المهَذَّبُ
في فَضَائِلِ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِيْنَ
جمع وإعداد
الباحث في القرآن والسنة
علي بن نايف الشحود
الطبعة الأولى
2009 م-1430 هـ
ماليزيا
((بهانج- دار المعمور ))
(( حقوق الطبع لكل مسلم ))(/)
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين،والصلاة والسلام على سيد الأنبياء والمرسلين،وعلى آله وصحبه أجمعين،ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين .
أما بعد :
فإن الصحابة رضي الله عنهم هم أفضل جيل عرفته البشرية خلال تاريخها الطويل،قال تعالى :{ مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاء عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاء بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِّنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِم مِّنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الْإِنجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُم مَّغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا} (29) سورة الفتح .
وأفضل الصحابة على الاطلاق الخلفاء الراشدون،أبو بكر وعمر وعثمان وعلي رضي الله عنهم أجمعين .
وقد وردت لهم فضائل ومناقب كثيرة،موجودة في كتب الحديث والسير ودلائل النبوة،والتاريخ وأهمها كتاب فضائل الصحابة لعبد الله بن أحمد بن حنبل،وغيره كثير ...
فمعرفة حياتهم وفضائلهم مهمة جدًّا لكل المسلمين،لكي يقتدوا بهم،فهم يمثلون التطبيق العملي للإسلام.فعن عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَمْرٍو السُّلَمِيِّ،وَحُجْرِ بْنِ حُجْرٍ الْكَلاَعِيِّ،قَالاَ:أَتَيْنَا الْعِرْبَاضَ بْنَ سَارِيَةَ،وَهُوَ مِمَّنْ نَزَلَ فِيهِ:{وَلاَ عَلَى الَّذِينَ إِذَا مَا أَتَوْكَ لِتَحْمِلَهُمْ قُلْتَ لاَ أَجِدُ مَا أَحْمِلُكُمْ عَلَيْهِ} [التوبة:]،فَسَلَّمْنَا وَقُلْنَا:أَتَيْنَاكَ زَائِرَيْنَ وَمُقْتَبِسَيْنِ،فَقَالَ الْعِرْبَاضُ:صَلَّى بِنَا رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - الصُّبْحَ ذَاتَ يَوْمٍ،ثُمَّ(1/1)
أَقْبَلَ عَلَيْنَا فَوَعَظَنَا مَوْعِظَةً بَلِيغَةً،ذَرَفَتْ مِنْهَا الْعُيُونُ،وَوَجِلَتْ مِنْهَا الْقُلُوبُ،فَقَالَ قَائِلٌ:يَا رَسُولَ اللهِ،كَأَنَّ هَذِهِ مَوْعِظَةَ مُوَدِّعٍ،فَمَاذَا تَعْهَدُ إِلَيْنَا ؟ قَالَ:أُوصِيكُمْ بِتَقْوَى اللهِ،وَالسَّمْعِ وَالطَّاعَةِ،وَإِنْ عَبْدًا حَبَشِيًّا مُجَدَّعًا،فَإِنَّهُ مَنْ يَعِشْ مِنْكُمْ فَسَيَرَى اخْتِلاَفًا كَثِيرًا،فَعَلَيْكُمْ بِسُنَّتِي وَسُنَّةِ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ الْمَهْدِيِّينَ،فَتَمَسَّكُوا بِهَا،وَعَضُّوا عَلَيْهَا بِالنَّوَاجِذِ،وَإِيَّاكُمْ وَمُحْدَثَاتِ الْأُمُورِ فَإِنَّ كُلَّ مُحْدَثَةٍ بِدْعَةٌ،وَكُلَّ بِدْعَةٍ ضَلاَلَةٌ." (1)
وفي هذا الكتاب حاولت جمع ما تناثر في فضائل الخلفاء الراشدين من الأحاديث المقبولة، وأعرضت عن الأحاديث الواهية والمنكرة ، وهي كثيرة .
وقسمته على الشكل التالي :
الباب الأول=الفضائل المشتركة
الباب الثاني=فضائل أبي بكر الصديق رضي الله عنه
المبحث الأول-الخلاصة في حياة الصديق
المبحث الثاني-أهم فضائل الصديق
الباب الثالث=فضائل عمر بن الخطاب رضي الله عنه
المبحث الأول-الخلاصة في حياة الفاروق
المبحث الثاني-الخلاصة في فضائل الفاروق عمر
الباب الرابع=فضائل عثمان بن عفان رضي الله عنه
المبحث الأول-الخلاصة في حياة عثمان رضي الله عنه
المبحث الثاني-فضائل عثمان بن عفان
__________
(1) - صحيح ابن حبان - (1 / 178) (5) صحيح
قَبَسْتُ العلْمَ واقْتَبَسْتُه : إذا تَعلَّمْتَه، والقَبَس : الشُّعْلةُ من النار.- ذرفت العيون : سال منها الدمع - الوجل : الخوف والخشية والفزع - النواجذ : هي أواخُر الأسنان. وقيل : التي بعد الأنياب.(1/2)
الباب الخامس=فضائل علي رضي الله عنه
المبحث الأول-الخلاصة في حياة علي رضي الله عنه
المبحث الثاني-فضائل علي رضي الله
وقد قمت بتخريج الأحاديث باختصار والحكم عليها،وغالبها مقبولة وشرخ غريبها،والتعليق عليها حسب مقتضى الحال....
قال تعالى : {وَالَّذِينَ جَاؤُوا مِن بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِّلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ} (10) سورة الحشر .
أسال الله تعالى أن يجعله خالصاً لوجهه الكريم ، وأن ينفع به كاتبه وقارئه وناشره والدال عليه في الدارين .
