مركز بحوث ودراسات المدينة المنورة
الملتقى العلمي للتوثيق الميداني لغزوة الخندق
المحور الخامس
التَّوْثِيقُ القُرآنيُّ لِغَزْوَةِ الخندَقِ
بحثٌ من إعدادِ
أحمد بن محمد الشرقاوي
أستاذ التفسير وعلوم القرآن المشارك بجامعة الأزهر
وكلية التربية للبنات بالقصيم
1427 - 1428 هـ
بسم الله الرحمن الرحيم
المقدمة
الحمدُ للهِ منزلِ الكتابِ ومجري السحابِ وهازمِ الأحزاب ، وأشهد أن لا إله إلا الله : العزيزِ الوهابِ أنعم بالطاعات وأثاب ، وأسدلَ ستره على العصاةِ ، وعنده حسنُ المتابِ .
وأشهد أن نبينا وقائدنا وقدوتنا محمدٌ رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وأصحابِهِ أولي الألبابِ ، ومن تبعه بإحسانٍ إلى يوم المآبِ .
وبعد : فلا يخفى على أحدٍ هذا الواقع المريرُ الذي تمر به أمتُنا : وما تعانِيهِ مِنْ أَزَمَاتٍ مُتَلاحِقَةٍ ، ومَا تُوَاجِهُهُ مِنْ فِتَنٍ مُتَعَاقِبَةٍ ، وما تكابِدُهُ من أعداءٍ متربِّصين ، يمكرونَ لها ليلَ نهار ، فتنٌ متلاطمةٌ ، ونَكباتٌ قاصمةٌ لا سبيلَ إلى العصمةِ منها إلا بالرجوعِ إلى الدستورِ الخالدِ الذي أنزله ربُّنا هدى وشفاءً وتبيانا لكلِّ شيءٍ ، في ضوءِ ما اشتمل عليه من حِكَمٍ وأحكامٍ وقصصٍ وأمثالٍ ووعدٍ ووعيدٍ .(1/1)
ومن أهمِّ المقاصد الشرعية والمطالبِ الضروريةِ للدعاةِ والمصلحين والحكَّامِ والقادةِ المخلصينَ الناصحينَ : دراسةُ السيرةِ النبويةِ وتدبرها ، واستخلاصُ عبرها ، والتقاطُ دررها ، واستنباطُ أحكامِها ؛ فهي مَعِينٌ لا ينضبُ ومنهلٌ فُراتٌ ، وسجلٌ حافلٌ بالدروسِ والعِظات ، التي تزخرُ بها مصادرُها الأصيلة ، وفي مقدمتها القرآنُ الكريم ، بما اتَّسَمَ بِهِ من منهجٍ فريدٍ ومسلكٍ عجيبٍ ، مع دقَّةِ الألفاظِ ، وتنوعِ القراءات ، وثراءِ المعنى ، وروعةِ الأساليبِ في سردِ الأحداثِ وتحليلِ المواقفِ والشخصياتِ واستخلاصِ العبر والعظات ، مع مراعاة مقاصد السورِ وسياقِ الآيات ، مع العرضِ الشيَّقِ والاتساقِ البديعِ والتسلسلِ الأخَّاذِ .
وفي هذه الدراسةِ نتناول بالتفسير والبيانِ الآياتِ الواردةَ في غزوةِ الأحزاب في ضوء المنهجِ الأمثل لتفسير القرآن والذي بيَّنا معالمه وأبرزنا سماتِه في بحثنا السابق " نحو منهج أمثل لتفسير القرآن " (1)ومن أهمِّ تلك المعالمِ وأبرزِ هذهِ السماتِ : العيشُ في رحابِ القرآن ، وتنزيلُ الآيات على الواقع ، ومراعاةُ الإيجازِ مع التيسيرِ ، والجمعُ بين الأصالةِ والتجديدِ ، ومراعاةُ مقاصدِ القرآن الكريم وأصولِ التفسيرِ وقواعدِه ، وسماتِ الخطابِ وَتَنَوُّعِهِ ، مع تجنب الاستطراد إلى ما لا صلة له بالتفسير .
وأرجو من القارئ الكريمِ أن يُتْحِفَنِي بملاحظاتِه وتوجيهاتِهِ .
واللهَ أسألُ أن يجعلَ هذا العملَ خالصًا لوجههِ الكريمِ وأن يرزُقَنَا القَبُولَ .
كتبه : أحمد بن محمد الشرقاوي
أستاذ التفسير وعلوم القرآن المشارك
بجامعة الأزهر
وكلية التربية للبنات بالقصيم
Sharkawe2000@yahoo.com
جوال 0508859385
تمهيد(1/2)
غنيٌّ عن البيانِ : ذلك المنهجُ القرآنيُّ الفريدُ في عرضِ أحداثِ التاريخ وسردِ أبوابٍ من سيرةِ المصطفى ( ، وتسليطِ الضوءِ على بعضِ فصولها الكبرى والتي كان من أهمِّها تلك الغزواتُ الفاصلة : غزوةُ بدر وأحد والخندق وتبوك وحنين وغيرها من الغزوات التي غيَّرتْ مجرى التاريخ ، حيثُ شكَّلتْ مُنْعَطَفًا كبيرا في مسيرةِ الدعوةِ الإسلاميةِ .
يعقِّبُ القرآنُ الكريمُ على تلك الغزوات : فيُسَجِّل أحداثَها ، ويُصَوِّرُ مشاهدَها ، ويستحضرُ مواقفَهَا ، ويقفُ على مواطنِها ، ويُشِيدُ بمواقفِ الشجاعةِ والثباتِ ، ويكشفُ عن مواضعِ الخللِ في صفوفِ معسكرِ الإيمانِ الذي تسلل إليه بعضُ المنافقين ؛ سعيًا إلى تثبيطِ المجاهدين وترويعِهِم من العدو الذي يفوقهم في العدد والعتاد ، وصرفِهِمْ عن القتال والمواجهة ، وإثارةِ الفوضى والبلبلةِ في الصفوفِ ، وبثِّ روح الهزيمةِ في النفوسِ .
تأتي الآياتُ القرآنيةُ في سياقِهِا لاستجلاءِ المواقفِ واستخلاصِ العبرِ والفوائدِ ، وبيانِ نعمِ اللهِ ولطفِهِ بعبادِهِ المؤمنينَ ورحمتِه بهم وهم في خِضَمِّ المِحْنَةِ ، ونصرِهِمْ على أعدائِهِمْ .
في قلبِ الأحداثِ وعَقْبِهَا : تتنزَّلُ الآياتُ بالمنهج الربانيِّ الذي يُقوِّم المعوَجَّ ، ويسُدُّ الخلل ، ويُداوِي العِلَلَ ، ويُطبِّبُ القُلُوبَ ، ويُطيِّبُ الخواطرَ ، ويُنقِّي الصفوفَ ، ويُزكِِّي النفوسَ ، ويُحفِّزُ الهمم ، وينهضُ بالشخصيةِ المسلمةِ ، ويصل بها إلى أعلى مراتبِ النُّضجِ ، وَيرْقَى بِهَا إلى مُستَوى المسئوليةِ في إِدَارَةِ الأزَمَاتِ ، ويربِطُ ماضيَها بحاضِرِها ، ويضعُ لها القواعدَ والأصولَ لاستشرافِ مستقبلِهَا ، فيجعل من هذه الأحداثِ المنصرمة : رصيدًا زاخرًا ، وكتابا مسطورًا ومشاهدَ حيَّةً وصورًا نابضةً .(1/3)
يقولُ صاحبُ الظلال : " كانت هذه الشخصيةُ تنضجُ وتنمو ، وتتضحُ سماتُها . وكانت الجماعةُ المسلمةُ التي تتكونُ من تلكَ الشخصياتِ تبرزُ إلى الوجودِ بمقوماتِها الخاصةِ ، وَقِيَمِهَا الأصيلة . وطابِعِها المميزِ بين سائرِ الجماعات .
وكانت الأحداثُ تشتدُّ على الجماعِة الناشئةِ حتى لتبلغ أحياناً درجة الفتنة ، وكانت فتنةً كفتنةِ الذهبِ ، تفصلُ بين الجوهرِ الأصيل والزَّبَدِ الزائف ؛ وتكشف عن حقائق النفوس ومعادنها .
وكان القرآن الكريم يتنزل في إبان الابتلاء أو بعد انقضائه ، يصور الأحداثَ ، ويلقي الأضواء على منحنياته وزواياه ، فتنكشف المواقفُ والمشاعرُ ، والنوايا والضمائرُ ، ثم يخاطبُ القلوبَ وهي مكشوفةٌ في النورِ ، عاريةٌ من كل رداء وستار؛ ويلمس فيها مواضعَ التأَثُّرِ والاستجابةِ ؛ ويربِّيها يوماً بعد يوم ، وحادثاً بعد حادثٍ ؛ ويُرَتِّبُ تأثُّرَاتِهَا واستجاباتِها وفقَ منهجِهِ الذي يريدُ .
أخذهم اللهُ بالتجارب والابتلاءات ، والفتن والامتحانات ؛ لأن هذه الخليقة البشرية لا تصاغ صياغةً سليمة ، ولا تنضج نضجاً صحيحاً ، ولا تصح وتستقيم على منهج إلا بذاك النوع من التربية التجريبية الواقعية ، التي تُحْفرُ في القلوبِ ، وتُنْقَشُ في الأعصابِ ؛ وتأخذُ من النفوسِ وتعطِي في معتركِ الحياةِ . أما القرآنُ فيتنزلُ ليكشفَ لهذه النفوسِ عن حقيقةِ ما يقعُ ودلالتِهِ ؛ وليُوَجِّهَ تلك القلوبَ وهي منصهرةٌ بنار الفتنةِ ، ساخنةً بحرارةِ الابتلاءِ ، قابلةً للطَّرْقِ ، مطاوعةً للصياغة ! " (2).
يأتي النصُّ القرآنيُّ مُعالجا للحدث التاريخيِّ ، مع إبرازِ الدروسِ والعبر التي تظلُّ مناراتٍ وبصائرَ للأمة تقتبس منها ما يُصلحهُا في حاضرِها ومستقبلِها .(1/4)
فَمِنْ سردِ الأحداثِ إلى استخلاصِ العِبرِ ومعالجةِ القصورِ والخلل ، والإشادةِ بمواقف البطولةِ والرجولةِ ، والتدرُّجِ بالأمةِ إلى أعلى مراتبِ الرُّقيِّ والنُّهوضِ ، وبيانِ معيَّةِ اللهِ لعبادِهِ المؤمنينَ ولطفِه بهم وهم في خضمِّ الفتنِ .
تدورُ تلك الآياتُ الكريمةِ التي نزلت إثرَ غزوةٍ من الغزواتِ الكبرى ، احتشدت فيها جيوشُ الكفرِ وتحالفتْ جموعُ البغي من اليهودِ والمشركين والمنافقين فردَّ الله كيدهم وشتت شملهم وردهم بغيظِهم خائبينَ .
ولسوف تلمسُ معي أيُّها القارئُ الكريمُ : كيف يستوعبُ النصُّ القرآني كثيرا من المعاني ، فضلا عن تنوع القراءاتِ التي يتنوعُ بها المعنى ويتشعبُ ، فترى الإيجازَ بأبهى صُورِه والبلاغةَ بأروعِ أساليبها تتدفَّقُ من ثنايا النصوصِ وتتألق من سَنَا التعبيرات القرآنيةِ الجامعةِ .
تقرأُ النصَّ القرآني : فتلقَى فيه ثراءً ووفاءً بالمعنى المرادِ : كأنَّك ترى صُوَرًا وحقائقَ ماثلةً ، ومشاهدَ حيَّةً ، فهو رسالةُ كلِّ العصورِ وخطابُ صالح لجميع الأجيالٍ ؛ ولا غرو فهو المعجزة الخالدة والرسالة المتجددة والنبع الفياض والنهرُ المُطَّرِد والبحر الزاخر الذي لا ساحلَ له : وصدقَ المولى عز وجل إذ يقول في سورة الكهف ( ???? ????? ????? ?????????? ???????? ??????????????? ???????? ???????? ?????????? ??????? ???? ???????? ??????????? ??????? ?????? ?????????? ???????????? ??????? ????? ( .
وحول هذا المعنى يُدندِنُ الشاعر فاسمع إلى قولِه :
جاءَ النبيُّون بالآياتِ فانصرمتْ وجئتَنَا بكتابٍ غيرِ مُنصرمِ
آياتُهُ كلمَا طَالَ المدَى جُدُدٌ يَزِينُهُنَّ جمالُ العِتْقِ والقِدَمِ
كالدُّرِ يزدادُ حُسنًا وَهْوَ منتظمٌ وليسَ ينقُصُ حسنًا غيرَ مُنتظمِ(1/5)
فكلَّما أمعنْتَ النظرَ وأطلتَ التدبُّر وجدتَ نفسَك أمام معنى جديدٍ ، غير الذي سبق إِلى فهمك أولَ مرَّةٍ ، وكذلك حتى ترى للجملةِ الواحدةِ أو للكلمةِ الواحدةِ وجوهًا عدة ، كُلُّهَا يحتملُها النصُّ وتستوعبُهَا العبارةُ القرآنيةُ ، كأنما هي دُرَّةٌ يتيمةٌ تُبهِر الأبصارَ كلَّما نظرتَ إليها من أيِّ ناحيةٍ وجدتَ حسنًا وجمالاً ، وروعةً وبهاءً ، ولمعةً وضياءً ، أو كروضةٍ غَنَّاء في واحةٍ فيحاء قدْ هبَّتْ نسائمُها ، فتمايلَتْ أغصانُها ، وتضَوَّعَتْ رياحينُها ، وغرَّدتْ أطيارُها ، وتبسمتْ أزهارُها ، وتضاحكتْ جداولُها ، وتفتَّقتْ ثمارُها ، وَأينعَتْ قِطافُها : إنها رياضُ القرآن الكريمِ ، وواحةُ الذِّكر ، وحديقةُ الفرقانِ التي أبدع أميرُ الشعراء حين وصفها في بيتين ما أروعَهُما :
وحديقةُ الفرقانِ ضاحكةُ الرُّبَا بالتُّرجُمانِ شَذِيَّةٌ غَنَّاءُ
والوحيُ يقْطُرُ سَلْسَلا من سَلْسَلٍ واللَّوْحُ والقلمُ البديعُ رَوَاءُ
غيرَ أننا لن نلقِي في بحثنا بالاً بتعيين المبهماتِ التي سكت عنها القرآنُ في حديثِه عن هذه الغزوةِ ، فلو كان في تعيينهم فائدةٌ لبيَّنهم القرآنُ الكريمُ أو عرَّفت بهم السنةُ النبويةُ ، ولعلَّ من بين أولئك المنافقينَ من تاب إلى الله تعالى توبةً نصوحًا ، بعد أن حاورهم القرآنُ الكريمُ بهذا الأسلوب المقنِع وعاتبَهم ذلك العتابَ الذي لو وُجِّه إلى صَخرٍ لتصدَّعَ حياءً ورهبةً ، ورِقَّةً وخشيةً .
والقرآن الكريمُ بوجهٍ عامٍ إنَّما يُعْنَى في عرضهِ للأحداثِ باستخلاصِ العبرِ والعِظَاتِ ، وتربيةِ الأفراد والجماعاتِ ، وتقويمِ السلوك المعوَجِّ ، وتشخيصِ الداء ، ووصفِ الدواءِ ، وهدايةِ الحائرينَ ، وإرشادِ السالكينَ ، وبيان عواملِ النصرِ ومُقوِّماتِ التمكينِ .
مع الآياتِ الكريمة
التي نزلت في شأن الغزوة(1/6)
قال تعالى ( ????????????????? ?????????? ??????????? ??????????? ???????? ?????? ?????????? ????? ?????????????? ???????? ???????????????? ?????????? ????????? ??????????? ????? ??????????????? ??????? ?????? ????? ????????????? ????????? ??? ????? ?????????? ???? ????????????? ?????? ?????????? ??????? ??????? ???????? ??????????????? ???????????? ???????????? ?????????????? ???????????????? ???????? ??????????????? ???? ?????????? ???????????? ??????????????? ?????????????? ?????????? ???????? ???? ??????? ???????? ?????????????????? ???????????? ? ????????????? ??????? ???? ?????????? ?????? ?????????????? ??????? ????????? ???? ??????? ??????? ???????????? ?????????? ???????????????? ??????????? ??? ??????? ?????? ??????????????? ??????????????????? ???????? ?????????? ??????????? ???????????? ?????? ????????????? ????????? ????? ???? ??????????? ???? ??????????? ??????? ???????? ???? ??????? ???????? ?????????? ????? ????????????? ????? ??????????? ????????????? ?????????????? ????? ??????????????? ?????? ??????? ?????????? ???? ????????? ???????? ??????????? ?????? ??? ???????? ??? ??????????? ???????????????? ??????? ?????? ?????? ????????????? ???? ???? ???? ???????????? ??????????? ???? ??????????? ????? ??????????? ????? ??????????? ???????? ???? ????????????? ??????? ???????? ???? ????? ??? ??? ???????? ???????????? ????? ?????? ????? ???????? ?????? ????????? ????? ???????? ?????? ????????? ????? ?????????? ????? ???? ????? ?????? ???????? ????? ????????? ???? ? ????? ????????? ?????? ????????????????? ??????? ?????????????????? ??????????????????? ????????(1/7)
????????????? ????? ???????????? ??????????? ??????? ???????? ???? ?????????? ??????????? ????????? ??????? ??????????? ??????????????? ???????????? ?????????? ???????? ??????????????? ??????????? ??????????? ????????? ???? ???????????? ????????? ?????? ??????????? ?????????? ????????????? ??????? ?????????? ????? ???????????? ???????????????? ???? ???????????? ????????????? ?????? ???????????????? ??????? ??????? ????? ?????? ?????????? ???? ?????????????? ?????????????? ???? ????????????? ?????? ???????? ?????????????? ??????????? ????? ?????????? ????????? ? ?????????????? ???????????????? ???? ??????????????????? ??????? ????????? ?????? ???? ?????????????? ??????? ???????? ???? ???????? ????? ?????? ? ??????? ?????? ?????????? ????????? ?????? ????? ?????????? ?????? ????????????? ?????????? ???????? ?????? ???????? ???? ???????? ?????? ??????????????? ?????????????? ????????? ??????? ??? ?????????? ?????? ???????????? ???????? ?????? ????????????? ????? ????????? ???????? ???????????? ?????????????? ???? ????? ??????????????? ??????? ?????????? ??? ??????????? ?????? ?????????? ?????????? ???? ??????? ??????????? ????????? ???? ???????????? ????? ???????????? ??????????? ???? ???????????? ?????? ??????????????? ???????????? ???????????? ?????????????????? ???? ?????? ????? ????????? ???????????? ?????? ?????? ????? ?????????? ????????? ???? ??????? ?????? ?????????? ????????? ??????????????? ???? ???????????? ????????? ??????? ?????? ??????????????? ???????????? ??????? ?????? ??????????? ???????? ???? ?????????? ?????????? ????????????? ????? ????????? ?????????????(1/8)
??? ????????????? ????????? ? ?????????????? ?????????? ?????????? ?????????????? ??????????????? ?????????? ???? ???????????????? ??????????? ??????????????? ???????????????? ?????????? ????? ?????????????? ??????? ?????? ?????? ????? ??????? ????????? ???? ( . ( سورة الأحزاب )
كلمةٌ في السياقِ
هذا المقطعُ من سورةِ الأحزابِ يتناولُ تعقيبا وتحليلا لحدث هامٍّ من الأحداث العِظامِ في تاريخِ أمَّةِ الإسلامِ ، ويصوِّر لنا مشاهدَ من ذلك الابتلاءِ العظيمِ للرعيلِ الأولِ الذين حملوا على أعناقِهِم رسالةَ الإسلامِ ، وَرَوَوا بدمائهم الزكيَّة شجرتَه الطيبةَ المباركة .
مشاهدَ ومواطنَ وصورًا وعبرًا ، لتلك الغزوة الحاسمة في تاريخ أمةِ الإسلام : غزوة الأحزاب ، حيث : " الامتحان لهذه الجماعة الناشئة ، ولكلِّ قيمها وتصوراتها ، ومَن تدبَّرَ هذا النصَّ القرآنيَّ ، وطريقةَ عرضِهِ للحادِثِ ، وأسلوبَه في الوصفِ والتعقيبِ ووقوفَه أمام بعض المشاهدِ والحوادثِ ، والحركاتِ والخوالجِ ، وإبرازَه للقيمِ والسننِ : يدركُ كيف كان اللهُ يربي هذه الأمةَ بالأحداثِ والقرآنِ في آنٍ واحدٍ ." (3)(1/9)
تبدأ الآيات بهذا النداءِ الإيمانيِّ العامِ ( ????????????????? ?????????? ??????????? ??????????? ???????? ?????? ?????????? ????? ?????????????? ???????? ???????????????? ?????????? ????????? ??????????? ????? ??????????????? ??????? ?????? ????? ????????????? ????????? ??? ( وهو النداءُ الثاني في هذه السورة الكريمة التي استُهِلَّت بنداءِ التشريفِ والتكريمِ للنبيِّ ( ( ????????????????? ??????????? ???????? ?????? ????? ???????? ??????????????? ????????????????????? ?????? ?????? ????? ???????? ???????? ??? ????????????? ??? ?????????? ?????????? ??? ?????????? ?????? ?????? ????? ????? ????????????? ???????? ??? ???????????? ????? ??????? ???????? ???????? ??????? ??? (
والصلة بين النداءين واضحةٌ جليَّةٌ : فالأمرُ بالتقوى ، وتجريدِ الطاعة لله ، وعصيانِ أهل الكفر والنفاق ، واتباعِ الوحي الإلهي ، والتوكلِ على الله تعالى ، كلُّ هذه التوجيهاتِ الإلهيةِ للنبيِّ ( ولأمتِهِ تتواكبُ مع تذكيرِهِمْ بنعمةِ النصرِ المبينِ على الأحزابِ التي احتشدتْ لقتالِ المؤمنينَ ، فالذي صَدَقَ وعدَهُ ونَصَرَ عبدَه وأعزَّ جندَه وهَزَمَ الأحزابَ وحدَهُ هو المولى جلَّ وعلا : المستحقُّ للطاعة ، الأحقُّ بالتقوى ، الحقيقُ بالتوكل ( .(1/10)
يربط الإمام الشوكانيُّ بينَ هذهِ الآيةِ التي استُهِلَّتْ بالنداءِ الإيمانيِّ ، وبين مُستَهَلِّ السورة الكريمة بنداء التكريم الموجَّهِ للنبي ( بتقوى الله تعالى فيقول : ( ????????????????? ?????????? ??????????? ??????????? ???????? ?????? ?????????? ????? ?????????????? ???????? ???????????????? ?????????? ????????? ??????????? ????? ??????????????? ??????? ?????? ????? ????????????? ????????? ??? ( : " هذا تحقيقٌ لما سبق من الأمر بتقوى الله بحيث لا يبقى معها خوفٌ من أحد " (4) .
