حتى أدركوا كنه اللغة وصاروا من أهلها فهم وإن كانوا عجما في النسب فليسوا باعجام
في اللغة والكلام لانهم أدركوا الملة في عنفوانها واللغة في شبابها ولم تذهب آثار الملكة ولامن أهل الامصار ثم عكفوا على الممارسة والمدارسة لكلام العرب حتى استولوا على غايته واليوم الواحد من العجم إذا خالط أهل اللسان العربي بالامصار فاول ما يجد تلك الملكة المقصودة من اللسان العربي ممتحية الآثار ويجد ملكتهم الخاصة بهم ملكة أخرى مخالفة لملكة اللسان العربي ثم إذا فرضنا أنه أقبل على الممارسة لكلام العرب وأشعارهم بالمدارسة والحفظ يستفيد تحصيلها فقل أن يحصل له ما قدمناه من أن الملكة إذا سبقتها ملكة اخرى في المحل فلا تحصل إلا ناقصة مخدوشة وإن فرضنا أعجميا في النسب سلم من مخالطة اللسان العجمي بالكلية وذهب إلى تعلم هذه الملكة بالمدارسة فربما يحصل له ذلك لكنه من الندور بحيث لا يخفى عليك بما تقرر وربما يدعي كثير ممن ينظر في هذه القوانين البيانية حصول هذا الذوق له بها وهو غلط أو مغالطة وإنما حصلت له الملكة إن حصلت في تلك القوانين البيانية وليست من ملكة العبارة في شئ والله يهدي من يشاء إلى طريق مستقيم الفصل الثالث والاربعون في ان اهل الامصار على الاطلاق قاصرون في تحصيل هذه الملكة اللسانية التي تستفاد بالتعليم ومن كان منهم ابعد عن اللسان العربي كان حصولها له اصعب واعسر والسبب في ذلك ما يسبق إلى المتعلم من حصول ملكة منافية للملكة المطلوبة بما سبق إليه من اللسان الحضري الذي أفادته العجمة حتى نزل بها اللسان عن ملكته الاولى إلى ملكة أخرى هي لغة الحضر لهذا العهد ولهذا نجد المعلمين يذهبون إلى المسابقة بتعليم اللسان للولدان وتعتقد النحاة أن هذه المسابقة بصناعتهم وليس كذلك وإنما هي بتعليم هذه الملكة بمخالطة اللسان وكلام
العرب نعم صناعة النحو أقرب إلى مخالطة ذلك وما كان من لغات اهل الامصار أعرق في العجمة وأبعد عن لسان مضر قصر بصاحبه عن تعلم اللغة المضرية وحصول(1/564)
ملكتها لتمكن المنافاة حينئذ واعتبر ذلك في أهل الامصار فاهل أفريقية والمغرب لما كانوا أعرق في العجمة وأبعد عن اللسان الاول كان لهم قصور تام في تحصيل ملكته بالتعليم ولقد نقل ابن الرقيق أن بعض كتاب القيروان كتب إلى صاحب له يا أخي ومن لاعدمت فقده أعلمني أبو سعيد كلاما أنك كنت ذكرت أنك تكون مع الذين تاتي وعاقنا اليوم فلم يتهيأ لنا الخروج وأما أهل المنزل الكلاب من أمر الشين فقد كذبوا هذا باطلا ليس من هذا حرفا واحدا وكتابي إليك وأنا مشتاق إليك إن شاء الله وهكذا كانت ملكتهم في اللسان المضري شبيه بما ذكرنا وكذلك أشعارهم كانت بعيدة عن الملكة نازلة عن الطبقة ولم تزل كذلك لهذا العهد ولهذا ما كان بأفريقية من مشاهير الشعراء إلا ابن رشيق وابن شرف وأكثر ما يكون فيها الشعراء طارئين عليها ولم تزل طبقتهم في البلاغة حتى الآن مائلة إلى القصور وأهل الاندلس أقرب منهم إلى تحصيل هذه الملكة بكثرة معاناتهم وامتلائهم من المحفوظات اللغوية نظما ونثرا وكان فيهم ابن حيان المؤرخ إمام أهل الصناعة في هذه الملكة ورافع الراية لهم فيها وابن عبد ربه والقسطلي وأمثالهم من شعراء ملوك الطوائف لما زخرت فيها بحار اللسان والادب وتداول ذلك فيهم مئين من السنين حتى كان الانفضاض والجلاء أيام تغلب النصرانية وشغلوا عن تعلم ذلك وتناقص العمران فتناقص لذلك شان الصنائع كلها فقصرت الملكة فيهم عن شانها حتى بلغت الحضيض وكان من آخرهم صالح بن شريف ومالك بن مرحل من تلاميذ الطبقة الاشبيليين بسبتة وكتاب دولة ابن الاحمر في أولها وألقت الاندلس أفلاذ كبدها من أهل تلك الملكة بالجلاء إلى العدوة لعدوة
الاشبيلية إلى سبتة ومن شرقي الاندلس إلى أفريقية ولم يلبثوا إلى أن انقرضوا وانقطع سند تعليمهم في هذه الصناعة لعسر قبول العدوة لها وصعوبتها عليهم بعوج ألسنتهم ورسوخهم في العجمة البربرية وهي منافية لما قلناه ثم عادت الملكة من بعد ذلك إلى الاندلس كما كانت ونجم بها ابن بشرين وابن جابر وابن الجياب وطبقتهم ثم إبراهيم الساحلي الطريخي وطبقته وقفاهم ابن الخطيب من بعدهم الهالك هذا العهد شهيدا بسعاية أعدائه وكان له في اللسان ملكة لا تدرك واتبع أثره تلميذه وبالجملة(1/565)
فشان هذه الملكة بالاندلس أكثر وتعليمها أيسر وأسهل بما هم عليه لهذا العهد كما قدمناه من معاناة علوم اللسان ومحافظتهم عليها وعلى علوم الادب وسند تعليمها ولان أهل اللسان العجمي الذين تفسد ملكتهم إنما هم طارئون عليهم وليست عجمتهم أصلا للغة أهل الاندلس والبربر في هذه العدوة وهم أهلها ولسانهم لسانها إلا في الامصار فقط وهم فيها منغمسون في بحر عجمتهم ورطانتهم البربرية فيصعب عليهم تحصيل الملكة اللسانية بالتعليم بخلاف أهل الاندلس واعتبر ذلك بحال أهل المشرق لعهد الدولة الاموية والعباسية فكان شانهم شان أهل الاندلس في تمام هذه الملكة وإجادتها لبعدهم لذلك العهد عن الاعاجم ومخالطتهم إلا في القليل فكان أمر هذه الملكة في ذلك العهد أقوم وكان فحول الشعراء والكتاب أوفر لتوفر العرب وأبنائهم بالمشرق وانظر ما اشتمل عليه كتاب الاغاني من نظمهم ونثرهم فان ذلك الكتاب هو كتاب العرب وديوانهم وفيه لغتهم وأخبارهم وأيامهم وملتهم العربية وسيرتهم وآثار خلفائهم وملوكهم وأشعارهم وغناؤهم وسائر معانيهم له فلا كتاب أوعب منه لاحوال العرب وبقي أمر هذه الملكة مستحكما في المشرق في الدولتين وربما كانت فيهم أبلغ ممن سواهم ممن كان في الجاهلية كما نذكره بعد حتى تلاشى أمر العرب ودرست لغتهم وفسد كلامهم وانقضى أمرهم ودولتهم
وصار الامر للاعاجم والملك في أيديهم والتغلب لهم وذلك في دولة الديلم والسلجوقية وخالطوا أهل الامصار والحواضر حتى بعدوا عن اللسان العربي وملكته وصار متعلمها منهم مقصرا عن تحصيلها وعلى ذلك نجد لسانهم لهذا العهد في فني المنظوم والمنثور وإن كانوا مكثرين منه والله يخلق ما يشاء ويختار والله سبحانه وتعالى اعلم وبه التوفيق لا رب سواه الفصل الرابع والاربعون في انقسام الكلام إلى فني النظم والنثر إعلم أن لسان العرب وكلامهم على فنين في الشعر المنظوم وهو الكلام الموزون المقفى ومعناه الذي تكون أوزانه كلها على روي واحد وهو القافية وفي النثر وهو الكلام غير الموزون وكل واحد من الفنين يشتمل على فنون ومذاهب(1/566)
في الكلام فاما الشعر فمنه المدح والهجاء والرثاء وأما النثر فمنه السجع الذي يؤتي به قطعا ويلتزم في كل كلمتين منه قافية واحدة يسمى سجعا ومنه المرسل وهو الذي يطلق فيه الكلام إطلاقا ولا يقطع أجزاء بل يرسل إرسالا من غير تقييد بقافية ولا غيرها ويستعمل في الخطب والدعاء وترغيب الجمهور وترهيبهم وأما القرآن وإن كان من المنثور إلا أنه خارج عن الوصفين وليس يسمى مرسلا مطلقا ولا مسجعا بل تفصيل آيات ينتهي إلى مقاطع يشهد الذوق بانتهاء الكلام عندها ثم يعاد الكلام في الآية الاخرى بعدها ويثنى من غير التزام حرف يكون سجعا ولا قافية وهو معنى قوله تعالى الله نزل أحسن الحديث كتابا متشابها مثاني تقشعر منه جلود الذين يخشون ربهم وقال قد فصلنا الايات ويسمى آخر الآيات منها فواصل إذ ليست أسجاعا ولا التزم فيها ما يلتزم في السجع ولاهي أيضا قواف وأطلق اسم المثاني على آيات القرآن كلها على العموم لما ذكرناه واختصت بام القرآن للغلبة
فيها كالنجم للثريا ولهذا سميت السبع المثاني وانظر هذا مع ما قاله المفسرون في تعليل تسميتها بالمثاني يشهد لك الحق برجحان ما قلناه.
واعلم أن لكل واحد من هذه الفنون اساليب تختص به عند اهله ولا تصلح للفن الاخر ولا تستعمل فيه مثل النسيب المختص بالشعرو الحمد والدعاء المختص بالخطب والدعاء المختص بالمخاطبات وأمثال ذلك وقد استعمل المتأخرون أساليب الشعر وموازينه في المنثور من كثرة الاسجاع والتزام التقفية وتقديم النسيب بين يدي الاغراض وصار هذا المنثور إذا تأملته من باب الشعر وفنه ولم يفترقا إلا في الوزن واستمر المتأخرون من الكتاب على هذه الطريقة و استعملوها في المخاطبات السلطانية وقصروا الاستعمال في المنثور كله على هذا الفن الذي ارتضوه وخلطوا الاساليب فيه وهجروا المرسل وتناسوه وخصوصا أهل المشرق وصارت المخاطبات السلطانية لهذا العهد عنه الكتاب الغفل جارية على هذا الاسلوب الذي أشرنا إليه وهو غير صواب من جهة البلاغة لما يلاحظ في تطبيق الكلام على مقتضى الحال من أحوال المخاطب والمخاطب وهذا الفن المنثور المقفى أدخل المتأخرون فيه أساليب الشعر فوجب أن تنزه المخاطبات السلطانية عنه إذ أساليب الشعر تنافيها اللوذعية وخلط الجد بالهزل والاطناب في(1/567)
الاوصاف وضرب الامثال وكثرة التشبيهات والاستعارات حيث لا تدعو ضرورة إلى ذلك في الخطاب والتزام التقفية أيضا من اللوذعة والتزيين وجلال الملك والسلطان وخطاب الجمهور عن الملوك بالترغيب والترهيب ينافي ذلك ويباينه والمحمود في المخاطبات السلطانية الترسل وهو إطلاق الكلام وإرساله من غير تسجيع إلا في الاقل النادر وحيث ترسله الملكة إرسالا من غير تكلف له ثم إعطاء الكلام حقه في مطابقته لمقتضى الحال فان المقامات مختلفة ولكل مقام أسلوب يخصه من إطناب أو إيجاز أو حذف أو إثبات أو تصريح أو إشارة أو كناية
واستعارة وأما إجراء المخاطبات السلطانية على هذا النحو الذي هو على أساليب الشعر فمذموم وما حمل عليه أهل العصر إلا استيلاء العجمة على ألسنتهم وقصورهم لذلك عن إعطاء الكلام حقه في مطابقته لمقتضى الحال فعجزوا عن الكلام المرسل لبعد أمده في البلاغة وانفساح خطوبه وولعوا بهذا المسجع يلفقون به ما نقصهم من تطبيق الكلام على المقصود ومقتصى الحال فيه ويجبرونه بذلك القدر من التزيين بالاسجاع والالقاب البديعة ويغفلون عما سوى ذلك وأكثر من أخذ بهذا الفن وبالغ فيه في سائر أنحاء كلامهم كتاب المشرق وشعراؤه لهذا العهد حتى إنهم ليخلون بالاعراب في الكلمات والتصريف إذا دخلت لهم في تجنيس أو مطابقة يجتمعان معها فيرجحون ذلك الصنف من التجنيس ويدعون الاعراب ويفسدون بنية الكلمة عساها تصادف التجنيس فتأمل ذلك بما قدمناه لك تقف على صحة ما ذكرناه والله الموفق للصواب بمنه وكرمه والله تعالى أعلم.
الفصل الخامس والاربعون في انه لا تتفق الا جادة في فني المنظوم والمنثور معا إلا للاقل والسبب في ذلك أنه كما بيناه ملكة في اللسان فإذا تسبقت إلى محله ملكة أخرى قصرت بالمحل عن تمام الملكة اللاحقة لان تمام الملكات وحصولها للطبائع التي على الفطرة الاولى أسهل وأيسر وإذا تقدمتها ملكة أخرى كانت منازعة لها في المادة القابلة وعائقة عن سرعة القبول فوقعت المنافاة وتعذر التمام في الملكات الصناعية كلها على الاطلاق وقد برهنا عليه في موضعه بنحو من هذا(1/568)
البرهان فاعتبر مثله في اللغات فانها ملكات اللسان وهي بمنزلة الصناعة وانظر من تقدم له شئ من العجمة كيف يكون قاصرا في اللسان العربي أبدا فالاعجمي الذي سبقت له اللغة الفارسية لا يستولي على ملكة اللسان العربي ولا يزال قاصرا فيه
ولو تعلمه وعلمه وكذا البربري والرومي.
والافرنجي قل أن تجد أحدا منهم محكما لملكة اللسان العربي وما ذلك إلا لما سبق إلى ألسنتهم من ملكة اللسان الآخر حتى إن طالب العلم من أهل هذه الالسن إذا طلبه بين أهل اللسان العربي جاء مقصرا في معارفه عن الغاية والتحصيل وما أوتي إلا من قبل اللسان وقد تقدم لك من قبل أن الالسن واللغات شبيهة بالصنائع وقد تقدم لك أن الصنائع وملكاتها لا تزدحم وأن من سبقت له إجادة في صناعة فقل أن يجيد في أخرى أو يستولي فيها على الغاية والله خلقكم وما تعملون الفصل السادس والاربعون في صناعة الشعر ووجه تعلمه هذا الفن من فنون كلام العرب وهو المسمى بالشعر عندهم ويوجد في سائر اللغات إلا أننا الآن إنما نتكلم في الشعر الذي للعرب فان أمكن أن تجد فيه أهل الالسن الاخرى مقصودهم من كلامهم وإلا فلكل لسان أحكام في البلاغة تخصه وهو في لسان العرب غريب النزعة عزيز المنحى إذ هو كلام مفصل قطعا قطعا متساوية في الوزن متحدة في الحرف الاخير من كل قطعة من هذه القطعات عندهم بيتا ويسمى الحرف الاخير الذي تتفق فيه رويا وقافية ويسمى جملة الكلام إلى آخره قصيدة وكلمة وينفرد كل بيت منه بافادته في تراكيبه حتى كانه كلام وحده مستقل عما قبله وما بعده وإذا أفرد كان تاما في بابه في مدح أو تشبيب أو رثاء فيحرص الشاعر على إعطاء ذلك البيت ما يستقل في إفادته ثم يستأنف في البيت الآخر كلاما آخر لذلك ويستطرد للخروج من فن إلى فن ومن مقصود إلى مقصود بان يوطئ المقصود الاول ومعانيه إلى أن تناسب المقصود الثاني ويبعد الكلام عن التنافر كما يستطرد من التشبيب إلى المدح ومن وصف البيداء والطلول إلى وصف الركاب أو الخيل أو الطيف ومن وصف الممدوح إلى وصف(1/569)
قومه وعساكره ومن التفجع والعزاء في الرثاء إلى التاثر وأمثال ذلك ويراعي فيه اتفاق القصيدة كلها في الوزن الواحد حذرا من أن يتساهل الطبع في الخروج من وزن إلى وزن يقاربه فقد يخفى ذلك من أجل المقاربة على كثير من الناس ولهذه الموازين شروط وأحكام تضمنها علم العروض وليس كل وزن يتفق في الطبع استعملته العرب في هذا الفن وإنما هي أوزان مخصوصة تسميها أهل تلك الصناعة البحور وقد حصروها في خمسة عشر بحرا بمعنى أنهم لم يجدوا للعرب في غيرها من الموازين الطبيعية نظما.
واعلم أن فن الشعر من بين الكلام كان شريفا عند العرب ولذلك جعلوه ديوان علومهم وأخبارهم وشاهد صوابهم وخطائهم وأصلا يرجعون إليه في الكثير من علومهم وحكمهم وكانت ملكته مستحكمة فيهم شان الملكات كلها والملكات اللسانية كلها إنها تكتسب بالصناعة والارتياض في كلامهم حتى يحصل شبه في تلك الملكة والشعر من بين الكلام صعب المأخذ على من يريد اكتساب ملكته بالصناعة من المتأخرين لاستقلال كل بيت منه بانه كلام تام في مقصوده ويصلح أن ينفرد دون ما سواه فيحتاج من أجل ذلك إلى نوع تلطف في تلك الملكة حتى يفرغ الكلام الشعري في قوالبه التي عرفت له في ذلك المنحى من شعر العرب ويبرزه مستقلا بنفسه ثم يأتي ببيت اخر كذلك ثم ببيت ويستكمل الفنون الوافية بمقصوده ثم يناسب بين البيوت في موالاة بعضها مع بعض بحسب اختلاف الفنون التي في القصيدة ولصعوبة منحاه وغرابة فنه كان محكا للقرائح في استجادة أساليبه وشحذ الافكار في تنزيل الكلام في قوالبه ولا يكفي فيه ملكة الكلام العربي على الاطلاق بل يحتاج بخصوصه إلى تلطف ومحاولة في رعاية الاساليب التي اختصته العرب بهاو استعمالها ولنذكر هنا سلوك الاسلوب عند أهل هذه الصناعة وما يريدون بها في إطلاقهم
فاعلم أنها عبارة عندهم عن المنوال الذي ينسج فيه التراكيب أو القالب الذي يفرغ فيه ولا يرجع إلى الكلام باعتبار إفادته أصل المعنى الذي هو وظيفة الاعراب ولا باعتبار إفادته كمال المعنى من خواص التراكيب الذى هو وظيفة البلاغة والبيان ولا باعتبار الوزن كما استعملة العرب فيه الذي هو وظيفة العروض فهذه العلوم(1/570)
الثلاثة خارجة عن هذه الصناعة الشعرية وإنما يرجع إلى صورة ذهنية للتراكيب المنتظمة كلية باعتبار انطباقها على تركيب خاص وتلك الصورة ينتزعها الذهن من أعيان التراكيب وأشخاصها ويصيرها في الخيال كالقالب أو المنوال ثم ينتقي التراكيب الصحيحة عند العرب باعتبار الاعراب والبيان فيرصها فيه رصاكما يفعله البناء في القالب أو النساج في المنوال حتى يتسع القالب بحصول التراكيب الوافية بمقصود الكلام ويقع على الصورة الصحيحة باعتبار ملكة اللسان العربي فيه فان لكل فن من الكلام أساليب تختص به وتوجد فيه على أنحاء مختلفة فسؤال الطلول في الشعر يكون بخطاب الطلول كقوله يادار مية بالعلياء فالسند ويكون باستدعاء الصحب للوقوف والسؤال كقوله.
قفانسأل الدار التي خف أهلها.
أو باستبكاء الصحب على الطلل كقوله.
قفا نبك من ذكرى حبيب ومنزل.
أو بالاستفهام عن الجواب لمخاطب غير معين كقوله.
ألم تسأل فتخبرك الرسوم.
ومثل تحية الطلول بالامر لمخاطب غير معين بتحيتها كقوله.
حي الديار بجانب الغزل.
أو بالدعاء لها بالسقيا كقوله أسقى طلولهم أجش هزيم * وغدت عليهم نضرة ونعيم أو سؤاله السقيا لها من البرق كقوله يا برق طالع منزلا بالابرق * واحد السحاب لها حداء الاينق أو مثل التفجع في الجزع باستدعاء البكاء كقوله
كذا فليجل الخطب وليفدح الامر * وليس لعين لم يفض ماؤها عذر أو باستعظام الحادث كقوله.
أرأيت من حملوا على الاعواد.
أو بالتسجيل على الاكوان بالمصيبة لفقده كقوله منابت العشب لا حام ولاراع * مضى الردى بطويل الرمح والباع أو بالانكار على من لم يتفجع له من الجمادات كقول الخارجية أيا شجر الخابور مالك مورقا * كأنك لم تجزع على ابن طريف أو بتهنئة فريقه بالراحة من ثقل وطأته كقوله ألقى الرماح ربيعة بن نزار * أودى الردى بفريقك المغوار(1/571)
وأمثال ذلك كثير من سائر فنون الكلام ومذاهبه وتنتظم التراكيب فيه بالجمل وغير الجمل إنشائية وخبرية إسمية وفعلية متفقة وغير متفقة مفصولة وموصولة على ما هو شان التراكيب في الكلام العربي في مكان كل كلمة من الاخرى يعرفك فيه ما تسفيده بالارتياض في أشعار العرب من القالب الكلي المجرد في الذهن من التراكيب المعينة التي ينطبق ذلك القالب على جميعها فان مؤلف الكلام هو كالبناء أو النساج والصورة الذهنية المنطبقة كالقالب الذي يبنى فيه أو المنوال الذي ينسج عليه فان خرج عن القالب في بنائه أو عن المنوال في نسجه كان فاسدا ولا تقولن إن معرفة قوانين البلاغة كافية لذلك لانا نقول قوانين البلاغة إنما هي قواعد علمية قياسية تفيد جواز استعمال التراكيب على هيئتها الخاصة بالقياس وهو قياس علمي صحيح مطرد كما هو قياس القوانين الاعرابية وهذه الاساليب التي نحن نقررها ليست من القياس في شئ إنما هي هيئة ترسخ في النفس من تتبع التراكيب في شعر العرب لجريانها على اللسان حتى تستحكم صورتها فيستفيد بها العمل على مثالها والاحتذاء بها في كل تركيب من الشعر كما قدمنا ذلك في الكلام باطلاق وإن
القوانين العلمية من العربية والبيان لا يفيد تعليمه بوجه وليس كل ما يصح في قياس كلام العرب وقوانينه العلمية استعملوه وإنما المستعمل عندهم من ذلك أنحاء معروفة يطلع عليها الحافظون لكلامهم تندرج صورتها تحت تلك القوانين القياسية فإذا نظر في شعر العرب على هذا النحو وبهذه الاساليب الذهنية التي تصير كالقوالب كان نظرا في المستعمل من تراكيبهم لا فيما يقتضيه القياس ولهذا قلنا إن المحصل لهذه القوالب في الذهن إنما هو حفظ أشعار العرب وكلامهم وهذه القوالب كما تكون في المنظوم تكون في المنثور فإن العرب استعملوا كلامهم في كلا الفنين وجاءوا به مفصلا في النوعين ففي الشعر بالقطع الموزونة والقوا في المقيدة واستقلال الكلام في كل قطعة وفي المنثور يعتبرون الموازنة والتشابه بين القطع غالبا وقد يقيدونه بالاسجاع وقد يرسلونه وكل واحدة من هذه معروفة في لسان العرب والمستعمل منها عندهم هو الذي يبني مؤلف الكلام عليه تأليفه ولا يعرفه إلا من حفظ كلامهم حتى يتجرد في ذهنه من القوالب المعينة الشخصية(1/572)
قالب كلي مطلق يحذو حذوه في التأليف كما يحذو البناء على القالب والنساج على المنوال فلهذا كان من تآليف الكلام منفردا عن نظر النحوي والبياني والعروضي نعم إن مراعاة قوانين هذه العلوم شرط فيه لا يتم بدونها فإذا تحصلت هذه الصفات كلها في الكلام اختص بنوع من النظر لطيف في هذه القوالب التي يسمونها أساليب ولا يفيده إلا حفظ كلام العرب نظما ونثرا وإذا تقرر معنى الاسلوب ما هو فلنذكر بعده حدا أو رسما للشعر به تفهم حقيقته على صعوبة هذا الغرض فإنا لم نقف عليه لاحد من المتقدمين فيما رأيناه وقول العروضيين في حده إنه الكلام الموزون المقفى ليس بحد لهذا الشعر الذي نحن بصدده ولا رسم له وصناعتهم إنما تنظر في الشعر باعتبار ما فيه من الاعراب والبلاغة والوزن والقوالب الخاصة فلا جرم إن
حدهم ذلك لا يصلح له عندنا فلا بد من تعريف يعطينا حقيقته من هذه الحيثية فنقول الشعر هو الكلام البليغ المبني على الاستعارة والاوصاف المفصل بأجزاء متفقة في الوزن والروي مستقل كل جزء منها في غرضه ومقصده عما قبله وبعده الجاري على أساليب العرب المخصوصة به فقولنا الكلام البليغ جنس وقولنا المبني على الاستعارة والاوصاف فصل عما يخلو من هذه فإنه في الغالب ليس بشعر وقولنا المفصل بأجزاء متفقة الوزن والروي فصل له عن الكلام المنثور الذي ليس بشعر عند الكل وقولنا مستقل كل جزء منها في غرضه ومقصده عما قبله وبعده بيان للحقيقة لان الشعر لا تكون أبياته إلا كذلك ولم يفصل به شئ وقولنا الجاري على الاساليب المخصوصة به فصل له عما لم يجر منه على أساليب العرب المعروفة فإنه حينئذ لا يكون شعرا إنما هو كلام منظوم لان الشعر له أساليب تخصه لا تكون للمنثور وكذا أساليب المنثور لا تكون للشعر فما كان من الكلام منظوما وليس على تلك الاساليب فلا يكون شعرا وبهذا الاعتبار كان الكثير ممن لقيناه من شيوخنا في هذه الصناعة الادبية يرون أن نظم المتنبئ والمعري ليس هو من الشعر في شئ لانهما لم يجريا على أساليب العرب من الامم عند ما يرى أن الشعر يوجد للعرب وغيرهم ومن يرى أنه لا يوجد لغيرهم فلا يحتاج إلى ذلك ويقول مكانه الجاري على الاساليب المخصوصة وإذ قد فرغنا من الكلام على حقيقة الشعر فلنرجع(1/573)
إلى الكلام في كيفية عمله فنقول.
إعلم أن لعمل الشعر وإحكام صناعته شروطا أولها الحفظ من جنسه أي من جنس شعر العرب حتى تنشأ في النفس ملكة ينسج على منوالها ويتخير المحفوظ من الحر النقي الكثير الاساليب وهذا المحفوظ المختار أقل ما يكفي فيه شعر شاعر من الفحول الاسلاميين مثل ابن أبي ربيعة وكثير وذي الرمة وجرير وأبي نواس وحبيب والبحتري والرضي وأبي فراس وأكثره
شعر كتاب الاغاني لانه جمع شعر أهل الطبقة الاسلامية كله والمختار من شعر الجاهلية ومن كان خاليا من المحفوظ فنظمه قاصر ردئ ولا يعطيه الرونق والحلاوة إلا كثرة المحفوظ فمن قل حفظه أو عدم لم يكن له شعر وإنما هو نظم ساقط واجتناب الشعر أولى بمن لم يكن له محفوظ ثم بعد الامتلاء من الحفظ وشحذ القريحة للنسج على المنوال يقبل على النظم وبالاكثار منه تستحكم ملكته وترسخ وربما يقال إن من شرطه نسيان ذلك المحفوظ لتمحى رسومه الحرفية الظاهرة إذ هي صادرة عن استعمالها بعينها فإذا نسيها وقد تكيفت النفس بها انتقش الاسلوب فيها كأنه منوال يؤخذ بالنسج عليه بأمثالها من كلمات أخرى ضرورة ثم لا بد له من الخلوة واستجادة المكان المنظور فيه من المياه والازهار وكذا المسموع لاستنارة القريحة باستجماعها وتنشيطها بملاذ السرور ثم مع هذا كله فشرطه أن يكون على جمام ونشاط فذلك أجمع له وأنشط للقريحة أن تأتي بمثل ذلك المنوال الذي في حفظه قالوا وخير الاوقات لذلك أوقات البكر عند الهبوب من النوم وفراغ المعدة ونشاط الفكر وفي هؤلاء الجمام وربما قالوا إن من بواعثه العشق والانتشاء ذكر ذلك ابن رشيق في كتاب العمدة وهو الكتاب الذي انفرد بهذه الصناعة وإعطاء حقها ولم يكتب فيها أحد قبله ولا بعده مثله قالوا فإن استصعب عليه بعد هذا كله فليتركه إلى وقت آخر ولا يكره نفسه عليه وليكن بناء البيت على القافية من أول صوغه ونسجه بعضها ويبني الكلام عليها إلى آخره لانه إن غفل عن بناء البيت على القافية صعب عليه وضعها في محلها فربما تجئ نافرة قلقة وإذا سمح الخاطر بالبيت ولم يناسب الذي عنده فليتركه إلى موضعه الاليق به فإن كل بيت مستقل بنفسه ولم تبق إلا المناسبة فليتخير فيها كما يشاء وليراجع شعره بعد(1/574)
الخلاص منه بالتنقيح والنقد ولا يضن به على الترك إذا لم يبلغ الاجادة فإن
الانسان مفتون بشعره إذ هو نبات فكره واختراع قريحته ولا يستعمل فيه من الكلام إلا الافصح من التراكيب والخالص من الضرورات اللسانية فليهجرها فإنها تنزل بالكلام عن طبقة البلاغة وقد حظر أئمة اللسان المولد من ارتكاب الضرورة إذ هو في سعة منها بالعدول عنها إلى الطريقة المثلى من الملكة ويجتنب أيضا المعقد من التراكيب جهده وإنما يقصد منها ما كانت معانيه تسابق ألفاظه إلى الفهم وكذلك كثرة المعاني في البيت الواحد فإن فيه نوع تعقيد على الفهم وإنما المختار منه ما كانت ألفاظه طبقا على معانيه أو أوفى فإن كانت المعاني كثيرة كان حشوا واستعمل الذهن بالغوص عليها فمنع الذوق عن استيفاء مدركه من البلاغة ولا يكون الشعر سهلا إلا إذا كانت معانيه تسابق ألفاظه إلى الذهن ولهذا كان شيوخنا رحمهم الله يعيبون شعر أبي بكر (1) بن خفاجة شاعر الاندلس لكثرة معانيه وازدحامها في البيت الواحد كما كانوا يعيبون شعر المتنبئ والمعري بعدم النسج على الاساليب العربية كما مر فكان شعرهما كلاما منظوما نازلا عن طبقة الشعر والحاكم بذلك هو الذوق وليجتنب الشاعر أيضا الحوشي من الالفاظ والمقصر وكذلك السوقي المبتذل بالتداول بالاستعمال فإنه ينزل بالكلام عن طبقة البلاغة أيضا فيصير مبتذلا ويقرب من عدم الافادة كقولهم النار حارة والسماء فوقنا وبمقدار ما يقرب من طبقة عدم الافادة يبعد عن رتبة البلاغة إذ هما طرفان ولهذا كان الشعر في الربانيات والنبويات قليل الا جادة في الغالب ولا يحذق فيه إلا الفحول وفي القليل على الشعر لان معانيها متداولة بين الجمهور فتصير مبتذلة لذلك وإذا تعذر الشعر بعد هذا كله فليراوضه ويعاوده فإن القريحة مثلا الضرع يدر بالامتراء ويجف بالترك والاهمال وبالجملة فهذه الصناعة وتعلمها مستوفى في كتاب العمدة لابن رشيق وقد ذكرنا منها ما حضرنا بحسب الجهد ومن أراد استيفاء ذلك فعليه بذلك الكتاب ففيه البغية من ذلك وهذه نبذة كافية والله المعين وقد نظم الناس
في أمر هذه الصناعة الشعرية ما يجب فيها ومن أحسن ما قيل في ذلك وأظنه لابن رشيق
__________
(1) قوله ابي بكر وفي نسخة ابي اسحاق الخ (*)(1/575)
لعن الله صنعة الشعر ماذا * من صنوف الجهال منه لقينا يؤثرون الغريب منه على ما * كان سهلا للسامعين مبينا ويرون المحال معنى صحيحا * وخسيس الكلام شيئا ثمينا يجهلون الصواب منه ولا يدم * رون للجهل أنهم يجهلونا فهم عند من سوانا يلاموم * ن وفي الحق عندنا يعذرونا إنما الشعر ما يناسب في النظم م * وإن كان في الصفات فنونا فاتى بعضه يشاكل بعضا * وأقامت له الصدور المتونا كل معنى أتاك منه على ما * تتمنى ولم يكن أن يكونا فتناهى من البيان إلى أن * كاد حسنا يبين للناظرينا فكأن الالفاظ منه وجوه * والمعاني ركبن فيها عيونا إنما في المرام حسب الاماني * يتحلى بحسنه المنشدونا فإذا ما مدحت بالشعر حرا * رمت فيه مذاهب المشتهينا فجعلت النسيب سهلا قريبا * وجعلت المديح صدقا مبينا وتنكبت ما يهجن في السمع م * وإن كان لفظه موزونا وإذا ما عرضته بهجاء * عبت فيه مذاهب المرقبينا فجعلت التصريح منه دواء * وجعلت التعريض داء دفينا وإذا ما بكيت فيه على العا م * دين يوما للبين والظاعنينا حلت دون الاسى وذللت ما كا م * ن من الدمع في العيون مصونا ثم إن كنت عاتبا جئت * بالوعد وعيدا وبالصعوبة بينا
فتركت الذي عتبت عليه * حذرا آمنا عزيزا مهينا وأصح القريض ما قارب النظم م * وإن كان واضحا مستبينا فإذا قيل أطمع الناس طرا * وإذا ريم أعجز المعجزينا ومن ذلك ايضا قول بعضهم الشعر ما قومت ربع صدوره * وشددت بالتهذيب أس متونه ورأيت بالاطناب شعب صدوعه * وفتحت بالايجاز عور عيونه(1/576)
وجمعت بين قريبه وبعيده * وجمعت بين محمه ومعينه وإذا مدحت به جوادا ماجدا * وقضيته بالشكر حق ديونه أصفيته بتفتش ورضيته * وخصصته بخطيره وثمينه فيكون جزلا في مساق صنوفه * ويكون سهلا في اتفاق فنونه وإذا بكبت به الديار واهلها * أجريت للمحزون ماء شؤونه وإذا أردت كناية عن ريبة * باينت بين ظهوره وبطونه فجعلت سامعه يشوب شكوكه * بثبوته وظنونه بيقينه الفصل السابع والاربعون في ان صناعة النظم والنثر انما هي في الالفاظ لا في المعاني إعلم أن صناعة الكلام نظما ونثرا إنما هي في الالفاظ لا في المعاني وإنما المعاني تبع لها وهي أصل فالصانع الذي يحاول ملكة الكلام في النظم والنثر إنما يحاولها في الالفاظ بحفظ أمثالها من كلام العرب ليكثر استعماله وجريه على لسانه حتى تستقر له الملكة في لسان مضر ويتخلص من العجمة التي ربي عليها في جيله ويفرض نفسه مثل وليد نشأ في جيل العرب ويلقن لغتهم كما يلقنها الصبي حتى يصير كأنه واحد منهم في لسانهم وذلك أنا قدمنا أن اللسان ملكة
من الملكات في النطق يحاول تحصيلها بتكرارها على اللسان حتى تحصل والذي في اللسان والنطق إنما هو الالفاظ وأما المعاني فهي في الضمائر وأيضا فالمعاني موجودة عند كل واحد وفي طوع كل فكر منها ما يشاء ويرضى فلا يحتاج إلى صناعة وتأليف الكلام للعبارة عنها هو المحتاج للصناعة كما قلناه وهو بمثابة القوالب للمعاني فكما أن الاواني التي يغترف بها الماء من البحر منها آنية الذهب والفضة والصدف والزجاج والخزف والماء واحد في نفسه وتختلف الجودة في الاواني المملؤة بالماء باختلاف جنسها لا باختلاف الماء كذلك جودة اللغة وبلاغتها في الاستعمال تختلف باختلاف طبقات الكلام في تأليفه باعتبار تطبيقه على المقاصد والمعاني واحدة في نفسها وإنما الجاهل بتأليف الكلام وأساليبه على مقتضى ملكة اللسان إذا حاول العبارة عن مقصوده ولم يحسن بمثابة المقعد الذي يروم النهوض(1/577)
ولا يستطيعه لفقدان القدرة عليه والله يعلمكم ما لم تكونوا تعلمون الفصل الثامن والاربعون في ان حصول هذه الملكة بكثرة الحفظ وجودتها بجودة المحفوظ قد قدمنا أنه لا بد من كثرة الحفظ لمن يروم تعلم اللسان العربي وعلى قدر جودة المحفوظ وطبقته في جنسه وكثرته من قلته تكون جودة الملكة الحاصلة عنه للحافظ فمن كان محفوظه شعر حبيب أو العتابي أو ابن المعتز أو ابن هانئ أو الشريف الرضي أو رسائل ابن المقفع أو سهل ابن هارون أو ابن الزيات أو البديع أو الصابئ تكون ملكته أجود وأعلى مقاما ورتبة في البلاغة ممن يحفظ شعر ابن سهل من المتأخرين أو ابن النبيه أو ترسل البيساني أو العماد الاصبهاني لنزول طبقة هؤلاء عن أولئك يظهر ذلك للبصير الناقد صاحب الذوق وعلى مقدار جودة المحفوظ أو المسموع تكون جودة الاستعمال من بعده ثم إجادة الملكة من
بعدهما فبارتقاء المحفوظ في طبقته من الكلام ترتقي الملكة الحاصلة لان الطبع إنما ينسج على منوالها وتنموقوى الملكة بتغذيتها وذلك أن النفس وإن كانت في جبلتها واحدة بالنوع فهي تختلف في البشر بالقوة والضعف في الادراكات واختلافها إنما هو باختلاف ما يرد عليها من الادراكات والملكات والالوان التي تكيفها من خارج فبهذه يتم وجودها وتخرج من القوة إلى الفعل صورتها والملكات التي تحصل لها إنما تحصل على التدريج كما قدمناه فالملكة الشعرية تنشأ بحفظ الشعر وملكة الكتابة بحفظ الاسجاع والترسيل والعلمية بمخالطة العلوم والادراكات والابحاث والانظار والفقهية بمخالطة الفقه وتنظير المسائل وتفريعها وتخريج الفروع على الاصول والتصوفية الربانية بالعبادات والاذكار وتعطيل الحواس الظاهرة بالخلوة والانفراد عن الخلق ما استطاع حتى تحصل له ملكة الرجوع إلى حسه الباطن وروحه وينقلب ربانيا وكذا سائرها وللنفس في كل واحد منها لون تتكيف به وعلى حسب ما نشأت الملكة عليه من جودة أو رداءة تكون تلك الملكة في نفسها فملكة البلاغة العالية الطبقة في جنسها إنما تحصل بحفظ العالي في طبقته من الكلام ولهذا كان الفقهاء وأهل العلوم كلهم قاصرين في البلاغة وما ذلك إلا لما(1/578)
يسبق إلى محفوظهم ويمتلئ به من القوانين العلمية والعبارات الفقهية الخارجة عن أسلوب البلاغة والنازلة عن الطبقة لان العبارات عن القوانين والعلوم لا حظ لها في البلاغة فإذا سبق ذلك المحفوظ إلى الفكر وكثر وتلونت به النفس جاءت الملكة الناشئة عنه في غاية القصور وانحرفت عباراته عن أساليب العرب في كلامهم وهكذا نجد شعر الفقهاء والنحاة والمتكلمين والنظار وغيرهم من لم يمتلئ من حفظ النقي الحر من كلام العرب.
أخبرني صاحبنا الفاضل أبو القاسم بن رضوان كاتب العلامة بالدولة المرينية قال ذكرت يوما حاصبنا أبا العباس بن شعيب كاتب السلطان
أبي الحسن وكان المقدم في البصر باللسان لعهده فأنشدته مطلع قصيدة ابن النحوي ولم أنسبها له وهو هذا لم أدرحين وقفت بالاطلال * ما الفرق بين جديدها والبالي فقال لي على البديهة هذا شعر فقيه فقلت له ومن أين لك ذلك فقال من قوله ما الفرق إذ هي من عبارات الفقهاء وليست من أساليب كلام العرب فقلت له لله أبوك إنه ابن النحوي.
وأما الكتاب والشعراء فليسوا كذلك لتخيرهم في محفوظهم ومخالطتهم كلام العرب وأساليبهم في الترسل وانتقائهم لهم الجيد من الكلام ذاكرت يوما صاحبنا أبا عبد الله بن الخطيب وزير الملوك بالاندلس من بني الاحمر وكان الصدر المقدم في الشعر والكتابة فقلت له أجد استصعابا علي في نظم الشعر متى رمته مع بصري به وحفظي للجيد من الكلام من القرآن والحديث وفنون من كلام العرب وإن كان محفوظي قليلا وإلما أتيت والله أعلم من قبل ما حصل في حفظي من الاشعار العلمية والقوانين التأليفية فإني حفظت قصيدتي الشاطبي الكبرى والصغرى في القراءات وتدارست كتابي ابن الحاجب في الفقه والاصول وجمل الخونجي في المنطق وبعض كتاب التسهيل وكثيرا من قوانين التعليم في المجالس فامتلا محفوظي من ذلك وخدش وجه الملكة التي استعددت لها بالمحفوظ الجيد من القرآن والحديث وكلام العرب تعاق القريحة عن بلوغها فنظر إلي ساعة معجبا ثم قال لله أنت وهل يقول هذا إلا مثلك.
ويظهر لك من هذا الفصل وما تقرر فيه سر آخر وهو إعطاء السبب في أن كلام الاسلاميين من العرب أعلى طبقة في البلاغة وأذواقها(1/579)
من كلام الجاهلية في منثورهم ومنظومهم فإنا نجد شعر حسان بن ثابت وعمر بن ابي ربيعة والحطيئة وجرير والفرزدق ونصيب وغيلان ذي الرمة والاحوص وبشار ثم كلام السلف من العرب في الدولة الاموية وصدرا من الدولة العباسية في
خطبهم وترسيلهم ومحاوراتهم للملوك أرفع طبقة في البلاغة من شعر النابغة وعنترة وابن كلثوم وزهير وعلقمة بن عبدة وطرفة بن العبد ومن كلام الجاهلية في منثورهم ومحاوراتهم والطبع السليم والذوق الصحيح شاهدان بذلك للناقد البصير بالبلاغة والسبب في ذلك أن هؤلاء الذين أدركوا الاسلام سمعوا الطبقة العالية من الكلام في القرآن والحديث اللذين عجز البشر عن الاتيان بمثليهما لكونها ولجت في قلوبهم ونشأت على أساليبها نفوسهم فنهضت طباعهم وارتقت ملكاتهم في البلاغة على ملكات من قبلهم من أهل الجاهلية ممن لم يسمع هذه الطبقة ولا نشأ عليها فكان كلامهم في نظمهم ونثرهم أحسن ديباجة وأصفى رونقا من أولئك وأرصف مبنى وأعدل تثقيفا بما استفادوه من الكلام العالي الطبقة وتأمل ذلك يشهد لك به ذوقك إن كنت من أهل الذوق والبصر بالبلاغة.
ولقد سألت يوما شيخنا الشريف أبا القاسم قاضي غرناطة لعهدنا وكان شيخ هذه الصناعة أخذ بسبتة عن جماعة من مشيختها من تلاميذ الشلوبين واستبحر في علم اللسان وجاء من وراء الغاية فيه فسألته يوما ما بال العرب الاسلاميين أعلى طبقة في البلاغة من الجاهليين ولم يكن ليستنكر ذلك بذوقه فسكت طويلا ثم قال لي والله ما أدري فقلت أعرض عليك شيئا ظهر لي في ذلك ولعله السبب فيه وذكرت له هذا الذي كتبت فسكت معجبا ثم قال لي يا فقيه هذا كلام من حقه أن يكتب بالذهب وكان من بعدها يؤثر محلي ويصيخ في مجالس التعليم إلى قولي ويشهد لي بالنباهة في العلوم والله خلق الانسان وعلمه البيان الفصل التاسع والاربعون في ترفع اهل المراتب عن انتحال الشعر إعلم أن الشعر كان ديوانا للعرب فيه علومهم وأخبارهم وحكمهم وكان رؤساء العرب منافسين فيه وكانوا يقفون بسوق عكاظ لانشاده وعرض كل واحد منهم(1/580)
ديباجته على فحول الشأن وأهل البصر لتمييز حوله حتى انتهوا إلى المناغاة في تعليق أشعارهم بأركان البيت الحرام موضع حجهم وبيت إبراهيم كما فعل امرؤ القيس ابن حجر والنابغة الذبياني وزهير بن أبي سلمى وعنترة بن شداد وطرفة بن العبد وعلقمة بن عبدة والاعشى وغيرهم من أصحاب المعلقات السبع فإنه إنما كان يتوصل إلى تعليق الشعر بها من كان له قدرة على ذلك بقومه وعصبيته ومكانه في مضر على ما قيل في سبب تسميتها بالمعلقات ثم انصرف العرف عن ذلك أول الاسلام بما شغلهم من أمر الدين والنبؤة والوحي وما أدهشهم من أسلوب القرآن ونظمه فأخرسوا عن ذلك وسكتوا عن الخوض في النظم والنثر زمانا ثم استقر ذلك وأونس الرشد من الملة ولم ينزل الوحي في تحريم الشعر وحظره وسمعه النبي صلى الله عليه وسلم وأثاب عليه فرجعوا حينئذ إلى ديدنهم منه وكان لعمر بن أبي ربيعة كبير قريش لذلك العهد مقامات فيه عالية وطبقة مرتفعة وكان كثيرا ما يعرض شعره على ابن عباس فيقف لاستماعه معجبا به ثم جاء من بعد ذلك الملك والدولة العزيزة وتقرب إليهم العرب بأشعارهم يمتدحونهم بها ويجيزهم الخلفاء بأعظم الجوائز على نسبة الجودة في أشعارهم ومكانهم من قومهم ويحرصون على استهداء أشعارهم يطلعون منها على الآثار والاخبار واللغة وشرف اللسان والعرب يطالبون ولدهم بحفظها ولم يزل هذا الشأن أيام بني أمية وصدرا من دولة بني العباس وانظر ما نقله صاحب العقد في مسامرة الرشيد للاصمعي في باب الشعر والشعراء تجد ما كان عليه الرشيد من المعرفة بذلك والرسوخ فيه والعناية بانتحاله والتبصر بجيد الكلام ورديئه وكثرة محفوظه منه ثم جاء خلق من بعدهم لم يكن اللسان لسانهم من أجل العجمة وتقصيرها باللسان وإنما تعلموه صناعة ثم مدحوا بأشعارهم أمراء العجم الذين ليس اللسان لهم طالبين معروفهم فقط لا سوى ذلك من الاغراض كما فعله حبيب والبحتري والمتنبئ
وابن هانئ ومن بعدهم وهلم جرا فصار غرض الشعر في الغالب إنما هو الكذب والاستجداء لذهاب المنافع التي كانت فيه للاولين كما ذكرناه آنفا وأنف منه لذلك أهل الهمم والمراتب من المتأخرين وتغير الحال وأصبح تعاطيه هجنة في الرئاسة ومذمة لاهل المناصب الكبيرة والله مقلب الليل والنهار(1/581)
الفصل الخمسون في اشعار العرب واهل الامصار لهذا العهد إعلم أن الشعر لا يختص باللسان العربي فقط بل هو موجود في كل لغة سواء كانت عربية أو عجمية وقد كان في الفرس شعراء وفي يونان كذلك وذكر منهم أرسطو في كتاب المنطق أو ميروس الشاعر وأثنى عليه وكان في حمير أيضا شعراء متقدمون ولما فسد لسان مضر ولغتهم التي دونت مقاييسها وقوانين إعرابها وفسدت اللغات من بعد بحسب ما خالطها ومازجها من العجمة فكانت تحيل العرب بأنفسهم لغة خالفت لغة سلفهم من مضر في الاعراب جملة وفي كثير من الموضوعات اللغوية وبناء الكلمات وكذلك الحضر أهل الامصار نشأت فيهم لغة أخرى خالفت لسان مضر في الاعراب وأكثر الاوضاع والتصاريف وخالفت أيضا لغة الجيل من العرب لهذا العهد واختلفت هي في نفسها بحسب اصطلاحات أهل الآفاق فلاهل الشرق وأمصاره لغة غير لغة أهل المغرب وأمصاره وتخالفهما أيضا لغة أهل الاندلس وأمصاره ثم لما كان الشعر موجودا بالطبع في أهل كل لسان لان الموازين على نسبة واحدة في أعداد المتحركات والسواكن وتقابلها موجودة في طباع البشر فلم بهجر الشعر بفقدان لغة واحدة وهي لغة مضر الذين كانوا فحوله وفرسان ميدانه حسبما اشتهر بين أهل الخليقة بل كان جيل وأهل كل لغة من العرب المستعجمين والحضر أهل الامصار يتعاطون منه ما يطاوعهم في انتحاله ورصف بنائه على مهيع كلامهم
فأما العرب أهل هذا الجيل المستعجمون عن لغة سلفهم من مضر فيقرضون الشعر لهذا العهد في سائر الاعاريض على ما كان عليه سلفهم المستعربون ويأتون منه بالمطولات مشتملة على مذاهب الشعر وأغراضه من النسيب والمدح والرثاء والهجاء ويستطردون في الخروج من فن إلى فن في الكلام وربما هجموا على المقصود لاول كلامهم وأكثر ابتدائهم في قصائدهم باسم الشاعر ثم بعد ذلك ينسبون فأهل أمصار المغرب من العرب يسمون هذه القصائد بالاصمعيات نسبة إلى الاصمعي راوية العرب في أشعارهم وأهل المشرق من العرب يسمون هذا النوع من الشعر بالبدوي وربما يلحنون فيه ألحانا بسيطة لا على طريقة الصناعة الموسيقية ثم(1/582)
يغنون به ويسمون الغناء به باسم الحوراني نسبة إلى حوران من أطراف العراق والشام وهي من منازل العرب البادية ومساكنهم إلى هذا العهد.
ولهم فن آخر كثير التداول في نظمهم يجيئون به معصبا على أربعة أجزاء يخالف آخرها الثلاثة في رويه ويلتزمون القافية الرابعة في كل بيت إلى آخر القصيدة شبيها بالمربع والمخمس الذي أحدثه المتأخرون من المولدين ولهؤلاء العرب في هذا الشعر بلاغة فائقة وفيهم الفحول والمتأخرون والكثير من المنتحلين للعلوم لهذا العهد وخصوصا علم اللسان يستنكر صاحبها هذه الفنون التي لهم إذا سمعها ويمج نظمهم إذا أنشد ويعتقد أن ذوقه إنما نبا عنها لاستهجانها وفقدان الاعراب منها وهذا إنما أتى من فقدان الملكة في لغتهم فلو حصلت له ملكة من ملكاتهم لشهد له طبعه وذوقه ببلاغتها إن كان سليما من الآفات في فطرته ونظره وإلا فالاعراب لا مدخل له في البلاغة إنما البلاغة مطابقة الكلام للمقصود ولمقتضى الحال من الوجود فيه سواء كان الرفع دالا على الفاعل والنصب دالا على المفعول أو بالعكس وإنما يدل على ذلك قرائن الكلام كما هو في لغتهم هذه فالدلالة بحسب ما يصطلح عليه أهل الملكة
فإذا عرف اصطلاح في ملكة واشتهر صحة الدلالة وإذا طابقت تلك الدلالة المقصود ومقتضى الحال صحت البلاغة ولا عبرة بقوانين النحاة في ذلك وأساليب الشعر وفنونه موجودة في أشعارهم هذه ما عدا حركات الاعراب في أواخر الكلم فإن غالب كلماتهم موقوفة الآخر ويتميز عندهم الفاعل من المفعول والمبتدأ من الخبر بقرائن الكلام لا بحركات الاعراب (الموشحات والازجال للاندلس) وأما أهل الاندلس فلما كثر الشعر في قطرهم وتهذبت مناحيه وفنونه وبلغ التنميق فيه الغاية استحدث المتأخرون منهم فنا منه سموه بالموشح ينظمونه أسماطا أسماطا وأغصانا أغصانا يكثرون من أعاريضها المختلفة ويسمون المتعدد منها بيتا واحدا ويلتزمون عند قوافي تلك الاغصان وأوزانها متتاليا فيما بعد إلى آخر القطعة وأكثر ما تنتهي عندهم إلى سبعة أبيات ويشتمل كل بيت على أغصان عددهما بحسب الاغراس والمذاهب وينسبون فيها ويمدحون كما يفعل في القصائد وتجارو(1/583)
في ذلك إلى الغاية واستظرفه الناس جملة الخاصة والكافة لسهولة تناوله وقرب طريقه وكان المخترع لها بجزيرة الاندلس مقدم بن معافر الفريري من شعراء الامير عبد الله بن محمد المرواني وأخذ ذلك عنه أبو عبد الله أحمد بن عبد ربه صاحب كتاب العقد ولم يظهر لهما مع المتأخرين ذكر وكسدت موشحاتهما فكان أول من برع في هذا الشأن عبادة القزاز شاعر المعتصم ابن صمادح صاحب المرية بدر تم.
شمس ضحا * غصن نقا.
مسك شم ما اتم.
ما اوضحا * ما اورقا.
ما انم لا جرم.
من لمحا * قد عشقا.
قد حرم وزعموا أنه لم يسبقه وشاح من معاصريه الذين كانوا في زمن الطوائف
وذكر غير واحد من المشايخ أن أهل هذا الشان بالاندلس يذكرون أن جماعة من الوشاحين اجتمعوا في مجلس بأشبيلية وكان كل واحد منهم اصطنع موشحة وتأنق فيها فتقدم الاعمى الطليطلي للانشاد فلما افتتح موشحته المشهورة بقوله ضاحك عن جمان.
سافر عن در * ضاق عنه الزمان.
وحواه صدري صرف ابن بقي موشحته وتبعه الباقون وذكر الاعلم البطليوسي أنه سمع ابن زهير يقول ما حسدت قط وشاحا على قول إلا ابن بقي حين وقع له أما ترى أحمد.
في مجده العالي لا يلحق * أطلعه الغرب.
فأرنا مثله يا مشرق وكان في عصرهما من الموشحين المطبوعين أبو بكر الابيض وكان في عصرهما أيضا الحكيم أبو بكر بن باجة صاحب التلاحين المعروفة ومن الحكايات المشهورة أنه حضر مجلس مخدومه ابن تيفلويت صاحب سرقسطة فألقى على بعض قيناته موشحته جرر الذيل أيما جر * وصل الشكر منك بالشكر فطرب الممدوح لذلك لما ختمها بقوله عقد الله راية النصر * لامير العلا أبي بكر فلما طرق ذلك التلحين سمع ابن تيفلويت صاح واطرباه وشق ثيابه وقال ما احسن ما بدأت وختمت وحلف بالايمان المغلظة لا يمشي ابن باجة إلى داره إلا على الذهب فخاف الحكيم سوء العاقبة فاحتال بأن جعل ذهبا في نعله ومشى عليه(1/584)
وذكر أبو الخطاب بن زهر أنه جرى في مجلس أبي بكربن زهير ذكر أبي بكر الابيض الوشاح المتقدم الذكر فغص منه بعض الحاضرين فقال كيف تغص ممن يقول مالذلي شراب راح على رياض الاقاح * لولا هضيم الوشاح إذا أسا في الصباح أوفي الاصيل.
أضحى يقول * ما للسمول لطمت خدي وللشمال هبت فمالي * غصن اعتدال ضمه بردي
مما أباد القلوبا يمشي لنا مستريبا * يالحظه رد نوبا ويالماه الشنيبا برد غليل صب عليل * لا يستحيل فيه عن عهدي ولا يزال في كل حال * يرجو الوصال وهو في الصد واشتهر بعد هؤلاء في صدر دولة الموحدين محمد بن أبي الفضل بن شرف قال الحسن بن دويدة رأيت حاتم بن سعيد على هذا الافتتاح شمس قاربت بدرا راح ونديم وابن بهرودس الذي له * يا ليلة الوصل والسعود * بالله عودي وابن مؤهل الذي له.
ما العيد في حلة وطاق.
وشم وطيب.
وإنما العيد في التلاقي.
مع الحبيب وأبو إسحاق الرويني قال ابن سعيد سمعت أبا الحسن سهل بن مالك يقول إنه دخل على ابن زهير وقد أسن وعليه زي البادية إذ كان يسكن بحصن سبتة فلم يعرفه فجلس حيث انتهى به المجلس وجرت المحاضرة فانشد لنفسه موشحة وقع فيها كحل الدجى يجري من مقلة الفجر على الصباح ومعصم النهر في حلل خضر.
من البطاح فتحرك ابن زهير وقال أنت تقول هذا قال اختبر قال ومن تكون فعرفه فقال ارتفع فو الله ما عرفتك قال ابن سعيد وسابق الحلبة الذي أدرك هولاء أبو بكر بن زهير وقد شرقت موشحاته وغربت قال وسمعت أبا الحسن سهل بن مالك يقول قيل لابن زهير لو قيل لك ما أبدع وأرفع ما وقع لك في التوشيح قال كنت أقول ما للموله من سكره لا يفيق.
ياله سكران.
من غير خمر.
ما للكئيب المشوق.
يندب الاوطان هل تستعاد.
ايامنا * بالخليج.
وليالينا أو نستفاد.
من النسيم الاريج.
مسك دارينا(1/585)
واد يكاد.
حسن المكان البهيج.
ان.
يحيينا
نهر اظله.
دوح عليه أنيق.
مورق فينان.
والماء يجري.
وعائم وغريق.
من جنى الريحان ومن محاسن الموشحات للمتأخرين موشحة ابن سهل شاعر أشبيلية وسبتة من بعدها فمنها قوله هل دري ظبي الحمى أن قد حمى * قلب صب حله عن مكنس فهو في نار وخفق مثل ما * لعبت ريح الصبا بالقبس وقد نسج على منواله فيها صاحبنا الوزير أبو عبد الله ابن الخطيب شاعر الاندلس والمغرب لعصره وقد مر ذكره فقال جادك الغيث إذا الغيث همى * يا زمان الوصل بالاندلس لم يكن وصلك إلا حلما * في الكرى أو خلسة المختلس إذ يقود الدهر أشتات المنى * ينقل الخطو على ما يرسم زمرا بين فرادى وثنا * مثل ما يدعو الوفود الموسم والحيا قد جلل الروض سنى * فثغور الزهر فيه تبسم وروى النعمان عن ماء السما * كيف يروي مالك عن أنس فكساه الحسن ثوبا معلما * يزدهي منه بابهى ملبس في ليال كتمت سر الهوى * بالدجى لو لا شموس الغرر مال نجم الكأس فيها وهوى * مستقيم السير سعد الاثر وطرما فيه من عيب سوى * أنه مر كلمح البصر حين لذ النوم منا أو كما * هجم الصبح هجوم الحرس غارت الشهب بنا أو ربما * أثرت فينا عيون النرجس أي شئ لامرئ قد خلصا * فيكون الروض قد مكن فيه تنهب الازهار فيه الفرصا * أمنت من مكره ما تتقيه فإذا الماء يناجي والحصا * وخلا كل خليل بأخيه
تبصر الورد غيورا برما * يكتسي من غيظه ما يكتسي وترى الآس لبيبا فهما * يسرق الدمع باذني فرس(1/586)
يا أهيل الحي من وادي الغضا * وبقلبي مسكن أنتم به ضاق عن وجدي بكم رحب الفضا * لا أبالي شرقه من غربه فاعيدوا عهد أنس قد مضى * تنقذوا عانيكم من كربه واتقوا الله وأحيوا مغرما * يتلاشى نفسا في نفس حبس القلب عليكم كرما * أفترضون خراب الحبس وبقلبي منكم مقترب * باحاديث المنى وهو بعيد قمرا أطلع منه المغرب شقوة المغرى به وهو سعيد قد تساوى محسن أو مذنب * في هواه بين وعد ووعيد ساحر المقلة معسول اللمى * جال في النفس مجال النفس سدد السهم فاصمى إذ رمى * بفؤادي نبلة المفترس إن يكن جار وخاب الامل * وفؤاد الصب بالشوق يذوب فهو للنفس حبيب أول * ليس في الحب لمحبوب ذنوب أمره معتمل ممتثل * في ضلوع قد براها وقلوب حكم اللحظ بها فاحتكما * لم يراقب في ضعاف الانفس ينصف المظلوم ممن ظلما * ويجازي البر منها والمسي ما لقلبي كلما هبت صبا * عاده عيد من الشوق جديد كان في اللوح له مكتتبا * قوله إن عذابي لشديد جلب الهم له والوصبا * فهو للاشجان في جهد جهيد لاعج في أضلعي قد أضرما * فهي نار في هشيم اليبس
لم يدع من مهجتي إلا الدما * كبقاء الصبح بعد الغلس سلمي يانفس في حكم القضا * واعبري الوقت برجعى ومتاب واتركي ذكرى زمان قد مضى * بين عتبى قد تقضت وعتاب واصر في القول إلى المولى الرضى * ملهم التوفيق في أم الكتاب الكريم المنتهى والمنتمى * أسد السرج وبدر المجلس ينزل النصر عليه مثلما * ينزل الوحي بروح القدس(1/587)
وأعلم أن الاذواق كلها في معرفة البلاغة إنما تحصل لمن خالط تلك اللغة وكثر استعماله لها ومخاطبته بين أجيالها حتى يحصل ملكتها كما قلناه في اللغة العربية فلا الاندلسي بالبلاغة التي في شعر أهل المغرب ولا المغربي بالبلاغة التي في شعر أهل الاندلس والمشرق ولا المشرقي بالبلاغة التي في شعر الاندلس والمغرب لان اللسان الحضري وتراكيبه مختلفة فيهم وكل واحد منهم.
مدرك لبلاغة لغته وذائق لمحاسن الشعر من أهل جلدته وفي خلق السماوات والارض واختلاف ألسنتكم وألوانكم آيات وقد كدنا نخرج عن الغرض ولذلك عزمنا أن نقبض العنان عن القول في هذا الكتاب الاول الذي هو طبيعة العمران وما يعرض فيه وقد استوفينا من مسائله ما حسبناه كفاية ولعل من ياتي بعدا ممن يؤيده الله بفكر صحيح وعلم مبين يغوص من مسائله على أكثر مما كتبنا فليس على مستنبط الفن إحصاء مسائله وإنما عليه تعيين موضع العلم وتنويع فصوله وما يتكلم فيه والمتاخرون يلحقون المسائل من بعده شيئا فشيئا إلى أن يكمل والله يعلم وأنتم لا تعلمون قال مؤلف الكتاب عفى الله عنه اتممت هذا الجزء الاول بالوضع والتاليف قبل التنقيح والتهذيب في مدة خمسة اشهر آخرها منتصف عام تسعة وسبعين وسبعمائة ثم نقحته بعد ذلك وهذبته والحقت به تواريخ الامم كما ذكرت في اوله وشرطته وما العلم الا من عند
سلمي يانفس في حكم القضا * واعبري الوقت برجعى ومتاب واتركي ذكرى زمان قد مضى * بين عتبى قد تقضت وعتاب واصر في القول إلى المولى الرضى * ملهم التوفيق في أم الكتاب الكريم المنتهى والمنتمى * أسد السرج وبدر المجلس ينزل النصر عليه مثلما * ينزل الوحي بروح القدس(1/588)
وأعلم أن الاذواق كلها في معرفة البلاغة إنما تحصل لمن خالط تلك اللغة وكثر استعماله لها ومخاطبته بين أجيالها حتى يحصل ملكتها كما قلناه في اللغة العربية فلا الاندلسي بالبلاغة التي في شعر أهل المغرب ولا المغربي بالبلاغة التي في شعر أهل الاندلس والمشرق ولا المشرقي بالبلاغة التي في شعر الاندلس والمغرب لان اللسان الحضري وتراكيبه مختلفة فيهم وكل واحد منهم.
مدرك لبلاغة لغته وذائق لمحاسن الشعر من أهل جلدته وفي خلق السماوات والارض واختلاف ألسنتكم وألوانكم آيات وقد كدنا نخرج عن الغرض ولذلك عزمنا أن نقبض العنان عن القول في هذا الكتاب الاول الذي هو طبيعة العمران وما يعرض فيه وقد استوفينا من مسائله ما حسبناه كفاية ولعل من ياتي بعدا ممن يؤيده الله بفكر صحيح وعلم مبين يغوص من مسائله على أكثر مما كتبنا فليس على مستنبط الفن إحصاء مسائله وإنما عليه تعيين موضع العلم وتنويع فصوله وما يتكلم فيه والمتاخرون يلحقون المسائل من بعده شيئا فشيئا إلى أن يكمل والله يعلم وأنتم لا تعلمون قال مؤلف الكتاب عفى الله عنه اتممت هذا الجزء الاول بالوضع والتاليف قبل التنقيح والتهذيب في مدة خمسة اشهر آخرها منتصف عام تسعة وسبعين وسبعمائة ثم نقحته بعد ذلك وهذبته والحقت به تواريخ الامم كما ذكرت في اوله وشرطته وما العلم الا من عند الله العزيز الحكيم(1/588)
تاريخ ابن خلدون ق1 - ابن خلدون ج 2
تاريخ ابن خلدون ق1
ابن خلدون ج 2(2/)
[ تاريخ ابن خلدون ] المسمى بكتاب العبر، وديوان المبتدإ والخبر، في أيام العرب والعجم والبربر ومن عاصرهم من ذوي السلطان الاكبر لوحيد عصره العلامة عبد الرحمن بن محمد بن خلدون الحضرمي المغربي المتوفى سنة 808 هجرية الجزء الثاني 1391 ه.
- 1971 م.
منشورات مؤسسة الاعلمي للمطبوعات بيروت - لبنان ص.
ب.
7120(2/1)
(بسم الله الرحمن الرحيم) (الكتاب الثاني في اخبار العرب وأجيالهم ودولهم منذ مبدا الخليقة إلى هذا العهد) وفيه ذكر معاصريهم من الامم المشاهير مثل السريانيين والنبط والكلدانيين والفرس والقبط وبني اسرائيل وبني يونان والروم والالمام باخبار دولهم ويتقدم الكلام في ذلك مقدمتان احداهما في أمم العالم وانسابهم على الجملة الثانية في كيفية اوضاع الانساب في هذا الكتاب * (المقدمة الاولى في أمم العالم واختلاف أجيالهم والكلام على الجملة في انسابهم) * اعلم أن الله سبحانه وتعالى اعتمر هذا العالم بخلقه وكرم بنى آدم باستخلافهم في أرضه
وبثهم في نواحيها لتمام حكمته وخالف بين أممهم وأجيالهم اظهارا لآياته فيتعارفون بالانساب ويختلفون باللغات والالوان ويتمايزون بالسير والمذاهب والاخلاق ويفترقون بالنحل والاديان والاقاليم والجهات فمنهم العرب والفرس والروم وبنو اسرائيل والبربر ومنهم الصقالبة والحبش والزنج ومنهم أهل الهند وأهل بابل وأهل الصين وأهل اليمن وأهل مصر وأهل المغرب ومنهم المسلمون والنصارى واليهود والصابئة والمجوس ومنهم أهل الوبر وهم أصحاب الخيام والحلل وأهل المدر وهم(2/2)
أصحاب المجاشر والقرى والاطم ومنهم البدو الظواهر والحضر الاهلون ومنهم العرب أهل البيان والفصاحة والعجم أهل الرطانة بالعبرانية والفارسية والاغريقية واللطينية والبربرية خالف أجناسهم وأحوالهم وألسنتهم وألوانهم ليتم أمر الله في اعتمار أرضه بما يتوزعونه من وظائف الرزق وحاجات المعاش بحسب خصوصياتهم ونحلهم فتظهر آثار القدرة وعجائب الصنعة وآيات الوحدانية ان في ذلك لآيات للعالمين (واعلم) أن الامتياز بالنسب أضعف المميزات لهذه الاجيال والامم لخفائه واندراسه بدروس الزمان وذهابه ولهذا كان الاختلاف كثيرا ما يقع في نسب الجيل الواحد أو الامة الواحدة إذا اتصلت مع الايام وتشعبت بطونها على الاحقاب كما وقع في نسب كثير من أهل العالم مثل اليونانيين والفرس والبربر وقحطان من العرب فإذا اختلفت الانساب واختلفت فيها المذاهب وتباينت الدعاوى استظهر كل ناسب على صحة ما ادعاه بشواهد الاحوال والمتعارف من المقارنات في الزمان والمكان وما يرجع إلى ذلك من خصائص القبائل وسمات الشعوب والفرق التى تكون فيهم منتقلة متعاقبة في بنيهم (وسئل) مالك رحمه الله تعالى عن الرجل يرفع نسبه إلى آدم فكره ذلك وقال من أين يعلم ذلك فقيل له فالى اسمعيل فأنكر ذلك وقال من يخبره به وعلى هذا درج كثير من علماء السلف وكره أيضا أن يرفع في انساب الانبياء مثل أن يقال ابراهيم بن
فلان بن فلان وقال من يخبره به وكان بعضهم إذا تلا قوله تعالى والذين من بعدهم لا يعلمهم الا الله قال كذب النسابون واحتجوا أيضا بحديث ابن عباس أنه صلى الله عليه وسلم لما بلغ نسبه الكريم إلى عدنان قال من ههنا كذب النسابون واحتجوا أيضا بما ثبت فيه أنه علم لا ينفع وجهالة لا تضر إلى غير ذلك من الاستدلالات (وذهب) كثير من أئمة المحدثين والفقهاء مثل ابن اسحق والطبري والبخاري إلى جواز الرفع في الانساب ولم يكرهوه محتجين بعمل السلف فقد كان أبو بكر رضى الله عنه أنسب قريش لقريش ومضر بل ولسائر العرب وكذا ابن عباس وجبير بن مطعم وعقيل بن أبى طالب وكان من بعدهم ابن شهاب والزهرى وابن سيرين وكثير من التابعين قالوا وتدعو الحاجة إليه في كثير من المسائل الشرعية مثل تعصيب الوراثة وولاية النكاح والعاقلة في الديات والعلم بنسب النبي صلى الله عليه وسلم وأنه القرشى الهاشمي الذى كان بمكة وهاجر إلى المدينة فان هذا من فروض الايمان ولا يعذر الجاهل به وكذا الخلافة عند من يشترط النسب فيها وكذا من يفرق في الحرية والاسترقاق بين العرب والعجم فهذا كله يدعو إلى معرفة الانساب ويؤكد فضل هذا العلم وشرفه فلا ينبغى أن يكون ممنوعا وأما حديث ابن عباس أنه صلى الله عليه وسلم لما بلغ نسبه إلى عدنان قال(2/3)
من ههنا كذب النسابون يعنى من عدنان فقد أنكر السهيلي روايته من طريق ابن عباس مرفوعا وقال الاصح انه موقوف على ابن مسعود وخرج السهيلي عن أم سلمة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال معد ابن عدنان بن أدد بن زيد بن البرى بن اعراق الثرى قال وفسرت أم سلمة زيدا بأنه الهميسع والبرى بأنه نبت أو نابت واعراق الثرى بأنه اسمعيل واسمعيل هو ابن ابراهيم وابراهيم لم تأكله النار كما لا تأكل الثرى ورد السهيلي تفسير أم سلمة وهو الصحيح وقال انما معناه معنى قوله صلى الله عليه وسلم كلكم بنو آدم
وادم من تراب لا يريد أن الهميسع ومن دونه ابن لاسمعيل لصلبه وعضد ذلك باتفاق الاخبار على بعد المدة بين عدنان واسمعيل التى تستحيل في العادة إن يكون فيها بينهما أربعة آباء أو سبعة أو عشرة أو عشرون لان المدة أطول من هذا كله كما نذكره في نسب عدنان فلم يبق في الحديث متمسك لاحد من الفريقين وأما ما رووه من أن النسب علم لا ينفع وجهالة لا تضر فقد ضعف الائمة رفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم مثل الجرجاني وأبى محمد بن حزم وأبى عمر بن عبد البر والحق في الباب أن كل واحد من المذهبين ليس على اطلاقه فان الانساب القريبة التى يمكن التوصل إلى معرفتها لا يضر الاشتغال بها لدعوى الحاجة إليها في الامور الشرعية من التعصيب والولاية والعاقلة وفرض الايمان بمعرفة النبي صلى الله عليه وسلم ونسب الخلافة والتفرقة بين العرب والعجم في الحرية والاسترقاق عند من يشترط ذلك كما مر كله وفي الامور العادية أيضا تثبت به اللحمة الطبيعية التى تكون بها المدافعة والمطالبة ومنفعة ذلك في اقامة الملك والدين ظاهرة وقد كان صلى الله عليه وسلم واصحابه ينسبون إلى مضر ويتساءلون عن ذلك وروى عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال تعلموا من أنسابكم ما تصلون به أرحامكم وهذا كله ظاهر في النسب القريب وأما الانساب البعيدة العسرة المدرك التي لا يوقف عليها الا بالشواهد والمقارنات لبعد الزمان وطول الاحقاب أو لا يوقف عليها رأسا لدروس الاجيال فهذا قد ينبغى أن يكون له وجه في الكراهة كما ذهب إليه من ذهب من أهل العلم مثل مالك وغيره لانه شغل الانسان بما لا يعنيه وهذا وجه قوله صلى الله عليه وسلم فيما بعد عدنان من ههنا كذب النسابون لانها أحقاب متطاولة ومعالم دارسة لا تثلج الصدور باليقين في شئ منها مع أن علمها لا ينفع وجهلها لا يضر كما نقل والله الهادى إلى الصواب (ولنأخذ) الآن في الكلام في أنساب العالم على الجملة ونترك تفصيل كل واحد منها إلى مكانه فنقول ان النسابين كلهم اتفقوا على ان الاب الاول للخليقة هو آدم عليه
السلام كما وقع في التنزيل الا ما يذكره ضعفاء الاخباريين من أن الجن والطم(2/4)
أمتان كانتا فيما زعموا من قبل آدم وهو ضعيف متروك وليس لدينا من أخبار آدم وذريته الا ما وقع في المصحف الكريم وهو معروف بين الائمة واتفقوا على أن الارض عمرت بنسله أحقابا وأجيالا بعد أجيال إلى عصر نوح عليه السلام وإنه كان فيهم أنبياء مثل شيث وادريس وملوك في تلك الاجيال معدودون وطوائف مشهورون بالنحل مثل الكلدانيين ومعناه الموحدون ومثل السريانيين وهم المشركون وزعموا أن أمم الصابئة منهم وأنهم من ولد صابئ بن لمك بن أخنوخ وكان نحلتهم في الكواكب والقيام لها كلها واستنزال روحانيتها وأن من حزبهم الكلدانيين أي الموحدين وقد ألف أبو اسحق الصابى الكاتب مقالة في أنسابهم ونحلتهم وذكر أخبارهم أيضا داهر مؤرخ السريانيين والبابا الصابى الحرانى وذكروا استيلاءهم على العالم وجملا من نواميسهم وقد اند رسوا وانقطع أثرهم وقد يقال ان السريانيين من أهل تلك الاجيال وكذلك النمروذ والازدهاق وهو المسمى بالضحاك من ملوك الفرس وليس ذلك بصحيح عند المحققين واتفقوا على أن الطوفان الذى كان في زمن نوح وبدعوته ذهب بعمران الارض أجمع بما كان من خراب المعمور ومهلك الذين ركبوا معه في السفينة ولم يعقبوا فصار أهل الارض كلهم من نسله وعاد أبا ثانيا للخليقة وهو نوح بن لامك ويقال لمك بن متوشلخ بفتح اللام وسكونها ابن خنوخ ويقال أخنوح ويقال أشنخ ويقال اخنخ وهو ادريس النبي فيما قاله ابن اسحق ابن يرد ويقال بيرد ابن مهلائيل ويقال ماهلايل بن فاين ويقال قينن بن أنوش ويقال يانش بن شيث بن آدم ومعنى شيث عطية الله هكذا نسبه ابن اسحق وغيره من الائمة وكذا وقع في التوراة نسبه وليس فيه اختلاف بين الائمة ونقل ابن اسحق ان خنوخ الواقع اسمه في هذا النسب هو ادريس النبي صلوات الله عليه وهو خلاف ما عليه الاكثر من النسابين فان
ادريس عندهم ليس بجد لنوح ولا في عمود نسبه وقد زعم الحكماء الاقدمون أيضا أن ادريس هو هرمس المشهور بالامامة في الحكمة عندهم وكذلك يقال ان الصابئة من ولد صابئ بن لامك وهو أخو نوح عليه السلام وقيل ان صابئ متوشلخ جده (واعلم) أن الخلاف الذى في ضبط هذه الاسماء انما عرض في مخارج الحروف فان هذه الاسماء انما أخذها العرب من أهل التوراة ومخارج الحروف في لغتهم غير مخارجها في لغة العرب فإذا وقع الحرف متوسطا بين حرفين من لغة العرب فترده العرب تارة إلى هذا وتارة إلى هذا وكذلك اشباع الحركات قد تحذفه العرب إذا نقلت كلام العجم فمن ههنا اختلف الضبط في هذه الاسماء (واعلم) أن الفرس والهند لا يعرفون الطوفان وبعض الفرس يقولون كان ببابل فقط (واعلم) أن آدم هو كيومرث وهو(2/5)
نهاية نسبهم فيما يزعمون وأن افريدون الملك في آبائهم هو نوح وانه بعث لازدهاق وهو الضحاك فلبسه الملك وقبله كما يذكر بعد في أخبارهم وقد تترجح صحة هذه الانساب من التوراة وكذلك قصص الانبياء الاقدمين إذ أخذت عن مسلمى يهودا ومن نسخ صحيحة من التوراة يغلب على الظن صحتها وقد وقعت العناية في التوراة بنسب موسى عليه السلام واسرائيل وشعوب الاسباط ونسب ما بينهم وبين آدم صلوات الله عليه والنسب والقصص أمر لا يدخله النسخ فلم يبق الا تحرى النسخ الصحيحة والنقل المعتبر وأما ما يقال من ان علماءهم بدلوا مواضع من التوراة بحسب أغراضهم في ديانتهم فقد قال ابن عباس على ما نقل عنه البخاري في صحيحه ان ذلك بعيد وقال معاذ الله ان تعمد أمة من الامم إلى كتابها المنزل على نبيها فتبدله أو ما في معناه قال وانما بدلوه وحرفوه بالتأويل ويشهد لذلك قوله تعالى وعندهم التوراة فيها حكم الله ولو بدلوا من التوراة ألفاظها لم يكن عندهم التوراة التى فيها حكم الله وما وقع في القرآن الكريم من نسبة التحريف والتبديل فيها إليهم فانما المعنى به التأويل اللهم الا أن يطرقها التبديل في
الكلمات على طريق الغفلة وعدم الضبط وتحريف من لا يحسن الكتابة بنسخها فذلك يمكن في العادة لا سيما وملكهم قد ذهب وجماعتهم انتشرت في الآفاق واستوى الضابط منهم وغير الضابط والعالم والجاهل ولم يكن وازع يحفظ لهم ذلك لذهاب القدرة بذهاب الملك فتطرق من أجل ذلك إلى صحف التوراة في الغالب تبديل وتحريف غير معتمد من علمائهم وأحبارهم ويمكن مع ذلك الوقوف على الصحيح منها إذا تحرى القاصد لذلك بالبحث عنه ثم اتفق النسابون ونقلة المفسرين على أن ولد نوح الذين تفرعت الامم منهم ثلاثة سام وحام ويافث وقد وقع ذكرهم في التوراة وأن يافث أكبرهم وحام الاصغر وسام الاوسط وخرج الطبري في الباب أحاديث مرفوعة بمثل ذلك وأن سام أبو العرب ويافث أبو الروم وحام أبو الحبش والزنج وفي بعضها السودان وفي بعضها سام أبو العرب وفارس والروم ويافث أبو الترك والصقالبة ويأجوج ومأجوج وحام أبو القبط والسودان والبربر ومثله عن ابن المسيب ووهب بن منبه وهذه الاحاديث وان صحت فانما الانساب فيها مجملة ولا بد من نقل ما ذكره المحققون في تفريع أنساب الامم من هؤلاء الثلاثة واحدا واحدا وكذلك نقل الطبري أنه كان لنوح ولد اسمه كنعان وهو الذي هلك في الطوفان قال وتسميه العرب يام وآخر مات قبل الطوفان اسمه عابر وقال هشام كان له ولد اسمه بو ناطر والعقب انما هو من الثلاثة على ما أجمع عليه الناس وصحت به الاخبار فأما سام فمن ولده العرب على اختلافهم وابراهيم وبنوه صلوات الله عليهم باتفاق النسابين والخلاف بينهم انما هو في تفاريع ذلك أو في(2/6)
نسب غير العرب إلى سام (فالذي نقله ابن اسحق) أن سام بن نوح كان له من الولد خمسة وهم ازفحشذ ولاوذ وإرم وأشوذ وغليم وكذا وقع ذكر هذه الخمسة في التوراة وان بنى أشوذ هم أهل الموصل وبنى غليم أهل خوزستان ومنها الاهواز ولم يذكر في التوراة ولد لاوذ وقال ابن اسحق وكان للاوذ اربعة من الولد وهم طسم وعمليق وجرجان
وفارس قال ومن العماليق أمة جاسم فمنهم بنو لف وبنو هزان وبنو مطر وبنو الازرق ومنهم بديل وراحل وظفار ومنهم الكنعانيون وبرابرة الشأم وفراعنة مصر وعن غير ابن اسحق أن عبد بن ضخم وأميم من ولد لاوذ قال ابن اسحق وكانت طسم والعماليق وأميم وجاسم يتكلمون بالعربية وفارس يجاورونهم إلى المشرق ويتكلمون بالفارسية (قال) وولد إرم عوص وكاثر وعبيل ومن ولد عوص عاد ومنزلهم بالرمال والاحقاف إلى حضر موت ومن ولد كاثر ثمود وجديس ومنزل ثمود بالحجر بين الشأم والحجاز (وقال) هشام بن الكلبى عبيل بن عوص أخو عاد وقال ابن حزم عن قدماء النسابين ان لاوذ هو ابن إرم بن سام أخو عوص وكاثر قال فعلى هذا يكون جديس وثمود اخوين وطسم وعملاق أخوين أبناء عم لحام وكلهم بنو عم عاد قال ويذكرون أن عبد بن ضخم ابن إرم وأن أميم بن لاوذ ابن إرم قال الطبري وفهم الله لسان العربية عادا وثمود وعبيل وطسم وجديس وأميم وعمليق وهم العرب العاربة وربما يقال ان من العرب العاربة يقطن ايضا ويسمون أيضا العرب البائدة ولم يبق على وجه الارض منهم أحد قال وكان يقال عاد ارم فلما هلكوا قيل ثمود ارم ثم هلكوا فقيل لسائر ولد ارم ارمان وهم النبط وقال هشام بن محمد الكلبى ان النبط بنو نبيط بن ماش بن ارم والسريان بنو سريان بن نبط (وذكر) أيضا أن فارس من ولد أشوذ بن سام وقال فيه فارس ابن طبراش بن أشوذ وقيل انهم من أميم بن لاوذ وقيل ابن غليم (وفى التوراة) ذكر ملك الاهواز واسمه كرد لا عمرو من بنى غليم والاهواز متصلة ببلاد فارس فلعل هذا القائل ظن أن أهل أهواز هم فارس والصحيح أنهم من ولد يافث كما يذكر وقال أيضا ان البربر من ولد عمليق بن لاوذ وأنهم بنو تميلة من مارب بن قاران بن عمر بن عمليق والصحيح أنهم من كنعان بن حام كما يذكر وذكر في التوراة ولد ارم أربعة عوص وكاثر وماش ويقال مشح والرابع حول ولم يقع عند بنى اسرائيل في تفسير هذا شئ الا أن الجرامقة من ولد كاثر وقد قيل ان الكرد والديلم من العرب وهو قول مرغوب عنه وقال ابن سعيد كان لاشوذ أربعة
من الولد ايران ونبيط وجرموق وباسل فمن ايران الفرس والكرد والخزر ومن نبيط النبط والسريان ومن جرموق الجرامقة وأهل الموصل ومن باسل الديلم وأهل الجبل قال الطبري ومن ولد ازفحشذ العبرانيون وبنو عابر بن شالخ بن ازفخشذ وهكذا نسبه(2/7)
في التوراة وفي غيره أن شالخ ابن قينن بن أزفحشذ وانما لم يذكر قينن في التوراة لانه كان ساحرا وادعى الالوهية (وعند بعضهم) أن النمروذ من ولد ازفحشذ وهو ضعيف وفى التوراة ان عابر ولد اثنين من الولد هما فالغ ويقطن وعند المحققين من النسابة أن يقطن هو قحطان عربته العرب هكذا ومن فالغ ابراهيم عليه السلام وشعوبه ويأتى ذكرهم ومن يقطن شعوب كثيرة ففى التوراة ذكر ثلاثة من الولد له وهم المرذاذ ومعربه ومضاض وهم جرهم وارم وهم حضور وسالف وهم اهل السلفات وسبا وهم أهل اليمن من حمير والتبابعة وكهلان وهدرماوت وهم حضرموت هؤلاء خمسة وثمانية أخرى ننقل أسماءهم وهى عبرانية ولم نقف على تفسير شئ منها ولا يعلم من أي البطون هم وهم بباراح وأوزال ودفلا وعوثال وافيمايل وأيوفير وحويلا ويوفاف وعند النسابين أن جرهم من ولد يقطن فلا أدرى من أيهم وقال هشام بن الكلبى ان الهند والسند من نوفير بن يقطن والله اعلم(2/8)
وأما يافث فمن ولده الترك والصين والصقالبة ويأجوج ومأجوج باتفاق من النسابين وفى آخرين خلاف كما يذكر وكان له من الولد على ما وقع في التوراة سبعة وهم كومر وياوان وماذاى وماغوغ وقطوبال وماشخ وطيراش وعدهم ابن اسحق هكذا وحذف ماذاى ولم يذكر كومر وتوغرما واشبان وريغاث هكذا في نص التوراة ووقع في الاسرائيليات أن توغرما هم الخزر وأن اشبان هم الصقالبة وأن ريغاث هم الافرنج ويقال لهم برنسوس والخزر هم التركمان وشعوب الترك كلهم من بنى كومر ولم
يذكروا من أي الثلاثة هم والظاهر أنهم من توغرما ونسبهم ابن سعيد إلى الترك ابن عامور بن سويل بن يافث والظاهر أنه غلط وأن عامور هو كومر صحف عليه وهم أجناس كثيرة منهم الطغرغر وهم التتر والخطا وكانوا بأرض طمغاج والخزلقية والغز الذين كان منهم السلجوقية والهياطلة الذين كان منهم الخلج ويقال للهياطلة الصغد أيضا ومن أجناس الترك الغور والخزر والقفچاق ويقال الخفشاخ ومنهم يمك والعلان ويقال الازو منهم الشركس وأزكش ومن ماغوغ عند الاسرائيليين يأجوج ومأجوج وقال ابن اسحق انهم من كومر ومن ماذاى الديلم ويسمون في اللسان العبراني ماهان ومنهم أيضا همذان وجعلهم بعض الاسرائيليين من بنى همذان بن يافث وعد همذان ثامنا للسبعة المذكورين من ولده وأما ياوان واسمه يونان فعند الاسرائيليين انه كان له من الولد أربعة وهم داود بن واليشاوكيتم وترشيش وأن كيتم من هؤلاء الاربعة هو أبو الروم والباقى يونان وأن ترشيش أهل طرسوس وأما قعلوبال فهم أهل الصين من المشرق واللمان من المغرب ويقال ان أهل افريقية قبل البربر منهم وأن الافرنج أيضا منهم ويقال أيضا ان أهل الاندلس قديما منهم وأما ماشخ فكان ولده عند الاسرائيليين بخراسان وقد انقرضوا لهذا العهد فيما يظهر وعند بعض النسابين أن الاشبان منهم وأما طيراش فهم الفرس عند الاسرائيليين وربما قال غيرهم انهم من كومر وأن الخزر والترك من طيراش وأن الصقالبة وبرجان والاشبان من ياوان وأن يأجوج ومأجوج من كومر وهى كلها مزاعم بعيدة عن الصواب وقال اهروشيوش مؤرخ الروم ان القوط والطين من ما غوغ وهذا آخر الكلام في أنساب يافث(2/10)
(وأما) حام فمن ولده السودان والهند والسند والقبط وكنعان باتفاق وفى آخرين خلاف نذكره وكان له على ما وقع في التوراة أربعة من الولد وهم مصر ويقول بعضهم
مصرايم وكنعان وكوش وقوط فمن ولد مصر عند الاسرائيليين فتروسيم وكسلوحيم ووقع في التوراة فلشنين منهما معا ولم يتعين من أحدهما وبنو فلشنين الذين كان منهم جالوت ومن ولد مصر عندهم كفتورع ويقولون هم أهل دمياط ووقع الانقلوس ابن أخت قيطش الذى خرب القدس في الجلوة الكبرى على اليهود قال ان كفتورع هو قبطقاى ويظهر من هذه الصيغة انهم القبط لما بين الاسمين من الشبه ومن ولد مصر عناميم وكان لهم نواحى اسكندرية وهم أيضا بفتوحيم ولوديم ولهابيم ولم يقع الينا تفسير هذه الاسماء وأما كنعان بن حام فذكر من ولده في التوراة أحد عشر منهم صيدون ولهم ناحية صيدا وايمورى وكرساش وكانوا بالشأم وانتقلوا عندما غلبهم عليه يوشع إلى افريقية فأقاموا بها ومن كنعان أيضا بيوسا وكانوا ببيت المقدس وهربوا أمام داود عليه السلام حين غلبهم عليه إلى افريقية والمغرب وأقاموا بها والظاهر أن البربر من هؤلاء المنتقلين أولا وآخرا الا أن المحققين من نسابتهم على أنهم من ولد مازيغ ابن كنعان فلعل مازيغ ينتسب إلى هؤلاء ومن كنعان أيضا حيث الذين كان ملكهم عوج بن عناق ومنهم عرفان وأروادى وخوى ولهم نابلس وسبا ولهم طرابلس وضمارى ولهم حمص وحما ولهم انطاكية وكانت تسمى حما باسمهم وأما كوش بن حام فذكر له في التوراة خمسة من الولد وهم سفنا وسبا وجويلا ورعما وسفخا ومن ولد رعماشاو وهم السند ودادان وهم الهند وفيها أن النمروذ من ولد كوش ولم يعينه وفى تفاسيرها أن جويلازويلة وهم أهل برقة وأما أهل اليمن من ولد سبأ وأما قوط فعند أكثر الاسرائيليين أن القبط منهم ونقل الطبري عن ابن اسحق أن الهند والسند والحبشة من بنى السودان من ولد كوش وان النوبة وفزان وزغاوة والزنج منهم من كنعان وقال ابن سعيد أجناس السودان كلهم من ولد حام ونسب ثلاثة منهم إلى ثلاثة سماهم من ولد غير هؤلاء الحبشة إلى حبش والنوبة إلى نوابة أو نوى والزنج إلى زنج ولم يسم أحدا من آباء الاجناس الباقية وهؤلاء الثلاثة الذين ذكروا لم يعرفوا من ولد حام
فلعلهم من أعقابهم أو لعلها أسماء أجناس وقال هشام بن محمد الكلبى ان النمروذ هو ابن كوش بن كنعان وقال أهروشيوش مؤرخ الروم ان سبا وأهل افريقية يعنى البربر من جويلا بن كوش ويسمى يضول وهذا والله أعلم غلط لانه مر أن يضول في التوراة من ولد يافث ولذلك ذكر أن حبشة المغرب من دادان بن رعما من ولد مصر بن حام بنو قبط بن لاب بن مصر اه الكلام في بنى حام وهذا آخر الكلام في أنساب أمم العالم على الجملة والخلاف الذى في تفاصيلها يذكر في أماكنه والله ولى العون والتوفيق(2/12)
* (المقدمة الثانية في كيفية وضع الانساب في كتابنا لاهل الدول وغيرهم) * اعلم أن الانساب تتشعب دائما وذلك أن الرجل قد يكون له من الولد ثلاثة أو أربعة أو أكثر ويكون لكل واحد منهم كذلك وكل واحد منهم فرع ناشئ عن أصل أو فرع أو عن فرع فرع فصارت بمثابة الاغصان للشجرة تكون قائمة على ساق واحدة هي أصلها والفروع عن جانبها ولكل واحد من الفروع فروع أخرى إلى أن تنتهى إلى الغابة فلذلك اخترنا بعد الكلام على الانساب للامة وشعوبها أن نضع ذلك على شكل شجرة نجعل أصلها وعمود نسبها باسم الاعظم من أولئك الشعوب ومن له التقدم عليهم فيجعل عمود نسبه أصلا لها وتفرع الشعوب الاخرى عن جانبه من كل جهة كأنها فروع لتلك الشجرة حتى تتصل تلك الانساب عمودا وفروعا بأصلها الجامع لها ظاهرة للعيان في صفحة واحدة فترسم في الخيال دفعة ويكون ذلك أعون على تصور الانساب وتشعبها فان الصور الحسية أقرب إلى الارتسام في الخيال من المعاني المتعلقة ثم لما كانت هذه الامم كلها لها دول وسلطان اعتمدنا بالقصد الاول ذكر الملوك منهم في تلك الشجرات متصلة أنسابهم إلى الجد الذى يجمعهم بعد أن نرسم على كل واحد منهم رتبته في تعاقبهم واحدا بعد واحد بحروف أ ب ج د فالالف للاول والباء للثاني والجيم للثالث والدال للرابع والهاء للخامس وهلم جرا ونهاية الاجداد لاهل
تلك الدولة في الآخر منهم ويكون للاول غصون وفروع في كل جهة عنه فإذا نظرت في الشجرة علمت أنساب الملوك في كل دولة وترتبهم بتلك الحروف واحدا بعد واحد والله أعلم بالصواب [ القول في أجيال العرب وأوليتها واختلاف طبقاتهم وتعاقبها وأنساب كل طبقة منها ] اعلم أن العرب منهم الامة الراحلة الناجعة أهل الخيام لسكناهم والخيل لركوبهم والانعام لكسبهم يقومون عليها ويقتاتون من ألبانها ويتخذون الدف ء والاثاث من أوبارها وأشعارها ويحملون أثقالهم على ظهورها يتنازلون حللا مفترقة ويبتغون الرزق في غالب أحوالهم من القنص ويختطف الناس من السبل ويتقلبون دائما في المجالات فرارا من حمارة القيظ تارة وصبارة البرد أخرى وانتجاعا لمراعى غنمهم وارتيادا لمصالح ابلهم الكفيلة بمعاشهم وحمل أثقالهم ودفئهم ومنافعهم فاختصوا لذلك بسكنى الاقليم الثالث ما بين البحر المحيط من المغرب إلى اقصى اليمن وحدود الهند من المشرق فعمروا اليمن والحجاز ونجد أو تهامة وما وراء ذلك مما دخلوا إليه في المائة الخامسة كما ذكروه من مصر وصحارى برقة وتلولها وقسنطينة وافريقية وزاغا(2/14)
والمغرب الاقصى والسوس لاختصاص هذه البلاد بالرمال والقفار المحيطة بالارياف والتلول والارياف الآهلة بمن سواهم من الامم في فصل الربيع وزخرف الارض لرعى الكلا والعشب في منابتها والتنقل في نواحيها إلى فصل الصيف لمدة الاقوات في سنتهم من حبوبها وربما يلحق أهل العمران اثناء ذلك معرات من اضرارهم بافساد السابلة ورعى الزرع مخضرا وانتهابه قائما وحصيدا الا ما حاطته الدولة وذادت عنه الحامية في الممالك التى للسلطان عليهم فيها ثم ينحدرون في فصل الخريف إلى القفار لرعى شجرها ونتاج ابلهم في رمالها وما أحاط به عملهم من مصالحها وفرارا بأنفسهم وظعائنهم من
أذى البرد إلى دفاء مشاتيها فلا يزالون في كل عام مترددين بين الريف والصحراء ما بين الاقليم الثالث والرابع صاعدين ومنحدرين على ممر الايام شعارهم لبس المخيط في الغالب ولبس العمائم تيجانا على رؤسهم يرسلون من أطرافها عذبات يتلثم قوم منهم بفضلها وهم عرب المشرق وقوم يلفون منها الليت والاخدع قبل لبسها ثم يتلثمون بما تحت أذقانهم من فضلها وهم عرب المغرب حاكوا بها عمائم زناتة من أمم البربر قبلهم وكذلك لقنوا منهم في حمل السلاح اعتقال الرماح الخطية وهجروا تنكب القسى وكان المعروف لاولهم ومن بالمشرق لهذا العهد منهم استعمال الامرين ثم ان العرب لم يزالوا موسومين بين الامم بالبيان في الكلام والفصاحة في المنطق والذلاقة في اللسان ولذلك سموا بهذا الاسم فانه مشتق من الابانة لقولهم أعرب الرجل عما في ضميره إذا أبان عنه ومنه قوله صلى الله عليه وسلم الثيب تعرب عن نفسها والبيان سمتهم بين الامم منذ كانوا وانظر قصة كسرى لما طلب من خليفته على العرب النعمان بن المنذر أن يوفد عليه من كبرائهم وخطبائهم من رضى لذلك فاختار منهم وفدا أوفده عليه وكان من خبره واستغراب ما جاؤا به من البيان ما هو معروف فهذه كلها شعائرهم وسماتهم وأغلبها عليهم اتخاذ الابل والقيام على نتاجها وطلب الانتجاع بها لارتياد مراعيها ومفاحص توليدها بما كان معاشهم منها فالعرب أهل هذه الشعار من أجيال الآدميين كما أن الشاوية أهل القيام على الشاة والبقر لما كان معاشهم فيها فلهذا لا يختصمون بنسب واحد بعينه الا بالعرض ولذلك كان النسب في بعضهم مجهولا عند الاكثر وفى بعضهم خفيا على الجمهور وربما تكون هذه السمات والشعائر في أهل نسب آخر فيدعون باسم العرب الا أنهم في الغالب يكونون أقرب إلى الاولين من غيرهم وهذا الانتقال لا يكون الا في أزمنة متطاولة وأحقاب متداولة ولذلك يعرض في الانساب ما يعرض من الجهل والخفاء (واعلم) أن جيل العرب بعد الطوفان وعصر نوح عليه السلام كان في عاد الاولى وثمود والعمالقة وطسم وجديس وأميم وجرهم وحضرموت ومن ينتمى(2/15)
إليهم من العرب العاربة من أبناء سام بن نوح ثم لما انقرضت تلك العصور وذهب أولئك الامم وأبادهم الله بما شاء من قدرته وصار هذا الجيل في آخرين ممن قرب من نسبهم من حمير وكهلان وأعقابهم من التبابعة ومن إليهم من العرب المستعربة من أبناء عابر بن شالخ بن أزفحشذ بن سام ثم لما تطاولت تلك العصور وتعاقبت وكان بنو فالغ بن عابر أعالم من بين ولده واختص الله بالنبوة منهم ابراهيم بن تارخ وهو آزر بن ناحور بن ساروخ بن أرغو بن فالغ وكان من شأنه مع نمروذ ما قصه القران ثم كان من هجرته إلى الحجاز ما هو مذكور وتخلف ابنه اسمعيل مع أمه هاجر بالحجر قربانا لله ومرت بها رفقة من جرهم في تلك المفازة فخالطوها ونشأ اسمعيل بينهم وربى في أحيائهم وتعلم لغتهم العربية بعد ان كان أبوه أعجميا ثم كان بناء البيت كما قصه القران ثم بعثه الله إلى جرهم والعمالقة الذين كانوا بالحجاز فآمن كثير منهم واتبعوه ثم عظم نسله وكثر وصار بالجيل آخر من ربيعة ومضر ومن إليهم من إياد وعك وشعوب نزار وعدنان وسائر ولد اسمعيل وهم العرب التابعة للعرب ثم انقرض أولئك الشعوب في أحقاب طويلة وانقرض ما كان لهم من الدولة في الاسلام وخالطوا العجم بما كان لهم من التغلب عليهم ففسدت لغة أعقابهم في آماد متطاولة وبقى خلفهم أحياء بادين في القفار والرمال والخلاء من الارض تارة والعمران تارة وقبائل بالمشرق والمغرب والحجاز واليمن وبلاد الصعيد والنوبة والحبشة وبلاد الشأم والعراق والبحرين وبلاد فارس والسند وكرمان وخراسان أمم لا يأخذها الحصر والضبط قد كاثروا أمم الارض لهذا العهد شرقا وغربا واعتزوا عليهم فهم اليوم أكثر أهل العالم وأملك لامرهم من جميع الامم ولما كانت لغتهم مستعجمة على اللسان المضرى الذى نزل به القران وهو لسان سلفهم سميناهم لذلك العرب المستعجمة فهذه أجيال العرب منذ مبدا الخليقة ولهذا العهد في أربع طبقات متعاقبة كان لكل طبقة منها عصور وأجيال ودول وأحياء وقعت العناية بها دون
من سواهم من الامم لكثرة أجيالهم واتساع النطاق من ملكهم فلنذكر لكل طبقة أحوال جيلها وبعض أيامهم ودولهم ومن كان على عهدهم من ملوك الامم ودولهم ليتبين لك بذلك مراتب الاجيال في الخليقة كيف تعاقبت والله سبحانه وتعالى ولى العون [ برنامج بما تضمنه الكتاب من الدول في هذه الطبقات الاربع على ترتيبها والدول المعاصرين من العجم في كل خليقة منها ] فنبدأ أولا بذكر الطبقة الاولى وهم العرب العارية ونذكر انسابهم ومواطنهم وما كان لهم من الملك والدولة ثم الطبقة الثانية وهم العرب المستعربة من بنى حمير بن سبا(2/16)
ونذكر أنسابهم وما كان لهم من الملك باليمن في التبابعة وأعقابهم ثم نرجع إلى ذكر معاصرهم من العجم وهم ملوك بابل من السريانيين ثم ملوك الموصل ونينوى من الجرامقة ثم القبط وملوكهم بمصر ثم بنى اسرائيل ودولهم ببيت المقدس قبل تخريب بختنصر وبعده وبالصابئة ثم الفرس ودولهم الاولى والثانية ثم يونان ودولهم الاسكندر وقومه ثم الروم ودولهم في القياصرة وغيرهم ثم نرجع إلى ذكر الطبقة الثالثة وهم العرب التابعة للعرب من قضاعة وقحطان وعدنان وشعبيها العظيمين ربيعة ومضر فنبدأ بقضاعة وأنسابهم وما كان لهم من الملك البدوى في آل النعمان بالحيرة والعراق ومن زاحمهم فيها من ملوك كندة بنى حجر آكل المرار ثم ما كان لهم أيضا من الملك البدوى بالشأم في بنى جفنة بالبلقاء والاوس والخزرج بالمدينة النبوية ثم عدنان وأنسابهم وما كان لهم من الملك بمكة في قريش ثم ما شرفهم الله به وجيل الآدميين أجمع من النبوة وذكر الهجرة والسير النبوية ثم نذكر ما أكرمهم الله به من الخلافة والملك فنترجم للخلفاء الاربعة وما كان على عصرهم من الردة والفتوحات والفتن ثم نذكر خلفاء الاسلام من بنى أمية وما كان لعهدهم من أمر
الخوارج ثم نذكر خلفاء الشيعة وما كان لهم من الدول في الاسلام فالاولى الدولة العظيمة لبنى العباس التى انتشرت في أكثر ممالك الاسلام ثم دولة العلوية المزاحمين لها بعد صدر منها وهى دولة الادراسة بالمغرب الاقصى ثم دولة العبيدية من الاسماعيلية بالقيروان ومصر ثم القرامطة بالبحرين ثم دعاة طبرستان والديلم ثم ما كان من هؤلاء العلوية بالحجاز ثم نذكر بنى أمية المنازعين لبنى العباس بالاندلس وما كان لهم من الدولة هنا لك والطوائف من بعدهم ثم نرجع إلى ذكر المستبدين بالدعوة العباسية بالمغرب والنواحى وهم بنو الاغلب بافريقية وبنو حمدان بالشأم وبنو المقلد بالموصل وبنو صالح ابن كلاب بحلب وبنو مروان بديار بكر وبنو أسد بالحلة وبنو زياد باليمن وبنو هود بالاندلس ثم نرجع إلى القائمين بالدعوة العبيدية بالنواحي وهم الصليحيون باليمن وبنو أبى الحسن الكلبى بصقلية وصنهاجة بالمغرب ثم نرجع إلى المستبدين بالدعوة العباسية من العجم في النواحى وهم بنو طولون بمصر ومن بعدهم بنو طغج وبنو الصفار بفارس وسجستان وبنو سامان فيما وراء النهر وبنو سبكتكين في غزنه وخراسان وغوربة في غزنة والهند وبنو حسنويه من الكرد في خراسان ثم نرجع إلى ذكر المستبدين على الخلفاء ببغداد من العجم وهم أهل الدولتين العظيمتين القائمتين بملك الاسلام من بعد العرب وهم بنو بويه من الديلم والسلجوقية من الترك ثم نرجع إلى ملوك السلجوقية المستبدين بالنواحي وهم بنو طغتكين بالشأم وبنو قطلمش ببلاد الروم وبنو خوارزم شاه ببلاد(2/17)
العجم وما وراء النهر وبنو سقمان بخلاط وارمينيه وبنو ارتق بماردين وبنو زنكى بالشأم وبنو أيوب بمصر والشأم ثم الترك الذين ورثوا ملكهم هنالك وبنو رسول باليمن ثم نرجع إلى ذكر التتر من الترك القائمين على دولة الاسلام والملصين للخلافة العباسية ثم ما كان من دخولهم في دين الاسلام وقيامهم بالملك بالنواحي وهم بنو هولاكو بالعراق وبنو ذو شيخان بالشمال وبنو ارتنا ببلاد الروم ومن بعد بنى هولاكو بنو الشيخ حسن
ببغداد وتوريز وبنو المظفر باصبهان وشيراز وكرمان وبعد بنى ارتنا ملوك بنى عثمان من التركمان ببلاد الروم وما وراءها ثم نرجع إلى الطبقة الرابعة من المغرب وهم المستعجمة ومن له ملك بدوى منهم بالمغرب والمشرق ثم نخرج بعد ذكر ذلك إلى ذكر البربر ودولهم بالمغرب لانهم كانوا من شرط كتابنا وهنا لك نذكر برنامج دولهم والله سبحانه اعلم [ الطبقة الاولى من العرب وهم العرب العارية وذكر نسبهم والالمام بملكهم ودولهم على الجملة ] هذه الامة اقدم الامم من بعد قوم نوح وأعظمهم قدرة وأشدهم قوة وآثارا في الارض وأول أجيال العرب من الخليقة فيما سمعناه لان اخبار القرون الماضية من قبلهم يمتنع اطلاعنا عليها لتطاول الاحقاب ودروسها الا ما يقصه علينا الكتاب ويؤثر عن الانبياء بوحى الله إليهم وما سوى ذلك من الاخبار الازلية فمنقطع الاسناد ولذلك كان المعتمد عند الاثبات في أخبارهم ما تنطق به آية القران في قصص الانبياء الاقدمين أو ما ينقله زعماء المفسرين في تفسيرها من أخبارهم وذكر دولهم وحروبهم ينقلون ذلك عن السلف من التابعين الذين أخذوا عن الصحابة أو سمعوه ممن هاجر إلى الاسلام من أحبار اليهود وعلمائهم أهل التوراة أقدم الصحف المنزلة فيما علمناه وما سوى ذلك من حطام المفسرين وأساطير القصص وكتب بدء الخليقة فلا نعول على شئ منه وان وجد لمشاهير العلماء تأليف مثل كتاب الياقوتية للطبري والبدء للكسائي فانما نحوا فيها منحى القصاص وجروا على أساليبهم ولم يلتزموا فيها الصحة ولا ضمنوا لنا الوثوق بها فلا ينبغى التعويل عليها وتترك وشأنها وأخبار هذا الجيل من العرب وان لم يقع لها ذكر في التوراة الا أن بنى اسرائيل من بين أهل الكتاب أقرب إليهم عصرا وأوعى لاخبارهم فلذلك يعتمد نقل المهاجرة منهم لاخبار هذا الجيل ثم ان هذه الامم على ما نقل كان لهم ملوك ودول فملوك جزيرة العرب وهى الارض التى أحاط بها بحر الهند
من جنوبها وخليج الحبشة من غربها وخليج فارس من شرقها وفيها اليمن والحجاز والشحر وحضر موت وامتد ملكهم فيها إلى الشأم ومصر في شعوب منهم على ما يذكر(2/18)
ويقال انهم انتقلوا إلى جزيرة العرب من بابل لما زاحمهم فيها بنو حام فسكنوا جزيرة العرب بادية مخيمين ثم كان لكل فرقة منهم ملوك وآطام وقصور حسبما نذكره إلى أن غلب عليهم بنو يعرب بن قحطان وهؤلاء العرب العاربة شعوب كثيرة وهم عاد وثمود وطسم وجديس وأميم وعبيل وعبد ضحم وجرهم وحضر موت وحضورا والسلفات وسمى أهل هذا الجيل العرب العاربة إما بمعنى الرساخة في العروبية كما يقال ليل أليل وصوم صائم أو بمعنى الفاعلة للعروبية والمبتدعة لها بما كانت أول أجيالها وقد تسمى البائدة أيضا بمعنى الهالكة لانه لم يبق على وجه الارض أحد من نسلهم (فأما عاد) وهم بنو عاد بن عوص بن إرم بن سام فكانت مواطنهم الاولى باحقاف الرمل بين اليمن وعمان إلى حضر موت والشحر وكان أبوهم عاد فيما يقال أول من ملك من العرب وطال عمره وكثر ولده له أربعة آلاف ولد ذكر لصلبه وتزوج ألف امرأة وعاش ألف سنة ومائتي سنة وقال البيهقى انه عاش ثلثمائة سنة وملك بعده بنوه الثلاثة شديد وبعده شداد وبعده ارم وذكر المسعودي ان الذى ملك من بعد عاد وشداد منهم هو الذى سار في الممالك واستولى على كثير من بلاد الشأم والهند والعراق وقال الزمخشري ان شدادا هو الذى بنى مدينة ارم في صحارى عدن وشيدها بصخور الذهب وأساطين الياقوت والزبر جديحا كى بها الجنة لما سمع وصفها طغيانا منه وعتوا ويقال ان بانى ارم هذه هو إرم بن عاد وذكر ابن سعيد عن البيهقى أن بانى ارم هو ارم بن شداد بن عاد الاكبر والصحيح أنه ليس هناك مدينة اسمها ارم وانما هذا من خرافات القصاص وانما ينقله ضعفاء المفسرين وارم المذكورة في قوله تعالى ارم ذات العماد القبيلة لا البلد (وذكر المسعودي) أن ملك عوص كان ثلثمائة وان الذى ملك من بعده
ابنه عاد بن عوص وان جيرون بن سعد بن عاد كان من ملوكهم وانه الذى اختط مدينة دمشق ومصرها وجمع عمد الرخام والمرمر إليها وسماها ارم ومن أبواب مدينة دمشق إلى هذا العهد باب جيرون وذكره الشعراء في معاهدها قال الشاعر النخل فالقصر فالحماء بينهما * أشهى إلى القلب من أبواب جيرون وهذا البيت في الصوت الاول من كتاب الاغانى وذكر ابن عساكر في تاريخ دمشق جيرون ويزيد اخوان هما ابنا سعد بن لقمان بن عاد وبهما عرف باب جيرون ونهر يزيد والصحيح أن باب جيرون انما سمى باسم مولى من موالى سليمان عليه السلام في دولة بنى اسرائيل جيرون كان ظاهرا في دولتهم (وذكر ابن سعيد) في أخبار القبط ان شداد بن بداد بن هداد بن شداد بن عاد حارب بعضا من القبط وغلب على أسافل مصر ونزل الاسكندرية وبنى بها حينئذ مدينة مذكورة في التوراة يقال لها أون ثم(2/19)
هلك في حروبهم وجمع القبط اخوتهم من البربر والسودان وأخرجوا العرب من ملك مصر (ثم لما اتصل ملك عاد) وعظم طغيانهم وعتوهم انتحلوا عبادة الاصنام والاوثان من الحجارة والخشب ويقال ان ذلك لانتحالهم دين الصابئة فبعث الله إليهم أخاهم هودا وهو فيما ذكر المسعودي والطبري هود بن عبد الله بن رباح بن الخلود بن عاد وفي كتاب البدء لابن حبيب رباح ابن حرب بن عاد وبعضهم يقول هود بن عابر بن شالخ بن أرفخشذ فوعظهم وكان ملوكهم لعهده الخلجان ولقمان بن عاد بن عاديا بن صدا بن عاد فآمن به لقمان وقومه وكفر الخلجان وامتنع هود بعشيرته من عاد وحبس الله عنهم المطر ثلاث سنين وبعثوا الوفود من قومهم إلى مكة يستسقون لهم وكان في الوفد على ما قاله الطبري نعيم بن هزال بن هزيل بن عبيل بن صدا بن عاد وقيل ابن عنز منهم وحلقمة بن الخسرى ومرثد بن سعد بن عنز وكان ممن آمن بهود واتبعه وكان بمكة من عاد هؤلاء معاوية بن بكر وقومه وكانت هزيلة أخت معاوية عند نعيم بن هزال وولدت له عبيدا
وعمرا وعامرا فلما وصل الوفد إلى مكة مروا بمعاوية بن بكر وابنه بكر ونزل الوفد عليه ثم تبعهم لقمان بن عاد وأقاموا عند معاوية وقومه شهرا لما بينهم من الخؤلة ومكثوا يشربون وتغنيهم الجرادتان قينتان لمعاوية بن بكر وابنه بكر ثم غنتاهم شعرا تذكرهم بأمرهم فانبعثوا ومضوا إلى الاستسقاء وتخلف عنهم لقمان بن عاد ومرثد بن سعد فدعوا في استسقائهم وتضرعوا وأنشأ الله السحب ونودى بهم ان اختاروا فاختاروا سوداء من السحب وأنذورا بعذابها فمضت إلى قومهم وهلكوا كما قصه القران (وفي خبر الطبري) ان الوفد لما رجعوا إلى معاوية بن بكر لقيهم خبر مهلك قومهم هنا لك وان هودا بساحل لبحر وان الخلجان ملكهم قد هلك بالريح فيمن هلك وان الريح كانت تدخل تحت الرجل فتحمله حتى تقطعوا في الجبال وتقلع الشجر وترفع البيوت حتى هلكوا أجمعون انتهى كلام الطبري (ثم ملك لقمان ورهطه) من قوم عاد واتصل لهم الملك فيما يقال ألف سنة أو يزيد وانتقل ملكه إلى ولده لقمان وذكر البخاري في تاريخه ان الذى كان يأخذ كل سفينة غصبا هو هدد بن بدد بن الخلجان بن عاد بن رقيم ابن عابر بن عاد الاكبر وأن المدينة بساحل برقة اه ولم يزل ملكهم متصلا إلى أن غلبهم عليه يعرب بن قحطان واعتصموا بجبال حضر موت إلى أن انقرضوا وقال صاحب زجار ان ملكهم عاد بن رقيم بن عابر بن عاد الاكبر هو الذى حارب يعرب بن قحطان وكان كافرا يعبد القمر وانه كان على عهد نوح وهذا بعيد لان بعثة هود كانت عند استفحال دولتهم أو عند مبتدئها وغلب يعرب كان عند انقراضها وكذلك هدد الذى ذكر البخاري انه ملك برقة انما هو حافد الخلجان الذى اعتصم آخرهم بجبل حضر موت(2/20)
وخبر البخاري مقدم وقال على بن عبد العزيز الحرجانى وكان من ملوك عاد يعمر بن شداد وعبد أبهر بن معد يكرب بن شمد بن شداد بن عاد وحناد بن مياد بن شمد بن شداد وملوك آخرون أبادهم الله والبقاء لله وحده (فأما عبيل) وهم اخوان عاد بن عوص فيما
قاله الكلبى واخوان عوص بن ارم فيما قاله الطبري وكانت ديارهم بالجحفة بين مكة والمدينة وأهلكهم السيل وكان الذى اختط يثرب منهم هكذا قال المسعودي وقال هو يثرب بن بائلة بن مهلهل بن عبيل وقال السهيلي ان الذى اختط يثرب من العماليق وهو يثرب بن مهلايل بن عوص بن عمليق (وأما عبد ضخم بن ارم) فقال الطبري كانوا يسكنون الطائف وهلكوا فيمكن هلك من ذلك الجيل وقال غيره انهم أول من كتب بالخط العربي(2/21)
(وأما ثمود) وهم بنو ثمود بن كاثر بن ارم فكانت ديارهم بالحجر ووادى القرى فيما بين الحجاز والشأم وكانوا ينحتون بيوتهم في الجبال ويقال لان أعمارهم كانت تطول فيأتى البلاء والخراب على بيوتهم فنحتوها لذلك في الصخر وهى لهذا العهد وقد مر بها النبي صلى الله عليه وسلم في غزوة تبوك ونهى عن دخولها كما في الصحيح وفيه اشارة إلى أنها بيوت ثمود أهل ذلك الجيل ويشهد ذلك ببطلان ما يذهب إليه القصاص ووقع مثله للمسعودي من أن أهل تلك الاجيال كانت أجسامهم مفرطة في الطول والعظم وهذه البيوت المشاهدة المنسوبة إليهم بكلام الصادق صلوات الله عليه يشهد بأنهم في طولهم وعظم حجراتهم مثلنا سواء فلا أقدم من عادوا أهل أجيالهم فيما بلغنا ويقال ان أول ملوكهم كان عابر بن ارم بن ثمود ملك عليهم مائتي سنة ثم كان من بعده جندع بن عمرو بن الدبيل بن ارم بن ثمود ويقال ملك نحوا من ثلثمائة سنة وفي أيامه كانت بعثة صالح عليه السلام وهو صالح بن عبيل بن أسف بن شالخ بن عبيل بن كاثر بن ثمود وكانوا أهل كفر وبغى وعبادة أوثان فدعاهم صالح إلى الدين والتوحيد قال الطبري فلما جاءهم بذلك كفروا وطلبوا الآيات فخرج بهم إلى هضبة من الارض فتمخضت عن الناقة ونهاهم أن يتعرضوا لها بعقر أو هلكة وأخبرهم مع ذلك انهم عاقروها ولابد ورأس عليهم قدار بن سالف وكان صالح وصف لهم عاقر الناقة بصفة قدار هذا ولما طال النذير عليهم
من صالح سئموه وهموا بقتله وكان يأوى إلى مسجد خارج ملائهم فكمن له رهط منهم تحت صخرة في طريقه ليقتلوه فانطنقت عليهم وهلكوا وحنقوا ومضوا إلى الناقة ورماها قدار بسهم في ضرعها وقتلها ولجأ فصيلها إلى الجبل فلم يدركوه وأقبل صالح وقد تخوف عليهم العذاب فلما رآه الفصيل أقبل إليه ورغا ثلاث رغا آت فأنذرهم صالح ثلاثا وفي صبح الرابعة صعقوا بصيحة من السماء تقطعت بها قلوبهم فأصبحوا جاثمين وهلك جميعهم حيث كانوا من الارض الا رجلا كان في الحرم منعه الله من العذاب قيل من هو يا رسول الله قال أبو رغال ويقال ان صالحا أقام عشرين سنة ينذرهم وتوفى ابن ثمان وخمسين سنة وفي الصحيح ان رسول الله صلى الله عليه وسلم مر في غزوة تبوك بقرى ثمود فنهى عن استعمال مياههم وقال لا تدخلوا مساكن الذين ظلموا أنفسهم الا وأنتم باكون أن يصيبكم ما أصابهم اه كلام الطبري (وقال الجرجاني) كان من ملوكهم دوبان بن يمنع ملك الاسكندرية وموهب بن مرة بن رحيب وكان عظيم الملك وأخوه هوبيل بن مرة كذلك وفيما ذكره المفسرون انهم أول من نحت الجبال والصخور وانهم بنوا ألفا وسبعمائة مدينة وفي هذا ما فيه ثم هبوا بما كسبوا ودرجوا في الغابرين وهلكوا ويقال ان من بقاياهم أهل الرس الذين كان نبيهم حنظلة بن صفوان وليس(2/23)
ذلك بصحيح وأهل الرس هم حضور ويأتى ذكرهم في بنى فالغ بن عابر وكذلك يزعم بعض النسابة أن ثقيفا من بقايا ثمود هؤلاء وهو مردود وكان الحجاج بن يوسف إذا سمع ذلك يقول كذبوا وقال والله جل من قائل يقول وثمود فما أبقى أي أهلكهم فما أبقى أحدا منهم وأهل التوراة لا يعرفون شيأ من أخبار عاد ولا ثمود لانهم لم يقع لهم ذكر في التوراة ولا لهود ولا لصالح عليهما السلام بل ولا لاحد من العرب العاربة لان سياق الاخبار في التوراة عن أولئك الامم انما هو لمن كان في عمود النسب ما بين موسى وآدم صلوات الله عليهم وليس لاحد من آباء هؤلاء الاجيال ذكر في عمود ذلك
النسب فلم يذكروا فيها (وأما جديس وطسم) فعند ابن الكلبى أن جديسا لارم بن سام وديارهم اليمامة وهم اخوان لثمود بن كاثر ولذلك ذكرهم بعدهم وان طسما للاوذ بن سام وديارهم بالبحرين وعند الطبري انهما معا للاذ وديارهم باليمامة ولهذين الاثنين خبر مشهور ينبغى سياقه عند ذكرهم قال الطبري عن هشام بن محمد الكلبى بسنده إلى ابن اسحق وغيره من علماء العرب ان طسما وجديسا كانوا من ساكنى اليمامة وهى إذ ذاك من أخصب البلاد وأعمرها وأكثرها خيرا وثمارا وحدائق وقصورا وكان ملك طسم غشوما لا ينهاه شئ عن هواه ويقال له عملوق وكان مصر الجديس مستذلا لهم حتى كانت البكر من جديس لا تهدى إلى زوجها حتى تدخل عليه فيفترعها وكان السبب في ذلك أن امرأة منهم كان اسمها هزيلة طلقها زوجها وأخذ ولده منها فأمر عملوق ببيعها وأخذ زوجها الخمس من ثمنها فقالت شعرا تتظلم منه فأمر أن لا تزوج منهم امرأة حتى يفترعها فقاموا كذلك حتى تزوجت الشموس وهى عفيرة ابنة غفار بن جديس أخت الاسود فافتضها عملوق فقال الاسود بن غفار لرؤساء جديس قد ترون ما نحن فيه من الذل والعار الذى ينبغى للكلاب ان تعافه فأطيعوني أدعوكم إلى عز الدهر فقالوا وما ذاك قال اصنع للملك وقومه دعوة فإذا جاؤا يعنى طسما نهضنا إليهم باسيافنا فنقتلهم فاجمعوا على ذلك ودفنوا سيوفهم في الرمل ودعوا عملوقا وقومه فلما حضروا قتلوهم فافنوهم وقتل الاسود عملوقا وأفلت رباح بن مرة بن طسم فأتى حسان بن تبع مستغيثا فنهض حسان في حمير لاغاثته حتى كان من اليمامة على ثلاث مراحل قال لهم رباح ان لى أختا مزوجة في جديس اسمها اليمامة ليس على وجه الارض أبصر منها وانها لتبصر الراكب على ثلاث مراحل وأخاف أن تنظر القوم فأمر كل رجل أن يقلع شجرة فيجعلها في يده ويسير كأنه خلفها ففعلوا وبصرت بهم اليمامة فقالت لجديس لقد سارت اليكم حمير وانى أرى رجلا من وراء شجرة بيده كتف يتعرقها أو نعل يخصفها فاستبعدوا ذلك ولم يحفلوا به وصبحهم حسان وجنوده(2/24)
من حمير فأبادهم وخرب حصونهم وبلادهم وهرب الاسود بن غفار إلى جبلى طى فأقام بهما ودعا تبع باليمامة أخت رباح التى ابصرتهم فقلع عينها ويقال انه وجد بها عروقا سودا زعمت أن ذلك من اكتحالها بالاثمد وكانت تلك البلد تسمى جو فسميت باليمامة اسم تلك المرأة قال أبو الفرج الاصبهاني وكانت طى تسكن الجرف من أرض اليمن وهى اليوم محلة مراد وهمدان وسيدهم يومئذ سامة بن لؤى بن الغوث بن طى وكان الوادي مسبعة وهم قليل عددهم وكان يجتاز بهم بعير في زمن الخريف ويذهب ثم يجئ من قابل ولا يعرفون مقره وكانت الازد قد خرجت أيام سيل العرم واستوحشت طى فظعنوا على أثرهم وقالوا لسامة هذا البعير انما يأتي من الريف والخصب لان في بعره النوى فلما جاءهم زمن الخريف اتبعوه يسيرون لسيره حتى هبط عن الجبلين وهجموا على النخل في الشعاب وعلى المواشى وإذا هم بالاسود بن غفار في بعض تلك الشعاب فهالهم خلقه وتخوفوه ونزلوا ناحية ونفضوا الطريق فلم يروا أحدا فأمر سامة ابنه الغوث بقتل الاسود فجاء إليه فعجب من صغر خلقه وقال من أين أقبلتم قال من اليمن وأخبره خبر البعير ثم رماه فقتله واقامت طى بالجبلين بعده وذكر الطبري عن غير ابن اسحق أن تبع الذى أوقع بجديس هو والد حسان هذا وهو ثبان أسعد أبو كرب بن ملكى كرب ويأتى ذكره في ملوك اليمن ان شاء الله تعالى انتهى كلام الطبري وقال غيره ان حسان بن تبع لما سار بحمير إلى طسم بعث على مقدمته إليهم عبد كلال بن منوب بن حجر بن ذى رعين من أقيال حمير فسلك بهم رباح بن مرة الرمل وكانت الزرقاء أخت رباح ناكحا في طسم وتسمى عنزة واليمامة وكانت تبصر على البعد فأنذرتهم فلم يقبلوا وصبح عبد بن كلال جديسا إلى آخر القصة وبقيت اليمامة بعد طسم يبابا لا يأكل ثمرها الا عوافي الطير والسباع حتى نزلها بنو حنيفة وكانوا بعثوا رائدهم عبيد بن ثعلبة الحنفي يرتاد لهم في البلاد فلما أكل من ذلك الثمر قال ان هذا الطعام وحجر بعصاه على موضع قصبة اليمامة فسميت حجرا
واستوطنها بنو حنيفة وبها صبحهم الاسلام كما يأتي في أخبارهم ان شاء الله تعالى(2/25)
(وأما العمالقة) فهم بنو عمليق بن لاوذو بهم يضرب المثل في الطول والجثمان قال الطبري عمليق أبو العمالقة كلهم أمم تفرقت في البلاد فكان أهل المشرق وأهل عمان البحرين وأهل الحجاز منهم وكانت الفراعنة بمصر منهم وكانت الجبابرة بالشأم الذين يقال لهم الكنعانيون منهم وكان الذين بالبحرين وعمان والمدينة يسمون جاسم وكان بالمدينة من جاسم هؤلاء بنو لف وبنو سعد بن هزال وبنو مطر وبنو الازرق وكان بنجد منهم بديل وراحل وغفار وبالحجاز منهم إلى تيما بنو الارقم ويسكنون مع ذلك نجدا وكان ملكهم يسمى الارقم قال وكان بالطائف بنو عبد ضخم بن عاد الاول انتهى (وقال ابن سعيد) فيما نقله عن كتب التواريخ التى اطلع عليها في خزانة الكتب بدار الخلافة من بغداد قال كانت مواطن العمالقة تهامة من أرض الحجاز فنزلوها أيام خروجهم من العراق أمام النماردة من بنى حام ولم يزالوا كذلك إلى أن جاء اسمعيل صلوات الله عليه وآمن به من آمن منهم وتطرد لهم الملك إلى أن كان منهم السميدع بن لاوذ بن عمليق وفي أيامه خرجت العمالقة من الحرم أخرجتهم جرهم من قبائل قحطان فتفرقوا ونزل بمكان المدينة منهم بنو عبيل بن مهلايل بن عوص بن عمليق فعرفت به ونزل أرض ايلة ابن هومر بن عمليق واتصل ملكها في ولده وكان السميدع سمة لمن ملك منهم إلى ان كان آخرهم السميدع بن هومر الذى قتله يوشع لما زحف بنو اسرائيل إلى الشأم بعد موسى صلوات الله عليه فكان معظم حروبهم مع هؤلاء العمالقة هنالك فغلبه يوشع وأسره وملك أريحا قاعدة الشأم وهى قرب بيت المقدس ومكانها معروف لهذا العهد ثم بعث من بنى اسرائيل بعثا إلى الحجاز فملكوه وانتزعوه من أيدى العمالقة ملوكه ونزعوا يثرب وبلادها وخيبر ومن بقاياهم يهود قريظة وبنو النضير وبنو قينقاع وسائر يهود الحجاز على ما نذكره ثم كان لهم ملك بعد ذلك في دولة الروم وملكوا أذينة
ابن السميدع على مشارف الشأم والجزيرة من ثغورهم وأنزلوهم في التخوم ما بينهم وبين فارس وهذا الملك أذينة بن السميدع هو الذى ذكره الشاعر في قوله أزال أذينة عن ملكه * وأخرج عن أهله ذا يزن وكان من بعده حسان بن أذينه ومن بعده طرف بن حسان بن يدياه نسبة إلى أمه وبعده عمرو بن طرف وكان بينه وبين جذيمة الابرش حروب وقتله جذيمة واستولى على ملكهم وكان آخرا من العمالقة كما نذكر ذلك في موضعه ومن هؤلاء العمالقة فيما يزعمون عمالقة مصر وان بعض ملوك القبط استنصر بملك العمالقة بالشأم لعهده واسمه الوليد بن دومغ ويقال ثوران بن اراشة بن فادان بن عمرو بن عملاق فجاء معه ملك مصر واستعبد القبط (قال الجرجاني) ومن ثم ملك العماليق مصر ويقال ان منهم فرعون ابراهيم وهو سنان(2/27)
ابن الاشل بن عبيد بن عولج بن عمليق وفرعون يوسف أيضا منهم وهو الريان بن الوليد بن فوران وفرعون موسى كذلك وهو الوليد بن مصعب بن أبى أهون بن الهلوان ويقال أنه قابوس بن مصعب بن معاوية بن نمير بن السلواس بن فاران وكان الذى ملك مصر بعد الريان بن الوليد طاشم بن معدان اه كلام الجرجاني (وقال غيره) الريان فرعون يوسف وهو الذى تسميه القبط نقراوش وان وزيره كان اطفير وهو العزيز وأنه آمن بيوسف وان أرض الفيوم كانت مغايض للماء فدبرها يوسف بالوحى والحكمة حتى صارت أعز الديار المصرية وملك بعده ابنه دارم بن الريان وبعده ابنه معدا نوس فاستعبد بنى اسرائيل (قال الكلبى) ويذكر القبط أنه فرعون موسى وذكر أهل الاثر انه الوليد بن مصعب وأنه كان نجارا من غير بيت الملك فاستولى إلى أن ولى حرس السلطان ثم غلب عليه ثم استبد بعده وعليه انقرض أمر العمالقة ولما غرق في اتباع موسى صلوات الله عليه رجع الملك إلى القبط فولوا من بيت ملكهم دلوكه العجوز كما نذكره في أخبارهم ان شاء الله تعالى وأما بنو اسرائيل فليس عندهم ذكر لعمالقة الحجاز
وعندهم ان عمالقة الشأم من ولد عملاق بن اليفاذ بتفخيم الفاء ابن عيصو أو عيصاب أو العيص بن اسحق بن ابراهيم عليه السلام وفراعنة مصر منهم على الرأيين (وأما) الكنعانيون الذين ذكر الطبري انهم من العمالقة فهم عند الاسرائيليين من كنعان ابن حام وكانوا قد انتشروا ببلاد الشأم وملكوها وكان معهم فيها بنو عيصو المذكورون ويقال لهم بنو يدوم ومن أيديهم جميعا ابتزها بنو اسرائيل عند المجئ أيام يوشع بن نون ولذلك تزعم زناتة المغرب أنهم من هؤلاء العمالقة وليس بصحيح (وأما أميم) فهم اخوان عملاق بن لاوذ قال السهيلي يقال بفتح الهمزة وكسر الميم وبضم الهمزة وفتح الميم وهو أكثر ووجدت بخط بعض المشاهير أميم بتشديد الميم ويذكر أنهم أول من بنى البنيان واتخذ البيوت والاطام من الحجارة وسقفوا بالخشب وكانت ديارهم فيما يقال أرض فارس ولذلك زعم بعض نسابة الفرس أنهم من اميم وان كيومرث الذين ينسبون إليه هو ابن اميم بن لاوذ وليس بصحيح وكان من شعوبهم وبار بن اميم نزلوا رمل عالج بين اليمامة والشحر وسالت عليهم الريح فهلكوا(2/28)
(وأما العرب) البايدة من بنى أرفخشد بن بن يقطن بن عابر بن شالخ بن أرفخشد فهم جرهم وحضورا وحضر موت والسلف (فأما حضورا) فكانت ديارهم بالرس وكانوا أهل كفر وعبادة أوثان وبعث إليهم نبى منهم اسمه شعيب بن دى مهرع فكذبوه وهلكوا كما هلك غيرهم من الامم (وأما جرهم) فكانت ديارهم باليمن وكانوا يتكلمون بالعبرانية وقال البيهقى ان يعرب بن قحطان لما غلب عادا على اليمن وملكه من أيديهم ولى اخوته على الاقاليم وولى جرهم على الحجاز وولى بلاد عاد الاولى وهى الشحر عاد بن قحطان فعرفت به وولى عمان يقطن بن قحطان انتهى كلام البيهقى وقيل انما نزلت جرهم الحجاز ثم بنى قطور بن كر كر بن عملاق لقحط أصاب اليمن فلم يزالوا بمكة إلى أن كان شأن اسمعيل عليه السلام ونبوته فآمنوا به وقاموا بأمره وورثوا ولاية البيت عنه
حتى غلبهم عليه خزاعة وكتانة فخرجت جرهم من مكة ورجعوا إلى ديارهم باليمن إلى أن هلكوا (وأما حضر موت) فمعدودون في العرب العاربة لقرب ازمانهم وليسوا من العرب البايدة لانهم باقون في الاجيال المتأخرة الا أن يقال ان جمهورهم قد ذهب من بعد عصورهم الاولى واندرجوا في كندة وصاروا من عدادهم فهم بهذا الاعتبار قد هلكوا وبادوا والله أعلم وقال على بن عبد العزيز انه كان فيهم ملوك التبابعة في علو الصيت ونهاية الذكر قال وذكر جماعة من العلماء أن أول من انبسط ملكه منهم وارتفع ذكره عمرو الاشنب بن ربيعة بن يرام بن حضر موت ثم خلفه ابنه نمر الازج فملك مائة سنة وقاتل العمالقة ثم ملك كريب ذو كراب ثم نمر الازج مائة وثلاثا وثلاثين سنة وهلك اخوته في ملكه ثم ملك مرثد ذو مروان بن كريب مائة وأربعين سنة وكان يسكن مارب ثم تحول إلى حضر موت ثم ملك علقمة ذو قيعان بن مرثد ذى مروان بحضر موت ثلاثين سنة ثم ملك ذو عيل بن ذى قيعان عشر سنين وسكن صنعا وغزا الصين فقتل ملكها وأخذ سيفه ذا النور ثم ملك ذو عيل بن ذى عيل بحضر موت عشر سنين ولما شخص سنان ذوا لم لغز والصين تحول ذو عيل إلى صنعا واشتدت وطأته وكان أول من غز الروم من ملوك اليمن وأول من أدخل الحرير والديباج إلى اليمن ثم ملك بدعات بن ذى عيل بحضر موت أربع سنين ثم ملك بدعيل بن بدعات وبنى حصونا وخلف آثارا ثم ملك بديع ذو عيل ثم ملك حماد بن بدعيل بحضر موت فانشأ حصنه المعقرب وغزا فارس في عهد سابور ذى الاكتاف وخرب وسبى ودام ملكه ثمانين سنة وكان أول من اتخذ الحجاب من ملوكهم ثم ملك يشرح ذو الملك بن ودب بن ذى حماد بن عاد من بلاد حضر موت مائة سنة وكان أول من رتب الرواتب وأقام الحرس والروابط ثم ملك منعم ابن ذى الملك دثار بن جذيمة بن منعم ثم يشرح بن جذيمة بن منعم ثم نمر بن يشرح ثم ساجن(2/30)
المسمى بن نمر وفي أيامه تغلبت الحبشة على اليمن هذه قبائل هذا الجيل من العرب العاربة
وما كانوا عليه من الكثرة والملك إلى أن انقرضوا وأزال الله من أمرهم بالقحطانية كما نحن ذاكروه ولم نغفل منهم الا من لم يصلنا ذكره من خبره والله وارث الارض ومن عليها (وأما جرهم) فقال ابن سعيد انهم امتان أمة على عهد عاد وأمة من ولد جرهم بن قحطان ولما ملك يعرب بن قحطان اليمن ملك أخوه جرهم الحجاز ثم ملك من بعده ابنه عبد يا ليل ثم بعده ابنه عبد المدان بن جرهم ثم ابنه نفيلة بن عبد المدان ثم ابنه عبد المسيح ابن نفيلة ثم ابنه مضاض ابن عبد المسيح ثم ابنه الحرث ثم ملك من بعده جرهم بن عبد يا ليل ثم بعده ابنه عمرو بن الحرث ثم أخوه بشير بن الحرث ثم مضاض بن عمرو بن مضاض قال وهذه الامة الثانية هم الذين بعث إليهم اسمعيل عليه السلام وتزوج فيهم انتهى(2/31)
(وأما بنو سبا) بن يقطن فلم يبيدوا وكان لهم بعد تلك الاجيال البائدة أجيال باليمن منهم حمير وكهلان وملوك التبابعة وهم أهل الطبقة الثانية وفي مسند الامام أحمد أن رجلا سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم قيل هو فروة بن مسيك المرادى عن سبا أرجل هو أو امرأة أم أرض فقال بل رجل ولد عشرة فسكن اليمن منهم ستة والشأم أربعة فأما اليمانيون فمذ حج وكندة والازد والاشعر وأنمار وحمير وأما الشاميون فلخم وجذام وعاملة وغسان وثبت أن أباهم قحطان كان يتكلم بالعربية ولقنها عن الاجيال قبله فكانت لغة بنيه ولذلك سمو العرب المستعربة ولم يكن في آباء قحطان من لدن نوح عليه السلام إليه من يتكلم بالعربية وكذلك كان أخوه فالغ وبنوه انما يتكلمون بالعجمية إلى أن جاء اسمعيل بن ابراهيم صلوات الله عليهما فتعلم العربية من جرهم فكانت لغة بنيه وهم أهل الطبقة الثالثة المسمون بالعرب التابعة للعرب فلنذكر هذا النسب لينتظم أجياله مع الاجيال السابقة واللاحقة ونستوفى أنساب الامم منها
[ الخبر عن ابراهيم أبى الانبياء عليهم السلام ونسبه إلى فالغ بن عابر وذكر أولاده صلوات الله عليهم وأحوالهم ] ولنذكر الآن أهل هذا النسب ما بين اسمعيل ونوح عليهما السلام ومن كان منهم أو من اخوانهم أو أبنائهم من الانبياء والشعوب والملوك وما كان لاسمعيل صلوات الله عليه من الولد ونختم هذه الطبقة الاولى بذكرهم وان كانوا عجما في لغاتهم الا أنهم أصون الخليقة في أنسابهم وكل البشر على بعض الآراء من أعقابهم وهم مع ذلك معاصرون لهذه الطبقة فيتسق الكلام فيهم على شرط كتابنا ويتميز بذكر أخبارهم أحوال الطبقات التى بعدهم على الوفاء والكمال (فنبدأ أولا) بذكر عمود هذا النسب على التوالى ثم نرجع إلى أخبارهم واسمعيل صلوات الله عليه هو ابن ابراهيم بن آزر وهو تارح وآزر اسم لصنمه لقب به ابن ناحور بن ساروخ بالخاء أو بالغين ابن عابر أو عنبر بن شالح أو شليخ بن ارفخشد بن سام بن نوح وهذه الاسماء الاعجمية كلها منقولة من التوراة ولغتها عبرانية ومخارج حروفها في الغالب مغايرة لمخارج الحروف العربية وقد يجئ الحرف منها بين حرفين من العربية فترده العرب إلى أحد ذينك الحرفين وفي مخرجه فيتغير عن أصله ولذلك تكون فيها امالة متوسطة أو محضة فيصير إلى حرف العلة الذى بعده من ياء أو واو فلذلك تنقل الكلمة منها على اختلاف والا فشأن الاعلام أن لا تختلف وقال الطبري ان بين شالخ وارفخشد أبا آخر اسمه قينن وسقط ذكره من التوراة لانه كان ساحرا وادعى الالوهية وقال ابن حزم في كتب(2/33)
النصارى ان بين فالغ وعابر أبا آخر اسمه ملكيصدق وهو أبو فالغ (واعلم) أن نوحا صلوات الله عليه بلغ عمره يوم الطوفان ستمائة سنة وعاش بعد الطوفان ثلثمائة وخمسين سنة فكانت جملة لك تسعمائة وخمسين سنة ألف سنة الا خمسين وهذا نص المصحف الكريم وكذا وقع في التوراة بعينه ومن الغريب الواقع في التوراة أن عمر
ابراهيم كان يوم وفاة نوح ثلاثا وخمسين سنة لانه قال ان أرفخشذ ولد لسام بعد سنتين من الطوفان ولما بلغ خمسا وثلاثين سنة ولد له ابنه شالخ وبعد ثلاثين سنة ولد ابنه عابر وبلغ عابر أربعا وثلاثين سنة فولد ابنه فالغ وبلغ فالغ ثلاثين سنة فولد له أرغو وبلغ أرغو ثنتين وثلاثين سنة فولد شاروغ وبلغ شاروغ ثلاثين سنة فولد ناحور وبلغ ناحور تسعا وعشرين سنة فولد تارح وبلغ تارح خمسا وسبعين سنة فولد ابراهيم وجملة هذه السنين من الطوفان إلى ولادة ابراهيم مائتان وسبع وتسعون سنة وعمر نوح بعد الطوفان ثلثمائة وخمسون سنة فيكون ابراهيم بعد وفاة نوح ابن ثلاث وخمسين سنة فيكون لقى نوحا صلوات الله عليهما وخالطه وأخذ عنه وهو على رأى بعضهم أب لجميع الشعوب من بعده فلذلك كان الاب الثالث للخليقة من بعد آدم ونوح صلوات الله عليهم أجمعين اه (وفي كتاب البدء) ونقله ابن سعيد ان أول من ملك الارض من ولد نوح كنعان بن كوش بن حام فسار من أرض كنعان بالشأم إلى أرض بابل فبنى مدينة بابل اثنى عشر فرسخا في مثلها وورث ملكه ابنه النمرود بن كنعان وعظم سلطانه في الارض وطال عمره وغلب على أكثر المعمور وأخذ بدين الصابئة وخالفه الكلدانيون منهم في التوحيد وأسمائه ومال معهم بنو سام وكان سام قد نزل بشرقي الدجلة وكان وصى أبيه في الدين والتوحيد وورث ذلك ابنه أرفخشذ ومعنى أرفخشذ مصباح مضئ فاشتغل بالعبادة ودعاه الكلدانيون إلى القيام بالتوحيد فامتنع ثم قام من بعده ابنه شالخ وعاش طويلا وقام من بعده بأمره ابنه عابر كذلك وخرج مع الكلدانيين على النمرود منكرا لعبادة الهيا كل فغلبه نمروذ وأخرجه من كوثا فلحق هو ومن معه من الحلفاء بالجزيرة وهى مدينة المجدل بين الفرات ودجلة وعابر هذا هو أبو العبرانيين الذين تكلموا بالعبرانية واستفحل ملكه بالمجدل قال ابن سعيد وورث من بعده ابنه فالغ وهو الذى قسم الارض بين ولد نوح وفي زمانه بنى النمروذ الصرح ببابل وكان من
أمره ما نصه القرآن وقام بأمر فالغ من بعده ابنه ملكان فيما زعموا وغلبه الجرامقة والنبط على ملكه وقام بالمجدل في ملكهم إلى أن هلك وخلف ابنه أتيا ويقال له الخضر وأما أرغو بن فالغ فعبر إلى كلو إذا ودخل في دين النبط وهى بدعة الصابئة وولد له منهم(2/34)
ابنه شاروخ ثم بعده ناحور بن شاروخ ثم بعده تارح بن ناحور الذى سمى آزر واستخلص النمروذ آزر وقدمه على بيت الاصنام والنمروذ من ملوك الجرامقة واسمه هاصد بن كوش انتهى كلام ابن سعيد وولد لتارح وهو آزر على ما وقع في التوراة ثلاثة من الولد ابراهيم وناحور وهاران ومات هاران في حياة أبيه تارح وترك ابنه لوطا فهو ابن أخى ابراهيم قال الطبري ولد ابراهيم الخليل قيل بناحية كوثا من السواد وهو قول ابن اسحق وقيل بحران وقيل ببابل وعامة السلف انه ولد على عهد نمروذ بن كنعان بن كوش بن سام وكان الكهان يتحدثون بولادة رجل يخالف الدين ويكسر الاصنام والاوثان فأمر بذبح الولدان فولدته أمه وتركته بمغارة في فلاة من الارض حتى كبر وشب ورأى في الكواكب ما رآه وكملت نبوته فأحضرته إلى أبيه ودعاه إلى التوحيد فامتنع وكسر ابراهيم الاصنام وأحضر عند نمروذ وقذفه في النار فصارت بردا وسلاما وخرج منها ولم تعد عليه كما نص ذلك القرآن ثم تدبر النمروذ في أمره وطلب من ابراهيم أن يقرب قربانا يفتدى مما دعاه إليه فقال له ابراهيم لن يقبل منك الا الايمان فقال لا أستطيع وترك ابراهيم وشأنه ثم أمر الله ابراهيم بالخروج من أرض الكلدانيين ببابل فخرج به أبوه تارح ومعهما على ما في التوراة ابنه ناحور بن تارح وزوجته ملكا بنت أخيه هاران وحافده لوط بن هاران قال في التوراة وكنته سارة يعنى زوج ابراهيم فقيل انها أخت ملكا بنت هاران بن تارح وقيل بنت ملك حران طعنت على قومها في الدين فتزوجها ابراهيم على أن لا يضرها ويرد هذا ما في التوراة انها خرجت معهم من أرض الكلدانيين إلى حران فتزوجها وقيل انها بنت هاران
ابن ناحور وهاران عم ابراهيم قاله السهيلي فأقاموا بحران ومات بها أبوه تارح وعمره مائتا سنة وخمس سنين ثم أمر بالخروج إلى أرض الكنعانيين ووعده الله بأن تكون أثرا لبنيه وأنهم يكثرون مثل حصى الارض فنزل بمكان بيت المقدس وهو ابن خمس وسبعين سنة ثم أصاب بلد الكنعانيين مجاعة فخرج ابراهيم في أهل بيته وقدم مصر ووصف لفرعون ملك القبط جمال امرأته سارة فأحضرها عنده ولما هم بها يبست يده على صدره فطلب منها الاقالة فدعت له الله فانطلقت يده ويقال عاود ذلك ثلاثا يصاب في كلها وتدعو له فردها إلى ابراهيم واستخدمها هاجر قال الطبري والملك الذى أراد سارة هو سنان بن علوان وهو أخو الضحاك والظاهر أنه من ملوك القبط ثم ساروا إلى أرض كنعان بالشام ويقال ان هاجر أهداها ملك الاردن لسارة وكان اسمه فيما قال الضبى صلاوق وأنه انتزع سارة من ابراهيم ولما هم بها صرع مكانه وسأله في الدعاء فدعت له فأفاق فردها إلى ابراهيم وأخدمها هاجر أمة كانت لبعض ملوك القبط ولما(2/35)
عاد ابراهيم إلى أرض كنعان نزل جيرون وهو مدفنه المسمى بالخليل وكانت معظمة تعظمها الصابئة وتسكب عليها الزيت للقربان وتزعم أنها هيكل المشترى والزهرة فسماها العبرانيون ايليا ومعناه بيت الله ثم ان لوطا فارق ابراهيم عليه السلام لكثرة مواشيهما وتابعهما وضيق المرعى فنزل المؤتفكة بناحية فلسطين وهى بلاد العدور المعروف بعدور صقر وكانت هناك على ما نقله المحققون خمس قرى سدوم ووجدهم على ارتكاب الفواحش فدعاهم إلى الدين ونهاهم عن المخالفة فكذبوه وعتوا وأقام فيهم داعيا إلى الله إلى أن هلكوا كما قصه القرآن وخرج لوط مع عساكر كنعان وفلسطين للقاء ملوك الشرق حين زحفوا إلى أرض الشام وكانوا أربعة ملوك ملك الاهواز زمن بنى غليم بن سام واسمه كرز لا عامر وملك بابل واسمه في التوراة شنعا واسمه امرا قيل ويقال هو نمروذ وملك الاستار وما أدرى معنى هذه اللفظة واسمه أريوح
وملك كوتم ومعناه ملك أمم أو جماعة واسمه تزعال وكان ملوك كنعان الذين خرجوا إليهم خمسة على عدد القرى الخمسة وذلك أن ملك الاهواز كان استعبدهم ثنتى عشرة سنة ثم عصوا فزحف إليهم واستجاش بالملوك المذكورين معه فأصابوا من أهل جبال يسعين إلى فاران التى في البرية وكان بها يومئذ الجويون من شعوب كنعان أيضا وخرج ملك سدوم وأصحابه لمدافعتهم فانهزم هو والملوك الذين معه من أهل سدوم وسباهم ملك الاهواز ومن معه من الملوك وأسروا لوطا وسبوا أهله وغنموا ماشيته وبلغ الخبر ابراهيم عليه السلام فاتبعهم في ولده ومواليه نحوا من ثلثمائة وثمانية عشر ولحقهم بظاهر دمشق فدهمهم فانفضوا وخلص لوطا في تلك الوقعة وجاء بأهله ومواشيه وتلقاهم ملك سدوم واستعظم فعلهم ثم أوحى الله إلى ابراهيم ان هذه الارض أرض الكنعانيين التى أنت بها ملكتها لك ولذريتك وأكثرهم مثل حصى الارض وأن ذريتك يسكنون في أرض ليست لهم أربعمائة سنة ويرجع الحقب الرابع إلى هنا ثم ان سارة وهبت مملوكتها هاجر القبطية لابراهيم عليه السلام لعشر سنين من مجيئهم من مصر وقالت لعل الله يرزقك منها ولدا وكان ابراهيم قد سأل الله أن يهب له ولدا فوعده به وكانت سارة قد كبرت وعقمت عن الولد فولدت هاجر لابراهيم اسمعيل عليهما السلام لست وثمانين من عمره وأوحى الله إليه انى قد باركت عليه وكثرته ويولد له اثنا عشر ولدا ويكون رئيسا لشعب عظيم وأدركت سارة الغيرة من هاجر وطلبت منه اخراجها وأمره الله أن يطيع سارة في أمرها فهاجر بها إلى مكة ووضعها وابنها بمكان زمزم عند دوحة هنالك وانطلق فقالت له هاجر آلله أمرك قال نعم فقالت إذا لا يضيعنا وانطلق ابراهيم وعطش اسمعيل بعد ذلك عطشا شديدا وأقامت هاجر تتردد بين الصفا(2/36)
والمروة إلى أن صعدت عليها سبع مرات لعلها تجد شيأ ثم أتته وهو يفحص برجليه فنبعت زمزم (وعن السدى) انه تركه في مكان الحجر واتخذ فيه عريشا وأن جبريل
هو الذى همزله الماء بعقبه وأخبر هاجر أنها عين يشرب بها ضيفان الله وأن أبا هذا الغلام سيجئ ويبنيان بيتا لله هذا مكانه ثم مرت رفقة من جرهم أو أهل بيت من جرهم أقبلوا من كداء ونزلوا أسفل مكة فرأوا الطير حائمة فقالوا لا نعلم بهذا الوادي ماء ثم أشرفوا فرأوا المرأة ونزلوا معها هنا لك (وعن ابن عباس) كانت أحياؤها قريبا من ذلك المكان فلما رأوا الطير تحوم عليه أقبلوا إليه فوجدوهما فنزلوا معهما حتى كان بها أهل أبيات منهم وشب اسمعيل بينهم وتعلم اللغة العربية منهم وأعجبهم وزوجوه امرأة منهم وماتت أمه هاجر فدفنها في الحجر ولما رجع ابراهيم وأقام في أهله بالشأم وبالغ أهل المؤتفكة في العصيان والفاحشة ودعاهم لوط فكذبوه وأقام على ذلك قال الطبري فأرسل الله رسولا من الملائكة لاهلاكهم ومروا بابراهيم فأضافهم وخدمهم وكان من ضحك سارة وبشارة الملائكة لها باسحق وابنه يعقوب ما قصه القرآن وكانت البشارة باسحق وابراهيم ابن مائة سنة وسارة بنت تسعين وفي التوراة انه أمر أن يحرر ولده اسمعيل لثلاث عشرة سنة من عمره وكل من في بيته من الاحرار فكان ذلك لتسع وتسعين من عمر ابراهيم وقال له ذلك عهد بينى وبينك وذريتك ثم أهلك الله المؤتفكة ونجى لوطا إلى أرض الشام فكان بها مع عمه ابراهيم صلوات الله عليهما وولدت سارة اسحق وأمر الله ابراهيم بعد ولادة اسمعيل واسحق ببناء بيت يعبد فيه ويذكر ولم يعرف مكانه فجعل له علامة تسير معه حتى وقفت به على الموضع يقال انها ريح لينة لها رأسان تسير معه حتى تكون بالموضع ويقال بل بعث معه جبريل لذلك حتى أراه الموضع وكان ابراهيم يعتاد اسمعيل لزيارته ويقال انه كان يستأذن سارة في ذلك وأنها شرطت عليه أن لا يقيم عندهم وأن ابراهيم وجد امرأة لاسمعيل في غيبة منه وكانت من العماليق وهى عمارة بنت سعيد بن أسامة بن اكيل فرآها فظة غليظة فأوصاها لاسمعيل بان يحول عتبة بابه فلما قصت عليه الخبر والوصية قال ذلك أبى يأمرنى أن أطلقك فطلقها وتزوج بعدها السيدة بنت مضاض بن عمرو الجرهمى وخالفه
ابراهيم إلى بيته فتسهلت له بالاذن وأحسنت التحية وقربت الوضوء والطعام فأوصاها لاسمعيل بأنى قد رضيت عتبة بابك ولما قصت عليه الوصية قال ذلك أبى يأمرنى بامساكك فأمسكها ثم جاء ابراهيم مرة ثالثة وقد أمره الله ببناء البيت وأمر اسمعيل باعانته فرفعوها من القواعد وتم بناؤها وأذن في الناس بالحج ثم زوج لوط ابنته من مدين بن ابراهيم عليهما السلام وجعل الله في نسلها البركة فكان منهم أهل مدين(2/37)
الامة المعروفة ثم ابتلى الله ابراهيم بذبح ابنه في رؤيا رآها وهى وحى وكانت الفدية ونجى الله ذلك الولد كما قص في القرآن واختلف في ذلك الذبيح من ولديه فقيل اسمعيل وقيل اسحق وذهب إلى كلا القولين جماعة من الصحابة والتابعين فالقول باسمعيل لابن عباس وابن عمر والشعبى ومجاهد والحسن ومحمد بن كعب القرظى وقد يحتجون له بقوله صلى الله عليه وسلم أنا ابن الذبيحين ولا تقوى الحجة به لان عم الرجل قد يجعل أباه بضرب من التجوز لا سيما في مثل هذا الفخر ويحتجون أيضا بقوله تعالى فبشرناها باسحق ومن وراء اسحق يعقوب ولو كان ذبيحا في زمن الصبا لم تصح البشارة بابن يكون له لان الذبح في الصبا ينافى وجود الولد ولا تقوم من ذلك حجة لان البشارة انما وقعت على وفق العلم بأنه لا يذبح وانما كان ابتلاء لابراهيم والقول باسحق للعباس وعمر وعلى وابن مسعود وكعب الاحبار وزيد بن أسلم ومسروق وعكرمة وسعيد بن جبير وعطا والزهرى ومكحول والسدى وقتادة (وقال الطبري) والراجح أنه اسحق لان نص القرآن يقتضى أن الذبيح هو المبشر به ولم يبشر ابراهيم بولد الا من زوجته سارة مع أن البشارة وقعت اجابة لدعائه عند مهاجره من أرض بابل وقوله انى ذاهب إلى ربى سيهدين ثم قال عقبه رب هب لى من الصالحين ثم قال عقبه فبشرناه بغلام حليم وذلك كله كان قبل هاجر لان هاجر انما ملكتها سارة بمصر وملكتها لابراهيم بعد ذلك بعشر سنين فالمبشر به قبل ذلك كله انما هو ابن سارة فهو الذبيح بهذه الدلالة القاطعة وبشارة
الملائكة لسارة بعد ذلك حين كانوا ضيوفا عند ابراهيم في مسيرهم لاهلاك سدوم انما كان تجديدا للبشارة المتقدمة اه ثم توفيت سارة لمائة وسبع وعشرين من عمرها وذلك في قرية جيرون من بلاد بنى حبيب الكنعانيين فطلب ابراهيم منهم مقبرة لها فوهبه عفرون بن صخر مغارة كانت في مزرعته فامتنع من قبولها الا بالثمن فأجاب إلى ذلك واعطاه ابراهيم أربعمائة مثقال فضة ودفن فيها سارة وتزوج ابراهيم من بعدها قطورا بنت يقطان من الكنعانيين وقال السهيلي قنطورا بزيادة نون بين القاف والطاء وهذا الاسم أعجمى وطاؤه قريبة من التاء فولدت له كما هو مذكور في التوراة ستة من الولد وهم زمران يقشان مدان مدين أشبق شوخ ثم وقع في التوراة ذكر أولادهم فولد يقشان سبا ودذان وولد دذان أشور ثم ولطو سيح ولاميم وولد مدين عيفا وعيفين وحنوخ وافيداع والزاعا هذا آخر ولده من قنطورا في التوراة وقال السهيلي كان لابراهيم عليه السلام أولاد آخرون خمسة من امرأة اسمها حجين أو حجون بنت أهيب وهم كبسان وفروخ وأميم ولوطان ونافس ولما ذكر الطبري بنى قنطورا الستة وسمى منهم يقشان قال بعده وسائرهم من الاخرى وهى دعوة ثم قال ومن(2/38)
يقشان جيل البربر اه فولد ابراهيم على هذا ثلاثة عشر فاسمعيل من هاجر واسحق من سارة وستة من قنطورا كما ذكر في التوراة والخمسة بنو حجين عند السهيلي أو رعوة عند الطبري وكان ابراهيم عليه السلام قد عهد لابنه اسحق أن لا يتزوج في الكنعانيين وأكد العهد والوصية بذلك لمولاه القائم على أموره ثم بعثه إلى حران مهاجرهم الاول فخطب من ابن أخيه بتويل بن ناحور بن آزر بنته رفقا فزوجها أبوها واحتملها ومن معها من الجوارى وجاء بها إلى اسحق في حياة أبيه وعمره يومئذ أربعون سنة فتزوجها وولدت له يعقوب وعيصو توءمين وسنذكر خبرهما ثم قبض الله نبيه ابراهيم صلوات الله عليه بمكان هجرته من أرض كنعان وهو ابن مائة وخمس وسبعين سنة ودفن مع سارة في
مغارة عفرون الحبيبى وعرف بالخليل لهذا العهد ثم جعل الله في ذريته النبوة والكتاب آخر الدهر فاسمعيل سكن مع جرهم بمكة وتزوج فيهم وتعلم لغتهم وتكلم بها وصار أبا لمن بعده من أجيال العرب وبعثه الله إلى جرهم والعمالقة الذين كانوا بمكة وإلى أهل اليمن فآمن بعض وكفر بعض ثم قبضه الله إليه وخلف ولده بين جرهم وكانوا على ما ذكر في التوراة اثنى عشر أكبرهم بنايوت وهو الذى تقوله العرب نابت ونبت ثم قيذار وأدبيل وبسام ومشمع وذوما ومسا وحراه وقيما وبطور ونافس وقدما (قال ابن اسحق) وعاش فيما ذكر مائة وثلاثين سنة ودفن في الحجر مع أمه هاجر ويقال آجر وفي التوراة أنه قبض ابن مائة وسبع وثلاثين سنة وأن شيعته سكنوا من حويلا إلى شور قبالة مصر من مدخل أثور وسكنوا على حذر شيع اخوته وحويلا عند أهل التوراة هي جنوب برقة والوا ومنها قريبة من الياء وشور هي أرض الحجاز واثور بلاد الموصل والجزيرة ثم ولى أمر البيت من بعد اسمعيل ابنه نابت وأقام ولده بمكة مع أخوالهم جرهم حتى تشعبوا وكثر نسلهم وتعددت بطونهم من عدنان في عداد معد ثم بطون معد في ربيعة ومضر وإياد وأنمار بنى نزار بن معد فضاقت بهم مكة على ما نذكره عند ذكر قريش وأخبار ملكهم بمكة فكانت بطون عدنان هذه كلها من ولد اسمعيل لابنه نابت وقيل لقيذار ولم يذكر النسابون نسلا من ولده الآخرين وتشعبت من اسمعيل أيضا عند جماعة من أهل العلم بالنسب بطون قحطان كلها فيكون على هذا أبا لجميع العرب بعده (وأما اسحق) فأقام بمكانه من فلسطين وعمرو عمى بعد الكثير من عمره وبارك على ولده يعقوب فغضب بذلك أخوه عيصو وهم بقتله فأشارت عليه رفقا بنت بتويل بالسير إلى حران عند خاله لابان بن بتويل فأقام عنده وزوجه بنتيه فزوجه أولا الكبرى واسمها ليا وأخدمها جاريتها زلفة ثم من بعدها أختها الصغرى واسمها راحيل وأخدمها جاريتها بلها وأول من ولد منهن ليا ولدت له روبيل ثم شمعون ثم لاوى ثم يهوذا وكانت راحيل لا تحبل(2/39)
فوهبت جاريتها بلها ليعقوب لتلد منه فولدت له دان ثم نفتالى ولما فعلت ذلك راحيل وهبت أختها ليا ليعقوب عليه السلام جاريتها زلفة فولدت له كاد وآشر ثم ولدت ليا من بعد ذلك يساخر ثم زبولون فكمل له بذلك عشرة من الولد ثم دعت راحيل الله عزوجل أن يهب لها ولدا من يعقوب فولدت يوسف وقد كملت له بحران عشرون سنة ثم أمر بالرحيل إلى أرض كنعان التى وعدوا بملكها فارتحل وخرج لابان في اتباعه وعزم له في المقام عنده فأبى فودعه وانصرف إلى حران وسار يعقوب لوجهه حتى إذا قرب من بلد عيصو وهو جبل يسعين بأرض الكرك والشوبك لهذا العهد اعترضه عيصو لتلقيه وكرامته فأهدى إليه يعقوب من ماشيته هدية احتفل فيها وتودد إليه بالخضوع والتضرع فذهب ما كان عند عيصو وأوحى الله إليه بأن يكون اسمه اسرائيل ومر على أرشاليم وهى بيت المقدس فاشترى هنالك مزرعة ضرب فيها فسطاطه وأمر ببناء مرجح سماه ايل في مكان الصخرة ثم حملت راحيل هنا لك فولدت له بنيامين وماتت من نفاسه ودفنها في بيت لحم ثم جاء إلى أبيه اسحق بقرية جيرون من أرض كنعان فأقام عنده ومات اسحق عليه السلام لمائة وثمانين سنة من عمره ودفن مع أبيه في المغارة وأقام يعقوب بمكانه وولده عنده وشب يوسف عليه السلام على غير حالهم من كرامة الله به وقص عليهم رؤياه التى بشر الله فيها بأمره فغصوا به وخرجوا معه إلى الصيد فألقوه في الجب واستخرجه السيارة الذين مروا به بعد ذلك وباعوه للعرب بعشرين مثقالا ويقال ان الذى تولى بيعه هو مالك بن دعر بن واين بن عيفا بن مدين واشتراه من العرب عزيز مصر وهو وزيرها أو صاحب شرطتها قال ابن اسحق واسمه اطفير بن رجيب وقيل قوطفير وكان ملكها يومئذ من العماليق الريان بن الوليد بن دومغ وربى يوسف عليه السلام في بيت العزيز فكان من شأنه مع امرأته زليخا ومكثه في السجن وتعبيره الرؤيا للمحبوسين من أصحاب الملك ما هو مذكور في الكتاب الكريم ثم استعمله ملك مصر عند ما خشى السنة والغلاء على خزائن الزرع في سائر مملكته بقدر جمعها وتصريف الارزاق
منها وأطلق يده بذلك في جميع أعماله وألبسه خاتمه وحمله على مركبه ويوسف لذلك العهد ابن ثلاثين سنة فقيل عزل اطفير العزيز وولاه وقيل بل مات اطفير فتزوج زليخا وتولى عمله وكان ذلك سببا لانتظام شمله بأبيه واخوته لما أصابتهم السنة بأرض كنعان وجاء بعضهم للميرة وكال لهم يوسف عليه السلام ورد عليهم بضاعتهم وطالبهم بحضور أخيهم فكان ذلك كله سببا لاجتماعه بأبيه يعقوب بعد أن كبر وعمى (قال ابن اسحق) كان ذلك لعشرين سنة من مغيبه ولما وصل يعقوب إلى بلبيس قريبا من مصر خرج يوسف ليلقاه ويقال خرج فرعون معه وأطلق لهم أرض بلبيس يسكنون بها وينتفعون(2/40)
وكان وصول يعقوب صلوات الله عليه في سبعين راكبا من بنيه ومعه أيوب النبي من بنى عيصو وهو أيوب بن برحما بن زبرج بن رعويل بن عيصو واستقروا جميعا بمصر ثم قبض يعقوب صلوات الله عليه لسبع عشرة سنة من مقدمه ولمائة وأربعين من عمره وحمله يوسف صلوات الله عليه إلى أرض فلسطين وخرج معه أكابر مصر وشيوخها باذن من فرعون واعترضهم بعض الكنعانيين في طريقهم فأوقعوا بهم وانتهوا إلى مدفن ابراهيم واسحق عليهما السلام فدفنوه في المغارة عندهما وانتقلوا إلى مصر وأقام يوسف صلوات الله عليه بعد موت أبيه ومعه اخوته إلى أن أدركته الوفاة فقبض لمائة وعشرين سنة من عمره وأدرج في تابوت وختم عليه ودفن في بعض مجارى النيل وكان يوسف أوصى أن يحمل عند خروج بنى اسرائيل إلى أرض اليفاع فيدفن هنا لك ولم تزل وصيته محفوظة عندهم إلى أن حمله موسى صلوات الله عليه عند خروجه ببنى اسرائيل من مصر ولما قبض يوسف صلوات الله عليه وبقى من بقى من الاسباط اخوته وبنيه تحت سلطان الفراعنة بمصر تشعب نسلهم وتعددوا إلى أن كاثروا أهل الدولة وارتابوا بهم فاستعبدوهم قال المسعودي دخل يعقوب إلى مصر مع ولده الاسباط وأولادهم حين أتوا إلى يوسف في سبعين راكبا وكان مقامهم بمصر إلى أن خرجوا مع موسى صلوات
الله عليه نحوا من مائتين وعشر سنين فتداولهم ملوك القبط والعمالقة بمصر ثم أحصاهم موسى في التيه وعد من يطيق حمل السلاح من ابن عشرين فما فوقها فكانوا ستمائة ألف ويزيدون وقد ذكرنا ما في هذا العدد من الوهم والغلو في مقدمة الكتاب فلا نطول به ووقوعه في نص التوراة لا يقضى بتحقيق هذا العدد لان المقام للمبالغة فلا تكون اعداده نصوصا وكان ليوسف صلوات الله عليه من الولد كثير الا ان المعروف منهم اثنان افراثيم ومنشى وهما معدودان في الاسباط لان يعقوب صلوات الله عليه ادركهما وبارك عليهما وجعلهما من جملة ولده وقد يزعم بعض من لا تحقيق عنده أن يوسف صلوات الله عليه استقل آخرا بملك مصر وينسب لبعض ضعفة المفسرين ومعتمدهم في ذلك قول يوسف عليه السلام في دعائه رب قد آتيتني من الملك ولا دليل لهم في ذلك لان كل من ملك شيئا ولو في خاصة نفسه فاستيلاؤه يسمى ملكا حتى البيت والفرس والخادم فكيف من ملك التصرف ولو كان في شعب واحد منها فهو ملك وقد كان العرب يسمون أهل القرى والمدائن ملوكا مثل هجر ومعان ودومة الجندل فما ظنك بوزير مصر لذلك العهد وفى تلك الدولة وقد كان في الخلافة العباسية تسمى ولاة الاطراف وعمالها ملوكا فلا استدلال لهم في هذه الصيغة وأخرى أيضا فيما يستدلون به من قوله تعالى وكذلك مكنا ليوسف في الارض أن لا يكون(2/41)
لهم فيه مستند لان التمكين يكون بغير الملك ونص القرآن انما هو بولايته على أمور الزرع في جمعه وتفريقه كما قال تعالى اجعلني على خزائن الارض انى حفيظ عليم ومساق القصة كلها انه مرؤس في تلك الدولة بقرائن الحال كلها لا ما يتوهم من تلك اللفظة الواقعة في دعائه فلا نعدل عن النص المحفوف بالقرائن إلى هذا المتوهم الضعيف وأيضا فالقصة في التوراة قد وقعت صريحة في أنه لم يكن ملكا ولا صار إليه ملك وأيضا فالامر الطبيعي من الشوكة والقطامة له يدفع أن يكون حصل له ملك لانه انما كان
في تلك الدولة قبل أن يأتي إليه اخوته منفردا لا يملك الا نفسه ولا يتأتى الملك في هذا الحال وقد تقدم ذلك في مقدمة الكتاب والله أعلم (وأما عيصو) بن اسحق فسكن جبال بنى يسعين من بنى جوى احدى شعوب كنعان وهى جبال الشراة بين تبوك وفلسطين وتعرف اليوم ببلاد كرك والشوبك وكان من شعوبهم هناك على ما في التوراة بنو لوطان وبنو شوبال وبنو صمقون وبنو عنا وبنو ديشوق وبنو يصد وبنو ديسان سبعة شعوب ومن بنى ديشون الاشبان فسكن عيصو بينهم بتلك البلاد وتزوج منهم من بنات عنا بن يسعين من جوى وهى أهليقاما وتزوج أيضا من بنات حى من الكنعانيين عاذا بنت ايلول وباسمت بنت اسمعيل عليه السلام وكان له من الولد خمسة مذكورون في التوراة أكبرهم اليفاز بالفاء المفخمة واشباع حركتها وزاى معجمة من بعدها من عاذا بنت ايلول ثم رعويل من باسمت بنت اسمعيل ثم يعوش ويعلام وقورح من اهليقاما بنت عنا وولد اليفاز ستة من الولد تيمال وأومار وصفو وكعتام وقتال وعمالق السادس لسرية اسمها تمتاع وهى شقيقة لوطان بن يسعين وولد رعويل بن عيصو أربعة من الولد ناحة وزيدم وشتما ومرا هكذا وقع ذكر ولد العيص وولدهم في التوراة وفيها أن العيص اسمه أروم فلذلك قيل لهم بنو أروم ولبعض الاسرائيليين أن أروم اسم لذلك الجبل ومعناه بالعبرانية الجبل الاحمر الذى لا نبات به وقد يقع لبعض المؤرخين أن القياصرة ملوك الروم من ولد عيصو وقال الطبري ان الروم وفارس من ولد رعويل ابن باسمت وليس ذلك كله بصحيح ورأيته في كتاب يوسف بن كرمون مؤرخ العمارة الثانية ببيت المقدس قبيل الجلوة الكبرى وكان من كهنوتينا اليهود وهو قريب من الغلط (قال ابن حزم) في كتاب الجمهرة وكان لاسحق عليه السلام ابن آخر غير يعقوب اسمه عيصاب أو عيصو كان بنوه يسكنون جبال الشراه بين الشأم والحجاز وقد بادوا جملة الا أن قوما يذكرون أن الروم من ولده وهذا خطأ وانما وقع لهم هذا الغلط لان موضعهم كان يقال له أروم فظنوا أن الروم من ذلك الموضع وليس كذلك لان الروم
انما نسبوا إلى رومس بانى رومة فان ظن ظان أن قول النبي صلى الله عليه وسلم للحر بن(2/42)
قيس هل لك في بلاد بنى الاصفر العام وذلك في غزوة تبوك يدل على أن الروم من بنى الاصفر وهو عيصاب المذكور فليس كما ظن وقول النبي صلى الله عليه وسلم حق وانما عنى عليه السلام بنى عيصاب على الحقيقة لا الروم لان مغزاه عليه الصلاة والسلام في تلك الغزوة كان إلى ناحية الشراة مسكن القوم المذكورين اه كلام ابن حزم وزعم اهروشيوش مؤرخ الروم أن أم الفينان وهاؤا وعالوم وقدوح الاربعة من بنات كاتيم ابن ياوان ابن يافث والاول أصح لانه نص التوراة ثم كثر نسل بنى عيصو بأرض يسعين وغلبوا الجويين على تلك البلاد وغلبوا بنى مدين أيضا على بلادهم إلى ايلة وتداول فيهم ملوك وعظماء كان منهم فالغ بن ساعور وبعده يودب ابن زيدح ثم كان منهم هداد بن مداد الذى أخرج بنى مدين عن مواطنهم ثم كان فيهم بعده ملوك إلى أن زحف يوشع إلى الشأم وفتح أريحاء وما بعدها وانتزع الملك من جميع الامم الذين كانوا هنا لك ثم استلحمهم بختنصر عندما ملك أرض القدس ولحق بعضهم بأرض يونان وبعضهم بافريقية وأما عمالق بن اليفاز فمن عقبه عند الاسرائيليين عمالقة الشأم وفي قول فراعنة مصر من القبط ونساب العرب يأبون من ذلك ونسبوهم إلى عملاق بن لاوذ كما مر ثم بنو يروم وكنعان ولم يبق منهم عين تطرف والله الباقي بعد فناء خلقه (وأما مدين) بن ابراهيم فتزوج بابنة لوط وجعل الله في نسلها البركة وكان له من الولد خمسة عيفا وعيفين وحنوخ وانيداغ والزاعا وقد تقدم ذكرهم في ولد ابراهيم من قنطورا فكان منهم مدين أمة كبيرة ذات بطون وشعوب وكانوا من أكبر قبائل الشأم وأكثرهم عددا وكانت مواطنهم تجاور أرض معان من أطراف الشأم مما يلى الحجاز قريبا من بحيرة قوم لوط وكان لهم تغلب بتلك الارض فعتوا وبغوا وعبدوا الآلهة وكانوا يقطعون السبل ويبخسون في المكيال وبعث الله فيهم شعيبا نبيا منهم وهو ابن نويل بن رعويل
ابن عيا بن مدين قال المسعودي مدين هؤلاء من ولد المحضر بن جندل بن يعصب بن مدين وأن شعيبا أخوهم في النسب وكانوا ملوكا عدة يسمون بكلمات أبجد إلى آخرها وفيه نظر وقال ابن حبيب في كتاب البدء هو شعيب بن نويب بن أحزم بن مدين (وقال) السهيلي شعيب بن عيفا ويقال ابن صيفون وشعيب هذا هو شعيب موسى الذى هاجر إليه من مصر أيام القبط واستأجره على انكاح ابنته اياه على أن يخدمه ثمانى سنين وأخذ عنه آداب الكتاب والنبوة حسبما يأتي عند ذكر موسى صلوات الله عليهما واخبار بنى اسرائيل وقال الصيمري الذى استأجر موسى وزوجه هو بثر بن رعويل ووقع في التوراة أن اسمه يبثر وان رعويل أباه أو عمه هو الذى تولى عقد النكاح وكان لمدين هؤلاء مع بنى اسرائيل حروب بالشأم ثم تغلب عليهم بنو اسرائيل(2/43)
وانقرضوا جميعا (وأما لوط) بن هاران أخى ابراهيم عليهما السلام فقد تقدم من خبره مع قومه ما ذكرناه هنا لك ولما نجا بعد هلاكهم لحق بأرض فلسطين فكان بها مع ابراهيم إلى أن قبضه الله وكان له من الولد على ما ذكر في التوراة عمون بتشديد الميم واشباع حركتها بالضم ونون بعدها وموآيى باشباع ضمة الميم واشباع فتحة الهمزة بعدها وياء تحتية وبعدها ياء ساكنة هوائيه وجعل الله في نسلهما البركة حتى كانوا من أكثر قبائل الشأم وكانت مساكنهم بأرض البلقاء ومدائنها في بلد موآيى ومعان وما والاهما وكانت لهم مع بنى اسرائيل حروب نذكرها في أخبارهم وكان منهم بلعام بن باعور ابن رسيوم بن برسيم بن موآيى وقصته مع ملك كنعان حين طلبه في الدعاء على بنى اسرائيل أيام موسى صلوات الله عليه وأن دعاءه صرف إلى الكنعانيين مذكورة في التوراة ونوردها في موضعها (وأما ناحور) أخو ابراهيم عليه السلام فقد تقدم ذكره أنه هاجر مع ابراهيم عليه السلام من بابل إلى حران ثم إلى الارض المقدسة فكان معه هنا لك وكانت زوجته ملكا بنت أخيه هاران
وملكا هده هي أخت سارة زوج ابراهيم عليه السلام وأم اسحق وكان لناحور من ملكا على ما وقع في نص التوراة ثمانية من الولد عوص وبوص وقمويل وهو أبو الارمن وكاس ومنه الكسدانيون الذين كان منهم بختنصر وملوك بابل وحذو وبلداس وبلداف ويثويل وكان له من سرية اسمها أد وما أربعة من الولد وهم طالج وكاحم وتاخش وماعخا هؤلاء ولد ناحور أخى ابراهيم كلهم مذكورون في التوراة وهم اثنا عشر ولدا وهؤلاء كلهم بادوا وانقرضوا ولم يبق منهم الا الارمن من قمويل بن ناحورا أخى ابراهيم عليه السلام بن آزر وهم لهذا العهد على دين النصرانية ومواطنهم في ارمينية شرقي القسطنطينية والله وارث الارض ومن عليها وهو خير الوارثين وهذا آخر الكلام في الطبقة الاولى من العرب ومن عاصرهم من الامم ولنرجع إلى أهل الطبقة الثانية وهم العرب المستعربة والله سبحانه وتعالى الكفيل بالاعانة(2/44)
* (الطبقة الثانية من العرب وهم العرب المستعربة وذكر أنسابهم وايامهم وملوكهم والالمام ببعض الدول التى كانت على عهدهم) * وانما سمى أهل هذه الطبقة بهذا الاسم لان السمات والشعائر العربية لما انتقلت إليهم ممن قبلهم اعتبرت فيها الصيرورة بمعنى أنهم صاروا إلى حال لم يكن عليها أهل نسبهم وهى اللغة العربية التى تكلموا بها فهو من استفعل بمعنى الصيرورة من قولهم استنوق الجمل واستحجر الطين وأهل الطبقة الاولى لما كانوا أقدم الامم فيما يعلم جيلا كانت اللغة العربية لهم بالاصالة وقيل العاربة (واعلم أن أهل هذا الجيل من العرب) يعرفون باليمنية والسبائية وقد تقدم أن نسابة بنى اسرائيل يزعمون أن أباهم سبا من ولد كوش بن كنعان ونسابة العرب يأبون ذلك ويدفعونه والصحيح الذى عليه كافتهم أنهم من قحطان وأن سبا هو ابن يشجب بن يعرب بن قحطان وقال ابن اسحق يعرب بن يشجب فقدم وأخر وقال ابن ماكولا على
ما نقل عنه السهيلي اسم قحطان مهزم وبين النسابة خلاف في نسب قحطان فقيل هو ابن عابر بن شالخ بن أرفخشذ بن سام أخو فالغ ويقطن ولم يقع له ذكر في التوراة وانما ذكر فالغ ويقطن وقيل هو معرب يقطن لانه اسم أعجمى والعرب تتصرف في الاسماء الاعجمية بتبديل حروفها وتغييرها وتقديم بعضها على بعض وقيل ان قحطان ابن يمن بن قيدار وقيل ان قحطان من ولد اسمعيل وأصح ما قيل في هذا انه قحطان بن يمن بن قيدر ويقال الهميسع بن يمن بن قيدار وان يمن هذا سميت به اليمن وقال ابن هشام أن يعرب ابن قحطان كان يسمى يمنا وبه سميت اليمن فعلى القول بان قحطان من ولد اسمعيل تكون العرب كلهم من ولده لان عدنان وقحطان يستوعبان شعوب العرب كلها وقد احتج لذلك من ذهب إليه بأن النبي صلى الله عليه وسلم قال لرماة الانصار ارموا يا بنى اسمعيل فان أباكم كان راميا والانصار من ولد سبا وهو ابن قحطان وقيل انما قال ذلك لقوم من اسلم من أفصى اخوة خزاعة بن حارثة بناء على أن نسبهم في سبا وقال السهيلي ولا حجة في شئ منهما لانه إذا كانت العرب كلها من ولد اسمعيل فهذا من السهيلي جنوح إلى القول بمفهوم اللقب وهو ضعيف ثم قال والصحيح أن هذا القول انما كان منه صلى الله عليه وسلم لاسلم كما قدمناه وانما أراد ان خزاعة من معد ابن الياس بن مضر وليسوا من سبا ولا من قحطان كما هو الصحيح في نسبهم على ما يأتي واحتجوا أيضا لذلك بأن قحطان لم يقع له ذكر في التوراة كما تقدم فدل على أنه ليس من ولد عابر فترجح القول بأنه من اسماعيل وهذا مردود بما تقدم أن قحطان معرب يقطن وهو الصحيح وليس بين الناس خلاف في أن قحطان أبو اليمن كلهم ويقال انه أول من(2/46)
تكلم بالعربية ومعناه من أهل هذا الجيل الذين هم العرب المستعربة من اليمنية والا فقد كان للعرب جيل آخر وهم العرب العاربة ومنهم تعلم قحطان تلك اللغة العربية ضرورة ولا يمكن أن يتكلم بها من ذات نفسه وكان بنو قحطان هؤلاء معاصرين
لاخوانهم من العرب العاربة ومظاهرين لهم على أمورهم ولم يزالوا مجتمعين في مجالات البادية مبعدين عن رتبة الملك وترفهه الذى كانوا لاولئك فأصبحوا بمنحاة من الهرم الذى يسوق إليه الترف والنضارة فتشعبت في أرض الفضا فصائلهم وتعدد في جو القفر أفخاذهم وعشائرهم ونمى عددهم وكثرت اخوانهم من العمالقة في آخر ذلك الجيل وزاحموهم بمناكبهم واستجدوا خلق الدولة بما استأنفوه من عزهم وكانت الدولة لبنى قحطان متصلة فيهم وكان يعرب بن قحطان من أعاظم ملوك العرب يقال انه أول من حياه قومه بتحية الملك قال ابن سعيد وهو الذى ملك بلاد اليمن وغلب عليها قوم عاد وغلب العمالقة على الحجاز وولى اخوته على جميع أعمالهم فولى جرهما على الحجاز وعاد بن قحطان على الشحر وحضر موت بن قحطان على جبال الشحر وعمان ابن قحطان على بلاد عمان هكذا ذكر البيهقى (وقال ابن حزم) وعد لقحطان عشرة من الولد وانه لم يعقب منهم أحد ثم ذكر ابنين منهم دخلوا في حمير ثم ذكر الحرث بن قحطان وقال فولد فيما يقال له لاسور وهم رهط حنظلة بن صفوان نبى الرس والرس ما بين نجران إلى اليمن ومن حضر موت إلى اليمامة ثم ذكر يعرب بن قحطان وقال فيهم الحميرية والعداد انتهى قال ابن سعيد وملك بعد يعرب ابنه يشجب وقيل اسمه يمن واستبد اعمامه بما في أيديهم من الممالك وملك بعده ابنه عبد شمس وقيل عابر ويسمى سبا لانه قيل انه أول من سن السبى وبنى مدينة سبا وسد مارب وقال صاحب التيجان انه غزا الاقطار وبنى مدينة عين شمس باقليم مصر وولى عليها ابنه بابليون وكان لسبا من الولد كثير وأشهرهم حمير وكهلان اللذان منهما الامتان العظيمتان من اليمنية أهل الكثرة والملك والعز وملك حمير منهم أعظمه وكان منهم التبابعة كما يذكر في أخبارهم وعد ابن حزم في ولده زيدان وابنه نجران بن زيدان وبه سميت البلد ولما هلك سبا قام بالملك بعده ابنه حمير ويعرف بالعرنجج وقيل هو أول من تتوج بالذهب ويقال انه ملك خمسين سنة وكان له من الولد ستة فيما قال السهيلي واثل ومالك وزيد وعامر وعوف وسعد وقال أبو محمد بن حزم
الهميسع ومالك وزيد وواثل ومشروح ومعد يكرب وأوس ومره وعاش فيما قال السهيلي ثلثمائة سنة وملك بعده ابنه واثل وتغلب أخوه مالك بن حمير على عمان فكانت بينهما حروب وقال ابن سعيد ان الذى ملك بعد حمير أخوه كهلان ومن بعده واثل بن حمير ثم من بعد واثل السكسك بن واثل وكان مالك بن حمير قد هلك وغلب(2/47)
على عمان بعده ابنه قضاعة فحاربه السكسك وأخرجه عنها وملك بعده ابنه يعفر بن السكسك وخرجت عليه الخوارج وحاربه مالك بن الحاف بن قضاعة وطالت الفتنة بينهما وهلك يعفر وخلف ابنه النعمان حملا ويعرف بالمعافر واستبد عليه من بنى حمير ماران بن عوف بن حمير ويعرف بذى رياش وكان صاحب البحرين فنزل نجران واشتغل بحرب مالك بن الحاف بن قضاعة ولما كبر النعمان حبس ذا رياش واستبد بأمره وطال عمره وملك بعده ابنه أسجم بن المعافر فاضطربت أحوال حمير وصار ملكهم طوائف إلى أن استقر في الرايش وبنيه التبابعة كما نذكره ويقال ان بنى كهلان تداولوا الملك مع حمير هؤلاء وملك منهم جبار بن غالب بن كهلان وملك أيضا من شعوب قحطان نجران بن زيد بن يعرب بن قحطان وملك من حمير هؤلاء ثم من بنى الهميسع بن حمير أبين بن زهير بن الغوث بن أبين بن الهميسع واليه نسب عرب أبين من بلاد اليمن وملك منهم أيضا عبد شمس بن واثل بن الغوث بن حيران بن قطن بن عريب بن زهير بن أبين بن الهميسع بن حمير ثم ملك من اعقابه شداد بن الملطاط بن عمرو بن ذى هرم بن الصوان بن عبد شمس وبعده أخوه لقمان ثم أخوهما ذو شدد وهداد ومداثر وبعده ابنه الصعب ويقال انه ذو القرنين وبعده أخوه الحرث بن ذى شدد وهو الرائش جد الملوك التبابعة وملك في حمير أيضا من بنى الهميسع من بنى عبد شمس هؤلاء حسان بن عمرو بن قيس بن معاوية بن جشم بن عبد شمس قال أبو المنذر هشام بن الكلبى في كتاب الانساب ونقلته من أصل عتيق بخط القاضى المحدث أبى القاسم بن عبد الرحمن بن حبيش قال ذكر الكلبى عن
رجل من حمير من ذى الكلاع قال أقبل قيس يحرق موضعا باليمن فأبدى عن ازج فدخل فيه فوجد سريرا عليه رجل ميت وعليه جباب وشى مذهبة في رأسه تاج وبين يديه محجن من ذهب وفي رأسه ياقوتة حمراء وإذا لوح مكتوب فيه بسم الله رب حمير أنا حسان بن عمرو القيل مات في زمان هيد وما هيد هلك فيها اثنا عشر ألف قبيل فكنت اخرهم قبيلا فابتنيت ذا شعبين ليجيرني من الموت فاخفرني اه كلامه وقال الطبري وقيل ان أول من ملك اليمن من حمير شمر بن الاملوك كان لعهد موسى عليه السلام وبنى طفار وأخرج منها العمالقة ويقال كان من عمال الفرس على اليمن انتهى الكلام في أخبار حمير الاولى والله سبحانه وتعالى ولى العون(2/48)
* (الخبر عن ملوك التبابعة من حمير وأوليتهم باليمن ومصاير أمورهم) * هؤلاء الملوك من ولد عبد شمس بن واثل بن الغوث باتفاق من النسابين وقد مر نسبه إلى حمير وكانت مدائن ملكهم صنعاء ومأرب على ثلاث مراحل منها وكان بها السد ضربته بلقيس ملكة من ملوكهم سدا ما بين جبلين بالصخر والقار فحقنت به ماء العيون والامطار وتركت فيه خروقا على قدر ما يحتاجون إليه في سقيهم وهو الذى يسمى العرم والسكر وهو جمع لا واحد له من لفظه قال الجعدى من سبأ الحاضرين مأرب إذ * يبنون من دون سيله العرما - أي السد ويقال ان الذى بنى السد هو حمير أبو القبائل اليمنية كلها قال الاعشى ففى ذلك للمؤتسى اسوة * مآرب غطى عليه العرم - رخام بناه لهم حمير * إذا جاءه من رامه لم يرم - وقيل بناه لقمان الاكبر ابن عاد كما قاله المسعودي وقال جعله فرسخا في فرسخ وجعل له ثلاثين شعبا وقيل وهو الاليق والاصوب انه من بناء سبا بن يشجب وانه ساق إليه سبعين واديا ومات قبل اتمامه فأتمه ملوك حمير من بعده وانما رجحناه لان المباني العظيمة
والهيا كل الشامخة لا يستقل بها الواحد كما قدمنا في الكتاب الاول فأقاموا في جناته عن اليمين والشمال كما وصف القرآن ودولتهم يومئذ أوفر ما كانت وأترف وابذخ وأعلى يدا وأظهر فلما طغوا وأعرضوا سلط الله عليهم الخلد وهو الجرذ فنقبه من أسفله فأجحفهم السيل وأغرق جناتهم وخربت أرضهم وتمزق ملكهم وصاروا أحاديث وكان هؤلاء التبابعة ملوكا عدة في عصور متعاقبة وأحقاب متطاولة لم يضبطهم الحصر ولا تقيدت منهم الشوارد وربما كانوا يتجاوزون ملك اليمن إلى ما بعد عنهم من العراق والهند والمغرب تارة ويقتصرون على يمنهم أخرى فاختلفت أحوالهم واتفقت أسماء كثيرة من ملوكهم ووقع اللبس في نقل أيامهم ودولهم فلنأت بما صح منها متحريا جهد الاستطاعة عن طموس من الفكر واقتفاء التقاييد المرجوع إليها والاصول المعتمد على نقلها وعدم الوقوف على أخبارهم مدونة في كتاب واحد والله المستعان (قال) السهيلي معنى تبع الملك المتبع وقال صاحب المحكم التبابعة ملوك اليمن واحدهم تبع لانهم يتبع بعضهم بعضا كلما هلك واحد قام آخر تابعا له في سيرته وزادوا الباء في التبابعة لارادة النسب قال الزمخشري قيل لملوك اليمن التبابعة لانهم يتبعون كما قيل الاقيال لانهم يتقيلون قال المسعودي ولم يكونوا يسمون الملك منهم تبعا حتى يملك اليمن والشحر وحضر موت وقيل حتى يتبعه بنو جشم بن عبد شمس ومن لم يكن له شئ من الامرين فيسمى ملكا ولا يقال له تبع (وأول ملوك التبابعة) باتفاق من(2/50)
المؤرخين الحرث الرائش وانما سمى الرائش لانه راش الناس بالعطاء واختلف الناس في نسبه بعد اتفاقهم على أنه من ولد واثل بن الغوث بن حيران بن قطن بن عريب بن زهير ابن ابين بن الهميسع بن حمير فقال ابن اسحق وأبو المنذر بن الكلبى ان قيسا ابن معاوية ابن جشم فابن اسحق يقول في نسبه إلى سبا الحرث بن عدى بن صيفي وابن الكلبى يقول الحرث بن قيس بن صيفي وقال السهيلي هو الحرث بن همال بن ذى سدد بن الملطاط بن
عمرو بن ذى يقدم بن الصوار بن عبد شمس بن واثل وجشم جد سبا هو ابن عبد شمس هذا عند المسعودي وعند بعضهم انه أخوه وانهما معا ابنا واثل وذكر المسعودي عن عبيد ابن شرية الجرهمى وقد سأله معاوية عن ملوك اليمن في خبر طويل ونسب الحرث منهم فقال هو الحرث بن شدد بن الملطاط بن عمرو وأما الطبري فاختلف نسبه في نسب الحرث فمرة قال وبيت ملك التبابعة في سبا الاصغر ونسبه كما مر وقال في موضع آخر والحرث بن ذى شدد هو الرائش جدا لملوك التبابعة فجعله إلى شدد ولم ينسبه إلى قيس ولا عدى من ولد سبا وكذلك اضطرب أبو محمد بن حزم في نسبه في الجمهرة مرة إلى الملطاط ومرة إلى سبا الاصغر والظاهر أنه تبع في ذلك الطبري والله أعلم وملك الحرث الرائش فيما قالوا مائة وخمسا وعشرين سنة وكان يسمى تبعا وكان مؤمنا فيما قال السهيلي ثم ملك بعده ابنه ابرهة ذو المنار مائة وثمانين سنة قال المسعودي وقال ابن هشام أبرهة ذو المنار هو ابن الصعب بن ذى مداثر بن الملطاط وسمى ذا المنار لانه رفع المنار ليهتدى به ثم ملك من بعده أفريقش بن أبرهة مائة وستين سنة وقال ابن حزم هو افريقش بن قيس بن صيفي أخو الحرث الرائش وهو الذى ذهب بقبائل العرب إلى افريقية وبه سميت وساق البربر إليها من أرض كنعان مر بها عندما غلبهم يوشع وقتلهم فاحتمل الفل منهم وساقهم إلى افريقية فأنزلهم بها وقتل ملكها جرجير ويقال انه الذى سمى البرابرة بهذا الاسم لانه لما افتتح المغرب وسمع رطانتهم قال ما أكثر بربرتهم فسموا البرابرة والبربرة في لغة العرب هي اختلاط أصوات غير مفهومة ومنه بربرة الاسد ولما رجع من غزو المغرب ترك هنالك من قبائل حمير صنهاجة وكتامة فهم إلى الآن بها وليسوا من نسب البربر قاله الطبري والجرجاني والمسعودي وابن الكلبى والسهيلى وجميع النسابين ثم ملك من بعد افريقش أخوه العبد بن ابرهة وهو ذو الاذعار عند المسعودي قال سمى بذلك لكثرة ذعر الناس من جوره وملك خمسا وعشرين سنة وكان على عهد سليمان بن داود وقبله بقليل وغزا ديار المغرب وسار إليه كيقاوس بن كنعان ملك فارس فبارزة وانهزم كيقاوس وأسره
ذو الاذعار حتى استنقذه بعد حين من يده وزيره رستم زحف إليه بجموع فارس إلى اليمن وحارب ذا الاذعار فغلبه واستخلص كيقاوس من أسره كما نذكره في أخبار ملوك(2/51)
فارس وقال الطبري ان ذا الاذعار اسمه عمرو بن ابرهة ذى المنار بن الحرث الرائش بن قيس بن صيفي بن سبا الاصغر انتهى وكان مهلك ذى الاذعار فيما ذكر ابن هشام مسموما على يد الملكة بلقيس وملك من بعده الهد هاد بن شرحبيل بن عمرو بن ذى الاذعار وهو ذو الصرح وملك ستا أو عشرا فيما قال المسعودي وملكت بعده ابنته بلقيس سبع سنين وقال الطبري ان اسم بلقيس يلقمه بنت اليشرح بن الحرث بن قيس انتهى ثم غلبهم سليمان عليه السلام على اليمن كما وقع في القرآن فيقال تزوجها ويقال بل عزلها في التأيم فتزوجت سدد بن زرعة بن سبا وأقاموا في ملك سليمان وابنه أربعا وعشرين سنة ثم قام بملكهم ناشر بن عمرو ذى الاذعار ويعرف بناشر النعم لفظين مركبين جعلا اسما واحدا كذا ضبطه الجرجاني وقال السهيلي ناشر بن عمرو ثم قال ويقال ناشر النعم وفي كتاب المسعودي نافس بن عمرو ولعله تصحيف ونسبه إلى عمرو ذى الاذعار وليس يتحقق في هذه الانساب كلها أنها للصلب فان الآماد طويلة والاحقاب بعيدة وقد يكون بين اثنين منهما عدد من الآباء وقد يكون ملصقا به وقال هشام بن الكلبى ان ملك اليمن صار بعد بلقيس إلى ناشر بن عمرو بن يعفر الذى يقال له ياسر أنعم لانعامه عليهم بما جمع من أمرهم وقوى من ملكهم وزعم أهل اليمن أنه سار غازيا إلى المغرب فبلغ وادى الرمل ولم يبلغه أحد ولم يجد فيه مجازا لكثرة الرمل وعبر بعض أصحابه فلم يرجعوا فأمر بصنم من نحاس نصب على شفير الوادي وكتب في صدره بالخط المسند هذا الصنم لياسر أنعم الحميرى ليس وراءه مذهب * فلا يتكلف أحد ذلك فيعطب انتهى ثم ملك بعد ياسر هذا ابنه شمر مرعش سمى بذلك لارتعاش كان به ويقال انه وطئ أرض العراق وفارس وخراسان وافتتح مدائنها وخرب مدينة الصغد وراء جيحون فقالت العجم شمر
كنداى شمر خرب وبنى مدينة هنالك فسميت باسمه هذا وعربته العرب فصار سمرقند ويقال انه الذى قاتل قباذ ملك الفرس وأسره وأنه الذى حير الحيرة وكان ملكه مائة وستين سنة وذكر بعض الاخباريين أنه ملك بلاد الروم وأنه الذى استعمل عليهم ماهان قيصر فهلك وملك بعده ابنه دقيوس وقال السهيلي في شمر مرعش الذى سميت به سمرقند انه شمر بن مالك ومالك هو الاملوك الذى قيل فيه فنقب عن الاملوك واهتف بذكره * وعش دار عز لا يغالبه الدهر - وهذا غلط من السهيلي فانهم مجمعون على أن الاملوك كان لعهد موسى صلوات الله عليه وشمر من أعقاب ذى الاذعار الذى كان على عهد سليمان فلا يصح ذلك الا أن يكون شمر ابرهة ويكون أول دولة التبابعة ثم ملك على التبابعة بعد شمر مرعش تبع الاقرن واسمه زيد (قال السهيلي) وهو ابن شمر مرعش وقال الطبري انه ابن عمرو ذى الاذعار(2/52)