الباحث في القرآن والسنة
علي بن نايف الشحود
في 7 رمضان 1430هـ الموافق ل28/8/2009 م
- - - - - - - - - - - - -(1/3)
الباب الأول
الفضائل المشتركة
عَنْ سَعِيدِ بْنِ زَيْدٍ، - رضي الله عنهم - قَالَ: اخْتَبَأْنَا مَعَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - مِنْ أَذَى الْمُشْرِكِينَ بِحِرَاءٍ، فَلَمَّا اسْتَوَيْنَا عَلَيْهِ رَجَفَ بِنَا فَضَرَبَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - بِكَفِّهِ ثُمَّ قَالَ: ."اثْبَتْ حِرَاءُ فَمَا عَلَيْكَ إِلَّا نَبِيٌّ أَوْ صِدِّيقٌ أَوْ شَهِيدٌ ".قَالَ: وَعَلَيْهِ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - وَأَبُو بَكْرٍ، وَعُمَرُ، وَعُثْمَانُ، وَعَلِيٌّ، وَطَلْحَةُ، وَالزُّبَيْرُ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ، وَسَعِيدُ بْنُ زَيْدٍ - رضي الله عنهم - مْ " (1)
وعَنِ ابْنِ بُرَيْدَةَ، عَنْ أَبِيهِ، - رضي الله عنهم - قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - عَلَى حِرَاءٍ، فَقَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - : ."اثْبُتْ؛فَإِنَّهُ لَيْسَ عَلَيْكَ إِلَّا نَبِيٌّ أَوْ صِدِّيقٌ أَوْ شَهِيدٌ ."قَالَ: وَعَلَيْهِ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - ، وَأَبُو بَكْرٍ، وَعُمَرُ، وَعُثْمَانُ - رضي الله عنهم - مْ " (2)
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، - رضي الله عنهم - قَالَ: إِنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - كَانَ عَلَى صَخْرَةٍ بِحِرَاءٍ، هُوَ وَأَبُو بَكْرٍ، وَعُمَرُ وَعُثْمَانُ، وَعَلِيٌّ وَطَلْحَةُ، وَالزُّبَيْرُ - رضي الله عنهم - مْ، فَتَحَرَّكَتِ الصَّخْرَةُ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - : ."اهْدَ فَمَا عَلَيْكِ إِلَّا نَبِيٌّ أَوْ صِدِّيقٌ أَوْ شَهِيدٌ "
وفي رواية عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، - رضي الله عنهم - ، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - نَحْوَهُ، وَزَادَ فِيهِ: وَسَعْدُ بْنُ أَبِي وَقَّاصٍ - رضي الله عنهم - . (3)
وعَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ - رضي الله عنهم - أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - كَانَ عَلَى جَبَلِ حِرَاءٍ فَتَحَرَّكَ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - « اسْكُنْ حِرَاءُ فَمَا عَلَيْكَ إِلاَّ نَبِىٌّ أَوْ صِدِّيقٌ أَوْ شَهِيدٌ ». وَعَلَيْهِ النَّبِىُّ - صلى الله عليه وسلم - وَأَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ وَعُثْمَانُ وَعَلِىٌّ وَطَلْحَةُ وَالزُّبَيْرُ وَسَعْدُ بْنُ أَبِى وَقَّاصٍ رضى الله عنهم. (4)
__________
(1) - أخبار مكة للفاكهي - (4 / 36)(2341) صحيح
(2) - أخبار مكة للفاكهي - (4 / 92)(2425 ) صحيح
(3) - أخبار مكة للفاكهي - (4 / 92) (2426 ) صحيح
(4) - صحيح مسلم- المكنز - (6401 )(1/4)
وعَنْ قَتَادَةَ أَنَّ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ - رضى الله عنه - حَدَّثَهُمْ أَنَّ النَّبِىَّ - صلى الله عليه وسلم - صَعِدَ أُحُدًا وَأَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ وَعُثْمَانُ فَرَجَفَ بِهِمْ فَقَالَ « اثْبُتْ أُحُدُ فَإِنَّمَا عَلَيْكَ نَبِىٌّ وَصِدِّيقٌ وَشَهِيدَانِ » . (1)
وعَنِ ابن عباس رَضِيَ الله عَنْهما قَالَ:كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - عَلَى حِرَاءٍ فَتَزَلْزَلَ الْجَبَلُ فَقَالَ - صلى الله عليه وسلم - :"اثْبُتْ حِرَاءُ فَمَا عَلَيْكَ إِلَّا نَبِيٌّ أَوْ صِدِّيقٌ أَوْ شَهِيدٌ "،وَعَلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - وَأَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ وَعُثْمَانُ وَعَلِيٌّ وَطَلْحَةُ وَالزُّبَيْرُ وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ وسعد وسعيد رَضِيَ الله عَنْهم . (2)
وعَنْ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ السُّلَمِيِّ،قَالَ:لَمَّا حُصِرَ عُثْمَانُ وَأُحِيطَ بِدَارِهِ،أَشْرَفَ عَلَى النَّاسِ،فَقَالَ:نَشَدْتُكُمْ بِاللَّهِ هَلْ تَعْلَمُونَ أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - حِينَ انْتَفَضَ بِنَا حِرَاءُ،قَالَ:اثْبُتْ حِرَاءُ،فَمَا عَلَيْكَ إِلاَّ نَبِيٌّ أَوْ صِدِّيقٌ أَوْ شَهِيدٌ قَالُوا:اللَّهُمَّ نَعَمْ،قَالَ:نَشَدْتُكُمْ بِاللَّهِ هَلْ تَعْلَمُونَ أَنَّ رَسُولَ اللهِ اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ،قَالَ فِي غَزْوَةِ الْعُسْرَةِ:مَنْ يُنْفِقْ نَفَقَةً مُتَقَبَّلَةً ؟ وَالنَّاسُ يَوْمَئِذٍ مُعْسِرُونَ مُجْهَدُونَ،فَجَهَّزْتُ ثُلُثَ ذَلِكَ الْجَيْشِ مِنْ مَالِي،فَقَالُوا:اللَّهُمَّ نَعَمْ،ثُمَّ،قَالَ:نَشَدْتُكُمْ بِاللَّهِ هَلْ تَعْلَمُونَ أَنَّ رُومَةَ لَمْ يَكُنْ يُشْرَبُ مِنْهَا إِلاَّ بِثَمَنٍ،فَابْتَعْتُهَا بِمَالِي،فَجَعَلْتُهَا لِلْغَنِيِّ وَالْفَقِيرِ،وَابْنِ السَّبِيلِ ؟ فَقَالُوا:اللَّهُمَّ نَعَمْ،فِي أَشْيَاءَ عَدَّدَهَا. (3)
وعَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ ظَالِمٍ،قَالَ:دَخَلْتُ عَلَى سَعِيدِ بْنِ زَيْدٍ،وَقَالَ:أَلا تَعْجَبُ مِنْ هَذَا الظَّالِمِ ؟ أَقَامَ خُطَبَاءَ يَشْتِمُونَ عَلِيًّا،قَالَ:قَدْ فَعَلُوهُ ؟ أَوْ قَدْ فَعَلَهُ ؟ أَشْهَدُ أَنَّ تِسْعَةً فِي الْجَنَّةِ،قُلْتُ مِنَ التِّسْعَةُ ؟ قَالَ:كُنَا مَعَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - عَلَى حِرَاءَ،فَتَحَرَّكَ،فَقَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - :اثْبُتْ حِرَاءُ،فَمَا عَلَيْكَ إِلاَّ نَبِيُّ،وَصِدِّيقٌ،وَشَهِيدٌ،قُلْتُ:وَمَنْ كَانَ عَلَى حِرَاءَ ؟ قَالَ:كَانَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - ،وَأَبُو بَكْرٍ،وَعُمَرُ،وَعُثْمَانُ،وَعَلِيٌّ،وَسَعْدٌ،وَطَلْحَةُ،وَالزُّبَيْرُ،وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ،قُلْتُ:فَمَنِ الْعَاشِرُ ؟ قَالَ:أَنَا" (4)
__________
(1) - صحيح البخارى- المكنز - (3675 ) -رجف : خفق واضطرب
(2) - المطالب العالية بزوائد المسانيد الثمانية - (16 / 288) (4000 ) صحيح
(3) - صحيح ابن حبان - (15 / 348) (6916) صحيح
(4) - مسند البزار كاملا - (1 / 221) (1263) صحيح(1/5)
وعَنْ سَعِيدِ بْنِ زَيْدٍ،عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - ،قَالَ:عَشْرَةٌ مِنْ قُرَيْشٍ فِي الْجَنَّةِ،النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - فِي الْجَنَّةِ،وَأَبُو بَكْرٍ،وَعُمَرُ،وَعُثْمَانُ،وَعَلِيٌّ،وَطَلْحَةُ،وَالزُّبَيْرُ،وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ،وَسَعْدٌ وَعَاشِرُ الْمُسْلِمِينَ لَوْ شِئْتُ لَسَمَّيْتُهُ،فَظَنَنَا أَنَّهُ يَعْنِي نَفْسَهُ. (1)
وعن رِيَاحَ بْنِ الْحَارِثِ قَالَ كُنْتُ قَاعِدًا عِنْدَ فُلاَنٍ فِى مَسْجِدِ الْكُوفَةِ وَعِنْدَهُ أَهْلُ الْكُوفَةِ فَجَاءَ سَعِيدُ بْنُ زَيْدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ نُفَيْلٍ فَرَحَّبَ بِهِ وَحَيَّاهُ وَأَقْعَدَهُ عِنْدَ رِجْلِهِ عَلَى السَّرِيرِ فَجَاءَ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الْكُوفَةِ يُقَالُ لَهُ قَيْسُ بْنُ عَلْقَمَةَ فَاسْتَقْبَلَهُ فَسَبَّ وَسَبَّ فَقَالَ سَعِيدٌ مَنْ يَسُبُّ هَذَا الرَّجُلُ قَالَ يَسُبُّ عَلِيًّا. قَالَ أَلاَ أَرَى أَصْحَابَ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يُسَبُّونَ عِنْدَكَ ثُمَّ لاَ تُنْكِرُ وَلاَ تُغَيِّرُ أَنَا سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ وَإِنِّى لَغَنِىٌّ أَنْ أَقُولَ عَلَيْهِ مَا لَمْ يَقُلْ فَيَسْأَلُنِى عَنْهُ غَدًا إِذَا لَقِيتُهُ « أَبُو بَكْرٍ فِى الْجَنَّةِ وَعُمَرُ فِى الْجَنَّةِ ». وَسَاقَ مَعْنَاهُ ثُمَّ قَالَ لَمَشْهَدُ رَجُلٍ مِنْهُمْ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يَغْبَرُّ فِيهِ وَجْهُهُ خَيْرٌ مِنْ عَمَلِ أَحَدِكُمْ عُمْرَهُ وَلَوْ عُمِّرَ عُمْرَ نُوحٍ. (2)
وعَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ حُمَيْدٍ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ سَعِيدَ بْنَ زَيْدٍ حَدَّثَهُ فِى نَفَرٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ « عَشَرَةٌ فِى الْجَنَّةِ أَبُو بَكْرٍ فِى الْجَنَّةِ وَعُمَرُ فِى الْجَنَّةِ وَعُثْمَانُ وَعَلِىٌّ وَالزُّبَيْرُ وَطَلْحَةُ وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ وَأَبُو عُبَيْدَةَ وَسَعْدُ بْنُ أَبِى وَقَّاصٍ ». قَالَ فَعَدَّ هَؤُلاَءِ التِّسْعَةَ وَسَكَتَ عَنِ الْعَاشِرِ فَقَالَ الْقَوْمُ نَنْشُدُكَ اللَّهَ يَا أَبَا الأَعْوَرِ مَنِ الْعَاشِرُ قَالَ نَشَدْتُمُونِى بِاللَّهِ أَبُو الأَعْوَرِ فِى الْجَنَّةِ. (3)
لم إيثم: لغة لبعض العرب،يقولون: إيثَم مكان:آثَم.
فتلكأ:أي: توقف في الشيء يريد أن يقوله أو يفعله.
ننشُدُك،نشدته أنشده:إذا سألتَه وأقسمت عليه.
__________
(1) - نفسه( 1269) صحيح
(2) - سنن أبي داود - المكنز - (4652 ) صحيح
(3) - سنن الترمذى- المكنز - (4114 ) صحيح(1/6)
حراء:جبل بمكة،وأصحاب الحديث يقصرونه،وأكثرهم يفتح الحاء، ويكسر الراء،كذا قال الخطابي،قال: وذلك غلط منهم في ثلاثة مواضع يفتحون الحاء وهي مكسورة، ويكسرون الراء وهي مفتوحة،ويقصرون الكلمة وهي ممدودة.