وتفصيل ذلك كما في التفسير الكبير للإمام الرازي : " تحقيقاً لما سَبَقَ من الأمر بتقوى الله بحيث لا يبقى معه خوفٌ من أحد ، وذلك لأن واقعةَ اجتماعِ الأحزاب واشتدادَ الأمر على الأصحابِ ؛ حيث اجتمع المشركون بأسرهم واليهودُ بأجمعِهِم ونزلوا على المدينة وحفرَ النبي ( مع صحابته الخندقَ ، كان الأمرُ في غايةِ الشدةِ والخوفِ بالغاً إلى الغاية ، واللهُ دَفَعَ القومَ عنهم من غير قتالٍ وآمنهم من الخوف ، فينبغي أن لا يخاف العبدُ غيرَ ربه فإنه كافٍ أمره ولا يأمنَ مكره فإنه قادر على كل ممكن ، فكان قادراً على أن يقهر المسلمين بالكفار مع أنهم كانوا ضعفاء كما قهر الكافرين بالمؤمنين مع قوتهم وشوكتهم " (5) .(1/11)
كما يكشف لنا صاحب التحرير والتنوير عن وجه آخر من وجوه المناسبة فيقول : " واختيرت للتذكير بيوم الأحزابِ مناسبةُ الأمر بعدم طاعة الكافرين والمنافقين لأن من النِعم التي حفّت بالمؤمنين في يوم الأحزاب أن الله ردَّ كيدَ الكافرين والمنافقين ؛ فذُكِّر المؤمنون بسابق كيد المنافقين في تلك الأزمة ليحذروا مكائدهم وأراجيفهم في قضية التبنّي وتزوج النبي ( مطلَّقة متبناه ، ولذلك خصّ المنافقون بقوله : ( ??????? ???????? ?????????????????? ???????????? ? ????????????? ??????? ( ( الأحزاب : 12 ) الآيات ؛ على أن قضية إبطال التبنّي وإباحة تزوّج مطلق الأدعياء كان بقرب وقعة الأحزاب . " (6) .
ولا يفوتُنا في ختامِ الحديثِ عن السياقِ : أن نُذََكِّر بأنَ السورةَ الكريمة سُميَّت على اسم تلك الغزوةِ لأنها من أهم الأحداث التي عالجتها السورةُ ، بل إنها المحورُ الرئيسيُّ لهذه السورةِ .
نداءٌ وتذكيرٌ
( ????????????????? ?????????? ??????????? ??????????? ???????? ?????? ?????????? ????? ?????????????? ???????? ???????????????? ?????????? ????????? ??????????? ????? ??????????????? ??????? ?????? ????? ????????????? ????????? ??? ((1/12)
يأتي النداءُ الأولُ لأهلِ الإيمانِ مُذَكِّرًا بنعمةٍ من أجلِّ النعم وأحبِّها إلى النفوسِ : نعمةِ النصر على الأعداء المتآمرين في غزوة من أعظم الغزوات ، ومحنة من أشد المحنِ ، محنة الأحزاب : حيثُ جموعُ الكفرِ من المشركين واليهود والمنافقين الذين اجتمعوا على اختلاف عقائدهم تحت رايةٍ واحدة وعلى غايةٍ واحدة هي وأدُ دعوةِ التوحيدِ واستئصالُ عُصْبَةِ الإيمانِ واستباحةِ دماءِ المسلمينَ وأعراضِهِم وسلبِ أموالهم وديارهم ، حشدوا العَدَدَ والعتادَ ، جاءوا بخيلهم ورجلهم ، زادُهم الحقدُ الدفينُ ، وشعارِهُمُ التربصُ بهذا الدين ، وغايتُهم أن يَدُكُّوا حُصُونَ العقيدةِ وَيُخْمِدُوا نورَ الإيمانِ فلا تقومُ للحقِّ قائمةٌ .
وإنما نادَى عليهم بوصفِ الإيمانِ لأنه تعالى خصَّهم بهذه النعمة التي تمتدُّ بركتُها ويَصِلُ نفعُها إلى كلِّ مُنَعَّمٍ بالإيمانِ .
وسببُ هذه الغزوة : خروجُ كُبَرَاءِ اليهودِ بعدَ إجلاءِ النبيِّ ( لبني النضيرِ بسبب ما كان منهم من غدرٍ وتآمرٍ خرجَ كبراؤهم كَسَلّامِ بْنِ أَبِي الْحُقَيْقِ وحُيَيِّ بنِ أَخْطَب - وَغَيْرِهِ إلَى قُرَيْشٍ بِمَكّةَ يُحَرّضُونَهُمْ عَلَى غَزْوِ رَسُولِ اللّهِ ( وَوَعَدوهُمْ مِنْ أَنْفُسِهِمْ النّصْرَ لَهُمْ . فَأَجَابَتْهُمْ قُرَيْشٌ ، ثُمّ خَرَجُوا إلَى غَطَفَانَ : فَاسْتَجَابُوا لَهُمْ ثُمّ طَافُوا فِي قَبَائِلِ الْعَرَبِ يَدْعُونَهُمْ إلَى ذَلِكَ فَاسْتَجَابَ لَهُمْ مَنْ اسْتَجَابَ .
فَخَرَجَتْ قُرَيْشٌ - وَقَائِدُهُمْ أَبُو سُفْيَانَ - فِي أَرْبَعَةِ آلَافٍ ، وَوَافَقَهُمْ بَنُو سُلَيْمٍ بمرِّ الظّهْرَانِ ، وَبَنُو أَسَدٍ ، وَفَزَارَةُ وَأَشْجَعُ وَغَيْرُهُمْ ، وَكَانَ مَنْ وَافَى الْخَنْدَقَ مِنْ الْمُشْرِكِينَ عَشَرَةَ آلَافٍ .(1/13)
فَلَمّا سَمِعَ رَسُولُ اللّهِ ( بِمَسِيرِهِمْ إلَيْهِ اسْتَشَارَ أَصْحَابَهُ ، فَأَشَارَ عَلَيْهِ سَلْمَانُ الْفَارِسِيّ ( بِحَفْرِ خَنْدَقٍ يَحُولُ بَيْنَ الْعَدُوّ وَبَيْنَ المَدِينَة ، فَأَمَرَ رَسُولُ اللّهِ ( بذلك ، فَبَادَرَ إلَيْهِ الْمُسْلِمُونَ ، وَعَمِلَ فِيهِ بِنَفْسِهِ ، وَكَانَ فِي حَفْرِهِ مِنْ آيَاتِ نُبُوّتِهِ مَا قَدْ تَوَاتَرَ الْخَبَرُ بِهِ .
وَخَرَجَ ( وَهُمْ يَحْفِرُونَ فِي غَدَاةٍ بَارِدَةٍ ، فَلَمّا رَأَى مَا بِهِمْ مِنْ الشّدّةِ وَالْجُوعِ ، قَالَ : اللّهُمّ لَا عَيْشَ إلّا عَيْشُ الْآخِرَةِ فَاغْفِرْ لِلْأَنْصَارِ وَالْمُهَاجِرَةِ
فَقَالُوا مُجِيبِينَ لَهُ : نَحْنُ الّذِينَ بَايَعُوا مُحَمّدًا عَلَى الْجِهَادِ مَا بَقِينَا أَبَدًا(1/14)
وَخَرَجَ رَسُولُ اللّهِ ( فِي ثَلَاثَةِ آلَافٍ مِنْ الْمُسْلِمِينَ ، فَتَحَصّنَ بِالْجَبَلِ مِنْ خَلْفِهِ - جَبَلُ سَلْعٍ - وَبِالْخَنْدَقِ أَمَامَهُ ، وَأَمَرَ بِالنّسَاءِ وَالذّرَارِيّ فَجُعِلُوا فِي آطَامِ المَدِينَة وَانْطَلَقَ حُيَيّ بْنُ أَخْطَبَ إلَى بَنِي قُرَيْظَةَ ، فَدَنَا مِنْ حِصْنِهِمْ فَأَبَى كَعْبُ بْنُ أَسَدٍ أَنْ يَفْتَحَ لَهُ ، فَلَمْ يَزَلْ يُكَلّمُهُ حَتّى فَتَحَ لَهُ ، فَلَمّا دَخَلَ الْحِصْنَ قَالَ : جِئْتُك بِعِزّ الدّهْرِ ، جِئْتُك بِقُرَيْشِ وَغَطَفَانَ وَأَسَدٍ ، عَلَى قَادَتِهَا لِحَرْبِ مُحَمّدٍ قَالَ : بَلْ جِئْتنِي وَاَللّهِ بِذُلّ الدّهْرِ جِئْتنِي بِجِهَامِ قَدْ أَرَاقَ مَاءَهُ ، فَهُوَ يَرْعُدُ وَيَبْرُقُ لَيْسَ فيهِ شَيْءٌ ، فَلَمْ يَزَلْ حَتّى نَقَضَ الْعَهْدَ الّذِي بَيْنَهُ وَبَيْنَ رَسُولِ اللّهِ ( وَدَخَلَ مَعَ الْمُشْرِكِينَ ، وَسُرَّ بِذَلِكَ الْمُشْرِكُونَ ، وَشَرَطَ كَعْبٌ عَلَى حُيَيّ أَنّهُمْ إنْ لَمْ يَظْفَرُوا بِمُحَمّدٍِ ( أَنْ يَجِيءَ حَتّى يَدْخُلَ مَعَهُمْ فِي حِصْنِهِمْ فَيُصِيبُهُ مَا يُصِيبُهُمْ فَشَرَطَ ذَلِكَ وَوَفَى لَهُ ، وَبَلَغَ رَسُولَ اللّهِ ( الْخَبَرُ ، فَبَعَثَ إلَيْهِمْ السّعْدَيْنِ - سَعْدَ بْنَ مُعَاذٍ ، وَسَعْدَ بْنَ عُبَادَةَ - وَخَوّات بْنُ جُبَيْرٍ ، وَعَبْد اللّهِ بْن رَوَاحَةَ لِيَتَعَرّفُوا الْخَبَرَ ، فَلَمّا دَنَوْا مَعَهُمْ وَجَدُوهُمْ عَلَى أَخْبَثِ مَا يَكُونُ ، وَجَاهَرُوهُمْ بِالسّبِّ ، وَنَالُوا مِنْ رَسُولِ اللّهِ ( ، فَانْصَرَفُوا وَلَحّنُوا لِرَسُولِ اللّهِ ( لَحْنًا ، (7) فَعَظُمَ ذَلِكَ عَلَى الْمُسْلِمِينَ ، فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ ( " اللّهُ أَكْبَرُ أَبْشِرُوا ، يَا مَعْشَرَ الْمُسْلِمِينَ " .(1/15)
وَاشْتَدّ الْبَلَاءُ وَنَجَمَ النّفَاقُ ، وَاسْتَأْذَنَ بَعْضُ بَنِي حَارِثَةَ رَسُولَ اللّهِ ( فِي الذّهَابِ إلَى المَدِينَة ، وَقَالُوا كما أخبر القرآن عنهم (إِنّ بُيُوتَنَا عَوْرَةٌ وَمَا هِيَ بِعَوْرَةٍ إِنْ يُرِيدُونَ إِلّا فِرَارًا ( ( الأحزاب : 13) ، وَأَقَامَ الْمُشْرِكُونَ مُحَاصِرِينَ رَسُولَ اللّهِ ( شَهْرًا . (8)
وذاقَ المسلمون من صنوف المحن وضُروبِ البلاءِ والكربِ ألواناً ، حتى فرَّج الله كربَهُمْ ونصرَهم على عدوِّهم وردَّهم بغيظِهِم وحسرتِهِم دون أن ينالوا من جندِ الحقِّ شيئا .
يأتي النداءُ الإلهيُّ بذلكَ التوجيهِ الربانيِّ للمؤمنينَ الصادقينَ أن يتذاكروا هذه النعمةَ الإلهيةَ ويلهجُوا بالحمدِ والثناءِ على من نَصَرَ جندَهُ وَهَزَمَ الأحزابَ وحدَهُ ، ويستحضروا هذه النعمةَ الجليلةَ في قلوبهم ويتدارسوها في مجالسِهم ويستلهموا من هذه الذِّكرى العطِرة : الزاد الروحيِّ ، ويستخلصوا العبر والفوائد التي تبصِّرهم وتنيرُ لهم طريقَهُم .
فما أحوجَ العبادِ إِلى استحضارِ نعمِ اللهِ تعالى الظاهرةِ والباطنةِ العامَّةِ والخاصَّةِ وأداءِ شكرِهَا بالقلبِ تَذَكُّرًا وَتَفَكُّرًا ، وباللسانِ حمدًا وشكرًا وثناءً وذكرًا ، وبالجوارحِ خُشُوعًا وخُضُوعًا وطاعةًً وانقيادًا .
وقد قيل : أفادتكم النعماءُ مِنِّي ثلاثةً يدِي ولسانِي والضميرَ المحجبَا
إنَّ تذكر هذه النعمة وأثرَها ليس قاصرا على النبي ( والصحابة ( الذين شهدوا تلك الغزوة ، وتجَشَّموا صِعَابَهَا ، وصيروا على لأوائِها ، وَأَبْلَوا فيها أحسنَ بَلاء - : بل تمتدُّ آثارُها وتشمل بركتُها كلَّ من بلغتْهُ دعوةُ اللهِ تعالى وأكرمه الله بهذا الدينِ ، الذي تحالفتْ قوى الكفر من المشركين واليهود والمنافقين للقضاءِ عليه .(1/16)
إن الصحابة ( كانوا يعلِّمون أبناءهم المغازِي كما يعلمونهم السورةَ من القرآن ؛ ليغرسوا في نفوسهم روحَ التضحيةِ والفداء ، والبذلَ والعطاءَ لنصرةِ هذا الدينِ ، ويزدادوا إيمان ويقينًا .
إن نبينا ( لم يكن يحمل همَّ الصحابة وحدهم بل كان يحمل همَّ الأجيالِ المقبلةِ أن تبلغَها هذه الدعوةُ خالصةً نقيَّةً .
تأمل ذلك في دعائه ( في غزوة بدرٍ كما في صحيح مسلم عن عمر بنِ الْخَطّابِ قَالَ: لَمّا كَانَ يَوْمُ بَدْرٍ ، نَظَرَ رَسُولُ اللّهِ ( إلَىَ الْمُشْرِكِينَ وَهُمْ أَلْفٌ ، وَأَصْحَابُهُ ثَلاَثُمِائَةٍ وَتِسْعَةَ عَشَرَ رَجُلاً ، فَاسْتَقْبَلَ نَبِيّ اللّهِ ( الْقِبْلَةَ ، ثُمّ مَدّ يَدَيْهِ فَجَعَلَ يَهْتِفُ بِرَبّهِ: "اللّهُمّ! أَنْجِزْ لِي مَا وَعَدْتَنِي، اللّهُمّ! آتِ مَا وَعَدْتَنِي، اللّهُمّ! إنْ تَهْلِكْ هَذِهِ الْعِصَابَةُ مِنْ أَهْلِ الإِسْلاَمِ لاَ تُعْبَدْ فِي الأَرْضِ" فَمَا زَالَ يَهْتِفُ بِرَبّهِ ، مَادّاً يَدَيْهِ ، مُسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةِ ، حَتّىَ سَقَطَ رِدَاؤُهُ عَنْ مَنْكِبَيْهِ ، فَأَتَاهُ أَبُو بَكْرٍ ، فَأَخَذَ رِدَاءَهُ فَأَلْقَاهُ عَلَىَ مَنْكِبَيْهِ . ثُمّ الْتَزَمَهُ مِنْ وَرَائِهِ " . (9) .
وفي الصحيحين عَنْ عَبْدِ اللّهِ بْنِ أَبِي أَوْفَىَ قَالَ: دَعَا رَسُولُ اللّهِ ( عَلَى الأَحْزَابِ فَقَالَ: "اللّهُمّ ! مُنْزِلَ الْكِتَابِ ، سَرِيعَ الْحِسَابِ ، اهْزِمِ الأَحْزَابَ، اللّهُمّ! اهْزِمْهُمْ وَزَلْزِلْهُمْ " (10)
لقد كان النصرُ في غزوةِ الأحزابِ إيذاناً وإعلانًا عن نهايةِ مرحلةٍ ، وبدايةِ مرحلةٍ أُخرى في تاريخِ دولةِ الإسلامِ الفتيةِ ، والتي لم يمض على إقامتها أكثرَ من خمس سنوات .
مرحلةً أعلن عنها النبيُّ القائد ( بقوله بعد هزيمة الأحزاب وتشتتِ شملِهِمْ ( الآن نغزُوهُمْ ولا يَغْزُونَا ) (11) 0(1/17)
من هنا كان هذا النداءُ الإيمانيُّ موجهًا إلى الرعيلِ الأولِ من الذين شهدوا هذه الغزوةَ وعاينوا أهوالها وكابَدُوا مخاطِرَهَا وجالَدُوا رسيسَها ، ثم إلى سائر أمةِ الإسلامِ من جيل التابعين ومن تَبِعَهُمْ إِلى يومِ الدينِ ، الذين شاركوا النبيَّ ( وصحابته الكرامِ ( في جني ثمار هذا النصرِ المؤزَّر ، فنعمةُ النصر على الأحزابِ والنجاةِ من شرورِهِم وكيدِهم : نعمةٌ عامةٌ باقيةٌ ، يتعينُ ذكرُها وشكرُها على كلِّ مسلمٍ .
وتأمل معي في قول صاحب اللطائف : " ذكرُ نعمة الله مُقابَلَتُها بالشكر ، ولو تذكرتَ ما دَفَعَ عنك فيما سَلَفَ لهانتْ عليك مقاساةُ البلاءِ في الحال ، ولو تذكرتَ ما أولاكَ في الماضي لَقَرُبَتْ من قلبك الثقةُ في إيصال ما تؤمِّلُه في المستقبل ... ومن جملة ما ذكَّرهم به : ( إِذْ جَآءَتْكُمْ جُنُودٌ ( كم من بلاءٍ صَرَفَه عن العبدِ وهو لم يشعر! وكم من شُغْلٍ كان يقصده فصَدَّه ولم يعلم ! وكم من أمرٍ عَوَّقَه والعبدُ يَضِجُّ وهو سبحانه يعلم أَن في تيسيره له هلاكَ العبد فمَنَعَه منه رحمةً به ، والعبدُ يتَّهِمُ ويضيق صَدْرُه بذلك! " (12).
( ????? ?????????????? ???????? ???????????????? ?????????? ????????? ??????????? ????? ??????????????? (
هذا من ذكر الخاص بعد العام وهو أبلغ من أن يقول " اذكروا إذ جاءتكم جنود ... " والجنود : قوى الكفر التي تآمرت وتحالفت وهم قريشٌ ومن تبعهم من الأحابيش ومن أجابَ من قبائلِ العربِ : غطفان وبني سليم وأشجع وبني أسد ، وأهل تهامة بلغ عددُهم عشرةَ آلافٍ بينما كان المسلمون ثلاثة آلاف فضلا عن يهود بني النضير الذين أجلاهم النبي ( إلى خيبر بعد نقضهم العهد وغدرِهم وبني قريظة الذين نقضوا العهد وشكَّلوا خطرا من الداخلِ يُهدِّدُ بيوتَ المسلمين ، ويُرَوِّعَ النساءَ والأطفالَ .(1/18)
قال الإمام الطبري رحمه الله : " والجنود: قريش وغطفان وبنو قريظة ، وكانت الجنود التي أرسل الله عليهم مع الريح : الملائكة " . (13)
وقال الإمام أبو حيان رحمه الله : " والجنود كانوا عشرة آلاف ، قريش ومن تابعهم من الأحابيش في أربعة آلاف يقودهم أبو سفيان ، وبنو أسد يقودهم طليحة ، وغطفان يقودهم عيينة ، وبنو عامر يقودهم عامر بن الطفيل ، وسليم يقودهم أبو الأعور ، واليهود : بنو النضير رؤساؤهم حيي بن أخطب وابنا أبي الحقيق ، وبنو قريظة سيدهم كعب بن أسد ، وكان بينه وبين الرسول عهد ، فنبذه بسعي حيي بن أخطب . " (14) .
( ????????????????? ?????????? ????????? ??????????? ????? ??????????????? (
أرسل الله عليهم الملائكة وألقى الرعب في قلوبهم ، والخذلان في نفوسهم ،كما أرسل الريح عليهم فكانت عاتيةً عاصفةً شديدةَ البرد ففروا من الميدان وتشتت شملهم وتفرقت كلمتهم وعادوا منهزمين خاسرين .