وقال السهيلي انما سمى الاقرن لشامة كانت في قرنه وملك ثلاثا وخمسين سنة وقال المسعودي ثلاثا وستين ثم ملك من بعده ابنه كلكيكرب وكان مضعفا ولم يغز قط إلى أن مات وملك بعده ابنه تبان أسعد أبو كرب ويقال هو تبع الآخر وهو المشهور من ملوك التبابعة وعند الطبري أن الذى بعد ياسر ينعم بن عمرو ذى الاذعار تبع الاقران أخوه ثم بعد تبع الاقرن شمر مرعش بن ياسر ينعم ثم من بعده تبع الاصغر وهو تبان أسعد أبو كرب هذا هو تبع الآخر وهو المشهور من ملوك التبابعة وقال الطبري ويقال له الرائد وكان على عهد يستاسب وحافده أردشير يمن ابن ابنه اسفنديار من ملوك الفرس وانه شخص من اليمن غازيا ومر بالحيرة فتحير عسكره هنالك فسمى الحيرة وخلف قوما من الازد ولخم وجذام وعاملة وقضاعة فأقاموا هنا لك وبنو الاطام واجتمع إليهم ناس من طيرة وكلب والسكون واياد والحرث بن كعب ثم توجه الانبار ثم الموصل ثم اذربيجان ولقى الترك فهزمهم وقتل وسبى ثم رجع إلى اليمن وهابته الملوك وهادنه ملوك
الهند ثم رجع لغزو الترك وبعث ابنه حسان إلى الصغد وابنه يعفر إلى الروم وابن أخيه شمر ذى الجناح إلى الفرس وان شمر لقى كيقباذ ملك الفرس فهزمه وملك سمرقند وقتله وجاز إلى الصين فوجد أخاه حسان قد سبقه إليها فأثخنا في القتل والسبي وانصرفا بما معهما من الغنائم إلى أبيهما وبعث ابنه يعفر إلى القسطنطينية فتلقوه بالجزية والاتاوة فسار إلى رومة وحصرها ووقع الطاعون في عسكره فاستضعفهم الروم ووثبوا عليهم فقتلوهم ولم يفلت منهم أحد ثم رجع إلى اليمن ويقال انه ترك ببلاد الصين قوما من حمير وانهم بها لهذا العهد وانه ترك ضعفاء الناس بظاهر الكوفة فتحيروا هنا لك وأقاموا معهم من كل قبائل العرب (وقال ابن اسحق) ان الذى سار إلى المشرق من التبابعة تبع الآخر وهو تبان أسعد أبو كرب بن ملكيكرب بن زيد الاقرن ابن عمرو ذى الاذعار وتبان أسعد هو حسان تبع وهو فيما يقال أول من كسا الكعبة وذكر ابن اسحق الملا والوصائل وأوصى ولاته من جرهم بتطهيرها وجعل لها بابا ومفتاحا وذكر ابن اسحق أنه أخذ بدين اليهودية وذكر في سبب تهوده انه لما غزا إلى المشرق مر بالمدينة يثرب فملكها وخلف ابنه فيهم فعدوا عليه وقتلوه غيلة ورئيسهم يومئذ عمرو بن الطلة من بنى النجار فلما أقبل من المشرق وجعل طريقه على المدينة مجمعا على خرابها فجمع هذا الحى من أبناء قيلة لقتاله فقاتلهم وبينما هم على ذلك جاءه حبران من أحبار يهود من بنى قريظة وقالا له لا تفعل فانك لن تقدر وانها مهاجر نبى قرشي يخرج آخر الزمان فتكون قرارا له وانه أعجب بهما واتبعهما على دينهما ثم مضى لوجهه ولقيه دون مكة نفر من هذيل وأغروه بمال الكعبة وما فيها(2/53)
من الجواهر والكنوز فنهاه الحبران عن ذلك وقالا له انما أراد هؤلاء هلاكك فقتل النفر من الهذليين وقدم مكة فأمره الحبران بالطواف بها والخضوع ثم كساها كما تقدم وأمر ولاتها من جرهم بتطهيرها من الدماء والحيض وسائر النجاسات وجعل لها
بابا ومفتاحا ثم سار إلى اليمن وقد ذكر قومه ما أخذ به من دين اليهودية وكانوا يعبدون الاوثان فتعرضوا لمنعه ثم حاكموه إلى النار التى كانوا يتحاكمون إليها فتأكل الظالم وتدع المظلوم وجاؤا بأوثانهم وخرج الحبران متقلدان المصاحف ودخل الحميريون فأكلتهم وأوثانهم وخرج الحبران منها ترشح وجوههم وجباههم عرقا فآمنت حمير عند ذلك وأجمعوا على اتباع اليهودية ونقل السهيلي عن ابن قتيبة في هذه الحكاية ان غزاة تبع هذه انما هي استصراخة أبناء قيلة على اليهود فانهم كانوا نزلوا مع اليهود حين أخرجوهم من اليمن على شروط فنقضت عليهم اليهود فاستغاثوا بتبع فعند ذلك قدمها وقد قيل ان الذى استصرخه ابناء قيلة على اليهود انما هو أبو جبلة من ملوك غسان بالشأم جاء به مالك بن عجلان فقتل اليهود بالمدينة وكان من الخزرج كما نذكر بعد ويعضد هذا ان مالك بن عجلان بعيد عن عهد تبع بكثير يقال انه كان قبل الاسلام بسبعمائة سنة ذكره ابن قتيبة وحكى المسعودي في أخبار تبع هذا ان أسعد أبا كرب سار في الارض ووطأ الممالك وذللها ووطئ أرض العراق في ملك الطوائف وعميد الطوائف يومئذ خرداد بن سابور فلقى ملكا من ملوك الطوائف اسمه قباذ وليس قباذ بن فيروز فانهزم قباذ وملك أبو كرب العراق والشأم والحجاز وفي ذلك يقول تبع أبو كرب إذ حسينا جيادنا من دماء * ثم سرنا بها مسيرا بعيدا - واستبحنا بالخيل خيل قباد * وابن اقليد جاءنا مصفودا - وكسونا البيت الذى حرم الله * ملاء منضدا وبرودا وأقمنا به من الشهر عشرا * وجعلنا لبابه اقليدا - * (وقال أيضا) * لست بالتبع اليماني ان لم * تركض الخيل في سواد العراق - أو تؤدى ربيعة الخرج قسرا * لم يعقها عوائق العواق -
وقد كانت لكندة معه وقائع وحروب حتى غلبهم حجر بن عمرو بن معاوية بن ثور بن مرتع بن معاوية بن كندة من ملوك كهلان فدانوا له ورجع أبو كرب إلى اليمن فقتله حمير وكان ملكه ثلثمائة وعشرين سنة ثم ملك من بعد أبى كرب هذا فيما قال ابن اسحق ربيعة بن نصر بن الحرث بن نمارة بن لخم ولخم أخو جذام وقال ابن(2/54)
هشام ويقال ربيعة بن نصر بن أبى حارثة بن عمرو بن عامر كان أبو حارثة تخلف باليمن بعد خروج أبيه وأقام ربيعة بن نصر ملكا على اليمن بعد هؤلاء التبابعة الذين تقدم ذكرهم ووقع له شأن الرؤيا المشهورة قال الطبري عن ابن اسحق عن بعض أهل العلم ان ربيعة بن نصر رأى رؤيا هالته وفظع بها وبعث في أهل مملكته في الكهنة والسحرة والمنجمين وأهل العيافة فأشاروا عليه باستحضار الكاهنين المشهورين لذلك العهد في اياد وغسان وهماشق وسطيح قال الطبري شق هو أبو صعب شكر بن رهب بن أمول بن يزيد بن قيس عبقر بن انمار وسطيح هو ربيع بن ربيعة بن مسعود بن مازن بن ذيب بن عدى بن مازن بن غسان ولوقوع اسم ذيب في نسبه كان يعرف بالذيبى فأحضرهما وقص عليهما رؤياه وأخبراه بتأويلها أن الحبشة يملكون بلاد اليمن من بعد ربيعة وقحطان بسبعين سنة ثم يخرج عليهم ابن ذى يزن من عدن فيخرجهم ويملك عليهم اليمن ثم تكون النبوة في قريش في بنى غالب بن فهر ووقع في نفس ربيعة أن الذى حدثه الكاهنان من أمر الحبشة كائن فجهز بنيه وأهل بيته إلى العراق بما يصلحهم وكتب إلى ملك من ملوك فارس يقال له سابور بن خرداذ فأسكنهم الحيرة ومن بيت ربيعة بن نصر كان النعمان ملك الحيرة وهو النعمان بن المنذر بن عمرو بن عدى بن ربيعة بن نصر قال ابن اسحق ولما هلك ربيعة بن نصر اجتمع ملك اليمن لحسان بن تبان أسعد أبى كرب قال السهيلي وهو الذى استباح طسما كما ذكرناه وبعث على المقدمة عبد كهلان بن ثيرب ابن ذى حرب بن حارث بن ملك بن عبدان بن حجر بن ذى رعين واسم ذى رعين يريم وهو
ابن زيد الجمهور وقد مر نسبه إلى سبا الاصغر وقال السهيلي في أيام حسان تبع كان خروج عمرو بن مزيقيا من اليمن بالازد وهو غلط من السهيلي لان أبا كرب أباه انما غزا المدينة فيما قال هو صريخا للاوس والخزرج على اليهود وهو من غسان ونسبه إلى مزيقيا فعلى هذا يكون الذى استصرخه الاوس والخزرج على اليهود انما هو من ملوك غسان كما يأتي في أخبارهم قال ابن اسحق ولما ملك حسان بن تبع بن تبان أسعد سار بأهل اليمن يريد أن يطأ بهم أرض العرب والعجم كما كانت التبابعة تفعل فكرهت حمير وقبائل اليمن السير معه وأرادوا الرجوع إلى بلادهم فكلموا أخا له كان معهم في العسكر يقال له عمرو وقالوا له اقتل أخاك نملكك وترجع بنا إلى بلادنا فتابعهم على ذلك وخالفه ذو رعين في ذلك ونهى عمرا عن ذلك فلم يقبل وكتب في صحيفة وأودعها عنده ألا من يشترى سهرا بنوم * سعيد من يبيت قرير عين - فأما حمير غدرت وخانت * فمعذرة الاله لذى رعين -(2/55)
ثم قتل عمرو أخاه بعرصة لخم وهى رحبة مالك بن طوق ورجع حمير إلى اليمن فمنع النوم عليه السهر وأجهده ذلك فشكى إلى الاطباء عدم نومه والكهان والعرافين فقالوا ما قتل رجل أخاه الا سلط عليه السهر فجعل يقتل كل من أشار عليه بقتل أخيه ولم يغنه ذلك شيئا وهم بذى رعين فذكره شعره فكانت فيه معذرته ونجاته وكان عمرو هذا يسمى موثبان قال الطبري لوثوبه على أخيه وقال ابن قتيبة لقلة غزوه ولزومه الوثب على الفراش وهلك عمرو هذا لثلاث وستين سنة من ملكه قال الجرجاني والطبري ثم مرج أمر حمير من بعده وتفرقوا وكان ولد حسان تبع صغارا لا يصلحون للملك وكان أكبرهم قد استهوته الجن فوثب على ملك التبابعة عبد كلال موثبا فملك عليهم أربعا وتسعين سنة وكان يدين بالنصرانية ثم رجع ابن حسان تبع من استهواء الجن فملك على التبابعة
قال الجرجاني ملك ثلاثا وسبعين سنة وهو تبع الاصغر ذو المغازى والاثار البعيدة قال الطبري وكان أبوه حسان تبع قد زوج بنته من عمرو بن حجر آكل المرار ابن عمرو بن معاوية من ملوك كندة فولدت له ابنه الحرث بن عمرو فكان ابن تبع ابن حسان هذا فبعثه على بلاد معد وملك على العرب بالحيرة مكان آل نصر بن ربيعة قال وانعقد الصلح بينه وبين كيقباد ملك فارس على أن يكون الفرات حدا بينهم ثم أغارت العرب بشرقي الفرات فعاتبه على ذلك فقال لا أقدر على ضبط العرب الا بالمال والجند فأقطعه بلاد امن السواد وكتب الحرث إلى تبع يغريه بملك الفرس وتضعيف أمر كيقباد فغزاهم وقيل ان الذى فعل ذلك هو عمرو بن حجر أبوه الذى ولاه تبع أبو كرب وأنه أغراه بالفرس واستقدمه إلى الحيرة فبعث عساكره مع ولده الثلاثة إلى الصغيد والصين والروم وقد تقدم ذكر ذلك (قال) الجرجاني ثم ملك بعد تبع بن حسان تبع أخوه لامه وهو مدثر بن عبد كلال فملك احدى وأربعين سنة ثم ملك من بعده ابنه وليعة ابن مدثر سبعا وثلاثين سنة ثم ملك من بعده أبرهة بن الصياح بن لهيعة بن شيبة بن مدثر قيلف بن بعلق بن معد يكرب بن عبد الله بن عمرو بن ذى أصبح الحرث بن مالك أخو ذى رعين وكعب أبو سبا الاصغر قال الجرجاني وبعض الناس يزعم ان ابرهة بن الصباح انما ملك تهامة فقط قال ثم ملك من بعده حسان بن عمرو بن تبع بن كلكيكرب سبعا وخمسين سنة ثم ملك لخيتعة ولم يكن من أهل بيت المملكة قال ابن اسحق ولما ملك لخيتعة غلب عليهم وقتل خيارهم وعبث برجالات بيوت المملكة منهم قيل انه كان ينكح ولدان حمير يريد بذلك أن لا يملكوا عليهم وكانوا لا يملكون عليهم من نكح نقله ابن اسحق وقال أقام عليهم مملكا سبعا وعشرين سنة ثم وثب عليه ذو نواس زرعة تبع بن تبان أسعد أبى كرب وهو حسان أبى ذى معاهر فيما قال ابن اسحق وكان صبيا حين قتل(2/56)
حسان ثم ثب غلاما جميلا ذا هيئة وفضل ووضاءة ففتك بالختيعة في خلوة اراده فيها
على مثل فعلاته القبيحة وعلمت به حمير وقبائل اليمن فملكوه واجتمعوا عليه وجدد ملك التبابعة وتسمى يوسف وتعصب لدين اليهودية وكانت مدته فيما قال ابن اسحق ثمانية وستين سنة إلى هنا اه ترتيب ابى الحسن الجرجاني ثم قال وقال آخرون ملك بعد افريقش بن أبرهة قيس بن صيفي وبعده الحرث بن قيس بن مياس ثم ماء السماء بن ممروه ثم شرحبيل وهو يصحب بن مالك بن زيد بن غوث بن سعد بن عوف بن على بن الهمال بن المنثلم بن جهيم ثم الصعب بن قرين بن الهمال بن المنثلم ثم زيد بن الهمال ثم ياسر بن الحرث بن عمرو بن يعفر ثم زهير بن عبد شمس أحد بنى صيفي بن سبا الاصغر وكان فاسقا مجرما يفتض ابكار حمير حتى نشأت بلقيس بنت اليشرح بن ذى جدن بن اليشرح بن الحرث بن قيس بن صيفي فقتلته غيلة ثم ملكت ولما أخذها سليمان ملك لمك بن شرحبيل ثم ملك ذو وداغ فقتله ملكيكرب بن تبع بن الاقرن وهو أبو ملك ثم هلك فملك أسعد بن قيس بن زيد بن عمرو ذى الاذعار بن أبرهة ذى المنار بن الرايش بن قيس بن صيفي بن سبا وهو أبو كرب ثم ملك حسان ابنه فقتله عمر وأخوه ووقع الاختلاف في حمير ووثب على عمرو الختيعة ينوف ذو الشناتر وملك ثم قتله ذو نواس بن تبع وملك اه كلام الجرجاني (وزعم ابن سعيد) ونقله من كتب مؤرخي المشرق أن الحرث الرايش هو ابن ذى شدد ويعرف بذى مداثر وأن الذى ملك بعده ابنه الصعب وهو ذو القرنين ثم ابنه أبرهة بن الصعب وهو ذو المنار ثم العبد ذو الاشفار ابن أبرهة بن عمرو ذى الاذعار ابن أبرهة ثم قتلته بلقيس قال في التيجك ان حمير خلعوه وملكوا شرحبيل بن غالب بن المنتاب بن زيد بن يعفر بن السكسك بن واثل وكان بمأرب فجاز به ذو الاذعار وحارب ابنة الهدهاد بن شرحبيل من بعده وابنته بلقيس بنت الهدهاد الملكة من بعده فصالحته على التزويج وقتلته وغلبها سليمان عليه السلام على اليمن إلى أن هلك وابنه رحبعم من بعده واجتمعت حمير من بعده على مالك بن عمرو بن يعفر بن عمرو بن حمير بن المنتاب بن عمرو بن يزيد بن يعفر بن السكسك بن وائل بن حمير وملك بعده ابنه
شمر يرعش وهو الذى خرب سمرقند وملك بعده ابنه صيفي بن شمر على اليمن وسار أخوه افريقش بن شمر إلى افريقية بالبربر وكنعان فملكها ثم انتقل الملك إلى كهلان وقام به عمران بن عامر ماء السماء بن حارثة امرئ القيس بن ثعلبة بن مازن بن الازد وكان كاهنا ولما احتضر عهد إلى أخيه عمرو بن عامر المعروف بمزيقيا وأعلمه بخراب سد مأرب وهلاك اليمن بالسيل فخرج من اليمن بقومه وأصاب اليمن سيل العرم فلم ينتظم لبنى قحطان بيعته واستولى على قصر مأرب من بعده ربيعة بن نصر ثم رأى رؤيا ونذر بملك(2/57)
الحبشة وبعث ولده إلى العراق وكتب إلى سابور الاشعانى فأسكنهم الحيرة وكثرت الخوارج باليمن فاجتمعت حمير على أن تكون لابي كرب أسعد بن عدى بن صيفي فخرج من ظفار وغلب ملوك الطوائف باليمن ودوخ جزيرة العرب وحاصر الاوس والخزرج بالمدينة وحمل حمير على اليهودية وطالت مدته وقتلته حمير وملك بعده ابنه حسان الذى أباد طسما ثم قتله أخوه عمرو بمداخلة حمير وهلك عمرو فملك بعده أخوه لابيه عبد كلال ابن منوب وفي أيامه خلع سابور أكتاف العرب وملك بعده تبع بن حسان وهو الذى بعث ابن أخيه الحرث بن عمرو الكندى إلى أرض بنى معد بن عدنان بالحجار فملك عليهم وملك بعده مرثد بن عبد كلال ثم ابنه وليعة وكثرت الخوارج عليه وغلب أبرهة ابن الصباح على تهامة اليمن وكان في ظفار دار التبابعة حسان بن عمرو بن ابى كرب ثم وثب بعده على ظفار ذو شناتر وقتله ذو نواس كما مر هذا ترتيب ابن سعيد في ملوكهم وعند المسعودي أنه لما هلك كليكرب بن تبع المعروف بالاقرن قال وهو الذى سار قومه نحو خراسان والصغد والصين وولى بعده حسان بن تبع فاستقام له الامر خمسا وعشرين سنة ثم قتله أخوه عمرو بن تبع وملك أربعا وستين سنة ثم تبع أبو كرب وهو الذى غزا يثرب وكسا الكعبة بعد أن أراد هدمها ومنعه الحبران من اليهود وتهود وملك مائة سنة ثم بعده عمرو بن تبع إبى كرب وخلع وملكوا مرثد بن عبد كلال
واتصلت الفتن باليمن أربعين سنة ومن بعده وليعة بن مرثد تسعا وثلاثين سنة ومن بعده ابرهة بن الصباح بن وليعة بن مرثد ويدعى شيبة الحمد ثلاثا وتسعين سنة وكانت له سير وقصص ومن بعده عمرو ذو قيفان تسع عشر سنة ومن بعده لخيتعة ذو شناتر ومن بعده ذو نواس وأما ابن الكلبى والطبري وابن حزم فعندهم أن تبع أسعد أبى كرب هو ابن كليكرب ابن زيد الاقرن ابن عمرو بن ذى الاذعار بن ابرهة ذى المنار الرايش بن قيس بن صيفي بن سبا الاصغر وقال السهيلي انه أسقط أسماء كثيرة وملوكا وقال ابن الكلبى وابن حزم ومن ملوك التبابعة افريقش بن صيفي ومنهم شمر يرعش بن ياسر ينعم بن عمرو ذى الاذعار ومنهم بلقيس ابنة اليشرح بن ذى جدن بن ليشرح بن الحرث الرايش بن قيس بن صيفي ثم قال ابن حزم بعد ذكر هؤلاء من التبابعة وفى أنسابهم اختلاف وتخليط وتقديم وتأخير ونقصان وزيادة ولا يصح من كتب أخبار التبابعة وأنسابهم الا طرف يسير لاختلاف رواتهم وبعد العهد اه وقال الطبري لم يكن لملوك اليمن نظام وانما كان الرئيس منهم يكون ملكا على مخلافه لا يتجاوزه وان تجاوز بعضهم عن مخلافه بمسافة يسيرة من غير أن يرث ذلك الملك عن آبائه ولا يرثه أبناؤه عنه انما هو شأن(2/58)
شداد المتلصصة يغيرون على النواحى باستغفال أهلها فإذا قصدهم الطلب لم يكن لهم ثبات وكذلك كان أمر ملوك اليمن يخرج أحدهم من مخلافه بعض الاحيان ويبعد في الغزو والاغارة فيصيب ما يمر به ثم يتشمر عند خوف الطلب زاحفا إلى مكانه من غير أن يدين له أحد من غير مخلافه بالطاعة أو يؤدى إليه خراجا اه (وأما الخبر عن ذى نواس وما بعده) فاتفق أهل الاخبار كلهم ان ذا نواس هو ابن تبان أسعد واسمه زرعة وانه لما تغلب على ملك آبائه التبابعة تسمى يوسف وتعصب لدين اليهودية وحمل عليه قبائل اليمن وأراد أهل نجران عليها وكانوا من بين العرب يدينون
بالنصرانية ولهم فضل في الدين واستقامة وكان رئيسهم في ذلك يسمى عبد الله بن الثامر وكان هذا الدين وقع إليهم قديما من بقية أصحاب الحواريين من رجل سقط لهم من ملك التبعية يقال له ميمون نزل فيهم وكان مجتهدا في العبادة مجاب الدعوة وظهرت على يده الكرامات في شفاء المرضى وكان يطلب الخفاء عن الناس جهده وتبعه على دينه رجل من أهل الشام اسمه صالح وخرجا فارين بأنفسهما فلما وطئا بلاد العرب اختطفهما سيارة فباعوهما بنجران وهم يعبدون نخلة طويلة بين أظهرهم ويعلقون عليها في الاعياد من حليهم وثيابهم ويعكفون عليها أياما وافترقا في الدير على رجلين من أهل نجران وأعجب سيد ميمون صلاته ودينه وسأله عن شأنه فدعاه إلى الدين وعبادة الله وان عبادة النخلة باطل وأنه لو دعا معبوده عليها هلكت فقال له سيده ان فعلت دخلنا في دينك فدعا ميمون فأرسل الله ريحا فجعفت النخلة من أصلها وأطبق أهل نجران على اتباع دين عيسى صلوات الله عليه ومن رواية ابن اسحق أن ميمون نزل بقرية من قرى نجران وكان يمر به غلمان أهل نجران يتعلمون من ساحر كان بتلك القرية وفى أولئك الغلمان عبد الله بن الثامر فكان يجلس إلى ميمون ويسمع منه فامن به واتبعه وحصل على معرفة اسم الله الاعظم فكان مجاب الدعوة لذلك واتبعه الناس على دينه وأنكر عليه ملك نجران وهم بقتله فقال له لن تطيق حتى تؤمن وتوحد فآمن ثم قتله فهلك ذلك الملك مكانه واجتمع أهل نجران على دين عبد الله بن الثامر وأقام أهل نجران على دين عيسى صلوات الله عليه حتى دخلت عليهم في دينهم الاحداث ردعاهم ذو نواس إلى دين اليهودية فأبوا فسار إليهم في أهل اليمن وعرض عليهم القتل فلم يزدهم الا جماحا فحدد لهم الاخاديد وقتل وحرف حتى أهلك منهم فيما قال ابن اسحق عشرين ألفا أو يزيدون وأفلت منهم رجل من سبا يقال له دوس ذو ثعلبان فسلك الرمل على فرسه وأعجزهم * (ملك الحبشة اليمن) *(2/59)
قال هشام بن محمد الكلبى في سبب غزو ذى نواس أهل نجران أن يهوديا كان بنجران فعدا أهلها على ابنين له فقتلوهما ظلما فرفع أمره إلى ذى نواس وتوسل له باليهودية واستنصره على أهل نجران وهم نصارى فحمى له ولدينه وغزاهم ولما أفلت دوس ذو ثعلبان فقدم على قيصر صاحب الروم يستنصره على ذى نواس وأعلمه بما ركب منهم وأراه الانجيل قد احترق بعضه بالنار فكتب له إلى النجاشي يأمره بنصره وطلب بثاره وبعث معه النجاشي سبعين ألفا من الحبشة وقيل ان صريخ دوس كان أو لا للنجاشي وانه اعتذر إليه بقلة السفن لركوب البحر وكتب إلى قيصر وبعث إليه بالانجيل المحرق فجاءته السفن وأجاز فيها العساكر من الحبشة وأمر عليهم ارباطا رجلا منهم وعهد إليه بقتلهم وسبيهم وخراب بلادهم فخرج ارباط لذلك ومعه ابرهة الاشرم فركبوا البحر ونزلوا ساحل اليمن وجمع ذو نواس حمير ومن أطاعه من أهل اليمن على افتراق واختلاف في الاهواء فلم يكن كبير حرب وانهزموا فلما رأى ذو نواس ما نزل به وبقومه وجه بفرسه إلى البحر ثم ضربه فدخل فيه وخاض ضحضاح البحر ثم أفضى به إلى غمرة فأقمحه فيه فكان آخر العهد به ووطئ ارباط ليمن بالحبشة وبعث إلى النجاشي بثلث السبى كما عهد له ثم أقام بها فضبطها وأذل رجالات حمير وهدم حصون الملك بها مثل سلجيق وسون وغمدان وقال ذو يزن يرثى حمير وقصور الملك باليمن هونك ليس يرد الدمع ما فاتا * لا تهلكن أسفا في اثر من ماتا - أبعد سون فلا عين ولا أثر * وبعد سلجيق يبنى الناس أبياتا - وفي رواية هشام بن محمد الكلبى أن السفن قدمت على النجاشي من قيصر فحمل فيها الحبش ونزلوا بساحل اليمن واستجاش ذو نواس باقيال حمير فامتنعوا من صريخه وقالوا كل أحد يقاتل عن ناحيته فألقى ذو نواس باليد ولم يكن قتال وأنه سار بهم إلى صنعاء وبعث عماله في النواحى لقبض الاموال وعهد بقتلهم في كل ناحية فقتلوا وبلغ ذلك
النجاشي فجهز إلى اليمن سبعين ألفا وعليهم أبرهة فبلغوا صنعاء وهرب ذو نواس واعترض البحر فكان آخر العهد به وملك أبرهة اليمن ولم يبعث إلى النجاشي بشئ وذكر له أنه خلع طاعته فوجه جيشا من أصحابه عليهم أرباط ولما حل بساحته دعاه إلى النصفة والنزال فتبارزا وخدعه أبرهة واكمن عبدا له في موضع المبارزة فلما التقيا ضربه ارباط فشرم أنفه وسمى الاشرم وخالفه العبد من الكمين فضرب أرباطا فأنفذه وبلغ النجاشي خبر ارباط فحلف ليريقن دمه ثم كتب إليه أبرهة واسترضاه فرضى عليه وأقره على عمله وقال ابن اسحق ان ارباط هو الذى قدم اليمن أولا وملكه وانتقض عليه أبرهة من بعد ذلك فكان ما ذكرنا من الحرب بينهما وقتل أرباط وغضب(2/60)
النجاشي لذلك ثم أرضاه واستبد أبرهة بملك اليمن ويقال ان الحبشة لما ملكوا اليمن أمر أبرهة بن الصباح وأقاموا في خدمته قاله ابن سلام وقيل ان ملك حمير لما انقرض أمر التبابعة صار متفرقا في الاذواء من ولد زيد الجمهور وقام بملك اليمن منهم ذو يزن من ولد مالك بن زيد قال ابن حزم واسمه علس بن زيد بن الحرث بن زيد الجمهور وقال ابن الكلبى وأبو الفرج الاصبهاني هو علس بن الحرث بن زيد بن الغوث بن سعد بن عوف بن عدى بن مالك بن زيد الجمهور قالوا كلهم ولما ملك ذو يزن بعد مهلك ذى نواس واستبد أمر الحبشة على أهل اليمن طالبوهم بدم النصارى الذين في أهل نجران فساروا إليه وعليهم ارباط ولقيهم فيمن معه فانهزم واعترض البحر فأقحم فرسه وغرق فهلك بعد ذى نواس وولى ابنه مرثد بن ذى يزن مكانه وهو الذى استجاشه امرؤ القيس على بنى أسد وكان من عقب ذى يزن أيضا من هؤلاء الا ذوا علقمة ذو قيفال ابن شراحيل بن ذى يزن وملك مدينة الهون فقتله أهلها من همدان اه ولما استقر أبرهة في ملك اليمن أساء السير في حمير ورؤسائهم وبعث في ريحانة بنت علقمة بن مالك بن زيد بن كهلان فانتزعها من زوجها ابى مرة ابن ذى يزن وقد كانت ولدت منه ابنه معد يكرب وهرب
أبو مرة ولحق بأطراف اليمن واصطفى أبرهة ريحانة فولدت له مسروق بن أبرهة وأخته بسباسة وكان لابرهة غلام يسمى عمددة وكان قد ولاه الكثير من أمره فكان يفعل الافاعيل حتى عدا عليه رجل من حمير أو خثعم فقتله وكان حليما فأهدر دمه * (غزو الحبشة الكعبة) * ثم ان أبرهة بنى كنيسة بصنعاء تسمى القليس لم ير مثلها وكتب إلى النجاشي بذلك وإلى قيصر في الصناع والرخام والفسيفسا وقال لست بمنته حتى أصرف إليها حج العرب وتحدث العرب بذلك فغضب رجل من السادة أحد بنى فقيم ثم أحد بنى مالك وخرج حتى أتى القليس فقعد فيها ولحق بأرضه وبلغ أبرهة وقيل له الرجل من البيت الذى يحج إليه العرب فحلف ليسيرن إليه يهدمه ثم بعث في الناس يدعوهم إلى حج القليس فضرب الداعي في بلاد كنانة بسهم فقتل وأجمع أبرهة على غزو البيت وهدمه فخرج سائرا بالحبشة ومعه الفيل فلقيه ذو نفر الحميرى وقاتله فهزمه وأسره واستبقاه دليلا في أرض العرب قال ابن اسحق ولما مر بالطائف خرج إليه مسعود بن معتب في رجال ثقيف فأتوه بالطاعة وبعثوا معه أبا رغال دليلا فأنزله المغمس بين الطائف ومكة فهلك هنا لك ورجمت العرب قبره من بعد ذلك قال جرير إذا مات الفرزدق فارجموه * كما ترمون قبر أبى رغال - ثم بعث أبرهة خيلا من الحبشة فانتهوا إلى مكة واستاقوا أموال أهلها وفيها مائتا بعير(2/61)
لعبد المطلب وهو يومئذ سيد قريش فهموا بقتاله ثم علموا أن لا طاقة لهم به فاقصروا وبعث أبرهة حناطة الحميرى إلى مكة يعلمهم بمقصده من هدم البيت ويؤذنهم بالحرب ان اعترضوا دون ذلك وأخبر عبد المطلب بذلك عن أبرهة فقال له والله ما نريد حربه وهذا بيت الله فان يمنعه فهو بيته وان يخلى عنه فما لنا نحن من دافع ثم انطلق به إلى أبرهة ومر بذى نفر وهو أسير فبعث معه إلى سائس الفيل وكان صديقا لذى نفر
فاستأذن له على أبرهة فلما رآه أجله ونزل عن سريره فجلس معه على بساطه وسأله عبد المطلب في الابل فقال له أبرهة هلا سألت في البيت الذى هو دينك ودين آبائك وتركت البعير فقال عبد المطلب أنا رب الابل وللبيت رب سيمنعه فرد عليه ابله قال الطبري وكان فيما زعموا قد ذهب مع عبد المطلب عمرو بن لعاية بن عدى بن الرمل سيد كنانة وخويلد ابن واثلة سيد هذيل وعرضوا على أبرهة ثلث أموال تهامة ويرجع عن هدم البيت فأبى عليهم فانصرفوا وجاء عبد المطلب وأمر قريشا بالخروج من مكة إلى الجبال والشعاب للتحرز فيها ثم قام عند الكعبة ممسكا بحلقة الباب ومعه نفر من قريش يدعون الله ويستنصرونه وعبد المطلب ينشد ويقول لا هم ان العبد يم * نع رحله فامنع رحالك - لا يغلبن صليبهم * ومحالهم أبدا محالك - وانصر على آل الصلي * - ب وعابديه اليوم آلك - في أبيات معروفة ثم أرسل الله عليهم الطير الابابيل من البحر ترميهم بالحجارة فلا تصيب أحدا منهم الا هلك مكانه وأصابه في موضع الحجر من جسده كالجدري والحصبة فهلك وأصيب أبرهة في جسده بمثل ذلك وسقطت أعضاؤه عضوا عضوا وبعثوا بالفيل ليقدم على مكة فربض ولم يتحرك فنجا واقدم فيل آخر فحصب وبعث الله سيلا مجحفا فذهب بهم وألقاهم في البحر ورجع أبرهة إلى صنعاء وهو مثل فرخ الطائر فانصدع صدره عن قلبه ومات ولما هلك أبرهة ملك مكانه ابنه يكسوم وبه كان يكنى واستفحل ملكه وأذل حمير وقبائل اليمن ووطئتهم الحبشة فقتلوا رجالهم ونكحوا نساءهم واستخدموا أبناءهم ثم هلك يكسوم بن أبرهة فملك مكانه أخوه مسروق وساءت سيرته وكثر عسف الحبشة باليمن فخرج ابن ذى يزن واستجاش عليهم بكسرى وقدم اليمن بعساكر الفرس وقتل مسروقا وذهب أمر الحبشة بعد أن توارث ملك اليمن منهم أربعة في ثنتين وسبعين سنة أو لهم ارباط ثم أبرهة ثم ابنه يكسوم ثم أخوه مسروق
ابن أبرهة * (قصة سيف بن ذى يزن وملك الفرس على اليمن) *(2/62)
ولما طال البلاء من الحبشة على أهل اليمن خرج سيف بن ذى يزن الحميرى من الاذواء بقية ذلك السلف وعقب أولئك الملوك وديال الدولة الموفض للخمود وقد كان أبرهة انتزع منه زوجته ريحانة بعد أن ولدت منه ابنه معد يكرب كما مر ونسبه فيما قال الكلبى سيف بن ذى يزن بن عافر بن أسلم بن زيد بن سعد بن عوف بن عدى بن مالك بن زيد الجمهور هكذا نسبه ابن الكلبى ومالك بن زيد هو أبو الاذواء فخرج سيف وقدم على قيصر ملك الروم وشكى إليه أمر الحبشة وطلب أن يخرجهم ويبعث على اليمن من شاء من الروم فلم يسعفه عن الحبشة وقال الحبشة على دين النصارى فرجع إلى كسرى وقدم الحيرة على النعمان بن المنذر عامل فارس على الحيرة وما يليها من أرض العرب فشكى إليه واستمهله النعمان إلى حين وفادته على كسرى وأوفد معه وسأله النصر على الحبشة وأن يكون ملك اليمن له فقال بعدت أرضك عن أرضنا أو هي قليلة الخير انما هي شاء وبعير ولا حاجة لنا بذلك ثم كساه وأجازه فنثر دنانير الاجازة ونهبها الناس يوهم الغنى عنها بما في أرضه فأنكر عليه كسرى ذلك فقال جبال أرضى ذهب وفضة وانما جئت لتمنعني من الظلم فرغب كسرى في ذلك وأمهله للنظر في أمره وشاور أهل دولته فقالوا في سجونك رجال حبستهم للقتل ابعثهم معه فان هلكوا كان الذى أردت بهم وان ملكوا كان ملكا ازددته إلى ملكك وأحصوا ثمانمائة وقدم عليهم أفضلهم وأعظمهم بيتا وأكبرهم نسبا وكان وهزر الديلمى (وعند المسعودي) وهشام بن محمد والسهيلى أن كسرى وعده بالنصر ولم ينصره وشغل بحرب الروم وهلك سيف بن ذى يزن عنده وكبر ابنه ابن ريحانة وهو معد يكرب وعرفته أمه بأبيه فخرج ووفد على كسرى يستنجزه في النصرة التى وعد بها أباه وقال له أنا ابن الشيخ اليمنى الذى وعدته
فوهبه الدنانير ونثرها إلى آخر القصة وقيل ان الذى وفد على كسرى وأباد الحبشة هو النعمان بن قيس بن عبيد بن سيف بن ذى يزن قالوا ولما كتبت الفرس مع وهزر وكانوا ثمانمائة وقال اين قتيبة كانوا سبعة آلاف وخمسمائة وقال ابن حزم كان وهزر من عقب جاماسب عم أنو شروان فأمره على أصحابه وركبوا البحر ثمان سفائن فغرقت منها سفينتان وخلصت ست إلى ساحل عدن فلما نزلوا بأرض اليمن قال وهزر لسيف ما عندك قال ما شئت من قوس عربي ورجلي مع رجلك حتى نظفر أو نموت قال أنصفت وجمع ابن ذى يزن من استطاع من قومه وسار إليه مسروق بن أبرهة في مائة ألف من الحبشة وأوباش اليمن فتوا قفوا للحرب وأمر وهزر ابنه أن يناوشهم القتال فقتلوه وأحفظه ذلك وقال أرونى ملكهم فأروه اياه على الفيل عليه تاجه وبين عينيه ياقوتة حمراء ثم نزل عن الفيل إلى الفرس ثم إلى البغلة فقال وهزر ركب بنت الحمار ذل وذل ملكه ثم رماه(2/63)
بسهم فصك الياقوتة بين عينيه وتغلغل في دماغه وتنكس عن دابته وداروا به فحمل القوم عليهم وانهزم الحبشة في كل وجه وأقبل وهزر إلى صنعاء ولما أتى بابها قال لا تدخل رايتى منكوسة فهدم الباب ودخل ناصبا رايته فملك اليمن ونفى عنها الحبشة وكتب بذلك إلى كسرى وبعث إليه بالاموال فكتب إليه أن يملك سيف بن ذى يزن على اليمن على فريضة يؤديها كل عام ففعل وانصرف وهزر إلى كسرى وملك سيف اليمن وكان أبوه من ملوكها وخلف وهزر نائبا على اليمن في جماعة من الفرس ضمهم إليه وجعله لنظر ابن ذى يزن وأنزله بصنعاء وانفرد ابن ذى يزن بسلطانه ونزل قصر الملك وهو رأس غمدان يقال ان الضحاك بناه على اسم الزهرة وهو أحد البيوت السبعة الموضوعة على أسماء الكواكب وروحانيتها خرب في خلافة عثمان قاله المسعودي وقال السهيلي كانت صنعاء تسمى أوال وصنعاء اسم بانيها صنعاء بن أوال بن عمير بن عابر بن شالخ ولما استقل ابن ذى يزن بملك اليمن وفدت العرب عليه يهنوه بالملك ولما
رجع من سلطان قومه وأباد من عدوهم وكان فيمن وفد عليه مشيخة قريش وعظماء العرب لعهدهم من أبناء اسمعيل وأهل بيتهم المنصوب لحجهم فوفدوا في عشرة من رؤسائهم فيهم عبد المطلب فأعظمهم سيف وأجلهم وأوجب لهم حقهم ووفر من ذلك قسم عبد المطلب من بينهم وسأله عن بنيه حتى ذكر له شأن النبي صلى الله عليه وسلم وكفلته اياه بعد موت عبد الله ابيه عاشر ولد عبد المطلب فأوصاه به وحضه على الابلاغ في القيام عليه والتحفظ به من اليهود وغيرهم وأسر إليه البشرى بنبوته وظهور قريش قومهم على جميع العرب وأسنى جوائز هذا الوفد بما يدل على شرف الدولة وعظمها لبعد غايتها في الهمة وعلو نظرها في كرامة الوفد وبقاء آثار الترف في الصبابة شاهد لشرافة الحال في الاول ذكر صاحب الاعلام وغيره أنه أجاز سائر الوفد بمائة من الابل وعشرة أعبد وعشرة وصائف وعشرة أرطال من الورق والذهب وكرش ملئ من العنبر واضعاف ذلك بعشرة أمثاله لعبد المطلب (قال ابن اسحق) ولما انصرف وهزر إلى كسرى غزا سيف على الحبشة وجعل يقتل ويبقر بطون النساء حتى إذا لم يبق الا القليل جعلهم خولا واتخذ منهم طوابير يسعون بين يديه بالحراب وعظم خوفهم منه فخرج يوما وهم يسعون بين يديه فلما توسطهم وقد انفردوا به عن الناس رموه بالحراب فقتلوه ووثب رجل منهم على الملك وقيل ركب خليفة وهزر فيمن معه من المسلحة واستلحم الحبشة وبلغ ذلك كسرى فبعث وهزر في أربعة آلاف من الفرس وأمره بقتل كل أسود أو منتسب إلى أسود ولو جعدا قططا ففعل وقتل الحبشة حيث كانوا وكتب بذلك إلى كسرى فأمره على اليمن فكان بجبيه له حتى هلك واستضافت حشاية(2/64)
ملك الحميريين بعد مهلك ابن ذى يزن وأهل بيته إلى الفرس وورثوا ملك العرب وسلطان حمير باليمن بعد ان كانوا يزاحمونهم بالمناكب في عراقهم ويجوسونهم بالغزو خلال ديارهم ولم يبق للعرب في الملك رسم ولا طلل الا أقيالا من حمير وقحطان رؤساء في أحيائهم بالبدو
لا تعرف لهم طاعة ولا ينفذ لهم في غير ذاتهم أمر الا ما كان لكهلان خوتهم بأرض العرب من ملك آل المنذر من لخم على الحيرة والعراق بتولية فارس وملك آل جفنة من غسان على الشأم بتولية آل قيصر كما يأتي في أخبارهم (وقال الطبري) لما كانت اليمن لكسرى بعث إلى سرنديب من الهند قائدا من قواده ركب إليها البحر في جند كثيف فقتل ملكها واستولى عليها وحمل إلى كسرى منها أموالا عظيمة وجواهر وكان وهزر يبعث العير إلى كسرى بالاموال والطيوب فتمر على طريق البحرين تارة وعلى أرض الحجاز أخرى وعدا بنو تميم في بعض الايام على عيره بطريق البحرين فكتب إلى عامله بالانتقام منهم فقتل منهم خلقا كما يأتي في أخبار كسرى وعدا بنو كنانة على عيره بطريق الحجاز حين مرت بهم وكانت في جوار رجل من أشراف العرب من قيس فكانت حرب الفجار بين قيس وكنانة بسبب ذلك وشهدها النبي صلى الله عليه وسلم وكان ينبل فيها على اعمامه أي يجمع لهم النبل قال الطبري ولما هلك وهزر امر كسرى من بعده على اليمن ابنه المرزبان ثم هلك فامر حافده خرخسرو بن التيجان بن المرزبان ثم سخط عليه وحمل إليه مقيدا ثم أجاره ابن كسرى وخلى سبيله فعزله كسرى وولى باذان فلم يزل إلى أن كانت البعثة وأسلم باذان وفشا الاسلام باليمن كما نذكره عند ذكر الهجرة وأخبار الاسلام باليمن هذا آخر الخبر عن ملوك التبابعة من اليمن ومن ملك بعدهم من الفرس وكان عدد ملوكهم فيما قال المسعودي سبعة وثلاثين ملكا في مدة ثلاثة آلاف ومائتي سنة الا عشرا وقيل أقل من ذلك فكانوا ينزلون مدينة ظفار قال السهيلي زمار وظفار اسمان لمدينة واحدة يقال بناها مالك بن أبرهة وهو الاملوك ويسمى مالك وهو ابن ذى المنار وكان على بابها مكتوب بالقلم الاول في حجر أسود يوم شيدت ظفار فقيل لمن أن * ت فقالت لخير الاخيار - ثم سيلت من بعد ذلك قالت * ان ملكى احابش الاشرار - ثم سيلت بعد من ذلك قالت * ان ملكى لفارس الاحرار -
ثم سيلت من بعد ذلك قالت * ان ملكى لقريش التجار - ثم سيلت من بعد ذلك قالت * ان ملكى لخير سنجار - وقليلا ما يلبث القوم فيها * غير تشييدها لحامي البوار - من أسود يلقيهم البحر فيها * تشعل النار في أعالي الجدار -(2/65)
ولم تزل مدينة ظفار هذه منزلا للملوك وكذلك في الاسلام صدر الدولتين وكانت اليمن من أرفع الولايات عندهم بما كانت منازل العرب العاربة ودار الملوك العظماء من التبابعة والاقيال والعباهلة ولما انقضى الكلام في أخبار حمير وملوكهم باليمن من العرب استدعى الكلام ذكر معاصريهم من العجم على شرط كتابنا لنستوعب أخبار الخليقة ونميز حال هذا الجيل العربي من جميع جهاته والامم المشاهير من العجم الذين كانت لهم الدول العظيمة لعهد الطبقة الاولى والثانية من العرب وهم النبط والسريانيون أهل بابل ثم الجرامقة أهل الموصل ثم القبط ثم بنو اسرائيل والفرس ويونان والروم فلنأت الآن بما كان لهم من الملك والدولة وبعض أخبارهم على اختصار والله ولى العون والتوفيق لا رب غيره ولا مأمول الا خيره(2/66)
[ الخبر عن ملوك بابل من النبط والسريانيين وملوك الموصل ونينوى من الجرامقة ] قد تقدم لنا ان ملك الارض من بعد نوح عليه السلام كان لكنعان بن كوش بن حام ثم لابنه النمروذ من بعده وانه كان على بدعة الصابئة وأن بنى سام كانوا حنفاء ينتحلون التوحيد الذى عليه الكلدانيون من قبلهم قال ابن سعيد ومعنى الكلدانيين الموحدين ووقع ذكر النمروذ في التوراة منسوبا إلى كوش بن حام ولم يقع فيها ذكر لكنعان بن كوش فالله أعلم بذلك وقال ابن سعيد أيضا وخرج عابر بن شالخ بن أرفخشد فغلبه وسار من كوثا
إلى أرض الجزيرة والموصل فبنى مدينة مجدل هنا لك وأقام بها إلى أن هلك وورث أمره ابنه فالغ من بعده وأصاب النمروذ وقومه على عهد سيدنا ابراهيم عليه السلام ما أصابهم في الصرح وكانت البلبلة وهى المشهورة وقد وقع ذكرها في التوراة ولا أدرى معناها والقول بأن الناس أجمعين كانوا على لغة واحدة فباتوا عليها ثم أصبحوا وقد افترقت لغاتهم قول بعيد في العادة الا أن يكون من خوارق الانبياء فهو معجزة حينئذ ولم ينقلوه كذلك والذى يظهر أنه اشارة إلى التقدير الالهى في خرق العادة وافتراقها وكونها من آياته كما وقع في القرآن الكريم ولا يعقل في أمر البلبلة غير ذلك وقال ابن سعيد سوريان بن نبيط ولاه فالغ على بابل فانتقض عليه وحار به ولما هلك فالغ قام بأمره بعده ابنه ملكان فغلبه سوريان على الجزيرة وملكها هؤلاء الجرامقة اخوانه في النسب بنو جرموق بن أشوذ بن سام وكانت مواطنهم بالجزيرة وكان ابن أخت سوريان منهم الموصل بن جرموق فولاه سوريان على الجزيرة وأخرج بنى عابر منها ولحق ملكان منها بالجبال فأقام هناك ويقال ان الخضر من عقبه واستبد الموصل على خاله سوريان بن نبيط ملك بابل وامتازت مملكة الجرامقة من مملكة النبط وملك بعد الموصل ابنه راتق وكانت له حروب مع النبط وملك من بعده ابنه أثور وبقى ملكها في عقبه وهو مذكور في التوراة وملك بعده ابنه نينوى وبنى المدينة المقابلة للموصل من عدوة دجلة المعروفة باسمه ثم كان من عقبه سنجاريف بن أثور بن نينوى بن أثور وهو الذى بنى مدينة سنجار وغزا بنى اسرائيل فصلبوه على بيت المقدس وقال البيهقى ان الجزيرة ملكها بعد مقتل سنجاريف أخوه ساطرون وهو الذى بنى مدينة الحضر في برية سنجار على نهر الترتار لتولعه بصيد الاسود في غيضاتها وملك من بعده ابنه زان وكان يدين بالصابئة ويقال ان يونس بن متى بعث إليه ويونس من الجرامقة من سبط بنيامين بن اسرائيل من ابنه فآمن به زان بن ساطرون بعد الذى قصه القرآن من شأنه معهم ثم ان بختنصر لما غلب على بابل زحف
إليه ودعاه إلى دين الصابئة وشرط له أن يبقيه في ملكه فأجاب ولم يزل على الجزيرة حتى(2/68)
زحف إليه جيوش الفرس مع ارتاق فضمن القيام بالمجوسية على أن يبقوه في ملكه وكتب بذلك ارتاق إلى بهمن فيضمن له فاجابه بأن هذا رجل متلاعب بالاديان فاقتله فقتله ارتاق وانقرض ملكه بعد ألف وثلثمائة سنة فيما قال البيهقى وفي أربعين ملكا منهم وصارت الجزيرة لملوك الفرس والذى عند الاسرائيليين سنجاريف من ملوك نينوى وهم أولاد موصل بن أشوذ بن سام وأنه كان قبله بالموصل ملوك منهم وهم فول وتلفات وبلناص وأنهم ملكوا بلد الاسباط العشرة وهى شورون المعروفة بالسامرة وأنه غرب الاسباط الذين كانوا فيها إلى نواحى اصبهان وخراسان وأسكن أهل كومة وهى الكوفة في شمورون هذه فسلط الله عليهم السباع يفترسونهم في كل ناحية فشكوا ذلك إلى سنجاريف وسألوه أن يخبرهم عن بلد شمورون في قسمة أي كوكب هي كى يتوجهوا إليه ويستنزلوا روحانيته على طريق الصابئة فأعرض عن ذلك وبعث كاهنان إليهم من اليهود فعلموهم دين اليهودية وأخذوا به وهؤلاء عند اليهود هم الشمرة نسبة إلى شمرة وهى شمورون وليس الشمرة عندهم من بنى اسرائيل ولان دينهم صحيح في اليهودية وزحف سنجاريف عندهم إلى بيت المقدس بعد استيلائه على شورمون فحاصرها وداخله العجب بكثرة عساكره فقال لبنى اسرائيل من الذى خلصه الهه من يدى حتى يخلصكم الهكم وفزع ملك بنى اسرائيل إلى نبيهم مدليلا وسأله الدعاء فدعا له وأمنه من شر سنجاريف ونزلت بعسكره في بعض لباليهم آفة سماوية فأصبحوا كلهم قتلى يقال أحصى قتلاهم فكانوا مائة وخمسة وثمانين ألفا ورجع سنجاريف إلى نينوى ثم قتله أولاده في سجوده لمعبوده من الكواكب وولى ابنه أيسرحدون ثم استولى عليهم بعد ذلك بختنصر كما سنذكره في خبره (وأما ملوك بابل) فهم النبط بنو نبيط بن أشوذ بن سام وقال المسعودي نبيط بن ماش بن ارم وكانوا موطنين بأرض بابل وملك
منهم سوريان بن نبيط وقال المسعودي هو أحد نبيط بن ماش ملك أرض بابل بولاية من فالغ فلما مات فالغ أظهر بدعة الصابئة وانتحلها بعده ابنه كنعان ويلقب بالنمروذ وملك بعده ابنه كوش وهو نمروذ ابراهيم عليه السلام وهو الذى قدم اباه آزر فاصطفاه هاجر على بيت الاصنام لان أرعو بن فالغ لما هلك أبوه فالغ وكان على دين التوحيد الذى دعاه إليه أبوه عابر رجع حينئذ ارعو إلى كوثا ودخل مع النمارذة في دين الصابئة وتوارثها بنوه إلى آزر بن ناحور فاصطفاه هاجر بن كوش وقدمه على بيت الاصنام وولد له ابراهيم عليه السلام وكان من أمره ما ذكرناه فيما نصه التنزيل ونقله الثقات ثم توالت ملوك النماردة ببابل وكان منهم بختنصر على ما ذهب إليه نصهم ويقال ان الجرامقة وهم أهل نينوى غلبوا على بابل وملكها سنجاريف منهم(2/69)
واستعمل فيها بختنصر من ملوكها ثم انتقض عليه بالجزا والطاعة وغزا بنى اسرائيل ببيت المقدس فاقتحمها عليهم بعد الحصار وأثخن فيهم بالقتل والاسر وقتل ملكهم وخرب مسجدهم وتجاوزهم إلى مصر فملكها ولما هلك بختنصر ملك من بعده فيما ذكروه ابنه نشبت نصر ثم من بعده بنيصر وغزاه ارتاق مرزبان كسرى من ملوك الكينية فقتله وملك بابل وأعمالها وصار النبط والجرامقة رعية للفرس وانقرضت دولة النمارذة ببابل هكذا ذكر ابن سعيد ونقله عن داهر مؤرخ دولة الفرس وجعل السريانيين والنبط أمة واحدة وهما دولة واحدة وأما المسعودي فجعلهما دولتين وأما السريانيون فقال هم أول ملوك الارض بعد الطوفان وسمى من ملوكهم تسعة متعاقبين في مائة سنة أو فوقها باسماء أعجمية لا فائدة في نقلها لقلة الوثوق بالاصول التى بايدينا من كتبه وكثرة التغيير في الاسماء الاعجمية نعم ذكر ان شوشان بشينين معجمتين وأنه أول من وضع التاج على رأسه والرابع منهم انه الذى كور الكور ومدن المدن وان ملك الهند لعهده كان اسمه رتبيل وانه على ملكه واستولى على السريانيين
وأن بعض ملوك المغرب ظاهرهم عليه وانتزع لهم ملكهم منه ورده عليهم وسمى الثامن منهم ماروت وأشار في آخر كلامه إلى أنهم كانوا مستولين على بابل وعلى الموصل وأن ملوك اليمن ربما غلبوهم على أمرهم بعض الاحيان وذكر في التاسع أنه كان غير مستقل بأمره وان أخاه كان مقاسمه في سلطانه وان أول من اتخذ الخمر فلان وأول من ملك فلان وأول من لعب بالصقور والشطرنج فلان مزاعم كلها بعيدة من الصحة انما وجهه أن السريانيين لما كانوا أقدم في الخليقة نسب إليهم كل قديم من الاشياء أو طبيعي كالخط واللغة والسحر والله أعلم (وأما النبط) فعند المسعودي انهم من أهل بابل لقوله في ترجمتهم ذكر ملوك بابل والنبط وغيرهم المعروفين بالكلدانيين وذكر أن أو لهم نمروذ الجبار ونسبه إلى ماش بن ارم بن سام وذكر أنه الذى بنى الصرح ببابل واحتفر نهر الكوفة ونسب النمروذ في موضع آخر إلى كوش بن حام لا أدرى هو أو غيره ثم عد ملوكهم بعد النمروذ ستا وأربعين أو نحوها في ألف وأربعمائة من السنين باسماء أعجمية متعذر ضبطها فتركت نقلها الا أنه ذكر في الموفي منهم عدد العشرين وبعد التسعمائة من سنيهم انه الذى غزت فارس لعهدة مدينة بابل وذكر في الموفى عدد ثلاثة وثلاثين منهم وعند الالف والاربعمائة من سنيهم انه سنجاريف الذى حارب بنى اسرائيل وحاصرهم ببيت المقدس حتى أخذ الجزية منهم وان آخر ملوكهم دارينوش وهو دارا الذى قتله الاسكندر لما ملك بابل هذا ما ذكره المسعودي ولم يذكر منهم نمروذ الخليل عليه السلام وذكر ان مدينتهم بابل وان الذى اختطها اسمه نيزو اسم امرأته شمر ام ملوك(2/70)
السريانيين اسمان أعجميان لا وثوق لنا بضبطهما وقال الطبري نمروذ بن كوش بن كنعان ابن حام صاحب ابراهيم الخليل عليه السلام وكان يقال عاد ارم فلما هلكوا قيل ثمود ارم فلما هلكوا قيل نمروذ ارم فلما هلك قيل لسائر ولد ارم ارمان فهم النبط وكانوا على الاسلام ببابل حتى ملكهم نمروذ فدعاهم إلى عبادة الاوثان فعبدوها انتهى
كلام الطبري وقال هروشيوش مؤرخ الروم انه نمروذ الجسيم وان بابل كانت مربعة الشكل وكان سورها في دور الثمانين ميلا وارتفاعه مائتا ذراع وعرضه خمسون ذراعا وهو كله مبنى بالآجر والرصاص وفيه مائة باب من النحاس وفى أعلاه مساكن الحراس والمقاتلة تبيت على الجانبين في سائر دورة الطريق بينهما وحول هذا السور خندق بعيد المهوى أجرى فيه الماء وأن الفرس هدموه ولما تغلبوا على ملك بابل تولى ذلك منهم جيرش وهو كسرى الاول انتهى كلام هروشيوش ويظهر من كلام هؤلاء ان اسم النمرود سمة لكل من ملك بابل لوقوعه في أهل انساب مختلفة مرة إلى سام ومرة إلى حام وزعم بعض المؤرخين ان نمروذ الخليل عليه السلام هو النمروذ بن كنعان بن سنجاريف بن النمروذ الاكبر وان بختنصر من عقبه وهو ابن برازاد بن سنجاريف بن النمرود وان الفرس الكينية غلبوا بختنصر على بابل ثم أبقوه واستعملوه عليها وان كسرى الاول من بنى ساسان خرب مدينة بابل وعند الاسرائيليين وينقلونه عن كتاب دانيال وارميا من أنبيائهم وضبط هذا الاسم يرميا ان بختنصر من عقب كاسد بن حاور وهو أخو ابراهيم الخليل وبنو كاسد هؤلاء من ملوك بابل ويعرفون بالكسدانيين نسبة إليه وان بختنصر منهم ملك أكثر المعمور وغلب على بنى اسرائيل وأزال دولتهم وخرب بيت المقدس وانتهى ملكه إلى مصر وما وراءها وكان ملكه خمسا وأربعين وملك بعده ابنه أو بل مرود ثلاثا وعشرين سنة وبعده ابنه بلينصر ثلاث سنين ثم زحف إليه دارا من ملوك الفرس وصهره كورش فحاصروه بمدينة بابل وقال بعض الاسرائليين بختنصر وملوك بابل من كسديم وكسديم من عيلام بن سام وهو اخو أشوذ ومن أشوذ ملوك الموصل انتهى الكلام في ملوك الموصل وملوك بابل وهذا غاية ما أدى إليه البحث من أخبارهم وأنسابهم وكان من هؤلاء والكلدانيين دين الصابئة وهو عبادة الكواكب واستجلاب روحانيتها ويذكر أنهم كانوا لذلك أهل عناية بارصاد الكواكب ومعرفة طبائعها وخلاص المولدات وما يشابه ذلك من علوم النجوم
والطلسمات والسحر وانهم نهجوا ذلك لاهل الربع الغربي من الارض وقد يشهد لذلك قراءة من قرأ وما أنزل على الملكين بكسر اللام مشيرا إلى أن هاروت وماروت من ملوك السريانيين وهم أول ملوك بابل وعلى القراءة المشهورة وانهما من الملائكة(2/71)
فيكون اختصاص هذه الفتنة والابتلاء ببابل من بين أقطار الارض دليلا على وفور قسطهما من صناعة السحر الذى وقع الابتلاء به ومما يشهد لانتحالهم السحر وفنونه من النجوم وغيرها أن هذه العلوم وجدناها من منتحل أهل مصر المجاورين لهم وكان لملوكها عناية شديدة بذلك حتى كان من مباهاتهم موسى بذلك وحشر السحرة له ما كان وبقايا الآثار السحرية في برابى اخميم من صعيد مصر ما يشهد لذلك أيضا والله أعلم(2/72)
* (الخبر عن القبط وأولية ملكهم ودولهم وتصاريف أحوالهم والالمام بنسبهم) * هذه الامة أقدم أمم العالم وأطولهم أمدا في الملك واختصوا بملك مصر وما إليها ملوكها من لدن الخليقة إلى أن صبحهم الاسلام بها فانتزعها المسلمون من أيديهم ولعهدهم كان الفتح وربما غلب عليهم جميع من عاصرهم من الامم حين يستفحل أمرهم مثل العمالقة والفرس والروم واليونان فيستولون على مصر من أيديهم ثم يتقلص ظلهم فراجع القبط ملكهم هكذا إلى أن انقرضوا في مملكة الاسلام وكانوا يسمون الفراعنة سمة لملوك مصر في اللغة القديمة ثم تغيرت اللغة وبقى هذا الاسم مجهول المعنى كما تغيرت الحميرية إلى المضرية والسريانية إلى الرومية ونسبهم في المشهور إلى حام بن نوح وعند المسعودي إلى بنصر بن حام وليس في التوراة ذكر لبنصر بن حام وانما ذكر مصرايم وكوش وكنعان وقوط وقال السهيلي انهم من ولد كنعان بن حام لانه لما نسب مصر قال فيه مصر بن النبيط أو ابن قبط بن النبيط من ولد كوش بن كنعان وقال
اهروشيوش ان القبط من ولد قبط بن لايق بن مصر وعند الاسرائيليين انهم من قوط ابن حام وعند بعضهم انهم من كفتوريم قبطقايين ومعناه القبط وقال المسعودي اختص بنصر بن حام أيام النمروذ ابن أخيه كنعان بولاية أرض مصر واستبد بها واوصى بالملك لابنه مصر فاستفحل ملكه ما بين أسوان واليمن والعريش وايلية وفرسيسة فسميت كلها أرض مصر نسبة إليه وفى قبليها النوبة وفي شرقيها الشأم وفى شمالها بحر الزقاق وفى غربها برقة والنيل من دونها وطال عمر مصر وكبر ولده وأوصى بالملك لاكبرهم وهو قبط بن مصر أبو الاقباط فطال أمد ملكه وكان له بنون أربع قبط بن مصر وأن مصر هو الذى قسم الارض وعهد إلى أكبرهم بالملك وهو قبط فغلب عليهم فأضيفوا إليه لمكان الملك والسن وملك بعد قبط بن مصر أشمون بن مصر ثم من بعده صاثم أخوهما اتريب ثم عد ملوكا بأسماء أعجمية بعيدة عن الضبط لعجمتها وفساد الاصول التى بين أيدينا من كتبته ثم لما ذكر ستة منهم بعد اتريب قال فكثر ولد بنصر بن حام وتشاغبوا وملك عليهم النساء فسار إليهم ملك الشأم من العمالقة الوليد بن دومع فملكهم وانقادوا إليه واما ابن سعيد فيما نقل من كتب المشارقة فقال ملك مصر ابنه قبط ثم من بعده أخوه اتريب قال وفى أيام قبط زحف شداد بن مداد بن شداد بن عاد إلى مصر وغلب على أسافلها ومات قبط في حروبه ثم جمع اتريب قومه واستظهر بالبربر والسودان على العرب حتى أخرجهم إلى الشأم واستبد اتريب بملك مصر وبنى المدينة المنسوبة إليه ومدينة عين شمس وملك بعده ابن أخيه البود شير بن قبط وهو الذى بعث هرمسا المصرى إلى جبل القمر حتى ركب جرية النيل من هنا لك وعدل البطيحة الكبرى(2/74)
التى تنصب إليها عيون النيل وعمر بلاد الواحات وحول إليها جمعا من أهل بيته ثم ملك من بعده عديم بن البود شير ثم ابنه شدات بن عديم ثم ابنه منذوش بن شدات وجدد مدينة عين شمس وكان لهم في السحر آثار عجيبة ثم ملك بعده ابنه مقلاوش بن مقناوش
وعبد البقر وصورها من الذهب ثم هلك وخلف ابنه مرقيش فغلب عليه عمه أشمون بن قبط وبنى مدينة الاشمون وملك بعده ابنه أشاد بن أشمون ثم من بعده عمه صا بن قبط وبنى مدينة باسمه وملك بعده ابنه ندراس وكان حكيما وهو الذى بنى هيكل الزهرة الذى هدمه بختنصر وملك بعده ابنه ماليق بن ندراس فرفض الصابئة ودان بالتوحيد ودوخ بلاد البربر والاندلس وحارب الافرنج وملك بعده ابنه حربيا ابن ماليق فرجع عن التوحيد إلى الصابئة وغزا بلاد الهند والسودان والشأم وملك بعده ابنه كلكى بن حربيا وهو الذى تسميه القبط حكيم الملوك واتخذ هيكل زحل وعهد إلى أخيه ماليا بن حربيا واشتغل باللهو فقتله ابنه خرطيش وكان سفاكا للدماء والقبط تزعم انه فرعون الخليل عليه السلام وانه أول الفراعنة ولما تعدى بالقتل إلى أقاربه سمته ابنته حوريا وملكت القبط من بعده فنازعها ابراحس من ولد عمها أتريب وحاربته فكان لها الغلب وانهزم ابراحس إلى الشأم فاستظهر بالكنعانيين وبعث ملكهم قائده جيرون فلما قرب مصر استقبلته حوريا واطمعته في زواجها على أن يقتل ابراحس ويبنى مدينة الاسكندرية ففعل ثم قتلته آخرا مسموما واستقام لها الامر وبنت منارة الاسكندرية وعهدت بأمرها لدليقية ابنة عمها باقوم فخرج عليها ايمين من نسل اتريب طالبا بنار قريبه ابراحس ولحق بملك العمالقة يومئذ وهو الوليد ابن دومع الذى ذكرناه عند ذكر العمالقة فاستنصر به وجاء معه وملك ديار مصر واستبد بالقبط نقراوس فاشتغل باللذات واستكفى من بنيه اطفير وهو العزيز فكفاه وقام بأمره ودبر له يوسف الفيوم بالوحى والهندسة وكانت أرضها مغايض للماء فأخرجه وعمر القرى مكانه على عدد أيام السنة فجعله على خزائنه وملك بعده دارم بن الريان وسمته القبط ويموص وكان يوسف مدبر أمره بوصية أبيه ومات لعهده فأساء السيرة وهلك غريقا في النيل وملك بعده ابنه معد انوس بن دارم فترهب واستخلف ابنه كاشم فاستعبد بنى اسرائيل للقبط وقتله حاجبه ونصب بعده ابنه لاطش فاشتغل
باللهو فخلعه ونصب آخر من نسل ندراس اسمه لهوب فتجبر وتذكر القبط انه فرعون موسى عليه السلام وأهل الاثر يقولون انه الوليد بن مصعب وأنه كان نجارا تقلب حاله إلى عرافة الحرس ثم تطور إلى الوزارة ثم إلى الاستبداد وهذا بعيد لما قدمناه في الكتاب الاول وقال المسعودي بل كان فرعون موسى من الاقباط ثم هلك فرعون(2/75)
موسى وخشى القبط من ملوك الشأم فملكوا عليهم دلوكة من بيت الملك وهى التى بنت الحائط على أرض مصر ويعرف بحائط العجوز لانها طال عمرها حتى كبرت واتخذت البرابى ومقاييس النيل ثم سمى المسعودي من بعد دلوكة ثمانية من ملوكهم على ذلك النحو من عجمة الاسماء وقال في الثامن انه فرعون الاعرج الذى اعتصم به بنو اسرائيل من بختنصر فدخل عليه مصر وقتله وهدم هياكل الصابئة ووضع بيوت النيران له ولولده وذكر في تواريخهم قال قال ابن عبد الحكم وهذه العجوز دلوكة هي التى جددت البرابى بمصر أرسلت إلى امرأة ساحرة كانت لعهدها اسمها ترورة وكانت السحرة تعظمها فعملت بربي من حجارة وسط مدينة منف وصورت فيها صور الحيوانات من ناطق وأعجم فلا يقع شى بتلك الصورة الا وقع بمثالها في الخارج وكان لهم بذلك امتناع ممن يقصدهم من الامم لانهم كانوا أعلم الناس بالسحر وأقامت عليهم عشرين سنة حتى بلغ صبى من أبنائهم اسمه دركون بطلوس فملكوه وأقامت معه على ذلك أربعمائة سنة ثم مات فولوا ابنه يرديس بن دركون ومن بعده أخاه نقاس بن نقراس ومن بعده مرينا بن مرينوس ثم ابنه استمارس بن مرينا فطغى عليهم وخلعوه وقتلوه وولوا عليهم من أشرافهم بلوطيس بن مناكيل أربعين سنة ثم استخلف مالوس ابن بلوطيس ومات فاستخلف أخاه مناكيل بن بلوطيس ثم توفى فاستخلف ابنه بركة بن مناكيل فملكهم مائة وعشرين سنة وهو فرعون الاعرج الذى سبى أهل بيت المقدس ويقال انه خلع وقال ابن عبد الحكم وولى من بعده ابنه مرينوس بن بركة فاستخلف
ابنه فرقون بن مرينوس فملكهم ستين سنة ثم هلك واستخلف أخاه نقاس بن مرينوس وكانت البرابى كلها إذا فسد منها شئ لا يصلحه الا رجل من ذرية تلك العجوزة الساحرة التى وضعتها ثم انقطعت ذريتها ففسدت البرابى أيام نقاس هذا وتجاسر الناس على طلب الملك الذى في أيديهم وهلك نقاس واستخلف ابنه قومس بن نقاس فملكهم دهرا ثم ملك بختنصر بيت المقدس واستلحم بنى اسرائيل وفرقهم وقتل وخرب ولحقوا بمصر فأجارهم قومس ملكها وبعث فيهم بختنصر فمنعهم وزحف إليه وغلب عليه وقتله وخرب مدينة منف وبقيت مصر أربعين سنة خرابا وسكنها أرمياء مدة ثم بعث إليه بختنصر فلحق به ثم رد أهل مصر إلى موضعهم وأقاموا كذلك ما شاء الله إلى أن غلب الفرس والروم على سائر الامم وقاتل الروم أهل مصر إلى أن وضعوا عليهم الجزى ثم تقاسمها فارس والروم ثم تداولوا ملكها فتوالت عليها نواب الفرس ثم ملكها الاسكندر اليونانى وجدد الاسكندرية والآثار التى خارجها مثل عمود السوارى ورواق الحكمة ثم غلب الروم على مصر والشأم وأبقوا القبط في ملكها وصرفوهم في(2/76)
الولاية بمصر إلى أن جاء الله بالاسلام وصاحب القبط بمصر والاسكندرية المقوقس واسمه جريج بن مينا فيما نقله السهيلي فأرسل إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم حاطب ابن أبى بلتعة وجبرا مولى أبى رهم الغفاري فقارب الاسلام وأهدى إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم هديته المعروفة ذكرها أهل السير كان فيها البغلة التى كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يركبها وتسمى دلدل والحمار الذى يسمى يعفور ومارية القبطية أم ولده ابراهيم وامها وأختها سيرين وهبها رسول الله صلى الله عليه وسلم لحسان بن ثابت فولدت له عبد الرحمن وقدح من قوارير كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يشرب فيه وعسل استظرفه له من بنها احدى قرى مصر معروفة بالعسل الطيب ويقال ان هرقل لما بلغه شأن هذه الهدية اتهمه بالميل إلى الاسلام فعزله
عن رياسة القبط وخرج مسلم في صحيحه من رواية أبى ذر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال إذا افتتحتم مصر أو إنكم مستفتحون مصر فاستوصوا بأهلها خيرا فان لهم ذمة ورحما أو صهرا ورواه ابن اسحق عن الزهري وقال قلت للزهري ما الرحم التى ذكر قال كانت هاجر أم اسمعيل منهم ولبعض رواة الحديث في تفسير الصهر أن مارية أم ابراهيم منهم أهداها له المقوقس وكانت من كورة حفن من عمل أنصناء وقال الطبري ان عمرو بن العاص لما ملك مصر أخبرهم بوصية النبي صلى الله عليه وسلم بهم فقال هذا نسب لا يحفظ حقه الا نبى لانه نسب بعيد وذكروا له أن هاجر كانت امرأة لملك من ملوكنا ووقعت بيننا وبين أهل عين شمس حروب كانت لهم في بعضها دولة فقتلوا الملك وسبوها ومن هنا لك تسيرت إلى أبيكم ابراهيم ولما كمل فتح مصر والاسكندرية وارتحل الروم إلى القسطنطينية أقام المقوقس والقبط على الصلح الذى عقده لهم عمرو بن العاص وعلى الجزى وأبقوه على رياسة قومه وكانوا يشاورونه فيما ينزل من المهمات إلى أن هلك وكان ينزل الاسكندرية وفي بعض الاوقات ينزل منف من أعمال مصر واختط عمرو بن العاص الفسطاط بموضع خيامه التى كان يحاصر مصر منها فنزل بها المسلمون وهجروا المدينة التى كان بها المقوقس إلى أن خربت وكان في خرابها ومهلك المقوقس انقراض أمرهم وبقى اعقابهم إلى هذا الزمان يستعملهم أهل الدول الاسلامية في حسابات الخراج وجبايات الاموال لقيامهم عليها وغنائهم فيها وكفايتهم في ضبطها وتنميتها وقد يهاجر بعضهم إلى الاسلام فترفع رتبتهم عند السلطان في الوظائف المالية التى أعلاها في الديار المصرية رتبة الوزارة فيقلدونهم اياها ليحصل لهم بذلك قرب من السلطان وحظ عظيم في الدولة وبسطة يد في الجاه تعددت منهم في ذلك رجال وتعينت(2/77)
لهم بيوت قصر السلطان نظره على الاختيار منها لهذا العهد وعامتهم يقيم على دين
النصرانية الذين كانوا عليها لهذا العهد وأكثرهم بنواحي الصعيد وسائر الاعمال متحرفون بالفلح والله غالب على أمره وأما اقليم مصر فكان في أيام القبط والفراعنة جسورا كله بتقدير وتدبير يحبسونه ويرسلونه كيف شاؤا والجنات حفاف النيل من أعلاه إلى أسفله ما بين أسوان ورشيد وكانت مدينة منف وعين شمس يجرى الماء تحت منازلها وأفنيتها بتقدير معلوم ذكر ذلك كله عبد الرحمن بن شماسة وهو من خيار التابعين يرويه عن أشياخ مصر قالوا ومدينة عين شمس كانت هيكل الشمس وكان فيها من الابنية والاعمدة والملاعب ما ليس في بلد قلت وفي مكانها لهذا العهد ضيعة متصلة بالقاهرة يسكنها نصارى من القبط وتسمى المطرية قالوا ومدينة منف مدينة الملوك قبل الفراعنة وبعدهم إلى أن خربها بختنصر كما تقدم في دولة قومس بن نقاس وكان فرعون ينزل مدينة منف وكان لها سبعون بابا وبنى حيطانها بالحديد والصفر وكانت أربعة أنهار تجرى تحت سريره ذكره أبو القاسم بن خرداذيه في كتاب المسالك والممالك له قال وكان طولها اثنى عشر ميلا وكانت جبايا مصر تسعين ألف ألف دينار مكررة مرتين بالدينار الفرعوني وهو ثلاثة مثاقيل وانما سميت مصر بمصر بن بيصر بن حام ويقال انه كان مع نوح في السفينة فدعا له فأسكنه الله هذه الارض الطيبة وجعل البركة في ولده وحدها طولا من برقة إلى أيلة وعرضا من أسوان إلى رشيد وكان أهلها صابئة ثم حملهم الروم لما ملكوها بعد قسطنطين على النصرانية عندما حملوا على الامم المجاورة لهم من الجلالقة والصقالبة وبرجان والروس والقبط والحبشة والنوبة فدانوا كلهم بذلك ورجعوا عن دين الصابئة في تعظيم الهياكل وعبادة الاوثان والله وارث الارض ومن عليها وهو خير الوارثين(2/78)
(الخبر عن بنى اسرائيل وما كان لهم من النبوة والملك وتغلبهم على الارض المقدسة
بالشأم وكيف تجددت دولتهم بعد الانقراض وما اكتنف ذلك من الاحوال) قد ذكرنا عند ذكر ابراهيم وبنيه صلوات الله وسلامه عليهم ما كان من شأن يعقوب بن اسحق واستقراره بمصر مع بنيه الاسباط وفى التوراة ان الله سماه اسرائيل وإيل عندهم كلمة مرادفة لعبد وما قبلها من أسماء الله عزوجل وصفاته والمضاف أبدا متأخر في لسان العجم فلذلك كان إيل هو آخر الكلمة وهو المضاف ثم قبض الله نبيه يعقوب بمصر لمائة وسبع وثمانين سنة من عمره وأوصى أن يدفن عند أبيه فطلب يوسف من فرعون أن يطلقه لذلك فأذن له وأمر أهل دولته بالانطلاق معه فانطلقوا وحملوه إلى فلسطين فدفنوه بمقبرة آبائه وهى التى اشتراها ابراهيم من الكنعانيين ورجع يوسف إلى مصر وأقام بها إلى أن توفي لمائة وعشرين سنة من عمره ودفن بمصر وإوصى أن يحملوا شلوه معهم إذا خرجوا إلى أرض الميعاد وهى الارض المقدسة وأقام الاسباط بمصر وتناسلوا وكثروا حتى ارتاب القبط بكثرتهم واستعبدوهم وفي التوراة ان ملكا من الفراعنة جاء بعد يوسف لم يعرف شأنه ولا مقامه في دولة آبائه فاسترق بنى اسرائيل واستعبدهم ثم تحدث الكهان من أهل دولتهم بأن نبوة تظهر في بنى اسرائيل وأن ملكك كائن لهم مع ما كان معلوما من بشارة آبائهم لهم بالملك فعمد الفراعنة إلى قطع نسلهم بذبح الذكور من ذريتهم فلم يزالوا على ذلك مدة من الزمان حتى ولد موسى وهو موسى بن عمران بن قاهث بن لاوى بن يعقوب وأمه يوحانذ بنت لاوى عمة عمران وكان قاهث بن لاوى من القادمين إلى مصر مع يعقوب عليه السلام وولد عمران بمصر وولد هارون لثلاث وسبعين من عمره وموسى لثمانين فجعلته أمه في تابوت وألقته في ضحضاح اليم وأرصدت أخته على بعد لتنظر من يلتقطه فتعرفه فجاءت ابنة فرعون إلى البحر مع جواريها فرأته واستخرجته من التابوت فرحمته وقالت هذا من العبرانيين فمن لنا بظئر ترضعه فقالت لها أخته أنا آتيكم بها وجاءت بأمه فاسترضعها له ابنة فرعون إلى أن فصل فأتت به إلى ابنة فرعون وسمته
موسى وأسلمته لها ونشأ عندها ثم شب وخرج يوما يمشى في الناس وله صولة بما كان له في بيت فرعون من المربى والرضاع فهم لذلك أخواله فرأى عبرانيا يضربه مصرى فقتل المصرى الذى ضربه ودفنه وخرج يوما آخر فإذا هو برجلين من بنى اسرائيل وقد سطا أحدهما على الآخر فزجره فقال له ومن جعل لك هذا أتريد أن تقتلني كما قتلت الآخر بالامس ونمى الخبر إلى فرعون فطلبه وهرب موسى إلى أرض مدين عند عقبة أيلة وبنو مدين أمة عظيمة من بنى ابراهيم عليه السلام كانوا ساكنين هنا لك(2/81)
وكان ذلك لاربعين سنة من عمره فلقى عند مائهم بنتين لعظيم من عظمائهم فسقى لهما وجاءتا به إلى أبيهما فزوجه باحداهما كما وقع في القرآن الكريم وأكثر المفسرين على أنه شعيب بن نوفل بن عيقا بن مدين وهو النبي صلى الله عليه وسلم (وقال الطبري) الذى استأجر موسى وزوجه بنته رعويل وهو بيتر حبر مدين أي عالمهم وان رعويل هو الذى زوجه البنت وان اسمه يبتر وعن الحسن البصري انه شعيب رئيس بنى مدين وقيل انه ابن أخى شعيب وقيل ابن عمه فأقام عند شعيب صهره مقبلا على عبادة ربه إلى أن جاءه الوحى وهو ابن ثمانين سنة وأوحى إلى أخيه هارون وهو ابن ثلاث وثمانين سنة فأوحى الله اليهما بأن يأتيا فرعون ليبعث معهما بنى اسرائيل فيستنقذانهم من مملكة القبط وجور الفراعنة ويخرجون إلى الارض المقدسة التى وعدهم الله بملكها على لسان ابراهيم واسحاق ويعقوب فخرجا إليه وبلغا بنى اسرائيل الرسالة فآمنوا به واتبعوه ثم حضرا إلى فرعون وبلغاه أمر الله بأن يبعث معهما بنى اسرائيل وأراه موسى عليه السلام معجزة العصا فكان من تكذيبه وامتناعه واحضار السحرة لما رآى من موسى في معجزته ثم اسلامهم ما نصه القرآن العظيم ثم تمادى فرعون في تكذيبه ومناصبته واشتد جوره على بنى اسرائيل واستعبادهم واتخاذهم سخريا في مهنة الاعمال فأصابت فرعون وقومه الجوائح العشرة واحدة بعد أخرى يسالمهم
عند وقوعها ويتضرع إلى موسى في الدعاء بانجلائها إلى أن أوحى الله إلى موسى بخروج بنى اسرائيل من مصر ففي التوراة انهم أمروا عند خروجهم أن يذبح أهل كل بيت حملا من الغنم ان كان كفايتهم أو يشتركون مع جيرانهم ان كان أكثر وان ينضحوا دمه على أبوابهم لتكون علامة وأن يأكلوه سواء برأسه وأطرافه ومعناه لا يكسرون منه عظما ولا يدعون شيئا خارج البيوت وليكن خبزهم فطيرا ذلك اليوم وسبعة أيام بعده وذلك في اليوم الرابع عشر من فصل الربيع وليأكلوا بسرعة وأوساطهم مشدودة وخفافهم في أرجلهم وعصيهم في أيديهم ويخرجوا ليلا وما فضل من عشائهم ذلك يحرقوه بالنار وشرع هذا عيدا لهم ولاعقابهم ويسمى عيد الفصح وفى التوراة أيضا انه قتل في تلك الليلة أبكار النساء من القبط ودوابهم ومواشيهم ليكون لهم بذلك ثقل عن بنى اسرائيل وانهم أمروا أن يستعيروا منهم حليا كثيرا يخرجون به فاستعاروه وخرجوا في تلك الليلة بما معهم من الدواب والانعام وكانوا ستمائة ألف أو يزيدون وشغل القبط عنهم بالمآتم التى كانوا فيها على موتاهم وأخرجوا معهم تابوت يوسف عليه السلام استخرجه موسى صلوات الله عليه من المدفن الذى كان به بالهام من الله تعالى وساروا لوجههم حتى انتهوا إلى ساحل البحر بجانب الطور(2/82)
وأدركهم فرعون وجنوده وأمر موسى بأن يضرب البحر بعصاه ويقتحمه فضربه فانفلق طرقا وسار فيها بنو اسرائيل وفرعون وجنوده في اتباعه فهلكوا ونزل بنو اسرائيل بجانب الطور وسبحوا مع موسى بالتسبيح المنقول عندهم وهو نسبح الرب البهى الذى قهر الجنود ونبذ فرسانها في البحر المنيع المحمود إلى آخره قالوا وكانت مريم أخت موسى وهارون صلوات الله عليهما تأخذ الدف بيدها ونساء بنى اسرائيل في اثرها بالدفوف والطبول وهى ترتل لهن التسبيح سبحان الرب القهار الذى قهر الخيول وركبانها ألقاها في البحر وهو معنى الاول (ثم كانت المناجاة) على جبل الطور
وكلام الله لموسى والمعجزات المتتابعة ونزول الالواح ويزعم بنو اسرائيل انها كانت لوحين فيها الكلمات العشرة وهى كلمة التوحيد والمحافظة على السبت بترك الاعمال فيه وبر الوالدين ليطول العمر والنهى عن القتل والزنا والسرقة وشهادة الزور ولا تمتد عين إلى بيت صاحبه أو امرأته أو لشئ من متاعه هذه الكلمات العشرة التى تضمنتها الالواح وكان سبب نزول الالواح ان بنى اسرائيل لما نجوا ونزلوا حول طور سينا صعد موسى إلى الجبل فكلمه ربه وأمره أن يذكر بنى اسرائيل بالنعمة عليهم في نجاتهم من فرعون وان يتطهروا ويغسلوا ثيابهم ثلاثة أيام ويجتمعوا في اليوم الثالث حول الجبل من بعد ففعلوا وظلت الجبل غمامة عظيمة ذات بروق ورعود ففزعوا وقاموا في سفح الجبل دهشين ثم غشى الجبل دخان في وسطه عمود نور وتزلزل له الجبل زلزلة عظيمة شديدة واشتد صوت الرعد الذى كانوا يسمعونه وأمر موسى صلوات الله عليه بأن يقرب بنى اسرائيل لسماع الوصايا والتكاليف قال فلم يطيقوا فأمر بحضور هارون وتكون العلماء غير بعيد ففعل وجاءهم بالالواح ثم سار بعد ذلك إلى ميعاد الله بعد إربعين ليلة فكلمه.
وسأل الرؤية فمنعها فكان الصعق وساخ الجبل وتلقى كثيرا من أحكام التوراة في المواعظ والتحليل والتحريم وكان حين سار إلى الميعاد استخلف أخاه هارون على بنى اسرائيل واسبتطؤا موسى وكان هارون قد أخبرهم بأن الحلى الذى أخذوه للقبط محرم عليهم فأرادوا حرقه وأوقدوا عليه النار وجاء السامري في شيعة له من بنى اسرائيل وألقى عليه شيئا كان عنده من أثر الرسول فصار عجلا وقيل عجلا حيوانا وعبده بنو اسرائيل وسكت عنهم هارون خوفا من افتراقهم وجاء موسى صلوات الله عليه من المناجاة وقد أخبر بذلك في مناجاته فلما رآهم على ذلك ألقى الالواح ويقال كسرها وأبدل غيرها من الحجارة وعند بنى اسرائيل انهما اثنان وظاهر القرآن أنها أكثر مع أنه لا يبعد استعمال الجمع في الاثنين ثم أخذ برأس أخيه ووبخه واعتذر له بما اعتذر ثم حرق العجل وقيل برده بالمبرد وألقاه في البحر وكان موسى صلوات الله عليه لما نجى ببنى(2/83)
اسرائيل إلى الطور بلغ خبره إلى بيثر صهره من بنى مدين فجاء ومعه بنته صفورا زوجة موسى عليه السلام التى زوجها به أبوها رعويل كما تقدم ومعها ابناها من موسى وهما جرشون وعازر فتلقاها موسى صلوات الله عليه بالبر والكرامة وعظمه بنو اسرائيل ورأى كثرة الخصومات على موسى فأشار عليه بأن يتخذ النقباء على كل مائة أو خمسين أو عشرة فيفصلوا بين الناس وتفصل أنت فيما أهم وأشكل ففعل ذلك ثم أمر الله موسى ببناء قبة للعبادة والوحى من خشب الشمشاد ويقال هو السنط وجلود الانعام وشعر الاغنام وأمر بتزيينها بالحرير والصبغ والذهب والفضة على اركانها صور منها صور الملائكة الكروبيين على كيفيات مفصلة في التوراة في ذلك كله ولها عشر سرادقات مقدرة الطول والعرض وأربعة أبواب واطناب من حرير منقوش مصبغ وفيها دفوف وصفائح من ذهب وفضة وفى كل زاوية بابان وأبواب وستور من حرير وغير ذلك مما هو مشروح في التوراة وبعمل تابوت من خشب الشمشاد طول ذراعين ونصف في عرض ذراعين في ارتفاع ذراع ونصف مصفحا بالذهب الخالص من داخل وخارج وله أربع حلق في أربع زوايا وعلى حافته كروبيان من ذهب يعنون مثالي ملكين بأجنحة ويكونان متقابلين وان يصنع ذلك كله فلان شخص معروف من بنى اسرائيل وأن يعمل مائدة من خشب الشمشاد طول ذراعين في عرض ذراع ونصف بطناب ذهب واكليل ذهب بحافة مرتفعة باكليل ذهب وأربع حلق ذهب في أربع نواحيها مغروزة في مثل الرمانة من خشب ملبس ذهبا وصحافا ومصافي وقصاعا على المائدة كلها من ذهب وان يعمل منارة من ذهب بست قصبات من كل جانب ثلاث وعلى كل قصبة ثلاث سرج وليكن في المنارة أربعة قناديل ولتكن هي وجميع آلاتها من قنطار من ذهب وأن يعمل مذبحا للقربان ووصف ذلك كله في التوراة بأتم وصف ونصبت هذه القبة أول يوم من فصل الربيع ونصب فيها تابوت الشهادة وتضمن هذا الفصل
في التوراة من الاحكام والشرائع في القربان والنحور وأحوال هذه القبة كثيرا وفيها أن قبة القربان كانت موجودة قبل عبادة أهل العجل وأنها كانت كالكعبة يصلون إليها وفيها ويتقربون عندها وأن أحوال القربان كانت كلها راجعة إلى هارون عليه السلام بعهد الله إلى موسى بذلك وأن موسى صلوات الله عليه كان إذا دخلها يقفون حولها وينزل عمود الغمام على بابها فيخرون عند ذلك سجدا لله عزوجل ويكلم الله موسى عليه السلام من ذلك العمود الغمام الذى هو نور ويخاطبه ويناجيه وينهاه وهو واقف عند التابوت صامد لما بين ذينك الكروبيين فإذا فصل الخطاب يخبر بنى اسرائيل بما أوحاه إليه من الاوامر والنواهي وإذا تحاكموا إليه في شئ ليس عنده من(2/84)
الله فيه بشئ يجئ إلى قبة القربان ويقف عند التابوت ويصمد لما بين ذينك الكروبيين فيأتيه الخطاب بما فيه فصل تلك الخصومة (ولما نجا بنو اسرائيل ودخلوا البرية عند سينا أول المصيف لثلاثة أشهر من خروجهم من مصر وواجهوا جبال الشأم وبلاد بيت المقدس التى وعدوا بها إن تكون ملكا لهم على لسان ابراهيم واسحق ويعقوب صلوات الله عليهم بمسيرهم إليها وأتوه باحصاء بنى اسرائيل من يطيق حمل السلاح منهم من ابن عشرين فما فوقها فكانوا ستمائة ألف أو يزيدون وضرب عليهم الغزو ورتب المصاف والميمنة والميسرة وعين مكان كل سبط في التعبية وجعل فيه التابوت والمذبح في القلب وعين لخدمتها بنى لاوى من أسباطهم وأسقط عنهم القتال لخدمة القبة وسار على التعبية سالكا على برية فاران وبعثوا منهم اثنى عشر نقيبا من جميع الاسباط فاتوهم بالخبر عن الجبارين كان منهم كالب بن يوفنا بن حصرون بن بارص بن يهوذا بن يعقوب ويوشع بن نون بن اليشامع بن عميهون بن بارص بن لعدان بن تاحن بن تالح بن اراشف ابن رافح بن بريعا بن أفرايم بن يوسف بن يعقوب فاستطابوا البلاد واستعظموا العدو من الكنعانيين والعمالقة ورجعوا إلى قومهم يخبرونهم الخبر وخذلوهم الا يوشع وكالب
فقالا لهم ما قالا وهما الرجلان اللذان اأعم الله عليهما وخامر بنو اسرائيل عن اللقا وأبوا من السير إلى عدوهم والارض التى ملكهم الله إلى أن يهلك الله عدوهم على غير أيديهم فسخط الله ذلك منهم وعاقبهم بأن لا يدخل الارض المقدسة أحد من ذلك الجيل الا كالبا ويوشع وانما يدخلها أبناؤهم والجيل الذى بعدهم فأقاموا كذلك أربعين سنة في برية سينا وفاران يترددون حوالى جبال الشراة وأرض ساعير وأرض بلاد الكرك والشوبك وموسى صلوات الله عليه بين ظهرانيهم يسأل الله لطفه بهم ومغفرته ويدفع عنهم مها لك سخطه وشكوا الجوع فبعث الله لهم المن حبات بيض منتشرة على الارض مثل ذرير الكزبرة فكانوا يطحنونه ويتخذون منه الخبز لاكلهم ثم قرموا إلى اللحم فبعث لهم السلوى طيرا يخرج من البحر وهو طير السمانى فيأكلون منه ويدخرون ثم طلبوا الماء فأمر أن يضرب بعصاه الحجر فانفجرت منه اثنتا عشرة عينا وأقاموا على ذلك ثم ارتاب واحد منهم اسمه فودح بن ايصهر بن قاهث وهو ابن عم موسى بن عمران بن قاهث فارتاب هو وجماعة منهم من بنى اسرائيل بشأن موسى واعتمدوا مناصبته فاصابتهم قارعة وخسفت بهم وبه الارض وأصبحوا عبرة للمعتبرين واعتزم بنو اسرائيل على الاستقالة مما فعلوه والزحف إلى العدو ونهاهم موسى عن ذلك فلم ينتهوا وصعدوا جبل العمالقة فحاربهم أهل ذلك الجبل فهزموهم وقتلوهم في كل وجه فأمسكوا وأقام موسى على الاستغفار لهم فارسل إلى ملك أروم يطلب الجواز عليه إلى الارض(2/85)
المقدسة فمنعهم وحال دون ذلك ثم قبض هارون صلوات الله عليه لمائة وثلاثة وعشرين سنة من عمره ولاربعين سنة من يوم خروجهم من مصر وحزن له بنو اسرائيل لانه كان شديد الشفقة عليهم وقام بأمره الذى كان يقوم به ابنه العيزار ثم زحف بنو اسرائيل إلى بعض ملوك كنعان فهزموهم وقتلوهم وغنموا ما أصابوا معهم وبعثوا إلى سيحون ملك العموريين من كنعان في الجواز في أرضه إلى الارض المقدسة فمعهم وجمع
قومه وغزا بنى اسرائيل في البرية فحاربوه وهزموه وملكوا بلاده إلى حد بنى عمون ونزلوا مدينته وكانت لبنى مؤاب وتغلب عليها سيحون ثم قاتلوا عوجا وقومه من كنعان وهو المشهور بعوج بن عوق وكان شديد الباس فهزموه وقاتلوه وبنيه وأثخنوا في أرضه وورثوا أرضهم إلى الاردن بناحية أريحاء وخشى ملك بنى مؤاب من بنى اسرائيل واستجاش بمن يجاوره من بنى مدين وجمعهم ثم أرسل إلى بلعام بن باعورا وكان ينزل في التخم بين بلاد بنى عمون وبنى مؤاب وكان مجاب الدعوة معبرا للاحلام واستدعاه ليستعين بدعائه وأتاه الوحى بالنهي عن الدعاء والح عليه ذلك الملك وأصعده إلى الاماكن الشاهقة وأراه معسكر بنى اسرائيل منها فدعا لهم وأنطقه الله بظهورهم وانهم يملكون إلى الموصل ثم تخرج أمة من أرض الروم فيغلبون عليهم فغضب الملك وانصرف بلعام إلى بلاده وفشا في بنى اسرائيل الزنا ببنات مؤاب ومدين فأصابهم الموتان فهلك منهم أربعة وعشرون ألفا ودخل فنحاص بن لعزرا على رجل من بنى اسرائيل في خيمته ومعه امرأة من بنى مدين قد أدخلها للزنا بمرأى من بنى اسرائيل فطعنها برمحه وانتظمها وارتفع الموتان عن بنى اسرائيل ثم أمر الله موسى والعازر بن هارون باحصاء بنى اسرائيل بعد فناء الجيل الذى أحصاهم موسى وهارون ببرية سينا وانقضاء الاربعين سنة التى حرم الله عليهم فيها دخول تلك الارض وان يبعث بعثا من بنى اسرائيل إلى مدين الذين أعانوا بنى مؤاب فبعث اثنى عشر ألفا من بنى اسرائيل وعليهم فنحاص بن العيرز بن العزر بن هارون فحاربوا بنى مدين وقتلوا ملوكهم وسبوا نساءهم وملكوا أموالهم وقسم ذلك في بنى اسرائيل بعد ان أخذ منه لله وكان فيمن قتل بلعام بن باعورا ثم قسم الارض التى ملك من بنى مدين والعموريين وبنى عمون وبنى مؤاب ثم ارتحل بنو اسرائيل ونزلوا شاطئ الاردن وقال الله قد ملكتكم ما بين الاردن والفرات كما وعدت أباءكم ونهوا عن قتال عيصو الساكنين ساعير وبنى عمون وعن أرضهم وأكمل الله الشريعة والاحكام والوصايا لموسى عليه السلام وقبضه إليه
لمائة وعشرين سنة من عمره بعد ان عهد إلى فتاه يوشع أن يدخل ببنى اسرائيل إلى الارض المقدسة ليسكنوها ويعملوا بالشريعة التى فرضت عليهم فيها ودفن بالوادي(2/86)
في أرض مؤاب ولم يعرف قبره لهذا العهد وقال الطبري مدة عمر موسى صلوات الله عليه مائة وعشرون سنة منها في أيام أفريدون عشرون ومنها في أيام منوچهر مائة قال ثم سار يوشع من بعد موسى إلى أريحا فهزم الجبارين ودخلها عليهم وقال السدى ان يوشع تنبا بعد موسى وسار إلى أريحا فهزم الجبارين ودخلها عليهم وان بلعام بن باعورا كان مع الجبارين يدعو على يوشع فلم يستجب له وصرف دعاؤه على الجبارين وكان بلعام من قرى البلقاء وكان عنده الاسم الاعظم فطلبه الكنعانيون في الدعاء على بنى اسرائيل فامتنع وألحوا عليه فأجاب ودعا فصرف دعاؤه وكان قيامه للدعاء على جبل حسان مطلا على عسكر بنى اسرائيل هذا خبر السدى في أن دعاء بلعام كان لعهد يوشع والذى في التوراة انه كان لعهد موسى وان بلعام قتل لعهد موسى كما مر في خبر الطبري وقال السدى ان يوشع بعد وفاة موسى صلوات الله عليه أمر أن يعبر فسار ومعه التابوت تابوت الميثاق حتى عبر الاردن وقاتل الكنعانيين فهزمهم وان الشمس جنحت للغروب يوم قتالهم ودعا الله يوشع فوقفت الشمس حتى تمت عليهم الهزيمة ثم نازل أريحاء ستة أشهر وفى السابع نفخوا في القرون وضج الشعب ضجة واحدة فسقط سور المدينة فاستباحوها وأحرقوها وكمل الفتح واقتسموا بلاد الكنعانيين كما أمرهم الله هذا مساق الخبر عن سيرة موسى صلوات الله عليه وبنى اسرائيل أيام حياته وبعد مماته حتى ملكوا أريحا (وفي كتب الاخباريين) أن العمالقة الذين كانوا بالشأم قاتلهم يوشع فهزمهم وقتل آخر ملوكهم وهو السميدع بن هوبر بن مالك وكان لقاؤهم اياه مع بنى مدين في أرضهم وفي ذلك يقول عوف بن سعد الجرهمى ألم تر أن العلقمي بن هوبر * بأيلة أمسى لحمه قد تمزعا -
ترامت عليه من يهود جحافل * ثمانون ألفا حاسرين ودرعا - ذكره المسعودي وقد تقدم لنا خلاف النسابة في هؤلاء العمالقة وانهم لعمليق بن لاوذ أو لعمالق بن أليفاز بن عيصو الثاني لنسابة بنى اسرائيل سار إليه علماء العرب وأما الامم الذين كانوا بالشأم لذلك العهد فأكثرهم لبنى كنعان وقد تقدمت شعوبهم وبنو أروم أبناء عمون وبنو مؤاب أبناء لوط وثلاثتهم أهل يستعير وجبال الشراة وهى بلاد الكرك والشوبك والبلقا ثم بنو فلسطين من بنى حام ويسمى ملكهم جالوت وهو من الكنعانيين منهم ثم بنو مدين ثم العمالقة ولم يؤذن لبنى اسرائيل في غير بلاد الكنعانيين فهى التى اقتسموها وملكوها وصارت لهم تراثا وأما غيرها فلم يكن لهم فيها الا الطاعة والمغارم الشرعية من صدقة وغيرها (وفي كتب الاخباريين) ان بنى اسرائيل بعد ملكهم الشأم بعثوا بعوثهم إلى الحجاز وهنا لك يومئذ أمة من العمالقة(2/87)
يسمون جاسم وكان اسم ملكهم الارم بن الارقم وكان أوصاهم أن لا يستبقوا منهم من بلغ الحلم فلما ظهروا على العمالقة وقتلوا الارقم استبقوا ابنه وضنوا به عن القتل لوضاءته ولما رجعوا من بعد الفتح وبخهم اخوانهم ومنعوهم دخول الشأم وأرجعوهم إلى الحجاز وما تملكوا من أرض يثرب فنزلوها واستتم لهم فتح في نواحيها ومن بقاياهم يهود خيبر وقريظة والنضير قال ابن اسحق قريظة والنضير والتحام وعمرو هو هزل من الخزرج وقال ابن الصريح من التومان بن السبط بن اليسع بن سعد ابن لاوى ابن ابن النمام بن يتحوم ابن عازر بن عزر بن هارون عليه السلام واليهود لا يعرفون هذه القصة وبعضهم يقول كان ذلك لعهد طالوت والله أعلم [ الخبر عن حكام بنى اسرائيل بعد يوشع إلى أن صار أمرهم إلى الملك وملك عليهم طالوت ] ولما قبض يوشع صلوات الله عليه بعد استكمال الفتح وتمهيد الامر ضيع بنو اسرائيل
الشريعة وما أوصاهم به وحذرهم من خلافه فاستطالت عليهم الامم الذين كانوا بالشأم وطمعوا فيهم من كل ناحية وكان أمرهم شورى فيختارون للحكم في عامتهم من شاؤا ويدفعون للحرب من يقوم بها من أسباطهم ولهم الخيار مع ذلك على من يلى شيئا من أمرهم وتارة يكون نبيا يدبرهم بالوحى وأقاموا على ذلك نحوا من ثلثمائة سنة لم يكن لهم فيها ملك مستفحل والملوك تناوشهم من كل جهة إلى أن طلبوا من نبيهم شمويل أن يبعث عليهم ملكا فكان طالوت ومن بعده داود فاستفحل ملكهم يومئذ وقهروا أعداءهم على ما يأتي ذكره بعد وتسمى هذه المدة بين يوشع وطالوت مدة الحكام ومدة الشيوخ وأنا الآن أذكر من كان فيها من الحكام على التتابع معتمدا على الصحيح منه على ما وقع في كتاب الطبري والمسعودي ومقابلا به ما نقله صاحب حماة من بنى أيوب في تاريخه عن سفر الحكام والملوك من الاسرائيليات وما نقله أيضا هروشيوش مؤرخ الروم في كتابه الذى ترجمه للحكم المستنصر من بنى أمية قاضى النصارى وترجمانهم بقرطبة وقاسم بن أصبغ قالوا كلهم لما فتح يوشع مدينة أريحاء سار إلى نابلس فملكها ودفن هنا لك شلو يوسف عليه السلام وكانوا حملوه معهم عند خروجهم من مصر وقد ذكرنا انه كان أوصى بذلك عند موته وقال الطبري انه بعد فتح أريحاء نهض إلى بلد عاى من ملوك كنعان فقتل الملك وأحرق المدينة وتلقاه خيقون ملك عمان وبارق ملك أورشليم بالجزى واستذموا بأمانه فأمنهم وزحف إلى خيقون ملك الارمانيين من نواحى دمشق فاستنجد بيوشع فهزم يوشع ملك الارمن إلى حوران واستلحمهم وصلب ملوكهم وتتبع سائر الملوك بالشأم فاستباح منهم احدا وثلاثين ملكا وملك(2/88)
قيسارية وقسم الارض التى ملكها بين بنى اسرائيل وأعطى جبل المقدس لكالب بن يوفنا فسكن مدينة أورشليم وأقام مع بنى يهودا ووضع القبة التى فيها تابوت العهد والمذبح والمائدة والمنارة على الصخرة التى في بيت المقدس وأما بنو أفرايم فكانوا
يأخذون الجزية من الكنعانيين ثم قبض يوشع وفي سفر الحكام انه قبض لثمان وعشرين سنة من ملكه وهو ابن مائة وعشرين سنة وقال الطبري ابن مائة وستة وعشرين سنة والاول أصح قال وكان تدبير يوشع لبنى اسرائيل في زمن منوشهر عشرين سنة وفي زمن افراسياب سبع سنين وقال أيضا ان ملك اليمن شمر بن الاملوك من حمير كان لعهد موسى وبنى ظفار وأخرج منها العمالقة ويقال أيضا كان من عمال الفرس على اليمن وزعم هشام بن محمد الكلبى ان الفل من الكنعانيين بعد يوشع احتملهم يقش بن قيس بن صيفي من سواحل الشأم في غزاته إلى المغرب التى قتل فيها جرجيس الملك وانه أنزلهم بافريقية فمنهم البربر وترك معهم صنهاجة وكتامة من قبائل حمير انتهى وقام بأمر بنى اسرائيل بعد يوشع كالب بن يوفنا بن حصرون بن بارص بن يهودا وقد مر نسبه وكان فنحاص بن العيزر بن هارون كوهنا يتولى أمر صلاتهم وقربانهم ثم تنبأ وتنبأ أبوه العيزر وكان كالب مضعفا فأقاما كذلك سبع عشرة سنة وقال الطبري كان مع كالب في تدبيرهم حزقيل بن يودى ويقال له ولد العجوز لانه ولد بعد أن كبرت أمه وعقمت (وحدث عن وهب بن منبه) ان حزقيل هذا دبرهم بعد كالب ولم يقع لهذا ذكر في سفر الحكام ثم بعد يوشع اجتمع بنو يهودا وبنو شمعون لحرب الكنعانيين فغلبوهم وقتلوهم وفتحوا أورشليم وقتلوا ملكها ثم فتحوا غزة وعسقلان وملكوا الجبل كله ولم يقتلوا الغور وأما سبط بنيامين فكان في قسمهم بلد اليونانيين في أرضهم وأخذوا منهم الخراج واختلطوا بهم وعبدوا آلهتهم فسلط الله عليهم ملك الجزيرة واسمه كوشان شقنائم ومعناه أظلم الظالمين ويقال انه ملك الارمن في الجزيرة ودمشق وملك حوران وصيدا وحران ويقال والبحرين ويقال انه من أروم (وقال الطبري) من نسل لوط فاستعبد بنى اسرائيل ثمان سنين بعد وفاة كالب بن يوفنا ثم ولى الحكم فيهم عثينئال ابن أخيه قناز ابن يوفنا فحاربهم كوشان هذا وأزال ملكته عن بنى اسرائيل ثم حاربه فقتله وكان له بعد ذلك حروب سائر أيامه مع بنى مؤاب وبنى عمون أسباط لوط ومع العماليق إلى أن
هلك لاربعين سنة من دولته ثم عبد بنو اسرائيل الاوثان من بعده فسلط الله عليهم ملك بنى مؤاب واسمه عغلون بعين مهملة ومعجمة ساكنة ولام مضمومة تجلب واوا ساكنة ونون بعدها فاستعبدهم ثمانى عشرة سنة ثم قام بتدبيرهم ايهوذ بن كارا من سبط أفرايم وقال ابن حزم من بنيامين وضبطه بهمزة ممالة تجلب ياء ثم هاء مضمومة(2/89)
تجلب واوا ثم ذال معجمة فتنقذهم من يد بنى مواب وقتل ملكهم عغلون بحيلة تمت لهم في ذلك وهو انه جاءه رسولا عن بنى اسرائيل متنكرا بهدايا وتحف منهم حتى إذا خلابه طعنه فانفذه ولحق بمكانه من جبل أفرايم ثم اجتمعوا ونزلوا فقتلوا من الحرس نحوا من عشرة آلاف وغلب ببنى اسرائيل بنى مواب واستلحمهم وهلك لثمانين سنة من دولته وقام بتدبيرهم بعده شمكار بن عناث من سبط كاد وضبطه بفتح الشين المثلثة بعدها ميم ساكنة وكاف تقرب من مخرج الجيم ويجلب فتحها الفا وبعدها راء مهملة ومات لسنة من ولايته وبنو اسرائيل على حيالهم من المخالفة فسلط الله عليهم ملك كنعان واسمه يافين بفاء شفوية تقرب من الباء فسرح إليهم قائده سميرا فملك عليهم أمرهم واستعبدهم عشرين سنة وكانت فيهم كوهنة امرأة متنبئة اسمها دافورا بفاء هوائية تقرب من الباء وهى من سبط نفطالى وقيل من سبط افرايم وقيل كان زوجها بارق ابن أبى نوعم من سبط نفطالى واسمه البيدوق فدعته إلى حرب سميرا فأبى الا أن تكون معه فخرجت ببنى اسرائيل وهزموا الكنعانيين وقتل قائدهم سميرا وقامت بتدبيرهم أربعين سنة يرادفها زوجها بارق بن أبى نوعم قال هروشيوش وعلى عهدها كان أول ملوك الروم اللطينيين بأنطاكية بنقش بن شطونش وهو أبو القياصرة ثم توفيت دافورا وبقى بنو اسرائيل فوضى وعادوا إلى كفرهم فسلط الله عليهم أهل مدين والعمالقة (قال الطبري) وبنو لوط الذين بتخوم الحجاز قهروهم سبع سنين ثم تنبأ فيهم من سبط منشى بن يوسف كدعون بن يواش وضبطه بفتح الكاف القريبة من الجيم وسكون
الدال المهملة بعدها وعين مهملة مضمومة تجلب واوا وبعدها نون فقام بتدبيرهم وقد كان لمدين ملكان أحدهما اسمه رابح والآخر صلمناع فبعث إلى بنى اسرائيل عساكره مع قائدين عوديف وزديف وأهم بنى اسرائيل شأنهم فخرج بهم كدعون فهزموا بنى مدين وغنموا منهم أموالا جمة ومكثوا أيام كدعون هذا على استقامة في دينهم وغلب لاعدائهم أربعين سنة وكان له من الولد سبعون ولدا وعلى عهده بنيت مدينة طرسوس وقال جرجيس بن العميد وملطية أيضا ولما هلك قام بتدبيرهم ولده أبو مليخ وكانت أمه من بنى شخام بن منشى بن يوسف من أهل نابلس فانجدوه بالمال وقتل بنى أبيب كلهم ثم نازعوه بنو سخام أخواله الامر وطالت حروبه معهم وهلك محاصرا لبعض حصونهم بحجر طرحته عليه امرأة من السور فشدخه فقال لصاحب سلاحه أجهز على لئلا يقال قتلته امرأة وذلك لثلاث سنين من ولايته ثم دبر أمرهم بعده طولاع بن فوا بن داود من سبط يساخر وضبطه بطاء قريبة من التاء تجلب ضمتها واوا ثم لام ألف ثم عين وقال الطبري هو ابن خال أبى مليخ وابن عمه (قلت) والظاهر أنه ابن خاله لان سبط هذا غير(2/90)
سبط ذاك وقال ابن العمد هو من سبط يساخر الا أنه كان نازلا في سائر من جبل افراييم فمن هنا والله أعلم وقع اللبس في نسبه ودبرهم ثلاثا وعشرين سنة قال هروشيوش وعلى عهده كان بمدينة طرونية من ملوك الروم اللطينيين برمامش بن بنقش وملك ثلاثين سنة وقد مضى ذكره ولما هلك طولاع قام بتدبيرهم بعده يائير بن كلعاد من سبط منشى بن يوسف وضبطه بياء مثناة تحتية مفتوحة وألف ثم همزة مكسورة بعدها ياء أخرى ثم راء مهملة وقام في تدبيرهم ثنتين وعشرين سنة ونصب أولاده كلهم حكاما في بنى اسرائيل وكانوا نحوا من ثلاثين فلما هلك طغوا وعبدوا الاصنام فسلط الله عليهم بنى فلسطين وبنى عمون فقهروهم ثمانى عشرة سنة وقام بتدبيرهم يفتاح من سبط منشى وضبطه بياء مثناة تحتانية وفاء ساكنة وتاء مثناة من فوق بفتحة تجلب الفا ثم حاء
مهملة فلما قام بأمرهم طلب ضريبة النحل من بنى عمون فامتنعوا من اعطائها وكانوا ملوكا منذ ثلثمائة سنة فقاتلهم وغلبهم عليها وعلى ثنتين وعشرين قرية معها ثم حارب سبط افراييم وكانوا مستبدين وحدهم عن بنى اسرائيل فأرادهم على اتفاق الكلمة والدخول في الجماعة حتى استقاموا على ذلك وأقام في تدبيرهم ست سنين وعلى عهده أصابت بلاد يونان المجاعة العظيمة التى هلك فيها أكثرهم ولما هلك قام بتدبيرهم ابصان من سبط يهودا من بيت لحم وضبطه بهمزة مفتوحة وباء موحدة ساكنة وصاد مهملة بفتحة تجلب ألفا وبعدها نون ويقال انه جد داود عليه السلام بوعز بن سلمون بن نحشون بن عميناذاب بن رم بن حصرون بن بارص بن يهودا وحصرون هذا هو جد كالب بن يوفنا الذى دبرهم بعد يوشع ونحشون كان سيد بنى يهودا لعهد خروجهم من مصر مع موسى عليه السلام وهلك في التيه ودخل ابنه سلمون اريحا مع يوشع ونزل بيت لحم على أربعة اميال من بيت المقدس قال هيروشيوش في أيام ابصان هذا كان انقراض ملك السريانيين وخروج القوط وحروبهم مع النبط وأقام ابصان في تدبير بنى اسرائيل سبع سنين ثم هلك فقام بتدبيرهم ايلون من سبط زبولون وضبطه بهمزة مكسورة تجلب ياء ثم لام مضمومة تجلب واوا ثم نون فدبرهم عشر سنين ثم هلك فدبرهم عبدون بن هلال من سبط أفراييم ثمان سنين وقال ابن العميد اسمه عكرون بن هليان وكان له أربعون ابنا وثلاثون حافدا قال هروشيوش وفي أيامه خربت مدينة طرونة قاعدة الروم اللطينيين خربها الروم الغريقيون في فتنة بينهم ولما هلك عبدون دفن بأرض افراييم في جبال العمالقة واختلف بنو اسرائيل بعده وعبدوا الاصنام وسلط الله عليهم بنى فلسطين فقهروهم أربعين سنة ثم تخلصهم من أيديهم شمسون بن ما نوح من سبط دان ويعرف بشمسون القوى لفضل قوة كانت في يده ويعرف أيضا بالجبار(2/91)
وكان عظيم سبطه ودبر بنى اسرائيل عشر سنين بل عشرين سنة وكثرت حروبه مع بنى
فلسطين وأثخن فيهم وأتيح لهم عليه في بعض الايام فأسروه ثم حملوه وحبسوه واستدعاه ملكهم بعض الايام إلى بيت آلهتهم ليكلمه فامسك عمود البيت وهزه بيده فسقط البيت على ما فيه وماتوا جميعا ولما هلك اضطربت بنو اسرائيل وافترقت كلمتهم وانفرد كل سبط بحاكم يولونه منهم والكهنوتية فيهم جميعا في عقب العيزار بن هرون من لدن وفاة هرون عليه السلام بتولية موسى صلوات الله عليه بالوحى ومعنى الكهنونية اقامة القرابين من الذبح والبخور على شروطها وأحكامها الشرعية عندهم وقال ابن العميد انه ولى تدبيرهم بعد شمسون حاكم آخر اسمه ميخايل بن راعيل دبرهم ثمان سنين ولم تكن طاعته فيهم مستحكمة وان الفتنة وقعت بين بنى اسرائيل ففنى فيها سبط بنيامين عن آخرهم ثم سكنت الفتنة وكان الكوهن فيهم لذلك العهد عالى بيطات بن حاصاب بن اليان بن فنحاص بن العيزار بن هرون وقيل من ولد ايثامار بن هرون وضبطه بعين مهملة مفتوحة تجلب ألفا ثم لام مكسورة تجلب ياء تحتانية فلما سكنت الفتنة كانوا يرجعون إليه في أحكامهم وحروبهم وكان له ابنان عاصيان فدفعهما إلى ذلك وكثر لعهده قتال بنى فلسطين وفشا المنكر من ولديه وأمر بدفعهم عن ذلك فلم يزدادوا الا عتوا وطغيانا وأنذر الانبياء بذهاب الامر عنه وعن ولده ثم هزمهم بنو فلسطين في بعض أيامهم وأصابوا منهم فتذامر بنو اسرائيل واحتشدوا وحملوا معهم تابوت العهد ولقيهم بنو فلسطين فانهزم بنو اسرائيل أمامهم وقتلوا ابنا عالى كوهن كما أنذر به أبو هما وشمويل وبلغ أبا هما الكوهن خبر مقتلهما فمات أسفا لاربعين سنة من دولته وغنم بنو فلسطين التابوت فيما غنموه واحتملوه إلى بلادهم بعسقلان وغزة وضربوا الجزية على بنى اسرائيل ولما مضى القوم بالتابوت فيما حكى الطبري وضعوه عند آلهتهم فقلاها مرارا فأخرجوه إلى ناحية من القرية فأصيبوا فتبادروا باخراجه وحملوه على بقرتين لهما تبيعان ووضعتاه عند أرض بنى اسرائيل ورجعتا إلى ولديهما وأقبل إليه بنو اسرائيل فكان لا يدنوا منه أحد الا مات حتى أذن شمويل لرجلين منهم
حملاه إلى بيت أمهما وهى أرملة فكان هنا لك حتى ملك طالوت اه وكان ردهم التابوت لسبعة أشهر من يوم حملوه وكان عالى الكوهن قد كفل ابن عمه شمويل بن الكنا بن يوام بن الياهد بن ياو بن سوف وسوف هو أخو حاصاب بن البلى بن يحاص وقيل ان شمويل من عقب فورح وهو قارون بن يصهار بن قاهاث بن لاوى ونسبه إليه شمويل بن القنا ابن يروحام بن اليهوذ بن يوحا بن صوب بن القانا بن يويل بن عزير ابن صنعينا بن تاحت بن أسر بن القانا بن النشاسات بن قارون وكنت أمه نذرت أن(2/92)
تجعله خادما في المسجد والقته هنا لك فكفله عالى وأوصى له بالكهونية ثم أكرمه الله بالنبوة وولاه بنو اسرائيل أحكامهم فدبرهم عشر سنين وقال جرجيس بن العميد عشرين سنة ونهاهم عن عبادة الاوثان فانتهوا وحاربوا أهل فلسطين واستردوا ما كانوا أخذوا لهم من القرى والبلاد واستقام أمرهم ثم دفع الامر إلى ابنيه يؤال وأبيا وكانت سيرتهما سيئة فاجتمع بنو اسرائيل إلى شمويل وطلبوه أن يسأل الله في ولاية ملك عليهم فجاء الوحى بولاية طالوت فولاه وصار أمر بنى اسرائيل ملكا بعد أن كان مشيخة والله معقب الامر بحكمته لا رب غيره(2/93)
[ الخبر عن ملوك بنى اسرائيل بعد الحكام ثم افتراق أمرهم والخبر عن دولة بنى سليمان بن داود على السبطين يهوذا وبنيامين بالقدس إلى انقراضها ] لما نقم بنو اسرائيل على يوال وأبيا ابني شمويل ما نقموا من أمورهم واجتمعوا إلى شمويل وسألوه من الله أن يبعث لهم ملكا يقاتلون معه أعداءهم ويجمع نشرهم ويدفع الذل عنهم فجاء الوحى بأن يولى الله طالوت ويدهنه بدهن القدس فأبوا بعد أن أمر شمويل بأن يستهموا عليه فاستهموا على بنى آبائهم فخرج السهم على طالوت وكان أعظمهم جسما فولوه واسمه عند بنى اسرائيل شاول بن قيس بن افيل بالفاء الهوائية
القريبة من الباء ابن صارو ابن نحورت بن افياح فقام بملكهم واستور رافنين ابن عمه نير بن أفيل وكان لطالوت من الولد يهوناتان وملكيشوع وتشبهات وأنبياداف وقام طالوت بملك بنى اسرائيل وحارب أعداءهم من بنى فلسطين وعمون ومواب والعمالقة ومدين فغلب جميعهم ونصر بنو اسرائيل نصر الاكفاء له وأول من زحف إليهم ملك بنى عمون ونازل قرية بلقاء فهجم عليهم طالوت وهو في ثلثمائة ألف من بنى اسرائيل فهزمهم واستلحمهم ثم أغزى ابنه في عساكر بن اسرائيل إلى فلسطين فنال منهم واجتمعوا لحرب بنى اسرائيل فزحف إليهم طالوت وشمويل فانهزموا واستلحمهم بنو اسرائيل وأمر شمويل أن يسير إلى العمالقة وأن يقتلهم ودوابهم ففعل واستبقى ملكهم اعاع مع بعض الانام فجاء الوحى إلى شمويل بأن الله قد سخطه وسلبه الملك فخبره بذلك وهجره شمويل فلم يره بعد وأمر شمويل أن يقدس داود وبعث له بعلامته فسار إلى بنى يهوذا في بيت لحم وجاء به أبوه ايشا فمسحه شمويل وسلب طالوت روح الجسد وحزن لذلك ثم قبض شمويل وزحف جالوت وبنو فلسطين إلى بنى اسرائيل فبرز إليهم طالوت في العساكر وفيهم داود بن ايشا من سبط يهوذا وكان صغيرا يرعى الغنم لابيه وكان يقذف بالحجارة في مخلاته فلا تكاد تخطئ قال الطبري وكان شمويل قد أخبر طالوت بقتل جالوت وأعطاه علامة قاتله فاعترض بنى اسرائيل حتى رأى العلامة فيه فسلحه وأقام في المصاف وقد احتمل الحجارة في مخلاته فلما عاين جالوت قذفه بحجارة فصكه في رأسه ومات وانهزم بنو فلسطين وحصل النصر فاستخلص طالوت حينئذ داود وزوجة ابنته وجعله صاحب سلاحه ثم ولاه على الحروب فاستكفي به وكان عمره حينئذ فيما قال الطبري ثلاثين سنة وأحبه بنو اسرائيل واشتملوا عليه وابتلى طالوت وبنوه بالغيرة منه وهم بقتله ونفذ لذلك مرارا ثم حمل ابنه يهونتان على قتله فلم يفعل لخلة ومصافاة كانت بينهما ودس إلى داود بدخيلة أبيه فيه فلحق بفلسطين وأقام فيهم أياما ثم إلى بنى مواب كذلك ثم رجع إلى سبطه يهوذا بنواحي بيت المقدس فأقام فيهم يقاتل(2/95)
معهم بنى فلسطين في سائر حروبهم حتى إذا شعر به طالوت طلب بنى يهوذا باسلامه إليه فأبوا فزحف إليهم فأخرجوه عنهم ولحق ببنى فلسطين وقاتلهم طالوت في بعض الايام فهزموه واتبعوه وأولاده يقاتلون دونه حتى قتل يهونتان ومشوى وملكيشوع وبنو فلسطين في اتباعه حتى إذا أيقن بالهلكة قتل نفسه بنفسه وذلك فيما قال الطبري لاربعين سنة من ملكه ثم جاء داود إلى بنى يهوذا فملكوه عليهم وهو داود بن ايشا بن عوفذ بالفاء الهوائية ابن بوغر واسمه افصان بالفاء الهوائية والصاد المشمة وقد قدمنا ذكره في حكام بنى اسرائيل ابن سلمون الذى نزل بيت لحم لاول الفتح ابن نحشون سيد بنى يهوذا عند الخروج من مصر ابن عمينا ذاب بن أرم بن حصرون بن بارص بن يهوذا هكذا نسبه في كتاب اليهود والنصارى وأنكره ابن حزم قال لان نحشون مات بالتيه وانما دخل القدس ابنه سلمون وبين خروج بنى اسرائيل من مصر وملك داود ستمائة سنة باتفاق منهم والذى بين داود ونحشون أربعة آباء فإذا قسمت الستمائة عليهم يكون كل واحد منهم انما ولد له بعد المائة والثلاثين سنة وهو بعيد (ولما ملك داود) على بنى يهوذا نزل مدينتهم حفرون بالفاء الهوائية وهى قرية الخليل عليه السلام لهذا العهد واجتمع الاسباط كلهم إلى يشوشات بن طالوت فملكه في أورشليم وقام بأمره وزير أبيه أفيند وقد مر نسبه (وفي كتاب أسفار الملوك من الاسرائيليات) أن رجلا جاء لداود بعد وفاة طالوت فأخبره بمهلكه ومهلك أولاده في هزيمتهم امام بنى فلسطين وأمر هذا الرجل أن يقتله لما أدركوه فقتله وجاء بتاجه ودملجه إلى داود وانتسب إلى العمالقة فقتله داود بقتله وبكى على طالوت وذهب إلى سبط يهوذا بأرض حفرون بالفاء القريبة من الباء وهى قرية الخليل لهذا العهد وأقام شيوشيات بن طالوت في اوروشليم والاسباط كلهم مجتمعون عليه وأقامت الحرب بينهم وبين داود أكثر من سنتين ثم وقع الصلح بينهم والمهادنة وأذعن الاسباط إلى داود وتركوه ثم اغتاله بعض قواده وجاء
برأسه إلى داود فقتله به وأظهر عليه الحزن والاسف وكفل أخواته وبنيه أحسن كفالة واستبد داود بملك بنى اسرائيل لثلاثين سنة من عمره وقاتل بنى كنعان فغلبهم ثم طالت حروبه مع بنى فلسطين واستولى على كثير من بلادهم ورتب عليهم الخراج ثم حارب أهل مؤاب وعمون وأهل اروم وظفر بهم وضرب عليهم الجزية ثم خرب بلادهم بعد ذلك وضرب الجزية على الارمن بدمشق وحلب وبعث العمال لقبضها وصانعه ملك انطاكية بالهدايا والتحف واختط مدينة صهيون وسكنها واعتزم على بناء مسجد في مكان القبة التى كانوا يضعون بها تابوت العهد ويصلون إليها فأوحى الله إلى دانيال نبى على عهده ان داود لا يبنى وانما يبنيه ابنه ويدوم ملكه فسر داود بذلك(2/96)
ثم انتقض عليه ابنه ايشلوم وقتل أخاه أمون غيرة منه على شقيقه بامان وهرب ثم استماله داود ورده وأهدر دم أخيه وصير له الحكم بين الناس ثم رجع ثاينا لاربع سنين بعدها وخرج معه سائر الاسباط ولحق داود بأطراف الشأم وقيل لحق بخيبر وما إليها من بلاد الحجاز ثم تراجع للحرب فهزمه داود وأدركه مؤاب وزير داود وقد تعلق بشجرة فقتله وقتل في الهزيمة عشرون ألفا من بنى اسرائيل وسيق رأس فشلوط لولى أبيه داود فبكى عليه وحزن طويلا واستألف الاسباط ورضى عنهم ورضوا عنه ثم أحصى بنى اسرائيل فكانوا ألف ألف ومائة ألف وسبط يهوذا أزيد من أربعمائة ألف وعوتب في الوحى لانه أحصاهم بغير اذن وأخبره بذلك بعض الانبياء لعهده وأقام داود صلوات الله عليه في ملكه والوحى يتتابع عليه وسور الزبور تنزل وكان يسبح بالاوتار والمزامير وأكثر المزامير المنسوبة إليه في ذكر التسبيح وشأنه وفرض على الكهنونية من سبط لاوى التسبيح بالمزامير قدام تابوت العهد اثنى عشر كوهثا لكل ساعة ثم عهد عند تمام أربعين سنة من دولته لابنه سليمان صلوات الله عليهما ومسحه مابان النبي وصادوق الخبر مسحة التقديس وأوصى ببناء بيت المقدس ثم قبض صلوات الله عليه ودفن في بيت لحم وكان
لعهده من الانبياء نامان وكاد واصاف وكان الكهنون الاعظم افيثار بن احيلج من عقب عالى الكوهن الذى ذكرناه في الحكام وكان من بعده صادوق ثم قام بالملك من بعده في بنى اسرائيل ابنه سليمان صلوات الله عليه وهو ابن ثنتين وعشرين سنة فاستفحل ملكه وغالب الامم وضرب الجزية على جميع ملوك الشأم مثل فلسطين وعمون وكنعان ومؤاب وأروم والازمن وأصهر إليه الملوك من كل ناحية ببناتهم وكان ممن تزوج بنت فرعون مصر وكان وزيره يؤاب بن نيثرا وهو ابن أخت داود اسمها صوريا وكان وزيرا لداود فلما ولى سليمان استوزه فقام بدولته ثم قتله بعد ذلك واستوزر يشوع بن شيداح ولاربع سنين من ملكه شرع في بيت المقدس بعهد أبيه إليه بذلك فلم يزل إلى آخر دولته بعد ان هدم مدينة انطاكية وبنى مدينة تدمر في البرية وبعث إلى ملك صور ليعينه في قطع الخشب من لبنان وأجرى على الفعلة فيه في كل عام عشرين ألف كز من الطعام ومثلها من الزيت ومثلها من الخمر وكان الفعلة في لبنان سبعين ألفا ولنحت الحجارة ثمانين ألفا وخدمة المناولة سبعون ألفا وكان الوكلا والعرفا على ذلك العمل ثلاثة آلاف وثلثمائة رجل ثم بنى الهيكل وجعل ارتفاعه مائة ذراع في طول ستين وعرض عشرين وجعل بدائره كله أروقة وفوقها مناظر وجعل بدائر البيت ابريدا من خارج ونمقه وجعل الظهر مقورا ليودع فيه تابوت العهد وصفح البيت من داخله وسقفه بالذهب وصنع في البيت كروبيين(2/97)
من الخشب مصفحين بالذهب وهما تمثالان للملائكة الكروبيين وجعل للبيت أبوابا من خشب الصنوبر ونقش عليها تماثيل من الكروبيين والنرجس والنخل والسوسن وغشاها كلها بالذهب وأتم بناء الهيكل في سبع سنين وجعل لها بابا من ذهب ثم بنى بيتا لسلاحه أقامه على أربعة صفوف من العمد من خشب الصنوبر في كل صف خمسة عشر عمودا ووضع فيه مائتي ترس من الذهب في كل ترس ستمائة من حجر الجوهر
والزمرد وثلثمائة درقة من الذهب في كل درقة ثلثمائة من حجر الياقوت وسمى هذا البيت غيضة لبنان وصنع منبرا لجلوسه تحت رواق وكراسى كثيرة كلها من العاج ملبسة من الذهب ثم بنى من فوق هذا البناء بيتا لابنة فرعون التى تزوج بها وصنع بها أوعية النحاس لسائر ما يحتاج إليه بالبيت واسترضى الصناع لذلك من مدينة صور وعمل مذبح القربان بالبيت من الذهب ومائدة الخبز الوجوه من الذهب وخمس منابر عن يمين الهيكل وخمسا عن يساره بجميع آلاتها من الذهب ومجامر من الذهب وأحضر موروث أبيه من الذهب والفضة والاوعية الحسنة فأدخلها إلى البيت وبعث إلى تابوت العهد من صهيون قرية داود إلى البيت الذى بناه له فحمله رؤساء الاسباط والكهونية على كواهلهم حتى وضعوه تحت أجنحة التمثالين للكروبيين بالمسجد وكان في التابوت اللوحان من الحجارة اللذين صنعهما موسى عليه السلام بدل الالواح المنكسرة وحملوا مع تابوت العهد قبة القربان وأوعيتها إلى المسجد واقام سليمان امام المذبح يدعو في يوم مشهود اتخذ فيه وليمة لذلك ذبح فيها ثنتين وعشرين ألفا من البقر ثم كان يقرب ثلاث مرات من السنة قرابين وذبائح كاملة ويبخر البخور وجميع الاوعية لذلك كلها ذهب وكانت جبايته في كل سنة ستمائة قنطار وستة وستون قنطارا من الذهب غير الهدايا والقربان إلى بيت المقدس وكانت له سفن بحر الهند تجلب الذهب والفضة والبضائع والفيلة والقرود والطواويس وكانت له خيل كثيرة مرتبة تجلب من مصر وغيرها تبلغ الفا وستمائة فرس معدة كلها للحرب وكانت له ألف امرأة لفراشه ما بين حرية وسرية منها ثلثمائة سرية وفي الاخبار للمؤرخين انه تجهز للحج فوا في الحرم واقام به ما شاء الله وكان يقرب كل يوم خمسة آلاف بدنة وخمسة آلاف بقرة وعشرين الف شاة ثم سما إلى ملك اليمن وسار إليه فوافى صنعاء من يومه وطلب الهدهد لالتماس الوضوء وكانت قناقه أي ملتمس الوضوء له في الارض فافتقده ورجع إليه بخبر بلقيس كما قصه القرآن ودافعته
بالهدية فلم يقبلها فلاذت بطاعته ودخلت في دينه وطاعته وملكته أمرها ووافته بملك اليمن وأمرها بأن تتزوج فنكرت ذلك لمكان الملك فقال لا بد في الدين من ذلك(2/98)
فقالت زوجنى ذا تبع ملك همدان فزوجها اياه وملكه على اليمن واستعملها فيه ورجع إلى الشأم وقيل تزوجها وأمر الجن فبنوا لها سليمين وغمدان وكان يزورها في الشهر مرة يقيم عندها ثلاثا وعلماء بنى اسرائيل ينكرون وصوله إلى الحجاز واليمن وانما ملك اليمن عندهم بمراسلة ملكة سبأ وانها وفدت عليه في يروشالم وأهدت إليه مائة وعشرين قنطارا من الذهب ولؤلؤا وجوهرا واصنافا من الطيب والمسك والعنبر فأجازها وأحسن إليها وانصرفت هكذا في كتاب الانساب من كتبهم ثم انتقض على سليمان آخر أيامه هدرور ملك الارمن بدمشق وهداد ملك أروم وكان قد ولى على ضواحي بيت المقدس وجميع أعماله يربعان بن نباط من سبط افرايم واستكفى به في ذلك وكان جبارا فعوتب بالوحى على لسان أخيا النبي في توليته فأراد قتله وشعر بذلك يربعان فهرب إلى مصر فأنكحه فرعون ابنته وولدت له ابنه ناباط وأقام بمصر وقبض سليمان صلوات الله عليه لاربعين سنة من ملكه وقيل لثنتين وخمسين ودفن عند أبيه داود صلوات الله عليهما وافترق ملك بنى اسرائيل من بعده كما نذكره ان شاء الله تعالى(2/99)
[ الخبر عن افتراق بنى اسرائيل منهم ببيت المقدس على سبط يهوذا وبنيامين إلى انقراضه ] لما قبض سليمان صلوات الله عليه وسلامه ولى ابنه رحبعم وضبطه براء مهملة وحاء مهملة مضمومتين وباء موحدة ساكنة وعين مهملة مضمومة وميم فقام بأمره وزاد في عمارة بيت لحم وغزة وصور وايله واشتد على بنى اسرائيل وطلبوا منه تخفيف الضرائب فامتنع
وطالبهم بالوظائف وأخذ فيهم برأى الغواة من بطانته فنقموا عليه ذلك وانتقضوا وجاءهم يربعم بن نباط من مصر فبايعوه وولوه عليهم واجتمع عليه سائر الاسباط العشرة من بنى اسرائيل ما عدا سبط يهوذا وبنيامين وتزاحفوا للحرب ثم دعاهم بعض أنبيائهم للصلح فتواضعوا واصطلحوا وفي السنة الخامسة من ملك رحبعم زحف شيشاق ملك مصر إلى بيت المقدس فهرب رحبعم واستباحها شيشاق ورجع وضرب عليهم الجزية ثم دفعوه ومنعوه فأقام بنو داود في سلطانهم على بنى يهوذا وبنيامين ببيت المقدس وعسقلان وغزة ودمشق وحلب وحمص وحماة وما إلى ذلك من أرض الحجاز وملك الاسباط العشرة بنواحي نابلس وفلسطين ثم نزلوا مدينة شومرون وهى شمرة وسامرة في الناحية الشرقية الشمالية من الشأم مما يلى الفرات والجزيرة واتخذوها كرسيا لملكهم ذلك وأقاموا على هذا الافتراق إلى حين انقراض أمرهم ووقعوا في الجلاء الذى كتب الله عليهم كما نذكره ثم هلك رحبعم لسبع عشرة سنة من دولته وولى بعده على سبط يهوذا وبنيامين بأرض القدس ابنه أفيا وضبطه بهمزة مفتوحة ومتوسطة بين الفاء والذال من لغتهم وياء مثناة من تحت مشددة وألف وكان على مثل سيرة أبيه وكان عابدا صواما وكانت أيامه كلها حربا مع يربعم ابن نباط وبنى اسرائيل وهلك لثلاث سنين وولى بعده ابنه أسا بضم الهمزة وفتح السين المهملة وألف بعدها ابن افيا وطال أمد ملكه وكان رجلا صالحا وكان على مثل سيرة جده داود صلوات الله عليه وتعددت الانبياء في بنى اسرائيل على عهده ومات يربعم ابن نباط لسنتين من ملكه وملك بعده ابنه ناداب وقتله يعشا بن أحيا كما نذكر في أخبارهم ثم وقعت بينه وبين اسا حروب واستمد اسا بملك دمشق فزحف معه وكان يعشا ملك السامرة في ناحية يثرب لبنائها فهرب وترك آلات البناء فنقلها أسا ملك القدس وبنى بها الحصون ثم خرج عليهم زادح ملك الكوش في ألف ألف مقاتل ولقيهم أسا فهزمهم وأثخن فيهم ولم تزل الحرب قائمة بين أسا وبين الاسباط بالسامرة
سائر أيامه وعلى عهده اختطت السامرة كما نذكر بعد ثم هلك أسا بن افيا لاحدى وأربعين سنة من ملكه وولى بعده ابنه يهوشاظ بياء مفتوحة مثناة تحتانية وهاء(2/101)
مضمومة وواو ساكنة وشين معجمة بعدها ألف ثم ظاء بين الذال والظاء المعجمتين فكان على مثل سيرة أبيه وكانت أيامه مع أهل السامرة وملوكهم سلما واجتمع ملوك العمالقة ويقال اروم وخرج لحربهم فهزمهم وغنم أموالهم وكان لعهده من الانبياء الياس بن شوياق واليسع بن شوبوات وقال ابن العميد ايليا ومنحيا وعبوديا وكانت له سفن في البحر يجلب له فيها بضائع الهند فأصابها قاصف الريح فتكسرت وغرقت ثم هلك لخمسة وعشرين سنة من ملكه وولى ابنه يهورام بفتح المثناة التحتية ثم هاء مضمومة تجلب واوا ثم راء مفتوحة تجلب ألفا وبعدها ميم وانتقض عليه أروم وولوا عليهم ملكا منهم فزحف إليهم ووقع بهم في سفيرا أوسط بلادهم وأثخن فيها بالسبي والقتل ثم رجع عنهم وأقاموا في عصيانهم وعلى عهده زحف ملك الموصل إلى الاسباط بالسامرة فكانت بينه وبينهم حروب كما نذكر وقال ابن العميد كانت على بنى مؤاب جزية مضروبة لبنى يهوذا مائتان من الغنم كل سنة فمنعوها واجتمع ملوك القدس والسامرة لحربهم وحاصروهم سبعة أيام وفقدوا الماء فاستسقى لهم اليسع وجرى الوادي فخرج أهل مؤاب فظنوه ماء فقتلهم بنو اسرائيل وأثخنوا فيهم وفي أيام يهورام رفع ايليا النبي وانتقل سره إلى اليسع وكان على عهده من الانبياء أيضا عبوديا ثم هلك يورام لثمان سنين من ملكه ودفن عند جده داود وولى بعده ابنه أحزيا هو بهمزة مفتوحة وحاء مهملة مضمومة وزاى معجمة ساكنة ثم ياء مثناة تحتية بفتحة تجلب ألفا ثم هاء مضمومة تجلب واوا وأمه غثليا بنت عمرى أخت أجاب وسار سيرة خاله وملك سنة واحدة وقيل سنتين وخرج لقتال ملك الجزيرة والموصل واستنفر معه صاحب السامرة يورام ابن خاله أجاب فاقتتلوا معه ثم انصرفوا
وابن خاله جريح وجاءه أحزيا هو في بعض الايام يعوده وكان ابن يهوشافاض ابن منشى من سبط منشا بن يوسف يترصد قتل يورام بن أجاب ملك السامرة فأصاب فرصة في ذلك الوقت فقتلهما جميعا وقال ابن العميد ان يورام بن أجاب ملك السامرة خرج لحرب أروم في رواية كلعاد وخرج معه احزيا هو فقتلا في تلك الحرب قال وقيل ان باهوعشا رمى بسهم فأصاب يورام بن أجاب وكان لعصره من الانبياء اليسع وعامور وفنحاء ثم ملك بعد احزيا أمه عثليا بنت عمرى كذا وقع اسمها في كتاب الطبري وفي كتاب الاسرائيليات اسمها اضالية ويقال كانت من جواري سليمان ثم استفحل ملكها بالقدس وقتلت بنى داود كلهم وأغفلت ابنا رضيعا من ولد أبيها احزياهو اسمه يؤاش بضم الياء المثناة التحتية ثم همزة مفتوحة تجلب الفا ثم شين معجمة أخفته عمته يهوشيع بنت يهورام في بعض زوايا القدس وعلم بمكانه زوجها يهوديا دع وهو يومئذ الكوهن(2/102)
الاعظم حتى إذا كملت له سبع سنين ونقم بنو يهوذا سيرة عثليا اجتمعوا إلى يهوديا دع الكوهن فاخرج يؤاش بن احزياهو من مكانه واستحلفهم فبايعوا له وقتلوا جدته عثليا ومن معها لسبع سنين من ملكها وقام يؤاش بملكه في تدبير يهوديا دع الكوهن ثم أراد عبادة الاصنام فمنعه زكريا النبي فقتله وكان لعهده من الانبياء اليسع رعوفريا وزكريا ابن يهوديا دع وهلك يهوديا دع لثلاث وعشرين سنة من ملك يؤاش بعد ان جدد يواش بيت المقدس ولثمان وثلاثين من ملكه قبض اليسع النبي صلوات الله عليه وعلى عهده زحف شريال ملك الكسدانيين ببابل إلى بيت المقدس ويقال ملك نينوى والموصل وقال ابن العميد ملك الشأم فأعطاهم جمع ما في خزائن الملك وبيت المقدس من الاموال ودخل في طاعتهم إلى ان قتله وزراؤه وأهل دولته لاربعين سنة من ملكه وولوا مكانه ابنه أمصياهو بفتح الهمزة والميم وسكون الصاد المشمة بالزاى بعدها ياء مثناة تحتانية بفتحة تجلب ألفا ثم هاء مضمومة تجلب
واوا واستبدوا عليه ثم ثار عليهم بأمه وقتلهم أجمعين وسار إلى أروم فظفر بهم وقتل منهم نحوا من عشرين ألفا ثم زحف إليه ملك الاسباط بالسامرة ولقيه فهزمه وحصل في أسره وسار إلى بيت المقدس فحاصرها وهدم من سورها نحوا من أربعمائة ذراع واقتحمها فغنم ما في خزائن بيت السلطان وبيت الهيكل من الاموال والاوانى والذخائر ورجع إلى السامرة فاطلق أمصياهو ملك القدس فرجع إلى قومه ورم ما تثلم من سورها ولم يزل مملكا حتى نقموا عليه أفعاله فقتلوه لسبع وعشرين سنة من ملكه وكان لعهده من الانبياء يونان وناحوم وتنبأ لعصره عاموص ولما قتلوا أمصياهو ولوا ابنه عزياهو وبعين مهملة مضمومة وزاى معجمة مكسورة مشددة وياء مثناة تحتانية تجلب ألفا وهاء تجلب واوا وطالت مدته ثلاثا وخمسين سنة واختلفت فيها أحواله قال ابن العميد ولخمس من ملكه كان ابتداء وضع سنى الكبس التى هي سنة بعد أربع تزيد يوما على الماضية بحساب ربع يوم في كل سنة الذى اقتضاه حساب مسير الشمس عندهم قال ولست من ملكه انقرض ملك الارمانيين من الموصل وصارت إلى بابل ولثنتين وعشرين من ملكه غزا ملك بابل واسمه فول مدينة السامرة فاقتحمها وأعطاه ملكها بدرة من المال فرجع عنه قال ولعهده ملك على بابل رينوس ويلقب قسب الملك ولعهده ملك على اليونانيين ملكهم الاول من مدينة انقياس لثلاث وعشرين سنة من تملك عزياهو قال ولاحدى وخمسين من ملكه ملك ببابل بختنصر الاول قال ولعهده أيضا كان الملك الاول من الروم المقدويس ويسمى فروس ولعهده كان من الانبياء يهوشع وعوزيا وأموص وأشعيا ويونس بن متى قال ابن العميد(2/103)
وانتهت عساكر عزياهو إلى ثلثمائة ألف وأصابه البرص بدعاء الكوهن لما أراد أن يخالف التوراة في استعمال البخور وهو محرم على سبط لاوى فبرص ولزم بيته سنة وصار ابنه يؤام ينظر في امر الملك إلى أن تغلب على أبيه قال هيروشيوش وعلى عهده
أيضا قتل شرديال آخر ملوك بابل من الكسدانيين على يد قائده ارباط بن المادس واستبد بملك بابل وأصاره إلى قومه بعد حروب طويلة ثم زحف إلى القوط والعرب من قضاعة فحاربهم طويلا وانصرف عنه ثم هلك عزياهو لثلاث وخمسين سنة من ملكه وملك بعده ابنه يؤاب وكان صالحا تقيا وكان لعهده من الانبياء هو شيع واشعيا ويويل وعوفد وفي أيامه ابتدأ غلب ملك الجزيرة على اليهود وكانوا يعرفون بالسوريانيين ثم هلك يواب لست عشرة من ملكه وملك ابنه أحاز بهمزة مفتوحة ممالة وحاء مهملة تجلب ألفا وزاى معجمة فخالف سنة آبائه وعبد بنو اسرائيل الاوثان في أيامه وحارب الارمن واستجاش عليهم بملك الموصل فزحف معه وحاصر دمشق وملكها منهم واستباحها ورجع إلى بلاده ثم خرج أحاز لحربهم فهزموه وقتلوا من اليهود مائة وعشرين ألفا ونحوها ورجعوا أحاز إلى دمشق أسيرا قال هروشيوش وعلى عهد أحاز كان انقراض ملك الماريس على يد كيرش ملك الفرس ورجعت أعمالهم إليه ويقال ان آخر ملوكهم هو اشتانيش وكان جد كيرش لامه وكفله صغيرا فلما شب وملك حارب جده فقتله وانتزع ملكه وقال ابن العميد عن المسبحى ولذلك العهد ملك على الروم الفرنجة غير اليونان الاخوان روملس ورومانس واختط مدينة رومة وقال هروشيوش ولعهده ملك على الروم اللطينيين بأرض انطاكية روملس ثم مركة وبنى مدينة رومة ثم هلك أحاز لست عشرة من ملكه وولى ابنه حزقياهو بحاء مهملة مكسورة وزاى معجمة ساكنة وقاف مكسورة وياء مثناة تحتانية مشددة تجلب ألفا وهاء مضمومة تجلب واوا فقطع عبادة الاوثان وسار سيرة جده داود ولم يكن في ملوك بنى يهوذا مثله وعصى على ملك الموصل وبابل وكوريش وهزم فلسطين وخرب قراهم وفي أيامه وأيام أبيه سار شليشار ملك الجزيرة والموصل إلى الاسباط بالسامرة فضرب عليهم الجزية ثم سار في أيامه فأزال ملكهم ولاربع من ملكه زحف إليه رضين مالك دمشق ورجع عنه من غير قتال ولاربع عشر من ملكه زحف إليه
سنجاريف ملك الموصل بعد فتح السامرة فافتتح أكثر مدائن يهوذا وحاصرهم ببيت المقدس وصانعه حزقياهو بثلثمائة قنطار من الفضة وثلاثين من الذهب أخرج فيها ما كان في الهيكل وبيت الملك من المال ونثر الذهب من أبواب المسجد دفع ذلك له ورجع عنه ثم فسد ما بينهما وزحف إليه سنجاريف ثانيا وحاصره وامتنع(2/104)
من قبول مصانعته وقال من ذا الذى خلصه الهه من يدى حتى يخلصكم أنتم الهكم فخافوا منه وفزعوا إلى النبي شعياء في الدعاء فأمنهم منه ودعا عليه فوقع الطاعون في عسكره ثم تواقعوا في بعض الليالى فبلغ قتلاهم مائة وعشرين ألفا ورجع سنجاريف إلى نينوى والموصل فقتله أبناؤه وهربوا إلى بيت المقدس وملك ابنه السرمعون (وقال الطبري) ان ملك بنى اسرائيل أسر سنجاريف وأوحى الله إلى شعياء أن يطلقه فأطلقه قال وقيل ان الذى سار إليه سنجاريف من ملوك بنى اسرائيل كان أعرج وأن سنجاريف لعهد ملك أذربيجان وكان يدعى سليمان الاعسر فلما نزل بيت المقدس صار بينهما احقاد كامنة فتواقعوا وهلك عامة عسكرهما وصار ما معهما غنيمة لبنى اسرائيل وبعث ملك بابل إلى حزقيا ملك الفرس بالهدايا والتحف فأعظم موصلها وبالغ في كرامة الوفد وفخر عليهم بخزانته وطوفهم عليها فنكر ذلك عليه شعياء النبي وأنذره بان ملوك بابل يغنمون جميع هذه الخزائن ويكون من أبنائك خصيان في قصرهم ثم هلك حزقياهو لتسع وعشرين سنة من ملكه وولى ابنه منشا بميم مكسورة ونون مفتحة وشين معجمة مشددة وألف وكان عاصيا قبيح السيرة وكانت آثاره في الدين شنيعة وأنكر عليه شعيا النبي أفعاله فقتله نشرا بالمناشير من رأسه إلى مغرق ساقيه وقتل جماعة من الصالحين معه وفي تاسعة وثلاثين من ملكه ملك سنجاريف الصغير مملكة الموصل قاله ابن العميد وفي الثانية والخمسين بنيت بورنطية بناها بورس الملك وهى التى جددها قسطنطين وسماها باسمه وفي أيامه ملك برومة قنوقرسوس الملك وفي
الحادية والخمسين من ملكه زحف سنجاريف ملك الموصل إلى القدس فحاصرها ثلاث سنين وافتتحها في الرابعة والخمسين من ملكه وولى بعده ابنه أمون بهمزة قريبة من العين والميم مضمومة تجلب واوا ثم نون وكانت حاله مثل حال أبيه فملك سنتين وقيل ثنتى عشرة ثم اغتاله عبيده فقتلوه واجتمع بنو يهوذا فقتلوا أولئك العبيد وأقاموا ابنه يوشيا مكانه وضبطه بياء مثناة تحتية مضمومة تجلب واوا بعدها شين معجمة مكسورة ثم ياء مثناة تحتية بفتحة تجلب ألفا فلما ملك أحسن السيرة وهدم الاوثان وكان صالح الطريقة مستقيم الدين وقتل كهنة الاصنام وهدم البيوت والمذابح التى بناها يربعام ابن نباط بالبرابر وكان في أيامه من الانبياء صقونا وكلدى امراة شالوم وناحوم وتنبأ لعهده أرمياء بن الحيامن نسل هارون وأخبرهم بالجلاء إلى بابل سبعين سنة فأخذ يوشيا قبة القربان وتابوت العهد وأطبق عليهما في مغارة فلم يعرف مكانهما من بعد ذلك وفي أيامه ملك المجوس بابل ولاحدى وثلاثين من دولته ملك فرعون الاعرج مصر وزحف لقتال مسيح بالفرات فخرج يوشيا لحربه وانهزم يوشيا فهلك(2/105)
بسهم أصابه لثنتين وثلاثين من دولته وولى بعده ابنه يواش ويقال اسمه يهوياحاز فعطل أحكام التوراة وأساء السيرة فزحف إليه فرعون الاعرج وأخذه ورجع به إلى مصر فمات هنا لك وضرب على أرضهم الخراج مائة قنطار فضة وعشرة ذهبا وكانت ولايته ثلاثة أشهر وولوا مكانه أخاه ألياقيم بن يوشيا بهمزة مفتوحة ولام ساكنة وياء مثناة تحتانية يجلب فتحها ألفا وقاف مكسورة تجلب ياء ثم ميم وكان عاصيا كافرا وكان يأخذ الخراج لفرعون من بنى يهوذا على قدر أحوالهم ثم زحف إليه بختنصر ملك بابل لسبع من ولاية ألياقيم فملك الجزيرة وسار إلى بيت المقدس فضرب عليهم الجزية أولا ودخل ألياقيم في طاعته ثلاث سنين وسلط الله عليه أروم وعمون ومؤاب والكسدانيين ثم انتقض عليه فسرح الجيوش إليه فقبضوا عليه واحتملوه إلى
بابل فهلك في طريقه لاحدى عشرة سنة من ملكه وولى بختنصر مكانه ابنه يخنيو بفتح الياء المثناة التحتانية بعدها خاء معجمة مضمومة ثم نون ساكنة وبعدها ياء تحتانية تجلب ضمتها واوا فأقام ثلاثة أشهر ثم زحف إليه وحاصره وأخرج إليه أمه وأشراف مملكته فأشخصهم إلى بلده وجمع أهله ورجال دولته وسائر بنى اسرائيل نحوا من عشرة آلاف واحتملهم اسارى إلى بابل وغنم جميع ما كان في الهيكل والخزائن من الاموال وجميع الاواني التى صنعها سليمان للمسجد ولم يترك بمدينة القدس الا الفقراء والضعفاء وبقى يخنيو ملك بنى اسرائيل محبوسا سبعا وثلاثين سنة وقال ابن العميد ان بختنصر سار إلى القدس في الثالثة من مملكة ألياقيم وسبى طائفة منها وانتهب جميع ما في بيت الهيكل وكان في سنة دانيال وخانيا وعزاريا وميصائل وان في السنة الخامسة من ملكه قاتل بختنصر فرعون الاعرج ملك مصر وفي الثانية من ملك الياقيم غزا بختنصر القدس ووضع عليهم الخراج وأبقى الياقيم في ملكه وهلك لثلاث سنين بعد ذلك وملك ابنه يخنيو وكان لعهده من الانبياء ارميا وأوريا بن شعيا ومورى والد حزقيا وفي أيامه تنبأ دانيال ثم سار بختنصر ليخنيو فاشخصه إلى بابل كما مر (وقال الطبري ووافقه نقل هروشيوش) ان بختنصر ولى مكان يخنيو ابن الياقيم عمه متنيا بميم مفتوحة وتاء مثناة فوقانية مفتوحة مشددة ونون ساكنة وياء مثناة تحتانية بفتحة تجلب ألفا ويسمى صدقياهو وكان عاصيا قبيح السيرة ولتسع سنين من ولايته انتقض على بختنصر فزحف إليه في العساكر وحاصر بيت المقدس وبنى عليها المدر للحصار واقام ثلاث سنين واشتد الحصار بهم فخرجوا هاربين منها إلى الصحراء واتبعتهم العساكر من الكسدانيين وأدركوهم في اريحاء فقبض على ملكهم صدقياهو وأتى به أسيرا فشمل عينيه وقال الطبري وذبح ولده بمرأى منه ثم اعتقله ببابل إلى ان مات ولحق بعض(2/106)
من بنى اسرائيل بالحجاز فأقاموا مع العرب وكان لعهده من الانبياء ارميا وحبقون
وباروح وبعث بختنصر قائده نبوزراذون بنون مفتوحة وباء موحدة مضمومة تجلب واوا بعدها زاى وراء مفتوحة تجلب ألفا وذال مضمومة تجلب واوا بعدها نون بعثه إلى مدينة القدس وكانوا يدعونها مدينة يروشالم فخربها وخرب الهيكل وكسر عمد الصفر التى نصبها سليمان في المسجد طول كل عمود منها ثمانية عشر ذراعا وطول رؤسها ثلاثة أذرع وكسر صرح الزجاج وسائر ما كان بها من آثار الدين والملك واحتمل بقية الاواني وما كان وجده من المتاع وسبى الكوهن سارية والحبر منشا وخدمة الهيكل إلى بابل (قال هروشيوش) وأبقى صدقيا هو محبوسا ببابل إلى أن اطلقه بزداق قائد بهمن ملك الفرس حين غلبوا على بابل فأطلقه ووصله وأقطعه (وقال مؤرخ حماة ووافقه المسعودي) ان بختنصر بعد تخريب القدس هرب منه بعض الملوك بنى اسرائيل إلى مصر وبها فرعون الاعرج وطلبه بختنصر فأجاره فرعون وسار إليه بختنصر فقتله وملك مصر وافتتح من المغرب مدائن وبث فيها دعاته وكان ارمياء نبى بنى اسرائيل من سبط لاوى ويقال اسمه ارمياء بن خلفيا وكان على عهده صدقياهو ووجده بختنصر في محبسهم فأطلقه واحتمله معه في السبى إلى بابل وقيل انه مات في محبسه ولم يدركه بختنصر وكذلك احتمل معهم دانيال بن حزقيل من أنبيائهم (وقال ابن العميد) وولى جدليا بن أحان على من بقى من ضعفاء اليهود بالقدس ولسبعة أشهر من ولايته قام اسمعيل بن متنيا بن اسمعيل من بيت الملك فقتل جدليا واليهود والكسدانيين الذين معهم ثم هرب إلى مصر وهرب معه ارميا وهرب حبقون إلى الحجاز فمات وكان قيما ولحقهم بمصر وتنبأ ارمياء في مصر وبابل وصور وصيدا وعمون ثمانية وثلاثين سنة ورجمه أهل الحجاز فمات وكان فيما أخبرهم به مسير بختنصر إلى مصر وتخريبه هياكلها وقتله أهلها ولما دخل بختنصر مصر نقل جسده إلى اسكندرية ودفنه بها وقيل دفن بالقدس لوصيته وأما حزقياهو فقتله اليهود في السبى (قال الطبري) وافترقت جالية بنى اسرائيل في نواحى العراق إلى ان ردهم ملوك الفرس إلى القدس
فعمروه وبنو مسجده وكان لهم فيه ملك في دولتين متصلتين إلى أن وقع بهم الخراب الثاني والجلوة الكبرى على يد طيطش من ملوك القياصرة كما نذكر بعد ولنذكر هنا ما وقع من الخلاف في نسب بختنصر هذا والى من يرجع من الامم فقد ذهب قوم إلى أنه من عقب سنجاريف ملك الموصل الذى كان يقاتل بنى اسرائيل والسامرة بالقدس (قال هشام بن محمد الكلبى فيما نقل الطبري) هو بختنصر بن نبوزراذون بن سنجاريف ثم نسب سنجاريف إلى نمروذ بن كوش بن حام الذى وقع ذكره في التوراة في ولد كوش(2/107)
وعد بين سنجاريف والنمروذ ستة عشر أبا أو نحوها أو لهم داريوش بن فالغ وعصا ابن نمروذ أسماء غير مضبوطة يغلب على الظن تصحيفها لعدم دراية الاصول وقلة الوثوق بضبطها وقيل ان بختنصر من نسل أشوذ بن سام ولم يقع الينا رفع هذا النسب ولعله أصح من الاول لانه قد تقدم نسب سنجاريف في الجرامقة ثم في الموصل منهم وهم من ولد أشوذ باتفاق من أهل فارس نقله أيضا الطبري عن ابن الكلبى وان اسمه بختمرسه فسمى بختنصر وكان يملك ما بين الاهواز والروم من غزبى دجلة أيام هراسب ويستاسب وبهمن من ملوك الفرس وانه افتتح ما يليه من بلاد بابل والشأم ثم سار إلى القدس فافتتحها كما تقدم وقيل ان بهمن بعث رسله إلى القدس في طلب الطاعة منهم فقتلوه فبعث بهمن اصبهبذا للناحية القريبة من مملكته وبعث معه داريوش من ملوك مارى بن نابت وكيرش بن كيكوس من ملوك بنى غليم بن سام واحشوارس بن كيرش بن جاماهن من قرابته وسار معهم بختنصر بن نبوزراذون بن سنجاريف صاحب الموصل الذى لقومه البراآت في أهل المقدس فكان ما وقع من الفتح وقيل كان بختنصر صاحب الموصل في مقدمتهم وكان الفتح على يده وأما بنو اسرائيل فيزعمون أن بختنصر من الكسدانيين وهم ولد ناحور بن آزر أبى ابراهيم عليه السلام وكان لهم الملك ببابل وكان بختنصر هذا من اعقابهم وكان مدة دولته خمسا وأربعين سنة وكان فتحه المقدس
لثمانية عشر من دولته وملك بعده أويل مروماخ ثلاثا وعشرين سنة ثم بعده ابنه فيلسنصر بن أويل ثلاث سنين ثم غلب عليهم كورش وأزال ملكهم وهو الذى رد بنى اسرائيل إلى بيت المقدس فعمروه وجددوا به ملكا كما نذكره وقد اختلف في كيرش الذى رد بنى اسرائيل إلى القدس من هو بعد اتفاقهم على أنه من الفرس فقيل هو يستاسب ولم يكن ملكا وانما كان مملكا على خوزستان وأعمالها من قبل كيقوس وبنجسون بن سياوش ولهراسب من بعدهما وكان عظيم الشان ولم يكن ملكا وقيل ان كيرش هو ابن اخشوارش بن جاماسب بن لهراسب وابوه اخشوازش هذا الذى بعثه بهمن ولما رجع من ذلك الفتح بعثه إلى ناحية الهند والسند وانصرف إلى حصن الابر فولاه بابل وتزوج من سبى بنى اسرائيل ابنة ابى حاويل الرحا واخت مردخاى من الرضاع وهو من أنبياء بنى اسرائيل فتزعم النصارى انها ولدت عند حيرا حوارس إلى بابل ابنه كيرش هذا فحضنه مردخاى ولقنه دين اليهودية ولزم سائر أنبيائهم مثل متنيا وعازريا وميثائل وعزير وولى دانيال احكام دولته وجعل إليه امره واذن له ان يخرج ما في الخزائن من السبى والدخائر والآنية ويرده إلى مكانه ويقوم في بناء القدس فعمره وراجعه بنو اسرائيل وسأله هؤلاء الانبياء ان يرجعوا إلى بيت المقدس(2/108)
فمنعهم اغتباطا بمكانهم وقيل ان كيرش هو كيرش بن كيكو بن غليم بن سام وهو الذى كنا قدمنا ان بهمن بعثه مع قائده بختنصر إلى فتح بيت المقدس وان بختمرس ملكه بهمن على بابل وكان يسمى بختمرسى كما ذكرنا فملكها وملك ابنه من بعده ثلاثا وعشرين سنة ثم ابنه بلتنصر سنة واحدة ثم بلغ بهمن سوء سيرته فعزله وولى على بابل داريوش الماذة بن ماداى ثم عزله وولى كيرش بن كيكو وكتب إليه بهمن بان يرفق ببنى اسرائيل ويحسن ملكتهم وان يردهم إلى أرضهم ويولى عليهم من يختارونه ففعل فاختاروا دانيال من أنبيائهم فولاه وقيل وهو لعلماء بنى اسرائيل ان بلتنصر حافد بختنصر وهو ملك بابل
والكسدانيين وان دارا ويسمى داريوش ملك مازى وكورش وهو كيرش ملك فارس كان في طاعته فانتقضا عليه وخرج إليهم في العساكر فانهزم أولا ثم بعث عساكره وقواده إليهم فهزمهم ثم قتله خادمه على فراشه ولحق بداريوش وكورش وزحفا إلى بابل فغلبا الكسدانيين عليها واختص دارا وقومه ماذى وأظنهم الديلم ببابل ونواحيها واختص كورش وقومه فارس بسائر الاعمال والكور وكان كورش نذر ببناء بيت المقدس واطلاق الجالية ورد الانية ثم هلك دارا وانفرد كورش بالملك على فارس وماذى ووفي بنذره هذا محصل الخلاف في بختنصر وكيرش والله أعلم(2/109)
* (الخبر عن دولة الاسباط العشرة وملوكهم إلى حين انقراض أمرهم) * قد تقدم لنا في دولة سليمان عليه السلام ان يربعام بن نباط من سبط افرائيم كان واليا لسليمان على جميع نواحى يورشليم وهى بيت المقدس وقيل انما كان واليا على عمل بنى يوسف بنابلس وما إليها وكان جبارا وان سليمان عوتب على ولايته من الله وانتقض ولحق بمصر فلما قبض سليمان وولى ابنه رحبعم واختلف عليه بنو اسرائيل بما بلوا من سوء ملكته والزيادة في الضرائب عليهم واجتمع الاسباط العشرة ما عدا يهوذا وبنيامين فاستقدموا يربعام بن نباط من مصر فبايعوا له وولوه الملك عليهم وحاربوا رحبعم ومن في طاعته وهم سبط يهوذا وبنيامين فامتنعوا عليهم بمدينة يروشليم ثم انحازوا إلى جهة فلسطين في عمل بنى يوسف ونزل يربعم مدينة نابلس بملك الاسباط العشرة ومنعهم من الدخول إلى المقدس والقربان فيه وكان عاصيا مسخوط السيرة ولم يزل الحرب بينه وبين رحبعم بن سليمان وابنه أبيا من بعده واثنين من ملك أسا بن أبيا وكان أبيا ظاهرا عليه في حروبه ثم هلك يربعام بن نباط لسنتين من ملك أبيا ولثلاث وعشرين من ملكه فولى مكانه على الاسباط يوناذاب وكان على مثل سيرة أبيه من الجور وعبادة الاصنام فسلط الله عليه يعشا بن أحيا فقتله وجميع أهل بيته لسنتين
من ملكه وقام بملك الاسباط فلم يزل يحارب أسا بن أبيا وأهل القدس سائر أيامه وكان أسا يستمد عليه بملك دمشق من الارمن وسار معه إليه مرة وكان أعشا بن أحيا نبى يثرب فاجفل امامهم وترك الآلات فأخذها أسا وبنى بها الحصون وهلك اعشا بن أحيا لاربع وعشرين سنة من ملكه ودفن في برصا مدينة ملكهم بعد ان أنذره بالهلاك نبيهم فاهو ولما هلك ولى بعده ابنه ايليا ويقال ايلهوا في السادسة والعشرين من ملك أسا فأقام سنين ثم بعث عساكر بنى اسرائيل إلى محاصرة بعض المدن بفلسطين فوثب عليه سبط من الاسباط من عقب كان يعرف زمرى صاحب المراكب ويقال ابن اليافا فقتله وجميع أهل بيته وقام بالملك ومكث أيام يسيرة خلال ما بلغ الخبر لبنى اسرائيل بمكانهم من حصار فلسطين فلم يرضوه وملكوا عليهم صى بن كسات من سبطه ورجعوا إلى زمرى المتوثب على الملك فحاصروه فلما أحيط به دخل مجلس الملك وأوقد نارا لتحرقه فاحترق فيه لسبعة أيام من فورتهم وكان عمرى بن ناداب من سبط افراييم ويلقب صاحب الحربة يرادف صى في الملك فقتله واستبد وذلك في الحادية والثلاثين من ملك أسا ثم اختلف عليه بنو اسرائيل ونصب بعضهم بنيامين فنال من سبط يساخر وحاربهم عمرى فغلبهم وكان ينزل مدينة برصا ولست سنين من ملكه اختط مدينة السامرية اتباع لها جبل شمران من رجل اسمه سامر بقنطار فضة وبنى فيه قصوره(2/111)
وسميت سبسطية ثم غلبت عليها النسبة إلى البائع ويقال ان الاسم كان شومرون فعرب سامرة وأهملت شينها المثلثة وكانت هذه المدينة مدينة ملكهم إلى انقراض أمرهم ثم هلك عمرى لثنتى عشرة سنة من ولايته ودفن في نابلس وقام بملك الاسباط من بعده ابنه احاب وكان على مذهبه ومذهب سلفه منهم من الكفر والعصيان وتزوج بنت ملك صيدا وبنى هيكلا بسامرة وجعل فيه صنما يسجد له وأفحش في قتل الانبياء وبنى قرية أريحاء ودعا عليه ايليا النبي فقحطوا ثلاث سنين خرج فيها ايليا إلى البرية
فسكنها ثم رجع فدعا وأنزل الله المطر وذبح الذين حملوا أحاب على عبادة الاصنام هكذا قال ابن العميد والذى قاله الطبري ان هذا النبي الذى دعا عليهم هو الياس ابن سين وقيل ابن ياسين من نسل فنحاص بن العاذار وكان بعث إلى أهل بعلبك والى احاب وقومه (وقال الطبري) فكذبوه فأصابهم القحط ثلاثا ففزعوا إليه في الدعاء وباهلهم في أصنامهم فلم تغن شيئا فدعا لهم فمطروا ثم انهم أقاموا على ما كانوا عليه من الكفر والعصيان وكان احاب شديدا عليه ودعا عليه الياس ثم طلب من الله أن يتوفاه بعد ان أنذر الناس بهلاكه وهلاك قومه بل عقبه وتنبأ بعده اليسع بن أخطوب من سبط افراييم وقيل ابن عم الياس قال ابن عساكر اسمه اسباط بن عدى بن شوليم بن افرائيم (قال الطبري) كان مستخفيا مع الياس بجبل قاسيون من ملك بعلبك ثم خلفه في قريته انتهى كلام الطبري وقال ابن العميد في ايام احاب أوحى الله إلى ايليا أن يبارك على الياس بن بغسا ففعل ذلك وان يبارك على أروم بدمشق وعلى باهو ملكا على بنى اسرائيل ففعل ذلك وهو أيضا على عهد احاب فجاء سنداب ملك سورية فحاصر احاب ابن عمرى والاسباط العشرة في السامرة وخرجوا إليه فهزموه واستلحموا عامة عسكره ثم رجع إليهم من العام القابل فخرجوا إليه وهزموه ثانيا وقتلوا من عسكره نحوا من مائة الف ومروا في اتباعهم وامتنع سنذاب في بعض حصونه وأحاطوا به فخرج إليهم ملقيا بنفسه على ملكهم أحاب فعفا عنه ورده إلى ملكه وسخط ذلك النبي من فعله وأنذره بعذاب يصيب ولده عقوبة من الله تعالى على ابقائه عليهم ثم خرج أحاب من ملك الاسباط مع يهوشافاظ ملك يهوذا المقدس لمحاربة ملك سورية فأصابه سهم هلك فيه ودفن بسامرة لثنتين وعشرين سنة من ملكه قال ابن العميد وقيل لثمان عشرة وقال انما خرج لحرب كلعاد ملك أروم فانهزم وقتل ولما هلك ملك من بعده ابنه احربا ويقال امشيا وكان عاصيا سيئ السيرة قتل عاموص النبي وعبد بعلا الصنم وهلك لسنتين فملك أخوه يوام وقيل انه تسع عشرة من ملك يهوشا فاظ ملك الفرس
فملك يوام على الاسباط ثنتى عشرة سنة زحف فيها أولا إلى مؤاب لما منعوه الجزية التى كانت عليهم للاسباط مائتين من الغنم في كل سنة واستنجد ملك يهوذا لحربهم(2/112)
فحاصرهم سبعة أيام وفقدوا الماء فاستسقى لهم اليسع وجرى الوادي وخرج أهل مؤاب يظنونه دما فقتلهم بنو اسرائيل وجمع هداد ملك أروم لحصار سامرة ونازلها ثلاث سنين ثم دعا عليهم اليسع فاجفلوا ورجعوا إلى بلادهم وفي الثانية عشر من ملك يؤام ملك الاسباط ثار عليه ياهوشافاظ بن يشامن سبط منشا بن يوسف وذلك عند منصرفه من محاربة ملوك الجزيرة وأروم مع احزيا بن يهورام ملك القدس وكان جريحا فعاده احزيا وكان هذا الفتى ياهو يترصد قتل يوام فأمكنته الفرصة فيه تلك الساعة فقتله وقتل معه احزيا ملك القدس وبنى يهوذا وملك على الاسباط وقال ابن العميد خرج يؤام بن احاب ملك الاسباط لحرب أروم ومعه احزيا ملك القدس فقتلا جميعا في تلك الحرب وقيل ان ياهو بن منشا رمى بسهم فأصاب يوأم بن احاب فمات ولما ملك ياهو على الاسباط قتل بنى احاب كلهم كما أمره اليسع وهلك لخمس وثلاثين من ملكه وولى ابنه يواص وقيل يهوذا ولثمان وعشرين من دولة يواص ابن احزيا ملك يهوذا القدس وكان قبيح السيرة عبادا للاصنام وعمل مذبحا بسامرة وهلك لسبع عشرة من ملكه وولى بعده ابنه يواش لسبع وثلاثين من دولة يواص بالقدس وزحف إلى القدس فملكها من يد امصيا ملك يهوذا وهدم من سورها أربعمائة ذراع وسبى أهل المقدس وسبى بنى عزريا الكوهن وأخذ جميع ما في المسجد ورجع إلى سامرة ومرض اليسع فعاده يواش فوعده بأنه يهلك أروم ويظفر بهم ثلاث مرات فكان كذلك وهلك لثلاث عشرة سنة من ملكه وولى من بعده ابنه يربعام وكان سيئ السيرة وزحف إلى امصيا ملك يهوذا وقيل ان الذى زحف إلى امصيا انما هو يواش أبوه فهزمه وأخذه أسيرا وسار به إلى القدس فاقتحمها عنوة وغنم
جميع ما في خزانتها وسبى بنى عزريا الكوهن ورجع إلى السامرة فأطلق امصيا ثم لاحدى وأربعين سنة من ملكه ولسبع وعشرين من ملك عزياهو بن امصيا ملك القدس قال ابن العميد وبقى بنو اسرائيل بالسامرة فوضى أحدى عشرة سنة ثم ملكوا ابنه زكريا في الثامنة والثلاثين من ملك عزياهو فملك ستة أشهر وقال ابن العميد شهرا ثم وثب به مناخيم بن كاد من سبط زبلون من أهل برصا فقتله وملك مكانه ثنتى عشرة سنة وقال ابن العميد عشر سنين قال وفي التاسعة والثلاثين من ملك عزياهو خرج إلى مدينة برصا ففتحها عنوة واستباحها وزحف إليه فول ملك الموصل فصانعه بألف قنطار من الفضة ورجع عنه وكانت سيرته رديئة ولما هلك مناخيم ملك ابنه بقحيا لاربعين من دولة عزيا ملك القدس فأقام فيهم ثنتى عشرة سنة وقال ابن العميد سنتين ثم ثار عليه من عماله باقح بن رصليا وكان على طريقة من تقدمه(2/113)
في الضلال فأقام ملكا على الاسباط بالسامرة عشر سنين وهلك لدولته عزيا ابن امصيا ملك يهوذا بالقدس وأقام باقح بن رصليا على سوء السيرة وعبادة الاصنام إلى أن قتله هو يشيع بن ايليا من سبط كاد في الثالثة من ملك يؤاب ملك القدس وبقى الاسباط بعده فوضى عشر سنين ثم ملكوا قاتله هو يشيع بن ايليا المذكور فأقام مملكا عليهم سبع سنين وفي أيامه زحف إليه ملك أثور والموصل فصير الاسباط في دولته وأدوا إليه الخراج ثم ان هو يشيع راسل ملك مصر في الاستعانة به والرجوع إلى طاعته فلما بلغ ذلك إلى ملك الموصل زحف إليه وحاصره في مدينة السامرة ثلاث سنين واقتحمها في الرابعة وتقبض على هو يشيع لتسع سنين من ملكه ونقله مع الاسباط كلهم إلى الموصل ثم بعثهم إلى قرى اصبهان وأنزلهم بها وقطع ملك بنى اسرائيل من السامرة وبقى ملك يهوذا وبنيامين بالقدس وكان ذلك لعهد احزيا بن احاز من ملوكهم لسنة من دولته وتعاقبت ملوكهم بعد ذلك بالقدس إلى أن انقرضوا وجمع ملك الموصل من
كوره غارا وحماة وصفر ارام ويقال ومركتا وأسكنهم بالسامرة قال ابن العميد وتفسيرها حفيظة ويواطر قالوا وسلط الله عليهم السباع يفترسونهم فبعثوا إلى ملك الموصل أن يعرفهم بصاحب قسمة السامرية من الكواكب ليتوجهوا إليه بما يناسبه على طريقة الصابئة فقيل ان العشرية التى رسخت فيها وهى دين اليهودية تمنع من ذلك ومن ظهور أثره فبعث إليهم كوهنين من عامة اليهود يعلمانهم اليهودية فتلقوها عنهما فهذا اصل السامرة في فرق اليهود وليسوا منهم عند اهل ملتهم لا في نسبهم ولا في دينهم والله مالك الامور لا رب غيره ولا معبود سواه سبحانه وتعالى(2/114)
* (الخبر عن عمارة بيت المقدس بعد الخراب الاول وما كان لبنى اسرائيل فيها من الملك في الدولتين لبنى حشمناى وبنى هيرودس إلى حين الخراب الثاني والجلوة الكبرى) * هذه الاخبار التى كانت لليهود ببيت المقدس والملك الذى كان لهم في العمارة بعد جلاء بختنصر وأمر الدولتين اللتين كانتا لهم في تلك المدة لم يكتب فيها أحد من الائمة ولا وقفت في كتب التواريخ مع كثرتها واتساعها على ما يلم بشئ من ذلك ووقع بيدى وأنا بمصر تأليف لبعض علماء بنى اسرائيل من أهل ذلك العصر في أخبار البيت والدولتين اللتين كانتا بها ما بين خراب بختنصر الاول وخراب طيطش الثاني الذى كانت عنده الجلوة الكبرى استوفى فيه أخبار تلك المدة بزعمه ومؤلف الكتاب يسمى يوسف بن كريون وزعم أنه كان من عظماء اليهود وقوادهم عند زحف الروم إليهم وأنه كان على صولة فحاصره أسبيانوس أبو طيطش واقتحمها عليه عنوة وفر يوسف إلى بعض الشعاب وكمن فيها ثم حصل في قبضته بعد ذلك واستبقاه ومن عليه وبقى في جملته وكانت له تلك وسيلة إلى ابنه طيطش عندما اجلى بنى اسرائيل عن البيت فتركه بها للعبادة كما يأتي في أخباره هذا هو التعريف بالمؤلف وأما الكتاب فاستوعب فيه أخبار البيت واليهود بتلك المدة واخبار الدولتين اللتين كانتا بها لبنى حشمناى وبنى
هيرودس من اليهود وما حدث في ذلك من الاحداث فلخصتها هنا كما وجدتها فيه لانى لم أقف على شئ فيها لسواه والقوم أعلم باخبارهم إذا لم يعارضها ما يقدم عليها وكما قال صلى الله عليه وسلم لا تصدقوا أهل الكتاب فقد قال ولا تكذبوهم مع أن ذلك انما هو راجع إلى اخبار اليهود وقصص الانبياء التى كان فيها التنزيل من عند الله لقوله بعد ذلك وقولوا آمنا بالذى أنزل الينا وأنزل اليكم وأما الخبر عن الواقعات المستندة إلى الحس فخبر الواحد كاف فيه إذا غلب على الظن صحته فينبغي أن نلحق هذه الاخبار بما تقدم من أخبارهم لتكمل لنا أحوالهم من أول أمرهم إلى آخره والله أعلم ولم التزم صدقه من كذبه والله المستعان (قال الطبري وغيره من الائمة) كان يرميا ويقال ارميا بن خلقيا من أنبياء بنى اسرائيل ومن سبط لاوى وكان لعهد صدقيا هو آخر ملوك بنى يهوذا ببيت المقدس ولما توغلوا في الكفر والعصيان أنذرهم بالهلاك على يد بختنصر وسأله عنه وأطلقه واحتمله معه في السبى وكان فيما يقوله ارميا انهم يرجعون إلى بيت المقدس بعد سبعين سنة يملك فيها بختنصر وابنه وابن ابنه ويهلكون وإذا فرغت مملكة الكسدانيين بعد السبعين يفتقدكم يخاطب بذلك بنى اسرائيل في نص آخر له عند كمال سبعين لخراب المقدس وكان شعيا بن امصيا من أنبيائهم أخبرهم بأنهم يرجعون إلى بيت المقدس على يد كورش من ملوك الفرس ولم يكن وجد لذلك العهد فلما استولى كورش(2/116)
على بابل وأزال مملكة لكسدانيين أذن لبنى اسرائيل في الرجوع إلى بيت المقدس وعمارة مسجدها ونادى في الناس ان الله أو صانى أن ابني بيتا فمن كان لله وسعيه لله فليمض إلى بنائه فمضى بنو اسرائيل في اثنين وأربعين ألفا وعليهم زيريافيل بالفاء الهوائية بن شالتهيل بن يوخنيا آخر ملوكهم بالقدس الذى حبسه بختنصر وقد مر ذكره وقد مضى معهم عزير النبي من عقب اشيوع بن فنخاص بن العازر بن هارون وبينه وبين أشيوع ستة آباء لم أثق بنقلها لغلبة الظن بأنها مصحفة ورد عليهم كورش الاواني
وكانت لا يعبر عنها من الكثرة قال ابن العميد كانت خمسة آلاف وأربعمائة قصعة ذهبا وفضة فمضوا إلى بيت المقدس وشرعوا في العمارة وشرع كورش وسعى عليهم في ابطال ذلك بعض اعدائهم من السامرة ولم يكن أمد السبعين التى وعدهم بها انقضى لان الخراب كان لثمان عشرة من ملك بختنصر وكانت دولته خمسة وأربعين ومدة ابنه وابن ابنه خمس وعشرون فبقيت من السبعين ثمانية عشر التى نفدت من ملك بختنصر قبل الخراب فمنعوا من العمارة بسعاية السامرية إلى ان انقضت الثمان عشرة وجاءت دولة دارا من ملوك الفرس فأذن لهم في العمارة وعاد السامرة لسعايتهم في ابطال ذلك عند دارا فأخبره أهل دولته ان كورش أذن لهم في ذلك فخلى سبيلهم وعمروا بيت المقدس في الثانية من ملك دارا الاول وهو ارفخشد والكوهن يومئذ عزير وجدد لهم التوراة بعد سنتين من رجوعهم إلى البيت ثم هلك زيريافيل وخلفه فيهم بهشمياس وقبض العزير وخلفه شمعون الصفا من بنى هارون أيضا (وقال يوسف بن كريون) ان بختنصر لما رجع إلى بابل أقام ملكا سبعا وعشرين سنة وملك بعده ابنه بلتنصر ثلاث سنين وانتقض عليه داريوش ملك ماذى وأظنهم الديلم وكيرش ملك فارس وهزمتهم عساكره كما مر فعمل في بعض أيامه صنيعا لقواده سرورا بالواقع وسقاهم في أواني بيت المقدس التى احتملها جده من الهيكل فسخط الله لذلك ورأى تلك الساعة كان يدا خرجت من الحائط تومى بكتابة كلمات بالخط الكسدانى والكلمات عبرانية وهى أحصى وزن نفذ فارتاع لذلك هو والحاضرون وفزع إلى دانيال النبي في تفسيرها قال وهب بن منبه وهو من أعقاب حزقيل الاصغر وكان خلفا من دانيال الاكبر فقال له دانيال هذه الكلمات تنذر بزوال ملكك ومعناها ان الله أحصى مدة ملكك ووزن اعمالك ونفذ قضاؤه بزوال ملكك عنك وعن قومك وقتل في تلك الليلة بلتنصر وكان ما قدمناه من استقلال كورش وقومه فارس بالملك ورد الجالية إلى بيت المقدس واطلق لهم المال لعماريها شكرا على الظفر بالكسدانيين
ومضى بنو اسرائيل ومعهم عزرا الكاهن ونجميا ومردخاى وجميع رؤساء الجالية(2/117)
يبنون البيت والمذبح على حدودها وقربوا القرابين وكان كورش بعد ذلك يطلق لهم في كل سنة من الحنطة والزيت والبقر والغنم والخمر ما يحتاجون إليه في خدمة البيت ويطلق لهم جراية واسعة وجرى ملوك الفرس بعده على سنته في ذلك الا قليلا في أيام أخشو يروش منهم كان وزيره هامان وكان من العمالقة وكان طالوت قد استخلفهم بأمر الله فكان هامان يعاديهم لذلك وعظمت سعايته فيهم وحمله على قتلهم وكان مردخاى من رؤسائهم قد زوج أخته من الرضاع لاخشو يروش فدس إليها مردخاى أن تشفع إلى الملك في قومها فقبلها وعطف عليهم وأعادهم إلى أن انقرضت دولة الفرس بمهلك دارا واستولى بنو يونان بمهلك دارا على ملك فارس وملك الاسكندر بن فيلفوس ودوخ الارض وفتح سواحل الشأم وسار إلى بيت المقدس لانها من طاعة دارا وخاف الكهنة من وصوله إليهم ورأى في بعض تمثال رجلا فقال أنا رجل أرسلت لمعونتك ونهاه عن أذية المقدس وأوصاه بامتثال اشارتهم فلما وصل إلى البيت لقيه الكوهن فبالغ في تعظيمه ودخل معه إلى الهيكل وبارك عليه ورغب إليه الاسكندر أن يضع هنا لك تمثاله من الذهب ليذكر به فقال هذا حرام لكن تصرف همتك في مصالح الكهنة والمصلين ويجعل لك من الذكر دعاؤهم لك وأن يسمى كل مولود لبنى اسرائيل في هذه السنة بالاسكندر فرضى الاسكندر وحمل لهم المال وأجزل عطية الكوهن وسأله أن يستخير الله في حرب دارا فقال له امض والله مظفرك وحض دانيال وقص عليه الاسكندر رؤيا رآها فأولها له بأنه يظفر بدارا ثم انصرف الاسكندر وسار في نواحى بيت المقدس ومر بنابلس ولقيه سنبلاط السامري وكان اهل المقدس أخرجوه عنهم فأضافه وأهدى له أموالا وأمتعة واستأذنه في بناء هيكل في طول بريد فأذن له فبناه وأقام صهره منشا كوهنا فيه وزعم أنه المراد بقوله في التوراة اجعل البركة
على جيل كريدم فقصده اليهود في الاعياد وحملوا إليه القرابين وعظم أمره وغص بشأنه اهل بيت المقدس إلى أن خربه هرمايوس بن شمعون أول ملوك بنى حسمناى كما يأتي ذكره ثم هلك الاسكندر ببابل بعد استيفاء مدته لثنتين وثلاثين من ملكه وقد كان قسم ملكه بين عظماء دولته فكان سلياقوس بعد الاسكندر وكان عظيم أصحابه فأكرم اليهود وحمل المال إلى فقراء البيت ثم سعى عنده بأن في الهيكل أموالا وذخائر نفيسة ورغبوه في ذلك فبعث عظيما من قواده اسمه أردوس ليقبض ذلك المال فحضر بالبيت وأنكر الكاهن حنينان أن يكون بالبيت الا بقية الصدقات من فارس ويونان وما أعطاهم سلياقوس آنفا فلم يقبل ووكل بهم في الهيكل فتوجهوا بالدعاء وجاء أردوس ليقبض المال فصدع في طريقه وجاء أصحابه إلى الكوهن حنينا وجماعة الكهنة(2/118)
يسألون الا قالة والدعاء لاردوس فدعوا له وعوفى وارتحل وازداد الملك سلياقوس اعظاما للبيت وحمل ما كان يحمل إليهم مضاعفا قال ابن كريون ثم ترجمت التوراة لليونانيين وكان من خ برها ان تلماى ملك مصر من اليونانيين بعد الاسكندر وكان من أهل مقدونية وكان محبا للعلوم ومشغوفا بالحكمة والكتب الالهية وذكرت له كتب اليهود الاربعة والعشرون سفر افتاقت نفسه للوقوف عليها وكتب إلى كهنون القدس في ذلك وأهدى له فاختار سبعين من أحبار اليهود وعلمائهم وفيهم كوهن عظيم اسمه العازر وبعثهم إليه ومعهم الاسفار فتلقاهم بالكرامة وأوسع لهم النزول ورتب مع كل واحد كاتبا يملى عليه ما يترجم له حتى ترجم الاسفار من العبرانية إلى اليونانية وصححها وأجاز الاحبار وأطلق لهم من كان بمصر من سبى اليهود نحوا من مائة ألف وصنع مائدة من الذهب نقشت عليها صورة أرض مصر والنيل ورصعها بالجواهر والفصوص وبعث بها إلى القدس فأودعت في الهيكل ثم هلك تلماى صاحب مصر واستولى بعده نطيوخوس صاحب مقدونية على انطاكية ثم على مصر وأطاعه ملوك الطوائف
بأرض العراق واستفحل ملكه وعظم طغيانه وأمر الامم بعبادة الاصنام وعمل أصناما على صورته فامتنع اليهود من قبولها وسعى بهم عنده بعض شرارهم وكانوا أهل نجدة وشوكة فسار انطيخوس إليهم وأثخن فيهم بالقتل والسبي وفروا إلى الجبال والبرارى فرجع واستخلف على بيت المقدس قائده فليلقوس وأمره أن يحملهم على السجود لاصنامه وعلى أكل الخنزير وترك السبت والختان ويقتل من يخالفه ففعل ذلك أشد ما يكون وبسط على اليهود أيدى اولئك الاشرار الساعين وقتل العازر الكوهن الذى ترجم لهم التوراة لما امتنع من السجود لصنمه وأكل قربانه وكان فيمن هرب إلى الجبال والبرارى متيتيا بن يوحنا بن شمعون الكوهن الاعظم ويعرف بحسمناى بن حونيا من بنى نوذاب من نسل هارون عليه السلام وكان رجلا صالحا خيرا شجاعا وأقام بالبرية وحزن لما نزل بقومه فلما أبعد انطيخوس الرحلة عن القدس بعث متيتيا إلى اليهود يعرفهم بمكانه وينمعض لهم ويحرضهم على الثورة على اليونانيين فأجابوه وتراسلوا في ذلك وبلغ الخبر فليلقوس قائد انطيخوس فسار في عسكره إلى البرية طالبا متيتيا وأصحابه فلما وصل إليهم حاربهم فغلبوه وانهزم في عساكره وقوى اليهود على الخلاف وهلك متيتيا خلال ذلك وقام بأمره ابنه يهوذا فهزم عساكر فليلقوس ثانية وشغل انطيخوس بحروب الفرس فزحف إليهم من مقدونية واستخلف عليه ابنه أفظر وضم إليه عظيما من قومه اسمه ليشاوش وأمرهم أن يبعثوا العساكر إلى اليهود فبعثوا ثلاثة من قوادهم وهم نيقانور وتلمياس وصردوس وعهد إليهم بابادة اليهود حيث كانوا(2/119)
فسارت العساكر واستنفروا سائر الارمن من نواحى دمشق وحلب وأعداء اليهود من فلسطين وغيرهم وزحف يهوذا بن متيتيا مقدم اليهود للقائهم بعد أن تضرعوا إلى الله وطافوا بالبيت وتمسحوا به ولقيهم عسكر نيقانور فهزموه واثخنوا فيه بالقتل وغنموا ما معهم ثم لقيهم عسكر القائد بن تلمياس وهيرودس ثانيا فهزموهما كذلك وقبضوا على
فليلقوس القائد الاول لانطيخوس فأحرقوه بالنار ورجع نيقانور إلى مقدونية فدخلها وخبر ليشاوش وأفظر بن الملك بالهزيمة فجزعوا لها ثم جاءهم الخبر بهزيمة انطيخوس امام الفرس ثم وصل إلى مقدونية واشتد غيظه على اليهود وجمع لغزوهم فهلك دون ذلك بطاعون في جسده ودفن في طريقه وملك أفظر وسموه انطيخوس باسم أبيه ورجع يهوذا بن متيتيا إلى القدس فهدم جميع ما بناه انطيخوس من المذابح وأزال ما نصبه من الاصنام وطهر المسجد وبنى مذبحا جديدا للقربان فوضع فيه الحطب ودعا الله أن يريهم آية في اشتعاله من غير نار فاشتعل كذلك ولم ينطف إلى الخراب الثاني أيام الجلوة واتخذوا ذلك اليوم عيدا سموه عيد العساكر ونازل ليشاوش فزحف إليه يهوذا بن متيتيا في عسكر اليهود وثبت عسكر ليشاوش فانهزموا ولجأ إلى بعض الحصون وطلب النزول على الامان على أن لا يعود إلى حربهم فأجابه يهوذا على أن يدخل أفظر معه في العقد وكان ذلك وتم الصلح وعاهد أفظر اليهود على أن لا يسير إليهم وشغل يهوذا بالنظر في مصالح قومه قال ابن كريون وكان لذلك العهد ابتداء أمر الكيتم وهم الروم وكانوا برومية وكان أمرهم شورى بين ثلثمائة وعشرين رئيسا ورئيس واحد عليهم يسمونه الشيخ يدبر أمرهم ويدفعون للحروب من يثقون بغنائه وكفايته منهم أو من سواهم هكذا كان شأنهم لذلك العهد وكانوا قد غلبوا اليونانيين واستولوا على ملكهم واجازوا البحر إلى افريقية فملكوها كما يأتي في اخبارهم فأجمعوا السير إلى انطيخوس أفظر وابن عمه ليشاوش بقية ملوك يونان بانطاكية وكاتبوا يهوذا ملك بنى اسرائيل بالقدس يستميلونهم عن طاعة أنطيخوس واليونانيين فأجابوهم إلى ذلك وبلغ ذلك انطيخوس فنبذ إلى اليهود عهدهم وسار إلى حربهم فهزموه ونالوا منه ثم راسلهم في الصلح وأن يقيموا على عهدهم معه وتحمل لبيت المقدس بما كان يحمله من المال وأن يقتل من عنده من شرار اليهود الساعين عليهم فتم العهد بينهم على ذلك وقتل شملاوش من الساعين على اليهود ثم جهز أهل رومة قائد حروبهم دمترياس بن سلياقوس إلى
انطاكية ولقيه انطيخوس أفظر فانهزم انطيخوس وقتل هو وابن عمه ليشاوش وملك الروم انطاكية ونزلها قائدهم دمترياس وكان القيموس الكوهن من شرار اليهود عند انطيخوس فلما ملك دمترياس قائد الروم فسعى عنده في اليهود ورغبه في ملك القدس(2/120)
والاستيلاء على أمواله فبعث قائده نيقانور لذلك وخرج يهوذا ملك القدس لتلقيه وطاعته وقدم بين يديه الهدايا والتحف فمال نيقانور إلى مسالمة اليهود وحسن رأيه وأكد بينه وبينهم العهد ورجع وبادر القيموس الكوهن إلى دمترياس وأخبره بميل قائده نيقانور إلى اليهود وزاد في اغرائه فبعث إلى قائده ينكر عليه ويستحثه لانفاذ أمره وأن يحمل يهوذا مقيدا وبلغ ذلك يهوذا فلحق بمدينة السامرة صبصطية واتبعه نيقانور في العساكر فكر عليه يهوذا وهزمه وقتل أكثر عساكر الروم الذين معه ثم ظفر به فصلبه على الهيكل ببيت المقدس واتخذ اليهود ذلك اليوم عيدا وهو ثالث عشر ادار ثم بعث قائد الروم دمترياس من قابل قائده الآخر يعتروس في ثلاثين ألفا من الروم لمحاربة اليهود وخرجت عساكرهم من المقدس وفروا عن ملكهم يهوذا وافترقوا في الشعاب وأقام معه منهم فل قليل واتبعهم يعتروس فلقيه يهوذا وأكمن له فانهزم اليهود وخرج عليهم كمين الروم فقتل يهوذا في كثير من ولايته ودفن إلى جانب أبيه متيتيا ولحق أخوه يوناثال فيمن بقى من اليهود بنواحي الاردن وتحصنوا ببر سبع فحاصرهم يعتروس هنا لك أياما ثم بيتوه فهزموه وخرج يوناثال واليهود في اتباعه فتقبضوا عليه ثم أطلقوه على مسالمة اليهود وأن لا يسير إلى حربهم فهلك يوناثال اثر ذلك وقام بأمر اليهود أخوهما الثالث شمعون فاجتمع إليه اليهود من كل ناحية وعظمت عساكره وغزا جميع أعدائهم ومن ظاهر عليهم من سائر الامم وزحف إليه دمترياس قائد الروم بانطاكية فهزمه شمعون وقتل غالب عسكره ولم تعاودهم الروم بعدها بالحرب إلى أن هلك شمعون وثب عليه صهره تلماى زوج أخته فقتله وتقبض على بنيه وامرأته وهرب
ابنه الاكبر قانوس بن شمعون إلى غزة فامتنع بها وكان اسمه يوحان وكان شجاعا قتل في بعض الحروب شجاعا اسمه هرقانوس فسماه أبوه باسمه ثم اجتمع عليه اليهود وملكوه وسار إلى بيت المقدس وفر تلماى المتوثب على أبيه إلى حصن داخون فامتنع به وسار هرقانوس إلى محاربته وضيق عليه وأشرف تلماى في بعض الايام من فوق السور بأم هرقانوس وأخته يتهدده بقتلهما فكف عن الحرب وانصرف لحضور عيد المظال ببيت المقدس فقتل تلماى أخته وأمه وفر من الحصن قال ابن كريون ثم زحف دمترياس ابن سلياقوس قائد الروم إلى القدس وحاصر اليهود فامتنعوا وثلم السور وراسلوه في تأخير الحرب إلى انقضاء عيدهم ففعل على أن يكون له نصيب في القربان ووقعت في نفسه صاغية إليهم وأهدى تماثيل للبيت فحسن موقعها عندهم وراسلوه في الصلح على المسالمة والمظاهرة لبعض فأجاب وخرج إليه هرقانوس ملك اليهود وأعطاه ثلثمائة بدرة من الذهب استخرجها من بعض قبور بنى داود ورحل عنهم الروم وشغل هرقانوس(2/121)
في رم ما ثلم من السور وحدثت خلال ذلك فتنة بين الفرس والروم فسار إليهم دمترياس في جموع الروم وبينما ابطأ هرقانوس ملك اليهود لحضور عيدهم إذ جاءه الخبر بأن الفرس هزموا دمترياس فنهز الفرصة وزحف إلى أعدائه من أهل الشأم وفتح نابلس وحصون أروم التى بجبل الشراة وقتل منهم خلقا ووضع عليهم الجزية واخذهم بالختان والتزام أحكام التوراة وخرب الهيكل الذى بناه سنبلاط السامري في طول بريد باذن الاسكندر وقهر جميع الامم المجاورين لهم ثم بعث وجوه اليهود وأعيانهم إلى الاشياخ والمدبرين برومة يسأل تجديد العهد وأن يردوا على اليهود ما أخذ انطيخوس ويونان من بلادهم التى صارت في مملكة الروم فأجابوا وكتبوا له العهد بذلك وخاطبوه بملك اليهود وانما كان يسمى من سلف قبله من آبائه بالكوهن فسمى نفسه من يومئذ بالملك وجمع بين منزلة الكهنونة ومنزلة الملك وكان أول ملوك بنى حشمناى ثم سار إلى مدينة السامرة
صبصطية ففتحها وخربها وقتل أهلها قال ابن كريون وكان اليهود في دينهم يومئذ ثلاث فرق فرقة الفقهاء وأهل القياس ويسمونهم الفروشيم وهم الربانيون وفرقة الظاهرية المتعلقين بظواهر الالفاظ من كتابهم ويسمونهم الصدوقية وهم القراؤن وفرقة العباد المنقطعين إلى العبادة والتسبيح والزهاد فيما سوى ذلك ويسمونهم الحيسيد وكان هرقانوس وآباؤه من الربانيين ففارق مذهبهم إلى القرائين لانه جمع اليهود يوما عند ما تمهد أمره وأخذ بمذاهب الملك وألقى به في صنيع احتفل فيه وألان لهم جانبه وخضع في قوله وقال أريد منكم النصيحة فطمع بعض الربانيين فيه وقال ان النصيحة أن تنزل عن الكهنونة وتقتصر على الملك وقد فاتك شرطها لان أمك كانت سبية من أيام انطيخوس فغضب لذلك وقال للربانيين قد حكمتكم في صاحبكم فأخذوا في تأديبه بالضرب فتنمر لهم من أجل ذلك وفارق مذهبهم إلى مذهب القرائين وقتل من الربانيين خلقا كثيرا ونشأت الفتنة بين هاتين الطائفتين من اليهود واتصلت بينهم الحرب إلى هذا العهد وهلك هرقانوس لاحدى وثلاثين سنة من دولته وملك بعده ابنه ارستبلوس وكان كبيرهم وكان له ولدان آخران وهما انطقنوس ويحب الملك له ويبغض الاسكندر فأبعده إلى جبل الخليل فلما ملك ارستبلوس أخذ من اخوته بمذهب أبيهم وقبض على الاسكندر وأمه واستخلص انطقنوس وقدمه على العساكر واكتفى به في الحروب وترفع عن تاج الكهنونة ولبس تاج الملك وخرج انطقنوس إلى الامم المجاورين الخارجين عن طاعتهم فردهم إلى الطاعة وكثرت السعاية فيه عند أخيه من البطانة وأغروه به فلما قدم انطقنوس من مغيبه وافق عيد المظال وكان أخوه ملتزما بيته لمرض طرقه فعدل انطقنوس عن بيته إلى الهيكل للتبرك فأوهموا الملك أنه انما فعل ذلك لاستمالة(2/122)
الكنهونية والعامة وأنه يروم قتل أخيه وعلامة ذلك أنه جاء بسلاحه فعهد ارستبلوس إلى حشمائه وغلمان قصره أن جاء متسلحا أن يقتلوه وكان ذلك وتمت حيلة البطانة
