بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد القديم الاول. الأزلى الذى لا يتحول. ولا تغيره الدهور والأعصار. ولا ينفيه حدثان الليل والنهار. هو الذى أنشأ الوجود من العدم. وقدر ما كان قبل أن يكون فى اللوح والقلم. وخلق آدم وجعل من نسله العرب والعجم. واصطفى منهم نبينا محمدا وكمل به ديوان الأنبياء وختم. ونسخ بشريعته جميع الشرائع. وأوجب طاعته على الخلائق من عاص وطائع. وجعل دول الاسلام مؤيدة بالخلفاء الراشدين. فهم ظل الله تعالى فى أرضه لكل طائع انتظم فى سلك المهتدين. أحمده حمدا يقتضى المزيد من النعم. وأشهد أن لا اله الا الله ولا نعبد الا إياه والفضل والكرم. وصلى الله على سيدنا محمد عبده ورسوله الذى كان نبيا وآدم بين الماء والطين. وعلى آله وأصحابه الطيبين الطاهرين. وسلم تسليما الى يوم الدين وبعد فقد ألفت هذا التاريخ والسير. فاخترت أحسن الأخبار من نفائس الدرر. ليكون نزهة لذوى العقول فللمستخبر أن يسمع وللمؤلف أن يقول. فان فيه من الفوائد الغرائب. ومن المنقول العجائب. وقد أوردت فى هذا الكتاب من الوقائع الحميدة. واختصرت من الأشياء المسائل المفيدة. وابتدأت فيه بذكر السموات والأرضين وما كان قبل وجود الوجود. واظهار العالم الموجود من مبدأ خلق آدم عليه السلام. وما جاء من نسله من الأنبياء الكرام. الى نبينا محمد عليه وعليهم أفضل الصلاة والسلام. وسميته {بدائع الزهور فى وقائع الدهور} والمستعان الله تعالى فى المبدأ والختام. ومن هنا نشرع فى الكلام قال أبوزيد البلحى مخارج العلوم أربعة علم رافع وعلم ساطع وعلم نافع وعلم واضع. فأما الرافع فهو العلم الشريف من الأحاديث والفقه. وأما العلم الساطع فهو علم الأدبيات والأخبار الرقيقة. وأما العلم النافع فهو علم الطب ومعرفة الحساب. وأما العلم الواضع فهو علم الكهنة من السحر وما أشبهه فأخيره ما ينتفع به دنيا وأخرى كما قيل
ما حوى العلم جميعا أحد ... لاولو مارسه ألف سنه
انما العلم كبحر زاخر ... فاتخذ من كل شئ أحسنه
ذكر ما كان فى بدء المخلوقات(1/1)
روى الامام أحمد فى مسنده عن عامر العقيلى رضى الله عنه أنه قال قلت يارسول الله أين كان ربنا قبل أن يخلق السموات والأرض قال كان فى غمام فوقه هواء وتحته هواء ثم خلق عرشه على الماء. قال بعض العلماء الغمام هو السحاب. واختلف العلماء فيما خلقه الله قبل العرش روى الترمذى عن عبادة بن الصامت رضى الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ان أول شئ خلقه الله تعالى القلم من نور وقيل من لؤلؤة بيضاء طوله ما بين السماء والارض ثم خلق اللوح بعده وهو من درة بيضاء صفائحها من الياقوت الأحمر وطوله ما بين السماء والارض وعرضه من المشرق الى المغرب وعن أنس بن مالك رضى الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ان لله لوحا أحد وجهيه من ياقوتة حمراء والوجه الآخر من زمردة خضراء وأقلامه من نور. قال ابن عباس رضى الله عنهما خلق الله تعالى القلم قبل أن يخلق الخلق وهو على العرش ثم نظر اليه نظر الهيبة فانشق وقطر المداد. وقال ابن عباس ان القلم مشقوق ينبع منه المداد الى يوم القيامه. ثم قال الله للقلم اكتب فقال القلم يارب وما أكتب قال اكتب علمى فى خلقى بما هو كائن الى يوم القيامة وأخرج سعيد بن منصور ان أول ما كتب القلم أنا التواب أتوب على من تاب {وأخرج} ابن أبى حاتم ان أول ما كتب القلم إن رحمتى سبقت غضبى والأقوال فى ذلك كثيرة والأصح ما قاله ابن عباس رضى الله عنهما أن القلم جرى فى تلك الساعة بما هو كائن الى يوم القيامة وما قدر من خير وشر وسعادة وشقاوة وهو قوله تعالى (وكل شئ أحصيناهُ فى إمام مبين) أى فى اللوح المحفوظ وقال عمرو بن العاص سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول كتب الله تعالى مقادير الخلائق قبل أن يخلق السموات والأرض بخمسين ألف عام. وهذا الحديث يدل على تقديم القلم على العرش وأنه أول المخلوقات ثم خلق اللوح بعده {قال} ابن عباس رضى الله عنهما ان الله تعالى لوحا من درة بيضاء ينظر فيه كل يوم وليلة ثلثمائة وستين نظرة ففى كل نظرة يخلق ويرزق ويميت ويحي ويعزل ويولى ويفعل ما يشاء(ألا له الخلق والأمر تبارك الله رب العالمين) وهو قوله تعالى (وما تحمل من أنثى ولا تضع الا بعلمه وما يعمر من معمر ولا ينقص من عمره الا فى كتاب ان ذلك على الله يسير) ذكر خلق العرش أخرج ابن أبى حاتم فى تفسيره ان الله تعالى خلق العرش من نوره والكرسى ملتصق بالعرش وحول العرش أربعة أنهار نهر من نور يتلألأ ونهر من نار تلظى ونهر من ثلج أبيض ونهر من ماء والملائكة قيام فى تلك الأنهار يسبحون وعن ابن أبى حاتم قال خلق الله العرش من زمردة خضراء وخلق له أربع قوائم من ياقوتة حمراء ما بين القائمة الى القائمة مسيرة ثمانين ألف عام واتساعها مثل ذلك وهو كهيئة السرير والقوائم تحملها ثمانية من الملائكة وهو كالقبة على الملائكة والعالم. وعن أبى حاتم عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال ان العرش كان على الماء فلما خلق الله السموات جعله فوق السموات السبع وجعل السحاب كالغربال للمطر ولولا ذلك لغرقت الأرض. ويقال ارتفاع السحاب عن الارض اثنا عشر ميلا قال عكرمه ان الله تعالى ينزل المطر من السماء القطرة كالبعير ولولا أن السحاب والرياح تفرقها لفسد كل ما تقع عليه من النبات والبهائم وقد قال الله تعالى(وهو الذى يرسل الرياح بشرا) الآية ذكر أخبار المطر قال ابن عباس رضى الله عنهما ان الله تعالى وكل بالمطر ملائكة فلا تنزل قطرة الا ومعها ملك يضعها حيث شاء الله تعالى اما فى البر واما فى البحر فاذا كان على الارض أنبت الله به الزرع والاعشاب وهو قوله تعالى (وهو الذى أنزل من السماء ماء فأخرجنا به نبات كل شئ) وان كان فى البحر يخلق الله تعالى منه اللؤلؤ الصغار والكبار قال ارسطاطا ليس ان المطر يقع فى البحر المحيط بالدنيا وذلك وقت هبوب الريح الشمالى فاذا هاج البحر بالأمواج نزل من السماء مطر عظيم فيصعد من ذلك البحر صدف على وجه الماء ويفتح فاه ويلتقم القطرة من المطر كما يلتقم الفرج النطفة فلا يزال الصدف يعمد الى مواضع فى البحر لينعقد المطر فيصير درا فاذا انعقد تغوص الصدفة الى قعر البحر ويجمعونها فى أوعية موضوعة فى صدورهم فيعمد اليها الغواصون واذا تركت الدرة فى الصدفة وطال مكثها فى البحر فسدت وتغير لونها كاثمرة اذا تركت على الشجرة ولم تقطف فى(1/2)
أوانها وحكى أن أعرابيا قدم الى البصرة ومعه درة نفيسة فأتى بها الى عطار هناك وسأله أن يشتريها منه فاشتراها منه بأبخس الأثمان ثم ان العطار سأل الأعرابى من أين وصلت اليك هذه الدرة فقال مررت يوما من الأيام بساحل البحر من أرض الصين فرأيت ثعلبا ميتا وعلى فمه صدفة فى جوفها بياض يلمع ووجدت هذه الخرزة الى جانبه فأخذتها ومضيت والذى يظهر لى من هذه الواقعة أن صدف البحر الذى فيه اللؤلؤ يخرج من الماء لينتشق الهواء كما هى عادة الصدف. فلما مر ذلك الثعلب بساحل البحر رأى لحمة حمراء فى جوف الصدفة وهى فاتحة فاها فوثب عليها الثعلب ليقتلها فأدخل فاه فى الصدفة فانطبقت عليه ومن شأنها اذا انطبقت على شئ لا تنفتح أبدا حتى تنشق بالحديد فلما انطبقت على فم الثعلب أخذها فصار يضر بها فى الأرض يمينا وشمالا الى أن مات فخرجت هذه الدرة من جوف الصدفة فمر بها ذلك الأعرابى فأخذها ولم يعلم قيمتها فكانت من رزق ذلك العطار فباعها بألف دينار وكانت قدر بيضة الحمامة وقال ابن عباس رضى الله عنهما ان ماء المطر من بحر بين السماء والارض وهو كثير المياه وفيه السمك والضفادع وقد نزل فى بعض السنين فى أماكن من الأرض مع المطر ضفادع وسمك صغار. ومصداق ذلك ما حكى أن ملكا من الملوك أطلق بازياله فى الفضاء خلف طائر فصعد البازى الى أعلى الجو فغاب عن الأعين ثم رجع وفى رجله سمكة فلما رآها الملك أراد أن يأكلها فأحضر الحكماء واستشارهم فى أكل تلك السمكة فأشاروا عليه فى أكلها فقام من بين الحاضرين شاب صغير وكان له اشتغال بالعلم فى وسط المجلس وقال أيها الملك ان لحم هذه السمكة مسموم ولا يجوز أكله فقال له الملك ومن أين لك هذا العلم قال ان الله تعالى خلق بحرا بين السماء والأرض وقد ورد فيه من الاخبار بأن به أسماكا مسمومة وأنت لما أطلقت البزاة خلف الطائر وفاته اختطفت هذه السمكة من ذلك البحر وان هذا البحر لا يصل اليه الا البازات الشهب فان أراد الملك صدق قولى فليحضر شخصا وجب عليه القتل وليطعمها له فينظر صدق قولى فأتى الملك بشخص وجب عليه القتل فأطعمها له فلما أكلها اضطرب ومات فى الحال فلما رأى الملك ذلك أنعم على الشاب بألف دينار وصار لا يتصرف فى شئ من الأمور الا برأى ذلك الشاب .ها وحكى أن أعرابيا قدم الى البصرة ومعه درة نفيسة فأتى بها الى عطار هناك وسأله أن يشتريها منه فاشتراها منه بأبخس الأثمان ثم ان العطار سأل الأعرابى من أين وصلت اليك هذه الدرة فقال مررت يوما من الأيام بساحل البحر من أرض الصين فرأيت ثعلبا ميتا وعلى فمه صدفة فى جوفها بياض يلمع ووجدت هذه الخرزة الى جانبه فأخذتها ومضيت والذى يظهر لى من هذه الواقعة أن صدف البحر الذى فيه اللؤلؤ يخرج من الماء لينتشق الهواء كما هى عادة الصدف. فلما مر ذلك الثعلب بساحل البحر رأى لحمة حمراء فى جوف الصدفة وهى فاتحة فاها فوثب عليها الثعلب ليقتلها فأدخل فاه فى الصدفة فانطبقت عليه ومن شأنها اذا انطبقت على شئ لا تنفتح أبدا حتى تنشق بالحديد فلما انطبقت على فم الثعلب أخذها فصار يضر بها فى الأرض يمينا وشمالا الى أن مات فخرجت هذه الدرة من جوف الصدفة فمر بها ذلك الأعرابى فأخذها ولم يعلم قيمتها فكانت من رزق ذلك العطار فباعها بألف دينار وكانت قدر بيضة الحمامة وقال ابن عباس رضى الله عنهما ان ماء المطر من بحر بين السماء والارض وهو كثير المياه وفيه السمك والضفادع وقد نزل فى بعض السنين فى أماكن من الأرض مع المطر ضفادع وسمك صغار. ومصداق ذلك ما حكى أن ملكا من الملوك أطلق بازياله فى الفضاء خلف طائر فصعد البازى الى أعلى الجو فغاب عن الأعين ثم رجع وفى رجله سمكة فلما رآها الملك أراد أن يأكلها فأحضر الحكماء واستشارهم فى أكل تلك السمكة فأشاروا عليه فى أكلها فقام من بين الحاضرين شاب صغير وكان له اشتغال بالعلم فى وسط المجلس وقال أيها الملك ان لحم هذه السمكة مسموم ولا يجوز أكله فقال له الملك ومن أين لك هذا العلم قال ان الله تعالى خلق بحرا بين السماء والأرض وقد ورد فيه من الاخبار بأن به أسماكا مسمومة وأنت لما أطلقت البزاة خلف الطائر وفاته اختطفت هذه السمكة من ذلك البحر وان هذا البحر لا يصل اليه الا البازات الشهب فان أراد الملك صدق قولى فليحضر شخصا وجب عليه القتل وليطعمها له فينظر صدق قولى فأتى(1/3)
الملك بشخص وجب عليه القتل فأطعمها له فلما أكلها اضطرب ومات فى الحال فلما رأى الملك ذلك أنعم على الشاب بألف دينار وصار لا يتصرف فى شئ من الأمور الا برأى ذلك الشاب .ملك بشخص وجب عليه القتل فأطعمها له فلما أكلها اضطرب ومات فى الحال فلما رأى الملك ذلك أنعم على الشاب بألف دينار وصار لا يتصرف فى شئ من الأمور الا برأى ذلك الشاب .
ذكر أخبار الثلج والرد
قال عباس رضى الله عنهما ان الله تعالى خلق فى السماء جبالا من ثلج وبرد كما أن فى الأرض جبالا من حجر وهو قوله تعالى (وينزل من السماء من جبال فيها من برد) الآية وفى بعض الاخبار ان الله تعالى خلق ملائكة نصف أبدانهم من ثلج ونصفها من نار فاذا أراد أن ينزل الثلج على مكان أمر تلك الملائكة أن ترفرف بأجنحتها على الثلج فما يسقط الى الأرض ثلج الا برفرفة أجنحة الملائكة قال ابن الجوزى فى بعض مصنفاته ان فى القرن الخامس من الهجرة وقع من السماء بردة وهى قطعة عظيمة فى بعض جهات الغرب فاهتزت لها الأرض وقتلت ما لا يحصى عددهم من البهائم والناس وكان أمرا مهولا .
ذكر أخبار ما بين السماء والأرض
قال كعب الاحبار رضى الله عنه ان بين السماء والأرض سحابا لطيفا وفوقه طيور بيض رؤوسها كرؤوس الخيل ولها ذوائب النساء ولها أجنحة طوال وليس لها فى السماء ملجأ ولا فى الأرض مأوى وانها تبيض وتفرج على السحاب فى الهواء وتقر على السحاب كما تقر الطيور على الماء. ويقرب من ذلك أن الطير المسمى بالحجل يعشش فى الهواء وانه يلقح فى الهواء كما تلقح النخلة من النخيل وانه يأتى الى أعشاش الطير فيأخذ من بيضها ويحضنه فاذا تحرك الفرخ فى البيضة وصار له قوة على الطيران طار حتى يلحق بأمه التى باضته فى الاصل ولا يقيم فى الهواء ويقال ان العقاب لا يسافد أنثاه وان الذى يسافدها من غير جنسه من الطيور نقل ذلك صاحل السكران. قيل ان الحجل يكون فى أسافل الريح والطير المسمى باليعسوب يكون فى أعالى الريح فيلقح منه وقيل فى المعنى
ما أنت الا كالعقاب فأمه ... معلومة وله أب مجهول
ومن العجائب أن فى بلاد الهند مدينة تسمى دكين وبها جبل يرى كله فى نار من غير موقد ويقال ان بذلك الجبل طائرا يسمى السمندل وهو على قدر الرخمة وأنه يعشش فى ذلك الجبل الذى ترى فيه النار ويفرخ فيه ولا يحترق من تلك النار ويقال ان ريشه يعمل منه مناشف فاذا اتسخت ترمى فى النار فتنقى من وسخها ولا تحترق ويعمل من ريشه فتائل للسراج فاذا فرغ الزيت تنطفئ منه الفتيلة ولا تأكلها النار ولو أقامت الى الابد ويقال ان دهن هذا الطير اذا طلى به الانسان بدنه ودخل النار لا تضره فاذا أراد الانسان ابطال عمل ذلك الدهن يطلى فوقه بالخل فانه يفسد الدهن. ومن العجائب أن طائرا يسمى السمرمر وهو قدر الزرزور ومن شأنه أنه يهلك الجراد قبل أن يأوى الى عين ماء فى أقصى بلاد العجم فاذا نزل فى بلادهم الجراد أرسلوا فارسين الى تلك العين فيحضران لهم من ماء تلك العين فيعلقونه بين السماء والأرض فاذا أتى الماء الى الأرض التى فيها الجراد يتبعه الطائر المعروف بالسمرمر فيقتل الجراد ويفنيه عن آخره ويقال ما دام ذلك الماء فى الأرض لا يدخل اليها الجراد. ومن شأن هذا الماء أنه اذا كان فى اناء ووضع على الأرض بطل السر الذى به وأما قولهم فى ارسال فارسين الى تلك العين التى يأوى اليها السمرمر فارسال الفارسين خشية أن يموت أحدهما فيحضر الماء الآخر ويقال ان عين الماء هى التى تسمى السمرمر واليها ينسب ذلك الطير. ومما يؤيد هذا الخبران فى سنة اثنتين وخمسين وثمانمائة أحضر بعض الاعاجم الى الملك الظاهر جقمق. ققم نحاس مختوما وزعم أن فيه ماء السمرمر فأنعم عليه السلطان بألف دينار فى مقابلة تعبه فعلق الملك الظاهر ذلك القمقم فى سقف الكبير والسمرمر معلق به مدة طويلة فمن يومئذ امتنع الجراد عن مصر. وفى بعض الأخبار ما رواه ابن عباس رضى الله عنهما أن بين السماء والأرض بحرا من نار وليس لها دخان فيقال ان الجان خلقوا من ذلك البحر ومن الفوائد اللطيفة ما نقله الشعبى فى كتاب العرائس أن الهدهد يرى الماء تحت الأرض كما يرى أحدكم إناه وروى أن اسم الغراب أعور وانما سمى بذلك لأنه يغمض إحدى عينيه من قوة بصره ويقتصر على الأخرى وقد قيل فى المعنى(1/4)
وقد ظلموه حين سموه سيدا ... كما ظلم الناس الغراب بأعورا
ذكر أخبار الرياح
قال ابن عباس رضى الله عنهما خلق الله تعالى أربع رياح وهى الجنوب والشمال والصبا والدبور ويقال ان الرياح ثمانية أربعة منها فى الجهات الأربع وأربعة منه تسمى بالنكباء لميلها عن الجهات الأربع فريح الجنوب تجمع السحاب وقيل منها خلق الله الخيل وقيل أنها سيدة الرياح وأما ريح الشمال فانها من جهة الشمال وهبوبها من ناحية القطب وهى باردة يابسة ويقال لها ريح الجنوب وأما ريح الصبا وتسمى أيضا ريح القبول وهى من ناحية الشرق واذا هبت على الأبدان العليلة أنعشتها وتنفس عن المكروب كربته ويكون هبوبها عند السحر وأما ريح الدبور وتسمى أيضا العاصف والصرصر والعقيم وهى التى تهدم البناء وتقلع الأشجار قال أهل اللغة الريح العقيم لا ماء معها وسميت عقيما لأنها لا تلقح ولا تنتج كالمرأة التى لا تلد فانها تسمى عقيما. وفى الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال نصرت بالصبا وأهلكت عاد بالدبور. وقد جعل الله تعالى قران الدبور بالريح العقيم وقران الجنوب بالريح الشمال وجعل ريح الشمال والصبا متعاقبتين وجعل لكل ريح من هؤلاء أوقاتا معلومة لا تتجاوزها فاذا أراد الله تعالى أن يعذب قوما بالريح أفرد الريح العقيم من الدبور وسلطها على من يشاء من عباده .
ذكر مبدء خلق الأرض(1/5)
قال الله تعالى (هو الذى خلق السموات والأرض فى ستة أيام ثم استوى على العرش) قوله تعالى فى ستة أيام اختلف جماعة من العلماء فى مقدار هذه الأيام هل هى من أيام الدنيا أم من أيام الآخرة قال ابن عباس رضى الله عنهما ومجاهد والضحاك وآخرون من العلماء هى من أيام الدنيا وقال كعب الاحبار وابن جرير انها من أيام الآخرة التى كل يوم منها مقدار ألف سنة مما تعدون والأصح ما قاله ابن عباس والضحاك قال ابن عباس لما أراد الله تعالى أن يخلق الأرض أمر الرياح جميعا أن تثور فثارت حتى هيجت المياه وأثارت الأمواج فصار يضرب بعضها ببعض فلم تزل الرياح تضرب بالماء حتى أزبد وتراكم الزبد فصار منه حشفة بيضاء فصارت ربوة كهيئة التل العظيم فجعل الماء يقل والزبد ينمو بقدرة الله تعالى حتى بلغ ما بلغ وأحدق الماء من حوله فصارت الأرض كالكرة الباركة فى الماء قال وهب بن منبه لما خلق الله تعالى الأرض كانت طبقة واحدة ففتقها فسيرها سبعا كما فعل بالسماء وجعل بين الطبقة والطبقة مسيرة خمسمائة عام وهو قوله تعالى (ففتقناهما وجعلنا من الماء كا شئ حى) قال وهب بن منبه لما فتق الله تعالى الأرض وجعلها سبعا كان اسم الطبقة الأولى أديما والثانية بسيطا والثالثة ثقيلا والرابعة بطيحا والخامسة حينا والسادسة ماسكة والسابعة الثرى وفى بعض الروايات تختلف أسماؤها. قال الثعلبى ان الأرض الثانية تخرج منها الريح وسكانها أمم يقال لهم الطمس وطعامهم من لحومهم وشرابهم من دمائهم والطبقة الثالثة سكانها أمم وجوههم كوجوه بنى آدم وأفواههم كأفواه الكلاب وأيديهم كأيدى بنى آدم وأرجلهم كأرجل البقر وآذانهم كآذان البقر وعلى أبدانهم شعر كصوف الغنم وهو لهم ثياب ويقال أن ليلنا نهارهم ونهارهم ليلنا والطبقة الرابعة سكانها أمم يقال لهم الحلهام وليس لهم أعين ولا أقدام بل لهم أجنحة مثل أجنحة القطا والطبقة الخامسة بها أمم يقال لهم الخشن وهم كأمثال البغال ولهم أذناب كا ذنب نحو ثلثمائة ذراع وفى هذه الأرض حيات كأمثال النخل الطوال ولهم أنياب مثل الجمال والطبقة السادسة بها أمم يقال لهم الحثوم وهم سود الابدان ولهم مخالب كمخالب السباع ويقال ان الله تعالى يسلطهم على يأجوج ومأجوج حين يخرجون على الناس فتهلكهم والطبقة السابعة فيها مسكن ابليس اللعين وجنوده من المردة الشياطين وقال بعض علماء الهيئة إن الأرض مبسوطة وقال آخرون انها كالكرة وهى واقفة فى الأفلاك والأفلاك دائرة عليها من جميع جهاتها كالصفار من البيضة وهى موضوعة فى جوف الفلك وبعدها فى الفلك من جميع الجوانب على التساوى وسبب وقوفها فى الوسط سرعة دوران الفلك ودفعه اياها من كل جهة الى الوسط كما لو وضعت ترابا فى قارورة وأدرتها بقوة فان التراب يقوم فى الوسط وأما من قال ان الأرض مبسوطة فقال ان البحر المحيط الذى هو أربعة وعشرون ألف فرسخ محيط بها كما يحيط الخاتم بالأصبع. قال ابن عباس رضى الله تعالى عنهما ان حول الدنيا ظلمة ثم وراء تلك الظلمة جبل قاف ويروى أن الله تعالى لما خلق الأرض صارت واقفة فى الهواء فحركها الريح فاضربت وماجت فشكت ذلك الى ربها وقالت يارب قد ضعفت قوتى واستخفنى الريح وحركنى فأوحى الله تعالى اليها انى مؤيدك بالأطواد وهى الجبال فاستقرت بعد ذلك الاضطراب. وقال وهب بن منبه ان الجبال خلقت من أمواج البحر قال الله تعالى (والأرض بعد ذلك دحاها أخرجَ منها ماءها ومرعاها والجبالَ أرساها) الآية وهذا يدل على أن الله تعالى خلق السموات قبل الأرض بمدة طويلة قال الثعلبى لما خلق الله تعالى الأرض بعث اليها ملكا من تحت العرش فدخل من تحت الأرضين السبع وأخرج احدى يديه من المشرق والأخرى من المغرب وقبض على أطراف الأرض فلم يكن لقدميه قرار فأهبط الله تعالى ثورا من الجنة اسمه نون له أربعون ألف قرن وأربعون ألف قائمة من القرن الى القرن خمسمائة عام فاستقر قدم ذلك الملك على ذلك الثور فلم يكن لأقدام ذلك الثور قرار فأنزل الله تعالى ياقوتة خضراء من يواقيت الجنة غلظها خمسمائة عام فاستقرت قوائم الثور على تلك الياقوتة الخضراء ثم خلق الله تعالى صخرة كغلظ السماء والأرض وهى الصخرة التى قال لقمان لابنه (انها ان تك مثفال حبة من خردل فتكن فى صخرة) الآية واسم الصخرة صيخور وروى أن فى هذه الصخرة تسعة آلاف ثقب فى كل ثقب منها(1/6)
بحرحر لا يعلم عظمه الا الله فاستقرت تلك الياقوتة الخضراء عليها ولما لم يكن للصخرة قرار أهبط الله تعالى اليهالا يعلم عظمه الا الله فاستقرت تلك الياقوتة الخضراء عليها ولما لم يكن للصخرة قرار أهبط الله تعالى اليها حوتاعظيما من البحر السابع الذى تحت العرش ويقال اسم الحوت بهموت وقيل بلهوت فاستقرت تلك الصخرة على ظهر الحوت وقيل لا يقدر أحد أن ينظر الى ذلك الحوت من بريق عينيه ولو وضعت بحار الدنيا كلها فى احدى منخريه لكانت كالخردلة فى أرض فلاة فاستقر الحوت على الماء وصار واقفا مكانه لا يتحرك فقال اللهم لك الحمد بك قويت وبحولك استطعت ولولا ذلك لما كان لى قوة على حمل ما استحملتنى اياه فائذن لى يارب بالسجود شكرا لك على ذلك فأذن الله تعالى له بأن يسجد فأدخل رأسه فى الماء حتى غاب ثم أخرجه من الماء فهو يسجد فى كل يوم الى يوم القيامة ثم جعل الله تعالى تحت الماء الهواء وتحت الهواء الظلمة ومن هناك ينقطع على الخلائق ويروى فى بعض الاخبار أن الله تعالى وكل بذلك الحوت ملائكة يأتونه بغذائه فى كل يوم على قدر شعبه فيأتونه من البحر المسجور بألف حوت كل حوت طوله مسيرة يوم وليلة أما الثور فوكل الله تعالى ملائكة بغذائه فى كل يوم بألف شجرة من بساتين القدرة طول كل شجرة مسيرة يوم وليلة فسبحان القادر على كل شئ ويروى فى بعض الأخبار أن ابليس اللعين لا زال يغوص الى الأرض السابعة حتى وصل الى الحوت المسمى بهموت فتقدم اليه وقال له يابهموت ان الثور يقول لك انه هو حامل الصخرة التى عليها الارضون وانك لا حمل لك مع حمله ولو كلفت أنت بحمل ذلك لم تطق وأنت الذى حملته وحملتها ولو كلفت الثور بحمل ذلك لم يطق فأعجب الحوت فى نفسه وبقوته فظن ابليس اللعين أنه قد أغوى الحوت وأنه سيفسد ما عليه فاضطرب الحوت من تحت قوائم الثور فسلط الله تعالى على الحوت دابة لطيفة قدر فراشة واسمها الآمة فأوقفها بين عينى الحوت فصارت تنقره على دماغه حتى وصلت الى عظم دماغه فذل ووقف مكانه ولم يتحرك واشتغل بما ناله من الالم من تلك الدابة ثم ان ابليس اللعين مضى الىالثور وأغواه كما أغوى الحوت فسلط الله على الثور دابة لطيفة وأجلسها عند منخره فذل ووقف كما وقف الحوت ولم يتم لابليس اللعين ما دبره من الحيلة للفساد أورد ذلك الثعلبى قال ابن عباس رضى الله عنهما ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال خلق الله الأرض يوم السبت وخلق الجبال يوم الاحد وخلق الاشجار يوم الاثنين وخلق الكروم يوم الثلاثاء وخلق الظلمة والنور يوم الاربعاء وخلق الدواب يوم الخميس وخلق آدم عليه السلام يوم الجمعة وقد اختلف جماعة من العلماء فى اليوم الذى ابتدأ الله تعالى فيه المخلوقات وهو على ثلاثة أقوال فقال ابن اسحق هو يوم السبت وقال كعب الاحبار هو يوم الاحد. قال أهل الانجيل هو يوم الاثنين وقال النبى صلى الله عليه وسلم خلق الله تعالى فى يوم الجمعة الشمس والقمر والنجوم والملائكة الى ثلاث ساعات مضين من يوم الجمعة وخلق آدم عليه السلام فى آخر يوم الجمعة وأهبط من الجنة عند غروب الشمس من يوم الجمعة. وقال وهب بن منبه انما سمى يوم الجمعة لان طينة آدم عليه السلام جمعت فيه فلذلك سمى الجمعة قال حذيفة اليمانى روى فى بعض الأخبار ان الدنيا مسيرة خمسمائة عام منها ثلثمائة عام بحار وجبال ومائة عام عمار ومائة عام خراب وقال بعض علماء الهيئة ان الجهات ست الشرق وهو حيث تطلع الشمس أى تشرق والقمر والنجوم والغرب وهو حيث يغربن فيه والشمال وهو حيث مدار الجدى وقد أفرط هناك البرد والجنوب وهو حيث مدار سهيل وهو ما يلى كرة السماء والتحت وهو ما يلى كرة الأرض والفوق وهو ما يلى الافلاك قال بعض الحكماء فجهة الشمال واقعة تحت مدار الجدى وقد أفرط هناك البرد فيصير ستة أشهر ليلا دائما مستمرا وهذه مدة الشتاء لا يرى هناك النهار وتجمد فى هذه الجهة المياه لقوة البرد فلا ينبت فيها شئ من النبات ولا يقيم فيها حيوان وأما جهة الجنوب فحيث مدار سهيل فيصير هناك ستة أشهر نهارا دائما مستمرا بغير ليل وهذه مدة الصيف فيفرط هناك الحر والسموم فلا ينبت فيها نبات ولا يقيم فيها حيوان لشدة الحر هناك فلا تسكن تلك الجهات.
ذكر أخبار أجزاء الأرض(1/7)
قال الحكيم هرمس الدنيا سبعة أجزاء جزء منها للترك وجزء منها للعرب وجزء منها للفرس وجزء منها للسودان وثلاثة أجزاء منها ليأجوج ومأجوج. وقال ان الاقاليم أيضا سبعة وهى اقليم الصين واقليم الحجاز واقليم الهند واقليم الروم واقليم يأجوج ومأجوج واقليم العرب وقال أطراف الدنيا أربعة والنواحى خمسة وأربعون والمدائن والحصون أحد وعشرون ألفا وستمائة مدينة ففى الاقليم الأول ثلاثة آلاف ومائة مدينة وفى الاقليم الثاني ألف وسبعمائة وثلاث عشرة مدينة وفى الاقليم الثالث ثلاثة آلاف وتسعمائة وتسعة وسبعون مدينة وفى الاقليم الرابع ألف وتسعمائة وأربعون مدينة وفى الاقليم الخامس ثلاثة آلاف وخمسمائة وأربعة وثلاثون مدينة وفى الاقليم السادس ثلاثة آلاف وخمسمائة مدينة وفى الاقليم السابع ثلاثة آلاف وثمانمائة مدينة ولم يذكر هرمس غير المذكور هنا وذلك غير القرى والرستيق وذكر أن مساحة الدنيا خمسة آلاف ألف فرسخ وخمسمائة ألف فرسخ وثلاثة وستون ألف فرسخ والفرسخ ثلاثة أميال والميل أربعة آلاف ذراع بالذراع القديم وهو ستة وثلاثون أصبعا بخلاف الذراع الهاشمى. ويقال ان العالم السفلى مقسوم أيضا على سبعة أجزاء وفيه أيضا أقاليم كما فى أعلى الأرض انتهى ذلك.
ذكر خلق البحار(1/8)
قال الشيخ أبو الفرج ابن الجوزى ان الذى عرف من البحار فى الدنيا تسعة وعشرون بحرا غير ما ظهر من الانهار والعيون فائدة لطيفة فى الفرق بين البحر والنهر قال الجوهرى فى الفرق انما سمى البحر بحرا لاستبحاره وانبساطه وسعته لانه شق فى الارض شقا وفى كلام العرب الشق هو البحر فكانوا يقولون للناقة اذا شقوا أذنها بحيرة وقال الزجاج وكل نهر ذى ماء كثير راكد بحر لكن اذا جرى يقال له نهر كدجلة والفرات والنيل وما أشبه ذلك فيكون الماء اذا اتسع ولم يجر بحرا واذا جرى فهو نهر ويقال للبحر الصغير بحيرة قال ابن الجوزى ان الذى عرف من البحار فى الدنيا تسعة وعشرون بحرا ففى جزيرة الشرق منها ثمانية بحور وفى جزيرة الشمال أحد عشر بحرا وفى جزيرة الجنوب اثنان وفيها من الجزائر المعروفة احدى وسبعون جزيرة وفى جزيرة الشرق ثمان جزائر وفى جزيرة الغرب ست عشرة جزيرة وفى جزيرة الشمال احدى وثلاثون جزيرة وفى جزيرة الجنوب ست عشرة جزيرة وأما البحار الكبار المشهورة فسبعة وهى المحيط أى المحيط بالدنيا ويقال ان مسافته أربعة وعشرون ألف فرسخ وجميع البحار تأخذ منه قال بعض العلماء انما سمى البحر المحيط محيطا لاحاطته بالدنيا ولذا كان الحكيم أرسطاطا ليس يسميه الاكليل لانه حول الارض بمنزلة الاكليل على الرأس وبهذا البحر من العجائب ما لايسمع بمثلها ويخرج من هذا البحر ستة بحار كبار أعظمها اثنان وهما اللذان ذكرهما الله تعالى فى القرآن فى قوله عز وجل (مرج البحرين يلتقيان بينهما برزخ لا يبغيان) أحدهما يخرج من جهة الشرق والآخر من جهة الغرب فاشرقى يقال له الصينى والهندى والفارسي واليمنى والحبشى والغربى يقال له البحر الرومى. وأما ذكر عجائب البحر المحيط فقال ابن الجوزى ان فيه جزائر فيها غنم لا يحصى عددها ولحومها مرة لا تؤكل فيذبح منها أهل الجزائر ويصنعون منها الأنطاع وبهذه الجزائر شجر يطرح شيئا مثل التين ومن شأنه انه اذا أكله المسموم يبرأ من وقته وفى هذه الجزائر حيات عظيمة تبلع الجاموس وفى هذا البحر أسماك كل سمكة مسيرة ثلاثة أيام ويرى فى عينها كالبرق الخاطف وفيه سرطانات عظيمة قدر الجبل وفيه حجر يسمى البهت اذا أمسكه أحد من ذوى الحوائج ودخل على سلطان أو حاكم انعقد لسانه عنه وقضيت حاجته منه وفى هذا البحر عجائب كثيرة وهو بحر مظلم كدر المياه منتن الروائح صعب المسلك لما فيه من الدواب الكواسر وهيجان أمواجه لا يعلم له آخر ولا يقف أحد على صحة أخباره سوى ما عرف من بعض سواحله وما قرب من جزائره اه والبحر الثانى هو البحر الصينى ومخرجه من الشرق وهو كمد اللون ومخرجه من البحر المحيط ومن عجائبه أن به مغاوص اللؤلؤ وبه معدن المرجان فيقال انه ينبت فى قاع البحر كما تنبت الاشجار فى الأرض وتتشعب منه عروق فى الماء وهى لينة مثل عروق الشجر فاذا قلعت تجف فى الهواء ويتجر بها ويحملونها فتصير جامدة وقيل ان الغائصين عليه يعمدون الى شباك من القنب الغليظ ويثقلونها بالحجارة حتى انها تدور بها من أصول الشجرة ثم يجذبونها حتى تنقلع فيخرجونها الى البر ويتركونها حتى تجف ثم يفصلونها قطعا كبارا وصغارا على قدر ما أرادوا وأما أخبار اللؤلؤ فقيل ان الذين يغوصون على اللؤلؤ يعمدون على أخشاب من شجر المقل ويدلونها بحبال من الليف فى أماكن معروفة بمواضع اللؤلؤ ويجعلون فى تلك الأخشاب حجارة سوادا كبارا نحو ستين رطلا. وسبب ذلك أن فى تلك الاماكن من الحيوانات أشياء كثيرة تبتلع الغائصين فتنفر من الحجارة السود. وقيل ان الغائصين اذا رأو شيئا من الحيوانات الكواسر ينبحون عليها كنبح الكلاب فتنفر منهم فعند ذلك يصيدون الصدف ثم ان الغائص يلتقط الصدفة ويضعها فى الوعاء الذى فى صدره فاذا أخرجها الى البراستخرجوا من بطونها اللؤلؤ فمنه صغار ومنه كبار ومن الحكايات الغريبة أن بعض التجار سافر الى مغاوص اللؤلؤ فأنفق جميع ما يملكه للغواصين ولم يطلع له شئ من اللؤلؤ فلم يبق معه شئ فساعدته التجار وأعطوه شيئا للغاطاسين حتى غطسوا له مرة أخرى فلما غطسوا غابوا فى البحر ساعة ثم طلعوا له ببنت من بنات البحر لها ذوائب مثل شعر النساء وهى حسنة الصورة فأخذها ذلك التاجر ومضى بها الى منزله فقعدت عنده ثلاثة أيام لا تأكل ولا تشرب ولا تتكلم فقال لها ذلك التاجر بالاشارة تسيرين الى البحر فأشارت(1/9)
اليهه(1/10)
برأسها نعم فأخذها ووضعها فى مركب ودخل بها الى المكان الذى أخرجوها منه فلما رأت الموضع الذى أخذت منه ألقت نفسها الى البحر فلما صارت الى قاع البحر سمع من ذلك المكان ضجيج عظيم فلما أراد أن يرجع بالمركب أمهل ساعة فلم يشعر الا بصدف يرمى فى المركب من البحر فلا زالوا يرمون له من البحر حتى أوسقوا المركب من صدف اللؤلؤ فرجع وهو أغنى التجار وأما ما كان من أخبار بحر الهند وهو البحر الثالث ومخرجه من البحر المحيط أيضا فيمتد من المغرب الى المشرق ويخرج منه أربعة خلجان خليج يمتد خلف أرض الهند ويمشى من حواليها ألفا وسبعمائة ميل وخليج يمتد الى أيلة ويقال ان بهذا الخليج ألفا وثلاثمائة وسبعين جزيرة عامرة بالسكان وانتداده ثمانية آلاف ميل وقيل أكثر من ذلك وعرضه ألفان وسبعمائة ميل وبه من العجائب ما لا يحصى. قيل ان من بعض جزائره جزيرة سكانها مثل الوحوش ووجوههم مثل البغال وجسدهم مثل أجساد بنى آدم وبه توجد الدابة التى منها العنبر الخام وقد روى فى بعض الأخبار أن دابة العنبر كانت من أعظم دواب البحر وكان طولها نحو مائة ذراع فصارت تفسد الزرع وتأكل الأشجار فساقها جبرائيل عليه السلام الى البحر المحيط فصارت من دوابه فتطلع الى الجزائر وترعى من الاشجار والأعشاب الطيبة فتقذف من بطنها هذا العنبر الخام فيجدونه فى بعض جزائر هذا البحر وقيل انها تقذف من بطنها فى كل يوم قدر خمسمائة رطل ويوجد فى هذه الجزائر دابة الزباد وهى مثل الهرة والزباد من عرق ابطها ويوجد فى هذه الجزائر العود القمارى وهو من خشب أشجار تلك الجزائر وليس له هناك رائحة طيبة ويوجد فى هذه الجزائر أحجار براقة ولها لمعان يتلألأ نورا وتسمى هذه الاحجار ضحكة الباهت ومن شأن هذه الاحجار انها اذا نظر اليها انسان ضحك فى الحال واستمر يضحك الى أن يموت وفى هذه الجزائر سباع لها قرون طوال ولا يقدر أحد من الناس أن يقابلها فتثب عليه وفيها أفيال عظيمة الخلقة فمنها ما لونه أبيض ومنها ما لونه أسود وفيها النمور والفهود وأشياء كثيرة من الوحوش الكواسر انتهى ما أردناه من ذكر البحار السبعة وذلك على سبيل الاختصار والله سبحانه وتعالى أعلمرأسها نعم فأخذها ووضعها فى مركب ودخل بها الى المكان الذى أخرجوها منه فلما رأت الموضع الذى أخذت منه ألقت نفسها الى البحر فلما صارت الى قاع البحر سمع من ذلك المكان ضجيج عظيم فلما أراد أن يرجع بالمركب أمهل ساعة فلم يشعر الا بصدف يرمى فى المركب من البحر فلا زالوا يرمون له من البحر حتى أوسقوا المركب من صدف اللؤلؤ فرجع وهو أغنى التجار وأما ما كان من أخبار بحر الهند وهو البحر الثالث ومخرجه من البحر المحيط أيضا فيمتد من المغرب الى المشرق ويخرج منه أربعة خلجان خليج يمتد خلف أرض الهند ويمشى من حواليها ألفا وسبعمائة ميل وخليج يمتد الى أيلة ويقال ان بهذا الخليج ألفا وثلاثمائة وسبعين جزيرة عامرة بالسكان وانتداده ثمانية آلاف ميل وقيل أكثر من ذلك وعرضه ألفان وسبعمائة ميل وبه من العجائب ما لا يحصى. قيل ان من بعض جزائره جزيرة سكانها مثل الوحوش ووجوههم مثل البغال وجسدهم مثل أجساد بنى آدم وبه توجد الدابة التى منها العنبر الخام وقد روى فى بعض الأخبار أن دابة العنبر كانت من أعظم دواب البحر وكان طولها نحو مائة ذراع فصارت تفسد الزرع وتأكل الأشجار فساقها جبرائيل عليه السلام الى البحر المحيط فصارت من دوابه فتطلع الى الجزائر وترعى من الاشجار والأعشاب الطيبة فتقذف من بطنها هذا العنبر الخام فيجدونه فى بعض جزائر هذا البحر وقيل انها تقذف من بطنها فى كل يوم قدر خمسمائة رطل ويوجد فى هذه الجزائر دابة الزباد وهى مثل الهرة والزباد من عرق ابطها ويوجد فى هذه الجزائر العود القمارى وهو من خشب أشجار تلك الجزائر وليس له هناك رائحة طيبة ويوجد فى هذه الجزائر أحجار براقة ولها لمعان يتلألأ نورا وتسمى هذه الاحجار ضحكة الباهت ومن شأن هذه الاحجار انها اذا نظر اليها انسان ضحك فى الحال واستمر يضحك الى أن يموت وفى هذه الجزائر سباع لها قرون طوال ولا يقدر أحد من الناس أن يقابلها فتثب عليه وفيها أفيال عظيمة الخلقة فمنها ما لونه أبيض ومنها ما لونه أسود وفيها النمور والفهود وأشياء كثيرة من الوحوش الكواسر انتهى ما أردناه من ذكر البحار السبعة وذلك على سبيل(1/11)
الاختصار والله سبحانه وتعالى أعلمصار والله سبحانه وتعالى أعلم
ذكر أخبار الانهار والبحيرات
فأما البحيرات المشهورة فهى بحيرة السودان ببلاد المغرب وبحيرة الفيوم وبحيرة مسترة وهى بين الاسكندرية ورشيد وبحيرة دمياط وتنيس وبحيرة زعر التى ماؤها منتن وخيم منها نهر الأردن وهو نهر الشريعة وبحيرة طبرية المنسوبة الى بلد هناك وهى خراب على شاطئها الغربى وفيها حمام ماؤه حار بصنع الله تعالى قال الثعلبى فى قصص الأنبياء ان هذا الحمام بناه سليمان بن داود عليهما السلام وكان من عجائب الدنيا حتى قيل ان من جملة عجائب الدنيا ثلاثة منارة الاسكندرية وحمام طبرية وجامع بنى أمية وكان ماء هذا الحمام يخرج من اثنتى عشرة عينا. فكان ماء كل عين منها مخصوصا بمرض من الأمراض فاذا اغتسل منه صاحب ذلك المرض عوفى باذن الله تعالى وكان ماؤها شديد الحرارة صافى اللون ولم يزل هذا الحمام عامرا على ما ذكرناه حتى خربه بختنصر لما استولى على البلاد كما سيأتى. وبحيرة بانياس الكبيرة التى تخرج منها عدة أنهار وبحيرة البقاع بالقرب من بعلبك ودمشق وبحيرة القدس الشريف وبحيرة حمص وانطاكية وبحيرة دست أرزن بالقرب من شيراز وبحيرة خوارزم وماؤها مالح وبحيرة أرجيس وهو شرقى أخلاط وماؤها مالح أيضا وهى بحيرة كبيرة دورها مسيرة أربعة أيام وهذه البحيرة يصاد منها السمك المعروف الذى يخرج منه البطارخ الذى يحمل منه الى سائر البلاد قال أبو يعقوب الصياد كنت أصطاد يوما فى بحيرة أرجيس فاصطدت منها سمكة فرأيت على جنبها الأيمن مكتوبا بقلم القدرة لا إله الا الله وعلى جنبها الأيسر محمد رسول الله فلما رأيت ذلك قذفتها فى الماء احتراما لما رأيته عليها من الكتابة
ذكر أخبار الانهار
المشهور منها الدجلة ونهر سيحان ونهر جيحان والفرات والنيل. فأما الدجلة فيقال ان الذي حفرها وأجرى اليها الماء من الفرات هو دانيال عليه السلام قال بعض الحكماء ان الشرب من ماء الدجلة يضعف شهوة الرجال ويزيد شهوة النساء ويقطع نسل الخيل حتي ان جماعة من العرب كانوا لا يسقون منها خيلهم واما جريانها فانها تجرى من بلاد آمد الى ديار بكر وهى أعين من بلاد خالد ومقدار جريانها على وجه الارض ثلثمائة فرسخ وقيل أكثر من ذلك. ومن عجائب الدجلة المد والجزر وهو دائم فيها مع الريح كل يوم صيفا وشتاء. وأما الفرات فمبدؤه من بلاد قاليقلا من ثغور أرض نحو أرمينية من جبال هناك تدعى أثودخس على نحو يوم من قاليقلا ومقدار جريانه على وجه الارض خمسمائة فرسخ وقيل أكثر من ذلك. وأما الآن فجريانه من شمالى الاردن من بلاد الروم من جهه الشرق ولا يزال يجرى على وجه الارض حتى يخرج الى فضاء العراق ثم يصب فى بطائح كبار فيجرى منها انهار كثيرة معروفة في تلك الجهات قال ابن الوردي
ان للشام فراتا ... لم تصل مصر اليها
كم بمصر من وجوه ... فضل النيل عليها
وأما نهر سيحان وجيحان فهما غير سيحون وجيحون قال النووى فى شرح مسلم فى قوله صلى الله عليه وسلم سيحان وجيحان والفرات والنيل كلها من أنهار الجنة. قال كعب الاحبار ان النيل هو نهر العسل فى الجنة والفرات هو نهر الخمر فى الجنة وسيحان هو نهر الماء فى الجنة وجيحان هو نهر اللبن فى الجنة وقيل ان عناصر هذه الانهار الاربعة تجرى من تحت سدرة المنتهى وقيل من تحت صخرة بيت المقدس والله أعلم فائدة بذلك وهى أن الدابة اذا أصابها المغل يكتب على قوائمها الاربعة على كل قائمة اسم نهر وهى سيحان وجيحان والنيل والفرات فانها تبرأ من ساعتها سريعا وقد جرب ذلك وصح وأما نهر مهران بأرض الهند فقيل انه فرقة من النيل وقد أستدلوا على ذلك بأن فيه التماسيح والضفادع .
ذكر البحار(1/12)
أما بحر الترك وهو المعروف ببحر الجزر وهو بحر كبير عرضه ثمانية عشر ألف وطوله ستة آلاف ميل وقد صار فيه مائة وسبعون جزيرة منها اللاذقية وبيروت واقريطش ويمر على بلاد الغرب قاطبة منها أفريقية وبرقة والاسكندرية وأرض فلسطين من سواحل الشام ثم ينعطف من هناك الى انطاكية فيمر على بلاد كثيرة منا القسطنطينية وغيرها الى بلاد المغرب وينتهى الى البحر المحيط الذى خرج منه وقال ابن عبد الحكم فى تاريخ مصر ان الذى خرق هذا الثقب وأجرى ماءه هو اسكندر ذو القرنين فسلطه على أهل تلك البلاد لما عصوه ولم يدخلوا تحت أمره وقال بعض علماء التفسير ان هذا المكان هو مجمع البحرين الذى تلاقى فيه موسى والخضر عليهما السلام كما ذكر فى القرآن العظيم. أقول وقد كانت ملوك الافرنج تسمع بأخبار هذا التقب قديما وانه يمكن أن ينفذ الى بحر الهند منه وكانوا يوصون أولادهم بأن لا يغفلوا عن الثقب حتى يتسع لهم الثقب فكانوا يتوارثون التوصية ويوسعون في الثقب فصارت تدخل المراكب الكبار من ذلك الثقب فى أوائل القرن العاشرفصارت طائفة من الافرنج يقال لهم البرتغال يدخلون من هذا الثقب فى المراكب الكبار ويصلون الى بحر الهند نحو من ثلاثين مركبا مشحونة بالمقاتلين بأنواع السلاح والمدافع فصاروا يخرجون على التجار المسافرين فى بحر الهند ويملكون منهم عدة قرى من بلاد الهند فأرسل الملك الأشرف وزيره الغورى بتجريدة فى مراكب وصحبته الامير حسين فكسرهم العسكر المصرى وكسبوا منهم مراكب مشحونة بالمال والقماش والسلاح وغرق منهم مراكب بعدما مسروا المدافع قال وقتل ابن البرتغال فى هذه الواقعة ثم بعد ذلك كرت الافرنج بعد مدة يسيرة على مراكب المسلمين على حين غفلة وكانت متفرقة فسكرتهم الأفرنج ونهبت جميع ما كان مع المسلمين. وأما بحر طبرستان وهو البحر السادس وطوله من المشرق الى المغرب ثمانمائة ميل وعرضه ستمائه ميل وامتداده من البحر المحيط وفيه عشرون جزيرة منها ما هو مسكون ومنها ما هو خراب ومن عجائب هذا البحر أن فيه جزيرة فيها شجرة تثمر مثل اللوز وله قشر فاذا كسر خرجت منه ورقه خضراء مطوية مكتوب عليها بقلم القدرة لا اله الا الله محمد رسول الله وهى كتابه واضحة جيدة وبها شجرة لها أوراق كبار على قد ورق القلقاس مكتوب على كل ورقة بخط أخضر أشد من خضرة الورق لا اله الا الله محمد رسول الله. وقيل أن عبدة الاوثان من قديم الزمان قطعوا هذه الشجرة فنبتت من ليلتها فعمدوا الى رصاص فذوبوه وقلبوه فى جدر ما قطع من تلك الشجرة فلم تنبت. وقيل ان بعض جزائره شجرة تطرح نوعا مثل التفاح نصفها حلو فى غاية الحلاوة ونصفها حامض فى غاية الحموض وذلك التفاح أبيض اللون مكتوب عليه على هيئة الجلالة بخط أحمر جيد الكتابة وفى بعض جزائزه وحش يشبه خلقة بنى أدم وهو ملفوف القامة وظهره عظمة واحدة وأهل تلك الجزيرة يرمون عليه بالنشاب ليصيدوه فلا يؤثر فيه النشاب ويولى عنهم ويشتمهم بالفارسية واذا جرى فلا تلحقه الخيل الغائرة وفى جزائزه أناس لهم ثلاثة أعين فالثالثة بين حواجبهم اه وأما البحر الزفتى فهو البحر السابع ولونه أسود ومادته من البحر المحيط وهو كريه الرائحة وخيم الهواء ويقال أن النيل ينحدر من أعلى جبل القمر ويمر فى هذا البحر فيصير فوقه كالخيط الأبيض على الثوب الاسود ( فتبارك الله أحسن الخالقين) سبحان الذى أتقن كل شئ وهذا البحر قليل المسالك لصعوبته لا يرى فيه شمس ولا قمر دائما فأذا طلعت الشمس فى الدنيا يظهر فيه بعض شفق أحمر من ضوء الشمس وبه جزائر يطلع فيها قصب فارسى يدخل فى جوف القصبة الجمل يحمله وفى هذا البحر أسماك كبار تبلع المراكب لعظم خلقتها. وقد روى فى بعض الاخبار عن ابن عباس رضى الله عنهما أنه قال ان تحت العرش بحرا فيه أسماك لها أجنحة تطير بها الارض فتحرق الشمس أجنحتها فتقع على الغمام فيلقيها الغمام الى هذا البحر فتتربى فيه وقال بعض العلماء لما علم الله تعالى أن الوحوش الكواسر ضررها أكثر من نفعها قلل من نسلها فكانت اللبؤة لا تحمل الا فى كل سبع سنين مرة واحدة واذا حملت أقامت عشر سنين حتى تضع ونقل بعض الحكماء أن الفيل اذا اغتلم وطلب النكاح لا يعلو الفيلة بل يحك جنبه بجنبها حتى يجد اللذة فيمنى ثم يرخى ذكره فينزل المنى من زلومته فيضعه فى فرج الفيلة فتارة تحمل وتارة لا(1/13)
تحململ(1/14)
ومن هناك قل نسل الأفيالوالله أعلم بحقيقة الحال ويوجد فى هذه الجزائر شجر حصى اللبان وشجر الآبنوس وفيها أحجار اذا نقعت فى الزيت تضئ مثل الفتيلة ولا يطفأ ذلك. وأما البحر الغربي وهو البحر الرابع فامتداده من البحر المحيط أيضا وهذا البحر لا يعرف منه الا ما ظهر من جهة الغرب وينتهى الى بلاد الحبشة والى خلف بلاد رومية وهو صعب المسلك لا يعرف له منتهى وفى بعض جزائره أشخاص متوحشة تسمى الغيلان وهى تقرب من شكل بنى آدم ولا تظهر الا بالليل وتهلك كل من تراه واذا جرى الواحد منهم فلا تلحقه الخيل الغائرة ولا يؤثر فيه وقع السهام ويتناثر من فمه مثل شرار النار واذا طلع عليه النهار يختفى فى مغارة هناك الى ان يدخل الليل وفى بعض جزائره يقطين عظيم الخلقة قيل انه يعمل من نصف اليقطينة مركب صغير يعدون فيها الى البر وفى هذه الجزيرة حيات عظيمة الخلقة لها ذوائب شعر وهى تسبح فى البحر وتسد ما بين البرين فاذا أشرقت الشمس وثبت عليها لكى تبتلعها وكذلك اذا غربت وفى هذا البحر أمم على صور مختلفة ما على شكل بنى آدم من رجال ونساء فمنهم من رأسه أقرع وله ذقن بيضاء يسمونه شيخ البحر وفيه مثل شكل الكلب والخنزير والقط والفرس والحمار والبقر والغنم وغير ذلك كما في البر من الحيوانات وتزيد على البر من الأجناس. قال بعض الحكماء ان حيوان البحر اذا أقام فى البر هلك وحيوان البراذا اقام في البحر هلك. وسبب ذلك أن الله تعالى خلق حيوان البحر لا رئة له لان بها يقع النفس فلا اقامة له فى البر . قال كعب الاحبار خلق الله ثمانين ألف أمة وجعل نصفها فى البحر ونصفها فى البر وهم على صور مختلفة وفى هذا البحر جزائر ينبت فيها قضبان لها لون كلون الذهب فاذا طلعت عليه الشمس صار له لمعان فلا يستطيع أحد أن ينظر اليه. وأما البحر الرومي وهو البحر الخامس ومادته من البحر المحيط أيضا، ويمتد من أعلى افريقية والشام و يتصل بطرطوس وهو خمسة آلاف ميل . وعرضه سبعمائة وستون ميلا وفيه جزائر عامرة يسكنها أمم من بنى الأصفر وغيرهم وفيه كثير من العجائب. قيل ان فى بعض جزائره تطلع دابة فى كل سنه من البحر تشبه البقرة وفيها روح تقيم ساعة فى البر ثم تموت فتصير قطعة زفت فيبيعها أهل تلك الجزيرة للافرنج فيطلون بها تلك المراكب. ونقل الباشورى فى بعض مصنفاته أن ملكا من ملوك اليونان قصد أن يحفر خليجا من البحر الغربي الى البحر الشرقي ويرفع البرزخ من بينهما . وكانت جزيرة الاندلس وبلاد البرابرة ينبت فيها شجر الجميز وكانت تلك الأرض وخمة يسكنها أقوام من اليونان وكان بتلك الأرض الطائر المعروف بالفقعس وهو طائر حسن الصوت اذا سمعه انسان غلب عليه شدة الطرب فيموت السامع من وقته : وكان هذا الطائر اذا حان موته حسن صوته قبل أن يموت بسبعة أيام فلا يمكن أحدا أن يسمع صوته الا يموت ويقال ان عامل الموسيقا كان من الفلاسفة فأراد أن يسمع صوت الفقعس وهو فى شدة صياحه فخشى على نفسه أن يموت من الطرب فسد أذنيه سدا محكما ثم قرب اليه وجعل يفتح اذنيه شيئا فشيئا ثم استكمل فتح الاذنين فى ثلاثة أيام الى أن وصل الى سماعه رتبة بعد رتبة . وقيل ان ذلك الطائر هو وأفراخه غرقوا لمهاجم الماء على تلك الأرض فلم يبق له وجود بعد ذلك. ويقال ان الملك الذى أجرى ماء هذا الخليج حفرزقاقا طوله ثمانية عشر ميلا فى عرض اثنى عشر ميلا وبنى بجانبه عضادتين وعقد عليهما قنطرة فلما فتح البرزخ من البحر الغربي فتح منه قدرا يسيرا من ثقب فى جبل كان حاجزا بين تلك الأرض والبحر فلما دخل الماء فى ذلك الثقب كان ماء البحر الغربي أعلى من تلك الارض فلما ساح الماء غطى تلك العضادتين والقنطرة وساق قدامه بلادا كثيرة . وأما نهر العرجاء ويسمى أيضا نهر أبى بطرس وهو شمال مدينة الرملة ومجراه نحو اثنى عشر ميلا ومنبعه من تحت جبل الخليل عليه السلام وينتهى حتى يصب فى البحر الرومي. وأما نهر الاردن وهو نهر الغور المسمى بالشريعة وينتهى الى بحيرة طبرية وقد عد الدجلة أيضا من جملة الأنهار وأنها تجري من بلاد الروم الى أعلى آمد وحصن كيفا والموصل وتكريت وبغداد وواسط والبصرة وتنتهى الى بحر فارس. وأما نهر حماة وحمص المسمى بالعاصى فانه يججر من جهه الجنوب الى الشمال وهو بخلاف غيره من الانهار فأنه لا يسقى منه الارض الا بالنواعير ومنه فرقة(1/15)
تمضى الى بعلبك وينتهى فى مصبه الى البحر الرومى وقد قالت الشعراء فيه. فمن ذلك ما قيل فيه الى بعلبك وينتهى فى مصبه الى البحر الرومى وقد قالت الشعراء فيه. فمن ذلك ما قيل فيه
ناعورة فى النهر أبصرتها ... تشوق الدانى والقاصى
قد نبهتنا للهدى والتقى ... لأنها تبكى على العاصى
أضحكت حماة للورى جنة ... يدخلها الدانى مع القاصى
ولم يكن يسمع من قبل ذا ... بجنة فى وسطها عاصى
قال بعض الحكماء وكان من تمام حكم الله تعالى أن جعل الانهار الحلوة جارية والبحار المالحة راكدة لأن ركودها نعمة ودفع مضرة وأيضا البحار المالحة يصب فيها جميع الانهار وماء السيول والعيون وهى لا تزيد بقدرة الله تعالى فلو زادت لأغرقت الأرض وهذا من رحمة الله تعالى كما أخبر فى القرآن العظيم (مرج البحرين يلتقيان بينهما برزخُ لا يبغيان).
