وخلع عليه وبذل لصاحب الخلع خمسين ألف درهم ثم بعث المعتز عن سليمان بن عبد الله بن طاهر من خراسان وولاه على العراق والشرطة وغيرها مكان أخيه محمد وعزل أخاهما عبيد الله فلما علم عبيد الله تقدم سليمان أخذ ما في بيت المال وانتقل إلى غربي دجلة وجاء سليمان وقائده محمد بن أوس ومعه جند من خراسان فأساؤا السيرة في أهل بغداد فحنق الناس عليهم وأعطى أرزاقهم مما بقى في بيت المال وقدمهم على جند بغداد وشاكريها فاتفق الجند على الثورة وفتقوا السجون
وعبر ابن أوس إلى الجزيرة واتبعه الجند والعامة فحاربهم وانهزم وأخرجوه من باب الشماسية ونهب من منزله قيمة ألفى الف درهم ومن الامتعة ما لا يحصر ونهب منازل جنده ورأى سليمان أن يسكن الثائرة فأمره بالخروج إلى خراسان ثم كانت الفتنة في خلع المعتز وولاية المهدى كما يذكر وبعث المهتدى سلخ رجب من سنة خمس وخمسين إلى سليمان ليأخذ البيعة له ببغداد وكان أبو أحمد بن المتوكل ببغداد قد بعثه إليها المعتز فنقله سليمان إلى داره ووثب الجند والعامة لذلك واجتمعوا بباب سليمان وقاتلهم(3/295)
أصحابه مليا ثم انصرفوا وخطب من الغد للمعتز فسكنوا ثم ساروا ودعوا إلى بيعة أبى أحمد وطلبوا رؤيته فأظهره لهم ووعدهم بما طلبوا فافترقوا ووكل بحفظ أبى أحمد ثم بايع للمهتدي في شعبان من تلك السنة * (خبر كرخ اصبهان وأبى دلف) * قد تقدم لنا شأن أبى دلف أيام المأمون وانه كان مقيما بكرخة وان المأمون عفا له عما وقع منه في القعود عن نصره وأقام بتلك الناحية وهلك فقام ابنه عبد العزيز مكانه ولما كانت أيام الفتنة تمسك بطاعة المستعين وولى وصيف على الجبل واصبهان فكتب إلى عبد العزيز باستخلافه عليها وبعث عليه بالخلع وعقد المعتز لموسى بن بغا الكبير في شهر رجب من سنة ثلاث وخمسين على الجبل واصبهان فسار لذلك وفى مقدمته مفلح فلقيه عبد العزيز بن أبى دلف في عشرين ألفا خارج همذان فتحاربا وانهزم عبد العزيز وقتل أصحابه وسار مفلح إلى الكرخ فخرج إليه عبد العزيز وقاتله ثانية فانهزم واستولى مفلح على الكرخ ومضى عبد العزيز إلى قلعة نهاوند فتحصن بها وأخذ مفلح أهله وأمه ثم عقد له وصيف سنة اثنين وخمسين على اعمال الجبل ثم عقد لموسى بن بغا فسار وفى مقدمته مفلح فقاتله عبد العزيز فانهزم وملك مفلح الكرخ وأخذ ماله وعياله ثم ملك عبد العزيز وقام مكانه ابنه دلف وقاتله القاسم بن صبهاه من أهالي اصبهان ثم قتل القاسم
أصحاب ابى دلف وولوا أخاه أحمد بن عبد العزيز سنة خمس وستين وولاه عمر الصفار من قبله على اصبهان عند ما ولاه عليها المعتمد سنة ست وستين وحاربه كعليغ التركي سنة تسع وستين فغلبه أحمد وأخرجه إلى الصميرة وبعث إليه عمر سنة ثمان وستين في المال فبعث إليه ثم سار الموفق سنة ست وسبعين يريد أحمد باصبهان فشاغله أحمد عن البلد وترك داره بفرشها لنزول الموفق ثم مات أحمد سنة ثمانين وولى أخوه عمر وأخوه بكير يرادفه وقاتلا رافع بن الليث بأمر المعتضد فهزمهما كما يأتي ذكره ثم قلده المعتضد اصبهان ونهاوند والكرخ عمر بن عبد العزيز سنة احدى وثمانين ثم راجعا الطاعة * (خلع المعتز وموته وبيعة المهتدى) * كان صالح بن وصيف بن بغا متغلبا على المعتز وكان كاتبه أحمد بن اسرائيل وكانت أمه قبيحة ووزيرها الحسن بن مخلد وكان أبو نوح عيسى بن ابراهيم من كبار الكتاب وجباة الاموال وطلب الاتراك أرزاقهم وشغبوا فقال صالح للمعتز هذه الاموال قد ذهب بها الكتاب والوزراء وليس في بيت المال شئ فرد عليه أحمد بن اسرائيل وأفحش في رده وتفاوضا في الكلام فسقط صالح مغشيا عليه وتبادر أصحابه بالباب فدخلوا منتضين سيوفهم فدخل إلى قصره فأمر صالح بالوزراء الثلاثة فقيدوا وشفع(3/296)
المعتز في أمر وزيره فلم يقبل شفاعته وصادرهم على مال جليل حملوه فلم يسد شيا فلما فعلوا بالكتاب ما فعلوا من المصادرة اتهم الجند انهم حملوا على مال ولم يكن ذلك فشفعوا في طلب أرزاقهم وضمنوا للمعتز قتل صالح بن وصيف على خمسين ألفا يبذلها لهم وسألها من أمه فاعتذرت فانفقت كلمتهم على خلعه ودخل إليه صالح بن وصيف ومحمد بن بف المعروف بأبى نصر وبابكيال وطلبوه في الخروج إليهم فاعتذر لهم وأذن لبعضهم في الدخول فدخلوا وجروه إلى الباب وضربوه وأقاموه في الشمس في صحن الدار وكلما مر به أحد منهم لطمه ثم أحضروا القاضى ابن أبى الشوارب في جماعة فأشهدهم
على خلعه وعلى صالح بن وصيف بأمانه وأمان أمه وأخته وولده وفرت أمه قبيحة من سرب كانت اتخذته بالدار ثم عذبوا المعتز ثم جعلوه في سرب وطموا عليه وأشهدوا على موته بنى هاشم والقواد وذلك آخر رجب من سنة خمس وخمسين وبايعوا لمحمد ابن عمه الواثق ولقبوه المهتدى بالله عند ما خلع المعتز نفسه وأقر بالعجز والرغبة في تسليمها إلى المهتدى بايعه الخاصة والعامة وكانت قبيحة أم المعتز لما فعل صالح بالكتاب ما فعل قد نفرا منهم على الفتك بذلك بصالح ونمى ذلك إليه فجمع الاتراك على الثوران وأيقنت قبيحة بالهلاك فأودعت ما في الخزائن من الاموال والجواهر وحفرت سربا في حجرتها هربت منه لما أحيط بالمعتز ولما قتل خشيت على نفسها فبعثت إلى صالح تستأمنه فأحضرها في رمضان وظفر منها بخمسمائة ألف دينار وعذبها على خزائن تحت الارض فيها ألف ألف دينار وثلثمائة ألف دينار ومقدار مكوك من الزبرجد لم ير مثله ومقدار مكوك آخر من اللؤلؤ العظيم وجراب من الياقوت الاحمر القليل النظير وذمها الناس بأنها عرضت ابنها للقتل في خمسين ألف دينار ومعها هذا المال ثم سارت إلى مكة فأقامت هنالك وقبض صالح على أحمد بن اسرائيل وزيد بن المعتز وعذبه وصادره ثم قبض على أبى نوح وفعل به مثله وقبض على الحسن بن مخلد كذلك ولم يمت وبلغ المهتدى ذلك فنكره وقال كان الحبس كافيا في العقوبة ولاول ولاية المهتدى أخرج القيان والمغنيين من سامرا ونفاهم عنها وأمر بقتل السباع التى كانت في دار السلطان وطرد الكلاب ورد المظالم وجلس للعامة وكانت الفتن قائمة والدولة مضطربة فشمر لاصلاحها لو امهل واستوزر سليمان بن وهب وغلب على أمره صالح بن وصيف وقام بالدولة * (مسير موسى بن بغا إلى سامرا ومقتل صالح بن وصيف) * كان موسى بن بغا غائبا بنواحي الرى واصبهان منذ ولاية المعتز عليها سنة ثلاث وخمسين ومعه مفلح غلام أبى الساج وكانت قبيحة أم المعتز لما رأت اضطراب أموره(3/297)
كتبت إلى موسى قبل أن يفوت في المعتز أمره فجاءه كتابها وقد بعث مفلحا لحرب الحسن بن زيد العلوى فحربه بطبرستان فغلبه وأحرق قصوره بآمد وخرج في اتباعه إلى الديلم فكتب إلى موسى بالرجوع لمداهمة من شاء وبينما هو في استقدامه وانتظاره قتل المعتز وبويع المهتدى وبلغ أصحابه ما حواه صالح من أموال المعتز وكتابه وأمه فشرهوا إلى مثل ذلك وأغروا موسى بالمسير إلى سامرا ورجع مفلح من بلاد الديلم إليه وهو بالرى فسار نحو سامرا وسمع المهتدى بذلك فكتب إليه بالمقام ويحذره على ما وراءه من العلويين فلم يصغ لذلك وأفحش أصحابه في اساءة الرسل الواصلين بالكتب فكتب بالاعتذار واحتج بما عاينه الرسل وأنه يخشى أن يقتله أصحابه ان عادوا إلى الرى وصالح بن وصيف في خلال ذلك يغرى به المهتدى وينسبه إلى المعصية والخلاف إلى أن قدم في المحرم سنة ست وخمسين ودخل في التبعية فاختفى صالح بن وصيف ومضى موسى إلى الجوسق والمهتدى جالس للمظلوم فأعرض له عن الاذن ساعة ارتاب فيها هو وأصحابه وظنوا أنه ينتظر قدوم صالح بالعساكر ثم أذن لهم فدخلوا وقبضوا على المهتدى وأودعوه دار باجورة وانتهبوا ما كان في الجوسق واستغاث المهتدى بموسى فعطف عليه ثم أخذ عليه العهود والايمان أن لا يوالى صالحا وأن باطنه وظاهره في موالاتهم سواء فجددوا له البيعة واستبد موسى بالامر وبعث إلى صالح للمطالبة بما احتجبه من الاموال فلم يوقف له على أثر وأخذوا في البحث عنه وفى آخر المحرم أحضر المهتدى كتابا رفعه إليه سيما الشرابى زعم أن امرأة دفعته إليه وغابت فلم يرها وحضر القواد وقرأه سليمان بن وهب عليهم وهو بخط صالح يذكر ما صار إليه من الاموال وأنه انما استتر خشية على نفسه وحسما للفتنة وابقاء على الموالى ولما قرأ الكتاب حثهم المهتدى على الصلح والاتفاق فاتهمه الاتراك بالميل إلى صالح وأنه مطلع على مكانه بذلك
ثم اجتمعوا من الغد بدار موسى بن بغا داخل الجوسق واتفقوا على خلع المهتدى الا أخا بابكيال فانه أبى من ذلك وتهددهم بأنه مفارقهم إلى خراسان واتصل الخبر بالمهتدى فاستدعاه إليه وقد نظف ثيابه وتطيب وتقلد سيفه فأرعد وأبرق وتهددهم بالاستماتة ثم حلف لا يعلم مكان صالح وقال لمحمد بن بغا وبابكيال قد حضرتما مع صالح في أمر المعتز وأموال الكتاب وأنتم شركاؤه في ذلك كله وانتشر الخبر في العامة بأنهم أرهقوه وأرادوا خلعه فطفقوا يحاذرون على الدعاء في المساجد والطرقات ويبغون على القواد بغيهم على الخليفة ويرمون الرقاع بذلك في الطرقات ثم ان الموالى بالكرخ والدور دسوا إلى المهتدى أن يبعثوا إليه أخاه أبا القاسم عبد الله بعد أن ركبوا(3/298)
وتحركوا فقالوا لابي القاسم بلغنا ما عليه موسى وبابكيال وأصحابهما ونحن شيعة للخليفة فيما يريده وشكوا مع ذلك تأخر أرزاقهم وما صاروا من الاقطاع والزيادات إلى قوادهم وما أخذه النساء والدخلاء حتى أصحب ذلك كله بالخراج والضياع وكتبوا بذلك إلى المهتدى فأجابهم بالثناء على التشيع له والطاعة والوعد الجميل في الرزق والنظر الجميل في شأن الاقطاعات للقواد والنساء فأفاضوا في الدعاء وأجمعوا على منع الخليفة من الحجر والاستبداد عليه وأن ترجع الرسوم إلى عادتها أيام المستعين على كل عشرة عريف وعلى كل خمسين خليفة وعلى كل مائة قائد وأن تسقط النساء والزيادة في الاقطاع ويوضع العطاء في كل شهرين وكتبوا بذلك إلى المهتدى وانهم صائرون إلى بابه ليقضى حوائجهم وان أحد اعترض عليه أخذوا رأسه وان تعرض له أحد قتلوا موسى بن بغا وبابكيال وماجور فجاء أبو القاسم بالكتاب وقد قعد المهتدى للمظالم وعنده الفقهاء والقضاة والقواد قائمون في مراتبهم فقرأ كتابهم على القواد فاضطربوا وكتب جوابهم بما سألوا وطلب أبو القاسم من القواد أن يبعثوا معه رسولا بالعذر عنهم ففعلوا ومضى أبو القاسم إليهم بكتاب الكتاب وبرسل القواد واعذارهم
فكتبوا إلى المهتدى يطلبون التوقيعات بحط الزيادات ورد الاقطاعات واخراج الموالى البرانيين من الخاصة ورد الرسوم إلى عاداتها أيام المستعين ومحاسبة موسى ابن بغا وصالح بن وصيف على ما عندهم من الاموال ووضع العطاء على كل شهرين وصرف النظر في الجيش إلى بعض اخوته أو قرابته واخراجه من الموالى وكتبوا بذلك إلى المهتدى والقواد فأجابهم إلى جميع ما سألوه وكتب إليهم موسى بن بغا بالاجاية في شأن صالح والاذن في ظهوره فقرؤا الكتابين ووعدوا بالجواب فركب إليهم أبو القاسم واتبعه موسى في ألف وخمسمائة فوقف في طريقهم وجاءهم أبو القاسم فاضطربوا في الجواب ولم يتفقوا فرجع ورد موسى بن بغا فأمرهم المهتدى بالرجوع وأن يتقدم إليهم محمد بن بغا مع أبى القاسم ويدفعوا إليهم كتاب الامان لصالح بن وصيف وقد كان من طلبتهم أن يكون موسى في مرتبة أبيه وصالح كذلك والجيش في يده وأن يظهر على الامان فأجيبوا إلى ذلك وافترق الناس إلى الكرخ والدور وسامرا فلما كان من الغد ركب بنو وصيف في جماعة ولبسوا السلاح فنهبوا دواب العامة وعسكروا بسامرا وتعلقوا بأبى القاسم يطلبون صالحا فأنكر المهتدى أن يكون علم بمكانه وقال ان كان عندهم فليظهروه ثم ركب ابن بغا في القواد ومعه أربعة آلاف فارس وعسكر وافترق الاتراك ولم يظهر للكرخيين ولا لاهل الدور وسامرا في هذا اليوم حركة وجد موسى في طلب صالح ونادى عليه وعثر عليه بعض الغوغاء فجاء به إلى الجوسق(3/299)
والعامة في اتباعه فضربه بعض أصحاب مفلح فقتله وطيف برأسه على قناة وخرج موسى بن بغا لقتال السراة بناحية السن * (الصوائف منذ ولاية المنتصر إلى آخر أيام المهتدى) * في سنة ثمان وأربعين أيام المستعين خرج بناحية الموصل محمد بن عمر الشاربى وحكم فسرح المنتصر اسحق بن ثابت الفرغانى فأسره في عدة من أصحابه وقتلوا وصلبوا وفى
هذه السنة غزا بالصائفة وصيف وأمره المنتصر بالمقام بملطية أربع سنين بغزو في أوقات الغزو إلى أن يأتيه رأيه وكان مقيما بالثغر الشامي فدخل بلاد الروم وافتتح حصن قدورية وفى سنة تسع وأربعين غزا بالصائفة جعفر بن دينار فافتتح مطامير واستأذنه عمر بن عبد الله الاقطع في الدخول إلى بلاد الروم فأذن له فدخل في جموع من أهل ملطية ولقى ملك الروم بمرج الاسقف في خمسين ألفا فأحاطوا به وقيل في ألفين من المسلمين وخرج الروم إلى الثغور الخزرية فاستباحوها وبلغ ذلك على ابن يحيى الارمني وقد كان صرف على الثغور الشامية وعقد له على أرمينية وأذربيجان فلما سمع بخبرهم نفر إليهم وقاتلهم فانهزم وقتل في أربعمائة من المسلمين وفى سنة ثلاث وخمسين أيام المعتز غزا محمد بن معاذ من ناحية ملطية فانهزم وأسر * (الولاة) * لما ولى المنتصر استوزر أحمد بن الخصيب وولى على المظالم أبا عمر أحمد بن سعيد مولى بنى هاشم ثم ولى المستعين ومات طاهر بن عبد الله بخراسان فولى المستعين مكانه ابنه محمدا وولى محمد بن عبد الله على العراق وجعل إليه الحرمين والشرطة ومعادن السواد واستخلف أخاه سليمان بن عبد الله على طبرستان وتوفى بغا الكبير فولى ابنه موسى على أعماله وضاف إليه ديوان البريد وشعب أهل حمص على عاملهم وأخرجوه فبعث عليهم المستعين الفضل بن قارن أخا مازيار فقتل منهم خلقا وحمل مائة من أعيانهم إلى سامرا واستوزر المستعين أتامش بعد أن عزل أحمد بن الخصيب واستصفى وبقى إلى اقريطش وعقد لاتامش على مصر والمغرب ولبغا الشرابى على حلوان وما سيدان ومهرجا بعده ثم قتل أتامش فاستوزر المستعين مكانه أبا صالح عبد الله بن محمد بن داود وعزل الفضل بن مروان عن ديوان الخراج وولاه عيسى بن فرخانشاه وولى وصيفا على الاهواز وبغا الصغير على فلسطين ثم غضب بغا على أبى صالح ففر إلى بغداد واستوزر المستعين مكانه محمد بن الفضل الجرجاني وولى ديوان الرسائل سعيد بن حميد وعزل جعفر بن عبد الواحد عن القضاء ونفاه إلى البصرة وولى جعفر بن محمد بن عمار
البرجمى وفى خمسين عقد لجعفر بن الفضل بن عيسى بن موسى المعروف بساسان على مكة ووثب أهل حمص على عاملهم الفضل بن قارن فقتلوه فسرح إليهم المستعين موسى(3/300)
ابن بغا وحاربوه فهزمهم وافتتحت حمص وأتخن فيهم وأحرقها وفيها وثب الشاكرية والجند بفارس بعبد الله بن اسحق فانتهبوا منزله وقتلوا محمد بن الحسن بن قارن وهرب عبد الله بن اسحق وفيها كان ظهور العلوية بنواحي طبرستان وفى سنة احدى وخمسين عقد المعتز لبغا ووصيف على أعمالها ورد البريد إلى موسى بن بغا الكبير وعقد محمد بن طاهر لابي الساج وقدم بين يديه عبد الرحمن كما قلنا وأظهر أنه انما جاء لحرب الاعراب وتلطف لابي أحمد حتى خالطه وقيده وبعث به إلى بغداد في سنة ثنتين وخمسين وولى المعتز الحسين بن أبى الشوارب على القضاء وبعث محمد بن عبد الله بن طاهر أبا الساج على طريق مكة وعقد المعتز لعيسى الشيخ بن السليل الشيباني من ولد جساس بن مرة على الرملة فاستولى على فلسطين وعلى دمشق وأعمالها وقطع ما كان يحمل من الشأم وكان ابراهيم بن المدبر على مصر فبعث إلى بغداد من المال بسبعمائة ألف دينار فاعترضها عيسى وأخذها وطولب بالمال فقال الفتنة على الجند فولاه المعتمد على أرمينية يقيم بها دعواه وبعث المعتمد إلى الشأم ما جور على دمشق وأعمالها وبلغ الخبر إلى عيسى فبعث ابنه منصورا في عشرين ألف مقاتل فانهزم وقتل وسار عيسى إلى أرمينية على طريق الساحل وفيها عقد وصيف لعبد العزيز بن أبى دلف العجلى على أعمال الجبل وفي سنة ثلاث وخمسين عقد لموسى بن بغا على الجبل فسار وفى مقدمته مفلح مولى بنى الساج وقاتله عبد العزيز بن أبى دلف فانهزم ولجأ إلى قلعة لهادر وملك مفلح الكرخ وأخذ أهله وعياله وفيها مات ابن عبد الله بن طاهر ببغداد وولى أخوه عبيد الله بعهده ثم بعث المعتز عن أخيه سليمان بطبرستان فولاه مكانه وكان على الموصل سليمان بن عمران الازدي وكانت بينه وبين الازد حروب بنواحي الموصل
وفيها مات مزاحم بن خاقان بمصر وفيها ملك يعقوب الصفار سجستان وفارس وهراة وكان ابتداء دولته وولى بابكيال أحمد بن طولون على بر مصر من قبله فكان ابتداء دولته ثم أقطعها المعتمد سنة سبع وخمسين ليارجوج فولى عليها أحمد بن طولون من قبله وفى سنة خمس وخمسين أيام المهتدى استولى مساور الخارجي على الموصل وفيها ظهر صاحب الزنج وكان ابتداء فتنته * (أخبار صاحب الزنج وابتداء فتنته) * كان أكثر دعاة العلوية الخارجين بالعراق أيام المعتصم وما بعده أكثرهم من الزيدية وكان من أئمتهم على بن محمد بن أحمد بن عيسى بن زيد الشهير وكان نازلا بالبصرة ولما وقع البحث عليه من الخلفاء ظفروا بابن عمه على بن محمد بن الحسين فقتل بفدك ولايام من قتله خرج رجل بالرى يدعى انه على بن محمد بن أحمد بن عيسى المطلوب وذلك سنة(3/301)
خمس وخمسين ومائتين أيام المهتدى ولما ملك البصرة لقى عليا هذا حيا معروف النسب فرجع عن ذلك وانتسب إلى يحيى قتيل الجوزجان أخى عيسى المذكور ونسبه المسعودي إلى طاهر بن الحسين وأظنه الحسين بن طاهر بن يحيى المحدث بن الحسين بن جعفر بن عبد الله بن الحسين بن على لان ابن حزم قال في الحسين السبط انه لا عقب له الا من على بن الحسين وقال فيه على بن محمد بن جعفر بن الحسين بن طاهر وقال الطبري وابن حزم وغيرهم من المحققين انه من عبد القيس واسمه على بن عبد الرحيم من قرية من قرى الرى ورأى كثرة خروج الزيدية فحدثته نفسه بالتوثب فانتحل هذا النسب ويشهد لذلك أنه كان على رأى الازارقة من الخوارج ولا يكون ذلك من أهل البيت وسياقة خبره انه كان اتصل بجماعة من حاشية المنتصر ومدحهم ثم شخص من سامرا إلى البحرين سنة تسع وأربعين ادعى أنه من ولد العباس بن أبى طالب ثم من ولد الحسن بن عبد الله بن العباس ودعا الناس إلى طاعته فاتبعه كثير
من أهل حجر وغيرها وقاتلوا أصحاب السلطان بسببه وعظمت فتنته فتحول عنهم إلى الاخشاء ونزل على بنى الشماس من سعد بن تميم وصحبه جماعة من البحرين منهم يحيى ابن محمد الازرق وسليمان بن جامع فكانا قائدين له وقاتل أهل البحرين فانهزم وافترقت العرب عنه واتبعه على بن أبان وسار إلى البصرة ونزل في بنى ضبيعة وعاملها يومئذ محمد بن رجاء والفتنة فيها بين البلالية والسعدية وطلبه ابن رجاء فهرب وحبس ابنه وزوجته وجماعة من أصحابه فسار إلى بغداد وأقام بها حولا وانتسب إلى محمد ابن أبى أحمد بن عيسى كما قلناه واستمال بها جماعة منهم جعفر بن محمد الصوحانى من ولد زيد بن صوحان ومسروق ورفيق غلامان ليحيى بن عبد الرحمن وسمى مسروقا حمزة وكناه أبا أحمد وسمى رفيقا جعفرا وكناه أبا الفضل ثم وثب رؤساء البلالية والسعدية يالبصرة وأخرجوا العامل محمد بن رجاء فبلغه ذلك وهو ببغداد وان أهله خلعوه فرجع إلى البصرة في رمضان سنة خمس وخمسين ويحيى بن محمد وسليمان بن جامع ومسروق ورفيق فنزل بقصر القرش ودعا الغلمان من الزنوج ووعدهم بالعتق فاجتمع له منهم خلق وخطبهم ووعدهم بالملك ورغبهم في الاحسان وحلف لهم وكتب لهم في خرقة ان الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم الآية واتخذها راية وجاءه موالى الزنوج في عبيدهم فأمر كل عبد أن يضرب مولاه وحبسهم ثم أطلقهم ولم يزل هذا رأيه والزنوج في متابعته والدخول في أمره وهو يخطبهم في كل وقت ويرغبهم ثم عبر دجيلا إلى نهر ميمون فاخرج عند الحميرى وملكه وسار إلى الايلة وبها ابن أبى عون فخرج إليه في أربعة آلاف فهزمهم ونال منهم ثم سار إلى القادسية فنهبها وكثر(3/302)
سلاحهم وخرج جماعة من أهل البصرة لقتاله فبعث إليهم يحيى بن محمد في خمسمائة رجل فهزمهم وأخذ سلاحهم ثم طائفة أخرى كذلك وأخرى وخرج قائدان من البصرة فهزمهما وقتل منهما وكانت معهما سفن ألقتها الريح إلى الشط فغنموا
ما فيها وقتلوا وكثر عيثه وفساده وجاء أبو هلال من قواد الاتراك في أربعة آلاف مقاتل فلقيه على نهر الريان فهزمه الزنج واستلحموا أكثر أصحابه ثم خرج أبو منصور احد موالى الهاشميين في عسكر عظيم من المطوعة والبلالية والسعدية فسرح للقائهم على بن أبان فلقى طائفة منهم فهزمهم ثم أرسل طائفة أخرى إلى مرفا السفن وفيه نحو من ألفى سفينة فهرب عنها أهلها ونهبوها ثم جاءت عساكر أبى منصور وقعد الزنوج لهم بين النخل وعليهم على بن أبان ومحمد بن مسلم فهزموا العسكر وقتلوا منهم وأخذوا سلاحهم ثم سار فنهب القرى حتى امتلات أيديهم بالنهب ثم سار يريد البصرة ولقيته عساكرها فهزمهم الزنج وأثخنوا فيهم ثم سار من الغد نحو البصرة وخرج إليه أهلها واحتشدوا وزحفوا إليه برا وبحرا فلقيهم بالسد وانهزموا هزيمة شنعاء كثر فيها القتل ووهن أهل البصرة وكتبوا إلى الخليفة فبعث إليهم جعلان التركي مددا وولى على الابلة أبا الاخوص الباهلى وأمه بجند من الاتراك وقد بث صاحب الزنج أصحابه يمينا وشمالا للغارة والنهب ولما وصل جعلان إلى البصرة نزل على فرسخ منهم وخندق عليه وأقام ستة أشهر يسرح لحربهم الزينى مع بنى هاشم ومرجف ثم بيته الزنج فقتلوا جماعة من أصحابه وتحول عن مكانه ثم انصرف عن حربهم وظفر صاحب الزنج بعده من المراكب غنم فيها أموالا عظيمة وقتل أهلها وألح بالغارات على الابلة إلى أن دخلها عنوة آخر رجب سنة ست وخمسين وقتل عاملها أبا الاخوص عبيد الله بن حميد الطوسى وخلقا من أهلها واستباحها وأحرقها وبلغ ذلك أهل عبادان فاستأمنوا له وملكها واستولى على ما فيها من الاموال والعبيد والسلاح إلى الاهواز وبها ابراهيم ابن المدبر على الخراج فهرب أهلها ودخلها الزنج ونهبوا وأسروا ابن المدبر فخاف أهل البصرة وافترق كثير منهم من البلدان وبعث المعتمد سعيد بن صالح الحاجب لحربهم سنة سبع وخمسين فهزمهم وأخذ ما معهم وأثخن فيهم وكان ابن المدبر أسيرا عندهم في بيت يحيى بن محمد البحراني وقد ضمن لهم مالا كثيرا ووكل به رجلين فداخلهم
حتى حفر سربا من البيت وخرج منه ولحق بأهله * (خلع المهتدى وقتله وبيعة المعتمد) * وفى أول رجب من سنة ست وخمسين شعف الاتراك من الترك والدور بطلب أرزاقهم وبعث المهتدى أخاه أبا القاسم ومعه كفقا وغيره فشكوهم وعادوا وبلغ محمد(3/303)
ابن بغا أن المهتدى قال للاتراك ان الاموال عند محمد وموسى ابني بغا فهرب إلى أخيه بالسند وهو في مقاتله موسى الشاربى فأمنه المهتدى ورجع ومعه أخوه حنون وكيفلغ فكتب له المهتدى بالامان ورجع إلى أصحابه وحبسه وصادره على خمسة عشر ألف دينار ثم قتله وبعث بابكيال بكتابه إلى موسى بن بغا بأن يتسلم العسكر وأوصاه بمحاربة الشاربى وقتل موسى بن بغا ومفلح فقرأ الكتاب على موسى وتواطؤا على أن يرجع بابكيال فيتدبر على قتل المهتدى فرجع ومعه يارجوج واساتكين وسيما الطويل ودخلوا دار الخلافة منتصف رجب فحبس بابكيال من بينهم واجتمع أصحابه ومعهم الاتراك وشغبوا وكان عند المهتدى صالح بن على بن يعقوب بن المنصور فأشار بقتله ومناجزتهم فركب في المغاربة والاتراك والفراعنة على التعبية ومشى والبلخى في الميمنة ويارجوج في الميسرة ووقف هو في القلب ومعه أساتكين وغيره من القواد وبعث برأس بابكيال إليهم مع عتاب بن عتاب ولحق الاتراك من صفة باخوانهم الاتراك وانقض الباقون على المهتدى وولى منهزما ينادى بالناس ولا يجيبه أحد وسار إلى السجن فأطلق المحبوسين ودخل دار أحمد بن جميل صاحب الشرطة وافتتحوا عليه وحملوه على بغل إلى الجوسق وحبس عند أحمد بن خاقان وأرادوه على الخلع فابى واستمات فأخرجوا رقعة بخطه لموسى بن بغا وبابكيال وجماعة القواد انه لا يغدر بهم ولا يقاتلهم ولا يهم بذلك ومتى فعل شيأ من ذلك فقد جعل أمر الخلافة بأيديهم يولون من شاؤا فاستحلوا بذلك أمره وقتلوا وقيل في سبب خلعه غير هذا وهو أن أهل الكرخ
والدور من الاتراك طلبوا لدخول على المهتدى ليكلموه فأذن لهم وخرج محمد بن بغا إلى المحمدية ودخلوا في أربعة آلاف فطلبوا أن يعزل عنهم قواده ويصادرهم وكتابهم على الاهواز ويصير الامر إلى اخونه فوعدهم بالاجابة وأصبحوا من الغد يطلبون الوفاء بما وعدهم به فاعتذر لهم بالعجز عن ذلك الا بسياسة ورفق فأبوا لا المعاجلة فاستخلفهم على القيام معه في ذلك بايمان البيعة فحلفوا ثم كتبوا إلى محمد بن بغا عن المهتدى وعنهم يعذلونه في غيبته عن مجلسهم مع المهتدى وانهم انما جاؤا بشكوى حالهم ووجدوا الدار خالية فأقاموا ورجع محمد بن بغا فحبسوه في الاموال وكتبوا إلى موسى بن بغا ومفلح بالقدوم وتسليم العسكر إلى من ذكروه لهم وبعثوا من بقيدهما ان لم يأتمرا ذلك ولما قرئت الكتب على موسى وأصحابه امتنعوا لذلك وساروا نحو سامرا وخرج المهتدى لقتالهم على التعبية وترددت الرسل بينهم بطلب موسى أن يولى على ناحية ينصرف إليها ويطلب أصحاب المهتدى أن يحضر عندهم فيناظرهم على الاموال إلى أن انفض عنهم أصحابه وسار هو ومفلح على طريق خراسان(3/304)
ورجع بابكيال وجماعة من القواد إلى المهتدى فقتل بابكيال ثم أنف الاتراك من مساواة الفراغنة والمغاربة لهم وأرادوا طردهم فأبى المهتدى ذلك فخرج الاتراك عن الدار بأجمعهم طالبين ثار بابكيال فركب المهتدى على التعبية في ستة آلاف من الفراغنة والمغاربة ونحو ألف من الاتراك أصحاب صالح بن وصيف واجتمع الاتراك للحرب في عشرة لاف فانهزم المهتدى وكان ما ذكرناه من شأنه ثم أحضر أبو العباس أحمد بن المتوكل وكان محبوسا بالجوسق فبايعه الناس وكتب الاتراك إلى موسى بن بغا وهما غائبان فحضر وكملت البيعة لاحمد بن المتوكل ولقب المعتمد على الله واستوزر عبيد الله بن يحيى بن خاقان فأصبح المهتدى ثانى يوم البيعة ميتا منتصف رجب من سنة ست وخمسين على رأس سنة من ولايته ولم يزل ابن خاقان في وزارته إلى أن هلك سنة ثلاث
وستين من سقطة بالميدان سال فيها دماغه من منخريه فاستوزر محمد بن مخلد ثم سخط عليه موسى بن بغا واختلفا فاستوزر مكانه سليمان بن وهب ثم عزله وحبسه وولى الحسن ابن مخلد وغضب الموفق لحبسه ابن وهب وعسكر بالجانب الغربي وترددت الرسل بينهما فاتفقا واطلقه وذلك سنة أربع وستين * (ظهور العلوية بمصر والكوفة) * وفى سنة ست وخمسين ظهر بمصر ابراهيم بن محمد بن يحيى بن عبد الله بن محمد بن الحنفية ويعرف بالصومى يدعو إلى الرضا من آل محمد وملك أشياء من بلاد الصعيد وجاءه عسكر أحمد بن طولون من مصر فهزمهم وقتل قائدهم فجاء جيش آخر فانهزم أمامهم إلى أبو خات وجمع هنالك جموعا وسار إلى الاشمومين فلقيه هنالك أبو عبد الرحمن العمرى وهو عبد الحميد بن عبد العزيز بن عبد الله بن عمر كان قد أخذ نفسه بحرب البجاة وغزوا بلادهم لما كان منهم في غزو بلاد المسلمين فاشتد أمره في تلك الناحية وكثر اتباعه وبعث إليه ابن طولون عسكرا فقال لقائده أنا ألبث هناك لدفع الاذى عن بلاد المسلمين فشاور أحمد بن طولون فأبى القائد الا من أجزته فهزمه العمرى ولما سمع ابن طولون خبره أنكر عليهم أن لا يكونوا بذكره فبقى على حاله من الغارة على البجاة حتى أدوا الجزية فلما جاء الصولى من الاشمونين لقيه العمرى فهزمه وعاد العمرى إلى أسوان واشتد عيثه فبعث إليه ابن طولون العساكر فهرب إلى عيذاب وأجاز البحر إلى مكة وافترق أصحابه وقبض عليه والى مكة وبعث به إلى ابن طولون فحبسه مدة ثم أطلقه فرجع إلى المدينة ومات بها وفى هذه السنة على بن زيد وجاءه الشاه بن ميكا من قبل المعتمد في جيش كثيف فهزمه وأثخن في أصحابه فسرح المعتمد إلى حربه ليجوز التركي فخرج على عن الكوفة(3/305)
إلى القادسية وملك ليجوز الكوفة أول شوال وأقام على بن زيد ببلاد بنى أسد ثم غزا
ليجوز آخر ذى الحجة فأوقع به وقتل وأسر من أصحابه ورجع إلى الكوفة ثم إلى سر من رأى وبقى على هنالك إلى أن بعث المعتمد سنة تسع عسكرا فقتلوه بعكبر وانقطع أمره وقيل سار إلى صاحب الزنج فقتله سنه ستين وفى هذه السنة غلب الحسين بن زيد الطالبى على الرى وسار موسى بن بغا إليه * (بقية أخبار الزنج) * قد تقدم لنا أن المعتمد بعث سعيد بن صالح الحاجب لحربهم فأرقع ثم عاودوه فأوقعوا به وقتلوا من أصحابه وأحرقوا عسكره ورجع إلى سامرا فعقد المعتمد على حربهم لجعفر بن منصور الخياط فقطع عنهم ميرة السفن ثم سار إليهم في البحر فهزموه إلى البحرين ثم بعث الخبيث على بن أبان من قواده إلى اربل لقطع قنطرتها فلقى ابراهيم بن سيما منصرفا من فارس فاوقع بهم ابراهيم وخرج على بن أبان وسار ابراهيم لى نهر جى وأمر كاتبه شاهين بن بسطام باتباعه وجاء الخبر إلى على بن ابان باقبال شاهين فسار ولقيه وهزمه أشد من الاول وانصرف إلى جى وكان منصور بن جعفر الخياط منذ انهزم في البحر لم يعد لقتال الزنج واقتصر على حفر الخنادق واصلاح السفن فزحف على بن أبان لحصاره بالبصرة وضيق على أهل البلد وأشرف على دخولها وبعث لاحتشاد العرب فوافاه منهم خلق فدفعهم لقتال أهل البصرة وفرقهم على نواحيها فقاتلهم كذلك يومين ثم افتتحها على بن أبان منتصف شوال وأفحش في القتل والتخريب ورجع ثم عاودهم ثانية وثالثة حتى طلبوا الامان فأمنهم وأحضرهم في بعض دور الامارة فقتلهم أجمعين وحرق على بن أبان الجامع ومواضع من البصرة واتسع الحريق من الجبل إلى الجبل وعم النهب وأقام كذلك أياما ثم نادى بالامان فلم يظهر أحد وانتهى الخبر إلى الخبيث فصرف على بن أبان وولى عليها يحيى بن محمد البحراني * (مسير المولد لحربهم) * لما دخل الزنج البصرة وخربوها أمر المعتمد محمدا المعروف بالمولد بالمسير إلى البصرة وسار
إلى الابلة ثم نزل البصرة واجتمع إليه أهلها وأخرج الزنج عنها إلى نهر معقل ثم بعث الخبيث قائده يحيى بن محمد لحرب المولد فقاتله عشرة أيام ووطن المولد نفسه على المقام وبعث الخبيث إلى يحيى بن محمد أبا الليث الاصبهاني مددا وأمرهم بتبييت المولد فبيتوه وقاتلوه تلك الليلة والغد إلى المساء ثم هزموه وغنم الزنج عسكره واتبعه البحراني إلى الجامدة وأوقع بأهلها ونهب تلك القرى أجمع وعاث فيها ورجع إلى نهر معقل(3/306)
* (مقتل منصور الخياط) * كان الزنج لما فرغوا من البصرة سار على بن أبان إلى جى وعلى الاهواز يومئذ منصور ابن جعفر الحياط قد ولاه عليها المعتمد بعد مواقعته الزنج بالبحرين فسار إلى الاهواز ونزل جى وسار على بن أبان قائد الزنج لحربه وجاء أبو الليث الاصبهاني في البحر مددا له وتقدم إلى منصور من غير امر على فظفر منصور وقتل الكثير ممن معه وافلت منهزما إلى الخبيث ثم تواقع على بن أبان مع منصور فهزمه واتبعه الزنج فحمل عليهم وألقى نفسه في النهر ليعبر إليهم فغرق وقيل تقدم إليه بعض الزنج لما رآه فقتله في الماء ثم قتل أخوه خلف وغيره من العسكر وولى يارجوج على عمل منصور اصطيخور من قواد الاتراك * (مسير الموفق لحرب الزنج) * كان أبو أحمد الموفق وهو أخو المعتمد بمكة وكان المعتمد قد استقدمه عند ما اشتد أمر الزنج وعقد له على الكوفة والحرمين وطريق مكة واليمن ثم عقد له على بغداد والسواد وواسط وكور دجلة والبصرة والاهواز وأمره أن يعقد ليارجوج على البصرة وكور دجلة واليمامة والبحرين مكان سعيد بن صالح ولما انهزم سعيد بن سعيد ابن صالح عقد يارجوج لمنصور بن جعفر مكانه على البصرة وكور دجلة والاهواز ثم قتله كما قلناه فعقد المعتمد لاخيه أبى أحمد الموفق على مصر وقنسرين والعواصم وخلع على مفلح وذلك في ربيع سنة ثمان وخمسين وسيرهما لحرب الزنج فساروا في
عدة كاملة وخرج المعتمد يشيع أحاه وكان على بن أبان بجى ويحيى بن محمد البحراني بنهر العباس والخبيث في قلة من الناس وأصحابه مترددون إلى البصرة لنقل ما نهبوه فلما نزل الموفق نهر معقل أجفل الزنج إلى صاحبهم مرتاعين فأمر على بن أبان بالمسير إليهم ولقى مفلحا في مقدمة الموفق فاقتتلوا وبينماهم يقتتلون إذ أصاب مفلحا سهم غرب فقتل وانهزم أصحابه وأسر الكثير منهم ثم رحل الموفق نحو الابلة ليجمع العساكر ونزل نهر أبى الاسد ووقع الموتان في عسكره فرجع إلى بادرود وأقام لتجهيز الآلة وازاحة العلل واصلاح السفن ثم عاد إلى عسكر الخبيث فالتقوا واشتد الحرب بينهم على نهر أبى الخصيب وقتل جماعة من الزنج واستنقذ كثير من النساء المسبيات ورجع إلى عسكره ببادرود فوقع الحريق في عسكره ورحل إلى واسط وافترق أصحابه فرجع إلى سامرا واستخلف على واسط * (مقتل البحراني قائد الزنج) * كان اصطيخور لما ولى الاهواز بعد منصور الخياط بلغه مسير يحيى من محمد قائد الزنج إلى نهر العباس عند مسير الموفق إليهم فخرج إليه اصطيخور فقاتله وعبر يحيى النهر وغنم(3/307)
سفن الميرة التى كاتت عند اصطيخور وبعث طلائعه إلى دجلة فلقوا جيش الموفق فرجعوا هاربين وطلائع الموفق في اتباعهم وعبروا النهر منهزمين وبقى يحيى فقاتل وانهزم ودخل في بعض السفن جريحا وغنم طلائع الموفق غنائمهم والسفن وأحرقوا بعضها وعبروا الماخوره على يحيى فأنزلوه من سفنهم خشية على أنفسهم فسعى به طبيب كان يداوى جراحه وقبض عليه وحمل إلى سامرا وقطع ثم قتل ثم أنفذ الخبيث على بن أبان وسليمان بن موسى الشعرانى من قواده إلى الاهواز وضم اليهما الجيش الذى كان مع يحيى ومحمد البحراني وذلك سنة تسع وخمسين فلقيهما اصطيخور بدستميسان وانهزم امامهما وغرق وهلك من أصحابه خلق وأسر الحسن بن هزيمة والحسن بن جعفر وغيرهما وحبسوا ودخل الزنج الاهواز فأقاموا يفسدون في نواحيها ويغنمون إلى
أن قدم موسى بن بغا * (مسير ابن بغا لحرب الزنج) * ولما ملك الزنج الاهواز سنة تسع وخمسين سرح المعتمد لحربهم موسى بن بغا وعقد له على الاعمال فبعث إلى الاهواز عبد الرحمن بن مفلح والى البصرة اسحق بن كنداجق والى بادرود ابراهيم بن سيما وأمرهم بمحاربة الزنج فسار عبد الرحمن إلى على بن أبان فهزمه أولا ثم كانت لعبد الرحمن الكرة ثانيا فأثخن فيهم ورجعوا إلى الخبيث وجاء عبد لرحمن إلى حصن نهدى فعسكر به وزحف إليه على بن أبان فامتنع عليه فسار إلى ابراهيم بن سيما ببادرود فواقعه فانهزم أولا ابراهيم ثم كانت له الكرة ثانيا وسار ابن أبان في الغياض فاضرموها عليهم نارا ففروا هاربين وأسر منهم جماعة وسار عبد الرحمن إلى على بن ابان وجاءه المدد من الخبيث في البحر فبينما عبد الرحمن في حربه إذ بعث على جماعة من خلفه وشعر بهم فرجع القهقرى ولم يصب منهم شئ الا بعض السفن البحرية ثم راجع حرب على بن أبان وفى مقدمته فاشتموه فأوقعوا بعلى بن أبان ولحق بالخبيث صاحب الزنج وأقام عبد الرحمن بن مفلح وابراهيم يتناوبان حرب الخبيث ويوقعان به واسحق بن كنداجق بالبصرة يقطع عنه المدد وهو يبعث لكل منهما طائفة يقاتلونهم وأقاموا على ذلك سبعة عشر شهرا إلى أن صرف موسى بن بغا عن حربهم ووليها مسرور البلخى كما نذكر * (استيلاء الصفار على فارس وطبرستان) * قد تقدم استيلاء يعقوب بن الليث الصفار على فارس أيام المعتز من يد على بن الحسين ابن منيل ثم عادت فارس إلى الخلفاء ووليها الحرث بن سيما وكان بها من رجال العراق محمد بن واصل بن ابراهيم التميمي فاتفق مع أحمد بن الليث من الاكراد الذين بنواحيها(3/308)
ووثبوا بالحرث بن سيما فقتلوه واستولى ابن واصل على فارس سنة ست وخمسين وقام
بدعوة المعتمد وبعث عليها المعتمد الحسن بن الفياض فسار إليه يعقوب بن الليث سنة سبع وخمسين وبلغ ذلك المعتمد فكتب إليه بالنكير وبعث إليه الموفق بولاية بلخ وطخارستان فملكهما وقبض على رتبيل وبعث إلى المعتمد برسله وهداياه ثم رجع إلى بسبت واعتزم على العود إلى سجستان فعجل بعض قواده الرحيل قبله فغضب وأقام سنة ثم رجع إلى سجستان { استيلاء الصفار على خراسان وانقراض أمر بنى طاهر منها ثم استيلاؤه على طبرستان } ثم جاء إلى هراة وحاصر مدينة حتى ملكها ثم سار إلى بوشنج وقبض على الحسين بن على بن طاهر بن الحسين وبعث إليه محمد بن طاهر بن عبد الله شافعا فيه فأبى من اطلاقه ثم ولى على هراة وبوشنج وباذغيس ورجع إلى سجستان وكان بها عبد الله السخرى ينازعه فلما قوى عليه يعقوب فر منه إلى خراسان وحاصر محمد بن طاهر في نيسابور ورجع إليه الفقهاء فأصلحوا بينه وبين محمد وولاه الطبسين وقهستان وأرسل يعقوب في طلبه فأجاره محمد فسار يعقوب إليه بنيسابور فلم يطق لقاءه ونزل يعقوب بظاهرها فبعث محمد بعمومته وأهل بيته فتلقوه ثم خرج إليه فوبخه على التفريط في عمله وقبض عليه وعلى أهل بيته ودخل نيسابور واستعمل عليها وأرسل إلى الخليفة بأن أهل خراسان استدعوه لتفريط ابن طاهر في أمره وغلبه العلوى على طبرستان فبعث إليه المعتمد بالنكير والاقتصار على ما بيده والا سلك به سبيل المخالفين وذلك سنة تسع وخمسين وقيل في ملكه نيسابور غير ذلك وهو ان محمد بن طاهر أصاب دولته العجز والادبار فكاتب بعض قرابته يعقوب بن الصفار واستدعوه فكتب يعقوب إلى محمد بن طاهر بمجيئه إلى ناحية موريا بقصد الحسن بن زيد في طبرستان وان المعتمد أمره بذلك وانه لا يعرض شيأ من أعمال خراسان وبعث بعض قواده عينا عليه يمنعه من البراح عن نيسابور وجاء بعده وقدم أخاه عمرا إلى محمد بن طاهر فقبض عليه
وعنفه على الاعمال والعجز وقبض على جميع أهل بيته نحو من مائة وستين رجلا وحملهم جميعا إلى سجستان واستولى على خراسان ووثب نوابه في سائر أعمالها وذلك لاحدى عشرة سنة وشهرين من ولاية محمد ولما قبض يعقوب على ابن طاهر واستولى على خراسان هرب منازعه عبد الله السخرى إلى الحسن بن زيد صاحب طبرستان فبعث إليه فيه فأجاره وسار إلى يعقوب سنة ستين وحاربه فانهزم الحسن إلى أرض الديلم وملك يعقوب سارية وامل ومضى في اثر الحسين من عسكره نحو من أربعين ألفا من(3/309)
الرجل والظهر ونجا بعد مشقة شديدة وكتب إلى المعتمد بذلك وكان عبد الله السخرى قد هرب بعد هزيمة الحسن العلوى إلى الرى فسار يعقوب في طلبه وكتب إلى عامل الرى يؤذنه بالحرب ان لم يدفعه إليه فبعث به إليه وقتله ورجع إلى سجستان * (استيلاء الحسن بن زيد على جرجان) * ولما هرب الحسن بن زيد امام مفلح من طبرستان ورجع مفلح اعتزم الحسن على الرجوع إلى جرجان فبعث محمد بن طاهر إليها لعساكر لحفظها فلم يغنوا عنها وجاء الحسن فملكها وضعف أمر ابن طاهر في خراسان وانتقض عليه كثير من أعمالها وظهر المتغلبون في نواحيها وعاث السراة من الخوارج في أعمالها ولم يقدر على دفعهم وآل ذلك إلى تغلب الصفار على ابن طاهر وانتزاع خراسان من يده كما ذكرنا * (فتنة الموصل) * كان المعتمد قد ولى على الموصل اساتكين من قواد الاتراك فبعث عليها هو ابنه اذكرتكين وسار إليها في جمادى سنة تسع وخمسين فأساء السيرة وأظهر المنكر وعسف بالناس في طلب الخوارج وتعرض بعض الايام رجل من حاشيته إلى امرأة في الطريق وتخلصها من يده بعض الصالحين فأحضره اذكرتكين وضربه ضربا شديدا فاجتمع وجوه البلد وتوامروا في رفع أمرهم إلى المعتمد فركب إليهم ليوقع بهم فقاتلوه وأخرجوه
واجتمعوا على يحيى بن سليمان وولوه أمرهم ولما كانت سنة احدى وستين ولى استاكين عليها الهيثم بن عبد الله بن لعمد الثعلبي العدوى وأمره أن يزحف لحربهم ففعل وقاتلوه أياما وكثرت القتلى بينهم ورجع عنهم الهيثم وولى استاكين مكانه اسحق ابن أيوب الثعلبي جد بنى حمدان وغيره وحاصرها مدة ومرض يحيى بن سليمان الامير في اثنائها فطمع اسحق في البلد وجد في الحصار واقتحمها من بعض الجهات فأخرجوه وحملوا يحيى بن سليمان في قبة وألقوه امام الصف واشتد القتال ولم يزل اسحق يراسلهم ويعدهم حسن السيرة إلى أن أجابوه على أن يقيم بالربض فاقام اسبوعا ثم حدثت ممن بايعه بعض الفعلات فوثبوا به وأخرجوه واستقر يحيى بن سليمان بالموصل * (حروب ابن واصل بفارس) * قد تقدم لنا وثوب محمد بن واصل بن ابراهيم التميمي بالحرث بن سيما عامل فارس وتغلبه عليها سنة ست وخمسين فلما بلغ ذلك إلى المعتمد أضاف فارس إلى عبد الرحمن بن مفلح(3/310)
وبعثه إلى الاهواز وأمده بطاشتمر وزحفوا من الاهواز إلى ابن واصل سنة احدى وستين فسار معهم من فارس ومعه أبو داود العلوس ولقيهم برام هرمز فهزمهم وقتل طاشتمر وأسر ابن مفلح وغنم عسكرهم وبعث إليه المعتمد في اطلاق ابن مفلح فقتله خفية وسار لحرب موسى بن بغا بواسط وانتهى إلى الاهواز وبها ابراهيم بن سيما في جموع كثيرة ولما رأى موسى بن بغا اضطراب هذه الناحية استعفى المعتمد من ولايتها فأعفاه وكان عند انصراف ابن مفلح عن الاهواز إلى فاس قد ولى مكانه بالساج وأمره بمحاربة الزنج فبعث صهره عبد الرحمن لذلك فلقيه على بن أبان قائد الزنج فهزمه على وقتله وانحاز أبو الساج إلى عسكر مكرم وملك الزنج الاهواز فعاثوا فيها ثم عزل أبو الساج عن ذلك وولى مكانه ابراهيم بن سيما فلم يزل بها حتى انصرف موسى بن بغا عن الاعمال كلها ولما هزم ابراهيم بن سيما بن واصل عبد الرحمن بن مفلح وقتله طمع يعقوب الصفار
في ملك فارس فسار من سجستان مجدا ورجع ابن واصل من الاهواز وترك محاربة ابن سيما وأرسل خاله أبا بلال مرداس إلى الصفار وراجعه بالكتب والرسل بحبس ابن واصل رسله ورحل بعد السير ليفجأه على بغتة وشعر به الصفار فقال لخاله مرداس ان صاحبك قد غدر بنا وسار إليهم وقد أعيوا وتعبوا من شدة السير ومات أكثرهم عطشا لما تراءى الجمعان انهزم ابن واصل دون قتال وغنم الصفار ما في عسكره وما كان لابن مفلح واستولى على بلاد فارس ورتب بها العمال وأوقع بأهل زم لاعانتهم ابن واصل وطمع في الاستيلاء على الاهواز وغيرها * (مبدأ دولة بنى سامان وراء النهر) * كان جدهم أسد بن سامان من أهل خراسان وبيوتها وينتسبون في الفرس تارة والى سامة بن لؤى بن غالب أخرى وكان لاسد أربعة من الولد نوح وأحمد ويحيى والياس وتقدموا عند المأمون أيام ولايته خراسان واستعملهم ولما انصرف المأمون إلى العراق ولى على خراسان غسان بن عباد من قرابة الفضل بن سهل فولى نوحا منهم على سمرقند وأحمد على فرغانة ويحيى على الشاش واشروسنة والياس على هراة فلما ولى طاهر بن الحسين بعده أقرهم على اعمالهم ثم مات نوح بن أسد فأقر اخوته يحيى وأحمد على عمله وكان حسن السيرة ومات الياس بهراة فولى عبد الله بن طاهر مكانه ابنه اسحق محمد بن الياس وكان لاحمد بن أسد من البنين سبعة نصر ويعقوب ويحيى واسمعيل واسحق وأسد وكنيته أبو الاشعث وحميد وكنيته أبو غانم فلما توفى أحمد استخلف ابنه نصرا على أعماله بسمرقند وما إليها واقام إلى انقراض أيام بنى طاهر وبعدهم وكان يلى أعماله من قبل ولاة خراسان إلى حين انقراض أيام بنى طاهر واستولى الصفار على(3/311)
خراسان فعقد المعتمد لنصر هذا على أعماله من قبله سنة احدى وستين ولما ملك يعقوب الصفار خراسان كما قلنا بعث نصر جيوشه إلى شط جيحون مسلحة من الصفار فقتلوا
مقدمهم ورجعوا إلى بخارى وخشيهم واليها على نفسه ففر عنها فولوا عليهم ثم عزلوا ثم ولوا ثم عزلوا فبعث نصر أخاه اسمعيل لضبط بخارى ثم ولى خراسان بعد ذلك رافع بن هرثمة بدعوة بنى طاهر وغلب الصفار عليها وحصلت بينه وبين اسمعيل صاحب بخارى موالاة اتفقا فيها على التعاون والتعاضد وطلب منه اسمعيل اعمال خوارزم فولاه اياها وفسد ما بين اسمعيل وأخيه نصر وزحف نصر إليه سنة ثنتين وسبعين واستجاش اسمعيل برافع بن هرثمة فسار إليه بنفسه مددا ووصل إلى بخارى ثم أوقع الصلح بينه وبين أخيه خوفا على نفسه وانصرف رافع ثم انتقض ما بينهما وتحاربا سنة خمس وسبعين وظفر اسمعيل بنصر ولما حضر عنده ترجل له اسمعيل وقبل يده ورده إلى كرسى امارته بسمرقند وأقام نائبا عنه ببخارى وكان اسمعيل خيرا مكرما لاهل العلم والدين * (مسير الموفق إلى البصرة لحرب الزنج وولاية العهد) * ولما استعفى موسى بن بغا من ولاية الناحية الشرقية عزم المعتمد على تحهيز أخيه ابى أحمد الموفق فجلس في دار العامة وأحضر الناس على طبقاتهم وذلك في شوال من سنة احدى وستين وعقد لابنه جعفر العهد من بعده ولقبه المفوض إلى الله وضم إليه موسى بن بغا وولاه افريقية ومصر والشأم والجزيرة والموصل وارمينية وطريق خراسان ونهر تصدق وعقد لاخيه أبى أحمد العهد بعده ولقبه الناصر لدين الله الموفق وولاه المشرق وبغداد وسواد الكوفة وطريق مكة واليمن وكسكر وكور دجلة والاهواز وفارس واصبهان والكرخ والدينور والرى وزنجان والسند وعقد لكل واحد منهما لواءين أبيض وأسود وشرط أنه ان مات وجعفر لم يبلغ يتقدم الموفق عليه ويكون هو بعده وأخذت البيعة بذلك على الناس وعقد جعفر لموسى بن بغا على أعمال العرب واستوزر صاعد بن مخلد ثم نكبه سنة ثنتين وسبعين واستصفاه واستكتب مكانه الصفر اسمعيل بن بابل وأمر المعتمد أخاه الموفق بالمسير لحرب الزنج فبعثه في مقدمته واعتزم على المسير بعده
* (وقعة الصفار والموفق) * لما كان يعقوب الصفار ملك فارس من يد واصل وخراسان من يد ابن طاهر وقبض عليه صرح المعتمد بانه لم يوله ولا فعل ما فعل باذنه وبعث ذلك مع حاج خراسان وطبرستان ثم سار إلى الاهواز يريد لقاء المعتمد وذلك سنة ثنتين وسبعين فأرسل إليه المعتمد اسمعيل بن اسحق وفهواج من قواد الاتراك ليردوه على ذلك وبعث معهما من كان في حبسه(3/312)
من اصحابه الذين حبسوا عند ما قبض على محمد بن طاهر وعاد اسمعيل من عند الصفار بعزمه على الموصل فتأخر الموفق لذلك عن المسير لحرب الزنج ووصل مع اسمعيل من عند الصفار حاجبه ذرهم يطلب ولاية طبرستان وخراسان وجرجان والرى وفارس والشرطة ببغداد فولاه المعتمد ذلك كله مضافا إلى ما بيده من سجستان وكرمان وأعاد حاجبه إليه بذلك ومعه عمر بن سيما فكتب يقول لا بد من الحضور بباب المعتمد وارتحل من عسكر مكرم حاما وسار إليه أبو الساج من الاهواز لدخوله تحت ولايته فأكرمه ووصله وسار إلى بغداد ونهض المعتمد من بغداد فعسكر بالزعفرانية وأخاه مسرور البلخى فقاتله منتصف رجب وانهزمت ميسرة الموفق وقتل فيها ابراهيم بن سيما وغيره من القواد ثم تراجعوا واشتدت الحرب وجاء إلى الموفق محمد بن اوس والدارانى مددا من المعتمد وفشل أصحاب الصفار لما رأوا مدد الخليفة فانهزموا وخرج الصفار وأتبعهم أصحاب الموفق وغنموا من عسكره نحوا من عشرة آلاف من الظهر ومن الاموال ما يؤد حمله وكان محمد بن طاهر معتقلا معه في العسكر منذ قبض عليه بخراسان فتخلص ذلك اليوم وجاء إلى الموفق وخلع عليه وولاه الشرطة ببغداد وسار الصفار إلى خوزستان فنزل جند سابور وأرسله صاحب الزنج يحثه على الرجوع ويعده الساعدة فكتب إليه قل يأيها الكافرون لا أعبد ما تعبدون السورة وكان ابن واصل قد خالف الصفار إلى فارس وملكها فكتب إليه المعتمد بولايتها وبعث الصفار إليه جيشا مع عمر
ابن السرى من قواده فأخرجه عنها وولى على الاهواز محمد بن عبد الله بن ثم رجع المعتمد إلى سامرا والموفق إلى واسط واعتزم الموفق على اتباع الصفار فقعد به المرض عن ذلك وعاد إلى بغداد ومعه مسرور البلخى سار بعد موسى وأقطعه ما لابي الساج من الضياع والمنازل وقدم معه محمد بن طاهر فقام بولاية الشرطة ببغداد * (سياقة أخبار الزنج) * قد ذكر ان مسرورا البلخى سار بعد موسى بن بغا لحرب الزنج ثم سار مسرور للقاء المعتمد وحضر الموفق حرب الصفار وبلغ صاحب الزنج جاؤا تلك النواحى من العساكر فبعث سراياه فيها للنهب والحرق والتخريب في بعث سليمان بن جامع إلى البطيحة وسليمان بن موسى إلى القادسية وجاء أبو التركي في السفن يريد عسكر الزنج فأخذ عليه سليمان بن موسى وقاتله شهرا حتى تخلص وانحاز إلى سليمان بن جامع وبعث اليهما الخبيث بالمدد وكان مسرور قد بعث قبل مسيره من واسط جندا في البحر إلى سليمان فهزمهم وأوقع بهم وقتل أسراهم ونزل بقرة مروان قريبا من يعقوب متحصنا بالغياض والاغوار وزحف إليه قائدان من بغداد وهما اغرتمش وحشيشا في العساكر برا وبحرا وأمر(3/313)
سليمان أصحابه بالاختفاء في تلك الغياض حتى يسمعوا أصوات الطبول وأقبل اغرتمش ونهض شرذمة من الزنج فواقعوا أصحابه وشاغلوهم وسار سليمان من خلفهم وضرب طبوله وعبروا إليهم في الماء فانهزم أصحاب اغرتمش وظهر ما كان مختفيا وقتل حشيش واتبعوهم إلى العسكر وغنموا منه وأخذوا من القطع البحرية ثم استردها اغرتمش من أيديهم وعاد سليمان ظافرا وبعث برأس حشيش إلى الخبيث صاحبه فبعث به إلى على بن أبان في نواحى الاهواز وكان مسرور البلخى قد بعث إلى كور الاهواز أحمد ابن كيتونة فنزل السوس وكان صاحب الاهواز من قبل الصفار يكاتب صاحب الزنج ويداريه ويطلب له الولاية عنه فشرط عليه أن يكون خليفة لابن أبان واجتمعا