وسعايتهم عليه وعلم ارستبلوس ان قد خدع في أخيه فندم واغتم ولطم صدره حتى قذف الدم من فيه وأقام عليلا بعده حولا كاملا ثم هلك فافرجوا على أخيه الاسكندر من محبسه وبايعوا له بالملك واستقام له الامر ثم انتقض عليه عكا وأهل صيدا وأهل غزة بعثوا إلى قبرص وسار الاسكندر إلى عكا فحاصرها وكانت كلو بطره ملكة من بقية اليونان قد انتقض عليها ابنها واسمه الظيرو وأجاز البحر إلى جزيرة قبرص فملكها فبعث أهل عكا أنهم يملكونه وأجاز إليهم في ثلاثين ألف مقاتل حتى إذا أفرج الاسكندر عن حصارهم راجعوا أمرهم ومنعوا الظيروا من الدخول إليهم فسار في بلاد الاسكندر ونزل على جبل الخليل فقتل منه خلقا ونزل على الاردن وفي خلال ذلك زحف الاسكندر إلى صيدا ففتحها عنوة واستباحها وعاد إلى القدس وقد أطاعته البلاد وحسم داء المنتقضين عليه ثم تجددت الفتنة بين اليهود بالقدس وذلك انهم اجتمعوا في عيد المظال بالمسجد وحضر الاسكندر معهم فتلاعبوا بين يديه مراماة بما عندهم من مشموم ومأكول وأصاب الاسكندر رمية من الربانيين فغضب لها وشاتمهم القراؤن بما كانوا من شيعته فشتموا الاسكندر وقتلوا الشاتم وأصحابه فلم يغن عنهم وعظم فيهم الفتك وانفض الجمع وعهد الاسكندر ان يستد المذبح والكهنة بحائط عن الناس ونفذ أمره بذلك واتصلت الفتنة بين اليهود ست سنين قتل من الربانيين نحو من خمسين ألفا والاسكندر يعين القرائين عليهم وبعثوا إلى دمتريوس المسمى انطيخوس وبذلوا له المال فسار معهم إلى نابلس ولقى الاسكندر فهزمه وقتل عامة أصحابه ورجع فخرج الاسكندر إلى الربانيين وأثخن فيهم وظفر منهم بجماعة تزيد على ثلثمائة فقتلهم صبرا وقهر سائر اليهود وسار إلى دمتريوس ففتح الكثير من بلاده وخرج فظفر به الاسكندر وقتله وعاد إلى بيت المقدس لثلاث سنين في محاربة الربانيين ودمتريوس فاستقام أمره وعظم سلطانه ثم طرقه المرض فقام عليلا ثلاثا آخرين وخرج بعدها لحصار بعض الحصون وانتقضوا عليه فمات هنا لك وأوصى امرأته الاسكندرة بكتمان موته حتى يفتح الحصن وتسير
بشلوه إلى القدس فتدفنه فيه وتصانع الربانيين على ولدها فتملكه لان العامة إليهم أميل ففعلت ذلك واستدعت من كان نافرا من الربانيين وجمعتهم وقدمتهم للشورى واستبدت بالملك وكان لها ابنان من الاسكندر بن هرقانوس اسم الاكبر منهما هرقانوس والآخر ارستبلوس وكانا صغيرين عند موت أبيهما فلما كبرا عينت هرقانوس للكهنونة وقدمت ارستبلوس على العساكر والحروب وضمت إليه الربانيين وأخذت الرهن من جميع الامم(2/123)
وسألها الربانيون في الاخذ بثأرهم من القرائين خلقا كثيرا وجاء القراؤون إلى ابنها الكهنون ينكرون ذلك وأنه إذا فعل بهم ذلك وقد كانوا شيعا لابيه الاسكندر فقد تحدث النفرة من سائر الناس وسألوه أن يلتمس لهم اذنها في الخروج عن القدس والبعد عن الربانيين فأذنت لهم رغبة في انقطاع الفتنة وخرج معهم وجوه العسكر ثم ماتت خلال ذلك لتسع سنين من دولتها ويقال ان ظهور عيسى صلوات الله عليه كان في أيامها وكان ابنها ارستبلوس قائد العسكر لما شعر بموتها خرج إلى القرائين يستدعيهم إلى نصرته فأجازوه وتقبضت هي على أبنيه وامرأته واجتمعت عليه العساكر من النواحى وضرب البوق وزحف لحرب أخيه هرقانوس والربانيين وحاصرهم ارستبلوس ببيت المقدس وعزم على هدم الحصن فخرج إليه أعيان اليهود والكهنونية ساعين في الصلح بينهما وأجاب على أن يكون ملكا ويبقى هرقانوس على الكهنونية فتم ذلك واستقر عليه أمره (ابتداء أمر انظفتر أبو هيردوس) ثم سعى في الفتنة بينهما انظفتر أبو هيردوس وكان من عظماء بنى اسرائيل من الذين جمعوا مع العزير من بابل وكان ذا شجاعة وبأس وله يسار وقنية من الضياع والمواشى وكان الاسكندر قد ولاه على بلاد أروم وهى جبال الشراة فأقام في ولايتها سنين وكثر ماله وأنكحوه منهم فكان له منها أربعة من الابناء وهم فسيلو وهيردوس وفرودا
ويوسف وبنت اسمها سلومث وقيل ان انظفتر لم يكن من بنى اسرائيل وانما كان من أروم وربى في جملة بنى حسمناى وبيوتهم فلما مات الاسكندر وملكت زوجته الاسكندرة عزلته عن جبال الشراة فأقام بالقدس حتى إذا استبد بالامر ارستبلوس وكان بين هرقانوس وانظفتر مودة وصحبة فغص ارستبلوس بمكانه من أخيه لما يعلم من مكر انظفتر وهم بقتله فانفض عنه وأخذ في التدبير على ارستبلوس وفشا في الناس تبغضه إليهم وينكر تغلبه ويذكر لهم أن هرقانوس أحق بالملك منه ثم حذر هرقانوس من أخيه وخيل إليه أنه يريد قتله وبعث لشيعة هرقانوس المال على تخويفه من ذلك حتى تمكن منه الخوف ثم أشار عليه بالخروج إلى ملك العرب هرثمة وكان يحب هرقانوس فعقد معه عهدا على ذلك ولحق هرقانوس بهرثمة ومعه انظفتر ثم دعوا هرثمة إلى حرب ارستبلوس فأجابهم بعد مراوغة وتزاحفوا ونزع الكثير من عسكر ارستبلوس إلى هرقانوس فرجع هاربا إلى القدس ونازلهم هرقانوس وهرثمة واتصلت الحرب وطال الحصار وحضر عيد الفطير وافتقد اليهود القرابين فبعثوا إلى أصحاب هرقانوس فيها فاشتطوا في الثمن ثم أخذوه ولم يعطوهم شيئا وقتلوا بعض النساك طلبوه في الدعاء على(2/124)
ابن أبى البكير الليثى وسقط عمر فاستخلف عبد الرحمن بن عوف في الصلاة واحتمل إلى بيته ثم دعا عبد الرحمن وقال أريد أن أعهد اليك قال أتشير على بها قال لا قال والله لا أفعل قال فهبني صمتا حتى اعهد إلى النفر الذين توفى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو عنهم راض ثم دعا عليا وعثمان والزبير وسعدا وعبد الرحمن معهم وقال انتظروا طلحة ثلاثا فان جاءو الا فاقضوا أمركم وناشد الله من يفضى إليه الامر منهم أن يحمل أقاربه على رقاب الناس وأوصاهم بالانصار الذين تبوؤا الدار والايمان أن يحسن إلى محسنهم ويعفو عن مسيئهم وأوصى بالعرب فانهم مادة الاسلام أن تؤخذ صدقاتهم في فقرائهم وأوصى بذمة رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يوفى لهم بعهدهم ثم قال اللهم
قد بلغت لقد تركت الخليفة من بعدى على أنقى من الراحة ثم دعى أبا طلحة الانصاري فقال قم على باب هؤلاء ولا تدع أحدا يدخل إليهم حتى يقضوا أمرهم ثم قال يا عبد الله ابن عمر اخرج فانظر من قتلني قال يا أمير المؤمنين قتلك أبو لؤلؤة غلام المغيرة قال الحمد لله الذى لم يجعل منيتى بيد رجل سجد لله سجدة واحدة ثم بعث إلى عائشة يستأذنها في دفنه مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبى بكر فأذنت له ثم قال يا عبد الله ان اختلف القوم فكن مع الاكثر فان تساووا فكن مع الذين فيهم عبد الرحمن بن عوف ثم أذن للناس فدخل المهاجرون والانصار فقال لهم أهذا عن ملا منكم فقالوا معاذ الله وجاء على وابن عباس فقعدوا عند رأسه وجاء الطبيب فسقاه نبيذا فخرج متغيرا ثم لبنا فخرج كذلك فقال له اعهد قال قد فعلت ولم يزل يذكر الله إلى أن توفى ليلة الاربعاء لثلاث بقين من ذى الحجة سنة ثلاث وعشرين وصلى عليه صهيب وذلك لعشر سنين وستة أشهر من خلافته وجاء أبو طلحة الانصاري ومعه المقداد بن الاسود وقد كان أمرهما عمر أن يجمعا هؤلاء الرهط الستة في مكان ويلزماهم أن يقدموا للناس من يختاروه منهم وان اختلفوا كان الاتباع للاكثر وان تساووا حكموا عبد الله بن عمر واتبعوا عبد الرحمن بن عوف ويؤجلوهم في ذلك ثلاثا يصلى فيها بالناس صهيب ويحضر عبد الله بن عمر معهم مشيرا ليس له شئ من الامر وطلحة شريكهم ان قدم في الثلاث ليال فجمعهم أبو طلحة والمقداد في بيت المسور بن مخرمة وقيل في بيت عائشة وجاء عمرو بن العاصى والمغيرة بن شعبة فجلسا بالباب فحصبهما سعد وأقامهما وقال تريدان أن تقولا حضرنا وكنا في إهل الشورى ثم دار بينهما الكلام وتنافسوا في الامر فقال عبد الرحمن أيكم يخرج منها نفسه ويجتهد فيوليها أفضلكم وأنا أفعل ذلك فرضى القوم وسكت على فقال ما تقول على شريطة أن تؤثر الحق ولا تتبع الهوى ولا تخص ذا رحم ولا تألو الامة نصحا وتعطينا العهد بذلك قال وتعطوني أنتم مواثيقكم على أن تكونوا(2/125)
معى على من خالف وترضوا من اخترت وتواثقوا ثم قال لعلى أنت أحق من حضر بقرابتك وسوابقك وحسن أثرك في الدين ولم تبعد في نفسك فمن ترى أحق فيه بعدك من هؤلاء قال عثمان وخلا بعثمان فقال له مثل ذلك فقال على ودار عبد الرحمن لياليه كلها يلقى أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن يوافي المدينة من أمراء الاجناد واشراف الناس ويشيرهم إلى صبيحة الرابع فأتى منزل المسور بن مخرمة وخلافيه بالزبير وسعد أن يتركا الامر لعلى أو عثمان فاتفقا على على ثم قال له سعد بايع لنفسك وأرحنا فقال قد خلعت لهم نفسي على أن أختار ولو لم أفعل ما أريدها ثم استدعى عبد الرحمن عليا وعثمان فناجى كلا منهما إلى أن رضوا بل إلى أن صلوا الصبح ولا يعلم أحد ما قالوا ثم جمع المهاجرين وأهل السابقة من الانصار وأمراء الاجناد حتى غص المسجد بهم فقال أشيروا على فأشار عمار بعلى فقال ابن أبى سرح ان أردت أن لا تختلف ريش فبايع عثمان ووافقه عبد الله بن أبى ربيعة فتفاوضا وتشاتما ونادى سعد يا عبد الرحمن افرغ قبل أن يفتتن الناس فقال نظرت وشاورت فلا تجعلن أيها الرهط على أنفسكم سبيلا ثم قال لعلى عليك عهد الله وميثاقه لتعملن بكتاب الله وسنة رسوله وسيرة الخليفتين من بعده قال أرجو أن أجتهد بل أن أفعل بمبلغ علمي وطاقتي وقال لعثمان مثل ذلك فقال نعم فرفع رأسه إلى سقف المسجد ويده في يد عثمان وقال اللهم اشهد أنى قد جعلت ما في عنقي من ذلك في عنق عثمان فبايعه الناس ثم قدم طلحة في ذلك اليوم فأتى عثمان فقال له عثمان أنت على الخيار في الامر وان أبيت رددتها فقال أكل الناس بايعوك قال نعم قال رضيت ولا أرغب عما أجمعوا عليه وكانت العجم بالمدينة يستروح بعضها إلى بعض ومر أبو لؤلؤة بالهرمزان وبيده الخنجر الذى طعن به عمر فتناوله من يده وأطال النظر فيه ثم رده إليه ومعهم جفينة نصراني من أهل الحيرة فلما طعن عمر من الغداة قال عبد الرحمن بن أبى بكر لعبيد الله بن عمر انى رأيت هؤلاء الثلاثة يتناجون فلما رأوني افترقوا وسقط منهم هذا الخنجر فعدا عبيد الله عليهم
فقتلهم ثلاثتهم وأمسكه سعد بن أبى وقاص وجاء به إلى عثمان بعد البيعة وهو في المسجد فاشار على بقتله وقال عمرو بن العاصى لا يقتل عمر بالامس ويقتل ابنه اليوم فجعلها عثمان دية واحتملها وقال انا وليه ثم قام عثمان وصعد المنبر وبايعه الناس كافة وولى لوقته سعد بن أبى وقاص على الكوفة وعزل المغيرة وذلك بوصية عمر لانه أوصى بتولية سعد وقال لم أعزله عن سوء ولا خيانة منه وقيل انما ولاه وعزل المغيرة بعد سنة وانه أقر لاول أمره عمال عمر كلهم * (نقض اهل الاسكندرية وفتحها) *(2/126)
لما سار هرقل إلى القسطنطينية وفارق الشأم واستولى المسلمون على الاسكندرية وبقى الروم بها تحت أيديهم فكاتبوا هرقل فاستنجدوه فبعث إليهم عسكرا مع منويل الخصى ونزلوا بساحل الاسكندرية لمنعهم المقوقس من الدخول إليه فساروا إلى مصر ولقيهم عمرو بن العاصى والمسلمون فهزموهم واتبعوهم إلى الاسكندرية وأثخنوا فيهم بالقتل وقتل قائدهم منويل الخصى وكانوا قد أخذوا في مسيرهم إلى مصر أموال أهل القرى فردها عمرو عليهم بالبينة ثم هدم سور الاسكندرية ورجع إلى مصر * (ولاية الوليد بن عقبة الكوفة وصلح ارمينية واذربيجان) * وفي سنة خمس وعشرين عزل عثمان سعدا عن الكوفة لانه اقترض من عبد الله بن مسعود من بيت المال قرضا وتقاضاه ابن مسعود فلم يوسر سعد فتلاحيا وتناجيا بالقبيح وافترقا يتلاومان وتداخلت بينهما العصبية وبلغ الخبر عثمان فعزل سعدا ثم عزل عتبة بن فرقد عن اذربيجان فنقضوا فغزاهم الوليد وعلى مقدمته عبد الله بن شبيل الاحمسي فأغار على أهل موقان والبرزند والطيلسان ففتح وغنم وسبى وطلب أهل كور آذربيجان الصلح فصالحهم على صلح حذيفة ثمانمائة درهم وقبض المال ثم بث سراياه وبعث سلمان بن ربيعة الباهلى إلى اهل ارمينية في اثنى عشر ألفا فسار فيها وأثخن
ثم انصرف إلى الوليد وعاد الوليد إلى الكوفة وجعل طريقه على الموصل فلقيه كتاب عثمان بأن الروم أجلبوا على معاوية بالشأم فابعث إليهم رجلا من أهل النجدة والبأس في عشرة آلاف عند قراءة المكتوب فبعث الوليد الناس مع سلمان بن ربيعة ثمانية آلاف ومضوا إلى الشأم ودخلوا أرض الروم مع حبيب بن مسلمة فشنوا عليهم الغارات واستفتحوا الحصون وقيل ان الذى أمد حبيب بن مسلمة بسلمان بن ربيعة هو سعيد بن العاصى وذلك أن عثمان كتب إلى معاوية أن يغزى حبيب بن مسلمة في أهل الشأم أرمينية فبعثه وحاصر قاليقلا حتى نزلوا على الجلاء أو الجزية فجلى كثيرا إلى بلاد الروم وأقام فيها فيمن معه أشهرا ثم بلغه أن بطريق أرميناقس وهى بلاد ملطية وسيواس وقونية إلى خليج قسطنطينية قد زحف إليه في ثمانين ألفا فاستنجد معاوية فكتب إلى عثمان فأمر سعيد بن العاصى بامداد حبيب فأمده بسلمان في ستة آلاف وبيت الروم فهزمهم وعاد إلى قالى قلا ثم سار في البلاد فجاء بطريق خلاط وبيده أمان عياض بن غنم وحمل ما عليه من المال فنزل حبيب خلاط ثم سار منها فصالحه صاحب السيرجان ثم صاحب اردستان ثم صالح أهل دبيل بعد الحصار ثم أهل بلاد السيرجان كلهم ثم أتى أهل شمشاط فحاربوه فهزمهم وغلب على حصونهم ثم صالحه بطريق خرزان على بلاده وسار إلى تفليس فصالحوه وفتح عدة حصون ومدن تجاورها وسار ابن ربيعة الباهلى(2/127)
إلى أران فصالح أهل البيلقان على الجزية والخراج ثم أهل بردعة كذلك وقراها وقاتل اكراد البوشنجان وظفر بهم وصالح بعضهم على الجزية وفتح مدينة شمكور وهى التى سميت بعد ذلك المتوكلية وسار سلمان حتى فتح فلية 2 وصالحه صاحب كسكر على الجزية وملك شروان وسائر ملوك الجبال إلى مدينة الباب وانصرفوا ثم غزا معاوية الروم وبلغ عمورية ووجد ما بين انطاكية وطرسوس من الحصون خاليا فجمع فيها العساكر حتى رجع وخربها
* (ولاية عبد الله بن أبى سرح على مصر وفتح افريقية) * وفي سنة ست وعشرين عزل عثمان عمرو بن العاصى عن خراج مصر واستعمل مكانه عبد الله بن أبى سرح أخاه من الرضاعة فكتب إلى عثمان يشكو عمرا فاستقدمه واستقل عبد الله بالخراج والحرب وأمره بغزو افريقية وقد كان عمرو بن العاصى سنة احدى وعشرين سار من مصر إلى برقة فصالح أهلها على الجزية ثم سار إلى طرابلس فحاصرها شهرا وكانت مكشوفة السور من جانب البحر وسفن الروم في مرساها فحسر القوم في بعض الايام وانكشف أمرها لبعض المسلمين المحاصرين فاقتحموا البلد بين البحر والبيوت فلم يكن للروم ملجأ الا سفنهم وارتفع الصياح فأقبل عمرو بعساكره فدخل البلد ولم تفلت الروم الا بما خف في المراكب ورجع إلى مدينة صبرة وكانوا قد أمنوا بمنعة طرابلس فصبحهم المسلمون ودخلوها عنوة وكمل الفتح ورجع عمرو إلى برقة فصالحه أهلها على ثلاثة عشر ألف دينار جزية وكان أكثر أهل برقة لواتة وكان يقال ان البربر ساروا بعد قتل ملكهم جالوت إلى الغرب وانتهوا إلى لوبية ومراقية كورتان من كور مصر فصارت زناتة ومغيلة من البربر إلى الغرب فسكنوا الجبال وسكنت لواتة برقة وتعرف قديما انطابلس وانتشروا إلى السوس ونزلت هوارة مدينة لبدة ونزلت نفوسة مدينة صبرة وجلوا من كان هنا لك من الروم وأقام الافارق وهم خدم الروم وبقيتهم على صلح يؤدونه إلى من غلب عليهم إلى أن كان صلح عمرو بن العاصى ثم ان عبد الله بن ابى سرح كان أمره عثمان بغزو افريقية سنة خمس وعشرين وقال له ان فتح الله عليك فلك خمس الخمس من الغنائم وأمر عقبة بن نافع بن عبد القيس على جند وعبد الله ابن نافع بن الحرث على آخر وسرحهما فخرجوا إلى افريقية في عشرة آلاف وصالحهم أهلها على مال يؤدونه ولم يقدروا على التوغل فيها لكثرة أهلها ثم ان عبد الله بن أبى سرح استأذن عثمان في ذلك واستمده فاستشار عثمان الصحابة فأشاروا به فجهز العساكر من المدينة وفيهم جماعة من الصحابة منهم ابن عباس وابن عمر وابن عمرو بن
العاصى وابن جعفر والحسن والحسين ابن الزبير وساروا مع عبد الله بن أبى سرح(2/128)
سنة ست وعشرين ولقيهم عقبة بن نافع فيمن معه من المسلمين ببرقة ثم ساروا إلى طرابلس فنهبوا الروم عندها ثم ساورا إلى افريقية وبثوا السرايا في كل ناحية وكان ملكهم جرجير يملك ما بين طرابلس وطنجة تحت ولاية هرقل ويحمل إليه الخراج فلما بلغه الخبر جمع مائة وعشرين ألفا من العساكر ولقيهم على يوم وليلة من سبيطلة دار ملكهم وأقاموا يقتتلون ودعوه إلى الاسلام أو الجزية فاستكبر ولحقهم عبد الرحمن ابن الزبير مددا بعثه عثمان لما أبطأت أجنادهم وسمع جرجير بوصول المدد ففت في عضده وشهد ابن الزبير معهم القتال وقد غاب ابن أبى سرح وسأل عنه فقيل انه سمع منادى جرجير يقول من قتل ابن أبى سراح فله مائة ألف دينار وأزوجه ابنتى فخاف وتأخر عن شهود القتال فقال له ابن الزبير تنادى أنت بأن من قتل جرجير نفلته مائة ألف وزوجته ابنته واستعملته على بلاده فخاف جرجير أشد منه ثم قال عبد الله بن الزبير لابن أبى سرح أن يترك جماعة من ابطال المسلمين المشاهير متأهبين للحرب ويقاتلون الروم بباقى العسكر إلى أن يضجروا فيركب عليهم بالآخرين على غرة لعل الله ينصرنا عليهم ووافق على ذلك أعيان الصحابة ففعلوا ذلك وركبوا من الغد إلى الزوال وألحوا عليهم حتى أتعبوهم ثم افترقوا وأركب عبد الله الفريق الذين كانوا مستريحين فكبروا وحملوا حملة رجل واحد حتى غشوا الروم في خيامهم فانهزموا وقتل كثير منهم وقتل ابن الزبير جرجير وأخذت ابنته سبية فنفلها ابن الزبير وحاصر ابن أبى سرح سبيطلة ففتحها وكان سهم الفارس فيها ثلاثة آلاف دينار وسهم الرجل ألف وبث جيوشه في البلاد إلى قفصة فسبوا وغنموا وبعث عسكر إلى حصن الاجم وقد اجتمع به أهل البلاد فحاصره وفتحه على الامان ثم صالحه أهل افريقية على ألفى ألف وخمسمائة دينار وأرسل ابن الزبير بالفتح والخمس فاشتراه مروان بن الحكم بخمسمائة ألف دينار وبعض الناس
يقول أعطاه اياه ولا يصح وانما أعطى ابن أبى سرح خمس الخمس من الغزوة الاولى ثم رجع عبد الله بن أبى سرح إلى مصر بعد مقامه سنة وثلاثة أشهر (ولما) بلغ هرقل ان أهل افريقية صالحوه بذلك المال الذى أعطوه غضب عليهم وبعث بطريقا يأخذ منهم مثل ذلك فنزل قرطاجنة وأخبرهم بما جاء له فأبوا وقالوا قد كان ينبغى أن يساعدنا مما نزل بنا فقاتلهم البطريق وهزمهم وطرد الملك الذى ولوه بعد جرجير فلحق بالشأم وقد اجتمع الناس على معاوية بعد على رضى الله عنه فاستجاشه على افريقية فبعث معه معاوية بن حديج (3) السكوني في عسكر فلما وصل الاسكندرية وهلك الرومي ومضى ابن حديج في العساكر فنزل قونية وسرح إليه البطريق ثلاثين ألف مقاتل وقاتلهم معاوية فهزمهم معاوية وحاصر حصن جلولاء فامتنع معه حتى سقط ذات سوره فملكه(2/129)
المسلمون وغنموا ما فيه ثم بث السرايا ودوخ البلاد فأطاعوا وعاد إلى مصر ولما أصاب ابن أبى سرح من افريقية ما أصاب ورجع إلى مصر خرج قسطنطين بن هرقل غازيا إلى اسكندرية في ستمائة مركب وركب المسلمون البحر مع ابن أبى سرح ومعه معاوية في أهل الشأم فلما تراآى الجمعان ارسوا جميعا وباتوا على أمان والمسلمون يقرؤن ويصلون ثم قرنوا سفنهم عند الصباح واقتتلوا ونزل الصبر واستحر القتل ثم انهزم قسطنطين جريحا في فل قليل من الروم وأقام ابن أبى سرح بالموضع أياما ثم قفل وسمى المكان ذات الصوارى والغزوة كذلك لكثرة ما كان بها من الصوارى وكانت هذه الغزاة سنة احدى وثلاثين وقيل أربع وثلاثين وسار قسطنطين إلى صقلية وعرفهم خبر الهزيمة فنكروه وقتلوه في الحمام * (فتح قبرص) * كان أبو عبيدة لما احتضر استخلف على عمله عياض بن غنم وكان ابن عمه وخاله وقيل استخلف معاذ بن جبل واستخلف عياض بعده سعيد بن حذيم الجمعى ومات سعيد فولى
عمر مكانه عمير بن سعيد الانصاري ومات يزيد بن أبى سفيان فجعل عمر مكانه على دمشق أخاه معاوية فاجتمعت له دمشق والاردن ومات عمر وهو كذلك وعمير على حمص وقنسرين ثم استعفى عمير عثمان في مرضه فأعفاه وضم حمص وقنسرين إلى معاوية ومات عبد الرحمن بن أبى علقمة وكان على فلسطين فضم عثمان عمله إلى معاوية فاجتمع الشأم كله لمعاوية لسنتين من امارة عثمان وكان يلح على عمر في غزو البحر وكان وهو بحمص كتب إليه في شان قبرص ان قرية من قرى حمص يسمع أهلها نباح كلاب قبرص وصياح دجاجهم فكتب عمر إلى عمرو بن العاصى صف لى البحر وراكبه فكتب إليه هو خلق كبير يركبه خلق صغير ليس الا السماء والماء ان ركد فلق القلوب وان تحرك أزاغ العقول يزداد فيه اليقين قلة والشك كثرة وراكبه دود على عود ان مال غرق وان نجا برق فكتب عمر إلى معاوية والذى بعث محمدا بالحق لا أحمل فيه مسلما أبدا وقد بلغني ان بحر الشأم يشرف على أطول شئ من الارض فيستأذن الله كل يوم وليلة في أن يغرق الارض فكيف أحمل الجنود على هذا الكافر وبالله لمسلم واحد أحب إلى مما حوت الروم فاياك أن تعرض لى في ذلك فقد علمت ما لقى العلاء منى ثم كاتب ملك الروم عمر وقاربه وأقصر عن الغزو ثم ألح معاوية على عثمان بعده في غزو البحر فأجابه على خيار الناس وطوعهم فاختار الغزو جماعة من الصحابة فيهم أبو ذر وأبو الدرداء وشداد بن أوس وعبادة بن الصامت وزوجه أم حرام بنت ملحان واستعمل عليهم عبد الله بن قيس حليف بنى فزارة وساروا إلى قبرص وجاء عبد الله بن أبى سرح من مصر(2/130)
فاجتمعوا عليها وصالحهم اهلها على سبعة آلاف دينار لكل سنة ويؤدون مثلها للروم ولا منعة لهم على المسلمين ممن أرادهم من سواهم وعلى أن يكونوا عينا للمسلمين على عدوهم ويكون طريق الغز وللمسلمين عليهم وكانت هذه الغزاة سنة ثمان وعشرين وقيل تسع وعشرين وقيل ثلاث وثلاثين وماتت فيها أم حرام سقطت عن دابتها حين
خرجت من البحر وكان النبي صلى الله عليه وسلم أخبرها بذلك وأقام عبد الله بن قيس الجاسى على البحر فغزا خمسين غزاة لم ينكب فيها احد إلى أن نزل في بعض ايام في ساحل المرقى من أرض الروم فثاروا إليه فقتلوه ونجا الملاح وكان استخلف سفيان بن عوف الازدي على السفن فجاء إلى أهل المرقى وقاتلهم حق قتل وقتل معه جماعة * (ولاية ابن عامر على البصرة وفتوح فارس وخراسان) * وفي السنة الثالثة من خلافة عثمان خرج أبو موسى من البصرة غازيا إلى أهل آمد والاكراد لما كفروا وحمل ثقله على أربعين بغلا من القصر بعد ان كان حض على الجهاد مشيا فأنب الناس عليه ومضوا إلى عثمان فاستعفوه منه وتولى كبر ذلك غيلان بن خرشة فعزله عثمان وولى عبد الله بن عامر بن كريز بن ربيعة بن حبيب بن عبد شمس وهو ابن خال عثمان وكان ابن خمس وعشرين سنة وجمع له جند أبى موسى وجند عثمان ابن أبى العاصى من عمان والبحرين فصرف عبيد الله بن معمر عن خراسان وبعثه إلى فارس وولى على خراسان مكانه عمير بن عثمان بن سعد فأثخن فيها حتى بلغ فرغانة ولم يدع كورة الا أصلحها ثم ولى عليها سنة أربع أمير (3) بن أحمر اليشكرى وعلى كرمان عبد الرحمن بن عبس واستعمل على سجستان في سنة أربع عمران بن الفضيل البرجمى وعلى كرمان عاصم بن عمرو فجاشت فارس وانتقضت بعبيد الله بن عمرو وجمعوا له فلقيهم بباب اصطخر فقتل عبيد الله وانهزم جنده وبلغ الخبر عبد الله بن عامر فاستنفر أهل البصرة وسار بالناس وعلى مقدمته عثمان بن أبى العاصى وفي المجنبتين أبو برزة الاسلمي ومعقل بن يسار وعلى الخيل عمران بن حصين ولقيهم باصطخر فقتل منهم مقتلة عظيمة وانهزموا وفتح اصطخر عنوة وبعدها دارا بجرد وسار إلى مدينة جور وهى اردشير وكان هرم بن حيان محاصرا لها فلما جاء ابن عامر فتحها ثم عاد إلى اصطخر وقد نقضت فحاصرها طويلا ورماها بالمجانيق واقتحمها عنوة ففنى فيها أكثر أهل البيوتات والاساورة لانهم كانوا لجأوا إليها ووطئ أهل فارس وطأة لم يزالوا منها في ذل وكتب إلى عثمان بالفتح
فكتب إليه أن يستعمل على كور فارس هرم بن حيان اليشكرى وهرم بن حيان العبسى والخريت بن راشد وأخاه المنجاب من بنى سامة والبرجمان الهجيمى وان يفرق كور خراسان بين ستة نفر الاحنف بن قيس على المرو وحبيب بن قرة اليربوعي على بلخ(2/131)
وخالد بن عبد الله بن زهير عى هراة وأمير بن أحمر اليشكرى على طوس وقيس بن هبيرة السلمى على نيسابور ثم جمع عثمان خراسان كلها لقيس واستعمل أمير بن أحمر اليشكرى على سجستان ثم بعده عبد الرحمن بن سمرة من قرابة ابن عامر بن كرير فلم يزل عليها حتى مات عثمان وعمران على كرمان وعمير بن عثمان بن مسعود على فارس وابن كريز القشيرى على مكران وخرج على قيس بن هبيرة بعد موت عثمان ابن عمه عبد الله بن حازم كما نذكره ولما افتتح ابن عامر فارس أشار عليه الناس بقصد خراسان وكانوا قد انتقضوا فسار إليها وقيل عاد إلى البصرة واستخلف على فارس شريك بن الاعور الحارثى فبنى مسجدها فلما دخل إلى البصرة أشار عليه الاحنف بن قيس وحبيب بن أوس بالمسير إلى خراسان فتجهزوا واستخلف على البصرة زياد بن أبيه وسار إلى كرمان وقد نكثوا فبعث لحربهم مجاشع بن مسعود السلمى ولحرب سجستان الربيع بن زياد الحارثى وسار هو إلى نيسابور وتقدمه الاحنف بن قيس إلى الطبسين حصنان هما بابا خراسان فصالحه أهلها وسار إلى قوهستان فقتل أهلها حتى احجرهم في حصنهم ولحقه ابن عامر فصالحوه على ستمائة ألف درهم وقيل كان المتولي حرب قوهستان أمير بن أحمر اليشكرى ثم بعث ابن عامر السرايا إلى أعمال نيسابور ففتح رستاق رام عنوة وباخرز وجيرفت عنوة وبعث الاسود بن كلثوم من عدى الرباب وكان ناسكا إلى بيهق من أعمالها فدخل البلد من ثلمة كانت في سورها وقاتل حتى قتل وظفر أخوه أدهم بالبلد وفتح ابن عامر بشت بالشين المعجمة من أعمال نيسابور ثم اسفراين ثم قصد نيسابور وبعد ما استولى على أعمالها فحاصرها أشهر أو كان بها أربع مرازبة مر فارس فسأل واحد منهم الامان على أن يدخلهم ليلا وفتح لهم الباب وتحصن الاكبر
منهم في حصنها حتى صالح على ألف ألف درهم وولى ابن عامر على نيسابور قيس بن الهيثم السلمى وبعث جيشا إلى نسا وأبيورد فصالحهم أهلها وآخر إلى سرخس فصالحوا مرزبانها على أمان مائة رجل لم يدخل فيها نفسه فقتله وافتتحها عنوة وجاء مرزبان طوس فصالحه على ستمائة ألف درهم وبعث جيشا إلى هراة مع عبد الله بن حازم فصالح مرزبانها على ألف ألف درهم ثم بعث مرزبان مرو فصالح على ألف ألف ومائتي ألف وأرسل إليه ابن عامر حاتم بن النعمان الباهلى ثم بعث الاحنف بن قيس إلى طخارستان فصالح في طريقه رستاقا على ثلثمائة ألف وعلى أن يدخل رجل يؤذن فيه ويقيم حتى تتصرف ومر إلى مرو الروذ وزحف إليه أهلها فهزمهم وحاصرهم وكان مرزبانها من أقارب باذام صاحب اليمن فكتب إلى الاحنف متوسلا بذلك في الصلح فصالحه على ستمائة ألف ثم اجتمع أهل الجوزجان والطالقان والفارياب في جمع عظيم(2/132)
عتاب فيما أسر إلى سوما وزوج أخته فقويت عنده الظنة بهم جميعا وان مثل هذا السر لم يكن الا لامر مريب وأخذ في اخفائها واقصائها ودست عليه أخته بعض النساء تحدثه بأن زوجته داخلته في أن تستحضر السم وأحضره فجرب وصح وقتل للحين صهره يوسف وصاحبه سوما واعتقل زوجته ثم قتلها وندم على ذلك ثم بلغه عن أمها الاسكندرة مثل ذلك فقتلها وولى على أروم مكان صهره رجلا منهم اسمه كرسوس وزوجه أخته فسار إلى عمله وانحرف عن دين التوراة والاحسان الذى حملهم عليه هرقانوس وأباح لهم عبادة صنمهم وأجمع الخلاف وطلق أخت هيردوس فسعت به إلى أخيها وخبرته بأحواله وأنه آوى جماعة من بنى حشمناى المرشحين للملك منذ اثنى عشر سنة فقام هيردوس في ركائبه وبحث عنه فحضر وطالبه ببنى حشمناى الذين عنده فأحضرهم فقتله وقتلهم وأرهف حده وقتل جماعة من كبار اليهود ومقدميهم اتهمهم بالانكار عليه فأذعن له الناس واستفحل ملكه وأهمل المراعاة لوصايا التوراة وعمل
في بيت المقدس سورا واتخذ منزه لعب وأطلق فيه السباع ويحمل بعض الجهلة على مقابلتها فتفترسهم فنكر الناس ذلك وأعمل أهل الدولة الحيلة في قتله فلم تتم لهم وكان يمشى متنكرا للتجسس على أحوال الناس فعظمت هيبته في النفوس وكان أعظم طوائف اليهود عنده الربانيون بما تقدم لهم في ولايته وكان لطائفة العباد من اليهود المسمى بالحيسيد مكانة عنده أيضا كان شيخهم مناحيم لذلك العهد محدثا وكان حدثه وهو غلام بمصير الملك له وأخبره وهو ملك بطول مدته في الملك فدعا له ولقومه وكان كلفا ببناء المدن والحصون ومدينة قيسارية من بنائه ولما حدثت في أيامه المجاعة شمر لها وأخرج الزرع للناس وبثه فيهم بيعا وهبة وصدقة وأرسل في الميرة من سائر النواحى وأمر قيصر في سائر تخومه وفي مصر ورومة أن يحملوا الميرة إلى بيت المقدس فوصلت السفن بالزرع إلى ساحلها من كل جهة وأجرى على الشيوخ والايتام والارامل والمنقطعين كفايتهم من الخبز وعلى الفقراء والمساكين كفايتهم من الحنطة وفرق على خمسين ألفا قصدوه من غير ملته فرفعت المجاعة وارتفع له الذكر والثناء الجميل قال ابن كريون ولما استفحل ملكه وعظم سلطانه أراد بناء البيت على ما بناه سليمان بن داود لانهم لما رجعوا إلى القدس باذن كورش عين لهم مقدار البيت لا يتجاوزونه فلم يتم على حدود سليمان ولما اعتزم على ذلك ابتدأ اولا باحضار الآلات مستوفيات خشية أن يحصل الهدم وتطول المدة وتعرض القواطع والموانع فأعد الآلات وأكمل جمعها في ست سنين ثم جمع الصناع للبناء وما يتعلق به فكانوا عشرة آلاف وعين ألفا من الكهنة يتولون القدس الاقدس الذى لا يدخله غيرهم ولما تم له ذلك شرع في الهدم(2/133)
فحصل لاقرب وقت ثم بنى البيت على حدوده وهيئته أيام سليمان وزاد في بعض المواضع على ما اختاره ووقف عليه نظره فكمل في ثمان سنين ثم شرع في الشكر لله تعالى على ما هيأ له من ذلك فقرب القربان واحتفل في الولائم واطعام الطعام وتبعه الناس في ذلك
أياما فكانت من محاسن دولته قال ابن كريون ثم ابتلاه الله بقتل أولاده وكان له ولدان من مريم بن الاسكندرة قتيلة قتيلة السم أحدهما الاسكندر والآخر ارستبلوس وكانا عند قتل أمهما غائبين برومة يتعلمان خط الروم فلما وصلا وقد قتل أمهما حصلت بينه وبينهما الوحشة وكان له ولد آخر اسمه انظفتر على اسم جده وكان قد أبعد أمه راسيس لمكان مريم فلما هلكت واستوحش من ولدها لطلب محل راسيس منه قدم ابنها انظفتر وجعله ولى عهده وأخذ في السعاية على اخوته خشية منهما بأنهما يرومان قتل أبيهما فانحرف عنهما واتفق أن سار إلى أو غشطش قيصر ومعه ابنه اسكندر فشكاه عنده وتبرأ الاسكندر وحلف على براءته فأصلح بينهما قيصر ورجع إلى القدس وقسم القدس بين ولده الثلاثة ووصاهم ووصى الناس بهم وعهد أن لا يخالطوهم خشية مما يحدث عن ذلك وانطفتر مع ذلك متماد على سعايته بهما وقد داخل في ذلك عمه قدودا وعمته سلومنت فأغروا أباه بأخويه المذكورين حتى اعتقلهما وبلغ الخبر ارسلاوش ملك كفتور وكانت بنته تحت الاسكندر منهما فجاء إلى هيرودس مظهرا السخط على الاسكندر والانحراف عنه وتحيل في اظهار جراءتهما وأطلعه على جلية الحال وسعاية أخيه وأخته فانكشف له الامر وصدقه وغضب على أخيه قدودا فجاء إلى ارسلاوش وأحضره عند هيرودس حتى أخبره بمصدوقية الحال ثم شفعه فيه وأطلق ولديه ورضى عنهما وشكر لارسلاوش من تلطفه في تلافى هذا الامر وانصرف إلى بلده ولم ينف ذلك انظفتر عن تدبيره عليهما وما زال يغرى أباه ويدس له من يغريه حتى أسخطه عليهما ثانية واعتقلهما وأمضى بهما في بعض أسفاره مقيدين ونكر ذلك بعض أهل الدولة فدس انظفتر إلى أبيه المنكر على من المدبرين عليك وقد ضمن لحجامك الاسكندر ما لا على قتلك فأنزل هيرودس بهما العقاب ليتكشف الخبر ونما بأن ذلك الرجل معه ولذغه العقاب وأقر على نفسه وقتل هو وأبوه والحجام ثم قتل هيرودس ولديه وصلبهما على مصطبة وكان لابنه الاسكندر ولدان من بنت ارسلاوش ملك كفتور وهما كوبان والاسكندر ولابنه
ارستبلوس ثلاثة من الولد اعرباس وهيرودس واستروبلوس ثم ندم هيرودس على قتل ولديه وعطف على أولادهما فزوج كوبان بن الاسكندر بابنة أخيه قدودا وزوج ابنة ابنه ارستبلوس من ابن ابنه انظفتر وأمر أخاه قدودا وابنه انظفتر بكفالتهما والاحسان إليهم فكرها ذلك واتفقا على فسخه وقتل هيرودس متى أمكن وبعث هيرودس ابنه(2/134)
انظفتر إلى أو غشطش قيصر ونما الخبر إليه بأن أخاه قدودا يريد قتله فسخطه وأبعده وألزمه بيته ثم مرض قدودا واستبد أخاه هيرودس ليعوده فعاده ثم مات فحزن عليه ثم حزن باستكشاف ما نما إليه فعاقب جواريه فأقرت احداهما بأن انظفتر وقدودا كانا يجتمعان عند رسيس أم انظفتر يدبران على قتل هيرودس على يد خازن انظفتر فأقر بمثل ذلك وأنه بعث على السم من مصر وهو عند امرأة قدودا فأحضرت فأقرت بأن قدودا أمرها عند موته باراقته وأنها أبقت منه قليلا يشهد لها ان سئلت فكتب هيرودس إلى ابنه انظفتر بالقدوم فقدم مستريبا بعد أن اجمع على الهروب فمنعه خدم أبيه ولما حضر جمع له الناس في مشهد وحضر رسول أو غشطش وقدم كاتبه نيقالوس وكان يحب أولاد هيرودس المقتولين ويميل اليهما عن انظفتر فدفع يخاصمه حتى قامت عليه الحجة وأحضر بقية السم وجرب في بعض الحيوانات فصدق فعله فحبس هيرودس ابنه انظفتر حتى مرض وأشرف على الموت وأسف على ما كان منه لاولاده فهم بقتل نفسه فمنعه جلساؤه وأهله وسمع من القصر البكاء والصراخ لذلك فهم انظفتر بالخروج من محبسه ومنع وأخبر هيرودس بذلك وأمر بقتله في الوقت فقتل ثم هلك بعده لخمسة أيام ولسبعين سنة من عمره وخمس وثلاثين من ملكه وعهد بالملك لابنه اركلاوش وخرج كاتبه نيقالوس فجمع الناس وقرأ عليهم العهد وأراهم خاتم هيرودس عليه فبايعوا له وحمل اباه إلى قبره على سرير من الذهب مرصع بالجوهر والياقوت وعليه ستور الديباج منسوجة بالذهب وأجلس مسندا ظهره إلى الارائك والناس أمامه من الاشراف
والرؤساء ومن خلفه الخدم والغلمان وحواليه الجوارى بأنواع الطيب إلى أن اندرج في قبره وقام اركلاوش بملكه وتقرب إلى الناس باطلاق المسجونين فاستقام أمره وانطلقت الالسنة بذم هيرودس والطعن عليه ثم انتقضوا على اركلاوش بملكه بما وقع منه من القتل فيهم فساروا إلى قيصر شاكين بذلك وعابوه عنده بأنه ولى من غير أمره وحضر اركلاوش وكاتبه نيقالوس بخصمهم ودفع دعاويهم وأشار عظماء الروم بابقائه فملكه قيصر وأعاده إلى القدس وأساء السيرة في اليهود وتزوج امرأة أخيه الاسكندر وكان له أولاد منها فماتت لوقتها ووصلت شكاية اليهود بذلك إلى قيصر فبعث قائدا من الروم إلى المقدس فقيد اركلاوش وحمله إلى رومة لسبع سنين من دولته وولى على اليهود بالقدس أخاه انطيفس وكان شرا منه واغتصب امرأة أخيه فيلقوس وله منها ولدان ونكر ذلك عليه علماء اليهود والكهنونية وكان لذلك العهد يوحنا بن زكريا فقتله في جماعة منهم وهذا هو المعروف عند النصارى بالمعمدان الذى عمد عيسى أي طهره بماء المعمودية بزعمهم وفي دولة انطيفس هذا مات قيصر اوغشطش فملك بعده طبريانوس وكان قبيح السيرة وبعث قائده بعيلاس بصنم من ذهب على صورته ليسجد(2/135)
له اليهود فامتنعوا فقتل منهم جماعة فاذنوا بحربه وقاتلوه وهزموه وبعث طبريانوس العساكر مع قائده إلى القدس فقبض على انطيفس وحمله مقيدا ثم عزله طبرنايوس إلى الاندلس فمات بها وملك بعده على اليهود اغرياس ابن أخيه ارستبلوس المقتول وهلك في أيامه طبريانوس قيصر وملك نبروش وكان أشر من جميع من تقدمه وأمر أن يسمى الاهور وبنى المذبح للقربان وقرب وأطاعته الناس الا اليهود وبعثوا إليه في ذلك أفيلو الحكيم في جماعة فشتمهم وحبسهم وسخط اليهود ثم قبحت أحواله وساءت أفعاله وثارت عليه دولته فقتلوه ورموا شلوه في الطريق فأكلته الكلاب ثم ملك بعده قلديوش قيصر وأطلق افيلو والذين معه إلى بيت المقدس وهدم المذابح التى كان نيروش بناها وكان
اغرياس حسن السيرة معظما عند القياصرة وهلك لثلاث وعشرين سنة من دولته وملك بعده ابنه اغرياس بأمر اليهود وملك عشرين سنة وكثرت الحروب والفتن في أيامه في بلاد اليهود والارمن وظهرت الخوارج والمتغلبون وانقطعت السبل وكثر الهرج داخل المدينة في القدس وكان الناس يقتل بعضهم بعضا في الطرقات يحملون سكاكين صغار محدين لها فإذا ازدحم مع صاحبه في الطريق طعنه فأهواه حتى صاروا يلبسون الدروع لذلك وخرج كثير من الناس عن المدينة فرارا من القتل وهلك ولد طبريوس قيصر ونيروس من بعده وملك على الروم فيلقوس قيصر فسعى بعض الشرار عنده بأن هؤلاء الذين خرجوا من القدس يذمون على الروم فبعث إليهم من قتلهم وأسرهم واشتد البلاء على اليهود وطالت الفتن فيهم وكان الكهنون الكبير فيهم لذلك العهد عناني وكان له ابن اسمه العازار وكان ممن خرج من القدس وكان فاتكا مصعلكا وانضم إليه جماعة من الاشرار وأقاموا يغيرون على بلاد اليهود والارمن وينهبون ويقتلون وشكتهم الارمن إلى فيلقوس قيصر فبعث من قيده وحمله وأصحابه إلى رومة فلم يرجع إلى القدس الا بعد حين واشتد قائد الروم ببيت المقدس على اليهود وكثر ظلمه فيهم فأخرجوهم عنهم بعد أن قتلوا جماعة من اصحابه والحق بمصر فلقى هنا لك اغرباس ملك اليهود راجعا من رومية ومعه قائدان من الروم فشكى إليه فيلقوس بما وقع من اليهود ومضى إلى بيت المقدس فشكى إليه اليهود بما فعل فيلقوس وأنهم عازمون على الخلاف وتلطف لهم في الامساك عن ذلك حتى تبلغ شكيتهم إلى قيصر ويعتذر منه فامتنع العازار بن عناني وأبى الا المخالفة وأخرج القربان الذى كان بعثه معه نيروش قيصر من البيت ثم عمد إلى الروم الذين جاؤا مع اغرياس فقتلهم حيث وجدوا وقتل القائدين ونكر ذلك أشياخ اليهود واجتمعوا الحرب العازار وبعثوا إلى اغرياس وكان خارج القدس فبعث إليهم بثلاثة آلاف مقاتل فكانت الحرب بينهم وبين العازار(2/136)
سجالا ثم هزمهم وأخرجهم من المدينة وعاث في البلد وخرب قصور الملك ونهبها وأموالها وذخائرها وبقى اغرباس والكهنونة والعلماء والشيوخ خارج المقدس وبلغهم أن الارمن قتلوا من وجدوه من اليهود بدمشق ونواحيها وبقيسارية فساروا إلى بلادهم وقتلوا من وجدوه بنواحي دمشق من الارمن ثم سار اغرباس إلى قيرش قيصر وخبره الخبر فامتعض لذلك وبعث إلى كسنينا وقائده على الارمن وقد كان مضى إلى حرب الفرس فدوخها وقهرهم وعاد إلى بلاد الارمن فنزل دمشق فجاءه عهد قيصر بالمسير مع اغرباس ملك اليهود إلى القدس فجمع العساكر وسار وخرب كل ما مر عليه ولقيه العازار الثائر بالقدس فانهزم ورجع ونزل كسنينا وقائد الروم فأثخن فيهم وارتحل كسنينا وإلى قيسارية وخرج اليهود في اتباعهم فهزموهم ولحق كسنينا و اغرباس بقيصر قيرش فوافقوا وصول قائده الاعظم اسبنانوس عن بلاد المغرب وقد فتح الاندلس ودوخ أقطارها فعهد إليه قيرش قيصر بالمسير إلى بلاد اليهود وأمره أن يستأصلهم ويهدم حصونهم فسار ومعه ابنه طيطوش واغرباس ملك اليهود وانتهوا إلى انطاكية وتأهب اليهود لحربهم وانقسموا ثلاث فرق في ثلاث نواحى مع كل فرقة كهنون فكان عناني الكهنون الاعظم في دمشق ونواحيها وكان ابنه العازر كهنون بلاد أروم وما يليها إلى أيلة وكان يوسف بن كريون كهنون طبرية وجبل الخليل وما يتصل به وجعلوا فيما بقى من البلاد من الاغوار إلى حدود مصر من يحفظها من بقية الكهنونية وعمر كل منهم أسوار حصونه ورتب مقاتلته وسار اسبنانوس بالعساكر من انطاكية فتوسط في بلاد الارمن وأقام وخرج يوسف بن كريون من طبرية فحاصر بعض الحصون بناحية الاغرباس ففتحه واستولى عليه وبعث أهل طبرية من ورائه إلى الروم فاستأمنوا إليهم فزحف يوسف مبادرا وقتل من وجد فيها من الروم وقبل معذرة أهل طبرية وبلغه مثل ذلك عن جبل الخليل فسار إليهم وفعل فيهم فعله في طبرية فزحف إليه اسبنانوس من عكا في أربعين ألف مقاتل من الروم ومعه اغرباوس ملك اليهود وسارت
معهم الامم من الارمن وغيرهم الا أروم فانهم كانوا حلفاء لليهود منذ أيام هرقانوس ونزل اسبنانوس بعساكره على يوسف بن كريون ومن معه بطبرية فدعاهم إلى الصلح فسألوا الامهال إلى مشاورة الجماعة بالقدس ثم امتنعوا وقاتلهم اسبنانوس بظاهر الحصن فاستلحمهم حتى قل عددهم وأغلقوا الحصن فقطع عنهم الماء خمسين ليلة ثم بيتهم الروم فاقتحموا عليهم الحصن فاستلحموا وأفلت يوسف بن كريون ومن معه من الفل فامتنعوا ببطن الاعراب وأعطاهم اسبنانوس الامان فمال إليه يوسف وأبى القوم الا أن يقتلوا أنفسهم وهموا بقتله فوافقهم على رأيهم إلى ان قتل بعضهم بعضا ولم يبق(2/137)
من يخشاه فخرج إلى اسبانوس مطارحا عليه وحرضه اليهود على قتله فأبى واعتقله وخرب أعمال طبرية وقتل أهلها ورجع إلى قيسارية قال ابن كريون وفي خلال ذلك حدثت الفتنة في القدس بين اليهود داخل المدينة وذلك انه كان في جبل الخليل بمدينة كوشالة يهودى اسمه يوحنان وكان مرتكبا للعظائم واجتمع إليه أشرار منهم فقوى بهم على قطع السابلة وانهب والقتل فلما استولى الروم على كوشالة لحق بالقدس وتألف عليه شرار اليهود من فل البلاد التى أخذها الروم فتحكم على أهل المقدس وأخذ الاموال وزاحم عناني الكهنون الاعظم ثم عزله واستبدل به رجلا من غواتهم وحمل الشيوخ على طاعته فامتنعوا فتغلب عليهم فقتلهم فاجتمع اليهود إلى عناني الكهنون وحاربهم يوحنا وتحصنوا في القدس وراسله عناني في الصلح فأبى وبعث إلى أروم يستجيشهم فبعثوا إليه بعشرين ألفا منهم فأغلق عناني أبواب المدينة دونهم وحاط بهم من الاسوار ثم استغفلوه وكبسوا المدينة واجتمع معهم يوحنان فقتلوا من وجوه اليهود نحوا من خمسة آلاف وصادروا أهل النعم على أموالهم وبعثوا يوحنان إلى المدن الذين استأمنوا إلى الروم فغنم أموالهم وقتل من وجد منهم وبعث أهل القدس في استدعاء اسبنانوس وعساكره فزحف من قيسارية حتى إذا توسط الطريق خرج
يوحنان من القدس وامتنع ببعض الشعاب فمال إليه اسبنانوس بالعسكر وظفر بالكثير منهم فقتلوهم ثم سار إلى بلاد أروم ففتحها وسبسطية بلاد السامرة ففتحها أيضا وعمر جميع ما فتح من البلاد ورجع إلى قيسارية ليزيح علله ويسير إلى القدس ورجع يوحنان أثناء ذلك من الشعاب فغلب على المدينة وعاث فيهم بالقتل وتحكم في أموالهم وأفسد حريمهم قال ابن كريون وقد كان ثار بالمدينة في مغيب يوحنان ثائر آخر اسمه شمعون واجتمع إليه اللصوص والشرار حتى كثر جمعه وبلغوا نحوا من عشرين ألفا وبعث إليه أهل أروم عسكرا فهزمهم واستولى على الضياع ونهب الغلال وبعث إلى امرأته من المدينة فردها يوحنان من طريقها وقطع من وجد معها ثم اسعفوه بامرأته وسار إلى أروم فحاربهم وهزمهم وعاد إلى القدس فحاصرها وعظم الضرر على أهلها من شمعون خارج المدينة ويوحنان داخلها ولجؤا إلى الهيكل وحاربوا يوحنان فغلبهم وقتل منهم خلقا فاستدعوا شمعون لينصرهم من يوحنان فدخل ونقض العهد وفعل أشر من يوحنان قال ابن كريون ثم ورد الخبر إلى اسبنانوس وهو بمكانه من قيسارية بموت قيروش قيصر وأن الروم ملكوا عليهم مضعفا اسمه نطاوس فغضب البطارقة الذين مع اسبنانوس وملكوه وسار إلى رومة وخلف نصف العسكر مع ابنه طيطش وقدم بين يديه قائدين إلى رومة لمحاربة نطاوس الذى ملكه الروم فهزم وقتل وسار اسبنانوس إلى(2/138)
سكندرية وركب البحر منها ورجع طيطش إلى قيسارية إلى أن ينسلخ فصل الشتاء ويزيح العلل وعظمت الفتن والحروب بين اليهود داخل القدس وكثر القتل حتى سالت الدماء في الطرقات وقتل الكهنونية على المذبح وهم لا يقربون الصلاة في المسجد لكثرة الدما وتعذر المشى في الطرقات من سقوط حجارة الرمى ومواقد النيران بالليل وكان يوحنان أخبث القوم وأشرهم ولما انسلخ الشتاء زحف طيطش في عساكر الروم إلى أن نزل على القدس وركب إلى باب البلد يتخير المكان لمعسكره ويدعوهم إلى السلم
فصموا عنه وأكمنوا له بعض الخوارج في الطريق فقاتلوه وخلص منهم بشدته فعبى عسكره من الغد ونزل بجبل الزيتون شرقي المدينة ورتب العساكر والآلات للحصار واتفق اليهو داخل المدينة ورفعوا الحرب بينهم وبرزوا إلى الروم فانهزموا ثم عاودوا فظهروا ثم انتقضوا بينهم وتحاربوا ودخل يوحنان إلى القدس يوم الفطر فقتل جماعة من الكهنونة وقتل جماعة أخرى خارج المسجد وزحف طيطش وبرزوا إليه فردوه إلى قرب معسكره وبعث إليهم قائده نيقانور في الصلح فأصابه سهم فقتله فغضب طيطش وصنع كبشا وأبراجا من الحديد توازى السور وشحنها بالمقاتلة فأحرق اليهود تلك الآلات ودفنوها وعادوا إلى الحرب بينهم وكان يوحنان قد ملك القدس ومعه ستة آلاف أو يزيدون من المقاتلة ومع شمعون عشرة آلاف من اليهود وخمسة آلاف من أروم وبقية اليهود بالمدينة مع العازر وأعاد طيطش الزحف بالآلات وثلم السور الاول وملكه إلى الثاني فاصطلم اليهود بينهم وتذامروا واشتد الحرب وباشرها طيطش بنفسه ثم زحف بالآلات إلى السور الثاني فثلمه وتذامر اليهود فمنعوهم عنه ومكثوا كذلك أربعة أيام وجاء المدد من الجهات إلى طيطش ولاذ اليهود بالاسوار وأغلقوا الابواب ورفع طيطش الحرب ودعاهم إلى المسالمة فامتنعوا فجاء بنفسه في اليوم الخامس وخاطبهم ودعاهم وجاء معه يوسف بن كريون فوعظهم ورغبهم في أمنة الروم ووعدهم وأطلق طيطش اسراهم فجنح الكثير من اليهود إلى المسالمة ومنعهم هؤلاء لرؤسا الخوارج وقتلوا من يروم الخروج إلى الروم ولم يبق من الودينة ما يعصمهم الا السور الثالث وطال الحصار واشتد الجوع عليهم والقتل ومن وجد خارج المدينة لرعى العشب قتله الروم وصلبوه حتى رحمهم طيطش ورفع القتل عمن يخرج في ابتغاء العشب ثم زحف طيطش إلى السور الثالث من أربع جهاته ونصب الآلات وصبر اليهو على الحرب وتذامر اليهود وصعب الحرب وبلغ الجوع في الشدة غايته واستأمن متاى الكوهن إلى الروم وهو الذى خرج في استدعاء شمعون فقتله شمعون وقتل بنيه وقتل جماعة من
الكهنونية والعلماء والائمة ممن حذر منه أن يستأمن ونكر ذلك العازر بن عناني ولم(2/139)
يقدر على أكثر من الخروج عن بيت المقدس وعظمت المجاعة فمات أكثر اليهود وأكلوا الجلود والخشاش والميتة ثم أكل بعضهم بعضا وعثر على امرأة تأكل ابنها فأصابت رؤساؤهم لذلك رحمة وأذنوا في الناس بالخروج فخرجت منهم أمم وهلك أكثرهم حين أكلوا الطعام وابتلع بعضهم في خروجه ما كان له من ذهب أو جوهر ضنة به وشعر بهم الروم فكانوا يقتلونهم ويشقون عنها بطونهم وشاع ذلك في توابع العسكر من العرب والارمن فطردهم طيطش وطمع الروم في فتح المدينة وزحفوا إلى سورها الثالث بالآلات ولم يكن لليهود طاقة بدفعها واحراقها فثلموا السور وبنى اليهود خلف النلمة فأصبحت منسدة وصدمها الروم بالكبش فسقطت من الحدة واستماتوا في تلك الحال إلى الليل ثم بيت الروم المدينة وملكوا الاسوار عليهم وقاتلوهم من الغد فانهزموا إلى المسجد وقاتلوا في الحصن وهدم طيطش البناء ما بين الاسوار إلى المسجد ليتسع المجال ووقف ابن كريون يدعوهم إلى الطاعة فلم يجيبوا وخرج جماعة من الكهنونية فأمنهم ومنع الرؤسا بقيتهم ثم باكرهم طيطش بالقتال من الغد فانهزموا الاقداس وملك الروم المسجد وصحنه واتصلت الحرب اياما وهدمت الاسوار كلها وثلم سور الهيكل وأحاط العساكر بالمدينة حتى مات أكثرهم وفر كثير ثم اقتحم عليهم الحصن فملكه ونصب الاصنام في الهيكل ومنع من تخريبه ونكر رؤساء الروم ذلك ودسواء من أضرم النار في أبوابه وسقفه وألقى الكهنونة أنفسهم جزعا على دينهم وحزنوا واختفى شمعون يوحنان في جبل صهيون وبعث إليهم طيطش بالامان فامتنعوا وطرقوا القدس في بعض الليالى فقتلوا قائدا من قواد العسكر ورجعوا إلى مكان اختفائهم ثم هرب عنهم اتباعهم وجاء يوحنان ملقيا بيده إلى طيطش فقيده وخرج إليه يوشع الكوهن بآلات من الذهب الخالص من آلات المسجد فيها منارتان ومائدتان ثم قبض على فنحاس خازن
الهيكل فأطلعه على خزائن كثيرة مملوءة دنانير ودراهم وطيبا فامتلات يده منها ورحل عن بيت المقدس فكان عدد الموتى الذين خرجوا على الباب للدفن باخبار مناحيم الموكل به مائة ألف وخمسة وعشرون ألفا وثمانمائة وقال غير مناحيم كانت عدتهم ستمائة ألف دون من ألقى في الآبار أو طرح إلى خارج الحصن وقتل في الطرفات ولم يدفن وقال غيره كان الذى أحصى من الموتى والقتلى ألف ألف ومائة ألف والسبي والاسارى مائة ألف كان طيطش في كل منزلة يلقى منهم إلى السباع إلى ان فرغوا وكان فيمن هلك شمعون أحد الخوارج الثلاثة وأما الفرار بن عفان فقد كان خرج من القدس عندما قتل شمعون امتاى الكوهن كما ذكرنا فلما رحل طيطش عن القدس نزل في بعض القرى(2/140)
وحصنها واجتمع إليه فل اليهود واتصل الخبر بطيطش وهو في انطاكية فيعث إليه عسكرا من الروم مع قائده سلياس فحاصرهم أياما ثم وأولادهم وخرجوا إلى الروم مستميتين فقاتلوا إلى ان قتلوا عن آخرهم وأما يوسف بن كريون فافتقد أهله وولده في هذه الوقائع ولم يقف لهم بعدها على خبر وأراده طيطش على السمنى عنده برومة فتضرع إليه في البقاء بأرض القدس فأجابه إلى ذلك وتركه وانفرضت دولة اليهود أجمع والبقاء لله وحده سبحانه وتعالى لا انقضاء لملكه(2/141)
* (الخبر عن شأن عيسى بن مريم صلوات الله عليه في ولادته وبعثته ورفعه من الارض والالمام بشأن الحواريين بعده وكتبهم الاناجيل الاربعة وديانة النصارى بملته واجتماع الاقسة على تدوين شريعته) * كان بنو ما ثان من ولد داود صلوات الله عليه كهنونية بيت المقدس وهو ما ثان بن العازر بن اليهود بن أخس بن رادوق بن عازور بن ألياقيم بن أيود بن زروقابل بن سالات ابن يوخنانيا بن يوشيا السادس عشر من ملوك بنى اسرائيل بن أمون بن عمون ابن منشا
ابن حزقيا بن احاز بن يواش بن أحزيا بن يورام بن يهوشافاظ بن أسا بن رحبعم بن سليمان ابن داود صلوات الله عليهما ويوخنانيا بن يوشيا السادس عشر من ملوك بنى سليمان ولد في جلاء بابل وهذا النسب نقلته من انجيل متى وكانت الكهنونية العظمى من بعد بنى حشمناى لهم وكان كبيرهم قبل عصر هيرودس عمران أبو مريم ونسبه ابن اسحق إلى أمون بن منشا الخامس عشر من ملوك بيت المقدس من لدن سليمان أبيهم وقال قيه عمران بن ياشم بن أمون وهذا بعيد لان الزمان بين عمون وعمران أبعد من أن يكون بينهما أب واحد فان أمون كان قبيل الخراب الاول وعمران كان في دولة هيرودس قبيل الخراب الثاني وبينهما قريب من أربعمائة سنة ونقل ابن عساكر والظن انه ينقل عن مستند أنه من ولد زريافيل لدى ولى على بنى اسرائيل عند رجوعهم إلى بيت المقدس وهو ابن يخنيا آخر ملوكهم الذى حبسه بختنصر وولى عمه صدقيا هو بعده كما مر وقال فيه عمران بن ما ثان بن فلان بن فلان إلى زريافيل وعد نحوا من ثمانية أباء بأسماء عبرانية لا وثوق بضبطها وهو أقرب من الاول وفيه ذكر ما ثان الذى هو شهرتهم ولم يذكره ابن اسحق وكان عمران أبو مريم كهنونا في عصره وكانت تحته حنة بنت فاقود بن فيل وكانت من العابدات وكانت أختها ايشاع ويقال خالتها تحت زكريا بن يوحنا ونسبه ابن عساكر إلى يهوشافاظ خامس ملوك القدس من عهد سليمان أبيهم وعد ما بينه وبين يهوشافاظ اثنى عشر أبا أولهم يوحنا بأسماء عبرانية كما فعل في نسب عمران ثم قال وهو أبو يحيى صلوات الله عليهما ويقال بالمد والقصر من غير ألف وكان نبيا من بنى اسرائيل صلوات الله عليهم اه ونقلت من كتاب يعقوب بن يوسف النجار مثان يعنى ما ثان من سبط داود وكان له ولدان يعقوب ويؤاقيم ومات فتزوج أمهما بعده مطنان ومطنان ابن لاوى من سبط سليمان بن داود وسمى ما ثان فولدت هالى من مطنان ثم تزوج ومات ولم يعقب فتزوج امرأته أخوه لامه يعقوب بن ما ثان فولدت منه يوسف خطيب مريم ونسب إلى هالى لان من أحكام التوراة ان مات من غير عقب فامرأته لاخيه وأول ولد منها ينسب إلى
الاول فلهذا قيل فيه يوسف بن هالى بن مطنان وانما هو يوسف بن يعقوب بن ما ثان وهو(2/143)
ابن عم مريم لحا وكان ليوسف من البنين خمسة بنين وبنت وهم يعقوب وپوشا وبيلوت وشمعون ويهوذا وأختهم مريم وكانوا يسكنون بيت لحم فارتحل بأهله ونزل ناصرة وسكن بها وتعلم النجارة حتى صار يلقب بالنجار وتزوج يؤاقيم حنة أخت ايشاع العاقر امرأة زكريا بن يوحنا المعمدان وأقامت ثلاثين سنة لا يولد لها فدعوا الله وولد لها مريم فهى بنت يؤاقيم موثان وهو مثان وولدت ايشاع العاقر من زكريا ابنه يحيى قلت في التنزيل مريم ابنة عمران فليعلم ان معنى عمران بالعبرانية يؤاقيم وكان له اسمان اه وعن الطبري وكانت حنة أم مريم لا تحبل فنذرت لله ان حملت لتجعلن ولدها حبيسا ببيت المقدس على خدمته على عاداتهم في نذر مثله فلما حملت ووضعتها لفتها في خرقتها وجاءت بها إلى المسجد فدفعتها إلى عباده وهى ابنة امامهم وكهنونهم فتنازعوا في كفالتها وأراد زكريا أن يستبد بها لان زوجه ايشاع خالتها ونازعوه في ذلك لمكان أبيها من امامهم فاقترعوا فخرجت قرعة زكريا عليها فكفلها ووضعها في مكان شريف من المسجد لا يدخله سواها وهو المحراب فيما قيل والظاهر انها دفعتها إليهم بعد مدة ارضاعها فأقامت في المسجد تعبد الله وتقوم بسدانة البيت في نوبتها حتى كان يضرب بها المثل في عبادتها وظهرت عليها الاحوال الشريفة والكرامات كما قصه القرآن وكانت خالتها ايشاع زوج زكريا أيضا عاقرا وطلب زكريا من الله ولدا فبشره بيحيى نبيا كما طلب لانه قال يرثنى ويرث من آل يعقوب وهم أنبياء فكان كذلك وكان حاله في نشوه وصباه عجبا وولد في دولة هيردوس ملك بنى اسرائيل وكان يسكن القفار ويقتات الجراد ويلبس الصوف من وبر الابل وولاه اليهود الكهنونية ببيت المقدس ثم أكرمه الله بالنبوة كما قصه القرآن وكان لعهده على اليهود بالقدس انطيفس بن هيردوس وكان يسمى هيردوس باسم أبيه وكان شريرا فاسقا واغتصب امرأة أخيه وتزوجها ولها ولدان منه ولم يكن
ذلك في شرعهم مباحا فنكر ذلك عليه العلماء والكهنونية وفيهم يحيى بن زكريا المعروف بيوحنان ويعرفه النصارى بالمعمدان فقتل جميع من نكر عليه ذلك وقتل فيهم يحيى صلوات الله عليه وقد ذكر في قتله أسباب كثيرة وهذا أقربها إلى الصحة وقد اختلف الناس هل كان أبوه حيا عند قتله فقيل انه لما قتل يحيى طلبه بنو اسرائيل ليقتلوه ففر أمامهم ودخل في بطن شجرة كرامة له فدلهم عليه طرف ردائه خارجا منها فشقوها بالمنشار وشق زكريا فيها نصفين وقيل بل مات زكريا قبل هذا والمشقوق في الشجرة انما هو شعيا النبي وقد مر ذكره وكذلك اختلف في دفنه فقيل دفن ببيت المقدس وهو الصحيح وقال أبو عبيد بسنده إلى سعيد بن المسيب ان بختنصر لما قدم دمشق وجد دم يحيى بن زكريا يغلى فقتل على(2/144)
مراحل تقدم ناس من أهل البصرة وكان هواهم في طلحة فنزلوا ذا خشب وتقدم ناس من أهل الكوفة وكان هواهم في الزبير فنزلوا الاعوص ونزل معهم ناس من أهل مصر وكان هواهم في على وتركوا عامتهم بذى المروة وقال زياد بن النضر وعبد الله بن الاصم من أهل الكوفة لا تعجلوا حتى ندخل المدينة فقد بلغنا انهم عسكروا لنا فو الله ان كان حقا لا يقوم لنا أمر ثم دخلوا المدينة ولقوا عليا وطلحة والزبير وأمهات المؤمنين وأخبروهم انهم انما أتوا للحج وأن يستعفوا من بعض العمال واستأذنوا في الدخول فمنعوهم ورجعوا إلى أصحابهم وتشاوروا في أن يذهب من أهل الكوفة وكل مصر فريق إلى أصحابهم كيادا وظلما في الفرقة فأتى المصريون عليا وهو في عسكر عند احجار الزيت وقد بعث ابنه الحسن إلى عثمان فيمن اجتمع عليه فعرضوا عليه أمرهم فصاح بهم وطردهم وقال ان جيش ذى المروة وذى خشب والاعوص ملعونون على لسان رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد علم ذلك الصالحون وأتى البصريون طلحة والكوفيون الزبير فقالا مثل ذلك فانصرفوا وافترقوا عن هذه الاماكن إلى عسكرهم على بعد
فتفرق أهل المدينة فلم يشعروا الا والتكبير في نواحيها وقد هجموا وأحاطوا بعثمان ونادوا بأمان من كف يده وصلى عثمان بالناس أياما ولزم الناس بيوتهم ولم يمنعوا الناس من كلامه وغدا عليهم على فقال ما ردكم بعد ذهابكم قالوا أخذنا كتابا مع بريد بقتلنا وقال البصريون لطلحة والكوفيون للزبير مثل مقالة أهل مصر وانهم جاؤا لينصروهم فقال لهم على كيف علمتم بما لقى أهل مصر وكلكم على مراحل من صاحبه حتى رجعتم علينا جميعا هذا أمر أبرم بليل فقالوا اجعلوه كيف شئتم لا حاجة لنا بهذا الرجل ليعتزلنا وهم يصلون خلفه ومنعوا الناس من الاجتماع معه وكتب عثمان إلى الامصار يستحثهم فبعث معاوية حبيب بن مسلمة الفهرى وبعث عبد الله بن أبى سرح معاوية بن حديج وخرج من الكوفة القعقاع بن عمرو وتسابقوا إلى المدينة على الصعب والذلول وقام بالكوفة نفر يحضون على اعانة أهل المدينة فمن الصحابة عقبة بن عامر وعبد الله بن أبى أو في وحنظلة الكاتب ومن التابعين مسروق الاسود وشريح وعبد الله بن حكيم وقام بالبصرة في ذلك عمران بن حصين وأنس بن مالك وهشام بن عامر ومن التابعين كعب بن سور وهرم بن حيان وقام بالشام وبمصر جماعة أخرى من الصحابة والتابعين ثم خطب عثمان في الجمعة القابلة وقال يا هؤلاء الله الله فو الله ان أهل المدينة ليعلمون انكم ملعونون على لسان محمد فامحوا الخطا بالصواب فقال محمد بن مسلمة أنا أشهد بذلك فأقعده حكيم بن جبلة وقام زيد بن ثابت فأقعده آخر وحصبوا الناس حتى اخرجوهم من المسجد وأصيب عثمان بالحصباء فصرع وقاتل(2/145)
دونه سعد بن أبى وقاص والحسين وزيد بن ثابت وأبو هريرة ودخل عثمان بيته وعزم عليهم في الانصراف فانصرفوا ودخل على وطلحة والزبير على عثمان يعودونه وعنده نفر من بنى أمية فيهم مروان فقالوا لعلى أهلكتنا وصنعت هذا الصنع والله لئن بلغت الذى تريد لتمرن عليك الدنيا فقام مغضبا وعادوا إلى منازلهم وصلى عثمان بالناس
وهو محصور ثلاثين يوما ثم منعوه الصلاة وصلى بالناس أمير المصريين الغافقي بن حرب العكى وتفرق أهل المدينة في بيوتهم وحيطانهم ملازمين للسلاح وبقى الحصار أربعين يوما وقيل بل أمر عثمان أبا أيوب الانصاري فصلى اياما ثم صلى على بعده بالناس وقيل أمر على سهل بن حنيف فصلى عشر ذى الحجة ثم صلى العيد والصلوات حتى قتل عثمان وقد قيل في حصار عثمان ان محمد بن أبى بكر ومحمد بن أبى حذيفة كانا بمصر يحرضان على عثمان فلما خرج المصريون في رجب مظهرين للحج ومضمرين قتل عثمان أو خلعه وعليهم عبد الرحمن بن عديس البلوى كان فيمن خرج مع المصريين محمد بن أبى بكر وبعث عبد الله بن سعد في آثارهم وأقام محمد بن حذيفة بمصر فلما كان ابن أبى سرح بأيله بلغه ان المصريين رجعوا إلى عثمان فحصروه وان محمد بن أبى حذيفة غلب على مصر فرجع سريعا اليهما فمنع منهما فأتى فلسطين وأقام بها حتى قتل عثمان وأما المصريون فلما نزلوا ذا خشب جاء عثمان إلى بيت على ومت إليه بالقرابة في أن يركب إليهم ويردهم لئلا تظهر الجراءة منهم فقال له على قد كلمتك في ذلك فأطعت أصحابك وعصيتني يعنى مروان ومعاوية وابن عامر وابن أبى سرح وسعيدا فعلى أي شئ أردهم فقال على أن أصير إلى ما تراه وتشيره وان أعصى أصحابي وأطيعك فركب على في ثلاثين من المهاجرين والانصار فيهم سعيد بن زيد وأبو جهم العدوى وجبير بن مطعم وحكيم بن حزام ومروان ابن الحكم وسعيد بن العاصى وعبد الرحمن بن عتاب ومن الانصار أبو أسيد الساعدي وأبو حميد وزيد بن ثابت وحسان وكعب بن مالك ومن العرب نيار بن مكرز فأتوا المصريين وتولى الكلام معهم على ومحمد بن مسلمة فرجعوا إلى مصر وقال ابن عديس لمحمدا توصينا بحاجة قال تتقى الله وترد من قبلك عن امامهم فقد وعدنا أن يرجع وينزع ورجع القوم إلى المدينة ودخل على على عثمان وأخبره برجوع المصريين ثم جاءه مروان من الغد فقال له أخبر الناس بان أهل مصر قد رجعوا وان ما بلغهم عنك كان باطلا قبل أن تجئ الناس من الامصار ويأتيك ما لا تطيقه ففعل فلما خطب ناداه
الناس من كل ناحية اتق الله يا عثمان وتب إلى الله وكان اولهم عمرو بن العاصى فرفع يده وقال لهم انى تائب وخرج عمرو بن العاصى إلى منزله بفلسطين ثم جاء الخبر بحصاره وقتله وقيل ان عليا لما رجع عن المصريين أشار على عثمان أن يسمع الناس(2/146)
ما اعتزم عليه من النزع قبل أن يجئ غيرهم ففعل وخطب بذلك وأعطى الناس من نفسه التوبة وقال أنا من اتعظ أستغفر الله مما فعلت وأتوب إليه فليأت اشرافكم يرونى رأيهم فو الله ان ردنى الحق عبدا لاستن بسنة العبد ولاذلن ذل العبد وما عن الله مذهب الا إليه فو الله لاعطينكم الرضى ولا أحتجب عنكم ثم بكى وبكى الناس ودخل منزله فجاءه نفر من بنى أمية يعذلونه في ذلك فوبختهم نائلة بنت الفرافصة فلم يرجعوا إليها وعابوه فيما فعل واستذلوه في اقراره بالخطبة والتوبة عند الخوف واجتمع الناس بالباب وقد ركب بعضهم بعضا فقال لمروان كلمهم فأغلظ لهم في القول وقال جئتم لنزع ملكنا من أيدينا والله لئن رمتمونا ليمرن عليكم منا أمر لا يسركم ولا تحمدوا غب رأيكم ارجعوا إلى منازلكم فانا والله ما نحن مغلوبين على ما في أيدينا وبلغ الخبر عليا فنكر ذلك وقال لعبد الرحمن بن الاسود بن عبد يغوت أسمعت خطبته بالامس ومقالة مروان للناس اليوم يا لله وللناس ان قعدت في بيتى قال تركتني وقرابتي وحقى وان تكلمت فجاء ما يريد يلعب به مروان ويسوقه حيث يشاء بعد كبر السن وصحبة الرسول وقام مغضبا إلى عثمان واستقبح مقالة مروان وأنبه عليها وقال ما أنا عائد بعد مقامي هذا لمعاتبتكم فقد أذهبت شرفك وغلبت على رأيك ثم دخلت عليه امرأته نائلة وقد سمعت قول على فعذلته في طاعة مروان وأشارت عليه باستصلاح على فبعث إليه فلم يأته فأتاه عثمان إلى منزله ليلا يستلينه ويعده الثبات على رأيه معه فقال بعد ان قام مروان على بابك يشتم الناس ويؤذيهم فخرج عثمان وهو يقول خذلتني وجرأت الناس فقال على والله انى أكثر الناس ذبا عنك ولكني كلما جئت بشئ أظنه لك
رضى جاء مروان بأخرى فسمعت قوله وتركت قولى ثم منع عثمان الماء فغضب على غضبا شديدا حتى دخلت الروايا على عثمان وقيل ان عليا كان عند حصار عثمان بخيبر فقدم والناس يجتمعون عند طلحة فجاء عثمان وقال يا على ان لى حق الاخاء والقرابة والصهر ولو كان أمر الجاهلية فقط كان عارا على بنى عبد مناف أن تنزع تيم أمرهم فجاء على إلى طلحة وقال ما هذا فقال طلحة ابعد ما مس الحزام الطبيين يا أبا حسن فانصرف على إلى بيت المال واعطى الناس فبقى طلحة وحده وسر بذلك عثمان وجاء إليه طلحة فقال له والله ما جئت تائبا ولكن مغلوبا فالله حسيبك يا طلحة وقيل ان المصريين لما رجعوا خرج إليهم محمد بن مسلمة فأعطوه صحيفة قالوا وجدناها عند غلام عثمان بالبويب وهو على بعير من ابل الصدقة يأمر فيها بجلد عبد الرحمن بن عديس وعمرو بن الحمق وعروة بن البياع وحبسهم وحلق رؤسهم ولحاهم وصلب بعضهم وقيل وجدت الصحيفة بيد أبى الاعور السلمى فعاد المصريون وعاد معهم الكوفيون(2/147)
والبصريون وقالوا لمحمد بن مسلمة حين سألهم قد كلمنا عليا وسعد بن أبى وقاص وسعيد ابن زيد فوعدونا أن يكلموه فليحضر على معنا عند عثمان ثم دخل على ومحمد على عثمان وأخبروه بقول أهل مصر فحلف ما كتب ولا علم وقال محمد صدق هذا من عمل مروان ودخل المصريون فشكى ابن عديس بابن أبى سرح وما أحدثه بمصر وانه ينسب ذلك إلى كتاب عثمان وانا جئنا من مصر لقتلك فردنا على ومحمد وضمنا لنا النزوع عن هذا كله فرجعنا ولقينا هذا الكتاب وفيه أمرك لابن أبى سرح بجلدنا والمثلة بنا وطول الحبس وهو بيد غلامك وعليه خاتمك فحلف عثمان ما كتب ولا أمر ولا علم قالوا فكيف يجترأ عليك بمثل هذا فقد استحقيت الخلع على التقديرين ولا يحل أن يولى الامور من ينتهى إلى هذا الضعف فاخلع نفسك فقال لا أنزع ما ألبسني الله ولكن أتوب وأرجع قال رأيناك تتوب وتعود فلا بد من خلعك أو قتلك وقتال أصحابك دون ذلك أن يخلص
اليك أو تموت فقال لا ينالكم أحد باخرى ولو أردت ذلك لاستجشت بأهل الامصار ثم كثر اللغط وأخرجوا ومضى على إلى منزله وحصر المصريون عثمان وكتب إلى معاوية وابن عامر يستحثهم وقام يزيد بن أسد القسرى فاستنفر أهل الشام وسار إلى عثمان وبلغهم قتله بوادي القرى فرجعوا وقيل سار من الشام حبيب بن مسلمة ومن البصرة مجاشع بن مسعود فبلغهم قتله بالربذة فرجعوا وكانت بطانة عثمان أشاروا عليه أن يبعث إلى على في كفهم عنه على الوفاء لهم فبعث إليه في ذلك فأجاب بعد توقف ثم بعث إليهم فقالوا لا بد لنا أن نتوثق منه وجاء فأعلمه وتوثق منه على أجل ثلاثة أيام وكبت بينهم كتابا على رد المظالم وعزل من كرهوه من العمال ثم مضى الاجل وهو مستعد ولم يغير شيئا فجاء المصريون من ذى خشب يستنجدون عهدهم فأبى فحصروه وأرسل إلى على وطلحة والزبير وأشرف عليهم فحياهم ودعا لهم ثم قال أنشدكم الله تعالى هل تعلمون انكم دعوتم الله عند مصاب عمر أن يختار لكم ويجمعكم على خيركم أتقولون انه لم يستجب لكم أو تقولون ان الله لم يبال بمن ولى هذا الدين أم تقولون ان الامة ولوا مكابرة وعن غير مشورة فوكلهم إلى أمرهم أو لم يعلم عاقبة أمرى ثم أنشدكم الله هل تعلمون لى من السوابق ما يجب حقه فمهلا فلا يحل الا قتل ثلاثة زان بعد احصان وكافر بعد ايمان وقاتل بغير حق ثم إذا قتلتموني وضعتم السيف على رقابكم ثم لا يرفع الله عنكم الاختلاف فقالوا له ما ذكرت من الاستخارة بعد عمر فكل ما صنع الله تعالى فيه الخيرة ولكن الله ابتلى بك عباده وأما حقك وسابقتك فصحيح لكن أحدثت ما علمت ولا نترك اقامة الحق مخافة الفتنة عاما قابلا وأما حصر القتل في الثلاثة ففى كتب الله قتل من سعى في الارض فسادا ومن قاتل على البغى وعلى منع الحق والمكابرة عليه وأنت انما تمسكت بالامارة علينا وانما(2/148)
قاتل دونك هؤلاء لهذه التسمية فلو نزعتها انصرفوا فسكت عثمان ولزم الدار وأقسم على الناس بالانصراف فانصرفوا الا الحسن بن على ومحمد بن طلحة وعبد الله بن الزبير
وكانت مدة انحصاره أربعين يوما ولثمان عشرة منها وصل الخبر بمسير الجنود من الامصار فاشتد الانحصار ومنعوه من لقاء الناس ومن الماء وأرسل إلى على وطلحة والزبير وأمهات المؤمنين يطلب الماء فركب على إليهم مغلسا وقال يأيها الناس ان هذا لا يشبه أمر المؤمنين ولا الكافرين وانما الاسير عند فارس والروم يطعم ويسقى فقالوا لا والله ونعمة عين فرجع وجاءت أم حبيبة على بغلتها مشتملة على اداوة وقالت أردت أن أسأل هذا الرجل عن وصايا عنده لبنى أمية أو تهلك أموال أيتامهم وأراملهم فقالوا لا والله وضربوا وجه البغلة فنفرت وكادت تسقط عنها وذهب بها الناس إلى بيتها وأشرف عليهم عثمان وقرر حقوقه وسوابقه فقال بعضهم مهلا عن أمير المؤمنين فجاء الاشتر وفرق الناس وقال لا يمكر بكم ثم خرجت عائشة إلى الحج ودعت أخاها فأبى فقال له حنظلة الكاتب تدعوك أم المؤمنين فلا تتبعها وتتبع سفهاء العرب فيما لا يحل ولو قد صار الامر إلى الغلبة غلبك عليه بنو عبد مناف ثم ذهب حنظلة إلى الكوفة وبلغ طلحة والزبير ما لقى على وأم حبيبة فلزموا بيوتهم وكان آل حزم يدسون الماء إلى بيت عثمان في الغفلات وكان ابن عباس ممن لزم باب عثمان للمدافعة فأشرف عليه عثمان وأمره أن يحج بالناس فقال جهاد هؤلاء أحب إلى فأقسم عليه وانطلق ولما رآى أهل مصر ان أهل الموسم يريدون قصدهم وان أهل الامصار يسيرون إليهم اعتزموا على قتل عثمان رضى الله عنه يرجون في ذلك خلاصهم واشتغال الناس عنهم فقاموا إلى الباب ليقتحموه فمنعهم الحسن بن على وابن الزبير ومحمد بن طلحة ومروان وسعيد بن العاصى ومن معهم من أبناء الصحابة وقاتلوهم وغلبوهم دون الباب ثم صدهم عثمان عن القتال وحلف ليدخلن فدخلوا وأغلق الباب فجاؤا بالنار وأحرقوه ودخلوا وعثمان يصلى وقد افتتح سورة طه وقد سار أهل الدار فما شغله شئ من أمرهم حتى فرغ وجلس إلى المصحف يقرأ فقرأ الذين قال لهم الناس ان الناس قد جمعوا لكم فاخشوهم فزادهم ايمانا وقالوا حسبنا الله ونعم الوكيل ثم قال لمن عنده
ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد عهد إلى عهدا فأنا صابر عليه ومنعهم من القتال وأذن للحسن في اللحاق بأبيه وأقسم عليه فأبى وقاتل دونه وكان المغيرة بن الاخنس ابن شريق قد تعجل من الحج في عصابة لنصره فقاتل حتى قتل وجاء أبو هريرة ينادى يا قوم ما لى أدعوكم إلى النجاة وتدعونني إلى النار وقاتل ثم اقتحمت الدار من ظهرها من جهة دار عمرو بن حزم فامتلات قوما ولا يشعر الذين بالباب وانتدب رجل(2/149)
فدخل على عثمان في البيت فحاوره في الخلع فأبى فخرج ودخل آخر ثم آخر كلهم يعظه فيخرج ويفارق القوم وجاء ابن سلام فوعظهم فهموا بقتله ودخل عليه محمد بن أبى بكر فحاوره طويلا بما لا حاجه إلى ذكره ثم استحيا وخرج ثم دخل عليه السفهاء فضربه أحدهم وأكبت عليه نائلة امرأته تتقى الضرب بيدها فنفحها أحدهم بالسيف في أصابعها ثم قتلوه وسال دمه على المصحف وجاء غلمانه فقتلوا بعض أولئك القاتلين وقتلاء أخر وانتهبوا ما في البيت وما على النساء حتى نائلة وقتل الغلمان منهم وقتلوا من الغلمان ثم خرجوا إلى بيت المال فانتهبوه وأرادوا قطع رأسه فمنعهم النساء فقال ابن عديس اتركوه ويقال ان الذى تولى قتله كنانة بن بشر النجيبى وطعنه عمرو بن الحمق طعنات وجاء عمير بن ضابئ وكان أبوه مات في سجنه فوثب عليه حتى كسر ضلعا من اضلاعه وكان قتله لثمان عشرة خلت منذ ذى الحجة وبقى في بيته ثلاثة أيام ثم جاء حكيم ابن حزام وجبير بن مطعم إلى على فأذن لهم في دفنه فخرجوا به بين المغرب والعشاء ومعهم الزبير والحسن وأبو جهم بن حذيفة ومروان فدفنوه في حش كوكب وصلى على جبير وقيل مروان وقيل حكيم ويقال ان ناسا تعرضوا لهم ليمنعوا من الصلاة عليه فأرسل إليهم على وزجرهم وقيل ان عليا وطلحة حضرا جنازته وزيد بن ثابت وكعب بن مالك وكان عماله عند موته على ما نذكره فعلى مكة عبد الله بن الحضرمي وعلى للطائف القاسم بن ربيعة الثقفى وعلى صنعاء يعلى بن منية وعلى الجند عبد الله بن
ربيعة وعلى البصرة و البحرين عبد الله بن عامر وعلى الشأم معاوية بن أبى سفيان وعلى حمص عبد الرحمن بن خالد من قبله وعلى قنسرين حبيب بن مسلمة كذلك وعلى البحرين عبد الله بن قيس الفزارى وعلى القضاء أبو الدرداء وعلى الكوفة أبو موسى الاشعري على الصلاة والقعقاع بن عمرو على الحرب وعلى خراج السواد جابر المزني وسماك الانصاري على الخراج وعلى قرقيسيا جرير بن عبد الله وعلى اذربيجان الاشعث بن قيس وعلى حلوان عتيبة بن النهاس وعلى اصبهان السائب بن الاقرع وعلى ماسبدان خنيس وعلى بيت المال عقبة بن عمرو وعلى القضاء زيد بن ثابت * (بيعة على رضى الله عنه) * لما قتل عثمان اجتمع طلحة والزبير والمهاجرون والانصار وأتوا عليا يبايعونه فأبى وقال أكون وزيرا لكم خير من أن أكون أميرا ومن اخترتم رضيته فألحوا عليه وقالوا لا نعلم أحق منك ولا نختار غيرك حتى غلبوه في ذلك فخرج إلى المسجد وبايعوه وأول من بايعه طلحة ثم الزبير بعد ان خيرهما ويقال انهما ادعيا الاكراه بعد ذلك بأربعة(2/150)
أشهر وخرجا إلى مكة ثم بايعه الناس وجاؤا بسعد فقال لعلى حتى تبايعك الناس فقال اخلوه وجاؤا بابن عمر فقال كذلك فقال ائتنى بكفيل قال لا أجده فقال الاشتر دعني أقتله فقال على دعوه أنا كفيله وبايعت الانصار وتأخر منهم حسان بن ثابت وكعب بن مالك ومسلمة بن مخلد وأبو سعيد الخدرى ومحمد بن مسلمة والنعمان بن بشير وزيد بن ثابت ورافع بن خديج وفضالة بن عبيد وكعب بن عجرة وسلمة بن سلامة بن وقش وتأخر من المهاجرين عبد الله بن سلام وصهيب بن سنان واسامة بن زيد وقدامة بن مظعون والمغيرة بن شعبة وأما النعمان بن بشير فأخذ أصابع نائلة امرأة عثمان وقميصه الذى قتل فيه ولحق بالشأم صريخا (وقيل) ان عثمان لما قتل بقى الغافقي بن حرب أميرا على المدينة خمسة أيام والتمس من يقوم بالامر فلم يجبه أحد وأتوا إلى على فامتنع وأتى
الكوفيون الزبير والبصريون طلحة فامتنعا ثم بعثوا إلى سعد وابن عمر فامتنعا فبقوا حيارى ورأوا أن رجوعهم إلى الامصار بغير امام يوقع في الخلاف والفساد فجمعوا أهل المدينة وقالوا أنتم أهل الشورى وحكمكم جائز على الامة فاعقدوا الامامة ونحن لكم تبع وقد أجلناكم يومين وان لم تفعلوا قتلنا فلانا وفلانا وغيرهما يشيرون إلى الاكابر فجاء الناس إلى على فاعتذر وامتنع فخوفوه الله في مراقبة الاسلام فوعدهم إلى الغد ثم جاؤه من الغد وجاء حكيم بن جبلة في البصريين فأحضر الزبير كرها وجاء الاشتر في الكوفيين فأحضر طلحة كذلك وبايعوا لعلى وخرج إلى المسجد وقال هذا أمركم ليس لاحد فيه حق الا من أردتم وقد افترقنا أمس وأنا كاره فأبيتم الا أن أكون عليكم فقالوا نحن على ما افترقنا عليه بالامس فقال اللهم اشهد ثم جاؤا بقوم ممن تخلف قالوا نبايع على اقامة كتاب الله ثم بايع العامة وخطب على وذكر الناس وذلك يوم الجمعة لخمس بقين من ذى الحجة ورجع إلى بيته فجاءه طلحة والزبير وقالا قد اشترطنا اقامة الحدود فأقمها على قتلة هذا الرجل فقال لا قدرة لى على شئ مما تريدون حتى يهدأ الناس وننظر الامور فتؤخذ الحقوق فافترقوا عنه وأكثر بعضهم المقالة في قتلة عثمان وباستناده إلى أربعة في رأيه وبلغه ذلك فخطبهم وذكر فضلهم وحاجته إليهم ونظره لهم ثم هرب مروان وبنو أمية ولحقوا بالشأم فاشتد على على منع قريش من الخروج ثم نادى في اليوم الثالث برجوع الاعراب إلى بلادهم فأبوا وتذامرت معهم السبئية وجاءه طلحة والزبير فقالا دعنا نأتى البصرة والكوفة فنستنفر الناس فأمهلهما وجاء المغيرة فأشار عليه باستبقاء العمال حتى يستقر الامر ويستبدلوا بمن شاء فأمهله ورجع من الغد فأشار بمعاجلة الاستبدال وجاءه ابن عباس فأخبره بخبر المغيرة فقال نصحك أمس وغشك اليوم قال فما الرأى قال كان أن تخرج عند قتل الرجل إلى مكة وأما(2/151)
اليوم فان بنى أمية يشبهون على الناس بأن يلجموك طرفا من هذا الامر ويطلبون
ما طلب أهل المدينة في قتلة عثمان فلا يقدرون عليهم والامر ان تقر معاوية فقال على رضى الله عنه والله لا أعطيه الا السيف فقال له ابن عباس أنت رجل شجاع لست صاحب رأى في الحرب أما سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول الحرب خدعة قال بلى فقال ابن عباس اما والله ان أطعتني لا تركتهم ينظرون في دبر الامور ولا يعرفون ما كان وجهها من غير نقصان عليك ولا اثم لك فقال يا ابن عباس لست من هنياتك ولا هنيات معاوية في شئ فقال ابن عباس اطعني والحق بما لك بينبع وأغلق بابك عليك فان العرب تجول جولة وتضطرب ولا تجد غيرك وان نهضت مع هؤلاء القوم يحملك الناس دم عثمان غدا فأبى على وقال اشر على وإذا خالفتك أطعنى قال أيسر مالك عندي الطاعة قال فسر إلى الشأم فقد وليتكها قال إذا يقتلنى معاوية بعثمان أو يحبسنى فيتحكم على لقرابتي منك ولكن اكتب إليه وعده فأبى وكان المغيرة يقول نصحته فلم يقبل فغضب ولحق بمكة ثم فرق على العمال على الامصار فبعث على البصرة عثمان بن حنيف وعلى الكوفة عمارة بن شهاب من المهاجرين وعلى اليمن عبيد الله بن عباس وعلى مصر قيس بن سعد وعلى الشأم سهل بن حنيف فمضى عثمان إلى البصرة واختلفوا عليه فأطاعته فرقة وقال آخرون ما يصنع أهل المدينة فنقتدي بهم ومضى عمارة إلى الكوفة فلما بلغ زبالة لقى طليحة بن خويلد فقال له ارجع فان القوم لا يستبدلون بأبى موسى والا ضربت عنقك ومضى ابن عباس إلى اليمن فجمع يعلى بن منية مال الجباية وخرج به إلى مكة ودخل عبيد الله إلى اليمن ومضى قيس بن سعد إلى مصر ولقيه بأيلة خيالة من أهل مصر فقالوا من أنت قال قيس بن سعد من فل عثمان أطلب من آوى إليه وأنتصر به ومضى حتى دخل مصر وأظهر أمره فافترقوا عليه فرقة كانت معه وأخرى تربصوا حتى يروا فعله في قتلة عثمان ومضى سهل بن حنيف إلى الشأم حتى إذا كان بتبوك لقيته خيل فقال لهم أنا أمير على الشأم قالوا ان كان بعثك غير عثمان فارجع فرجع فلما رجع وجاءت أخبار الآخرين دعا على طلحة والزبير وقال
قد وقع ما كنت أحذركم فسألوه الاذن في الخروج من المدينة وكتب على إلى أبى موسى مع معبد الاسلمي فكتب إليه بطاعة أهل الكوفة وبيعتهم ومن الكاره منهم والراضي حتى كانه يشاهد وكتب إلى معاوية مع سبرة الجهنى ثم يجبه إلى ثلاثة أشهر من مقتل عثمان ثم دعا قبيصة من عبس وأعطاه كتابا مختوما عنوانه من معاوية إلى على وأوصاه بما يقول وأعاده مع رسول على فقدما في ربيع الاول ودخل العبسى وقد رفع الطومار كما أمره حتى دفعه إلى على ففضه فلم يجد فيه كتابا فقال للرسول ما وراءك قال(2/152)
الاساقفة لمناظرته فحضر بمجلس مرقيان قيصر وافتضح في مخاطبتهم ومناظرتهم وخاطبته زوج الملك فأساء الرد فلطمته بيدها وتناوله الحاضرون بالضرب وكتب مرقيان قيصر إلى أهل مملكته في جميع النواحى بأن مجمع خلقدونية هو الحق ومن لا يقبله يقتل ومرديسقورس بالقدس وأرض فلسطين وهو مضروب منفى فاتبعوا رأيه وكذلك اتبعه أهل مصر والاسكندررية وولى وهو في النفى أساقفة كثيرة كلهم يعقوبية قال ابن العميد وانما سمى أهل مذهب ديسقورس يعقوبية لان اسمه كان في الغلمانية يعقوب وكان يكتب إلى المؤمنين من المسكين المنفى يعقوب وقيل بل كان له تلميذ اسمه يعقوب فنسبوا إليه وقيل بل كان شاويرش بطرك انطاكية على رأى ديسقورس وكان له تلميذ اسمه يعقوب فكان شاويرش يبعث يعقوب إلى المؤمنين ليثبتوا على أمانة ديسقورس فنسبوا إليه قال ومن جمع خلقدونية افترقت الكنائس والاساقفة إلى يعقوبية وملكية ونسطورية فاليعقوبية أهل مذهب ديسقورس الذى قررناه آنفا والملكية أهل الامانة التى قررها جماعة نيقية وجماعة خلقدونية بعدهم وعليها جمهور النصرانية والنسطورية أهل المجمع الثالث وأكثرهم بالمشرق وبقى الملكية واليعقوبية يتعاقبون في الرياسة على الكراسي بحسب من يريدهم من القياصرة وما يختارونه من المذهبين ثم كان بعد ذلك بمائة وثلاثين سنة أو ثلاث وستين سنة المجمع الخامس
بقسطنطينية في أيام يوسيطانوس قيصر للنظر في مقالة اقفسح لانه نقل عنه أنه يقول بالتناسخ وينكر البعث ونقل عن أساقفة انقرا والمصيصة والرها أنهم يقولون ان جسد المسيح فنطايسا فأحضر قيصر جمعهم بالقسطنطينية ليناظرهم البطرك بها فقال البطرك ان كان جسد المسيح فنى فقوله وفعله كذلك وقال الاسقف اقفسح انما قام المسيح من بين الاموات ليحقق البعث والقيامة فكيف تنكر ذلك أنت وجمع لهم مائة وعشرين أسقفا فأشادوا بكفره وأوجبوا لعنتهم ولعنة من يقول بقولهم واستقرت فرق النصارى على هذه الثلاثة (الخبر عن الفرس وذكر أيامهم ودولهم وتسمية ملوكهم وكيف كان مصير أمرهم إلى تمامه وانقراضه) هذه الامة من أقدم أمم العالم وأشدهم قوة وآثارا في الارض وكانت لهم في العالم دولتان عظيمتان طويلتان الاولى منهما الكينية ويظهر أن مبتدأها ومبتدأ دولة التبابعة وبنى اسرائيل واحد وأن الثلاثة متعاصرة ودولة الكينية هذه هي التى غلب عليها الاسكندر والساسانية الكسروية ويظهر أنها معاصرة لدولة الروم بالشأم وهى التى غلب عليها المسلمون وأما ما قبل هاتين الدولتين فبعيد وأخباره متعارضة ونحن(2/153)
ذاكرون ما اشتهر من ذلك وأما أنسابهم فلا خلاف بين المحققين أنهم من ولد سام بن نوح وأن جدهم الاعلى الذين ينتمون إليه هو فرس والمشهور أنهم من ولد ايران بن أشوذ ابن سام بن نوح وأرض ايران هي بلاد الفرس ولما عربت قيل لها اعراق هذا عند المحققين وقيل انهم منسوبون إلى ايران بن ايران بن أشوذ وقيل إلى غليم بن سام ووقع في التوراة ذكر ملك الاهواز كردامر من بنى غليم فهذا أصل هذا القول والله أعلم لان الاهواز من ممالك بلاد فارس وقيل إلى لاوذ بن ارم بن سام وقيل إلى أميم بن لاوذ وقيل إلى يوسف بن يعقوب بن اسحق ويقال ان الساسانية فقط من ولد اسحق وأنه يسمى
عندهم وترك وأن جدهم منوشهر بن منشحر بن فرهس بن وترك هكذا نقل المسعودي هذه الاسماء وهى كما تراه غير مضبوطة وفيما قيل ان الفرس كلهم من ولد ايران بن افريدون الآتى ذكره وأن من قبله لا يسمون بالفرس والله أعلم وكان أول ما ملك ايران أرض فارس فتوارث أعقابه الملك ثم صارت لهم خراسان ومملكة النبط والجرامقة ثم اتسعت مملكتهم إلى الاسكندرية غربا وباب الابواب شمالا وفي الكتب ان أرض ايران هي أرض الترك وعند الاسرائيليين انهم من ولد طيراس بن يافث واخوتهم بنو مادى ابن يافث وكانوا مملكة واحدة فأما علماء الفرس ونسابتهم فيأبون من هذا كله وينسبون الفرس إلى كيومرث ولا يرفعون نسبه إلى ما فوقه ومعنى هذا الاسم عندهم ابن الطين وهو عندهم أول النسب هذا رأيهم وأما مواطن الفرس فكانت أول أمرهم بأرض فارس وبهم سميت ويجاورهم اخوانهم في نسب أشوذ بن سام وهم فيما قال البيهقى الكرد والديلم والخزر والنبط والجرامقة ثم صارت لهم خراسان ومملكة النبط والجرامقة وسائر هؤلاء الامم ثم اتسعت ممالكهم إلى الاسكندرية وفي هذا الجيل على ما اتفق عليه المؤرخون أربع طبقات الطبقة الاولى تسمى البيشدانية والطبقة الثانية تسمى الكينية والطبقة الثالثة تسمى الاشكانية والطبقة الرابعة تسمى الساسانية ومدة ملكهم في العالم على ما نقل ابن سعيد عن كتاب تاريخ الامم لعلى بن حمزة الاصبهاني وذلك من زمن كيومرث أبيهم إلى مهلك يزدجرد أيام عثمان أربعة آلاف سنة ومائتا سنة ونحو احدى وثمانين سنة وكيومرث عندهم هو أول ملك نصب في الارض ويزعمون فيما قال المسعودي أنه عاش ألف سنة وضبطه بكاف أول الاسم قبل الياء المثناة من أسفل والسهيلى ضبطه بجيم مكان الكاف والظاهر أن الحرف بين الجيم والكاف كما قدمناه (الطبقة الاولى من الفرس وذكر ملوكهم وما صار إليه في الخليقة أحوالهم) الفرس كلهم متفقون على أن كيومرت هو آدم الذى هو أول الخليقة وكان له ابن اسمه(2/154)
منشا ولمنشا سيامك ولسيامك افروال ومعه أربعة بنين وأربع بنات ومن افروال كان نسل كيومرت والباقون انقرضوا فلا يعرف لهم عقب قالوا وولد لافروال أو شهنك پيشداد فاللفظة الاولى حرفها الاخير بين الكاف والقاف والجيم واللفظة الاخرى معناها بلغتهم النور قاله السهيلي وقال الطبري أول حاكم بالعدل وكان افروال وارث ملك كيومرت وملك الاقاليم السبعة قال الطبري عن ابن الكلبى انه أو شهنك بن عابر ابن شالخ قال والفرس تدعيه وتزعم أنه بعد آدم بمائتي سنة قال وانما كان نوح بعد آدم بمائتي سنة فصيره بعد آدم وأنكره الطبري لان شهرة أو شهنك تمنع من مثل هذا الغلط فيه ويزعم بعض الفرس أن أو شهنك پيشداد هو مهلايل وأن أباه افروال هو قينن وأن سيامك هو أنوش وأن منشا هو شيت وأن كيومرت هو آدم قال وزعمت الفرس أن ملك أو شهنك كان أربعين سنة فلا يبعد أن يكون بعد آدم بمائتي سنة وقال بعض علماء الفرس ان كيومرت هو كومر بن يافث بن نوح وأنه كان معمر أو نزل جبل دنباوند من جبال طبرستان وملكها ثم ملك فارس وعظم أمره وأمر بنيه حتى ملكوا بابل وأن كيومرت هو الذى بنى المدن والحصون واتخذ الخيل وتسمى بآدم وحمل الناس على دعائه بذلك وأن الفرس من عقب ماداى ولم يزل الملك في عقبهم في الكينية والكسروية إلى آخر أيامهم وتقول الفرس ان أو شهنك وهو مهلايل ملك الهند قالوا وملك بعد أو شهنك طهمورث بن أنو جهان بن أنكهد بن أسكهد بن أو شهنك وقيل مكان أسكهد فيشداد وكلها أسماء أعجمية لا عهدة علينا في نقلها لعجمتها وانقطاع الرواية في الاصول التى نقلت منها قال ابن الكلبى ان طهمورث أول ملوك بابل وإنه ملك الاقاليم كلها وكان محمودا في ملكه وفي أول سنة من ملكه ظهر بيوراسب ودعا إلى ملة الصابئة وقال علماء الفرس ملك بعد طهمورث جمشيد ومعناه الشجاع لجماعة وهو جم بن نوجهان أخو طهمورث وملك الارض واستقام أمره ثم بطر النعمة وساءت
أحواله فخرج عليه قبل موته بسنة بيوارسب وظهر به فنشره بمنشار وأكله وشرط أمعاءه وقيل انه ادعى الربوبية فخرج عليه أولا أخوه استوير فاختفى ثم خرج بيوراسب فانتزع الامر من يده وملك سبعمائة سنة وقال ابن الكلبى مثل ذلك قال الطبري بيوراسب هو الازدهاك والعرب تسميه الضحاك وهو بصاد بين السين والزاى وحاء قريب من الهاء وكاف قريبة من القاف وهو الذى عنى أبو نواس بقوله وكان منا الضحاك تعبده ال * جامل والجن في محاربها - لان اليمن تدعيه قال وتقول العجم ان جمشيد زوج أخته من بعض أهل بيته وملك على اليمن فولدت الضحاك وتقول أهل اليمن في نسبه الضحاك بن علوان بن عبيدة بن(2/155)
عويج وأنه بعث على مصر إخاه سنان بن علوان ملكا وهو فرعون ابراهيم قاله ابن الكلبى وأما الفرس فينسبونه هكذا بيوراسب بن رتيكان بن ويدوشتك بن فارس بن افروال ومنهم من خالف في هذا ويزعمون أنه ملك الاقاليم كلها وكان ساحرا كافرا وقتل أباه وكان أكثر أقامته ببابل وقال هشام ملك الضحاك وهو نمرود الخليل بعد جمشيد وانه التاسع منهم وكان مولده بدنباوند وأن الضحاك سار إلى الهند فخالفه افريدون إلى بلاده فملكها ورجع الضحاك فظفر به افريدون وحبسه بجبال دنباوند واتخذ يوم ظفر به عيدا وعند الفرس أن الملك انما كانت للبيت الذى وطنه أو شهنك وجمشيد وان الضحاك هو بيوراسب خرج عليهم وبنى بابل وجعل النبط جنده وغلب أهل الارض بسحره وخرج عليه رجل من عامة اصبهان اسمه عالى وبيده عصا علق فيها جرابا واتخذها راية ودعا الناس إلى حربه فأجابوا وغلبه فلم يدع الملك وأشار بتولية بنى جمشيد لانه من عقب أو شهنك ملكهم الاول ابن افروال فاستخرجوا افريدون من مكان اختفائه فملكوه وابتع الضحاك فقتله وقيل أسره بدنباوند ويقال كان على عهد نوح واليه بعث ولهذا يقال ان افريدون هو نوح والتحقيق عند نسابة الفرس على ما نقل هشام بن
الكلبى أن افريدون من ولد جمشيد بينهما تسعة آباء وملك مائتي سنة ورد غصوب الضحاك ومظالمه وكان له ثلاثة بنين الاكبر سرم والثانى طوج والثالث ايرج وأنه قسم الارض بينهم فكانت الروم وناحية المغرب لسرم والترك والصين والعراق لايرج وآثره بالتاج والسرير ولما مات قتله أخواه واقتسما الارض بينهما ثلثمائة سنة ويزعمون أن افريدون وآباءه العشرة يلقبون كلهم أشكيان وقيل في قسمته الارض بين ولده غير هذا وأن بابل كانت لايرج الاصغر وكان يسمى خيارث ويقال كان لايرج ابنان وندان وأسطوبة وبنت اسمها خورك وقتل الابنان مع أبيهما بعد مهلك افريدون وأن افريدون ملك خمسمائة سنة وأنه الذى محا آثار ثمود من النبط بالسواد وأنه أول من تسمى بكى فقيل كى افريدون ومعناه التنزيه أي مخلص متصل بالروحانيات وقيل معناه البهاء لانه يغشاه نور من يوم قتل الضحاك وقيل معناه مدرك النار وكان منوشهر الملك ابن منشحر بن ايرج من نسل افريدون وكانت أمه من ولد اسحق عليه السلام فكفلته حتى كبر فملك وثأر بأبيه ايرج من عمه بعد حروب كانت له معهما ثم استبد ونزل بابل وحمل الفرس على دين ابراهيم عليه السلام وثار عليه فراسياب ملك الترك فغلبه على بابل وملكها ثم اتبعه إلى غياض طبرستان فجهز العساكر لحصاره وسار إلى العراق فملكه ويقال فراسياب هذا من عقب طوج بن افريدون ولحق ببلاد الترك عندما قتل منوشهر جد طوج فنشأ عندهم وظهر من بلادهم فلهذا نسب إليهم وقال الطبري لما(2/156)
هلك منوشهر بن منشحور غلب افراسياب بن أشك بن رستم بن ترك على خيارات وهى بابل وأفسد مملكة فارس وحيرها فثار عليه زومر بن طهمارست ويقال راسب بن طهمارست وينسب إلى منوشهر في تسعة آباء وان منوشهر غضب على طهمارست وكانوا يحاربون افراسيات فهم بقتله وشفع فيه أهل الدولة فنفاه إلى بلاد الترك وتزوج منهم ثم عاد إلى أبيه وأعمل الحيلة في اخراج امرأته من بلاد الترك وكانت ابنة وامن ملك
الترك فولدت له زومر ابنه وقام بالملك بعد منوشهر وطرد افراسيات عن مملكة فارس وقتل جده وامن في حروبه مع الترك ولحق افراسيات بتركستان واتخذ يوم ذلك الغلب عيدا ومهرجانا وكان ثالث أعيادهم وكان غلبه على بلاد فارس لثنتى عشرة سنة من وفاة منوشهر جده وكان زومر بن طهمارست هذا محمودا في سيرته وأصلح ما أفسد فراسيات من خيارت من مملكة بابل وهو الذى حفر نهر الزاب بالسواد وبنى على حافته المدينة العتيقة وسماها الزواهي وعمل فيها البساتين وحمل إليها بزور الاشجار والرياحين وكان معه في الملك كرشاسب من ولد طوج بن أفريدون وقيل من ولد منوشهر ويقال انما كان رديفا له وكان عظيم الشان في أهل فارس ولم يملك وانما كان الملك لزومر بن طهمارست وهلك لثلاث سنين من دولته وفى أيامه خرج بنو اسرائيل من التيه وفتح يوشع مدينة أريحاء ودال الملك من بعده للكينية حسبما يذكروا ولهم كيقباذ ويقال ان مدة الملك لهذه الطبقة كانت الفين وأربعمائة وسبعين سنة فيما قال البيهقى والاصبهاني ولم يذكر من ملوكهم الا هؤلاء التسعة الذين ذكرهم الطبري والله وارث الارض ومن عليها(2/157)
* (الطبقة الثانية من الفرس وهم الكينية وذكر ملوكهم وأيامهم إلى حين انقراضهم) * هذه الطبقة الثانية من الفرس وملوكهم يعرفون بالكينية لان اسم كل واحد مضاف إلى كى وقد تقدم معناه والمضاف عند العجم متأخر عن المضاف إليه وأو لهم فيما قالوا كيقباذ من عقب منوشهر بينهما أربعة آباء وكان متزوجا بامرأة من رؤس الترك ولدت له خمسة من البنين كى وافيا وكيكاوس وكى أرش وكى نيه وكى فاسمن وهؤلاء هم الجبابرة وآباء الجبابرة (قال الطبري) وقيل ان الملوك الكينية وأولادهم من نسله جرت بينه وبين الترك حروب وكان مقيما بنهر بلخ يمانع الترك من طروق بلاده وملك مائة سنة انتهى وملك بعده ابنه كيكاوس بن كينية وطالت حروبه مع فراسيات
ملك الترك وهلك فيها ابنه سپاوخش ويقال كان على عهد داود وان عمرا ذا الاذعار من ملوك التبابعة غزاه في بلاده فظفر به وحبسه عنده باليمن وسار وزيره رستم بن دستان بجنود فارس إلى غزو ذى الاذعار فقتله وتخلص كيكاوس إلى ملكه وقال الطبري كان كيكاوس عظيم السلطان والحماية وولد له ابنه سپاوخش فدفعه إلى رستم الشديد بن دستان وكان أصهر بسجستان حتى إذا كملت تربيته وفصاله رده إلى أبيه فرضيه وكفلت به امرأة أبيه فسخطه وبعثه لحرب فراسيات وأمره بالمناهضة فراوده فراسيات في الصلح وامتنع أبوه كيكاوس فخشى منه على نفسه ولحق بفراسيات فزوجه بنته أم كى خسرو ثم خشيه فراسيات على نفسه وأشار على ابنته بقتله فقتلته وترك ابنة فراسيات حاملا بخسرو وولدته هنا لك وأعمل كيكاوس الحيلة في اخراجه فلحق به ويقال انه لما بلغه قتل ابنه بعث عساكره مع قواده فوطئوا بلاد الترك وأثخنوا فيها وقتلوا بنى فراسيات فيمن قتلوه قال الطبري وانه غزا بلاد اليمن ولقيه ذو الاذعار في حمير وقحطان فظفر به وأسره وحبسه في بئر وأطبق عليها وان رستم سار من سجستان فحارب ذا الاذعار ثم اصطلحا على ان يسلم إليه كيكاوس فأخذه ورجع إلى بابل وكافأه كيكاوس على ذلك بالعتق من عبودية الملك ونصب لجلوسه سريرا من فضة بقوائم من ذهب وتوجه بالذهب وأقطعه سجستان وأبا ستان وهلك لمائة وخمسين من دولته وملك بعده فيما قال الطبري والمسعودي والبيهقي وجماعة من المؤرخين حافده كى خسرو ابن ابنه سپاوخش (وقال السهيلي) انه ملك كى خسرو بعد ثلاثة آخرين بينه وبين كيكاوس فأولهم بعده ابنه كى كينة ثم من بعده ابنه اجو ابن كى كينة ثم عمه سپاوخش بن كيكاوس ثم بعد الثلاثة كى خسرو بن سپاوخش اه وهو غريب فانهم متفقون على ان سپاوخش مات في حياة أبيه في حروب الترك قال الطبري وقد كان(2/159)
كيكاوس بن كى كينية بن كيقباذ ملك كى خسرو حين جاءه من بلاد الترك مع أمه
واسفاقدين بنت فراسيات قالوا ولما ملك بعث العساكر مع اجو إلى اصبهان لحرب فراسيات ملك الترك للطلب بثار أبيه سپاوخش فزحفوا إلى الترك وكانت بينهم حروب شديدة انهزمت فيها عساكر الفرس فنهض كى خسرو بنفسه إلى بلخ وقدم عساكره وقواده فقصدوا بلاد الترك من سائر النواحى وهزموا عساكرهم وقتلوا قوادهم وكان قاتل سپاوخش بن كى خسرو فيمن قتل منهم وبعث فراسيات ابنه وكان ساحرا إلى كيخسرو يستميله فعمد إلى القواد بمنعه وقتاله وقاتل فقتل وزحف فراسيات فلقيه كى خسرو وكانت بينهما حروب شديدة انجلت عن هزيمة فراسيات والترك واتبعه كى خسرو فظفر به في اذربيجان فذبحه وانصرف ظافرا وكان فيمن حضر معه لهذا الفتح ملك فارس وهو كى اوجن بن حينوش بن كيكاوس ابن كينية بن كيقباذ وهو عند الطبري أبو كيهراسف الذى ملك بعد كيخسرو على ما نذكر وملك على الترك بعد فراسيات چوراسف ابن أخيه شراشف ثم ان كى خسروا ترهب وتزهد في الملك واستخلف مكانه كيهراسف بن كى أوجن الذى قدمنا انه أبوه عند الطبري ولد كيخسرو فقيل غاب في البرية وقيل مات وذلك لستين سنة من ملكه ولما ملك كيهراسف اشتدت شوكة الترك فسكن لقتالهم مدينة بلخ على نهر جيحون وأقام في حروبهم عامة أيامه وكان أصبهبذ ما بين الاهواز والروم من غربي دجلة في أيامه بختنرسى المشتهر ببختنصر وأضاف إليه كهراسف ملكا عندما سار إليه وأذن له في فتح ما يليه وسار إلى الشأم معه ملوك الفرس وبختنصر ملك الموصل وله سنجاريف ففتح بيت المقدس وكان له الظهور على اليهود واستأصلهم كما مر في اخبارهم وبختنصر هذا الذى غزا العرب وقاتلهم واستباحهم ويقال ان ذلك كان في أيام كى بهمن حافد كيستاسب ابن كيهراسف (قال هشام بن محمد) أوحى الله إلى أرميا النبي صلى الله عليه وسلم وكان حافد زريافيل الذى رجع بنى اسرائيل إلى بيت المقدس بأمر بختنصر أن يفرق العرب الذين لا اغلاق لبيوتهم ويستبيحهم بالقتل ويعلمهم بكفرهم بالرسل
واتخاذهم الآلهة وفي كتاب الاسرائيليين والوحى بذلك كان إلى يرميا بن خلقيا وقد مر ذكره وانه أمر ان يستخرج معد بن عدنان من بينهم ويكفله إلى انقضاء أمر الله فيهم انتهى قال فوثب بختنصر على من وجده ببلاده من العرب للميرة فحبسهم ونادى بالغزو وجاءت منهم طوائف مستسلمين فقبلهم وأنزلهم بالانبار والحيرة وقال غير هشام ان بختنصر غزا العرب بالجزيرة وما بين ايلة والابلة وملاها عليهم خيلا ورجالا ولقيه بنو عدنان فهزمهم إلى حضور أو استلحمهم أجمعين وان الله أوحى إلى ارميا ويوحنا أن(2/160)
يستخرجا معد بن عدنان الذى من ولده محمد أختم بن النبيين آخر الزمان وهو ابن ثنتى عشرة سنة وردفه يوحنا على البراق وجاء به إلى حران وربى بن أنبياء بنى اسرائيل ورجع بختنصر إلى بابل وانزل السبى بالانبار فقيل أنبار العرب وسميت بهم وخالطهم النبط بعد ذلك ولما هلك بختنصر خرج معد بن عدنان مع أنبياء بنى اسرائيل إلى الحج فحجوا وبقى هنا لك مع قومه وتزوج بعانة بنت الحارث بن مضاض الجرهمى فولدت له نزار بن معد وأما كيهراسف فكان يحارب الترك عامة أيامه وهلك في حروبهم لمائة وعشرين سنة من ملكه وكان محمود السيرة وكانت الملوك شرقا وغربا يحملون إليه الاتاوة ويعظمونه وقيل انه ولى ابنه كيستاسب على الملك وانقطع للعبادة ولما ملك ابنه كيستاسب شغل بقتال الترك عامة أيامه ودفع لحروبهم ابنه اسفنديار فعظم عناؤه فيهم وظهر في أيامه زرادشت الذى يزعم المجوس نبوته وكان فيما زعم أهل الكتاب من أهل فلسطين خادما لبعض تلامذة ارميا النبي خالصة عنده فخانه في بعض أموره فدعا الله عليه فبرص ولحق باذربيجان وشرع بها دين المجوسية وتوجه إلى كيستاسف فعرض عليه دينه فأعجبه وحمل الناس على الدخول فيه وقتل من امتنع وعند علماء الفرس ان زرادشت من نسل منوشهر الملك وان نبيا من بنى اسرائيل بعث إلى كيستاسف وهو ببلخ فكان زرادشت وجاماسب العالم وهو من نسل منوشهر أيضا يكتبان بالفارسية
ما يقول ذلك النبي بالعبرانية وكان جاماسب يعرف اللسان العربي ويترجمه لزرادشت وان ذلك كان لثلاثين سنة من دولة كيهراسف (وقال علماء الفرس) ان زرادشت جاء بكتاب ادعاه وحيا كتب في اثنى عشر ألف بعده نقشا بالذهب وان كيستاسف وضع ذلك في هيكل باصطخر ووكل به الهرابذة ومنع من تعليمه العامة (قال) المسعودي ويسمى ذلك الكتاب نسناه وهو كتاب الزمزمة ويدور على ستين حرفا من حروف العجم وفسره زرادشت وسمى تفسيره زند ثم فسر التفسير ثانيا وسماه زنديه ء وهذه اللفظة هي التى عربتها العرب زنديق وأقسام هذا الكتاب عندهم ثلاثة قسم في أخبار الامم الماضية وقسم في حدثان المستقبل وقسم في نواميسهم وشرائعهم مثل أن المشرق قبلة وان الصلوات في الطلوع والزوال والغروب وانها ذات سجدات ودعوات وجدد لهم زرادشت بيوت النيران التى كان منوشهر أخمدها ورتب لهم عيدين النيروز في الاعتدال الربيعي والمهرجان في الاعتدال الخريفى وأمثال ذلك من نواميسهم ولما انقرض ملك الفرس الاول أحرق الاسكندر هذه الكتب ولما جاء أردشير جمع الفرس على قراءة سورة منها تسمى اسبا قال المسعودي وأخذ كيستاسف بدين المجوسية من زرادشت لخمس وثلاثين سنة من نبوته فيما زعموا ونصب كيستاسف مكانه(2/161)
جاماسب العالم من أهل اذربيجان وهو أول موبذان كان في الفرس انتهى (قال الطبري) وكان كيستاسب مهادنا ارجاماسب ملك الترك وقد اشترط عليه ان تكون دابة كيستاسف موقفة على بابه بمنزلة دواب الرؤسا عند أبواب الملوك فمنعه من ذلك زرادشت وأشار عليه بفتنة الترك فبعث إلى الدابة والموكل بها وصرفهما إليه وبلغ الخبر إلى ملك الترك فبعث إليه بالعتاب والتهديد وان يبعث بزرادشت إليه والا فيعزره وأغلظ كيستاسف في الجواب وآذنه بالحرب وسار بعضهما إلى بعض واقتتلوا وقتل رزين بن كيستاسف وانهزم الترك وأثخن فيهم الفرس وقتل ساحر الترك قيدوشق ورجع
كيستاسف إلى بلخ ثم سعى عنده بابنه أسفنديار فحبسه وقيده وسار إلى جبل بناحية كرمان وسجستان فانقطع به للعبادة ودراسة الدين وخلف أباه كهراسف في بلخ شيخا قد أبطله الكبر وترك خزائنه وأمواله فيها مع امرأته فغزاهم بها خدراسف وقدم اخاه جورا في جموع الترك وكان مرشحا للملك فأثخن واستباح واستولى على بلخ وقتل كهراسف أباهم وغنموا الاموال وهدموا بيوت النيران وسبوا حمايى بنت كستاسف وأختها وكان فيها غنموه العلم الاكبر الذى كانوا يسمونه زركش كاويان وهى راية الحداد الذى خرج على الضحاك وقتله وولى أفريدون فسموا بتلك الراية ورصعوها بالجواهر ووضعوها في ذخائرهم يبسطوها في الحروب العظام وكان لها ذكر في دولتهم وغنمها المسلمون يوم القادسية ثم مضى خدراسف ملك الترك في جموعه إلى كستاسف وهو بجبال سجستان متعبدا فتحصن منه وبعث إلى ابنه اسفنديار مع جاماسب العالم وهو فقلده الملك ومحاربة الترك فسار إليهم وأبلى في حروبهم فانهزموا وغنم ما معهم واسترد ما كانوا غنموه والراية زركش كاويان في جملته ثم دخل أسفنديار إلى بلادهم في اتباعهم وفتح مدينتهم عنوة وقتل ملكهم خدراسف واخوته واستلحم مقاتلته واستباح أمواله ونساءه ودخل مدينة فراسيات ودوخ البلاد وانتهى إلى بلاد صول والتبت وولى على كل ناحية من الترك وفرض الخراج وانصرف إلى بلخ وقد غص به أبوه (قال هشام بن محمد) فبعثه إلى رستم ملك سجستان الذى كان يستنفره كيقباد جدهم من ملوك اليمن وأقطعه تلك الممالك جزاء لفعله فسار إليه اسفنديار وقاتله رستم وهلك كستاسف لمائة وعشرين سنة ويقال انه الذى رد بنى اسرائيل إلى بلادهم وان أمه كانت من بنى طالوت ويقال ان ذلك هو حافد بهمن وقيل ان الذى ردهم هو كورش من ملوك بابل أيام بهمن بأمره ثم ملك بعد كستاسف حافده كى بهمن ويقال اردشير بهمن (قال الطبري) ويعرف بالطويل الباع لاستيلائه على الممالك والاقاليم قال هشام بن محمد ولما ملك سار إلى سجستان طالبا بثار أبيه(2/162)
فكانت بينهما حروب فقتل فيها رستم بن دستان وأبوه واخوته وأبناؤه ثم غزا الروم وفرض عليهم الاتاوة وكان من أعظم ملوك الفرس وبنى مدنا بالسواد وكانت أمه من نسل طالوت لاربعة آباء من لدنه وكانت له أم ولد من سبى بنى اسرائيل اسمها راسف وهى أخت زريافيل الذى ملكه على اليهود ببيت المقدس وجعل له رياسة الجالوت وملك الشأم وملك ثمانين سنة فملكت حمايى ملكها الفرس ولحسن أدبها وكمال معرفتها وفروسيتها وكانت بلغت شهرا أزاد وقيل انما ملكوها لانها لما حملت من أبيها بدار الاكبر سألته أن يعقد له التاج في بطنها ففعل ذلك وكان ابنه ساسان مرشحا للملك فغضب ولحق بجبال اصطخر زاهدا يتولى ماشيته بنفسه فلما مات أبوه فقدوا ذكرا من أولاده فولوا حماى هذه وكانت مظفرة على الاعداء ولما بلغ ابنها دارا الاشد شلمت إليه الملك وسارت إلى فارس واختطت مدينة دادا بجرد ورددت الغزو إلى بلاد الروم وأعطيت الظفر فكثر سبيهم عندها وملكت ثلاثين سنة ولما ملك ابنها دارا تزل بابل وضبط ملكه وغزا الملوك وأدوا الخراج إليه ويقال انه الذى رتب دواب البرد وكان معجبا بابنه دارا حتى سماه باسمه وولاه عهده وهلك لاثنتى عشرة سنة وملك بعده ابنه دارا بهمن وكان له مربى اسمه بيدلى قتله أبوه دارا بسعاية وزيره ارشيس محمود وندم على قتله فلما ولى دارا جعل على كتابته أخا بيدلى ثم استوزره رعيا لمرباه مع أخيه فاستفسده على ارشيش وزيره ووزير أبيه وعلى سائر أهل الدولة استوحشوا منه وقال هشام بن محمد وملك دارا أربع عشرة سنة فأساء السيرة وقتل الرؤساء وأهلك الرعية وغزاه الاسكندر بن فيليش ملك بنى يونان وقد كانوا يسمونه فوثب عليه بعضهم وقتله ولحق بالاسكندر وتقرب بذلك إليه فقتله الاسكندر وقال هذا جزاء من اجترا على سلطانه وتزوج بنته روشنك كما نذكره في اخبار الاسكندر وقال الطبري قال بعض أهل العلم باخبار الماضين كان لدارا من الولد يوم قتل أربع
بنين أسسك وبنو دار وأردشير وبنت اسمها روشنك وهى التى تزوجها الاسكندر قال وملك أربع عشرة سنة هذه هي الاخبار المشهورة للفرس الاولى إلى ملكهم الاخير دارا قال هروشيوش مؤرخ الروم في مبدا دولة الفرس هؤلاء انما كانت بعد دخول بنى اسرائيل إلى الشأم وعلى عهد عثنيئال بن قناز بن يوفنا وهو ابن أخى كالب بن يوفنا الذى دبر أمر بنى اسرائيل بعد يوشع قال وفي ذلك الزمان خرج أبو الفرس من أرض الروم الغريقيين من بلاد أسيا واسمه بالعربية فارس وباليونانية يرشور وبالفارسية يرشيرش فنزل بأهل بيته في ناحية وتغلب على أهل ذلك الموضع فنسبت إليه تلك الامة واشتق اسمها من اسمه وما زال أمرهم ينموا إلى دولة كيرش الذى يقال فيه انه كسرى(2/163)
الاول فغلب على القضاعيين ثم زحف إلى مدينة بابل وعرض له دونها النهر الثاني بعد الفرات وهو نهر دجلة فاحتفر له الجداول وقسمه فيها ثم زحف إلى المدينة وتغلب عليها وهدمها ثم حارب السريانيين فهلك في حروبهم ببلاد شيت وولى ابنه قنبيشاش بن كيرش فثار منهم بأبيه وتخطاهم إلى أرض مصر فهدم أوثانهم ونقض شرائعهم فقتله السحرة وذلك لالف سنة من ابتداء دولتهم فولى أمر الفرس دارا وقتل السحرة بمصر ورد عمالة السريانيين إليهم ورجع بنى اسرائيل إلى الشأم في الثانية من أيامه وزحف إلى بلاد الروم الغريقيين طالبا ثار كيرش فلم يزل في حروبهم إلى أن هلك لثلاث وعشرين من دولته ثار عليه أحد قواده فقتله وولى بعده ابنه ارتشخار أربعين سنة وولى بعده ابنه دارا انوطوسبع عشرة سنة ثم ولى بعده ابنه ارتشخار بعد أن نازعه كيرش بن نوطو فقتله ارتشخار واستولى على الامر وسالم الروم الغريقيين ثم انتقضوا عليه واستعانوا بأهل مصر فطالت الحرب ثم اصطلحوا ووقعت الهدنة وهلك ارتشخار وذلك على عهد الاسكندر ملك اليونانيين وهو خال الاسكندر الاعظم وهلك لعهده فولى أبو الاسكندر الاعظم ببلد مقدونية وهو ملك فيلپش وهلك ارتشخار أوقش لست وعشرين من
دولته وولى من بعده ابنه شخشار أربع سنين وفي أيامه ولى على مقدونية اليونانيين سائر الروم الغريقيين الاسكندر بن فيلپش ثم ولى بعده شخاردارا وعلى عهده تغلب الاسكندر على يهود بيت المقدس وعلى جميع الروم الغريقيين ثم حدثت الفتنة بينه وبين دارا وتزاحفوا مرات انهزم في كلها وكان لاسكندر الظهور عليه ومضى إلى الشأم ومصر فملكهما وبنى الاسكندرية وانصرف فلقيه دارا أنطوس فهزمه وغلب على ممالك الفرس واستولى على مدينتهم وخرج في اتباع دارا فوجده في بعض طريقه جريحا ولم يلبث أن هلك من تلك الجراحة فأظهر الاسكندر الحزن عليه وأمر بدفنه في مقابر الملوك وذلك لالف سنة ونحو من ثمانين سنة منذ ابتداء دولتهم كما قلناه انتهى كلام هروشيوش وقال السهيلي وجده مثخنا في المعركة فوضع رأسه على فخذه وقال يا سيد الناس لم أرد قتلك ولا رضيته فهل من حاجة فقال تتزوج ابنتى وتقتل قاتلي ففعل الاسكندر ذلك وانقرض أمر هذه الطبقة الثانية والبقاء لله وحده سبحانه وتعالى(2/164)
قال ابن العميد) في ترتيب هؤلاء الملوك الفرس من بعد كيرش إلى دارا آخرهم يقال انه ملك من بعد كورش ابنه قمبوسيوس ثمانيا وقيل تسعا وقيل ثنتين وعشرين سنة وقيل انه غزا مصر واستولى عليها وتسمى بختنصر الثاني وملك بعده أريوش بن كستاسب خمسا وعشرين سنة وهو أول الملوك الاربعة الذين عناهم دانيال بقوله ثلاث ملوك يقومون بفارس والرابع يكثر ماله ويعظم على من قبله فأولهم دارا بن كستاسف وهو مذكور في المجسطى والثانى دارا بن الامة والثالث الذى قتله الاسكندر وقيل بل هو الرابع الذى عناه دانيال لانه جعل أول الاربعة داريوش وأخشورش العادى وسركورش ورديفه في الملك ثم عد الثلاثة بعده وفي الثانية من ملكة داريوش بن كيستاسف لبابل تمت سبعون سنة لخراب القدس وفي الثالثة كمل بناء البيت ثم ملك بعد داريوش بن كيستاسف هذا أسمرديوس المجوسى سنة واحدة وقيل ثلاث عشرة سنة وسمى مجوسيا لظهور
زرادشت بدين المجوسية في أيامه ثم ملك اخشويرش بن داريوش عشرين سنة وكان وزيره هامان العمليقى وقد مرت قصته مع الجارية من بنى اسرائيل ثم ملك من بعده ابنه ارطحشاشت بن اخشويرش ويلقب بطويل اليدين وكانت أمه من اليهود بنت أخت مردخاى وكانت حظية عند أبيه وعلى يدها تخلص اليهود من سعاية وزيره فيهم عنده وكان العزير في خدمته ولعشرين من دولته أمر بهدم أسوار القدس ثم رغب إليه العزير في تجديدها فبناها في ثنتى عشرة سنة قال ابن العميد عن المجسطى ان العزير هذا ويسمى عزراء هو الرابع عشر من الكهنونة من لدن هرون عليه السلام وأنه كتب لبنى اسرائيل التوراة وكتب الانبياء من حفظه بعد عودهم من الجلاء الاول لان بختنصر كان أحرقها وقيل ان الذى كتب لهم ذلك هو يشوع بن أبو صادوق ثم ملك من بعده ارطحشاشت الثاني خمس سنين وقيل احدى وثلاثين وقيل ست عشرة وقيل شهرين ورجح ابن العميد الخمس لموافقتها سياقة التواريخ وكان لعهده أبقراط وسقراط في مدينة اشياش ولعهده كتب النواميس الاثنى عشر ثم ملك بعده صغريتوس ثلاث سنين وقيل سنة واحدة وقيل سبعة أشهر ولم يزل محنقا لمرض كان به إلى أن هلك ثم ملك من بعده دارا بن الامة ويلقب الناكيش وقيل داريوش الياريوس ملك سبع عشر سنة وكان على عهده من حكماء يونان سقراط وفيثاغورس وأقليوس وفي الخامسة من دولته انتقض أهل مصر على يونان واستبدوا بملكهم بعد مائة وأربع وعشرين سنة كانوا فيها في ملكتهم ثم ملك من بعده ارطحشاشت بن أخى كورش داريوش احدى عشرة سنة وقيل ثنتين وعشرين سنة وقيل أربعين وقيل احدى وعشرين وكان لعهده ألياقيم الكوهن الذى داهن الكهنونية ستا وأربعين سنة ثم ملك من بعده ارطحشاشت(2/166)
وتسمى أخوش ويقال أو غش عشرين سنة وقيل خمسا وعشرين وقيل تسعا وعشرين وزحف إلى مصر فملكها وهرب منها فرعون ساناق إلى مقدونية واسمه قصطرا
وبنى ارطحشاشت قصر الشمع وجعل فيه هيكلا وهو الذى حاصره عمرو بن العاصى وملكه ثم ملك من بعده ابنه أرشيش بن أرطحشاشت وقيل اسمه فارس أربع سنين وقيل احدى عشرة وكان لعهده من حكماء يونان بقراط وافلاطون ودمقراطس ولعهده قتل بقراط على القول بالتناسخ وقيل لم يكن مذهبه وانما ألزمه به بعض تلامذته ثم شهدوا عليه وقتل مسموما قتله القضاة بمدينة اثينا ثم ملك من بعده ابنه دارا بن أرشيش عشرين سنة وقيل ست عشرة وقال ابن العميد عن أبى الراهب انه دارا الرابع الذى أشار إليه دانيال كما مر وكان هذا الملك عظيما فيهم وتغلب على يونان وألزمهم الوظائف التى كانت عليهم لآبائه وملكهم يومئذ الاسكندر بن فيليش وكان عمره ست عشرة سنة فطمع فيه دارا وطلب الضريبة فمنع وأجاب بالاغلاظ وزحف إليه فقاتله وقتله واستولى الاسكندر على ملك فارس وما وراءه انتهى كلام ابن العميد (الطبقة الثالثة من الفرس وهم الاشكانية ملوك الطوائف وذكر دولهم ومصاير امورهم إلى نهايتها) هذه الطبقة من ملوك الفرس يعرفون بالاشكانية وكافها أقرب إلى الغين من ولد اشكان بن دارا الاكبر وقد مر ذكره وكانوا من أعظم ملوك الطوائف عند افتراق أمر الفرس وذلك أن الاسكندر لما قتل دارا الاصغر استشار معلمه ارسطو في أمر الفرس فأشار عليه أن يفرق رياستهم في أهل البيوت منهم فتفترق كلمتهم ويخلص لك أمرهم فولى الاسكندر عظماء النواحى من الفرس والعرب والنبط والجرامقة كلا على عمله واستبد كل بناحية واستقام له ملك فارس والمشرق ولما مات الاسكندر قسم ملكه بين أربعة من أمرائه فكان ملك مقدونية وانطاكية وما إليها من ممالك الروم لفيليش من قواده وكانت الاسكندرية ومصر والمغرب لفيلادفس ولقبه بطليموس وكان الشأم وبيت المقدس وما إلى ذلك لدمطوس وكان السواد إلى الجبال والاهواز وفارس ليلاقش سيلقس ولقبه انطيخس وأقام السواد في ملكته أربعا
وخمسين سنة قال الطبري وكان أشك بن دارا الاكتر خلفه أبوه بالرى فنشأ بها فلما كبر وهلك الاسكندر جمع العساكر وسار يريد انطيخس والتقيا بالموصل فانهزم انطيخس وقتل وغلب أشك على السواد من الموصل إلى الرى وأصبهان وعظمه سائر ملوك الطوائف لشرفه ونسبه وأهدوا إليه من غير أن يكون له عليهم ايالة في عزل ولا تولية بل انما كانوا يعظمونه ويبدؤن باسمه في المخاطبات وهم مع ذلك متعادون(2/167)
تختلف حالاتهم بعضهم مع بعض في الحرب والمهادنة وقال بعضهم كان رجلا من نسل الملوك من فارس مملكا على الجبال وأصبهان والسواد لفوات الاسكندر ثم غلب بعد ذلك ولده على السواد وجمعه إلى الجبال وأصبهان وصار كالرئيس على سائر ملوك الطوائف ولذلك قصر ذكر هؤلاء الملوك دون غيرهم من الطوائف فمنهم من قال انه أشك بن دارا كما قدمنا وهو قول الفرس وقيل هو أشك عقب اسفندار بن كستاسب بينهما ستة آباء وقيل هو أشك بن اشكان الاكبر من ولد كينية بن كيقباذ ويقال انه كان أعظم الاشكانية وقهر ملوك الطوائف وعلى اصطخر لاتصالها بأصبهان وتخطاها إلى ما يتاخمها من بلاد فارس فغلب عليه واتصل ملكه عشرين سنة وملك بعده جور ابن أشك وغزا بنى اسرائيل بسبب قتلهم يحيى بن زكريا وقال المسعودي ملك أشك بن أشك بن دارا بن أشكان الاول منهم عشر سنين ثم سابور ابنه ستين سنة وغزا بنى اسرائيل بالشأم ونهب أموالهم ولاحدى وأربعين من ملكه ظهر عيسى صلوات الله عليه بأرض فلسطين ثم ملك عمه جور عشر سنين ثم نيرو بن سابور احدى وعشرين سنة وفي أيامه غلب طيطش قيصر على بيت المقدس وخربها وأجلى منها اليهود كما مر ثم جور ابن نيرو تسع عشرة سنة ثم جرسي أخوه أربعين سنة ثم هرمز أخوهما أربعين سنة ثم ابنه اردوان بن هرمز خمس عشرة سنة ثم ابنه كسرى بن اردوان أربعين سنة ثم ابنه يلاش ابن كسرى أربعا وعشرين سنة وفي أيامه غزت الروم السواد مع قيصر يطلبون بثار
انطيخش ملك انطاكية من اليونان الذى قتله أشك جد يلاوش هذا فجمع يلاوش العساكر واستنفر ملوك الطوائف بفارس والعراق فوجهوا له بالمدد واجتمع له أربعمائة ألف من المقاتلة وولى عليهم صاحب الحضر وكان من ملوك الطوائف على السواد فزحف إلى قيصر فقتله واستباح عسكر الروم وقتل وفتح انطاكية وانتهى إلى الخليج وولى من بعد يلاش ابنه اردوان بن يلاوش ثلاث عشرة سنة ثم خرج عليه اردشير بن بابك بن ساسك وجمع فارس من أيدى ملوك الطوائف وجدد الدولة الساسانية كما نذكر في اخبارهم (قال الطبري) وفي أيام الطوائف كانت ولادة عيسى صلوات الله عليه لخمس وستين من غلب الاسكندر على بابل ولاحدى وخمسين من ملك الاشكانية والنصارى يزعمون ان ذلك كان لمضى ثلثمائة وثلاث وستين من غلب الاسكندر على بابل قال الطبري وجميع سنى الطوائف من لدن الاسكندر إلى ظهور اردشير بن بابك واستوائه على الامر مائتان وستون سنة وبعضهم يقول خمسمائة وثلاث وعشرون سنة وقال بعضهم ملك في هذه المدة تسعون ملكا على تسعين طائفة كلهم يعظم ملوك المدائن منهم وهم الاشكانيون(2/168)
يا ى ط ح ز جرسي د ب اردوان بن يلاوش بن كسرى بن اردوان بن هرمز بن فيروز بن سابور بن اشك بن اشك ابن دارا الاكبر جور ج جور * (الطبقة الرابعة من الفرس وهم الساسانية والخبر عن ملوكهم الاكاسرة إلى حين الفتح الاسلامي) * هذه الدولة كانت من أعظم الدول في الخليقة وأشدها قوة وهى احدى الدولتين اللتين صبحهما الاسلام في العالم وهما دولة فارس والروم وكان مبدأ أمرها من توثب أردشير ابن بابك شاه ملك مرو وهو ساسان الاصغر ابن بابك بن سامان بن بابك بن هرمز بن ساسان
الاكبر ابن كى بهمن وقد تقدم لنا ذكر كى بهمن وان ابنه ساسان غضب لما توج للملك أخوه دارا وهو في بطن أمه ولحق بجبال اصطخر فأقام هنا لك وتناسل ولده بها إلى ان كان ساسان الاصغر منهم فكان قيما على بيت النار لاصطخر وكان شجاعا وكانت امرأته من بيت ملك فولدت له ابنه بابك ووله لبابك اردشير وضبطه الدار قطني بالراء المهملة وكان على اصطخر يومئذ ملك من ملوك الطوائف وله عامل على دارا بجرد خصى اسمه سرى فلما أتت لاردشير سبع سنين جاء به جده ساسان إلى ملك اصطخر وسأله أن يضمه إلى عامل دارا بجرد الخصى يكفله إلى أن تتم تربيته ولما هلك عامل دارا بجرد فأقام بأمره فيها اردشير هذا وملكها وكان له علم من المنجمين بأن الملك سيصير إليه فوثب على كثير من ملوك الطوائف بأرض فارس فاستولى عليهم وكتب إلى أبيه بذلك ثم وثب على عامل اصطخر فغلبه على ما بيده وملك اصطخر وكثيرا من اعمال فارس وكان زعيم الطوائف يومئذ اردوان ملك الاشكانيين فكتب إليه يسأله أن يتوجه فعنفه وكتب إليه بالشخوص فامتنع وخرج بالعساكر من اصطخر وقدم موبذان رورين فتوجه ثم فتح كرمان وبها ملك من ملوك الطوائف وولى عليها ابنه وكتب إليه اردوان يتهدده وأمر ملك الاهواز من الطوائف أن يسير إليه فرجع مغلوبا ثم سار اردشير إلى أصبهان فقتل ملكها واستولى عليها ثم إلى الاهواز فقتل ملكها كذلك ثم زحف إليه اردوان عميد الطوائف فهزمه اردشير وقتله وملك همذان والجبل واذربيجان وارمينية والموصل ثم السودان وبنى مدينة على شاطئ دجلة شرقي المدائن ثم رجع إلى اصطخر ففتح سجستان ثم جرجان ثم مرو وبلخ وخوارزم إلى تخوم خراسان وبعث بكثير من الرؤس إلى بيت النيران ثم رجع إلى فارس ونزل صول وأطاعه ملك كوشان ومكران ثم ملك البحرين بعد أن حاصرها مدة والقى ملكها بنفسه في البحر ثم رجع فنزل المدائن وتوجه ابنه سابور ولم يزل مظفرا وقهر الملوك حوله وأثخن في الارض ومدن المدن واستكثر العمارة وهلك لاربع عشرة سنة من ملكه باصطخر بعد مقتل اردوان (وقال هشام بن الكلبى) قام(2/169)
اردشير في أهل فارس يريد الملك كان لآبائه قبل الطوائف وان يجمعه لملك واحد وكان اردوان ملكا على الاردوانيين وهم انباط السواد وكان بابا ملكا على الارمانيين وهم انباط الشأم وبينهما حرب وفتنة فاجتمعا على قتال اردشير فحارباه مناوبة ثم بعث اردشير إلى بابا في الصلح على ان يدعه في الملك ويخلى بابا بينه وبين اردوان فلم يلبث ان قتل اردوان واستولى على السواد فأعطاه بابا الطاعة بالشام ودانت له سائر الملوك وقهرهم ثم رجع إلى أمر العرب وكانت بيوتهم على ريف العراق ينزلون الحيرة وكانوا ثلاث فرق الاولى تنوخ ومنهم قضاعة الذين كنا قدمنا أنهم كانوا اقتتلوا مع ملك من التبابعة وأتى بهم وكانوا يسكنون بيوت الشعر والوبر ويضعونها غربي الفرات بين الانبار والحيرة وما فوقها فأنفوا من الاقامة في مملكة اردشير وخرجوا إلى البرية والثانية العباد الذين كانوا يسكنون الحيرة وأوطنوها والثالثة الاحلاف الذين نزلوا بهم من غير نسبهم ولم يكونوا من تنوخ الناكثين عن طاعة الفرس ولا من العباد الذين دانوا بهم فملك هؤلاء الاحلاف الحيرة والانبار وكان منهم عمرو بن عدى وقومه فعمروا الحيرة والانبار ونزلوا وخربوها وكانتا من بناء العرب أيام بختنصر ثم عمرها بنو عمرو بن عدى لما أصاروها نزلا لملكهم إلى أن صبحهم الاسلام واختط العرب الاسلاميون مدينة الكوفة فدثرت الحيرة وكان اردشير لما ملك أسرف في قتل الاشكانية حتى أفناهم لوصية جده ووجد بقصر اردوان جارية استملحها ودفعت عن نفسها القتل بانكار نسبها فيهم فقالت أنا مولاة وبكر فواقعها وحملت وظنت الامن على نفسها فأخبرته بنسبها فتنكر ودفعها إلى بعض مرازبته ليقتلها فاستبقاها ذلك المرزبان إلى ان شكى إليه اردشير قلة الولد والخوف على ملكه من الانقطاع وندم على ما سلف منه من قتل الجارية واتلاف الحمل فأخبره بحياتها وانها ولدت ولدا ذكرا وانه سماه سابور وانه قد كملت خصاله وآدابه فاستحضره اردشير واختبره فرضيه وعقد له التاج ثم هلك اردشير فملك سابور من بعده فأفاض العطاء في أهل
الدولة وتخير العمال ثم شخص إلى خراسان فمهد أمورها ثم رجع فشخص إلى نصيبين فملكها عنوة فقتل وسبى وافتتح من الشأم مدنا وحاصر انطاكية وبها من الملوك اريانوس فاقتحمها عليه وأسره وحمله إلى جنديسابور فحبسه بها إلى ان فاداه على اموال عظيمة ويقال على بناء شادروان تستر ويقال جدع انفه وأطلقه ويقال بل قتله وكان بجبال تكريت بين دجلة والفرات مدينة يقال لها الحضر وبها ملك من الجرامقة يقال له الساطرون من ملوك الطوائف وهو الذى يقول فيه الشاعر وأرى الموت قد تدلى من الحض * ر على رب أهله الساطرون - ولقد كان آمنا للدواهي * ذا ثراء وجوهر مكنون - (وقال المسعودي) وهو الساطرون بن استطرون من ملوك السريانيين قال الطبري(2/170)
وتسميه العرب الضيزن وقال هشام بن محمد الكلبى من قضاعة وهو الضيزن بن معاوية بن العميد بن الاجدم بن عمرو بن النخع بن سليم وسنذكر نسب سليم في قضاعة وكان بأرض الجزيرة وكان معه من قبائل قضاعة ما لا يحصى وكان ملكه قد بلغ الشأم فخلف سابور في غزاته إلى خراسان وعاث في أرض السواد فشخص إليه سابور عند انقضاء غزاته حتى أناخ على حصنه وحاصره أربع سنين قال الاعشى ألم تر للحضر إذ أهله * بنعمة وهل خالد من نعم - أقام به سابور الجنود * حولين يضرب فيه القمم - ثم ان ابنة ساطرون واسمها النضيرة خرجت إلى ربض المدينة وكانت من أجمل النساء وسابور كان جميلا فأشرفت عليه فشغفت به وشغف بها وداخلته في أمر الحصن ودلته على عورته فدخله عنوة وقتل الضيزن وأباد قضاعة الذين كانوا معه وأكثرهم بنو حلوان فانقرضوا وخرب حصن الحضر وقال عدى بن زيد في رثائه وأخو الحضر إذ بناه واذ دج * لة تجبى إليه والخابور -
شاده مرمرا وجلله كل * سا فللطير في ذراه وكور - لم يهبه ريح المنون فبا * د الملك عنه فبابه مهجور - ثم أعرس بالنضيرة بعين النمر وباتت ليلها تتضور في فراشها وكان من الحرير محشوا بالقز والقسى فإذا ورقة آس بينها وبين الفراش تؤذيها فقال ويحك ما كان أبوك يغذيك قالت الزبد والمخ والشهد وصفو الخمر فقال وأبيك لانا أحدث عهدا وأبعد ودا من أبيك الذى غذاك بمثل هذا وأمر رجلا ركب فرسا جموحا وعصب غدائرها بذنبه ولم يزل يركضه حتى تقطعت أوصالها (وعند ابن اسحق) أن الذى فتح حصن الحضر وخربه وقتل الساطرون هو سابور ذو الاكتاف وقال السهيلي لا يصح لان الساطرون من ملوك الطوائف والذى أزال ملكهم هو اردشير وابنه سابور وسابور ذو الاكتاف بعدهم بكثير وهو التاسع من ملوك اردشير قال السهيلي وأول من ملك الحيرة من ملوك الساسانية سابور بن ردشير والحيرة وسط بلاد السواد وحاضرة العرب ولم يكن لاحد قبله من آل ساسان حتى استقام العرب على طاعته وولى عليهم عمرو بن عدى جد آل المنذر بعده وأنزله الحيرة فجبى خراجهم وإتاوتهم واستعبدهم لسلطانه وقبض أيديهم عن الفساد باقطار ملكه وما كانوا يرومونه بسواد العراق من نواحى مملكته وولى بعده ابنه امرا القيس بن عمرو بن عدى وصار ذلك ملكا لآل المنذر بالحيرة توارثوه حسبما نذكر بعد وهلك سابور لثلاثين سنة من ملكه وولى بعده ابنه هرمز ويعرف بالبطل فملك سنة واحدة وولى بعده ابنه بهرام بن هرمز وكان عامله على مذحج من ربيعة ومضر وسائر(2/171)
بادية العراق والجزيرة والحجاز امرؤ القيس بن عمرو بن عدى وهو أول من تنصر من ملوك الحيرة وطال أمد ملكه (قال هشام بن الكلبى) ملك مائة وأربع عشرة سنة من لدن أيام سابور اه وكان بهرام بن هرمز حليما وقورا وأحسن السيرة واقتدى بآبائه وكان مانى الثنوى الزنديق صاحب القول بالنور والظلمة قد ظهر في أيام جده
سابور فاتبعه قليلا ثم رجع إلى المجوسية دين آبائه ولما ولى بهرام بن هرمز جمع الناس لامتحانه فأشادوا بكفره وقتله وقالوا زنديق قال المسعودي ومعناه ان من عدل عن ظاهر إلى تأويله ينسبونه إلى تفسير كتاب زرادشت الذى قدمنا أن اسمه زندة فيقولون زنديه ء فعربته العرب فقالوا زنديق ودخل فيه كل من خالف الظاهر إلى الباطن المنكر ثم اختص في عرف الشرع بمن يظهر الاسلام ويبطن الكفر ثم هلك بهرام بن هرمز لثلاث سنين وثلاثة أشهر من دولته وولى ابنه بهرام ثمانى عشرة سنة عكف أولها على اللذات وامتدت أيدى بطانته إلى الرعايا بالجور والظلم فخربت الضياع والقرى حتى نبهه الموبذان لذلك بمثل ضربه له وذلك انه سامره في ليلة فمر راجعا من الصيد فسمعا بومين يتحدثان في خراب فقال بهرام ليت شعرى هل أحد فهم لغات الطير فقال له الموبذان نعم انا نعرف ذلك أيها الملك وانهما يتحاوران في عقد نكاح وان الانثى اشترطت عليه اقطاع عشرين ضيعة من الخراب فقبل الذكر وقال إذا دامت أيام بهرام أقطعتك ألفا فتفطن بهرام لذلك وأفاق من غفلته وأشرف على أحوال ملكه مباشرا بنفسه وقابضا أيدى البطانة عن الرعية و حسنت أيامه إلى أن هلك وولى بعده بهرام بن بهرام بن بهرام ثلاثة أسماء متشابهة وتلقب شاه وكان مملكا على سجستان وهلك لاربع سنين من دولته وملك بعده أخوه قرسين بن بهرام تسع سنين أخرى وكان عادلا حسن السيرة وملك بعده ابنه هرمز بن قرسين فوجل منه الناس لفظاظته ثم أبدل من خلقه الشر بالخير وسار فيهم بالعدل والرفق والعمارة وهلك لسبع سنين من ولايته وكان هؤلاء كلهم ينزلون جنديسابور من خراسان ولما هلك ولم يترك ولد اشق ذلك على أهل مملكته لميلهم إليه ووجدوا ببعض نسائه حملا فتوجوه وانتظروا تمامه وقيل بل كان هرمز أبوه أوصى بالملك لذلك الحمل فقام أهل الدولة بتدبير الملك ينتظرون تمام الولد وشاع في أطراف المملكة انهم يتلومون صبيا في المهد فطمع فيهم الترك والروم وكانت بلاد العرب أدنى إلى بلادهم وهم أحوج إلى تناول الحبوب من البلاد لحاجتهم إليها بما هم فيه من الشظف
وسوء العيش فسار منهم جمع من ناحية البحرين وبلاد القيس ووحاظه فأناخوا على بلاد فارس من ناحيتهم وغلبوا أهلها على الماشية والحرث والمعايش وأكثروا الفساد ومكثوا في ذلك حينا ولم يغزهم أحد من فارس ولا دافعوهم لصغر الملك حتى إذا كبر(2/172)
وعرضوا عليه الامور فأحسن فيها الفصل وبلغ ست عشرة سنة من عمره ثم أطاق حمل السلاح نهض حينئذ للاستبداد بملكه وكان أول شئ ابتدأ به شأن العرب فجهز إليهم العساكر وعهد إليهم أن لا يبقوا على أحد ممن لقوا منهم ثم شخص بنفسه إليهم وغزاهم وهم غازون ببلاد فارس فقتلهم أبرح القتل وهربوا امامه وأجاز البحر في طلبهم إلى الخط وتعدى إلى بلاد البحرين قتلا وتخريبا ثم غزا بعدها رؤس العرب من تميم وبكر وعبد القيس فأثخن فيهم وأباد عبد القيس ولحق فلهم بالرمال ثم أتى اليمامة فقتل وأسر وخرب ثم عطف إلى بلاد بكر وتغلب ما بين مملكة فارس ومناظر الروم بالشأم فقتل من وجد هنا لك من العرب وطم مياههم وأسكن من رجع إليه من بنى تغلب دارين من البحرين والخط ومن بنى تميم هجر ومن بكر بن وائل كرمان ويدعون بكر إياد ومن بنى حنظلة الاهواز وبنى مدينة الانبار والكرخ والسوس وفيما قاله غيره ان إيادا كان تشتتوا بالجزيرة وتصيف بالعراق وتشن الغارة وكانت تسمى طما لانطباقها على البلاد وسابور يومئذ صغير حتى إذا بلغ القيام على ملكه شرع في غزوهم ورئيسهم يومئذ الحرث بن الاغر الايادي وكتب إليهم بالنذر بذلك رجل من إياد كان بين ظهرانى الفرس فلم يقبلوا حتى واقعتهم العساكر فاستلحمهم وخرجوا إلى أرض الجزيرة والموصل اجلاء ولم يعاودوا العراق ولما كان الفتح طلبهم المسلمون بالجزية مع تغلب وغيرهم فأنفوا ولحقوا بارض الروم (وقال السهيلي) عند ذكر سابور بن هرمز انه كان يخلع أكتاف العرب ولذلك لقبه العرب ذو الاكتاف وانه أخذ عمرو بن تميم بأرضهم بالبحرين وله يومئذ ثلثمائة سنة وانه قال انما أقتلكم معاشر العرب لانكم تزعمون أن لكم دولة فقال له عمرو بن تميم
ليس هذا من الحزم أيها الملك فان يكن حقا فليس قتلك اياهم بدافعه وتكون قد اتخذت يدا عندهم ينتفع بها ولدك واعقاب قومك فيقال انه استبقاه ورحم كبره ثم غزا سابور بلاد الروم وتوغل فيها ونازل حصونهم وكان ملوك الروم على عصره قسطنطين وهو أول من تنصر من ملوكهم وهلك قسطنطين وملك بعده اليانوس من أهل بيته وانحرف عن دين النصرانية وقتل الاساقفة وهدم البيع وجمع الروم وانحدر لقتال سابور واجتمعت العرب معهم لثارهم عند سابور بمن قتل منهم وسار قائد اليانوس واسمه يوسانوس في مائة وسبعين الفا من المقاتلة حتى دخل أرض فارس وبلغ خبره وكثرة جموعه إلى سابور فأحجم عن اللقاء وأجفل وصحبه العرب ففضوا جموعه وهرب في فل من عسكره واحتوى اليانوس على خزائنه وأمواله واستولى على مدينة طبسون من مدائن ملكه ثم استنفر أهل النواحى واجتمعت إليه فارس وارتجع مدينة طبسون وأقاما متظاهرين وهلك اليانوس بسهم أصابه فبقى الروم فوضى وفزعوا إلى يوسانوس القائد أن يملكوه فشرط عليهم الرجوع إلى دين النصرانية كما كان قسطنطين فقبلوا وبعث إليه سابور في القدوم(2/173)
عليه فسار إليه في ثمانين من أشراف الروم وتلقاه سابور وعانقه وبالغ في اكرامه وعقد معه الصلح على أن يعطى الروم قيمة ما أفسدوه من بلاد فارس وأعطوا بدلا عن ذلك نصيبين فرضى بها أهل فارس وكانت مما أخذه الروم من أيديهم فملكها سابور وشرد عنها أهلها خوفا من سطوته فنقل إليها من أهل اصطخر وأصبهان وغيرهما وانصرف يوسانوس بالروم وهلك عن قرب ورجع سابور إلى بلاده وفيما نقله بعض الاخباريين ان سابور دخل بلاد الروم متنكرا وعثر عليه فأخذ وحبس في جلد ثور وزحف ملك الروم بعساكره إلى جند يسابور فحاصرها وان سابور هرب من حبسه ودخل جند يسابور المدينة ثم خرج إلى الروم فهزمهم وأسر ملكهم قيصر وأخذه بعمارة ما خرب من بلاده ونقل التراب والغروس إليها ثم قطع أنفه وبعث به على حمار إلى قومه وهى قصة واهية
تشهد العادة بكذبها ثم هلك سابور لثنتين وسبعين سنة من ملكه وهو الذى بنى مدينة نيسابور وسجستان وبنى الايوان المشهور لمقعد ملوكهم وملك لعهده أمرؤ القيس بن عدى وأوصى بالملك لاخيه اردشير بن هرمز وفتك في أشراف فارس وعظمائهم فخلعوه لاربعين سنة من دولته وملكوا سابور بن ذى الاكتاف فاستبشر الناس برجوع ملك أبيه إليه وأحسن السيرة ورفق بالرعية وحمل على ذلك العمال والوزراء والحاشية ولم يزل عادلا وخضع له عمه اردشير المخلوع وكانت له حروب مع إياد وفي ذلك يقول شاعرهم على رغم سابور بن سابور أصبحت * قباب إياد حولها الخيل والنعم - وقيل ان هذا الشعر انما قيل في سابور ذى الاكتاف ثم هلك سابور لخمس سنين من دولته وملك أخوه بهرام ويلقب كرمان شاه وكان حسن السياسة وهلك لاحدى عشرة سنة من دولته رماه بعض الرماة بسهم في القتال فقتله وملك بعده ابنه يزدجرد الاثيم وبعض نسابة الفرس يقول انه اخوه وليس ابنه وانما هو ابن ذى الاكتاف وقال هشام ابن محمد كان فظا غليظا كثير المكر والخديعة يفرغ في ذلك عقله وقوة معرفته وكان معجبا برأيه سيئ الخلق كثير الحدة يستعظم الزلة الصغيرة ويرد الشفاعة من أهل بطانته متهما للناس قليل المكافأة وبالجملة فهو سيئ الاحوال مذمومها واستوزر لاول ولايته برسى الحكيم ويسمى فهر برشى ومهر مرسة وكان متقدما في الحكمة والفضائل وأمل أهل المملكة ان تهرب من يزدجرد الاثيم فلم يكن ذلك واشتد أمره على الاشراف بالاهانة وعلى من دونهم بالقتل وبينما هو جالس في مجلسه يوما إذا بفرس عابر لم يطق أحد امساكه قد وقف ببابه فقام إليه ليتولى امساكه بنفسه فرمحه فمات لوقته لاحدى وعشرين سنة من ملكه وملك بعده ابنه بهرام بن يزدجرد ويلقب ببهرام جور وكان نشوه ببلاد الحيرة مع العرب أسلمه أبوه إليهم فربى بينهم وتكلم بلغتهم(2/174)
ولما مات أبوه قدم أهل فارس رجلا من نسل اردشير ثم زحف بهرام جور بالعرب
فاستولى على ملكه كما نذكر في أخبار آل المنذر وفي أيام بهرام جور سار خاقان ملك الترك إلى بلاد الصغد من ممالكه فهزمه بهرام وقتله ثم غزا الهند وتزوج ابنة ملكهم فهابته ملوك الارض وحمل إليه الروم الاموال على سبيل المهادنة وهلك لتسع وعشرين من دولته وملك ابنه يزدجرد بن بهرام جور واستوزر مهر برسى الحكيم الذى كان أبوه استوزره وجرى في ملكه بأحسن سيرة من العدل والاحسان وهو الذى شرع في بناء الحائط بناحية الباب والابواب وجعل جبل الفتح سدا بين بلاده وما وراءها من أمم الاعاجم وهلك لعشرين سنة من دولته وملك من بعده ابنه هرمز وكان ملكا على سجستان فغلب على الدولة ولحق أخوه فيروز بملك الصغد بمرو الروذ وهذه الامم هم المعروفون قديما بالهياطلة وكانوا بين خوارزم وفرغانة فأمر فيروز بالعساكر وقاتل أخاه هرمز فغلبه وحبسه وكانت الروم قد امتنعت من حمل الخراج فحمل إليهم العساكر مع وزيره مهر برسى فأثخن في بلادهم حتى حملوا ما كان يحملونه واستقام أمره وأظهر العدل وأصابهم القحط في دولته سبع سنين فأحسن تدبير الناس فيها وكف عن الجباية وقسم الاموال ولم يهلك في تلك السنين أحد اتلافا وقيل أنه استسقى لرعيته من ذلك القحط فسقوا وعادت البلاد إلى أحسن ما كانت عليه وكان لاول ما ملك أحسن إلى الهياطلة جزاء بما أعانوه على أمره فقوى ملكهم أمره وزحفوا إلى اطراف ملكه وملكوا طخارستان وكثيرا من بلاد خراسان وزحف هو إلى قتالهم فهزموه وقتلوه وأربعة بنين له وأربعة اخوة واستولوا على خراسان بأسرها وسار إليهم رجل من عظماء الفرس من أهل شيراز فغلبهم على خراسان وأخرجهم منها حتى القوا بجميع ما أخذوه من عسكر فيروز من الاسرى والسبي وكان مهلكه لسبع وعشرين من ملكه وبنى المدن بالرى وجرجان واذربيجان وقال بعضهم ان ملك الهياطلة الذى سار إلى فيروز اسمه خشتوا والرجل الذى استرجع خراسان من يده هو خرسوس من نسل منوشهر وان فيروز استخلفه لما سار إلى خشتوا والهياطلة على مدينتي الملك وهما طبسون ونهر شير فكان
من أمره مع الهياطلة بعد فيروز ما تقدم وملك بعد فيروز بن يزدجرد ابنه يلاوش بن فيروز ونازعه أخوه قباذ الملك فغلبه يلاوش ولحق قباذ بخاقان ملك الترك يستنجده وأحسن يلاوش الولاية والعدل وحمل أهل المدن على عمارة ما خرب من مدنهم وبنى مدينة ساباط بقرب المدائن وهلك لاربع سنين من دولته وملك من بعده أخوه قباذ بن فيروز وكان قد سار بعساكر الترك أمده بها خاقان فبلغه الخبر بمهلك أخيه وهو بنيسابور من طريقه وقد لقى بها ابنا كان له هنا لك حملت به أمه منه عند مروره ذلك إلى خاقان(2/175)
فلما أحل بنيسابور ومعه العساكر سأل عن المرأة فأحضرت ومعها الخبر وجاء الخبر هنا لك بمهلك أخيه يلاوش فتيمن بالمولود وسار إلى سرحد الذى كان أبوه فيروز استخلفه على المدائن ومال الناس إليه دون قباذ واستبد عليه فلما كبر وبلغ سن الاستبداد بأمره أنف من استبداد سرحد عليه فبعث إلى اصبهبذ البلاد وهو سابور مهران فقدم عليه وقبض على سرحد وحبسه ثم قتله ولعشرين من دولته حبس وخلع ثم عاد إلى الملك وصورة الخبر عن ذلك أن مردك الزنديق كان اباحيا وكان يقول باستباحة أموال الناس وأنها فئ وأنه ليس لاحد ملك شئ ولا حجره والاشياء كلها ملك لله مشاع بين الناس لا يختص به أحد دون أحد وهو لمن اختاره فعثر الناس منه على متابعة مردك في هذا الاعتقاد واجتمع أهل الدولة فخلعوه وحبسوه وملكوا جاماسات أخاه وخرج رزمهر شاكيا داعيا لقباذ ويقرب إلى الناس بقتل المردكية وأعاد قباذ إلى ملكه ثم سعت المردكية عنده في رزمهر بانكار ما أتى قبلهم فقبله واتهمه الناس برأى مردك فانتقضت الاطراف وفسد الملك وخلعوه وحبسوه وأعادوا جاماسات وفر قباذ من محبسه ولحق قباذ بالهياطلة وهم الصغد مستجيشا لهم ومر في طريقه بابوشهر فتزوج بنت ملكها وولدت له أنو شروان ثم أمده ملك الهياطلة فزحف إلى المدائن لست سنين من مغيبه وغلب أخاه جاماسات واستولى على الملك ثم غزا بلاد الروم وفتح آمد وسبى أهلها وطالت مدته
وابتنى المدن العظيمة منها مدينة أرجان بين الاهواز وفارس ثم هلك لثلاث وأربعين سنة من ملكه في الكرة الاولى وملك ابنه أنو شروان بن قباذ بن فيروز بن يزدجرد وكان يلى الاصبهبذ وهى الرياسة على الجنود ولما ملك فرق اصبهبذ البلاد على أربعة فجعل اصبهبذ المشرق بخراسان والمغرب باذربيجان وبلاد الخزر واسترد البلاد التى تغلب عليها جيران الاطراف من الملوك مثل السند وبست الرخج وزابلستان وطخارستان ودهستان وأثخن في أمة البازر وأجلى بقيتهم ثم أدهنوا واستعان بهم في حروبه وأثخن في أمة صول واستلحمهم وكذلك الجرامقة وبلنجر واللان وكانوا يجاورون ارمينية ويتمالاون على غزوها فبعث إليهم العساكر واستلحموهم وأنزل بقيتهم اذربيجان وأحكم بناء الحصون التى كان بناها قباذ وفيروز بناحية صول واللان لتحصين البلاد وأكمل بناء الابواب والسور الذى بناه جده بجبل الفتح بنوه على الازماق المنفوخة تغوص في الماء كلما ارتفع البناء إلى ان استقرت بقعر البحر وشقت بالخناجر فتمكن الحائط من الارض ثم وصل السور في البر ما بين جبل الفتح والبحر وفتحت فيه الابواب ثم وصلوه في شعاب الجبل وبقى فيه إلى أن كمل قال المسعودي انه كان باقيا لعصره والظن أن التتر خربوه بعد لما استولوا على ممالك الاسلام في المائة السابعة ومكانه اليوم في مملكة بنى ذو شيخان(2/176)
ملوك الشمال منهم وكان لكسرى أنو شروان في بنائه خبر مع ملوك الخزر ثم استفحل ملك الترك وزحف خاقان سيحور وقتل ملك الهياطلة واستولى على بلادهم وأطاعه أهل بلنجر وزحف إلى بلاد صول في عشرة آلاف مقاتل وبعث إلى أنو شروان يطلب منه ما أعطاه أهل بلنجر في الفداء وضبط أنو شروان ارمينية بالعساكر وامتنعت صول بملكها أنو شروان والناحية الاخرى بسور الابواب فرجع خاقان خائبا وأخذ أنو شروان في اصلاح السابلة والاخذ بالعدل وتفقد أهل المملكة وتخير الولاة والعمال مقتديا بسيرة اردشير بن بابك جده ثم سار إلى بلاد الروم وافتتح حلب وقبرص وحمص وانطاكية
ومدينة هرقل ثم الاسكندرية وضرب الجزية على ملوك القبط وحمل إليه ملك الروم الفدية وملك الصين والتبت الهدايا ثم غزا بلاد الخزر وأدرك فيهم بثاره وما فعلوه ببلاده ثم وفد عليه ابن ذى يزن من نسل الملوك التبابعة يستجيشه على الحبشة فبعث معه قائدا من قواده في جند من الديلم فقتلوا مسروقا ملك الحبشة باليمن وملكوها وملك عليهم سيف بن ذى يزن وأمره أن يبعث عساكره إلى الهند فبعث إلى سرنديب قائدا من قواده فقتل ملكها واستولى عليها وحمل إلى كسرى أموالا جمة وملك على العرب في مدينة الحيرة ثم سار نحو الهياطلة مطالبا بثار جده فيروز فقتل ملكهم واستأصل أهل بيته وتجاوز بلخ وما وراءها وأنزل عساكره فرغانة وأثخن في بلاد الروم وضرب عليهم الجزى وكان مكرما للعلماء محبا للعلم وفي أيامه ترجم كتاب كليلة وترجمه من لسان اليهود وحله بضرب الامثال ويحتاج إلى فهم دقيق وعلى عهده ولد رسول الله صلى الله عليه وسلم لثنتين وأربعين سنة من ملكه وذلك عام الفيل وكذلك ولد أبوه عبد الله ابن عبد المطلب لاربع وعشرين من ملكه قال الطبري وفي أيامه رأى الموبذان الابل الصعاب تقود الخيل العراب وقد قطعت دجلة وانتشرت في بلادها فأفزعه ذلك وقص الرؤيا على من يعبرها فقال حادث يكون من العرب فكتب كسرى إلى النعمان أن يبعث إليه بمن يسأله عما يريده فبعث إليه بعبد المسيح بن عمرو بن حسان بن نفيلة الغساني وقص عليه الرؤيا فدله على سطيح وقال له ائته أنت فسار إليه وقص عليه الرؤيا فأخبره بتأويلها وأن ملك العرب سيظهر والقصة معروفة وكان فيما قاله سطيح انه يملك من آل كسرى أربعة عشر ملكا فاستطال كسرى المدة وملكوا كلهم في عشرين سنة أو نحوها وبعث عامل اليمن وهرز بهدية وأموال وطرف من اليمن إلى كسرى فأغار عليها بنو يربوع من تميم وأخذوها وجاء أصحاب العير إلى هوذة بن على ملك اليمامة من بنى حنيفة فسار معهم إلى كسرى فأكرمه وتوجه بعقد من لؤلؤ ومن ثم قيل له ذو التاج وكتب إلى عامله بالبحرين في شأنهم وكان كثيرا ما يوقع ببنى تميم ويقطعهم حتى سموه المكفر فتحيل عليهم بالميرة ونادى(2/177)
مناديه في أحيائهم ان الامير يقسم فيكم بحصن المشعر ميرة فتسايلوا إليه ودخلوا الحصن فقتل الرجال وخصى الصبيان وجاءت هدية أخرى من اليمن على أرض الحجاز أجازها رجل من بنى كنانة فعدت عليه قيس وقتلوه وأخذوا الهدية فنشأت الفتنة بين كنانة وقيس لاجل ذلك وكانت بينهما حرب الفجار عشرين سنة وشهدها رسول الله صلى الله عليه وسلم صغيرا كان ينبل على أعمامه ثم هلك أنو شران لثمان وأربعين من دولته وملك ابنه هرمز (قال هشام) وكان عادلا حتى لقد أنصف من نفسه خصيا كان له وكانت له خؤلة في الترك وكان مع ذلك يقتل الاشراف والعلماء وزحف إليه ملك الترك شبابة في ثلثمائة ألف مقاتل فسار هرمز إلى هراة وباذغيس لحربهم وخالفه ملك الروم إلى ضواحي العراق وملك الخزر إلى الباب والابواب وجموع العرب إلى شاطئ الفرات فعاثوا في البلاد ونهبوا واكتنفته الاعداء من كل جانب وبعث قائده بهرام صاحب الرى إلى لقاء الترك وأقام هو بمكانه من خراسان بيت هراة وباذغيس وقاتل بهرام الترك وقتل ملكهم شابة بسهم أصابه واستباح معسكره وأقام بمكانه فزحف إليه برمومة بن شابة بالترك فهزمه بهرام وحاصره في بعض الحصون حتى استسلم وبعث به إلى هرمز أسيرا وبعث معه بالاموال والجواهر والآنية والسلاح وسائر الامتعة يقال في مائتين وخمسين ألفا من الاحمال فوقع ذلك من هرمز أحسن المواقع وغص أهل الدولة ببهرام وفعله فأكثروا فيه السعاية وبلغ الخبر إلى بهرام فخشيه على نفسه فداخل من كان معه من المرازبة وخلعوا هرمز ودعوا لابنه ابرويز وداخلهم في ذلك أهل الدولة فلحق ابرويز باذربيجان خائفا على نفسه واجتمع إليه المرازبة والاصبهبذيون فملكوه ووثب بالمدائن الاشراف والعظماء وتفدويه وبسطام خال ابرويز فخعلوا هرمز وحبسوه تحرزا من قتله وأقبل ابرويز بمن معه إلى المدائن فاستولى على الملك ثم نظر في أمر بهرام وتحرز منه وسار إليه وتوافقا بشط النهروان ودعاه إلى ابرويز إلى الدخول في أمره ويشترط ما أحب فلم
يقبل ذلك وناجزه الحرب فهزمه ثم عاود الحرب مرارا وأحس ابرويز بالقتل من أصحابه فرجع إلى المدائن منهزما وعرض على النعمان أن يركبه فرسه فنجا عليها وكان أبوه محبوسا بطبسون فأخبره الخبر وشاوره فأشار عليه بقصد موريق ملك الروم يستجيشه فمضى لذلك ونزل المدائن لثنتى عشرة سنة من ملكه وفي بعض طرق هذا الخبر أن ابرويز لما استوحش من أبيه هرمز لحق باذربيجان واجتمع عليه مع من اجتمع ولم يحدث شيئا وبعث هرمز لمحاربة بهرام قائدا من مرازبته فانهزم وقتل ورجع فلهم إلى المدائن وبهرام في اتباعهم واضطرب هرمز وكتبت إليه أخت المرزبان المهزوم من بهرام تستحثه للملك فسار إلى المدائن وملك وأتاه أبوه فتواضع له ابرويز وتبرأ له من فعل الناس وأنه انما حمله(2/178)
على ذلك الخوف وسأله أن ينتقم له ممن فعل به ذلك وأن يؤنسه بثلاثة من أهل النسب والحكمة يحادثهم كل يوم فأجابه واستأذنه في قتل بهرام جوبين فأشار به وأقبل بهرام حثيثا وبعث خاليه نفدويه وبسطام يستدعيانه للطاعة فرد أسوأ رد وقاتل ابرويز واشتدت الحرب بينهما ولما رأى ابرويز فشل أصحابه شاور أباه ولحق بملك الروم وقال له خالاه عند فصولهم من المدائن نخشى أن يدخل بهرام المدائن ويملك اباك ويبعث فينا إلى ملك الروم وانطلقوا إلى المدائن فقتلوا هرمز ثم ساروا مع ابرويز وقطعوا الفرات واتبعتهم عساكر بهرام وقد وصلوا إلى تخوم الروم وقاتلوهم وأسروا نفدويه خال ابرويز ورجعوا عنهم ولحق ابرويز ومن معه بانطاكية وبعث إلى قيصر موريق يستنجده فأجابه وأكرمه وزوجه ابنته مريم وبعث إليه أخاه بناطوس بستين ألف مقاتل وقائدهم واشترط عليه الاتاوة التى كان الروم يحملونها فقبل وسار بالعساكر إلى اذربيجان ووافاه هنا لك خاله نفدويه هاربا من الاسر الذى كانوا أسروه ثم بعث العساكر من اذربيجان مع أصبهبذ الناحية فانهزم بهرام جوبين ولحق بالترك وسار ابرويز إلى المدائن فدخلها وفرق في الروم عشرين ألف ألف دينار وأطلقهم إلى قيصر وأقام بهرام عند ملك الترك وصانع
ابرويز عليه ملك الترك وزوجته حتى دست عليه من قتله واغتم لذلك ملك الترك وطلقها من أجله وبعث إلى أخت بهرام أن يتزوجها فامتنعت ثم أخذ ابرويز في مهاداة قيصر موريق وألطافه وخلعه الروم وقتلوه وملكوا عليهم ملكا اسمه قوفا قيصر ولحق ابنه بابرويز فبعث العساكر على ثلاثة من القواد وسار أحدهم ودوخوا الشأم إلى فلسطين ووصلوا إلى بيت المقدس فأخذوا أسقفتها ومن كان بها من الاقسة وطالبوهم بخشبة الصليب فاستخرجوها من الدفن وبعثوا بها إلى كسرى وسار منهم قائد آخر إلى مصر واسكندرية وبلاد النوبة فملكوا ذلك كله وقصد الثالث قسطنطينية وخيم على الخليج وعاث في ممالك الروم ولم يجب أحد إلى طاعة ابن موريق وقتل الروم قوفا الذى كانوا ملكوه لما ظهر من فجوره وملكوا عليهم هرقل فافتتح أمره بغزو بلاد كسرى وبلغ نصيبين فبعث كسرى قائدا من أساورته فبلغ الموصل وأقام عليها يمنع الروم المجاوزة وجاز هرقل من مكان آخر إلى جند فارس فأمر كسرى قائده بقتاله فانهزم وقتل وظفر هرقل بحصن كسرى وبالمدائن ووصل هرقل قريبا منها ثم رجع وأولع كسرى العقوبة بالجند المنهزمين وكتب إلى سخراب بالقدوم من خراسان وبعثه بالعساكر وبعث هرقل عساكره والتقيا باذرعات وبصرى فغلبتهم عساكر فارس وسار سخراب في أرض الروم يخرب ويقتل ويسبي حتى بلغ القسطنطينية ورجع وعزله ابرويز عن خراسان وولى أخاه وفي مناوبة هذا الغلب بين فارس والروم نزلت الآيات من أول سورة الروم (قال(2/179)
الطبري) وأدنى الارض التى أشارت إليها الآية هي أذرعات وبصرى التى كانت بها هذه الحروب ثم غلبت الروم لسبع سنين من ذلك العهد وأخبر المسلمون بذلك الوعد الكريم لما أهمهم من غلب فارس الروم لان قريشا كانوا يتشيعون لفارس لانهم غير دائنين بكتاب والمسلمون يودون غلب الروم لانهم أهل كتاب وفي كتب التفسير بسط ما وقع في ذلك بينهم وأبرويز هذا هو الذى قتل النعمان بن المنذر ملك العرب وعامله على
الحيرة سخطه بسعاية عدى بن زيد العبادي وزير النعمان وكان قد قتل أباه وبعثه إلى كسرى ليكون عنده ترجمانا للعرب كما كان أبوه قد فعل بسعايته في النعمان وحمله على أن يخطب إليه ابنته وبعث إليه رسوله بذلك عدى بن زيد فترجم له عنه في ذلك مقالة قبيحة أحفظت كسرى أبرويز مع ما كان تقدم له في منعه الفرس يوم بهرام كما تقدم فاستدعاه ابرويز وحبسه بساباط ثم أمر به فطرح للفيلة وولى على العرب بعده اياس بن قبيصة الطائى جزاء بوفاء ابن عمه حسان يوم بهرام كما تقدم ثم كان على عهده وقعة ذى قار لبكر ابن وائل ومن معهم من عبس وتميم على الباهوت مسلحة كسرى بالحيرة ومن معه من طيئ وكان سبيها ان النعمان بن المنذر أودع سلاحه عند هانئ بن مسعود الشيباني وكانت شكة ألف فارس وطلبها كسرى منه فأبى الا أن يردها إلى بيته فآذنه كسرى بالحرب وآذنوا بها وبعث كسرى إلى اياس أن يزحف إليه بالمسالح التى كانت ببلاد العرب بان يوافوا اياسا واقتتلوا بذى قار وانهزمت الفرس ومن معهم وفيها قال النبي صلى الله عليه وسلم اليوم انتصف العرب من العجم وبى نصروا أوحى إليه بذلك أو نفث في روعه قيل ان ذلك كان بمكة وقيل بالمدينة بعد وقعة بدر بأشهر وفي أيام ابرويز كانت البعثة لعشرين من ملكه وقيل لثنتين وثلاثين حكاه الطبري وبعث إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم بكتابه يدعوه إلى الاسلام كما تقدم في أخبار اليمن وكما يأتي في أخبار الهجرة ولما طال ملك ابرويز بطر وأشر وخسر الناس في أموالهم وولى عليهم الظلمة وضيق عليهم المعاش وبغض عليهم ملكه (وقال هشام) جمع ابرويز من المال ما لم يجمعه أحد وبلغت عساكره القسطنطينية وافريقية وكان يشتو بالمدائن ويصيف بهمدان وكان له اثنتا عشرة ألف امرأة وألف فيل وخمسون ألف دابة وبنى بيوت النيران وأقام فيها اثنى عشر ألف هربذ وأحصى جبايته لثمان عشرة سنة من ملكه فكان أربعمائة ألف ألف مكررة مرتين وعشرون ألف ألف مثلها فحمل إلى بيت المال بمدينة طبسون وكانت هنا لك أموال أخرى من ضرب فيروز بن يزدجرد منها اثنا عشر ألف بدرة في كل بدرة من الورق مصارفة أربعة آلاف مثقال فتكون جملتها ثمانية وأربعين ألف ألف
مثقال مكررة مرتين في صنوف من الجواهر والطيوب والامتعة والآنية لا يحصيها الا الله تعالى ثم بلغ من عتوه واستخفافه بالناس انه أمر بقتل المقيدين في سجونه وكانوا(2/180)
ستة وثلاثين ألفا فنقم ذلك عليه أهل الدولة وأطلقوا ابنه شيرويه واسمه قباذ وكان محبوسا مع أولاده كلهم لانذار بعض المنجمين له بأن بعض ولده يغتاله فحبسهم وأطلق أهل الدولة شيرويه وجمعوا إليه المقيدين الذين أمر بقتلهم ونهض إلى قصور الملك بمدينة نهشير فملكها وحبس ابرويز وبعث إلى ابنه شيرويه يعنفه فلم يرض ذلك أهل الدولة وحملوه على قتله وقتل لثمان وثلاثين سنة من ملكه وجاءته اختاه بوران وازرميدخت فأسمعتاه وأغلظتا له فيما فعل فبكى ورمى التاج عن رأسه وهلك لثمانية أشهر من مقتل أبيه في طاعون هلك فيه نصف الناس أو ثلثهم وكان مهلكه لسبع من الهجرة فيما قال السهيلي ثم ولى ملك الفرس من بعده ابنه اردشير طفلا ابن سبع سنين لم يجدوا من بيت الملك سواه لان ابرويز كان قتل المرشحين كلهم من بنيه وبنى ابيه فملك عظماء فارس هذا الطفل اردشير وكفله بها درخشنش صاحب المائدة في الدولة فأحسن سياسة ملكه وكان شهريران بتخوم الروم في جند ضمهم إليه ابرويز وحموهم هنا لك وصاحب الشورى في دولتهم ولما لم يشاوروه في ذلك غضب وبسط يده في القتل وطمع في الملك وأطاعه من كان معه من العساكر وأقبل إلى المدائن وتحصن بها درخشنش بمدينة طبسون دار الملك ونقل إليها الاموال والذخائر وابناء الملوك وحاصرها شهريران فامتنعت ثم داخل بعض العسس ففتحوا له الباب فاقتحمها وقتل العظماء واستصفى الاموال وفضح النساء وبعث اردشير الطفل الملك من قتله لسنة ونصف من ملكه وملك شهريران على التخت ولم يكن من بيت المال وامتعض لقتل اردشير جماعة من عظماء الدولة وفيهم زاذان فروخ وشهريران ووهب مؤدب الاساورة وأجمعوا على قتل شهريران وداخلوا في ذلك بعض حرس الملك فتعاقدوا على قتله وكانوا يعملون قدام الملك في الايام والمشاهد
سماطين ومر بهم شهريران بعض ايام بين السماطين وهم مسلحون فلما حاذاهم طعنوا فقتلوه وقتلوا العظماء بعد قتل اردشير الطفل ثم ملكوا بوران بنت ابرويز ودفعت أمر الدولة إلى قبائل شهريران من حرس الملك وهو فروخ بن ماخد شيراز من أهل اصطخر ورفعت رتبته وأسقطت الخراج عن الناس وأمرت برم القناطير والجسور وضرب الورق وردت خشبة الصليب على الجاثليق ملك الروم وهلكت لسنة وأربعة أشهر وملكوا بعدها خشنشده من عمومة ابرويز عشرين يوما فملك أقل من شهر ثم ملك ازرميدخت بنت ابرويز وكانت من أجل نسائهم وكان عظيم فارس يومئذ فروخ هرمز اصبهبذ خراسان فأرسل إليها في التزويج فقالت هو حرام على الملكة ودعته ليلة كذا فجاء وقد عهدت إلى صاحب حرسها أن يقتله ففعل فأصبح بدار الملك قتيلا وأخفى أثره وكان لما سار إلى ازرميدخت استخلف على خراسان ابنه رستم فلما سمع بخبر أبيه أقبل(2/181)
في جند عظيم حتى نزل المدائن وملكها وسمل ارزميدخت وقتلها وقيل سمها فماتت وذلك لستة أشهر من ملكها وملكوا بعدها رجلا من نسل اردشير بن بابك وقتل لايام قلائل وقيل بل هو من ولد ابرويز اسمه فروخ زاذ بن خسرو وجدوه بحصن الحجارة قريب نصيبين فجاؤا به إلى المدائن وملكوه ثم عصوا عليه فقتلوه وقيل لما قتل كسرى ابن مهرخشنش طلب عظماء فارس من يولونه الملك ولو من قبل النساء فأتى برجل وجد بميسان اسمه فيروز بن مهرخشنش ويسمى أيضا خشنشدة أمه صهاربخت بنت يراد قرار بن انو شروان فملكوه كرها ثم قتلوه بعد أيام قلائل ثم شخص رجل من عظماء الموالى وهو رئيس الخول إلى ناحية الغرب فاستخرج من حصن الحجارة قرب نصيبين ابنا لكسرى كان لجأ إلى طبسون فملكوه ثم خلعوه وقتلوه لستة أشهر من ملكه وقال بعضهم كان أهل اصطخر قد ظفروا بيزدجرد بن شهريار بن ابرويز فلما بلغهم ان أهل المدائن عصوا على ابن خسرو وفروخ زاذ أتوا بيزدجرد من بيت النار الذى عندهم ويدعى
اردشير فملكوه باصطخر وأقبلوا به إلى المدائن وقتلوا فروخ زاذ خسرو لسنة من ملكه واستقل يزدجرد بالملك وكان أعظم وزرائه رئيس الموالى الذى جاء بفرخزاد خسرو من حصن الحجارة وضعفت مملكة فارس وتغلب الاعداء على الاطراف من كل جانب فزحف إليهم العرب المسلمون بعد سنتين من ملكه وقيل بعد أربع فكانت أخبار دولته كلها هي أخبار الفتح نذكرها هنا لك إلى أن قتل بمرو بعد نيف وعشرين سنة من ملكه هذه هي سياقة الخبر عن دولة هؤلاء الاكاسرة الساسانية عند الطبري ثم قال آخرها فجميع سنى العالم من آدم إلى الهجرة على ما يزعمه اليهود أربعة آلاف سنة وستمائة واثنان وأربعون سنة وعلى ما يدعيه النصارى في توراة اليونانيين ستة آلاف سنة غير ثمان سنين وعلى ما يقوله الفرس إلى مقتل يزدجرد أربعة آلاف ومائة وثمانون سنة ومقتل يزدجرد عندهم لثلاثين من الهجرة وأما عند أهل الاسلام فبين آدم ونوح عشرة قرون والقرن مائة سنة وبين نوح وابراهيم كذلك وبين ابراهيم وموسى كذلك ونقله الطبري عن ابن عباس وعن محمد بن عمرو بن واقد الاسلامي عن جماعة من أهل العلم وقال ان الفترة بين عيسى وبين محمد صلى الله عليه وسلم ستمائة سنة ورواه عن سلمان الفارسى وكعب الاحبار والله أعلم بالحق في ذلك والبقاء لله الواحد القهار(2/182)
* (الخبر عن دولة يونان والروم وأنسابهم ومصايرهم) * كان هؤلاء الامم من أعظم أمم العالم وأوسعهم ملكا وسلطانا وكانت لهم الدولتان العظيمتان للاسكندر والقياصرة من بعده الذين صبحهم الاسلام وهم ملوك بالشأم ونسبهم جميعا إلى يافت باتفاق من المحققين الا ما ينقل عن الكندى في نسب يونان إلى عابر بن فالغ وانه خرج من اليمن بأهله وولده مغاضبا لاخيه قحطان فنزل ما بين الافرنجة والروم فاختلط نسبه بهم وقد رد عليه أبو العباس الناشئ في ذلك بقوله تخلط يونان بقحطان ضلة * لعمري لقد باعدت بينهما جدا -
ولذلك يقال إن الاسكندر من تبع وليس شئ من ذلك بصحيح وانما الصحيح نسبهم إلى يافت ثم ان المحققين ينسبون الروم جميعا إلى يونان الاغريقيون منهم واللطينيون ويونان معدود في التوراة من ولد يافت لصلبه واسمه فيها يافان بفاء تقرب من الواو فعربته العرب إلى يونان وأما هروشيوش فجعل الغريقيين خمس طوائف منتسبين إلى خمسة من أبناء يونان وهم كيتم وحجيلة وترشوش ودودانم وايشاى وجعل من شعوب ايشاى سجينية واثناش وشمالا وطشال ولجدمون ونسب الروم اللطينيين فيهم ولم يعين نسبهم في أحد من الخمسة ونسب الافرنج إلى غطرما بن عومر بن يافث وقال ان الصقالبة اخوانهم في نسبه وقال ان الملك كان في هذه الطوائف لبنى اشكان بن غومر والملوك منهم هؤلاء الغريقيون قبل يونان وغيرهم ونسب القوط إلى ماداى بن يافث وجعل من اخوانهم الارمن ثم نسب القوط مرة أخرى إلى ماغوغ بن يافث وجعل اللطينيين من اخوانهم في ذلك النسب ونسب القاللين منهم إلى رفنا بن غومار ونسب إلى طوبال ابن يافث الاندلس والايطاليين والاركاديين ونسب إلى طبراش بن يافث اجناس الترك واسم الغريقيين عنده يشمل ابناء يونان كلهم كما ذكره وينوع الروم إلى الغريقيين واللطينيين وقال ابن سعيد فيما نقله من تواريخ المشرق عن البيهقى وغيره ان يونان هو ابن علجان بن يافث قال ولذلك يقال لهم العلوج ويشركهم في هذا النسب سائر أهل الشمال من غير الترك وان الشعوب الثلاثة من ولد يونان فالاغريقيون من ولد اغريقش بن يونان والروم من ولد رومى بن يونان واللطينيون من ولد لطين بن يونان وان الاسكندر من الروم منهم والله أعلم ونحن الآن نذكر أخبار الدولتين الشهيرتين منهم مبلغ علمنا والله الموفق للصواب سبحانه وتعالى(2/184)
(الخبر عن دولة يونان والاسكندر منهم وما كان لهم من الملك والسلطان إلى انقراض أمرهم)
هؤلاء اليونانيون المتشعبون إلى الغريقيين واللطينيين كما قلناه اختصوا بسكنى الناحية الشمالية من المعمور مع اخوانهم من سائر بنى يافث كلهم كالصقالبة والترك والافرنجة من ورائهم وغيرهم من شعوب يافث ولهم منها الوسط ما بين جزيرة الاندلس إلى بلاد الترك بالمشرق طولا وما بين البحر المحيط والبحر الرومي عرضا فمواطن اللطينيين منهم في الجانب الغربي ومواطن الغريقيين منهم في الجانب الشرقي والبحر بينهما خليج القسطنطينية وكان لكل واحد من شعبى الغريقيين واللطينيين منهم دولة عظيمة مشهورة في العالم واختص الغريقيون باسم اليونانيين وكان منهم الاسكندر المشهور الذكر أحد ملوك العالم وكانت ديارهم كما قلناه بالناحية الشرقية من خليج القسطنطينية بين بلاد الترك ودروب الشأم ثم استولى على ما وراء ذلك من بلاد الترك والعراق والهند ثم جال ارمينية وما وراءها من بلاد الشأم وبلاد مقدونية ومصر والاسكندرية وكان ملوكهم يعرفون بملوك مقدونية وذكر هروشيوش مؤرخ الروم من شعوب هؤلاء الغريقيين بنو لجدمون وبنو انتناش قال واليهم ينسب الحكماء الانتاشيون وهم ينسبون لمدينتهم أجدة قال ومن شعوبهم أيضا بنو طمان ولجدمون كلهم بنو شمالا بن ايشاى وقال في موضع اخر الجدمون أخو شمالا وكانت شعوب هذه الامة قبل الفرس والقبط وبنى اسرائيل متفرقة بافتراق شعوبها وكان بينهم وبين اخوانهم اللطينيين فتن وحروب ولما استفحل ملك فارس لعهد الكينية أرادوهم على الطاعة لهم فامتنعوا وغزتهم فارس فاستصرخوا عليهم بالقبط فسالموهم إلى محاربة الغريقيين حتى أذلوهم وأخذوا الجزى منهم وولوا عليهم ويقال إن افريدون ولى عليهم ابنه وأن جده الاسكندر لابيه من أعقابه ويقال أن بختنصر لما ملك مصر والمغرب أنفوه بالطاعة وكانوا يحملون خراجهم إلى ملك فارس عددا من كرات الذهب أمثال البيض ضريبة معلومة عليهم في كل سنة ولما فرغوا من شأن أهل فارس وأنفوا ملكهم بالجزى والطاعة صرفوا وجوههم إلى حرب اللطينيين ثم استفحل أمر
الايشائيين من الغريقيين ولم يكن قوامهم الا الجرمونيون فغلبوهم وغلبوا بعدهم اللطينيين والفرناسيين والاركاديين واجتمع إليهم سائر شعوب الغريقيين واعتز سلطانهم وصار لهم الملك والدولة (وقال ابن سعيد) ان الملك استقر بعد يونان في ابنه اغريقش في الجانب الشرقي من خليج قسطنطينية وتوالى الملك في ولده وقهروا اللطينيين والروم ودال ملكهم في ارمينية وكان من أعظمهم هرقل الجبار بن ملكان بن سلقوس(2/186)
ابن اغر يقش يقال انه ضرب الاتاوة على الاقاليم السبعة وملك بعده ابنه يلاق واليه تنسب الامة اليلاقية وهى الآن باقية على بحر سودان واتصل الملك في عقب يلاق إلى أن ظهر اخوانهم الروم واستبدوا بالملك وكان أولهم هردوس بن منطرون بن رومى ابن يونان فملك الامم الثلاثة وصار اسمه لقبا لكل من ملك بعده وسمت به يهود الشأم كل من قام بأمرها منهم ثم ملك بعده ابنه هرمس فكانت له حروب مع الفرس إلى أن قهروه وضربوا عليه الاتاوة فاضطرب حينئذ أمر اليونانيين وصاروا دولا وممالك وانفرد الاغريقيون برئيس لهم وصنع مثل ذلك اللطينيون الا أن اللقب بملك الملوك كان لملك الروم ثم ملك بعده ابنه مطريوش فحمل الاتاوة لملك الفرس لاشتغاله بحرب اللطينيين والاغريقيين وملك بعده ابنه فيلفوش وكانت أمه من ولد سرم من ولد افريدون الذى ملكه أبوه على اليونان فظهر وهدم مدينة اغريقية وبنى مدينة مقدونية في وسط الممالك بالجانب الغربي من الخليج وكان محبا في الحكمة فلذلك كثر الحكماء في دولته ثم ملك من بعده ابنه الاسكندر وكان معلمه من الحكماء ارسطو وقال هروشيوش ان أباه فيلفوش انما ملك الاسكندر بن تراوش أحد ملوكهم العظماء وكان فيلفوش صهرا له على أخته لينبادة بنت تراوش وكان له منها الاسكندر الاعظم قال وكان ملك الاسكندر بن تراوش لعهد أربعة آلاف وثمانمائة من عهد الخليقة ولعهد أربعمائة أو نحوها من بناء رومة وهلك وهو محاصر لرومة قتله اللطينيون عليها لسبع سنين من
دولته فولى أمر الغريقيين والروم من بعده صهره على أخته لينبادة فيلفوش ابن آمنته بن هركلش واختلفوا عليه فافترق أمرهم وحاربهم إلى أن انقادوا وغلبهم على سائر أوطانهم وأراد بناء القسطنطينية فمنعه الجرمانيون بما كانت لهم فقاتلهم حتى استلحمهم واجتمع إليه سائر الروم والغريقيين من بنى يونان وملك ما بين المانية وجبال ارمينية وكان الفرس لذلك العهد قد استولوا على الشأم ومصر فاعتزم فيلفوش على غزو الشأم فاغتاله في طريقه بعض اللطينيين وقتله بثار كان له عنده وولى من بعده ابنه الاسكندر فاستمر على مطالبة بلاد الشأم وبعث إليه ملوك فارس في الخراج على الرسم الذى كان لعهد أبيه فيلفوش فبعث إليه الاسكندر انى قد ذبحت تلك الدجاجة التى كانت تبيض الذهب وأكلتها ثم زحف إلى بلاد الشأم واستولى عليها وفتح بيت المقدس وقرب فيه القربان وذلك لعهد مائتين وخمسين من فتح بختنصر اياها وامتعض أهل فارس لانتزاعه اياها من ملكتهم فزحف إليه دارا في ستين ألفا من الفرس ولقيه الاسكندر في ستمائة ألف من قومه فغلبهم وفتح كثيرا من مدن الشأم ورجع إلى طرسوس فزحف إليه دار ولقيه عليها فهزمه الاسكندر وافتتح طرسوس ومضى وبنى(2/187)