ذكر أخبار النيل
قال الواقدى ان معاوية بن أبى سفيان قال يوما لكعب الأحبار هل تجد للنيل ذكرا فى كتاب الله تعالى يعنى فى التواراة والانجيل والزبور والفرقان قال والذى فرق البحر لموسى انى لأجد فى التوراة أن الله يوحى اليه عند ابتدائه ويأمره أن يجرى حيثما شاء الله تعالى ثم يوحى له عند انتهائه ويأمره أن يرجع راشدا حيث شاء الله تعالى يعنى أن الله تعالى يوحى اليه عند زيادته ونقصانه
فصل فى بيان المكان الذى يخرج منه النيل
وفى المكان الذى يذهب اليه(1/16)
قال المسعودى فى مروج الذهب. نقل صاحب الاقاليم السبعة أن أصل النيل من جبل القمر من عشرة أعين فتجتمع كل خمسة أعين فى بطيحة هناك ثم يجريان. وذكر أن صفة جبل القمر أنه منقوش وعلى رأسه شراريف كباروذكر أن جبل القمر خلف خط الاستواء الذى يستوى فيه الليل والنهار دائما وأن القمر يطلع عليه. وقال المسعودى أن النيل يجرى على وجه الأرض ألف فرسخ فى عمار وخراب حتى يأتى الى بلاد السودان فالى صعيد مصر والى هذا الموضع تصعد المراكب من الفسطاط وعلى أميال من أسوان جبال وأحجار يجرى النيل فى وسطها فلا سبيل الى جريان السفن فيه وهذا الموضع فارق بين مواضع سفن الحبشة وسفن المسلمين ويعرف هذذا الموضع بالجنادل والضخور ثم أن النيل ينتهى الى بحر دمياط ورشيد والاسكندرية فيصب فى البحر المالح من هناك انتهى كلام المسعودى. وقال الكندى ان النيل يخرج من قبة من الزبرجد ويمر على أرض ينبت فيها قضبان الذهب فيفترق من هناك نهران. أحدهما يجرى ألى أرض الهند ويسمى نهر مهران والآخر يجرى نحو أرض الزنج وقال هرمس يخرج من هذه القبة أربعة انهار هى سيحان وجيحان والفرات والنيل وما يحكى أن ملك نقراواش الجبار ابن مصرايم توجةه الى منبع النيل فحفره وأصلح مجراه وكان يسبح فى الارض ويتفرق من غير حاجز فهندسه وساق منه عدة أنهار الى أماكن كثيرة لينتفع بها الناس وعمل هناك تماثيل من نحاس عدتها خمسة وثمانون تمثالا جامعه للماء حتى لا يخرج ماء النيل عنها وجعل لها منافذ مستديرة يخرج الماء من حلوق تلك التماثيل وجعل لها قياسا معلوما بمقاطع أذرع معلومة فتخرج تلك الانهار ثم تصب فى بطيحتين فيخرج منهما المياه الى بطيحة كبيرة جامعة للمياه وجعل للتماثيل مقادير بين المياه ليكون فيها الصلاح لارض مصر دون الفساد وقدر تلك على سته عشر ذراعا وكان الذراع يومئذ اثنين وثلاثين اصبعا ثم جعل فضلات تلك المياه تخرج الى مسارب عن يمين التماثيل وعن شمالها ثم تصب الى رمال وغياض لا ينتفع بها من خلف خط الاستواء ولولا ذلك لأغرق ماء النيل ما كان يمر عليه من البلدان قاطبة وقال لولا أن ماء النيل يمر فى البحر المالح ويكتسب من ملحه لشرب من مائه ما هو أحلى من العسل وأبيض من اللبن وقال بعض الحكماء لولا الليمون بمصر لوخم أهلها من حلاوة النيل ولماتوا ولكن حموضة ماء الليمون تمنع الصفراء. وقال الكندي ان النيل يمر على ستين مملكة من ممالك الحبشة والزنج وقال ابن زولاق فى تاريخه ان بعض الملوك أمر أقواما بالسير الى حيث يجرى النيل فساروا حتى انتهوا الى جبل عال والماء ينزل من أعلاه وله دوى وهدير حتى لا يكاد يسمع صوت من فى جانبه من اصحابه من دوى الماء ثم ان أحد القوم تسبب فى الصعودالى أعلى الجبل لينظر ما وراء ذلك فلما وصل الى اعلاه ضحك وصفق بيديه ثم مضى فى الجبل ولم يعد ولم يعلم أصحابه ما شأنه ثم أن رجلا أخر منهم صعد بعده ليرى ما وراء ذلك الجبل وما كان من أمر صاحبه ففعل مثل صاحبه وصفق ومضى فى الجبل ولم يعد ولم يعلم أصحابه ما شأنه فطلع ثالث وقال لأصحابه أربطونى من وسطى بحبل فاذا أنا وصلت الى ما وصل اليه أصحابى وفعلت كما فعلوا فاجذبونى بالحبل فلا أبرح من مكانى ففعلوا ذلك فلما صار فى أعلى الجبل صفق وأراد أن يمضى فى الجبل فجذبوا الحبل اليهم ونزل عندهم فلما وصل خرس لسانه ولم يرد جوابا وأقام ساعة ومات فرجع القوم ولم يعلموا غير ذلك من أخبار النيل. قال الامام الليث بن سعد رضى الله عنه بلغنى أن رجلا يقال له حامد بن أبي سالم وهو من ولد العيص بن اسحق بن ابراهيم الخليل عليهم السلام خرج هاربا من بعض الملوك الجبابرة فدخل الى مصر فلما رآي نيلها تعجب منه وحلف على نفسه أن لا يفارق ساحل النيل حتى يبلغ منتهاه ومن أين يخرج أو يموت قبل ذلك فسارعلى ساحل النيل نحوا من ثلاثين سنة حتى وصل الى جبل القمر فاذا هو برجل قائم يصلى تحت شجرة تفاح فلما رآه سلم عليه وأستأنس به فقال ذلك الرجل الذى تحت الشجرة من أنت أيها الرجل فقال له حامد أنا من ولد العيص بن اسحق بن ابراهيم الخليل عليه السلام ثم قال له حامد من أنت فقال أنا أبو العباس الخضر فما مجيئك الى هنا قال فى طلب معرفة النيل فقال له الخضر عليه السلام ستمر عليك حية ترى آخرها ولا ترى أولها فلا يولنك أمرها وهى دابة معادية للشمس اذا طلعت(1/17)
الشمس هوت اليها لتلتقمها فاركب على ظهرها فانها تذهب بك الى جانب البحر الزفتى فسرفى بره فانك تقع فى أرض من ذهب وبها جبال وأشجار فلما مضى حامد فعل ما قاله الخضر فلما وصل الى أرض الذهب نظر الى قبة من الذهب ولها أربعة أبواب فنظر الى النيل وهو ينحدر من جوف تلك القبة من كل باب نهريجرى الى جهة من الأرض وهى سيحان وجحيان والفرات والنيل فأراد حامد أن يمضى الى ما وراء تلك القبة فأتاه ملك وقال له قف ياحامد مكانك فقد انتهى اليك علم النيل وما وراء ذلك الا الجنة فقال حامد أريد أن أنظر الى الجنة فقال له الملك انك لن تستطيع دخولها اليوم فجلس حامد على شاطئ النيل وشرب منه فاذا هو أحلى من العسل وأبيض من اللبن وأبرد من الثلج وقيل فى المعنىس هوت اليها لتلتقمها فاركب على ظهرها فانها تذهب بك الى جانب البحر الزفتى فسرفى بره فانك تقع فى أرض من ذهب وبها جبال وأشجار فلما مضى حامد فعل ما قاله الخضر فلما وصل الى أرض الذهب نظر الى قبة من الذهب ولها أربعة أبواب فنظر الى النيل وهو ينحدر من جوف تلك القبة من كل باب نهريجرى الى جهة من الأرض وهى سيحان وجحيان والفرات والنيل فأراد حامد أن يمضى الى ما وراء تلك القبة فأتاه ملك وقال له قف ياحامد مكانك فقد انتهى اليك علم النيل وما وراء ذلك الا الجنة فقال حامد أريد أن أنظر الى الجنة فقال له الملك انك لن تستطيع دخولها اليوم فجلس حامد على شاطئ النيل وشرب منه فاذا هو أحلى من العسل وأبيض من اللبن وأبرد من الثلج وقيل فى المعنى
ونيل مصر من الجنان ... وماؤه يحيى الغصون
فبالعيون ان قايسوه ... قل ما ترى مثله العيون
ويقال ان حامدا رأى الفلك الذى يدور بالشمس والقمر والنجوم وهو شبه الرحا فقيل انه ركب الفلك ودار فى الدنيا كلها وقيل انه لم يركبه وقيل ان ذلك الملك أتى حامدا بعنقود من العنب من الجنة وهو على ثلاثة ألوان أخضر كالزبدجد وأحمر كالياقوت وأبيض كاللؤلؤ وقال له هذا من حصرم الجنة وليس من طيب عنبها ثم ان حامدا رجع من هناك الى شاطئ البحر والزفتى ركب على تلك الحية لما هوت الى الشمس عند الغروب لتلتقمها فقذفت به الى جانب البحر الزفتى الى المكان الذى ذهب منه فأتى الى الخضر عليه السلام وسلم عليه وحكى له ما جرى له وقيل ان حامدا لم يأكل من أكل الدنيا لانه أكل من ذلك العنب ومات بعد ذلك بمدة يسيرة {فصل فى بيان زيادة النيل ونقصانه} قال المسعودى ان زيادة النيل ونقصانه بالسيول وكثرة الأمطار. وقالت الروم زيادته من عيون فى شاطئه تفور من أوله الى آخره وهذا هو السبب فى تكديره عند الزيادة لان العيون اذا نبعت من الأرض اختلطت بالطين عند نبعها فتكدره وقال الكندى انه فى أيام الزيادة يستمر فى بلاد الحبشة المطر ليلا ونهارا لا ينقطع فى هذه المدة ويتنفس النيل بالزيادة قال المهدوى فى تفسيره عن عبد الله بن عمر رضى الله تعالى عنهما ان الله تعالى سخر للنيل كل نهر على وجه الارض من المشرق الى المغرب فاذا أراد الله تعالى أن يجرى نيل مصر أمر كل نهر على وجه الارض أن يمده بالمياه فاذا انتهى جريانه الى حيث شاء الله تعالى يأمر كل نهرأن يرجع الى عنصره ومصداق هذا الخبر أن النيل مخالف لكل نهر على وجه الارض لانه يزيد اذا نقصت الانهار كلها واذا زادت نقص هو فصح أنه يمتد بمياهها والله أعلم . وقال بعض الحكماء ان النيل اذا زاد يصب فى البحر المالح فيجتمع بخاره ويرتفع فى الجو فتحمله الريح الى الغمام فيذهب به الى حيث شاء الله فينزل حيث يريد الله تعالى والى هذا أشار الزمخشرى فى تفسيرقوله (والسماء ذات الرجع) والمراد بالسماء الغمام والرجع المطر لان ماء المطر من البحر ثم يرجع اليه بعد أخذه منه ثم يعود به وفى قوله تعالى (وأرسلن الرياح لواقح فأنزلنا من السماء ماء) قال البغوى اللواقح من الرياح التى تحمل الندى ثم تمجه فى السحاب فاذا اجتمع صار مطرا فان السحاب تلقح كما تلقح البقر باللبن. وقال المسعودى ليس فى الدنيا نهر يزيد بترتيب وينقص بترتيب غير النيل وفى ذلك يقول
كأن النيل ذو فهم ولب ... لما يبدو لعين الناس منه
فيأتى عند حاجتهم اليه ... ويمضى حين يستغنون عنه
وقال أيضاً:(1/18)
انظر الى النيل السعيد وقدأتى ... فى عسكر الموج المديد معبسا
حصر البلاد فسلمته أرضها ... فكسى ثراها حين ولى سندسا
قال المسعود ومن عادة النيل أنه اذا كان عند ابتداء زيادته يخضر ماؤه فيقول أهل مصر توحم النيل ويرون أن الشرب منه مضر. وسبب ذلك أن البطيحات المتقدم ذكرها اذا تناقص النيل عن الزيادة ينقطع عنه الامداد من المياه فيتغير ماؤه من لونه ويخضر فاذا زاد النيل ساق تلك المياه القديمة التى هى فى أعالى النيل التى كانت راكدة فيقول العوام قد توحم البحر. وقيل فى المعنى:
عجب لنيل ديار مصر لانه ... عجب اذا فكرت فيه يعظم
يطأ الاراضى فهى تلقح دائما ... من مائة وهو الذى يتوحم
ومن عجائب النيل أن فيه فرس البحر قال عبد الله بن أحمد الاسرائيلى ان فرس البحر فى غلظ الجاموس قصيرة القوائم ولها أخفاف وهى فى ألوان الخيل ولها معرفة وأذنان صغيرتان كأذنى الخيل ولها ذيل مثل ذيل الجاموس ولها صهيل كالخيل ولها أنياب كأنياب السباع ولها حافر مشقوق كحافر البقر واذا ظفرت بالتمساح تأكله واذا طلعت الى البر يحصل منها الضررالشامل لاهل النواحى فترعى الزروع فاذا حصل منها ضرر ولازمت تلك الجهات يطرح لها أهل القرى شيئا من الترمس فى الموضع الذى تطلع منه فتأكله وتعود الى الماء فاذا شربت ربا ذلك الترمس فى جوفها فتنتفخ فتموت وتعلو على وجه الماء وقيل ان المكان الذى تسكن فيه لا يقيم به التمساح وأكثر ما ترى فرس البحر فى دنقله وأسوان من جهات الصعيد قال الكندى ان النيل أشرف أنهار الارض فانه سقى عدة أقاليم من ديار مصر وماؤه أفضل المياه وبذلك يشهد جماعة من الحكماء منهم ابن سينا وابن نفيس وذكروا أن ماؤه يهضم كل المياه الرديئة ويقوى المعدة لانه يمر على أرض الذهب وقال بعضهم الشرب من ماء النيل ينسى الغريب الوطن وأعظم من هذا كله ما جاءت به أخبار الشريعة ان منبعه من الجنة من تحت سدرة المنتهى وقد ورد بذلك أخبار نبوية قال الشيخ زين الدين ابن الوردى
ديار مصر هى الدنيا وساكنها ... هم الانام فقابلها بتفضيل
يامن يباهى ببغداد ودجلتها ... مصرمقدمة والشرح للنيل
انتهى ما أوردناه من ذكر الانهار وذلك على سبيل الاختصار
ذكر أخبار الجبال(1/19)
قال الشيخ أبو الفرج عبد الرحمن بن الجوزى ان الذى عرف من الجبال فى سائر أقاليم الدنيا مائة وثمانية وتسعون جبلا فالمشهور منها ما سنذكره دون غيره من الجبال أخرج ابن أبى الدنيا فى كتاب الورع ان أول جبل وضع على وجه الارض جبل أبى قبيس الذى بمكة وقال الواقدى ان جبل قاف أبو الجبال كلها وقد جعل الله تعالى لكل جبل من جبال الدنيا عروقا متصلة به. روى فى بعض الاخبار أن الله تعالى وكل بجبل قاف ملكا عظيم الخلقة يقال له قاف فاذا أراد الله تعالى زلزلة فى الارض أو خسف ناحية أمر ذلك الملك الموكل بجبل قاف أن يحرك عرقا من عروقه فاذا حركه تزلزلت تلك الارض أو خسف بها. وقال ابن عباس رضى الله عنهما ان جبل قاف محيط بالدنيا وهو جبل عظيم لا يعلم قدره الا الله تعالى وقد أقسم به فى القرآن العظيم فقال عز من قائل (ق والقرآن المجيد) قال كعب الاحبار رضى الله عنه ان خلف جبل قاف سبعين ألف أرض من فضة ومثلها من حديد ومثلها من مسك وهى مشرقة بالنور وسكانها ملائكة ولا يرى فيها قمر ولا شمس ولا حر ولا برد طول كل أرض عشرة آلاف سنة وخلف ذلك بحار من ظلمة وخلف ذلك حجاب من ريح وخلف ذلك حية عظيمة محيطة بجميع الدنيا تسبح الله تعالى الى يوم القيامة. وروى فى بعض الاخبار عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال خلق الله تعالى أرضا بيضاء مثل الفضة وهى قدر الدنيا ثلاثين مرة وبها أمم كثيرة لا يعصون الله طرفة عين قالت الصحابة يارسول الله أمن ولد آدم هم قال لا يعلمهم غير الله ليس لهم علم بآدم قالوا يارسول الله فأين ابليس منهم فقال ولا يعلمون بأبليس ثم تلا قوله تعالى (ويخلق ما لاتعلمون) قال وهب بن منبه ان بالقرب من جبل قاف أرضا رجراجية لا تستقر عليها الاقدام وبها صنم من نحاس وهو ماد يده الى ورائه كأنه يقول ليس ورائى مسلك ويقال ان ذا القرنين وصل الى تلك الأرض فى سبعين ألفا من عسكره فماتوا جميعا. وأما جبل الجودى الذى رست عليه سفينة نوح عليه السلام فانه من جبال الموصل وقد روى فى بعض الاخبار ان الله تعالى أوحى الى الجبال أترسو السفينة على جبل منكن فتشامخت الجبال كلها الا جبل الجودى فانه تواضع وخر ساجدا لله تعالى فأرسى الله السفينة عليه ويقال ان حجارة الكعبة نقلت من جبل الجودى حتى يصير ثقله فى ميزان من يحج. وأما جبل الراهون وهو الذى أهبط عليه آدم عليه السلام لما أخرج من الجنة ويروى أن فى هذا الجبل أثر أقدام آدم وهى مغموسة فى الحجر وطولها نحو عشرة أذرع ويرى على هذا الجبل نور ساطع يشبه البرق لا يزال ليلا ونهارا وهو محيط بأرض الهند مشرف على وادى سرنديب وان أهل هذه الناحية أقوام يقال لهم البرهت يقرون بالله تعالى ويجحدون الأنبياء وهم عراة الاجسام ولهم شعور تغطى عوراتهم وطعامهم من أشجار تلك الناحية وشرابهم من عيون هناك. وبهذا الجبل دابة تسمى الكركند وهى مشهورة به وبهذا الجبل معدن الياقوت الاحمر والاصفر والازرق وبه حجر الماس وحجر السنبادج وغير ذلك من المعادن الفاخرة وبتلك الأرض أنواع الطيب كالسنبل والقرنفل وغير ذلك من العطر الطيب. ويقالان الياقوت حصى ذلك الجبل وينحدر منه بالسيول وفيه تعشش النسور فاذا لم ينحدر منه شئ بالسيول يذبح أهل تلك النواحى شيئا من الحيوانات ويسلخون جلده ثم يقطعون لحمه قطعا كبارا ويتركونها تحت ذيل الجبل فتأتى اليها النسور فترفع ذلك اللحم وتنزل به على الجبل عند أوكارها فاذا وضعته على الأرض تعلق به حصى الياقوت ثم تأتى اليه نسور أخرى فتخطفه وتطير به إلى أرض أخرى فتضعه فيلتقط حصى ثم تخطفه نسور أخرى فربما هى طائرة به يقع منه حصى إلى أسفل الجبل فيلتقط الحصى المراقبون له وهذا الجبل شاهق فى الهواء صعب المسالك جدا وبأرضه حيات عظيمة تبتلع الجمل والفرس والآدمى فاذا ثقل فى بطنها عمدت إلى أصل شجرة والتوت عليها فتقذف ما فى باطنها وقال ارسطاطا ليس ان فى بحر الهند جبلا اذا قربت السفن من هذا الجبل تناثرت مسامير الحديد التى فيها جميعا وتأتى فتلصق بهذا الجبل وهذا من سر حجارة المغناطيس فان الحديد يجذبه حجر المغناطيس جذبا قويا وأما جبل القمر فقد تقدم ذكره فى أخبار النيل وأما جبل الفتح فببلاد التتر يسكنه أمم من قبائل التتر نحو سبعين أمة لكل أمة لسان وهو جبل عال وفيه مغاور وشعاب وأودية ومفاوز انتهى ذلك.(1/20)
ومنن(1/21)
العجائب أن ببلاد سمرقند جبلا فيه أعجوبة وهى مغارة يدخلها الناس ويمشون تحت الأرض مقدار ساعة فيجدون الفضاء وفى ذلك المكان بحيرة عذبة الماء وحول تلك البحيرة أناس قاطنون وفى ذلك المكان مسجد وكنيسة فاذا كان الداخل مسلما أتوا به الى المسجد وان كان نصرانيا أتوا به الى الكنيسة وفى ذلك المكان مغارة فيها جماعة موتى قد صاروا جلودا على عظام وهم على هيئتهم لم يتغير من محاسنهم شى وعليهم أقبية من القطن وكفوفهم مفتوحة كأنهم يصافحون بها من أتى اليهم وعلى رؤسهم عمائم وهم قيام وظهورهم الى حائط المغارة فمنهم جماعة على وجوههم أثر ضرب بالسيوف وفى أجسادهم أثر الطعن بالرماح وفيهم الطويل والقصير والابيض والاسمر وهناك تابوت فيه امرأة وعلى صدرها صبى صغير وحلمة ثديها فى فمه وهناك سرير وعليه اثنا عشر رجلا وهم نيام على ظهورهم وبينهم صبى مخضبة بالحناء يداه ورجلاه ولم يثبت لهؤلاء القوم خبر ولم يعلموا من أى طائفة هم فمن الناس من يقول انهم من شهداء المسلمين قتلوا فى زمن عيسى ابن مريم عليه السلام ومنهم من يقول انهم قتلوا فى زمن عمر بن الخطاب رضى الله عنه وذكر أهل تلك الناحية أن فى كل سنة يكسونهم الاثواب من القطن ويحلقون رؤسهم ويقلمون أظافرهم وهم عظام عليها جلود ولا أرواح فيها. وأما جبل كورة رسم من أعمال الشرق ففيه أعجوبتان وهما أن فيه غارا اذا دخل فيه انسان وجد فى ذلك الغار حزمة من الحطب فيها قضبان عددها خمسة عشر قضيبا لا يعلم من أى الاخشاب هى فاذا أخذ تلك الحزمة انسان وخرج بها من الغار سقطت أخرى غيرها فى الحال فهى على ذلك لا تنقطع على ممر الزمان ولو تكرر أخذها فى النهار مرارا سقط بدل ما أخذ. والاعجوبة الأخرى أن به مغارة أخرى فيها عظم ميت وهو واقف فى المغارة فيأتى اليه انسان فيضعه على الأرض ممدودا ثم يلتفت فيراه واقفا كما كان أولا ثم يخرج به من المغارة ويبعد به عن ذلك المكان مسافة بعيدة ويضعه فى البرية ملقى على الأرض ثم يسوق فرسه مشوارا واحدا ويجئ الى تلك المغارة فيجده قدسبقه الى تلك المغارة وهو واقف كما كان فيها أولاد أهل تلك الناحية يسمونه الشهيد اه ذلك وأما جبال مكة فمنها جبل حراء وجبل ثور الذي به الغار وجبل ثبيرو وجبل مفرح الذي بالمدينة وجبل حنين وجبل عرفات وجبل المنحنى وغير ذلك من الجبال. ومن العجائب أن جبلا بمدينة آمد فيه صدع من أولج سيفه فيه ثم قبض عليه بجميع يديه يضطرب السيف ويرتعد صاحب السيف ولو كان صاحب السيف أشد الناس قوة. وأما جبل قافونا فمبدؤه من كثف السد الذي على يأجوج ومأجوج وينتهي ألى أرض الصين. وأما جبل المجرد فهو عند بحر الظللمات ومن عجائبه أن به أناسا أعينهم فى مناكبهم وأفواههم في صدورهم وليس لهم أكل سوى السمك ويقال ان عندهم بذلك الجبل بذرا اذا بذروه عنهدهم ينبت حملامثل الخرفان فاذا بلغ النبت وجدوه بذلك الحمل روحا فاذا صار له شهران خرجت الروح منه فاذا ذبحوه وأكلوه لم يحدوا فيه طعم اللحم وليس فيه دسم . وصفة الخروف عندهم يكون على قدر القط وليس على جسده صوف . وأما جبل بكر سقانا فمبدؤه من خلف بلاد التكرور وهذا الجبل يأوى اليه الوحوش الكواسر مثل السبع والكركند. وأما جبل اللكان فبأرض دمشق ومبدؤه من مكة أو المدينة وهذا الجبل يسمى هناك مفرح ثم يمتد من هناك حتى يتصل بدمشق ويسمى بدمشق جبل لبنان وجبل الثلج ويمتد هذا الى انطاكية والمصيص ويصل الى بحيرة طبرستان عند باب الايوان ويمتد منه طرف الى صفدو والمتصل منه بدمشق والمطل عليها يسمى بجبل قيسون ثم يتصل الى بعلبك ويسمى هناك بجبل لبنان ثم يمتد الى طرابلس والى حصن الاكراد ويتصل الى حمص من غربيها ويسمى في تلك الجهة بجبل اللكان ولا يزال هذا الجبل يمتد الى أن يتصل بجبال الروم ويقال ان هذا الجبل يأوى اليه القاتم وهو شئ يشبه الفيران يتربى فى الثلج فيصيدونه بالشرك ونقل صاحب المبدأ أن ببعض نواحي دمشق جبلا لطيفا ينبت فيه نبات يشبه الريحان اذا وقف عنده انسان ونظر اليه وأنشد هذين البيتين يتمايل هذا النبات كتمايل من حصل له طرب يذكر حبيبه وهما هذان البيتانلعجائب أن ببلاد سمرقند جبلا فيه أعجوبة وهى مغارة يدخلها الناس ويمشون تحت الأرض مقدار ساعة فيجدون الفضاء وفى ذلك المكان بحيرة عذبة الماء وحول تلك البحيرة أناس قاطنون وفى ذلك(1/22)
المكان مسجد وكنيسة فاذا كان الداخل مسلما أتوا به الى المسجد وان كان نصرانيا أتوا به الى الكنيسة وفى ذلك المكان مغارة فيها جماعة موتى قد صاروا جلودا على عظام وهم على هيئتهم لم يتغير من محاسنهم شى وعليهم أقبية من القطن وكفوفهم مفتوحة كأنهم يصافحون بها من أتى اليهم وعلى رؤسهم عمائم وهم قيام وظهورهم الى حائط المغارة فمنهم جماعة على وجوههم أثر ضرب بالسيوف وفى أجسادهم أثر الطعن بالرماح وفيهم الطويل والقصير والابيض والاسمر وهناك تابوت فيه امرأة وعلى صدرها صبى صغير وحلمة ثديها فى فمه وهناك سرير وعليه اثنا عشر رجلا وهم نيام على ظهورهم وبينهم صبى مخضبة بالحناء يداه ورجلاه ولم يثبت لهؤلاء القوم خبر ولم يعلموا من أى طائفة هم فمن الناس من يقول انهم من شهداء المسلمين قتلوا فى زمن عيسى ابن مريم عليه السلام ومنهم من يقول انهم قتلوا فى زمن عمر بن الخطاب رضى الله عنه وذكر أهل تلك الناحية أن فى كل سنة يكسونهم الاثواب من القطن ويحلقون رؤسهم ويقلمون أظافرهم وهم عظام عليها جلود ولا أرواح فيها. وأما جبل كورة رسم من أعمال الشرق ففيه أعجوبتان وهما أن فيه غارا اذا دخل فيه انسان وجد فى ذلك الغار حزمة من الحطب فيها قضبان عددها خمسة عشر قضيبا لا يعلم من أى الاخشاب هى فاذا أخذ تلك الحزمة انسان وخرج بها من الغار سقطت أخرى غيرها فى الحال فهى على ذلك لا تنقطع على ممر الزمان ولو تكرر أخذها فى النهار مرارا سقط بدل ما أخذ. والاعجوبة الأخرى أن به مغارة أخرى فيها عظم ميت وهو واقف فى المغارة فيأتى اليه انسان فيضعه على الأرض ممدودا ثم يلتفت فيراه واقفا كما كان أولا ثم يخرج به من المغارة ويبعد به عن ذلك المكان مسافة بعيدة ويضعه فى البرية ملقى على الأرض ثم يسوق فرسه مشوارا واحدا ويجئ الى تلك المغارة فيجده قدسبقه الى تلك المغارة وهو واقف كما كان فيها أولاد أهل تلك الناحية يسمونه الشهيد اه ذلك وأما جبال مكة فمنها جبل حراء وجبل ثور الذي به الغار وجبل ثبيرو وجبل مفرح الذي بالمدينة وجبل حنين وجبل عرفات وجبل المنحنى وغير ذلك من الجبال. ومن العجائب أن جبلا بمدينة آمد فيه صدع من أولج سيفه فيه ثم قبض عليه بجميع يديه يضطرب السيف ويرتعد صاحب السيف ولو كان صاحب السيف أشد الناس قوة. وأما جبل قافونا فمبدؤه من كثف السد الذي على يأجوج ومأجوج وينتهي ألى أرض الصين. وأما جبل المجرد فهو عند بحر الظللمات ومن عجائبه أن به أناسا أعينهم فى مناكبهم وأفواههم في صدورهم وليس لهم أكل سوى السمك ويقال ان عندهم بذلك الجبل بذرا اذا بذروه عنهدهم ينبت حملامثل الخرفان فاذا بلغ النبت وجدوه بذلك الحمل روحا فاذا صار له شهران خرجت الروح منه فاذا ذبحوه وأكلوه لم يحدوا فيه طعم اللحم وليس فيه دسم . وصفة الخروف عندهم يكون على قدر القط وليس على جسده صوف . وأما جبل بكر سقانا فمبدؤه من خلف بلاد التكرور وهذا الجبل يأوى اليه الوحوش الكواسر مثل السبع والكركند. وأما جبل اللكان فبأرض دمشق ومبدؤه من مكة أو المدينة وهذا الجبل يسمى هناك مفرح ثم يمتد من هناك حتى يتصل بدمشق ويسمى بدمشق جبل لبنان وجبل الثلج ويمتد هذا الى انطاكية والمصيص ويصل الى بحيرة طبرستان عند باب الايوان ويمتد منه طرف الى صفدو والمتصل منه بدمشق والمطل عليها يسمى بجبل قيسون ثم يتصل الى بعلبك ويسمى هناك بجبل لبنان ثم يمتد الى طرابلس والى حصن الاكراد ويتصل الى حمص من غربيها ويسمى في تلك الجهة بجبل اللكان ولا يزال هذا الجبل يمتد الى أن يتصل بجبال الروم ويقال ان هذا الجبل يأوى اليه القاتم وهو شئ يشبه الفيران يتربى فى الثلج فيصيدونه بالشرك ونقل صاحب المبدأ أن ببعض نواحي دمشق جبلا لطيفا ينبت فيه نبات يشبه الريحان اذا وقف عنده انسان ونظر اليه وأنشد هذين البيتين يتمايل هذا النبات كتمايل من حصل له طرب يذكر حبيبه وهما هذان البيتانلمكان مسجد وكنيسة فاذا كان الداخل مسلما أتوا به الى المسجد وان كان نصرانيا أتوا به الى الكنيسة وفى ذلك المكان مغارة فيها جماعة موتى قد صاروا جلودا على عظام وهم على هيئتهم لم يتغير من محاسنهم شى وعليهم أقبية من القطن وكفوفهم مفتوحة كأنهم يصافحون بها من أتى اليهم وعلى رؤسهم عمائم وهم قيام وظهورهم الى حائط المغارة فمنهم جماعة على وجوههم أثر ضرب بالسيوف وفى أجسادهم أثر الطعن بالرماح وفيهم الطويل والقصير والابيض والاسمر وهناك تابوت فيه امرأة وعلى صدرها صبى صغير وحلمة ثديها فى فمه وهناك سرير وعليه اثنا عشر رجلا وهم نيام على ظهورهم وبينهم صبى مخضبة بالحناء يداه ورجلاه ولم يثبت لهؤلاء القوم خبر ولم يعلموا من أى طائفة هم فمن الناس من يقول انهم من شهداء المسلمين قتلوا فى زمن عيسى ابن مريم عليه السلام ومنهم من يقول انهم قتلوا فى زمن عمر بن الخطاب رضى الله عنه وذكر أهل تلك الناحية أن فى كل سنة يكسونهم الاثواب من القطن ويحلقون رؤسهم ويقلمون أظافرهم وهم عظام عليها جلود ولا أرواح فيها. وأما جبل كورة رسم من أعمال الشرق ففيه أعجوبتان وهما أن فيه غارا اذا دخل فيه انسان وجد فى ذلك الغار حزمة من الحطب فيها قضبان عددها خمسة عشر قضيبا لا يعلم من أى الاخشاب هى فاذا أخذ تلك الحزمة انسان وخرج بها من الغار سقطت أخرى غيرها فى الحال فهى على ذلك لا تنقطع على ممر الزمان ولو تكرر أخذها فى النهار مرارا سقط بدل ما أخذ. والاعجوبة الأخرى أن به مغارة أخرى فيها عظم ميت وهو واقف فى المغارة فيأتى اليه انسان فيضعه على الأرض ممدودا ثم يلتفت فيراه واقفا كما كان أولا ثم يخرج به من المغارة ويبعد به عن ذلك المكان مسافة بعيدة ويضعه فى البرية ملقى على الأرض ثم يسوق فرسه مشوارا واحدا ويجئ الى تلك المغارة فيجده قدسبقه الى تلك المغارة وهو واقف كما كان فيها أولاد أهل تلك الناحية يسمونه الشهيد اه ذلك وأما جبال مكة فمنها جبل حراء وجبل ثور الذي به الغار وجبل ثبيرو وجبل مفرح الذي بالمدينة وجبل حنين وجبل عرفات وجبل المنحنى وغير ذلك من الجبال. ومن العجائب أن جبلا بمدينة آمد فيه صدع من أولج سيفه فيه ثم قبض عليه بجميع يديه يضطرب السيف ويرتعد صاحب السيف ولو كان صاحب السيف أشد الناس قوة. وأما جبل قافونا فمبدؤه من كثف السد الذي على يأجوج ومأجوج وينتهي ألى أرض الصين. وأما جبل المجرد فهو عند بحر الظللمات ومن عجائبه أن به أناسا أعينهم فى مناكبهم وأفواههم في صدورهم وليس لهم أكل سوى السمك ويقال ان عندهم بذلك الجبل بذرا اذا بذروه عنهدهم ينبت حملامثل الخرفان فاذا بلغ النبت وجدوه بذلك الحمل روحا فاذا صار له شهران خرجت الروح منه فاذا ذبحوه وأكلوه لم يحدوا فيه طعم اللحم وليس فيه دسم . وصفة الخروف عندهم يكون على قدر القط وليس على جسده صوف . وأما جبل بكر سقانا فمبدؤه من خلف بلاد التكرور وهذا الجبل يأوى اليه الوحوش الكواسر مثل السبع والكركند. وأما جبل اللكان فبأرض دمشق ومبدؤه من مكة أو المدينة وهذا الجبل يسمى هناك مفرح ثم يمتد من هناك حتى يتصل بدمشق ويسمى بدمشق جبل لبنان وجبل الثلج ويمتد هذا الى انطاكية والمصيص ويصل الى بحيرة طبرستان عند باب الايوان ويمتد منه طرف الى صفدو والمتصل منه بدمشق والمطل عليها يسمى بجبل قيسون ثم يتصل الى بعلبك ويسمى هناك بجبل لبنان ثم يمتد الى طرابلس والى حصن الاكراد ويتصل الى حمص من غربيها ويسمى في تلك الجهة بجبل اللكان ولا يزال هذا الجبل يمتد الى أن يتصل بجبال الروم ويقال ان هذا الجبل يأوى اليه القاتم وهو شئ يشبه الفيران يتربى فى الثلج فيصيدونه بالشرك ونقل صاحب المبدأ أن ببعض نواحي دمشق جبلا لطيفا ينبت فيه نبات يشبه الريحان اذا وقف عنده انسان ونظر اليه وأنشد هذين البيتين يتمايل هذا النبات كتمايل من حصل له طرب يذكر حبيبه وهما هذان البيتان(1/23)
يا ساكنا بالجبل البلقع ... ويا ديار الظاعنين اسمعي
ما هي ديارى ولكنها ... ديار من أهوى فنوحي معي(1/24)
قيل ان الناس يقصدونه وقت القائلة في شدة الحر وليس في الجو هواء ويذكرون عنده هذين البيتين فيرون من التمايل وإن لم ينشده فهو ساكن لا يتحرك وهذا من العجائب وأعجب من هذه الحكاية ماذكره وصيف شاه فى اخبار مصر أن بنواحي الصعيد شجرة اذا وضع أحد يدة عليها وقال يا شجرة العباس جاءك الناس تجمع أوراقها وتشرع فى الذبول واذا قال لها عفوانا عنك ترجع الى ما كانت عليه من الحسن والنضارة وهذه الشجرة تشبه شجرة السنط مستديرة الأوراق بهية المنظر . وأما جبل طور سيناء فقيل هو بالقرب من عقبة ايليا ويقال ان به قبر هارون أخي موسى عليهما السلام. وجبل من جهات الصعيد فيه عدة جبال كبار وصغار يوجد فيها مقاطع الرخام السماقى واللازوردي والفستقي والابيض والكهرماني ويقال في البهنسا جبل فيه مغاور يوجد فيها الزمرد الديابى . قال المسعودى ليس فى الدنيا يوجد معدن الزمرد الديابى الا بمصر فى نواحي البهنسا ولم يزل هذا المعدن يوجد هناك الى أوائل قرن المائة السابعة ثم انقطع وجوده من هناك وأما الجنادل فهما جبلان صغيران والنيل يشق بينهما فيسمع له هناك دوى عظيم وذلك المكان لا تسلكه المراكب الكبار وهو الفارق بين سفن الحبشة وسفن المسلمين ويعرف بالجنادل والصخور كما تقدم ذكره. وأما جبل الطير فهو بصعيد مصر فى ضيعة يقال لها أشمون مطل على بحر النيل وفيه أعجوبة لم يسمع بمثلها فى سائر البلدان وذلك أنه فى آخر فصل الربيع فى يوم معلوم من السنة تأتى اليه طيور كثيرة هى بلق سود الرقاب مطوقات بالبياض وفى أصواتها بحة واذا طارت ملأت الآفاق ويقال لها طيور البح فيصعدون مكانا فى هذا الجبل فينفرد منا طائر فيضرب بمنقاره فى ذلك المكان فان تعلق منقارة فى ذلك الشعب وقبض عليه تفرقت عنه بقيه الطيور وان لم يتعلق ذلك الطير تقدم غيره بمنقاره فان تعلق والا تأخر ويتقدم غيره فلا يزال يتقدم واحد بعد واحد حتى يتعلق واحد فأن تعلق نفرت الطيور كلها وذهبت الى حال سبيلها فلا يزال ذلك الطائر معلقا بمنقاره حتى يموت ويضمحل فيقع على الأرض وهذا دأب تلك الطيور فى كل سنة وهذه الواقعة مشهورة فى تلك البلاد وحكى أنه فى بعض السنين تعلق طائر بمنقاره ثم سقط فلما رأته الطيور جعلت تضربه بمناقيرها وتسوقه الى أن جاء الى الشعب وضربه بمنقاره فتعلق كا كان حتى مات وهذه من العجائب. وقيل اذا كانت السنة مخصبة جيدة يتعلق اثنان واذا كانت متوسطة يتعلق واحد واذا كانت مجدبة لم يتعلق شئ. وأما جبل المقطم فان أوله بالمشرق من نواحي بلاد الصين ويمر من بلاد التتر حتى يأتى الى مدينة فرغانة والى جبال التيم ويتصل بجبال القلزم من جهة أخرى قال بعض العلماء انما سمى بالمقظم لأن المقطم مأخوذ من القطم وهو القطع لأنه مقطوع من النبات والأشجار فلذلك سمى المقطم وروى عن الامام الليث بن سعد رضى الله عنه أنه قال لما قدم عمرو بن العاص الى مصر عند فتحها فلما فتحها سار يوما الى سفح الجبل المقطم وكان صحبته المقوقس عزيز القبط صاحب مصر فقال له عمرو بن العاص ما بال جبلكم هذا أقرع ليس به أشجار ولا نبات فقال له المقوقس ان فى كتبنا القديمة أنه كان أكثر الجبال نباتا وأشجارا فلما كانت الليلة التى ناجى موسى ربه فيها أوحى الله الى الجبال انى مكلم نبيا من الانبياء على واحد منكم فعند ذلك شمخت الجبال كلها الا جبل بيت المقدس فانه تصاغر فأوحى الله الية لم فعلت ذلك فقال اعظاما واجلالا لك يا رب فأمر الله تعالى الجبال أن تمده مما عليها من الاشجار فجاد له الجبل المقطم بجميع ما كان عليه من الاشجار والنبات وكان أكثر الجبال أشجارا ونباتا فأوحى الله تعالى اليه انى معوضك على فعلك وودك بغرس الجنة وهم المؤمنون من أمة محمد صلى الله عليه وسلم. ويروى أن كعب الاحبار رضى الله عنه قال لرجل من أصحابه يريد التوجه الى مصر فإذا جئت الى بيت المقدس فاصحب لى معك شيئا من تراب الجبل المقطم ففعل الرجل ذلك فلما دفع اليه تراب المقطم وضعه فى جراب وجعله عنده وأوصاه أنه اذا مات بفرش ذلك التراب فى قبره للتبرك فلما مات وضعوا التراب فى قبره وأما الجبل الاحمر فانه متصل بالجبل المقطم مطل على القاهرة من شرقيها ويعرف بالجبل اليحموم واليحموم عند العرب الأسود وقال الكندي ان بمصر ثلاثة جبال صغارا تسمى الشرف أحدهما الذى وضعت عليه(1/25)
القلعة وسميت قلعة الجبل وهو من جملة الجبل المقطم والثاني الذى وضع عليه جامع أحمد بن طولون ويسمى يشكر ويقال ان موسى ناجى ربه عليه. والجبل الثالث وهو المطل على بركة الحنش الذى وضع عليه الرصد فعرف به. وأما جبل الكبش فهو الذي عند الجسر الأعظم وكان قديما يشرف على بحرالنيل وهو متصل بجبل يشكر وأنما سمى بجبل الكبش لان الصحابه لما نزلت بأرض مصر سار كبش وهو رجل من الصحابة الى ذلك الجبل ونزل فيه وحده فمن ذلك سمى جبل الكبش . وأما جبل لوقا وهو غربي مصر قليل الارتفاع وبعضه غير متصل ببعض والمسافة بينهما تضيق فى مكان وتتسع فى مكان وهذا الجبل أقرع مثل جبل المقطم لا نبات به وماؤه مالح ويجفف ما يدفن فيه من بنى أدم انتهى ما أوردناه من من أخبار الجبال وذلك على سبيل الاختصار وسميت قلعة الجبل وهو من جملة الجبل المقطم والثاني الذى وضع عليه جامع أحمد بن طولون ويسمى يشكر ويقال ان موسى ناجى ربه عليه. والجبل الثالث وهو المطل على بركة الحنش الذى وضع عليه الرصد فعرف به. وأما جبل الكبش فهو الذي عند الجسر الأعظم وكان قديما يشرف على بحرالنيل وهو متصل بجبل يشكر وأنما سمى بجبل الكبش لان الصحابه لما نزلت بأرض مصر سار كبش وهو رجل من الصحابة الى ذلك الجبل ونزل فيه وحده فمن ذلك سمى جبل الكبش . وأما جبل لوقا وهو غربي مصر قليل الارتفاع وبعضه غير متصل ببعض والمسافة بينهما تضيق فى مكان وتتسع فى مكان وهذا الجبل أقرع مثل جبل المقطم لا نبات به وماؤه مالح ويجفف ما يدفن فيه من بنى أدم انتهى ما أوردناه من من أخبار الجبال وذلك على سبيل الاختصار
ذكر عجائب البلدان وما فيها من الحكم(1/26)
قال القضاعى ان من البلدان العجيبة مدينة رومية. قيل أن دورها عشرون فرسخا وعليها ثمانية أسوار من الحجارة الصوان المانع وهى على جبل داخل البحر المالح وهو محيط بها ويقال أن الجن بنتها لسليمان بن داود عليهما السلام وحول هذه المدينة خندق من النحاس عمقه أربعون ذراعا وعرضه مثل ذلك وعليه ألواح من نحاس كهيئة الطوارق طول كل لوح خمسون ذارعا وعرضه عشرون ذراعا فى غلظ ذراعين وجعلوا من أول هذه المدينة الى أخرها أعمدة من النحاس الاصفر وعلى تلك الأعمدة مجراة من النحاس قدر الخليج يجرى فيها الماء وبهذه المدينة أربعمائة منارة من الذهب الاحمر طول كل منارة مائة ذراع وهى حول الكنيسة الكبيرة وبها مكان مربع وعليه درابزين من الذهب ويقولون ان به ملكا من الملائكة مقيما فى ذلك المكان لا يبرح عنه أبدا وبها جثة بطرس وبولص من جوارى عيسى ابن مريم عليهم السلام وهما فى توابيت من ذهب معلقة بسلاسل من فضة فى هذه الكنيسة وقد كان حولها ألف ومائتا كنيسة يسكنها الرهبان فى مواضع بها لهذه الكنيسة ثمانية وعشرون بابا وهى مصفحة بصفائح الذهب والفضة وفى دوائرها ألف شباك من النحاس الأصفر خارجا عن الابواب الآبنوس وفيها مائدة سليمان بن داود عليهما السلام وهى من الزمرد الأخضر وطولها ذراعان وعرضها ذراع وهى محمولة على أثنى عشر تمثالا من الذهب بأعين من الياقوت الأحمر وهى تتقد كالشمس وأما صفة هذه المدينة فأسواقها وشوارعها مبلطة بالرخام الابيض وبها حجارة مكتوب عليها بقلم العبراني فاذا جعلوا تحتها قمحا طحنته بدوران سريع فيصير دقيقا فاذا فرغ القمح بطلت حركتها. وبها أيضا من العجائب فى ليلة الشعانين ينفتح فى الكنيسة الكبرى كوة فيخرج منها تراب أبيض ولا يزال يخرج الى الصباح فاذا طلع الفجر انقطع التراب ومن خاصية هذا التراب أنه ينفع للملسوع فيفرقونه للاجر فاذا بيع بطل نفعه وكان بها من العجائب صخرة من رخام أخضر عليها كتابة بالقلم القديم فمن أراد أن يعلم حال الغائب أو المسافر أو الباقى يجئ الى تلك الصخرة وينام عليها فيرى فى منامه جميع ما يكون من حال الغائب وغيره. وكان بها من العجائب حجر اذا وضع عليه الانسان يده تقايأ كل ما في جوفه فما دامت موضوعه فهو يتقايأ فأن لم يرفع يده عند كفايته خرجت أمعاؤه فيموت. وكان بها من العجائب شجرة من نحاس أصفر وعليها هيئة طائر من نحاس فاذا كان أوان الزيتون صفر ذلك الطائر النحاسي صفيرا عاليا فيأتى اليه زرزور فى الدنيا وفى كل رجل من رجليه زيتونه وفى منقارة زيتونه فيضعونه على سطح الكنيسة الكبرى فتجمع الرهبان من ذلك الزيتون شيئا كثيرا فيعصرونه ويخرجون زيته فيكفيهم من العام للعام وقيدوا وأكلا. وقيل كانوا اذا ادخروا فيها الغلال دهرا طويلا لا تتغير لانها مبنية فى مكان معتدل جدا غير وخيم وأما أخبار مدينة الاسكندرية فقال المسعودى هذه المدينة من أعظم مدائن الدنيا قد بنيت بعد الطوفان على يد مصرايم بن بيصر بن حام بن نوح عليه السلام ثم خرجت بعد ذلك فبنتها الملكة رقود ثم خربت بعد ذلك فبناها الاسكندر ذو القرنين فعرفت به. قال ابن الحكم فى أخبار مصر بناها الاسكندر بن قلتش المقدونى وكان من اليونان وقيل بناها شداد بن عاد والأقوال فى ذلك كثيرة وقال بعض المفسرين ان الاسكندرية هى ارم ذات العماد التى ذكرت فى القرآن العظيم وقيل انها بنيت فى ثلاثمائة سنة وسكنت ثلاثمائة سنة وخربت ثلاثمائة سنة وقال ابن وصيف شاه بنيت الاسكندرية ثلاث طبقات بعضها فوق بعض وهى اثنا عشر فرسخا في مثل ذلك وأقام لبنائها ألف صانع وعمل فيها مسارب بقناطر تتصل الى بحر النيل قال ابن الحكم لما أرادوا أن يبنوا أساس الاسكندرية كان يخرج اليهم من البحر صورعلى صفة السباع والذئاب والكلاب والخنازير وغير ذلك فيهدمون تحت الليل ما تبنيه الرجال بالنهار فلما أعيا الملوك ذلك حضر اليهم بعض الحكماء وعمل أشباه تلك الصور التى تطلع من البحر فلما خرجت تلك الصور رأت مثل صورها مقابلها فهربت منها ولم تعد بعد ذلك قال ابن عبد الحكم أقامت الاسكندرية سبعين سنة لا يقدر أحد أن يدخلها الا وعلى عينيه شعرية أو خرقة زرقاء من شدة بياض حيطانها فانها كانت تخطف الابصار وكان لا يوقد بها سراج فى الليالي المقمرة وكانت عمارتها ممتدة من رمال رشيد الى برقة ويسير المركب(1/27)
فىى ظل الأشجار مستترا من حر الشمس ويقال أن أهلها أكثر الناس أعمارا لصحة هوائها وطيب أرضها ولم تزل الاسكندرية على ذلك حتى فتحها عمرو بن العاص قال المسعودي اختلف المؤرخون فيمن بنى المنارة فقيل انه الاسكندر بن قلتش الرومي وقيل الملكة رقود وقيل الذي بنى رومية بنى المنارة وقيل الاسكندر ذو القرنين. قال أبن وصيف شاه كان الاسكندر بن قلتش من اليونانين وكان رأسه قد القبة العظيمة وكان طول أنفه ثلاثة أذرع فلما بنى هذه المنارة جعلها على كرسى من الزجاج وهو كهيئة الجبل وهو فى جوف البحر وكان طول هذه المنارة فى الزمن القديم ألف ذراع ثم خربت حتى بقى منها مائتان وثمانون ذراعا وقد بنى فى أعلاها تماثيل من نحاس منها تمثال يدور مع الشمس حيث دارت ومنها تمثال يشير بيده الى البحر فاذا وصل عدو الى البلد وصار قريبا منها يسمع لذلك التمثال صوت عال فيعلم أهل المدينة أن العدو صار قريبا منهم فيستعدون لقتاله وكانت هذه المنارة مبنية بحجارة من الصوان وبينها شئ من الرصاص المذاب وقد جعلوا فى هذه المنارة ثلاثمائة بيت بعضها فوق بعض وكانت الدبة تصعد الى تلك البيوت وهى محملة مما يحتاجه اليه أهل تلك البيوت وكان لهذه البيوت طاقات تشرف على البحر الرومى وكان الغريب اذا دخلها يضل فيها لكثرة بيوتها وطبقاتها وقيل ان جماعة دخلوها فضل فيها أحدهم فلم يقدر على الخروج ومات جوعا وكان بها مرابطون لاجل الجهاد لا يبرحون عنها وكان لأهل تلك المدينة يوم مشهود يسمونه يوم العدس فيجتمعون فيه عند المارة ويأتون بطعام العدس ويأكلون عندها ويجعلونه للتنزه وكان يوقد بها المنارة نار ليلا ليهتدى اليها المسافرون. وفي حسنها وكما لها يقول القائلل الأشجار مستترا من حر الشمس ويقال أن أهلها أكثر الناس أعمارا لصحة هوائها وطيب أرضها ولم تزل الاسكندرية على ذلك حتى فتحها عمرو بن العاص قال المسعودي اختلف المؤرخون فيمن بنى المنارة فقيل انه الاسكندر بن قلتش الرومي وقيل الملكة رقود وقيل الذي بنى رومية بنى المنارة وقيل الاسكندر ذو القرنين. قال أبن وصيف شاه كان الاسكندر بن قلتش من اليونانين وكان رأسه قد القبة العظيمة وكان طول أنفه ثلاثة أذرع فلما بنى هذه المنارة جعلها على كرسى من الزجاج وهو كهيئة الجبل وهو فى جوف البحر وكان طول هذه المنارة فى الزمن القديم ألف ذراع ثم خربت حتى بقى منها مائتان وثمانون ذراعا وقد بنى فى أعلاها تماثيل من نحاس منها تمثال يدور مع الشمس حيث دارت ومنها تمثال يشير بيده الى البحر فاذا وصل عدو الى البلد وصار قريبا منها يسمع لذلك التمثال صوت عال فيعلم أهل المدينة أن العدو صار قريبا منهم فيستعدون لقتاله وكانت هذه المنارة مبنية بحجارة من الصوان وبينها شئ من الرصاص المذاب وقد جعلوا فى هذه المنارة ثلاثمائة بيت بعضها فوق بعض وكانت الدبة تصعد الى تلك البيوت وهى محملة مما يحتاجه اليه أهل تلك البيوت وكان لهذه البيوت طاقات تشرف على البحر الرومى وكان الغريب اذا دخلها يضل فيها لكثرة بيوتها وطبقاتها وقيل ان جماعة دخلوها فضل فيها أحدهم فلم يقدر على الخروج ومات جوعا وكان بها مرابطون لاجل الجهاد لا يبرحون عنها وكان لأهل تلك المدينة يوم مشهود يسمونه يوم العدس فيجتمعون فيه عند المارة ويأتون بطعام العدس ويأكلون عندها ويجعلونه للتنزه وكان يوقد بها المنارة نار ليلا ليهتدى اليها المسافرون. وفي حسنها وكما لها يقول القائل
لله درّ منار اسكندرية كم ... يسمواليها على بعد من الحدق
من شامخ الأنف في أوصافه شمم ... كأنه باهت في دارة الأفق
للمنشأت الجواري عند رؤيته ... كموقع النوم في أجفان ذي أرق(1/28)
قال أين وصيف شاه في أعلى هذه المنارة قبة من نحاس أصفر منصوب فوقها مرآه من معادن شتى وقيل كانت من الحديد الصيني وقيل كانت من زجاج مدبر بالحكمة وكان قدرها خمسة أشباروقيل سبعة أشبار وهى على كرسي من نحاس مدبر بالحكمة وكانوا ينظرون فيها كل ساعة الى من يخرخ من بلاد الروم من مسافة تعجز عنها الأبصار فيستعدون لذلك فان كان العدو مدركهم يديرون تلك المرآة مقابل الشمس ويستقبلون بها سفن العدو فيقع شعاعها على السفن فتحترق عن آخرها فيهلك كل من فيها وان أراد أهل تلك المدينة أن يعلموا غيرهم من نواحيهم بعدوهم ينتشروا فى أعلاا المنارة أعلاما فيعلم أهل تلك النواحي بالعو فيستعدون للقتال أيضا قال ولم تزل المنارة على هذه الحالة حتى جاء عمرو بن العاص فأخرج له جماعة كتابا مكتوبا فيه أن أموال الاسكندر تحت هذه المنارة وحسنوا لعمرو بن العاص هدمها وأخد الاموال من تحتها ثم يعيدها الى ما كانت عليه وكذلك فطمع فى ذلك وقلع المرآة وهدم من المنارة ثلثها فلم يجد شيئا فعلم أن ذلك دسيسة لهدم المنارة ليبطل عمل المرآة والصنم وغيرها من المنافع لهم والمضرة للعدو فطلب الذين أشاروا عليه بهدمها فوجدهم قد هربوا وتمت حيلتهم على عمرو بن العاص وكان أصل هذه الحيلة من الروم ثم انه بنى المنارة ثانيا ونصب عليها المرآة كما كانت فبطل عملها الذى كانت عليه من الرؤية والاحراق واستقرت المنارة قائمة فى الهواء بغير منفعة الى تسع وسبعين ومائة من الهجرة فوقعت زلزلة عظيمة فسقط رأس المنارة فلما أستولى أحمد بن طولون على مصر بنى فى أعلى المنارة قبة من الخشب واستقرت على ذلك الى زمان الظاهر بيبرس البندقدارى فسقطت تلك القبة فبناها وجعل فى أعلى المنارة مسجدا وذلك فى سنة ثلاث وسبعين وستمائة واستقرت على ذلك الى اثنين وسبعمائة من دولة الناصر محمد بن قلاوون فوقعت فى أيامه زلزلة عظيمة فسقطت المنارة عن أخرها ونسخ أمرها من يومئذ.