بتستر ولما رأى أحمد تظافر هما رجع إلى السوس وكان على بن أبان يروم خطبة محمد له بعمله فلما اجتمعا بتستر خطب للمعتضد والصفار ولم يذكر الخبيث فغضب على وسار إلى الاهواز وجاء أحمد بن كيتونة إلى تستر فأوقع بمحمد بن عبد الله وتحصن منه بتستر وأقبل على بن أبان إليه فاقتتلا واشتد القتال بينهما وانهزم على بن أبان وقتل جماعة من أصحابه ونجا بنفسه جريحا في الساريات بالنهر وعاد إلى الاهواز وسار منها إلى عسكر الخبيث واستخلف على عسكره بالاهواز حتى داوى جراحه ورجع ثم بعث أخاه الخليل إلى أحمد بن كيتونة بعسكر مكرم فقاتله وقد أكمن لهم فانهزموا وقتل من الزنج خلق ورجع المنهزمون إلى على بن أبان وبعث مسلحة إلى السرقان فاعترضهم جيش من أعيان فارس أصحاب أحمد بن كيتونة وقتلهم الزنج جميعا فحظى عنده بذلك وبعث في اثر ابراهيم من قتله في سرخس ولا أراد الصفار العود إلى سجستان ولى على نيسابور عزيز بن السرى وعلى هراة أخاه عمرو بن الليث فاستخلف عمرو عليها طاهر بن حفص الباذغيسى وسار إلى سجستان سنة احدى وستين فجاء الخبيث إلى أخيه على وزين له أن يقيم نائبا عنه في أموره بخراسان وطلب ذلك من أخيه يعقوب فأذن له ولما ارتحلوا جمع جمعا وحارب عليا فأخرجه من بلده ثم غلب عزيز بن السرى على نيسابور وملكها أول ثنتين وستين وقام بدعوة بنى طاهر واستقدم رافع بن هرثمة من رجالاتهم فجعله صاحب جيشه وكتب إلى يعمر بن سركب وهو يحاصر بلخ يستقدمه فلم يثق إليه وسار إلى هراة فملكها من يد طاهر بن حفص وقتلة وزحف إليه أحمد وكانت بينهما مواساة ثم داخل بعض قواد أحمد الخجستاني في الغدر بيعمر على أن يمكنه من أخيه أبى طلحة فكلف ذلك القائد به فتم ذلك وكبسهم أحمد وقبض على يعمر وبعثه إلى نائبه بنيسابور فقتله وقتل أبا طلحة القائد الذى غدر بأخيه وسار إلى نيسابور في جماعة فلقى بها الحسين بن طاهر مردودا من اصبهان طمعا أن يدعو له أحمد الخجستاني كما كان(3/314)
يزعم حين أورد فلم يخطب فخطب له أبو طلحة وأقام معه بنيسابور فسار اليهما الخجستاني من هراة في اثنى عشر ألفا وقدم أخاه العباس فخرج إليه أبو طلحة وهزمه فرجع أحمد إلى هراة ولم يقف على خبر أخيه وانتدب رافع وهرثمة إلى استعلام خبره واستأمن إلى أبى طلحة فأمنه ووثق إليه وبعث رافع إلى أحمد بخبر أخيه العباس ثم أنفذه طاهر إلى بيهق لجباية مالها وضم معه قائدين لذلك فجبى المال وقبض على القائدين وانتقض وسار إلى الخجستاني ونزل في طريقه بقرية وبها على بن يحيى الخارجي فنزل ناحية عنه وركب ابن طاهر في اتباعه فأدركه بتلك القرية فأوقع بالخارجى يظنه رافعا ونجا رافع إلى الخجستاني وبعث ابن طاهر اسحق الشاربى إلى جرجان لمحاربة الحسن بن زيد والديلم منتصف ثلاث وستين فأثخن في الديلم ثم انتقض على ابن طاهر فسار إليه وكبسه اسحق في طريقه فانهزم إلى نيسابور واستضعفه أهلها فأخرجوه فأقام على فرسخ منها وجمع جمعا وحاربهم ثم كتب على أهل نيسابور إلى اسحق باستدعائه ومساعدته على ابن طاهر وأبى طلحة وكتب إلى أهل نيسابور عن اسحق بالمواعدة وسار اسحق أبو محمد في قلة من الجند فاعترضه أبو طلحة وقتله وحاصر نيسابور فاستقدموا الخجستاني من هراة وأدخلوه وسار أبو طلحة إلى الحسن ابن زيد مستنجدا فأنجده ولم يظفر وعاد إلى بلخ وحاصرها سنة خمس وستين وخرج للخجستاني من نيسابور به وحاربه الحسن بن زيد لمساعدته أبا طلحة وجاء أهل جرجان مددا للحسن فهزمهم الخجستاني وأغرمهم أربعة آلاف ألف درهم ثم جاء عمرو ابن الليث إلى هراة بعد وفاة أخيه يعقوب الصفار وعاد الخجستاني من جرجان إلى نيسابور وسار إليه عمرو من هراة فاقتتلا وانهزم عمرو ورجع إلى هراة وأقام أحمد بنيسابور وكانت الفقهاء بنيسابور يميلون إلى عمرو لتولية السلطان اياه فأوقع الخجستاني بينهم الفتنة ليشغلهم بها ثم سار إلى هراة سنة سبع وستين وحاصر عمرو ابن الليث فلم يظفر منه بشئ فسار نحو سجستان وترك نائبه بنيسابور فأساء السيرة
وقوى أهل الفساد فوثب به أهل نيسابور واستعانوا بعمرو بن الليث وبعث إليهم جندا يقبض على نائب الخجستاني وأقاموا بها ورجع من سجستان فأخرجهم وملكها وأقام إلى تمام سبع وستين وكاتب عمرو أبا طلحة وهو يحاصر بلخ فقدم عليه وأعطاه أموالا واستخافه بخراسان وسار إلى سجستان وسار أحمد إلى سرخس ولقيه أبو طلحة فهزمه أحمد ولحق بسجستان وأقام أحمد بطخارستان ثم جاء أبو طلحة إلى نيسابور فقبض على أهل الخجستاني وعياله وجاء أحمد من طخارستان إلى نيسابور وأقام بها ثم تبين لابن طاهر ان الخجستاني انما يروم لنفسه وليس على ما يدعيه من القيام(3/315)
بأمرهم وكان على خوارزم أحمد بن محمد بن طاهر فبعث قائده أبا العباس النوفلي إلى نيسابور في خمسة آلاف مقاتل وخرج أحمد امامهم وأقام قريبا منهم وأفحش النوفلي في القتل والصرب والتشويه وبعث إليه الخجستاني فنهاه عن مثل ذلك فضرب الرسل فلحق أهل نيسابور بالخجستانى واستدعوه وجاؤا به وقبض على النوفلي وقتله ثم بلغه ان ابراهيم بن محمد بن طلحة بن عبد الله بن طاهر بمرو فسار إليه من أسورد في يوم وليلة وقبض عليه وولى عليها موسى البلخى ثم وافاها الحسين بن طاهر فأحسن فيهم السيرة ووصل إليه نحو عشرين ألف درهم وكان الخجستاني لما بلغه أخذ والدته من نيسابور وهو بطخارستان سار مجدا فلما بلغ هراة أتاه غلام لابي طلحة مستأمنا فأمنه وقر به فغص به وغلامه الخالصة عنده والجنود وطلب الفرصة في قتل الخجستاني وكان قد غور ساقية قطلغ فاتفقا على قتله فقتلاه في شوال سنة ثمان وستين وأنفذ دامجور خاتمه إلى الاسطبل مع جماعة فركبوا الدواب وساروا بالخبر إلى أبى طلحة ليستقدموه وأبطأ ظهوره على القواد فدخلوا فوجدوه قتيلا وأخبرهم صاحب الاسطبل بخبر الخاتم والدواب وطلبوا دامجور فلم يجدوه ثم عثروا عليه بعد أيام فقتلوه واجتمعوا على رافع بن هرثمة وكان من خبره ما نذكره
* (استيلاء الصفار على الاهواز) * ثم سار يعقوب الصفار من فارس إلى الاهواز وأحمد بن كيتونة قائد مسرور البلخى على الاهواز مقيم على تستر فرحل عنها ونزل يعقوب جندسابور ففر كل من كان في تلك النواحى من عساكر السلطان وبعث إلى الاهواز من أصحابه الخضر بن المعير فافرج عنها على بن ابان والزنج ونزلوا السدرة ودخل خضر الاهواز وأقام أصحاب الخضر وابن ابان يغير بعضهم على بعض ثم فر ابن ابان وسار إلى الاهواز فأوقع بالخضر وفتك في أصحابه وغنم ولحق الخضر بعسكر مكرم واستخرج ابن ابان ما كان بالاهواز ورجع إلى نهر السدرة وبعث يعقوب إلى الخضر مددا وأمره بالكف عن قتال الزنج والمقام بالاهواز فأبى ابن أبان من ذلك الا أن ينقل طعا ماما كان هناك فنقله وتوادعوا * (استيلاء الزنج على واسط) * قد تقدم لنا واقعة اغرتمش مع سليمان بن جامع وظفر سليمان به فلما انقضى أمره سار سليمان إلى صاحب الخبيث ومر في طريقه بعسكر تكين البخاري وهو ببردود فلما حاذاه قريبا أشار عليه الجنانى أن يغير على العسكر في البحر ويستطرد لهم لينتهزوا منهم الفرصة ففعل وجاء مستطردا وقد أكمنوا لهم الكمناء حتى أجازوا موضع الكمائن(3/316)
وركب سليمان إليهم وعطف الجنانى على من في النهر وخرجت الكمائن من خلفهم فأثخنوا فيهم إلى معسكرهم ثم بيتوهم ليلا فنالوا منهم وانكشف سليمان قليلا ثم عبر أصحابه وأتاهم من وجوه عديدة برا وبحرا فانهزم تكين وغنم الزنج عسكره ثم استخلف سليمان على عسكره الجنانى وسار إلى صاحب الخبيث سنة ثلاث وستين ومضى الجنانى بالعسكر لطلب الميرة فاعترضه جعلان من قواد السلطان وهزمه وأخذ سيفه ثم زحف منجور ومحمد بن على بن حبيب من القواد وبلغ الحجاجية فرجع سليمان معدا إلى طهتا يريد جعلان وفى مقدمته الجنانى ثم كر إلى ابن خبيث فهزمه
وقتل أخاه وغنم ما معه ثم سار في شعبان إلى قرية حسان فأوقع بالقائد هناك جيش ابن خمار تكين وهزمه ونهب القرية وأحرقها ثم بعث العساكر في الجهات للنهب برا وبحرا واعترض جعلان بعضهم فأوقع بهم ثم سار سليمان إلى الرصافة فأوقع بالقائد بها واستباحها وغنم ما فيها ورجع إلى منزله بمدينة الخبيث وجاء مطر إلى الحجاجية فعاث فيها وأسر جماعة منها كان منهم القاضى سليمان فحمله إلى واسط ثم سار إلى طهتا وكتب الجنانى بذلك إلى سليمان فوافاه لثنتين من ذى الحجة وجاء أحمد بن كيتونة بعد أن كان سار إلى الكوفة وجبيل فعاد إلى البريدية وصرف جعلان وضبط تلك الاعمال وأوقع تكين بسليمان وقتل جماعة من قواده ثم ولى الموفق على مدينة واسط محمد بن الوليد وجاءه في العساكر واستمد سليمان صاحبه بالخليل بن أبان في ألف وخمسمائة مقاتل فزحف إلى ابن المولد وهزمه واقتحم واسط بها منكجور البخاري فقاتله عامة يومه ثم قتل ونهب البلد وأحرقها وانصرف سليمان إلى جبيل واستدعوه في نواحيها تسعين ليلة * (استيلاء ابن طولون على الشأم) * كان على دمشق أيام المعتمد ماجور من قواد الاتراك فتوفى سنة أربع وستين وقام ابنه على مكانه وتجهز أحمد بن طولون من مصر إلى دمشق وكتب إلى ابن ماجور بأن المعتمد أقطعه الشأم والثغور فأجاب بالطاعة وسار أحمد واستخلف على مصر اينه العباس ولقيه ابن ماجور بالرملة فولاه عليها وسار إلى دمشق فملكها وأقر القواد على اقطاعهم ثم سار إلى حمص فملكها ثم حماة ثم حلب وكان على انطاكية وطرسوس سيما الطويل من قواد الاتراك فبعث إليه ابن طولون بالطاعة وأن يقره على ولايته فامتنع فسار إليه ودلوه على عورة في سور البلد نصب عليها المجانيق وقاتله فملكها عنوة وقتل سيما في الحرب فسار ثم قصد طرسوس فدخلها واعتزم على المقام بها ويريد الغزو وشكا أهلها غلاء السعر وسألوه الرحيل فرحل عنهم إلى الشأم ومضى إلى حران وبها محمد بن اتامش فحاربه وهزمه واستولى عليها ثم جاءه الخبر بانتقاض ابنه العباس بمصر(3/317)
وانه أخذ الاموال وسار إلى برقة فلم يكترث لذلك وأصلح أحوال الشأم وأنزل بحران عسكرا وولى مولاه لؤلؤا على الرقة وأنزل معه عسكرا وبلغ موسى بن اتامش خبر أخيه محمد فجمع العساكر وسار نحو جرجان وبها أحمد بن جيفونة من قواد ابن طولون فأهمل مسيره وقال له بعض الاعراب واسمه أبو الاعز لا يهمك أمره فانه طياش قلق وأنا آتيك به فقال افعل وزاده عشرين رجلا وسار إلى عسكر موسى ابن أتامش فأكمن بعض أصحابه ودخل العسكر بالباقي على زى الاعراب وقصد الخيل المرتبطة عند خيام ابن موسى فأطلقها وصاحوا فيها فنفرت واهتاج العسكر وركبوا واستطرد لهم أبو الاعز حتى جاوز الكمين وموسى في أوائلهم فخرج الكمين وانهزم أصحاب موسى من ورائه وعطف عليه أبو الاعز فأخذه أسيرا وجاء به إلى ابن جيفونة وبعث به إلى ابن طولون فاعتقله وعاد إلى مصر وذلك سنة ست وستين * (ومن أخبار الزنج) * ان سليمان احتفر نهر ايمر إلى سواد الكوفة ليتهيأ له الغارة على تلك النواحى وكان أحمد بن كيتونة فكبسهم وهم يعلمون وقد جمروا عساكرهم لذلك فأوقع بهم وقتل منهم نحوا من أربعين قائدا وأحرق سفنهم ورجع سليمان مهزوما إلى طهتا ثم عدت عساكر الزنج النعمانية واستباحوها وصار أهلها إلى جرجرايا وأحفل أهل السواد إلى بغداد وزحف على بن أبان بعسكر الزنج إلى تستر فحاصرها وأشرف على أخذها وكان الموفق استعمل على كور الاهواز مسرورا البلخى فولى عليها تكين البخاري فسار إليها ووافاها أهل تستر في تلك الحال فأغزى على ابن أبان وهزمه وقتل من الزنج خلقا ونزل تستر وبعث ابن أبان جماعة من قواد الزنج ليقيموا بقنطرة فارس وجاء عين بخبرهم إلى تكين فكبسهم وهزمهم وقتل منهم جماعة وسار ابن أبان فانهزم أمامه وكتب ابن ابان إلى تكين يسأله الموادعة فوادعه بعض الشئ واتهمه مسرور فسار وقبض عليه وحبسه عند عجلان بن أبان وفر منه أصحابه
وطائفة إلى الزنج وطائفة إلى محمد بن عبد الله الكرخي ثم أمن الباقين فرجعوا إليه * (موت يعقوب الصفار وولاية عمرو أخيه) * وفى سنة خمس وستين أخريات شوال منها مات يعقوب الصفار وقد كان افتتح الرحج وقتل ملكها وأسلم أهلها على يده وكانت مملكة واسعة الحدود وافتتح رابلستان وهى غرنة وكان المعتمد قد استماله وقلده أعمال فارس ولما مات قام أخوه عمرو بن الليث وكتب إلى المعتمد بطاعته فولاه الموفق من قبله ما كان له من الاعمال خراسان واصبهان والسند وسجستان والشرطة ببغداد وسر من رأى وقبله عبيد الله بن عبد الله بن طاهر وخلع الموفق عمرو بن الليث وولى على اصبهان من قبله أحمد بن عبد العزيز(3/318)
ابن أبى دلف محمد بن أبى الساج * (أخبار الزنج مع اغرتمش) * قد كان تقدم لنا ايقاع سليمان بن جامع باغرتمش وحربه بعد ذلك مع تكين وجعلان ومطر بن جامع وأحمد بن كيتونة واستيلاؤه على مدينة واسط ثم ولى اغرتمش مكان تكين البخاري يتولاه من أعمال الاهواز فدخل تستر في رمضان ومعه مطر بن جامع وقتل جماعة من أصحاب أبان كانوا مأسورين بها ثم سار إلى عسكر مكرم ووافاه هناك على بن ابان والزنج فاقتتلوا ثم تحاجزوا لكثرة الزنج ورجع على إلى الاهواز وسار اغرتمش إلى الخليل بن ابان ليعبروا إليه من قنطرة اربل وجاءه أخوه على محمدا وخاف أصحابه المخلفون بالاهواز فارتحلوا إلى نهر السروة وتحارب على واغرتمش يوما ثم رجع على إلى الاهواز ولم يجد أصحابه فبعث من يردهم إليه فلم يرجعوا وجاء اغرتمش وقتل مطر ابن جامع في عدة من القواد وجاء المدد لابن أبان من صاحبه الخبيث فوادعه اغرتمش وتركه ثم بعث محمد بن عبيد الله إلى ابكلاى ابن الخبيث في أن يرفع عنه يد ابن ابان فزاد ذلك في غيظه وبعث يطالبه محمد بالخراج ودافعه فسار إليه وهرب محمد من رامهرمز
إلى أقصى معاقله ودخل على والزنج رامهرمز وغنموا ما فيها ثم صالحه محمد على مائتي ألف درهم وترك أعماله ثم استنجده محمد بن عبيد الله على الاكراد على أن لعلى غنائمهم فاستخلف على على ذلك مجلز وطلب منه الرهن فمطل وبعث إليه الجيش فزحف بهم إلى الاكراد فلما نشب القتال انهزم أصحاب محمد فانهزم الزنج وأثخن الاكراد فيهم وبعث على من يعترضهم فاستلقوهم وكتب على إلى محمد يتهدده فاعتذر ورد عليهم كثيرا من أسلابهم وخشى من الخبيث وبعث إلى أصحابه مالا ليسألوه في الرضا عنه فأجابهم إلى ذلك على أن يقيم دعوته في أعماله ففعل كذلك ثم سار ابن ابان لحصار موتة واستكثر من آلات الحصار وعلم بذلك مسرور البلخى وهو بكور الاهواز فسار إليه ووافاه عليها فانهزم ابن أبان وترك ما كان حمله هناك وقتل من الزنج خلق وجاء الخبر بمسير الموفق إليهم * (استرجاع ابن الموفق ما غلب عليه الزنج من أعمال دجلة) * لما دخل الزنج واسط وعاثوا فيها كما ذكرناه بعث الموفق ابنه أبا العباس وهو الذى ولى الخلافة بعد المعتمد ولقب المعتضد فبعثه أبوه بين يديه في ربيع سنة ست وستين في عشرة آلاف من الخيل والرجال وركب لتشييعه وبعث معه السفن في النهر عليها أبو حمزة نصر فسار حتى وافى الخيل والرجل والسفن النهرية وعلى مقدمته الجنانى وانهم نزلوا الجزيرة قريبا من برد روبا وجاءهم سليمان بن موسى الشعرانى مددا بمثل ذلك(3/319)
وان الزنج اختلفوا في الاحتشاد ونزلوا من الصلح إلى أسسفل واسط ينتهزون الفرصة في ابن الموفق لما يظنون من قلة درايته بالحرب فركب أبو العباس لاستعلام أمرهم ووافى نصيرا فلقيهم جماعة من الزنج فاستطرد لهم أولا ثم كر في وجوههم وصاح بنصير فرجع وركب أبو العباس السفن النهرية فهزم الزنج وأثخن فيهم واتبعهم ستة فراسخ وغنم من سعيهم وكان ذلك أول الفتح ورجع سليمان بن جامع إلى نهر الامين وسليمان ابن موسى الشعرانى إلى سوق الخميس وأبو العباس على فرسخ من واسط يغاديهم
القتال ويراوحهم ثم احتشد سليمان وجاء من ثلاثة وجوه وركب في السفن النهرية وبرز إليه نصير في سفنه وركب معه أبو العباس في خاصته وأمر الجند بمحاذاته من الشط ونشب الحرب فوقعت الهزيمة على الزنج وغنمت سفنهم وأفلت سليمان والجنانى من الهلكة وبلغوا طهتا ورجع أبو العباس إلى معسكره وأمر باصلاح السفن المغنومة وحفر الزنج في طريق الجبل الآبار وغطوها فوقع بعض الفرسان فيها فعدل جند السلطان عن ذلك الطريق وأمر الخبيث أصحابه بالسفن في النهر وأغاروا على سفن أبى العباس وغنموا بعضها وركب في اتباعهم واستنقذ سفنهم وغنم من سفنهم نحوا من ثلاثين وجد في قتالهم وتحصن ابن جامع بطهتا وسمى مدينته المنصورة والشعراني بسوق الخميس وسمى مدينته المنيعة وكان أبو العباس يغير على الميرة التى تأتيهم من سائر النواحى وركب في بعض الايام إلى مدينة الشعرانى التى سماها المنيعة وركب نصير في النهر وافترفوا في مسيرهم واعترضت أبا العباس جماعة من الزنج فمنعوه من طريق المدينة وقاتلوه مقدار نهاره وأشاعوا قتل نصير وخالفهم نصير إلى المدينة فأثخن فيها وأضرموا النار في بيوتها وجاء الخبر بذلك إلى أبى العباس بسيره ثم جاء نصير ومعه أسرى كثيرون فقاتلوا الزنج وهزموهم ورجع أبو العباس إلى عسكره وبعث الخبيث إلى ابن ابان وابن جامع فأمرهما بالاجتماع على حرب أبى العباس * (وصول الموفق لحرب الزنج وفتح المنيعة والمنصورة) * كان الموفق لما بعث ابنه أبا العباس لحرب الزنج تأخر لامداده بالحشود والعدد وازحة علله ومسارقة أحواله فلما بلغه اجتماع ابن أبان وابن جامع لحربه سار من بغداد إليه فوصل إلى واسط في ربيع الاول من سنة سبع وستين ولقيه ابنه وأخبره بالاحوال ورجع إلى عسكره ونزل الموفق على نهر شداد ونزل ابنه شرقي دجلة على موهة بن مساور فأقام يومين ثم رحل إلى المنيعة بسوق الخميس سار إليها في النهر ونادى بالمقامة ولقيه الزنج فحاربوه ثم جاء الموفق فانهزموا واتبعهم أصحاب أبى العباس فاقتحموا عليهم(3/320)
المنيعة وقتلوا خلقا وأسروا اخرين وهرب الشعرانى واختفى في الآجام آخرون ورجع الموفق إلى عسكره وقد استنقذ من المسلمات نحو خمس عشرة امرأة ثم غدا على المنيعة فأمر بنهبها وهدم سورها وطم خندقها واحراق ما بقى من السفن فيها وببعث الاقوات التى أخذت فكانت لا حد لها فصرفت في الجند وكتب الخبيث إلى ابن جامع يحذره مثل ما نزل بالشعرانى وجاءت العيون إلى الموفق ان ابن جامع بالحوانيت فسار إلى الضبية وأمر ابنه بالسير في النهر إلى الحوانيت فلم يلق ابن جامع بها ووجد قائدين من الزنج استخلفهم عليها بحفظ الغلات ولحق بمدينته المنصورة بطهتا فقاتل ذلك الجند ورجع إلى أبيه بالخبر فأمره بالمسير إليه وسار على أثره برا وبحرا حتى نزلوا على ميلين من طهتا وركب لبيونى مقاعد القتال على المنصورة فلقيه الزنج وقاتلوه وأسروا جماعة من غلمانه ورمى أبو العباس بن الموفق أحمد بن مهدى الجنانى فمات وأوهن موته ثم ركب يوم السبت آخر ربيع من سنة سبع وعبى عسكره وبعث السفن في البحر الذى يصل إلى المنصورة ثم صلى وابتهل بالدعاء وقدم ابنه أبا العباس إلى السور واعترضه الجند فقاتلهم عليه واقتحموا وولوا منهزمين إلى الخنادق وراءه فقاتلوه عندها واقتحمها عليهم كلها ودخلت السفن المدينة من النهر فقتلوا وأسروا وأجلوهم عن المدينة وما اتصل بها وهو مقدار فرسخ وملكه الموفق وأفلت ابن جامع في نفر من أصحابه وبلغ الطلاب في أثره إلى دجلة وكثر القتل في الزنج والاسر واستنقذ العباس من نساء الكوفة وواسط وصبيانهم أكثر من عشرة آلاف وأعطى ما وجد في المنصورة من الذخائر والاموال للاجناد وأسر من نساء سليمان وأولاده عدة ولما جاء جماعة من الزنج إلى الآجام اختفوا فأمر بطلبهم وهدم سور المدينة وطم خنادقها وأقام سبعة عشر يوما في ذلك ثم رجع إلى واسط * (حصار مدينة الخبيث المختارة وفتحها) *
ثم ان الموفق عرض عساكره وأزاح عللهم وسار ومعه ابنه أبو العباس إلى مدينة الخبيث فأشرف عليها ورأى من حصانتها بالاسوار والخنادق ووعر الطرق وما أعد من الآلات للحصار ومن كثرة المقاتلة ما استعظمه ولما عاين الزنج عساكر الموفق دهشوا وقدم ابنه أبا العباس في السفن حتى ألصقها بالاسوار فرموه بالحجارة في المجانيق والمقاليع والايدى ورأوا من صبره وأصحابه ما لم يحتسبوه ثم رجعوا وتبعهم مستأمنة من المقاتلة والملاحين نزعوا إلى الموفق فقبلهم وأحسن إليهم فتتابع المستأمنون في النهر فوكل الخبيث بفوهة النهر من معهم وتعبى أهل السفن للحرب مع بهبود قائد الخبيث فزحف إليه أبو العباس في السفن وهزمه وقتل الكثير من أصحابه ورجع فاستأمن(3/321)
إليه بعض تلك السفن النهرية وكثير من المقاتلة فامنهم وأقام شهرا لم يقاتلهم ثم عبى عساكره منتصف شعبان في البر والبحر وكانوا نحوا من خمسين ألفا وكان الزنج في نحو ثلثمائة ألف مقاتل فأشرف عليهم ونادى بالامان الا للخبيث ورمى بالرفاع في السهام بالامان فجاء كثير منهم ولم يكن حرب ثم رحل من مكانه ونزل قريبا من المختارة ورتب المنازل من انشاء السفن وشرع في اختطاط مدينة لنزله سماها الموفقية فأكمل بناءها وشيد جامعها وكتب بحمل الاموال والميرة إليها وأغب الحرب شهرا فتتابعت الميرة إلى المدينة ورحل إليها التجار بصنوف البضائع واستبحر فيها العمران ونفقت الاسواق وجلبت صنوف الاشياء ثم أمر الموفق ابنه أبا العباس بقتال من كان من الزنج خارج المختارة فقاتلهم وأثخن فيهم فاستأمن إليه كثير منهم فامنهم ووصلهم وأقام الموفق أياما يحاصر المحاربين ويصل المستأمنين واعترض الزنج بعض الوفاد الجائية بالميرة فامر بترتيب السفن على مخارج الانهار ووكل ابنه أبا العباس بحفظها وجاءت طائفة من الزنج بعض الايام إلى عسكر نصير يريدون الايقاع به فأوقع بهم وظفر ببعض القواد منهم فقتل رشقا بالسهام وتتابع المستأمنة فبلغوا إلى
آخر رمضان خمسين ألفا ثم بعث الخبيث عسكرا من الزنج مع على بن أبان ليأتوا من وراء الموفق إذا ناشبهم الحرب ونمى إليه الخبر بذلك فبعث ابنه أبا العباس فاوقع بهم وحملت الاسرى والرؤس في السفن النهرية ليراها الخبيث وأصحابه وظنوا ان ذلك تمويه فرميت الروس في المجانيق حتى عرفوها فظهر منهم الجزع وتكررت الحرب في السفن بين أبى العباس وبين الزنج وهو يظهر عليهم في جميعها حتى انقطعت الميرة عنهم فاشتد الحصار عليهم وخرج كثير من وجوه أصحابه مستأمنين مثل محمد بن الحرث القمى وأحمد اليربوعي وكان من اشجع رجاله القمى منهم موكلا بحفظ السور فأمنهم الموفق ووصلهم وبعث الخبيث قائدين من أصحابه في عشرة آلاف ليأتوا البطيحة من ثلاثة وجوه فيعبروا من تلك النواحى ويقطعوا الميرة عن الموفق وبلغ الموفق خبرهم فبعث إليهم عسكرا مع مولاه ونزل فأوقع بهم وقتل وأسر وأخذ منهم أربعمائة سفينة ولما تتابع خروج المستأمنة وكل الخبيث من يحفظها وجهدهم الحصار فبعث جماعة من قواده إلى الموفق يستأمنون وان يناشبهم الحرب ليجدوا السبيل إليه فارسل ابنه أبا العباس إلى نهر الغربي وبه على بن أبان فاشتد الحرب وظهر أبو العباس على ابن أبان وأمده الخبيث بابن جامع ودامت الحرب عامة يومهم وكان الظفر لابي العباس وسار إليه المستأمنة الذين واعدوه وانصرف أبو العباس إلى مدينة الخبيث وقاتل بعض الزنج طمعا فيهم لقتلهم فتكاثروا عليه ثم جاءه المدد من قبل أبيه فظهر عليهم(3/322)
وكان ابن جامع قد صعد في النهر وأتى أبا العباس من ورائه وخفقت طبوله فانكشف أصحاب أبى العباس ورجع منهزمة الزنج فأجبت جماعة من غلمان الموفق وعدة من أعلامهم وحامى أبو العباس عن أصحابه حتى خلصوا وقوى الزنج بهذه الواقعة فاجمع الموفق العبور إلى مدينتهم بعسكره فعبى الناس لذلك من الغداة آخر ذى الحجة واستكثر من المعابر والسفن وقصدوا حصن أو كان بالمدينة وفيها انكلاى بن الخبيث وابن جامع
وابن أبان وعليه المجانيق والآلات فأمر غلمانه بالدنو منه فخاموا لاعتراض نهر لاتراك بينهم وبينه فصاح بهم فقطعوا النهر سبحا وتناولوا الركن بالسلاح يهدمونه ثم صعدوا عليه وملكوه ونصبوا به علم الموفق وأحرقوا ما كان عليه من الآلات وقتلوا من الزنج خلقا عظيما وكان أبو العباس يقاتلهم من الناحية الاخرى وابن أبان قبالته فهزمه ووصل أصحاب ابى العباس إلى السور فثلموه ودخلوا ولقيهم ابن جامع فقاتلهم حتى ردهم إلى مواقفهم ثم توافي الفعلة فثلموا السور في مواضع ونصبوا على الخندق جسرا عبر عليه المقاتلة فانهزم الزنج عن السور واتبعهم أصحاب الموفق يقتلونهم إلى دير ابن سمعان فملكه أصحاب الموفق وأحرقوه وقاتلهم الزنج هناك ثم انهزموا فبلغوا ميدان الخبيث فركب من هنالك وانهزم عنه أصحابه وأظلم الليل ورجع الموفق بالناس وتأخر أبو العباس لحمل بعض المستأمنين في السفن واتبعه بعض الزنج ونالوا من آخر السفن وكان بهبود بازاء مسرور البلخى فنال من أصحابه واستأمن بعض المنهزمين من الزنج والاعراب بعثوا بذلك من عبادان والبصرة وكان منهم قائده ريحان أبو صالح المعرى فامنهم الموفق وأحسن إليهم وضم ريحان إلى أبى العباس وخرج في المحرم إلى الموفق من قواد الخبيث وثقاته جعفر بن ابراهيم المعروف بالسبحان فأحسن إليه الموفق وحمله في بعض السفن إلى قصر الخبيث فوقف وكلم الزنج في ذلك وأقام الموفق أياما استجم فيها أصحابه فلما كان منتصف ربيع الثاني قصد مدينة الخبيث وفرق القواد على جهاتها ومعهم النقابون للسور ومن ورائهم الرماة يحمونهم وتقدم إليهم أن لا يدخلو بعد الهزم الا باذنه فوصلوا إلى السور وثلموه وحاربوا الزنج من ورائه وهزموهم وبلغوا ابعد مما وصلوا إليه بالامس ثم تراجع الزنج وحاربوا من المكامن فرجع أصحاب الموفق نحو دجلة بعد ان نال منهم الزنج ورجع الموفق إلى مدينته ولام أصحابه على تقدمهم بغير اذنه ثم بلغ الموفق ان بعض الاعراب من بنى تميم يجلبون الميرة إلى الزنج فبعث إليهم عسكرا أثخنوا فيهم قتلا وأسرا وجئ بالاسرى فقتلهم وأوعز إلى البصرة بقطع
الميرة فانقطعت عن الزنج بالكلية وجهدهم الحصار وكثير المستأمنة وافترق كنير من الزنج في القرى والامصار البعيدة وبث الموفق دعاته فيهم ومن أبى قتلوه وعرض(3/323)
المستأمنين وأحسن إليهم ليستميل وتابع الموفق وابنه قتال الزنج وقتل بهبود بن عبد الواحد من قواد الخبيث في تلك الحروب فكان قتله من أعظم الفتوح وكان قتله في السفن البحرية ينصب فيها اعلاما كاعلام الموفق ويخايل أطراف العسكر فيصيب منهم وأفلت في بعض الايام من يد أبى العباس بعد ان كان حصل في قبضته ثم خيل أخرى لبعض السفن طامعا فيها فحاربوه وطعنه بعض الغلمان منها فسقط في الماء وأخذه أصحابه فمات بين أيديهم وخلع الموفق على الغلام الذى طعنه وعلى أهل السفينة ولما هلك بهبود قبض الخبيث على بعض أصحابه وضربهم على ماله فاستفسد قلوبهم وهرب كثير منهم إلى الموفق فوصلهم ونادى بالامان لبقيتهم ثم اعتزم على العبور إلى لزنج من الجانب الغربي وكانت طرقه ملتفة بالنخيل فامر بقطعها وأدار الخنادق على معسكره حذرا من البيات ثم صعب على الموفق القتال من الجانب الغربي لكثرة أو عاره وصعوبة مسالكه وما يتوجه فيها على أصحابه من خيل الزنج لقلة خبرتهم بها فصرف قصده إلى هدم أسوارهم وتوسعت الطرق فهدم طائفة من السور من ناحية نهر سلمى وباشر الحرب بنفسه واشتد القتال وكثرت القتلى في الجانبين وفشت الجراح وكانت في النهر قنطرتان يعبر منهما الزنج عند القتال ويأتون أصحاب الموفق من ورائهم فامر بهدمهما فهدمتا ثم هدم طائفة من السور ودخلوا المدينة وانتهوا إلى دار ابن سمعان من خزائن الخبيث ودواوينه ثم تقدموا إلى الجامع فخربوه وجاؤا بمنبره إلى الموفق بعد ان استمات الزنج دونه فلم يغنوا به ثم أكثروا من هدم السور وظهرت علامات الفتح ثم أصاب الموفق في ذلك اليوم سهم في صدره وذلك لخمس بقين من جمادى سنة تسع وستين فعاد إلى عسكره ثم صابح الحرب تقوية لقلوب الناس ثم لزم الفراش
واضطرب العسكر وأشير عليه بالذهاب إلى بغداد فابى فاحتجب عن الناس ثلاثة أشهر حتى اندمل جرحه ثم ركب إلى الحرب فوجد الزنج قد سددوا ما تثلم من الاسوار فامر بهدمها كلها واتصل القنال مما يلى نهر سلمى كما كان والزنج يظنون انهم لا يأتون الا منها فركب يوما لقتالهم وبعث السفن أسفل نهر أبى الخصيب فانتهوا إلى قصر من قصور الزنج فاحرقوه وانتهبوا ما فيه واستنقذوا كثيرا من الساكن فيه ورحع الموفق آخر يومه ظافرا ثم بكر لحربهم فوصلت المقدمات دار أنكلاى بن الخبيث وهى متصلة بدار ابيه وأشار ابن أبان باجراء المياه على الساج وحفر الخنادق بين يدى العساكر وأمر الموفق بطم الخنادق والانهار ورام احراق قصره وقصده من دجلة فمنع من ذلك كثرة الحماة عنه فامر ان تسقف السفن بالاخشاب وتطلى بالادوية المانعة من الاحراق ورتب فيها انجاد أصحابه وباتوا على أهبة الزحف من الغد وجاء كاتب الخبيث وهو محمد(3/324)
ابن سمعان عشاء ذلك اليوم مستامنا وبكروا إلى الحرب وأمر الموفق ابنه أبا العباس باحراق منازل القواد المتصلة بقصر الخبيث ليشغلهم عن حمايته وقصدت السفن المطلية قصر الخبيث فاحرقوا الرواشن والابنية الخارجة وعلت النار فيه ورموا بالنار على السفن فلم تؤثر فيها ثم حصر الماء من النهر فزحفت السفن فلما جاء الدعاة إلى القصر أحرقوا بيوتا كانت تشرع على دجلة واشتعلت النار فيها وقويت وهرب الخبيث وأصحابه وتركوها وما فيها واستولى أصحاب الموفق على ذلك كله واستنقذوا جماعة من النساء وأحرق قصر انكلاى ابنه وجرحا وعاد الموفق عشاء يومه مظفرا ثم بكر من الغد للقتال وأمر نصيرا قائد السفن بقصد القنطرة التى كان الخبيث عملها في نهر ابى الخصيب دون القنطرة التى كان اتخذها وفرق العسكر في الجهات فدخل نصير في أول المد ولصق بالقنطرة واتصل الشد من ورائه فلم يقدر على الرجوع حتى حسر الماء عنها وفطن لها الزنج فقصدوها فألقى الملاحون أنفسهم في الماء وألقى نصير نفسه وقاتل ابن
جامع ذلك اليوم أشد قتال ثم انهزم وسقط في الحريق فاحترق ثم خلص بعد الجهد وانصرف الموفق سالما وأصابه مرض المفاصل واتصل به إلى شعبان من سنته فامسك في هذه المدة عن الحرب حتى أبلى فاعاد الخبيث القنطرة التى غرق عندها نصير وزاد فيها وأحكمها وجعل امامها سكرا من الحجارة ليضيق المدخل على السفن فبعث الموفق طائفة من شرقي نهر ابى الخصيب وطائفة من بحرية ومعهم الفعلة لقطع القنطرة وجعل امامها سفنا مملوأة من القصب لتصيبها النار بالنفط فيحترق الجسر وفرق جنده على القتال وساروا لما أمرهم عاشر شوال وتقدموا إلى الجسر ولقيهم انكلاى بن الخبيث وابن أبان وابن جامع وحاموا عن القنطرة لعلمهم بما في قطعها من المضرة عليهم ودامت الحرب عليها إلى العشى ثم غلبهم أصحاب الموفق عليها ونقضها النجارون ونقضوا الاثقال التى دونها وأدخلوا السفن بالقصب وأضرموها نارا ووافت القنطرة فاحرقتها ووصل النجارون بذلك إلى ما أرادوا وسهل سبيل السفن في النهر وقتل من الزنج خلق واستأمن آخرون وانتقل الخبيث بعد حرق قصوره ومساكن أصحابه إلى الجانب الشرقي من نهر أبى الخصيب ونقل أسواقه إليه وتين ضعفه فانقطعت عنه الميرة وفقدت الاقوات وغلت حتى أكل بعضهم بعضا وأجمع الموفق أن يحرق الجانب الشرقي كما أحرق الغربي فقصد دار الهمذان وكان حصينا وعليه الآلات فلما انتهى إليها تعذر الصعود لعلو السور فرموا بالكلاليب ونشبت في أعلام الخبيث وحذبوها فتساقطت فانهزم المقاتلة وصعد النفاطون فاحرقوا ما كان عليها من الآلة ونهبوا الاثاث والمتاع واتصل الحريق بما حولها من الدور واستأمن للموفق جماعة من خاصة الخبيث(3/325)
فامنهم ودلوه على سوق عظيمة متصلة بالجسر الاول تسمى المباركة وبها التجار الذين بهم قوامهم فقصدها لاحراقها وحاربه الزنج عندها وأضرم أصحابه النار فيها فاتصلت وبقى التحريق عامة اليوم ثم رجع الموفق ثم انتقل التجار بامتعتهم وأموالهم إلى أعلى المدينة
ثم فعل الخبيث في الجانب الشرقي بعد هذه من حفر الخنادق وتغوير الطرق مثل ما كان فعل في الجانب الغربي واحتفر خندقا عريضا حصن به منازل أصحابه على النهر الغربي ثم خرق الموفق باقى السور إلى النهر الغربي بعد حرب شديدة كانت عليه وكان للخبيث جمع من الزنج وهم أشجع أصحابه قد تحصنوا بحصن منيع يخرجون على أصحاب الموفق عند الحرب فيعوقونهم فاجمع على تخريبه وجمع المقاتلة عليه برا وبحرا وفرقهم على سائر جهاته وجهات الخبيث وأمد الخبيث الحصن بالمهلبى وابن جامع فلم يغنوا عنه وانهزموا وتركوا الحصن في يدى أصحاب الموفق وهزموه وقتلوا من الزنج خلقا وخلصوا من الحصن كثيرا من النساء والصبيان ورجع الموفق إلى عسكره ظافرا * (استيلاء الموفق على الجهة الغربية) * ولما هدم الموفق سور دار الخبيث أمر بتوسعة الطرق للحرب وأحرق الجسر الاول الذى على نهر أبى الخصيب ليمنع من مدد بعضهم بعضا فكان في احراقه حرب عظيمة وأعدت لذلك سفينة ملئت قصبا وجعل فيها النفط وأرسلت في قوة المدد فتبادر الزنج إليها وغرقوها فركب الموفق إلى فوهة نهر أبى الخصيب وقصدهم من غربي النهر وشرقيه إلى ان انتهوا إلى الجسر من غربيه وعليه انكلاى بن الخبيث وابن جامع فاحرقوه وفعل مثل ذلك من الجانب الشرقي فاحترق الجسر والحظيرة التى كانت لانشاء السفن وسجن كان هناك للخبيث وانحاز هو وأصحابه من الجانب الغربي واستأمن كثير من قواده فامنهم وأخرجوا ارسالا وخرج قاضيه هاربا ووكل بالجسر الثاني من يحفظه وأمر الموفق ابنه أبا العباس بأن يتجهز لاحراقه فزحف في انجاد علمانه ومعه الفعلة والالات وكان في الجانب الغربي قبالة أبى العباس انكلاى وابن جامع وفى الجانب الغربي قبالة أسد مولى الموفق الخبيث نفسه والمهلبى وجاءت السفن في النهر وقاتلوا حامية الجسر فانهزم ابن جامع وانكلاى وأضرمت النار في الجسر ولما وافياه وهو مضطرم نارا ألقيا أنفسهما في النهر فخلصا بعد ان غرق من أصحابهما خلق واحترق الجسر وتصل
الحريق بدورهم وقصورهم وأسواقهم وافتراق الجيش في الجانبين ونهبت دار الخبيث واستنقذ من كان في حبسه من النسوة والرجال وأخرج ما كان في نهر أبى الخصيب من أصناف السفن إلى دجلة ونهبها أصحاب الموفق واستأمن انكلاى بن الخبيث وعلم أبوه فثناه عن ذلك واستامن سليمان بن موسى الشعرانى من رؤساء قواده فاجيب بعد(3/326)
توقف ولما خرج تبعه أصحاب الخبيث فقاتلهم ووصل إلى الموفق فاحسن إليه واقتفى أثره في ذلك شبل بن سالم من قواده وعظم على الخبيث وأوليائه استئمان هؤلاء وصار شبل ابن سالم بخرج في السرايا إلى عسكر الخبيث ويكثر النكاية فيهم * (استيلا الموفق على الجهة الشرقية) * وفى خلال هذه الحروب واتصالها مرن أصحاب الموفق على تخلل تلك المسالك والشعاب مع تضايقها ووعرها وأجمع الموفق على قصد الجانب الشرقي في نهر أبى الخصيب وندب لذلك قواد المستأمنة لخبرتهم بذلك دون غيرهم ووعدهم بالاحسان والزيادة فأبوا وسألوه الا قالة فأبى لتتميز مناصحتهم وجمع سفن دجلة من كل جانب وكان فيها عشرة الاف ملاح من المرتزقة وأمر ابنه أبا العباس بقصد مدينة الخبيث الشرقية من جهاتها فسار إلى دار المهلبى وهو في مائة وخمسين قطعة من السفن قد شحنها بأنجاد غلمانه وانتخب عشرة آلاف مقاتل وأمرهم بالمسير حفا في النهر يشاهد أحوالهم وبكر الموفق لثمان خلون من ذى القعدة زاحفا للحرب فاقتتلوا مليا وصبروا ثم انهزم الزنج وقتل منهم خلق وأسر اخرون فقتلوا وقصد الموفق لجمعه دار الخبيث وقد جمع الخبيث أصحابه للمدافعة فلم يغنوا عنه وانهزموا وأسلموها فنهبها أصحاب الموفق وسبوا حريمه وبنيه وكانوا عشرين ونجا إلى دار المهلبى ونهبها واشتغل أصحابهم جميعا بنقل الغنائم إلى السفن فاطمع ذلك الزنج فيهم وتراجعوا وردوا الناس إلى مواقفهم ثم صدق الموفق الحملة عشى النهار فهزم الزنج إلى دار الخبيث ورجع الناس إلى عسكره ووصله كتاب لؤلؤ غلام ابن
طولون يستأذنه في القدوم عليه فأخر القتال إلى حضوره * (مقتل صاحب الزنج) * ولما وصل غلام ابن طولون في ثالث المحرم من سنة سبعين جاء في جيش عظيم فاحسن إليهم الموفق وأجرى لهم الارزاق على مراتبهم وأمره بالتأهب لقتال الخبيث وقد كان لما غلب على نهر أبى الخصيب وقطعت القناطر والجسور التى عليه أحدث فيه سكرا وضيق جرية الماء ليمنع السفن من دخوله إذا حضر ويتعذر خروجها أمامه وبقى جريه لا يتهيا الا بازالة ذلك السكر فحاول ذلك مدة والزنج يدافعون عنه ودفع الموفق لذلك لؤلؤا في أصحابه ليتمرنوا على حرب الزنج في تلك المسالك والطرق فأحسنوا البلاء فيها ووصلهم وألح على العسكر وهو كل يوم يقتل مقاتلتهم ويحرق مساكنهم ويقتل المستأمنة منهم وقد كان بقى بالجهة الغربية بقية من أبنية ومزارع وبها جماعة يحفظونها فسار إليهم أبو العباس وأوقع بهم ولم يسلم منهم الا الشريد ثم غلبهم على السكر وأحرقه واعتزم على لقاء الخبيث وقدم ابنه أبا العباس إلى دار المهلب وأضاف(3/327)
المستأمنة إلى شبل بن سالم وأمرهم أن ينتظروا بالقتال نفخ البوق ونصب علمه الاسود على دار الكرماني ثم صمد إليهم وزحف الناس في البر والنهر ونفخت الابواق وذلك لثلاث بقين من المحرم سنة سبعين واشتد القتال وانهزم الزنج ومات منهم قتلا وغرقا ما لا يحصى واستولى الموفق على المدينة واستنقذوا الاسرى وأسروا الخليل وابن أبان وأولادهما وعيال أخيهما ومضى الخبيث ومعه ابنه انكلاى وابن جامع وقواد من الزنج إلى موضع بنهر السفياني كانوا أعدوه ملجأ إذا غلب على المدينة واتبعه الموفق في السفن ولؤلؤ في البر ثم اقتحم النهر بفرسه واتبعه أصحابه فاوقعوا بالخبيث ومن معه حتى عبروا نهر السامان واعتصموا بجبل وراءه ورجع لؤلؤ عنهم وشكر له الموفق ورفع منزلته واستبشر الناس بالفتح وجمع الموفق أصحابه فوبخهم على انقطاعهم عنه
فاستعذروا بأنهم ظنوا انصرافه ثم تحالفوا على الاقدام والثبات حتى يظفروا وسالوه أن ترد المعابر التى يعبرون فيها ليستميت الناس في حرب عدوهم فوعدهم بذلك وأصبح ثالث صفر فعبى المراكب وبعثهم إلى المراكز ورد المعابر التى عبروا فيها وتقدم سرعان العسكر فاوقعوا بالخبيث وأصحابه ففضوا جماعة وأثخنوا فيهم قتلا وأسرا وافترقوا كل ناحية وثبت مع الخبيث لمة من أصحابه فيهم المهلبى وذهب ابنه انكلاى وابن جامع واتبع كلا منهم طائفة من العسكر بأمر أبى العباس بن الموفق ثم أسر ابراهيم بن جعفر الهمذانى فاستوثقوا منه ثم كر الخبيث والمنهزمون معه على من اتبعهم من أهل العسكر فازالوهم عن مواقفهم ثم رجعوا ومضى الموفق في اتباع الخبيث إلى آخر نهر أبى الخصيب فلقيه غلام من أصحاب لؤلؤ برأس الخبيث وسار انكلاى نحو الدينارى ومعه المهلبى وبعث الموفق أصحابه في طلبهم فظفر بهم وعن معهم وكانوا زهاء خمسة الاف فاستوثق منهم ثم استامن إليه ورمونة وكان عند البطيحة قد اعتصم بمغايض وآجام هنالك يخيف السابلة ويغير على تلك النواحى وعلى الواردين إلى مدينة الموفق فلما علم بموت الخبيث سقط في يده وبعث يستأمن فأمنه الموفق فحسنت توبته ورد الغصوبات إلى أهلها ظاهرا وامر الموفق بالنداء برجوع الزنج إلى موطنهم فرجعوا وأقام الموفق بمدينة الموفقية ليامن الناس بمقامه وولى على البصرة والابلة وكور دجلة محمد بن حماد وقدم ابنه أبا العباس إلى بغداد فدخلها منتصف جمادى من سنة سبعين وكان خروج صاحب الزنج آخر رمضان سنة خمس وخمسين وقتله أول صفر سنة سبعين لاربع عشرة سنة وأربعة أشهر من دولته * (ولاية بن كنداج على الموصل) * لما سار أحمد بن موسى بن بغا إلى الجزيرة وولى موسى بن أتامش على ديار ربيعة فتغير(3/328)
لذلك اسحق بن كنداج وفارق عسكره وأوقع بالاكراد اليعقوبية وانتهب أموالهم
ثم لقى ابن مساور الخارجي فقتله وسار إلى الموصل فقاطع أهلها على مال وكان عليهم على ابن داود قائدا فدفعه وسار ابن كنداج إليه فخرج على بن داود واجتمع حمدان بن حمدون الثعلبي واسحق بن عمر بن أيوب بن الخطاب الثعلبي العدوى فكانوا خمسة عشر وجاءهم على بى داود فلقيهم اسحق في ثلاثة آلاف فهزمهم بدسيسة من أهل مسيرتهم وسار حمدان وعلى بن داود إلى نيسابور وابن أيوب إلى نصيبين وابن كنداج في اتباعه فسار عنها واستجار بعيسى ابن الشيخ الشيباني وهو بامد وأبى العز موسى ابن زرارة وهو عامل أردن فأنجداه وبعث المعتمد إلى اسحق بن كنداج بولاية الموصل فدخلها وأرسل إليه ابن الشيخ وابن زرارة مائة ألف دينار على أن يقرهم على أعمالهم فأبى فاجتمعوا على حربه فرجع إلى اجابتهم ثم حاربوه سنة سبع وستين واجتمع لحربه اسحق بن أيوب وعيسى ابن الشيخ وأبو العز بن حمدان بن حمدون في ربيعة وثعلب وبكر واليمن فهزمهم ابن كنداج إلى نصيبين ثم إلى آمد وحمر عسكر الحصار ابن الشيخ بآمد وكانت بينهم حروب * (حروب الخوارج بالموصل) * كان مساور الخارجي قد هلك في حروبه مع العساكر سنة ثلاث وستين بالبوارسح وأراد أصحابه ولاية محمد بن حرداد بشهرزور فامتنع وبايعوا أيوب بن حيان المعروف بالغلام فقتل فبايعوا هرون بن عبد الله البجلى وكثر أتباعه واستولى على بلد الموصل وخرج عليه من أصحابه محمد بن حرداد وكان كثير العبادة والزهد يجلس على الارض ويلبس الصوف الغليظ ويركب البقر لئلا يفر في الحرب فنزل واسط وجاء وجوه أهل الموصل فسار إليهم وهرون غائب في الاحشاد فبادر إليه واقتتلا وانهزم هرون وقتل من أصحابه نحو مائتين وقصد بنى ثعلب مستنجدا بهم فأنجدوه وسار معه حمدان ابن حمدون ودخل معه الموصل ودخل ابن حرداد واستمال هرون أصحابه ورجع إلى الحديثة ولم يبق مع ابن حرداد الا قليل من الاكراد فمالوا إلى هرون بالموصل فخرج
وأوقع بابن حرداد فقتله وأوقع بالاكراد الجلالية وكثر أتباعه وغلب على القرى والرساتيق وجعل على دجلة من يأخذ الزكاة من الاموال المصعدة والمنحدرة ووضع في الرساتيق من يقبض اعتبار الغلات واستقام أمره ثم جاء بنو ساسان لقتاله سنة ست وسبعين واستنجد بحمدان بن حمدون فجاءه بنفسه وسار إلى نهر الخازن وانهزمت طليعتهم وانهزموا بانهزامها وجاء بنو شيبان إلى قسوى فانجفل أهلها وأقام هرون وأصحابه بالحديثة(3/329)
* (أخبار رافع بن هرثمة من بعد الخجستاني) * لما قتل أحمد الخجستاني سنة ثمان وستين كما قدمناه اجتمع أصحابه على رافع بن هرثمة من قواد محمد بن طاهر وكان رافع هذا لما استولى يعقوب الصفار على نيسابور وزال بنو طاهر صار رافع في جملته وصحبه إلى سجستان ثم أقصاه عن خدمته وعاد إلى منزله بنواحي جى حتى استخدمه الخجستاني وجعله صاحب جيشه فلما قتل الخجستاني اجتمع الجيش عليه بهراة وأمروه وسار إلى نيسابور فحاصر بها أبا طلحة بن شركب وقد كان وصل إليها من جرجان فضيق عليه المخنق ففارقها أبو طلحة إلى مرو وولى على هراة ابن المهدى وخطب لمحمد بن طاهر بمرو وهراة وزحف إليه عمرو بن الليث فهزمه وغلبه على ما بيده واستخلف على مرو محمد بن سهل بن هاشم وخرج أبو طلحة إلى مكمد واستعان باسمعيل بن أحمد السامانى فأمده بعسكر وأخرج محمد بن سهل وخطب بها لعمرو بن الليث سنة احدى وسبعين ثم قلد الموفق تلك السنة أعمال خراسان لمحمد ابن طاهر وهو ببغداد فاستخلف عليها رافع بن الليث وأقر على ما وراء النهر نصر بن أحمد ووردت كتب الموفق بعزل عمرو بن الليث ولعنه فسار رافع إلى هراة وقد كان بها محمد ابن المهدى خليفة أبى طلحة فثار عليه يوسف بن معبد فلما جاء رافع استأمن إليه فأمنه واستعمل على هراة مهدى بن محسن ثم سار رافع إلى أبى طلحة بمرو بعد أن استمد اسمعيل ابن أحمد وأمده بنفسه في أربعة آلاف فارس واستقدم على بن محسن المروروزى
فقدم عليه في عسكره وساروا جميعا إلى أبى طلحة بمرو سنة ثنتين وسبعين فهزموه وعاد اسمعيل إلى بخارا ولحق بأبى طلحة وبها مهدى فاجتمع معه على مخالفة رافع فهزمهما رافع ولحق أبو طلحة بعمرو بن الليث وقبض على مهدى سنة ثنتين وسبعين ثم خلى سبيله وسار رافع إلى خوارزم فجبى أموالها ورجع إلى نيسابور * (مغاضبة المعتمد للموفق ومسيرة ابن طولون وما نشأ من الفتنة لاجل ذلك) * كان الموفق حدثت بينه وبين ابن طولون وحشة وأراد عزله وبعث موسى بن بغا في العساكر إليه سنة ثنتين وستين فأقام بالرقة عشرة أشهر واختلف عليه العسكر فرجع وكان الموفق مستبدا على أخيه المعتمد منذ قيامه بأمر دولته مع ما كان من الكفاية والغناء الا أنه كان المعتمد يتأفف من الحجر وكتب إلى أحمد بن طولون في السر يشكو ذلك وأشار عليه باللحاق إليه بمصر لينصره وبعث عسكرا إلى الرقة في انتظاره وكان الموفق مشغولا بحرب الزنج فسار المعتمد منتصف سنة تسع وستين في القواد مظهرا انه يتصيد ثم سار إلى أعمال الموصل وعليها يومئذ وعلى سائر الجزيرة أصحاب كنداج(3/330)
وكتب صاعد بن مخلد وزير الموفق عن الموفق إلى اسحق برده عن طريقه والقبض على من معه من القواد فلما وصل المعتمد إلى عمله أظهر اسحق طاعته فارتحل في خدمته إلى أول عمل ابن طولون ثم اجتمع بالمعتمد والقواد وفيهم نيزك وأحمد بن خاقان وغيرهم فعذلهم في المسير إلى ابن طولون والمقام تحت يده وطال الكلام بينهم مليا ثم دعاهم إلى خيمته للمناظرة في ذلك أدبا مع المعتمد وقيدهم وجاء إلى المعتمد فعذله في المسير عن دار خلافته ومغاضبة أخيه وهو في دفاع عدوه ومن يريد خراب ملكه وحمل الجميع إلى سامرا وقطع ابن طولون الدعاء للموفق على منابره وأسقط اسمه من الطرر وغضب الموفق بسبب ذلك على أحمد بن طولون وحمل المعتمد على أن يشار بلعنه على المنابر وولى اسحق بن كنداج على أعماله وفوض إليه من باب الشماسية إلى افريقية وكان لؤلؤ
مولى ابن طولون عاملا له على حمص وحلب وقنسرين وديار مصر من الجزيرة وكان منزله بالرقة فانتقض عليه في هذه السنة وسار إلى بالس فنهبها وكتب إلى الموفق فمر بقرقيسيا وبها ابن صفوان العقيلى فحاربه وغلبه عليها وسلمها إلى أحمد بن مالك ابن طوق ووصل إلى الموفق في عسكر عظيم وهو يقاتل صاحب الزنج فأكرمه الموفق وأحسن هو الغناء في تلك الحرب ثم بعث ابن طولون في تلك السنة جيشه إلى مكة لاقامة الموسم وعامل مكة هرون بن محمد ففارقها خوفا منهم وبعث الموفق جعفرا في عسكر فقوى بهم هرون ولقوا أصحاب ابن طولون فهزموهم وصادروا القائد على ألف دينار وقرئ الكتاب في المسجد بلعن ابن طولون وانقلب أهل مصر إلى بلدهم آمنين ولم يزل لؤلؤ في خدمة الموفق إلى أن قبض عليه سنة ثلاث وسبعين وصادره على أربعمائة ألف وأدبر أمره ثم ثم عاد إلى مصر آخر أيام هرون بن حماديه * (وفاة ابن طولون ومسير ابن كنداج إلى الشأم) * وفى سنة سبعين انتقض بازمان الخادم بطرسوس وقبض على نائبه وسار إليه أحمد ابن طولون في العساكر وحاصروه فامتنع عليه فرجع إلى انطاكية فمرض هنالك ومات لست وعشرين سنة من ولايته على مصر وولى بعده ابنه خمارويه وانتقضت عليه دمشق فبعث إليها العساكر وعادت إلى طاعته وكان يومئذ بالموصل والجزيرة اسحق بن كنداج وعلى الانبار والرحبة وطريق الفرات محمد بن أبى الساج فكاتبا الموفق في المسير إلى الشأم واستمداه فأذن لهما ووعدهما بالمدد فسارا وملكا ما يجاورهما من بلاده واستولى اسحق على انطاكية وحلب وحمص وكاتبه نائب دمشق واجتمع الخلاف على خمارويه فسار إليه فهرب إلى شيزر وهى في طاعة خمارويه ودمشق وجاء أبو العباس بن الموفق وهو المعتضد من بغداد بالعساكر فكبس شيزر وقتل(3/331)
من جند ابن طولون مقتلة عظيمة ولحق فلهم بدمشق وأبو العباس في اتباعهم فجلوا
عنها وملكها في شعبان سنة احدى وسبعين ورجعت عساكر خمارويه إلى الرملة فأقاموا بها وزحف اسحق بن كنداج إلى الرقة وعليها وعلى الثغور والعواصم ابن دعاص من قبل خمارويه فقاتله وكان الظهور لاسحق ثم زحف أبو العباس المعتضد من دمشق إلى الرملة وسار خمارويه من مصر واجتمع بعساكره في الرملة على ماء الطواحين وكان المعتضد قد استفسد لابن كنداج وابن أبى الساج ونسبهما لى الجبن في انتظارهما اياه في محاربة خمارويه وعبى المعتضد عساكره ولقى خمارويه وقد أكمن له فانهزم خمارويه أولا وملك المعتضد خيامه وشغل أصحابه بالنهب فخرج عليهم الكمين فانهزم المعتضد إلى دمشق فلم يفتح له أهلها فراح إلى طرسوس وأقام العسكران يقتتلان دون أمير وأقام أصحاب خمارويه عليهم أخاه سعدا مكانه وذهبوا إلى الشأم فملكوه أجمع وأذهبوا منه دعوة لموفق وابنه وبلغ الخبر إلى خماوويه فسر وأطلق الاسرى الذين كانوا معه ثم ثار أهل طرسوس بأبى العباس فأخرجوه وسار إلى بغداد وولوا عليهم مازيار فاستبد بها ثم دعا لخمارويه بعد أن وصله بمال جليل يقال أنفذ إليه ثلاثين ألف دينار وخمسمائة ثوب وخمسمائة مطرف وسلاحا كثيرا فدعا له ثم بعث إليه بخمسين ألف دينار * (وفاة صاحب طبرستان وولاية أخيه) * ثم توفى الحسن بن زيد العلوى صاحب طبرستان في رجب سنة سبعين لعشرين سنة من ولايته وولى مكانه أخوه وكان على قزوين أتكو تكين فسار إلى الرى في أربعة آلاف فارس وسار إليه محمد بن زيد في عالم كثير من الديلم والخراسانية والتقوا فانهزم محمد بن زيد وقتل من عسكره نحو من ستة آلاف وأسر ألفان وغنم أتكو تكين عسكرا وملك الرى وأغرم أهلها مائة ألف دينار وفرق عماله عليها وسار محمد بن زيد إلى جرجان ثم عزل عمرو بن الليث عن خراسان وولى عليها محمد بن طاهر واستخلف محمد ابن رافع بن هرثمة وسار سنة خمس وسبعين إلى جرجان وهرب عنها ليلا إلى استرياد فحاصره رافع فيها سنتين حتى أجهده الحصار ففر عنها ليلا إلى سارية فاتبعه فهرب
عن طبرستان سنة سبع وسبعين واستأمن رستم بن قارن إلى رافع بطبرستان فأمنه وبعث إلى سالوس محمد بن هرون نائبا عنه وأتاه بها على بن كانى مستأمنا ثم جاءه محمد وحاصرهما بسالوس وانقطعت أخبارهما عن نافع ثم جاءه الخبر بحصارهما فسار اليهما فارتحل محمد بن زيد إلى أرض الديلم فدخل رافع خلفه وأخن فيها نهبا وتخريبا إلى حدود قزوين وعاد إلى الرى إلى أن توفى المعتمد سنة تسع وتسعين(3/332)