الاسكندرية ثم تزاحف مع دارا وهزمه وقتله وتخطى إلى فارس فملك بلادها وهدم مدينة الملك بها وسبى أهلها وأشار عليه معلمه ارسطو بأن يجعل الملك في أسافلهم لتتفرق كلمتهم ويخلص إليه أمرهم فكاتب الاسكندر ملوك كل ناحية من الفرس والنبط والعرب وملك على كل ناحية وتوجه فصاروا طوائف في ملكهم واستبد كل واحد منهم بجهة كان ملكها لعقبه ومعلمه ارسطو هذا من اليونانيين وكان مسكنه أثينا وكان كبير حكماء الخليقة غير منازع أخذ الحكمة عن افلاطون اليونانى كان يعلم الحكمة وهو ماش تحت الرواق المظلل له من حر الشمس فسمى تلاميذه بالمشائين وأخذ أفلاطون عن سقراط ويعرف بسقراط الدن بسكناه في دن من الخزف اتخذه لرهبانيته
وقتله قومه أهل يونان مسموما لما نهاهم عن عبادة الاوثان وكان هو أخذ الحكمة عن فيثاغورس منهم ويقال ان فيثاغورس أخذ عن تاليس حكيم ملطية وأخذ تاليس عن لقمان ومن حكماء اليونانيين دميقراطيس وانكيثاغورش كان مع حكمته مبرزا في علم الطب وبعث فيه بهمن ملك الفرس إلى ملك يونان فامتنع من ايفاده عليه ضنانة به وكان من تلامذته جالينوس لعهد عيسى عليه السلام ومات بصقلية ودفن بها ولما استولى الاسكندر على بلاد فارس تخطاها إلى بلاد السند فملكها وبنى بها مدينة سماها الاسكندرية ثم زحف إلى بلاد الهند فغلب على أكثرها وحاربه فور ملك الهند فانهزم وأخذه الاسكندر أسيرا بعد حروب طويلة وغلب على جميع طوائف الهنود وملك بلاد الصين والسند وذللت إليه الملوك وحملت إليه الهدايا والخراج من كل ناحية وراسله ملوك الارض من افريقية والمغرب والافرنجة والصقالبة والسودان ثم ملك بلاد خراسان والترك واختط مدينة الاسكندرية عند مصب النيل في البحر الرومي واستولى على الملوك يقال على خمسة وثلاثين ملكا وعاد إلى بابل فمات بها يقال مسموما سمه عامله على مقدونية لان أمه شكته إلى الاسكندر فتوعده فأهدى له سما وتناوله فمات لثنتين وأربعين سنة من عمره بعد أن ملك ثنتى عشرة سنة سبعا منها قبل مقتل دارا وخمسا بعده قال الطبري ولما مات عرض الملك على ابنه اسكندروس فاختار الرهبانية فملك يونان عليهم لوغوس من بيت الملك ولقبه بطليموس (قال المسعودي ثم صارت هذه التسمية لكل من يملك منهم ومدينتهم مقدونية وينزلون الاسكندرية وملك منهم أربعة عشر ملكا في ثلثمائة سنة وقال ابن العميد كان قسم الملك في حياته بين أربعة من أمرائه بطليموس فليادا كان على الاسكندرية ومصر والمغرب وفيلفوس بمقدونية وما إليها من ممالك الروم وهو الذى سم الاسكندر ودمطرس بالشأم وسلقنوس بفارس والمشرق فلما مات استبد كل واحد بناحيته وكتب ارسطو شرح كتاب هرمس وترجمه من(2/188)
اللسان المصرى إلى اليونانى وشرح ما فيه من المعلوم والحكمة والطلمسات وكتاب الاسطماخيس يحتوى على عبادة الاول وذكر فيه أن أهل الاقاليم السبعة كانوا يعبدون الكواكب السيارة كل اقليم لكوكب ويسجدون له ويبخرون ويقربون ويذبحون وروحانية ذلك الكوكب تدبرهم بزعمهم وكتاب الاستماطيس يحتوى على فتح المدن والحصون بالطلسمات والحكم ومنها طلسمات لانزال المطر وجلب المياه وكتب الاشطرطاش في الاختيارات على سرى القمر في المنازل والاتصالات وكتب أخرى في منافع وخواص الاعضاء الحيوانيات والاحجار والاشجار والحشائش (وقال هروشيوش ان الذى ملك بعد الاسكندر صاحب عسكره بطليموس بن لاوى فقام بأمرهم ونزل الاسكندرية واتخذها دارا لملكهم ونهض كلمش بن الاسكندر وأمه بنت دارا واينبادة أم الاسكندر وساروا إلى صاحب انطاكية واسمه فمشاند فقتلهم واختلف الغريقيون على بطليموس وافترق أمره وحارب كل واحد منهم ناحيته إلى أن غلبهم جميعا واستقام أمره ثم زحف إلى فلسطين وتغلب على اليهود وأثخن فيهم بالقتل والسبي والاسر ونقل رؤساءهم إلى مصر ثم هلك لاربعين سنة من ملكه وولى بعده ابنه فلديفيش وأطلق أرى اليهود من مصر ورد الاواني إلى البيت وحباهم بآنية من الذهب وأمرهم بتعليقها في مسجد القدس وجمع سبعين من أحبار اليهود ترجموا له التوراة من اللسان العبراني إلى اللسان الرومي واللطينى ثم هلك فلديفيش لثمان وثلاثين سنة من ملكه وولى بعده ابنه انطريس ويلقب أيضا بطليموس لقبهم المخصوص بهم إلى آخر دولتهم فانعقدت السلم بينه وبين أهل افريقية على مدعيون ملك قرطاجنة ووفد عليه وعقد معه الصلح عن قومه وزحف قواد رومة إلى الغريقيين ونالوا منهم ثم هلك انطريس لست وعشرين سنة من ملكه وولى بعده أخوه فلوباذى فزحف إليه قواد رومة فهزمهم وجال في ممالكهم ثم كانت حروبه معهم بعدها سجالا وزحف إلى اليهود فملك الشأم عليهم وولى الولاة من قبله فيهم وأثخن بالقتل والسبي فيهم يقال انه قتل منهم
نحوا من ستين ألفا وهلك لسبع عشرة سنة من ملكه وولى بعده ابنه ايفانش وعلى عهده كانت فتنة أهل رومة وأهل افريقية التى اتصلت نحوا من عشرين سنة وافتتح أهل رومة صقلية وأجاز قوادهم إلى افريقية وافتتحوا قرطاجنة كما نذكر في أخبارهم وهلك ايفانش لاربع وعشرين سنة من دولته * وولى بعده بالاسكندرية ابنه قلوماظر فزحف الغريقيون إلى رومة وكان فيهم صاحب مقدونية وأهل ارمينية والعراق وظاهرهم ملك النوبة واجتمعوا لذلك فغلبهم الرومانيون وأسروا صاحب مقدونية وهلك قلوماظر لخمس وثلاثين سنة من ملكه وولى بعده ابنه ايرياطش وعلى عهده استفحل ملك أهل(2/189)
رومة واستولوا على الاندلس واجازوا البحر إلى قرطاجنة بافريقية فملكوها وقتلوا ملكها اشدريال وخربوا مدينتها بعد أن عمرت تسعمائة سنة من بنائها كما نذكر في أخبارها وزحف أيضا أهل رومة إلى الغريقيين فغلبوهم وملكوا عليهم مدينتهم قرنطة من أعظم مدنهم يقال انها كانت ثانية قرطاجنة ثم هلك ايرياطش لسبع وعشرين سنة من ملكه وولى بعده ابنه شوطار سبع عشرة سنة وعلى عهده استفحل ملك أهل رومة ومهدوا الاندلس وملك بعده أخوه الاسكندر عشر سنين ثم ابنه ديونشيش مائة وثلاثين سنة وعلى عهده استولى الرومانيون على بيت المقدس ووضعوا الجزية على اليهود وزحف قيصر بولش من قوادهم إلى الافرنجة ولمياش أيضا من قوادهم إلى الفرس فغلبوهم جميعا وما حولهم إلى انطاكية واستولوا على ما كان لهم من ذلك وخرج الترك من بلادهم فأغاروا على مقدونية فردهم هامس قائد الرومانيين بالمشرق على أعقابهم وهلك ديونشيش فوليت بعده ابنته كلابطره سنتين فيما قال هروشيوش لخمسة آلاف ونيف من مبدا الخليقة ولسبعمائة سنة من بناء رومة وعلى عهدها استبد قيصر بولش بملك رومة وغلب عليها القواد أجمع ومحا دولتهم منها وذلك بعد مرجعه من حرب الافرنج ثم سار إلى المشرق فملك إلى ارمينية ونازعه مبانش هنا لك فهزمه قيصر
وفز مبانش إلى مصر مستنجدا بملكتها وهى يومئذ كلابطره فبعثت برأسه إلى قيصر خوفا منه فلم يغنها ذلك وزحف قيصر إليها فملك مصر والاسكندرية من كلابطره هذه وانقرض ملك اليونانيين وولى قيصر على مصر والاسكندرية وبيت المقدس من قبله وذلك لسبعمائة أو نحوها من بناء رومة ولخمسة آلاف من مبدا الخليقة * (وذكر البيهقى ان كلابطره زحفت إلى أرض اللطينيين وقهرتهم وأرادت العبور إلى الاندلس فحال دونها الجبل الحاجز بين الاندلس والافرنج فاستعملت في فتحه الحيل والنار حتى نفذت إلى الاندلس وان مهلكها كان على يد أو غشطش بولس ثانى القياصرة وكذا ذكر المسعودي وانها ملكت ثنتين وعشرين سنة وكان زوجها انطونيوش مشاركا لها في ملك مقدونية ومصر وان قيصر أو غشطش زحف إليهم فهلك زوجها انطونيوش في حروبه ثم أراد التحكم في كلابطره ليستولي على حكمتها إذ كانت بقية الحكماء من آل يونان فخطبها وتحيلت في اهلاكه واهلاك نفسها بعد أن اتخذت بعض الحيات القاتلة التى بين الشأم والحجاز وأطلقتها بمجلسها بين رياحين نصبتها هنا لك ولمست الحيات فهلكت لحينها وأقامت بمكانها كأنها جالسة ودخل أو غشطش لا يشعر بذلك حتى تناول من تلك الرياحين ليشمها فأصابته الحية وهلك لحينه وتمت حيلتها عليه وانقرض ملك اليونانيين بهلاكها وذهبت علومهم الا ما بقى بأيدى حكمائهم(2/190)
في كتب خزائنهم حتى بعث عنها المأمون وأمر باستخراجها فترجمت له من هروشيوش وأما ابن العميد فعد ملوك مصر والاسكندرية بعد الاسكندر أربعة عشر آخرهم كلابطره كلهم يسمون بطليموس كما قال المسعودي ولم يذكر ملوك المشرق منهم بعد الاسكندر ولا ملوك الشأم ولا ملوك مقدونية الذين قسم الملك فيهم كما ذكرناه الا بذكر ملك انطاكية من اليونانيين ويسميه انطوخس كما ذكرناه الآن وذكر في أسماء ملوك مصر هؤلاء وفى عددهم خلافا كثيرا الا أنه سمى كل واحد منهم بطليموس فقال في بطليموس
الاول انه أخو الاسكندر أو مولاه اسمه فلا فإذا فسد أو ارندواس أو لوغس أو فيلس ملك سبعا وقيل أربعين قال وفى عصره بنى سلفيوس وأظنه ملك المشرق منهم قمامة وحلب وقنسرين وسلوقية واللادقية قال ومنها الكوهن الاعظم بالقدس سمعان بن خونيا وبعده أخوه العازر قال وفى التاسعة من ملك لو غش جاء انطوخش المعظم إلى بلاد اليهود واستعبدهم وفى الحادية عشر حارب الروم فغلبوه وأسروه وأخذوا منه ابنه اقفاقش رهينة وفى الثالثة عشر تزوج اطوخش كلاهبطره بنت لو غش زوجها له أبوها وأخذ سورية بلاد المقدس في مهرها وفي التاسعة عشر وثب أهل فارس والمشرق على ملكهم فخلعوه وولوا ابنه ثم هلك لو غش قال ابن العميد بعد مائة واحدى وثلاثين سنة لليونان ملك بطليموس بن الاسكندروس ويلقب غالب اثور وملك مصر والاسكندرية والبلاد الغربية احدى وعشرين سنة وقيل ثمانيا وثلاثين سنة ويسمى أيضا فيلادلفوس أي محب أخيه وهو الذى استدعى أحبار اليهود وعلماه هم الاثنين وسبعين يترجموا له التوراة وكتب الانبياء من العبرانية إلى اليونانية وقابلوها بنسخهم فصحت وكان من هؤلاء الاحبار سمعان المذكور أولا وعاش إلى أن حمل على ذراعيه في الهيكل ومات ابن ثلثمائة وخمسين وكان منهم العازار الذى قتله انطوخس على امتناعه من السجود لصنمه وقتله ابن سبعين سنة ويظهر من هذا أن بطليموس هو تلماى وانه من ملوك مقدونية وملك مصر لان ابن كريون قال وفى ذلك الزمان كان تلماى من أهل مقدونية ملك مصر وكان يحب العلوم فاستدعى من اليهود سبعين من أحبارهم وترجموا له التوراة وكتب الانبياء وكان في عصره صادوق الكوهن انتهى وملك خمسا وأربعين سنة وملك بعده بطليموس الارنبا وقيل اسمه رغادى وقيل راكب الانبر ملك أربعا وعشرين وقيل سبعا وعشرين وهو الذى بنى ملعب الخيل باسكندرية الذى أحرق في عصر زينون قيصر وملك بعده بطليموس محب اخيه ويقال أوغشطش ويقال فيلادلفس ملك ست عشرة وكان في عصره اخميم الكوهن وملك بعده بطليموس
الصائغ ويقال أخيه ملك خمس سنين وقيل خمسا وعشرين وعلى عهده كان اليهود(2/191)
الكوهن وكان ضالا غشوما وقتله بعض خدمه خنقا وملك بعده بطليموس محب أبيه وقيل اسمه كلا فاظر ملك سبع عشرة سنة وأخذ الجزية من اليهود وملك بعده بطليموس المظفر وقيل الغالب محب أمه ملك عشرين وقيل أربعا وعشرين وفي التاسعة عشر من ملكه خرج متيتيا بن يوحنا بن شمعون الكوهن الاعظم ويعرف بحشمناى من بنى يوناداب من نسل هارون بعث انطيخوس ملك انطاكية ابنه الغايش بالعساكر إلى القدس فاعمل الحيلة في ملكها وقتل العازر والكوهن وحمل بنى اسرائيل على السجود لآلهته فهرب متيتيا في جماعة من اليهود إلى الجبال حتى إذا خرجت عساكر يونان رجع إلى القدس ومر بالمذبح فوجد يهوديا يذبح خنزيرا عليه وثار باليونانيين فقتل قائدهم وأخرجهم واستبد بملك القدس كما ذكرناه في أخباره ثم ملك بطليموس كلاپاظر أي محب أبيه خمسا وعشرين سنة وقيل عشرين وكان في أيامه بالقدس يهودا بن متيتيا وبعده اخوه يوناداب وبعده اخوه شمعون وبعده أخوه هرقانوس واسمه يوحنان وهو أول من تسمى بالملك من بنى حشمناى وبعث ابنه يوحنا بالعساكر لقتال قيدونوس قائد انطيخوس فغلبه وارتفع عن اليهود الخراج الذى كانوا يعطونه لملوك سورية من أيام فيلفوس ملك المشرق وملك بعده بطليموس ارغادى أي الفاضل وقيل بطليموس الصايغ وقيل سانيطر ملك عشرين وقيل ثلاثا وعشرين وقيل ثلاثة عشر ولعهده جدد انطيخوس بناء انطاكية وسماها باسمه ولعهده كان ملك هرقانوس على القدس وبنيه الثلاثة وخرب مدينة السامرة سبسطية ولعهده أيضا زحف انطيخوس إلى القدس وحاصرها فصانعه هرقانوس بثلثمائة كرة من الذهب استخرجها من قبر داود عليه السلام ثم ملك على مصر والاسكندرية بطليموس المخلص وقيل مقروطون وقيل سعرى ملك ثمانى عشرة وقيل عشرين وقيل سبعا
وعشرين ولعهده كان الاسكندروس تلماى بن هرقانوس سابغ بنى حشمناى بالقدس وكانت فرقة اليهود عندهم ثلاثة الربانيون ثم القراؤن وهم في الانجيل زنادقة وهم في الانجيل الكتبة ثم على مصر بطليموس محب أمه وقيل الاسكندروس وقيل قيقتس وقيل الاسكندر وقيل ابن المخلص ملك عشر سنين لا غير ولعهده كانت الاسكندرة ملكة على بيت المقدس ولعهده بطلت مملكة سورية لمائتين وسبع عشرة سنة من ملك يونان وقتل بطليموس هذه قتله أهل اهراقية وأحرقوه ثم ملك على مصر بطليموس فيناس وقيل ايزيس وقيل المنفى لان كلابطرة الملكة نفته عن الملك وملك ثمان سنين وقيل ثلاثا وعشرين يوما وقيل ثمانية عشر يوما وبعضهم أسقطه من البطالسة ولم يذكره ثم ملك على مصر بطليموس يوناشيش احدى وعشرين سنة وقيل احدى وثلاثين وقيل ثلاثين(2/192)
ولعهده كان ارستبلوس وأخوه هرقانوس على القدس ثم ملك على مصر كلابطره بنت ديوناشيش ومعنى هذا الاسم الساكنة على الصخرة ملكت ثلاثين وقيل ثنتين وعشرين وكانت حاذقة وفي الثالثة من ملكها حفرت خليج الاسكندرية وجرى فيه الماء وبنت باسكندرية هيكل زحل والعروص وبنت مقياسا باخميم وآخر بمدينة أنصناء وفي الرابعة من ملكها ملك برومة اغانيوس أول القياصرة ملك أربعا ثم بوليوش بعده ثلاثا ثم أغشطش بن مونوجس فاستولى على الممالك والنواحى وبلغ خبره إليها فحصنت بلادها وبنت حائطا من الفرماء إلى النوبة شرقي النيل وحائطا من اسكندرية إلى النوبة غربي النيل وهو حائط العجوز لهذا العهد وبعث أوغشطش العساكر إلى مصر مع قائده انطريوس ومعه مترداب ملك الارمن فخادعت كلابطرة انطريوس وأوعدته بتزويجها فقتل رفيقه مترداب وتزوجها وعصى أوغشطش فسار أوغشطش إليها وملك مصر وقتل كلابطرة وولديها وقائده بطريوس الذى تزوجها ويقال انها وضعت له سما في مجلسها وان أوغشطش تناوله ومات والله أعلم وانقرضت مملكة يونان من مصر
والاسكندرية والمغرب بملكها وصارت هذه الممالك للروم إلى حين الفتح الاسلامي انتهى كلام ابن العميد والخلاف الذى ينقله عن جماعة مؤرخيهم يذكر منهم سعيد بن بطريق ويوحنا فم الذهب والمنجى وابن الراهب وأبو فانيوس والظاهر أنهم من مؤرخي النصارى والبقا لله الواحد القهار لا اله غيره ولا معبود سواه(2/193)
* (الخبر عن اللطينيين وهم الكيتم المعروفون بالروم من أمم يونان وأشياعهم وشعوبهم وما كان لهم من الملك والغلب وذكر الدولة التى فيهم للقياصرة وأولية ذلك ومصايره) * هذه الامة من أشهر أمم العالم وهى ثانية الغريقيين عند هروشيوش ويجتمعان في نسب يونان وثالثتهم عند البيهقى ويجتمعون في نسب يونان بن علجان بن يافث واسم الروم يشملهم ثلاثتهم لما كان الروم أهل المملكة العظمى منهم ومواطن هؤلاء اللطينيين بالناحية الغربية من خليج القسطنطينية إلى بلاد الافرنجة فيما بين البحر المحيط والبحر الرومي من شماليه وملك هذه الامة قديما كانت لهم مدينة اسمها طروبة وذكر هروشيوش أن أول من ملك من اللطينيين الفنش ابن شطرنش بن أيوب وذلك لعهد دائرة بنى اسرائيل وقد مر ذكرها وفى آخر الالف الرابع من مبدا الخليقة وملك من بعده ابنه بريامش واتصل الملك في عقب الفنش هذا واخوته وكان منهم كرمنش بن مرسية بن شيبن بن مزكة الذى ألف حروف اللسان اللطينى وأثبتها ولم تكن قبله وذلك على عهد يؤائير بن كلعاد من حكام بنى اسرائيل بعد أربعة آلاف وخمسين من مبدا الخليقة وكان بين هؤلاء اللطينيين وبين الغريقيين اخوانهم فتن طويلة وعلى يدهم خربت طروبة مدينة اللطينيين لعهد أربعة آلاف ومائة وعشرين من مبدا الخليقة أيام عبدون ملك بنى اسرائيل وقد مر ذكره وكان ملكهم يومئذ اناش من عقب بريامش بن الفنش بن شطرنش وولى بعده ابنه اشكانيش بن اناش وهو الذى بنى مدينة ألبا ثم تصل الملك فيهم إلى أن
افترق أمرهم ثم كان من أعقابهم برقاش أيام انقراض ملك الكسدانيين وصار للمازنيين والقضاعيين على عهد عزياه بن امصيا من ملوك بنى اسرئيل ولعهد أربعة آلاف ومائة وعشرين سنة من مبدا الخليقة فصار الامر في اللطينيين لبرقاش هذا بتولية ملك المازنيين ما كان لهم وللسريانيين قبلهم من الصيت في العالم والتفوق على الملوك بنسبهم وعصبيتهم ثم اتصل الملك لابنه ولحافديه روملوس وأماش وهما اللذان اختطا مدينة رومة وذلك لعهد أربعة آلاف وخمسمائة سنة من مبدا الخليقة وعلى عهد حزقيا بن احاز ملك بنى اسرائيل ولاربعمائة ونيف من خراب مدينة طروبة وكان طول مدينة رومة من الشمال إلى الجنوب عشرين ميلا في عرض اثنى عشر ميلا وارتفاع سورها ثمانية وأربعون ذراعا في عرض عشرة أذرع وكانت من أحفل مدن العالم ولم تزل دار مملكة اللطينيين والقياصرة منهم حتى صبحهم الاسلام وهى في ملكهم وكان اللطينيون بعد روملس واملش وانقراض عقبهم قد سئموا ولاية الملوك عليهم فعزلوهم وصار أمرهم شورى بين الوزراء وكانوا يسمونهم العنشلش ومعناه الوزراء(2/196)
بلغتهم وكان عددهم سبعين على ما ذكر هروشيوش ولم يزل أمرهم على ذلك مدة سبعمائة سنة إلى أن استبد عليهم قيصر بولش بن غايش أول ملوك القياصرة كما نذكر بعد وكانت لهم حروب مع الامم المجاورة لهم من كل جهة فحاربوا اليونانيين ثم حاربوا الفرس من بعدهم واستولوا على الشأم ومصر ثم ملكوا جزيرة الاندلس ثم جزيرة صقلية ثم أجازوا إلى افريقية فملكوها وخربوا قرطاجنة وأجاز أهل افريقية إليهم وحاصروا رومة واتصلت الفتن بينهم عشرين سنة أو نحوها على ما نذكر وذهب جماعة من الاخباريين إلى أن الروم من ولد عيصو بن اسحق عليه السلام قال ابن كريون كان لليفاز ابن عيصو ولد اسمه صفوا ولما خرج يوسف من مصر ليدفن أباه يعقوب في مدينة الخليل عليه السلام اعترضه بنو عيصو وقاتلوه فهزمهم وأسر منهم صفوا بن اليفاز وبعثه إلى
افريقية فصار عند ملكها واشتهر بالشجاعة وحدثت الفتنة بين اغنياس وبين الكيتم وراء البحر فأجاز إليهم اغنياس في أهل افريقية وأثخن فيهم وظهرت شجاعة صفوا بن اليفاز ثم هرب صفوا إلى الكيتم وعظم بينهم وحسن أثره في أهل افريقية وفي الامم المجاورة لكيتم من أموال وغيرها فزوجوه وملكوه عليهم قال وهو أول من ملك في بلاد اسبانيا وأقام ملكا خمسا وخمسين سنة ثم عد ابن كريون بعده ستة عشر ملكا من أعقابه آخرهم روملس بانى رومة وكان لعهد داود عليه السلام وخاف منه فوضع مدينة رومة وبنى على جميعها هياكله ونسبت المدينة إليه وسميت باسمه وسمى أهلها الروم نسبة إليها ثم عد بعد روملس خمسة من الملوك اغتصب خامسهم رجلا في زوجه فقتلت نفسها وقتله زوجها في الهيكل وأجمع أهل رومة أن لا يولوا عليهم ملكا وقدموا شيوخا ثلثمائة وعشرين يدبرون ملكهم فاستقام أمرهم كما يجب إلى ان تغلب قيصر وسمى نفسه ملكا فصاروا من بعده يسمون ملوكا انتهى كلام ابن كريون وهو مناقض لما قاله هروشيوش فانه زعم أن بناء رومة كان لعهد داود عليه السلام وهروشيوش قال انه كان لعهد حزقيا رابع عشر ملوك بنى يهوذا من لدن داود عليه السلام وبين المدتين تفاوت وخبر هروشيوش مقدم لان واضعيه مسلمان كانا يترجمان لخلفاء الاسلام بقرطبة وهما معروفان ووضعا الكتاب فالله أعلم بحقيقة الامر في ذلك * (الخبر عن فتنة الكيتم مع أهل افريقية وتخريب قرطا جنة ثم بناؤها على الكيتم وهم اللطينيون) * كان بناء قرطاجنة هذه قبل بناء رومة بثنتين وسبعين سنة قال هروشيوش على يدى ديدن بن البثا من نسل عيصو بن اسحق وكان بها أمير يسمى ملكون وهو الذى بعث إلى الاسكندر بطاعته عند استيلائه على طرسوس ثم صار ملك افريقية إلى أملقا من ملوكهم فافتتح صقلية وهاجت الحرب بينه وبين الرومانيين وأهل الاسكندرية بسبب(2/197)
أهل سردانية وذلك لخمسين سنة من بناء رومة ثم وقعت السلم بينهم وهى السلم التى وفد فيها عتون من ملوك افريقية على انطريطش ملك مقدونية واسكندرية وهو ملك الروم الاعظم ثم ولى بقرطا جنة أملقا ابنه أنبيل فأجاز إلى بلاد الافرنج وغلبهم على بلادهم وزحف إليه قواد رومة فوالى عليهم الهزائم وبعث أخاه اسدربال إلى الاندلس فملكها وخالفه قواد الرومانيين إلى افريقية بعد أن ملكوا من حصون صقلية أربعين أو نحوها ثم أجازوا إلى افريقية فملكوها وقتلوا غشول خليفة انبيل فيها وافتتحوا مدينة جردا وخرج آخرون من قواد رومة إلى الاندلس فهزموا اسدربال واتبعوه إلى أن قتلوه وفر أخوه انبيل عن بلادهم بعد ثلاث عشرة سنة من اجازته إليهم وبعد أن حاصر رومة وأثخن في نواحيها فلحق بافريقية ولقيه قواد أهل رومة الذين اجازوا إلى أفريقية فهزموه وحاصروه بقرطا جنة حتى سأل الصلح على أن يغرم لهم ثلاثة آلاف قنطار من الفضة فأجابوه إليه وسكنت الحرب بينهم ثم ظاهر بعد ذلك انبيل صاحب افريقية ملوك السريانيين على حرب أهل رومة فهلك في حربهم مسموما وبعد أن تخلص أهل رومة من تلك الحروب رجعوا إلى الاندلس فملكوها ثم أجازوا البحر إلى قرطا جنة ففتحوها وقتلوا ملكها يومئذ انبيل وخربوها لتسعمائة سنة من بنائها وسبعمائة لبناء رومة ثم دارت الحرب بين أهل رومة وملك النوبة واستظهر ملك النوبة بالبربر بعد ان هزمه أهل رومة واتبعوه إلى قفصة فملكوها واستولوا على ذخيرتها وهى من بناء اركلش الجبار ملك الروم وهزمهم أهل رومة فخافهم ملك البربر من ملوك النوبة إلى ان هلك في أسرهم وكانت هذه الحروب لعهد بطليموس الاسكندر بعد أن كان قواد رومة اجتمعوا على بناء قرطا جنة وتجديدها لثنتين وعشرين سنة من خرابها فعمرت واتصل بها لاهل رومة ملك على ما نذكره بعد ان شاء الله تعالى * (الخبر عن ملوك القياصرة من الكيتم وهم اللطينيون ومبدا أمورهم ومصاير أحوالهم) *
لم يزل أمر هؤلاء الكيتم وهم اللطينيون راجعا إلى الوزراء منذ سبعمائة سنة كما قلناه من عهد بناء رومة أو قبلها بقليل كما قال هروشيوش تقترع الوزراء في كل سنة فيخرج قائد منهم إلى كل ناحية كما توجبه القرعة فيحاربون أمم الطوائف ويفتحون الممالك وكانوا أولا يعطون اخوانهم من الروم اليونانيين طاعة معروفة بعد الفتن والمحاربة حتى إذا هلك الاسكندر وافترق أمر اليونانيين والروم وفشلت ريحهم وقعت فتنة هؤلاء اللطينيين وهم الكيتم مع أهل افريقية واستولوا عليها مرارا وخربوا قرطاجنة ثم بنوها كما ذكرناه وملكوا الاندلس وملكوا الشأم وأرض الحجاز وقهروا العرب بالحجاز(2/198)
وافتتحوا بيت المقدس وأسروا ملكها يومئذ من اليهود وهو ارستبلوس بن الاسكندر ثامن ملوك بنى حشمناى وغربوه إلى رومة وولوا قائدهم على الشأم ثم حاربوا الغماس فكانت حربهم معهم سجالا إلى ان خرج بولس بن غايش ومعه ابن عمه لوجيار بن مدكة إلى جهة الاندلس وحارب من كان بها من الافرنج والجلالقة إلى أن ملك برطانية واشبونة ورجع إلى رومة واستخلف على الاندلس اكتبيان بن أخيه يونان فلما وصل إلى رومة وشعر الوزراء أنه يروم الاستبداد عليهم فقتلوه فزحف اكتبيان ابن أخيه من الاندلس فأخذ بثاره وملك رومة واستولى على أرض قسطنطينية وفارس وافريقية والاندلس وعمه يولش هو الذى تسمى قيصر فصار سمة لملوكهم من بعده وأصل هذا الاسم جاشر فعربته العرب إلى قيصر ولفظ جاشر مشترك عندهم فيقال جاشر للشعر وزعموا أن يولش ولد شعره تام يبلغ عينيه ويقال أيضا للمشقوق جاشر وزعموا أن قيصر ماتت أمه وهى مقرب فبقر بطنها واستخرج يولش والاول أصح وأقرب إلى الصواب وكانت مدة يولش قيصر خمس سنين ولما ولى قيصر اكتبيان بن أخته انفرد بملك الناحية الشمالية من الارض ووفد عليه رسل الملوك بالمشرق يرغبون في ولايته ويضرعون إليه في السلم فاسعفهم ودانت له اقطار الارض وضرب الاتاوة على أهل الآفاق من الصغر
وكان العامل على اليهود بالشأم من قبله هيردوش بن انظفتر وعلى مصر ابنه غايش وولد المسيح لثنتين وأربعين سنة خلت من ملكه وهلك قيصر اكتبيان لست وخمسين من ملكه بعد سبعمائة وخمسين سنة لبناء رومة وخمسة آلاف ومائتين لمبدا الخليقة انتهى كلام هروشيوش وأما ابن العميد مؤرخ النصارى فذكر عن مبدا هؤلاء القياصرة أن أمر رومة كان راجعا إلى الشيوخ الذين يدبرون أمرهم وكانوا ثلثمائة وعشرين رجلا لانهم كانوا حلفوا أن لا يولوا عليهم ملكا فكان تدبيرهم يرجع إلى هؤلاء وكانوا يقدمون واحدا منهم ويسمونه الشيخ وانتهى تدبيرهم في ذلك الزمان إلى اغانيوس فدبرهم أربع سنين وهو الذى سمى قيصر لان أمه ماتت وهو جنين في بطنها فبقروا بطنها وأخرجوه ولما كبر انتهت إليه رياسة هؤلاء الشيوخ برومة أربع سنين ثم ولى من بعده يوليوش قيصر ثلاث سنين ثم ولى من بعده أوغشطش قيصر بن مرنوخس قال ويقال ان أوغشطش قيصر كان أحد قواد الشيخ مدبر رومة وتوجه بالعساكر لفتح المغرب والاندلس ففتحهما وعاد إلى رومة فملك عليهم وطرد الشيخ من رياسته بها وتدبيره ووافقته الناس على ذلك وكان للشيخ نائب بناحية المشرق يقال له فمقيوس فلما بلغه ذلك زحف بعساكره إلى رومة فخرج إليه أوغشطش فهزمه وقتله واستولى على ناحية المشرق وسير عساكره إلى فتح مصر مع قائدين من قواده وهما انطونيوس ومترداب ملك الارمن بدمشق فتوجها(2/199)
إلى مصر وبها يومئذ كلابطرة الملكة من بقية البطالسة ملوك يونان بالاسكندرية ومصر فحصنت بلادها وبنت بعدوتى النيلى حائطين مبدؤهما من النوبة إلى الاسكندرية غربا والى الفرما شرقا وهو حائط العجوز لهذا العهد ثم داخلت القائد انطونيوس وخادعته بالتزويج فتزوجها وقتل رفيقه مترداب وعصى على أوغشطش فزحف إليه وقتله وملك مصر وقتل كلابطره وولديها وكانا يسميان الشمس والقمر وملك مصر والاسكندرية وذلك لثنتى عشرة سنة من ملكه قال ولثنتين وأربعين سنة من ملك أوغشطش ولد
المسيح بعد مولد يحيى بثلاثة أشهر وذلك لتمام خمسة آلاف وخمسمائة سنة من سنى العالم ولثنتين وثلاثين من مكل هيرودس بالقدس وقيل لخمس وثلاثين من مملكته والكل متفقون على انها لثنتين وأربعين من ملك أوغشطش قال وسياقة التاريخ تقتضي انها خمسة آلاف وخمسمائة شمسية من مبدا العالم لان من آدم إلى نوح ألفا وستمائة ومن نوح إلى الطوفان ستمائة ومن الطوفان إلى ابراهيم الفا وثنتين وسبعين سنة من ابراهيم إلى موسى أربعمائة وخمسا وعشرين ومن موسى إلى داود عليهما السلام سبعمائة وستين ومن داود إلى الاسكندر سبعمائة وستين سنة ومن الاسكندر إلى مولد المسيح ثلثمائة مائة وتسع عشرة سنة هكذا ذكر ابن العميد وانها تواريخ النصارى وفيها نظر ويظهر من كلامه ان قيصر الذى سماه أوغشطش وذكر أن المسيح ولد لثنتين وأربعين من ملكه هو الذى سماه هيردوس قيصرا كتبيان وجعل مهلكه لخمسة آلاف ومأتين من مبدا الخليفة وعند ابن العميد ان ملكه لخمسة آلاف وخمسمائة وخمس عشرة والله أعلم بالحق من ذلك ثم ولى من بعده طباريش قيصر وكان وادعا واستولى على النواحى وعلى عهده كان شأن المسيح وبغى اليهود عليه ورفعه الله من الارض وأقام الحواريون من بعده واليهود يضطهدونهم ويحبسونهم على اظهار أمرهم وكان بلاطس النبطي الذى كان قائدا على اليهود يسعى إلى طباريش باخبار المسيح وبغى اليهود عليه وعلى يوحنا المعمدان وتبعتهم الحواريون من بعده بالاذية وأراه انهم على حق فأمر بتخليه سبيلهم وهم بالاخذ بدينهم فمنعه من ذلك قومه ثم قبض على هيردوس وأحضره إلى رومة ثم نفاه إلى الاندلس فمات بها ثم ولى مكانه اغرباس ابن أخيه وافترق الحواريون في الآفاق لاقامة الدين وحمل الامم على عبادة الله ثم قتل طباريش قيصر اغرباس ملك اليهود إلى اشر من حالهم وقتلوا اتباع الحواريين من الروم ومات طباريش لثلاث وعشرين من ملكه بعد ان جدد مدينة طبرية فيما قال ابن العميد واشتق اسمها من اسمه وملك من بعده غاينس قيصر وقال هيروشيش هو أخو طباريش وسماه غاينس فليفة
من اكتبيان وقال هو رابع القياصرة وأشدهم وأراد اليهود على نصب وثنه ببيت المقدس فمنعوه (وقال ابن العميد ووقعت في أيامه شدة على النصارى وقتل يعقوب(2/200)
أخاه يوحنا من الحواريين وحبس بطرس رئيسهم ثم هرب إلى انطاكية فأقام بها وقدم هراديوس بطركا عليها وهو أول البطاركة فيها ثم توجه إلى رومة لسنتين من ملك غانيس فدبرها خمسا وعشرين سنة ونصب فيها الاساقفة وتنصرت امرأة من بيت الملك فعضدت النصارى ولقى النصارى الذين بالقدس شدائد من اليهود وكان الاسقف عليهم يومئذ يعقوب بن يوسف الخطيب (وقال ابن العميد عن المسبحى ان فيلقس ملك مصر غزا اليهود لاول سنة من ملك غانيس واستعبدهم سبع سنين قال وفي الرابعة من ملكه أمر عامله على اليهود بسورية وهى أورشليم وهى بيت المقدس أن ينصب الاصنام في محاريب اليهود ووثب عليه بعض قواده فقتله وملك من بعده فلوديش قيصر قال هروشيوش هو ابن طباريش وعلى عهده كتب متى الحوارى انجيله في بيت المقدس بالعبرانية قال ابن العميد ونقله يوحنا ابن زبدى إلى الرومية قال وفي أيامه كتب بطرس راس الحواريين انجيله بالرومية ونسبه إلى مرقص تلميذه وكتب لوقا من الحواريين انجيله بالرومية وبعث به إلى بعض الاكابر من الروم وكان لوقا طبيبا ثم عظم الفساد بين اليهود ولحق ملكهم اعرباش برومة فبعث معه اقلوديش عساكر الروم فقتلوا من اليهود خلقا وحملوا إلى انطاكية ورومة منهم سبيا عظيما وخربت القدس وانجلى أهلها فلم يول عليهم القياصرة أحدا لخرابها وافترقت اليهود على فرق كثيرة أعظمها سبعة قال ولسبع من ملك اقلوديش دخلت بطريقة من الروم في دين النصارى على يد شمعون الصفا وسمعت منه الصليب فجاءت إلى القدس لاظهاره ورجعت إلى رومة وهلك اقلوديش قيصر لاربع عشرة سنة من ملكه وملك من بعده ابنه نيرون قال هروشيوش هو سادس القياصرة وكان غشوما فاسقا وبلغه أن كثيرا من أهل رومة أخذوا بدين
المسيح فنكر ذلك وقتلهم حيث وجدوا وقتل بطرس راس الحواريين وأقام اريوش بطركا برومة مكان بطرس من بعد خمس وعشرين سنة مضت لبطرس في كرسيها وهو رأس الحواريين ورسول المسيح إلى رومة وقتل مرقص الانجيلى بالاسكندرية لثنتى عشرة من ملكه وكان هنا لك من منذ سبع سنين بها مساعدا إلى النصرانية بالاسكندرية ومصر وبرقة والمغرب وولى مكانه حنانيا ويسمى بالقبطية جنبار وهو أول البطارقة بها واتخذ معه الاقسة الاثنى عشر (قال ابن العميد) عن المسبحى وفى الثانية من ملك نيرون عزل بلخس القاضى كان على اليهود من جهة الروم وولى مكانه قسطس القاضى وقتل بوثار رئيس الكهنونية بالمقدس ومات القاضى قسطس فثار اليهود على من كان بالمقدس من النصارى وقتلوا أسقفهم هنا لك وهو يعقوب بن يوسف النجار وهدموا البيعة وأخذوا الصليب والخشبتين ودفنوها إلى ان استخرجتها هلانة ام قسطنطين كما نذكر(2/201)
بعد وولى مكان يعقوب النجار ابن عمه شمعون بن كتابا ثم ثار بهم اليهود وأخرجوهم من المقدس لعشر من ملك نيرون فأجازوا الاردن وأقاموا هنا لك وبعث نيرون قائده اسباشيانس وأمر بقتل اليهود وخراب القدس وتحصن اليهود منه وبنوا عليهم ثلاثة حصون وحاصرهم اسباشيانس وخرب جميع حصونهم وأحرقها وأقام عليهم سنة كاملة وقال هروشيوش ان نيرون قيصر انتقض عليه أهل مملكته فخرج عن طاعته أهل برطانية من أرض الجوف ورجع أهل أرمينية والشأم إلى طاعة الفرس فبعث صهره على أخته وهو يشبشيان ابن لوجيه فسار إليهم في العساكر وغلبهم على أمرهم ثم زحف إلى اليهود بالشأم وكانوا قد انتقضوا فحاصرهم بالقدس وبينما هو في حصاره إذ بلغه موت نيرون لاربع عشرة سنة من ملكه ثار به جماعة من قواده فقتلوه وكان قد بعث قائدا إلى جهة الجوف والاندلس فافتتح برطانية ورجع إلى رومة بعد مهلك نيرون قيصر فملكه الروم عليهم وانه قتل أخاه يشبشيان فأشار عليه أصحابه بالانصراف إلى
رومة وبشره رئيس اليهود وكان أسيرا عنده بالملك ويظهر أنه يوسف بن كريون الذى مر ذكره فانطلق إلى رومة وخلف ابنه طيطش على حصار القدس فافتتحها وخرب مسجدها وعمرانها كما مر ذكره قال وقتل منهم نحوا من ستمائة ألف ألف مرتين وهلك في حصارها جوعا نحو هذا العدد وبيع من سراريهم في الآفاق نحو من تسعين ألفا وحمل منهم إلى رومة نحوا من مائة ألف استبقاهم لفتيان الروم يتعلمون المقاتلة فيهم ضربا بالسيوف وطعنا بالرماح وهى الجلوة الكبرى وكانت لليهود بعد ألف ومائة وستين سنة من بناء بيت المقدس ولخمسة آلاف ومائتين وثلاثين من مبدا الخليقة ولثمانمائة وعشرين من بناء رومة فكان معه إلى ان افتتحها وكان المستبد بها بعد مهلك نيرون قيصر وانقطع ملك آل يواش قيصر لمائة وست عشرة سنة من مبدا دولتهم واستقام ملك يشبشيان في جميع ممالك الروم وتسمى قيصر كما كان من قبل اه كلام هروشيوش (وقال ابن العميد ان أسباشيانس لما بلغه وهو محاصر للقدس ان نيرون هلك ذهب بالعساكر الذين معه وبشره يوسف بن كريون كهنون طبرية من اليهود بأن مصير ملك القياصرة إليه ثم بلغه أن الروم بعد مهلك نيرون ملكوا غليان بن قيصر فأقام عليهم تسعة أشهر وكان ردئ السيرة وقتله بعض خدمه غيلة وقدموا عوضه أنون ثلاثة أشهر ثم خلعوه وملكوا ابطالس ثمانية أشهر فبعث اسباشيانس وهو الذى سماه هروشيوش يشبشيان قائدين إلى رومة فحاربوا بطانش وقتلوه وسار اسباشيانس إلى رومة وبعث إليه طيطش المحاصر للقدس بالاموال والغنائم والسبي قال وكانت عدة القتلى ألف ألف والسبي تسعمائة ألف واحتمل الخوارج الذين كانوا في نواحى القدس(2/202)
مع الاسرى وكان يلقى منهم كل يوم للسباع فرائس إلى أن فنوا قال ولما ملك طيطش بيت المقدس رجع النصارى الذين كانوا عبروا إلى الاردن فبنوا كنيسة بالمقدس وسكنوا وكان الاسقف فيهم شمعان بن كلوبا ابن عم يوسف النجار وهو الثاني من أساقفة المقدس
ثم هلك اسباشيانس وهو يشبشيان لتسع سنين من ملكه وملك بعده ابنه طيطش قيصر سنتين وقيل ثلاثا (قال ابن العميد) لاربعمائة من ملك الاسكندر وقال هروشيوش كان متفننا في العلوم ملتزما للخير عارفا باللسان الغريقى واللطينى وولى بعده أخوه دومريان خمس عشرة سنة قال هروشيوش وهو ابن أخت نيرون قيصر قال وكان غشو ما كافرا وأمر بقتل النصارى فعل خاله نيرون وحبس يوحنا الحوارى وأمر بقتل اليهود من نسل داود حذرا أن يملكوا وهلك في حروب الافرنج وسماه ابن العميد دانسطيانوس وقال ملك ست عشرة سنة وقيل تسعا وكان شديدا على اليهود وقتل أبناء ملوكهم وقيل له ان النصارى يزعمون أن المسيح يأتي ويملك فأمر بقتلهم وبعث عن أولاد يهوذا بن يوسف من الحواريين وحملهم إلى رومة مقيدين وسألهم عن شأن المسيح فقالوا انما يأتي عند انقضاء العالم فخلى سبيلهم وفي الثالثة من دولته طرد بطرك اسكندرية لسبع وثمانين سنة للمسيح وقدم مكانه مملوا فأقام ثلاث عشرة سنة ومات فولى مكانه كرما هو قال ابن العميد عن المسبحى ولعهده كان أمر ليونيوس صاحب الطلسمات برومة فنفى ذوسطيالوس وهو الذى سماه هروشيوش دومريان وقال هلك في حروب الافرنج وملك بعده برما ابن أخيه طيطش نحوا من سنتين وسماه ابن العميد ناوداس وقال ان المسبحى سماه قارون قال ويسمى أيضا برسطوس وقال ملك على الروم سنة أو سنة ونصفا وأحسن السيرة وأمر برد من كان منفيا من النصارى وخلاهم ودينهم ورجع يوحنا الانجيلى إلى أفسس بعد ست سنين وقال هروشيوش أطلقه من السجن قال ولم يكن له ولد فعهد بالملك إلى طريانس من عظماء قواده وكان من أهل مالقة فولى بعده وتسمى قيصر قال ابن العميد واسمه انديانوس وسماه المسبحى طرينوس وملك على الروم باتفاق المؤرخين سبع عشرة سنة وقتل شمعان بن كلاويا أسقف بيت المقدس وأغناطيوس بطرك انطاكية ولقى النصارى في أيامه شدة وتتبع أئمتهم بالقتل واستعبد عامتهم وهو ثالث القياصرة بعد بيرون في هذه الدولة ولعهده كتب يوحنا انجيله برومة في بعض
الجزائر لسادسة من ملكه وكان قد رجع اليهود إلى بيت المقدس فكثروا بها وعزموا على الانتقاض فبعث عساكره وقتل منهم خلقا كثيرا وقال هروشيوش ان الحرب طالت بينه وبين اليهود فخربوا كثيرا من المدن إلى عسقلان ثم إلى مصر والاسكندية(2/203)
فانهزموا هنا لك وقتلوا وزحفوا بعدها إلى الكوفة فأثخن فيهم بالقتل وخضد من شوكتهم قال ابن العميد وفي تاسعة من ملكه مات كوثبانو بطرك الاسكندرية لاحدى عشرة سنة من ولايته وولى مكانه امر غوثنتى عشرة سنة أخرى وقال بطليموس صاحب كتاب المجسطى ان شيلوش الحكيم رصد برومة في السنة الاولى من ملك طرنيوس وهو اندريانوس لاربعمائة واحدى وعشرين للاسكندر ولثمانمائة وخمس وأربعين لبختنصر وقال ابن العميد خرج عليه خارجي ببابل فهلك في حروبه لتسع عشرة سنة من ولايته كما قلناه فولى من بعده اندريانوس احدى وعشرين سنة وقال ابن العميد عن ابن بطريق عشرين سنة وقال هروشيوش انه أثخن في اليهود ثم بنى مدينة المقدس وسماها ايلياء وقال ابن العميد كان شديدا على النصارى وقتل منهم خلقا وأخذ الناس بعبادة الاوثان وفي ثامنة ملكه خرب بيت المقدس وقتل عامة أهلها وبنى على باب المدينة عمودا وعليه لوح نقش فيه مدينة ايلياء ثم زحف إلى الخارجي الذى خرج على طرنيوس قبله فهزمه إلى مصر والزم أهل مصر حفر خليج من مجرى النيل إلى مجرى القلزم وأجرى فيه الحلو ثم أرتدم بعد ذلك وجاء الفتح والدولة الاسلامية فألزمهم عمرو بن العاصى حفره حتى جرى فيه الماء ثم انسد لهذا العهد وكان اندريانوس هذا قد بنى مدينة القدس ورجع إليها اليهود وبلغه أنهم يرومون الانتقاض وأنهم ملكوا عليهم زكريا من أبناء الملوك فبعث إليهم العساكر وتتبعهم بالقتل وخرب المدينة حتى عادت صحراء وأمر أن لا يسكنها يهودى وأسكن اليونان بيت المقدس وكان هذا الخراب لثلاث وخمسين سنة من خراب طيطش الذى هو الجلوة الكبرى وامتلا القدس من اليونان وكانت النصارى
يترددون إلى موضع القبر والصليب يصلون فيه وكانت اليهود يرمون عليه الزبل والكناسات فمنعهم اليونان من الصلاة فيه وبنوا هنا لك هيكلا على اسم الزهرة وقال ابن العميد عن المسبحى وفي الرابعة من ملك اندريانوس بطل الملك من الرها وتداولتها القضاة من قبل الروم وبنى اندريانوس بمدينة أثينوش بيتا ورتب فيه جماعة من الحكماء لمدارسة العلوم قال وفي خامسة ملكه قدم نسطش بطركا على اسكندرية وكان حكيما فاضلا فلبث احدى عشرة سنة ثم مات وقدم مكانه امانيق في سادسة عشر من ملك اندريانوس فلبث احدى عشرة سنة وهو سابع البطارقة ثم مات اندريانوس لاحدى وعشرين من ملكه كما مر وولى ابنه انطونيش قال هروشيوش ويسمى قيصر الرحيم وقال ابن العميد ملك ثنتين وعشرين وقال الصعيديون احدى وعشرين قال وفي خامسة ملكه قدم مرتانو بطركا باسكندرية وهو الثامن منهم فلبث تسع سنين ومات وكان فاضل السيرة وقدم بعده كلوتيانو فلبث أربع عشرة سنة ومات في سابعة ملكه(2/204)
اوراليانوس بعده وكان محبوبا وقال بطليموس صاحب المجسطى انه رصد الاعتدال الخريفى في ثالثة ملك انطونيوس فكان لاربعمائة وثلاث وستين بعد الاسكندر ثم هلك انطونيوس لثنتين وعشرين كما مر فملك من بعده اوراليانس قال هروشيوش وهو أخو انطونيوس وسماه اورالش وانطونيوس الاصغر وقال كانت له حروب مع أهل فارس وبعد أن غلبوا على ارمينية وسورية من ممالكه فدفعهم عنهما وغلبهم في حروب طويلة وأصاب الارض على عهده وباء عظيم وقحط الناس سنتين واستسقى لهم النصارى فأمطروا وارتفع الوباء والقحط بعد ان كان اشتد على النصارى وقتل منهم خلقا وهى الشدة الرابعة من بعد نيرون (قال ابن العميد) وفي السابعة من ملكه قدم على الاسكندرية البطرك اغريبوس فلبث اثنى عشر سنة ومات في تاسعة عشر من ملك انطونيوس الاصغر قال وفي أيامه ظهرت مبتدعة من النصارى واختلفت أقوالهم
وكان منهم ابن ديصان وغيره فجاهدهم أهل الحق من الاساقفة وأبطلوا بدعتهم وهلك انطونيوس هذا لتسع عشرة من ملكه وفي عاشرة ملكه ظهر اردشير بن بابك أول ملوك الساسانية واستولى على ملك الفرس وكان صاحب الحضر متملكا على السواد فغلبه وملك السواد وقتله وقصته معروفة وكان لعهده جالينوس المشهور بالطب وكان ربى معه فلما بلغه أنه ملك على الروم قدم عليه من بلاد اليونان وأقام عنده وكان لعهده أيضا ديمقراطس الحكيم ولاول سنة من ملكه قدم بليانس بطركا على اسكندرية وهو الحادى عشر من بطاركتها فلبث فيهم عشر سنين ومات وولى مكانه ديمتويوس فلبث فيهم ثلاثا وثلاثين سنة ومات كمودة قيصر لثلاثة عشر كما قلناه فولى من بعده ورمتيلوش ثلاثة أشهر قال ابن العميد وسماه ابن بطريق فرطنوش وقال وملك ثلاثة أشهر وسماه غيره فرطيخوس وسماه الصعيديون برطانوس ومدة ملكه باتفاقهم شهران وقال هروشيوش اسمه اللبيس بن طيجليس وهو عم كمودة قيصر قال وولى سنة واحدة وقتله بعض قواده وأقام في الملك ستة أشهر وقتل (قال ابن العميد) وملك بعده يوليانس قيصر شهرين ومات ثم ولى سوريانوس قيصر وسماه بعضهم سورس وسماه هروشيوش طباريش بن أرنت بن انطونيش واختلفوا في مدته فقال ابن العميد عن ابن بطريق سبع عشرة سنة وقال المسبحى ثمان عشرة وعن أبى فانيوس ستة وعشرة وعن ابن الراهب ثلاث عشرة وعن الصعيديين سنتين قال وملك في رابعة من ملك اردشير واشتد على النصارى وفتك فيهم وسار إلى مصر والاسكندرية فقتلهم وهدم كنائسهم وشردهم كل مشرد وبنى بالاسكندرية هيكلا سماه هيكل الاله قال هروشيوش وهى الشدة الخامسة من بعد شدة نيرون قال ثم انتقض عليه اللطينيون ولم يزل محصورا إلى ان هلك وملك من(2/205)
بعده اقطونيش قال ابن العميد عن ابن بطريق ست سنين وعن المسبحى سبع سنين وسماه انطونيش قسطس قال وكان ابتداء ملكه عندهم لخمس وعشرين وخمسمائة من
ملك الاسكندر ولعهده سار اردشير ملك الفرس إلى نصيبين فحاصرها وبنى عليها حصنا ثم بلغه ان خارجا خرج عليه بخراسان فاجفل عنهم بعد المصالحة على أن لا يتعرضوا لحصنه فلما رحل بنوا من وراء الحصن وأدخلوه في مدينتهم ورجع اردشير فنازلهم وامتنعوا عليه فأشار بعض الحكما بأن يجمع أهل العلم فيدعون الله دعوة رجل واحد ففعلوا فملك الحصن لوقته وقال هروشيوش لما ولى انطونيش ضعف عن مقاومة الفرس فغلبوا على أكثر مدن الشأم ونواحى أرمينية وهلك في حروبهم وولى بعده مفريق ابن مركة وقتله قواد رومة لسنة من ملكه وكذا قال ابن العميد وسماه ابن بطريق بقرونشوش والمسبحي هرقليانوس قالوا جميعا وملك من بعده انطونيش قال ابن العميد عن ابن بطريق وابن الراهب ثلاث سنين وعن المسبحى والصعيديين أربع سنين قال وفي أول سنة من ملكه بنيت مدينة عمان بأرض فلسطين وملك سابور ابن اردشير مدنا كثيرة من الشأم ومات انطونيش فملك من بعده اسكندروس لثلاث وعشرين من ملك سابور بن اردشير فملك على الروم ثلاث عشرة سنة وكانت أمه محبة في النصارى وقال هروشيوش ملك عشرين سنة وكانت أمه نصرانية وكانت النصارى معه في سعة من أمرهم (قال ابن العميد) وفي سابعة ملكه قدم تاوكلا بطركا بالاسكندرية وهو الثالث عشر من البطاركة فلبث فيهم ست عشرة سنة ومات قال هروشيوش ولعشر من ملكه غزا فارس فقتل سابور بن اردشير وانصراف ظافرا فثار عليه أهل رومة وقتلوه وملك من بعده مخشميان بن لوجية ثلاث سنين ولم يكن من بيت الملك وانما ولوه لاجل حرب الافرنج واشتد على النصارى الشدة السادسة من بعد نيرون وأما ابن العميد فسماه فقيموس ووافق على الثلاث سنين في مدته وعلى ما لقى النصارى منه وانه قتل منهم سرحبوس في سلمية وواجوس في بالس على الفرات وقتل بطرك انطاكية فسمع أسقف بيت المقدس بقتله فهرب وترك الكرسي قال وفي ثالثة ملكه ملك سابور بن اردشير خلاف ما زعم هروشيوش من انه قتله ثم هلك فقيموس
ارمشميان وولى من بعده يونيوس ثلاثة أشهر وقتل فيما قال ابن العميد وقال سماه أبو فانيوس لوكش قيصر وابن بطريق بلينايوس ولم يذكره هروشيوش ثم ملك عرديانوس قيصر قال ابن العميد عن ابن بطريق وابن الراهب أربع سنين وعن المسبحى والصعيديين ست سنين وسماه أبو فانيوس فودينوس والصعيديون قرطانوس قال وكان ملكه لاحدى وخمسين وخمسمائة من ملك الاسكندر وقال هروشيوش غرديار بن بليسان(2/206)
قال وملك سبع سنين وطالت حروبه مع الفرس وكان ظافرا عليهم وقتله أصحابه على نهر الفرات قال وولى بعده فلفش بن أولياق بن انطونيش سبع سنين وهو ابن عم الاسكندر الملك قبله وأول من تنصر من ملوك الروم وقال ابن العميد عن الصعيديين ملك ست سنين وقيل تسع سنين وكان ملكه لخمس وخمسين وخمسمائة من ملك الاسكندر وآمن بالمسيح وفي أول سنة من ملكه قدم دنوشيوش بطركا بالاسكندرية وهو رابع عشر البطاركة بها فلبث تسع عشرة سنة ولعهد فيلفش هذا قدم غرديانوس أسقفا على بيت المقدس بعد هروب مركيوس ثم عاد من هروبه فأقام شريكا معه سنة واحدة ومات غرديانوس فانفرد مركيوش أسقفا ببيت المقدس عشر سنين قال وقتل فيلفش قيصر قائد من قواده يقال له دافيس وملك مكانه خمس سنين وقال عن المسبحى وابن الرهب سنة وعن ابن بطريق سنتين قال وكان يعبد الاصنام ولقى النصارى منه شدة وكان من أولاد الملوك وقتل بطرك رومة وأجاز من مدينة قرطاجنة إلى مدينة افسس وبنى بها هيكلا وحمل النصارى على السجود له قال وفي أيامه كانت قصة فتية أهل الكهف وظهروا بعده في أيام تاود وسيوس وأما هروشيوش فسماه داجية بن مخشميان وقال ملك سنة واحدة وكانت على النصارى في أيامه الشدة السابعة وقتل بطرك رومة منهم وولى من بعده غالش قيصر سنتين واستباح في قتل النصارى وباء عظيم أقفلت له المدن وقال هروشيوش هو غالش بن يولياش وقال ابن بطريق ان يولياش كان شريكا له في ملكه
ومات قبله قال ابن العميد احدى عشرة سنة لسبعين وخمسمائة من ملك الاسكندر وقال هروشيوش وابن بطريق ملك خمس عشرة سنة واسمه غاليوش وقال المسبحى خمس عشرة سنة وسماه داقيوس وغاليوش ابنه وقال آخرون اسمه أورليوش وملك خمس سنين وقال أبو فانيوس اسمه غليوس وملك أربع عشرة سنة وقال الصعيديون ملك كذلك واسمه أوراليونوس قال ابن العميد وكان يعبد الاصنام ولقى النصارى منه شدة وفي أول سنة من ملكه قدم مكتيموش بطركا بالاسكندرية وهو الخامس عشر من بطاركتها فلبث ثنتى عشرة سنة ومات وفي خامسة ملكه قدم اسكندروس أسقفا ببيت المقدس ثم قتله بعد سبع سنين وبعث ابنه في عساكر الروم لغزو الفرس فانهزم وحمل أسيرا إلى كسرى بهرام فقتله وقال هرشيوش ولى غلينوس خمسة عشر سنة فاشتد على النصارى الامر وقتلهم وقتل معهم بطرك بيت المقدس وكانت له حروب مع الفرس أسره في بعضها ملكهم سابور ثم من عليه وأطلقه ووقع في أيامه برومة وباء عظيم فرفع طلبه عن النصارى بسببه وفي أيامه خرج القوط من بلادهم وتغلبوا على بلاد الغريقيين ومقدونية وبلاد النبط وكان هؤلاء القوط يعرفون بالسنسبين وكانت(2/207)
مواطنهم في ناحية بلاد السريانيين فخرجوا لعهد غلينوش هذا وغلبوا كما قلناه على بلاد الغريقيين ومقدونية وعلى مريه وهلك غلينوش قتيلا على يد قواده رومة ثم ملك أقاويدوش قيصر سنة واحدة وقال ابن العميد عن المسبحى سنة وتسعة أشهر لثمانين وخمسمائة للاسكندر وفي أول سنة من ملكه قدم يونس السميصانى بطركا بانطاكية فلبث ثمان سنين وكان يقول بالوحدانية ويجحد الكلمة بالروح ولما مات اجتمع الاساقفة بانطاكية وردوا مقالته وقال هروشيوش ولى بعد غلينوش فلوديش ابن يلاريان بن موكله فنسبه هكذا وقال فيه من عظماء القواد ولم يكن من بيت الملك ودفع القوط المتغلبين عن مقدونية من منذ خمس عشرة سنة عليها ومات لسنتين من ملكه وهذا كما
قال المسبحى وقال هروشيوش ولى بعده أخوه نطيل سبع عشرة يوما وقتله بعض القواد ولم يذكر ذلك ابن العميد ثم ملك بعده أوريليانش ست سنين وسماه ابن بطريق أوراليوس والمسبحي ارينوس وأبو فانيوس أوليوش وهروشيوش أوراليان ابن بلنسيان وقال ملك خمس سنين قال ابن العميد وفي الرابعة من ملكه قدم تاونا بطركا بالاسكندرية سادس عشر البطاركة فلبث عشر سنين وكان النصارى يقيمون الدين خفية فلما صار بطركا قابل الروم ولاطفهم بالهدايا فأذنوا له في بناء كنيسة مريم وأعلنوا فيها بالصلاة قال وفي سادسة ملكه ولد قسطنطين وقال هروشيوش ان أورليان بن بلنسيان هذا حارب القوط فظفر بهم وجدد بناء رومة واشتد على النصارى تاسعة بعد نيرون ثم قتل فولى بعده طانيش بن الياس وملك قريبا من سنة وقال ابن العميد اسمه طافسوس وملك ستة أشهر وقال ابن بطريق اسمه طافساس وملك تسعة أشهر ثم ملك فروفش قيصر خمس سنين وقال أبو فانيوس اسمه فروش وقال ابن بطريق وابن الراهب والصعيديون ست سنين وقال المسبحى سبع سنين وسماه الاكيوس وارفيون وسماه ابن بطريق بروش وسماه هروشيوش فاروش بن انطويش قال وتغلب على كثيرة من بلاد الفرس وقال ابن العميد كان ملكه لسابعة من ملك سابور ذى الاكتاف ولخمسمائة وثنتين وتسعين من ملك الاسكندر وكان شديدا على النصارى وقتل منهم خلقا كثيرا وهلك هو وابناه في الحرب وقال هروشيوش ولما هلك فاروش ولى من بعده ابنه مناريان وقتل لحينه ولم يذكره ابن العميد ثم ملك بقلاديانوش احدى وعشرين سنة وقال المسبحى عشرين سنة وقال غيره ثمانى عشرة سنة وملك لخمسمائة وخمس وتسعين للاسكندر وقال غيرهم كان اسمه عربيطا وارتقى في أطوار الخدمة عند القياصرة إلى أن استخلصه فاريوش وجعله على خيله وكان حسن المزمار ويقال أن الخيل كانت ترقص طربا لمزاميره وعشقته بنت فاريوش الملك ولما مات أبوها واخوتها(2/208)
ملكها الروم عليهم فتزوجته وسلمت له في الملك فاستولى على جميع ممالك الروم وما والاها وقسطنطش ابن عمه على بلاد اشيا وبيزنطيه وأقام هو بانطاكية وله الشأم ومصر إلى أقصى المغرب وفي تاسعة عشر من ملكه انتقض أهل مصر والاسكندرية فقتل منهم خلقا ورجع إلى عبادة الاصنام وأمر بغلق الكنائس ولقى النصارى منه شدة وقتل القسيس مارجرس وكان من أكابر أبناء البطارقة وقتل ملقوس منهم أيضا وفي عاشرة ملكه قدم ماربطرس بطركا بالاسكندرية فلبث عشر سنين وقتله وجعل مكانة تلميذه اسكندروس وكان كبير تلامذته اريوش كثير المخالفة له فسخطه وطرده ولما مات ماربطرس رجع اريوش عن المخالفة فأدخله اسكندروس إلى الكنيسة وصيره قسا (قال ابن العميد) وفى أيام ديقلاديانوس خرج قسطنطش ابن عمه ونائبه على بيزنطيا واشيا ورأى هلانة وكانت تنصرت على يد أسقف الرها فأعجبته وتزوجها وولدت له قسطنطين وحضر المنجمون لولادته فأخبروا مملكه فأجمع ديقلاديانوس على قتله فهرب إلى الرها ثم جاء بعد موت ديقلاديانوس فوجد أباه قسطنطس قد ملك على الروم فتسلم الملك من يده على ما نذكر وهلك ديقلاديانوس لعشرين سنة من ملكه ولستمائة وستة عشرة سنة من ملك الاسكندر وملك من بعده ابنه مقسيمانوس (قال ابن بطريق سبع سنين وقال المسبحى وابن الراهب سنة واحدة قالوا وكان شريكه في الملك مقطوس وكان أشد كفرا من ديقلاديانوس ولقى النصارى منهما شدة وقتلا منهم خلقا كثيرا وفي أول سنة من ملكه قدم الاسكندروس تلميذ ماربطرس الشهير بطركا بالاسكندرية فلبث فيهم ثلاثا وعشرين سنة وعلى عهد مقسيمانوس تذكر تلك الخرافة بين المؤرخين من ان سابور ملك الفرس دخل أرض الروم متنكرا وحضر مكان مقسيمانوس وسجنه في جلد بقرة وسار إلى مملكة فارس وسابور في ذلك الجلد وهرب منه ولحق بفارس وهزم الروم في حكاية مستحيلة وكلها أحاديث خرافة والصحيح منه ان سبابور سار إلى مملكة الروم فخرج إليه مقسيمانوس واستولى على ملكه كما نذكر بعد وأما هروشيوش
فلما ذكر مناربان قيصر بن قاريوس وانه ملك بعد أبيه وقتل لحينه ثم قال وقام بملكهم ديوقاربان وثأر من قاتله ثم خرج عليه أقرير بن قاريوس فقتله ديوفاربان بعد حروب طويلة ثم انتقض عليه أهل ممالكه وثار الثوار ببلاد الافرنجة والاندلس وافريقية ومصر وسار إليه سابور ذو الاكتاف فدفع ديوقاربان إلى هذه الحروب كلها مخشميان هركوريش وصيره قيصر فبدأ اولا ببلاد الافرنجة فغلب الثوار بها وأصلحها وكان لثائر الذى بالاندلس قد ملك برطانية سبع سنين فقتله بعض أصحابه ورجعت برطانية إلى ملك ديوقاريان ثم استعمل مخشميان خليفة ديوقاريان صهره قسطنطش واخاه(2/209)
مخشمس ابني وليتنوس فمضى مخشمس إلى افريقية وقهر الثوار بها وردها إلى طاعة الرومانيين وزحف ديوقاريان قيصر الاعظم إلى مصر والاسكندرية فحصر الثائر بها إلى أن ظفر بها وقتله ومضى قسطنطش إلى اللمانيين في ناحية بلاد الافرنج فظفر بهم بعد حروب طويلة وزحف مخشميان خليفة ديوقاريان إلى سابور ملك الفرس فكانت حروبه معه سجالا حتى غلبه وأصاب منه واستأصل مدينة غورة والكوفة من بلاده سبيا وقتلا ورجع إلى رومة ثم سرحه ديوقاريان قيصر إلى حروب أهل غالش من الافرنجة فأثخن فيهم بالقتل ودام ذلك عليهم عشر سنين ثم اعتزل ديوقاريان وخليفته مخشميان الملك ورفضاه ودفعاه إلى قسنطش ابن وليتنوش وأخيه مخشمس ويسمى غلاربس فاقتسما ملك الرومانيين فكان لمخشمس غلاريش ناحية الشرق وكان لقسنطش ناحية المغرب وكانت افريقية وبلاد الاندلس وبلاد الافرنج في ملكته وهلك ديوقاريان ومخشميان معتزلين عن الملك بناحية الشأم وأقام قسنطش في الملك ثم هلك ببرطانية وأقام بملك اللطينيين من بعده ابنه قسطنطين انتهى كلام هروشيوش ويظهر أن هذا الملك الذى سماه ابن العميد ديقلاديانوس هو الذى سماه هروشيوش ديوقاريان والخبر من بعد ذلك متشابه والاسماء مختلفة ولا يخفى عليك وضع كل اسم
في مكانه من الآخر والله سبحانه وتعالى أعلم * (الخبر عن القياصرة المتنصرة من اللطينيين وهم الكيتم واستفحال ملكهم بقسطنطينية ثم بالشأم بعدها إلى حين الفتح الاسلامي ثم بعده إلى انقراض أمرهم) * هؤلاء الملوك القياصرة المتنصرة من أعظم ملوك العالم وأشهرهم وكان لهم الاستيلاء على جانب البحر الرومي من الاندلس إلى رومة إلى القسطنطينية إلى الشأم إلى مصر والاسكندرية إلى افريقية والمغرب وحاربوا الترك والفرس بالمشرق والسودان بالمغرب من النوبة فمن وراءهم وكانوا أولا على دين المجوسية ثم بعد ظهور الحواريين ونشر دين النصرانية بأرضهم وتسلطهم عليهم بأرضهم مرة بعد أخرى أخذوا بدينهم وكان أول من أخذ به قسطنطين بن قسنطش بن وليتنوس وأمه هلانه بن مخشميان قيصر خليفة ديوقاريان قيصر الثالث والثلاثون من القياصرة وقد مر ذكره آنفا وانما سمى هذا الدين دين النصرانية نسبة إلى ناصرة القرية التى كان فيها مسكن عيسى عليه السلام عندما رجع من مصر مع أمه وأما نسبه إلى نصران فهو من أبنية المبالغة ومعناه ان هذا الدين في غير أهل عصابة فهو دين من ينصره من اتباعه ويعرف هؤلاء(2/210)
القياصرة ببنى الاصفر وبعض الناس ينسبهم إلى عيصو بن اسحق وقد أنكر ذلك المحققون وأبوه (وقال أبو محمد بن حزم) عند ذكر اسرائيل عليه السلام كان لاسحق عليه السلام ابن آخر غير يعقوب واسمه عيصاب وكان بنوه يسكنون جبال السراة من الشأم إلى الحجاز وقد بادوا جملة الا أن قوما يذكرون أن الروم من ولده وهو خطأ وانما وقع لهم هذا الغلط لان موضعهم كان يقال له أروم فظنوا ان الروم من ذلك الموضع وليس كذلك لان الروم انما نسبوا إلى روملش بانى رومة وربما يحتجون بأن النبي صلى الله عليه وسلم قال في غزوة تبوك للحرث بن قيس هل لك في جلاد بنى الاصفر ولا حجة
فيه لاحتمال أن يريد بنى عيصاب على الحقيقة لان قصده كان إلى ناحية السراة وهو مسكن بنى عيصو (قلت) مسكن عيصو هؤلاء كان يقال له ايذوم بالذال المعجمة إلى الظاء أقرب فعربتها العرب راء ومن هنا جاء الغلط والله تعالى أعلم وهذا الموضع يقال له يسعون أيضا والاسمان له في التوراة (قال ابن العميد) خرج قسطنطين المؤمن على مقسيمانوس فهزمه ورجع إلى رومة وازدحم العسكر على الجسر فوقع بهم في البحر وغرق مقسيمانوس مع من غرق ودخل قسطنطين رومة وملكها بعد أن أقام ملكا على بيزنطية من بعد أبيه ستا وعشرين سنة فبسط العدل ورفع الجور وخرج قائده يسكن ناحية قسطنطينية وولاه على رومة واعمالها وألزمه باكرام النصارى ثم انتقض عليه وقتل النصارى وعبد الاصنام وكان فيمن قتل ماريادس بطرك بطارقة فبعث قسطنطين العساكر إلى رومة لحربه فساقوه أسيرا وقتله ثم تنصر قسطنطين في مدينة نيقا لثنتى عشر من ملكه وهدم بيوت الاصنام وبنى الكنائس ولتاسع عشرة من ملكه كان مجمع الاساقفة بمدينة نيقية ونفى اريوس كما ذكرنا ذلك كله من قبل وأن رئيس هذا المجمع كان اسكندروس بطرك الاسكندرية وفي الخامسة عشر من رياسته توفى بعد المجمع بخمسة أشهر وقال ابن بطريق كانت ولاية اسكندروس في الخامسة من ملك قسطنطين وبقى ست عشرة سنة وقتل في السادسة والعشرين من ملك ديقلاديانوس وانه كان على عهده اوسانيوس أسقف قيسارية قال المسبحى مكث بطركا ثلاثا وعشرين وكسر صنم النحاس الذى هو هيكل زحل باسكندرية وجعل مكانه كنيسة فهدمها لعبيديون عند ملكهم اسكندرية وقال ابن الراهب ان اسكندروس البطرك ولى أول سنة من ملك قسطنطين فمكث ثنتين وعشرين سنة وعلى عهده جاءت هلانة أم قسطنطين لزيارة بيت المقدس وبنت الكنائس وسألت عن موضع الصليب فأخبرها مقاويوس الاسقف ان اليهود أهالوا عليه التراب والزبل فأحضرت الكهنونية وسألتهم عن موضع الصليب وسألتهم رفع ما هنا لك من الزبل ثم استخرجت ثلاثة من الخشب وسألت أيتها خشبة(2/211)
المسيح فقال لها الاسقف علامتها أن الميت يحيا بمسيسها فصدقت ذلك بتجربتها واتخذوا ذلك اليوم عيدا لوجود الصليب وبنت على الموضع كنيسة القمامة وأمرت مقاريوس الاسقف ببناء الكنائس وكان ذلك لثلثمائة وثمان وعشرين من مولد المسيح عليه السلام وفي حادية وعشرين من ملك قسطنطين كان مهلك اسكندروس البطرك وولى مكانه تلميذه اثنا شيوش كانت أمه تنصرت على يده فربى ابنها عنده وعلمه وولى بطركا مكانه وسعى به أصحاب اريوش إلى الملك بعده مرتين بقى فيهما على كرسيه ثم رجع وحمل قسطنطين اليهود بالقدس على النصرانية فأظهروها وافتتحوا في الامتناع من اكل الخبز فقتل منهم خلقا وتنصر بعضهم فزعموا أن اخبار اليهود نقصوا من سنى مواليد الآباء نحوا من ألف وخمسمائة سنة ليبطلوا مجئ المسيح في السوابيع التى ذكر دانيال أن المسيح يظهر عندها وانها لم يحن وقتها وان التوراة الصحيحة انها هي التى فسرها السبعون من أحبار اليهود ملك مصر وزعم ابن العميد ان قسطنطين أحضرها واطلع منها على النقص الذى قاله قال وهى التوراة التى بيد النصارى الآن قال ثم أمر قسطنطين بتجديد مدينة بيزنطية وسماها قسطنطينية باسمه وقسم ممالكه بين أولاده فجعل لقسطنطين قسطنطينية وما والاها لقسطنطين الآخر بلاد الشأم إلى اقصى المشرق ولقسطوس الثالث رومة وما والاها قال وملك خمسين سنة منها ست وعشرون بيزنطية قبل غلبة مقسميانوس ومنها أربع وعشرون بعد استيلائه على الروم وتنصر في ثنتى عشرة من آخر ملكه وهلك لستمائة وخمسين للاسكندر قال هروشيوش كان قسطنطين بن قسنطش على دين المجوسية وكان شديدا على النصارى ونفى بطرك رومة فدعا عليه وابتلى بالجذام ووصف له في مداواته ان ينغمس في د ماء الاطفال فجمع منهم لذلك عددا ثم أدركته الرقة عليهم فأطلقهم فرآى في منامه من يحضه على الاقتداء بالبطرك فرده إلى رومة وبرئ من الجذام وجنح من حينئذ إلى دين النصرانية ثم
خشى خلاف قومه في ذلك فارتحل إلى القسطنطينية ونزلها وشيد بناءها وأظهر ديانة المسيح وخالف أهل رومة فرجع إليهم وغلبهم على أمرهم وأظهر دين النصرانية ثم جاهد الفرس حتى غلبهم على كثير من ممالكهم ولعشرين سنة من ملكه خرجت طائفة من القوط إلى بلاده فأغاروا وسبوا فزحف إليهم وأخرجهم من بلاده ثم رأى في منامه عربا وبنودا على تمثال الصلبان وقائلا يقول هذه علامة الظفر لك فخرجت أمه هلانة إلى بيت المقدس لطلب آثار المسيح وبنت الكنائس في البلدان ورجعت ثم هلك قسطنطين لاحدى وثلاثين سنة من ملكه اه كلام هروشيوش ثم ولى قسطنطين الصغير بن قسطنطين وسماها هروشيوش قسنطش (قال ابن العميد) ملك أربعا(2/212)
وعشرين سنة وكان أخوه قسطوس برومية بولاية أبيهما ففى خامسة من ملك قسطنطين بعث العساكر فقتل مقنيطوس وأتباعه وولى على رومة من جهته فكانت له صاغية إلى اريوش فأخذ بمذهبه وغلبت تلك المقالة على أهل قسطنطينية وانطاكية ومصر والاسكندرية وغلب اتباع اريوش على الكنائس ووثبوا على بطرك اسكندرية ليقتلوه فهرب كما مر ثم هلك لاربع وعشرين سنة من ملكه وولى ابن عمه بولياش وقال هروشيوش ابن منخشمطش قال وملك سنة واحدة وقال ابن العميد ملك سنتين باتفاق لثلاثة من ملك سابور وكان كافرا وقتل النصارى وعزلهم عن الكنائس واطرحهم من الديوان وسار لقتال الفرس فمات من سهم أصابه وقال هروشيوش تورط في طريقه في مفازة ضل فيها عن سبيله فتقبض عليه أعداؤه وقتلوه قال هروشيوش وولى بعده بليان بن قسطنطى سنة أخرى وزحف إلى الفرس وملكهم يومئذ سابور فحجم عن لقائهم فصالحهم ورجع وهلك في طريقه ولم يذكر ابن العميد بليان هذا وانما قال ملك من بعد يوليانوس الملك يوشانوس واحدة باتفاق في سادسة عشر من ملك سابور وكان مقدم عساكره يوليانوس فلما قتل اجتمعوا إليه وبايعوه واشترط عليهم الدخول
في النصرانية فغلبوه وأشار سابور بتوليته ونصب له صليبا في العسكر ولما ولى نزل على نصيبين للفرس ونقل الروم الذى بها إلى آمد ورجع أو كرسى مملكتهم فرد الاساقفة إلى الكنائس ورجع فيمن رجع اثناشيوش بطرك الاسكندرية وطلب منه أن يكتب له أمانة أهل مجمع نيقية فجمع الاساقفة وكتبوها وأشار عليه بلزومها ولم يذكر هروشيوش يوشانوش هذا وذكر مكانه آخر قال وسماه لمنسيان بن قسنطش قال وقاتل أمما من القوط والافرنجة وغيرهم قال وافترق القوط في أيامه فرقتين على مذهبي اريوش وأمانة نيقية قال وفي أيامه ولى داماش بطركا برومة ثم هلك بالفالج وملك بعده أخوه واليس أربع سنين وعمل على مذهب اريوش واشتد على أهل الامانة وقتلهم وثار عليه بأهل افريقية بعض النصارى مع البربر فأجاز إليهم البحر وحاربهم فظفر بالثائر وقتله بقرطاجنة ورجع إلى قسطنطينية فحارب القوط والامم من ورائهم وهلك في حروبهم وقال ابن العميد في قيصر الذى قتل واليس وسماه واليطنوس انه ملك ثنتى عشرة سنة فيما حكاه ابن بطريق وابن الراهب وحكى عن المسبحى خمسة عشرة سنة وان أخاه والياش كان شريكه في الملك وأنه كان مباينا وانه ملك لستمائة وست وسبعين للاسكندر وسبع عشرة لسابور كسرى قال وفي أيامه وثب أهل اسكندرية على اثناشيوش البطرك ليقتلوه فهرب وقدموا مكانه لوقيوس وكان على رأى اريوش ثم اجتمع أهل الامانة بعد خمسة أشهر ورجعوه إلى كرسيه وطردوا لوقيوس وأقام اثناشيوش بطركا إلى أن مات فولوا(2/213)
بعده تلميذه بطرس سنتين ووثب به أصحاب لوقيوس فهرب ورجع لوقيوس إلى الكرسي فأقام ثلاث سنين ثم وثب به أهل الامانة ورجعوا بطرس ومات لسنة من رجعته ولقى من داريوناس قيصر ومن اصحاب اريوش شدائد ومحنا وقال المسبحى كان واليطينوس يدين بالامانة وأخوه واليش يدين بمذهب اريوش أخذه عن ثاودكيس أسقف القسطنطينية وعاهده على اظهاره فلما ملك نفى جميع أساقفة الامانة وسار اريوس
أسقف انطاكية باذنه إلى الاسكندرية فحبس بطرس البطرك وأقام مكانه اريوش من أهل سميساط وهرب بطرس من السجن وأقام برومة وكانت بين واليطينوس قيصر وبين سابور كسرى فتنة وحروب وهلك في بعض حروبه معهم وولى بعده أخوه واليش (قال ابن العميد) عن ابن الراهب سنتين وعن أبى فانيوس ثلاث سنين وسماه والاش وقال هو أبو الملكين اللذين تركا الملك وترهبا وسمى مكسينموس ودوقاديوس قال وفي الثانية من ملكه بعث طيماناوس أخا بطرس بطركا على اسكندرية فلبث فيهم سبع سنين ومات وفي سادسة ملكه كان المجمع الثاني بقسطنطينية وقد مر ذكره وفي أيام واليش قيصر هذا مات بطرك قسطنطينية فبعث اغريوس أسقف يزناروا وولاه مكانه فوليه أربعة سنين ومات ثم خرج على واليش خارج من العرب فخرج إليه فقتل في حروبه ثم ولى اغراديانوس قيصر قال ابن العميد وهو أخو واليش وكان والنطوس ابن واليش شريكا له في الملك وملك سنة واحدة وقال عن أبى فانيوس سنتين وعن ابن بطريق ثلاث سنين وذكر عن ابن المسبحى وابن الراهب أن تاوداسيوس الكبير كان شريكا لهما وأن ابتداء ملكهم لستمائة وتسعين من ملك الاسكندر وأنه رد جميع ما نفاه واليش قبله من الاسقفة إلى كرسيه وخلى كل واحد مكانه ومات اغراديانوس وابن أخيه في سنة واحدة قال ابن العميد وملك بعدهما تاوداسيوس سبع عشرة سنة باتفاق لستمائة وتسعين من ملك الاسكندر ولاحدى وثلاثين من ملك سابور كسرى وفي سادسة ملكه مات اثناشيوش بطرك اسكندرية فولى مكانه كاتبه تاوفيلا وكان بطرك القسطنطينية يوحنافم الذهب وأسقف قبرس أبو فانيوس كان يهوديا وتنصر قال وكان لتاوداسيوس ولدان ارقاديوس وبرباريوس قال وفي خامسة عشر من ملكه ظهر الفتية السبعة أهل الكهف الذين قاموا أيام دقيانوس ولبثوا في نومهم ثلثمائة سنة وتسع سنين كما قصه القرآن ووجد معهم صندوق النحاس والصحيفة التى أودع البطريق فيها خبرهم وبلغ الامر إلى قيصر تاوداسيوس فبعث في طلبهم فوجدهم قد
ما توا فأمر أن يبنى عليهم كنيسة ويتخذ يوم ظهورهم عيدا قال المسبحى وكان أصحاب اريوش قد استولوا على الكنائس منذ أربعين سنة فأزالهم عنها ونفاهم وأسقط من(2/214)
عساكره كل من يدين بتلك المقالة وعقد المجمع الثاني بقسطنطينية لمائتين وخمسين سنة من مجمع نيقية وقرر فيه الامانة الاولى بنيقية وعهدوا أن لا يزاد فيها ولا ينقص وفي خامسة عشر من ملكه مات سابور بن سابور وملك بعده بهرام ثم هلك تاودانيوس لسبع عشرة سنة من ملكه وأما هروشيوش فقال بعد ذكر واليش وملك بعده وليطانش ابن أخيه فلنسيان ست سنين وهو الموفى أربعين عددا من ملوك القياصرة قال واستعمل طودوشيش بن انطيونش بن لوخيان على ناحية المشرق فملك الكثير منها ثم هم أهل رومة على قائدهم فقتلوه وخلعوا وليطيانش الملك فلحق بطودوشيش بالمشرق فسلم إليه في الملك فأقبل طودوشيش إلى رومة وقتل الثائر بها واستقل بملك القياصرة وهلك لاربع عشرة سنة من ولايته فولى ابنه اركاديكش ويظهر من كلام هروشيوش ان طودوشيش هو تاوداسيوس الذى ذكره ابن العميد لانهما متفقان في ان ابنه اركاديس ومتقاربان في المدة فلعل وليطانش الذى ذكره هروشيوش هو اغراديانوس الذى ذكره ابن العميد اه (قال ابن العميد) وملك اركاديش ولد تاوداسيوس الاكبر ثلاث عشرة سنة باتفاق في ثالثة ملك بهرام بن سابور وكان مقيما بالقسطنطينية وولى أخاه أنوريش على رومة قال وولد لاركاديش ابن سماه طودوشيش باسم أبيه ولما كبر طلب معلمه اريانوس ليعلم ولده فهرب إلى مصر وترهب ورغبه بالمال فأبى وأقام في مغارة بالجبل المقطم على قرية طرا ثلاث سنين ومات فبنى الملك على قبره كنيسة وديرا يسمى دير القصير ويقال دير البغل وفى أيامه غرق أبو فانيوس مرجعه إلى قبرص ومات يوحنا فم الذهب بطرك القسطنطينية وكان نفاه اركاديش بموافقة أبى فانيوس ودعا كل منهما على صاحبه فهلكا وفي التاسعة من ملك اركاديش مات بهرام
ابن سابور وملك ابنه يزدجرد ثم هلك اركاديش وملك من بعده طودوشيش الاصغر ابن اركاديش ثلاث عشرة سنة وولى أخاه انوريش على رومة فاقتسما ملك اللطينيين وانتقض لعهديهما قومس افريقية وخالفه إلى طاعة القياصرة فحدثت بافريقية فتنة لذلك ثم غلب القومس أخاه فلحق بقبرص وترهب بها ثم زحف القوط إلى رومة وفر عنها أنو ريش فحاربوها ودخلوها عنوة واستباحوها ثلاثا وتجافوا عن أموال الكنائس قال ولما هلك اركاديش قيصر استبد أخوه أنو ريس بالملك خمس عشرة سنة وأحسن في دفاع القوط عن رومة وهلك فولى من بعده طودشيش ابن أخيه اركاديش ولم يذكر ابن العميد أنو ريش وانما ذكر بعد اركاديش ابنه طودشيش وسماه الاصغر قال وملك ثنتين وأربعين سنة باتفاق في خامسة ملك يزدجرد وكانت بينه وبين الفرس حروب كثيرة قال وفي أول سنة من ملكه مات تاوفيلا بطرك اسكندرية فولى مكانه كيرلوس ابن أخته(2/215)
في سابعة عشر من ملكه قدم نسطوريش بطركا بالقسطنطينية فأقام أربع سنين وظهرت عنه العقيدة التى دان بها وقد تقدمت وبلغت مقالته إلى كيراس بطرك الاسكندرية فخاطب في ذلك بطرك رومة وانطاكية وبيت المقدس ثم اجتمعوا بمدينة أفسيس في مائتي أسقف واجمعوا على كفر نسطوريش ونفوه فنزل اخميم من صعيد مصر وأقام بها سبع سنين وأخذ بمقالته نصارى الجزيرة والموصل إلى الفرات ثم العراق وفارس إلى المشرق وولى طودوشيش بالقسطنطينية مقسيموس عوضا عن نسطورس فأقام بها ثلاث سنين وفي ثامنة وثلاثين من ملك طودوشيش الاصغر مات كيرلس بطرك الاسكندرية وولى مكانه ديسقرس ولقى شدائد من مرقيان الملك بعده وفي سادسة عشر من ملك طودوشيش الاصغر مات يزدجرد كسرى وولى ابنه بهرام جور وكانت بينه وبين خاقان ملك الترك وقائع ثم عدل عن حروبهم ودخل أرض الروم فهزمه طودوشيش وملك ابنه يزدجرد (قال هروشيوش) وفي أيام طودوشيش الاصغر
تغلب القوط على رومة وملكوها وهلك ملكهم ابطريك كما نذكر في أخبارهم ثم صالحوا الروم على أن يكون لهم الاندلس فانقلبوا إليها وتركوا رومة انتهى (قال ابن العميد) ثم ملك مرقيان بعده ست سنين باتفاق وتزوج أخت طودوشيش وسماه هروشيوش مركيان ابن مليكة قالوا وكان في أيامه المجمع الرابع بمقدونية وقد تقدم ذكره وانه كان بسبب ديسقرس بطرك اسكندرية وما أحدث من البدعة في الامانة فأجمعوا على نفيه وجعلوا مكانه برطارس وافترقت النصارى إلى ملكية وهم أهل الامانة فنسبوا إلى مركيان قيصر الملك الذى جمعهم وعهد بأن لا يقبل ما اتفق عليه أهل المجمع الخلقدونى ولى يعقوبية وهم أهل مذهب ديسقرس وتقدم الكلام في تسميتهم يعقوبية والى نسطورية وهم نصارى المشرق وفي أيام مركيان سكن شمعون الحبيس الصومعة بانطاكية وترهب وهو أول من فعل ذلك من النصارى وعلى عهده مات يزدجرد كسرى ومات مركيان قيصر لست سنين من مله وملك بعده لاون الكبير (قال ابن العميد) لسبعمائة وسبعين من ملك الاسكندر ولثانية من ملك نيرون ملك ست عشرة سنة ووافقه هروشيوش على مدته وقال فيه ليون بن شمخلية قال ابن العميد وكان على مذهب الملكية ولما سمع أهل سكندرية بموت مركيان وثبوا على برطارس البطرك فقتلوه بعد ست سنين من ولايته وأقاموا مكانه طيماناوس وكان يعقوبيا فجاء قائد من قسطنطينية بعد ثلاث سنين من ولايته فنفاه وأبدل عنه سورس من الملكية وأقام تسع سنين ثم عاد طيماناوس بالامر لاون قيصر ويقال انه بقى بطركا ثنتين وعشرين سنة ولثانية عشر من ملك لاون زحف الفرس إلى مدينة آمد وحاصروها وامتنعت(2/216)
عليهم وفي أيامه مات شمعون الحبيس صاحب العمود ثم هلك لاون قيصر لست عشرة سنة من ملكه قال ابن العميد وولى من بعده لاون الصغير وهو أبو زينون الملك بعده وقال ابن بطريق هو ابن سينون وكان يعقوبيا وملك سنة واحدة ولم يذكره هروشيوش وانما
ذكر زينون الملك بعده وسماه سينون بالسين المهملة وقال ملك سبع عشرة سنة وقال ابن العميد مثله ولثمانية عشر من ملك نيرون ولسبعمائة وسبع وثمانين للاسكندر قال وكان يعقوبيا وخرج عليه ولده ورجل من قرابته وحاربهما عشرين شهرا ثم قتلهما واتباعهما ودخل قسطنطينية ووجد بطركها وكان ردى العقيدة قد غير كتب الكنيسة وزاد ونقص فكتب زينون قيصر إلى بطرك رومة وجمع الاساقفة فناظروه ونفوه وفي سابعة ملك زينون مات طيماناوس بطرك اسكندرية فولى مكانه بطرس وهلك بعد ثمان سنين فولى مكانه اثناشيوش وهلك لسبع سنين وكان قيما ببعض البيع في بطركيته قال المسبحى وفي أيام زينون احترق ملعب الخيل الذى بناه بطليموس الارنبا بالاسكندرية وقال ابن بطريق وفي أيام زينون هاجت الحرب بين نيرون والهياطلة وهزموه في بعض حروبهم ورد الكرة عليه بعض قواده كما في أخبارهم ومات نيرون وتنازع الملك ابناه قياد ويلاش وفي عاشرة من ملك زينون غلب يلاش أخاه واستقل بالملك ولحق أخوه قياد بخاقان ملك الترك ثم هلك يلاش لاربع سنين ورجع قياد واستولى على مملكة فارس وذلك في أربعة عشر من ملك زينون فأقام ثلاثا وأربعين سنة وهلك زينون لسبع عشرة من ولايته فملك بعده نشطاش سبعا وعشرين سنة في أربعة من ملك قياد ولثمانمائة وثلاث للاسكندر وكان يعقوبيا وسكن حماة ولذلك أمران تشيد وتحصن فبنيت في سنتين وعهد لاول ملكه أن يقتل كل امرأة كاتبة وفي ثالثة ملكه أمر ببناء مدينة في المكان الذى قتل فيه دارا فوق نصيبين ثم وقعت الحرب بينه وبين الاكاسرة وخرب قياد مدينة آمد ونازلت عساكر الفرس اسكندرية واحرقوا ما حولها من البساتين والحصون وقتل بين الامتين خلق كثير وفي سادسة ملكه مات اثناشيوش بطرك الاسكندرية فصير مكانه يوحنا وكان يعقوبيا ومات لتسع سنين فصير بعده يوحنا الحسن ومات بعد احدى عشرة وفي أيام نشطاش قدم ساريوش بطركا بانطاكية وكان كلاهما على أمة ديسقرس وفي سابعة وعشرين من ملك نشطاش قدم
ساريوس بطركا بانطاكية ومات يوحنا بطرك اسكندرية فولى مكانه ديسقرس الجديد ومات لسنتين ونصف (وقال سعيد بن بطريق) ان ايليا بطرك المقدس كتب إلى نشطاش قيصر يسأله الرجوع إلى الملكية ويوضح له الحق في مذهبهم وصبا إليه في ذلك جماعة من الرهبان فأحضرهم وسمع كلامهم وبعث إليهم بالاموال للصدقات(2/217)
وعمارة الكنائس وكان بقسطنطينية رجل على رأى ديسقرس فمضى إلى نشطانش قيصر ومضى وأشار عليه باتباع مذهب ديسقرس وان يرفض المجمع الخلقدونى فقبل ذلك منه وبعث إلى جميع أهل مملكته وبلغ ذلك بطرك انطاكية فكتب إلى نشطانش قيصر بالملامة على ذلك فغضب ونفاه وجعل مكانه بانطاكية سويوس وبلغ ذلك إلى ايليا بطرك القدس فجمع الرهبان ورؤساء الديور في نحو عشرة آلاف ولعنوا سويوس وأجرموه والملك نشطانش معه فنفاه نشطانش إلى ايليا وذلك في ثالثة وعشرين من ملكه فاجتمع جميع البطاركة والاساقفة من الملكية وأجرموا نشطانش الملك وسويوس وديسقرس امام اليعقوبية ونسطورس قال ابن بطريق وكان لسيوس تلميذ اسمه يعقوب البرادعى يطوف البلاد داعيا إلى مقالة سويوس ودسيقرس فنسب اليعاقبة إليه (وقال ابن العميد) وليس كذلك لان اليعاقبة سموا بذلك من عهد ديسقرس كما مر ثم هلك نشطانش لسبع وعشرين من ملكه وملك بعده يشطيانش قيصر لثمانية وثلاثين من ملك قياد بن نيرون ولثمانية وثلاثين للاسكندر وملك تسع سنين باتفاق وقال هروشيوش سبعا وقال المسبحى كان معه شريك في ملكه اسمه يشطيان وفي ثالثة ملكه غزت الفرس بلاد الروم فوقعت بين الفرس والروم حروب كثيرة وزحف كسرى في آخرها لثمانية من ملك يشطيانش ومعه المنذر ملك العرب فبلغ الرها وغلب الروم وغرق من الفريقين في الفرات خلق كثير وحمل الفرس اسارى الروم وسباياهم ثم وقع الصلح بينهما بعد موت قيصر وفي تاسعة ملكه أجاز البربر من المغرب إلى رومة
وغلبوا عليها قال ابن بطريق وكان يشطيانش على دين الملكية فرد كل من نفاه نشطانش قبله منهم وصير طيماناوس بطركا بالاسكندرية وكان يعقوبيا فلبث فيهم ثلاث سنين وقتل سبع عشرة سنة وقال ابن الراهب كان يشطيانش خلقدونيا ونفى طيماناوس البطرك عن اسكندرية وجعل مكانه أبو ليناريوس وكان ملكيا وعقد مجمعا بالقسطنطينية يريد جمع الناس على رأى الخلقدونية مذهبه وأحضر شاويرش بطرك انطاكية وأساقفة المشرق فلم يوافقوه فاعتقل بطرك انطاكية سنين ثم أطلقه فسار إلى مصر وبقى مختفيا في الديور ثم وصل أبو ليناريوس بطرك اسكندرية ومعه كتاب الامانة الخلقدونية فقبل الناس منه وتبعوا مذهبه فيها وصاروا إليه وهلك يشطيانش لتسع سنين من ملكه ثم ملك يشطينانس قيصر لاحدى وأربعين من ملك قيادة ولثمانمائة وأربعين للاسكندر وكان ملكيا وهو ابن عم يشطيانش الملك قبله وقال المسبحى بل كان شريكه كما مر وملك أربعين سنة باتفاق وقال أبو فانيوس ثلاثا وثلاثين وفي سابعة ملكه غزا كسرى بلاد الروم وأحرق ايليا وأخذ الصليب الذى كان فيها وفي حادية عشر من ملكه عصت السامرية عليه فغزاهم(2/218)
وخرب بلادهم وفي سادسة عشر من ملكه غزا الحارث بن جبلة أمير غسان والعرب ببرية الشأم غزا بلاد الاكاسرة وهزم عساكرهم وخرب بلادهم ولقيه بعض مرازبة كسرى فهزمهم ورد السبى منهم ثم وقع الصلح بين فارس والروم وتوادعوا وفي خمس وثلاثين من ملك يشطينانش عهد بأن يتخذ عيد الميلاد في رابع وعشرين من كانون وعيد الغطاس في ست منه وكانا من قبل ذلك جميعا في سادس كانون وقال المسبحى أراد يشطينانش حمل الناس على رأى الملكية فأحضر طيماناوس بطرك اسكندرية وكان يعقوبيا وأراده على ذلك فامتنع فهم بقتله ثم أطلقه فرجع إلى مصر مختفيا ثم نفاه بعد ذلك وجعل مكانه بولس وكان ملكيا فلم يقبله اليعاقبة وأقام على ذلك سنين (قال سعيد بن بطريق) ثم بعث قيصر قائدا من قواده اسمه يوليناريوس وجعله بطرك
اسكندرية فدخل لكنيسة بزى الجند ثم لبس زى البطاركة وقدس فهموا به فصار إلى سياستهم فاقصدوا ثم حملهم على رأى اليعقوبية وقتل من امتنع وكانوا مائتين وفي أيام يشطينانش هذا ثار السامرة بأرض فلسطين وقتلوا النصارى وهدموا كنائسهم فبعث العساكر وأثخنوا فيهم وأمر ببناء الكنائس كما كانت وكانت كنيسة بيت لحم صغيرة فأمر بأن يوسع فيها فبنيت كما هي لهذا العهد وفي عهده كان المجمع الخامس بقسطنطينية بعد مائة وثلاث وستين من المجمع الخلقدونى ولتاسعة وعشرين من ملك يشطينانش وقد مر ذكر ذلك وفي عهد قيصر هذا مات أبو ليناريوس القائد الذى جعل بطركا باسكندرية لسبع عشرة سنة من ولايته وهو كان رئيس هذا المجمع وجعل مكانه يوحنا وكان امانيا وهلك لثلاث سنين وانفرد اليعاقبة بالاسكندرية وكان أكثرهم القبط وقدموا عليهم طودوشيوش بطركا لبث فيهم ثنتين وثلاثين سنة وجعل الملكية بطركهم داقيانوس وطردوا طودوشيوش من كرسيه ستة أشهر ثم أمر يشطينانش قيصر بأن يعاد فأعيد وطلب منه المغامسة أن يقدم دقيانوش بطرك الملكية على الشمامسة فأجابهم ثم كتب يشطينانش إلى طودوشيوش البطرك باجتماع المجمع الخلقدونى أو يترك البطركية فتركها ونفاه وجعل مكانه بولش التنسى فلم يقبله أهل اسكندرية ولا ما جاء به ثم مات وغلقت كنائس القبط اليعقوبية ولقوا شدائد من الملكية ومات طودوشيوش البطرك في سابعة وثلاثين من ملكة يشطينانش وجعل مكانه باسكندرية بطرس ومات بعد سنتين (قال ابن العميد) وسار كسرى أنو شروان في مملكة يشطينانش قيصر إلى بلاد الروم وحاصر انطاكية وفتحها وبنى قبالتها مدينة سماها رومة ونقل إليها أهل انطاكية ثم هلك يشطينانش وملك بعده يوشطونش قيصر لست وثلاثين من ملك أنو شروان ولثمانمائة وثمانين للاسكندر فملك ثلاثة عشر سنة وقال هروشيوش(2/219)
احدى عشرة سنة ولثانية من ملكه مات بطرس ملك اسكندرية فجعل مكانه داميانو
فمكث ستا وثلاثين سنة وخربت الديور على عهده وفي الثانية عشر من ملكه مات كسرى أنو شروان بعد ان كان بعث العساكر من الديلم مع سيف بن ذى يزن من التبابعة ففتحوا اليمن وصارت للاكاسرة ثم هلك يوشطونش قيصر لاحدى عشرة أو ثلاث عشرة من ملكه وملك بعده طباريش قيصر لثالثة من ملك هرمز ابن أنو شروان ولثمانمائة وثنتين وتسعين للاسكندر فملك ثلاث سنين عند ابن بطريق وابن الراهب وأربعا عند المسبحى ولعهده انتقض الصلح بين الروم وفارس واتصلت الحرب وانتهت عساكر الفرس إلى رأس عين الخابور فثار إليهم موريق من بطاركة الروم فهزمهم ثم جاء طباريش قيصر على اثره فعظمت الهزيمة واستحر القتل في الفرس وأسر الروم منهم نحوا من أربعة آلاف غربهم إلى جزيرة قبرص ثم انتقض بهرام مرزبان هرمز كسرى وطرده عن الملك بمنجع من تخوم بلاد الروم وبعث بالصريخ إلى طباريش قيصر فبعث إليه المدد من الفرسان والاموال يقال كان عسكر المدد أربعين ألفا فسار هرمز ولقيه بهرام بين المدائن وواسط فانهزم واستبيح وعاد هرمز إلى ملكه وبعث إلى طباريش بالاموال والهدايا أضعاف ما أعطاه وورد إليه ما كانت الفرس أخذته من بلادهم وسألهم وغيرها ونقل من كان فيها من الفرس إلى بلاده وسأله طباريش بأن يبنى هيكلين للنصارى بالمدائن وواسط فأجابه إلى ذلك ثم هلك طباريش قيصر وملك من بعده موريكش قيصر في السادسة لهرمز ولثمانمائة وخمس وتسعين للاسكندر وملك وملك عشرين سنة باتفاق المؤرخين فأحسن السيرة وفي حادية عشر من ملكه بلغه عن بعض اليهود بانطاكيه انه بال على صورة المسيح فأمر بقتلهم ونفيهم ولعهده انتقض على هرمز كسرى قريبه بهرام وخلعه واستولى على ملكه وقتله وسار ابنه ابرويز إلى موريكش قيصر صريخا فبعث معه العساكر ورد ابرويز إلى ملكه وقتل بهرام الخارج عليه وبعث إليه بالهدايا والتحف كما فعل أبوه من قبله مع القياصرة وخطب ابرويز من موريكش قيصر ابنته مريم فزوجه اياها وبعث معها من الجهاز والامتعة والاقمشة ما يضيق عنه الحصر ثم وثب على موريكش بعض مماليكه بمداخلة
قريبه البطريق قوقا فدسه عليه فقتله وملك على الروم وتسمى قيصر وذلك لتسعمائة وأربع عشرة للاسكندر وخمس عشرة لابرويز فملك ثمانى سنين وقتل أولاد موريكش وافلت صغير منهم فلحق بطور سينا وترهب ومات هنا لك وبلغ ابرويز كسرى ما جرى على موريكش وأولاده فجمع عساكره وقصد بلاد الروم ليأخذ ثأر صهره وبعث عساكره مع مرزبانه خزرويه إلى القدس وعهد إليه بقتل اليهود وخراب البلد وبعث مرزبان(2/220)
آخر إلى مصر والاسكندرية وجاء بنفسه في عساكر الفرس إلى القسطنطينية وحاصرها وضيق عليها وأما خزرويه المرزبان فسار إلى الشأم وخرب البلاد واجتمع يهود طبرية والخليل وناصرة وصور وأعانوا الفرس على قتل النصارى وخراب الكنائس فنهبوا الاموال وأخذوا قطعة من الصليب وعادوا إلى كسرى بالسبي وفيهم ذخريا بطرك القدس فاستوهبته مريم بنت موريكش من زوجها ابرويز فوهبه اياها مع قطعة الصليب ولما خلت الشأم من الروم واجتمع الفرس على القسطنطينية تراسل اليهود من القدس والخليل وطبرية ودمشق وقبرص واجتمعوا في عشرين ألفا وجاؤا إلى صور ليملكوها وكان فيها من اليهود نحو من أربعة آلاف فتقبض بطركها عليهم وقيدهم وحاصرهم عساكر اليهود وهدموا الكنائس خارج صور والبطرك يقتل المقيدين ويرمى برؤوسهم إلى ان فنوا وارتحل كسرى عن القسطنطينية جائيا فاجفل اليهود عن صور وانهزموا (وقال ابن العميد) وفي رابعة من قوقاص قيصر قدم يوحنا الرحوم بطركا على الملكية باسكندرية ومصر وانما سمى الرحوم لكثرة رحمته وصدقته وهو الذى عمل البيمارستان للمرضى باسكندرية ولما سمع بمسير الفرس هرب مع البطريق الوالى باسكندرية إلى قبرص فمات بها لعشر سنين من ولايته وخلا كرسى الملكية باسكندرية سبع سنين وكان اليعاقبة باسكندرية قدموا عليهم في أيام قوقاص قيصر بطركا اسمه انشطانيوش مكث فيهم ثنتى عشرة سنة واسترد ما كانت الملكية
استولت عليه من الكنائس اليعقوبية وجاءه اثناشيوش بطرك انطاكية بالهدايا سرورا بولايته فتلقاه هو بالاساقفة والرهبان واتخذت الكنيسة بمصر والشأم وأقام عنده أربعين يوما ورجع إلى مكانه ومات انسطانيوش بعد ثنتى عشرة من ولايته لثلثمائة وثلاثين من ملك ديقلاديانوس ولما انتهى ابرويز في حصار القسطنطينية نهايته وضيق عليها وعدموا الاقوات واجتمع البطاركة بعلوقيا وبعثوا السفن مشحونة بالاقوات مع هرقل أحد بطاركة الروم ففرحوا به ومالوا إليه وداخلهم في الملك وان قوقاص سبب هذه الفتنة فثاروا عليه وقتلوه وملكوا هرقل وذلك لتسعمائة وثنتين وعشرين للاسكندر فارتحل ابرويز عن القسطنطينية راجعا إلى بلاده وملك هرقل بعد ذلك احدى وعشرين سنة ونصف عند المسبحى وابن الراهب وثنتين وثلاثين عند ابن بطريق وكانت ملكته أول سنة من الهجرة وقال هروشيوش لتسع وسماه هرقل بن هرقل بن انطونيش ولما تملك هرقل بعث ابرويز بالصلح بوسيلة قتلهم موريكش فأجابهم على تقرير الضريبة عليهم فامتنعوا فحاصرهم ست سنين أخرى إلى الثمان التى تقدمت وجهدهم الجوع فخادعهم هرقل بتقرير الضريبة على أن يفرج عنهم حتى يجمعوا له الاموال(2/221)
وضربوا الموعد معه ستة أشهر ونقض هرقل فخالف كسرى إلى بلاده واستخلف أخاه قسطنطين على قسطنطينية وسار في خمسة آلاف من عساكر الروم إلى بلاد فارس فخرب وقتل وسبى وأخذ ابني ابرويز كسرى من مريم بنت موريكش وهما قباد وشيرويه ومر بحلوان وشهرزور إلى المدائن ودجلة ورجع إلى ارمينية ولما قرب من القسطنطينية وارتحل ابرويز كسرى إلى بلاده فوجدها خرابا وكان ذلك مما أضعف من مملكة الفرس وأوهنها وخرج هرقل لتاسعة من ملكه لجمع الاموال وطلب عامل دمشق منصور بن سرحون فاعتذر بأنه كان يحمل الاموال إلى كسرى فعاقبه واستخلص منه مائة ألف دينار وأبقاه على عمله ثم سار إلى بيت المقدس وأهدى إليه اليهود فأمنهم اولا ثم عرفه
الاساقفة والرهبان بما فعلوه في الكنائس ورآها خرابا وأخبروه بمن قتلوه من النصارى فأمر هرقل بقتلهم فلم ينج منهم الا من اختفى أو أبعد المفر إلى الجبال والبرارى وأمر بالكنائس فبنيت وفي العاشرة من ملكه قدم اندر اسكون بطركا لليعاقبة باسكندرية فأقام ست سنين خربت فيها الديور ثم مات فجعل مكانه بنيامين فمكث سبعا وثلاثين سنة ومات والفرس يومئذ قد ملكوا مصر والاسكندرية وأما هرقل فسار من بيت المقدس إلى مصر وملكها وقتل الفرس وولى على الاسكندرية فوس وكان امانيا وجمع له بين البطركة والولاية ورأى بنيامين البطرك في نومه شخصا يقول قم فاختف إلى أن يجوز غضب الرب فاختفى وتقبض هرقل على أخيه مينا وأراده على الاخذ بالامانة الخلقدونية فامتنع فأحرقه بالنار ورمى بجثته في البحر ثم عاد هرقل إلى قسطنطينية بعد ان جمع الاموال من دمشق وحمص وحماة وحلب وعمر البلاد إلى أن ملك مصر عمرو ابن العاصى وفتحها لثلثمائة وسبع وخمسين لديقلاديانوس وكتب لبنيامين البطرك بالامان فرجع إلى اسكندرية بعد ان غاب عن كرسيه ثلاث عشرة سنة قال ابن العميد وانتقل التاريخ إلى الهجرة لاحدى عشرة من ملك هرقل وذلك لتسعمائة وثلاث وثلاثين للاسكندر وستمائة وأربع عشرة للمسيح (قال المسعودي) وقيل ان مولده عليه السلام كان لعهد نيشطيانش الثاني الذى ذكر انه نوسطيونس الذى بنى كنيسة الرها وان ملكه كان عشرين سنة ثم ملك هرقل بن نوسطيونس خمس عشرة سنة وهو الذى ضرب السكة الهرقلية وبعده مورق بن هرقل قال والمشهور بين الناس أن الهجرة وأيام الشيخين كان ملك الروم لهرقل قال وفي كتب السير أن الهجرة كانت على عهد قيصر بن مورق ثم كان بعده ابنه قيصر بن قيصر أيام أبى بكر ثم هرقل بن قيصر أيام عمر وعليه كان الفتح وهو المخرج من الشأم قال ومدة ملكهم إلى الهجرة مائة وخمس وسبعون سنة (قال الطبري) مدة ما بين عمارة المقدس بعد تخريب بختنصر إلى الهجرة(2/222)
على قول النصارى ألف سنة وتزيد ومن ملك الاسكندر إليها تسعمائة ونيف وعشرين سنة ومنه إلى مولد عيسى ثلثمائة وثلاث سنين وعمره إلى رفعه اثنان وثلاثون سنة ومن رفعه إلى الهجرة خمسمائة وخمس وثمانون سنة وقال هروشيوش ان ملك هرقل كانت الهجرة في تاسعته وسماه هرقل بن هرقل بن انطونيوس لستمائة واحدى عشرة من تاريخ المسيح ولالف ومائة من بناء رومة والله تعالى أعلم * (الخبر عن ملوك القياصرة من لدن هرقل والدولة الاسلامية إلى حين انقراض أمرهم وتلاشى أحوالهم) * قال ابن العميد وفي الثانية من الهجرة بعث ابرويز عساكره إلى الشأم والجزيرة فملكها وأثخن في بلاد الروم وهدم كنائس النصارى واحتمل ما فيها من الذهب والفضة والآنية حتى نقل الرخام الذى كان بالمباني وحمل أهل الرها على رأى اليعقوبية باغراء طبيب منهم كان عنده فرجعوا إليه وكانوا ملكية وفي سابعة الهجرة بعث عساكر الفرس ومقدمهم مرزبانه شهريار فدوخ بلاد الروم وحاصر القسطنطينية ثم تغير له فكتب إلى المرازبة معه بالقبض عليه واتفق وقوع الكتاب بيد هرقل فبعث به إلى شهريار فانتقض ومن معه وطلبوا هرقل في المدد فخرج معهم بنفسه في ثلثمائة ألف من الروم وأربعين ألفا من الخزر الذين هم التركمان وسار إلى بلاد الشأم والجزيرة وافتتح مدائنهم التى كان ملكها كسرى من قبل وفيما افتتح ارمينية ثم سار إلى الموصل فلقيه جموع الفرس وقائدهم المرزبان فانهزموا وقتل وأجفل ابرويز عن المدائن واستولى هرقل على ذخائر ملكهم وكان شيرويه بن كسرى محبوسا فأخرجه شهريار وأصحابه وملكوه وعقدوا مع هرقل الصلح ورجع هرقل إلى آمد بعد ان ولى أخاه تداوس على الجزيرة والشأم ثم سار إلى الرها ورد النصارى اليعاقبة إلى مذهبهم الذى أكرهوا على تركه وأقام بها سنة كاملة ومن غير ابن العميد وفي آخر سنة ست من الهجرة كتب النبي صلى الله عليه وسلم إلى هرقل كتابه من المدينة مع دحية الكلبى يدعوه إلى الاسلام ونصه
على ما وقع في صحيح البخاري بسم الله الرحمن الرحيم (من محمد رسول الله) إلى هرقل عظيم الروم سلام على من اتبع الهدى أما بعد فانى أدعوك بدعاية الاسلام اسلم تسلم يؤتك الله أجرك مرتين فان توليت فان عليك اثم الاريسيين ويا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم أن لا نعبد الا الله ولا نشرك به شيئا ولا يتخذ بعضنا بعضا أربابا من دون الله فان تولوا فقولوا اشهدوا بأنا مسلمون فلما بلغه الكتاب جمع من كان بأرضه من قريش وسألهم عن أقربهم نسبا منه فأشاروا إلى أبى سفيان بن حرب فقال لهم انى سائله عن شأن هذا الرجل فاستمعوا ما يقوله ثم سأل أبا سفيان عن أحوال تجب أن تكون(2/223)
للنبى صلى الله عليه وسلم أو ينزه عنها وكان هرقل عارفا بذلك فأجابه أبو سفيان عن جميع ما سأله من ذلك فرآى هرقل انه نبى لا محالة مع انه كان حزاء ينظر في علم النجوم وكان عنده علم من القرآن الكائن قبل الملة والعرب فاستيقن بنبوته وصحة ما يدعو إليه حسبما ذكره البخاري في صحيحه وكتب النبي صلى الله عليه وسلم إلى الحرث ابن أبى شمر الغساني ملك غسان بالبلقاء من أرض الشأم وعامل قيصر على العرب مع شجاع بن وهب الاسدي يدعوه إلى الاسلام قال شجاع فأتيته وهو بغوطة دمشق يهيئ النزل لقيصر حين جاء من حمص إلى ايليا فشغل عنى إلى ان دعاني ذات يوم وقرأ كتابي وقال من ينتزع منى ملكى انا سائر إليه ولو كان باليمن ثم امر بالخيول تنعل وكتب بالخبر إلى قيصر فنهاه عن المسير ثم أمرنى بالانصراف وزودني بمائة دينار ثم بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم في الثامنة من الهجرة جيشه إلى الشأم وهى غزوة مؤتة كان المسلمون فيها ثلاثة آلاف وامر عليهم زيد بن حارثة وقال ان أصيب فجعفر فعبد الله ابن رواحة فانتهوا إلى معان من أرض الشأم ونزل هرقل صاب من أرض البلقاء في مائة ألف من الروم وانضمت إليهم جموع جذام والغيد وبهرام وبلى وعلى بن مالك بن زافلة ثم زحف المسلمون إلى البلقاء ولقيتهم جموع هرقل من الروم والعرب على موتة فكان
التمحيص والشهادة واستشهد زيد ثم جعفر ثم عبد الله وانصرف خالد بن الوليد بالناس فقدموا المدينة ووجد النبي صلى الله عليه وسلم على من قتل من المسلمين ولا كوجده على جعفر بن أبى طالب لانه كان تلاده ثم أمر بالناس في السنة التاسعة بعد الفتح وحنين والطائف ان يتهيؤا لغزو الروم فكانت غزوة تبوك فبلغ تبوك وأتاه صاحب ايلة وجرباء واذرح واعطوا الجزيرة وصاحب ايلة يومئذ يوحنا بن روبة بن نفاثة أحد بطون جذام وأهدى له بغلة بيضاء وبعث خالد بن الوليد إلى دومة الجندل وكان بها اكيدر بن عبد الملك فأصابوه بضواحيها في ليلة مقمرة فأسروه وقتلوا أخاه وجاؤا به إلى النبي صلى الله عليه وسلم فحقن دمه وصالحه على الجزية ورده إلى قريته وأقام بتبوك بضع عشرة ليلة وقفل إلى المدينة وبلغ خبر يوحنا إلى هرقل فأمر بقتله وصلبه عند قريته اه من غير ابن العميد ورجعنا إلى كلامه قال وفي الثالثة عشر من الهجرة جهز أبو بكر العساكر من المسلمين من العرب لفتح الشأم عمرو بن العاصى لفلسطين ويزيد بن أبى سفيان لحمص وشرحبيل بن حسنة للبلقاء وقائدهم أبو عبيدة بن الجراح وبعث خالد بن سعيد بن العاصى إلى سماوة فلقيه ماهاب البطريق في جموع الروم فهزمهم خالد إلى دمشق ونزل مرجع الصفراء ثم أخذوا عليه الطريق ونازلوه ثانية فتجهز إلى جهة المسلمين وقتل ابنه وبعث أبو بكر خالد بن الوليد بالعراق يسير إلى الشأم أميرا على المسلمين فسار ونزل معهم دمشق وفتحوها كما نذكر في الفتوحات وزحف عمرو ابن العاصى إلى غيره ولقيته(2/224)
الروم هنا لك فهزمهم وتحصنوا ببيت المقدس وقيسارية ثم زحف عساكر الروم من كل جانب في مائتين وأربعين ألفا والمسلمون في بضع وثلاثين ألفا والتقوا باليرموك فانهزم الروم وقتل منهم من لا يحصى وذلك في خامسة عشر من الهجرة ثم تتابعت عليهم الهزائم ونازل أبو عبيدة وخالد بن الوليد حمص فصالحوهم على الجزية ثم سار خالد إلى قنسرين فلقيه منياس البطريق في جموع الروم فهزمهم وقتل منهم خلق كثير وفتح قنسرين
ودوخ البلاد ثم سار عمرو بن العاصى وشرحبيل بن حسنة فحاصروا مدينة الرملة وجاء عمر بن الخطاب إلى الشأم فعقد لاهل الرملة الصلح على الجزية وبعث عمرا وشرحبيل لحصار بيت المقدس فحاصروها ولما أجهدهم البلاء طلبوا الصلح على أن يكون أمانهم من عمر نفسه فحضر عندهم وكتب أمانهم ونصه بسم الله الرحمن الرحيم من عمر بن الخطاب لاهل ايلياء انهم آمنون على دمائهم وأولادهم ونسائهم وجميع كنائسهم لا تسكن ولا تهدم اه (ودخل عمر بن الخطاب) بيت المقدس وجاء كنيسة القمامة فجلس في صحنها وحان وقت الصلاة فقال للبترك أريد الصلاة فقال له صل موضعك فامتنع وصلى على الدرجة التى على باب الكنيسة منفردا فلما قضى صلاته قال للبترك لو صليت داخل الكنيسة أخذها المسلمون بعدى وقالوا هنا صلى عمر وكتب لهم أن لا يجمع على الدرجة للصلاة ولا يؤذن عليها ثم قال للبترك أرنى موضعا أبنى فيه مسجدا فقال على الصخرة التى كلم الله عليها يعقوب ووجد عليها ردما كثيرا فشرع في ازالته وتناوله بيده يرفعه في ثوبه واقتدى به المسلمون كافة فزال لحينه وأمر ببناء المسجد ثم بعث عمرو بن العاصى إلى مصر فحاصرها وأمده بالزبير بن العوام في أربعة آلاف من المسلمين فصالحهم المقوقس على الجزية ثم سار إلى الاسكندرية فحاصرها وافتتحها وفي السابعة عشر من الهجرة جاء ملك الروم إلى حمص في جموع النصرانية وبها أبو عبيدة فهزمهم واستلحمهم ورجع هرقل إلى انطاكية وقد استكمل المسلمون فتح فلسطين وطبرية والساحل كله واستنفر العرب المتنصرة من غسان ولخم وجذام وقدم عليهم ماهاب البطريق وبعثه للقاء العرب وكتب إلى عامله على دمشق منصور بن سرحون أن يمده بالاموال وكان يحقد عليه نكبته من قبل واستصفى ماله حين أفرج الفرج عن حصاره بالقسطنطينية لاول ولايته فاعتذر العامل للبطريق عن المال وهون عليه أمر العرب فسار من دمشق للقائهم ونازلهم بجابية الخولان ثم اتبعه العامل ببعض مال جهزه للعساكر وجاء العسكر ليلا وأوقد المشاعل وضرب الطبول ونفخ البوقات فظنهم الروم
عسكر العرب جاؤا من خلفهم وانهم أحبط بهم فأجفلوا وتساقطوا في الوادي وذهبوا طوائف إلى دمشق وغيرها من ممالك الروم ولحق ماهاب بطور سيناء وترهب إلى أن هلك(2/225)
واتبع المسلمون الفل مع منصور إلى دمشق وحاصروها ستة أشهر فزقوا على أبوابها ثم طلب منصور العامل الامان للروم من خالد فأمنه ودخل المدينة من الباب الشرقي وتسامع الروم الذين بسائر الابواب فهربوا وتركوها ودخل منها الامراء الآخرون عنوة ومنصور ينادى بأمان خالد فاختلف المسلمون قليلا ثم اتفقوا على أمان الروم الذين كانوا بالاسكندرية بعد ان افتتحها عمرو بن العاصى ركبوا إليه البحر ووافوه بها ثم هلك هرقل لاحدى وعشرين من الهجرة ولاحدى وثلاثين من ملكه فملك على الروم بقسطنطينية قسطنطين وقتله بعض نساء أبيه لستة أشهر من ملكه وملك أخوه هرقل ابن هرقل ثم تشاءم به الروم فخلعوه وقتلوه وملكوا عليهم قسنطينوس بن قسطنطين فملك ست عشرة سنة ومات لسابعة وثلاثين من الهجرة وفي أيامه غزا معاوية بلاد الروم سنة أربع وعشرين وهو يومئذ أمير على الشأم في خلافة عمر بن الخطاب فدوخ البلاد وفتح منها مدنا كثيرة وقفل ثم أغزى عساكر المسلمين إلى قبرص في البحر ففتح منها حصونا وضرب الجزية على أهلها وذلك سنة سبع وعشرين وكان عمرو بن العاصى لما فتح الاسكندرية كتب لبنيامين بطرك اليعاقبة بالامان فرجع بعد ثلاث عشرة من مغيبه وكان ولاه هرقل في أول الهجرة كما قدمنا وملك الفرس مصر والاسكندرية عشر سنين عند حصار قسطنطينية أيام هرقل ثم غاب عن الكرسي عندما ملك الفرس وقدموا الملكية وبقى غائبا ثلاث عشرة سنة أيام الفرس عشرة وثلاث من ملكة لمسلمين ثم أمنه عمرو بن العاصى فعاد ثم مات في تاسعة وثلاثين من الهجرة وخلفه في مكانه اغاثوا فملك سبع عشرة سنة ولما هلك قسنطينوس بن قسطنطين في سابعة وثلاثين من الهجرة كما قلناه ملك على الروم القسطنطينية ابنه يوطيانوس فمكث ثنتى عشرة سنة وتوفى سنة خمسين
فملك بعده طيباريوس ومكث سبع سنين وفي أيامه غزا يزيد بن معاوية القسطنطينية في عساكر المسلمين وحاصرها مدة ثم أفرج عنها واستشهد أبو أيوب الانصاري في حصارها ودفن في ساحتها ولما قفل عنها توعدهم بتعطيل كنائسهم بالشأم ان تعرضوا لقبره ثم قتل طيباريوس قيصر سنة ثمان وخمسين وملك أوغسطس قيصر وفي أيام ولايته مات أغاثوا بطرك اليعاقبة القبط باسكندرية وقدم مكانه يوحنا ثم قتل أوغسطس قيصر ذبحه بعض عبيده سنة وملك ابنه اصطفانيوس وكان لعهد عبد الملك بن مروان وفي سنة خمس وستين من الهجرة زاد عبد الملك في المسجد الاقصى وأدخل الصخرة في الحرم ثم خلع اصطفانيوس ثم ملك بعده لاون ومات سنة ثمان وسبعين وملك طيباريوس سبع سنين ومات سنة ست وثمانين فملك سطيانوس وذلك في أيام الوليد ابن عبد الملك وهو الذى بنى مسجد بنى أمية بدمشق يقال انه أنفق فيه أربعمائة(2/226)
صندوق في كل صندوق أربعمائة عشر ألف دينار وكان فيه من جملة الفعلة اثنا عشر ألف مرخم ويقال كانت فيه ستمائة سلسلة من الذهب لتعليق القناديل فكانت تغشى عيون الناظرين وتفتن المسلمين فأزالها عمر بن عبد العزيز وردها إلى بيت المال وكان الوليد لما اعتزم على الزيادة في المسجد أمر بهدم كنيسة النصارى وكانت ملاصقة للمسجد فأدخلها فيه وهى معروفة عندهم بكنيسة ماريوحنا ويقال ان عبد الملك طلبهم في ذلك فامتنعوا وان الوليد بذل لهم فيها أربعين ألف دينار فلم يقبلو فهدمها ولم يعطهم شيئا وشكوا أمرها إلى عمر بن عبد العزيز وجاؤه بكتاب خالد بن الوليد وعهده أن لا تخرب كنائسهم ولا تسكن فراودهم على أخذ الاربعين ألفا التى بذل لهم الوليد فأبوا فأمر أن ترد عليهم فعظم ذلك على الناس وكان قاضبه أبو داريس الخولانى فقال لهم تتركون هذه الكنيسة في الكنائس التى في العنوة في المدينة والا هدمناها فأذعنوا وكتب لهم عمر الامان على ما بقى من كنائسهم وفي سنة ست وسبعين
بعث كاتب الخراج إلى سليمان بن عبد الملك بأن مقياس حلوان بطل فأمر ببناء مقياس في الجزيرة بين الفسطاط والجزيرة فهو لهذا العهد وفي سنة احدى ومائة من الهجرة ملك تداوس على الروم سنة ونصفا ثم ملك بعده لاون أربعا وعشرين سنة وبعده ابنه قسطنطين وفي سنة ثلاث عشرة ومائة غزا هشام بن عبد الملك الصائفة اليسرى وأخوه سليمان الصائفة اليمنى ولقيهم قسطنطين في جموع الروم فانهزموا وأخذ أسيرا ثم أطلقوه بعد وفي أيام مروان بن محمد وولاية موسى بن نصير لقى النصارى بالاسكندرية ومصر شدة وأخذوا بغرامة المال واعتقل بطرك الاسكندرية ابى ميخايل وطلب بجملة من المال فبذلوا موجودهم وانطلقوا يستسعون ما يحصل لهم من الصدقة وبلغ ملك النوبة ما حل بهم فزحف في مائة ألف من العساكر إلى مصر فخرج إليه عامل مصر فرجع من غير قتال وفي أيام هشام ردت كنائس الملكية من أيدى اليعاقبة وولى عليهم بطرك قريبا من مائة سنة كانت رياسة البطرك فيها لليعاقبة وكانوا يبعثون الاساقفة للنواحي ثم صارت النوبة من ورائهم للحبشة يعاقبة ثم ملك بالقسطنطينية رجل من غير بيت الملك اسمه جرجس فبقى أيام السفاح والمنصور وأمره مضطرب ثم مات وملك بعده قسطنطين بن لاون وبنى المدن وأسكنها أهل ارمينية وغيرها ثم مات قسطنطين بن لاون وملك ابنه لاون ثم هلك لاون وملك بعده نغفور وفي سنة سبع وثمانين ومائة غزا الرشيد هرقلة ودوخ جهاتها وصالحه نغفور ملك الروم على الجزية فرجع إلى الرقة وأقام شاتيا وقد كلب البرد وامن نغفور من رجوعهم فانتقض فعاد إليه الرشيد وأناخ عليه حتى قرر الموادعة والجزية عليه ورجع ودخلت عساكر(2/227)
الصائفة بعدها من درب الصفصاق فدوخوا أرض الروم وجمع نغفور ولقيهم فكانت عليه هزيمة صنعاء قتل فيها أربعون ألفا ونجا نغفور جريحا وفي سنة تسعين ومائة دخل الرشيد بالصائفة إلى بلاد الروم في مائة وخمسة وثلاثين ألفا سوى المطوعة وبث
السرايا في الجهات وأناخ على هرقلة ففتحها وبلغ سبيها ستة عشر ألفا وبعث نغفور بالجزية فقبل وشرط عليهم أن لا يعمر هرقلة وهلك نغفور في خلافة الامين وولى ابنه استبران قيصر وغزا المأمون سنة خمس عشرة ومائتين إلى بلاد الروم ففتح حصونا عدة ورجع إلى دمشق ثم بلغه أن ملك الروم غزا طرسوس والمصيصة وقتل منها نحوا من ألف وستمائة رجل فرجع وأناخ على انطواغوا حتى فتحها صلحا وبعث المعتصم ففتح ثلاثين من حصون الروم وبعث يحيى بن أكثم بالعساكر فدوخ أرضهم ورجع المأمون إلى دمشق ثم دخل بلاد الروم وأناخ على مدينة لؤلوة مائة يوم وجهز إليها العساكر مع عجيف مولاه ورجع ملك الروم فنازل عجيفا فأمده المأمون بالعسكر فرحل عنه ملك الروم وافتتح لولوة صلحا ثم سار المأمون إلى بلاد الروم ففتح سلعوس والبروة وبعث ابنه العباس بالعساكر فدوخ أرضهم وبنى مدينة الطولية ميلا في ميل وجعل لها أربعة أبواب ثم دخل غازيا بلاد الروم ومات في غزاته سنة ثمان عشرة ومائتين وفي أيامه غلب قسطنطين على مملكة الروم وطرد ابن نغفور عنها وفي سنة ثلاث وعشرين ومائتين فتح المعتصم عمورية وقصتها معروفة في أخباره اه كلام ابن العميد وأغفلنا من كلامه أخبار البطاركة من لدن فتح الاسكندرية بمدينة لانا رأيناه مستغنى عنه وقد صارت بطركيتهم الكبرى التى كانت بالاسكندرية بمدينة رومة وهى هنا لك للملكية ويسمونه البابا ومعناه أبو الآباء وبقى ببلاد مصر بطرك اليعاقبة على المعاهدين من النصارى بتلك الجهات وعلى ملوك النوبة والحبشة (وأما المسعودي فذكر ترتيب هؤلاء القياصرة من بعد الهجرة والفتح كما ذكره ابن العميد (قال والمشهور بين الناس أن الهجرة وأيام الشيخين كان ملك الروم فيها لهرقل قال وفي كتب أهل السير أن الهجرة كانت على عهد قيصر بن مورق ثم كان بعده ابنه قيصر بن قيصر أيام أبى بكر ثم هرقل بن قيصر أيام عمر وعليه كان الفتح وهو المخرج من الشأم أيام أبى عبيدة وخالد بن الوليد ويزيد بن أبى سفيان فاستقر بالقسطنطينية وبعده مورق بن هرقل أيام عثمان وبعده مورق بن مورق
أيام على ومعاوية وبعده قلفط بن مورق آخر أيام معاوية وأيام يزيد ومروان بن الحكم كان معاوية يراسله ويراسل أباه مورق وكانت تختلف إليه علامة نياق وبشره مورق بالملك وأخبره أن عثمان يقتل وان الامر يرجع إلى معاوية وهادى ابنه قلفط حين سار إلى حرب على رضى الله عنه ثم نزلت جيوش معاوية مع ابنه اليزيد قسطنطينية وهلك(2/228)
عليها في حصاره أبو أيوب الانصاري ثم ملك من بعد قفط بن مورق لاون بن قلفط أيام عبد الملك بن مروان وبعده جيرون بن لاون أيام الوليد وسليمان وعمر بن عبد العزيز ثم غشيهم المسلمون في ديارهم وغزوهم في البر والبحر ونازل مسلمة القسطنطينية واضطرب ملك الروم وملك عليهم جرجيس بن مرعش وملك تسع عشرة سنة ولم يكن من بيت الملك ولم يزل أمرهم مضطربا إلى أن ملك عليهم قسطنطين بن ألبون وكانت أمه مستبدة عليه لمكان صغره ومن بعده نغفور بن استيراق أيام الرشيد وكانت له معه حروب وغزاه الرشيد فأعطاه الانقياد ودفع إليه الجزية ثم نقض العهد فتجهز الرشيد إلى غزوه ونزل هرقلة وافتتحها سنة تسعين ومائة وكانت من أعظم مدائن الروم وانقاد نغفور بعد ذلك وحمل الشروط وملك بعده استيراق بن نغفور أيام الامين وغلب عليه قسطنطين ابن قلفط وملك أيام المأمون وبعده نوفيل أيام المعتصم واسترد زبطرة ونازل عمورية وافتتحها وقتل من كان بها من أمم النصرانية ثم ملك ميخاييل بن نوفيل أيام الواثق والمتوكل والمنتصر والمستعين ثم تنازع الروم وملكوا عليهم نوفيل بن ميخاييل ثم غلب على الملك بسيل الصقلبى ولم يكن من بيت الملك وكان ملكه أيام المعتز والمهتدى وبعضا من أيام المعتمد ومن بعده اليون بن نسيل بقية أيام المعتمد وصدرا من أيام المعتضد ومن بعده الاسكندروس ونقموا سيرته فخلعوه وملكوا أخاه لاوى بن اليون بقية أيام المعتضد والمكتفى وصدرا من أيام المقتدر ثم هلك وملك ابنه قسطنطين صغيرا وقام بأمره ارمنوس بطريق البحر وزوجه ابنته ويسمى الدمستق وهو الذى كان يحارب
سيف الدولة ملك الشأم من بنى حمدان واتصل ذلك أيام المقتدر والقاهر والراضي والمتقي وافترق أمر الروم وأقام بعض بطارقتهم ويعرف استفانس في بعض النواحى وخوطب بالملك ارمنوس بطركا بكرسى القسطنطينية إلى هنا انتهى كلام المسعودي وقال عقبه فجميع سنى الروم المتنصرة من أيام قسطنطين بن هلانة إلى عصرنا وهو حدود الثلثمائة والثلاثين للهجرة خمسمائة سنة وسبع سنين وعدد ملوكهم احد وأربعون ملكا قال فيكون ملكهم إلى الهجرة مائة وخمسا وسبعين سنة اه كلام المسعودي (وفي تاريخ ابن الاثير) ان ارمانوس لما مات ترك ولدين صغيرين وكان الدمستق على عهده قوقاش وملك ملطية من يد المسلمين بالامان سنة ثنتين وعشرين وثلثمائة وكان أمر الثغور لسيف الدولة بن حمدان وملك قوقاش مرعش وعرز ربه وحصونهما وأوقع بجابية طرسوس مرار وسار سيف الدولة في بلادهم فبلغ خرشنة وصارخة ودوخ البلاد وفتح حصونا عدة ثم رجع ثم ولى ارمانوس نغفور دمستقا واسم الدمستق عندهم على من يلى شرقي الخليج حيث ملك ابن عثمان لهذا العهد فأقام نغفور دمستقا وهلك(2/229)
ارمانوس وترك ولدين صغيرين وكان نغفور غائبا في بلاد المسلمين فلما رجع اجتمع إليه زعما الروم وقدموه لتدبير أمر الولدين وألبسوه التاج وسار إلى بلاد المسلمين سنة احدى وخمسين وثلثمائة إلى حلب فهزم سيف الدولة وملك البلد وحاصر القلعة فامتنعت عليه وقتل ابن أخت الملك في حصارها فقتل جميع الاسرى الذين عنده ثم بنى سنة ست وخمسين مدينة بقيسارية ليجلب منها على بلاد الاسلام فخافه أهل طرسوس واستأمنوا إليه فسار إليهم وملكها بالامان وملك المصيصة عنوة ثم بعث أخاه في العساكر سنة تسع وخمسين إلى حلب فملكها وهرب أبو المعالى بن سيف الدولة إلى البرية وصالحه مرعوية بعد ان امتنع بالقلعة ورجع ثم أن أم الملكين ابني ارمانوس اللذين كانا مكفولين له استوحشت منه وداخلت في قتله ابن الشميشق فقتله سنة ستين وقام ابن ارمانوس
الاكبر وهو بسيل بتدبير ملكه وجعل ابن الشميشق دمستقا وقام على الاورق أخى نغفور وعلى ابنه ورديس بن لاون واعتقلهما وسار إلى الرها وميافارقين وعاث في نواحيهما وصانعه أبو تغلب بن حمدان صاحب الموصل بالمال فرجع ثم خرج سنة ثنتين وستين فبعث أبو تغلب ابن عمه أبا عبد الله بن حمدان فهزمه وأسره وأطلقه وكان لام بسيل أخ قام بوزارتها فتحيل في قتل ابن الشميشق بالسم ثم ولى بسيل بن ارمانوس سقلاروس دمستقا فعصى عليه سنة خمس وستين وطلب الملك لنفسه وغلبه بسيل ثم خرج على بسيل ورد بن منير من عظماء البطارقة واستجاش بأبى تغلب بن حمدان وملكوا الاطراف وهزم عساكر بسيل مرة بعد مرة فأطلق ورديس لاون وهو ابن أخى نغفور من معقله وبعثه في العساكر لقتاله فهزمه ورديس ولحق ورد بن منير بميافارقين صريخا بعضد الدولة وراسله بسيل في شأنه فجنح عضد الدولة إلى بسيل وقبض على ورديس واعتقله ببغداد ثم أطلقه ابنه صمصام الدولة لخمس سنين من اعتقاله وشرط عليه اطلاق أسرى المسلمين والنزول عن حصون عدة من معاقل الروم وأن لا يغير على بلاد الاسلام وسار فاستولى على ملطية ومضى إلى القسطنطينية فحاصرها وقتل ورديس بن لاون واستنجد بسيل بملك الروم وزوجه أخته ثم صالح وردا على ما بيده ثم هلك ورد بعد ذلك بقليل واستولى بسيل على أمره وسار إلى قتال البلغار فهزمهم وملك بلادهم وعاث فيها أربعين سنة واستمده صاحب حلب أبو الفضائل بن سيف الدولة فلما زحف إليه منجوتكين صاحب دمشق من قبل الخليفة بمصر سنة احدى وثمانين فجاء بسيل لمدده وهزمه منجوتكين ورجع مهزوما ورجع منجوتكين إلى دمشق ثم عاود الحصار فجاء بسيل صريخا لابي الفضل فاجفل منجوتكين من مكانه على حلب وسار إلى حمص وشيزر فملكها وحاصر طرابلس وصالحه ابن مروان على ديار بكر ثم بعث الدوقس الدمستق إلى امامه فبعث(2/230)
إليه صاحب مصر أبا عبد الله بن ناصر الدولة بن حمدان في العساكر فهزمه وقتله ثم هلك
بسيل سنة عشر وأربعمائة لنيف وسبعين من ملكه وملك بعده أخوه قسطنطين وأقام تسعا ثم هلك عن ثلاث بنات فملك الروم عليهم الكبرى منهن وأقام بأمرها ابن خالها ارمانوس وتزوجت به فاستولى على مملكة الروم وكان خاله ميخاييل متحكما في دولته ومداخلا لاهله فمالت إليه الملكة وحملته على قتل ارمانوس فقتله واستولى على الامر ثم أصابه الصرع واذاه فعمد لابن أخته واسمه ميخاييل أيضا وكان ارمانوس قد خرج سنة احدى وعشرين إلى حلب في ثلاثة آلاف مقاتل ثم خار عن اللقاء فاضطرب ورجع واتبعه العرب فنهبوا عساكره وكان معه ابن الدوقس من عظماء البطارقة فارتاب وقبض عليه وخرج سنة ثنتين وعشرين وأربعمائة في جموع الروم فملك الرها وسروج وهزم عساكر ابن مروان ولما ملك ميخاييل سار إلى بلاد الاسلام فلقيه الدربرى صاحب الشأم من قبل العلوية فهزمه واقتصر الروم بعدها عن الخروج إلى بلاد الاسلام وملك ميخاييل ابن أخته كما قلناه وقبض على اخواله وقرابتهم واحسن السيرة في المملكة ثم طلب زوجته في الخلع فأبت فنفاها إلى بعض الجزائر واستولى على المملكة سنة ثلاث وثلاثين وأربعمائة ونكر عليه البترك ما وقع فيه فهم بقتله ودخل بعض حاشيته في ذلك ونمى الخبر إلى البترك فنادى في النصرانية بخلعه وحاصره في قصره واستدعى الملكة التى خلعها ميخاييل من مكانها وأعادوها إلى الملك فنفت ميخاييل كما نفاها أولا ثم اتفق البترك والروم على خلع الملكة بنت قسطنطين وملكوا أختها الاخرى تودورة وسلموا ميخاييل لها ثم وقعت الفتنة بين شيعة تودورة وشيعة ميخاييل واتصلت وطلب الروم أن يملكوا عليهم من يمحو هذه الفتنة وأقرعوا على المرشحين فخرجت القرعة على قسطنطين منهم فملكوه أمرهم وتزوج بالملكة الصغيرة تودورة وجعلت أختها الكبرى على ما بذلته لها وذلك سنة أربع وثلاثين وأربعمائة ثم توفى قسطنطين سنة ست وأربعين وملك على الروم ارمانوس وقارن ذلك بظهور الدولة السلجوقية واستيلاء طغرلبك على بغداد فردد الغزو إليهم من ناحية اذربيجان ثم سار
ابنه الملك البارسلان وملك مدنا من بلاد الكرخ منها مدينة آى وأثخن في بلادهم ثم سار ملك الروم إلى منبج وهزم ابن مرداس وابن حسان وجموع العرب فسار البارسلان إليه سنة ثلاث وستين وخرج ارمانوس في مائتي ألف من الروم والعرب والدوس والكرخ ونزل على نواحى ارمينية فزحف إليه البارسلان من اذربيجان فهزمه وحصل في أسره ثم فاداه على مال يعطيه وأجروه عليه وعقد معه صلحا وكان ارمانوس لما انهزم وثب ميخاييل بعده على مملكة الروم فلما انطلق من الاسر ورجع دفعه ميخاييل(2/231)
عن الملك والتزم أحكام الصلح الذى عقده مع البارسلان وترهب ارمانوس إلى هنا انتهى كلام ابن الاثير (ثم استفحل ملك الافرنج بعد ذلك واستبدوا بملك رومة وما وراءها وكان الروم لما أخذوا بدين النصرانية حملوا عليه الامم المجاورين لهم طوعا وكرها فدخل فيه طوائف من الامم منهم الارمن وقد تقدم نسبهم إلى ناحور اخى ابراهيم عليه السلام وبلدهم ارمينية وقاعدتها خلاط ومنهم الكرج وهم من شعوب الروم وبلادهم الخزر ما بين أرمينية والقسطنطينية شمالا في جبال ممتنعة ومنهم الچركش في جبال بالعدوة الشرقية من بحر نيطش وهم من شعوب الترك ومنهم الروس في جزائر ببحر نيطش وفي عدوته الشمالية ومنهم البلغار نسبة إلى مدينة لهم في العدوة الشمالية أيضا من بحر نيطش ومنهم البرجان أمة كبيرة متوغلون في الشمال لا تعرف أخبارهم لبعدها وهؤلاء كلهم من شعوب الترك وأعظم من أخذ به من الامم الافرنج وقاعدة بلادهم فرنجة ويقولون فرنسة بالسين وملكهم الفرنسيس وهم في بسائط على عدوة البحر الرومي من شماليه وجزيرة الاندلس من ورائهم في المغرب تفصل بينهم وبينها جبال متوعرة ذات مسالك ضيقة يسمونها البون وساكنها الجلالقة من شعوب الافرنج وهؤلاء فرنسة أعظم ملوك الافرنجة بالعدوة الشمالية من هذا البحر واستولوا من الجزيرة البحرية منه على صقلية وقبرص واقريطش وجنوة واستولوا أيضا على قطعة
من بلاد الاندلس إلى برشلونة واستفحل ملكهم بعد القياصرة الاول ومن أمم الافرنجة البنادقة وبلادهم حفافى خليج يخرج من بحر الروم متضايقا إلى ناحية الشمال ومغربا بعض الشئ على سبعمائة ميل من البحر وهذا الخليج مقابل لخليج القسطنطينية وفي القرب منه وعلى ثمان مراحل من بلاد جنوة ومن ورائها مدينة رومة حاضره الافرنجة ومدينة ملكهم وبها كرسى البطرك الاكبر الذى يسمونه البابا ومن أمم الافرنجة الجلالقة وبلادهم الاندلس وهؤلاء كلهم دخلوا في دين النصرانية تبعا للروم إلى من دخل فيه منهم من أمم السودان والحبشة والنوبة ومن كان على ملكة الروم من برابرة العدوة بالمغرب مثل نغزاوه وهوارة بافريقية والمصامدة بالمغرب الاقصى واستفحل ملك الروم ودين النصرانية (ولما جاء الله بالاسلام وغلب دينه على الاديان وكانت مملكة الروم قد انتشرت حفافى البحر الرومي من عدوتيه فانتزعوا منهم لاول أمرهم عدوته الجنوبية كلها من الشأم ومصر وافريقية والمغرب وأجازوا من خليج طنجة فملكوا الاندلس كلها من يد القوط والجلالقة وضعف أمر الروم وملكهم بعد الانتهاء إلى غايته شأن كل أمة ثم شغل الافرنجة بما دهمهم من العرب في الاندلس والجزائر بما كانوا يتخيمونهم ويرددون الصوائف إلى بسائطهم أيام عبد الرحمن(2/232)
الداخل وبنيه بالاندلس وعبد الله الشيعي وبنيه بالافريقية وملكوا عليهم جزائر البحر الرومي التى كانت لهم مثل صقلية وميورقة ودانية واخواتها إلى ان فشل ربح الدولتين وضعف ملك العرب فاستفحل الافرنجة ورجعت لهم واسترجعوا ما ملكه المسلمون الا قليلا بسيف البحر الرومي مضائق العرض في طول أربع عشرة مرحلة واستولوا على جزائر البحر كلها ثم سموا إلى ملك الشأم وبيت المقدس مسجد أنبيائهم ومطلع دينهم فسربوا إليه آخر المائة الخامسة وتواثبوا على الامصار والحصون وسواحله ويقال ان المستنصر العبيدي هو الذى دعاهم لذلك وحرضهم عليه لما رجى
فيه من اشتغال ملوك السلجوقية بأمرهم واقامتهم سدا بينه وبينهم عندما سموا إلى ملك الشأم ومصر وكان ملك الافرنجة يومئذ اسمه بردويل وصهره زجار ملك صقلية من أهل طاعته فتظاهروا على ذلك وساروا إلى القسطنطينية سنة احدى وتسعين ليجعلوها طريقا إلى الشأم فمنعهم ملك الروم يومئذ ثم أجازهم على أن يعطوه ملطية إذا ملكوها فقبلوا شرطه ثم ساروا إلى بلاد ابن قلطمش وقد استولى يومئذ على مرية وأعمالها وأرزن الروم وأقصر وسيواس افتتح تلك الاعمال كلها عند هبوب ريح قومه على لسلجوقية ثم حدثت الفتنة بينهم وبين الروم بالقسطنطينية واستنجد كل منهم بملوك المسلمين في ثغور الشأم والجزيرة وعظمت الفتن في تلك الآفاق ودامت الحال على ذلك نحوا من مائة سنة وملك الروم بالقسطنطينية في تناقص واضمحلال وكان زجار صاحب صقليه يغزو القسطنطينية من البحر ويأخذ ما يجد في مرساها من سفن التجار وشوانى المدينة ولقد دخل جرجى بن ميخاييل صاحب اصطوله إلى مينا القسطنطينية سنة أربع وأربعين وخمسمائة ورمى قصر الملك بالسهام فكانت تلك أنكى على الروم من كل ناحية ثم كان استيلاء الافرنج على القسطنطينية آخر المائة السادسة وكان من خبرها ان ملك الروم بالقسطنطينية أصهر إلى الفرنسيس عظيم ملوك الافرنج في أخته فزوجها له الفرنسيس وكان له منها ابن ذكر ثم وثب بملك الروم أخوه فسمله وملك القسطنطينية مكانه ولحق الابن بخاله الفرنسيس صريخا به على عمه فوجده قد جهز الاساطيل لارتجاع بيت المقدس واجتمع فيها ثلاثة من ملوك الافرنجة بعساكرهم دوقس البنادقة صاحب المراكب البحرية وفي مراكبه كان ركوبهم وكان شيخا أعمى نقادا ذا ركب والمركس مقدم الفرنسيس وكيد فليد وهو أكبرهم فأمر الفرنسيس بالجواز على القسطنطينية ليصلحوا بين ابن اخته وبين عمه ملك الروم فلما وصلوا إلى مرسى القسطنطينية خرج عمه وحاربهم فهزموه ودخلوا البلد وهرب إلى أطراف البلد وقتل حاضروه وأضرموا النار في البار فاشتغل الناس بها وأدخل(2/233)
الصبى بشيعته فدخل الافرنج معه وملكوا البلد وأجلسوا الصبى في ملكه وساء أثرهم في البلد وصادروا أهل النعم وأخذوا أموال الكنائس وثقلت وطأتهم على الروم فعقلوا الصبى وأخرجوهم واستدعوا ملكهم عم الصبى من مكان مقره وملكوه عليهم وحاصرهم الافرنج فاستنجد بسليمان بن قليج ارسلان صاحب قونية وبلاد الروم شرقي الخليج وكان في البلد خلق من الافرنج فقبل أن يصل سليمان ثاروا فيها وأضرموا النيران حتى شغل بها الناس وفتحوا الابواب فدخل الافرنج واستباحوها ثمانية أيام حتى أقفرت واعتصم الروم بالكنيسة العظمى منها وهى مموقيا ثم خرجت جماعة القسيسين والاساقفة والرهبان وفي أيديهم الانجيل والصلبان فقتلوهم أجمعين ولم يراعوا لهم ذمة ولا عهدا ثم خلعوا الصبى واقترعوا ثلاثتهم على الملك فخرجت القرعة على كيد فليد كبيرهم فملكوه على القسطنطينية وما يجاورها وجعلوا لدوقس البنادقة الجزائر البحرية مثل اقريطش ورودس وغيرهما وللمركيس مقدم الفرنسيس البلاد التى في شرق الخليج ثم تغلب عليها بطريق من بطارقة الروم اسمه لشكري ودفع عنها الافرنج وبقيت بيده واستولى بعدها على القسطنطينية وكان اسمه ميخاييل وفي كتاب المؤيد صاحب حماة أنه أقام ببعض الحصون ثم بنيت القسطنطينية وملكها وفر الافرنج في مراكبهم وملكه الروم وقتل الذى كان ملكا قبله وتوفى سنة احدى وثمانين وستمائة وعقد معه الصلح المنصور قلاون صاحب مصر والشأم لذلك العهد قال وملك بعده ابنه ماند ويلقب الدوقس وشهرتهم جميعا اللشكرى ثم انقرضت دولة بنى قليج ارسلان وملك أعمالهم التتر كما نذكر في أخبارهم وبقى بنى اللشكرى ملوكا على القسطنطينية إلى هذا العهد وملك شرقي الخليج بعد انقضاء دولة التتر من بلاد الروم ابن عثمان جق أمير التركمان وهو الآن متحكم على صاحب القسطنطينية ومتغلب على نواحيه من سائر جهاته هذا ما بلغنا من أخبار الروم من أول دولتهم منذ يونان والقياصرة لهذا العهد
والله وارث الارض ومن عليها وهو خير الوارثين * (الخبر عن القوط وما كان لهم من الملك بالاندلس إلى حين الفتح الاسلامي وأولية ذلك ومصايره) * هذه الامة من أمم أهل الدولة العظيمة المعاصرة لدول الطبقة الثانية من العرب وقد ذكرناهم عقب اللطينيين لان الملك صار إليهم من بينهم كما ذكرناه وسياقة الخبر عنهم أنهم كانوا يعرفون في الزمن القديم بالسيسيين نسبة إلى الارض التى كانوا يعمرونها بالمشرق فيما بين الفرس واليونان وهم في نسبهم اخوة الصين من ولد ماغوغ بن يافث وكانت لهم مع الملوك السريانيين حروب موصوفة زحف إليهم فيها مومن مالى ملك سريان فدافعوه(2/234)
لعهد ابراهيم الخليل عليه السلام ثم كانت لهم حروب مع الفرس عند تخريب بيت المقدس وبناء رومة ثم غلبهم الاسكندر وصاروا في ملكته واندرجوا في قبائل الروم ويونان ثم لما ضعف أمر الروم بعد الاسكندر وتغلبوا على بلاد الغريقيين ومقدونية ونبطة أيام غلبنوش بن بارايان من ملوك القياصرة وكانت بينه وبينه حروب سجال ثم غلبهم القياصرة من بعده وظفروا بهم حتى إذا انتقل القياصرة إلى القسطنطينية وفشل أمرهم برومة زحف إليها هؤلاء القوط واقتحموها عنوة فاستباحوها ثم خرجوا عنها أيام طودوشيش بن أركادش بعد حروب كثيرة وكان أميرهم لذلك العهد انطرك كما ذكرناه ومات لعهد طودوشيش وأراد أن يجعل اسمه سمة الملوك برومة منهم مكان سمة قيصر فاختلف عليه أصحابه في ذلك فرجع عنه ثم صالح الرومانيين على أن يكون له ما يفتح من بلاد الاندلس لما كان أمر الرومانيين قد ضعف عن الاندلس ولحق بها ثلاث طوائف من الغريقيين فاقتسموا ملكها وهم الابيون والشوانيون والقندلش وباسم قندلس سميت الاندلس وكان بالاندلس من قبلهم الارباريون من ولد طوال بن يافث وهم اخوة الانطاليس سكنوها من بعد الطوفان وصاروا إلى طاعة أهل
رومة حتى دخل إليهم هؤلاء الطوالع من الغريقيين عندما اقتحم القوط مدينة رومة وغلبو الامم الذين كانوا بها من ولد طوال وقد يقال ان هؤلاء الطوالع كلهم من ولد طوال ابن يافث وليسوا من الغريقيين واقتسم هؤلاء الطوالع ملكها وكانت جليقية لقندلش ولشبونة وماردة وطليطلة ومرسية لشوانش وكانوا أشرافهم وكانت اشبيلية وقرطبة وجيان وطالعة للابيق وأميرهم عندريقش أخو لشيقش أربعين سنة حين زحف إليهم القوط من رومة وكان قد ولى عليهم بعد اطفانش ملك آخر منهم اسمه طشريك وقتله الرومانيون وولى مكانه منهم ماستة ثلاث سنين وزوج أخته من طودوشيش ملك الرومانيين وصالحه على أن يكون له ما يفتحه من الاندلس ثم مات وولى مكانه لزريق ثلاث عشرة سنة وهو الذى زحف إلى الاندلس وقتل ملوكها وطرد الطوائف الذين كانوا بها فأجازوا إلى طنجة وتغلبوا على بلاد البربر وصرفوا البربر الذين كانوا بالعدوة عن طاعة القسطنطين إلى طاعتهم فلم يزالوا على ذلك إلى دولة يشتيانش نحوا من ثمانين سنة ثم هلك طورديق ملك القوط بالاندلس وولى مكانه سبع عشرة سنة وانتقض عليه البسكتس احدى طوائف القوط فزحف إليهم وردهم إلى طاعته ثم هلك وولى بعده الديك ثلاثا وعشرين سنة وكانت الافرنج لعهده قد طمعوا في ملك الاندلس وأن يغلبوا عليها القوط فجمعوا لهم وملكوا على أنفسهم منهم فزحف إليهم الديك في أمم القوط إلى أن توغل في بلاد الافرنج فغلبوه وقتلوه وعامة أصحابه وكانت القوط قبل(2/235)
دخولهم إلى الاندلس فرقتين كما ذكرنا في دولة بلنسيان بن قسطنطين من القياصرة المتنصرة وكانت احدى الفرقتين قد أقامت بمكانها من نواحى رومة فلما بلغهم خبر الديك صاحب الاندلس منهم امتعضوا لذلك وكان أميرهم طودريك منهم فزحف إلى الافرنج وغلبهم على ما كانوا يملكونه من الاندلس ودخل القوط الذين كانوا بالاندلس في طاعته فولى عليهم ابنه اشتريك ورجع إلى مكانه من نواحى رومة فزحف الافرنج إلى محاربة
اشتريك حتى غلبوه على طلوسة من ناحيتهم وهلك اشتريك بعد خمس سنين من ملكه وولى عليهم بعده بشليقش أربع سنين ثم بعده طودريق احدى وستين سنة وقتله بعض أصحابه باشبيلية وولى بعده ابرليق خمس سنين وبعده طودس ثلاث عشرة سنة وبعده طود شكل سنتين وبعده ايلة خمس سنين وانتقض عليه أهل قرطبة فحاربهم وتغلب عليهم وبعده طنجاد خمس عشرة سنة وبعده ليولة سنة واحدة وبعده لوبليدة ثمانى عشرة سنة وانتقضت عليه الاطراف فحاربهم وسكنهم ونكر عليه النصارى تثليث أريش وراودوه على الاخذ بتوحيدهم الذين يزعمونه فأبى وحاربهم فقتل وولى ابنه زدريق ست عشرة سنة ورجع إلى توحيد النصارى بزعمهم وهو الذى بنى البلاد المنسوبة إليه بقرطبة ولما هلك ولى بعده على القوط ليوبة سنتين وبعده تبديقا عندمار سنتين وبعده شيشوط ثمانى سنين وعلى عهده كان هرقل ملك قسطنطينية والشأم ولعهده كانت الهجرة وهلك شيشوط ملك القوط وولى بعده زدريق آخر منهم ثلاثة أشهر وبعده شتله ثلاث سنين وبعده سنشادش خمس سنين وبعده خنشوند سبع سنين وبعده وجنشوند ثلاثا وعشرين سنة ولهذه العصورا ابتداء ضعف الاحكام للقوط وبعده مانيه ثمان سنين وبعده لورى ثمان سنين وبعده ايقه ست عشرة سنة وبعده غطسة أربع عشرة سنة وهو الذى وقع من قصته مع ابنه يليان عامل طنجة ما وقع ثم بعده زدريق سنتين وهو الذى دخل عليه المسلمون وغلبوه على ملك القوط وملكوا الاندلس ولذلك العهد كان الوليد بن عبد الملك حسبما نذكره عند فتح الاندلس ان شاء الله تعالى هذه سياقة الخبر عن هؤلاء القوط نقلته من كلام هروشيوش وهو أصح ما رأيناه في ذلك والله سبحانه وتعالى الموفق المعين بفضله وكرمه لا رب غيره ولا مامول الا خيره * (الطبقة الثالثة من العرب وهم العرب التابعة للعرب وذكر افاريقهم وأنسابهم وممالكهم وما كان لهم من الدول على اختلافها والبادية والرحالة منهم وملكها) *
هذه الامة من العرب البادية أهل الخيام الذين لا اغلاق لهم لم يزالوا من أعظم أمم العالم وأكثر أجيال الخليقة يكثرون الامم تارة وينتهى إليهم العز والغلبة بالكثرة فيظفرون(2/236)
بالملك ويغلبون على الاقاليم والمدن والامصار ثم يهلكهم الترفه والتنعم ويغلبون عليهم ويقتلون ويرجعون إلى باديتهم وقد هلك المتصدرون منهم للرياسة بما باشروه من الترف ونضارة العيش وتصيير الامر لغيرهم من أولئك المبعدين عنهم بعد عصور أخرى هكذا سنة الله في خلقه وللبادية منهم مع من يجاورهم من الامم حروب ووقائع في كل عصر وجيل بما تركوا من طلب المعاش وجعلوا طلب المعاش رزقهم في معاشهم بترصد السبيل وانتهاب متاع الناس ولما استفحل الملك للعرب في الطبقة الاولى للعمالقة وفي الثانية للتبابعة وكان ذلك عن كثرتهم فكان منتشرين لذلك العهد باليمن والحجاز ثم بالعراق والشأم فلما تقلص ملكهم وكانوا بالعراق منهم بقية أقاموا ضاحين من ظل الملك يقال في مبدا كونهم هنا لك ان بختنصر لما سلطه الله على العرب وعلى بنى اسرائيل بما كانوا من بغيهم وقتلهم الانبياء قتل أهل الوبر بناحية عدن اليمن نبيهم شعيب بن ذى مهدم على ما وقع في تفسير قوله تعالى فلما أحسوا بأسنا إذا هم منها يركضون فأوحى الله إلى ارمياء بن حزقيا وبرخيا ان يسيرا بختنصر إلى العرب الذين لا اغلاق لبيوتهم أن يقتل ولا يستحيى ويستلحمهم أجمعين ولا يبقى منهم أثرا وقال بختنصر وأنا رأيت مثل ذلك وسار إلى العرب وقد نظم ما بين ايلة والابلة خيلا ورجلا وتسامع العرب باقطار جزيرتهم واجتمعوا للقائه فهزم عدنان أولا ثم استلحم الباقين ورجع إلى بابل وجمع السبايا فأنزلهم بالانبار ثم خالطهم بعد ذلك النبطة (وقال ابن الكلبى) ان بختنصر لما نادى بغزو العرب افتتح أمره بالقبض على من كان في بلاده من تجارهم للميرة وأنزلهم الحيرة ثم خرج إليهم في العساكر فرجعت قبائل منهم إليه آثروا الاذعان والمسالمة وانزلهم بالسواد على شاطئ الفرات وابتنوا موضع عسكرهم
وسموه الانبار ثم أنزلهم الحيرة فسكنوها سائر أيامه ورجعوا إلى الانبار بعد مهلكه (وقال الطبري) ان تبعا أبا كرب لما غزا العراق أيام اردشير بهمن كانت طريقه على جبل طيئ ومنه إلى الانبار وانتهى إلى موضع الحيرة ليلا فتحير وأقام فسمى المكان الحيرة ثم سار لوجهه وخلف هنا لك قوما من الازد ولخم وجذام وعاملة وقضاعة وطنوا وبنوا ولحق بهم ناس من طيئ وكلب والسكون وإياد والحرث بن كعب فكانوا معهم (وقيل) وهو قريب من الاول خرج تبع في العرب حتى تحيروا بظاهر الكوفة فنزل بها ضعفاء الناس فسميت الحيرة ولما رجع ووجدهم قد استوطنوا تركهم هنالك وفيهم من كل قبائل العرب من هذيل ولخم وجعفى وطيئ وكلب وبنى لحيان من جرهم (قال هشام بن محمد) لما مات بختنصر انتقل الذين أسكنهم بالحيرة إلى الانبار ومعهم من انضم إليهم من بنى اسمعيل وبنى معد وانقطعت طوالع العرب من اليمن عنهم ثم كثر أولاد(2/237)
معد وفرقتهم العرب وخرجوا يطلبون المتسع والريف فيما يليهم من بلاد اليمن ومشارف الشأم ونزلت قبائل منها البحرين وبها يومئذ قوم من الازد نزلوها أيام خروج مزيقياء من اليمن وكان الذين أقبلوا من تهامة من العرب مالك وعمرو ابنا فهم بن تيم الله بن أسد ابن وبرة بن قضاعة وابن أخيهما مالك بن زهير وابن عمرو بن فهم في جماعة من قومهم والختفار بن الحيق بن عمرو بن معد بن عدنان في قفص كلها ولحق بهم غطفان بن عمرو بن لطمان بن عبد مناف بن بعدم بن دعمى بن اياد بن ارقص بن صبيح بن الحارث بن أفصى بن دعمى وزهير بن الحرث ابن أليل بن زهير بن اياد واجتمعوا بالبحرين وتحالفوا على المقام والتناصر وانهم يد واحدة وكان هذا الاجتماع والحلف أزمان الطوائف وكان ملكهم قليلا ومفترقا وكان كل واحد منهم يغير على صاحبه ويرجع على أكثر من ذلك فتطلعت نفوس العرب بالبحرين إلى ريف العراق وطمعوا في غلب الاعاجم عليه أو مشاركتهم فيه واهتبلوا الخلاف الذى كان بين الطوائف وأجمع رؤساؤهم المسير إلى العراق فسار
منهم الاول الخنفار بن الحبق في اشلاء قغص بن معد ومن معهم من أخلاط الناس فوجدوا بأرض بابل إلى الموصل بنى إرم بن سام الذين كانوا ملوكا بدمشق وقيل لها من أجلهم دمشق ارم وهم من بقايا العرب الاولى فوجدوهم يقاتلون ملوك الطوائف فدفعوهم عن سواد العراق فارتفعوا عنه إلى اشلاء قفص هؤلاء ينسبون إلى عمرو بن عدى بن ربيعة جد بنى المنذر عند نسابة مضر وفي قول حماد الراوية كما يأتي ذكره ثم طلع مالك وعمر وابنا فهم وابن مالك بن زهير من قضاعة وغطفان بن عمر وروصح بن صبيح وزهير بن الحرث من اياد فيمن معهم من غسان وحلفائهم بالانبار وكلهم تنوخ كما قدمنا فغلبوا بنى ارم ودفعوهم عن جهات السواد وجاء على اثرهم نمارة بن قيس ونمارة ابن لخم نجدة من قبائل كندة فنزلوا الحيرة وأوطنوها وأقامت طالعة الانبار وطالعة الحيرة لا يدينون للاعاجم ولا تدين لهم حتى مر بهم تبع وترك فيهم ضعفة عساكره كما تقدم وأوطنوا فيهم من كل القبائل كما ذكرنا جعف وطيئ وتميم وبنى لحيان من جرهم ونزل كثير من تنوخ ما بين الحيرة والانبار بادين في الخيام لا يأوون إلى المدن ولا يخالطون أهلها وكانوا يسمون عرب الضاحية وأول من ملك منهم ازمان الطوائف مالك بن فهم وبعده أخوه عمرو وبعده ابن أخيه جذيمة الابرش كما يأتي ذكر ذلك كله وكان أيضا ولد عمر ومزيقياء بعد خروجه من اليمن بالازد قومه عند خروجه انذرهم بسيل العرم في القصه المشهورة وقد انتشروا بالشأم والعراق وتخلف من تخلف منهم بالحجاز وهم خزاعة فنزلوا مر الظهران وقاتلوا جرهما بمكة فغلبوهم عليها ونزل نصر بن الازد عمان ونزلت غسان جبال الشراة وكانت لهم حروب مع بنى معد إلى أن استقروا(2/238)
هنا لك في التخوم بين الحجاز والشأم هذا شأن من أوطن العراق والشأم من قبائل سبا تشاءم منهم أربعة وبقى باليمن ستة وهم مذحج وكندة والاشعريون وحمير وانمار وهو أبو خثعم وبجيلة فكان الملك لهؤلاء باليمن في حمير ثم التبابعة منهم ويظهر من هذا ان خروج
مزيقياء والازد كان لاول ملك التبابعة أو قبله بيسير وأما بنو معد بن عدنان فكان ارميا وبرخيا لما أوحى اليهما بغزو بختنصر العرب أمرهما الله أن يستخرجا معد بن عدنان لان من ولده محمدا صلى الله عليه وسلم أخرجه آخر الزمان أختم به النبيين وأرفع به من الضعة فأخرجاه على البراق وهو ابن ثنتى عشرة سنة وذهبا به إلى حران فربى عندهما وغزا بختنصر العرب واستلحمهم وهلك عدنان وبقيت بلاد العرب خرابا ثم هلك بختنصر فخرج معد بن عدنان مع أنبياء بنى اسرائيل فحجوا جميعا وطفق يسأل عمن بقى من ولد الحرث بن مضاض الجرهمى وكانت قبائل دوس أكثر جرهم على يده فقيل له بقى جرهم بن جلهة فتزوج ابنته معانة وولدت له نزار بن معد (قال السهيلي) وكان رجوع معد إلى الحجاز بعد ما رفع الله بأسه عن العرب ورجعت بقاياهم التى كانت بالشواهق إلى مجالاتهم بعد أن دوخ بختنصر بلادهم وخرب معمورهم واستأصل حضورا وأهل الرس التى كانت سطوة الله بالعرب من أجلهم اه كلام السهيلي ثم كثر نسل معد في ربيعة ومضر واياد وتدافعوا إلى العراق والشأم وتقدم منهم اشلاء قفص كما ذكرنا وجاؤا على أثرهم فنزلوا مع احياء اليمنية الذين ذكرناهم قبل وكانت لهم مع تبع حروب وهو الذى يقول لست بالتبع اليماني ان لم * تركض الخيل في سواد العراق - أو تؤدى ربيعة الخرج قسرا * لم تعقها موانع العواق - ثم كان بالعراق والشأم والحجاز أيام الطوائف ومن بعدهم في أعقاب ملك التبابعة اليمنية والعدنانية ملك ودول بعد ان درست الاجيال قبلهم وتبدلت الاحوال السابقة لعصرهم فاستحق بذلك أن يكون جيلا منفردا عن الاول وطبقة مباينة للطباق السالفة ولما لم يكن لهم أثر في انشاء العروبية كما للعرب العاربة ولا في لغتها عنهم كما في المستعربة وكانوا تبعا لمن تبعهم في سائر أحوالهم استحقوا التسمية بالعرب التابعة للعرب واستمرت الرياسة والملك في هذه الطبقة اليمانية أزمنة وآمادا بما كانت صبغتها
لهم من قبل واحياء مضر وربيعة تبعا لهم فكان الملك بالحيرة للخم في بنى المنذر وبالشأم لغسان في بنى جفنة وبيثرب كذلك في الاوس والخزرج ابني قيلة وما سوى هؤلاء من العرب فكانوا ظواعن بادية واحياء ناجعة وكانت في بعضهم رياسة بدوية وراجعة في الغالب إلى أحد هؤلاء ثم نبضت عروق الملك في مضر وظهرت قريش على مكة(2/239)
ونواحى الحجاز أزمنة عرف فيها منهم ودانت الدول بتعظيمهم ثم صبح الاسلام أهل هذا الجيل وأمرهم على ما ذكرناه فاستحالت صبغة الملك إليهم وعادت الدول لمضر من بينهم واختصت كرامة الله بالنبوة بهم فكانت فيهم الدول الاسلامية كلها الا بعضا من دولها قام بها العجم اقتداء بالملة وتمهيدا للدعوة حسبما نذكر ذلك كله (فلنأت الآن بذكر قبائل هذه الطبقة من قحطان وعدنان وقضاعة وما كان لكل واحدة منها من الملك قبل الاسلام وبعده) ومن كتاب الاغانى لابي الفرج الاصبهاني في أخبار حزيمة بن نهد بن ليث بن سود بن أسلم بن الحاف بن قضاعة قال كان بدء تفرق بنى اسمعيل من تهامة ونزوعهم عنها إلى الآفاق وخروج من خرج منهم عن نسبه ان قضاعة كانوا مجاورين لنزار وكان حزيمة بن نهد فاسقا متعرضا للنساء فشبب بفاطمة بنت يذكر وهو عامر بن عنزة وذكرها في شعره حيث يقول إذا الجوزاء أردفت الثريا * ظننت بآل فاطمة الظنونا - وحالت دون ذلك من هموم * هموم تخرج الشجر الربينا - أرى ابنة يذكر طعنت فحلت * جنوب الحزن يا شحطا مبينا - وسخط ذلك يذكر خشية حزيمة على نفسه فاغتاله وقتله وانطفت نار يذكر ولم يصح على حزيمة شئ تتوجه به المطالبة على قضاعة حتى قال في شعره فاه كان عند رضاب العصير * ففيها يعل به الزنجبيل - قتلت أباها على حبها * فتبخل ان بخلت أو تقيل -
فلما سمعت نزار شعر حزيمة بن نهد وقتله يذكر بن عنزة ثاروا مع قضاعة وتساندوا مع احياء العرب الذين كانوا معهم وكانت هذه مع نزار ونسبها يومئذ كندة بن جنادة بن معد وجيرانهم يومئذ أجأ بن عمرو بن أدبن أدد ابن أخى عدنان بن ادد وكانت قضاعة تنتسب إلى معد ومعد إلى عدنان والاشعريون إلى الاشعر بن أدد أخى عدنان وكانوا يظعنون من تهامة إلى الشأم ومنازلهم بالصفاع وكانت عسقلان من ولد ربيعة وكانت قضاعة ما بين مكة والطائف وكندة من العمد إلى ذات عرق ومنازل أجأ والاشعر ومعد ما بين جدة والبحر فلما اقتتلوا هزمت نزار قضاعة وقتل حزيمة وخرجوا مفترقين فسارت تيم اللات من قضاعة وبعض بنى رفيدة منهم وفرقة من الاشعريين نحو البحرين ونزلوا هجر وأجلوا من كان بها من النبط وملكوها وكانت الزرقاء بنت زهير كاهنة منهم فتكهنت لهم بنزول ذلك المكان والخروج عن تهامة وقالت في شعرها ودع تهامة لا وداع مخالف * بذمامه لكن قلى وملام - لا تنكري هجرا مقام غريبة * لن تعدمي من ظاعنين تهام -(2/240)
ثم تكهنت لهم في سجع بأنهم يقيمون بهجر حتى ينعق غراب أبقع عليه خلخال ذهبا ويقع على نخلة وصفتها فيسيرون إلى الحيرة وكان في سجعها مقام وتنوخ فسميت تلك القبائل تنوخ من أجل هذه اللفظة ولحق به قوم من الازد فدخلوا في تنوخ وأصاب بقية قضاعة الموتان وسارت فرقة من بنى حلوان فنزلوا عبقرة من أرض الجزيرة ونسج نساؤهم البرود العبقرية من الصوف والبرود التزيدية إليهم لانهم بنو تزيد وأغارت عليهم الترك فأصابوا منهم وأقبل الحرث بن قراد البهرانى ليستجيش بنى حلوان فعرض له أبان ابن سليح صاحب العين فقتله الحرث ولحقت بهرا بالترك فاستنقذوا ما أخذوه من بنى تزيد وهزموهم وقال الحرث كان الدهر جمع في ليال * ثلاث بينهن بشهر زور -
صففنا للاعاجم من معد * صفوفا بالجزيرة كالسعير - وسارت سليح بن عمرو بن الحاف وعليهم الهدرجان بن مسلمة حتى نزلوا فلسطين على بنى أذينة بن السميدع بن عاملة وسارت أسلم بن الحاف وهى عذرة ونهد وحويكة وجهينة حتى نزلوا بين الحجر ووادى القرى وأقامت تنوخ بالبحرين سنين ثم أقبل الغراب بحلقتى الذهب ووقع على النخلة ونعق كما قالت الزرقاء فذكروا قولها وارتحلوا إلى الحيرة فنزلوها وهم أول من اختطها وكان رئيسهم مالك بن زهير واجتمع إليه ناس كثيرة من بسائط القرى وبنوا بها المنازل وأقاموا زمانا ثم أغار عليهم سابور الاكبر وقاتلوه وكان شعارهم يا لعباد الله فسموا العباد وهزمهم سابور فافترقوا وسار أهل المهبط منهم مع الضيزن بن معاوية التنوخى فنزل يا لحضر الذى بناه الساطرون الجرمقانى فأقاموا عليه وأغارت حمير على قضاعة فأجلوهم وهم كلب وخرج بنو زبان بن تغلب بن حلوان فلحقوا بالشأم ثم أغارت عليهم كنانة بعد ذلك بحين واستباحوهم فلحقوا بالسماوة وهى إلى اليوم منازلهم اه كلام صاحب الاغانى (قلت) وأحياء جدهم لهذا العهد ما بين عنزة وقلتة وفلسطين إلى معان من أرض الحجاز * (الخبر عن أنساب العرب من هذه الطبقة الثالثة واحدة واحدة وذكر مواطنهم ومن كان له الملك منهم) * اعلم أن جميع العرب يرجعون إلى ثلاثة أنساب وهى عدنان وقحطان وقضاعة فأما عدنان فهو من ولد اسمعيل بالاتفاق الا ذكر الآباء الذين بينه وبين اسمعيل فليس فيه شئ يرجع إلى يقينه وغير عدنان من ولد اسمعيل قد انقرضوا فليس على وجه الارض منهم أحد (وأما قحطان فقيل من ولد اسمعيل وهو ظاهر كلام البخاري في قوله) باب نسبة اليمن إلى اسمعيل وساق في الباب قوله صلى الله عليه وسلم لقوم من أسلم(2/241)
يناضلون ارموا يا بنى اسمعيل فان أباكم كان راميا ثم قال وأسلم ابن افصى بن حارثة بن
عمرو بن عامر من خزاعة يعنى وخزاعة من سبأ والاوس والخزرج منهم وأصحاب هذا المذهب على ان قحطان ابن الهميسع بن ابين بن قيذار بن نبت بن اسمعيل والجمهور على ان قحطان هو يقطن المذكور في التوراة في ولد عابر وان حضرموت من شعوب قحطان (وأما قضاعة) فقيل انها حمير قاله ابن اسحق والكلبي وطائفة وقد يحتج لذلك بما رواه ابن لهيعة عن عقبة بن عامر الجهنى قال يا رسول الله ممن نحن قال أنتم من قضاعة ابن مالك وقال عمرو بن مرة وهو من الصحابة نحن بنو الشيخ العجاز الازهرى * قضاعة بن مالك بن حمير - النسب المعروف غير المنكر * وقال زهير قضاعية وأختها مضرية فجعلهما أخوين وقال انهما من حمير بن معد بن عدنان (وقال ابن عبد البر) وعليه الاكثرون ويروى عن ابن عباس وابن عمرو وجبير بن مطعم وهو اختيار الزبير بن بكار وابن مصعب الزبيري وابن هشام (قال السهيلي والصحيح ان أم قضاعة وهى عبكرة مات عنها مالك بن حمير وهى حامل بقضاعة فتزوجها معد وولدت قضاعة فتكنى به ونسب إليه وهو قول الزبير اه كلام السهيلي (وفي كتب الحكماء الاقدمين من يونان) مثل بطليموس وهروشيوش ذكر القضاعيين والخبر عن حروبهم فلا يعلم أهم أوائل قضاعة هؤلاء وأسلافهم أو غيرهم وربما يشهد للقول بأنهم من عدنان وان بلادهم لا تتصل ببلاد اليمن وانما هي ببلاد الشأم وبلاد بنى عدنان والنسب البعيد يحيل الظنون ولا يرجع فيه إلى يقين (و لنبدأ بقحطان وبطونها) لما أن الملك الاقدم للعرب كان في نسب سبا بن يشجب بن يعرب بن قحطان ومنه تشعب بطون حمير بن سبأ وكهلان بن سبأ وينفرد بنو حمير بالملك وكان منهم التبابعة أهل الدولة المشهورة وغيرهم كما نذكر فلنبدأ بذكر حمير أولا من القحطانية ونذكر بعدهم قضاعة لانتسابهم في المشهور إلى حمير ثم نتبعهم بذكر كهلان اخوان حمير من القضاعية ثم نرجع إلى ذكر عدنان * (الخبر عن حمير من القحطانية وبطونها وتفرع شعوبها) *
قد تقدم لنا ذكر الشعوب من حمير الذين كان لهم الملك قبل التبابعة فلا حاجة لنا إلى اعادة ذكرهم وتقدم لنا أن حمير بن سبا كان له من الولد تسعة وهم الهميسع ومالك وزيد وعريب وواثل ومشروح ومعد يكرب واوس ومرة فبنو مرة دخلوا إلى حضر موت وكان من حمير أبين بن زهير بن الغوث بن أبين بن الهميسع بن حمير واليهم تنسب عدن أبين ومنهم بنو الاملوك وبنو عبد شمس وهما ابنا وائل بن الغوث بن قطن بن عريب بن زهير وعريب وأبين اخوان ومن بنى عبد شمس بنو شرعب بن قيس(2/242)
ابن معاوية بن جشم بن عبد شمس وقد تقدم قول من ذهب إلى أن جشم وعبد شمس اخوان وهما ابنا وائل والصحيح ما ذكرناه هنا فلترجع وبنو خيران وشعبان وهما ابنا عمرو أخى شرعب بن قيس وزيد الجمهور بن سهل أخى خيران وشعبان ورابعهم حسان القيل بن عمرو وقد مر ذكره ومن زيد الجمهور ذو رعين واسمه يريم بن زيد بن سهل واليه ينسب عبد كلال الذى تقدم ذكره في ملوك التبابعة والحارث وعريب ابنا عبد كلال بن عريب بن يشرح بن مدان بن ذى رعين وهما اللذان كتب لهما النبي صلى الله عليه وسلم ومنهم كعب بن زيد الجمهور ويلقب كعب الظلم وأبناء سبا الاصغر بن كعب واليه ينتهى نسب ملوك التبابعة ومن زيد الجمهور بنو حضور بن عدى بن مالك بن زيد وقد مر ذكرهم وتقول اليمن ان منهم كان شعيب بن ذى مهدم النبي الذى قتله قومه فغزاهم بختنصر فقتلهم وقيل بل هو من حضور بن قحطان الذى اسمه في التوراة يقطن ومنهم أيضا بنو ميتم وبنو حالة ابني سعد بن عوف بن عدى بن مالك أخى ذى رعين وعوف هذا أخو حضور واخوه احاظة وميتم بنو حراز بن سعد فمن ميتم كعب الاحبار وقد مر ذكره وهو كعب بن ماتع بن هلسوع بن ذى هجري بن ميتم ومن احاظة رهط ذى الكلاع وهو السميقع بن ناكور بن عمرو بن يعفر بن يزيد وهو ذو الكلاع الاكبر بن النعمان بن احاظة ومن عمرو بن سعد الخبائر والسحول بنو سوادة بن عمرو
ابن الغوث بن سعد يحصب وذو أصبح ابرهة بن الصباح وكان من ملوك اليمن لعهد الاسلام وقد مر ذكره ونسبه ومنهم مالك بن أنس امام دار الهجرة وكبير فقهاء السلف وهو مالك بن أنس بن مالك بن أبى عامر وهو نافع بن عمرو بن الحرث بن عثمان بن خثيل ابن عمرو بن الحارث وهو ذو أصبح وابناه يحيى ومحمد وأعمامه أويس وأبو سهيل والربيع وكانوا حلفاء لبنى تميم من قريش ومن زيد الجمهور مرثد بن علس بن ذى جدن بن الحرث ابن زيد وهو الذى استجاشه امرؤ القيس على بنى أسد قاتلي أبيه ومن سبأ الاصغر الاوزاع وهم بنو مرثد بن زيد بن شدد بن زرعة بن سبا الاصغر ومن اخوان هؤلاء الاوزاع بنو يعفر الذين استبدوا بملك اليمن كما يأتي عند ذكر ملوك اليمن في الدولة العباسية وهو يعفر بن عبد الرحمن بن كريب بن عثمان بن الوضاح بن ابراهيم بن مانع بن عون بن تدرص بن عامر بن ذى مغار البطين بن ذى مرايش بن مالك بن زيد بن غوث ابن سعد بن عوف بن عدى بن مالك بن شدد بن زرعة وكان آخر ملوك بنى يعفر هؤلاء باليمن أبو حسان أسعد بن أبى يعفر ابراهيم بن محمد بن يعفر ملك أبو ابراهيم صنعاء وبنى قلعة كحلان باليمن وورث ملكه بنوه من بعده إلى أن غلب عليهم الصليحيون من همدان بدعوة العبيديين من الشيعة كما نذكر في أخبارهم ومن زيد الجمهور ملوك(2/243)
التبابعة وملوك حمير من ولد صيفي بن سبا الاصغر بن كعب بن زيد (قال ابن حزم) فمن ولد صيفي هذا تبع وهو تبان وهو أيضا أسعد أبو كرب بن كليكرب وهو تبع بن زيد وهو تبع بن عمرو وهو تبع ذو الاذعار ابن ابرهة وهو تبع ذو المنار ابن الرايش بن قيس بن صيفي قال فولد تبع أسعد أبو كرب حسان ذو معاهر وتبع زرعة وهو ذو نواس الذى تهود وهود أهل اليمن ويسمى يوسف وقتل أهل نجران من النصارى وعمرو بن سعد وهو موثبان (قال) ومن هؤلاء التبابعة شمر يرعش بن ياسر ينعم بن عمرو ذى الاذعار وافريقش بن قيس بن صيفي وبلقيس بنت ايلى اشرح بن ذى جدن بن ايلى اشرح بن
الحرث بن قيس بن صيفي قال وفي أنساب التبابعة تخليط واختلاف ولا يصح منها ومن أخبارهم الا القليل اه (ومن زيد الجمهور ذو يزن بن عامر بن أسلم بن زيد وقال ابن حزم ان عامر هو ذو يزن قال ومن ولده سيف بن النعمان بن عفير بن زرعة بن عفير بن الحرث بن النعمان بن قيس بن عبيد بن سيف بن ذى يزن الذى استجاش كسرى على الحبشة وأدخل الفرس إلى اليمن هذه بطون حمير وأنسابها وديارهم باليمن من صنعاء إلى ظفار إلى عدن وأخبار دولهم قد تقدمت والله وارث الارض ومن عليها وهو خير الوارثين (ونلحق بالكلام في أنساب حمير بن سبا انساب حضرموت وجرهم وما ذكره النسابون من شعوبهما) فانهم يذكرونهما مع حمير لان حضر موت وجرهم اخوة سبا كما وقع في التوراة وقد ذكرناه ولم يبق من ولد قحطان بعد سبأ معروف العقب غير هذين (فأما) حضر موت فقد تقدم ذكرهم في العرب البائدة ومن كان منهم من الملوك يومئذ ونبهنا هنا لك ان منهم بقية في الاجيال المتأخرة اندرجوا في غيرهم فلذلك ذكرناهم في هذه الطبقة الثالثة قال ابن حزم ويقال ان حضر موت هو ابن يقطن أخى قحطان والله أعلم وكان فيهم رياسة إلى الاسلام منهم وائل بن حجر له صحبة وهو وائل بن حجر بن سعيد بن مسروق بن وائل ابن النعمان بن ربيعة بن الحارث بن عوف بن سعد بن عوف بن عدى بن شرحبيل بن الحرث بن مالك بن مرة بن حمير بن زيد بن لابي بن مالك بن قدامة بن اعجب ابن مالك ابن لابي بن قحطان وابنه علقمة بن وائل وسقط عنده ببن حجر أبى وائل وسعيد ابن مسروق أب اسمه سعد وهو ابن سعيد ثم قال ابن حزم ويذكر بنو خلدون الاشبيليون فيقال انهم من ولد الجبار بن علقمة بن وائل ومنهم على المنذر بن محمد وابنه بقرمونة واشبيلية اللذين قتلهما ابراهيم بن حجاج اللخمى غيلة وهما ابنا عثمان أبى بكر ابن خالد بن عثمان أبى بكر بن مخلوف المعروف بخلدون الداخل المشرق وقال غيره في خلدون الاول انه ابن عمرو بن خلدون وقال ابن حزم في خلدون انه ابن عثمان بن هانئ(2/244)
ابن الخطاب بن كريب بن معد يكرب بن الحرث بن وائل بن حجر وقال غيره خلدون بن مسلم بن عمر بن الخطاب بن هانئ بن كريب بن معد يكرب بن الحرث بن وائل قال ابن حزم والصدف من بنى حضر موت وهو الصدف بن أسلم بن زيد بن مالك بن زيد بن حضر موت الاكبر قال ومن حضر موت العلاء بن الحضرمي الذى ولاه رسول الله صلى الله عليه وسلم البحرين وأبو بكر وعمر من بعده إلى أن توفى سنة احدى وعشرين وهو العلاء بن عبد الله بن عبدة بن حماد بن مالك حليف بنى أمية بن عبد شمس وأخوه ميمون ابن الحضرمي بن الصدف فيقال عبد الله بن حماد بن أكبر بن ربيعة بن مالك بن أكبر بن عريب بن مالك بن الخزرج بن الصدف قال وأخت العلاء الصعبة بنت الحضرمي أم طلحة بن عبد الله اه (وأما جرهم) فقال ابن سعيد انهم أمتان أمة على عهد عاد وأمة من ولد جرهم بن قحطان ولما ملك يعرب بن قحطان اليمن ملك أخوه جرهم الحجاز ثم ملك من بعده ابنه عبد ياليل بن جرهم ثم ابنه جرشم بن عبد ياليل ثم ملك من بعده ابنه عبد المدان بن جرشم ثم ابنه نفيلة بن عبد المدان ثم ابنه عبد المسيح بن نفيلة ثم ابنه مضاض بن عبد المسيح ثم ابنه عمرو بن مضاض ثم أخوه الحرث بن مضاض ثم ابنه عمرو بن الحرث ثم أخوه بشر ابن الحرث ثم مضاض بن عمرو بن مضاض قال وهذه الامة الثانية هم الذين بعث إليهم اسمعيل وتزوج فيهم اه(2/245)
* (الخبر عن قضاعة وبطونها والالمام ببعض الملك الذى كان فيها) * قد تقدم آنفا ذكر الخلاف الذى في قضاعة هل هم لحمير أو لعدنان ونقلنا الحجاج لكلا المذهبين وأتينا بذكر أنسابهم تالية حمير ترجيحا للقول بأنهم منهم وعلى هذا فقيل هو قضاعة بن مالك بن حمير وقال ابن الكلبى فضاعة ابن مالك بن عمرو بن مرة بن زيد بن مالك بن حمير وكان قضاعة فيما قال ابن سعيد ملكا على بلاد الشحر وصارت بعده لابنه
الحاف ثم لابنه مالك ولم يذكر ابن حزم في ولد الحاف مالكا قال ابن سعيد وكانت بين قضاعة وبين واثل بن حمير حروب ثم استقل ببلاد الشحر مهرة بن حيدان بن الحاف بن قضاعة وعرفت به قال وملك بنو قضاعة أيضا نجران ثم غلبهم عليها بنو الحرث بن كعب ابن الازد وساروا إلى الحجاز فدخلوا في قبائل معد ومن هنا غلط من نسبهم إلى معد اه (ولنذكر الآن تشعب البطون من قضاعة) اتفق النسابون على أن قضاعة لم يكن له من الولد الا الحافى ومنه سائر بطونهم وللحافي ثلاثة من الولد عمرو وعمران وأسلم بضم اللام قاله ابن حزم (فمن عمرو بن الحافى حيدان وبلى وبهرا فمن حيدان مهرة ومن بلى جماعة من مشاهير الصحابة منهم كعب بن عجرة وخديج بن سلامة وسهل بن رافع وأبو بردة ابن نيار ومن بهرا جماعة من الصحابة أيضا منهم المقداد بن عمرو وينسب إلى الاسود ابن عبد يغوث بن وهب خال رسول الله صلى الله عليه وسلم أخى أمه وتبناه فنسب إليه ويقال ان خالد بن برمك مولى بنى بهرا (ومن أسلم سعد هذيم وجهينة ونهد بنو زيد بن ليث ابن سود بن أسلم فجهينة ما بين الينبع ويثرب إلى الآن في متسع من برية الحجاز وفى شماليهم إلى عقبة ايلة مواطن بلى وكلاهما على العدوة الشرقية من بحر القلزم وأجاز منهم أمم إلى العدوة الغربية وانتشروا ما بين صعيد مصر وبلاد الحبشة وكثروا هنا لك سائر الامم وغلبوا على بلاد النوبة وفرقوا كلمتهم وأزالوا ملكهم وحاربوا الحبشة فأرهقوهم إلى هذا العهد ومن سعد هذيم بنو عذرة المشهورون بين العرب في المحبة كان منهم جميل بن عبد الله بن معمر وصاحبته بثينة بنت حبابا قال ابن حزم كان لابيها صحبة ومنهم عروة بن حزام وصاحبته عفرا ومن بنى عذرة كان رزاح بن ربيعة أخو قصى بن كلاب لامه وهو الذى استظهر قصى به وبقومه على بنى سعد بن زيد بن مناة بن تميم فغلبهم على الاجازة بالناس من عرفة وكانت مفتاح رياسته في قريش (ومن عمران بن الحافى بنو سليح وهو عمرو بن حلوان بن عمران ومن بنى سليح الضجاعم بنو ضجعم بن سعد بن سليح كانوا ملوكا بالشأم للروم قبل غسان ومن بنى عمران بن الحافى بنو جرم بن زبان بن حلوان بن عمران
بطن كبير وفيهم كثير من الصحابة ومواطنهم ما بين غزة وجبال الشراة من الشأم وجبال الشراة من جبال الكرك ومن تغلب بن حلوان بنو اسد وبنو النمر وبنو كلب(2/247)
قبائل ضخمة كلهم بنو وبرة بن تغلب فمن النمر بنو خشين بن النمر ومن بنى أسد بن وبرة تنوخ وهم فهم بن تيم اللات بن أسد منهم مالك بن زهير بن عمرو بن عمرو بن فهم وعليه تنحت تنوخ وعلى عهد أبيه مالك بن فهم كما مر وكانوا حلفاء لبنى حزم فتنوخ على ثلاثة أبطن بطن اسمه فهم وهم هؤلاء وبطن اسمه نزار وهم ليس نزار لهم بوالد لكنهم من بطون قضاعة كلها ومن بنى تيم اللات ومن غيرهم بطون ثلاث يقال لهم الاخلاف من جميع قبائل العرب من كندة ولخم وجذام وعبد القيس اه كلام ابن حزم ومن بنى أسد بن وبرة بنو القين واسمه النعمان بن جسر بن شيع اللات بن أسد ومن بنى كلب بن وبرة بن تغلب بن حلوان بنو كنانة بن بكر بن عوف بن عذرة بن زيد اللات بن رفيدة بن ثور بن كلب قبيلة ضخمة فيها ثلاثة بطون بنو عدى وبنو زهير وبنو عليم وبنو جناب بن هبل بن عبد الله بن كنانة بطون ضخمة ومنهم عبيدة بن هبيل شاعر قديم ويقول فيه بعض الناس ابن حرام وهو الذى عنى امرؤ القيس بقوله * نبكى الديار كما بكى ابن حرام * وقد قيل انه من بكر بن وائل وقال هشام بن السائب الكلبى إذا سئلوا بم بكى ابن حرام الديار أنشدوا خمسة أبيات من كلمات امرئ القيس المشهورة * قفا نبك من ذكرى حبيب ومنزل * ويقولون ان بقيتها لامرئ القيس بن حجر وهذا امرؤ القيس بن حرام شاعر قديم دثر شعره لانه لم يكن للعرب كتاب لبدأتها وانما بقى من أشعارهم ما ذكره رواة الاسلام وقيدوه من رواية الكتاب من محفوظ الرجال ومن بنى عدى بنو حصين بن ضمضم بن عدى كانت منهم نائلة بنت الفرافصة بن الاحوص بن عمرو بن ثعلبة بن الحرث بن حصن امرأة عثمان ابن عفان ومنهم أبو الخطار الحسام بن ضرار بن سلامان بن جشم بن ربيعة بن حصين أمير الاندلس ومنسبة بن شحيم بن منجاش بن مزغور بن منجاش بن هزيم بن عدى بن زهير
وابن ابنه حسان بن مالك بن بحدل الذى قام بمروان يوم مرج راهط وكانت رياسة الاسلام في كلب لبنى بحدل هؤلاء ومن عقبهم بنو منقذ ملوك شيزر ومن بنى زهير بن جناب حنظلة بن صفوان بن توبل بن بشر بن حنظلة بن علقمة بن شراحيل بن هرير بن أبى جابر بن زهير ولى افريقية لهشام ومن عليم بن جناب بنو معقل وربما يقال ان عرب المعقل الذين بالمغرب الاقصى لهذا العهد وفي زمانه ينتسبون فيهم ومن بطون كلب بن عوف بن بكر بن عوف بن كعب بن عوف بن عامر بن عوف دحية بن خليفة بن فروة بن فضالة بن زيد بن امرئ القيس بن الخزرج بن عامر بن بكر بن عامر بن عوف صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم الذى أتاه جبريل عليه السلام في صورته ومنصور بن جهور بن حفر بن عمرو بن خالد بن حارثة بن العبيد بن عامر بن عوف القائم مع يزيد بن الوليد وولاه الكوفة وحب 3 رسول الله صلى الله عليه وسلم اسامة(2/248)
ابن زيد بن حارثة بن شراحيل بن عبد العزى بن عامر بن النعمان بن عامر بن عبدود بن عوف سبى أبوه زيد في الجاهلية وصار إلى خديجة فوهبته إلى النبي صلى الله عليه وسلم وجاءه أبوه وخيره النبي صلى الله عليه وسلم فاختاره على أبيه وأهله واقام في كفالة النبي صلى الله عليه وسلم ثم أعتقه وربى ابنه أسامة في بيته ومع مواليه وأخباره مشهورة ومن بنى كلب ثم من بنى كنانة بن بكر بن عوف النسابة ابن الكلبى وهو أبو المنذر هشام بن محمد بن السائب بن بشر بن عمرو بن الحرث بن عبد العزى بن امرئ القيس قال ابن حزم هكذا ذكره ابن الكلبى في نسبه وأرى امرأ القيس هذا هو عامر بن النعمان بن عامر ابن عبدود بن عوف بن كنانة بن عذرة وقد مر بقية نسبه وكان لقضاعة هؤلاء ملك ما بين الشأم والحجاز إلى العراق في ايلة وجبال الكرك إلى مشارف الشأم واستعملهم الروم على بادية العرب هنا لك وكان أول الملك فيهم في تنوخ وتتابعت فيهم فيما ذكر المسعودي ثلاثة ملوك النعمان بن عمرو ثم ابنه عمرو بن النعمان ثم ابنه الحوارى بن عمرو ثم غلبهم على
أمرهم سليح من بطون قضاعة وكانت رياستهم في ضجعم بن معد منهم وقارن ذلك استيلاء طيطش من القياصرة على الشأم فولاهم ملوكا على العرب من قبله يجبون له من ساحتهم إلى أن ولى منهم زيادة بن هبولة بن عمرو بن عوف بن ضجعم وخرجت غسان من اليمن فغلبوهم على أمرهم وصار ملك العرب بالشأم لبنى جفنة وانقرض ملك الضجاعم حسبما نذكر (وقال ابن سعيد) سار زيادة بن هبولة بمن أبقى السيف منهم بعد غسان إلى الحجاز فقتله حجر آكل المرار الكندى كان على الحجاز من قبل التبابعة وأفنى بقيتهم فلم ينج منهم الا القليل (قال) ومن الناس من يطلق تنوخ على الضجاعمة ودوس الذين تنخوا بالبحرين أي أقاموا (قال) وكان لبنى العبيد بن الابرص بن عمر بن أشجع بن سليح ملك يتوارثونه بالحضر آثاره باقية في برية سنجار وكان آخرهم الضيزن بن معاوية بن العبيد المعروف عند الجرامقة بالساطرون وقصته مع سابور ذى الجنود من الاكاسرة معروفة (قال) وكان لقضاعة ملك آخر في كلب بن وبرة يتداولونه مع السكون من كندة فكانت لكلب دومة الجندل وتبوك ودخلوا في دين النصرانية وجاء الاسلام والدولة في دومة الجندل لاكيدر بن عبد الملك بن السكون ويقال انه كندى من ذرية الملوك الذين ولاهم التبابعة على كلب فأسره خالد بن الوليد وجاء به إلى النبي صلى الله عليه وسلم فصالح على دومة وكان في أول من ملكها دجانة بن قنافة بن عدى بن زهير بن جناب قال وبقيت بنو كلب الآن في خلق عظيم على خليج القسطنطينية منهم مسلمون ومنهم متنصرون اه الكلام في أنساب قضاعة (قال ابن حزم) وجميع قبائل العرب فهى راجعة إلى أب واحد حاش ثلاث قبائل وهى تنوخ والعتقي وغسان(2/249)
فأما تنوخ فقد ذكرناهم (وأما العتقى) فهم من حجر حمير ومن حجر من ذى رعين ومن سعد العشيرة ومن كنانة بن خزيمة ومنهم زبيد بن الحرث العتقى من حجر حمير وهو مولى عبد الرحمن بن القاسم وخالد بن جنادة المصرى صاحب مالك بن أنس وهو مولى زبيد
المذكور من أسفل (وأما غسان) فانهم من بنى أب لا يدخل بعضهم في هذا النسب ويدخل فيهم من غيرهم وسموا العتقا لانهم اجتمعوا ليفتكوا برسول الله صلى الله عليه وسلم فظفر بهم فأعتقهم وكانوا جماعة من بطون شتى وسموا تنوخ لان التنوخ الاقامة فتحالفوا على الاقامة بموضعهم بالشأم وهم من بطون شتى وأما غسان فانهم أيضا طوائف نزلوا بماء يقال له غسان فنسبوا إليه اه كلام ابن حزم(2/250)