قال الإمام الشوكاني : " والمراد بقوله : ( وَجُنُوداً لَّمْ تَرَوْهَا ( الملائكة . قال المفسرون : بعث الله عليهم الملائكة فقلعت الأوتاد ، وقطعت أطناب الخيام ، وأطفأت النيران ، وأكفأت القدور ، وجالت الخيلُ بعضُها في بعضٍ ، وأرسلَ اللهُ عليهم الرعبَ " (15).
فائدة : ورد في القرآن الكريم كلمة : ريح ورياح ، والأصل في استعمال كلمة رياح أنها في الخير ، والريح في الشر قال تعالى في سورة الروم ( ?????? ???????? ????????? ????????????? ?????????? ?????????? ???????????????? ? ???????????? ??????? ????????? ??????????????? ???????? ???????? ?????????? ????????? ???? ???????????? ?????????? ???????? ?????? ??? ????????? ???? ??????????? ?????? ???? ????????????????? ???? ( .(1/19)
وقال جل وعلا في سورة الحجر ( ??????????????? ????????????? ????????? ??????????????? ???? ?????????????? ?????? ?????????????????????????? ????????? ???????? ????? ??????????????? ???? ( .
وقال عز وجل في سورة الذاريات ( ??? ????? ????? ?????????????? ??????????? ????????? ???????????? ???? ??? ?????? ??? ?????? ????????? ????????? ??????? ??????????? ?????????????? ???? ( .
وقد تأتي " الريح " في الخير والنفع : من ذلك ما ورد في قوله تعالى ( ???? ???????? ??????????????? ? ????????? ????????????? ???????? ?????? ??????? ? ?????????? ??????????? ?????? ???????? ??????????? ???????????? ?????? ???????????? ??????? ??????? ???????????? ?????????? ??? ????? ??????? ????????????? ??????????? ???????? ???????? ???????? ?????? ??????????? ????? ????????? ??????? ?????????????? ???? ????????? ?????????????? ???? ??????????????? ???? ( .
وقوله جل وعلا في سورة الشورى ( ?????? ???????????? ??????????? ? ??????????? ????????????????? ???? ???? ???????? ?????????? ????????? ??????????????? ????????? ?????? ???????????? ?????? ? ??????? ???????????? ???????? ????????? ??????? ???? ( وقال عز وجل في سورة سبأ ( ????????????????? ????????? ??????????? ????????? ???????????? ?????????? ?????????????? ?????? ??????? ???????????? ?????? ????????? ??? ????????? ???????? ?????????? ??????????? ?????????? ????? ???????? ???????? ???? ??????????? ??????????? ???? ??????? ???????????? ???? ((1/20)
: " وذكر في حكمة ذلك أن رياح الرحمة مختلفة الصفات والهيئات والمنافع ، وإذا هاجت منها ريحٌ أثير لها من مقابلها ما يكسر سَوْرَتَهَا ، فينشأ من بينهما ريحٌ لطيفةٌ تنفع الحيوان والنبات ، فكانت في الرحمة رياحاً ، وأما في العذاب فإنها تأتي من وجه واحد ولا معارض لها ولا دافع ، وقد تأتي بالإفراد ويراد بها الريح النافعة مثال ذلك قوله تعالى في سورة يونس (??????????? ?????? ???????? ??????????? ) وذلك لوجهين: لفظي وهو المقابلة في قوله (???????????? ??????? ??????? ) ورب شيء يجوز في المقابلة ولا يجوز استقلالاً نحو ومكروا ومكر الله ، ومعنوي وهو أن إتمام الرحمة هناك إنما تحصل بوحدة الريح لا باختلافها ، فإن السفينة تسير بريح واحدة من وجه واحد ، فإن اختلفت عليها الرياح كان سبب الهلاك والمطلوب هنا ريح واحدة ، كذلك الريح التي حملت سليمان ( ريحٌ واحدة " (16)(1/21)
وروى أبو عوانة في مستخرجه بسنده عن عبد العزيز ابن أخي حذيفة ، قال : ذكر حذيفة مشاهدهم مع النبي صلى الله عليه وسلم ، فقال جلساؤه : أما والله لو كنا شهدنا لفعلنا ولفعلنا ، فقال حذيفة : لا تمنَّوا ذلك ، فلقد رأيتُنا ليلةَ الأحزاب ونحن صافُّون قعودا : أبو سفيان ومن معه من الأحزاب فوقنا وقريظة اليهود أسفلَ منا نخافُهم على ذرارينا ، وما أتت علينا ليلة أشدُّ ظلمة ، ولا أشد ريحا منها في أصوات ريحها أمثال الصواعق ، وهي مظلمة ما يرى أحدنا إصبعه ، وجعل المنافقون يستأذنون رسول الله ( ويقولون : بيوتنا عورة ، وما هي بعورة ، فما يستأذنه أحد منهم إلا أذن له فيأذن لهم فينسلون ، ونحن ثلاثمائة أو نحو ذلك إذ استقبلنا رسول الله ( رجلا رجلا ، فقال : " من يأتينا بخبر القوم الليلة جعله الله رفيقا لمحمد يوم القيامة " ، قال : فما منهم رجل يقوم ، قال : فما زال يستقبلهم رجلا رجلا حتى مر علي ، وما علي جُنَّة من العدو ، ولا من البرد إلا مرط لا يجاوز ركبتي ، قال : فأتاني وأنا جاثي على ركبتي ، فقال : " من هذا ؟ " ، فقال حذيفة : قال : " حذيفة ؟ " ، فتقاصرتُ بالأرض ، فقلت : بلى يا رسول الله كراهية أن أقوم ، فقال : " قم " ، فقمت ، فقال : " إنه كائن في القوم خبر فأتني بخبر القوم " ، قال : وأنا من أشد الرجال فزعا وأشدهم قرا ، فخرجت ، فقال رسول الله ( : " اللهم احفظْهُ مِنْ بينِ يديهِ ومن خلفِهِ وعن يمينِهِ وعن شَمالِهِ ومِن فَوقِهِ ومِنْ تحتِهِ " ، قال : فو الله ما خلق الله عز وجل فزعا ولا قرًا أجده في جوفي إلا خرج من جوفي حتى إذا دنوت من عسكر القوم نظرت في ضوء نار لهم توقد ، وإذا رجل ضخم آدم يقول بيديه على النار ويسخن خاصرته ، ويقول : الرحيل ، ولم أكن أعرف أبا سفيان قبل ذلك فانتزعت سهما من كنانتي أبيض الريش فأضعه على كبد قوسي لأرمي به في ضوء النار ، فذكرت قول رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لا تُحْدِثَّنَّ(1/22)
شيئا حتى تأتي " ، فأمسكتُ ورددتُ سهمِي ثم إني شجَّعتُ نفسي حتى دخلتُ العسكرَ فإذا أدنى الناس بني عامر ، ويقولون : يا آل عامر الرحيل ، لا مقام لكم ، وإن الريح في عسكرهم ما تجاوز عسكرهم شبرا ، قد دفنت رحالهم وطنافسهم ، يستترون بها من التراب ، فجلست بين اثنين ، فلما استويت بينهما قال ذلك الرجل : الليلة ليلة طلائع ، فليسأل كل رجل جليسه ، فوالله إني لأسمع صوت الحجارة في رحالهم وفرشهم ، الريح تضربهم بها فقلت للذي عن يميني : من أنت ؟ ، وقلت للذي عن شمالي من أنت ؟ ، ثم خرجت نحو النبي ( فلما انتصف بي الطريق أو نحو ذلك إذا أنا بنحو من عشرين فارسا معتمين ، فقالوا لي : أخبر صاحبَك أن اللهَ قد كفاه القوم ، فرجعت إلى رسول الله ( ، وهو مشتمل بشملة يصلي ، فو الله ما عدا أن رجعت رجع إلي القر رجعت أقرقف فأومأ رسول الله ( إلي بيده ، وهو يصلي فدنوت منه فأسبل علي شملته ، وكان رسول الله ( إذا حزبه أمر صلى فأخبر خبر القوم ، وأخبر أنهم يترحلون فأنزل الله عز وجل ( ????????????????? ?????????? ??????????? ??????????? ???????? ?????? ?????????? ????? ?????????????? ???????? ???????????????? ( إلى آخر الآية (17) .
وعدٌ ووعيدٌ
( ??????? ?????? ????? ????????????? ????????? ??? (
قرأ أبو عمرو بالياء ( ???????????? ( والباقون بالتاء ( ????? ????????????? ( .
ولقد تضمنت هذه الخاتمةُ وعداً ووعيداً : وعدٌ لجند الإيمان وتبشيرٌ لهم على ما بذلوه من جهد وتضحية وثباتٍ في مواجهة تلك الحشودِ ، وفي مكابدة تلك المحنة ومجابهة تلك الأخطار بإيمانٍ ويقين وعزمٍ لا يلين .
ووعيدٌ لعسكرِ الكفر الذين احتشد لمحاربة أولياء الله وإطفاء كلمة الله ، ووعيدٌ لكل من أشعل نار الحقد وأوقد نار الحرب من اليهود الذين تحالفوا مع عباد الأوثان ومن دونهم من المنافقين الذين أبطنوا الكفر وتظاهروا بالإيمان .(1/23)
قال الإمام الطبري : " وقوله:(وكانَ اللَّهُ بِمَا تَعْملُونَ بَصِيرًا) يقول تعالى ذكره : وكان الله بأعمالكم يومئذ، وذلك صبرهم على ما كانوا فيه من الجهد والشدّة ، وثباتهم لعدوّهم ، وغير ذلك من أعمالهم ، بصيرا لا يخفى عليه من ذلك شيء ، يحصيه عليهم ، ليجزيهم عليه . " (18) .
وقال الإمام الألوسي : ( ??????? ?????? ????? ????????????? ????????? ??? ( : " من حفر الخندق وترتيب مبادئ الحرب إعلاءً لكلمةِ اللهِ تعالى ، وقيل : من التجائكم إليه تعالى ورجائكم من فضله عز وجل ، قرأ أبو عمرو ( يَعْمَلُونَ ) بياء الغيبة أي بما يعمله الكفار من التحرز والمحاربة وإغراء بعضهم بعضاً عليها حرصاً على إبطال حقكم ، وقيل : من الكفر والمعاصي ( بَصِيراً ) ولذلك فعل ما فعل من نصركم عليهم ، والجملة اعتراض مقرر لما قبله " (19) .
حشودٌ وجنودٌ
( ????? ?????????? ???? ????????????? ?????? ?????????? ??????? (
اشتدَّ الكربُ وادلهمَّ الخطبُ وعظُم البلاءُ واجتمع العِدَى من جميعِ الأرجاءِ وأحاطوا بهم من كل جانبٍ .
قال القشيري : " أحاط بهم سُرَادقُ البلاء ، وأَحدقَ بهم عَسْكَرُ العدوِّ ، واستسلموا للاجتياحِ ، وبلغت القلوبُ الحناجرَ ، وتَقَسَّمَتْ الظنونُ ، وداخَلَتْهُم كوامِنُ الارتياب ، وبدا في سويدائهم جَوَلانُ الشكِّ . " (20) .
وقال الإمام البغوي : " قوله عز وجل: ( إِذْ جَاءُوكُمْ مِنْ فَوْقِكُمْ ( أي: من فوق الوادي من قِبَلِ المشرق، وهم أسد ، وغطفان ، وعليهم مالك بن عوف وعيينة بن حصن الفزاري في ألف من غطفان ، ومعهم طليحة بن خويلد الأسدي في بني أسد وحيي بن أخطب في يهود بني قريظة ، ( وَمِنْ أَسْفَلَ مِنْكُمْ ( يعني: من بطن الوادي ، من قِبَل المغرب ، وهم قريش وكنانة ، عليهم أبو سفيان بن حرب في قريش ومَنْ تبعه ، وأبو الأعور عمرو بن سفيان السلمي من قبل الخندق " (21) .(1/24)
???????(? ???????? ??????????????? ???????????? ???????????? ?????????????? ???????????????? ???????? ??????????????? ???? (
بيان لأثرِ ذلك الخطبِ على النفوس ووقعِه على القلوب وملامِحِه على الوجوهِ ، وروعته التي أخذت بالأبصار من هولِ ما ترى ، " حتى مالتْ عن سَننِها وانحرفتْ عن مُستوى نظرِها حيرةً وشُخوصاً وقيل : عدلتْ عن كلِّ شيءٍ فلم تلتفتْ إلاَّ إلى عدوِّها لشدَّةِ الرَّوعِ " (22) .
" والحنجرة : رأس الغلصمة وهي منتهى الحلقوم . والحلقوم : مدخل الطعام والشراب ، قالوا : إذا انتفخت الرئة من شدة الفزع أو الغضب أو الغمّ الشديد : ربت وارتفع القلب بارتفاعها إلى رأس الحنجرة ، ومن ثمة قيل للجبان : انتفخ سحره . ويجوز أن يكون ذلك مثلاً في اضطراب القلوب ووجيبها وإن لم تبلغ الحناجر حقيقة " (23) .
" واعلم أنهم وقعوا في الخوف من وجهين . الأول خافوا على أنفسهم من الأحزاب لأن الأحزاب كانوا أضعافهم . والثاني خافوا على ذراريهم في المدينة بسبب نقض بني قريظة العهد كما سبق وقد قاسوا شدائد البرد والجوع " (24)
وعن هذا الموقف العصيب يقول صاحب الظلال : " إنها صورة الهول الذي روع المدينة ، والكرب الذي شملها ، والذي لم ينج منه أحد من أهلها . وقد أطبق عليها المشركون من قريش وغطفان واليهود من بني قريظة من كل جانب . من أعلاها ومن أسفلها . فلم يختلف الشعور بالكرب والهول في قلب عن قلب ؛ وإنما الذي اختلف هو استجابة تلك القلوب ، وظنها بالله ، وسلوكها في الشدة ، وتصوراتها للقيم والأسباب والنتائج ، ومن ثم كان الابتلاءُ كاملاً والامتحانُ دقيقاً . والتمييزُ بين المؤمنين والمنافقين حاسماً لا تردُّد فيه . " (25) .
( ????????????????? ???????? ??????????????? ???? ((1/25)
الظنون : جمع ظن وهو مصدر شامل للقليل والكثير ، وإنما جمع للدلالة على تعدد أنواعه ، أي تظنون بالله تعالى أنواع الظنون المختلفة فيظن المخلصون منكم الثابتون على الإيمان أن الله تعالى منجزٌ وعده ، ويظن المنافقون والذين في قلوبهم مرض ما أخبر الله عنهم .
قال الحسن في قوله: ( ??????????????? ???????? ??????????????? ) : ظنون مختلفة ، ظن المنافقون أن محمدا وأصحابه سيُستأصَلون ، وأيقن المؤمنون أن ما وعد الله ورسوله حق ، وأنه سيظهره على الدين كله ولو كره المشركون. (26)
وعبر بالفعل المضارع : لاستحضار تلك الصورة في الذهن فيزداد المؤمن شكرا لله تعالى على نعمة النصر والنجاة من كيد اليهود والمنافقين وتآمر جموع الكافرين ، وللالتفات من الماضي إلى المضارع لفتا للأنظار وتنبيها للأذهان ، وبيان لطول مدة البلاء التي كثُرت فيها الظنون ، فضلا عن استحضار تلك الصورة المهمة ونقل هذا الحدث : " من قلب الزمان الغابر ووضعه أمام الحاضر الراهن في وضوح وجلاء ، ولهذا نراهم يؤثرون صيغة المضارع عند ذكر الحدث الأهم ، والظن هنا أهم الأحداث في قصتنا ؛ لأن القضية قضية ابتلاء وتمحيص ... والمضارع أيضا يدل على التجدد والاستمرار فكأن الظن هنا حدثٌ يتتابعُ وقوعُهُ وتتوالى صورُهُ ، فهي ظنونٌ منطلقةٌ من خيالٍ قلقٍ ووجدانٍ مهمومٍ ، قد يُخَيَّلُ إِليكَ وأنت تسمعُ هذه الجملةَ ( ??????????????? ???????? ??????????????? ( إذا أصغيتَ إليها بنفسِك ووجدانِكَ ، أنك تسمعُ هذه الهمهماتِ وهذه الوسوساتِ ، التي تهمس بها نفوسُهم في خفاءٍ ، وكأن هذه الألفَ في الظنونا تُؤذِنُ بإطلاقِ العنانِ للخيالِ ... " (27).
والألف واللام في " الظنون " يمكن أن تكون للاستغراق مبالغةً بمعنى تظنون كلَّ ظن ، ولأن عند الأمر العظيم كل أحد يظن شيئاً ، ويمكن أن تكون الألف واللام للعهد أي ظنونهم المعهودة ؛ لأن المعهود من المؤمن ظن الخير بالله . (28)(1/26)
وهكذا نرى أثر هذا الموقف المُروِّع على الأبصار التي زاغت وعلى القلوب التي طارت من الخوف ، ولكننا نجد أنفسنا أمام موقفين متباينين :
موقف أهل الإيمان أهل الصبر والثبات ، وموقف المنافقين المرجفين الذين اندسُّوا في الصفوفِ لإثارةِ الهلع والفزعِ وبث روح الانهزامية وبذور الشقاق والفرقة ، وتشكيك المؤمنين في وعد الله تعالى .
وقعُ الحدثِ على أهل الإيمان
( ?????????? ???????????? ??????????????? ?????????????? ?????????? ???????? ???? (
هنالك : حيث زمان المحنة ومكانها وشدتها وهولها (???????????? ??????????????? ) أشدَّ الابتلاء وأعظمَهُ ،(? ?????????????? ?????????? ???????? ( : " أي اضطربوا اضطراباً شديداً من شدة الفزع وكثرة الأعداء " . (29)
" عند ذلك اختبر إيمان المؤمنين ، ومُحِّصَ القومُ وعرف المؤمن من المنافق ". (30)
أدرك أهل الإيمان أنهم أمام ابتلاء عظيم وزلزال مُرَوِّعٍ عليهم أن يثبتوا فيه ويجتازوه بإيمان وتسليم ، فالابتلاءُ سنةُ اللهِ الماضيةِ والجاريةِ في أنبيائِهِ وأصفيائِهِ وهو طريقٌ موصِّلةٌ للجنة لابدَّ من المرورِ عليه قال تعالى في سورة البقرة ( ????? ??????????? ???? ?????????????? ??????????????? ???????? ??????????? ???????? ?????????? ???????? ??? ??????????? ?????????????? ????????????????? ???????????????? ????????????? ??????? ???????? ??????????? ???????????? ?????????? ??????? ?????? ??????? ??????? ??????? ?????? ??????? ?????? ?????????? ????? ( .
موقف أهل النفاق
المُكذِّبونَ
( ??????? ???????? ?????????????????? ???????????? ? ????????????? ??????? ???? ?????????? ?????? ?????????????? ??????? ????????? ???? ((1/27)
كشفت هذه المحنة عن خبايا المنافقين ومعادِنهم الخسيسة وخلجَاتِ صدورهم التي تنفث حقدا وبغضا لهذا الدين ، وتقطرُ ألسنتُهم بما تمليه عليها قلوبهم التي لم تذق للإيمان طعما ، وإنما أُشربت الشكَّ والخداعَ .
جاءت هذه المحنة لتكشف المستور ، وتهتِكَ الأسرارَ التي انطوتْ عليها صدورُهم ، واجتهدوا في كتمانها ، أسرارٌ لا يتمُّ الإفصاح عنها إلى في مجالسِ الخفاءِ مع شياطينِهم وقُرنائهم .
( ??????? ???????? ?????????????????? ???????????? ? ????????????? ??????? ???? ?????????? ?????? ?????????????? ??????? ????????? ???? (
قال أحدُهم متهكما ساخرا : " : يعدُنا محمدٌ فتحَ فارسَ والرومَ وأحدُنا لا يقدِرُ أن يتبَّرزَ فَرَقاً ما هذا إلا وعدٌ غُرُورٌ " .
قد كان محمدٌ يعدُنا فتحَ فارسَ والرومَ ، وقد حُصِرَنَا هاهنا ، حتى ما يستطيعُ أحدُنا أن يبرُزَ لحاجَتِهِ ، ما وعدنا اللهُ ورسولُهُ إِلا غُرُورًا. (31)
قيل المنافقون هم : الذين في قلوبهم مرض ، والعطف هنا لتعددِ الوصفِ ، فالنفاقُ مرضٌ قلبيٌّ تظهر أعراضُه على اللسان والجوارح ، وقيل هم قومٌ كانوا إلى النفاق أقربَ ، وكان المنافقون يستميلونهم ويؤثرون فيهم .
قال الألوسي : " هم قوم كان المنافقون يستميلونهم بإدخال الشُّبَهِ عليهم ، وقيل : قومٌ كانوا ضُعَفَاءَ الاعتقادِ لِقُرْبِ عهدِهِم بالإسلام . وجُوِّزَ أن يكون المرادُ بهم المنافقين أنفسَهم ، والعطفُ لتغايرِ الوصفِ كقولِهِ : إلى الملكِ القَرِمِ وابنِ الهُمَامِ ... " (32).