* (فتنة ابن كنداج وابن أبى الساج وابن طولون) * كان ابن أبى الساج في أعماله بقنسرين والفرات والرحة ينافس اسحق وهو على الجزيرة ويريد التقدم عليه فحدثت لذلك منهما فتنة فخطب ابن أبى الساج لخمارويه ابن طولون وبعث ابنه ديوداد رهبنة إليه فبعث إليه خمارويه أموالا جمة وسار إلى الشام واجتمع بابن أبى الساج ببالس ثم عبر ابن أبى الساج الفرات إلى الرقة وهزم اسحق بن كنداج واستولى على أعماله وعبر خمارويه ونزل الرقة ومضى اسحق إلى قلعة ماردين وحاصره ابن أبى الساج بها ثم أفرج عنها وسار إلى سنجار لقتال بعض الاعراب فسار ابن كنداج من ماردين إلى الموصل فاعترضه ابن أبى الساج وهزمه فعاد إلى ماردين واستولى ابن أبى الساج على الجزيرة والموصل وخطب فيهما لخمارويه ثم لنفسه بعده وبعث غلامه فتحا إلى أعمال الموصل لجباية الخراج وكان اليعقوبية من السراة قريبا منه فهادنهم ثم غدر بهم فكبسهم وجاءهم أصحابهم من غير شعور بالواقعة فحملوا على أصحاب فتح فاستلحموهم ثم انتقض ابن أبى الساج واستبيح عسكره وكان له بحمص مخلف من أثقاله فقدم خمارويه طائفة من العسكر إليها فاستولوا على ما فيها ومنعوا ابن أبى الساج من دخولها فسار إلى حلب ثم إلى الرقة وخمارويه في اتباعه فعبر الفرات إلى الموصل وجاء خمارويه إلى بلد وأقام بها وسار ابن أبى الساج إلى الحديثة وكان اسحق بن كنداج قد لحق بخمارويه من ماردين فبعث
معه جيشا وجماعة من القواد وسار في طلب ابن أبى الساج وقد عبر دجلة فجمع ابن كنداج السفن ليوطئ جسرا للعبور وبينما هو في ذلك أسرى ابن أبى الساج من تكريت إلى الموصل فوصلها لرابعة وسار ابن كنداج في اتباعه فاقتتلوا بظاهر الموصل وابن أبى الساج في ألفين فصبر واشتد القتال وانهزم ابن كنداج وهو في عشرين ألفا فخلص إلى الرقة ومحمد بن أبى الساج في اتباعه وكتب إلى الموفق يستأذنه في عبور الفرات إلى بلاد خمارويه بالشأم فأمره بالتوقف إلى وصول المدد من عنده ومضى ابن كنداج إلى خمارويه فجاء بجيوشه إلى الفرات وتوافق مع ابن أبى الساج والفرات بينهما ثم عبرت طائفة من عسكر ابن كنداج فأوقعوا بطائفة من عسكر ابن أبى الساج فانهزموا إلى الرقة فسار ابن أبى الساج عن الرقة إلى بغداد سنة ست وسبعين في ربيع منها فأكرمه الموفق ووصله واستولى ابن كنداج على ديار ربيعة من أعمال الجزيرة وأقام بها وولى الموفق محمد بن أبى الساج على أذربيجان فسار إليها فخرج إليه عبد الله بن الحسين الهمذانى عامل مراغة ليصده فهزمه ابن أبى الساج فحاصره وأخذ منه مراغة سنة ثمان وسبعين وقتله واستقر ابن أبى الساج في عمله بأذربيجان(3/333)
* (أخبار عمرو بن الليث) * كان عمرو بن الليث بعد مهلك أخيه يعقوب قد ولاه الموفق خراسان واصبهان وسجستان والسند وكرمان والشرطة ببغداد كما كان أخوه وقد ذكرنا ذلك قبل وكان عامله على فارس ابن الليث فانتقض عليه سنة ثمان وستين فسار عمرو لحربه فهزمه واستباح عسكره ونهب اصطخر ثم ظفرت جيوشه بمحمد وأسره وحبسه بكرمان فأقام بها ثم بعث إلى أحمد بن عبد العزيز بن أبى دلف وهو بأصبهان يطلبه بالمال فبعث إليه بالاموال وبعث عمرو إلى الموفق بثلثمائة ألف دينار وبخمسين منامن المسك ومثلها من العنبر ومائتين من العود وثلثمائة ثوب من الوشى ومن آنية الذهب والفضة
والدواب والغلمان فيمة مائة ألف دينار واستأذنه في غزو محمد بن عبيد الكردى رامهرمز فأذن له فبعث قائدا من جيشه إليه فأسره وجاء به إلى عمرو ثم عزل المعتمد سنة احدى وستين عمرو بن الليث عما كان قلده من الاعمال وأدخل إليه الحاج من أهلها عند منصرفهم من مكة فأعلمهم بعزله وأنه قد ولى على خراسان محمد بن طاهر وأمر بلعن عمرو على المنابر وجهز مخلد بن صاعد إلى فارس لحرب عمرو واستخلف محمد بن طاهر على خراسان رافع بن هرثمة وكتب المعتمد إلى أحمد بن عبد العزيز بن أبى دلف يأمره بقتاله ويعث إليه الجيوش فاقتتلوا مع عمرو وكان في خمسة عشر ألف مقاتل فانهزم عمرو وخرج قائده الديلمى وقتل مائة من أعيانهم وأسر ثلاثة آلاف فاستأمن منهم وغنموا من عسكره ما لا يحصى ثم زحف الموفق سنة أربع وسبعين إلى فارس لحرب عمرو فأنفذ عمرو ابنه محمدا إلى أرجان في العساكر وعلى مقدمته أبو طلحة بن شركب وعباس بن اسحق إلى سيراف واستأمن أبو طلحة إلى الموفق ففت ذلك في عضد عمرو وعاد إلى كرمان واستراب الموفق بأبى طلحة فقبض عليه قريبا هن شيراز وجعل ماله لابنه أبى العباس المعتضد وسار في طلب عمرو فخرج من كرمان إلى سجستان ومات ابنه محمد بالمفازة ورجع عنه الموفق وسار رافع بن الليث من خراسان وغلب محمد بن زيد على طبرستان كما قدمناه وقدم عليه هنالك على بن الليث هو وابناه المعدل والليث بن حسن أخيه على بكرمان ثم قتله رافع سنة ثمان وستين * (مسير الموفق إلى اصبهان والجبل) * كان كاتب أبو تكين أنهى إلى المعتضد ان له مالا عظيما ببلاد الجل فتوجه لذلك فلم يجد شيا ثم سار إلى الكرخ ثم إلى اصبهان يريد أحمد بن عبد العزيز بن أبى دلف فتنحى أحمد عن البلد بعسكره وترك داره بفرشها لنزل الموفق عند قدومه ثم رجع الموفق إلى بغداد(3/334)
{ قبض الموفق على ابنه أبى العباس المعتضد
ثم وفاته وقيام ابنه أبى العباس بالامر بعده } كان الموفق بعد رجوعه من أصبهان نزل واسط ثم عاد إلى بغداد وترك المعتمد بالمدائن وأمر ابنه أبا العباس وهو المعتضد بالمسير إلى بعض الوجوه فأبى فأمر بحبسه ووكل به وركب القواد من أصحابه واضطربت بغداد فركب الموفق إلى الميدان وسكن الناس وقال انى احتجت إلى تقويم ابني فقومته فانصرف الناس وذلك سنة ست وسبعين وكان عند منصرفه من الجبل قد اشتد به وجع النقرس ولم يقدر على الركوب فكان يحمل في المحفة ووصل إلى داره في صفر من سنة سبع وطال مرضه وبعث كاتبه أبا الصقر ابن بلبل إلى الميدان فجاء بالمعتمد واولاده وأنزله بداره ولم يأت دار الموفق فارتاب الاولياء لذلك وعمد غلمان أبى العباس فكسروا الاقفال المغلقة عليه وأخرجوه وأقعدوه عند رأس أبيه وهو يجود بنفسه فلما فتح عينه قر به وأدناه وجمع أبو الصقر عنده القواد والجند ثم تسامع الناس ان الموفق حى فتسللوا عن أبى الصقر وأولهم محمد بن أبى الساج فلم يسع أبا الصقر الا الحضور بدار الموفق فحضر هو وابنه وأشاع أعداء أبى الصقر انه هرب بمال الموفق إلى المعتمد فنهبوا داره وأخرجت نساؤه حفاة عراة ونهب ما يجاوره من الدور وفتقت السجون ثم خلع الموفق على ابنه أبى العباس وأبى الصقر وركب إلى منزلهما وولى أبو العباس غلامه بدار الشرطة ثم مات لثمان بقين من صفر سنة ثمان وسبعين ودفن بالرصافة واجتمع القواد فبايعوا ابنه أبا العباس المعتضد بالله واجتمع عليه أصحاب أبيه ثم قبض المعتضد على أبى الصقر ابن بلبل وأصحابه وانتهبت منازلهم وولى عبد الله بن سليمان ابن وهب الوزارة وبعث محمد بن أبى الساج إلى واسط ليرد غلامه وصيفا إلى بغداد فأبى وصيف وسار إلى السوس فاقام بها * (ابتداء أمر القرامطة) * كان ابتداء أمرهم فيما زعموا أن رجلا ظهر بسواد الكوفة سنة ثمان وسبعين
ومائتين يتسم بالزهد وكان يدعى قرمط يقال لركوبه على ثور كان صاحبه يدعى كرميطة فعرب وقيل بل اسمه حمدان ولقبه قرمط يقال وزعم أنه داعية لاهل البيت لمنتظر منهم واتبعه العباس فقبض عليه الهيصم عامل الكوفة وحبسه ففر من حبسه وزعم ان الاغلاق لا يمنعه ثم زعم أنه الذى بشر به أحمد بن محمد بن الحنفية وجاء بكتاب تناقله القرامطة فيه بعد البسملة يقول الفرح بن عثمان من قرية نصرانة انه داعية المسيح(3/335)
وهو عيسى وهو الكلمة وهو المهدى وهو أحمد بن محمد بن الحنفية وهو جبريل وان المسيح تصور له في جسم انسان فقال له انك الداعية وانك الحجة وانك الناقة وانك الدابة وانك يحيى بن زكريا وانك روح القدس وعرفه ان الصلاة أربع ركعات قبل طلوع الشمس وركعتان قبل غروبها وان الاذان بالتكبير في افتتاحه وشهادة التوحيد مرتين ثم شهادة بالرسالة لآدم ثم نوح ثم ابراهيم ثم عيسى ثم محمد صلوات الله عليهم ثم لاحمد بن محمد بن الحنفية ويقرأ الاستفتاح في كل ركعة وهو من المنزل على أحمد بن محمد بن الحنفية والقبلة بيت المقدس والجمعة يوم الاثنين ولا يعمل فيه شئ والسورة التى تقرأ فيها الحمد لله بكلمته وتعالى باسمه المنجد لاوليائه بأوليائه قل ان الاهلة مواقيت للناس ظاهرها ليعلم عدد السنين والحساب والشهور والايام وباطنها أوليائي الذين عرفوا عبادي سبيلى اتقوني يا أولى الالباب وأنا الذى لا أسأل عما أفعل وأنا العليم الحكيم وأنا الذى أبلو عبادي وأمتحن خلقي فمن صبر على بلائى ومحنتي واختباري ألقيته في جنتي وفى نعمتي ومن زال عن امرى وكذب رسلي اخلدته مهانا في عذابي وأتممت أجلى وأظهرت على ألسنة رسلي فأنا الذى لم يعل جبار الا وضعته وأذللته فبئس الذى اصر على أمره ودام على جهالته وقال لن نبرح عليه عاكفين وبه موقنين أولئك هم الكافرون ثم يركع ويقول في ركوعه مرتين سبحان ربى ورب العزة وتعالى عما يصف الظالمون وفى سجوده الله أعلى مرتين الله أعظم مرة والصوم مشروع
يوم المهرجان والنيروز والنبيذ حرام والخمر حلال والغسل من الجنابة كالوضوء ولا يؤكل ذو ناب ولا ذو مخالب ومن خالفهم وحارب وجب قتله وان لم يحارب أخذت منه الجزية انتهى إلى غير ذلك من دعاوى شنيعة متعارضة يهدم بعضها بعضا وتشهد عليهم بالكذب وهذا الفرح بن يحيى الذى ذكر هذا أول الكتاب انه داعية القرامطة يلقب عندهم ذكرويه بن مهرويه ويقال ان ظهور هذا الرجل كان قبل مقتل صاحب الزنج وانه سار إليه على الامان وقال له ان ورائي مائة سيف فتعال نتناظر فلعلنا نتفق ونتعاون ثم تناظرا فاختلفا وانصرف قرمط عنه وكان يسمى نفسه القائم بالحق وزعم بعض الناس أنه كان يرى رأى الازارقة من الخوارج * (فتنة طرسوس) * قد تقدم لنا انتقاض بازمان بطرسوس على مولاه أحمد بن طولون وانه حاصره فامتنع عليه وانه راجع بعد طاعة ابنه خمارويه مما حمل إليه من الاموال والامتعة والسلاح فاستقام أمره بطرسوس مدة وغزا سنة ثمان وسبعين بالصائفة مع أحمد الجعفي وحاصروا اسكندا فأصيب بحجر منجنيق فرجع وهلك في طريقه ودفن(3/336)
بطرسوس وكان استخلف ابن عجيف فأقره خمارويه وأمده بالخيل والسلاح والمال ثم عزله واستعمل عليها ابن عمه ابن محمد بن موسى بن طولون ولما توفى الموفق نزع خادم من خواصه اسمه راغب إلى الشك وطلب المقام بالثفر للجهاد فأذن له المعتضد فسار إلى طرسوس وحط أثقاله بها وسار إلى لقاء خمارويه بدمشق فأكرمه واستجلب أنسه فطال مقامه وألهم أصحابه بطرسوس انه قبض عليه فأوصلوا أهل البلد في ذلك فوثبوا بأميرهم محمد بن موسى حتى يطلق لهم راغب وبلغ الخبر إلى خمارويه فأطلقه فجاء إليهم ووبخهم على فعلهم فأطلقوا محمد بن موسى وسار عنهم إلى بيت المقدس فأعادوا ابن عجيف إلى ولايته
* (فتنة أهل الموصل مع الخوارج) * قد تقدم لنا أن هرون بن سليمان كان على السراة من الخوارج وكان بنو شيبان يقاتلونهم ويغيرون على الموصل فلما كانت سنة تسع وسبعين جاء بنو شيبان لذلك وأغاروا على سوى وغيرها من الاعمال فاجتمع هرون الشاربى في الخوارج وحمدان بن حمدون الثعلبي على مدافعتهم وكان مع بنى شيبان هرون بن سيما مولى أحمد بن عيسى بن الشيخ الشيباني بعثه محمد بن اسحق بن كنداجق واليا على الموصل عند ما مات أبوه اسحق وولى مكانه على أعماله بالموصل وديار ربيعة فلم يرضه أهل الموصل وطردوه فسار إلى بنى شيبان مستنجدا بهم فلما التقى الجمعان انهزم بنو شيبان أولا واشتغل أصحاب حمدان والخوارج بالنهب فكر عليهم بنو شيبان وظفروا بهم وكتب هرون بن سيما إلى محمد ابن اسحق بن كنداجق يستمده فسار بنفسه وخشيه أهل الموصل فسار بعضهم إلى بغداد يطلبون عاملا يكفيهم أمر ابن كنداجق ومروا في طريقهم بمحمد بن يحيى المجروح الموكل بحفظ الطريق فألفوه وقد وصل إليه بولاية العهد الموصل فبادر وملكها وتواثق ابن كنداجق في مكانه وبعث إلى خمارويه بالهدية ويسأل امارة الموصل كما كان من قبل فلم يجبه إلى ذلك ثم عزل المجروح وولى بعده على بن داود الكردى * (الصوائف أيام المعتمد) * وصل الخبر في سنة سبع وخمسين بأن ملك الروم بالقسطنطينية ميخاييل بن روفيل وثب عليه قريبه مسك ويعرف بالصقلى فقتله لاربع وعشرين سنة من ملكه وملك مكانه وفى سنة تسع وخمسين خرجت عساكر الروم فنازلوا سميساط ثم نازلوا مليطة وقاتلهم أهلها فانهزموا وقتل بطريق من بطارقتهم وفى سنة ثلاث وستين استولى الروم على قلعة الصقالبة وكانت ثغر الطرسوس وتسمى قلعة كركرة فرد المعتمد ولاية ثغر طرسوس(3/337)
لابن طولون وكان أحمد بن طولون قد خطب ولايتها من الموفق يريد أن يجعلها ركابا
لجهاده لخبرته بأحوالها وكان يردد الغزو من طرسوس إلى بلاد الروم قبل ولاية مصر فلم يجبه الموفق وولى عليها الموفق محمد بن هرون الثعلبي واعترضه السراة أصحاب مساور وهو مسافر في دجلة فقتلوه فولى مكانه أما جور بن أولغ بن طرخان من الترك فسار إليها وكان غرا جاهلا فأساء السيرة ومنع أقران أهل كركرة ميرتهم وكتبوا إلى أهل طرسوس يشكون فجمعوا لهم خمسة عشر ألف دينار فأخذها أما جور لنفسه وأبطأ على أهل القلعة شأنها فنزلوا عنها وأعطوها الروم وكثر أسف أهل طرسوس لذلك بما كانت ثغرهم وعينا لهم على العدو وبلغ ذلك المعتمد فكتب لاحمد بن طولون بولايتها وفوض إليه امر الثغور فوليها واستعمل فيها من يحفظ الثغر ويقيم الجهاد وقارن ذلك وفاة أما جور عامل دمشق وملك ابن طولون الشأم جيمعها كما ذكرناه قبل وفى سنة أربع وستين غزا بالصائفة عبد الله بن رشيد بن كاوس في أربعين ألفا من أهل الثغور الشامية فأثخن فيهم وغنم ورجع فلما رحل عن البدبدون خرج عليه بطريق سلوقية وقره كوكب وحرسية وأحاطوا بالمسلمين فاستمات المسلمون واستلحمهم الروم بالقتل ونجا فلهم إلى الثغر وأسر عبد الله بن كاوس وحمل إلى القسطنطينية وفى سنة خمس وستين خرج خمسة من بطارقة الروم إلى أذنة فقتلوا وأسروا والى الثغور أوخرد فعزل عنها وأقام مرابطا وبعث ملك الروم بعبد الله بن كاوس ومن معه من الاسرى إلى أحمد بن طولون وأهدى إليه عدة مصاحف وفى سنة ست وستين لقى اسطول المسلمين اسطول الروم عند صقيلة فظفر الروم بهم ولحق من سلم منهم بصقيلة وفيها خرجت الروم على ديار ربيعة واستنفر الناس ففروا ولم يطيقوا دخول الدرب لشدة البرد فيها وغزا عامل ابن طولون على الثغور الشامية في ثلثمائة من أهل طرسوس واعترضهم أربعة آلاف من الروم من بلاد هرقل فنال المسلمون منهم أعظم النيل وفى سنة ثمان وستين خرج ملك الروم وفيها غزا بالصائفة خلف الفرغانى عامل ابن طولون على الثغور الشامية فأثخن ورجع وفى سنة سبعين زحف الروم في مائة ألف ونزلوا قلمية
على ستة أميال من طرسوس فخرج إليهم بازيار فهزمهم وقتل منهم سبعين ألفا وجماعة من البطارقة وقتل مقدمهم بطريق البطارقة وغنم منهم سبع صلبان ذهبا وفضة وكان أعظمها مكللا بالجواهر وغنم خمسة عشر ألف دابة ومن السروج والسيوف مثل ذلك وأربع كراسي من ذهب ومائتين من فضة وعشرين علما من الديباج وآنية كثيرة وفى سنة ثلاث وسبعين غزا بالصائفة بازيار وتوغل في أرض الروم وقتل وغنم وأسر وسبى وعاد إلى طرسوس وفى سنة ثمان وسبعين دخل أحمد الجعفي طرسوس وغزا(3/338)
مع بازيار بالصائفة ونازلوا اسكندا فأصيب بازيار عليها بحجر منجنيق فرجع ومات في طريقه ودفن بطرسوس * (الولايات بالنواحي أيام المعتز) * كانت الفتنة قد ملات نواحى الدولة من أطرافها وأوساطها واستولى بنو سامان على ما وراء النهر والصفار على سجستان وكرمان وملك فارس من يد عمال الخليفة وانتزع خراسان من بنى طاهر وكلهم مع ذلك يقيمون دعوة الخليفة وغلب الحسن بن زيد على طبرستان وجرجان منازعا بالدعوة ومحاربا بالديلم لابن سامان والصفار وعساكر الخليفة باصبهان واستولى صاحب الزنج على البصرة والابلة إلى واسط وكور دجلة منازعا للدعوة ومشاققا وأضرم تلك النواحى فتنة ولم يزل الموفق في محاربنه حتى حسم علته وقطع أثره واضطرمت بلاد الموصل والجزيرة فتنة بخوارج السراة وبالقرب من بنى شيبان وتغلب بالاكراد واستولى ابن طولون على مصر والشأم مقيما لدعوة الخلافة العباسية وابن الاغلب بافريقية كذلك وأما المغرب الاقصى والاندلس فاقتطعا عن المملكة العباسية منذ أزمان كما قلنا ولم يكن للمعتمد مدة خلافته كلها حكم ولا أمر ونهى انما كان مغلبا لاخيه الموفق وتحت استبداده ولم يكن لهما جميعا كبير ولاية في النواحى باستيلاء من استولى عليها ممن ذكرناه الا بعض الاجناس فلنذكر
ما وصل الينا من هذه الولايات أيام المعتمد فلاول ولايته استوزر عبيد الله بن يحيى ابن خافان وبعث جعلان لحرب الزنج بالبصرة فكان أمره معهم كما مر ثم ولى عيسى ابن الشيخ من بنى شيبان على دمشق فاستأثر بها ومنع الخراج وجاءه حسين الخادم من بغداد يطلب المال فاعتذر بأنه أنفقه على الجند فكتب له المعتمد عهده في ارمينية ليقيم بها دعونه وقلد أما جور دمشق وأعمالها فسار إليها وأنفذ عيسى بن الشيخ ابنه منصور القتال أما جور في عشرين ألفا فانهزموا وقتل منصور وسار عيسى إلى ارمينية على طريق الساحل ودخل أما جور دمشق وفى سنة ست وخمسين سار موسى بن بغا لحرب مساور الخارجي فلقيه ساحة جائعين فنال الخوارج منهم وفيها كان وثوب محمد ابن واصل بن ابراهيم التميمي على الحرث بن سيما عامل فارس فقتله وغلب عليها كما مر وفيها غلب الحسن بن زيد الطالى على الرى فسار إليها موسى بن بغا وغلب على عساكر الحسن وظهر على ابن زيد بالكوفة وملكها وبعث المعتمد لمحاربته كيجور التركي فخرج عنها على القادسية ثم إلى ختان ثم إلى بلاد بنى أسد وغزاه كيجور من الكوفة فأوقع به وعاد إلى الكوفة ثم إلى سر من رأى وفى سنة سبع وخمسين عقد المعتمد لاخيه الموفق على الكوفة والحرمين واليمن ثم على بغداد والسواد إلى البصرة(3/339)
والاهواز وأمره أن يعقد ليارجوج على البصرة وكور دجلة واليمامة والبحرين مكان سعيد الحاجب وعقد يارجوج على ذلك لمنصور بن جعفر الخياط ونزل الاهواز ثم عقد المعتمد حرب الزنج بالبصرة لاحمد بن المولد فسار إليها وقاتل الزنج وكان بالبطائح سعيد بن أحمد الباهلى متغلبا عليها فأخذه ابن المولد وبعث إلى سامرا وفيها تغلب يعقوب الصفار على فاس وبعض أعمال خراسان وولاه المعتمد ما غلب عليها وفيها غلب الحسن بن زيد على خراسان وانتقضت على ابن طاهر أعمال خراسان وفيها اقتطع المعتمد مصر وأعمالها ليارجوج التركي فولى عليها أحمد
ابن طولون ومات يارجوج لسنة بعدها فاستبد ابن طولون بها وكان عبد العزيز بن أبى دلف على الرى فخرج عليها خوفا من جيوش ابن زيد صاحب طبرستان فبعث الحسن من قرابته القاسم بن على بن القاسم فأساء فيها السيرة وفى سنة ثمان وخمسين قتل منصور ابن جعفر الخياط في حرب الزنج وولى يارجوج على أعمال منصور فولى عليها اصطيخور وهلك في حرب الزنج وعقد المعتمد للموفق على ديار مصر وقنسرين والعواصم وبعثه لحرب الزنج ومعه مفلح فهلك في تلك الحرب وعقد المعتمد على الموصل والجزيرة لمسرور البلخى فكانت بينه وبين مساور الشيباني حروب وكذلك بين الاكراد واليعقوبية وأوقع بهم كما مر وفيها رجع أحمد بن واصل إلى طاعة السلطان وسلم فارس للحسن بن الفياض وفى سنة تسع وخمسين كان مهلك اصطيخور بالاهواز فأمر المعتمد موسى بن بغا بالمسير لحرب الزنج كما مر وفيها ملك يعقوب الصفار خراسان وقبض على محمد بن طاهر وكان لنجور على الكوفة فسار عنها إلى سامرا بغير اذن وأمر بالرجوع فأبى فبعث المعتمد عدة من القواد فلقوه بعكبر فقتلوه وحملوا رأسه وفيها غلب الحسن بن زيد على قومس وملكها وكانت وقعة بين محمد بن الفضل بن نيسان وبين دهشودان ابن حسان الديلمى فهزمه محمد وفيها غلب شركب الحمال على مرو ونواحيها وفى سنة ستين أقام يعقوب بن الصفار الحسن بن زيد فهزمه وملك طبرستان كما مر وأخرج أهل الموصل عاملهم أتكو تكين بن أسا تكين فبعث عليهم أسا تكين اسحق بن أيوب في عشرين ألفا ومعه حمدان بن حمدون الثعلبي فامتنع أهل الموصل منهم وولوا عليهم يحيى بن سليمان فاستولى عليها وفيها قتلت الاعراب منجور والى حمص فولى بكتر وولى على أذربيجان الرذينى عمر بن على لما بلغه أن عاملها العلاء بن أحمد الازدي فلج فلما أتى الرذينى حاربه العلاء فانهزم وقتل واستولى الرذينى على مخلفه قريبا من ألفى ألف وسبعمائة ألف درهم وفيها سار على بن زيد القائد بالكوفة إلى صاحب الزنج فقتله وفى سنة احدى وستين عقد المعتمد لموسى بن بغا على الاهواز والبصرة والبحرين(3/340)
واليمامة مضافا لما بيده فولاها موسى عبد الرحمن بن مفلح وبعثه لحرب بن واصل فهزمه ابن واصل وأسره كما مر ورأى موسى بن بغا اضطراب تلك الناحية فاستصفى منها ووليها أبو الساج وملك الزنج الاهواز من يده فصرف عن ولايتها ووليها ابراهيم بن سيما وولى محمد بن أوس البلخى طريق خراسان ثم جاء الصفار إلى فارس فغلب عليها ابن واصل كما مر فجهز المعتمد أخاه الموفق إلى البصرة بعد أن ولاه المعتمد عهده بعد ابنه جعفر كما ذكرناه وبعث الموفق ابنه أبا العباس لحرب الزنج فتقدما بين يديه وفيها فارق محمد بن زيد ولاية يعقوب الصفار وسار ابن أبى الساج إلى الاهواز وطلب أن يوجه الحسين بن طاهر بن عبد الله بن طاهر إلى خراسان وفيها استبد نصر بن أحمد بن سامان بسمرقند وما وراء النهر وولى أخاه اسمعيل بخارا وفيها ولى المعتمد على الموصل الخضر ابن أحمد بن عمر بن الخطاب وفيها رجع الحسين بن زيد ال طبرستان وأخرج منها أصحاب الصفار وأحرق سالوس لممالاة أهلها الصفار وأقطع ضيا عهلم للديلم وفيها نادى المعتمد في حاج خراسان والرى وطبرستان وجرجان بالنكير على ما فعله الصفار في خراسان وابن طاهر وانه لم يكن عن أمره ولا ولاه وفيها قتل مساور الشاربى يحيى ابن جعفر من ولاة خراسان فسار مسرور البلخى في طلبه والموفق من ورائه وفى سنة ثنتين وستين كانت الحرب بين الموفق والصفار واستولى الزنج على البطيحة ودسيميسان وولى على الاهواز كما ذكرنا وبعث مسرور البلخى أحمد بن ليتونة لحربهم كما مر وفيها ثار أحمد بن عبد الله الخجستاني في خراسان بدعوة بنى طاهر وغلب عليها الصفار إلى أن قتل كما مر ذكره وفيها وقعت مغاضبة بين الموفق وابن طولون فبعث إليه الموفق موسى بن بغا فأقام بالرقة حولا وعجز عن المسير لقلة الاموال فرجع إلى العراق وفيها انصرف عامل الموصل وهو القطان صاحب مفلح فقتله الاعراب بالبرية وفى سنة ثلاث وستين استولى الصفار على الاهواز ومات مساور الشاربى وهو قاصد
لقاء العساكر السلطانية بالتواريح فولى الخوارج مكانه هرون بن عبد الله البلخى فاستولى على الموصل وفيها ظفر أصحاب الصفار بابن واصل وفيها هزم ابن أوس من طريق خراسان وعاد إلى الموصل وفيها ظفر أصحاب الصفار بابن واصل وأسروه ومات عبيد الله بن يحيى بن خاقان وزير المعتمد فاستوزر مكانه الحسن بن مخلد وكان موسى ابن بغا غائبا في غزو العرب فلما قدم خافه الحسين وتغيب فاستوزر مكانه سليمان ابن وهب وفيها غلب أخو شركب الحمال على نيسابور وخرج عنها الحسين بن طاهر إلى مرو وبها خوارزم شاه يدعو لاخيه محمد وفيها ملك الزنج مدينة واسط وقاتله دونها محمد بن المولد فهزمه ودخلها واستباحها وفيها قبض المعتمد على وزيره سليمان(3/341)
ابن وهب وولى مكانه الحسن بن مخلد وجاء الموفق مع عبد الله بن سليمان شفيعا فلم يشفعه فتحول إلى الجانب الغربي مغاضبا واختلفت الرسل بينه وبين المعتمد وكان مع الموفق مسرور كيقلغ وأحمد بن موسى بن بغا ثم أطلق سليمان ودعا إلى الجوسق وهرب محمد بن صالح بن شيرزاده والقواد الذين كانوا بسامرا مع المعتمد خوفا من الموفق فوصلوا إلى الموصل وكتب الموفق لاحمد بن أبى الاصبغ في قبض أموالهم وفيها مات أما جور عامل دمشق وملك ابن طولون الشأم وطرسوس وقتل عاملها سيما وفى سنة خمس وستين ولى مسرور البلخى على الاهواز وهزم الزنج وفيها مات يعقوب الصفار وقام بأمره أخوه عمر ولاه الموفق مكان أخيه بخراسان واصبهان وسجستان والسند وكرمان والشرطة ببغداد وفيها وثب القاسم بن مهان بدلف ابن عبد العزيز بن أبى دلف باصبهان فقتله فوثب جماعة من أصحاب دلف بالقاسم فقتلوه فولى اصبهان أحمد بن عبد العزيز أخو دلف وفيها لحق محمد بن المولد بيعقوب الصفار وقبضت أمواله وعقاره ببغداد وفيها حبس الموفق سليمان بن وهب وابنه عبد الله وصادرهما على تسعمائة ألف دينار وفيها ذهب موسى بن أتامش واسحق
ابن كنداجق والفضل بن موسى بن بغا مغاضبين وبعث الموفق في اثرهم صاعد ابن مخلد فردهم من صرصر وفيها استوزر الموفق أبا الصقر اسمعيل بن بلبل وفى سنة ست وستين ملك الزنج رامهرمز وغلب أسا تكين على الرى وأخرج عنها عاملها فطلقت ثم مضى إلى قزوين وبها أخوه كيقلغ فصالحه وملكها وفيها ولى على بن الليث على الشرطة ببغداد عبيد الله بن عبد الله بن طاهر وعلى اصبهان أحمد بن عبد العزيز بن أبى دلف وعلى الحرمين وطريق مكة محمد بن أبى الساج وولى الموفق على الجزيرة أحمد ابن موسى بن بغا فولى من قبله على ديار ربيعة موسى بن أتامش فغضب لذلك اسحق ابن كنداجق وفارق عسكر موسى وسار إلى بلد وأوقع بالاكراد اليعقوبية ثم لقى ابن مساور الخارجي فقاتله وسار إلى الموصل وطلب من أهلها المال وخرج على ابن داود لقتاله مع اسحق بن أيوب وحمدان بن حمدون وكانت بينهم حروب أخرها المعتمد لاسحق بن كنداجق على الموصل وقد مر ذلك من قبل وفيها قتل أهل حمص عاملها عيسى الكرخي وفيها كانت بين لؤلؤ غلام ابن طولون وبين موسى بن أتامش وقعة برأس عين وأسره لؤلؤ وبعث به إلى الرقة ثم لقيه أحمد بن موسى فاقتتلوا وغلب أحمد أولا ثم كر لؤلؤ فغلبهم وانتهوا إلى قرقيسيا ثم ساروا إلى بغداد وسامرا وفيها أوقع أحمد بن عبد العزيز ببكتم فانهزم ولحق ببغداد وأوقع الخجستاني بالحسن بن زيد بجرجان فلحق بآمد وملك الخجستاني جرجان وأقطعه من طبرستان واستخلف على سارية الحسن(3/342)
ابن محمد بن جعفر بن عبد الله العقيقى بن حسين الاصفر بن زين العابدين فلما انهزم الحسن بن زيد أظهر الحسن بن محمد أنه قتل ودعا لنفسه وحاربه الحسن بن زيد فظفر به وقتله وفيها ملك الخجستاني نيسابور من يد عامل ابن عمرو بن الليث وفيها في صفر زحف الموفق لقتال صاحب الزنج فلم يزل يحاصره حتى اقتحم عليه مدينته وقتله منتصف سنة سبعين وفيها كانت الحرب بالمدينة من بنى حسن وبنى جعفر وفى سنة سبع وستين
كانت الفتنة بالموصل بين الخوارج وفيها حبس السلطان محمد بن عبد الله بن طاهر وجماعة من بيته اتهمه عمرو بن الليث بممالاة الخجستاني والحسين بن طاهر أخيه فكتب إلى المعتمد وحبسه وفيها كانت بين كيقلغ التركي وأحمد بن عبد العزيز بن أبى دلف وانهزم أحمد وملك كيقلغ همذان فزحف إليه أحمد بن عبد العزيز فهزمه وملك همذان وسار كيقلغ إلى الصحيرة وفيها أزال الخجستاني ذكر محمد بن طاهر من المنابر ودعا لنفسه بعد المعتمد وضرب السكة باسمه وجاء يريد العراق فانتهى إلى الرى ثم رجع وفيها أوقع أصحاب أبى الساج بالهيثم العجلى صاحب الكوفة وغنموا عسكره وفيها أوقع أبو العباس بن الموفق بالاعراب الذين كانوا يجلبون الميرة بالزنج من بنى تميم وغيرهم وفى سنة ثمان وستين كان مقتل الخجستاني وأصحابه بعده على رافع بن هرثمة من قواد بنى طاهر وملك بلاد خراسان وخوارزم وفيها انتقض محمد بن اليث بفارس على أخيه عمرو فسار إليه وهزمه واستباح عسكره وملك اصطيخور وشيراز وظفر به فحبسه كما مر وفيها كانت وقعة بين اتكو تكين بن اسا تكين وبين أحمد بن عبد العزيز ابن أبى دلف فهزمه اتكو تكين وغلبه على قم وفيها بعث عمرو بن الليث عسكرا إلى محمد ابن عبد الله الكردى وفيها انتقض لؤلؤ على مولاه أحمد بن طولون وسار إلى الموفق وقاتل معه الزنج وفيها سار المعتمد إلى ابن طولون بمصر مغاضبا لاخيه الموفق وكتب الموفق إلى اسحق بن كنداجق بالموصل برده فسار معه إلى آخر عمله ثم قبض على القواد الذين معه ورده إلى سامرا وفيها وثب العامة ببغداد بأميرهم الخلنجى وكان كاتب عبيد الله بن طاهر وقتل غلام له امرأة بسهم فلم يعدهم عليه فوثبوا به وقتلوا من أصحابه ونهبوا مترله وخرج هاربا فركب محمد بن عبد الله واسترد من العامة ما نهبوه وفيها وثب بطرسوس خلق من أصحاب ابن طولون وعامله على الثغور الشامية فاستنقذه أهل طرسوس من يده وزحف إليهم ابن طولون فامتنعوا عليه ورجع إلى حمص ثم إلى دمشق وفيها كانت وقعة بنى العلويين والجعفريين بالحجاز فقتل ثمانية من الجعفريين
وخلصوا عامل المدينة من أيديهم وفيها عقد هرون بن الموفق لابي الساج على الانبار والرحبة وطريق الفرات وولى محمد بن أحمد على الكوفة وسوادها ودافعه عنها محمد(3/343)
ابن الهيثم فهزمه محمد ودخلها وفيها مات عيسى بن الشيخ الشيباني عامل ارمينية وديار بكر وفيها عظمت الفتنة بين الموفق وابن طولون فحمل المعتمد على لعنه وعزله وولى اسحق بن كنداجق على اعماله إلى افريقية وعلى شرطة الخاصة وقطع ابن طولون الخطبة للموفق واسمه من الطرر وفيها ملك ابن طولون الرحبة بعد مقاتلة أهلها وهرب أحمد بن مالك بن طوق إلى الشأم ثم سار إلى ابن الشماخ بقرقيسيا وفى سنة سبعين كان مقتل صاحب الزنج وانقراض دعوته ووفاة الحسن بن زيد العلوى صاحب طبرستان وقيام أخيه محمد بأمره ووفاة أحمد بن طولون صاحب مصر وولاية ابنه خمارويه ومسير اسحق بن كنداجق بابن دعامس عامل الرقة والثغور والعواصم لابن طولون وفى سنة احدى وسبعين ثار بالمدينة محمد وعلى ابنا الحسن بن جعفر بن موسى الكاظم وقتلا جماعة من أهلها ونهبا أموال الناس ومنعا الجمعة بمسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم شهرا وفيها عزل المعتمد عمرو بن الليث من خراسان فقاتله أحمد بن عبد الله بن أبى دلف باصبهان وهزمه وفيها استعاد خمارويه الشأم من يد أبى العباس ابن الموفق وفر إلى طرسوس كما تقدم وفيها عقد المعتمد لاحمد بن محمد الطائى على المدينة وطريق مكة وكان يوسف بن أبى الساج والى مكة وجاء بدر غلام الطائى أميرا على الحاج فحاربه يوسف على باب المسجد الحرام وأسره فسار الجند والحاج بيوسف وأطلقوا بدرا من يده وحملوا يوسف أسيرا إلى بغداد وفى منتصف سنة اثنتين وسبعين غلب أتكو تكين على الرى من يد محمد بن زيد العلوى سار هو من قزوين في أربعة آلاف ومحمد بن زيد من طبرستان في الديلم وأهل خراسان فانهزموا وقتل منهم ستة آلاف وفيها ثار أهل طرسوس بأبى العباس بن الموفق وأخرجوه إلى بغداد وولوا عليهم بازيار وفيها
توفى سليمان بن وهب في حبس الموفق وفيها دخل حمدان بن حمدون وهرون مدينة الموصل وفيها قدم صاعد بن مخلد الوزير من فارس وقد كان بعثه الموفق إليها لحرب فرجع إلى واسط وركب القواد لاستقباله فترجلوا إليه وقبلوا يده ولم يكلمهم ثم قبض الموفق على جميع أصحابه وأهله ونهب منازلهم وكتب إلى بغداد بقبض ابنه أبى عيسى وصالح وأخيه عبدون واستكتب مكانه أبا الصقر اسمعيل ابن بلبل واقتصر به على الكتابة وفيها جاء بنو شيبان إلى الموصل فعاثوا في نواحيها وأجمع هرون الشاربى وأصحابه على قصدهم وكتب إلى أحمد بن حمدون الثعلبي فجاءه وساروا إلى الموصل وعبروا الجانب الشرقي من دجلة ثم ساروا إلى نهر الحادر فلما تراءى الجمعان انهزم هرون وأصحابه وانجلى سوى عنها وفى سنة ثلاث وسبعين وقعت الفتنة بين ابن كنداجق وبين ابن ابى الساج وسار ابن أبى الساج إلى(3/344)
ابن طولون واستولى على الجزيرة والموصل وخطب له فيها وقاتل الشراة كما ذكرنا وفيها قبض الموفق على لؤلؤ غلام ابن طولون وصادره على أربعمائة ألف دينار وبقى في ادبار إلى أن عاد إلى مصر أيام هرون بن خمارويه وفى سنة أربع وسبعين سار الموفق إلى فارس فاستولى عليها من يد عمرو بن الليث ورجع عمرو إلى كرمان وسجستان وعاد الموفق إلى بغداد وفى سنة خمس وسبعين نقض ابن أبى الساج طاعة خمارويه وقاتله خمارويه فهزمه وملك الشأم من يده وسار للى الموصل وخمارويه في اتباعه إلى بغداد ولحق ابن أبى الساج بالحديثة فأقام بها إلى أن رجع خمارويه وكان اسحق ابن كنداج قد جاء إلى خمارويه فبعث معه جيشا وقوادا في طلب ابن أبى الساج واشتغل بعمل السفن للعبور إليه فسار ابن أبى الساج عنها إلى الموصل وأتبعه ابن كنداج وسار إلى الرقة فاتبعه ابن أبى الساج وكتب إلى الموفق يستأذنه في اتباعه إلى الشأم وجاء ابن كنداج بالعساكر من عند خمارويه وأقام على حدود الشأم ثم هزم
ابن أبى الساج فسار إلى الموفق وملك ابن كنداج ديار ربيعة وديار مضر وقد تقدم ذكر ذلك وفيها خرج أحمد بن محمد الطائى من الكوفة لحرب فارس العبدى كان يخيف السابلة فهزمه العبدى وكان الطائى على الكوفة وسوادها وطريق خراسان وسامرا وشرطة بغداد وخراج بادردباد قطربل وفيها قبض الموفق على ابنه أبى العباس وحبسه وفيها ملك رافع بن هرثمة جرجان من يد محمد بن زيد وحاصره في استراباذ نحوا من سنتين ثم فارقها الجيش لحربه فسار عن سارية وعن طبرستان سنة سبع وسبعين واستأمن رستم بن قارن إلى رافع وقدم عليه على بن الليث من حبس أخيه بكرمان هو وابناه العدل والليث وبعث رافع على سالوس محمد بن هرون وجاء إليه على بن كانى مستأمنا فحصرهما محمد بن زيد وسار إليه رافع ففر إلى أرض الديلم ورافع في اتباعه إلى حدود قزوين فسار فيها وأحرقها وعاد إلى الرى وفى سنة ست وسبعين رضى المعتمد عن عمرو ابن الليث وولاه وكتب اسمه على الاعلام وولى على الشرطة ببغداد من قبله عبيد الله ابن عبد الله بن طاهر ثم انتقض فأزيل وفيها كان مسير الموفق إلى الجبل لاتكو تكين ومحاربة أحمد بن عبد العزيز بن أبى دلف وقد تقدم ذلك وفيها ولى الموفق ابن أبى الساج على أذربيجان فسار إليها ودافعه عبد الله بن حسن الهمذانى صاحب مراغة فهزمه ابن أبى الساج واستقر في عمله وفيها زحف هرون الشارى من الحديثة إلى الموصل يريد حربها ثم صانعه أهل الموصل ورحل عنهم وفى سنة سبع وسبعين دعا مازيار بطرسوس لخمارويه بن أحمد بن طولون وكان أنفذ إليه ثلاثين ألف دينار وخمسمائة ثوب وخمسمائة مطرف وسلاحا كثيرا وبعث إليه بعد الدعاء بخمسين ألف دينار(3/345)
وفى سنة ثمان وسبعين كانت وفاة الموفق وبيعة المعتضد بالعهد كما مر وفيها كان ابتداء أمر القرامطة وقد تقدم وفى سنة تسع وسبعين خلع جعفر بن المعتمد وقدم عليه المعتضد وكانت الحرب بين الخوارج وأهل الموصل وبين بنى شيبان وعلى بنى شيبان
هرون بن سيما من قبل محمد بن اسحق بن كنداج ولاه عليها فطرده أهلها فزحف إليهم مع بنى شيبان ودافع عن أهل الموصل هرون الشارى وحمدان بن حمدون فهزمهم بنو شيبان وخاف أهل الموصل من ابن سيما وبعثوا إلى بغداد يطلبون واليا فولى المعتمد عليهم محمد بن يحيى المجروح الموكل بحفظ الطريق وكان ينزل الحديثة فأقام بها أياما ثم استبدل منه بعلى بن داود الكردى * (وفاة المعتمد وبيعة المعتضد) * توفى المعتمد على الله أبو العباس أحمد بن المتوكل لعشر بقين من رجب سنة تسع وسبعين ومائتين لثلاث وعشرين سنة من ولايته ودفن بسامرا وهو أول من انتقل إلى بغداد وكان في خلافته مغلبا عاجزا وكان أخوه الموفق مستبدا عليه ولم يكن له معه حكم في شئ ولما مات الموفق سنة ثمان وسبعين كما قدمناه أقام مكانه ابنه أبا العباس أحمد المعتضد وحجر المعتمد كما كان أبوه يحجره وولاه عهده كما كان أبوه ثم قدمه في العهد على ابنه جعفر ثم هلك فبايع الناس للمعتضد بالخلافة صبيحة موته فولى غلامه بدرا الشرطة وعبيد الله بن سليمان بن وهب الوزارة ومحمد بن الشارى بن ملك الحرس ووفد عليه لاول خلافته رسول عمرو بن الليث بالهدايا وسأل ولاية خراسان فعقد له عليها وبعث إليه بالخلع واللواء ولاول خلافته مات نصر بن أحمد السامانى ملك ما وراء النهر وقام مكانه أخوه اسمعيل * (مقتل رافع بن الليث) * كان رافع بن الليث قد وضع يده على قرى السلطان بالرى وكتب إليه المعتضد برفع يده عنها فكتب إلى أحمد بن عبد العزيز بن أبى دلف باخراجه عن الرى فقاتله وأخرجه وسار إلى جرجان ودخل نيسابور سنة ثلاث وثمانين فوقعت بينه وبين عمرو حرب وانهزم رافع إلى اسورد وخلص عمرو ابني أخيه من حبسه وهما العدل والليث ابنا على بن الليث وقد تقدم خبرهما ثم سار رافع إلى هراة ورصده عمرو بسرخس فشعر به ورجع
إلى نيسابور في مسالك صعبة وطرق ضيقة واتبعه عمرو فحاصره في نيسابور ثم تلاقيا وهرب عن رافع بعض قواده إلى عمرو فانهزم رافع وبعث أخاه محمد بن هرثمة إلى محمد ابن زيد يستمده كما شرط له فلم يفعل وافترق عن رافع أصحابه وغلمانه وفارقه محمد بن هرون(3/346)
إلى أحمد بن اسمعيل في بخارى ولحق رافع بخوارزم في فل من العسكر ومعه بقية أمواله وآلته ومر في طريقه بأبى سعيد الدرعانى ببلد فاستغفله وغدر به وحمل رأسه إلى عمرو بن الليث بنيسابور وذلك في شوال سنة ثلاث وثمانين * (خبر الخوارج بالموصل) * قد تقدم لنا أن خوارج الموصل من الشراة استقدر عليهم بعد مساور هرون الشارى وذكرنا شيأ من اخبارهم ثم خرج عليه سنة ثمانين محمد بن عبادة ويعرف بأبى جوزة من بنى زهير من البقعاء وكان فقيرا ومعاشه ومعاش بنيه في التقاط الكمأة وغيرها وأمثال ذلك وكان يتدين ويظهر الزهد ثم جمع الجموع وحكم واستجمع إليه الاعراب من تلك النواحى وقبض الزكوات والاعشار من تلك الاعمال وبنى عند سنجار حصنا ووضع فيه أمتعته وما عونه وأنزل به ابنه أبا هلال في مائة وخمسين فجمع هرون الشارى أصحابه وبدأ بحصار الحصن فأحاط به ومحمد بن عبادة في قرابا وجد في حصاره حتى أشرف على فتحه وقيد أبا هلال ابنه ونفرا معه وبعث بنو ثعلب وهم مع هرون إلى من كان بالحصن من بنى زهير فأمنوهم وملك هرون الحصن ثم ساروا إلى محمد فلقيهم وهزمهم أولا ثم كروا عليه مستميتين فهزموه وقتلوا من أصحابه ألفا وأربعمائة وقسم هرون ماله ولحق محمد بآمد فحاربه صاحبها أحمد بن عيسى بن الشيخ فظفر به وبعثه إلى المعتضد فسلخه حيا * (ايقاع المعتضد ببنى شيبان واستيلاؤه على ماردين) * وفى سنة ثمانين سار المعتضد إلى بنى شيبان بأرض الجزيرة ففروا أمامه وأثار على
طوائف من العرب عند السند فاستباحهم وسار إلى الموصل فجاءه بنو شيبان وأعطوه رهنهم على الطاعة فغلبهم وعاد إلى بغداد وبعث إلى أحمد بن عيسى بن الشيخ في أموال ابن كنداج التى أخذها بأحمد فبعث بها وبهل أياما كثيرة معها ثم بلغه أن أحمد بن حمدون ممالئ لهرون الشارى وداخل في دعوته فسار المعتضد إليه سنة احدى وثمانين واجتمع الاعراب من بنى ثعلب وغيرهم للقائه وقتل منهم وغرق في الزاب كثيرا وسار إلى الموصل ثم بلغه ان أحمد هرب عن ماردين وخلف بها ابنه فسار المعتضد إليه ونازله وقاتله يوما ثم صعد من الغد إلى باب القلعة وصاح بابن حمدان واستفتح الباب ففتح له دهشا وأمر بنقل ما في القلعة وهدمها وبعث في طلب حمدان وأخذ أمواله (* الولاية على الجبل واصبهان) * عقد المعتضد سنة احدى وثمانين لابنه على وهو المكتفى على الرى وقزوين وزنجان(3/347)
وابهر وقم وهمذان والدينور فاستأمن إليه عامل الرى لرافع بن الليث وهو الحسن ابن على كوره فأمنه وبعث به إلى أبيه * (عود حمدان إلى الطاعة) * وفى سنة ثنتين وثمانين سار المعتضد إلى الموصل واستقدم اسحق بن أيوب وحمدان ابن حمدون فبادر اسحق بقلاعه وأودع حرمه وأمواله فبعث إليه المعتضد العساكر مع وصيف ونصر القسورى فمروا بذيل الزعفران من أرض الموصل وبه الحسن ابن على كوره ومعه الحسين بن حمدان فاستأمن الحسين وبعثوا له إلى المعتضد فأمر بهدم القلعة وسار وصيف في اتباع حمدان فواقعه وهزمه وعبر إلى الجانب الغربي من دجلة وسار في ديار ربيعة وعبرت إليه العساكر وحبسوه فأخذوا ماله وهرب وضاقت عليه الارض فقصد خيمة اسحق بن أيوب في عسكر المعتضد مستجيرا به فأحضره عند المعتضد فوكل به وحبسه
* (هزيمة هرون الشارى ومهلكه) * كان المعتضد قد ترك بالموصل نصرا القسروى لاعادته العمال على الجباية وحرج بعض العمال لذلك فأغارت عليهم طائفة من أصحاب هرون الشارى وقتل بعضهم فكثر عيث الخوارج وكتب نصر القسروى إلى هرون يهدده فأجابه وأساء في الرد وعرض بذكر الخليفة فبعث نصر بالكتاب إلى المعتضد فأمره بالجد في طلب هرون وكان على الموصل يكتم طاتشمر من مواليهم فقبض عليه وقيده وولى على الموصل الحسن كوره وأمر ولاة الاعمال بطاعته فجمعهم وعسكر بالموصل وخندق على عسكره إلى أن أوقع بالناس غلاتهم ثم سار إلى الخوارج وعبر الزاب إليهم فقاتلهم قتالا شديدا فهزمهم وقتل منهم وافترقوا وسار الكثير منهم إلى أذربيجان ودخل هرون البرية واستأمن وجوه أصحابه إلى المعتضد فأمنهم ثم سار المعتضد سنة ثلاث وثمانين في طلب هرون فانتهى إلى تكريت وبعث الحسين بن حمدون في عسكر نحو من ثلثمائة فارس واشترط ان جاء به اطلاق ابنه حمدان وسار معه وصيف وانتهى إلى بعض مخايض دجلة فأرصد بها وصيفا وقال لا تفارقوها حتى ترونى ومضى في طلبه فواقعه وهزمه وقتل من أصحابه وأقام وصيف ثلاثة أيام فأبطأ عليه الامر فسار في اتباع ابن حمدان وجاء هرون منهزما إلى تلك المخاضة فعبر وابن حمدان في أثره إلى حى من أحياء العرب قد اجتاز بهم هرون فدلوا ابن حمدان عليه فلحقه وأسره وجاء به إلى المعتضد فرجع المعتضد آخر ربيع الاول وخلع على الحسين واخوته وطوقه وأدخل هرون على الفيل وهو ينادى لا حكم الا لله(3/348)
ولو كره المشركون وكان صغديا ثم أمر المعتضد بحل القيود عن حمدان بن حمدون والاحسان إليه وباطلاقه وفى سنة ثنتين وثمانين سار المعتضد من الموصل إلى الجبل فبلغ الكرخ فهرب عمر بن عبد العزيز بن أبى دلف بين يديه فأخذ أمواله وبعث إليه في طلب جد كان عنده فوجهه إليه ثم بعث المعتضد وزيره عبيد الله بن
سليمان إلى ابنه بالرى ليسير من هناك إلى عمر بن عبد العزيز بالامان فسار وأمنه ورجع إلى الطاعة فخلع عليه وعلى أهل بيته وكان أخوه بكر بن عبد العزيز قد استأمن قبل ذلك إلى عبيد الله بن سليمان وبدر فولاه عمله على أن يسير إلى حربه فلما وصل عمر في الامان قال لبكر انما وليناك وأخوك عاص فامضيا إلى أمير المؤمنين المعتضد وولى عيسى النوشرى على اصبهان من قبل عمر وهرب بكر إلى الاهواز وسار عبيد الله ابن سليمان الوزير إلى على بن المعتضد بالرى ولما بلغ الخبر إلى المعتضد بعث وصيفا موسكين إلى بكر بن عبد العزيز بالاهواز فلحقه بحدود فارس فمضى بكر إلى اصبهان ليلا ورجع وصيف إلى بغداد وكتب المعتضد إلى بدر مولاه بطلب بكر بن عبد العزيز وحربه فأمر بذلك عيسى النوشرى فقام به ولقى بكرا بنواحي اصبهان فهزمه بكر ثم عاد النوشرى لقتاله سنة أربع وثمانين فهزمه بنواحي اصبهان واسنباح عسكره ولجأ بكر إلى محمد بن زيد العلوى بطبرستان وهلك بها سنة خمس وثمانين وكان عمر لما مات أبوه قبض على أخيه الحرث ويكنى أبا ليلى وحبسه في قلعة رد ووكل به شفيعا الخادم فلما جاء المعتضد واستأمن عمر وهرب بكر وبقيت القلعة بيد شفيع بأموالها رغب إليه الحرث في اطلاقه فلم يفعل وكان شفيع يسامره كل ليلة وينصرف فحادثه ليلة ونادمه وقام شفيع لبعض حاجته فجعل الحرث في فراشه تمثالا وغطاه وقال لجاريته قولى لشفيع إذا عاد هو نائم ومضى فاختفى في الدار وفك القيد عن رجله بمبر ادخل إليه وبرد به مسماره ولما أخبر شفيع بنومه مضى إلى مرقده وقصده أبو ليلى على فراشه فقتله وأمر أهل الدار واجتمع عليه الناس فاستحلفهم ووعدهم وجمع الاكراد وغيرهم وخرج من القلعة ناقضا للطاعة فسار إلى عيسى النوشرى وحاربه فأصاب أبا ليلى سهم فمات وحمل رأسه إلى اصبهان ثم إلى بغداد * (خبر ابن الشيخ بآمد) * وفى سنة خمس وثمانين توفى أحمد بن عيسى بن الشيخ وقام بأمره في آمد وأعمالها ابنه
محمد فسار المعتضد إليه في العساكر ومعه ابنه أبو محمد على المكتفى ومر بالموصل وحاصر المعتمد إلى ربيع الآخر من سنة ست وثمانين ونصب عليها المجانيق حتى استأمن لنفسه ولاهل آمد وخرج إلى المعتمد فخلع عليه وهدم سورها ثم بلغه أنه يروم الهرب فقبض(3/349)
عليه وعلى أهله * (خبر ابن أبى الساج) * قد تقدم لنا ولاية محمد بن أبى الساج على أذربيجان ومدافعة الحسين اياه عن مراغة ثم فتحها واستيلاؤه على أعمال أذربيجان وبعث المعتضد سنة ثنتين وثمانين أخاه يوسف بن أبى الساج إلى الصيمرة مدد الفتح القلانسى غلام الموفق فخرج يوسف فيمن أطاعه فولاه المعتضد على أعماله وبعث إليه بالخلع وأعطاه الرهن بما ضمن من الطاعة والمناصحة وبعث بالهدايا * (ابتداء أمر القرامطة بالبحرين والشأم) * كان في سنة احدى وثمانين قد جاء إلى القطيف بالبحرين رجل تسمى بيحيى بن المهدى وزعم أنه رسول من المهدى وانه قد قرب خروجه وقصد من أهل القطيف على بن المعلى بن حمدان الربادينى وكان متغاليا في التشيع فجمع الشيعة وأقرأهم كتاب المهدى ليشيع الخبر في سائر قرى البحرين فأجابوا كلهم وفيهم أبو سعيد الجنانى وكان من عظمائهم ثم غاب عنهم يحيى بن المهدى مدة ورجع بكتاب المهدى يشكرهم على اجابتهم وأمرهم أن يدفعوا ليحيى ستة دنانير وثلثين عن كل رجل منهم ففعلوا ثم غاب وجاء بكتاب آخر بأن يدفعوا إليه خمس أموالهم فدفعوا وأقام يتردد في قبائل قيس ثم أظهر أبو سعيد الجنابي الدعوة بالبحرين سنة ست وثمانين واجتمع إليه القرامطة والاعراب وقتل واستباح وسار إلى القطيف طالبا البصرة وبلغت النفقة فيه أربعة عشر ألف دينار ثم قرب أبو سعيد من نواحى البصرة وبعث المعتضد إليهم المدد مع عباس بن عمر الغنوى
وعزله عن فارس وأقطعه اليمامة والبحرين وضم إليه ألفين من المقاتلة وسار إلى البصرة وأكثر من الحشد جندا ومتطوعة فسار ولقى أبا سعيد الجنابي ورجع من كان معه من بنى ضبة إلى البصرة ثم كان اللقاء فهزمه الجنابي وأسره واحتوى على معسكره وحرق الاسرى بالنار وذلك في شعبان من هذه السنة وسار إلى هجر فملكها وامن أهلها ورجع إلى أهل البصرة وبعثوا إليهم بالرواحل عليها الطعام والماء فاعترضهم بنو اسد واخذوا الرواحل وقتلوا الفل واضطربت البصرة وتشوف أهلها إلى الانتقال فمنعهم الواثقي ثم أطلق الجنابي العباس الغنوى فركب إلى الابلة وسار منها إلى بغداد فخلع عليه المعتضد وأما ظهورهم بالشأم فان داعيتهم ذكرويه بن مهرويه الذى جاء بكتاب المهدى إلى العراق لما رأى الجيوش متتابعة إلى القرامطة بالسواد وأبادهم القتل لحق باعراب أسد وطئ فلم يجبه فبعث أولاده في كلب بن وبرة فلم يجبه منهم الا بنو(3/350)
القليظى بن ضمضم بن عدى بن جناب فبايعوا ذكرويه ويسمى بيحيى ويكنى بأبى القاسم ولقبوه الشيخ وانه من ولد اسمعيل الامام بن جعفر الصادق وأنه يحيى بن عبد الله ابن يحيى بن اسمعيل وزعم أن له مائة ألف تابع وان ناقته التى يركبها مأمورة فمن تبعها كان منصورا فقصدهم شبل مولى المعتضد في العساكر من ناحية الرصافة فقتلوه فسار إليهم شبل مولى أحمد بن محمد الطائى فأوقع بهم وجاء ببعض رؤسائهم أسيرا فأحضره المعتضد وقال له هل تزعمون أن روح الله وأنبيائه تحل في أجسادهم فتعصمكم من الزلل وتوفقكم لصالح العمل فقال له يا هذا أرأيت ان حلت روح ابليس فما ينفعك فاترك ما لا يعنيك إلى ما يعنيك قال له فقل فيما يعنينى فقال له قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبوكم العباس حى فلم يطلب الامر ولا بايعه ثم مات أبو بكر واستخلف عمر وهو يرى العباس أو لم يعهد إليه عمر ولا جعله من أهل الشورى وكانوا ستة وفيهم الاقرب والابعد وهذا اجماع منهم على دفع جدك عنها فبماذا تستحقون أنتم الخلافة فأمر به
المعتضد فعذب وخلعت عظامه ثم قطع مرتين ثم قتل ولما وقع شبل بالقرامطة بسواد الكوفة ساروا إلى الشأم فانتهوا إلى دمشق وعليها طغج بن جف مولى أحمد بن طولون من قبل ابنه هرون فخرج إليهم فقاتلهم مرارا هزموه في كلها هذه أخبار بدايتهم ونقبض العنان عنها إلى أن نذكر سياقتها عند ما نعدد أخبارهم على شريطتنا في هذا الكتاب كما تقدم * (استيلاء ابن سامان على خراسان من يد عمرو بن الليث وأسره ثم مقتله) * لما تغلب عمرو بن الليث الصفار على خراسان من يد رافع بن الليث وقتله بعث برأسه إلى المعتضد وطلب منه أن يوليه ما وراء النهر مضافا إلى ولاية خراسان كتب له بذلك فجهز الجيوش لمحاربة اسمعيل بن أحمد صاحب ما وراء النهر وجعل عليهم محمد بن بشير من أخص أصحابه وبعث معه القواد فانتهوا إلى آمد من شط جيحون وعبر إليهم اسمعيل فهزمهم وقتل محمد بن بشير في ستة آلاف ولحق الفل بعمرو في نيسابور فتجهز وسار إلى بلخ وكتب إليه اسمعيل يستعطفه ويقول أنا في ثغر وأنت في دنيا عريضة فاتركني واستفد الفتى فأبى وصعب على أصحابه عبور النهر لشدته فعبر اسمعيل وأخذ الطرق على بلخ وصار عمرو محصورا ثم اقتتلوا فانهزم عمرو وتسرب من بعض المسالك عن أصحابه فوجد في أجمة وأخذ أسيرا وبعث به اسمعيل إلى سمرقند ومن هناك إلى المعتضد سنة ثمان وثمانين فحبسه إلى أن مات المعتضد سنة تسع بعدها فقتله ابنه المكتفى وعقد لاسمعيل على خراسان كما كانت لعمرو وكان عمرو عظيم السياسة وكان يستكثر من المماليك ويجرى عليهم الارزاق ويفرقهم على قواده ليطالعوه بأخبارهم وكان(3/351)
شديد الهيبة ولم يكن أحد يتجاسر أن يعاقب غلاما ولا خادما الا أن يرفعه إلى حجابه * (استيلاء ابن سامان على طبرستان من يد العلوى ومقتله) * ولما بلغ محمد بن زيد العلوى صاحب طبرستان والديلم ما وقع بعمرو بن الليث وانه أسر