* (الخبر عن بطون كهلان من القحطانية وشعوبهم واتصال بعضها مع بعض وانقضائها) * هؤلاء بنو كهلان بن سبا بن يشجب بن يعرب بن قحطان اخوة بنى حمير بن سبا وتداولوا معهم الملك أول أمرهم ثم انفرد بنو حمير به وبقيت بطون بنى كهلان تحت ملكتهم باليمن ثم لما تقلص ملك حمير بقيت الرياسة على العرب البادية لبنى كهلان لما كانوا بادين لم يأخذ ترف الحضارة منهم ولا أدركهم الهرم الذى أودى بحمير انما كانوا أحياء ناجعة في البادية والرؤساء والامراء في العرب انما كانوا منهم وكان لكندة من بطونهم ملك باليمن والحجاز ثم خرجت الازد من شعوبهم أيضا من اليمن مع مزيقيا وافترقوا بالشأم وكان لهم ملك بالشأم في بنى جفنة وملك بيثرب في الاوس والخزرج وملك بالعراق في بنى فهم ثم خرجت لخم وطى من شعوبهم أيضا من اليمن وكان لهم ملك بالحيرة في آل المنذر حسبما نذكر ذلك كله (وأما شعوبهم فهى كلها تسعة من زيد بن كهلان في مالك بن زيد وعريب بن زيد فمن مالك بطون همدان وديارهم لم تزل باليمن في شرقيه وهم بنو أو سلة وهو همدان بن مالك بن زيد بن أو سلة بن ربيعة بن الجبار بن مالك بن زيد بن نوف بن همدان ومن شعوب حاشد بنو يام بن أصغى بن مانع بن مالك بن جشم بن حاشد ومنهم طلحة بن مصرف (ولما جاء الله بالاسلام) افترق كثير من همدان في ممالكه وبقى منهم من بقى باليمن وكانوا شيعة لعلى كرم الله وجهه ورضى عنه عند
ما شجر بين الصحابة وهو المنشد فيهم متمثلا فلو كنت بوابا على باب جنة * لقلت لهمدان ادخلوا بسلام - ولم يزل التشيع دينهم أيام الاسلام كلها ومنهم كان على بن محمد الصليحى من بنى يام القائم بدعوة العبيديين باليمن في حصن حرار من بنى يام وهو من بطونهم وهو من بنى يام من بطون حاشد فاستولى عليه وورث ملكه لبنيه حسبما نذكره في أخبارهم وكانت بعد ذلك وقبله دولة بنى الرسى أيام الزيدية بصعدة فكانت على يدهم وبمظاهرتهم ولم يزل التشيع دينهم لهذا العهد (و قال البيهقى) وتفرقوا في الاسلام فلم تبق لهم قبيلة وبرية الا باليمن وهم أعظم قبائله وهم عصبة المعطى من الزيدية القائمين بدعوته باليمن وملكوا جملة من حصون اليمن يا ليمن ولهم بها اقليم بكيل واقليم حاشد من بطونهم قال ابن سعيد ومن همدان بنو الزريع وهم أصحاب الدعوة والملك في عدن والحيرة وهم زيدية واخوة همدان الهان بن مالك بن زيد بن أو سلة ومن مالك بن زيد أيضا الازد وهو أزد بن الغوث بن نبت بن مالك وخثعم وبجيلة ابنا انمار بن اراش أخى الازد بن الغوث وقد يقال انمار هو ابن نزار بن معد وليس بصحيح فأما الازد فبطن عظيم متسع وشعوب كثيرة فمنهم بنو دوس من بنى نصر بن الازد وهو دوس بن عدثان بالثاء المثلثة ابن عبد(2/252)
الله بن زهران بن كعب بن الحرث بن كعب بن مالك بن نصر بن الازد بطن كبير ومنهم كان جذيمة بن مالك بن فهم بن غنم بن دوس وديارهم بنواحي عمان وكان بعد دوس وجذيمة ملك بعمان في اخوانهم بنى نصر بن زهران بن كعب كان منهم قبيل الاسلام المستكبر بن مسعود بن الجرار بن عبد الله بن مغولة بن شمس بن عمرو بن غنم بن غالب ابن عثمان بن نصر بن زهران والذى أدرك الاسلام منهم جيفر بن الجلندى بن كركر بن المستكبر وأخوه عبد الله ملك عمان كتب اليهما النبي صلى الله عليه وسلم فأسلموا واستعمل على نواحيهما عمرو بن العاصى ومن الازد ثم من بنى مازن بن الازد بنو عمرو
مزيقيا ابن عامر ويلقب ماء السماء ابن حارثة الغطريف ابن امرئ القيس البهلول ابن ثعلبة بن مازن بن الازد وعمر هذا وآباؤه كانوا ملوكا على بادية كهلان باليمن مع حمير واستفحل لهم الملك من بعدهم وكانت أرض سبا باليمن لذلك العهد من أرفه البلاد وأخصبها وكانت مدافع للسيول المنحدرة بين جبلين هنا لك فضرب بينهما سد بالصخر والقار يحبس سيول العيون والامطار حتى يصرفوه من خروق في ذلك السد على مقدار ما يحتاجون إليه في سقيهم ومكث كذلك ما شاء الله أيام حمير فلما تقلص ملكهم وانحل نظام دولتهم وتغلب بادية كهلان على أرض سبا وانطلقت عليها الايدى بالعيث والفساد وذهب الحفظة القائمون بأمر السد نذروا بخرابه وكان الذى نذر به عمرو مزيقيا ملكهم لما رأى من اختلال أحواله ويقال ان أخاه عمران الكاهن أخبره ويقال طريفة الكاهنة وقال السهيلي طريفة الكاهنة امرأة عمرو بن عامر وهى طريفة بنت الخير الحميرية لعهده (وقال ابن هشام) عن أبى زيد الانصاري انه رأى جرذا تحفر السد فعلم أنه لا بقاء للسد مع ذلك فأجمع النقلة من اليمن وكاد قومه بأن أمر أصغر بنيه أن يلطمه إذا أغلظ له ففعل فقال لا أقيم في بلد يلطمني فيها أصغر ولدى وعرض أمواله فقال أشراف اليمن اغتنموا غضبة عمرو فاشتروا أمواله وانتقل في ولده وولد ولده فقال الازد لا نتخلف عن عمرو فتجشموا للرحلة وباعوا أموالهم وخرجوا معه وكان رؤساءهم في رحلتهم بنو عمرو ومزيقيا ومن إليهم من بنى مازن ففصل الازد من بلادهم باليمن إلى الحجاز (قال السهيلي) كان فصولهم على عهد حسان بن تبان أسعد من ملوك التبابعة ولعهده كان خراب السد ولما فصل الازد من اليمن كان أول نزولهم ببلاد عك ما بين زبيد وزمع وقتلوا ملك عك من الازد ثم افترقوا إلى البلاد ونزل بنو نصر ابن الازد بالشراة وعمان ونزل بنو ثعلبة بن عمرو مزيقيا بيثرب وأقام بنو حارثة بن عمرو بمر الظهران بمكة وهم فيما يقال خزاعة ومروا على ماء يقال له غسان بين زبيد وزمع فكل من شرب منه من بنى مزيقيا سمى به والذين شربوا منه بنو مالك وبنو الحرث وبنو(2/253)
جفنة وبنو كعب فكلهم يسمون غسان وبنو ثعلبة العتقاء لم يشربوا منه فلم يسموا به فمن ولد جفنة ملوك الشأم الذين يأتي ذكرهم ودولتهم بالشأم ومن ولد ثعلبة العتقاء الاوس والخزرج ملوك يثرب في الجاهلية وسنذكرهم ومن بطن عمرو مزيقيا بنو افصى ابن حارثة بن عمرو ويقال انه افصى بن عامر بن قمعة بلا شك ابن الياس بن مضر (قال ابن حزم) فان كان أسلم بن افصى منهم فمن بنى أسلم بلا شك وبنو ابان وهو سعد بن عدى بن حارثة بن عمرو وبنو العتيك من الازد عمران بن عمرو (وأما بجيلة) فبلادهم في سروات البحرين والحجاز إلى تبالة وقد افترقوا على الآفاق أيام الفتح فلم يبق منهم بمواطنهم الا القليل ويقدم الحاج منهم على مكة في كل عام عليهم أثر الشظف ويعرفون من أهل الموسم بالسرو وأما حالهم لاول الفتح الاسلامي فمعروف ورجالاتهم مذكورة فمن بطون بجيلة قسر وهو مالك بن عبقر بن انمار وبنو احمس بن الغوث بن انمار (وأما بنو عريب) ابن زيد بن كهلان فمنهم طيئ والاشعريون ومذحج وبنو مرة وأربعتهم بنو أدد بن زيد بن يشجب بن عريب فأما الاشعريون فهم بنو اشعر وهو نبت بن أدد وبلادهم في ناحية الشمال من زبيد وكان لهم ظهور أول الاسلام ثم افترقوا في الفتوحات وكان لمن بقى منهم باليمن حروب مع ابن زياد لاول امارته عليها أيام المأمون ثم ضعفوا عن ذلك وصاروا في عدد الرعايا (وأما بنو طيئ بن أدد) فكانوا باليمن وخرجوا منه على اثر الازد إلى الحجاز ونزلوا سميرا وفيد في جوار بنى أسد ثم غلبوهم على اجا وسلمى وهما جبلان من بلادهم فاستقروا بهما وافترقوا لاول الاسلام في الفتوحات (قال ابن سعيد) ومنهم في بلادهم الآن أمم كثيرة ملاوا السهل والجبل حجازا وشاما وعراقا يعنى قبائل طيئ هولاء وهم أصحاب الدولة في العرب لهذا العهد في العراق والشأم وبمصر منهم سنبس والثعالب بطنان مشهوران فسنبس ابن معاوية بن شبل بن عمرو بن الغوث بن طيئ ومعهم بحتر بن ثعل (قال ابن سعيد) ومنهم زبيد بن معن بن عمرو بن عس بن سلامان بن
ثعل وهم في برية سنجار والثعالب بنو ثعلبة بن رومان بن جندب بن خارجة بن سعد بن فطرة بن طيئ وثعلبة بن جدعا بن ذهل بن رومان (قال ابن سعيد) ومنهم بنو لام بن ثعلبة منازلهم من المدينة إلى الجبلين وينزلون في أكثر أوقاتهم مدينة يثرب والثعالب الذين بصعيد مصر من ثعلب بن عمرو بن الغوث بن طيئ (قال ابن حزم) لام بن طريف بن عمرو بن ثمامة بن مالك بن جدعا ومن الثعالب بنو ثعلبة بن ذهل بن رومان وبجهة بنيامين والشأم بنو صخر ومن بطونهم غزية المرهوب صولتهم بالشأم والعراق وهم بنو غزية بن أفلت بن معبد بن عمرو بن عس بن سلامان بن ثعل وبنو غزية كثيرون وهم في طريق الحاج بين العراق ونجد وكانت الرياسة على طيئ في الجاهلية لبنى هنى بن عمرو بن الغوث(2/254)
ابن طى وهم رمليون واخوتهم جبليون ومن ولده إياس بن قبيصة الذى أدال به كسرى ابرويز النعمان المنذر حين قتله وأنزل طيا بالحيرة مكان لخم قوم النعمان وولى على العرب منهم اياسا هذا وهو اياس بن قبيصة بن أبى يعفر بن النعمان بن خبيب بن الحرث ابن الحويرث بن ربيعة بن مالك بن سعد بن هنى فكانت لهم الرياسة إلى حين انقراض ملك الفرس ومن عقب اياس هذا بنو ربيعة بن على بن مفرح بن بدر بن سالم بن قصة بن بدر بن سميع ومن ربيعة شعب آل مراد وشعب آل فضل وآل فضل شعبان آل على وآل مهنا فعلى ومهنا ابنا فضل وفضل ومراد ابنا ربيعة وسميع الذين ينسبون إليه من عقب قبيصة بن أبى يعفر ويزعم كثير من جهلة البادية انه الذى جاءت به العباسة أخت الرشيد من جعفر بن يحيى زعما كاذبا لا أصل له وكانت الرياسة على طيئ أيام العبيديين لبنى المفرح ثم صارت لبنى مراد بن ربيعة وكلهم ورثوا أرض غسان بالشأم وملكهم على العرب ثم صارت الرياسة لبنى على وبنى مهنا ابني فضل بن ربيعة اقتسموها مدة ثم انفرد بها لهذا العهد بنو مهنا الملوك على العرب إلى هذا العهد بمشارف الشأم والعراق وبرية نجد وكان ظهورهم لامر الدولة الايوبية ومن بعدهم من ملوك
الترك بمصر والشأم ويأتى ذكرهم والله وارث الارض ومن عليها (وأما مذحج) واسمه مالك بن زيد بن أدد بن زيد بن كهلان ومنهم مراد واسمه يخابر بن مذحج ومنهم سعد العشيرة بن مذحج بطن عظيم لهم شعوب كثيرة منهم جعفر بن سعد العشيرة وزبيد بن صعب ابن سعد العشيرة ومن بطون مذحج النخع ورها ومسيلة وبنو الحرث بن كعب فأما النخع فهو جسر بن عمرو بن علة بن جلد بن مذحج ومسيلة ابن عامر بن عمرو بن علة وأمارها فهو ابن منبه بن حرب بن علة وبقى من مذحج وبرية ينجعون مع احياء طيئ في جملة أيام بنى مهنا مع العرب بالشأم زمن احلافهم وأكثرهم من زبيد وأما بنو الحرث فالحرث أبو هم ابن كعب بن علة وديارهم بنواحي نجران يجاورون بها بنى ذهل بن مزيقيا من الازد وبنى حارث بن كعب بن عبد الله بن مالك بن نصر بن الازد وكان نجران قبلهم لجرهم ومنهم كان ملكها الافعى الكاهن الذى حكم بين ولد نزار بن معد لما تنافروا إليه بعد موت نزار واسمه الغلس بن غمر ماء بن همدان بن مالك بن منتاب بن زيد بن واثل بن حمير وكان داعية لسليمان عليه السلام بعد ان كان واليا لبلقيس على نجران وبعثته إلى سليمان فصدق وآمن وأقام على دينه بعد موته ثم نزل نجران بنو الحرث بن كعب بن علة بن جلد بن مذحج فغلبوا عليها بنى الافعى ثم خرجت الازد من اليمن فمروا بهم وكانت بينهم حروب وأقام من أقام في جوارهم من بنى نصر بن الازد وبنى ذهل بن مزيقيا واقتسموا الرياسة فنجران معهم وكان من بنى الحرث بن كعب هؤلاء المذحجيين بنو الزياد واسمه(2/255)
يزيد بن قطن بن زياد بن الحرث بن مالك بن كعب بن الحرث وهم بيت مذحج وملوك نجران وكانت رياستهم في عبد المدان بن الديان وانتهت قبيل البعثة إلى يزيد بن عبد المدان ووفد أخوه عبد الحجر بن عبد المدان على النبي صلى الله عليه وسلم على يد خالد بن الوليد وكان ابن أخيهم زياد بن عبد الله بن عبد المدان خال السفاح وولاه نجران واليمامة (وقال ابن سعيد) ولم يزل الملك بنجران في بنى عبد المدان ثم في بنى أبى الجواد
منهم وكان منهم في المائة السادسة عبد القيس بن أبى الجواد ثم صار الامر لهذا العهد إلى الاعاجم شأن النواحى كلها بالمشرق ثم من بطون الحرث بن كعب بنو معقل وهو ربيعة بن الحرث بن كعب وقد يقال ان المعقل الذين هم بالمغرب الاقصى لهذا العهد انما هم من هذا البطن وليسوا من معقل بن كعب القضاعيين ويؤيد هذا أن هؤلاء المعقل جميعا ينتسبون إلى ربيعة وربيعة اسم معقل هذا كما رأيت والله تعالى أعلم (وأما بنو مرة بن أدد اخوة طى ومذحج والاشعريين فهم أبطن كثيرة وتنتهى كلها إلى الحرث ابن مرة مثل خولان ومعافر ولخم وجذام وعاملة وكندة فأما معافر فهم بنو يعفر بن مالك بن الحرث بن مرة وافترقوا في الفتوحات وكان منهم المنصور بن أبى عامر صاحب هشام بالاندلس وأما خولان واسمه أفكل بن عمرو بن مالك وعمرو أخو يعفر وبلادهم في جبال اليمن من شرقيه وافترقوا في الفتوحات وليس منهم اليوم وبرية الا باليمن وهم لهذا العهد وهمدان أعظم قبائل العرب باليمن ولهم الغلب على أهله والكثير من حصونه وأما لخم واسمه مالك بن عدى بن الحرث بن مرة فبطن كبير متسع ذو شعوب وقبائل منهم الدار بن هانئ بن حبيب بن نمارة بن لخم ومن أكبرهم بنو نصر بن ربيعة بن عمرو بن الحرث بن مسعود بن مالك بن عمم بن انمارة بن لخم ويقال نمارة وهم رهط آل المنذر وحافده عمرو بن عدى بن نصر هو ابن أخت جذيمة الوضاح الذى أخذ بثاره من الزبا قاتلته وولى الملك على العرب للاكاسرة بعد خاله جذيمة وأنزلوه بالحيرة حسبما يأتي الخبر عن ملكه وملك بنيه ومن شعوب بنى لخم هؤلاء كان بنو عباد ملوك اشبيلية ويأتى ذكرهم وأما جذام واسمه عمرو بن عدى أخو لخم بن عدى فبطن متسع له شعوب كثيرة مثل غطفان وامصى وبنو حرام بن جذام وبنو ضبيب وبنو مخرمة وبنو بعجة وبنو نفاثة وديارهم حوالى ايلة من أول أعمال الحجاز إلى الينبع بن أطراف يثرب وكانت لهم رياسة في معان وما حولها من أرض الشأم لبنى النافرة من نفاثة ثم لفروة ابن عمرو بن النافرة منهم وكان عاملا للروم على قومه وعلى من كان حوالى معان من
العرب وهو الذى بعث إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم باسلامه وأهدى له بغلة بيضاء وسمع بذلك قيصر فأغرى به الحارث بن أبى شمر الغساني ملك غسان فأخذه وصلبه(2/256)
بفلسطين وبقيتهم اليوم في مواطنهم الاولى في شعبين من شعوبهم يعرف أحدهما بنو عائد وهم ما بين بلبيس من أعمال مصر إلى عقبة ايلة إلى الكرك من ناحية فلسطين وتعرف الثانية بنو عقبة وهم من الكرك إلى الازلم من برية الحجاز وضمان السابلة ما بين مصر والمدينة النبوية إلى حدود غزة من الشأم عليهم وغزة من مواطن جرم احدى بطون قضاعة كما مر وبافريقية لهذا العهد منهم وبرية كبيرة ينتجعون مع ذياب بن سليم بنواحي طرابلس (وأما عاملة) واسمه الحرث بن عدى وهم اخوة لحم وجذام وانما سمى الحرث عاملة بامه القضاعية وهم بطن متسع ومواطنهم ببرية الشأم (وأما كندة) واسمه ثور بن عفير بن عدى وعفير أخو لخم وجذام وتعرف كندة الملوك لان الملك كان لهم على بادية الحجاز من بنى عدنان كما نذكر وبلادهم بجبال اليمن مما يلى حضر موت ومنها دمون التى ذكرها امرؤ القيس في شعره وبطونهم العظيمة ثلاثة معاوية بن كندة ومنه الملوك بنو الحرث بن معاوية الاصغر ابن ثور بن مرتع بن معاوية والسكون وسكسك وابنهما أشرش بن كندة ومن السكون بطن تجيب وهم بنو عدى وبنو سعد بن أشرش بن شبيب ابن السكون وتجيب اسم أمهما وكان للسكون ملك بدومة الجندل وكان عليها عبد المغيث بن أكيدر بن عبد الملك بن عبد الحق بن أعمى بن معاوية بن حلاوة بن امامة بن شكامة بن شبيب بن السكون بعث إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة تبوك خالد ابن الوليد فجاء به أسيرا وحقن صلى الله عليه وسلم دمه وصالحه على الجزية ورده إلى موضعه ومن معاوية بن كندة بنو حجر بن الحرث الاصغر ابن معاوية بن كندة منهم حجر آكل المرار ابن عمرو بن معاوية وهو حجر أبو الملوك ابن كندة الذين يأتي ذكرهم والحرث الولادة أخو حجر وكان من عقبه الخارجين باليمن المسلمين طالب الحق وكان أبا ضيا
وسيأتى ذكره ومنهم الاشعث بن قيس بن معدى كرب بن معاوية وجبلة بن عدى بن ربيعة ابن معاوية بن الحرث الاكبر جاهلي اسلامي وابنه محمد بن الاشعث وابنه عبد الرحمن بن الاشعث القائم على عبد الملك والحجاج وهو مشهور وابن عمهم أيضا ابن عدى وهو الادمر ابن عدى بن جبلة له صحبة فيما يقال وهو الذى قتله معاوية على الثورة بأخيه زياد وخبره معروف (هذه قبائل اليمن من قحطان) استوفينا ذكر بطونهم وأنسابهم ونرجع الآن إلى ذكر من كان الملك منهم بالشأم والحجاز والعراق حسبما نقصه والله تعالى المعين بكرمه ومنه لا رب غيره ولا خير الا خيره(2/257)
* (الخبر عن ملوك الحيرة من آل المنذر من هذه الطبقة وكيف انساق الملك إليهم ممن قبلهم وكيف صار إلى طيئ من بعدهم) * أما أخبار العرب بالعراق في الجيل الاول وهم العرب العاربة فلم يصل الينا تفاصيلها وشرح حالها الا أن قوم عاد والعمالقة ملكوا العراق والمسند في بعض الاقوال ان الضحاك بن سنان منهم كما مر وأما في الجيل الثاني وهم العرب المستعربة فلم يكن لهم به مستبد وانما كان ملكهم به بدويا ورياستهم في أهل الظواعن وكان ملك العرب كما مر في التبابعة من أهل اليمن وكانت بينهم وبين فارس حروب وربما غلبوهم على العراق وملكوه أو بعضه كما مر لكن اليمن لم يغلبوا ثانيا على ما ملكوا منه وقد مر ايقاع بختنصر واثخانه فيهم ما تقدم وكان في سواد العراق وأطراف الشأم والجزيرة الارمانيون من بنى إرم بن سام ومن كان من بقية عساكر ابن تبع من جعفر طيئ وكلب وتميم وغيرهم من جرهم ومن نزل معهم بعد ذلك من تنوخ ونمارة بن لخم وقنص بن معد ومن إليهم كما قدمنا ذكر ذلك وكان ما بين الحيرة والفرات إلى ناحية الانبار موطن لهم وكانوا يسمون عرب الضاحية وكان أول من ملك منهم في زمن الطوائف مالك بن فهم بن تيم الله بن أسد بن وبرة بن ثعلبة بن حلوان بن قضاعة وكان منزله مما يلى الانبار
وملك من بعده أخوه عمرو بن فهم ثم ملك من بعدهما جذيمة الابرش ثنتى عشرة سنة وقد تقدم انه صهرهما وان مالك بن زهير بن عمرو بن فهم زوجه أخته وصاروا حلفاء مع الازد من قوم جذيمة ونسب جذيمة في الازد إلى بنى زهران ثم إلى دوس بن عدثان بن عبد الله ابن زهران وهو جذيمة بن ملك بن فهم بن غنم بن دوس هكذا قال ابن الكلبى ويقال انه من وبار بن أميم بن لاوذ بن سام وكان بنو زهران من الازد خرجوا قبل خروج مزيقيا من اليمن ونزلوا بالعراق وقيل ساروا من اليمن مع أولاد جفنة بن مزيقيا فلما تفرق الازد على المواطن نزل بنو زهران هؤلاء بالشراة وعمان وصار لهم مع الطوائف ملك وكان مالك ابن فهم هذا من ملوكهم وكان بشاطئ الفرات من الجانب الشرقي عمرو بن الظرب بن حسان بن أذينة من ولد السميدع بن هوثر من بقايا العمالقة فكان عمرو بن الظرب على مشارف الشأم والجزيرة وكان منزله بالمضيق بين الخابور وقرقيسا فكانت بينه وبين مالك ابن فهم حروب هلك عمرو في بعضها وقامت بملكه من بعده ابنته الزباء بنت عمرو واسمها نائلة عند الطبري وميسون عند ابن دريد (قال السهيلي) ويقال ان الزباء الملكة كانت من ذرية السميدع بن هوثر من بنى قطور أهل مكة وهو السميدع بن مرثد بالثاء المثلثة ابن لاى بن قطور بن كركي بن عملاق وهى بنت عمرو بن أدينة بن الظرب بن حسان وبين حسان هذا والسميدع آباء كثيرة ليست بصحيحة لبعد زمن الزباء من زمن(2/259)
السميدع انتهى كلام السهيلي ولم تزل الحرب بين مالك بن فهم وبين الزباء بنت عمرو إلى ان ألجأها إلى اطراف مملكتها وكان يغير على ملوك الطوائف حتى غلبهم على كثير مما في أيديهم (قال أبو عبيدة) وهو أول ملك كان بالعراق من العرب وأول من نصب المجانيق وأوقد الشموع وملك ستين سنة ولما هلك قام بأمره من بعده جذيمة الوضاح ويقال له الابرش وكان يكنى بأبى مالك وهو منادم الفرقدين (قال أبو عبيدة) كان جذيمة بعد عيسى بثلاثين سنة فملك ازمان الطوائف خمسا وسبعين سنة وأيام اردشير كلها
خمسة عشر سنة وثماني سنين من أيام سابور وكان بينه وبين الزباء سلم وحرب ولم تزل تحاول الثار منه بأبيها حتى تحيلت عليه وأطمعته في نفسها فخطبها وأجابته وأجمع المسير إليها وأبى عليه وزيره قصير بن سعد فعصاه ودخل إليها ولقيته بالجنود وأحس بالشر فنجا قصير ودخل جذيمة إلى قصرها فقطعت رواهشه وأجرت دمه إلى ان هلك في حكاية منقولة في كتب الاخباريين (قال الطبري) وكان جذيمة من أفضل ملوك العرب رأيا وأبعدهم مغارا وأشدهم حزما وأول من استجمع له الملك بأرض العراق وسرى بالجيوش وكان به برص فكنوا عنه بالوضاح اجلالا له وكانت منازله بين الحيرة والانبار وهيت ونواحيها وعين النمر واطراف البر إلى العمق والقطقطانية وجفنة وكانت تجبى إليه الاموال وتفد إليه الوفود وغزا في بعض الايام طسما وجديسا في منازلهم باليمامة ووجد حسان بن تبع قد أغار عليهم فانكفا هو راجعا بمن معه وأتت خيول حسان على سرايا فأجاحوها وكان أكثر غزو جذيمة للعرب العاربة وكان قد تكهن وادعى النبوة وكانت منازل إياد بعين اباغ سميت باسم رجل من العمالقة نزل بها وكان جذيمة كثيرا ما يغزوهم حتى طلبوا مسالمته وكان بينهم غلام من لخم من بنى أختهم وكانوا اخوالا له وهو عدى بن نضر بن ربيعة بن عمرو بن الحرث بن مسعود بن مالك بن عمرو بن نمارة بن لخم وكان له جمال وضرب وطلبه منهم جذيمة فامتنعوا من تسليمه إليه فألح عليهم بالغزو وبعثت اياد من سرق لهم صنمين كانا عند جذيمة يدعو بهما ويستسقى بهما وعرفوه أن الصنمين عندهم وانهم يردونهما بشريطة رفع الغزو عنهم فأجابهم إلى ذلك بشريطة أن يبعثوا مع الصنمين عدى بن نصر فكان ذلك ولما جاءه عدى بن نصر استخلصه لنفسه وولاه شرابه وهويته رقاش أخته فراسلته فدافعها بالخشية من جذيمة فقالت له اخطبني منه إذا أخذت الخمر منه وأشهد عليه القوم ففعل وأعرس بها من ليلته وأصبح مضرجا بالخلوق وراب جذيمة شأنه ثم أعلم بما كان منه فعض على يديه أسفا وهرب عدى فلم يظهر له أثر ثم سألها في أبيات شعر معروفة فأخبرته بما كان منه فعرف
عذرها وكف وأقام عدى في اخواله إياد إلى ان هلك وولدت رقاش منه غلاما وسمته(2/260)
وعمرا وربى عند خاله جذيمة وكان يستظرفه ثم استهوته الجن فغاب وضرب له جذيمة في الآفاق إلى ان رده عليه وافدان من العتقا ثم من قضاعة وهما مالك وعقيل ابنا فارج بن مالك بن العنس اهديا له طرفا ومتاعا ولقيا عمرا بطريقهما وقد ساءت حاله وسألاه فأخبرهما باسمه ونسبه فأصلحا من شانه وجاآبه إلى جذيمة بالحيرة فسر به وسرت أمه وحكم الرجلين فطلبا منادمته فأسعفهما وكانا ينادمانه حتى ضرب المثل بهما وقيل ندمانى جذيمة والقصة مبسوطة في كتب الاخباريين بأكثر من هذا (قال الطبري) وكان ملك العرب بأرض الحيرة ومشارف الشأم عمرو بن ظرب بن حسان بن أدينة بن السميدع بن هوثر العملاقى فكانت بينه وبين جذيمة حرب قتل فيها عمرو بن الظرب وفضت جموعه وملكت بعده بنته الزبا واسمها نائلة وجنودها بقايا العمالقة من عاد الاولى ومن نهد وسليح ابني حلوان ومن كان معهم من قبائل قضاعة وكانت تسكن على شاطئ الفرات وقد بنت هنا لك قصرا وتربع عند بطن المجاز وتصيف بتدمر ولما استحكم لها الملك أجمعت أخذ الثار من جذيمة بأبيها فبعثت إليه توهمه الخطبة وانها امرأة لا يليق بها الملك فيجمع ملكها إلى ملكه فطمع في ذلك ووافقه قومه وأبى عليه منهم قصير بن سعد بن عمرو بن جذيمة بن قيس بن أربى بن نمارة بن لخم وكان حازما ناصحا وحذره عاقبة ذلك فعصاه واستشار ابن اخته عمرو بن عدى فوافقه فاستخلفه على قومه وجعل على خيوله عمرو بن عبد الجن وسار هو على غربي الفرات إلى أن نزل رحبة مالك ابن طوق وأتته الرسل منها بالالطاف والهدايا ثم استقبلته الخيول فقال له قصير ان أحاطت بك الخيول فهو الغدر فاركب فرسك العصا وكانت لا تجارى فأحاطت به الخيول ودخل جذيمة على الزبا فقطعت رواهشه فسال دمه حتى نزف ومات وقدم قصير على عمرو بن عدى وقد اختلف عليه قومه ومال جماعة منهم إلى عمرو بن عبد
الجن فأصلح أمرهم حتى أنقادوا جميعا لعمرو بن عدى وأشار عليه بطلب الثار من الزبا بخاله جذيمة وكانت الكاهنة قد عرفتها بملكها وأعطتها علامات عمرو فحذرته وبعثت رجلا مصورا يصور لها عمرا في جميع حالاته فسار إليه متنكرا واختلط بحشمه وجاء إليها بصورته فاستثبتته وتيقنت أن مهلكها منه واتخذت نفقا في الارض من مجلسها إلى حصن داخل مدينتها وعمد عمرو إلى قصير فجدع أنفه بمواطأة منه على ذلك فلحق بالزبا يشكو ما أصابه من عمرو وانه اتهمه بمداخلة الزبا في أمر خاله جذيمة وما رأيت بعد ما فعل بى انكى له من أن أكون معك فأكرمته وقربته حتى إذا رضى منها من الوثوق به أشار عليها بالتجارة في طرف العراق وأمتعته فأعطته مالا وعيرا وذهب إلى العراق ولق عمرو بن عدى بالحيرة فجهزه بالطرف والامتعة كيما يرضيها وأتاها بذلك فازدادت به(2/261)
وثوقا وجهزته بأكثر من الاولى ثم عاد الثالثة وحمل بغاة الجند من أصحاب عمرو في الغرائر على الجمال وعمرو فيهم وتقدم فبشرها بالعير وبكثرة ما حمل إليها من الطرف فخرجت تنظر فانكرت ما رأته في الجمال من التكارد ثم دخلت العير المدينة فلما توسطت انيخت وخرج الرجال وبادر عمرو إلى النفق فوقف عنده ووضع الرجال سيوفهم في أهل البلد وبادرت الزبا إلى النفق فوجدت عمرا قائما عنده فلحمها بالسيف وماتت وأصاب ما أصاب من المدينة وانكفا راجعا (قال الطبري) وعمرو بن عدى أول من اتخذ الحيرة منزلا من ملوك العرب وأول من تجده أهل الحيرة في كتبهم من ملوك العرب بالعراق واليه ينسبون وهم ملوك آل نصر ولم يزل عمرو بن عدى ملكا حتى مات وهو ابن مائة وعشرين سنة مستبدا منفردا يغزوهم ويغنم وتفد عليه الوفود ولا يدين لملوك الطوائف ولا يدينون له حتى قدم اردشير بن بابك في أهل فارس (قال الطبري) وانما ذكرنا في هذا الموضع أمر جذيمة وابن أخته عمرو بن عدى لما قدمناه عند ذكر ملوك اليمن وأنهم لم يكن لهم ملك مستفحل وانما كانوا طوائف على المخاليف يغير كل
واحد على صاحبه إذا استغفله ويرجع خوف الطلب حتى كان عمرو بن عدى فاتصل له ولعقبه الملك على من كان بنواحي العراق وبادية الحجاز بالعرب فاستعمله ملوك فارس على ذلك إلى آخر أمرهم وكان أمر آل نصر هؤلاء ومن كان من ولاة الفرس وعمالهم على العرب معروفا مثبتا عندهم في كنائسهم وأشعارهم (وقال هشام بن الكلبى) كنت أستخرج أخبار العرب وأنسابهم وأنساب آل نصر بن ربيعة ومبالغ أعمار من ولى منهم لآل كسرى وتاريخ نسبهم من كتبهم بالحيرة وأما ابن اسحق فذكر في آل نصر ومصيرهم إلى العراق أن ذلك كان بسبب الرؤيا التى رآها ربيعة بن نصر وعبرها الكاهنان شق وسطيح وفيها أن الحبشة يغلبون على ملكهم باليمن قال فجهز بنيه وأهل بيته إلى العراق بما يصلحهم وكتب لهم إلى ملك من ملوك فارس يقال له سابور بن خرزاذ فأسكنهم الحيرة ومن بقية ربيعة بن نصر كان النعمان بن المنذر بن عمرو بن عدى بن ربيعة بن نصر وقد يقال ان المنذر من أعقاب ساطرون ملك الحضر من تنوخ قضاعة رواه ابن اسحق من علماء الكوفة ورواه عن جبير بن مطعم قال لما أتى عمر رضى الله عنه بسيف النعمان دعا بجبير بن مطعم وكان أنسب قريش لقريش والعرب تعلمه من أبى بكر رضى الله عنه فسلمه اياه ثم قال ممن كان النعمان يا جبير قال كان من اسلاف قنص ابن معد (قال السهيلي) كان ولد قنص بن معد انتشروا بالحجاز فوقعت بينهم وبين بنى أبيهم حرب وتضايق بالبلاد وأجدبت الارض فساروا نحو سواد العراق وذلك في أيام ملوك الطوائف فقاتلهم الاردوانيون وبعض ملوك الطوائف وأجلوهم عن السواد(2/262)
وقتلوهم الا أشلاء لحقت بقبائل العرب ودخلوا فيهم فانتسبوا إليهم (قال الطبري) حين سأله عمر عن النعمان قال كانت العرب تقول من اشلاء قنص بن معد وهم من ولد عجم ابن قنص الا أن الناس صحفوا عجم وجعلوا مكانه لخم (قال ابن اسحق) وأما سائر العرب فيقولون النعمان بن المنذر رجل من لخم ربى بين ولد ربيعة بن نصر اه ولما هلك
عمرو بن عدى ولى بعده على العرب وسائر من ببادية العراق والحجاز والجزيرة امرؤ القيس بن عمرو بن عدى ويقال له البدء وهو أول من تنصر من ملوك آل نصر وعمال الفرس وعاش فيما ذكر هشام بن الكلبى مائة وأربعة عشر سنة منها أيام سابور ثلاثا وعشرين سنة وأيام هرمز بن سابور سنة واحدة وأيام بهرام بن هرمز ثلاث سنين وأيام بهرام بن بهرام ثمانى عشرة سنة ومن أيام سابور سبعون سنة وهلك لعهده فولى مكانه ابنه عمرو بن امرئ القيس البدء فأقام في ملكه ثلاثين سنة بقية أيام سابور بن سابور ثم ولى مكانه أوس بن قلام العمليقى فيما قال هشام بن محمد وهو من بنى عمرو بن عملاق فأقام في ولايته خمس سنين ثم سار به جحجبا بن عتيك بن لخم فقتله وولى مكانه ثم هلك في عهد بهرام بن سابور وولى من بعده امرؤ القيس بن عمرو خمسا وعشرين سنة وهلك أيام يزدجرد الاثيم فولى مكانه ابنه النعمان بن امرئ القيس وامه شقيقة بنت ربيعة بن ذهل بن شيبان وهو صاحب الخورنق ويقال ان سبب بنائه اياه أن يزدجرد الاثيم دفع إليه ابنه بهرام جور ليربيه وأمره ببناء هذا الخورنق مسكنا له وأسكنه اياه ويقال ان الصانع الذى بناه كان اسمه سنمار وانه لما فرغ من بنائه ألقاه من أعلاه فمات من أجل محاورة وقعت اختلف الناس في نقلها والله أعلم بصحتها وذهب ذلك مثلا بين العرب في قبح الجزاء ووقع في أشعارهم منه كثير وكان النعمان هذا من أفحل ملوك آل نصر وكانت له سنانان احداهما للعرب والاخرى للفرس وكان يغزو بهما بلاد العرب بالشأم ويدوخها وأقام في ملكه ثلاثين سنة ثم زهد وترك الملك ولبس المسوح وذهب فلم يوجد له أثر (قال الطبري) وأما العلماء بأخبار الفرس فيقولون ان الذى تولى تربية بهرام هو المنذر بن النعمان بن امرئ القيس دفعه إليه يزدجرد الاثيم لاشارة كانت عنده فيه من المنجمين فأحسن تربيته وتأديبه وجاءه بمن يلقنه الخلال من العلوم والاداب والفروسية والنقابة حتى اشتمل على ذلك كله بما رضيه ثم رده إلى أبيه فأقام عنده قليلا ولم يرض بحاله ووفد على أبيه وافد قيصر وهو أخوه قياودس فقصده بهرام أن يسأل
له من أبيه الرجوع إلى بلاد العرب فرجع ونزل على المنذر ثم هلك يزدجرد فاجتمع أهل فارس وولوا عليهم شخصا من ولد اردشير وعدلوا عن بهرام لمرباه بين العرب وخلوه عن آداب العجم وجهز المنذر العساكر لبهرام لطلب ملكه وقدم ابنه النعمان فحاصر مدينة(2/263)
الملك ثم جاء على أثره بعساكر العرب وبهرام معه فأذعن له فارس وأطاعوه واستوهب المنذر ذنوبهم من بهرام فعفا عنهم واجتمع أمره ورجع المنذر إلى بلاده وشغل باللهو وطمع فيه الملوك حوله وغزاه خاقان ملك الترك في خمسين ألفا من العساكر وسار إليه بهرام فانتهى إلى اذربيجان ثم إلى ارمينية ثم ذهب يتصيد وخلف أخوه نرسى على العساكر فرماه أهل فارس بالجبن وانه خار عن لقاء الترك فراسلوا خاقان في الصلح على ما يرضاه فرجع عنهم وانتهى الخبر بذلك إلى بهرام فسار في اتباعه وبيته فانفض بعسكره وقتله بيده واستولى بهرام على ما في العساكر من الاثقال والذراري وظفر بتاج خاقان واكليله وسيفه بما كان فيه من الجواهر واليواقيت وأسر زوجته وغلب على ناحية من بلاده فولى عليها بعض مرازبته وأذن له في الجلوس على سرير الفضة وأغزى ما وراء النهر فدانوا بالجزية وانصرف إلى اذربيجان فجعل سيف خاقان واكليله معلقا ببيت النار وأخدمه خاتون امرأة خاقان ورفع الخراج عن الناس ثلاث سنين شكر الله تعالى على النصر وتصدق بعشرين ألف ألف درهم مكررة مرتين وكتب بالخبر إلى النواحى وولى أخاه نرسى على خراسان واستوزر له بهر نرسى بن بدارة بن فرخزاد ووصل الطبري نسبه من هنا بعد أربعة فكان رابعهم أشك بن دارا وأغزى بهرام أرض الروم في أربعين ألفا فانتهى إلى القسطنطينية ورجع (قال هشام بن الكلبى) ثم جاء الحرث ابن عمرو بن حجر الكندى في جيش عظيم إلى بلاد معد والحيرة وقد ولاه تبع بن حسان ابن تبع فسار إليه النعمان بن امرئ القيس بن الشقيقة وقاتله فقتل النعمان وعدة من أهل بيته وانهزم أصحابه وأفلت المنذر بن النعمان الاكبر وأمه ماء السماء امرأة
من اليمن وتشتت ملك آل النعمان وملك الحرث بن عمرو ما كانوا يملكونه وقال غير هشام ابن الكلبى ان النعمان الذى قتله الحرث هو ابن المنذر بن النعمان وأمه هند بنت زيد مناة بن زيد الله بن عمرو بن ربيعة بن ذهل بن شيبان وهو الذى أسرته فارس ملك عشرين سنة منها في أيام فيروز بن يزدجرد عشر سنين وأيام يلاوش بن يزدجرد أربع سنين وفي أيام قباذ بن فيروز ست سنين (قال هشام بن محمد الكلبى) ولما ملك الحرث بن عمرو ملك آل النعمان بعث إليه قباذ يطلب لقاءه وكان مضعفا فجاءه الحرث وصالحه على أن لا يتجاوز بالعرب الفرات ثم استضعفه فأطلق العرب للغارة في نواحى السواد وراء الفرات فسأله اللقاء بابنه واعتذر إليه اشظاظ العرب وانه لا يضبطهم الا المال فاقطعه جانبا من السواد فبعث الحرث إلى ملك اليمن تبع يستنهضه بغزو فارس في بلادهم ويخبره بضعف ملكهم فجمع وسار حتى نزل الحيرة وبعث ابن أخيه شمرا ذا الجناح إلى قباذ فقاتله واتبعه إلى الرى فقتله ثم سار شمر إلى خراسان وبعث تبع ابنه(2/264)
حسان إلى الصغد وأمرهما معا أن يدوخا أرض الصين وبعث ابن أخيه يعفر إلى الروم فحاصر القسطنطينية حتى أعطوا الطاعة والاتاوة وتقدم على رومة فحاصرها ثم أصابهم الطاعون ووهنوا له فوثب عليهم الروم فقتلوهم جميعا وتقدم شمر إلى سمرقند فحاصرها واستعمل الحيلة فيها فملكها ثم سار إلى الصين وهزم الترك ووجد أخاه حسان قد سبقه إلى الصين منذ ثلاث سنين فأقاما هنا لك احدى وعشرين سنة إلى أن هلك قال والصحيح المتفق عليه انهما رجعا إلى بلادهما بما غنماه من الاموال والذخائر وصنوف الجواهر والطيوب وسار تبع حتى قدم مكة ونزل شعب حجاز وكانت وفاته باليمن بعد ان ملك مائة وعشرين سنة ولم يخرج أحد بعده من ملوك اليمن غازيا ويقال انه دخل في دين اليهود للاحبار الذين خرجوا معه من يثرب (وأما بن اسحق) فعنده أن الذى سار إلى المشرق من التبابعة تبع الاخير وهو تبان أسعد أبو كرب (قال هشام بن
محمد) وولى أنو شروان بعد الحرث بن عمرو المنذر بن النعمان الذى أفلت يوم قتل أبوه ونزل الحيرة وأبوه هو النعمان الاكبر فلما قوى سلطان أنو شروان واشتد أمره بعث إلى المنذر فملكه الحيرة وما كان يليه الحرث بن عمرو آكل المرار فلم يزل كذلك حتى هلك (قال) وملك العرب من قبل الفرس بعد الاسود بن المنذر أخوه المنذر بن المنذر وأمه ماوية بنت النعمان سبع سنين ثم ملك بعده النعمان بن الاسود بن المنذر وأمه أم الملك أخت الحرت بن عمرو أربع سنين ثم استخلف أبو يعفر بن علقمة بن مالك بن عدى بن الذميل بن ثور بن أسد بن أربى بن نمارة بن لخم ثلاث سنين ثم ملك المنذر بن امرئ القيس وهو ذو القرنين لظفيرتين كانتا له من شعره وأمه ماء السماء بنت عوف بن جشم بن هلال بن ربيعة بن زيد مناة بن عامر بن الضبيب بن سعد بن الخزرج بن تيم الله بن النمر بن قاسط فملك تسعا وأربعين سنة ثم ملك ابنه عمرو بن المنذر وأمه هند بنت الحرث بن عمرو بن حجر آكل المرار ست عشرة سنة ولثمان سنين من ملكه كان عام الفيل الذى ولد فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم ولى عمرو بن هند شقيقه قابوس أربع سنين سنة منها أيام أنو شروان وثلاثة أيام ابنه هرمز ثم ولى بعده أخوهما المنذر أربع سنين ثم ولى بعده النعمان بن المنذر وهو أبو قابوس اثنين وعشرين سنة منها ثمان سنين أيام هرمز وأربع عشرة أيام ابرويز وفي أيام النعمان هذا اضمحل ملك آل نصر بالجزيرة وعليه انقرض وهو الذى قتله كسرى ابرويز وأبدل منه في الولاية على الحيرة والعرب باياس بن قبيصة الطائى ثم رد رياسة الحيرة لمرازبة فارس إلى أن جاء الاسلام وذهب ملك فارس وكان الذى دعا ابرويز إلى قتله سعاية زيد بن عدى العبادي فيه عند ابرويز بسبب أن النعمان قتل اباه عدى بن زيد وسياقة الخبر عن ذلك ان عدى بن زيد كان من تراجمة ابرويز وكان(2/265)
سبب قتل النعمان أن أباه وهو زيد بن حماد بن أيوب بن محروب بن عامر بن قبيصة بن امرئ القيس بن زيد مناة والد عدى هذا كان جميلا شاعرا خطيبا وقارئا كتاب العرب
والفرس وكانوا أهل بيت يكونون مع الاكاسرة ويقطعونهم القطائع على أن يترجموا عندهم عن العرب وكان المنذر بن المنذر لما ملك جعل ابنه النعمان في حجر عدى فأرضعه أهل بيته ورباه قوم من أشراف الحيرة ينسبون إلى لخم ويقال لهم بنو مرسى وكان للمنذر بن المنذر عشرة سوى النعمان يقال لهم الاشاهب لجمالهم وكان النعمان من بينهم أحمر أبرش قصير وأمه سلمى بنت وائل بن عطية من أهل فدك كانت أمة للحرث بن حصن بن ضمضم بن عدى بن جناب بن كلب وكان قابوس بن المنذر الاكبر عم النعمان بعث إلى أنو شروان بعدى بن زيد واخوته فكانوا في كتابه يترجمون له فلما مات المنذر أوصى على ولده اياس بن قبيصة الطائى وجعل أمره كله بيده فأقام على ذلك شهرا ونظر أنو شروان فيمن يملكه على العرب وشاور عدى بن زيد واستنصحه في بنى المنذر فقال بقيتهم في بنى المنذر بن المنذر فاستقدمهم كسرى وانزلهم على عدى وكان هواه مع النعمان فجعل يرعى اخوته تفضيلهم عليه ويقول لهم ان أشار عليكم كسرى بالملك وبمن يكفوه أمر العرب تكفلوا بشأن ابن أخيكم النعمان وبسر للنعمان ان سأله كسرى عن شأن اخوته أن يتكفله ويقول ان عجزت عنهم فأنا عن سواهم أعجز وكان مع أخيه الاسود بن المنذر رجل من بنى مرسى الذين ربوهم اسمه عدى بن أوس بن مرسى فنصحه في عدى وأعلمه أنه يغشه فلم يقبل ووقف كسرى على مقالاتهم فمال إلى النعمان وملكه وتوجه بقيمة ستين ألف دينار ورجع إلى الحيرة ملكا على العرب وعدى بن أوس في خدمته وقد أضمر السعاية بعدى بن زيد فكان يظهر الثناء عليه ويتواصى به مع أصحابه وأن يقولوا مثل قوله الا أنه يستصغر النعمان ويزعم أنه ملكه وانه عامله حتى آسفوه بذلك وبعث إليه في الزيارة فأتاه وحبسه ثم ندم وخشى عاقبة اطلاقه فجعل يمنيه ثم خرج النعمان إلى البحرين وخالفه جفنة ملك غسان إلى الحيرة وغار عليها ونال منها وكان عدى بن زيد كتب إلى اخيه عند كسرى يشعره بطلب الشفاعة من كسرى إلى النعمان فجاء الشفيع إلى الحيرة وبها خليفة النعمان وجاء إلى عدى فقال له اعطني
الكتاب أبعثه أنا ولازمنى أنت هنا لئلا أقتل وبعث أعداؤه من بنى بقيلة إلى النعمان بأن رسول كسرى دخل عنده فبعث من قتله فلما وفد وافد كسرى في الشفاعة أظهر له الاجابة وأحسن له بأربعة آلاف دينار وجارية وأذن له أن يخرجه من محبسه فوجده قد مات منذ ليال فجاء إلى النعمان مثربا فقال والله لقد تركته حيا فقال وكيف تدخل إليه وأنت رسول إلى فطرده فرجع إلى كسرى وأخبره بموته وطوى عنه ما كان(2/266)
من دخوله إليه ثم ندم النعمان على قتله ولقى يوما وهو يتصيد ابنه زيدا فاعتذر إليه من أمر أبيه وجهزه إلى كسرى ليكون خليفة أبيه على ترجمة العرب فأعجب به كسرى وقربه وكان أثيرا عنده ثم ان كسرى أراد خطبة بنات العرب فأشار عليه عدى بالخطبة في بنى منذر فقال له كسرى اذهب إليهم في ذلك فقال انهم لا ينكحون العجم ويستريبون في ذلك فابعث معى من يفقه العربية فلعلي آتيك بغرضك فلما جاء إلى النعمان قال لزيد اما في عير السواد وفارس ما يغنيكم عن بناتنا وسأل الرسول عن العير فقال له زيد هي البقر ثم رجعا إلى كسرى بالخيبة وأغراه زيد فغضب كسرى وحقدها على النعمان ثم استقدمه بعد حين لبعض حاجاته وقال له لا بد من المشافهة لان الكتاب لا يسعها ففطن فذهب إلى طيئ وغيرهم من قبائل العرب ليمنعوه فأبوا وفرقوا من معاداة كسرى الا بنى رواحة بن سعد من بنى عبس فانهم أجابوه لو كانوا يغنون عنه فعذرهم انصرف عنهم إلى بنى شيبان بذى قار والرياسة فيهم لهانئ بن مسعود بن عامر بن الخطيب بن عمرو المزدلف ابن أبى ربيعة بن ذهل بن شيبان ولقيس بن خالد بن ذى الخدين وعلم أن هانئا يمنعه وكان كسرى قد أقطعه فرجع إليه النعمان ماله ونعمه وحلقته وهى سلاح ألف فارس شاكة وسار إلى كسرى فلقيه زيد بن عدى بساباط وتبين الغدر فلما بلغ إلى كسرى قيده وأودعه السجن إلى ان هلك فيه بالطاعون ودعا ذلك إلى واقعة ذى قار بين العرب وفارس وذلك ان كسرى لما قتل النعمان استعمل اياس بن قبيصة الطائى
على الحيرة مكان النعمان ليده التى أسلفها طيئ عند كسرى يوم واقعة بهرام على ابرويز وطلب من النعمان فرسه ينجو عليها فأبى واعترضه حسان بن حنظلة بن جنة الطائى وهو ابن عم اياس بن قبيصة فأركبه فرسه ونجا عليه ومر في طريقه باياس فأهدى له فرسا وجزورا فرعى له ابرويز هذه الوسائل وقدم اياسا مكان النعمان وهو اياس بن قبيصة بن أبى عفر بن النعمان بن جنة فلما هلك النعمان بعث اياس إلى هانئ بن مسعود في حلقة النعمان ويقال كانت أربعمائة درع وقيل ثمانمائة فمنعها هانئ وغضب كسرى وأراد استئصال بكر بن وائل وأشار عليه النعمان بن زرعة من بنى تغلب أن يمهل إلى فصل القيظ عند ورودهم مياه ذى قار فلما قاظوا ونزلوا تلك المياه جاءهم النعمان بن زرعة يخيرهم في الحرب واعطاء اليد فاختاروا الحرب اختاره حنظلة بن سنان العجلى وكانوا قد ولوه أمرهم وقال لهم انما هو الموت قتلا أن أعطيتم باليد أو عطشا ان هربتم وربما لقيكم بنو تميم فقتلوكم ثم بعث كسرى إلى اياس بن قبيصة أن يسير إلى حربهم ويأخذ معه مسالح فارس وهم الجند الذين كانوا معه بالقطقطانية وبارق وتغلب وبعث إلى قيس بن مسعود بن قيس بن خالد بن ذى الخدين وكان على طف شقران أن يوافي اياسا(2/267)
فجاءت الفرس معها الجنود والافيال عليها الاساورة وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يومئذ بالمدينة فقال اليوم انتصف العرب من العجم ونصروا وحفظ ذلك اليوم فإذا هو يوم الوقعة ولما تواقف الفريقان جاء قيس بن مسعود إلى هانئ وأشار عليه أن يفرق سلاح لنعمان على أصحابه ففعل واختلف هانئ بن مسعود وحنظلة بن ثعلبة بن سنان فأشار هانئ بركوب الفلاة وقطع حنظلة حزم الرجال وضرب على نفسه وآلى أن لا يفر ثم استقوا الماء لنصف شهر واقتتلوا وهرب العجم من العطش واتبعهم بكر وعجل فاصطف العجم وقاتلوا وصبروا وراسلت إياد بكر بن وائل انا نفر عند اللقاء فصحبوهم واشتد القتال وقطعوا الآمال حتى سقطت الرجال إلى الارض ثم حملوا عليهم واعترضهم يزيد
ابن حماد السكوني في قومه كان كمينا أمامهم فشدوا على اياس بن قبيصة ومن معه من العرب فولت اياد منهزمة وانهزمت الفرس وجاوزوا الماء في حر الظهيرة في يوم قائظ فهلكوا أجمعين قتلا وعطشا وأقام اياس في ولاية الحيرة مكان النعمان ومعه الهمرجان من مرازبة فارس تسع سنين وفي الثامنة منها كانت البعثة وولى بعده على الحيرة آخر من المرازبة اسمه زاذويه بن ماهان الهمذانى سبع عشرة سنة إلى أيام بوران بنت كسرى ثم ولى المنذر بن النعمان بن المنذر وتسميه العرب الغرور الذى قتل بالبحرين يوم اجداث ولما زحف المسلمون إلى العراق ونزل خالد بن الوليد الحيرة حاصرهم بقصورها لما أشرفوا على الهلكة خرج إليهم اياس بن قبيصة في أشراف أهل الحيرة واتقى من خالد والمسلمين بالجزية فقبلوا منه وصالحهم على مائة وستين ألف درهم وكتب لهم خالد بالعهد والامان وكانت أول جزية بالعراق وكان فيهم هانئ بن قبيصة أخو اياس بن قبيصة بالقصر الابيض وعدى بن عدى العبادي ابن عبد القيس وزيد بن عدى بقصر العدسيين وأهل نصر بنى عدس من قصور الحيرة وهو بنو عوان بن عبد المسيح بن كلب بن وبرة وأهل قصر بنى بقيلة لانه خرج على قومه في بردين أخضرين فقالوا يا حارث ما أنت الا بقيله خضراء وعبد المسيح هذا هو المعمر وهو الذى بعثه كسرى أبرويز إلى سطيح في شأن رؤيا المرزبان ولما صالح اياس بن قبيصة المسلمين وعقد لهم الجزية سخطت عليه الاكاسرة وعزلوه فكان ملكه تسع سنين ولسنة منها وثمانية أشهر كانت البعوث وولى حينئذ الخلافة عمر بن الخطاب وعقد لسعد بن أبى وقاص على حرب فارس فكان من أول عمل يزدجرد أن أمر مرزبان الحيرة أن يبعث قابوس بن قابوس بن المنذر وأغراه بالعرب ووعده بملك آبائه وقال له ادع العرب وأنت على من أجابك منهم كما كان آباؤك فنهض قابوس إلى القادسية ونزلها وكاتب بكر بن وائل بمثل ما كان للنعمان فكاتبهم مقاربة ووعدا وانتهى الخبر إلى المثنى بن حارثة الشيباني عقب مهلك أخيه المثنى وقبل وصول(2/268)
سعد فأسرى من ذى قار وبيت قابوس بالقادسية ففض جمعه وقتله وكان آخر من بقى من ملوك آل نصر بن ربيعة وانقرض أمرهم مع زوال ملك فارس اه كلام الطبري وما نقله عن هشام بن الكلبى (وقد كان) المغيرة بن شعبة تزوج هندا بنت النعمان وسعد بن أبى وقاص تزوج صدقة بنت النعمان وخبرهما معروف ذكره المسعودي وغيره وعدة ملوك آل نصر عند هشام بن الكلبى عشرون ملكا ومدتهم خمسمائة وعشرون سنة وعند المسعودي ثلاث وعشرون ملكا ومدتهم ستمائة وعشرون سنة قال وقد قيل ان مدة عمران الحيرة إلى أن خربت عند بناء الكوفة خمسمائة سنة قال ولم يزل عمرانها يتناقص إلى أيام المعتضد ثم أقفرت وفيما نقله بعض الاخباريين أن خالد ابن الوليد قال لعبد المسيح أخبرني بما رأيت من الايام قال نعم رأيت المراة من الحيرة تضع مكتلها على رأسها ثم تخرج حتى تأتى الشأم في قرى متصلة وبساتين ملتفة وقد أصبحت اليوم خرابا والله يرث الارض ومن عليها وهو خير الوارثين (هذا ترتيب الملوك من ولد نصر بن ربيعة بن كعب بن عمرو بن عدى الاول منهم وهو الترتيب الذى ذكره الطبري عن ابن الكلبى وغيره وبين الناس فيه خلاف في ترتيب ملوكهم بعد اتفاقهم على أن الذى ملك بعد عمرو بن عدى ابنه امرؤ القيس ثم ابنه عمرو ابن امرئ القيس وهو الثالث منهم (قال على بن عبد العزيز الجرجاني في أنسابه بعد ذكر عمرو هذا ثم ثار أوس بن قلام العملقى وملك فثار به جحجب بن عتيك اللخمى فقتله وملك ثم ملك من بعده امرؤ القيس البدء بن عمرو الثالث ثم ملك من بعده ابنه النعمان الاكبر ابن امرئ القيس بن الشقيقة وهو الذى ترك الملك وساح ثم ملك من بعده ابنه المنذر ثم ابنه الاسود بن المنذر ثم أخوه المنذر بن المنذر ثم النعمان بن الاسود بن المنذر ثم أبو يعفر بن علقمة بن مالك بن عدى بن الذميل بن ثور بن أسنش بن زبى بن نمارة بن لخم ثم ملك من بعده امرؤ القيس بن النعمان الاكبر ثم ابنه امرؤ القيس ثم كان أمر الحرث بن عدى الكندى حتى تصالحا وتزوج المنذر بنته هند فولدت له عمرا ثم ملك بعد
المنذر عمرو بن هند ثم قابوس بن المنذر أخوه ثم المنذر بن المنذر أخوه الآخر ثم ابنه النعمان بن المنذر هكذا نسبه الجرجاني وهو موافق لترتيب الطبري الا في الحرث بن عمرو الكندى فان الطبري جعله بعد النعمان الاكبر بن امرئ القيس وابنه المنذر والجرجاني جعله بعد المنذر بن امرئ القيس بن النعمان وبين هذا المنذر والمنذر ابن النعمان الاكبر خمسة من ملوكهم فيهم أبو يعفر بن الذميل فالله أعلم بالصحيح من ذلك (وأما المسعودي فخالف ترتيبهم فقال) بعد النعمان الاكبر ابن امرئ القيس وسماه قائد الفرس ملك خمسا وستين سنة ثم ملك ابنه المنذر خمسا وعشرين سنة وهذا مثل(2/269)
ترتيب الطبري والجرجاني ثم خالفهما وقال وملك النعمان بن المنذر الحيرة وهو الذى بنى الخورنق خمسا وثلاثين سنة وملك الاسود بن النعمان عشرين سنة وملك ابنه المنذر أربعين سنة وأمه ماء السماء من النمر بن قاسط من ربيعة وبها عرف وملك ابنه عمرو ابن المنذر أربعا وعشرين سنة ثم ملك بعده أخوه النعمان وأمه مامة وقتله كسرى وهو آخرهم هكذا ساق المسعودي نسق ملوكهم ونسبهم وهو مخالف لما ذكره الطبري والجرجاني (وقال السهيلي) كان للمنذر بن ماء السماء من الولد المملكين عمرو والنعمان وكان عمرو لهند بنت الحرث آكل المرار قال وكان عمرو هذا من أعاظم ملوك الحيرة ويعرف بمحرق لانه حرق مدينة الملهم عند اليمامة وكان يملك من قبل كسرى أنو شروان ومن بعده ملك أخوه النعمان بن المنذر وأمه مامة وقتله كسرى ابرويز بن هرمز بن أنو شروان لموجدة وجدها بسعاية زيد بن عدى بن زيد العبادي وساق قصة مقتله وولاية اياس بن قبيصة الطائى من بعده وما وقع بعد ذلك من حرب ذى قار وغلب العرب فيها على العجم إلى آخرها فالله أعلم بالصحيح في ترتيب ملوكهم (وقال ابن سعيد) أول حديثهم في الملك ان بنى نمارة كانوا جندا للعمالقة باطراف الشأم والجزيرة وكانوا مع الزباء ولما قتلت جذيمة قام عمرو بن عدى منهم بثاره وكان
ابن أخته حتى أدركه وقتلها وبنى الحيرة على فرع من الفرات في أرض العراق (وقال صاحب تواريخ الامم) ملك مائة وثمانية وعشرين سنة أيام ملوك الطوائف وبعده امرؤ القيس بن عمرو ولما مات ولى اردشير بن سابور على الحيرة أوس بن قلام من العمالقة ثم كان ملك الحيرة فوليها امرؤ القيس بن عمرو بن امرئ القيس المعروف بمحرق قال وهو المذكور في قصيدة الاسود بن يعفر التى على روى الدال وبعده ابنه النعمان بن شقيقة وهى من بنى شيبان وجعل معه كسرى واليا للفرس وهو بانى الخورنق والسرير على مياه الفرات وملك إلى ان ساح وتزهد ثلاثين سنة وذكره عدى بن زيد في شعره وملك بعده ابنه المنذر وهو الذى سعى لبهرام جور في الملك حتى تم له وملك أربعا وأربعين سنة وملك بعده ابنه الاسود ثم أخوه المنذر بن المنذر ثم النعمان بن الاسود وغضب عليه كسرى وولى مكانه الذميل بن لخم من غير بيت الملك ثم عاد الملك إليهم فولى امرؤ القيس ابن النعمان الاكبر وهو ابن الشقيقة وهو الذى غزا بكر بن وائل وملك بعده ابنه المنذر بن ماء السماء وهى أمه أخت كليب سيد وائل وطالبه قباذ باتباع مردك على الزندقة فأبى وولى مكانه الحرث بن عمرو بن حجر الكندى ثم رده أنو شروان إلى ملك الحيرة وقتله الحرث الاعرج الغساني يوم حليمة كما يأتي وملك بعده ابنه عمرو بن هند وهى مامة عمة امرئ القيس بن حجر المعروف بمضرط الحجارة لشدة بأسه وهو محرق الثاني(2/270)
حرق بنى دارم من تميم لانهم قتلوا أخاه وحلف ليحرقن منهم مائة فحرقهم وملك ستة عشر سنة أيام أنو شروان فتك به في رواق بين الحيرة والفرات عمرو بن كلثوم سيد تغلب ونهبوا حياءه وملك بعده أخوه قابوس بن هند وكان أعرج وقتله بعض بنى يشكر فولى أنو شروان على الحيرة بعض مرازبة الفرس فلم تستقم له طاعة العرب فولى عليهم المنذر ابن المنذر بن ماء السماء فخرج إلى جهة الشأم طالبا ثار أبيه من الحرث الاعرج الغساني فقتله الحرث أيضا يوم أباغ وملك بعده ابنه النعمان بن المنذر وكان ذميما أشقر
أبرش وهو أشهر ملوك الحيرة وعليه كثرت وفود العرب وطلبه بثار أبيه وحرد من بنى جفنة حتى أسر خلقا كثيرا من أشرافهم وحمله عدى بن زيد على أن تنصر وترك دين آبائه وحبس عديا فشفع كسرى فيه بسعاية أخ له كان عنده فقتله النعمان في محبسه ثم نشأ ابنه زيد بن عدى وصار ترجمانا لكسرى فأغراه بالنعمان وحضر مع كسرى ابرويز في وقعة بين الفرس والروم وانهزمت الفرس ونجا النعمان على فرسه التخوم بعد ان طلبه منه كسرى ينجو عليه فأعرض عنه ونزل له اياس بن قبيصة الطائى عن فرسه فنجا عليه ووفد عليه النعمان بعد ذلك فقتله وولى على الحيرة اياس بن قبيصة فلم تستقم له طاعة العرب وغضبوا لقتل النعمان وكان لهم على الفرس يوم ذى قار سنة ثلاث من البعثة ومات اياس وصارت الفرس يولون على الحيرة منهم إلى أن ملكها المسلمون (وذكر البيهقى أن دين بنى نصر كان عبادة الاوثان) وأول من تنصر منهم النعمان بن الشقيقة وقيل بل النعمان الاخير وملكت العرب بتلك الجهات ابنه المنذر فقتله جيش أبى بكر رضى الله عنه وفي تواريخ الامم أن جميع ملوك الحيرة من بنى نصر وغيرهم خمسة وعشرون ملكا في نحو ستمائة سنة والله أعلم وهذا الترتيب مساو لترتيب الطبري والجرجاني والله وارث الارض ومن عليها وهو خير الوارثين(2/271)
* (الخبر عن ملوك كندة من هذه الطبقة ومبدأ أمرهم وتصاريف أحوالهم) * قال الطبري عن هشام بن محمد الكلبى كان يخدم ملوك حمير أبناء الاشراف من حمير وغيرهم وكان ممن يخدم حسان بن تبع عمرو بن حجر سيد كندة لوقته وأبوه حجر هو الذى تسميه العرب آكل المرار وهو حجر بن عمرو بن معاوية بن الحرث الاصغر ابن معاوية بن الحرث الاكبر ابن معاوية بن كندة وكان أخا حسان بن تبع لامه فلما دوخ حسان بلاد العرب وسار في الحجاز وهم بالانصراف ولى على معد بن عدنان كلها أخاه حجر بن عمرو هذا وهو آكل المرار فدانوا له وسار فيهم أحسن سيرة ثم هلك وملك من بعده ابنه عمرو
المقصور (قال الطبري عن هشام ولما سار حسان إلى جديس خلفه على بعض أمور ملكه في حمير فلما قتل حسان وولى بعده أخوه عمرو بن تبع وكان ذا رأى ونبل فأراد أن يكرم عمرو بن حجر بما نقصه من ابن أخيه حسان فزوجه بنت اخيه حسان بن تبع وتكلمت حمير في ذلك وكان عندهم من الاحداث التى ابتلوا بها أن يتزوج في ذلك البيت أحد من العرب سواهم فولدت بنت حسان لعمرو بن حجر الحرث بن عمرو وملك بعد عمرو بن تبع عبد كلال بن متون أصغر أولاد حسان واستهوت الجن منهم تبع بن حسان فولوا عبد كلال مخافة أن يطمع في ملكهم أحد من بيت الملك فولى عبد كلال لسر ورحمة وكان على دين النصرانية الاولى وكان ذلك يسوء قومه ودعا إليه رجل من غسان قدم عليه من الشأم ووثب حمير بالغسانى فقتلوه ثم رجع تبع بن حسان من استهواء الجن وهو أعلم الناس بنجم وأعقل من يعلم في زمانه وأكثرهم حديثا عما كان ويكون فملك على حمير وهابته حمير والعرب وبعث بابن أخته الحرث بن عمرو بن حجر الكندى في جيش عظيم إلى بلاد معد والحيرة وما والاها فسار إلى النعمان بن امرئ القيس بن الشقيقة فقاتله فقتل النعمان وعدة من أهل بيته وهزم أصحابه وأفلت المنذر بن النعمان الاكبر وأمه ماء السماء امرأة من النمر بن قاسط وذهب ملك آل النعمان وملك الحرث بن عمرو ما كانوا يملكون (وفي كتاب الاغانى) قال لما ملك قباذ وكان ضعيف الملك توثبت العرب على المنذر الاكبر ابن ماء السماء وهو ذو القرنين ابن النعمان بن الشقيقة فأخرجوه وانما سمى ذا القرنين لذؤابتين كانتا له فخرج هاربا منهم حتى مات في اياد وترك ابنه المنذر الاصغر فيهم وكان انكى ولده وجاؤا بالحرث بن عمرو بن حجر آكل المرار فملكوه على بكر وحشدوا له وقاتلوا معه وظهر على من قاتله من العرب وأبى قباذ أن يمد المنذر بجيش فلما رأى ذلك كتب إلى الحرث بن عمرو انى في غير قومي وأنت أحق من ضمنى وأنا متحول اليك فحوله وزوجه بنته هندا (وقال غير هشام بن محمد) ان الحرث بن عمرو لما ولى على العرب بعد ابيه(2/273)
اشتدت وطأته وعظم بأسه ونازع ملوك الحيرة وعليهم يومئذ المنذر بن امرئ القيس وبين لهم إذ ولى كسرى قباذ بعد أبيه فيروز بن يزدجرد وكان زنديقا على رأى مانى فدعا المنذر إلى رأيه فأبى عليه وأجابه الحرث بن عمرو فملكه على العرب وأنزله بالحيرة ثم هلك قباذ وولى ابنه أنو شروان فرد ملك الحيرة إلى المنذر وصالحه الحرث على ان له ما وراء نهر السواد فاقتسما ملك العرب وفرق الحرث ولده في معد فملك حجرا على بنى أسد وشرحبيل على بنى سعد والرباب وسلمة على بكر وتغلب ومعد يكرب على قيس وكنانة ويقال بل كان سلمة على حنظلة وتغلب وشرحبيل على سعد والرباب وبكر وكان قيس بن الحرث سيارة أي قوم نزل بهم فهو ملكهم (وفي كتاب الاغانى) انه ملك ابنه شرحبيل على بكر وائل وحنظلة على بنى أسد وطوائف من بنى عمرو بن تميم والرباب وغلفا وهو معد يكرب على قيس وسلمة بن الحرث على بنى تغلب والنمر بن قاسط والنمر بن زيد مناة اه كلام الاغانى (فأما شرحبيل) فانه فسد ما بينه وبين أخيه سلمة واقتتلوا بالكلاب ما بين البصرة والكوفة على سبع من اليمامة وعلى تغلب السفاح وهو سلمة بن خالد بن كعب بن زهير ابن تميم بن اسامة بن مالك بن بكر بن حبيب وسبق إلى الكلاب سفيان بن مجاشع بن دارم من أصحاب سلمة في تغلب مع اخوته لامه ثم ورد سلمة وأصحابه فاقتتلوا عامة يومهم وخذلت بنو حنظلة وعمرو بن تميم والرباب بكر بن وائل وانصرفت بنو سعد وأتباعها عن تغلب وصبر بنو بكر وتغلب ليس معهم غيرهم إلى الليل ونادى منادى سلمة في ذلك اليوم من يقتل شرحبيل ولقاتله مائة من الابل فقتل شرحبيل في ذلك اليوم قتله عصيم ابن النعمان بن مالك بن غياث بن سعد بن زهير بن بكر بن حبيب التغلبي وبلغ الخبر إلى أخيه معد يكرب فاشتد جزعه وحزنه على أخيه وزاد ذلك حتى اعتراه منه وسواس هلك به وكان معتزلا عن الحرث ومنع بنو سعد بن زيد مناة عيال شرحبيل وبعثوا بهم إلى قومهم فعل ذلك عوف بن شحنة بن الحرث بن عطارد بن عوف بن سعد بن كعب (وأما سلمة
فانه فلج فمات (وأما حجر بن الحرث) فلم يزل أميرا على بنى أسد إلى ان بعث رسله في بعض الايام لطلب الاتاوة من بنى أسد فمنعوها وضربوا الرسل وكان حجر بتهامة فبلغه الخبر فسار إليهم في ربيعة وقيس وكنانة فاستباحهم وقتل اشرافهم وسرواتهم وحبس عبيد ابن الابرص في جمع منهم فاستعطفه بشعر بعث به إليه فسرحه وأصحابه وأوفدهم فلما بلغوا إليه هجموا عليه ببيته فقتلوه وتولى قتله علباء بن الحرث الكاهلى كان حجر قتل أباه وبلغ الخبر امرأ القيس فحلف أن لا يقرب لذة حتى يدرك بثاره من بنى أسد وسار صريخا إلى بنى بكر وتغلب فنصروه وأقبل بهم فاجفل بنو أسد وسار إلى المنذر بن امرئ القيس ملك الحيرة وأوقع امرؤ القيس في كنانة فأثخن فيهم ثم سار في اتباع بنى أسد إلى أن أعيا ولم(2/274)
يظفر منهم بشئ ورجعت عنه بكر وتغلب فسار إلى مؤثر الخير بن ذى جدن من ملوك حمير صريخا بنصره بخمسمائة رجل من حمير وبجمع من العرب سواهم وجمع المنذر لامرئ القيس ومن معه وأمده كسرى أنو شروان بجيش من الاساورة والتقوا فانهزم امرؤ القيس وفرت حمير ومن كان معه ونجا بدمه وما زال ينتقل في القبائل والمنذر في طلبه وسار إلى قيصر صريخا فأمده ثم سعى به الطماح عند قيصر أنه يشبب ببنته فبعث إليه بحلة مسمومة كان فيها هلاكه ودفن بأنقرة (قال الجرجاني) ولا يعلم لكندة بعد هؤلاء ملوك اجتمع لهم أمرها وأطيع فيها سوى انهم قد كان لهم رياسة ونباهة وفيهم سودد حتى كانت العرب تسميهم كندة الملوك وكانت الرياسة يوم جبلة على العساكر لهم فكان حسان بن عمرو بن الجور على تميم ومعاوية بن شرحبيل بن حصن على بنى عامر والجور هو معاوية بن حجر آكل المرار أخو الملك المقصور عمرو بن حجر والله وارث الارض ومن عليها (وفي كتاب الاغانى) أن امرأ القيس لما سار إلى الشأم نزل على السموأل بن عاديا بالابلق بعد ايقاعه ببنى كنانة على انهم بنو أسد وتفرق عنه أصحابه كراهية لفعله واحتاج إلى الهرب فطلبه المنذر بن ماء السماء وبعث في طلبه
جموعا من اياد وبهرا وتنوخ وجيوشا من الاساورة أمده بهم أنو شروان وخذلته حمير وتفرقوا عنه فالتجأ إلى السموأل ومعه ادراع خمسة مسماة كانت لبنى آكل المرار يتوارثونها ومعه بنته هند وابن عمه يزيد بن الحرث بن معاوية بن الحرث ومال وسلاح كان بقى معه والربيع بن ضبع بن نزارة وأشار عليه الربيع بمدح السموأل فمدحه ونزل به فضرب لابنته قبة وأنزل القوم في مجلس له براح فمكثوا ما شاء الله وسأله امرؤ القيس أن يكتب له إلى الحرث بن أبى شمر يوصله إلى قيصر ففعل واستصحب رجلا يدله على الطريق وأودع ابنته وماله وادراعه السموأل وخلف ابن عمه يزيد بن الحرث مع ابنته هند ونزل الحرث بن ظالم غازيا على الابلق ويقال الحرث بن أبى شمر ويقال ابن المنذر وبعث الحرث بن ظالم ابنه يتصيد ويهدده بقتله فأبى من اخفار ذمته وقتل ابنه فضرب به المثل في الوفاء بذلك (وأما) نسب السموأل فقال ابن خليفة عن محمد بن سالم البيكندى عن الطوسى عن ابن حبيب انه السموأل بن عريض بن عاديا بن حيا ويقال ان الناس يدرجون عريضا في النسب ونسبه عمرو بن شبة ولم يذكر عريضا وقال عبد الله ابن سعد عن دارم بن عقال من ولد السموأل بن عاديا بن رفاعة بن ثعلبة بن كعب بن عمرو ابن عامر مزيقيا وهذا عندي محال لان الاعشى أدرك سريح بن السموأل وأدرك الاسلام وعمر ومزيقيا قديم لا يجوز أن يكون بينه وبين السموأل ثلاثة آباء ولا عشرة وقد قيل انه أمه من غسان وكلهم قالوا هو صاحب الحصن المعروف بالابلق بتيما(2/275)
المشهور بالزباء وقيل من ولد الكوهن بن هارون وكان هذا الحصن لجده عاديا واحتفر فيه أروية عذبة وتنزل به العرب فتصيبها وتمتار من حصنه وتقيم هنا لك سوقا اه كلام الاغانى (وقال ابن سعيد) كندة لقب لثور بن عفير بن الحرث بن مرة بن أدد بن يشجب ابن عبيد الله بن زيد بن كهلان وبلادهم في شرقي اليمن ومدينة ملكهم دمون وتوالى الملك منهم في بنى معاوية بن عنزة وكان التبابعة يصاهرونهم ويولونهم على بنى معد بن
عدنان بالحجاز أول من ولى منهم حجر آكل المرار ابن عمرو بن معاوية الاكبر ولاه تبع بن كرب الذى كسا الكعبة وولى بعده ابنه عمرو بن حجر ثم ابنه الحرث المقصور وهو الذى أبى أن يتزندق مع قباذ ملك الفرس فقتل في بنى اكلب ونهب ماله وكان قد ولى أولاده على بنى معد فقتل أكثرهم وكان على بنى أسد منهم حجر بن الحرث فجار عليهم فقتلوه وتجرد للطلب بثاره ابنه امرؤ القيس وسار إلى قيصر فأغراه به الطماح الاسدي وقال انه يتغزل ببنات الملوك فألبسه حلة مسمومة تقطع بها (وقال صاحب التواريخ) ان الملك انتقل بعدهم إلى بنى جبلة بن عدى بن ربيعة بن معاوية الاكرمين واشتهر منهم قيس بن معديكرب بن جبلة ومنهم الاعشى وابنته العمردة من مردة الانس ولها في قتال المسلمين اخبار في الردة وأسلم أخوها الاشعث ثم ارتد بعد الوفاة واعتصم بالحبر ففتحه جيش أبى بكر رضى الله عنه وجئ به إليه أسيرا فمن عليه وزوجه أخته وخرج من نسله بنو الاشعث المذكورون في الدولة الاموية (ومن بطون كندة) السكون والسكاسك وللسكاسك مجالات شرقي اليمن متميزة وهم معروفون بالسحر والكهانة (ومنهم) تجيب بطن كبير كان منهم بالاندلس بنو صمادح وبنو ذى النون وبنو الافطس من ملوك الطوائف والله تعالى وارث الارض ومن عليها وهو خير الوارثين لا رب غيره(2/276)
* (الخبر عن أبناء جفنة ملوك غسان بالشأم من هذه الطبقة وأوليتهم ودولهم وكيف انساق الملك إليهم ممن قبلهم) * أول ملك كان للعرب بالشأم فيما علمناه للعمالقة ثم لبنى إرم بن سام ويعرفون بالارمانيين وقد ذكرنا خلاف الناس في العمالقة الذين كانوا بالشأم هل هم من ولد عمليق بن لاوذ بن سام أو من ولد عماليق بن أليفاز بن عيصو وأن المشهور المتعارف انهم من عمليق بن لاوذ كان بنو إرم يومئذ بادية في نواحى الشأم والعراق وقد ذكروا في التوراة وكان لهم مع ملوك الطوائف حروب كما تقدمت الاشارة إلى ذلك كله من قبل
وكان آخر هؤلاء العمالقة ملك السميدع بن هوثر وهو الذى قتله يوشع بن نون حين تغلب بنو اسرائيل على الشأم وبقى في عقبه ملك في بنى الظرب بن حسان من بنى عاملة العماليق وكان آخرهم ملكا الزبا بنت عمرو بن السميدع وكانت قضاعة مجاورين لهم في ديارهم بالجزيرة وغلبوا العمالقة لما فشل ريحهم فلما هلكت الزبا وانقرض أمر بنى الظرب بن حسان ملك أمر العرب تنوخ من بطون قضاعة وهم تنوخ بن مالك بن فهم بن تيم الله بن الاسود بن وبرة بن تغلب بن حلوان بن عمران بن الحاف بن قضاعة وقد تقدم ذكر نزولهم بالحيرة والانبار ومجاورتهم للارمانيين فملك من تنوخ ثلاثة ملوك فيما ذكر المسعودي النعمان بن عمرو ثم ابنه عمرو بن النعمان ثم أخوه الحوار بن عمرو وكانوا مملكين من قبل الروم ثم تلاشى أمر تنوخ واضمحل وغلبت عليهم سليح من بطون قضاعة ثم الضجاعم منهم من ولد ضجعم بن سعد بن سليح واسمه عمرو بن حلوان بن عمران بن الحاف فتنصروا وملكتهم الروم على العرب واقاموا على ذلك مدة وكان نزولهم ببلاد مؤاب من أرض البلقاء ويقال ان الذى ولى سليح على نواحى الشأم هو قيصر طيطش ابن قيصر ماهان (قال ابن سعيد) كان لبنى سليح دولتان في بنى ضجعم وبنى العبيد فأما بنو ضجعم فملكوا إلى أن جاءهم غسان فسلبوهم ملكهم وكان آخرهم زياد بن الهبولة سار بمن أبقى السيف منهم إلى الحجاز فقتله وإلى الحجاز للتبابعه حجر آكل المرار قال ومن النسابين من يطلق تنوخ على بنى ضجعم ودوس الذين تنخوا بالبحرين أي أقاموا ثم سار الضجاعم إلى برية الشأم ودوس إلى برية العراق قال وأما بنو العبيد بن الابرص بن عمرو ابن اشجع بن سليح فتوارثوا الملك بالحضر الذى آثاره باقية في برية سنجار والمشهور منهم الضيزن بن معاوية بن العبيد المعروف عند الجرامقة بالساطرون وقصته مع سابور معروفة اه كلام ابن سعيد ثم استحالت صبغة الرياسة عن العرب لحمير وصارت إلى كهلان إلى بلاد الحجاز ولما فصلت الازد من اليمن كان نزولهم ببلاد عك ما بين زبيد وزمع فحاربوهم وقتلوا ملك عك قتله ثعلبة بن عمرو مزيقيا قال بعض أهل اليمن عك ابن عدنان(2/278)
ابن عبد الله بن أدد قال الدار قطني عك بن عبد الله بن عدثان بالثاء المثلثة وضم العين ولا خلاف انه بنونين كما لم يختلف في دوس بن عدثان قبيلة من الازد انه بالثاء المثلثة ثم نزلوا بالظهران وقاتلوا جرهم بمكة ثم افترقوا في البلاد فنزل بنو نصر بن الازد الشراة وعمان ونزل بنو ثعلبة بن عمرو مزيقيا بيثرب وأقام بنو حارثة بن عمرو بمر الظهران بمكة وهم يقال لهم خزاعة (وقال المسعودي) سار عمرو مزيقيا حتى إذا كان بالشراة بمكة أقام هنا لك بنو نصر بن الازد وعمران الكاهن وعدى بن حارثة بن عمرو بالازد حتى نزلوا بين بلاد الاشعريين وعك على ماء يقال له غسان بين واديين يقال لهما زبيد وزمع فشربوا من ذلك الماء فسموا غسان وكانت بينهم وبين معد حروب إلى أن ظفرت بهم معد فأخرجوهم إلى الشراة وهو جبل الازد الذين هم به وهم على تخوم الشأم ما بينه وبين الجبال مما يلى أعمال دمشق والاردن (قال ابن الكلبى) ولد عمرو بن عامر مزيقيا جفنة ومنه الملوك والحرث وهو محرق أول من عاقب بالنار وثعلبة وهو العنقا وحارثة وأبا حارثة ومالكا وكعبا ووداعة وهو في همدان وعوفا ودهل وائل ودفع ذهل إلى نجران ومنه أسقف وعبيدة وذهلا وقيسا درج هؤلاء الثلاثة وعمران بن عمرو فلم يشرب أبو حارثة ولا عمران ولا وائل ماء غسان فليس يقال لهم غسان وبقى من أولاد مزيقيا ستة شربوا منه فهم غسان وهم جفنة وحارثة وثعلبة ومالك وكعب وعوف ويقال ان ثعلبة وعوفا لم يشربا منه ولما نزلت غسان الشأم جاوروا الضجاعم وقومهم من سليح ورئيس غسان يومئذ ثعلبة بن عمرو بن المجالد بن الحرث بن عمرو بن عدى بن عمرو بن مازن ابن الازد ورئيس الضجاعم يومئذ داود اللنق بن هبولة بن عمرو بن عوف بن ضجعم وكانت لضجاعم هؤلاء ملوكا على العرب عمالا للروم كما قلناه يجمعون ممن نزل بساحتهم لقيصر فغلبتهم غسان على ما بأيديهم من رياسة العرب لما كانت صبغة رياستهم الحميرية قد استحالت وعادت إلى كهلان وبطونها وعرفت الرياسة منها باليمن قبل فصولهم وربما
كانوا أولى عدة وقوة وانما العزة للكاثر * وكانت غسان لاول نزولها بالشأم طالبها ملوك الضجاعم بالاتاوة فما نعتهم غسان فاقتتلوا فكانت الدائرة على غسان وأقرت بالصغار وأدت الاتاوة حتى نشأ جذع بن عمرو (1) بن المجالد بن الحرث بن عمرو بن المجالد ابن الحرث بن عمرو بن عدى بن عمرو بن مازن بن الازد ورجال سليح من ولد رئيسهم داود اللثق وهو سبطة بن المنذر بن داود ويقال بل قتله فالتقوا فغلبتهم غسان وأقادتهم وتفردوا بملك الشام وذلك عند فساد كان بين الروم وفارس فخاف ملك الروم أن يعينوا عليه فارسا فكتب إليهم واستدناهم ورئيسهم يومئذ ثعلبة بن عمرو أخو جذع بن عمرو وكتبوا بينهم الكتاب على انه ان دهمهم أمر من العرب أمدهم بأربعين ألفا من الروم(2/279)
وان دهمه أمر أمدته غسان بعشرين ألفا وثبت ملكهم على ذلك وتوارثوه أول من ملك منهم ثعلبة بن عمرو فلم يزل ملكها إلى أن هلك وولى مكانه منهم ثعلبة بن عمرو مزيقيا (قال الجرجاني) وبعد ثعلبة بن عمرو ابنه الحرث بن ثعلبة يقال انه ابن مارية ثم بعده ابنه المنذر بن الحرث ثم ابنه النعمان بن المنذر بن الحرث ثم أبو بشر بن الحرث بن جبلة ابن الحرث بن ثعلبة بن عمرو بن جفنة هكذا نسبه بعض النساب والصحيح انه بن عوف ابن الحرث بن عوف بن عمرو بن عدى بن عمرو بن مازن ثم الحرث الاعرج ابن أبى شمر ثم عمرو ابن الحرث الاعرج ثم المنذر بن الحرث الاعرج ثم الايهم بن جبلة بن الحرث ابن جبلة بن الحرث بن ثعلبة بن عمرو بن جفنة ثم ابنه جبلة (وقال المسعودي) أول من ملك منهم الحرث بن عمرو مزيقيا ثم بعده الحرث بن ثعلبة بن جفنة وهو ابن مارية ذات القرطين وبعده النعمان بن الحرث بن جفنة بن الحرث ثم أبو شمر بن الحارث بن ثعلبة بن جفنة بن الحارث ثم ملك بعده أخوه المنذر بن الحارث ثم أخوه جبلة بن الحارث ثم بعده عوف بن أبى شمر ثم بعده الحارث بن أبى شمر وعلى عهده كانت البعثة وكتب له النبي صلى الله عليه وسلم فيمن كتب إليه من ملوك تهامة والحجاز واليمن وبعث إليه شجاع بن وهب
الاسدي يدعوه إلى الاسلام ويرغبه في الدين كذا عند ابن اسحق وكان النعمان بن المنذر على عهد الحارث بن أبى شمر هذا وكانا يتنازعان في الرياسة ومذاهب المدح وكانت شعراء العرب تفد عليهما مثل الاعشى وحسان بن ثابت وغيرهما (ومن شعر حسان) رضى الله تعالى عنه في مدح أبناء جفنة لله در عصابة نادمتهم * يوما بجلق في الزمان الاول - أولاد جفنة حول قبر أبيهم * قبر ابن مارية الكريم المفضل - يغشون حتى ما تهر كلابهم * لا يسألون عن السواد المقبل - ثم ملك بعد الحارث بن أبى شمر ابنه النعمان ثم ملك بعده جبلة بن الايهم بن جبلة وجبلة جده وهو الذى ملك بعد أخويه شمر والمنذر (وقال ابن سعيد) أول من ملك من غسان بالشأم وأذهب ملك الضجاعم جفنة بن مزيقيا ونقل عن صاحب تواريخ الامم لما ملك جفنة بنى جلق وهى دمشق وملك خمسا وأربعين سنة واتصل الملك في بنيه إلى أن كان منهم الحارث الاعرج ابن أبى شمر وأمه مارية ذات القرطين من بنى جفنة بنت الهانئ المذكورة في شعر حسان بأرض البلقاء ومعان قال ابن قتيبة وهو الذى سار إليه المنذر بن ماء السماء من ملوك الحيرة في مائة ألف فبعث إليه الحارث مائة من قبائل العرب فيهم لبيد الشاعر وهو غلام فأظهروا انهم رسل في الصلح حتى إذا أحاطوا برواق المنذر فتكوا به وقتلوا جميع من كان معه في الرواق وركبوا خيولهم فمنهم من(2/280)
نجا ومنهم من قتل وحملت غسان على عسكر المنذر وقد اختبطوا فهزموهم وكانت حليمة بن الحارث تحرض الناس وهم منهزمون على القتال فسمى يوم حليمة ويقال ان النجوم ظهرت فيه بالنهار من كثرة العجاج ثم توالى الملك في ولد الحارث الاعرج إلى أن ملك منهم جفنة بن المنذر بن الحارث الاعرج وهو محرق لانه حرق الحيرة دار ملك آل النعمان وكان جوالا في الآفاق وملك ثلاثين سنة ثم كانت ثالثه في الملك
النعمان بن عمرو بن المنذر الذى بنى قصر السويدا وقصر حارت عند صيدا وهو مذكور في شعر النابغة ولم يكن أبوه ملكا وانما كان يغزو بالجيوش ثم ملك جبلة بن النعمان وكان منزله بصفين وهو صاحب عين اباغ يوم كانت له الهزيمة فيه على المنذر بن المنذر ابن ماء السماء وقتل المنذر في ذلك اليوم ثم اتصل الملك في تسعة منهم بعده وكان العاشر أبو كرب النعمان بن الحارث الذى رثاه النابغة وكان منزله بالجولان من جهة دمشق ثم ملك الايهم بن جبلة بن الحارث وكان له رأى في الافساد بين القبائل القبائل حتى أفنى بعضهم بعضا فعل ذلك ببنى جسر وعاملة وغيرهم وكان منزله بتدمر وملك بعده منهم خمسة فكان السادس منهم ابنه جبلة بن الايهم وهو آخر ملوكهم اه كلام ابن سعيد واستفحل ملك جبلة هذا وجاء الله بالاسلام وهو على ملكه ولما افتتح المسلمون الشأم أسلم جبلة وهاجر إلى المدينة واستشرف أهل المدينة لمقدمه حتى تطاول النساء من خدورهن لرؤيته لكرم وفادته وأحسن عمر رضى الله عنه نزله وأكرم وفادته وأجله بأرفع رتب المهاجرين ثم غلب عليه الشقاء ولطم رجلا من المسلمين من فزارة وطئ فضل ازاره وهو يسحبه في الارض ونابذه إلى عمر رضى الله عنه في القصاص فأخذته العزة بالاثم فقال له عمر رضى الله عنه لا بد أن أقيده منك فقال له اذن أرجع عن دينكم هذا الذى يقاد فيه للسوقة من الملوك فقال له عمر رضى الله عنه اذن أضرب عنقك فقال أمهلنى الليلة حتى أرى رأيى واحتمل رواحله وأسرى فتجاوز الدروب إلى قيصر ولم يزل بالقسطنطينية حتى مات سنة عشرين من الهجرة وفيما تذكره الثقات انه ندم ولم يزل باكيا على فعلته تلك وكان فيما يقال يبعث بالجوائز إلى حسان بن ثابت لما كان منه في مدح قومه ومدحه في الجاهلية (وعند ابن هشام) أن شجاع بن وهب انما بعثه رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى جبلة (قال المسعودي) جمع ملوك غسان بالشأم أحد عشر ملكا وقال ان النعمان والمنذر اخوة جبلة وأبى شمر وكلهم بنو الحارث بن جبلة بن الحارث بن ثعلبة ملكوا كلهم (قال) وقد ملك الروم على الشأم من غير آل جفنة مثل الحارث الاعرج وهو أبو شمر بن عمرو بن
الحارث بن عوف وعوف هذا جد ثعلبة بن عامر قاتل داود اللثق وملكوا عليهم أيضا أبا جبيلة بن عبد الله بن حبيب بن عبد حارثة بن مالك بن غضب بن جشم بن الخزرج بن(2/281)
ثعلبة بن مزيقيا وهو أبو جبيلة الذى استصرخه مالك بن العجلان على يهود يثرب حسبما نذكر بعد (وقال ابن سعيد) عن صاحب تواريخ الامم إن جميع ملوك بنى جفنة اثنان وثلاثون ومدتهم ستمائة سنة ولم يبق لغسان بالشأم قائمة وورث أرضهم بها قبيلة طيئ قال ابن سعيد وأمراؤهم بنو مرا وأما الآن فأمراؤهم بنو مهنا وهما معا لربيعة بن على بن مفرج بن بدر بن سالم بن على بن سالم بن قصة بن بدر بن سميع وقامت غسان بعد منصرفها من الشأم بأرض القسطنطينية حتى انقرض ملك القياصرة فتجهزوا إلى جبل شركس وهو ما بين بحر طبرستان وبحر نيطش الذى يمده خليج القسطنطينية وفي هذا الجبل باب الابواب وفيه من شعوب الترك المتنصرة الشركس وأركس واللاص وكسا ومعهم أخلاط من الفرس ويونان والشركس غالبون على جميعهم فانحازت قبائل غسان إلى هذا الجبل عند انقراض القياصرة والروم وتحالفوا معهم واختلطوا بهم ودخلت أنساب بعضهم في بعض حتى ليزعم كثير من الشركس أنهم من نسب غسان ولله حكمة بالغة في خلقه والله وارث الارض ومن عليها وهو خير الوارثين لا انقضاء لملكه ولا رب غيره(2/282)
هكذا ترتيب انسابهم وترتيب ملوكهم عند الجرجاني(2/283)
هكذا أنسابهم وترتيبهم عند المسعودي رحمه الله(2/284)
هكذا انسابهم وترتيبهم عند ابن سعد رحمه الله(2/285)
* (الخبر عن الاوس والخزرج أبناء قيلة من هذه الطبقة ملوك يثرب دار الهجرة وذكر أوليتهم والالمام بشأن نصرتهم وكيف انقراض أمرهم) * قد ذكرنا فيما تقدم شأن يثرب وأنها من بناء يثرب بن فانية بن مهلهل بن ارم بن عبيل ابن عوص وعبيل أخو عاد وفيما ذكر السهيلي أن يثرب ابن قائد بن عبيل بن مهلاييل ابن عوص بن عمليق بن لاوذ بن إرم وهذا أصح وأوجه وقد ذكرنا كيف صار أمر هؤلاء لاخوانهم جاسم من الامم العمالقة وان ملكهم كان يسمى الارقم وكيف تغلب بنو اسرائيل عليه وقتلوه وملكوا الحجاز دونه كله من أيدى العمالقة ويظهر من ذلك أن الحجاز لعهدهم كان آهلا بالعمران وجميع مياهه يشهد بذلك أن داود عليه السلام لما خلع بنو اسرائيل طاعته وخرجوا عليه بابنه اشبوشت فر مع سبط يهوذا إلى خيبر وملك ابنه الشأم وأقام هو وسبط يهوذا بخيبر سبع سنين في ملكه حتى قتل ابنه وعاد إلى الشأم فيظهر من هذا أن عمرانه كان متصلا بيثرب ويجاوزها إلى خيبر وقد ذكرنا هنا لك كيف أقام من بنى اسرائيل من أقام بالحجاز وكيف تبعتهم يهود خيبر وبنو قريظة (قال المسعودي) وكانت الحجاز إذ ذاك أشجر بلاد الله وأكثرها ماء فنزلوا بلاد يثرب واتخذوا بها الاموال وبنو الآطام والمنازل في كل موطن وملكوا أمر أنفسهم وانضافت إليهم قبائل من العرب نزلوا معهم واتخذوا الاطم والبيوت وأمرهم راجع إلى ملوك المقدس من عقب سليمان عليه السلام قال شاعر بنى نعيف ولو نطقت يوما قباء لخبرت * بأنا نزلنا قبل عاد وتبع - وآطامنا عادية مشمخرة * تلوح فتنعى من يعادى ويمنع - فلما خرج مزيقيا من اليمن وملك غسان بالشأم ثم هلك وملك ابنه ثعلبة العنقا ثم هلك ثعلبة العنقاء وولى أمرهم بعد ثعلبة عمرو ابن أخيه جفنة سخط مكانه ابنه حارثة فأجمع الرحلة إلى يثرب وأقام بنو جفنة بن عمرو ومن انضاف إليهم بالشأم ونزل حارثة
يثرب على يهود خيبر وسألهم الحلف والجوار على الامان والمنعة فأعطوه من ذلك ما سأل (قال ابن سعيد) وملك اليمن يومئذ شريب بن كعب فكانوا بادية لهم إلى أن انعكس الامر بالكثرة والغلبة (ومن كتاب الاغانى) لابي الفرج الاصفهانى قال بنو قريظة وبنو النضير الكاهنان من ولد الكوهن بن هرون عليه السلام كانوا بنواحي يثرب بعد موسى عليه السلام وقبل تفرق الازد من اليمن بسيل العرم ونزول الاوس والخزرج يثرب وذلك بعد الفجار ونقل ذلك عن على بن سليمان الاخفش بسنده إلى العماري قال ساكنوا المدينة العماليق وكانوا أهل عدوان وبغى وتفرقوا في البلاد وكان بالمدينة منهم بنو نعيف وبنو سعد وبنو الازرق وبنو نظرون وملك الحجاز منهم(2/286)
الارقم ما بين تيما إلى فدك وكانوا ملوك المدينة ولهم بها نخل وزرع وكان موسى عليه السلام قد بعث الجنود إلى الجبابرة يغزونهم وبعث إلى العمالقة جيشا من بنى اسرائيل وأمرهم أن لا يستبقوا أحدا فأبقوا ابنا للارقم ضنوا به على القتل فلما رجعوا بعد وفاة موسى عليه السلام وأخبروا بنى اسرائيل بشأنه فقالوا هذه معصية لا تدخلوا علينا الشأم فرجعوا إلى بلاد العمالقة ونزلوا المدينة وكان هذا أولية سكنى اليهود بيثرب وانتشروا في نواحيها واتخذوا بها الآطام والاموال والمزارع ولبثوا زمانا وظهر الروم على بنى اسرائيل بالشأم وقتلوهم وسبوا فخرج بنو النضير وبنو قريظة وبنو يهدل هاربين إلى الحجاز وتبعهم الروم فهلكوا عطشا في المفازة بين الشأم والحجاز وسمى الموضع ثمر الروم ولما قدم هؤلاء الثلاثة المدينة نزلوا العالية فوجدوها وبية وارتادوا ونزل بنو النضير مما يلى البهجان وبنو قريظة وبنو يهدل على نهروز وكان ممن سكن المدينة من اليهود حين نزلها الاوس والخزرج بنو الشقمة وبنو ثعلبة وبنو زرعة وبنو قينقاع وبنو يزيد وبنو النضير وبنو قريظة وبنو يهدل وبنو عوف وبنو عصص وكان بنو يزيد من بلى وبنو نعيف من بلى وبنو الشقمة من غسان وكان يقال لبنى قريظة
وبنى النضير الكاهنان كما مر فلما سيل العرم وخرجت الازد نزلت ازد شنوءة الشأم بالسراة وخزاعة بطوى ونزلت غسان بصرى وأرض الشأم ونزلت ازد عمان الطائف ونزلت الاوس والخزرج يثرب نزلوا في ضرار بعضهم بالضاحية وبعضهم بالقرى مع أهلها ولم يكونوا أهل نعم وشاء لان المدينة كانت ليست بلاد مرعى ولا نخل لهم ولا زرع الا الاعذاق اليسيرة والمزرعة يستخرجها من الموات والاموال لليهود فلبثوا حينا ثم وفد مالك بن عجلان إلى أبى جبيلة الغساني وهو يومئذ ملك غسان فسأله فأخبره عن ضيق معاشهم فقال ما بالكم لم تغلبوهم حين غلبنا أهل بلدنا ووعده أنه يسير إليهم فينصرهم فرجع مالك وأخبرهم أن الملك أبا جبيلة يزورهم فأعدوا له نزلا فأقبل ونزل بذى حرش وبعث إلى الاوس والخزرج بقدومه وخشى أن يتحصن منه اليهود في الآطام فاتخذ حائرا وبعث إليهم فجاؤه في خواصهم وحشمهم وأذن لهم في دخول الحائر وأمر جنوده فقتلوهم رجلا رجلا إلى أن أتوا عليهم وقال للاوس والخزرج ان لم تغلبوا على البلاد بعد قتل هؤلاء فلا حرقنكم ورجع إلى الشأم فأقاموا في عداوة مع اليهود ثم اجمع مالك بن العجلان وصنع لهم طعاما ودعاهم فامتنعوا لغدرة ابى جبيلة فاعتذر لهم مالك عنها وأنه لا يقصد نحو ذلك فأجابوه وجاؤا إليه فغدرهم وقتل منهم سبعة وثمانين من رؤسائهم وفطن الباقون فرجعوا وصورت اليهود بالحجاز مالك بن العجلان في كنائسهم وبيعهم وكانوا يلعنونه كلما دخلوا ولما قتلهم مالك ذلوا وخافوا وتركوا مشى بعضهم(2/287)
إلى بعض في الفتنة كما كانوا يفعلون من قبل وكان كل قوم من اليهود قد لجأوا إلى بطن من الاوس والخزرج يستنصرون بهم ويكونون لهم أحلافا اه كلام الاغانى (وكان) لحارثة بن ثعلبة ولدان أحدهما أوس والآخر خزرج وأمهما قيلة بنت الارقم بن عمرو ابن جفنة وقيل بنت كاهن بن عذرة من قضاعة فأقاموا كذلك زمانا حتى أثروا وامتنعوا في جانبهم وكثر نسلهم وشعوبهم فكان بنو الاوس كلهم لمالك بن الاوس
منهم خطمة بن جشم بن مالك وثعلبة ولوذان وعوف كلهم بنو عمرو بن عوف بن مالك ومن بنى عوف بن عمر وحنش ومالك وكلفة كلهم بنو عوف ومن مالك بن عوف معاوية وزيد فمن زيد عبيد وضبيعة وأمية ومن كلفة بن عوف جحجبا بن كلفة ومن مالك بن الاوس أيضا الحارث وكعب ابنا الخزرج بن عمرو بن مالك فمن كعب بنو ظفر ومن الحارث بن الخزرج حارثة وجشم ومن جشم بنو عبد الاشهل ومن مالك بن الاوس أيضا بنو سعد وبنو عامر ابنا مرة بن مالك فبنو سعد الجعادرة ومن بنى عامر عطية وأمية ووائل كلهم بنو زيد بن قيس بن عامر ومن مالك بن الاوس أيضا أسلم وواقف بنو امرئ القيس بن مالك فهذه بطون الاوس (وأما الخزرج) فخمسة بطون من كعب وعمرو وعوف وجشم والحارث فمن كعب بن الخزرج بنو ساعدة بن كعب ومن عمرو بن الخزرج بنو النجار وهم تيم الله بن ثعلبة بن عمرو وهم شعوب كثيرة بنو مالك وبنو عدى وبنو مازن وبنو دينار كلهم بنو النجار ومن مالك بن النجار مبدول واسمه عامر وغانم وعمرو ومن عمرو عدى ومعاوية ومن عوف بن الخزرج بنو سالم والقواقل وهما عوف بن عمرو بن عوف والقواقل ثعلبة ومرضخة بنو قوقل بن عوف ومن سالم بن عوف بنو العجلان بن زيد بن عصم بن سالم وبنو سالم بن عوف ومن جشم بن الخزرج بنو غضب بن جشم وتزيد بن جشم فمن غضب بن جشم بنو بياضة وبنو زريق ابنا عامر بن زريق بن عبد حارثة ابن مالك بن غضب ومن تزيد بن جشم بنو سلمة بن سعد بن على بن راشد بن ساردة بن تزيد ومن الحارث بن الخزرج بنو خدرة وبنو حرام ابنا عوف بن الحارث بن الخزرج فهذه بطون الخزرج فلما انتشر بيثرب هذان الحيان من الاوس والخزرج وكثروا يهود خافوهم على أنفسهم فنقضوا الحلف الذى عقدوه لهم وكانت العزة يومئذ بيثرب لليهود قال قيس بن الحطيم كنا إذا رابنا قوم بمظلمة * شدت لنا الكاهنان احيل واعتزموا - بنو الرهون وواسونا بأنفسهم * بنو الصريخ فقد عفوا وقد كرموا -
ثم نتج فيهم بعد حين مالك بن العجلان وقد ذكر نسب العجلان فعظم شأن مالك وسوده الحيان فلما نقض يهود الحلف واقعهم وأصاب منهم ولحق بأبى جبيلة ملك غسان(2/288)
بالشام وقيل بعث إليه الرنق بن زيد بن امرئ القيس فقدم عليه فأنشده أقسمت أطعم من رزق قطرة * حتى تكثر للنجاة رحيل 2 - حتى ألاقى معشرا انى لهم * خل وما لهم لنا مبذول - أرض لنا تدعى قبائل سالم * ويجيب فيها مالك وسلول - قوم أو لو عز وعزة غيرهم * ان الغريب ولو يعز ذليل - فأعجبه وخرج في نصرتهم وأبو جبيلة هو ابن عبد الله بن حبيب بن عبد حارثة بن مالك بن غضب بن جشم بن الخزرج كان حبيب بن عبد حارثة وأخوه غانم ابنا الجشمى ساروا مع غسان إلى الشأم وفارقوا الخزرج ولما خرج أبو جبيلة إلى يثرب لنصرة الاوس والخزرج لقيه أبناء قيلة وأخبروه أن يهود علموا بقصده فتحصنوا في آطامهم فورى عن قصده باليمن وخرجوا إليه فدعاهم إلى صنيع أعده لرؤسائهم ثم استلحمهم فعزت الاوس والخزرج من يومئذ وتفرقوا في عالية يثرب وسافلتها يتبوءون منها حيث شاؤا وملكت أمرها على يهود فذلت اليهود وقل عددهم وعلت قدم أبناء قيلة عليهم فلم يكن لهم امتناع الا بحصونهم وتفرقهم أحزابا على الحيين إذا اشتجرا (وفي كتاب ابن اسحق) ان تبعا أبا كرب غزا المشرق فمر بالمدينة وخلف بين أظهرهم ابنا له فقتل غيلة فلما رجع أجمع على تخريبها واستئصال أهلها فجمع له هذا الحى من الانصار ورئيسهم عمرو بن ظلة وظلة أمه وأبوه معاوية بن عمرو (قال ابن اسحق) وقد كان رجل من بنى عدى بن النجار يقال له أحمر نزل بهم تبع وقال انما التمر لمن أبره فزاد ذلك تبعا حنقا عليهم فاقتتلوا وقال ابن قتيبة في هذه الحكاية ان الذى عدا على التبعى هو مالك بن العجلان وأنكره السهيلي وفرق بين القصتين بأن عمرو بن ظلة كان لعهد تبع ومالك بن العجلان
لعهد أبى جبيلة واستبعد ما بين الزمانين ولم يزل هذان الحيان قد غلبوا اليهود على يثرب وكان الاعتزاز والمنعة تعرف لهم في ذلك ويدخل في حلفهم من جاورهم من قبائل مضر وكانت قد تكون بينهم في الحيين فتن وحروب ويستصرخ كل بمن دخل في حلفه من العرب ويهود (قال ابن سعيد) ورحل عمرو بن الاطنابة من الخزرج إلى النعمان ابن المنذر ملك الحيرة فملكه على الحيرة واتصلت الرياسة في الخزرج والحرب بينهم وبين الاوس ومن أشهر الوقائع التى كانت بينهم يوم بعاث قبل المبعث كان على الخزرج فيه عمرو بن النعمان بن صلاة بن عمرو بن أمية بن عامر بن بياضة وكان على الاوس يومئذ حضير الكتائب ابن سماك بن عتيك بن امرئ القيس بن زيد بن عبد الاشهل وكان حلفاء الخزرج يومئذ أشج من غطفان وجهينة من قضاعة وحلفاء الاوس مزينة من أحياء طلحة بن اياس وقريظة والنضير من يهود وكان الغلب صدر النهار للخزرج ثم نزل حضير(2/289)
وحلف لا أركب أو اقتل فتراجعت الاوس وحلفاؤها وانهزم الخزرج وقتل عمرو بن النعمان رئيسهم وكان آخر الايام بينهم وصبحهم الاسلام وقد سئموا الحرب وكرهوا الفتنة فأجمعوا على أن يتوجوا عبد الله بن أبى ابن سلول ثم اجتمع أهل العقبة منهم بالنبي صلى الله عليه وسلم بمكة ودعاهم إلى نصرة الاسلام فجاؤا إلى قومهم بالخبر كما نذكر وأجابوا واجتمعوا على نصرته ورئيس الخزرج سعد بن عبادة والاوس سعد بن معاذ قالت عائشة كان يوم بعات يوما قدمه الله لرسوله ولما بلغهم خبر مبعث النبي صلى الله عليه وسلم بمكة وما جاء به من الدين وكيف أعرض قومه عنه وكذبوه وآذوه وكان بينهم وبين قريش اخاء قديم وصهر فبعث أبو قيس بن الاسلت من بنى مرة بن مالك بن الاوس ثم من بنى وائل منهم واسمه صيفي بن عامر بن شحم بن وائل وكان يحبهم لمكان صهره فيهم فكتب إليهم قصيدة يعظم لهم فيها الحرمة ويذكر فضلهم وحلمهم وينهاهم عن الحرب ويأمرهم بالكف عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ويذكرهم بما رفع الله عنهم من أمر
الفيل وأولها أيا راكبا إما عرضت فبلغن * مقالة أوسى لؤى بن غالب - تناهز خمسا وثلاثين بيتا ذكرها ابن اسحق في كتاب السير فكان ذلك أول ما ألقح بينهم من الخير والايمان وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم لما يئس من اسلام قومه يعرض نفسه على وفود العرب وحجاجهم أيام الموسم أن يقوموا بدين الاسلام وبنصره حتى يبلغ ما جاء به من عند الله وقريش يصدونهم عنه ويرمونه بالجنون والشعر والسحر كما نطق به القرآن وبينما هو في بعض المواسم عند العقبة لقى رهطا من الخزرج ست نفر اثنان من بنى غانم بن مالك وهما أسعد بن زرارة بن عدى بن عبيد الله بن ثعلبة بن غانم وعوف بن الحرث بن رفاعة بن سواد بن مالك بن غانم وهو ابن عفراء ومن بنى زريق بن عامر رافع بن مالك بن العجلان بن عمرو بن عامر بن زريق ومن بنى غانم بن كعب بن سلمة بن سعد بن عبد الله بن عمرو بن الحرث بن ثعلبة بن الحرث بن حرام بن كعب بن غانم كعب بن رئاب بن غانم وقطبة بن عامر بن حديدة بن عمرو بن غانم بن سواد بن غانم وعقبة بن عامر بن نابى بن زيد بن حرام بن كعب بن غانم فلما لقيهم قال لهم من أنتم قالوا نفر من الخزرج قال أمن موالى يهود قالوا نعم فقال ألا تجلسون أكلمكم فجلسوا معه فدعاهم إلى الله وعرض عليهم الاسلام وتلا عليهم القرآن فقال بعضهم لبعض تعلموا والله انه النبي الذى تعدكم يهود به فلا يسبقنكم إليه فأجابوه فيما دعاهم وصدقوه وآمنوا به وأرجأوا الامر في نصرته إلى لقاء قومهم وقدموا المدينة فذكروا لقومهم شأن النبي صلى الله عليه وسلم ودعوهم إلى الاسلام ففشا فيهم فلم تبق دار من دور الانصار الا وفيها ذكر رسول(2/290)
الله صلى الله عليه وسلم ثم وافى الموسم في العام المقبل اثنا عشر منهم فوافوه بالعقبة وهى العقبة الاولى وهم أسعد بن زرارة وعوف بن الحرث وأخوه معاذ ابنا عفراء ورافع بن مالك بن العجلان وعقبة بن عامر من الستة الاولى وستة آخرون منهم من بنى غانم بن
عوف من القواقل منهم عبادة بن الصامت بن قيس بن أصرم بن فهر بن ثعلبة بن غانم ومن بنى زريق ذكوان بن عبد القيس بن خلدة بن مخلد بن عامر بن زريق والعباس بن عبادة بن نضلة بن مالك بن العجلان هؤلاء التسعة من الخزرج وأبو عبد الرحمن بن زيد ابن ثعلبة بن خزيمة بن أصرم بن عمرو بن عمارة من بنى عصية من بلى احدى بطون قضاعة حليف لهم ومن الاوس رجلان الهيثم بن التيهان واسمه مالك بن التيهان بن مالك بن عتيك بن امرئ القيس بن زيد بن عبد الاشهل وعويم بن ساعدة من بنى عمرو ابن عوف فبايعوه على الاسلام بيعة النساء وذلك قبل أن يفترض الحرب ومعناه انه حينئذ لم يؤمر بالجهاد وكانت البيعة على الاسلام فقط كما وقع في بيعة النساء على أن لا يشركن بالله شيئا ولا يسرقن ولا يزنين ولا يقتلن أولادهن الآية وقال لهم فان وفيتم فلكم الجنة وان غشيتم من ذلك شيئا فأخذتم بحده في الدنيا فهو كفارة له وان سترتم عليه في الدنيا إلى يوم القيامة فأمركم إلى الله ان شاء عذب وان شاء غفر وبعث معهم مصعب ابن عمير بن هاشم بن عبد مناف بن عبد الدار بن قصى يقريهم القرآن ويعلمهم الاسلام ويفقههم في الدين فكان يصلى بهم وكان منزله على اسعد بن زرارة وغلب الاسلام في الخزرج وفشا فيهم وبلغ المسلمون من أهل يثرب أربعين رجلا فجمعوا ثم أسلم من الاوس سعد بن معاذ بن النعمان بن امرئ القيس بن زيد بن عبد الاشهل وابن عمه أسيد ابن حضير الكتائب وهما سيدا بنى عبد الاشهل وأوعب الاسلام بنى عبد الاشهل وأخذ من كل بطن من الاوس ما عدا بنى أمية بن زيد وخطمة ووائل وواقف وهى أوس أمه من الاوس من بنى حارثة ووقف بهم عن الاسلام أبو قيس بن الاسلت يرى رأيه حتى مضى صدر من الاسلام ولم يبق دار من دور أبناء قيلة الا وفيها رجال ونساء مسلمون ثم رجع مصعب إلى مكة وقدم المسلمون من أهل المدينة معه فواعدوا رسول الله صلى الله عليه وسلم العقبة من أوسط أيام التشريق فبايعوه وكانوا ثلثمائة وسبعين رجلا وامرأتين بايعوه على الاسلام وأن يمنعوه ممن أراده بسوء ولو كان دون ذلك القتل
وأخذ عليهم النقباء اثنى عشر تسعة من الخزرج وثلاثة من الاوس وأسلم ليلتئذ عبد الله بن عمرو بن حرام أبو جابر بن عبد الله وكان أول من بايع البراء بن معرور من بنى تزيد بن جشم من الخزرج وصرخ الشيطان بمكانهم مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وتنطست قريش الخبر فوجدوه قد كان فخرجوا في طلب القوم وأدركوا سعد بن عبادة وأخذوه(2/291)
وربطوه حتى أطلقه جبير بن مطعم بن عدى بن نوفل والحرث بن حرب بن أمية بن عبد شمس لجوار كان له عليهما ببلده فلما قدم المسلمون المدينة أظهروا الاسلام ثم كانت بيعة الحرب حتى أذن الله لرسوله صلى الله عليه وسلم في القتال فبايعوه على السمع والطاعة في العسر واليسر والمنشط والمكره وأثرته عليهم وأن لا ينازعوا الامر أهله وان يقوموا بالحق أينما كانوا ولا يخافوا في الله لومة لائم ولما تمت بيعة العقبة وأذن الله لنبيه في الحرب أمر المهاجرين الذين كانوا يؤذون بمكة أن يلحقوا باخوانهم من الانصار بالمدينة فخرجوا أرسالا وأقام هو بمكة ينتظر الاذن في الهجرة فهاجر من المسلمين كثير سماهم ابن اسحق وغيره (وكان عمر بن الخطاب) رضى الله عنه فيمن هاجر هو وأخوه زيد وطلحة بن عبيد الله وحمزة بن عبد المطلب وزيد بن حارثة وأنيسة وأبو كبشة موالى رسول الله صلى الله عليه وسلم وعبد الرحمن بن عوف والزبير بن العوام وعثمان بن عفان رضى الله عنهم ثم أذن لرسول الله صلى الله عليه وسلم في الهجرة فهاجر وصحبه أبو بكر رضى الله عنه فقدم المدينة ونزل في الاوس على كلثوم بن مطعم بن امرئ القيس بن الحرث ابن زيد بن عبيد بن مالك بن عوف وسيد الخزرج يومئذ عبد الله بن أبى ابن سلول وأبى هو ابن مالك بن الحرث بن عبيد واسم ام عبيد سلول وعبيد هو ابن مالك بن سالم بن غانم ابن عوف بن غانم بن مالك بن النجار وقد نظموا له الخرز ليملكوه على الحيين فغلب على أمره واجتمعت أبناء قيلة كلهم على الاسلام فضغن لذلك لكنه أظهر ان يكون له اسم منه فأعطى الصفقة وطوى على النفاق كما يذكر بعد وسيد الاوس يومئذ أبو عامر بن عبد عمرو
ابن صيفي بن النعمان أحد بنى ضبيعة بن زيد فخرج إلى مكة هاربا من الاسلام حين رأى اجتماع قومه إلى النبي صلى الله عليه وسلم بغضا في الدين ولما فتحت مكة فر إلى الطائف ولما فتح الطائف فر إلى للشأم فمات هنا لك (ونزل رسول الله صلى الله عليه وسلم على أبى أيوب الانصاري حتى ابتنى مساكنه ومسجده ثم انتقل إلى بيته وتلاحق به المهاجرون واستوعب الاسلام سائر الاوس والخزرج وسموا الانصار يومئذ بما نصروا من دينه وخطبهم النبي صلى الله عليه وسلم وذكرهم وكتب بين المهاجرين والانصار كتابا وادع فيه يهود وعاهدهم وأقرهم على دينهم وأموالهم واشترط عليهم وشرط لهم كما يفيده كتاب ابن اسحق فلينظر هنا لك ثم كانت الحرب بين رسول الله صلى الله عليه وسلم وبين قومه فغزاهم وغزوه وكانت حروبهم سجالا ثم كان الظهور والظفر لرسول الله صلى الله عليه وسلم آخرا كما نذكر في سيرته صلى الله عليه وسلم وصبر الانصار في المواطن كلها واستشهد من اشرافهم ورجالاتهم كثير هلكوا في سبيل الله وجهاد عدوه ونقض اثناء ذلك اليهود الذين بيثرب على المهاجرين والانصار ما كتب رسول الله صلى الله عليه وسلم ظاهروا(2/292)
عليه فأذن الله لنبيه صلى الله عليه وسلم فيهم وحاصرهم طائفة بعد أخرى وأما بنو قينقاع فانهم تثاوروا مع المسلمين بسيوفهم وقتلوا مسلما وأما بنو النضير وقريظة فمنهم من قتله الله وأجلاه فأما بنو النضير فكان من شأنهم بعد أحد وبعد بئر معونة جاءهم رسول الله صلى الله عليه وسلم يستعينهم في دية العامريين اللذين قتلهما عمرو بن أمية من القرى ولم يكن علم بعقدهم مع رسول الله صلى الله عليه وسلم حسبما نذكره فهموا بقتل رسول الله صلى الله عليه وسلم حين جاءهم لذلك خديعة منهم ومكرا فحاصرهم حتى نزلوا على الجلاء وان يحملوا ما استقلت به الابل من أموالهم الا الحلقة وافترقوا في خيبر وبنى قريظة وأما بنو قريظة فظاهروا قريشا في غزوة الخندق فلما فرج الله كما نذكره حاصرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم خمسا وعشرين ليلة حتى نزلوا على حكمه وكلمته وشفع
الاوس فيهم وقالوا تهبهم لنا كما وهبت بنى قينقاع للخزرج فرد حكمهم إلى سعد بن معاذ وكان جريحا في المسجد أثبت في غزوة الخندق فجاء وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم بم تحكم في هؤلاء بعد ان استحلف الاوس انهم راضون بحكمه فقال يا رسول الله تضرب الاعناق وتسبى الاموال والذرية فقال حكمت بحكم الله من فوق سبعة أرقعة فقتلوا عن آخرهم وهم ما بين الستمائة والتسعمائة (ثم خرج إلى خيبر) بعد الحديبية سنة ست فحاصرهم وافتتحها عنوة وضرب رقاب اليهود وسبى نساءهم وكان في السبى صفية بنت حيى بن أخطب وكان أبوها قتل مع بنى قريظة وكانت تحت كنانة بن الربيع بن أبى الحقيق وقتله محمد بن مسلمة غزاه من المدينة بأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم في ستة نفر فبيته فلما افتتحت خيبر اصطفاها رسول الله صلى الله عليه وسلم لنفسه وقسم الغنائم في الناس من القمح والتمر وكان عدد السهام التى قسمت عليها أموال خيبر ألف سهم وثمانمائة سهم برجالهم وخيلهم الرجال ألف وأربعمائة والخيل مائتان وكانت أرضهم الشق ونطاة والكتيبة فحصلت الكتيبة لرسول الله صلى الله عليه وسلم والخمس ففرقها على قرابته ونسائه ومن وصلهم من المسلمين وأعمل أهل خيبر على المساقاة ولم يزالوا كذلك حتى أجلاهم عمر رضى الله عنه (و لما كان فتح مكة سنة ثمان وغزوة حنين على أثرها وقسم رسول الله صلى الله عليه وسلم الغنائم فيمن كان يستألفه على الاسلام من قريش وسواهم وجد الانصار في أنفسهم وقالوا سيوفنا تقطر من دمائهم وغنائمنا تقسم فيهم مع انهم كانوا ظنوا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا فتح بلاده وجمع على الدين قومه انه سيقيم بأرضه وله غنية عنهم وسمعوا ذلك من بعض المنافقين وبلغ ذلك كله رسول الله صلى الله عليه وسلم فجمعهم وقال يا معشر الانصار ما الذى بلغكم عنى فصدقوه الحديث فقال ألم تكونوا ضلالا فهداكم الله بى وعالة فأغناكم الله(2/293)
ومتفرقين فجمعكم الله فقالوا الله ورسوله أمن فقال لو شئتم لقلتم جئتنا طريدا فآويناك
ومكذبا فصدقناك ولكن والله انى لاعطى رجالا استألفهم على الدين وغيرهم أحب إلى ألا ترضون ان ينقلب الناس بالشاء والبعير وتنقلبون برسول الله صلى الله عليه وسلم إلى رحالكم أما والذى نفسي بيده لولا الهجرة لكنت امرأ من الانصار الناس دثار وأنتم شعار ولو ملك الناس شعبا وسلكت الانصار شعبا لسلكت شعب الانصار ففرحوا بذلك ورجعوا برسول الله صلى الله عليه وسلم إلى يثرب فلم يزل بين أظهرهم إلى ان قبضه الله إليه (ولما كان يوم وفاته صلى الله عليه وسلم) اجتمعت الانصار في سقيفة بنى ساعدة بن كعب ودعت الخزرج إلى بيعة سعد بن عبادة وقالوا لقريش منا أمير ومنكم أمير ضنا بالامر أو بعضه فيهم لما كان من قيامهم بنصر رسول الله صلى الله عليه وسلم وامتنع المهاجرون واحتجوا عليهم بوصية رسول الله صلى الله عليه وسلم اياهم بالانصار في الخطبة ولم يخطب بعدها قال أوصيكم بالانصار انهم كرشى وعيبتى وقد قضوا الذى عليهم وبقى الذى لهم فأوصيكم بأن تحسنوا إلى محسنهم وتتجاوزوا عن مسيئهم فلو كانت الامارة لكم لكانت ولم تكن الوصية بكم فحجوهم فقام بشير بن سعد بن ثعلبة بن خلاس بن زيد بن مالك بن الاغر بن ثعلبة بن كعب بن الخزرج بن الحرث بن الخزرج فبايع لابي بكر واتبعه الناس فقال حباب بن المنذر بن الجموح بن حرام بن كعب بن غانم بن سلمة بن سعد يا بشير أنفست بها ابن عمك يعنى الامارة قال لا والله ولكني كرهت أن أنازع الحق قوما جعله الله لهم فلما رأى الاوس ما صنع بشير بن سعد وكانوا لا يريدون الامر للخزرج قاموا فبايعوا أبا بكر ووجد سعد فتخلف عن البيعة ولحق بالشأم إلى ان هلك وقتله الجن فيما يزعمون وينشدون من شعر الجن نحن قتلنا سيد الخزرج سعد بن عباده * ضربناه بسهم فلم تخط فؤاده - وكان لابنه قيس من بعده غناء في الايام * وأثرا في فتوحات الاسلام * وكان له انحياش إلى على في حروبه مع معاوية وهو القائل لمعاوية بعد مهلك على رضى الله عنه وقد عرض به معاوية في تشيعه فقال والآن ماذا يا معاوية والله ان القلوب التى
أبغضناك بها لفى صدورنا وان السيوف التى قاتلناك بها لعلى عواتقنا وكان أجود العرب وأعظمهم جثمانا يقال انه كان إذا ركب تخط رجلاه الارض ولما ولى يزيد بن معاوية وظهر من عسفه وجوره وادالته الباطل من الحق ما هو معروف امتعضوا للدين وبايعوا لعبد الله بن الزبير حين خرجوا بمكة واجتمعوا على حنظلة بن عبد الله الغسيل ابن أبى عامر بن عبد عمرو بن صيفي بن النعمان بن مالك بن صيفي بن أميه بن ضبيعة ابن زيد وعقد ابن الزبير لعبد الله بن مطيع بن اياس على المهاجرين معهم وسرح يزيد(2/294)
إليهم مسلم بن عقبة المرى وهو عقبة بن رباح بن أسعد بن ربيعة بن عامر بن مرة بن عوف ابن سعد بن دينار بن بغيض بن ريث بن غطفان فيمن فرض عليه من بعوث الشأم والمهاجرين فالتقوا بالحرة حرة بنى زهرة وكانت الدبرة على الانصار واستلحمهم جنود يزيد ويقال انه قتل في ذلك اليوم من المهاجرين والانصار سبعون بدريا وهلك عبد الله ابن حنظلة يومئذ فيمن هلك وكانت احدى الكبر التى أتاها يزيد واستفحل ملك الاسلام من بعد ذلك واتسعت دولة العرب وافترقت قبائل المهاجرين والانصار في قاصية الثغور بالعراق والشأم والاندلس وافريقية والمغرب حامية ومرابطين فافترق الحى أجمع من أبناء قيلة وافترقت وأقفرت منهم يثرب ودرسوا فيمن درس من الامم وتلك أمة قد خلت لها ما كسبت ولكم ما كسبتم والله وارث الارض ومن عليها وهو خير الوارثين لا خالق سواه ولا معبود الا اياه ولا خير الا خيره ولا رب غيره وهو نعم المولى ونعم النصير ولا حول ولا قوة الا بالله العلى العظيم وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم والحمد لله رب العالمين(2/295)
* (الخبر عن بنى عدنان وأنسابهم وشعوبهم وما كان لهم من الدول والملك في الاسلام وأولية ذلك ومصايره) *
قد تقدم لنا ان نسب عدنان إلى اسمعيل عليه السلام باتفاق من النسابين وان الآباء بينه وبين اسمعيل غير معروفة وتنقلب في غالب الامر مخلطة مختلفة بالقلة والكثرة في العدد حسبما ذكرناه فأما نسبته إليه فصحيحة في الغالب ونسب النبي صلى الله عليه وسلم منها إلى عدنان صحيح باتفاق من النسابين وأما بين عدنان واسمعيل فبين الناس فيه اختلاف كثير فقيل من ولد نابت بن اسمعيل وهو عدنان بن أدد المقدم ابن ناحور بن تنوخ بن يعرب بن يشجب بن نابت قاله البيهقى وقيل من ولد قيذار بن اسمعيل وهو عدنان بن أدد بن اليسع بن الهميسع بن سلامان بن نبت بن حمل بن قيذار قاله الجرجاني على بن عبد العزيز النسابة وقيل عدنان بن أدد بن يشجب بن أيوب بن قيذار ويقال ان قصى بن كلاب كان يومى شعره بالانتساب إلى قيذار (ونقل) القرطبى عن هشام ابن محمد فيما بين عدنان وقيذار نحوا من أربعين أبا وقال سمعت رجلا من أهل تدمر من مسلمة يهود وممن قرأ كتبهم يذكر نسب معد بن عدنان إلى اسمعيل من كتاب ارمياء النبي عليه السلام وهو يقرب من هذا النسب في العدد والاسماء الا قليلا ولعل الخلاف انما جاء من قبل اللغة لان الاسماء ترجمت من العبرانية ونقل القرطبى عن الزبير بن بكار بسنده إلى ابن شهاب فيما بين عدنان وقيذار قريبا من ذلك العدد ونقل عن بعض النسابين انه حفظ لمعد بن عدنان أربعين أبا إلى اسمعيل وانه قابل ذلك بما عند أهل الكتاب في نفسه فوجده موافقا وانما خالف في بعض الاسماء قال واستمليته فأملاه على ونقله الطبري إلى آخره (ومن النسابين) من يعد بين عدنان واسمعيل عشرين أو خمسة عشر ونحو ذلك وفي الصحيح عن أم سلمة عن النبي صلى الله عليه وسلم انه قال معد بن عدنان بن أدد بن زيد بن برا بن أعراق الثرا قالت أم سلمة وزيد هو الهميسع وبرا هو نبت أو نابت واعراق الثرى هو اسمعيل وقد تقدم هذا أول الكتاب وان السهيلي رد تفسير أم سلمة وقال ليس المراد بالحديث عد الآباء بين معد واسمعيل وانما معناه معنى قوله في الحديث الآخر أنتم بنو آدم وآدم من التراب وعضد ذلك باتفاق النسابين على بعد المدة
بين عدنان واسمعيل بحيث يستحيل في العادة أن يكون بينهما أربعة آباء أو خمسة أو عشرة إذ المدة أطول من هذا كله بكثير وكان لعدنان من الولد على ما قال الطبري ستة الربب وهو عك وعرق وبه سميت عرق اليمن وأدوابى والضحاك وعبق وأمهم مهدد قال هشام بن محمد هي من جديس وقيل من طسم وقيل من الطواسيم من نسل لفشان ابن ابراهيم (قال الطبري) ولما قتل أهل حضورا شعيب بن مهدم نبيهم أوحى الله(2/298)
إلى ارميا وابرخيا من أنبياء بنى اسرائيل بأن يأمرا بختنصر يغزو العرب ويعلماه ان الله سلطه عليهم وان يحتملا معد بن عدنان إلى أرضهم ويستنقذاه من الهلكة لما أراده من شأن النبوة المحمدية في عقبه كما مر ذلك من قبل فحملاه على البراق ابن ثنتى عشرة سنة وخلصا به إلى حران فأقام عندهما وعلماه علم كتابهما وسار بختنصر إلى العرب فلقيه عدنان فيمن اجتمع إليه من حضورا وغيرهم بذات عرق فهزمهم بختنصر وقتلهم أجمعين ورجع إلى بابل بالغنائم والسبي وألقاها بالانبار ومات عدنان عقب ذلك وبقيت بلاد العرب خرابا حقبا من الدهر حتى إذا هلك بختنصر خرج معد في أنبياء بنى اسرائيل إلى مكة فحجوا وحج معهم ووجد أخويه وعمومته من بنى عدنان قد لحقوا بطوائف اليمن وتزوجوا فيهم وتعطف عليهم أهل اليمن بولادة جرهم فرجعهم إلى بلادهم وسأل عمن بقى من أولاد الحرث بن مضاض الجرهمى فقيل له بقى جرهم بن جلهة فتزوج ابنته معانة وولدت له نزار بن معد (وأما) مواطن بنى عدنان هؤلاء فهى مختصة بنجد وكلها بادية رحالة الا قريشا بمكة ونجد هو المرتفع من جانبى الحجاز وطوله مسيرة شهر من أول السروات التى تلى اليمن إلى آخرها المطلة على أرض الشأم مع طول تهامة وأوله في أرض الحجاز من جهة العراق العذيب مما يلى الكوفة وهو ماء لبنى تميم وإذا دخلت في أرض الحجاز فقد انجدت وأوله من جهة تهامة الحجاز حضن ولذلك يقال أنجد من رأى حضنا قال السهيلي وهو جبل متصل بجبل الطائف الذى هو اعلى نجد تبيض فيه النسور قال
وسكانه بنو جشم بن بكر وهو أول حدود نجد وأرض تهامة من الحجاز في قرب نجد مما يلى بحر القلزم في سمت مكة والمدينة وتيما وأيلة وفي شرقها بينها وبين جبل نجد غير بعيد منها العوالي وهى ما ارتفع عن هذه الارض ثم تعلو عن السروات ثم ترتفع إلى نجد وهى أعلاها والعوالى والسروات بلاد تفصل بين تهامة ونجد متصلة من اليمن إلى الشأم كسروات الخيل تخرج من نجد منفصلة من تهامة داخلة في بلاد أهل الوبر وفي شرقي هذا الجبل برية نجد ما بينه وبين العراق متصلة باليمامة وعمان والبحرين إلى البصرة وفي هذه البرية مشاتى للعرب تشتو بها منهم خلق أحياء لا يحصيهم الا خالقهم (قال السهيلي) واختص بنجد من العرب بنو عدنان لم تزاحمهم فيه قحطان الا طيئ من كهلان فيما بين الجبلين سلمى وأجأ وافترق أيضا من عدنان في تهامة والحجاز ثم في العراق والجزيرة ثم افترقوا بعد الاسلام على الاوطان (وأما) شعوبهم فمن عدنان عك ومعد فمواطن عك في نواحى زبيد ويقال عك ابن الديث بالدال غير منقوطة والثاء مثلثة ابن عدنان ويقال أن عكا هذا هو ابن عدثان بالثاء المثلثة ابن عبد الله من بطون الازد ومن عك بن عدثان بنو عايق بن الشاهد بن علقمة بن عك بطن متسع كان منهم(2/299)
في الاسلام رؤساء وأمراء (وأما معد) فهو البطن العظيم ومنه تناسل عقب عدنان كلهم وهو الذى تقدم الخبر عنه بأن أرمياء النبي من بنى اسرائيل أوحى الله إليه أن يأمر بختنصر بالانتقام من العرب وأن يحمل معدا على البراق أن تصيبه النقمة لانه مستخرج من صلبه نبيا كريما خاتما للرسل فكان كذلك ومن ولده إياد ونزار ويقال وقنص وانمار فأما قنص فكانت له الامارة بعد أبيه على العرب وأراد اخراج أخيه نزار من الحرم فأخرجوه أهل مكة وقدموا عليه نزارا ولما احتضر قسم ماله بين ولديه فجعل لربيعة الفرس ولمضر القبة الحمراء ولانمار الحمار ولاياد عند من جعله من ولده الحلمة والعصا ثم تحاكموا في هذا الميراث إلى أفعى نجران في قصة معروفة
ليست من غرض الكتاب (وأما إياد) فتشعبوا بطونا كثيرة وتكاثر بنو اسمعيل وانفرد بنو مضر بن نزار برياسة الحرم وخرج بنو اياد إلى العراق ومضى انمار إلى السروات بعد بنيه في اليمانية وهم خثعم وبجيلة ونزلوا باريافه وكان لهم في بلاد الاكاسرة آثار مشهورة إلى ان تابع لهم الاكاسرة الغزو وأبادوهم وأعظم ما باد منهم سابور ذو الاكتاف هو الذى استلحمهم وأفناهم (وأما نزار) فمنه البطنان العظيمان ربيعة ومضر ويقال ان إيادا يرجعون إلى نزار وكذلك انمار فأما ربيعة فديارهم ما بين الجزيرة والعراق وهم ضبيعة وأسد ابنا ربيعة ومن أسد عنزة وجديلة ابنا أسد فعنزة بلادهم في عين التمر في برية العراق على ثلاثة مراحل من الانبار ثم انتقلوا عنها إلى جهات خيبر فهم هنا لك وورثت بلادهم غزية من طيئ الذين لهم الكثرة والامارة بالعراق لهذا العهد ومن عنزة هؤلاء بافريقية حى قليل مع رياح من بنى هلال بن عامر ومنهم أحياء مع طيئ ينتجعون ويشتون في برية نجد (وأما جديلة) فمنهم عبد القيس وهنب ابنا أفصى ابن دعمى بن جديلة فأما عبد القيس وكانت مواطنهم بتهامة ثم خرجوا إلى البحرين وهى بلاد واسعة على بحر فارس من غربيه وتتصل باليمامة من شرقيها وبالبصرة من شماليها وبعمان من جنوبها وتعرف ببلاد هجر ومنها القطيف وهجر والعسير وجزيرة أوال والاحسا وهجر هي باب اليمن من العراق وكانت أيام الاكاسرة من اعمال الفرس وممالكهم وكان بها بشر كثير من بكر بن وائل وتميم في باديتها فلما نزل معهم بنو عبد القيس زاحموهم في ديارهم تلك وقاسموهم في الموطن ووفدوا على النبي صلى الله عليه وسلم بالمدينة وأسلموا ووفد منهم المنذر بن عائذ بن المنذر بن الحارث بن النعمان بن زياد بن نصر ابن عمرو بن عوف بن جذيمة بن عوف بن انمار بن عمرو بن وديعة بن بكر وذكروا انه سيدهم وقائدهم إلى الاسلام فكانت له صحبة ومكانة من النبي صلى الله عليه وسلم ووفد أيضا الجارود بن عمرو بن حنش بن المعلى بن زيد بن حارثة بن معاوية بن ثعلبة بن جذيمة وثعلبة(2/300)
أخو عوف بن جذيمة وفد في عبد القيس سنة تسع مع المنذر بن ساوى من بنى تميم وسيأتى ذكره وكان نصرانيا فأسلم وكانت له أيضا صحبة ومكانة وكان عبد القيس هؤلاء من أهل الردة بعد الوفاة وأمروا عليهم المنذر بن النعمان الذى قتل كسرى أباه فبعث إليهم أبو بكر بن العلا بن الحضرمي في فتح البحرين وقتل المنذر ولم تزل رياسة عبد القيس في بنى الجارود أولا ثم في ابنه المنذر وولاه عمر على البحرين ثم ولاه على اصطخر ثم عبد الله ابن زياد ولاه على الهند ثم ابنه حكيم بن المنذر وتردد على ولاية البحرين قبل ولاية العراق (وأما هنب بن أفصى) فمنهم النمر ووائل ابنا قاسط بن هنب فأما بنو النمر بن قاسط فبلادهم رأس العين ومنهم صهيب بن سنان بن مالك بن عبد عمرو بن عقيل بن عامر بن جندلة بن جذيمة بن كعب بن سعد بن أسلم بن أوس مناة بن النمر بن قاسط صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم المشهور وينسب إلى الروم وكان سنان أبوه استعمله كسرى على الابلة وكان لبنى النمر بن قاسط شأن في الردة مذكور ومنهم ابن القرية المشهور بالفصاحة أيام الحجاج ومنصور بن النمر الشاعر مادح الرشيد (واما بنو وائل فبطن عظيم متسع أشهرهم بنو تغلب وبنو بكر بن وائل وهما اللذان كانت بينهما الحروب المشهورة التى طالت فيما يقال أربعين سنة فلبنى تغلب شهرة وكثرة وكانت بلادهم بالجزيرة الفراتية بجهات سنجار ونصيبين وتعرف بديار ربيعة وكانت النصرانية غالبة عليهم لمجاورة الروم ومن بنى تغلب عمرو بن كلثوم الشاعر وهو عمرو بن كلثوم بن مالك بن عتاب ابن سعد بن زهير بن جشم بن بكر بن حبيب بن عمرو بن غانم بن تغلب وأمه هند بنت مهلهل ومن ولده مالك بن طوق بن مالك بن عتاب بن زافر بن شريح بن عبد الله بن عمرو بن كلثوم واليه تنسب رحبة مالك بن طوق على الفرات وعاصم بن النعمان عم عمرو بن كلثوم هو الذى قتل شرحبيل بن الحرث الملك آكل المرار يوم الكلاب ومن بنى تغلب كليب ومهلهل ابنا ربيعة بن الحرث بن زهير بن جشم وكان كليب سيد بنى تغلب وهو الذى قتله جساس بن مرة بن ذهل بن شيبان وكان متزوجا باخته فرعت ناقة البسوس
في حمى كليب فرماها بسهم فأثبتها وقتله جساس لان البسوس كانت جارته فقام أخو كليب وهو مهلهل بن الحرث كمن برياسة تغلب وطلب بكر بن وائل بثار كليب فاتصلت الحرب بينهم أربعين سنة وأخبارها معروفة وطال عمر مهلهل وتغرب إلى اليمن فقتله عبدان له في طريقه وبنو شعبة الذين بالطائف لهذا العهد من ولد شعبة بن مهلهل ومن تغلب الوليد بن طريف بن عامر الخارجي وهو من بنى صيفي بن حى بن عمرو ابن بكر بن حبيب وهو الذى رثته أخته ليلى بقولها أيا شجر الخابور مالك مورقا * كأنك لم تجزع على ابن طريف -(2/301)
فتى لا يريد العز الا من التقى * ولا المال الا من قنا وسيوف - خفيف على ظهر الجواد إلى الوغى * وليس على أعدائه بخفيف - فلو كان هذا الموت يقبل فدية * فديناه من ساداتنا بألوف - ومنهم بنو حمدان ملوك الموصل والجزيرة أيام المتقى ومن بعده من خلفاء العباسيين وسيأتى ذكرهم في أخبار بنى العباس وهم بنو حمدان من بنى عدى بن أسامة بن غانم بن تغلب كان منهم سيف الدولة الملك المشهور (وأما بكر بن وائل) ففيهم الشهرة والعدد فمنهم يشكر بن بكر بن وائل وبنو عكاية بن صعب بن على بن بكر بن وائل ومنهم بنو حنيفة وبنو عجل ابني لجيم بن صعب ففى بنى حنيفة بطون متعددة أكثرهم بنو الدول ابن حنيفة فيهم البيت والعدد ومواطنهم باليمامة وهى من أوطان الحجاز كما هي نجران من اليمن والشرقى منها يوالى البحرين وبنى تميم والغرب يوالى أطراف اليمن والحجاز والجنوب نجران والشمالى أرض نجد وطول اليمامة عشرون مرحلة وهى على أربعة أيام من مكة بلاد نخل وزرع وقاعدتها حجر بالفتح وبها بلد اسمه اليمامة ويسمى أيضا جو باسم الزرقا وكانت مقرا للملوك قبل بنى حنيفة واتخذ بنو حنيفة بعدها بلد حجر وبقى كذلك في الاسلام وكانت مواطن اليمامة لبنى همدان بن يعغر بن السكسك بن واثل بن حمير
غلبوا على من كان بها من طسم وجديس وكان آخر ملوكهم بها فيما ذكره الطبري قرط ابن يعفر ثم هلك فغلب عليها بعده طسم وجديس وكانت منهم الزرقا أخت رياح بن مرة ابن طسم كما تقدم في أخبارهم ثم استولى على اليمامة آخرا بنو حنيفة وغلبوا عليها طسما وجديسا وكان ملكها منهم هوذة بن على بن ثمامة بن عمرو بن عبد العزى بن شحيم بن مرة ابن الدول بن حنيفة وتوجه كسرى وابن عمه عمرو بن عمرو بن عبد الله بن عمرو بن عبد العزى قاتل المنذر بن ماء السماء يوم عين اباغ وكان منهم ثمامة بن اثال بن النعمان ابن مسلمة بن عبيد بن ثعلبة بن الدول بن حنيفة ملك اليمامة عند المبعث وثبت عند الردة ومنهم الخارجي نافع بن الازرق بن قيس بن صبرة بن ذهل بن الدول بن حنيفة واليه تنسب الازارقة ومنهم محلم بن سبيع بن مسلمة بن عبيد بن ثعلبة بن الدول بن حنيفة صاحب مسيلمة الكذاب وهو من بنى عدى بن حنيفة وهو مسيلمة بن ثمامة بن كثير بن حبيب بن الحرث بن عبد الحرث بن عدى وأخبار مسيلمة في الردة معروفة وسيأتى الخبر عنها (وأما بنو عجل بن لجيم بن صعب) وهم الذين هزموا الفرس بمؤتة يوم ذى قار كما مر فمنازلهم من اليمامة إلى البصرة وقد دثروا وخلفهم اليوم في تلك البلاد بنو عامر المنتفق بن عقيل بن عامر وكان منهم بنو أبى دلف العجلى كانت لهم دولة بعراق العجم يأتي ذكرها (وأما عكابة بن صعب بن على) بن بكر بن وائل فمنهم تيم الله وقيس(2/302)
ابنا ثعلبة بن عكابة وشيبان بن ذهل بن ثعلبة بطون ثلاثة عظيمة وأوسعها وأكثرها شعوبا بنو شيبان وكانت لهم كثرة في صدر الاسلام شرقي دجلة في جهات الموصل وأكثر أئمة الخوارج في ربيعة منهم وسيدهم في الجاهلية مرة بن ذهل بن شيبان كان له أولاد عشرة نسلوا عشرة قبائل أشهرهم همام وجساس وسادهما بعد ابيه (وقال ابن حزم) تفرع من همام ثمانية وعشرون بطنا (وأما) جساس فقتل كليبا زوج أخته وهو سيد تغلب حين قتل ناقة البسوس جارته وأقام ابن كليب عند بنى شيبان إلى
ان كبر وعقل ان جساسا خاله هو الذى قتل أباه فقتله ورجع إلى تغلب فمن ولد جساس بنو الشيخ كانت لهم الرياسة بآمد وانقطعت على يد المعتضد ومن بنى شيبان هانئ بن مسعود الذى منع حلقة النعمان من ابرويز لما كانت وديعة عنده وكان سبب ذلك يوم ذى قار وهو هانئ بن مسعود بن عامر بن أبى ربيعة بن ذهل بن شيبان ومنهم الضحاك بن قيس الخارجي الذى بويع أيام مروان بن محمد على مذهب الصفرية وملك الكوفة وغيرها وبايعه بالخلافة جماعة من بنى أمية منهم سليمان بن هشام بن عبد الملك وعبد الله ابن عمر بن عبد العزيز وقتله آخرا مروان بن محمد وهو الضحاك بن قيس بن الحصين بن عبد الله بن ثعلبة بن زيد مناة بن أبى عمرو بن عوف بن ربيعة بن محلم بن ذهل بن شيبان وسيأتى الالمام بخبره ومنهم المثنى بن حارثة الذى فتح سواد العراق أيام أبى بكر وعمرو أخوه المعنى ابن حارثة منهم عمران بن حطان من أعلام الخوارج وهذا انقضاء الكلام في ربيعة بن نزار والله المعين(2/303)
* (وأما مضر بن نزار) * وكانوا أهل الكثرة والغلب بالحجاز من سائر بنى عدنان وكانت لهم رياسة بمكة فيجمعهم فخذان عظيمان وهما خندف وقيس لانه كان له من الولد اثنان الياس وقيس عيلان عبد حضنه قيس فنسب إليه وقيل هو فرس وقد قيل ان عيلان هو ابن مضر واسمه الياس وان له ابنين قيس ودهم وليس ذلك بصحيح وكان لالياس ثلاثة من الولد مدركة وطابخة وقمعة لامرأة من قضاعة تسمى خندف فانتسب بنو الياس كلهم إليها وانقسمت مضر إلى خندف وقيس عيلان فاما قيس فتشعبت إلى ثلاث بطون من كعب وعمرو وسعد بنيه الثلاثة فمن عمرو بنو فهم وبنو عدوان ابني عمرو بن قيس وعدوان بطن متسع وكانت منازلهم الطائف من أرض نجد نزلها بعد إياد العمالقة ثم غلبتهم عليها ثقيف فخرجوا إلى تهامة وكان منهم عامر بن الظرب بن عمرو ابن عباد بن يشكر بن عدوان حكم العرب في الجاهلية وكان منهم أيضا أبو سيارة الذى
يدفع بالناس في الموسم وعميلة بن الاعزل بن خالد بن سعد بن الحرث بن رايش بن زيد بن عدوان وبافريقية لهذا العهد منهم أحياء بادية بالقفر يظعنون مع بنى سليم تارة ومع رياح بن هلال بن عامر أخرى (ومن بنى فهم بن عمرو) فيما ذكر البيهقى بنو طرود بن فهم بطن متسع كانوا بأرض نجد وكان منهم الاعشى وليس منهم الآن بها أحد وبافريقية لهذا العهد حى يظعنون مع سليم ورياح وانقضى الكلام في بنى عمرو بن قيس (وأما سعد بن قيس) فمنهم غنى وباهلة وغطفان ومرة فأما غنى فهم بنو عمرو بن أعصر بن سعد وأما باهلة فمنهم بنو مالك بن أعصر بن سعد صاحب خراسان المشهور ومنهم أيضا الاصمعي راوية العرب المشهور وهو عبد الملك بن على بن قريب بن عبد الملك ابن على بن اصمع بن مطر بن رياح بن عمرو بن عبد شمس بن أعيا بن سعد بن عبد غانم بن قتيبة ابن معن بن مالك (وأما بنو غطفان بن سعد) فبطن عظيم متسع كثير الشعوب والبطون ومنازلهم بنجد مما يلى وادى القرى وجبلي طيئ ثم افترقوا في الفتوحات الاسلامية واستولت عليها قبائل طيئ وليس منهم اليوم عمودة رجالة في قطر من الاقطار الا ما كان لفزارة ورواحة في جوار هيب ببلاد برقة وبنو غطفان بطون ثلاثة * منهم اشجع بن ريث بن غطفان * وعبس بن بغيض بن ريث بن غطفان * وذبيان * فأما اشجع فكانوا عرب المدينة يثرب وكان سيدهم معقل بن سنان من الصحابة وكان منهم نعيم بن مسعود بن أنيف بن ثعلبة بن قند بن خلاوة بن سبيع بن أشجع الذى شتت جموع الاحزاب عن النبي صلى الله عليه وسلم إلى آخرين مذكورين منهم وليس لهذا العهد منهم بنجد أحد الا بقايا حوالى المدينة النبوية وبالمغرب الاقصى منهم حى عظيم الآن يظعنون مع عرب المعقل بجهات سجلماسة ووادى ملوية ولهم عدد وذكر * وأما بنو عبس فبيتهم في بنى عدة بن(2/305)
قطيعة كان منهم الربيع بن زياد وزير النعمان ثم اخوتهم بنو الحرث بن قطيعة كان منهم زهير بن جذيمة ابن رواحة بن ربيعة بن آزر بن الحرث سيدهم وكانت له السيادة على
غطفان أجمع وله بنون أربعة منهم قيس ساد بعده على عبس وابنه زهير هو صاحب حرب داحس والغبرا فرسين كانت احداهما وهى داحس لقيس والاخرى وهى الغبر الحذيفة ابن بدر سيد فزارة فأجرياهما وتشاحا في الحكم بالسبق فتشاجرا وتحاربا وقتل قيس حذيفة ودامت الحرب بين عبس وفزارة وأخوة قيس بن زهير الحرث وشاس ومالك وقتل مالك في تلك الحرب وكان منهم الصحابي المشهور حذيفة بن اليماني بن حسل ابن جابر بن ربيعة بن جروة بن الحرث بن قطيعة ومن عبس بن جابر بنو غالب بن قطيعة ثم عنترة ابن معاوية بن شداد بن مراد بن مخزوم بن مالك بن غالب الفارس المشهور وأحد الشعراء الستة في الجاهلية وكان بعده من أهل نسبه وقرابته الحطيئة الشاعر المشهور واسمه جرول بن أوس بن جؤية بن مخزوم وليس بنجد لهذا العهد أحد من بنى عبس وفي أحياء زغبة من بنى هلال لهذا العهد أحياء ينتسبون إلى عبس فما أدرى من عبس هؤلاء أم هو عبس آخر من زغبة نسبوا إليه (وأما ذبيان بن بغيض) فلهم بطون ثلاثة مرة وثعلبة وفزارة فأما فزارة فهم خمسة شعوب عدى وسعد وشمخ ومازن وظالم وفي بدر بن عدى كانت رياستهم في الجاهلية وكانوا يرأسون جميع غطفان ومن قيس واخوتهم بنو ثعلبة بن عدى كان منهم حذيفة بن بدر بن جؤية بن لوذان بن ثعلبة بن عدى ابن فزارة الذى راهن قيس بن زهير العبسى على جرى داحس والغبرا وكانت بسبب ذلك الحرب المعروفة ومن ولده عيينة بن حصن بن حذيفة الذى قاد الاحزاب إلى المدينة وأغار على المدينة لاول بيعة أبى بكر وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يسميه الاحمق المطاع (ومنهم) أيضا الصحابي المشهور سمرة بن جندب بن هلال بن خديج بن مرة بن خرق بن عمرو بن جابر بن خشين ذى الرأسين ابن لاى بن عصيم بن شمخ بن فزارة ومن بنى سعد بن فزارة يزيد بن عمرو بن هبيرة بن معية بن سكين بن خديج بن بغيض بن مالك بن سعد ابن عدى بن فزارة ولى العراقين هو وأبوه أيام يزيد بن عبد الملك ومروان بن محمد وهو الذى قتله المنصور بعد ان عاهده ومن بنى مازن بن فزارة هرم بن قطبة أدرك الاسلام
وأسلم إلى آخرين يطول ذكرهم ولم يبق بنجد منهم أحد (وقال ابن سعيد) ان أبرق الحنان وأبانا من وادى القرى من معالم بلادهم وان جيرانهم من طيئ مولدها لهذا العهد وان بأرض برقة منهم إلى طرابلس قبائل رواحة وهيب وفزان (قلت) وبأفريقية والمغرب لهذا العهد أحياء كثيرة اختلطوا مع أهله فمنهم مع المعقل بالمغرب الاقصى أحياء كثيرة لهم عدد وذكر بالمعقل إلى الاستظهار بهم حاجة ومنهم مع بنى سليم بن منصور بافريقية(2/306)
طائفة أخرى أحلاف لاولاد أبى الليل من شعوب بنى سليم يستظهرون بهم في مواقف حروبهم ويولونهم على ما يتولونه للسلطان من أمور باديتهم نيابة عنهم شأن الوزراء في الدول وكان من أشهرهم معن بن معاطن وزير حمزة بن عمر بن أبى الليل أمير الكعوب بعده حسبما نذكره في أخبارهم وربما يزعم بنو مرين أمراء الزاب لهذا العهد انهم منهم وينتسبون إلى مازن بن فزارة وليس ذلك بصحيح وهو نسب مصون يتقرب به إليهم بعض البدو من فزارة هؤلاء طمعا فيما بأيديهم لمكانهم من ولاية الزاب والانفراد بجبايته ومصانعة الناس بوفرها فيلهجونهم بذلك ترفعا على أهل نسبهم بالحقيقة من الاثابج كما يذكر لكونه تحت أيديهم ومن رعاياهم (وأما بنو مرة بن عوف) بن سعد بن ذبيان فمنهم هرم بن سنان بن غيظ بن مرة وهو سيدهم في الجاهلية الذى مدحه زهير بن أبى سلمى ومنهم أيضا الفاتك وهو الحرث بن ظالم بن جذيمة بن يربوع بن غيظ فتك بخالد بن جعفر ابن كلاب وشرحبيل بن الاسود بن المنذر وحصل ابن الحرث في يد النعمان بن المنذر فقتله وشاعره في الجاهلية النابغة زياد بن عمرو الذبيانى أحد الشعراء الستة ومنهم أيضا مسلم بن عقبة بن رياح بن أسعد بن ربيعة بن عامر بن مالك بن يربوع قائد يزيد بن معاوية صاحب يوم الحرة على أهل المدينة إلى آخرين يطول ذكرهم وهذا آخر الكلام في بنى غطفان وبلادهم بنجد مما يلى وادى القرى وبها من المعالم أبنى والحاجر والهباءة وأبرق الحنان وتفرقوا على بلاد الاسلام في الفتوحات ولم يبق لهم في تلك البلاد ذكر ونزلت
بها قبائل طيئ وبانقضاء ذكرهم انقضى بنو سعد بن قيس (وأما خصفة بن قيس) فتفرع منهم بطنان عظيمان وهما بنو سليم بن منصور وهوازن بن منصور ولهوازن بطون كثيرة يأتي ذكرها ويلحق بهذين البطنين بنو مازن بن منصور وعددهم قليل وكان منهم عتبة بن غزوان بن جابر بن وهب بن نشيب بن وهب بن زيد بن مالك بن عبد عوف بن الحرث بن مازن الصحابي المشهور الذى بنى البصرة لعمر بن الخطاب واليه ينسب العتبيون الذين سادوا بخرسان ويلحق أيضا بنو محارب بن خصفة فأما بنو سليم فشعوبهم كثيرة منهم بنو ذكوان بن رفاعة بن الحرث بن رجا بن الحارث بن بهثة بن سليم واخوتهم بنو عبس بن رفاعة الذين منهم عباس بن مرداس بن أبى عامر بن حارثة بن عبد عبس الصحابي المشهور الذى أعطاه رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم حنين في المؤلفة قلوبهم ثم زاده حين غضب استقلالا لعطائه وأنشد الابيات المعروفة في السير وكان أبوه مرداس تزوج الخنساء وولدت منه (ومن بنى سليم أيضا) بنو ثعلبة بن بهثة ابن سليم كان منهم عبيد بن عبد الرحمن بن عبد الله بن أبى الاعور والى افريقية وجده أبو الاعور من قواد معاوية واسمه عمرو بن سفيان بن عبد شمس بن سعد بن قائف بن(2/307)
الاوقص بن مرة بن هلال بن فالج بن ذكوان بن ثعلبة والرود بن خالد بن حذيفة بن عمرو ابن خلف بن مازن بن مالك بن ثعلبة وكان على بنى سليم يوم الفتح وعمرو بن عتبة بن منقذ ابن عامر بن خالد كان صديقا لرسول الله صلى الله عليه وسلم في الجاهلية وأسلم ثلاث أبو بكر وبلال فكان يقول كنت يومئذ ربع الاسلام ومن بنى سليم أيضا بنو على ابن مالك بن امرئ القيس بن بهثة وبنو عصية بن خفاف بن امرئ القيس وهما اللذان لعنهما رسول الله صلى الله عليه وسلم أهل بئر معونة وقتلهم اياهم ومن شعوب عصية الشريد واسمه عمرو بن يقظة بن عصية (وقال ابن سعيد) الشريد بن رياح بن ثعلبة ابن عصية الذين كانت منهم الخنساء واخواها صخر ومعاوية ابنا عمرو بن الحرث بن
الشريد والشريد بيت سليم في الجاهلية قال ابن سعيد كان عمرو بن الشريد يمسك بيده ابنيه صخرا ومعاوية في الموسم فيقول أنا أبو خيرى مضر ومن أنكر فليعتبر فلا ينكر أحد وابنته الخنساء الشاعرة وقد تقدم ذكرها وحضرت بأولادها حروب القادسية وبنو الشريد لهذا العصر في جملة بنى سليم في افريقية ولهم شوكة وصولة ومنهم اخوة عصية بن خفاف الذين كان منهم الخفاف كبير أهل الردة الذى أحرقه أبو بكر بالنار واسمه اياس بن عبد الله بن اليل بن سلمة بن عميرة (ومن بنى سليم أيضا) بنو بهز بن امرئ القيس بن بهثة كان منهم الحجاج بن علاط بن خالد بن نديرة بن حبتر بن هلال بن عبد ظفر ابن سعد بن عمرو بن تميم بن بهز الصحابي المشهور وابنه نصر بن حجاج الذى نفاه عمر عن المدينة إلى آخرين من سليم يطول ذكرهم قال ابن سعيد ومن بنى سليم بنو زغبة بن مالك ابن بهثة كانوا بين الحرمين ثم انتقلوا إلى المغرب فسكنوا بافريقية في جوار اخوتهم بنى ذياب بن مالك ثم صاروا في جوار بنى كعب ومن بنى سليم بنو ذياب بن مالك ومنازلهم ما بين قابس وبرقة يجاورون مواطن يعهب وبجهة المدينة خلق منهم يؤذن الحاج ويقطعون الطريق وبنو سليمان بن ذياب في جهة فزان وودان ورؤساء ذياب لهذا العهد الجوارى ما بين طرابلس وقابس وبيتهم بنو صابر والمحامد بنواحي فاس وبيتهم في بنى رصاب بن محمود وسيأتى ذكرهم (ومن بنى سليم بنو عوف بن بهثة) ما بين قابس وبلد العناب من افريقية وجرماهم مرداس وعلاق فأما مرداس فرياستهم في بنى جامع لهذا العهد وأما علاق فكان رئيسهم الاول في دخولهم افريقية رافع ابن حماد ومن أعقابه بنو كعب رؤساء سليم لهذا العهد بافريقية ومن بنى سليم بنو يعهب ابن بهثة اخوة بنى عوف بن بهثة وهم ما بين السدرة من برقة إلى العدوة الكبيرة ثم الصغيرة من حدود الاسكندرية فأول ما يلى الغرب منهم بنو احمد لهم اجدابية وجهاتها وهم عدد يرهبهم الحاج ويرجعون إلى شماخ وقبائل شماخ لها عدد واسماء متمايزة ولها(2/308)
العزقى بيت لكونها جازت المحصب من بلاد برقة مثل المرج وطلميثا ودرنا وفى المشرق عن بنى أحمد إلى العقبة الكبيرة وأما الصغيرة فسال ومحارب والرياسة في هذين القبيلتين لبنى عزاز وهبيب بخلاف سائر سليم لانها استولت على اقليم طويل خربت مدنه ولم يبق فيه مملكة ولا ولاية الا لاشياخها وتحت أيديهم خلق من البرابرة واليهود زراعا وتجارا (وأما رواحة وفزارة اللذين في بلاد هبيب) فهم من غطفان وهذا آخر الكلام في بنى سليم بن منصور وكانت بلادهم في عالية نجد بالغرب وخيبر ومنها حرة بنى سليم وحرة النار بين وادى القرى وتيما وليس لهم الآن عدد ولا بقية في بلادهم وبافريقية منهم خلق عظيم كما يأتي ذكره في أخبارهم عند ذكر الطبقة الرابعة من العرب (وأما هوازن بن منصور) ففيهم بطون كثيرة يجمعهم ثلاثة أجرام كلهم لبكر بن هوازن وهم بنو سعد بن بكر وبنو معاوية بن بكر وبنو منبه بن بكر فأما بنو سعد ابن بكر وهم أظآر النبي صلى الله عليه وسلم أرضعته منهم حليمة بنت أبى ذؤيب ابن عبد الله بن الحرث بن سحنة بن ناصرة بن عصية بن نصر بن أسعد وبنوها عبد الله وأنيسة والشيما بنو الحرث بن عبد العزى رفاعة بن ملاذ بن ناصرة وحصلت الشيما في سبى هوازن فأكرمها رسول الله صلى الله عليه وسلم وردها إلى قومها وكان فيها أثر عضة عضها اياها رسول الله صلى الله عليه وسلم وهى تحمله (فأما بنو منبه بن بكر فمنهم ثقيف وهم بنو قسيى بن منبه بطن عظيم متسع منهم بنو جهم بن ثقيف كان منهم عثمان ابن عبد الله بن ربيعة بن حبيب بن الحرث بن مالك بن حطيط صاحب لوائهم يوم حنين وقتل يومئذ كافرا وكان من ولده أمير الاندلس لسليمان بن عبد الملك وهو الحر بن عبد الرحمن بن عبد الله بن عثمان ومنهم بنو عوف بن ثقيف ويعرفون بالاحلاف فمنهم بنو سعد ابن عوف كان منهم عتبان بن مالك بن كعب بن عمرون بن سعد بن عوف الذى وضعته ثقيف رهينة عند أبى مكسورة وأخوه معتب كان من بنيه عروة بن مسعود بن معتب الذى بعثه رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى قومه داعيا إلى الاسلام فقتلوه وهو
أحد عظيمى القريتين ومن بنيه أيضا الحجاج بن يوسف بن الحكم بن أبى عقيل بن مسعود بن عامر بن معتب صاحب العراقين لعبد الملك وابنه الوليد ومنهم يوسف بن عمر بن محمد بن عبد الحكم والى العراقين لهشام بن عبد الملك والوليد بن يزيد وكثير من قومه كانوا ولاة بالعراق والشأم واليمن ومكة ومن بنى معتب أيضا غيلان بن مسلمة ابن معتب كانت له وفادة على كسرى ومنهم بنو غبرة بن عوف الذين منهم الاخنس بن شريق بن عمرو بن وهب بن علاج بن أبى سلمة بن عبد العزى بن غيرة بن عوف بن ثقيف والحرث بن كلدة بن عمرو بن علاج طبيب العرب وأبو عبيد بن مسعود بن عمرو بن عمير بن(2/309)
عوف بن غيرة الصحابي المقتول يوم الجسر من أيام القادسية وابنه المختار بن أبى عبيد الذى ادعى النبوة بالكوفة وكان عاملا عليها لعبد الله بن الزبير فانتقض عليه ودعا لمحمد بن الحنفية ثم ادعى النبوة ومنهم أبو محجن بن حبيب بن عمرو بن عمير في آخرين يطول ذكرهم ومواطن ثقيف كانت بالطائف وهى مدينة من أرض نجد قريبا من مكة ثم جلس في شرقيها وشمالها وهى على قبة الجبل كانت تسمى واج وبوج وكانت في الجاهلية للعمالقة ثم نزلتها ثمود قبل وادى القرى ومن ثم يقال ان ثقيفا كانت من بقايا ثمود يقال ان الذى سكنها بعد العمالقة عدوان وغلبهم عليها ثقيف وهى الآن دارهم كذا ذكره السهيلي ويقال انهم موال لهوازن ويقال انهم من إياد ومن أعمال الطائف سوق عكاظ والعرج وعكاظ حجر بين اليمن والحجاز وكانت سوقها في الجاهلية يوما في السنة يقصدها العرب من الاقطار فكانت لهم موسما (وأما بنو معاوية بن بكر ابن هوازن ففيهم بطون كثيرة منهم بنو نصر بن معاوية الذين منهم مالك بن سعد بن عوف ابن سعد بن ربيعة بن يربوع بن واثلة بن دهمان بن نصر قائد المشركين يوم حنين وأسلم وحسن اسلامه ومنهم بنو جشم بن معاوية ومن جشم غزية رهط دريد بن الصمة ومواطنهم بالسروات وهى بلاد تفصل بين تهامة ونجد متصلة من اليمن إلى الشأم
كسروات الجبل وسروات جشم متصلة بسروات هذيل وانتقل معظمهم إلى الغرب وهم الآن به كما يأتي ذكره في الطبقة الرابعة من العرب ولم يبق بالسروات منهم الا من ليس له صولة ومنهم بنو سلول ومنهم بنو مرة بن صعصعة بن معاوية وانما عرفوا بامهم سلول وكانوا في الغرب كثيرا وفي الغرب منهم كثير لهذا العهد ومنهم فيما يزعم العرب بنو يزيد أهل وطن حمزة غربي بجاية وبعض أحياء بجيل عياض كما نذكر منهم بنو عامر بن صعصعة بن معاوية جرم كبير من اجرام العرب لهم بطون أربعة نمير وربيعة وهلال وسوأة فأما نمير بن عامر فهم احدى جمرات العرب وكانت لهم كثرة وعزة في الجاهلية والاسلام ودخلوا إلى الجزيرة الفراتية وسلكو احرار وغيرها واستلحمهم بنو العباس أيام المعتز فهلكوا ودثروا وأما سوأة بن عامر فشعوبهم في رباب من ابن سواة فمنهم جابر بن سمرة بن جنادة بن جندب بن رباب الصحابي المشهور ومن بطن رباب هؤلاء حى بافريقية ينجعون مع رياح بن هلال ويعرفون بهذا النسب كما يأتي في أخبار هلال من الطبقة الرابعة وأما هلال بن عامر فبطون كثيرة كانوا في الجاهلية بنجد ثم ساروا إلى الديار المصرية في حروب القرامطة ثم ساروا إلى افريقية أجازهم الوزير البارزى في خلافة المستنصر العبيدي لحرب المعز بن باديس فملك عليه ضواحي افريقية ثم زاحمهم بنو سليم فساروا إلى الغرب ما بين بونة وقسنطينة إلى البحر المحيط(2/310)
وكان لهلال خمسة من الولد شعبة وناشرة ونهيك وعبد مناف وعبد الله وبطونهم كلها ترجع إلى هؤلاء الخمسة فكان من بنى عبد مناف زينب أم المؤمنين بنت خزيمة بن الحرث ابن عبد الله بن عمرو بن عبد الله بن عبد مناف وكان من بنى عبد الله ميمونة أم المؤمنين بنت الحرث بن حزن بن بحير بن هرم بن رويبة بن عبد الله قال ابن حزم ومن بطون بنى هلال بنو قرة وبنو نعجة الذين بين مصر وافريقية وبنو حرب الذين بالحجاز وبنو رياح الذين أفسدوا افريقية (وقال ابن سعيد) وجيل بنى هلال مشهور بالشأم وقد صار
عربه حرائر وفيه قلعة صرخد مشهورة * قال وقبائلهم في العرب ترجع لهذا العهد إلى أثبج ورياح وزغبة وقارع فأما الاثبج فمنهم سراح بجهة برقة وعياض بجبل القلعة المسمى لهم ولغيرهم وأما رياح فبلادهم بنواحي قسنطينة والسلم والزاب ومنهم عتبة بنواحي بجاية ومنهم بالغرب الاقصى خلق كثير كما يأتي في أخبارهم وأما زغبة فانهم في بلادنا زناتة خلق كثير وأما قارع فانهم في الغرب الاقصى مع المعقل وقرة وجشم وبنو قرة كانت منازلهم ببرقة وكانت رياستهم أيام الحاكم العبيدي لما مضى ابن مقرب ولما بايعوا لابي ركوة من بنى أمية بالاندلس وقتله الحاكم سلط عليهم العرب والجيوش فأفنوهم وانتقل جلهم إلى المغرب الاقصى فهم مع جشم هنا لك كما يأتي ذكره ويأتى الكلام في نسب هلال وشعوبهم ومواطنهم بالمغرب الاوسط وافريقية عند الكلام عليهم في الطبقة الرابعة وأما بنو ربيعة بن عامر فبطون كثيرة وعامتها ترجع إلى ثلاثة من بنيه وهم عامر وكلاب وكعب وبلادهم بأرض نجد الموالية لتهامة بالمدينة وأرض الشأم ثم دخلوا إلى الشأم وافترق منهم على ممالك الاسلام فلم يبق منهم بنجد أحد فمن عامر بن ربيعة بنو التكما وهو ربيعة بن عامر بن ربيعة الذى اشترك ابنه حندج مع خالد بن جعفر بن كلاب في قتل زهير بن جذيمة العبسى وبنو ذى السهمين معاوية بن عامر بن ربيعة وهو ذو الحجر عوف بن عامر بن ربيعة وبنو فارس الضحيا عمرو بن عامر ابن ربيعة منهم خداش بن زهير بن عمرو من فرسان الجاهلية وشعرائها وأما بنو كلاب ابن ربيعة فمنهم بنو الوحيد بن كعب بن عامر بن كلاب وبنو ربيعة المجنون ابن عبد الله بن أبى بكر بن كلاب وبنو عمرو بن كلاب (قال ابن حزم) يقال ان منهم بنى صالح ابن مرداس امراء حلب ومن بنى كلاب بنو رواس واسمه الحرب بن كلاب وبنو الضباب واسمه معاوية بن كلاب الذين منهم سهر بن ذى الجوش بن الاعور بن معاوية قاتل الحسين بن على ومن عقبه كان الصهيل بن حاتم بن شمر وزير عبد الرحمن بن يوسف الفهرى بالاندلس وبنو جعفر بن كلاب الذين منهم عامر بن الطفيل بن مالك بن جعفر
وعمه أبو عامر بن مالك ملاعب الاسنة وربيعة بن مالك وتبع المعتبرين وأبوه لبيد بن(2/311)
ربيعة شاعر معروف مشهور وكانت بلاد بنى كلاب حمى ضرية والربذة في جهات المدينة وفدك والعوالى وحمى ضرية هي حمى كليب وائل نباته النضر تسمن عليه الخيل والابل وحمى الربذة هو الذى أخرج عليه عثمان أبا ذر رضى الله عنهما ثم انتقل بنو كلاب إلى الشأم فكان لهم في الجزيرة الفراتية صيت وملك وملكوا حلب وكثيرا من مدن الشأم تولى ذلك منهم بنو صالح بن مرداس ثم ضعفوا فهم الآن تحت خفارة العرب المشهورين بالشأم وهنا لك بالامارة من طيئ (قال ابن سعيد) وكان لهم في الاسلام دولة باليمامة ومن بنى كعب بن ربيعة) بطون كثيرة منهم الحريش بن كعب بطن كان منهم مطرف ابن عبد الله بن الشخير بن عوف بن وقدان بن الحريش الصحابي المشهور ويقال ان منهم ليلى التى شبب بها قيس بن عبد الله بن عمرو بن عدس بن ربيعة بن جعدة الشاعر مادح النبي صلى الله عليه وسلم وعبد الله بن الحشرج بن الاشهب بن ورد بن عمرو بن ربيعة ابن جعدة الذى غلب على ناب فارس أيام الزبير وعم امه زياد بن الاشهب الذى وفد على على ليصلح بينه وبين معاوية ومالك بن عبد الله بن جعدة الذى أجار قيس بن زهير العبسى وبنو قشير بن كعب منهم مرة بن هبيرة بن عامر بن مسلمة الخير بن قشير وفد على النبي صلى الله عليه وسلم فولاه صدقات قومه وكلثوم بن عياض بن رصوح بن الاعور ابن قشير الذى ولى افريقية وابن أخيه بلخ بن بشر ومن بنى قشير بخراسان أعيان منهم أبو القاسم القشيرى صاحب الرسالة ومنهم عريسة الاندلس بنو رشيق ملكها منهم عبد الرحمن بن رشيق وأخرج منها ابن عمارة ومنهم الصمة بن عبد الله من شعراء الحماسة وبنو العجلان بن عبد الله بن كعب وشاعرهم تميم بن مقبل وبنو عقيل بن كعب وهم بطون كثيرة منهم بنو المنتفق بن عامر بن عقيل ومن اعقاب بنى المنتفق هؤلاء العرب المعروفون في الغرب بالخلط قال على بن عبد العزيز الجرجاني الخلط بنو عوف وبنو
معاوية ابنا المنتفق بن عامر بن عقيل انتهى (قال ابن سعيد) ومنازل المنتفق الآجام التى بين البصرة والكوفة والامارة منهم في بنى معروف قلت والخلط لهذا العهد في أعداد جشم بالمغرب ومن بنى عقيل بن كعب بنو عبادة بن عقيل منهم الاخيل واسمه كعب بن الرحال بن معاوية بن عبادة ومن عقبه ليلى الاخيلية بنت حذيفة بن سداد بن الاخيل (وذكر ابن قتيبة) ان قيس بن الملوح المجنون منهم وبنو عبادة هؤلاء لهذا العهد فيما قال ابن سعيد بالجزيرة الفراتية فيما يلى العراق ولهم عدد وذكر وغلب منهم على الموصل وحلب في أواسط المائة الخامسة قريش بن بدران بن مقلد فملكها هو وابنه مسلم بن قريش من بعده ويسمى شرف الدولة وتوالى الملك في عقب مسلم بن قريش منهم إلى ان انقرضوا (قال ابن سعيد) ومنهم لهذا العهد بقية بين الحازر والزاب(2/312)
يقال لهم عرب شرف الدولة ولهم احسان من صاحب الموصل وهم في تجمل وعز الا ان عددهم قليل نحو مائة فارس ومن بنى عقيل بن كعب خفاجة بن عمرو بن عقيل وانتقلوا في قرب من هذه العصور إلى العراق والجزيرة ولهم ببادية العراق دولة ومن بنى عامر بن عقيل بنو عامر بن عوف بن مالك بن عوف وهم اخوة بنى المنتفق وهم ساكنون بجهات البصرة وقد ملكوا البحرين بعد بنى أبى الحسن ملكوها من تغلب (قال ابن سعيد) وملكوا أرض اليمامة من بنى كلاب وكان ملكهم لعهد الخمسين من المائة السابعة عصفور وبنوه وقد انقضى الكلام في بطون قيس عيلان والله المعين لا رب غيره ولا خير الا خيره وهو نعم المولى ونعم النصير وهو حسبى ونعم الوكيل واسأله الستر الجميل آمين(2/313)
(وأما بطون خندف بن الياس بن مضر) ولد الياس مدركة وطانجة وقمعة وأمهم امرأة من قضاعة اسمها خندف فانتسب ولد الياس كلهم إليها فمن بطون قمعة أسلم
وخزاعة فأسلم بنو افصى بن عامر بن قمعة وخزاعة ابن عمرو بن عامر بن لحى وهو ربيعة ابن عامر بن قمعة واسمه حارثة وعمرو بن لحى هو أول من غير دين اسمعيل وعبد الاوثان وأمر العرب بعبادتها وفيه قال صلى الله عليه وسلم رأيت عمرو بن لحى يجر قصبه في النار يعنى أحشاءه ومواطنهم بانحاء مكة في مر الظهران وما يليه وكانوا حلفاء لقريش ودخلوا عام الحديبية في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فكانوا مما صالح قريشا عليه ثم نقضوا عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فيهم فغزا قريشا وغلبهم على أمرهم وافتتح مكة وكان عام الفتح وقد يقال ان خزاعة هؤلاء من غسان وانهم بنو حارثة بن عمرو مزيقيا وانهم أقاموا بمر الظهران حين سارت غسان إلى الشأم وتخزعوا عنهم فسموا خزاعة وليس ذلك بصحيح كما ذكر وكانت لخزاعة ولاية البيت قبل قريش في بنى كعب بن عمرو بن لحى وانتهت إلى حليل بن حبشية بن سلول وهو الذى أوصى بها لقصى بن كلاب حين زوجه ابنته حبى بنت حليل ويقال ان أبا غبشان بن حليل واسمه المحترش باع الكعبة من قصى بزق خمر وفيه جرى المثل المعروف يقال اخسر صفقة من أبى غبشان ومن ولد حليل بن حبشية كان كرز بن علقمة بن هلال بن حريبة بن عبد فهم بن حليل الذى قفا أثر رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى انتهى إلى الغار ورأى عليه نسج العنكبوت وعش اليمامة ببيضها فرخوا عنه ولخزاعة هؤلاء بطون كثيرة منهم بنو المصطلق بن سعد بن عمرو بن لحى وبنو كعب بن عمرو ومنهم عمران بن الحصين صحابي وسليمان بن صرد أمير التوابين القائمين بثار الحسين ومالك بن الهيثم من نقباء بنى العباس وبنو عدى بن عمرو ومنهم جويرية بنت الحارث أم المؤمنين وبنو مليح بن عمرو ومنهم طلحة الطلحات وكثير الشاعر صاحب عزة وهو ابن عبد الرحمن بن الاسود ابن عامر بن عويمر بن مخلد بن سبيع بن خثعمة بن سعد بن مليح وبنو عوف بن عمرو ومنهم العباد أهل الحيرة وهم بنو جهينة بن عوف ومن اخوة خزاعة بنو أسلم بن افصى بن عامر ابن قمعة وبنو مالك بن أفصى وماثان بن أفصى فمن أسلم سلمة بن الاكوع الصحابي ودعبل
وبنو الشيص الشاعران ومحمد بن الاشعث قائد بنى العباس ومن ذلك مالك بن سليمان ابن كثير من دعاة بنى العباس قتلة أبو مسلم (وأما طانجة فلهم بطون كثيرة أشهرها ضبة والرباب ومزينة وتميم وبطون صغار اخوة لتميم منهم صوفة ومحارب فأما بنو تميم بن مر فهم بنو تميم بن مر بن أدبن طانجة وكانت منازلهم بأرض نجد دائرة من هنا لك على البصرة واليمامة وانتشرت إلى العذيب من أرض الكوفة وقد تفرقوا لهذا العهد(2/315)
في الحواضر ولم تبق منهم باقية وورث منازلهم الحيان العظيمان بالمشرق لهذا العهد غزية من طى وخفاجة من بنى عقيل بن كعب ولتميم بطون كثيرة منهم الحارث بن تميم وفيهم ينسب المسيب بن شريك الفقيه وهم قليل وبنو العنبر الذى بعثه رسول الله صلى الله عليه وسلم على الصدقات وزفر الفقيه ابن ذهيل بن قيس بن مسلم بن قيس بن مكمل بن ذهل بن ذويب بن جذيمة بن عمرو بن جيجور بن جندب بن العنبر صاحب أبى حنيفة والناسك الفاضل عامر بن عبد قيس بن ثابت بن بشامة بن حذيفة بن معاوية بن الجون بن كعب بن جندب وربيعة بن رفيع بن سلمة بن محلم بن صلاة بن عبدة بن عدى بن جندب وبنو الهجيج بن عمرو بن تميم وبنو أسيد بن عمير وكان منهم أبو هالة هند بن زرارة ابن النباش بن عدى بن نمير بن إسيد الصحابي المشهور وحنظلة بن الربيع بن صيفي بن رياح ابن الحرث بن مخاشن بن معاوية بن شريف بن جروة بن إسيد كاتب رسول الله صلى الله عليه وسلم والحليم المشهور أكثم بن صيفي بن رياح ويحيى بن أكثم قاضى المأمون من ولد صيفي بن رياح وبنو مالك بن عمرو بن تميم منهم النضر بن شميل بن خرشة بن يزيد بن كلثوم ابن عبدة بن زهير بن عروة بن جميل بن حجر بن خزاعي بن مازن بن مالك النحوي المحدث وسلم ابن أخوز بن أربد بن محرز بن لاى بن منهل بن ضباب بن حجبة بن كابية بن حرقوص ابن مازن بن مالك صاحب الشرطة لنصر بن سيار وقاتل يحيى بن زيد بن زين العابدين وأخوة هلال بن أخوز قاتل آل المهلب وقطري بن الفجاءة واسم الفجاءة جعونة بن
يزيد بن زياد بن جنز بن كابية بن حرقوص الخارجي الازرقي سلم عليه بالخلافة عشرين سنة ومالك بن الريب بن جوط بن قرط بن حسيل بن ربيعة بن كنانة بن حرقوص صاحب القصيدة المشهورة نعى بها نفسه وبعث بها إلى قومه وهو في خراسان في بعث عثمان بن عفان وأولها دعاني الهوى من أهل ودى ورفقتي * بذى الشيطين فالتفت ورائيا - يقولون لا تبعدوهم يدفنونني * وأين مكان البعد الا مكانيا - وبنو عمرو بن العلاء بن عمار بن عدنان بن عبيد الله بن الحصى بن الحرث بن جلهم بن خزاعي بن مازن بن مالك وبنو الحرث بن عمرو بن تميم وهم الحبطات منهم عباد بن الحصين ابن يزيد بن أوس بن سيف بن عدم بن جبلذة بن قيار بن سعد بن الحرث وهو الملقب بالحبط لعظم بطنه وبنو امرئ القيس بن زيد مناة بن تميم وكان منهم زيد بن عدى بن زيد بن أيوب بن مخوف بن عامر بن عطية بن امرئ القيس صاحب النعمان بن المنذر بالحيرة الذى سعى به إلى كسرى حتى قتله ومقاتل بن حسان بن ثعلبة بن أوس بن ابراهيم بن أيوب بن مخوف صاحب قصر بنى مقاتل بن منصور بالحيرة ولاهز بن قريط بن سرى بن(2/316)
الكاهن بن زيد بن عصية من دعاة بنى العباس الذى قتله أبو مسلم لنذارته لنصر بن سيار وبنو سعد بن زيد مناة بن تميم منهم الابناء كان منهم رؤبة بن العجاج بن رؤبة بن لبيد بن صخر ابن كنيف بن عمير بن حى بن ربيعة بن سعد بن مالك بن سعد وعبدة بن الطيب الشاعر وبنو منقر بن عبيد بن مقاعس بن عمرو بن كعب بن سعد بن زيد مناة كان منهم قيس بن عاصم ابن سنان بن خالد بن منقر ولاه رسول الله صلى الله عليه وسلم صدقات قومه وكان من ولده مية صاحبة ذى الرمة بنت مقاتل بن طلبة بن قيس بن عاصم ومن بنى منقر عمرو بن الاهتم صحابي وبنو مرة بن عبيد بن مقاعس منهم الاحنف بن قيس بن معاوية بن حصين ابن حفص بن عبادة بن النزال بن مرة وأبو بكر الابهري المالكى وهو محمد بن عبد الله بن
محمد بن صالح بن عمرو بن حفص بن عمرو بن مصعب بن الزبير بن سعد بن كعب بن عبادة بن النزال وبنو صربم بن مقاعس منهم عبد الله بن أباض رئيس الاباضية من الخوارج وعبد الله بن صفار رئيس الصفرية والبرك بن عبد الله الذى اشترط بقتل معاوية وضربه فجرحه وبنو عوف بن كعب بن سعد بن زيد مناة منهم ثم من بنى بهدلة بن عوف الزبرقان واسمه الحصين بن بدر بن امرئ القيس بن خلف بن بهدلة وأويس ابن اخيه حنظلة الذى أسر هوذة بن على الحنفي ومن بنى عطارد بن عوف كرب بن صفوان بن شخمة ابن عطارد الذى كان يجيز بأهل الموسم في الجاهلية ومن بنى قريع بن عوف بن كعب جعفر الملقب أنف الناقة وكان ولده يغضبون منها إلى أن مدحهم الحطيئة بقوله قوم هم الانف والاذناب غيرهم * ومن يسوى بانف الناقة الذنبا - وبنو الحرث الاعرج بن كعب بن سعد بن زيد مناة كان منهم زهرة بن جؤية بن عبد الله ابن قتادة بن مرثد بن معاوية بن قطن بن مالك بن أرتم بن جشم بن الحرث الذى أبلى في القادسية وقتل الجالنوس أمير الفرس وقتله هو بعد ذلك أصحاب شبيب الخارجي مع عتاب بن ورقا وبنو مالك بن سعد بن زيد مناة كان منهم الاغلب بن سالم بن عقال بن خفاقة بن عباد بن عبد الله بن محرث بن سعد بن حرام بن سعد بن مالك أبو الولاة بافريقية لبنى العباس وبنو ربيعة بن مالك بن زيد مناة كان منهم عروة بن جرير بن عامر بن عبد ابن كعب بن ربيعة أول خارجي قال لا حكم الا لله يوم صفين ويعرف بان أباه نسبه إلى أمه ومن بنى حنظلة بن مالك البراجم وهم بنو عمرو والظلم وغالب وكلبة وقيس كلهم بنو حنظلة كان منهم ضابئ بن الحرث بن ارطاة بن شهاب بن عبيد بن جنادل بن قيس وابن عمير بن ضابى الذى قتله الحجاج وبنو ثعلبة بن يربوع بن حنظلة كان منهم بمراثيه المشهورة وبنو الحرث بن يربوع منهم الزبير بن الماحور أمير الخوارج وأخوه عثمان وعلى وهم بنو بشير بن يزيد الملقب بالماحور بن الحارث بن ساحق بن الحرث بن سليط بن(2/317)
يربوع وكلهم أمراء الازارقة وبنو كليب بن يربوع كان منهم جرير الشاعر ابن عطية بن الخطفى وهو حذيفة بن بدر بن سلم بن عوف بن كليب وبنو العنبر بن يربوع منهم كانت سجاح المتنبئة بنت أويس بن جوين بن سامة بن عنبر وبنو رياح كان منهم شبث بن ربعى بن حصين بن عميم بن ربيعة بن زيد بن رياح كان منهم رياح أسلم ثم سار مع الخوارج ثم رجع عنهم تائبا ومعقل بن قيس أوفده عمار بن ياسر على عمر بفتح تستر وعتاب بن ورقا ابن الحارث بن عمرو بن همام بن رياح أمير أصبهان وقتله شبيب الخارجي وبنو طهية بن مالك وهم بنو أبى سود وعوف ابني مالك وبنو دارم بن مالك بن حنظلة كان منهم ثم من بنى نهشل بن دارم بن حازم بن خزيمة بن عبد الله بن حنظلة نضلة بن حدثان بن مطلق بن أصحر بن نهشل صاحب الشرطة لبنى العباس ومن بنى مجاشع بن دارم الاقرع بن حابس ابن عقال بن محمد بن سفيان بن مجاشع والفرزدق بن غالب بن صعصة بن ناجية بن عقال والحتات بن يزيد بن علقمة الذى آخى رسول الله صلى الله عليه وسلم بينه وبين معاوية بن أبى سفيان ومن بنى عبد الله بن دارم المنذر بن ساوى بن عبد الله بن زيد بن عبد مناة ابن دارم صاحب هجر ومن بنى غرس بن زيد بن عبد الله بن دارم حاجب بن زرارة بن غرس وابنه عطارد وبنوهم كان فيهم رؤساء وأمراء وانقضى الكلام في تميم (وأما بنو مزينة) وهم بنو مر بن أد بن طابخة بن الياس واسم ولده عثمان وأوس وأمهما مزينة فسمى جميع ولديهما بها فكان منهم زهير بن أبى سلمى وهو ربيعة ابن أبى رباح بن قرة بن الحرث بن مازن بن خلاوة بن ثعلبة بن ثور بن هرمة بن لاظم بن عثمان أحد الشعراء الستة وابناه بجير وكعب الذى مدح رسول الله صلى الله عليه وسلم والنعمان بن مقرن ابن عامر بن صبح بن هجيم بن نصر بن حبشية بن كعب بن عفراء بن ثور بن هرمة وأخوه سويد الذى قتل يوم نهاوند ومعقل بن يسار بن عبد الله بن معير بن حراق بن لابي بن كعب ابن عبد ثور الصحابي المشهور (وأما الرباب) وهم بنو عبد مناة بن أد بن طابخة فمن بنيه تميم وعدى وعوف وثور وسموا الرباب لانهم غمسوا في الرب أيديهم في حلف على بنى ضبة
وبلادهم جوار بنى تميم بالدهنا وفي أشعارهم ذكر حزوى وعالج من معالمهما وتفرقوا لهذا العهد ولم يبق منهم أحد هنا لك وكان من بنى تميم بن عبد مناة المستورد بن علقمة بن الفريس بن صبارى بن نشبة بن ربيع بن عمرو بن عبد الله بن لوى بن عمرو بن الحرث ابن تميم الخارجي قتله معقل بن قيس الرياحي في امارة المغيرة بن شعبة وابن باخمة ورد بن مجالد بن علقمة حضر مع عبد الرحمن بن ملجم في قتل على وقتل وقطام بنت بحنة بن عدى ابن عامر بن عوف بن ثعلبة بن سعد بن ذهل بن تميم التى تزوجها عبد الرحمن بن ملجم ومهرها قتل على فيما قيل حيث يقول(2/318)
ثلاثة آلاف وعبد وقينة * وضرب على بالحسام المصمم - وكانت خارجية وقتل أبوها شحمة وعمها الاخضر يوم النهروان ومن بنى عدى بن عبد مناة ذى الرمة الشاعر وهو غيلان بن عقبة بن بهس بن مسعود بن حارثة بن عمرو بن ربيعة بن ساعدة بن كعب بن عوف بن ثعلبة بن ربيعة بن ملكان بن عدى ومن بنى ثور ابن عبد مناة ويسمى أطمل سفيان الثوري وهو سفيان بن سعيد بن مسروق بن حبيب بن رافع بن عبد الله بن منقر بن نصر بن الحارث بن ثعلبة بن عامر بن ملكان بن ثور وأخواه عمرو والمبارك والربيع بن خثيم الفقيه (وأما ضبة) فهم بنو ضبة بن أد وكانت ديارهم جوار بنى تميم اخوتهم بالناحية الشمالية التهامية من نجد ثم انتقلوا في الاسلام إلى العراق بجهة النعمانية وبها قتلوا المثنى الشاعر فمنهم ضرار بن عمرو ابن مالك بن زيد بن كعب بن بجالة بن ذهل بن مالك بن بكر بن أسعد بن ضبة سيد بنى ضبة في الجاهلية وبقيت سيادتهم في بنيه وكان له ثمانية عشر ولدا ذكرا شهدوا معه يوم القريتين وابنه حصين كان مع عائشة يوم الجمل ومن ولده القاضى أبو شبرمة عبد الله ابن شبرمة بن الطفيل بن حسان بن المنذر بن ضرار بن عنبسة بن اسحق بن شمر بن عبس ابن عنبسة بن شعبة بن المختبر بن عامر بن العباب بن حسل بن بجالة المذكور في قواد
بنى العباس ولى مصر أيام المتوكل ويقال ان الديلم من بنى باسل بن ضبة بن أد والله أعلم (وأما صوفة) فهم بنو الغوث بن مر بن أد كانوا يجيزون بالحاج في الموسم لا يجوز أحد حتى يجوزوا ثم انقرضوا عن آخرهم في الجاهلية وورث ذلك آل صفوان بن شحمة من بنى سعد بن زيد مناة بن تميم وقد مر ذكر ذلك وانقضى بنو طابخة بن الياس (وأما مدركة ابن الياس) فهم بطون كثيرة أعظمها هذيل والقارة وأسد وكنانة وقريش فأما هذيل فهم بنو هذيل بن مدركة وديارهم بالسروات وسراتهم متصلة بجبل غزوان المتصل بالطائف ولهم أماكن ومياه في أسفلها من جهات نجد وتهامة بين مكة والمدينة ومنها الرجيع وبئر معونة وهم بطنان سعد بن هذيل ولحيان بن هذيل فمن بنى سعد بن هذيل أبو بكر الشاعر والحطيئة فيما يقال وعبد الله بن مسعود بن غافل بن حبيب بن شمخ بن فار ابن مخزوم بن صاهلة بن الحارث بن تميم بن سعد الصحابي المشهور وأخواه عتبة وعميس وبنوه عبد الرحمن وعتبة والمسعودي المؤرخ ابن عتبة وهو على بن الحسين بن على بن عبد الله بن زيد بن عتبة بن عبد الله بن عبد الرحمن بن عبد الله بن مسعود ومن عتبة أخيه عتبة بن عبيد الله بن زيد بن عتبة فقيه المدينة وقد افترقوا في الاسلام على الممالك ولم يبق لهم حى بطرف وبافريقية منهم قبيلة بنواحي باجة يعسكرون مع جند السلطان ويؤدون المغرم (وأما بنو اسد) فمنهم بنو أسد بن خزيمة بن مدركة بطن كبير متسع ذو بطون وبلادهم فيما يلى الكرخ من أرض نجد وفي مجاورة طيئ ويقال ان بلاد(2/319)
طيئ كانت لبنى أسد فلما خرجوا من اليمن غلبوهم على أجا وسلمى وجاؤا واصطلحوا وتجاوروا لبنى أسد والتغلبية وواقصة وغاضرة ولهم من المنازل المسماة في الاشعار غاضرة والنعف وقد تفرقوا من بلاد الحجاز على الاقطار ولم يبق لهم حى وبلادهم الآن فيما ذكر ابن سعيد لطيئ وبنى عقيل الامراء كانوا بأرض العراق والجزيرة وكانوا في الدولة السلجوقية قد عظم أمرهم وملكوا الحلة وجهاتها وكان بها منهم الملوك بنو
مرين الذين ألف الهبارى ارجوزته المعروفة به في السياسة ثم اضمحل ملكهم بعد ذلك وورث بلادهم بالعراق خفاجة وكانت بنو اسد بطونا كثيرة كان منها بنو كاهل قاتل حجر بن عمرو الملك والد امرئ القيس وبنو غنم بن دودان بن أسد منهم عبيد الله بن جحش بن رئاب بن يعمر بن صبرة بن مرة بن كثير بن غنم الذى أسلم ثم تنصر ومات نصرانيا وأخته زينب ام المؤمنين رضى الله عنها وعكاشة بن محصن بن حدثان بن قيس بن مرة بن كثير الصحابي المشهور وبنو ثعلبة بن دودان بن أسد منهم الكميت الشاعر ابن زيد بن الاخنس بن ربيعة بن امرئ القيس بن الحرث بن عمرو بن مالك بن سعد بن ثعلبة وضرار بن الازور وهو مالك بن أويس بن خزيمة بن ربيعة بن مالك بن ثعلبة الصحابي قاتل مالك بن نويرة والحضرمى بن عامر بن مجمع بن موالة بن همام بن صحب بن القيس بن مالك وافدهم على النبي صلى الله عليه وسلم وبنو عمرو بن قعيد بن الحارث بن ثعلبة بن دودان منهم الطماح بن قيس بن طريف بن عمرو بن قعيد الذى سعى عند قيصر في هلاك امرئ القيس وطليحة بن خويلد بن نوفل بن نضلة بن الاشتر بن جحوان بن فقعس بن طريف بن عمرو الذى كان كاهنا وادعى النبوة ثم أسلم وفي بنى أسد بطون يطول ذكرها (وأما القارة وعكل) فهم بنو الهون بن خزيمة بن مدركة بن الياس اخوة بنى أسد وكانوا حلفاء لبنى زهرة من قريش (وأما كنانة) فهم كنانة بن خزيمة بن مدركة اخوة بنى أسد وديارهم بجهات مكة وفيهم بطون كثيرة وأشرفها قريش وهم بنو النضر بن كنانة وسيأتى ذكرهم ثم بنو عبد مناة بن كنانة وبنو مالك بن كنانة فمن بنى عبد مناة بنو بكر وبنو مرة وبنو الحرث وبنو عامر فمن بنى بكر بنو ليث بن بكر منهم بنو الملوح بن يعمر وهو الشداخ بن عوف بن كعب بن عامر بن ليث ومنهم الصعب بن جثامة بن قيس بن الشداخ الصحابي المشهور والشاعر عروة بن أدينة بن يحيى بن مالك بن الحرث بن عبد الله ابن الشداخ ومنهم بنو شجع بن عامر بن ليث بن بكر ومنهم أبو واقد الليثى الصحابي وهو الحرث بن عوف بن أسيد بن جابر بن عديدة بن عبد منات بن شجع وبنو سعد بن
ليث بن بكر منهم أبو الطفيل عامر بن واثلة بن عبد الله بن عمرو بن جابر بن خميس بن عدى ابن سعد آخر من بقى ممن رآى النبي صلى الله عليه وسلم مات سنة سبع ومائة وواثلة بن(2/320)
الاسقع بن عبد العزى بن عبد ياليل بن ناشب بن عبدة بن سعد الصحابي المشهور وبنو جذع بن بكر بن ليث بن بكر منهم أمير خراسان نصر بن سيار بن رافع بن عدى بن ربيعة بن عامر بن عوف بن جندع ورافع بن الليث بن نصر القائم بسمرقند أيام الرشيد بدعوة بنى أمية ثم استأمن إلى المأمون ومن بنى عبد مناف بنو عريج بن بكر بن عبد مناف وبنو الديل بن بكر منهم الاسود بن رزق بن يعمر بن نافثة بن عدى بن الديل الذى كان بسببه فتح مكة وسارية بن زنيم بن عمرو بن عبد الله بن جابر بن محية بن عبد بن عدى ابن الديل الذى ناداه عمر فيما اشتهر من المدينة وهو بالعراق يقاتل وأبو الاسود واضع النحو وهو ظالم بن عمرو بن سفيان بن عمرو بن جندب بن يعمر بن حليس بن نافثة بن عدى وبنو ضمرة بن بكر منهم عامرة بن مخشى بن خويلد عبد بن نهم بن يعمر بن عوف ابن جرى بن ضمرة الذى وادع رسول الله صلى الله عليه وسلم على قومه وعمرو بن أمية بن خويلد بن عبد الله بن اياس بن عبيد بن ناشرة بن كعب بن جرى الصحابي والبراض بن قيس بن رافع بن قيس بن جرى الفاتك قاتل عروة الرحال ابن عتبة بن جعفر بن كلاب وكان بسببها حرب الفجار * ومن ضمرة غفار بن مليل بن ضمرة بطن كان منهم أبو ذر الغفاري الصحابي وهو جندب بن جنادة بن سفيان بن عبيد بن حرام بن غفار وصاحبه كثير الشاعر الذى تشبب بعزة بنت جميل بن حفص بن اياس بن عبد العزى بن حاجب غافر بن غفار ومنهم كلثوم بن الحصين بن خالد بن معيسير بن بدر بن خميس بن غفار واستخلفه النبي صلى الله عليه وسلم على المدينة في غزوة الفتح وبنو مدلج بن مرة بن عبد منات منهم سراقة بن مالك بن جعشم بن مالك بن عمرو بن مالك بن تيم بن مدلج الذى اتبع رسول الله صلى الله عليه وسلم بجعالة قريش ليرده فظهرت فيه الآية وصرفه الله