وعبر بـ ( ??????????? ? ????????????? ??????? ( : ليوحيَ بأن المرض قد استشْرى فيهم وتمكَّن منهم وتغلغلَ في كلِّ ذرة من ذراتِ قلوبِهِمْ التي لا تنتفض للتخلُّصِ منهُ .(1/28)
وفي البحر المحيط : " ( ??????? ???????? ?????????????????? (: وهم المظهرون للإيمان المبطنون الكفر . ( ??????????? ? ????????????? ??????? (: هم ضعفاء الإيمان الذين لم يتمكن الإيمان من قلوبهم ، فهم على حرف ، والعطف دال على التغاير ، نبَّه عليهم على جهة الذم . لما ضرب رسول الله ( الصخرة ، وبرقت تلك البوارق ، وبشَّر بفتح فارس والروم واليمن والحبشة ، قال معتب بن قشير : يعدنا محمد أن نفتح كنوز كسرى وقيصر ومكة ، ونحن لا يقدر أحدنا أن يذهب إلى الغائِطِ ، ما يعدنا إلا غروراً : أي أمراً يغرُّنا ويوقعُنا فيما لا طاقةَ لنا به . وقال غيرُه من المنافقين نحو ذلك "(33) .(1/29)
روى الإمام البيهقيُّ في الدلائل من حديث كثير بن عبد الله بن عمرو بن عوف المزني عن أبيه عن جدِّهِ : لما عرضتْ صخرةٌ عظيمةٌ للصحابة ( وهم يحفرون الخندق ... فأخذ رسولُ الله ( المعولَ من سلمانَ ، فَضَرَبَ الصخرةَ ضربةً صدَّعَها ، وبرِقَتْ منها برقةٌ أضاءَ ما بين لابتيها ، يعني لابتي المدينة ، حتى لكأنَّ مصباحًا في جوفِ ليلٍ مظلمٍ ، فكبَّر رسولُ الله ( تكبيرةَ فتحٍ ، فكبَّر المسلمون . ثم ضربها رسولُ الله ( الثانيةَ فصدَّعَها ، وَبَرِقَ منها برقةً أضاء لها ما بين لابتيها ، حتى لكأنَّ مصباحًا في جوفِ ليلٍ مظلمٍ ، فكبَّر رسولُ الله ( تكبيرةَ فتحٍ ، وكبَّر المسلمون . ثم ضربها رسولُ الله ( الثالثة ، فَكَسَرَهَا ، وبرقَ منها برقةٌ أضاءَ ما بين لابتيها ، حتى لكأنَّ مصباحًا في جوفِ بيتٍٍ مظلمٍ ، فكبر رسولُ الله ( تكبيرةَ فتحٍ ، وكبَّر المسلمون . ثم أخذَ بيدِ سلمانَ فَرَقِيَ ، فقال سلمانُ : بأبي أنت وأمي يا رسول الله ، لقد رأيتُ شيئا ما رأيتُه قط ، فالتفت رسول الله ( إلى القوم فقال : " هل رأيتم ما يقولُ سلمانُ ؟ " قالوا : نعم يا رسولَ الله ، بأبينا أنت وأمنا ، قد رأيناك تضرب ، فخرج برقٌ كالموجِ ، فرأيناك تكبِّر ، ولا نرى شيئا غير ذلك ، فقال : " صدقتم ، ضربتُ ضربتي الأولى ، فَبَرِقَ الذي رأيتم ، أضاءتْ لي منها قصورُ الحيرةِ ، ومدائنُ كسرى ، فأخبرني جبريلُ أن أمتي ظاهرةٌ عليها . ثم ضربتُ ضربتي الثانية ، فَبَرِقَ الذي رأيتم ، أضاءت لي منها قصورُ الحُمُر من أرض الروم وأخبرني جبريل ( أن أمتي ظاهرةٌ عليها . ثم ضربت ضربتي الثالثةَ ، فَبَرِقَ منها الذي رأيتم ، أضاءتْ منها قصورُ صنعاءَ ، فأخبرني جبريلُ ( أن أمتي ظاهرةٌ عليها ، فأبشروا يبلغهم النصر ، وأبشروا يبلغهم النصر ، وأبشروا يبلغهم النصر " . فاستبشر المسلمون وقالوا : الحمد لله موعود صادق بأن الله وعدنا النصر بعد الحصر ، فطلعت الأحزاب فقال(1/30)
المسلمون : هذا ما وعدنا الله ورسوله وصدق الله ورسوله وما زادهم إلا إيمانا وتسليما ، وقال المنافقون : ألا تعجبون : يحدثُكُم ويمنيكُم ، ويعدُكم بالباطل ، يخبرُكم أنه أبصرَ من يثربَ قصورَ الحيرةِ ، ومدائنَ كسرى ، وأنها تُفْتَحُ لكم ، وأنتم تحفرون الخندق ، ولا تستطيعون أن تبرزوا ؟ وأنزل القرآن : ( ??????? ???????? ?????????????????? ???????????? ? ????????????? ??????? ???? ?????????? ?????? ?????????????? ??????? ????????? ???? ( (34).
الرَّجعيونَ المُثبِّطونَ
???????( ??????? ???????????? ?????????? ???????????????? ??????????? ??? ??????? ?????? ??????????????? ??????????????????? ???????? ?????????? ??????????? ???????????? ?????? ????????????? ????????? ????? ???? ??????????? ???? ??????????? ??????? ???????? ???? (.
لم يتوقف دور المنافقين عند التشكيك في الوعد الحقِّ ، والتخلِّي عن نصرة الإسلامِ ولكنهم تجاوزوا ذلك إلى إثارة الهلع والفزع بين الصفوف ، والدعوة إلى الفرار الجماعي من الميدان ، مع اختلاق الأعذار الواهية هربا من الساحة ، وخُلودا إلى الدَّعة وطلبا للرَّاحةِ ، بعيدا عن قعقعة السيوف ، ؛ حيث نادت طائفةٌ منهم نداءً يحملُ في طيَّاتِهِ الرجوعَ بالمدينةِ إلى عهدِ الجاهلية ، يتبين ذلك من خلال قولهم كما سجَّل القرآن عليهم ???????( ??????? ???????????? ?????????? ???????????????? ??????????? ??? ??????? ?????? ??????????????? ( .
" ???????( ??????? : (وتأنيثُ الفعلَ إشارةً إلى رخاوتهم ، وتأنُّثِهِمْ في الأقوالِ والأفعالِ " (35)
( ???????????? ?????????? : (أي جماعة منهم عبر بالطائفة : دلالةً على كثرةِ طوافِهِمْ وَدَوَرَانِهِمْ حولَ أنفسِهِمْ والتفافِهِمْ حولَ مَنْ على شاكلتِهِم وتسلُّلهم بين الصفوف لبثِّ الوهَنِ وإذاعةِ الخوفِ وإشاعة الفوضى .(1/31)
( ???????????????? ??????????? ??? ??????? ?????? ??????????????? ( : قال صاحب نظم الدرر: " عدلوا عن الاسم - الذي وسمها به النبيُّ ( من المدينة وطيبة مع حسنه - إلى الاسم الذي كانت تدعى به قديماً مع احتمال قبحه باشتقاقه من الثرب الذي هو اللوم والتعنيف إظهاراً للعدول عن الإسلام " . (36)
وقال صاحب الظلال : " فقد وجد هؤلاء في الكرب المزلزل ، والشدة الآخذة بالخناق فرصةً للكشف عن خبيئة نفوسهم وهم آمنون من أن يلومهم أحد ؛ وفرصةً للتوهينِ والتخذيلِ وبثِّ الشكِّ والرِّيبةِ في وعد الله ووعد رسولِهِ ، وهم مطمئنون أن يأخذهم أحد بما يقولون ؛ فالواقعُ بظاهِرِهِ يُصَدِّقُهُم في التوهينِ والتشكيكِ . وهم مع هذا منطقيونَ مع أنفسِهِمْ ومشاعِرِهِمْ ؛ فالهولُ قد أزاحَ عنهم ذلك الستارَ الرقيقَ من التجمُّلِ ، وَرَوَّعَ نفوسَهُم ترويعاً لا يثبُتُ له إيمانُهُم المهلهلُ ! فجهروا بحقيقة ما يشعرون غيرَ مُبْقِينَ ولا مُتَجَمِّلِينَ ! وَمِثْلُ هؤلاء المنافقين والمرجفين قائمون في كلِّ جماعةٍ ؛ وموقفهم في الشدة هو موقف إخوانهم هؤلاء . فهم نموذجٌ مكررٌ في الأجيال والجماعات على مدار الزمان! " (37)
اختاروا هذا الاسمَ القديمَ تصريحاً بتنكُّرِهِم وإنكارِهِم لمسماها الجديد الذي يعلن عن عهدها الجديد مع النور والإيمان بعد الهجرة النبوية وبناء الدولة الإسلامية التي لا يعترف بها أهل النفاق وها هي الفرصة قد سنحت لهم ليعلنوا عن موقفهم الحقيقي من هذه الدولة التي أُسِّست على الإيمان .(1/32)
وهكذا شأن أهل النفاق يستغلون الشدائد والأزمات وأوقاتَ الضعف وعصورَ الوَهَنِ : للإعلان عن مواقفهم المخزية ، وهذا شأنُهم في إحياء النعرات القديمة والدعوة إلى الجاهليات الأولى والرجوعِ ببلادِ الإسلام إلى عهودٍ بعيدةٍ شاع فيها الظلمُ وعمَّ الجهلُ فتراهم ينبشون في مقبرة التاريخ عن الحضارات البائدة والقرون الغابرة وإحياء عاداتها المندثرة وتقاليدِها الراكدة ليُمِيتُوا بها السُّننَ ، ويطْمِسُوا معالمَ الإسلام ومظاهرَه في بلادِهِ .
وليس ببعيدٍ عنا ذلك الاهتمام الكبير بالحضارات الفرعونية والفنيقية والبابلية والفارسية واليونانية والرومانية وغيرها من الحضارات البائدة ! وأقربُ مثال تسمية الميادين والطرقات والمحلات والأحياء والمشاريع بأسماء فرعونية أو فارسية قديمة ! وهذه دعوةٌ صريحةٌ للرجعيَّة والعصبيةِ الجاهليةِ والتفرقة بين المؤمنين وتفتيت الأمةِ .
ناهيك عما ينطوي عليه هذا النداءُ من دعوة إلى التفرقةِ بين المهاجرين والأنصار ونبذ ما بين الفريقين من أخوةٍ وألفة .
" فمناداتهم على المؤمنين بقولهم (???????????????? ????????????) فيه خسةٌ ودناءةٌ ودعوةٌ للفرقة بعد الوحدة ، والنزاع بعد الوفاق " (38) .
( ?????????? ?????? ??????????????? (
قرأ عاصم في رواية حفص : بضم الميم ( مُقام ). وقرأ الباقون : بفتحها (مَقام ). فمن قرأ بالضم فمعناه لا إقامة لكم . ومن قرأ بالفتح ، فهو بالمكان ، والجمع المقامات . (39)
قال الزجاج : من ضمَّ الميم ، فالمعنى : لا إِقامة لكم ؛ ومن فتحها ، فالمعنى : لا مكان لكم تُقيمون فيه . وهؤلاء كانوا يثبِّطون المؤمنين عن النبي ( .
وقال الرازي : " أي لا وجه لإقامتكم مع محمدٍ كما يقال لا إقامة على الذل والهوان أي لا وجه لها " . (40)(1/33)
وقال البقاعي : " ( ?????????? ?????? ??????????????? ( أي : لا إقامة أو موضع إقامة في مكان القتال ومقارعة الأبطال ( ????????????? ( إلى منازلكم هُرَّاباً ، وكونوا مع نسائكم أذناباً ، أو إلى دينِكُمُ الأولِ ، على وجهِ المصارحةِ لتكونَ لكم عندَ هذه الجنودِ يَدٌ " (41) .
( فارجِعوا ( أي : إِلى المدينة ، وذلك أن رسول الله ( خرج بالمسلمين حتى عسكروا بـ " سَلْعِ " ، وجعلوا الخندق بينهم وبين القوم ، فقال المنافقون للناس : ليس لكم هاهنا مُقام ، لكثرة العدوِّ ، وهذا قول الجمهور (42) .
أو ارجعوا إلى دينكم ، وانضموا إلى صفوف الكفار .
قال صاحب روح البيان رحمه الله : " أي ارجعوا إلى منازلكم بالمدينة ومرادهم الأمر بالفرار لكنهم عبروا عنه بالرجوع ، ترويجا لمقالهم وإيذانا بأنه ليس من قبيل الفرار المذموم ، وقد ثبطوا الناس عن الجهاد والرباط لنفاقهم ومرضهم ولم يوافقهم إلا أمثالهم فان المؤمن المخلص لا يختار إلا الله ورسوله ، وفيه إشارة إلى حال أهل الفساد والإفساد في هذه الأمة إلى يوم القيامة نسأل الله تعالى أن يقيمنا على نهج الصواب ويجعلنا من أهل التواصي بالحق والصبر دون التزلزل والاضطراب " (43) .
وهكذا شأنُ أهلِ الكفرِ والضلالِ يتلاعبون بالألفاظِ ، ويراوغونَ بالشعاراتِ ويُخادعُونَ بالعباراتِ ، ويقلِبُونَ الموازينَ ويخلِطُونَ المفاهيمَ ، ويزخرِفُون الأباطيلَ ويشوِّهُون الحقائقَ الناصعةَ .
فقد نادوا على أهل المدينة بِنَعْرَةِ من نَعْرَاتِ الجاهليةِ والرَّجعيةِ حيث استخدموا اسمها القديم الذي كانت عليه قبل أن تزدان باسمها العذب : المدينة واسمها الطيِب : طيبة ، في مقابل وصفهم التخلي عن الميدان : رجوعًا ! وما هو إلا الفرار والخذلان .(1/34)
ثم يتعللون بعللٍ واهية ومعاذير ساقطة : فيقولون كما سجَّل عليهم القرآن ???????????????????( ???????? ?????????? ??????????? ???????????? ?????? ????????????? ????????? ????? ???? ??????????? ???? ??????????? ??????? ???????? ???? ( .
وجاء الفعل ??????????????????( ( : بصيغة المضارعة :" لاستحضار الصورة الدنيئة لتلك النفوس المريضة ، وهي تتمَحَّلُ الأعذارُ وتفتعلُ العللَ وتحترفُ الكذبَ ، لتنكُصَ عن نصرةِ الحقِّ وتنسحبَ من ميدانِ الشرفِ " (44)
يستأذنون للفرار من الميدان بحجة أن بيوتهم عورة : أي مكشوفةً غيرَ محصَّنة أو ذليلةَ الحيطان منخفضةً يسهلُ صعودُهَا ، أو نائيةً قاصيةً ، فيخشَوْنَ عليها من التعرُّض للأعداء أو السُّرَّاق : قال الله تعالى: ( وَمَا هِيَ بِعَوْرَةٍ ( أي: ليست كما يزعمون ، ( إِنْ يُرِيدُونَ إِلا فِرَارًا ( أي : هَرَبًا من الزحف .
المُهروِلونَ المأجورونَ
???????( ???????? ?????????? ????? ????????????? ????? ??????????? ????????????? ?????????????? ????? ??????????????? ?????? ??????? ?????????? ???? . (
أي ولو دخل العدوُّ عليهم المدينة ، واقتحم عليهم بيوتَهم وهم فيها ، ثم طلب منهم الرجوع إلى الكفر أو الإقرارَ به لسارعوا إلى ذلك راضيةً بهِ نفوسُهم ومطمئنةً إليه قلوبُهم التي لم تُحصَّن بالإيمان .
فهم مهيَّئون للغدرِ والخيانةِ ، مستعدُّون للتحالف مع قوى البغيِ والكفرِ أيًّا كانت أطيافُهُم ، تآمرًا على أهل التقى والصلاحِ ، ولسوف يَجِدُ العدوُّ بُغْيَتَهُ ، ويُجنِّدُهُم لتحقيقِ مطامِعِهِ وأحقادِهِ بأبخسِ الأثمانِ ! وسوف يُهَرْوِلُون إِلى صفوفِهِ خوفًا وطمعًا ، فهم جبناءُ أَخِسَّاءُ ، والجبنُ والخِسَّةُ والنذالةُ : من أهم مؤهلاتِ العمالَةِ ! التي تنطبقُ شروطُها على أصحابِ القلوبِ الصَّدئةِ والنفوسِ المُعتلَّةِ والعقولِ المُحتالةِ .(1/35)
قال قتادة ( وَلَوْ دُخِلَتْ عَلَيْهِمْ مِنْ أَقْطَارِهَا ) أي: لو دخل عليهم من نواحي المدينة (ثُمَّ سُئِلُوا الفِتْنَةَ) : أي : الشرك (لآتَوْها) يقول: لأعطوها ، (وَما تَلَبَّثُوا بِها إلا يَسِيرًا) يقول: إلا أعطوه طيبةً به أنفسهم ما يحتبسونه .
وقال ابن زيد في قوله:( وَلَوْ دُخِلَتْ عَلَيْهِمْ مِنْ أَقْطَارِهَا ) يقول: لو دخلت المدينة عليهم من نواحيها (ثُمَّ سُئِلُوا الفِتْنَةَ لآتوْهَا) سئلوا أن يكفروا لكفروا. قال : وهؤلاء المنافقون لو دخلت عليهم الجيوش ، والذين يريدون قتالهم ، ثم سُئِلُوا أن يكفُروا لكفروا . (45)
وعدي الفعل " دُخِلَ " بـ " على " لإفادة معنى دخولِ الاقتحامِ والغزو والظِّفر ، وجاء بصيغة المبني للمجهول لبيان أنهم جبناءُ رعاديد (46)، لا يقدرون على مواجهة أيِّ معتدٍ فالجبنُ ديدنُهم والفرارُ سبيلُهم والخَوَرُ طبعُهم ، وما رمى بهم في جُبِّ النفاقِ وأوقَعَهم في سردابِه إلا العجزُ عن المواجهة ، فهم عاجزون حتى عن نصرة أوليائهم وحلفائهم من الكافرين وصدق الله تعالى إذ يقول في سورة الحشر ( ? ??????? ????? ?????? ??????????? ???????????? ??????????? ????????????????? ?????????? ????????? ???? ????????? ???????????? ??????? ???????????????? ????????????? ???????? ????? ???????? ??????? ???????? ????????? ?????? ????????????? ?????????????????? ??????????? ????????? ??????????? ??????????????? ???? ??????? ????????????? ??? ????????????? ???????? ???????? ???????????? ??? ???????????????? ???????? ???????????? ???????????? ??????????????? ????? ??? ??????????? ???? ( .(1/36)
قال الشوكاني : " والأقطار : النواحي جمع قطر ، وهو الجانب والناحية ، والمعنى : لو دُخِلَتْ عليهم بيوتهم أو المدينة من جوانبها جميعاً لا من بعضها ، ونزلت بهم هذه النازلة الشديدة ، واستبيحت ديارهم ، وهُتِكَتْ حُرَمُهُم ، ومنازلهم ( ثُمَّ سُئِلُواْ الفتنة ( من جهةٍ أخرى عند نزولِ هذه النازلةِ الشديدةِ بهم ( لآتَوْهَا ( أي لجاءوها أو أعطوها " (47) .
والفتنةُ هنا : هي الكفرُ وموالاةُ الكفارِ والتآمرِ معهم على أهلِ الإيمان .
وقوله ( لآتوها ) : أي لأعطَوها وقدَّمُوها لعدُوِّهم أذلاءَ صاغرينَ دون تردُّدٍ أو تمهلٍ ، قرأ عاصم ، وأبو عمرو ، وحمزة ، والكسائي : ( لآتَوْها ) بالمد ، أي لأعطَوها وقرأ نافع وابن كثير ( لأتَوْهَا ) بالقصر أي لفعلوها ، أو لأقبلوا عليها قبل أن تقبل عليهم ، ولخرجوا إلى سكك المدينة وأزقتها يستقبلونَ الكفرة الظافرين استقبالَ الأبطالِ الفاتحينَ بالبشر والترحابِ ، ويزُفُّونهم بالورود والرياحين .
لكن : لو حدثَ ذلك ! فلن يطولَ تمتُّعهم بهذه الحياةِ الجديدةِ : حياةِ الذُّلِّ والعار والغدر والخيانةِ والارتماء في أحضانِ رؤوسِ الكفر ، إذ سرعانَ ما تعودُ الغَلَبةُ لأهلِ الحقِّ فينتقموا من الكفرةِ وأذنابهم ، أو يأخذُهُمُ اللهُ أخذَ عزيزٍ مقتدرٍ ؛ فالموتُ آتٍ وكلُّ ما هو آتٍ قريبٍ .
قال الألوسي : " وما لبثوا بالمدينة بعد إظهارِ كفرِهِم إلا يسيراً ، فإن الله تعالى يُهْلِكُهُمْ أو يُخْرِجُهُم بالمؤمنينَ " (48) .
ويجوزُ أن يكونَ المعنى : وما تلبَّْثوا : يعني الجيوش الداخلة عليهم بها إلا قليلا حتى يُخرجُها جنودُ الحقِّ ، والذي يتأمل في تاريخنا الإسلامي يدرك أن جموعَ الكفر إذا اقتحمت بلدا من بلاد المسلمين فإنه لا يطول بقاؤهم فيها فسرعان ما تخرج صاغرةً منهزمةً .
وسلِ التاريخَ عن جحافل الصليبيين وزحف التتارِ وغيرِهم ؟(1/37)
وقال الشوكاني : " وقال أكثرُ المفسرين : إن المعنى : وما احتسبوا عن فتنةِ الشركِ إلا قليلاً ، بل هم مسرعونَ إِلَيهَا راغِبُونُ فيها ، لا يقفُونَ عنها إلا مُجرّدَ وقوعَ السؤالِ لهم ، ولا يتعلَّلونَ عن الإِجابَةِ بأن بيوتَهم في هذه الحالةِ عورةٌ مع أنها قد صارت عورةً على الحقيقة ، كما تعلّلوا عن إجابة الرسول ( والقتال معه بأنها عورة ، ولم تكن إذ ذاك عورة (49) .