طمع هو في خراسان وظن أن ابن اسمعيل لا يتجاوز عمله فسار إلى جرجان وبعث إليه اسمعيل بالكف فأبى فجهر لحربه محمد بن هرون وكان من قواد رافع بن الليث واستأمن إلى عمرو ثم إلى اسمعيل فنظمه في قواده وندبه الآن لحرب محمد بن زيد فسار لذلك ولقيه على باب خراسان فاقتتلوا قتالا شديدا وانهزم محمد بن هرون أولا وافترقت عساكر محمد ابن زيد على النهب ثم رجع هو وأصحابه وانهزم محمد بن زيد وجرح جراحات فاحشة هلك منها لايام وأسر ابنه زيد وبعث به اسمعيل إلى بخارا واجترأ عليه وغنم ابن هرون معسكرهم ثم سار إلى طبرستان فملكها وصار خراسان وطبرستان لبنى سامان واتصلت لهم دولة نذكر سياقة أخبارها عند افراد دولتهم بالذكر كما شرطناه في تأليفنا * (ولاية على بن المعتضد على الجزيرة والثغور) * ولما ملك المعتضد آمد من يد ابن الشيخ كما قدمناه سار إلى الرقة وتسلم قنسرين والعواصم من يد عمال هرون بن خمارويه لانه كان كتب إليه أن يقاطعه على الشأم ومصر ويسلم إليه أعمال قنسرين ويحمل إليه أربعمائة ألف دينار وخمسين ألفا فأجابوه وسار من آمد إلى الرقة فأنزل ابنه عليا الذى لقبه بعد ذلك بالمكتفى وعقد له على الجزيرة وقنسرين والعواصم سنة ست وثمانين واستكتب له الحسن بن عمر النصرابى واستقدم وهو بالرقة راغبا مولى الموفق من طروس فقدم عليه وحبسه وحبس ملنون غلامه واستصفى أموالهما ومات راغب لايام من حبسه وقد كان راغب استبد بطرسوس وترك الدعاء لهرون بن خمارويه ودعا لبدر مولى المعتضد ولما جاء أحمد بن طبان للفر سنة ثلاث وثمانين تنازع معه راغب فركب أحمد البحر في رجوعه ولم يعرج على طرسوس وترك بها دميانة غلام بازيار وأمده فقوى وأنكر على راغب أفعاله بحمل دميانة إلى بغداد واستبد راغب إلى استدعاء المعتضد ونكبه كما قلناه وولى ابن الاخشاء على طرسوس فمات لسنة واستخلف أبا ثابت وخرج سنة سبع وثمانين غازيا فأسر وولى الناس عليهم مكانه على بن الاعرابي ولحق بملطية في هذه السنة وصيف
مولى محمد بن أبى الساج صاحب بردعة وكتب إلى المعتمد يسأله ولاية الثغور وقد وطأ صاحبه أن يسير إليه إذا وليها فيقصد ان ابن طولون ويملكان مصر من يده وظهر المعتضد على ذلك فسار لاعتراضه وقدم العساكر بين يديه فأخذوه بعين زربة وجاؤا به(3/352)
إلى المعتضد فحبسه وامن عسكره ورحل إلى قرب طرسوس واستدعى رؤساءها وقبض عليهم بمكاتبتهم وصيفا وأمر باحراق مراكب طرسوس باشارة دميانة واستعمل على أهل الثغور الحسن بن على كوره وسار إلى انطاكية وحلب ورجع منها إلى بغداد وقتل وصيفا وصلبه واستقدم المكتفى بعد وفاة المعتضد الحسن بن على وولى على الثغور مظفر بن حاج ثم شكا أهل الثغر منه فعزله وولى أبا العشائر بن أحمد بن نصر سنة تسعين * (حرب الاعراب) * وفى سنة ست وثمانين اعترضت طيئ ركب الحاج بالاجيعر وقاتلوه ونهبوا أموال التجار ما قيمته ألف ألف دينار ثم اعترضوا الحاج كذلك سنة تسع وثمانين بالقرن فهزمهم الحاج وسلموا * (تغلب ابن الليث على فارس واخراج بدر اياه) * وفى فاتح ثمان وثمانين جاء طاهر بن محمد بن عمرو بن الليث في العساكر إلى بلاد فارس وأخرج منها عامل المعتضد وهو عيسى النوشرى كان على أصبهان فولاه المعتضد فارس فسار إليها فجاءه طاهر وملكها وكتب إليه اسمعيل صاحب ما وراء النهر بأن المعتضد ولاه سجستان لذلك وعقد المعتضد لبدر مولاه على فارس وهرب عمال طاهر عنها وملكها بدر وجبى خراجها ثم مات المعتضد وسار مغربا عن فارس فقتل بواسط وقاطع طاهر بلاد فارس على مال يحمله فقلده المكتفى ولايتها سنة تسعين * (الولايات في النواحى) *
كان أكثر النواحى في دولة المعتضد مغلبا عليها كخراسان وما وراء النهر لابن سامان والبحرين للقرامطة ومصر لابن طولون وافريقية لابن الاغلب وقد ذكرنا من ولى الموصل وفى سنة خمس وثمانين ولى المعتضد عليها وعلى الجزيرة والثغور الشامية مولاه ثم ملك آمد من يد ابن الشيخ وجعلها لابنه على المكتفى وأنزله الرقة كما ذكرناه وعقد له على الثغور ثم عقد بعده للحسن بن على كوره وولى على فارس بدرا مولاه ومات اسحق بن أيوب بن عمر بن الخطاب الثعلبي العدوى أمير ديار ربيعة فولى المعتضد مكاته عبد الله بن الهيثم بن عبد الله بن المعمر وفى سنة ثمان وثمانين ظهر باليمن بعض العلويين وتغلب على صنعاء فجمع له بنو يعفر وقاتلوه فهزموه وأسروا ابنه وتجافى نحو خمسين فارسا وملك بنو يعفر صنعاء وخطبوا فيها للمعتضد وهلك ابن أبى الساج في هذه السنة فولى أصحابه ابنه ديوداد ونازعه عمه يوسف بن رافع بابن أخيه وهزمه ومضى(3/353)
إلى بغداد على طريق الموصل واستقل يوسف بملك اذربيجان وعرض على ابن اخيه المقام عنده فأبى وقلد المعتضد لاول خلافته ديوان المشرق لمحمد بن داود بن الجراح عوضا عن أحمد بن محمد بن الفرات وديوان المغرب على بن عيسى بن داود بن الجراح ومات وزيره عبيد الله بن سليمان بن وهب فولى ابنه أبا القاسم مكانه * (الصوائف) * وفى سنة خمس وثمانين غزا راغب مولى الموفق من طرسوس في البحر فغنم مراكب الروم قتل فيها نحوا من ثلاثة آلاف وأحرقها وخرج الروم سنة سبع وثمانين ونازلوا طرسوس فقاتلهم أميرها واتبعهم إلى نهر الرحال فاسروه وفى سنة ثمان وثمانين بعث الحسن بن على كوره صاحب الثغور بالصائفة فغزا وفتح حصونا كثيرة وعاد بالاسرى فخرج الروم في أثره برا وبحرا إلى كيسوم من نواحى حلب فأسروا نحوا من خمسة عشر ألفا ورجعوا * (وفاة المعتضد وبيعة ابنه) *
كان بدر مولى المعتضد عظيم دولته وكان القاسم بن عبيد الله الوزير يروم نقل الخلافة في غير بنى المعتضد وفاوض في ذلك بدرا أيام المعتضد فأبى ولم يمكن القاسم مخالفته فلما مات المعتضد كان بدر بفارس بعثه إليها المعتضد لما بلغه أن طاهر بن محمد بن عمرو بن الليث غلب عليها فبعث بدرا وولاه فلما مات عقد الوزير البيعة لابنه المكتفى وخشى من بدر فيما اطلع عليه منه فأعمل الحيلة في أمره وكان المكتفى أيضا يحقد لبدر كثيرا من منازعة معه أيام أبيه فدس الوزير إلى القواد الذين مع بدر بمفارقته ففارقه العباس ابن عمر الغنوى ومحمد بن اسحق بن كنداج وخاقان العلجى وغيرهم فأحسن الملتقى إليهم وسار بدر إلى واسط فوكل المكتفى بداره وقبض على أصحابه وأمر بمحو اسمه من الفراش والاعلام وبعث الحسن بن على كوره في جيش إلى واسط وعرض على بدر ما شاء من النواحى فقال لا بد لى ان أشافه مولاى بالقول فخوف الوزير المكتفى خائنته ومنعه من ذلك وشعر أن بدرا بعث عن ابنه هلال فوكل به ثم بعث الوزير عن القاضى أبى عمر المالكى وحمله الامان إلى بدر فجاء بأمانه وبعث الوزير من اعترضه بالطريق فقتله لست خلون من رمضان وحمل أهله شلوه إلى مكة فدفن بها لوصيته بذلك وحزن القاضى أبو عمر لاخفار ذمته * (استيلاء محمد بن هرون على الرى ثم أسره وقتله) * قد تقدم لنا ذكر محمد بن هرون وأنه كان من قواد رافع بن هرثمة ونظمه اسمعيل بن أحمد صاحب ما وراء النهر في قواده وبعثه لحرب محمد بن زيد فهزمه واستولى على طبرستان(3/354)
وولاه اسمعيل عليها ثم انتقض ودعا بدعوة العلوية وبيض وساعده ابن حسان الديلمى وبعث اسمعيل العساكر لقتال ابن حسان فهزموه وكان على الرى من قبل المكتفى اغرتمش التركي فأساء السيرة فبعث أهل الرى إلى محمد بن هرون أن يسير إليهم ويولوه فسار وحارب اغرتمش فهزمه وقتله وقتل ابنيه وأخاه كيغلغ من القواد واستولى على
الرى وبعث المكتفى مولاه خاقان المفلحى لولاية الرى في جيش كثيف فلم يصلها وبعث المكتفى إلى اسمعيل بولايته ومحاربة محمد بن هرون فسار اسمعيل إليه وهزمه فخرج عن الرى إلى قزوين وزنجان ثم لحق بطبرستان واستقر مع ابن مستجيزا ولم ملك اسمعيل الرى ولى على جرجان مولاه نارس الكبير والزمه احضار محمد بن هرون فكاتبه نارس وضمن له صلاح الحال فقبل وانصرف عن الديلم إلى بخارى فبعث اسمعيل من اعترضه وحمل إلى بخارى مقيدا فمات في الحبس بعد شهر وذلك في شعبان سنة تسعين * (استيلاء المكتفى على مصر وانقراض دولة ابن طولون) * كان محمد بن سليمان من قواد بنى طولون وكاتب جيشهم واستوحش منهم فلحق بالمعتضد وصرفوه في الخدم وكانت القرامطة عاثوا في بلاد الشام وحاصروا عامل بنى طولون بدمشق وهو طغج بن جف وقتلوا قوادهم وسار المكتفى إليهم فنزل الرقة وبعث محمد بن سليمان لحربهم ومعه الحسن بن حمدان والعساكر وبنو شيبان فلقيهم قرب حماة فهزمهم واتبعهم إلى الكوفة وقبض في طريقه على أميرهم صاحب الشامة فبعث به إلى المكتفى فرجع إلى بغداد وخلف محمد بن سليمان في العساكر فتبعهم وأسر جماعة منهم وبينما هو يروم العود إلى بغداد جاءه كتاب بدر الحمامى مولى هرون بن خمارويه ومحمد فائق صاحب دمشق يستقدمانه إلى البلاد لعجز هرون عنها فأنهى ذلك محمد بن سليمان عند عوده إلى المكتفى فأعاده وأمده بالجنود والاموال وبعث دميانة غلام بازيار في الاسطول ليدخل من فوهة النيل ويحاصر مصر ولما وصل ودنا من مصر كاتب القواد وخرج إليه رئيسهم بدر الحمامى وتتابع منهم جماعة وبرز هرون لقتاله فحاربه أياما ثم وقعت بعض الايام في عسكره هيعة ركب لها ليسكنها فاصابته حربة مات منها واجتمع أصحابه على عمه شيان وبذل الاموال فقاتلوا معه ثم جاءهم كتاب محمد بن سليمان بالامان فأجابوه وخالف شيبان إلى مصر فاستولى عليها واستأمن إليه شيبان سرا فامنه ولحق به ثم قبض على بنى طولون وحبسهم واستصفى أموالهم وذلك
في صفر سنة ثنتين وتسعين وأمره المكتفى بازالة آل طولون وأشياعهم من مصر والشام ففعل وسار بهم إلى بغداد وولى المكتفى على مصر عيسى النوشرى وخرج عليه ابراهيم الخليجى من قواد بنى طولون يخلف عن محمد بن سليمان فخلفه وكثر جمعه وسار النوشرى(3/355)
إلى الاسكندرية عجزا عن مدافعته واستولى الخليجى على مصر وبعث المكتفى بالجنود مع فاتك مولى المعتضد واحمد بن كيغلغ وبدر الحمامى من قواد بنى طولون فوصلوا سنة ثلاث وتسعين وتقدم أحمد بن كيغلغ وجماعة من القواد فلقيهم قرب العريش فهزمهم وقوى الامر وبلغ الخبر إلى المكتفى فعسكر ظاهر بغداد وانتهى مده إلى تكريت فلقيه كتاب فاتك في شعبان يذكر أنهم هزموا الخليجى بعد حروب متصلة وغنموا عسكره ثم هرب واختفى بفسطاط مصر وجاء من دل عليه فأمر المكتفى بحمله ومن معه إلى بغداد فبعثوا بهم وحبسوا * (ابتداء دولة بنى حمدان) * وفى سنة ثنتين وتسعين عقد المكتفى على الموصل وأعمالها لابي الهيجاء عبد الله بن حمدان بن حمدون العدوى الثعلبي فقدمها أول المحرم وجاء الصريخ من نينوى بان الاكراد الهدبانية ومقدمهم محمد بن سلال قد اغاروا على البلاد وعاتوا فخرج في العساكر وعبر الجسر إلى الجانب الشرقي ولقيهم على الحارد فقاتلهم وقتل من قواد سليمان الحمداني ورجع عنهم وبعث إلى الخليفة يستمده فابطأ عليه المدد إلى ربيع من سنة أربع فلما جاءه المدد سار إلى الهدبانية وهم مجتمعون في خمسة آلاف بيت فارتحلوا امامه واعتصموا بجبل السلق المشرف على الزاب فحاصرهم وعرفوا حقه فخذله أميرهم محمد بن سلال بالمراسلة في الطاعة والرهن وحث أصحابه خلال ذلك في المسير إلى اذربيجان واتبعهم أبو الهيجاء فلحقهم صاعدا إلى جبل القنديل فنال منهم وامتنعوا بذروته ورجع أبو الهيجاء عنهم فلحقوا باذربيجان ووفد أبو الهيجاء على المكتفى فانجده
بالعسكر وعاد إلى الموصل ثم سار إلى الاكراد بجبل السلق فدخله وحاصرهم بقنته وطال حصارهم واشتد البرد وعدمت الاقوات وطلب محمد بن سلال النجاة بأهله وولده فنجا واستولى ابن حمدان على أموالهم وأهليهم وأمنهم ثم استأمن محمد بن سلال فأمنه وحضر عنده وأقام بالموصل وتتابع الاكراد الحميدية مستأمنين واستقام أمر أبى الهيجاء بالموصل ثم انتقض سنة احدى وثلثمائة فبعث إليه المقتدر مؤنسا الخادم فجاء بنفسه مستأمنا ورجع به إلى بغداد فقبله المقتدر وأكرمه وبقى ببغداد إلى أن انتقض أخوه الحسين بديار ربيعة سنة ثلاث وثلثمائة وسارت العساكر فجاؤا به أسير فحبس المقتدر عند ذلك أبا الهيجاء وأولاده وجمع اخوته بداره ثم أطلقهم سنة خمس وثلثمائة * (أخبار ابن اللث بفارس) * قد تقدم لنا استقلال طاهر بن محمد بن عمرو بن الليث ببلاد فارس وان المكتفى عقد له(3/356)
عليها سنة تسعين ثم انه تشاغل باللهو والصيد وأعرض عن أمور ملكه ومضى في بعض الايام إلى سجستان فوثب على فارس الليث بن على بن الليث وسيكرى مولى عمرو بن الليث فاستوحش منها بعض قوادهما يعرف بأبى قابوس وفارقهما إلى بغداد وأحسن المكتفى إليه ثم كتب إليه طاهر في رد أبى قابوس إليه ويحتسب له ما معه من أموال الجباية فأعرض الخليفة عن ذلك * (الصوائف) * وفى سنة احدى وتسعين خرج الروم إلى الثغور في مائة ألف وقصد جماعة منهم الحدث ثم غزا بالصائفة من طرسوس القائد المعروف غلام زرافة ففتح مدينة انطاكية وفتحها عنوة فقتل خمسة آلاف من مقاتلتهم وأسر مثلها واستنقذ من اسرى المسلمين مثلها وغنم ستين من مراكب الروم بما فيها من المال والمتاع والرقيق فقسمها مع
غنائم انطاكية فكان السهم ألف دينار وفى سنة ثنتين وتسعين أغار الروم على مرعش ونواحيها فخرج أهل المصيصة وأهل طرسوس فأصيب منهم جماعة فعزل المكتفى أبا العشائر عن الثغور وولى رستم بن برد وفكان على يديه الفداء وفودي ألف من المسلمين ثم أغارت الروم سنة ثلاث وتسعين على موارس من أعمال حلب وقاتلهم أهلها فانهزموا وقتل منهم خلق ودخلها الروم فأحرقوا جامعها وأخذوا من بقى فيها وفى سنة أربع وتسعين غزا ابن كيغلغ من طرسوس فأصاب من الروم أربعة آلاف سبيا واستأمن بطريق من الروم فأسلم ثم عاود ابن كيغلغ الغزو وبلغ سكند وافتتحها وسار إلى اللبس فبلغ خمسين ألف رأس وقتل من الروم خلقا ثم استأمن البطريق المتولي الثغور من جهة الروم إلى المكتفى وخرج بمائتي أسير من المسلمين وكان ملك الروم قد شعر بأمره وبعث من يقبض عليه فقتل الاسرى المسلمون من جاء للقبض عليه وغنموا عسكرهم واجتمع الروم على محاربة البطريق انذوقس وزحف المسلمون لخلاصه وخلاص من معه من الاسرى فبلغوا قونية وخربوها وانصرف الروم وأمر المسلمون في طريقهم بحصن اندوس فخرج معهم بأهله وسار إلى بغداد وفى سنة احدى وتسعين خرج الترك إلى ما وراء النهر في خلق لا يحصون فبعث إليهم اسمعيل عسكرا عظيما من الجند والمطوعة فكبسوهم واستباحوهم وفى سنة ثلاث وتسعين افتتح اسمعيل مدائن كثيرة من بلاد الترك والديلم * (الولايات بالنواحي) * قد ذكرنا ولايات خاقان المفلحى على الرى ثم اسمعيل بن أحمد بن سامان بعده وولاية عيسى النوشرى على مصر بعد انتزاعها من بنى طولون وولاية أبى العشائر أحمد بن نصر(3/357)
على طرسوس وعزل مظفر بن حاج عنها سنة تسعين ثم عزل أبى العشائر وولاية رستم ابن برد وسنة ثنتين وتسعين وانتزاع الليث بن على بن الليث بلاد فارس من يد طاهر بن
محمد سنة ثلاث وتسعين بعد ان كان المكتفى عقد له عليها سنة تسعين وولاية أبى الهيجاء عبد الله بن حمدان على الموصل سنة ثلاث وتسعين وفى هذه السنة ثار داعية القرامطة باليمن إلى صنعاء فملكها واستباحها وتغلب على كثير من مدن اليمن وبعث المكتفى المظفر بن الحاج في شوال من هذه السنة إلى عمله باليمن فأقام به وفى سنة احدى وتسعين توفى الوزير أبو القاسم بن عبيد الله واستوزر مكانه العباس بن الحسن * (وفاة المكتفى وبيعة المقتدر) * ثم توفى المكتفى بالله أبو محمد على بن المعتضد في شهر جمادى سنة خمس وتسعين لست سنين ونصف من ولايته ودفن بدار محمد بن طاهر من بغداد بعد ان عهد بالامر إلى أخيه جعفر وكان الوزير العباس بن الحسن قد استشار أصحابه فيمن يوليه فأشار محمد بن داود ابن الجراح بعبد الله بن المعتز ووصفه بالعقل والرأى والادب وأشار أبو الحسين بن محمد ابن الفرات بجعفر بن المعتضد بعد أن أطال في مفاوضته وقال له اتق الله ولا تول الا من خبرته ولا تول البخيل فيضيق على الناس في الارزاق ولا الطماع فيشره إلى أموال الناس ولا المتهاون بالدين فلا يجتنب المآثم ولا يطلب الثواب ولا تول من خبر الناس وعاملهم واطلع على أحوالهم فيستكثر على الناس نعمهم وأصلح الموجودين مع ذلك جعفر بن المعتضد قال ويحك وهو صبى فقال وما حاجتنا بمن لا يحتاج الينا ويستبد علينا ثم استشار على بن عيسى فقال اتق الله وانظر من يصلح فمالت نفس الوزير إلى جعفر كما أشار ابن الفرات وكما أوصى أخوه فبعث صائفا الخدمى فأتى به من داره بالجانب الغربي ثم خشى عليه غائلة الوزير فتركه في الحراقة وجاء إلى دار الخلافة فأخذ له البيعة على الحاشية ثم جاء به من الحراقة وأقعده على الاريكة وجاء الوزير والقواد فبايعوه ولقب المقتدر بالله وأطلق يد الوزير في المال وكان خمسة عشر ألف ألف دينار فأخرج منه حق البيعة واستقام الامر * (خلع المقتدر بابن المعتز واعادته) *
ولما بويع المقتدر وكان عمره ثلاث عشرة سنة استصغره الناس وأجمع الوزير خلعه والبيعة لابي عبد الله محمد بن المعتز وراسله في ذلك فأجاب وانتظر قدوم نارس حاجب اسمعيل بن سامان كان قد انتقض إلى مولاه وسار عنه فاستأذن في القدوم إلى بغداد وأذن له وقصد الاستعانة به على موالى المعتضد وأبطأ نارس عليه وهلك أبو عبد الله ابن المقتدر خلال ذلك فصرف الوزير وجهه لابي الحسين بن الموكل فمات فاقر(3/358)
المقتدر ثم بداله وأجمع عزله واجتمع لذلك مع القواد والقضاة والكتاب وراسلوا عبد الله ابن المعتز فأجابهم على ان لا يكون قتال فأخبروه باتفاقهم وان لا منازع لهم وكان المتولون لذلك الوزير العباس بن الحسين ومحمد بن داود بن الجراح وأبا المثنى أحمد بن يعقوب القاضى ومن القواد الحسين بن حمدان وبدر الاعجمي ووصيف بن صوار تكين ثم رأى الوزير أمره صالحا مع المقتدر فبداله في ذلك فأجمع الآخرون أمرهم واعترضه الحسين بن حمدان وبدر الاعجمي ووصيف في طريق لستانة فقتلوه لعشر بقين من ربيع الاول سنة ست وتسعين وخلعوا المقتدر من الغد وبايعوا لابن المعتز وكان المقتدر في الحلبة يلعب الاكرة فلما بلغه قتل الوزير دخل الدار وأغلق الابواب وجاء الحسين بن حمدان إلى الحلبة ليفتك به فلم يجده فقدم وأحضروا ابن المعتز فبايعوه وحضر الناس والقواد وأرباب الدواوين سوى أبى الحسن بن الفرات وخواص المقتدر فلم يحضروا ولقب ابن المعتز المرتضى بالله واستوزر محمد بن داود بن الجراح وقلد على بن موسى الدواوين وبعث إلى المقتدر بالخروج من دار الخلافة فطلب الامهال إلى الليل وقال مؤنس الخادم ومؤنس الخازن وعربت الحال وسائر الحاشية لا بد ان يبدى عذرا فيما أصابنا وباكر الحسين بن حمدان من الغد دار الخلافة فقاتله الغلمان والخدم من وراء السور وانصرف فلما جاء الليل سار إلى الموصل بأهله وأجمع رأى أصحاب المقتدر على قصد ابن المعتز في داره فتسلحوا وركبوا في دجلة فلما رآهم أصحاب ابن المعتز اضطربوا
وهربوا واتهموا الحسين بن حمدان انه قد واطأ المقتدر عليهم وركب ابن المعتز ووزيره محمد بن داود بن الجراح وخرجوا إلى الصحراء ظنا منهم أن الجند الذين بايعوهم يخرجون معهم وانهم يلحقون بسامرا فيمتنعون فلما تفردوا بالصحراء رجعوا إلى البلد وتسربوا في الدور واختفى ابن الجراح في داره ودخل ابن المعتز ومولاه دار أبى عبد الله ابن الجصاص مستجيرا به وثار العيارون والسفل ينتهبون وفشا القتل وركب ابن عمرويه صاحب الشرطة وكان ممن بايع ابن المعتز فنادى بثار المقتدر مغالطا فقاتله فهرب واستتر وأمر المقتدر مؤنسا الخازن فزحف في العسكر وقبض على وصيف بن صوار تكين فقتله وقبض على القاضى أبى عمر على بن عيسى والقاضى محمد بن خلف ثم أطلقهم وقبض على القاضى أبى المثنى أحمد بن يعقوب قال له بايع المقتدر قال هو صبى فقتله وبعث المقتدر إلى أبى الحسن بن الفرات كان مختفيا فأحضره واستوزره وجاء سوسن خادم ابن الجصاص فأخبر صافيا الخرمى مولى المقتدر بمكانه عندهم فكبست الدار وأخذ ابن المعتز وحبس إلى الليل ثم خصيت خصيتاه فمات وسلم إلى أهله وأخذ ابن الجصاص وصودر على مال كثير وأخذ محمد بن داود وزير ابن المعتز وكان مستترا فقتل ونفى على بن عيسى بن على إلى واسط واستأذن من ابن الفرات في المسير إلى مكة فسار(3/359)
إليها على طريق البصرة واقام بها وصودر القاضى أبو عمر على مائة ألف دينار وسارت العساكر في طلب الحسين بن حمدان إلى الموصل فلم يظفروا به وشفع الوزير ابن الفرات في ابن عمرويه صاحب الشرطة وابراهيم بن كيغلغ وغيرهم وبسط ابن الفرات الاحسان وادر الارزاق للعباسيين والطالبيين وأرضى القواد بالاموال ففرق معظم ما كان في بيت المال وبعث المقتدر القاسم بن سيما وجماعة من القواد في طلب الحسين بن حمدان فبلغوا قرقيسيا والرحبة ولم يظفروا به وكتب المقتدر إلى أخيه أبى الهيجاء وهو عامل الموصل بطلبه فسار مع القاسم بن سيما والقواد ولقوه عند تكريت فهزموه وبعث مع
اخيه ابراهيم يستأمن فأمنوه وجاؤا به إلى بغداد فخلع عليه المقتدر وعقد له على قم وقاشان وعزل عنها العباس بن عمر الغنوى فسار إليها الحسين ووصل نارس مولى اسمعيل بن سامان فقلده المقتدر ديار ربيعة * (ابتداء دولة العبيديين من الشيعة بافريقية) * نسبة هؤلاء العبيديين إلى أول خلفائهم وهو عبيد الله المهدى بن محمد الحبيب بن جعفر المصدق ابن محمد المكتوم ابن اسمعيل الامام ابن جعفر الصادق ولا يلتفت لانكار هذا النسب فكتاب المعتضد إلى ابن الاغلب بالقيروان وابن مدرار بسلجماسة يغريهم بالقبض عليه لما سار إلى المغرب شاهد بصحة نسبهم وشعر الشريف الرضى في قوله ألبس الذل في بلاد الاعادي * وبمصر الخليفة العلوى * من أبوه أبى ومولاه مولا * ى إذا ضامني البعيد القصى * لف عرقي بعرقه سيد النا * س جميعا محمد وعلى * وأما المحضر الذى ثبت ببغداد أيام القادر بالقدح في نسبهم وشذ فيه اعلام الائمة مثل القدورى والصهيرى وأبى العباس الابيوردى وأبى حامد الاسفراينى وأبى الفضل النسوي وأبى جعفر النسفى ومن العلوية المرتضى وابن البطخاوى وابن الازرق وزعيم الشيعة أبو عبد الله بن النعمان فهى شهادة على السماع وكان ذلك متصلا في دولة العباسية منذ مائتين من السنين فاشيا في أمصارهم وأعصارهم والشهادة على السماع في مثله جائزة على أنها شهادة نفى ولا تعارض ما ثبت في كتاب المعتضد مع أن طبيعة الوجود في الانقياد لهم وظهور كلمتهم أدل شئ على صدق نسبهم وأما من جعل نسبهم في اليهودية أو النصرانية لميمون القداح أو غيره فكفاه اثما تعرضه لذلك وأما دعوتهم التى كانوا يدقون لها فقد تقدم ذكرها في مذاهب الشيعة من مقدمة الكتاب وانقسمت مذاهب الشيعة مع اتفاقهم على تفضيل على على جميع الصحابة إلى الزيدية القائلين بصحة امامة الشيخين مع فضل على ويجوزون امامة المفضول وهو(3/360)
مذهب زيد الشهيد وأتباعه والرافضة ويدعون بالامامية المتبرئين من الشيخين باهمالهما وصية النبي صلى الله عليه وسلم بخلافة على مع أن هذه الوصية لم تنقل من طريق صحيح قال بها أحد من السلف الذين يقتدى بهم وانما هي من أوضاع الرافضة وانقسم الرافضة بعد ذلك إلى اثنى عشرية نقلوا الخلافة من جعفر بعد الحسن والحسين وعلى زين العابدين ومحمد الباقر وجعفر الصادق إلى ابنه موسى الكاظم وولده على سلسلة واحدة إلى تمام الاثنى عشر وهو محمد المهدى وزعموا أنه دخل سردابا وهم في انتظاره إلى الآن والى الاسماعيلية نقلوا الخلافة من جعفر الصادق إلى ابنه اسمعيل ثم ساقوها في عقبه فمنهم من انتهى بها إلى عبيد الله هذا المهدى وهم العبيديون ومنهم من ساقها إلى يحيى بن عبيد الله بن محمد المكتوم وهؤلاء طائفة من القرامطة وهى من كذباتهم ولا يعرف لمحمد بن اسمعيل ولد اسمه عبيد الله وكان شيعة هؤلاء العبيديين بالمشرق واليمن وافريقية وسار بها إلى افريقية رجلان يعرف أحدهما بالحلوانى والآخر بالسفياني أنفذهما لشيعة إلى هنالك وقالوا لهما ان العرب أرض بور فاذهبا واحرثاها حتى يحيا صاحب البذر وسارا لذلك ونزلا أرض كتامة أحدهما ببلد يسمى سوق حمار وفشت هذه الدعوة منهما في أهل تلك النواحى من البربر وخصوصا في كتامة وكانوا يزعمون أن النبي صلى الله عليه وسلم أوصى إلى على بالخلافة بالنصوص الجلية وعدل عنها الصحابة إلى غيره فوجب البراءة ممن عدل عنها ثم أوصى على إلى ابنه الحسن ثم الحسن إلى أخيه الحسين ثم الحسين إلى ابنه على زين العابدين ثم زين العابدين إلى ابنه محمد الباقر ثم محمد الباقر إلى ابنه جعفر الصادق ثم جعفر الصادق إلى ابنه اسمعيل الامام إلى ابنه محمد ويسمونه المكتوم لانهم كانوا يكتمون اسمه حذرا عليه ثم أوصى محمد المكتوم إلى ابنه جعفر المصدق وجعفر المصدق إلى ابنه محمد الحبيب ومحمد الحيب إلى ابنه عبيد الله المهدى الذى دعا له أبو عبد الله الشيعي وكانت شيعهم منتشرين
في الارض من اليمن إلى الحجاز والبحرين والطرق وخراسان والكوفة والبصرة والطالقان وكان محمد الحبيب ينزل سلمية من أرض حمص وكان عادتهم في كل ناحية يدعون للرضا من آل محمد ويرومون اظهار الدعوة بحسب ما عليهم وكان الشيعة من النواحى يعملون مكيهم في أكبر الاوقات لزيارة قبر الحسين ثم يعرجون على سلمية لزيارة الائمة من ولد اسمعيل وكان باليمن من شيعتهم ثم بعده لائمة قوم يعرفون ببنى موسى ورجل آخر يعرف بمحمد بن الفضل أصله من جند وجاء محمد إلى زيارة الامام محمد الحبيب فبعث معه أصحابه رستم بن الحسين بن حوشب بن داود النجار وهو كوفى الاصل وأمره باقامة الدعوة وأن المهدى خارج في هذا الوقت فسار إلى اليمن ونزل(3/361)
على بنى موسى وأظهر الدعوة هنالك للمهدى من آل محمد الذى ينعتونه بالنعوت المعروفة عندهم فاتبعه واستولى على كثير من نواحى اليمن وكان أبو عبد الله الحسن ابن أحمد بن محمد بن زكريا المعروف بالمحتسب وكان محتسبا بالبصرة وقيل انما المحتسب أخوه أبو العباس المخطوم وأبو عبد الله يعرف بالعلم لانه كان يعرف مذهب الامامية الباطنية قد اتصل بالامام محمد الحبيب وخبر أهليته فأرسله إلى أبى حوشب ولزم مجالسته وأفاد علمه ثم بعثه مع الحاج اليمنى إلى مكة وبعث معه عبد الله بن أبى ملا فأتى الموسم ولقى به رجالات كتامة مثل حريث الحميلى وموسى بن مكاد فاختلط بهم وعكفوا عليه لما رأوا عنده من العبادة والزهد ووجه إليهم بدرا من ذلك المذهب فاغتبط واغتبطوا وارتحل معهم إلى بلدهم ونزل بها منتصف ربيع سنة ثمان وثلاثين وعين لهم مكان منزله بفتح الاحار وأن النص عنده من المهدى بذلك ولجهره المهدى وان أنصاره الاخيار من أهل زمانه وان اسم أنصاره مشتق من الكتمان ولم يعينه واجتمع لمناظرته كثير من أهل كتامة فأبى ثم أطاعوه بعد فتن وحروب واجتمعوا على دعوته وكانوا يسمونه أبا عبد الله المشرفى والشيعى ولما اختلف كتامة عليه واجتمع كثير منهم على قتله قام بنصرته
الحسن بن هرون وسار به إلى جبل ايكجان وأنزله مدينة تاصروت من بلد زرارة وقاتل من لم يتبعه بمن تبعه حتى استقاموا جميعا على طاعته وبلغ خبره ابراهيم بن أحمد ابن الاغلب عامل افريقية بالقيروان فأرسل إلى عامل ميلة يسأله عن أمره فحقره وذكر انه رجل يلبس الخشن ويأمر بالعبادة والخير فأعرض عنه حتى إذا اجتمع لابي عبد الله أمره زحف في قبائل كتامة إلى بلد ميلة فملكها على الامان بعد الحصار فبعث ابراهيم ابن أحمد بن الاغلب ابنه الاحول في عسكرهم يجاوز عشرين ألفا فهزم كتامة وامتنع أبو عبد الله بجبل ايكجان وأحرق الاحول مدينة تاصروت ومدينة ميلة وعاد إلى افريقية وبنى أبو عبد الله بجبل ايكجان مدينة سماها دار الهجرة ثم توفى ابراهيم ابن الاغلب صاحب افريقية وولى ابنه أبو العباس وقتل واستقر الامر لزيادة الله وكان الاحول حمل العساكر لحضوره فاستقدمه زيادة الله وقتله * (وفاة الحبيب وايصاؤه لابنه عبيد الله) * ولما توفى محمد الحبيب وأوصى لابنه عبيد الله وقال له أنت المهدى وتهاجر بعدى هجرة بعيدة وترى محنا شديدة فقام عبيد الله بالامر وانتشرت دعوته وأرسل إليه أبو عبد الله الشيعي رجالا من كتامة يخبرونه بما فتح الله عليهم وانهم في انتظاره وشاع خبره وطلبه المكتفى فهرب هو وولده نزار الذى ولى بعده وتلقب بالقائم وخرج معه خاصته ومواليه(3/362)
يريد المغرب وانتهى إلى مصر وعليها يومئذ عيسى النوشرى فلبس عبيد الله زى التجار يتستر به وجاء كتاب المكتفى للنوشرى بالقبض عليه وفيه صفته وحليته فبعث العيون في طلبه ونمى الخبر بذلك إلى عبيد الله من بعض خواص النوشرى فخرج في رفقة ورآه النوشرى وأحضره ودعاه للمؤاكلة فاعتذر بالصوم ثم امتحنة فلم تشهد له أحواله بشئ مما ذكر له عنه وقارن ذلك رجوع ابنه أبى القاسم يسأل عن كلب للصيد ضاع له فلما رآه النوشرى وأخبر أنه ولد عبد الله علم أن هذه الدالة في طلب الضائع منافية للرقبة
والخوف فخلى سبيله وجد المهدى في السير وكان له كتب من الملاحم ورثها منقولة عن أبيه سرقت من رحله في تلك الطريق ويقال ان ابنه أبا القاسم لما زحف إلى مصر أخذها من بلاد برقة ولما انتهى المهدى وابنه إلى طرابلس وفارقه التجار أهل الرفقة قدم أبا العباس أخا أبى عبيد الله الشيعي إلى أخيه بكتامة ومر بالقيروان وقد سبق خبرهم إلى زيادة الله وهو يسأل عنهم فقبض على أبى العباس وسأله فأنكر فحبسه وكتب إلى عامل طرابلس بالقبض على المهدى ففاته وسار إلى قسطنطينية فعدل عنها خشية على أبى العباس أخى الشيعي المعتقل بالقيروان وذهب إلى سجلماسة وبها الشيع ابن مدرار فأكرمه ثم جاءه كتاب زيادة الله ويقال كتاب المكتفى بأنه المهدى الذى داعيه في كتامة فحبسه وبعث زيادة الله العساكر إلى كتامة مع قريبه ابراهيم بن حيش وكانوا أربعين ألفا فانتهى إلى قسطنطينية فأقام بها وهم متحصنون بخيلهم ستة أشهر ثم زحف إليهم ودافعهم عند مدينة بلزمة فانهزم إلى القيروان وكتب أبو عبد الله بالفتح إلى المهدى وهو في محبسه ثم زحف إلى مدينة طبنة فحاصرها وملكها بالامان ثم إلى مدينة بلزمة فملكها عنوة فبعث زيادة الله العساكر مع هرون الطبنى فانتهوا إلى مدينة دار ملوك وكانوا قد أطاعوا الشيعي فهدمها هرون وقتل أهلها وسار إلى الشيعي فانهزم من غير قتال وقتل وفتح الشيعي مدينة عيسى فزحف زيادة الله في العساكر سنة خمس وتسعين ونزل الاربس ثم أشار عليه أصحابه بالرجوع إلى القيروان ليكون ردأ للعساكر فبعث الجيوش مع ابراهيم بن أبى الاغلب من قرابته ورجع وزحف أبو عبد الله إلى باغاية فهرب عاملها وملكها ثم إلى مدينة مرماجنة فافتتحها عنوة وقتل عاملها ثم إلى مدينة تيفاش فملكها على الامان واستأمن إليه القبائل من كل جهة فأمنهم وسار بنفسه إلى مسلبابة ثم إلى تبسة ثم إلى مجانة ففتحها على الامان ثم سار إلى القصرين من قمودة وأمن أهلها وسار يريد رقادة وبلغ الخبر إلى ابراهيم بن أبى الاغلب وهو بالاربس أميرا على الجيش فخشى على زيادة الله برقادة
لقلة عسكره وارتحل ذاهبا إليه وسار أبو عبد الله إلى قسطنطينية فحاصرها وافتتحها(3/363)
على الامان ورجع إلى باغاية فأنزل بها عسكرا وعاد إلى ايكجان فسار ابراهيم بن أبى الاغلب إلى باغاية وحاصر أصحاب أبى عبد الله بها فبعث أبو عبد الله عساكره إلى مج العرعار فألفوا ابراهيم قد عاد عنها إلى الاربس ثم زحف أبو عبد الله إلى ابراهيم سنة ست وتسعين في مائة ألف مقاتل وبعث من عسكره من يأتي ابراهيم من خلفه وسار إليه فانهزم واثخن فيهم أبو عبد الله بالقتل والاسر وغنم أموالهم وخيلهم وظهرهم ودخل الاربس فاستباحها ثم سار فنزل قمودة وبلغ الخبر إلى زيادة الله فهرب إلى مصر وافترق أهل مدينة رقادة إلى القيروان وسوسة ونهب قصور بنى الاغلب ووصل ابراهيم بن أبى الاغلب إلى القيروان فنزل قصر الامارة وجمع الناس ووعدهم الحماية وطلب المساعدة بطاعتهم وأموالهم فاعتذروا وخرجوا إلى الناس فأخبروهم فثاروا به وأخرجوه وبلغ أبا عبد الله الشيعي هرب زيادة الله وهو يشبه فدخل إلى رقادة وقدم بين يديه عروبة بن يوسف وحسن بن أبى خنزير فساروا وأمنوا الناس وخرج أهل القيروان للقاء أبى عبد الله فأكرمهم وأمنهم ودخل رقادة في رجب سنة ست وتسعين ونزل قصورها وفرق دورها على كتامة ونادى بالامان وتراجع الناس فأخرج العمال وطلب أهل الشر فهربوا وجمع أموال زيادة الله وسلاحه وأمر بحفظها وبحفظ جواريه واستأذنه الخطباء لمن يخطبون فلم يعين لهم أحدا ونقش على السكة من احد الوجهين بلغت حجة الله ومن الآخر تفرق أعداء الله وعلى السلاح عدة في سبيل الله ورسم أفخاذ الخيل بالملك لله * (بيعة المهدى بسجلماسة) * ولما ملك أبو عبد الله افريقية لقيه أخوه أبو العباس منطلقا من اعتقاله فاستخلفه عليها وترك معه أبا زاكى تمام بن معارك من قواد كتامة وسار إلى المغرب ففرق القبائل
من طريقه وخافته زناتة فدخلوا في طاعته ولما قرب من سجلماسة إلى المهدى بمحبسه يسأله عن خاله فأنكر ثم سأل ولده كذلك فأنكر وضرب رجاله فأنكروا ونمى الخبر إلى أبى عبد الله فخشى عليهم وأرسل إلى اليسع يتلطفه فقتل الرسل فأغذ أبو عبد الله السير وحاصره يوما وهرب اليسع من الليل هو وأصحابه وبنو عمه وخرج أهل البلد إلى أبى عبد الله فجاء إلى مجلس المهدى فأخرجه هو وابنه أبا القاسم وأركبهما ومشى مع رؤساء القبائل بين يديهما وهو يقول هذا مولاكم ويبكى من شدة الفرح ثم أنزله بالمخيم وبعث في أثر اليسع فجئ به فجلد ثم قتل وأقام بسجلماسة أربعين يوما ورجع إلى افريقية ووصل إلى رقادة في ربيع من سنة ست وتسعين وجدد البيعة للمهدى واستولى على ملك بنى الاغلب بافريقية وملك مدرار سجلماسة ونزل برقادة وتلقب بالمهدي أمير(3/364)
المؤمنين وبعث دعاته في الناس فحملوهم على مذهبهم فأجابوا الا قليلا عرض عليهم السيف وقسم الاموال والجوارى في رجال كتامة وأقطعهم الاموال والاعمال ودون الدواوين وجبى الاموال وبعث العمال على البلاد فبعث على صقلية الحسن بن أحمد ابن أبى خنزير فوصل إلى مازر في عيد الاضحى من سنة تسع وتسعين فاستقصى بها اسحق بن المنهال وأجاز البحر سنة ثمان وتسعين إلى بسط قلورية فأثخن فيها وعاد وثار به أهل صقلية سنة تسع وتسعين فحبسوه واعتذروا إلى المهدى لسوء سيرته فعذرهم وولى عليهم على بن عمر البلوى فوصل إليهم خاتمة السنة المذكورة * (أخبار ابن الليث بفارس) * قد ذكرنا من قبل استيلاء الليث بن على بن الليث وسيكرى مولى عمر بن الليث على فارس من يد طاهر بن محمد ثم أخرج سكرى بعد ذلك الليث وانفرد بها وسار إليه طاهر بن محمد بن عمرو فواقعه وانهزم طاهر وأسر سيكرى وأسر أخاه يعقوب وبعث بهما إلى المقتدر مع كاتبه عبد الرحمن بن جعفر الشيرازي وقد آمره على ما يحمله وذلك
سنة ست وتسعين ثم سار إليه الليث بن على من سجستان سنة سبع وتسعين فغلبه وملك فارس وهرب سيكرى إلى ارجان وأمده المقتدر بمؤنس الخادم في العساكر فجاء إلى أرجان وجاء الحسين بن حمدان من قم إلى البيضاء في اعانته فسار لملاقاته وأضل الطريق إلى مسالك صعبة أشرف على عسكر مؤنس وكان سيكرى قد بعث أخاه إلى شيراز ليحفظها فلما أشرف على العسكر ظنه عسكر أخيه فثاروا إليه واقتتلوا وانهزم عسكر الليث وأخذ أسيرا وأشار عليه أصحابه أن يقبض على سيكرى ويطلب من المقتدر ولاية فارس مكانه فوافقهم طاهر ودس إليه فلحق بشيراز وعاد مؤنس إلى بغداد بالليث أسيرا والحسين بن حمدان إلى عمله بقم ثم ان عبد الرحمن بن جعفر كاتب سيكرى استولى على أمره وحده أصحابه وأكثروا السعاية فيه عند سيكرى فحبسه واستكتب مكانه اسمعيل بن ابراهيم اليمن فحمله على العصيان ومنع الحمل ودس عبد الرحمن بن جعفر من محبسه إلى الوزير ابن الفرات بذلك فكتب إلى مؤنس وهو بواسط يأمره بالعود إلى فارس فسار وأرسله سيكرى وأنسه وسأل منه الوساطة في أمره وشعر ابن الفرات بميل مؤنس إلى بغداد وسار محمد بن جعفر فهزم سيكرى على شيراز فخلص إلى قم وتحصن بها وحاصره محمد بن جعفر ثم خرج إليه فهزمه ثانية ودخل مغارة خراسان فلقيته عساكر اسمعيل إلى بغداد فحبسا هنالك واستولى محمد ابن جعفر من القواد على فارس وولى عليها قبيجا خادم الافشين ثم صارت ولايتها لبدر ابن عبد الله الحمامى وفى آخر(3/365)
سنة تسع وتسعين ومائتين قبض حرمه وقامت الهيعة ببغداد ثلاثة أيام ثم سكنت وذلك لثلاث سنين وثلاثة أشهر من وزارته فاستوزر مكانه أبا على محمد بن يحيى بن عبيد الله بن يحيى فرتب الامور وولى على الدواوين ثم زاد قرفه لضيق صدره وطيشه وعدوله عن مذاهب الرياسة إلى الوضاعة ومراجعة أصحاب الحاجات والحقوق
إلى ما يريد قضاءه منها وكثرة التولية والعزل وتجبح أصحابه عليه في اطلاق الاموال وانبساط الجاه بافساد الاحوال واعتزم المقتدر على عزله بأبى الحسين بن أبى الفضل فاستدعاه من اصبهان ثم قبض عليه وعلى أبى الحسن ببغداد وأهمل رأى الوزراء وصار يرجع إلى قول النساء والخدم فطمع العمال في الاطراف ثم أخرج ابن الفرات من محبسه وجعله في بعض الحجر وأحسن إليه وصار يعرض عليه مطالعات العمال وأراد أن يستوزره ثم بداله واستدعى على بن عيسى من مكة فاستوزره لاول سنة احدى وثلثمائة وقبض على الخاقانى وحبسه وعين حرسيا عليه وقام على بن عيسى بالوزارة وأصلح ما أفسده الخاقانى واستقامت الامور * (قيام أهل صقلية بدعوة المقتدر ثم رجوعهم إلى طاعة المهدى) * قد ذكرنا ولاية على بن عمر على صقلية من عبد الله المهدى سنة تسع وتسعين ثم ان أهل صقلية انتقضوا عليه وولوا عليهم أحمد بن موهب ثم انتقضوا عليه وأرادوا قتله فدعا إلى طاعة المقتدر وخطب له بصقلية وقطع خطبة المهدى وبعث اسطولا إلى ناحية ساحل افريقية فلقوا اسطول المهدى وعليه الحسن بن أبى خنزير فأحرقوه وقتلوا الحسن ووصلت خلع السواد والويته لابن موهب من بغداد ثم جاءت أساطيل المهدى في البحر وفسد أمر ابن موهب ثم ثارت أهل صقلية به سنة ثلثمائة وأسروه وبعثوا به إلى المهدى مع جماعة من أصحابه فأمرهم بقتلهم على قبر ابن أبى خنزير * (ولاية العهد) * وفى سنة احدى وثلثمائة ولى المقتدر ابنه أبا العباس العهد وهو الذى ولى الخلافة بعد القاهر وسمى بالرافضي فولاه أبوه المقتدر العهد وهو ابن سنين وقلده مصر والمغرب واستخلف له عليها مؤنسا الخادم وولى ابنه الآخر عليا على الرى ودنباوند وقزوين وأذربيجان وأبهر * (ظهور الاطروش وملكه خراسان) *
كان هذا الاطروش من ولد عمر بن على زين العابدين وهو الحسن بن على بن الحسين(3/366)
ابن على بن عمر وكان قد دخل إلى الديلم بعد قتل محمد بن زيد ولبث فيهم ثلاث عشرة سنة يدعوهم إلى الاسلام ويأخذ منهم العشر ويدافع عنهم ملكهم ابن حسان فأسلم على يديه منهم خلق كثير وبنى لهم المساجد وزحف بهم إلى ثغور المسلمين أراهم مثل قزوين وسالوس فأطاعوه وهدم حصن سالوس ثم دعاهم إلى غزو طبرستان وهى في طاعة ابن سامان وكان اسمعيل بن أحمد لما انتقض بها محمد بن هرون وقبض عليه اسمعيل ولى عليها أبا العباس عبد الله بن محمد بن نوح فأحسن السيرة وأظهر العدل وبالغ في الاحسان إلى العلوية الذين بها واستمال الديلم بالمهاداة والاحسان فاشتمل الناس عليه فلما دعاهم الحسن إلى غزو طبرستان لم يجيبوه من أجل ابن نوح ثم ان أحمد ابن اسمعيل عزل ابن نوح عنها وولى عليها سلاما فأساء السيرة ولم يحسن سياسة الديلم فهاجوا عليه فقاتلهم وهزمهم واستعفى من ولايتها فعاد إليها ابن نوح وصلحت الحال كما كانت إلى أن مات فولى عليها محمد بن ابراهيم بن صعلوك فأساء السيرة وتنكر للديلم فصادف الحسن منها الغرة ودعاهم إلى غزو طبرستان فأجابوه وسار إليه ابن صعلوك على من يرحله من سالوس بشاطئ البحر فانهزم وقتل من أصحابه أربعة آلاف ولجأ الباقون إلى سالوس فحاصرهم الاطروش حتى استأمنوا ورجع عنهم إلى آمد ثم جاء الحسن بن القاسم العلوى الداعي الحسن بن القاسم العلوى الداعي صهر الاطروش إلى أولئك المستأمنين فقتلهم واستولى الاطروش على طبرستان ولحق ابن صعلوك بالرى سنة احدى وثلثمائة وسار منها إلى بغداد وكان الاطروش زيدي المذهب وجمع الذين أسلموا على يده فيما وراء اسعيد ولى إلى آمد كلهم على مذهب الشيعة ثم ان الاطروش العلوى تنحى عن آمد إلى سالوس بعد أن غلب عليها فبعث إليه صعلوك الرى من قبل ابن سامان جيشا فهزمهم وعاد إلى آمد ثم زحفت إليه عساكر السعيد صاحب خراسان
سنة أربع وثلثمائة فقتلوه وكان هذا الاطروش عاد لاحسن السيرة لم ير مثله في ايامه وأصابه الصمم من ضربة في رأسه بالسيف في الحرب وقال ابن مسكوية في كتاب تجارب الامم ويقال فيه الحسن بن على الداعي وليس به وانما الداعي الحسن بن القاسم صهره وسنذكره فيما بعد وكان له من الولد أبو الحسن وكان قواده من الديلم جماعة منهم ابن النعمان وكانت له ولاية جرجان وما كان بن كالى وكان على استراباذ ومعرا ثم كان من قواد ولده من الديلم جماعة آخرون منهم اسفار بن شيرويه من أصحاب ماكان بن كالى ومرداويح بن زياد من أصحاب اسفار واسكرى من أصحابه أيضا وبنو بويه من أصحاب مرداويح وسيأتى الخبر عن جميعهم ان شاء الله تعالى * (غلب المهدى على الاسكندرية ومسير مؤنس إلى مصر) *(3/367)
وفى سنة ثنتين وثلثمائة بعث عبيد الله المهدى عساكره من افريقية إلى الاسكندرية مع قائده خفاشة الكتابى فغلب عليها وسار إلى مصر وبلغ المقتدر فبعث مؤنسا الخادم في العساكر لمحاربته وأمده بالاموال والسلاح وسار إليهم وقاتلهم فهزمهم بعد وقائع متعددة قتل فيها من الفريقين وبلغ القتل والاسر من المغاربة سبعة آلاف ورجعوا إلى المغرب * (انتقاض الحسين على ابن حمدان بديار ربيعة وأسره) * كان الحسين بن حمدان واليا على ديار ربيعة وطالبه الوزير على بن عيسى بالمال فدافعه وأمره بتسليم البلاد إلى عمال السلطان فامتنع وكان مؤنس الخادم بمصر في محاربة عساكر المهدى صاحب افريقية فجهز الوزير إلى ابن حمدان رائقا الكبير في عسكر سنة ثلاث وثلثمائة وكتب إلى مؤنس أن يسير إلى الجزيرة لقتاله بعد فراغه من أصحاب العلوى بمصر فسار رائق أولا وهزمه الحسين ولحق بمؤنس فأمره بالمقام بالموصل وسار نحو الحسين وتبعه أحمد بن كيغلغ وانتهى إلى جزيرة ابن عمر والحسين بأرمينية
ورجع الكثير من عسكره إلى مؤنس ثم بعث مؤنس عسكرا في أثره عليهم بليق ومعه سيما الجزرى وجاء الصفوانى واتبعوه فادركوه وقاتلوه فهزموه وجاؤا به أسيرا ومعه ابنه عبد الوهاب وأهله وكثير من أصحابه وعاد مؤنس إلى بغداد على الموصل فحبسه المقتدر وأغار على أبى الهيجاء بن حمدان وجميع اخوته وحبسهم ثم أطلق أبا الهيجاء سنة خمس وقتل الحسين سنة ست تقريبا كما نذكر ان شاء الله تعالى * (وزارة ابن الفرات الثانية) * كان الوزير أبو الحسن بن الفرات محبوسا كما ذكرنا وكان المقتدر يشاوره ويرجع إلى رأيه ويبغى بعض أصحاب المقتدر اعادته وبلغ ذلك الوزير على بن عيسى فاستعفي ومنعه المقتدر ثم جاءت في بعض الايام قهر ماتة القصر تناظره في نفقات الحرم والحاشية وكسوتهم فألفته نائما فلم يوقظه لها أحد فرجعت وشكت إلى المقتدر وأمه فقبض عليه في ذى القعدة من سنة أربع وثلثمائة وأعاد ابن الفرات على أن يحمل إلى بيت المال ألف دينار وخمسمائة دينار في كل يوم وقبض على الوزير من قبله على بن عيسى والخاقاني وأصحابهما وصادرهم أبو على بن مقلة وكان مختفيا منذ قبض على ابن الفرات فقدمه الآن واستخلصه * (خبر ابن أبى الساج باذربيجان) *(3/368)
قد ذكرنا استقرار يوسف بن أبى الساج على ارمينية وأذربيجان منذ مهلك أخيه محمد سنة ثمان وثمانين ومائتين وكان على الحرب والصلاة والاحكام وكان عليه مال يؤديه فلما ولى الخاقانى وعلى بن عيسى الوزارة والتأمت أمور يوسف في الاستبداد وأخر بعض المال واجتمع له ما يريده لذلك وبلغته نكبة الوزير على بن عيسى فأظهر ان العهد وصل إليه بولاية الرى على يد على بن عيسى وكان حميد بن صعلوك من قواد ابن سامان قد بعث على الرى وما يليها وقاطع عليها بمال يحمله فسار إليه يوسف سنة
أربع وثلثمائة فهرب إلى خراسان واستولى يوسف على الرى وقزوين وزنجان وكتب إلى الوزير ابن الفرات بالفتح ويعتذر بأنه طرد المتغلبين ويذكر ما أنفق من ذلك وانه كان بامر الوزير على بن عيسى وعهده إليه بذلك فاستعظم المقتدر ذلك وسئل على ابن عيسى فأنكر وقال سلوا الكتاب والحاشية والعهد واللواء اللذين كان يسير بهما مع بعض القواد والخدام فكتب ابن الفرات بالنكير على يوسف وجهز العساكر لحربه مع خاقان المفلحى ومعه أحمد بن مسرور البلخى وسيما الخزرى ونحرير الصغير وساروا سنة خمس وثلثمائة فهزمهم يوسف وأسر منهم جماعة فبعث المقتدر مؤنسا الخادم في جيش كثيف لمحاربته وعزل خاقان المفلحى عن أعمال الجبل وولاها نحريرا الصغير وسار مؤنس واستأمن له أحمد بن على أخو صعلوك فأمنه وأكرمه وبعث ابن أبى الساح في المقاطعة على أعمال الرى بسبعمائة ألف دينار سوى أرزاق الجند والخدم فأبى له المقتدر من ذلك عقوبة على ما أقدم عليه وولى على ذلك العمل وصيفا البكتمرى وطلب ابن أبى الساج أن يقاطعه على ما كان بيده قبل الرى من أذربيجان وارمينية فأبى المقتدر الا أن يحضر في خدمته فلما يئس ابن أبى الساج زحف إلى مؤنس وقاتله فانهزم مؤنس إلى زنجان وقتل من قواده جماعة وأسر هلال بن بدر وغيره فحبسهم يوسف في اردبيل وأقام مؤنس بزنجان بجميع العساكر ويستمد من المقتدر وابن أبى الساج يراسله في الصلح والمقتدر لا يجيب إلى ذلك ثم قاتله مؤنس في فاتح سنة سبع وثلثمائة عند اردبيل فهزمه وأسره وعاد به إلى بغداد أسيرا فحبسه المقتدر وولى مؤنس على الرى ودنباوند وقزوين وابهر وزنجان على بن وهشودان وجعل أموالها لرجاله وولى مؤنس على اصبهان وقم وقاشان أحمد بن على بن صعلوك وسار عن أذربيجان فوثب سبك مولى يوسف بن أبى الساح فملكها واجتمع عليه عسكر فولى مؤنس بن محمد بن عبيد الفارقى وسار بمحاربة سبك فانهزم وعاد إلى بغداد وتمكن سبك في أذربيجان وسأل المقاطعة على مائتي ألف وعشرين ألف دينار في كل سنة
فأجيب وعقد له عليها وكان مقيما بقزوين فقتله على مراسة ولحق ببلده فولى المقتدر(3/369)
وصيفا البكتمرى مكانه على أعمال الرى وولى محمد بن سليمان صاحب الجيش على الخوارج بها ثم وثب أحمد بن على بن صعلوك صاحب اصبهان وقم على الرى فملكها وكتب إليه المقتدر بالتنكير وأن يعود إلى قم فعاد ثم أظهر الخلاف وأجمع المسير إلى الرى وسار وصيف البكتمرى لحربه وأمر نحريرا الصغير أن يسير مدد البكتمرى فسبقهم أحمد بن صعلوك إلى الرى وملكها وقتل محمد بن سليمان صاحب الخوارج وبعث إلى نصر الحاجب ليصلح أمره بالمقاطعة على أعمال الرى بمائة وستين ألف دينار وينزل عن قم فكتب له بذلك وولى غيره على قم * (خبر سجستان وكرمان) * كانت سجستان قد صارت لابن سامان منذ سنة ثمان وتسعين ومائتين ثم تغلب عليها كثير بن أحمد بن صهفود من يده فكتب المقتدر إلى عامل فارس وهو بدر بن عبد الله الحماقى أن يرسل العساكر لمحاربته ويؤمر عليهم دركا ويجعل على الخراج بها زيد ابن ابراهيم فسارت العساكر وحاربوا أهل سجستان فهزموهم وأسروا زيد بن ابراهيم وكتب كثير إلى المقتدر بالبراءة من ذلك وطوية أهل سجستان وأرسل المقتدر أن يسير لقتاله بنفسه فخاف كثير وطلب المقاطعة على خمسمائة ألف دينار في كل سنة فأجيب وقررت البلاد عليه وذلك سنة أربع وثلثمائة وانتقض في هذه السنة بكرمان صاحب الخوارج بها أبو زيد خالد بن محمد الماردانى وسار منها إلى شيراز يروم التغلب على فارس فسار إليه بدر الحمامى العامل وحاربه فقتله وحمل رأسه إلى بغداد * (وزارة حامد بن العباس) * وفى سنة ست وثلثمائة قبض المقتدر على وزيره أبى الحسن بن الفرات بسبب شكوى الجند بمطله أرزاقهم واعتذر بضيق الاموال للنفقة في حروب ابن أبى الساج ونقص
الارتياع بخروج الرى عن ملكه فشغب الجند وركبوا وطلب ابن الفرات من الخليفة اطلاق مائتي ألف دينار من خاصته يستعين بها فنكر ذلك عليه لانه كان ضمن القيام بارزاق الاحشاد وجميع النفقات المرتبة فاحتج بنقص الارتياع وبالنفقة في الحرب كما تقدم فلم يقبل ويقال سعى فيه عند المقتدر بأنه يروم ارسال الحسين بن حمدان إلى أبى الساج فيحاربه وإذا سار عنده اتفقا على المقتدر فقتل المقتدر ابن حمدان وقبض على ابن الفرات في جمادى الآخرة وكان حامد بن العباس على الاعمال بواسط وكان منافرا لابن الفرات وسعى به عنده بزيادة ارتياعه على ضمانه فخشيه حامد على نفسه وكتب إلى نصر الحاجب والى والده المقتدر سعة نفسه وكثرة أتباعه وذلك(3/370)
عند استيحاشه من ابن الفرات فاستقدمه من واسط وقبض على ابن الفرات وابنه المحسن وأتباعهما واستوزر حامدا فلم يوف حقوق الوزارة ولا سياستها وتحاشى عليه الدواوين فأطلق المقتدر على بن عيسى وأقامه على الدواوين كالنائب عن حامد فكان يزاحمه واستبد بالامور دونه ولم يبق لحامد أمر عليه فأجابه ابن الفرات بأسفه منه وقال لشفيع اللؤلؤي قل لامير المؤمنين حامد انما حمله على طلب الوزارة أنى طالبته بأكثر من ألفى ألف دينار من فضل ضمانه فاستشاط حامد وزاد في السفه فأنفذ المقتدر من رد ابن الفرات إلى محبسه ثم صودر وضرب ابنه المحسن وأصحابه وأخذت منهم الاموال ثم ان حامدا لما رأى استطالة على بن عيسى عليه وكثرة تصرفه في الوزارة دونه ضمن للمقتدر أعمال الخوارج والضياع الخاصة والمستحدثة والقرارية بسواد بغداد والكوفة وواسط والبصرة والاهواز واصبهان واستأذنه في الانحدار إلى واسط لاستخراج ذلك فانحدر واسم الوزارة له وأقام على بن عيسى يدبر الامور فأظهر حامد في الاموال وبسط المقتدر يده حتى خافه على بن عيسى ثم تحرك السعر ببغداد فشغبت العامة نهبوا الغلال لان حامدا وغيره من القواد كانوا يخزنون الغلال