وعَنْ عَلِيٍّ، - رضي الله عنهم - قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - : ."رَحِمَ اللهُ أَبَا بَكْرٍ زَوَّجَنِي ابْنَتَهُ وَأَعْتَقَ بِلَالًا مِنْ مَالِهِ، وَحَمَلَنِي إِلَى دَارِ الْهِجْرَةِ، رَحِمَ اللهُ عُمَرَ يَقُولُ الْحَقَّ، وَإِنْ كَانَ مُرًّا، تَرَكَهُ الْحَقُّ وَمَا لَهُ مِنْ صَدِيقٍ، رَحِمَ اللهُ عُثْمَانَ إِنَّهُ لَتَسْتَحْيِي مِنْهُ الْمَلَائِكَةُ، رَحِمَ اللهُ عَلِيًّا، اللهُمَّ أَدِرِ الْحَقَّ مَعَهُ حَيْثُ دَارَ " (1)
وعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ،قَالَ:قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - :أَرْحَمُ أُمَّتِي بِأُمَّتِي أَبُو بَكْرٍ،وَأَشَدُّهُمْ فِي اللهِ عُمَرُ،وَأَصْدَقُهُمْ حَيَاءً عُثْمَانُ وَأَقْرَؤُهُمْ لِكِتَابِ اللهِ أُبَيُّ بْنُ كَعْبٍ،وَأَفْرَضُهُمْ زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ،وَأَعْلَمُهُمْ بِالْحَلاَلِ وَالْحَرَامِ مُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ أَلاَ وَإِنَّ لِكُلِّ أُمَّةٍ أَمِينًا وَأَمِينُ هَذِهِ الْأُمَّةِ أَبُو عُبَيْدَةَ بْنُ الْجَرَّاحِ. (2)
وعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ،عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ:أَرْحَمُ أُمَّتِي بِأُمَّتِي أَبُو بَكْرٍ،وَأَشَدُّهُمْ فِي دِينِ اللهِ عُمَرُ،وَقَالَ عَفَّانُ مَرَّةً:فِي أَمْرِ اللهِ عُمَرُ،وَأَصْدَقُهُمْ حَيَاءً عُثْمَانُ،وَأَفْرَضُهُمْ زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ،وَأَقْرَؤُهُمْ لِكِتَابِ اللهِ أُبَيُّ بْنُ كَعْبٍ،وَأَعْلَمُهُمْ بِالْحَلاَلِ وَالْحَرَامِ مُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ،أَلاَ وَإِنَّ لِكُلِّ أُمَّةٍ أَمِينًا،وَإِنَّ أَمِينَ هَذِهِ الأُمَّةِ أَبُو عُبَيْدَةَ بْنُ الْجَرَّاحِ رضي الله عنهم أجمعين. (3)
وعَنْ حُذَيْفَةَ قَالَ:كُنَّا عِنْدَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - جُلُوسًا فَقَالَ:إِنِّي لاَ أَدْرِي مَا قَدْرُ بَقَائِي فِيكُمْ،فَاقْتَدُوا بِاللَّذَيْنِ مِنْ بَعْدِي،وَأَشَارَ إِلَى أَبِي بَكْرٍ،وَعُمَرَ،وَتَمَسَّكُوا بِعَهْدِ عَمَّارٍ،وَمَا حَدَّثَكُمْ ابْنُ مَسْعُودٍ فَصَدِّقُوهُ. (4)
__________
(1) - معرفة الصحابة لأبي نعيم - (1 / 92)(354 ) ضعيف
(2) - صحيح ابن حبان - (16 / 74) (7131) صحيح
(3) - مسند أحمد (عالم الكتب) - (4 / 716)(13990) 14035- صحيح
(4) - مسند أحمد (عالم الكتب) - (7 / 702)(23276) 23665- حسن لغيره(1/7)
وعَنْ حُذَيْفَةَ،قَالَ:كُنَّا جُلُوسًا عِنْدَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - ،فَقَالَ:إِنِّي لاَ أَدْرِي مَا قَدْرُ بَقَائِي فِيكُمْ،فَاقْتَدُوا بِاَللَّذَيْنِ مِنْ بَعْدِي،وَأَشَارَ إِلَى أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ،وَاهْتَدُوا بِهَدْيِ عَمَّارٍ،وَمَا حَدَّثَكُمَ ابْنُ مَسْعُودٍ مِنْ شَيْءٍ فَصَدِّقُوهُ. (1)
وعَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - « اقْتَدُوا بِاللَّذَيْنِ مِنْ بَعْدِى مِنْ أَصْحَابِى أَبِى بَكْرٍ وَعُمَرَ وَاهْتَدُوا بِهَدْىِ عَمَّارٍ وَتَمَسَّكُوا بِعَهْدِ ابْنِ مَسْعُودٍ ». (2)
وعَنْ سَمُرَةَ بْنِ جُنْدُبٍ أَنَّ رَجُلاً قَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّى رَأَيْتُ كَأَنَّ دَلْوًا دُلِّىَ مِنَ السَّمَاءِ فَجَاءَ أَبُو بَكْرٍ فَأَخَذَ بِعَرَاقِيهَا فَشَرِبَ شُرْبًا ضَعِيفًا ثُمَّ جَاءَ عُمَرُ فَأَخَذَ بِعَرَاقِيهَا فَشَرِبَ حَتَّى تَضَلَّعَ ثُمَّ جَاءَ عُثْمَانُ فَأَخَذَ بِعَرَاقِيهَا فَشَرِبَ حَتَّى تَضَلَّعَ ثُمَّ جَاءَ عَلِىٌّ فَأَخَذَ بِعَرَاقِيهَا فَانْتَشَطَتْ وَانْتَضَحَ عَلَيْهِ مِنْهَا شَىْءٌ. (3)
بعراقيها:عراقي الدلو:عراها،وهي جمع عرقوة.