تأمَّل : كيف تحملُ الآياتُ الواحدةُ معانيَ متنوعةً متعددةً :
وفي هذا يقول الشاعر :
لها مَعَانٍ كَموْجِ البحرِ في مَدَدٍ وفَوقَ جَوهَرِهِ في الحُسنِ والقِيَمِ
فَمَا تُعَدُّ ولا تُحصَى عجائِبُهَا ولا تُسَامُ على الاِكثارِ بالسَّأَمِ
فالدُّرُ يزدادُ حُسناً وَهْوَ مُنتَظِمُ وليس يَنقُصُ قَدرَاً غيرَ مُنتَظِمِ (50)
الفارُّون المُدبرونَ !
????????? ( ???????? ??????????? ?????? ??? ???????? ??? ??????????? ???????????????? ??????? ?????? ?????? ????????????? ?(?????
يذكرهم الله تعالى بسالفِ عهدِهم الذي نقضوه ووعدهم الذي سرعان ما أخلفوه ، حين عاهدوا الله من قبل إن شهدوا مع الرسول ( معركةً فلن يتخلفوا عنها .
قال الرازي : " ... بياناً لفساد سريرتهم وقبح سيرتهم لنقضهم العهود فإنهم قبل ذلك تخلفوا وأظهروا عذراً وندماً ، وذكروا أن القتال لا يزال لهم قدماً ثم هددهم بقوله : ( وَكَانَ عَهْدُ الله مَسْئُولاً ( " (51) .
قال قتادة : " هم ناسٌ غابوا عن وقعةِ بدرٍ ، فلمَّا عَلِمُوا ما أَعْطَى اللّهُ أهلَ بدرٍ مِنَ الكرامةِ قالوا : لئن شهدنَا قتالاً لنقاتِلَنَّ " (52) .
( ??????? ?????? ?????? ????????????? ( يُسأَلون عنه في الآخرة . كما قال ( في نفس السورة قبل الحديث عن الغزوة ( ?????????????? ??????????????? ??? ??????????? ???????????? ??????????????? ????????? ?????????? ??? ( .
وهل ينفعُ الفرار !(1/38)
???? ( ???? ???????????? ??????????? ???? ??????????? ????? ??????????? ????? ??????????? ???????? ???? ????????????? ??????? ???????? ???? (
التفاتٌ من الغَيبةِ إلى الحضورِ وفي هذا تنبيهٌ وتهديدٌ ، حيث التفتَ إليهم بالخطاب المباشرِ بعد الحديثِ عنهم بصفةِ الغائبِ ، لأن وجودَهم كعدمِهم فشأنُهم شأنُ الغائبِ الذي لا يلتفتُ لغيابه ولا يُسألُ عنه لاستواء حضوره بغيابه ، لكنه التفتَ إليهم بالتذكيرِ والوعيد ، وفي الالتفاتِ إليهم بالمخاطبةِ زيادةٌ في الرهبةِ ومدعاةٌ للوَجَلِ ، وأمرَ النبيَّ ( ومن اتبعَهُ أن يبلغَهُم بهذه الرسائلِ الموجهةِ لهم من الله : أن الفرار والحذر لن ينجي من القدر وأنه على فرضِ ما يتوهمون فمهما طال بهم الأمد فلا بدَّ من الموت لا محالة ، فإن أيام الحياة وإن طالت قصيرة ، وعمرٌ تأكله ذراتُ الدقائق وإن كثر قليل .
والمرءُ يفرحُ بالأيامِ يقطعُها وكلُّ يومٍ مضى نقصٌ من الأجلِ
حياتُك أنفاسٌ تُعدُّ فكلَّما مضى نفسٌ منها انتقصتَ بِهِ جُزْءًا
وقوله : ???? ( ???? ???????????? ??????????? ???? ??????????? ????? ??????????? ????? ??????????? ( : إشارة إلى أن الأمور بالمقادير ولن ينفعهم الفرار ولن تفيدَهم المعاذيرُ ، ثم قال تعالى : ( ???????? ???? ????????????? ??????? ???????? ( كأنه يقول ولو فررتم منه في يومكم مع أنه غيرُ ممكنٍ : لَمَا دُمْتُمْ بل لا تُمَتَّعُون إلا قليلاً ، فالعاقلُ لا يرغب في شيء قليلٍ يُفَوِّتُ عليهِ شيئاً كثيراً ، فلا فرارَ لكم ولو كان لما متعتم بعد الفرار إلا قليلاً ، فعلى فرض توهمهم أن الفرار ينجي من الموت أو القتل : فكم تعيشون وإلى متى تعمرون ؟(1/39)
وفي اللطائف : " ... لأَن الآجالَ لا تأخيرَ لها ولا تقديم عليها ، وكما قالوا : " إنّ الهاربَ عمّا هو كائن في كفِّ الطالب يتقلبُ " ، ( وَإِذاً لاَّ تُمَتَّعُونَ إِلاًَّ قَلِيلاً ) : فإنّ ما يدّخرُه العبدُ عن الله من مالٍ أو جاهٍ أو نَفيسٍ أو قريبٍ لا يُبارَك له فيه ، ولا يجدُ به مَنَعَةً ، ولا يُرزَقُ منهُ غِبْطَةٌ " (53) .
فالموت حتمًا ملاقيكم ، فالجبانُ الرِّعديد الذي يهربُ من قدرِهِ المحتومِ وأجلِهِ المعلومِ يموتُ كلَّ يومٍ مرَّاتٍ ومرَّات .
قال جريرٌ : قُلْ للجبانِ إِذا تأخرَ سرجُهُ * هل أنتَ من شَرَكِ المنيةِ ناجِ ؟
وقال آخر : وَمَنْ لمَ يمُتْ بالسيفِ ماتَ بغيرِهِ تعددتِ الأسبابُ والموتُ واحدٌ
يرى الجُبنَ كياسةً وما هو إلا الحماقةُ بعينها :
يرى الجبناءُ أن العجزَ فخرٌ * وتلكَ خديعةُ الطبعِ اللئيمِ
" ويكفيك أن يقالَ في وصفِ الجبانِ إن أحسَّ بِعُصْفُورٍ طار فؤادُهُ ، وإن طنَّتْ بعوضةٌ طالَ سُهادُه يفزعُ من صريرِ البابِ ويقلقُ من طِنينِ الذبابِ ، إن نظرَ إليهِ شزرًا أُغْمِيَ عليه شهرًا ، يحسَبُ خفوقَ الرياحِ قعقعةَ الرماحِ :
إذا صوَّتَ العصفورُ طار فؤادُهُ ... وليثٌ حديدُ النابِ عندَ الثرائدِ " (54)
أيُّ يومٍ من الموتِ أفرُّ يومَ قُدِّر أم يومَ لا قُدِرْ
يومَ لا قُدِّر لا أَرهبُهُ ومن المقدورِ لا ينجو الحذِر .
أقولُ لها وقد طارتْ شَعاعاً * من الأبطالِ ويحكِ لن تراعي
فإِنكِ لو سألتِ بقاءَ يومٍ * على الأجلِ الذي لكِ لن تُطَاعِي
فصبراً في مجالِ الموتِ صبراً * فما نيلُ الخلودِ بِمُستطاعِ
ولا ثوبُ البقاءِ بثوبِ عزٍ * فيطوى عن أخي الخنعِ اليراعِ
سبيلُ الموتِ غايةُ كلِّ حيٍ * فداعِيهِ لأهلِ الأرضِ داعي
وما للمرءِ خيرٌ من حياةٍ * إِذا ما عُدَّ من سقطِ المتاعِ (55)(1/40)
وصدق الله عز وجل إذ يقول مخاطبا اليهود وهم أحرص الناسِ على حياةٍ ( ????? ?????? ??????????? ???????? ?????????? ??????? ????????????? ?????????????? ????? ??????????? ??????? ???????? ???????????? ????????????????? ??????????????????? ????? ??????? ????????????? ??? ( (سورة الجمعة) .
لا عاصم من الله ولا عاصم إلا الله !
?????(? ??? ??? ???????? ???????????? ????? ?????? ????? ???????? ?????? ????????? ????? ???????? ?????? ????????? ????? ?????????? ????? ???? ????? ?????? ???????? ????? ????????? ???? . (
رسالةٌ أخرى موجهةٌ إليهم لا بدَّ وأن تقرعَ مسامِعَهُمْ وتهُزَّ قلوبَهم وتُزلزلَ كيانَهم : مِنَ الذي يعصمُكُم من أمرِ الله من الذي يحولُ بينكم وبين قدرِ اللهِ ؟ أيُّ قوةٍ تستطيعُ أن تدفع عنكم الضُرَّ أو أن تجلب لكم الخيرَ والضارُّ والنافعُ والمعطي والمانعُ هو اللهُ وحده .
" من الذي يحققُ لكم من دونه مَرْجُوًّا ؟ ومن الذي يصرف عنكم دونه عَدُوًّا ؟ " (56) .
وإذا أراد الله بعبدٍ ضَرًّا أو أراد به نفعًا فلا رادَّ لقضائِهِ ولا معقَّبَ لحكمِهِ ، والعصمةُ هي الوقاية والمنع ، وإنما قابل السوءَ بالرحمة لأن المقصود به معاقبتهم وتعذيبهم على فرارهم وتكذيبهم وخذلانهم ، " فَجُعِلَتِ الرحمةُ قرينةَ السوءِ في العصمةِ مع أنه لا عصمةَ إلا من السوء لما في العصمةِ من معنى المنعِ " (57) .
وقوله : ( وَلا يَجِدُونَ لَهُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلِيًّا وَلا نَصِيرًا ) " أي : ولا يجد هؤلاء المنافقون إن أراد الله بهم سوءًا في أنفسهم وأموالهم(مِن دُونِ الله وليًّا) يليهم بالكفاية (وَلا نَصِيرًا) ينصُرُهم من الله فيدفعُ عنهم ما أراد الله بهم من سوء ذلك " (58) .
فليتقوا الله تعالى ويلتزموا طاعته ويتوكلوا عليه وحده فهو تعالى المعزُّ لمن أطاعه ووالاهُ ، المُذِلُّ لمن أعرض عن ذكره وعصاهُ .(1/41)
المعوِّقُونَ المُخادِعونَ
?( ????? ????????? ?????? ????????????????? ??????? ?????????????????? ??????????????????? ???????? ????????????? ????? ???????????? ??????????? ??????? ???????? ???? (
ثمَّ يعودُ الخطابُ إلى الصفِّ المسلمِ ببيان إحاطةِ علم الله تعالى بمن يتخللون هذا الصف من المنافقين المثبطين المرجِفِينَ ، الذين يُشكِّلونَ عائقًا يعوقُ عن الجهادِ ، ولو شاء الله تعالى لهتك سترهم وفضح أمرهم ولكنه تعالى يمهلهم لحكمةٍ يعلمها .
هذا العنصر الذي يجبُ تنقية الصفوفِ منه لما يُسببه من وهنٍ ولما يبثُّه من هزيمةٍ نفسيَّة يستسلم لها ضعافُ الإيمانِ .
من الذينَ هوَّنوا من شأنِ جندِ الإيمانِ وهوَّلوا وبالغوا في شأنِ الأحزاب ، ودعوا إلى الرجوع عن الميدانِ وقالوا لإخوانهم: ( ???????? ????????????? ( أي أقبلوا على ما نحن فيه من المتعِ والملذاتِ .
وهذه العبارةُ القرآنية : ( ?????????????????? ??????????????????? ???????? ????????????? ( : تُبَصِّرُنا ببعضِ آفاتِ هذا العصر ، حيث ابتليت كثيرٌ من مجتمعاتنا بدعواتٍ هدَّامة وأحزابٍ ضالة وتجمُّعاتٍ مريبة ومؤسساتٍ مشبوهة تُرَوِّجُ لباطلها بين ضعافِ الإيمان وتبثُّ سمومَها تحتَ شعارات براقة ، ودعاوى زائفة ، تارة باسم الحرية وأخرى باسم المساواة والتقارب والمؤاخاة ( ?????????????????? ??????????????????? ???????? ????????????? ( ، يجتمعون ويتواصلون ويتقاربون ويتآمرون لمحاربة الحق والتربُّصِ برجاله والتضييقِ عليهم ولعلَّ صاحب الكشاف قد ألمح إلى هذا المعنى بقوله : ( ?????????????????? ??????????????????? ???????? ????????????? ( " أي قربوا أنفسكم إلينا " (59) ، فلقد توحدت رؤاهم وتلاقت مصالحهم .(1/42)
قال ابن زيد : " انصرف رجلٌ من عند رسول الله ( يوم الأحزاب ، فوجد أخاه لأُمِّه وأبيه وعنده شِواءُ ونبيذٌ ، فقال له : أنتَ هاهنا ورسولُ الله بين الرِّماح والسيوف؟! فقال : هلمَّ إِليَّ ، لقد أُحيطَ بك وبصاحبك؛ والذي يُحْلَفُ به لا يستقبلها محمدٌ أبداً ؛ فقال له : كذبتَ ، والذي يُحْلَف به ، أما والله لأُخْبِرَنَّ رسولَ الله ( بأمرك ، فذهب إِلى رسول الله ( ليخبرَه ، فوجده قد نزل جبريل بهذه الآية إِلى قوله : ( يسيراً ) .
وقال ابن السائب : إن عبد الله بن أُبيّ ومُعتّب بن قُشَير والمنافقين الذين رجعوا من الخندق إِلى المدينة ، كانوا إِذا جاءهم منافق قالوا له : ويحك اجلس فلا تخرُج ، ويكتُبون بذلك إِلى إِخوانهم الذين في العسكر أن ائتونا بالمدينة فإنَّا ننتظركم - يثبِّطونهم عن القتال - وكانوا لا يأتون العسكر إِلاَّ أن لا يجدوا بُدّاً ، فيأتون العسكر ليرى الناسُ وجوههم ، فإذا غُفل عنهم ، عادوا إِلى المدينة ، فنزلت هذه الآية.
وقيل هم اليهود فإلى جانب إشعالهم نار هذه المعركة وحشدهم الأحزاب فقد سعوا إلى اختراق صفوف المسلمين عن طريق المنافقين لصرفهم عن الجهاد :
قال مقاتل : نزلت في المنافقين فإنّ اليهود أرسلوا إلى المنافقين قالوا ما الذي يحملكم على قتل أنفسكم بيد أبي سُفْيَانَ ومَنْ مَعَهُ فإنهم إن قَدِرُوا عليكم في هذه المرة لم يَسْتَبْقُوا منكم أحداً وإنّا نشفق عليكم أنتم إخواننا وجيراننا هَلُمَّ إلينا فأقبل عبد الله بن أبيٍّ وأصحابُه على المؤمنين يُعَوِّقُونَهُمْ ويُخَوِّفُونَهُمْ بأبي سفيان وبمن معه قالوا : لئن قدروا عليكم لم يستبقوا منكم أحداً ما ترجون من محمد ، ما عنده خير ما هو إلا أن يقتلنا ههُنَا انطلقوا بنا إلى إخواننا يعني اليهود فلم يزدد المؤمنون بقول المنافقين إلا إيماناً واحتساباً . (60)(1/43)
ولكنَّ سياقَ الآية يدل على أن المراد بهم المنافقون بدليل قوله تعالى ( ولا يأتون البأْس ) أي : لا يحضُرون القتال في سبيل الله ( إِلاَّ قليلاً ) للرِّياء والسُّمعة من غير احتساب ، ولو كان لله لكان كثيراً ، ولكنه مجرد إثباتِ الحضورِ والتظاهر الخادع بنصرة الإسلام .
وفي الآية وعيدٌ وتهديدٌ ، وتذكيرٌ وتحذيرٌ لأولئك الذين غاب عن أذهانهم إحاطة علم الله تعالى بهم ، وقد أفادت قد حين دخلت على الفعل المضارع يعلم : التحقيق لتأكيد وتقرير علم الله عز وجل بما يسرونه وما يعلنونه ، أو تفيد التكثير لكثرة ما يقع من أولئك المنافقين من تعويق بالقول أو بالفعل .
قال ابن عاشورٍ : " ودخول قد على المضارع لا يخرجها عن معنى التحقيق عند المحققين من أهل العربية ، وأن ما توهموه من التقليل إنما دل عليه المقام في بعض المواضع لا من دلالة ( قد ، ) ومثله إفادة التكثير " (61).
شحٌّ وجبنٌ
?????????? ( ??????????? ????????? ??????? ??????????? ??????????????? ???????????? ?????????? ???????? ??????????????? ??????????? ??????????? ????????? ???? ???????????? ????????? ?????? ??????????? ?????????? ????????????? ??????? ?????????? ????? ???????????? ???????????????? ???? ???????????? ????????????? ?????? ???????????????? ??????? ??????? ????? ?????? ?????????? ???? (
صورٌ عجيبة لأولئك النفر من المنافقين الذين لم يدعوا مذمَّةً إلا حصَّلوها ولا مثلبةً إلا نالوها ، فهم أشحاء جبناء ، أيديهم عن الخير مغلولة ، وألسنتهم في الشرِّ مسلولة
أشحةً : والشحّ : البخل بما في الوسع مما ينفع الغير وعُدِّيَ بِعَلَى : لتضمُّنِهِ معنى الاعتداءِ لما في الشُّحِّ من الظلم والحرمانِ والقسوةِ ، فهم أشحةٌ بالمال والجهدِ ، يمنعون كلَّ ما في وسعهم بذلَه ، بُخلاً منهم وحقدًا على المسلمين وخذلانا لهم .(1/44)
ونصبُ ( أَشِحَّةً ) على الحال أو على الذمّ أي حالة كونهم أشحاء ، أو ذمَّاً لهم .
والآية تحمل لنا معنى أخر : وهو أنهم أشحاء عليكم يضنون بكم ويتظاهرون بالخوف عليكم من القتال فيمنعونكم منه : أي يظهرون أنهم يخافون عليكم الهلاك فيصدُّونكم عن القتال ويحسِّنون إليكم الرجوع عن القتال ، قال صاحبُ الكشافِ : " ( أَشِحَّةً عَلَيْكُمْ ( في وقت الحرب أضناء بكم ، يترفرفون عليكم كما يفعل الرجل بالذابِّ عنه المناضل دونه عند الخوف " (62) .
لطيفةٌ قرآنية : وجاء التعبير بخطاب الجمع في ( ?????????? ??????????? ) ، (??????????) وبخطاب المفرد في (??????????????? ???????????? ?????????? ) : : تكريما له ( حتى لا يتوجَّه الفعل " سلق" قصدا إليه ، وإشارة إلى أن عيبهم لن ينال منه ( ولن يصل إليه ، وأنهم مع كفرهم وعنادهم ومراوغتهم إلا أنهم يهابونه بل ويلوذون به عند الشدائد كما يوحي بذلك التعبير القرآني ( ??????????????? ???????????? ?????????? ???????? ??????????????? ??????????? ??????????? ????????? ???? ???????????? ( : يلوذون بك عند المخاوف ، ويحتمون بك فأنت ملجأ الخائف وغوثُ الملهوف فتراهم مع ما تنطوي عليه صدورُهم يندفعون إليك مستجيرين مؤمِّلين طامعين في كرمك وسعة صدرك وإحسانِك حتى بمن أساء إليك ، وهذا الأمر نلمسه في واقعنا في نظرة الناسِ لأهل التقى والصلاح يفزعُ الناسُ إليهم ويؤملونهم عند الأزماتِ ويُصدِّرونهم عند المحنِ ثقةً فيهم واطمئناناً إليهم .
( ????????? ??????? ??????????? ??????????????? ???????????? ?????????? ???????? ??????????????? ??????????? ??????????? ????????? ???? ???????????? ((1/45)
فإذا جاء البأس ووقع القتال رأيتَ الخوفَ على صفحات وجوههم وعيونهم ، ينظرون إليك وقد ملأ الرعبُ قلوبُهم ، تدورُ أعينُهم كما تدورُ أعينُ الذي يعالج شدةَ الموت وسكراته ويعاينُ أحوالَه وأهواله ، فكأن العين كلها تدورُ في المحاجِر علما بأن الأحداق وحدها هي التي تدور ، ولكنه التعبير البليغ عن حالة الفزع والهلع التي انتابتهم في ميدان القتال .
أما عن سيوفهم التي يستلونها فهي ألسنتهم الحداد التي يبسطونها ويسلطونها ( ????????? ?????? ??????????? ?????????? ????????????? ??????? ( ، كفوا سيوفهم عن الأعداء ليبسطوا ألسنتهم .
والسلق بسطٌ بقهر باليد أو باللسان ، وفي الصحاح : سَلَقَه بالكلام آذاه وهو شدة القول باللسان ، وفسره الزجاج بالمخاطبة الشديدة قال : معنى سلقوكم خاطبوكم أشد مخاطبة وأبلغها في الغنيمة يقال : خطيب مِسْلاقٌ وسَلَّاقٌ إذا كان بليغاً في خطبته ، فمعنى سلقوكم آذوكم بألسنتهم ، وتظاهروا بأنهم سبب نصرتِكم ، وانتفخت أوداجُهم بالعظمة والخُيلاء ، فأولئك الذين حُبِستْ أنفاسُهم يومَ الملحمةِ فلا تسمعُ لهم يوم الكريهةِ همسًا ، تراهم يوم النصرِ والغنائِمِ وقد تقدَّمُوا الصفوفَ وتصدَّرُوا المجالسَ ، وارتفعتْ أصواتُهُم وعلت صيحاتُهم !
وفي هذا المعنى يقولُ ابنُ كثيرٍ رحمه الله : " أي علتْ ألسنتُهُم بالكلامِ الحادِّ القويِّ في الأمنِ وفي الحربِ أجبنُ شيءٍ وكما قال الشاعرُ :
أفي السِّلْمِ أعيارٌ جَفَاءً وَغِلْظَةً وفي الحربِ أشباهُ النساءِ الفوارِكِ ؟
" (63) .