ذكر أخبار عمود السوارى
قال القضاعي. ومن العجائب عمود السوارى الذى بثغر الاسكندرية وهو من الحجر الصوان وارتفاعه سبعون ذراعا ودوره خمسة أذرع ونصف وكان هذا العمود من جملة سبعة أعمدة وكان فوقها رواق يقال له بيت الحكمة فلما كان أيام سليمان بن داود عليهما السلام هدم ذلك البيت وجعله مسجدا للعبادة وكان حول ذلك الرواق سبعمائة عمود يسمونه الملعب يجتمعون تحت تلك العمد في يوم معلوم من السنة ويرمون بينهم الكرة فلا تقع فى حجر أحد منهم والذي تقع فى حجره يكون ملكا فى مصر ولو بعد حين فحضر في بعض أعيادهم عمرو بن العاص فوقعت الكرة فى حجره فملك مصر بعد ذلك في زمن الاسلام وكان يحضر فى ذلك الملعب ألف ألف أنسان من الاقباط وغيرهم من سائر الاجناس. وقيل لما وقعت الكرة في حجر عمرو بن العاص تعجب كل من كان حاضرا وقالوا من أين لهذا الاعرابي أن يصير ملك مصر بيده فلا زالت ارادة الله تعالى الى أن صاروا الى مصر والاسكندرية من أعمال مصر وقد قال القائل
يقولون المنارة والسوارى ... وأهل للعوامد والبناء
ويفتخرون في حمق وجهل ... بملتهم وحاصله هواء
قال المسعودى ان أهل الاسكندرية ينسبون الى الشح والبخل الزائد وتطول فيها الاعمار كذلك قرية مريوط ووادي فرغانة بالغرب. وسبب ذلك قربها من النيل وظهور ريح الصبا فيها ذلك يعالج أبدانهم ويرقق طبائعهم ويرفع همهم وقيل فيهم
نزيل اسكندرية ليس بقرى ... بغير الماء أو نعت السوارى
وذكر البحر والامواج فيه ... ووصف مراكب الروم الكبار
فلا يطمع نزيلهم بخير ... فما فيها لذاك الحرف قارىوقال
اسكندرية كربة. وجمر نار تسعر. ان قيل ثغر أبيض. قلت ولكن أبخر
ذكر أخبار صنم الاهرام(1/29)
وقال القضاعي ومن عجائب مصر الصنم الذي عند الهرمين بالجيزة ويسمى بالهوية ويعرف بأبي الهول عند أهل مصر فيقال انه طلسم لدفع الرمل لئلا يغلب على أهل الجيزة وقال هذا الصنم من الحجر الكذان لا يظهر من سوى رأسه وبقيته مدفونه فى الرمل ويقال طوله سبعون ذراعا وفى وجهه دهان يلمع له رونق كأنه يضحك تبسما وكان فى مقابلته صنم مثله في مصر عند قصر الشمع وهو من الصوان المانع ويقولون انه طلسم بمنع الماء عن بر مصر وكل من الصنمين مستقبل المشرق وبقى صنم قصر الشمع الى سنة احدى عشرة وسبعمائة ثم قطعة الملك الناصر محمد بن قلاوون وصنع منه أعتابا وقواعد لما بنى الجامع الجديد على بحر النيل ولم يبق لهذا الصنم أثر وبقى أبو الهول الى يومنا هذا وهو موجود عند الاهرام.ومن العجائب أن قرية من أعمال أسوان وهي شرقي النيل ولها سور وأبواب وهي قرية خراب وعلى أحد أبوابها جميزة كبيرة فاذا كان أيام الشتاء يرون في كل يوم قبل طلوع الشمس أناسا غير جنس بنى لأدم يدخلون تلك القرية ويخرجون منها فاذا دخل الناس تلك القرية لم يروا فيها أحدا من الذين كانوا يدخلون اليها ويخرجون منها وهذه الواقعة مشهورة عند أهل تلك الناحية. ومن العجائب أن ببلاد الهند ضيعة يقال عنها كتان وبها عمود من نحاس اصفر وعليه صفة طائر من نحاس فاذا كان يوم عاشوراء نشر ذلك الطائر جناحيه ومد منقاره فيفيض منه ماء يعم تلك القرية ويسقي زروعهم وبساتينهم ويملأ صهاريجهم وذلك يكفيهم من العام الى العام وهذا دأب ذلك الطائر فى كل سنة . ويقرب من ذلك أنه كان ببلاد الاندلس فرس من نحاس وعليها راكب من نحاس فاذا دخلت الأشهر الحرم هطل من تلك الفرس الماء الغزير حتى يعم أرضهم وبساتينهم وآبارهم فاذا مضت الأشهر الحرم انقطع ذلك الماء وهو يكفيهم من العام الى العام. وم، أعجب العجائب أن حكيما من الحكماء في بعض مدائن بابل صنع حوضا من رخام أبيض وعليه كتابة بالقلم القديم فتجتمع أهل تلك المدينة ويأتي كل منهم بشراب فيفرغه في ذلك الحوض فتختلط الأشربة كلها في بعضها البعض حتى تصير شيئا واحدا ثم يقف الساقي على ذلك الحوض ويسقى فلا يطلع لكل واحد في قدحه الا من الشراب الذي أتى به وصبه في الحوض. ومن العجائب أنه كان ببيت المقدس كلب من الخشب اذمر به ساحر نبح عليه ذلك الكلب الخشب ويسلب منه عمل السحر ويقال أن بعض السحرة رمي ذلك الكلب بسهم ليقتله فعاد السهم على راميه فقتله. ومن العجائب أنه بمدينة أبهر طلسم للبعوض فلا يدخلها البعوض فكان اذا أخرج أحد يده من السور الى خارج المدينة وقع عليها البعوض واذا أدخلها أرتفع عنها البعوض ولا يدخل الى داخل السور. ومن العجائب أن في بلاد الشرق ضيعة وبهادير يقال له دير الخنافس ففي يوم معلوم من السنة يمتلئ الدير والأرض التى حوله بالخنافس وهى تشبه سوس الخشب فتمشي الناس عليها لكثرتها فاذا أنقضى ذلك اليوم لم ير من تلك الخنافس شئ وقد أحتال بعض الناس على هذه الخنافس وأدخل منها شيئا في القناني وختم عليها بشمع فلما انقضى ذلك اليوم ولم يجد في القناني شيئا والشمع بحالة مختوم. ومن العجائب أن بلاد الهند مدينة تسمى دكين وبها أقوام يعبدون النار ففي يوم معلوم من السنة يأتى شخص أو أكثر من أهل تلك المدينة ويقرب نفسه الى النار فتوقد له النار بزيادة فاذا تسعرت النار طرح ذلك الشخص نفسه فيها فيكون له غليان عظيم يخرج له دخان قتيم فاذا كان اليوم الثاني يظهر من تلك النار شخص على هيئة المحروق فيسلم على أصحابه فيسألونه عن حالة فيخبرهم أنه في رياض الجنة ويرغبهم في أن يلقوا أنفسهم في النارثم يختفي عنهم وذلك الشخص الذي يظهر لهم أنما هو شيطان من الجن موكل بتلك النار وقد جعله الله لضلال هذه الطائفة. ومن العجائب أن ببلاد الصين مدينة يقال لها جلسق فيها رجال على صفة النسناس لا يتكلمون الا بالإشارة ولهم أيد طوال تصل الى أقدامهم عند الوقوف ولهم وثوب نحو عشرة أذرع في الهواء ولم يأو هذا الجنس إلا في البساتين ويسكن على الاشجار وينفر من الناس ويتناكحون ويتناسلون في البساتين ولهم احليل طويل يصل الى أفخاذهم وهم عراة الاجسام وفيهم الابيض والاسود ونساؤهم على هئيتهم فى الشكل. ومن العجائب أن بمدينة اذربيجان واديا وبه دود أحمر يظهر في زمن الربيع يسمونه القرمز فيلتقطونه ويطبخونه(1/30)
ويصنعون منه اللون الذي يسمونه الارجواني وكان ابتداء وجود هذا الدود في أوائل قرن المائة الرابعة وذلك ان راعيا كان يرعى غنمه فدخل الى ذلك الوادي ليرعى به الغنم فرأى كلب الراعي دودة فأكلها فبقى على خرطومه من دمها فأخذ الراعي صوفه ومسح بها ذلك الدم فأنصبغت الصوفة بالحمرة فلما دخل المدينة شاع خبره بما وقع له في ذلك الوادي فأتوه وجمعوا من ذلك الدود وخلطوا معه شيئا من القرمز وطبخوه فجاء من أحسن الالوان وهم يصبغون منه الآن. ومن العجائب أنه كان بمدينة حمص حجر أبيض وعليه صورة عقرب فاذا لدغ انسانا عقرب أخذ طينا وألصقه على تلك الصورة فاذا جف ووقع أخذه واذا به بالماء وشرب منه الملسوع فيبرأ من ساعته وذاك طلسم العقارب. ومن العجائب أن ببلاد الصين كنيسة كبيرة ولها سبعة أبواب فيها قبة عالية وفي وسط تلك القبة جوهرة قدر بيضة الدجاجة وهي معلقة تضئ منها تلك القبة وقد جاء جماعة كثيرون ليأخذوا تلك الجوهرة فكان اذا دنا أحد منها على مقدار عشرة أذرع خرميتا وان احتال عليها بشئ من الآلات الطوال كالرمح أو غيره انعكست حيلته فليس اليها سبيل وقد قصدها ملوك كثيرة فلم تتم لهم حيلة على أخذها. ومن العجائب أن أهل قريتين قتلوا بالسيف عن أخرهم بسبب قطرة عسل. وسبب ذلك أن رجلا نحالا في القرية أخذ ظرفا من العسل ليبيعه في قرية أخرى فجاء الى زيات وفتح الظرف ليريه العسل فقطرت من العسل على الارض فانقض عليها زنبور فخطفته قطة فخطف القطة كلب وكانت القطة للزيات والكلب للعسال فلما رأى الزيات أن الكلب افترس القطة ضرب الزيات الكلب فقتله فلما رأى العسال كلبه قد قتل ضرب الزيات فقتله فلما رأى ولد الزيات أن أباه قتل ضرب العسال فقتله فلما سمع أهل القريتين بقتل الرجلين لبسوا عدة حربهم ولا زالوا يقتتلون حتى فنوا تحت السيف عن آخرهم وكان سبب قطرة من عسل كما قيل. ومعظم النار من مستصغر الشرر. لطيفة متنزهات الارض أربعة سغد سمرقند وشعب بوان ونهر الابلة وغوطة دمشق. أما سغد سمرقند فهو نهر تحف به شجرة مثمرة بالفواكة والازهار وهي مشتبكة بعضها ببعض ممتدة مقدار اثني عشر فرسخا في مثلها. وأما شعب بوان فهو من نواحي نيسابور وهي مقدار فرسخين وفيها أنهار متدفقه وأشجار مثمرة طيبة. وأما نهر الابله فهو من أعمال البصرة وهو على أربعة فراسخ منها ومن جوانبه الاشجار الطيبة الثمار. وأما غوطة دمشق فمقدارها ثلاثون ميلا وعرضها خمسة عشر ميلا وهي مشتبكة بالأشجار كأنها بستان واحد لا تكاد الشمس تقع على الارض فيها وثمارها طيبة لم تكن في غيرها قال الشاعرصنعون منه اللون الذي يسمونه الارجواني وكان ابتداء وجود هذا الدود في أوائل قرن المائة الرابعة وذلك ان راعيا كان يرعى غنمه فدخل الى ذلك الوادي ليرعى به الغنم فرأى كلب الراعي دودة فأكلها فبقى على خرطومه من دمها فأخذ الراعي صوفه ومسح بها ذلك الدم فأنصبغت الصوفة بالحمرة فلما دخل المدينة شاع خبره بما وقع له في ذلك الوادي فأتوه وجمعوا من ذلك الدود وخلطوا معه شيئا من القرمز وطبخوه فجاء من أحسن الالوان وهم يصبغون منه الآن. ومن العجائب أنه كان بمدينة حمص حجر أبيض وعليه صورة عقرب فاذا لدغ انسانا عقرب أخذ طينا وألصقه على تلك الصورة فاذا جف ووقع أخذه واذا به بالماء وشرب منه الملسوع فيبرأ من ساعته وذاك طلسم العقارب. ومن العجائب أن ببلاد الصين كنيسة كبيرة ولها سبعة أبواب فيها قبة عالية وفي وسط تلك القبة جوهرة قدر بيضة الدجاجة وهي معلقة تضئ منها تلك القبة وقد جاء جماعة كثيرون ليأخذوا تلك الجوهرة فكان اذا دنا أحد منها على مقدار عشرة أذرع خرميتا وان احتال عليها بشئ من الآلات الطوال كالرمح أو غيره انعكست حيلته فليس اليها سبيل وقد قصدها ملوك كثيرة فلم تتم لهم حيلة على أخذها. ومن العجائب أن أهل قريتين قتلوا بالسيف عن أخرهم بسبب قطرة عسل. وسبب ذلك أن رجلا نحالا في القرية أخذ ظرفا من العسل ليبيعه في قرية أخرى فجاء الى زيات وفتح الظرف ليريه العسل فقطرت من العسل على الارض فانقض عليها زنبور فخطفته قطة فخطف القطة كلب وكانت القطة للزيات والكلب للعسال فلما رأى الزيات أن الكلب افترس القطة ضرب الزيات الكلب فقتله فلما رأى العسال كلبه قد قتل ضرب الزيات فقتله فلما رأى ولد الزيات أن أباه قتل ضرب العسال فقتله فلما(1/31)
سمع أهل القريتين بقتل الرجلين لبسوا عدة حربهم ولا زالوا يقتتلون حتى فنوا تحت السيف عن آخرهم وكان سبب قطرة من عسل كما قيل. ومعظم النار من مستصغر الشرر. لطيفة متنزهات الارض أربعة سغد سمرقند وشعب بوان ونهر الابلة وغوطة دمشق. أما سغد سمرقند فهو نهر تحف به شجرة مثمرة بالفواكة والازهار وهي مشتبكة بعضها ببعض ممتدة مقدار اثني عشر فرسخا في مثلها. وأما شعب بوان فهو من نواحي نيسابور وهي مقدار فرسخين وفيها أنهار متدفقه وأشجار مثمرة طيبة. وأما نهر الابله فهو من أعمال البصرة وهو على أربعة فراسخ منها ومن جوانبه الاشجار الطيبة الثمار. وأما غوطة دمشق فمقدارها ثلاثون ميلا وعرضها خمسة عشر ميلا وهي مشتبكة بالأشجار كأنها بستان واحد لا تكاد الشمس تقع على الارض فيها وثمارها طيبة لم تكن في غيرها قال الشاعرسمع أهل القريتين بقتل الرجلين لبسوا عدة حربهم ولا زالوا يقتتلون حتى فنوا تحت السيف عن آخرهم وكان سبب قطرة من عسل كما قيل. ومعظم النار من مستصغر الشرر. لطيفة متنزهات الارض أربعة سغد سمرقند وشعب بوان ونهر الابلة وغوطة دمشق. أما سغد سمرقند فهو نهر تحف به شجرة مثمرة بالفواكة والازهار وهي مشتبكة بعضها ببعض ممتدة مقدار اثني عشر فرسخا في مثلها. وأما شعب بوان فهو من نواحي نيسابور وهي مقدار فرسخين وفيها أنهار متدفقه وأشجار مثمرة طيبة. وأما نهر الابله فهو من أعمال البصرة وهو على أربعة فراسخ منها ومن جوانبه الاشجار الطيبة الثمار. وأما غوطة دمشق فمقدارها ثلاثون ميلا وعرضها خمسة عشر ميلا وهي مشتبكة بالأشجار كأنها بستان واحد لا تكاد الشمس تقع على الارض فيها وثمارها طيبة لم تكن في غيرها قال الشاعر
سألتكما أن جئتما الشام بكرة ... وعاينتما الشقراء والغوطة الخضرا
قفا واقرآ مني كتابا كتبته ... بدمعي لكم فاقروا ولاتنسيا سطرا
والشقراء والخضراء اسما قريتين من قرى الشام وقال القيراطي
فافيه الا روضة أو جوسق ... أو جدول أو بلبل أو ربرب
فكأن ذاك النهر فيه معصم ... بيد النسيم منقش ومكتب
واذا تكسر ماؤه أبصرته ... في الحال بين رياضه يتشعب
وشدت على العيدان ورق أطربت ... بغنائها من غاب عنه المطرب
فالورق تشدو والنسيم مشبب ... والنهر يسقى والجداول تشرب
وضياعها ضاع النسيم بها فكم ... أضحى له من بيننا متطلب
فلكم طربت على السماح بذكرها ... وغدابر بوتها اللسان يشبب
أشتاق من وادي دمشق لغوطة ... كل الجمال الى جماها ينسب
أنتهى ما أورناه من عجائب البلدان وذلك على سبيل الاختصار
ذكر ما كان من مبدأ خلق العالم
قبل وجود آدم عليه السلام(1/32)
قال ابن عباس رضى الله عنهما لما أكمل الله تعالى خلق السموات والأرض على الصفة المتقدمة ذكرها وأرسى الجبال ونشر الرياح وخلق فيها الوحوش والطيور وصارت الثمار تجف وتقع على الارض ويتولد العشب في الارض ويركب بعضه بعضا فعند ذلك شكت الأرض الى ربها من هذا الامر فخلق الله تعالى من الأرض أمما كثيرة وهم على صور مختلفة وأجناس مجنسة يقال لهم الجن وقد خلقهم الله تعالى من الريح ومن البرق والسحاب وهم ذوو نفس وحركة فانتشروا كالذر لكثرتهم فامتلأ منهم السهل والجبل وسائر أقطار الدنيا فأقاموا على وجه الأرض ما شاء الله من الزمان وكان منهم الأبيض والأسود والأحمر والأصفر والأبلق الأبقع والأصم والأعمى والحسن والقبيح والقوي والضعيف والأنثى والذكر فتناكحوا وتناسلوا وسموا الجن لاجتنابهم أي لاختفائهم فلما كثروا في الأرض وضاقت بهم الدنيا لكثرتهم زاد بأسهم فأرسل الله عليهم ريحا عاصفة فأهلكتهم ولم يبق منهم إلا القليل فهم أول من ابتدع عمارة البيوت وقطع الصخور وصيد الطيور والوحوش فأستمروا على ذلك دهرا طويلا ثم بغى بعضهم على بعض فتقاتلوا ولم يكن قتالهم بسلاح وانما كان يفنى بعضهم بعضا بالمحاصرة فى البيوت حتى يهلكوا جوعا وعطشا فلما تزايد أمرهم بالفساد أخرج الله تعالى لهم أمما من البحر وهم أعظم أجسادا منهم وأعجب خلقه يقال لها البن فحاربوهم فهلكت الجن ولم يبقى منهم أحد. ومدة اقامتهم فى الدنيا خمسمائة عام وملك الأرض بعدهم البن وتناكحوا وتناسلوا وكثروا حتى ملأوا الأرض فكان أحدهم يغوص الى الأرض السابعة ويقيم بها أياما فلم تحجب عنهم بقعة من الأرض فهم أول من حفر الآبار وشق الانهار وأجرى المياه اليها من العيون والبحار وهم أول من صنع الدواليب وبنى القناطر على الانهار وتسلطوا على الاسماك في البحر بالصيد وعلى الوحوش في القفاز فلم يبق في البر والبحر دابة الا شكت منهم الى الله تعالى وتزايد أمرهم بالفساد فخلق الله تعالى الجان قال ابن عباس رضى الله عنهما خلق الله الجان من مارج من نار وخلق الملائكة من نور ساطع وهم على صفات مختلفة فمنهم من يشبه بنى أدم في الخلق ومنهم طائفة يسكنون السموات وطائفة يسكنون الأرض وطائفة موكلون بحفظ بنى آدم ومنهم حمله العرش ومنهم جبريل وميكائيل واسرافيل وعزرائيل فأما جبريل فهو أمين الوحي الى الأنبياء وأخرج ابن أبي حاتم عن عطاء بن السائب قال أول من يحاسب جبريل عليه السلام لأنه كان أمين الله تعالى الى رسله وأول من قال سبحان ربي الأعلى. وأما صفته فله ستمائه جناح بين كل جناحين مسيرة خمسمائة عام وله ريش من رأسه الى قدمه كلون الزعفران وكل ريشة كهيئة الشمس في نورها. ويروى أنه ينغمس في بحر النور كل يوم ثلاثمائة وستين مرة فاذا خرج سقطت منه قطرات من النور فيخلق الله تعالى من تلك القطرات ملائكة على صورته يسبحون الله تعالى الى يوم القيامة ومعنى جبريل بالسريانية عبد الله {وأما ميكائيل عليه السلام} فانه موكل بأرزاق بنى آدم والطير والوحش وبالأمطار والسحاب والبحار والاشجار وكل النباتات وأما صفته فيروى أن له ريشا أخضر كلون الزمرد في ريشة ألف وجه وفي كل وجه ألف فم وفي كل فم ألف لسان يستغفرون للمذنبين من أمة محمد صلى الله عليه وسلم ويخلق الله تعالى في كل يوم سبعين ألف ملك على صفته موكلون بالارزاق على نحو ما هو موكل به كما مر. ويروى أنه لما عاين ميكائيل النار لم يضحك بعد ذلك ولم يبتسم من هول ما عاين من النار خوفا من الجبار {واما اسرافيل عليه السلام} فانه صاحب نفخ الصور ويروى أن الله تعالى خلق اسرافيل قبل ميكائيل بخمسمائة عام ووكله بالصور. ويروى أن الصوركهيئة القرن وفيه مثل خليات النحل وهي التى تستقر فيها الارواح طوله ما بين السماء والارض فاذا انقضت أيام الدنيا أمره الله تعالى أن ينفخ في ذلك القرن فتخرج الارواح من تلك الخليات وهي تتوهج وينفخ في الصور ثلاث نفخات ؟؟؟؟؟؟؟؟الأولى نفخة الفرغ والثانية نفخة الصعق والثالثة نفخة البعث ويروى أن اسرافيل له أجنحة لا تحصى وقد اعطاه الله تعالى قوة على سائر الملائكة وعظما ويروى أن جبريل مع عظمه طار بأجنحته نحو ثلاثمائة عام ما بين أنف اسرافيل وشفته فما بلغ مقدار ذلك ومع ذلك قيل أن أعظم الملائكة ملك يقال له روح قال الله تعالى(يوم يقوم الروح(1/33)
والملائكةكة صفا) الآية ويروى أن هذا الملك الذي اسمه الروح يقوم يوم القيامة صفا وحده لعظمه وجميع الملائكة صفا فيكون قدر الملائكة لعظم خلقته وأما عزرائيل عليه السلام فأنه موكل بقبض الارواح من بنى أدم وغيرهم وكذلك سائر الطيور والوحوش وكل ذي روح ويروى أن صفته كصفة اسرافيل وأنه جالس على سرير في السماء السادسة وله أربع أجنحة ممتدة من المشرق الى المغرب ويروى أن سائر جسده عيونا ناظرة الى كل ذى روح فاذا قبض روح أحد عميت منه العين الناظرة إليه فذا مات المخلوقون جميعهم ذهبت تلك العيون كلها التي في جسده ولم يبق الا عينه فيعلم أنه لم يبق الا هو هذا ما اوردناه على سبيل الأختصاروأما أخبار الجان فقال ابن عباس رضى الله عنهما الجان هم ذكور الجن وهم على أجناس مختلفة فمنهم أمم يقال لهم النهابر وأمم يقال لهم النهامر وهذه الأمة كبنى أدم يأكلون ويشربون ويتناسلون ومنهم المؤمنون والكافرون شيخهم ابليس لعنه الله ويروى أن الله تعالى جعل سكان السماء الملائكة وجعل سكان الأرض الجان فلما شكت الوحوش والطير من أفعال الجن والبن خلق الله تعالى الجان كما تقدم ذكره فلما خلق الجان أسكنهم الأرض فلما سكنوا تجار بوامع البن فقوى الجان عليهم فأهلكوهم عن آخرهم ولم يكن لهم بقية فبقى الجان في الارض فتناكحوا وتناسلوا حتى ملأوا الأرض ثم وقع بينهم التحاسد والبغي وكثر فيهم سفك الدفاء وشوش بعضهم على بعض فشكت الأرض الى ربها فعند ذلك بعث الله اليهم جنودا من الملائكة ومعهم ابليس وكان أسمه عزرائيل وكان رئيس الملائكة فطرد الجان من الارض فتوجهوا الى شعب الجبال وسكنوا بها فملك ابليس الأرض منهم فكان يعبد الله تعالى فى الأرض وفي السماء فأعجب بنفسه وداخله الكبر فاطلع الله على ما في قلبه فقال عز من قائل(واذ قال ربك للملائكة أنى جاعل في الأرض خليفة قلوا أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء ونحن نسبح بحمدك ونقدس لكقال إنى أعلم مالا تعلمون) وقول الملائكة(أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء) يعني كمن تقدم ذكرهم من الجن والبن فانهم كانوا يفسدون في الأرض ويسفكون الدماء. اه ذلكصفا) الآية ويروى أن هذا الملك الذي اسمه الروح يقوم يوم القيامة صفا وحده لعظمه وجميع الملائكة صفا فيكون قدر الملائكة لعظم خلقته وأما عزرائيل عليه السلام فأنه موكل بقبض الارواح من بنى أدم وغيرهم وكذلك سائر الطيور والوحوش وكل ذي روح ويروى أن صفته كصفة اسرافيل وأنه جالس على سرير في السماء السادسة وله أربع أجنحة ممتدة من المشرق الى المغرب ويروى أن سائر جسده عيونا ناظرة الى كل ذى روح فاذا قبض روح أحد عميت منه العين الناظرة إليه فذا مات المخلوقون جميعهم ذهبت تلك العيون كلها التي في جسده ولم يبق الا عينه فيعلم أنه لم يبق الا هو هذا ما اوردناه على سبيل الأختصاروأما أخبار الجان فقال ابن عباس رضى الله عنهما الجان هم ذكور الجن وهم على أجناس مختلفة فمنهم أمم يقال لهم النهابر وأمم يقال لهم النهامر وهذه الأمة كبنى أدم يأكلون ويشربون ويتناسلون ومنهم المؤمنون والكافرون شيخهم ابليس لعنه الله ويروى أن الله تعالى جعل سكان السماء الملائكة وجعل سكان الأرض الجان فلما شكت الوحوش والطير من أفعال الجن والبن خلق الله تعالى الجان كما تقدم ذكره فلما خلق الجان أسكنهم الأرض فلما سكنوا تجار بوامع البن فقوى الجان عليهم فأهلكوهم عن آخرهم ولم يكن لهم بقية فبقى الجان في الارض فتناكحوا وتناسلوا حتى ملأوا الأرض ثم وقع بينهم التحاسد والبغي وكثر فيهم سفك الدفاء وشوش بعضهم على بعض فشكت الأرض الى ربها فعند ذلك بعث الله اليهم جنودا من الملائكة ومعهم ابليس وكان أسمه عزرائيل وكان رئيس الملائكة فطرد الجان من الارض فتوجهوا الى شعب الجبال وسكنوا بها فملك ابليس الأرض منهم فكان يعبد الله تعالى فى الأرض وفي السماء فأعجب بنفسه وداخله الكبر فاطلع الله على ما في قلبه فقال عز من قائل(واذ قال ربك للملائكة أنى جاعل في الأرض خليفة قلوا أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء ونحن نسبح بحمدك ونقدس لكقال إنى أعلم مالا تعلمون) وقول الملائكة(أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء) يعني كمن تقدم ذكرهم من الجن والبن فانهم كانوا يفسدون في الأرض ويسفكون الدماء. اه ذلك(1/34)
؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟ذكر قصة آدم عليه السلام
قال الثعلبي في كتابه لما أراد الله تعالى أن يخلق آدم عليه السلام أوحى الى الارض أنى خالق من أديمك خلقا فمنهم من يطيعني ومنهم من يعصيني فمن أطاعني أدخلته الجنه ومن عصاني أدخلته النار ثم بعث الله تعالى جبرائيل عليه السلام إلى الأرض ليأتينه بقبضه منها فلما أتاها جبريل أقسمت عليه وقالت أني أعوذ بعزة الله الذي أرسلك أن لا تأخذ مني شيئا يكون للنار فيه نصيب فلم يأخذ منها شيئا ورجع الى ربه وقال يا رب قد استعاذت بك مني فكرهت أن آخذ منها شيئا فأمر الله تعالى ميكائيل أن يمضي اليها ويقبض منها قبضة من تراب فأقسمت عليه وقالت له مثل ما قالت لجبرائيل فبر قسمها ولم يأخذ منها شيئا فأرسل الله اليها عزرائيل فلما هبط اليها وكزها بحربة كانت معه فاضطربت فمد يده اليها فأقسمت عليه وقالت له مثل ما قالت لأخويه فقال لها أمر الله خير من قسمك وقبض من زواياها الأربع من جميع أديمها من أسودها وابيضها وأحمرها من سهلها وجبلها وأعاليها وأسالفها ثم أتى بتلك القبضة بين يدى الله تعالى فقالالله تعالى له لم لم تجبها وقد أقسمت بى عليك فقال يارب أمرك أوجب وخوفك أرهب فقال له اذن أنت ملك الموت وقابض الأرواح ومنتزعها من الاشباح ولم يكن قبل ذلك ملك الموت قال فلما قبض منها ومضى بكت على ما نقص منها فأوحى الله اليها انى سوف أرد إليك ما أخذ منك وهو قوله تعالى(منها خلقناكم وفيها نعيدكم ومنها نخرجكم تارة أخرى)ثم أن الله تعالى أمر عزرائيل أن يضع تلك القبضة على باب الجنة فلما وضعها أمر الله رضوان خازن الجنان أن يعجنها بماء التسنيم ثم أمر الله تعالى جبرائيل بأن يأتى بالقبضة البيضاء التى هي قلب الأرض فخلق منها الأنبياء ثم خلط الطين بالماء حتى صارت معجنة كبيرة وقد قيل في المعنى
يا مشتكى الهم دعه وانتظر فرجا ... ودار وقتك من حين الى حين
ولا تعاند اذا أصبحت في كدر ... فانما أنت من ماء ومن طين
فلما عجنت تركت أربعين سنة حتى صارت طينا لاز ياثم تركت أربعين سنة أخرى حتى صارت صلصالا كالفخار ثم جعل من تلك العجينة جسدا مصورا وألقاه على طريق الملائكة التى تصعد منها وتهبط وترك أربعين سنة ملقى على تلك الهيئة قال تعالى (هل أتى على الانسان حين من الدهر لم يكن شيئا مذكورا) قال ابن عباس الحين أربعون سنة قال الثعلبي أن الله تعالى لما عجن طينة آدم عليه السلام أمطر عليها سحائب الهموم والحزن أربعين سنة ثم أمطر عليها السرور والفرح سنة واحدة فلذلك صار الهم أكثر من الفرح والحزن أكثر من السرور وأنشد في المعنى
أي شيئ يكون أعجب من ذا ... لو تفكرت في صروف الزمان
حادثات السرور توزن وزنا ... والبلايا تكال بالصيعان(1/35)
ثم أن الله تعالى أظهر أدم الى الوجود فكان طوله ستين ذراعا وجعل فيه ثلثمائة وستين عرقا وما ئتين وأربعين عصبا واثني عشر مفصلا وفي رأسه سبع منافذ وجعل له اليدين والرجلين وغير ذلك وأتم خلقه فتبارك الله أحسن الخالقين. وقال أبو موسى الاشعري لما خلق الله فرج آدم قال هذا أمانتى عندك فلا تضعها الا في حقها قال ابن عباس رضى الله عنهما خلق الله تعالى ثلاثة بيده الأول آدم والثاني شجرة طوبي والالواح المكتوبة فيها التوراة واليد عبارة عن القدرة انما أمره اذا أراد شيئا أن يقول له كن فيكون قال ولما كان آدم عليه السلام صلصالا كالخلية كان ابليس اللعين يمر عليه ويضرب بيده على بطن آدم فمن تلك الضربة صار مكانها السرة فكانت السرة علامة من ضرب ابليس وأن سبب ضرب أبليس ليعلم أهو مجوف أم صامد فلما رآه مجوفا دخل الى باطنه فاطلع على جميع أعضائه ظاهرا وباطنا وعلى عروقه الا قلبه فأنه لم يطلع عليه أحد غير الله تعالى ومنع ابليس عن القلب لأنه بيت الرب ولهذا يقال ان الشيطان يجري مجرى الدم قال فلما أراد الله تعالى أن ينفخ في أدم الروح أمرها بأن تدخل اليه من رأسه ولذلك سمي الرأس يافوخا ويروى أن الروح امتنعت من الدخول الى أدم فقالت يا رب كيف أدخل الى مكان مظلم فناداها جل وعلا ثلاث مرات وهي تأبى فدخلت في جسده كرها فأوحى الله اليها لو دخلت طائعه لخرجت طائعة ولكن سبق لك في علمى من الأزل أن تدخلى كرها وتخرجي كرها فلما دخلت الروح الى دماغه استدارت فيه مائة عام ثم نزلت على عينيه فأبصرتا فنظر إلى جسده وهو صلصال كالفخار ثم نزلت الى منخريه فشم الهواء فتنفس فعطس فنزلت الروح الى فمه ولسانه فألهمه الله حمده فقال الحمد لله رب العالمين فقال الله له يرحمك ربك يا أدم وهذا لك ولذريتك ولذلك سّن تشميت العاطس وروى لما حمد الله آدم قال تعالى لهذا خلقتك يا آدم ثم نزلت الروح الى صدره وأضلاعه وبطنه فصار آدم ينظر إلى الروح وهي تنتقل وكلما انتقلت الى عضو يصير لحما وعظما وروحا ودما فلما بلغت الروح الى ركبته أخذ يعالج القيام فلم يقدر عليه فقال الله تعالى (خلق الأنسان من عجل) فلما عمت الروح سائر جسده قام وتحرك وتمايل وقد تمت خلقته بأذن الله من يحي العظام وهي رميم قال الحافظ اسماعيل السدى قرأت في الانجيل أشياء كثيرة فمنها أن عدد ساعات الليل والنهار أربعة وعشرون ساعة يتنفس فيها ابن آدم ثلاثين ألف نفس في كل ساعة ألف ومائتان وخمسون نفسا واعتبار ذلك من الغرائب. قال العزيزي ان الروح دخلت في جسد آدم يوم الجمعة وقد مضى من النهار سبع ساعات وهي من ساعات الأخرة ثم ان الله تعالى ألبسه من الجنة حلة خضراء من السندس وألبسه تاجا من الذهب مرصعا بالجواهر وله أربعة أركان في كل ركن منه درة عظيمة ضوؤها على ضوء الشمس وختمه بخاتم الكرامة ومنطقة بمنطقة الرضوان وسروله بسروال من السندس الأخضر ثم ظهر في جبهته نور ساطع كشعاع الشمس وهو نور محمد صلى الله علية وسلم ثم أن الله أمر الملائكة أن تحمل على أكتافها ويطوفوا به في السموات السبع فحملته الملائكة فطافوا به مقدار مائة عام حتى رأى ما فيها من العجائب ثم أمر الله تعالى أن ينصب له منبر من الذهب وعلمه الأسماء كلها وهي قوله تعالى(وعلم آدم الأسماء كلها) الآية ثم أن آدم صعد المنبر وبيده قضيب من النور وذلك يوم الجمعة عند زوال الشمس فانتصب قائما وجمع الله له جميع الملائكة فقال آدم السلام عليكم يا ملائكة ربي ورحمة الله وبركاته فقالت الملائكة وعليك السلام يا صفوة الله ورحمته وبركاته فقال الله يا آدم هذه تحيه لك ولأولادك الى يوم القيامة فلما خطب آدم قال الحمد لله فصارت سنة في الخطبة فأول من خطب على المنبر آدم في يوم الجمعة ثم ان الله تعالى عرض الأسماء كلها على الملائكة فقال أنبئونى بأسماء هؤلاء ان كنتم صادقين فقالت الملائكة سبحانك لا علم لنا ألا ما علمتنا فقال الله تعالى يا آدم أنبئهم بأسمائهم فلما أنبأهم بأسمائهم قال ألم أقل لكم أني أعلم غيب السموات والأرض وأعلم ما تبدون وما كنتم تكتمون قال وهب بن منبه أول من أفشى السلام آدم وفي بعض الأخبار ما أفشى السلام قوم الا أمنوا من العذاب والنقمة ثم قالت الملائكة إلهنا هل خلقت خلقا أفضل منا فقال الله تعالى أنا الذي خلقته بيدي وقلت له كن فكان ثم ان(1/36)
الله تعالى أمرالملائكة أن يسجدوا لآدم فكان أول من سجد جبرائيل ثم ميكائيل ثم اسرافيل ثم عزرائيل ثم الملائكة المقربون صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين ثم ان الله تعالى أمرابليس بالسجود لآدم فأبى وامتنع من السجود فقال الله تعالى له(ما منعك أن تسجد لما خلقت بيدي) فقال أبليس أنا خير منه خلقتني من نار وخلقته من طين وأنا الذي عبدتك دهرا طويلا قبل أن تخلقه فقال الله تعالى لقد علمت من سابق علمي منك المعصية فلم تنفعك العبادة أخرج من رحمتي مذموما مدحورا لأملأن جهنم منك وممن تبعك فقال ابليس عند ذلك ربي أنظرني الى يوم يبعثون قال انك من المنظرين فعند ذلك تغير خلقته وصار شيطانا رجيما وكان أسمه عزازيل وكان كبار الملائكة ما ترك بقعة من السماء والأرض الا وله فيها ركعة وسجدة ولكن بعصيانه لم تنفعه عبادته وسمى ابليس لأنه أبلس من رحمة الله أي أيس وقد هجاه أبو نواس بقولهه تعالى أمرالملائكة أن يسجدوا لآدم فكان أول من سجد جبرائيل ثم ميكائيل ثم اسرافيل ثم عزرائيل ثم الملائكة المقربون صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين ثم ان الله تعالى أمرابليس بالسجود لآدم فأبى وامتنع من السجود فقال الله تعالى له(ما منعك أن تسجد لما خلقت بيدي) فقال أبليس أنا خير منه خلقتني من نار وخلقته من طين وأنا الذي عبدتك دهرا طويلا قبل أن تخلقه فقال الله تعالى لقد علمت من سابق علمي منك المعصية فلم تنفعك العبادة أخرج من رحمتي مذموما مدحورا لأملأن جهنم منك وممن تبعك فقال ابليس عند ذلك ربي أنظرني الى يوم يبعثون قال انك من المنظرين فعند ذلك تغير خلقته وصار شيطانا رجيما وكان أسمه عزازيل وكان كبار الملائكة ما ترك بقعة من السماء والأرض الا وله فيها ركعة وسجدة ولكن بعصيانه لم تنفعه عبادته وسمى ابليس لأنه أبلس من رحمة الله أي أيس وقد هجاه أبو نواس بقوله
عجبتُ من إبليسَ فى كبره ... وخبثَ ما أضمر من نيته
تاه على آدم فى سجدة ... وصار قوادا لذريته(1/37)
سؤال لطيف لم أهلك الله أعداء سائر الأنبياء وأبقى إبليس وهو عدو آدم عليه السلام فالجواب ان الله تعالى أبقى إبليس امتحانا للخلق وقد قال رسول الله صلى الله عليه لو أراد الله تعالى أن لا يعصى لما خلق ابليس وأيضا بقاؤه عقوبة للكافرين ورحمة للمؤمنين فيحبهم الله بمعصيتهم لابليس وأيضا ابليس سأل ربه الانظار الى يوم البعث اه فلما نزل آدم عن المنبر جلس بين الملائكة فألقى الله عليه النوم لان فيه راحة للبدن فلما نام رأى حواء فى منامه قبل أن تخلق فمال اليها حين نظرها ثم أخرجها من ضلعه الأيسر فخلقت منه حواء على هيئته وأحسن الله خلقها وأعطاها حسن ألف حورية فكانت أحسن النساء اللاتى هن بناتها الى يوم القيامة وكان لها سبعمائة ضفيرة من الشعر فكانت على طول آدم وألبسها الله من الجنة الحلى والحلل فكانت تشرق إشراقا أبهى من الشمس فانتبه آدم من منامه فوجدها بجانبه فأعجبته وألقى الشهوة فى أدم فهم بها فقيل له لا تفعل حتى تؤدى صداقها فقال وما صداقها قال قد نهيتك عن شجرة الحنطة فلا تأكل منها فهو صداقها. وقيل ان الله تعالى قال أعطها صداقا قال وما صداقها قال الصلاة على نبي وحبيبى محمد فقال آدم يارب وما يكون محمد قال إنه من أولادك وهو آخر الأنبياء ولولاه ما خلقت خلقا ثم ان الله تعالى مسح على ظهر آدم فأخرج منه ذريته كهيئة الذرما بين أبيض وأسود من ذكر وأنثى وأفاض عليهم من نوره فمن أصابه من ذلك النور كان مؤمنا ومن لم يصبه كان كافرا ومنهم طائفة لهم نور ساطع فقال يارب من هؤلاء قال الأنبياء من ذريتك يا أدم ثم زوج الله تعالى أدم بحواء وكان ذلك يوم الجمعة بعد الزوال ولهذا سن عقد التزويج فى يوم الجمعة. وقيل كان آدم أحسن من حواء ولكن كانت حواء ألطف وألين ثم أوحى الله تعالى الى رضوان خازن الجنان أن يزخرف القصور ويزين الولدان والحور وخلق لآدم فرسا من المسك الأذفر يسمى الميمون كالبرق الخاطف فلما أحضر بين يدى آدم ركبه وأحضر لحواء ناقة من نوق الجنة وعليها هودج من اللؤلؤ فركبت فيه على الناقة فأخذ جبرائيل عليه السلام بلجام الفرس ومشى ميكائيل عن يمينه واسرافيل عن يساره وطافوا به فى السموات كلها وهو يسلم على من يمر به من الملائكة فتقول ما أكرمك من خلق الله على الله تعالى هذا وحواء راكبة الناقة تطوف معه الى أن أتوا بها الى باب الجنة فوقفوا ببابها ساعة فأوحى الله تعالى الى آدم هذه جنتى ودار كرامتى ادخلا فيها (وكلا منها رغداً حيثُ شئتما ولا تقربا هذه الشجرة فتكونا من الظالمين) وأشهد عليهما الملائكة ثم أدخلا الى الجنة فطافت بهما الملائكة فى الجنان وأرتهما أماكن الأنبياء جميعهم فلما وصلا الى جنة الفردوس نظرا سريرا من الجواهر وله سبعمائة قاعدة من الياقوت الأحمر وعليه فراش من السندس الأخضر فقالت الملائكة يا آدم انزل ههنا أنت وحواء فنزلا وجلسا على السرير ثم أتوهما بقطفتين من عنب فكان كل قطف مسيرة يوم وليلة فأكلا وشربا ورتعا فى رياض الجنة فكان آدم اذا أراد المجامعة مع حواء دخل قبة من اللؤلؤ والزبرجد وأسبلت عليهما ستور من السندس والاستبرق فكانت حواء اذا مشت فى القصور كان خلفها من الحور ما لايحصى قال ابن السنى ان أول شئ أكله آدم من فواكه الجنة النبق. وقال ابن عباس انما أكلا أولا العنب وآخر شئ أكلا منه الحنطة كما سيأتى الكلام عليه وكان يشرب من خمر الجنة وكان اذا شربه يجد سرورا زائدا فمن شرب من خمر الدنيا لم يشرب من خمر الجنة قال أبو نواس
حمراء لا تنزل الاحزان ساحتها ... لو مس ذا ضرر مسته سراء(1/38)
قال وزارع الحنطة يعتريه الكد والتعب دائما فى زرعها وفى حصادها الى أن تصير دقيقا لأنها أكلت أولا على العصيان ويروى أن المؤمنين أول ما يأكلون من الجنة العنب. وقال النيسابورى أول ما يأكلون من كبد الحوت الذى هو حامل الأرض حتى يعلم أهل الجنة بانقراض الدنيا اه وقال وكان آدم يطوف فى الجنة فاذا جاء الى جهة شجرة الحنطة نفر عنها للعهد الذى بينه وبين الله تعالى بعدم الأكل منها وكانت شجرة الحنطة أعظم شجر الجنة ولها سنابل وفيها الحب كل حبة قدر رأس البعير وكانت أحلى من العسل وأبيض من اللبن ولما علم إبليس بدخول آدم وحواء الى الجنة وعلم أن آدم منع من أكل شجرة الحنطة أتى الى باب الجنة وأقام عنده نحوا من ثلثمائة سنة وهى ساعة من ساعات الآخرة فكان ابليس ينظر الى من يأتى الى جهة باب الجنة قال فجاء طائر مليح الملبوس يقال له الطاوس وكان سيد طيور الجنة فلما رآه ابليس تقدم اليه وقال أيها الطائر المبارك من أين جئت فقال من بساتين آدم فقال ابليس ان لك عندى نصيحة وأريد أن تدخلنى معك فقال ولم لم تدخل بنفسك فقال انما أريد أن أدخل سرا فقال الطاوس لا سبيل الى ذلك ولكننى آتيك بمن يدخلك سرا فذهب الطاوس الى الحية ولم يكن فى الجنة أحسن منها خلقا فكان رأسها من الياقوت الأحمر وعيناها من الزبرجد الأخضر ولسانها من الكافور وقوائمها مثل قوائم البعير فقال لها الطاوس ان على باب الجنة ملكا من المكرمين ومعه نصيحة فأسرعت الحية اليه فقال هل لك أن تدخلينى الجنة سرا ولك منى نصيحة فقالت الحية وكيف الحيلة على رضوان فقال لها افتحى فاك ففتحته فدخل فيه ابليس وقال لها ضعينى عند شجرة الحنطة فوضعته عندها فأخرج إبليس مزمارا وزمر تزميرا مطربا فلما سمع آدم وحواء المزمار جاءا ليسمعا ذلك فلما وصلا الى شجرة الحنطة قال ابليس تقدم الى هذه الشجرة يآدم فقال إنى ممنوع فقال ابليس (وما نهاكما ربكما عن هذه الشجرة الا أن تكونا ملكين أو تكونا من الخالدين) فان من أكل من هذه الشجرة لا يشيب ولا يهرم ثم أقسم بالله أنها لا تضرهما وأنه لمن الناصحين لهما فظن آدم أنه لا يتجاسر أحد على أن يحلف بالله كاذبا وظن أنه من الناصحين وقد قيل فى المعنى
فان من يستنصح الأعادى ... يردونه بالغش والفساد
فمن حرص حواء على الخلود فى الجنة تقدمت وأكلت فلما نظر آدم اليها حين أكلت ووجدها سالمة تقدم وأكل بعدها فلما وصلت الحبة الى جوفه طار التاج عن رأسه وطارت الحلل أيضا سؤال لأى شئ لما أكلت حواء من الشجرة لم تسقط الكسوة عنها فى الحال وآدم حين أكل سقطت عنه فى الحال الجواب لوسقطت فى الحال عن حواء لرجع آدم ولم يأكل وأيضا االدية على العاقلة ولان الأمر كان أولا لآدم وقال بعض العلماء ان آدم أكل وهو ناس قال الله تعالى (ولقد عهدنا الى آدم من قبل فنسى) وقيل فى المعنى
لقد نسيتك والنسيان مغتفر ... وان أول ناس أول الناس
فلما أكل آدم من الشجرة أوحى الله تعالى الى جبرائيل عليه السلام بأن يقبض على ناصية آدم وحواء ويخرجهما من الجنة فأخرجهما جبرائيل من الجنة ونودى عليهما بالمعصية. قال فكان آدم وحواء عريانين فطافا على أشجار الجنة ليستترا بأوراقها فكانت الأشجار تنفر عنهما ورحمته شجرة التين فغطته فتستر بورقها وقيل غطته شجرة العود فلذلك أكرمها الله بالرائحة الطيبة وأكرم شجرة التين بالثمر الحلو الذى ليس له نوى وقيل غطته شجرة الحناء فلذلك صار أثرها طيبا مفرحا ولذلك سميت الحناء قال كعب الأحبار لما صار آدم عريانا أوحى الله تعالى اليه أن اخرج الىّ لأنظرك فقال آدم يارب لا أستطيع ذلك من حيائى منك وخجلى ولهذا المعنى قيل
بفرد خطيئة وبفرد ذنب ... من الجنات أخرجت البرايا
فكيف وأنت تطمع فى دخول ... اليها بالألوف من الخطايا
قال ثم ان جبرائيل أخذ بيد آدم وهو عريان مكشوف الرأس فهبط به الى الأرض عند غروب الشمس من يوم الجمعة فأهبط على جبل من جبال الهند يقال له الراهون وتقدمت صفة هذا الجبل فى ذكر الجبال وأما حواء فقد ذهب عنها حسنها وجمالها وابتليت بالحيض وانقطع عنها ذكر النسب فيقال أولاد آدم ولا يقال أولاد حواء لانها غرت آدم مع ابليس حيث ابتدأت بالأكل وفى المعنى قيل(1/39)
وكم من أكلة منعت أخاها ... بلذة ساعة أكلات دهر
وكم من طالب يسعى لشئ ... وفيه هلاكه لو كان يدرى(1/40)
وأهبط حواء عند ساحل البحر المالح بجدة قال الله تعالى (قال اهبطو بعضكم لبعض عدو ولكم فى الأرض مستقر ومتاع الى حين) وأما ابليس اللعين فانه خرج عن طور الملائكة وصار شيطانا رجيما فلما أهبط من الجنة نزل بأرض العراق نحو البصرة قال ابن عباس رضى الله عنهما لما أهبط ابليس الى الأرض نكح نفسه بنفسه فباض أربع بيضات ففرق فى كل قطر من الأقطار بيضة فجميع من فى الارض من الشياطين من تلك البيضة وقال مجاهد انه نكح الحية التى دخل فى جوفها فى الجنة حين أهبطت الى الأرض فباضت الاربع بيضات وأما الطاوس فانه ذهبت عنه الجواهر وبعض الحسن وأهبط أيضا الى الأرض ونزل فى أرض بابل وقيل بأرض أنطاكية وأما الحية فمسخ شكلها وصار فيها السم وسببه ان ابليس اختبأ تحت أنيابها وأدخلته الى الجنة وخرس لسانها وصارت تمشى على بطنها زحفا ونزلت الى الأرض باصبهان قال ابن عباس كانت اقامة آدم وحواء فى الجنة مدة نصف يوم من أيام الآخرة وهو مقدار خمسمائة عام من أعوام الدنيا فلما هبط آدم ألقى الله عليه النوم فنام فألقى الله النوم على جميع من فى الأرض من الحيوانات الوحش والطير وكل شئ فيه روح ولم يكن قبل ذلك يعرف النوم فسمى ذلك اليوم يوم السبت فلما طلع النهار ورأى آدم الشمس وهى تدور مع الفلك تعجب من ذلك فلما تعالت فى الفلك أحرقت جسد آدم لأنه كان عريانا مكشوف الرأس فأتاه جبريل فشكا اليه من ذلك فمسح على رأسه بيده فحط من ذلك الطول خمسة وثلاثين ذراعا قال قتادة كان آدم اذا عطش يشرب من السحاب ويروى أنه لما طلع الشعر على رأسه وطالت أظفاره أناه جبرائيل فحلق رأسه وقص أظافره ودفن ذلك فى الأرض فأنبت الله منه النخل ولهذا قيل أكرموا عماتكم النخل وقال ابن عباس مكث آدم فى الأرض ثلثمائة سنة لم يرفع رأسه الى السماء حياء من الله تعالى وأقام يبكى نحو مائتى سنة فنبت العشب من دموعه وصارت الطيور والوحوش تشرب من دموعه. ثم ان آدم شكا الى جبرائيل العرى وحر الشمس فمضى جبرائيل الى حواء ومعه كبش من الجنة فقص من صوفه ودفعه الى حواء وعلمها كيف تغزل الصوف فلما علمها وغزلته علمها كيف تنسجه فنسجته عباءة فأخذها جبرائيل ومضى بها الى آدم فستر بها جسده ولم يقل له هذه العباءة من عند حواء ثم انه شكا من الجوع لأنه أقام أربعين سنة لم يأكل ولم يشرب فمضى جبرائيل وأتاه بثورين من الجنة أحدهما أسود والآخر أحمر وعلمه كيف يحرث فحرث ثم أتاه بكف من الحنطة وعلمه كيف يزرع فزرع نكتة بينما آدم يحرث فى الأرض اذ وقف أحد الثورين فضربه بعصا كانت بيده فأنطق الله تعالى ذلك الثور فقال لم ضربتنى فقال لأجل مخالفتك لى فقال له الثور لطف الله بك حيث لم يضر بك حين خالفته فبكى آدم وقال إلهى صار كل شئ يوبخنى حتى البهائم فأمر الله جبرائيل أن يمسح على لسان البهائم فأخرست وكانت البهائم تتكلم قبل هبوط آدم الى الأرض فلما زرع آدم نبت فى الحال وأسبل وأدرك القمح من يومه فعلمه جبرائيل كيف يحصد فحصد ودرس وذرى فى الهواء فقال آدم لجبرائيل آكل فقال اصبر ثم قطع من الجبل حجرين فطحن بهما فلما صار دقيقا قال آدم آكل فقال اصبر ثم مضى وأناه بشرارة نار من نار جهنم بعد أن غمسها فى الماء سبع مرات ولولا ذلك لأحرقت الأرض ومن عليها ثم ان جبرائيل علمه كيف يخبزفخبزثم قال لجبرائيل آكل فقال اصبر حتى تغرب الشمس فيتم لك الصوم فكان آدم أول من صام على وجه الأرض فلما غربت الشمس ووضع آدم الرغيف بين يديه ومد يده ليأخذ من الرغيف لقمة فر الرغيف من بين يديه وسقط من أعلى الجبل فتبعه آدم وأخذه فقال له جبرائيل لو صبرت لأتاك الرغيف من غير أن تقوم اليه. ويروى أن آدم لما أكل من الرغيف ادخر منه الى الليلة القابلة فقال له جبرائيل لولا أنك فعلت ذلك لما كان أحد من أولادك يدخر فصار ذلك عادة لبنى آدم وقيل ان آدم لما أكل الخبز عطش فشرب عليه الماء ووجد فى نفسه تشكيا لم يعهده فلما أتاه جبرائيل شكا له ذلك ففتق جبرائيل عن دبره فبال وتغوط من وقته وقال ابن عباس رضى الله عنهما كان آدم اذا جاع نسى حواء واذا شبع تذكرها فقال يوما لجبرائيل هل حواء على قيد الحياة أم ماتت فقال بل فى قيد الحياة وأنها أصلح حالا منك لأنها على ساحل البحر تصطاد الأسماك وتأكل منها فقال آدم ياجبرائيل انى رأيتها فى منامى فى هذه الليلة فقال جبرائيل(1/41)
ياآدم أبشر فما أراك الله اياها الا لقرب الاجتماع قال ابن عباس رضى الله عنهما لما انقضت أيام المحنة عن آدم عليه السلام وتاب فتاب الله عليه وهو قوله تعالى (فتلقى آدم من ربه كلمات فتاب عليه أنه هو التواب الرحيم) قال بعض العلماء ألهمه الله أن يقول(ربنا ظلمنا أنفسنا وأن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين) وقيل أنن آدم قال يا رب بحق محمد الا ما غفرت لي خطيئتي فأوحى الله تعالى اليه وكيف عرفت محمد اولم أخلقه بعد فقال آدم لما خلقتني رفعت رأسي فرأيت مكتوبا على قوائم العرش لا إله إلا الله محمد رسول الله فعلمت أنك لم تقرن أسمك ألا باسم من هو أحب الخلق عليك فقال صدقت يا آدم وقد غفرت لك خطيئتك اذ سألتنى بحق محمد . قال الثعلبي ثم ان الله تعالى أوحى الى آدم بأن أرحل من أرض الهند الى مكة وطف حول مكان البيت واسألني المغفرة فأغفر لك خطيئتك . قيل ان الله تعالى انزل ياقوتة حمراء من بواقيت الجنة على قدر الكعبة وذلك مكان الحشفة البيضاء التى أمتدت منها الارض كما تقدم وجعل من داخلها قناديل من ذهب تضئ بالنور. ثم أرسل الله لآدم ملكا يقوده ويرشده الى طريق مكة وأنزل عليه عصا من شجر الآس. طولها عشرون ذراعا وهي من أشجار الجنة فكان آدم يمشي فتطوى له الارض فصار كل مكان وضع عليه قدمه يصير قرية فلما دخل آدم مكة أوحى الله تعالى اليه أن يطوف بذلك البيت فطاف به سبعا مكشوف الرأس عريان الجسد وذلك سنة الحج. فلما فعل ذلك آدم غفر الله له خطيئته وتاب عليه وصار الطواف يكفر الذنوب وقيل في المعنىم أبشر فما أراك الله اياها الا لقرب الاجتماع قال ابن عباس رضى الله عنهما لما انقضت أيام المحنة عن آدم عليه السلام وتاب فتاب الله عليه وهو قوله تعالى (فتلقى آدم من ربه كلمات فتاب عليه أنه هو التواب الرحيم) قال بعض العلماء ألهمه الله أن يقول(ربنا ظلمنا أنفسنا وأن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين) وقيل أنن آدم قال يا رب بحق محمد الا ما غفرت لي خطيئتي فأوحى الله تعالى اليه وكيف عرفت محمد اولم أخلقه بعد فقال آدم لما خلقتني رفعت رأسي فرأيت مكتوبا على قوائم العرش لا إله إلا الله محمد رسول الله فعلمت أنك لم تقرن أسمك ألا باسم من هو أحب الخلق عليك فقال صدقت يا آدم وقد غفرت لك خطيئتك اذ سألتنى بحق محمد . قال الثعلبي ثم ان الله تعالى أوحى الى آدم بأن أرحل من أرض الهند الى مكة وطف حول مكان البيت واسألني المغفرة فأغفر لك خطيئتك . قيل ان الله تعالى انزل ياقوتة حمراء من بواقيت الجنة على قدر الكعبة وذلك مكان الحشفة البيضاء التى أمتدت منها الارض كما تقدم وجعل من داخلها قناديل من ذهب تضئ بالنور. ثم أرسل الله لآدم ملكا يقوده ويرشده الى طريق مكة وأنزل عليه عصا من شجر الآس. طولها عشرون ذراعا وهي من أشجار الجنة فكان آدم يمشي فتطوى له الارض فصار كل مكان وضع عليه قدمه يصير قرية فلما دخل آدم مكة أوحى الله تعالى اليه أن يطوف بذلك البيت فطاف به سبعا مكشوف الرأس عريان الجسد وذلك سنة الحج. فلما فعل ذلك آدم غفر الله له خطيئته وتاب عليه وصار الطواف يكفر الذنوب وقيل في المعنى
خزيا لابليس فقد ... نلنا الخلاص من يديه
وأن في طوافنا ... دائرة السوء عليه(1/42)
وروى عن رسول الله صلي الله عليه وسلم أنه قال ان ابليس اللعين قال يا رب ان شأن عبادك عجيب أحبوك وعصوك وأبغضوك وأطاعوني. فأوحى الله تعالى اليه وعزتي وجلالي لأجعلن حبهم لي كفارة لطاعتك وبغضهم لك كفارة لمعصيتي قال ولما تاب آدم أمره الله تعالى أن يخرج الى عرفات فلما خرج الى عرفات وقف بها. واذا بحواء أقبلت نحو آدم فاجتمعا على ذلك الجبل فمن يومئذ صار الوقوف على ذلك الجبل سنة الحاج، وأنما سمى عرفات لأن آدم وحواء تعارفا فيه. ثم أن آدم أقام في مكة مدة يسيره ثم أرتحل إلى أرض الهند هو وحواء وروى أن المدة التى كانت بين أدم وحواء متفرقين خمسمائة عام. وروى أن أدم لما خرج من الجنة تستر بورق الجنة فلما صار في الارض يبس الورق وتناثر على الارض فجميع ما في الهند من الروائح الطيبة سببها ذلك. قيل أن الله أنزل على أدم ثمانية أزواج من الانعام من الضأن اثنين ومن المعز أثنين وأمره أن يشرب من ألبانها ويكتسي من أصوافها وكان آدم وحواء يبكيان على ما فات من نعيم الجنة فخرج من دموعهما الحمص والفول ويروى أن آدم عليه السلام شكا الى الله تعالى فقال يا رب لا أعلم أوقات العبادة فأنزل الله اليه ديكا من الجنة على قدر الثور العظيم وهو أبيض اللون فكان اذا سمع الديك تسبيح الملائكة في السماء يسبح في الارض فيعلم آدم من ذلك أوقات العبادة. ثم ان آدم غرس الأشجار وحفر الأبار وعمر الدار ثم أنزل الله على آدم إحدى وعشرين صحيفة. فيها تحريم الميتة والدم ولحم الخنزير وغير ذلك وأنزل عليه حروف الهجاء وهي تسعة وعشرون حرفا فتعلمها آدم لاجل أن يقراء الصحف ولا يقدر أحد أن يزيد فيها حرفا واحدا فان حكم الاله محكمة متقنة ومن النكت اللطيفة قيل ان صبيا صغير السن لقي أبا العلا المعرى فقال له ألست القائل
وأنى وان كنت الأخير زمانه ... لآت بما لم تستطعه الأوائل
فقال أبو العلاء نعم قلت ذلك فقال الصبي الأوائل أتو بحروف الهجاء تسعة وعشرين فائت أنت بحرف واحد زيادة عن ذلك يحتاج الناس اليه وينطقون به فعند ذلك سكت أبو العلاء ولم يتكلم بشئ فلما انصرف الصبي سأل عنه أبو العلاء فقيل له هو ابن فلان فقال قريب يموت فلم تمضي أيام حتى مات الصبي فقال أبو العلاء ذكاؤه قتله ثم رثاه بعض الناس بقوله
مولاي انى رأيت الدهر ذا عجب ... لا يستقيم لذي فضل على سنن
يقصي الذي ويدني كل ذي حق ... أوفاسد صالح للجل والرسن
مازال طبعا يعادي كل ذي فطن ... كأن حقا عليه بغضه الفطن(1/43)
قال الثعلبي لما حملت حواء من آدم تحرك الجنين في بطنها لوقته ففزعت حواء وكانت تقول من أين يخرج هذا المتحرك مني فلما ولدت وضعت اثنين ذكرا وانثى فسمي الذكر هابيل والانثى ليوثا فلما انقضى زمن الولادة وطهرت أراد أن يواقعها فأبت لما رأت من آلم الولادة فلا زال بها حتى واقعها وقيل كانت تمانعه مع محبتها لذلك ولكن تخاف من أمر الولادة كما ذكر الحكماء ان في الرجال شهوة واحدة وفي النساء تسعة ولكن غلب الحياء عليهن فلم يظهرن شيئا من ذلك توفيقا وفي الحديث يتمنعن وهن الراغبات. قال وحملت حواء ثانيا فجائت بذكر وأنثى في بطن واحدة فسمياهما قابيل واقليما ويقال ان مجموع ما ولدت حواء عشرون بطنا في كل بطن اثنان ذكر وانثى فكان لها من الاولاد أربعون ولدا ذكورا واناثا وقيل مائتا ولد ولم تلد في بطن واحد غير شيث وكان في جبهته نور المصطفى صلي الله عليه وسلم ويروى ان أولاد آدم لم يزالوا يتناسلون في مدة حياته حتى بلغ عددهم نحو من أربعين ألفا ذكورا واناثا وهو قوله تعالى (الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجالا كثيرا ونساء). ويروع ان أدم لما تكاثر نسله صاروا يتشاجرون فانزل الله تعالى لآدم عصا من الجنة ليؤدب بها أولاده اذا عصوه ولهذا يقال ان العصا من الجنة قال الثعلبي لما كبر قابيل فوض اليه ادم أمر الزرع وفوض أمر الغنم الى هابيل فأوحى الله تعالى الى أدم بان يزوج اقليما بهابيل وان يزوج ليوثا بقابيل فأبى قابيل ان يتزوج بليوثا وقال لا اتزوج الا باقليما لانها ولدت معي في بطن واحد وهي أحب الى من أخت هابيل وكان يومئذ نكاح الاخت جائز لتكاثر النسل فعند ذلك قال لآدم يا بنى لا تعص الله فيما أمرنى به فقال لا أدع أخي أن يأخذ أقليما. فقال آدم أذهب أنت وأخوك فقربا الى الله تعالى قربانا وليكن من أطيب ما عندكما ثم يقف كل منكما وينظر من يتقبل قربانه فهو أحق باقليما فرضيا بذلك وخرجا وتوجها الى مكة فصعدا على جبل من جبالها وقرب هابيل قربانا من خيار غنمه وقرب قابيل قمحا لم يدرك في سنبله ثم وقف قابيل وهابيل ينتظران ما يكون من أمرهما فنزلت من السماء غمامة بيضاء فأشرقت على قربان قابيل ثم أعرضت عنه ومالت الى قربان أخيه هابيل فاحتملته وصعدت به الى السماء وهو قوله تعالى(فتقبل من أحدهما ولم يتقبل من الآخر) الآيتين فقال قابيل لأخيه ان تأخذها قتلتك ولا أدع لك أختى الحسناء وما أنا بآخذ أختك القبيحة وبقي قابيل متحيرا كيف يقتل هابيل فأتاه ابليس اللعين على صورة بعض أخوانه فأخد حجرين من الأرض وضرب أحدهما بالآخر فانفلق الحجر نصفين وقابيل ينظر الى ذلك فقال لم لا أفعل بهابيل كذلك فنهض قال قابيل من وقته واتى الى أخيه هابيل فوجده نائما تحت جبل من الجبال فعمد قابيل الى صخرة فاحتملها وألقاها على رأس أخيه فقتله ومات وهو أول من قتل ظلما من أولاد آدم وكان عمره عشرين سنة فلما قتله بقي متحيرا كيف يصنع به فجعله في جراب وحمله على ظهره وطاف به الأرض وكانت السباع والطيور تحوم حوله وتنتظر متى يتركه لتأكله حتى بعث الله له غرابين فقتل أحدهما الآخر فلما قتله حفر له الأرض بمنقاره وبرجله ووضعه في حفره ورد عليه التراب فعند ذلك قال قابيل يا ويلتا أعجزت أن أكون مثل هذا الغراب فأوارى سوأه أخي فأصبح من النادمين قال بعض المفسرين لم يندم قابيل على القتل ولكنه ندم على حمله حيث حمله قيل حمله سنة ولم يدر كيف يصنع به قال صاحب مرأه الزمان ان أرباب النجوم يذكرون أن كوكب الذنب لم يظهر في الدنيا الا عند قتل هابيل وعند القاء ابراهيم الخليل فى النار وعند هلاك قوم عاد وعند غرق فرعون واستمر من يومئذ لا يظهر الا عند ظهور أمر من طاعون أو قتل ملك من الملوك وقد ظهر في أول الاسلام عند غزوة بدر الكبرى وظهر عند قتل الامام عثمان بن عفان رضى الله عنه وعند قتل على بن ابي طالب كرم الله وجهه وهذا أمر قد جرب والله أعلم. قال الثعلبى لما قتل هابيل تزلزلت الأرض وهى أول زلزلة وقعت في الأرض وكانت في اليوم تزلزل سبع مرات الى سبعة أيام من قتل هابيل وفي ذلك كسفت الشمس وهو أول كسوف وقع في الدنيا. قال الثعلبي لما قتل هابيل نبت الشوك في الاشجار وتغير طعم الفواكه وملح طعم الماء وكان آدم بأرض الهند ولم يكن عنده علم بقتل ابنه هابيل وكان يحبه. قال ابن(1/44)
عباسس لما قتل قابيل أخاه هابيل كان في جبل قاسيون في مغارة الدم فشربت الارض الدم. فأوحى الله تعالى إلى قابيل أين أخوك فقال لا أدري فأوحى الله اليه ان صورة دم أخيك تنادي من الأرض بانك قتلته فقال قابيل يا رب وأين دمه فمن يومئذ حرم الله على الارض أن تشرب الدماء جميعا ولما رأى أدم ضيقا في صدره خرج الى الأرض ليرى ما حدث فيها فلما وصل الى جهة أولاده رأى ابنه هابيل قد قتل وأخذ قابيل الاغنام وتزوج باقليما فعند قدوم آدم هرب قابيل وساح فى الارض خوفا من أبيه وفي ذلك يقول القايلما قتل قابيل أخاه هابيل كان في جبل قاسيون في مغارة الدم فشربت الارض الدم. فأوحى الله تعالى إلى قابيل أين أخوك فقال لا أدري فأوحى الله اليه ان صورة دم أخيك تنادي من الأرض بانك قتلته فقال قابيل يا رب وأين دمه فمن يومئذ حرم الله على الارض أن تشرب الدماء جميعا ولما رأى أدم ضيقا في صدره خرج الى الأرض ليرى ما حدث فيها فلما وصل الى جهة أولاده رأى ابنه هابيل قد قتل وأخذ قابيل الاغنام وتزوج باقليما فعند قدوم آدم هرب قابيل وساح فى الارض خوفا من أبيه وفي ذلك يقول القايل
من فتنة النسوان كم يعصى الفتى ... أمر الاله بطاعة الشيطان
واللص لولا هن لم يك بائعا ... للروح منه بأبخس الأثمان