تعالى عنه ومجزز المدلجى الذى سر النبي صلى الله عليه وسلم بقيافته في اسامة وزيد وهو مجزز بن الاعور بن جعد بن معاذ بن عتوارة بن عمرو بن مدلج وبنو عامر بن عبد مناة منهم بنو مساحق بن الافرم بن جذيمة بن عامر الذين قتلهم خالد بن الوليد بالغميصا ووداهم النبي صلى الله عليه وسلم وأنكر فعل خالد وبنو الحارث بن عبد مناة منهم الحليس بن علقمة بن عمرو بن الاوقح بن عامر بن جذيمة بن عوف بن الحارث الذى عقد حلف الاحابيش مع قريش واخوة تيم الذى عقد حلف القارة معهم وبنو فراس بن مالك ابن كنانة منهم فارس العرب ربيعة بن المكدم بن عامر بن خويلد بن جذيمة بن علقمة بن جذل الطعان بن فارس وبنو عامر بن ثعلبة بن الحارث بن مالك بن كنانة منهم نسأة الشهور في الجاهلية قام الاسلام فيهم على جنادة بن أمية بن عوف بن قلع بن جذيمة بن فقيم بن على بن عامر وكل من صارت إليه هذه المرتبة كان يسمى القلمس وأول من نسأ(2/321)
الشهور سمير بن ثعلبة بن الحارث وكان منهم الرماحس بن عبد العزيز بن الرماحس ابن الرسارس بن واقد بن وهب بن هاجر بن عر بن وائلة بن الفاكه بن عمرو بن الحرث ولاه عبد الرحمن الداخل حين جاء إلى الاندلس على الجزيرة وشذونة وامتنع بها ثم زحف إليه ففر إلى العدوة وبها مات وكان له بالاندلس عقب ولهم في الدولة الاموية ذكر وولايات كان منها على الاساطيل فكان لهم فيها غناء وكانوا يغزون سواحل العبيديين بافريقية فتعظم نكايتهم فيها وهو وارث الارض ومن عليها وهو خير الوارثين لا رب غيره ولا خير الا خيره ولا يرجى الا اياه ولا معبود سواه وهو نعم المولى ونعم النصير وأسأله الستر الجميل ولا حول ولا قوة الا بالله العلى العظيم وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا إلى يوم الدين والحمد لله رب العالمين حمدا دائما كثيرا والله ولى التوفيق(2/322)
(وأما قريش) وهم ولد النضر بن كنانة بن فهر بن مالك بن النضر والنضر هو الذى يسمى قريشا قيل للتقرش وهو التجارة وقيل تصغير قرش وهو الحوت الكبير المفترس دواب البحر وانما انتسبوا إلى فهر لان عقب النضر منحصر فيه لم يعقب من بنى النضر غيره فهذا وجه القول بأن قريشا من بنى فهر بن مالك أعنى انحصار نسبهم فيه وأما الذى اسمه قريش فهو النضر فولد فهر غالب والحارث ومحارب فبنو محارب بن فهر من قريش الظواهر منهم الضحاك بن قيس بن خالد بن وهب بن ثعلبة بن واثلة بن عمرو بن شيبان بن محارب صاحب مرج راهط قاتل فيه مروان بن الحكم حين بويع له بالخلافة وقتل وضرار بن الخطاب بن مرداس بن كثير بن عمرو آكل السقف ابن حبيب بن عمرو ابن شيبان الفارس المشهور في الصحابة وأبوه الخطاب بن مرداس سيد الظواهر في الجاهلية وكان يأخذ المرباع منهم وحضر حروب الفجار وابنه من فرسان الاسلام وشعرائه وعبد الملك بن قطى بن نهشل بن عمرو بن عبد الله بن وهب بن سعد بن عمرو آكل السقف شهد يوم الحرة وعاش حتى ولى الاندلس وصلبه أصحاب بلخ بن بشر القشيرى وكرز بن جابر بن حسل بن لاحب بن حبيب بن عمرو بن شيبان قتل يوم الفتح وهو مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وسار بنو الحرث بن فهر من الظواهر منهم أبو عبيدة عامر بن عبد الله بن الجراح بن هلال بن وهب بن ضبة بن الحرث من العشيرة وأمير المسلمين بالشأم عند الفتح وعقبة بن نافع بن عبد قيس بن لقيط بن عامر بن أمية ابن ضرب بن الحرث فاتح افريقية ومؤسس القيروان بها ومن عقبه عبد الرحمن ابن حبيب بن ابى عبيدة بن عقبة والى افريقية أبوه حبيب بن عقبة هو قاتل عبد العزيز ابن موسى بن نصير ويوسف بن عبد الرحمن بن أبى عبيدة صاحب الاندلس وعليه دخل عبد الرحمن بن معاوية بن هشام بن عبد الملك فقتله ووليها هو وبنوه من بعده (وأما غالب بن فهر) وهو في عمود النسب الكريم فولد تيم الادرم وولدين فبنو تيم الادرم من الظواهر وهم بادية كان منهم ابن خطل الذى أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بقتله
يوم الفتح فقتل وهو متعلق باستار الكعبة وهو هلال بن عبد الله بن عبد منات بن أسعد بن جابر بن كبير بن تيم الادرم (واما لؤى بن غالب) في عمود النسب الكريم فولد كعبا وعامرا وبطونا أخرى يختلف في نسبها إلى لؤى خزيمة وسامة وسعد وجشم وهو الحارث وعوف وهم من قريش الظواهر على أقل فمنهم خزيمة بن لؤى وبنو سامة ابن لؤى ويقال ليس بنو سامة من قريش وهم بعمان ويقال ان منهم بنى سامان ملوك ما وراء النهر فأما بنو عامر بن لؤى فهم شقير حسل بن عامر ومعيص بن عامر فمن بنى معيص بشر بن ارطاة وهو عويمر عمران بن الحليس بن يسار بن نزار بن معيص بن(2/324)
عامر وهو أحد قواد معاوية ومكرز بن حفص بن الاحنف بن علقمة بن عبد الحارث ابن منقذ بن عمرو بن معيص من سادات قريش الذى أجار أبا جندل بن سهيل فرده رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو عمرو بن قيس بن زايدة بن جندب الاصم ابن هرم بن رواحة بن حجر بن عبد معيص وهو ابن خال خديجة وأمه أم كلثوم عاتكة بنت عبد الله ابن عنكثة بن عامر بن مخزوم (ومن بن حسل) عامر بن عبد الله بن سعد بن أبى سرح ابن الحارث بن جبيب بن خزيمة بن مالك بن حسل بن عامر أمير المسلمين في فتح افريقية أيام عثمان وولى مصر وكان كتب لرسول الله صلى الله عليه وسلم ثم رجع إلى مكة ثم جاء تائبا وحسنت حاله وقصته معروفة وحويطب بن عبد الغرى بن أبى قيس بن عبدود بن نصر بن مالك بن حسل له صحبة وعبد عمرو بن عبد شمس بن عبدود بن نصر بن مالك صاحب الحديبية وأخوه السكران وابنه أبو جندل سهيل واسمه العاصى وهو الذى جاء في قيوده يوم صلح الحديبية إلى النبي صلى الله عليه وسلم فرده وقصته معروفة وزمعة بن قيس بن عبد شمس وابنه عبد بن زمعة وبنته سوده بنت زمعة أم المؤمنين وكانت زوجة السكران ابن عمها ثم تزوجها بعده رسول الله صلى الله عليه وسلم (وأما كعب بن لؤى) وهو في عمود النسب الكريم فولده مرة وهصيص وعدى وهم قريش
البطاح أي بطائح مكة فمن ابن كعب هصيص بن كعب بن لؤى بن سهم بن عمرو بن هصيص ابن كعب منهم العاصى بن وائل بن هشام بن سعيد بن سهم وابناه عمرو وهشام ابنا لعاصي وعبد الرحمن بن معيص بن أبى وداعة وهو الحارث بن سعيد بن سعد بن سهم قارى أهل مكة واسمعيل بن جامع بن عبد المطلب بن أبى وداعة مفتى مكة ونبيه ومنبه ابنا الحجاج بن عامر بن حذيفة بن سعد بن سهم قتلا يوم بدر كافرين وألقيا في القليب وقتل يومئذ العاصى بن منبه وكان له ذو القفار سيف رسول الله صلى الله عليه وسلم وعبد الله ابن الزبعرى بن قيس بن عدى بن سعد بن سهم كان يؤذى بشعره ثم أسلم وحسن اسلامه وحذافة بن قيس أبو الاخنس وخنيس وكان خنيس على حفصة قبل رسول الله صلى الله عليه وسلم وعبد الله بن حذافة من مهاجرة الحبشة وهو الذى مضى بكتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى كسرى وبنو جمح بن عمرو بن هصيص بن كعب كان منهم أمية بن خلف ابن وهب بن حذافة قتل يوم بدر وأخوه أبى قتله رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم أحد بيده وابنه صفوان بن أمية أسلم يوم الفتح وابنه عبد الله بن صفوان قتل مع الزبير وعثمان ابن مظعون بن حبيب بن وهب بن حذافة واخوته قدامة والسائب وعبد الله مهاجرون بدريون واخوتهم زينب بن مظعون أم حفصة (وبنو عدى بن كعب) منهم زيد بن عمرو بن نفيل بن عبد العزى بن رياح بن عبد الله بن قرط بن زراح بن عدى * رفض(2/325)
الاوثان في الجاهلية والتزم الحنيفية ملة ابراهيم إلى أن قتل بقرية من قرى البلقاء قتله لخم أو جذام وابنه سعيد بن زيد أحد العشرة المشهود لهم بالجنة (وعمر الخطاب) أمير المؤمنين وابنه عبد الله وعاصم وعبيد الله وغيرهم وخارجة بن حذافة بن غانم بن عامر بن عبيد الله بن عويح بن عدى بن كعب الذى قتله الحروري بمصر يظنه عمرو بن العاصى وقال أردت عمرا وأراد الله خارجة فصارت مثلا وأبوالجهم بن حذيفة بن غانم صاحب النفل يوم حنين ومطيع بن الاسود بن حارثة بن نضلة بن عوف بن عبيد بن عويج صحايى
وابنه عبد الله بن مطيع كان على المهاجرين يوم الحرة قتل مع ابن الزبير بمكة (وأما مرة ابن كعب) وهو من عمود النسب الكريم فكان له من الولد كلاب وتيم ويقظة فاما تيم بن مرة فمنهم عبد الله بن جدعان بن عمرو بن كعب بن سعد بن تيم سيد قريش في الجاهلية وتنسب إليه الدار المشهورة يومئذ بمكة (ومنهم أبو بكر الصديق) واسمه عبد الله بن أبى قحافة وهو عثمان بن عامر بن عمرو بن كعب وابناه عبد الرحمن ومحمد * وطلحة بن عبيد الله بن عثمان بن عمرو بن كعب قتل يوم الجمل وابنه محمد السجاد وأعقابهم كثيرة (وبنو يقظة بن مرة) منهم بنو مخزوم بن يقظة بن مرة فمنهم صيفي بن أبى رفاعة وهو أمية بن عائذ بن عبد الله بن عمرو بن مخزوم قتل هو وأخوه ببدر كافرا والارقم بن أبى الارقم واسمه عبد مناف بن أبى جندب واسمه أسد بن عبد الله بن عمرو ابن مخزوم صحابي بدرى كان يجتمع بداره النبي صلى الله عليه وسلم والمسلمون سرا قبل أن يفشو الاسلام وأبو سلمة عبد الله بن عبد الاسد بن هلال بن عبد الله بن عمرو بن مخزوم من قدماء المهاجرين كان زوج أم سلمة قبل النبي صلى الله عليه وسلم والفاكه بن المغيرة ابن عبد الله بن عمرو بن مخزوم واسمه أبو قيس قتل يوم بدر كافرا وأبو جهل بن هشام بن المغيرة واسمه عمرو قتل يومئذ كافرا وابنه عكرمة صحابي والحارث بن هشام بن المغيرة أسلم وحسن اسلامه وله عقب كثير مشهورون وأبو أمية بن أبى حذيفة بن المغيرة قتل يوم بدر كافرا وبنته أم سلمة أم المؤمنين وهشام بن أبى حذيفة من مهاجرة الحبشة وعبد الله ابن أبى ربيعة وهو عمرو بن المغيرة من الصحابة من ولده الحارث بن عبد الله بن أبى ربيعة المعروف بالقباع والوليد بن المغيرة مات بمكة كافرا وابنه خالد بن الوليد سيف الله صاحب الفتوحات الاسلامية وسعيد بن المسيب بن حزن بن أبى وهب بن عمرو بن عائذ بن عمران بن مخزوم تابعي وأبوه المسيب من أهل بيعة الرضوان (وأما كلاب بن مرة) من عمود النسب الكريم فولد له قصى وزهرة فبنو زهرة بن كلاب منهم آمنة بنت وهب بن عبد مناف بن زهرة أم النبي صلى الله عليه وسلم وابن أخيها عبد الله بن الارقم
ابن عبد يغوث بن وهب وسعد بن أبى وقاص واسمه مالك بن وهب بن عبد مناف أمير(2/326)
المسلمين في فتح العراق وهاشم ابن أخيه عتبة من الامراء يومئذ وابنه عمرو بن سعيد الذى بعثه عبد الله بن زياد لقتال الحسين وقتله المختار بن أبى عبيد وأخوه محمد بن سعد قتله الحجاج بن أبى الاشعت والمسور بن مخرمة بن نوفل بن وهب صحابي وأبوه من المؤلفة قلوبهم وعبد الله بن عوف بن عبد عوف بن عبد الحرث بن زهرة وابنه سلمة وله عقب كثير (وأما قصى بن كلاب) من عمود النسب الكريم وهو الذى جمع أمر قريش وأثل مجدهم فولد له عبد مناف وعبد الدار وعبد العزى فبنو عبد الدار كان منهم النضر ابن الحارث بن علقمة بن كلدة بن عبد مناف بن عبد الدار أسر يوم بدر مع المشركين ولما رجع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة ومر بالصفراء أمر به فضرب عنقه هنا لك ومصعب بن عمرو بن هاشم بن عبد مناف صحابي بدرى استشهد يوم أحد وكان صاحب اللواء ومن عقبه كان عامر بن وهب القائم بسرقسطة من الاندلس بدعوة أبى جعفر المنصور وقتله يوسف بن عبد الرحمن الفهرى أمير الاندلس قبل عبد الرحمن الداخل ومنهم أبو السنابل بن بعكك بن السباق بن عبد الدار صحابي مشهور ومنهم عثمان ابن طلحة بن عبد العزى بن عثمان بن عبد الدار الذى دفع إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الفتح مفتاح الكعبه وقيل انما دفعه إلى أخيه شيبة وصارت حجابة البيت إلى بنى شيبة بن طلحة من يومئذ وبنو عبد العزى بن قصى منهم أبو البخترى العاصى بن هاشم بن الحارث بن أسد بن عبد العزى أراد التملك على قريش من قبل قيصر فمنعوه فرجع عنهم إلى الشأم وسجن من وجد بها من قريش وكان في جملتهم أبو أحيحة سعيد بن العاصى فدست قريش إلى عمرو بن جفنة الغساني فسم عثمان بن الحويرث ومات بالشأم وهبار ابن الاسود بن المطلب بن اسد بن عبد العزى كان من عقبه عمر بن عبد العزيز بن المنذر ابن الزبير بن عبد الرحمن بن هبار صاحب السند وليها في ابتداء الفتنة إثر قتل المتوكل
وتداول أولاده ملكها إلى ان انقطع أمرهم على يد محمود بن سبكتكين صاحب غزنة وما دون النهر من خراسان وكانت قاعدتهم المنصورة وكان جده المنذر بن الربيع قد قام بقرقيسيا أيام السفاح فأسر وصلب واسماعيل بن هبار قتله مصعب بن عبد الرحمن غيلة وهبار كان يهجو النبي صلى الله عليه وسلم ثم ابنه عوف أسلم فمدحه وحسن اسلامه وعبد الله بن زمعة بن الاسود له صحبة وتزوج زينب بنت أبى سلمة من أم سلمة أم المؤمنين وخديجة أم المؤمنين بنت خويلد بن أسد بن عبد العزى والزبير بن العوام بن خويلد احد العشرة وابناه عبد الله ومصعب وحكيم بن حزام بن خويلد عاش ستين سنة في الاسلام وباع داره الندوة من معاوية بمائة ألف وابنه هشام بن حكيم (وأما عبد مناف) وهو صاحب الشوكة في قريش وسنام الشرف وهو في عمود النسب الكريم فولد له عبد(2/327)
شمس وهاشم والمطلب ونوفل وكان بنو هاشم وبنو عبد شمس متقاسمين رياسة بنى عبد مناف والبقية أحلاف لهم فبنو المطلب أحلاف لبنى هاشم وبنو نوفل أحلاف لبنى عبد شمس فأما بنو عبد شمس فمنهم العبلات وهم بنو أمية الاصغر وبنته الثريا صاحبة عمرو ابن أبى ربيعة وهى سيدة القريض المغنى وبنو ربيعة بن عبد شمس منهم عتبة وشيبة ابنا ربيعة ومن عتبة ابنه الوليد وقتل يوم بدر كافرا وأبو حذيفة صحابي وهو مولى سالم قتل يوم اليمامة وهند بنت عتبة أم معاوية رضى الله عنها وبنو عبد العزى بن عبد شمس منهم أبو العاصى بن الربيع بن عبد العزى صهر النبي وكانت له منها أمامة تزوجها على بعد فاطمة رضى الله عنهما (وبنو أمية الاكبر ابن عبد شمس منهم سعيد بن أبى أحيحة العاصى ابن أمية مات كافرا وابنه خالد بن سعيد قتل يوم اليرموك وسعيد بن العاصى ابن سعيد قديم الاسلام ولى صنعاء واستشهد في فتح الشأم وابنه سعيد قتل يوم اليرموك وسعيد بن العاصى بن سعيد بن العاصى بن أمية ولى الكوفة لعثمان وابنه عمرو الاشدق القائم على عبد الملك وقتله وأمير المؤمنين عثمان بن عفان بن العاصى بن أمية ومروان
ابن الحكم بن أبى العاصى وأعقابه الخلفاء الاولون في الاسلام والملوك بالاندلس معروفون يأتي ذكرهم عند أخبار دولهم وأبو سفيان بن حرب بن أمية وأبناؤه معاوية أمير المؤمنين ويزيد وحنظلة وعتبة وأم حبيبة أم المؤمنين وعقب معاوية بين الخلفاء والاسلام بين معروف يذكر عند ذكرهم وعتاب بن أسيد بن أبى العاص بن أمية ولاه رسول الله صآلى الله عليه وسلم على مكة إذ فتحها فلم يزل عليها إلى ان مات يوم ورود الخبر بموت أبى بكر الصديق ومنهم بنو أبى الشوارب القضاة ببغداد من عهد المتوكل إلى المقتدر وهم بنو أبى عثمان بن عبد الله بن خالد بن أسيد بن أبى العاص وعقبة بن أبى معيط واسمه أبان بن عمرو بن أمية قتله رسول الله صلى الله عليه وسلم ببدر صبرا وابنه الوليد صحابي ولى الكوفة وهو الذى حد على الخمر بين يدى عثمان وابنه أبو قطيفة الشاعر ومن عقبة ابن أبى معيط المعيطى الذى بويع بدانية من شرق الاندلس بايع له ملكها مجاهد زمان الفتنة بعد المائة الرابعة في آخر الدولة الاموية وهو عبد الله بن عبد الله بن عبيد الله بن الوليد بن محمد بن يوسف بن عبد الله بن عبد العزيز بن خالد بن عثمان بن عبد الله بن عبد العزيز بن خالد بن عقبة بن أبى معيط وبنو نوفل بن عبد مناف منهم جبير بن مطعم بن عدى بن نوفل الصحابي المشهور وأبو مطعم هو الذى نوه به النبي صلى الله عليه وسلم يوم الطائف ومات قبل بدر وطعيمة بن عدى قتل يوم بدرا كافرا ومولاه وحشى هو الذى قتل يوم أحد حمزة بن عبد المطلب وبنو المطلب بن عبد مناف منهم قيس بن مخرمة بن المطلب صحابي وابنه عبد الله بن قيس مولى يسار جد محمد بن اسحق بن يسار صاحب(2/328)
المغازى ومسطح وهو عوف بن اثاثة بن عباد بن المطلب أحد من تكلم بالافك وهو ابن خالة أبى بكر الصديق وركانة بن عبد يزيد بن هاشم بن عبد المطلب كان من أشد الرجال وصارعه رسول الله صلى الله عليه وسلم فصرعه وكانت آية من آياته والسائب ابن عبد يزيد وكان يشبه رسول الله صلى الله عليه وسلم وأسر يوم بدر ومن عقبه
الشافعي محمد بن ادريس بن العباس بن عثمان بن شافع بن السائب (وأما بنو هاشم) ابن عبد مناف فسيدهم عبد المطلب بن هاشم ولم يذكر من عقبه الا عقب عبد المطلب هذا وكان بنوه عشرة عبد الله أبو النبي صلى الله عليه وسلم وهو أصغرهم وحمزة والعباس وأبو طالب والزبير والمقوم ويقال اسمه الغيداق وضرار وحجل وأبو لهب وقثم والزبير لا عقب لهما وعقب حمزة انقرض فيما قال ابن حزم ومن عقب أبى لهب ابنه عتبة صحابي (وأما عقب العباس وأبى طالب) فأكثر من أن يحصرو البيت والشرف من بنى العباس في عبد الله بن العباس ومن بنى ابى طالب في على أمير المؤمنين وبعده أخوه جعفر رضى الله عنهم أجمعين وسنذكر من مشاهيرهم عند ذكر أخبارهم ودولهم ما فيه كفاية ان شاء الله تعالى * هذا آخر الكلام في انساب قريش وانقضى بتمامها الكلام في أنساب مضر وعدنان فلنرجع الآن إلى اخبار قريش وسائر مضر وما كان لهم من الدول الاسلامية والله المستعان لا رب غيره ولا خير الا خيره ولا معبود سواه ولا يرجى الا اياه وهو حسبى ونعم الوكيل وأسأله الستر الجميل(2/329)
* (الخبر عن قريش من هذه الطبقة وملكهم بمكة وأولية أمرهم وكيف صار الملك إليهم فيها ممن قبلهم من الامم السابقة) * قد ذكروا عند الطبقة الاولى أن الحجاز واكناف العرب كانت ديار العمالقة من ولد عمليق بن لاوذ وانهم كان لهم ملك هنا لك وكانت جرهم أيضا من تلك الطبقة من ولد يقطن بن شالخ بن ارفخشد وكانت ديارهم اليمن مع اخوانهم حضرموت وأصاب اليمن يومئذ قحط ففروا نحو تهامة يطلبون الماء والمرعى وعثروا في طريقهم باسمعيل مع أمه هاجر عند زمزم وكان من شأنه وشأنهم معه ما ذكرناه عند ذكر ابراهيم عليه السلام ونزلوا على قطورا من بقية العمالقة وعليهم يومئذ السميدع بن هوثر بثاء مثلثة ابن لاوى ابن قطورا بن ذكر بن عملاق أو عمليق واتصل خبر جرهم من ورائهم من قومهم باليمن وما
أصابوا من النجعة بالحجاز فلحقوا بهم وعليهم مضاض بن عمرو بن سعيد بن الرقيب بن هن ء بن نبت بن جرهم فنزلوا على مكة بقعيقعان وكانت قطورا أسفل مكة وكان مضاض يعشر من دخل مكة من أعلاها والسميدع من أسفلها هكذا عند ابن اسحق والمسعودي ان قطورا من العمالقة وعند غيرهما ان قطورا من بطون جرهم وليسوا من العمالقة ثم افترق أمر قطورا وجرهم وتنافسوا الملك واقتتلوا وغلبهم المضاض وقتل السميدع وانقضت العرب العاربه قال الشاعر مضى آل عملاق فلم يبق منهمو * حقير ولاذ وعزة متشاوس - عتوا فادال الذهر منهم وحكمه * على الناس هذا واغد ومبايس - ونشأ اسمعيل صلوات الله عليه بين جرهم وتكلم بلغتهم وتزوج منهم حرا بنت سعد بن عوف بن هن ء بن نبت بن جرهم وهى المرأة التى أمره أبوه بتطليقها لما زاره ووجده غائبا فقال لها قولى لزوجك فليغير عتبته فطلقها وتزوج بنت أخيها مامة بنت مهلهل بن سعد ابن عوف ذكر هاتين المرأتين الواقدي في كتاب انتقال النور وتزوج بعدهما السيدة بنت الحرث بن مضاض بن عمرو بن جرهم ولثلاثين سنة من عمر اسمعيل قدم أبوه الحجاز فأمر ببناء الكعبة البيت الحرام وكان الحجر زربا لغنم اسمعيل فرفع قواعدها مع ابنه اسمعيل وصيرها خلوة لعبادته وجعلها حجا للناس كما أمره الله وانصرف إلى الشأم فقبض هنا لك كما مر وبعث الله اسمعيل إلى العمالقة وجرهم وأهل اليمن فآمن بعض وكفر بعض إلى أن قبضه الله ودفن بالحجر مع أمه هاجر ويقال آجر وكان عمره فيما يقال مائة وثلاثين سنة وعهد بأمره لابنه قيذار ومعنى قيذار صاحب الابل وذلك لانه كان صاحب ابل أبيه اسمعيل كذا قال السهيلي وقال غيره معناه الملك ويقال انما عهد لابنه نابت فقام ابنه بأمر البيت ووليها وكان ولده فيما ينقل أهل التوراة كما نقل اثنى عشر(2/331)
قيذار نيابوت ادبييل مبسام مشمع دوماما حدد ديما بطور يا قيس قدما أمهم السيدة
بنت مضاض قاله السهيلي وهكذا وقعت أسماؤهم في الاسرائيليات والحروف مخالفة للحروف العربية بعض الشئ باختلاف المخارج فلهذا يقع الخلاف بين العلماء في ضبط هذه الالفاظ وقد ضبط ابن اسحق تيما منهم بالطاء والياء وضبطه الدار قطني بالضاد المعجمة والميم قبل الياء كأنها تأنيث آضم وذكر ابن اسحق ديما (وقال البكري) به سميت دومة الجندل لانه كان نزلها وذكر أن الطور بيطون ابن اسمعيل ثم هلك نابت بن اسمعيل وولى أمر البيت جده الحرث بن مضاض وقيل وليها مضاض بن عمرو بن سعد بن الرقيب بن هن ء ابن نبت بن جرهم ثم ابنه الحرث بن عمرو ثم قسمت الولاية بين ولد اسمعيل بمكة واخوالهم من جرهم ولاة البيت لا ينازعهم ولد اسمعيل اعظاما للحرم أن يكون به بغى أو قتال ثم بغت جرهم في البيت ووافق بغيهم تفرق سبأ ونزول بنى حارثة بن ثعلبة بن عمرو بن عامر أرض مكة فأرادوا المقام مع جرهم فمنعوهم واقتتلوا فغلبهم بنو حارثة وهم فيما قيل خزاعة وملكوا البيت عليهم ورئيسهم يومئذ عمرو بن لحى وشرد بقية جرهم ولحى هذا هو ربيعة بن حارثة بن ثعلبة بن عمرو مزيقيا ابن عامر وقيل انما ثعلبة ابن حارثة بن عامر وفي الحديث رأيت عمرو بن لحى يجر قصبه في النار يعنى أحشاءه لانه الذى بحر البحيرة وسيب السائبة وحمى الحامى وغير دين اسمعيل ودعا إلى عبادة الاوثان وفي طريق آخر رأيت عمرو بن عامر قال عياض المعروف في نسب أبى خزاعة هذا هو عمرو بن لحى بن قمعة بن الياس وانما عامر اسم أبيه أخو قمعة وهو مدركة بن الياس وقال السهيلي كان حارثة بن ثعلبة بن عمرو بن عامر خلف على أم لحى بعد أبيه قمعة ولحى تصغير واسمه ربيعة تبناه حارثة وانتسب إليه فالنسب صحيح بالوجهين وأسلم بن أفصى بن حارثة أخو خزاعة وعن ابن اسحق ان الذى أخرج جرهم من البيت ليست خزاعة وحدها وانما تصدى للنكير عليهم خزاعه وكنانة وتولى كبره بنو بكر بن عبد مناة بن كنانة وبنو غبشان ابن عبد عمرو بن بوى بن ملكان بن أفصى بن حارثة فاجتمعوا لحربهم واقتتلوا وغلبهم بنو بكر وبنو غبشان بن كنانة وخزاعة على البيت ونفوهم من مكة فخرج عمرو وقيل
عامر بن الحرث بن مضاض الاصغر بمن معه من جرهم إلى اليمن بعد ان دفن حجر الركن وجميع أموال الكعبة بزمزم ثم اسفوا على ما فارقوا من أمر مكة وحزنوا حزنا شديدا وقال عمرو بن الحرث وقيل عامر كان لم يكن بين الحجون إلى الصفا * أنيس ولم يسمر بمكة سامر - بلى نحن كنا أهلها فأزالنا * صروف الليالى والجدود العواثر - وكنا ولاة البيت من بعد نايت * نطوف فما تحظى لدينا المكاثر -(2/332)
ملكنا فعززنا فأعظم ملكنا * فليس لحى عندنا ثم فاخر - ألم تنكحوا من خير شخص علمته * فأبناؤنا منا ونحن الاصاهر - فان تنثني الدنيا علينا بحالها * فان لها حالا وفيها التشاجر - فأخرجنا منها المليك بقدرة * كذلك يا للناس تجرى المقادر - أقول إذا نام الخلى ولم أنم * أذا العرش لا يبعد سهيل وعامر - وبدلت منها أوجها لا أحبها * قبائل منها حمير وبحائر - وصرنا أحاديثا وكنا بغبطة * بذلك عضتنا السنون الغوابر - فساحت دموع العين تبكى لبلدة * بها حرم أمن وفيها المشاعر - ونبكي لبيت ليس يؤذى حمامه * يظل بها أمنا وفيها العصافر - وفيه وحوش لا ترام أنيسة * إذا خرجت منه فليست تغادر - ثم غلبت بنو حبشية على أمر البيت بقومهم من خزاعة واستقلوا بولايتها دون بنى بكر عبد مناة وكان الذى يليها لآخر عهدهم عمرو بن الحرث وهو غبشان (وذكر الزبير) ان الذين أخرجوا جرهم من البيت من ولد اسمعيل هم إياد بن نزار ومن بعد ذلك وقعت الحرب بين مضر واياد فاخرجتهم مضر ولما خرجت اياد قلعوا الحجر الاسود ودفنوه في بعض المواضع ورأت ذلك امرأة من خزاعة فأخبرت قومها فاشترطوا على مضر
ان دلوهم عليه ان لهم ولاية البيت دونهم فوفوا لهم بذلك وصارت ولاية البيت لخزاعة إلى ان باعها أبو غبشان لقصى ويذكر ان من وليها منهم عمرو بن لحى ونصب الاصنام وخاطبه رجل من جرهم يا عمرو لا تظلم بمكة انها بلد حرام - سائل بعاد أين هم * وكذاك تخترم الانام - وهى العماليق الذي * ن لهم بها كان السوام - وكانت ولاية البيت لخزاعة وكان لمضر ثلاث خصال الاجازة بالناس يوم عرفة لبنى الغوث بن مرة اخوتهم وهو صوفة والافاضة بالناس غداة النحر من جمع إلى منى لبنى زيد بن عدى وانتهى ذلك منهم إلى أبى سيارة عميرة بن الاعزل بن خالد بن سعد بن الحرث ابن كانس بن زيد فدفع من مزدلفة أربعين سنة على حمار ونس ء الشهور الحرم كان لبنى مالك بن كنانة وانتهى إلى القلمس كما مر وكان إذا أراد الناس الصدور من مكة قال اللهم انى أحللت أحد الصفرين ونسأت الآخر للعام المقبل قال عمرو بن قيس من بنى فراس ونحن الناسئون على معد * شهور الحل نجعلها حراما -(2/333)
(قال ابن اسحق) فأقام بنو خزاعة وبنو كنانة على ذلك مدة الولاية لخزاعة دونهم كما قلناه وفي اثناء ذلك تشعبت بطون كنانة ومن مضر كلها وصاروا جرما وبيوتات متفرقين في بطن قومهم من بنى كنانة وكلهم إذ ذاك أحياء حلول بظواهرها وصارت قريش على فرقتين قريش البطاح وقريش الظواهر فقريش البطاح ولد قصى بن كلاب وسائر بنى كعب بن لؤى وقريش الظواهر من سواهم وكانت خزاعة بادية لكنانة ثم صار بنو كنانة لقريش ثم صارت قريش الظواهر بادية لقريش البطاح وقريش الظواهر من كان على أقل من مرحلة ومن الضواحى ما كان على أكثر من ذلك وصار من سوى قريش وكنانة من
قبائل مضر في الضواحى أحياء بادية وظعونا ناجعة من بطون قيس وخندف من أشجع وعبس وفزارة ومرة وسليم وسعد بن بكر وعامر بن صعصعة وثقيف ومن تميم والرباب وضبعى بنى أسد وهذيل والقارة وغير هؤلاء من البطون الصغار وكان التقدم في مضر كلها لكنانة ثم لقريش والتقدم في قريش لبنى لؤى بن غالب بن فهر بن مالك بن النضر وكان سيدهم قصى بن كلاب بن مرة بن كعب بن لؤى كان له فيهم شرف وقرابة وثروة وولد وكان له في قضاعة ثم في بنى عروة بن سعد بن زيد من بطونهم نسب ظئر ورحم كلالة كانوا من أجلها فيه شيعة وذلك بما كان ربيعة بن حرام بن عذرة قدم مكة قبل مهلك كلاب ابن مرة وكان كلاب خلف قصيا في حجر أمه فاطمة بنت سعد بن باسل بن خثعمة الاسدي من اليمن فتزوجها ربيعة وقصى يومئذ فطيم فاحتملته إلى بلاد بنى عذرة وتركت ابنها زهرة بن كلاب لانه كان رجلا بالغا وولدت لربيعة بن حزام رزاح بن ربيعة ولما شب قصى وعرف نسبه رجع إلى قومه وكان الذى يلى أمر البيت لعهده من خزاعة حليل ابن حبشية بن سلول بن كعب بن عمرو فأصهر إلى قصى في ابنته حبى فأنكحه اياها فولدت له عبد الدار وعبد مناف وعبد العزى وعبد قصى ولما انتشر ولد قصى وكثر ماله وعظم شرفه هلك حليل فرأى قصى انه أحق بالكعبة وبأمر مكة وخزاعة وبنى بكر لشرفه في قريش ولما كثرت قريش سائر الناس واعتزت عليهم وقيل أوصى له بذلك حليل ولما بدا له ذلك مشى في رجالات قريش ودعاهم إلى ذلك فأجابوه وكتب إلى أخيه رزاح في قومه عذرة مستجيشا بهم فقدم مكة في اخوته من ولد ربيعة ومن تبعهم من قضاعة في جملة الحاج مجمعا نصر قصى (قال السهيلي) وذكر غير ابن اسحق ان حليلا كان يعطى مفاتيح البيت بنته حبى حين كبر وضعف فكانت بيدها وكان قصى ربما أخذها يفتح البيت للناس ويغلقه فلما هلك حليل أوصى بولاية البيت إلى قصى وأبت خزاعة ان يمضى ذلك لقصى فعند ذلك هاجت الحرب بينه وبين خزاعة وأرسل إلى رزاح أخيه يستنجده عليهم (وقال الطبري) لما أعطى حليل مفاتيح(2/334)
الكعبة لابنته حبى لما كبر وثقل قالت اجعل ذلك لرجل يقوم لك به فجعله إلى أبى غبشان سليمان بن عمرو بن لؤى بن ملكان بن قصى وكانت له ولاية الكعبة ويقال ان أبا غبشان هو ابن حليل باعه من قصى بزق خمر قيل فيه أخسر من صفقة أبى غبشان فكان من أول ما بدؤا به نقض ما كان لصوفة من اجازة الحاج وذلك ان بنى سعد بن زيد مناة بن تميم كانوا يلون الاجازة للناس بالحج من عرفة ينفر الحاج لنفرهم ويرمون الجمار لرميهم ورثوا ذلك من بنى الغوث بن مرة كانت أمه من جرهم وكانت لا تلد فنذرت ان ولدت أن تتصدق به على الكعبة عبدا يخدمها فولدت الغوث وخلى اخواله من جرهم بينه وبين قرطاى بذلك فكان له ولولده وكان يقال لهم صوفة (وقال السهيلي) عن بعض الاخباريين ان ولاية الغوث بن مرة كانت من قبل ملوك كندة ولما انقرضوا ورث بالقعدد بنو سعد بن زيد مناة ولما جاء الاسلام كانت تلك الاجازة منهم لكرب بن صفوان بن حتات بن سجنة وقد مر ذكره في بطون تميم فلما كان العام الذى أجمع فيه قصى الانفراد بولاية البيت وحضر اخوته من عذرة تعرض لبنى سعد أصحاب صوفة في قومهم من قريش وكنانة وقضاعة عند الكعبة فما وقفوا للاجازة قال لا نحن أولى بهذا منكم فتناجزا وغلبهم قصى على ما كان بأيديهم وعرفت خزاعة وبنو بكر عند ذلك انه سيمنعهم من ولاية البيت كما منع الآخرين فانحازوا عنه وأجمعوا لحربه وتناجزوا وكثر القتل ثم صالحوه على أن يحكموا من أشراف العرب وتنافروا إلى يعمر ابن عوف بن كعب بن عمرو بن عامر بن ليث بن بكر بن عبد مناة بن كنانة فقضى لقصى عليهم فولى قصى البيت وفر بمكة وجمع قريشا من منازلهم بين كنانة إليها وقطعها ارباعا بينهم فأنزل كل بطن منهم بمنزله الذى صبحهم به الاسلام وسمى بذلك مجمعا قال الشاعر قصى لعمري كان يدعى مجمعا * به جمع الله القبائل من فهر - فكان أول من أصاب من بنى لؤى بن غالب ملكا أطاع له به قومه فصار له لواء الحرب
وحجابة البيت وتيمنت قريش برأيه فصرفوا مشورتهم إليه في قليل أمورهم وكثيرها فاتخذوا دار الندوة ازاء الكعبة في مشاوراتهم وجعل بابها إلى المسجد فكانت مجتمع الملاء من قريش في مشاوراتهم ومعاقدهم ثم تصدى لاطعام الحاج وسقايته لما رأى انهم ضيف الله وزوار بيته وفرض على قريش خراجا يؤدونه إليه زيادة على ذلك كانوا يردفونه به فحاز شرفهم كله وكانت الحجابة والسقاية والرفادة والندوة واللواء له ولما أسن قصى وكان بكره عبد الدار وكان ضعيفا وكان أخوه عبد مناف شرف عليه في حياة أبيه فأوصى قصى لعبد الدار بما كان له من الحجابة واللواء والندوة والرفادة والسقاية يجبر له بذلك ما نقصه من شرف عبد مناف وكان أمره في قومه كالدين المتبع لا يعدل عنه(2/335)
ثم هلك وقام بأمره في قومه بنوه من بعده وأقاموا على ذلك مدة وسلطان مكة لهم وأمر قريش جميعا ثم نفس بنو عبد مناف على بنى عبد الدار ما بأيديهم ونازعوهم فافترق أمر قريش وصاروا في مظاهرة بنى قصى بعضهم على بعض فرقتين وكان بطون قريش قد اجتمعت لعهدها ذلك اثنى عشر بطنا بنو الحرث بن فهر وبنو محارب بن فهر وبنو عامر بن لؤى وبنو عدى بن كعب وبنو سهم بن عمرو بن هصيص بن كعب وبنو جمح بن عمرو بن هصيص وبنو تيم بن مرة وبنو مخزوم بن يقظة بن مرة وبنو زهرة ابن كلاب وبنو أسد بن عبد العزى بن قصى وبنو عبد الدار وبنو عبد مناف بن قصى فأجمع بنو عبد مناف انتزاع ما بأيدى بنى عبد الدار مما جعل لهم قصى وقام بأمرهم عبد شمس أسن ولده واجتمع له من قريش بنو أسد بن عبد العزى وبنو زهرة وبنو تيم وبنو الحرث واعتزل بنو عامر وبنو المحارب الفريقين وصار الباقي من بطون قريش مع بنى عبد الدار وهم بنو سهم وبنو جمح وبنو عدى وبنو مخزوم ثم عقد كل من الفريقين على أحلافه عقدا مؤكدا وأحضر بنو عبد مناف وحلف قومهم عند الكعبة جفنة مملوءة طيبا غمسوا فيها أيديهم تأكيدا للحلف فسمى حلف المطيبين وأجمعوا
للحرب وسووا بين القبائل وأن بعضها إلى بعض فعبت بنو عبدار لبنى أسد وبنو جمح لبنى زهرة وبنو مخزوم لبنى تيم وبنو عدى لبنى الحرث ثم تداعوا للصلح على أن يسلموا لبنى عبد مناف السقاية والرفادة ويختص بنو عبد الدار بالحجابة واللواء فرضى الفريقان وتحاجز الناس (وقال الطبري) قيل ورثها من أبيه ثم قام بأمر بنى عبد مناف هاشم ليساره وقراره بمكة وتقلب أخيه عبد شمس في التجارة إلى الشام فأحسن هاشم ما شاء في اطعام الحاج واكرام وفدهم ويقال انه أول من أطعم الثريد الذى كان يطعم فهو ثريد قريش الذى قال في النبي صلى الله عليه وسلم فضل عائشة على النساء كفضل الثريد على سائر الطعام والثريد لهذا العهد ثريد الخبز بعد أن يطبخ في المقلاة والتنور وليس من طعام العرب الا ان عندهم طعاما يسمونه البازين يتناوله الثريد لغة وهو ثريد الخبز بعد أن يطبخ في الماء عجينا رطبا إلى أن يتم نضجه ثم يدلكونه بالمغرفة حتى تتلاحم أجزاؤه وتتلازج وما أدرى هل كان ذلك الطعام كذلك أولا الا أن لفظ الثريد يتناوله لغة ويقال ان هاشم بن عبد المطلب أول من سن الرحلتين في الشتاء والصيف للعرب ذكره ابن اسحق وهو غير صحيح لان الرحلتين من عوائد العرب في كل جيل لمراعى ابلهم ومصالحها لان معاشهم فيها وهذا معنى العرب وحقيقتهم أنه الجيل الذى معاشهم في كسب الابل والقيام عليها في ارتياع المرعى وانتجاع المياه والنتاج والتوليد وغير ذلك من مصالحها والفرار بها من أذى البرد عند التوليد إلى القفار(2/336)
ودفئها وطلب التلول في المصيف للحبوب وبرد الهواء وتكونت على ذلك طباعهم فلا بد لهم منها ظعنوا أو أقاموا وهو معنى العروبية وشعارها ان هاشما لما هلك وكان مهلكه بغزة من أرض الشأم تخلف عبد المطلب صغيرا بيثرب فأقام بأمره من بعده ابنه المطلب وكان ذا شرف وفضل وكانت قريش تسميه الفضل لسماحته وكان هاشم قدم يثرب فتزوج في بنى عدى وكانت قبله عند أحيجة بن
الجلاح بن الحريش بن جحجبا بن كلفة بن عوف بن عمرو بن عوف بن مالك سيد الاوس لعهده فولدت عمرو بن أحيجة وكانت لشرفها تشترط أمرها بيدها في عقد النكاح فولدت عبد المطلب فسمته شيبة وتركه هاشم عندها حتى كان غلاما وهلك هاشم فخرج إليه أخوه المطلب فأسلمته إليه بعد تعسف واغتباط به فاحتمله ودخل مكة فردفه على بعيره فقالت قريش هذا عبد ابتاعه المطلب فسمى شيبة عبد المطلب من يومئذ ثم ان المطلب هلك بردمان من اليمن فقام بأمر بنى هاشم بعده عبد المطلب بن هاشم وأقام الرفادة والسقاية للحاج على أحسن ما كان قومه يقيمونه بمكة من قبله وكانت له وفادة على ملوك اليمن من حمير والحبشة وقد قدمنا خبره مع ابن ذى يزن ومع ابرهة (ولما أراد حفر زمزم) للرؤيا التى رآها اعترضته قريش دون ذلك ثم حالوا بينه وبين ما أراد منها فنذر لئن ولد له عشرة من الولد ثم يبلغوا معه حتى يمنعوه لينحرن أحدهم قربانا لله عند الكعبة فلما كملوا عشرة ضرب عليهم القداح عند هبل الصنم العظيم الذى كان في جوف الكعبة على البئر التى كانوا ينحرون فيها هدايا الكعبة فخرجت القداح على ابنه عبد الله والد النبي صلى الله عليه وسلم وتحير في شأنه ومنعه قومه من ذلك وأشار بعضهم وهو المغيرة بن عبد الله بن مخزوم بسؤال العرافة التى كانت لهم بالمدينة على ذلك فألقوها بخيبر وسألوها فقالت قربوه وعشرا من الابل وأجيلوا القداح فان خرجت على الابل فذلك والا فزيدوا في الابل حتى تخرج عليها القداح وانحروها حينئذ فهى الفدية عنه وقد رضى الهكم ففعلوا وبلغت الابل مائة فنحرها عبد المطلب وكانت من كرامات الله به وعليه قوله صلى الله عليه وسلم انا ابن الذبيحين يعنى عبد الله أباه واسمعيل بن ابراهيم جده اللذين قربا للذبح ثم فديا بذبح الانعام ثم ان عبد المطلب زوج ابنه عبد الله بآمنة بنت وهب بن عبد مناف بن زهرة فدخل بها وحملت برسول الله صلى الله عليه وسلم وبعثه عبد المطلب يمتار لهم تمرا فمات هنا لك فلما أبطأ عليهم خبره بعث في اثره (وقال الطبري) عن الواقدي الصحيح انه أقبل من الشأم في حى لقريش فنزل بالمدينة ومرض بها ومات
ثم أقام عبد المطلب في رياسة قريش بمكة والكون يصغى لملك العرب والعالم يتمخض بفصال النبوة إلى ان وضح نور الله من أفقهم وسرى خبر السماء إلى بيوتهم واختلفت(2/337)
الملائكة إلى أحيائهم وخرجت الخلافة في انصبائهم وصارت العزة لمضر ولسائر العرب بهم وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء وعاش عبد المطلب مائة وأربعين سنة وهو الذى احتفر زمزم (قال) السهيلي ولما حفر عبد المطلب زمزم استخرج منه تمثالي غزالين من ذهب وأسيافا كذلك كان ساسان ملك الفرس أهداها إلى الكعبة وقيل سابور ودفنها الحرث بن مضاض في زمزم لما خرج بجرهم من مكة فاستخرجها عبد المطلب وضرب الغزالين حلية للكعبة فهو أول من ذهب حلية الكعبة بها وضرب من تلك الاسياف باب حديد وجعله للكعبة ويقال ان أول من كسى الكعبة واتخذ لها غلقا تبع إلى ان جعل لها عبد المطلب هذا الباب ثم اتخذ عبد المطب حوضا لزمزم يسقى منه وحسده قومه على ذلك وكانوا يخربونه بالليل فلما غمه ذلك رأى في النوم قائلا يقول قل لا أحلها لمغتسل وهى لشارب حل وبل فإذا قلتها فقد كفيتهم فكان بعد إذا أرادها أحد بمكروه رمى بداء في جسده ولما علموا بذلك تناهوا عنه (وقال السهيلي أول من كسا البيت المسوح والخصف والانطاع تبع الحميرى) ويروى انه لما كساها انتقض البيت فزال ذلك عنه وفعل ذلك حين كساء الخصف فلما كساه الملاء والوصائل قبله وسكن وممن ذكر هذا الخبر قاسم بن ثابت في كتاب الدلائل وقال ابن اسحق أول من كسا البيت الديباج الحجاج (وقال الزبير بن بكار بل عبد الله بن الزبير أول من كساها ذلك) وذكر جماعة منهم الدار قطني أن نتيلة بنت جناب أم العباس بن عبد المطلب كانت أضلت العباس صغيرا فنذرت ان وجدته أن تكسو الكعبة وكانت من بيت مملكة فوفت بنذر ها (هذه أخبار قريش) وملكهم بمكة وكانت ثقيف جيرانهم بالطائف يساجلونهم في مذاهب العروبية وينازعونهم في الشرف وكانوا من أوفر قبائل هوازن لان ثقيفا
تبع إلى ان جعل لها عبد المطلب هذا الباب ثم اتخذ عبد المطب حوضا لزمزم يسقى منه وحسده قومه على ذلك وكانوا يخربونه بالليل فلما غمه ذلك رأى في النوم قائلا يقول قل لا أحلها لمغتسل وهى لشارب حل وبل فإذا قلتها فقد كفيتهم فكان بعد إذا أرادها أحد بمكروه رمى بداء في جسده ولما علموا بذلك تناهوا عنه (وقال السهيلي أول من كسا البيت المسوح والخصف والانطاع تبع الحميرى) ويروى انه لما كساها انتقض البيت فزال ذلك عنه وفعل ذلك حين كساء الخصف فلما كساه الملاء والوصائل قبله وسكن وممن ذكر هذا الخبر قاسم بن ثابت في كتاب الدلائل وقال ابن اسحق أول من كسا البيت الديباج الحجاج (وقال الزبير بن بكار بل عبد الله بن الزبير أول من كساها ذلك) وذكر جماعة منهم الدار قطني أن نتيلة بنت جناب أم العباس بن عبد المطلب كانت أضلت العباس صغيرا فنذرت ان وجدته أن تكسو الكعبة وكانت من بيت مملكة فوفت بنذر ها (هذه أخبار قريش) وملكهم بمكة وكانت ثقيف جيرانهم بالطائف يساجلونهم في مذاهب العروبية وينازعونهم في الشرف وكانوا من أوفر قبائل هوازن لان ثقيفا هو قسى بن منبه بن بكر بن هوازن وكانت الطائف قبلهم لعدوان الذين كان فيهم حكم العرب عامر بن الظرب بن عمرو بن عباد بن يشكر بن بكر بن عدوان وكثر عددهم حتى قاربوا سبعين ألفا ثم بغى بعضهم على بعض فهلكوا وقل عددهم وكان قسى بن منبه صهرا لعامر بن الظرب وكان بنوه بينهم فلما قل عدد عدوان تغلب عليهم ثقيف وأخرجوهم من الطائف وملكوه إلى ان صبحهم الاسلام به على ما نذكره والله وارث الارض ومن عليها وهو خير الوارثين والبقاء لله وحده وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تم الجزء الثاني من تاريخ ابن خلدون مصححا على يد الفقير نصر الهورينى غفر الله له(2/338)
تاريخ ابن خلدون ق2 - ابن خلدون ج 2
تاريخ ابن خلدون ق2
ابن خلدون ج 2(2/)
بقية الجزء الثاني من تاريخ ابن خلدون م(2/1)
بسم الله الرحمن الرحيم [ أمر النبوة والهجرة في هذه الطبقة الثالثة وما كان من اجتماع العرب على الاسلام بعد الا باية والحرب ] لما استقر أمر قريش بمكة على ما استقر وافترقت قبائل مضر في أدنى مدن الشام والعراق وما دونهما من الحجاز فكانوا ظعونا واحياء وكان جميعهم بمسغبة وفى جهد من العيش بحرب بلادهم وحرب فارس والروم على تلول العراق والشام وأربابهما ينزلون حاميتهم بثغورها ويجهزون كتائبهم بتخومها ويولون على العرب من رجالاتهم وبيوت العصائب منهم من يسومهم القهر ويحملهم على الانقياد حتى يؤتوا جباية السلطان الاعظم وإتاوة ملك العرب ويؤدوا ما عليهم من الدماء والطوائل من يسترهن أبناءهم على السلم وكف العادية ومن انتجاع الارباب وميرة الاقوات والعساكر من وراء ذلك توقع بمن منع الخراج وتستأصل من يروم الفساد وكان أمر مضر راجعا في ذلك إلى ملوك كندة بنى حجر آكل المرار منذ ولاه عليهم تبع حسان كما ذكرناه ولم يكن في العرب ملك الا في آل المنذر بالحيرة للفرس وفى آل جهينة بالشأم للروم وفى بنى حجر هؤلاء على مضر والحجاز وكانت قبائل مضر مع ذلك بل وسائر العرب أهل بغى والحاد وقطع للارحام وتنافس في الردى واعراض عن ذكر الله فكانت عبادتهم الاوثان والحجارة وأكلهم العقارب والخنافس والحيات(2/2)
والجعلان وأشرف طعامهم أوبار الابل إذا أمروها في الحرارة في الدم وأعظم عزهم وفادة على آل المنذر وآل جهينة وبنى جعفر ونجعة من ملوكهم وانما كان تنافسهم المؤودة والسائبة والوصيلة والحامي فلما تأذن الله بظهورهم واشرأبت إلى الشرف هوادى ايامهم وتم أمر الله في اعلاء امرهم وهبت ريح دولتهم وملة الله فيهم تبدت تباشير الصباح من أمرهم وأونس الخير والرشد في خلالهم وأبدل الله بالطيب الخبيث من احوالهم وشرهم واستبدلوا بالذل عزا وبالمآثم متابا وبالشر خيرا ثم بالضلالة هدى وبالمسغبة شبعا وريا وايالة وملكا وإذا أراد الله أمرا يسر أسبابه فكان لهم من العز والظهور قبل المبعث ما كان وأوقع بنو شيبان وسائر بكر بن وائل وعبس بن غطفان بطيئ وهم يومئذ ولاة العرب بالحيرة وأميرها منهم قبيصة بن اياس ومعه الباهوت صاحب مسلحة كسرى فأوقعوا بهم الوقعة المشهورة بذى قار والتحمت عساكر الفرس وأخبر بها رسول الله صلى الله عليه وسلم أصحابه بالمدينة ليومها وقال اليوم انتصفت العرب من العجم وبى نصروا ووفد حاجب بن زرارة من بنى تميم على كسرى في طلب الانتجاع والمبرة بقومه في اباب العراق فطلب الاساورة منه الرهن على عادتهم فاعطاهم قوسه واستكبر عن استرهان ولده توقعوا منه عجزا عما سواها وانتقلت خلال الخير من العجم ورجالات فارس فصارت اغلب في العرب حتى كان الواحد منهم همه بخلافه وشرفه وغلب الشر والسفسفة على أهل دول العجم وانظر فيما كتب به عمر إلى أبى عبيد بن المثنى حين وجهه إلى حرب فارس انك تقدم على أرض المكر والخديعة والخيانة والحيرة تقدم على أقوام قد جرؤا على الشر فعلموه وتناسوا الخير فجهلوه فانظر كيف تكون اه وتنافست العرب في الخلال وتنازعوا في المجد والشرف حسبما هو مذكور في ايامهم وأخبارهم وكان حظ قريش من ذلك أوفر على نسبة حظهم من مبعثه وعلى ما كانوا ينتحلونه من هدى آبائهم وانظر ما وقع في حلف الفضول حيث اجتمع بنو هاشم وبنو المطلب وبنو أسد بن عبد العزى وبنو زهرة
وبنو تميم فتعاقدوا وتعاهدوا على أن لا يجدوا بمكة مظلوما من أهلها وغيرهم ممن دخلها من سائر الناس الا قاموا معه وكانوا على من ظلمه حتى ترد عليه مظلمته وسمت قريش ذلك الحلف حلف الفضول (وفى الصحيح) عن طلحة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لقد شهدت في دار عبد الله بن جدعان حلفا ما أحب ان لى به حمر النعم ولو دعى به في الاسلام لاجبت ثم القى الله في قلوبهم التماس الدين وانكار ما عليه قومهم من عبادة الاوثان حتى لقد اجتمع ورقة بن نوفل بن أسد بن عبد العزى وعثمان بن الحويرث بن أسد وزيد بن عمرو بن نفيل من بنى عدى بن كعب عم عمر بن الخطاب وعبيد الله بن جحش من بنى أسد بن خزيمة وتلاوموا في عبادة الاحجار والاوثان(2/3)
وتواصوا بالنفر في البلدان بالتماس الحنيفية دين ابراهيم نبيهم فاما ورقة فاستحكم في النصرانية وابتغى من أهلها الكتب حتى علم من أهل الكتاب وأما عبيد الله بن جحش فاقام على ما هو عليه حتى جاء الاسلام فأسلم وهاجر إلى الحبشة فتنصر وهلك نصرانيا وكان يمر بالمهاجرين بأرض الحبشة فيقول فقحنا وصأصأتم أي أبصرنا وأنتم تلتمسون البصر مثل ما يقال في الجر وإذا فتح عينيه فقح وإذا أراد ولم يقدر صأصأ واما عثمان ابن الحويرث فقدم على ملك الروم قيصر فتنصر وحسنت منزلته عنده وأما زيد بن عمرو فما هم ان يدخل في دين ولا اتبع كتابا واعتزل الاوثان والذبائح والميتة والدم ونهى عن قتل المؤودة وقال اعبد رب ابراهيم وصرح بعيب آلهتهم وكان يقول اللهم لو انى أعلم أي الوجوه أحب اليك لعبدتك ولكن لا اعلم ثم يسجد على راحته وقال ابنه سعيد وابن عمه عمر بن الخطاب يا رسول الله استغفر الله لزيد بن عمرو قال نعم انه يبعث أمة واحدة ثم تحدث الكهان والحزاة قبل النبوة وانها كائنة في العرب وان ملكهم سيظهر وتحدث أهل الكتاب من اليهود والنصارى بما في التوراة والانجيل من بعث محمد وامته وظهرت كرامة الله بقريش ومكة في أصحاب الفيل ارهاصا بين يدى مبعثه
ثم ذهب ملك الحبشة من اليمن على يد ابن ذى يزن من بقية التبابعة ووفد عليه عبد المطلب يهنيه عند استرجاعه ملك قومه من أيدى الحبشة فبشره ابن ذى يزن بظهور نبى من العرب وأنه من ولده في قصة معروفة وتحين الامر لنفسه كثير من رؤساء العرب يظنه فيه ونفروا إلى الرهبان والاحبار من أهل الكتاب يسألونهم ببلدتهم علم ذلك مثل أمية بن أبى الصلت الشقى وما وقع له في سفره إلى الشام مع أبى سفيان بن حرب وسؤاله الرهبان ومفاوضته ابا سفيان فيما وقف عليه من ذلك يظن ان الامر له أو لاشراف قريش من بنى عبد مناف حتى تبين لهما خلاف ذلك في قصة معروفة (ثم رجمت) الشياطين عن استماع خبر السماء في أمره واصغى الكون لاستماع أنبائه * (المولد الكريم وبدء الوحى) * ثم ولد رسول الله صلى الله عليه وسلم عام الفيل لاثنتى عشرة ليلة خلت من ربيع الاول لاربعين سنة من ملك كسرى أنو شروان وقيل لثمان وأربعين ولثمانمائة واثنتين وثمانين لذى القرنين وكان عبد الله أبوه غائبا بالشأم وانصرف فهلك بالمدينة وولد سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد مهلكه بأشهر قلائل وقيل غير ذلك وكفله جده عبد المطلب بن هاشم وكفالة الله من ورائه والتمس له الرضعاء واسترضع في بنى سعد من بنى هوازن ثم في بنى نصر بن سعد ارضعته منهم حليمة بنت ابى ذؤيب عبد الله ابن الحرث بن شحنة بن رزاح بن ناضرة بن خصفة بن قيس وكان ظئره منهم الحارث(2/4)
ابن عبد العزى وقد مر ذكرهما في بنى عامر بن صعصعة وكان أهله يتوسمون فيه علامات الخير والكرامات من الله ولما كان من حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم شق الملكين بطنه واستخراج العلقة السوداء من قلبه وغسلهم حشاه وقلبه بالثلج ما كان وذلك لرابعة من مولده وهو خلف البيوت يرعى الغنم فرجع إلى البيت منتقع اللون وظهرت حليمة على شأنه فخافت أن يكون أصابه شئ من اللمم فرجعته إلى أمه واسترابت
آمنة برجعها اياه بعد حرصها على كفالته فأخبرتها الخبر فقالت كلا والله لست أخشى عليه وذكرت من دلائل كرامة الله له وبه كثيرا وأزارته أمه آمنة بنت وهب بن عبد مناف ابن زهرة أخوال جده عبد المطلب من بنى عدى بن النجار بالمدينة وكانوا اخوالا لها أيضا وهلك عبد المطلب لثمان سنين من ولادته وعهد به إلى ابنه أبى طالب فأحسن ولايته وكفالته وكان شأنه في رضاعه وشبابه ومرباه عجبا وتولى حفظه وكلاءته من مفارقة أحوال الجاهلية وعصمته من التلبس بشئ منها حتى لقد ثبت أنه مر بعرس مع شباب قريش فلما دخل على القوم أصابه غشى النوم فما آفاق حتى طلعت الشمس وافترقوا ووقع له ذلك أكثر من مرة وحمل الحجارة مع عمه العباس لبنيان الكعبة وهما صبيان فأشار عليه العباس بحملها في ازاره فوضعه على عاتقه وحمل الحجارة فيه وانكشف فلما حملها على عاتقه سقط مغشيا عليه ثم عاد فسقط فاشتمل ازاره وحمل الحجارة كما كان يحملها وكانت بركاته تظهر بقومه وأهل بيته ورضعائه في شؤنهم كلها وحمله عمه أبو طالب إلى الشأم وهو ابن ثلاث عشرة وقيل ابن سبع عشرة فمروا ببحيرا الراهب عند بصرى فعاين الغمامة تظله والشجر تسجد له فدعا القوم وأخبرهم بنبوته وبكثير من شأنه في قصة مشهورة ثم خرج ثانية إلى الشأم تاجرا بمال خديجة بنت خويلد بن أسد بن عبد العزى مع غلامها ميسرة ومروا بنسطور الراهب فرآى ملكين يظلانه من الشمس فأخبر ميسرة بشأنه فأخبر بذلك خديجة فعرضت نفسها عليه وجاء أبو طالب فخطبها إلى أبيها فزوجه وحضر الملا من قريش وقام أبو طالب خطيبا فقال الحمد لله الذى جعلنا من ذرية ابراهيم وزرع اسمعيل وضئضى معد وعنصر مضر وجعل لنا بيتا محجوجا وحرما آمنا وجعلنا امناء بيته وسواس حرمه وجعلنا الحكام على الناس وان ابن أخى محمد بن عبد الله من قد علمتم قرابته وهو لا يوزن بأحد الا رجح به فان كان في المال قل فان المال ظل زائل وقد خطب خديجة بنت خويلد وبذل لها من الصداق ما عاجله وآجله من مالى كذا وكذا وهو والله بعد هذا له نبأ عظيم وخطر جليل ورسول الله صلى الله عليه
وسلم يومئذ ابن خمس وعشرين سنة وذلك بعد الفجار بخمس عشرة سنة وشهد بنيان الكعبة لخمس وثلاثين من مولده حين أجمع كل قريش على هدمها وبنائها ولما انتهوا(2/5)
إلى الحجر تنازعوا أيهم يضعه وتداعوا للقتال وتحالف بنو عبد الدار على الموت ثم اجتمعوا وتشاوروا وقال أبو أمية حكموا أول داخل من باب المسجد فتراضوا على ذلك ودخل رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا هذا الامين وبذلك كانوا يسمونه فتراضوا به وحكموه فبسط ثوبا ووضع فيه الحجر وأعطى قريشا أطراف الثوب فرفعوه حتى أدنوه من مكانه ووضعه عليه السلام بيده وكانوا أربعة عتبة بن ربيعة بن عبد شمس والاسود بن المطلب بن أسد بن عبد العزى وأبو حذيفة بن المغيرة بن عمر بن مخزوم وقيس بن عدى السهمى ثم استمر على أكمل الزكاء والطهارة في أخلاقه وكان يعرف بالامين وظهرت كرامة الله فيه وكان إذا أبعد في الخلاء لا يمر بحجر ولا شجر الا ويسلم عليه * (بدء الوحى) * ثم بدئ بالرؤيا الصالحة فكان لا يرى رؤيا الا جاءت مثل فلق الصبح ثم تحدث الناس بشأن ظهوره ونبوته ثم حببت إليه العبادة والخلوة بها فكان يتزود للانفراد حتى جاء الوحى بحراء لاربعين سنة من مولده وقيل لثلاث وأربعين وهى حالة يغيب فيها عن جلسائه وهو كائن معهم فأحيانا يتمثل له الملك رجلا فيكلمه ويعى قوله وأحيانا يلقى عليه القول ويصيبه أحوال الغيبة عن الحاضرين من الغط والعرق وتصببه كما ورد في الصحيح من أخباره قال وهو أشد على فيفصم عنى وقد وعيت ما قال وأحيانا يتمثل لى الملك رجلا فيكلمني فأعى ما يقول فأصابته تلك الحالة بغار حرا وألقى عليه اقرأ باسم ربك الذى خلق خلق الانسان من علق اقرأ وربك الاكرم الذى علم بالقلم علم الانسان ما لم يعلم وأخبر بذلك كما وقع في الصحيح وآمنت به خديجة وصدقته وحفظت عليه الشأن ثم خوطب بالصلاة وأراه جبريل طهرها ثم صلى به وأراه سائر افعالها
ثم كان شأن الاسراء من مكة إلى بيت المقدس من الارض إلى السماء السابعة والى سدرة المنتهى وأوحى إليه ما أوحى ثم آمن به على ابن عمه أبى طالب وكان في كفالته من أزمة أصابت قريشا وكفل العباس جعفرا أخاه فجعفر اسن عيال أبى طالب فأدركه الاسلام وهو في كفالته فآمن وكان يصلى معه في الشعاب مختفيا من أبيه حتى إذا ظهر عليهما أبو طالب دعاه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال لا أستطيع فراق دينى ودين آبائى ولكن لا ينهض اليك شئ تكره ما بقيت وقال لعلى الزمه فانه لا يدعو الا لخير فكان أول من أسلم خديجة بنت خويلد بن أسد بن عبد العزى ثم أبو بكر وعلى بن أبى طالب كما ذكرنا وزيد بن حارثة مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم وبلال بن حمامة مولى أبى بكر ثم عمر بن عنبسة السلمى وخالد بن سعيد بن العاصى بن أمية ثم أسلم بعد ذلك قوم من قريش اختارهم الله لصحابته من سائر قومهم وشهد(2/6)
لكثير منهم بالجنة وكان أبو بكر محببا سهلا وكانت رجالات قريش تألفه فأسلم على يديه من بنى أمية عثمان بن عفان بن أبى العاصى بن أمية ومن عشيرة بنى عمرو بن كعب بن سعد ابن تيم طلحة بن عبيد الله بن عثمان بن عمرو ومن بنى زهرة بن قصى سعد بن أبى وقاص واسمه مالك بن وهب بن عبد مناف بن زهرة وعبد الرحمن بن عوف بن عبد عوف بن عبد الحرث بن زهرة ومن بنى أسد بن عبد العزى الزبير بن العوام بن خويلد بن أسد وهو ابن صفية عمة النبي صلى الله عليه وسلم ثم أسلم من بنى الحرث بن فهر أبو عبيدة عامر بن عبد الله بن الجراح بن هلال بن أهيب بن ضبة بن الحرث ومن بنى مخزوم بن يقظة بن مرة ابن كعب أبو سلمة عبد الاسد بن هلال بن عبد الله بن عمر بن مخزوم ومن بنى جمح بن عمرو ابن هصيص بن كعب عثمان بن مظعون بن حبيب بن وهب بن حذافة بن جمح واخواه قدامة ومن بنى عدى سعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل بن عبد الله بن قرط بن رياح بن عدى وزوجته فاطمة أخت عمر بن الخطاب بن نفيل وأبوه زيد هو الذى رفض الاوثان في الجاهلية ودان بالتوحيد وأخبر صلى الله عليه وسلم أنه يبعث يوم القيامة أمة وحده ثم أسلم
عمير أخو سعد بن أبى وقاص وعبد الله بن مسعود رضى الله عنه ابن غافل بن حبيب بن شمخ ابن فار بن مخزوم بن صاهلة بن كاهل بن الحرث بن تميم بن سعد بن هذيل بن مدركة حليف بنى زهرة كان يرعى غنم عقبة بن ابى معيط وكان سبب اسلامه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حلب من غنمه شاة حائلا فدرت ثم أسلم جعفر بن أبى طالب بن عبد المطلب وامرأته أسماء بنت عميس بن النعمان ابن كعب بن ملك بن قحافة الخثعمي والسائب بن عثمان بن مظعون وأبو حذيفة بن عتبة ابن ربيعة بن عبد شمس واسمه مهشم وعامر بن فهيرة أزدى وفهيرة أمه مولاة أبى بكر وافد بن عبد الله بن عبد مناف تميمي من حلفاء بنى عدى وعمار ابن ياسر عنسى بن مذحج مولى أبى مخزوم وصهيب بن سنان من بنى النمر بن قاسط حليف بنى جدعان ودخل الناس في الدين أرسالا وفشا الاسلام وهم ينتحلون به ويذهبون إلى الشعاب فيصلون (ثم أمر) رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يصدع بأمره ويدعو إلى دينه بعد ثلاث سنين من مبدأ الوحى فصعد على الصفا ونادى يا صباحاه فاجتمعت إليه قريش فقال لو أخبرتكم أن العدو مصبحكم أو ممسيكم أما كنتم تصدقوني قالوا بلى قال فانى نذير لكم بين يدى عذاب شديد ثم نزل قوله وأنذر عشيرتك الاقربين وتردد إليه الوحى بالنذارة فجمع بنى عبد المطلب وهم يومئذ أربعون على طعام صنعه لهم على ابن أبى طالب بأمره ودعاهم إلى الاسلام ورغبهم وحذرهم وسمعوا كلامه وافترقوا (ثم) ان قريشا حين صدع وسب الآلهة وعابها نكروا ذلك منه ونابذوه واجمعوا على عداوته فقام أبو طالب دونه محاميا ومانعا ومشت إليه رجال قريش(2/7)
يدعونه إلى النصفة عتبة وشيبة ابنا ربيعة بن عبد شمس وأبو البخترى (3) بن هشام بن الحرث بن أسد بن عبد العزى والاسود بن المطلب بن أسد بن عبد العزى والوليد بن المغيرة بن عبد الله بن عمر بن مخزوم وأبو جهل عمرو بن هشام بن المغيرة ابن أخى الوليد والعاصي بن وائل بن هشام بن سعد بن سهم ونبيه ومنبه ابنا الحجاج بن على بن حذيفة بن
سعد بن سهم والاسود بن عبد يغوث بن وهب بن عبد مناف بن زهرة فكلموا أبا طالب وعادوه فردهم ردا جميلا ثم عادوا إليه فسألوه النصفة فدعا النبي صلى الله عليه وسلم إلى بيته بمحضرهم وعرضوا عليه قولهم فتلا عليهم القرآن وأيأسهم من نفسه وقال لابي طالب يا عماه لا أترك هذا الامر حتى يظهره الله أو أهلك فيه واستعبر وظن ان أبا طالب بدا له في أمره فرق له أبو طالب وقال يا ابن أخى قل ما أحببت فوالله لا أسلمك أبدا * (هجرة الحبشة) * ثم افترق أمر قريش وتعاهد بنو هاشم وبنو المطلب مع أبى طالب على القيام دون النبي صلى الله عليه وسلم ووثب كل قبيلة على من أسلم منهم يعذبونهم ويفتنونهم واشتد عليهم العذاب فامرهم النبي صلى الله عليه وسلم بالهجرة إلى أرض الحبشة فرارا بدينهم وكان قريش يتعاهدونها بالتجارة فيحمدونها فخرج عثمان بن عفان وامرأته رقية بنت النبي صلى الله عليه وسلم وأبو حذيفة بن عتبة بن ربيعة مراغما لابيه وامرأته سهلة بنت سهيل بن عمرو بن عامر بن لؤى والزبير بن العوام ومصعب بن عمير بن عبد شمس وابو سبرة بن أبى رهم بن عبد العزى العامري من بنى عامر بن لؤى وسهيل ابن بيضاء من بنى الحرث بن فهر وعبد الله بن مسعود وعامر بن ربيعة العنزي حليف بنى عدى وهو من عنز بن وائل ليس من عنزة وامرأته ليلى بنت أبى خيثمة فهؤلاء الاحد عشر رجلا كانوا أول من هاجر إلى أرض الحبشة وتتابع المسلمون من بعد ذلك ولحق بهم جعفر بن أبى طالب وغيره من المسلمين وخرجت قريش في آثار الاولين إلى البحر فلم يدركوهم وقدموا إلى أرض الحبشة فكانوا بها وتتابع المسلمون في اللحاق بهم يقال ان المهاجرين إلى أرض الحبشة بلغوا ثلاثة وثمانين رجلا فلما رأت قريش النبي صلى الله عليه وسلم قد امتنع بعمه وعشيرته وانهم لا يسلمونه طفقوا يرمونه عند الناس ممن يفد على مكة بالسحر والكهانة والجنون والشعر يرومون بذلك صدهم عن الدخول في دينه ثم انتدب جماعة منهم لمجاهرته صلى الله عليه وسلم بالعداوة والاذاية
منهم عمه أبو لهب عبد العزى بن عبد المطلب أحد المستهزئين وابن عمه أبو سفيان بن الحرث بن عبد المطلب وعتبة وشيبة ابنا ربيعة وعقبة بن أبى معيط أحد المستهزئين وأبو سفيان من المستهزئين والحكم بن أبى العاصى بن أمية من المستهزئين أيضا والنضر بن(2/8)
الحرث من بنى عبد الدار والاسود بن المطلب بن أسد بن عبد العزى من المستهزئين وابنه زمعة وأبو البخترى العاصى بن هشام والاسود بن عبد يغوث وأبو جهل بن هشام وأخوه العاصى وعمهما الوليد وابن عمهم قيس بن الفاكه بن المغيرة وزهير بن أبى أمية بن المغيرة والعاصي بن وائل السهمى وابنا عمه نبيه ومنبه وأمية وأبى ابنا خلف ابن جمح وأقاموا يستهزئون بالنبي صلى الله عليه وسلم ويتعرضون له بالاستهزاء والاذاية حتى لقد كان بعضهم ينال منه بيده وبلغ عمه حمزة يوما ان أبا جهل بن هشام تعرض له يوما بمثل ذلك وكان قوى الشكيمة فلم ينشب ان جاء إلى المسجد وأبو جهل في نادى قريش حتى وقف على رأسه وضربه وشجه وقال له تشتم محمدا وأنا على دينه وثار رجال بنى مخزوم إليه فصدهم أبو جهل وقال دعوه فانى سببت ابن أخيه سبا قبيحا ومضى حمزة على اسلامه وعلمت قريش ان جانب المسلمين قد اعتز بحمزة فكفوا بعض الشر بمكانه فيهم ثم اجتمعوا وبعثوا عمرو بن العاصى وعبد الله بن أبى ربيعة إلى النجاشي ليسلم إليهم من هاجر إلى أرضه من المسلمين فنكر النجاشي رسالتهما وردهما مقبوحين (ثم أسلم) عمر بن الخطاب وكان سبب اسلامه انه بلغه ان أخته فاطمة اسلمت مع زوجها سعيد ابن عمه زيد وان خباب بن الارت عندهما يعلمهما القرآن فجاء اليهما منكرا وضرب أخته فشجها فلما رأت الدم قالت قد أسلمنا وتابعنا محمدا فافعل ما بدا لك وخرج إليه خباب من بعض زوايا البيت فذكره ووعظه وحضرته الانابة فقال له اقرأ على من هذا القرآن فقرأ سورة طه وأدركته الخشية فقال له كيف تصنعون إذا اردتم الاسلام فقالوا له وأروه الطهور ثم سأل على مكان النبي صلى الله عليه وسلم فدل عليه فطرقهم
في مكانهم وخرج إليه النبي صلى الله عليه وسلم فقال مالك يا ابن الخطاب فقال يا رسول الله جئت مسلما ثم تشهد شهادة الحق ودعاهم إلى الصلاة عند الكعبة فخرجوا وصلوا هنا لك واعتز المسلمون باسلامه وكان النبي صلى الله عليه وسلم يقول في دعائه اللهم أعز الاسلام بأحد العمرين يعنيه أو أبا جهل ولما رأت قريش فشو الاسلام وظهوره أهمهم ذلك فاجتمعوا وتعاقدوا على بنى هاشم وبنى المطلب ألا يناكحوهم ولا يبايعوهم ولا يكلموهم ولا يجالسوهم وكتبوا بذلك صحيفة وضعوها في الكعبة وانحاز بنو هاشم وبنو المطلب كلهم كافرهم ومؤمنهم فصاروا في شعب أبى طالب محصورين متجنبين حاشا أبى لهب فانه كان مع قريش على قومهم فبقوا كذلك ثلاث سنين لا يصل إليهم شئ ممن أراد صلتهم إلا سرا ورسول الله صلى الله عليه وسلم مقبل على شأنه من الدعاء إلى الله والوحى عليه متتابع إلى أن قام في نقض الصحيفة رجال من قريش كان أحسنهم في ذلك أثرا هشام بن عمرو بن الحرث من بنى حسل بن عامر بن(2/9)
لؤى لقى زهير بن أبى أمية بن المغيرة وكانت أمه عاتكة بنت عبد المطلب فعيره باسلامه أخواله إلى ما هم فيه فأجاب إلى نقض الصحيفة ثم مضى إلى مطعم بن عدى بن نوفل بن عبد مناف وذكر رحم هاشم والمطلب ثم إلى أبى البخترى (3) بن هشام وزمعة بن الاسود فأجابوا كلهم وقاموا في نقض الصحيفة وقد بلغهم عن النبي صلى الله عليه وسلم أن الصحيفة أكلت الارضة كتابتها كلها حاشا أسماء الله فقاموا بأجمعهم فوجدوها كما قال فخزوا ونقض حكمها ثم أجمع أبو بكر الهجرة وخرج لذلك فلقيه ابن الدغنة فرده ثم اتصل بالمهاجرين في أرض الحبشة خبر كاذب بأن قريشا قد أسلموا فرجع إلى مكة قوم منهم عثمان بن عفان وزوجته وأبو حذيفة وامرأته وعبد الله بن عتبة بن غزوان والزبير بن العوام وعبد الرحمن بن عوف ومصعب بن عمير وأخوه والمقداد بن عمرو وعبد الله بن مسعود وأبو سلمة بن عبد الاسد وامرأته أم المؤمنين وسلمة بن هشام بن
المعيرة وعمار بن ياسر وبنو مظعون عبد الله وقدامة وعثمان وابنه السائب وخنيس ابن حذافة وهشام بن العاصى وعامر بن ربيعة وامرأته وعبد الله بن مخرمة من بنى عامر بن لؤى وعبد الله بن سهل بن السكران بن عمرو وسعد بن خولة وأبو عبيدة بن الجراح وسهيل بن بيضاء وعمرو بن أبى سرح فوجدوا المسلمين بمكة على ما كانوا عليه مع قريش من الصبر على أذاهم ودخلوا إلى مكة بعضهم مختفيا وبعضهم بالجوار فأقاموا إلى أن كانت الهجرة إلى المدينة بعد أن مات بعضهم بمكة ثم هلك أبو طالب وخديجة وذلك قبل الهجرة بثلاث سنين فعظمت المصيبة وأقدم عليه سفهاء قريش بالاذاية والاستهزاء والقاء القاذورة في مصلاه فخرج إلى الطائف يدعوهم إلى الاسلام والنصرة والمعونة وجلس إلى عبد يا ليل بن عمر بن عمير وأخويه مسعود وحبيب وهم يومئذ سادات ثقيف واشرافهم وكلمهم فأساؤا الرد ويئس منهم فأوصاهم بالكتمان فلم يقبلوا واغروا به سفاءهم فاتبعوه حتى الجاؤه إلى حائط عتبة وشيبة ابني ربيعة فأوى إلى ظله حتى اطمأن ثم رفع طرفه إلى السماء يدعو اللهم اليك أشكو ضعف قوتي وقلة حيلتى وهوانى على الناس أنت أرحم الراحمين أنت رب المستضعفين أنت ربى إلى من تكلني إلى بغيض يتجهمني أو إلى عدو ملكته أمرى ان لم يكن بك على غضب فلا أبالى ولكن عافيتك أوسع لى أعوذ بنور وجهك الذى أشرقت له الظلمات وصلح عليه أمر الدنيا والآخرة من أن ينزل بى غضبك أو يحل على سخطك لك العتبى حتى ترضى ولا حول ولا قوة الا بك (ولما) انصرف من الطائف إلى مكة بات بنخلة وقام يصلى من جوف الليل فمر به نفر من الجن وسمعوا القرآن ثم دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى مكة في جوار المطعم ابن عدى بعد أن عرض ذلك على غيره من رؤساء قريش فاعتذروا بما قبله منهم ثم قدم(2/10)
عليه الطفيل بن عمرو الدوسى فأسلم ودعا قومه فأسلم بعضهم ودعا له رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يجعل الله له علامة للهداية فجعل في وجهه نورا ثم دعا له فنقله إلى سوطه
وكان يعرف بذى النور قال ابن حزم ثم كان الاسراء إلى بيت المقدس ثم إلى السموات ولقى من لقى من الانبياء ورآى جنة المأوى وسدرة المنتهى في السماء السادسة وفرضت الصلاة في تلك الليلة (وعند الطبري) الاسراء وفرض الصلاة كان أول الوحى ثم كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعرض نفسه على وفود العرب في الموسم يأتيهم في منازلهم ليعرض عليهم الاسلام ويدعوهم إلى نصره ويتلو عليهم القرآن وقريش مع ذلك يتعرضونهم بالمقابح ان قبلوا منه وأكثرهم في ذلك أبو لهب وكان من الذين عرض عليهم في الموسم بنو عامر بن صعصعة من مضر وبنو شيبان وبنو حنيفة من ربيعة وكندة من قحطان وكلب من قضاعة وغيرهم من قبائل العرب فكان منهم من يحسن الاستماع والعذر ومنهم من يعرض ويصرح بالاذاية ومنهم من يشترط الملك الذى ليس هو من سبيله فيرد صلى الله عليه وسلم الامر إلى الله ولم يكن فيهم أقبح ردا من بنى حنيفة وقد ذخر الله الخير في ذلك كله للانصار فقدم سويد بن الصامت أخو بنى عمرو ابن عوف بن الاوس فدعاه رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الاسلام فلم يبعد ولم يجب وانصرف إلى المدينة فقتل في بعض حروبهم وذلك قبل بعاث ثم قدم بمكة أبو الحيسر أنس ابن رافع في فتية من قومه من بنى عبد الاشهل يطلبون الحلف فدعاهم رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الاسلام فقال اياس بن معاذ منهم وكان شابا حدثا هذا والله خير مما جئنا له فانتهره أبو الحيسر فسكت ثم انصرفوا إلى بلادهم ولم يتم لهم الحلف ومات اياس فيقال انه مات سلما ثم ان رسول الله صلى الله عليه وسلم لقى عند العقبة في الموسم ستة نفر من الخزرج وهم أبو امامة اسعد بن زرارة بن عدس بن عبيد بن ثعلبة بن غنم بن مالك ابن النجار وعوف بن الحرث بن رفاعة بن سواد بن مالك بن غنم وهو ابن عفراء ورافع ابن مالك بن العجلان بن عمرو بن عامر بن زيد بن مالك بن غضبة بن جشم بن الخزرج وطبقة بن عامر بن حيدرة بن عمرو بن سواد بن غنم بن كعب بن سلمة بن سعد بن على بن أسد ابن مراد بن يزيد بن جشم وعقبة بن عامر بن نابى بن زيد بن حرام بن كعب بن غنم بن
سلمة وجابر بن عبد الله بن رئاب بن نعمان بن سلمة بن عبيد بن عدى بن غنم بن كعب بن سلمة فدعاهم رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الاسلام وكان من صنع الله لهم أن اليهود جيرانهم كانوا يقولون ان نبيا يبعث وقد أظل زمانه فقال بعضهم لبعض هذا والله النبي الذى تحدثكم به اليهود فلا يسبقونا إليه فآمنوا وأسلموا وقالوا انا قد قدمنا فيهم حروبا فننصرف وندعوهم إلى ما دعوتنا إليه فعسى الله أن يجمع كلمتهم بك فلا(2/11)
يكون أحد اعز منك فانصرفوا إلى المدينة ودعوا إلى الاسلام حتى فشا فيهم ولم تبق دار من دور الانصار الا وفيها ذكر النبي صلى الله عليه وسلم حتى إذا كان العام القابل قدم مكة من الانصار اثنا عشر رجلا منهم خمسة من الستة الذى ذكرناهم ما عدا جابر بن عبد الله فانه لم يحضرها وسبعة من غيرهم وهم معاذ بن الحرث أخو عوف بن الحرث المذكور وقيل انه ابن عفراء وذكوان بن عبد قيس بن خالدة وخالد بن مخلد بن عامر بن زريق وعبادة بن الصامت بن قيس بن اصرم بن فهد بن ثعلبة بن صرمة بن اصرم بن عمرو ابن عبادة بن عصيبة من بنى حبيب والعباس بن عبادة بن نضلة بن مالك بن العجلان بن زيد بن غنم بن سالم بن عوف بن عمرو بن عوف هؤلاء عشرة من الخزرج ومن الاوس أبو الهيثم مالك بن التيهان وهو من بنى عبد الاشهل بن جشم بن الحرث بن الخزرج بن عمر ابن مالك بن اوس وعويم بن ساعدة من بنى عمرو بن عوف بن مالك من الاوس بن حارثة فبايع هؤلاء رسول الله صلى الله عليه وسلم عند العقبة على بيعة النساء وذلك قبل أن يفرض الحرب على الطاعة لرسول الله صلى الله عليه وسلم وعلى أن لا يشركوا بالله شيئا ولا يسرقوا ولا يزنوا ولا يقتلوا أولادهم ولا يفتروا الكذب فلما حان انصرافهم بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم ابن أم مكتوم ومصعب بن عمير يدعوهم إلى الاسلام ويعلم من أسلم منهم القران والشرائع فنزل بالمدينة على أسعد بن زرارة وكان مصعب يؤمهم وأسلم على يديه خلق كثير من الانصار وكان سعد بن معاذ وأسعد بن زرارة ابنا الخالة
فجاء سعد بن معاذ وأسيد بن الحضير إلى اسعد بن زرارة وكان جارا لبنى عبد الاشهل فانكروا عليه فهداهما الله إلى الاسلام وأسلم باسلامهما جميع بنى عبد الاشهل في يوم واحد الرجال والنساء ولم تبق دار من دور الانصار الا وفيها المسلمون رجال ونساء حاشا بنى أمية بن زيد وخطمة ووائل وواقف بطون من الاوس وكانوا في عوالي المدينة فأسلم منهم قوم سيدهم أبو قيس صيفي بن الاسلت الشاعر فوقف بهم عن الاسلام حتى كان الخندق فأسلموا كلهم * (العقبة الثانية) * ثم رجع مصعب المذكور ابن عمير إلى مكة وخرج معه إلى الموسم جماعة ممن أسلم من الانصار للقاء النبي صلى الله عليه وسلم في جملة قوم منهم لم يسلموا بعد فوافوا مكة وواعدوا رسول الله صلى الله عليه وسلم العقبة من أوسط أيام التشريق ووافوا ليلة ميعادهم إلى العقبة متسللين عن رحالهم سرا ممن حضر من كفار قومهم وحضر معهم عبد الله بن عمرو بن حرام أبو جابر وأسلم تلك الليلة فبايعوا رسول الله صلى الله عليه وسلم على أن يمنعوه ما يمنعون منه نساءهم وأبناءهم وأزرهم وان يرحل إليهم هو وأصحابه(2/12)
وحضر العباس بن عبد المطلب وكان على دين قومه بعد وانما توثق للنبى صلى الله عليه وسلم وكان للبراء بن معرور في تلك الليلة المقام المحمود في الاخلاص والتوثق لرسول الله صلى الله عليه وسلم وكان أول من بايع وكانت عدة الذين بايعوا تلك الليلة ثلاثا وسبعين رجلا وامرأتين واختار منهم رسول الله صلى الله عليه وسلم اثنى عشر نقيبا يكونون على قومهم تسعة من الخزرج وثلاثة من الاوس وقال لهم أنتم كفلاء على قومكم ككفالة الحواريين لعيسى بن مريم وأنا كفيل على قومي فمن الخزرج من أهل العقبة الاولى أسعد بن زرارة ورافع بن مالك وعبادة بن الصامت ومن غيرهم سعد بن الربيع بن عمر بن أبى زهير بن مالك بن امرئ القيس ومالك بن مالك وثعلبة
ابن كعب بن الخزرج وعبد الله بن رواحة بن امرئ القيس والبراء بن معرور بن صخر بن خنساء بن سنان بن عبيد بن عدى بن غنم بن كعب بن سلمة وعبد الله بن عمرو بن حرام أبو جابر وسعد بن عبادة بن دليم بن حارثة بن لودان بن عبدود بن يزيد بن ثعلبة بن الخزرج بن ساعدة وثلاثة من الاوس وهم أسيد بن حضير بن سماك بن عتيك بن رافع بن امرئ القيس بن زيد بن عبد الاشهل وسعد بن خيثمة بن الحارث بن مالك بن الاوس ورفاعة بن المنذر بن زيد بن أمية بن زيد بن مالك بن عمرو بن عوف بن مالك بن الاوس وقد قدم أبو الهيثم بن التيهان مكان رفاعة هذا والله أعلم (ولما تمت هذه البيعة) أمرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بالرجوع إلى رحالهم فرجعوا ونمى الخبر إلى قريش فغدت الجلة منهم على الانصار في رحالهم فعاتبوهم فأنكروا ذلك وحلفوا لهم وقال لهم عبد الله بن أبى ابن سلول ما كان قومي ليتفقوا على مثل هذا وأنا لا أعلمه فانصرفوا عنه وتفرق الناس من منى وعلمت قريش صحة الخبر فخرجوا في طلبهم فأدركوا سعد بن عبادة فجاؤا به إلى مكة يضربونه ويجرونه بشعره حتى نادى بجبير بن مطعم والحرث بن أمية وكان يجيرهما ببلده فخلصاه مما كان فيه وقد كانت قريش قبل ذلك سمعوا صائحا يصيح ليلا على جبل أبى قبيس فان يسلم السعدان يصبح محمد * بمكة لا يخشى خلاف مخالف - فقال أبو سفيان السعدان سعد بكر وسعد هذيم فلما كان في الليلة القابلة سمعوه يقول أيا سعد سعد الاوس كن أنت ناصرا * ويا سعد سعد الخزرجين الغطارف - * اجيبا إلى داعى الهدى وتمنيا * على الله في الفردوس منية عارف - * فان ثواب الله للطالب الهدى * جنان من الفردوس ذات رفارف - فقال هما والله سعد بن عبادة وسعد بن معاذ (ولما فشا) الاسلام بالمدينة وطفق أهلها(2/13)
يأتون رسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة تعاقدت على أن يفتنوا المسلمين عن دينهم فأصابهم من ذلك جهد شديد ثم نزل قوله تعالى وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة ويكون الدين كله لله فلما تمت بيعة الانصار على ما وصفناه أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم اصحابه ممن هو بمكة بالهجرة إلى المدينة فخرجوا أرسالا وأول من خرج أبو سلمة بن عبد الاسد ونزل في قبا ثم هاجر عامر بن ربيعة حليف بنى عدى بامرأته ليلى بنت أبى خيثمة بن غانم ثم هاجر جميع بنى جحش من بنى أسد بن خزيمة ونزلوا بقبا ثم عكاشة بن محصن وجماعة من بنى اسد حلفاء بنى أمية كانت فيهم زينب بنت جحش أم المؤمنين واختاها حمنة وأم حبيبة ثم هاجر عمر بن الخطاب وعياش بن أبى ربيعة في عشرين راكبا فنزلوا في العوالي في بنى امية بن زيد وكان يصلى بهم سالم مولى أبى حذيفة وجاء أبو جهل ابن هشام فخادع عياش بن أبى ربيعة ورده إلى مكة فحبسوه حتى تخلص بعد حين ورجع وهاجر مع عمر أخوه زيد وسعيدا بن عمه زيد وصهره على بنته حفصة أم المؤمنين خنيس بن حذافة السهمى وجماعة من حلفاء بنى عدى نزلوا بقبا على رفاعة بن عبد المنذر من بنى عوف بن عمرو ثم هاجر طلحة بن عبيد الله فنزل هو وصهيب بن سنان على حبيب بن اساف في بنى الحرث بن الخزرج بالسلم وقيل بل نزل طلحة على اسعد بن زرارة ثم هاجر حمزة بن عبد المطلب ومعه زيد بن حارثة مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم وحليفه أبو مرثد كناز بن حصن الغنوى فنزلوا في بنى عمرو بن عوف بقبا على كلثوم بن الهدم ونزل جماعة من بنى المطلب بن عبد مناف فيهم مسطح بن اثاثة ومعه خباب بن الارت مولى عتبة بن غزوان في بنى المسحلان بقبا ونزل عبد الرحمن بن عوف في رجال من المهاجرين على سعد بن الربيع في بنى الحرث بن الخزرج ونزل الزبير بن العوام وأبو سبرة بن أبى رهم ابن عبد العزى على المنذر بن محمد بن عتبة بن احيحة الجلاح في دار بنى جحجبا ونزل مصعب ابن عمير على سعد بن معاذ في بنى عبد الاشهل ونزل أبو حذيفة بن عتبة ومولاه سالم وعتبة ابن غزوان المازنى على عباد بن بشر من بنى عبد الاشهل ولم يكن سالم عتيق إبى حذيفة
وانما أعتقته امرأة من الاوس كانت زوجا لابي حذيفة اسمها نبيثة بنت معاذ فتبناه ونسب إليه ونزل عثمان بن عفان في بنى النجار على اوس أخى حسان بن ثابت ولم يبق أحد من المسلمين بمكة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم الا أبو بكر وعلى بن أبى طالب فانهما أقاما بأمره وكان صلى الله عليه وسلم ينتظر أن يؤذن له في الهجرة * (الهجرة) * ولما علمت قريش ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد صار له شيعة وأنصار من غيرهم وانه مجمع على اللحاق بهم وان إصحابه من المهاجرين سبقوه إليهم تشاوروا ما يصنعون في(2/14)
أمره واجتمعت لذلك مشيختهم في دار الندوة عتبة وشيبة وأبو سفيان من بنى أمية وطعيمة بن عدى وجبير بن مطعم والحارث بن عامر من بنى نوفل والنضر بن الحارث من بنى عبد الدار وأبو جهل من بنى مخزوم ونبيه ومنبه ابنا الحجاج من بنى سهم وأمية بن خلف من بنى جمح ومعهم من لا يعد من قريش فتشاوروا في حبسه أو اخراجه عنهم ثم اتفقوا على أن يتخيروا من كل قبيلة منهم فتى شابا جلدا فيقتلونه جميعا فيتفرق دمه في القبائل ولا يقدر بنو عبد مناف على حرب جميعهم واستعدوا لذلك من ليلتهم وجاء الوحى بذلك إلى النبي صلى الله عليه وسلم فلما رآى أرصدهم على باب منزله أمر على بن أبى طالب ان ينام على فراشه ويتوشح ببرده ثم خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم عليهم فطمس الله تعالى على ابصارهم ووضع على رؤسهم ترابا وأقاموا طول ليلهم فلما أصبحوا خرج إليهم على فعلموا أن النبي صلى الله عليه وسلم قد نجا وتواعد رسول الله صلى الله عليه وسلم مع أبى بكر الصديق واستأجر عبد الله بن اريقط الدولي من بنى بكر بن عبد منات ليدل بهما إلى المدينة وينكب عن الطريق العظمى وكان كافرا وحليفا للعاصي بن وائل لكنهما وثقا بامره وكان دليلا بالطرق وخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم من خوخة في ظهر دار أبى بكر ليلا وأتيا الغار الذى في جبل ثور باسفل مكة فدخلا فيه
وكان عبد الله بن أبى بكر يأتيهما بالاخبار وعامر بن فهيرة مولى أبى بكر وراعى غنمه يريح غنمه عليهما ليلا ليأخذا حاجتهما من لبنها وأسماء بنت أبى بكر تأتيهما بالطعام وتقفى عامرا بالغنم اثر عبد الله ولما فقدته قريش اتبعوه ومعهم القاثف فقاف الاثر حتى وقف عند الغار وقال هنا انقطع الاثر وإذا بنسج العنكبوت على فم الغار فاطمأنوا إلى ذلك ورجعوا وجعلوا مائة ناقة لمن ردهما عليهم ثم اتاهما عبد الله بن اريقط بعد ثلاث براحلتهما فركبا وأردف أبو بكر عامر بن فهيرة واتتهما أسماء بسفرة لهما وشقت نطاقها وربطت السفرة فسميت ذات النطاقين وحمل أبو بكر جميع ماله نحو ستة آلاف درهم ومروا بسراقة بن مالك بن جعشم فاتبعهم ليردهم ولما رأوه دعا عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم فساخت قوائم فرسه في الارض فنادى بالامان وان يقفوا له وطلب من النبي أن يكتب له كتابا فكتبه أبو بكر بأمره وسلك الدليل من أسفل مكة على الساحل أسفل من عسفان وامج واجاز قديدا إلى العرج ثم إلى قبا من عوالي المدينة ووردوها قريبا من الزوال يوم الاثنين لاثنتى عشرة خلت من ربيع الاول وخرج الانصار يتلقونه وقد كانوا ينتظرونه حتى إذا قلصت الظلال رجعوا إلى بيوتهم فتلقوه مع أبى بكر في ظل نخلة ونزل عليه السلام بقبا على سعد بن خيثمة وقيل على كلثوم بن الهدم ونزل أبو بكر بالسخ في بنى الحرث بن خزرج على خبيب بن اسد(2/15)
وقيل على خارجة بن زيد ولحق بهم على رضى الله عنه من مكة بعد أن رد الودائع للناس التى كانت عند النبي صلى الله عليه وسلم فنزل معه بقبا وأقام رسول الله صلى الله عليه وسلم هنا لك أياما ثم نهض لما أمر الله وأدركته الجمعة في بنى سالم بن عوف فصلاها في المسجد هنا لك ورغب إليه رجال بنى سالم أن يقيم عندهم وتبادروا إلى خطام ناقته اغتناما لبركته فقال عليه السلام خلوا سبيلها فانها مأمورة ثم مشى والانصار حواليه إلى أن مر بدار بنى بياضة فتبادر إليه رجالهم يبتدرون خطام الناقة فقال دعوها فانها مأمورة
ثم مر بدار بنى ساعدة فتلقاه رجال وفيهم سعد بن عبادة والمنذر بن عمرو ودعوه كذلك وقال لهم مثل ما قال للآخرين ثم إلى دار بنى حارثة بن الخزرج فتلقاه سعد بن الربيع وخارجة بن زيد وعبد الله بن رواحة ثم مر ببنى عدى بن النجار اخوال عبد المطلب ففعلوا وقال لهم مثل ذلك إلى أن أتى دار بنى مالك بن النجار فبركت ناقته على باب مسجده اليوم وهو يومئذ لغلامين منهم في حجر معاذ بن عفراء اسمهما سهل وسهيل وفيه خرب ونخل وقبور للمشركين ومربد ثم بركت الناقة وبقى على ظهرها ولم ينزل فقامت ومشت غير بعيد ولم يثنها ثم التفتت خلفها ورجعت إلى مكانها الاول فبركت واستقرت ونزل رسول الله صلى الله عليه وسلم عنها وحمل أبو أيوب رحله إلى داره فنزل عليه وسأل عن المربد وأراد أن يتخذه مسجدا فاشتراه من بنى النجار بعد أن وهبوه اياه فأبى من قبوله ثم أمر بالقبور فنبشت وبالنخل فقطعت وبنى المسجد باللبن وجعل عضادتيه الحجارة وسواريه جذوع النخل وسقفه الجريد وعمل فيه المسلمون حسبة لله عزوجل ثم وادع اليهود وكتب بينه وبينهم كتاب صلح وموادعة شرط فيه لهم وعليهم ثم مات اسعد بن زرارة وكان نقيبا لبنى النجار فطلبوا اقامة نقيب مكانه فقال أنا نقيبكم ولم يخص بها منهم آخر دون آخر فكانت من مناقبهم ثم لما رجع عبد الله بن اريقط إلى مكة اخبر عبد الله بن أبى بكر بمكانه فخرج ومعه عائشة أخته وامها أم رومان ومعهم طلحة بن عبيد الله فقدموا المدينة وتزوج رسول الله صلى الله عليه وسلم عائشة بنت أبى بكر وبنى بها في منزل أبى بكر بالسنح وبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم أبا رافع إلى بناته وزوجته سودة بنت زمعة فحملاهن إليه من مكة وبلغ الخبر بموت أبى احيحة والوليد بن المغيرة والعاصي بن وائل من مشيخة قريش ثم آخى رسول الله صلى الله عليه وسلم بين المهاجرين والانصار فآخى بين جعفر بن أبى طالب وهو بالحبشة ومعاذ بن جبل وبين أبى بكر الصديق وخارجة بن زيد وبين عمر بن الخطاب وعثمان بن مالك من بنى سالم وبين أبى عبيدة بن الجراح وسعد بن معاذ وبين عبد الرحمن بن عوف وسعد بن الربيع
وبين الزبير بن العوام وسلمة بن سلامة بن وقش وبين طلحة بن عبيد الله وكعب بن مالك(2/16)
وبين عثمان بن عفان وأوس بن ثابت أخى حسان وبين سعيد بن زيد وأبى بن كعب وبين معصب بن عمير وابى أيوب وبين أبى حذيفة بن عتبة وعباد بن بشر بن وقش من بنى عبد الاشهل وبين عمار بن ياسر وحذيفة بن اليمان العنسى حليف بنى عبد الاشهل وقيل بل ثابت بن قيس ابن شماس وبين أبى ذر الغفاري والمنذر بن عمرو من بنى ساعدة وبين حاطب ابن أبى بلتعة حليف بنى أسد بن عبد العزى وعويم بن ساعدة من بنى عمرو بن عوف وبين سلمان الفارسى وأبى الدرداء وعمير بن بلتعة من بنى الحرث بن الخزرج (3) وبين بلال ابن حمامة وأبى رويحة الخثعمي (ثم) فرضت الزكاة ويقال وزيد في صلاة الحاضر ركعتين فصارت أربعا بعد ان كانت ركعتين سفرا وحضرا ثم أسلم عبد الله بن سلام وكفر جمهور اليهود وظهر قوم من الاوس والخزرج منافقون يظهرون الاسلام مراعاة لقومهم من الانصار ويصرون الكفر وكان رؤسهم من الخزرج عبد الله بن ابى ابن سلول والجد بن قيس ومن الاوس الحرث بن سهيل بن الصامت وعباد بن حنيف ومربع ابن قيظى وأخوه أوس من أهل مسجد الضرار وكان قوم من اليهود أيضا تعوذوا بالاسلام وهم يبطنون الكفر منهم سعد بن حنيس وزيد بن اللصيت ورافع بن خزيمة ورفاعة ابن زيد بن التابوت وكنانة بن خبورا (الابواء) ولما كان شهر صفر بعد مقدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة خرج في مائتين من أصحابه يريد قريشا وبنى ضمرة واستعمل على المدينة سعد بن عبادة فبلغ ودان والابواء ولم يلقهم واعترضه مخشى بن عمرو سيد بنى ضمرة بن عبد منات بن كنانة وسأله موادعة قومه فعقد له ورجع إلى المدينة ولم يلق حربا وهى أول غزاة غزاها بنفسه ويسمى بالابواء وبودان المكانان اللذان انتهى اليهما وهما متقاربان بنحو ستة أميال وكان صاحب اللواء فيها حمزة بن عبد المطلب (بواط) ثم بلغه أن عير قريش نحو ألفين وخمسمائة فيها أمية بن خلف ومائة رجل من قريش ذاهبة
إلى مكة فخرج في ربيع الاخر لاعتراضها واستعمل على المدينة السائب بن عثمان بن مظعون وقال الطبري سعد بن معاذ فانتهى إلى بواط ولم يلقهم ورجع إلى المدينة (العشيرة) ثم خرج في جمادى الاولى غازيا قريشا واستخلف على المدينة أبا سلمة بن عبد الاسد فسلك عن جانب من الطريق إلى أن لقى الطريق بصخيرات اليمام إلى العشيرة من بطن ينبع فأقام هنا لك بقية جمادى الاولى وليلة من جمادى الثانية ووادع بنى مدلج ثم رجع إلى المدينة ولم يلق حربا (بدر الاولى) وأقام بعد العشيرة نحو عشر ليال ثم أغار كرز بن جابر الفهرى على سرح المدينة فخرج في طلبه حتى بلغ ناحية بدر وفاته كرز فرجع المدينة (البعوث) وفى هذه الغزوات كلها غزا بنفسه وبعث فيما بينها بعوثا نذكرها (فمنها) بعث حمزة بعد الابواء بعثه في ثلاثين راكبا من المهاجرين إلى سيف البحر فلقى أبا جهل(2/17)
في ثلثمائة راكب من أهل مكة فحجز بينهم مجدي بن عمرو الجهنى ولم يكن قتال (ومنها) بعث عبيدة بن الحرث بن المطلب في ستين راكبا وثمانين من المهاجرين فبلغ ثنية المرار ولقى بها جمعا عظيما من قريش كان عليهم عكرمة بن أبى جهل وقيل مكرز بن حفص ابن الاخيف ولم يكن بينهم قتال وكان مع الكفار يومئذ من المسلمين المقداد بن عمرو وعتبة بن غزوان خرجا مع الكفار ليجدا السبيل إلى اللحاق بالنبي صلى الله عليه وسلم فهربا إلى المسلمين وجاآ معهم وكان بعث حمزة وعبيدة متقاربين واختلف أيهما كان قبل الا أنهما أول راية عقدها رسول الله صلى الله عليه وسلم (وقال) الطبري ان بعث حمزة كان قبل ودان في شوال لسبعة أشهر من الهجرة (ومنها) بعث سعد بن أبى وقاص في ثمانية رهط من المهاجرين يطلب كرز بن جابر حين أغار على سرح المدينة فبلغ المرار ورجع (ومنها) بعث عبد الله بن جحش مرجعه من بدر الاولى في شهر رجب بعثه بثمانية من المهاجرين وهم أبو حذيفة بن عتبة وعكاشة بن محصن بن أسد بن خزيمة وعتبة بن غزوان بن مازن بن منصور وسعد بن أبى وقاص وعامر بن ربيعة العنزي
حليف بنى عدى وواقد بن عبد الله بن زيد مناة بن تميم وخالد بن البكير وسعد بن ليث وسهيل بن بيضا من فهر بن مالك وكتب له كتابا وأمره أن لا ينظر فيه حتى يسير يومين ولا يكره أحدا من أصحابه (فلما) قرأ الكتاب بعد يومين وجد فيه أن تمضى حتى تنزل نخلة بين مكة والطائف وترصد بها قريشا وتعلم لنا من أخبارهم فأخبر أصحابه وقال حتى ننزل النخلة بين مكة والطائف ومن أحب الشهادة فلينهض ولا أستكره أحدا فمضوا كلهم وضل لسعد بن أبى وقاص وعتبة بن غزوان في بعض الطريق بعير لهما كانا يعتقبانه فتخلفا في طلبه ونفر الباقون إلى نخلة فمرت بهم عير لقريش تحمل تجارة فيها عمرو بن الحضرمي وعثمان بن عبد الله بن المغيرة واخوه نوفل والحكم بن كيسان مولاهم وذلك آخر يوم من رجب فتشاور المسلمون وتحرج بعضهم الشهر الحرام ثم اتفقوا واغتنموا الفرصة فيهم فرمى واقد بن عبد الله عمرو بن الحضرمي فقتله وأسروا عثمان بن عبد الله والحكم بن كيسان وأفلت نوفل وقدموا بالعير والاسيرين وقد أخرجوا الخمس فعزلوه فأنكر النبي صلى الله عليه وسلم فعلهم ذلك في الشهر الحرام فسقط في أيديهم ثم أنزل الله تعالى يسئلونك عن الشهر الحرام قتال فيه الآية إلى قوله حتى يردوكم عن دينكم ان استطاعوا فسرى عنهم وقبض النبي صلى عليه وسلم الخمس وقسم الغنيمة وقبل الفداء في الاسيرين وأسلم الحكم بن كيسان منهما ورجع سعد وعتبة سالمين إلى المدينة وهذه أول غنيمة غنمت في الاسلام وأول غنيمة خمست في الاسلام وقتل عمرو بن الحضرمي هو الذى هيج وقعة بدر الثانية(2/18)
(صرف القبلة) ثم صرفت القبلة عن بيت المقدس إلى الكعبة على رأس سبعة عشر شهرا من مقدمه المدينة خطب بذلك على المنبر وسمعه بعض الانصار فقام فصلى ركعتين إلى الكعبة قاله ابن حزم وقيل على رأس ثمانية عشر شهرا وقيل ستة عشر ولم يقل غير ذلك (بدر الثانية) فأقام رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمدينة إلى رمضان من السنة
الثانية ثم بلغه ان عير القريش فيها أموال عظيمة مقبلة من الشام إلى مكة معها ثلاثون أو أربعون رجلا من قريش عميدهم أبو سفيان ومعه عمرو بن العاصى ومخرمة بن نوفل فندب عليه السلام المسلمين إلى هذه العير وأمر من كان ظهره حاضرا بالخروج ولم يحتفل في الحشد لانه لم يظن قتالا واتصل خروجه بأبى سفيان فاستأجر ضمضم بن عمرو الغفاري وبعثه إلى أهل مكة يستنفرهم لعيرهم فنفروا وارعبوا الا يسيرا منهم أبو لهب وخرج صلى الله عليه وسلم لثمان خلون من رمضان واستخلف على الصلاة عمرو بن أم مكتوم ورد أبا لبابة من الروحاء واستعمله على المدينة ودفع اللواء إلى معصب بن عمير ودفع إلى على راية والى رجل من الانصار أخرى يقال كانتا سوداوين وكان مع أصحابه صلى الله عليه وسلم يومئذ سبعون بعيرا يعتقبونها فقط وجعل على الساقة قيس بن أبى صعصعة من بنى النجار وراية الانصار يومئذ مع سعد بن معاذ فسلكوا نقب المدينة إلى ذى الحليفة ثم انتهوا إلى صخيرات يمام ثم إلى بئر الروحاء ثم رجعوا ذات اليمين عن الطريق إلى الصفراء (وبعث) عليه السلام قبلها بسبس بن عمرو الجهنى حليف بنى ساعدة وعدى بن أبى الزغباء الجهنى حليف بنى النجار إلى بدر يتجسسون أخبار أبى سفيان وغيره ثم تنكب عن الصفراء يمينا وخرج على وادى دقران فبلغه خروج قريش ونفيرهم فاستشار أصحابه فتكلم المهاجرون وأحسنوا وهو يريد ما يقوله الانصار وفهموا ذلك فتكلم سعد بن معاذ وكان فيما قال لو استعرضت بنا هذا البحر لخضناه معك فسر بنا يا رسول الله على بركة الله فسر بذلك وقال سيروا وأبشروا فان الله قد وعدني احدى الطائفتين ثم ارتحلوا من دقران إلى قريب من بدر وبعث عليا والزبير وسعدا في نفر يلتمسون الخبر فأصابوا غلامين لقريش فأتوا بهما وهو عليه السلام قائم يصلى وقالوا نحن سقاة قريش فكذبوهما كراهية في الخبر ورجاء أن يكونا من العير للغنيمة وقلة المؤنة فجعلوا يضربونهما فيقولان نحن من العير فسلم رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنكر عليهم وقال للغلامين أخبرانى أين قريش فاخبراه أنهم وراء الكثيب وانهم
ينحرون يوما عشرا من الابل ويوما تسعا فقال عليه السلام القوم بين التسعمائة والالف وقد كان بسبس وعدى الجهنيان مضيا يتجسسان ولا خبر حتى نزلا وأناخا قرب الماء واستقيا في شن لهما ومجدى بن عمرو من جهينة بقربهما فسمع عدى جارية(2/19)
من جواري الحى تقول لصاحبتها العير تأتى غدا أو بعد غد وأعمل لهم وأقضيك الذى لك وجاءت إلى مجدي بن عمرو فصدقها فرجع بسبس وعدى بالخبر وجاء أبو سفيان بعدهما يتجسس الخبر فقال لمجدي هل أحسست أحدا فقال راكبين أناخا يميلان لهذا التل فاستقيا الماء ونهضا فأتى أبو سفيان مناخهما وفتت من أبعار رواحلهما فقال هذه والله علائف يثرب فرجع سريعا وقد حذر وتنكب بالعير إلى طريق الساحل فنجا واوصى إلى قريش بانا قد نجونا بالعير فارجعوا فقال أبو جهل والله لا نرجع حتى نرد ماء بدر ونقيم به ثلاثا وتهابنا العرب أبدا ورجع الاخنس بن شريق بجميع بنى زهرة وكان حليفهم ومطاعا فيهم وقال انما خرجتم تمنعون أموالكم وقد نجت فارجعوا وكان بنو عدى لم ينفروا مع القوم فلم يشهد بدرا من قريش عدوى ولا زهرى وسبق رسول الله صلى الله عليه وسلم قريشا إلى ماء بدر وثبطهم عنه مطر نزل وبله مما يليهم وأصاب مما يلى المسلمين دهس الوادي وأعانهم على السير فنزل عليه السلام على أدنى ماء من مياه بدر إلى المدينة فقال له الحباب بن المنذر بن عمرو بن الجموح آلله أنزلك بهذا المنزل فلا نتحول عنه ام قصدت الحرب والمكيدة فقال عليه السلام لا بل هو الرأى والحرب فقال يا رسول الله ليس هذا بمنزل وانما نأتى أدنى ماء من القوم فننزله ونبني عليه حوضا فنملؤه ونعور القلب كلها فنكون قد منعناهم الماء فاستحسنه رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم بنوا له عريشا يكون فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى يأتيه من ربه النصر ومشى يريهم مصارع القوم واحدا واحدا ولما نزل قريش مما يليهم بعثوا عمير بن وهب الجمحى يحزر له أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وكانوا ثلثمائة وبضعة عشر رجلا فيهم
فارسان الزبير والمقداد فحزرهم وانصرف وخبرهم الخبر ورام حكيم بن حزام وعتبة بن ربيعة أن يرجعا بقريش ولا يكون الحرب فأبى أبو جهل وساعده المشركون وتواقفت الفئتان وعدل رسول الله صلى الله عليه وسلم الصفوف بيده ورجع إلى العريش ومعه أبو بكر وحده وطفق يدعو ويلح وأبو بكر يقاوله ويقول في دعائه اللهم ان تهلك هذه العصابة لا تعبد في الارض اللهم أنجز لى ما وعدتني وسعد بن معاذ وقوم معه من الانصار على باب العريش يحمونه وأخفق رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم انتبه فقال أبشر يا أبا بكر فقد أتى نصر الله ثم خرج يحرض الناس ورمى في وجوه القوم بحفنة من حصى وهو يقول شاهت الوجوه ثم تزاحفوا فخرج عتبة وأخوه شيبة وابنه الوليد يطلبون البراز فخرج إليهم عبيدة بن الحرث وحمزة بن عبد المطلب وعلى بن أبى طالب فقتل حمزة وعلى شيبة والوليد وضرب عتبة عبيدة فقطع رجله فمات وجاء حمزة وعلى إلى عتبة فقتلاه وقد كان برز إليهم عوف ومعوذ ابنا عفراء وعبد الله بن رواحة من الانصار فابوا(2/20)
الا قومهم وجال القوم جولة فهزم المشركون وقتل منهم يومئذ سبعون رجلا فمن مشاهيرهم عتبة وشيبة ابنا ربيعة والوليد بن عتبة وحنظلة بن أبى سفيان بن حرب وابنا سعيد بن العاصى عبيدة والعاصي والحرث بن عامر بن نوفل وابن عمه طعيمة بن عدى وزمعة بن الاسود وابنه الحرث وأخوه عقيل بن الاسود وابن عمه أبو البخترى بن هشام ونوفل بن خويلد بن أسد وأبو جهل بن هشام اشترك فيه معاذ ومعوذ ابنا عفراء ووجده عبد الله بن مسعود وبه رمق فحز رأسه وأخوه العاصى بن هشام وابن عمهما مسعود ابن أمية وأبو قيس بن الوليد بن المغيرة وابن عمه وأبو قيس بن الفاكه ونبيه ومنبه ابنا الحجاج والعاصي بن منبه وأمية بن خلف وابنه على وعمير بن عثمان عم طلحة (وأسر العباس بن عبد المطلب) وعقيل بن أبى طالب ونوفل بن الحرث بن عبد المطلب والسائب بن عبد يزيد من بنى المطلب وعمرو بن أبى سفيان بن حرب وأبو العاصى بن
الربيع وخالد بن أسيد بن أبى العيص وعدى بن الخيار من بنى نوفل وعثمان بن عبد شمس ابن عم عتبة بن غزوان وأبو عزيز أخو مصعب بن عمير وخالد بن هشام بن المغيرة وابن عمه رفاعة بن أبى رفاعة وأمية بن أبى حذيفة بن المغيرة والوليد بن الوليد أخو خالد وعبد الله وعمرو ابنا أبى بن خلف وسهيل بن عمرو في آخرين مذكورين في كتب السير (واستشهد) من المسلمين من المهاجرين عبيدة بن الحرث بن المطلب وعمير بن أبى وقاص وذو الشمالين بن عبد عمرو بن نضلة الخزاعى حليف بنى زهرة وصفوان بن بيضاء من بنى الحرث ابن فهر ومهجع مولى عمر بن الخطاب رضى الله عنه أصابه سهم فقتله وعاقل بن البكير الليثى حليف بنى عدى من الانصار ثم من الاوس سعد بن خيثمة ومبشر بن عبد المنذر ومن الخزرج يزيد بن الحارث بن الخزرج وعمير بن الحمام من بنى سلمة سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يحض على الجهاد ويرغب في الجنة وفى يده تمرات يأكلهن فقال بخ بخ أما بينى وبين الجنة الا أن يقتلنى هؤلاء ثم رمى بهن وقاتل حتى قتل ورافع بن المعلى من بنى حبيب بن عبد حارثة وحارثة بن سراقة من بنى النجار وعوف ومعوذ ابنا عفراء (ثم انجلت الحرب) وأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بقتلى المشركين فسحبوا إلى القليب وطم عليهم التراب وجعل على النفل عبد الله بن كعب بن عمرو بن مبدول بن عمر ابن غنم بن مازن بن النجار ثم انصرف إلى المدينة فلما نزل الصفراء قسم الغنائم كما أمر الله وضرب عنق النضر بن الحرث بن كلدة من بنى عبد الدار ثم نزل عرق الظبية فضرب عنق عقبة بن أبى معيظ بن أبى عمرو بن أمية وكان في الاسارى ومر إلى المدينة فدخلها لثمان بقين من رمضان (الكدر) وبلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد رجوعه إلى المدينة اجتماع غطفان فخرج يريد بنى سليم بعد سبع ليال من منصرفه واستخلف على(2/21)
المدينة سباع بن عرفطة الغفاري أو ابن أم مكتوم فبلغ ماء يقال له الكدر وأقام عليه ثلاثة أيام ثم انصرف ولم يلق حربا وقيل انه أصاب من نعمهم ورجع بالغنيمة وانه بعث
غالب بن عبد الله الليثى في سرية فنالوا منهم وانصرفوا بالغنيمة وأقام رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى ذى الحجة وفدى رسول الله صلى الله عليه وسلم أكثر أسارى بدر (السويق) ثم ان أبا سفيان لما انصرف من بدر نذر أن يغزو المدينة فخرج في مائتي راكب حتى أتى بنى النضير ليلا فتوارى عنه حيى بن أخطب ولقيه سلام بن مشكم وقراه وأعلمه بخبر الناس ثم رجع ومر باطراف المدينة فحرق نخلا وقتل رجلين في حرث لهما فنفر رسول الله صلى الله عليه وسلم والمسلمون واستعمل على المدينة أبا لبابة بن عبد المنذر وبلغ الكدر وفاته أبو سفيان والمشركون وقد طرحوا السويق من أزوادهم ليتخففوا فاخذها المسلمون فسميت لذلك غزوة السويق وكانت في ذى الحجة بعد بدر بشهرين (ذى أمر) ثم خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم في شهر المحرم غازيا غطفان واستعمل على المدينة عثمان بن عفان فأقام بنجد صفر وانصرف ولم يلق حربا (بحران) ثم خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم آخر ربيع الاول يريد قريشا واستخلف ابن أم مكتوم فبلغ بحران معدنا في الحجاز ولم يلق حربا وأقام هنالك إلى جمادى الثانية من السنة الثالثة وانصرف إلى المدينة (قتل كعب بن الاشرف) وكان كعب بن الاشرف رجلا من طيئ وأمه من يهود بنى النضير ولما أصيب أصحاب بدر وبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم زيد بن حارثة وعبد الله بن رواحة مبشرين إلى المدينة جعل يقول ويلكم أحق هذا وهؤلاء اشراف العرب وملوك الناس وان كان محمد أصاب هؤلاء فبطن الارض خير من ظهرها ثم قدم مكة ونزل على المطلب بن أبى وداعة السهمى وعنده عاتكة بنت أسيد بن أبى العيص بن أمية فجعل يحرض على رسول الله صلى الله عليه وسلم وينشد الاشعار ويبكى على أصحاب القليب ثم رجع إلى المدينة فشبب بعاتكة ثم شبب بنساء المسلمين فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن يقتل كعب بن الاشرف فانتدب لذلك محمد بن مسلمة وملكان بن سلامة بن وقش وهو أبو نائلة من بنى عبد الاشهل أخو كعب من الرضاعة وعباد بن بشر بن وقش والحرث بن بشر بن
معاذ وأبو عبس بن جبر من بنى حارثة وتقدم إليه ملكان بن سلامة وأظهر له انحرافا عن النبي صلى الله عليه وسلم عن اذن منه وشكا إليه ضيق الحال ورام أن يبيعه وأصحابه طعاما ويرهنون سلاحهم فأجاب إلى ذلك ورجع إلى أصحابه فخرجوا وشيعهم رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى بقيع الغرقد في ليلة قمراء وأتوا كعبا فخرج إليهم من حصنه ومشوا غير بعيد ثم وضعوا عليه سيوفهم ووضع محمد بن مسلمة معولا كان معه في ثنته(2/22)
فقتله وصاح عدو الله صيحة شديدة انذعر لها أهل الحصون التى حواليه وأوقدوا النيران ونجا القوم وقد جرح منهم الحرث بن أوس ببعض سيوفهم فنزفه الدم وتأخر ثم وافاهم بحرة العريض آخر الليل وأتوا النبي صلى الله عليه وسلم وهو يصلى وأخبروه وتفل على جرح الحرث فبرأ وأذن للمسلمين في قتل اليهود لما بلغه أنهم خافوا من هذه الفعلة وأسلم حينئذ حويصة بن مسعود وقد كان أسلم قبله أخوه محيصة بسبب قتل بعضهم (غزوة بنى قينقاع) وكان بنو قينقاع لما انصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم من بدر وقف بسوق بنى قينقاع في بعض الايام فوعظهم وذكرهم ما يعرفون من أمره في كتابهم وحذرهم ما أصاب قريشا من البطشة فأساؤا الرد وقالوا لا يغرنك انك لقيت قوما لا يعرفون الحرب فأصبت منهم والله لئن جربتنا لتعلمن أنا نحن الناس فأنزل الله تعالى وإما تخافن من قوم خيانة فانبذ إليهم على سواء وقيل بل قتل مسلم يهوديا بسوقهم في حق فثاروا على المسلمين ونقضوا العهد ونزلت الآية فسار إليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم واستعمل على المدينة بشير بن عبد المنذر وقيل أبا لبابة وكانوا في طرف المدينة في سبعمائة مقاتل منهم ثلثمائة دارع ولم يكن لهم زرع ولا نخل انما كانوا تجارا وصاغة يعملون بأموالهم وهم قوم عبد الله بن سلام فحصرهم عليه السلام خمس عشرة ليلة لا يكلم احدا منهم حتى نزلوا على حكمه فكتفهم ليقتلوا فشفع فيهم عبد الله بن أبى ابن سلول وألح في الرغبة حتى حقن له رسول الله صلى الله عليه
وسلم دماءهم ثم أمر باجلائهم وأخذ ما كان لهم من سلاح وضياع وأمر عبادة بن الصامت فمضى بهم إلى ظاهر ديارهم ولحقوا بخيبر وأخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم الخمس من الغنائم وهو أول خمس أخذه ثم انصرف إلى المدينة وحضر الاضحى فصلى بالناس في الصحراء وذبح بيده شاتين ويقال أنهما أول أضحيته صلى الله عليه وسلم (سرية زيد بن حارثة إلى قردة) وكانت قريش من بعد بدر قد تخوفوا من اعتراض المسلمين عيرهم في طريق الشأم وصاروا يسلكون طريق العراق وخرج منهم تجار فيهم أبو سفيان بن حرب وصفوان بن امية واستجاروا بفرات بن حيان من بكر بن وائل فخرج بهم في الشتاء وسلك بهم على طريق العراق وانتهى خبر العير إلى النبي صلى الله عليه وسلم وما فيها من المال وآنية الفضة فبعث زيد بن حارثة في سرية فاعترضهم وظفر بالعير واتى بفرات بن حيان العجلى أسيرا فتعوذ بالاسلام وأسلم وكان خمس هذه الغنيمة عشرين ألفا (قتل ابن أبى الحقيق) كان سلام بن أبى الحقيق هذا من يهود خيبر وكنيته أبو رافع وكان يؤذى رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه ويحزب عليهم الاحزاب مثل أو قريبا من كعب بن الاشرف وكان الاوس والخزرج يتصاولان تصاول الفحلين في طاعة(2/23)
رسول الله صلى الله عليه وسلم والذب عنه والنيل من أعدائه لا يفعل أحد القبيلتين شيئا من ذلك الا فعل الآخرون مثله وكان الاوس قد قتلوا كعب بن الاشرف كما ذكرناه فاستأذن الخزرج رسول الله صلى الله عليه وسلم في قتل ابن أبى الحقيق نظير ابن الاشرف في الكفر والعداوة فأذن لهم فخرج إليهم من الخزرج ثم من بنى سلمة ثمانية نفر منهم عبد الله بن عقيل ومسعر بن سنان وأبو قتادة والحرث بن ربعى الخزاعى من حلفائهم في آخرين وأمر عليهم عبد الله بن عقيل ونهاهم ان يقتلوا وليدا أو امرأة وخرجوا في منتصف جمادى الاخرة من سنة ثلاث فقدموا خيبر وأتوا دار ابن أبى الحقيق في علية له بعد ان انصرف عنه سمره ونام وقد أغلقوا الابواب من حيث أفضوا كلها
عليهم ونادوه ليعرفوا مكانه بصوته ثم تعاوروه بسيوفهم حتى قتلوه وخرجوا من القصر وأقاموا ظاهره حتى قام الناعي على سور القصر فاستيقنوا موته وذهبوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بالخبر وكان أحدهم قد سقط من درج العلية فأصابه كسر في ساقه فمسح عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم وبرأ * (غزوة أحد) * وكانت قريش بعد واقعة بدر قد توامروا وطلبوا من أصحاب العير أن يعينوهم بالمال ليتجهزوا به لحرب رسول الله صلى الله عليه وسلم فأعانوهم وخرجت قريش باحابيشها وحلفائها وذلك في شوال من سنة ثلاث واحتملوا الظعن التماسا للحفيظة وأن لا يفروا وأقبلوا حتى نزلوا ذا الحليفة قرب أحد ببطن السبخة مقابل المدينة على شفير واد هنا لك وذلك في رابع شوال وكانوا في ثلاثة آلاف فيهم سبعمائة دارع ومائتا فرس وقائدهم أبو سفيان ومعهم خمس عشرة امرأة بالدفوف يبكين قتلى بدر وأشار صلى الله عليه وسلم على أصحابه بان يتحصنوا بالمدينة ولا يخرجوا وان جاؤا قاتلوهم على أفواه الازقة وأقر ذلك على رأى عبد الله بن أبى ابن سلول وألح قوم من فضلاء المسلمين ممن أكرمه الله بالشهادة فلبس لامته وخرج وقدم أولئك الذين ألحوا عليه وقالوا يا رسول الله ان شئت فاقعد فقال ما ينبغى لنبى إذا لبس لامته ان يضعها حتى يقاتل وخرج في الف من اصحابه واستعمل ابن ام مكتوم على الصلاة ببقية المسلمين بالمدينة فلما سار بين المدينة وأحد انخزل عنه عبد الله بن ابى في ثلث الناس مغاضبا لمخالفة رأيه في المقام وسلك رسول الله صلى الله عليه وسلم حرة بنى حارثة ومر بين الحوائط وأبو خيثمة من بنى حارثة يدل به حتى نزل الشعب من أحد مستندا إلى الجبل وقد سرحت قريش الظهر والكراع في زروع المسلمين وتهيأ للقتال في سبعمائة فيهم خمسون فارسا وخمسون راميا وأمر على الرماة عبد الله بن جبير من بنى عمرو بن عوف والاوس اخو خوات ورتبهم(2/24)
خلف الجيش ينصحون بالنبل لئلا يأتوا المسلمين من خلفهم ودفع اللواء إلى مصعب بن عمير من بنى عبد الدار وأجاز يومئذ سمرة بن جندب الفزارى ورافع بن خديج من بنى حارثة في الرماة وسنهما خمسة عشر عاما ورد اسامة بن زيد وعبد الله بن عمر بن الخطاب ومن بنى مالك بن النجار زيد بن ثابت وعمرو بن حرام ومن بنى حارثة البراء بن عازب وأسيد ابن ظهير ورد عرابة بن أوس وزيد بن ارقم وأبا سعيد الخدرى سن جميعهم يومئذ أربعة عشر عاما وجعلت قريش على ميمنة الخيل خالد بن الوليد وعلى ميسرتهم عكرمة بن أبى جهل وأعطى عليه السلام سيفه بحقه إلى أبى دجانة سماك بن خرشة من بنى ساعدة وكان شجاعا بطلا يختال عند الحرب وكان مع قريش ذلك اليوم والد حنظلة غسيل الملائكة أبو عامر عبد عمرو بن صيفي بن مالك بن النعمان في طليعة وكان في الجاهلية قد ترهب وتنسك فلما جاء الاسلام غلب عليه الشقاء وفر إلى مكة في رجال من الاوس وشهد أحدا مع الكفار وكان يعد قريش في انحراف الاوس إليه لما انه سيدهم فلم يصدق ظنه ولما ناداهم وعرفوه قالوا لا أنعم الله لك علينا يا فاسق فقاتل المسلمين قتالا شديدا وأبلى يومئذ حمزة وطلحة وشيبة وأبو دجانة والنضر بن أنس بلاء شديدا وأصيب جماعة من الانصار مقبلين غير مدبرين واشتد القتال وانهزم قريش أولا فخلت الرماة عن مراكزهم وكر المشركون كرة وقد فقدوا متابعة الرماة فانكشف المسلمون واستشهد منهم من أكرمه الله ووصل العدو إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وقاتل مصعب بن عمير صاحب اللواء دونه حتى قتل وجرح رسول الله صلى الله عليه وسلم في وجهه وكسرت رباعيته اليمنى السفلى بحجر وهشمت البيضة في رأسه يقال ان الذى تولى ذلك عتبة بن أبى وقاص وعمرو بن قميئة الليثى وشد حنظلة الغسيل على أبى سفيان ليقتله فاعترضه شداد بن الاسود الليثى من شعوب فقتله وكان جنبا فأخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم أن الملائكة غسلته وأكبت الحجارة على رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى سقط من بعض حفر هناك فأخذ على بيده واحتضنه طلحة حتى قام ومص
الدم من جرحه مالك بن سنان الخدرى والد ابى سعيد ونشبت حلقتان من حلق المغفر في وجهه صلى الله عليه وسلم فانتزعهما أبو عبيدة بن الجراح فندرت ثنيتاه فصاراهتم ولحق المشركون رسول الله صلى الله عليه وسلم وكر دونه نفر من المسلمين فقتلوا كلهم وكان آخرهم عمار بن يزيد بن السكن ثم قاتل طلحة حتى أجهض المشركون وأبو دجانة يلى النبي صلى الله عليه وسلم بظهره وتقع فيه النبل فلا يتحرك وأصيبت عين قتادة بن النعمان من بنى ظفر فرجع وهى على وجنته فردها عليه السلام بيده فصحت وكانت أحسن عينيه وانتهى النضر بن أنس إلى جماعة من الصحابة وقد دهشوا وقالوا قتل(2/25)
رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال فما تصنعون في الحياة بعده قوموا فموتوا على ما مات عليه ثم استقبل الناس وقاتل حتى قتل ووجد به سبعون ضربه وجرح يومئذ عبد الرحمن بن عوف عشرين جراحة بعضها في رجله فعرج منها وقتل حمزة عم النبي صلى الله عليه وسلم قتله وحشى مولى جبير بن مطعم بن عدى وكان قد جاعله على ذلك بعتقه فرآه يبارز سباع بن عبد العزى فرماه بحربته من حيث لا يشعر فقتله ونادى الشيطان ألا ان محمدا قد قتل لان عمرو بن قميئة كان قد قتل مصعب بن عمير يظن أنه النبي صلى الله عليه وسلم وضربته أم عمارة نسيبة بنت كعب بن أبى مازن ضربات فتوفى منها بدرعيه وخشى المسلمون لما أصابه ووهنوا لصريخ الشيطان ثم ان كعب بن مالك الشاعر من بنى سلمة عرف رسول الله صلى الله عليه وسلم فنادى بأعلى صوته يبشر الناس ورسول الله صلى الله عليه وسلم يقول له أنصت فاجتمع عليه المسلمون ونهضوا معه نحو الشعب فيهم أبو بكر وعمر وعلى والزبير والحرث بن الصمة الانصاري وغيرهم وأدركه أبى بن خلف في الشعب فتناول صلى الله عليه وسلم الحربة من الحرث بن الصمة وطعنه بها في عنقه فكر أبى منهزما وقال له المشركون ما بك من بأس فقال والله لو بصق على لقتلني وكان صلى الله عليه وسلم قد توعده بالقتل فمات عدو الله بسرف مرجعهم إلى مكة ثم جاء على
رسول الله صلى الله عليه وسلم بالماء فغسل وجهه ونهض فاستوى على صخرة من الجبل وحانت الصلاة فصلى بهم قعودا وغفر الله للمنهزمين من المسلمين ونزل ان الذين تولوا منكم يوم التقى الجمعان الآية وكان منهم عثمان بن عفان وعثمان بن أبى عقبة الانصاري واستشهد في ذلك اليوم حمزة كما ذكرناه وعبد الله بن جحش ومصعب بن عمير في خمسة وستين معظمهم من الانصار وأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يدفنوا بدمائهم وثيابهم في مضاجعهم ولم يغسلوا ولم يصل عليهم وقتل من المشركين اثنان وعشرون منهم الوليد بن العاصى بن هشام وأبو أمية بن أبى حذيفة بن المغيرة وهشام بن أبى حذيفة بن المغيرة وأبو عزة عمرو بن عبد الله بن جمح وكان أسر يوم بدر فمن عليه وأطلقه بلا فداء على أن لا يعين عليه فنقض العهد وأسر يوم أحد وأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بضرب عنقه صبرا وأبى بن خلف قتله رسول الله صلى الله عليه وسلم بيده وصعد أبو سفيان الجبل حتى أطل على رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه ونادى بأعلى صوته الحرب سجال يوم أحد بيوم بدر اعل هبل وانصرف وهو يقول موعدكم العام القابل فقال عليه السلام قولوا له هو بيننا وبينكم ثم سار المشركون إلى مكة ووقف رسول الله صلى الله عليه وسلم على حمزة وكانت هند وصواحبها قد جدعنه وبقرن عن كبده فلاكتها ولم تسغها ويقال انه لما رآى ذلك في حمزة قال لئن أظفرني الله بقريش(2/26)
لامثلن بثلاثين منهم ورجع رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه إلى المدينة ويقال انه قال لعلى لا يصيب المشركون منا مثلها حتى يفتح الله علينا (حمراء الاسد) ولما كان يوم أحد سادس عشر شوال وهو صبيحة يوم أحد أذن مؤذن رسول الله صلى الله عليه وسلم بالخروج لطلب العدو وأن لا يخرج الا من حضر معه بالامس وفسح لجابر بن عبد الله ممن سواهم فخرج وخرجوا على ما بهم من الجهد والجراح وصار عليه السلام متجلدا مرهبا للعدو وانتهى إلى حمراء الاسد على ثمانية أميال من المدينة وأقام بها
ثلاثا ومر به هناك معبد بن أبى معبد الخزاعى سائرا إلى مكة ولقى أبا سفيان وكفار قريش بالروحاء فأخبرهم بخروج رسول الله صلى الله عليه وسلم في طلبهم وكانوا يرومون الرجوع إلى المدينة ففت ذلك في أعضادهم وعادوا إلى مكة (بعث الرجيع) ثم قدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم في صفر متم الثلاثة من الهجرة نفر من عضل والقارة بنى الهون من خزيمة اخوة بنى أسد فذكروا أن فيهم اسلاما ورغبوا أن يبعث فيهم من يفقههم في الدين فبعث معهم ستة رجال من أصحابه مرثد بن أبى مرثد الغنوى وخالد بن البكير الليثى وعاصم بن ثابت بن أبى الافلح من بنى عمرو بن عوف وخبيب بن عدى من بنى جحجبا بن كلفة وزيد بن الدثنة بن بياضة بن عامر وعبد الله ابن طارق حليف بنى ظفر وأمر عليهم مرثدا منهم ونهضوا مع القوم حتى إذا كانوا بالرجيع وهو ماء لهذيل قريبا من عسفان غدروا بهم واستصرخوا هذيلا عليهم فغشوهم في رحالهم ففزعوا إلى القتال فأمنوهم وقالوا انا نريد نصيب بكم فداء من أهل مكة فامتنع مرثد وخالد وعاصم من أمنهم وقاتلوا حتى قتلوا ورموا رأس عاصم ليبيعوه من سلافة بنت سعد بن شهيد وكانت نذرت أن تشرب فيه الخمر لما قتل ابنيها من بنى عبد الدار يوم أحد فأرسل الله الدبر فحمت عاصما منهم فتركوه إلى الليل فجاء السيل فاحتمله وأما الآخرون فأسروهم وخرجوا بهم إلى مكة ولما كانوا بمر الظهران انتزع ابن طارق يده من القران وأخذ سيفة فرموه بالحجارة فمات وجاؤا بخبيب وزيد إلى مكه فباعوهما إلى قريش فقتلوهما صبرا (غزوة بئر معونة) وقدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم في صفر هذا ملاعب الاسنة أبو براء عامر بن مالك بن جعفر بن كلاب بن ربيعة ابن عامر بن صعصعة فدعاه إلى الاسلام فلم يسلم ولم يبعد وقال يا محمد لو بعثت رجالا من أصحابك إلى أهل نجد يدعونهم إلى أمرك رجوت أن يستجيبوا لك فقال انى أخاف عليهم فقال أبو براء أنا لهم جار فبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم المنذر بن عمرو من بنى ساعدة في أربعين من المسلمين وقيل في سبعين منهم الحرث بن الصمة وحرام بن ملحان
خال أنس وعامر بن فهيرة ونافع بن بديل بن ورقاء فنزلوا بئر معونة بين أرض بنى عامر(2/27)
وحرة بنى سليم وبعثوا حرام بن ملحان بكتاب النبي صلى الله عليه وسلم إلى عامر بن الطفيل فقتله ولم ينظر في كتابه واستعدى عليهم بنى عامر فأبوا الجوار أبى براء اياهم فاستعدى بنى سليم فنهضت منهم عصية ورعل وذكوان وقتلوهم عن آخرهم وكان سرحهم إلى جانب منهم ومعهم المنذر بن أحيحة من بنى الجلاح وعمرو بن أمية الضمرى فنظرا إلى الطير تحوم على العسكر فأسرعا إلى أصحابهما فوجداهم في مضاجعهم فاما المنذر بن أحيحة فقاتل حتى قتل وأما عمرو بن أمية فجز عامر بن الطفيل ناصيته حين علم أنه من مضر لرقبة كانت على أمه وذلك لعشر بقين من صفر وكانت مع الرجيع في شهر واحد ولما رجع عمرو بن أمية لقى في طريقه رجلين من بنى كلاب أو بنى سليم فنزلا معه في ظل كان فيه معهما عهد من النبي صلى الله عليه وسلم لم يعلم به عمرو فانتسبا له في بنى عامر أو سليم فعدا عليهما لما ناما وقتلهما وقدم على النبي صلى الله عليه وسلم فأخبره بذلك فقال لقد قتلت قتيلين لادينهما (غزوة بنى النضير) ونهض رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى بنى النضير مستعينا بهم في دية هذين القتيلين فأجابوا وقعد عليه السلام مع أبى بكر وعمر وعلى ونفر من أصحابه إلى جدار من جدرانهم وأراد بنو النضير رجلا منهم على الصعود إلى ظهر البيت ليلقى على النبي صلى الله عليه وسلم صخرة فانتدب لذلك عمرو بن جحاش بن كعب منهم وأوحى الله بذلك إلى نبيه فقام ولم يشعر أحدا ممن معه واستبطأوه واتبعوه إلى المدينة فأخبرهم عن وحى الله بما أراد به يهود وأمر من أصحابه بالتهيؤ لحربهم واستعمل على المدينة ابن أم مكتوم ونهض في شهر ربيع الاول أول السنة الرابعة من الهجرة فتحصنوا منه بالحصون فحاصرهم ست ليال وأمر بقطع النخل واحراقها ودس إليهم عبد الله بن أبى والمنافقون إنا معكم قتلتم أو أخرجتم فغروهم بذلك ثم خذلوهم كرها وأسلموهم وسأل عبد الله من النبي صلى الله عليه وسلم أن يكف عن
دمائهم ويجليهم بما حملت الابل من أموالهم الا السلاح واحتمل إلى خيبر من أكابرهم حيى بن أخطب وابن ابى الحقيق فدانت لهم خيبر ومنهم من سار إلى الشأم وقسم رسول الله صلى الله عليه وسلم أموالهم بين المهاجرين الاولين خاصة وأعطى منها ابا دجانة وسهل بن حنيف كانا فقيرين وأسلم من بنى النضير يامين بن عمير بن جحاش وسعيد بن وهب فأحرزا أموالهما باسلامهما وفى هذه الغزاة نزلت سورة الحشر (ذات الرقاع) وأقام رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد بنى النضير إلى جمادى من السنة الرابعة ثم غزا نجدا يريد بنى محارب وبنى ثعلبة من غطفان واستعمل على المدينة أبا ذر الغفاري وقيل عثمان بن عفان ونهض حتى نزل نجدا فلقى بها جمعا من غطفان فتقارب الناس ولم يكن بينهم حرب الا أنهم خاف بعضهم بعضا حتى صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمسلمين(2/28)
صلاة الخوف وسميت ذات الرقاع لان أقدامهم نقبت وكانوا يلقون عليها الخرق وقال الواقدي لان الجبل الذى نزلوا به كان به سواد وبياض وحمرة رقاعا فسميت بذلك وزعم أنها كانت في المحرم (غزوة بدر الصغرى الموعد) كان أبو سفيان نادى يوم أحد كما قدمناه بموعد بدر من قابل وأجابوه بأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما كان في شعبان من هذه السنة الرابعة خرج لميعاده واستعمل على المدينة عبد الله بن عبد الله بن أبى ابن سلول ونزل في بدر وأقام هناك ثمان ليال وخرج أبو سفيان في أهل مكة حتى نزل الظهران أو عسفان ثم بدا له في الرجوع واعتذر بان العام عام جدب غزوة دومة الجندل) خرج إليها رسول الله صلى الله عليه وسلم في ربيع الاول من السنة الخامسة وخلف على المدينة سباع بن عرفطة الغفاري وسببها أنه عليه السلام بلغه ان جمعا تجمعوا بها فغزاهم ثم انصرفوا من طريقه قبل أن يبلغ دومة الجندل ولم يلق حربا (وفيها) وادع رسول الله صلى الله عليه وسلم عيينة بن حصن أن يرعى بأراضى المدينة لان بلاده كانت أجدبت وكانت هذه قد أخصبت بسحابة وقعت فأذن له في رعيها
(غزوة الخندق) كانت في شوال من السنة الخامسة والصحيح أنها في الرابعة ويقويه ان ابن عمر يقول ردنى رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم أحد وأنا ابن أربع عشرة سنة ثم أجازني يوم الخندق وأنا ابن خمس عشرة سنة فليس بينهما الا سنة واحدة وهو الصحيح فهى قبل دومة الجندل بلا شك وكان سببها ان نفرا من اليهود منهم سلام بن أبى الحقيق وكنانة بن الربيع بن أبى الحقيق وسلام بن مشكم وحيى بن أخطب من بنى النضير وهود ابن قيس وأبو عمارة من بنى وائل لما انجلى بنو النضير إلى خيبر خرجوا إلى مكة يحزبون الاحزاب ويحرضون على حرب رسول الله صلى الله عليه وسلم ويرغبون من اشرأب إلى ذلك بالمال فأجابهم أهل مكة إلى ذلك ثم مضوا إلى غطفان وخرج بهم عيينة بن حصن على أشجع وخرجت قريش وقائدها أبو سفيان بن حرب في عشرة آلاف من أحابيشهم ومن تبعهم من كنانة وغيرهم ولما سمع بهم رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر بحفر الخندق على المدينة وعمل فيه بيده والمسلمون معه ويقال ان سلمان أشار به ثم أقبلت الاحزاب حتى نزلوا بظاهر المدينة بجانب أحد وخرج عليه السلام في ثلاثة آلاف من المسلمين وقيل في تسعمائة فقط وهو راجل بلا شك وخلف على المدينة ابن أم مكتوم فنزل بسطح سلع والخندق بينه وبين القوم وأمر بالنساء والذراري فجعلوا في الاطام وكان بنو قريظة مواد عين لرسول الله صلى الله عليه وسلم فأتاهم حيى وأغراهم فنقضوا العهد ومالوا مع الاحزاب وبلغ أمرهم إلى النبي صلى الله عليه وسلم فبعث سعد بن معاذ وسعد ابن عبادة وخوات بن جبير وعبد الله بن رواحة يستخبرون الامر فوجدوهم مكاشفين(2/29)
بالغدر والنيل من رسول الله صلى الله عليه وسلم فشاتمهم سعد بن معاذ وكانوا أحلافه وانصرفوا وكان صلى الله عليه وسلم قد أمرهم ان وجدوا الغدر حقا أن يخبروه تعريضا لئلا يفتوا في أعضاد الناس فلما جاؤا إليه قالوا يا رسول الله عضل والقارة يريدون غدرهم بأصحاب الرجيع فعظم الامر وأحيط بالمسلمين من كل جهة وهم بالفشل بنو
حارثة وبنو سلمة معتذرين بأن بيوتهم عورة خارج المدينة ثم ثبتهم الله ودام الحصار على المسلمين قريبا من شهر ولم تكن حرب ثم رجع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى عيينة بن حصن والحرث بن عوف أن يرجعا ولهما ثلثا ثمار المدينة وشاور في ذلك سعد بن معاذ وسعد بن عبادة فأبيا وقالا يا رسول الله أشئ أمرك الله به فلا بد منه أم شئ تحبه فتصدقه فتصنعه لك أم شئ تصنعه لنا فقال بل أصنعه لكم انى رأيت ان العرب رمتكم عن قوس واحدة فقال سعد بن معاذ قد كنا معهم على الشرك والاوثان ولا يطمعون منا بثمرة الا شراء وبيعا فحين أكرمنا الله بالاسلام وأعزنا بك نعطيهم أموالنا والله لا نعطيهم الا السيف فصلب رسول الله صلى الله عليه وسلم وتمادى الامر وظهر فوارس من قريش إلى الخندق وفيهم عكرمة بن أبى جهل وعمرو بن عبدود من بنى عامر بن لؤى وضرار بن الخطاب من بنى محارب فلما راوا الخندق قالوا هذه مكيدة ما كانت العرب تعرفها ثم اقتحموا من مكان ضيق حتى جالت خيلهم بين الخندق وسلع ودعوا إلى البراز وقتل على بن أبى طالب عمرو بن عبدود ورجعوا إلى قومهم من حيث دخلوا ورمى في بعض تلك الايام سعد بن معاذ بسهم فقطع عنه الاكحل يقال رماه حبان بن قيس بن العرقة وقيل أبو أسامة الجشمى حليف بنى مخزوم ويروى أنه لما أصيب جعل يدعو اللهم ان كنت أبقيت من حرب قريش شيئا فأبقني لها فلا قوم أحب إلى أن أجاهدهم من قوم آذوا رسولك وأخرجوه وان كنت وضعت الحرب بيننا وبينهم فاجعلها إلى شهادة ولا تمتنى حتى تقر عينى من بنى قريظة ثم اشتد الحال وأتى نعيم بن مسعود بن عامر بن أنيف بن ثعلبة بن قنفذ بن هلال بن خلاوة بن أشجع بن ريث بن غطفان فقال يا رسول الله انى أسلمت ولم يعلم قومي فمرنى بما تشاء فقال أنما أنت رجل واحد فخذل عنا ان استطعت فان الحرب خدعة فخرج فأتى بنى قريظة وكان صديقهم في الجاهلية فنقم لهم في قريش وغطفان وانهم ان لم يكن الظفر لحقوا ببلادهم وتركوكم ولا تقدرون على التحول عن بلدكم ولا طاقة لكم بمحمد وأصحابه فاستوثقوا منهم برهن أبنائهم حتى
يصابروا معكم ثم أتى أبا سفيان وقريشا فقال لهم ان اليهود قد ندموا وراسلوا محمدا في المواعدة على أن يسترهنوا أبناءكم ويدفعوهم إليه ثم أتى غطفان وقال لهم مثل ما قال لقريش فأرسل أبو سفيان وغطفان إلى بنى قريظة في ليلة سبت انا لسنا بدار مقام(2/30)
فأعدوا للقتال فاعتذر اليهود بالسبت وقالوا مع ذلك لا نقاتل حتى تعطونا أبناءكم فصدق القوم خبر نعيم وردوا إليهم بالاباية من الرهن والحث على الخروج فصدق أيضا بنو قريظة خبر نعيم وأبوا القتال وأرسل الله على قريش وغطفان ريحا عظيمة أكفأت قدورهم وآنيتهم وقلعت أبنيتهم وخيامهم وبعث عليه السلام حذيفة بن اليمان عينا فأتاه بخبر رحيلهم وأصبح وقد ذهب الاحزاب ورجع إلى المدينة (غزوة بنى قريظة) ولما رجع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة أتاه جبريل بالنهوض إلى بنى قريظة وذلك بعد صلاة الظهر من ذلك اليوم فأمر المسلمين أن لا يصلى أحد العصر الا في بنى قريظة وخرج وأعطى الراية على بن أبى طالب واستخلف ابن أم مكتوم وحاصرهم صلى الله عليه وسلم خمسا وعشرين ليلة وعرض عليهم سيدهم كعب بن أسد احدى ثلاث إما الاسلام وإما تبييت النبي صلى الله عليه وسلم ليلة السبت ليكون الناس آمنين منهم واما قتل الذرارى والنساء ثم الاستماتة فأبوا كل ذلك وأرسلوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم أن يبعث إليهم أبا لبابة بن عبد المنذر بن عمرو بن عوف لانهم كانوا حلفاء الاوس فأرسله واجتمع إليه الرجال والنساء والصبيان فقالوا يا أبا لبابة ترى لنا أن ننزل على حكم محمد قال نعم وأشار بيده في حلقه انه الذبح ثم رجع فندم وعلم أنه أذنب فانطلق على وجهه ولم يرجع إلى النبي صلى الله عليه وسلم وربط نفسه إلى عمود في المسجد ينتظر توبة الله عليه وعاهد الله أن لا يدخل أرض بنى قريظة مكانا خان فيه ربه ونبيه وبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم فقال لو أتانى لاستغفرت له فاما بعد ما فعل فما أنا بالذى أطلقه حتى يتوب الله عليه فنزلت توبته فتولى عليه السلام اطلاقه بيده بعد
أن أقام مرتبطا بالجذع ست ليال لا يحل الا للصلاة ثم نزل بنو قريظة على حكم النبي صلى الله عليه وسلم فأسلم بعضهم ليلة نزولهم وهم نفر أربعة من هذيل اخوة قريظة والنضير وفر عنهم عمرو بن سعد القرظى ولم يكن دخل معهم في نقض العهد فلم يعلم أين وقع ولما نزل بنو قريظة على حكمه صلى الله عليه وسلم طلب الاوس أن يفعل فيهم ما فعل بالخزرج في بنى النضير فقال لهم ألا ترضون أن يحكم فيهم رجل منكم قالوا بلى قال فذلك إلى سعد بن معاذ وكان جريحا منذ يوم الخندق وقد أنزله رسول الله صلى الله عليه وسلم في خيمة في المسجد ليعوده من قريب فأتى به على حمار فلما أقبل على المجلس قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لهم قوموا إلى سيدكم ثم قالوا يا سعد ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد ولاك حكم مواليك فقال سعد عليكم بذلك عهد الله وميثاقه قالوا نعم قال فانى أحكم فيهم أن تقتل الرجال وتسبى الذرارى والنساء وتقسم الاموال فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لقد حكمت فيهم بحكم الله من فوق سبعة أرقعة ثم أنه أمر فأخرجوا(2/31)
إلى سوق المدينة وخندق لهم بها خنادق وضربت أعناقهم فيها وهم بين الستمائة والسبعمائة رجل وقتلت فيهم امرأة واحدة بنانة امرأة الحكم القرظى وكانت طرحت على خلاد بن سويد بن الصامت رحى من فوق الحائط فقتلته وأمر عليه السلام بقتل من أنبت منهم ووهب لثابت بن قيس بن الشماس ولد الزبير بن باطا فاستحيا منهم عبد الرحمن بن الزبير كانت له صحبة وبعد أن كان ثابت استوهب من النبي صلى الله عليه وسلم الزبير وأهله وماله فوهبه ذلك فمر الزبير عليه يده وأبى الا الشد مع قومه اغتباطا بهم قبحه الله ووهب عليه السلام لام المنذر بنت قيس من بنى النجار رفاعة ابن سموأل القرظى فأسلم رفاعة وله صحبة وقسم صلى الله عليه وسلم أموال بنى قريظة فأسهم للفارس ثلاثة أسهم وللراجل سهما وكانت خيل المسلمين يومئذ ستة وثلاثين فارسا ووقع في سهم النبي صلى الله عليه وسلم من سبيهم ريحانة بن عمرو بن خنافة من
بنى عمرو بن قريظة فلم تزل في ملكه حتى مات رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان فتح بنى قريظة آخر ذى القعدة من السنة الرابعة ولما تم أمرهم قد أجيبت دعوة سعد بن معاذ فانفجر عرقه ومات فكان ممن استشهد يوم الخندق في سبعة آخرين من الانصار وأصيب من المشركين يوم الخندق أربعة من قريش فيهم عمرو بن عبدود وابنه حسل ونوفل بن عبد الله بن المغيرة ولم تغز كفار قريش المسلمين مذ يوم الخندق ثم خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم في جمادى الاولى من السنة الخامسة لستة أشهر من فتح بنى قريظة فقصد بنى لحيان يطالب بثار عاصم بن ثابت وخبيب بن عدى وأهل الرجيع وذلك إثر رجوعه من دومة الجندل فسلك على طريق الشأم أولا ثم أخذ ذات اليسار إلى صخيرات اليمام ثم رجع إلى طريق مكة وأجد السير حتى نزل منازل لبنى بين أمج وعسفان فوجدهم قد حذروا وامتنعوا بالجبال وفاتتهم الغرة فيهم فخرج في مائتي راكب إلى المدينة (غزوة الغابة وذى قرد) وبعد قفوله والمسلمين إلى المدينة بليال أغار عيينة بن حصن الفزارى في بنى عبد الله من غطفان فاستلحموا لقاح النبي صلى الله عليه وسلم بالغابة وكان فيها رجل من بنى غفار وامرأته فقتلوا الرجل وحملوا المرأة ونذر بهم سلمة بن عمرو بن الاكوع الاسلمي وكان ناهضا فعلا ثنية الوداع وصاح بأعلى صوته نذيرا بهم ثم اتبعهم واستنقذ ما كان بأيديهم ولما وقعت الصيحة بالمدينة ركب رسول الله صلى الله عليه وسلم في أثرهم ولحق به المقداد بن الاسود وعباد بن بشر وسعد بن زيد من بنى عبد الاشهل وعكاشة بن محصن ومحرز بن نضلة الاسدي وأبو قتادة من بنى سلمة في جماعة من المهاجرين والانصار وأمر عليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم سعد بن زيد وانطلقوا في اتباعهم حتى أدركوهم فكانت بينهم جولة قتل فيها محرز بن نضلة قتله عبد الرحمن بن(2/32)
عيينة وكان أول من لحق بهم ثم ولى المشركون منهزمين وبلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم ماء يقال له ذو قرد فأقام عليه ليلة ويومها ونحر ناقة من لقاحه المسترجعة ثم قفل إلى
المدينة (غزاة بنى المصطلق) وأقام رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى شعبان من هذه السنة السادسة ثم غزا بنى المصطلق من خزاعة لما بلغه أنهم مجتمعون له وقائدهم الحرث بن أبى ضرار أبو جويرية أم المؤمنين فخرج إليهم واستخلف أبا رذ الغفاري وقيل نميلة بن عبد الله الليثى ولقيهم بالمر يسيع من مياههم ما بين قديد والساحل فتزاحفوا وهزمهم الله وقتل من قتل منهم وسبى النساء والذرية وكانت منهم جويرية بنت الحرث سيدهم ووقعت في سهم ثابت بن قيس فكاتبها وأدى عليه السلام عنها وأعتقها وتزوجها واصيب في هذه الغزاة هشام بن صبابة الليثى من بنى ليث بن بكر قتله رجل من رهط عبادة بن الصامت غلطا يظنه من العدو وفى مرجع النبي صلى الله عليه وسلم من هذه الغزاة وفيها قال عبد الله بن أبى ابن سلول لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الاعز منها الاذل لمشاجرة وقعت بين جهجاه بن مسعود الغفاري أجير عمر بن الخطاب وبين سنان ابن وافد الجهنى حليف بنى عوف بن الخزرج فتثاوروا وتباهوا فقال ما قال وسمع زيد ابن أرقم مقالته وبلغها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ونزلت سورة المنافقين وتبرأ منه ابنه عبد الله وقال يا رسول الله أنت والله الاعز وهو الاذل وان شئت والله أخرجته ثم اعترض أباه عند المدينة وقال والله لا تدخل حتى يأذن لك رسول الله صلى الله عليه وسلم فأذن له وحينئذ دخل وقال يا رسول الله بلغني أنك تريد قتل أبى وانى أخشى أن تأمر غيرى فلا تدعني نفسي أن أقاتله وان قتلته قتلت مؤمنا بكافر ولكن مرنى بذلك فأنا والله أحمل اليك رأسه فجزاه رسول الله صلى الله عليه وسلم خيرا وأخبره انه لا يصل إلى أبيه سوء (وفيها) قال أهل الافك ما قالوا في شأن عائشة مما لا حاجة بنا إلى ذكره وهو معروف في كتب السير وقد أنزل الله القرآن الحكيم ببراءتها وتشريفها وقد وقع في الصحيح أن مراجعته وقعت في ذلك بين سعد بن عبادة وسعد بن معاذ وهو وهم ينبغى التنبيه عليه لان سعد بن معاذ مات بعد فتح بنى قريظة بلا شك داخل السنة الرابعة وغزوة بنى المصطلق في شعبان من السنة السادسة بعد عشرين شهرا من موت
سعد والملاحاة بين الرجلين كانت بعد غزوة بنى المصطلق بأزيد من خمسين ليلة والذى ذكر ابن اسحق عن الزهري عن عبيد الله بن عبد الله وغيره ان المقاول لسعد بن عبادة انما هو أسيد بن الحضير والله أعلم (ولما) علم المسلمون ان النبي صلى الله عليه وسلم تزوج جويرية أعتقوا كل من كان في أيديهم من بنى المصطلق أصهار رسول الله صلى الله عليه وسلم فأطلق بسببها مائة من أهل بيتها ثم ان رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث إلى بنى(2/33)
المصطلق بعد اسلامهم بعامين الوليد بن عقبة بن أبى معيط لقبض صدقاتهم فخرجوا يتلقونه فخافهم على نفسه ورجع وأخبر أنهم هموا بقتله فتشاور المسلمون في غدرهم ثم جاء وفدهم منكرين ما كان من رجوع الوليد قبل لقيهم وأنهم انما خرجوا تلقية وكرامة وروده فقبل النبي صلى الله عليه وسلم ذلك منهم ونزل قوله تعالى يأيها الذين آمنوا ان جاءكم فاسق الآية (عمرة الحديبية) ثم خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم في السادسة وفى ذى القعدة منها معتمرا بعد بنى المصطلق بشهرين واستنفر الاعراب حوالى المدينة فأبطأ أكثرهم فخرج بمن معه من المهاجرين والانصار واتبعه من العرب فيما بين الثلثمائة بعد الالف إلى الخمسمائة وساق الهدى وأحرم من المدينة ليعلم الناس أنه لا يريد حربا وبلغ ذلك قريشا فأجمعوا على صده عن البيت وقتاله دونها وقدموا خالد بن الوليد في خيل إلى كراع الغميم وورد خبرهم إلى النبي صلى الله عليه وسلم بعسفان فسلك على ثنية المرار حتى نزل الحديبية من أسفل مكة وجاء من ورائهم فكر خالد في خيله إلى مكة فلما جاء صلى الله عليه وسلم إلى مكة بركت ناقته فقال الناس خلات فقال ما خلات وما ذاك لها بخلق ولكن حبسها حابس الفيل ثم قال والذى نفسي بيده لا تدعوني قريش اليوم إلى خطة يسألونى فيها صلة الرحم الا أعطيتهم اياها ثم نزل واشتكى الناس فقد الماء فأعطاهم سهما من كنانته غرزوه في بعض القلب من الوادي فجاش الماء حتى كفى جميع
الجيش يقال نزل به البراء بن عازب ثم جرت السفراء بين رسول الله صلى الله عليه وسلم وبين كفار قريش وبعث عثمان بن عفان بينهما رسولا وشاع الخبر ان المشركين قتلوه فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم المسلمين وجلس تحت شجرة فبايعوه على الموت وأن لا يفروا وهى بيعة الرضوان وضرب عليه السلام بيسراه على يمينه وقال هذه عن عثمان ثم كان سهيل بن عمرو آخر من جاء من قريش فقاضي رسول الله صلى الله عليه وسلم على أن ينصرف عامه ذلك ويأتى من قابل معتمرا ويدخل مكة وأصحابه بلا سلاح حاشا السيوف في القرب فيقيم بها ثلاثا ولا يزيد وعلى أن يتصل الصلح عشرة أعوام يتداخل فيه الناس ويأمن بعضهم بعضا وعلى أن من هاجر من الكفار إلى المسلمين من رجل أو امرأة أن يرد إلى قومه ومن ارتد من المسلمين إليهم لم يردوه فعظم ذلك على المسلمين حتى تكلم فيه بعضهم وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم علم أن هذا الصلح سبب لامن الناس وظهور الاسلام وان الله يجعل فيه فرجا للمسلمين وهو أعلم بما علمه ربه وكتب الصحيفة على وكتب في صدرها هذا ما قاضى عليه محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم فأبى سهيل عن ذلك وقال لو نعلم أنك رسول الله ما قاتلناك(2/34)
فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم عليا أن يمحوها فأبى وتناول هو الصحيفة بيده ومحا ذلك وكتب محمد بن عبد الله (ولا يقع في ذهنك من أمر هذه الكتابة ريب فانها قد ثبتت في الصحيح وما يعترض في الوهم من ان كتابته قادحة في المعجزة فهو باطل لان هذه الكتابة إذا وقعت من غير معرفة بأوضاع الحروف ولا قوانين الخط واشكالها بقيت الامية على ما كانت عليه وكانت هذه الكتابة الخاصة من احدى المعجزات انتهى ثم أتى أبو جندل بن سهيل يرسف في قيوده وكان قد أسلم فقال سهيل هذا أول ما نقاضي عليه فرده رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أبيه وعظم ذلك على المسلمين وأخبر النبي صلى الله عليه وسلم أبا جندل ان الله سيجعل له فرجا وبينما هم يكتبون الكتاب إذ جاءت
سرية من جهة قريش قيل ما بين الثلاثين والاربعين يريدون الايقاع بالمسلمين فأخذتهم خيول المسلمين وجاؤا بهم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأعتقهم فإليهم ينسب العتقيون (ولما تم الصلح وكتابه) أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أن ينحروا ويحلقوا فتوقفوا فغضب حتى شكى إلى زوجته أم سلمة فقالت يا رسول الله اخرج وانحر واحلق فانهم تابعوك فخرج ونحر وحلق رأسه حينئذ خراش بن أمية الخزاعى ثم رجع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة وما فتح من قبله فتح كان أعظم من هذا الفتح قال الزهري لما كان القتال حيث لا يلتقى الناس فلما كانت الهدنة ووضعت لحرب أوزارها وأمن الناس بعضهم بعضا فالتقوا وتفاوضوا في الحديث والمنازعة فلم يكلم أحد بالاسلام أحدا يفعل شيئا الا دخل عليه فلقد دخل في ذينك السنتين في الاسلام مثلما كان قبل ذلك أو أكثر (ولما رجع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة لحقه أبو بصير عتبة بن أسيد بن جارية هاربا وكان قد أسلم وحبسه قومه بمكة وهو ثقفي من حلفاء بنى زهرة فبعث إليه الازهر بن عبد عوف عم عبد الرحمن بن عوف والاخنس بن شريق سيد بنى زهرة رجلا من بنى عامر بن لؤى مع مولى لهم فأسلمه النبي صلى الله عليه وسلم فاحتملاه فلما نزلوا بذى الحليفة أخذ أبو بصير السيف من أحد الرجلين ثم ضرب به العامري فقتله وفر الآخر وأتى أبو بصير إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله قد وفت ذمتك وأطلقنى الله فقال عليه السلام ويلمه (3) مسعر حرب لو كان له رجال ففطن أبو بصير من لحن هذا القول أنه سيرده وخرج إلى سيف البحر على طريق قريش إلى الشأم وانضاف إليه جمهور من يفر عن قريش ممن أراد الاسلام فآذوا قريشا وقطعوا على رفاقهم وسابلتهم فكتبوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم أن يضمهم بالمدينة ثم هاجرت أم كلثوم بنت عقبة بن أبى معيط وجاء فيها أخواها عمارة والوليد فمنع الله من رد النساء وفسخ ذلك الشرط المكتتب ثم نسخت براءة ذلك كله وحرم الله حينئذ(2/35)
على المسلمين امساك الكوافر في عصمتهم فانفسخ نكاحهن * (ارسال الرسل إلى الملوك) * ثم بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما بين الحديبية ووفاته رجالا من أصحابه إلى ملوك العرب والعجم دعاة إلى الله عزوجل فبعث سليط بن عمرو بن عبد شمس بن عبدود أخا بنى عامر بن لؤى إلى هوذة بن على صاحب اليمامة وبعث العلاء بن الحضرمي إلى المنذر ابن ساوى أخى بنى عبد القيس صاحب البحرين وعمرو بن العاصى إلى جيفر بن جلندى ابن عامر بن جلندى صاحب عمان وبعث حاطب بن أبى بلتعة إلى المقوقس صاحب الاسكندرية فأدى إليه كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وأهدى المقوقس إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم أربع جوار منهن مارية أم ابراهيم ابنه وبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم دحية بن خليفة الكلبى إلى قيصر وهو هرقل ملك الروم فوصل إلى بصرى وبعثه صاحب بصرى إلى هرقل وكان يرى في ملاحمهم أن ملك الختان قد ظهر فقرأ الكتاب وإذا فيه بسم الله الرحمن الرحيم من محمد رسول الله إلى هرقل عظيم الروم السلام على من اتبع الهدى أما بعد أسلم تسلم يؤتك الله أجرك مرتين فان توليت فانما عليك اثم الاريسيين وفى رواية اثم الاكارين عليك تعيا بحمله فطلب من في مملكته من قوم النبي صلى الله عليه وسلم فأحضروا له من غزة وكان فيهم أبو سفيان فسأله كما وقع في الصحيح فأجابه وسلم أحواله وتفرس صحة أمره وعرض على الروم اتباعه فأبوا ونفروا فلاطفهم بالقول وأقصر (ويروى) عن ابن اسحق أنه عرض عليهم الجزية فأبوا فعرض عليهم أن يصالحوا بأرض سورية (قالوا وهى أرض فلسطين والاردن ودمشق وحمص وما دون الدرب وما كان وراء الدرب فهو الشأم) فأبوا (قال ابن اسحق) وبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم شجاع بن وهب الاسدي أخا بنى أسد بن خزيمة إلى الحرث بن شمر الغساني صاحب دمشق وكتب معه السلام على من اتبع الهدى وآمن به أدعوك إلى ان تؤمن بالله وحده لا شريك له يبقى لك ملكك فلما قرأ الكتاب قال
من ينزع ملكى أنا سائر إليه فقال النبي صلى الله عليه وسلم باد ملكه (قال) وبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم عمرو بن أمية الضمرى إلى النجاشي في شأن جعفر بن أبى طالب وأصحابه وكتب معه كتابا بسم الله الرحمن الرحيم من محمد رسول الله إلى النجاشي الاصحم عظيم الحبشة سلام عليك فانى أحمد اليك الله الملك القدوس السلام المؤمن المهيمن وأشهد أن عيسى بن مريم روح الله وكلمته ألقاها إلى مريم الطيبة البتول الحصينة فحملت بعيسى فخلقه من روحه ونفخه كما خلق آدم بيده ونفخه وانى أدعوك إلى الله وحده لا شريك له والموالاة على طاعته تتبعني وتؤمن بالذى جاءني فانى رسول(2/36)
الله وقد بعثت اليك ابن عمى جعفرا ومعه نفر من المسلمين فإذا جاؤك فاقرهم ودع النجرى وانى أدعوك وجنودك إلى الله فلقد بلغت ونصحت فاقبلوا نصحي والسلام على من اتبع الهدى فكتب إليه النجاشي إلى محمد رسول الله من النجاشي الاصحم ابن الحر سلام عليك يا رسول الله من الله ورحمة الله وبركاته أحمد الله الذى لا اله الا هو الذى هدانا للاسلام أما بعد فقد بلغني كتابك يا رسول الله فما ذكرت من أمر عيسى فورب السماء والارض ما نزيد بالرأى على ما ذكرت انه كما قلت وقد عرفنا ما بعثت به الينا وقد قرينا ابن عمك وأصحابه فأشهد انك رسول الله صادقا مصدقا فقد بايعتك وبايعت ابن عمك وأسلمت لله رب العالمين وقد بعثت اليك بابنى أرخا الاصحم فانى لا أملك الا نفسي ان شئت ان آتيك فعلت يا رسول الله فانى أشهد ان الذى تقول حق والسلام عليك يا رسول الله فذكر انه بعث ابنه في ستين من الحبشة في سفينة فغرقت بهم (وقد جاء) انه أرسل إلى النجاشي ليزوجه أم حبيبة وبعث إليها بالخطبة جاريته فأعطتها أوضاحا وفتخا ووكلت خالد بن سعيد بن العاصى فزوجها ودفع النجاشي إلى خالد بن سعيد أربعمائة دينار لصداقها وجاءت إليها بها الجارية فأعطتها منها خمسين مثقالا فردت الجارية ذلك بأمر النجاشي وكانت الجارية صاحبة دهنه وثيابه وبعث إليها نساء
النجاشي بما عندهن من عود وعنبر وأركبها في سفينتين مع بقية المهاجرين فلقوا النبي صلى الله عليه وسلم بخيبر وبلغ أبا سفيان تزويج أم حبيبة منه فقال ذلك الفحل الذى لا يقدع انفه (وكتب رسول الله صلى الله عليه وسلم في هذه السنة إلى كسرى وبعث بالكتاب عبد الله بن حذافة السهمى وفيه بسم الله الرحمن الرحيم من محمد رسول الله إلى كسرى عظيم فارس سلام على من اتبع الهدى وآمن بالله ورسله أما بعد فانى رسول الله إلى الناس كافة لينذر من كان حيا أسلم تسلم فان أبيت فعليك اثم المجوس فمزق كسرى كتاب النبي صلى الله عليه وسلم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم مزق الله ملكه وفى رواية ابن اسحق بعد قوله وآمن بالله ورسله واشهد أن لا اله الا الله وحده لا شريك له وأن محمدا عبده ورسوله وأدعوك بدعاية الله فانى أنا رسول الله إلى الناس كافة لانذر من كان حيا ويحق القول على الكافرين فان أبيت فاثم الاريسيين عليك (قال) فلما قرأه مزقه وقال يكتب إلى هذا وهو عبدى (قال) ثم كتب كسرى إلى باذان وهو عامله على اليمن أن ابعث إلى هذا الرجل الذى بالحجاز رجلين من عندك جلدين فليأتياني به فبعث باذان قهرمانه بانويه وكان حاسبا كاتبا بكتاب فارس ومعه خرخسرة من الفرس وكتب إليه معهما أن ينصرف إلى كسرى وقال لقهرمانه اختبر الرجل وعرفني بأمره وأول ما قدما الطائف سألا(2/37)
عنه فقيل هو بالمدينة وفرح من سمع بذلك من قريش وكانوا بالطائف وقالوا قطب له كسرى وقد كفيتموه وقدما على رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمدينة فكلمه بانويه وقال ان شاهنشاه قد كتب إلى الملك باذان أن يبعث اليك من يأتيه بك وبعثنى لتنطلق معى ويكتب معه فينفعك وأن أبيت فهو من علمت ويهلك قومك ويخرب بلادك وكانا قد حلقا لحاهما وأعفيا شواربهما فنهاهما رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك فقالا أمرنا به ربنا يعنون به كسرى فقال لهما لكن ربى أمرنى باعفاء لحيتى وقص
شاربى لم أوخرهما إلى غد وجاءه الوحى بأن الله سلط على كسرى ابنه شيرويه فقتله ليلة كذا من شهر كذا لعشر مضين من جمادى الاولى سنة سبع فدعاهما وأخبرهما فقالا هل تدرى ما تقول يحزنانه عاقبة هذا القول فقال اذهبا وأخبراه بذلك عنى وقولا له ان دينى وسلطاني يبلغ ما بلغ ملك كسرى وان أسلمت أعطيتك ما تحت يدك وملكتك على قومك من الابناء وأعطى خرخسرة منطقة فيها ذهب وفضة كان بعض الملوك أهداها له فقد ما على باذان وأخبراه فقال ما هذا كلام ملك ما أرى الرجل الا نبيا كما يقول ونحن ننتظر مقالته فلم ينشب باذان أن قدم عليه كتاب شيرويه أما بعد فانى قد قتلت كسرى ولم أقتله الا غضبا لفارس لما كان استحل من قتل اشرافهم وتسخيرهم في ثغورهم فإذا جاءك كتابي هذا فخذ لى الطاعة ممن قبلك وأنظر الرجل الذى كان كسرى كتب فيه اليك فلا تهجه حتى يأتيك أمرى فيه فلما بلغ باذان الكتاب وأسلمت الابناء معه من فارس ممن كان منهم باليمن وكانت حمير تسمى خرخسرة ذا المفخرة للمنطقة التى أعطاه اياها النبي صلى الله عليه وسلم والمنطقة بلسانهم المفخرة وقد كان بانويه قال لباذان ما كلمت رجلا قط أهيب عندي منه فقال هل معه شرط قال لا (قال الواقدي) وكتب إلى المقوقس عظيم القبط يدعوه إلى الاسلام فلم يسلم * (غزوة خيبر) * ثم خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم غازيا إلى خيبر في بقية المحرم آخر السنة السادسة (3) وهو في ألف وأربعمائة راجل ومائتي فارس واستخلف نميلة بن عبد الله الليثى وأعطى راية لعلى بن أبى طالب وسلك على الصهباء حتى نزل بواديها إلى الرجيع فحيل بينهم وبين غطفان وقد كانوا أرادوا امداد يهود خيبر فلما خرجوا لذلك قذف الله في قلوبهم الرعب لحس سمعوه من ورائهم فانصرفوا وأقاموا في أماكنهم وجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يفتح حصون خيبر حصنا حصنا فافتتح أولا منها حصن ناعم وألقيت على محمود بن سلمة من أعلاه رحى فقتلته ثم افتتح القموص حصن
ابن أبى الحقيق وأصيب منهم سبايا كانت منهن صفية بنت حيى بن أخطب وكانت(2/38)
عروسا عند كنانة بن الربيع بن أبى الحقيق فوهبها عليه السلام لدحية ثم ابتاعها منه بسبعة أرؤس ووضعها عند أم سلمة حتى اعتدت وأسلمت ثم أعتقها وتزوجها ثم فتح حصن الصعب بن معاذ ولم يكن بخيبر أكثر طعاما وود كامنه وآخر ما افتتح من حصونهم الوطيح والسلالم حصرهما بضع عشرة ليلة ودفع إلى على الراية في حصار بعض حصونهم ففتحه وكان أرمد فتفل في عينه صلى الله عليه وسلم فبرأ وكان فتح بعض خيبر عنوة وبعضها وهو الاكثر صلحا على الجلاء فقسمها صلى الله عليه وسلم وأقر اليهود على أن يعملوها بأموالهم وأنفسهم ولهم النصف من كل ما تخرج من زرع أو تمر يقرهم على ذلك ما بدا له فبقوا على ذلك إلى آخر خلافة عمر فبلغه ان النبي صلى الله عليه وسلم قال في مرضه الذى مات فيه لا يبقى دينان بأرض العرب فأمر باجلائهم عن خيبر وغيرها من بلاد العرب وأخذ المسلمون ضياعهم من مغانم خيبر فتصرفوا فيها وكان متولى قسمتها بين أصحابها جابر بن صخر من بنى سلمة وزيد بن ثابت من بنى النجار واستشهد من المسلمين جماعة تنيف على العشرين من المهاجرين والانصار منهم عامر ابن الاكوع وغيره (وفى هذه الغزاة) حرمت لحوم الحمر الاهلية فأكفئت القدور وهى تفور بلحمها (وفيها) أهدت اليهودية زينب بنت الحرث امرأة سلام بن مشكم إلى النبي صلى الله عليه وسلم شاة مصلية وجعلت السم في الذراع منها وكان أحب اللحم إليه فتناوله ولاك منه مضغة ثم لفظها وقال ان هذا العظم يخبرني أنه مسموم وأكل معه بشر بن البراء بن معرور وازدرد لقمته فمات منها ثم دعا باليهودية فاعترفت ولم يقتلها لاسلامها حينئذ على ما قيل ويقال انه دفعها إلى أولياء بشر فقتلوها (قدوم مهاجرة الحبشة) وكان مهاجرة الحبشة قد جاء جماعة منهم إلى مكة قبل الهجرة حين سمعوا باسلام قريش ثم هاجروا إلى المدينة وجاء آخرون منهم قبل خيبر بسنتين
ثم جاء بقيتهم اثر فتح خيبر بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم عمرو بن أمية الضمرى إلى النجاشي في شأنهم ليقدمهم عليه فقدم جعفر بن أبى طالب وامرأته اسماء بنت عميس وبنوهما عبد الله ومحمد وعون وخالد بن سعيد بن العاصى بن أمية وامرأته أمينة بنت خلفا وابناهما سعيد وأم خالد وعمرو بن سعيد بن العاصى ومعيف بن أبى فاطمة حليف أبى سعيد بن العاصى ولى بيت المال لعمر وأبو موسى الاشعري حليف آل عتبة بن ربيعة والاسود بن نوفل بن خويلد ابن أخى خديجة وجهم بن قيس بن شرحبيل ابن عبد الدار وابناه عمر وخزيمة والحرث بن خالد بن صخر بن تميم وعثمان بن ربيعة بن اهبان من بنى جمح ومحنية بن حذاء الزبيدى حليف بنى سهم ولى لرسول الله صلى الله عليه وسلم الاخماس ومعمر بن عبد الله بن نضلة من بنى عدى وأبو حاطب بن عمرو بن عبد(2/39)
شمس بن عامر بن لؤى وأبى عمرو مالك بن ربيعة بن قيس بن عبد شمس فكان هؤلاء آخر من بقى بأرض الحبشة ولما قدم جعفر على النبي صلى الله عليه وسلم يوم فتح خيبر قبل ما بين عينيه والتزمه وقال ما أدرى بأيهما أنا أسر بفتح خيبر أم بقدوم جعفر * (فتح فدك ووادى القرى) * ولما اتصل بأهل فدك شان أهل خيبر بعثوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يسالونه الامان على أن يتركوا الاموال فأجابهم إلى ذلك فكانت خالصة لرسول الله صلى الله عليه وسلم مما لم يوجف عليه بخيل ولا ركاب فلم يقسمها ووضعها حيث أمره الله ثم انصرف عن خيبر إلى وادى القرى فافتتحها عنوة وقسمها وقتل به غلامه مدعما قال فيه لما شهد له الناس بالجنة كلا ان الشملة التى أخذها يوم خيبر من المغانم قبل القسم لتشتعل عليه نارا ثم رحل إلى المدينة في شهر صفر * (عمرة القضاء) * وأقام صلى الله عليه وسلم بعد خيبر إلى انقضاء شوال من السنة السابعة ثم خرج في ذى
القعدة لقضاء العمرة التى عاهده عليها قريش يوم الحديبية وعقد لها الصلح وخرج ملا من قريش عن مكة عداوة لله ولرسوله وكرها في لقائه فقضى عمرته وتزوج بعد احلاله بميمونة بنت الحرث من بنى هلال ابن عامر خالة ابن عباس وخالد بن الوليد وأراد أن يبنى بها وقد تمت الثلاث التى عاهده قريش على المقام بها وأوصوا إليه بالخروج وأعجلوه عن ذلك فبنى بها بسرف * (غزوة جيش الامراء) * وأقام رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد منصرفه من عمرة القضاء إلى جمادى الاولى من السنة الثامنة ثم بعث الامراء إلى الشام وقد كان أسلم قبل ذلك عمرو بن العاصى وخالد ابن الوليد وعثمان بن طلحة بن أبى طلحة وهم من كبراء قريش وقد كان عمرو بن العاصى مضى عن قريش إلى النجاشي يطلبه في المهاجرين الذين عنده ولقى هنا لك عمرو بن أمية الضمرى وافد النبي صلى الله عليه وسلم فغضب النجاشي لما كلمه في ذلك فوفقه الله ورئ الحق فأسلم وكتم اسلامه ورجع إلى قريش ولقى خالد بن الوليد فأخبره فتفاوضا ثم هاجر إلى النبي صلى الله عليه وسلم فاسلما وبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم خالدا مع بعث الشأم وأمر على الجيش مولاه زيد بن حارثة نحوا من ثلاثة آلاف وقال ان أصابه قدر فالامير جعفر بن أبى طالب فان أصابه قدر فالامير عبد الله بن رواحة فان أصيب فليرتض المسلمون برجل من بينهم يجعلونه أميرا عليهم وشيعهم صلى الله عليه وسلم(2/40)
وودعهم ونهضوا عتى انتهوا إلى معان من أرض الشأم فأتاهم الخبر بأن هرقل ملك الروم قد نزل مؤاب من أرض البلقاء في مائة ألف من الروم ومائة ألف من نصارى العرب البادين هنا لك من لخم وجذام وقبائل قضاعة من بهرا وبلى والقيس وعليهم مالك بن زاحلة من بنى اراشة فأقام المسلمون في معان ليلتين يتشاورون في الكتب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وانتظار أمره ومدده ثم قال لهم عبد الله بن رواحة أنتم انما
خرجتم تطلبون الشهادة وما نقاتل الناس بعدد ولا قوة الا بهذا الدين الذى أكرمنا الله به فانطلقوا إلى جموع هرقل عند قرية مؤتة ورتبوا الميمنة والميسرة واقتتلوا فقتل زيد بن حارثة ملاقيا بصدره الرماح والراية في يده فأخذها جعفر بن أبى طالب وعقر فرسه ثم قاتل حتى قطعت يمينه فأخذها بيساره فقطعت كذلك وكان ابن ثلاث وثلاثين سنة فأخذها عبد الله بن رواحة وتردد عن النزول بعض الشئ ثم صمم إلى العدو فقاتل حتى قتل فأخذ الراية ثابت بن أفرم من بنى العجلان وناولها لخالد بن الوليد فانحاز بالمسلمين وانذر النبي صلى الله عليه وسلم بقتل هؤلاء الامراء قبل ورود الخبر وفى يوم قتلهم واستشهد مع الامراء جماعة من المسلمين يزيدون على العشرة أكرمهم الله بالشهادة ورجعوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم فأحزنه موت جعفر ولقيهم خارج المدينة وحمل عبد الله بن جعفر بين يديه على دابته وهو صبى وبكى عليه واستغفر له وقال أبدله الله بيديه جناحين يطير بهما في الجنة فسمى ذا الجناحين * (فتح مكة) * كان رسول الله صلى الله عليه وسلم حين عقد الصلح بينه وبين قريش في الحديبية أدخل خزاعة في عقده المؤمن منهم والكافر وأدخلت قريش بنى بكر بن عبد مناة بن كنانة في عقدها وكانت بينهم تراث في الجاهلية وذحول كان فيها الاول للاسود بن رزن من بنى الدئل بن بكر بن عبد مناة وثارهم عند خزاعة لما قتلت حليفهم مالك بن عباد الحضرمي وكانوا قد عدوا على رجل من خزاعة فقتلوه في مالك بن عباد حليفهم وعدت خزاعة على سلمى وكلثوم وذؤيب بنى الاسود بن رزن فقتلوهم وهم اشراف بنى كنانة وجاء الاسلام فاشتغل الناس به ونسوا إمر هذه الدماء فلما انعقد هذا الصلح من الحديبية وأمن الناس بعضهم بعضا فاغتنم بنو الدئل هذه الفرصة في ادراك الثار من خزاعة بقتلهم بنى الاسود بن رزن وخرج نوفل بن معاوية الدؤلى فيمن أطاعه من بنى بكر بن عبد مناة وليس كلهم تابعه وخرج معه بعضهم وخرجوا منهم وانحجزوا في دور مكة
ودخلوا دار بديل بن ورقاء الخزاعى ورجع بنو بكر وقد انتقض العهد فركب بديل بن ورقاء وعمرو بن سالم في وفد من قومهم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم(2/41)
مستغيثين مما أصابهم به بنو الدئل بن عبد مناة وقريش فأجاب صلى الله عليه وسلم صريخهم وأخبرهم بأن أبا سفيان يأتي يشد العقد ويزيد في المدة وانه يرجع بغير حاجة وكان ذلك سببا للفتح وندم قريش على ما فعلوا فخرج أبو سفيان إلى المدينة ليؤكد العقد ويزيد في المدة ولقى بديل بن ورقاء بعسفان فكتمه الخبر وورى له عن وجهه وأتى أبو سفيان المدينة فدخل على ابنته أم حبيبة فطوت دونه فراش النبي صلى الله عليه وسلم وقالت لا يجلس عليه مشرك فقال لها قد أصابك بعدى شر يا بنية ثم أتى المسجد وكلم النبي صلى الله عليه وسلم فلم يجبه فذهب إلى أبى بكر وكلمه أن يتكلم في ذلك فأبى فلقى عمر فقال والله لو لم أجد الا الذر لجاهدتكم به فدخل على على بن أبى طالب وعنده فاطمة وابنه الحسن صبيا فكلمه فيما أتى له فقال على ما نستطيع أن نكلمه في أمر عزم عليه فقال لفاطمة يا بنت محمد أما تأمري أبنك هذا ليجير بين الناس فقالت لا يجير أحد على رسول الله فقال له على يا أبا سفيان أنت سيد بنى كنانة فقم وأجر وارجع إلى أرضك فقال ترى ذلك مغنيا عنى شيئا قال ما أظنه ولكن لا اجد لك سواه فقام أبو سفيان في المسجد فنادى ألا انى قد أجرت بين الناس ثم ذهب إلى مكة وأخبر قريشا فقالوا ما جئت بشئ وما زاد ابن أبى طالب على ان لعب بك ثم أعلم رسول الله صلى الله عليه وسلم انه سائر إلى مكة وأمر الناس بأن يتجهزوا ودعا الله ان يطمس الاخبار عن قريش وكتب إليهم حاطب بن أبى بلتعة بالخبر مع ظعينة قاصدة إلى مكة فأوحى الله إليه بذلك فبعث عليا والزبير والمقداد إلى الظعينة فأدركوها بروضة خاخ وفتشوا رحلها فلم يجدوا شيئا وقالوا رسول الله أصدق فقال على لتخرجن الكتاب أو لتلقين الحوائج فأخرجته من بين قرون رأسها فلما قرئ على النبي صلى الله عليه وسلم
قال ما هذا يا حاطب فقال يا رسول الله والله ما شككت في الاسلام ولكني ملصق في قريس فأردت عندهم يدا يحفظوني بها في مخلف أهلى وولدى فقال عمر يا رسول الله دعني أضرب عنق هذا المنافق فقال وما يدريك يا عمر لعل الله اطلع على أهل بدر فقال اعملوا ما شئتم فانى قد غفرت لكم وخرج صلى الله عليه وسلم لعشر خلون من رمضان من السنة الثامنة في عشرة آلاف فيهم من سليم ألف رجل وقيل سبعمائة ومن مزينة ألف ومن غفار أربعمائة ومن أسلم أربعمائة وطوائف من قريش واسد وتميم وغيرهم من سائر القبائل جموع وكتائب الله من المهاجرين والانصار واستخلف أبارهم الغفاري على المدينة ولقيه العباس بذى الحليفة وقيل بالجحفة مهاجرا فبعث رحله إلى المدينة وانصرف معه غازيا ولقيه بنيق العقاب أبو سفيان بن الحرث وعبد الله بن أبى أمية مهاجرين واستأذنا فلم يؤذن لهما وكلمته أم سلمة فأذن لهما وأسلما فسار(2/42)
حتى نزل مر الظهران وقد طوى الله أخباره عن قريش الا انهم يتوجسون الخيفة وخشى العباس تلاف قريش ان فاجأهم الجيش قبل ان يستأمنوا فركب بغلة النبي صلى الله عليه وسلم وذهب يتحسس وقد خرج أبو سفيان وبديل بن ورقاء وحكيم ابن حزام يتحسسون الخبر وبينما العباس قد اتى الاراك ليلقى من السابلة من ينذر أهل مكة ذسمع صوت أبى سفيان وبديل وقد أبصرا نيران العساكر فيقول بديل نيران بنى خزاعة فيقول أبو سفيان خزاعة اذل من أن تكون هذه نيرانها وعسكرها فقال العباس هذا رسول الله صلى الله عليه وسلم بالناس والله ان ظفر بك ليقتلنك واصباح قريش فارتدف خلفي ونهض به إلى المعسكر ومر بعمر فخرج يشتد إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول الحمد لله الذى أمكن منك بغير عقد ولا عهد فسبقه العباس على البغلة ودخل على أثره فقال يا رسول الله هذا عدو الله أبو سفيان أمكن الله منه بلا عهد فدعني أضرب عنقه فقال العباس قد اجرته فزأره عمر فقال العباس لو كان
من بنى عدى ما قلت هذا ولكنه من عبد مناف فقال عمر والله لاسلامك كان أحب إلى من اسلام الخطاب لانى أعرف انه عند رسول الله صلى الله عليه وسلم كذلك فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم العباس يحمله إلى رحله ويأتيه به صباحا فلما اتى به قال له صلى الله عليه وسلم ألم يأن لك أن تعلم ان لا اله الا الله فقال بأبى انت وامى ما احلمك واكرمك واوصلك والله لقد علمت لو كان معه اله غيره أغنى عنا فقال ويحك ألم يأن لك ان تعلم انى رسول الله قال بأبى أنت وأمى ما أحلمك وأكرمك وأوصلك اما هذه ففى النفس منها شئ فقال له العباس ويحك أسلم قبل أن يضرب عنقك فأسلم فقال العباس يا رسول الله ان أبا سفيان رجل يحب الفخر فاجعل له شيئا قال نعم من دخل دار أبى سفيان فهو آمن ومن أغلق عليه بابه فهو آمن ومن دخل المسجد فهو آمن ثم أمر العباس أن يوقف أبا سفيان بخطم الوادي ليرى جنود الله ففعل ذلك ومرت به القبائل قبيلة قبيلة إلى ان جاء مركب رسول الله صلى الله عليه وسلم في المهاجرين والانصار عليهم الدروع البيض فقال من هؤلاء فقال العباس هذا رسول الله في المهاجرين والانصار فقال لقد أصبح ملك ابن أخيك عظيما فقال يا أبا سفيان انها النبوة فقال هي إذا فقال له العباس النجاء إلى قومك فأتى مكة وأخبرهم بما أحاط بهم وبقول النبي صلى الله عليه وسلم من أتى المسجد أو دار أبى سفيان أو اغلق بابه ورتب الجيش واعطى سعد بن عبادة الراية فذهب يقول اليوم يوم الملحمه * اليوم تستحل الحرمه * وبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم فأمر عليا ان يأخذ الراية منه ويقال أمر الزبير وكان على الميمنة خالد بن الوليد وفيها اسلم وغفار ومزينة وجهينة وعلى الميسرة الزبير وعلى المقدمة أبو(2/43)
عبيدة بن الجراح وسرب رسول الله صلى الله عليه وسلم الجيوش من ذى طوى وامرهم بالدخول إلى مكة الزبير من اعلاها وخالد من أسفلها وان يقاتلوا من تعرض لهم وكان عكرمة بن أبى جهل وصفوان بن امية وسهيل بن عمرو قد جمعوا للقتال فناوشتهم