تضلع:شرب حتى تضلع،أي:حتى امتلأ ريّا.
فانتشطت:الأنشوطة:العقدة،والانتشاط:انحلال العقدة،ومنه أنشطت عقال البعير:إذا حللته.
انتضح:الانتضاح:رشاش الماء على الثوب ونحوه.
وعَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ شَقِيقٍ،قَالَ:قُلْتُ لِعَائِشَةَ:أَكَانَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقْرِنُ السُّوَرَ ؟ قَالَتْ:الْمُفَصَّلَ.
قُلْتُ:أَكَانَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يُصَلِّي قَاعِدًا ؟ قَالَتْ:نَعَمْ،بَعْدَ مَا حَطَمَهُ النَّاسُ.
قُلْتُ:أَكَانَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يُصَلِّي الضُّحَى ؟ قَالَتْ:لاَ إِلاَّ أَنْ يَجِيءَ مِنْ مَغِيبِهِ.
قُلْتُ:أَكَانَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَصُومُ شَهْرًا سِوَى رَمَضَانَ ؟ قَالَتْ:لاَ وَاللَّهِ إِنْ صَامَ شَهْرًا تَامًّا سِوَى رَمَضَانَ،وَلاَ أَفْطَرَهُ كُلَّهُ حَتَّى يَصُومَ مِنْهُ شَيْئًا.
__________
(1) - مصنف ابن أبي شيبة - (14 / 569)(38204) حسن لغيره -الهدي : السمت والطريقة والسيرة.
(2) - سنن الترمذى- المكنز - (4175 ) قَالَ هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ
(3) - سنن أبي داود - المكنز - (4639 ) حسن(1/8)
قُلْتُ:أَيُّ أَصْحَابِ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - كَانَ أَحَبَّ إِلَيْهِ ؟ قَالَتْ:أَبُو بَكْرٍ،قُلْتُ:ثُمَّ مَنْ ؟ قَالَتْ:ثُمَّ عُمَرُ،قُلْتُ:ثُمَّ مَنْ ؟ قَالَتْ أَبُو عُبَيْدَةَ بْنُ الْجَرَّاحِ،قَالَ:يَزِيدُ قُلْتُ:ثُمَّ مَنْ ؟ قَالَ:فَسَكَتَتْ. (1)
وعَنْ أَبِى عُثْمَانَ قَالَ حَدَّثَنِى عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ - رضى الله عنه - أَنَّ النَّبِىَّ - صلى الله عليه وسلم - بَعَثَهُ عَلَى جَيْشِ ذَاتِ السَّلاَسِلِ،فَأَتَيْتُهُ فَقُلْتُ أَىُّ النَّاسِ أَحَبُّ إِلَيْكَ قَالَ « عَائِشَةُ ».فَقُلْتُ مِنَ الرِّجَالِ فَقَالَ « أَبُوهَا ».قُلْتُ ثُمَّ مَنْ قَالَ « ثُمَّ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ ».فَعَدَّ رِجَالاً . (2)
وعَنْ أَبِي عُثْمَانَ النَّهْدِيِّ،حَدَّثَنِي عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ،أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - بَعَثَهُ عَلَى جَيْشِ ذَاتِ السَّلاَسِلِ،قَالَ:فَأَتَيْتُهُ،فَقُلْتُ:أَيُّ النَّاسِ أَحَبُّ إِلَيْكَ ؟ قَالَ:عَائِشَةُ قُلْتُ:مِنَ الرِّجَالِ ؟ قَالَ:أَبُوهَا قُلْتُ:ثُمَّ مَنْ ؟ قَالَ:ثُمَّ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ. (3)
وعَنْ أَبِى عُثْمَانَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - بَعَثَ عَمْرَو بْنَ الْعَاصِ عَلَى جَيْشِ ذَاتِ السَّلاَسِلِ قَالَ فَأَتَيْتُهُ فَقُلْتُ أَىُّ النَّاسِ أَحَبُّ إِلَيْكَ قَالَ « عَائِشَةُ ».قُلْتُ مِنَ الرِّجَالِ قَالَ « أَبُوهَا ».قُلْتُ ثُمَّ مَنْ قَالَ « عُمَرُ ».فَعَدَّ رِجَالاً فَسَكَتُّ مَخَافَةَ أَنْ يَجْعَلَنِى فِى آخِرِهِمْ . (4)
وعَنْ أَبِي قَتَادَةَ،قَالَ:قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - :إِنْ يُطِعِ النَّاسُ أَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ فَقَدْ أَرْشَدُوا. (5)
وعَنْ أَبِي عُثْمَانَ النَّهْدِيِّ،قَالَ:سَمِعْتُ عَمْرَو بْنَ الْعَاصِ،يَقُولُ:بَعَثَنِي رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - عَلَى جَيْشِ ذِي السَّلَاسِلِ،وَفِي الْقَوْمِ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ،فَحَدَّثْتُ نَفْسِي أَنَّهُ لَمْ يَبْعَثْنِي عَلَى أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ إِلَّا لِمَنْزِلَةٍ لِي عِنْدَهُ،فَأَتَيْتُهُ حَتَّى قَعَدْتُ بَيْنَ يَدَيْهِ فَقُلْتُ:يَا رَسُولَ اللَّهِ،مَنْ أَحَبُّ النَّاسِ إِلَيْكَ ؟ قَالَ:"عَائِشَةُ "،قُلْتُ:إِنِّي لَسْتُ أَسْأَلُكَ عَنْ أَهْلِكِ،قَالَ: "فَأَبُوهَا "،قُلْتُ:ثُمَّ مَنْ ؟ قَالَ:"ثُمَّ عُمَرُ "،قُلْتُ:ثُمَّ مَنْ ؟ حَتَّى عَدَّ رَهْطًا،قَالَ:قُلْتُ فِي نَفْسِي:لَا أَعُودُ أَسْأَلُ عَنْ هَذَا . (6)