قابيل لولا هن لم يقتل أخا ... ه ولا رضي بالذل والعصيان
وبهن صار لآدم مع يوسف ... فيما حكاه الله في القرآن
وكذلك هاروت ببابل منكس ... ومعلق بالرجل في الجذعان
مجنون ليلى جن في حب النسا ... كل الأذى يأتى من النسوان
فترى البلا منهن يأتى والوفا ... منهن لا يأتي مدى الأزمان
كن ما استطعت من النساء بمعزل ... ان النساء حبائل الشيطان
ومن النكتة اللطيفة ما حكي أن بعض الملوك كان مغرما بحب النساء وكان له وزير ينهاه عن ذلك ولا زال ينهاه حتى قصر عن نسائه وجواريه فلما رأت النساء من الملك التقصير سألنه عن ذلك وألححن عليه في الجواب فقال أن الوزير هو الذي ينهانى عنكن فعند ذلك أبرزت النساء جارية حسناء لم يكن عند الوزير مثلها ولا رأى قط أجمل منها وسألن الملك أن يهبها للوزير وكن قد أمرنها بان تمانع الوزير ولم تتركه يفعل شيئا حتى تضع على ظهره سرجا وفى فمه لجاما وتركب على ظهره في ليلة معينه وأعلمن الملك بذلك وسألنه أن يهجم على الوزير في تلك الليلة فأجابهن الملك إلى ذلك كله وأعطى الوزير الجارية فأراد أن يواقعها فتمنعت ولم يجد الصبر عنها فقالت له أن كنت تفعل ما آمرك به مكنتك من نفسي فقال لا أخالفك في شئ فقالت له ائتني بسرج ولجام ففعل فلما حضر أسرجته وألجمته وركبت على ظهره فبينما هما على ذلك اذا بالملك قد هجم عليهما ورأهما على تلك الحالة فقال للوزير ألم تكن تنهاني عن حب النساء وهذه حالتك معهن فقال له الوزير أعز الله الملك كنت أخاف عليك أن يقع لك معهن مثل هذا الحال التى وقعت أنا فيها فضحك الملك وعفا عنه وأنصرف. قال فلما تحقق أدم قتل ولده بكى ولما تحققت حواء ذلك صرخت فصار ذلك سنة في أولادهما وقت املصيبة. وأنشأ يرثى ابنه فقال
تغيرت البلاد ومن عليها ... فوجه الأرض مغبرّ قبيح
تغير كل ذي طعم ولون ... وقل بشاشة الوجه المليح
فالى لا أنوح بسكب دمع ... وأجفان مسهدة قروح
قتل قابيل هابيلا أخاه ... فوا أسفا على الوجه الصبيح(1/45)
وقيل هذا أول شعر قيل في الارض وأجمع أهل التواريخ على صحة ذلك ما عدا الشيخ أبا الفرج ابن الجوزي فانه ينكر ذلك ويقول ان آدم لم ينطق بالشعر ومما يؤيده ان كان سريانيا وان صح فانها كلمات سريانية وعربت أبيات شعر قال الثعلبي لما علم آدم بقتل هابيل أقام ستة لا يضحك ولا يطأ حواء فأوحى الله تعالى اليه يا آدم الى كم هذا البكاء والحزن انى معوضك عن هذا الولد بولد يكون صديقا نبيا وأجعل من نسله الأنبياء الى يوم القيامة وعلامته أنه سيوضع وحده في بطن واحد فاذا ولد تسمه شيثا ومعناه بالسريانية عبد الله فلما حملت به حواء لم تجد لحمله ثقلا وولدته من غير مشقة ولما ولدت حواء شيثا كان ما مضى من قتل قابيل مائة سنة. ذكر الثعلبي أنه لما ولدت شيث وكبر اعتزل آدم الى عبادة ربه وقراءة الصحف وصار شيث يتولى أمر اخوته ويقضي بينهم بالحق فبينما آدم في خلوته يعبد الله تعالى اذ أوحى الله اليه يا أدم أوص ولدك شيثا بما أوصيتك به فانى مذيقك الموت الذي كتبته عليك وعلى أولادك الى يوم القيامة ففزع أدم من هذا المقال وقال يارب ما هذا الموت الذي تتوعدني به ثم أن أدم أحضر شيثا وأوصاه بشئ كثير حتى أعلمه بوقوع الطوفان وهلاك العالم وعلمه أوقات العبادة من الليل والنهار وأخرج له سمطا من حرير أبيض كان فيه صور الانبياء ومن يملك الدنيا الى يوم القيامة وكان هذا هذا السمط أنزل على أدم من الجنة فعرضه على شيث وامره أن يطويه ويضعه في تابوت ويقفل عليه ثم أن آدم عمد الى شعرات من لحيته ووضعهن فى التابوت وقال يابنى خذ هذه الشعرات فاذا أهمك أمر فاحملها معك فانك تظفر بأعدائك ما دامت هذه الشعرات معك واذا رأيتها قد ابيضت فاعلم بان أجلك قد قرب وتموت فى تلك السنة. ثم ان آدم نزع خاتمه ودفعه الى شيث وسلمه التابوت والصحف التى أنزلت عليه وقال له يابنى حارب أخاك قابيل فان الله ينصرك عليه انتهى ذلك. ويروى ان آدم عاش من العمر ألف سنة من حين أهبط الى الأرض وقد قال القائل فى المعنى شعرا
ترجو البقاء بدار لاثبات لها ... فهل سمعت بظل غير منتقل
قد ذقت شدة أيامى ولذتها ... فما حصلت على صاب ولا عسل
ومن الاخبار العجيبة ما روى ان ابليس أتى الى موسى بن عمران عليه السلام وقال له اذا ناجيت ربك فاشفع لى عنده وسله هل لى عنده من توبة اذا تبت فلما ناجى موسى ربه قال الهى هل تقبل توبة من ابليس اذا تاب فقال الله عز وجل ياموسى سبق فى علمى انه لن يتوب ولكن أنا التواب الرحيم فان تاب يسجد لآدم فان سجد له على قبره قبلت توبته فلما رجع موسى أتى اليه ابليس وقال ياموسى ما صنعت بحاجتى فقال له موسى الأمر معلق على سجودك عند قبر آدم فقال له أنا ما سجدت له وهو حى فكيف أسجد له وهو ميت. وروى أن ابليس اذا مات عند ميعاده يرسل الله اليه ملائكة من أعوان عزرائيل ليقضوا عليه لأجل قبض روحه فينهزم ابليس فى جهات البر والبحر فلم يجد له ملجأ حتى يأتى عند قبر آدم فيسجد له فيقال ان الله تعالى أغلق باب التوبة فلم يقبل منك فيتحقق عدم القبول فيقول تجاهلا لو علمت ان هذا قبر آدم لما وقفت هنا وسجدت فتقبض عليه الملائكة ويقبض عزرائيل روحه أشد القبض وروى انه اذا كان يوم القيامة وصار أهل الجنة فى الجنة وأهل النار فى النار يأمر الله تعالى أن يخرج ابليس من النار فى كل مائة ألف سنة مرة ويخرج آدم من الجنة ويأمر الله ابليس أن يسجد لآدم فيأبى ابليس عن ذلك فيرده الله الى النار ويرد آدم الى الجنة وقد قال الله تعالى (إن الشيطان للانسان عدوُ مبينُ) انتهى ما أوردناه عن قصة آدم عليه السلام على سبيل الاختصار
قصة شيث بن آدم عليه السلام(1/46)
قال وهب بن منبه لما توفى آدم كان شيث ابن أربعمائة سنة وكان قد أعطاه التابوت والسمط وسيفه وفرسه الميمون الذى نزل اليه من الجنة وكان اذا صهل أجابته دواب الأرض بالتسبيح وأوصاه بالقتال مع أخيه قابيل فخرج شيث لقتال أخيه قابيل فحار به وهو أول حرب جرى فى الأرض بين بنى آدم فانتصر شيث وأسر قابيل فقال قابيل وهو أسير احفظ ياشيث ما بيننا من الرحم فقال له لأى شئ لم تحفظه وقتلت أخاك هابيل ثم أخذه شيث وغل يده فى عنقه وأوقفه فى الحر حتى مات فأراد أولاده دفنه فجاء اليهم ابليس فى صورة ملك من الملائكة وقال لأولاده لا تدفنوه فى الأرض ثم أتاهم بحجرين من البلور وجوفهما وأمر أولاده بان يدخلوا قابيل بين الحجرين من البلور ويلبسوه أفخر الثياب ويدهنوا جسده بادوية مفردة حتى لا يجف ثم أمر أولاده أن يقفوه فى بيت وهو على كرسى من ذهب وأمر كل من يدخل عليه أن يسجد له ثلاث سجدات وأمرهم بأن يجعلوا له فى كل سنة عيدا ويجتمعوا حوله ثم ان ابليس وكل به شيطانا فكان يكلمهم فأقام الناس يسجدون لقابيل مدة من الزمان ثم رجع شيث الى الهند وأقام يقضى بين الناس بالحق. قال وهب بن منبه ان حواء زوجة آدم توفيت فى زمن ابنها شيث ولم تقم بعد آدم غير سنة وكان موتها فى يوم الجمعة فى الساعة التى خلقت فيها ويقال انها دفنت الى جانب قبر آدم عليهما السلام ثم أنزل الله على شيث خمسين صحيفة وهو أول من نطق بالحكمة وأول من أخرج المعاملة بالذهب والفضة وأول من أظهر البيع والشراء واتخذ الموازين والكيل وهو أول من استخرج المعادن من الأرض. ثم ان شيثا ولد ولدا ذكرا سماه أنوش وكان شيث فى جبهته نور محمد صلى الله عليه وسلم الذى انتقل اليه من آدم فلما ولد أنوش انتقل النور الى جبهته فعلم شيث أن أجله قد قرب فنظر الى الشعرات فوجدها قد ابيضت فمات شيث فى تلك السنة وكان له من العمر تسعمائة سنة
ذكر قصة أنوش بن شيث
قال وهب بن منبه لما مات شيث استخلف بعده ابنه أنوش وتسلم التابوت والسمط والصحف والخاتم فسار أحسن سيرة وقضى بالحق. ثم تزوج أنوش بامرأة فحملت منه بولد فلما ولدته صار النور فى وجهه وسمته قينان فاستمر أنوش على ذلك حتى حضرته الوفاة فسلم التابوت والصحف الى ابنه قينان وأوصاه واستخلفه بعده
ذكر قصة قينان بن أنوش(1/47)
قال وهب بن منبه لما استخلف قينان بعد أبيه أنوش ظهر بين الناس بالعدل وسار سيرة حسنة ثم تزوج بامرأة يقال لها عطنوك فحملت منه بولد ذكر فلما وضعته سمته مهلائيل فانتقل النور الى جبهته. ثم ان قينان مرض مرض الموت فسلم ابنه مهلائيل التابوت والصحف واستخلفه من بعده. ثم مات مهلائيل وانتقل النور الى ابنه يرد ثم مات يرد فانتقل النور الى ولده أخنوخ وهو ادريس عليه السلام قال وهب ابن منبه ما سمى ادريس الا لكثرة دراسته فى الصحف قال ابن عباس بعث الله ادريس الى بنى قابيل وكانوا يعبدون الاصنام وحادوا عن توحيد الله تعالى واتخذوا لهم خمسة أصنام يعبدونها من دون الله وهى ود وسواع ويغوث ويعوق ونسر التى ذكرها الله فى القرآن العظيم فلما تزايد فى أمرهم بعث الله اليهم ادريس عليه السلام فكان يدعوهم فى الجمعة ثلاثة أيام وكان ادريس عنده شدة بأس وصلابة فى أمره ونهيه وهو أول من خط بالقلم وأول من كتب الصحف وأول من نظر فى علم النجوم والحساب وهو أول من خاط الثياب ولبس المخيط وكان اذا خاط يسبح الله عند كل غرزة من الأبرة فاذا غفل وخاط يفتق ما خاطه بغير تسبيح وكان لا يأكل الا من كسب يده وكان يخيط للناس بالاجرة وهو أول من صنع المكيال. قيل قبل زمن ادريس كان الناس يلبسون الاردية بغير خياطة فلما صنع ادريس الخياطة وخاط استحسن الناس ذلك ولبسوا المخيط ثم أنزل الله على ادريس ثلاثين صحيفة فكان لا يفتر عن قراءتها ليلا ولا نهارا وكانت الملائكة تأتى لمصافحة ادريس وكان يرفع كل يوم لادريس من العبادة بقدر ما يرفع لغيره من كل الناس حتى تعجبت منه الملائكة وحسده ابليس اللعين على ذلك ولم ير له عليه سبيلا ويروى ان ملك الموت استأذن ربه بأن يزور ادريس فأذن له فى زيارته فأتى اليه فى صورة رجل فقال له ادريس من أنت أيها الرجل فقال له أنا ملك الموت استأذنت ربى فى زيارتك فأذن لى فى ذلك فقال له ادريس ان لى اليك حاجة قال وما هى قال أن تقبض روحى فى هذه الساعة فقال له ملك الموت ان ربى لم يأذن لى بذلك فأوحى الله الى ملك الموت انى علمت ما فى نفس عبدى ادريس فاقبض روحه فقبضها فى الحال ثم ان الله تعالى أحياه فى الحال فقال ياملك الموت بقى لى حاجة أخرى فقال ما هى قال ادريس أن تمضى بى الى جهنم لأنظر أهوالها فأذن الله له بذلك فحمله ملك الموت وأتى به الى مالك خازن النار فأوحى الله الى مالك خازن النار بان أوقف عبدى ادريس على شفير جهنم لينظر ما فيها فلما وقف ادريس ونظر غشى عليه من أهوالها فجاء اليه ملك الموت واحتمله الى مكانه الذى أخذ منه فصار ادريس من ذلك اليوم لا تكتحل عينه بمنام ولا يهنأ بطعام ولا بشراب ولا يقر له قرار من الهول الذى رآه فى النار. ثم ان ادريس انعكف على عبادة الله تعالى وتزوج بامرأة فحملت منه بولد ذكر فلما وضعته سماه متوشلخ وانتقل النور الذى كان فى جبهة ادريس الى جبهة ابنه متوشلخ فلما كبر عهد اليه ادريس وسلمه الصحف والسمط والتابوت وأوصاه بقراءة الصحف ولزوم الصلاة وقال له يابنى انى صاعد الى السماء ولا أعلم هل أرجع أم لا فاقبل منى ما أوصيتك به ثم ان ادريس دخل الى محرابه وسأل الله أن يريه الجنة كما أراه النار فأوحى الله الى رضوان خازن الجنان بان يدلى الى ادريس غصنا من أغصان الجنة فأدلى له رضوان غصنا من أغصان شجرة طوبى فتعلق به وصعد الى السماء فأدخله رضوان الجنة فرأى ما فيها من النعيم فلما أطال ادريس الجلوس فى الجنة قال له رضوان اخرج فقد نظرت الجنة وما فيها فقال له ادريس ما أنا بخارج منها وقد قال الله تعالى (كل نفس ذائقةُ الموت) وقد ذقته وقال تعالى (وان منكم إلا واردها) وقد وردتها وقال تعالى (وماهم منها بمخرجين) فما أنا بخارج منها فأوحى الله تعالى الى رضوان قل لعبدى ادريس لا يخرج منها أبدا قال وهب بن منبه رفع ادريس الى السماء وهو ابن ثلاثمائة وخمس وستين سنة. قال ابن الجوزى ان ادريس وعيسى ابن مريم حيان فى السماء ادريس فى السماء الرابعة تارة يعبد الله فى السماء وتارة يتنعم فى الجنة قال الله تعالى (واذكر فى الكتاب ادريس انه كان صديقا نبيا ورفعناه مكانا عليا) قال الكسائى لما رفع ادريس الى السماء وعلمت الملائكة أنه لا يبرح منها قالت الملائكة إلهنا وسيدنا ومولانا كان لهذا العبد الخاطئ أن يسير في مقام(1/48)
الملائكةة المقربين فأوحى الله إليهم انكم عيرتم بنى أدم بفعلهم فلو ركبت فيكم ما ركبت فيهم من الشهوة وقدرت عليكم ما قدرت عليهم من الخطايا لفعلهم أعظم من فعلهم فقالوا سبحانك ربنا ما ينبغى لنا أن نعصيك فأوحى الله تعالى إليهم بأن يختاروا منهم ملكين من خيارهم فيهبطهما الى الأرض ويركب فيهما الشهوة مثل ما ركبها في بنى أدم فاختارت الملائكة ملكين من خيارهم يقال لهما هاروت وماروت فركب الله فيهما الشهوة وأهبطهما الى الارض وأمرهما أن يحكما بين الناس بالحق ونهاهما عن الشرك بالله وعن قتل النفس بغير حق وعن الزنا وعن شرب الخمر فجعلا يقضيان بين الناس بالحق بالنهار فاذا أمسيا ذكرا أسم الله الأعظم فيصعدان الى السماء فاستمرا على ذلك شهرا واحدا فأتت إليهما أمرأة من أجمل النساء في الحسن والجمال والقد والاعتدال لابسة أفخر الثياب وكان أسمها الزهرة وكانت من اهل فارس وتحكم على عدة مدن فدخلت على هاروت وماروت وهي في زينتها وقد أسدلت شعرها من حلفها وأسفرت عن وجهها ثم شكت الى ذلك الملكين من خصمها فلما رأياها افتتنا بحبها فلما انصرفت عادت اليهما في اليوم الثاني فصار كل واحد منهما يحدث صاحبه بما عنده من الشغف بها فلما تزايد بهما الامر راوداها عن نفسها فأبت وانصرفت ثم عادت اليهما في اليوم الثالث فراوداها عن نفسها فأبت وقالت لهما لا امكنكما مما أردتما حتى تفعلا ما أريد أن تسجدا للصنم وتشربا الخمر فقالا لا سبيل الى هذا فأن الله تعالى نهانا عنه فأبيا عن ارادتها وأبت عن ارادتهما وانصرفت عنهما فزاد بهما الوجد فتوجها الى بيتها وطرقا عليها الباب فرحبت بهما فدخلا عليها فأحضرت لهما طعاما فأكلا منه ثم راوداها عن نفسها فقالت انكما تعلمان ما أردت منكما فقالا أن الشرك عظيم والقتل عظيم وأما شرب الخمر فأنه أهون هذه الاشياء ثم نستغفر الله ولم يعلما أن الخمر أم المعاصي فتقدما وشربا الخمر فلما أنتشيا وقعا على المرأة فزنيا بها فرأهما انسان فقتلاه خوفا من أن ينم عليهما فأمرتهما أن يسجدا للصنم فسجدا وكفرا. وقيل فيهلمقربين فأوحى الله إليهم انكم عيرتم بنى أدم بفعلهم فلو ركبت فيكم ما ركبت فيهم من الشهوة وقدرت عليكم ما قدرت عليهم من الخطايا لفعلهم أعظم من فعلهم فقالوا سبحانك ربنا ما ينبغى لنا أن نعصيك فأوحى الله تعالى إليهم بأن يختاروا منهم ملكين من خيارهم فيهبطهما الى الأرض ويركب فيهما الشهوة مثل ما ركبها في بنى أدم فاختارت الملائكة ملكين من خيارهم يقال لهما هاروت وماروت فركب الله فيهما الشهوة وأهبطهما الى الارض وأمرهما أن يحكما بين الناس بالحق ونهاهما عن الشرك بالله وعن قتل النفس بغير حق وعن الزنا وعن شرب الخمر فجعلا يقضيان بين الناس بالحق بالنهار فاذا أمسيا ذكرا أسم الله الأعظم فيصعدان الى السماء فاستمرا على ذلك شهرا واحدا فأتت إليهما أمرأة من أجمل النساء في الحسن والجمال والقد والاعتدال لابسة أفخر الثياب وكان أسمها الزهرة وكانت من اهل فارس وتحكم على عدة مدن فدخلت على هاروت وماروت وهي في زينتها وقد أسدلت شعرها من حلفها وأسفرت عن وجهها ثم شكت الى ذلك الملكين من خصمها فلما رأياها افتتنا بحبها فلما انصرفت عادت اليهما في اليوم الثاني فصار كل واحد منهما يحدث صاحبه بما عنده من الشغف بها فلما تزايد بهما الامر راوداها عن نفسها فأبت وانصرفت ثم عادت اليهما في اليوم الثالث فراوداها عن نفسها فأبت وقالت لهما لا امكنكما مما أردتما حتى تفعلا ما أريد أن تسجدا للصنم وتشربا الخمر فقالا لا سبيل الى هذا فأن الله تعالى نهانا عنه فأبيا عن ارادتها وأبت عن ارادتهما وانصرفت عنهما فزاد بهما الوجد فتوجها الى بيتها وطرقا عليها الباب فرحبت بهما فدخلا عليها فأحضرت لهما طعاما فأكلا منه ثم راوداها عن نفسها فقالت انكما تعلمان ما أردت منكما فقالا أن الشرك عظيم والقتل عظيم وأما شرب الخمر فأنه أهون هذه الاشياء ثم نستغفر الله ولم يعلما أن الخمر أم المعاصي فتقدما وشربا الخمر فلما أنتشيا وقعا على المرأة فزنيا بها فرأهما انسان فقتلاه خوفا من أن ينم عليهما فأمرتهما أن يسجدا للصنم فسجدا وكفرا. وقيل فيه
تركت المدام وشرب المدام ... وصرت صديقا لمن عابه(1/49)
شرب يضل سبيل الهدى ... ويفتح للشر أبوابه
قال فلما فعل هاروت وماروت هذه الفعال ووقعا في الذنوب أرادا أن يصعدا إلى السماء فلم تطاوعهما أجنحتهما فعلما ما حل بهما فقصدا نبى الله أدريس عليه السلام فأخبراه بأمرهما وسألاه أن يشفع لهما عند الله تعالى وقالا له إنا رأيناك يصعد لك من العبادة مثل ما يصعد لجميع أهل الارض فأشفع لنا الى الله تعالى قال ففعل ادريس ذلك فخيرهما الله بين عذاب الدنيا وعذاب الآخرة فاختارا عذاب الدنيا على عذاب الآخرة فهما يعذبان ببابل في جب معلقين بشعورهما منكسين على رءوسهما في سلاسل من حديد يعذبان بالعطش وبين لسانيهما وبين الماء مقدار يسير كعرض الاصبع وجميع دخان الدنيا داخل في أنفيهما زيادة في عذابهما وأعينهما شاخصة مزرقة ووجوههما مسودة وهما في هذه الحال الى يوم القيامة ويروى أن رجلا أتى أليهما من أرض بابل ليتعلم منهما شيئا من السحر فلما دخل عليهما ذلك الرجل ورأهما فيما ذكرناه فقال الرجل أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد محمدا رسول الله فلما سمعاه قالا له من أي أمة أنت قال من أمة محمد صلي الله عليه وسلم فقالا له أبعث محمد قال نعم فقالا الحمد لله وأظهرا الفرح فقال لهما قد أظهرتما الفرح عند ذكر النبي صلى الله عليه وسلم فقالا نعم أنه نبى يبعث بين يدي الساعة وقد قرب فرجنا اه وقيل لما رفع ادريس عليه السلام الى السماء تولى بعده ابنه متوشلخ فحكم بين الناس بالحق. ولما توفي متوشلخ سلم التابوت والصحف الى ابنه لامك قال الكسائي كان لامك شديد البأس وكان عنده صلابه وقوة فكان يقلب بيده الصخرة العظيمة ويقلعها من الحبل ومما وقع له أنه خرج ذات يوم الى الفضاء فرأى أمرأة حسناء وبين يديها غنم ترعاها فأعجبته فتقدم وسألها عن أسمها فقالت أن فينوسه بنت أكليل من أولاد قابيل بن آدم فقال لها ألك بعل قالت لا فقال لها أنت صغيرة ولو كنت بالغة لتزوجت بك وكان البلوغ يومئذ مائتى سنة فقالت الصحيح أنا بنت مائتين وعشرين سنة فأنطلق وأخطبنى من أبى فلما سمع لامك بذلك الكلام مضي الى أبيها وخطبها منه فزوجها له فلما دخل عليها حملت منه ووضعت له ولدا ذكرا فسمته يشكر وقيل عبد الغفار وهو نوح قال وهب بن منبه فلما كان وقت ولادتها وضعته في مغارة وأرادت الانصراف عنه خوفا من ملك ذلك الزمان فأنه كان يحجر على النساء ويقتل الأطفال عمدا فلما وضعته ذهبت عنه وهي تنوح عليه فناداها يا أماه لا تخافي علىّ فان الذي خلقني يحفظنى فعند ذلك انصرفت مطمئنة فأقام في تلك المغارة أربعين يوما ففي هذه الأربعين يوما مات الذي كان يقتل الأطفال فحمله بعض الملائكة ووضعه في حجر أمه فاذا بالنور الذي كان في جبهة أبيه لامك انتقل الى جبهة ابنه عبد الغفار وهو نوح عليه السلام فأخذت أمه في تربيته حتى كبر وانتشى فتعلم صنعه النجارة واتقنها وكان يرعى الغتم لقومه بالأجرة فاقام على ذلك مدة طويلة حتى توفي ابوه لامك فأستخلفه من بعده وسلم اليه الصحف والتابوت والسمط
ذكر قصة نوح عليه السلام(1/50)
وهو نوح بن لامك بن متوشلخ بن ادريس عليه السلام . قال الكسائي كان اسمه عبد الغفار أو يشكر وسبب تسميته نوحا ما قيل أنه رأي كلبا له أربعة أعين فقال نوح ان هذا الكلب شنيع فقال له الكلب يا عبد الغفار أتعيب النقش أمن النقاش فان كان العيب على النقش فان الأمر لو كان الىّ لما أختت أن أكون كلبا وان كان العيب من النقاش فهو لا يلحقه عيب لانه يفعل ما يشاء فكان كلما ذكر ذلك ينوح ويبكي على خطيئته وذنبه فلكثره نوحه سمي نوحا . رواه السدي قال وهب بن منبه لما أتى على نوح من العمر أربعمائة وثمانون سنة أتاه جبرائل عليه السلام فقال له نوح من أنت أيها الرجل البهي فقال له جبرائيل أنا رسول رب العالمين جئتك بالرسالة من عنده وقد بعثك الله الى قومك وهو قوله تعالى(انا أرسلنا نوحا الى قومه أن أنذر قومك من قبل أن يأتيهم عذاب أليم) ثم أن جبرائيل ألبسه لباس المجاهدين وعممه بعمامة النصر وقلده بسيف العزم ثم قال له امض الى عدو الله درمشيل بن فوميل بن جيج بن قابيل بن آدم وكان درمشيل جبارا عنيدا وهو أول من اعتصر الخمر وشربها وهو اول من لعب بالقمار وأول من اتخذ الثياب المنسوجة بالذهب كان هو وقومه يعبدون الأصنام الخمسة وهي ودّ وسواع ويغوث ويعوق نسر وهي التى ذكرها الله في القرأن العظيم وكان حول هذه الأصنام ألف وسبعمائة صنم وكان لهم بيوت مبنية بالرخام الملون طول كل بيت ألف ذراع وعرضه كذلك وكان لهذه الأصنام كراسي من الذهب فيها انواع من الجواهر الفاخرة وكان لها خدام يخدمونها بالليل والنهار وكان لها عيد معلوم في السنة يجتمعون فيه فخرج اليهم نوح في ذلك اليوم وكانوا يوقدون النار حول تلك الأصنام ويقربون اليها القربان ثم يسجدون بين يديها تعظيما لها وكانوا يخرجون بأصناف الملاهي ويضربون بالصنوج ويرقصون عندها ويشربون الخمر ويزنون بالنساء جهارا من غير ستر ويركبونهن كالبهائم بين الناس فلما خرج اليهم نوح وقف على تل عال ورفع رأسه الى السماء وقال الهى أسألك أن تنصرني عليهم بنور محمد صلى الله عليه وسلم وكانوا ممن لا يحصون لكثرتهم. ثم ان نوحا وقف على ذلك التل ونادى بأعلى صوته يا أيها القوم انى قد جئتكم من عند رب العالمين أدعوكم لعبادته وأنهاكم عن عبادة الأصنام فلما صاح نوح هذه الصيحة بلغ صوته الى المشرق والمغرب وسقطت الأصنام عن كراسيها وفزع كل من حولها من الخدام وغشى على الملك درمشيل فلما أفاق من غشيته قال لمن حوله ما الذي سمعتموه من الصوت فقالوا هذا صوت رجل يقال له نوح وهو مجنون وفي عقله خلل فقال الملك أئتوني به فجاءت إليه أعوان الملك فأخذوه وأوقفوه بين يدي الملك فقال له الملك من أنت قال أنا نوح رسول رب العالمين قد جئتكم بالرسالة لتؤمنوا بالله وحده وتتركوا عبادة هذه الأصنام فقال له الملك ان كان بك جنون نداويك وان كنت فقيرا نواسيك وان كنت مدينا قضينا عند دينك فقال نوح ما بي جنون ولا أنا فقير ولا على ديون وأما أنا رسول رب العالمين فكان نوح عليه السلام أول المرسلين وهو من أولى العزم وقد بعثه الله تعالى الى بنى قابيل لما تمادوا على عبادة الأصنام وأظهروا الشرك بالله فدعاهم الى توحيد الله وأن يقولوا لا اله الا الله وأن نوحا رسول الله فلما سمع الملك كلامه غضب عليه وقال لولا أنه يوم عيد لقتلته شر قتله ويروى أنه آمن بنوح في ذلك اليوم امرأة يقال لها عمرة فتزوجها فولدت منه ثلاثة أولاد ذكور وهم سام وحام ويافث وولدت له ثلاث بنات وهن حصوة وسارة وبحيورة ثم أمنت به أمرأة أخرى يقال لها ولعب بنت عجويل فتزوجها فولدت له ولدين وهما بالوس وكنعان ثم انها عادت الى دينها بعد اسلامها ثم آمن به من الرجال والنساء نحو سبعين انسانا فصار نوح يخرج الى القوم في كل يوم وينادي يا قوم اعبدوا الله ما لكم من اله غيره لا شريك له فيخرج اليه القوم من بيوتهم فيضربونه بالعصى والنعال فيغشى عليه ويغيب عن الدنيا فيجرونه من رجله ويلقونه على المزابل ولما يفيق يمسح الدماء عن وجهه ويصلى ركعتين ويقول اللهم اغفر لقومي فانهم لا يعلمون فأقام على ذلك نحوا من ثلاثمائة سنة ثم ان الملك درمشيل هلك وأقام بعده ابنه توبين فكان أطغى من ابيه فصار نوح يدعوه لما كان يدعو أباه من قبل اليه واستمر نوح يدعوا قومه الى أربعمائة سنة حتى دخل عليه القرن الخامس(1/51)
والقوم على حالهم وكانوا كلما سمعوا صوت نوح عليه السلام يضعون أصابعهم في آذانهم كما أخبر الله العظيم في القرآن الكريم وكان قومه يجمعون له الحجارة فوق الاسطحة فاذا مر عليهم يرمونه بها فيغشى عليه فيظنون أنه قد مات فكانت الطيور تروح عليه بأجنحتها اذا غشى عليه فيفيق فلا زال كذلك حتى مر عليه ستة قرون ودخل فى القرن السابع وهلك الملك توبين واستخلف من بعده ابنه طغردوس فكان أشد طغيانا من أبيه فصار كلما يدعوهم يرمونه بالحجارة كما تقدم ثم أوحى الله تعالى الى نوح انه لم يبق في أصلاب الرجال ولا في بطون النساء مؤمن يجيب دعوتك وقد أعقمهم الله تعالى فعند ذلك دعا عليهم نوح بأن الله لا يبقى أحدا منهم كما أخبر الله تعالى عنه بقوله(رب لاتذر على الأرض من الكافرين ديارا انك أن تذرهم يضلوا عبادك ولا يلدوا الا فاجرا كفارا) فانفتحت أبواب السماء لدعوته وهاجت عندها الملائكة. قال فعند ذلك أوحى الله اليه أن اصنع الفلك الآية فقال نوح يا رب وما الفلك قال هو بيت من الخشب يجري على وجه الارض فأمره الله أن يغرس في الأرض خشب الساج وقيل هو الآبنوس وأمره أن يغرسه بأرض الكوفة فغرسه فاقام أربعين سنة حتى أدرك وأمر السماء أن تمنع القطر وأمر الأرض أن تمنع النبات ففى تلك المدة لم ينزل من السماء قطرة ولم يخرج من الأرض عشبة ولم تلد امرأة ولا بهيمة ولا وحش ولم يفرخ طير وذلك لاقامة الحجة على الناس قبل نزول العذاب فأمر الله نوحا عليه السلام أن يتوجه الى الكوفة وينقل خشب الساج فبقى نوح متحيرا كيف ينقل الخشب فأوحى الله إليه أن عوج بن عنق يحمل ذلك. قال الكسائى ان عنق أم عوج كانت من أولاد آدم وكانت شنيعة المنظر قبيحة الشكل وكانت ساحرة ماهرة فولدت عوجا ثم ماتت بعد ولادتها بمائة سنة فلما كبر عوج كان عظيم الخلقة طوله ستمائة ذراع بالذراع القديم وهو ذراع ونصف الآن وكان عرضه مثل ذلك حتى قيل انه لما جاء الطوفان لم يجاوز الى ركبته وكان اذا جلس على الجبل يمد يده الى البحر فيأخذ منه السمك ويشويه غى عين الشمس وكان اذا غضب على أهل قرية يبول عليهم فيغرقهم. وقيل انه سلط على أهل قرية فقالوا له نحن نكسوك قميصا ولا نأخذ منك ثمنه إلا بعد سنة فتخارج أهل تلك القرية وصنعوا له قميصا من القطن فألبسوه اياه فمضى عنهم فكان كلما قصد أن يمر عليهم يذكر ما عليه من الدين فيرجع عنهم ولا يدخل إليهم خوفا من الدين ويروى أن عوج بن عنق عاش من العمر أربعة آلاف سنة وخمسمائة سنة وأدرك أيام موسى فلما دخل موسى الى التيه ومعه بنو اسرائيل قصد عوج أن يهلكهم فجاء الى جيش موسى لأجل أن يعرف مقدارهم فوجدهم فرسخا فى فرسخ فمضى إلى جبل وقلعة من الأرض واحتمله على رأسه وجاء ليقلبه على جيش موسى فأرسل الله اليه هدهدا وجعل له منقارا من حديد فنزل ذلك الهدهد على تلك الصخرة وجعل ينقرها حتى ثقبها فنزلت فى عنق عوج فصارت غلاله لا يستطيع الحركة فلما رأى موسى ذلك أتى اليه وضربه بعصاه وكان طولها عشرة أذرع ووثب موسى فى الهواء عشرة أذرع وكان طول موسى عشرة أذرع فلم تبلغ ضربته ساق عوج فلما ضربه موسى خر عوج ميتا وصار ملقى فى الفلاة كالجبل العظيم ويروى أن ببلاد التتر نهرا يسمى الطائى وعليه قنطرة عظيمة فيقال ان تلك القنطرة من عظم ضلع عوج بن عنق وكان من جملة عجائب الدنيا قال الكسائى فلما أوحى الله الى نوح بأن الذى يحمل له الخشب عوج من الكوفة الى أرض الحيرة وكانت الحيرة قرية من بغداد جاء نوح الى عوج وسأله أن يحمل له الخشب فقال عوج لا أحمل ذلك لك حتى تشبعنى من الخبز وكان مع نوح ثلاثة أرغفة من خبز الشعير فقدم الى عوج قرصا منها وقال له كل فضحك عوج من ذلك وقال لو أن مثل هذا الجبل خبزا ما أشبعنى فكيف أشبع بهذا القرص فكسر له نوح ذلك القرص وقال له قل بسم الله الرحمن الرحيم وكل فأكل القرص وقدم له قرصا ثانيا فشبع من نصف الثانى ولم يقدر أن يأكل شيئا بعد ذلك فحمل عوج ذلك الخشب من الكوفة الى الحيرة جميعه فى نقلة واحدة فلما صار الخشب عند نوح قال يارب وكيف أصنع هذه السفينة فأوحى الله تعالى الى جبرائيل أن يعلمه كيف يصنع السفينة فكان نوح يصنع الخشب ألواحا ويلصق بعضها ببعض ويسمره بالمسامير الحديد ثم جعل رأسها كرأس الطاووس وذنبها كذنب الديك ومنقارها كمنقار البازى وأجنحتها(1/52)
كأجنحةة(1/53)
العقاب ووجهها كوجه الحمامة وجعلها ثلاث طباق وقيل سبع طبقات قال ابن عباس رضى الله عنهما كان طولها ألف ذراع وعرضها ستمائة ذراع وارتفاعها ثلاثمائة ذراع. ويروى أنه أقام فى أعمالها أربعين سنة فكان القوم يسخرون منه ويقولون له يانوح قد تركت النبوة وصرت نجارا. قال الكسائى كان القوم اذا أتى الليل يطلقون النار فى خشب السفينةة فلم تعمل فيه النار فيقولون هذا من سحر نوح فلما أشرقت السفينة على الفراغ طلاها بالزفت والقير ثم أوحى الله تعالى اليه بأن يسمر فى جوانبها أربعة مسامير وينقش على كل مسمار منها عينا فقال نوح يارب ما فائدة ذلك فأوحى الله اليه هذه أسماء أصحاب محمد وهم عبد الله أبو بكر وعمر وعثمان وعلى رضى الله عنهم أجمعين فلاتتم السفينة إلا أن تفعل ذلك ففعل نوح ما أمره الله به فتمت السفينة ثم أنطقها الله تعالى فقالت جهارا والناس يسمعونها لا إله إلا الله إله الأولين والآخرين أنا السفينة التى من ركبنى نجا ومن تخلف عنى هلك فقال نوح تؤمنون الآن فقالوا ان هذا من سحرك يانوح ثم أوحى الله تعالى اليه انه قد اشتد غضبى على من عصانى فأمره الله أن يحمل معه قوت ستة أشهر وأن يعمل فى السفينة مخزنا للماء العذب ثم أنزل الله لنوح خرزة من الجنة لها ضوء كضوء الشمس فكان يعلم منها مواقيت الليل والنهار ومضى الساعات ثم ان نوحا استأذن ربه بأن يحج فأذن له بذلك فلما مضى الى مكة أراد القوم أن يحرقوا السفينة فأمر الله تعالى الملائكة بأن يرفعوها بين السماء والأرض فرفعوها والقوم ينظرون اليها فلما مضى نوح الى مكة طاف بالبيت سبعا ثم دعا على قومه هناك فاستجاب الله دعاءه فلما رجع نوح من مكة أنزل الله له السفينة الى الأرض ثم أوحى الله تعالى اليه بأن يصعد الى الجبل وينادى بأعلى صوته يامعشر الوحوش والطيور والهوام وكل شئ فيه روح هلموا الى دخول السفينة فقد قرب العذاب فوصلت دعوته الى المشرق والمغرب فأقبلت اليه الوحوش والطيور والدواب والهوام أفواجا أفواجا فقال نوح انى أمرت أن أحمل معى من كل زوجين اثنين ثم أمره بأن يحمل معه الأشجار قاطبة وأن يحمل معه جسد آدم وحواء فوضعهما فى تابوت ثم أمره بأن يحمل معه الحجر الأسود وعصا آدم التى أنزلت عليه من الجنة وحمل معه التابوت والصحف والسمط وكان جملة من دخل معه فى السفينة أربعين رجلا وأربعين أمرأة فوضعهم فى الطبقة الاولى ووضع فى الطبقة الثانية الوحوش والدواب والأنعام ويروى أن آخر من دخل من الدواب الحمار وقد أمسك ابليس اللعين بذنبه فمنعه من الدخول فظن نوح أن الحمار يمتنع من قبل نفسه فقال له نوح ادخل ياملعون فدخل الحمار وابليس معه فلما رآه نوح قال له من أذن لك فى الدخول فقال أنت أذنت لىّ ألست القائل ادخل ياملعون وما فى الخلق على الاطلاق ملعون غيرى. ويروى أن نوحا لما ركب السفينة نهى جميع من كان معه عن النكاح خشية من التناسل فيضيق عليهم المكان فأطاعه جميع من كان فيها إلا الكلب فانه نكح أنثاه فنمت الهرة لنوح على الكلب على فعله فأنكر ذلك وعاد ثانيا وثالثا فقالت الهرة لنوح فى ذلك فدعا عليهما بالفضيحة فوقعت العداوة بين الكلب والهزة من يومئذ وصارت لهما الفضيحة عند جماعهما وقيل فيهماووجهها كوجه الحمامة وجعلها ثلاث طباق وقيل سبع طبقات قال ابن عباس رضى الله عنهما كان طولها ألف ذراع وعرضها ستمائة ذراع وارتفاعها ثلاثمائة ذراع. ويروى أنه أقام فى أعمالها أربعين سنة فكان القوم يسخرون منه ويقولون له يانوح قد تركت النبوة وصرت نجارا. قال الكسائى كان القوم اذا أتى الليل يطلقون النار فى خشب السفينةة فلم تعمل فيه النار فيقولون هذا من سحر نوح فلما أشرقت السفينة على الفراغ طلاها بالزفت والقير ثم أوحى الله تعالى اليه بأن يسمر فى جوانبها أربعة مسامير وينقش على كل مسمار منها عينا فقال نوح يارب ما فائدة ذلك فأوحى الله اليه هذه أسماء أصحاب محمد وهم عبد الله أبو بكر وعمر وعثمان وعلى رضى الله عنهم أجمعين فلاتتم السفينة إلا أن تفعل ذلك ففعل نوح ما أمره الله به فتمت السفينة ثم أنطقها الله تعالى فقالت جهارا والناس يسمعونها لا إله إلا الله إله الأولين والآخرين أنا السفينة التى من ركبنى نجا ومن تخلف عنى هلك فقال نوح تؤمنون الآن فقالوا ان هذا من سحرك يانوح ثم أوحى الله تعالى اليه انه قد(1/54)
اشتد غضبى على من عصانى فأمره الله أن يحمل معه قوت ستة أشهر وأن يعمل فى السفينة مخزنا للماء العذب ثم أنزل الله لنوح خرزة من الجنة لها ضوء كضوء الشمس فكان يعلم منها مواقيت الليل والنهار ومضى الساعات ثم ان نوحا استأذن ربه بأن يحج فأذن له بذلك فلما مضى الى مكة أراد القوم أن يحرقوا السفينة فأمر الله تعالى الملائكة بأن يرفعوها بين السماء والأرض فرفعوها والقوم ينظرون اليها فلما مضى نوح الى مكة طاف بالبيت سبعا ثم دعا على قومه هناك فاستجاب الله دعاءه فلما رجع نوح من مكة أنزل الله له السفينة الى الأرض ثم أوحى الله تعالى اليه بأن يصعد الى الجبل وينادى بأعلى صوته يامعشر الوحوش والطيور والهوام وكل شئ فيه روح هلموا الى دخول السفينة فقد قرب العذاب فوصلت دعوته الى المشرق والمغرب فأقبلت اليه الوحوش والطيور والدواب والهوام أفواجا أفواجا فقال نوح انى أمرت أن أحمل معى من كل زوجين اثنين ثم أمره بأن يحمل معه الأشجار قاطبة وأن يحمل معه جسد آدم وحواء فوضعهما فى تابوت ثم أمره بأن يحمل معه الحجر الأسود وعصا آدم التى أنزلت عليه من الجنة وحمل معه التابوت والصحف والسمط وكان جملة من دخل معه فى السفينة أربعين رجلا وأربعين أمرأة فوضعهم فى الطبقة الاولى ووضع فى الطبقة الثانية الوحوش والدواب والأنعام ويروى أن آخر من دخل من الدواب الحمار وقد أمسك ابليس اللعين بذنبه فمنعه من الدخول فظن نوح أن الحمار يمتنع من قبل نفسه فقال له نوح ادخل ياملعون فدخل الحمار وابليس معه فلما رآه نوح قال له من أذن لك فى الدخول فقال أنت أذنت لىّ ألست القائل ادخل ياملعون وما فى الخلق على الاطلاق ملعون غيرى. ويروى أن نوحا لما ركب السفينة نهى جميع من كان معه عن النكاح خشية من التناسل فيضيق عليهم المكان فأطاعه جميع من كان فيها إلا الكلب فانه نكح أنثاه فنمت الهرة لنوح على الكلب على فعله فأنكر ذلك وعاد ثانيا وثالثا فقالت الهرة لنوح فى ذلك فدعا عليهما بالفضيحة فوقعت العداوة بين الكلب والهزة من يومئذ وصارت لهما الفضيحة عند جماعهما وقيل فيهمااشتد غضبى على من عصانى فأمره الله أن يحمل معه قوت ستة أشهر وأن يعمل فى السفينة مخزنا للماء العذب ثم أنزل الله لنوح خرزة من الجنة لها ضوء كضوء الشمس فكان يعلم منها مواقيت الليل والنهار ومضى الساعات ثم ان نوحا استأذن ربه بأن يحج فأذن له بذلك فلما مضى الى مكة أراد القوم أن يحرقوا السفينة فأمر الله تعالى الملائكة بأن يرفعوها بين السماء والأرض فرفعوها والقوم ينظرون اليها فلما مضى نوح الى مكة طاف بالبيت سبعا ثم دعا على قومه هناك فاستجاب الله دعاءه فلما رجع نوح من مكة أنزل الله له السفينة الى الأرض ثم أوحى الله تعالى اليه بأن يصعد الى الجبل وينادى بأعلى صوته يامعشر الوحوش والطيور والهوام وكل شئ فيه روح هلموا الى دخول السفينة فقد قرب العذاب فوصلت دعوته الى المشرق والمغرب فأقبلت اليه الوحوش والطيور والدواب والهوام أفواجا أفواجا فقال نوح انى أمرت أن أحمل معى من كل زوجين اثنين ثم أمره بأن يحمل معه الأشجار قاطبة وأن يحمل معه جسد آدم وحواء فوضعهما فى تابوت ثم أمره بأن يحمل معه الحجر الأسود وعصا آدم التى أنزلت عليه من الجنة وحمل معه التابوت والصحف والسمط وكان جملة من دخل معه فى السفينة أربعين رجلا وأربعين أمرأة فوضعهم فى الطبقة الاولى ووضع فى الطبقة الثانية الوحوش والدواب والأنعام ويروى أن آخر من دخل من الدواب الحمار وقد أمسك ابليس اللعين بذنبه فمنعه من الدخول فظن نوح أن الحمار يمتنع من قبل نفسه فقال له نوح ادخل ياملعون فدخل الحمار وابليس معه فلما رآه نوح قال له من أذن لك فى الدخول فقال أنت أذنت لىّ ألست القائل ادخل ياملعون وما فى الخلق على الاطلاق ملعون غيرى. ويروى أن نوحا لما ركب السفينة نهى جميع من كان معه عن النكاح خشية من التناسل فيضيق عليهم المكان فأطاعه جميع من كان فيها إلا الكلب فانه نكح أنثاه فنمت الهرة لنوح على الكلب على فعله فأنكر ذلك وعاد ثانيا وثالثا فقالت الهرة لنوح فى ذلك فدعا عليهما بالفضيحة فوقعت العداوة بين الكلب والهزة من يومئذ وصارت لهما الفضيحة عند جماعهما وقيل فيهما
قالت الهرة قولا ... جمعت كل المعانى(1/55)
أشتهى أن لا أرى الكلب ... ولا الكلب يرانى(1/56)
ويروى أنه لما كثر روث الدواب فى السفينة شكوا من ذلك الى نوح فأوحى الله اليه أن اعصر ذنب الفيل فلما عصره وقع منه خنزير وخنزيره فصارا يأكلان الروث ثم خلق الله من عطسة الخنزير فأرا وفأرة ثم تناسل الفيران فصاروا يقرضون فى جوانب السفينة فشكا أهل السفينة من ذلك فسلط على الفيران النانير وهى القطط فصاروا يأكلونها أكلا ذريعا حتى أفنوها عن آخرها فمن ذلك اليوم صارت العداوة بين القطط والفأر قال ابن وصيف شاه لم يكن فى ملوك مصر أغنى من سور يد ومما وقع له أنه رأى فى منامه قبل وقوع الطوفان بثلاثمائة سنة كأن السماء قد انقلبت على الأرض حتى صارت كالجوبة وكأن الكواكب قد تساقطت والشمس والقمر قد قربا من العالم ورأى طيورا بيضاء تخطف الناس وتلقيهم بين جبلين وكأن الدنيا سوداء مظلمة وكأن الناس قد اجتمعوا عليه من صعيد واحد وهم يستجيرون به فلما رأى ذلك استيقظ من منامه وهو مرعوب خائف فلما أصبح استدعى الكهنة وهم مائة رجل وكانوا لا يقضون أمرا إلا بالنجوم والطوالع فاختلى بهم وقص عليهم الرؤيا فقالوا ان رؤياك سماوية يهلك بها جميع العالم وجميع من على وجه الأرض فقال لهم الملك خذوا الاتفاع من الكواكب فلما نظروا فى ذلك قالوا وجدنا القمر فى برج السرطان وهو مقارب للسماك فيكون الهلاك فى أمر من طوفان وان هذه الآفة مائية سماوية فقال لهم انظروا هل تلحق هذه الآفة بلادنا فقالوا له نعم تأتى اليها وتقيم البلاد خرابا مدة طويلة فقال لهم الملك انظروا هل تعود بلادنا عامرة أحسن مما كانت عليه قالوا نعم تعود أحسن مما كانت عليه فعند ذلك أمر سوريد ببناء هذه الأهرام وقد جعل أساسها مقدار ارتفاعها عن الأرض وقال نجعلها نواويس لنا وقبورا لأجسادنا ثم نقل اليها أشياء كثيرة من الأموال والجواهر وآلات السلاح والتماثيل العجيبة والأوانى الغريبة التى هى من سائر المعادن وكتب عليها الطلاسم والعلوم الفلكية التى تخبر بما سيحدث من الامور الى آخر الزمان ومن يملك البلاد من الملوك المسلمين والكافرين وأخبرت الكهنة أن هذا الطوفان لا يقيم كثيرا على وجه الأرض بل نحو أربعين يوما فبنى الاهرام وحبس فيها الهواء بتقدير وتدبير الحكمة وادخر ما ذكرناه من الأموال وغير ذلك وقال ان كنا ننجو من هذا الطوفان نعود الى ملكنا فنجد أموالنا كما هى باقية وان متنا فتكون هذه الاهرام قبورا لأجسادنا حرزا تصونها من البلى فصنع كل واحد من وزرائه وحكمائه وأرباب دولته هرما لتكون حرزا لأجسادهم من الطوفان قال المسعودى فى مروج الذهب ان فى كل هرم منها سبع بيوت على عدد الكواكب السيارة وفى تلك البيوت عدة أصنام من الذهب مرصعة بالجواهر الفاخرة وفى آذانهم درر قدر بيضة الدجاج وفى كل هرم ناووس من الرخام الاخضر وفيه جثة صاحبه مطبق عليه ومعه صحيفة فيها اسمه وترجمته ومدة ملكه وذكروا أن لهذه الاهرام مكانا ينفذ الى صحراء الفيوم وهى على مسيرة يومين من الاهرام ومما حكى عن الشهاب الحجازى قال خرجنا من الجامع الأزهر أحد عشر نفرا فى طلب الاهرام وكان معنا عدة سلب طوال على حمار فلما وصلنا الى الأهرام دخلنا الى الهرم الكبير المفتوح ووقفنا على رأس البئر الذى به فتجرد منا شخص وكان يدعى الشجاعة فربطاناه من وسطه بسلبة من تلك السلب التى معنا وأدليناه فى البئر فنفد السلب الذى معنا جميعه ولم ينته الى قعر البئر فربطنا فى السلب شاش عمائمنا فانقطع الشاش فهوى الشخص الى قعر البئر ولم نعلم له خبرا فرجعنا متأسفين عليه وخائفين على أنفسنا بسببه فدخلنا فى خفية الى القاهرة ولم نعلم أحدا من الناس بحالنا فبينما نحن فى الجامع بعد مضى أسبوع واذا نحن بصاحبنا الذى سقط فى البئر قد دخل علينا وهو فى غاية الغضب فلما دخل فى باب الجامع وقرب منا سقط بيننا وغشى عليه فلما أفاق استحكيناه عما كان من أمره بعد سقوطه فى البئر فقال لما انتهى بى السقوط نزلت على علية أعطتنى ليانة فقد حت بالزناد الذى كان معى وأوقدت شمعة ومشيت فى ذلك فوجدت من زبل الوطاويط شيئا كثيرا ورأيت أشخاصا وأشباحا طوالا واقفين على عكاكيز فقربت من واحد منهم وهززته فانقض الى الأرض هباء منثورا فأخذت عكازته من يده ومشيت فاذا أنا بباب أمامى ودهليز فأخذت أمشى فى ذلك الدهليز وقد زادنى الخوف والفزع ووجدت هناك عظاما بالية ورؤسا وجماجم كبارا على(1/57)
قدر البطيخ الكبير وبينما أنا أمشى فى ذلك الدهليز واذا بشئ يمشى قدامى فتأملته فاذا هو ثعلب فتبعته حتى خرج من ثقب فرأيت منه ضوء الدنيا فأردت أن أخرج منه فلم أستطع فحفرت بتلك العكازة التى معى فاتسع ذلك الثقب قليلا فخرجت فلما رأيت نفسى على وجه الأرض وقعت مغشيا على فلم أدر أين أنا من البلاد واذا أنا بانسان يقول قم أيها الرجل فان القفل راح وخلاك فقلت أى مكان أنا فيه. قال فى صحراء الفيوم فقمت وركبت مع القفل وكنت لما خرجت من الثقب وجدت العكازة التى معى ذهبا جيدا فلما أغمى على فقدتها واختفى عنى ذلك المكان الذى خرجت منه فتحيرت من ذلك واذا بقائل يقول لا تطمع فى عود العكازة اليك فتوجهت صحبة القفل ودخلت القاهرة انتهى قال أبو الريحان البيروتى فى كتاب الآثار الباقية من القرون الخالية ان الهرم الكبير الشرقى موكل به صنم من جزع أبيض وأسود له عينان مفتوحتان براقتان وهو جالس على كرسى من ذهب وبيده حربة فاذا دنا منه أحد صوت عليه صوتا عاليا فيخرج الذى يدنو منه على وجهه ولا يبرح عنه حتى يموت مكانه والهرم الغربى موكل به صنم من حجر الصوان وهو جالس على كرسى من ذهب وعلى رأسه شبه حية وقد تطوق بها فمن دنا منه وثبت عليه تلك الحية وتطوقت على عنقه حتى تقتله ثم تعود الى مكانها والهرم الصغير المكسو بحجر الصوان موكل به صنم من حجر البهت فمن نظر اليه يجذبه حتى يلتصق به فلا يبرح عن مكانه حتى يموت. قال المسعودى لما فرغ سوريد من عمارة تلك الأهرام وكل بها جماعة من الروحانيين وذبح لها الذبائح لتمنع من أرادها بسوء فوكل بالهرم الشرقة غلاما أمرد مصفر اللون. وهو عريان وله أسنان كبار ووكل بالهرم الغربة امرأة عريانة بادية عن فرجها تضحك فى وجه الانسان حتى يدنو منها فتستهويه فيذهب عقله ووكل بالهرم الصغير الملون شخصا فى يده مبخرة وعليه ثياب الرهبان وهو يبخر حول هذا الهرم. وذكر جماعة من أهل الجيزة أنهم يرونه مرارا عديدة وهو يطوف حول الهرم وقت القائلة وعند غروب الشمس فاذا دنوا منه يغيب عنهم واذا بعدوا عنه يظهر لهم عن بعد. وأما ما نقله محمد بن عبد الكريم أن فى أحد هذين الهرمين قبر أخى ديمون وفى الآخر قبر هرمس. وكانا من حكماء اليونان وكان أخو ديمون أقدم من هرمس وكانت الصابئة يحجون اليها من أقطار الأرض ويحملون اليها الأموال الجزيلة على طريق النذر. وكان وراء هذه الأهرام من جهة الغرب أربعمائة مدينة عامرة غير القرى. وأما ما نقله أبو الحسن المسعودى فى مروج الذهب حيث قال ان سوريد لما فرغ من بناء هذه الأهرام كساها الديباج الملون من أعلاها الى أسفلها، وعمل لها عيدا يحضره أرباب دولة مدينته وكتب على جابنها هذا بناء سوريد بن شهلوق قد بناها فى ستين سنة فمن يدع قوة فى ملكه فليهدمها فى ستمائة سنة وان الهدم أيسر من البناء فهو الصحيح. وقيل ان الخليفة المأمون لما فتح الباب الذى فى الهرم الكبير وجد به قطعة من المرجان وهى كالوح وفيها مكتوب هذا بناء سوريد الى آخره كتابته بالقلم القديم. قال ولما دخل الأستاذ أبو الطيب مصر رأى الاهرام فأنشد يقول البطيخ الكبير وبينما أنا أمشى فى ذلك الدهليز واذا بشئ يمشى قدامى فتأملته فاذا هو ثعلب فتبعته حتى خرج من ثقب فرأيت منه ضوء الدنيا فأردت أن أخرج منه فلم أستطع فحفرت بتلك العكازة التى معى فاتسع ذلك الثقب قليلا فخرجت فلما رأيت نفسى على وجه الأرض وقعت مغشيا على فلم أدر أين أنا من البلاد واذا أنا بانسان يقول قم أيها الرجل فان القفل راح وخلاك فقلت أى مكان أنا فيه. قال فى صحراء الفيوم فقمت وركبت مع القفل وكنت لما خرجت من الثقب وجدت العكازة التى معى ذهبا جيدا فلما أغمى على فقدتها واختفى عنى ذلك المكان الذى خرجت منه فتحيرت من ذلك واذا بقائل يقول لا تطمع فى عود العكازة اليك فتوجهت صحبة القفل ودخلت القاهرة انتهى قال أبو الريحان البيروتى فى كتاب الآثار الباقية من القرون الخالية ان الهرم الكبير الشرقى موكل به صنم من جزع أبيض وأسود له عينان مفتوحتان براقتان وهو جالس على كرسى من ذهب وبيده حربة فاذا دنا منه أحد صوت عليه صوتا عاليا فيخرج الذى يدنو منه على وجهه ولا يبرح عنه حتى يموت مكانه والهرم الغربى موكل به صنم من حجر الصوان وهو جالس على كرسى من ذهب وعلى رأسه شبه حية وقد تطوق بها فمن(1/58)
دنا منه وثبت عليه تلك الحية وتطوقت على عنقه حتى تقتله ثم تعود الى مكانها والهرم الصغير المكسو بحجر الصوان موكل به صنم من حجر البهت فمن نظر اليه يجذبه حتى يلتصق به فلا يبرح عن مكانه حتى يموت. قال المسعودى لما فرغ سوريد من عمارة تلك الأهرام وكل بها جماعة من الروحانيين وذبح لها الذبائح لتمنع من أرادها بسوء فوكل بالهرم الشرقة غلاما أمرد مصفر اللون. وهو عريان وله أسنان كبار ووكل بالهرم الغربة امرأة عريانة بادية عن فرجها تضحك فى وجه الانسان حتى يدنو منها فتستهويه فيذهب عقله ووكل بالهرم الصغير الملون شخصا فى يده مبخرة وعليه ثياب الرهبان وهو يبخر حول هذا الهرم. وذكر جماعة من أهل الجيزة أنهم يرونه مرارا عديدة وهو يطوف حول الهرم وقت القائلة وعند غروب الشمس فاذا دنوا منه يغيب عنهم واذا بعدوا عنه يظهر لهم عن بعد. وأما ما نقله محمد بن عبد الكريم أن فى أحد هذين الهرمين قبر أخى ديمون وفى الآخر قبر هرمس. وكانا من حكماء اليونان وكان أخو ديمون أقدم من هرمس وكانت الصابئة يحجون اليها من أقطار الأرض ويحملون اليها الأموال الجزيلة على طريق النذر. وكان وراء هذه الأهرام من جهة الغرب أربعمائة مدينة عامرة غير القرى. وأما ما نقله أبو الحسن المسعودى فى مروج الذهب حيث قال ان سوريد لما فرغ من بناء هذه الأهرام كساها الديباج الملون من أعلاها الى أسفلها، وعمل لها عيدا يحضره أرباب دولة مدينته وكتب على جابنها هذا بناء سوريد بن شهلوق قد بناها فى ستين سنة فمن يدع قوة فى ملكه فليهدمها فى ستمائة سنة وان الهدم أيسر من البناء فهو الصحيح. وقيل ان الخليفة المأمون لما فتح الباب الذى فى الهرم الكبير وجد به قطعة من المرجان وهى كالوح وفيها مكتوب هذا بناء سوريد الى آخره كتابته بالقلم القديم. قال ولما دخل الأستاذ أبو الطيب مصر رأى الاهرام فأنشد يقولنا منه وثبت عليه تلك الحية وتطوقت على عنقه حتى تقتله ثم تعود الى مكانها والهرم الصغير المكسو بحجر الصوان موكل به صنم من حجر البهت فمن نظر اليه يجذبه حتى يلتصق به فلا يبرح عن مكانه حتى يموت. قال المسعودى لما فرغ سوريد من عمارة تلك الأهرام وكل بها جماعة من الروحانيين وذبح لها الذبائح لتمنع من أرادها بسوء فوكل بالهرم الشرقة غلاما أمرد مصفر اللون. وهو عريان وله أسنان كبار ووكل بالهرم الغربة امرأة عريانة بادية عن فرجها تضحك فى وجه الانسان حتى يدنو منها فتستهويه فيذهب عقله ووكل بالهرم الصغير الملون شخصا فى يده مبخرة وعليه ثياب الرهبان وهو يبخر حول هذا الهرم. وذكر جماعة من أهل الجيزة أنهم يرونه مرارا عديدة وهو يطوف حول الهرم وقت القائلة وعند غروب الشمس فاذا دنوا منه يغيب عنهم واذا بعدوا عنه يظهر لهم عن بعد. وأما ما نقله محمد بن عبد الكريم أن فى أحد هذين الهرمين قبر أخى ديمون وفى الآخر قبر هرمس. وكانا من حكماء اليونان وكان أخو ديمون أقدم من هرمس وكانت الصابئة يحجون اليها من أقطار الأرض ويحملون اليها الأموال الجزيلة على طريق النذر. وكان وراء هذه الأهرام من جهة الغرب أربعمائة مدينة عامرة غير القرى. وأما ما نقله أبو الحسن المسعودى فى مروج الذهب حيث قال ان سوريد لما فرغ من بناء هذه الأهرام كساها الديباج الملون من أعلاها الى أسفلها، وعمل لها عيدا يحضره أرباب دولة مدينته وكتب على جابنها هذا بناء سوريد بن شهلوق قد بناها فى ستين سنة فمن يدع قوة فى ملكه فليهدمها فى ستمائة سنة وان الهدم أيسر من البناء فهو الصحيح. وقيل ان الخليفة المأمون لما فتح الباب الذى فى الهرم الكبير وجد به قطعة من المرجان وهى كالوح وفيها مكتوب هذا بناء سوريد الى آخره كتابته بالقلم القديم. قال ولما دخل الأستاذ أبو الطيب مصر رأى الاهرام فأنشد يقول
أين الذى الهرمان من بنيانه ... ما قومه ما يومه ما المصرع
تتخلف الآثار عن أصحابها ... حينا ويدركها الفناء فتصدع
وأما ما قالت الشعراء فى وصف الاهرام فمن ذلك قول القائل
انظر الى الهرمين واسمعم منهما ... مايرويان عن الزمان الغابر
وانظر الى سير الليالى فيهما ... نظرا بعين القلب لا بالناظر
لوينطقان لخبرانا بالذى ... فعل الزمان بأول وبآخر
وقال آخر:(1/59)
لله أى غريبة وعجيبة ... فى صنعة الاهرام للآلباب
أخفت عن الاسماع قصة أهلها ... كشفت عن الابداع كل نقاب
فكأنما هى كالخيام مقامة ... من غير أعمدة ولا أطناب
مثل العرائس جردوا أثوابها ... عنها ولم تنطق عن الاعجاب
وقال آخر:
تحقق أن صدر الأرض مصر ... ونهداها من الهرمين شاهد
فواعجبا فكم أفنت قرونا ... على هرم وذاك الثدى ناهد(1/60)
انتهى ومن هنا نرجع الى ما كنا فيه قال ثم أوحى الله الى نوح يانوح اذا فار التنور من بيت ابنك سام فاركب فى السفينة. وكان سام أكبر أولاده وهو يومئذ ابن ثلثمائة سنة. وكان متزوجا بإمرأة تسمى رحمة فجاء نوح الى بيت ابنه سام وقال يارحمة ان مبدأ الطوفان يكون من هذا التنور الذى تخبزين فيه فاذا رأيت التنور قد فار فأسرعى الىّ من وقتك وأخبرينى وكان هذا التنور من حجر أسود فلما كان يوم الجمعة لعشر مضين من رجب كانت رحمة تخبز فى التنور فلما كان آخر رغيف واذا بالماء قد فار وهو قوله تعالى (حتى اذا جاء أمرنا وفار التنور) الآية فلما رأت رحمة ذلك صاحل الله أكبر قد جاء ما وعد الله به من العذاب وقد صدق نبى الله نوح فبادرت رحمة الى نوح وأخبرته بفوران التنور فقال نوح لا حول ولا قوة إلا بالله العلى العظيم وكان نوح قد جهز ما كان يحتاج اليه فى السفينة حتى علف الدواب والطير فلما أعلمته رحمة بذلك أتى الى بيت ابنه سام فرأى الماء يفور من التنور قد ملأ صحن الدار وهو يخرج من الباب كانهر العظيم فلما رأى ذلك توجه الى السفينة وهو ينادى ياقوم النجاة النجاة فأتوا الى السفينة وكانت عدتهم أربعين امرأة وأربعين رجلا ثم ان نوحا قال لابنه كنعان (اركب معنا ولا تكن مع الكافرين قال سآوى الى جبل يعصمنى من الماء قال لا عاصم اليوم من أمر الله إلا من رحم وحال بينهما الموج فكان من المغرقين). وقد أخبر الله عنه انه غير صالح. قال وهب بن منبه ان كنعان بن نوح غرق قبل أن يصل الى الجبل قال ابن عباس لما فار التنور فتحت أبواب السماء بالمطر من غير سحاب وأظلمت الدنيا ظلمة شديدة فكانت ملائكة الغضب تضرب بأجنحتها على وجه الشمس فكانت السماء تقول لولا الحد الذى حده الله تعالى لغاض الماء الى الأرض السابعة وكان الرجل يمشى فى الطرقات والماء ينبع من تحت رجليه وكانت المرأة قائمة فى بيتها فينبع الماء من تحتها وهو يفور ويغلى كغليان القدور وصار الماء ينبع من سائر أقطار الأرض فلما فار الماء فى مدينة أمسوس وكانت يومئذ كرسى مملكة الملك سوريد وسمع صريخ العالم ركب فى عظماء قومه ووقف على جبل عال ليرى أحوال الناس وهو متفكر فى هذا الماء فلم يشعر إلا والماء يفور من تحت حافر فرسه فرجع الى قصره فما صار فى قصره إلا والماء صار له موج عظيم كالجبال وما بقى بظهر الأرض من شئ. قال وهب بن منبه كان مبدأ الطوفان من الكوفة وبها فار التنور. وأما نوح فانه ركب السفينة هو وأهله وقد تقدم ذكر ذلك. ويروى أن عوج بن عنق لما رأى هذه الأهوال أتى الى السفينة ووضع يده عليها فقال له نوح ما تريد ياعدو الله فقال له عوج لا بأس عليك يانبى الله دعنى أمش مع السفينة حيث مشت فأضع يدى عليها وأستأنس بها من الفزع وأسمع تسبيح الملائكة فأوحى الله الى نوح لا تخش من عوج ودعه يمش مع السفينة حيث سارت ثم ان نوحا أغلق أبواب السفينة (وقال اركبو فيها بسم الله مجريها ومرساها) فصارت تمشى بهم بين أمواج كالجبال وقد قال الله تعالى (انا لما طغى الماء حملنا كم فى الجاية). ويروى أن الله تعالى لما أرسل الطوفان رفع البيت المعمور الذى كان أنزله فى زمن آدم وكان من ياقوتة حمراء فلما طغى الماء رفعه الله تعالى الى السماء. وسمى البيت المعمور العتيق لأنه صار عتيقا من الطوفان فلما سارت السفينة أتت الى مكان الكعبة وطافت به سبعا ثم أتت الى مكان بيت المقدس فزارته وكانت السفينة لا تمر بنوح على مكان حتى تنادى يانوح هذا مكان كذا وكذا فطافت به من المشرق الى المغرب وكان حول السفينة تسعون ألف ملك يحفضونها من العذاب المنزل فكانت تجرى فى الماء كجرى القمر فى الفلك فلم تكن الا ساعة يسيرة حتى ارتفع الماء فوق رؤس الجبال مقدار أربعين ذراعاوعم الأرض والجبال ولم يبق على وجه الأرض ذو روح غير أهل السفينة وعوج بن عنق إلا هلك ولم تبق مدينة ولا قرية الا خربت ولم يبق أثر إلا الأهرام والبرابى فنها كانت محكمة البناء ومن النوادر الغريبة ما رواه الثعلبى فى أخبار الطوفان ان إمرأة حملت ولدا صغيرا مرضعا ولم يكن فى القوم من الاطفال غيره فلما ارتفع الماء حملت ابنها على عنقها وهربت وصعدت الى جبل عال لتعتصم به من الماء فلما غشيها الماء حملت ابنها على عنقها فلما بلغ الماء فمها رفعته بيدها الى أعلى رأسها فلما غمرها(1/61)
الماءء(1/62)