" وهذا النموذجُ من الناسِ ، لا ينقطعُ في جيلٍ ولا في قبيلٍ . فهو موجود دائماً . وهو شجاعٌ فصيحُ بارزُ حيثًما كان هناك أمن ورخاء . وهو جبان صامت منزو حيثما كان هناك شدة وخوف . وهو شحيحٌ بخيل على الخير وأهل الخير ، لا ينالهم منهم إلا سلاطة اللسان! " (64) .(1/46)
وكم نُكِبتْ أُمتُنا من أولئك المنافقينَ الذين لاذوا بالجحورِ وآثروا السلامةَ عند اشتداد الأزماتِ ووقوع المواجهاتِ فلما تحقق النصر للمجاهدين سرقوه وَجَنَوا ثمارَه ، فتسلطوا على العباد ودانت لهم البلاد فذاقت الشعوب منهم الويلات .
( ???????? ??????? ?????? ???? ?????????? ????????????? ???????? ??????? ????????? ???????????? ?????? ??????????? ????? ? ??????? ??????????????? ???? ???????????????? ?????? ??????????? ??????????? ???????????????? ?????????????????? ???? ( (سورة العنكبوت) .
( أوْلَئِكَ ( : عبر عنهم بلام البعد لأنهم بُغَضَاءُ بُعَدَاءُ عن رحمة الله ، وينبغي أن يُنبذوا ويُبعدوا وتُنقَّى منهم الصفوفُ ( لَمْ يُؤْمِنُواْ ( إيمانا حقيقيا ، بل تظاهروا بالإيمان فهم في الحقيقة أهل كفر ونفاق ، فلا تُستغربُ منهم هذه الرذائل المهلكة لأنهم لم يرتووا يوما من نبع الإيمان ولم يستظلوا بظلالِه ، ولم يتذوقوا حلاوتَه ، ولم يتحلّوا بأخلاقه وآدابِه ، (فَأَحْبَطَ الله أعمالهم ( أبطل بإضمارهم الكفر ما أظهروه من الأعمال ، أو أحبط أعمالهم أظهر بطلانها وفسادها لأنها لم تُقْبَلُ أصلا ( وَكَانَ ذلك ( إحباطُ أعمالهم ( عَلَى الله يَسِيراً ( هيناً ، أو كانت أعمالهم يسيرة هينة لا قيمة لها أصلا ، فأحبطها تعالى من أصلها ، فهي لا قيمة لها ولا وزن لها " إذ هم قومٌ فعلوا ما يستوجب الإحباط ويستدعيه ، فاقتضت حكمته أن يعاملهم بما يقتضيه عدله ، وتدل عليه حكمتُه " (65) .
??????????????( ?????????????? ???? ????????????? ?????? ???????? ?????????????? ??????????? ????? ?????????? ????????? ? ?????????????? ???????????????? ???? ??????????????????? ??????? ????????? ?????? ???? ?????????????? ??????? ???????? ???? ( .(1/47)
مِنْ فَرْطِ خوفِهِم وشدَّة فزعِهم ونتيجةً لحساباتهم الخاطئة :لم يخطرْ ببالهم أن تلك الجموعَ الحاشِدة المُتَحفِّزةَ الرابضةَ على أبوابِ المدينةِ يمكنُ أن تعودَ دونَ أن تحقَّق أهدافَها التي جاءت من أجلِها وهي القضاءُ على الإسلامِ والانقضاضُ على المسلمينَ ، حتى بعد أن فرَّت تلك القُوى من مواقعِها وعادت من حيث جاءتْ لم يصدقِ المنافقينَ بادئ الأمرِ تلك النتيجةَ المُذهلةَ التي قلبت موازينَهم وخيبت ظُنُونَهم ، وبدَّدت أحلامَهم ، ومع ذلك فلو أعادَ الأحزابُ الكرَّة لأعاد المنافقون موقفَهم المتخاذلَ دون أن يعتبروا من المرَّةِ الأولى ويستفيدوا من الدرسِ السابق ولفرُّوا هذه المرَّة إلى أعماقِ الباديةِ ليؤثروا السلامةَ مكتفين بتتبع الأخبار وتقصِّي الأحداثِ من بعيدٍ ، مع أنهم لو حضروا القتال لما قاتلوا إلا النَّذرَ اليسير ، من باب الرياء والسمعة ، وإثبات حضورهم ، لا قتالا جادَّا يحتسبون فيه الأجر والثواب من الله ...
إيثارُ السلامة !
وفي هذه الآية درسٌ لأولئكَ الذين اختزلوا الإسلامِ في أداء بعض جوانبهِ دون مراعاةٍ لشمولهِ ، فتعاملوا مع قضايا الأمة وهمومها وأزماتها بسلبيةٍ شديدةٍ ، وانشغلوا بإصلاح بعض الجوانبِ الدينية ، وأغفلوا في المقابل جوانب أخرى مثل الدعوةِ إلى إصلاحِ المجتمعِ والنهوضِ به ، وتوجيه النصيحة إلى أولي الأمر ، وصدِّ العدوان على الأمة والتصدِّي لمكائدِ أعدائها الذين يتربصون بها ، لكنهم يُغْفِلُونَ كثيرا من هذه الجوانب إيثارًا للسلامةِ ورغبةً في العافيةِ ، ويرضون لأنفسهم بموقف المُتفرِّج على الأحداثِ دون التفاعلِ معها والمشاركةِ في صنعِها والمساهمةِ في تغييرِ واقعِ الأمةِ والتخطيطِ لمستقبلِهَا .
وفي الليلةِ الظلماءِ يُفتقدُ البدرُ(1/48)
في خِضمِّ أسفرتْ تلك الفتنة عن مواقف مضيئة ونماذجَ مُشرقةٍ وقد قيل : - وفي الليلة الظلماء يُفتقدُ البدرُ - إنهم جنودُ الحق الذين بذلوا مهجَهُم لنصرته رسولُ الله ( ومن حوله من الرجال الصادقين ، ولقد سجَّل لهم القرآنُ تلكَ البطولاتِ لتظلَّ عبرةً للمعتبرينَ وأُسوةً للمتأسِّين .
قال تعالى ( ???????? ????? ?????? ? ??????? ?????? ?????????? ????????? ?????? ????? ?????????? ?????? ????????????? ?????????? ???????? ?????? ???????? ???? ???????? ?????? ??????????????? ?????????????? ????????? ??????? ??? ?????????? ?????? ???????????? ???????? ?????? ????????????? ????? ????????? ???????? ???????????? ?????????????? ???? ????? ??????????????? ??????? ?????????? ??? ??????????? ?????? ?????????? ?????????? ???? ??????? ??????????? ????????? ???? ???????????? ????? ???????????? ??????????? ???? ???????????? ?????? ??????????????? ???????????? ???????????? ?????????????????? ???? ?????? ????? ????????? ???????????? ?????? ?????? ????? ?????????? ????????? ???? (
يبدأ السياق بهذه الصورة الوضيئة والقدوةِ الحسنة والأسوة الطيبة إمام المتقين وقائد الغرِّ الميامين ، وقدوة الصابرين نبينا محمدٍ ( الذي ضرب المثل الأعلى في الصبر والثبات ، والبذلِ والعطاءِ ، والشجاعةِ والإقدامِ ، وفي الآية تمهيدٌ وتوطئةٌ للحديث عن موقف المؤمنين الصادقين .
وفي الآية عتابٌ للمتقاعسين والمتخاذلين يوم الأحزاب : أنهم لم يقتدوا يومئذٍ بالنبي ( الذي استشار أصحابه وشاركهم في حفر الخندق وحمل التراب على كتفيه ، ورَبَطَ على بطنِهِ من الجوعِ وتحمَّل البردَ القاسيَ ، ورابط في الميدان ، وألحَّ في الدعاء والتضرع إلى الله .
ونبينا ( قدوةٌ في جميع أحوالِهِ إلا ما كان من خُصوصياتِه ( .(1/49)
قال ابن كثيرٍ رحمه الله : " هذه الآية الكريمة أصلٌ كبيرٌ في التأسي برسولِ الله ( في أقواله وأفعاله وأحواله ؛ ولهذا أُمِرَ الناسُ بالتأسي به يوم الأحزابِ : في صبرِهِ ومصابرتِهِ ومرابطتِهِ ومجاهدَتِهِ وانتظارِهِ الفرجَ من ربه عزَّ وجل ، صلوات الله وسلامه عليه دائما إلى يوم الدين؛ ولهذا قال تعالى للذين تضجَّروا وتزلزلوا واضطربوا في أمرهم يوم الأحزاب: ( لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ ( أي: هلا اقتديتم به وتأسيتم بشمائله ؟ ولهذا قال: ( لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا ( " (66).
هذه القدوة الحسنة إنما يتأسى بها ويترسَّمُ خُطاها ويقتدي بهداها من عَمُرَتْ بالإيمانِ قلوبُهم وترطَّبتْ بالذكر أفواهُهُم ( ?????? ?????????? ????????? ????? ?????????? ?????? ????????????? ?????????? ???????? ?????? ???????? ( : يلتمسُ محبته ويبتغي مرضاتَه ويرجو رحمته ويطمع في ثوابِه وجنته ، ويؤثر ما يبقى على ما يفنى فلا يجبن عند اللقاء .
( وذكر الله كثيرًا ( : دَاوَمَ على ذكرِهِ تعالى ، فبذكرِهِ تطمئنُّ القلوبُ وتنشرحُ الصدورُ وتنجلي الهمومُ ، وتنفرجُ الكروبُ ، وتنشطُ الجوارحُ ، وتُستمطرُ الرحماتُ ، وتتنزلُ البركاتُ وتهبُّ النفحاتُ ، ويأتي النصرُ المبينُ .
و" بِذِكرِ الله يسهُلُ الصعبُ ويتيسرُ العسيرُ فما ذُكِرَ اللهُ عز وجل على صعبٍ إلا هان ولا على عسيرٍ إلا تيسَّر ولا مشقةٍ إلا خفَّتْ ولا شدةٍ إلا زالتْ ولا كُرْبَةٍ إلا انفرجتْ ، فذكرُ اللهِ تعالى هو الفرجُ بعد الشدةِ ، واليسرُ بعد العسرِ " (67)
" وذكر الله عز وجل يُذْهِبُ عن القلبِ مخاوفَهُ كلَّها وله تأثيرٌ عجيبٌ في حصولِ الأمنِ فليس للخائفِ الذي قد اشتدَّ خوفُهُ أنفعُ من ذكر الله عز وجل إذ بحسبِ ذكرِهِ يجدُ الأمنَ ويزولُ خوفُهُ حتى كأنَّ المخاوفَ التي يجدُهَا أمانٌ له "(68) .(1/50)
وإذا العنايةُ لاحظتكَ عيونُها نَمْ فالمخاوفُ كلُّهنَّ أمانُ
صفحاتٌ مشرقة
????????( ?????? ??????????????? ?????????????? ????????? ??????? ??? ?????????? ?????? ???????????? ???????? ?????? ????????????? ????? ????????? ???????? ???????????? ?????????????? ???? ( .
عاين الجميعُ زحفَ الأعداء ومحاصرتَهم للمدينة ، الكلُّ أبصرَ ذلك : المنافقون والمؤمنون :
أما المنافقون : فقد كشف هذا الزحفُ عن جبنهم وتخاذلهم وجلَّى عما تخفيه صدورُهم من شكٍّ ونفاق وخَوَرٍ ورياءٍ ، ولقد صوَّر لنا القرآنُ موقفهم أدقَّ وأعمق وأصدق تصوير ، لعلهم يبرؤون من فعالهم ، ويرجعون عن غيِّهم .
وأما المؤمنون : فقد كشف هذا الحصارُ الطويلُ عن معدنِهم الأصيل ، وإيمانِهم العميق ، فإن رؤيتهم لهذا الزحف الرهيب لم تزدهم إلا إيمانا وتصديقا ، ويقينا وتسليما بأقدار الله ، وتفاؤلا واستبشارا بنصر الله ، وفي مثل هذه المصاعب والأهوال تتفتق ثمار التربية الراشدة والتي من معالمها توطينُ النفوس وتهيئتها على استقبال أمواج البلاء وأعاصير المحن بالصبر والثبات .
وتنقضي الحربُ محمودا عواقبُهَا للصابرينَ وحظُّ الهاربِ الندمُ
هنالك تذكر المؤمنون ما وعدهم الله تعالى في كتابه أو على لسان نبيه ( من ذلك قولُه تعالى ( ????? ??????????? ???? ?????????????? ??????????????? ???????? ??????????? ???????? ?????????? ???????? ??? ??????????? ?????????????? ????????????????? ???????????????? ????????????? ??????? ???????? ??????????? ???????????? ?????????? ??????? ?????? ??????? ??????? ??????? ?????? ??????? ?????? ?????????? ????? ( (سورة البقرة)
وقولُه جلَّ وعلا ( ????? ??????????? ???? ????????????? ??????????? ???????? ????????? ?????? ?????????? ???????????????? ??????? ??????????? ???????????????? ????? ( ( سورة آل عمران ) .(1/51)
وهذا الارتقاء في سُلَّمِ الإيمان ومراقي التسليم كان مقترنا بإيجابيةٍ وتفاعلٍ مع الأحداث ومجابهة للمصاعب والأهوالِ بهذه الروح الإيمانية الوثابة وبهذا التسليم القلبي الذي يدفع صاحبَه إلى اقتحام المخاطرِ وركوبِ الأهوالِ ، لا إلى التواكلِ والتقاعسِ والسلبيةِ والقعودِ عن الجهادِ بحجةِ التوكلِ على الله ! إن الآية الكريمة تمدحُ موقف المؤمنين وهم في ميدان المعركة وساحةِ الوغى ، وقد زادهم الموقفُ إيمانا وثباتا ويقينا وتسليما بقدر الله .
الرجولةُ الصادقةُ
?????( ??????????????? ??????? ?????????? ??? ??????????? ?????? ?????????? ?????????? ???? ??????? ??????????? ????????? ???? ???????????? ????? ???????????? ??????????? ???? ( .
صفحاتٌ مشرقة في تاريخ البطولة الحقيقية والرجولة الصادقة ، فهم مؤمنون مخلصون ورجالٌ صادقون ، أبلوا بلاء حسنا ، ووعدوا وعاهدوا : فما كان منهم إلا الصدق والوفاء والبذل والعطاء ، فمنهم من نال الشهادة وتوَّج بها مسيرته الإيمانية وختم بها حياتَه الغالية.
( ?????????? ???? ??????? ??????????? ( : والنحبُ يرادُ به معانٍ كثيرة : " وأول هذه المعاني أنه بمعنى العهد فمعنى الآية : أتمَّ العهد وقام به ، قال الحسن البصري : أي أقام بالوفاء والصدق ، وقال ابن قتيبة : النحبُ هو النذر ، ومعنى قضى نحبه : أي قُتل في سبيل الله ، كأن القوم بقبولهم الإيمان نذروا أن يموتوا على ما يرضاه الله ، فمن قتل في سبيل الله فقد قضى نذره . (69)
?????????( ???? ???????????? ????? ???????????? ??????????? ???? ( ومنهم من ينتظر دورَه في الشهادةِ بلهفةٍ وحنين للقاء ربِّ العالمين ، وهم على طريق الحقِّ ماضون ، وعلى سننِ من سبقَهم سائرونَ ،لم يُبدِّلوا ولم يُغيِّروا ، وفي هذا تعريضٌ بالمنافقين الذين بدََّلوا وأخلفوا .(1/52)
أخرج البخاري ومسلم من حديث أنس بن مالك ( قال : غاب عمِّي أَنَس بن النَّضْر( عن قتال بدر ، فلمَّا قَدِم قال : غِبْتُ عن أوَّل قتال قاتله رسول الله ( ، لئن أشهدني اللّهُ عز وجل قتالاً لَيَرَيَنَّ اللّهُ ما أصنعُ ، فلمّا كان يوم أُحُدٍ انكشف الناسُ ، فقال : اللهم إِني أبرأُ إِليكَ ممَّا جاء به هؤلاء ، يعني المشركين ، وأعتذر إِليك ممَّا صنع هؤلاء ، يعني المسلمين ؛ ثم مشى بسيفه ، فلقيه سعدُ بنُ معاذٍ ، فقال : أيْ سعد ، والذي نفسي بيده إِني لأجد ريح الجنة دون أُحُد ، واهاً لريح الجنة ؛ قال أنس : فوجدناه بين القتلى به بِضْع وثمانون جِراحة ، من ضربة بسيف ، وطعنة برمح ، ورَمْيَة بسهم ، قد مثَّلوا به ؛ قال : فما عرفناه حتى عرفتْه أختُه بِبَنانه ؛ قال أنس : فكنّا نقول : أُنزلت هذه الآية ?????( ??????????????? ??????? ?????????? ??? ??????????? ?????? ?????????? ( فيه وفي أصحابه .
والعبرةُ بعمومِ اللفظِ لا بخصوص السبب والآيةُ عامةٌ في كل من تنطبقُ عليه من الصحابة .
وفي هذه الآية الكريمة كما بيَّنا تعريضٌ بالمنافقين الذينَ بدَّلوا ونقضوا العهود والمواثيق التي أخذوها على أنفسِهِم وأشهدوا الله عليها ، وفي تبديل العهود ونقض المواثيق خطرٌ داهمٌ يهدد أمنَ الأمةِ واستقرارها وكم من حكَّامٍ وزعماء وعدوا شعوبَهم بالأمن والأمان والحريةِ والرخاء ، وسجَّل لهم التاريخُ بدايةً مشرقةً واعدةً ، فما طال بهم العهدُ حتى تبدلوا وكشروا عن أنيابهم ونقضوا عهودهم وارتدوا على أعقابِهم ، وسوَّدوا صحائفَهم وأحالُوا نهار شعوبهم إلى ليلٍ طويلٍ حالكٍ ! .
لذا كانت أهمية الثبات على المبدأ والوفاء بالعهود والمواثيق من شيم أهل الإيمان والصدق مع الله ، أما أهل الكفر والنفاق فلا عهد لهم ولا ذمة .
وصدق الشاعر إقبال حين قال :
إِذا الإيمانُ ضاعَ فلا أمانٌ ولا دنيا لمن لم يُحيِ دينَا(1/53)
ومن رضيَ الحياةَ بغيرِ دينٍ فقدْ جَعَلَ الفناءَ لها قَرِينَا
من حِكَمِ الابتلاءِ
( ???????????? ?????? ??????????????? ???????????? ???????????? ?????????????????? ???? ?????? ????? ????????? ???????????? ?????? ?????? ????? ?????????? ????????? ???? (
هذا الابتلاء وما يسفرُ عنه ليجزي الله الصادقين بصدقهم فينصرهم في الدنيا ويدخلهم في الآخرة جنات النعيم ، ويعذب المنافقين إن ماتوا على نفاقهم أما إن تابوا منه فإن رحمته تعالى واسعة ، وتعليق العذاب بالمشيئة لعلهم يتوبون فيغفر لهم ويرحمهم ، أو لبيان أنه تعالى لا يجب عليه شيء .
فإن الله جل جلاله لا يجب عليه شيء ، فإن شاء عذب المنافقين وإن شاء رحمهم لكن المتحقق أنه تبارك وتعالى شاء تعذيبهم ولم يشأ رحمتهم فكأنه قيل : إن شاء يعذب المنافقين في الآخرة لكنه سبحانه شاء تعذيبهم .
قال الألوسي : " المراد من تعليق تعذيب المنافقين بالمشيئة أنه تعالى إن شاء عذبهم بإبقائهم منافقين وإن شاء سبحانه لم يعذبهم بأن يسلبَ عنهم وصفَ النفاقِ بالتوفيقِ إِلى الإخلاص في الإيمان " (70).
ففي الآية حذفان : حذفٌ من الأول لدلالة الثاني عليه ، وحذفٌ من الثاني لدلالة الأول عليه ، والمعنى ويعذب المنافقين إن أقاموا على النفاق وماتوا عليه ، أو يتوب عليهم إن رجعوا عنه وتابوا منه .
في الدنيا يجزي الصادِقين بالتمكين والنصرة على العدو وإعلاء الراية ، وفي الآخرة بجميل الثواب وجزيلِ المآب والخلودِ في النعيم المقيم ، ( وَيُعَذِّبَ المُنَافِقِينَ إِن شَآءَ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ ( على الوجه الذي سَبق به العلم ، وتَعَلَّقت به المشيئة .(1/54)
? ?????? ?????? ????? ?????????? ????????? ???? ( : وبهذا يُخْتَتَمُ الحديثُ عن غزوةِ الأحزابِ ببيانِ مغفرته تعالى ورحمته ، وأن باب التوبة مفتوح من جميع الذنوب وإن عظمت بعد أن بدأ الحديث عنها بالتذكير بنعمة الله تعالى فكانت البداية بذكر النعمة ، والخاتمة بالحديث عن المغفرة والرحمة ، براعةً في الاستهلال وروعةً في الختام .
? ??????? ?????? ?????????? ????????? ??????????????? ???? ???????????? ????????? ??????? ?????? ??????????????? ???????????? ??????? ?????? ??????????? ???????? ???? ( .
ردَّ الله الأحزاب بالخيبة والحسرة ، فلم ينالوا من المؤمنين شيئا مع كثرة عددهم وقوة عتادهم ، بل عادوا بغيظهم وحنقهم ، كما جاءوا والباء في بغيظهم للملابسة ( ???? ???????????? ????????? ( ، لم ينالوا خيرا أي بحسب ما يتوهمون وهو الظِّفرُ بالمسلمين ، بل رجعوا خاسرين غارمين مُنْهَكين ، وفي التعبير بـ ( ???? ???????????? ????????? ( وهم ما جاءوا إلا للنيلِ من المسلمينِ : استخفافٌ بهم وتهكمٌ بحالهم .