وعَنْ أَبِي وَائِلٍ،عَنْ حُذَيْفَةَ - رضي الله عنهم - قَالَ:قَالُوا:يَا رَسُولَ اللَّهِ،أَلَا تَسْتَخْلِفُ عَلَيْنَا،فَقَالَ:"إِنِ اسْتَخْلَفْتُ عَلَيْكُمْ خَلِيفَةً مِنْ بَعْدِي ثُمَّ عَصَيْتُمْ خَلِيفَتِي نَزَلَ الْعَذَابُ "،ثُمَّ قَالَ:"إِنْ تُوَلُّوا
__________
(1) - مسند أحمد (عالم الكتب) - (8 / 423)(25829) 26349-26353- صحيح
(2) - صحيح البخارى- المكنز - (3662 )
(3) - صحيح ابن حبان - (15 / 326)(6900) صحيح
(4) - صحيح البخارى- المكنز - (4358 )
(5) - صحيح ابن حبان - (15 / 327)(6901) صحيح
(6) - دَلَائِلُ النُّبُوَّةِ لِلْبَيْهَقِيِّ (1742) صحيح(1/9)
هَذَا الْأَمْرَ أَبَا بَكْرٍ تَجِدُوهُ قَوِيًّا فِي أَمْرِ اللَّهِ ضَعِيفًا فِي بَدَنِهِ،وَإِنْ تُوَلُّوهَا عُمَرَ تَجِدُوهُ قَوِيًّا فِي أَمْرِ اللَّهِ قَوِيًّا فِي بَدَنِهِ،وَإِنْ تُوَلُّوا عَلِيًّا وَلَنْ تَفْعَلُوا تَجِدُوهُ هَادِيًا مَهْدِيًّا يَسْلُكُ بِكُمُ الطَّرِيقَ الْمُسْتَقِيمَ " (1)
قَالَ الشَّيْخُ الْإِمَامُ الزَّاهِدُ( الكلاباذيُّ) - رَحِمَهُ اللَّهُ -:النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - أَفْطَنُ الْخَلْقِ كُلِّهِمْ وَأَبْعَدُهُمْ عَمَّا يُخِلُّ بِأَفْعَالِهِ،سَمِعَ اللَّهَ يَقُولُ حِكَايَةً عَنْ كَلِيمِهِ حِينَ قَالَ لِأَخِيهِ هَارُونَ اخْلُفْنِي فِي قَوْمِي فَكَانَ مِنْهُمْ مَا كَانَ مِنْ عِبَادَتِهِمُ الْعِجْلَ وَكَانَتْ تَوْبَتُهُمْ أَغْلَظَ تَوْبَةٍ،قَالَ اللَّهُ تَعَالَى:اقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ أَوِ اخْرُجُوا مِنْ دِيَارِكُمْ،فَحَذَّرَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - فِي الِاسْتِخْلَافِ عَلَيْهِمْ مَا نَزَلَ بِقَوْمِ مُوسَى فَاسْتَخْلَفَ اللَّهَ عَلَيْهِمْ،فَقَالَ:"اللَّهُ خَلِيفَتِي فِيكُمْ "،فَخَارَ اللَّهَ - عَزَّ وَجَلَّ - لَهُمْ فَاسْتَخْلَفَ اللَّهُ أَبَا بَكْرٍ،فَهُوَ خَلِيفَةُ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - إِشَارَةً وَخَلِيفَةُ اللَّهِ بَيَانًا،وَأَخْبَرَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - أَنَّ أَبَا بَكْرٍ ضَعِيفٌ فِي بَدَنِهِ قَوِيٌّ فِي أَمْرِ اللَّهِ،وَأَنَّ عُمَرَ قَوِيٌّ فِي بَدَنِهِ قَوِيٌّ فِي أَمْرِ اللَّهِ،وَأَجْمَعَ أَهْلُ السُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ أَنَّ خَيْرَ النَّاسِ بَعْدَ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - أَبُو بَكْرٍ،ثُمَّ عُمَرُ
وَقَالَ ابْنُ عُمَرَ:كُنَّا نُخَيِّرُ بَيْنَ النَّاسِ فِي زَمَانِ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فَنُخَيِّرُ أَبَا بَكْرٍ،ثُمَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ،ثُمَّ عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ " (2)
وعَنِ ابْنِ عُمَرَ - رضي الله عنهم - مَا،قَالَ:"كُنَّا نُخَيِّرُ بَيْنَ النَّاسِ فِي زَمَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - فَنُخَيِّرُ أَبَا بَكْرٍ،ثُمَّ عُمَرَ بْنَ الخَطَّابِ،ثُمَّ عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ - رضي الله عنهم - مْ " (3)
وعَنِ ابْنِ عُمَرَ،قَالَ:كُنَّا نُخَيِّرُ بَيْنَ الصَّحَابَةِ فِي زَمَانِ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - ،نَعُدُّ أَبَا بَكْرٍ،ثُمَّ عُمَرَ،ثُمَّ عُثْمَانَ " (4)
وعَنِ ابْنِ عُمَرَ - رضى الله عنهما - قَالَ كُنَّا فِى زَمَنِ النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - لاَ نَعْدِلُ بِأَبِى بَكْرٍ أَحَدًا ثُمَّ عُمَرَ ثُمَّ عُثْمَانَ،ثُمَّ نَتْرُكُ أَصْحَابَ النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - لاَ نُفَاضِلُ بَيْنَهُمْ . (5)
__________
(1) - بَحْرُ الْفَوَائِدِ الْمُسَمَّى بِمَعَانِي الْأَخْيَارِ لِلْكَلَابَاذِيِّ (226 ) صحيح
(2) - بَحْرُ الْفَوَائِدِ الْمُسَمَّى بِمَعَانِي الْأَخْيَارِ لِلْكَلَابَاذِيِّ (227 ) صحيح
(3) - صحيح البخارى- المكنز - (3655 )
(4) - شَرْحُ أُصُولِ الاعْتِقَادِ (2130 ) صحيح