جعلته تحت رجليها ووقفت عليه ساعة فطلبت النجاة قدر نفس ثم غرقا جميعا فأوحى الله الى نوح لو كنت أرحم أحدا من قومك لرحمت تلك المرأة وولدها فصارت هذه الواقعة مثلا فيقال اذا وقع الطوفان يضع الانسان ولده تحت رجليه. قال الكسائى اختلف جماعة من العلماء فى مقدار مكث الماء على الأرض فمنهم من قال مكث على وجه الأرض ستة أشهر ومنهم من قال مائة وخمسين يوما وبعد ذلك أوحى الله الى الأرض (يأرض ابلعى ماءك وياسماء أقلعى وغيض الماء وقضى الأمر واستوت على الجودى). ويروى أن الجودى جبل بالقرب من الموصل فاستقرت السفينة عليه. قال الثعلبى كان استواء السفينة على جبل الجودى يوم عاشوراء وهو العاشر من المحرم فصامه نوح شكرا لله تعالى وأمر من كان معه بالصيام فى ذلك اليوم شكرا على تلك النعمة. ويروى أن الطيور والوحوش والدواب جمعهم صاموا ذلك اليوم ثم ان نوحا أخرج ما بقى معه من الزاد فجمع سبعة أصناف من الحبوب وهى البسلة والعدس والفول والحمص والقمح والشعير والأرز فخلط بعضها فى بعض وطبخها فى ذلك اليوم فصارت الحبوب من ذلك اليوم سنة نوح عليه السلام وهى مستحبة ثم فتح أبواب السفينة فرأى الشمس والسحاب وقد تقطع وظهر فى الأرض قوس قزح. وقيل انه لم يظهر فيما قبل إلا فى ذلك اليوم وكان دليلا لنقص الماء فلما رأى نوح ذلك كبر وكبر معه أهل السفينة قاطبة ثم ان أهل السفينة صاروا لا يقابلون الشمس بأعينهم فشكوا ذلك الى نوح وقالوا لا طاقة لنا أن نقابل ضوء الشمس بأعيننا فأمرهم أن يكتحلوا بحجر الاثمد فى ذلك اليوم لتقوى أعينهم ويروى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال من اكتحل فى يوم عاشوراء لم يرمد فى سنته ثم ان نوحا فتح أبواب السفينة كلها فدخلت الشمس ونفضت الطيور أجنحتها وتحركت الوحوش وتمايلت الأشجار ثم أن عوج بن عنق لما رأى السفينة قد رست تركها ومضى يخوض فى الماء حيث شاء. قال الكسائى أول ما ظهر من الجبال فى الأرض جبل أبى قبيس الذى بمكة وظهر مكان الكعبة وقد صارت ربوة حمراء ولم يسلم من القرى سوى قرية نهاروند فوجدت من تحت الماء كما هى لم تتغير وسلمت الاهرام وسلمت البرابى التى كانت بجهات الصعيد وهى التى بناها هرمس الاول الذى أودع فيها علم النجوم وعلم الهيئة فوجدت على حالها. ثم ان نوحا أراد أن يعلم هل انكشف الماء عن الأرض أم لا فأرسل الغراب ليكشف له خبرالأرض فلما ذهب الغراب رأى جيفة فاشتغل بأكل الجيفة فأبطأ بالخبر عن نوح سبعة أيام فدعا عليه فصار يمشى وفى رأسه الرعونة لا يستقر بمكان واحد. ثم ان نوحا قال لبقية الطيور من فيكن يأتينى بخبر الماء ولا يفعل كفعل الغراب فقالت الحمامة أنا آتيك بخبر الماء يا نبي الله فطارت وغابت ساعة ثم رجعت وفي فمها ورقة خضراء فلما رأى نوح تلك الورقة في فمها قال هذه الورقة من ورق الزيتون فعلم أن الماء لم ينكشف عن الارض ثم أقام بعد ذلك مدة يسيرة وأرسل الحمامة فغابت ساعة ثم عادت ورجلاها مخضبتان بحمرة وسبب ذلك أنه أول من أنكشف عن الارض مكان الكعبة فصارت ربوة حمراء فوقفت عليها الحمامة فأختضبت رجلاها من ذلك الطين الاحمر وتطوقت فدعا لها نوح وقال اللهم اجعل الحمام أبرك الطيور وأكثر من نسله وحببه للناس فما أقامت السفينة على الجبل أربعين يوما حتى جفت الارض ونبت فيها الأعشاب من كل جانب فأوحى الله إلى نوح (أن أهبط بسلام منا وبركات عليك وعلى أمم من معك). ثم أن الله أمر نوحا بأن يطلق ما كان معه من الطيور والوحوش والدواب والهوام فأطلقهم أجمعين فتفرقوا في الفضاء كما كانوا فى الاول ثم ان الله تعالى أظهر الليل والنهار والشمس والقمر والنجوم كما كانوا أولا. ثم بعد ذلك أمطر مطر الرحمة ودحرج ماء الطوفان عن الارض وجعله ملحا أجاجا ففرح نوح بذلك وأستبشر بالرضا من الله تعالى. ويروى أن نوحا لما خرج من السفينة رأى الارض بيضاء كلها فصار متعجبا من ذلك فأتاه جبرائيل وقال له هل تدري يا نوح ما هذا البياض الذى تراه قال وما هو قال هذه عظام قومك ثم سمع صلصلة عظيمة فقال له جبرائيل أتدرى ما هذه الصلصلة قال وما هى إلا أصوات السلاسل التى يسحب بها قومك إلى النار وهو قوله تعالى (مما خطيئاتهم أغرقوا فأدخلوا نارا) قال لما خرج نوح من السفينة وكان معه من المؤمنين ثمانونعلته تحت رجليها ووقفت عليه ساعة فطلبت النجاة(1/63)
قدر نفس ثم غرقا جميعا فأوحى الله الى نوح لو كنت أرحم أحدا من قومك لرحمت تلك المرأة وولدها فصارت هذه الواقعة مثلا فيقال اذا وقع الطوفان يضع الانسان ولده تحت رجليه. قال الكسائى اختلف جماعة من العلماء فى مقدار مكث الماء على الأرض فمنهم من قال مكث على وجه الأرض ستة أشهر ومنهم من قال مائة وخمسين يوما وبعد ذلك أوحى الله الى الأرض (يأرض ابلعى ماءك وياسماء أقلعى وغيض الماء وقضى الأمر واستوت على الجودى). ويروى أن الجودى جبل بالقرب من الموصل فاستقرت السفينة عليه. قال الثعلبى كان استواء السفينة على جبل الجودى يوم عاشوراء وهو العاشر من المحرم فصامه نوح شكرا لله تعالى وأمر من كان معه بالصيام فى ذلك اليوم شكرا على تلك النعمة. ويروى أن الطيور والوحوش والدواب جمعهم صاموا ذلك اليوم ثم ان نوحا أخرج ما بقى معه من الزاد فجمع سبعة أصناف من الحبوب وهى البسلة والعدس والفول والحمص والقمح والشعير والأرز فخلط بعضها فى بعض وطبخها فى ذلك اليوم فصارت الحبوب من ذلك اليوم سنة نوح عليه السلام وهى مستحبة ثم فتح أبواب السفينة فرأى الشمس والسحاب وقد تقطع وظهر فى الأرض قوس قزح. وقيل انه لم يظهر فيما قبل إلا فى ذلك اليوم وكان دليلا لنقص الماء فلما رأى نوح ذلك كبر وكبر معه أهل السفينة قاطبة ثم ان أهل السفينة صاروا لا يقابلون الشمس بأعينهم فشكوا ذلك الى نوح وقالوا لا طاقة لنا أن نقابل ضوء الشمس بأعيننا فأمرهم أن يكتحلوا بحجر الاثمد فى ذلك اليوم لتقوى أعينهم ويروى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال من اكتحل فى يوم عاشوراء لم يرمد فى سنته ثم ان نوحا فتح أبواب السفينة كلها فدخلت الشمس ونفضت الطيور أجنحتها وتحركت الوحوش وتمايلت الأشجار ثم أن عوج بن عنق لما رأى السفينة قد رست تركها ومضى يخوض فى الماء حيث شاء. قال الكسائى أول ما ظهر من الجبال فى الأرض جبل أبى قبيس الذى بمكة وظهر مكان الكعبة وقد صارت ربوة حمراء ولم يسلم من القرى سوى قرية نهاروند فوجدت من تحت الماء كما هى لم تتغير وسلمت الاهرام وسلمت البرابى التى كانت بجهات الصعيد وهى التى بناها هرمس الاول الذى أودع فيها علم النجوم وعلم الهيئة فوجدت على حالها. ثم ان نوحا أراد أن يعلم هل انكشف الماء عن الأرض أم لا فأرسل الغراب ليكشف له خبرالأرض فلما ذهب الغراب رأى جيفة فاشتغل بأكل الجيفة فأبطأ بالخبر عن نوح سبعة أيام فدعا عليه فصار يمشى وفى رأسه الرعونة لا يستقر بمكان واحد. ثم ان نوحا قال لبقية الطيور من فيكن يأتينى بخبر الماء ولا يفعل كفعل الغراب فقالت الحمامة أنا آتيك بخبر الماء يا نبي الله فطارت وغابت ساعة ثم رجعت وفي فمها ورقة خضراء فلما رأى نوح تلك الورقة في فمها قال هذه الورقة من ورق الزيتون فعلم أن الماء لم ينكشف عن الارض ثم أقام بعد ذلك مدة يسيرة وأرسل الحمامة فغابت ساعة ثم عادت ورجلاها مخضبتان بحمرة وسبب ذلك أنه أول من أنكشف عن الارض مكان الكعبة فصارت ربوة حمراء فوقفت عليها الحمامة فأختضبت رجلاها من ذلك الطين الاحمر وتطوقت فدعا لها نوح وقال اللهم اجعل الحمام أبرك الطيور وأكثر من نسله وحببه للناس فما أقامت السفينة على الجبل أربعين يوما حتى جفت الارض ونبت فيها الأعشاب من كل جانب فأوحى الله إلى نوح (أن أهبط بسلام منا وبركات عليك وعلى أمم من معك). ثم أن الله أمر نوحا بأن يطلق ما كان معه من الطيور والوحوش والدواب والهوام فأطلقهم أجمعين فتفرقوا في الفضاء كما كانوا فى الاول ثم ان الله تعالى أظهر الليل والنهار والشمس والقمر والنجوم كما كانوا أولا. ثم بعد ذلك أمطر مطر الرحمة ودحرج ماء الطوفان عن الارض وجعله ملحا أجاجا ففرح نوح بذلك وأستبشر بالرضا من الله تعالى. ويروى أن نوحا لما خرج من السفينة رأى الارض بيضاء كلها فصار متعجبا من ذلك فأتاه جبرائيل وقال له هل تدري يا نوح ما هذا البياض الذى تراه قال وما هو قال هذه عظام قومك ثم سمع صلصلة عظيمة فقال له جبرائيل أتدرى ما هذه الصلصلة قال وما هى إلا أصوات السلاسل التى يسحب بها قومك إلى النار وهو قوله تعالى (مما خطيئاتهم أغرقوا فأدخلوا نارا) قال لما خرج نوح من السفينة وكان معه من المؤمنين ثمانوندر نفس ثم غرقا جميعا فأوحى الله الى نوح لو كنت أرحم أحدا من قومك لرحمت تلك المرأة وولدها فصارت هذه الواقعة مثلا فيقال اذا وقع الطوفان يضع الانسان ولده تحت رجليه. قال الكسائى اختلف جماعة من العلماء فى مقدار مكث الماء على الأرض فمنهم من قال مكث على وجه الأرض ستة أشهر ومنهم من قال مائة وخمسين يوما وبعد ذلك أوحى الله الى الأرض (يأرض ابلعى ماءك وياسماء أقلعى وغيض الماء وقضى الأمر واستوت على الجودى). ويروى أن الجودى جبل بالقرب من الموصل فاستقرت السفينة عليه. قال الثعلبى كان استواء السفينة على جبل الجودى يوم عاشوراء وهو العاشر من المحرم فصامه نوح شكرا لله تعالى وأمر من كان معه بالصيام فى ذلك اليوم شكرا على تلك النعمة. ويروى أن الطيور والوحوش والدواب جمعهم صاموا ذلك اليوم ثم ان نوحا أخرج ما بقى معه من الزاد فجمع سبعة أصناف من الحبوب وهى البسلة والعدس والفول والحمص والقمح والشعير والأرز فخلط بعضها فى بعض وطبخها فى ذلك اليوم فصارت الحبوب من ذلك اليوم سنة نوح عليه السلام وهى مستحبة ثم فتح أبواب السفينة فرأى الشمس والسحاب وقد تقطع وظهر فى الأرض قوس قزح. وقيل انه لم يظهر فيما قبل إلا فى ذلك اليوم وكان دليلا لنقص الماء فلما رأى نوح ذلك كبر وكبر معه أهل السفينة قاطبة ثم ان أهل السفينة صاروا لا يقابلون الشمس بأعينهم فشكوا ذلك الى نوح وقالوا لا طاقة لنا أن نقابل ضوء الشمس بأعيننا فأمرهم أن يكتحلوا بحجر الاثمد فى ذلك اليوم لتقوى أعينهم ويروى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال من اكتحل فى يوم عاشوراء لم يرمد فى سنته ثم ان نوحا فتح أبواب السفينة كلها فدخلت الشمس ونفضت الطيور أجنحتها وتحركت الوحوش وتمايلت الأشجار ثم أن عوج بن عنق لما رأى السفينة قد رست تركها ومضى يخوض فى الماء حيث شاء. قال الكسائى أول ما ظهر من الجبال فى الأرض جبل أبى قبيس الذى بمكة وظهر مكان الكعبة وقد صارت ربوة حمراء ولم يسلم من القرى سوى قرية نهاروند فوجدت من تحت الماء كما هى لم تتغير وسلمت الاهرام وسلمت البرابى التى كانت بجهات الصعيد وهى التى بناها هرمس الاول الذى أودع فيها علم النجوم وعلم الهيئة فوجدت على حالها. ثم ان نوحا أراد أن يعلم هل انكشف الماء عن الأرض أم لا فأرسل الغراب ليكشف له خبرالأرض فلما ذهب الغراب رأى جيفة فاشتغل بأكل الجيفة فأبطأ بالخبر عن نوح سبعة أيام فدعا عليه فصار يمشى وفى رأسه الرعونة لا يستقر بمكان واحد. ثم ان نوحا قال لبقية الطيور من فيكن يأتينى بخبر الماء ولا يفعل كفعل الغراب فقالت الحمامة أنا آتيك بخبر الماء يا نبي الله فطارت وغابت ساعة ثم رجعت وفي فمها ورقة خضراء فلما رأى نوح تلك الورقة في فمها قال هذه الورقة من ورق الزيتون فعلم أن الماء لم ينكشف عن الارض ثم أقام بعد ذلك مدة يسيرة وأرسل الحمامة فغابت ساعة ثم عادت ورجلاها مخضبتان بحمرة وسبب ذلك أنه أول من أنكشف عن الارض مكان الكعبة فصارت ربوة حمراء فوقفت عليها الحمامة فأختضبت رجلاها من ذلك الطين الاحمر وتطوقت فدعا لها نوح وقال اللهم اجعل الحمام أبرك الطيور وأكثر من نسله وحببه للناس فما أقامت السفينة على الجبل أربعين يوما حتى جفت الارض ونبت فيها الأعشاب من كل جانب فأوحى الله إلى نوح (أن أهبط بسلام منا وبركات عليك وعلى أمم من معك). ثم أن الله أمر نوحا بأن يطلق ما كان معه من الطيور والوحوش والدواب والهوام فأطلقهم أجمعين فتفرقوا في الفضاء كما كانوا فى الاول ثم ان الله تعالى أظهر الليل والنهار والشمس والقمر والنجوم كما كانوا أولا. ثم بعد ذلك أمطر مطر الرحمة ودحرج ماء الطوفان عن الارض وجعله ملحا أجاجا ففرح نوح بذلك وأستبشر بالرضا من الله تعالى. ويروى أن نوحا لما خرج من السفينة رأى الارض بيضاء كلها فصار متعجبا من ذلك فأتاه جبرائيل وقال له هل تدري يا نوح ما هذا البياض الذى تراه قال وما هو قال هذه عظام قومك ثم سمع صلصلة عظيمة فقال له جبرائيل أتدرى ما هذه الصلصلة قال وما هى إلا أصوات السلاسل التى يسحب بها قومك إلى النار وهو قوله تعالى (مما خطيئاتهم أغرقوا فأدخلوا نارا) قال لما خرج نوح من السفينة وكان معه من المؤمنين ثمانون(1/64)
وحوتا مشويا ثم سارا على الساحل أياما فلم يرياه فقال يارب أرشدني إليه فأوحى الله إليه ياموسى إذا رأيت الحوت الذى معك قد صار حيا فذلك موضعه فسار موسى ومعه فتاه وإذا بقبة عظيمة وفيها قوم يركعون ويسجدون فسلم موسى عليهم فردوا عليه السلام فسألهم من تكونون وعن الخضر فقالوا نحن ملائكة نعبد الله في هذه القبة من حين خلق هذه البحر فسر فإن الله يرشدك فسار موسى حتى وصل إلى صخرة وعين ماء فقعد موسى عندها فنام وكان الحوت فى زنبيل وإذا بالحوت قد سقط فى تلك العين ويوشع ينظر إليه فانتبه موسى ونسى يوشع أن يخبره بقضية الحوت فدعا يمشيان حتى بلغا نهرا ينصب فى البحر فقعد بجانبه موسى وقال ليوشع (آتنا غداءنا لقد لقينا من سفرنا هذا نصبا) فأخرج يوشع الخبز وأخبره بذهاب الحوت عند الصخرة فقال موسى (ذلك ما كنا نبغ فارتدا على آثارهما قصصا) حتى أتيا إلى الصخرة فنظر يمنة ويسرة فاذا هو بالخضر يصلى فى جزيرة من جزائر البحر فقال موسى لفتاه ارجع أنت لبنى اسرائيل وكن مع هرون حتى أرجع ومشى موسى حتى وصل إلى الخضر فوقف ينتظر فراغه من الصلاة فأحس به الخضر فالتفت من صلاته وقال السلام عليك ياموسى بن عمران فقال موسى وعليك السلام أيها العبد الصالح من أين عرفتنى فقال الخضر عرفنى بك فقال له الخضر ياموسى سل عما بدا لك فقال موسى (هل أتبعك على أن تعلمن مما علمت رشدا قال انك لن تستطيع معى صبرا) لأنى أعمل على الباطن وأنت تعمل على الظاهر (قال ستجدنى ان شاء الله صابرا ولا أعصى لك أمرا قال فان اتبعتنى فلا تسألنى عن شئ حتى أحدث لك منه ذكرا) فسار على جانب البحر واذا بطائر قد أقبل فغمس منقاره فى البحر ثم أخرجه فمسحه على جناحه وطار نحو المشرق حتى غاب ثم طار نحو الغرب حتى غاب ثم رجع فصاح فقال الخضر لموسى أتدرى ما قال هذا الطائر قال لا قال انه ما أوتوا من العلم إلا بمقدار ما أخذت بمنقارى من هذا البحر فتعجب موسى من علمه ثم خرجا على الساحل يمشيان فبلغا إلى مقبرة فجعلا ينظران الى جماجم الموتى وعظامهم فقال الخضر ياموسى هذه جمجمة فلان المملوك وهذه جمجمة أخيه وعد لموسى سبع جماجم اخوة فنطقوا كلهم عن أسمائهم وأفعالهم فتعجب موسى وخرجا من القرية ومشيا على الساحل فاذا هم بسفينة قد رفع أهلها شراعها وهم يسيرون فى وسط البحر فلوح الخضر إليهم فأقبلوا اليه وقالوا ما حاجتك قال أريد موضع كذا وكذا وأحب أن تحملونا الى هناك فقربوا السفينة ودخلا عندهم فساروا حتى صاروا فى لجة البحر فعمد الخضر الى لوح من ألواح السفينة فكسره وسد موضعه بخرقة كانت معه قال له موسى (أخرقتها لتغرق أهلها) ليس هذا جزاء أهلها فانهم حملونا بلا أجرة قال الخضر (ألم أقل لك أنك لن تستطيع معى صبرا) فسكت موسى و (قال لاتؤاخذنى بما نسيت) الآية . ثم ساروا قليلا فاستقبلتهم سفينة ملكهم فقالوا ان الملك يريد سفينتكم ان لم يكن فيها عيب فدخلوها فوجدوها معيبة وهو الموضع الذى مسره الخضر فتركوها فخرج الخضر وموسى من السفينة وجعلا يمشيان فلقيا غلمانا يلعبون وفيهم غلام أحسن ما يكون فأخرجه الخضر من بينهم وعمد الى صخرة فضرب بها رأس ذلك الغلام فقتله فعظم ذلك على موسى فقال أيها الصالح (أقتلت نفسا زكية بغير نفس لقد جئت شيئا نكرا) قال الخضر ياابن عمران (ألم أقل لك انك لن تستطيع معى صبرا قال ان سألتك عن شئ بعدها فلا تصاحبنى قد بلغت من لدنى عذرا) ثم سارا (حتى أتيا أهل قرية استعما أهلها فأبوا أن يضيفوهما فوجدا فيها جدارا يريد أن ينقضّ فأقامه) الخضر وجمع الطين والحجارة وسواه فضجر موسى فقال أيها العبد الصالح استطعمت أهل هذه القرية فلم يكمعوك قال يابن عمران هذا فراق بينى وبينك وانى منبئك أما السفينة فكانت لعشرة أنفس خمسة ضعاف مرضى وخمسة صحاح وكان الأصحاء يعملون للمرضى وكان ذلك الملك يأخذ السفن السالمة غصبا فعبتها لئلا يأخذها الملك وأما الغلام فكان يقطع الطريق وكان أبواه ينفران منه ويدعوان عليه فقتلته لانى لو تركته لكان فعله يوجب لأبويه الكفر ولم ير الله ذلك لهما وأن يرزقهما خيرا منه (وأما الجدار فكان لغلامين يتيمين فى المدينة وكان تحته كنزهما) ولو سقط الحائط لتبين الكنز وذهب المال فأراد الله أن يبقيه لهما ببركة والدهما فذلك تأويل ما لم تسطع عليه صبرا انتهى . ولما توفى موسى صلى(1/65)
اللهه عليه وسلم أرسل الله اليه ملك الموت فجاء وهو يقرأ فى التوراة بين أهله فقال السلام عليك ياموسى فقال وعليك السلام من أنت قال أنا ملك الموت جئت لقبض روحك ولكنى أراك تكلمنى كلام من شرب المسكر فاختلط عقل موسى عند ذلك وقال ما شربت مسكرا قال فادن منى حتى أشم رائحتك فدنا منه فقال تنفس فتنفس فقبضها ومضى ملك الموت عليه السلامليه وسلم أرسل الله اليه ملك الموت فجاء وهو يقرأ فى التوراة بين أهله فقال السلام عليك ياموسى فقال وعليك السلام من أنت قال أنا ملك الموت جئت لقبض روحك ولكنى أراك تكلمنى كلام من شرب المسكر فاختلط عقل موسى عند ذلك وقال ما شربت مسكرا قال فادن منى حتى أشم رائحتك فدنا منه فقال تنفس فتنفس فقبضها ومضى ملك الموت عليه السلام
ذكر قصة نبى الله يوشع عليه السلام
ثم أن يوشع أخذ بعد موسى فى الجهاد ففتح الله على يديه نحو ثلاثين مدينة من مدن الشام ثم جمع بنى اسرائيل وقال لهم اعلموا رحمكم الله أن مدينة أريحاء فتحها موسى صلى الله عليه وسلم ونفى الجبارين منها والآن قد عادوا اليها وأنا سائر اليهم فخذوا أهبتكم فان الله ينصركم عليهم فسار يوشع بأصحابه حتى نزل بساحة أريحاء وتقابلوا مع الجبارين فقتل من الطائفتين خلق كثير وانهزمت الجبابرة عند العصر من يوم الجمعة وكان فى عهد موسى أن يوم السبت للعبادة فقال يوشع ان فترنا عنهم هذه الساعة يكن يوم السبت هملا فيقوى عدونا فى هذا اليوم فدعا الله وقال اللهم أطل علينا بقية هذا اليوم انك على كل شئ قدير اللهم انك تعلم ضعف بنى اسرائيل فانصرنا ياخير الناصرين فأرسل الله ملكا الى يوشع انى حبست لكم الشمس ونصرتكم فما زال يوشع يجاهد ويجالد والشمس محبوسة بقدرة الله حتى دخل يوشع مدينة أريحا وأبادهم وغنم أموالهم ثم سار من أريحاء الى بلاد كنعان فقتل من ملوكها نحو ثلاثين ملكا وفتح ثلاثين حصنا
حديث الياس عليه السلام(1/66)
قال كعب الأحبار لما ولد الياس طلع منه نور ساطع أضاء منه المشرق والمغرب فقالت بنو اسرائيل سلوا عن امتداد هذا النور فتبعوه فوجدوا مولولدا ولد من ولد هرون عليه السلام فقالت بنو اسرائيل هذا الذى بشرونا به وأن الله يهلك الجبابرة على يديه ولما بلغ الياس من العمر سبع سنين حفظ التوراة وقال يوما من الأيام يابنى اسرائيل أريكم من نفسى عجبا فصاح صيحة عظيمة فارتعبت قلوبهم فلما سكن الرعب عنهم أراد قتله فهرب منهم الى الجبال فكان يدور مع السباع والوحوش حتى استكمل عمره أربعين سنة فهبط جبرائيل عليه السلام على الياس فقال له من أنت قال أنا جبرائيل قال بماذا جئت قال مبشرك بالنبوة وان الله جعلك رسولا الى ملوك الجبابرة الذين يعبدون الأصنام فقال الياس كيف أصنع وأنا وحيدهم عندهم الجموع والسلاح فقال جبرائيل ان النصرة لك والقوة لله وان الله أمر الوحوش والنار باطاعتك وأعطاك قوة ثلاثين نبيا فامض الى قومك قال وكان قومه فى سبعين قرية كل قرية أكبر من مدينة وفى كل قرية جبار يسوسهم فنزل الياس الى قرية فجاء الى جانب قصر جبارها وأخذ يتلو التوراة بصوت حسن فسمعه الجبار وزوجته فجاءت زوجة الجبار اليه فقالت من أنت وما تريد فقال انى رسول الله اليكم فقالت وما حجتك فقال وما تريدون قالت ادع هذه النار لتأتيك فدعا النار فأتته فأخبرت المرأة زوجها فآمنا به ثم مضى عنهما وجاء الى أهل القرية فبلغهم رسالة ربه فضربوه وأهانوه وأوثقوه وأخذوه الى ملكهم الأكبر فحمى له القدور وقال له ان لم تنته والا أحرقتك فصاح الياس صيحته المعروفة فارتعبت منها القلوب وخمدت النار فتحير الناس وقالوا ياالياس قد عرفنا حالك فاصبر الى غد فلما أصبح جاء الياس اليهم وعظهم وحذرهم عذاب الله وبلغ رسالة ربه فقالوا ياالياس هلا بعث معك ربك جنودا فقال ويلكم ومن يقدر على أمر الله ومخالفته ثم خرج من بينهم الى الملك جاب الذى آمن به وأخبره ثم ان الملك عاميل جمع أكابر مملكته وعلماء قومه وقال ما تقولون فى أمر الياس فقالوا الأمان فقال قولوا ولكم الأمان فقالوا انا رأينا فى التوارة صفة هذا الرجل وانه يبعث نبيا وتسخر له النار والاسود وانه لا يسمع صوته أحد الاذل وقال بعض علمائهم كذبوا بل هو ساحر كذاب فقال الملك عاميل مهلا حتى ننظر ثم انصرفوا ثم ان الياس عليه السلام عاد الى الملك جاب فأخبره بذلك فقال له الملك جاب ياالياس انى معك فى غر ورفان الذين أطاعوك فى ذل واهانة والذين لم يطيعوك فى عز ونعمة فأنصرف عنى فلا حاجة لى بك فقالت زوجته ياجاب ان كنت قد ارتددت عن دينك فلا أرتد أنا عن دينى ولحقت بالياس فكانت تعبد الله معه فى عرش عند بيت الملك عاميل ثم أسلمت بنت الملك عاميل ولحقت بالياس أيضا فأراد الملك عاميل قتلها فاشتغل عنها بموت ولده وكان يحبه حبا شديدا فجاء الياس اليه وقال له ياعاميل ان كان الذى تعبده له قدرة فقل له يرد روح ابنك اليه فمضى الملك عاميل الى صنمه وسجد له وتضرع وسأله أن يرد روحه فلم يجبه فدعا بالياس وقال ان كان ربك يرد روح ابنى آمنت بك وبربك فدعا الياس ربه فقام الولد باذن الله حيا سالما فعند ذلك قال الملك عاميل أشهد أن لا إله إلا الله وأن الياس رسول الله ثم خلع نفسه من الملك ولبس المسوح وتبع الياس فى دينه فلم يزل الياس يبلغ رسالة ربه فلم يؤمنوا ومات الملك عاميل وولده وابنته وزوجة جاب فعند ذلك دعا الياس على قومه بالقحط فقحطوا فما زالوا يقتاتون بما عندهم من القوت حتى أكلوا دوابهم والعظام ثم الكلاب والفيران حتى من مات منهم فعند ذلك ضجت الملائكة الى ربها فى حال عباده المؤمنين والطيور والوحوش فأتوا الى الياس وقالوا يانبى الله ان الله تعالى قد جعل أرزاق عباده اليك أفلا ترحمهم قال فانهم عصونى وغضبى عليهم لله فان آمنوا والا هلكوا فأوحى الله اليه ياالياس احلم ففزع الياس من ذلك وقال إلهى مالى علم أنى عصيتك وأنت أرحم الراحمين فأوحى الله اليه أن سر اليهم فان آمنوا كان فرجهم على يديك وان كفروا كنت أرأف بهم منك فانطلق الياس حتى دخل الى قرية فرأى عجوزا فقال هل تقدرين على طعام فقالت ما ذقت خبزا من مدة طويلة ولى ولد قد أشرف على الموت وانه على دين الياس فقال وما اسمه قالت اليسع فجاء اليه الياس فوجده ميتا من الجوع فأحياه الله بدعوة الياس فقام(1/67)
وقالال أشهد أن لا إله إلا الله وأن الياس رسول الله وقد جعلنى الله وزيرا لك فخرج الياس فاجتمعت اليه الناس وطلبوا أن يدعو ربه حتى يفرج عنهم فدعا الله ففرج عنهم فلم يؤمنوا فدعا عليهم فأوحى الله اليه ياالياس قد بلغت رسالة ربك وفعلت ما أمرت به فاستخلف الآن اليسع وارجع عن ديار قومك وأنت عندى لمن المقر بين فأقبل الياس على اليسع وقال أنت خليفتى فأوحى الله الى اليسع انك نبى وأرسلتك الى بنى اسرائيل وقويتك وأيدتك ثم ان الياس لما خرج عن قومه فاذا هو بفرس تلتهب نورا فقالت أنا هدية الله اليك فاركب فاستوى على ظهرها وجاء جبرائيل عليه السلام فقال ياالياس طر مع الملائكة فى الأرض حيث شئت فقد كساك الله الريش وقطع عنك لذة المطعم والمشرب وجعلك آدميا سماويا أرضياأشهد أن لا إله إلا الله وأن الياس رسول الله وقد جعلنى الله وزيرا لك فخرج الياس فاجتمعت اليه الناس وطلبوا أن يدعو ربه حتى يفرج عنهم فدعا الله ففرج عنهم فلم يؤمنوا فدعا عليهم فأوحى الله اليه ياالياس قد بلغت رسالة ربك وفعلت ما أمرت به فاستخلف الآن اليسع وارجع عن ديار قومك وأنت عندى لمن المقر بين فأقبل الياس على اليسع وقال أنت خليفتى فأوحى الله الى اليسع انك نبى وأرسلتك الى بنى اسرائيل وقويتك وأيدتك ثم ان الياس لما خرج عن قومه فاذا هو بفرس تلتهب نورا فقالت أنا هدية الله اليك فاركب فاستوى على ظهرها وجاء جبرائيل عليه السلام فقال ياالياس طر مع الملائكة فى الأرض حيث شئت فقد كساك الله الريش وقطع عنك لذة المطعم والمشرب وجعلك آدميا سماويا أرضيا
ذكر قصة اليسع عليه السلام
قال وهب بن منبه هو اليسع بن خطوب بعثه الله الى بنى اسرائيل بعد الياس قال السدى هو ابن عم الياس فلما رفع الله الياس استخلف بعده اليسع. قال الوافدى ان فى أيام اليسع بنيت مدينة طرسوس وملطية واستمر اليسع يقضى بين الناس بالحق حتى توفى ودفن بفلسطين فلما مات اليسع استمر بنو اسرائيل عشر سنين بغير نبى فعند ذلك أقام فيهم كاهن يقال له عالى ابن أسباط بن هرون وكان رجلا صالحا فدبر أمور بنى اسرائيل بأحسن ما يكون واستمر على لك نحو أربعين سنة وفى أيامه ولد شمعون من أنبياء بنى اسرائيل وولد أيضا داود أبو سليمان عليهما السلام وكان بين وفاة عالى الكاهن ووفاة موسى عليه السلام أربعمائة وسبعة وثمانون سنة انتهى والله أعلم
ذكر قصة شمعون عليه السلام
قال الله تعالى (ألم تر الى الملأ من بنى اسرائيل من بعد موسى) الآية المراد من قوله بعد موسى هو شمعون وكان من ذرية هرون عليه السلام وكان أنبياء بنى اسرائيل بمنزلة القضاة يحكمون بين الناس بالحق فلما مات الأسباط ولم يبق منهم سوى أم شمعون كان بنو اسرائيل يدعون الله تعالى أن يبعث فيهم نبيا من الأسباط فلما حملت به وكانت عجوزا عقيما من ذرية الأسباط تعجب بنو اسرائيل من شأنها وقالوا لم تحمل هذه العجوز إلا بنبى من نسل الأباط فحبسوها فى بيت حتى تضع ما فى بطنها وكانت هى أيضا تدعو الله تعالى أن يكون حملها ولدا ذكرا فولدت شمعون وكان اسمه أولا شمويل فلما كبر تعلم التوارة فكفله على الصغر عالى الكاهن المتقدم ذكره فلما بلغ أشده وجاوز أربعين سنة أتى اليه جبرائيل ففزع منه وقال لعالى الكاهن سمعت فى البيت صوتا وليس فيه غيرنا فقال له عالى ياشمعون قم وتوضأ فهذا جبريل عليه السلام فقام شمعون وتوضأ وجلس فظهر له جبرائيل فقال له اذهب الى بنى اسرائيل وبلغهم رسالة ربك فان الله تعالى قد بعثك اليهم نبيا فلبث فيهم نحو أربعين سنة يقضى بين بنى اسرائيل بالحق وكان يعرف بابن العجوز ثم ان بنى اسرائيل قالوا ياشمعون ادع الله بأن يقيم علينا ملكا حتى يكون لنا قوة ويستخلص لنا تابوت السكينة من أيدى العمالقة فلما دعا الله بعث الله الى بنى اسرائيل طالوت وهو قوله تعالى (وقال لهم نبيهم ان الله قد بعث لكم طالوت ملكا) الآية انتهى
ذكر قصة الخضر عليه السلام(1/68)
قال السدى اختلف جماعة من العلماء فى أمر الخضر عليه السلام. قال ابن عباس انه من ولد شالخ بن أرفخشد بن سام بن نوح عليهم السلام وقال ابن اسحق انه من ولد العيص بن اسحق بن ابراهيم الخليل عليهم السلام وقال النقاش انه ابن فرعون صاحب موسى ولم يصحح الطبرى ذلك وأبطله وقال آخر هو اليسع صاحب الياس ولم يصحح ذلك وقال آخر هو أرمياء ولم يصحح ذلك وقال الاستاذ الحافظ أبو القاسم عبد الله بن الحسن الخثعمى فى كتاب التعريف ان الخضر عليه السلام ابن ملك يقال له عاميل وهو من ولد العيص ابن ساحق وأمه بنت ملك يقال له فارس وكان اسمها ألهى وانها ولدته فى مغارة وكان بها شاة فصارت ترضعه كل يوم فأخذه الراعى ورباه حتى كبر وشب وصار ماهرا جيدا الخط قارئا للصحف التى أنزلت على ابراهيم عليه السلام وقال ابن اسحق ان أبا الخضر عاميل طلب كاتبا جيد الخط ليكتب له الصحف التى أنزلت على ابراهيم وشيث فقدم عليه جماعة من الكتاب وابنه الخضر وهو لا يعرفه فلما عرضوا خطوطهم على الملك استحسن خط ولده الخضر فوقع فى قلبه محبته واستحسن شكله وعبارته فى الكلام ثم انه بحث عن حقيقة نسبه فتنبين أنه ابنه فقام اليه واعتنقه وضمه الى صدره ثم انه نزل له عن الملك وولاه على رعيته عوضا عن نفسه واستمر على ملك أبيه وهو يقضى بين الناس بالحق إلا أنه فر من الملك لأسباب يطول شرحها واستمر سائحا فى الأرض الى أن وجد عين الحياة فشرب منها كما سيجئ الكلام على ذلك فهو حى الى أن يخرج الدجال ويقتله ثم يحييه الله تعالى بحضرة الدجال بعد ما يقطعه قطعا قال جماعة من العلماء انه لم يدرك زمن النبى صلى الله عليه وسلم وهذا لم يصح وقال البخارى وطائفة من أهل الحديث منهم الشيخ أبو بكر بن العربى ان الخضر قد مات قبل انقضاء المائة من عمره لقوله عليه السلام الى رأس مائة عام لا يبقى على الأرض ممن هو عليها أحد يعنى ممن كان حيا حين قال هذه المقالة والصواب ما رواه أبو بكر بن أبى الدنيا فى كتاب الهواتف بسند يرفعه الى على بن أبى طالب رضى الله عنه قال لما مات النبى صلى الله عليه وسلم سمع هاتف يقول السلام عليكم ياأهل البيت ان فى الله خلفا من كل هالك وعوضا من كل فائت وعزاء من كل مصيبة فعليكم بالصبر فاصبروا فكانوا يسمعون صوته ولا يرون شخصه فقال أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم هو الخضر عليه السلام فهو دليل على حياته. وأما سبب تسميته بالخضر ففى ذلك عدة أقاويل قال وهب بن منبه كان اسم الخضر بليا وكنيته ابو العباس وانما سمى بالخضر لأنه جلس على فروة بيضاء فصارت خضراء وقيل ان الفروة هى الأرض وقال الخطابى انما سمى الخضر خضر الاشراق وجهة قال مجاهد كان اذا صلى اخضر مكام سجوده وقال آخر كان اسمه خضرون والله أعلم. وأما أمر نبوته فالجمهور من العلماء أجمعوا على أنه كان نبيا وقال بعضهم كان نبيا ورسولا يوحى اليه وقال جماعة من العلماء انه كان عبدا صالحا ولم يكن نبيا وهو قوله تعالى (فوجدا عبدا من عبادنا آتيناه رحمة من عندنا وعلمناه من لدنا علما) وأما قول الخضر لموسى وما فعلته عن أمرى فهذا يدل على أنه كان رسولا يوحى اليه والصحيح أنه نبى لا رسول كما رجحه العلماء وقد مرت قصته فى ذلك عند قصة موسى عليه السلام وأما قول من قال انه باق الى اليوم فقال عمرو بن دينار ان الخضر والياس فى قيد الحياة ما دام القرآن موجودا فى الأرض فاذا رفع القرآن يموتان أى الخضر والياس وقال ابن عباس رضى الله عنهما ان الخضر والياس يجتمعان كل سنة على جبل عرفات مع الحجاج وفى مسجد الخيف فى منى وذكر أن كل واحد منهما يحلق رأس صاحبه هناك ويأخذ كل واحد منهما شعر صاحبه ويمضيان ويقولان عند تفرقهما الدعاء المشهور. وروى عن بعض الصالحين أنه رأى الخضر عليه السلام وذكر صفته أنه أشهل العينين ضخم الجسد طويل القامة أبيض اللحية أحمر الوجه زاهى المنظر فصيح اللسان يتكلم باللغة العربية انتهى ما أوردناه من أخبار الخضر على سبيل الاختصار
ذكر حرب طالوت مع جالوت(1/69)
قال وهب بن منبه ان الله تعالى أنزل على شمعون عصا من الجنة وقال له ان الملك الذى أبعثه الى بنى اسرائيل يكون طوله على طول هذه العصا قال عكرمة ان الملك طالوت كان أصله سقاء يسقى الماء من بحر النيل على حمار له فضاع ذلك الحمار منه فخرج فى طلبه فمر على بابا شمعون النبى فدخل عليه وقال له يانبى الله ادع لى بأن يرد الله علىّ حمارى فقال شمعون نعم ثم رأى أمارات تدل على ما أوحى الله به اليه من أمر الملك الذى يرسله الى بنى اسرائيل فأخرج تلك العصا المتقدم ذكرها فقاسها على السقاء فجاءت طوله سواء وكان طالوت طويلا جدا ولذلك سمى طالوت فقال له شمعون ان الله تعالى قد أمرنى أن أجعل ملكا على بنى اسرائيل وقد ملكتك عليهم فلما خرج الى بنى اسرائيل قال لهم قد ملكت عليكم هذا الرجل فأطيعوه فغضب بنو اسرائيل وقالوا له كيف تولى علينا مثل هذا وفينا من هو أحق بالملك منه لأن النبوة كانت فى سبط لاوى بن يعقوب والملك فى سبط يهوذا وطالوت كان من سبط بنيامين فقال لهم شمعون ان الله قد اصطفاه عليكم فقال رجل من بنى اسرائيل وكان من سبط بنيامين بن يعقوب عليه السلام هذا رجل فقير لا مال له وهو سقاء يحمل الماء الى بيوت بنى اسرائيل فقال لهم شمعون (ان آية ملكه أن يأتيكم التابوت) على يده كما أخبرنى الله به وكان طالوت أحفظ الناس للتوراة ثم ان بنى اسرائيل ملكوا عليهم طالوت ثم انه خرج الى قتال العمالقة وكانوا يسكنون بقرى حول فلسطين فلما خرج اليهم حاربهم على تابوت السكينة لأن العمالقة كانوا سلبوه من بنى اسرائيل قبل ذلك واستمر عندهم مدة طويلة حتى رده الله تعالى عليهم على يد طالوت. قال السدى ان تابوت السكينة كان طوله ثلاثة أذرع فى عرض ذراعين وهو من خصب الشهاشادو يقال ان فيه نعلى موسى وقطعة من عصاه وعمامة هارون وقطعة من المن الذى كان ينزل على بنى اسرائيل وهم فى التيه وكان هذا التابوت اذا قدموه أمامهم وقت الحرب ينتصرون على عدوهم فلما سلبه العمالقة منهم أقام عندهم نحوا من عشرين سنة فكان كل من دنا اليه يحترق فقال لهم رجل صالح ما دام عندكم التابوت لم تفلحوا أبدا فأخرجوه من بينكم فقالوا له كيف العمل فى اخراجه وكل من دنا منه يحترق فعمدوا الى عجلة ووضعوا التابوت عليها ثم علقوا ذلك التابوت على ثورين وساقوهما من غير أحد معهما من الناس حتى أخرجوه من أرضهم فسار الثوران الى أرض بنى اسرائيل ووقفا هناك ومضى من كان معهما من العمالقة فلم يشعر بنو اسرائيل إلا وتابوت السكينة عندهم فكبروا تكبيرا عظيما. قال ابن عباس رضى الله عنهما ان الملائكة أخذوا ذلك التابوت من على العجلة ورفعوه بين السماء والأرض والناس ينظرون اليه حتى وضعوه فى دار طالوت وهو قوله تعالى (تحمله الملائكة) فلما عاين بنو اسرائيل ذلك علموا أن الله تعالى قد اختار طالوت أن يكون ملكا عليهم قال السدى ان تابوت السكينة مدفون فى بحيرة طبرية الى أن يخرج عيسى ابن مريم عليه السلام فيخرجه انتهى ذلك
ذكر قصة النهر وتابوت السكينة(1/70)
قال قتدادة لما أوحى الله تعالى الى نبيه شمعون المتقدم ذكره بأن يأمر طالوت بالمسير الى قتال جالوت ملك العمالقة وكان جالوت فى بيت المقدس فجمع طالوت الجنود من بنى اسرائيل فكان عدتهم نحوا من ثمانين ألف مقاتل فخرج طالوت بالجنود حتى قارب النهر وكان وقت القائلة فشكوا من شدة الحر وقلة الماء فقال لهم نبيهم {ان الله مبتليكم بنهر} قال ابن كثير النهر هو الشريعة ثم قال فمن شرب منه فليس منى أى ليس من أهل دينى ولا طاعتى ثم استثنى بقوله (إلا من اغترف غرفة بيده) مالء كفه وقال البراء بن عازب ان أصحاب طالوت هم الذين جاوزوا معه النهر وكانوا نحو ثلثمائة انسان وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأصحابه يوم وقعه بدر أنتم على عدد أصحاب طالوت الذين جاوزوا معه النهر. قال السدى فلما جاوز أصحاب طالوت النهر شربوا منه وسقوا دوابهم ولم يغترفوا منه كما أمرهم الله تعالى فقورى عليهم العطش واسودت شفاههم فقال الذين شربوا من النهر وخالفوا أمر الله تعالى (لا طاقة لنا اليوم بجالوت وجنوده) وانصرفوا عن طالوت وتجنبوا عن أمر القتال فلم يبق مع طالوت إلا قليل من الجنود وكان معه رجل يقال له ايشا وهو أبوداود نبى الله وكان له ثلاثة عشر ولدا وكان داود أصغرهم فقال يوما لأبيه ايشا ياأبت انى لم أرم قط بقدحى شيئا الا صرعته فى الحال فقال أبوه أبشر يانبى الله تعالى جعل رزقك فى قدحك ثم قال لأبيه مرة أخرى يا أبتاه انى دخلت بين الجبال فرأيت أسدا عظيما فخضع لى حتى ركبته ثم قبضت بيدى على منكبيه فتركته هناك ميتا فقال له أبوه أبشر يا ولدى فان سعدك أقبل ثم قال لأبيه مرة أخرى ياأبتاه إنى اذا سبحت فى الليل سمعت الجبال تسبح معى فقال له ابوه ابشر يابنى فهذا دليل نبوتك فلما تلاقى طالوت مع جالوت أرسل جالوت يقول لطالوت ان أبرزت لى من يقاتلنى فان قتلنى فله ملكى وان أنا قتلته فلى ملكه فشق ذلك على طالوت ونادى فى جنوده من برز الى جالوت وقتله أعطيته نصف ملكى وزوجته بابنتى فلم يجبه أحد من أجناده وكان فى صحبته شمعون النبى فقال له طالوت ياشمعون ادع الله تعالى أن يأتينا بمن يبرز لجالوت ويقتله فدعا شمعون الله تعالى أن يأتيه بمن يقتل جالوت فقال شمعون لايشا انى أريد أن تعرض على أولادك فلما عرضهم عليه وكانوا اثنى عشر ولدا وهم أمثال الاسود فقال له شمعون هل بقى منهم أحد فقال ايشا بقى لى ولد صغير يرعى الغنم واسمه داود وهو فى الوادى عند الغنم فمضى اليه شمعون فلما رآه قال هذا هو المطلوب ورأى فيه من العلامة ما يدل على ما أوحى الله به اليه من أنه هو الذى يقتل جالوت فقال له شمعون ان الله قد أمرنى أن أبعثك الى جالوت ويكون قتله على يدك فقال داود السمع والطاعة ثم مضى مع شمعون فبينما هو يمشى فى أثناء الطريق اذ مر بثلاثة أحجار دعاه كل واحد منها أن يحمله وقال له انك تقتل جالوت بى فحملها فى مخلاته ثم لما وصل الى طالوت بعثه مع الجنود الى جالوت وأركبه فرسا أدهم وألبسه درعا من الحديد وقلده سيفا وسار بصحبته الجنود الى جالوت فوقف مقابله وكان جالوت أشد الناس بأسا وقوة وكان يهزم الجيوش الكثيرة وحده وكان له خوذة من فولاذ وزنها نحو ثلثمائة رطل بالمصرى وكان له فرس أبلق عظيم الخلقة فلما برز اليه داود وكان صغير السن ألقى الله تعالى الرعب فى قلب جالوت من داود فقال له جالوت يا هذا الصبى أنت مع صغر سنك تبارزنى فقال داود نعم أبارزك ثم أخرج من المخلاة الاحجار ووضعها فى المقلاع فقال له جالوت تبارزنى بالحجر كما يبارز الكلب فقال داود نعم لانك أشر من الكلب فقال جالوت لأقسمن لحمك بين الكلاب ثم قال بسم الله إله ابراهيم واسحق وموسى ويعقوب فلما وضع الاحجار فى المقلاع ورمى بها جالوت وصلت مثل النار الى دماغ جالوت ففلقته وما كان عليه من الحديد حتى خرجت من قفاه فقتل جالوت فحينئذ مالت جنود طالوت على جنود جالوت بالضرب ونصرهم الله تعالى عليهم وكسرهم باذن الله تعالى ثم انه نزع خاتم جالوت من يده وجاء به الى طالوت ووضعه بين يديه ففرح طالوت بذلك وفرح بنو اسرائيل بهذه النصرة ومضوا الى أرضهم وهم سالمون وكان جالوت يسكن بيت المقدس وهو من العمالقة الأقدمين وكان داود لما بارز جالوت كان عمره نحو عشرين سنة وكانت وقعة جالوت مع داود بالقرب من المرج الاصفر بأرض الشام انتهى(1/71)
على سبيل الاختصار سبيل الاختصار
قصة وفاة طالوت وما جرى بينه وبين داود
قال السدى لما قتل جالوت ومضىأمره جاء داود الى طالوت وقال له أنجز لىّ وعدك من زواجى ابنتك فقال له طالوت أزوجك ولكن بصداق فقال داود أنت اشرطت صداقها قتل جالوت ومعها نصف مملكتك فقال طالوت أصدقها نصيبك من الملك فقال له بنو اسرائيل أنجزه ما وعدته به فلما رأى طالوت ميل بنى اسرائيل اليه فقال ياداود انى معطيك ما تريد ولكن بقى لنا أعداء من المشركين فانطلق اليهم وقاتلهم فاذا قتلت منهم مائة انسان أوجك ابنتى من غير صداق فمضى اليهم داود وتقابل معهم فصار كلما قتل منهم رجلا نظم قلفته بخيط فأكمل من قلفهم نحو مائتى قلفة فأتى بها الى طالوت وألقاها بين يدية فقال له هذا ما شرطت فقال بنو اسرائيل أنجز له شرطه وما وعدته به فلما رأى طالوت قوة داود وميل الناس اليه خشى من سطوته فأراد قتل داود وكان من عادة الملوك يتوكؤون على عصا فى طرفها زج من حديد فرأى داود جالسا فى بيت فرماه طالوت بتلك العصا فخلا داود عنها فلم تصبه فأصابت الحائط فدخلت فيه فقال له داود عمدت الى قتلى فقال طالوت لا ولكن اختبرت ثباتك للطعان فعند ذلك قام داود وأخذ العصا وهزها نحو طالوت فقال طالوت بالحرمة التى بينى وبينك أن تكف عنى فقال له داود ان الله كتب فى التوراة ان جزاء السيئة بمثلها والبادى أظلم فقال طالوت أفلا تقول قول هابيل لئن بسطت الى يدك لتقتلنى ما أنا بباسط يدى اليك لأقتلك فقال داود انى عفوت عنك ثم ان طالوت زوجة بنته وما زال يفكر كيف يقتل داود فعزم على أن يصنع لداود وليمة فى داره ويغافله ويقتله فكانت ابنة طالوت علمت بما يحتال أبوها به على قتل داود فأرسلت الى داود وأعلمته بأن أباها عزم على قتله فأخذ داود حذره منه ثم ان طالوت صنع الوليمة ولم يبق شئ من أمر الوليمة فأرسل الى داود ليحضر فلما حضر داود بين يدى طالوت قام له وأكرمه وكان داود بشاشا لطيفا عارفا بصنوف الالحان قال الثعلبى ان داود كان قبل بلوغ النبوة يوقع بالعود لطالوت لما تغاظ عليه الاخلاط الرديئة فكان داود يعطى لكل خلط نغمة لمعرفته بذلك فلما أقبل الليل وانتهى أمر الوليمة وانصرفت الناس نحو أربعة آلاف انسان قال طالوت لداود اصعد على السرير ونم عليه وانصرف طالوت الى نسائه فعمد داود الى زق خمر ووضعه على السرير مكانه وغطاه بأكسية النوم وذهب داود واختبأ فى مكان لينظر ما يصنع طالوت فلما انتصف الليل دخل طالوت خفية يتسلل الى أن جاء الى السرير وظن أن داود عليه فرفع سيفه وضربه ضربة محكمة فقطع الكساء والزق وسال الخمر فقال طالوت ما أكثر ما كان يشرب داود من الخمر فلما أصبح طالوت وعلم أنه لم يقتل داود أكثر من الحراس والحجاب وصار يحتجب عن الناس خوفا من داود ثم ان داود دخل على طالوت ليلا وقد أعمى الله بصر الحراس فلما دخل داود وجد طالوت ملقى على سريره وهو نائم فوضع داود سهما من سهامه عند رأس طالوت وسهما عند رجليه وسهما عن يمينه وسهما عن يساره ثم خرج داود وتركه فلما استيقظ طالوت من منامه رأى السهام حوله فعرف أن تلك من فعل داود ورأى عفوه بعد الظفر فقال داود أحلم منى ثم ان طالوت خرج يوما الى الفضاء وحده واذا بداود قابله من غير ميعاد فأخذا يمشيان وكان طالوت فارسا وداود راجلا فخاف داود على نفسه فدخل غارا وتستر فيه فلما أدرك طالوت الغار أعماه الله عن المكان الذى اختفى فيه داود ورجع طالوت فقتل جماعة من المؤمنين من أصحاب داود ممن كانوا يحبونه ثم ندم طالوت على قتلهم وتاب وأراد أن يعلم هل قبلت توبته أم لا فجاء الى قبر شمعون ونادى يانبى الله شمعون فأجابه من القبر باذن الله تعالى فقال طالوت انى فعلت كذا وكذا فى المؤمنين فهل من توبة فقال شمعون ياطالوت سر أنت وأولادك وكانوا عشرة وقاتل فى سبيل الله حتى تقتلوا فيتوب الله عليكم وتكونوا من الصالحين فأخذ طالوت فى البكاء وتجهز هو وأولاده ومضى الى الجهاد وقاتل هو وأولاده فكان يرى مصارع أولاده واحدا بعد واحد حتى قتلوا كلهم ثم نزل هو للجهاد فقتل ثم أتى رجل الى داود وقال له ان طالوت قد قتل هو وأولاده فاستخلف على بنى اسرائيل كما سيأتى الكلام عليه فى موضعه ان شاء الله تعالى انتهى على سبيل الاختصار
ذكر قصة داود عليه السلام(1/72)
قال الله تعالى (ياداود جعلناك خليفة فى الأرض) الآية قال وهب بن منبه هو داود بن ايشا ابن عوقد من ذرية ابراهيم الخليل عليه السلام قال ابن كثير لما قتل طالوت استخلف بعده داود وقد جمع الله له بين الملك والنبوة وكان قد مضى لداود من العمر نحو أربعين سنة وقد قال الله تعالى (وآتيناه الحكمة وفصل الخطاب) فلما تم أمره فى الملك رحل الى بيت المقدس وكان عامة الفتوحات فى أيامه ففتح الشام وأرض فلسطين ومدينة عمان وحلب ونصيبين وحماة وعنتاب والاردن وكانت هذه بأيدى الجبارين قال السدى ان الله تعالى خص داود عليه السلام بالفضائل والكرامات والنبوة وأنزل عليه الزبور وخصه بالصوت الحسن وكان يقرأ الزبور بسبعين نغمة من الانغام فكان اذا سمعه المحموم يعرق والعليل يشفى وكان اذا قرأ فى الفضاء تجتمع اليه الانس والجن والوحوش والطير لسماع صوته وكان الريح يسكن عند صوته ويركد الماء الجارى أيضا عند صوته فحسده ابليس على ذلك فصنع آلات الالحان والطرب مثل العود ونحوه فاشتغل الناس بذلك عن صوت داود عليه السلام قال أفلاطون من حزن فليسمع الالحان يزل حزنه فان الخزن خمود النفس واذا سمعت ما يطرب شعشعت وأثارت قال الرواة ان الفيل اذا اصطادوه يموت قهر المفارقة وطنه الا اذا أطربوه بالملاهى فانه يعيش ومن فضائل داود أنه كان اذا سبح يسبح الطير معه والوحوش والجبال والشجر والحجر وكان يفهم تسبيحهم قال ابن عباس رضى الله عنهما ومما خص الله تعالى به داود السلسلة التى كان يعرف بها الحق والباطل قال السدى كانت هذه السلسلة موصولةبالمجرة وكانت معلقة بمحراب داود يتحاكم الناس عندها وكانت من عجائب الدنيا لها قوة كقوة الحديد ولونها كلون النار مرصعة بالجواهر واليواقيت والزمرد فكان اذا حدث فى الدنيا حادث تصلصل فيعلم بذلك الحادث وكان لا يمسها ذو علة الا برئ لوقته واذا مسها مشرك ذهب منه إلى الشرك وكان المنكر لحق صاحبه اذا مد يده اليها لا يصل اليها واذا كان صادقا مد يده اليها فيصل ويمسكها وكانت ترفع عند الباطل وتتدلى عند الحق واذا قصد أحد أخذ شئ منها ترتفع قال الثعلبى ان رجلا أودع جوهرة عند رجل آخر فلما جاء ليطلبها منه أنكرها فقال له صاحب الجوهرة نمضى أنا وأنت الى السلسلة وكان الذى استودع الجوهرة وضعها فى عكازه وكان لا يفارقه من يده قال فمضى الرجلان الى السلسلة فوصلا اليها فقال صاحب العكاز لصاحب الجوهرة خذ اليك هذا العكاز لا حلف لك فأخذه فتقدم وقال اللهم انك تعلم أن هذه الجوهرة قد أعطيتها لصاحبها هذا ومد يده الى السلسلة فتناولها ثم أخذ عكازه من صاحب الجوهرة فتعجب صاحب الجوهرة فلما أصبح الصباح وجدوا السلسلة قد ارتفعت وغيبها الله عن الناس الى الآن قال ابن عباس كان داود أشد ملوك الأرض سلطانا فكان يحرس محرابه فى كل ليلة ثلاثون ألف انسان من شجعان بنى اسرائيل. ومن معجزات داود عليه السلام أن الله تعالى ألان له الحديد حتى كان يفتله بيده مثل العجين فكان يصنع منه دروع الزرد وهو أول من اصطنع دروع الزرد وكانوا من قبله يستعملون دروع الصفائح فكان داود يصنع كل يوم اذا شاء درعا ويبيعه بستة آلاف درهم وينفق من ثمنه على عياله ويتصدق بالباقى ولا يدخر منه شيئا قال السدى كان داود يتنكر ويمشى فى الاسواق ويسأل الناس عن سيرة نفسه حتى لقيه جبرائيل فسأله عن سيرة نفسه فقال له جبرائيل ان داود نعم العبد الا أنه يأكل من بيت المال فقال داود عند ذلك اللهم علمنى صنعة أنفق على نفسى منها فعلمه الله صنعة الزرود وألان له الحديد فكان يأكل من ذلك قال الله تعالى (وألنا له الحديد) وقال تعالى (وعلمناه صنعة لبوس لكم) الآية
ذكر وقوع داود فى الخطيئة(1/73)
قال وهب بن منبه بينما داود يقرأ فى محرابه اذ دخل عليه طائر فى محرابه من الكوة وكان ذلك الطائر على صفة الحمامة ريشها من الذهب وجناحها مكلل بأنواع الجواهر الملونة ومنقارها من الزمرد الأخضر ورجلاها من الياقوت الاحمر فلما رآها داود شغلته عن القراءة فتأملها فظن أنها من الجنة فمد يده اليها ففرت من بين يديه الى جانبه فقام اليها ففرت الى الكوة. وقيل كان سبب ذلك أن داود قال يارب ان جميع الأنبياء ابتليتهم لتعظم لهم الأجور فهلا ابتليتنى لتعظم أجرى فأوحى الله اليه ياداود استعد للبلاء فى يوم كذا وكذا فلما كان الميعاد أتى اليه ابليس اللعين فى صفة الطائر المذكور قال فتقدم داود الى الطائر ففر من الكوة الى بستان تحت قصر داود فنظر داود الى البستان لاجل الطائر واذا فى البستان امرأة جميلة ذات حسن فائق على أهل زمانها وهى تغتسل فلما نظر داود اليها خجلت وأسبلت شعرها فغطى سائر جسدها فوقع حبها فى قلبه وشغف بها وفى المعنى يقول القائل
نضت عنها القميص لصب ماء ... فورد وجهها فرط الحياء
فقابلت الهواء وقد تردت ... بمعتدل أرق من الهواء
ومدت معصما كالماء منها ... الى ماء معد فى إناء
رأت عين الرقيب على تدان ... فأسبلت الظلام على الضياء
وغاب الصبح منها تحت ليل ... وظل الماء يقطر فوق ماء(1/74)
قال فلما افتتن بها وسأل عن أمرها فقيل انها متزوجة برجل من الجند وهو مسافر وله ستة أشهر فى الغزو فعند ذلك كتب الى أمير الجيش يقول قدم أوريا بن حنا أمام الجيش وأعطه الراية بيده وكان أوريا زوج المرأة وكان المتقدم بالراية قليلا ما يسلم فلما وصل الكتاب فعل أمير الجيش ما أمره داود فسلم الراية الى أوريا وتقدم فقتل فكتب أمير الجيش يخبره بموت لأوريا فعند ذلك خطب داود امرأته فتزوج بها فحملت منه بولده سليمان عليهما السلام وكان اسم المرأة تشايع بنت صورى فأقام معها أياما وكان لداود اذ ذاك تسع وتسعون امرأة وقد كمل بأم سليمان المائة وهى تشايع فعند ذلك أرسل الله له ملكين بصفة رجلين فدخلا عليه من غير اذن ففزع منهما داود فقالا له{لاتخف خصمان بغى بعضنا على بعض فاحكم بيننا بالحق ولا تشطط} وهو قوله تعالى (وهل أتاك نبأ الخصم اذ تسوروا المحراب) الآية فقال داود قصا على قصتكما قال {ان هذا أخى له تسع وتسعون نعجة ولى نعجة واحدة فقال أكفلنيها وعزنى فى الخطاب} قال له داود {لقد ظلمك بسؤال نعجتك الى نعاجه} فضحك المدعى عليه فقال له داود تظلم وتضحك فارتفعا وهما يقولان قضى داود على نفسه فعلم داود أنه وقع فى الخطيئة فخر ساجدا أربعين ليلة وهو يبكى ولا يرفع رأسه حياء من الله تعالى حتى غرقت الأرض من دموعه وأكلت الأرض من جبهته فرفع رأسه وقام فلبس المسوح وافترش الرماد تحت وجهه وعاد الى ما كان عليه فانقطع عنه الوحى وكان يقول فى سجوده سبحان خالق النور رب ان لم ترحم ضعف داود وتغفر ذنبه والا صار حديثا فى الخلق الى يوم القيامة ولم يزل ساجدا وهو يبكى ويتضرع الى الله تعالى حتى انشعب رأسه فجاء اليه جبرائيل وقال ياداود ان الله غفر خطيئتك فاذهب الى قبر أوريا بن حنا واسأله بأن يحاللك فانطلق الى قبر أوريا وقال ياأوريا فقال من قبره لبيك ياداودد فقال داود جعلنى فى حل مما كان منى اليك فقال أوريا وما كان منك فقال عرضتك للقتل بسبب الزوجة فقال قد حاللتك من ذلك فأوحى الله اليه ياداود هلا قلت له عرضتك للقتل حتى قتلت فتزوجت بزوجتك من بعدك فعاد اليه وقال له داود ياأوريا فلباه من القبر ثانيا فقال داود يا أوريا عرضتك للقتل حتى تزوجت بزوجتك من بعدك فلما سمع أوريا بذلك سكت فناداه مرارا فلم يجبه أوريا فبكى داود وحثا التراب على رأسه فأوحى الله تعالى اليه ياداود اذا كان يوم القيامة أعطى أوريا الثواب الجزيل حتى أرضيه وأستوهبك منه فقال داود إلهى الآن طاب قلبى بمغفرتك وكرمك وذلك قوله تعالى (وان له عندنا لولفى وحسن مآب) فكان داود لا يرفع رأسه الى السماء حياء من الله تعالى وكان لا يأكل خبز الشعير الا وهو ممزوج بدموع عينيه ويذر عليه الملح وكان لا يأكله حتى يضنيه الجوع ويقول هذا أكل الخاطئين قال عطاء الخراسانى ان داود عليه السلام نقش خطيئته فى كفه لئلا ينساها فكان كلما نظرها بكى. قال وهب بن منبه لما وقع داود فى الخطيئة اشتغل بالبكاء والندم عن النظر فى أحوال الرعية من بنى اسرائيل فعند ذلك اجتمعوا وجاءوا الى ابنه سليمان عليه السلام وقالوا له ان أباك كبر سنه واشتغل بخطيئته عن النظر فى أحوال الرعية والحق أن تكون أنت متوليا على بنى اسرائيل ودخلوا على داود وتكلموا معه فى ذلك وما زالوا به حتى خلع نفسه من الملك وولى ابنه سليمان ثم ان داود خرج من بنى اسرائيل ولحق بالجبل فاجتمع أعيان بنى اسرائيل وجاءوا الى سليمان وأشاروا عليه بقتل أبيه فلما بلغ داود أرسل يقول لابنه سليمان هل سمعت قط بابن قتل أباه قبلك ولكن ان جعل الله قتلى على يد بنى اسرائيل فلا تحضر أنت قتلى فانه يصير ذلك سنة من بعدك فلما بلغ سليمان ذلك لم يوافق بنى اسرائيل على قتل أبيه. قال السدى لما تاب الله على داود وأراد أن يرجع الى ملكه ركب وحارب ابنه سليمان حتى هزمه عن المدينة وقتل فى هذه الوقعة نحو العشرين ألفا من بنى اسرائيل وهرب سليمان فلحقه قائد من قواد أبيه فلما ظفر بسليمان تركه للمجاهدة والغزوات هكذا نقله ابن كثير
ذكر قصة داود وسليمان فى الحري(1/75)
قال الله تعالى (وداود وسليمان اذ يحكمان فى الحرث) الآية. قال ابن عباس رضى الله عنهما كان الحرث زرعا وذلك أنه دخل على داود رجلان واحد صاحب زرع والآخر صاحب غنم فقال صاحب الحرث ان هذا الرجل انفلتت غنمه ليلا فوقعت فى حرثى فأكلته ولم يبق منه شئ فقال داود عليه السلام لخصمه أعطه الغنم التى أكلت الزرع فى نظير زرعه وكان ابنه سليمان حاضرا فلما سمع ذلك قال لأبيه انك لم تأت بشئ فيما قضيت به فقال له داود وكيف تقضى أنت بينهما فقال سليمان آمر صاحب الغنم بأن يدفع الغنم الى صاحب الزرع سنة كاملة فيكون له نسلها ولبنها وأصوافها فاذا كان العام القابل وصار الزرع كهيئته يوم أكل سلمت الزرع الى صاحبه والأغنام الى صاحبها فقال داود القضاء على ما قضيته أنت وحكم داود بما قاله ابنه سليمان ثم ان داود استخلف ابنه سليمان على بنى اسرائيل وكان لسليمان يومئذ ثلاث عشرة سنة فشق ذلك على بنى اسرائيل وقالوا كيف يستخلف علينا غلاما صغير السن وفينا من هو أعلم منه فلما بلغ داود ذلك جمع أعيان بنى اسرائيل من أسباط أولاد يعقوب عليه السلام فلما اجتمعوا قال لهم كيف تقولون فى أمر سليمان فليجئ كل منكم بعصا ويكتب اسمه عليها ويجئ سليمان بعصا ويكتب اسمه عليها ثم أدخلوا العصى كلها فى بيت وأقفلوا بابه فمن أورقت عصاه فهو أحق بالخلافة فقالوا كلهم رضينا ذلك فأدخلوا عصيهم كلها ووضعوها فى بيت وقفلوه كما أراد فلما أصبحوا وجدوا العصى كلها على حالها الا عصا سليمان فانها صارت مورقة فلما رأت بنو اسرائيل ذلك علموا أن سليمان هو الخليفة عليهم من أبيه داود واستمر على عبادة الله تعالى معتكفا حتى مات قال ابن كثير لما مات داود مشى فى جنازته أربعون ألف راهب وعليهم البرانس السود ودفن فى خارج بيت المقدس عند بيت لحم وقيل دفن فى عنتاب وقبره مشهور يزار عليه السلام انتهى على سبيل الاختصار
ذكر قصة نبى الله سليمان عليه السلام(1/76)