وأحضر حامد لمنعهم فحضر فقاتلوه وفتقوا السجون ونهبوا دار الشرطة وأنفذ المقتدر غريب الحال في العسكر فسكن الفتنة وعاقب المتصدين للشر وأمر بفتح المخازن التى للحنطة وببيعها فرخص السعر وسكن إلى منع الناس من بيع الغلال في البيادر وخزنها فرفع الضمان عن حامد وصرف عماله عن السواد ورد ذلك لعلى بن عيسى وسكن الناس * (وصول ابن المهدى وهو أبو القاسم إلى ابنه) * وفى سنة سبع وثلثمائة بعث المهدى صاحب افريقية أبا القاسم في العساكر إلى مصر فوصل إلى الاسكندرية في ربيع الآخر وملكها ثم سار إلى مصر ونزل بالجيزة واستولى على الصعيد وكتب إلى أهل مكة في طاعته فلم يجيبوا وبعث المقتدر مؤنسا الخادم إلى مصر لمدافعته فكانت بينهم حروب كثر فيها القتلى من الجانبين وكان الظهور لمؤنس ولقب يومئذ بالمظفر ووصل من افريقية اسطول من ثمانين مركبا مددا للقائهم وعليهم سليمان الخادم ويعقوب الكتامى وأمر المقتدر بأن يسير إليهم اسطول طرسوس فسار في خمسة وعشرين مركبا وعليهم أبو اليمن ومعهم العدد والانفاط فغلبوا اسطول افريقية وأحرقوا أكثر مراكبه وأسر سليمان الخادم ويعقوب الكتامى في جماعة قتل أكثرهم وحبس سليمان بمصر وحمل يعقوب إلى بغداد ثم هرب وعاد إلى افريقية وانقطع المدد عن عسكر المغاربة فوقع الغلاء عندهم وكثر الموتان في الناس والخيل(3/371)
فارتحلوا راجعين إلى بلادهم وسار عساكر مصر في أثرهم حتى أبعدوا * (بقية خبر ابن أبى الساج) * قد تقدم لنا أن مؤنسا حارب يوسف بن أبى الساج عامل أذربيجان فأسره وحمله إلى بغداد فحبس بها واستقر بعده في عمله سبك مولاه ثم ان مؤنسا شفع فيه سنة عشر فأطلقه المقتدر وخلع عليه ثم عقد له على أذربيجان وعلى الرى وقزوين وأبهر وزنجان
على خمسمائة ألف دينار في كل سنة سوى أرزاق العساكر وسار يوسف إلى أذربيجان ومعه وصيف البكتمرى في العساكر ومر بالموصل فنظر في أعمالها وأعمال ديار ربيعة وقد كان المقتدر تقدم إليه بذلك ثم سار إلى أذربيجان وقد مات مولاه سبك فاستولى عليها وسار سنة احدى عشرة إلى الرى وكان عليها أحمد بن على أخو صعلوك وقد اقتطعها كما قدمنا ثم انتقض على المقتدر وهادن ماكان بن كالى من قواد الديلم القائم بدعوة ادلاد الاطروش في طبرستان وجرجان فلما جاء يوسف إلى الرى حاربه أحمد فقتله يوسف وأنفذ رأسه إلى بغداد واستولى على الرى في ذى الحجة وأقام بها مدة ثم سار عنها إلى همذان فاتح ثلاث عشرة واستخلف بها مولاه مفلحا وأخرجه أهل الرى عنهم فعاد يوسف إليهم في جمادى من سنته واستولى عليها ثانية ثم قلده المقتدر سنة أربع عشرة نواحى المشرق وأذن له في صرف أموالها في قواده وأجناده وأمره بالمسير إلى واسط ثم منها إلى هجر لمحاربة أبى طاهر القرمطى فسار يوسف إلى طاهر وكان بها مؤنس المظفر فرجع إلى بغداد وجعل له أموال الخراج بنواحي همذان وساوة وقم وقاشان وماه البصرة وماه الكوفة وماسبذان لينفقها في عسكره ويستعين بها على حرب القرامطة ولما سار من الرى كتب المقتدر إلى السعيد نصر بن سامان بولاية الرى وأمره بالمسير إليها وأخذها من فاتك مولى يوسف فسار إليها فاتح أربع عشرة فلما انتهى إلى جبل قارن منعه أبو نصر الطبري من العبور وبذل له ثلاثين ألف دينار فترك سبيله وسار إلى الرى فملكها من بد فاتك وأقام بها شهرين وولى عليها سيمجور الدوانى وعاد إلى بخارى ثم استعمل على الرى محمد بن أبى صعلوك فأقام بها إلى شعبان سنة ست عشرة وأصابه مرض وكان الحسن بن القاسم الداعي وما كان بن كالى أميرى الديلم في تسليم الرى اليهما فقدما وسار عنها ومات في طريقه واستولى الداعي والديلم عليها * (بقية الخبر عن وزراء المقتدر) *
قد تقدم الكلام في وزارة حامد بن العباس وان على بن عيسى كان مستبدا عليه(3/372)
في وزارته وكان كثيرا ما يطرح جانبه ويسئ في توقعاته على عماله وإذا اشتكى إليه أحد من نوابه يوقع على القصة انما عقد الضمان على الحقوق الواجبة فليكف الظلم عن الرعية فأنف حامد من ذلك واستأذن في المسير إلى واسط للنظر في ضمانه فأذن له ثم كثرت استغاثة الخدم والحاشية من تأخر أرزاقهم وفسادها فان على بن عيسى كان يؤخرها وإذا اجتمعت عدة شهور أسقطوا بعضها وكثرت السعاية واستغاث العمال وجميع أصحاب الارزاق بأنه حط من أرزاقهم شهرين من كل سنة فكثرت الفتنة على حامد وكان الحسن ابن الوزير ابن الفرات متعلقا بمفلح الاسود خالصة الخليفة المقتدر وكان لابيه وجرى بينه وبين حامد يوما كلام فأساء عليه حامد وحقد له وكتب ابن الفرات إلى المقتدر وضمن له أموالا فأطلقه واستوزره وقبض على على بن عيسى وحبسه في مكانه وذلك سنة احدى عشرة وجاء حامد من واسط فبعث ابن الفرات من يقبض عليه فهرب من طريقه واختفى ببغداد ثم مضى إلى نصر ابن الحاجب سرا وسأل ايصاله إلى المقتدر وأن يحبسه بدار الخلافة ولا يمكن ابن الفرات منه فاستدعى نصر الحاجب مفلحا الخادم حتى وقفه على أمره وثفع له في رفع المؤاخذة بما كان منه فمضى إلى المقتدر وفاوضه بما أحب وأمر المقتدر باسلامه لابن الفرات فحبسه مدة ثم أحضره وأحضر له القضاة والعمال وناظره فيما وصل إليه من الجهات فأقر بنحو ألف ألف دينار وضمنه المحسن بن الفرات بخمسمائة ألف دينار فسلم إليه وعذبه أنواعا من العذاب وبعثه إلى واسط ليبيع أمواله هناك فهلك في طريقه باسهال أصابه ثم صودر على بن عيسى على ثلثمائة ألف دينار وعذبه المحسن بعد ذلك عليها فلم يستخرج منه شيأ وسيره ابن الفرات أيام عطلته وحبسه بعد أن كان رباه وأحسن إليه فقبض عليه مدة ثم أطلقه وقبض على ابن الجوزى وسلمه إلى ابنه المحسن فعذبه ثم بعثه إلى
الاهواز لاستخراج الاموال فضربه الموكل به حتى مات وقبض أيضا على الحسين ابن أحمد وكان تولى مصر والشأم وعلى محمد بن على الماردانى وصادرهما على ألف ألف وسبعمائة ألف دينار وصادر جماعة من الكتاب سواهم ونكبهم وجاء مؤنس من غزاته فانهى إليه أفعال ابن الفرات وما هو يعتمده من المصادرات والنكايات وتعذيب ابنه للناس فخافه ابن الفرات وخوف المقتدر منه وأشار بسيره إلى الشأم ليقيم هنالك بالثغر فبعثه المقتدر وأبعده ثم سعى ابن الفرات بنصر الحاجب وأغراه به وأطمعه في ماله وكان مكترا واستجار نصر بأم المقتدر ثم كثر الارجاف بابن الفرات فخاف وأنهى إلى المقتدر بأن الناس عادوه لنصحه للسلطان واستيفاء حقوقه وركب هو وابنه المحسن إلى المقتدر فأوصلهما إليه وأسهمهما وخرجا من عنده فمنعهما نصر الحاجب ودخل(3/373)
مفلح على المقتدر وأشار إليه بعزله فأسر إليه وفاقه على ذلك وأمر بتخلية سبيلهما واختفى المحسن من يومه وجاء نازوك وبليق من الغد في جماعة من الجند إلى دار ابن الفرات فاخرجوه حافيا حاسرا وحمل إلى مؤنس المظفر ومعه هلال بن بدر ثم سلم إلى شفيع اللؤلؤي فحبس عنده وصودر على ألف ألف دينار وذلك سنة ثنق عشرة وكان عبد الله أبو القاسم بن على بن محمد بن عبيد الله بن يحيى بن خاقان لما تغير حال ابن الفرات سعى في الوزارة وضمن في ابن الفرات وأصحابه ألفى ألف دينار على يد مؤنس الخادم وهرون بن غريب الحال ونصر الحاجب فاستوزره المقتدر على كراهية فيه ومات أبوه على على وزارته وشفع إليه مؤنس الخادم في اعادة على بن عيسى من صنعاء فكتب له في العود وبمشارفة أعمال مصر والشأم وأقام المحسن بن الفرات مختفيا مدة ثم جاءت امرأة إلى دار المقتدر تنادى بالنصيحة فأحضرها نصر الحاجب فدلت على المحسن فأحضره نازوك صاحب الشرطة فسلم للوزير وعذب بأنواع العذاب فلم يستخرج منه شئ فأمر المقتدر بحمله إلى أبيه بدار الخلافة وجاء الوزير أبو القاسم الخاقانى إلى
مؤنس وهرون ونصر فحذرهم شأن ابن الفرات وغائلته بدار الخلافة وأغراهم به فوضعوا القواد والجند وقالوا لا بد من قتل ابن الفرات وولده ووافق هؤلاء على ذلك فأمر نازوك بقتلهما فذبحهما وجاء هرون إلى الوزير الخاقانى يهنئه بذلك فأغمى عليه ثم أفاق وأخذ منه ألفى دينار وشفع مؤنس المظفر في ابنيه عبد الله وأبى نصر فأطلقهما ووصلهما بعشرين ألف دينار ثم عزل الخاقانى سنة ثلاث عشرة لانه أصابه المرض وطال به وشغب الجند في طلب أرزاقهم فوقفت به الاحوال وعزله المقتدر وولى مكانه أبا العباس الخصى وكان كاتبا لامه فقام بالامر وأقر على بن عيسى على أعمال مصر والشأم فكان يتردد اليهما من مكة ثم ان الخصى اضطربت أموره وضاقت الجباية وكان مدمنا للسكر مهملا للامور ووكل من يقوم عنه فآثروا مصالحهم وأضاعوا مصلحته وأشار مؤنس المظفر بعزله وولاية ابن عيسى فعزل لسنة وشهرين واستقدم على بن عيسى من دمشق وأبو القاسم عبد الله بن محمد الكلواذى بالنيابة عنه إلى أن يحضر فحضر أول سنة خمس عشرة واستقل بأمر الوزارة وطلب كفالات المصادرين والعمال وما ضمن من الاموال بالسواد والاهواز وفارس والمغرب فاستحضرها شيأ بعد شئ وأدر الارزاق وبسط العطاء وأسقط أرزاق المغنين والمسامرة والندمان والصفاعنة وأسقط من الجند أصاغر الاولاد ومن ليس له سلاح والهرمى والزمنى وباشر الامور بنفسه واستعمل الكفاة وطلب أبا العباس الخصى في المناظرة وأحضر له الفقهاء والقضاة والكتاب وسأله عن أموال الخوارج(3/374)
والنواحى والمصادرات وكفالاتها وما حصل من ذلك وما الواصل والبواقي فقال لا أعلم فسأله عن المال الذى سلمه لابن أبى الساج كيف سلمه بلا مصرف ولا منفق وكيف سلم إليه أعمال المشرق وكيف بعثه لبلاد الصحراء بهجر هو وأصحابه من أهل الغلول والخصب فقال ظننت منهم القدرة على ذلك وامتنع ابن أبى الساج من المنفق فقال
وكيف استجزت ضرب حرم المصادرين فسكت ثم سئل عن الخراج فخلط فقال أنت غررت أمير المؤمنين من نفسك فهلا استعذرت بعدم المعرفة ثم أعيد إلى محبسه واستمر على بن عيسى في ولايته ثم اضطربت عليه الاحوال واختلفت الاعمال ونقص الارتياع نقصا فاحشا وزادت النفقات وزاد المقتدر تلك الايام في نفقات الخدم والحرم ما لا يحصى وعاد الجند من الانبار فزادهم في أرزاقهم مائتين وأربعين ألف دينار فلما رأى ذلك على بن عيسى ويئس من انقطاعه أو توقفه وخشى من نصر الحاجب فقد كان انحرف عنه لميل مؤنس إليه وما بينهما من المنافرة في الدولة فاستعفي من الوزارة وألح في ذلك وسكنه مؤنس فقال له أنت سائر إلى الرقة وأخشى على نفسي بعدك ثم فاوض المقتدر نصرا الحاجب بعد مسير مؤنس فأشار بوزارة أبى على بن مقلة فاستوزره المقتدر سنة ست عشرة وقبض على على بن عيسى وأخيه عبد الرحمن وأقام ابن مقلة بالوزارة وأعانه فيها أبو عبد الله البريدى لمودة كانت بينهما واستمرت حاله على ذلك ثم عزله المقتدر ونكبه بعد سنتين وأربعة أشهر حين استوحش من مؤنس كما نذكره وكان ابن مقلة متهما بالميل إليه فاتفق مغيبه في بعض الوجوه فقبض عليه المقتدر فلما جاء مؤنس سأل في اعادته فلم يجبه المقتدر وأراد قتله فمنعه واستوزر المقتدر سليمان بن الحسن وأمر على بن عيسى بمشاركته في الاطلاع على الدواوين وصودر ابن مقلة على مائتي ألف دينار وأقام سليمان في وزارته سنة وشهرين وعلى ابن عيسى يشاركه في الدواوين وضاقت عليه الاحوال اضاقة شديدة وكثرت المطالبات ووقفت وظائف السلطان ثم أفرد السواد بالولاية فانقطعت مواد الوزير لانه كان يقيم من قبله من يشترى توقعات الارزاق ممن لا يقدر على السعي في تحصيلها من العمال والفقهاء وأرباب البيوت فيشتريها بنصف المبلغ فتعرض بعض من كان يننمى لمفلح الخادم لتحصيل ذلك للخليفة وتوسط له مفلح فدافع لذلك وجاهر في تحصيله من العمال فاختلت الاحوال بذلك وفضح الديوان ودفعت الاحوال لقطع منافع الوزراء
والعمال التى كانوا يرتفقون بها واهمالهم أمور الناس بسبب ذلك وعاد الخلل على الدولة وتحرك المرشحون للوزارة في السعاية وضمان القيام بالوظائف وأرزاق الجند وأشار مؤنس بوزارة أبى القاسم الكلواذى فاستوزره المقتدر في رجب(3/375)
من سنة تسع عشرة وأقام في وزارته شهرين وكان ببغداد رجل من المخرفين يسمى الدانيالى وكان وراقا ذكيا محتالا يكتب الخطوط في الورق ويداويها حتى تتم بالبلى وقد أودعها ذكر من يراه من أهل الدولة برموز واشارات ويقسم له فيها من حظوط الملك والجاه والتمكين قسمة من عالم الغيب يوهم أنها من الحدثان القديم المأثور عن دانيال وغيره وأنها من الملاحم المتوارثة عن آبائه ففعل مثل ذلك بمفلح وكتب له في الاوراق م م م بأن يكون له كذا وكذا وسأله مفلح عن الميم فقال هو كناية عنك لانك مفلح مولى المقتدر وناسب بينه وبين علامات مذكورة في تلك الاوراق حتى طبقها عليه فشغف به مؤنس وأغناه وكان يداخل الحسين بن القاسم بن عبد الله ابن وهب فرمز اسمه في كتاب وذكر بعض علاماته المنطبقة عليه وذكر انه يستوزره الخليفة الثامن عشر من بنى العباس وتستقيم الامور على يديه ويقهر الاعادي وتعمر الدنيا في أيامه وخلط ذلك في الكتاب بحدثان كثير وقع بعضه ولم يقع الآخر وقرأ الكتاب على مفلح فأعجبه وجاء بالكتاب إلى المقتدر فأعجب به الآخر وقال لمفلح من تعلم بهذه القصة فقال لا أراه الا الحسين بن القاسم قال صدقت وانى لاميل إليه وقد كان المقتدر أراد ولايته قبل ابن مقلة وقبل الكلواذى فامتنع مؤنس ثم قال المقتدر لمفلح ان جاءتك رقعة منه بالسعي في الوزارة فأعرضها على ثم سأل مفلح الدانيالى من أين لك الكتاب قال وراثة من آبائى وهو من ملاحم دانيال فأنهى ذلك إلى المقتدر واغتبطوا بالحسين وبلغ الخبر إليه فكتب إلى مفلح بالعسى في الوزارة فعرض كتابه على المقتدر فأمره باصلاح مؤنس واتفق أن الكلواذى عمل حسابا بما يحتاج إليه من النفقات الزائدة
على الحاصل فكانت سبعمائة ألف دينار وكتب عليه أهل الديوان خطوطهم وقال ليس لهذه جهة الا ما يطلقه أمير المؤمنين فعظم ذلك على المقتدر وأمر الحسين بن القاسم أن يضمن جميع النفقات وزيادة ألف ألف دينار لبيت المال وعرض كتابه على الكلواذى فاستقال وأذن للكلواذى لشهرين من وزارته وولى الحسين بن القاسم واشترط أن لا يشاركه على بن عيسى في شئ من أموره واخراجه الصافية واختص به الحسين بن اليزيدى وابن الفرات ولما ولى واطلع على نقصان الارتياع وكثرة الانفاق وضاق عليه الامر فتعجل الجباية المستقبلة وصرفها في الماضية وبلغ ذلك هرون بن غريب الحال فأنهاه إلى المقتدر فرتب معه الخصى واطلع على حسابه فألقى له حسبة ليس فيها رمزه فأظهر ذلك للمقتدر وجميع الكتاب واطلعوا عليها وقابلوا الوزير بتصديق الخصى فيما قاله وقبض على الحسين بن القاسم في شهر ربيع من سنة عشرين لسبعة أشهر من ولايته واستوزر أبا الفتح الفضل بن جعفر وسلم إليه(3/376)
الحسين فلم يؤاخذه باساءته ولم يزل على وزارته * (أخبار القرامطة في البصرة والكوفة) * كان القرامطة قد استبد طائفة منهم بالبحرين وعليهم أبو طاهر سليمان بن أبى سعيد الجنانى ورث ذلك عن أبيه واقتطعوا ذلك العمل باسره عن الدولة كما يذكر في أخبار دولتهم عند افرادها بالذكر فقصد أبو طاهر البصرة سنة احدى عشرة ومائتين وبها سبط مفلح فكبسها ليلا في ألفين وسبعمائة وتسنموا الاسوار بالحبال وركب سبك فقتلوه ووضعوا السيف في الناس فأفحشوا في القتل وغرق كثير في الماء وأقام أبو طاهر بها سبعة عشر يوما وحمل ما قدر عليه من الاموال والامتعة والنساء والصبيان وعاد إلى هجر وولى المقتدر على البصرة محمد بن عبد الله الفارقى فانحدر إليها بعد انصرافهم عنها ثم سار أبو طاهر القرمطى سنة ثنتى عشرة معترضا للحاج في رجوعهم
من مكة فاعترض أوائلهم ونهبهم وجاء الخبر إلى الحاج وهم بعيد وقد فنيت أزوادهم وكان معهم أبو الهيجاء بن حمدان صاحب طريق الكوفة ثم أغار عليهم أبو طاهر فأوقع بهم وأسر أبا الهيجاء أحمد بن بدر من اخوال المقتدر ونهب الامتعة وسبى النساء والصبيان ورجع إلى هجر وبقى الحجاج ضاحين في القفر إلى أن هلكوا ورجع كثير من الحرم إلى بغداد وأشغبوا واجتمع معهم حرم المنكوبين أيام ابن الفرات فكان ذلك من أسباب نكبته ثم أطلق أبو طاهر الاسرى الذين عنده ابن حمدان وأصحابه وأرسل إلى المقتدر يطلب البصرة والاهواز فلم يجبه وسار من هجر لاعتراض الحاج وقد سار بين أيديهم جعفر بن ورقاء الشيباني في ألف رجل من قومه وكان صاحب أعمال الكوفة وعلى الحاج بمتل صاحب البحر وجنا الصفوانى وطريف اليشكرى وغيرهم في ستة آلاف رجل فقاتل جعفر الشيباني أولا وهزمه ثم اتبع الحاج إلى الكوفة فهزم عسكرهم وفتك فيهم وأسر جنا الصفوانى وهرب الباقون وملك الكوفة وأقام بظاهرها ستة أيام يقيم في المسجد إلى الليل ويبيت في عسكره وحمل ما قدر عليه من الاموال والمتاع ورجع إلى هجر ووصل المنهزمون إلى بغداد فتقدم المقتدر إلى مؤنس بالخروج إلى الكوفة فسار إليها بعد خروجهم عنها واستخلف عليها ياقوتا ومضى إلى واسط ليمانع أبا طاهر دونها ولم يحج أحد هذه السنة وبعث المقتدر سنة أربع عشرة عن يوسف بن أبى الساج من أذربيجان وسيره إلى واسط لحرب أبى طاهر ورجع مؤنس إلى بغداد وخرج أبو طاهر سنة خمس عشرة وقصد الكوفة وجاء الخبر إلى ابن أبى الساج فخرج من واسط آخر رمضان يسابق أبا طاهر إليها فسبقه أبو طاهر وهرب العمال عنها واستولى على الاتراك والعلوفات التى أعدت بها ووصل(3/377)
ابن أبى الساج ثامن شوال بعد وصول أبى طاهر بيوم وبعث يدعوه إلى الطاعة للمقتدر فقال لا طاعة الا لله فآذنه بالحرب وتزاحفوا يوما إلى الليل ثم انهزم أصحاب ابن أبى
الساج وأسروا ووكل أبو طاهر طبيبا يعالج جراحته ووصل المنهزمون ببغداد فأرجفوا بالهرب وبرز مؤنس المظفر لقصد الكوفة وقد سار القرامطة إلى عين التمر فبعث مؤنس من بغداد خمسمائة سرية ليمنعهم من عبور الفرات ثم قصد القرامطة الانبار ونزلوا غربي الفرات وجاؤا بالسفن من الحديثة فأجاز فيها ثلثمائة منهم وقاتلوا عسكر الخليفة فهزموهم واستولوا على مدينة الانبار وجاء الخبر إلى بغداد فخرج الحاجب في العساكر ولحق بمؤنس المظفر واجتموا في نيف وأربعين ألف مقاتل إلى عسكر القرامطة ليخلصوا ابن أبى الساج فقاتلهم القرامطة وهزموهم وكان أبو طاهر قد نظر إلى ابن أبى الساج وهو يستشرف إلى الخلاص وأصحابه يشيرونه فأحضره وقتله وقتل جميع الاسرى من أصحابه وكثر الهرج ببغداد واتخذوا السفن بالانحدار إلى واسط ومنهم من نقل متاعه إلى حلوان وكان نازوك صاحب الشرطة فأكثر التطواف بالليل والنهار وقتل بعض الدعار فأقصروا عن ثم سار القرامطة عن الانبار فاتحة سنة ست عشرة ورجع مؤنس إلى بغداد وسار أبو طاهر إلى الرحبة فملكها واستباحها واستأمن إليه أهل قرقيسيا فأمنهم وبعث السرايا إلى الاعراب بالجزيرة فنهبوهم وهربوا بين يديه وقدر إليهم الاتاوة في كل سنة يحملونها إلى هجر ثم سار أبو طاهر إلى الرقة وقاتلها ثلاثا وبعث السرايا إلى رأس عين وكفر توثا وسنجار فاستأمنوا إليهم وخرج مؤنس المظفر من بغداد في العسكر وقصد الرقة فسار أبو طاهر عنها إلى الرحبة ووصلها مؤنس وسار القرامطة إلى هيت فامتنعت عليهم فساروا إلى الكوفة وخرج من بغداد نصر الحاجب وهرون بن غريب وبنى بن قيس في العساكر إليها ووصلت جند القرامطة إلى قصر ابن هبيرة ثم مرض نصر الحاجب واستخلف على عسكره أحمد بن كيغلغ وعاد فمات في طريقه وولى مكانه على عسكره هرون بن عريب وولى مكانه في الحجة ابنه أحمد ثم انصرف القرامطة إلى بلادهم ورجع هرون إلى بغداد في شوال من السنة ثم اجتمع بالسواد جماعات من أهل هذا المذهب بواسط وعين التمر
وولى كل جماعة عليهم رجلا منهم فولى جماعة واسط حريث بن مسعود وجماعة عين التمر عيسى بن موسى وسار إلى وصرف العمال عن السواد وجبى الخراج وسار حريث إلى أعمال الموفق وبنى بها دار اسماها دار الهجرة واستولى على تلك الناحية وكان صاحب الحرب بواسط بنى بن قيس فهزموه فبعث إليه المقتدر هرون ابن غريب في العساكر والى قرامطة الكوفة صافيا البصري فهزموهم من كل جانب(3/378)
وجاؤا باعلامهم بيضاء عليها مكتوب ونريد أن نمن على الذين استضعفوا في الارض الآية وأدخلت إلى بغداد منكوسة واضمحل أمر القرامطة بالسواد * (استيلاء القرامطة على مكة وقلعهم الحجر الاسود) * ثم سار أبو طاهر القرمطى سنة تسع عشرة إلى مكة وحج بالناس منصور الديلمى فلما كان يوم التروية نهب أبو طاهر أموال الحجاج وفتك فيهم بالقتل حتى في المسجد والكعبة واقتلع الحجر الاسود وحمله إلى هجر وخرج إليه أبو مخلب أمير مكة في جماعة من الاشراف وسألوه فلم يسعفهم وقاتلوه فقتلهم وقلع باب البيت وأصعد رجلا يقتلع الميزاب فسقط فمات وطرح القتلى في زمزم ودفن الباقين في المسجد حيث قتلوا ولم يغسلوا ولا صلى عليهم ولا كفنوا وقسم كسوة البيت على أصحابه ونهب بيوت أهل مكة وبلغ الخبر إلى المهدى عبيد الله بافريقية وكانوا يظهرون الدعاء له فكتب إليه بالنكير واللعن ويتهدده على الحجر الاسود فرده وما أمكنه من أموال الناس واعتذر عن بقية ما أخذوه بافتراقه في الناس * (خلع المقتدر وعوده) * كان من أول الاسباب الداعية لذلك ان فتنة وقعت بين ماجوريه هرون الحال ونازوك صاحب الشرطة في بعض مذاهب الفواحش فحبس نازوك ماجوريه هرون وجاء أصحابه إلى محبس الشرطة ووثبوا بنائبه واخذوا أصحابهم من الحبس ورفع
نازوك الامر إلى المقتدر فلم يعد أحدا منهما لمكانهما منه فعاد الامر بينهما إلى المقاتلة وبعث المقتدر اليهما بالنكير فاقصرا واستوحش هرون وخرج بأصحابه ونزل البستان النجمى وبعث إليه المقتدر يسترضيه فأرجف الناس أن المقتدر جعله أمير الامراء فشق ذلك على أصحاب مؤنس وكان بالرقة فكتبوا إليه فأسرع العود إلى بغداد ونزل بالشماسية مستوحشا من المقتدر ولم يلقه وبعث ابنه أبا العباس ووزيره ابن مقلة لتلقيه وايناسه فلم يقبل وتمكنت الوحشة وأسكن المقتدر ابن خاله هرون معه في داره فازداد نفور مؤنس وجاء أبو العباس بن حمدان من بلاده في عسكر كبير فنزل عند مؤنس وتردد الامراء بين المقتدر ومؤنس وسار إليه نازوك صاحب الشرطة وجاءه بنى بن قيس وكان المقتدر قد أخذ منه الدينور وأعادها إليه مؤنس واشتمل عليه وجمع المقتدر في داره هرون بن عريب وأحمد بن كيغلغ والغلمان الحجرية والرجال المصافية ثم انتقض أصحاب المقتدر وجاؤا إلى مؤنس وذلك في فتح سنة سبع عشرة فكتب مؤنس إلى المقتدر بأن الناس ينكرون سرفه فيما أقطع الحرم والخدم(3/379)
من الاموال والضياع ورجوعه إليهم في تدبير ملكه يطالبه باخراجهم من الدار واخراج هرون بن غريب معهم وانتزاع ما في أيديهم من الاموال والاملاك فأجاب المقتدر إلى ذلك وكتب يستعطفه ويذكره البيعة وبخوفه عاقبة النكث وأخرج هرون إلى الثغور الشامية والجزرية فسكن مؤنس ودخل إلى بغداد ومعه ابن حمدان ونازوك والناس يرجفون بأنه خلع المقتدر فلما كان عشر محرم من هذه السنة ركب مؤنس إلى باب الشماسية وتشاور مع أصحابه قليلا ثم رجعوا إلى دار الخليفة بأسرهم وكان المقتدر قد صرف أحمد بن نصر القسورى عن الحجابة وقلدها ياقوتا وكان على حرب فارس فاستخلف مكانه ابنه أبا الفتح المظفر فلما جاء مؤنس إلى الدار هرب ابن ياقوت وسائر الحجبة والخدم والوزير وكل من بالدار ودخل مؤنس فأخرج المقتدر
وأمه وولده وخواص جواريه فنقلهم إلى داره واعتقلهم بها وبلغ الخبر هرون ابن غريب بقطريل فدخل إلى بغداد واستتر ومضى ابن حمدان إلى دار ابن طاهر فأحضر محمد بن المعتضد وبايعوه ولقبوه القاهر بالله وأحضروا القاضى أبا عمر المالكى عند المقتدر للشهادة عليه بالخلع وقام ابن حمدان يتأسف له ويبكى ويقول كنت أخشى عليك مثل هذا ونصحتك فلم تقبل وآثرت قول الخدم والنساء على قولى ومع هذا فنحن عبيدك وخدمك وأودع كتاب الخلع عند القاضى أبى عمر ولم يظهر عليه أحدا حتى سلمه إلى المقتدر بعد عوده فحسن موقع ذلك منه وولاه القضاء ولما تم الخلع عمد مؤنس إلى دار الخليفة فنهبها ومضى ابن نفيس إلى تربة أم المقتدر فاستخرج من بعض قبورها ستمائة ألف دينار وحملها إلى القاهر وأخرج مؤنس على بن عيسى الوزير من الحبس وولى على بن مقلة الوزارة وأضاف إلى نازوك الحجابة مع الشرطة وأقطع ابن حمدان حلوان والدينور وهمذان وكرمان والصيمرة ونهاوند وشيراز وماسبذان مضافا إلى ما بيده من أعمال طريق خراسان وكان ذلك منتصف المحرم ولما تقلد نازوك الحجابة أمر الرجالة بتقويض خيامهم من الدار وأدالهم ابن جالة من أصحابه فأسفهم بذلك وتقدموا إلى خلفاء الحجاب بأن يمنعوا الناس من الدخول الا أصحاب المراتب فاضطربت الحجرية لذلك فلما كان سابع عشر المحرم وهو يوم الاثنين بكر الناس إلى الخليفة لحضور الموكب وامتلات الرحاب وشاطئ دجلة بالناس وجاء الرجالة المصافية شاكى السلاح يطالبون بحق البيعة ورزق سنة وقد بلغ منهم الحنق على نازوك مبالغه وقعد مؤنس عن الحضور ذلك اليوم وزعق الرجالة المصافية فنهى نازوك أصحابه أن يعرضوا لهم فزاد شغبهم وهجموا على الصحن المنيعى ودخل معهم من كان على الشط من العامة بالسلاح والقاهر جالس وعنده على بن مقلة الوزير ونازوك فقال النازوك(3/380)
اخرج إليهم فسكنهم فخرج وهو متحامل من الخمار فتقدم إلى الرجالة للشوكي بحالهم
ورأى السيوف في أيديهم فهرب فحدث لهم الطمع فيه وفى الدولة واتبعوه فقتلوه وخادمه عجيفا ونادوا بشعار المقتدر وهرب كل من في الديار من سائر الطبقات وصلبوا نازوك وعجيفا على شاطئ دجلة ثم ساروا لى دار مؤنس يطلبون المقتدر وأغلق الخادم أبواب دار الخليفة وكانوا كلهم صنائع المقتدر وقصد أبو الهيجاء حمدان الفرات فتعلق به القاهر واستقدم به فقال له اخرج معى إلى عشيرتي أقتل دونك فوجد الابواب مغلقة فقال له ابن حمدان قف حتى أعود اليك ونزع ثيابه ولبس بعض الخلقان وجاء إلى الباب فوجده مغلقا والناس من ورائه فرجع إلى القاهر وتمالا بعض الخدام على قتله فقاتلهم حتى كشفهم ودخل في بعض مسارب البستان فجاؤه فخرج إليهم فقتلوه وحملوا رأسه وانتهى الرجالة إلى دار مؤنس يطلبون المقتدر فسلمه إليهم وحملوه على رقابهم إلى دار الخلافة فلما توسط الصحن المنيعى اطمأن وسأل عن أخيه القاهر وابن حمدان وكتب لهما الامان بخطه وبعث فيهما فقيل له ان ابن حمدان قد قتل فعظم عليه وقال والله ما كان أحمد بسيف في هذه الايام غيره وأحضر القاهر فاستدناه وقبل رأسه وقال له لا ذنب لك ولو لقبوك المقهور لكان أولى من القاهر وهو يبكى ويتطارح عليه حتى حلف له على الامان فانبسط وسكن وطيف برأس نازوك وابن حمدان وخرج أبو نفيس هاربا من مكان استتاره إلى الموصل ثم إلى أرمينية ولحق بالقسطنطينية فتنصر وهرب أبو السرايا أخو أبى الهيجاء إلى الموصل وأعاد المقتدر أبا على بن مقلة إلى الوزارة وأطلق للجند أرزاقهم وزادهم وبيع ما في الخزائن بأرخص الاثمان وأذن في بيع الاملاك لتتمة الاعطيات وأعاد مؤنسا إلى محله من تدبير الدولة والتعويل عليه في أموره ويقال انه كان مقاطعا للمقتدر وانه الذى دس إلى المصافية والحجرية بما فعلوه ولذلك قعد عن الحضور إلى القاهر ثم ان المقتدر حبس أخاه القاهر عند أمه فبالغت في الاحسان إليه والتوسعة عليه في النفقة والسرارى * (أخبار قواد الديلم وتغلبهم على أعمال الخليفة) *
قد تقدم لنا الخبر عن الديلم في غير موضع من الكتاب وخبر افتتاح بلادهم بالجبال والامصار النى تليها مثل طبرستان وجرجان وسارية وآمد واستراباذ وخبر اسلامهم على يد الاطروش وأنه جمعهم وملك بهم بلاد طبرستان سنة احدى وثلثمائة وملك من بعده أولاده والحسن بن القاسم الداعي صهره واستعمل منهم القواد على ثغورها فكان منهم ليلى بن النعمان كانت إليه ولاية جرجان عن الحسن بن القاسم الداعي سنة ثمان ثلاثين وكانت بين بنى سامان وبين بنى الاطروش والحسن بن القاسم الداعي وقواد(3/381)
الديلم حروب هلك فيها ليلى بن النعمان سنة تسع وثلثمائة لان أمر الخلفاء كان قد انقطع عن خراسان وولوها لبنى سامان فكانت بسبب ذلك بينهم وبين أهل طبرستان من الحروب ما أشرنا إليه ثم كانت بعد ذلك حرب مع بنى سامان فولاها من قواد الديلم شرخاب بن بهبودان وهو ابن عم ما كان بن كالى وصاحب جيش أبى الحسن الاطروش وقاتله سيمجور صاحب جيش بنى سامان فهزمه وهلك شرخاب وولى ابن الاطروش ما كان بن كالى على استراباذ فاجتمع إليه الديلم وقدموه على أنفسهم واستولى على جرجان كما يذكر ذلك كله في أخبار العلوية وكان من أصحاب ما كان هذا أسفار ابن شيرويه من قواد الديلم عن ما كان إلى قواد بنى سامان فاتصل ببكر بن محمد بن اليسع بنيسابور وبعثه في الجنود لافتتاح جرجان وبها أبو الحسن بن كالى نائبا عن أخيه ما كان وهو بطبرستان فقتل أبو الحسن وقام بأمر جرجان على بن خرشيد ودعا اسفار ابن شيرويه إلى حمايتها من ما كان فزحف إليهم من طبرستان فهزموه وغلبوه عليها ونصبوا أبا الحسن وعلى بن خرشيد فزحف ما كان إلى اسفار وهزمه وغلبه على طبرستان ورجع إلى بكر بن محمد بن اليسع بجرجان ثم توفى بكر سنة خمس عشرة فولى نصر بن أحمد بن سامان اسفار بن شيرويه مكانه على جرجان وبعث اسفار عن مرداويح بن زيار الجبلى وقدمه على جيشه وقصدوا طبرستان فملكوها وكان الحسن
ابن القاسم الداعي قد استولى على الرى وأعمالها من يد نصر بن سامان ومعه قائده ما كان بن كالى فلما غلب اسفار على طبرستان زحف إليه الداعي وقائده ما كان فانهزما وقتل الداعي ورجع ما كان إلى الرى واستولى اسفار بن شيرويه على طبرستان وجرجان ودعا لنصر بن أحمد بن سامان ونزل سارية واستعمل على آمد هرون بن بهرام ثم سار اسفار إلى الرى فأخذها من يد ما كان بن كالى وسار ما كان إلى طبرستان واستولى اسفار على سائر أعمال الرى وقزوين وزنجان وابهر وقم والكرخ وعظمت جيوشه وحدثته نفسه بالملك فانتقض على نصر بن سامان صاحب خراسان واعتزم على حربه وحرب الخليفة وبعث المقتدر هرون بن غريب الحال في عسكر إلى قزوين فحاربه اسفار وهزمه وقتل كثيرا من أصحابه ثم زحف إليه نصر بن سامان من بخارا فراسله في الصلح وضمان أموال الجباية فأجابه وولاه ورجع إلى بخارا فعظم أمر اسفار وكثر عيسه وعسف جنده وكان قائده مرداويح من أكبر قواده قد بعثه اسفار إلى سلار صاحب سميرم والطرم يدعوه إلى طاعته فاتفق مع سلار على الوثوب باسفار وقد باطن في ذلك جماعة من قواد اسفار ووزيره محمد بن مطرف الجرجاني ونمى الخبر إلى اسفار وثار به الجند فهرب إلى بيهق وجاء مرداويح من قزوين إلى الرى وكتب(3/382)
إلى ما كان بن كالى يستدعيه من طبرستان ليظاهره على اسفار فقصد ما كان اسفار فهرب اسفار إلى الرى ليتصل بأهله وماله وقد كان أنزلهم بقلعة المرت وركب المفازة إليها ونمى الخبر إلى مرداويح فسار لاعتراضه وقدم بعض قواده أمامه فلحقه القائد وجاء به إلى مرداويح فقتله ورجع إلى الرى ثم إلى قزوين وتمكن في الملك وافتتح البلاد وأخذ همذان والدينور وقم وقاشان واصبهان وأساء السيرة في أهل اصبهان وصنع سريرا من ذهب لجلوسه فلما قوى أمره نازع ما كان في طبرستان فغلبه عليها ثم سار إلى جرجان فملكها وعاد إلى اصبهان ظافرا وسار ما كان على الديلم
مستنجدا بأبى الفضل الثائر بها وسار معه إلى طبرستان فقاتلهم عاملها من قبل مرداويح بالقسم بن بايحين وهزمهم ورجع الثائر إلى الديلم وسار ما كان إلى نيسابور ثم سار إلى الدامغان فصده عنها القسم فعاد إلى خراسان وعظم أمر مرداويح واستولى على بلد الرى والجبل واجتمع إليه الديلم وكثرت جموعه وعظم خرجه فلم يكف ما في يده من الاعمال فسما إلى التغلب على النواحى فبعث إلى همذان الجيوش مع ابن أخته وكانت بها عساكر الخليفة مع محمد بن خلف فحاربهم وهزمهم وقتل ابن أخت مرداويح فسار من الرى إلى همذان وهرب عسكر الخليفة عنها وملكها مرداويح عنوة واستباحها ثم أمن بقيتهم وأنفذ المقتدر هرون بن غريب الحال في العساكر فلقيه مرداويح وهزمهم واستولى على بلاد الجبل وما وراء همذان وبعث قائده إلى الدينور ففتحها عنوة وانتهت عساكره إلى حلوان فقتل وسبى وسار هرون إلى قرقيسيا فأقام بها واستمد المقتدر وكان معه اليشكرى من قواد اسفار وكان قد استأمن بعد اسفار إلى الخليفة وسار في جملته وجاء مع هرون في هذه الغزاة إلى نهاوند لحمل المال إليه منها فلما دخلها استمدت عينه إلى ثروة أهلها فصادرهم على ثلاثة آلاف ألف دينار واستخرجها في مدة اسبوع وجند بها جندا ومضى إلى اصبهان وبها يومئذ ابن كيغلغ قبل استيلاء مرداويح عليها فقاتله أحمد وانهزم وملك اليشكرى اصبهان ودخل إليها أصحابه وقام بظاهرها وسار أحمد بن كيغلغ في ثلاثين فارسا إلى بعض قرى اصبهان وركب اليشكرى ليتطوف على السور فنظر إليهم فسار نحوهم فقاتلوه وضربه أحمد بن كيغلغ على رأسه بالسيف فقد المغفر وتجاوزه إلى دماغه فسقط ميتا وقصد أحمد المدينة ففر أصحاب اليشكرى ودخل أحمد إلى اصبهان وذلك قبل استيلاء عسكر مرداويح عليها فاستولى عليها وجددوا له فيها مساكن أحمد ابن عبد العزيز بن أبى دلف العجلى وبساتينه وجاء مرداويح في أربعين أو خمسين ألفا فنزلها وبعث جمعا إلى الاهواز فاستولوا عليها والى خوزستان كذلك وجبى أموالها(3/383)
وقسم الكثير منها في أصحابه وادخر الباقي وبعث إلى المقتدر يطلب ولاية هذه الاعمال واضافة همذان وماه الكوفة إليها على مائتي ألف دينار في كل سنة فأجابه وقاطعه وولاه وذلك سنة تسع عشرة ثم دعا مرداويح سنة عشرين أخاه وشكمير من بلاد كيلان فجاء إليه بدويا حافيا بما كان يعانى من أحوال البداوة والتبذل في المعاش ينكر كل ما يراه من أحوال الترف ورقة العيش ثم صار إلى ترف الملك وأحوال الرياسة فرقت حاشيته وعظم ترفهه وأصبح من عظماء الملوك وأعرفهم بالتدبير والسياسة * (ابتداء حال أبى عبد الله البريدى) * كان بداية أمره عاملا على الاهواز وضبط ابن ماكر لان هذا الاسم بالموحدة والراء المهملة نسبة إلى البريد وضبطه ابن مسكوية بالياء المثناة التحتيانية والزاى نسبة إلى يزيد بن عبد الله بن المنصور الحميرى كان جده يخدمه ولما ولى على بن عيسى الوزارة واستعمل العمال وكان أبو عبد الله قد ضمن الخاصة بالاهواز وأخوه أبو يوسف على سوق فائق من الاقتصارية وأخوه على هذا فلما وزر أبو على بن مقلة بذل له عشرين ألف دينار على أن يقلده أعمالا فائقة فقلده الاهواز جميعها غير السوس وجنا سابور وقلد أخاه أبا الحسن القرانية وأخاهما أبا يوسف الخاصة والاسافل وضمن المال أبا يوسف السمسار وجعل الحسين بن محمد الماردانى مشرفا على أبى عبد الله فلم يلتفت إليه وكتب إليه الوزير بن مقلة بالقبض على بعض العمال ومصادرته فأخذ منه عشرة آلاف دينار واستأثر بها على الوزير فلما نكب ابن مقلة كتب المقتدر بخطه إلى الحاجب أحمد بن نصر القسورى بالقبض على أولاد البريدى وأن لا يطلقهم الا بكتابه فقبض عليهم وجاء أبو عبد الله بكتاب المقتدر بخطه باطلاقهم وظهر تزويره فأحضرهم إلى بغداد وصودروا على أربعمائة ألف دينار فأعطوها
* (الصوائف أيام المقتدر) * سار مؤنس المظفر سنة ست وتسعين في العساكر من بغداد إلى الفرات ودخل من ناحية ملطية ومعه أبو الاغر السلمى فظفر وغنم وأسر جماعة وفى سنة سبع وتسعين بعث المقتدر أبا القاسم بن سيما لغزو الصائفة سنة ثمان وتسعين وفى سنة تسع وتسعين غزا بالصائفة رستم أمير الثغور ودخل من ناحية طرسوس ومعه دميانة وحاصر حصن مليح الارمني ففتحه وأحرقه وفي سنة ثلثمائة مات اسكندروس بن لاور ملك الروم وملك بعده ابنه قسطنطين ابن اثنتى عشرة سنة وفى سنة ثنتين وثلثمائة سار على بن عيسى(3/384)
الوزير في ألف فارس لغزو الصائفة مددا لبسر الخادم عامل طرسوس ولم يتيسر لهم الدخول في المصيف فدخلوا شاتية في كلب البرد وشدته وغنموا وسبوا وفى سنة ثنتين وثلثمائة غزا بسر الخادم والى طرسوس بلاد الروم ففتح وغنم وسبى وأسر مائة وخمسين وكان السبى نحوا من ألفى رأس وفى سنة ثلاث وثلثمائة أغارت الروم على ثغور الجزيرة ونهبوا حصن منصور وسبوا أهله بتشاغل عسكر الجزيرة بطلب الحسين ابن حمدان مع مؤنس حتى قبض عليه كما مر وفى هذه السنة خرج الروم إلى ناحية طرسوس والفرات فقاتلوا وقتلوا نحوا من ستمائة فارس وجاء مليح الارمني إلى مرعش فعاث في نواحيها ولم يكن للمسلمين في هذه السنة صائفة وفى سنة أربع بعدها سار مؤنس المظفر بالصائفة ومر بالموصل فقلد سبكا المفلحى باريدى وقردى من أعمال الفرات وقلد عثمان العبودي مدينة بلد وسنجار ووصيفا البكتمرى باقى بلاد ربيعة وسار إلى ملطية فدخل منها وكتب إلى أبى القاسم على بن أحمد بن بسطام أن يدخل من طرسوس في أهلها ففتح مؤنس حصونا كثيرة وغنم وسبى ورجع إلى بغداد فأكرمه المعتضد وخلع عليه وفى سنة خمس وثلثمائة وصل رسولان من ملك الروم إلى المقتدر في المهادنة والفداء فتلقيا بالاكرام وجلس لهما الوزير في الابهة وصف الاجناد بالسلاح
العظيم الشان والزينة الكاملة فأديا إليه الرسالة وأدخلهما من الغد على المقتدر وقد احتفل في الابهة ما شاء فأجابهما إلى ما طلب ملكهم وبعث مؤنسا الخادم للفداء وجعله أميرا على كل بلد يدخله إلى أن ينصرف وأطلق الارزاق الواسعة لمن سار معه من الجنود وأنفذ معه مائة وعشرين ألف دينار للفدية وفيها غزا الصائفه جنا الصفوانى فغنم وغزا وسير نمالى الخادم في الاسطول فغنم وفى السنة بعدها غزا نمالى في البحر كذلك وجنا الصفوانى فظفر وفتح وعاد وغزا بشر الافشين بلاد الروم ففتح عدة حصون وغنم وسبى وفى سنة سبع غزا نمالى في البحر فلقى مراكب المهدى صاحب افريقية فغلبهم وقتل جماعة منهم وأسر خادما للمهدى وفى سنة عشرة وثلثمائة غزا محمد بن نصر الحاجب من الموصل على قاليقلا فأصاب من الروم وسار أهل طرسوس من ملطية فظفروا واستباحوا وعادوا وفى سنة احدى عشرة غزا مؤنس المظفر بلاد الروم فغنم وفتح حصونا وغزا نمالى في البحر فغنم ألف رأس من السبى وثمانية آلاف من الظهر ومائة ألف من الغنم وشيأ كثيرا من الذهب والفضة وفى سنة ثننى عشرة جاء رسول ملك الروم بالهدايا ومعه أبو عمر بن عبد الباقي يطلبان الهدنة وتقرير الفداء فاجيبا إلى ذلك ثم غدروا بالصائفة فدخل المسلمون بلاد الروم فأثخنوا ورجعوا وفى سنة أربع عشرة خرجت الروم إلى ملطية ونواحيها مع الدمستق ومليح الارمني صاحب(3/385)
الدروب وحاصروا ملطية وهربوا إلى بغداد واستغاثوا فلم يغاثوا وغزا أهل طرسوس بالصائفة فغنموا ورجعوا وفى سنة خمس عشرة دخلت سرية من طرسوس إلى بلاد الروم فأوقع بهم الروم وقتلوا أربعمائة رجل صبرا وجاء الدمستق في عساكر من الروم إلى مدينة دبيل وبها نصر السبكى فحاصرها وضيق مخنقها واشتد في قتالها حتى نقب سورها ودخل الروم إليها ودفعهم المسلمون فأخرجوهم وقتلوا منهم بعد أن غنموا ما لا يحصى وعاثوا في أنعامهم فغنموا من الغنم ثلثمائة ألف رأس فأكلوها وكان رجل من
رؤساء الاكراد يعرف بالضحاك في حصن له يعرف بالجعبرى فتنصر وخدم ملك الروم فلقيه المسلمون في سنة الغزاة فأسروه وقتلوا من معه وفى سنة ست عشرة وثلثمائة خرج الدمستق في عساكر الروم فحاصر خلاط وملكها صلحا وجعل الصليب في جامعها ورحل إلى تدنيس ففعل بها كذلك وهرب أهل أردن إلى بغداد واستغاثوا فلم يغاثوا وفيها ظهر أهل ملطية على سبعمائة رجل من الروم والارمن دخلوا بلدهم خفية وقدمهم مليح الارمني ليكونوا لهم عونا إذا حاصروها فقتلهم أهل ملطية عن آخرهم وفى سنة سبع عشرة بعث أهل الثغور الجزرية مثل ملطية وفارقين وآمد وارزا يستمدون المقتدر في العساكر والا فيعطوا الاتاوة للروم فلم يمدهم فصالحوا الروم وملكوا البلاد وفيها دخل مفلح الساجى بلاد الروم وفى سنة عشرين غزا نمالى بلاد الروم من طرسوس ولقى الروم فهزمهم وقتل منهم ثلثمائة وأسر ثلاثة آلاف وغنم من الفضة والذهب شيأ كثيرا وعاد بالصائفة في سنته في حشد كثير وبلغ عمورية فهرب عنها من كان تجمع إليها من الروم ودخلها المسلمون فوجدوا من الامتعة والاطعمة كثيرا فغنموا وأحرقوا وتوغلوا في بلاد الروم يقتلون ويكتسحون ويخربون حتى بلغوا انكمورية التى مصرها اهده وعادوا سالمين وبلغت قيمة السبى مائة ألف وستة وثلاثين ألف دينار وفى هذه السنة راسل ابن الريدانى وغيره من الارمن في نواحى أرمينية وحثوا الروم على قصد بلاد الاسلام فساروا وخربوا نواحى خلاط وقتلوا وأسروا فسار إليهم مفلح غلام يوسف بن أبى الساج من أذربيجان في جموع من الجند والمتطوعة فأثخن في بلاد الروم حتى يقال ان القتلى بغوا مائة ألف وخرب بلاد ابن الريدانى ومن وافقه وقتل ونهب ثم جاءت الروم إلى سميساط فحصروها وأمدهم سعيد بن حمدان وكان المقتدر ولاه الموصل وديار ربيعة على أن يسترجع ملطية من الروم فلما جاء رسول أهل سميساط إليهم فأجفل الروم عنها فسار إلى ملطية وبها عساكر الروم ومليح الارمني صاحب الثغور الرومية وبنى بن قيس صاحب المقتدر الذى
تنصر فلما أحسوا باقبال سعيد هربوا وتركوها خشية أن يثب بهم أهلها وملكها سعيد(3/386)
فاستخلف عليها وعاد إلى الموصل * (الوايات على النواحى أيام المقتدر) * كان باصبهان عبد الله بن ابراهيم المسمعى عاملا عليها خالف لاول ولاية المقتدر وجمع من الاكراد عشرة آلاف وأمر المقتدر بدرا الحمامى عامل اصبهان بالمسير إليه فسار إليه في خمسة آلاف من الجند وأرسل من يخوفه عاقبة المعصية فراجع الطاعة وسار إلى بغداد واستخلف على اصبهان وكان على اليمن المظفر بن هاج ففتح ما كان غلب عليه الحرثى باليمن وأخذ الحلمى من أصحابه وكان على الموصل أبو الهيجاء بن حمدان وسار أخوه الحسين بن حمدان وأوقع باعراب كلب وطى وأسر سنة أربع وتسعين ثم سار لى الاكراد المتغلبين على نواحى الموصل سنة خمس وتسعين فاستباحهم وهربوا إلى رؤس الجبال وخرج بالحاج في سنة أربع وتسعين وصيف بن سوار تكين فحصره أعراب طى بالقتال وأوقعهم فهزمهم ومضى إلى وجهه ثم أوقع بهم هنالك الحسن ابن موسى فأثخن فيهم وكان على فارس سنة ست وتسعين اليشكرى غلام عمرو بن الليث فلما تغلب وكان على الثغور الشامية أحمد بن كيغلغ في سنة سبع وتسعين ملك الليث فارس من يد اليشكرى ثم جاءه مؤنس فغلبه وأسره ورجع اليشكرى إلى عمله كما مر في خبره وفى سنة ست وتسعين وصل ناسر موسى بن سامان وقلد ديار ربيعة وقد مر ذكره وفيها رجع الحسين بن حمدان من الخلاف وعقد له على قم وقاشان فسار إليها ونزل عنها العباس بن عمر الغنوى وفى سنة سبع وتسعين توفى عيسى النوشرى عامل مصر وولى المقتدر مكانه تكين الخادم وفى سنة ثمان وتسعين توفى منيح خادم الافشين وهو عامل فارس وكان معه محمد بن جعفر الفريابى فماتا معا وولى على فارس عبد الله ابن ابراهيم المسمعى وأضيفت إليه كرمان وفيها وليت أم موسى الهاشمية قهرمة
دار المقتدر وكانت تؤدى الرسائل عن المقتدر وأمه إلى الوزراء وعن الوزراء اليهما وفى سنة تسع وتسعين كان والى البصرة محمد بن اسحق بن كنداج وجاء إليه القرامطة فقاتلهم فهربوا وفى سنة ثلثمائة عزل ابراهيم بن عبد الله المسمعى عن فارس وكرمان ونقل إليها بدر الحمامى عامل اصبهان وولى على اصبهان على بن وهشودان وفيها ولى بشير الافشين طرسوس وفيها قلد أبو العباس بن المقتدر مصر والمغرب وهو ابن أربع سنين واستخلف له على مصر مؤنس المظفر وقلد معين الطولونى المعونة بالموصل ثم عزل واستعمل مكانه نحرير الصغير وفيها خلف أبو الهيجاء عبد الله بن حمدان بالموصل فسار إليه مؤنس وجاء به على الامان ثم قلد الموصل سنة ثنتين وثلثمائة فاستخلف عليها وهو ببغداد ثم خالف أخوه الحسين سنة ثلثمائة وسار إليه مؤنس وجاء به أسيرا فحبس(3/387)
وقبض المقتدر على أبى الهيجاء واخوته جميعا فحبسوا وفيها ولى الحسين بن محمد ابن عينونة عامل الخراج والضياع بديار ربيعة بعد وفاة أبيه محمد بن أبى بكر وفى سنة أربع عزل على بن وهشودان صاحب الحرب باصبهان بمنافرة وقعت بينه وبين أحمد ابن شاه صاحب الخراج وولى مكانه أحمد بن مسرور البلخى وأقام ابن وهشودان بنواحي الجبل ثم تغلب يوسف بن أبى الساج عليها كما مر وسار إليه مؤنس سنة سبع فهزمه وأسره وولى على اصبهان وقم وقاشان وساوة أحمد بن على بن صعلوك وعلى الرى ودنباوند وقزوين وابهر وزنجان على بن وهشودان استدعاه من الجبل فولاه ووثب به عمه أحمد بن مسافر صاحب الكرم فقتله بقزوين فاستعمل مكانه على الحرب وصيفا البكتمرى وعلى الخراج محمد بن سليمان ثم سار أحمد بن صعلوك إليها فقتل محمد ابن سليمان وطرد وصيفا ثم قاطع على الاعمال بمال معلوم كما مر وكان على أعمال سجستان كثير بن أحمد مهقور متغلبا عليها فسار إليه أبو الحمامى عامل فارس فخافه كثير وقاطع على البلاد وعقد له عليها وكان على كرمان سنة أربع وثلثمائة أبو زيد خالد
ابن محمد الماردانى فانتقض وسار إلى شيراز فقاتله بدر الحمامى وقتله وفى هذه السنة فلد مؤنس المظفر عند مسيره إلى الصائفة وانتهائه إلى الموصل فولوا على بلد باريدى وقردى سبكا المفلحى وعلى مدينة بلد وسنجار وباكرى عثمان العبودي صاحب الحرب بديار مصر فولى مكانه وصيف البكتمرى فعجز عن القيام بها فعزل وولى مكانه جنا الصفوانى وكان على البصرة في هذه السنة الحسن بن الخليل تولاها منذ سنين ووقعت فتن بينه وبين العامة من مضر وربيعة واتصلت وقتل منهم خلق ثم اضطروه إلى الالحاق بواسط فاستعمل عليها أبا دلف هاشم بن محمد الخزاعى ثم عزل لسنة وولى سبكا المفلحى نيابة عن شفيع المقتدرى وفى سنة ست وثلثمائة عزل عن الشرطة نزار وجعل فيها نجيح الطولونى فأقام في الارباع فقهاء يعمل أهل الشرطة بفتواهم فضعفت الهيبة بذلك وكثر اللصوص والعيارون وكبست دور التجار واختطفت ثياب الناس وفى سنة سبع وثلثمائة ولى ابراهيم بن حمدان ديار ربيعة وولى بنى بن قيس بلاد شهر زور واتسعت عليه فاستمد المقتدر وحاصرها ثم قلد الحرب بالموصل وأعمالها وكان على الموصل قبله محمد ابن اسحق بن كنداج وكان قد سار لاصلاح البلاد فوقعت فتنة بالموصل فرجع إليها فمنعوه الدخول فحاصرهم وعزله المقتدر سنة ثلاث وثلثمائة وولى مكانه عبد الله ابن محمد الغساني وفى سنة ثمان وثلثمائة ولى المقتدر أبا الهيجاء عبد الله بن حمدان على طريق خراسان والدينور وفيها ولى على دقوقا وعكبرا وطريق الموصل بدرا الشرابى وفى سنة تسع ولى المقتدر على حرب الموصل ومعونتها محمد بن نصر الحاجب فسار إليها(3/388)
وأوقع بالمخالفين من الاكراد المادرانية وفيها ولى داود بن حمدان على ديار ربيعة وفى سنة عشر عقد ليوسف بن أبى الساج على الرى وقزوين وابهر وزنجان وأذربيجان على تقدير العلوية كما مر وفيها قبض المقتدر على أم موسى القهرمانة لانها كانت كثيرة المال وزوجت بنت أختها من بعض ولد المتوكل كان مرشحا للخلافة وكان محسنا
فلما صاهرته أوسعت في الشوار واليسار والعرس وسعى بها إلى المقتدر انها استخلصت القواد فقبض عليها وصادرها على أموال عظيمة وجواهر نفيسة وفيها قتل خليفة نصر بن محمد الحاجب بالموصل قتله العامة فجهز العساكر من بغداد وسار إليها وفى سنة احدى عشرة ملك يوسف بن أبى الساج الرى من يد أحمد بن على صعلوك وقتله المقتدر وقد مر خبره وفيها ولى المقتدر بنى بن قيس على حرب اصبهان وولى محمد بن بدر المعتضدى على فارس مكان ابنه بدر عند ما هلك وفى سنة ثنتى عشرة ولى على اصبهان يحيى الطولونى وعلى المعاون والحرب بنهاوند سعيد بن حمدان وفيها توفى محمد بن نصر الحاجب صاحب الموصل وتوفى شفيع اللؤلؤي صاحب البريد فولى مكانه شفيع المقتدرى وفى سنة ثلاث عشرة فتح ابراهيم المسمعى عامل فارس ناحية القفص من حدود كرمان وأسر منهم خمسة آلاف وكان في هذه السنة ولى على الموصل أبا الهيجاء عبد الله بن حمدان وابنه ناصر الدولة خليفة فيها فأفسد الاكراد والعرب بأرض الموصل وطريق خراسان وكانت إليه فكتب إليه ابنه ناصر الدولة سنة أربع عشرة بالانحدار إلى تكريت للقائه فجاءه في الحشد وأوقع بالعرب والاكراد الخلالية وحسم علتهم وفيها قلد المقتدر يوسف بن أبى الساج أعمال الشرق وعزله عن أذربيجان وولاه واسط وأمده بالسير إليها لحرب القرامطة وأقطعه همذان وساوة وقم وقاشان وماه البصرة وماه الكوفة وماسبذان للنفقة في الحرب وجعل على الرى من أعماله نصر بن سامان فوليها وصار من عماله كما مر وفيها ولى أعمال الجزيرة والضياع بالموصل أبا الهيجاء عبد الله بن حمدان وأضيف إليه باريدى وقردى وما اليهما وفيها قتل ابن أبى الساج كما مر وفى سنة خمس عشرة مات ابراهيم المسمعى بالنو بندجان وولى المقتدر على مكانه ياقوت وعلى كرمان أبا طاهر محمد بن عبد الصمد وفى سنة ست عشرة عزل أحمد بن نصر القسورى عن حجبة الخليفة ووليها ياقوت وهو على الحرب بفارس واستخلف عليها ابنه أبا الفتح المظفر وفيها ولى على الموصل وأعمالها يونس
المؤنسى وكان على الحرب بالموصل ابن عبد الله بن حمدان وهو ناصر الدولة فغضب وعاد إلى الخلافة وقتل في تلك الفتنة نازوك وأقر على أعمال قردى وباريدى التى كانت بيد أبى الهيجاء ابنه ناصر الدولة الحسن وعلى أعمال الموصل نحريرا الصغير(3/389)