(5) - صحيح البخارى- المكنز - (3697 )(1/10)
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ الله عَنْه قَالَ:كُنَّا مَعْشَرَ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - وَنَحْنُ مُتَوَافِرُونَ نَقُولُ:أَفْضَلُ هَذِهِ الْأُمَّةِ بَعْدَ نَبِيِّهَا - صلى الله عليه وسلم - أَبُو بَكْرٍ ثُمَّ عُمَرُ،ثم عثمان رَضِيَ الله عَنْهم،ثُمَّ نَسَكْتُ . (1)
وعَنْ سَالِمٍ،عَنْ أَبِيهِ،قَالَ:لَقِيَنِي رَجُلٌ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فِي لِسَانِهِ ثِقَلٌ مَا يُبِينُ الْكَلاَمَ،فَذَكَرَ عُثْمَانَ،فَقَالَ عَبْدُ اللهِ:وَاللَّهِ مَا أَدْرِي مَا يَقُولُ غَيْرَ أَنَّكُمْ تَعْلَمُونَ يَا مَعْشَرَ أَصْحَابِ النَّبِيِّ مُحَمَّدٍ أَنَّا كُنَّا عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - ،نَقُولُ:أَبُو بَكْرٍ،وَعُمَرُ،وَعُثْمَانُ،وَإِنِّمَا هُوَ هَذَا الْمَالُ،فَإِنْ أَعْطَاهُ رَضِيتُمْ. (2)
وعَنِ ابْنِ عُمَرَ،قَالَ:كُنَّا نُفَاضِلُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - أَبُو بَكْرٍ،ثُمَّ عُمَرُ،ثُمَّ عُثْمَانُ،ثُمَّ نَسْكُتُ. (3)
وعَنْ مُحَمَّدِ ابْنِ الْحَنَفِيَّةِ قَالَ:قُلْتُ لِأَبِي:أَيُّ النَّاسِ خَيْرٌ بَعْدَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - ؟ قَالَ:أَبُو بَكْرٍ.قُلْتُ:ثُمَّ مَنْ ؟ قَالَ:عُمَرُ.وَخَشِيتُ أَنْ يَقُولَ:عُثْمَانُ،قُلْتُ:ثُمَّ أَنْتَ ؟ قَالَ:مَا أَنَا إِلَّا رَجُلٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ"
فَكَانَ أَبُو بَكْرٍ خَيْرًا مِنْ عُمَرَ وَهُوَ أَضْعَفُ بَدَنًا مِنْ عُمَرَ،وَعُمَرُ أَقْوَى بَدَنًا مِنْهُ،وَكِلَاهُمَا قَوِيَّانِ فِي أَمْرِ اللَّهِ،فَدَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّ الْفَضْلَ لَيْسَ مِنْ جِهَةِ قُوَّةِ الْأَبْدَانِ وَلَا بِكَثْرَةِ الْأَعْمَالِ؛لِأَنَّ مَنْ كَانَ أَقْوَى بَدَنًا مَعَ قُوَّتِهِ فِي أَمْرِ اللَّهِ،يَجِبُ أَنْ يَكُونَ أَكْثَرَ عَمَلًا،فَدَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّ كَثْرَةَ الْعَمَلِ لَا يُوجِبُ الْفَضْلَ،وَإِنَّمَا يُوجِبُ الْفَضْلَ مِنْحَةُ الْعَمَلِ وَمَعْنًى فِي السِّرِّ،بَلْ إِنَّمَا يَكُونُ الْفَضْلُ لِمَنْ فَضَّلَهُ اللَّهُ تَعَالَى،وَاللَّهُ تَعَالَى لَا يَفْعَلُ شَيْئًا لِعِلَّتِهِ،وَإِنَّمَا يَفْعَلُ مَا يَفْعَلُ بِالْمَشِيئَةِ،فَيَنْحَازُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيُفَضِّلُ مَنْ يُرِيدُ وَهُوَ الْحَكِيمُ لِلْخَيْرِ،ثُمَّ يَجْعَلُ فِي قَلْبِ مَنْ فَضَّلَهُ وَاخْتَارَهُ مَعْنًى يَكُونُ ذَلِكَ عَلَمًا لِفَضْلِهِ وَدَلِيلًا عَلَى اخْتِيَارِ اللَّهِ لَهُ،كَمَا قَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - :"إِنَّ أَبَا بَكْرٍ لَمْ يَفْضُلْكُمْ بِكَثْرَةِ صَلَاةٍ وَلَا صِيَامٍ،وَلَكِنْ بِشَيْءٍ وَقَرَ فِي قَلْبِهِ ."فَأَخْبَرَ أَنَّ قُوَّةَ الْقَلْبِ هِيَ الَّتِي تُقَدَّمُ لَيْسَ قُوَّةُ الْبَدَنِ،وَإِنَّمَا يَقْوَى الْقَلْبُ لِأَنَّهُ مَوْضِعُ نَظَرِ اللَّهِ،قَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - :"إِنَّ اللَّهَ لَا يَنْظُرُ إِلَى صُوَرِكُمْ وَلَا إِلَى أَمْوَالِكُمْ وَلَكِنْ يَنْظُرُ إِلَى قُلُوبِكُمْ
__________
(1) - المطالب العالية بزوائد المسانيد الثمانية - (16 / 278)(3995 ) صحيح
(2) - صحيح ابن حبان - (16 / 236) (7250) صحيح
(3) - صحيح ابن حبان - (16 / 237)(7251) صحيح(1/11)