قال الله تعالى (وورث سليمان داود) قال الثعلبى كان لداود عليه السلام تسعة عشر ولدا وكان سليمان أصغر أولاده. قال السدى كان سليمان أفقه من أبيه وأقضى منه فى الحكم ولكن كان داود أشد تعبدا قال السدى والثعلبى لم يملك الدنيا كلها سوى أربعة مؤمنين وكافرين فأما المؤمنان فهما سليمان بن داود وذو القرنين وأما الكافران فهما النمروذ بن كنعان وشداد بن عاد قال الله تعالى حكاية عن سليمان (قال رب اغفر لى وهب لى ملكا لا ينبغى لأحد من بعدى) فأجاب الله دعاءه وأعطاه. شؤال لطيف قال بعض العلماء كيف طلب سليمان ملكا لا ينبغى لأحد من بعده والأنبياء من شأنهم الزهد فى الدنيا. الجواب اعلم أن سليمان عليه السلام علم بذلك فقال أولا رب اغفر لى ثم طلب الملك بعد طلب المغفرة فقال وهب لى ملكا لا ينبغى لأحد من بعدى. قال السدى سبب طلب سليمان الدنيا أن جبرائيل عليه السلام جاء الى سليمان وقال ان الله تعالى يأمرك أن تمضى الى مكان كذا وكذا فان هناك امرأة أرملة ولها عند الله منزلة فامض اليها وارفع عنها حوائج الدنيا وجميع ما تحتاج اليه من أكل وكسوة وغير ذلك فقال سليمان لجبرائيل ان الله تعالى يعلم أنى عبد فقير لا أملك من الدنيا شيئا وكان سليمان يصنع القفف بيده ويبيعها ويأكل من ثمنها هو وعياله ولا يقرب بيت مال المسلمين فأوحى الله تعالى الى سليمان أن اطلب منى ما تريد فلما رأى الاذن من الله فى الطلب طلب وما قصر فطلب المغفرة والملك فاستجاب الله دعاءه وأعطاه الدنيا من مشرقها الى مغربها. قال وهب بن منبه ان سليمان لم يطلب الدنيا لنفسه وانما طلب أن يكون أمورها اليه حتى يدلى بين الناس وينصف المظلوم من الظالم ويجود على الفقراء والمساكين فان الدنيا مع العبد الصالح فى يده لا فى قلبه فان كان بالعكس فلهوى النفس وقول سليمان لا ينبغى لأحد من بعدى لأن الله ألهمه العدل فى الرعية فعلم أن غيره لا يقدر على مثل عمله وكان سليمان متواضعا يجالس الفقراء والمساكين ويأكل معهم ويحدثهم كأنه منهم وكان لا يشبع بطنه من خبز الشعير ولا يلبس الا الصوف مع سعة ملكه ولا ينفق الا من عمل يديه. قال وهب بن منبه ان الله تعالى سخر لسليمان الانس والجن والوحوش والطيور والريح فكانت الريح تحمل بساطه الى مسيرة شهر فى غدوة من النهار وهو قوله تعالى (غدوها شهر ورواحها شهر). قال السدى كانن طول بساط سليمان فرسخا وعرضه فرسخا وهو مركب على أخشاب. قال مقاتل ان الجان نسجت له البساط من حرير ملون وهو مرقوم بالذهب وكان يحمل عليه جنوده ودوابه وخيوله وسائر الانس والجن والوحش والطير وكان جيش سليمان ألف ألف انسان ويتبعهم ألف ألف من الجان وغيرهم وكان هذا البساط يسير بين السماء والأرض مثل السحاب ودونه الى الأرض فان أراد أن يسيره بسرعة أمر الريح العاصف بحمل ذلك البساط فيسير كالبرق الى حيث شاء وكان البساط اذا سار لم يحرك انسانا ولا دابة ولا شجرة واذا مر على الزرع فى الأرض لم يتحرك منه ورقة وكانت ريح الصبا واقفة بين يديه فاذا تكلم أحد من المشرق أو المغرب تحمل الريحل ذلك وتلقيه فى أذن سليمان. قال الزمخشرى كان لسليمان كرسى من الذهب والفضة برسم الأمراء والأعيان وحول ذلك الكرسى ثلاثة آلاف كرسى من الذهب والفضة. قال السدى كان لسليمان ألف قصر مبنية من قوارير وفيها ثلثمائة امرأة وألف سرية. قال كعب الأحبار كان جيش سليمان اذا نزل فى الفضاء يملأ مائة فرسخ فكان منها خمسة وعشرون للانس وخمسة وعشرون للجن وخمسة وعشرون للوحش وخمسة وعشرون للطير وكان الطير يظله من حر الشمس وقت القائلة. قال الثعلبى كان مرتب مطبخ سليمان فى كل يوم مائة ألف شاة وأربعين ألف بقرة خارجا عن الفواكه والحلاوات وغير ذلك ومع هذا كله لم يرجع عن أكل خبز الشعير بالملح الجريش وكان الجن يغوصون له البحار ويستخرجون له منها الدرر الكبار ويجعلونها بين يديه وذلك قوله تعالى (ومن الشياطين من يغوصون له) الآية. قال الثعلبى ان سليمان كان اذا جلس فى موكبه تقف الغلمان الحسان على رأسه بأطباق من الذهب وهى مملؤة من المسك السحيق وفيها صحاف من الياقوت الأحمر وفيها شئ من ماء الورد وفوقها طيور صغار مثل العصافير ترفرف بأجنحتها وتنزل فى ماء الورد وتتمرغ فى ذلك المسك وتطير وتنتفض على الكبير والصغير من جيشه. قال السدى لم يقع(1/77)
لأحد من ملوك الأرض مثل ما وقع لسليمان وذلك أن الريح مركبه والبحار خزائنه والجن خدمه والملائكة حفظته والطير من الشمس تظله والوحش تحرسه وآصف بن برخيا وزيره والاسم الأعظم مكتوب على خاتمه. وقيل ان سليمان تأمل ذلك وأعجب بنفسه فمال البساط من تحته فى قوة سيره فهلك من جيشه نحو اثنى عشر ألف انسان فى ساعة واحدة فلما رأى سليمان ذلك ضرب البساط بقضيب كان فى يده وقال اعتدل أيها البساط فأجابه البساط من تحته وقال له اعتدل أنت ياسليمان حتى أعتدل أنا فعلم أن البساط مأمور فخر سليمان ساجدا لله. قال وهب بن منبه فلما اتسعت الدنيا عليه نسى الأرملة التى تقدم ذكرها فلما تذكرها اضطرب وتوجه اليها وهو ماش على قدميه فوقف على بابها فأذنت له بالخول فدخل فوجد المرأة عمياء وحولها ثلاث بنات فقالت ياسليمان يوصيك الله بى وتغفل عنى هذه المدة الطويلة فاعتذر لها سليمان من ذلك وقال لها منذ كم وأنت عزبة فقالت له منذ عشر سنين ومعى ثلاث بنات ولم يكن لى ما يكفيهم من القوت فلما سمع سليمان ذلك حمل اليها مائة رحل ما بين قماش ومال وغير ذلك وقال لها متى فرغ من عندك شئ فأرسلى أعلمينى حتى أرسل اليك عوضه فان الله أمرنى أن أكفيك هم الدنيا وأمر المعيشة. قال أبو عمران الجونى بينما سليمان سائر على بساطه بين السماء والأرض اذ مر برجل راع فلما رأى الراعى البساط وسليمان وجنوده ركوبا عليه قال لقد آتاك الله ياابن داود ملكا عظيما لم ينله أحد قبلك فالقت الريح كلام الراعى الى سليمان فاحضر سليمان الراعى وقال له ان تسبيحة من مؤمن أفضل مما أوتى سليمان من هذا الملك كله. ومن النكت الغريبة ما نقله الشيخ عبد الرحمن بن سلام المقرى فى كتاب العقائق ان سليمان لما رأى أن الله تعالى أوسع له الدنيا وصارت بيده قال إلهى لو أذنت لى أن أطعم جميع المخلوقات سنة كاملة فأوحى الله اليه انك لن تقدر على ذلك فقال إلهى أسبوعا فقال الله تعالى لن تقدر فقال إلهى يوما واحدا فقال تعالى لن تقدر فقال إلهى مقصودى ولو يوما واحدا فأذن الله تعالى له فى ذلك فأمر سليمان الجن والانس بأن يأتوا بجميع ما فى الأرض من أبقار وأغنام ومن جميع ما يؤكل من أجناس الحيوانات من طير وغير ذلك فلما جمعوا ذلك اصطنعوا له القدور الراسيات ثم ذبح ذلك وطبخه وأمر الريح أن تهب على الطعام لئلا يفسد ثم مد ذلك الطعام فى البرية فكان طول ذلك السماط مسيرة شهرين وعرضه مثل ذلك ثم أوحى الله اليه ياسليمان بمن تبتدئ من المخلوقات فقال سليمان أبتدئ بدواب البحر فأمر الله حوتا من البحر المحيط أن يأكل من ضيافة سليمان فرفع ذلك الحوت رأسه وقال ساسليمان سمعت أنك فتحت بابا للضيافة وقد جعلت عليك ضيافتى فى هذا اليوم فقال سليمان دونك والطعام فتقدم ذلك الحوت وأكل من أول السماط فلم يزل يأكل حتى أتى على آخره فى لحظة ثم نادى أطعمنى ياسليمان وأشبعنى فقال له سليمان أكلت الجميع وما شبعت فقال الحوت أهكذا يكون جواب أصحاب الضيافة للضيف اعلم ياسليمان أن لى فى كل يوم مثل ما صنعت ثلاث مرات وأنت كنت السبب فى منع راتبى فى هذا اليوم وقد قصرت فى حقى فعند ذلك خر سليمان ساجدا لله تعالى وقال سبحان المتكفل بأرزاق الخلائق من حيث لا يعلمون وقد قيل فى المعنىحد من ملوك الأرض مثل ما وقع لسليمان وذلك أن الريح مركبه والبحار خزائنه والجن خدمه والملائكة حفظته والطير من الشمس تظله والوحش تحرسه وآصف بن برخيا وزيره والاسم الأعظم مكتوب على خاتمه. وقيل ان سليمان تأمل ذلك وأعجب بنفسه فمال البساط من تحته فى قوة سيره فهلك من جيشه نحو اثنى عشر ألف انسان فى ساعة واحدة فلما رأى سليمان ذلك ضرب البساط بقضيب كان فى يده وقال اعتدل أيها البساط فأجابه البساط من تحته وقال له اعتدل أنت ياسليمان حتى أعتدل أنا فعلم أن البساط مأمور فخر سليمان ساجدا لله. قال وهب بن منبه فلما اتسعت الدنيا عليه نسى الأرملة التى تقدم ذكرها فلما تذكرها اضطرب وتوجه اليها وهو ماش على قدميه فوقف على بابها فأذنت له بالخول فدخل فوجد المرأة عمياء وحولها ثلاث بنات فقالت ياسليمان يوصيك الله بى وتغفل عنى هذه المدة الطويلة فاعتذر لها سليمان من ذلك وقال لها منذ كم وأنت عزبة فقالت له منذ عشر سنين ومعى ثلاث بنات ولم يكن لى ما يكفيهم من القوت فلما سمع سليمان ذلك حمل(1/78)
اليها مائة رحل ما بين قماش ومال وغير ذلك وقال لها متى فرغ من عندك شئ فأرسلى أعلمينى حتى أرسل اليك عوضه فان الله أمرنى أن أكفيك هم الدنيا وأمر المعيشة. قال أبو عمران الجونى بينما سليمان سائر على بساطه بين السماء والأرض اذ مر برجل راع فلما رأى الراعى البساط وسليمان وجنوده ركوبا عليه قال لقد آتاك الله ياابن داود ملكا عظيما لم ينله أحد قبلك فالقت الريح كلام الراعى الى سليمان فاحضر سليمان الراعى وقال له ان تسبيحة من مؤمن أفضل مما أوتى سليمان من هذا الملك كله. ومن النكت الغريبة ما نقله الشيخ عبد الرحمن بن سلام المقرى فى كتاب العقائق ان سليمان لما رأى أن الله تعالى أوسع له الدنيا وصارت بيده قال إلهى لو أذنت لى أن أطعم جميع المخلوقات سنة كاملة فأوحى الله اليه انك لن تقدر على ذلك فقال إلهى أسبوعا فقال الله تعالى لن تقدر فقال إلهى يوما واحدا فقال تعالى لن تقدر فقال إلهى مقصودى ولو يوما واحدا فأذن الله تعالى له فى ذلك فأمر سليمان الجن والانس بأن يأتوا بجميع ما فى الأرض من أبقار وأغنام ومن جميع ما يؤكل من أجناس الحيوانات من طير وغير ذلك فلما جمعوا ذلك اصطنعوا له القدور الراسيات ثم ذبح ذلك وطبخه وأمر الريح أن تهب على الطعام لئلا يفسد ثم مد ذلك الطعام فى البرية فكان طول ذلك السماط مسيرة شهرين وعرضه مثل ذلك ثم أوحى الله اليه ياسليمان بمن تبتدئ من المخلوقات فقال سليمان أبتدئ بدواب البحر فأمر الله حوتا من البحر المحيط أن يأكل من ضيافة سليمان فرفع ذلك الحوت رأسه وقال ساسليمان سمعت أنك فتحت بابا للضيافة وقد جعلت عليك ضيافتى فى هذا اليوم فقال سليمان دونك والطعام فتقدم ذلك الحوت وأكل من أول السماط فلم يزل يأكل حتى أتى على آخره فى لحظة ثم نادى أطعمنى ياسليمان وأشبعنى فقال له سليمان أكلت الجميع وما شبعت فقال الحوت أهكذا يكون جواب أصحاب الضيافة للضيف اعلم ياسليمان أن لى فى كل يوم مثل ما صنعت ثلاث مرات وأنت كنت السبب فى منع راتبى فى هذا اليوم وقد قصرت فى حقى فعند ذلك خر سليمان ساجدا لله تعالى وقال سبحان المتكفل بأرزاق الخلائق من حيث لا يعلمون وقد قيل فى المعنىا مائة رحل ما بين قماش ومال وغير ذلك وقال لها متى فرغ من عندك شئ فأرسلى أعلمينى حتى أرسل اليك عوضه فان الله أمرنى أن أكفيك هم الدنيا وأمر المعيشة. قال أبو عمران الجونى بينما سليمان سائر على بساطه بين السماء والأرض اذ مر برجل راع فلما رأى الراعى البساط وسليمان وجنوده ركوبا عليه قال لقد آتاك الله ياابن داود ملكا عظيما لم ينله أحد قبلك فالقت الريح كلام الراعى الى سليمان فاحضر سليمان الراعى وقال له ان تسبيحة من مؤمن أفضل مما أوتى سليمان من هذا الملك كله. ومن النكت الغريبة ما نقله الشيخ عبد الرحمن بن سلام المقرى فى كتاب العقائق ان سليمان لما رأى أن الله تعالى أوسع له الدنيا وصارت بيده قال إلهى لو أذنت لى أن أطعم جميع المخلوقات سنة كاملة فأوحى الله اليه انك لن تقدر على ذلك فقال إلهى أسبوعا فقال الله تعالى لن تقدر فقال إلهى يوما واحدا فقال تعالى لن تقدر فقال إلهى مقصودى ولو يوما واحدا فأذن الله تعالى له فى ذلك فأمر سليمان الجن والانس بأن يأتوا بجميع ما فى الأرض من أبقار وأغنام ومن جميع ما يؤكل من أجناس الحيوانات من طير وغير ذلك فلما جمعوا ذلك اصطنعوا له القدور الراسيات ثم ذبح ذلك وطبخه وأمر الريح أن تهب على الطعام لئلا يفسد ثم مد ذلك الطعام فى البرية فكان طول ذلك السماط مسيرة شهرين وعرضه مثل ذلك ثم أوحى الله اليه ياسليمان بمن تبتدئ من المخلوقات فقال سليمان أبتدئ بدواب البحر فأمر الله حوتا من البحر المحيط أن يأكل من ضيافة سليمان فرفع ذلك الحوت رأسه وقال ساسليمان سمعت أنك فتحت بابا للضيافة وقد جعلت عليك ضيافتى فى هذا اليوم فقال سليمان دونك والطعام فتقدم ذلك الحوت وأكل من أول السماط فلم يزل يأكل حتى أتى على آخره فى لحظة ثم نادى أطعمنى ياسليمان وأشبعنى فقال له سليمان أكلت الجميع وما شبعت فقال الحوت أهكذا يكون جواب أصحاب الضيافة للضيف اعلم ياسليمان أن لى فى كل يوم مثل ما صنعت ثلاث مرات وأنت كنت السبب فى منع راتبى فى هذا اليوم وقد قصرت فى حقى فعند ذلك خر سليمان ساجدا لله تعالى وقال سبحان المتكفل بأرزاق الخلائق من حيث لا يعلمون وقد قيل فى المعنى(1/79)
رزقى يأتى وخالقى يكفله ... فلا أقصد غيره ولا أسئله
ان كنت أظن أنه من بشر ... لاقدره الله ولا يسره
ومن النكت اللطيفة ما ذكره ابن الجوزى فى كتاب الأذكياء أن الهدهد قال يوما لسليمان أريد أن تكون فى ضيافتى يوم كذا وكذا فقال له سليمان أنا وحدى قال لا بل أنت وجنودك فلما جاء يوم الميعاد توجه سليمان هو وجنوده الى ضيافة الهدهد ونزل بجزيرة الهدهد فطار الهدهد الى الجو وغاب ساعة ثم أتى وفى فمه جرادة فخنقها ورمى بها فى البحر وقال له يا نبى الله تقدم وكل أنت وجنودك ومن فاته اللحم فعليه بالمرقة فضحك عليه سليمان فصار كلما تذكر تلك الضيافة سليمان يضحك. ومن النكت فى مثل ذلك القبرة أضافت سليمان وأتته ببعض جراده فقيل فى معناها:
أتت سليمان يوم العرض قبره ... تهدى اليه جرادا كان فى فيها
وأنشقت بلسان الحال قائلة ... أن الهدايا على مقدار مهديها
لو كان يهدى إلى الانسان قيمته ... لكان قيمتك الدنيا وما فيها
ذكر قصة تزويج سليمان ببلقيس
قال وهب بن منبه بينما سليمان عليه السلام جالس على سرير مملكته اذ وقع عليه ضوء الشمس وكان الطير يظله من حرارة الشمس فكان ذلك المكان الذي وقع منه البعض من نور الشمس مكان الهدهد لأنه تفقد الطير فقال مالى لا أرى الهدهد ودعا بالعقاب وكان عريف الطير فقال له أين الهدهد فأرتفع العقاب ونظر يمينا ويسارا فلم يره فعاد وقال أنه غائب وفى المعنى أنشد بعضهم
ومن عادة السادات أن يتفقدوا ... أصاغرهم والمكرمات عوائد
سليمان ذو ملك تفقد طائرا ... وكانت أقل الطائرات الهداهد(1/80)
فعند ذلك قال سليمان قاصدا الهدهد (لأعذبنه عذابا شديدا) الآيه قال بعض العلماء في المعنى عذابه الشديد ما هو فقيل بأن ينتف ريشه ويسلمه إلى النمل في القيلولة أو يضعه مع غير جنسه أو يذبحه فلما أقبل الهدهد تلقاه العقاب وأخبره بما قاله سليمان فلما وصل إليه وقف بين يديه وخفض جناح الذل فلما رأى سليمان ذلك منه رق له ولم يجعل عليه وسأله عن سبب غيابه فقال الهدهد أحطت بما لم تحط به علما فقال سليمان وما هذه الدعوى العريضة قال إنى وجدت امرأة بأرض اليمن لم يكن في قصرك مثلها ولم تقع العيون على أحسن منها واسمها بلقيس ولها عرش عظيم أى أكبر من عرشك وجدتها وقومها يسجدون للشمس من دون الله تعالى قال الطبرى ان اسم بلقيس بلقمة وهي بنت هداد بن شرحبيل فلما بلغ سليمان سيرة بلقيس وأنها تسجد للشمس من دون الله أخذ سليمان يدعوها للاسلام فقال للهدهد (سننظر أصدقت أم كنت من الكاذبين أذهب بكتابي هذا فألقه إليهم ثم تول عنهم فأنظر ماذا يرجعون) وكان مضمون كتاب سليمان (انه من سليمان وأنه بسم الله الرحمن الرحيم أن لا تعلوا على وأئتونى مسلمين) فأخذ الهدهد كتاب سليمان ومضى به إلى أرض سبأ وهو قوله (وجئتك من سبأ) أى من نواحى اليمن فسار الهدهد والطيور حوله وألبسه سليمان التاج على رأسه فحمل الكتاب في منقاره وصار يدعى من يومئذ رسول سليمان فلما وصل إلى قصر بلقيس وكان وقت القائلة وجدها على سريرها نائمة وكان في قصرها ثلاثمائة وستون كوة تشرق الشمس كل يوم من كوة فلا تعود إليها الا فى سنة أخرى في مثل ذلك اليوم وكان لذلك القصر سبعة أبواب فلما أتى الهدهد بالكتاب دخل به من الكوة التي تقابل وحه بلقيس وألقى الكتاب على صدرها ثم رجع إلى تلك الكوة التي دخل منها لينظر ماذا تصنع فلما أنتبهت من منامها وجدت الكتاب على صدرها فلما قرأته قبلته ووضعته على رأسها قال السدي لما ألقى الهدهد الكتاب على صدر بلقيس طار الشرك من قلبها ومالت إلى الأسلام ثم أنها أمرت باحضار قومها و(قالت يا أيها الملأ إنى ألقى إلى كتاب كريم) قبل كرامته ختمه فأعلمتهم بما في الكتاب فلما سمعوا ذلك (قالوا نحن أولوا قوة وأولوا بأس شديد والأمر إليك فأنظرى ماذا تأمرين) وكانت بلقيس تحكم على أثني عشر قبيلة من قبائل اليمن فلما قال قومها نحن أولوا قوة وأولوا بأس شديد (قالت إن الملوك إذا دخلوا قرية أفسدوها وجعلوا أعزة أهلها أذله وكذلك يفعلون وإنى مرسلة إليهم بهدية فناظرة بم يرجع المرسلون) وكانت بلقيس من ذوى العقول قد دبيرت ملك اليمن وساست الرعية أحسن سياسة قال قتادة ان بلقيس أرسلت إلى سليمان هدية حافلة أرسلت خمسمائة لبنة من الذهب ومثلها من الفضة وزن كل لبنة مائة رطل وخمسة أسياف من الصواعق وتاجين من الذهب فيهما من الجواهر النفيسة واليواقيت والزبرجد وأرسلت إليه حقه فيها درة مثمنة وخرزة من الجزع وهى مموجة الثقب وأرسلت خمسمائة جارية وخمسمائة غلام مردا وألبست الغلمان لبس الجوارى والجوارى لبس الغلمان ثم أمرت الغلمان أن يتكلموا بكلام لين والجوارى يتكلمن بكلام غليظ وأرسلت مع تلك الهدية رجلا من عقلاء قومها يقال له المنذر بن عمرو وكتبت له كتابا بشرح الهدية وقالت ان كنت نبيا فميز لنا بين الجوارى والغلمان وأخبر بما في الحقة قبل أن تفتحها وأثقب الخرزة ثقبا مستويا من غير علاج إنس ولا جان وأنظم الخرزة كذلك ثم قالت للرسول أنظر إليه فأن كان نظره إليك بغير غضب فهو نبي والا فهو ملك فلا يهولنك أمره وأفهم قوله ورد على الجواب كما تسمعه منه فلما توجه إلى سليمان سبقه الهدهد وأخبر سليمان بالهدية وبما قالته بلقيس جميعه فلما سمع سليمان بذلك رضى على الهدهد وصارت له فضيلة على سائر الطيور وصار يرى الماء تحت الأرض فكان دليل سليمان على الماء في سفره وصار من الطيور المباركة. ثم أن سليمان أمر الجن أن يعملوا لبنا من ذهب وفضة ويفرشوها على طريق جماعة بلقيس فلما فرشوها كانت مقدار سبعة فراسخ ثم أمرهم أن يجعلوا بين اللبنات موضعا خاليا على قدر اللبنات التى مع رسول بلقيس قدرا وعددا وجلس سليمان على كرسيه فأمر الجن أن يأتوه بأحسن دواب البر والبحر فيجعلوها عن يمين الديوان وعن شماله وجعل من حوله الأنس والجن والطيور عاكفة فوق رأسه والوحوش حول ذلك كله فلما وصل رسول بلقيس ومر على تلك(1/81)
اللبناتت(1/82)
الذهب والفضة ورأي المحل الخالى بين اللبنات خاف أن يتهم فوضع الخمسمائة لبنة في ذلك المحل الخالي الذي جعله سليمان قصدا ومازال بعد ذلك سائرا حتى دخل الرسول على سليمان فنظر إليه نظرة البشاشة وقال له أين الحقة التي معك فأتاه بها فقال قبل أن يفتحها سليمان للرسول ان فيها درة مثمنة من غير ثقب وفيها خرزة من جزع وهي معوجة الثقب فقال الرسول صدقت يا نبى الله ثم ان سليمان أمر الأرضة وهي دويبة صغيرة فأخذت شعرة في فمها ودخلت في تلك الخرزة وخرجت من الجانب الآخر وأمر دودة بيضاء أن تثقب تلك الدرة فثقبتها ثقبا مستويا ثم نظمهما وأعطاهما للرسول ثم أمر الجواري زالغلمان بأن يغسلوا وجوههم بين يديه بأيديهم فكانت الجارية تأخذ الماء بيدها الواحدة ثم تجعله فى الأخرى فتضرب به وجهها والغلام يأخذ الماء من الاناء دفعة واحدة ويضعه على وجهه. قال الثعلبي كانت الجارية تصب الماء على باطن كفها والغلام يصب الماء على ظاهر كفه فعند ذلك ميز بين الجواري والغلمان ثم رد جميع الهدية إلى الرسول فلما رجع الرسول إلى بلقيس أخبرها بجميع ما رأى وما سمع وبما شاهد من عظيم ملكه فقالت بلقيس هو نبى وليس لنا بحر به طاقة ثم أنها أرسلت تقول لسليمان أنى قادمة إليك أنا وقومي لأنظر ماذا تدعوننا إليه من دينك وعزمت على التوجه إليه وجعلت عرشها في قصرها وأغلقت عليه الأبواب وجعلت عليه حراسا وأوصتهم بحفظه ثم أنها توجهت إلى سليمان في أثني عشر ألفا من قومها فلما نزلت على مقدار فرسخين من مدينة سليمان بلغه ذلك فأراد أخذ عرش بلقيس قبل أن تصل إليه ليريها قدره الله تعالى وما أعطاه من المعجزات فجمع أهل المعارف من قومه وقال (أيها الملأ أيكم يأتيني بعرشها قبل أن يأتوني مسلمين) أى قبل أن يؤمنوا بالله فيحرم علينا أخذ أموالهم ثم أنه أحضر الجن وقال لهم ذلك وكان فيهم عفريت من الجن يقال له صخر الجني قال له أنا آتيك به قبل أن تقوم من مقامك هذا أى من مجلسك الذي تقضي فيه بين الناس وهو من أول النهار إلى نصفه وهو وقت الزوال وقال العفريت وانى عليه لقوي أمين أى أمين على الجواهر التي هو مرصع بها فقال سليمان أريد أسرع من ذلك فقال الذي عنده علم الكتاب أنا آتيك به قبل أن يرتد إليك طرفك قال مقاتل هو جبرائيل عليه السلام وقال السدى هو أبو العباس الخضر عليه السلام وقال مجاهد هو آصف بن برخيا وكان يحفظ الاسم الأعظم فقال انظر يا نبي الله إلى جهه اليمين فنظر فما رجع نظره الا والعرش قد ظهر قدام كرسى سليمان وكان مجيئه مسيرة شهرين فلما رآه مستقرا عنده في أيسر مدة قال هذا من فضل ربي فلما وصلت بلقيس ودخلت على سليمان قال (أهكذا عرشك قالت كأنه هو) فعلم سليمان أنها امرأة عاقلة حيت لم تثبت أنه هو ولم تنفه لاشتباهه عليها فشبهت عليه كما شبه هو عليها ثم قال لها أدخلي الصرح فلما رأته حسبته لجة أي ماء وكشفت عن ساقيها فرأى سليمان على ساقيها شعرا مثل شعر المعز فصرف وجهه عنها وقال أنه صرح ممرد من قوار يرأى زجاج مستور وليس ماء ثم أنه دعا بلقيس إلى الاسلام فأسلمت على يده فأراد سليمان أن يتزوج بها ولكن كره منها ذلك الشعر فشكا ذلك إلى بعض الجن فصنع لها النورة فزال ذلك الشعر من بدنها جميعه فهي أول من أستعمل النورة ثم أن سليمان تزوج بها وأحبها حبا شديدا وأقرها على ملكها باليمن وأمر الجن أن يبنوا لها ثلاثة قصور في بلاد اليمن أحسن من قصورها وكان سليمان يزورها في الشهر مرة وأقامت معه إلى أن ماتت بعده بمده يسيره وكان لسليمان من الزوجات نحو ثلاثمائة ومن السرارى نحو سبعمائة فقام في ذهنه يوما أن يطوف على نسائه كلهن فتحمل كل واحدة بغلام فيجاهدون كلهم في سبيل الله ولم يقل ان شاء الله فطاف عليهن في تلك الليلة فلم تحمل منهن امرأة سوى واحدة قد حملت بولد بنصف جسد {قال النبي صلى الله عليه وسلم} والذي نفسي بيده لو قال أخي سليمان أنشاء الله لجاءت له فرسان يجاهدون في سبيل الله كما طلب. قال العزيزي بينما سليمان سائر في بعض الغزوات اذ مر بوادي النمل فرأى نملة قدر الذئب العظيم وهي عرجاء ولها جناحان فدنا منهم سليمان فسمعها تقول لبقية النمل (يا أيها النمل أدخلوا مساكنكم لا يحطمنكم سليمان وجنوده وهم لا يشعرون فتبسم ضاحكا من قولها) ثم قال أئتوني بها فقال لها أيتها النملة لم حذرت(1/83)
النمل مني ومن جنودي أما علمت أنى نبي لا أظلم فعفا عنها ولم يدخل الوادي الذي فيه النمل قال بينما سليمان جالس في وقت القائلة واذا بخيل أسرع من الهواء وردت الماء وشربت منه ثم أدبرت مسرعة كالريح فجمع سليمان الجن وقال أريد أن تحضروا إلى هذه الخيل فقال بعضهم لا طاقة لنا بها وقال بعض الجن نتحايل في قبضها فوضعوا خمرا في ذلك المكان بعد أن صرفوا الماء فلما جاءت الخيل لتشرب نفرت من رائحة الخمر ثم جاءت ثانيا فشمت رائحة الخمر فمازالت تأتي وتنفر حتى ضرها العطش فشربت من ذلك الخمر فسكرت فأتتها الجن ومسكوها ووضعوا اللجم في أفواهها وركبوها فلما أفاقت من السكر أرادت أن تنفر فلم تقدر أن تنفر من اللجم فعرضوها على سليمان فأشتغل بها ففاتته صلاة العصر فلما رأى أن العصر قد فاته بكى وجعل يستغفر الله فرجعت الشمس له حتى صلى العصر حاضرا فلما فرغ من صلاته قال ردوها على وطفق يقطع رؤسها وسوقها أى قوائمها لأنها كانت سبب المعصية وفي شريعته يلزم زوال ذلك السبب الذي حصلت به المعصية فقتل نحو سبعمائة فرس وهرب البعض وبقي البعض وقد أستمرت تلك الخيول تتناسل من ذلك اليوم فكان من نسلها الخيول الجياد السوابق إلى الآن المعروفات بالأصايل.مني ومن جنودي أما علمت أنى نبي لا أظلم فعفا عنها ولم يدخل الوادي الذي فيه النمل قال بينما سليمان جالس في وقت القائلة واذا بخيل أسرع من الهواء وردت الماء وشربت منه ثم أدبرت مسرعة كالريح فجمع سليمان الجن وقال أريد أن تحضروا إلى هذه الخيل فقال بعضهم لا طاقة لنا بها وقال بعض الجن نتحايل في قبضها فوضعوا خمرا في ذلك المكان بعد أن صرفوا الماء فلما جاءت الخيل لتشرب نفرت من رائحة الخمر ثم جاءت ثانيا فشمت رائحة الخمر فمازالت تأتي وتنفر حتى ضرها العطش فشربت من ذلك الخمر فسكرت فأتتها الجن ومسكوها ووضعوا اللجم في أفواهها وركبوها فلما أفاقت من السكر أرادت أن تنفر فلم تقدر أن تنفر من اللجم فعرضوها على سليمان فأشتغل بها ففاتته صلاة العصر فلما رأى أن العصر قد فاته بكى وجعل يستغفر الله فرجعت الشمس له حتى صلى العصر حاضرا فلما فرغ من صلاته قال ردوها على وطفق يقطع رؤسها وسوقها أى قوائمها لأنها كانت سبب المعصية وفي شريعته يلزم زوال ذلك السبب الذي حصلت به المعصية فقتل نحو سبعمائة فرس وهرب البعض وبقي البعض وقد أستمرت تلك الخيول تتناسل من ذلك اليوم فكان من نسلها الخيول الجياد السوابق إلى الآن المعروفات بالأصايل.
ذكر قصة خاتم سليمان بن داود عليهما السلام(1/84)
قال وهب بن منبه كان سليمان لا يزال الخاتم معه في أصبعه دائما لا يفارقه ليلا ولا نهارا وكان اذا دخل الخلاء نزعه من اصبعه ووكل به أحد ممن يثق به وكان على ذلك الخاتم مكتوب الاسم الأعظم ففي كل مرة دخل الخلاء وان قد نزعه وأعطاه لجارية فجاء بعض الشياطين إلى تلك الجارية على صورة سليمان ولم تشك فيه الجارية فأخذ الخاتم منها ووضعه في أصبعه وخرج إلى الديوان وجلس على الكرسي فجاءت الجنود من الأنس والجن والطيور ووقفت بين يديه على عادتها ويظنون أنه سليمان فلما خرج سليمان من الخلاء طلب الخاتم من الجارية فنظرت إليه فرأت هيئته تغيرت فقات له ومن أنت فقال لها أنا سليمان بن داود فقالت له سليمان أخذ خاتمه وذهب وجلس على كرسيه فعلم أن شيطانا احتال عليها فأخذ منها الخاتم ففر سليمان إلى البراري والقفار وقد زاد به الجوع والعطش فكان بعض الأحيان يسأل الناس ليطعموه ويقول أنا سليمان بن داود ولم يصدقه الناس فأقام على هذه الحالة أربعين يوما جائعا بأثواب خلقة مكشوف الرأس ثم أنه أتى إلى ساحل البحر فرأى جماعة من الصيادين فاصطحب بهم وعمل صيادا معهم ثم أن اصف بن برخيا قال يا معشر بنى اسرائيل ان خاتم سليمان قد احتالت الشياطين عليه فسرقوه وان سليمان خرج هاربا على وجهه فلما سمع الشيطان الذي على الكرسي ذلك الكلام خرج هاربا إلى البحر وألقى قيه الخاتم فالتقمه حوت من حيتان البحر ثم أن سليمان اصطاد ذلك الحوت بأمر الله تعالى فشق بطنه واذا هو بالخاتم فوضعه في أصبعه وسجد لله شكرا ثم أنه قام من وقته ورجع إلى كرسيه وجلس عليه وذلك قوله تعالى (ولقد فتنا سليمان وألقينا على كرسيه جسدا) الآية قال وهب بن منبه وكان سبب أخذ الخاتم وعوده إليه أن سليمان خرج في بعض الغزوات فظفر بملك من ملوك اليونان فقتله واحتوى على ملكه وأمواله وأسر أولاده وكان في أولاده جارية حسناء لم تر العيون أحسن منها فأحبها سليمان حبا شديدا فكان لا يصبر عنها ساعة وكان يؤثرها بالمحبة على سائر نسائه فدخل عليها يوما فرآها مهمومة فقال لها ما بالك قالت قد تذكرت أبى وما كان عليه من الملك وأريد منك أن تأمر بعض الشياطين بأن يصور لى صورة أبى وهيئته حتى يذهب عنى الحزن كلما نظرت اليها فأمر سليمان عفريتا من الجن يقال له صخر المارد بأن يصور لها هيئة أبيها فصنع لها صخر صنما كهيئة أبيها يكاد أن ينطق فزينته وألبسته التاج والحلل وصارت اذا خرج سليمان إلى جنوده تسجد لذلك الصنم هي وجميع من عندها من الجواري فدامت تلك الجارية على ذلك أربعين يوما وسليمان لا يعلم بالسجود لذلك الصنم فبلغ ذلك آصف بن برخيا وكان صديقا لسليمان فجلس على كرسي سليمان وجعل يعظ الناس فأثنى على من مضى من الأنبياء عليهم السلام جميعهم الا سليمان فلم يذكره بشئ فتغير سليمان بسبب ذلك فلما فرغ آصف من المجلس وقام وتفرقت بنو اسرائيل قال سليمان لآصف لم لم تذكرني مع جمله من ذكرت فقال آصف وكيف أذكرك وقد عبد في دارك صنم من منذ أربعين يوما لأجل امرآة. ثم ان سليمان أمر بكسر ذلك الصنم وعاقب تلك الجارية ودخل معبده وصار يبكى ويتضرع إلى الله تعالى فابتلاه بذهاب الخاتم ونزع الملك منه مقدار ما عبد الصنم في داره {قال أبو بكر الحافظ} كان قد وقع قحط في بنى اسرائيل زمن سليمان عليه السلام فخرجوا يستسقون فمر سليمان بنملة ملقاة على قفاها رافعة يديها نحو السماء وهي تقول اللهم نجنا فاننا خلق من خلقك ضعاف لا قوة لنا فلا تهلكنا ولا تؤاخذنا بذنوب غيرنا سمعها سليمان قال ارجعوا فقد سقيتم بدعاء غيركم.
ذكر وفاة سليمان عليه السلام(1/85)
قال العزيزي ان ملك الموت أتى إلى سليمان وكان صديقا له كثيرا ما يزوره فقال له سليمان متى موتى فقال له عزرائيل عليه السلام وقت موتك اذا نبت من موضع سجودك شجرة الخروب فأذا رأيتها فهو وقت وفاتك وكان سليمان اذا صلى ببيت المقدس ينبت فى مكان سجودة شجرة فيسأل الشجرة عن أسمها فتقول اسمى كذا ومن منافعي كذا ومن مضاري كذا فيكتب ذك ويأمر بغرسها في بستان فبينما هو يصلي ذات يوم اذ رأى شجرة نبتت بين يديه فقال لها ما أسمك فقالت له أسمى الخروبة قد جئتك بالأشارة لموتك وخراب هذا المسجد يعني بيت المقدس فلما سمع سليمان كلامها أمر بغرسها في حائط البستان وكتب منافعها ومضارها ثم لبس أكفانه ودخل محرابه وأتكأ على عصاه وقال اللهم اكتم موتي عن الجن حتى يعلم الأنس أن الجن لا يعلمون الغيب فأتاه ملك الموت وقبض روحه وهو متكئ على عصاه ولم يزل كذلك سنة كاملة ولم يشعر أحد من الأنس والجن بموته وقد سلط الله تعالى الأرضة على العصا فأكلتها شيئا فشيئا فخر ملقى على الأرض لما سقطت به العصا فعلموا أنه قد مات من سنة مضت وهو قوله تعالى (ما دلهم على موته إلا دابة الأرض تأكل منسأته فلما خر) تبين للانس أن الجن (لو كانوا يعلمون الغيب ما لبثوا في العذاب المهين) من بناء بيت المقدس وغيره. قال وهب بن منبه لما تولى الملك سليمان من أبيه داود كان عمره يومئذ ثلاثا وعشرين سنة وتوفي سليمان وله من العمر مائة وثمانون سنة وأختلفوا في مكان قبره فقيل دفن في طبرية وقيل ببيت لحم وقيل عند أبيه داود ببيت المقدس في المسجد وقبره هناك مشهور يزار والله أعلم أنتهى على سبيل الأختصار.
ذكر خبر بلوقيا وبناء بيت المقدس(1/86)
قيل ان بلوقيا الاسرائيلي طاف في الأرض فمر بالبحر الثاني فرأى جبلا فيه كهف فدخل في ذلك الكهف فرأى سريرا من الذهب وعليه رجل ملقى على قفاه ويده على صدره والأخرى على بطنه وهو كالنائم وفي أصبعه خاتم عليه أربعة أسطر ورأى عند رأسه تنينين عظيمين فأراد بلوقيا أن يأخذ الخاتم من أصبعه فقام إليه التنينان وصعدت من أفواههما النار وسمع قائلا يقول ويلك يا بلوقيا أتجسر على نبي الله سليمان وتنزع خاتمه من أصبعه فخرج بلوقيا مرعوبا. قال الثعلبي أوحى الله إلى داود عليه السلام أن يتخذ في بيت المقدس مسجدا فشرع في بنائه ومات قبل أن يستكمله فلما توفي داود أوصى ابنه أن يتمه فجمع سليمان الأنس والجن وقسم عليهما الأعمال في البناء والسقوف والرخام ثم أنه جعل فيه اثني عشر رباطا وأنزل كل سبط في رباط وأمر الجن أن يأتوه بمعادن الذهب والفضة والرخام الملون ومعادن الحديد والنحاس والخشب وغير ذلك ثم جعل في وسط المسجد قبة وجعل فيها عمودا أحمر من الذهب يتلألأ كالشمس فتستضئ به المسافرون في الليل وجعل تحت القبة اصطبلا لدوابه ووضع فيه المعالف لخيوله وهى باقية الى الآن تزار وجعل طول ذلك المسجد سبعمائة ذراع بذراع العمل وجعل عرضه أربعمائة وخمسين ذراعا ثم سقفه بخشب الساج وصفحع بالذهب والفضة ووضع فيه الجواهر واليواقيت من سائر المعادن وجعل فوق ذلك السقف ألواحا من الرصاص لأجل حفظه من الأمطار وفرش أرض المسجد بالرخام الملون فلم يكن يومئذ أحسن منه بناء فلما فرغ من بنائه صنع لجنوده وليمه حافلة. قال السدي وكان بهذا المسجد من العجائب لوح من الرخام الأبيض اذا نظر فيه إنسان وكان ولد زنا أسود وجهه فيفتضح بين الناس وكان به عصا من الآبنوس اذا مسها أحد وكان من أولاد الأنبياء لم تضره واذا مسها أحد وكان من نسل غير الأنبياء احترقت يده وكان كلب من الخشب اذا مر به من كان عنده شئ من علم السحر نبح عليه فيعلم الناس أنه ساحر ويسلب منه علم السحر وكان فى المسجد باب اذا دخل منه ظالم ضاق عليه ذلك الباب حتى يتوب وكان بهذا المسجد السلسلة المتقدم ذكرها وكان به عجائب كثيرة لا يسمع بمثلها. قال العزيزي أقام سليمان في بناء هذا المسجد أربعين سنة وكان فيه من البنائين سبعون ألف بناء ومن الحجارين ثمانون ألفا وكان له في كل ليلة ألف رطل دمشقي من الزيت برسم القناديل. قال كعب الأحبار كان يجئ لهذا المسجد من البلاد كل سنة ستمائة قنطار من الذهب والفضة لا سيما من بلاد الروم وروي في بعض الأخبار أن صخرة ببيت المقدس يخرج من تحتها ماء عذب من سائر البحار العذبة ثم تتفرق في الأرض وفيه دفن كثير من الأنبياء ولم يزل هذا المسجد عامرا حتى ظهر بختنصر وخرب البلاد فخربه في جمله ما خربه. قال الثوري لما خرب بختنصر المسجد حمل منه ألف جمل من الذهب والفضة والجواهر أنتهى.
ذكر بختنصر البابلي(1/87)
وقيل اسمه بخت فارسي وذكر ما وقع له مع أرمياء عليه السلام. قال وهب بن منبه كان أرمياء من سبط أولاد يعقوب عليه السلام قال السدي أرمياء استخلف على بني اسرائيل فأوحى الله إليه ان هلاك بنى اسرائيل على يد رجل يقال له بختنصر وهو من ملوك بابل وكان بختنصر المذكور من ولد يافث بن نوح عليه السلام وكان قد عمر دهرا طويلا قيل أنه عاش ألفا وخمسائة سنة فلما سمع أرمياء ما أوحى الله تعالى إليه بكى وصاح وأتى إلى ملك بنى اسرائيل وكان رجلا مؤمنا صالحا فأخبره بما أوحى الله إليه فلما سمع ذلك جمع أعيان بنى اسرائيل وأخبرهم بما أوحى الله تعالى إلى أرمياء وحذرهم من نزول هذه النقمة بهم وكان يحذرهم من أمور فمكثوا بعد ذلك ثلاث سنين وهم لا يزدادون الا طغيانا وفسقا ومعاصي فلما حلت بهم نقمه الله خرج بختنصر عليهم وأتى من نحو بابل وكان صحبته ستمائه ألف أمير من أمرائه واقفون بالرايات عند الجند والعشائر فلما زحفوا على البلاد ووصلوا إلى بيت المقدس قال أرمياء اللهم ان كان بنو اسرائيل على طاعتك فأبقهم وأن كانوا عاصين فأهلكهم بشئ من قدرتك فحين دعا أرسل الله صاعقة من السماء على بيت المقدس فأهلكت من بنى اسرائيل جانبا عظيما وأحرقت مكان القربان ثم دخل بختنصر إلى بيت المقدس بمن معه من الجنود فهدم مسجد سليمان بن داود وأمر رجاله أن يرموا فيه ترابا فملأوه بالتراب ثم بالجيف وذبحوا فيه الخنازير وأحرقوا التوراة التي كانت به ثم شرعوا في القبض على بني اسرائيل من كبير وصغير وصاروا يقتلونهم وأستمر بختنصر ينهب ويقتل ويخرب في البلاد والجوامع ويقتل الناس من الفرات إلى العريش وهو على ما ذكرناه من القتل والنهب والخراب ولم يرحم كبيرا لكبره ولا صغيرا لصغره قال الثعلبي ولم يبق من بني اسرائيل رجل الا وقتله وأما الأطفال ففرقها على جنوده فأصاب كل رجل أربعة أولاد قال وكان في هذه الأطفال جماعة من الأسباط من أولاد يعقوب ويوسف عليهما السلام وكان فيهم جماعة من أهل بيت داود وكان فيهم دانيال عليه السلام وكان يومئذ صغيرا لم يبلغ الحلم وهو قوله (فجاسوا خلال الديار) ثم أن بختنصر جعل الأسارى على ثلاث فرق فالشيوخ والعجائز والزمنى تركهم وجعل النساء الشابات في الأسواق للبيع والشراء وفرق الأطفال وقتل الشبان والشجعان وحمل الأموال والتحف ورحل ورجع إلى الشام ثم توجه إلى مصر ففتك في القبط بالسيف وخرب ما كان بها من العمارات العجيبة والطلسمات وأخذ الأموال والتحف ورحل عنها وتركها خرابا بلقعا وبقيت مصر خرابا مدة أربعين سنة لا ساكن بها فكان النيل ينفرش على الأرض ويذهب ولا يزرع أحد عليه ثم أن بختنصر توجه إلى بلاد الغرب وفعل كذلك ثم توجه إلى بلاد السودان وفعل كذلك وهو أول من أحدث الكمين من العساكر في الحرب فكان بختنصر نقمة في الأرض وجعله الله كالطاعون في الأرض وقد ورد في الأخبار عن الله عزو جل أنه قال من عصاني ممن يعرفني سلطت عليه من لا يعرفني ثم رجع بعد ذلك بختنصر إلى بابل قال الله تعالى (وكم قصمنا من قرية كانت ظالمة) فمن يومئذ تفرقت بنو اسرائيل في البلاد خوفا من بختنصر فنزلت طائفة بيثرب وطائفة بايلة وغير ذلك من الأماكن واستمر بيت المقدس خرابا مدة سبعين سنة حتى عمره شخص من ملوك الفرس يقال له كيرش . قال فمن يومئذ فقدت التوراة ونسي أمرها وصار بنو اسرائيل لا يعرفون منها حرفا واحدا حتى ردها الله تعالى على لسان العزيز عليه الصلاة والسلام قال السدي أن بختنصر خرب بهذه الحركة نصف الدنيا انتهى ما أوردناه على سيبل الأختصار.
ذكر قصة العزيز عليه السلام(1/88)
قال الله تعالى (أو كالذي مر على قرية وهي خاوية على عروشها قال أنى يحي هذه الله بعد موتها فأماته الله مائة عام ثم بعثه قال كم لبثت قال لبثت يوما أو بعض يوم قال بل لبثت مائة عام فأنظر إلى طعامك وشرابك لم يتسنه) أى لم يتغير. قال قتادة طعامه من التين الأخضر قال الطبري كان طعامه من العنب الأسود وقد أتى عليه مائة عام ولم يتغير قال الله تعالى (وأنظر إلى حمارك) وكان حماره قد أماته الله بعده فأحيا الله أولا رأس العزيز فصار ينظر إلى العظام وكيف يكسوها الله لحما وأحيا له الحمار(فلما تبين له قال أعلم أن الله على كل شئ قدير) قال السدي جاء بعد بختنصر ملك من الجبابرة يقال له بردادس وكان بمدينة اذربيجان وكان على دين المجوس فأباح للناس نكاح الأمهات والأخوات وعبادة النيران ولم يزل هذا الحال معمولا به عند الفرس إلى زمن كسرى أنو شروان فأبطله في ايامه أنتهى.
ذكر قصة دانيال عليه السلام
قال الثعلبي لما أسر بختنصر الأطفال كما تقدم وأسر من جملتهم دانيال وأخذه معه إلى أرض بابل فسجن دانيال وسجن معه جماعة من الأسباط ثم أن بختنصر رأي في منامه رؤيا أفزعته فسأل الكهان عنها فلم يجيبوه بشئ فجاء السجان وقال لبختنصر ان عندنا في السجن شابا يدعي أنه يفسر ما رآيت فقال أئتوني به فلما حضر بين يديه لم يسجد له فقال لأي شئ لم تسجد لى فقال دانيال لا ينبغي السجود لغير الله فتعجب منه وقص عليه ما قد رآه قال دانيال هذا أمر سهل وكانت الرؤيا أنه رأى صنما رأسه من نحاس وفخذه من حديد وساقه من فخار ورأى حجرا نزل من السماء على ذلك الصنم فكسره ثم انتشر ذلك الحجر حتى ملأ المشرق والمغرب ورأى شجرة أصلها في الأرض وفروعها في السماء ورأى عليها رجلا وبيده فاس يقطع بها فروع تلك الشجرة ثم ترك أصلها قائما على حاله فلما سمع دانيال ذلك فسره له على أحسن وجه ثم أن بختنصر أكرم دانيال وقربه وصار لا يتصرف في شئ الا برأيه فلما رأى المجوس ذلك نهوا بختنصرعنه وحرسوه منه فأمر بقتله فحفر له أخدودا فى الأرض وألقاه فيها وألقى معه سبعين ضاريين فلما بات تلك الليلة وأصبح وجده بختنصر لم تضره السباع فقر به الملك بختنصر فحسده المجوس واتهموه فقالوا لبختنصر ان دانيال يقول انك تبول في الفراش كلما نمت وكان ذلك عارا عند الملوك فأمر بختنصر بوليمة وأخضر دانيال اليها فلما جاء الليل أمر بختنصر دانيال أن ينام عنده تلك الليلة على فراشه وقال بختنصر للبوابين اذا خرج عليكم من يريد أن يبول فأقطعوا رأسه ولو كنت أنا فلما نام دانيال هو بختنصر على فرش واحد حبس البول عن دانيال وانطلق على بختنصر فكان هو أول من قام يريد الخلاء فمضى وهو يسحب أذياله ولا يستطيع أن يرفع قامته من البول فرآه الحاجب فقاموا اليه بالسيوف فقال أنا بختنصر فقالوا كذبت أنه أمرنا أن نقتل من خرج يريد التبول فقتلوه بما اختاره وأهلكه الله لدانيال وأنجى الله دانيال . ذكر بعض المؤرخين أن بختنصر مسخه الله وأقام ممسوخا سبع سنين على صورة ثور فكان ذلك تأويل رؤياه فلما مات تولى بعده ابنه بلسطاس فأقام بعد أبيه أربعين سنة ثم أن دانيال توجه إلى جهه الاسكندرية وأقام بها إلى أن مات ودفن هناك وقبره مشهور يزار عليه السلام وهو أول من فرق بين الشهود عند الشهادة. قال العزيزي لما فتحت مدينة الأسكندرية في زمن عمر بن الخطاب رضى الله عنه على يد عمر بن العاص ودخلها المسلمون ورأوا مخبأة مقفوله بأقفال من الحديد ففتحوها فوجدوا فيها حوضا من الرخام الأخضر مغطى برخامه خضراء فكشفوها فاذا فيها رجل عليه أكفان منسوجة بالذهب عظيم الخلقة فقاسوا أنفه فزاد على شبرين فأرسلوا ليعلموا عمر بن الخطاب فأحضر عليا رضى الله عنهما وأخبره بذلك فقال على رضى الله عنه هذا نبى الله دانيال فأرسل عمر رضى الله عنه بأن يجددوا له أكفانا فوق ما عليه من الأكفان وأن يحصن قبره حتى لا يقدر أحد على حفره فحفروا له قبرا في مدينة الأسكندرية
ذكر قصة لقمان الحكيم عليه السلام(1/89)
قال وهب بن منبه كان لقمان عبدا صالحا ولم يكن نبيا وقال عكرمة كان نبيا من أنبياء بنى اسرائيل وكان أصله عبدا حبشيا وقيل نوبيا وكان أسمه لقمان بن سرون وكان لرجل قصار من بنى اسرائيل من أهل مدينة أيلة فأشتراه بثلاثين دينارا فأقام عنده مدة ثم أعتقه وكان ينطق بالحكمة وكان مقيما بمدينة الرملة قريبا من بيت المقدس فكان بنوا اسرائيل يأتون اليه ليسمعوا منه الحكمة والموغظة فلما اشتهر بالحكمة جاء إليه رجل من عظماء بنى اسرائيل فقال يا لقمان ألم تكن عندنا بالأمس عبد الفلان قال نعم فقال من أين لك هذه الحكمة قال بصدق الكلام وبترك ما لا يعنى وكان نبي الله داود عليه السلام يأتى إليه ليسمع منه الحكمة ولم يزل بمدينة الرملة حتى مات بها ودفن بين المسجد الذي بها وبين السوق قال السدي دفن حول قبر لقمان سبعون نبيا ماتوا كلهم في يوم واحد بالجوع والعطش وكان قد حاصرهم ملك من بنى اسرائيل حتى ماتوا وقد ذكر الله لقمان في القرآن العظيم حيث قال (ولقد آتينا لقمان الحكمة) قال وهب بن منبه كان من الأنبياء ثلاثة سود الألوان لقمان وذو القرنين ونبى الله صاحب الأخدود.
ذكر قصه صاحب الأخدود
قال وهب بن منبه كان ملك من ملوك الفرس جبارا عنيدا سكر ذات ليلة فنكح أختا له فلما أفاق من سكره جمع العلماء الذين في زمانه وقال لهم كيف الخلاص مما وقعت فيه فلم يجيزوا له ذلك فقالت أخت الملك ان من الرأي أن تخرج إلى أهل مملكتك وتخبرهم بان الله قد أحل نكاح الأخوات ففعل فأنكر عليه نبي ذلك الزمان الذي بعثه الله إليهم فلما بلغ الملك انكار النبي عليه أحضره بين يديه وقال له أخبر الناس بأن الله قد أحل نكاح الأخوات فأمتنع من ذلك وقال ان هذا لا يجوز ولا يحل ولا نكذب على الله فأمر بان يقتل فحفر له أخدودا في الأرض وجعل فيها نارا موقده وقذفه في تلك النار وقذف معه أثني عشر ألف أنسان من العلماء من بنى اسرائيل ممن خالف أمره أنتهى.
ذكر قصة بلوقيا(1/90)
قال الثعلبي كان في زمن بنى اسرائيل رجل يقال له ايشا وكان من علماء بنى اسرائيل وكان يقرأ في الكتب القديمة فمر فيها على نعت محمد النبى صلى الله عليه وسلم فجمع ذلك كله في صحيفة وخباها عنده في صندوق وقفل عليها قفلا وخبأ مفتاحه في مكان غنى عنه وكان له ولد صغير يقال له بلوقيا فلما مات أبو بلوقيا أوصى ابنه بأن يقضي في بنى اسرائيل من بعده فلما كان في بعض الأوقات اذ رأى بلوقيا الصندوق فوجده مقفولا فسأل أمه فقالت لا أدري ما فيه ولا أعلم اين مفتاحه ثم أن بلوقيا كسر القفل وفتح الصندوق فرأى الصحيفة المكتوب فيها نعت رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنه خاتم الأنبياء والمرسلين وأن الجنة محرمة على الأنبياء حتى يدخلها هو أمته فلما قرأ الصحيفة أخرجها لعلماء بنى اسرائيل فلما سمعوا بنعت محمد صلى الله عليه وسلم قالوا لبلوقيا كيف كان أبوك يعلم ذلك ولم تخبرنا فو الله لولاك لأحرقنا قبره لأجل أنه كتم علينا خبر سيد المرسلين صلى الله عليه وسلم ثم أن بلوقيا ودع أمه وقال يا أماه أنى قد وجدت أنه سيبعث نبى آخر الزمان وأنى مسافر ولا أرجع حتى أقف على أخباره فقالت أمه بلغك الله مناك وسار من مصر في طلب محمد صلى الله عليه وسلم وطاف البلاد من المشرق إلى المغرب حتى وصل إلى البحر السابع ورأى العجائب الكثيرة التي لم يرها غيره من الناس فمن جمله ما رأى في جزائر البحر جزيرة فيها حيات كأمثال البخاتي الكبار وهن يقلن لا إله إلا الله محمد رسول الله فقال لهم بلوقيا السلام عليكم فقالت له الحيات ما سمعنا قط بمثل هذا فقال هذه سنة آدم فقالوا ممن أنت فقال من بنى اسرائيل فقالوا لا نعرف آدم ولا بنى اسرائيل فقال لهم بلوقيا وكيف عرفتم محمدا فقالوا نحن منذ خلقنا الله تعالى على هذه الصفة أمرنا بذلك ونحن من حيات جهنم فقال لهم بلوقيا وكيف أخبار جهنم فقالوا سوداء منتنة تتنفس في كل سنة مرتين مرة في الصيف فذلك الحر من نفسها ومرة في الشتاء فذلك البرد من نفسها ثم أن بلوقيا دخل إلى جزيرة أخرى فرأى فيها حيات أعظم مما رأى أولا كأمثال جذوع النخل ورأى بينهن حيه صفراء ان مشت مشي حولها الحيات فلما رأين بلوقيا قلن له من أنت فقال أنا بلوقيا من بنى اسرائيل فقلن ما سمعنا بهذا الكلام من قبل وأنا موكلة بجميع الحيات التي في الدنيا ولولاى لشردت على بنى إسرائيل وقتلتهم في يوم واحد فمضى بلوقيا إلى أن وصل إلى البحر السابع فرأى من العجائب ما يطول شرحة فمن جملة ما رأى جزيرة فيها نخيل من ذهب اذا طلعت عليه الشمس يصير لها لمعان كالبرق فلا تستطيع الأبصار رؤيته من شدة بريقه وفي هذه الجزيرة أشجار عظيم حملها فمد يده إلى حمل بعض الأشجار فنادته إليك عنى يا خاطئ فتأخر وجلس واذا هو بجماعة نزلوا من السماء وبأيديهم سيوف مسلولة فلما رأوا بلوقيا قالوا له كيف وصلت إلى هذا المكان فقال لهم أنا من بنى اسرائيل واسمي بلوقيا ومن تكونون أنتم قالوا نحن قوم من الجن المؤمنين كنا فى السماء فأنزلنا الله إلى الأرض وأمرنا أن نقاتل كفار الجن في الأرض فنحن نقاتلهم فتركهم بلوقيا ومضي فاذا هو بملك عظيم الخلقة واقف ويده اليمنى في المشرق والأخرى في المغرب وهو يقول لا إله إلا الله محمد رسول الله فتقدم اليه وسلم عليه فقال له من أنت قال بلوقيا أنا رجل من بني اسرائيل خرجت في طلب خاتم النبيين فقال له بلوقيا ومن أنت قال أنا الملك الموكل بظلمة الليل وضوء النهار فقال له بلوقيا ما هذان السطران اللذان فى جبينك قال مكتوب فيهما زيادة الليل والنهار وقصرهما فما أمسك الليل الا بقدر معلوم وتقدم بلوقيا واذا بملك عظيم الخلقة وهو يقول لا إله إلا الله محمد رسول الله فسلم عليه فرد عليه السلام فسأله بلوقيا عما هو فيه فقال أنا ملك موكل بالريح وبالبحر فلا أخرج الريح إلا بإذن من الله وانى ماسكه بيمينى وماسك البحر بشمالى ولولا ذلك لهلك جميع من فى الأرض فتركه بلوقيا ومضى حتى انتهى الى جبل قاف واذا هو من ياقوتة خضراء وقد أحاط بالدنيا جميعها فمن شعاع ذلك ترى سماء الدنيا زرقاء وقد وكل الله تعالى بهذا الجبل ملكا فاذا أراد الله أن يزلزل جانبا من الأرض أمر ذلك الملك أن يحرك العرق الذى يتصل بذلك الجانب الى جبل قاف فتصير الزلزلة واذا أراد الله خسف قرية أذن الله لذلك الملك أن يقطع عرقها من(1/91)
الأرض فتخسف فقال بلوقيا لذلك الملك وما وراء هذا الجبل قال أربعون ألف مدينة غير مدائن الدنيا وهى من ذهب وفضة وليس يغشاها ليل ولا نهار وسكان تلك المدائن ملائكة يسبحون الله لا يفترون قال بلوقيا وما وراء تلك المدن قال سبعون ألف حجاب كل حجاب قدر الدنيا ولا يعلم ما وراء تلك الحجب إلا الله تعالى فتركه ومضى حتى انتهى الى جبل فوجد فيه ملائكة على هيئة الغزلان فسلم عليهم فردوا عليه السلام فقال لهم من أنتم قالوا نحن ملائكة من ملائكة الله نعبد الله ههنا منذ خلقنا فسألهم عن جبل يقابلهم عظيم وهو يلمع كالشمس فقالوا هذا جبل الدنيا من ذهب وجميع معادن الذهب التى فى الأرض ممتدة منه ثم تركهم ومضى حتى انتهى الى بحر عظيم وفيه حوتان عظيمان فسلم عليهما فردا عليه السلام وقالا له من أنت ياخلق الله قال أنا بلوقيا من بنى اسرائيل جئت فى طلب محمد خاتم النبيين هل عنكم ما تطعمونى فأخرجوا له من غيب الله رغيفا فأكله فلم يجع بعد ذلك ثم انتهى الى جزيرة فرأى فيها طيرا عظيم الخلقة حسن الهيئة وفيه ما يدهش العقول من حسن تركيبه وهو على شجرة وتحت الشجرة مائدة موضوعة وعليها سمكة مشوية فدنا من الطائر وسلم عليه وقال له من أنت قال أنا ملك من ملائكة الجنة أرسلنى الله بهذه المائدة الى آدم وحواء حين اجتمعا على جبل عرفات فأكلا منها ثم أمرنى الله أن أضعها هنا وأقف عندها الى يوم القيامة وأمرنى أن أطعم منها كل من جاء هنا فأكل منها بلوقيا ولم ينقص منها شئ وهى على حالها فسأله عن حالها فقال الطائر ان طعام الدنيا ينقص ويتغير بالمكث وأما طعام الجنة فلا ينقص ولا يتغير فقال له بلوقيا هل يأكل من هذه أحد فقال نعم ان الخضر أبا العباس يأتى أحيانا فيأكل ثم يذهب فلما سمع ذلك بلوقيا قام ليظفر بالخضر ويجتمع معه ويسأله فبينما هو ذات يوم جالس واذا بالخضر عليه السلام قد أقبل عليه ثياب بيض فقام اليه بلوقيا وسلم عليه فرد عليه السلام فقال بلوقيا ياأبا العباس خرجت فى طلب نبى آخر الزمان حتى انتهيت إلى هذا المكان فمكثت لقدومك لتخبرنى فقال له يابلوقيا إن نبى آخر الزمان لم يظهر فى هذا الأوان ولم تدركه الآن يابلوقيا أتدرى كم بينك وبين أمك قال لا أعلم قال مسيرة خمسين عاما أتحب أن أضعك عند أمك فقلت نعم قال غمض عينيك فغمضتهما فلم أشعر إلا وأمى بجانبى ففتحت عينى وسلمت على أمى وقلت لها من جاء بى اليك ياأمى فقالت رأيت طائرا أبيض قد وضعك وذهب سريعا فقص على أمه قصته وخرج الى بنى اسرائيل وسلم عليهم وسلموا عليه وسألوه عن حاله فى غيبته فأخبرهم فجعلوا يكتبون عنه جميع ما رأى من العجائب مدة أربعين سنة فلم يحصوا ما عنده مما رأى قيل انه عاش نحوا من ألف سنة والله أعلمض فتخسف فقال بلوقيا لذلك الملك وما وراء هذا الجبل قال أربعون ألف مدينة غير مدائن الدنيا وهى من ذهب وفضة وليس يغشاها ليل ولا نهار وسكان تلك المدائن ملائكة يسبحون الله لا يفترون قال بلوقيا وما وراء تلك المدن قال سبعون ألف حجاب كل حجاب قدر الدنيا ولا يعلم ما وراء تلك الحجب إلا الله تعالى فتركه ومضى حتى انتهى الى جبل فوجد فيه ملائكة على هيئة الغزلان فسلم عليهم فردوا عليه السلام فقال لهم من أنتم قالوا نحن ملائكة من ملائكة الله نعبد الله ههنا منذ خلقنا فسألهم عن جبل يقابلهم عظيم وهو يلمع كالشمس فقالوا هذا جبل الدنيا من ذهب وجميع معادن الذهب التى فى الأرض ممتدة منه ثم تركهم ومضى حتى انتهى الى بحر عظيم وفيه حوتان عظيمان فسلم عليهما فردا عليه السلام وقالا له من أنت ياخلق الله قال أنا بلوقيا من بنى اسرائيل جئت فى طلب محمد خاتم النبيين هل عنكم ما تطعمونى فأخرجوا له من غيب الله رغيفا فأكله فلم يجع بعد ذلك ثم انتهى الى جزيرة فرأى فيها طيرا عظيم الخلقة حسن الهيئة وفيه ما يدهش العقول من حسن تركيبه وهو على شجرة وتحت الشجرة مائدة موضوعة وعليها سمكة مشوية فدنا من الطائر وسلم عليه وقال له من أنت قال أنا ملك من ملائكة الجنة أرسلنى الله بهذه المائدة الى آدم وحواء حين اجتمعا على جبل عرفات فأكلا منها ثم أمرنى الله أن أضعها هنا وأقف عندها الى يوم القيامة وأمرنى أن أطعم منها كل من جاء هنا فأكل منها بلوقيا ولم ينقص منها شئ وهى على حالها فسأله عن حالها فقال الطائر ان طعام الدنيا ينقص ويتغير(1/92)
بالمكث وأما طعام الجنة فلا ينقص ولا يتغير فقال له بلوقيا هل يأكل من هذه أحد فقال نعم ان الخضر أبا العباس يأتى أحيانا فيأكل ثم يذهب فلما سمع ذلك بلوقيا قام ليظفر بالخضر ويجتمع معه ويسأله فبينما هو ذات يوم جالس واذا بالخضر عليه السلام قد أقبل عليه ثياب بيض فقام اليه بلوقيا وسلم عليه فرد عليه السلام فقال بلوقيا ياأبا العباس خرجت فى طلب نبى آخر الزمان حتى انتهيت إلى هذا المكان فمكثت لقدومك لتخبرنى فقال له يابلوقيا إن نبى آخر الزمان لم يظهر فى هذا الأوان ولم تدركه الآن يابلوقيا أتدرى كم بينك وبين أمك قال لا أعلم قال مسيرة خمسين عاما أتحب أن أضعك عند أمك فقلت نعم قال غمض عينيك فغمضتهما فلم أشعر إلا وأمى بجانبى ففتحت عينى وسلمت على أمى وقلت لها من جاء بى اليك ياأمى فقالت رأيت طائرا أبيض قد وضعك وذهب سريعا فقص على أمه قصته وخرج الى بنى اسرائيل وسلم عليهم وسلموا عليه وسألوه عن حاله فى غيبته فأخبرهم فجعلوا يكتبون عنه جميع ما رأى من العجائب مدة أربعين سنة فلم يحصوا ما عنده مما رأى قيل انه عاش نحوا من ألف سنة والله أعلملمكث وأما طعام الجنة فلا ينقص ولا يتغير فقال له بلوقيا هل يأكل من هذه أحد فقال نعم ان الخضر أبا العباس يأتى أحيانا فيأكل ثم يذهب فلما سمع ذلك بلوقيا قام ليظفر بالخضر ويجتمع معه ويسأله فبينما هو ذات يوم جالس واذا بالخضر عليه السلام قد أقبل عليه ثياب بيض فقام اليه بلوقيا وسلم عليه فرد عليه السلام فقال بلوقيا ياأبا العباس خرجت فى طلب نبى آخر الزمان حتى انتهيت إلى هذا المكان فمكثت لقدومك لتخبرنى فقال له يابلوقيا إن نبى آخر الزمان لم يظهر فى هذا الأوان ولم تدركه الآن يابلوقيا أتدرى كم بينك وبين أمك قال لا أعلم قال مسيرة خمسين عاما أتحب أن أضعك عند أمك فقلت نعم قال غمض عينيك فغمضتهما فلم أشعر إلا وأمى بجانبى ففتحت عينى وسلمت على أمى وقلت لها من جاء بى اليك ياأمى فقالت رأيت طائرا أبيض قد وضعك وذهب سريعا فقص على أمه قصته وخرج الى بنى اسرائيل وسلم عليهم وسلموا عليه وسألوه عن حاله فى غيبته فأخبرهم فجعلوا يكتبون عنه جميع ما رأى من العجائب مدة أربعين سنة فلم يحصوا ما عنده مما رأى قيل انه عاش نحوا من ألف سنة والله أعلم
ذكر قصة اسكندر ذى القرنين(1/93)