ثم ولى عليها سعيدا ونصرا ابني حمدان وهما أخوا أبى الهيجاء وولى ناصر الدولة على ديار ربيعة ونصيبين وسنجار والخابور ورأس عين وميا فارقين من ديار بكر وأرزن على مقاطعة معلومة وفى سنة ثمان عشرة صرف ابنا رائق عن الشرطة ووليها أبو بكر محمد بن ياقوت عن الحجبة وقلد أعمال فارس وكرمان وقلد ابنه المظفر اصبهان وابنه أبا بكر محمدا سجستان وجعل مكان ياقوت وولده في لحجبة والشرطة ابراهيم ومحمد ابنا رائق فأقام ياقوت بشيراز وكان على بن خلف ابن طيان على الخوارج فتعاقدا على قطع الحمل عن المقتدر إلى أن ملك على بن بوبه بلاد فارس سنة ثلاث وعشرين وفى هذه السنة غلب مرداويح على اصبهان وهمذان والرى وحلوان وقاطع عليها بمال معلوم وصارت في ولايته * (استيحاش مؤنس من المقتدر الثانية ومسيره إلى الموصل) * كان الحسين بن القاسم بن عبد الله بن وهب وزيرا للمقتدر وكان مؤنس منحرفا عنه قبل الوزارة حتى أصلح بليق حاله عند مؤنس فوزر واختص به بنو البريدى وابن الفرات ثم بلغ مؤنسا أن الحسين قد واطأ جماعة من القواد في التدبير عليه فتنكر له مؤنس وضاقت الدنيا على الحسين وبلغه ان مؤنسا يكبسه فانتقل إلى دار الخلافة وكتب الحسين إلى هرون بن غريب الحال يستقدمه وكان مقيما بدير العاقول بعد انهزامه من مرداويح وكتب إلى محمد بن ياقوت يستقدمه من الاهواز فاستوحش مؤنس ثم جمع الحسين الرجال والغلمان الحجرية في دار الخلافة وأنفق فيهم فعظمت نفرة مؤنس وقدم هرون من الاهواز فخرج مؤنس مغاضبا للمقتدر وقصد الموصل وكتب
الحسين إلى القواد الذين معه بالرجوع فرجع منهم جماعة وسار مؤنس في أصحابه ومواليه ومعه من الساجية ثمانمائة من رجالهم وتقدم الوزير بقبض أملاكه وأملاك من معه واقطاعهم فحصل منه مال كثير واغتبط المقتدر به لذلك ولقبه عميد الدولة ورسم اسمه في السكة وأطلق يده في الولاية والعزل فولى على البصرة وأعمالها أبا يوسف يعقوب بن محمد البريدى على مبلغ ضمنه وكتب إلى سعيد وداود ابني حمدان وابن أخيهما ناصر الدولة الحسين بن عبد الله بمحاربة مؤنس فاجتمعوا على حربه الا داود فانه توقف لاحسان مؤنس إليه وتربيته اياه ثم غلبوا عليه فوافقهم على حربه وجمع مؤنس في طريقه رؤساء العرب وأوهمهم أن الخليفة ولاه الموصل وديار ربيعة فنفر معه بعضهم واجتمع له من العسكر ثمانمائة وزحف إليه بنو حمدان في ثلاثين ألفا فهزمهم وملك مؤنس الموصل في صفر من سنة عشرين وجاءته العساكر من بغداد والشأم ومصر رغبة في احسانه وعاد ناصر الدولة بن حمدان إلى خدمته(3/390)
وأقام معه بالموصل ولحق سعد ببغداد * (مقتل المقتدر وبيعة القاهر) * ولما ملك مؤنس الموصل أقام بها تسعة واجتمعت العساكر فانحدر إلى بغداد لقتال المقتدر وبعث المقتدر الجنود مع أبى بكر محمد بن ياقوت وسعد بن حمدان فرجع عنهم العسكر إلى بغداد ورجعوا وجاء مؤنس فنزل بباب الشماسية والقواد قبالته وندب المقتدر ابن خاله هرون بن غريب إلى الخوارج لقتاله فاعتذر ثم خرج وطالبوا المقتدر بالمال لنفقات الجند فاعتذر وأراد أن ينحدر إلى واسط ويستدعى العساكر من البصرة والاهواز وفارس وكرمان فرده ابن ياقوت عن ذلك وأخرجه للحرب وبين يديه الفقهاء والقواد والمصاحف مشهورة وعليه البردة والناس يحدقون به فانهزم أصحابه ولقيه على بن بليق من أصحاب مؤنس فعظمه وأشار عليه بالرجوع ولحقه قوم من المغاربة
والبربر فقتلوه وحملوا رأسه وتركوه بالعراء فدفن هنالك ويقال ان على بن بليق أشار إليهم بقتله ولما رأى مؤنس ذلك ندم وسقط في يده وقال والله لنقتلن جميعا وتقدم إلى الشماسية وبعث من يحتاط على دار الخلافة وكان ذلك لخمس وعشرين سنة من خلافة المقتدر فاتسع الخرق وطمع أهل القاصية في الاستبداد وكان مهملا لامور خلافته محكما للنساء والخدم في دولته مبذرا لامواله ولما قتل لحق ابنه عبد الواحد بالمدائن ومعه هرون بن غريب الحال ومحمد بن ياقوت وابراهيم بن رائق ثم اعتزم مؤنس على البيعة لولده أبى العباس وكان صغيرا فعذله وزيره أبو يعقوب اسمعيل النويحى في ولاية صغير في حجر أمه وأشار بأخيه أبى منصور محمد بن المعتضد فأجاب مؤنس إلى ذلك على كره وأحضر وبويع آخر شوال من سنة عشرين ولقبوه القاهر بالله واستحلفه مؤنس لنفسه ولحاجبه بليق وابنه على واستقدم أبا على بن مقلة من فارس فاستوزره واستحجب على بن بليق ثم قبض على أم المقتدر وضربها على الاموال فحلفت فأمرها بحل أوقافها فامتنعت فأحضر هو القضاة وأشهد بحل أوقافها ووكل في بيعها فاشتراها الجند من أرزاقهم وصادر جميع حاشية المقتدر واشتد في البحث عن ولده وكبس عليهم المنازل إلى أن ظفر بأبى العباس الراضي وجماعة من اخوته وصادرهم وسلمهم على بن بليق إلى كاتبه الحسين بن هرون فأحسن صحبتهم وقبض الوزير ابن مقلة على البريدى واخوته وأصحابه وصادرهم على جملة من المال * (خبر ابن المقتدر وأصحابه) * قد ذكرنا ان عبد الواحد بن المقتدر لحق بعد مقتل أبيه بالمدائن ومعه هرون بن غريب(3/391)
الحال ومفلح ومحمد بن ياقوت وابنا رائق ثم انحدروا منها إلى واسط وأقاموا بها وخشيهم القاهر على أمره واستأمن هرون بن غريب على أن يبذل ثلثمائة ألف دينار وتطلق له أملاكه فأمنه القاهر ومؤنس وكتب له بذلك وعقد له على أعمال ماه
الكوفة وماسبذان ومهروبان وسار إلى بغداد وسار عبد الواحد بن المقتدر فيمن معه من واسط ثم إلى السوس وسوق الاهواز وطردوا العمال وجبوا الاموال وبعث مؤنس إليهم بليقا في العساكر وبذل أبو عبد الله البريدى في ولاية الاهواز خمسين ألف دينار فأنفقت في العساكر وسار معهم وانتهوا إلى واسط ثم إلى السوس فجاز عبد الواحد ومن معه من الاهواز إلى تستر ثم فارقه جميع القواد واستأمنوا إلى بليق الا ابن ياقوت ومفلحا ومسرورا الخادم وكان محمد بن ياقوت مستبدا على جميعهم في الاموال والتصرف فنفروا لذلك واستأمنوا لانفسهم ولابن المقتدر إلى بليق فأمنهم بعد أن استأمنوا محمد بن ياقوت وأذن لهم ثم استأمن هو على بليق إلى أمان القاهر ومؤنس وساروا إلى بغداد جميعهم فوفى لهم القاهر وأطلق لعبد الواحد أملاكه وترك لامه المصادرة التى صادرها واستولى أبو عبد الله البريدى على أعمال فارس وأعاد اخوته إلى أعمالهم * (مقتل مؤنس وبليق وابنه) * لما رجع محمد بن ياقوت من الاهواز واستخلصه القاهر واختصه لخلواته وشوراه وكانت بينه وبين الوزير ابن على بن مقلة عداوة فاستوحش لذلك ودس إلى مؤنس ان محمد بن ياقوت يسعى به عند القاهر وان عيسى الطبيب سفيره في ذلك فبعث مؤنس على بن بليق لاحضار عيسى وتقدم على بن بليق بالاحتياط على القاهر فوكل به أحمد ابن زيرك وضيق على القاهر وكشف وجوه النساء المختلفات إلى القصر خشية ايصالهم الرقاع إلى القاهر حتى كشفت أواني الطعام ونقل بليق المحابيس من دار الخلافة إلى داره وفيهم أم المقتدر فأكرمها على بن بليق وأنزلها عند أمه فماتت في جمادى من سنة احدى وعشرين وعلم القاهر أن ذلك من مؤنس وابن مقلة فشرع في التدبير عليهم وكان طريف السيكرى ونشرى من خدم مؤنس قد استوحشا من مؤنس لتقدم بليق وابنه عليهما وكان اعتماد مؤنس على الساجية وقد حاؤا معه من الموصل ولم يوف
لهم فاستوحشوا لذلك فداخلهم القاهر جميعا وأغراهم بمؤنس وبليق وبعث إلى أبى جعفر محمد بن القاسم بن عبد الله وكان مختصا بابن مقلة وصاحب رأيه فوعده بالوزارة فكان يطالعه بالاخبار وشعر ابن مقلة بذلك فأبلغوا إلى مؤنس وبليق وأجمعوا على خلع(3/392)
القاهر واتفق بليق وابنه على وابن مقلة والحسن بن هرون على البيعة لابي أحمد بن المكتفى فبايعوه وحلفوا له وأطلعوا مؤنسا على ذلك فأشار بالمهل وتأنيس القاهر حتى يعرفوا من واطأه من القواد والساجية (1) والحجرية فأبوا وهونوا عليه الامر في استعجال خلعه فأذن لهم فأشاعوا أن أبا طاهر القرمطى ورد الكوفة وندبوا على بن بليق للمسير إليه ليدخل للوداع ويقبض على القاهر وابن مقلة كان نائما فلما استيقظ أعاد الكتاب إلى القاهر فاستراب ثم جاءه طريف السيكرى غلام مؤنس في زى امرأة مستنصحا فأحضره وأطلعه على تدبيرهم وبيعتهم لابي أحمد بن المكتفى فأخذ القاهر حذره وأكمن الساجية في دهاليز القصر وممراته وجاء على بن بليق في خف من أصحابه واستأذن فلم يؤذن له وكان ذا خمار فغضب وأفحش في القول فأخرج الساجية في السلاح وشتموه وردوه وفر عنه أصحابه وألقى بنفسه في الطيار وعبر إلى الجانب الغربي واختفى الوزير ابن مقلة والحسن بن هرون وركب طريف إلى دار القاهر فأنكر بليق ما جرى لابنه وشتم الساجية وقال لا بد أن أستعدى الخليفة عليهم وجاء إلى القاهر ومعه قواد مؤنس فلم يأذن له وقبض عليه وحبسه وعلى أحمد بن زيرك صاحب الشرطة وجاء العسكر منكرين لذلك فاسترضاهم ووعدهم بالزيادة وباطلاق هؤلاء المحبوسين فافترقوا وبعث إلى مؤنس بالحضور عنده ليطالعه برأيه فأبى فعزله وولى طريف السيكرى مكانه وأعطاه خاتمه وقال قد فوضت إلى ابني عبد الصمد ما كان المقتدر فوضه إلى ابنه محمد وقلدتك خلافته ورياسة الجيش وامارة الامراء وبيوت الاموال كما كان مؤنس وأمضى إليه وأحمله إلى دار الخلافة مرفها عليه لئلا يجتمع إليه أهل الشر ويفسد ما بيننا وبينه فسار طريف إلى مؤنس وأخبره بأمان القاهر له
ولاصحابه وحمله على الحضور عنده وهون عليه أمره وأن القاهر لا يقدر على مكروهة فركب وحضر فقبض عليه القاهر وحبسه قبل أن يراه وندم طريف على ما فعل واستوحش واستوزر القاهر أبا جعفر محمد بن القاسم بن عبيد الله ووكل بدور مؤنس وبليق وابنه على وابن مقلة وابن زيرك وابن هرون ونقل ما فيها وأحرقت دار ابن مقلة وجاء محمد بن ياقوت وقام بالحجبة فتنكر له طريف السيكرى والساجية فاختفى ولحق بابنه بفارس وكتب إليه القاهر بالعتب على ذلك وولاه الاهواز وكان الذى دعا طريفا السيكرى إلى الانحراف عن مؤنس وبليق أن مؤنسا رفع رتبة بليق وابنه عليه بعد ان كانا يخدمانه فأهملا جانبه ثم اعتزم بليق على أن يوليه مصر وفاوض في ذلك الوزير ابن مقلة فوافق عليه ثم أراد على بن بليق عمل مصر لنفسه ومنع من ارسال طريف فتربص بهم وأما الساجية فكانوا مع مؤنس بالموصل وكان يعدهم ويمنيهم ولما(3/393)
ولى القاهر واستبد بأمره لم يف لهم وكان من أعيانهم الخادم صندل وكان له بدار القاهر خادم اسمه مؤتمن باعه واتصل بالقاهر قبل الخلافة فاستخلفه فلما شرع في التدبير على مؤنس وبليق بعث مؤنسا هذا إلى صندل يمت إليه تقديمه ويدخله في أمر القاهر وازالة الحجر عنه فقصد إلى صندل وزوجته وتلطف ووصف القاهر بما شاء من محاسن الاخلاق وحمل زوجته على الدخول إلى دار القاهر حتى شافهها بما أراد ابلاغه إلى صندل وداخل صندل في ذلك سيما من قواد الساجية واتفقوا على مداخلة طريف السيكرى في ذلك لعلمهم باستيحاشه من مؤنس فأجابهم على شريطة الابقاء على مؤنس وبليق وابنه وأن لا يزال مؤنس من مرتبته وتحالفوا على ذلك من الجانبين وطلب طريف عهد القاهر بخطه فكتب وزاد فيه أنه يصلى بالناس ويخطب لهم ويحج بهم ويغزو معهم ويتئد لكشف المظالم وغير ذلك من حسن السيرة وكان جماعة من الحجرية قد ابعدهم ابن بليق وأدال منهم بأصحابه فداخلهم طريف في أمر القاهر
فأجابوه ونمى الخبر بذلك إلى ابن مقلة والى بليق وأرادوا القبض على قواد الساجية والحجرية ثم خشوا الفتنة ودبروا على القاهر فلم يصلوا إليه لاحتجابه عنهم بالمرض فوضعوا أخبار القرامطة كما قدمناه ولما قبض القاهر على مؤنس ولى الحجابة سلامة الطولونى وعلى الشرطة أحمد بن خاقان واستوزر أبا جعفر محمد بن القاسم بن عبد الله مكان ابن مقلة وأمر بالنداء على المتسترين والوعيد لمن أخفى وطلب أبا أحمد بن المكتفى فظفر به وبنى عليه حائطا فمات ثم ظفر بعلى فقتله ثم شغب الجند في شعبان ومعهم أصحاب مؤنس وثاروا ونادوا بشعاره وطلبوا اطلاقه وأحرقوا روشن دار الوزير أبى جعفر فعمد القاهر إلى بليق في محبسه وأمر به فذبح وحمل الرأسين إلى مؤنس فلما رآهما مؤنس استرجع ولعن قاتلهما فأمر به فذبح وطيف بالرؤس ثم أودعت بالخزانة وقيل ان قتل على بن بليق تأخر عن قتل أبيه ومؤنس لانه كان مختفيا فلما ظفر به بعدهما قتله ثم بعث القاهر إلى أبى يعقوب اسحق بن اسمعيل اليوصحى فأخذ من محبس الوزير محمد بن القاسم وحبسه وارتاب الناس من شدة القاهر وندم الساجية والحجرية على مداخلته في ذلك الامر ثم قبض القاهر على وزيره أبى جعفر وأولاده وأخيه عبيد الله وخدمه لثلاثة أشهر ونصف من ولايته ومات لثمان عشرة ليلة من حبسه واستوزر مكانه أبا العباس أحمد بن عبيد الله بن سليمان الحصيبى ثم استبد القاهر على طريف السيكرى واستخف به فخافه وتنكر ثم أحضره بعد أن قبض على الوزير أبى جعفر فقبض عليه وأودعه السجن إلى أن خلع القاهر * (ابتداء دولة بنى بويه) *(3/394)
كان أبوهم أبو شجاع بويه من رجالات الديلم وكان له أولاد على والحسن وأحمد فعلى أبو الحسن عماد الدولة والحسن أبو على ركن الدولة وأحمد أبو الحسن معز الدولة ونسبهم ابن ماكولا في الساسانية إلى بهرامجور بن يزد جرد وابن مسكويه إلى يزد جرد بن
شهريار وهو نسب مدخول لان الرياسة على قوم لا تكون في غير أهل بلدهم كما ذكرنا في مقدمة الكتاب ولما أسلم الديلم على يد الاطروش وملك بهم طبرستان وجرجان وكان من قواده ما كان بن بن كالى وليلى بن النعمان واسفار بن شيرويه ومرداويح بن وزيار وكانوا ملوكا عظاما وازدحموا في طبرستان فساروا لملك الارض عند اختلاط الدولة العباسية وضعفها وقصدوا الاستيلاء على الاعمال والاطراف وكان بنو بويه من جملة قواد ما كان بن كالى فلما وقع بينه وبين مرداويح من الفتنة والخلاف ما تقدم وغلبه مرداويح على طبرستان وجرجان عادوا إلى مرداويح لتخف عنه مؤنتهم على أن يرجعوا إليه إذا صلح أمره فساروا إلى مرداويح فقبلهم وأكرمهم واستأمن إليه جماعة من قواد ما كان فقتلهم وأولادهم وولى على بن بويه على الكرج وكان أكبر اخوته وسار جميعهم إلى الرى وعليها وشمكير بن وزيار أخو مرداويح ومعه وزيره الحسين ابن محمد الملقب بالعميد فاتصل به على بن بويه وأهدى إليه بغلة كانت عنده ومتاعا وندم مرداويح على ولاية هؤلاء المستأمنة من قواد ما كان فكتب إلى أخيه وشمكير بالقبض على الباقين وأراد أن يبعث في اثر على بن بويه فخشى الفتنة وتركه ولما وصل على بن بويه إلى الكرج استقام أمره وفتح قلاعا للحرمية ظفر منها بذخائر كثيرة واستمال الرجال وعظم أمره وأحبه الناس ومرداويح يومئذ بطبرستان ثم عاد إلى الرى وأطلق مالا لجماعة من القواد على الكرج فوصلوا إلى على بن بويه فأحسن إليهم واستمالهم وبعث إليهم مرداويح فدافعه فندم على اطلاقهم وبعث فيهم مرداويح أمراء الكرج فاستأمن إليه شيرزاد من أعيان قواد الديلم فقويت نفسه وسار إلى اصبهان وبها المظفر بن ياقوت على الحرب في عشرة آلاف مقاتل وأبو على بن رستم على الخوارج فأرسل على بن بويه يستعطفهما في الانحياز إلى طاعة الخليفة وخدمته والمسير إلى الحضرة فلم يجيباه وكان أبو على أشد كراهة له فمات تلك الايام وسار ابن ياقوت ثلاثة فراسخ عن اصبهان وكان في أصحابه حسل وديلم
واستأمنوا إلى ابن بويه ثم اقتتلوا فانهزم ابن ياقوت واستولى على بن بويه على اصبهان وهو عماد الدولة وكان عسكره نحوا من تسعمائة وعسكر ابن ياقوت نحوا من عشرة آلاف وبلغ ذلك القاهر فاستعظمه وبلغ مرداويح فأقلقه وخاف على ما بيده وبعث إلى عماد الدولة يخادعه يطلب الطاعة منه ليطمئن للرسالة ويخالفه أخوه وشمكيره في(3/395)
العساكر وشعر ابن بويه بذلك فرحل عن اصبهان وقصد ارجان وبها أبو بكر بن ياقوت فانهزم أبو بكر من غير قتال ولحق برامهرمز واستولى ابن بويه على ارجان وخالفه وشمكير أخو مرداويح إلى اصبهان فملكها وأرسل القاهر إلى مرداويح بأن يسلم اصبهان لمحمد ابن ياقوت ففعل وكتب أبو طالب يستدعيه ويهون عليه أمر ابن ياقوت ويغريه به فخشى ابن بويه من كثرة عساكر ياقوت وأمواله وأن يحصل بينه وبين ابنه تأهبات فتوقف فأعاد عليه أبو طالب وأراه أن مرداويح طلب الصلح من ابن ياقوت وخوفه اجتماعهما عليه فسار ابن بويه إلى أرجان في ربيع سنة احدى وعشرين ولقيتهم هنالك مقدمة ابن ياقوت فانهزمت فزحف ابن ياقوت إليهم وبعث عماد الدولة أخاه ركن الدولة الحسن إلى كازرون وغيرها من أعمال فارس فجبى أموالها ولقى عسكر ابن ياقوت هنالك فهزمهم ورجع إلى أخيه وخشى عماد الدولة من اتفاق مرداويح مع ابن ياقوت فسار إلى اصطخر واتبعه ابن ياقوت وشيعه إلى قنطرة بطريق كرمان اضطروا إلى الحرب عليها فتزاحفوا هنالك واستأمن بعض قواده إلى ابن ياقوت فقتلهم فاستأمن أصحابه وانهزم ابن ياقوت واتبعه ابن بويه واستباح معسكره وذلك في جمادى سنة ثنتين وعشرين وأبلى أخوه معز الدولة أحمد في ذلك اليوم بلاء حسنا ولحق ابن ياقوت بواسط وسار عماد الدولة إلى شيراز فملكها وأمن الناس واستولى على بلاد فارس وطلب الجند رزاقهم فعجز عنها وعثر على صناديق من مخلف ابن ياقوت وذخائر بنى الصفار فيها خمسمائة ألف دينار فامتلات خزائنه وثبت ملكه واستقر ابن ياقوت بواسط وكاتبه أبو عبد الله
اليزيدى حتى قتل مرداويح عاد إلى الاهواز ووصل عسكر مكرم وكانت عساكر ابن بويه سبقته فالتقوا بنواحي ارجان وانهزم ابن ياقوت فأرسل أبو عبد الله اليزيدى في الصلح فأجابه ابن بويه واستقر ابن ياقوت بالاهواز ومعه ابن اليزيدى وابن بويه ببلاد فارس ثم زحف مرداويح إلى الاهواز وملكها من يد ابن ياقوت ورجع إلى واسط وكتب إلى الراضي وكان بعد القاهر كما نذكره والى وزيره أبى على بن مقلة بالطاعة والمقاطعة فيما بيده من البلاد باعمال فارس على ألف ألف درهم فأجيب إلى ذلك وبعث إليه باللواء والخلع وعظم شأنه في فارس وبلغ مرداويح شأنه فخاف غائلته وكان أخوه وشمكير قد رجع إلى اصبهان بعد خلع القاهر وصرف محمد بن ياقوت عنها فسار إليها مرداويح للتدبير على عماد الدولة وبعث أخاه وشمكير على الرى وأعمالها * (خلع القاهر وبيعة الراضي) * ولما قتل القاهر مؤنسا وأصحابه أقام يتطلب الوزير أبا على بن مقلة والحسن بن هرون وهما مستتران وكانا يراسلان قواد الساجية والحجرية ويغريانهم بالقاهر فانهم غروه(3/396)
كما فعل بأصحابه قبلهم وكان ابن مقلة يجتمع بالقواد ويراسلهم ويجئ إليهم متنكرا ويغريهم ووضعوا على سيما أن منجما أخبره أنه ينكب القاهر ويقتله ودسوا إلى معر كان عنده أموالا على أن يحذره من القاهر فنفر واستوحش وحفر القاهر مطامير في داره فقيل لسيما والقواد انما صنعت لكم فازدادوا نفرة وكان سيما رئيس الساجية فارتاب بالقاهر وجمع أصحابه وأعطاهم السلاح وبعث إلى الحجرية فجمعهم عنده وتحالفوا على خلع القاهر وزحفوا إلى الدور وهجموا عليه فقام من النوم ووجد الابواب مشحونة بالرجال فهرب إلى السطح ودلهم عليه خام فجاؤه واستدعوه للنزول فأبى فتهددوه بالرشق بالسهام فنزل وجاؤا به إلى محبس طريف السيكرى فحبسوه مكانه وأطلقوه حتى سمل بعد ذلك وذلك لسنة ونصف من خلافته وهرب الحصيبى وزيره
وسلامة حاجبه وقد قيل في خلعه غير هذا وهو أن القاهر لما تمكن من الخلافة اشتد على الساجية والحجرية واستهان بهم فتشاكوا ثم خافه حاجبه سلامة لانه كان يطالبه بالاموال ووزيره االحصيبى كذلك وحفر المطامير في داره فارتابوا به كما ذكرنا وأسر جماعة من القرامطة فحبسهم بتلك لمطامير وأراد أن يستظهر بهم على الحجرية والساجية فتنكروا ذلك وقالوا فيه للوزير وللحاجب فأخرجهم من الدار وسلمهم لمحمد ابن ياقوت صاحب الشرطة وأوصاه إليهم فازداد الساجية والحجرية ريبة ثم تنكر لهم القاهر وصار يعلن بذمهم وكراهتهم فاجتمعوا لخلعه كما ذكرنا ولما قبض القاهر بعثوا عن أبى العباس بن المقتدر وكان محبوسا مع أمه فأخرجوه وبايعوه في جمادى سنة ثنتين وعشرين وبايعه القواد والناس وأحضر على بن عيسى وأخاه عبد الرحمن وصدر عن رأيهما وأراد على بن عيسى على الوزارة فامتنع واعتذر بالنكير وأشار بابن مقلة فأمنه واستوزره وبعث القضاة إلى القاهر ليخلع نفسه فأبى فسمل وأمن ابن مقلة الحصيبى وولاه وولى الفضل بن جعفر بن الفرات نائبا عنه عن أعمال الموصل وقردى وباريدى وماردين وديار الجزيرة وديار بكر وطريق الفرات والثغور الجزرية والشامية وأجناد الشأم وديار مصر يعزل ويولى من يراه في الخراج والمعادن والنفقات والبريد وغير ذلك وولى الراضي على الشرطة بدرا الحمامى وأرسل إلى محمد بن رائق يستدعيه وكان قد استولى على الاهواز ودفع عنها ابن ياقوت من تلك الولاية إلى السوس وجندي سابور وقد ولى على أصبهان وهو يروم المسير إليها فلما ولى الراضي استدعاه للحجابة فسار إلى واسط وطلب محمد بن ياقوت الحجابة فأجيب إليها فسار في اثر ابن رائق وبلغ ابن رائق الخبر فسار من واسط مسابقا لابن ياقوت بالمدائن توقيع الراضي بالحرب والمعادن في واسط مضافا إلى ما بيده من البصرة والمعادن فعاد منحدرا في(3/397)
دجلة ولقيه ابن ياقوت مصعدا ودخل بغداد وولى الحجبة وصارت إليه رياسة الجيش
ونظر في أمر الدواوين وأمرهم بحضور مجلسه وأن لا ينفذوا توقيعا في ولاية أو عزل أو اطلاق الا بخطه وصار نظر الوزير في الحقيقة له وابن مقلة مكابر مجلسه مع جملتهم ومتميز عنهم في الايثار والمجلس فقط * (مقتل هرون) * كان هرون بن غريب الحال على ماه الكوفة والدينور وماسبذان وسائر الاعمال التى ولاها القاهر اياه فلما خلع القاهر واستخلف الراضي رأى هرون أنه أحق بالدولة من غيره لانه ابن خال المقتدر فكاتب القواد ووعدهم وسار من الدينور إلى خافقين وشكا ابن مقلة وابن ياقوت والحجرية والساجية إلى الراضي فأذن لهم في منعه فراسلوه أولا بالممانعة والزيادة على ما في يده في الاعمال فلم يلتفت إليهم وشرع في الجباية فقويت شوكته فسار إليه محمد بن ياقوت في العساكر وهرب عنه بعض أصحابه إلى هرون وكتب إلى هرون يستميله فلم يجب وقال لا بد من دخول بغداد ثم تزاحفوا لست بقين من جمادى الآخرة سنة ثنتين وعشرين فانهزم أولا أصحاب ابن ياقوت ونهب سوادهم وسار محمد حتى قطع قنطرة تبريز وسار هرون منفردا لاعتراضه فدخل في بعض المياه وسقط عن فرسه ولحقه غلام لمحمد بن ياقوت فقطع رأسه وانهزم أصحابه وقتل قواده وأسر بعضهم ورجع ابن ياقوت إلى بغداد ظافرا * (نكبة ابن ياقوت) * قد ذكرنا أنه كان نظر في أمر الدواوين وصير ابن مقلة كالعاطل فسعى به عند القاضى واوهمه خلافه حتى أجمع القبض عليه في جمادى سنة ثلاث وعشرين فجلس الخليفة على عادته وحضر الوزير وسائر الناس على طبقاتهم يريد تقليد جماعة من القواد للاعمال واستدعى ابن ياقوت للخدمة في الحجبة على عادته فبادر وعدل به إلى حجرة فحبس فيها به وخمار وبعث الوزير ابن مقلة إلى دار محمد من يحفظها من النهب وأطلق يده في أمور الدولة واستبد بها وكان ياقوت مقيما بواسط فلما بلغه القبض على ابنه انحدر إلى
فارس لمحاربة ابن بويه وكتب يستعطف الراضي ويسأله ابقاء ابنه ليساعداه على شأنه ولم يزل محمد محبوسا إلى أن هلك سنة أربع عشرة في محبسه * (خبر البريدى) * كان أبو عبد الله البريدى أيام ابن ياقوت ضامنا للاهواز فلما استولى عليها مرداويح وانهزم ابن ياقوت كما مر رجع البريدى إلى البصرة وصار يتصرف في أسافل الاهواز مع(3/398)
كنانة ياقوت ثم سار إلى ياقوت فاقام معه بواسط فلما قبض على ابن ياقوت وكتب ابن مقلة إليه والى ياقوت يعتذر عن قبض ابن ياقوت ويأمرهما بالمسير لفتح فارس فسار ياقوت على السوس والبريدي على طريق الماء حتى انتهيا إلى الاهواز وكان إلى أخويه أبى الحسن وأبى يوسف ضمان السوس وجندي سابور وادعيا ان دخل البلاد أخذه مرداويح وبعث ابن مقلة ثانيا لتحقق ذلك فوافاهم وكتب بصدقهم فاستولى ابن البريدى ما بين ذلك على أربعة آلاف ألف دينار ثم أشار أبو عبد الله بن على بن ياقوت بالمسير لفتح فارس وأقام هو لجباية الاموال فحصل منها بغيته وسار ياقوت فلقيه ابن بويه على ارجان فهزمه وسار إلى عسكر مكرم واتبعه ابن بويه إلى رامهرمز وأقام بها إلى أن اصطلحا * (مقتل ياقوت) * قد تقدم لنا انهزام ياقوت من فارس أمام عماد الدولة ابن بويه إلى عسكر مكرم واستيلاء ابن بويه على فارس وكان أبو عبد الله البريدى بالاهواز ضامنا كما تقدم وكان مع ذلك كاتبا لياقوت وكان ياقوت يستنيم إليه ويثق به وكان مغفلا ضعيف السياسة فخادعه أبو عبد الله البريدى وأشار عليه بالمقام بعسكر مكرم وأن يبعث إليه بعض جنده الواصلين من بغداد تخفيفا للمؤنة وتحذيرا من شغبهم وبعث إليه أخاه بذلك أبا يوسف ودفع له من مال الاهواز خمسين ألف دينار ثم قطع عنه فضاق الحال عليه وعلى جنده
وكان قد نزع إليه من أصحاب ابن بويه طاهر الحمل وكاتبه أبو جعفر الصهيرى ثم انصرف عنه لضيق حاله إلى غربي تستر ليتغلب على ماه البصرة فكبسه ابن بويه وغنم معسكره واسر الصهيرى فشفع فيه وزيره وأطلقه فلحق بكرمان واتصل بعد ذلك بمعز الدولة ابن بويه واستكتبه ولما انصرف طاهر عن ياقوت كتب إلى البريدى يشكو ضعفه واستطالة أصحابه فأشار عليه بارسالهم إلى الاهواز متعرفين لقومهم فلما وصلوا إليه انتقى خيارهم ورد الباقين وأحسن إلى من عنده وبعث ياقوت إليه في طلب المعز فلم يبعث إليه فجاءه بنفسه فتلقاه وترجل إليه وقبل يده وأنزله بداره وقام في خدمته أحسن مقام ووضع الجند على الباب يشغبون ويرومون قتله فأشار إليه بالنجاة فعاد إلى عسكر مكرم فكتب إليه يحذره اتباعهم وأن عسكر مكرم على ثمانية فراسخ من الاهواز وأرى ان تتأخر بتستر فتتحصن بها وكتب له على عامل تستر بخمسين ألف دينار وعذله خادمه مؤنس في شأن ابن البريدى وأراه خديعته وأشار عليه باللحاق ببغداد وأنه شيخ الحجرية وقد كاتبوك فسر إلى رياسة بغداد والا فتعاجل إلى البريدى وتخريجه عن الاهواز فصم عن نصيحته وأبى من قبول السعاية فيه وتسايل أصحابه إلى ابن البريدى(3/399)
حتى لم يبق معه الا نحو الثمانمائة وجاءه ابنه المظفر ناجيا من حبس الراضي بعد أسبوع فأطلقه وبعثه إلى أبيه فأشار عليه بالمسير إلى بغداد فان حصل على ما يريد والا فالى الموصل وديار ربيعة ويتملكها فأبى عليه أبوه ففارقه إلى ابن البريدى فأكرمه ووكل به ثم حذر ابن البريدى غائلة ياقوت فبعث إليه بان الخليفة أمره بازعاجه من البلاد اما إلى بغداد واما إلى بلاد الجبل ليوليه بعض أعمالها فكتب يستمهله فيأبى من المهلة وبعث العساكر من الاهواز وسار ياقوت إلى عسكر مكرم ليكبس ابن البريدى هنالك فصبح البلد ولم يجده وجاءت عساكر ابن البريدى مع قائد أبى جعفر الجمال فقاتله من أمامه وأكمن آخرين من خلفه فانهرم وافترق أصحابه وحسا إلى حائط متنكرا فمر به قوم ابن
البريدى فكشفوا وجهه وعرفوه فقتلوه وحملوا رأسه إلى العسكر فدفنه الجمال وبعث البريدى إلى تستر فحمل ما كان لياقوت هنالك وقبض على ابنه المظفر وبعثه إلى بغداد واستبد بتلك الاعمال وذلك سنة أربع وعشرين * (مسير ابن مقلة إلى الموصل واستقرارها لابن حمدان) * كان ناصر الدولة أبو محمد الحسن بن أبى الهيجاء عبد الله بن حمدان عاملا على الموصل فجاء عمه أبو العلاء سعيد فضمن الموصل وديار ربيعة سرا وسار إليها فظهر أنه في طلب المال من ابن أخيه وشعر ناصر الدولة بذلك فخرج لتلقيه فحالفه إلى بيته فبعث من قبله واهتم الراضي بذلك وأمر الوزير أبا على بن مقلة بالمسير إلى الموصل فسار في العساكر من شعبان سنة ثلاث وعشرين فرحل عنها ناصر الدولة ودخل الزوران واتبعه الوزير إلى حمل السن ثم عاد عنها إلى الموصل وأقام في جبايتها وبعث ناصر الدولة إلى بغداد بعشرة آلاف دينار لابن الوزير ليستحث أباه في القدوم فكتب إليه بما أزعجه فسار من الموصل واستخلف عليها على بن خلف بن طباب وما ترد الديلمى من الساجية ودخل بغداد منتصف شوال وجمع ناصر الدولة ولقى ما ترد الديلمى على نصيبين فهزمه إلى الرقة وانحدر منها إلى بغداد ولحقه ابن طباب واستولى ناصر الدولة حمدان على الموصل وكتب في الرضا وضمان البلاد فأجيب وتعذرت عليه * (نكبة ابن مقلة وخبر الوزارة) * كان الوزير بن مقلة قد بعث سنة ثلاث وعشرين إلى محمد بن رائق بواسط يطالبه بارتفاع أعمال واسط والبصرة وكان قد قطع الجبل فلما جاءه كتاب ابن مقلة كتب إليه جوابه يغالطه وكتب إلى الراضي بالسعي في الوزارة وأنه يقوم بنفقات الدار وأرزاق الجند فجهز الوزير ابنه سنة أربع وعشرين لقصده وورى با الاهواز وأنفذ رسوله إلى ابن رائق بهذه لتورية يؤنسه بها وباكر القصر لانفاذ الرسول فقبض عليه المظفر بن(3/400)
ياقوت والحجرية وكان المظفر قد أطلق من محبسه وأعيد إلى الحجبة فاستحسن الراضي فعلهم واختفى أبو الحسين ابن الوزير وسائر أولاده وحرمه وأصحابه وأشار إلى الحجرية والساجية بوزارة على بن عيسى فامتنع وسار بأخيه عبد الرحمن فاستوزره الراضي وصادر ابن مقلة ثم عجز عن تمشية الامور وضاقت عليه الجباية فاستعفي من الوزارة فقبض عليه الراضي وعلى أخيه على ثلاثة أشهر من وزارته واستوزر أبا جعفر محمد بن القاسم الكرخي فصادر على بن عيسى على مائة ألف دينار ثم عجز عن الوزارة وضاقت الاموال وانقطعت وطمع أهل الاعمال فيما بأيديهم فقطع ابن رائق حمل واسط والبصرة وقطع ابن البريدى حمل الاهواز وأعمالها وانقطع حمل فارس لغلب ابن بويه عليها ولم يبق غير هذه الاعمال ونطاق الدولة قد تضايق إلى الغاية وأهل الدولة مستبدون على الخلافة والاحوال متلاشية فتحير أبو جعفر وكثرت عليه المطالبات وذهبت هيبته فاختفى لثلاثة أشهر ونصف من وزارته واستوزر الراضي مكانه أبا القاسم سليمان ابن الحسن فكان حاله مثل حال من قبله في قلة المال ووقوف الحال * (استيلاء ابن رائق على الخليفة) * ولما رأى الراضي وقوف الحال من الوزراء استدعى أبا بكر محمد بن رائق من واسط وكاتبه بأنه قد أجابه إلى ما عرض من السعي في الوزارة على القيام بالنفقات وارزاق الجند فسر ابن رائق بذلك وشرع يتجهز للمسير ثم أنفذ إليه الراضي الساجية وقلده امارة الجيش وجعله أمير الامراء وفوض إليه الخراج والدواوين والمعادن في جميع البلاد وأمر بالخطبة له على المنابر وانحدر إليه الدواوين والكتاب والحجاب ولما جاءه الساجية قبض عليهم بواسط في ذى الحجة من سنة أربع وعشرين ونهب رجالهم ودوابهم ومتاعهم ليوفر أرزاقهم على الحجرية فاستوحشوا لذلك وخيموا بدار الخلافة وأصعد ابن رائق إلى بغداد وفوض الخليفة إليه وأمر الحجرية بتقويض خيامهم والرجوع إلى منازلهم وأبطل الدواوين وصير النظر إليه فلم يكن الوزير ينظر في شئ
من الامور وبقى ابن رائق وكتابه ينظرون في جميع الامور فبطلت الدواوين وبيوت الاموال من يومئذ وصارت لامير الامراء والاموال تحمل إلى خزانته ويتصرف فيها كما يريد ويطلب من الخليفة ما يريد وتغلب أصحاب الاطراف وزال عنهم الطاعة ولم يبق للخليفة الا بغداد واعمالها وابن رائق مستبد عليه وأما باقى الاعمال فكانت البصرة في يد ابن رائق وخوزستان والاهواز في يد ابن البريدى وفارس في يد عماد الدولة ابن بويه وكرمان في يد على بن الياس والرى واصبهان والجبل في يد ركن الدولة ابن بويه ووشمكير أخو مرداويح ينازعه في هذه الاعمال والموصل وديار بكر ومضر(3/401)
وربيعة في يد حمدان ومصر والشأم في يد ابن طغج والمغرب وافريقية في يد العبيديين والاندلس في يد عبد الرحمن بن الناصر من ولد عبد الرحمن الداخل وما وراء النهر في يد بنى سامان وطبرستان في يد الديلم والبحرين واليمامة في يد أبى الطاهر القرمطى ولم يبق لنا من الاخبار الا ما يتعلق بالخلافة فقط في نطاقها المتضايق أخيرا وان كانت مغلبة وهى أخبار ابن رائق والبريدي وأما غير ذلك من الاعمال التى اقتطعت كما ذكرناه فنذكر أخبارها منفردة ونسوق المستبدين دولا كما شرطناه أول الكتاب ثم كتب ابن رائق عن الراضي إلى أبى الفضل بن جعفر بن الفرات وكان على الخراج بمصر والشأم وظن أنه بوزارته تكون له تلك الجباية فوصل إلى بغداد وولى وزارة الراضي وابن رائق جميعا * (وصول يحكم مع ابن رائق) * كان يحكم هذا من جملة مرداويح قائد الديلم ببلاد الجيل وكان قبله في جملة ما كان ابن كالى ومن مواليه وهبه له وزيره أبو على الفارض ثم فارق ما كان مع من فارقه إلى مرداويح وكان مرداويح قد ملك الرى واصبهان والاهواز وضخم ملكه وصنع كراسي من ذهب وفضة للجلوس عليها هو وقواده ووضع على رأسه تاجا مظنة تاج كسرى
وامر أن يخاطب بشاهنشاه واعتزم على قصد العراق والاستيلاء عليه وتجديد قصور كسرى بالمدائن وكان في خدمتة جماعة من الترك ومنهم يحكم فأساء ملكهم وعسكرهم فقتلوه سنة ثلاث وعشرين بظاهر اصبهان كما نذكره في أخبارهم واجتمع الديلم والجيل بعده على أخيه وشمكير بن زيار وهو والد قابوس ولما قتل مرداويح افترق الاتراك فرقتين ففرقة سارت إلى عماد الدولة بن بويه بفارس والاخرى وهى الاكثر سارت نحو الجبل عند يحكم فجبوا خراج الدينور وغيرها ثم ساروا إلى النهروان وكاتبوا الراضي في المسير إليه فأذن لهم وارتاب الحجرية بهم فأمرهم الوزير بالرجوع إلى بلد الجيل فغضبوا واستدعاهم ابن رائق صاحب واسط والبصرة فمضوا إليه وقدم عليهم يحكم وكان الاتراك والديلم من أصحاب مرداويح فجاءته جماعة منهم فأحسن إليهم والى يحكم وسماه الرائقى نسبة إليه وأذن له أن يكتبه في مخاطباته * (مسير الراضي وابن رائق لحرب ابن البريدى) * ثم اعتزم ابن رائق سنة خمس وعشرين على الراضي في المسير إلى واسط لطلب ابن البريدى في المال ليكون أقرب لمناجزته فانحدر في شهر محرم وارتاب الحجرية بفعله مع الساجية فتخلفوا ثم تبعوه فاعترضهم وأسقط أكثرهم من الديوان فاضطربوا وثاروا(3/402)
فقاتلهم وهزمهم وقتل منهم جماعة ولجأ فلهم إلى بغداد فأوقع بهم لؤلؤ صاحب الشرطة ونهبت دورهم وقطعت أرزاقهم وقبضت أملاكهم وقتل ابن رائق من كان في حبسه من الساجية وسار هو والراضي نحو الاهواز لاجلاء ابن البريدى منها وقدم إليه في طلب الاستقامة وتوعده فجدد ضمان الاهواز بألف دينار في كل شهر ويحمل في كل يوم قسطه وأجابه إلى تسليم الجيش لمن يسير إلى قتال ابن بويه لنفرتهم عن بغداد وعرض ذلك على الراضي فأشار الحسين بن على القونجى وزير بن رائق بأن لا تقبل لانه خداع ومكر وأشار أبو بكر بن مقاتل باجابته وعقد الضمان على ابن البريدى
وعاد ابن رائق والراضي إلى بغداد فدخلاها أول صفر ولم يف ابن البريدى بحمل المال وأنفذ ابن رائق جعفر بن ورقاء ليسير بالجيش إلى فارس ودس إليهم ابن البريدى أن يطلبوا منه المال ليتجهزوا به فاعتذر فشتموه وتهددوه بالقتل وأتى ابن البريدى فأشار عليه بالنجاء ثم سعى ابن مقاتل لابن البريدى في وزارة ابن رائق عوضا عن الحسين القونجى وبذل عنه ثلاثين ألفف دينار فاعتذر له بسوابق القونجى عنده وسعيه له وكان مريضا فقال له ابن مقاتل انه هالك فقال ابن رائق قد أعلمني الطبيب أنه ناقه فقال الطبيب يراجيك فيه لقربه منك ولكن سل ابن أخيه على بن حمدان وكان القونجى قد استناب ابن أخيه في مرضه فأشار عليه ابن مقاتل أن يعرف الامير إذا سأله بمهلكه وأشار عليه أن يستوزره فلما سأله ابن رائق أيأسه منه فقال ابن رائق عند ذلك لابن مقاتل اكتب لابن البريدى يرسل من ينوب عنه في الوزارة فبعث أحمد بن الكونى واستولى مع ابن مقاتل على ابن رائق وسعوا لابن البريدى أبى يوسف في ضمان البصرة وكان عامل البصرة من قبل ابن رائق محمد بن يزداد وكان شديد الظلم والعسف بهم فخادعه ابن البريدى وأنفذ أبو عبد الله مولاه اقبالا في ألفى رجل وأقاموا في حصن مهدى قريبا فعلم ابن يزداد أنه يروم التغلب على البصرة وأقاما على ذلك وأقام ابن رائق شأن هذا العسكر في حصن مهدى وبلغه أيضا أنه استخدم الحجريين الذين أذن لهم في الانسياح في الارض وأنهم اتفقوا مع عسكره على قطع الحمل وكاتبه يطردهم عنه فلم يفعل فأمر ابن الكونى أن يكتب إلى ابن البريدى بالكتاب على ذلك ويأمر باعادة العسكر من حصن مهدى فأجاب باعدادهم للقرامطة وابن يزداد عاجز عن الحماية وكان القرامطة قد وصلوا إلى الكوفة في ربيع الآخر وخرج ابن رائق في العساكر إلى حصن ابن هبيرة ولم يستقر بينهم أمر وعاد القرمطى إلى بلده وسار ابن رائق إلى واسط فكتب ابن البريدى إلى عسكره بحصن مهدى أن يدخلوا البصرة ويملكوها من يد ابن يزداد وأمدهم جماعة من الحجرية فقصدوا البصرة وقاتلوا ابن يزداد فهزموه ولحق(3/403)
بالكوفة وملك اقبال مولى ابن البريدى وأصحابه البصرة وكتب ابن رائق إلى البريدى يتهدده ويأمره باخراج أصحابه من البصرة فلم يفعل * (استيلاء يحكم على الاهواز) * ولما امتنع ابن البريدى من الافراج عن البصرة بعث ابن رائق العساكر مع بدر الحريشى ويحكم مولاه وأمرهم بالمقام بالجامدة فتقدم يحكم عن بدر وسار إلى السوس وجاءته عساكر البريدى مع غلامه محمد الجمال في ثلاثة آلاف ومع يحكم مائتان وسبعون من الترك فهزمهم يحكم ورجع محمد بن الجمال إلى ابن البريدى فعاقبه على انهزامه وحشد له العسكر فسار في ستة آلاف ولقيهم يحكم عند نهر تستر فانهزموا من غير قتال وركب ابن البريدى السفن ومعه ثلثمائة ألف دينار ففرق أصحابه وماله ونجا إلى البصرة وأقام بالابلة وبعث غلامه اقبالا فلقى جماعة من أصحاب ابن رائق فهزمهم وبعث ابن رائق مع جماعة من أهل البصرة يستعطفه فأبى فطلبوا البصرة فحلف ليحرقنها ويقتل كل من فيها فرجعوا مستبصرين في قتاله وأقام ابن البريدى بالبصرة واستولى يحكم على الاهواز ثم بعث ابن رائق جيشه في البحر والبر فانهزم عسكر البر واستولى عسكر الماء على الكلا فهرب ابن البريدى في السفن إلى جزيرة أوال وترك أخاه أبا الحسين في عسكر بالبصرة فدفع عسكر ابن رائق عن الكلا فسار ابن رائق من واسط واستولى يحكم على الاهواز وقاتلوا البصرة فامتنعت عليهم وسار ابن عبد الله ابن البريدى من أوال إلى عماد الدولة بن بويه بفارس فاطمعه في العراق وبعث معه أخاه معز الدولة إلى الاهواز فسير إليها ابن رائق مولاه يحكم على أن يكون له الحرب والخراج وأقام ابن البريدى على البصرة وزحفت إليه عساكرهم فاعجلوه عن تقويض خيامه فأحرقها وسار إلى الاهواز مجردا وسبقته عساكره إلى واسط وأقام عند يحكم أياما وأشير عليه بحبسه فلم يفعل ورجع ابن رائق إلى واسط
* (استيلاء معز الدولة على الاهواز) * لما سار أبو عبد الله بن البريدى من جزيرة أوال إلى عماد الدولة ابن بويه بفارس مستجيرا به من ابن رائق ويحكم ومستنجدا عليهم طمع عماد الدولة في الاستيلاء على العراق فسير معه أخاه معز الدولة أحمد بن بويه في العسكر ورهن ابن البريدى عنده ولديه أبا الحسين محمدا وأبا جعفر الفياض وسار يحكم للقائهم فلقيهم بارجان فانهزم امامهم وعاد إلى الاهواز وخلف جيشا بعسكر مكرم فقاتلهم معز الدولة ثلاثة عشر يوما ثم انفضوا ولحقوا بتستر وملك معز الدولة عسكر مكرم وذلك سنة ست وعشرين(3/404)
وسار يحكم من الاهواز إلى تستر وبلغ الخبر إلى ابن رائق بواسط فسار إلى بغداد وجاء يحكم من تستر إلى واسط ولما استولى معز الدولة وابن البريد على عسكر مكرم ولقيهم أهل الاهواز وساروا معهم إليها فأقاموا شهرا ثم طلب معز الدولة من ابن البريدى عسكره الذى بالبصرة ليسير بهم إلى أخيه ركن الدولة بأصبهان لحرب وشمكير فأحضر منهم أربعة آلاف ثم طلب من عسكره الذين بحصن مهدى ليسير بهم في الماء إلى واسط فارتاب ابن البريدى وهرب إلى البصرة وبعث إلى عسكرها الذين ساروا إلى أصبهان وكانوا متوقفين بالسوس فرجعوا إليه ثم كتب إلى معز الدولة أن يفرج له عن الاهواز ليتمكن من الجباية والوفاء بها لاخيه عماد الدولة وكان قد ضمن له الاهواز والبصرة بثمانية عشر ألف ألف درهم فرحل معز الدولة إلى عسكر مكرم وأنفذ ابن البريدى عامله إلى الاهواز ثم بعث إلى معز الدولة بان يتأخر إلى السوس فأبى وعلم يحكم بحالهم فبعث جيشا استولوا على السوس وجندي سابور وبقيت الاهواز بيد ابن البريدى ومعز الدولة بعسكر مكرم وقد ضاقت أحوال جنده ثم بعث إليه أخوه عماد الدولة بالمدد فسار إلى الاهواز وملكها ورجع ابن البريدى إلى البصرة ويحكم في ذلك مقيم بواسط وقد صرف همه إلى الاستيلاء على رتبة ابن رائق ببغداد وقد أنفذ له ابن رائق على بن خلف
طباب ليسيروا إلى الاهواز ويخرجوا ابن بويه ويكون يحكم على الحرب وابن خلف على الخراج فلم يلتفت يحكم لذلك واستوزر على ابن خلف ويحكم في أحوال واسط ولما رأى أبو الفتح الوزير ببغداد ادبار الاحوال أطمع ابن رائق في مصر والشأم وقال أنا أجبيهما لك وعقد بينه وبين ابن طغج صهرا وسار أبو الفتح إلى الشأم في ربيع الآخر وشعر ابن رائق بمحاولة يحكم عليه فبعث إلى ابن البريدى بالاتفاق على يحكم على أن يضمن ابن البريدى واسط بستمائة ألف فنهض يحكم إلى ابن البريدى قبل ابن رائق وسار إلى البصرة فبعث إليه ابن البريدى أبا جعفر الجمال في عشرة آلاف فهزمهم يحكم وارتاع ابن البريدى لذلك ولم يكن قصد يحكم الا الالفة فقط والتضرع لابن رائق فبعث إليه بالمسالمة وان يقلده واسط إذا تم أمره فاتفقا على ذلك وصرف نظره إلى أمر بغداد * (وزراة ابن مقلة ونكبته) * ولما انصرف أبو الفتح بن الفرات إلى الشام استوزر الراضي أبا على بن مقلة على سنن من قبله والامر لابن رائق وابن مقلة كالعارية وكتب له في أمواله واملاكه فلم يردها فشرع في التدبير عليه فكتب إلى ابن رائق بواسط ووشمكير بالرى يطمع كلا منهما في مكانه وكتب الراضي يشير بالقبض على ابن رائق وأصحابه واستدعى يحكم لمكانه وأنه يستخرج منهم ثلاثة آلاف ألف دينار فاطمعه الراضي على كره فكتب هو إلى يحكم(3/405)
يستحثه وطلب من الراضي أن ينتقل إلى دار الخلافة حتى يتم الامر فأذن له وحضر متنكرا آخر ليلة من رمضان سنة ست وعشرين فأمر الراضي باعتقاله واطلع ابن رائق من الغد على كتبه فشكر ذلك له ابن رائق وأمر بابن مقلة في منتصف شوال فقطع ثم عولج وبرئ وعاد إلى السعي في الوزارة والتظلم من ابن رائق والدعاء عليه فأمر بقطع لسانه وحبسه إلى أن مات * (استيلاء يحكم على بغداد) *
لم يزل يحكم يظهر التبعية لابن رائق ويكتب على أعلامه وتراسه يحكم الرائقى إلى ان وصلته كتب ابن مقلة بأن الراضي قلده امرة الامراء فطمع وكاشف ابن رائق ومحا نسبه إليه من اعلامه وسلاحه وسار من واسط إلى بغداد في ذى القعدة سنة ست وعشرين وكتب إليه الراضي بالرجوع فأبى ووصل إلى نهر دبالى وأصاب ابن رائق في غربيه فانهزموا وعبروا النهر سبحا وسار ابن رائق إلى عكبرا ودخل يحكم بغداد منتصف ذى القعدة ولقى الراضي من الغد وولاه أمير الامراء وكتب عن الراضي إلى القواد الذين مع ابن رائق بالرجوع عنه فرجعوا وعاد ابن رائق إلى بغداد فاختفى بها لسنة واحد عشر شهرا من امارته ونزل يحكم بدار مؤنس واستقر ببغداد متحكما في الدولة مستندا على الخليفة * (دخول اذربيجان في طاعة وشمكير) * كان من عمال وشمكير على أعمال الجبل السيكرى بن مردى وكان مجاورا لاعمال اذربيجان وعليها يومئذ ديسم بن ابراهيم الكردى من أصحاب ابن أبى الساج فحدثت السيكرى نفسه بالتغلب عليها فجمع وسار إليها وخرج إليه ديسم فانهزم فاستولى على سائر بلاده الا أردبيل وهى كرسى اذربيجان فحاصرها السيكرى وضيق حصارها فراسلو ديسم بالمشى لقتال السيكرى من ورائه ففعل وجاءه يوم قتالهم من خلف فانهزم السيكرى إلى موقان فأعانه اصبهبدها ابن دوالة وسار معه نحو ديسم فانهزم ديسم وقصد وشمكير بالرى واستمده على أن يدخل في طاعته ويضمن له مالا في كل سنة فأجابه وبعث معه العسكر وبعث أصحاب السيكرى إلى وشمكير بأنهم على الطاعة وشعر بذلك السيكرى فسار في خاصته إلى أرمينية واكتسح في نواحيها ثم سار إلى الزوزان من بلاد الارمن فاعترضوه وقتلوه ومن معه ورجع فلهم وقد ولوا عليهم سان بن السيكرى وقصدوا بلد طرم الارمني ليثأروا منهم بأصحابهم فقاتلهم طرم وأثخن فيهم وساروا إلى ناصر الدولة بن حمدان وانحدر بعضهم إلى بغداد وكان على المعادن باذربيجان(3/406)
الحسين بن سعيد بن حمدان من قبل ابن عمه ناصر الدولة فلما جاء إلى الموصل أصحاب السيكرى مع ابنه بعثهم ابن عمه باذربيجان لقتال ديسم فلم تكن له به طاقة ورجع إلى الموصل واستولى ديسم على اذربيجان في طاعة وشمكير * (ظهور ابن رائق ومسيره إلى الشأم) * وفى سنة سبع وعشرين وثلثمائة سار يحكم إلى الموصل وديار ربيعة بسبب ان ناصر الدولة بن حمدان أخر المال الذى عليه من ضمان البلاد فأقام الراضي بتكريت وسار يحكم ولقيه ناصر الدولة على ستة فراسخ من الموصل فانهزم واتبعه يحكم إلى نصيبين ثم إلى آمد وكتب إلى الراضي بالفتح فسار من تكريت في الماء إلى الموصل وفارقه جماعة من القرامطة كانوا في عسكره وكان ابن رائق يكاتبهم من مكان اكتفائه فلما وصلوا بغداد خرج ابن رائق إليهم واستولى وطار الخبر إلى الراضي فأصعد من الماء وسار إلى الموصل وكتب إلى يحكم بذلك فرجع عن نصيبين بعد ان استولى عليها وشرع أهل العسكر يتسللون إلى بغداد فأهم ذلك يحكم ثم جاءت رسالة ابن حمدان في الصلح وتعجيل خمسمائة ألف درهم فأجابوه وقرره ورجعوا لى بغداد ولقيهم أبو جعفر محمد بن يحيى ابن شيرزاد رسولا عن ابن رائق في الصلح على أن يقلده الراضي طريق الفرات وديار مضر حران والرها وما جاورها جندي قنسرين والعواصم فأجابه الراضي وقلده وسار إلى ولايته في ربيع الآخر وكان يحكم قد استناب بعض قواد الاتراك على الانبار واسمه بالبان وطلب تقليد طريق الفرات فقلد وسار إلى الرحبة ثم انتقض وعاد لابن رائق وعصى على يحكم فسار إليه غازيا وكبسه بالرحبة على حين غفلة لخمسة أيام من مسيره فظفر به وأدخله بغداد على جمل وحبسه وكان آخر العهد به * (وزارة ابن البريدى) * قد تقدم لنا مسير الوزير أبى الفتح الفضل بن جعفر بن الفرات إلى الشأم ولما سار
استناب بالحضرة عبد الله بن على البصري وكان يحكم قد قبض على وزيره خلف بن طباب واستوزر أبا جعفر محمد بن يحيى بن شيرزاد فسعى في وزارة ابن البريد ليحكم حتى تم ذلك ثم ضمن ابن البريدى أعمال واسط بستمائة ألف دينار كل سنة ثم جاء الخبر بموت ابى الفتح بن الفرات بالرملة فسعى أبو جعفر بن شيرزاد في وزارة أبى عبد الله للخليفة فعقد له الراضي بذلك واستخلف بالحضرة عبد الله بن على البصري كما كان مع أبى الفتح * (مسير ركن الدولة إلى واسط ووجوعه عنها) * لما استقر ابن البريدى بواسط بعث جيشا إلى السوس وبها أبو جعفر الظهيرى وزير معز(3/407)
الدولة أحمد بن بويه ومعز الدولة بالاهواز فتحصن أبو حعفر بقلعة السوس وعاث الجيش في نواحيها وكتب معز الدولة إلى أخيه ركن الدولة وهو على اصطخر قد جاء من اصبهان لما غلبه وشمكير عليها فلما جاء كتاب أخيه معز الدولة سار محمد إلى السوس وقد رجع عنه جيش بن البريدى ثم سار إلى واسط يحاول ملكها فنزل في جانبها الشرقي وابن البريدى في الجانب الغربي واضطرب عسكر ابن بويه واستأمن جماعة منهم إلى ابن البريدى ثم سار الراضي ويحكم من بغداد إلى واسط للامداد فرجع ركن الدولة إلى الاهواز ثم إلى رامهرمز وبلغه وشمكير قد أنفذ عسكره مددا لما كان بن كالى وان اصبهان خالية فسار إليها من رامهرمز وأخرج من بقى منها من أصحاب وشمكير وملكها فاستقر بها * (مسير يحكم إلى بلد الجبل وعوده إلى واسط واستيلاؤه عليها) * كان يحكم قد أرسل ابن البريدى وصاهره واتفقا على أن يسير يحكم إلى بلاد الجبل لفتحها من يد وشمكير وأبو عبد الله بن البريدى إلى الاهواز لاخذها من يد معز الدولة ابن بويه فسار يحكم إلى حلوان وبعث إليه ابن البريدى بخمسمائة رجل مددا وبعث يحكم بعض أصحابه إلى ابن البريدى يستحثه إلى السوس والاهواز فأقام يماطله ويدافعه
ويبين له أنه يريد مخالفة يحكم إلى بغداد فكتب إليه بذلك فرجع عن قصده إلى بغداد وعزل ابن البريدى من الوزارة وولى مكانه أبا القاسم بن سليمان بن الحسين بن مخلد وقبض على ابن شيرزاد الذى كان ساعيا له وتجهز إلى واسط وانحدر في الماء آخر ذى الحجة سنة ثمان وعشرين وبعث عسكرا في البر وبلغ الخبر ابن البريدى فسار عن واسط إلى البصرة واستولى عليها يحكم وملكها * (استيلاء ابن رائق على الشأم) * قد تقدم لنا مسير ابن رائق إلى ديار مضر وثغور قنسرين والعواصم فلما استقر بها حدثته نفسه بملك الشأم فسار إلى حمص فملكها ثم سار إلى دمشق وبها بدر بن عبد الله الاخشيذى ويلقب بدير فملكها من يده ثم سار إلى الرملة ومنها إلى عريش مصر يريد ملك الديار المصرية ولقيه الاخشيذ محمد بن طغج وانهزم أولا وملك أصحاب ابن رائق خيامه ثم خرج كمين الاخشيذ فانهزم ابن رائق إلى دمشق وبعث الاخشيذ في أثره أخاه أبا نصر بن طغج وسار إليهم ابن رائق من دمشق فهزمهم وقتل أبو نصر فكفنه ابن رائق وحمله مع ابنه مزاحم إلى أخيه الاخشيذ بمصر وكتب يعزيه ويعتذر فأكرم الاخشيذ مزاحما واصطلح مع أبيه على أن تكون مصر للاخشيذ من حد الرملة وما(3/408)