أصحاب خالد القتال واستشهد من المسلمين كرز بن جابر من بنى محارب وخنيس بن خالد من خزاعة وسلمة بن جهينة وانهزم المشركون وقتل منهم ثلاثة عشر وأمن النبي صلى الله عليه وسلم سائر الناس وكان الفتح لعشر بقين من رمضان واهدر دم جماعة من المشركين سماهم يومئذ منهم عبد العزى بن خطل من بنى تيم الادرم ابن غالب كان قد اسلم وبعثه رسول الله صلى الله عليه وسلم مصدقا ومعه رجل من المشركين فقتله وارتد ولحق بمكة وتعلق يوم الفتح باستار الكعبة فقتله سعد بن حريث المخزومى وابو برزة الاسلمي (ومنهم) عبد الله بن سعد بن أبى سرح كان يكتب للنبى صلى الله عليه وسلم ثم ارتد ولحق بمكة ونميت عنه اقوال فاختفى يوم الفتح وأتى به عثمان بن عفان وهو اخوه من الرضاعة فاستأمن له فسكت عليه السلام ساعة ثم امنه فلما خرج قالا لاصحابه هلا ضربتم عنقه فقال له بعض الانصار هلا أومأت إلى فقال ما كان لنبى ان تكون له خائنة الاعين ولم يظهر بعد اسلامه الا خير وصلاح واستعمله عمر وعثمان (ومنهم) الحويرث بن نفيل 3 من بنى عبد قصى كان يؤذى رسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة فقتله على بن أبى طالب يوم الفتح (ومنهم) مقيس بن صبابة كان هاجر في غزوة الخندق ثم عدا على رجل من الانصار كان قتل أخاه قبل ذلك غلطا ووداه فقتله وفر إلى مكة مرتدا فقتله يوم الفتح نميلة بن عبد الله الليثى وهو ابن عمه (ومنهم) قينتا ابن خطل كانتا تغنيان بهجو النبي صلى الله عليه وسلم فقتلت احداهما واستؤمن للاخرى فأمنها (ومنهم) مولاة لبنى عبد المطلب اسمها سارة واستؤمن لها فأمنها رسول الله صلى الله عليه وسلم واستجار رجلان من بنى مخزوم بأم هانئ بنت أبى طالب يقال انهما الحرث بن هشام وزهير بن أبى أمية اخو أم سلمة فأمنتهما وامضى رسول الله صلى الله عليه وسلم امانها فأسلما ثم دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم المسجد وطاف بالكعبة وأخذ المفتاح من عثمان بن طلحة بعد ان مانعت دونه ام عثمان ثم اسلمته فدخل الكعبة ومعه اسامة بن زيد وبلال وعثمان بن طلحة وابقى له حجابة البيت فهى في ولد شيبة إلى اليوم وامر بكسر
الصور داخل الكعبة وخارجها وبكسر الاصنام حواليها ومر عليها وهى مشدودة بالرصاص يشير إليها بقضيب في يده وهو يقول جاء الحق وزهق الباطل ان الباطل كان زهوقا فما بقى منهم صنم الا خر على وجهه وأمر بلالا فأذن على ظهر الكعبة ووقف رسول الله صلى الله عليه وسلم بباب الكعبة ثانى يوم الفتح وخطب خطبته المعروفة(2/44)
ووضع مآثر الجاهلية الا سدانة البيت وسقاية الحاج وأخبر ان مكة لم تحل لاحد قبله ولا بعده وانما أحلت له ساعة من نهار ثم عادت كحرمتها بالامس ثم قال لا اله الا الله وحده لا شريك له صدق وعده ونصر عبده وهزم الاحزاب وحده ألا ان كل مأثورة أو دم أو مال يدعى في الجاهلية فهو تحت قدمى هاتين الا سدانة الكعبة وسقاية الحاج ألا وان قتل الخطا مثل العمد بالسوط والعصا فيهما الدية مغلظة منها اربعون في بطونها أولادها يا معشر قريش ان الله قد اذهب عنكم نخوة الجاهلية وتعظمها بالآباء الناس من آدم وآدم خلق من تراب ثم تلا رسول الله صلى الله عليه وسلم يأيها الناس انا خلقناكم من ذكر وأنثى إلى خبير يا معشر قريش ويا أهل مكة ما ترون انى فاعل فيكم قالوا خيرا أخ كريم ثم قال اذهبوا فأنتم الطلقاء وأعتقهم على الاسلام وجلس لهم فيما قيل على الصفا فبايعوه على السمع والطاعة لله ولرسوله فيما استطاعوا ولما فرغ من بيعة الرجال بايع النساء أمر عمر بن الخطاب أن يبايعهن واستغفر لهن رسول الله صلى الله عليه وسلم لانه كان لا يمس امرأة حلالا ولا حراما وهرب صفوان بن أمية إلى اليمن واتبعه عمير بن وهب من قومه بأمان النبي صلى الله عليه وسلم له فرجع وأنظره أربعة أشهر وهرب ابن الزبير الشاعر إلى نجران ورجع فأسلم وهرب هبيرة بن أبى وهب المخزومى زوج ام هانئ إلى اليمن فمات هنا لك كافرا ثم بعث النبي صلى الله عليه وسلم السرايا حول مكة ولم يأمرهم بقتال وفى جملتهم خالد بن الوليد إلى بنى جذيمة بن عامر بن عبد مناة بن كنانة فقتل منهم واخذ ذلك عليه وبعث إليهم عليا بمال فودى لهم قتلاهم ورد عليهم
ما أخذ لهم ثم بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم خالدا إلى العزى بيت بنخلة كانت مضر من قريش تعظمه وكنانة وغيرهم وسدنته بنو شيبان من بنى سليم حلفاء بنى هاشم فهدمه ثم ان الانصار توقفوا إلى أن يقيم صلى الله عليه وسلم داره بعد ان فتحها فأغمهم ذلك وخرجوا له فخطبهم صلى الله عليه وسلم وأخبرهم ان المحيا محياهم والممات مماتهم فسكتوا لذلك واطمأنوا * (غزوة حنين) * وأقام رسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة خمس عشرة ليلة وهو يقصر الصلاة فبلغه ان هوازن وثقيف جمعوا له وهم عامدون إلى مكة وقد نزلوا حنينا وكانوا حين سمعوا بمخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمدينة يظنون انه انما يريدهم فاجتمعت هوازن إلى مالك ابن عوف من بنى نضير وقد أوعب معه بنى نصر بن معاوية بن بكر بن هوازن وبنى جشم بن معاوية وبنى سعد بن بكر وناسا من بنى هلال بن عامر بن صعصعة بن معاوية والاحلاف وبنى مالك بن ثقيف بن بكر ولم يحضرها من هوازن كعب ولا كلاب وفى جشم دريد بن(2/45)
الصمة بن بكر بن علقمة بن خزاعة بن أزية بن جشم رئيسهم وسيدهم شيخ كبير ليس فيه الا ليؤتم برأيه ومعرفته وفى ثقيف سيدان ليس لهم في الاحلاف الا قارب بن الاسود ابن مسعود بن معتب وفى بنى مالك ذو الخمار سبيع بن الحرث بن مالك وأخوه أحمر وجميع أمر الناس إلى مالك بن عوف فلما أتاهم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم فتح مكة اقبلوا عامدين إليه وأسار مالك مع الناس اموالهم ونساءهم وابناءهم يرى انه أثبت لموقفهم فنزلوا باوطاس فقال دريد بن الصمة لمالك ما لى أسمع رغاء البعير ونهاق الحمير ويعار الشاء وبكاء الصغير فقال أموال الناس وابناءهم سقنا معهم ليقاتلوا عنها فقال راعى ضان والله وهل يرد المنهزم شئ ان كانت لك لم ينفعك الا رجل بسلاحه وان كانت عليه فضحت في أهلك ومالك ثم سال عن كعب وكلاب وأسف لغيابهم وأنكر
على مالك رأيه ذلك وقال لم تصنع بتقديم بيضة هوازن إلى نحور الخيل شيئا ارفعهم إلى ممتنع بلادهم ثم ألق الصبيان على متون الخيل فان كانت لك لحق بك من وراءك وان كانت لغيرك كنت قد أحرزت أهلك ومالك و أبى عليه مالك واتبعه هوازن ثم بعث النبي صلى الله عليه وسلم عبد الله بن أبى حدرد الاسلمي يستعلم خبر القوم فجاءه وأطلعه على جلية الخبر وأنهم قاصدون إليه فاستعار رسول الله صلى الله عليه وسلم من صفوان بن أمية مائة درع وقيل أربعمائة وخرج في اثنى عشر ألفا من المسلمين عشرة آلاف الذين صحبوه من المدينة والفان من مسلمة الفتح واستعمل على مكة عتاب بن أسيد بن أبى العيص بن أمية ومضى لوجهه وفى جملة من اتبعه عباس بن مرداس والضحاك بن سفيان الكلابي وجموع من عبس وذبيان ومزينة وبنى أسد ومر في طريقه بشجرة سدر خضراء وكان لهم في الجاهلية مثلها يطوف بها الاعراب ويعظمونها ويسمونها ذات انواط فقالوا يا رسول الله اجعل لنا ذات انواط كما لهم ذات انواط فقال لهم قلتم كما قال قوم موسى اجعل لنا الها كما لهم آلهة والذى نفسي بيده لتركبن سنن من كان قبلكم واجرم من ذلك ثم نهض حتى أتى وادى حنين من أودية تهامة أول يوم من شوال من السنة الثامنة وهو وادى حزن فتوسطوه في غبش الصبح وقد كنت هوازن في جانبيه فحملوا على المسلمين حملة رجل واحد فولى المسلمون لا يلوى احد على أحد وناداهم صلى الله عليه وسلم فلم يرجعوا وثبت معه أبو بكر وعمر وعلى والعباس وأبو سفيان بن الحرث وابنه جعفر والفضل وقثم ابنا العباس وجماعة سواهم والنبى صلى الله عليه وسلم على بغلته البيضاء دلدل والعباس آخذ بشكائمها وكان جهير الصوت فأمره رسول الله صلى الله عليه وسلم أن ينادى بالانصار وأصحاب الشجرة قيل وبالمهاجرين فلما سمعوا الصوت وذهبوا ليرجعوا فصدهم ازدحام الناس(2/46)
عن أن يثنوا رواحلهم فاستقاموا وتناولوا سيوفهم وتراسهم واقتحموا عن الرواحل
راجعين إلى النبي صلى الله عليه وسلم وقد اجتمع منهم حواليه نحو المائة فاستقبلوا هوازن والناس متلاحقون واشتدت الحرب وحمى الوطيس وقذف الله في قلوب هوازن الرعب حين وصلوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم يملكوا أنفسهم فولوا منهزمين ولحق آخر الناس واسري هوازن مغلولة بين يديه وغنم المسلمون عيالهم وأموالهم واستحر القتل في بنى مالك من ثقيف فقتل منهم يومئذ سبعون رجلا في جملتهم ذو الخمار وأخوه عثمان ابنا عبد الله بن ربيعة بن الحرث بن حبيب سيداهم واما قارب بن الاسود سيد الاحلاف من ثقيف ففر بقومه منذ أول الامر وترك رايته فلم يقتل منهم أحد ولحق بعضهم بنخلة وهرب مالك بن عوف النصرى مع جماعة من قومه فدخلوا الطائف مع ثقيف وانحازت طوائف هوازن إلى اوطاس واتبعتهم طائفة من خيل المسلمين الذين توجهوا من نخلة فأدركوا فيهم دريد بن الصمة فقتلوه يقال قتله ربيعة بن رفيع بن اهبان بن ثعلبة بن يربوع بن سماك بن عوف بن امرئ القيس وبعث صلى الله عليه وسلم إلى من اجتمع بأوطاس من هوازن أبا عامر الاشعري عم أبى موسى فقاتلهم وقتل بسهم رماه به سلمة بن دريد بن الصمة فاخذ أبو موسى الراية وشد على قاتل عمه فقتله وانهزم المشركون واستحر القتل في بنى رباب من بنى نصر بن معاوية وانفضت جموع أهل هوازن كلها واستشهد من المسلمين يوم الخميس أربعة منهم ايمن بن أم أيمن أخو اسامة لامه ويزيد بن زمعة بن الاسود وسراقة بن الحرث من بنى العجلان وأبو عامر الاشعري * (حصار الطائف) * ثم أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بالسبايا والاموال فحبست بالجعرانة بنظر مسعود بن عمرو الغفاري وسار من فوره إلى الطائف فحاصر بها ثقيف خمس عشرة ليلة وقاتلوا من وراء الحصون وأسلم من كان حولهم من الناس وجاءت وفودهم إليه وقد كان مر في طريقه بحصن مالك بن عوف النصرى فأمر بهدمه ونزل على
اطم لبعض ثقيف فتمنع فيه صاحبه فأمر بهدمه فأخرب وتحصنت ثقيف وقد كان عروة بن مسعود وغيلان بن سلمة من ساداتهم ذهبا إلى جرش يتعلمان صنعة المجانيق والدبابات للحصار لما أحسوا من قصد رسول الله صلى الله عليه وسلم اياهم فلم يشهدا الحصار ولا حنينا قبله وحاصرهم المسلمون بضع عشرة أو بضعا وعشرين ليلة واستشهد بعضهم بالنبل ورماهم صلى الله عليه وسلم بالمنجنيق ودخل نفر من المسلمين تحت دبابة ودنوا إلى سور الطائف فصبوا عليهم سكك الحديد المحماة ورموهم بالنبل فأصابوا منهم(2/47)
قوما وأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بقطع اعنابهم ورغب إليه ابن الاسود بن مسعود في ماله وكان بعيدا من الطائف وكف عنه ثم دخل إلى الطائف وتركهم ونزل أبو بكرة فأسلم واستشهد من المسلمين في حصاره سعيد بن سعيد بن العاصى وعبد الله ابن أبى أمية بن المغيرة اخو أم سلمة وعبد الله بن عامر بن ربيعة العنزي حليف بنى عدى في آخرين قريبا من اثنى عشر فيهم أربعة من الانصار ثم انصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم من الجعرانة وأتاه هناك وفد هوازن مسلمين راغبين فخيرهم بين العيال والابناء والاموال فاختاروا العيال والابناء وكلموا المسلمين في ذلك بامر رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال صلى الله عليه وسلم ما كان لى ولبنى عبد المطلب فهو لكم وقال المهاجرون والانصار ما كان لنا فهو لرسول الله صلى الله عليه وسلم وامتنع الاقرع بن حابس وعيينة بن حصن ان يردا عليهم ما وقع لهما من الفئ وساعدهم قومهم وامتنع العباس بن مرداس كذلك وخالف بنو سليم وقالوا ما كان لنا فهو لرسول الله صلى الله عليه وسلم فعوض رسول الله صلى الله عليه وسلم من لم تطب نفسه عن نصيبه ورد عليهم نساءهم وابناءهم بأجمعهم وكان عدد سبى هوازن ستة آلاف بين ذكر وانثى فيهن الشيما أخت النبي صلى الله عليه وسلم من الرضاعة وهى بنت الحرث بن عبد العزى من بنى سعد بن بكر من هوازن وأكرمها رسول الله صلى الله عليه وسلم وأحسن إليها وخيرها
فاختارت قومها فردها إليهم وقسم الاموال بين المسلمين ثم أعطى من نصيبه من خمس الخمس قوما يستألفهم على الاسلام من قريش وغيرهم فمنهم من أعطاه مائة مائة ومنهم خمسين خمسين ومنهم ما بين ذلك ويسمون المؤلفة وهم مذكورون في كتب السير يقاربون الاربعين (منهم) أبو سفيان وابنه معاوية وحكيم بن حزام وصفوان بن أمية ومالك بن عوف وغيرهم (ومنهم) عيينة بن حصن بن حذيفة بن بدر والاقرع بن حابس وهما من اصحاب المائة واعطى عباس بن مرداس دونهما فانشده أبياته المعروفة يتسخط فيها فقال اقطعوا عنى لسانه فأتموا إليه المائة ولما أعطى المؤلفة قلوبهم وجد الانصار في أنفسهم إذ لم يعطهم مثل ذلك وتكلم شبانهم مع ما كانوا يظنون انه إذا فتح الله عليه بلده يرجع إلى قومه ويتركهم فجمعهم ووعظهم وذكرهم وقال انما أعطى قوما حديثى عهد بالاسلام أتألفهم عليه أما ترضون أن ينصرف الناس بالشاء والبعير وتنصرفوا برسول الله إلى رحالكم لولا الهجرة لكنت امرأ من الانصار ولو سلك الانصار شعبا وسلك الناس شعبا لسلكت شعب الانصار فرضوا وافترقوا ثم اعتمر رسول الله صلى الله عليه وسلم من الجعرانة إلى مكة ثم رجع إلى المدينة فدخلها لست بقين من ذى القعدة من السنة الثامنة لشهرين ونصف من خروجه واستعمل على(2/48)
مكة عتاب بن أسيد شابا ينيف عمره على عشرين وكان غلبه الورع والزهد فأقام الحج بالمسلمين في سنته وهو أول أمير أقام حج الاسلام وحج المشركون على مشاعرهم (وخلف) بمكة معاذ بن جبل يفقه الناس في الدين ويعلمهم القران (وبعث) بن عمرو العاصى إلى جيفر وعبد ابني الجلندى من الازد بعمان مصدقا فأطاعوا له بذلك واستعمل صلى الله عليه وسلم مالك بن عوف على من أسلم من قومه ومن سلم منهم وماله حوالى الطائف من ثقيف وأمره بمغادرة الطائف من التضييق عليهم ففعل حتى جاؤا مسلمين كما يذكر بعد وحسن اسلام المؤلفة قلوبهم ممن اسلم يوم الفتح أو بعده وان كانوا متفاوتين في ذلك
(ووفد) على النبي صلى الله عليه وسلم كعب بن زهير فاهدر دمه وضاقت به الارض وجاء فاسلم وأنشد النبي صلى الله عليه وسلم قصيدته المعروفة بمدحه التى أولها * بانت سعاد فقلبي اليوم متبول الخ وأعطاه بردة في ثواب مدحه فاشتراها معاوية وورثته بعد موته وصار الخلفاء يتوارثونها شعارا (ووفد) في سنة تسع على رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمدينة بنو أسد فأسلموا وكان منهم ضرار بن الازور وقالوا قدمنا يا رسول الله قبل أن يرسل الينا فنزلت يمنون عليك أن أسلموا الآية ووفد فيها وفدتين في شهر ربيع الاول ونزلوا على رويفع بن ثابت البلوى وأقام رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمدينة بعد منصرفه من الطائف في ذى الحجة إلى شهر رجب من السنة التاسعة (ثم أمر الناس بالتهيؤ لغزو الروم) وكان في غزواته كثيرا ما يورى بغير الجهة التى يقصدها على طريقة الحرب الا ما كان من هذه الغزاة لعسرها بشدة الحرب وبعد البلاد وفصل الفواكه وقلة الظلال وكثرة العدو الذين يصدون وتجهز الناس على ما في أنفسهم من استثقال ذلك وطفق المنافقون يثبطونهم عن الغزو وكان نفر منهم يجتمعون في بيت بعض اليهود فامر طلحة بن عبيد الله أن يخرب عليهم البيت فخربها واستأذن ابن قيس من بنى سلمة في القعود فأذن له واعرض عنه وتدرب كثير من المسلمين بالانفاق والحملان وكان من أعظمهم في ذلك عثمان بن عفان يقال انه انفق فيها ألف دينار وحمل على تسعمائة بعير ومائة فرس وجهز ركابا وجاء بعض المسلمين يستحمل رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم يجد ما يحملهم عليه فنزلوا باكين لذلك وحمل بعضهم يامين بن عمير النضرى وهما أبو ليلى بن كعب من بنى مازن بن النجار وعبد الله بن المغفل المزني واعتذر المخلفون من الاعراب فعذرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم نهض وخلف على المدينة محمد بن مسلمة وقيل بل سباع بن عرفطة وقيل بل على بن أبى طالب وخرج معه عبد الله بن أبى ابن سلول في عدد وعدة فلما سار صلى الله عليه وسلم تخلف هو فيمن تخلف من المنافقين ومر صلى الله عليه وسلم على ديار ثمود فأمر ان لا يستعمل ماؤها(2/49)
ويعلف ما عجن منه للابل واذن لهم في بئر الناقة وأمر ان لا يدخلوا عليهم بيوتهم الا باكين ونهى أن يخرج أحد منفردا عن صاحبه فخرج رجلان من بنى ساعدة خنق أحدهما فمسح عليه فشفى والآخر رمته الريح في جبل طى فردوه بعد ذلك إلى النبي صلى الله عليه وسلم وضل صلى الله عليه وسلم ناقته في بعض الطريق فقال أحد المنافقين محمد يدعى علم خبر السماء وهو لا يدرى أين ناقته فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم فقال والله لا أعلم الا ما علمني الله وان الناقة بموضع كذا وكان قد أوحى إليه بها فوجدوها ثم (وكان) قائل هذا القول زيد بن اللصيت من بنى قينقاع وقيل انه تاب بعد ذلك وفضح الوحى قوما من المنافقين كان يخذلون الناس ويهولون عليهم أمر الروم فتاب منهم مخشى بن جهير ودعا أن يكفر عنه بشهادة يخفى مكانه فقتل يوم اليمامة (ولما) انتهى رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى تبوك أتاه يحينة بن رؤبة صاحب ايلة وأهل جرباء وأذرح فصالحوا على الجزية وكتب لكل كتابا (وبعث) صلى الله عليه وسلم خالد بن الوليد إلى اكيدر بن عبد الملك صاحب دومة الجندل من كندة كان ملكا عليها وكان نصرانيا وأخبر أنه يجده يصيد البقر واتفق ان بقر الوحش باتت تهد القصر بقرونها فنشط أكيدر لصيدها وخرج ليلا فوافق وصوله خالدا فأخذه وبعث به إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فعفا عنه وصالحه على الجزية ورده وأقام بتبوك عشرين ليلة ثم انصرف وكان في طريقه ماء قليل نهى أن يسبق إليه أحد فسبق رجلان واستنفذا ما فيه فنكر عليهما ذلك ثم وضع يده تحت وشله فصب ما شاء الله أن يصب ونضح به الوشل ودعا فجاش الماء حتى كفى العسكر (و لما) قرب المدينة بساعة من نهار أنفذ مالك بن الدخشم من بنى سالم ومعن بن عدى من بنى العجلان إلى مسجد الضرار فأحرقاه وهدماه وقد كان جماعة من المنافقين بنوه وأتوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم وهو يتجهز إلى تبوك فسألوه الصلاة فيه فقال انا على سفر ولو قدمنا أتيناكم فصلينا لكم فيه فلما
رجع أمر بهدمه (وفى هذه الغزاة) تخلف كعب بن مالك من بنى سلمة ومرارة بن الربيع من بنى عمرو بن عوف وهلال بن أمية بن واقف وكانوا صالحين فنهى صلى الله عليه وسلم عن كلامهم خمسين يوما ثم نزلت توبتهم وكان المتخلفون من غير عذر نيفا وثلاثين رجلا وكان وصوله صلى الله عليه وسلم من تبوك في رمضان سنة تسع (وفيه) كانت وفادة ثقيف واسلامهم ونزل الكثير من سورة براءة في شأن المنافقين وما قالوه في غزوة تبوك آخر غزوة غزاها صلى الله عليه وسلم * (اسلام عروة بن مسعود ثم وفد ثقيف وهدم اللات) * كان صلى الله عليه وسلم لما أفرج عن الطائف وارتحل المدينة اتبعه عروة بن مسعود(2/50)
سيدهم فأدركه في طريقه وأسلم ورجع يدعو قومه فرمى بسهم في سطح بيته وهو يؤذن للصلاة فمات ومنع قومه من الطلب بدمه وقال هي شهادة ساقها الله إلى واوصى ان يدفن مع شهداء المسلمين ثم قدم ابنه أبو المليح وقارب بن الاسود بن مسعود فأسلما وضيق مالك بن عوف على ثقيف واستباح سرحهم وقطع سابلتهم وبلغهم رجوع النبي صلى الله عليه وسلم من تبوك وعلموا ان لا طاقة لهم بحرب العرب وفزعوا إلى عبد ياليل بن عمرو بن عمير فشرط عليهم أن يبعثوا معه رجالا منهم ليحضروا مشهده خشية على نفسه مما نزل بعروة فبعثوا معه رجلين من احلاف قومه وثلاثا من بنى مالك فخرج بهم عبد يا ليل وقدموا على رسول الله صلى الله عليه وسلم في رمضان من السنة التاسعة يريدون البيعة والاسلام فضرب لهم قبة في المسجد وكان خالد بن سعيد بن العاصى يمشى في أمرهم وهو الذى كتب كتابهم بخطه وكانوا لا يأكلون طعاما يأتيهم حتى يأكل منه خالد وسألوه أن يدع لهم اللات ثلاث سنين رغبا لنسائهم وابنائهم حتى يأنسوا فابى وسألوه أن يعفيهم من الصلاة فقال لا خير في دين لا صلاة فيه فسألوه أن لا يكسروا أوثانهم بأيديهم فقال اما هذه فسنكفيكم منها فأسلموا وكتب لهم وأمر
عليهم عثمان بن أبى العاصى اصغرهم سنا لانه كان حريصا على الفقه وتعلم القرآن ثم رجعوا إلى بلادهم وخرج معه أبو سفيان بن حرب والمغيرة بن شعبة لهدم اللات وتأخر أبو سفيان حتى دخل المغيرة فتناولها بيده ليهدمها وقام بنو معتب دونه خشية عليه ثم جاء أبو سفيان وجمع ما كان لها من الحلى وقضى منه دين عروة والاسود ابني مسعود كما أمر النبي صلى الله عليه وسلم وقسم الباقي * (الوفود) * ولما فرغ رسول الله صلى الله عليه وسلم من تبوك وأسلمت ثقيف ضربت إليه وفود العرب من كل وجه حتى لقد سميت سنة الوفود (قال ابن اسحق) وانما كانت العرب تتربص بالاسلام أمر هذا الحى من قريش وأمر النبي صلى الله عليه وسلم وذلك ان قريشا كانوا امام الناس وهاديهم وأهل البيت والحرم وصريح ولد اسمعيل وقادتهم لا ينكرون لهم وكانت قريش هي التى نصبت لحربه وخلافه فلما استفتحت مكة ودانت قريش ودخلها الاسلام عرفت العرب انهم لا طاقة لهم بحربه وعداوته فدخلوا في دينه أفواجا يضربون إليه من كل وجه انتهى (فأول) من قدم إليه بعد تبوك وفد بنى تميم وفيه من رؤسهم عطارد بن حاجب بن زرارة بن عدس من بنى دارم بن مالك والحتات بن زيد والاقرع بن حابس والزبرقان بن بدر من بنى سعد وقيس بن عاصم وعمرو بن الاهتم وهما من بنى منقر ونعيم بن زيد ومعهم عيينة بن حصن(2/51)
الفزارى وقد كان الاقرع وعيينة شهدا فتح مكة وخيبر وحصار الطائف ثم جاآ مع وفد بنى تميم فلما دخلوا المسجد ونادوا من وراء الحجرات فنزلت الآيات في انكار ذلك عليهم ولما خرج قالوا جئنا نفاخرك بخطيبنا وشاعرنا فأذن لهم فخطب عطارد وفاخر ويقال والاقرع بن حابس ثم أنشد الزبرقان بن بدر شعرا بالمفاخرة ودعا رسول الله صلى الله عليه وسلم ثابت بن قيس بن الشماس من بنى الحرث بن الخزرج فخطب وحسان بن ثابت فأنشد مساجلين لهم فاذعنوا للخطبة والشعر والسؤدد والحلم وقالوا هذا الرجل هو
مؤيد من الله خطيبه أخطب من خطيبنا وشاعره أشعر من شاعرنا وأصواتهم أعلى من أصواتنا ثم اسلموا واحسن رسول الله صلى الله عليه وسلم جوائزهم وهذا كان شأنه مع الوفود ينزلهم إذا قدموا ويجهزهم إذا رحلوا (ثم قدم) على رسول الله صلى الله عليه وسلم في آخر رمضان مقدمه من تبوك كتاب ملوك حمير مع رسولهم ومع الحرث بن عبد كلال ونعيم بن عبد كلال والنعمان قيل ذى رعين وهمدان ومعافر (وبعث زرعة) ابن ذى يزن رسوله مالك بن مرة الرهاوى باسلامهم ومفارقة الشرك وأهله وكتب إليهم النبي صلى الله عليه وسلم كتابه (وبعث إلى ذى يزن) معاذ بن جبل مع رسوله مالك ابن مرة يجمع الصدقات واوصاهم برسله معاذ واصحابه ثم مات عبد الله بن أبى ابن سلول في ذى القعدة ونعى رسول الله صلى الله عليه وسلم النجاشي وانه مات في رجب قبل تبوك (وقدم) وفد بهرا في ثلاثة عشر رجلا ونزلوا على المقداد بن عمرو وجاء بهم فأسلموا وأجازهم وانصرفوا (وقدم) وفد بنى البكاء ثلاثة نفر منهم (وقدم) وفد بنى فزارة بضعة عشر رجلا فيهم خارجة بن حصن وابن أخيه الحر بن قيس فأسلموا (ووفد) عدى بن حاتم من طى فأسلم وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد بعث قبل تبوك إلى بلاد طى على بن ابى طالب في سرية فأغار عليهم واصيب حاتم وسبيت ابنته وغنم سيفين في بيت اصنامهم كانتا من قربان الحرث بن ابى شمر وكان عدى قد هرب قبل ذلك ولحق ببلاد قضاعة بالشام فرارا من جيوش المسلمين وجوارا لاهل دينه من النصارى واقام بينهم ولما سيقت ابنة حاتم جعلت في الحظيرة بباب المسجد التى كانت السبايا تحبس بها ومر بها رسول الله صلى الله عليه وسلم فكلمته ان يمن عليها فقال قد فعلت ولا تعجلى حتى تجدى ذائقة من قومك يبلغك إلى بلادك ثم اذنينى قالت فأقمت حتى قدم ركب من بنى قضاعة وأنا اريد ان آتى اخى بالشام فعرفت رسول الله صلى الله عليه وسلم فكساني وحملنى وزودني وخرجت معهم فقدمت الشام فلما لقيها عدى تلاوما ساعة ثم قال لها ماذا ترين في أمرى مع هذا الرجل فأشارت عليه باللحاق به فوفد وأكرمه رسول الله
صلى الله عليه وسلم وأدخله إلى بيته وأجلسه على وسادته بعد ان استوقفته في طريقه(2/52)
امرأة فوقف لها فعلم عدى انه ليس بملك وانه نبى ثم أخبره عن أخذه المرباع من قومه ولا يحل له فازداد استبصارا فيه ثم قال لعله انما يمنعك من الدخول في هذا الدين ما ترى من حاجتهم فيوشك ان يفيض المال فيهم حتى لا يوجد من يأخذه أو لعله يمنعك ما ترى من كثرة عدوهم وقلة عددهم فو الله ليوشكن ان تسمع بالمرأة تخرج من القادسية على بعيرها حتى تزور هذا البيت لا تخاف أو لعلك انما يمنعك من الدخول فيه انك ترى الملك والسلطان لغيرهم فيوشك ان تسمع بالقصور البيض من بابل قد فتحت فأسلم عدى وانصرف إلى قومه ثم أنزل الله على نبيه الاربعين آية من أول براءة في نبذ هذا العهد الذى بينه وبين المشركين ان لا يصدوا عن البيت ونهوا ان يقرب المسجد الحرام مشرك بعد ذلك وان لا يطوف بالبيت عريان ومن كان بينه وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم عهد فيتم له إلى مدته وأجلهم أربعة اشهر من يوم النحر فبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم بهذه الآيات أبا بكر وأمره على اقامة الحج بالموسم من هذه السنة فبلغ ذا الحليفة فأتبعه بعلى فأخذها منه فرجع أبو بكر مشفقا ان يكون نزل فيه قرآن فقال له النبي صلى الله عليه وسلم لم ينزل شئ ولكن لا يبلغ عنى غيرى أو رجل منى فسار أبو بكر على الحج وعلى على الاذان ببراءة فحج أبو بكر بالناس وهم على حج الجاهلية وقام على عند العقبة يوم الاضحى فأذن بالآية التى جاء بها (قال) الطبري وفى هذه السنة فرضت الصدقات لقوله تعالى خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها الآية (وفيها) قدم وفد ثعلبة بن سعد ووفد سعد هذيم من قضاعة قال الطبري (وفيها) بعث بنو سعد بن بكر ضمام بن ثعلبة وافدا فاستخلف رسول الله صلى الله عليه وسلم على ما جاء به من الاسلام وذكر التوحيد والصلاة والزكوة والصيام والحج واحدة واحدة حتى إذا فرغ تشهد واسلم وقال لاودى هذه الفرائض وأجتنب ما نهيت عنه ثم لا أزيد
عليها ولا انقص فلما انصرف قال صلى الله عليه وسلم ان صدق دخل الجنة ثم قدم على قومه فأسلموا كلهم يوم قدومه (و الذى عليه الجمهور) ان قدوم ضمام وقصته كانت سنة خمس (ثم دخلت) سنة عشر فبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم خالد بن الوليد في ربيع أو جمادى في سرية اربعمائة إلى نجران وما حولها يدعو بنى الحرث بن كعب إلى الاسلام ويقاتلهم ان لم يفعلوا فأسلموا واجابوا داعيته وبعث الرسل في كل وجه فأسلم الناس فكتب بذلك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فكتب إليه بأن يقدم مع وفدهم فاقبل خالد ومعه وفد بنى الحرث بن كعب منهم قيس بن الحصين ذو القصة ويزيد بن عبد المدان ويزيد بن المحجل وعبد الله بن قراد الزيادي وشداد بن عبد الله الضبابى وعمرو بن عبد الله الضبابى فأكرمهم النبي صلى الله عليه وسلم وقال لهم بم كنتم تغلبون(2/53)
من يقاتلكم في الجاهلية قالوا كنا نجتمع ولا نفترق ولا نبدأ أحدا بظلم قال صدقتم فأسلموا وأمر عليهم قيس بن الحصين ورجعوا صدر ذى القعدة من سنة عشر ثم أتبعهم عمرو بن حزم من بنى النجار ليفقههم في الدين ويعلمهم السنة وكتب إليه كتابا عهد إليه فيه عهده وأمره بأمره وأقام عاملا على نجران وهذا الكتاب وقع في السير مرويا واعتمده الفقهاء في الاستدلالات وفيه مآخذ كثيرة للاحكام الفقهية ونصه بسم الله الرحمن الرحيم هذا كتاب من الله ورسوله يأيها الذين آمنوا أوفوا بالعقود عهدا من محمد النبي صلى الله عليه وسلم لعمرو بن حزم حين بعثه إلى اليمن آمره بتقوى الله في أمره كله فان الله مع الذين اتقوا والذين هم محسنون وآمره ان ياخذ بالحق كما أمره الله وان يبشر الناس بالخير ويأمرهم به ويعلم الناس القرآن ويفهمهم فيه وأن ينهى الناس فلا يمس القرآن انسان الا وهو طاهر وان يخبر الناس بالذى لهم والذى عليهم ويلين للناس في الحق ويشتد عليهم في الظلم فان الله حرم الظلم ونهى عنه فقال ألا لعنة الله على الظالمين وأن يبشر الناس بالجنة وبعملها وينذر الناس النار
وعملها ويستألف الناس حتى يتفقهوا في الدين ويعلم الناس معالم الحج وسننه وفرائضه وما أمر الله به والحج الاكبر والحج الاصغر وهو العمرة وينهى الناس أن يصلى أحد في ثوب واحد صغير الا أن يكون واسعا يثنى طرفيه على عاتقيه وينهى ان يحتبى أحد في ثوب واحد ويفضى بفرجه إلى السماء وينهى أن يقص أحد شعر رأسه إذا عفا في قفاه وينهى إذا كان بين الناس هيج عن الدعاء إلى القبائل والعشائر وليكن دعاؤهم إلى الله وحده لا شريك له فمن لم يدع إلى الله ودعا القبائل والعشائر فليعطفوه بالسيف حتى يكون دعاؤهم إلى الله وحده لا شريك له ويأمر الناس باسباغ الوضوء في وجوههم وأيديهم إلى المرافق وأرجلهم إلى الكعبين وان يمسحوا برؤوسهم كما أمرهم الله وآمره بالصلاة لوقتها واتمام الركوع والسجود وأن يغلس بالصبح ويهجر بالهاجرة حتى تميل الشمس وصلاة العصر والشمس في الارض مدبرة والمغرب حين يقبل الليل لا يؤخر حتى تبدو نجوم السماء والعشاء أول الليل وآمره بالسعي إلى الجمعة إذا نودى لها والغسل عند الرواح إليها وآمره أن يأخذ من الغنائم خمس الله وما كتب على المؤمنين في الصدقة من العقار عشر ما سقت العين أو سقت السماء وعلى ما سقى الغرب نصف العشر وفى كل عشر من الابل شاتان وفى كل عشرين اربع شياه وفى كل أربعين من البقر بقرة وفى كل ثلاثين من البقر تبيع أو تبيعة جذع أو جذعة وفى كل أربعين من الغنم سائمة وحدها شاة فانها فريضة الله التى افترض على المؤمنين في الصدقة فمن زاد خيرا فهو خير له وانه من أسلم من يهودى أو نصراني اسلاما خالصا من(2/54)
نفسه ودان بدين الاسلام فانه من المؤمنين له مثل ما لهم وعليه ما عليهم ومن كان على نصرانيته أو يهوديته فانه لا يرد عنها وعليه الجزية على كل حالم ذكر أو أنثى حر أو عبد دينار واف أو عوضه ثيابا فمن أدى ذلك فان له ذمة الله وذمة رسوله ومن منع ذلك فانه عدو لله ولرسوله وللمؤمنين جميعا صلوات الله على محمد والسلام عليه ورحمته وبركاته
(وقدم وفد غسان) في رمضان من هذه السنة العاشرة في ثلاثة نفر فاسلموا وانصرفوا إلى قومهم فلم يجيبوا إلى الاسلام فكتموا أمرهم وهلك اثنان منهم ولقى الثالث أبو عبيدة عامر باليرموك فأخبره باسلامه (وقدم عليه) وفد عامر عشرة نفر فأسلموا وتعلموا شرائع الاسلام واقرأهم أبى القرآن وانصرفوا (وقدم) في شوال وفد سلامان سبعة نفر رئيسهم حبيب فاسلموا وتعلموا الفرائض وانصرفوا (وفيها) قدم وفد أزدجرش وفد فيهم صرد بن عبد الله الازدي في عشرة من قومه ونزلوا على فروة بن عمرو وأمر النبي صلى الله عليه وسلم بعد أن أسلموا صردا على من أسلم منهم وأن يجاهد المشركين حوله فحاصر جرش ومن بها من خثعم وقبائل اليمن وكانت مدينة حصينة اجتمع إليها أهل اليمن حين سمعوا بزحف المسلمين فحاصرهم شهرا ثم قفل عنهم فظنوا انه انهزم فاتبعوه إلى جبل شكر فصف وحمل عليهم ونال منهم وكانوا بعثوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم رائدين وأخبرهما ذلك اليوم بواقعة شكر وقال ان بدن الله لتنحر عنده الآن فرجعا إلى قومهما واخبراهم بذلك وأسلموا وحمى لهم حمى حول قريتهم (وفيها) كان اسلام همدان ووفادتهم على يد على رضى الله عنه وذلك ان رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث خالد بن الوليد إلى أهل اليمن يدعوهم إلى الاسلام فمكت ستة أشهر لا يجيبونه فبعث عليه السلام على بن أبى طالب وأمره أن يقفل خالدا فلما بلغ على أوائل اليمن جمعوا له فلما لقوه صفوا فقدم على الانذار وقرأ عليهم كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فأسلمت همدان كلها في ذلك اليوم وكتب بذلك إلى النبي صلى الله عليه وسلم فسجد لله شكرا ثم قال السلام على همدان ثلاث مرات ثم تتابع أهل اليمن على الاسلام وقدمت وفودهم وكان عمرو بن معد يكرب الزبيدى قال لقيس بن مكشوح المرادى اذهب بنا إلى هذا الرجل فلن يخفى علينا أمره فأبى قيس من ذلك فقدم عمرو على النبي صلى الله عليه وسلم فأسلم وكان فروة بن مسيك المرادى على زبيد لانه وفد قبل عمرو مفارقا لملوك كندة فأسلم ونزل على سعد بن عبادة وتعلم القرآن وفرائض الاسلام واستعمله
رسول الله صلى الله عليه وسلم على مراد وزبيد ومذحج كلها وبعث معه خالد بن سعيد بن العاصى على الصدقة فكان معه في بلاده حتى كانت الوفاة (وفى هذه السنة) قدم وفد عبد القيس يقدمهم الجارود بن عمرو وكانوا على دين النصرانية فأسلموا ورجعوا إلى(2/55)
قومهم ولما كانت الوفاة وارتد عبد القيس ونصبوا المنذر بن النعمان بن المنذر الذى يسمى الغرور ثبت الجارود على الاسلام وكان له المقام المحمود وهلك قبل ان يراجعوا وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث العلاء بن الحضرمي قبل فتح مكة إلى المنذر بن ساوى العبدى فأسلم وحسن اسلامه وهلك بعد الوفاة وقبل ردة أهل البحرين والعلاء أمير عنده لرسول الله صلى الله عليه وسلم على البحرين (وفى) هذه السنة قدم وفد بنى حنيفة في سنة عشر فيهم مسيلمة بن حبيب الكذاب ورجال بن عنفوة وطلق بن على بن قيس وعليهم سلمان بن حنظلة فأسلموا وأقاموا أياما يتعلمون القرآن من أبى بن كعب ورجال يتعلم وطلق يؤذن لهم ومسيلمة في الرحال وذكروا للنبى صلى الله عليه وسلم مكانه في رحالهم فأجازه وقال ليس بشركم مكانا لحفظه رحالكم فقال مسيلمة عرف ان الامر لى من بعده ثم ادعى مسيلمة بعد ذلك النبوة وشهد له طلق ان رسول الله صلى الله عليه وسلم اشركه في الامر فافتتن الناس به كما سنذكره (وفيها) قدم وفد كندة يقدمهم الاشعث بن قيس في بضعة عشر وقيل في ستين وقيل في ثمانين وعليهم الديباج والحرير وأسلموا ونهاهم النبي صلى الله عليه وسلم عنه فتركوه وقال له اشعث نحن بنو آكل المرار وأنت ابن آكل المرار فضحك وقال ناسبوا بهذا النسب العباس بن عبد المطلب وربيعة بن الحرث وكانا تاجرين فإذا ساحا في أرض العرب قال نحن بنو آكل المرار فيعتز بذلك لان لهم عليه ولادة من الامهات ثم قال لهم لا نحن بنو النضر بن كنانة فانتفوا منا ولا ننتفى من أبينا (وقدم) مع وفد كنانة وفد حضر موت وهم بنو وليعة وملوكهم جد ومخوس ومشرح وأبضعة فأسلموا ودعا لمخوس بازالة الرتة من لسانه
(وقدم وائل بن حجر) راغبا في الاسلام فدعا له ومسح رأسه ونودى الصلاة جامعة سرورا بقدومه وامر معاوية ان ينزله بالحرة فمشى معه وكان راكبا فقال له معاوية اعطني نعلك أتوقى بها الرمضاء فقال ما كنت لالبسها وقد لبستها وفى رواية لا يبلغ أهل اليمن ان سوقة لبس نعل ملك فقال اردفني قال لست من ارداف الملوك ثم قال ان الرمضاء قد احرقت قدمى قال امش في ظل ناقتي كفاك به شرفا ويقال انه وفد على معاوية في خلافته فأكرمه وكتب له رسول الله صلى الله عليه وسلم كتابا بسم الله الرحمن الرحيم هذا كتاب محمد النبي لوائل بن حجر قيل حضر موت انك ان أسلمت لك ما في يديك من الارض والحصون ويؤخذ منك من كل عشر واحدة ينظر في ذلك ذوا عدل وجعلت لك ألا تظلم فيها معلم الدين والنبى صلى الله عليه وسلم والمؤمنون أشهاد عليه قال عياض (وفيه) إلى الاقيال العباهلة والاوراع المشابيب (وفيه) في التيعة شاة لا مقورة الالياط ولا ضناك وأنطوا الثبجة وفى السيوب الخمس ومن زنى ممبكر(2/56)
فاصقعوه مائة واستوفضوه عاما ومن زنى ممثيب فضرجوه بالاضاميم ولا توصيم في الدين ولا غمة في فرائض الله وكل مسكر حرام ووائل بن حجر يترفل على الاقيال (و فيها) قدم وفد محارب في عشرة نفر فأسلموا (وفيها) قدم وفد الرها من مذحج في خمسة عشر نفرا وأهدوا فرسا فاسلموا وتعلموا القرآن وانصرفوا ثم قدم نفر منهم وحجوا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وتوفى فأوصى لهم بمائة وسق من خيبر جارية عليهم من الكتيبة وباعوها من معاوية (وفيها) قدم وفد نجران النصارى في سبعين راكبا يقدمهم أميرهم العاقب عبد المسيح من كندة وأسقفهم أبو حارثة من بكر بن وائل والسيد الايهم وجادلوا عن دينهم فنزل صدر سورة آل عمران وآية المباهلة فأبوا منها وفرقوا وسألوا الصلح وكتب لهم به على ألف حلة في صفر وألف في رجب وعلى دروع ورماح وخيل وحمل ثلاثين من كل صنف وطلبوا ان يبعث معهم واليا يحكم بينهم فبعث
معهم أبا عبيدة بن الجراح ثم جاء العاقب والسيد وأسلما (وفيها) قدم وفد الصدف من حضر موت في بضعة عشر نفرا فأسلموا وعلمهم أوقات الصلاة وذلك في حجة الوداع (وفى هذه السنة) قدم وفد عبس قال ابن الكلبى وفد منهم رجل واحد فأسلم ورجع ومات في طريقه وقال الطبري وفيها وفد عدى بن حاتم في شعبان انتهى (وفيها) قدم وفد خولان عشرة نفر فأسلموا وهدموا صنمهم وكان وفد على رسول الله صلى الله عليه وسلم في هدنة الحديبية قبل خيبر رفاعة بن زيد الضبيبى من جذام وأهدى غلاما فاسلم وكتب له رسول الله صلى الله عليه وسلم كتابا يدعوهم إلى الاسلام فأسلموا ولم يلبث ان قفل دحية بن خليفة الكلبى منصرفا من عند هرقل حين بعثه النبي صلى الله عليه وسلم ومعه تجارة فأغار عليه الهنيد بن عوض وقومه بنو الضليع من بطون جذام فأصابوا كل شئ معه وبلغ ذلك مسلمين من بنى الضبيب فاستنقذوا ما أخذه الهنيد وابنه وردوه على دحية وقدم دحية على النبي صلى الله عليه وسلم فأخبره الخبر فبعث النبي صلى الله عليه وسلم زيد بن حارثة في جيش من المسلمين فأغار عليهم بالقضقاض من حرة الرمل وقتلوا الهنيد وابنه في جماعة وكان معهم ناس من بنى الضبيب فاستباحوهم معهم وقتلوهم فركب رفاعة بن زيد ومعه أبو زيد بن عمر ومن قومه في جماعة منهم فقدموا على النبي صلى الله عليه وسلم واخبروه الخبر فقال كيف اصنع بالقتلى فقالوا يا رسول الله اطلق لنا من كان حيا فبعث معهم على بن ابى طالب وحمله على جمل واعطاه سيفه فلحقه بفيفاء الفحلتين وامره برد اموالهم فردها (وفى هذه السنة) قدم وفد عامر بن صعصعة فيهم عامر بن الطفيل بن مالك وأربد بن ربيعة بن مالك فقال له عامر يا محمد اجعل لى الامر بعدك قال ليس ذلك لك ولا لقومك قال اجعل لى الوبر ولك المدر قال لا(2/57)
ولكن أجعل لك أعنة الخيل فانك امرؤ فارس فقال لاملانها عليك خيلا ورجلا ثم ولوا فقال اللهم اكفنيهم اللهم اهد عامرا وأغن الاسلام عن عامر (وذكر) ابن اسحق
والطبري انهما أرادا الغدر برسول الله صلى الله عليه وسلم فلم يقدروا عليه في قصة ذكرها أهل الصحيح ثم رجعوا إلى بلادهم فاخذه الطاعون في عنقه فمات في طريقه في أحياء بنى سلول وأصابت أخاه أربد صاعقة بعد ذلك ثم قدم علقمة بن علاثة بن عوف وعوف بن خالد بن ربيعة وابنه فاسلموا (وفيها) قدم وفد طيئ في خمسة عشر نفرا يقدمهم سيدهم زيد الخيل وقبيصة بن الاسود من بنى نبهان فأسلموا وسماه رسول الله صلى الله عليه وسلم زيد الخير واقطع له بئرا وارضين معها وكتب له بذلك ومات في مرجعه (وفى هذه السنة) ادعى مسيلمة النبوة وانه أشرك مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في الامر وكتب إليه من مسيلمة رسول الله إلى محمد رسول الله سلام عليك فانى قد أشركت في الامر معك وان لنا نصف الارض ولقريش نصف الارض ولكن قريش قوم لا يعدلون وكتب إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم بسم الله الرحمن الرحيم من محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى مسيلمة الكذاب سلام على من اتبع الهدى اما بعد فان الارض لله يورثها من يشاء من عباده والعاقبة للمتقين قال الطبري وقد قيل ان ذلك كان بعد منصرف النبي صلى الله عليه وسلم من حجة الوراع كما نذكر * (حجة الوداع) * ثم خرج النبي صلى الله عليه وسلم إلى حجة الوداع في خمس ليال بقين من ذى القعدة ومعه من اشراف الناس ومائة من الابل عريا ودخل مكة يوم الاحد لاربع خلون من ذى الحجة ولقيه على بن أبى طالب بصدقات نجران فحج معه وعلم صلى الله عليه وسلم الناس بمناسكهم واسترحمهم وخطب الناس بعرفة خطبته التى بين فيها ما بين حمد الله واثنى عليه ثم قال ايها الناس اسمعوا قولى فانى لا أدرى لعلى لا ألقاكم بعد عامى هذا بهذا الموقف أبدا أيها الناس ان دماءكم وأموالكم عليكم حرام إلى ان تلقوا ربكم كحرمة يومكم هذا وحرمة شهركم هذا وستلقون ربكم فيسألكم عن اعمالكم وقد بلغت فمن كان عنده أمانة فليؤدها إلى من ائتمنه عليها وان كان ربا فهو موضوع ولكم
رؤس أموالكم لا تظلمون ولا تظلمون قضى الله انه لا ربا ان ربا العباس بن عبد المطلب موضوع كله وان كل دم في الجاهلية موضوع كله وان أول دم يوضع دم ربيعة بن الحرث بن عبد المطلب وكان مسترضعا في بنى ليث فقتله بنو هذيل فهو أول ما ابدأ من دم الجاهلية أيها الناس ان الشيطان قد يئس من أن يعبد بارضكم هذه أبدا ولكنه رضى ان يطاع فيما سوى ذلك مما تحقرون من أعمالكم فاحذروه على دينكم انما النسئ(2/58)
زيادة في الكفر إلى فيحلوا ما حرم الله ألا وان الزمان قد استدار كهيئته يوم خلق الله السموات والارض وان عدة الشهور عند الله اثنا عشر شهرا في كتاب الله يوم خلق السموات والارض منها أربعة حرم ثلاثة متوالية ذو القعدة وذو الحجة والمحرم ورجب الفرد الذى بين جمادى وشعبان أما بعد أيها الناس فان لكم على نسائكم حقا ولهن عليكم حقا لكم عليهن ان لا يوطئن فرشكم أحدا تكرهونه وعليهن ان لا يأتين بفاحشة مبينة فان فعلن فان الله قد أذن لكم ان تهجروهن في المضاجع وتضربوهن ضربا غير مبرح فان انتهين فلهن رزقهن وكسوتهن بالمعروف واستوصوا بالنساء خيرا فانهن عندكم عوان لا يملكن لانفسهن شيئا وانكم انما أخذتموهن بأمانة الله واستحللتم فروجهن بكلمة الله فاعقلوا أيها الناس واسمعوا قولى فانى قد بلغت قولى وتركت فيكم ما ان استعصمتم به فلن تضلوا أبدا كتاب الله وسنة نبيه أيها الناس اسمعوا قولى واعلموا ان كل مسلم أخو المسلم وان المسلمين اخوة فلا يحل لامرئ من مال أخيه الا ما أعطاه اياه عن طيب نفس فلا تظلموا أنفسكم ألا هل بلغت فذكر انهم قالوا اللهم نعم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم اللهم اشهد (وكانت) هذه الحجة تسمى حجة البلاغ وحجة الوداع لانه لم يحج بعدها وكان قد حج قبل ذلك حجتين واعتمر مع حجة الوداع عمرة فتلك ثلاث ثم انصرف إلى المدينة في بقية ذى الحجة من العاشرة * (العمال على النواحى) * كان رسول الله صلى الله عليه وسلم حين أسلم باذان عامل كسرى على اليمن
وأسلمت اليمن أمره على جميع مخاليفها ولم يشرك معه فيها أحدا حتى مات وبلغه موته منصرفه من حجة الوداع فقسم عمله على جماعة من أصحابه فولى صنعاء ابنه شهر بن باذان وعلى مأرب ابا موسى الاشعري وعلى الجند يعلى بن أمية وعلى همدان عامر بن شهر الهمداني وعلى غك والاشعريين الطاهر بن أبى هالة وعلى ما بين نجران وزمع وزبيد خالد بن سعيد بن العاصى وعلى نجران عمرو بن حزم وعلى بلاد حضر موت زياد بن لبيد البياضى وعلى السكاسك والسكون عكاشة بن ثور بن أصفر الغوثى وعلى معاوية بن كندة عبد الله المهاجر بن ابى أمية واشتكى المهاجر فلم يذهب فكان زياد بن لبيد يقوم على عمله وبعث معاذ بن جبل معلما لاهل اليمن وحضرموت وكان قبل ذلك قد بعث على الصدقات عدى بن حاتم على صدقة طيئ وأسد ومالك بن نويرة على صدقات بنى حنظلة وقسم صدقة بنى سعد بين رجلين منهم وبعث العلاء بن الحضرمي على البحرين وبعث على بن أبى طالب إلى نجران ليجمع صدقاتهم وجزيتهم ويقدم عليه بها فوافاه من حجة الوداع كما مر(2/59)
(خبر العنسى) كان الاسود العنسى واسمه عبهلة بن كعب ولقبه ذو الخمار وكان كاهنا مشعوذا يفعل الاعاجيب ويخلب بحلاوة منطقه وكانت داره كهف حنار بها ولد ونشا وادعى النبوة وكاتب مذحجا عامة فأجابوه ووعدوه نجران فوثبوا بها وأخرجوا عمرو بن حزم وخالد بن سعيد بن العاصى وأقاموه في عملها ووثب قيس بن عبد يغوث على فروة بن مسيك وهو على مراد فأجلوه وسار الاسود في سبعمائة فارس إلى شهر ابن باذان بصنعاء فلقيه شهر بن باذان فهزمه الاسود فقتله وغلب على ما بين صنعاء وحضر موت إلى اعمال الطائف إلى البحرين من قبل عدن وجعل يطير استطارة الحريق وعامله المسلمون بالتقية وارتد كثير من أهل اليمن وكان عمرو بن معدى
كرب مع خالد بن سعيد بن العاصى فخالفه واستجاب للاسود فسار إليه خالد ولقيه فاختلفا ضربتين فقطع خالد سيفه الصمصامة وأخذها ونزل عمرو عن فرسه وفتك في الخيل ولحق عمرو بن الاسود فولاه على مذحج وكان أمر جنده إلى قيس بن عبد يغوث المرادى وأمر الابناء إلى فيروز ودادويه وتزوج امرأة شهر بن باذان واستفحل أمرء وخرج معاذ بن جبل هاربا ومر بأبى موسى في مأرب فخرج معه ولحقا بحضرموت ونزل معاذ في السكون وأبو موسى في السكاسك ولحق عمرو بن حزم وخالد بن سعيد بالمدينة وأقام الطاهر بن أبى هالة ببلاد عك حيال صنعاء فلما ملك الاسود اليمن واستفحل استخف بقيس بن عبد يغوث وبفيروز ودادويه وكانت ابنة عم فيروز هي زوجة شهر ابن باذان التى تزوجها الاسود بعد مقتله واسمها أزاد وبلغ الخبر إلى النبي صلى الله عليه وسلم فكتب مع وبر بن يحنس إلى الابناء وابى موسى ومعاذ والطاهر يأمرهم فيه أن يعملوا في أمر الاسود بالغيلة أو المصادمة ويبلغ منه من يروم عنده دينا أو نجدة وقام معاذ والابناء في ذلك فداخلوا قيس بن عبد يغوث في أمره فأجاب ثم داخل فيروز بنت عمه زوجة الاسود فواعدته قتله وكتب النبي صلى الله عليه وسلم إلى عامر بن شهر الهمداني وبعث جرير بن عبد الله إلى ذى الكلاع وذى أمر ان وذى ظليم من أهل ناحيته والى أهل نجران من عربهم ونصاراهم واعترضوا الاسود ومشوا وتنحوا إلى مكان واحد وأخبر الاسود شيطانه بغدر قيس وفيروز ودادويه فعاتبهم وهم بهم ففروا إلى امرأته وواعدتهم أن ينقبوا البيت من ظهره ويدخلوا فيبيتوه ففعلوا ذلك ودخل فيروز ومعه قيس ففتل عنقه ثم ذبحه فنادى بالاذان عند طلوع الفجر ونادى دادويه بشعار الاسلام وأقام وبر بن يحنس الصلاة واهتاج الناس مسلمهم وكافرهم وماج بعضهم في بعض واختطف الكثير من أصحابه صبيانا من ابناء المسلمين وبرزوا وتركوا(2/60)
كثيرا من ابنائهم ثم تراسلوا في رد كل ما بيده وأقاموا يترددون فيما بين صنعاء ونجران
وخلصت صنعاء والجنود وتراجع أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم إلى اعمالهم وتنافسوا الامارة في صنعاء ثم اتفقوا على معاذ فصلى بهم وكتبوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بالخبر وكان قد أتى خبر الواقعة من السماء فقال في غداتها قتل العنسى البارحة قتله رجل مبارك وهو فيروز ثم قدمت الرسل وقد توفى النبي صلى الله عليه وسلم (بعث اسامة) ولما رجع النبي صلى الله عليه وسلم من حجة الوداع آخر ذى الحجة ضرب على الناس في شهر المحرم بعثا إلى الشام وأمر عليهم مولاه اسامة بن زيد بن حارثة أمره أن يوطئ الخيل تخوم البلقاء والداروم إلى الاردن من أرض فلسطين ومشارف الشام فتجهز الناس وأوعب معه المهاجرون الاولون فبينا الناس على ذلك ابتدأ صلى الله عليه وسلم بشكواه التى قبضه الله فيها إلى كرامته ورحمته وتكلم المنافقون في شان الكرامة وبلغ الخبر بارتداد الاسود ومسيلمة وخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم عاصبا رأسه من الصداع وقال انى رأيت البارحة في نومى أن في عضدي سوارين من ذهب فكرهتهما فنفتختهما فطارا فأولتهما هذين الكذابين صاحب اليمامة وصاحب اليمن وقد بلغني ان أقواما تكلموا في امارة اسامة ان يطعنوا في امارته لقد طعنوا في امارة أبيه من قبله وان كان أبوه لحقيقا بالامارة وانه لحقيق بها انفروا فبعث اسامة فضرب اسامة بالجرف وتمهل وثقل رسول الله صلى الله عليه وسلم وتوفاه الله قبل توجه اسامة (أخبار الاسود ومسيلمة وطليحة) كان النبي صلى الله عليه وسلم بعدما قضى حجة الوداع تحلل به السيرة فاشتكى وطارت الاخبار بذلك فوثب الاسود باليمن كما مر ووثب مسيلمة باليمامة ثم وثب طليحه بن خويلد في بنى أسد يدعى كلهم النبوة وحاربهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بالرسل والكتب إلى عماله ومن ثبت على اسلامه من قومهم أن يجدوا في جهادهم فأصيب الاسود قبل وفاته بيوم ولم يشغله ما كان فيه من الوجع عن أمر الله والذب عن دينه فبعث إلى المسلمين من العرب في كل ناحية من نواحى هؤلاء الكذابين يأمرهم بجهادهم وجاء كتاب مسيلمة إليه فأجابه كما مر وجاء
ابن أخى طليحة يطلب الموادعة فدعا عليه صلى الله عليه وسلم حتى كان من حكم الله فيهم بعده ما كان (مرضه صلى الله وسلم عليه) أول ما بدئ به رسول الله صلى الله عليه وسلم من ذلك ان الله نعى إليه نفسه بقوله إذا جاء نصر الله والفتح إلى آخر السورة ثم بدأه الوجع لليلتين بقيتا من صفر وتمادى به وجعه وهو يدور على نسائه حتى استقر به في بيت ميمونة فاستأذن نساءه أن يمرض في بيت عائشة فأذن له وخرج على الناس فخطبهم وتحلل منهم وصلى على شهداء أحد واستغفر لهم ثم قال لهم ان عبدا من عباد الله(2/61)
خيره الله بين الدنيا وبين ما عنده فاختار ما عنده وفهمها أبو بكر فبكى فقال بل نفديك بانفسنا وأبنائنا فقال على رسلك يا أبا بكر ثم جمع رسول الله صلى الله عليه وسلم أصحابه فرحب بهم وعيناه تدمعان ودعا لهم كثيرا وقال أوصيكم بتقوى الله وأوصى الله بكم وأستخلفه عليكم وأودعكم إليه انى لكم نذير وبشير ألا تعلوا على الله في بلاده وعباده فانه قال لى ولكم تلك الدار الآخرة نجعلها للذين لا يريدون علوا في الارض ولا فسادا والعاقبة للمتقين وقال أليس في جهنم مثوى للمتكبرين (ثم سألوه) عن مغسله فقال الادنون من أهلى (وسألوه) عن الكفن فقال في ثيابي هذه أو ثياب مصر أو حلة يمانية (وسألوه) عن الصلاة عليه فقال ضعوني على سريري في بيتى على شفير قبري ثم اخرجوا عنى ساعة حتى تصل على الملائكة ثم ادخلوا فوجا بعد فوج فصلوا وليبدأ رجال أهلى ثم نساؤهم (وسالوه) عمن يدخله القبر قال أهلى ثم قال أئتونى بدواة وقرطاس اكتب لكم كتابا لا تضلوا بعده فتنازعوا وقال بعضهم أهجر يستفهم ثم ذهبوا يعيدون عليه ثم قال دعوني فما أنا فيه خير مما تدعونني إليه (وأوصى بثلاث) أن يخرجوا المشركين من جزيرة العرب وان يجيزوا الوفد كما كان يجيزهم وسكت عن الثالثة أو نسيها الراوى وأوصى بالانصار فقال انهم كرشى وعيبتى التى أويت إليها فأكرموا كريمهم وتجاوزوا عن مسيئهم قد أصبحتم يا معشر المهاجرين تزيدون والانصار لا يزيدون ثم قال سدوا هذه الابواب
في المسجد الا باب أبى بكر فانى لا أعلم أمرأ أفضل يدا عندي في الصحبة من أبى بكر ولو كنت متخذا خليلا لاتخذت أبا بكر خليلا ولكن صحبة اخاء وايمان حتى يجمعنا الله عنده ثم ثقل به الوجع وأغمى عليه فاجتمع إليه نساؤه وبنوه وأهل بيته والعباس وعلى ثم حضر وقت الصلاة فقال مروا أبا بكر فليصل بالناس فقالت عائشة انه رجل أسيف لا يستطيع أن يقوم مقامك فمر عمر فامتنع عمر وصلى أبو بكر ووجد رسول الله صلى الله عليه وسلم خفة فخرج فلما أحس أبو بكر تأخر فجذبه رسول الله صلى الله عليه وسلم وأقامه مكانه وقرأ من حيث انتهى أبو بكر ثم كان أبو بكر يصلى بصلاته والناس بصلاة أبى بكر قيل صلوا كذلك سبع عشرة صلاة وكان يدخل يده في القدح وهو في في النزع فيمسح وجهه بالماء ويقول اللهم أعنى على سكرات الموت فلما كان يوم الاثنين وهو يوم وفاته خرج إلى صلاة الصبح عاصبا رأسه وأبو بكر يصلى فنكص عن صلاته ورده رسول الله صلى الله عليه وسلم بيده وصلى قاعدا عن يمينه ثم أقبل على الناس بعد الصلاة فوعظهم وذكرهم (ولما فرغ من كلامه) قال له أبو بكر انى أراك أصبحت بنعمة الله وفضله كما نحب وخرج إلى أهله في السنح ودخل رسول الله صلى الله عليه وسلم في بيته فاضطجع في حجرة عائشة ودخل عبد الرحمن بن أبى بكر عليه وفى يده سواك(2/62)
أخضر فنظر إليه وعرفت عائشة انه يريده قالت فمضغته حتى لان وأعطيته اياه فاستن به ثم وضعه ثم ثقل في حجري فذهبت انظر في وجهه فإذا بصره قد شخص وهو يقول الرفيق الاعلى من الجنة فعلمت انه خير فاختار (وكانت تقول) قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم بين سحري ونحرى وذلك نصف نهار يوم الاثنين لليلتين من شهر ربيع الاول ودفن من الغد نصف النهار من يوم الثلاثاء ونادى النعى في الناس بموته وأبو بكر غائب في أهله بالسنح وعمر حاضر فقام في الناس وقال ان رجالا من المنافقين زعموا ان رسول الله صلى الله عليه وسلم مات وانه لم يمت وانه ذهب إلى ربه كما ذهب موسى وليرجعن
فيقطعن أيدى رجال وأرجلهم وأقبل أبو بكر حين بلغه الخبر فدخل على رسول الله صلى الله عليه وسلم فكشف عن وجهه وقبله وقال بأبى انت وامى قد ذقت الموتة التى كتب الله عليك ولن يصيبك بعدها موتة أبدا وخرج إلى عمر وهو يتكلم فقال أنصت فأبى وأقبل على الناس يتكلم فجاؤا إليه وتركوا عمر فحمد الله وأثنى عليه وقال أيها الناس من كان يعبد محمدا فان محمدا قد مات ومن كان يعبد الله فان الله حى لا يموت ثم تلا وما محمد الا رسول قد خلت من قبله الرسل الآية فكأن الناس لم يعلموا ان هذه الآية في المنزل قال عمر فما هو الا أن سمعت أبا بكر يتلوها فوقعت إلى الارض ما تحملني رجلاى وعرفت انه قد مات وقيل تلا معها انك ميت وانهم ميتون الآية وبينما هم كذلك إذ جاء رجل يسعى بخبر الانصار انهم اجتمعوا في سقيفة بنى ساعدة يبايعون سعد بن عبادة ويقولون منا أمير ومن قريش أمير فانطلق أبو بكر وعمرو وجماعة المهاجرين إليهم وأقام على وعباس وابناه الفضل وقثم واسامة بن زيد يتولون تجهيز رسول الله صلى الله عليه وسلم فغسله على مسنده إلى ظهره والعباس وابناه يقلبونه معه واسامة وشقران يصبان الماء وعلى يدلك من وراء القميص لا يفضى إلى بشرته بعد ان كانوا اختلفوا في تجهيزه ثم أصابتهم سنة فخفقوا وسمعوا من وراء البيت ان اغسلوه وعليه ثيابه ففعلوا ثم كفنوه في ثوبين صحاريين وبرد حبرة ادرج فيهن ادراجا واستدعوا حفارين أحدهما يلحد والآخر يشق ثم بعث اليهما العباس رجلين وقال اللهم خر لرسولك فجاء الذى يلحد وهو أبو طلحة زيد بن سهل كان يحفر لاهل المدينة فلحد لرسول الله صلى الله عليه وسلم (ولما فرغوا من جهازه يوم الثلاثاء) وضع على سرير بيته واختلفوا أيدفن في مسجده أو بيته فقال أبو بكر سمعته صلى الله عليه وسلم يقول ما قبض نبى الا يدفن حيث قبض فرفع فراشه الذى قبض عليه وحفر له تحته ودخل الناس يصلون عليه أفواجا الرجال ثم النساء ثم الصبيان ثم العبيد لا يؤم أحدهم أحدا ثم دفن من وسط الليل ليلة الاربعاء وعن عائشة لاثنتى عشرة ليلة من ربيع الاول فكملت سنو الهجرة عشر(2/63)
سنين كوامل وتوفى وهو ابن ثلاث وستين سنة وقيل خمس وستين سنة وقيل ستين * (خبر السقيفة) * لما قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم ارتاع الحاضرون لفقده حتى ظن انه لم يمت واجتمعت الانصار في سقيفة بنى ساعدة يبايعون سعد بن عبادة وهم يرون ان الامر لهم بما آووا ونصروا وبلغ الخبر إلى أبى بكر وعمر فجاؤا إليهم ومعهم أبو عبيدة ولقيهم عاصم بن عدى وعويم بن ساعدة فأرادوهم على الرجوع وخفضوا عليهم الشان فأبوا الا أن يأتوهم فأتوهم في مكانهم ذلك فأعجلوهم عن شأنهم وغلبوهم عليه جماحا وموعظة (وقال أبو بكر) نحن أولياء النبي وعشيرته وأحق الناس بأمره ولا ننازع في ذلك وأنتم لكم حق السابقة والنصرة فنحن الامراء وأنتم الوزراء (وقال) الحباب بن المنذر بن الجموح منا أمير ومنكم أمير وان أبو افاجلوهم يا معشر الانصار عن البلاد فبأسيافكم دان الناس لهذا الدين وان شئتم أعدناها جذعة أنا جذيلها المحكك وعذيفها المرجب (وقال عمر) ان رسول الله صلى الله عليه وسلم أوصانا بكم كما تعلمون ولو كنتم الامراء لاوصاكم بنا ثم وقعت ملاحاة بين عمر وابن المنذر وأبو عبيدة يخفضهما اتقوا الله يا معشر الانصار أنتم أول من نصر وآزر فلا تكونوا أول من بدل وغير فقام بشير بن سعد بن النعمان بن كعب بن الخزرج فقال ألا ان محمدا من قريش وقومه أحق وأولى ونحن وان كنا أولى فضل في الجهاد وسابقة في الدين فما أردنا بذلك الا رضى الله وطاعة نبيه فلا نبتغى به من الدنيا عوضا ولا نستطيل به على الناس فقال الحباب بن المنذر نفست والله عن ابن عمك يا بشير فقال لا والله ولكن كرهت ان أنازع قوما حقهم فاشار أبو بكر إلى عمر وأبى عبيدة فامتنعا وبايعا أبا بكر وسبقهما إليه بشير بن سعد ثم تناجى الاوس فيما بينهم وكان فيهم اسيد بن حضير أحد النقباء وكرهوا امارة الخزرج عليهم وذهبوا إلى بيعة أبى بكر فبايعوه وأقبل الناس من كل جانب
يبايعون أبا بكر وكادوا يطأون سعد بن عبادة فقال ناس من أصحابه اتقوا سعدا لا تقتلوه فقال عمر اقتلوه قتله الله وتماسكا فقال أبو بكر مهلا يا عمر الرفق هنا ابلغ فاعرض عمر ثم طلب سعد في البيعة فأبى وأشار بشير بن سعد بتركه وقال انما هو رجل واحد فأقام سعد لا يجتمع معهم في الصلاة ولا يفيض معهم في الحديث حتى هلك أبو بكر ونقل الطبري أن سعدا بايع يومئذ وفى أخبارهم انه لحق بالشام فلم يزل هنا لك حتى مات وان الجن قتلته وينشدون البيتين الشهيرين وهما نحن قتلنا سيد الخز * رج سعد بن عباده فرميناه بسهم * - ين فلم نخط فؤاده -(2/64)
{ الخبر عن الخلافة الاسلامية في هذه الطبقة وما كان فيها من الردة والفتوحات وما حدث بعد ذلك من الفتن والحروب في الاسلام ثم الاتفاق والجماعة } ولما قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان أمر السقيفة كما قدمناه اجمع المهاجرون والانصار على بيعة أبى بكر ولم يخالف إلا سعد إن صح خلافه فلم يلتفت إليه لشذوذه وكان من أول ما اعتمده إنفاذ بعث اسامة وقد ارتدت العرب إما القبيلة مستوعبة وإما بعض منها ونجم النفاق والمسلمون كالغنم في الليلة الممطرة لقلتهم وكثرة عدوهم واظلام الجو بفقد نبيهم ووقف اسامة بالناس ورغب من عمر التخلف عن هذا البعث والمقام مع أبى بكر شفقة من أن يدهمه أمر وقالت له الانصار فان أبى الا المضى فليول علينا أسن من أسامة فابلغ عمر ذلك كله أبا بكر فقام وقعد وقال لا أترك أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى أخرج وأنفذه ثم خرج حتى أتاهم فأشخصهم وشيعهم وأذن لعمر في الشخوص وقال أوصيكم بعشر فاحفظوها على لا تخونوا ولا تغلوا ولا تغدروا ولا تمثلوا ولا تقتلوا الطفل ولا الشيخ ولا المرأة ولا تغرقوا نخلا ولا تحرقوه ولا تقطعوا شجرة ولا تذبحوا شاة ولا بقرة ولا بعيرا الا للاكل وإذا مررتم بقوم فرغوا
انفسهم في الصوامع فدعوهم وما فرغوا أنفسهم له وإذا لقيتم أقواما فحصوا أواسط رؤسهم وتركوا حولها فتل العصاب فاضربوا بالسيف ما فحصوا عنه فإذا قرب عليكم الطعام فاذكروا اسم الله عليه وكلوا يا أسامة اصنع ما أمرك به نبى الله ببلاد قضاعة ثم أنت آفل ولا تقصر في شئ من امر رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم ودعه من الجرف ورجع وقد كان بعث معه من القبائل من حول المدينة الذين لهم الهجرة في ديارهم وحبس من بقى منهم فصار مسالح حول قبائلهم ومضى اسامة مغذا وانتهى لما أمر النبي صلى الله عليه وسلم وبعث الجنود في بلاد قضاعة وأغار على أبنى فسبى وغنم ورجع لاربعين يوما وقيل لسبعين ولم يحدث أبو بكر في مغيبه شيئا وقد جاء الخبر بارتداد العرب عامة وخاصة الا قريشا وثقيفا واستغلظ أمر مسيلمة واجتمع على طليحة عوام طيئ وأسد وارتدت غطفان وتوقفت هوازن فأمسكوا الصدقة وارتد خواص من بنى سليم وكذا سائر الناس بكل مكان وقدمت رسل النبي صلى الله عليه وسلم من اليمن واليمامة وبنى أسد ومن الامراء من كل مكان بانتقاض العرب عامة أو خاصة وحاربهم بالكتب والرسل وانتظر بمصادمتهم قدوم أسامة فعاجلته عبس وذبيان ونزلوا في الابرق ونزل آخرون بذى القصة ومعهم حبال من بنى أسد ومن انتسب إليهم من بنى كنانة وبعثوا وفدا إلى أبى بكر نزلوا على وجوه من الناس يطلبون الاقتصار على الصلاة دون الزكاة فأبى أبو بكر من ذلك وجعل على أنقاب المدينة عليا والزبير وطلحة وعبد الله(2/65)
ابن مسعود وأخذ أهل المدينة بحضور المسجد ورجع وفد المرتدين وأخبروا قومهم بقلة أهل المدينة فأغاروا على من كان بانقاب المدينة فبعثوا إلى أبى بكر فخرج في أهل المسجد على النواضح فهربوا والمسلمون في اتباعهم إلى ذى خشب ثم نفروا ابل المسلمين بلعبات اتخذوها فنفرت ورجعت بهم وهم لا يملكونها إلى المدينة ولم يصبهم شئ وظن القوم بالمسلمين الوهن فبعثوا إلى أهل ذى القصة يستقدمونهم ثم خرج أبو بكر في التعبية
وعلى ميمنته النعمان بن مقرن وعلى ميسرته عبد الله بن مقرن وعلى الساقة سويد بن مقرن وطلع عليهم مع الفجر واقتتلوا فما ذر قرن الشمس الا وقد هزموهم وغنموا ما معهم من الظهر وقتل حبال واتبعهم أبو بكر إلى ذى القصة فجهز بها النعمان بن مقرن في عدد ورجع إلى المدينة ووثب بنو ذبيان وعبس على من كان فيهم من المسلمين فقتلوهم وفعل ذلك غيرهم من المرتدين وحلف أبو بكر ليقتلن من المشركين مثل من قتلوه من المسلمين وزيادة واعتز المسلمون بوقعة أبى بكر وطرقت المدينة صدقات وقدم أسامة فاستخلفه أبو بكر على المدينة وخرج في نفر إلى ذى خشب والى ذى القصة ثم سار حتى نزل على أهل الربذة بالابرق وبها عبس وذبيان وبنو بكر من كنانة وثعلبة بن سعد ومن يليهم من مرة فاقتتلوا وانهزم القوم وأقام أبو بكر على الابرق وحرم تلك البلاد على بنى ذبيان ثم رجع المدينة (ردة اليمن) توفى رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلى مكة وبنى كنانة عتاب ابن أسيد وعلى الطائف وأرضها عثمان بن أبى العاص على المدر ومالك بن عوف على الوبر وعلى عجز هوازن عكرمة بن أبى جهل وعلى نجران وأرضها عمرو بن حزم على الصلاة وأبو سفيان بن حرب على الصدقات وعلى ما بين زمع وزبيد إلى نجران خالد بن سعيد بن العاص وعلى همدان كلها عامر بن شهر الهمداني وعلى صنعاء فيروز الديلمى ومسانده دادويه وقيس بن مكشوح المرادى رجعوا إليها بعد قتل الاسود وعلى الجند يعلى بن أمية وعلى مأرب أبو موسى الاشعري وعلى الاشعريين وعك الطاهر بن أبى هالة وعلى حضر موت زياد بن لبيد البياضى وعكاشة بن ثور بن أصفر الغوثى وعلى كندة المهاجر بن أبى أمية وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم غضب عليه في غزوة تبوك فاسترضته له أم سلمة وولاه على كندة ومرض فلم يصل إليها وأقام زياد بن لبيد ينوب عنه وكان معاذ ابن جبل يعلم القرآن باليمن يتنقل على هؤلاء وعلى هؤلاء في أعمالهم وثار الاسود في حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم وحاربه بالرسل وبالكتب فقتله الله وعاد الاسلام في اليمن كما كان فلما بلغهم الموت انتقضت اليمن وارتد أهلها في جميع النواحى وكانت
الفالة من جند العنسى بين نجران وصنعاء لا يأوون إلى أحد ورجع عمرو بن حزم إلى المدينة واتبعه خالد بن سعيد وكان عمرو بن معد يكرب بالجبال حيال فروة بن مسيك(2/66)
وابن مكشوح وتحيل في قتل الابناء فيروز ودادويه وخشنش والاستبداد بصنعاء وبعث إلى الفالة من جيش الاسود يغريهم بالابناء ويعدهم المظاهرة عليهم فجاؤا إليه وخشى الابناء غائلتهم وفزعوا إليه فأظهر لهم المناصحة وهيا طعاما فجمعهم له ليغدر بهم فظفر بدادويه وهرب فيروز وخشنش وخرج قيس في أثرهما فامتنعا بخولان أخوال فيروز وثار قيس بصنعاء وجبى ما حولها وجمع الفالة من جنود الاسود إليه وكتب فيروز إلى أبى بكر بالخبر فكتب له بولاية صنعاء وكتب إلى الطاهر بن أبى هالة باعانته والى عكاشة بن ثور بأن يجمع أهل تهامة ويقيم بمكانه وكتب إلى ذى الكلاع سميفع وذى ظليم حوشب وذى تبان شهر باعانة الابناء وطاعة فيروز وان الجند يأتيهم وأرسل إليهم قيس بن مكشوح يغريهم بالابناء فاعتزل الفريقان واتبعت عوامهم قيس بن مكشوح في شأنه وعمد قيس إلى عيلات الابناء الذين مع فيروز فغر بهم واخرجهم من اليمن في البر والبحر وعرضهم للنهبى فأرسل فيروز إلى بنى عقيل بن ربيعة والى عك يستصرخهم فاعترضوا عيال فيروز والابناء الذين معه فاستنقذوهم وقتلوا من كان معه وجاؤا إلى فيروز فقاتلوا معه قيس بن مكشوح دون صنعاء فهزموه ورجع إلى المكان الذى كان به مع فالة الاسود العنسى وانضاف قيس إلى عمرو بن معد يكرب وهو مرتد منذ تنبأ الاسود العنسى وقام حيال فروة بن مسيك وقد كان فروة وعمرو أسلما وكذلك قيس واستعمل رسول الله صلى الله عليه وسلم قيسا على صدقات مراد وكان عمرو قد فارق قومه سعد العشيرة مع بنى زبيد واحلافها وانحاز إليهم فأسلم معهم وكان فيهم فلما انتقض الاسود واتبعه عوام مذحج كان عمرو فيمن اتبعه وأقام فروة فيمن معه على الاسلام فولى الاسود عمرا وجعله بحياله وكانت كندة قد ارتدوا وتابعوا الاسود
العنسى بسبب ما وقع بينهم وبين زياد الكندى في أمر فريضة من فرائض الصدقة أطلقها بعض بنى عمرو بن معاوية بعد أن وقع عليها ميسم الصدقة غلطا فقاتلهم زياد وهزمهم فاتفق بنو معاوية على منع الصدقة والردة الا شراحيل بن السمط وابنه وأشير على زياد بمعاجلتهم قبل أن ينضم إليهم بعض السكاسك وحضر موت وأبضعة وجمد ومشرح ومخوس وأختهم العمردة وهرب الباقون ورجع زياد بالسبي والغنائم ومر بالاشعث بن قيس وبنى الحرث بن معاوية واستغاث نساء السبى فغار الاشعث وتنقذهم ثم جمع بنى معاوية كلهم ومن أطاعه من السكاسك وحضر موت وأقام على ردته وكان أبو بكر قد حارب أهل الردة أولا بالكتب والرسل ولم يرسل إلى من ارتد وابتدأ بالمهاجرين والانصار ثم استنفر كلا على من يليه حتى فرغ من آخر أمور الناس لا يستعين بمرتد وكتب إلى عتاب بن أسيد بمكة وعثمان بن أبى العاصى بالطائف بركوب(2/67)
من ارتد بمن لم يرتد وثبت على الاسلام من أهل عملهما وقد كان اجتمع بتهامة أو شاب من مدلج وخزاعة فبعث عتاب إليهم ففرقهم وقتلهم واجتمع بشنوءة جمع من الازد وخثعم وبجيلة فبعث إليهم عثمان بن أبى العاصى من فرقهم وقتلهم واجتمع بطريق الساحل من تهامة جموع من عك والاشعريين فسار إليهم الطاهر بن أبى هالة ومعه مسروق العكى فهزموهم وقتلوهم وأقام بالاجناد ينتظر أمر أبى بكر ومعه مسروق العكى وبعث أهل نجران من بنى الافعى الذين كانوا بها قبل بنى الحرث وهم في أربعين ألف مقاتل وجاء وفدهم يطلبون امضاء العهد الذى بأيديهم من النبي صلى الله عليه وسلم فامضاه أبو بكر الا ما نسخه الوحى بأن لا يترك دينان بارض العرب ورجعت رسل النبي صلى الله عليه وسلم الذين كان بعثهم عند انتقاض الاسود العنسى وهم جرير بن عبد الله والاقرع ووبر بن يحنس فرد أبو بكر جريرا ليستنفر من ثبت على الاسلام على من ارتد ويقاتل خثعم الذين غضبوا لهدم ذى الخلصة فيقتلهم ويقيم بنجران فنفذ
لما أمره به ولم يمر به أحد الا رجال قليل تتبعهم بالقتل وسار إلى نجران وكتب أبو بكر إلى عثمان بن أبى العاص أن يضرب البعوث على مخاليف أهل الطائف فضرب على كل مخلاف عشرين وأمر عليهم أخاه وكتب إلى عتاب بن أسيد أن يضرب على مكة وعملها خمسمائة بعث وأمر عليهم أخاه خالدا وأقاموا ينتظرون ثم أمر المهاجر بن أبى أمية بان يسير إلى اليمن ليصلح من أمره ثم ينفذ إلى عمله وأمره بقتال من بين نجران وأقصى اليمن ففصل لذلك ومر بمكة والطائف فسار معهم خالد بن أسيد وعبد الرحمن بن أبى العاص بمن معهما ومر بجرير بن عبد الله وعكاشة بن ثور فضمهما إليه ثم مر بنجران وانضم إليه فروة بن مسيك وجاءه عمرو بن معد يكرب وقيس بن مكشوح فأوثقهما وبعث بهما إلى أبى بكر وسار إلى لقائه فتتبعهم بالقتل ولم يؤمنهم فقتلوا بكل سبيل وحضر قيس عند أبى بكر فحظر قتل دادويه ولم يجد أمرا جليا في أمره وتاب عمرو بن معد يكرب واستقال فاقالهما وردهما وسار المهاجر حتى نزل صنعاء وتتبع شذاذ القبائل فقتل من قدر على وقبل توبة من رجع إليه وكتب إلى أبى بكر بدخوله صنعاء فجاءه الجواب بأن يسير إلى كندة مع عكرمة بن أبى جهل وقد جاءه من ناحية عمان ومعه خلق كثير من مهرة والازد وناجية وعبد القيس وقوم من مالك بن كنانة وبنى العنبر وقدم أبين وأقام بها لاجتماع النخع وحمير ثم سار مع المهاجر إلى كندة وكتب زياد إلى المهاجر يستحثه فلقيه الكتاب بالمفازة بين مأرب وحضر موت فاستخلف عكرمة على الناس وتعجل إلى زياد ونهدوا إلى كندة وعليهم الاشعث بن قيس فهزموهم وقتلوهم وفروا إلى النجير حصن لهم فتحصنوا فيه مع من استغووه من السكاسك وشذاذ السكون وحضر موت وسدوا(2/68)
عليهم الطريق الا واحدة جاء عكرمة بعدهم فسدها وقطعوا عنهم المدد وخرجوا مستميتين في بعض الايام فغلبوهم وأحرجوهم واستأمن الاشعث إلى عكرمة بما كانت أسماء بنت النعمان بن الجون تحته فخرج إليه وجاء به إلى المهاجر وأمنه في أهله وماله
وتسعة من قومه على أن يفتح لهم الباب فاقتحمه المسلمون وقتلوا المقاتلة وسبوا الذرية فكان في السبى الف امرأة فلما فرغ من النجير دعا بكتاب الامان من الاشعث وإذا هو قد كتب غرض نفسه في التسعة رجلا من أصحابه فأوثقه كتافا وبعث به إلى أبى بكر ينظر في أمره فقدم مع السبايا والاسرى فقال له أبو بكر أقتلك قال انى راودت القوم على عشرة وأتيناهم بالكتاب مختومة فقال أبو بكر انما الصلح على من كان في الصحيفة واما غير ذلك فهو مردود فقال يا أبا بكر احتسب في وأقلني واقبل اسلامي ورد على زوجتى وقد كان تزوج أم فروة أخت أبى بكر حين قدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم وأخرها إلى أن يرجع فأطلقه أبو بكر وقبل اسلامه ورد عليه زوجته وقال ليبلغني عنك خير ثم خلى عن القوم فذهبوا وقسم الانفال * (بعث الجيوش للمرتدين) * لما قدم أسامة ببعث الشأم على أبى بكر استخلفه على المدينة ومضى إلى الربذة فهزم بنى عبس وذبيان وكنانة بالابرق ورجع إلى المدينة كما قدمناه حتى إذا استجم جند أسامة وتاب من حوالى المدينة خرج إلى ذى القصة على بريد من تلقاء نجد فعقد فيها أحد عشر لواء على أحد عشر جندا لقتال اهل الردة وأمر كل واحد باستنفار من يليه من المسلمين من كل قبيلة وترك بعضها لحماية البلاد فعقد لخالد بن الوليد وأمره بطليحة وبعده لمالك بن نويرة بالبطاح ولعكرمة بن أبى جهل وأمره بمسيلمة واليمامة ثم أردفه بشرحبيل ابن حسنة وقال له إذا فرغت من اليمامة فسر إلى قتال قضاعة ثم تمضى إلى كندة بحضر موت ولخالد بن سعيد بن العاصى وقد كان قدم بعد الوفاة إلى المدينة من اليمن وترك أعماله فبعثه إلى مشارف الشأم ولعمرو بن العاصى إلى قتال المرتدة من قضاعة ولحذيفة بن محصن وعرفجة بن هرثمة فحذيفة لاهل دبا وعرفجة لمهرة وكل واحد منهما أمير في عمله على صاحبه ولطريفة بن حاجز وبعثه إلى بنى سليم ومن معهم من هوازن ولسويد بن مقرن وبعثه إلى تهامة اليمن وللعلاء بن الحضرمي وبعثه إلى البحرين وكتب
إلى الامراء عهودهم بنص واحد بسم الله الرحمن الرحيم هذا عهد من أبى بكر خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم لفلان حين بعثه فيمن بعثه لقتال من رجع عن الاسلام وعهد إليه ان يتقى الله ما استطاع في أمره كله سره وجهره وأمره بالجد في أمر الله ومجاهدة من تولى عنه ورجع عن الاسلام إلى أمانى الشيطان بعد أن يعذر إليهم(2/69)
فيدعوهم بدعاية الاسلام فان اجابوه أمسك عنهم وان لم يجيبوه شن غارته عليهم حتى يقروا له ثم ينبئهم بالذى عليهم والذى لهم فيأخذ ما عليهم ويعطيهم الذى لهم لا ينظرهم ولا يرد المسلمين عن قتال عدوهم فمن أجاب إلى أمر الله عزوجل وأقر له قبل ذلك منه وأعانه عليه بالمعروف وانما يقاتل من كفر بالله على الاقرار بما جاء من عند الله فإذا أجاب الدعوة لم يكن عليه سبيل وكان الله حسيبه بعد فيما استسر به ومن لم يجب إلى داعية الله قتل وقوتل حيث كان وحيث بلغ مراغمة لا يقبل الله من أحد شيئا مما أعطى الا الاسلام فمن أجابه وأقر قبل منه وأعانه ومن أبى قاتله فان أظهره الله عليه عزوجل قتلهم فيه كل قتلة بالسلاح والنيران ثم قسم ما أفاء الله عليه الا الخمس فانه يبلغناه ويمنع أصحابه العجلة والفساد وأن لا يدخل فيهم حشوا حتى يعرفهم ويعلم ما هم لئلا يكونوا عيونا ولئلا يؤتى المسلمون من قبلهم وأن يقتصد بالمسلمين ويرفق بهم في السير والمنزل ويتفقدهم ولا يعجل بعضهم عن بعض ويستوصى بالمسلمين في حسن الصحبة ولين القول انتهى (وكتب) إلى كل من بعث إليه الجنود من المرتدة كتابا واحدا في نسخ كثيرة على يد رسل تقدموا بين أيديهم نصه بعد البسملة هذا عهد من أبى بكر خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى من بلغه كتابي هذا من عامة أو خاصة أقام على الاسلام أو رجع عنه سلام على من اتبع الهدى ولم يرجع إلى الضلالة والهوى فانى أحمد اليكم الله الذى لا اله الا هو وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله وأو من بما جاء به وأكفر من أبى وأجاهده أما بعد ثم قرر أمر النبوة ووفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم وأطنب
في الموعظة ثم قال وانى بعثت اليكم فلانا في جيش من المهاجرين والانصار والتابعين باحسان وأمرته ألا يقاتل أحدا ولا يقتله حتى يدعوه إلى داعية الله فمن استجاب له وأقر وكف وعمل صالحا قبل منه وأعانه ومن أبى أمرته أن يقاتله على ذلك ثم لا يبقى على أحد منهم قدر عليه فمن اتبعه فهو خير له ومن تركه فلن يعجز الله وقد أمرت رسولي أن يقرأ كتابي في كل مجمع لكم والداعية الاذان فإذا أذن المسلمون فأذنوا كفوا عنهم وان لم يؤذنوا فاسألوهم بما عليهم فان أبوا عاجلوهم وان أقروا قبل منهم وحملهم على ما ينبغى لهم انتهى فنفذت الرسل بالكتب أمام الجنود وخرجت الامراء ومعهم العهود وكان أول ما بدأ به خالد طليحة وبنى أسد * (خبر طليحة) * كان طليحة قد ارتد في حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان كاهنا فادعى النبوة واتبعه أفاريق من بنى اسرائيل ونزل سميراء وبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم ضرار ابن الازور إلى قتاله مع جماعة فاجتمع عليهم المسلمون وهم ضرار بمناجزته فاتى الخبر(2/70)
بموت النبي صلى الله عليه وسلم فاستطار أمر طليحة واجتمعت إليه غطفان وهوازن وطيئ وفر ضرار ومن معه من العمال إلى المدينة وقدمت وفودهم على أبى بكر في الموادعة على ترك الزكاة فأبى من ذلك وخرج كما قدمناه إلى غطفان وأوقع بهم بذى القصة فانضموا بعد الهزيمة إلى طليحة وبنى أسد ببزاخة وكذلك فعلت طيئ وأقامت بنو عامر وهوازن ينتظرون وحمل خالد إلى طليحة ومعه عيينة بن حصن على بزاخة من مياه بنى أسد وأظهر أنه يقصد خيبر ثم ينزل إلى سلمى وأجأ فيبدأ بطيئ وكان عدى بن حاتم قد خرج معه في الجيش فقال له أنا أجمع لك قبائل طى يصحبونك إلى عدوك وسار إليهم فجاء بهم وبعث خالد عكاشة بن محصن وثابت بن أقرم من الانصار طليعة ولقيهما طليحة وأخوه فقتلاهما ومر بهما المسلمون فعظم عليهم قتلهما ثم عبى خالد كتائبه وثابت
ابن قيس على الانصار وعدى بن حاتم على طى ولقى القوم فقاتلهم وعيينة بن حصن مع طليحة في سبعمائة من غطفان واشتد المجال بينهم وطليحة في عباءة يتكذب لهم في انتظار الوحى فجاء عيينة بعد ما ضجر من القتال وقال هل جاءك أحد بعد قال لا ثم راجعه ثانية ثم ثالثة فقال جاء وقال ان لك رحى كرحاه وحديثا لا تنساه فقال عيينة يا بنى فزارة الرجل كذاب وانصرف فانهزموا وقتل من قتل وأسلم الناس طليحة فوثب على فرسه واحتقب امرأته فنجا بها إلى الشأم ونزل في كلب من قضاعة على النقع حتى أسلمت أسد وغطفان فأسلم ثم خرج معتمرا أيام عمر ولقيه بالمدينة فبايعه وبعثه في عساكر الشأم فابلى في الفتح ولم يصب عيالات بنى أسد في واقعة بزاخة شى لانهم كانوا أخرجوهم في الحصون عند واسط وأسلموا خشية على ذراريهم * (خبر هوازن وسليم وبنى عامر) * كان بنو عامر ينتظرون أمر طليحة وما تصنع أسد وغطفان حتى أحيط بهم وكان قرة بن هبيرة في كعب وعلقمة بن علاثة في كلاب وكان علقمة قد ارتد بعد فتح الطائف ولما قبض النبي صلى الله عليه وسلم رجع إلى قومه وبلغ أبا بكر خبره فبعث إليه سرية مع القعقاع ابن عمرو ومن بنى تميم فأغار عليهم فأفلت وجاء بأهله وولده وقومه فأسلموا وكان قرة بن هبيرة قد لقى عمرو بن العاصى منصرفه من عمان بعد الوفاة وأضافه وقال له اتركوا الزكاة فان العرب لا تدين لكم بالاتاوة فغضب لها عمرو وأسمعه وأبلغها أبا بكر فلما أوقع خالد ببنى أسد وغطفان وكانت هوازن وسليم وعامر ينتظرون أمرهم فجاؤا إلى خالد وأسلموا وقبل منهم الاسلام الا من عدا على أحد من المسلمين أيام الردة فانه تتبعهم فأحرق وقمط ورضخ بالحجارة ورمى من رؤس الجبال ولما فرغ من أمر بنى عامر أوثق عيينة بن حصن وقرة بن هبيرة وبعث بهما إلى أبى بكر فتجاوز لهما حقن دماءهما ثم اجتمعت قبائل(2/71)
غطفان إلى سلمى بنت مالك بن حذيفة من بدر بن ظفر في الحوأب فنزلوا إليها وتذامروا
وكانت سلمى هذه قد سبيت قبل وأعتقتها عائشة وقال لها النبي صلى الله عليه وسلم يوما وقد دخل عليها وهى في نسوة ببيت عائشة فقال ان احداكن تستنبح كلاب الحوأب وفعلت ذلك واجتمع إليها الفلال من غطفان وهوازن وسليم وطى وأسد وبلغ ذلك خالدا وهو يتبع الثأر ويأخذ الصدقات فسار إليهم وقاتلهم وسلمى واقفة على جملها حتى عقر وقتلت وقتل حول هودجها مائة رجل فانهزموا وبعث خالد بالفتح على أثره بعده بعشرين ليلة وأما بنو سليم فكان الفجاءة بن عبد يا ليل قدم على أبى بكر يستعينه مدعيا اسلامه ويضمن له قتال أهل الردة فأعطاه وأمره وخرج إلى الجون وارتد وبعث نجبة بن أبى المثنى من بنى الشريد وأمره بشن الغارة على المسلمين في سليم وهوازن فبعث أبو بكر إلى طريفة بن حاجز قائده على جرهم وأعانه بعبد الله بن قيس الحاسبى فنهضا إليه ولقياه فقتل نجبة وهرب الفجاءة فلحقه طريفة فأسره وجاء به إلى أبى بكر فأوقد له في مصلى المدينة حطبا ثم رمى به في النار مقموطا وفاءت بنو سليم كلهم وفاء معهم أبو شجرة بن عبد العزى أبو الخنساء وكان فيمن ارتد * (خبر بنى تميم وسجاح) * قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم وعماله في بنى تميم الزبرقان بن بدر على الرباب وعوف والابناء وقيس بن عاصم على المقاعس والبطون وصفوان بن صفوان وسبرة بن عمرو على بنى عمرو ووكيع بن مالك على بنى مالك ومالك بن نويرة على حنظلة فجاء صفوان إلى أبى بكر حين بلغته الوفاة بصدقات بنى عمرو وجاء الزبرقان بصدقات أصحابه وخالفه قيس بن عاصم في المقاعس والبطون لانه كان ينتظره وبقى من أسلم منهم متشاغلا بمن تربص أو ارتاب وبينما هم على ذلك فجئتهم سجاح بنت الحارث بن سويد من بنى عقفان أحد بطون تغلب وكانت تنبأت بعد الوفاة واتبعها الهذيل بن عمران في بنى تغلب وعقبة ابن هلال في النمر والسليل بن قيس في شيبان وزياد بن بلال وكان الهذيل نصرانيا فترك دينه إلى دينها وأقبلت من الجزيرة في هذه الجموع قاصدة المدينة لتغزو أبا بكر والمسلمين
وانتهت إلى الجرف فدهم بنى تميم أمر عظيم لما كانوا عليه من اختلاف الكلمة فوادعها مالك بن نويرة وثناها عن الغزو وحرضها على بنى تميم ففروا امامها ورجع إليها وكيع بن مالك واجتمعت الرباب وضبة فهزموا أصحاب سجاح وأسروا منهم ثم اصطلحوا وسارت سجاح فيمن معها تريد المدينة فبلغت النباج فاعترضهم بنو الهجيم فيمن ناشب إليهم من بنى عمرو واغاروا عليهم فأسر الهذيل وعقبة ثم تحاجزوا على أن تطلق اسراهم ويرجعوا ولا يجتازوا عليهم ورجع عن سجاح مالك بن نويرة ووكيع بن مالك إلى(2/72)
قومهم ويئست سجاح واصحابها من الجواز عليهم ونهدت إلى بنى حنيفة وسار معها من تميم الزبرقان بن بدر وعطارد بن حاجب وعمرو بن الاهتم وغيلان بن حريث وشبث ابن ربعى ونظراؤهم وصانعها مسيلمة بما كان فيه من مزاحمة ثمامة بن اثال له في اليمامة وزحف شرحبيل بن حسنة والمسلمون إليه فاهدى لها واستأمنها وكانت نصرانية أخذت الدين من نصارى تغلب فقال لها مسيلمة نصف الارض لنا ونصف الارض لقريش لكنهم لم يعدلوا فقد جعلت نصفهم لك ويقال انها جاءت إليه واستأمنته وخرج إليها من الحصن إلى قبة ضربت لها بعد أن جمرها 3 فدخل إليها وتحرك الحرس حوالى القبة فسجع لها وسجعت له من أسجاع الفرية فشهدت له بالنبوة وخطبها لنفسه فتزوجته وأقامت عنده ثلاثا ورجعت اقومها فعذلوها في التزويج على غير صداق فرجعت إليه فقال لها ناد في أصحابك انى وضعت عنهم صلاة الفجر والعتمة مما فرض عليهم محمد وصالحته على أن يحمل لها النصف من غلات اليمامة فأخذته وسألت أن يسلفها النصف للعام القابل ودفعت الهذيل وعقبه لغضبه فهم على ذلك وإذا بخالد بن الوليد وعساكره قد أقبلوا فانفضت جموعهم وافترقوا ولحقت سجاح بالجزيرة فلم تزل في بنى تغلب حتى نقل معاوية عام الجماعة بنى عقفان عشيرتها إلى الكوفة وأسلمت حينئذ سجاح وحسن اسلامها ولما افترق وفد الزبرقان والاقرع على أبى بكر وقالا اجعل لنا
خراج البحرين ونحن نضمن لك أمرها ففعل وكتب لهم بذلك وكان طلحة بن عبيد الله يتردد بينهم في ذلك فجاء إلى عمر ليشهد في الكتاب فمزقه ومحاه وغضب طلحة وقال لابي بكر رضى الله عنه أنت الامير أم عمر رضى الله عنه فقال عمر غير ان الطاعة لى وشهد الاقرع والزبرقان مع خالد اليمامة والمشاهد كلها ثم مضى الاقرع مع شرحبيل إلى دومة * (البطاح ومالك بن نويرة) * لما انصرفت سجاح إلى الجزيرة وراجع بنو تميم الاسلام أقام مالك بن نويرة متحيرا في أمره واجتمع إليه من تميم بنو حنظلة واجتمعوا بالبطاح فسار إليهم خالد بعد ان تقاعد عنه الانصار يسألونه انتظار أبى بكر فأبى الا انتهاز الفرصة من هؤلاء فرجعوا إلى اتباعه ولحقوا به وكان مالك بن نويرة لما تردد في أمره فرق بنى حنظلة في أموالهم ونهاهم عن القتال ورجع إلى منزله ولما قدم خالد بعث السرايا يدعون إلى الاسلام ويأتون بمن لم يجب أن يقتلوه فجاؤا بمالك بن نويرة في نفر معه من بنى ثعلبة بن يربوع واختلفت السرية فيهم فشهد أبو قتادة أنهم أذنوا وصلوا فحبسهم عند ضرار بن الازور وكانت ليلة ممطرة فنادى مناديه أن أدفئوا أسراكم وكانت في لغة كنانة كناية(2/73)
عن القتل فبادر ضرار بقتلهم وكان كنانيا وسمع خالد الواعية فخرج متأسفا وقد فرغوا منهم وأنكر عليه أبو قتادة فزجره خالد فغضب ولحق بأبى بكر ويقال انهم لما جاؤا بهم إلى خالد خاطبه مالك بقوله فعل صاحبكم شان صاحبكم فقال له خالد أو ليس لك بصاحب ثم قتله وأصحابه كلهم ثم قدم خالد على أبى بكر وأشار عمر أن يقيد منه بمالك بن نويرة أو يعزله فأبى وقال ما كنت أشيم سيفا سله الله على الكافرين وودى مالكا وأصحابه ورد خالدا إلى عمله * (خبر مسيلمة واليمامة) *
لما بعث أبو بكر عكرمة بن أبى جهل إلى مسيلمة وأتبعه شرحبيل استعجل عكرمة فانهزم وكتب إلى أبى بكر بالخبر فكتب إليه لا ترجع فتوهن الناس وامض إلى حذيفة وعرفجة فقاتلوا مهرة وأهل عمان فإذا فرغتم فامض أنت وجنودك واستنفروا من مررتم عليه حتى تلقوا المهاجر بن أبى أمية باليمن وحضر موت وكتب إلى شرحبيل يمضى إلى خالد فإذا فرغتم فامض أنت إلى قضاعة فكن مع عمرو بن العاصى على من ارتد منهم ولما فرغ خالد من البطاح ورضى عنه أبو بكر بعثه نحو مسيلمة وأوعب معه الناس وعلى المهاجرين أبو حذيفة وزيد وعلى الانصار ثابت بن قيس والبراء بن عازب وتعجل خالد إلى البطاح وانتظر البعوث حتى قدمت عليه فنهض إلى اليمامة وبنو حذيفة يومئذ كثير يقال أربعون ألف مقاتل متفرقين في قراها وحجرها وتعجل شرحبيل كما فعل عكرمة بقتال مسيلمة فنكب وجاء خالد فلامه على ذلك ثم جاء خليط من عند أبى بكر مددا لخالد ليكون ردءا له من خلفه ففرت جموع كانت تجمعت هنا لك من فلال سجاح وكان مسيلمة قد جعل لها جعلا وكان الرجال بن عنفوة من اشراف بنى حنيفة شهد لمسيلمة بأن رسول الله صلى الله عليه وسلم أشركه معه في الامر لان الرجال كان قد هاجر وأقام مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وقرأ القرآن وتفقه في الدين فلما ارتد مسيلمة بعثه النبي صلى الله عليه وسلم معلما لاهل اليمامة ومشغبا على مسيلمة فكان أعظم فتنة على بنى حنيفة منه واتبع مسيلمة على شأنه وشهد له وكان يؤذن لمسيلمة ويشهد له بالرسالة بعد النبي صلى الله عليه وسلم فعظم شأنه فيهم وكان مسيلمة ينتهى إلى أمره وكان مسيلمة يسجع لهم باسجاع كثيرة يزعم أنها قرآن يأتيه ويأتى بمخارق يزعم أنها معجزات فيقع منها ضد المقصود ولما بلغ مسيلمة وبنى حنيفة دنو خالد خرجوا وعسكروا في منتهى ريف اليمامة واستنفروا الناس فنفروا إليهم وأقبل خالد ولقيه شرحبيل بن حسنة فجعله على مقدمته حتى إذا كان على ليلة من القوم هجموا على مجاعة في سرية أربعين أو ستين راجعين من بلاد بنى عامر وبنى تميم يثأرون فيهم(2/74)
فوجدوهم دون ثنية اليمامة فقتلوهم أجمعين وقيل له استبق مجاعة بن مرارة ان كنت تريد اليمامة فاستبقي ثم سار خالد ونازل بنى حنيفة ومسيلمة والرجال على مقدمة مسيلمة واشتدت الحرب وانكشف المسلمون حتى دخل بنو حنيفة خباء خالد ومجاعة بها اسير مع ام متمم 3 وزوجة خالد فدافعهم عنها مجاعة وقال نعمت الحرة ثم تراجع المسلمون وكروا على بنى حنيفة فقال المحكم بن الطفيل ادخلوا الحديقة يا بنى حنيفة فانى أمنع أدباركم فقاتل ساعة ثم قتله عبد الرحمن بن أبى بكر ثم تذامر المسلمون وقاتل ثابت بن قيس فقتل ثم زيد بن الخطاب ثم أبو حذيفة ثم سالم مولاه ثم البراء اخو أنس بن مالك وكان تأخذه عند الحرب رعدة حتى ينتفض ويقعد عليه الرجال حتى يبول ثم يثور كالاسد فقاتل وفعل الافاعيل ثم هزم الله العدو وألجاهم المسلمون إلى الحديقة وفيها مسيلمة فقال البراء ألقونى عليهم من أعلى الجدار فاقتحم وقاتلهم على باب الحديقة ودخل المسلمون عليهم فقتل مسيلمة وهو مربذ متساند لا يعقل من الغيظ وكان زيد بن الخطاب قتل الرجال بن عنفوة وكان خالد لما نازل بنى حنيفة ومسيلمة ودارت الرحى عليه طلب البراز فقتل جماعة ثم دعا مسيلمة للبراز والكلام محادثة يحاول فيه غرة وشيطانه يوسوس إليه ثم ركبه خالد فأرهقه وأدبروا وزالوا عن مراكزهم وركبهم المسلمون فانهزم وتطاير الناس عن مسيلمة بعد أن قالوا له أين ما كنت تعدنا فقال قاتلوا على أحسابكم وأتاه وحشى فرماه بحربته فقتل واقتحم الناس عليه حديقة الموت من حيطانها وأبوابها فقتل فيها سبعة عشر ألف مقاتل من بنى حنيفة وجاء خالد بمجاعة ووقفه على القتلى ليريه مسيلمة فمر بمحكم فقال هو ذا فقال مجاعة هذا والله خير منه ثم أراه مسيلمة رويجل دميم أخينس فقال خالد هذا الذى فعل فيكم ما فعل فقال مجاعة قد كان ذلك وانه والله ما جاءك الا سرعان الناس وان جماهيرهم في الحصون فهلم أصالحك على قومي وقد كان خالد التقط من دون الحصون ما جاء من مال ونساء
وصبيان ونادى بالنزول عليها فلما قال له مجاعة ذلك قال له أصالحك على ما دون النفوس وانطلق يشاورهم فأفرغ السلاح على النساء ووقفن بالسور ثم رجع إليه وقال أبوا أن يجيزوا ذلك ونظر خالد إلى رؤس الحصون قد اسودت والمسلمون قد نهكتهم الحرب وقد قتل من الانصار ما ينيف على الثلثمائة وستين ومن المهاجرين مثلها ومن التابعين لهم مثلها أو يزيدون وقد فشت الجراحات فيمن بقى فجنح إلى السلم فصالحه على الصفراء والبيضاء ونصف السبى والحلقة وحائط ومزرعة من كل قرية فابوا فصالحهم على الربع فصالحوه وفتحت الحصون فلم يجد فيها الا النساء والصبيان فقال خالد خدعتني يا مجاعة فقال قومي ولم أستطع الا ما صنعت فعقد له وخيرهم ثلاثا فقال له سلمة بن عمير لا نقبل(2/75)
صلحا ونعتصم بالحصون ونبعث إلى أهل القرى فالطعام كثير والشتاء قد حضر فتشاءم مجاعة برأيه وقال لهم لولا انى خدعت القوم ما أجابوا إلى هذا فخرج معه سبعة من وجوه القوم وصالحوا خالدا وكتب لهم وخرجوا إلى خالد للبيعة والبراءة مما كانوا عليه وقد أضمر سلمة بن عمير الفتك بخالد فطرده حين وقعت عينه عليه واطلع أصحابه على غدره فأوثقوه وحبسوه ثم أفلت فاتبعوه وقتلوه وكان أبو بكر بعث إلى خالد مع سلمة بن وقش ان أظفره الله أن يقتل من جرت عليه الموسى من بنى حنيفة فوجده قد صالحهم فأتم عقده معهم ووفى لهم وبعث وفدا منهم إلى أبى بكر باسلامهم فلقيهم وسالهم عن اسجاع مسيلمة فقصوها عليه فقال سبحان الله هذا الكلام ما خرج من إل ولا بر فأين يذهب بكم عن أحلامكم وردهم إلى قومهم * (ردة الحطم وأهل البحرين) * لما فرغ خالد من اليمامة ارتحل عنها إلى واد من أوديتها وكانت عبد القيس وبكر بن وائل وغيرهم من أحياء ربيعة قد ارتدوا بعد الوفاة وكذا المنذر بن ساوى من بعدها بقليل فأما عبد القيس فردهم الجارود بن المعلى وكان قد وفد وأسلم ودعا قومه فأسلموا فلما
بلغهم خبر الوفاة ارتدوا وقالوا لو كان نبيا ما مات فقال لهم الجارود تعلمون أن لله أنبياء من قبله ولم تروهم وتعلمون أنهم ماتوا ومحمد صلى الله عليه وسلم قد مات ثم تشهد فتشهدوا معه وثبتوا على اسلامهم وخلوا بين سائر ربيعة وبين المنذر بن ساوى والمسلمين (وقال) ابن اسحق كان أبو بكر بعث العلاء بن الحضرمي إلى المنذر وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ولاه فلما كانت الوفاة وارتدت ربيعة ونصبوا المنذر بن النعمان بن المنذر وكان يسمى المغرور فأقاموه ملكا كما كان قومه بالحيرة وثبت الجارود وعبد القيس على الاسلام واستمر بكر بن وائل على الردة وخرج الحطم بن ربيعة اخو بنى قيس بن ثعلبة حتى نزل بين الغطيف وهجر وبعث إلى دارين فأقاموا ليجعل عبد القيس بينه وبينهم وأرسل إلى المغرور بن سويد أخى النعمان بن المنذر وبعثه إلى جوائى وقال اثبت فان ظفرت ملكتك بالبحرين حتى تكون كالنعمان بالحيرة فحاصره المسلمون بجوائى وجاء العلاء بن الحضرمي لقتال أهل الردة بالبحرين ومر باليمامة فاستنفر ثمامة بن أثال في مسلمة بن حنيفة وكان مترددا وألحق عكرمة بعمان ومهرة وأمر شرحبيل بالمقام حيث هو يغاور مع عمرو بن العاصى أهل الردة من قضاعة عمر ويغاور سعدا وبلق وشرحبيل يغاور كلبا ولفها ثم مر ببلاد بنى تميم فاستقبله بنو الرباب وبنو عمرو ومالك بن نويرة بالبطاح يقاتلهم ووكيع بن مالك يواقف عمرو بن العاصى وقيس بن عاصم من المقاعس والبطون يواقف الزبرقان بن بدر والابناء وعوف وقد أطاعوه على الاسلام وحنظلة(2/76)
متوقفون فلما رآى قيس بن عاصم تلقى الرباب وبنى عمر وقدم وجاء بالصدقات إلى العلاء وخرج معه لقتال البحرين فسار مع العلاء من بنى تميم مثل عسكره ونزل هجر وبعث إلى الجارود أن ينازل بعبد القيس الحطم وقومه مما يليه واجتمع المشركون إلى الحطم الا أهل دارين والمسلمون إلى العلاء وخندقوا واقتتلوا وسمعوا في بعض الليالى ضوضأة شديدة أي جلبة وصياحا وبعثوا من يأتيهم بخبرها فجاءهم بأن القوم سكارى
فبيتوهم ووضعوا السيوف فيهم واقتحموا الخندق وفر القوم هرابا فمترد وناج ومقتول ومأسور وقتل قيس بن عاصم الحطم بن ربيعة ولحق جابر بن بجير وضربه فقطع عصبه ومات وأسر عفيف بن المنذر والمغرور بن سويد وقال للعلاء أجرني فقال له العلاء أنت غررت بالناس فقال لكنى أنا مغرور ثم أرسل وأقام بهجر ويقال ان المغرور اسمه وليس هو بلقب وقتل المغرور بن سويد بن المنذر وقسم الانفال بين الناس وأعطى عفيف بن المنذر وقيس بن عاصم وثمامة بن أثال من أسلاب القوم وثيابهم وقصد الفلال دارين وركبوا السفين إليها ورجع الآخرون إلى قومهم وكتب العلاء إلى من أقام على اسلامه من بكر بن وائل بالقعود لاهل الردة في السبل والى خصفة التميمي والمثنى بن حارثة بمثل ذلك فرجعوا إلى دارين وجمعهم الله بها ثم لما جاءته كتب بكر بن وائل وعلم حسن اسلامهم أمر أن يؤتى من خلفه على أهل البحرين ثم لما ندب الناس إلى دارين وأن يستعرضوا البحر فارتحلوا واقتحموا البحر على الظهر وكلهم يدعو يا أرحم الراحمين يا كريم يا حليم يا أحد يا صمد يا حى يا محيى الموتى يا حى يا قيوم لا اله الا أنت يا ربنا ثم أجازوا الخليج يمشون على مثل رمل مشيا فوقها ما يغمر اخفاف الابل في مسيرة يوم وليلة فلقوا العدو واقتتلوا وما تركوا بدارين مخبرا وسبوا الذرارى واستاقوا الاموال وبلغ نفل الفارس ستة آلاف والراجل ألفين ورجع العلاء إلى البحرين وضرب الاسلام بجرانه ثم ارجف المرجفون بأن أبا شيبان وثعلبة والحر قد جمعهم مفروق الشيباني على الردة فوثق العلاء باللهازم وتقاربهم وكانوا مجمعين على نصره وأقبل العلاء بالناس فرجعوا إلى مراحب المقام وقفل ثمامة بن أثال فيهم ومروا بقيس بن ثعلبة بن بكر ابن وائل فرأوا خميصة الخطم عليه فقالوا هو قتله فقال لم أقتله ولكن الامير نفلنيها فلم يقبلوا وقتلوه وكتب العلاء إلى أبى بكر بهزيمة أهل الخندق وقتل الخطم قتله زيد وسميفع فكتب إليه أبو بكر ان بلغك عن بنى ثعلبة ما خاض فيه المرجفون فابعث إليهم جندا وأوصهم وشرد بهم من خلفهم
* (ردة أهل عمان ومهرة واليمن) * نبغ بعمان بعد الوفاة رجل من الازد يقال له لقيط بن مالك الازدي يسامى في الجاهلية(2/77)
الجلندى فدفع عنها الملكين اللذين كانا بها وهما جيفر وعبد آبنا الجلندى فارتد وادعى النبوة وتغلب على عمان ودفع عنها الملكين وبعث جيفر إلى أبى بكر بالخبر فبعث أبو بكر حذيفة بن محصن من حمير وعرفجة البارقى حذيفة إلى عمان وعرفجة إلى مهرة وان اجتمعا فالامير صاحب العمل وأمرهما أن يكاتبا جيفرا ويأخذا برأيه وقد كان بعث عكرمة إلى اليمامة ومسيلمة ووقعت عليه النكبة كما مر فأمره بالمسير إلى حذيفة وعرفجة ليقاتل معهما عمان ومهرة ويتوجه إذا فرغ من ذلك إلى اليمن فمضى عكرمة فلحق بهما قبل أن يصلا إلى عمان وقد عهد إليهم أبو بكر أن ينتهوا إلى رأى عكرمة فراسلوا جيفرا وعبدا وبلغ لقيطا مجئ الجيوش فعسكر بمدينة دبا وعسكر جيفر وعبد بصحار واستقدموا عكرمة وحذيفة وعرفجة وكاتبوا رؤساء الدين فقدموا بجيوشهم ثم صمدوا إلى لقيط وأصحابه فقاتلوهم وقد أقام لقيط عياله وراء صفوفه وهم المسلمون بالهزيمة حتى جاءهم مددهم من بنى ناجية وعليهم الحريث ابن راشد ومن عبد القيس وعليهم سنجار بن صرصار فانهزم العدو وظفر المسلمون وقتلوا منهم نحوا من عشرة آلاف وسبوا الذرارى والنساء وتم الفتح وقسموا الانفال وبعثوا بالخمس إلى أبى بكر مع عرفجة وكان الخمس ثمانمائة رأس وأقام حذيفة بعمان وسار عكرمة إلى مهرة وقد استنفر أهل عمان ومن حولها من ناحيته الازد وعبد القيس وبنى سعيد من تميم فاقتحم مهرة بلادهم وهم على فرقتين يتنازعان الرياسة فأجابه أحد الفريقين وسار إلى الآخرين فهزمهم وقتل رئيسهم وأصابوا منهم ألفى نجيبة وأفاد المسلمون قوة بغنيمتهم وأجاب أهل تلك النواحى إلى الاسلام وهم أهل نجد والروضة والساطى والحرائر والمرو اللسان وأهل جبرة وظهور الشحر والفرات وذات
الخيم فاجتمعوا كلهم على الاسلام وبعث إلى أبى بكر بذلك مع البشير وسارعوا إلى اليمن للقاء المهاجر بن أبى امية كما عهد إليه أبو بكر * (بعوث العراق وصلح الحيرة) * ولما فرغ خالد من امر اليمامة بعث إليه أبو بكر في المحرم من سنة ثنتى عشرة فأمره بالمسير إلى العراق وفرج الهند وهى الابلة منتهى بحر فارس في جهة الشمال قرب البصرة فيتألف أهل فارس ومن في مملكتهم من الامم فسار من اليمامة وقيل قدم على أبى بكر ثم سار من المدينة وانتهى إلى قرية بالسواد وهى بانقيا وبرسوما وصاحبهما جابان فجاء صلوبا فصالحهم على عشرة آلاف دينار فقبضها خالد ثم سار إلى الحيرة وخرج إليه اشرافها مع اياس بن قبيصة الطائى الامير عليها بعد النعمان بن المنذر فدعاهم إلى الاسلام أو الجزية أو المناجزة فصالحوه على تسعين ألف درهم وقيل انما أمره أبو بكر(2/78)
أن يبدأ بالابلة ويدخل من أسفل العراق وكتب إلى عياض بن غنم أن يبدأ بالمضيخ ويدخل من أعلى العراق وأمر خالدا بالقعقاع بن عمرو التميمي وعياض بن عوف الحمى وقد كان المثنى بن حارثة الشيباني استأذن أبا بكر في غزو العراق فأذن له فكان يغزوهم قبل قدوم خالد فكتب أبو بكر إليه والى حرملة ومدعور وسلمان أن يلحقوا بخالد بالابلة وكانوا في ثمانية آلاف فارس ومع خالد عشرة آلاف فسار خالد في أول مقدمته المثنى وبعده عدى بن حاتم وجاء هو بعدهما على مسيرة يوم بين كل عسكر وواعدهما الحفير ليجتمعوا به ويصادموا عدوهم وكان صاحب ذلك الفرج من أساورة الفرس اسمه هرمز وكان يحارب العرب في البر والهند في البحر فكتب إلى أردشير كسرى بالخبر وتعجل هو إلى الكواظم في سرعان أصحابه حتى نزل الحفير وجعل على مجنبتيه قباذ وأنو شجان يناسبانه في أردشير الاكبر واقترنوا بالسلاسل لئلا يفروا وأروا خالدا أنهم سبقوا إلى الحفير فمال إلى كاظمة فسبقه هرمز إليها أيضا وكان للعرب
على هرمز حنق لسوء مجاورته وقدم خالد فنزل قبالتهم على غير ماء وقال جالدوهم على الماء فان الله جاعله لاصبر الفريقين ثم أرسل الله سحابة فأغدرت من ورائهم ولما حطوا أثقالهم قدم خالد ودعا إلى النزال فبزر إليه هرمز وترجلا ثم اختلفا ضربتين فاحتضنه خالد وحمل أصحاب هرمز للغدر به فلم يشغله ذلك عن قتله وحمل القعقاع ابن عمرو فقتلهم وانهزم أهل فارس وركبهم المسلمون وسميت الواقعة ذات السلاسل وأخذ خالد سلب هرمز وكانت قلنسوته بمائة ألف وبعث بالفتح والاخماس إلى أبى بكر وسار فنزل بمكان البصرة وبعث المثنى بن حارثة في آثار العدو فحاصر حصن المرأة وفتحه وأسلمت فتزوجها وبعث معقل بن مقرن إلى الابلة ففتحها عتبة بن غزوان أيام عمر سنة أربع عشرة ولم يتعرض خالد وأصحابه إلى الفلاحين وتركهم وعمارة البلاد كما أمرهم أبو بكر وكان كسرى اردشير لما جاءه كتاب هرمز بمسير خالد أمره بقارن بن فريانس فسار إلى المدار ولما انتهى إلى المدار لقيه المنهزمون من هرمز ومعهم قباذ وأنو شجان فتذامروا ورجعوا ونزلوا النهر وسار إليهم خالد واقتتلوا وبرزقان فقتله معقل بن الاعشى بن النباش وقتل عاصم أنو شجان وقتل عدى قباذ وانهزمت الفرس وقتل منهم نحو ثلاثين الفا سوى من غرق ومنعت المياه المسلمين من طلبهم وكانت الغنيمة عظيمة وأخذ الجزية من الفلاحين وصاروا في ذمة ولم يقاتل المسلمين من الفرس بعد قارن أعظم منه وتسمى هذه الوقعة بالثنى وهو النهر ولما جاء الخبر إلى اردشير بالهزيمة بعد الاندر زغر وكان فارسا من مولدي السواد فارسل في اثره عسكرا مع بهمن حاذويه وحشد الاندر زغر ما بين الحيرة وكسكر من عرب الضاحية(2/79)
والدهاقين وعسكروا بالولجة وسار إليهم خالد فقاتلهم وصبروا ثم جاءهم كمين من خلفهم فانهزموا ومات الاندر زغر عطشا وبذل خالد الامان للفلاحين فصاروا ذمة وسبى ذرارى المقاتلة ومن أعانهم وأصاب اثنين من نصارى بنى وائل أحدهما جابر بن بجير
والآخر ابن عبد الاسود من عجل فأسرهما وغضب بكر وائل لذلك فاجتمعوا على الليس وعليهم عبد الاسود العجلى فكتب أردشير إلى بهمن حاذويه وقد أقام بعد الهزيمة كتابا يأمره بالمسير إلى نصارى العرب بالليس فيكون معهم إلى أن يقدم عليهم جابان من المرازبة فقدم بهمن على اردشير ليشاوره وخالفه جابان إلى نصارى العرب من عجل وتيم اللات وضبيعه وعرب الضاحية من الحيرة وهم مجتمعون على الليس وسار إليهم خالد حين بلغه خبرهم ولا مشعر لهم بجابان فلما حط الاثقال سار إليهم وطلب المبارزة فبرز إليه مالك بن قيس فقتله خالد واشتد القتال بينهم وسائر المشركين ينتظرون قدوم بهمن ثم انهزموا واستأسر الكثير منهم وقتلهم خالد حتى سال النهر بالدم وسمى نهر الدم ووقف على طعام الاعاجم وكانوا قعودا للاكل فنفله المسلمين وجعل العرب يتساءلون عن الرقاق يحسبونه رقاعا وبلغ عدد القتلى سبعين ألفا ولما فرغ من الليس سار إلى أمعيشيا فغزا أهلها وأعجلهم أن ينقلوا أموالهم فغنم جميع ما فيها وخربها * (فتح الحيرة) * ثم سافر خالد إلى الحيرة وحمل الرجال والاثقال في السفن وخرج ابن زيان من الحيرة ومعه الازادية فعسكر عند الغريين وأرسل ابنه ليقاطع الماء عن السفن فوقفت على الارض وسار إليه خالد فلقيه على فرات باذقلا فقتله وجميع من معه وسار نحو أبيه على الحيرة فهرب بغير قتال لما كان بلغه من موت اردشير كسرى وقتل ابنه ونزل خالد منزله بالغريين وحاصر قصور الحيرة وافتتح الديور وصاح القسيسون والرهبان بأهل القصور فرجعوا على الا باية وخرج ابن قبيصة من القصر الابيض وعمرو بن عبد المسيح بن قيس ابن حيان بن بقيلة وكان معمرا وسأله خالد عن عجيبة قد رآها فقال رأيت القرى ما بين دمشق والحيرة تسافر بينهما المرأة فلا تتزود الا رغيفا واحدا ثم جاءه واستقرب منه ورآى مع خادمه كيسا فيه سم فأخذه خالد ونثره في يده وقال ما هذا قال خشيت أن تكونوا على غير ما وجدت فيكون الموت أحب إلى من مكروه أدخله على قومي فقال له
خالد لن تموت نفس حتى تأتى على أجلها ثم قال باسم الله الذى لا يضر مع اسمه شئ وابتلع السم فوعك ساعة ثم قام كأنما نشط من عقال فقال عبد المسيح لتبلغن ما اردتم ما دام أحد منكم هكذا ثم صالحهم على مائة أو مائتين وتسعين ألفا وعلى كرامة 3 بنت عبد المسيح لشريك كان النبي صلى الله عليه وسلم عرف بها إذا فتحت الحيرة فأخذها(2/80)
شريك وافتدت منه بألف درهم وكتب لهم بالصلح وذلك في أول سنة ثنتى عشرة * (فتح ما وراء الحيرة) * كان الدهاقين يتربصون بخالد ما يصنع بأهل الحيرة فلما صالحهم واستقاموا له جاءته الدهاقين من كل ناحية فصالحوه عما يلى الحيرة من الفلاليح وغيرها على ألف ألف وقيل على ألفى ألف سوى جباية كسرى وبعث خالد ضرار بن الازور وضرار بن الخطاب والقعقاع بن عمرو والمثنى بن حارثة وعيينة بن الشماس فكانوا في الثغور وأمرهم بالغارة فمخروا السواد كله إلى شاطئ دجلة وكتب إلى ملوك فارس أما بعد فالحمد لله الذى حل نظامكم ووهن كيدكم وفرق كلمتكم ولو لم نفعل ذلك كان شرا لكم فادخلوا في أمرنا ندعكم وأرضكم ونجوزكم إلى غيركم والا كان ذلك وأنتم كارهون على أيدى قوم يحبون الموت كما تحبون الحيوة وكتب إلى المرازبة أما بعد فالحمد لله الذى فض حدتكم وفرق كلمتكم وجفل حرمكم وكسر شوكتم فأسلموا تسلموا والا فاعتقدوا منى الذمة وأدوا الجزية والا فقد جئتكم بقوم يحبون الموت كما تحبون شر الخمر انتهى وكان العجم مختلفين بموت اردشير وقد أزالوا بهمن حادويه فيمن سيره في العساكر فجبى خالد خراج السواد في خمسين ليلة وغلب العجم عليه وأقام بالحيرة سنة يصعد ويصوب والفرس حائرون فيمن يملكونه ولم يجدوا من يجتمعون عليه لان سيرين كان قتل جميع من تناسب إلى بهرام جور (فلما وصل) كتاب خالد تكلم نساء آل كسرى وولوا الفر خزاد بن البندوان إلى أن يجدوا من يجتمعون عليه ووصل جرير بن عبد الله البجلى
إلى خالد بعد فتح الحيرة وكان مع خالد بن سعيد بن العاص بالشام ثم قدم على أبى بكر فكلمه أن يجمع له قومه كما وعده النبي صلى الله عليه وسلم وكانوا أوزاعا متفرقين في العرب فسخط ذلك منه أبو بكر فقال تكلمني بما لا يعنى وأنت ترى ما نحن فيه من فارس والروم وأمره بالمسير إلى خالد فقدم عليه بعد فتح الحيرة * (فتح الانبار وعين التمر) (وتسمى هذه الغزوة ذات العيون) * ثم سار خالد على تعبيته إلى الانبار وعلى مقدمته الاقرع بن حابس وكان بالانبار شيرزاد صاحب ساباط فحاصرهم ورشقوهم بالنبال حتى فقأوا منهم ألف عين ثم نحر ضعاف الابل وألقاها في الخندق حتى ردمه بها وجاز هو وأصحابه فوقها فاجتمع المسلمون والكفار في الخندق وصالح شيرزاد على أن يلحقوه بمأمنه ويخلى لهم عن البلد وما فيها فلحق ببهمن حادويه ثم استخلف خالد على الانبار الزبرقان بن بدر وسار إلى عين التمر وبها بهرام بن بهرام جوبين في جمع عظيم من العجم وعقبة بن أبى عقبة في جمع عظيم من(2/81)
العرب وحولهم طوائف من النمر وتغلب وإياد وغيرهم من العرب وقال عقبة لبهرام دعنا وخالدا فالعرب أعرف بقتال العرب فتركه لذلك واتقى به وسار عقبة إلى خالد وحمل خالد عليه وهو يقيم صفوفه فاحتضنه وأخذه أسيرا وانهزم العسكر عن غير قتال وأسر أكثرهم وبلغ الخبر إلى بهرام فهرب وترك الحصن وتحصن به المنهزمون واستأمنوا لخالد فأبى فنزلوا على حكمه فقتلهم أجمعين وعقبة معهم وغنم ما في الحصن وسبى عيالهم وأولادهم وأخذ من البيعة وهى الكنيسة غلمانا كانوا يتعلمون الانجيل ففرقهم في الناس منهم سيرين أبو محمد ونصير أبو موسى وحمران مولى عثمان وبعث إلى أبى بكر بالفتح والخمس وقتل من المسلمين عمير بن رباب السهمى من مهاجرة الحبشة وبشير بن سعد والد النعمان ولما فرغ خالد من عين التمر وافق وصول كتاب عياض ابن غنم وهو على من بازائه من نصارى العرب بناحية دومة الجندل وهم بهرام وكلب
وغسان وتنوخ والضجاعم وكانت رياسة دومة لاكيدر بن عبد الملك والجودى بن ربيعة يقتسمانها وأشار أكيدر بصلح خالد فلم يقبلوا منه فخرج عنهم وبلغ خالد مسيره فأرسل من اعترضه فقتله وأخذ ما معه وسار خالد فنزل دومة وعياض عليها من الجهة الاخرى وخرج الجودى لقتال خالد وأخرج طائفة أخرى لقتال عياض فانهزموا من الجهتين إلى الحصن فأغلق دونهم وقتل الجودى وافتتح الحصن عنوة فقتل المقاتلة وسبى الذرية * (الوقائع بالعراق) * وأقام خالد بدومة الجندل فطمع الاعاجم في الحيرة وملاهم عرب الجزيرة غضبا لعقبة فخرج اسواران إلى الانبار وانتهيا إلى الحصيد والخنافس فبعث القعقاع من الحيرة عسكرين حالا بينهما وبين الريف ثم جاء خالد إلى الحيرة فعجل القعقاع بن عمرو وأبا ليلى بن فدكى إلى لقائهما بالحصيد فقتل من العجم مقتلة عظيمة وقتل الاسواران وغنم المسلمون ما في الحصيد وانهزمت الاعاجم إلى الخنافس وبها البهبوذان من الاساورة وسار أبو ليلى في اتباعهم فهزم البهبوذان إلى المضيخ وكان بها الهذيل بن عمران وربيعة بن بجير من عرب الجزيرة غضبا لعقبة وجاآ مددا لاهل الحصيد فكتب خالد إلى القعقاع وأبى ليلى وواعدهما المضيخ وسار إليهم فتواقفا هنالك وأغاروا على الهذيل ومن معه من ثلاثة أوجه فاكثروا فيهم القتل ففر الهذيل في قليل وكان مع الهذيل عبد العزيز بن أبى رهم من أوس مناة ولبيد بن جرير وكانا أسلما وكتب لهما أبو بكر باسلامهما فقتلا في المعركة فوداهما أبو بكر وأوصى بأولادهما وكان عمر يعتمد بقتلهما وقتل مالك بن نويرة على خالد ولما فرغ خالد من الهذيل(2/82)
بالمضيخ وعد القعقاع وأبا ليلى إلى الثنى شرقي الرصافة ليغير على ربيعة بن بجير التغلبي صاحب الهذيل الذى جاء معه لمدد الفرس ويبيتهم فلم يلق منهم أحدا ثم اتبع
الهذيل بعد مفره من المضيخ إلى اليسير وقد لحق هنا لك بعتاب بن اسيد فبيتهم خالد قبل أن يصل إليهم خبر ربيعة فقتل منهم مقتلة عظيمة وسار إلى الرصافة وبها هلال بن عقبة فتفرق عنه أصحابه وهرب فلم يلق بها خالد أحدا ثم سار خالد إلى الرضاب والى الفراض وهى تخوم الشام والعراق والجزيرة فحميت الروم واستعانوا بمن يليهم من مسالح فارس واجتمعت ومعهم تغلب واياد والنمر وساروا إلى خالد وطلبوا منه العبور فقال اعبروا أسفل منا فعبروا وامتاز الروم من العرب فانهزمت الروم ذلك اليوم وقتل منهم نحو من مائة ألف وأقام خالد على الفراض إلى ذى القعدة ثم أذن للناس بالرجوع إلى الحيرة وجعل شجرة بن الاغر على الساقة وخرج من الفراض حاجا مكتتما بحجه وذهب يتعسف في البلاد حتى أتى مكة فحج ورجع فوافى الحيرة مع جنده وشجرة بن الاغر معهم ولم يعلم بحجه الا من أعلمه به وعتب به أبو بكر في ذلك لما سمعه وكانت عقوبته اياه ان صرفه من غزو العراق إلى الشام ثم شن خالد بن الوليد الغارات على نواحى السواد فاغار هو على سوق بغداد وعلى قطربل وعقر قوما ومسكن وبادروبا وحج أبو بكر في هذه السنة واستخلف على المدينة عثمان بن عفان * (بعوث الشام) * وكان من أول عمل أبى بكر بعد عوده من الحج ان بعث خالد بن سعيد بن العاصى في الجنود إلى الشام أول سنة ثلاث عشرة وقيل انما بعثه إلى الشام لما بعث خالد بن الوليد إلى العراق أول السنة التى قبلها ثم عذله قبل أن يسير لانه كان لما قدم من اليمن عند الوفاة تخلف عن بيعة أبى بكر اياما وغدا على على وعثمان فعزلهما على الاستكانة لتيم وهما رؤس بنى عبد مناف فنهاه على وبلغت الشيخين فلما ولاه أبو بكر عقد له عمر فعزله وأمره ان يقيم بتيماء ويدعو من حوله من العرب إلى الجهاد حتى يأتيه أمره فاجتمعت إليه جموع كثيرة وبلغ الروم خبره فضربوا البعث على العرب الضاحية بالشام من بهرا وسليح وكلب وغسان ولخم وجذام وسار إليهم خالد فغلبهم على منازلهم
وافترقوا وكتب له أبو بكر بالاقدام فسار متقدما ولقيه البطريق ماهان من بطارقة الروم فهزمه خالد واستلحم الكثير من جنوده وكتب إلى أبى بكر يستمده ووافق كتابه المستنفرين وفيهم ذو الكلاع ومعه حمير وعكرمة بن أبى جهل ومن معه من تهامة والشحر وعمان والبحرين فبعثهم إليه وحينئذ اهتم أبو بكر بالشام وكان عمرو بن العاصى لما بعثه رسول الله صلى الله عليه وسلم تسليما إلى عمان وعده أن يعيده إلى عمله(2/83)
عند فراغه من أمر عمان فلما جاء بعد الوفاة أعاده إليها أبو بكر انجازا لوعده صلى الله عليه وسلم تسليما وهى صدقات سعد هذيم وبنى عذرة فبعث إليه الآن يأمره باللحاق بخالد بن سعيد لجهاد الروم وأن يقصد فلسطين وبعث أيضا إلى الوليد بن عقبة وكان على صدقات قضاعة وولاه الاردن وأمر يزيد بن أبى سفيان على جمهور من انتدب إليه فيهم سهيل بن عمرو واشباهه وأمر أبا عبيدة بن الجراح على جميعهم وعين له حمص وأوصى كل واحد منهم ولما وصل المدد إلى خالد بن سعيد وبلغه توجه الامراء تعجل للقاء الروم قبلهم فاستطرد له ماهان ودخل دمشق واقتحم خالد الشام ومعه ذو الكلاع وعكرمة والوليد حتى نزل مرج الصفر 3 عند دمشق فانطوت مسالح ماهان عليه وسدوا الطريق دونه وزحف إليه ماهان ولقى ابنه سعيدا في طريقه فقتلوه وبلغ الخبر أباه خالدا فهرب فيمن معه وانتهى إلى ذى المروة قرب المدينة وأقام عكرمة ردءا من خلفهم فرد عنهم الروم فأقام قريبا من الشام وجاء شرحبيل بن حسنة إلى أبى بكر وافدا من العراق من عند خالد فندب معه الناس وبعثه مكان الوليد إلى اردن ومر بخالد ففصل ببعض أصحابه ثم بعث أبو بكر معاوية وأمره باللحاق بأخيه يزيد واذن لخالد ابن سعيد بدخول المدينة وزحف الامراء في العساكر نحو الشام فعبى هرقل عساكر الروم ونزل حمص بعد ان أشار على الروم بعدم قتال العرب ومصالحتهم على ما يريدون فأبوا ولجوا ثم فرقهم على أمراء المسلمين فبعث شقيقه تدارق في تسعين ألفا نحو عمرو
ابن العاصى بفلسطين وبعث جرجة ابن نوذر نحو يزيد بن أبى سفيان وبعث الدراقص نحو شرحبيل بن حسنة بالاردن وبعث القيقلان بن نسطورس في ستين ألفا نحو أبى عبيدة بالجابية فهابهم المسلمون ثم رأوا ان الاجتماع اليق بهم وبلغ كتاب أبى بكر بذلك فاجتمعوا باليرموك احدا وعشرين ألفا وأمر هرقل ايضا باجتماع جنوده ووعدهم بوصول ملحان إليهم ردءا فاجتمعوا بحيال المسلمين والوادى خندق بينهم فأقاموا بازائه ثلاثة أشهر واستمدوا أبا بكر فكتب إلى خالد بن الوليد أن يستخلف على العراق المثنى بن حارثة ويلحق بهم وامره على جند الشام * (بعوث الشام) * ولما استمد المسلمون أبا بكر بعث إليهم خالد بن الوليد من العراق واستحثه في السير إليهم فنفذ خالد لذلك واوفى المسلمين مكانهم عندما وافى ماهان والروم أيضا وولى خالد قباله وولى الامراء قبل الآخرين ازاءهم فهزم ماهان وتتابع الروم على الهزيمة وكانوا مائتين وأربعين ألفا وتقسموا بين القتل والغرق في الواقوصة والهوى في الخندق وقتل صناديد الروم وفرسانهم وقتل تدارق أخو هرقل وانتهت الهزيمة(2/84)
إلى هرقل وهو دون حمص فارتحل وأخلد إلى ما وراءها لتكون بينه وبين المسلمين وأصر عليها وعلى دمشق ويقال ان المسلمين كانوا يومئذ ستة وأربعين ألفا سبعة وعشرين منها مع الامراء وثلاثة آلاف من امداد أهل العراق مع خالد بن الوليد وستة آلاف ثبتوا مع عكرمة ردءا بعد خالد بن سعيد وان خالد بن سعيد سماهم كراديس ستة وثلاثين كردوسا لما راى الروم لقبوا كراديس وكان كل كردوس ألفا وكان ذلك في شهر جمادى وان أبا سفيان بن حرب أبلى يومئذ بلاء حسنا بسعيه وتحريضه (قالوا) وبينما الناس في القتال قدم البريد من المدينة بموت أبى بكر وولاية عمر فأسره إلى خالد وكتمه عن الناس ثم خرج جرجه من أمراء الروم فطلب خالدا وسأله عن أمره وأمر
الاسلام فوعظه خالد فاستبصر وأسلم وكانت وهنا على الروم ثم زحف خالد بجماعة من المسلمين فيهم جرجه فقتل من يومه واستشهد عكرمة بن أبى جهل وابنه عمرو واصيبت عين أبى سفيان واستشهد سلمة بن هشام وعمرو وأبان ابنا سعيد وهشام بن العاصى وهبار بن سفيان والطفيل بن عمرو وأثبت خالد بن سعيد فلا يعلم أين مات بعد ويقال استشهد في مرج الصفر في الوقعة الاولى ويقال ان خالدا لما جاء من العراق مددا للمسلمين بالشام طلب من الادلاء ان يغوروا به حتى يخرج من وراء الروم فسلك به رافع بن عمرو الطائى من فزارة في بلاد كلب حتى خرج إلى الشام ونحر فيها الابل وأغار على مضيخ فوجد به رفقة فقتلهم وأسلبهم وكان الحرث بن الايهم وغسان قد اجتمعوا بمرج راهط فسلك إليهم واستباحهم ثم نزل بصرى ففتحها ثم سار منها إلى المسلمين بالواقوصة فشهد معهم اليرموك ويقال ان خالدا لما جاء من العراق إلى الشام لقى أمراء المسلمين ببصرى فحاصروها جميعا حتى فتحوها على الجزيه ثم ساروا جميعا إلى فلسطين مددا لعمرو بن العاصى وعمرو بالغور والروم بجلق مع تدارق أخى هرقل وكشفوا عن جلق إلى أجنادين وراء الرملة شرقا ثم تزاحف الناس فاقتتلوا وانهزم الروم وذلك في منتصف جمادى الاولى من السنة وقتل فيها تدارق ثم رجع هرقل ولقى المسلمين بالفاقوصة عند اليرموك فكانت واقعة اليرموك كما قدمنا في رجب بعد اجنادين وبلغت المسلمين وفاة أبى بكر وانها كانت لثمان بقين من جمادى الآخرة * (خلافة عمر رضى الله عنه) * ولما احتضر أبو بكر عهد إلى عمر رضى الله عنهما بالامر من بعده بعد ان شاور عليه طلحة وعثمان وعبد الرحمن بن عوف وغيرهم وأخبرهم بما يريد فيه فأثنوا على رأيه فأشرف على الناس وقال انى قد استخلفت عمر ولم آل لكم نصحا فاسمعوا له وأطيعوا ودعا عثمان فأمره فكتب بسم الله الرحمن الرحيم هذا ما عهد به أبو بكر خليفة محمد(2/85)
رسول الله صلى الله عليه وسلم عند آخر عهده بالدنيا وأول عهده بالآخرة في الحال التى يؤمن فيها الكافر ويوقن فيها الفاجر انى استعملت عليكم عمر بن الخطاب ولم آل لكم خيرا فان صبر وعدل فذلك علمي به ورأيى فيه وان جار وبدل فلا علم لى بالغيب والخير أردت ولكل امرئ ما اكتسب وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون فكان أول ما أنفذه من الامور عزل خالد عن امارة الجيوش بالشام وتولية أبى عبيدة وجاء الخبر بذلك والمسلمون مواقفون عدوهم في اليرموك فكتم أبو عبيدة الامر كله فلما انقضى أمر اليرموك كما مر سار المسلمون إلى فحل من ارض الاردن وبها رافضة الروم وخالد على مقدمة الناس فقاتلوا الروم * (فتح دمشق) * واقتحموها عنوة وذلك في ذى القعدة ولحقت رافضة الروم بدمشق وعليها ماهان من البطارقة فحاصرهم المسلمون حتى فتحوا دمشق وأظهر أبو عبيدة إمارته وعزل خالد وقال سببه ان أبا بكر كان يسخط خالد بن سعيد والوليد بن عقبة من أجل فرارهما كما مر فلما ولى عمر رضى الله عنه اباح لهما دخول المدينة ثم بعثهما مع الناس إلى الشام ولما فرغ أمر اليرموك وساروا إلى فحل وبلغ عمر خبر اليرموك فكتب فعزل خالد بن الوليد وعمرو بن العاصى حتى يصير الحرب إلى فلسطين فيتولاها عمرو وان خالدا قدم على عمر بعد العزل وذلك بعد فتح دمشق وانهم ساروا إلى فحل فاقتحموها ثم ساروا إلى دمشق وعليها نسطاس بن نسطورس فحاصروها سبعين ليلة وقيل ستة أشهر من نواحيها الاربع خالد وأبو عبيدة ويزيد وعمرو كل واحد على ناحية وقد جعلوا بينهم وبين هرقل مدينة حمص ومن دونها ذو الكلاع في جيش من المسلمين وبعث هرقل المدد إلى دمشق وكان فيهم ذو الكلاع فسقط في أيديهم وقدموا على دخول دمشق وطمع المسلمون فيهم واستغفلهم خالد في بعض الليالى فتسور سورهم من ناحيته وقتل الوليد وفتح الباب واقتحم البلد وكبر وقتلوا جميع من لقوه وفزع أهل النواحى إلى
الامراء الذين يلونهم فنادوا لهم الصلح والدخول فدخلوا من نواحيهم صلحا فأجريت ناحية خالد على الصلح مثلهم (قال سيف) وبعثوا إلى عمر بالفتح فوصل كتابه بأن يصرف جند العراق إلى العراق فخرجوا وعليهم هاشم بن عتبة وعلى مقدمته القعقاع وخرج الامراء إلى فحل وأقام يزيد بن أبى سفيان بدمشق وكان الفتح في رجب سنة أربع عشرة وبعث يزيد دحية الكلبى إلى تدمر وأبا الا زاهر القشيرى إلى حوران والبثنة فصالحوهما ووليا عليهما ووصل الامراء إلى فحل فبيتهم الروم فظفر المسلمون بهم وهزموهم فقتل منهم ثمانون ألفا وكان على الناس في وقعة فحل شرحبيل بن حسنة(2/86)
فسار بهم إلى بيسان وحاصرها فقتل مقاتلتها وصالحه الباقون فقبل منهم وكان أبو الاعور السلمى على طبرية محاصرا لها فلما بلغهم شان بيسان صالحوه فكمل فتح الاردن صلحا ونزلت القواد في مدائنها وقراها وكتبوا إلى عمر بالفتح (وزعم الواقدي) ان اليرموك كانت سنة خمس عشرة وان هرقل انتقل فيها من انطاكية إلى قسطنطينية وان اليرموك كانت آخر الوقائع (والذى تقدم لنا من رواية سيف) ان اليرموك كانت سنة ثلاث عشرة وان البريد بوفاة أبى بكر قدم يوم هربت الروم فيه وان الامراء بعد اليرموك ساروا إلى دمشق ففتحوها ثم كانت بعدها وقعة فحل ثم وقائع أخرى قبل شخوص هرقل والله أعلم * (خبر المثنى بالعراق بعد مسير خالد إلى الشام) * لما وصل كتاب أبى بكر إلى خالد بعد رجوعه من حجه بأن ينصرف إلى الشام أميرا على المسلمين بها ويخرج في شطر الناس ويرجع بهم إذا فتح الله عليه إلى العراق ويترك الشطر الثاني بالعراق مع المثنى بن حارثة وفعل ذلك خالد ومضى لوجهه وأقام المثنى بالحيرة ورتب المصالح واستقام أهل فارس بعد خروج خالد بقليل على شهريرار ابن شيرين بن شهريار ممن يناسبه إلى كسرى أبى سابور وذلك سنة ثلاث عشرة فبعث إلى
الحيرة هرمز فاقتتلوا هنا لك قتالا شديدا بعدوة الضراء وعار الفيل بين الصفوف فقتله المثنى وناس معه وانهزم أهل فارس واتبعهم المسلمون يقتلونهم حتى انتهوا إلى المدينة ومات شهريار اثر ذلك وبقى ما دون دجلة من السواد في أيدى المسلمين ثم اجتمع أهل فارس من بعد شهريار على آزرميدخت ولم ينفذ لها أمر فخلعت وملك سابور بن شهريار وقام بأمره الفرخزاذ بن البندوان وزوجه آزرميدخت فغضب وبعث إلى سياوخش وكان من كبار الاساورة وشكت إليه فأشار عليها بالقبول وجاءه ليلة العرس فقتل الفرخزاذ ومن معه ونهض إلى سابور فحاصره ثم اقتحم عليه فقتله وملكت آزرميدخت وتشاغل بذلك آل ملكها حتى انتهى شأن أبى بكر وصار السواد في سلطانه وتشاغل أهل فارس عن دفاع المسلمين عنه ولما أبطأ خبر أبى بكر على المثنى استخلف المثنى على الناس بشر بن الخصاصية وخرج نحو المدينة يستعلم ويستأذن فقدم وأبو بكر يجود بنفسه وقد عهد إلى عمر وأخبره الخبر فأحضر عمر وأوصاه أن يندب الناس مع المثنى وان يصرف أصحاب خالد من الشام إلى العراق فقال عمر يرحم الله ابا بكر علم انه تستر في امارة خالد فأمرني بصرف أصحابه ولم يذكره * (ولاية أبى عبيد بن مسعود على العراق ومقتله) *(2/87)
ولما ولى عمر ندب الناس مع المثنى بن حارثة أياما وكان أول منتدب أبو عبيد بن مسعود وقال عمر للناس ان الحجاز ليس لكم بدار الا النجعة ولا يقوى عليه أهله الا بذلك أين المهاجرون عن موعد الله سيروا في الارض التى وعدكم الله في الكتب أن يورثكموها فقال ليظهره على الدين كله فالله مظهر دينه ومعز ناصره ومولى أهله مواريث الامم أين عباد الله الصالحون فانتدب أبو عبيد الثقفى ثم سعد بن عبيد الانصاري ثم سليط ابن قيس فولى أبا عبيد على البعث لسبقه وقال اسمع من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم واشكرهم في الامر ولا تجتهد مسرعا بل اتئد فانها الحرب والحرب لا يصلحها
الا الرجل المكيث الذى يعرف الفرصة والكف ولم يمنعنى ان اؤمر سليطا الا لسرعته إلى الحرب وفى السرعة إلى الحرب إلا عن بيان ضياع والله لولا سرعته لامرته فكان بعث أبى عبيد هذا أول بعث بعثه عمر ثم بعث بعده يعلى بن أمية إلى اليمن وأمره باجلاء أهل نجران لوصية رسول الله صلى الله عليه وسلم بذلك في مرضه وقال أخبرهم أنا نجليهم بأمر الله ورسوله أن لا يترك دينان بأرض العرب ثم نعطيهم أرضا كارضهم وفاء بذمتهم كما أمر الله (قالوا) فخرج أبو عبيد مع المثنى بن حارثة وسعد وسليط إلى العراق وقد كانت بوران بنت كسرى كما اختلفت الناس بالمدائن عدلت بينهم حتى يصطلحوا فلما قتل الفرخزاذ بن البندوان وملكت آزرميدخت اختلف أهل فارس واشتغلوا عن المسلمين غيبة المثنى كلها فبعثت بوران إلى رستم تستحثه للقدوم وكان على فرج خراسان فأقبل في الناس إلى المدائن وعزم الفرخزاذ وفقأ عين آزرميدخت ونصب بوران فملكته وأحضرت مرازبة فارس فأسلموا له ورضوا به وتوجته وسبق المثنى إلى الحيرة ولحقه أبو عبيد ومن معه وكتب رستم إلى دهاقين السواد أن يثوروا بالمسلمين وبعث في كل رستاق رجلا لذلك فكان في فرات باذقلا جابان وفى كسكر نرسى وبعث جند المصادمة المثنى فساروا واجتمعوا أسفل الفرات وخرج المثنى من الحيرة خوفا ان يؤتى من خلفه فقدم عليه أبو عبيد ونزل جابان النمارق ومعه جمع عظيم فلقيه أبو عبيد هناك وهزم الله أهل فارس وأسر جابان ثم اطلق وساروا في المنهزمين حتى دخلوا كسكر وكان بها نرسى ابن خالة كسرى فجمع الفالة إلى عسكره وسار إليهم أبو عبيد من النمارق في تعبيته وكان على مجنبتى نرسى نفدويه وشيرويه ابنا بسطام خال كسرى واتصلت هزيمة جابان ببوران ورستم فبعثوا الجالنوس مددا النرسى وعاجلهم أبو عبيد فالتقوا أسفل من كسكر فاشتد القتال وانهزمت الفرس وهرب نرسى وغنم المسلمون ما في عسكره وبعث أبو عبيد المثنى وعاصما فهزموا من كان تجمع من أهل الرساتيق وخربوا وسبوا وأخذوا الجزية من أهل السواد وهم يتربصون(2/88)
قدوم الجالنوس ولما سمع به أبو عبيد سار إليه على تعبيته فانهزم الجالنوس وهرب ورجع أبو عبيد فنزل الحيرة وقد كان عمر قال له انك تقدم على ارض المكر والخديعة والخيانة والخزى تقدم على قوم تجروا على الشر فعلموه وتناسوا الخير فجهلوه فانظر كيف تكون واحرز لسانك ولا تفش سرك فان صاحب السر ما ضبط متحصن لا يؤتى من وجه يكرهه وإذا ضيعه كان بمضيعة ولما رجع الجالنوس إلى رستم بعث بهمن حادويه ذا الحاجب إلى الحيرة فأقبل ومعه درفش كابيان راية كسرى عرض ثمانية أذرع في طول اثنى عشر من جلود النمر فنزل في الناطف على الفرات وأقبل أبو عبيد فنزل عدوته وقعد إلى ان نصبوا للفريقين جسرا على الفرات وخيرهم بهمن حادويه في عبوره أو عبورهم فاختار أبو عبيد العبور وأجاز إليهم وماجت الارض بالمقاتلة ونفرت خيول المسلمين وكراديسهم من الفيله وأمر بالتخفيف عن الخيل فترجل أبو عبيد والناس وصافحوا العدو بالسيوف ودافعتهم الفيلة فقطعوا وضنها فسقطت رحالها وقتل من كان عليها وقابل أبو عبيد فيلا منهم فوطئه بيده وقام عليه فأهلكه وقاتلهم الناس ثم انهزموا عن المثنى وسبقه بعض المسلمين إلى الجسر فقطعه وقال موتوا أو تظفروا وتواثب بعضهم الفرات فغرقوا وأقام المثنى وناس معه مثل عروة بن زيد الخيل وأبى محجن الثقفى وانظارهم وقاتل أبو زيد الطائى كان نصرانيا قدم الحيرة لبعض أمره فحضر مع المثنى وقاتل حينئذ حمية ونادى المثنى الذين عبروا من المسلمين فعقدوا الجسر وأجاز بالناس وكان آخر من قتل عند الجسر سليط بن قيس فانفض أصحابه إلى المدينة وبقى المثنى في فله جريحا وبلغ الخبر إلى عمر فشق عليه وعذر المنهزمين وهلك من المسلمين يومئذ أربعة آلاف قتلى وغرقي وهرب ألفان وبقيت ثلاثة آلاف وبينما بهمن حادويه يروم العبور خلف المسلمين أتاه الخبر بأن الفرس ثاروا برستم مع الفيرزان فرجع إلى المدائن وكانت الوقعة في مدائن سنة ثلاث عشرة ولما رجع
بهمن حادويه اتبعه جابان ومعه مردارشاه وخرج المثنى في أثرهما فلما أشرف عليهما أتياه يظنان انه هارب فأخذهما أسيرين وخرج أهل الليس على أصحابهما فأتوه بهم اسرى وعقدوا معه مهادنة وقتل جميع الاسرى (ولما) بلغ عمر رضى الله عنه وقعة أبى عبيد بالجسر ندب الناس إلى المثنى وكان فيمن ندب بجيلة وأمرهم إلى جرير بن عبد الله لانه الذى جمعهم من القبائل بعد ان كانوا مفترقين ووعده النبي صلى الله عليه وسلم بذلك وشغل عن ذلك أبو بكر بأمر الردة ووفى له عمر به وسيره مددا للمثنى بالعراق وبعث عصمة بن عبد الله الضبى وكتب إلى أهل الردة بأن يوافوا المثنى وبعث المثنى الرسل فيمن يليه من العرب فوافوا في جموع عظيمة حتى نصارى النمر جاؤه وعليهم أنس بن(2/89)
هلال وقالوا نقاتل مع قومنا وبلغ الخبر إلى رستم والفيرزان فبعثا مهران الهمداني إلى الحيرة والمثنى بين القادسية وخفان فلما بلغه الخبر استبقى فرات باذقلا وكتب بالخبر إلى جرير وعصمة ان يقصدا العذيب مما يلى الكوفة فاجتمعوا هنا لك ومهران قبالتهم عدوة الفرات وتركوا له العبور فأجاز إليهم وسار إليه المثنى في التعبية وعلى مجنبتيه مهران مرزبان الحيرة من الازدبة ومردارشاه ووقف المثنى على الرايات يحرض الناس فأعجلتهم فارس وخالطوهم وركدت حربهم واشتدت ثم حمل المثنى على مهران فأزاله عن مركزه وأصيب مسعود أخو المثنى وخالط المثنى القلب ووثب المجنبات على المجنبات قبالتهم فانهزمت الفرس وسبقهم المثنى إلى الحسر فهربوا مصعدين ومنحدرين واستلحمتهم خيول المسلمين وقتل فيها مائة ألف أو يزيدون وأحصى مائة رجل من المسلمين قتل كل واحد منهم عشرة وتبعهم المسلمون إلى الليل وأرسل المثنى في آثار الفرس فبلغوا ساباط فغنموا وسبوا ساباط واستباحوا القرى وسخروا السواد بينهم وبين دجله لا يلقون مانعا ورجع المنهزمون إلى رستم فاستهانوا ورضوا أن يتركوا ما وراء دجلة ثم خرج المثنى من الحيرة واستخلف بشير بن الخصاصية وسار نحو
السواد ونزل الليس من قرى الانبار فسميت الغزاة غزاة الانبار الآخرة وغزاة الليس الآخرة وجاءت إلى المثنى عيون فدلته على سوق الخنافس وسوق بغداد وان سوق الخنافس اقرب ويجتمع بها تجار المدائن والسواد وخفراؤهم ربيعة وقضاعة فركب إليها واغار عليها يوم سوق فاشتف السوق وما فيها وسلب الخفراء ورجع إلى الانبار فأتوه بالعلوفة والزاد وأخذ منهم ادلاء تظهر له المدائن وسار بهم إلى بغداد ليلا وصبح السوق فوضع فيهم السيف وأخذ ما شاء من الذهب والفضة والجيد من كل شئ ثم رجع إلى الانبار وبعث المضارب العجلى إلى الركان وبه جماعة من تغلب فهربوا عنه ولحقهم المضارب فقتل في أخرياتهم وأكثر ثم سرح فرات بن حيان التغلبي وعتيبة بن النهاس للاغارة على احياء من تغلب بصفين ثم اتبعهما المثنى بنفسه فوجدوا احياء صفين قد هربوا عنها فعبر المثنى إلى الجزيرة وفنى زادهم وأكلوا رواحلهم وادركوا عيرا من أهل خفان فحضر نفر من تغلب فاخذوا العير ودلهم أحد الخفراء على حى من تغلب ساروا إليه يومهم وهجموا عليهم فقتلوا المقاتلة وسبوا الذرية واستاقوا الاموال وكان هذا الحى بوادي الرويحلة فاشترى اسراهم من كان هنا لك من ربيعة بنصيبهم من الفئ واعتقوهم وكانت ربيعة لا تسبى في الجاهلية ولما سمع المثنى ان جميع من يملك البلاد قد انتجع شاطئ دجلة خرج في اتباعهم فأدركهم بتكريت فغنم ما شاء وعاد إلى الانبار ومضى عتيبة وفرات حتى أغارا(2/90)
على النمر وتغلب بصفين وتمكن رعب المسلمين من قلوب أهل فارس وملكوا ما بين الفرات ودجلة * (أخبار القادسية) * ولما دهم أهل فارس من المسلمين بالسواد ما دهمهم وهم مختلفون بين رستم والفيرزان واجتمع عظماؤهم وقالوا لهما إما ان تجتمعا والا فنحن لكما حرب فقد عرضتمونا للهلكة
وما بعد بغداد وتكريت إلى المدار فأطاعا لذلك وفزعوا إلى بوران يسألونها في ولد من كسرى يولونه عليهم فأحضرت لهم النساء والسرارى وبسطوا عليهن العذاب فذكروا لهم غلاما من شهريار بن كسرى اسمه يزدجرد أخذته أمه عندما قتل شيرويه أبناء أبيه فسألوا أمه عنه فدلتهم عليه عند اخواله كانت اودعته عندهم حينئذ فجاؤا به ابن احدى وعشرين سنة فملكوه واجتمعوا عليه وتبارى المرازبة في طاعته وعين المسالح والجنود لكل ثغر ومنها الحيرة والابلة والانبار وخرجوا إليها من المدائن وكتب المثنى بذلك إلى عمر وبينما هو ينتظر الجواب انتقض أهل السواد وكفروا وخرج المثنى إلى ذى قار ونزل الناس في عسكر واحد ولما وصل كتابه إلى عمر قال والله لاضربن ملوك العجم بملوك العرب فلم يدع رئيسا ولاذا رأى وشرف وبسطة ولا خطيبا ولا شاعرا الا رماهم به فرماهم بوجوه الناس وكتب إلى المثنى يأمره بخروج المسلمين من بين العجم والتفرق في المياه بحيالهم وان يدعو الفرسان واهل النجدات من ربيعة ومضر ويحضرهم طوعا وكرها فنزل المسلمون بالحلة وسروا إلى عصى وهو جبل البصرة متناظرين وكتب إلى عماله على العرب ان يبعثوا إليه من كانت له نجدة أو فرس أو سلاح أو رأى وخرج إلى الحج فحج سنة ثلاث عشرة ورجع فجاءته افواجهم إلى المدينة ومن كان أقرب إلى العراق انضم إلى المثنى فلما اجتمعت عنده امداد العرب خرج من المدينة واستخلف عليها عليا وعسكر على صرار من ضواحيها وبعث على المقدمة طلحة وجعل على المجنبتين عبد الرحمن والزبير وانبهم أمره على الناس ولم يطلق أحد سؤاله فسأله عثمان فأحضر الناس واستشارهم في المسير إلى العراق فقال العامة سر نحن معك فوافقهم ثم رجع إلى اصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وأحضر عليا وطلحة والزبير وعبد الرحمن واستشارهم فأشاروا بمقامه وأن يبعث رجلا بعده آخر من الصحابة بالجنود حتى يفتح الله على المسلمين ويهلك عدوهم فقبل ذلك ورآى فيه الصواب وعين لذلك سعد بن أبى وقاص وكان على صدقات
هوازن فأحضره وولاه حرب العراق وأوصاه وقال يا سعد بن أم سعد لا يغرنك من الله أن يقال خال رسول الله وصاحب رسول الله فان الله لا يمحو السيئ بالسيئ ولكنه(2/91)
يمحو السيئ بالحسن وليس بين الله وبين أحد نسب الا بطاعته فالناس في دين الله سواء الله ربهم وهم عباده يتفاضلون بالعافية ويدركون ما عنده بالطاعة فانظر الامر الذى رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يلزمه فالزمه وعليك بالصبر ثم سرحه في أربعة آلاف ممن اجتمع إليه فيهم حميضة بن النعمان بن حميضة على بارق وعمرو بن معدى كرب وابو سبرة بن أبى رهم على مذحج ويزيد بن الحرث الصدائى على عذرة وجنب ومسلية وبشر بن عبد الله الهلالي على قيس عيلان والحصين بن نمير ومعاوية بن حديج على السكون وكندة ثم أمر بعد خروجه بألفى يمانى وألفى فخري وسار سعد وبلغه في طريقه بزرود أن المثنى مات من جراحة انتقضت وانه استخلف على الناس بشير بن الخصاصة وكانت جموع المثنى ثلاثة آلاف وكذلك أربعة آلاف من تميم والرباب وأقاموا وعمر ضرب على بنى أسد أن ينزلوا على حد أرضهم فنزلوا في ثلاثة آلاف وأقاموا بين سعد والمثنى وسار سعد إلى سيراف فنزلها واجتمعت إليه العساكر ولحقه الاشعث بن قيس ومعه ثلاثون الفا ولم يكن أحد أجرأ على الفرس من ربيعة ثم عبى سعد كتائب من سيراف وأمر الامراء وعرف على كل عشرة عريفا وجعل الرايات لاهل السابقة ورتب المقدمة والساقة والمجنبات والطلائع وكل ذلك بأمر عمر ورأيه وبعث في المقدمة زهرة بن عبد الله بن قتادة الحيوى من بنى تميم فانتهى إلى العذيب وعلى اليمامة عبد الله بن المعتمر وعلى الميسرة شرحبيل بن السمط وخليفة بن خالد بن عرفطة حليف بنى عبد شمس وعاصم بن عمر التميمي وسواد بن مالك التميمي على الطلائع وسلمان بن ربيعة الباهلى على المجردة ثم سار على التعبية ولقيه المهنى بن حارثة الشيباني بسيراف وقد كان بعد موت أخيه المثنى سار بذى قار إلى قابوس بن المنذر بالقادسية وقد بعث
الفرس إليها يستنفرون العرب فبيته المهنى واستلحمه ومن معه ورجع إلى ذى قار وجاء إلى سعد بالخبر ليعلمه بوصية المثنى إليه ان لا تدخلوا بلاد فارس وقاتلوهم على حد أرضهم بادئ حجر من أرض العرب فان يظهر الله المسلمين فلهم ما وراءهم والا رجعتم إلى فئة ثم تكونوا أعلم بسبيهم وأجرأ على أرضهم إلى ان يرد الله الكرب فترحم سعد ومن معه على المثنى وولى أخاه المهنى على عمله وتزوج سلمى زوجته ووصله كتاب عمر بمثل رأى المثنى يسأله من سيراف ونزل العرب ثم أتى القادسية فنزلها بحيال القنطرة بين العتيق والخندق ووصله كتاب عمر يؤكد عليهم في الوفاء بالانبار ولو كان اشارة أو ملاعبة 2 وكان زهرة في المقدمة فبعث سرية للاغارة على الحيرة عليها بكر بن عبد الله الليثى وإذا أخت مرزبان الحيرة تزف إلى زوجها فحمل بكير على ابن الازادية فقتله وحملوا الاثقال والعروس في ثلاثين امرأة ومائة من التوابع ومعهم ما لا يعرف(2/92)
قيمته ورجع بالغنائم فصبح سعد بالعذيب فقسمه في المسلمين ولما رجع سعد القادسية أقام بها شهرا يشن الغارات بين كسكر والانبار ولم يأته خبر عن الفرس وقد بلغت اخبارهم إلى يزدجرد وأن ما بين الحيرة والفرات قد نهب وخرب فأحضر رستم ودفعه لهذا الوجه فتقاعد عنه وقال ليس هذا من الرأى وبعث الجيوش يعقب بعضها بعضا أولى من مصادمة مرة فأبى يزدجرد الا مسيره لذلك فعسكر رستم بساباط وكتب سعد بذلك إلى عمر فكتب إليه لا يكترثنك ما ياتيك عنهم واستعن بالله وتوكل عليه وابعث رجالا من أهل الراى والجلد يدعونه فان الله جاعل ذلك وهنا لهم فأرسل سعد نفرا منهم النعمان بن مقرن وقيس بن زرارة والاشعث بن قيس وفرات بن حيان وعاصم بن عمر وعمرو بن معدى كرب والمغيرة بن شعبة والمهنى بن حارثة فقدموا على يزدجرد وتركوا رستم واجتمعوا واجتمع الناس ينظرون إليهم والى خيولهم ويردوهم فأحضرهم يزدجرد وقال لترجمانه سلهم ما جاء بكم وما أولعكم بغزونا وبلادنا
من أجل أنا تشاغلنا عنكم اجترأتم علينا فتكلم النعمان بن مقرن بعد ان استأذن أصحابه وقال ما معناه ان الله رحمنا وأرسل الينا رسولا صفته كذا يدعونا إلى كذا ووعدنا بكذا فأجابه منا قوم وتباعد قوم ثم أمر أن نجاهد من خالفه من العرب فدخلوا معه على وجهين مكره اغتبط وطائع ازداد حتى اجتمعنا عليه وعرفنا فضل ما جاء به ثم امرنا بجهاد من يلينا من الامم ودعائهم إلى الانصاف فان أبيتم فأمر أهون من ذلك وهو الجزية فان أبيتم فالمناجزة فقال يزدجرد لا أعلم في الارض امة كانت أشقى ولا أقل عددا ولا اسوأ ذات بين منكم وقد كان أهل الضواحى يكفونا أمركم ولا تطمعوا ان تقوموا للفرس فان كان بكم جهد اعطيناكم قوتا وكسوناكم وملكنا عليكم ملكا يرفق بكم فقال قيس بن زرارة هؤلاء أشراف العرب والاشراف يستحيون من الاشراف وأنا اكلمك وهم يشهدون فاما ما ذكرت من سوء الحال فكما وصفت وأشد ثم ذكر من عيش العرب ورحمة الله بهم بارسال النبي صلى الله عليه وسلم مثل ما قال النعمان الخ ثم قال له اختر إما الجزية عن يد وأنت صاغر أو السيف والا فنج نفسك بالاسلام فقال يزدجرد لو قتل أحد الرسل قبلى لقتلتكم ثم استدعى بوقر من تراب وحمل على أعظمهم وقال ارجعوا إلى صاحبكم وأعلموه انى مرسل رستم حتى يدفنكم أجمعين في خندق القادسية ثم يدوخ بلادكم أعظم من تدويخ سابور فقام عاصم بن عمر فحمل التراب على عنقه وقال انا أشرف هؤلاء ولما رجع إلى سعد فقال أبشر فقد أعطانا الله تراب أرضهم وعجب رستم من محاورتهم وأخبر يزدجرد بما قاله عاصم بن عمر فبعث في اثرهم إلى الحيرة فأعجزوهم ثم أغار سواد بن مالك التميمي بعد مسير الوفد إلى يزدجرد على الفراض(2/93)
فاستاق ثلثمائة دابة بين بغل وحمار وقدرو آخرها سمكا وصبح بها العسكر فقسمه سعد في الناس وواصلوا السرايا والبعوث لطلب اللحم وأما الطعام فكان عندهم كثيرا وسار رستم إلى ساباط في ستين ألفا وعلى مقدمته الجالنوس في أربعين ألفا وساقته عشرون
ألفا وفى الميمنة الهرمزان وفى الميسرة مهران بن بهرام الرازي وحمل ثلاثة وثلاثين فيلا ثمانية عشر في القلب وخمسة عشر في الجنبين ثم سار حتى نزل كوثى فأتى برجل من العرب فقال له رستم ما جاء بكم وما تطلبون فقال نطلب وعد الله بأرضكم وابنائكم ان لم تسلموا قال رستم فان قتلتم دون ذلك قال من قتل دخل الجنة ومن بقى انجزه الله وعده قال رستم فنحن إذا وضعنا في أيديكم فقال أعمالكم وضعتكم وأسلمكم الله بها فلا يغرنك من ترى حولك فلست تحاول الناس انما تحاول القضاء والقدر فغضب وأمر به فضربت عنقه وسار فنزل الفرس وفشا من عسكره المنكر وغصبوا الرعايا اموالهم وابناءهم حتى نادى رستم منهم بالويل وقال صدق والله العربي وأتى ببعضهم فضرب عنقه ثم سار حتى نزل الحيرة ودعا أهلها فعزرهم وهم بهم فقال ابن بقيلة لا تجمع علينا أن تعجز عن نصرتنا وتلومنا على الدفع عن أنفسنا وأرسل سعد السرايا إلى السواد وسمع بهم رستم فبعث لاعتراضهم الفرس وبلغ ذلك سعدا فأمدهم بعاصم بن عمر فجاءهم وخيل فارس تحتوشهم فلما رأوا عاصم هربوا وجاء عاصم بالغنائم ثم أرسل سعد عمرو بن معدى كرب وطليحة الاسدي طليعة فلما ساروا فرسخا وبعضه لقوا المسالح فرجع عمرو ومضى طليحة حتى وصل عسكر رستم وبات فيه وهتك اطناب خيمة أو خيمتين واقتاد بعض الخيل وخرج يعدو به فرسه ونذر به الفرس فركبوا في طلبه إلى أن أصبح وهم في أثره فكر على فارس فقتله ثم آخر وأسر الرابع وشارف عسكر المسلمين فرجعوا عنه ودخل طليحة على سعد بالفارسي ولم يخلف بعده فيهم مثله فأسلم ولزم طليحة ثم سار رستم فنزل القادسية بعد ستة أشهر من المدائن وكان يطاول خوفا وتقية والملك يستحثه وكان رآى في منامه كأن ملكا نزل من السماء ومعه النبي صلى الله عليه وسلم وعمر وأخذ الملك سلا ح اهل فارس فختمه ثم دفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم ودفعه النبي إلى عمر فحزن لذلك اهل فارس في سيره (ولما) وصل القادسية وقف على العتيق حيال عسكر
المسلمين والناس يتلاحقون حتى أغتموا من كثرتهم وركب رستم غداة تلك الليلة وصعد مع النهر وصوب حتى وقف على القنطرة وأرسل إلى زهرة فواقفه وعرض له بالصلح وقال كنتم جيراننا وكنا نحسن اليكم ونحفظكم ويقرر صنيعهم مع العرب ويقول زهرة ليس أمرنا بذلك وانما طلبنا الآخرة وقد كنا كما ذكرت إلى أن بعث الله فينا رسولا(2/94)
دعانا إلى دين الحق فأجبناه وقال قد سلطتكم على من لم يدن به وأنا منتقم بكم منهم وأجعل لكم الغلبة فقال رستم وما هو دين الحق فقال الشهادتان واخراج الناس من عبادة الخلق إلى عبادة الله وأنتم اخوان في ذلك فقال رستم فان أجبنا إلى هذا ترجعون فقال إى والله فانصرف عنه رستم ودعا رجال فارس وذكر ذلك لهم فأنفوا وأرسل إلى سعد أن ابعث لنا رجلا نكلمه ويكلمنا فبعث إليهم ربعى بن عامر وحبسوه على القنطرة حتى أعلموا رستم فجلس على سرير من ذهب وبسط النمارق والوسائد منسوجة بالذهب وأقبل ربعى على فرسه وسيفه في خرقة ورمحه مشدودة بعصب وقدم حتى انتهى إلى البساط ووطئه بفرسه ثم نزل وربطها بوسادتين شقهما وجعل الحبل فيهما فلم يقبلوا ذلك وأظهروا التهاون ثم أخذ عباءة بعيره فاشتملها وأشاروا إليه بوضع سلاحه فقال لو أتيتكم فعلت كذا بأمركم وانما دعوتموني ثم أقبل يتوكأ على رمحه ويقارب خطوه حتى أفسد ما مر عليه من البسط ثم دنا من رستم وجلس على الارض وركز رمحه على البساط وقال إنا لا نقعد على زينتكم فقال له الترجمان ما جاء بكم فقال الله بعثنا لنخرج عباده من ضيق الدنيا إلى سعتها ومن جور الاديان إلى عدل الاسلام وأرسلنا بدينه إلى خلقه فمن قبله قبلنا منه وتركناه وأرضه ومن أبى قاتلناه حتى نفئ إلى الجنة أو الظفر فقال رستم هل لكم أن تؤخروا هذا الامر حتى ننظر فيه قال نعم كم أحب اليك يوما أو يومين قال لا بل حتى نكاتب أهل رأينا ورؤساء قومنا فقال إن مما سن لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن لا نمكن الاعداء أكثر من ثلاث فانظر في أمرك وأمرهم واختر اما الاسلام وندعك وأرضك أو الجزية فنقبل ونكف عنك وان
احتجت الينا نصرناك أو المنابذة في الرابع ان تنبذ وأنا كفيل بهذا عن أصحابي قال أسيد هم أنت قال لا ولكن المسلمون كالجسد الواحد يجيز بعضهم عن بعض يجيز ادناهم على اعلاهم فخلا رستم برؤوساء قومه وقال رأيتم كلاما قط مثل كلام هذا الرجل فأروه الاستخفاف بشأنه وثيابه فقال ويحكم انما أنظر إلى الرأى والكلام والسيرة والعرب تستخف اللباس وتصون الاحساب ثم أرسل إلى سعد أن ابعث الينا ذلك الرجل فبعث إليهم حذيفة بن محصن ففعل كما فعل الاول ولم ينزل عن فرسه وتكلم وأجاب مثل الاول فقال له ما قعد بالاول عنا فقال أميرنا يعدل بيننا في الشدة والرخاء وهذه نوبتي فقال رستم والمواعدة إلى متى فقال إلى ثلاث من أمس وانصرف وحاص رستم باصحابه يعجبهم من شأن القوم وبعث في الغد عن آخر فجاءه المغيرة بن شعبة فلما وصل إليهم وهم على زيهم وبسطهم على غلوة من مجلس رستم فجاء المغيرة حتى جلس معه على سريره فأنزلوه فقال لا أرى قوما أسفه منا معشر العرب لا نستعبد(2/95)
بعضنا بعضا فظننتكم كذلك وكان احسن بكم ان تخبروني أن بعضكم أرباب بعض مع انى لم آتكم وانما دعوتموني فقد علمت انكم مغلوبون ولم يقم ملك على هذه السيرة فقالت السفلة صدق والله العربي وقالت الاساطين لقد رمانا بكلام لا تزال عبيدنا ينزعون إليه قاتل الله من يصغر أمر هذه الامة ثم تكلم رستم فعظم من أمر فارس بل من شان فارس وسلطانهم وصغر أمر العرب وقال كانت عيشتكم سيئة وكنتم تقصدونا في الجدب فنردكم بشئ من التمر والشعير ولم يحملكم على ما صنعتم إلا ما بكم من الجهد ونحن نعطى أميركم كسوة وبغلا وألف درهم وكل رجل منكم حمل تمر وتنصرفون فلست اشتهى قتلكم فتكلم المغيرة وخطب فقال اما الذى وصفتنا به من سوء الحال والضيق والاختلاف فنعرفه ولا ننكره والدنيا دول والشدة بعدها الرخاء ولو شكرتم ما آتاكم الله لكان شكركم قليلا عما أوتيتم وقد أسلمكم ضعف الشكر إلى تغير الحال وان الله
بعث فينا رسولا ثم ذكر مثل ما تقدم إلى التخيير بين الاسلام أو الجزية أو القتال ثم قال وان عيالنا ذاقوا طعام بلادكم فقالوا لا صبر لنا عنه فقال رستم إذا تموتون دونها فقال المغيرة يدخل من قتل منا الجنة ويظفر من بقى منا بكم فاستشاط غضبا وحلف ان لا يقع الصلح أبدا حتى أقتلكم أجمعين وانصرف المغيرة وخلا رستم بأهل فارس وعرض عليهم مصالحة القوم وحذرهم عاقبة حربهم فلجوا وبعث إليه سعد يعرض عليه الاسلام ويرغب فأجابه بمثل ما كان يقول لاولئك من الامتنان على العرب والتعريض بالمطامع فلم يتفق شئ من رأيهم فقال رستم تعبرون الينا أم نعبر اليكم فقالوا بل اعبروا وأرسل إليهم سعد بذلك وأرادوا القنطرة فقال سعد لا ولا كرامة لا نرد عليكم شيئا غلبناكم عليه فأبى فأتوا يسكرون العتيق بالتراب والقصب والبرادع حتى جعلوا جسرا ثم عبر رستم ونصب له سريره وجلس عليه وضرب طيارة وعبر عسكره وجعل الفيلة في القلب والمجنبتين عليها الصناديق والرجال والرايات امثال الحصون وجعل الجالنوس بينه وبين الميمنة والفيرزان بينه وبين الميسرة ورتب يزدجرد الرجال بين المدائن والقادسية وما بينه وبين رستم رجلا على كل دعوة تنتقل إليه ينبئهم أخبار رستم في أسرع وقت ثم أخذ المسلمون مصافهم واختط سعد قصره وكان به عرق النساء وأصابته معه دماميل لا يستطيع معها الجلوس فصعد على سطح القصر راكبا على وسادة في صدره وأشرف على الناس وعاب ذلك عليه بعض الناس فنزل واعتذر إليهم وأراهم القروح في جسده فعذروه واستخلف خالد بن عرفطة على الناس وحبس من شغب عليه في القصر وقيدهم وكان فيهم أبو محجن الثقفى وقيل انما حبسه بسبب الخمر ثم خطب الناس وحثهم على الجهاد وذكرهم بوعد الله وذلك في المحرم سنة أربع عشرة وأخبرهم انه استخلف(2/96)
خالد بن عرفطة وأرسل جماعة من أهل الرأى لتحريض الناس على القتال مثل المغيرة وحذيفة وعاصم وطليحة وقيس وغالب وعمرو ومن الشعراء الشماخ والحطيئة
والعبدى بل وعبدة بن الطيب وغيرهم ففعلوا ثم أمر بقراءة الانفال فشهت قلوب الناس وعيونهم وعرفوا السكينة مع قراءتها فلما فرغت القراءة قال سعد الزموا مواقفكم فإذا صليتم الظهر فانى مكبر تكبيرة فكبروا واستعدوا فإذا سمعتم الثانية فكبروا وأتموا عدتكم فإذا سمعتم الثالثة فكبروا ونشطوا الناس فإذا سمعتم الرابعة فازحفوا حتى تخالطوا عدوكم وقولوا لا حول ولا قوة الا بالله (فلما كبر الثالثة) برز أهل النجدات فأشبوا القتال وخرج امثالهم من الفرس فاعتوروا الطعن والضرب وارتجزوا الشعر وأول من أسر في ذلك اليوم هرمز من ملوك الكبار وكان متوجا أسره غالب بن عبد الله الاسدي فدفعه إلى سعد ورجع إلى الحرب وطلب البراز أسوار منهم فبرز إليه عمرو بن معدى كرب فأخذه وجلده الارض فذبحه وسلب سواريه ومنطقته ثم حملوا الفيلة على المسلمين وامالوها على بجيلة فثقلت عليهم فارسل سعد إلى بنى اسد أن يدافعوا عنهم فجاءه طليحة بن خويلد وحمل بن مالك فردوا الفيلة وخرج على طليحة عظيم منهم فقتله طليحة وعير الاشعث بن قيس كندة بما يفعله بنو أسد فاستشاطوا ونهدوا معه فأزالوا الذين بازائهم وحين رأى الفرس ما لقى الناس والفيلة من بنى أسد حملوا عليهم جميعا وفيهم ذو الحاجب والجالنوس وكبر سعد الرابعة فزحف المسلمون وثبت بنو أسد ودارت رحى الحرب عليهم وحملت الفيول على الميمنة والميسرة ونفرت خيول المسلمين منها فأرسل سعد إلى عاصم بن عمر هل من حيلة لهذه الفيلة فبعث الرماة يرشقونها بالنبل واشتد لردها آخرون يقطعون الوضن وخرج عاصم بجميعهم ورحى الحرب على أسد واشتد عواء الفيلة ووقعت الصناديق فهلك أصحابها ونفس عن أسد أن أصيب منهم خمسمائة وردوا فارس إلى مواقفهم ثم اقتتلوا إلى هدء من الليل وكان هذا اليوم الاول وهو يوم الرماة ولما أصبح دفن القتلى وأسلم الجرحى إلى نساء يقمن عليهم وإذا بنواصي الخيل طالعة من الشام كان عمر بعد فتح دمشق عزل خالد ابن الوليد عن جند العراق وأمر أبا عبيدة أن يؤمر عليهم هاشم بن عتبة يردهم إلى
العراق فخرج بهم هاشم وعلى مقدمته القعقاع بن عمرو فقام القعقاع على الناس صبيحة ذلك اليوم يوم اغواث وقد عهد إلى أصحابه أن يقطعوا اعشارا بين كل عشرين مد البصر وكانوا ألفا فسلم على الناس وبشرهم بالجنود وعرضهم على القتال وطلب البراز فخرج إليه ذو الحاجب فعرفه القعقاع ونادى بالثار لاصحاب الجسر وتضاربا فقتله القعقاع وسر الناس بقتله ووهنت الاعاجم لذلك ثم طلب البراز فخرج إليه الفيرزان(2/97)
والبندوان وأكثر المسلمون القتل في الفرس وأخذوا الفيلة عن القتال لان ثوابتها تكسرت بالامس فاستانفوا حملها وجعل القعقاع ابلا وجعل عليها البراقع واركبها عشرة عشرة وأطاف عليها الخيول تحملها وحملها على خيل الفرس فنفرت منها وركبتهم خيول المسلمين ولقى الفرس من الابل أعظم مما لقى المسلمون من الفيلة وبرز القعقاع يومئذ في ثلاثين فارسا في ثلاثين حملة فقتلهم كان آخرهم بزرجمهر الهمداني وبارز الاعور بن قطنة شهريار سجستان فقتل كل واحد منهما صاحبه (ولما) انتصف النهار تزاحف الناس فاقتتلوا إلى انتصاف الليل وقتلوا عامة اعلام فارس ثم أصبحوا في اليوم الثالث على مواقفهم بين الصفين ومن المسلمين ألفا جريح وقتيل ومن المشركين عشرة آلاف فدفن المسلمون موتاهم وأسلموا الجرحى إلى النساء ووكلوا النساء والصبيان بحفر القبور وبقى قتلى المشركين بين الصفين وبات القعقاع يسرب أصحابه إلى حيث فارقهم بالامس وأوصاهم إذا طلعت الشمس أن يقبلوا مائة مائة يجدد بذلك الناس وجاء بينهما بلحق هاشم بن عتبة فلما ذر قرن الشمس أقبل أصحاب القعقاع فتقدموا والمسلمون يكبرون فتزاحفت الكتائب طعنا وهربا وما جاء آخر أصحاب القعقاع حتى لحق هاشم فعبى أصحابه سبعين سبعين وكان فيهم قيس بن المكشوح فلما خالط القلب كبر وكبر المسلمون ثم كبر فخرق الصفوف إلى العتيق ثم عاد وقد أصبح الفرس على مواقفهم وأعادوا الصناديق على الفيلة وأحدقوا الرجال بها يحمونها أن
تقطع وضنها وأقام الفرسان يحمون الرجالة فلم تنفر خيل المسلمين منها وكان هذا اليوم يوم عماس وكان شديدا الا أن الطائفتين فيه سواء وأبلى فيه قيس بن المكشوح وعمرو ابن معدى كرب ثم زحفت الفيلة وفرقت بين الكتائب وأرسل سعد إلى القعقاع وعاصم أن اكفيانى الابيض وكان بازائهما والى محمل والذميل أن اكفيانى الاجرب وكان بازائهما فحملوا على الفيلين فقتل الابيض ومن كان عليه وقطع مشفر الاجرب وفقئت عينه وضرب سائسه الذميل بالطيرزين فأفلت جريحا وتحير الاجرب بين الطائفتين وألقى نفسه في العتيق واتبعته الفيلة وخرقت صفوف الاعاجم في اثره وقصدت المدائن بثوابتها وهلك جميع من فيها وخلص المسلمون والفرس فاختلفوا على سواء إلى المساء واقتتلوا بقية ليلتهم وتسمى ليلة الهرير فأرسل سعد طليحة وعمر إلى مخاضة أسفل السكر يقومون عليها خشية ان يؤتى المسلمون منها فتشاوروا ان يأتوا الاعاجم من خلفهم فجاء طليحة وراء العسكر وكبر فارتاع أهل فارس فأغار عمرو أسفل المخاضة ورجع وزاحفهم الناس دون اذن سعد وأول من زاحفهم من الناس دون اذن سعد زاحفهم القعقاع وقومه فحمل عليهم ثم حمل بنو أسد ثم النخع ثم بجيلة ثم كندة(2/98)
وسعد يقول في كل واحدة اللهم اغفر لهم وانصرهم وقد كان قال لهم إذا كبرت ثلاثا فاحملوا فلما كبر الثالثة لحق الناس بعضهم بعضا صلاة العشاء واختلطوا وصليل الحديد كصوت القرن إلى الصباح وركدت الحرب وانقطعت الاخبار والاصوات عن سعد ورستم وأقبل سعد على الدعاء وسمع نصف الليل صوت القعقاع في جماعة من الرؤساء إلى رستم حتى خالطوا صفة مع الصبح فحمل الناس من كل جهة على من يليهم واقتتلوا إلى قائم الظهيرة فناجر الفيرزان والهرمزان بعض الشئ وانفرج القلب وهبت ريح عاصف فقلبت طيارة رستم عن سريره فهوت في العتيق وانتهى القعقاع ومن معه إلى السرير وقد قام رستم عنه فاستظل في ظل بغل وحمله
وضرب هلال بن علقمة الحمل فوقع احد العدلين على رستم فكسر ظهره وضربه هلال ضربة نفحت مسكا ضرب نحو العتيق فرمى بنفسه فيه فاقتحم هلال وجره برجله فقتله وصعد السرير وقال قتلت رستم ورب الكعبة الى إلى فأطافوا به وكبروا وقيل ان هلالا لما قصد رستم رماه بسهم فاثبت قدمه بالركاب ثم حمل عليه فقتله واحتز رأسه ونادى في الناس قتلت رستم فانهزم قلب المشركين وقام الجالنوس على الردم ونادى الفرس إلى العبور وتهافت المقترنون بالسلاسل في العتيق وكانوا ثلاثين فهلكوا وأخذ ضرار بن الخطاب راية الفرس العظيمة وهى درفش كابيان فعوض منها ثلاثين ألفا وكانت قيمتها ألف ألف ومائة ألف ألف وقتل ذلك اليوم من الاعاجم عشرة آلاف في المعركة وقتل من المشركين في ذلك اليوم ستة آلاف دفنوا بالخندق سوى ألفين وخمسمائة قتلوا ليلة الهرير وجمع من الاسلاب والاموال ما لم يجمع قبله ولا بعده مثله ونفل سعد هلال بن علقمة سلب رستم وأمر القعقاع وشرحبيل باتباع العدو وقد كان خرج زهرة بن حيوة قبلها في آثارهم فلحق الجالنوس يجمع المنهزمين فقتله وأخذ سلبه فتوقف سعد من عطائه وكتب إلى عمر فكتب إليه تعمد إلى مثل زهرة وقد صلى بمثل ما صلى به وقد بقى عليك من حربك ما بقى تفسد قلبه أمض له سلبه وفضله على أصحابه في العطاء بخمسمائة ولحق سلمان بن ربيعة الباهلى وأخذه عبد الرحمن بطائفة من الفرس قد استماتوا فقتلوهم واستمات بعد الهزيمة بضعة وثلاثون رئيسا من المسلمين فقتلوهم أجمعين وكان ممن هرب من أمراء الفرس الهرمزان وأهود وزاد بن بيهس وقارن وممن استمات فقتل شهريار بن كبارا وأسر المدمرون والفردان الاهوازي وحشر شوم الهمداني وكتب سعد إلى عمر بالفتح وبمن أصيب من المسلمين وكان عمر يسأل الركبان حين يصبح إلى انتصاف النهار ثم يرجع إلى أهله فلما ألقى البشير قال من أين فأخبره فقال حدثنى فقال هزم الله المشركين ففرح(2/99)
بذلك وأقام المسلمون بالقادسية ينتظرون كتاب عمر إلى أن وصلهم بالاقامة وكانت وقعة القادسية سنة أربع عشرة وقيل خمس عشرة وقيل ست عشرة * (فتح المدائن وجلولاء بعدها) * ولما انهزم أهل فارس بالقادسية انتهوا إلى بابل وفيهم بقايا الرؤساء النخيزجان ومهران الاهوازي والهرمزان واشباههم واستعملوا عليهم الفيرزان واقام سعد بعد الفتح شهرين وسار بأمر عمر إلى المدائن وخلف العيال بالعتيق في جند كثيف حامية لهم وقدم بين يديه زهرة بن حيوة وشرحبيل بن السمط وعبد الله بن المعتمر ولقيهم بعض عساكر الفرس برستن فهزموهم حتى لحقوا ببابل ثم جاء سعد وسار في التعبية ونزلوا على الفيرزان ومن معه ببابل فخرجوا وقاتلوا المسلمين فانهزموا وافترقوا فرقتين ولحق الهرمزان بالاهواز والفيرزان بنهاوند وبها كنوز كسرى وسار النخيزجان ومهران إلى المدائن فتحصنوا وقطعوا الجسر ثم سار سعد من بابل على التعبية وزهرة في المقدمة وقدم بين يديه بكير بن عبد الله الليثى وكثير بن شهاب السبيعى حتى عبرا ولحقا بأخريات القوم فقتلا في طريقهما اسوارين من أساورتهم ثم تقدموا إلى كوثى وعليها شهريار فخرج لقتالهم فقتل وانهزم أصحابه فافترقوا في البلاد وجاء سعد فنفل قاتله سلبه وتقدم زهرة إلى ساباط فصالحه أهلها على الجزية وهزم كتيبة كسرى ثم نزلوا جميعا نهر شير من المدائن ولما عاينوا الايوان كبروا وقالوا هذا أبيض كسرى هذا ما وعد الله وكان نزولهم عليها ذا الحجة سنة خمس عشرة فحاصروها ثلاثة أشهر ثم اقتحموها وكانت خيولهم تغير على النواحى وعهد إليهم عمر أن من أجاب من الفلاحين ولم يعن عليهم فذلك أمانه ومن هرب فأدرك فشأنكم به ودخل الدهاقين من غربي دجلة وأهل السواد كلهم في أمان المسلمين واغتبطوا بملكهم واشتد الحصار على نهر شير ونصبوا عليها المجانيق واستلحموهم في المواطن وخرج بعض المرازبة يطلب البراز فقاتله زهرة بن حيوة فقتلا معا ويقال ان زهرة قتله شبيب الخارجي ايام الحجاج ولما ضاق بهم الحصار ركب إليهم الناس بعض الايام فلم يروا على الاسوار أحدا
الا رجلا يشير إليهم فقال ما بقى بالمدينة أحد وقد صاروا إلى المدينة القصوى التى فيها الايوان فدخل سعد والمسلمون وأرادوا العبور إليهم فوجدوهم جمعوا المعابر عندهم فأقام أياما من صبر ودله بعض العلوج على مخاضة في دجلة فتردد فقال له اقدم فلا تأتى عليك ثلاثة الا ويزدجرد قد ذهب بكل شئ فيها فعزم سعد على العبور وخطب الناس وندبهم إلى العبور ورغبهم وندب من يجيز أن لا يحئ الفراض حتى يجيز إليه الناس فانتدب عاصم بن عمر في ستمائة واقتحموا دجلة فلقيهم أمثالهم من الفرس عند(2/100)
الفراض وشدوا عليهم فانهزموا وقتل أكثرهم وعوروا من الطعن في العيون وعاينهم المسلمون على الفراض فاقتحموا في اثرهم يصيحون نستعين بالله ونتوكل عليه حسبنا الله ونعم الوكيل ولا حول ولا قوة الا بالله العلى العظيم وساروا في دجلة وقد طبقوا ما بين عدوتيها وخيلهم سابحة بهم وهم يهينمون تارة ويتحادثون أخرى حتى أجازوا البحر ولم يفقدوا شيئا الا قدحا لبعضهم غلبت صاحبه عليه جرية الماء وألقته الريح إلى الشاطئ ورآى الفرس عساكر المسلمين قد أجازوا البحر فخرجوا هاربين إلى حلوان وكان يزدجرد قدم إليها قبل ذلك عياله ورفعوا ما قدروا عليه من عرض المتاع وخفيفه ومن بيت المال والنساء والذراري وتركوا بالمدائن من الثياب والامتعة والآنية والالطاف مالا تحصر قيمته وكان في بيت المال ثلاثة آلاف ألف ألف ألف مكررة ثلاث مرات تكون جملتها ثلاثة آلاف قنطار من الدنانير وكان رستم عند مسيره إلى القادسية حمل نصفها لنفقات العساكر وابقى النصف واقتحمت العساكر المدينة تجول في سككها لا يلقون بها أحدا وأرز سائر الناس إلى القصر الابيض حتى توثقوا لانفسهم على الجزية ونزل سعد القصر الابيض واتخذ الايوان به مصلى ولم يغير ما فيه من التماثيل ولما دخله قرأ كم تركوا من جنات وعيون الآية وصلى فيه صلاة الفتح ثمانى ركعات لا يفصل بينهن وأتم الصلاة بنية الاقامة وسرح زهرة بن حيوة في آثار الاعاجم إلى النهروان وقراها