قال الله تعالى (ويسألونك عن ذى القرنين) الآية قيل هو من أولاد الضحاك وكان أصله من حمير وكان أسمر اللون وكانت أمه من بنات الروم وقيل انه اسكندر بن دارب ملك اصطخر وبابل والمدائن بالمشرق وقد كفله جده أبو أمه واسمه فيلسوف وكان ملك الروم وقال على رضى الله عنه وعكرمة كان اسكندر ذو القرنين من ولد يونان بن يافث بن نوح عليه السلام قال بعضهم كان طول أنفه ثلاثة أشبار وقس على ذلك عظم رأسه وجثته ويقال انه هو الذى بنى المنارة بالاسكندرية وقيل عاش نحو ألف سنة وزيادة واختلف فى نبوته فقال وهب بن منبه كان عبدا صالحا وقال عكرمة كان نبيا مرسلا الى أهل بابل وكان قبل ظهور عيسى بن مريم عليه السلام بثلاثمائة سنة وقال الحسن البصرى كان ملكا وغزا النمروذ بن كنعان وكان مسلما على ملة إبراهيم الخليل عليه السلام وكان فى زمن إبراهيم حاكما وهو الذى قضى لابراهيم فى وادى السبع لما رحل عن قومه ومرت هذه القصة عند قصة إبراهيم الخليل وكان اسكندر اذا مر بمكان إبراهيم نزل عن فرسه حتى يفوت ويركب وهو الذى ملك البلاد وقهر العتاة من العباد وفتح المدائن والحصون والقلاع من المشرق والمغرب قال الامام على رضى الله عنه كان الاسكندر يسير والله مساعده فتطوى له الأرض ويسهل الله له الأمور ببركة صلاحه وحسن سيرته وقيل فى سبب تسميته ذا القرنين قال الامام على لما غزا ودعا الى عبادة الله ضربه قومه على جانب رأسه فأثرت تلك الضربة فغاب عنهم ثم جاءهم فضربوه على الجانب الآخر فأثرت فسمى ذا القرنين. قال ابن عباس لما سار الى مغرب الشمس والى مشرقها سمى ذا القرنين وقيل انه رأى فى منامه أنه ماسك بقرون الشمس فسماه قومه ذا القرنين لما قص رؤياه عليهم وقيل أنه ملك الروم وفارس فسماه قومه ذا القرنين وقيل كان له ذؤابتان من الشعر فى رأسه فسمى بذى القرنين وقيل انه كريم الجدين فسمى بذى القرنين وقيل كان فى رأسه عظمان ناتئان مثل قرنى الكبش ويلبس عليهما عمامة فيسترهما وهو أول من لف العمامة وأول من صافح بكفه وقيل انه سلك مكان الظلمة والنور فهذه عشرة أقوال فى ذلك. قال وهب بن منبه ان اسكندر كان يخفى القرنين عن الناس ولم يظهرهما على أحد إلا انه ذهب يوما الى الحمام فنزع عمامته عن رأسه فرآهما كاتبه فقال لكاتبه ان ظهر أمرى يكن منك فكان الكاتب يأخذه الهيمان ليظهر الكتمان فلم يستطع الاظهار غير أنه يخرج الى الفضاء وينادى ويقول اسكندر له قرنان فيذهب حال الكتم ويأتى وكان هناك قصبتان تسمعان صوته فلما كبرت القصبتان أنطقهما الله فقالتا الاسكندر له قرنان فشاع ذلك فقال عند ذلك اسكندر هذا أمر أراد الله اظهاره. قال وهب بم منبه أوحى الله الى ذى القرنين فى منامه انى باعثك فى الأرض الى سبع أمم مختلفة الألسن والصفات أمتان يقال لهما هاويل وهى فى قطر الأرض الأيمن وتاويل وهى فى قطر الأرض الأيسر وأمتان أمة فى طول الأرض عند مغرب الشمس يقال لها ناسك والأخرى عند مشرق الشمس يقال لها منسك وثلاث أمم فى وسط الأرض يقال لهم يأجوج ومأجوج قال ذو القرنين يارب وهل أقدر على محاربة هذه الامم العظيمة فأوحى الله اليه انى ألبسك الهيبة وأسخر لك النور والظلمة حتى أجعلهما لك جندا قال الحسن البصرى كان ذو القرنين اذ اركب ركب معه فى خدمته من الجيوش ألف ألف وأربعمائة ألف انسان وكان الخضر عليه السلام وزيره ومدبر ملكه فسار ذو القرنين بهذه الجيوش العظيمة حتى بلغ مغرب الشمس وهو قوله تعالى (حتى اذا بلغ مغرب الشمس) الآية قال السهيلى هم قوم ناسك وكانوا من نسل قوم ثمود فلما نزل عليهم وأحاط بهم من كل جانب بمن معه من الجيوش استدعاهم اليه وأوقفهم بين يديه ودعاهم الى توحيد الله فمنهم من آمن ومنهم من بقى على كفره فسلط الله على الذين داموا على كفرهم ظلمة شديدة بغبار عاصف ودخلت تلك الظلمة والغبار فى أفواههم وآذانهم فأيقنوا بالهلاك فأجابوا الى توحيد الله فتركهم ومضى الى أهل هاويل ففعل بهم ما فعل بالاولى فآمنوا ثم سار حتى أتى الى القطر الأيمن فدخل على أهل منسك وهم عند مشرق الشمس ففعل بهم كما فعل بالاولى ثم تركهم ومضى الى قطر الأرض الأيسر فدخل على أهل تاويل وفعل بهم كما فعل بالاولى وقد قال الله تعالى (حتى اذا بلغ مطلع الشمس وجدها تطلع على قوم لم نجعل لهم من دونها سترا). قال السدى هم(1/94)
أهلهل(1/95)
منسك الذين هم عند مطلع الشمس. قال الامام السهيلى لما بلغ ذو القرنين مطلع الشمس رأى هناك مدينة عظيمة يقال لها جابلقا ورأى لها عشرة ألف باب بين كل باب وباب فرسخ ووجد أهل تلك المدينة بشيعى المنظر عراة الأجساد وليس لهم من دون الشمس ستر فاذا دخلت الشمس عليهم دخلوا في أسربة الأرض من حر الشمس ليس لهم طعام الا مما ترقه الشمس بحرها اذا طلعت فاذا مشت الشمس إلى وسط الفلك طلعوا من الأسربة إلى معاشهم فيتغذون مما احرقته الشمس من طير ووحش وغير ذلك. قال مجاهد ان هؤلاء القوم سود الألوان عراة الأجساد حفاه الأقدام وهم من جنس الزنج الأعلى وهم أمم لا يحصون قال السدي ان الشمس تشرق من عين ماء هناك فاذا طلعت على تلك العين تصير كهيئة الزيت في اللون من حر الشمس فتنفر من تلك العين الأسماك على وجه الأرض فيخرج القوم من الأسربة فيلتقطونها ويأكلونها. قال السدي لما بلغ الأسكندر مغرب الشمس رأى هناك العين الحمئة التي ذكرها الله تعالى في القرآن واذا غربت الشمس في تلك العين يسمع لها دكدكة مثل الرعد القاصف وتفور تلك العين وتغلى كغليان القدر فيفيض ماؤها على الأرض مسيرة ثلاثة أيام فلا يمر ماؤها على طيرا ووحش الا ويموت فتأكله أهل تلك المدينة. قال الثعلبي مر ذو القرنين على وادى النمل فرأى كل نملة كالجمل البختى فنفرت منها خيول الأجناد فجاء حتى مر بقوم أخرين فشكوا إليه وقالوا له يا ذا القرنين ان بين هذين الجبلين أقواما من خلق الله لا نعرف أهم من الأنس أم الجن يقال لهم يأجوج ومأجوج مفسدون في الأرض يفترسون الدواب والوحوش ويأكلونها وهو قوله تعالى (ثم أتبع سببا حتى اذا بلغ بين السدين وجد من دونهما قوما لا يكادون يفقهون قولا) قال بعض المفسرين ان إفساد يأجوج ومأجوج اللواط بمن يظفرون به كبيرا وصغيرا فقال لهم ذو القرنين ما مكنى فيه ربي خير أى الذي أعطانيه ربي من المال خير فأعينوني بقوة أجعل بينكم وبينهم ردما آتوني زبر الحديد. قال السدي وجد الأسكندر معدن الحديد فاتخذ منه لبنات من الحديد وبنى بها السد. قال الثعلبي ان ذو القرنين لما بنى السد قاس ما بين الجبلين ثم بنى ردما بلبن الحديد وجعل ارتفاعه من الأرض نحو ستمائة ذراع وجعل عرضه ثلاثمائه ذراع فكان يضع اللبنتين من الحديد ويذوب النحاس ويجعله بينهما. قال الثعلبي كان مقدار ما بين الجبلين مائة فرسخ أساس ذلك الردم حتى نبع الماء منه ثم ردمه بالحديد حتى ارتفع بناء السد وساوى ذلك الجبلين فصار قطعة واحدة من حديد قال الله تعالى (فما اسطاعوا أن يظهروه وما استطاعوا له نقبا) فعند ذلك قال ذو القرنين هذا رحمة من ربي الآية قال ابن عباس رضي الله عنهما ان رجلا جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم وقال يا رسول الله أنى رأيت سد يأجوج ومأجوج فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم صفه لى فقال له الرجل أنه ردم أسود وعليه صفائح من نحاس أحمر قال رسول الله صلى الله عليه وسلم هو هو. قال الثعلبي بين بناء السد والهجرة النبوية ألف وخمسمائة وثلاثون سنة وفي بعض الأخبار أن هذا السد يفتح في آخر الزمان عند أقتراب الساعة ويخرج منه يأجوج ومأجوج فيسيرون في الأرض ويشربون نهر سيحون وجيحون وبركة في يوم واحد ويأكلون الأشجار والنباتات جميعها في يوم واحد فاذا كثر منهم الفساد في الأرض وحصل منهم الضرر العام أرسل الله عليهم ريحا أسود مثل الريح الذي أرسله الله على قوم عاد فيدخل في أفواههم ويخرج من أبدانهم فيموتون أجمعون في ساعة واحدة فتجيف منهم الأرض لكثرتهم فيرسل الله تعالى إليهم طيورا سودا لها أعناق كالبخاتى فيلتقطونهم من الأرض ويلقونهم في البحر. ومن الحكايات الغريبة ما حكاه أبو الحسين بن النادى البغدادي قال بلغني أن أمير المؤمنين الواثق بالله هارون بن المعتصم رأى في منامه شخصا فقال له ان السد الذي بناه ذو القرنين قد انفتح وخرج منه يأجوج ومأجوج فانتبه من النوم مرعوبا فأحضر سلاما الترجمان وأمره أن يسافر إلى مكان السد الذي بناه الأسكندر ويكشف عن أخباره ثم أن الواثق دفع إليه خمسة آلاف دينار وقال له هذه ديتك أدفعها إلى أولادك ثم عين معه خمسين فارسا ثم كتب معه مراسيم الى من يمر عليه من النواب في البلاد ثم أن سلاما الترجمان خرج من بغداد وسار معه الفرسان المذكورة إلى أن وصل إلى أرمينية فكتب له(1/96)
صاحبحب(1/97)
أرمينية إلى ملك اللان ثم كتب له صاحب اللان إلى ملك الخزر فلما وصل إلى ملك الخزر أرسل معه جماعة من جنوده يدلونه على الطريق فلما سار من عنده مشى خمسة وعشرين يوما ودخل إلى أرض سوداء وخمة فسار فيها عشرة أيام فرأى بها مدائن خربة فسأل عن خراب تلك المدائن فقالوا هذه المدائن التى كان يفسدها يأجوج ومأجوج حتى خربت وهي إلى الآن خراب ثم سار من تلك المدائن الخراب حتى أشرف على مدينة فيها قوم يتكلمون بالعربية والفارسية ويقرؤن القرآن وعندهم المساجد والجوامع ويصلون الجمعة والجماعة فقال لهم صاحبهم من أين أقبلتم قال لهم سلام الترجمان نحن رسل أمير المؤمنين الواثق بالله هارون فلما سمعوا تعجبوا من قوله أمير المؤمنين وهم يقولون ما سمعنا قط بهذا اللفظ الا في هذا اليوم منكم فتركهم ومضى حتى أشرف على جبل أملس وقدامه جبل منقطع وبينهما واد عرضه مائة وخمسون ذراعا. قال السدي ان يأجوج ومأجوج ليس لهم مخرج الا من بين هذين الجبلين ومن ورائهم البحر المحيط ولولا ذلك ما كان يفيد السد شيئا ثم أن سلاما رأى عضادتين مما يلى هذا الجبل من جانبي الوادى عرض كل عضادة خمسة وعشرون ذراعا وكل ذلك مبنى بلبن الحديد ورأى دراوندا من حديد طرفه على تلك العضادتين مائة وعشرون ذراعا وفوق ذلك الداروند بناء السد الى رأس ذلك الجبل الأملس وارتفاعه مقدار مد البصر اليه وفوق ذلك البناء شرفات من الحديد فى كل شرفة قرنان ينثنى كل واحد منهما على صاحبه وفى وسط ذلك البناء باب له درفتان عرض كل درفة منهما خمسون ذراعا فى مثلها ارتفاعها وعلى ذلك الباب قفل طوله سبعة أذرع فى غلظ ذراع ونصف وله مفتاح معلق طوله ذراع ونصف وله اثنا عشر سنا فى كل سن قدر يد الهون وهو معلق فى سلسلة طولها ثمانية أذرع فى استدارة أربعة أشبار ولذلك الباب عتبة عرضها عشرة أذرع وطولها مائة ذراع وقد جعل لذلك السد حارس يركب كل يوم ومعه جماعة من قومه نحو عشريم فارسا وبأيديهم المرزبات من الحديد فيضربون على ذلك القفل ثلاث ضربات ثم يصغون بآذانهم الى ما وراء الباب فيسمعون دويا كدوى النحل فيعلم يأجوج ومأجوج أن هناك حرسة وحفظة خلف الباب قال سلام الترجمان ورأيت بالقرب من السد عين ماء تجرى وحول تلك العين آلة البناء وهى قدور من حديد ومغارف وبقية من لبن الحديد طول كل لبنة ذراع ونصف فى سمك شبرين وقد مرت عليها الدهور وصدئت والتصق بعضها على بعض قال سلام فسألت أهل تلك الحصون هل رأيتم أحد من يأجوج ومأجوج فقالوا نعم رأيناهم مرارا عديدة فوق شرفات السدور بما يقع منهم أحد على الأرض من الريح الشديد فكتب سلام ذلك جميعه مما رأى وسمع من السد وأخبار يأجوج ومأجوج فصار المكتوب درجا وعزم على الرجوع الى بغداد فسار فى برارى وقفار حتى خرج الى أرض سمرقند الى بغداد فكان مدة غيبته ثمانية وعشرين شهرا فلما دخل الى بغداد صار يحدث الناس بعجائب ما رأى وما سمع انتهى أورد ذلك ابن الجوزى فى كتابه تنوير القبسأرمينية إلى ملك اللان ثم كتب له صاحب اللان إلى ملك الخزر فلما وصل إلى ملك الخزر أرسل معه جماعة من جنوده يدلونه على الطريق فلما سار من عنده مشى خمسة وعشرين يوما ودخل إلى أرض سوداء وخمة فسار فيها عشرة أيام فرأى بها مدائن خربة فسأل عن خراب تلك المدائن فقالوا هذه المدائن التى كان يفسدها يأجوج ومأجوج حتى خربت وهي إلى الآن خراب ثم سار من تلك المدائن الخراب حتى أشرف على مدينة فيها قوم يتكلمون بالعربية والفارسية ويقرؤن القرآن وعندهم المساجد والجوامع ويصلون الجمعة والجماعة فقال لهم صاحبهم من أين أقبلتم قال لهم سلام الترجمان نحن رسل أمير المؤمنين الواثق بالله هارون فلما سمعوا تعجبوا من قوله أمير المؤمنين وهم يقولون ما سمعنا قط بهذا اللفظ الا في هذا اليوم منكم فتركهم ومضى حتى أشرف على جبل أملس وقدامه جبل منقطع وبينهما واد عرضه مائة وخمسون ذراعا. قال السدي ان يأجوج ومأجوج ليس لهم مخرج الا من بين هذين الجبلين ومن ورائهم البحر المحيط ولولا ذلك ما كان يفيد السد شيئا ثم أن سلاما رأى عضادتين مما يلى هذا الجبل من جانبي الوادى عرض كل عضادة خمسة وعشرون ذراعا وكل ذلك مبنى بلبن الحديد ورأى دراوندا من حديد طرفه على تلك العضادتين مائة وعشرون ذراعا وفوق ذلك الداروند بناء السد الى رأس ذلك الجبل الأملس(1/98)
وارتفاعه مقدار مد البصر اليه وفوق ذلك البناء شرفات من الحديد فى كل شرفة قرنان ينثنى كل واحد منهما على صاحبه وفى وسط ذلك البناء باب له درفتان عرض كل درفة منهما خمسون ذراعا فى مثلها ارتفاعها وعلى ذلك الباب قفل طوله سبعة أذرع فى غلظ ذراع ونصف وله مفتاح معلق طوله ذراع ونصف وله اثنا عشر سنا فى كل سن قدر يد الهون وهو معلق فى سلسلة طولها ثمانية أذرع فى استدارة أربعة أشبار ولذلك الباب عتبة عرضها عشرة أذرع وطولها مائة ذراع وقد جعل لذلك السد حارس يركب كل يوم ومعه جماعة من قومه نحو عشريم فارسا وبأيديهم المرزبات من الحديد فيضربون على ذلك القفل ثلاث ضربات ثم يصغون بآذانهم الى ما وراء الباب فيسمعون دويا كدوى النحل فيعلم يأجوج ومأجوج أن هناك حرسة وحفظة خلف الباب قال سلام الترجمان ورأيت بالقرب من السد عين ماء تجرى وحول تلك العين آلة البناء وهى قدور من حديد ومغارف وبقية من لبن الحديد طول كل لبنة ذراع ونصف فى سمك شبرين وقد مرت عليها الدهور وصدئت والتصق بعضها على بعض قال سلام فسألت أهل تلك الحصون هل رأيتم أحد من يأجوج ومأجوج فقالوا نعم رأيناهم مرارا عديدة فوق شرفات السدور بما يقع منهم أحد على الأرض من الريح الشديد فكتب سلام ذلك جميعه مما رأى وسمع من السد وأخبار يأجوج ومأجوج فصار المكتوب درجا وعزم على الرجوع الى بغداد فسار فى برارى وقفار حتى خرج الى أرض سمرقند الى بغداد فكان مدة غيبته ثمانية وعشرين شهرا فلما دخل الى بغداد صار يحدث الناس بعجائب ما رأى وما سمع انتهى أورد ذلك ابن الجوزى فى كتابه تنوير القبسعه مقدار مد البصر اليه وفوق ذلك البناء شرفات من الحديد فى كل شرفة قرنان ينثنى كل واحد منهما على صاحبه وفى وسط ذلك البناء باب له درفتان عرض كل درفة منهما خمسون ذراعا فى مثلها ارتفاعها وعلى ذلك الباب قفل طوله سبعة أذرع فى غلظ ذراع ونصف وله مفتاح معلق طوله ذراع ونصف وله اثنا عشر سنا فى كل سن قدر يد الهون وهو معلق فى سلسلة طولها ثمانية أذرع فى استدارة أربعة أشبار ولذلك الباب عتبة عرضها عشرة أذرع وطولها مائة ذراع وقد جعل لذلك السد حارس يركب كل يوم ومعه جماعة من قومه نحو عشريم فارسا وبأيديهم المرزبات من الحديد فيضربون على ذلك القفل ثلاث ضربات ثم يصغون بآذانهم الى ما وراء الباب فيسمعون دويا كدوى النحل فيعلم يأجوج ومأجوج أن هناك حرسة وحفظة خلف الباب قال سلام الترجمان ورأيت بالقرب من السد عين ماء تجرى وحول تلك العين آلة البناء وهى قدور من حديد ومغارف وبقية من لبن الحديد طول كل لبنة ذراع ونصف فى سمك شبرين وقد مرت عليها الدهور وصدئت والتصق بعضها على بعض قال سلام فسألت أهل تلك الحصون هل رأيتم أحد من يأجوج ومأجوج فقالوا نعم رأيناهم مرارا عديدة فوق شرفات السدور بما يقع منهم أحد على الأرض من الريح الشديد فكتب سلام ذلك جميعه مما رأى وسمع من السد وأخبار يأجوج ومأجوج فصار المكتوب درجا وعزم على الرجوع الى بغداد فسار فى برارى وقفار حتى خرج الى أرض سمرقند الى بغداد فكان مدة غيبته ثمانية وعشرين شهرا فلما دخل الى بغداد صار يحدث الناس بعجائب ما رأى وما سمع انتهى أورد ذلك ابن الجوزى فى كتابه تنوير القبس
ذكر أخبار يأجوج ومأجوج(1/99)
قال الحسن البصرى ان يأجوج ومأجوج أصلهم من ولد يافث بن نوح عليه السلام ويافث أبو الترك ويأجوج ومأجوج من الترك قال وهب بن منبه انما سمى الترك تركا لأن ذا القرنين لما بنى السد على يأجوج ومأجوج كان منهم جماعة غائبون لم يعلموا ببناء السد فتركوا خارج السد فسموا تركا وقال بعضهم ان يأجوج ومأجوج خلقوا من نطفة آدم حين فاض منيه لما أهبط الى الأرض فاختلطت تلك النطفة بالتراب فخلق الله تعالى منها يأجوج ومأجوج وليس هم من حواء فأنكر بعض العلماء هذا القول وقال انه ليس بصحيح. قال ابن عباس رضى الله عنهما ان يأجوج ومأجوج تسعة أجزاء والعالم جميعه جزء واحد ذكر صفاتهم قال السدى انهم على ثلاثة أصناف صنف كالنخل الطويل حتى قيل ان فيهم من طوله مائة وعشرون ذراعا وصنف منهم طوله وعرضه سواء يفترش احدى أذنيه ويلتحف بالأخرى فهذا الجنس لا يترك وحشا ولا ذا روح الا ويأكله ومن مات منهم أكلوه وصنف منهم فى غاية القصر فمنهم من طوله شبر وشبران لا يموت أحدهم حتى يرى له ألف ولد وهم لا يحصون لكثرتهم. وقيل فى الأخبار ان يأجوج ومأجوج يلحسون السد بألسنتهم حتى يروا منه شعاع الشمس اذا غربت ويقولون إذا نفتحه فيأتون اليه فى اليوم الثانى فيجدونه كما كان أولا فى الشدة والسمك وهذا دأبهم الى قيام الساعة فيلحسونه فى آخر الزمان اذا جاء الوعد ويقولون إذا نفتحه ويقولون ان شاء الله فلما يعودون فى اليوم الثانى يجدونه مفتوحا فيخرجون على الناس ويسيحون فى الأرض ويأكلون الأشجار ويشربون الأنهار ويرمون الناس بسهامهم ويفسدون على الناس معيشتهم ويأكلون زروعهم ويرسل الله عليهم الريح التى أهلك الله بها قوم عاد فيموتون فى ساعة واحدة وتنتن الأرض من جيفتهم فيرسل الله تعالى طيورا فتلتقطهم وتلقيهم فى البحر كما تقدم قال الثعلبى ان الناس يلتقطون أسلحتهم من الأرض ولا يزالون يلتقطون ذلك سبع سنين
قصة دخول ذى القرنين الى الظلمات(1/100)
روى الثعلبى عن الامام على رضى الله عنه أنه قال لما سار ذو القرنين فى الأرض أراد أن ينتهى الى جانب الأرض وكان الله تعالى قد وكل بذى القرنين ملكا من الملائكة يقال له رفائيل فكان يسير معه أينما سار فبينما هو يتحدث مع ذلك الملك فقال له ذو القرنين يارفائيل حدثنى عن عبادة الملائكة فى السماء فقال ان فى السماء من هو قائم لا يرفع رأسه أبدا ومن هو ساجد لا يرفع رأسه أبدا ومن هو راكع لا يرفع رأسه دائما أبدا فقال ذو القرنين أحب أن أعيش دهرا طويلا وأنا فى عبادة ربى فقال له الملك ان الله خلق عين ماء فى الأرض سماها عين الحياة فمن شرب منها شربة لم يمت الى يوم القيامة أو حتى يسأل ربه الموت فقال له ذو القرنين هل تعلم أنت مكان هذه العين فقال الملك لا أعلم مكانها ولكن كنت أسمع عنها فى السماء انها فى الأرض المظلمة فلما سمع ذو القرنين ذلك من الملك جمع علماء زمانه جميعهم وسألهم عن هذه العين فقالوا لا نعلم لها خبرا فقال عالم منهم انى قرأت فى وصية آدم عليه السلام قال ان الله وضع فى الأرض ظلمة وفى تلك الظلمة عين الحياة فقال ذو القرنين أين موضعها من الأرض قال فى مطلع الشمس فاستعد ذو القرنين فى المسير اليها وقال لاصحابه أى الدواب أبصر فى الظلمة قالوا الحجورة البكارة فجمع ذو القرنين ألف حجرة بكرا ثم انتخب من جيشه ستة آلف انسان من أهل العقول وأهل الجلد وكان الخضر أبو العباس وزيره فسار الخضر أمام الجيش وجدوا فى المسير نحو مطلع الشمس جهة القبلة فلا زالوا يجدون فى السير نحو اثنتى عشرة سنة حتى بلغ طرف الظلمة فاذا هى ظلمة تفور مثل الدخان لا كظلمة الليل فنهاه عقلاء جيشه عن الدخول فيها وقالوا له أيها الملك ان الملوك السابقين لم يدخلوها لأنها مهلكة فقال لا بد من ذلك فلما رأوه عازما على الدخول تركوه فقال لهم أقيموا مكانكم هذا مدة اثنتى عشرة سنة فان جئتكم فبها ونعمت وإلا فامضوا الى بلادكم ثم قال ذو القرنين للملك رفائيل اذا سلكنا هذه الظلمة هل يرى بعضنا بعضا فقال لا ولكن أنا أدفع اليك خرزة اذا طرحتها على الأرض تصيح بصوت عال فيرجع اليكم من يضل عنكم من رفقائكم ثم ان ذا القرنين دخل الى تلك الظلمة ومعه جماعة من جيشه فسار فيها ثمانية عشر يوما لا يرى شمسا ولا قمرا ولا ليلا ولا نهارا ولا طيرا ولا وحشا فسار هو والخضر فبينما هما يسيران فيها اذ أوحى الله الى الخضر ان العين فى أيمن الوادى ولم أخص بها غيرك من الناس فلما سمع الخضر ذلك قال لأصحابه قفوا مكانكم ولا تبرحوا حتى آتيكم فسار الخضر فى ذلك الوادى فظفر بالعين فنزل الخضر عن فرسه وتجرد من أثوابه ونزل فى تلك العين واغتسل منها وشرب فوجد ماءها احلى من العسل فلما اغتسل وشرب طلع منها ولبس أثوابه ثم ركب ولحق بذى القرنين ولم يشعر بما وقع للخضر من رؤية العين والاغتسال. قال وهب بن منبه ان الخضر كان ابن خالة اسكندر ذى القرنين واستمر اسكندر دائرا فى تلك الظلمة أربعين يوما اذ لاح له ضوء مثل البرق فرأى الأرض بذلك النور فوجدها رملة حمراء وسمع خشخشة تحت قوائم الخيل فسأل الملك عن تلك الخشخشة فقال له هذه خشخشة من أخذ منها ندم ومن لم يأخذ منها ندم فحمل منها الجيش شيئا قليلا فلما خرجوا من تلك الظلمة وجدوها من الياقوت الأحمر والزمرد الأخضر فندم من أخذ حيث لم يكثر وندم الذى لم يأخذ وقال ليتنى أخذت ومن النكت ما يقال فى أمر الطمع نقل الشعبى أن رجلا من بنى اسرائيل فى أيام نبى الله سليمان رأى رجلا صاد قنبرة فأنطقها الله تعالى فقالت ما تفعل بى فقال أشويك وآكلك فقالت أنا ما أشبعك ولا أغنيك من جوع فان أطلقتنى علمتك ثلاث فوائد يحصل لك بهن خير فقال له هات فقالت الفائدة الاولى أعلمك بها وأنا على كفك والأخرى أعلمك بها وأنا على الجبل والثالثة أعلمك بها وأنا على الشجرة فوضعها على كفه وقال لها هات ما عندك فقالت لا تندم على ما فات ثم طارت وقالت له الفائدة الثانية لا تفرح بما هو آت والفائدة الثالثة لا تصدق بما لا يكون أن يكون ثم قالت أنا أعلمك عن شئ فاتك وهى أن فى حوصلتى جوهرة لو ذبحتنى لحصلت عليها فندم على اطلاقها فقالت له أفدتك أولا وثانيا وثالثا فلم تستفد لندمك على اطلاقى وقد فات ما فات منى فصدقت أن عندى جوهرة ومن أين لى بالجوهرة وهذا من دلائل الطمع. قال السدى فلما(1/101)
انتهى ذو القرنين الى الظلمة لاح له قصر من نحاس أصفر طوله فرسخ وعرضه فرسخ وله باب من حديد فنزل عن فرسه ودخل القصر فرأى طائرا أبيض قدر البختى فدنا منه وسلم عليه فأنطقه الله فرد عليه السلام وقال أما كفاك ما فعلت حتى جئت الى هذا المكان فقال له ذو القرنين انى سائلك عن أشياء فأخبرنى عنها فقال سل ما بدا لك فقال ما وراء هذه الظلمة قال جبل قاف فقال الطائر وانى سائلك عن أشياء فقال ذو القرنين قل ما بدا لك فقال الطائر هل فشا فيكم الزنا وشرب الخمر قال نعم فانتفض ذلك الطائر وصار ملء القصر وصار له صوت كالرعد القاصف ثم قال هل فشا فيكم الربا وشهادة الزور قال نعم فانتفض الطائر وفعل كالاول ثم قال هل كثر فيكم البناء المزخرف قال نعم فانتفض وفعل مثل الاول حتى سد ما بين الخافقين ففزع منه ذو القرنين ثم قال الطائر هل ترك الناس شهادة أن لا إله إلا الله قال لا فانضم قليلا ثم قال هل ترك الناس صلاة الفريضة قال لا فانضم قليلا ثم قال هل ترك الناس الغسل من الجنابة قال لا فانضم قليلا حتى عاد مثل ما كان عليه أولا ثم قال يا اسكندر اصعد على ظهر هذا القصر وانظر ما فوقه فلما صعد واذا هو بشخص حسن المنظر قائم على أقدامه شاخص الى السماء وفى فمه بوق من نور فلما رأى ذا القرنين قال له من أنت قال أنا ذو القرنين قال أما كفاك ما فعلت فى الأرض حتى وصلت الى هذا المكان فقال اسكندر من أنت أيها الشخص المبارك قال أنا اسرافيل صاحب الصور فقال مالى أراك شاخصا قال أنتظر أمر ربى متى يأذن لى فى النفخ ثم ان اسرافيل أخذ حجرا من بين يديه ودفعه الى ذى القرنين وقال خذ هذا الحجر فان شبع هذا الحجر شبعت وان جاع جعت فأخذه ذو القرنين ورجع حتى وصل الى جنده الذين تركهم خارج الظلمة فأخذ يحدث جنوده عما رأى من العجائب ثم ان ذا القرنين جمع العلماء الذين كانوا فى عصره وأخرج لهم ذلك الحجر الذى أعطاه له صاحب الصور فوضعوه فى كفة ميزان ووضعوا حجرا قدره فى الكفة الاخرى ثم رفعوا الميزان فمال الحجر الذى أعطاه له صاحب الصور فما زالوا يضعون حجرا بعد حجر حتى وضعوا ألف حجر وذلك الحجر يميل فقال العلماء قد انقطع علمنا دون هذا الحجر فأحضر ذو القرنين الخضر وسأله عن ذلك فأخذ الخضر كفا من تراب ووضعه مقابل الحجر فى الميزان ثم رفعه فاستوى التراب مع الحجر الذى أعطاه له صاحب الصور فقال العلماء هذا من العلم الذى لم نبلغه نحن ولا أمثالنا فقال الخضر هذا مثل ضربه لك صاحب الصور فان الله قد ملكك البلاد وحكمك فى العباد وأعطاك ملكا كبيرا وأنت لا تقنع ولا تشبع دون أن تكون فى التراب فعند ذلك بكى ذو القرنين ومن اللطائف عند أهل الظرف والظرائف قال أبو الفرج الاصبهانى لما رجع ذو القرنين من المشرق والمغرب توجه الى بلاد الصين فحاصر مدينتها أشد محاصرة فلما أشرف على أخذها نزل اليه ملك الصين تحت الليل ولم يعرف أحد أنه ملك الصين ولكن قال أنا رسول ملك الصين فلما وصل الى الحجاب أخبرهم أنه رسول ملك الصين ويريد الدخول على الاسكندر فأعلموا الاسكندر به وأدخلوه عليه فلما دخل سلم ووقف بين يديه فقال له تكلم فقال انى مأمور أن لا أتكلم إلا فى خلوة ففتشه الرسل خوفا من أن يكون معه سلاح أو مكيدة فوجدوه خاليا من ذلك فتقرب الى الملك الاسكندر وقال له سرا أيها الملك اعلم أنى ملك الصين بنفسى ولست برسوله وقد حضرت بين يديك لعلمى أنك رجل عاقل عارف صالح مأمون الغائلة فان كان قصدك قتلى فها أنا بين يديك وأغنيك عن القتال وان كان قصدك المال فاطلب ولا تعجز فانى مجيبك فيما تطلب فقال الاسكندر خاطرت بنفسك فقال أيها الملك أنا بين أمرين اما أن تقتلنى فيقيم أهل مملكتى غيرى ويحاربوك وان تركتنى فديت بلادى بما تريد وتنسب الى الجميل فلما سمع ذو القرنين ذلك أطرق مليا متفكرا وعلم أن ملك الصين من ذوى العقول ثم انه رفع رأسه وقال أريد منك خراج مملكتك ثلاث سنين كوامل معجلا ثم بعد ذلك تعطى فى كل سنة نصف الخراج فقال ملك الصين وهل تطلب غير ذلك شيئا قال لا فقال قد أجبتك الى ذلك فقال الاسكندر كيف يكون حال رعيتك بعد هذا المال المعجل فقال أعطيك من عندى ولم أكلف رعيتى الى التعجيل والله على ما نقول وكيل فخرج ملك الصين شاكرا فلما طلع النهار وأقبل ملك الصين بعشائره حتى سد ما بين المشرق والمغرب وأحاطوا(1/102)
بعساكر ذى القرنين حتى أيقنوا بالهلاك فظن الاسكندر وقومه أن ملك الصين خدعهم فبينما هم فى هذه الفكرة واذا بملك الصين جاء وعلى رأسه التاج فلما رآه ذو القرنين قال أغدرت فيما قلت قال لا ولكن أردت أن أريك أنى لم أخضع لك خوفا واعلم أن الذى هو غائب من جيوشى أكثر ممن حضر فقال له الاسكندر قد تركت لك جميع ما قررته عليك من أمر الخراج فلما رجع عن بلاد الصين أرسل له ملك الصين تحفا وأموالا كثيرة على سبيل الهدية. نكتة عجيبة قيل ان رجلا مجنونا كان اذا مر فى الاسواق والطرقات تبعه الأولاد ورموه بالحجارة فبينما هو كذلك اذ مر بذلك المجنون رجل وعلى رأسه عمامة مقرونة مفحشة فى أقرانها فتعلق به ذلك المجنون وهو يقول ياذا القرنين خلصنى من يأجوج ومأجوج فصار الناس يتعجبون من أمر المجنون وقوله ذلك قال وهب بن منبه كان الاسكندر يجمع أهل النجوم ويسألهم عن موته فكانوا يقولون له انك تموت فى أرض من حديد وسماؤها من خشب فيتعجب حتى مرض وكان مسافرا فى أرض حارة فاشتد به المرض فشكا من الحر فوضعوا تحته الدروع وخيموا له بالرماح فنام فتأمل قول أرباب النجوم أرض من حديد وسماؤها من خشب وما هو فيه هو ذلك فأيقن بالموت فجد بالمسير حتى وصل الى مدينة بابل فمات بها ودفن هناك وكتب على قبره هذين البيتينذى القرنين حتى أيقنوا بالهلاك فظن الاسكندر وقومه أن ملك الصين خدعهم فبينما هم فى هذه الفكرة واذا بملك الصين جاء وعلى رأسه التاج فلما رآه ذو القرنين قال أغدرت فيما قلت قال لا ولكن أردت أن أريك أنى لم أخضع لك خوفا واعلم أن الذى هو غائب من جيوشى أكثر ممن حضر فقال له الاسكندر قد تركت لك جميع ما قررته عليك من أمر الخراج فلما رجع عن بلاد الصين أرسل له ملك الصين تحفا وأموالا كثيرة على سبيل الهدية. نكتة عجيبة قيل ان رجلا مجنونا كان اذا مر فى الاسواق والطرقات تبعه الأولاد ورموه بالحجارة فبينما هو كذلك اذ مر بذلك المجنون رجل وعلى رأسه عمامة مقرونة مفحشة فى أقرانها فتعلق به ذلك المجنون وهو يقول ياذا القرنين خلصنى من يأجوج ومأجوج فصار الناس يتعجبون من أمر المجنون وقوله ذلك قال وهب بن منبه كان الاسكندر يجمع أهل النجوم ويسألهم عن موته فكانوا يقولون له انك تموت فى أرض من حديد وسماؤها من خشب فيتعجب حتى مرض وكان مسافرا فى أرض حارة فاشتد به المرض فشكا من الحر فوضعوا تحته الدروع وخيموا له بالرماح فنام فتأمل قول أرباب النجوم أرض من حديد وسماؤها من خشب وما هو فيه هو ذلك فأيقن بالموت فجد بالمسير حتى وصل الى مدينة بابل فمات بها ودفن هناك وكتب على قبره هذين البيتين
لا تأسفن على الدنيا وزينتها ... وأرح فؤادك من هم ومن حزن
وانظر الى من حوى الدنيا بأجمعها ... هل راح منها بغير القطن والكفن
قال السدى قال بعض المؤرخين ان الله يسر لذى القرنين حتى فتح جميع البلاد وهو الذى بنى مدينة همدان والدبوسية وشيرك وبرج الحجارة بيعلبك وسرنديب بالهند وغير ذلك والله أعلم انتهى
ذكر قصة أهل الكهف رضى الله عنهم(1/103)
قال الله تعالى (أم حسبت أن أصحاب الكهف والرقيم كانوا من آياتنا عجبا) قال السدى الكف غار فى الجبل والرقيم لوح من رصاص كتب فيه أسماء أصحاب الكهف وقصتهم وذلك اللوح موضوع على باب الكهف والصحيح أن الرقيم غار التجأ فيه ثلاثة أنفار فوقع على باب ذلك الغار صخرة سدت عليهم الباب فدعا كل واحد منهم بما فعله من الخير لوجه الله تعالى فزالت تلك الصخرة عنهم وخرجوا والله أعلم قال وهب بن منبه ان أصحاب الكهف كانوا فتية من أبناء الروم وكانوا فى زمن فترة بين المسيح ومحمد صلى الله عليه وسلم وكانوا يسكنون بأرض رومية فى مدينة يقال لها أفسوس فلما جاء الاسلام غيروا اسمها وسموها ترسوس وكان لهم ملك رجل صالح مؤمن فأقام عليهم مدة ومات فلما مات تولى عليهم ملك جبار من ملوك فارس يقال انه دقيانوس وكان مشركا بالله تعالى يعبد الاصنام وكان يسكن بمدينة غرناطة من أعمال المغرب ثم سار الى مدينة أفسوس فملكها واتخذها دار مملكته وبنى بها قصرا من الرخام الملون طوله فرسخ وعرضه فرسخ وعلق به ألف قنديل من الذهب والفضة يسرجها كل ليلة بدهن البان واتخذ فى ذلك القصر سريرا مرصعا بالجواهر ومحلى بالذهب طوله ثمانون ذراعا وعرضه أربعون ذراعا وجعل فيه أنواعا من الجواهر الفاخرة ونصب عن يمينه ثمانين كرسيا من الفضة وعن شماله ثمانين من الذهب ثم اتخذ من أبناء البطارقة خمسين غلاما حسانا كالأقمار وألبسهم الحلل الفاخرة والتيجان وبأيديهم قضبان الذهب يقفون على رأسه وقت الموكب ثم اتخذ من عقلاء مملكته ستة رجال وجعلهم وزراءه وكان من جملة هؤلاء الوزراء يمليخا وهو أكبرهم ثم ان الملك طغى وتجبر وادعى الربوبية وأطاعه قومه واستمر على ذلك مدة طويلة فبينما هو كذلك اذ دخل عليه بعض حجابه وقال له ان جيوش الفرس قد طرقت بلادك فاغتم دقيانوس لذلك غما شديدا حتى وقع التاج عن رأسه فلما رأى يمليخا ذلك تفكر فى نفسه وقال لو كان دقيانوس ربا كما يزعم لم يخف من أحد غيره ولا ممن يطرق أرضه فلما انصرفت الوزراء اجتمعوا عند يمليخا فى بيته فوجدوه مغتما لا يأكل ولا يشرب فقالوا يايمليخا مالك متفكرا فقال قد وقع فى نفسى شئ منعنى عن الأكل والشرب قالوا وما هو فقال من دقيانوس فقالوا نحن وقع لنا مثل ما وقع لك فقال بعضهم وكيف الحيلة فى خلاصنا من يد دقيانوس فقال لهم يمليخا ما لنا حيلة أحسن من الهرب من هذه المدينة والخروج من أرضه فقالوا كلهم نعم الرأى فهم يمليخا من وقته وساعته وباع شيئا من غلال أرضه وجعله معه واجتمع الفتية كلهم فى مكان واحد ثم تواروا ومضوا وقيل ان جبرائيل عليه السلام أخبرهم بأن يتخذوا كرة ويخرجوا بها على هيئة اللعب بها فركبوا على خيولهم وضربوا الكرة مرة أخرى حتى خرجوا من المدينة ولم يك فيهم أحد فلما صاروا فى الصحراء نزلوا عن خيولهم ونزعوا ثيابهم الفاخرة ولبسوا غيرها ومشوا نحو سبعة فراسخ فبينما هم يمشون واذا براعى غنم تلقاهم فطلبوا منه اللبن فأسقاهم فقال انكم من أهل النعمة وان لكم شأنا فأخبرونى فان لكم عندى ما تريدونه وأظنكم قد هربتم قال فقصوا عليه قصتهم فقال وأنا قد وقع فى نفسى كما وقع فى نفوسكم ولكن قفوا عندكم ساعة حتى أعطى هذه الأغنام لأصحابها وعاد اليهم مسرعا ومضى معهم فتبعهم كلب الراعى فطردوه مرارا وهو يأبى الانصراف عنهم فأنطقه الله الذى أنطق كل شئ وقال بلسان فصيح أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له قال وكان الكلب اسمه قطمير وكان أبلق اللون ذا بياض وسواد قال السدى كان أحمر اللون ثم ان الكلب قال دعونى معكم أحرسكم فتركوه معهم ثم ان الراعى توجه بهم الى جبل فوجدوا به كهفا فدخلوا فيه وهو قوله تعالى (اذ أوى الفتية الى الكهف) الآية ولما جلسوا حتى جن عليهم الليل ناموا والكلب يحرسهم وهو قوله تعالى (وكلبهم باسط ذراعيه بالوصيد) الآية فلما ناموا أمر الله ملك الموت أن يقبض أرواحهم فقبضها ثم وكل الله تعالى بهم ملائكة يقلبونهم ذات اليمين وذات الشمال كما قال الله تعالى (ونقلبهم ذات اليمين وذات الشمال) قال السدى كانوا فى مغارة مظلمة وهم نائمون وأعينهم مفتحة وهم يتنفسون ولا يتكلمون قال وكان لهم شعور مسبولة على أكتافهم وقد طالت أظافرهم وكان عليهم هيبة عظيمة وكأنهم ينطقون قال الله تعالى (وتحسبهم أيقاظا وهم رقود) فلما رجع دقيانوس من محاربة(1/104)
الفرس سأل عن الفتية فقيل له انهم اتخذوا لها غيرك فلما سمع بذلك ركب فى طلبهم ولا زال يقفو أثرهم حتى وصل الى ذلك الكهف فدخل عليهم ونظر اليهم فوجدهم نائمين فقال لجيشه لو أردت أن أعاقبهم لما عاقبتهم بمثل ما هم عليه فأمر بسد باب الكهف عليهم فسدوه بالحجارة واستمروا فى رقادهم ثلثمائة سنة وتسع سنين كما أخبر الله تعالى فى القرآن العظيم فلما سد دقيانوس عليهم ظن أنهم يهلكون من العطش ثم ان راعيا أدركه المطر عند ذلك المكان فقال فى نفسه لوفتحت باب الكهف وأدخلت فيه الأغنام لكان حسنا فعالج حتى فتح الباب فدخل عليهم الراعى فرد الله عليهم أرواحهم وجلسوا فلما رآهم الراعى ولى هاربا وأخذ غنمه معه فلما جلسوا صار بعضهم يسلم على بعض وقالوا لقد غفلنا فى هذه الليلة عن عبادة ربنا فقوموا بنا الى الصلاة فجاءوا الى عين ماء عند شجرة بالقرب من الكهف فوجدوا العين قد غارت والشجرة قد جفت فصاروا يتعجبون من ذلك وقال بعضهم لبعض فى ليلة واحدة تغور هذه العين وتيبس هذه الشجرة ثم ان الله تعالى ألقى عليهم الجوع فقالوا لبعضهم أيكم يذهب بهذا الورق أى الفضة التى باع بها يمليخا غلالا كما تقدم ذكر ذلك فيشترى لنا بها طعاما وهو قوله تعالى (فابعثوا أحدكم بورقكم هذه) الآية قال السدى أما قولهم فلينظر أيها أزكى طعاما قيل هو الطعام الذى لا يوضع به شئ من شحم الخنزير كما كان يعمل لدقيانوس فقال يمليخا أنا آتيكم بهذا الطعام ثم قال للراعى الذى معهم ثم أعطنى ثيابك وخذ أنت ثيابى فأعطاه الراعى ثيابه فلبسها يمليخا ثم سار حتى أتى الى باب المدينة فوجد على بابها مكتوبا لا إله إلا الله عيسى روح الله فجعل يمليخا يمر من باب الى باب فيجد على كل الأبواب مكتوبا لا إله إلا الله الخ فجعل يمسح عينيه ويحدد نظره فى تلك الأماكن فلما طال عليه ذلك دخل المدينة فجعل يمر بأقوام لا يعرفهم حتى انتهى الى آخر السوق فاذا هو بخباز فوقف عليه وقال له ما اسم هذه المدينة فقال له الخباز اسمها أفسوس فقال وما اسمك قال عبد الرحمن ثم ان يمليخا دفع درهما الى ذلك الخباز وقال له أعطنى به خبزا فلما رأى الخباز الدرهم صار يتعجب منه وقال ليمليخا يا هذا أنت ظفرت بكنز فقال يمليخا لا والله وانما هذه الدراهم من ثمن غلالى فقال الخباز ان كنت أصبت كنزا فأعطنى منه فقال له انى خرجت من المدينة منذ ثلاثة أيام وكان بها الملك دقيانوس فقال له الخباز نقول بعت بهذا اغلالا وتقول بعد ذلك كنت منذ ثلاثة أيام هنا وكان بها الملك دقيانوس ان أمرك عجيب فطال بينهما الجدال فأتى به الى الملك وكان الملك من ذوى العقول فقال ليمليخا ما قصتك فقال يمليخا زعموا أنى أصبت كنزا فقال له الملك لا تخف ان أصبت كنزا فادفع لى منه الخمس وامض لشأنك سالما فقال يمليخا تثبت لأمرى فانى من أعيان هذه المدينة فقال له الملك هل تعرف بها أحدا فقال يمليخا نعم وكان لى بها دار وكان لنا ملك يقال له دقيانوس فقال له الملك لا نعرف شيئا مما قلته ولكن أتعرف دارك التى كانت فى هذه المدينة قال نعم فبعث الملك معه جماعة من أعوانه حتى يريهم داره فمشى معهم يمليخا فلم يعرف داره لأن البناء قد تغير فشكا فى سره الى الله تعالى فأرسل الله اليه جبرائيل عليه السلام فجعل يسوق به حتى أوقفه على باب داره فقال يمليخا هذه دارى فقرعوا باب تلك الدار فخرج اليهم رجل كبير يرتعش من الكبر فقال رجل من جماعة الملك ان هذا الرجل يزعم أن هذه الدار داره فغضب ذلك الشيخ من هذا الكلام ثم ان يمليخا تقدم الى ذلك الشيخ وقال أيها الشيخ المبارك أنا اسمى يمليخا بن قسطين وكانت هذه دارى ولى فيها علامات فلما سمع الشيخ من يمليخا هذا الكرم جعل الشيخ يقبل يدى يمليخا فالتفت الشيخ الى أعوان الملك وقال لهم هذا جد جدى وهو أحد الفتية الذين هربوا من دقيانوس الجبار وقد كان عيسى ابن مريم يخبرنا بخبرهم وأنهم ينتهون بعد ثلثمائة وتسع سنين ثم بلغوا الملك هذا الكلام فركب الى يمليخا وجاء نحوه وجعل يقبل يدى يمليخا فشاع أمره فى المدينة فاجتمع الناس اليه وجعلوا يتبركون به ويتعجبون من أمره ثم ان يمليخا قال للملك ان بقية قومى فى المغارة التى هى فى الجبل وهم فى انتظارى لأجل الطعام. قال وهب بن منبه كان يومئذ بالمدينة ملكان أحدهما مؤمن والآخر كافر فركبا وتوجها مع يمليخا(1/105)
الىلى(1/106)
الكهف فقال لهم قفوا مكانكم حتى أدخل اليهم وأعلمهم بما جرى لى معكم وأعلمهم أن الملك دقيانوس قد هلك حتى يطمئنوا على أنفسهم فانهم خائفون من الملك دقيانوس فوقفوا قريبا من الكهف فدخل عليهم صاحبهم يمليخا فقاموا اليه واعتنقوه وقالوا الحمد لله على سلامتك وخلاصك من يد دقيانوس فقال لهم يمليخا دعونى من دقيانوس كم لبثتم فى هذا الكهف قالوا لبثنا يوما أو بعض يوم فقال لهم يمليخا بل لبثتم ثلثمائة سنة وتسع سنين وقد هلك دقيانوس فى مدة منامكم وانقرض من بعده قرنان وقد ظهر نبى الله عيسى ابن مريم عليه السلام ومضى ثم قال لهم ان ملك المدينة جاء هو وأهل المدينة ليسلموا عليكم ويتبركوا بكم وقد أوقفتهم لأخبركم فعند ذلك تفكر أصحاب الكهف ساعة ثم قالوا فما الرأى فقالوا أجمعون ان الرأى أن ترفعوا أكفكم الى الله تعالى بالدعاء بأن يقبض أرواحكم فى هذه الساعة فرفعوا أيديهم وقالوا إلهنا بحقك أن تقبضنا اليك ولا نريد أن يطلع علينا أحد غيرك فأمر الله ملك الموت أن يقبض أرواحهم تلك الساعة فلما أبطأ على الملك وأهل المدينة الخبر من يمليخا أتى الملك الى الكهف ودخل فوجدهم موتى فأخذ يقبل أقدامهم ويتبرك بهم وأمر بأن يجعل واحد منهم فى تابوت محلى بالذهب فلما نام الملك تلك الليلة رأى فى منامه أصحاب الكهف فقالوا له أيها الملك انا خلقنا من تراب لا من ذهب ولا من فضة فاتركنا كما كنا فى التراب الى يوم البعث والحساب فأمر الملك أن يجعلوهم على التراب من غير توابيت كما أرادوا ثم ان الملك سد عليهم باب الكهف وأراد أن يبنى على باب الكهف مسجدا فاعترضه الملك الكافر فقال أنا أبنى على باب الكهف كنيسة فاقتتلا على ذلك قتالا عظيما فقتل المؤمن الكافر وبنى المسجد الذى هناك وهو قوله تعالى (قال الذين غلبوا على أمرهم لنتخذن عليهم مسجدا) الآية. قال السدى عدة الفتية ستة أنفس والراعى الذى تبعهم سابع وكلبهم ثامن كما أخبر الله تعالى فى القرآن العظيم (قل ربى أعلم بعدتهم ما يعلمهم إلا قليل) الآية قال ابن عباس رضى الله عنهما وأنا من القليل أى الذى يعلمون عدتهم قال العزيزى ان الكهف الذى مات فيه الفتية هو مغارة فى الجبل الذى يقرب من مدينة ترسيس ومكانهم مشهور معلوم بها ويزارون ويتبرك بهم رضى الله تعالى عنهم. تمت قصة أصحاب الكهف على سبيل الاختصار والله تعالى أعلم فقال لهم قفوا مكانكم حتى أدخل اليهم وأعلمهم بما جرى لى معكم وأعلمهم أن الملك دقيانوس قد هلك حتى يطمئنوا على أنفسهم فانهم خائفون من الملك دقيانوس فوقفوا قريبا من الكهف فدخل عليهم صاحبهم يمليخا فقاموا اليه واعتنقوه وقالوا الحمد لله على سلامتك وخلاصك من يد دقيانوس فقال لهم يمليخا دعونى من دقيانوس كم لبثتم فى هذا الكهف قالوا لبثنا يوما أو بعض يوم فقال لهم يمليخا بل لبثتم ثلثمائة سنة وتسع سنين وقد هلك دقيانوس فى مدة منامكم وانقرض من بعده قرنان وقد ظهر نبى الله عيسى ابن مريم عليه السلام ومضى ثم قال لهم ان ملك المدينة جاء هو وأهل المدينة ليسلموا عليكم ويتبركوا بكم وقد أوقفتهم لأخبركم فعند ذلك تفكر أصحاب الكهف ساعة ثم قالوا فما الرأى فقالوا أجمعون ان الرأى أن ترفعوا أكفكم الى الله تعالى بالدعاء بأن يقبض أرواحكم فى هذه الساعة فرفعوا أيديهم وقالوا إلهنا بحقك أن تقبضنا اليك ولا نريد أن يطلع علينا أحد غيرك فأمر الله ملك الموت أن يقبض أرواحهم تلك الساعة فلما أبطأ على الملك وأهل المدينة الخبر من يمليخا أتى الملك الى الكهف ودخل فوجدهم موتى فأخذ يقبل أقدامهم ويتبرك بهم وأمر بأن يجعل واحد منهم فى تابوت محلى بالذهب فلما نام الملك تلك الليلة رأى فى منامه أصحاب الكهف فقالوا له أيها الملك انا خلقنا من تراب لا من ذهب ولا من فضة فاتركنا كما كنا فى التراب الى يوم البعث والحساب فأمر الملك أن يجعلوهم على التراب من غير توابيت كما أرادوا ثم ان الملك سد عليهم باب الكهف وأراد أن يبنى على باب الكهف مسجدا فاعترضه الملك الكافر فقال أنا أبنى على باب الكهف كنيسة فاقتتلا على ذلك قتالا عظيما فقتل المؤمن الكافر وبنى المسجد الذى هناك وهو قوله تعالى (قال الذين غلبوا على أمرهم لنتخذن عليهم مسجدا) الآية. قال السدى عدة الفتية ستة أنفس والراعى الذى تبعهم سابع وكلبهم ثامن كما أخبر الله تعالى فى القرآن(1/107)
العظيم (قل ربى أعلم بعدتهم ما يعلمهم إلا قليل) الآية قال ابن عباس رضى الله عنهما وأنا من القليل أى الذى يعلمون عدتهم قال العزيزى ان الكهف الذى مات فيه الفتية هو مغارة فى الجبل الذى يقرب من مدينة ترسيس ومكانهم مشهور معلوم بها ويزارون ويتبرك بهم رضى الله تعالى عنهم. تمت قصة أصحاب الكهف على سبيل الاختصار والله تعالى أعلمظيم (قل ربى أعلم بعدتهم ما يعلمهم إلا قليل) الآية قال ابن عباس رضى الله عنهما وأنا من القليل أى الذى يعلمون عدتهم قال العزيزى ان الكهف الذى مات فيه الفتية هو مغارة فى الجبل الذى يقرب من مدينة ترسيس ومكانهم مشهور معلوم بها ويزارون ويتبرك بهم رضى الله تعالى عنهم. تمت قصة أصحاب الكهف على سبيل الاختصار والله تعالى أعلم
ذكر قصة نبى الله يونس بن متى عليه السلام(1/108)
واسم أمه زاد قال الله تعالى (وان يونس لمن المرسلين) وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا ينبغى لعبد أن يقول أنا خير من يونس بن متى. قال كعب الأحبار رضى الله عنه كان فى بنى اسرائيل خمسمائة رجل زاهدون لباسهم من الشعر الأسود وطعامهم من خبز الشعير ولم يكن فى القوم يومئذ من يوحى اليه إلا نبى الله زكريا عليه السلام فأوحى الله الى زكريا عليه السلام أن يختار من الخمسمائة المذكورين مائة رجل فاختار منهم مائة رجل ثم أوحى الله تعالى أن يختار من المائة خمسين ومن الخمسين عشرين ثم يختار من العشرين واحدا فاختار زكريا يونس بن متى عليه السلام ولم يكن فى القوم أزهد منه فأوحى الله تعالى الى زكريا أن يبشر يونس بالنبوة وقد جعله نبيا ورسولا فلما سمع يونس ذلك خر ساجدا لله تعالى ثم رفع رأسه وقال لزكريا الحمد لله الذى جعلنى نبيا. قال العزيزى ان متى أبا يونس كان رجلا صالحا وكان بأرض فلسطين ولم يكن له ولد ذكر وقد كبر سنه فأتى الى العين التى اغتسل منها أيوب فعافاه الله فاغتسل منها متى وزوجته وصليا ركعتين ودعوا الله تعالى أن يرزقهما ولدا ذكرا فاستجاب الله منهما ورزقهما يونس عليه السلام فلما كبر يونس خرج من بيت المقدس سائحا فى الأودية والجبال فبينما هو سائح اذ هبط عليه جبرائيل عليه السلام على صفة آدمى حسن الصورة وقال له يايونس ان الله يأمرك أن تتوجه الى مدينة نينوى وهى قرية من قرى سوريا وكان بها ملك من الروم يعبد الأصنام من دون الله تعالى وكان هذا الملك يقتل من يدعوه الى الله تعالى فلما تحقق يونس أن الله تعالى يأمره أن يتوجه الى أهل نينوى حمل زوجته وأولاده على ناقة وأخذ معه جماعة من أعيان بنى اسرائيل وكان عمره يومئذ أربعين سنة فلما دخل مدينة نينوى نزل فى غار فى جبل وبجانبه عين ماء وصار يأكل هو وعياله من نبات الأرض ويشربون من تلك العين ثم قال لزوجته انى ذاهب عنكم فانتظرونى أربعين يوما فان زدت عليها فلعلموا أنى قد قتلت كما قتل من كان قبلى من الأنبياء. ثم ان يونس لبس جبة صوف وأخذ بيده عصا وتوجه حافيا مكشوف الرأس فصعد على تل عال فى نينوى وصاح وقال لا إله إلا الله وان يونس رسول الله فاجتمع القوم عليه وضربوه ضربا مؤلما حتى غشى عليه فأوحى الله الى طائر يقال له الورشان بأن يغمس جناحيه فى الماء ويرش بهما على وجه يونس عليه السلام فلما فعل ذلك أفاق يونس من غشيته ورجع الى القوم وقال لهم كما قال فى الأول فحمل الريح كلام يونس وألقاه فى أذن الملك فلما سمع ذلك الصوت فزع منه وتغير لونه فقال لمن حوله ما هذا الصوت فقالوا دخل فى المدينة غلام فقير مجنون يقال له يونس يزعم أن فى السماء إلها يعبد فلما سمع الملك ذلك غضب على يونس وأمر بسجنه فسجن فى مكان مظلم ضيق فأمر الله جبرائيل بأن يأتيه بقنديل من الجنة ويعلقه فى ذلك السجن ويأتيه بطعام وشراب من الجنة فأقام يونس فى السجن نحو أربعين يوما ثم ان الملك تذكره فقال لوزيره امض الى السجن وائتنى بالرجل حتى أقتله فدخل الوزير على يونس فوجده قائما يصلى وعنده قنديل يضئ ووجد السجن قد امتد مد البصر فتعجب الوزير ثم التفت الى يونس وقال من صنع معك هذا فقال يونس صنعه ربى فقال الوزير يايونس ان أنا آمنت بربك ماذا يصنع معى فقال يونس يغفر لك ما تقدم من ذنبك ويسكنك جنته فقال الوزير أنا أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أنك رسول الله وخرج الوزير وأتى الى الملك وقال دخلت على يونس فى السجن الضيق فرأيته قد اتسع مد البصر ورأيته يصلى وفوق رأسه قنديل يضئ منه المكان ووجدت عنده مائدة عليها طعام طيب ليس مثل طعامنا فقلت يا يونس من فعل معك هذا قال فعله معى ربى فعلمت أن له ربا يقدر على كل شئ فآمنت به فغضب الملك على الوزير ثم أمر باخراج يونس من السجن واحضاره بين يديه فلما حضر قال له يا يونس اخرج من أرضنا فقد أفسدت رعيتى بسحرك فخرج يونس الى أهله فأوحى الله تعالى اليه يايونس ارجع الى نينوى وادعهم الى التوحيد ثانيا أربعين يوما فان أجابوك والا فانى منزل عليهم العذاب فقال يارب وما علامة العذاب فأوحى الله اليه تصفر وجوههم وأبدانهم فى اليوم الأول وفى اليوم الرابع تحمر وجوههم وأبدانهم وفى اليوم السابع تسود وجوههم وأبدانهم وفى اليوم العاشر أنزل عليهم العذاب فلما رجع يونس صعد على التل(1/109)
العالىلى(1/110)
وقال ياقوم قولوا معى لا إله إلا الله وان يونس رسول الله فاجتمع حوله القوم وصاروا يقذفونه بالحجارة ويسبونه فقال لهم يونس ان لم تجيبونى الى توحيد الله بعد أربعين يوما والا ينزل ربى عليكم العذاب وعلامته فى اليوم الأول أن تصفر وجوهكم وأبدانكم ثم بعد أربعة أيام تحمر ثم بعد سبعة أيام تسود ثم فى اليوم العاشر ينزل بكم العذاب فلم يزل يونس يدعوهم الى الأربعين فلم يؤمن أحد منهم فأوحى الله تعالى الى يونس أن يخرج من بينهم فخرج يونس ودخل القوم الى الملك وقالوا له أما ترى ما قد نزل بنا وهذا ما وعدنا به يونس من البلاء وكانوا قد اصفرت وجوههم وأبدانهم والملك معهم كذلك فقال لهم امضوا الى أصنامكم واسألوها كشف ذلك عنكم فعمد القوم الى أصنامهم وكانت أصنامهم من ذهب وفضة وحديد وخشب وحجارة فسجدوا لها وذبحوا الذبائح لها وسألوها كشف هذه النازلة عنهم فأوحى الله الى الملك الموكل بالسحاب أن ينشر عليهم سحابة سوداء مظلمة محشوة بالعذاب والنيران والحجارة وأمر جبريل أن يدنيها من القوم فأدناها منهم فنزل منها الصواعق وأظلمت الدنيا عليهم ظلمة شديدة فدخل القوم على الملك وقالوا له ان كنت إلها فادفع عنا هذا العذاب فقال لهم أمهلونى قليلا ثم دخل الى داره ولبس السلاح وركب جواده وخرج الى محل عال ولبث فيه مقدار ثلاث ساعات ثم رجع الى قومه فقال لهم لا تهولنكم السحابة فان بها مطرا شديدا ورعدا مهولا قال كعب الأحبار فلما دنت منهم السحابة وصارت فوق رؤسهم ضاقت أنفسهم من شدة حرها وزاد بهم القلق حتى غلت جماجم رؤسهم فكان الرجل اذا قرب من صاحبه يسمع غليان دماغه فعند ذلك دخلوا على الملك وقالوا هذا هو العذاب الذى وعدنا به يونس فقال لهم الرأى عندى أن يعمد كل منكم فيكسر صنمه بيده فكسروا أصنامهم فقال لهم الملك الحق عندى والحق ما أقول اطلبوا يونس فانه كان ناصحا لكم فطلب القوم يونس فلم يجدوه فقال رجل منهم وهو الوزير انى كنت أسمع يونس يقول ان ربى حاضر لا يزول أيها الملك ان كان يونس قد مات فان ربه حاضر لا يغيب فلما سمع الملك ذلك قام من وقته ولبس جبة من الصوف الاسود وغل يديه الى عنقه وقيد قدميه بقيدين من حديد وحمله بعض عبيده وخرج الى القوم فى هذه الحالة ففعل القوم كلهم كما فعل الملك وحملوا أنفسهم وخرجوا الى الصحراء وصعدوا على تل عال ثم اصطفوا صفوفا فجعلوا الشيوخ أمامهم والشبان من ورائهم ثم الأطفال والنساء وبسطوا أيديهم بالدعاء وقالوا يارب يونس اكشف عنا العذاب فكانت الشيوخ تمرغ شيبها بالرماد والشبان يحثونه على رؤسهم والنساء والأطفال يبكون ناشرين شعورهم وصاروا يعلنون بالبكاء والضجيج الى الله تعالى فكانوا يقولن اللهم انك وعدت على لسان نبيك يونس أن لا تخيب سائلا سألك ولا داعيا دعاك ونحن سألناك ودعوناك فلا تردنا خائبين انه لا ملجأ ولا منجا منك الا اليك فكشف عنا هذا العذاب برحمتك ياأرحم الراحمين اللهم انا آمنا بك وصدقنا رسولك يونس بن متى لا إله إلا أنت وأن يونس رسولك فلما اطلع الله على قلوبهم وجدها خالصة مخلصة بما يقولون فأوحى الله تعالى الى جبرائيل عليه السلام بأن يكشف عنهم العذاب فكشفه عنهم ورحمهم. وقد قيل فى المعنىوقال ياقوم قولوا معى لا إله إلا الله وان يونس رسول الله فاجتمع حوله القوم وصاروا يقذفونه بالحجارة ويسبونه فقال لهم يونس ان لم تجيبونى الى توحيد الله بعد أربعين يوما والا ينزل ربى عليكم العذاب وعلامته فى اليوم الأول أن تصفر وجوهكم وأبدانكم ثم بعد أربعة أيام تحمر ثم بعد سبعة أيام تسود ثم فى اليوم العاشر ينزل بكم العذاب فلم يزل يونس يدعوهم الى الأربعين فلم يؤمن أحد منهم فأوحى الله تعالى الى يونس أن يخرج من بينهم فخرج يونس ودخل القوم الى الملك وقالوا له أما ترى ما قد نزل بنا وهذا ما وعدنا به يونس من البلاء وكانوا قد اصفرت وجوههم وأبدانهم والملك معهم كذلك فقال لهم امضوا الى أصنامكم واسألوها كشف ذلك عنكم فعمد القوم الى أصنامهم وكانت أصنامهم من ذهب وفضة وحديد وخشب وحجارة فسجدوا لها وذبحوا الذبائح لها وسألوها كشف هذه النازلة عنهم فأوحى الله الى الملك الموكل بالسحاب أن ينشر عليهم سحابة سوداء مظلمة محشوة بالعذاب والنيران والحجارة وأمر جبريل أن يدنيها من القوم فأدناها منهم فنزل منها الصواعق وأظلمت(1/111)
الدنيا عليهم ظلمة شديدة فدخل القوم على الملك وقالوا له ان كنت إلها فادفع عنا هذا العذاب فقال لهم أمهلونى قليلا ثم دخل الى داره ولبس السلاح وركب جواده وخرج الى محل عال ولبث فيه مقدار ثلاث ساعات ثم رجع الى قومه فقال لهم لا تهولنكم السحابة فان بها مطرا شديدا ورعدا مهولا قال كعب الأحبار فلما دنت منهم السحابة وصارت فوق رؤسهم ضاقت أنفسهم من شدة حرها وزاد بهم القلق حتى غلت جماجم رؤسهم فكان الرجل اذا قرب من صاحبه يسمع غليان دماغه فعند ذلك دخلوا على الملك وقالوا هذا هو العذاب الذى وعدنا به يونس فقال لهم الرأى عندى أن يعمد كل منكم فيكسر صنمه بيده فكسروا أصنامهم فقال لهم الملك الحق عندى والحق ما أقول اطلبوا يونس فانه كان ناصحا لكم فطلب القوم يونس فلم يجدوه فقال رجل منهم وهو الوزير انى كنت أسمع يونس يقول ان ربى حاضر لا يزول أيها الملك ان كان يونس قد مات فان ربه حاضر لا يغيب فلما سمع الملك ذلك قام من وقته ولبس جبة من الصوف الاسود وغل يديه الى عنقه وقيد قدميه بقيدين من حديد وحمله بعض عبيده وخرج الى القوم فى هذه الحالة ففعل القوم كلهم كما فعل الملك وحملوا أنفسهم وخرجوا الى الصحراء وصعدوا على تل عال ثم اصطفوا صفوفا فجعلوا الشيوخ أمامهم والشبان من ورائهم ثم الأطفال والنساء وبسطوا أيديهم بالدعاء وقالوا يارب يونس اكشف عنا العذاب فكانت الشيوخ تمرغ شيبها بالرماد والشبان يحثونه على رؤسهم والنساء والأطفال يبكون ناشرين شعورهم وصاروا يعلنون بالبكاء والضجيج الى الله تعالى فكانوا يقولن اللهم انك وعدت على لسان نبيك يونس أن لا تخيب سائلا سألك ولا داعيا دعاك ونحن سألناك ودعوناك فلا تردنا خائبين انه لا ملجأ ولا منجا منك الا اليك فكشف عنا هذا العذاب برحمتك ياأرحم الراحمين اللهم انا آمنا بك وصدقنا رسولك يونس بن متى لا إله إلا أنت وأن يونس رسولك فلما اطلع الله على قلوبهم وجدها خالصة مخلصة بما يقولون فأوحى الله تعالى الى جبرائيل عليه السلام بأن يكشف عنهم العذاب فكشفه عنهم ورحمهم. وقد قيل فى المعنى عليهم ظلمة شديدة فدخل القوم على الملك وقالوا له ان كنت إلها فادفع عنا هذا العذاب فقال لهم أمهلونى قليلا ثم دخل الى داره ولبس السلاح وركب جواده وخرج الى محل عال ولبث فيه مقدار ثلاث ساعات ثم رجع الى قومه فقال لهم لا تهولنكم السحابة فان بها مطرا شديدا ورعدا مهولا قال كعب الأحبار فلما دنت منهم السحابة وصارت فوق رؤسهم ضاقت أنفسهم من شدة حرها وزاد بهم القلق حتى غلت جماجم رؤسهم فكان الرجل اذا قرب من صاحبه يسمع غليان دماغه فعند ذلك دخلوا على الملك وقالوا هذا هو العذاب الذى وعدنا به يونس فقال لهم الرأى عندى أن يعمد كل منكم فيكسر صنمه بيده فكسروا أصنامهم فقال لهم الملك الحق عندى والحق ما أقول اطلبوا يونس فانه كان ناصحا لكم فطلب القوم يونس فلم يجدوه فقال رجل منهم وهو الوزير انى كنت أسمع يونس يقول ان ربى حاضر لا يزول أيها الملك ان كان يونس قد مات فان ربه حاضر لا يغيب فلما سمع الملك ذلك قام من وقته ولبس جبة من الصوف الاسود وغل يديه الى عنقه وقيد قدميه بقيدين من حديد وحمله بعض عبيده وخرج الى القوم فى هذه الحالة ففعل القوم كلهم كما فعل الملك وحملوا أنفسهم وخرجوا الى الصحراء وصعدوا على تل عال ثم اصطفوا صفوفا فجعلوا الشيوخ أمامهم والشبان من ورائهم ثم الأطفال والنساء وبسطوا أيديهم بالدعاء وقالوا يارب يونس اكشف عنا العذاب فكانت الشيوخ تمرغ شيبها بالرماد والشبان يحثونه على رؤسهم والنساء والأطفال يبكون ناشرين شعورهم وصاروا يعلنون بالبكاء والضجيج الى الله تعالى فكانوا يقولن اللهم انك وعدت على لسان نبيك يونس أن لا تخيب سائلا سألك ولا داعيا دعاك ونحن سألناك ودعوناك فلا تردنا خائبين انه لا ملجأ ولا منجا منك الا اليك فكشف عنا هذا العذاب برحمتك ياأرحم الراحمين اللهم انا آمنا بك وصدقنا رسولك يونس بن متى لا إله إلا أنت وأن يونس رسولك فلما اطلع الله على قلوبهم وجدها خالصة مخلصة بما يقولون فأوحى الله تعالى الى جبرائيل عليه السلام بأن يكشف عنهم العذاب فكشفه عنهم ورحمهم. وقد قيل فى المعنى