وراءها من الشأم لابن رائق ويعطى الاخشيذ عن الرملة في كل سنة مائة وأربعين ألف دينار * (الصوائف ايام الراضي) * وفى سنة ثنتين وعشرين سار الدمستق إلى سميساط في خمسين ألفا من الروم ونازل ملطية وحاصرها مدة طويلة حتى فتحها بالامان وبعثهم إلى مأمنهم مع بطريق من بطارقته وتنصر الكثير منهم محبة في أهليهم وأموالهم ثم افتتحوا سميساط وخربوا أعمالها وأفحشوا في اسطوله في البحر ففتحوا بلد جنوة ومروا بسردانية فأوقعوا باهلها
ثم مروا بقرقيسيا من ساحل الشأم فأحرقوا مراكبها وعادوا سالمين وفى سنة ست وعشرين كان الفداء بين المسلمين والروم في ذى القعدة على يد ابن ورقاء الشيباني البريدى في ستة آلاف وثلثمائة أسير * (الولايات أيام الراضي والقاهر قبله) * قد تقدم لنا أنه لم يبق من الاعمال في تصريف الخلافة لهذا العهد الا أعمال الاهواز والبصرة وواسط والجزيرة وذكرنا استيلاء بنى بويه على فارس واصبهان وشمكير على بلاد الجبل وابن البريدى على البصرة وابن رائق على واسط وان عماد الدولة بن بوبه على فارس وركن الدولة أخوه يتنازع مع وشمكير على اصبهان وهمذان وقم وقاشان والكرج والرى وقزوين واستولى معز الدولة أخوهما على الاهواز وعلى كرمان واستولى ابن البريدى على واسط وسار ابن رائق إلى الشأم فاستولى عليها وفى سنة ثلاث وعشرين قلد الراضي ابنيه أبا جعفر وأبا الفضل ناحية المشرق والمغرب وفى سنة احدى وعشرين ورد الخبر بوفاة تكين الخاصكى بمصر وكان أميرا عليها وولى القاهر مكانه ابنه محمدا وثار به الجند فظفر بهم وفيها وقعت الفتنة بين بنى ثعلب وبنى أسد ومعهم طيئ وركب ناصر الدولة الحسن بن عبد الله بن حمدان ومعه أبو الاعز بن سعيد بن حمدان ليصلح بينهم فوقعت ملاحاة قتل فيها أبو الاعز على يد رجل من ثعلب فحمل عليهم ناصر الدولة واستباحهم إلى الحديثة فلقيهم يانس غلام مؤنس واليا على الموصل فانضم إليه بنو ثعلب وبنو أسد وعادوا إلى ديار ربيعة وفى سنة أربع وعشرين قلد الراضي محمد بن طغج أعمال مصر مضافا إلى ما بيده من الشأم وعزل عنها أحمد بن كيغلغ * (وفاة الراضي وبيعة المتقى) * وفى سنة تسع وعشرين وثلثمائة توفى الراضي أبو العباس أحمد بن المقتدر في ربيع الاول منها لسبع سنين غير شهر من خلافته ولما مات أحضر يحكم ندماءه وجلساءه لينتفع بما عندهم من الحكمة فلم يفهم عنهم لعجمته وكان آخر خليفة خطب على المنبر(3/409)
وان خطب غيره فنادر وآخر خليفة جالس السمر وواصل الندماء ودولته آخر دول الخلفاء في ترتيب النفقات والجوائز والجرايات والمطابخ والخدم والحجاب وكان يحكم يوم وفاته غائبا بواسط حين ملكها من يد ابن البريدى فانتظر في الامور وصول مراسمه فورد كتابه مع كاتبه أبى عبد الله الكوفى يأمر فيه باجتماع الوزراء وأصحاب الدواوين والقضاة والعلويين والعباسيين ووجوه البلد عند الوزير أبى القاسم سليمان بن الحسن ويشاورهم الكوفى فيمن ينصب للخلافة ممن يرتضى مذهبه وطريقه فاجتمعوا وذكروا ابراهيم بن المقتدر واتفقوا عليه وأحضروه من الغد وبايعوا له آخر ربيع الاول من سنة تسع وعشرين وعرضت عليه الالقاب فاختار المتقى لله وأقر سليمان على وزارته كما كان والتدبير كله للكوفي كاتب يحكم وولى سلامة الطولونى على الحجبة * (مقتل يحكم) * كان أبو عبد الله البريدى بعد هربه إلى البصرة من واسط أنفذ جيشا إلى المدار فبعث إلى لقائهم جيشا من واسط عليهم تورون انتخب له الكرة فظفر بجيش ابن البريدى ولقى يحكم خبره في الطريق فسر بذلك وذهب يتصيد فبلغ نهر جور وعثر في طريقه ببعض الاكراد فشره لغزوهم وقصدهم في خف من أصحابه وهربوا بين يديه وهو يرشقهم بسهامه وجاءه غلام منهم من خلفه فطعنه فقتله واختلف عسكره فمضى الديلم فكانوا الفا وخمسمائة إلى ابن البريدى وقد كان عزم على الهرب من البصرة فبعث لقدومهم وضاعف أرزاقهم وأدرها عليهم وذهب الاتراك إلى واسط وأطلقوا بكتيك من حبسه وولوه عليهم فسار بهم إلى بغداد في خدمة المتقى وحصر ما كان في دار يحكم من الاموال والدواوين فكانت ألف ألف ومائة ألف دينار ومدة امارته سنتان وثمانية أشهر * (امارة البريدى ببغداد وعوده إلى واسط) * لما قتل يحكم قدم الديلم عليهم بكشوار بن ملك بن مسافر ومسافر هو ابن سلاو صاحب
الطرم الذى ملك ولده بعده اذربيجان وقاتلهم الاتراك فقتلوه فقدم الديلم عليهم مكانه كورتكين منهم وقدم الاتراك عليهم بكتيك مولى يحكم وانحدر الديلم إلى أبى عبد الله بن البريدى فقوى بهم واصعدوا إلى واسط وأرسل المتقى إليهم مائة وخمسين ألف دينار على أن يرجعوا عنها ثم قسم في الاتراك في أجناد بغداد أربعمائة ألف دينار من مال يحكم وقدم عليهم سلامة الطولونى وبرز بهم المتقى إلى نهر دبالى آخر شعبان سنة ست وعشرين وسار ابن البريدى من واسط فأشفق أتراك يحكم ولحق بعضهم بابن البريدى وسار آخرون إلى الموصل منهم تورون وجحجح واختفى سلامة الطولونى وأبو عبد الله الطولونى ودخل أبو عبد الله البريدى بغداد أول رمضان ونزل بالشفيعى ولقيه الوزير(3/410)
أبو الحسين بن ميمون والكتاب والقضاة وأعيان الناس وبعث إليه المتقى بالتهنئة والطعام وكان يخاطب بالوزير ثم قبض على الوزير أبى الحسين لشهرين من وزارته وحبسه بالبصرة وطلب من المتقى خمسمائة ألف دينار للجند وهدده بما وقع للمعتز والمستعين والمهتدى فبعث بها إليه ولم يلقه مدة مقامه ببغداد ولما وصله المال من المتقى شغب الجند عليه في طلبه وجاء الديلم إلى دار لاخيه ابى الحسين ثم انضم إليهم الترك وقصدوا دار أبى عبد الله فقطع الجسر ووثب العامة على أصحابه وهرب هو وأخوه وابنه أبو القاسم وأصحابهم وانحدروا إلى واسط وذلك سلخ رمضان لاربعة وعشرين يوما من قدومه * (امارة كورتكين الديلمى) * ولما هرب ابن البريدى استولى كورتكين على الامور ببغداد ودخل إلى المتقى فقلده أمارة الامراء وأحضر على بن عيسى واخاه عبد الرحمن فدبرا الامور ولم يسمهما بوزارة وستوزر أبا اسحق محمد بن أحمد الاسكافي القراريطى وولى على الحجبة بدرا الجواشينى ثم قبض كورتكين على بكتيك مقدم الاتراك خامس شوال وغرقه واقتتل الاتراك والديلم
وقتل بينهما خلق وانفرد كورتكين بالامر وقبض على الوزير أبى اسحق القراريطى لشهر ونصف من وزراته وولى مكانه أبا جعفر محمد بن القاسم الكرخي * (عود ابن رائق إلى بغداد)) * قد تقدم لنا أن جماعة من أتراك يحكم لما انفضوا عن المتقى ساروا إلى الموصل ثم ساروا منها إلى ابن رائق بالشام وكان من قوادهم تورون وجحجح وكورتكين وصيقوان فأطمعوه في بغداد ثم جاءته كتب المتقى يستدعيه فسار آخر رمضان واستخلف بالشأم أبا الحسن أحمد بن على بن مقاتل وتنحى ناصر الدولة بن حمدان على طريقه ثم حمل إليه مائة ألف دينار وصالحه وبلغ الخبر إلى أبى عبد الله بن البريدى فبعث اخوته إلى واسط وأخرج الديلم عنها وخطبوا له بها وخرج كورتكين عن بغداد إلى عكبرا فقاتله ابن رائق أياما ثم أسرى له ليلة عرفة فأصبح ببغداد من الجانب الغربي ولقى الخليفة وركب معه في دجلة ووصل كورتكين آخر النهار فركب ابن رائق لقتاله وهو مرجل واعتزم على العود إلى الشأم ثم طائفة من عسكره ليعبروا دجلة ويأتوا من ورائهم وصاحت العامة مع ابن رائق بكورتكين وأصحابه ورجموهم فانهزموا واستأمن منهم نحو أربعمائة فقتلوا وقتل قواده وخلع المتقى على ابن رائق وولاه أمير الامراء وعزل الوزير أبا جعفر الكرخي لشهر من ولايته وولى مكانه أحمد الكوفى وظفر بكورتكين فحبسه بدار الخلافة(3/411)
* (وزارة ابن البريدى واستيلاؤه على بغداد وفرار المتقى إلى الموصل) * لما استقر ابن رائق في امارة الامراء بدمشق ببغداد أخر ابن البريدى حمل المال من واسط فانحدر إليه في العساكر في عاشوراء من سنة ثلاثين وهرب بنو البريدى إلى البصرة ثم سعى أبو عبد الله الكوفى بينهم وبين ابن رائق وضمن واسط بستمائة ألف دينار وبقاياها بمائتي ألف ورجع ابن رائق إلى بغداد فشغبت عليه الجند وفيهم تورون
وأصحابه ثم انفضوا آخر ربيع إلى أبى عبد الله بواسط فقوى بهم وذهب ابن رائق إلى مداراته فكاتبه بالوزارة واستخلف عليها أبا عبد الله بن شيرزاد ثم انتقض واعتزم على المسير إلى بغداد في جميع الاتراك والديلم وعزم ابن رائق على التحصن بدار الخلافة ونصب عليها المجانيق والعرادات وجند العامة فوقع الهرج وخرج بالمتقي إلى نهر دبالى منتصف جمادى الآخرة وأتاهم أبو الحسين في الماء والبر فهزمهم ودخل دار الخلافة وهرب المتقى وابنه أبو منصور وابن رائق إلى الموصل لستة أشهر من امارته واختفى الوزير القراريطى ونهبت دار الخليفة ودور الحرم وعظم الهرج وأخذ كورتكين من محبسه فأنفذ إلى واسط ولم يتعرضوا للقاهر وكان نزل أبو الحسن بدار الخلافة وجعل تورون على الشرطة بالجانب الغربي وأخذ رهائن القواد تورون وغيره وبعث بنسائهم وأولادهم إلى أخيه عبد الله بواسط وعظم النهب ببغداد وترك دورهم وفرضت المكوس في الاسواق خمسة دنانير على الكر فغلت الاسعار وانتهى إلى ثلثمائة دينار الكر وجاءت ميرة من الكوفة وأخذت فقيل انها لعامل الكوفة وأخذها عامل بغداد وكان معه جماعة من القرامطة فقاتلهم الاتراك وهزموهم ووقعت الحرب بين العامة والديلم فقتل خلق من العامة واختفى العمال لمطاولة الجند إلى الضواحى ينتهبون الزرع بسنبله عند حصاده وساءت أحوال بغداد وكثرت نقمات الله فيهم * (مقتل ابن رائق وولاية ابن حمدان مكانه) * كان المتقى قد بعث إلى ناصر الدولة بن حمدان يستمده على ابن البريدى عند ما قصد بغداد فأمده بعسكر مع أخيه سيف الدولة فلقيه بتكريت منهزما ورجع معه إلى الموصل وخرج ناصر الدولة عن الموصل حتى حلف له ابن رائق واتفقا فجاء وتركه شرقي دجلة وعبر إليه أبو منصور بن المتقى وابن رائق فبالغ في تكرمتهما فلما ركب ابن المتقى قال لابن رائق أقم نتحدث في رأينا فذهبا إلى الاعتذار وألح عليه ناصر الدولة فاستراب وجذب يده وقصد الركوب فسقط فأمر ناصر الدولة بقتله والقائه في دجلة وبعث إلى المتقى
بالعذر وأحسن القول وركب إليه فولاه أمير الامراء ولقبه ناصر الدولة وذلك مستهل شعبان من سنة ثلاثين وخلع على أخيه أبى الحسن ولقبه بسيف الدولة فلما قتل ابن(3/412)
رائق سار الاخشيذ من مصر إلى دمشق وبها محمد بن يزداد من قبل ابن رائق فاستأمن إليه وملك الاخشيذ دمشق وأقر ابن يزداد عليها ثم نقله إلى شرطة مصر * (عود المتقى إلى بغداد وفرار البريدى) * لما استولى أبو الحسين البريدى على بغداد وأساء السيرة كما مر امتلات القلوب منه نفرة فلما قتل ابن رائق أخذ الجند في الفرار عنه والانتقاض عليه ففر جحجح إلى المتقى واعتزم تورون وأنوش تكين والاتراك على كبس أبى الحسين البريدى وزحف تورون لذلك في الديلم فخالفه أنوش تكين في الاتراك فذهب تورون إلى الموصل فقوى بهم ابن حمدان والمتقي وانحدروا إلى بغداد وولى ابن حمدان على أعمال الخراج والضياع بديار مضر وهى الرها وحران ولقيا أبا الحسن أحمد بن على بن مقاتل فاقتتلوا وقتل ابن مقاتل واستولى ابن طباب عليها ولما وصل المتقى وابن حمدان إلى بغداد هرب أبو الحسين ابن البريدى منها إلى واسط لثلاثة أشهر وعشرين يوما من دخوله واضطربت العامة وكثر النهب ودخل المتقى وابن حمدان في العساكر في شوال من السنة وأعاد أبا اسحق القراريطى إلى الوزارة وولى تورون على الشرطة ثم سار إليهم أبو الحسين البريدى فخرج بنو حمدان للقائهم وانتهوا إلى المدائن فأقام بها ناصر الدولة وبعث أخاه سيف الدولة وابن عمه أبا عبد الله الحسين بن سعيد بن حمدان فاقتتلوا عنده أياما وانهزم سيف الدولة أولا ثم أمدهم ناصر الدولة بالقواد الذين كانوا معه وجحجح بالاتراك وعاودوا القتال فانهزم أبو الحسين إلى واسط وأقصر سيف الدولة عن اتباعه لما أصاب أصحابه من الوهن والجراح وعاد ناصر الدولة إلى بغداد منتصف ذى الحجة ثم سار سيف الدولة إلى واسط وهرب بنو البريدى عنها إلى البصرة فملكها وأقام بها
* (استيلاء الديلم على اذربيجان) * كانت اذربيجان بيد ديسم بن ابريم الكردى من أصحاب يوسف بن أبى الساج وكان أبوه من أصحاب هرون الشارى من الخوارج ولما قتل هرون لحق باذربيجان وشرد في الاكراد فولد له ديسم هذا فكبر وخدم ابن أبى الساج وتقدم عنده إلى أن ملك بعدهم اذربيجان وجاء السيكرى خليفة وشمكير في الجبل سنة ست وعشرين وغلبه على اذربيجان ثم سار هو إلى وشمكير وضمن له طاعة ومالا واستمده فأمده بعسكر من الديلم وساروا معه فغلب السيكرى وطرده وملك البلاد وكان معظم جيشه الاكراد فتغلبوا على بعض قلاعه فاستكثر من الديلم وفيهم صعلوك بن محمد بن مسافر بن الفضل وغيرهما فاستظهر بهم وانتزع من الاكراد ما تغلبوا عليه وقبض على جماعة من رؤسائهم وكان وزيره أبو القاسم على بن جعفر قد ارتاب منه فهرب إلى الطرم وبها محمد بن مسافر(3/413)
من أمراء الديلم وقد انتقض عليه ابناه وهشودان والمرربان واستوليا على بعض قلاعه ثم قبضا على أبيهما محمد وانتزعا أمواله وذخائره وتركاه في حصنه سليبا فريدا فقصد على بن جعفر المرزبان وأطمعه في أذربيجان فقلده وزارته وكانت نحلتهما في التشيع واحدة لان على بن جعفر كان من الباطنية والمرزبان من الديلم وهم شيعة وكاتب على ابن جعفر أصحاب ديسم واستمالهم واستفسدهم عليه وخصوصا الديلم ثم التفتوا للحرب وجاء الديلم إلى المرزبان واستأمن معهم كثير من الاكراد وهرب ديسم في فل من أصحابه إلى أرمينية واستجار بجاحق بن الديواني فأجاره وأكرمه وندم على ما فرط في ابعاد الاكراد وهم على مذهبه في الخارجية وملك المرزبان اذربيجان واستولى عليها ثم استوحش منه على بن جعفر وزير ديسم وتنكر له أصحاب المرزبان فأطمعه المرزبان فأخذ أموالهم وحملهم على طاعة ديسم وقتل الديلم عندهم من جند المرزبان ففعلوا وجاء ديسم فملكها وفر إليه من كان عند المرزبان حتى اشتد عليه الحصار واستصلح
أثناء ذلك الوزير على بن جعفر ثم خرجوا من توزير ولحق ديسم باردبيل وجاء على بن جعفر إلى المرزبان ثم حاصر المرزبان اردبيل حتى نزل له ديسم على الامان وملكها صلحا وملك توزير كذلك ووفى له ثم طلب ديسم أن يبعثه إلى قلعته بالطرم فبعثه بأهله وولده وأقام هنالك * (خبر سيف الدولة بواسط) * لما فر بنو البريدى عن واسط إلى البصرة ونزل بها سيف الدولة أراد الانحدار خلفهم لانتزاع البصرة منهم واستمد أخاه ناصر الدولة فأمده بمال مع أبى عبد الله الكوفى وكان تورون وجحجح يستطيلان عليه فأراد الاستئثار بالمال فرده سيف الدولة مع الكوفى إلى أخيه وأذن لتورون في مال الجامدة ولجحجح في مال المدار وكان من قبل براسل الاتراك وملك الشام ومصر معه فلا يجيبونه ثم ثاروا عليه في شعبان من سنة احدى وثلاثين فهرب من معسكره ونهب سواده وقتل جماعة من أصحابه وكان ناصر الدولة لما أخبره أبو عبد الله الكوفى بخبر أخيه في واسط برز يسير إلى الموصل وركب إليه المتقى يستمهله فوقف حتى عاد وأغذ السير لثلاثة عشر شهرا من امارته فثار الديلم والاتراك ونهبوا داره ودبر الامور أبو اسحق القراريطى من غير لقب الوزارة وعزل أبو العباس لاصبهاني لاحد وخمسين يوما من وزارته ثم تنازع الامارة بواسط بعد سيف الدولة تورون وجحجح واستقر الحال أن يكون تورون أميرا وجحجح صاحب الجيش ثم طمع ابن البريدى في واسط واصعد إليها وطلب من تورون أن يضمنه اياها فرده ردا جميلا وكان قد سار جحجح لمدافعته فمر به الرسول في طريقه وحادثه طويلا وسعى إلى تورون(3/414)
بأنه لحق بابن البريدى فأسرى إليه وكبسه منتصف رمضان فقبض عليه وجاء به إلى واسط فسمله وبلغ الخبر إلى سيف الدولة وكان لحق بأخيه فعاد إلى بغداد منتصف رمضان وطلب المال من المتقى لمدافعة تورون فبعث أربعمائة ألف درهم وفرقها
في أصحابه وظهر له من كان مستخفيا ببغداد وجاء تورون من واسط بعد ان خلف بها كيغلغ فلما أحس به سيف الدولة رحل فيمن انضم إليه من أجناد واسط وفيهم الحسن ابن هرون وسار إلى الموصل ولم يعاود بنو حمدان بعدها بغداد * (امارة تورون ثم وحشته مع المتقى) * لما سار سيف الدولة عن بغداد دخلها تورون آخر رمضان سنة احدى وثلاثين فولاه المتقى أمير الامراء وجعل النظر في الوزارة لابي جعفر الكرخي كما كان الكوفى ولما سار تورون عن واسط خالفه إليها البريدى فملكها ثم انحدر تورون أول ذى القعدة لقتل البريدى وقد كان يوسف بن وجيه صاحب عمان سار في المراكب إلى البصرة وحارب ابن لبريدى حتى أشرفوا على الهلاك ثم احترقت مراكب عمان بحيلة دبرها بعض الملاحين ونهب منها مال عظيم ورجع يوسف بن وجيه مهزوما في المحرم سنة ثنتين وثلاثين وهرب في هذه الفتنة أبو جعفر بن شيرزاد بتورون فاشتمل عليه وكان تورون عند اصعاده من بغداد استخلف مكانه محمد بن نيال الترجمان ثم تنكر له فارتاب محمد وارتاب الوزير أبو الحسن بن مقلة بمكان ابن شيرزاد من تورون وخافا غائلته وخوفا المتقى كذلك وأوهماه أن البريدى ضمنه من تورون بخمسمائة ألف دينار التى أخذها من تركة يحكم وأن ابن شيرزاد جاء عن البريدى ليخلفه ويسلمه فانزعج لذلك وعزم على المسير إلى ابن حمدان وكتبوا إليه أن ينفذ عسكرا يسير صحبته * (مسير المتقى إلى الموصل) * ولما تمت سعاية ابن مقلة وابن نيال بتورون مع المتقى اتفق وصول ابن شيرزاد إلى بغداد أول ثنتين وثلاثين في ثلثمائة فارس وأقام بدست الامر والنهى لا يعرج على المتقى في شئ وكان المتقى قد طلب من ناصر الدولة بن حمدان عسكرا يصحبه إلى الموصل فبعثهم ابن عمه أبو عبد الله الحسين بن سعيد بن حمدان فلما وصلوا بغداد اختفى ابن شيرزاد وخرج المتقى إليهم في حرمه وولده ومعه وزيره وأعيان دولته مثل سلامة الطولونى وأبى زكريا
يحيى بن سعيد السوسى وأبى محمد الماردانى وأبى اسحق القراريطى وأبى عبد الله الموسوي وثابت بن سنان بن ثابت بن قرة الطبيب وأبى نصر بن محمد بن نيال الترجمان وساروا إلى تكريت وظهر ابن شيرزاد في بغداد وظلم الناس وصادرهم وبعث إلى تورون في واسط بخبر المتقى فعقد ضمان واسط على ابن البريدى وزوجه ابنته وسار إلى(3/415)
بغداد وجاء سيف الدولة إلى المتقى بتكريت ثم بعث المتقى إلى ناصر الدولة يستحثه فوصل إليه في ربيع الآخر وركب المتقى من تكريت إلى الموصل وأقام هو بتكريت وسار تورون لحربه فتقدم إليه أخوه سيف الدولة فاقتتلوا أياما ثم انهزم سيف الدولة وغنم تورون سواده وسواد أخيه ولحقوا بالموصل وتورون في اتباعهم ثم ساروا عنها مع المتقى إلى نصيبين ودخل تورون الموصل ولحق المتقى بالرقة وراسل تورون بأن وحشته لاجل ابن البريدى وان رضاه في اصلاح بنى حمدان فصالحهما تورون وعقد الضمان لناصر الدولة على ما بيده من البلاد لثلاث سنين بثلاثة آلاف وستمائة ألف درهم لكل سنة وعاد تورون إلى بغداد وأقام المتقى وبنو حمدان بالرقة * (مسير ابن بويه إلى واسط وعوده عنها ثم استيلاؤه عليها) * كان معز الدولة بن بويه بالاهواز وكان ابن البريدى يطمعه في كل وقت في ملك العراق وكان قد وعده أن يمده واسط فلما أصعد تورون إلى الموصل خالفه معز الدولة إلى واسط وأخلف ابن البريدى وعده في المدد وعاد تورون من الموصل إلى بغداد وانحدر منها للقاء معز الدولة منتصف ذى القعدة من سنة ثنتين وثلاثين واقتتلوا بقباب حميد بضعة عشر يوما ثم تأخر تورون إلى نهر دبالى فعبره ومنع الديلم من عبوره بمن كان معه من المقاتلة في الماء وذهب ابن بويه ليصعد ويتمكن من الماء فبعث تورون بعض أصحابه فعبروا دبالى وكمنوا له حتى إذا صار مصعدا خرجوا عليه على غير أهبه فانهزم هو ووزيره الصهيرى وأسر منهم أربعة عشر قائدا واستأمن كثير من الديلم إلى تورون ولحق ابن بويه
والصهيرى بالسوس ثم عاد إلى واسط ثانية فملكها ولحق أصحاب بنى البريدى بالبصرة * (قتل ابن البريدى أخاه ثم وفاته) * كان أبو عبد الله بن البريدى قد استهلك أمواله في هذه النوائب التى تنوبه واستقرض من أخيه أبى يوسف مرة بعد مرة وكان أثرى منه ومال الجند إليه لثروته وكان يعيب على أخيه تبذيره وسوء تدبيره ثم نمى الخبر إليه أنه يريد المكربه والاستبداد بالامر وتنكر كل واحد منهما للآخر ثم أكمن أبو عبد الله غلمانه في طريق أبى يوسف فقتلوه وشغب الجند لذلك فأراهم شلوه فافترقوا ودخل دار أخيه وأخذ ما فيها من الاموال وجواهر نفيسة كان باعها له بخمسين ألف درهم وكان أصلها ليحكم وهبها لبنته حين زوجها له وأخذها يحكم من دار الخلافة فاحتاج إليها أبو عبد الله بعد فباعها له وبخسه أبو يوسف في قيمتها وكان ذلك من دواعى العداوة بينهما ثم هلك أبو عبد الله بعد مهلك أخيه بثمانية أشهر وقام بالامر بعده بالبصرة أخوهما أبو الحسن فاساء السيرة في الجند فثاروا به ليقتلوه فهرب منهم إلى هجر مستجيرا بالقرامطة وولوا عليهم بالبصرة(3/416)
أبا القاسم ابن أخيه أبى عبد الله وأمد أبو طاهر القرمطى أبا الحسن وبعث معه أخويه لحصار البصرة فامتنعت عليهم وأصلحوا بين أبى القاسم وعمه ودخل البصرة وسار منها إلى تورون ببغداد ثم طمع يأنس مولى أبى عبد الله في الرياسة وداخل بعض قواد الديا في الثورة بأبى القاسم واجتمع الديلم إلى القائد وبعث أبو القاسم وليه يأنس فهم به ليفرد بالامر فهرب يأنس واختفى وتفرق الديلم واختفى القائد ثم قبض عليه ونفاه وقبض عليه يأنس بعد أيام وصادره على مائة ألف دينار وقتله ولما قدم أبو الحسين البريدى إلى بغداد مستأمنا إلى تورون فأمنه وطلب الامداد على ابن أخيه وبذل في ذلك أموالا ثم بعث ابن أخيه من البصرة بالاموال فأقره على عمله وشعر أبو الحسن بذلك فسعى عند ابن تورون في ابن شيرازد إلى أن قبض عليه وضرب واستظهر أبو عبد الله بن أبى موسى
الهاشمي بفتاوى الفقهاء والقضاة باباحة دم أبى الحسين كانت عنده من ايام ناصر الدولة وأحضروا بدار المتقى وسئلوا عن فتاويهم فاعترفوا بأنهم أفتوا بها فقتل وصلب ثم أحرق ونهب داره وكان ذلك منتصف ذى الحجة من السنة وكان ذلك أخرى أمر البريديين * (الصوائف أيام المتقى) * خرج الروم سنة ثلاثين أيام المتقى وانتهوا إلى قرب حلب فعاثوا في البلاد وبلغ سبيهم خمسة آلاف وفيها دخل ثمل من ناحية طرسوس فعاث في بلاد الروم وامتلات أيدى عسكره من الغنائم وأسر عدة من بطارقتهم وفى سنة احدى وثلاثين بعث ملك الروم إلى المتقى يطلب منه منديلا في بيعة الرها زعموا أن المسيح مسح به وجهه فارتسمت فيه صورته وأنه يطلق فيه عددا كثيرا من أسرى المسلمين واختلف الفقهاء والقضاة في اسعافه بذلك وفيه غضاضة أو منعه ويبقى المسلمون بحال الاسر فأشار عليه على ابن عيسى باسعافه لخلاص المسلمين فأمر المتقى بتسليمه إليهم وبعث إلى ملك الروم من بتسليم الاسرى وفى سنة ثنتين وثلاثين خرجت طوارق من الروس في البحر إلى نواحى أذربيجان ودخلوا في نهر اللكز إلى بردعة وبها نائب المرزبان ابن محمد بن مسافر ملك الديلم بأذربيجان فخرج في جموع الديلم والمطوعة فقتلوهم وقاتلوهم فهزمهم الروس وملكوا البلد وجاءت العساكر الاسلامية من كل ناحية لقتالهم فامتنعوا بها ورماهم بعض العامة بالحجارة فأخرجوهم من البلد وقاتلوا من بقى وغنموا أموالهم واستبدوا بأولادهم ونسائهم واستنفر المرزبان الناس وزحف إليهم في ثلاثين ألفا فقاتلوهم فامتنعوا عليه فأكمن لهم بعض الايام فهزمهم وقتل أميرهم ونجا الباقون إلى حصن البلد وحاصرهم المرزبان وصابرهم ثم جاءه الخبر بأن أبا عبد الله الحسين بن سعيد(3/417)
ابن حمدان بلغ سلماس موجها إلى أذربيجان بعثه إليها ابن عمه ناصر الدولة ليتملكها
فجهز عسكرا لحصار الروس في بردعة وسار إلى قتال ابن حمدان فارتحل ابن حمدان راجعا إلى ابن عمه باستدعائه بالانحدار إلى بغداد لما مات تورون وأقام العسكر على حصار الروس ببردعة حتى هربوا من البلد وحملوا ما قدروا عليه وطهر الله البلد منهم وفيها ملك الروم رأس عين واستباحوها ثلاثا وقاتلهم الاعراب ففارقوها * (الولايات أيام المتقى) * قد تقدم لنا انه لم يكن بقى في تصريف الخليفة الا أعمال الاهواز والبصرة وواسط والجزيرة والموصل لبنى حمدان واستولى معز الدولة على الاهواز ثم على واسط وبقيت البصرة بيد أبى عبد الله بن البريدى واستولى على بغداد مع المتقى يحكم ثم ابن البريدى ثم تور تكين الديلمى ثم ابن رائق ثانية ثم ابن البريدى ثانية ثم حمدان ثم تورون يختلفون على المتقى واحدا بعد واحد وهو مغلب لهم والحل والعقد والابرام والنقض بأيديهم ووزير الخليفة عامل من عمالهم متصرف تحت أحكامهم وآخر من دبر الامور أبو عبد الله الكوفى كاتب تورون وكان قبله كاتب ابن رائق وكان على الحجبة بدر بن الجرسى فعزل عنها سنة ثلاثين وجعل مكانه سلامة الطولونى وولى بدر طريق الفرات ففزع إلى الاخشيذ واستأمن إليه فولاه دمشق وكان من المستبدين في النواحى يوسف ابن وجيه وكان صاحب الشرطة ببغداد أبا العباس الديلمى * (خلع المتقى وولاية المستكفى) * لم يزل المتقى عند بنى حمدان من شهر ربيع الآخر سنة ثنتين وثلاثين إلى آخر السنة ثم آنس منهم الضجر واضطر لمراجعة تورون فأرسل إليه الحسن بن هرون وأبا عبد الله ابن أبى موسى الهاشمي في الصلح وكتب إلى الاخشيذ محمد بن طغج صاحب مصر يستقدمه فجاءه وانتهى إلى حلب وبها أبو عبد الله بن سعيد بن حمدان من قبل ابن عمه ناصر الدولة فارتحل عنها وتخلف عنه ابن مقاتل وقد كان صادره ناصر الدولة على خمسين ألف دينار فاستقدم الاخشيذ وولاه خراج مصر وسار الاخشيذ من حلب
ولقى المتقى بالرقة وأهدى إليه والى الوزير بن الحسين بن مقلة وسائر الحاشية واجتهد به أن يسير معه إلى مصر ليقيم خلافته هنالك فأبى فخوفه من تورون فلم يقبل وأشار على ابن مقلة أن يسير معه إلى مصر فيحكمه في البلاد فأبى وكانوا ينتظرن عود رسلهم من تورون فبعثوا إليهم بيمين تورون والوزير ابن شيرزاد بمحضر القضاة والعدول والعباسيين والعلويين وغيرهم من طبقات الناس وجاء لكتاب بخطوطهم بذلك(3/418)
وتأكيد اليمين ففارق المتقى الاخشيذ وانحدر من الوقت في الفرات آخر المحرم سنة ثلاث وثلاثين ولقيه تورون بالسندية فقبل الارض وقال قد وفيت بيمينى ووكل به وبأصحابه وأنزله في خيمته ثم سمله لثلاث سنين ونصف من خلافته وأحضر أبا القاسم عبد الله بن المكتفى فبايعه الناس على طبقاتهم ولقب المستكفى وجئ بالمتقي فبايعه وأخذت منه البردة والقضيب واستوزر أبا الفرج محمد بن على السامري فكان له اسم الوزارة على سنن من قبله والامور راجعة لابن شيرزاد كاتب تورون ثم خلع المستكفى على تورون وتوجه وحبس المتقى وطلب أبا القاسم الفضل بن المقتدر الذى لقب فيما بعد بالمطيع فاختفى سائر أيامه وهدمت داره * (وفاة تورون وامارة ابن شيرزاد) * وفى المحرم من سنة أربع وثلاثين وثلثمائة مات تورون ببغداد لست سنين وخمسة أشهر من امارته وكان ابن شيرزاد كاتبه أيامه كلها وبعثه قبل موته لاستخلاص الاموال من هيت فلما بلغه خبر الوفاة عزم على عقد الامارة لناصر الدولة بن حمدان فأبى الجند من ذلك واضطربوا وعقدوا له الرياسة عليهم واجتمعوا عليه وحلفوا وبعث إلى المستكفى ليحلف له فاجابه وحلف له بحضرة القضاة والعدول ودخل إليه ابن شيرزاد فولاه أمير الامراء وزاد في الارزاق زيادة متسعة فضاقت عليه الاموال فبعث أبا عبد الله بن أبى موسى الهاشمي إلى ابن حمدان يطالبه بالمال ويعده بامارة الامراء فأنفذ
إليه خمسمائة ألف درهم وطعاما وفرقها في الجند فلم تكف ففرض الاموال على العمال والكتاب والتجار لارزاق الجند ومدت الايدى إلى أموال الناس وفشا الظلم وظهرت اللصوص وكبسوا المنازل وأخذ الناس في الخلاص من بغداد ثم استعمل على واسط نيال كوشه وعلى تكريت الفتح السيكرى فسار إلى ابن حمدان ودعا له شكرا فولاه عليها من قبله * (استيلاء معز الدولة بن بويه على بغداد واندراج أحكام الخلافة في سلطانهم) * قد تقدم لنا استبداد أهل النواحى على الخلافة منذ أيام المتوكل ولم يزل نطاق الدولة العباسية يتضايق شيا فشيأ وأهل الدولة يستبدون واحدا بعد واحد إلى أن أحاطوا ببغداد وصاروا ولاة متعددة يفرد كل واحد منهم بالذكر وسياقة الخبر إلى آخرها وكان من أقرب المستبدين إلى مقر الخلافة بنو بويه باصبهان وفارس ومعز الدولة منهم بالاهواز وقد تغلب على واسط ثم انتزعت منه وبنو حمدان بالموصل والجزيرة وقد تغلب(3/419)
على هيت وصارت تحت ملكهم ولم يبق للخلفاء الا بغداد ونواحيها ما بين دجلة والفرات وأمراؤهم مع ذلك مستبدون عليهم ويسمون القائم بدولتهم أمير الامراء كما مر في أخبارهم إلى أن انتهى ذلك إلى دولة المتقى والقائم بها ابن شيرزاد وولى على واسط نيال كوشه كما قلنا فانحرف عن ابن شيرزاد وكاتب معز الدولة وقام بدعوته في واسط واستدعاه لملك بغداد فزحف في عساكر الديلم إليها ولقيه ابن شيرزاد والاتراك وهربوا إلى ابن حمدان بالموصل واختفى المستكفى وقدم معز الدولة كاتبه الحسن محمد المهلبى إلى بغداد فدخلها وظهر الخليفة فظهر عنده المهلبى وجدد له البيعة عن معز الدولة أحمد بن بويه وعن أخويه عماد الدولة على وركن الدولة الحسن وولاهم المستكفى على أعمالهم ولقبهم بهذه الالقاب ورسمها على سكته ثم جاءه معز الدولة إلى بغداد وملكها وصرف الخليفة في حكمه واختص باسم السلطان فبقيت أخبار الدولة
انما تؤثر عنهم وان كان منها ما يحتص بالخليفة فقليل فلذلك صارت أخبار هؤلاء الخلفاء منذ المستكفى إلى المتقى مندرجة في أخبار بنى بويه والسلجوقية من بعدهم لعطلهم من التصرف الا قليلا يحتص بالخلفاء نحن ذاكره ونرجئ بقية أخبارهم إلى أخبار الديلم والسلجوقية الغالبين على الدولة عند ما نفرد دولتهم كما شرطناه * { الخبر عن الخلفاء من بنى العباس المغلبين لدولة بنى بويه من السلجوقية من بعدهم من لدن المستكفى إلى المتقى ومالهم من الاحوال الخاصة بهم ببغداد ونواحيها } لما دخل معز الدولة بن بويه إلى بغداد غلب على المستكفى وبقى في كفالته وكان المستكفى في سنة ثلاث وثلاثين قبلها قبض على كاتبه أبى عبد الله بن أبى سليمان وعلى أخيه واستكتب أبا أحمد الفضل بن عبد الرحمن الشيرازي في خاص أمره وكان قبله كاتبا لابن حمدان وكان يكتب للمستكفي قبل الخلافة فلما نصب للخلافة قدم من الموصل فاستكتبه المستكفى في هذه السنة على وزيره أبى الفرج لاثنتين وأربعين يوما من وزارته وصادره على ثلثمائة ألف درهم ولما استولى معز الدولة ببغداد على الامر وبعث أبو القاسم البريدى صاحب البصرة ضمن واسط وأعمالها وعقد له عليها * (خلع المستكفى وبيعة المطيع) * وأقام المستكفى بعد استيلاء معز الدولة على الامر أشهرا قلائل ثم بلغ معز الدولة أن المستكفى يسعى في اقامة غيره فتنكر له ثم أجلسه في يوم مشهود لحضور رسون من صاحب خراسان وحضر هو في قومه وعشيرته وأمر رجلين من نقباء الديلم جاآ ليقبلا يد المستكفى ثم جذباه عن سريره وساقاه ماشسا وركب معز الدولة وجاء به(3/420)
إلى داره فاعتقله بها واضطرب الناس وعظم النهب ونهب دار الخلافة وقبض على أبى أحمد الشيرازي كاتب المستكفى وكان ذلك في جمادى الآخرة لسنة وأربعة أشهر من خلافته ثم بويع أبو القاسم الفضل بن المقتدر وقد كان المستكفى طلبه حين ولى
لاطلاقه على شأنه في طلب الخلافة فلم يظفر به واختفى فلما جاء معز الدولة تحول إلى داره واختفى عنده فلما قبض على المستكفى بويع له ولقب المطيع لله ثم أحضر المستكفى عنده فأشهد على نفسه بالخلع وسلم عليه بالخلافة ولم يبق للخليفة من الامر شئ البتة منذ أيام معز الدولة ونظر وزير الخليفة مقصور على اقطاعه ونفقات داره والوزارة منسوبة إلى معز الدولة وقومه من الديلم شيعة للعلوية منذ اسلامهم على يد الاطروش فلم يكونوا من شيعة العباسية في شئ ولقد يقال بأن معز الدولة اعتزم على نقل الخلافة منهم إلى العلوية فقال له بعض أصحابه لا تول أحدا يشركك قومك كلهم في محبته والاشتمال عليه وربما يصير لهم دونك فأعرض عن ذلك وسلبهم الامر والنهى وتسلم عماله وجنده من الديلم وغيرهم أعمال العراق وسائر أراضيه وصار الخليفة انما يتناول منه ما يقطعه معز الدولة ومن بعده فما يسد بعض حاجاته نعم انهم كانوا يفردونهم بالسرير والمنبر والسكة والختم على الرسائل والصكوك ولجلوس للوفد واجلالهم في التحية والخطاب وكل ذلك طوع القائم على الدولة وكان يفرد في كل دولة بنى بويه والسلجوقية بلقب السلطان مما لا يشاركه فيه أحد ومعنى الملك من تصريف القدرة واظهار الابهة والعز حاصل له دون الخليفة وغيره وكانت الخلافة حاصلة للعباسي المنصوب لفظا مسلوبة معنى والله المدبر للامور لا اله غيره * (انقلاب حال الدولة بما تجدد في الجباية والاقطاع) * لما استولى معز الدولة طلب الجند أرزاقهم على عادتهم وأكثر لسبب ما تجدد من الاستيلاء الذى لم يكن له فاضطر إلى ضرب المكوس وأخذ أموال الناس من غير وجهها وأقطع قواده وأصحابه من أهل عصبيته وغير المساهمين له في الامر جميع القرى التى بجانب السلطان فارتفعت عنها أيدى العمال وبطلت الدواوين واختلف حال القرى في العمارة عما كان في أيدى القواد والرؤساء حصل بهم لاهلها الرفق فزادت عمارتها وتوفر دخلها ولم تكن مناظرتهم في ذلك ولا تقديره عليهم وما كان
بأيدى العامة والاتباع عظم خرابه لما كان يعدم من الغلاء والنهب واختلاف الايدى وما يزيد الآن من الظلم ومصادرات الرعايا والحيف في الجباية واهمال النظر في تعديل القناطر والمشارب وقسم المياه على الارضين فإذا خرجت قراهم ردوها وطلبوا العوض عنها فيصير الآخر منها لما صار إليه الاول ثم أمر معز الدولة قواده وأصحابه(3/421)
بحماية الاقطاع والضياع وولاتها وصارت الجبايات لنظرهم والتعويل في المرتفع على أخبارهم فلا يقدر أهل الدواوين والحسابات على تحقيق ذلك عليهم ولم يقف عند ذلك على غاية فبطلت الاموال وصار جمعها من المكوس والظلامات وعجز معز الدولة عن ذخيرة يعدها لنوائب سلطانه ثم استكثر من الموالى الاتراك ليجدع بهم من أنواف قومه وفرض لهم الارزاق وزاد لهم الاقطاع فعظمت غيرة قومه من ذلك وآل الامر إلى المنافرة كما هو الشأن في طبيعة الدول * (مسير ابن حمدان إلى بغداد) * ولما استولى معز الدولة على بغداد وخلع المستكفى بلغ الخبر إلى ناصر الدولة بن حمدان فشق ذلك عليه وسار من الموصل إلى بغداد وانتهى إلى سامرا في شعبان سنة أربع وكان معز الدولة حين سمع قدوم عساكره مع نال كوشه وقائد آخر فقتل القائد ولحق بناصر الدولة وجاء ناصر الدولة إلى بغداد فأقام بها وخالفه معز الدولة إلى تكريت فنهبها لانها من اعماله ثم عاد معز الدولة والمطيع فنزلوا بالجانب الغربي من بغداد وقاتلوا ناصر الدولة بالجانب الشرقي وتقدم ناصر الدولة إلى الاعراب بالجانب الغربي بقطع الميرة عن معز الدولة فغلت الاسعار وعزت الاقوات ومنع ناصر الدولة من الخطبة للمطيع والمعاملة بسكته ودعا للمتقى وبيت معز الدولة مرارا وضاق الامر به واعتزم على ترك بغداد والعود إلى الاهواز ثم أظهر الرحيل ذات ليلة وأمر وزيره أبا جعفر الصهيرى بالعبور في أكثر العساكر وأقام بالكينة مكانه وجاء نيال كوشه لقتاله فانهزم
واضطرب عسكر ناصر الدولة وأجفلوا وغنم الديلم أموالهم وأظهرهم ثم أمن معز الدولة الناس وعاد المطيع إلى داره في محرم سنة خمس وثلاثين وقام التورونية عليه فلما شعرو به نكروه وهموا بقتله فأسرى هاربا ومعه ابن شيرزاد وفر إلى الجانب الغربي ثم لحق بالقرامطة فأجاروه وبعثوه إلى الموصل ثم استقر الصلح بينه وبين الدولة كما طلب ولما فر عن الاتراك اتفقوا على تكين الشيرازي فولوه عليهم وقبضوا على من تخلف من كتابه وأصحابه وساروا في اتباعه إلى نصيبين ثم إلى سنجار ثم إلى الحديثة ثم إلى السن ولحق هنالك عسكر معز الدولة مع وزيره أبى جعفر الصهيرى وقد كان استمده ناصر الدولة وسار ناصر الدولة وابن الصهيرى إلى الموصل فنزلوا عليها وأخذ الصهيرى من ناصر الدولة ابن شيرزاد وحمله إلى معز الدولة وذلك سنة خمس وثلاثين * (استيلاء معز الدولة على البصرة) * وفى هذه السنة انتقض أبو القاسم البرياى بالبصرة فجهز معز الدولة الجيش جماعة(3/422)
أعيانهم إلى واسط ولقيهم جيش بن البريدى في الماء على الظهر فانهزموا إلى البصرة وأسروا من أعيانهم جماعة ثم سار معز الدولة سنة ست وثلاثين إلى البصرة ومعه المطيع لاستنقاذها من يد أبى القاسم بن البريدى وسلكوا إليها البرية فبعث القرامطة يعذلون في ذلك معز الدولة فكتب يهددهم ولما قارب البصرة استأمنت إليه عساكر أبى القاسم وهرب هو إلى القرامطة فأجاروه وملك معز الدولة البصرة ثم سار منها إلى الاهواز لتلقى أخيه عماد الدولة وترك المطيع وأبا جعفر الصهيرى بالبصرة ولقى أخاه بأرجان ثم عاد إلى بغداد والمطيع معه وأراد السير إلى الموصل فأرسل إليه ناصر الدولة في الصلح وحمل المال فتركه ثم انتقص سنة سبع وثلاثين فسار إليه معز الدولة وملك الموصل ولحق ناصر الدولة بنصيبين وأخذ معز الدولة في ظلم الرعايا وعسفهم ثم بعث إليه أخوه ركن الدولة باصبهان بأن عسكر خراسان قصدت جرجان والرى واستمده فاضطر
معز الدولة إلى صلح ناصر الدولة عن الموصل والجزيرة وما ملكه سيف الدولة من الشأم دمشق وحلب على ثمانية آلاف ألف ألف درهم ويخطب لعماد الدولة وركن الدولة ومعز الدولة بنى بويه فاستقر الصلح على ذلك وعاد إلى بغداد * (ابتداء أمر بنى شاهين بالبطيحة) * كان عمران بن شاهين من أهل الجامدة وحصلت عنده جبايات فهرب إلى البطيحة خوفا من الحكام وأقام بين القصب والآجام يقتات بصيد السمك والطير كشف سابلة البطيحة واجتمع عليه جماعة من الصيادين واللصوص ثم اشتد خوفه فاستأمن إلى أبى القاسم بن البريدى صاحب البصرة نقله جماعة الجامدة ونواحى البطائح وجمع السلاح واتخذ مقاتل على تلال البطيحة وغلب على نواحيها وسرح معز الدولة وزيره أبا جعفر الصهيرى سنة ثمان وثلاثين فقاتله وهرب واستأمن أهله وعياله ثم جاء الخبر إلى معز الدولة بموت أخيه عماد الدولة بفارس واضطراب أحواله بها فكتب إلى الصهيرى بالفرار إلى شيرزاد لاصلاح الامور فسار إليها وعاد عمران بن شاهين إلى البطيحة واجتمع إليه أصحابه وقوى أمره وبعث معز الدولة إلى قتاله روزبهان من أعيان عسكره فأطال حصاره في مضايق البطيحة ثم ناجزه الحرب فهزمه عمران وهرب عسكره وصار أصحابه يطلبون البذرقة والخفارة من جند السلطان في السابلة وانقطع طريق البصرة الا على الظهر وكان الصهيرى قد هلك وولى مكانه المهلبى فكتب معز الدولة إلى المهلبى وهو بالبصرة فصعد إلى واسط وأمده بالقواد والسلاح وأطلق يده في الانفاق فزحف إلى البطيحة وضيق على عمران فانتهى إلى مضايق خفية وأشار عليه روزبهان بمعاجلة القوم وكتب إلى معز الدولة يشكو المطاولة من المهلبى فكتب إليه(3/423)
معز الدولة بالاستبطاء فبادر إلى المناجزة وتوغل في تلك المضايق فانهزم وقتل من أصحابه وأسر ونجا هو مباحة في الماء وأسر عمران أكابر القواد حتى صالحه معز الدولة وقلده
البطائح وأطلق له أهله على أن يطلق القواد الذين في أسره فأطلقهم * (موت الصهيرى ووزارة المهلبى) * كان أبو جعفر محمد بن أحمد الصهيرى وزير المعز الدولة وكان قد سار لقتال عمران واستخلف مكانه أبا محمد الحسن بن محمد المهلبى فعرفت كفايته واصلاحه وأمانته وتوفى أبو جعفر الصهيرى محاصر العمران فولى معز الدولة مكانه أبا محمد المهلبى فأحسن السيرة وأزال المظالم وخصوصا عن البصرة فكان فيها شعب كثيرة من المظالم من أيام أبى البريدى وتنقل في البلاد لكشف المظالم وتخليص الحقوق فحسن أثره ونقم عليه معز الدولة بعض الامور فنكبه سنة احدى وأربعين وحبسه في داره ولم يعزله * (حصار البصرة) * قد تقدم لنا أن القرامطة أنكروا على معز الدولة مسيره إلى البصرة على بلادهم وذكرنا ما دار بينهم في ذلك ولما علم يوسف ابن وجيه استيحاشهم بعث إليهم يطمعهم في النصرة واستمدهم فأمدوه وسار في البحر سنة احدى وأربعين وبلغ الخبر إلى الوزير المهلبى وقد قدم من شان الاهواز فسار إلى البصرة وسبق إليها ابن وجيه وقاتله فهزمه وظفر بمراكبه * (استيلاء معز الدولة على الموصل وعوده) * قد تقدم لنا صلح معز الدولة مع ناصر الدولة على ألفى ألف درهم كل سنة فلما كانت سنة سبع وأربعين أخرج حمل المال فسار معز الدولة إلى الموصل في جمادى ومعه وزيره المهلبى فاستولى على الموصل ولحق ناصر الدولة بنصيبين ومعه كتابه وجميع أصحابه وحاشيته ومن يعرف وجوه المنافع وأنزلهم في قلعة كواشى وغيرها وأمر الاعراب بقطع الميرة عن الموصل فضاقت الابواب على عسكر معز الدولة فسار عن الموصل إلى نصيبين واستخلف عليها سبكتكين الحاجب الكبير وبلغه في طريقه أن أولاد ناصر الدولة بسنجار في عسكر فبعث عسكرا فكبسوهم واشتغلوا بالنهب فعاد إليهم أولاد
ناصر الدولة وهم غازون فاستلحموهم وسار ناصر الدولة عن نصيبين إلى ميا فارقين ورجع أصحابه إلى معز الدولة مستأمنين فسار هو إلى أخيه سيف الدولة بحلب فتلقاه وأكرمه وتراسلوا في الصلح على ألفى ألف درهم وتسعمائة ألف درهم واطلاق من أسر(3/424)
بسنجار وأن يكون ذلك في ضمان سيف الدولة فتم بينهما وعاد معز الدولة إلى العراق في محرم سنة ثمان وأربعين * (بناء معز الدولة ببغداد) * أصاب معز الدولة سنة خمسين مرض اشفى منه حتى وصى واستوخم بغداد فارتحل إلى كلواذ اليسير إلى الاهواز وأسف أصحابه لمفارقة بغداد فأشاروا عليه ان يبنى لسكناه في أعاليها فبنى دارا أنفق عليها ألف ألف دينار وصادر فيها جماعة من الناس * (ظهور الكتابة على المساجد) * كان الديلم كما تقدم لنا شيعة لاسلامهم على يد الاطروش وقد ذكرنا ما منع بنى بويه من تحويل الخلافة عن العباسية إليهم فلما كان سنة احدى وخمسين وثلثمائة أصبح مكتوبا على باب الجامع ببغداد لعن صريح في معاوية ومن غصب فاطمة فدك ومن منع من دفن الحسن عند جده ومن نفى أبا ذر ومن أخرج العباس من الشورى ونسب ذلك إلى معز الدولة وله ثم محى من الليلة القابلة فأراد معز الدولة اعادته فأشار المهلبى بأن يكتب مكان المحو لعن معاوية فقط والظالمين لآل رسول الله صلى الله عليه وسلم وفى ثامن عشر ذى الحجة من هذه السنة أمر الناس باظهار الزينة والفرح لعبد العزيز من أعيان الشيعة وفى السنة بعدها أمر الناس في يوم عاشوراء أن يغلقوا دكاكينهم ويقعدوا عن البيع والشراء ويلبسوا المسوح ويعلنوا بالنياحة وتخرج النساء مسبلات الشعور مسودات الوجوه قد شققن ثيابهن ولطمن خدودهن حزنا على الحسين ففعل الناس ذلك ولم يقدر أهل السنة على منعه لان السلطان للشيعة
وأعيد ذلك سنة ثلاث وخمسين فوقعت فتنة بين أهل السنة والشيعة ونهب الاموال * (استيلاء معز الدولة على عمان وحصاره البطائح) * انحدر معز الدولة سنة خمس وخمسين إلى واسط لقتال عمران بن شاهين بالبطائح فأنفذ الجيش من هنالك مع أبى الفضل العباس بن الحسن وسار إلى الابلة فأنفذ الجيش إلى عمان وكان القرامطة قد استولوا عليها وهرب عنها صاحبها نافع وبقى أمرها فوضى فاتفق قاضيها وأهل البلد أن ينصبوا عليهم رجلا منهم فنصبوه ثم قتله بعضهم فولوا آخر من قرابة القاضى يعرف بعبد الرحمن بن أحمد بن مروان واستكتب على بن أحمد الذى كان وصل مع القرامطة كاتبا وحضر وقت العطاء فاختلف الزنج والبيض في الرضا بالمساواة وبعدمها واقتتلوا فغلب الزنج وأخرجوا عبد الوهاب واستقر على(3/425)
ابن أحمد أميرا فلما جاء معز الدولة إلى واسط هذه السنة قدم عليه نافع الاسود صاحب عمان مستنجدا به فانحدر به من الابلة وجهز له المراكب لحمل العساكر وعليهم أبو الفرج محمد بن العباس بن فساغس وهى مائة قطعة فساروا إلى عمان وملكوها تاسع ذى الحجة من سنة خمس وخمسين وقتلوا من أهلها وأحرقوا مراكبها وكانت تسعة وثمانين وعاد معز الدولة إلى واسط وحاصر عمران وأقام هنالك فاعتل وصالح عمران وانصرف عنه * (وفاة الوزير المهلبى) * سار الوزير المهلبى في جمادى سنة ثنتين وخمسين إلى عمان ليفتحها فاعتل في طريقه ورجع إلى بغداد فمات في شعبان قبل وصوله وحمل فدفن بها لثلاث عشرة سنة وثلاثة أشهر من وزارته وقبض معز الدولة أمواله وذخائره وصارت إليه وحواشيه ونظر في الامور بعده أبو الفضل العباس بن الحسين الشيرازي وأبو الفرج محمد بن العباس ابن فساغس ولم يلقب أحد منهما بوزارة
* (وفاة معز الدولة وولاية ابنه بختيار) * ولما رجع معز الدولة إلى بغداد اشتد مرضه فعهد بالسلطنة إلى ابنه عز الدولة وتصدق وأعتق وتوفى في ربيع من سنة ست وخمسين لثنتين وعشرين سنة من سلطنته وولى ابنه عز الدولة بختيار وقد كان أوصاه بطاعة عمه ركن الدولة وبطاعته ابنه عضد الدولة لانه كان أكبر سنا وأخبر بالسياسة ووصاه بحاجبه سبكتكين وبكاتبيه أبى الفضل العباس وأبى الفرج فخالف وصاياه وعكف على اللهو وأوحش هؤلاء ونفى كبار الديلم شرها في اقطاعاتهم وشغب عليه الاصاعد فذادهم واقتدى بهم الاتراك وجاء أبو الفرج محمد بن العباس من عمان بعد أن سلمها إلى نواب عضد الدولة الذين كانوا في أمداده وخشى أن يؤمر بالمقام بها وينفرد أبو الفضل صاحبه بالوزارة ببغداد فكان كما ظن ثم انتقض بالبصرة حبشي بن معز الدولة على أخيه بختيار سنة ست وخمسين فبعث الوزير أبو الفضل العباس فسار موريا بالاهواز ونزل واسط وكتب إلى حبشي بأنه جاء ليسلمه البصرة وطلب منه المعونة على أمره فأنفذ إليه مائتي ألف درهم وأرسل الوزير خلال ذلك إلى عسكر الاهواز أن يوافوه بالابلة لموعد ضربه لهم فوافوه وكبسوا حبشيا بالبصرة وحبسوه برامهرمز ونهبوا أمواله وكان من جملة ما أخذ له عشرة آلاف مجلد من الكتب وبعث ركن الدولة بتخليص حبشي ابن أخيه وجعله عند عضد الدولة فأقطعه إلى أن مات سنة سبع وستين(3/426)
* (عزل أبى الفضل ووزارة ابن بقية) * لما ولى أبو الفضل وزارة بختيار كثر ظلمه وعسفه وكان محمد بن بقية من حاشية بختيار وكان يتولى له المطبخ فلما كثر شغب الناس من أبى الفضل عزله بختيار سنة ثنتين وستين وولى مكانه محمد بن بقية فانتشر الظلم أكثر وخربت النواحى وظهرت العيارون ووقعت الفتن بين الاتراك وبختيار فأصلح ابن بقية بينهم وركب سبكتكين بالاتراك
إلى بختيار ثم أفسد بينهم وتحرك الديلم على سبكتكين وأصحابه فأرضاهم بختيار بالمال ورجعوا عن ذلك كان ناصر الدولة بن حمدان قد قبض عليه ابنه أبو ثعلب وحبسه سنة ست وخمسين وطمع في المسير إلى بغداد وجاء أخوه حمدان وابراهيم فازعين إلى بختيار ومستنجدين به فشغل عنهما بما كان فيه من شأن البطيحة وعمان حتى إذا قضى وطره من ذلك وعزل أبا الفضل الوزير واستوزر ابن بقية حمله على ذلك وأغراه به فسار إلى الموصل ونزلها في ربيع الآخر سنة ثلاث وستين ولحق أبو ثعلب بسنجار بأصحابه وكتابه ودواوينه ثم سار إلى بغداد وبعث بختيار في أثره الوزير ابن بقية وسبكتكين فدخل ابن بقية بغداد وأقام سبكتكين يحاربه في ظاهرها ووقعت الفتنة داخل بغداد في الجانب الغربي بين أهل السنة والشيعة واتفق سبكتكين وأبو ثعلب على أن يقبضا على الخليفة والوزير وأهل بختيار ويعود سبكتكين إلى بغداد مستوليا وأبو ثعلب إلى الموصل ثم اقصر سبكتكين عن ذلك وتوقف وجاءه الوزير ابن بقية وأرسلوا إلى أبى ثعلب في الصلح وأن يضمن البلاد ويرد على أخيه حمدان أقطاعه وأملاكه الا ماردين وعاد أبو ثعلب إلى الموصل ورحل بختيار وسار سبكتكين للقائه واجتمع بختيار وأبو ثعلب على الموصل وطلب أبو ثعلب زوجته ابنة بختيار وأن يحط عنه من الضمان ويلقب لقبا سلطانيا فأجيب إلى ذلك خشية منه ورحل بختيار إلى بغداد وسر أهل الموصل برحيله لما نالهم منه وبلغه في طريقه ان أبا ثعلب قتل قوما من أصحابه وكانوا استأمنوا لبختيار وزحفوا النقل أهلهم وأموالهم فاشتد ذلك عليه وكتب إلى الوزير أبى طاهر بن بقية والحاجب ابن سبكتكين يستقدمهما في العساكر فجاؤا وعادوا إلى الموصل وعزم على طلبه حيث سار فأرسل أبو ثعلب في الصلح وجاء الشريف أبو أحمد الموسوي والد الشريف الرضى وحلف على العلم في قتل أولئك المستأمنة وعاد الصلح والاتفاق كما كان ورجع بختيار إلى بغداد وبعث ابنته إلى
زوجها أبى ثعلب * (الفتنة بين بختيار وسبكتكين والاتراك) *(3/427)
كان بختيار قد قلت عنده الاموال وكثرت مطالب الجند وشغبهم فكان يحاول على جمع الاموال فتوجه إلى الموصل لذلك ثم رجع فتوجه إلى الاهواز ليجد دريعه إلى مصادرة عاملها وتخلف عنه سبكتكين والاتراك الذين معه ووقعت فتنة بين الاتراك والديلم بالاهواز واقتتلوا ولج الاتراك في طلب ثارهم وأشار عليه أصحاب الديلم بقبض رؤساء الاتراك وقوادهم ففعل وكان من جملتهم عامل الاهواز وكاتبه ونهبت أموالهم وبيوتهم ونودى في البلد باستباحتهم وبلغ الخبر إلى سبكتكين وهو ببغداد فنقض طاعة بختيار وركب في الاتراك وحاصر داره يومين وأحرقها وأخذ أخويه وأمهما فبعثهم إلى واسط في ذى القعدة سنة ثلاث وستين وانحدر المطيع معهم فرده وترك الاتراك في دور الديلم ونهبوها وثارت العامة مع سبكتكين لان الديلم كانوا شيعة وسفكت الدماء وأحرق الكرخ وظهر أهل السنة * (خلع المطيع وولاية الطائع) * كان المطيع قد أصابه الفالج وعجز عن الحركة وكان يتستر به وانكشف حاله بسبكتكين في هذه الواقعة فدعاه إلى أن يخلع نفسه ويسلم الخلافة عبد الكريم ففعل ذلك منتصف ذى القعدة سنة ثلاث وستين لست وعشرين سنة ونصف من خلافته وبويع ابنه عبد الكريم ولقب الطائع * (الصوائف) * وعادت الصوائف منذ استبد ناصر الدولة بن حمدان بالموصل وأعمالها وملك سيف الدولة أخوه مدينتي حلب وحمص سنة ثلاث وثلاثين فصار أمر الصوائف إليه فنذكرها في أخبار دولتهم فقد كان لسيف الدولة فيها آثار وكان للروم في أيامه جولات