???????( ?????? ??????????????? ???????????? ( : بما أرسله من الجنود وهم الملائكة والريح والبرد القارص والرعب الشديد وغيرها ، فلم يحتاجوا إلى منازلتهم ومبارزتهم حتى يجلوهم عن بلادهم ، بل كفى الله وحده ، ونصر عبده ، وأعزَّ جنده ؛ ولهذا كَانَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم، إِذَا قَفَلَ مِنْ الْجُيُوشِ أَوِ السّرَايَا أَوِ الْحَجّ أَوِ الْعُمْرَةِ، إِذَا أَوْفَىَ عَلَىَ ثَنِيّةٍ أَوْ فَدْفَدٍ، كَبّرَ ثَلاَثاً. ثُمّ قَالَ: "لاَ إِلَهَ إِلاّ اللّهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ. لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ وَهُوَ عَلَىَ كُلّ شَيْءٍ قَدِيرٌ. آيِبُونَ تَائِبُونَ عَابِدُونَ سَاجِدُونَ. لِرَبّنَا حَامِدُونَ. صَدَقَ اللّهُ وَعْدَهُ. وَنَصَرَ عَبْدَهُ. وَهَزَمَ الأَحْزَابَ وَحْدَهُ ". (71)(1/55)
???????( ?????? ??????????? ???????? ( : قويا على كل ما يريد فلا يُعجزه شيء ، عزيزا : قاهرا غالبا لا يغالبه أحد ولا يعارضه معارض في ملكه وسلطانه ، المعزُّ لأوليائه والمذلُّ لأعدائه ،
قال الإمام الطبري : " وكان الله ( قويا ) على فعل ما يشاء فعله بخلقه ، فينصر من شاء منهم على من شاء أن يخذله ، لا يغلبه غالب ؛( عزيزا ): يقول: هو شديد انتقامه ممن انتقم منه من أعدائه.
كما حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة(وكانَ اللَّهُ قَويًّا عَزيزًا) : قويا في أمره، عزيزا في نقمته " (72) .
عاقبةُ الغدر
( ?????????? ?????????? ????????????? ????? ????????? ????????????? ??? ????????????? ????????? ? ?????????????? ?????????? ?????????? ?????????????? ??????????????? ?????????? ?????? ???????????????? ??????????? ??????????????? ???????????????? ?????????? ????? ?????????????? ??????? ?????? ?????? ????? ??????? ????????? ???? (
أي أنزل يهود بني قريظة الذين نقضوا العهد وتآمروا مع جموع الأحزاب ، وناصروهم وأيدوهم ( مِن صَيَاصِيهِمْ ) أي من حصونهم (73) ، فلما تفرقت الجموع وعادتْ من حيث جاءت ، أدرك يهودُ بني قريظة فداحةَ ما ارتكبوه من غدرٍ وخيانةٍ ، فلاذوا إلى جحورهم ودخلوا حصونهم ، وانطلقَ جند الإسلام بأمرٍ من الله تعالى إلى أولئك اليهود فوجدوهم وقد دخلوا الحصون وأغلقوها فحاصروهم وألقى الله الرعب في قلوبهم فاستسلموا صاغرين ورضوا بحكم سعد بن معاذ سيد الأوس لأنهم كانوا حلفاءهم .
وقوله تعالى ( من أهل الكتاب ( تبكيتٌ لهم وتهكمٌ بهم فهم وإن كانوا أهل كتاب ويَمُتُّونَ بصلةٍ إلى الوحي الإلهي بما بين أيديهم من كتابٍ يشهد بصدق النبي الخاتم ويدعوه إلى الإيمان به إلا أنهم مدَّوا أيديَهم إلى عبادِ الأوثان بل وأيدوهم وأقروهم على كفرهم وفضَّلوهم على أهل الإسلام إرضاء لهم وكسبا لودِّهم .(1/56)
عن ابن عباسٍ رضي الله عنهما قال: قَدِمَ حُيَيُّ بن أَخْطَبَ وَكَعْبُ بن الأَشْرَفِ مَكَّةَ عَلَى قُرَيْشٍ فَحَالَفُوهُمْ عَلَى قِتَالِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالُوا لَهُمْ: أَنْتُمْ أَهْلُ الْعِلْمِ الْقَدِيمِ، وَأَهْلُ الْكِتَابِ، فَأَخْبِرُونَا عَنَّا وَعَنْ مُحَمَّدٍ، قَالُوا: وَمَا أَنْتُمْ وَمَا مُحَمَّدٌ؟ قَالُوا: نَحْنُ نَنْحَرُ الْكَوْمَاءَ ، وَنَسْقِي اللَّبَنَ عَلَى الْمَاءِ، ونَفُكُّ الْعناةَ ، وَنَسْقِي الْحَجِيجَ، ونَصِلُ الأَرْحَامَ ، قَالُوا: فَمَا مُحَمَّدٌ؟ قَالُوا: صنبورٌ قَطَعَ أَرْحامَنا، وَاتَّبَعَهُ سُرَّاقُ الْحَجِيجِ بنو غِفَارٍ، قَالُوا: بَلْ أَنْتُمْ خَيْرٌ مِنْهُ ، وَأَهْدَى سَبِيلا ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ ( ??????? ????? ?????? ??????????? ?????????? ?????????? ????? ????????????? ??????????? ???????????? ????????????????? ????????????? ?????????? ????????? ?????????????? ????????? ???? ?????????? ?????????? ??????? ???? ( (النساء) (74)
يقول أحد المؤرخين اليهود في كتابه (تاريخ اليهود في بلاد العرب) في تعليقه على مجاملة اليهود للمشركين على حساب الحق حين سألوهم : أيُّ الفريقين أهدى سبيلا ؟ فكذبوا وقالوا بأن المشركين خيرٌ وأهدى سبيلا ! : " كان واجب هؤلاء ألا يتورطوا في مثل هذا الخطأ الفاحش ، وألا يصرحوا أمام زعماء قريش بأن عبادة الأصنام أفضل من التوحيد الإسلامي , ولو أدى بهم الأمر إلى عدم إجابة مطالبهم كان من واجبهم أن يضحّوا بحياتهم وكل عزيز لديهم في سبيل أن يخذلوا المشركين ، هذا فضلاً عن أنهم بالتجائهم إلى عبدة الأصنام إنما كانوا يحاربون أنفسهم ويناقضون تعاليم التوراة. (75)(1/57)
????????????????( ??????????? ??????????????? ???????????????? ( : والمراد بأرضهم مزارعهم ، وقدمت لكثرة المنفعة بها من النخيل والزروع ،( ?????????????? ) أي حصونهم ( ???????????????) نقودهم ومواشيهم وأثاثهم التي اشتملت عليها أرضهم وديارهم .
??????????( ????? ?????????????? ( : قال مقاتل وابن زيد : هي خيبر فتحت بعد بني قريظة ، وقال قتادة : كان يتحدث أنها مكة ، وقال الحسن : هي أرض الروم وفارس ، وقال عكرمة : هي ما ظهر عليها المسلمون إلى يوم القيامة ، وقال عروة : لا أحسبها إلا كلَّ أرضٍ فتحها الله تعالى على المسلمين أو هو عز وجل فاتحها إلى يوم القيامة ، وهو الراجح والله أعلم .
???????( ?????? ?????? ????? ??????? ????????? ( فهو تعالى إذا وعد وفَّى وإذا أراد فَعَلَ وإذا شاء قَضَى ، وفي البحر المحيط : " وختم تعالى : هذه الآية بقدرته على كل شيء ، فلا يعجزه شيء ، وكان في ذلك إشارة إلى فتحه على المسلمين الفتوح الكثيرة ، وأنه لا يستبعد ذلك ، فكما ملَّكَهُم هذه ، فكذلك هو قادر على أن يملِّكَهُم غيرَها من البلادِ .
وفي اللطائف : " إنّ الحقَّ - سبحانه - إذا أجمل أكمل ، وإذا شفى كفى ، وإذا وفَّى أوفى . فأظفر المسلمين عليهم ، وأورثهم معاقلَهم ، وأذلّ مُتعزِّزَهم ، وكفاهم بكلِّ وجهٍ أمرهم ، ومكَّنهم من قَتْلِهم وأسرِهم ونهْبِ أَموالهم ، وسَبى ذراريهم " (76) .(1/58)
روى الإمام أحمد في مسنده بسنده من حديث عائشةَ رضي الله عنها قالت : خَرَجْتُ يَوْمَ الْخَنْدَقِ أَقْفُو آثَارَ النَّاسِ قَالَتْ فَسَمِعْتُ وَئِيدَ الْأَرْضِ وَرَائِي يَعْنِي حِسَّ الْأَرْضِ قَالَتْ فَالْتَفَتُّ فَإِذَا أَنَا بِسَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ وَمَعَهُ ابْنُ أَخِيهِ الْحَارِثُ بْنُ أَوْسٍ يَحْمِلُ مِجَنَّهُ قَالَتْ فَجَلَسْتُ إِلَى الْأَرْضِ فَمَرَّ سَعْدٌ وَعَلَيْهِ دِرْعٌ مِنْ حَدِيدٍ قَدْ خَرَجَتْ مِنْهَا أَطْرَافُهُ فَأَنَا أَتَخَوَّفُ عَلَى أَطْرَافِ سَعْدٍ قَالَتْ وَكَانَ سَعْدٌ مِنْ أَعْظَمِ النَّاسِ وَأَطْوَلِهِمْ قَالَتْ فَمَرَّ وَهُوَ يَرْتَجِزُ وَيَقُولُ
لَيْتَ قَلِيلًا يُدْرِكُ الْهَيْجَا جَمَلْ مَا أَحْسَنَ الْمَوْتَ إِذَا حَانَ الْأَجَلْ(1/59)
قَالَتْ فَقُمْتُ فَاقْتَحَمْتُ حَدِيقَةً فَإِذَا فِيهَا نَفَرٌ مِنْ الْمُسْلِمِينَ وَإِذَا فِيهِمْ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ وَفِيهِمْ رَجُلٌ عَلَيْهِ سَبْغَةٌ لَهُ يَعْنِي مِغْفَرًا فَقَالَ عُمَرُ مَا جَاءَ بِكِ لَعَمْرِي وَاللَّهِ إِنَّكِ لَجَرِيئَةٌ وَمَا يُؤْمِنُكِ أَنْ يَكُونَ بَلَاءٌ أَوْ يَكُونَ تَحَوُّزٌ قَالَتْ فَمَا زَالَ يَلُومُنِي حَتَّى تَمَنَّيْتُ أَنَّ الْأَرْضَ انْشَقَّتْ لِي سَاعَتَئِذٍ فَدَخَلْتُ فِيهَا قَالَتْ فَرَفَعَ الرَّجُلُ السَّبْغَةَ عَنْ وَجْهِهِ فَإِذَا طَلْحَةُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ فَقَالَ يَا عُمَرُ وَيْحَكَ إِنَّكَ قَدْ أَكْثَرْتَ مُنْذُ الْيَوْمَ وَأَيْنَ التَّحَوُّزُ أَوْ الْفِرَارُ إِلَّا إِلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ قَالَتْ وَيَرْمِي سَعْدًا رَجُلٌ مِنْ الْمُشْرِكِينَ مِنْ قُرَيْشٍ يُقَالُ لَهُ ابْنُ الْعَرِقَةِ بِسَهْمٍ لَهُ فَقَالَ لَهُ خُذْهَا وَأَنَا ابْنُ الْعَرَقَةِ فَأَصَابَ أَكْحَلَهُ فَقَطَعَهُ فَدَعَا اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ سَعْدٌ فَقَالَ : اللَّهُمَّ لَا تُمِتْنِي حَتَّى تُقِرَّ عَيْنِي مِنْ قُرَيْظَةَ ، قَالَتْ وَكَانُوا حُلَفَاءَهُ وَمَوَالِيَهُ فِي الْجَاهِلِيَّةِ قَالَتْ : فَرَقَى كَلْمُهُ وَبَعَثَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ الرِّيحَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ فَكَفَى اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ الْمُؤْمِنِينَ الْقِتَالَ وَكَانَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ قَوِيًّا عَزِيزًا فَلَحِقَ أَبُو سُفْيَانَ وَمَنْ مَعَهُ بِتِهَامَةَ وَلَحِقَ عُيَيْنَةُ بْنُ بَدْرٍ وَمَنْ مَعَهُ بِنَجْدٍ وَرَجَعَتْ بَنُو قُرَيْظَةَ فَتَحَصَّنُوا فِي صَيَاصِيهِمْ وَرَجَعَ رَسُولُ اللَّهِ ( إِلَى الْمَدِينَةِ فَوَضَعَ السِّلَاحَ وَأَمَرَ بِقُبَّةٍ مِنْ أَدَمٍ فَضُرِبَتْ عَلَى سَعْدٍ فِي الْمَسْجِدِ قَالَتْ فَجَاءَهُ جِبْرِيلُ ( وَإِنَّ عَلَى ثَنَايَاهُ لَنَقْعُ الْغُبَارِ(1/60)
فَقَالَ أَقَدْ وَضَعْتَ السِّلَاحَ وَاللَّهِ مَا وَضَعَتْ الْمَلَائِكَةُ بَعْدُ السِّلَاحَ اخْرُجْ إِلَى بَنِي قُرَيْظَةَ فَقَاتِلْهُمْ قَالَتْ فَلَبِسَ رَسُولُ اللَّهِ ( لَأْمَتَهُ وَأَذَّنَ فِي النَّاسِ بِالرَّحِيلِ أَنْ يَخْرُجُوا فَخَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ ( فَمَرَّ عَلَى بَنِي غَنْمٍ وَهُمْ جِيرَانُ الْمَسْجِدِ حَوْلَهُ فَقَالَ مَنْ مَرَّ بِكُمْ فَقَالُوا مَرَّ بِنَا دِحْيَةُ الْكَلْبِيُّ وَكَانَ دِحْيَةُ الْكَلْبِيُّ تُشْبِهُ لِحْيَتُهُ وَسِنُّهُ وَوَجْهُهُ جِبْرِيلَ (فَقَالَتْ فَأَتَاهُمْ رَسُولُ اللَّهِ ( فَحَاصَرَهُمْ خَمْسًا وَعِشْرِينَ لَيْلَةً فَلَمَّا اشْتَدَّ حَصْرُهُمْ وَاشْتَدَّ الْبَلَاءُ قِيلَ لَهُمْ انْزِلُوا عَلَى حُكْمِ رَسُولِ اللَّهِ ( فَاسْتَشَارُوا أَبَا لُبَابَةَ بْنَ عَبْدِ الْمُنْذِرِ فَأَشَارَ إِلَيْهِمْ أَنَّهُ الذَّبْحُ قَالُوا نَنْزِلُ عَلَى حُكْمِ سَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ ( فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ( انْزِلُوا عَلَى حُكْمِ سَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ فَنَزَلُوا وَبَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ ( إِلَى سَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ فَأُتِيَ بِهِ عَلَى حِمَارٍ عَلَيْهِ إِكَافٌ مِنْ لِيفٍ قَدْ حُمِلَ عَلَيْهِ وَحَفَّ بِهِ قَوْمُهُ فَقَالُوا يَا أَبَا عَمْرٍو حُلَفَاؤُكَ وَمَوَالِيكَ وَأَهْلُ النِّكَايَةِ وَمَنْ قَدْ عَلِمْتَ ! قَالَتْ فلَا يَرْجِعُ إِلَيْهِمْ قولا وَلَا يَلْتَفِتُ إِلَيْهِمْ حَتَّى إِذَا دَنَا مِنْ دُورِهِمْ الْتَفَتَ إِلَى قَوْمِهِ فَقَالَ قَدْ آنَ لِي أَنْ لَا أُبَالِيَ فِي اللَّهِ لَوْمَةَ لَائِمٍ قَالَ قَالَ أَبُو سَعِيدٍ فَلَمَّا طَلَعَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ قُومُوا إِلَى سَيِّدِكُمْ فَأَنْزَلُوهُ فَقَالَ عُمَرُ سَيِّدُنَا اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ قَالَ أَنْزِلُوهُ فَأَنْزَلُوهُ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ(1/61)
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ احْكُمْ فِيهِمْ قَالَ سَعْدٌ فَإِنِّي أَحْكُمُ فِيهِمْ أَنْ تُقْتَلَ مُقَاتِلَتُهُمْ وَتُسْبَى ذَرَارِيُّهُمْ وَتُقْسَمَ أَمْوَالُهُمْ وَقَالَ يَزِيدُ بِبَغْدَادَ وَيُقْسَمُ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَقَدْ حَكَمْتَ فِيهِمْ بِحُكْمِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَحُكْمِ رَسُولِهِ ... ) الحديث
(77)
الخاتمة
* حين يقدم لنا القرآنُ الكريمُ تصويرًا حيًّا للغزواتِ الكبرى التي تمثِّلُ منعطفًا رئيساً في طريق الدعوة ومجرى التاريخ : إنما يحمل لنا في ثنايا تلك الأحداث تحليلا لها وتعقيبا عليها ، ليضع أيدينا على مواضع الخلل والثغرات ، ومواطن العلل والآفات ، ونوازع الزلل والانحرافات عن الطريق ، كما يكشف لنا عن معادن الناس ومواقفهم من الشدائد والأزمات ، ويحفر في ذاكرة التاريخ صور التضحية والثبات ، وأروع البطولات .
وتنقضي الحربُ محمودا عواقبها للظافرين وحظُّ الهارب الندمُ
* " ومع أنه كان يقص القصة على الذين عاشوها ، وشهدوا أحداثها ، فإنه كان يزيدهم بها خبراً ، ويكشف لهم من جوانبها ما لم يدركوه وهم أصحابها وأبطالها! ويلقي الأضواء على سراديب النفوس ومنحنيات القلوب ومخبآت الضمائر؛ ويكشف للنور الأسرار والنوايا والخوالج المستكنة في أعماق الصدور .
* ذلك إلى جمال التصوير ، وقوته ، وحرارته ، مع التهكُّم القاصم ، والتصوير الساخر للجبن والخوف والنفاق والتواء الطباع ! ومع الجلال الرائع والتصوير الموحي للإيمان والشجاعة والصبر والثقة في نفوس المؤمنين " (78) .
* سيقت الغزوة لبيان نعمة الله تعالى على عباده المؤمنين وحفظهم من شرور ودسائس المنافقين وتآمر الكافرين فلا يخشون في الحق لومة لائم ولا يلقون بالا لكافرٍ أو مشرك .(1/62)
* استغرق الحديث عن المنافقين جزءا كبيرا من الآيات فمن بين تسع عشرة آية نزلت إحدى عشرة آية في شأن المنافقين ، وما ذلك إلا لبيان خستهم ودناءتهم ، والكشف عن أساليبهم الخبيثة وفضح مكائدهم والتحذير من مخاطرهم .
مراجع البحث
1. الإتقان في علوم القرآن لجلال الدين لسيوطي ت911 هـ ط البابي الحلبي 1370 هـ .
2. إرشاد العقل السليم إلي مزايا الكتاب الكريم للعلامة أبي السعود ( محمد بن محمد مصطفي العمادي الحنفي ت 982 هـ ط دار الفكر بدون تاريخ ) 0
3. الأساس في التفسير للشيخ سعيد حوي ت 1409 هـ ط دار السلام ط أولي سنة 1405 هـ .
4. أسباب النزول للواحدي : أبى الحسن على بن أحمد الواحدي النيسابوري ت 468 هـ ط دار الكتب العلمية بيروت سنة 1395 هـ 0
5. أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي (عبد الله بن عمر ت 685هـ) ط دار الجيل بيروت بدون تاريخ 0
6. بحر العلوم لأبي الليث السمرقندي 375 هـ ط دار الفكر
7. البحر المحيط للإمام محمد بن يوسف الشهير بأبي حيان الأندلسي الغرناطي ت 754 هـ ط دار إحياء التراث العربي ط سنة 1411 هـ ثانية 0
8. البداية والنهاية للإمام ابن كثير ط مركز البحوث والدراسات العربية والإسلامية بدار هجر 1417هـ
9. البرهان في علوم القرآن لبدر الدين الزركشي ت 794 بتحقيق محمد أبي الفضل إبراهيم ط البابي الحلبي
10. التحرير والتنوير للأستاذ محمد الطاهر بن عاشور ت 1393هـ ط دار سحنون للنشر والتوزيع تونس بدون تاريخ
11. تفسير القرآن العظيم لابن أبي حاتم مكتبة الباز بمكة المكرمة .
12. تفسير القرآن العظيم للإمام الحافظ عماد الدين أبي الفداء إسماعيل بن كثير القرشي الدمشقي ت 774 هـ ط دار التراث العربي بدون تاريخ 0
13. تفسير القرآن للإمام أبي المظفر السمعاني ت 489هـ دار الوطن .(1/63)
14. جامع البيان في تفسير القرآن للإمام أبي جعفر محمد بن جرير الطبري ت310 هـ ط دار الريان للتراث ، ودار الحديث بالقاهرة سنة 1407 هجرية.
15. الجامع لأحكام القرآن للقرطبي ( أبو عبد الله محمد بن أحمد الأنصاري القرطبي ط الهيئة المصرية العامة للكتاب سنة 1987 م 0
16. حدائق الروح والريحان في روابي علوم القرآن محمد الأمين بن عبد الله الأرمي العلوي الهرري الشافعي ط دار طوق النجاة بيروت .
17. الدر المنثور في التفسير بالمأثور لجلال الدين السيوطي ت 911 هـ ط دار الفكر سنة 1403 هـ 0
18. دلائل النبوة للإمام البيهقي ( أبو بكر أحمد بن الحسين البيهقي ت 458 هـ ) تحقيق د0 عبد المعطى قلعجي ط دار الكتب العلمية بيروت 1405 هـ ط أولى.