ياطلبا ربه بصدق ... بادر وان جلت الخطوب(1/112)
واقصد كريما بلا توان ... فسائل الله لا يخيب
قال كعب الاحبار لما صرف الله عنهم العذاب تقطع ذلك الغمام أربع قطع قطعة وقعت على جبال صنعاء فكان منها معادن الرصاص وقطعة على بعض الجبال فصارت لا تنبت شيئا الى أن تقوم الساعة وقطعة وقعت فى البحار فهى تغالى وتفور الى يوم القيامة وقطعة وقعت فى نينوى فكانت أشد بياضا من الكافور وأطيب رائحة من المسك فهم يتطيبون بها الى الآن. ثم ان الله تعالى رد على القوم ألوانهم وعافاهم وجعل يهنئ بعضهم بعضا. ثم ان ابليس اللعين تصور فى صورة راع وجاء الى يونس عليه السلام وهو عند أهله على الجبل فقال له يونس من أين جئت ياراع قال من قرية نينوى فقال يونس كيف حال أهلها فقال انهم انتظروا العذاب الذى وعدهم به يونس فلم يأتهم فعزموا على قتل يونس لانه كذب عليهم فلما سمع يونس ذلك غضب غضبا شديدا قال قتادة ان غضب يونس كان على أهل نينوى لا على ربه لأنه نظر الى أن القوم كذبوه ولما سمع كلام الراعى قال انهم يزيدون على ما هم عليه من تعذيبى وعداوتى قال الله تعالى (وذا النون إذ ذهب مغاضبا فظن أن لن نقدر عليه) الآية قال كعب الاحبار فأتى الى زوجته وأولاده وحملهم على ناقته وأتى بهم الى شاطئ الدجلة فرأى هناك سفينة فأشار اليها فأتت اليه فنزل فى تلك السفينة هو وزوجته وأولاده فلما صار فى وسط الماء انخرقت بهم السفينة فتعلقت زوجته على لوح ووصلت الى البر فالتقطها بعض الناس فحملها الى داره وطلع يونس هو وأولاده على خشبة الى البر فصارت الأولاد يبكون على أمهم فأقام يونس على شاطئ الدجلة أياما ينتظر سفينة أخرى تحمله واذا بسفينة تلوح من بعد فأشار اليها فجاءته فهم يونس أن ينزل فيها فبادر ابنه الكبير بالنزول فى السفينة فأخذته موجة فقال ابنه الصغير يا أبت أدرك أخى فأراد أن يدركه فنادته الموجة ارجع يايونس فليس لك من الأمر شئ فبينما هو فى أمر ولده الكبير اذ نزل من الجبل ذئب فاحتمل ولده الصغير فنادى يونس أيها الذئب لا تفجعنى فيه فقال له الذئب يا يونس ليس لك من الأمر شئ قال كعب الاحبار وكان على وسط يونس خريطة فيها دراهم فتبددت كلها فعلم يونس انه أوخذ بذنبه فعند ذلك جلس يونس وحيدا على الشاطئ فمرت به سفينة فأشار اليها فجاءته وحملته وهو مهموم مغموم فألقى الله عليه النوم فنام وسارت السفينة الى وسط الماء فتوحلت وحبست فأعيا الملاحين أمرها فقالوا للركاب هل فيكم رجل مذنب فقال لهم يونس أنا المذنب فظنوا انه قال ذلك من همه فأقرعوا بينهم القرعة فخرجت على يونس فأعادوها ثلاث مرات وهى تقع على يونس وهو يقول ألم أقل لكم انى مذنب
ذكر كيفية القرعة وسببها(1/113)
كانوا يكتبون أسماء كل من كان فى السفينة فى ورق ويلقونها فى الماء فكل من غاصت ورقته فى الماء فهو المطلوب. والسبب أن السفينة اذا لم تسر يعلم أن فى ركابها رجلا مذنبا فيرمونه فى الماء فتخلص السفينة باذن الله تعالى فلما وقعت القرعة على يونس قام على قدميه ولف جسده فى عباءة وشد وسطه وتقدم الى جانب السفينة وهم أن يلقى نفسه فرأى الأمواج تضطرب فتحول الى الجانب الآخر فرأى أيضا الأمواج تضطرب فتحير يونس فى أمره فأوحى الله تعالى الى الملك الموكل بالحيتان بأن ادفع الحوت الفلانى فانى جعلت جوفه سجنا ليونس بن متى فأحضر الملك ذلك الحوت وقال له سر الى يونس فادركه قبل أن يصل الماء فما زال ذلك الحوت يخرق البحار الى أن وصل الى السفينة فرمى يونس نفسه فالتقمه ذلك الحوت قال كعب الاحبار كان يونس فى آخر السفينة فلما هم يونس أن يرمى نفسه هم الحوت أن يلتقمه ففزع يونس فناداه الحوت ما هذا الفزع يا يونس وأنت المطلوب من بين القوم. فلما سمع يونس كلام الحوت رمى نفسه فى فم الحوت فلما صار فى جوفه قال يونس آه وأغمى عليه فأوحى الله الى الحوت أنى لم أجعل يونس لك رزقا ولا طعاما وانما جعلتك له حرزا فلا تخدش له لحما ولا تمزق له جلدا ثم ابتلع الحوت الذى التقم يونس حوت آخر أعظم منه فى الخلقة ثم ان يونس قام فى بطن الحوت على قدميه وقال إلهى لأسجدن لك فى مكان لم يسجد لك فى مثله ملك مقرب ولا نبى مرسل فصار يونس يسجد على كبد الحوت. قال كعب الاحبار ان جلد الحوت رق ليونس حتى كان ينظر منه ما فى البحار من العجائب من حيوانات البحر وعظم أسماكه وغير ذلك فطاف به الحوت فى البحار السبعة ورأى غرائبها وما فيها من الملائكة الموكلين بالبحر وكان يونس يسبح فى بطن الحوت فلما سمعته الملائكة يسبح فى بطن الحوت قالوا ربنا انا نسمع صوتا ضعيفا لم نسمعه قبل ذلك فأوحى الله تعالى اليهم هذا صوت عبدى يونس عصانى فسجنته فى بطن الحوت فلما سمعوا ذلك سجدوا لله أجمعون وهو قوله تعالى (فلولا أنه كان من المسبحين للبث فى بطنه الى يوم يبعثون) وقوله تعالى (فنادى فى الظلمات أن لا إله إلا أنت سبحانك انى كنت من الظالمين فاستجبنا له ونجيناه من الغم وكذلك ننجى المؤمنين) قال ابن عباس رضى الله عنهما فى تفسير قوله تعالى فنادى فى الظلمات هى ظلمة الليل وظلمة البحر وظلمة بطن الحوت. وكان اسم ذلك الحوت النون فسمى يونس ذا النون. قال كعب الاحبار أمر الله تعالى الحوت أن يقذف يونس من بطنه فى تلك الساعة فقذفه من بطنه فى الحال فى المكان الذى أخذه منه فلما دنا الحوت ليقذف يونس أتاه جبرائيل عليه السلام ودنا من فم الحوت وقال السلام عليك يا يونس رب العزة يقرئك السلام فقال يونس مرحبا بصوت كنت أخشى أن لا أسمعه أبدا فقال جبرائيل للحوت اقذف يونس من بطنك باذن الله فقذفه من بطنه فجعل لفقده ويقول لا أوحش الله منك يا يونس ومن تسبيحك فخرج من بطنه مثل الفرخ الذى لا ريش له ووقع شعره وذاب جسده ولان عظمه من حرارة بطن الحوت قال الشعبى ومجاهد مكث يونس فى بطن الحوت أربعين يوما وفى رواية مكث ثلاثة أيام وذلك قوله تعالى (لولا أن تداركه نعمة من ربه لنبذ بالعراء وهو مذموم فاجتباه ربه فجعله من الصالحين) قال كعب الاحبار لما خرج يونس من بطن الحوت خرج عريانا فأنبت الله عليه شجرة من يقطين كالقبة لها أربعة أبواب تخرج منها الرياح قال ابن عباس هى شجرة اليقطين يعنى القرع قال كعب الاحبار ان الشجرة حملت فى ذلك اليوم اثنين وثلاثين صنفا من الفواكه لا يشبه بعضها بعضا وأنبع الله فى أصلها عينا أحلى من العسل وأبرد من الثلج وأرسل الله اليه غزالة تدر من ثديها لبنا يتغذى به. قال السدى ان الغزالة التى أرضعت يونس عليه السلام جعل الله قرونها وأظفارها فى لون الذهب. قال الثعلبى ان ببلاد البجة من أعلى الصعيد دابة تشبه الغزلان ولها قرون كلون الذهب وكذلك أظفارها وهى قليلة البقاء اذا صيدت لا تعيش أكثر من ثلاثة أيام فذكر أنها من الغزالة التى تغذى بلبنها يونس عليه السلام قال كعب الاحبار فألقى الله على يونس النوم فنام تحت تلك الشجرة فلما انتبه من نومه فلم يجد الشجرة ولا العين ولا الغزالة وكان يستأنس بها فخزن على ذلك فأوحى الله اليه أن لا تحزن يا يونس ولكن امض الى أهل نينوى فانهم قد آمنوا بى أقم(1/114)
عندهمهم(1/115)
وأمرهم بالمعروف وانههم عن المنكر فسار يونس اليهم فبينما هو سائر اذ مر براع ومعه أغنام فقال له هل من شربة لبن فقال له الراعي أبشر فاحتلب له اللبن وسقاه ثم جلس عنده ساعة يتحدث معه فقال له يونس من أين أنت يا راع قال من نينوى فقال كيف حال القوم قال الراعي يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر فقال له يونس أتحب أن يكون لك عندهم منزلة قال نعم فقال امض اليهم وبشرهم بأن نبيهم يونس بن متى باق على قيد الحياة فقال له الراعي يكذبونني فقال له يونس خذ معك هذه الشاة فانها تشهد لي بأني يونس بن متى فلما علم الراعي صدق ما قاله توجه الى أهل نينوى وأخذ الشاة معه فلما دخل على الملك قال له البشارة قال وما بشارتك قال يونس قد ظهر وهو في مكان كذا وكذا فاجتمع عليه القوم وكذبوه فقال لهم ان معي من يشهد لي قالوا ما شاهدك قال هذه الشاة وأحضرها بين يدي الملك وقال لها أيتها الشاة بماذا تشهدين فانطقها الله تعالى بأن يونس حي وأنه احتلب مني اللبن وشربه فلما سمع القوم ذلك صدقوا الراعي وخرجوا وصحبتهم الملك الى ذلك المكان فوجدوا يونس قائما يصلي فجعل القوم يأخذون التراب من تحت أقدامه ويجعلونه فوق رؤوسهم للتبرك ثم ان يونس سار معهم ودخل المدينة وجددوا اسلامهم وآمنوا برسالته وأقام بينهم يبين لهم الحلال والحرام فبينما هو جالس بينهم إذ أتاه رجل صياد وقال له يا نبي الله اني طرحت شبكتي يوما فطلع لي صبي من أحسن الناس وجها فقال له يونس هذا ولدي ورب إبراهيم فاحضره اليه ثم أتى اليه رجل آخر وقال له نبي الله أني كنت في الفلوات اذ رأيت ذئبا على ظهره مولود وهو من أحسن الناس وجها فقال يونس هذا ولدى ورب إبراهيم ثم أتاه رجل آخر وقال له اني رجل تاجر خرجت في طلب سفينة الى شاطيء الدجلة فرأيت امرأة على البر عريانة وقد غرقت في الدجلة فمضيت بها الى منزلي وأحسنت اليها والبستها ثيابا فقال يونس هذه زوجتي ورب إبراهيم قال فجمع الله شمله بولديه وزوجته على أحسن وجه فأقام يونس بنينوى مدة طويلة يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر ثم بعد ذلك توجه الى الكوفة فمات بها ودفن هناك على ما قيل وقيل دفن بالقرب من مدينة صيدا من أعمام الشام على شاطيء البحر الملح وبني عليه مسجد يزار ويتبرك به هو باق الى الآن وهو المشهور والله أعلم على سبيل الاختصار0وأمرهم بالمعروف وانههم عن المنكر فسار يونس اليهم فبينما هو سائر اذ مر براع ومعه أغنام فقال له هل من شربة لبن فقال له الراعي أبشر فاحتلب له اللبن وسقاه ثم جلس عنده ساعة يتحدث معه فقال له يونس من أين أنت يا راع قال من نينوى فقال كيف حال القوم قال الراعي يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر فقال له يونس أتحب أن يكون لك عندهم منزلة قال نعم فقال امض اليهم وبشرهم بأن نبيهم يونس بن متى باق على قيد الحياة فقال له الراعي يكذبونني فقال له يونس خذ معك هذه الشاة فانها تشهد لي بأني يونس بن متى فلما علم الراعي صدق ما قاله توجه الى أهل نينوى وأخذ الشاة معه فلما دخل على الملك قال له البشارة قال وما بشارتك قال يونس قد ظهر وهو في مكان كذا وكذا فاجتمع عليه القوم وكذبوه فقال لهم ان معي من يشهد لي قالوا ما شاهدك قال هذه الشاة وأحضرها بين يدي الملك وقال لها أيتها الشاة بماذا تشهدين فانطقها الله تعالى بأن يونس حي وأنه احتلب مني اللبن وشربه فلما سمع القوم ذلك صدقوا الراعي وخرجوا وصحبتهم الملك الى ذلك المكان فوجدوا يونس قائما يصلي فجعل القوم يأخذون التراب من تحت أقدامه ويجعلونه فوق رؤوسهم للتبرك ثم ان يونس سار معهم ودخل المدينة وجددوا اسلامهم وآمنوا برسالته وأقام بينهم يبين لهم الحلال والحرام فبينما هو جالس بينهم إذ أتاه رجل صياد وقال له يا نبي الله اني طرحت شبكتي يوما فطلع لي صبي من أحسن الناس وجها فقال له يونس هذا ولدي ورب إبراهيم فاحضره اليه ثم أتى اليه رجل آخر وقال له نبي الله أني كنت في الفلوات اذ رأيت ذئبا على ظهره مولود وهو من أحسن الناس وجها فقال يونس هذا ولدى ورب إبراهيم ثم أتاه رجل آخر وقال له اني رجل تاجر خرجت في طلب سفينة الى شاطيء الدجلة فرأيت امرأة على البر عريانة وقد غرقت في الدجلة فمضيت بها الى منزلي وأحسنت اليها والبستها ثيابا فقال يونس هذه زوجتي ورب إبراهيم قال فجمع الله شمله بولديه وزوجته(1/116)
على أحسن وجه فأقام يونس بنينوى مدة طويلة يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر ثم بعد ذلك توجه الى الكوفة فمات بها ودفن هناك على ما قيل وقيل دفن بالقرب من مدينة صيدا من أعمام الشام على شاطيء البحر الملح وبني عليه مسجد يزار ويتبرك به هو باق الى الآن وهو المشهور والله أعلم على سبيل الاختصار0 أحسن وجه فأقام يونس بنينوى مدة طويلة يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر ثم بعد ذلك توجه الى الكوفة فمات بها ودفن هناك على ما قيل وقيل دفن بالقرب من مدينة صيدا من أعمام الشام على شاطيء البحر الملح وبني عليه مسجد يزار ويتبرك به هو باق الى الآن وهو المشهور والله أعلم على سبيل الاختصار0
ذكر قصة زكريا وولده يحيى عليهما السلام(1/117)
قال الله تعالى (ذكر رحمة ربك عبده زكريا) قال وهب بن منبه هو زكريا بن ادن من أولاد سلميان بن داود عليهما السلام قال الطبري هو يوحنا وكان نبيا صلبا في الدين فلما مر عليه مائة وعشرون سنة من العمر ولم يرزق ولدا ذكرا (قال ربي اني وهن العظم منى واشتعل الرأس شيبا ولم أكن بدعائك رب شقيا) (يا زكريا انا نبشرك بغلام اسمه يحيى لم نجعل من قبل سميا) قال السدى هو أول من تسمى بيحيى قبل الخلائق فلما سمع زكريا ما قالته الملائكة قال لهم وما علاقة ذلك فأتاه جبرائيل عليه السلام وقال يا زكريا أن لا تكلم أحدا من الناس ثلاث ليال سويا فقال زكريا يا جبريل (أني يكون لي غلام وكان امرأتي عاقر وقد بلغت من الكبر عتيا) أي كيف يجيء لنا ولد ونحن على هذه الشيخوخة فقال له جبرائيل (كذلك قال ربك هو علي هين وقد خلقتك من قبل ولم تك شيئا) قال السدى ان زوجة زكريا حاضت في يومها فلما واقعها زكريا حملت منه يحيى فلما وضعته وكبر وانتشى اعتكف على عبادة الله تعالى وصار باكيا حزينا ليلا ونهارا لا يأكل ولا يشرب ولا يمل من البكاء فقال زكريا يا رب اني طلبت منك ولدا أنتقع به وهذا مشتغل بالبكاء دائما فأوحى الله اليه يا زكريا أنت قلت فهب لي من لدنك وليا والولي لا يكون إلا على هذه الصفة وكان يحيى عليه السلام لين الجانب حسن الخلقة كما قال الله تعالي (واجعله رب رضيا) قال السدى ان يحيى كان في زمن ملك من ملوك بني إسرائيل وكان ذلك الملك مغرما بحب النساء الحسان وكان للملك زوجة قد طعنت في السن وكان لها بنت من غير الملك جميلة فأراد أن يتزوج بغيرها عندما كبر سنها فعمدت الى تلك البنت وزينتها بأحسن زينة وأحضرتها بين يدي الملك وقالت له تزوج بها فقال لها حتى نسأل يحيى بن زكريا هل يجوز ذلك أم لا فأحضر يحيى وسأله عن ذلك فقال له تحل لك ولا يجوز وانها محرمة عليك فغضب منه الملك فقالت له زوجته ان لم تقتل يحيى والا فلا أقيم عندك فأمر الملك بقتل يحيى فقالت علماء بني اسرائيل للملك ان وقع من دم يحيى قطرة على الأرض لم ينبت فيها الزرع أبدا قال العزيزى لما سمع الملك ما قالته العلماء أحضر طستا من نحاس وأمر بذبح يحيى فلما قدموه للذبح استسلم لقضاء الله ولم يتكلم بكلمة واحدة فذبحه فى ذلك الطست النحاس ولم ينزل من دمه شئ على الأرض فلما ذبحه طلب أباه زكريا ليذبحه أيضا فهرب منه لم ير في وجهه إلا شجرة فقال لها أيتها الشجرة أجيري نبي الله زكريا من القتل فانشقت الشجرة نصفين فدخل زكريا في جوفها وانطبقت عليه كما كانت فلما تتبعوه ولم يجدوه فجاء اليهم ابليس اللعين في صفة شيخ زاهد وقال لهم ان زكريا قد دخل في جوف هذه الشجرة فأحضر الملك منشارا ونشر به تلك الشجرة قال السدى لما بلغ المنشار رأس زكريا صاح آه فنزل اليه جبرائيل وقال له يا زكريا ان الله تعالى يقول لك لئن قلت بعد ذلك آه مرة أخرى ليمحونك من ديوان الأنبياء فسكت زكريا وصبرعلى البلاء حتى نشروه نصفين وهو لايتكلم فاعلم أن الأنبياء أشد بلاء من جميع الناس قال الثعلبي مات زكريا وله من العمر نحو ثلثمائة سنة وقيل دون ذلك والله أعلم قال السدى ان الشجرة التي نشر فيها زكريا كانت بنابلس ودفن هناك ثم نقل من بعد ذلك الى حلب وقبره مشهور بها الآن قال السدى ان يحيى بن زكريا ذبح بفلسطين ودفنت جثته بها ورأسه حمل الى الشام ودفن وذراعه دفن في بيروت ورجله في صيدا صلوات الله عليهما قال الثعلبي مات يحى بن زكريا وله من العمر خمس وتسعون سنة قال قتادة لما دخل بختنصر البابلى الى بيت المقدس ورأى دم يحيى يفور ويغلى على الأرض كغليان القدور شرع بقتل قومه من بني إسرائيل حتى بلغ ما قتله منهم سبعين ألف انسان فعند ذلك سكن الدم قليلا قال زيد بن واقد لما عمر الوليد بن عبد الملك بن مروان مسجده الذي أنشأه بدمشق وكلف على البنائين فبينما أنا واقف عليهم اذ لاحت لنا مغارة بابها مسدود بالحجارة فعرفنا الوليد بذلك فلما دخل الليل أتى الوليد الى المسجد وبين يديه الشموع فوقف على تلك المغارة وأمر بفتحها ففتحت بحضرته فرأى بها مكانا مربعا نحو ثلاثة أذرع في مثلها ووجد بها صندوقا مقفولا بقفل من حديد ففتحه فرأى فيه رأس انسان وعليها شعر وهي على هيئتها لم يتغير منها شيء من محاسن وجهها وفي ذلك الصندوق لوح من رخام أبيض مكتوب فيه هذه(1/118)
رأسس يحيى بن زكريا فلما رأى الوليد ذلك قبل الرأس وأمر بردها الى الصندوق تحت العمود الذي في شرقي الجامع المعروف بعمود السكاسك وهو في الصف الثاني بالقرب من المقصورة التي بها محراب المسجد وقبره مشهور يزار ويتبرك به عليه السلام انتهى ما أوردناه من قصة زكريا وولده يحيى عليهما السلام0حيى بن زكريا فلما رأى الوليد ذلك قبل الرأس وأمر بردها الى الصندوق تحت العمود الذي في شرقي الجامع المعروف بعمود السكاسك وهو في الصف الثاني بالقرب من المقصورة التي بها محراب المسجد وقبره مشهور يزار ويتبرك به عليه السلام انتهى ما أوردناه من قصة زكريا وولده يحيى عليهما السلام0
ذكر قصة عيسى ابن مريم وقصة أمه عليهما السلام(1/119)
قال الله تعالى (واذ قالت الملائكة يا مريم ان الله اصطفاك وطهرك واصطفاك على نساء العالمين) الآية قال وهب بن منبه كانت حنة أم مريم أخت زوجة زكريا وكان أبو مريم رجلا من بني إسرائيل يقال له عمران وكان إمام المسجد الاقصى فلما حملت منه أملت أن يكون ما في بطنها ولد ذكرا فقال ان ولدت ولدا ذكرا فليكن خادما للمتعبدين بالمسجد الاقصى يسقيهم الماء عند الافطار ويحمل لهم الزاد على رأسه ولهذا قالت (رب اني نذرت لك ما في بطني محررا) فلما أخبرت زوجها بما نذرت قال لها قد أخطأت فيما نذرت فربما تلدين أنثى فكيف تخدم الرجال في المسجد فلما وضعتها وجدتها أنثى وهو قوله تعالى (فلما وضعتها قالت ربي انى وضعتها انثى والله أعلم بما وضعت وليس الذكر كالأنثى واني سميتها مريم) الآية فضاق صدرها من ذلك النذر حيث كانت أنثى ثم أن حنة سمت بنتها مريم ومعنى ذلك لا عيب فيها ثم ان عمران أبا مريم مات وهي صغيرة مرضع ثم ان حنة أقامت بعد زوجها عمران مدة يسيرة وماتت فلما ماتت حنة أخذ مريم زكريا زوج اختها أم يحيى وكفلها بعد أمها كما أخبر الله تعالي حيث قال (وكفلها زكريا) قال السدى كان زكريا رجلا فقيرا ضيق المعيشة فلما كفل مريم صار اذا دخل عليها يجد عندها فاكهة الشتاء في أوان الصيف ووفاكهة الصيف في أوان الشتاء وهو قوله تعالى (كلما دخل عليها زكريا المحراب وجد عندها رزقا قال يا مريم أني لك هذا قالت هو من عند الله ان الله يرزق من يشاء بغير حساب)0 قال وهب بن منبه كانت مريم قد خالفت عادة النساء لأن النساء لا يرجعن الى الطاعة والعبادة إلا بعد مضي الشباب ومريم تعبدت وهي طفلة صغيرة وأخذت عادة العجائز في العبادة والاعتكاف عن الناس فكان زكريا يتعجب من حال مريم في العبادة فلما بلغت مبلغ النساء أتاها الحيض فلما طهرت ارادت الاغتسال فخرجت الى عين ماء فجاء اليها جبرائيل عليه السلام في صورة شاب من بني إسرائيل يسمى تقيا وكان مشهورا في زمانه بالشقاوة من الفساد والزنا قال تعالى (فأرسلنا اليها روحنا) أي جبريل (فتمثل لها بشرا سويا قال اني أعوذ بالرحمن منك ان كنت تقيا) فقال لها جبريل عليه السلام (انما أنا رسول ربك لأهب لك غلاما زكيا قالت أني يكون لي غلام ولم يمسسني بشر ولم أك بغيا قال كذلك قال ربك هو علي هين ولنجعله آية للناس ورحمة منا وكان أمرا مقضينا) فمد جبرائيل يديه وأخذ بذيل قميصها ونفخ فيه فلما بلغت النفخة الى صدرها خلق الله تعالي من تلك النفخة عيسى عليه السلام وقد قال الله تعالى (والتي أحصنت فرجها فنفخنا فيها من روحنا وجعلناها وابنها آية للعالمين). قال العلماء ان الله تعالى خلق آدم من غير أب وأم وخلق حواء من غير أم وخلق سائر المخلوقات من أب وأم فأراد الله تعالى أن يكمل العناصر أربعة فخلق عيسى من غير أب فكمل بدائع حكمته وقد قال الله تعالى (ان مثل عيسى عند الله كمثل آدم خلقه من تراب ثم قال له كن فيكون)0 قال وهب بن منبه لما حملت مرين بعيسى كانت مدة حملها ساعة واحدة لقوله تعالى (فحملته فانتبذت به مكانا قصيا فاجاءها المخاض الى جذع النخلة قالت ياليتنى مت قبل هذا وكنت نسيا منسيا) قال ابن عباس رضي الله عنهما كان مدة حملها ثمانية أشهر وقد جرت العادة أن من ولد لثمانية أشهر لا يعيش 0 قال مجاهد بل كان حملها تسعة أشهر كعادة النساء. قال السدى وكان وضعه ببيت لحم بالقرب من بيت المقدس وولدته ليلة الاثنين التاسع والعشرين من كيهك من شهور القبط المعروفة بليلة الميلاد عند النصارى وفيها يشتد البرد فلما قالت مريم (ياليتني مت قبل هذا) ناداها من تحتها أن لا تحزني قد جعل ربك تحتك سريا وهزي اليك بجذع النخلة تساقط عليك رطبا جنيا) قال وهب بن منبه ان النخلة التي أمرت مريم بهزها كان لها نحو سبعين سنة يابسة لم تثمر فلما وضعت سيدنا عيسى عليه السلام بجانبها أورقت في الحال وأثمرت وصار البلح رطب جنيا من وقته معجزة له وكرامة لها وأمرها بالهز تعاطيا للأسباب فتساقط عليها الرطب كما أخبر الله تعالى وقيل في المعنى
أم تر أن الله قال لمريم ... وهزى اليك الجذع يساقط الرطب
ولو أدنى الجذع من غير هزها ... جنته ولكن كل شيء له سبب(1/120)
قال السدى لما أتت مريم بعيسى تحمله الى قومها (قالوا يا مريم لقد جئت شيئا فريا يا أخت هرون ما كان أبوك سوء وما كانت امك بغيا). قال وهب بن منبه ليس المراد بقولهم يا اخت هرون انها كانت أخت هرون بن عمران أخى موسى عليه السلام من النسب ولكن كانت أخته في العبادة لان هرون كان مشهورا بالعبادة وهي أيضا مشهورة بالعبادة فلما سمعت كلام قومها من المعاتبة أشارت اليه أى بأن كلموه (قالوا كيف نكلم من كان في المهد صبيا) فأنطقه الله تعالي لهم وقال (اني عبدالله آتاني الكتاب وجعلني نبيا وجعلني مباركا أينما كنت وأوصاني بالصلاة والزكاة ما دمت حيا وبرا بوالداتي ولم يجعلني جبارا شقيا) فأول كلمة قالها عيسى اني عبدالله لأن الله تعالى أعلمه أنهم سيقولون عنه بانه ابن الله فكان ذلك تكذيبا لهم قال ابن عباس رضي الله عنهما لم يتكلم في المهد غير أربعة وهم شاهد يوسف بقد القميص. والثاني صاحب الاخدود. والثالث الذي شهد لجريح الراهب بأنه ابن الراعي. والرابع سيدنا عيسى ابن مريم عليه السلام0 قيل ان جماعة من النصارى سألوا عليا رضى الله عنه ان من كرامات عيسى انه نطق في المهد فهل نطق نبيكم وهو في المهد فقال على رضي الله عنه ان عيسى كان محتاجا الى النطق لانه ولد من غير أب فخاف من التهمة فاحتاج الى النطق ورسول الله صلى الله عليه وسلم لم يحتج اذ ذاك الى النطق0 قال وهب بن منبه لما كبر عيسى عليه السلام كان سياحا في الأرض لا يتخذ دارا ولا مسكنا ولا زوجة ولا دابة وكان يلبس جبة صوف على لحمه ويلبس على رأسه قلنسوة من لباد وكان لا يأكل إلا من غزل أمه وكانت تغزل الصوف قال السدى أوحى الله تعالى الى عيسى عليه السلام يا عيسى ان لم يكن لك زوجة فأزوجك في الآخرة الف حورية من العين ولا طعمن في عرسك ألف عام وينادى مناد احضروا وليمة عيسى الزاهد في الدنيا الراغب في الآخرة قال الواقدى لما ساح عيسى عليه السلام في الأرض أتى الى الربوة التي بجيرون من ارض الشام فأقام بقرية هناك يقال لها الناصرة واليها ينسب النصاري فاوى اليها هو وأمه قال الله تعالي (وآويناهما الى ربوة ذات قرار ومعين) والصحيح أن الربوة في دمشق الشام ومحلها مشهور معلوم بها الى الآن وتحتها الانهار والأشجار وهي ذات القرار المعين قال الواقدى لما أراد الملك هردوس ملك اليهود أن يقتل عيسى عند ظهور معجزاته وقد آمن من غالب الناس به أخذته أمه مريم وخرجت به من بيت المقدس وكان معها يوسف النجار وهو رجل من عباد بني إسرائيل فدخوا الى مصر ومروا بمدينة عين شمس التي بالمطرية فوجدوا هناك بئرا وكانت أثواب عيسى قد اتسخت من السفر فنزلوا بجانب تلك البئر وغسلت مريم أثواب عيسى وغسلته واغتسلت ورشت الماء حول ذلك البئر فأنبت الله هناك البيلسان ويعرف بالبلسم وهو لا يوجد بأرض مصر إلا في هذا المكان فقط وهذا سبب تعظيم النصارى البيلسان وتغاليهم فيه خصوصا الأفرنج ويقولون أنه لا يصح التنصر عندهم إلا اذا كان في ماء المعمودية دهن البيلسان وينغمسون فيه وكان البلسم من محاسن مصر وقد انقطع منها في أواخر القرن التاسع ونتج من بعد ذلك قال الواقدي لما دخلت مريم مصر انقطع عنها اللبن لأن عيسى كان رضيعا فألهمها الله أن تغلي النهيدة وتطعمها عيسى ففعلت فكانت تغنيه عن اللبن قال فلما كبر عيسى وساح في أراضي مصر حتى دخل الى الأشمون وكان بها فرس من نحاس اذا دخلها غريب يصهل ذلك الفرس النحاس حتى يسمعه كل من في المدينة فيعلمون أنه دخل غريب فلما وصل عيسى عليه السلام سقط ذلك الفرس وتكسر فلما دخل عيسى المدينة رأى جمالا محملة غلالا فزحموه الى الطريق فصرخ عليهم فصاروا حجارة سودا ثم انه مر بسفح الجبل المقطم هو وأمه فالتفت اليها وقال يا أماه هذه البقعة تصير مقبرة لأمة محمد خاتم الأنبياء صلى الله عليه وسلم وهم غراس الجنة قال وهب بن منبه ثم ان عيسى خرج من مصر وتوجه الى البلاد الشامية وقد اشتهر أمره بأنه يحيى الموتى بإذن الله تعالى ويبرىء الأكمة والأبرص بإذن الله تعالي فاجتمعت اليه اليهود وقالوا له يا عيسى لن نؤمن لك حتى تحي لنا العزيز فقال لهم عيسى وأين مكان قبره فأتوا به الى قبره فصلى هناك ركعتين ودعا الله تعالى أن يحيى له العزيز فجعل القبر ينفرج عنه قليلا قليلا حتى ظهر منه العزيز عليه السلام وقد ابيض(1/121)
شعرر رأسه ولحيته فقال لعيسى هذا فعلك معى يا ابن مريم فقال بل بطلب قومك لانهم قالوا لن نؤمن لك حتى تحيى لنا العزيز فعند ذلك جلس العزيز بين قومه وقال لهم يا معشر بني إسرائيل آمنوا برسالة عيسى ابن مريم واتبعوا ملته فانه على الحق من ربه فقال بنو إسرائيل انا كنا نعهدك حين مت شابا وأنت أسود شعر الرأس واللحية وقد ابيضا فقال لهم سمعت هذه الصيحة وقيل لي قم باذن الله تعالي ظننت انها صيحة القيامة فابيض نصف رأس ولحيتي من هول ذلك اليوم وأتاني ملك وقال لي هذه دعوة عيسى ابن مريم فلما أحيا الله العزيز وظهر لبني إسرائيل معجزة عيسى عليه السلام آمن منهم في ذلك اليوم جماعة كثيرة ثم دعا الله تعالي عيسى أن يعيد العزيز لما كان عليه ميتا فأعاده كما كانأسه ولحيته فقال لعيسى هذا فعلك معى يا ابن مريم فقال بل بطلب قومك لانهم قالوا لن نؤمن لك حتى تحيى لنا العزيز فعند ذلك جلس العزيز بين قومه وقال لهم يا معشر بني إسرائيل آمنوا برسالة عيسى ابن مريم واتبعوا ملته فانه على الحق من ربه فقال بنو إسرائيل انا كنا نعهدك حين مت شابا وأنت أسود شعر الرأس واللحية وقد ابيضا فقال لهم سمعت هذه الصيحة وقيل لي قم باذن الله تعالي ظننت انها صيحة القيامة فابيض نصف رأس ولحيتي من هول ذلك اليوم وأتاني ملك وقال لي هذه دعوة عيسى ابن مريم فلما أحيا الله العزيز وظهر لبني إسرائيل معجزة عيسى عليه السلام آمن منهم في ذلك اليوم جماعة كثيرة ثم دعا الله تعالي عيسى أن يعيد العزيز لما كان عليه ميتا فأعاده كما كان
ذكر نزول المائدة لعيسى عليه السلام
قال سلمان الفارسي رضي الله عنه أن الحواريين قالوا لعيسى عليه السلام (هل يستطيع ربك أن ينزل علينا مائدة من السماء) فقال لهم عيسى (اتقوا الله ان كنتم مؤمنين) قالوا لا بد لنا من ذلك فخرج عيسى الى الصحراء ولبس المسوح وطأطأ رأسه خاشعا لله تعالى يبكي ويتضرع وقال (اللهم ربنا أنزل علينا مائدة من السماء تكون لنا عيد الأولنا وآخرنا وآية منك وارزقنا وأنت خير الرازقين) فأوحى الله اليه (أنى منزلها عليكم فمن يكفر بعد منكم فاني أعذبه)الآية قال الترمذى فأنزل الله عليهم سفرة حماء مدورة بين غمامتين غمامة من فوقها وغمامة من تحتها والناس ينظرون فلما نظرها عيسى قال اللهم اجعلها رحمة ولا تجعلها نقمة فما زالت تنزل قليلا قليلا حتى هبطت بين يدي عيسى عليه السلام وكان عليها منديل مغطى به السفرة فعند ذلك خر عيسى ساجدا لله تعالى وسجد معه الحواريون ثم قالوا لعيسى قم واكشف عن هذه السفرة حتى ننظر ما فيها فقام عيسى وكشف عنها فاذا فيها سمكة مشوية وعند رأسها شيء من الخل والملح وعند ذنبها خمسة أرغفة كبار كل رغيف عليه شيء من الزيتون والتمر وحول ذلك من سائر البقول وكان الحواريون الذين سألوا عيسى اثنى عشر انسانا فقال شمعون وهو أكبر الحواريين يا عيسى ان هذه السمكة من طعام الدنيا أم من طعام الجنة فقال عيسى ما أخوفني عليكم من عذاب الله تعالي كما أخبر الله تعالى (فمن يكفر بعد منكم فاني أعذبه عذابا لا أعذبه أحدا من العالمين) ثم قال عيسى للسمكة أيتها السمكة قومي باذن الله تعالي فأحياها الله تعالي فجعلت تضطرب وتنظر بعينها الى بني إسرائيل فخافوا منها فقال لهم عيسى مالي أراكم تسألون الشيء فاذا حصل لكم كرهتموه. ثم قال عيسى للسمكة عودى كما كنت مشوية فعادت باذن الله تعالى فقال الحواريون يا روح الله أنت أول من يأكل من هذه السمكة فقال لهم معاذ الله انما يأكل منها من سأل عنها فأبى الحواريون أن يأكلوا منها خشية أن تكون فتنة فعند ذلك ناجى عيسى عليه السلام الفقراء والمساكين وأصحاب العاهات من المجذوبين والبرصى والعميان والمقعدين بأن يأكلوا منها فأكلوا حتى اكتفوا عن آخرهم وكانوا نحو الف وثلاثمائة انسان فبريء منها أصحاب العاهات جميعهم بإذن الله تعالى وقال الشيخ شرف الدين عمر بن الفارض في المعنى
ولو قربوا من حانها مقعدا ... وينطق من ذكرى مداناتها البكم
ولو جليت يوما على أكمه غدا ... بصيرا ومن راووقها يسمع الصم(1/122)
قال فلما سمع الناس بذلك ازدحموا على الأكل منها وجاءوا اليها من سائر الاقطار فلما رأى عيسى ازدحام الناس عليها جعلها أقساما بينهم فللفقراء يوم وللاغنياء يوم فكانت هذه المائدة تنزل كل يومين مرة كما كانت ناقة صالح تختفى يوما وتظهر يوما فاستمر على ذلك أربعين يوما قال مجاهد انها كانت تنزل في وقت الضحى فتنزل قليلا قليلا ثم ترتفع قليلا قليلا والناس ينظرون اليها وهي بين الغمام حتى تتوارى. قال الواقدى ان المائدة كانت تنزل بكنيسة صهيون0 قال وهب بن منبه ان جماعة من بني إسرائيل شكوا في أمر المائدة وقالوا انها ليست من عند الله فلما ظنوا ظن السوء مسخ منهم جماعة خنازير وجماعة قردة فكان عدة من نسخ ثلاثين انسانا فجاءوا الى عيسى وهم يبكون بين يديه فقال لهم الست أنت فلانا وأنت فلانا وأنت فلانا فأومؤا برؤسهم أي بلى فأقاموا على ذلك سبعة أيام وابتلعتهم الأرض انتهى حديث المائدة قال السدى فرق بعضهم بين المائدة والسفرة فقال ان المائدة ما امتدوا نبسط مثل المنديل والثوب وما أشبه ذلك وأما السفرة فهي التي تكون مضمونة بغلائف وحلق لأنها اذا كانت مضمومة وفتحت أسفر ما فيها أي بان فلذلك سميت سفرة والسماط من الموائد وأما المائدة فمن عرف العجم وأما السفرة فمن عرف العرب وتسمى المائدة خوانا أيضا قال كعب الاحبار لما ظهرت ملة عيسى عليه السلام وانتشرت في الآفاق رغب أكثر الناس الدخول في ملته فانحطت ملة اليهود وضعفت في أيام عيسى وأقبل الناس على عيسى وأنزل الله عليه الانجيل وكان يحيى الموتى باذن الله فلما رأى الملك هردوس المعجزات الباهرة عزم على قتل المسيح عيسى عليه السلام بموافقة جماعة من أحبار اليهود فهجموا على عيسى وهو عند أمه مريم فدخل عليه واحد منهم البيت فلما استبطأ القوم صاحبهم دخلوا عليه فشبه لهم أنه عيسى عليه السلام فكشفوا رأسه وألبسوه تاجا من شعر وأركبوه على جريدة خضراء وطافوا به في المدينة ثم نصبوا له خشبتين مثل صاري المركب وأوثقوا الحبال في يديه ورجليه وسارت اليهود حوله ثم قدموه الى هاتين الخشبتين وصلبوه عليهما وصلبوا معه اثنين من اللصوص وهو مصداق قول الله تعالي (وما قتلوه وما صلبوه ولكن شبه لهم) وقوله (وما قتلوه يقينا بل رفعه الله اليه) قال العزيزي ان الرجل الذي اشتبه علهم بعيسى اسمه أشيوع وكان من أحبار اليهود0 قال وهب بن منبه لما صلب شبيه عيسى عليه السلام كان ذلك يوم الجمعة في الساعة الثالثة من النهار وأظلمت الدنيا ثلاثة أيام الى الساعة الثالثة من النهار وزلزت الأرض في ذلك اليوم وكان رفعه في خامس عشر نيسان من شهور الروم الموافق التاسع والعشرين برمهات من شهرو القبط0 قال الثعلبي كان عمر عيسى عليه السلام لما رفع الى السماء نحوا من ثلاث وثلين سنة على ما قيل قال السدى ان عيسى رفع من كنيسة السليق ببيت المقدس فلما رفع الى السماء كساه الله تعالى أوصاف الملائكة وقطع عنه لذة المطعم والمشرب وصار ملكا سماويا أرضيا وهو حي الى الآن وهذا مذهب أهل السنة قال الثعلبي ان مريم عليها السلام توفيت بعد رفع ولدها عليه السلام بست سنين وكانت مدة حياتها نحوا من ستين سنة ولما ماتت دفنت ببيت المقدس وقبرها يزار هناك الى الآن صلوات الله عليهما0 وقد أجاد الشيخ عبدالعزيز الديريني بهذه الأبيات في الرد على من يعتقد أن عيسى قتل أو صلب وقيل أن الأبيات لابن تيمية
عجبا للمسيح بين النصارى ... حيث قالوا ان الاله أبوه
ثم قالوا ابن الاله إله ... ثم قاموا بجعلهم عبدوه
ثم جاءوا بشيء أعجب من ذا ... حيث قالوا بأنهم صلبوه
ليت شعرى وليتني كنت أدري ... ساعة الصلب أين كان أبوه
حي خلى ابنه رهين الأعادي ... أتراهم أرضوه أم أغضبوه
عجبي للمسيح بين النصارى ... والى أي والد نسبوه
أسلموه الى اليهود وقالوا ... انهم بعد قتله صلبوه
واذا كان ما يقولون حقا ... وصحيحا فأين ما نسبوه
فلئن كان راضيا بأذاهم ... فاحمدوهم لانهم عذبوه
ولئن كان ساخطا فاتركوه ... واعبدوهم لانهم غلبوه
وقال شمس الدين بن الصائغ الحنفي على عروض ذلك وأجاد(1/123)
أعباد المسيح لنا سؤال ... نريد جوابه ممن وعاه
اذا مات الاله بفعل عبد ... يهودي فما هذا الاله
وهل بقى الوجود بلا إله ... سميع يستجيب لمن دعاه
ومن رزق البرية وهوميت ... ومن حفظ الوجود ومن حواه
وهل هو عاد لما شاء حيا ... إلها أم تولاه سواه
وهل رضى المسيح الصلب عمدا ... وسكنى القبر أم أرضى أباه
والا عنوة فالعبد أقوى ... من المعبود بفعل ما يراه
فمن يفهم لما قلنا جوابا ... يجاوب أو يتب مما افتراه
قال ابن رزق ان الملكة أم الملك قسطنطين الأكبر التي بنت كنيسة القيامة ببيت المقدس ولما توجهت هناك وجدت الخشتبتين اللتين صلب عليهما المسيح بزعمهم وخشبة ثالثة فالجملة ثلاثة أخشاب فزعمت النصارى أن ثلاثة من الأموات ألقوا على تلك الأخشاب فعادوا أحياء في الحال فلما رأت الملكة هيلانة ذلك صنعت لتلك الأخشاب غلفا من الذهب فاتخذوا ذلك اليوم عيدا وسموه عيد الصليب وذلك بعد ولادة المسيح بثلاثمائة وثمانية وعشرين سنة وهذا غاية اعتقاد النصارى في أمر الصليب0 وكان عيسة نبيا مرسلا وهو من أولى العزم من الرسل الخمسة وقد قال الله تعالى (واذ قال عيسى ابن مريم يا بنيى إسرائيل اني رسول الله اليكم مصدقا لما بين يدي من التوارة ومبشرا برسول يأتي من بعدى اسمه أحمد) الآية قال مقاتل كان بين عيسى ومحمد صلى الله عليهما وسلم قريب من ستمائة سنة وقال الكلبي كان بينهما خمسائة واربعون سنة وهي زمن الفترة في غير العرب لأن الله تعالى لم يرسل لأهل تلك الجهة نبيا بعد عيسى ابن مرين وشريعة الأنبياء قبل نبينا كانت تنتقطع بموته حتى يرسل غيره اما بشرع أو يوحي اليه بتقرير شريعة من قبله من الأنبياء إلا نبيا صلى الله عليه وسلم فشريعته لم تنسخ بل هي باقية الى قرب قيام الساعة
ذكر نزول عيسى عليه السلام الى الأرض(1/124)
قال أويس الثقفي سمعت رسول صلى يقول ينزل عيسى ابن مريم عند قيام الساعة ويكون نزوله على المنارة البيضاء التي بشرق جامع دمشق وصفته مربوع القامة أسود الشعر أبيض اللون فاذا نزل يدخل المسجد ويقعد على المنبر فتتسامع الناس به فيدخل عليه المسلمون والنصارى واليهود فيزدحمون هناك حتى يطأ بعضهم رأس بعض فيأتي مؤذن المسلمين فيقيم الصلاة وهي صلاة الفجر فيصلي عيسى مأموما مقتديا بالمهدي ومن النكت اللطيف ما أورده الشيخ أبو الفرج ابن الجوزي في بعض مصنفاته أن الشيخ أبا القاسم القشيرى رضي الله تعالى عنه كان مقيما فيما وراء النهر وكان شابا عاقلا علامة عصره فى علم الشريعة والحقيقة فصنف ألف كتاب فى علوم شتى وكان له تلميذ لا يفارقه ساعة واحدة فلما كان فى بعض الأيام أخرج الشيخ أبو القاسم ما كان صنفه من الكتب المتقدم ذكرها ووضعها فى صندوق من الخشب ووضع مع تلك الكتب مصحفا شريفا وأغلق ذلك الصندوق بقفل وقال لتلميذه خذ هذا الصندوق واذهب به الى نهر جحيون وارمه فيه فحمل المريد ذلك الصندوق وخرج به من عند الشيخ فقال فى نفسه وكيف أرمى ألف كتاب من مصنفات الشيخ وقد تعب فى جمعها وأفنى عمره فيها فرجع بالصندوق الى داره ثم جاء الى الشيخ فقال له الشيخ أرميت الصندوق فى النهر قال نعم قال الشيخ فما رأيت عند رميه قال ما رأيت شيئا فقال اذهب فارمه ولا تخالف فذهب المريد فألقى الصندوق فى النهر فلما خرجت يد من الماء وتلقت ذلك الصندوق وأخذته فقال المريد من أنت أيها الشخص فقال عبد ربى مأمور بحفظ هذا الصندوق فرجع المريد الى الشيخ وقال انى قدر رميته فخرجت يد فتلقته فقال الشيخ الآن قد ألقيته ثم ان المريد صار فى قلق على الصندوق ولم يقدر يسأل الشيخ عن سبب القاء الصندوق فى النهر ومن تناوله فعلم الشيخ مراد تلميذه فقال له يوما من الأيام يافلان أتريد أن تعلم حقيقة حال الصندوق فقال التلميذ نعم ياسيدى فقال الشيخ انه اذا خرج الدجال لا يبقى على وجه الأرض كتاب فينزل عيسى عليه السلام ويقتل الدجال ويكون على شريعة محمد صلى الله عليه وسلم ويأمره الله تعالى أن يحكم على شريعته فيطلب مصحفا وكتبا فلم يجد فعند ذلك ينزل جبرائيل عليه السلام ويقول لعيسى ان الله يأمرك أن تتوجه الى نهر جيحون وتصلى ركتين وتنادى وتقول يا أمين الله على بكتب أبى القاسم القشيرى وسلم الى الصندوق فان الله تعالى أمرنى أن أحكم بين الناس بالشريعة المحمدية فيذهب عيسى ويفعل ما أمره به جبرائيل فينشق النهر بقدرة الله تعالى ويخرج منه الصندوق فيأخذه عيسى عليه السلام فيجد فى الصندوق المصحف والكتب فيقرؤها ويحكم بين الناس بمقتضاها نقل ذلك ابن الجوزى قال ولما يظهر الدجال يخرج من بلاد أصفهان طوله عشرة أذرع واحدى عينيه ممسوحة من أصل الخلقة كأنه نزل بعين واحدة نرجوه سبحانه وتعالى أن يعمى له الأخرى مكتوب بين عينيه كافر يقرؤه كل قارئ عن قرب وعن بعد ومكتوب تحت ذلك سعيد من خالفه وشقى من أطاقه ويظهر للناس أن له جنة ونارا فناره وجنته نار فيطوف البلاد ويقتل العباد ويقول أنا ربكم الأعلى فيجتمع اليه الجم الغفير من الناس من جميع الطوائف فيجتمع عنده من العساكر نحو ألف وستين ألفا فيزحف بهم من أصفهان إلى دمشق في أربعين يوما ثم يدخل بيت المقدس ويكثر فيه من القتل والسبي فيظهر في ذلك الوقت شخص يقال له المهدي وصفته على خده الأيمن شامة وبين كتفيه شامة فيجتمع إليه الناس فيسير بهم إلى محاربة الدجال فيدخل إلى دمشق الشام ثم ينزل بعد ذلك عيسى ابن مريم على المنارة البيضاء الشهيرة الآن بمنارة عيسى عليه السلام فيلقى مع المهدي بجامع مع بنى أمية في دمشق الشام فيصلي هناك المهدي إماما وعيسى مأموما ثم يخرج اليهما الدجال بمن معه من العساكر فيلتقى معهما على مدينة لّد فيحاربه عيسى عليه السلام فينكسر الدجال ويقتله عيسى بحربته التى تكون بيده ثم أن عيسى بعد قتل الدجال يمهد الأرض شرقا وغربا و لا يدع على وجه الأرض يهوديا ولا نصرانيا ويصير الدين كله واحدا على ملة محمد صلى الله عليه وسلم ويظهر العدل بين الناس برا وبحرا فعند ذلك يوحى الله إلى الأرض بأن تخرج بركتها وخيرها للناس كما كانت في الأول حتى قيل أن عشرة من الناس يجتمعون على عنقود من العنب وعلى رمانة واحدة فيأكلون منها ويبقى من المأكول(1/125)
أكثرر مما أكلوا منه وعلى هذا فقس جميع الأشياء التى تؤكل ويكثر العدل حتى أن الحية تكون بيد الطفل فلا تؤذيه ويلعب بها ولا تضره ويكون الأسد مع الشاة فلا يفترسها ويكون الذئب مع الغنم فلا يؤذيها وهو إلى جانبها حتى ان الحي يمر على الميت فيقول له ليتك كنت حيا ورأيت هذه الأيام فيستمر الحال على ذلك أربعين سنة ثم أن عيسى يتزوج بأمرآة من أهل عسقلان ويولد له ولدان منها ثم أن عيسى عليه السلام يحج إلى بيت الله الحرام ويزور قبر محمد صلى الله عليه وسلم فيمرض هناك فيموت ويدفن إلى جانب قبر رسول الله صلى الله عليه وسلم كما روى في بعض الأخبار ثم أن المهدي بعد موت عيسى عليه السلام يأخذ جميع السادات الأشراف قاطبة ويسير بهم إلى الكوفة ويموت هناك ويرسل الله تعالى ريحا طيبة فتقبض روح كل مؤمن على وجه الأرض ويبقى شرار الناس فتقوم عليهم الساعة ويصير الناس يتهارجون كما تتهارج الحمر فعند ذلك يفتح سد يأجوج ومأجوج ويخرجون إلى الأرض ويفسدون ما فيها من أشجار ونبات ويشربون الأنهار والبحار ويصلون إلى بحيرة طبرية ويشربون ماءها جميعا وقد تقدم الكلام على ذلك ولم يسلم من فتنه يأجوج ومأجوج سوى أهل مكة والمدينة المشرفة وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة ومكة محفوفتان بالملائكة على كل نقب منها ملك فلا يدخلها الدجال ولا يأجوج ومأجوج ولا الطاعون وقد قال ابن أبى حجلة مشيرا إلى ذلك بقولهما أكلوا منه وعلى هذا فقس جميع الأشياء التى تؤكل ويكثر العدل حتى أن الحية تكون بيد الطفل فلا تؤذيه ويلعب بها ولا تضره ويكون الأسد مع الشاة فلا يفترسها ويكون الذئب مع الغنم فلا يؤذيها وهو إلى جانبها حتى ان الحي يمر على الميت فيقول له ليتك كنت حيا ورأيت هذه الأيام فيستمر الحال على ذلك أربعين سنة ثم أن عيسى يتزوج بأمرآة من أهل عسقلان ويولد له ولدان منها ثم أن عيسى عليه السلام يحج إلى بيت الله الحرام ويزور قبر محمد صلى الله عليه وسلم فيمرض هناك فيموت ويدفن إلى جانب قبر رسول الله صلى الله عليه وسلم كما روى في بعض الأخبار ثم أن المهدي بعد موت عيسى عليه السلام يأخذ جميع السادات الأشراف قاطبة ويسير بهم إلى الكوفة ويموت هناك ويرسل الله تعالى ريحا طيبة فتقبض روح كل مؤمن على وجه الأرض ويبقى شرار الناس فتقوم عليهم الساعة ويصير الناس يتهارجون كما تتهارج الحمر فعند ذلك يفتح سد يأجوج ومأجوج ويخرجون إلى الأرض ويفسدون ما فيها من أشجار ونبات ويشربون الأنهار والبحار ويصلون إلى بحيرة طبرية ويشربون ماءها جميعا وقد تقدم الكلام على ذلك ولم يسلم من فتنه يأجوج ومأجوج سوى أهل مكة والمدينة المشرفة وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة ومكة محفوفتان بالملائكة على كل نقب منها ملك فلا يدخلها الدجال ولا يأجوج ومأجوج ولا الطاعون وقد قال ابن أبى حجلة مشيرا إلى ذلك بقوله
مدينته شاعت أحاديث فضلها ... وسارت بها الركبان في كل بلدة
فما روع الدجال ساكن أرضها ... ولا مات بالطاعون فيها وبكة(1/126)
قال فلما تفسد الأحوال يخرج الله تعالى إلى الناس دابة مما يلى المسعى عند الميلين الأخضرين يقال لها السحاب وهو قوله تعالى (واذا وقع القول عليهم أخرجنا لهم دابة من الأرض تكلمهم أن الناس كانوا بأياتنا لا يوقنون). قال وهب بن منبه بينما عيسى عليه السلام يطوف بالبيت فتضطرب الأرض وتنشق مما يلى المسعى فتخرج من هناك الدابة فأول ما يخرج منها رأسها وهي ذات ريش وزغب كريش الطير ولها جناحان ورأسها يلمس السحاب ورجلاها تحت تخوم الأرض. وقال السدي أن رأس الدبة كرأس الثور وعينيها كعيني الخنزير وأذنيها كأذن الفيل ولونها كلون النمر وصدرها كصدر الأسد وقرونها كقرون الأبل وذنبها كذنب الكبش وقوائمها كقوائم البعير ووجهها كوجه الأنسان فلا يدركها طالب ولا يفوتها هارب ومعها عصى موسى وخاتم سليمان فتختم وجوه الكفار بخاتم سليمان وتجلو وجه المؤمن بالوسم الذي في وجوههم وهو هذا مؤمن وهذا كافر ثم بعد ذلك تطلع الشمس من مغربها فمن شدة حرها يموت من بقي من الناس من أنس وجان ويغلق باب التوبه عن الناس قال أبو ذر قلت للنبي صلى الله عليه وسلم كم عدد الأنبياء قال مائة ألف نبي وأربعة وعشرون ألف نبي فمنهم المرسلون ثلاثمائة وثلاثة عشر مرسلا أو أربعة عشر أو خمسة عشر. قال الثعلبي مجموع الكتب التي أنزلت على المرسلين أربعة وهي التوراة وألنجيل والزبور والفرقان وأما الصحف المنزلة فهي مائة وعشرة صحف نزل منها على شيث بن أدم ستون صحيفة ونزل منها على أدريس ثلاثون صحيفة ومنها على إبراهيم عشرون صحيفة. قال وهب بن منبه أنزل الله التوراة على موسى عليه السلام في ألواح من الزمرد الأخضر فكتبها موسى فى أربعة وعشرين سفرا وهي ألف سورة في كل سورة ألف أية فمسكها بنو اسرائيل من بعد موسى برهة من الزمان ثم حرفوها وغيروها. قال ابن عباس رضى الله عنهما لا يجوز للجنب أن يمس شيئا من الكتب المنزلة. وأما الأنجيل فأنه أنزل على عيسى عليه السلام وأن قومه بدوله أكثر تبديلا من التوراة فأن علماء بنى اسرائيل كانوا أربعة وهم مرقص ولوقا ومتى ويوحنا ولما مات عيسى عليه السلام كتب كل واحد منهم انجيلا وأحاله إلى نفسه وليس لهم في ذلك حجة فصار كل أنجيل مخالفا للآخر أما بزيادة أو نقصان أو اظهار تصويرهم في كنائسهم ليس لهم به حجة وكذلك تركهم للختان ونقلهم صيامهم إلى زمن الربيع وزيادتهم الصوم إلى خمسين يوما ليس لهم في ذلك حجة وأكلهم لحم الخنزير وترك تزويج الرهبان فليس به حجة ومشوا على ذلك إلى الآن {سؤال لطيف} وهو أن الكتب المنزلة كلها ذهبت وحرفوها وغيروها فمشى على ذلك التغير علماؤهم ولم يشكوا في ذلك والقرآن لم يتغير ولم يتبدل منه حرف واحد. الجواب أن الله تعالى قال في القرآن العظيم (إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون) فحفظه الله من التغير والتبديل والعدم حتى قيل أنه لا يحترق وأن قال قائل اذا حرقته يحترق نقول نعم الا أن المعنى اذا كان في الدنيا مصحف واحد وأريد حرقه لا يحترق لقوله تعالى (إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون) وكانت الفترة التي بين عيسى ومحمد صلى الله عليه وسلم قريبة من ستمائة سنة وقال الكلبي خمسمائة وأربعون سنة. وقال وهب بن منبه أن آدم عاش من العمر ألف سنة وقال الثعلبي من هبوط آدمالى الهجرة النبوية ستة آلاف سنة ومائة وثلاثون سنة قال وهب بن منبه كان بين موت آدم وطوفان نوح ألفان ومائتان وأربعون سنة وكان بين إبراهيم وموسى ستمائة سنة وكان بين موسى وداود خمسمائة سنة وكان بين داود وابنه سليمان وبين عيسى ألف ومائة سنة وكان بين عيسى ومحمد صلى الله عليه وسلم وعليهم أجمعين ستمائة سنة والله أعلم بحقيقة الحال واليه المرجع والمآل. أقول وبالله التوفيق قد طالعت هذا التاريخ من عدة تواريخ منها ما روى عن الثعلبي ونقله الكسائي والحجري وابن الجوزي وغير ذلك من الرواة المؤرخين وما وافق مما وقع عليه اختيارى وذلك على سبيل الأختصار ليكون طالبه على أقتدار وأنا أسأل الواقف عليه أن يصلح شيئا لا يوافق لديه والله الموفق للصواب وإليه المرجع والمآب.
(ديسك رقم 3 (بدائع الزهور) لعماد زين )(1/127)
وحوتا مشويا ثم سارا على الساحل أياما فلم يرياه فقال يارب أرشدني إليه فأوحى الله إليه ياموسى إذا رأيت الحوت الذى معك قد صار حيا فذلك موضعه فسار موسى ومعه فتاه وإذا بقبة عظيمة وفيها قوم يركعون ويسجدون فسلم موسى عليهم فردوا عليه السلام فسألهم من تكونون وعن الخضر فقالوا نحن ملائكة نعبد الله في هذه القبة من حين خلق هذه البحر فسر فإن الله يرشدك فسار موسى حتى وصل إلى صخرة وعين ماء فقعد موسى عندها فنام وكان الحوت فى زنبيل وإذا بالحوت قد سقط فى تلك العين ويوشع ينظر إليه فانتبه موسى ونسى يوشع أن يخبره بقضية الحوت فدعا يمشيان حتى بلغا نهرا ينصب فى البحر فقعد بجانبه موسى وقال ليوشع (آتنا غداءنا لقد لقينا من سفرنا هذا نصبا) فأخرج يوشع الخبز وأخبره بذهاب الحوت عند الصخرة فقال موسى (ذلك ما كنا نبغ فارتدا على آثارهما قصصا) حتى أتيا إلى الصخرة فنظر يمنة ويسرة فاذا هو بالخضر يصلى فى جزيرة من جزائر البحر فقال موسى لفتاه ارجع أنت لبنى اسرائيل وكن مع هرون حتى أرجع ومشى موسى حتى وصل إلى الخضر فوقف ينتظر فراغه من الصلاة فأحس به الخضر فالتفت من صلاته وقال السلام عليك ياموسى بن عمران فقال موسى وعليك السلام أيها العبد الصالح من أين عرفتنى فقال الخضر عرفنى بك فقال له الخضر ياموسى سل عما بدا لك فقال موسى (هل أتبعك على أن تعلمن مما علمت رشدا قال انك لن تستطيع معى صبرا) لأنى أعمل على الباطن وأنت تعمل على الظاهر (قال ستجدنى ان شاء الله صابرا ولا أعصى لك أمرا قال فان اتبعتنى فلا تسألنى عن شئ حتى أحدث لك منه ذكرا) فسار على جانب البحر واذا بطائر قد أقبل فغمس منقاره فى البحر ثم أخرجه فمسحه على جناحه وطار نحو المشرق حتى غاب ثم طار نحو الغرب حتى غاب ثم رجع فصاح فقال الخضر لموسى أتدرى ما قال هذا الطائر قال لا قال انه ما أوتوا من العلم إلا بمقدار ما أخذت بمنقارى من هذا البحر فتعجب موسى من علمه ثم خرجا على الساحل يمشيان فبلغا إلى مقبرة فجعلا ينظران الى جماجم الموتى وعظامهم فقال الخضر ياموسى هذه جمجمة فلان المملوك وهذه جمجمة أخيه وعد لموسى سبع جماجم اخوة فنطقوا كلهم عن أسمائهم وأفعالهم فتعجب موسى وخرجا من القرية ومشيا على الساحل فاذا هم بسفينة قد رفع أهلها شراعها وهم يسيرون فى وسط البحر فلوح الخضر إليهم فأقبلوا اليه وقالوا ما حاجتك قال أريد موضع كذا وكذا وأحب أن تحملونا الى هناك فقربوا السفينة ودخلا عندهم فساروا حتى صاروا فى لجة البحر فعمد الخضر الى لوح من ألواح السفينة فكسره وسد موضعه بخرقة كانت معه قال له موسى (أخرقتها لتغرق أهلها) ليس هذا جزاء أهلها فانهم حملونا بلا أجرة قال الخضر (ألم أقل لك أنك لن تستطيع معى صبرا) فسكت موسى و (قال لاتؤاخذنى بما نسيت) الآية . ثم ساروا قليلا فاستقبلتهم سفينة ملكهم فقالوا ان الملك يريد سفينتكم ان لم يكن فيها عيب فدخلوها فوجدوها معيبة وهو الموضع الذى مسره الخضر فتركوها فخرج الخضر وموسى من السفينة وجعلا يمشيان فلقيا غلمانا يلعبون وفيهم غلام أحسن ما يكون فأخرجه الخضر من بينهم وعمد الى صخرة فضرب بها رأس ذلك الغلام فقتله فعظم ذلك على موسى فقال أيها الصالح (أقتلت نفسا زكية بغير نفس لقد جئت شيئا نكرا) قال الخضر ياابن عمران (ألم أقل لك انك لن تستطيع معى صبرا قال ان سألتك عن شئ بعدها فلا تصاحبنى قد بلغت من لدنى عذرا) ثم سارا (حتى أتيا أهل قرية استعما أهلها فأبوا أن يضيفوهما فوجدا فيها جدارا يريد أن ينقضّ فأقامه) الخضر وجمع الطين والحجارة وسواه فضجر موسى فقال أيها العبد الصالح استطعمت أهل هذه القرية فلم يكمعوك قال يابن عمران هذا فراق بينى وبينك وانى منبئك أما السفينة فكانت لعشرة أنفس خمسة ضعاف مرضى وخمسة صحاح وكان الأصحاء يعملون للمرضى وكان ذلك الملك يأخذ السفن السالمة غصبا فعبتها لئلا يأخذها الملك وأما الغلام فكان يقطع الطريق وكان أبواه ينفران منه ويدعوان عليه فقتلته لانى لو تركته لكان فعله يوجب لأبويه الكفر ولم ير الله ذلك لهما وأن يرزقهما خيرا منه (وأما الجدار فكان لغلامين يتيمين فى المدينة وكان تحته كنزهما) ولو سقط الحائط لتبين الكنز وذهب المال فأراد الله أن يبقيه لهما ببركة والدهما فذلك تأويل ما لم تسطع عليه صبرا انتهى . ولما توفى موسى صلى(1/128)
اللهه عليه وسلم أرسل الله اليه ملك الموت فجاء وهو يقرأ فى التوراة بين أهله فقال السلام عليك ياموسى فقال وعليك السلام من أنت قال أنا ملك الموت جئت لقبض روحك ولكنى أراك تكلمنى كلام من شرب المسكر فاختلط عقل موسى عند ذلك وقال ما شربت مسكرا قال فادن منى حتى أشم رائحتك فدنا منه فقال تنفس فتنفس فقبضها ومضى ملك الموت عليه السلامليه وسلم أرسل الله اليه ملك الموت فجاء وهو يقرأ فى التوراة بين أهله فقال السلام عليك ياموسى فقال وعليك السلام من أنت قال أنا ملك الموت جئت لقبض روحك ولكنى أراك تكلمنى كلام من شرب المسكر فاختلط عقل موسى عند ذلك وقال ما شربت مسكرا قال فادن منى حتى أشم رائحتك فدنا منه فقال تنفس فتنفس فقبضها ومضى ملك الموت عليه السلام(1/129)