حسنت فيها مدافعته وأما الولايات فانقطعت منذ استيلاء معز الدولة على العراق وانقسمت الدولة الاسلامية دولا نذكر ولايات كل منها في أخبارها عند انفرادها على ما شرطناه * (فتنة سبكتكين وموته وامارة افتكين) * لما وقع بختيار في الاتراك بالاهواز ما وقع وانتقض سبكتكين ببغداد عمد بختيار إلى من حبسه من الاتراك فأطلقهم وولى منهم على الاتراك زادويه الذى كان عامل الاهواز وسار إلى واسط للقائه واخويه وكتب إلى عمه ركن الدولة وابن عمه عضد الدولة يستنجدهما والى أبى ثعلب بن حمدان في المدد بنفسه ويسقط عنه مال(3/428)
الاقطاع والى عمران بن شاهين بالبطيحة كذلك فجهز إليه عمه ركن الدولة العسكر مع وزيره أبى الفتح بن العميد وكتب إلى ابن عمه عضد الدولة بالمسير معه فتثاقل وتربص بختيار طمعا في ملك العراق وأما عمران بن شاهين فدافع واعتذر بأن عسكره لا يفتكون في الديلم لما كان بينهم وأما أبو ثعلب فبعث أخاه أبا عبد الله الحسين في عسكر إلى تكريت فلما سار الاتراك عن بغداد إلى واسط لقتال بختيار وجاء هو إليها ليقيم الحجة في سقوط الاقطاع عنه ووجد الفتنة حامية بين العيارين فكف القسامة وانتظر ما يقع ببختيار فيدخل بغداد ويملكها ولما سار الاتراك إلى واسط حملوا معهم خليفتهم الطائع لله وأباه المطيع المخلوع وانتهوا إلى دير العاقول فهلك المطيع وسبكتكين معا وولى الاتراك عليهم افتكين من أكابر قوادهم ومولى معز الدولة فانتظم أمرهم وساروا إلى واسط وحاصروا بها بختيار خمسين يوما حتى اشتد عليه الحصار وهو يستحث عضد الدولة * (نكبة بختيار على يد عضد الدولة ثم عوده إلى ملكه) * لما تتابعت كتب بختيار إلى عضد الدولة باستحثاثه سار في عساكر فارس وجاءه
أبو القاسم بن العميد وزير أبيه إلى الاهواز في عساكر الرى وساروا إلى واسط وأجفل عنها افتكين والاتراك إلى بغداد ورجع أبو ثعلب إلى الموصل ولما جاء عضد الدولة إلى واسط سار إلى بغداد في الجانب الشرقي وسار بختيار في الجانب الغربي وحاصروا الاتراك ببغداد من جميع الجهات وأرسل بختيار إلى ضبة بن محمد الاسدي من أهل عين النمر والى أبى سنان وأبى ثعلب بن حمدان بقطع الميرة والاغارة على النواحى فغلا السعر ببغداد وثار العيارون ووقع النهب وكبس افتكين المنازل في طلب الطعام فعظم الهرج وخرج افتكين والاتراك للحرب فلقيهم عضد الدولة فهزمهم وقتل أكثرهم واستباحهم ولحقوا بتكريت وحملوا الخليفة معهم ودخل عضد الدولة إلى بغداد في جمادى سنة أربع وستين وحاول في رد الخليفة الطائع فرده وأنزله بداره وركب للقائه الماء في يوم مشهود ثم وضع الجند على بختيار فشغبوا عليه في طلب أرزاقهم وأشار عليه بالغلظة عليهم والاستعفاء من الامارة وانه عند ذلك يتوسط في الاصلاح فأظهر بختيار التخلي وصرف الكتاب والحجاب ثقة بعضد الدولة وتردد السفراء بينهم ثلاثا ثم قبض عضد الدولة على بختيار واخوته ووكل بهم وجمع الناس وأعلمهم بعجز بختيار ووعدهم بحسن النظر وقام بواجبات الخلافة وكان المرزبان بن بختيار أميرا بالبصرة فامتنع فيها على عضد الدولة وكتب إلى ركن الدولة يشكو ما جرى على أبيه بختيار من ابنه عضد الدولة ووزيره ابن العميد فأصابه من ذلك المقيم المقعد حتى(3/429)
لقد طرقه المرض الذى لم يستقل منه وكان ابن بقية وزير بختيار قد سار إلى عضد الدولة وضمنه واسط وأعمالها فانتقض عليه بها وداخل عمران بن شاهين في الخلافة فأجابه وكتب إلى سهل بن بشر وزير افتكين بالاهواز وقد كان عضد الدولة ضمنه اياها وبعثه إليها مع جيش بختيار فاستماله ابن بقية وخرجت إليه جيوش عضد الدولة فهزمهم وكاتب أباه ركن الدولة بالاحوال وأوعز ركن الدولة إليه والى المرزبان
بالبصرة على المسير بالعراق لاعادة بختيار واضطربت النواحى على عضد الدولة لانكار ابيه وانقطع عن مدد فارس وطمع فيه الاعداء فبعث أبا الفتح بن العميد إلى أبيه يعتذر عما وقع وان بختيار عجز ولا يقدر على المملكة وانه يضمن أعمال العراق بثلاثين ألف ألف درهم ويبعث بختيار واخوته إليه لينزله بأى الاعمال أحب ويخير أباه في نزوله العراق لتدبير الخلافة ويعود هو إلى فارس وتهدد أباه بقتل بختيار واخوته وجميع شيعهم ان لم يوافق على واحدة من هذه فخاف ابن العميد غائلة هذه الرسالة وأشار بارسال غيره وأن يمضى هو بعدها كالمصلح فبعث عضد الدولة غيره فلما ألقى الرسالة غضب ركن الدولة ووثب إلى الرسول ليقتله ثم رده بعد أن سكن غضبه وحمله إلى عضد الدولة من الشتم والتقريع على ما فعله وعلى ما يطلب منه من كل صعب من القول وجاء ابن العميد على اثر ذلك فحجبه وتهدده ثم لم يزل يسترضيه بجهده واعتذر بأن قبوله لهذه الرسالة حيلة على الوصول إليه والخلاص من عضد الدولة وضمن له اعادة عضد الدولة إلى فارس وتقرير بختيار بالعراق فأجاب عضد الدولة إلى ذلك وأفرج عن بختيار ورده إلى السلطنة على أن يكون نائبا عنه ويخطب عنه ويجعل أخاه أبا اسحق أمير الجيش لعجز بختيار ورد عليهم ما أخذ لهم وسار إلى فارس وأمر ابن العميد أن يلحق به بعد ثلاث فتشاغل مع بختيار باللذات ووعده أن يصير إلى وزارته بعد ركن الدولة وأرسل بختيار عن ابن بقية فقام بأمر الدولة واحتجن الاموال فإذا طولب بها دس للجند فشغبوا حتى تنكر له بختيار واستوحش هو * (خبر افتكين) * ولما نهزم افتكين من عضد الدولة بالمدائن لحق بالشأم ونزل قريبا من حمص وقصد ظالم ابن موهوب أمير بنى عقيل العلوية بالشأم فلم يتمكن منه وسار افتكين إلى دمشق وأميرها ريان خادم المعز لدين الله العلوى وقد غلب عليه الاحداث فخرج إليه مشيخة البلد وسألوه أن يملكهم ويكف عنهم شر الاحداث وظلم العمال واعتقاد
الرافضة فاستحلفهم على ذلك ودخل دمشق وخطب فيها للطائع في شعبان سنة أربع وستين ورجع أيدى العرب من ضواحيها وفتك فيهم وكثرت جموعه وأمواله وكاتب(3/430)
المعز بمصر يداريه بالانقياد فكتب يشكره ويستدعيه ليوليه من جهته فلم يثق إليه فتجهز لقصده ومات في طريقه سنة خمس وستين كما نذكر بقية خبره في دولتهم * (ملك عضد الدولة بغداد وقتل بختيار) * ولما انصرف عضد الدولة إلى فارس كما ذكرناه أقام بها قليلا ثم مات أبوه ركن الدولة سنة ست وستين بعد أن رضى عنه وعهد له بالملك كما نذكره في خبره فلما مات شرع بختيار ووزيره ابن بقية في استمالة أهل أعماله مثل أخيه فخر الدولة وحسنويه الكردى وطلب ابن حمدان وعمران بن شاهين في عدوانه فسار عضد الدولة لطلب العراق واستمد حسنويه وابن حمدان فواعداه ولم يبعداه فسار إلى الاهواز ثم سار إلى بغداد ولقيه بختيار فهزمه عضد الدولة واستولى على أمواله وأثقاله ولحق بواسط وحمل إليه ابن شاهين أموالا وهدايا ودخل إليه مؤكدا للاستجارة به ثم صعد إلى واسط وبعث عضد الدولة عسكرا إلى البصرة فملكوها وكانت مصر شيعة له دون ربيعة وجمع بختيار ما كان له ببغداد والبصرة في واسط وقبض على ابن بقية وأرسل عضد الدولة في الصلح واختلفت الرسائل وجاءه عبد الرزاق وبدر ابنا حسنويه في ألف فارس مددا فانتقض وسار إلى بغداد وسار عضد الدولة إلى واسط ثم إلى البصرة فأصلح بين ربيعة ومضر بعد اختلافهم مائة وعشرين سنة ثم دخلت سنة سبع وستين فقبض عضد الدولة على أبى الفتح بن العميدي وزير أبيه وجدع أنفه وسمل احدى عينيه لما بلغه عنه في مقامه بالفرات عند بختيار ولما اطلع عليه من مكاتبته اياه فبعث إلى أخيه فخر الدولة بالرى بالقبض عليه وعلى أهله فقبض عليه وأخذ داره بما فيها ثم سار عضد الدولة إلى بغداد سنة سبع وستين وبعث إلى بختيار يخيره في الاعمال فأجاب إلى طاعته
وأمره بانفاذ ابن بقية إليه ففقأ عينيه وأنفذه وخرج عن بغداد بقصد الشأم ودخل عضد الدولة بغداد وخطب له بها وضرب على بابه ثلاث توتات ولم يكن شئ من ذلك لمن قبله وأمر بابن بقية فرمى بين الفيلة فقتلته ولما سار بختيار إلى الشأم ومعه حمدان أخو أبى ثعلب وانتهوا إلى عكبرا أحسن له حمدان وقصد الموصل وكان عضد الدولة قد استحلفه أن لا يدخل ولاية أبى ثعلب فنكث وقصدها وجاءته رسل أبى ثعلب بتكريت في اسلام أخيه حمدان إليه فيمده بنفسه ويعيده إلى ملكه فقبض على حمدان وبعثه مع نوابه فحبسه وسار أبو ثعلب إليه في عشرين ألف مقاتل وزحفوا إلى بغداد ولقيهما عضد الدولة فهزمهما وأمر ببختيار فقتل صبرا في عدة من أصحابه لاحدى عشرة سنة من ملكه(3/431)
* (استيلاء عضد الدولة على ملك بنى حمدان) * ثم سار عضد الدولة بعد الهزيمة ومقتل بختيار إلى الموصل فملكها منتصف ذى القعدة من سنة سبع وستين وكان حمل معه الميرة والعلوفات فأقام في رغد وبث السراة في طلب أبى ثعلب وراسله في ضمان البلاد على عادته فلم يجبه فسار إلى نصيبين ومعه المرزبان بن بختيار وأبو اسحق وطاهر أخو بختيار وأمهم فبعث عضد الدولة عسكرا إلى جزيرة ابن عمر مع حاجبه أبى عمر لحرب طغان وعسكرا إلى نصيبين مع أبى الوفاء طاهر بن محمد ففارقها أبو ثعلب إلى ميا فارقين واتبعه أبو الوفاء إليها فامتنعت عليه ولحق أبو ثعلب بأردن الروم ثم بالحسنية من أعمال الجزيرة وتتبع أبو ثعلب قلاعه وأخذ أمواله في كواشى وغيرها وعاد إلى ميا فارقين ثم سار عضد الدولة إليه بنفسه واستأمن إليه كثير من أصحابه ورجع إلى الموصل وبعث العسكر في اتباعه فدخل بلاده فصاهره ورد الرومي المملك عليهم في غير بيت الملك ليستعين به على أمره واتبعه عسكر عضد الدولة فهزمهم ونجا إلى بلاد الروم لمساعدة ورد على شأنه لما يؤمل
من نصرته اياه واتفق ان وردا انهزم فيئس منه أبو ثعلب وعاد إلى بلاد الاسلام ونزل بآمد شهرين حتى فتح عضد الدولة جميع بلاده كما يذكر في أخبار دولتهم واستخلف أبا الوفاء على الموصل وعاد إلى بغداد وانقطع ملك بنى حمدان عن الموصل حينا من الدهر * (وفاة عضد الدولة وولاية ابنه صمصام الدولة) * ثم توفى عضد الدولة في شوال سنة ثنتين وسبعين لخمس سنين ونصف من ملكه واجتمع القواد والامراء على ولاية ابنه كاليجار المرزبان وبايعوه ولقبوه صمصام الدولة وجاءه الطائع معزيا في أبيه وبعث اخويه أبا الحسين أحمد وأبا طاهر فيروز شاه فانتقض أخوهم شرف الدولة بكرمان إلى فارس وسبق إليها أخويه وملكها وأقاما بالاهواز وقطع خطبة صمصام الدولة أخيه وخطب لنفسه وتلقب تاج الدولة وبعث إليه صمصام الدولة عسكرا صحبة على بن دنقش حاجب أبيه وبعث شرف الدولة عسكره مع الامير أبى الاغر دفليس بن عفيف الاسدي والتقيا عند قرقوب فانهزم ابن دنقش في ربيع سنة ثلاث وسبعين وأسر واستولى أبو الحسن على الاهواز ورامهرمز وطمع في الملك ثم ان اسفار بن كردويه من أكابر الديلم قام بدعوة شرف الدولة ببغداد سنة خمس وسبعين واستمال كثيرا من العسكر واتفقوا على ولاية أبى نصر بن عضد الدولة نائبا عن أخيه شرف الدولة وراسلهم صمصام الدولة في الرجوع عن ذلك فلم يزدهم الا تماديا واجابه فولاد بن مابدرار أنفة من متابعة اسفار وقاتله فهزمه وأخذ أبا مضل أسيرا(3/432)
وأحضره عند أخيه صمصام الدولة واتهم وزيره ابن سعدان بمداخلتهم فقتله ومضى اسفار إلى أبى الحسين بن عضد الدولة وباقى الديلم إلى شرف الدولة وسار شرف الدولة إلى الاهواز فملكها من يد أخيه الحسين ثم ملك البصرة من يد أخيه أبى طاهر وراسله صمصام الدولة في الصلح فاتفقوا على الخطبة لشرف الدولة بالعراق وبعث إليه بالخلع والالقاب من الطائع
* (نكبة صمصام الدولة وولاية أخيه شرف الدولة) * لما ملك شرف الدولة من يد أخيه أبى طاهر سار إلى واسط فملكها وعمد صمصام الدولة إلى أخيه أبى نصر وكان محبوسا عنده فأطلقه وبعثه إلى أخيه شرف الدولة بواسط يستعطفه به فلم يلتفت إليه وجزع صمصام الدولة واستشار أصحابه في طاعة أخيه شرف الدولة فخوفوه عاقبته وأشار بعصهم بالصعود إلى عكبرا ثم منها إلى الموصل وبلاد الجبل حتى يحدث من أمر الله في فتنة بين الاتراك والديلم أو غير ذلك ما يسهل العود وأشار بعضهم بمكاتبة عمه فخر الدولة والمسير على طريق اصبهان فيخالف شرف الدولة إلى فارس فربما يقع الصلح على ذلك فأعرض صمصام الدولة عن ذلك كله وركب البحر إلى أخيه شرف الدولة فتلقاه وأكرمه ثم قبض عليه لاربع سنين من امارته وسار إلى بغداد في شهر رمضان من سنة ست وسبعين فوصلها وأخوه صمصام الدولة في اعتقاله واستفحل ملكه واستطال الديلم على الاتراك بكثرتهم فانهم بلغوا خمسة عشر ألفا والاتراك ثلاثة آلاف ثم كثرت المنازعات بينهم وعض الديلم بالاتراك وأرادوا اعادة صمصام الدولة إلى الملك ثم اقتتلوا فغلبهم الديلم وقتلوا منهم وغنموا أموالهم وسار بعضهم فذهب في الارض ودخل الآخرون مع شرف الدولة إلى بغداد وخرج لطائع لتلقيه وهنأه وأصلح شرف الدولة بين الفريقين وبعث صمصام الدولة إلى فارس فاعتقل بها واستوزر شرف الدولة أبا منصور بن صالحان * (ابتداء دولة باد وبنى مروان بالموصل) * قد تقدم لنا ان عضد الدولة استولى على ملك بنى حمدان بالموصل سنة سبع وستين ثم استولى على ميا فارقين وآمد وسائر ديار بكر من أعمالهم وعلى ديار مضر أيضا من اعمالهم سنة ثمان وستين وولى عليها أبا الوفاء من قواده وذهب ملك بنى حمدان من هذه النواحى وكان في ثغور ديار بكر جماعة من الاكراد الحميدية مقدمهم أبو عبد الله الحسين بن دوشتك ولقبه باد وكان كثير الغزو بتلك البلاد واخافة سبلها وقال
ابن الاثير حدثنى بعض أصدقائنا من الاكراد الحميدية أن اسمه باد وكنيته أبو شجاع(3/433)
وان الحسين هو أخوه وان أول أمره انه ملك أرجيش من بلاد أرمينية فقوى اه ولما ملك عضد الدولة الموصل حضر عنده وهم بقبضه ثم سأل عنه فافتقده وكف عن طلبه فلما مات عضد الدولة استفحل أمره واستولى على ميا فارقين وكثير من ديار بكر ثم على نصيبين وقال ابن الاثير سار من أرمينية إلى ديار بكر فملك ثم ميا فارقين وبعث صمصام الدولة إليه العساكر مع أبى سعيد بهرام بن أردشير فهزمهم وأسر جماعة منهم فبعث عساكر أخرى مع أبى القاسم سعيد بن الحاجب فلقيهم في بلد كواشى وهزمهم وقتل منهم وأسر ثم قتل الاسرى صبرا ونجا سعيد إلى الموصل وباد في اتباعه فثار به أهل الموصل نفورا من سوء سيرة الديلم فهرب منها ودخل باد وملك الموصل وحدث نفسه بالمسير إلى صمصام الدولة ببغداد وانتزاع بغداد من يد الديلم واحتفل فيه ولقيهم باد في صفر من سنة أربع وسبعين فهزموه وملكوا الموصل ولحق باد بديار بكر وجمع عليه عساكر وكان بنو سيف الدولة بن حمدان بحلب قد ملكها معهم سعد الدولة ابنه بعد مهلكه فبعث إليه صمصام الدولة أن يكفيه أمر باد على أن يسلم إليه ديار بكر فبعث سعد الدولة إليه جيشا فلم يكن لهم طاقة وزحفوا إلى حلب فبعث سعد الدولة من اغتاله في مرقده بخيمته من البادية وضربه فاعتل واشفى على الموت وبعث إلى سعد وزياد الاميرين بالموصل فصالحهما على أن تكون ديار بكر والنصف من طور عبدين لباد ورجع زياد إلى بغداد وهو الذى جاء بعساكر الديلم وانهزم باد أمامه ثم توفى سعد الحاجب بالموصل سنة سبع وسبعين فتجدد لباد الطمع في ملكها وبعث شرف الدولة على الموصل أبا نصر خواشاذه فدخل الموصل واستمد العساكر والاموال فأبطأت عنه فدعا العرب من بنى عقيل وبنى نمير وأقطعهم البلاد ليدافعوا عنها واستولى باد على طور عبدين وأقام بالجبل وبعث أخاه في عسكر لقتال العرب فانهزم وقتل وبينما
خواشاذه يتجهز لقتال باد جاءه الجند بموت شرف الدولة ثم جاء أبو ابراهيم وأبو الحسين ابنا ناصر الدولة بن حمدان أميرين على الموصل من قبل بهاء الدولة وبقيت في ملكهما إلى سنة احدى وثمانين فبعث بهاء الدولة عسكرا مع أبى جعفر الحجاج بن هرمز فملكها وزحف إليه أبو الرواد محمد بن المسيب أمير بنى عقيل فقاتله وبالغ في مدافعته واستمد بهاء الدولة فبعث إليه الوزير أبا القاسم على بن أحمد وسار أول سنة ثنتين وثمانين وكتب إلى أبى جعفر بالقبض عليه بسعاية ابن المعلم وشعر الوزير بذلك فصالح أبا الرواد ورجع ووجد بهاء الدولة قد قبض على ابن المعلم وقتله * (وفاة شرف الدولة وملك بهاء الدولة) * ثم توفى شرف الدولة أبو الفوارس شرزيك بن عضد الدولة في جمادى سنة تسع وسبعين(3/434)
لسنتين وثمانية أشهر من امارته ودفن بمشهد على بعد أن طالت علته بالاستسقاء وبعث وهو عليل إلى أخيه صمصام الدولة بفارس فشمله وبعث ابنه أبا على إلى بلاد فارس ومعه الخزائن والعدد وجملة من الاتراك وسئل شرف الدولة في العهد فملكه وأبى أن يعهد واستخلف أخاه بهاء الدولة لحفظ الامور في حياته فلما مات قعد في المملكة وجاء الطائع للعزاء وخلع عليه للسلطنة فأقر أبا منصورر بن صالحان على وزارته وبعث أبا طاهر ابراهيم وأبا عبد الله الحسن ابني ناصر الدولة بن حمدان إلى الموصل وكان في خدمته شرف الدولة فاستأذنا بهاء الدولة بعد موته في الاصعاد إلى الموصل فأذن لهما ثم ندم على ما فرط في أمرهما وكتب إلى خواشاذه بمدافعتهما فامتنعا وجاآ ونزلا بظاهر الموصل وثار أهل الموصل بالديلم والاتراك وخرجوا إلى بنى حمدان وقاتلوا الديلم فهزموهم وقتل الديلم كثيرا منهم واعتصم الباقون بدار الامارة فأخرجوهم على الامان ولحقوا ببغداد وملك بنو حمدان الموصل وكان أبو على بن شرف الدولة لما انصرف إلى فارس بلغه موت ابنه بالبصرة فبعث العيال والاموال في البحر إلى أرجان
وثار هو إليها ثم سار إلى شيراز فوافاه بها عمه صمصام الدولة وأخوه أبو طاهر قد أطلقهما الموكلون بهما ومعهما قولاد وجاؤا إلى شيراز واجتمع عليهم الديلم وخرج أبو على إلى الاتراك فاجتمعوا عليه وقاتل صمصام الدولة والديلم أياما ثم سار إلى نسا فملكها وقتل الديلم بها ثم سار إلى أرجان وبعث الاتراك إلى شيراز لقتال صمصام الدولة فنهبوا البلد وعادوا إليه بأرجان ثم بعث بهاء الدولة إلى على ابن أخيه يستقدمه واستمال الاتراك سرا فحملوا أبا على على المسير إليه فسار في جمادى سنة ثمانين فأكرمه ثم قبض عليه وقتله ثم وقعت الفتنة ببغداد بين الاتراك والديلم واقتتلوا خمسة أيام ثم راسلهم بهاء الدولة في الصلح فلم يجيبوا وقتلوا رسله فظاهر الاتراك عليهم فغلبوهم واشتدت شوكة الاتراك من يومئذ وضعف أمر الديلم وصالح بينهم على ذلك وقبض على بعض الديلم وافترقوا * (خروج القادر إلى البطيحة) * كان اسحق بن المقتدر لما توفى ترك ابنه أبا العباس أحمد الذى لقب بالقادر فجرت بينه وبين أخت له منازعة في ضيعة ومرض الطائع مرضا مخوفا ثم أبل فسعت تلك الاخت بأخيها وانه طلب الخلافة في مرض الطائع فأنفذ أبا الحسين بن حاجب النعمان في جماعة للقبض عليه وكان بالحريم الظاهرى فغلبهم النساء عليه وخرج من داره متسترا ثم لحق بالبطيحة ونزل على مهذب الدولة فبالغ في خدمته إلى أن أتاه بشير الخلافة(3/435)
* (فتنة صمصام الدولة) * لما تغلب صمصام الدولة على بلاد فارس وجاء أبو على شرف الدولة إلى عمه بهاء الدولة فقتله كما ذكرنا سار بهاء الدولة من بغداد إلى خوزستان سنة ثمانين وثلثمائة قاصدا بلاد فارس واستخلف أبا نصر خواشاذه على بغداد ولما بلغ خوزستان أتاه نعى أخيه
أبى طاهر فجلس للعزاء به ثم سار إلى أرجان فملكها وأخذ ما فيها من الاموال وكان ألف ألف دينار وثمانية آلاف درهم وكثيرا من الثياب والجواهر وثغب الجند لذلك فأطلق تلك الاموال كلها لهم ثم سارت مقدمته وعليها أبو العلاء بن الفضل إلى النوبند جان وبها عسكر صمصام الدولة فانهزموا وثبت أبو العلاء بن الفضل في نواحى فارس ثم بعث صمصام الدولة عسكره وعليهم قولاد بن مابدان فهزموا أبا العلاء وعاد إلى ارجان وجاءه صمصام الدولة من شيراز إلى قولاد ثم وقع الصلح على أن يكون لصمصام الدولة بلاد فارس وارجان ولبهاء الدولة خوزستان وما وراءها من ملك العراق وأن يكون لكل واحد منهما اقطاع في بلد صاحبه وتعاقدا على ذلك ورجع بهاء الدولة إلى بغداد فوجد الفتنة بين أهل السنة والشيعة بجانب بغداد وقد كثر القتل والنهب والتخريب فأصلح ذلك وكان قبل سيره إلى خوزستان قبض على وزيره أبى منصور بن صالحان واستوزر أبا نصر سابور بن أردشير وكان الحكم والتدبير في دولته لابي الحسين ابن المعلم * (خلع الطائع وبيعة القادر) * ثم ان بهاء الدولة قلت عنده الاموال وكثر شغب الجند ومطالباتهم وقبض على وزيره سابور فلم يغن عنه وامتدت عيناه إلى أموال الطائع وهم بالقبض عليه وحسن له ذلك أبو الحسين ابن المعلم الغالب على هواه فتقدم إلى الطائع بالجيوش لحضوره في خدمته فجلس وجلس بهاء الدولة على كرسى ثم جاء بعض الديلم يقبل يد الطائع فجذبه عن سريره وأخرجه ونهب قصور الخلافة وفشا النهب في الناس وحمل الطائع إلى دار بهاء الدولة فأشهد عليه بالخلع سنة احدى وثمانين لسبع عشرة سنة وثمانية أشهر من خلافته وأرسل بهاء الدولة خواص أصحابه إلى البطيحة ليحضروا القادر بالله أبا العباس أحمد ابن اسحق بن المقتدر ليبايعوه فجاؤا به بعد أن بايع مهذب الدولة صاحب البطيحة في خدمته وسار بهاء الدولة وأعيان الناس لتلقيه فتلقوه برحيل ودخل دار الخلافة لننتى عشرة ليلة خلت من رمضان وخطب له صبيحتها وكانت مدة اقامته بالبطيحة
ثلاث سنين غير شهر ولم يخطب له بخراسان وأقاموا على بيعة الطائع فأنزله بحجرة من قصره ووكل عليه من يقوم بخدمته على أتم الوجوه وأجرى أحواله على ما كان عليه(3/436)
في الخلافة إلى أن توفى سنة ثلاث وتسعين فصلى عليه ودفنه * (ملك صمصام الدولة الاهواز وعودها لبهاء الدولة ثم استيلاؤه ثانيا عليها) * قد تقدم نا ما وقع بين بهاء الدولة وصمصام الدولة من الصلح على أن يكون له فارس ولبهاء الدولة خوزستان وما وراءها وذلك سنة ثمان ولما كانت سنة ثلاث وثمانين تحيل بهاء الدولة فبعث أبا العلاء عبد الله بن الفضل إلى الاهواز على أن يبعث إليه الجيوش مفترقة فإذا اجتمعت كبس بلاد فارس على حين غفلة وشعر صمصام الدولة بذلك قبل اجتماع العساكر فبعث عساكره إلى خوزستان ثم جاءت عساكر العراق والتقوا فانهزم أبو العلاء وحمل إلى صمصام الدولة أسيرا فاعتقله وبعث بهاء الدولة وزيره أبا نصر ابن سابور إلى واسط يحاول له جمع المال فهرب إلى مهذب الدولة صاحب البطيحة ثم كثر شغب الديلم على بهاء الدولة ونهبوا دار الوزير نصر بن سابور واستعفى واستوزر أبا القاسم على بن أحمد ثم هرب وعاد سابور إلى الوزارة وأصلح الديلم ثم أنفذ بهاء الدولة عسكره إلى الاهواز سنة أربع وثمانين وعليهم طغان التركي وانتهوا إلى السوس فارتحل عنها أصحاب صمصام الدولة وملكها طغان وكان أكثر أصحابه الترك وأكثر أصحاب صمصام الدولة الديلم ومعه تميم وأسد فزحف إلى طغان بالاهواز وأسرى من تستر ليكبس الاتراك الذين مع طغان فقتل في طريقه وأصبح دونهم بمرأى منهم فركبوا لقتاله وأكمنوا له ثم قاتلوه فهزموه وفتكوا في الديلم بالقتل حربا وصبرا وجاء الخبر إلى بهاء الدولة بواسط فسار إلى الاهواز فترك بها طغان ورجع ولحق صمصام الدولة بفارس فاستلحم من وجد بها من الاتراك وهرب فلهم إلى كرمان واستأذنوا ملك السند في اللحاق بأرضه فأذن لهم ثم ركب لتلقيهم فقتلهم عن آخرهم ثم جهز صمصام الدولة
عساكره إلى الاهواز مع العلاء بن الحسين وكان افتكين برامهرمز من قبل بهاء الدولة مكان أبى كالبجار المرزبان بن سفهيعون وجاء بهاء الدولة إلى خوزستان للعلاء قائد صمصام الدولة وكاتبه وكاتب افتكين وابن مكرم إلى أن قرب منهم وملك البلد من أيديهم وأقاموا بظاهرها واستمدوا بهاء الدولة فأمدهم بثمانين من الاتراك فقتلوهم عن آخرهم وسار بهاء الدولة نحو الاهواز ثم عاد إلى البصرة وعاد ابن مكرم إلى عسكر مكرم والعلاء والديلم في اتباعه إلى أن جاوزوا تستر إليه فاقتتلوا طويلا وأصحاب بهاء الدولة من تستر إلى رامهرمز وهم الاتراك وأصحاب صمصام لدولة من تستر إلى ارجان فاقتتلوا ستة أشهر ورجعوا إلى الاهواز ثم رحل الاتراك إلى واسط واتبعهم العلاء قليلا ثم رجع وأقام بعسكر مكرم(3/437)
* (ملك صمصام الدولة البصرة) * لما رحل بهاء الدولة إلى البصرة استأمن كثير من الديلم الذين معه إلى العلاء نحو من أربعمائة فبعثهم مع قائده السكرستان إلى البصرة وقاتلوا أصحاب بهاء الدولة ومال إليهم أهل البلد ومقدمهم أبو الحسن بن أبى جعفر العلوى وارتاب بهم بهاء الدولة فهرب الكثير منهم إلى السكرستان وحملوه في السفن فأدخلوه البصرة وخرج بهاء الدولة وأصحابه فكتب إلى مهذب الدولة صاحب البطيحة يغريه بالبصرة فبعث إليها جيشا مع قائده عبد الله بن مرزوق فغلب عليها السكرستان وملكها لمهذب الدولة ثم عاد السكرستان وقاتلها وكاتب مهذب الدولة بالصلح والطاعة والخطبة له بالبصرة وأعطى ابنه رهينة على ذلك فأجابه وملك البصرة وعسف بهم وكان يظهر طاعة صمصام الدولة وبهاء الدولة ومهذب الدولة ثم ان العلاء بن الحسن نائب صمصام الدولة بخورستان توفى بعسكر مكرم فبعث مكانه أبا على اسمعيل بن أستاذ هرمز وسار إلى جنديسابور فدفع عنها أصحاب بهاء الدولة وأزاح الاتراك عن ثغر خراسان جملة وعادوا إلى واسط
وكاتب جماعة منهم ففزعوا إليه ثم زحف إليهم أبو محمد مكرم والاتراك وجرت بينهم وقائع ثم انتقض أبو على اسمعيل بن أستاذ هرمز ورجع إلى طاعة بهاء الدولة وهو بواسط سنة ثمان وثمانين فاستوزره ودبر أمره واستدعاه إلى مظاهرة قائده ابن مكرم بعسكر مكرم فسار إليه وكانت من اسمعيل خديعة تورط فيها بهاء الدولة واستمد بدر بن حسويه فأمده بعض الشئ وكاد يهلك ثم جاءه الفرج بقتل صمصام الدولة * (مقتل صمصام الدولة) * كان صمصام الدولة بن عضد الدولة مستوليا على فارس كما ذكرناه وكان أبو القاسم وأبو نصر ابنا بختيار محبوسين ببعض قلاع فارس فجرد الموكلين بهما في القلعة وأخرجوا عنها واجتمع اليهما من الاكراد وكان جماعة من الديلم استوحشوا من صمصام الدولة لما أسقطهم من الديوان فلحقوا بابنى بختيار وقصدوا ارجان وتجهز صمصام الدولة إليهم وكان أبو على ابن استاذ هرمز مقيما بنسا فثار به الجند وحبسه ابنا بختيار ثم نجا وقصد صمصام الدولة القلعة التى على شيراز ليمتنع فيها إلى أن يأتيه المدد فلم يمكنه أن يأتيها من ذلك وأشار عليه باللحاق بأبى على بن أستاذ هرمز أو بالاكراد وجاءته منهم طائفة فخرج معهم بأمواله فنهبوه وسار إلى الرودمان على مرحلتين من شيراز وجاء أبو النصر ابن بختيار إلى شيراز فقبض صاحب الرودمان على صمصام الدولة وأخذه منه أبو نصر(3/438)
وقتله في ذى الحجة سنة ثمان وثمانين لتسع سنين من امارته على فارس * (استيلاء بهاء الدولة على فارس) * ولما قتل صمصام الدولة وملك ابنا بختيار بلاد فارس كتبا إلى أبى على بن أستاذ هرمز في الاهواز بأخذ الطاعة لهما من الديلم ومحاربة بهاء الدولة فخافهما أبو على بما كان من قتله أخويهما وأغرى الديلم بطاعة بهاء الدولة وراسله واستحلفه لهم فحلف وضمن
لهم غائلة الاتراك الذين معه وأغراهم بثار أخيه من ابني بختيار فدخلوا في طاعته وجاءه وفد من أعيانهم فاستوثقوا منه وكتبوا إلى من كان بالسوس منهم بذلك وركب بهاء الدولة إلى نائب السوس فقاتلوه أولا ثم اجتمعوا عليه وساروا إلى الاهواز ثم إلى رامهرمز وارجان وملكوا سائر بلاد خورستان وسار أبو على بن اسمعيل إلى شيراز وقاتلها وتسرب إليه أصحاب ابني بختيار فاستولى على شيراز سنة تسع وثمانين ولحق أبو نصر بن بختيار ببلاد الديلم وأبو القاسم ببدر بن حسويه ثم بالبطيحة وكتب أبو على إلى بهاء الدولة بالفتح فجاءه وترك شيراز وأحرق قرية الرودمان حيث قتل أخوه صمصام الدولة واستأصل أهلها وبعث عسكرا مع أبى الفتح إلى جعفر بن أستاذ هرمز إلى كرمان فملكها ولما لحق أبو القاسم بن بختيار ببلاد الديلم كاتب من هنالك الديلم الذين بكرمان وفارس تسلمهم فأجابوه وسار إلى بلاد فارس واجتمع عليه كثير من الزط والديلم والاتراك ثم سار إلى كرمان وبها أبو جعفر بن أستاذ هرمز فهزمه إلى السرجان ومضى ابن بختيار إلى جيرفت فملكها وأكثر كرمان وبعث بهاء الدولة الموفق بن على ابن اسمعيل في العساكر إلى جيرفت فاستأمن إليه من كان بها من أصحاب بختيار وملكها وتجرد في جماعة من شجعان أصحابه لاتباع ابن بختيار فلحقه بدارين وقاتله فغدر به بعض أصحابه فقتله وحمل رأسه إلى الموفق واستولى على بلاد كرمان واسمعيل عليها وعاد إلى بهاء الدولة فتلقاه وعظمه واستعفى الموفق من الخدمة فلم يعفه ولج الموفق في ذلك فقبض عليه بهاء الدولة وكتب إلى وزيره سابور بالقبض على ذويه ثم قتله سنة أربع وتسعين واستعمل بهاء الدولة أبا محمد مكرما على عمان * (الخبر عن وزراء بهاء الدولة) * قد ذكرنا ان بهاء الدولة كان استوزر أبا نصر بن سابور بن أردشير ببغداد وقبض على وزيره أبى منصور بن صالحان قبل مسيره إلى خورستان وان أبا الحسن بن المعلم كان يدبر دولته وذلك منذ سنة ثمانين فاستولى ابن المعلم على الامور وانصرفت إليه
الوجوه فأساء السيرة وسعى في أبى نصر خواشاذه وأبى عبد الله بن طاهر فقبضهما بهاء(3/439)
الدولة مرجعه من خورستان وشغب الجند وطلبوا تسليمه إليهم ولاطفهم فلم يرجعوا فقبض عليه وسلمه إليهم فقتلوه وذلك سنة ثنتين وثمانين ثم قبض على وزيره أبى نصر بالاهواز سنة احدى وثمانين واستوزر أبا القاسم عبد العزيز بن يوسف ثم استوزر بعده أبا القاسم على بن أحمد وقبض عليه سنة ثنتين وثمانين لاتهامه بمداخلة الجند في أمر ابن المعلم واستوزر أبا نصر بن سابور وأبا منصور بن صالحان جميعا وشغب الجند على أبى نصر ونهبوا داره سنة ثلاث وثمانين فاستعفي رفيقه ابن صالحان فاستوزر أبا القاسم على بن أحمد ثم هرب وعاد أبو نصر إلى الوزارة بعد أن أصلح أمور الديلم فاستوزر مكانه الفاضل وقبض عليه سنة ست وثمانين واستوزر أبا نصر سابور بن أردشير فبقى شهرين وفرق أموال بهاء الدولة في القواد ثم العرب إلى البطيحة فاستوزر بهاء الدولة مكانه عيسى بن ماسرخس * (ولاية العراق) * كان بهاء الدولة منذ استولى على فارس سنة تسع وثمانين أقام بها وولى على خورستان والعراق أبا جعفر الحجاج بن هرمز فنزل بغداد ولقيه عميد الدولة فساءت سيرته وفسدت أموال البلاد وعظمت الفتنة ببغداد بين الشيعة وأهل السنة وتطاول الدعار والعيارون فعزله بهاء الدولة سنة تسعين وولى مكانه أبا على الحسن بن أستاذ هرمز ولقيه عميد الجيوش فأحسن السيرة وحسم الفتنة وحمل إلى بهاء الدولة أموالا جليلة ثم ولى مكانه سنة احدى وتسعين أبا نصر سابور وثار به الاتراك ببغداد فهرب منهم ووقعت الفتنة بين أهل الكرخ والاتراك وكان أهل السنة مع الاتراك ثم مشى الاعلام بينهم في الصلح فتهادنوا * (انقراض دول وابتداء أخرى في النواحى) *
وفى سنة ثمانين ابتدأت دولة بنى مروان بديار بكر بعد مقتل خالهم باد وقد مر ذكره وفى سنة ثنتين وثمانين انقرضت دولة بنى حمدان بالموصل وابتدئت دولة بنى المسيب من عقيب كما نذكرها وفى سنة أربع وثمانين انقرضت دولة بنى سامان من خراسان وابتدئت دولة بنى سبكتكين فيها وفى سنة تسع وثمانين انقرضت دولة بنى سامان مما وراء النهر وانفسمت بنو سبكتكين وملك القان ملك الترك وفى سنة ثمان وثمانين ابتدئت دولة بنى حسنويه الاكراد بخراسان وفى سنة تسع وتسعين كان ابتداء دولة بنى صالح بن مرداس من بنى كلاب بحلب كما نستوفي سياقة أخبارهم في دولهم منفردة كما شرطناه(3/440)
* (ظهور بنى مزيد) * وفى سنة سبع وثمانين خرج أبو الحسن على بن مزيد في قومه بنى أسد ونقض طاعة بهاء الدولة فبعث إليه العساكر فهرب أمامهم وأبعد حتى امتنع عليهم ثم بعث في الصلح والاستقامة وراجع الطاعة ثم رجع إلى انتقاضه سنة ثنتين وتسعين واجتمع مع قرواش بن المقلد صاحب الموصل وقومه بنى عقيب فحاصروا المدائن ثم بعث إليهم أبو جعفر الحجاج وهو نائب بغداد العساكر فدفعوهم عنها وخرج الحجاج واستنجد خفاجة فجاء من الشأم وقاتل بنى عقيب وبنى أسد فهزموه ثم خرج إليهم ولقيهم بنواحي الكوفة فهزمهم وأثخن فيهم بالقتل والاسر واستباح ملك بنى مزيد وظهر في بغداد في مغيب أبى جعفر من الفتة والفساد والقتل والنهب ما لا يحصى فكان ذلك السبب في أن بعث بهاء الدولة أبا على بن جعفر أستاذ هرمز كما مر ولقيه عميد الجيوش فسكن الفتنة وأمن الناس ولما عزل أبو جعفر أقام بنواحي الكوفة وارتاب به أبو على فجمع الديلم والاتراك وخفاجة وسار إليه واقتتلوا بالنعمانية وذلك سنة ثلاث وتسعين فانهزم أبو جعفر وسار أبو على إلى خورستان ثم إلى السوس فعاد أبو جعفر إلى الكوفة
ورجع أبو على في اتباعه فلم تزل الفتنة بينهما وكل واحد منهما يستنجد ببنى عقيب وبنى أسد وخفاجة حتى أرسل بهاء الدولة عن أبى على وبعثه إلى البطيحة لفتنة بنى واصل كما نذكره في دولتهم ولما كانت سنة سبع وتسعين جمع أبو جعفر وسار لحصار بغداد وأمده ابن حسنويه أمير الاكراد وذلك أن عميد الجيوش ولى على طريق خراسان أبا الفضل ابن عنان وكان عدو البدر بن حسنويه فارتاب لذلك واستدعى أبا جعفر وجمع له جموعا من أمراء الاكراد منهم هندي بن سعد وأبو عيسى شادى بن محمد ورزام بن محمد وكان أبو الحسن على بن مزيد الاسدي انصرف عن بهاء الدولة مغاضبا له فسار معهم وكانوا عشرة آلاف وحاصروا بغداد وبها أبو الفتح بن عنان شهرا ثم جاءهم الخبر بانهزام ابن واصل بالبطيحة الذى سار عميد الجيوش إليه فافترقوا وعاد ابن مزيد إلى بلده وسار أبو جعفر إلى حلوان وأرسل بهاء الدولة في الطاعة وحضر عنده بتستر فأعرض عنه رغبا لعميد الجيوش * (فتنة بنى مزيد وبنى دبيس) * كان أبو الغنائم محمد بن مزيد مقيما عند اصهاره بنى دبيس في جزيرتهم بخورستان فقتل أبو الغنائم بعض رجالاتهم ولحق بأخيه أبى الحسن فانحدر أبو الحسن إليهم في ألفى فارس واستمد عميد الجيوش فأمده بعسكر من الديلم ولقيهم فانهزم أبو الحسن وقتل(3/441)
أخوه أبو الغنائم * (ظهور دعوة العلوية بالكوفة والموصل) * وفى أول المائة الخامسة خطب قرواش بن المقلد أمير بنى عقيل لصاحب مصر الحاكم العلوى في جميع أعماله وهى الموصل والانبار والمدائن والكوفة فبعث القادر القاضى أبا بكر الباقلانى إلى بهاء الدولة يعرفه فأكرمه وكتب إلى عميد الجيوش بمحاورة قرواش وأطلق له مائة ألف دينار يستعين بها وسار عميد الجيوش لذلك فراجع
قراوش الطاعة وقطع خطبة العلويين وكان ذلك داعيا في كتابه المحضر بالطعن في نسب العلوية بمصر شهد فيه الرضى والمرتضى وابن البطحاوي وابن الازرق والزكى وأبو يعلى عمر بن محمد ومن العلماء والقضاة ابن الاكفانى وابن الجزرى وأبو العباس الابى وردى وأبو حامد الاسفراينى والكستلى والقدورى والصهيرى وأبو عبد الله البيضاوى وأبو الفضل النسوي وأبو عبد الله النعمان فقيه الشيعة ثم كتب ببغداد محضر آخر بمثل ذلك سنة أربع وأربعين وزيد فيه انتسابهم إلى الديصانية من المجوس وبنى القداح من اليهود وكتب فيه العلوية والعباسية والفقهاء والقضاة وعملت به نسخ وبعث بها إلى البلاد * (وفاة عميد الجيوش وولاية فخر الملك) * كان عميد الجيوش أبو على بن أبى جعفر أستاذ هرمز وكان أبو جعفر هذا من حجاب عضد الدولة وجعل ابنه أبا على في خدمة ابن صمصام الدولة فلما قتل رجع إلى خدمة بهاء الدولة ولما استولى الخراب على بغداد وظهر العيارون بعثه بهاء الدولة عليها فأصلحها وقمع المفسدين ومات لثمان سنين ونصف من ولايته إلى أول المائة الخامسة وولى بهاء الدولة مكانه بالعراق فخر الملك أبا غالب فوصل بغداد وأحسن السياسة واستقامت الامور به واتفق لاول قدومه وفاة أبى الفتح محمد بن عنان صاحب طريق خراسان بحلوان لعشرين سنة من امارته وكان كثير الاجلاب على بغداد فلما توفى ولى ابنه أبو الشوك وقام مقامه فبعث فخر الملك العساكر لقتاله فهزموه إلى حلوان ثم راجع الطاعة وأصلح حاله * (مقتل فخر الملك وولاية ابن سهلان) * كان فخر الملك أبو غالب من أعظم وزراء بنى بويه وولى نيابة بغداد لسلطان الدولة خمس سنين وأربعة أشهر ثم قبض عليه وقتله في ربيع سنة ست واربعمائة وولى مكانه أبا محمد الحسن بن سهلان ولقبه عميد أصحاب الجيوش وسار سنة تسع إلى بغداد وجرد من الطريق مع طراد بن دشير الاسدي في طلب مهارش ومضر ابني دشير وكان مضر قد(3/442)
قبض عليه قديما بأمر فخر الملك فأراد أن يأخذ جزيرة بنى أسد منه ويوليها طرادا فساروا عن المدار واتبعهم ولحق الحسن بن دبيس آخرهم فأوقع به واستباحه ثم استأمن له مضر ومهارش فأمنهما وأشرك معهما طرادا في الجزيرة ورجع وأنكر عليه سلطان الدولة فعله ووصل إلى واسط والفتنة قائمة فأصلحها ثم بلغه اشتداد الفتن ببغداد فسار وأصلحها وكان أمر الديلم قد ضعف ببغداد وخرجوا إلى واسط * (الفتنة بين سلطان الدولة وأخيه أبى الفوارس) * قد ذكرنا ان سلطان الدولة لما ملك بعد أبيه بهاء الدولة ولى أخاه أبا الفوارس على كرمان فلما سار إليها اجتمع إليه الديلم وحملوه على الانتقاض وانتزاع الملك من يد أخيه فسار سنة ثمان إلى شيراز ثم سار منها ولقيه سلطان الدولة فهزمه وعاد إلى كرمان واتبعه سلطان الدولة فخرج هاربا من كرمان ولحق محمود بن سبكتكين مستنجدا به فأكرمه وأمده بالعساكر وعليهم أبو سعيد الطائى من أعيان قواده فسار إلى كرمان وملكها ثم إلى شيراز كذلك وعاد سلطان الدولة لحربه فهزمه وأخرجه من بلاد فارس إلى كرمان وبعث الجيوش في اثره فانتزعوا كرمان منه ولحق بشمس الدولة بن فخر الدولة بن بويه صاحب همذان وترك ابن سبكتكين لانه أساء معاملة قائده أبى سعيد الطائى ثم فارق شمس الدولة إلى مهذب الدولة صاحب البطيحة فأكرمه وبعث إليه أخوه جلال الدولة من البصرة مالا وثيابا وعرض عليه المسير إليه فأبى وأرسل أخاه سلطان الدولة في المراجعة وأعاده إلى ولاية كرمان وقبض سلطان الدولة سنة تسع على وزير بن فانجس واخوته وولى مكانه أبا غالب الحسن بن منصور * (خروج الترك من الصين) * وفى سنة ثمان وأربعين خرجت من المفازة التى بين الصين وما وراء النهر أمم عظيمة من الترك تزيد على ثلثمائة ألف خيمة ويسمون الخيمة جذكان ويتخذونها من الجلود وكان
معظمهم من الخطا قد ظهروا في ملك تركستان فمرض ملكها طغان فساروا إليها وعاثوا فيها ثم أبل طغان واستنفر المسلمين من جميع النواحى وسار إليهم في مائة وعشرين ألفا فهزموا امامه واتبعهم مسيرة ثلاثة أشهر ثم كبسهم فقتل منهم نحوا من مائتي ألف وأسر مائة ألف وغنم من الدواب والبيوت وأواني الذهب والفضة من معمول الصين ما لا يعبر عنه * (ملك مشرف الدولة وغلبه على سلطان الدولة) * لم يزل سلطان الدولة ثابت القدم في ملكه بالعراق إلى سنة احدى عشرة وأربعمائة(3/443)
فشغب عليه الجند ونادوا بشعار أخيه مشرف الدولة فأشير عليه بحبسه فعف عن ذلك وأراد الانحدار إلى واسط فطلبه الجند في الاستخلاف فاستخلف أخاه مشرف الدولة على العراق وسار إلى الاهواز فلما بلغ تستر استوزر سهلان وقد كان اتفق مع أخيه مشرف الدولة الوزير ابن سهلان أن لا يستوزره فاستوحش لذلك مشرف الدولة وبعث سلطان الدولة الوزير ابن سهلان ليخرجه من العراق فجمع أتراك واسط وأبا الاغر دبيس ابن على بن مزيد ولقى ابن سهلان عند واسط فهزمه وحاصره بها حتى اشتد حصاره وجهده الحصار فصالحه ونزل عن واسط فملكها في ذى الحجة من سنة احدى عشرة وسار الديلم الذين بواسط في خدمته وسار أخوه جلال الدولة أبو طاهر صاحب البصرة إلى وفاقه وخطب له ببغداد وقبض على ابن سهلان وكحله وسار سلطان الدولة إلى ارجان ثم رجع إلى الاهواز وثار عليه الاتراك الذين هنالك ودعوا بشعار مشرف الدولة وخرجوا إلى السابلة فأفسدوها وعاد مشرف الدولة إلى بغداد فخطب له بها سنة ثنتى عشرة وطلب منه الديلم أن ينحدروا إلى بيوتهم بخورستان فبعث معهم وزيره أبا غالب فلما وصلوا إلى الاهواز انتقضوا ونادوا بشعار سلطان الدولة وقتلوا أبا غالب لسنة ونصف من وزارته ولحق الاتراك الذين كانوا معه بطراد بن دبيس بالجزيرة وبلغ سلطان الدولة قتل أبى
غالب وافتراق الديلم فأنفذ ابنه أبا كاليجار إلى الاهواز وملكها ثم وقع الصلح بينهما على يد أبى محمد بن أبى مكرم ومؤيد الملك الرخجى على أن تكون العراق لمشرف الدولة وفارس وكرمان لسلطان الدولة واستوزر مشرف الدولة أبا الحسين بن الحسن الرخجى ولقبه مويد الملك بعد قتل أبى غالب ومصادرة ابنه أبى العباس ثم قبض عليه سنة أربع عشرة بعد حول من وزارته بسعاية الاثير الخادم فيه واستوزر مكانه أبا القاسم الحسين ابن على بن الحسين المغربي كان أبوه من أصحاب سيف الدولة بن حمدان وهرب إلى مصر وخدم الحاكم فقتله وهرب ابنه أبو القاسم هذا إلى الشأم وحمل حسان بن الفرج ابن الجراح الطائى على نقض طاعة الحاكم والبيعة لابي الفتوح الحسن بن جعفر العلوى أمير مكة فاستقدمه إلى الرملة وبايعه ثم خلفه وعاد إلى مكة وقصد أبو القاسم العراق واتصل بالوزير فخر الملك وأمره القادر بابعاده فلحق بقرواش أمير الموصل وكتب له ثم عاد إلى العراق وتنقلت به الحال إلى أن وزر بعد مؤيد الملك الرخجى وكان خبيثا محتالا حسودا ثم قدم مشرف الدولة إلى بغداد سنة أربع عشرة ولقيه القادر ولم يلق أحدا قبله * (الخبر عن وحشة الاكراد وفتنة الكوفة) * كان الاثير عنبر الخادم مستوليا في دولة مشرف الدولة الوزير أبى القاسم المغربي عديله في حملها فنقم الاتراك عليهما وطلب من مشرف الدولة الخراج من بغداد خوفا على(3/444)
انفسهما فخرج معهما غضبا على الاتراك ونزلوا على قرواش بالسندية واستعظم الاتراك ذلك وبعثوا بالاعتذار والرغبة وقال أبو القاسم المغربي دخل بغداد انما هو أربعمائة ألف وخرجها ستمائة فاتركوا مائة وأحتمل مائة فأجابوه إلى ذلك خداعا وشعر بوصولهم فهرب لعشرة أشهر من وزارته ثم كانت فتنة بالكوفة بين العلوية والعباسية وكان لابي القاسم المغربي صهر وصداقة في العلوية فاستعدى العباسيون المغربي عليهم فلم يعدهم لمكان المغربي وأمرهم بالصلح فرجعوا إلى الكوفة واستمد
كل واحد منهم خفاجة فأمدوهم وافترقوا عليهم واقتتل العلوية والعباسية فغلبهم العلوية ولحقوا ببغداد ومنعوا الخطبة يوم الجمعة وقتلوا بعض قرابة العلوية الذين بالكوفة فعهد القادر للمرتضى أن يصرف أبا الحسن على بن أبى طالب ابن عمر عن نقابة الكوفة ويردها إلى المختار صاحب العباسية وبلغ ذلك المغربي عند قرواش بسر من راى فشرع في ارغام القادر وبعث القادر إلى قرواش يطرده فلحق بابن مروان في ديار بكر * (وفاة مشرف الدولة وولاية أخيه جلال الدولة) * ثم توفى مشرف الدولة أبو على بن بهاء الدولة سنة ست عشرة في ربيع لخمس سنين من ملكه وولى مكانه بالعراق أخوه أبو طاهر جلال الدولة صاحب البصرة وخطب له ببغداد واستقدم فبلغ واسط ثم عاد إلى البصرة فقطعت خطبته وخطب ببغداد في شوال لابن أخيه أبى كاليجار بن سلطان الدولة وهو بخورستان يحارب عمه أبا الفوارس صاحب كرمان وسمع جلال الدولة بذلك فبادر إلى بغداد ومعه وزيره أبو سعد ابن ماكولا ولقيه عسكرها فردوه أقبح رد ونهبوا خزائنه فعاد إلى البصرة واستحثوا أبا كاليجار فتباطأ لشغله بحرب عمه وسار إلى كرمان لقتال عمه فملكها واعتصم عمه بالجبال ثم تراسلا واصطلحا على أن تبقى كرمان لابي الفوارس وتكون بلاد فارس لابي كاليجار * (قدوم جلال الدولة إلى بغداد) * ولما رأى الاتراك اختلال الاحوال وضعف الدولة بفتنة العامة وتسلط العرب والاكراد بحصار بغداد وطمعهم فيها وأنهم بقوا فوضى وندموا على ما كان منهم في رد جلال الدولة اجتمعو إلى الخليفة يرغبون إليه أن يحضر جلال الدولة من البصرة ليقيم أمر الدولة فبعث إليه القاضى أبا جعفر السمنانى بالعهد عليه وعلى القواد فسار جلال الدولة إلى بغداد في جمادى من سنة ثمان عشرة وركب الخليفة في الطيار لتلقيه فدخل ونزل التجيبى وأمر بضرب الطبل في أوقات الصلوات ومنعه الخليفة من ذلك فقطعه(3/445)
مغاضبا ثم أذن له الخليفة فيه فأعاده وأرسل مؤيد الملك أبا على الرخجى إلى الاثير عنبر الخادم عند قرواش يستدعيه يعتذر عن الاتراك ثم شغب الاتراك عليه سنة تسع عشرة وحاصروه بداره وطلبوا من الوزير ابى على بن ماكولا أرزاقهم ونهبوا دوره ودور الكتاب والحواشي وبعث القادر من أصلح بينهم وبينه فسكن شغبهم ثم خالفوا أبا كاليجار بن سلطان الدولة إلى البصرة فملكها ثم ملك كرمان بعد وفاة صاحبها قوام الدولة أبى الفوارس ابن بهاء الدولة كما نذكر في أخبارهم في دولتهم عند افرادها بالذكر فنستوفي أخبارهم ودول سائر بنى بويه وبنى وشمكير وبنى المرزبان وغيرهم من الديلم في النواحى * (مسير جلال الدولة إلى الاهواز) * كان نور الدولة دبيس بن على بن مزيد صاحب الحلة ولم تكن الحلة يومئذ بمدينة قد خطب لابي كاليجار لمضايقة المقلد بن أبى الاغر الحسن بن مزيد وجمع عليه منيعا أمير بنى خفاجة وعساكر بغداد فخطب هو لابي كاليجار واستدعاه لملك واسط وبها الملك العزيز ابن جلال الدولة فلحق بالنعمانية وتركها وضيق عليه نور الدولة من كل جهة فتفرق ناس من أصحابه وهلك الكثير من أثقاله واستولى أبو كاليجار على واسط ثم خطب له في البطيحة وأرسل إلى قرواش صاحب الموصل وعنده الاثير عنبر يستدعيهما إلى بغداد فانحدر عنبر إلى الكحيل ومات به وقعد قرواش وجمع جلال الدولة عساكره ببغداد واستمد أبا الشوك وغيره وانحدر إلى واسط وأقام هنالك من غير قتال وضاقت عليه الاحوال واعتزم أبو كاليجار على مخالفته إلى بغداد وجاءه كتاب أبى الشوك بزحف عساكر محمود بن سبكتكين إلى العراق ويشير بالصلح والاجتماع لمدافعتهم فأنفذ أبو كاليجار الكتاب لجلال الدولة فلم ينته عن قصده ودخل الاهواز فنهبها وأخذ من دار الامارة مائتي ألف دينار واستباح العرب والاكراد سائر البلد وحمل حريم كاليجار إلى
بغداد سبيا فماتت أمه في الطريق وسار أبو كاليجار لاعتراض جلال الدولة وتخلف عنه دبيس لدفع خفاجة عن أصحابه واقتتلوا في ربيع سنة احدى وعشرين ثلاثة أيام فانهزم أبو كاليجار وقتل من أصحابه ألفان ودبيس لما فارق أبا كاليجار وصل إلى بلده وجمع إليه جماعة من قومه وكانوا منتقضين عليه بالجامعين فأوقع بهم وحبس منهم وردهم إلى وفاقه ثم لقى المقلد بن أبى الاغر وعساكر جلال الدولة فانهزم امامهم وأسر جماعة من أصحابه وسار منهزما إلى أبى سنان غريب بن مكين فأصلح حاله مع جلال الدولة وأعاده إلى ولايته على ضمان عشرة آلاف دينار وسمع بذلك المقلد فجمع خفاجة ونهبوا النيل وسورا وأحرقوا منازلها ثم عبر المقلد إلى أبى الشوك فأصلح أمره مع جلال(3/446)
الدولة ثم بعث جلال الدولة سنة احدى وعشرين عسكره إلى المدار فملكها من يد أصحاب أبى كاليجار واستباحوها وبعث أبو كاليجار عسكره لمدافعتهم فهزموهم وثار أهل البلد بهم فقتلوهم ولحق من نجا منهم بواسط وعادت المدار إلى أبى كاليجار * (استيلاء جلال الدولة على البصرة ثانيا وانتزاعها منه) * لما استولى جلال الدولة على واسط نزل بها ولده وبعث وزيره أبا على بن ماكولا إلى البطائح فملكها ثم بعثه إلى البصرة وبها أبو منصور بختيار بن على من قبل أبى كاليجار فسار في السفن وعليهم أبو عبد الله الشرابى صاحب البطيحة فلقى بختيار وهزمه ثم سار الوزير أبو على في اثره في السفن فهزمه بختيار وسيق إليه أسيرا فأكرمه وبعثه إلى أبى كاليجار فأقام عنده وقتله غلمانه خوفا منه لقبيح منهم اطلع عليه وكان قد أحدث في ولايته رسوما جائرة ومكوسا فاضحة ولما أصيب الوزير أبو على بعث جلال الدولة من كان عنده من جند البصرة فقاتلوا عسكر أبى كاليجار وهزموهم وملكوا البصرة ونجا من كان بها إلى أبى منصور بختيار بالابلة وبعث السفن لقتال من بالبصرة فظفر بهم أصحاب جلال الدولة فسار بختيار بنفسه وقاتلهم وانهزم وقتل وأخذ كثير
من السفهاء وعزم الاتراك بالبصرة على المسير إلى الابلة وطلبوا المال من العامل فاختلفوا وتنازعوا وافترقوا ورجع صاحب البطيحة واستأمن آخرون إلى أبى الفرج ابن مسافجس وزير أبى كاليجار وجاء إلى البصرة فملكها ثم توفى بختيار ملك البصرة وقام بعده صهره أبو القاسم بطاعة أبى كاليجار في البصرة ثم استوحش وانتقض وبعث بالطاعة لجلال الدولة وخطب له وبعث إلى ابنه العزيز بواسط يستدعيه فسار إليه وأخرج عساكر ابى كاليجار وأقام معه إلى سنة خمس وعشرين والحكم لابي القاسم ثم أغراه الديلم به وانه يتغلب عليهم فأخرجه العزيز وامتنع بالابلة وحاربهم أياما وأخرج العزيز عن البصرة ولحق بواسط وعاد أبو القاسم إلى طاعة أبى كاليجار * (وفاة القادر ونصب القائم) * ثم توفى القادر بالله سنة ثنتين وعشرين وأربعمائة لاحدى وعشرين سنة وأربعة أشهر من خلافته وكانت الخلافة قبلها قد ذهب رونقها بجسارة الديلم والاتراك عليها فأعاد إليها أبهتها وجدد ناموسها وكان له في قلوب الناس هيبة ولما توفى نصب للخلافة ابنه أبو جعفر عبد الله وقد كان أبوه بايع له بالعهد في السنة قبلها لمرض طرقه وأرجف الناس بموته فبويع الآن واستقرت له الخلافة ولقب القائم بأمر الله وأول من بايعه الشريف المرتضى وبعث القاضى أبا الحسن الماوردى إلى أبى كاليجار ليأخذ عليه(3/447)