من كل جهة وجعل على الاخماس عمرو بن عمرو بن مقرن وعلى القسم سلمان بن ربيعة الباهلى وجمع ما كان في القصر والايوان والدور وما نهبه أهل المدائن عند الهزيمة ووجدوا حلية كسرى ثيابه وخرزاته وتاجه ودرعه التى كان يجلس فيها للمباهاة أخذ ذلك من أيدى الهاربين على بغلين وأخذ منهم أيضا وقر بغل من السيوف وآخر من الدروع والمغافر منسوبة كلها درع هرقل وخاقان ملك الترك وداهر ملك الهند وبهرام جور وسياوخش والنعمان بن المنذر وسيف كسرى وهرمز وقباذ وفيروز وهرقل وخاقان وداهر وبهرام وسياوخش والنعمان أحضرها القعقاع وخيره في الاسياف فاختار سيف هرقل وأعطاه درع بهرام وبعث إلى عمر سيف كسرى والنعمان وتاج كسرى وحليته وثيابه ليراها الناس وقسم سعد الفئ بين المسلمين بعد ما خمسه وكانوا ستين ألفا فصار للفارس اثنا عشر ألفا وكلهم كان فارسا ليس فيهم راجل ونفل من الاخماس في أهل البلاد وقسم في المنازل بين الناس واستدعى العيالات من العتيق فأنزلهم الدور ولم يزالوا بالمدائن حتى تم فتح جلولاء وحلوان وتكريت والموصل واختطت الكوفة فتحولوا إليها وارسل في الخمس كل شئ يعجب العرب منهم أن يضع إليهم وحضر إليهم نهار كسرى وهو الغطف وهو بساط طوله(2/101)
ستون ذراعا في مثلها مقدار مزرعة جريب في أرضه وهى منسوجة بالذهب طرقا كالانهار وتماثيل خلالها بصدف الدر والياقوت وفى حافاتها كالارض المزدرعة والمقبلة بالنبات ورقها من الحرير على قضبان الذهب وزهره حبات الذهب والفضة وثمره الجوهر كانت الاكاسرة يبسطونه في الايوان في فصل الشتاء عند فقدان الرياحين يشربون عليه فلما قدمت الاخماس على عمر قسمها في الناس ثم قال أشيروا في هذا القصب فاختلفوا وأشاروا على نفسه فقطعه بينهم فأصاب على قطعة منه باعها بعشرين ألفا ولم تكن بأجودها وولى عمر سعد بن أبى وقاص على الصلاة والحرب فيما غلب عليه
وولى حذيفة بن اليمان على سقى الفرات وعثمان بن حنيف على سقى دجلة ولما انتهى الفرس بالهرب إلى جلولاء وافترقت الطرق من هنا لك بأهل آذربيجان والباب وأهل الجبال وفارس وقفوا هنا لك خشية الافتراق واجتمعوا على مهران الرازي وخندقوا على أنفسهم وأحاطوا الخندق بجسره الحديد وتقدم يزدجرد إلى حلوان وبلغ ذلك سعدا فكاتب عمر بذلك يأمره ان يسرح بجلولاء هاشم ابن أخيه عتبة في اثنى عشر ألفا وعلى مقدمته القعقاع بن عمرو وان يولى القعقاع بعد الفتح ما بين السواد والجبل فسار هاشم من المدائن لذلك في وجوه المسلمين واعلام العرب حتى قدم جلولاء فأحاط بهم وحاصرهم في خنادقهم وزاحفوهم ثمانين يوما ينصرون عليهم في كلها والمدد متصل من ههنا وههنا ثم قاتلهم آخر الايام فقتلوا منهم أكثر من ليلة الهرير وأرسل الله عليهم ريحا وظلمة فسقط فرسانهم في الخندق وجعلوه طرقا مما يليهم ففسد حصنه وشعر المسلمون بذلك فجاء القعقاع إلى الخندق فوقف على بابه وشاع في الناس أنه أخذ في الخندق فحمل الناس حملة واحدة انهزم المشركون لها وافترقوا ومروا بالجسرة التى تحصنوا بها فعقرت دوابهم فترجلوا ولم يفلت منهم الا القليل يقال انه قتل منهم يومئذ مائة ألف واتبعهم القعقاع بالطلب إلى خانقين وأجفل يزدجرد من حلوان إلى الرى واستخلف عليها حشر شوم وجاء القعقاع إلى حلوان فبرز إليه حشر شوم وعلى مقدمته الرمى فقتله القعقاع وهرب حشر شوم من ورائه وملك القعقاع حلوان وكتب إلى عمر بالفتح واستأذنوا في اتباعهم فأبى وقال وددت أن بين السواد والجبل سدا حصينا من ريف السواد فقد آثرت سلامة المسلمين على الانفال واحصيت الغنيمة فكانت ثلاثين ألف ألف فقسمها سلمان بن ربيعة يقال انه أصاب الفارس تسعة آلاف وتسعة من الدواب وبعثوا بالاخماس إلى عمر مع زياد ابن أبيه فلما قدم الخمس قال عمر والله لا يجنه سقف حتى أقسمه فجعله في المسجد وبات عبد الرحمن بن عوف وعبد الله بن ارقم يحرسانه ولما أصبح جاء في الناس ونظر إلى ياقوتة وجوهرة فبكى فقال عبد الرحمن بن عوف(2/102)
ما يبكيك يا أمير المؤمنين وهذا موطن شكر قال والله ما أعطى الله هذا قوما الا تحاسدوا وتباغضوا فيلقى الله بأسهم بينهم ومنع عمر من قسمة السواد ما بين حلوان والقادسية فاقره حبسا واشترى جرير بعضه بشاطئ الفرات فرد عمر الشراء (ولما) رجع هاشم من جلولاء إلى المدائن بلغهم ان أدين بن الهرامون جمع جمعا وجاء بهم إلى السهل فبعث إليه ضرار بن الخطاب في جيش فلقيهم بما سبدان فهزمهم وأسر أدين فقتله وانتهى في طلبهم إلى النهروان وفتح ما سبدان عنوة ورد إليها أهلها ونزل بها فكانت أحد فروج الكوفة وقيل كان فتحها بعد نهاوند والله سبحانه أعلم * (ولاية عتبة بن غزوان على البصرة) * كان عمر عندما بعث المثنى إلى الحيرة بعث قطبة بن قتادة السدوسى إلى البصرة فكان يغير بتلك الناحية ثم استمد عمر فبعث إليه شريح بن عامر بن سعد بن بكر فأقبل إلى البصرة ومضى إلى الاهواز ولقيه مسلحة الاعاجم فقتلوه فبعث عمر عتبة بن غزوان واليا على تلك الناحية وكتب إلى العلاء بن الحضرمي أن يمده بعرفجة بن هرثمة وأمره أن يقيم بالتخوم بين أرض العرب وأرض العجم فانتهى إلى حيال الجسر وبلغ صاحب الفرات خبرهم فأقبل في أربعة آلاف وعتبة في خمسمائة والتقوا فقتلوا الاعاجم أجمعين وأسروا صاحب الفرات ثم نزل البصرة في ربيع سنة أربع عشرة وقيل أن البصرة بصرت سنة ست عشرة بعد جلولاء وتكريت أرسل سعد إليها عتبة فأقام بها شهرا وخرج إليه أهل الابلة وكانت مرفأ للسفن من الصين فهزمهم عتبة وأحجرهم في المدينة ورجع إلى عسكره ورعب الفرس فخرجوا عن الابلة وحملوا ما خف وادخلوا المدينة وعبروا النهر ودخلها المسلمون فغنموا ما فيها واقتسموه ثم اختط البصرة وبدأ بالمسجد فبناه بالقصب وجمع لهم أهل دست ميان فلقيهم عتبة فهزمهم وأخذ مرزبانها أسيرا وأخذ قتادة منطقته فبعث بها إلى عمر وسأل عنهم فقيل له انثالت
عليهم الدنيا فهم يهيلون الذهب والفضة فرغب الناس في البصرة وأتوها ثم سار عتبة إلى عمر بعد أن بعث مجاشع بن مسعود في جيش إلى الفرات واستخلف المغيرة بن شعبة على الصلاة إلى قدوم مجاشع وجاء الف بيكان من عظماء الفرس إلى المسلمين ولقيهم المغيرة بن شعبة بالمرغاب وبينما هم في القتال إذ لحق بهم النساء وقد اتخذن خمرهن رايات فانهزم الاعاجم وكتبوا بالفتح إلى عمر فرد عتبة إلى عمله فمات في طريقه وقيل ان امارة عتبة كانت سنة خمس عشرة وقيل ست عشرة فوليها ستة أشهر واستعمل عمر بعده المغيرة بن شعبة سنتين فلما رمى بما رمى به عزله واستعمل أبا موسى وقيل استعمل بعد عتبة أبا سبرة وبعده المغيرة(2/103)
* (وقعة مرج الروم وفتوح مدائن الشام بعدها) * لما انهزم الروم بفحل سار أبو عبيدة وخالد إلى حمص واجتمعوا بذى الكلاع في طريقهم وبعث هرقل توذر البطريق للقائهم فنزلوا جميعا بمرج الروم وكان توذر بازاء خالد وشمس بطريق آخر بازاء أبى عبيدة وأمسوا متباريين ثم أصبح فلم يجدوا توذر وسار إلى دمشق واتبعه خالد واستقبله يزيد من دمشق فقاتله وجاء خالد من خلفه فلم يفلت منهم الا القليل وغنموا ما معهم وقاتل شمس أبو عبيدة بعد مسير خالد فانهزم الروم وقتلوا واتبعهم أبو عبيدة إلى حمص ومعه خالد فبلغ ذلك هرقل فبعث بطريق حمص إليها وسار هو في الرهاء فحاصر أبو عبيدة حمص حتى طلبوا الامان فصالحهم وكان هرقل يعدهم في حصارهم المدد وأمر أهل الجزيرة بامدادهم فساروا لذلك وبعث سعد بن أبى وقاص العساكر من العراق فحاصروا هيت وقرقيسيا فرجع أهل الجزيرة إلى بلادهم ويئس أهل حمص من المدد فصالحوا على صلح أهل دمشق وأنزل أبو عبيدة فيها السمط بن الاسود في بنى معاوية من كندة والاشعث بن ميناس في السكون والمقداد في بلى وغيرهم وولى عليهم أبو عبيدة عبادة بن الصامت وصار إلى حماة فصالحوه على
الجزية عن رؤسهم والخراج عن أرضهم ثم سار نحو شيزر فصالحوا كذلك ثم إلى المعرة كذلك ويقال معرة النعمان وهو النعمان بن بشير الانصاري ثم سار إلى اللاذقية ففتحها عنوة ثم سلمية أيضا ثم أرسل أبو عبيدة خالد بن الوليد إلى قنسرين فاعترضه ميناس عظيم الروم بعد هرقل فهزمهم خالد وأثخن فيهم ونازل قنسرين حتى افتتحها عنوة وخربها وأدرب إلى هرقل من نا حينه وأدرب عياض بن غنم لذلك وأدرب عمر بن مالك من الكوفة إلى قرقيسيا وأدرب عبد الله بن المعتمر من الموصل فارتحل هرقل إلى القسطنطينية من أمدها وأخذ أهل الحصون بين الاسكندرية وطرسوس وشعبها أن ينتفع المسلمون بعمارتها ولما بلغ عمر صنيع خالد قال امر خالد نفسه يرحم الله أبا بكر هو كان أعلم منى بالرجال وقد كان عزل خالدا والمثنى بن حارثة خشية أن يداخلهما كبر من تعظيم فوكلوا إليه ثم رجع عن رأيه في المثنى عند قيامه بعد أبى عبيد وفى خالد بعد قنسرين فرجع خالد إلى امارته (ولما) فرغ أبو عبيدة من قنسرين سار إلى حلب وبلغه ان أهل قنسرين غدروا فبعث إليهم السمط الكندى فحاصرهم وفتح وغنم ووصل أبو عبيدة إلى خناصر حلب وهو موضع قريب منها يجمع أصنافا من العرب فصالحوا على الجزية ثم أسلموا بعد ذلك ثم أتى حلب وكان على مقدمته عياض بن غنم الفهرى فحاصرهم حتى صالحوه على الامان وأجاز ذلك أبو عبيدة وقيل صولحوا على مقاسمة الدور والكنائس وقيل انتقلوا إلى انطاكية حتى صالحوا ورجعوا إلى حلب(2/104)
ثم سار أبو عبيدة من حلب إلى انطاكية وبها جمع كبير من فل قنسرين وغيرهم ولقوه قريبا منها فهزموهم وأحجرهم وحاصرهم حتى صالحوه على الجلاء أو الجزية ورحل عنهم ثم نقضوا فبعث أبو عبيدة إليهم عياض بن غنم وحبيب بن مسلمة ففتحاها على الصلح الاول وكانت عظيمة الذكر فكتب عمر إلى أبى عبيدة أن يرتب فيها حامية مرابطة ولا يؤخر عنهم العطاء ثم بلغ أبا عبيدة أن جمعا بالروم بين معرة مصرين وحلب فسار إليهم فهزمهم
وقتل بطارقتهم وأمعن بل وأثخن فيهم وفتح معرة مصرين على صلح حلب وجالت خيوله فبلغت سرمين وتيرى وغلبوا على جميع أرض قنسرين وانطاكية ثم فتح حلب ثانية وسار يريد قورس وعلى مقدمته عياض فصالحوه على صلح انطاكية وبث خيله ففتح تل نزار وما يليه ثم فتح منبج على يد سلمان بن ربيعة الباهلى ثم بعث عياضا إلى دلوك وعينتاب فصالحهم على مثل منبج واشترط عليهم أن يكونوا عونا للمسلمين وولى أبو عبيدة على كل ما فتح من الكور عاملا وضم إليه جماعة وشحن الثغور المخوفة بالحامية واستولى المسلمون على الشام من هذه الناحية إلى الفرات وعاد أبو عبيدة إلى فلسطين وبعث أبو عبيدة جيشا مع ميسرة بن مسروق العبسى فسلكوا درب تفليس إلى بلاد الروم فلقى جمعا للروم ومعهم عرب من غسان وتنوخ وإياد يريدون اللحاق بهرقل فاوقع بهم وأثخن فيهم ولحق به على انطاكية مالك بن الاشتر النخعي مددا فرجعوا جميعا إلى أبى عبيدة وبعث أبو عبيدة جيشا آخر إلى مرعش مع خالد بن الوليد ففتحها على اجلاء أهلها بالامان وخربها وبعث جيشا آخر مع حبيب بن مسلمة إلى حصن الحرث كذلك وفى خلل ذلك فتحت قيسارية بعث إليها يزيد بن أبى سفيان أخاه معاوية بأمر عمر فسار إليها وحاصرهم بعد أن هزمهم وبلغت قتلاهم في الهزائم ثمانين ألفا وفتحها آخرا وكان علقمة بن مجزز على غزة وفيها القبفار من بطارقة الروم (3) * (وقعة أجنادين وفتح بيسان والاردن وبيت المقدس) * لما انصرف أبو عبيدة وخالد إلى حمص بعد واقعة مرج الروم نزل عمرو وشرحبيل على أهل بيسان فافتتحها وصالح أهل الاردن واجتمع عسكر الروم باجنادين وغزة وبيسان وعليهم أرطبون من بطارقة الروم فسار عمرو وشرحبيل إليهم واستخلف على الاردن أبا الاعور السلمى وكان الارطبون قد أنزل بالرملة جندا عظيما من الروم وبيت المقدس كذلك وبعث عمرو علقمة بن حكيم الفراسى ومسرور بن العكى لقتال بيت المقدس وبعث أبا أيوب المالكى إلى قتال أهل الرملة وكان معاوية محاصرا لاهل قيسارية
فشغل جميعهم عنه ثم زحف عمرو إلى الارطبون واقتتلوا كيوم اليرموك أو أشد وانهزم ارطبون إلى بيت المقدس وأفرج له المسلمون الذين كانوا يحاصرونها حتى دخل(2/105)
ورجعوا إلى عمرو وقد نزل أجنادين وقد تقدم لنا ذكر هذه الوقعة قبل اليرموك على قول من جعلها قبلها وهذا على قول من جعلها بعدها ولما دخل ارطبون بيت المقدس فتح عمرو غزة وقيل كان فتحها في خلافة أبى بكر ثم فتح سبسطية وفيها قبر يحيى بن زكريا وفتح نابلس على الجزية ثم فتح مدينة لد ثم عمواس وبيت حبرين ويافا ورفح وسائر مدائن الاردن وبعث إلى الارطبون فطلب أن يصالح كأهل الشام ويتولى العقد عمر وكتبوا إليه بذلك فسار عن المدينة واستخلف على بن أبى طالب بعد أن عذله في مسيره فأبى وقد كان واعد أمراء الاجناد هنا لك فلقيه يزيد ثم أبو عبيدة ثم خالد على الخيول عليهم الديباج والحرير فنزل ورماهم بالحجارة وقال أتستقبلوني في هذا الزى وانما شبعتم منذ سنتين والله لو كان على رأس الماءين لاستبدلت بكم فقالوا انها يلامقة وأن علينا السلاح فسكت ودخل الجابية وجاءه أهل بيت المقدس وقد هرب ارطبون عنهم إلى مصر فصالحوه على الجزية وفتحوها له وكذلك أهل الرملة وولى علقمة بن حكيم على نصف فلسطين وأسكنه الرملة وعلقمة بن مجزز على النصف الآخر وأسكنه بيت المقدس وضم عمرا وشرحبيل إليه فلقياه بالجابية وركب عمر إلى بيت المقدس فدخلها وكشف عن الصخرة وأمر ببناء المسجد عليها وذلك سنة خمس عشرة وقيل سنة ست عشرة ولحق ارطبون بمصر مع من أبى الصلح من الروم حتى هلك في فتح مصر وقيل انما لحق بالروم وهلك في بعض الصوائف ثم فرق عمر العطاء ودون الدواوين سنة خمس عشرة ورتب ذلك على السابقة (ولما) أعطى صفوان بن أمية والحرث بن هشام وسهيل بن عمرو أقل من غيرهم قالوا لا والله لا يكون أحد أكرم منا فقال أنما أعطيت على سابقة الاسلام لا على الاحساب قالوا فنعم إذا وخرجوا إلى الشام فلم يزالوا
مجاهدين حتى أصيبوا (ولما وضع عمر الدواوين) قال له على وعبد الرحمن ابدأ بنفسك قال لا بل بعم رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم الاقرب فالاقرب ورتب ذلك على مراتب ففرض خمسة آلاف ثم أربعة ثم ثلاثة ثم ألفين وخمسمائة ثم ألفين ثم ألفا واحدا ثم خمسمائة ثم ثلثمائة ثم مائتين وخمسين ثم مائتين وأعطى نساء النبي صلى الله عليه وسلم عشرة آلاف لكل واحدة وفضل عائشة بألفين وجعل النساء على مراتب فلاهل بدر خمسمائة ثم أربعمائة ثم ثلثمائة ثم مائتين والصبيان مائة مائة والمساكين جريبين في الشهر ولم يترك في بيت المال شيئا وسئل في ذلك فأبى وقال هي فتنة لمن بعدى وسأل الصحابة في قوته من بيت المال فأذنوا له وسألوه في الزيادة على لسان حفصة ابنته متكتمين عنه فغضب وامتنع وسألها عن حال رسول الله صلى الله عليه وسلم في عيشه وملبسه وفراشه فأخبرته بالكفاف من ذلك فقال والله لاضعن الفضول مواضعها(2/106)
ولا تبلغن بالترجية وانما مثلى ومثل صاحبي كثلاثة سلكوا طريقا وتزود الاول فبلغ المنزل واتبعه الآخر مقتديا به كذلك ثم جاء الثالث بعدهما فان اقتفى طريقهما وزادهما لحق بهما والا لم يبلغهما (وفتحت) في جمادى من هذه السنة تكريت لان أهل الجزيرة كانوا قد اجتمعوا إلى المرزبان الذى كان بها وهم من الروم وإياد وتغلب والنمر ومعهم المشهارجة ليحموا أرض الجزيرة من ورائهم فسرح إليهم سعد بن أبى وقاص بأمر عمر كاتبه عبد الله بن المعتمر وعلى مقدمته ربعى بن الافكل وعلى الخيل عرفجة بن هرثمة فحاصروهم أربعين يوما وداخلوا العرب الذين معهم فكانوا يطلعونهم على أحوال الروم ثم يئس الروم من أمرهم واعتزموا على ركوب السفن في دجلة للنجاة فبعث العرب بذلك إلى المسلمين وسألوهم الامان فاجابوهم على أن يسلموا فأسلموا وواعدوهم الثبات والتكبير وأن يأخذوا على الروم أبواب البحر مما يلى دجلة ففعلوا ولما سمع الروم التكبير من جهة البحر ظنوا أن المسلمين استداروا من هناك فخرجوا
إلى الناحية التى فيها المسلمون فأخذتهم السيوف من الجهتين ولم يفلت الا من أسلم من قبائل ربيعة من تغلب والنمر وإياد وقسمت الغنائم فكان للفارس ثلاثة آلاف درهم وللراجل ألف ويقال أن عبد الله بن المعتمر بعث ربعى بن الافكل بعهد عمر إلى الموصل ونينوى وهما حصنان على دجلة من شرقيها وغربيها فسار في تغلب وإياد والنمر وسبقوه إلى الحصنين فأجابوا إلى الصلح وسار واذمة وقيل بل الذى فتح الموصل عتبة بن فرقد سنة عشرين وأنه ملك نينوى وهو الشرقي عنوة وصالحوا أهل الموصل وهو الغربي على الجزية وفتح معها جبل الاكراد وجميع أعمال الموصل وقيل انما بعث عتبة بن فرقد عياض بن غنم عندما فتح الجزيرة على ما نذكره والله أعلم * (مسير هرقل إلى حمص وفتح الجزيرة وأرمينية) * كان أهل الجزيرة قد راسلوا هرقل وأغروه بالشام وأن يبعث الجنود إلى حمص وواعدوه المدد وبعثوا الجنود إلى أهل هيت مما يلى العراق فأرسل سعد عمر بن مالك ابن جبير بن مطعم في جند وعلى مقدمته الحرث بن يزيد العامري فسار إلى هيت وحاصرهم فلما رآى اعتصامهم بخندقهم حجر عليهم الحرث بن يزيد وخرج في نصف العسكر وجاء قرقيسيا على غرة فأجابوا إلى الجزية وكتب إلى الحرث أن يخندق على عسكر الجزيرة فبيت حتى سألوا المسالمة والعود إلى بلادهم فتركهم ولحق بعمر بن مالك ولما اعتزم هرقل على قصد حمص وبلغ الخبر أبا عبيدة ضم إليه مسالحه وعسكر بفنائها وأقبل إليه خالد من قنسرين وكتبوا إلى عمر بخبر هرقل فكتب إلى سعد أن يذهب بل أن يندب الناس مع القعقاع بن عمرو ويسرحهم من يومهم فان أبا عبيدة(2/107)
قد أحيط به وأن يسرح سهيل بن عدى إلى الرقة فان أهل الجزيرة هم الذين استدعوا الروم إلى حمص وأن يسرح عبد الله بن عتبان إلى نصيبين ثم يقصد حران والرها وأن يسرح الوليد بن عقبة إلى عرب الجزيرة من ربيعة وتنوخ وأن يكون عياض بن غنم
على أمراء الجزيرة هؤلاء ان كانت حرب فمضى القعقاع من يومه في أربعة آلاف إلى حمص وسار عياض بن غنم وأمراء الجزيرة كل أمير إلى كورته وخرج عمر من المدينة فأتى الجابية يريد حمص مغيثا لابي عبيدة ولما سمع أهل الجزيرة خبر الجنود فارقوا هرقل ورجعوا إلى بلادهم وزحف أبو عبيدة إلى الروم فانهزموا وقدم القعقاع من العراق بعد الوقعة بثلاث وكتبوا إلى عمر بالفتح فكتب إليهم أن أشركوا أهل العرب في الغنيمة وسار عياض بن غنم إلى الجزيرة وبعث سهيل بن عدى إلى الرقة عند ما انقبضوا عن هرقل فنهضوا معه الا إياد بن نزار فانهم دخلوا أرض الروم ثم بعث عياض بن سهيل وعبد الله يضمهما إليه وسار بالناس إلى حران فأجابوه إلى الجزية ثم سرح سهيلا وعبد الله إلى الرها فأجابوا إلى الجزية وكمل فتح الجزيرة وكتب أبو عبيدة إلى عمر لما رجع من الجابية وانصرف معه خالد أن يضم إليه عياض بن غنم مكانه ففعل وولى حبيب بن مسلمة على عجم الجزيرة وحربها والوليد بن عقبة على عربها (ولما) بلغ عمر دخول إياد إلى بلاد الروم كتب إلى هرقل بلغني أن حيا من أحياء العرب تركوا دارنا وأتوا دارك فو الله لتخرجنهم أو لنخرجن النصارى إليك فأخرجهم هرقل وتفرق منهم أربعة آلاف فيما يلى الشام والجزيرة وأبى الوليد بن عقبة أن يقبل منهم الا الاسلام فكتب إليه عمر انما ذلك في جزيرة العرب إلى تل التى فيها مكة والمدينة واليمن فدعهم على أن لا ينصروا وليدا ولا يمنعوا أحدا منهم من الاسلام ثم وفدوا إلى عمر في أن يضع عنهم اسم الجزية فجعلها الصدقة مضاعفة ثم عزل الوليد عنهم لسطوته وعزتهم وأمر عليهم فرات بن حيان وهند بن عمر الجملى وقال ابن اسحق ان فتح الجزيرة كان سنة تسع عشرة وان سعدا بعث إليها الجند مع عياض بن غنم وفيهم ابنه عمر مع عياض بن غنم ففتح عمر مع عياض الرها وصالحت حران وافتتح أبو موسى نصيبين وبعث عثمان بن أبى العاصى إلى ارمينية فصالحوه على الجزية ثم كان فتح قيسارية من فلسطين فتكون الجزيرة على هذا من فتوح أهل العراق والاكثر
أنها من فتوح أهل الشام وان أبا عبيدة سير عياض بن غنم إليها وقيل بل استخلفه لما توفى فولاه عمر على حمص وقنسرين والجزيرة فسار إليها سنة ثمان عشرة في خمسة آلاف فانتهت طائفة إلى الرقة فحاصروها حتى صالحوه على الجزية والخراج على الفلاحين ثم سار إلى حران فجهز عليها صفوان بن المعطل وحبيب بن مسلمة وسار هو(2/108)
إلى الرها فحاصرها حتى صالحوه ثم رجع إلى حران وصالحهم كذلك ثم فتح سميساط وسروج ورأس كيفا فصالحوه على منبج كذلك ثم آمد ثم ميا فارقين ثم كفرتوثا ثم نصيبين ثم ماردين ثم الموصل وفتح أحد حصنيها ثم سار إلى ارزن الروم ففتحها ودخل الدرب إلى بدليس ثم خلاط فصالحوه وانتهى إلى أطراف أرمينية ثم عاد إلى الرقة ومضى إلى حمص فمات واستعمل عمر عمير بن سعد الانصاري ففتح رأس عين وقيل ان عياضا هو الذى أرسله وقيل ان أبا موسى الاشعري هو الذى افتتح رأس عين بعد وفاة عياض بولاية عمر وقبل ان خالدا حضر فتح الجزيرة مع عياض ودخل الحمام بآمد فاطلى بشئ فيه خمر وقيل لم يسر خالد تحت لواء أحد بعد أبى عبيدة (ولما) فتح عياض سميساط بعث حبيب بن مسلمة إلى ملطية ففتحها عنوة أيضا ورتب فيها الجند وولى عليها ولما أدرب عياض بن غنم من الجابية فرجع عمر إلى المدينة سنة سبع عشرة وعلى حمص أبو عبيدة وعلى قنسرين خالد بن الوليد من تحته وعلى دمشق يزيد وعلى الاردن معاوية وعلى فلسطين علقمة بن مجزز وعلى السواحل عبد الله بن قيس وشاع في الناس ما أصاب خالد مع عياض بن غنم من الاموال فانتجعه رجال منهم الاشعث بن قيس وأجازه بعشرة آلاف وبلغ ذلك عمر مع ما بلغه في آمد من تدلكه بالخمر فكتب إلى أبى عبيدة أن يقيمه في المجلس وينزع عنه قلنسوته ويعقله بعمامته ويسأله من أين أجاز الاشعث فان كان من ماله فقد أسرف فاعزله واضمم اليك عمله فاستدعاه أبو عبيدة وجمع الناس وجلس على المنبر وسأل البريد خالدا فلم يجبه فقام بلال وأنفذ فيه أمر عمر
وسأله فقال من مالى فاطلقه وأعاد قلنسوته وعمامته ثم استدعاه عمر فقال من أين هذا الثراء قال من الانفال والسهمان وما زاد على ستين ألفا فهو لك فجمع ماله فزاد عشرين فجعلها في بيت المال ثم استصلحه وفى سنة سبع عشرة هده اعتمر عمر ووسع في المسجد وأقام بمكة عشرين ليلة وهدم على من أبى البيع دورهم لذلك وكانت العمارة في رجب وتولاها مخرمة بن نوفل والازهر بن عبد عوف وحويطب بن عبد العزى وسعيد بن يربوع واستأذنه أهل المياه أن يبنوا المنازل بين مكة والمدينة فأذن لهم على شرط أن ابن السبيل أحق بالظل والماء * (غزو فارس من البحرين وعزل العلاء عن البصرة ثم المغيرة وولاية أبى موسى) * كان العلاء بن الحضرمي على البحرين أيام أبى بكر ثم عزله عمر بقدامة بن مظعون ثم أعاده وكان العلاء يناوى سعد بن أبى وقاص ووقع له في قتال أهل الردة ما وقع فلما ظفر سعد بالقادسية كانت أعظم من فعل العلاء فأراد أن يؤثر في الفرس شيئا فندب الناس إلى فارس وأجابوه وفرقهم اجنادا بين الجارود بن المعلى والسوار بن همام وخليد بن(2/109)
المنذر وأمره على جميعهم وحمله في البحر إلى فارس بغير اذن من عمر لانه كان ينهى عن ذلك وأبو بكر قبله خوف الغرق فخرجت الجنود إلى اصطخر وبازائهم الهربذ في أهل فارس وحالوا بينهم وبين سفنهم فخاطبهم خليد وقال انما جئتم لمحاربتهم والسفن والارض لمن غلب ثم ناهدوهم واقتتلوا بطاوس وقتل الجارود والسوار وأمر خالد أصحابه أن يقاتلوا رجالة وقتل من الفرس مقتلة عظيمة ثم خرج المسلمون نحو البصرة وأخذ الفرس عليهم الطرق فعسكروا وامتنعوا وبلغ ذلك عمر فأرسل إلى عتبة بالبصرة يأمره بانفاذ جيش كثيف إلى المسلمين بفارس قبل أن يهلكوا وأمر العلاء بالانصراف عن البحرين إلى سعد بمن معه فأرسل عتبة الجنود اثنى عشر ألف مقاتل فيهم عاصم بن عمرو وعرفجة بن هرثمة والاحنف بن قيس وامثالهم وعليهم أبو سبرة بن أبى
رهم من عامر بن لؤى فساحل بالناس حتى لقوا خليدا والعسكر وقد تداعى إليهم بعد وقعة طاوس أهل فارس من كل ناحية فاقتتلوا وانهزم المشركون وقتلوا ثم انكفؤا بما أصابوا من الغنائم واستحثهم عتبة بالرجوع فرجعوا إلى البصرة ثم استأذن عتبة في الحج فأذن له عمر فحج ثم استعفاه فأبى وعزم عليه ليرجعن إلى عمله فانصرف ومات ببطن نخلة على رأس ثلاث سنين من مفارقة سعد واستخلف على عمله أبا سبرة بن أبى وهم فأقره عمر بقية السنة ثم استعمل المغيرة بن شعبة عليها وكان بينه وبين أبى بكرة منافرة وكانا متجاورين في مشربتين ينفذ البصر من احداهما إلى الاخرى من كوتين فزعموا ان أبا بكرة وزياد ابن أبيه وهو أخوه لامه وآخرين معهما عاينوا المغيرة على حالة قذفوه بها وادعوا الشهادة ومنعه أبو بكرة من الصلاة وبعثوا إلى عمر فبعث أبا موسى أميرا في تسعة وعشرين من الصحابة فيهم أنس بن مالك وعمران بن حصين وهشام بن عامر ومعهم كتاب عمر إلى المغيرة اما بعد فقد بلغني عنك نبأ عظيم وبعثت أبا موسى أميرا فسلم إليه ما في يدك والعجل ولما استحضرهم عمر اختلفوا في الشهادة ولم يستكملها زياد فجلد الثلاثة ثم عزل أبا موسى عن البصرة بعمر بن سراقة ثم صرفه إلى الكوفة ورد أبا موسى فأقام عليه * (بناء البصرة والكوفة) * وفى هذه السنة وهى اربع عشرة بلغ عمر أن العرب تغيرت ألوانهم ورآى ذلك في وجوه وفودهم فسألهم فقالوا وخومة البلاد غيرتنا وقيل ان حذيفة وكان مع سعد كتب بذلك إلى عمر فسأل عمر سعدا فقال غيرتهم وخومة البلاد والعرب لا يوافقها من البلاد الا ما وافق ابلها فكتب إليه أن يبعث سلمان وحذيفة شرقية فلم يرضيا الا بقعة الكوفة فصليا فيها ودعيا أن تكون منزل ثبات ورجع إلى سعد فكتب إلى القعقاع(2/110)
وعبد الله بن المعتمر أن يستخلفا على جندهما ويحضرا وارتحل من المدائن فنزل الكوفة
في المحرم سنة سبع عشرة لسنتين وشهرين من وقعة القادسية ولثلاث سنين وثمانية أشهر من ولاية عمر وكتب إلى عمر انى قد نزلت الكوفة بين الحيرة والفرات بريا بحريا بين الجلاء والنصر وخيرت الناس بينهما وبين المدائن ومن أعجبته تلك جعلته فيها مسلحة فلما استقروا بالكوفة ثاب إليهم ما فقدوه من حالهم ونزل أهل البصرة أيضا منازلهم في وقت واحد مع أهل الكوفة بعد ثلاث مرات نزلوها من قبل واستأذنوا جميعا في بنيان القصب فكتب عمر ان العسكرة أشد لحربكم وأذكر لكم وما أحب أن أخالفكم فابتنوا بالقصب ثم وقع الحريق في القصرين فاستأذنوا في البناء باللبن فقال افعلوا ولا يزيد أحد على ثلاثة بيوت ولا تطاولوا في البنيان والزموا السنة تلزمكم الدولة وكان على تنزيل الكوفة أبو هياج بن مالك وعلى تنزيل البصرة أبو المحرب عاصم ابن الدلف وكانت ثغور الكوفة أربعة حلوان وعليها القعقاع وما سبدان وعليها ضرار بن الخطاب وقرقيسيا وعليها عمر بن مالك والموصل وعليها عبد الله بن المعتمر ويكون بها خلفاؤهم إذا غابوا * (فتح الاهواز والسوس بعدها) * لما انهزم الهرمزان يوم القادسية قصد خوزستان وهى قاعدة الاهواز فملكها وملك سائر الاهواز وكان أصله منهم من البيوتات السبعة في فارس وأقام يغير على أهل ميسان ودست ميسان من ثغور البصرة يأتي إليها من منادر ونهر تيرى من ثغور الاهواز واستمد عتبة بن غزوان سعدا فأمده بنعيم بن مقرن ونعيم بن مسعود فنزلا بين ثغور البصرة وثغور الاهواز وبعث عتبة بن غزوان سلمى بن القين وحرملة بن مريطة بن بنى العدوية بن حنظلة فنزلا على ثغور البصرة بميسان ودعوا بنى العم بن مالك وكانوا ينزلون خراسان فأهل البلاد يأمنونهم فاستجابوا وجاء منهم غالب الوائلي وكليب بن وائل الكلبى فلقيا سلمى وحرملة وواعداهما الثورة بمنادر ونهر تيرى ونهض سلمى وحرملة يوم الموعد في التعبية وأنهضا نعيما والتقوا هم والهرمزان وسلمى على أهل البصرة
ونعيم على أهل الكوفة وأقبل اليهما المدد من قبل غالب وكليب وقد ملك منادر ونهر تيرى فانهزم الهرمزان وقتل المسلمون من أهل فارس مقتلة وانتهوا في اتباعهم إلى شاطئ دجيل وملكوا ما دونها وعبر الهرمزان جسر سوق الاهواز وصار دجيل بينه وبين المسلمين ثم طلب الهرمزان الصلح فصالحوه على الاهواز كلها ما خلا نهر تيرى ومنادر وما غلبوا عليه من سوق الاهواز فانه لا يرد وبقيت المسالح على نهر تيرى ومنادر وفيهما غالب وكليب ثم وقع بينهما وبين الهرمزان اختلاف في التخم ووافقهما سلمى(2/111)
وحرملة فنقض الهرمزان ومنع ما قبله وكثف جنوده بالاكراد وبعث عتبة بن غزوان حرقوص بن زهير السعدى لقتاله فانهزم وسار إلى رام هرمز وفتح حرقوص سوق الاهواز ونزل بها واتسقت له البلاد إلى تستر ووضع الجزية وكتب بالفتح وبعث في أثر الهرمزان جزء بن معاوية فانتهى إلى قرية الشغر ثم إلى دورق فملكها وأقام بالبلاد وعمرها وطلب الهرمزان الصلح على ما بقى من البلاد ونزل حرقوص جبل الاهواز وكان يزدجرد في خلال ذلك يمد ويحرض أهل فارس حتى اجتمعوا وتعاهدوا مع أهل الاهواز على النصرة وبلغت الاخبار حرقوصا وجزءا وسلمى وحرملة فكتبوا إلى عمر فكتب إلى سعد أن يبعث جندا كثيفا مع النعمان بن مقرن ينزلون منازل الهرمزان وكتب إلى أبى موسى أن يبعث كذلك جندا كثيفا مع سعد بن عدى أخى سهيل ويكون فيهم البراء بن مالك ومجزأة بن ثور وعرفجة بن هرثمة وغيرهم وعلى الجندين أبو سبرة بن أبى رهم فخرج النعمان بن مقرن في أهل الكوفة فخلف حرقوصا وسلمى وحرملة إلى الهرمزان وهو برام هرمز فلما سمع الهرمزان بمسير النعمان إليه بادره الشده ولقيه فانهزم ولحق بتستر وجاء النعمان إلى رام هرمز فنزلها وجاء أهل البصرة من بعده فلحقهم خبر الواقعة بسوق الاهواز فساروا حتى أتوا تستر ولحقهم النعمان فاجتمعوا على تستر وبها الهرمزان وأمدهم عمر بابى موسى جعله على أهل البصرة
فحاصروهم أشهرا وأكثروا فيهم القتل وزاحفهم المشركون ثمانين زحفا سجالا ثم انهزموا في آخرها واقتحم المسلمون خنادقهم وأحاطوا بها وضاق عليهم الحصار فاستأمن بعضهم من داخل البلد بمكتوب في سهم على أن يدلهم على مدخل يدخلون منه فانتدب لهم طائفة ودخلوا المدينة من مدخل الماء وملكوها وقتلوا المقاتلة وتحصن الهرمزان بالقلعة فأطافوا بها واستنزلوه على حكم عمر وأوثقوه واقتسموا الفئ فكان سهم الفارس ثلاثة آلاف والراجل ألف وقتل من المسلمين في تلك الليلة البراء بن مالك ومجزاة بن ثور قتلهما الهرمزان ثم خرج أبو سبرة في أثر المنهزمين ومعه النعمان وأبو موسى فنزلوا على السوس وسار زر بن عبد الله الفقيمى إلى جند يسابور فنزل عليها وكتب عمر إلى أبى موسى الاشعري بالرجوع إلى البصرة وأمر مكانه الاسود بن ربيعة بن مالك صحابي يسمى المقترب وأرسل أبو سبرة بالهرمزان إلى عمر في وفد منهم أنس بن مالك والاحنف بن قيس فقدموا به المدينة وألبسوه كسوته من الديباج المذهب وتاجه مرصعا بالياقوت وحليته ليراه المسلمون فلما رآه عمر أمر بنزع ما عليه وقال يا هرمزان كيف رأيت أمر الله وعاقبة الغدر فقال يا عمر إنا واياكم في الجاهلية كان الله قد خلى بينا وبينكم فغلبناكم فلما صار الآن معكم غلبتمونا قال فما حجتك وما عذرك(2/112)
في الانتقاض مرة بعد أخرى قال أخاف أن تقتلني قبل أن أخبرك قال لا تخف ذلك ثم استقى فأتى بالماء فقال أخاف أن أقتل وأنا أشرب فقال لا بأس عليك حتى تشربه فألقاه من يده وقال لا حاجة لى في الماء وقد أمنتنى قال كذبت قال أنس صدق يا أمير المؤمنين فقد قلت له لا بأس عليك حتى تخبرني وحتى تشربه وصدق الناس فأقبل عمر على الهرمزان وقال خدعتني لا والله الا أن تسلم فاسلم ففرض له في ألفين وأنزله المدينة واستأذنه الاحنف بن قيس في الانسياح في بلاد فارس وقال لا يزالون في الانتقاض حتى يهلك ملكهم فأذن له (ولما) لحق أبو سبرة بالسوس ونزل عليها وبها
شهريار أخو الهرمزان فأحاط بها ومعه المقترب بن ربيعة في جند البصرة فسأل أهل السوس الصلح فأجابوهم وسار النعمان بن مقرن بأهل الكوفة إلى نهاوند وقد اجتمع بها الاعاجم وسار المقترب إلى زر بن عبد الله على جند يسابور فحاصروها مدة ثم رمى السهم بالامان من خارج على الجزية فخرجوا لذلك فناكرهم المسلمون فإذا عبد فعل ذلك أصله منهم فأمضى عمر أمانه وقيل في فتح السوس إن يزدجرد سار بعد وقعة جلولاء فنزل اصطخر ومعه سباه في سبعين ألفا من فارس فبعثه إلى السوس ونزل الكلبانية وبعث الهرمزان إلى تستر ثم كانت واقعة أبى موسى فحاصرهم فصالحوه على الجزية وسار إلى هرمز ثم إلى تستر ونزل سباه بين رام هرمز وتستر وحمل أصحابه على صلح أبى موسى ثم على الاسلام على أن يقاتلوا الاعاجم ولا يقتلوا العرب ويمنعهم هو من العرب ويلحقوا بأشراف العطاء فأعطاهم ذلك عمر وأسلموا وشهد وافتح تستر ومضى سباه إلى بعض الحصون في زى العجم فغدرهم وفتحه للمسلمين وكان فتح تستر وما بعدها سنة سبع عشرة وقيل ست عشرة * (مسير المسلمين إلى الجهات للفتح) * لما جاء الاحنف بن قيس بالهرمزان إلى عمر قال له يا أمير المؤمنين لا يزال أهل فارس يقاتلون ما دام ملكهم فيهم فلو أذنت بالانسياح في بلادهم فأزلنا ملكهم انقطع رجاؤهم فأمر أبا موسى أن يسير من البصرة غير بعيد ويقيم حتى يأتي أمره ثم بعث إليه مع سهيل بن عدى بألوية الامراء الذين يسيرون في بلاد العجم لواء خراسان للاحنف بن قيس ولواء أردشير خرة وسابور لمجاشع بن مسعود السلمى ولواء اصطخر لعثمان بن أبى العاصى الثقفى ولواء فسا ودارا بجرد لسارية بن زنيم الكنانى ولواء كرمان لسهيل بن عدى ولواء سجستان لعاصم بن عمرو ولواء مكران للحكم بن عمير التغلبي ولم يتهيأ مسيرهم إلى سنة ثمان عشرة ويقال سنة احدى وعشرين أو اثنين وعشرين ثم ساروا في بلاد العجم وفتحوا كما يذكر بعد(2/113)
* (مجاعة عام الرمادة وطاعون عمواس) * وأصاب الناس سنة ثمان عشرة قحط شديد وجدب أعقب جوعا بعد العهد بمثله مع طاعون أتى على جميع الناس وحلف عمر لا يذوق السمن واللبن حتى يحيا الناس وكتب إلى الامراء بالامصار يستمدهم لاهل المدينة فجاء أبو عبيدة باربعة آلاف راحلة من الطعام وأصلح عمرو بن العاصى بحر القلزم وراسل فيه الطعام من مصر فرخص السعر واستقى عمر بالناس فخطب الناس وصلى ثم قام وأخذ بيد العباس وتوسل به ثم بكى وجثا على ركبتيه يدعوا لى أن مطر الناس وهلك بالطاعون أبو عبيدة ومعاذ ويزيد بن أبى سفيان والحرث بن هشام وسهيل بن عمرو وابنه عتبة في آخرين أمثالهم وتفانى الناس بالشأم وكتب عمر إلى أبى عبيدة أن يرتفع بالمسلمين من الارض التى هو بها فدعا أبا موسى يرتاد له منزلا ومات قبل رحيله وسار عمر بالناس إلى الشام وانتهى إلى سرغ ولقيه أمراء الاجناد وأخبروه بشدة الوباء واختلف الناس عليه في قدومه فقبل اشارة العود ورجع وأخبر عبد الرحمن بن عوف بما سمع من رسول الله صلى الله عليه وسلم في أمر الوباء فقال إذا سمعتم به بأرض فلا تقدموا عليه وإذا وقع بأرض وأنتم فيها فلا تخرجوا فرارا منه أخرجاه في الصحيحين (ولما) هلك يزيد ولى عمر على دمشق مكانه أخاه معاوية بن أبى سفيان وعلى الارض شرحبيل بن حسنة ولما فحش أثر الطاعون بالشأم أجمع عمر على المسير إليه ليقسم مواريث المسلمين ويتطوف على الثغور ففعل ذلك ورجع واستقضى في سنة ثمان عشرة على الكوفة شريح بن الحرث الكندى وعلى البصرة كعب بن سوار الازدي وحج في هذه السنة ويقال أن فتح جلولا والمدائن والجزيرة كان في هذه السنة وقد تقدم ذكر ذلك وكذلك فتح قيسارية على يد معاوية وقيل سنة عشرين (فتح مصر)
ولما فتح عمر بيت المقدس استأذنه عمرو بن العاصى في فتح مصر فأغزاه ثم اتبعه الزبير بن العوام فساروا سنة عشرين أو احدى أو اثنين أو خمس فاقتحموا باب اليون ثم ساروا في قرى الريف إلى مصر ولقيهم الجاثليق أبو مريم والاسقف قد بعثه المقوقس وجاء أبو مريم إلى عمرو فعرض الجزية والمنع وأخبره بما أوصى به رسول الله صلى الله عليه وسلم في شأنهم وأجلهم ثلاثا ورجعوا إلى المقوقس وارطبون أمير الروم فأبى من ذلك ارطبون وعزم على الحرب وبيت المسلمين فهزموه وجنده ونازلوا عين شمس وهى المطرية وبعثوا لحصار الفرما أبرهه بن الصباح ولحصار الاسكندرية عوف(2/114)
ابن مالك وراسلهم أهل البلاد وانتظروا عين شمس فحاصرهم عمرو والزبير مدة حتى صالحوهما على الجزية وأجروا ما أخذوا قبل ذلك عنوة فجرى الصلح وشرطوا رد السبايا فأمضاه لهم عمر بن الخطاب على أن يجيز السبايا في الاسلام وكتب العهد بينهم ونصه بسم الله الرحمن الرحيم هذا ما أعطى عمرو بن العاصى أهل مصر من الامان على أنفسهم ودمهم وأموالهم وكافتهم وصاعهم ومدهم وعددهم لا يزيد شئ في ذلك ولا ينقص ولا يساكنهم النوب وعلى أهل مصر أن يعطوا الجزية إذا اجتمعوا على هذا الصلح وانتهت زيادة نهرهم خمسين ألف ألف وعليه ممن جنى نصرتهم فان أبى أحد منهم أن يجيب رفع عنهم من الجزى بقدرهم وذمتنا ممن أبى برية وان نقص نهرهم من غايته إذا انتهى رفع عنهم بقدر ذلك ومن دخل في صلحهم من الروم والنوب فله ما لهم وعليه ما عليهم ومن أبى واختار الذهاب فهو آمن حتى يبلغ مأمنه ويخرج من سلطاننا وعليهم ما عليهم اثلاثا في كل ثلث جباية ثلث ما عليهم على ما في هذا الكتاب عهد الله وذمته وذمة رسوله وذمة الخليفة أمير المؤمنين وذمم المؤمنين وعلى النوبة الذين استجابوا أن يعينوا بكذا وكذا رأسا وكذا وكذا فرسا على ان لا يغزوا ولا يمنعوا من تجارة صادرة ولا واردة شهد الزبير وعبد الله ومحمد ابناه وكتب وردان وحضر هذا نص الكتاب
منقولا من الطبري قال فدخل في ذلك أهل مصر كلهم وقبلوا الصلح ونزل المسلمون الفسطاط وجاء أبو مريم الجاثليق يطلب السبايا التى بعد المعركة في أيام الاجل فأبى عمرو من ردها وقال أغاروا وقاتلوا وقسمتهم في الناس وبلغ الخبر إلى عمر فقال من يقاتل في أيام الاجل فله الامن وبعث بهم إلى الرباق فردهم عليهم ثم سار عمرو إلى الاسكندرية فاجتمع له من بينها وبين الفسطاط من الروم والقبط فهزمهم وأثخن فيهم ونازل الاسكندرية وبها المقوقس وسأله الهدنة إلى مدة فلم يجبه وحاصرهم ثلاثة أشهر ثم فتحها عنوة وغنم ما فيها وجعلهم ذمة وقيل ان المقوقس صالح عمرا على اثنى عشر ألف دينار على أن يخرج من يخرج ويقيم من يقيم باختيارهم وجعل عمرو فيها جندا (ولما) تم فتح مصر والاسكندرية أغزى عمرو العساكر إلى النوبة فلم يظفروا فلما كان أيام عثمان وعبد الله بن أبى سرح على مصر صالحهم على عدة رؤس في كل سنة ويهدى إليهم المسلمون طعاما وكسوة فاستمر ذلك فيها * (وقعة نهاوند وما كان بعدها من الفتوحات) * لما فتحت الاهواز ويزدجرد بمرو كاتبوه واستنجدوه فبعث إلى الملوك ما بين الباب والسند وخراسان وحلوان يستمدهم فأجابوه واجتمعوا إلى نهاوند وعلى الفرس القيرزان في مائة وخمسين ألف مقاتل وكان سعد بن أبى وقاص قد ألب أقوام عليه من(2/115)
عسكره وشكوا إلى عمر فبعث محمد بن مسلمة في الكشف عن أمره فلم يسمع الا خيرا سوى مقالة من بنى عبس فاستقدمه محمد إلى عمرو خبره الخبر وقال كيف تصلى يا سعد قال أطيل الاولتين وأحذف الاخيرتين قال هكذا الظن بك ثم قال من خليفتك على الكوفة قال عبد الله بن عبد الله بن عتبان فأقره وشافهه بخبر الاعاجم وأشار بالانسياح ليكون أهيب على العدو فجمع عمر الناس واستشارهم بالمسير بنفسه فمن موافق ومخالف إلى أن اتفق رأيهم على أن يبعث الجنود ويقيم ردءا لهم وكان ذلك رأى على وعثمان وطلحة
وغيرهم فولى على حربهم النعمان بن مقرن المزني وكان على جند الكوفة بعد انصرافهم من حصار السوس وأمره أن يصير إلى ماه لتجتمع الجيوش عليه ويسير بهم إلى القيرزان ومن معه وكتب إلى عبد الله بن عبد الله بن عتبان أن يستنفر الناس مع النعمان فبعثهم مع حذيفة بن اليمان ومعه نعيم بن مقرن وكتب إلى المقترب وحرملة وزر الذين كانوا بالاهواز وفتحوا السوس وجند يسابور ان يقيموا بتخوم اصبهان وفارس ويقطعوا المدد عن أهل نهاوند واجتمع الناس على النعمان وفيهم حذيفة وجرير والمغيرة وابن عمر وأمثالهم وأرسل النعمان طليحة وعمرو بن معد يكرب طليعة ورجع عمرو من طريقه وانتهى طليحة إلى نهاوند ونفض الطرق فلم يلق بها أحدا وأخبر الناس فرحل النعمان وعبى المسلمين ثلاثين ألفا وجعل على مقدمته نعيم بن مقرن وعلى مجنبتيه حذيفة بن اليمان وسويد بن مقرن وعلى المجردة القعقاع وعلى الساقة مجاشع بن مسعود ومع القيرزان كتائبه وعلى مجنبتيه الزردق وبهمن جادويه مكان ذى الحاجب وقد توافي إليهم بنهاوند كل من غاب من القادسية من أبطالهم فلما ترا آى الجمعان كبر المسلمون وحطت العرب الاثقال وتبادر اشراف الكوفة إلى فسطاط النعمان فبنوه حذيفة بن اليمان والمغيرة بن شعبة وعقبة بن عمرو وجرير بن عبد الله وحنظلة الكاتب وبشير بن الحضاصية والاشعث بن قيس ووائل بن حجر وسعيد بن قيس الهمداني ثم تزاحفوا للقتال يوم الاربعاء والخميس والحرب سجال ثم أحجروهم في خنادقهم يوم الجمعة وحاصروهم أياما وسئم المسلمون اعتصامهم بالخنادق وتشاوروا وأشار طليحة باستخراجهم للمناجزة بالاستطراد فناشبهم القعقاع فبرزوا إليه كأنهم حبال حديد قد تواثقوا ان لا يفروا وألقوا حسك الحديد خلفهم لئلا ينهزموا فلما بارزوا استطرد لهم حتى فارقوا الخنادق وقد ثبت لهم المسلمون ونزل الصبر ثم وقف النعمان على الكتائب وحرض المسلمين ودعا لنفسه بالشهادة وقال إذا كبرت الثالثة فاحملوا ثم كبر وحمل عند الزوال وتجاول الناس ساعة وركدت الحرب ثم انفض الاعاجم وانهزموا وقتلوا ما بين الظهر والعتمة
حتى سالت أرض المعركة دما تزلق فيه المشاة حتى زلق فيه النعمان وصرع وقيل بل(2/116)
أصابه سهم فسجاه أخوه نعيم بثوب وتناول الراية حذيفة بعهده وتواصوا بكتمان موته وذهب الاعاجم ليلا وعميت عليهم المذاهب وعقرهم حسك الحديد ووقعوا في اللهب الذى أعدوه في عسكرهم فمات منهم أكثر من مائة ألف منها نحو ثلاثين ألفا في المعركة وهرب القيرزان بعد ان صرع إلى همذان واتبعه نعيم بن مقرن فادركه بالثنية دونها وقد سدتها الاحمال وترجل وصعد في الجبل وكان نعيم قد قدم القعقاع أمامه فاعترضه وقتله المسلمون على الثنية ودخل الفل همذان وبها خسر شنوم فنزل المسلمون عليها مع نعيم والقعقاع ودخل المسلمون نهاوند يوم الوقعة وغنموا ما فيها وجمعوه إلى صاحب الاقباض السائب بن الاقرع وولى على الجند حذيفة بعهد النعمان إليه ثم جاء الهربذ صاحب بيت النار إلى حذيفة فأمنه وأخرج له سفطين مملو أين جوهرا نفيسا كانا من دخائر كسرى أودعهما عنده البخرجان فنقلهما المسلمون وبعث الخمس مع السائب إلى عمر وأخبره بالواقعة وبالفتح وبمن استشهد فبكى وبالسفطين فقال ضعهما في بيت المال والحق بجندك قال السائب ثم لحقني رسوله بالكوفة فردني إليه فلما رأني قال مالى وللسائب ما هو الا أن نمت الليلة التى خرجت فيها فباتت الملائكة تسحبني إلى السفطين يشتعلان نارا يتوعدوني بالكى ان لم أقسمهما فخذهما عنى وبعهما في أرزاق المسلمين فبعتهما بالكوفة من عمرو بن حريث المخزومى بالفى ألف درهم وباعهما عمرو بأرض الاعاجم بضعفهما فكان له بالكوفة مال وكان سهم الفارس بنهاوند ستة آلاف والراجل ألفين ولم يكن للفرس من بعدها اجتماع وكان أبو لؤلؤة قاتل عمر من أهل نهاوند حصل في أسر الروم وأسره الفرس منهم فكان إذا لقى سبى نهاوند بالمدينة يبكى ويقول أكل عمر كبدي وكان أبو موسى الاشعري قد حضر نهاوند على أهل البصرة فلما انصرف مر بالدينور فحاصرها خمسة أيام ثم صالحوه على الجزية وسار إلى أهل شيروان
فصالحوه كذلك وبعث السائب بن الاقرع إلى الصيمرة ففتحها صلحا ولما اشتد الحصار بأهل همذان بعث خسر شنوم إلى نعيم والقعقاع في الصلح على قبول الجزية فأجابوه إلى ذلك ثم اقتدى أهل الماهين وهم الملوك الذين جاؤا لنصرة يزدجرد وأهل همذان وبعثوا إلى حذيفة فصالحوه وأمر عمر بالانسياح في بلاد الاعاجم وعزل عبد الله بن عبد الله ابن عتبان عن الكوفة وبعثه في وجه آخر وولى مكانه ابن حنظلة حليف بنى عبد قصى واستعفى فاعفاه وولى عمار بن ياسر واستدعى ابن مسعود من حمص فبعثه معه معلما لاهل الكوفة وأمدهم بأبى موسى وأمد أهل البصرة مكانه بعبد الله بن عبد الله ثم بعثه إلى اصبهان مكان حذيفة وولى على البصرة عمرو بن سراقة ثم انتقض أهل همذان فبعث إلى نعيم بن مقرن فحاصرهم وصار بعد فتحها إلى خراسان وبعث عتبة بن فرقد وبكر(2/117)
ابن عبد الله إلى اذربيجان يدخل أحدهما من حلوان والآخر من الموصل ولما فصل عبد الله بن عبد الله بن عتبان إلى اصبهان وكان من الصحابة من وجوه الانصار حليف بنى الحبلى فأمده بأبى موسى وجعل على مجنبتيه عبد الله بن ورقاء الرياحي وعصمة بن عبد الله فسار إلى نهاوند ورجع حذيفة إلى عمله على ما سقت دجلة فسار عبد الله بمن معه ومن تبعه من عند النعمان نحو اصبهان وعلى جندها الاسبيدان وعلى مقدمته شهريار ابن جادويه في جمع عظيم برستاق اصبهان فاقتتلوا وبارز عبد الله بن ورقاء شهريار فقتله وانهزم أهل اصبهان وصالحهم الاسبيدان على ذلك الرستاق ثم ساروا إلى اصبهان وتسمى جى وملكها الفادوسفان فصالحهم على الجزية والخيار بين المقام والذهاب وقال ولكم أرض من ذهب وقدم أبو موسى على عبد الله من ناحية الاهواز فدخل معه اصبهان وكتبوا إلى عمر بالفتح فكتب إلى عبد الله أن يسير إلى سهيل بن عدى لقتال كرمان فاستخلف على اصبهان السائب بن الاقرع ولحق بسهيل قبل أن يصل كرمان وقد قيل أن النعمان بن مقرن حضر فتح اصبهان أرسله إليها عمر من المدينة واستجاش له أهل
الكوفة فقتل في حرب اصبهان والصحيح أن النعمان قتل بنهاوند وافتتح أبو موسى قم وقاشان ثم ولى عمر على الكوفة سنة احدى وعشرين المغيرة بن شعبة وعزل عمارا * (فتح همذان) * كان أهل همذان قد صالح عليهم حشر شنوم القعقاع ونعيما وضمنهما ثم انتقض فكتب عمر إلى نعيم أن يقصدها فودع حذيفة ورجع إليها من الطريق على تعبيته فاستولى على بلادها أجمع حتى صالحوا على الجزية وقيل ان فتحها كان سنة أربع وعشرين فبينما نعيم يجول في نواحى همذان إذ جاء الخبر بخروج الديلم وأهل الرى واسفنديار أخو رستم بأهل اذربيجان فاستخلف نعيم على همذان يزيد بن قيس الهمداني وسار إليهم فاقتتلوا وانهزم الفرس وكانت واقعتها مثل نهاوند واعظم وكتبوا إلى عمر بالفتح فامر نعيما بقصد الرى والمقام بها بعد فتحها وقيل ان المغيرة بن شعبة أرسل من الكوفة جرير بن عبد الله إلى همذان ففتحها صلحا وغلب على أرضها وقيل تولاها بنفسه وجرير على مقدمته ولما فتح جرير همذان بعث البراء بن عازب إلى قزوين ففتح ما قبلها وسار إليها فاستنجدوا بالديلم فوعدوهم ثم جاء البراء في المسلمين فخرجوا لقتالهم والديلم وقوف على الجبل ينظرون فيئس أهل قزوين منهم وصالحوا البراء على صلح أبهر قبلها ثم غزا البراء الديلم وجيلان * (فتح الرى) *(2/118)
ولما انصرف نعيم من واقعته سار إلى الرى وخرج إليه أبو الفرخان من أهلها في الصلح وأبى ذلك ملكها سياوخش بن مهران بن بهرام جوبين واستمد أهل دنباوند وطبرستان وقومس وجرجان فأمدوه والتقوا مع نعيم فشغلوا به عن المدينة وقد كان خلفهم أبو فرخان ودخل المدينة من الليل ومعه المنذر بن عمرو أخو نعيم فلم يشعروا وهم مواقفون لنعيم الا بالتكبير من ورائهم فانهزموا وقتلوا وافاء الله على المسلمين بالرى مثل ما كان
بالمدائن وصالحه أبو الفرخان الزبينى على البلاد فلم يزل شرفهم في عقبه وأخرب نعيم مدينتهم العتيقة وأمر ببناء أخرى وكتب إلى عمر بالفتح وصالحه أهل دنباوند على الجزية فقبل منهم (ولما) بعث بالاخماس إلى عمر كتب إليه بارسال أخيه سويد إلى قومس ومعه هند بن عمرو الجملى فسار فلم يقم له أحد وأخذها سلما وعسكر بها وكاتبه الفل الذين بطبرستان وبالمفاوز فصالحوه على الجزية ثم سار إلى جرجان وعسكر فيها ببسطام وصالحه ملكها على الجزية وتلقاه مرزبان صول قبل جرجان فكان معه حتى جبى الخراج وأراه فروجها وسدها وقيل كان فتحها سنة ثلاثين أيام عثمان ثم أرسل سويد إلى الاصبهبذ صاحب طبرستان على الموادعة فقبل وعقد له بذلك * (فتح اذربيجان) * ولما افتتح نعيم الرى أمره عمر أن يبعث سماك بن خرشة الانصاري إلى اذربيجان ممدا لبكير بن عبد الله وكان بكير بن عبد الله عندما سار إلى اذربيجان لقى بالجبال اسفنديار ابن فرخزاد مهزوما من واقعة نعيم من ماح رود دون همذان وهو أخو رستم فهزمه بكير وأسره فقال له أمسكنى عندك فأصالح لك على البلاد والا فروا إلى الجبال وتركوها وتحصن من تحصن إلى يوم ما فأمسكه وسارت البلاد صلحا الا الحصون وقدم عليه سماك وهو في مثل ذلك وقد افتتح ما يليه وافتتح عتبة بن فرقد ما يليه وكتب بكير إلى عمر يستأذنه في التقدم فأذن له أن يتقدم نحو الباب وان يستخلف على ما افتتح فاستخلف عتبة بن فرقد وجمع له عمر اذربيجان كلها فولى عتبة سماك بن خرشة على ما افتتحه بكير وكان بهرام بن الفرخزاد قصد طريق عتبة وأقام به في عسكره مقتصدا معترضا له فلقيه عتبة وهزمه وبلغ خبر الاسفنديار وهو أسير عند بكير فصالحه واتبعه أهل اذربيجان كلهم وكتب بكير وعتبة بذلك إلى عمر وبعثوا بالاخماس فكتب عمر لاهل اذربيجان كتاب الصلح ثم غزا عتبة بن فرقد شهرزور والصامغان ففتحهما بعد قتال على الجزية والخراج وقتل خلقا من الاكراد وكتب إلى عمران فتوحي بلغت
اذربيجان فولاه اياها وولى هرثمة بن عرفجة الموصل * (فتح الباب) *(2/119)
ولما أمر عمر بكير بن عبد الله بغزو الباب والتقدم إليها بعث سراقه بن عمرو على حربها فسار من البصرة وجعل على مقدمته عبد الرحمن بن ربيعة وعلى احدى مجنبتيه ابن أسيد الغفاري وعلى الاخرى بكير بن عبد الله المتقدم وعلى المقاسم سلمان بن ربيعة الباهلى ورد أبا موسى الاشعري إلى البصرة مكان سراقة ثم أمد سراقة بحبيب بن مسلمة من الجزيرة وجعل مكانه زياد بن حنظلة وسار سراقة من أذربيجان فلما وصل عبد الرحمن بن ربيعة في مقدمته على الباب والملك بها يومئذ شهريار من ولد شهريرار الذى أفسد بنى اسرائيل وأعرى الشأم منهم فكاتبه شهريار واستأمنه على أن يأتي فحضر وطلب الصلح والموادعة على أن تكون جزيته النصر والطاعة للمسلمين قال ولا تسومونا الجزية فتوهنونا لعدوكم فسيره عبد الرحمن إلى سراقة فقبل منه وقال لا بد من الجزية على من يقيم ولا يحارب العدو فأجاب وكتبوا إلى عمر فأجاز ذلك * (فتح موقان وجبال ارمينية) * ولما فرغ سراقة من الباب بعث امراء إلى ما يليه من الجبال المحيطة بارمينية فارسل بكير بن عبد الله إلى موقان وحبيب بن مسلمة إلى تفليس وحذيفه بن اليمان إلى جبال اللان وسلمان بن ربيعة إلى الوجه الآخر وكتب بالخبر إلى عمر فلم يرج تمام ذلك لانه فرج عظيم ثم بلغه موت سراقة واستخلف عبد الرحمن بن ربيعة فأقره عمر على فرج الباب وأمره بغزو الترك ولم يفتح أحد من أولئك الامراء الا بكير بن عبد الله فانه فتح موقان ثم تراجعوا على الجزية دينارا عن كل حالم * (غزو الترك) * ولما أمر عبد الرحمن بن ربيعة بغزو الترك سار حتى جاء الباب وسار معه شهريار فغزا
بلنجر وهم قوم من الترك ففروا منه وتحصنوا وبلغت خيله على مائتي فرسخ من بلنجر وعاد بالظفر والغنائم ولم يزل يردد الغزو فيهم إلى أيام عثمان فتذامر الترك وكانوا يعتقدون ان المسلمين لا يقتلون لان الملائكة معهم فأصابوا في هذه الغزاة رجلا من المسلمين على غرة فقتلوه وتجاسروا وقاتل عبد الرحمن فقتل وانكشف أصحابه وأخذ الراية أخوه سلمان فخرج بالناس ومعه أبو هريرة الدوسى فسلكوا على جيلان إلى جرجان * (فتح خراسان) * ولما عقدت الالوية للامراء للانسياح في بلاد فارس كان الاحنف بن قيس منهم بخراسان وقد تقدم ان يزدجرد سار بعد جلولاء إلى الرى وبها ابان جادويه من(2/120)
مرازبته فاكرهه على خاتمه وكتب الضحاك بما اقترح من ذخائر يزدجرد وختم عليها وبعث بها إلى سعد فردها عليه على حكم الصلح الذى عقد له ثم سار يزدجرد والناس معه إلى اصبهان ثم إلى كرمان ثم رجع إلى مرو من خراسان فنزلها وأمن من العرب وكاتب الهرمزان وأهل فارس بالاهواز والقيرزان وأهل الجبال فنكثوا جميعا وهزمهم الله وخذلهم وأذن عمر للمسلمين بالانسياح في بلادهم وأمر الامراء كما قدمناه وعقد لهم الالوية فسار الاحنف إلى خراسان سنة ثمان عشرة وقيل ثنتين وعشرين فدخلها من الطبسين وافتتح هراة عنوة واستخلف عليها صحار بن فلان العبدى ثم سار إلى مرو الشاهجان وأرسل إلى نيسابور مطرف بن عبد الله بن الشخير والى سرخس الحرث بن حسان ودرج يزدجرد من مرو الشاهجان إلى مرو الروذ فملكها الاحنف ولحقه مدد أهل الكوفة هنا لك فسار إلى مرو الروذ واستخلف على الشاهجان حارثة ابن النعمان الباهلى وجعل مدد الكوفة في مقدمته والتقوا هم ويزدجرد على بلخ فهزموه وعبر النهر فلحقهم الاحنف وقد فتح الله عليهم ودخل أهل خراسان في الصلح ما بين
نيسابور وطخارستان وولى على طخارستان ربعى بن عامر وعاد إلى مرو الروذ فنزلها وكتب إلى عمر بالفتح فكتب إليه أن يقتصر على ما دون النهر وكان يزدجرد وهو بمرو الروذ قد استنجد ملوك الامم وكتب إلى ملك الصين والى خاقان ملك الترك والى ملك الصغد فلما عبر يزدجرد النهر مهزوما أنجده خاقان في الترك وأهل فرغانة والصغد فرجع يزدجرد وخاقان إلى خراسان فنزلا بلخ ورجع أهل الكوفة إلى الاحنف بمرو الروذ ونزل المشركون عليه ثم رحل ونزل سفح الجبل في عشرين ألفا من أهل البصرة وأهل الكوفة وتحصن العسكران بالخنادق وأقاموا يقاتلون أياما وصحبهم الاحنف ليلة وقد خرج فارس من الترك يضرب بطبله ويتلوه اثنان كذلك ثم يخرج العسكر بعدهم عادة لهم فقتل الاحنف الاول ثم الثاني ثم الثالث فلما مر بهم خاقان تشاءم وتطير ورجع ادراجه فارتحل وعاد إلى بلخ وبلغ الخبر إلى يزدجرد وكان على مرو الشاهجان محاصر الحارثة بن النعمان ومن معه فجمع خزائنه وأجمع اللحاق بخاقان على بلخ فمنعه أهل فارس وحملوه على صلح المسلمين والركون إليهم وأنهم أو في ذمة من الترك فابى من ذلك وقاتلهم فهزموه واستولوا على الخزائن ولحق بخاقان وعبروا النهر إلى فرغانة واقام يزدجرد ببلد الترك أيام عمر كلها إلى ان كفر أهل خراسان أيام عثمان ثم جاء أهل فارس إلى الاحنف ودفعوا إليه الخزائن والاموال وصالحوه واغتبطوا بملكة المسلمين وقسم الاحنف الغنائم فأصاب الفارس ما أصابه يوم القادسية ثم نزل الاحنف بلخ وأنزل أهل الكوفة في كورها الاربع ورجع إلى مرو الروذ فنزلها وكتب بالفتح إلى عمر(2/121)
وكان يزدجرد لما عبر النهر لقى رسوله الذى بعثه إلى ملك الصين قد رده إليه يسأله أن يصف له المسلمين الذين فعلوا به هذه الافاعيل مع قلة عددهم ويسأل عن وفائهم ودعوتهم وطاعة أمرائهم ووقوفهم عند الحدود ومآكلهم وشرابهم وملابسهم ومراكبهم فكتب إليه بذلك كله وكتب إليه ملك الصين أن يسالمهم فانهم لا يقوم لهم
شئ بما قام نردبل 2 فأقام يزدجرد بفرغانة بعهد من خاقان (ولما) وصل الخبر إلى عمر خطب الناس وقال ألا وان ملك المجوسية قد ذهب فليسوا يملكون من بلادهم شبرا يضر بمسلم ألا وأن الله قد أورثكم أرضهم وديارهم وأموالهم وأبناءهم لينظر كيف تعملون فلا تبدلوا فيستبدل الله بكم غيركم فانى لا أخاف على هذه الامة أن تؤتى الا من قبلكم * (فتوح فارس) * ولما خرج الامراء الذين توجهوا إلى فارس من البصرة افترقوا وسار كل أمير إلى جهته وبلغ ذلك أهل فارس فافترقوا إلى بلدانهم وكانت تلك هزيمتهم وشتاتهم وقصد مجاشع بن مسعود من الامراء سابور وأردشير خرة فاعترضه الفرس دونهما بتوج فقتلهم وأثخن فيهم وافتتح توج واستباحها وصالحهم على الجزية وأرسل بالفتح والاخماس إلى عمر فكانت واقعة توج هذه ثانية لواقعة العلاء بن الحضرمي عليهم أيام طاوس ثم دعوا إلى الجزية فرجعوا وأقروا بها (اصطخر) وقصد عثمان بن أبى العاصى اصطخر فزحفوا إليه بجور فهزمهم وأثخن فيهم وفتح جور واصطخر ووضع عليهم الجزية وأجابه الهربذ إليها وكان ناس منهم فروا فتراجعوا إليها وبعث بالفتح والخمس إلى عمر ثم فتح كازرون والنو بندجان وغلب على أرضها ولحق به أبو موسى فافتتحا مدينة شيراز وأرجان على الجزية والخراج وقصد عثمان جنابة ففتحها ولقى الفرس بناحية جهرم فهزمهم وفتحها ثم نقض شهرك في أول خلافة عثمان فبعث عثمان بن أبى العاص ابنه وأخاه الحكم وأتته الامداد من البصرة وعليهم عبيد الله بن معمر وشبل بن معبد والتقوا بأرض فارس فانهزم شهرك وقتله الحكم بن أبى العاصى وقيل سوار بن همام العبدى وقيل ان ابن شهرك حمل على سوار فقتله ويقال أن اصطخر كانت سنة ثمان وعشرين وقيل تسع وعشرين وقيل أن عثمان ابن أبى العاصى أرسل اخاه الحكم من البحرين إلى فارس في ألفين فسار إلى توج وعلى
مجنبته الجارود وأبو صفرة والد المهلب وكان كسرى أرسل شهرك في الجنود إلى لقائهم فالتقوا بتوج وهزمهم إلى سابور وقتل شهرك وحاصروا مدينة سابور حتى صالح عليها ملكها واستعانوا به على قتال اصطخر ثم مات عمر رضى الله عنه وبعث عثمان بن(2/122)
عفان عبيد الله بن معمر مكان عثمان بن أبى العاصى وأقام محاصر اصطخر وأراد ملك سابور الغدر به ثم أحضر وأصابت عبيد الله حجارة منجنيق فمات بها ثم فتحوا المدينة فقتلوا بها بشرا كثيرا منهم (پسا ودرابجرد) وقصد سارية بن زنيم الكنانى من أمراء الانسياح مدينة پسا ودارابجرد فحاصرهم ثم استجاشوا باكراد فارس واقتتلوا بصحراء وقام عمر على المنبر ونادى يا سارية الجبل يشير إلى جبل كان ازاءه أن يسند إليه فسمع ذلك سارية ولجأ إليه ثم انهزم المشركون وأصاب المسلمون مغانمهم وكان فيها سفط جوهر فاستوهبه سارية من الناس وبعث به مع الفتح إلى عمر ولما قدم به الرسول سأله عمر فأخبره عن كل شئ ودفع إليه السفط فأبى الا أن يقسم على الجند فرجع به وقسمه سارية (كرمان) وقصد سهيل بن عدى من أمراء الانسياح كرمان ولحق به عبد الله بن عبد الله بن عتبان وحشد أهل كرمان واستعانوا بالقفص وقاتلوا المسلمين في أدنى أرضهم فهزموهم باذن الله وأخذ المسلمون عليهم الطريق بل الطرق ودخل النسير بن عمرو العجلى إلى جيرفت وقتل في طريقه مرزبان كرمان وعبد الله بن عبد الله مفازة سيرزاد وأصابوا ما أرادوا من ابل وشاء وقيل ان الذى فتح كرمان عبد الله بن بديل بن ورقاء الخزاعى ثم أتى الطبسين من كرمان ثم قدم على عمر وقال أقطعنى الطبسين فأراد أن يفعل فقال إنها رستاقان فامتنع (سجستان) وقصد عاصم بن عمرو من الامراء سجستان ولحق به عبد الله بن عمير وقاتلوا أهل سجستان في أدنى أرضهم فهزموهم وحصروهم بزرنج ومخروا أرض سجستان ثم طلبوا
الصلح على مدينتهم وأرضها على أن الفدافد حمى وبقى أهل سجستان على الخراج وكانت أعظم من خراسان وأبعد فروجا يقاتلون القندهار والترك وأمما أخرى فلما كان زمن معاوية هرب الشاه من أخيه زنبيل ملك الترك إلى بلد من سجستان يدعى آمل وكان على سجستان سلم بن زياد بن أبى سفيان فعقد له وأنزله آمل وكتب إلى معاوية بذلك فأقره بغير نكير وقال أن هؤلاء قوم غدر واهون ما يجئ منهم إذا وقع اضطراب أن يغلبوا على بلاد آمل باسرها فكان كذلك وكفر الشاه بعد معاوية وغلب على بلاد آمل واعتصم منه زنبيل بمكانه وطمع هو في زرنج فحاصرها حتى جاءت الامداد من البصرة فاجفلوا عنها (مكران) 3 وقصد الحكم بن عمرو التغلبي من أمراء الانسياح بلد مكران ولحق به شهاب بن المخارق وجاء سهيل بن عدى وعبد الله بن عبد الله بن عتبان وانتهوا جميعا إلى دوين وأهل مكران على شاطية وقد أمدهم أهل السند بجيش كثيف ولقيهم المسلمون(2/123)
فهزموهم وأثخنوا فيهم بالقتل واتبعوهم أياما حتى انتهوا إلى النهر ورجعوا إلى مكران فاقاموا بها وبعثوا إلى عمر بالفتح والاخماس مع صحار العبدى وسأله عمر عن البلاد فأثنى عليها شرا فقال والله لا يغزوها جيش لى أبدا وكتب إلى سهيل والحكم أن لا يجوز مكران أحد من جنودكما * (خبر الاكراد) * كان امر أمراء الانسياح لما فصلوا إلى النواحى اجتمع ببيروذ بين نهر تيرى ومنادر من أهل الاهواز جموع من الاعاجم أعظمهم الاكراد وكان عمر قد عهد إلى أبى موسى أن يسير إلى أقصى تخوم البصرة ردءا للامراء المنساحين فجاء إلى بيروذ وقاتل تلك الجموع قتالا شديدا وقاتل المهاجر بن زياد حتى قتل ثم وهن الله المشركين فتحصنوا منه في قلة وذلة فاستخلف أبو موسى عليهم أخاه الربيع بن زياد وسار إلى
اصبهان مع المسلمين الذين يحاصرونها حتى إذا فتحت رجع إلى البصرة وفتح الربيع بن زياد بيروذ وغنم ما فيها ولحق به بالبصرة وبعثوا إلى عمر بالفتح والاخماس وأراد ضبة بن محصن العنزي أن يكون في الوفد فلم يجبه أبو موسى فغضب وانطلق شاكيا إلى عمر بانتقائه ستين غلاما من أبناء الدهاقين لنفسه وأنه أجاز الحطيئة بألف وولى زياد بن أبى سفيان أمور البصرة واعتذر أبو موسى وقبله عمر وكان عمر قد اجتمع إليه جيش من المسلمين فبعث عليهم سلمة بن قيس الاشجعى ودفعهم إلى الجهاد على عادته وأوصاهم فلقوا عدوا من الاكراد المشركين فدعوهم إلى الاسلام أو الجزية فأبوا وقاتلوهم وهزموهم وقتلوا وسبوا وقسموا الغنائم ورآى سلمة جوهرا في سفط فاسترضى المسلمين وبعث به إلى عمر فسأل الرسول عن أمور الناس حتى أخبره بالسفط فغضب وأمر به فوجئ في عنقه وقال اسرع قبل أن تفترق الناس ليقسمه سلمة فيهم فباعه سلمة وقسمه في الناس وكان الفص يباع بخمسة دراهم وقيمته عشرون ألفا * (مقتل عمر وأمر الشورى وبيعة عثمان رضى الله عنه) * كان للمغيرة بن شعبة مولى من نصارى العجم اسمه أبو لؤلؤة وكان يشدد عليه في الخراج فلقى يوما عمر في السوق فشكى إليه وقال أعدني على المغيرة فانه يثقل على في الخراج درهمين في كل يوم قال وما صناعتك قال نجار حداد نقاش فقال ليس ذلك بكثير على هذه الصنائع وقد بلغني انك تقول أصنع رحى تطحن بالريح فاصنع لى رحى قال أصنع لك رحى يتحدث الناس بها أهل المشرق والمغرب وانصرف فقال عمر توعدنى العلج فلما أصبح خرج عمر إلى الصلاة واستوت الصفوف ودخل أبو لؤلؤة في الناس وبيده خنجر برأسين نصابه في وسطه فضرب عمر ست ضربات احداها تحت سرته وقتل كليبا(2/124)
أرستبلوس وأصحابه وامتنع فقتلوه ووقع فيهم الوباء فمات منهم أمم قال ابن كريون وكان الارمن ببلاد دمشق وحمص وحلب وكانوا في طاعة الروم فانتقضوا عليهم في هذه المدة
وحدثت عندهم صاغية إلى الفرس فبعث الروم قائدهم فمقيوس فخرج لذلك من رومية وقدم بين يديه قائده سكانوس فطوع الارمن ولحق دمشق ثم لحقه فمقيوس ونزل بها وتوجهت إليه وجوه اليهود في أثرهم وبعث إليه ارستبلوس من القدس وهرقانوس من مكان حصاره كل واحد منهما يستنجده على أخيه وبعثوا إليه بالاموال والهدايا فأعرض عنها وبعث إلى هرثمة ينهاه عن الدخول بينهما فرحل عن القدس ورحل معه هرقانوس وانظفتر وأعاد ارستبلوس رسله وهداياه من بيت المقدس وألح في الطلب وجاء انظفتر إلى فمقيوس بغير مال ولا هدية فنكث عنه فمقيوس فرجع إلى رغبته ومسح أعطافه وضمن له طاعة هرقانوس الذى هو الكهنوت الاعظم ويحصل بعد ذلك إضعاف ارستبلوس فأجابه فمقيوس على أن يتحيل له في الباطن ويكون ظاهره مع ارستبلوس حتى يتم الامر وعلى أن يحملوا الخراج عند حصول أمرهم فضمن انظفتر ذلك وحضر هرقانوس وارستبلوس عند فمقيوس القائد يتظلم كل واحد من صاحبه فوعدهم بالنظر بينهم إذا حل بالقدس وبعث انظفتر في جميع الرعايا فجاؤا شاكين من ارستبلوس فأمره فمقيوس من انصافهم فغضب لذلك واستوحش وهرب من معسكر فمقيوس وتحصن في القدس وسار فمقيوس في أثره فنزل اريحا ثم القدس وخرج ارستبلوس واستقال فأقاله وبذل له الاموال على أن يعينه على أخيه ويحمل له ما في الهيكل من الاموال والجواهر وبعث معه قائده لذلك فمنعهم الكهنونية وثارت بهم العامة وقتلوا بعض أصحاب القائد وأخرجوه فغضب فمقيوس وتقبض لحيته على ارستبلوس وركب ليقتحم البلد فامتنعت عليه وقتل جماعة من أصحابه فرجع وأقام عليهم ووقعت الحرب بالمدينة بين شيع ارستبلوس وهرقانوس وفتح بعض اليهود الباب لفمقيوس فدخل البلد وملك القصر وامتنع الهيكل عليه فأقام يحاصره أياما وصنع آلة الحصار فهدم بعض أبراجه واقتحمه عنوة ووجد الكهنونية على عبادتهم وقرباتهم مع تلك الحرب ووقف على الهيكل فاستعظمه ولم يمد يده إلى شئ من ذخائره وملك عليهم هرقانوس وضرب عليهم الخراج
يحمله كل سنة ورفع يد اليهود عن جميع الامم الذين كانوا في طاعتهم ورد عليهم البلدان التى ملكها بنو حشمناى ورجع إلى رومة واستخلف هرقانوس وانظفتر على المقدس وأنزل معهما قائده سكانوس الذى قدمه لفتح دمشق وبلاد الارمن عندما خرج من رومية وحمل ارستبلوس وابنيه مقيدين معه وهرب الثالث من بنيه وكان يسمى الاسكندر ولحقه فلم يظفر به ولما بعد فمقيوس عن الشأم ذاهبا إلى مكانه خرج هرقانوس وانظفتر إلى(2/125)
العرب ليحملوهم على طاعة الروم فخالفهم الاسكندر بن ارستبلوس إلى المقدس وكان متغيبا بتلك النواحى منذ مغيب أبيه لم يبرح فدخل إلى المقدس وملكه اليهود عليهم وبنى ما هدمه فمقيوس من سور الهيكل واجتمع إليه خلق كثير ورجع هرقانوس وانظفتر فسار إليهم الاسكندر وهزمهم وأثخن في عساكرهم وكان قائد الروم كينانوس قد جاء إلى بلاد الارمن من بعد فمقيوس فلحق به واستنصره على الاسكندر فسار معه إلى القدس وخرج إليهم الاسكندر فهزموه ومضى إلى حصن له يسمى الاسكندرونة واعتصم به وسار هرقانوس إلى القدس فاستولى على ملكه وسار كينانوس قائد الروم إلى الاسكندر فحاصره بحصنه واستأمن إليه فقبله وعفا عنه وأحسن إليه وفى أثناء ذلك هرب ارستبلوس أخو هرقانوس من محبسه برومية وابنه انطقنوس واجتمع إليه فحاربه كينانوس وهزمه وحصل في أسره فرده إلى محبسه برومية ولم يزل هنا لك إلى أن تغلب قيصر على رومية واستحدث الملك في الروم وخرج فمقيوس من رومية إلى نواحى عمله وجمع العساكر لمحاربة قيصر فأطلق ارستبلوس من محبسه وأطلق معه قائدين في اثنى عشر ألف مقاتل وسرحهم إلى الارمن واليهود ليردوهم عن طاعة فمقيوس وكتب فمقيوس إلى انظفتر ببيت المقدس أن يكفيه أمر ارستبلوس فبعث قوما من اليهود لقوه في بلاد الارمن ودسوا له سما في بعض شرابه كان فيه حتفه وقد كان كينانوس كاتب الشيخ صاحب رومية في اطلاق من بقى من ولد ارستبلوس فأطلقهم قال ابن كريون
وكان أهل مصر لذلك العهد انتقضوا على ملكهم تلماى وطردوه وامتنعوا من حمل الخراج إلى الروم فسار إليهم واستنفر معه انظفتر فغلبهم وقتلهم ورد تلماى إلى ملكه واستقام أمر مصر ورجع كينانوس إلى بيت المقدس فجدد الملك لهرقانوس وقدم انظفتر مدبر المملكة وسار إلى رومية قال ابن كريون ثم غضبت الفرس على الروم فندبوا إلى ذلك قائدا منهم يسمى عرنبوس وبعثوه لحربهم فمر بالقدس ودخل إلى الهيكل وطالب الكهنون بما فيه من المال وكان يسمى العازر من صلحاء اليهود وفضلائهم فقال له ان كينانوس وفمقيوس لم يفعلوا ذلك بتلك فاشتد عليه فقال أعطيك ثلثمائة من الذهب وتتجافى عن الهيكل ودفع إليه سبيكة ذهب على صورة خشبة كانت تلقى عليها الصور التى تنزل من الهيكل الذى تجدد وكان وزنها ثلثمائة فأخذها ونقض القول وتعدى على الهيكل وأخذ جميع ما فيه من منذ عمارتها من الهدايا والغنائم وقربانات الملوك والامم وجميع آلات القدس وسار إلى لقاء الفرس فحاربوه وهزموه وأخذوا جميع ما كان معه وقتل واستولت الفرس على بلاد الارمن دمشق وحمص وحلب وما إليها وبلغ الخبر إلى الروم فجهزوا قائدا عظيما في عساكر جمة اسمه كسناو فدخل بلاد(2/126)
الارمن الذين كانوا غلبوا عليها وساروا إلى القدس فوجد اليهود يحاربون هرقانوس وانظفتر فأعانهما حتى استقام ملك هرقانوس ثم سار إلى الفرس في عساكره فغلبهم وحملهم على طاعة الروم ورد الملوك الذين كانوا عصوا عليهم إلى الطاعة وكانوا اثنين وعشرين ملكا من الفرس كان فمقيوس قائد الروم هزمهم فلما سار عنهم انتقضوا قال ابن كريون ثم ابتدا أمر القياصرة وملك على الروم يولياس ولقبه قيصر لان أمه ماتت حاملا به عند مخاضها فشق بطنها عنه فلذلك سمى قيصر ومعناه بلغتهم القاطع ويسمى أيضا يولياس باسم الشهر الذى ولد فيه وهو يوليه خامس شهورهم ومعنى هذه اللفظة عندهم الخامس وكان الثلثمائة والعشرون المدبرون أمر الروم والشيخ الذى عليهم قد أحكموا أمرهم مع
جماعة الروم على أن لا يقدموا عليهم ملكا وأنهم يعينون للحروب في الجهات قائدا بعد آخر هذا ما اتفقوا عليه النقلة في الحكاية عن أمر الروم وابتداء ملك القياصرة قالوا ولما رأى قيصر هذا الشيخ الذى كان لذلك العهد كبر وشب على غاية من الشجاعة والاقدام فكانوا يبعثونه قائدا على العساكر إلى النواحى فأخرجوه مرة إلى المغرب فدوخ البلاد ورجع فسمت نفسه إلى الملك فامتنعوا له وأخبروه أن هذا سنة آبائهم منذ أحقاب وحدثوه بالسبب الذى فعلوا ذلك لاجله وهو أمر كيوس وانه عهد لاولهم لا ينقض وقد دوخ فمقيوس الشرق وطوع اليهود ولم يطمع في هذا فوثب عليهم قيصر وقتلهم واستولى على ملك الروم منفردا به وسمى قيصر وسار إلى فمقيوس بمصر فظفر به وقتله ورجع فوجد بتلك الجهات قواد فمقيوس فسار إليهم يولياس قيصر ومر ببلاد الارمن فأطاعوه وكان عليهم ملك اسمه مترداث فبعثه قيصر إلى حربهم فسار في الارمن ولقيه هرقانوس ملك اليهود بعسقلان ونفر معه إلى مصر هو وانظفتر ليمحوا بعض ما عرف منهم من موالاة فمقيوس وساروا جميعا إلى مصر ولقيتهم عساكرها واشتد الحرب فحصر بلادهم وكادت الارمن أن ينهزموا فثبت انظفتر وعساكر اليهود وكان لهم الظفر واستولوا على مصر وبلغ الخبر إلى قيصر فشكر لانظفتر حسن بلائه واستدعاه فسار إليه مع ملك الارمن مترداث فقبله وأحسن وعده وكان أنطقنوس بن ارستبلوس قد اتصل بقيصر وشكى بأن هرقانوس قتل أباه حين بعثه أهل رومة لحرب فمقيوس فتحيل عليه هرقانوس وانظفتر وقتلاه مسموما فاحسن انظفتر العذر لقيصر بأنه انما فعل ذلك في خدمة من ملك علينا من الروم وأنما كنت ناصحا لقائدهم فمقيوس بالامس وأنا اليوم أيها الملك لك أنصح وأحب فحسن موقع كلامه من قيصر ورفع منزلته وقدمه على عساكره لحرب الفرس فسار إليه انظفتر وأبلى في تلك الحروب ومناصحة قيصر فلما انقلبوا من بلاد الفرس أعادهم قيصر إلى ملك بيت المقدس على ما كانوا عليه(2/127)
واستقام الملك لهرقانوس وكان خيرا الا انه كان ضعيفا عن لقاء الحروب فتغلب عليه انظفتر واستبد على الدولة وقدم ابنه فسيلو ناظرا في بيت المقدس وابنه هيردوس عاملا على جبل الخليل وكان كما بلغ الحلم واحتازوا الملك من أطرافه وامتلا أهل الدولة منهم حسدا وكثرت السعاية فيهم وكان في أطراف عملهم ثائر من اليهود يسمى حزقيا وكان شجاعا صعلوكا واجتمع إليه أمثاله فكانوا يغيرون على الارمن وينالون منهم وعظمت نكايتهم فيهم فشكى عامل بلاد الارمن وهو سفيوس بن عم قيصر إلى هيردوس وهو بجبل الخليل ما فعله حزقيا وأصحابه في بلادهم فبعث هيردوس إليهم سرية فكبسوهم وقتل حزقيا وغيره منهم وكتب بذلك إلى سفيوس فشكره وأهدى إليه ونكر اليهود ذلك من فعل هيردوس وتظلموا منه عند هرقانوس وطلبوه في القصاص منه فأحضروه في مجلس الاحكام وأحضر السبعين شيخا من اليهود وجاء هيردوس متسلحا ودافع عن نفسه وعلم هرقانوس بغرض الاشياخ ففصلوا المجلس فنكروا ذلك على هرقانوس ولحق هيردوس ببلاد الارمن فقدمه سفيوس على عمله ثم أرسل هرقانوس إلى قيصر يسال تجديد عهود الروم لهم فكتب له بذلك وأمر بأن يحمل أهل الساحل خراجهم إلى بيت المقدس ما بين صيدا وغزة ويحمل أهل صيدا إليها في كل سنة عشرين ألف وسق من القمح وأن يرد على اليهود سائر ما كان بأيديهم إلى الفرات واللاذقية وأعمالها وما كان بنو حشمناى فتحوه عنوة من عدوات الفرات لان فمقيوس كان يتعدى عليهم في ذلك وكتب العهد بذلك في ألواح من نحاس بلسان الروم ويونان وعلقت في أسوار صور وصيدا واستقام أمر هرقانوس قال ابن كريون ثم قتل قيصر ملك الروم وانظفتر وزير هرقانوس المستبد عليه أما قيصر فوثب عليه كيساوس من قواد فمقيوس فقتله وملك وجمع العساكر وعبر البحر إلى بلاد أشيت ففتحها ثم سار إلى القدس وطالبهم بسبعين بدرة من الذهب فجمع له انظفتر وبنوه من اليهود ثم رجع كيساوس إلى مقدونيه فأقام بها وأما انظفتر فان اليهود داخلوا القائد ملكيا الذى كان بين أظهرهم من قبل
كيساوس في قتل انظفتر وزير هرقانوس فأجابهم إلى ذلك فدسوا إلى ساقيه سما فقتله وجاء ابنه هيردوس إلى القدس مجمعا قتل هرقانوس فكفه فسيلو عن ذلك وجاء كيساوس من مقدونية إلى صور ولقى هرقانوس وهيردوس وشكوا إليه ما فعله قائده ملكيا من مداخلة اليهود في قتل انظفتر فأذن لهم في قتله فقتلوه ثم زحف كينانوس بن اخى قيصر وقائده انطيوس في العساكر لحرب كيساوس المتوثب على عمه قيصر فلقيهم قريبا من مقدونيه فظفرا به وقتلاه وملك كينانوس مكان عمه وسمى أو غسطس قيصر باسم عمه فأرسل إليه هرقانوس ملك اليهود بهدية وفيها تاج من الذهب مرصع بالجواهر(2/128)
وسأل تجديد العهد لهم وان يطلق السبى الذى سبى منهم أيام كيساوس وان يرد اليهود إلى بلاد يونان وأثينة وأن يجرى لهم ما كان رسم به عمه قيصر فأجابه إلى ذلك كله وسار انطيانوس وأو غشطش قيصر إلى بلاد الارمن بدمشق وحمص فلقته هنا لك كالبطرة ملكة مصر وكانت ساحرة فاستأمنته وتزوجها وحضر عنده هرقانوس ملك اليهود وجاء جماعة من اليهود فشكوا من هيردوس وأخيه فسيلو وتظلموا منهما وأكذبهم ملكهم هرقانوس وأبى عليها وأمر انطيانوس بالقبض على أولئك لشاكين وقتل منهم ورجع هيردوس وأخوه فسار إلى مكانهما ومكان أبيهما من تدبير مملكة هرقانوس وسار انطيانوس إلى بلاد الفرس فدوخها وعاث في نواحيها وقهر ملوكهم وقفل إلى رومة قال ابن كريون وفى خلال ذلك لحق انطقنوس وجماعة من اليهود بالفرس وضمنوا لملكهم أن يحملوا إليه بدرة من الذهب وثمانمائة جارية من بنات اليهود ورؤسائهم يسبيهن له على أن يملكه مكان عمه هرقانوس ويسلمه إليه ويقتل هيردوس وأخاه فسيلو فأجابهم ملك الفرس إلى ذلك وسار في العساكر وفتح بلاد الارمن وقتل من وجد بها من قواد الروم ومقاتلتهم وبعث قائده بعسكر من القدس مع انطقنوس موريا بالصلاة في بيت المقدس والتبرك بالهيكل حتى إذا توسط المدينة ثار بها وأفحش في القتل وبادر هيردوس
إلى قصر هرقانوس ليحفظه ومضى فسيلو إلى الحصن يضبطه وتورط من كان بالمدينة من الفرس قتلهم اليهود عن آخرهم وامتنعوا على القائد وفسد ما كان دبره في أمر انطقنوس فرجع إلى استمالة هرقانوس وهيردوس وطلب الطاعة منهم للفرس وانه يتلطف لهم عند الملك في اصلاح حالهم فصغى هرقانوس وفسيلو إلى قوله وخرجوا إليه وارتاب هيردوس وامتنع فارتحل بهما قائد الفرس حتى إذا بلغ الملك ببلاد الارمن تقبض عليهما فمات فسيلو من ليلته وقيد هرقانوس واحتمله إلى بلاده وأشار انطقنوس بقطع أذنه ليمنعه من الكهنونة ولما وصل ملك الفرس إلى بلاده أطلق هرقانوس من الاعتقال وأحسن إليه إلى أن استدعاه هيردوس كما يأتي بعد وبعث ملك الفرس قائده إلى اليهود مع انطقنوس ليملك فخرج هيردوس عن القدس إلى جبل الشراة فترك عياله بالحصن عند أخيه يوسف وسار إلى مصر يريد قيصر فأكرمته كالبطره ملكة مصر وأركبته السفن إلى رومية فدخل بها انطيانوس إلى أو غشطش قيصر وخبره الخبر عن الفرس والقدس فملكه أو غشطش وألبسه التاج وأركبه في رومية في زى الملك والهاتف بين يديه بأن أو غشطش ملكه واحتفل انطيانوس في صنيع له حضره الملك أو غشطش قيصر وشيوخ رومية وكتبوا له العهد في ألواح من نحاس ووضعوا ذلك اليوم التاريخ وهو أول ملك هيردوس وسار انطيانوس بالعسكر إلى الفرس ومعه هيردوس وفارقه من انطاكية وركب البحر إلى القدس لحرب انطقنوس فخرج(2/129)
انطقنوس إلى جبال الشراة للاستيلاء على عيال هيردوس وأقام على حصار الحصن وجاء هيردوس فحاربه وخرج يوسف من الحصن من ورائه فانهزم انطقنوس إلى القدس وهلك أكثر عسكره وحاصره هيردوس وبعث انطقنوس بالاموال إلى قواد العسكر من الروم فلم يجيبوه وأقام هيردوس على حصاره حتى جاءه الخبر عن انطيانوس قائد قيصر انه ظفر بملك الفرس وقتله ودوخ بلادهم وأنه عاد ونزل الفرات فترك
هيردوس أخاه يوسف على حصار القدس مع قائد الروم سيساو ومن تبعهم من الارمن وسار للقاء انطيانوس وبلغه وهو بدمشق ان أخاه يوسف قتل في حصار القدس على يد قائده انطقنوس وان العساكر انفضت ورجعوا إلى دمشق وجاء سيساو منهزما قائد انطيانوس بالعساكر وتقدم هيردوس وقد خرج انطقنوس للقائه فهزمه وقتل عامة عسكره واتبعه إلى القدس ووافاه سيساو قائد الروم فحاصروا القدس أياما ثم اقتحموا البلد وتسللوا صاعدين إلى السور وقتلوا الحرس وملكوا المدينة وأفحش سيساو في قتل اليهود فرغب إليه هيردوس في الابقاء وقال له إذا قتلت قومي فعلى من تملكني فرفع القتل عنهم ورد ما نهب وقرب إلى البيت تاجا من الذهب وضعت فيه وحمل إليه هيردوس أموالا ثم عثروا على انطقنوس مختفيا بالمدينة فقيده سيساو القائد وسار به إلى انطيانوس وقد كان سار من الشأم إلى مصر فجاءه بانطقنوس هنا لك ولحق بهم هيردوس وسأل من انطيانوس قتل انطقنوس فقتله واستبد هيردوس بملك اليهود وانقرض ملك بنى حسمناى والبقاء لله وحده (انقراض ملك بنى حسمناى وابتداء ملك هيردوس وبنيه) وكان أول ما افتتح به ملكه ان بعث إلى هرقانوس الذى احتمله الفرس وقطعوا أذنه يستقدمه ليأمن على ملكه من ناحيته ورغبه في الكهنونية التى كان عليها فرغب وحذره ملك الفرس من هيردوس وعزله اليهود الذين معه وأراه أنها خديعة وانه العيب الذى به يمنع الكهنونية فلم يقبل شيئا من ذلك وصغى إلى هيردوس وحسن ظنه به وسار إليه وتلقاه بالكرامة والاعطاء وكان يخاطبه بأبى في الجمع والخلوة وكانت الاسكندرة بنت هرقانوس تحت الاسكندر وابن أخيه ارستبلوس وكانت بنتها منه مريم تحت هيردوس فاطلعتا على ضمير هيردوس من محاولة قتله فخبرتاه بذلك وأشارتا عليه باللحاق بملك العرب ليكون في جواره فخاطبه هرقانوس في ذلك وأن يبعث إليه من رجالاتهم من يخرج به إلى أحيائهم وكان حامل الكتاب من اليهود
مضطغنا على هرقانوس لانه قتل أخاه وسلب ماله فوضع الكتاب في يد هيردوس فلما قرأه رده إليه وقال أبلغه إلى ملك العرب وأرجع الجواب إلى فجاءه بالجواب من ملك(2/130)
العرب إلى هرقانوس وانه أسعف وبعث الرجال فالقهم بوصولك إلى فبعث هيردوس من يقبض على الرجال بالمكان الذى عينه وأحضرهم وأحضر حكام البلاد اليهود والسبعين شيخا وأحضر هرقانوس وقرأ عليه الكتاب بخطه فلم يحر جوابا وقامت عليه الحجة وقتله هيردوس لوقته لثمانين سنة من عمره وأربعين من ملكه وهو آخر ملوك بنى حسمناى وكان للاسكندر بن ارستبلوس ابن يسمى ارستبلوس وكان من أجمل الناس صورة وكان في كفالة أمه الاسكندرة وأخته يومئذ تحت هيردوس كما قلناه وكان هيردوس يغص به وكانت أخته وأمهما يؤملان أن يكون كوهنا بالبيت مكان جده هرقانوس وهيردوس يريد نقل الكهنونة عن بنى حسمناى وقدم لها رجلا من عوام الكهنونية وجعله كبير الكهنونية فشق ذلك على الاسكندرة بنت هرقانوس وبنتها مريم زوج هيردوس وكان بين الاسكندرة وكلوبطره ملكة مصر مواصلة ومهاداة وطلبت منها أن تشفع زوجها انطيانوس في ذلك إلى هيردوس فاعتذر له هيردوس بأن الكواهن لا تعزل ولو أردنا ذلك فلا يمكننا أهل الدين من عزله فبعثت بذلك الاسكندرة ودست الاسكندرة إلى الرسول الذى جاء من عند انطيانوس وأتحفته بمال فضمن لهم أن انطيانوس يعزم على هيردوس في بعث ارستبلوس إليه ورجع إلى انطيانوس فرغبه في ذلك ووصف له من جماله وأغراه باستقدامه فبعث فيه انطيانوس إلى هيردوس وهدده بالوحشة ان منعه فعلم أنه يريد منه القبيح فقدمه كهنونا وعزل الاول واعتذر لانطيانوس بأن الكوهن لا يمكن سفره واليهود تنكر ذلك فأغفل انطيانوس الامر ولم يعاود فيه ووكل هيردوس بالاسكندرة بنت هرقانوس عهدته من يراعى أفعالها فاطلع على كتبها إلى كلو بطره أن تبعث إليها السفن والرجال يوصلنها إليها وأن السفن وصلت
إلى ساحل يافا وان الاسكندرة صنعت تابوتين لتخرج فيهما هي وابنتها على هيئة الموتى فأرصد هيردوس من جاء بهما من المقابر في تابوتيهما فوبخهما ثم عفا عنهما ثم بلغه أن ارستبلوس حضر في عيد المظال فصعد على المذبح وقد لبس ثياب القدس وازدحم الناس عليه وظهر من ميلهم إليه ومحبتهم ما لا يعبر عنه فغص بذلك واعمل التدبير في قتله فخرج في منتزه له باريحاء في نيسان واستدعى أصحابه وأحضر ارستبلوس فطعموا ولعبوا وانغمسوا في البرك يسبحون وعمد غلمان هيردوس إلى ارستبلوس فغمسوه في الماء حتى شرق وفاض فاغتم الناس لموته وبكى عليه هيردوس ودفنه وكان موته لسبع عشرة سنة من عمره وتأكدت البغضاء بين الاسكندرة وابنتها مريم زوج هيردوس أخت هذا الغريق وبين أم هيردوس وأخته وكثرت شكواهما إليه فلم يشكهما لمكان زوجته مريم وأمها منه قال ابن كريون ثم انتقض انطيانوس على أو غشطش قيصر(2/131)
وذلك انه تزوج كلو بطره وملك مصر وكانت ساحرة فسحرته واستمالته وحملته على قتل ملوك كانوا في طاعة الروم وأخذ بلادهم وأموالهم وسبى نسائهم وأموالهم وأولادهم وكان من جملتهم هيردوس وتوقف فيه خشية من أو غشطش قيصر لانه كان يكرمه بسبب ما صنع في الآخرين فحمله على الانتقاض والعصيان ففعل وجمع العسكر واستدعى هيردوس فجاءه وبعثه إلى قتال العرب وكانوا خالفوا عليه فمضى هيردوس لذلك ومعه أنيثاون قائد كلوبطره وقد دست له أن يجر الهزيمة على هيردوس ليقتل ففعل وثبت هيردوس وتخلص من المعترك بعد حروب صعبة هلك فيها بين الفريقين خلق كثير ورجع هيردوس إلى بيت المقدس فصالح جميع الملوك والامم المجاورين له وامتنع العرب من ذلك فسار إليهم وحاربهم ثم استباحهم بعد أيام ومواقف بذلوا وجمعوا له الاموال وفرض عليهم الخراج في كل سنة ورجع وكان انطيانوس لما بعثه إلى العرب سار هو إلى رومة وكانت بينه وبين أو غشطش قيصر حروب هزمه قيصر في آخرها وقتله وسار إلى
مصر فخافه هيردوس على نفسه لما كان منه في طاعة انطيانوس وموالاته ولم يمكنه التخلف عن لقائه فأخرج خدمه من القدس فبعث بأمه وأخته إلى قلعة الشراة لنظر أخيه فرودا وبعث بزوجه مريم وأمه الاسكندرة إلى حصن الاسكندرونة لنظر زوج أخته يوسف ورجل آخر من خالصته من أهل صور اسمه سوما وعهد إليها بقتل زوجته وأمها ان قتله قيصر ثم حمل معه الهدايا وسار إلى قيصر أو غشطش وكان تحقد له صحبة انطيانوس فلما حضر بين يديه عنفه وأزاح التاج عن رأسه وهم بعقابه فتلطف هيردوس في الاعتذار وأن موالاته لانطيانوس انما كان لما أولى من الجميل في السعاية عند الملك وهى أعظم أياديه عندي ولم تكن موالاتي له في عداوتك ولا في حربك ولو كان ذلك وأهلكت نفسي دونه كنت غير ملوم فان الوفاء شأن الكرام فان أزلت عنى التاج فما أزلت عقلي ولا نظرى وان أبقيتنى فأنا محل الصنيعة والشكر فانبسط أو غشطش لكلامه وتوجه كما كان وبعثه على مقدمته إلى مصر فلما ملك مصر وقتل كلو بطره وهب لهيردوس جميع ما كان انطيانوس أعطاها اياه ونفل فأعاد هيردوس إلى ملكه ببيت المقدس وسار إلى رومية قال ابن كريون ولما عاد هيردوس إلى بيت المقدس أعاد حرمه من اماكنهن فعادت زوجته مريم وأمها من حصن الاسكندرونة وفى خدمتها يوسف زوج أخته وسوما الصوري وقد كانا حدثا المرأة وأمها بما أسر اليهما هيردوس وقد كان سلف منه قتل هرقانوس وارستبلوس فشكرتا له وبينما هو آخذ في استمالة زوجته إذ رمتها أخته بالفاحشة مع سوما الصوري في ملاحاة جرت بينهما ولم يصدق ذلك هيردوس للعداوة والثقة بعفة الزوجة ثم جرى منها في بعض الايام وهو في سبيل استمالتها(2/132)
ولقيهم الاحنف فقاتلهم قتالا شديدا ثم انهزموا فقتلوا قتلا ذريعا ورجع الاحنف إلى مرو الروذ وبعث الاقرع بن حابس إلى فلهم بالجوزجان فهزمهم وفتحها عنوة ثم فتح الاحنف الطالقان صلحا والفارياب وقيل فتحها أمير بن أحمر ثم سار الاحنف إلى بلخ
وهى مدينة طخارستان فصالحوه على أربعمائة الف وقيل سبعمائة واستعمل عليها أسيد بن المنشمر ثم سار إلى خوارزم على نهر جيحون فامتنعت عليه فرجع إلى بلخ وقد استوفى أسيد قبض المال وكتبوا إلى ابن عامر ولما سار مجاشع بن مسعود إلى كرمان كما ذكرناه وكانوا قد انتقضوا ففتح هميد عنوة وبنى بها قصرا ينسب إليه ثم سار إلى السيرجان وهى مدينة كرمان فحاصرها وفتحها عنوة وحلا كثيرا من أهلها ثم فتح جيرفت عنوة ودوخ نواحى كرمان وأتى القفص وقد تجمع له من العجم من أهل الجلاء وقاتلهم فظفر وركب كثير منهم البحر إلى كرمان وسجستان ثم أنزل العرب في منازلهم وأراضيهم وسار الربيع بن زياد الحارثى بولاية ابن عامر كما قدمناه إلى سجستان فقطع المفازة من كرمان حتى أتى حصن زالق فأغار عليهم يوم المهرجان وأسر دهقانهم فافتدى بما غمر عنزة قاعة من الذهب والفضة وصالحوه على صلح فارس وسار إلى زرنج ولقيه المشركون دونها فهزمهم وقتلهم وفتح حصونا عدة بينها وبينه ثم انتهى إليها وقاتله أهلها فاحجرهم وحاصرهم وبعث مرزبانها في الامان ليحضر فأمنه وجلس له على شلو من أشلاء القتلى وارتفق بآخر وفعل أصحابه مثله فرعب المرزبان من ذلك وصالح على ألف جام من الذهب يحملها ألف وصيف ودخل المسلمون المدينة ثم سار منها إلى وادى سنارود فعبره إلى القرية التى كان رستم الشديد يربط بها فرسه فقاتلهم وظفر بهم وعاد إلى زرنج وأقام بها سنة ثم سار بها إلى ابن عامر واستخلف عليها عاملا فاخرجوه وامتنعوا فكانت ولاية الربيع سنة ونصف سنة سبى فيها أربعين ألف رأس وكان الحسن البصري يكتب له ثم استعمل ابن عامر على سجستان عبد الرحمن بن سمرة فسار إليها وحاصر زرنج حتى صالحوه على الفى ألف درهم والفى وصيف وغلب على ما بينها وبين الكش من ناحية الهند وعلى ما بينها وبين الدادين من ناحية الرخج ولما انتهى إلى بلد الدادين حاصرهم في جبل الزور حتى صالحوه ودخل على الزور وهو صنم من ذهب عيناه ياقوتتان فأخذهما وقطع يده وقال للمرزبان دونك الذهب والجوهر
وانما قصدت انه لا يضر ولا ينفع ثم فتح كابل وزابلستان وهى بلاد غزنة فتحها صلحا ثم عاد إلى زرنج إلى أن اضطرب أمر عثمان فاستخلف عليها أمير بن أحمر وانصرف فأخرجه أهلها وانتقضوا ولما كان الفتح لابن عامر في فارس وخراسان وكرمان وسجستان قال له الناس لم يفتح لاحد ما فتح عليك فقال لا جرم لاجعلن شكرى لله على(2/133)
ذلك ان أخرج محرما من موقفي هذا فأحرم بعمرة من نيسابور وقدم على عثمان استخلف على خراسان قيس بن الهيثم فسار قيس في أرض طخارستان ودوخها وامتنع عليه سنجار فافتتحها عنوة * (ولاية سعيد بن العاصى الكوفة) * كان عثمان لاول ولايته قد ولى على الكوفة الوليد بن عقبة استقدمه إليها من عمله بالحزيرة وعلى بنى تغلب ونجرهم من العرب فبقى على ولاية الكوفة خمس سنين وكان أبو زبيد الشاعر قد انقطع إليه من اخواله بنى تغلب ليد أسداها إليه وكان نصرانيا فأسلم على يده وكان يغشاه بالمدينة والكوفة وكان أبو زبيد يشرب الخمر فكان بعض السفهاء يتحدث بذلك في الوليد لملازمته اياه ثم عدا الشباب من الازد بالكوفة على رجل من خزاعة فقتلوه ليلا في بيته وشهد عليهم أبو شريح الخزاعى فقتلهم الوليد فيه بالقسامة وأقام آباؤهم للوليد على حقه وكانوا ممن يتحدثون فيه وجاؤا إلى ابن مسعود بمثل ذلك فقال لا نتبع عورة من استتر عنا وتغيظ الوليد من هذه المقالة وعاتب ابن مسعود عليها ثم عمد أحد أولئك الرهط إلى ساحر قد أتى به الوليد فاستفتى ابن مسعود فيه وأفتى بقتله وحبسه الوليد ثم أطلقه فغضبوا وخرجوا إلى عثمان شاكين من الوليد وانه يشرب الخمر فاستقدمه عثمان وأحضره وقال رأيتموه يشرب قالوا لا وانما رأيناه يقئ الخمر فأمر سعيد بن العاصى فجلده وكان على حاضرا فقال انزعوا خميصته للجلد وقيل ان عليا أمر ابنه الحسن أن يجلده فأبى فجلده عبد الله بن جعفر ولما بلغ أربعين
قال أمسك جلد رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر أربعين وجلد عمر ثمانين وكل سنة ولما وقعت هذه الواقعة عزل عثمان الوليد عن الكوفة وولى مكانه سعيد بن العاصى بن سعيد بن العاصى بن أمية مات سعيد الاول كافرا وكان يكنى أحيحة وخالد ابنه عم سعيد الثاني ولاه رسول الله صلى الله عليه وسلم صنعاء وكان يكتب له واستشهد يوم مرج الصفر وربى سعيد الثاني في حجر عثمان فلما فتح الشام أقام مع معاوية ثم استقدمه عثمان وزوجه وأقام عنده حتى كان من رجال قريش فلما استعمله عثمان وذلك سنة ثلاثين سار إلى الكوفة ومعه الاشتر وأبو خشة الغفاري وجندب بن عبد الله والصعب بن جثامة وكانوا شخصوا مع الوليد ليعينوه فصاروا عليه فلما وصل خطب الناس وحذرهم وتعرف الاحوال وكتب إلى عثمان ان أهل الكوفة قد اضطرب أمرهم وغلب الروادف والتابعة على أهل الشرف والسابقة فكتب إليه عثمان أن يفضل أهل السابقة ويجعل من جاء بعدهم تبعا ويعرف لكل منزلته ويعطيه حقه فجمع الناس وقرأ عليهم كتاب عثمان وقال أبلغوني حاجة ذى الحاجة وجعل القراء في سمره(2/134)
فلم ترض اهل الكوفة ذلك وفشت المقالة وكتب سعيد إلى عثمان فجمع الناس واستشارهم فقالوا أصبت لا تطمع في الامور من ليس لها باهل فتفسد فقال يا أهل المدينة انى أرى الفتن دبت اليكم وانى أرى أن أتخلص الذى لكم وأنقله اليكم من العراق فقالوا وكيف ذلك قال تبيعونه ممن شئتم بما لكم في الحجاز واليمن ففعلوا ذلك واستخلصوا ما كان لهم بالعراق منهم طلحة ومروان والاشعث بن قيس ورجال من القبائل اشتروا ذلك بأموال كانت لهم بخيبر ومكة والطائف * (غزو طبرستان) * وفى هذه السنة غزا سعيد بن العاصى طبرستان ولم يغزها أحد قبله وقد تقدم ان الاصبهبذ صالح سويد بن مقرن عنها أيام عمر على مال فغزاها سعيد في هذه السنة ومعه ناس من
أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم منهم الحسن والحسين وابن عباس وابن عمر وابن عمرو وابن الزبير وحذيفة بن اليمان في غيرهم ووافق خروج ابن عامر من البصرة إلى خراسان فنزل نيسابور ونزل سعيد قومس وهى صلح كان حذيفة صالحهم بعد نهاوند فأتى سعيد جرجان فصالحوه على مائتي ألف ثم أتى متاخمة جرجان على البحر فقاتله أهلها ثم سألوا الامان فأعطاهم على أن لا يقتل منهم رجلا واحدا وفتحوا فقتلهم أجمعين الا رجلا وقتل معه محمد بن الحكم بن أبى عقيل جد يوسف بن عمرو وكان أهل جرجان يعطون الخراج تارة مائة ألف وأخرى مائتين وثلثمائة وربما منعوه ثم امتنعوا وكفروا فانقطع طريق خراسان من ناحية قومس إلا على خوف شديد وصار الطريق إلى خراسان من فارس كما كان من قبل حتى ولى قتيبة بن مسلم خراسان وقدمها يزيد بن المهلب فصالح المرزبان وفتح البحيرة ودهستان وصالح أهل جرجان على صلح سعيد * (غزو حذيفة الباب وأمر المصاحف) * وفى سنة ثلاثين هذه صرف حذيفة من غزو الرى إلى غزو الباب مددا لعبد الرحمن بن ربيعة وأقام له سعيد بن العاصى باذربيجان ردءا حتى عاد بعد مقتل عبد الرحمن كما مر فأخبره بما رآى من اختلاف أهل البلدان في القرآن وان أهل حمص يقولون قراءتنا خير من قراءة غيرنا وأخذناها عن المقداد وأهل دمشق يقولون كذلك وأهل البصرة عن أبى موسى وأهل الكوفة عن ابن مسعود وأنكر ذلك واستعظمه وحذر من الاختلاف في القرآن ووافقه من حضر من الصحابة والتابعين وأنكر عليه أصحاب ابن مسعود فأغلظ عليهم وخطأهم فأغلظ له ابن مسعود فغضب سعيد وافترق المجلس وسار حذيفة إلى عثمان فأخبره وقال أنا النذير العريان فأدرك الامة فجمع عثمان الصحابة فرأوا ما رآه حذيفة فأرسل عثمان إلى حفصة أن ابعثى الينا بالصحف ننسخها(2/135)
وكانت هذه الصحف هي التى كتبت أيام أبى بكر فان القتل لما استحر في القراء
يوم اليمامة قال عمر لابي بكر أرى أن تأمر بجمع القرآن لئلا يذهب الكثير منه لفناء القراء فأبى وقال ان رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يفعله ثم استبصر ورجع إلى رأى عمر وأمر زيد بن ثابت بجمعه من الرقاع والعسب وصدور الرجال وكتب في الصحف فكانت عند أبى بكر ثم عند عمر ثم عند حفصة وأرسل عثمان فأخذها وأمر زيد بن ثابت وعبد الله بن الزبير وسعيد بن العاصى وعبد الرحمن بن الحرث بن هشام أن ينسخوها في المصاحف وقال إذا اختلفتم فاكتبوها بلسان قريش ففعلوا ونسخوا المصاحف فبعث إلى كل أفق بمصحف يعتمد عليه وحرق ما سوى ذلك الصحابة في سائر الامصار ونكره عبد الله بن مسعود في الكوفة حتى نحاهم عن ذلك وحملهم عليه * (مقتل يزدجرد) * لما خرج ابن عامر من البصرة إلى فارس فافتتحها هرب يزدجرد من جور وهى اردشير خره في سنة ثلاثين وبعث ابن عامر في إثره مجاشع بن مسعود وقيل هرم بن حيان اليشكرى وقيل العبسى فاتبعه إلى كرمان فهرب إلى خراسان وهلك الجند في طريقهم بالثلج فلم يسلم الا مجاشع ورجع معه وكان مهلكهم على خمسة فراسخ من السيرجان ولحق يزدجرد بمرو ومعه خرزاذ أخو رستم فرجع عنه إلى العراق ووصى به ماهويه مرزبان مرو فسأله في المال فمنعه وخافه على نفسه وعلى مرو واستجاش بالترك فبيتوه وقتل أصحابه وهرب يزدجرد ماشيا إلى شط المرغاب وآوى إلى بيت رجل ينقر الارحاء فلما نام قتله ورماه في النهر وقيل انما بيته أهل مرو ولما جاؤا إلى بيت الرجل أخذوه وضربوه فأقر بقتله فقتلوه وأهله واستخرجوا يزدجرد من النهر وحملوه في تابوت إلى اصطخر فدفن في ناوس هنا لك وقيل ان يزدجرد هرب من وقعة نهاوند إلى أرض اصبهان واستأذن عليه بعض رؤسائها وحجب فضرب البواب وشحه فرحل عن اصبهان إلى الرى وجاء صاحب طبرستان وعرض عليه بلاده فلم يجبه ومضى من فوره ذلك إلى سجستان ثم إلى مرو في ألف فارس وقيل بل أقام بفارس أربع سنين ثم بكرمان
سنتين وطلبه دهقانها في شئ فمنعه فطرده عن بلاده وأقام بسجستان خمس سنين ثم نزل خراسان ونزل مرو ومعه الرهن من أولاد الدهاقين وفرخزاذ وكاتب ملوك الصين وفرغانة والخزر وكابل وكان دهقان مرو قد منعه الدخول خوفا من مكره ووكل ابنه بحفظ الابواب فعمد يزدجرد يوما إلى مرو ليدخلها فمنعه ابن الدهقان وأظهر عصيان أبيه في ذلك وقيل بل أراد يزدجرد أن يجعل ابن أخيه دهقانا عليها فعمل في هلاكه وكتب إلى نيزك طرخان يستقدمه لقتل يزدجرد ومصالحة العرب عليه وأن يعطيه كل(2/136)
يوم ألف درهم فكتب نيزك إلى يزدجرد يعده المساعدة على العرب وانه يقدم عليه فيلقاه منفردا عن العسكر وعن فرخزاذ فأجابه إلى ذلك بعد ان امتنع فرخزاذ واتهمه يزدجرد في امتناعه فتركه لشانه بعد أن أخذ خطه برضاه بذلك وسار إلى نيزك فاستقبله بأشياء وجاء به إلى عسكره ثم سأله أن يزوجه ابنته فأنف يزدجرد من ذلك وسبه فعلا رأسه بالمقرعة فركض منهزما وقتل أصحابه وانتهى إلى بيت طحان فمكث فيه ثلاثا لم يطعم ثم عرض عليه الطعام فقال لا أطعم الا بالزمزمة فسأل من زمرم له حتى أكل ووشى المزمزم بأمره إلى بعض الاساورة فبعث إلى الطحان بخنقه والقائه في النهر فأبى من ذلك وجحده فدل عليه ملبسه وعرف المسك فيه فأخذوا ما عليه وخنقوه وألقوه في الماء فجعله أسقف مرو في تابوت ودفنه وقيل بل سار يزدجرد من كرمان قبل وصول العرب إليها إلى مرو في أربعة آلاف على الطبسين وقهستان ولقيه قبل مرو قائدان من الفرس متعاديين فسعى أحدهما في الآخر ووافقه يزدجرد في قتله ونمى الخبر إليه فبيت يزدجرد وعدوه فهرب إلى رحى على فرسخين من مرو وطلب منه الطحان شيئا فأعطاه منطقته فقال انما أحتاج أربعة دراهم فقال ليست معى ثم قام فقتله الطحان وألقى شلوه في الماء وبلغ خبر قتله إلى المطران بمرو فجمع النصارى ووعظهم عليه من حقوق سلفه فدفنوه وبنوا له ناووسا وأقاموا له مأتما بعد عشرين سنة من ملكه
ستة عشر منها في محاربة العرب وانقرض ملك الساسانية بموته ويقال ان قتيبة حين فتح الصغد وجد جاريتين من ولد المخدج ابنه كان قد وطئ أمه بمرو فولدت هذا الغلام بعد موته ذاهب الشق فسمى المخدج وولد له أولاد بخراسان ووجد قتيبة هاتين الجاريتين من ولده فبعث بهما إلى الحجاج وبعث بهما إلى الوليد أو باحداهما فولدت له يزيد الناقص * (ظهور الترك بالثغور) * كان الترك والخزر يعتقدون ان المسلمين لا يقتلون لما رأوا من شدتهم وظهورهم في غزواتهم حتى اكمنوا لهم في بعض الغياض فقتلوا بعضهم فتجاسروا على حربهم وكان عبد الرحمن بن ربيعة على ثغور ارمينية إلى الباب واستخلف عليها سراقة بن عمرو وأقره عمر وكان كثير الغزو في بلاد الخزر وكثيرا ما كان يغزو بلنجر وكان عثمان قد نهاه عن ذلك فلم يرجع فغزاهم سنة ثنتين وثلاثين وجاء الترك لمظاهرتهم وتذامروا فاشتدت الحرب بينهم وقتل عبد الرحمن كما مر وافترقوا فرقتين فرقة سارت نحو الباب لقوا سلمان ابن ربيعة قد بعثه سعيد بن العاصى من الكوفة مددا للمسلمين بأمر عثمان فساروا معه وفرقة سلكوا على جيلان وجرجان فيهم سلمان الفارسى وأبو هريرة ثم استعمل(2/137)
سعيد بن العاصى على الباب سلمان بن ربيعة مكان أخيه وبعث معه جندا من أهل الكوفة عليهم حذيفة بن اليمان وأمدهم عثمان بحبيب بن مسلمة في جند الشام وسلمان أمير على الجميع ونازعه حبيب الامارة فوقع الخلاف ثم غزا حذيفة بعد ذلك ثلاث غزوات آخرها عند مقتل عثمان وخرجت جموع الترك سنة ثنتين وثلاثين من ناحية خراسان في أربعين ألفا عليهم قارن من ملوكهم فانتهى إلى الطبسين واجتمع له أهل بادغيس وهراة وقهستان وكان على خراسان يومئذ قيس بن الهيثم السلمى استخلفه عليها ابن عامر عند خروجه إلى مكة محرما فدوخ جهتها وكان معه ابن عمه عبد الله بن حازم
فقال لابن عامر اكتب لى على خراسان عهدا إذا خرج منها قيس ففعل فلما أقبلت جموع الترك قال قيس لابن حازم ما ترى قال أرى أن تخرج عن البلاد فان عهد ابن عامر عندي بولايتها فترك منازعته وذهب إلى ابن عامر وقيل أشار عليه أن يخرج إلى ابن عامر يستمده فلما خرج أظهر عهد ابن عامر له بالولاية عند مغيب قيس وسار ابن حازم للقاء الترك في أربعة آلاف ولما التقى الناس أمر جيشه بايقاد النار في اطراف رحالهم فهاج العدو على دهش وغشيهم ابن حازم بالناس متتابعين فانهزموا وأثخن المسلمون فيهم بالقتل والسبي وكتب ابن حازم بالفتح إلى ابن عامر فأقره على خراسان فلم يزل واليا عليها إلى حرب الجمل فأقبل إلى البصرة وبقى أهل البصرة بعد غزوة ابن حازم هذه حتى غزوا المنتقضين من أهلها وعادوا جهزوا كتيبة من أربعة آلاف فارس هناك * (بدء الانتقاض على عثمان رضى الله عنه) * لما استكمل الفتح واستكمل للملة الملك ونزل العرب بالامصار في حدود ما بينهم وبين الامم من البصرة والكوفة والشام ومصر وكان المختصون بصحابة الرسول صلى الله عليه وسلم والاقتداء بهديه وآدابه المهاجرين والانصار من قريش وأهل الحجاز ومن ظفر بمثل ذلك من غيرهم وأما سائر العرب من بنى بكر بن وائل وعبد القيس وسائر ربيعة والازد وكندة وتميم وقضاعة وغيرهم فلم يكونوا من تلك الصحبة بمكان الا قليلا منهم وكان لهم في الفتوحات قدم فكانوا يرون ذلك لانفسهم مع ما يدين به فضلاؤهم من تفضيل أهل السابقة من الصحابة ومعرفة حقهم وما كانوا فيه من الذهول والدهش لامر النبوة وتردد الوحى وتنزل الملائكة فلما انحسر ذلك العباب وتوسى الحال بعض الشئ وذل العدو واستفحل الملك كانت عروق الجاهلية تنفض ووجدوا الرياسة عليهم للمجاهدين والانصار من قريش وسواهم فأنفت نفوسهم منه ووافق أيام عثمان فكانوا يظهرون الطعن في ولاته بالامصار والمؤاخذة لهم باللحظات والخطرات والاستبطاء عليهم في الطاعات والتجنى بسؤال الاستبدال منهم والعزل(2/138)
ويفيضون في النكير على عثمان وفشت المقالة في ذلك من أتباعهم وتنادوا بالظلم من الامراء في جهاتهم وانتهت الاخبار بذلك إلى الصحابة بالمدينة فارتابوا لها وأفاضوا في عزل عثمان وحمله على عزل أمرائه وبعث إلى الامصار من يأتيه بصحيح الخبر محمد بن مسلمة إلى الكوفة واسامة بن زيد إلى البصرة وعبد الله بن عمر إلى الشام وعمار بن ياسر إلى مصر وغيرهم إلى سوى هذه فرجعوا إليه فقالوا ما انكرنا شيئا ولا أنكره أعيان المسلمين ولا عوامهم الا عمارا فانه استماله قوم من الاشرار انقطعوا إليه منهم عبد الله بن سبأ ويعرف بابن السوداء كان يهوديا وهاجر أيام عثمان فلم يحسن اسلامه وأخرج من البصرة فلحق بالكوفة ثم بالشام وأخرجوه فلحق بمصر وكان يكثر الطعن على عثمان ويدعو في السر لاهل البيت ويقول ان محمدا يرجع كما يرجع عيسى وعنه أخذ ذلك أهل الرجعة وان عليا وصى رسول الله صلى الله عليه وسلم حيث لم يجز وصيته وان عثمان أخذ الامر بغير حق ويحرض الناس على القيام في ذلك والطعن على الامراء فاستمال الناس بذلك في الامصار وكاتب به بعضهم بعضا وكان معه خالد بن ملجم وسودان بن حمران وكنانة بن بشر فثبطوا عمارا عن المسير إلى المدينة (وكان مما أنكروه على عثمان) اخراج أبى ذر من الشام ومن المدينة إلى الربذة وكان الذى دعا إلى ذلك شدة الورع من ابى ذر وحمله الناس على شدائد الامور والزهد في الدنيا وانه لا ينبغى لاحد أن يكون عنده أكثر من قوت يومه ويأخذ بالظاهر في ذم الادخار بكنز الذهب والفضة وكان ابن سبأ يأتيه فيغريه بمعاوية ويعيب قوله المال مال الله ويوهم ان في ذلك احتجانه للمال وصرفه على المسلمين حتى عتب أبو ذر معاوية فاستعتب له وقال سأقول مال المسلمين وأتى ابن سبأ إلى أبى الدرداء وعبادة بن الصامت بمثل ذلك فدفعوه وجاء به عبادة إلى معاوية وقال هذا الذى بعث عليك أبا ذر (ولما) كثر ذلك على معاوية شكاه إلى عثمان فاستقدمه وقال له ما لاهل الشام يشكون منك فأخبره فقال يا أبا ذر لا يمكن حمل الناس
على الزهد وانما على أن أقضى بينهم بحكم الله وارغبهم في الاقتصاد فقال أبو ذر لا نرضى من الاغنياء حتى يبذلوا المعروف ويحسنوا للجيران والاخوان ويصلوا القرابة فقال له كعب الاحبار من أدى الفريضة فقد قضى ما عليه فضربه أبو ذر فشجه وقال يا ابن اليهودية ما أنت وهذا فاستوهب عثمان من كعب شجته فوهبه ثم استأذن أبو ذر عثمان في الخروج من المدينة وقال ان رسول الله صلى الله عليه وسلم أمرنى بالخروج منها إذا بلغ البناء سلعا فأذن له ونزل الربذة وبنى بها مسجدا وأقطعه عثمان صرمة من الابل واعطاه مملوكين وأجرى عليه رزقا وكان يتعاهد المدينة فعد أولئك الرهط خروج أبى ذر فيما ينقمونه على عثمان مع ما كان من أعطاء مروان خمس مغانم افريقية(2/139)
والصحيح انه اشتراه بخمسمائة ألف فوضعها عنه (ومما عدوا عليه أيضا) زيادة النداء الثالث على الزوراء يوم الجمعة واتمامه الصلاة في منى وعرفة مع أن الامر في حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم والشيخين بعده كان على القصر (ولما) سأله عبد الرحمن واحتج عليه بذلك قال له بلغني ان بعض حاج اليمن والجفاة جعل صلاة المقيم ركعتين من أجل صلاتي وقد اتخذت بمكة اهلا ولى بالطائف مال فلم يقبل ذلك عبد الرحمن فقال زوجتك بمكة انما تسكن بسكناك ولو خرجت خرجت ومالك بالطائف على اكثر من مسافة القصر (وأما حاج اليمن) فقد شهدوا ذلك من رسول الله صلى الله عليه وسلم والشيخين بعده وقد كان الاسلام ضرب بجرانه فقال عثمان هذا رأى رأيته فمن الصحابة من تبعه على ذلك ومنهم من خالفه (ومما عدوا عليه) سقوط خاتم النبي صلى الله عليه وسلم من يده في بئر أريس على ميلين من المدينة فلم يوجد (واما الحوادث) التى وقعت في الامصار فمنها قصة الوليد بن عقبة وقد تقدم ذكرها وانه عزله على شرب الخمر واستبدله بسعيد بن العاصى منه وكان وجوه الناس وأهل القادسية يسمرون عنده مثل مالك بن كعب الارحبي والاسود بن يزيد وعلقمة بن قيس من النخع وثابت بن قيس الهمداني وجندب
ابن زهير الغامدى وجندب بن كعب الازدي وعروة بن الجعد وعمرو بن الحمق الخزاعى وصعصعة بن صوحان وأخوه زيد وابن الكواء وكميل بن زياد وعمير بن ضابئ وطليحة بن خويلد وكانوا يفيضون في أيام الوقائع وفى أنساب الناس وأخبارهم وربما ينتهون إلى الملاحاة ويخرجون منها إلى المشاتمة والمقاتلة ويعذلهم في ذلك حجاب سعيد بن العاصى فينهرونهم ويضربونهم وقد قيل ان سعيدا قال يوما انما هذا السواد بستان قريش فقال له الاشتر السواد الذى أفاء الله علينا باسيافنا تزعم انه بستان لك ولقومك وخاض القوم في ذلك فأغلظ لهم عبد الرحمن الاسدي صاحب شرطته فوثبوا عليه وضربوه حتى غشى عليه فمنع سعيد بعدها السمر عنده فاجتمعوا في مجالسهم يثلبون سعيدا وعثمان والسفهاء يغشونهم فكتب سعيد وأهل الكوفة إلى عثمان في اخراجهم فكتب أن يلحقوهم بمعاوية وكتب إلى معاوية ان نفرا خلقوا للفتنة فقم عليهم وانههم وان آنست منهم رشدا فاقبل وان أعيوك فارددهم على فأنزلهم معاوية وأجرى عليهم ما كان لهم بالعراق وأقاموا عنده يحضرون مائدته ثم قال لهم يوما أنتم قوم من العرب لكم أسنان وألسنة وقد أدركتم بالاسلام شرفا وغلبتم الامم وحويتم مواريثهم وقد بلغني انكم نقمتم قريشا ولو لم تكن قريش كنتم أذلة إذ أئمتكم لكم جنة فلا تفترقوا على جنتكم وان أئمتكم يصبرون لكم على الجور ويحملون عنكم المؤنة والله لتنتهن أو ليبتلينكم الله بمن يسومكم ولا يحمدكم على الصبر ثم تكونون شركاءهم فيما جررتم على(2/140)
الرعية في حياتكم وبعد وفاتكم فقال له صعصعة منهم أما ما ذكرت من قريش فانها لم تكن أكثر الناس ولا أمنعها في الجاهلية فتخوفنا وأما ما ذكرت من الجنة فان الجنة إذا اخترمت خلص الينا فقال معاوية الآن عرفتكم وعلمت ان الذى أغراكم على هذا قلة العقول وأنت خطيبهم ولا أرى لك عقلا أعظم عليك أمر الاسلام وتذكرني الجاهلية أخزى الله قوما عظموا أمركم افقهوا عنى ولا أظنكم تفقهون ثم ذكر شان
قريش وان عزها انما كان بالله في الجاهلية والاسلام ولم يكن بكثرة ولا شدة وكانوا على أكرم أحساب وأكمل مروءة وبوأهم الله حرمه فأمنوا فيه مما أصاب العرب والعجم والاسود والاحمر في بلادهم ثم ذكر النبي صلى الله عليه وسلم وان الله ارتضى له أصحابا كان خيارهم قريشا فبنى الملك عليهم وجعل الخلافة فيهم فلا يصلح ذلك الا بهم ثم قرعهم ووبخهم وهددهم ثم أحضرهم بعد أيام وقال اذهبوا حيث شئتم لا ينفع الله بكم احدا ولا يضره وان أردتم النجاة فالزموا الجماعة ولا تبطرنكم النعمة وسأكتب إلى أمير المؤمنين فيكم وكتب إلى عثمان انه قدم على اقوام ليست لهم عقول ولا أديان أبطرهم العدل انما همهم الفتنة وأموال أهل الذمة والله مبتليهم ثم فاضحهم وليسوا بالذين ينكون أحدا الا مع غيرهم فانه سعيدا ومن عنده عنهم فخرجوا من عنده قاصدين الجزيرة ومروا بعبد الرحمن بن خالد بن الوليد بحمص فأحضرهم وقال يا ألة الشيطان 3 لا مرحبا بكم ولا أهلا قد رجع الشيطان محسورا وأنتم بعد في نشاط خسر الله عبد الرحمن ان لم يؤدبكم يا معشر من لا أدرى أعرب هم أم عجم ثم مضى في توبيخهم على ما فعلوا وما قالوا لسعيد ومعاوية فهابوا سطوته وطفقوا يقولون نتوب إلى الله أقلنا أقالك الله حتى قال تاب الله عليكم وسرح الاشتر إلى عثمان تائبا فقال له عثمان أحلك حيث تشاء فقال مع عبد الرحمن بن خالد قال ذاك اليك فرجع إليهم وقيل انهم عادوا إلى معاوية من القابلة ودار بينهم وبينه القول وأغلظوا له وأغلظ عليهم وكتب إلى عثمان فأمر أن يردهم إلى سعيد فردهم فأطلقوا ألسنتهم وضج سعيد منهم وكتب إلى عثمان فكتب إليه أن يسيرهم إلى عبد الرحمن بن خالد فدار بينهم وبينه ما قدمناه * وحدث بالبصرة مثل ذلك من الطعن وكان بدؤه فيما يقال شأن عبد الله بن سبأ المعروف بابن السوداء هاجر إلى الاسلام من اليهودية ونزل على حكيم بن جبلة العبدى وكان يتشيع لاهل البيت ففشت مقالته بالطعن وبلغ ذلك حكيم بن جبلة فأخرجه وأتى الكوفة فأخرج أيضا واستقر بمصر وأقام يكاتب أصحابه بالبصرة ويكاتبونه والمقالات تفشو
بالطعن والنكير على الامراء وكان حمران بن أبان أيضا يحقد لعثمان انه ضربه على زواجه امرأة في العدة وسيره إلى البصرة فلزم ابن عامر وكان بالبصرة عامر بن عبد القيس(2/141)
وكان زاهدا متقشفا فأغرى به حمران صاحب ابن عامر فلم يقبل سعايته ثم أذن له عثمان فقدم المدينة ومعه قوم فسعوا بعامر بن عبد القيس انه لا يرى التزويج ولا يأكل اللحم ولا يشهد الجمعة فألحقه عثمان بمعاوية وأقام عنده حتى تبينت براءته وعرف فضله وحقه وقال ارجع إلى صاحبك فقال لا أرجع إلى بلد استحل أهله منى ما استحلوا وأقام بالشام كثير العبادة والانفراد بالسواحل إلى أن هلك (ولما) فشت المقالات بالطعن والارجاف على الامراء اعتزم سعيد بن العاصى على الوفادة على عثمان سنة أربع وثلاثين وكان قبلها قد ولى على الاعمال أمراء من قبله فولى الاشعث بن قيس على اذربيجان وسعيد بن قيس على الرى والنسير العجلى على همذان والسائب بن الاقرع على اصبهان ومالك بن حبيب على ماه وحكيم بن سلامة على الموصل وجرير بن عبد الله على قرقيسيا وسلمان بن ربيعة على الباب وجعل على حلوان عتيبة بن النهاس وعلى الحرب القعقاع بن عمرو فخرجوا لاعمالهم وخرج هو وافدا على عثمان واستخلف عمرو بن حريث وخلت الكوفة من الرؤساء وأظهر الطاعنون أمرهم وخرج بهم يزيد ابن قيس يريد خلع عثمان فبادره القعقاع بن عمرو فقال له انما نستعفي من سعيد وكتب يزيد إلى الرهط الذين عند عبد الرحمن بن خالد بحمص في القدوم فساروا إليه وسبقهم الاشتر ووقف على باب المسجد يوم الجمعة يقول جئتكم من عند عثمان وتركت سعيدا يريده على نقصان نسائكم على مائة درهم ورد أولى البلاء منكم إلى ألفين ويزعم أن فيئكم بستان قريش ثم استخف الناس ونادى يزيد في الناس من شاء أن يلحق بيزيد لرد سعيد فليفعل فخرجوا وذوو الرأى يعذلونهم فلا يسمعون وأقام أشراف الناس وعقلاؤهم مع عمرو بن حريث ونزل يزيد وأصحابه الجزعة قريبا من القادسية لاعتراض
سعيد ورده فلما وصل قالوا ارجع فلا حاجة لنا بك قال انما كان يكفيكم أن تبعثوا واحدا إلى والى عثمان رجلا وقال مولى له ما كان ينبغى لسعيد أن يرجع فقتله الاشتر ورجع سعيد إلى عثمان فأخبره بخبر القوم وأنهم يختارون أبا موسى الاشعري فولاه الكوفة وكتب إليهم أما بعد فقد أمرت عليكم من اخترتم وأعفيتكم من سعيد ووالله لاقرضنكم عرضى ولابذلنكم صبرى ولا ستصلحنكم بجهدي (وخطب) أبو موسى الناس وأمرهم بلزوم الجماعة وطاعة عثمان فرضوا ورجع الامراء من قرب الكوفة واستمر أبو موسى على عمله (وقيل) ان أهل الكوفة أجمع رأيهم أن يبعثوا إلى عثمان ويعذلوه فيما نقم عليه فأجمع رأيهم على عامر بن عبد القيس الزاهد وهو عامر بن عبد الله من بنى تميم ثم من بنى العنبر فأتاه وقال له أن ناسا اجتمعوا ونظروا في أعمالك فوجدوك ركبت أمورا عظاما فاتق الله وتب إليه فقال عثمان(2/142)
ألا تسمعون إلى هذا الذى يزعم الناس انه قارئ ثم يجئ يكلمني في المحقرات ووالله لا يدرى أين الله فقال عامر بل والله أنى لادرى إن الله لبالمرصاد فأرسل عثمان إلى معاوية وعبد الله بن أبى سرح وسعيد بن العاصى وعبد الله بن عامر وعمرو بن العاصى وكانوا بطانته دون الناس فجمعهم وشاورهم وقال انكم وزرائي ونصحائي وأهل ثقتى وقد صنع الناس ما رأيتم فطلبوا أن أعزل عمالى وأرجع إلى ما يحبون فاجتهدوا رأيكم فقال ابن عامر أرى أن تشغلهم بالجهاد وقال سعيد متى تهلك قادتهم يتفرقوا وقال معاوية اجعل كفالتهم إلى أمرائهم وأنا أكفيك الشام وقال عبد الله استصلحهم بالمال فردهم عثمان إلى أعمالهم وأمرهم بتجهيز الناس في البعوث ليكون لهم فيها شغل ورد سعيدا إلى الكوفة فلقيه الناس بالجزعة وردوه كما ذكرناه وولى أبا موسى وأمر عثمان حذيفة بغزو الباب فسار نحوه (ولما كثر) هذا الطعن في الامصار وتواتر بالمدينة وكثر الكلام في عثمان والطعن عليه وكان له منهم شيعة يذبون عنه مثل
زيد بن ثابت وأبى أسيد الساعدي وكعب بن مالك وحسان بن ثابت فلم يغنوا عنه واجتمع الناس إلى على بن أبى طالب وكلموه وعددوا عليه ما نقموه فدخل على عثمان وذكر له شأن الناس وما نقموا عليه وذكره بافعال عمر وشدته ولينه هو لعماله وعرض عليه ما يخاف من عواقب ذلك في الدنيا والآخرة فقال له أن المغيرة بن شعبة وليناه وعمر ولاه ومعاوية كذلك وابن عامر تعرفون رحمه وقرابته فقال له على أن عمر كان يطأ على صماخ من ولاه وأنت ترفق بهم وكانوا أخوف لعمر من غلامه يرفأ ومعاوية يستبد عليك ويقول هذا أمر عثمان فلا تغير عليه ثم تكالما طويلا وافترقا وخرج عثمان على اثر ذلك وخطب وعرض بما هو فيه من الناس وطعنهم وما يريدون منه وانهم تجرؤا عليه لرفقه بما لم يتجرؤا بمثله على ابن الخطاب ووافقهم برجوعه في شأنه إلى ما يقدمهم * (حصار عثمان ومقتله رضى الله عنه وأثابه ورفع درجته) * ولما كثرت الاشاعة في الامصار بالطعن على عثمان وعماله وكتب بعضهم إلى بعض في ذلك وتوالت الاخبار بذلك على أهل المدينة جاؤا إلى عثمان وأخبروه فلم يجدوا عنده علما منه وقال أشيروا على وأنتم شهود المؤمنين قالوا تبعث من تثق به إلى الامصار يأتوك بالخبر فأرسل محمد بن مسلمة إلى الكوفة واسامة بن زيد إلى البصرة وعبد الله ابن عمر إلى الشام وغيرهم إلى سواها فرجعوا وقالوا ما أنكرنا شيئا ولا انكره علماء المسلمين ولا عوامهم وتأخر عمار بن ياسر بمصر واستماله ابن السوداء وأصحابه خالد بن ملجم وسودان بن حمران وكنانة بن بشر وكتب عثمان إلى أهل الامصار انى قد رفع إلى(2/143)
أهل المدينة ان عمالى وقع منهم اضرار بالناس وقد أخذتهم بأن يوافوني في كل موسم فمن كان له حق فليحضر يأخذ بحقه منى أو من عمالى أو تصدقوا فان الله يجزى المتصدقين فبكى الناس عند قراءة كتابه عليهم ودعوا له وبعث إلى عمال الامصار فقدموا
عليه في الموسم عبد الله بن عامر وابن أبى سرح ومعاوية وأدخل معهم سعيد بن العاصى وعمرا وقال ويحكم ما هذه الشكاية والاذاعة وانى لاخشى والله أن يكونوا صادقين فقالوا له ألم يخبرك رسلك بأن أحدا لم يشافههم بشئ وانما هذه اشاعة لا يحل الاخذ بها واختلفوا في وجه الرأى في ذلك فقال عثمان ان الامر كائن وبابه سيفتح ولا احب أن تكون لاحد على حجة في فتحه وقد علم الله انى لم آل الناس خيرا فسكتوا الناس وبينوا لهم حقوقهم ثم قدم المدينة فدعا عليا وطلحة والزبير ومعاوية حاضر فحمد الله وأثنى عليه ثم قال أنتم ولاة هذا الامر واخترتم صاحبكم يعنى عثمان وقد كبر وأشرف وفشت مقالة خفتها عليكم فما عنيتم فيه من شئ فأنا لكم به ولا تطمعوا الناس في أمركم فانتهره على ثم ذهب عثمان يتكلم وقال اللذان كانا قبلى منعا قرابتهما احتسابا وان رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يعطى قرابته وان قرابتي أهل عيلة وقلة معاش فأعطيتهم فان رأيتم ذلك خطأ فردوه فقالوا أعطيت عبد الله بن خالد بن أسيد خمسين ألفا ومروان خمسة عشر ألفا قال آخذ ذلك منهما فانصرفوا راضين وقال له معاوية اخرج معى إلى الشام قبل أن يهجم عليك ما لا تطيقه قال لا أبتغى بجوار رسول الله صلى الله عليه وسلم بدلا قال فأبعث اليك جندا يقيمون معك قال لا أضيق على جيران رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال معاوية لتغتالن ولتعرين قال حسبى الله ونعم الوكيل ثم سار معاوية ومر على على وطلحة والزبير فوصاهم بعثمان وودعهم ومضى وكان المنحرفون عن عثمان بالامصار قد تواعدوا عند مسير الامراء إلى عثمان أن يثبوا عليه في مغيبهم فرجع الامراء ولم يتهيأ لهم ذلك وجاءتهم كتب من المدينة ممن صار إلى مذهبهم في الانحراف عن عثمان أن اقدموا علينا فان الجهاد عندنا فتكاتبوا من امصارهم في القدوم إلى المدينة فخرج المصريون وفيهم عبد الرحمن بن عديس البلوى في خمسمائة وقيل في ألف وفيهم كنانة بن بشر الليثى وسودان بن حمران السكوني وميسرة أو قتيرة بن فلان السكوني وعليهم جميعا الغافقي بن حرب العكى وخرج أهل الكوفة
وفيهم زيد بن صوحان العبدى والاشتر النخعي وزياد بن النضر الحارثى وعبد الله بن الاصم العامري وخرج أهل البصرة وفيهم حكيم بن جبلة العبدى وذريح بن عباد وبشر بن شريح القيسي وابن المحرش وعليهم حرقوص بن زهير السعدى وكلهم في مثل عدد أهل مصر وخرجوا جميعا في شوال مظهرين للحج ولما كانوا من المدينة على ثلاث(2/144)
دمه سبعين ألفا فسكن دمه ويشكل أن يحيى كان مع المسيح في عصر واحد باتفاق وأن ذلك كان بعد بختنصر بأحقاب متطاولة وفى هذا ما فيه وفى الاسرائيليات من تأليف يعقوب بن يوسف النجار أن هيردوس قتل زكريا عندما جاء المجوس للبحث عن ايشوع والانذار به وأنه طلب ابنه يوحنا ليقتله مع من قتل من صبيان بيت لحم فهربت به أمه إلى الشقراء واختفت فطالب به أباه زكريا وهو كهنون في الهيكل فقال لا علم لى هو مع أمه فتهدده وقتله ثم قال بعد قتل زكريا بسنة يعقوب بن يوسف إلى أن مات هيردوس (وأما مريم سلام الله عليها) فكانت بالمسجد على حالها من العبادة إلى ان أكرمها الله بالولاية وبين الناس في نبوتها خلاف من أجل خطاب الملئكة لها وعند أهل السنة أن النبوة مختصة بالرجل قاله أبو الحسن الاشعري وغيره وأدلة الفريقين في أماكنها وبشرت الملئكة مريم باصطفاء الله لها وأنها تلد ولدا من غير أب يكون نبيا فعجبت من ذلك فأخبرتها الملائكة ان الله قادر على ما يشاء فاستكانت وعلمت أنها محنة بما تلقاه من كلام الناس فاحتسبت وفى كتاب يعقوب بن يوسف النجار أن أمها حنة توفيت لثمان سنين من عمر مريم وكان من سنتهم انها ان لم تقبل التزويج يفرض لها من أرزاق الهيكل فأوحى الله إليه أن يجمع أولاد هارون ويردها إليهم فمن ظهرت في عصاه آية تدفعها إليه تكون له شبه زوجة ولا يقربها وحضر الجمع يوسف النجار فخرج من عصاه حمامة بيضاء ووقفت على رأسه فقال له زكريا هذه عزراء الرب تكون لك شبه زوجة ولا تردها فاحتملها متكرها بنت ثنتى عشرة سنة إلى ناصرة فأقامت معه إلى أن خرجت
يوما تستسقى من العين فعرض لها الملك أولا وكلمها ثم عاودها وبشرها بولادة عيسى كما نص القرآن فحملت وذهبت إلى زكريا ببيت المقدس فوجدته على الموت وهو يجود بنفسه فرجعت إلى ناصرة ورأى يوسف الحمل فلطم وجهه وخشى الفضيحة مع الكهنونية فيما شرطوا عليه فأخبرته بقول الملك فلم يصدق وعرض له الملك في نومه وأخبره ان الذى بها من روح القدس فاستيقظ وجاء إلى مريم فسجد لها وردها إلى بيتها ويقال ان زكريا حضر لذلك وأقام فيهما سنة اللعان الذى أوصى به موسى فلم يصبهما شئ وبرأهما الله ووقع في انجيل متى ان يوسف خطب مريم ووجدها حاملا قبل أن يجتمعا فعزم على فراقها خوفا من الفضيحة فأمر في نومه أن يقبلها وأخبره الملك بأن المولود من روح القدس وكان يوسف صديقا وولد على فراشه ايشوع انتهى (وقال الطبري) كانت مريم ويوسف بن يعقوب بن عمها وفى رواية عنه أنه ابن خالها وكانوا سدنة في بيت المقدس لا يخرجان منه الا لحاجة الانسان وإذا نفد ماؤهما فيملان من أقرب المياه فمضت مريم يوما وتخلف عنها يوسف ودخلت المغارة التى كانت تعهد أنها للورد(2/145)
فتمثل لها جبريل بشرا فذهبت لتجزع فقال لها انما أنا رسول ربك لاهب لك غلاما زكيا فاستسقاها وعن وهب بن منبه أنه نفخ في جيب درعها فوصلت النفخة إلى الرحم فاشتملت على عيسى فكان معها ذو قرابة يسمى يوسف النجار وكان في مسجد بجبل صهيون وكان لخدمته عندهم فضل وكانا يجمرانه ويقمانه وكانا صالحين مجتهدين في العبادة ولما رأى ما بها من الحمل استعظمه وعجب منه لما يعلم من صلاحها وأنها لم تغب قط عنه ثم سألها فردت الامر إلى قدرة الله فسكت وقام بما ينوبها من الخدمة فلما بان حملها أفضت بذلك إلى خالتها ايشاع وكانت إيضا حبلى بيحيى فقالت لها انى أرى ما في بطني يسجد لما في بطنك ثم أمرت بالخروج من بلدها خشية أن يعيرها قومها ويقتلوا ما في بطنها فاحتملها يوسف إلى مصر وأخذها المخاض في طريقها فوضعته كما قصه القرآن
واحتملته على الحمار وأقامت تكتم أمرها من الناس وتتحفظ به حتى بلغ ثنتى عشرة سنة وظهرت عليه الكرامات وشاع خبره فأمرت أن ترجع به إلى ايلياء فرجعت وتتابعت عنه المعجزات وانثال الناس عليه يستشفون ويسألون عن الغيوب قال الطبري وفى خبر السدى انها انما خرجت من المسجد لحيض أصابها فكان نفخ الملك وأن ايشاع خالتها التى سألتها عن الحمل وناظرتها فيه فحجتها بالقدرة وأن الوضع كان في شرقي بيت لحم قريبا من بيت المقدس وهو الذى بنى عليه بعض ملوك الروم البناء الهائل لهذا العهد قال ابن العميد مؤرخ النصارى ولد لثلاثة أشهر من ولادة يحيى بن زكريا ولاحدى وثلاثين من دولة هيردوس الاكبر ولثنتين وأربعين من ملك أو غشطش قيصر وفى الانجيل ان يوسف تزوجها ومضى بها ليكتم أمرها في بيت لحم فوضعته هنا لك ووضعته في مدود لانها لم يكن لها موضع نزل وأن جماعة من المجوس بعثهم ملك الفرس يسألون أين ولد الملك العظيم وجاؤا إلى هيردوس يسألونه وقالوا جئنا لنسجد له وحدثوه بما أخبر الكهان وعلماء النجوم من شأن ظهوره وأنه يولد ببيت لحم من ابن سنتين فما دونها وسمع أو غشطش قيصر بخبر المجوس فكتب إلى هيردوس يسأله فكتب له بمصدوقية خبره وأنه قتل فيمن قتل من الصبيان وكان يوسف النجار قد أمر أن يخرج به إلى مصر فأقام هنا لك ثنتى عشرة سنة وظهر عليه الكرامات وهلك هيردوس الذى كان يطلبه وأمروا بالرجوع إلى ايليا فرجعوا وظهر صدق شعيا النبي في قوله عنه من مصر دعوتك وفى كتاب يعقوب بن يوسف النجار حذرا من أن يكتب كما أمر أو غشطش في بعض أيامه فأجاءها المخاض وهى في طريقها على حمار فصابرته إلى قرية بيت لحم وولدت في غار وسماه ايشوع وأنه لما بلغ سنتين وكان من أمر المجوس ما قدمناه حذر هيردوس من شأنه وأمر أن يقتل الصبيان ببيت لحم فخرج يوسف به وبأمه إلى مصر أمر بذلك في نومه وأقام بمصر سنتين(2/146)
حتى مات هيردوس ثم امر بالرجوع فرجع إلى ناصرة وظهرت عليه الخوارق من
احياء الموتى وابراء المعتوهين وخلق الطير وغير ذلك من خوارقه حتى إذا بلغ ثمانى سنين كف عن ذلك ثم جاء يوحنان المعمدان من البرية وهو يحيى بن زكريا ونادى بالتوبة والدعاء إلى الدين وقد كان شعيا أخبر أنه يخرج أيام المسيح وجاء المسيح من الناصرة ولقيه بالاردن فعمده يوحنان وهو ابن ثلاثين سنة ثم خرج إلى البرية واجتهد في العبادة والصلاة والرهبانية واختار تلامذته الاثنى عشر سمعان بطرس وأخوه اندراوس ويعقوب بن زيدي وأخوه يوحنا وفيلبس وبرتولوماوس وتوما ومتى العشار ويعقوب ابن حلفا وتداوس وسمعان القنانى ويهوذا الاسخريوطى وشرع في اظهار المعجزات ثم قبض هيردوس الصغير على يوحنان وهو يحيى بن زكريا لنكيره عليه في زوجة أخيه فقتله ودفن بنابلس ثم شرع المسيح الشرائع من الصلاة والصوم وسائر القربات وحلل وحرم وأنزل عليه الانجيل وظهرت عليه يديه الخوارق والعجائب وشاع ذكره في النواحى واتبعه الكثير من بنى اسرائيل وخافه رؤساء اليهود على دينهم وتوامروا في قتله وجمع عيسى الحواريين فباتوا عنده ليلتين يطعمهم ويبالغ في خدمتهم بما استعظموه قال وانما فعلته لتتأسوا به وقال يعظهم ليكفرن بى بعضكم قبل أن يصيح الديك ثلاثا ويبيعنى أحدكم بثمن بخس وتأكلوا ثمني ثم افترقوا وكان اليهود قد بعثوا العيون عليهم فأخذوا شمعون من الحواريين فتبرأ منهم وتركوه وجاء يهوذا الاسخريوطى وبايعهم على الدلالة عليه بثلاثين درهما وأراهم مكانه الذى كان يبيت فيه وأصبحوا به إلى فلاطش النبطي قائد قيصر على اليهود وحضر جماعة الكهنونية وقالوا هذا يفسد ديننا ويحل نواميسنا ويدعى الملك فاقتله وتوقف فصاحوا به وتوعدوه بابلاغ الامر إلى قيصر فأمر بقتله وكان عيسى قد أبلغ الحواريين بأنه يشبه على اليهود في شأنه فقتل ذلك الشبه وصلب وأقام سبعا وجاءت أمه تبكى عند الخشبة فجاءها عيسى وقال مالك تبكى قالت عليك قال ان الله رفعني ولم يصبنى الا خير وهذا شئ شبه لهم وقولى للحواريين يلقوني بمكان كذا فانطلقوا إليه وأمرهم بتبليغ رسالته
في النواحى كما عين لهم من قبل وعند علماء النصارى ان الذى بعث من الحواريين إلى رومة بطرس ومعه بولس من الاتباع ولم يكن حواريا والى أرض السودان والحبشة ويعيرون عن هذه الناحية بالارض التى تأكل أهلها والناس متى العشار واندراوس إلى أرض بابل والمشرق توماس والى أرض افريقية فيلبس والى افسوس قرية أصحاب الكهف يوحناس والى أورشليم وهى بيت المقدس يوحنا والى أرض العرب والحجاز برتلوماوس والى إرض برقة والبربر شمعون القنانانى (قال ابن اسحق) ثم وثب(2/147)
اليهود على بقية الحواريين يعذبونهم ويفتنونهم وسمع قيصر بذلك وكتب إليه فلاطش النبطي قائده باخباره ومعجزاته وبغى اليهود عليه وعلى يوحنان قبله فأمرهم بالكف عن ذلك ويقال قتل بعضهم وانطلق الحواريون إلى الجهات التى بعثهم إليها عيسى فآمن به بعض وكذب بعض ودخل يعقوب أخو يوحنان إلى رومة فقتله غاليوس قيصر وحبس شمعون ثم خلص وسار إلى انطاكية ثم رجع إلى رومة أيام فلوديش قيصر بعد غاليوس واتبعه كثير من الناس وآمن به بعض نساء القياصرة وأخبرها بخبر الصليب فدخلت إلى القدس وأخرجته من تحت الزبل والقمامات بمكان الصلب وغشته بالحرير والذهب وجاءت به إلى رومة (وأما بطرس كبير الحواريين) وبولص اللذان بعثهما عيسى صلوات الله عليه إلى رومة فانهما مكثا هنا لك يقيمان دين النصرانية ثم كتب بطرس الانجيل بالرومية ونسبه إلى مرقص تلميذه وكتب متى انجيله بالعبرانية في بيت المقدس ونقله من بعد ذلك يوحنان بن زبدى إلى رومة وكتب لوقا انجيله بالرومية وبعثه إلى بعض أكابر الروم وكتب يوحنا بن زبدى انجيله برومة ثم اجتمع الرسل الحواريون برومة ووضعوا القوانين الشرعية لدينهم وصيروها بيد اقليمنطس تلميذ بطرس وكتبوا فيها عد الكتب التى يجب قبولها فمن القديمة التوراة خمسة أسفار وكتاب يوشع بن نون وكتاب القضاة وكتاب راعوث وكتاب يهوذا وأسفار الملوك أربعة كتب وسفر بنيامين وسفر
المقباسين ثلاثة كتب وكتاب عزرا الامام وكتاب أشير وكتاب قصة هامان وكتاب أيوب الصديق ومزامير داود النبي وكتب ولده سليمان خمسة ونبوات الانبياء الصغار والكبار ستة عشر كتابا وكتاب يشوع بن شارخ ومن الحديثة كتب الانجيل الاربعة وكتب القتاليقون سبع رسائل وكتاب بولس أربع عشرة رسالة والايركسيس وهو قصص الرسل ويسمى افليمد ثمانية كتب تشتمل على كلام الرسل وما أمروا به ونهوا عنه وكتاب النصارى الكبار إلى أساقفتهم الذين يسمون البطارقة ببلاد معينة يعلمون بها دين النصرانية فكان برومة بطرس الرسول الذى بعثه عيسى صلوات الله عليه وكان ببيت المقدس يعقوب النجار وكان بالاسكندرية مرقص تلميذ بطرس وكان ببزنطية وهى قسطنطينية اندرواس الشيخ وكان بانطاكية وكان صاحب هذا الدين عندهم والمقيم لمراسمه يسمونه البترك وهو رئيس الملة وخليفة المسيح فيهم ويبعث نوابه وخلفاءه إلى من بعد عنهم من أمم النصرانية ويسمونه الاسقف أي نائب البطرك ويسمون القزا بالقسيس وصاحب الصلاة بالجاثليق وقومة المسجد بالشمامشة والمنقطع الذى حبس نفسه في الخلوة للعبادة بالراهب والقاضى بالمطران ولم يكن بمصر لذلك العهد أسقف إلى أن جاء دهدس الحادى عشر من أساقفة اسكندرية وكان بطرك أساقفة بمصر وكان الاساقفة يسمون(2/148)
البطرك أبا والقسوس يسمون الاساقفة أبا فوقع الاشتراك في اسم الاب فاخترع اسم البابا لبطرك الاسكندرية ليتميز عن الاسقف في اصطلاح القسوس ومعناه أبو الاباء فاشتهر هذا الاسم ثم انتقل إلى بطرك رومة لانه صاحب كرسى بطرس كبير الحواريين ورسول المسيح وأقام على ذلك لهذا العهد يسمى البابا ثم جاء بعد فلوديش قيصر نيرون قيصر فقتل بطرس كبير الحواريين وبولص اللذين بعثهما عيسى صلوات الله عليه إلى رومة وجعل مكان بطرس أرنوس برومة وقتل مرقص الانجيلى تلميذ بطرس وكان بالاسكندرية يدعو إلى الدين سبع سنين ويبعثه في نواحى مصر وبرقة والمغرب وقتله
نيرون وولى بعده حنينيا وهو أول البطاركة عليها بعد الحواريين وثار اليهود في دولته على أسقف بيت المقدس وهو يعقوب النجار وهدموا البيعة ودفنوا الصليب إلى أن أظهرته هيلانة أم قسطنطين كما نذكره بعد وجعل نيرون مكان يعقوب النجار ابن عمه شمعون بن كيافا ثم اختلفت حال القياصرة من بعد ذلك في الاخذ بهذا الدين وتركه كما يأتي في أخبارهم إلى أن جاء قسطنطين بن قسطنطين بانى المدينة المشهورة وكانت في مكانها قبله مدينة صغيرة تسمى بيزنطية وكانت أم هيلانه صالحة فأخذت بدين المسيح لثنتين وعشرين سنة من ملك قسطنطين ابنها وجاءت إلى مكان الصليب فوقفت عليه وترحمت وسألت عن الخشبة التى صلب عليها بزعمهم فأخبرت بما فعل اليهود فيها وانهم دفنوها وجعلوا مكانها مطرحا للقمامة والنجاسة والجيف والقاذورات فاستعظمت ذلك واستخرجت تلك الخشبة التى صلب عليها بزعمهم وقيل من علامتها أن يمسها ذو العاهة فيعافى لوقته فطهرتها وطيبتها وغشتها بالذهب والحرير ورفعتها عندها للتبرك بها وأمرت ببناء كنيسة هائلة بمكان الخشبة تزعم أنها قبره وهى التى تسمى لهذا العهد قمامة وخربت مسجد بنى اسرائيل وأمرت بان تلقى القاذروات والكناسات على الصخرة التى كانت عليها القبة التى هي قبلة اليهود إلى ان أزال ذلك عمر بن الخطاب رضى الله تعالى عنه عند فتح بيت المقدس كما نذكره هنالك وكان من ميلاد المسيح إلى وجود الصليب ثلثمائة وثمان وعشرون سنة وأقام هؤلاء النصرانية بطاركتهم وأساقفتهم على اقامة دين المسيح على ما وضعه الحواريون من القوانين والعقائد والاحكام ثم حدث بينهم اختلاف في العقائد وسائر ما ذهبوا إليه من الايمان بالله وصفاته وحاش لله وللمسيح وللحواريين أن يذهبوا إليه وهو معتقدهم التثليث وانما حملهم عليه ظواهر من كلام المسيح في الانجيل لم يهتدوا إلى تأويلها ولا وقفوا على فهم معانيها مثل قول المسيح حين صلب بزعمهم أذهب إلى أبى وأبيكم وقال افعلوا كذا وكذا من البر لتكونوا أبناء أبيكم في السماء وتكونوا تامين كما إن أباكم الذى في السماء تام وقال له في الانجيل انك أنت(2/149)
الابن الوحيد وقال له شمعون الصفا انك ابن الله حقا فلما أثبتوا هذه الابوة من ظاهر هذا اللفظ زعموا أن عيسى ابن مريم من أب قديم وكان اتصاله بمريم تجسد كلمة منه مازجت جسد المسيح وتدرعت به فكان مجموع الكلمة والجسد ابنا وهو ناسوت كلى قديم أزلى وولدت مريم الها أزليا والقتل والصلب وقع على الجسد والكلمة ويعبرون عنهما بالناسوت واللاهوت وأقاموا على هذه العقيدة ووقع بينهم فيها اختلاف وظهرت مبتدعة من النصرانية اختلفت أقوالهم الكفرية كان من أشدهم ابن دنصان ودافعهم هؤلاء الاساقفة والبطاركة عن معتقدهم الذين كانوا يزعمونه حقا وظهر يونس الشميصانى بطرك انطاكية بعد حين أيام افلوديس قيصر فقال بالوحدانية ونفى الكلمة والروح وتبعه جماعة على ذلك ثم مات فرد الاساقفة مقالته وهجروها ولم يزالوا على ذلك إلى أيام قسطنطين بن قسطنطين فتنصر ودخل في دينهم وكان باسكندرية اسكندروس البطرك وكان لعهده اريوش من الاساقفة وكان يذهب إلى حدوث الابن وأنه انما خلق الخلق بتفويض الاب إليه في ذلك فمنعه اسكندروس الدخول إلى الكنيسة وأعلم أن ايمانه فاسد وكتب بذلك إلى سائر الاساقفة والبطاركة في النواحى وفعل ذلك بأسقفين آخرين على مثل رأى أريوش فدفعوا أمرهم إلى قسطنطين وأحضرهم جميعا لتسع عشرة من دولته وتناظروا ولما قال أريوش ان الابن حادث وأن الاب فوض إليه بالخلق وقال الاسكندروس لخلق استحق الالوهية فاستحسن قسطنطين قوله وأذن له أن يشيد بكفر أريوش وطلب الاسكندروس باجتماع النصرانية لتحرير المعتقد الايمانى فجمعهم قسطنطين وكانوا ألفين وثلثمائة وأربعين أسقفا وذلك في مدينة نيقية فسمى المجتمع مجتمع نيقية وكان رئيسهم الاسكندروس بطرك اسكندرية واسطانس بطرك انطاكية ومقاريوس أسقف بيت المقدس وبعث سلطوس بطرك رومة بقسيس حضر معهم لذلك نيابة عنه فتفاوضوا وتناظروا واتفقوا عنهم بعد الاختلاف الكثير
على ثلثمائة وثمانية عشر أسقفا على رأى واحد فصار قسطنطين إلى قولهم وأعطى سيفه وخاتمه وباركوا عليه ووضعوا له قوانين الدين والملك ونفى أريوش وأشيد بكفره وكتبوا العقيدة التى اتفق عليها أهل ذلك المجمع ونصها عندهم على ما نقله ابن العميد من مؤرخيهم والشهرستانى في كتاب الملل والنحل وهو نؤمن بالله الواحد الاحد الاب مالك كل شئ وصانع ما يرى وما لا يرى وبالابن الوحيد ايشوع المسيح ابن الله ذكر الخلائق كلها وليس بمصنوع اله حق من جوهر أبيه الذى بيده أتقنت العوالم وكل شئ الذى من أجلنا ومن أجل خلاصنا بعث العوالم وكل شئ الذى نزل من السماء وتجسد من روح القدس وولد من مريم البتول وصلب أيام فيلاطوس ودفن ثم قام في اليوم الثالث(2/150)
وصعد إلى السماء وجلس على يمين أبيه وهو مستعد للمجئ تارة أخرى بالقضاء بين الاحياء والاموات ونؤمن بروح الواحد روح الحق الذى يخرج من أبيه وبعمودية واحدة لغفران الخطايا وبجماعة قدسية مسيحية جاثليقة وبقيام أبداننا بالحياة الدائمة أبد الآبدين انتهى هذا هو اتفاق المجمع الاول الذى هو مجمع نيقية وفيه اشارة إلى حشر الابدان ولا يتفق النصارى عليه وانما يتفقون على حشر الارواح ويسمون هذه العقيدة الامانة ووضعوا معها قوانين الشرائع ويسمونها الهيمايون وتوفى الاسكندروس البطرك بعد هذا المجمع بخمسة أشهر ولما عمرت هلانه أم قسطنطين الكنائس وأحب الملك أن يقدسها ويجمع الاساقفة لذلك وبعث أوشانيوش بطرك القسطنطينية وحضر معهم اثناش بطرك الاسكندرية واجتمعوا في صور وكان أوشانيوش الذى أخرجه اسكندروس مع أريوش من كنيسة اسكندرية وكان بسبب ذلك مجمع نيقية وكتاب الامانة ونفى أريوش حينئذ وأوشانيوش وصاحبهما ولعنوا جاء أوشانيوش من بعد ذلك وأظهر البراءة من أريوش ومن مقالته فقبله قسطنطين وجعله بطركا بالقسطنطينية فلما اجتمعوا في صور وكان فيهم اومانيوش على رأى أريوش فأشار اوشانيوش بطرك
القسطنطينية بأن يظاهر اثناش بطرك الاسكندرية عن مقالة أريوش فقال أومانيوش ان أريوش لم يقل ان المسيح خلق العالم وانما قال هو كلمة الله التى بها خلق كما وقع في الانجيل فقال اثناش بطرك الاسكندرية وهذا الكلام أيضا يقتضى أن الابن مخلوق وأنه خلق المخلوقات دون الاب لانه إذا كان يخلق به فالاب لم يخلق شيئا لانه مستعين بغيره والفاعل بغيره محتاج إلى ذلك المتمم فهو في ذاته الخالق والله سبحانه منزه عن ذلك وان زعم أريوش أن الاب يريد الشئ والابن يكونه فقد جعل فعل الابن أتم لان الاب انما له الارادة فقط وللابن الاختراع فهو أتم فلما ظهر بطلان مقالة أريوش وثبوا على اومانيوش المناظر عن مقالة أريوش وضربوه ضربا وجيعا وخلصه ابن أخت الملك ثم قدسوا الكنائس وانفض الجمع وبلغ الخبر إلى قسطنطين فندم على بطركية أوشانيوش بالقسطنطينية وغضب عليه ومات لسنتين من رياسته واجتمع بعد ذلك أصحاب أريوش إلى قسطنطين فحسنوا له تلك المقالة وأن جماعة نيقية ظلموا أريوش وبغوا عليه وصدر عن الحق في قولهم ان الاب مساو للابن في الجوهرية وكاد الملك أن يقبل منهم فكتب إليه كيراش أسقف بيت المقدس يحذره من مقالة أريوش فقبل ورجع واختلف حال ملوك القياصرة بعد قسطنطين في الاخذ بالامانة أو بمقالة أريوش وظهور احدى الطائفتين متى كان الملك على دينهم وأفحش بعض ملوك القياصرة في الحق على مخالفه فقال له بعض العلماء والحكماء لا تنكر المخالفة فالحنفاء يختلفون أيضا وانما هم الخلق(2/151)
يحمدون الله ويصفونه بالصفات بالصفات الكثيرة والله يحب ذلك فسكن بعض الشئ وكان بعضهم يعرض عن الطائفتين ويخلى كل أحد ودينه ثم كان المجمع الثاني بقسطنطينية بعد مجمع نيقية بمائتين وخمسين سنة اجتمعوا للنظر في مقالة مقدونيوس وسليوس بأن جسد المسيح بغير ناسوت وأن اللاهوت أغناه عنها مستدلين بما وقع في الانجيل أن الكلمة صار لحما ولم يقل صار انسانا وجعلا من الاله عظيما وأعظم منه والاب أفضل
عظما وقال ان الاب غير محدود في القوة وفى الجوهر فأبطلوا هذه المقالة ولعنوهما وأشادوا بكفرهما وزادوا في الامانة التى قررها جماعة نيقية ما نصه ونؤمن بروح القدس المنتقى من الاب ولعنوا من يزيد بعد ذلك على كلمة الامانة أو ينقص منها ثم كان لهم بعد ذلك بأربعين سنة المجمع الثالث على نسطوريوس البطرك بالقسطنطينية لانه كان يقول ان مريم لم تلد الها وانما ولدت انسانا وانما اتحد به في المشيئة لا في الذات وليس هو الها حقيقة بل بالموهبة والكرامة ويقول بجوهرين وأقنومين وهذا الرأى الذى أظهره نسطوريوس كان رأى ناودوس وديودوس الاسقفين وكان من مقالتهما أن المولود من مريم هو المسيح والمولود من الاب هو الابن الازلي والابن الازلي حل في المسيح المحدث فسمى المسيح ابن الله بالموهبة والكرامة وانما الاتحاد بالمشيئة والارادة فأثبتوا لله ولدين أحدهما بالجوهر والثانى بالنعمة وبلغت مقالة نسطوريوس إلى كرلس بطرك اسكندرية فكتب إلى بطرك رومة وهو اكليمس والى يوحنا وهو بطرك انطاكية والى يونالوس أسقف بيت المقدس فكتبوا إلى نسطوريوس ليدفعوه عن ذلك بالحجة فلم يرجع ولا التفت إلى قولهم فاجتمعوا في مدينة افسيس في مائتين أسقفا للنظر في مقالته فقرروا ابطالها ولعنوه وأشادوا بكفره ووجد عليهم يوحنا بطرك انطاكية حيث لم ينتظروا حضوره فخالفهم ووافق نسطوريوس ثم أصلح بينهم باوداسوس من بعد مدة واتفقوا على نسطوريوس وكتب أساقفة المشارقة أمانتهم وبعثوا بها إلى كرلس فقبلها ونفى نسطوريوس إلى صعيد مصر فنزل اخميم ومات بها لسبع سنين من نزولها وظهرت مقالته في نصارى المشرق وبفارس والعراق والجزيرة والموصل إلى الفرات وكان بعد ذلك باحدى وعشرين سنة المجمع الرابع بمدينة خلقدونية اجتمع فيه ستمائة وأربعة وثلاثون أسقفا من فتيان قيصر للنظر في مقالة ديسقورس بطرك الاسكندرية لانه كان يقول المسيح جوهر من جوهرين وأقنوم من أقنومين وطبيعة من طبيعتين ومشيئة من مشيئتين وكانت الاساقفة والبطاركة لذلك العهد يقولون بجوهرين
وطبيعتين ومشيئتين وأقنوم واحد فخالفهم ديسقرس في بعض الاساقفة وكتب خطه بذلك ولعن من يخالفه فأراد مرقيان قيصر قتله فأشارت البطارقة باحضاره وجمع(2/152)
آمن أنا قال نعم قال تركت قوما لا يرضون الا بالقود قال وممن قال منك تركت ستين ألف شيخ يبكون تحت قميص عثمان منصوبا على منبر دمشق فقال اللهم انى أبرأ اليك من دم عثمان قد نجا والله قتلة عثمان الا أن يشاء الله ثم رده إلى صاحبه وصاحت السبئية اقتلوا هذا الكلب وافد الكلاب فنادى يآل مضر يا لقيس أحلف بالله ليردنها عليكم أربعة آلاف خصى فانظروا كم الفحول والركاب وتقاووا عليه فمنعته مضر ودس أهل المدينة على على من يأتيهم برأيه في القتال وهو زياد بن حنظلة التميمي وكان منقطعا إليه فجالسه ساعة فقال له على سيروا لغزو الشام فقال لعلى الاناة والرفق أمثل فتمثل متى تجمع القلب الذكى وصار ما * وأنفا حميا تجتنبك المظالم - فعلم ان رأيه القتال ثم جاء إلى القوم الذين دسوه فأخبرهم ثم استأذنه طلحة والزبير في العمرة ولحقا بمكة ثم اعتزم على الخروج إلى الشام ودعا أهل المدينة إلى قتالهم وقال أنصتوا إلى هؤلاء القوم الذين يريدون تفريق جماعتكم لعل الله يصلح بكم ما أفسد أهل الآفاق وتقضون الذى عليكم وأمر الناس بالتجهز إلى الشام ودفع اللواء لمحمد بن الحنفية وولى عبد الله بن عباس ميمنته وعمرو بن أبى سلمة ميسرته ويقال بل عمرو بن سفيان بن عبد الاسد وولى أبا ليلى بن عمرو بن الجراح ابن أخى عبيدة مقدمته ولم يول أحدا ممن خرج على عثمان واستخلف على المدينة تمام بن العباس وعلى مكة قثم بن العباس وكتب إلى قيس بن سعد بمصر وعثمان بن حنيف بالبصرة وأبى موسى بالكوفة ان يندبوا الناس إلى الشام وبينما هو على التجهز للشام إذ أتاه الخبر عن أهل مكة بنحو آخر وانهم على الخلاف فانتقض من الشام
* (أمر الجمل) * ولما جاء خبر مكة إلى على قام في الناس وقال ألا إن طلحة والزبير وعائشة قد تمالاوا على نقض إمارتى ودعوا الناس إلى الاصلاح وسأصبر ما لم أخف على جماعتكم وأكف ان كفوا واقتصد نحوهم وندب أهل المدينة فتثاقلوا وبعث كميلا النخعي فجاءه بعبد الله بن عمر فقال انهض معى فقال أنا من أهل المدينة افعل ما يفعلون قال فأعطني كفيلا بانك لا تخرج قال ولا هذه فتركه ورجع إلى المدينة وخرج إلى مكة وقد أخبر ابنة على أم كلثوم بأنه سمع من أهل المدينة تثاقلهم وانه على طاعة على ويخرج معتمرا وجاء الخبر من الغداة إلى على بأنه خرج إلى الشام فبعث في اثره على كل طريق وماج أهل المدينة وركبت أم كلثوم إلى أبيها وهو في السوق يبعث الرجال ويظاهر في طلبه فحدثته فانصرف عن ذلك ووثق به فيما قاله ورجع إلى أهل المدينة فخاطبهم وحرضهم فرجعوا(2/153)
إلى اجابته وأول من أجابه أبو الهيثم بن التيهان البدرى وخزيمة بن ثابت وليس بذى الشهادتين ولما رأى زياد بن حنظلة تثاقل الناس عن على انتدب إليه وقال من تثاقل عنك فانا نخف معك ونقاتل دونك وكان سبب اجتماعهم بمكة ان عائشة كانت خرجت إلى مكة وعثمان محصور كما قدمناه فقضت نسكها وانقلبت تريد المدينة فلقيت في طريقها رجلا من بنى ليث اخوالها فأخبرها بقتل عثمان وبيعة على فقالت قتل عثمان والله ظلما ولاطلبن بدمه فقال لها الرجل ولم أنت كنت تقولين ما قلت فقالت انهم استتابوه ثم قتلوه وانصرفت إلى مكة وجاءها الناس فقالت ان الغوغاء من أهل الامصار وأهل المياه وعبيد أهل المدينة اجتمعوا على هذا الرجل المقتول ظلما ونقموا عليه استعمال من حدثت سنه وقد استعمل امثالهم من كان قبله ومواضع من الحمى حماها لهم فتابعهم ونزع لهم عنها فلما لم يجدوا حجة ولا عذرا بادروا بالعدوان فسفكوا الدم الحرام واستحلوا البلد الحرام والشهر الحرام وأخذوا المال الحرام
والله لاصبع من عثمان خير من طباق الارض امثالهم ولو أن الذى اعتدوا به عليه كان ذنبا لخلص منه كما يخلص الذهب من خبثه أو الثوب من درنه فقال عبد الله بن عامر الحضرمي وكان عامل مكة لعثمان أنا أول طالب فكان أول مجيب وتبعه بنو أمية وكانوا هربوا إلى مكة بعد قتل عثمان منهم سعيد بن العاصى والوليد بن عقبة وقدم عبد الله بن عامر من البصرة بمال كثير ويعلى بن منية من اليمن بستمائة بعير وستمائة ألف فأناخ بالابطح ثم قدم طلحة والزبير من المدينة فقالت لهما عائشة ما وراء كما قالا تحملنا هرابا من المدينة من غوغاء واعراب غلبوا على خيارهم فلم يمنعوا أنفسهم ولا يعرفون حقا ولا ينكرون باطلا فقالت انهضوا بنا إليهم وقال آخرون نأتى الشام فقال ابن عامر ان معاوية كفاكم الشام فأتوا البصرة فلى بها صنائع ولهم في طلحة هوى فنكروا عليه مجيئه من البصرة واستقام رأيهم على رأيه وقالوا ان الذين معنا لا يطيقون من بالمدينة ويحتجون ببيعة على وإذا أتينا البصرة انهضناهم كما أنهضنا أهل مكة وجاهدنا فاتفقوا ودعوا عبد الله بن عمر إلى النهوض فأبى وقال أنا من أهل المدينة أفعل ما يفعلون وكان أمهات المؤمنين معها على قصد المدينة فلما نهضت إلى البصرة قعدوا عنها وأجابتها حفصة فمنعها أخوها عبد الله وجهزهم ابن عامر بما معه من المال ويعلى بن منية بما معه من المال والظهر ونادوا في الناس بالحملان فحملوا على ستمائة بعير وساروا في ألف من أهل مكة ومن أهل المدينة وتلاحق بهم الناس فكانوا ثلاثة آلاف وبعثت أم الفضل أم عبد الله بن عباس بالخبر استأجرت على كتابها من أبلغه عليا ونهضت عائشة ومن معها وجاء مروان بن الحكم إلى طلحة(2/154)
والزبير فقال على أيكما أسلم بالامرة وأؤذن بالصلاة فقال ابن الزبير على أبى وقال ابن طلحة على أبى فأرسلت عائشة إلى مروان تقول له أتريد أن تفرق أمرنا ليصل بالناس ابن أختى تعنى عبد الله بن الزبير وودع أمهات المؤمنين عائشة من ذات عرق باكيات وأشار
سعيد بن العاصى على مروان بن الحكم وأصحابه بادراك ثارهم من عائشة وطلحة والزبير فقالوا نسير لعلنا نقتل قتلة عثمان جميعا ثم جاء إلى طلحة والزبير فقال لمن تجعلان الامر ان ظفرتما قالا لاحدنا الذى تختاره الناس فقال بل اجعلوه لولد عثمان لانكم خرجتم تطلبون بدمه فقالا وكيف ندع شيوخ المهاجرين ونجعلها لابنائهم قال فلا أرانى أسعى الا لاخراجها من بنى عبد مناف فرجع ورجع عبد الله بن خالد ابن أسيد ووافقه المغيرة بن شعبة ومن معه من ثقيف فرجعوا ومضى القوم ومعهم ابان والوليد ابنا عثمان وأركب يعلى بن منية عائشة جملا اسمه عسكر اشتراه بمائة دينار وقيل بثمانين وقيل بل كان لرجل من عرينة عرض لهم بالطريق على جمل فاستبدلوا به جمل عائشة على ان حمله بألف فزادوه أربعمائة درهم وسألوه عن دلالة الطريق فدلهم ومر بهم على الماء الحوأب فنبحتهم كلابه وسألوه عن الماء فعرفهم باسمه فقالت عائشة ردوني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول وعنده نساؤه ليت شعرى أيتكن تنبحها كلاب الحوأب ثم ضربت عضد بعيرها فأناخته وأقامت بها يوما وليلة إلى أن قيل النجاء النجاء قد أدرككم على فارتحلوا نحو البصرة فلما كانوا بفنائها لقيهم عمير بن عبد الله التميمي وأشار بأن يتقدم عبد الله بن عامر إليهم فأرسلته عائشة وكتبت معه إلى رجال من البصرة إلى الاحنف بن قيس وسمرة وأمثالهم وأقامت بالحفين تنتظر الجواب ولما بلغ ذلك أهل البصرة دعا عثمان ابن حنيف عمران بن حصين وكان رجلا عامة وأبا الاسود الدؤلى وكان رجلا خاصة وقال انطلقا إلى هذه المرأة فاعلما علمها وعلم من معها فجاآها بالحفين وقالا ان أميرنا بعثنا نسألك عن مسيرك فقالت ان الغوغاء ونزاع القبائل فعلوا ما فعلوا فخرجت في المسلمين أعلمهم بذلك وبالذي فيه الناس وراءنا وما ينبغى من اصلاح هذا الامر ثم قرأت لا خير في كثير من نجواهم الآية ثم عدلا عنها إلى طلحة فقالا ما أقدمك قال الطلب بدم عثمان فقالا ألم تبايع عليا قال بلى والسيف على رأسي وما أستقبل على البيعة ان هو
لم يخل بيننا وبين قتلة عثمان وقال لهما الزبير مثل ذلك ورجعا إلى عثمان بن حنيف فاسترجع وقال دارت رحى الاسلام ورب الكعبة ثم قال أشيروا على فقال عمران اعتزل قال بل أمنعهم حتى يأتي أمير المؤمنين فجاءه هشام بن عامر فأشار عليه بالمسالمة والمسامحة حتى يأتي أمر على فأبى ونادى في الناس فلبس السلاح ثم دس من يتكلم في(2/155)
الجمع ليرى ما عندهم فقال رجل ان هؤلاء القوم ان كانوا جاؤا خائفين فبلدهم يأمن فيه الطير وان جاؤا لدم عثمان فما نحن بقتلته فأطيعوني وردوهم من حيث جاؤا فقال الاسود بن سريع السعدى انما جاؤا يستعينون بنا على قتلته منا ومن غيرنا فحصبه الناس فعرف عثمان ان لهم بالبصرة ناصرا وكسره ذلك كله وانتهت عائشة ومن معها إلى المربد وخرج إليها عثمان فيمن معه وحضر أهل البصرة فتكلم طلحة من الميمنة فحمد الله وذكر عثمان وفضله ودعا إلى الطلب بدمه وحث عليه وكذلك الزبير فصدقهما أهل الميمنة وقال أصحاب عثمان من الميسرة بايعتم عليا ثم جئتم تقولون ثم تكلمت عائشة وقالت كان الناس يتجنون على عثمان ويأتوننا بالمدينة فنجدهم فجرة ونجده برا تقيا وهم يحاولون غير ما يظهرون ثم كثروا واقتحموا عليه داره وقتلوه واستحلوا المحرمات بلا ترة ولا عذر ألا وان مما ينبغى لكم ولا ينبغى غيره أخذ قتلة عثمان واقامة كتاب الله ثم قرأت ألم تر إلى الذين أتوا نصيبا من الكتاب يدعون إلى كتاب الله ليحكم بينهم الآية فاختلف أصحاب عثمان عليه ومال بعضهم إلى عائشة ثم افترق الناس وتحاصبوا وانحدرت عائشة إلى المربد وجاءها جارية بن قدامة السعدى فقال يا أم المؤمنين والله لقتل عثمان أهون من خروجك من بيتك على هذا الجمل الملعون عرضة للسلاح انه قد كان لك من الله ستر وحرمة فهتكت سترك وأبحت حرمتك وانه من رآى قتالك يرى قتلك فان كنت أتيتنا طائعة فارجعي إلى منزلك وان كنت مكرهة فاستعينى بالله وبالناس على الرجوع وأقبل حكيم بن جبلة وهو على الخيل فأنشب القتال وأشرع أصحاب عائشة
رماحهم فاقتتلوا على فم السكة وحجز الليل بينهم وباتوا يتأهبون وعاداهم حكيم بن جبلة فاعترضه رجل من عبد القيس فقتله حكيم ثم قتل امرأة أخرى واقتتلوا إلى أن زال النهار وكثر القتل في أصحاب عثمان بن حنيف ولما عضتهم الحرب تنادوا إلى الصلح وتوادعوا على أن يبعثوا إلى المدينة فان كان طلحة والزبير أكرها سلم لهم عثمان الامر والا رجعا عنه وسار كعب بن سور القاضى إلى أهل المدينة يسألهم عن ذلك فجاءهم يوم جمعة وسألهم فلم يجبه الا اسامة بن زيد فانه قال بايعا مكرهين فضربه الناس حتى كاد يقتل ثم خلصه صهيب وأبو أيوب ومحمد بن مسلمة إلى منزله ورجع كعب وبلغ الخبر بذلك إلى على فكتب إلى عثمان بن حنيف يعجزه ويقول والله ما أكرها على فرقة ولقد أكرها على جماعة وفضل فان كانا يريدان الخلع فلا عذر لهما وان كانا يريدان غير ذلك نظرنا ونظروا ولما جاء كعب بقول أهل المدبية بعث طلحة والزبير إلى عثمان ليجتمع بهما فامتنع واحتج بالكتاب وقال هذا غير ما كنا فيه فجمع طلحة والزبير الناس وجاآ إلى المسجد بعد صلاة العشاء في ليلة ظلماء شاتية وتقدم عبد الرحمن بن عتاب في الوحل فوضع السلاح في(2/156)
الجائية من الزط والسيابحة وهم أربعون رجلا فقاتلوهم وقتلوا عن آخرهم واقتحموا على عثمان فأخرجوه إلى طلحة والزبير وقد نتفوا شعر وجهه كله وبعثا على عائشة بالخبر فقالت خلوا سبيله وقيل أمرت باخراجه وضربه وكان الذى تولى اخراجه وضربه مجاشع بن مسعود وقيل ان الاتفاق انما وقع بينهم على أن يكتبوا إلى على فكتبوا إليه وأقام عثمان يصلى فاستقبلوه ووثبوا عليه فظفروا به وأرادوا قتله ثم استبقوه من أجل الانصار وضربوه وحبسوه ثم خطب طلحة والزبير وقالا يا أهل البصرة توبه بحوبه انما أردنا أن نستعتب عثمان فغلب السفهاء ففتلوه فقالوا لطلحة قد كانت كتبك تأتينا بغير هذا قال الزبير اما أنا فلم أكاتبكم وأخذ يرمى عليا بقتل عثمان فقال رجل من عبد القيس يا معشر المهاجرين أنتم أول من أجاب داعى الاسلام وكان لكم بذلك
الفضل ثم استخلفتم مرارا ولم تشاورونا وقتلتم كذلك ثم بايعتم عليا وجئتم تستعدوننا عليه فماذا الذى نقمتم عليه فهموا بقتله ومنعته عشيرته ثم وثبوا من الغد على قتل عثمان ومن معه فقتلوا منهم سبعين وبلغ حكيم بن جبلة ما فعل بعثمان بن حنيف فجاء لنصره في جماعة من عبد القيس فوجد عبد الله بن الزبير فقال له ما شأنك قال تخلوا عن عثمان وتقيمون على ما كنتم حتى يقدم على ولقد استحللتم الدم الحرام تزعمون الطلب بثار عثمان وهم لم يقتلوه ثم ناجزهم الحرب في ربيع الآخر سنة ست وثلاثين وأقام حكيم أربعة قواد فكان هو بحيال طلحة وذريح بحيال الزبير وابن المحرش بحيال عبد الرحمن بن عتاب وحرقوص بن زهير بحيال عبد الرحمن بن الحرث بن هشام وتزاحفوا واستحر القتل فيهم حتى قتل كثير منهم وقتل حكيم وذريح وأفلت حرقوص في فل من أصحابه إلى قومهم بنى سعد وتتبعوهم بالقتل وطالبوا بنى سعد بحرقوص وكانوا عثمانية فاعتزلوا وغضبت عبد القيس كلهم والكثير من بكر بن وائل وأمر طلحة والزبير بالعطاء في أهل الطاعة لهما وقصدت عبد القيس وبكر بيت المال فقاتلوهم ومنعوهم وكتبت عائشة إلى أهل الكوفة بالخبر وأمرتهم أن يثبطوا الناس عن على وأن يقدموا بدم عثمان وكتبت بمثل ذلك إلى اليمامة والمدينة (ولنرجع إلى خبر على) وقد كان لما بلغه خبر طلحة والزبير وعائشة ومسيرهم إلى البصرة دعا أهل المدينة للنصرة وخطبهم فتثاقلوا أولا وأجابه زياد بن حنظلة وأبو الهيثم وخزيمة بن ثابت وليس بذى الشهادتين وأبو قتادة في آخرين وبعثت أم سلمة معه ابن عمها وخرج يسابق طلحة والزبير إلى البصرة ليردهما واستخلف على المدينة تمام بن عباس وقيل سهل بن حنيف وعلى مكة قثم بن عباس وسار في ربيع الآخر سنة ست وثلاثين وسار معه من نشط من الكوفيين والمصريين متخففين في تسعمائة ولقيه(2/157)
عبد الله بن سلام فأخذ بعنانه وقال يا أمير المؤمنين لا تخرج منها فو الله ان خرجت منها
لا يعود إليها سلطان المسلمين أبدا فبدر الناس إليه فقال دعوه فنعم الرجل من أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم وسار فانتهى إلى الربذة وجاء خبر سبقهم إلى البصرة فأقام يأتمر ما يفعل ولحقه ابنه الحسن وعذله في خروجه وما كان من عصيانه اياه فقال ما الذى عصيتك فيه حين أمرتنى قال أمرتك أن تخرج عند حصار عثمان من المدينة ولا تحضر لقتله ثم عند قتله ألا تبايع حتى تأتيك وفود العرب وبيعة الامصار ثم عند خروج هؤلاء أن تجلس في بيتك حتى يصطلحوا فقال أما الخروج من المدينة فلم يكن إليه سبيل وقد كان أحيط بنا كما أحيط بعثمان وأما البيعة فخفنا ضياع الامر والحل والعقد لاهل المدينة لا للعرب ولا للامصار ولقد مات رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا أحق بالامر بعده فبايع الناس غيرى واتبعتهم في أبى بكر وعمر وعثمان فقتلوه وبايعوني طائعين غير مكرهين فأنا أقاتل من خالف بمن أطاع إلى أن يحكم الله وهو خير الحاكمين وأما القعود عن طلحة والزبير فإذا لم أنظر فيما يلزمنى من هذا الامر فمن ينظر فيه ثم أرسل إلى الكوفة محمد ابن أبى بكر ومحمد بن جعفر يستنفران الناس وأقام بالربذة يحرض وأرسل إلى المدينة في أداته وسلاحه وقال له بعض أصحابه عرفنا بقصدك من القوم قال الاصلاح ان قبلوه والا ننظرهم وان بادرونا امتنعنا ثم جاءه جماعة من طيئ نافرين معه فقبلهم وأثنى عليهم ثم سار من الربذة وعلى مقدمته أبو ليلى بن عمرو بن الجراح ولما انتهى إلى فيد أتته أسد وطيئ وعرضوا عليه النفير معه فقال الزموا قراركم ففى المهاجرين كفاية ولقيه هنا لك رجل من أهل الكوفة من بنى شيبان فسأله عن أبى موسى فقال ان أردت الصلح فهو صاحبه وان أردت القتال فليس بصاحبه فقال والله ما أريد الا الصلح حتى يرد علينا ثم انتهى إلى الثعلبية والاساد فبلغه ما لقى عثمان بن حنيف وحكيم بن جبلة ثم جاءه بذى قار عثمان بن حنيف وأراه ما بوجهه فقال أصبت أجرا وخيرا ان الناس وليهم قبلى رجلان فعملا بالكتاب ثم ثالث فقالوا وفعلوا ثم بايعوني ومنهم طلحة والزبير ثم نكثا وألبا على ومن العجب انقيادهما لابي بكر وعمر وعثمان وخلافهما على والله انهما ليعلمان
انى لست دونهم ثم أخذ في الدعاء عليهما وابن وائل هنا لك يعرضون عليه النفير فأجابهم مثل طيئ واسد وبلغه خروج عبد القيس على طلحة والزبير فأثنى عليهم وأما محمد بن أبى بكر ومحمد بن جعفر فبلغا إلى الكوفة ودفعا إلى أبى موسى كتاب على وقاما في الناس بأمره فلم يجبهما أحد وشاوروا أبا موسى في الخروج إلى على فقال الخروج سبيل الدنيا والقعود سبيل الآخرة فقعدوا كلهم وغضب محمد ومحمد وأغلظا لابي موسى فقال لهما والله ان بيعة عثمان لفى عنقي وعنق على وان كان لا بد من القتال فحتى نفرغ من قتلة عثمان حيث(2/158)
كانوا فرجعا إلى على بالخبر وهو بذى قار فرجع على باللائمة على الاشتر وقال أنت صاحبنا في أبى موسى فاذهب انت وابن العباس وأصلح ما أفسدت فقدما على أبى موسى وكلما أستعانا عليه بالناس لم يجب إلى شئ ولم ير الا القعود حتى تنجلي الفتنة ويلتئم الناس فرجع ابن عباس والاشتر إلى على فأرسل على ابنه الحسن وعمار بن ياسر وقال لعمار انطلق فأصلح ما أفسدت فانطلقا حتى دخلا المسجد وخرج أبو موسى فلقى الحسن ابن على فضمه إليه وقال لعمار يا أبا اليقطان أعدوت على أمير المؤمنين فيمن عدا وأحللت نفسك مع الفجار فقال لم أفعل فأقبل الحسن على أبى موسى فقال لم تثبط الناس عنا وما أردنا الا الاصلاح ومثل أمير المؤمنين لا يخاف على شئ قال صدقت بأبى أنت وأمى سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ستكون فتنة القاعد فيها خير من القائم والقائم خير من الماشي والماشي خير من الراكب والمسلمون اخوان ودماؤهم وأموالهم حرام فغضب عمار وسبه فسبه آخر وتثاور الناس ثم كفهم أبو موسى وجاء زيد بن صوحان بكتاب عائشة إليه وكتابها إلى أهل الكوفة فقرأهما على الناس في سبيل الانكار عليها فسبه شبث بن ربعى (3) وتهاوى الناس وأبو موسى يكفهم ويأمرهم بلزوم البيوت حتى تنجلي الفتنة ويقول أطيعوني وخلوا قريشا إذ أبوا الا الخروج من دار الهجرة وفراق أهل العلم حتى ينجلى الامر وناداه زيد بن صوحان باجابة على والقيام
بنصرته وتابعه القعقاع بن عمرو فقام بعده فقال لا سبيل إلى الفوضى وهذا أمير المؤمنين ملئ بما ولى وقد دعاكم فانفروا وقال عبد خير مثل ذلك وزاد يا أبا موسى هل تعلم ان طلحة والزبير بايعا قال نعم قال فهل أحدث على ما ينقض البيعة قال لا أدرى قال لا دريت ونحن نتركك حتى تدرى ثم قال سيحان بن صوحان مثل ما قال القعقاع وحرض على طاعة على وقال فانه دعاكم تنظرون ما بينه وبين صاحبيه وهو المأمون على الامة الفقيه في الدين فقال عمار هو دعاكم إلى ذلك لتنظروا في الحق وتقاتلوا معه عليه وقال الحسن أجيبوا دعوتنا وأعينونا على ما ابتلينا به وابتليتم وان أمير المؤمنين يقول ان كنت مظلوما أطيعوني أو ظالما فخذوا منى بالحق والله ان طلحة والزبير أول من بايعني وأول من غدر فأجاب الناس وحرض عدى بن حاتم قومه وحجر بن عدى كذلك فنفر مع الحسن من الكوفة تسعة آلاف سارت منها ستة في البر وباقيهم في الماء وأرسل على بعد مسير الحسن وعمار الاشتر إلى الكوفة فدخلها والناس في المسجد وأبو موسى والحسن وعمار في منازعة معه ومع الناس فجعل الاشتر يمر بالقبائل ويدعوهم إلى القصر حتى انتهى إليه في جماعة الناس فدخله وأبو موسى بالمسجد يخطبهم ويثبطهم والحسن يقول له اعتزل عملنا واترك منبرنا فدخل الاشتر إلى القصر وأمر باخراج غلمان أبى(2/159)