19. روح المعاني في تفسير القرآن العظيم والسبع المثاني للإمام الألوسي شهاب الدين السيد محمود الألوسي ت 1270 هـ ط دار إحياء التراث العربي ط 4 سنة 1405هـ
20. زاد المسير في علم التفسير للإمام أبي الفرج عبد الرحمن بن الجوزي ( ت 596 هـ ) ط المكتب الإسلامي بيروت ط1 سنة 1385 هـ سنة 1965 م 0
21. سنن ابن ماجة ( أبو عبد الله محمد بن يزيد القزوينى ت 275 هـ ) ط دار الريان للتراث بدون تاريخ 0
22. سنن أبو داود ( أبو داود سليمان بن شعث السجستاني الأزدي ت 257 هـ ط دار الفكر بدون تاريخ 0
23. سنن الترمذي ( أبو عيسى محمد بن عيسى بن سورة الترمذي ت 297 هـ ) ط دار الفكر 1408هـ 0
24. السيرة النبوية / لمحمد بن عبد الملك بن هشام بن أيوب الحميرى ت 218 هـ ط البابى الحلبى 1375 هـ 0
25. صحيح البخاري ط دار الكتب العلمية بيروت لبنان .
26. صحيح مسلم بشرح النووي ( الإمام مسلم بن الحجاج بن مسلم القشيري ت 261 هـ دار إحياء التراث العربي ط 3 بدون تاريخ .
27. الطبقات الكبرى لابن سعد ( محمد بن سعد ت 230 هـ ) ط دار صادر بيروت .(1/64)
28. عناية القاضي وكفاية الراضي (حاشية الشهاب علي تفسير البيضاوي ) لشهاب الدين الخفاجي ت 1069 هـ ط دار صادر بيروت بدون تاريخ .
29. غرائب القرآن ورغائب الفرقان لنظام الدين الحسن بن محمد بن الحسين القمي النيسابوري ت 728 هـ ط البابي الحلبي سنة 1381 هـ ط أولي
30. غزوة الأحزاب في ضوء القرآن الكريم عرض وتحليل ص 170 إعداد الدكتور سعود عبد الله الفنيسان ط دار أشبيليا ط1 سنة 1418 هـ .
31. فتح الباري بشرح صحيح البخاري لابن حجر العسقلاني ط دار الريان للتراث 1407 .
32. فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير للإمام محمد بن علي بن محمد الشوكاني ت 1255 هـ ط البابي الحلبي سنة 1350 هـ ط أولي 0
33. الفتوحات الإلهية بتوضيح تفسير الجلالين للدقائق الخفية للإمام سليمان بن عمر العجيلي الشافعي الشهير بالجمل ت 1204 هـ ط دار المنار للنشر والتوزيع والبابي الحلبي بدون تاريخ 0
34. في ظلال القرآن للأستاذ سيد قطب ت 1966م دار الشروق سنة 1407 هـ طبعة 13.
35. الكشاف عن حقائق غوامض التنزيل وعيون الأقاويل في وجوه التأويل للإمام محمود بن عمر الزمخشري المعتزلي ت 528 هـ ط دار الريان للتراث سنة 1407 هـ ط 3 .
36. لباب التأويل في معاني التنزيل للإمام علاء الدين علي بن محمد بن إبراهيم البغدادي ت 741 هـ ط البابي الحلبي سنة 1375 هـ ط ثانية
37. لباب النقول في أسباب النزول للسيوطي
38. اللباب في علوم الكتاب لابن عادل الحنبلي ط دار الكتب العلمية ط1 -1998م
39. لسان العرب لجمال الدين أبى الفضل محمد بن مكرم بن على بن أحمد بن أبى القاسم بن منظور ( 711 هـ ) 0 ط دار المعارف بدون تاريخ 0
40. لطائف الإشارات للإمام عبد الكريم القشيري ت 465 هـ ط دار الكتاب العربي بالقاهرة .
41. مجمع الزوائد ومنبع الفوائد للهيثمي ط دار الكتاب العربي بيروت 1402 هـ(1/65)
42. المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز للقاضي عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي ت 546 هـ ط المجمع العلمي بفاس المغرب سنة 1395 هـ وطبعة دار الكتب العلمية بيروت 0
43. المستدرك على الصحيحين للإمام أبى عبد الله الحاكم النيسابوري ت 405 هـ وفى ذيله تلخيص المستدرك للإمام شمس الدين الذهبي ت 848 هـ 0
44. المستطرف في كل فن مستظرف لشهاب الدين محمد بن أحمد الأبشيهي ت 850 هـ ، ط دار مكتبة الحياة بيروت 1988 م 0
45. مسند أبي داود الطيالسي : سليمان بن داود أبو داود الفارسي البصري الطيالسي دار المعرفة بيروت 0
46. مسند أبى عوانة للإمام أبي عوانة يعقوب بن إسحاق الأسفرائيني ت 316هـ ط دار المعرفة للطباعة والنشر بيروت لبنان .
47. مسند الإمام أحمد بن حنبل ط المكتب الإسلامي بدون تاريخ ، وطبعة مؤسسة قرطبة القاهرة بتعليق الشيخ شعيب الأرناؤوط .
48. معالم التنزيل للإمام البغوي ط دار المعرفة بيروت
49. معاني القرآن وإعرابه للزجاج ( أبي إسحاق إبراهيم بن السري ت 311 هـ ، ط سنة 1408 هـ ط أولي ط عالم الكتب 0
50. المعجم الكبير للطبراني ط دار البيان العربي ط 2 بدون تاريخ 0
51. المغازي للواقدي محمد بن عمر بن واقد ت 207هـ مؤسسة الأعلمي بيروت
52. مفاتيح الغيب ( التفسير الكبير ) للإمام فخر الدين الرازي ت 606 هـ ط دار الفكر سنة 1405 هـ 0
53. المفردات في غريب القرآن للإمام أبي القاسم الحسين بن محمد المعروف بالراغب الأصفهاني ت 502 هـ ط دار المعرفة بيروت بدون تاريخ 0
54. من أسرار التعبير القرآني دراسة تحليلية لسورة الأحزاب للدكتور محمد أبو موسي ط دار الفكر العربي بالقاهرة
55. نظم الدرر في تناسب الآيات والسور لبرهان الدين إبراهيم بن عمر بن حسن البقاعي ط دار الكتاب الإسلامي بالقاهرة ط 2 سنة 1413هـ(1/66)
56. النكت والعيون ( تفسير الماوردي ) لأبي الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي البصري ت 450 هـ ط دار الصفوة بمصر سنة 1413 هـ ط أولي 0
57. الوابل الصيب في الكلم الطيب لابن قيم الجوزية ط دار الكتاب العربي
ملاحق
الخندق
الميدان
1 - هذا البحث من ضمن بحوث المؤتمر العالمي عن مناهج المفسرين وشُرَّاح الحديث الذي انعقد في رحاب الجامعة الإسلامية العالمية بماليزيا في مقرها بكوالالمبور بتاريخ 21-22 /6/1427 هـ .
2 - في ظلال القرآن 6 / 49 ، 50 بتصرف .
3 - في ظلال القرآن 6 / 49 ، 50 بتصرف .
4 - فتح القدير للشوكاني 4 / 376
5 - تفسير الرازي 12 / 333
6 - التحرير والتنوير للطاهر بن عاشور 11 /210
7 - أي لمَّحُوا لهُ بِغَدْرِهِمْ وَنَقْضِهِمْ .
8 - يراجع : السيرة النبوية لابن هشام 3/298 والبداية والنهاية لابن كثير 4/105 ، والطبقات الكبرى لابن سعد 2/65 والمغازي للواقدي 2/445 .
9 - صحيح مسلم كتاب الجهاد والسير. باب الإمداد بالملائكة في غزوة بدر، وإباحة الغنائم 3/1383 - حديث 58- (1763 )
10 - رواه البخاري في صحيحه كتاب الدعوات باب: الدعاء على المشركين ، 5/2348 الحديث رقم: 6029 ، ومسلم في صحيحه - كتاب الجهاد والسير- باب استحباب الدعاء بالنصر عند لقاء العدو 3/1362 حديث 20 - (1742) ورواه أبو داود في السنن كتاب الجهاد - باب في كراهية تمني لقاء العدو- 2/48 حديث 2631 ، ورواه الترمذي في السنن كتاب الجهاد باب ما جَاءَ في الدّعاءِ عندَ القتال 3/114 حديث 1729 ، وابن ماجة في السنن كتاب الجهاد باب القتال في سبيل اللهِ سبحانه تعالى 2/935 حديث 2796.
11 - رواه البخاري في صحيحه كتاب المغازي - باب: غزوة الخندق، وهي الأحزاب. 4/1509حديث 3884 ، ورواه الإمام أحمد في مسنده عن سليمان بن صرد 4/ 262 وإسناده صحيح على شرط الشيخين ورواه أبو داود الطيالسي في مسنده 1/182 حديث 1289 والطبراني في المعجم الكبير 7/98 حديث6485 .(1/67)
12 - لطائف الإشارات للقشيري 3 / 154
13 - جامع البيان للطبري 20 / 217
14 - البحر المحيط لأبي حيان الأندلسي 9 / 133ويراجع روح المعاني في تفسير القرآن العظيم والسبع المثاني للألوسي 16 / 49 .
15 - فتح القدير للشوكاني 6 / 22
16 - يراجع في ذلك البرهان في علوم القرآن للزركشي 4/10 والإتقان في علوم القرآن للسيوطي 1 / 222 هذا ولكلمة الريح استعمالات أخرى في القرآن الكريم لا يتسع المقام لذكرها .
17 - حديث حسن : رواه أبو عوانة في المستخرج باب بيان السنة في توجيه الطليعة 13 / 359 ورواه البيهقي في الدلائل دلائل النبوة 3/451 ورواه الحاكم في المستدرك 3/31 وصححه وأقره الذهبي ورواه ابن حبان في صحيحه - حديث 7248 ورواه ابن سعد في الطبقات 2/71 عن سعيد بن جبير والطبري في تفسيره 20/ 216 والذُّرِّية : اسمٌ يَجْمعُ نَسل الإنسان من ذَكَرٍ وأنَثَى وقد تطلق على الزوجة ، وجنة : وقاية وحماية ، و المرط : كساء من صوف أو خز أو كتان ، والجثو : الجلوس على الركبتين ، الآدم : الأسمر ، والخاصرة : ما بين رأس الوَرِك وأسفل الأضلاع وهما خاصرتان ، والكنانة : جعبة صغيرة من جلد تحمل فيها السهام ، والرحال : المنازل سواء كانت من حجر أو خشب أو شعر أو صوف أو وبر أو غير ذلك ، والاشتمال : أن يتلفف بالثوب حتى يجلل به جميع جسده ، ولا يرفع شيئا من جوانبه فلا يمكنه إخراج يده إلا من أسفله ، والشملة : كساء يُتَغَطَّى به ويُتَلفَّف فيه ، والقر : البرد الشديد ، وحَزَبَهُ : نابه وألمَّ به واشتد عليه .(1/68)
وأصل الحديث في صحيح مسلم : ونصه : روى الإمام مسلم في صحيحه بسنده عَنْ إِبْرَاهِيمَ التَّيْمِيِّ عَنْ أَبِيهِ قَالَ كُنَّا عِنْدَ حُذَيْفَةَ فَقَالَ رَجُلٌ لَوْ أَدْرَكْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَاتَلْتُ مَعَهُ وَأَبْلَيْتُ فَقَالَ حُذَيْفَةُ أَنْتَ كُنْتَ تَفْعَلُ ذَلِكَ لَقَدْ رَأَيْتُنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ ( لَيْلَةَ الْأَحْزَابِ وَأَخَذَتْنَا رِيحٌ شَدِيدَةٌ وَقُرٌّ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ( أَلَا رَجُلٌ يَأْتِينِي بِخَبَرِ الْقَوْمِ جَعَلَهُ اللَّهُ مَعِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَسَكَتْنَا فَلَمْ يُجِبْهُ مِنَّا أَحَدٌ ثُمَّ قَالَ أَلَا رَجُلٌ يَأْتِينَا بِخَبَرِ الْقَوْمِ جَعَلَهُ اللَّهُ مَعِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَسَكَتْنَا فَلَمْ يُجِبْهُ مِنَّا أَحَدٌ ثُمَّ قَالَ أَلَا رَجُلٌ يَأْتِينَا بِخَبَرِ الْقَوْمِ جَعَلَهُ اللَّهُ مَعِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَسَكَتْنَا فَلَمْ يُجِبْهُ مِنَّا أَحَدٌ فَقَالَ قُمْ يَا حُذَيْفَةُ فَأْتِنَا بِخَبَرِ الْقَوْمِ فَلَمْ أَجِدْ بُدًّا إِذْ دَعَانِي بِاسْمِي أَنْ أَقُومَ قَالَ اذْهَبْ فَأْتِنِي بِخَبَرِ الْقَوْمِ وَلَا تَذْعَرْهُمْ عَلَيَّ فَلَمَّا وَلَّيْتُ مِنْ عِنْدِهِ جَعَلْتُ كَأَنَّمَا أَمْشِي فِي حَمَّامٍ حَتَّى أَتَيْتُهُمْ فَرَأَيْتُ أَبَا سُفْيَانَ يَصْلِي ظَهْرَهُ بِالنَّارِ فَوَضَعْتُ سَهْمًا فِي كَبِدِ الْقَوْسِ فَأَرَدْتُ أَنْ أَرْمِيَهُ فَذَكَرْتُ قَوْلَ رَسُولِ اللَّهِ ( وَلَا تَذْعَرْهُمْ عَلَيَّ وَلَوْ رَمَيْتُهُ لَأَصَبْتُهُ فَرَجَعْتُ وَأَنَا أَمْشِي فِي مِثْلِ الْحَمَّامِ فَلَمَّا أَتَيْتُهُ فَأَخْبَرْتُهُ بِخَبَرِ الْقَوْمِ وَفَرَغْتُ قُرِرْتُ فَأَلْبَسَنِي رَسُولُ اللَّهِ ( مِنْ فَضْلِ عَبَاءَةٍ كَانَتْ عَلَيْهِ يُصَلِّي فِيهَا فَلَمْ أَزَلْ نَائِمًا حَتَّى أَصْبَحْتُ فَلَمَّا(1/69)
أَصْبَحْتُ قَالَ قُمْ يَا نَوْمَانُ . صحيح مسلم - ( 9 / 266)
18 - جامع البيان للطبري 20 / 217
19 - روح المعاني في تفسير القرآن العظيم والسبع المثاني للألوسي 16 / 50
20 - لطائفُ الإشارات 3/155
21 - معالم التنزيل للإمام البغوي 6 / 331
22 - إرشاد العقل السليم للإمام أبي السعود 5 / 323
23 - الكشاف 5 / 313
24 - روح البيان لإسماعيل حقي البروسوي 11 / 7 .
25 - في ظلال القرآن 6 / 55
26 - جامع البيان 20/221
27 - من أسرار التعبير القرآني دراسة تحليلية لسورة الأحزاب للدكتور محمد أبو موسى ص 50 ، 51 بتصرف
28 - تفسير اللباب لابن عادل 13 / 58
29 - روح المعاني للألوسي 16 / 53
30 - جامع البيان للإمام الطبري 20 / 222
31 - جامع البيان للإمام الطبري 20 / 222
32 - روح المعاني للألوسي 16 / 54
33 - البحر المحيط لأبي حيان الأندلسي 9 / 135
34 - دلائل النبوة للبيهقي 3/ 498- حديث 1360 ورواه الإمام الطبري في تفسيره بإسناده عنه 20/223 ، وزاد السيوطي نسبته في الدر المنثور 5/356 لابن سعد في الطبقات وابن مردويه وعزاه الزرقاني في شرح المواهب 2/102 للطبراني بسند لا بأس به ، وللرواية شواهد أخرجها الطبراني بأسانيد صحيحة وحسنة كما في الزوائد 6/131، 132وحسنه ابن حجر في الفتح بشواهده فتح الباري 7/458 ، 459 واللابة : الحرة من الأرض وهي الأرض ذات الحجارة السود
35 - نظم الدرر للبقاعي 6 / 406 .
36 - نفس المرجع 6 / 406 .
37 - في ظلال القرآن 6 / 56
38 - غزوة الأحزاب في ضوء القرآن الكريم عرض وتحليل إعداد الدكتور سعود عبد الله الفنيسان ص 170
39 - بحر العلوم للسمرقندي 3 / 397
40 - التفسير الكبير للرازي 12 / 335
41 - نظم الدرر للبقاعي 6 / 406
42 - زاد المسير 5 / 125
43 - روح البيان للبروسوي 11 / 9
44 - غزوة الأحزاب في ضوء القرآن الكريم عرض وتحليل إعداد الدكتور سعود عبد الله الفنيسان ص 172
45 - جامع البيان للطبري 20 / 227(1/70)
46 - جمع : رِعديد ، يقالُ : رجل تِرْعِيد ورِعْديد ورِعْديدَة: جبان يُرْعَدُ عند القتال جبناً - لسان العرب لابن منظور المجلد الأول مادة ر ع د .
47 - فتح القدير للشوكاني 6/25
48 - روح المعاني في تفسير القرآن العظيم والسبع المثاني 16 / 57 .
49 - فتح القدير للشوكاني 6/25
50 - الأبيات للبوصيري
51 - التفسير الكبير للرازي 12 / 337
52 - زاد المسير لابن الجوزي 5 / 126
53 - لطائف الإشارات للقشيري 3/156
54 - المستطرف في كلِ فنٍّ مستظرف لشهابِ الدين الأبشيهي 1 / 486
55 - الأبيات لقطري بن الفجاءة .
56 - لطائف الإشارات 3/156
57 - روح المعاني للألوسي 16 / 61
58 - جامع البيان للطبري 20 / 230
59 - جامع البيان للطبري 20 / 230
60 - اللباب لابن عادل 13 / 64
61 - التحرير والتنوير 11/ 223
62 - الكشاف 5 / 317
63 - تفسير القرآن العظيم لابن كثير 3/625 أي في حالِ المُسالمَةِ كأنهم الحُمُرُ ، والأعيارُ جمعُ عِير ، وهو الحمارُ وفي الحرب كأنهم النساء الحُيَّض !
64 - في ظلال القرآن 6 / 59
65 - حدائق الروح والريحان في روابي علوم القرآن محمد الأمين بن عبد الله الأرمي العلوي الهرري الشافعي 22/470
66 - تفسير ابن كثير 6 / 391 .
67 - الوابل الصيب 1 / 105 .
68 - نفس المرجع 1 / 105
69 - تفسير القرآن للإمام أبي المظفر السمعاني ت 489هـ 4/270 .
70 - روح المعاني للألوسي - 16 / 76.
71 - رواه البخاري في صحيحه كتاب الدعوات ، باب : الدعاء إذا أراد سفراً أو رجع ، صحيح البخاري برقم (4114) ورواه مسلم في صحيحه كتاب الحج ، باب ما يقول إذا قفل من سفر الحج وغيره ، برقم (2724) باختلاف في اللفظ .
72 - تفسير الطبري - 20 / 243
73 - جمع صيصية : وهي كل ما يمتنع به ويقال لقرن الثور والظباء ولشوكة الديك التي في رجله كالقرن الصغير ، وتطلق الصياصي على الشوك الذي للنساجين ويتخذ من حديد(1/71)
74 - رواه الطبري في تفسيره 8 /466 ورواه الطبراني في الكبير حديث 11645 والبيهقي في الدلائل 3/193 وأورده الهيثمي في مجمع الزوائد 5/6 وقال : " رواه الطبراني وفيه يونس بن سليمان الحمال ولم أعرفه وبقية رجاله رجال الصحيح " كذا قال الهيثمي وفي رواية البيهقي : محمد بن يونس الجمال ، وقد ترجم له الحافظ في التقريب : وقال ضعيف ، وقد توبع فرواه ابن أبي حاتم في تفسيره 3/974 - برقم 5441 قال : " حدثنا محمد بن عبد الله بن يزيد المقرئ ، ثنا سفيان ، عن عمرو ، عن عكرمة ، قال : جاء حيي بن أخطب ، وكعب بن الأشرف إلى أهل مكة ، فقالوا لهم : أنتم أهل الكتاب وأهل العلم ، فأخبرونا عنا وعن محمد . .. " إلى آخر الحديث . ورجاله رجال الصحيح غير شيخ ابن أبي حاتم وهو ثقة ، ورواه الواحدي في أسباب النزول ص 149 وأورده السيوطي في لباب النقول في أسباب النزول ص 66 والكوماء الناقة العظيمة السنام ، " والصنبور": سفعاتٌ تنبت في جذع النخلة ، ويقال للرجل الفرد الضعيف الذليل الذي لا أهل له ولا عقب ولا ناصر"صنبور". فأراد هؤلاء الكفار من قريش أن محمدًا ( ، بأبي هو وأمي ، صنبور نبت في جذع نخلة ، فإذا قلع انقطع: فكذلك هو إذا مات ، فلا عقب له.
75 - تاريخ اليهود في بلاد العرب للمؤرخ اليهودي إسرائيل ولفنسون
76 - لطائف الإشارات للقشيري - 3 / 157
77- حديث حسن : رواه الإمام أحمد في مسنده 6 / 141 وأورده الإمام الهيثمي في مجمع الزوائد كتاب المغازي والسير أبواب في غزوة الخندق باب غزوة الخندق وقريظة 6 /201 حديث 10155 وقال : " في الصحيح بعضه رواه أحمد وفيه محمد بن عمرو بن علقمة وهو حسن الحديث ، وبقية رجاله ثقات.
78 - في ظلال القرآن - (ج6 / 54)
??
??
??
??
التوثيق القرآني لغزوة الخندق
( ( ( ( (
8(1/72)