وَأَعْمَالِكُمْ ."وَاللَّهُ تَعَالَى إِنَّمَا يَنْظُرُ إِلَى مَا يُحِبُّ وَيَخْتَارُ،وَلَا يَنْظُرُ إِلَى مَا يُبْغِضُ،قَالَ اللَّهُ تَعَالَى:إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَنًا قَلِيلًا أُولَئِكَ لَا خَلَاقَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ وَلَا يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ وَلَا يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَا يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ،وَقَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - :"إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَمْ يَنْظُرْ إِلَى الدُّنْيَا مُنْذُ خَلَقَهَا بُغْضًا لَهَا ."فَأَخْبَرَ أَنَّهُ إِنَّمَا يَنْظُرُ إِلَى مَا يُحِبُّ وَمَنْ يُحِبُّ،فَأَحَبَّ اللَّهُ تَعَالَى مَنْ شَاءَ لَا لِعِلَّةٍ،ثُمَّ نَظَرَ إِلَى مَا أَحَبَّ مِنْهُمْ وَهُوَ الْقَلْبُ،فَقَوِيَتِ الْقُلُوبُ بِنَظَرِ اللَّهِ إِلَيْهَا وَأَشْرَقَتْ وَاسْتَنَارَتْ وَتَزَيَّنَتْ،فَطَارَتْ فِي الْمَلَكُوتِ شَوْقًا إِلَى مَنْ نَظَرَ إِلَيْهَا؛لِأَنَّهُ تَعَالَى لَمَّا نَظَرَ إِلَيْهَا نَظَرَتْ إِلَيْهِ فَوَلِهَتْ بِهِ وَشُغِلَتْ عَمَّا سِوَاهُ،فَطَارَتْ فِي الْمَلَكُوتِ شَوْقًا إِلَيْهِ،فَوَقَفَتْ أَمَامَ الْعَرْشِ فَأَذِنَ لَهَا فَسَلَّمَتْ عَلَيْهِ،وَكَلَّمَهَا فَوَعَتْ،وَأَرَاهَا فَأَبْصَرَتْ،وَأَلْبَسَهَا السَّكِينَةَ فَسَكَنَتْ،وَرَدَّهَا بِأَلْوَانِ الْفَوَائِدِ وَأَنْوَاءِ الزَّوَائِدِ،وَلَوْلَا مَا أَلْبَسَهَا مِنَ السَّكِينَةِ لَطَارَتْ شَوْقًا،وَتَلَاشَتْ فِي مُبَاهَاتِ تَوْحِيدِ اللَّهِ،وَفَنِيَتْ تَحْتَ أَنْوَارِ هَيْبَتِهِ،قَالَ اللَّهُ تَعَالَى:هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ السَّكِينَةَ فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ لِيَزْدَادُوا إِيمَانًا مَعَ إِيمَانِهِمْ فَبِذَلِكَ قَوِيَتِ الْأَسْرَارُ وَصَغَتِ الْقُلُوبُ.فَفِي الْحَدِيثِ دَلَالَةٌ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَخْتَارُ مَا يَشَاءُ،قَالَ اللَّهُ تَعَالَى:وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيْخَتَارُ وَهُوَ تَعَالَى فَضَّلَ مَنْ أَرَادَ فِي سَابِقِ عَلْمِهِ بِمَشِيئَتِهِ وَإِرَادَتِهِ،لَا لِقُوَّةِ بَدَنٍ وَلَا بِكَثْرَةِ عَمَلٍ،وَالْقَلْبُ إِنَّمَا يَقْوَى بِمَا يُحْدِثُهُ فِيهِ وَيُودِعُهُ إِيَّاهُ بَعْدَ اخْتِيَارِهِ لَهُ وَنَظَرِهِ إِلَيْهِ،وَاللَّهُ تَعَالَى يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ،وَيْحَكُمُ مَا يُرِيدُ،وَيَصْطَفِي مَنْ يَشَاءُ،وَيَخْتَارُ مَا كَانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ،تَعَالَى اللَّهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ.وَقَوْلُهُ - صلى الله عليه وسلم - :"وَإِنْ تُوَلُّوهَا عَلِيًّا وَلَنْ تَفْعَلُوا ."يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مَعْنَاهُ:أَنْ تُوَلُّوهَا عَلِيًّا حِينَ تُفْضِي الْخِلَافَةُ إِلَيْهِ وَتَصِيرُ لَهُ ."وَلَنْ تَفْعَلُوا "،أَخْبَرَ عَنِ الْغَيْبِ الَّذِي أَطْلَعَهُ اللَّهُ عَلَيْهِ أَنَّهُمْ لَا يَفْعَلُونَ،فَكَانَ كَمَا أَخْبَرَ،فَتَفَرَّقُوا فِيهِ فِرَقًا وَاخْتَلَفُوا عَلَيْهِ أُمَمًا،فَلَمْ يَهْتَدُوا وَلَمْ يَسْلُكُوا الطَّرِيقَ الْمُسْتَقِيمَ،بَلْ تَشَتَّتُوا فَصَارُوا شِيَعًا،فَنَكَثَتْ طَائِفَةٌ،وَقَسَطَتْ أخْرَى،وَمَرَقَتْ ثَالِثَةٌ،وَعَصِيَتْ رَابِعَةٌ،وَلَوْ وَلَّوْهَا إِيَّاهُ وَاجْتَمَعُوا عَلَيْهِ لَوَجَدُوهُ هَادِيًا لَهُمْ إِلَى الطَّرِيقِ الْوَاضِحِ،وَالْهُدَى الْبَيِّنِ،مَهْدِيًّا فِي(1/12)
نَفْسِهِ لَا يَسْلُكُ مِنَ الطَّرِيقِ إِلَّا أَهْدَاهَا وَمِنَ الْمَنَاهِجِ إِلَّا أَوْلَاهَا،وَيَسْلُكُ بِهِمُ الطَّرِيقَ الْمُسْتَقِيمَ الَّذِي كَانَ عَلِيٌّ - رضي الله عنهم - يَسْلُكُهُ وَيَهْدِي إِلَيْهِ وَيَسْتَقِيمُ فِيهِ وَيُقِيمُ عَلَيْهِ " (1)
وعَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ قُرَّةَ،قَالَ:ذَكَرَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ - رضي الله عنهم - فَقَالَ:"أَرَاهُمُ السَّبِيلَ وَأَقَامَ لَهُمُ الدِّينَ إِذْ تَعَوَّجَ ."فَكَأَنَّهُ قَالَ:إِذَا أَفْضَتِ الْخِلَافَةُ بِهِ،وَانْتَهَتِ الْإِمْرَةُ إِلَيْهِ،وَلَّيْتُمُوهُ أَمْرَكُمْ،عِنْدَ ذَلِكَ يَسْلُكُ بِكُمُ الطَّرِيقَ الْمُسْتَقِيمَ،وَلَكِنَّكُمْ لَا تَفْعَلُونَ وَلَمْ يُرْوَ - إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى - أَنْ تُوَلُّوهَا إِيَّاهُ بَعْدِي وَعَلَى إِثْرِي،فَيَكُونُ أَوَّلَ قَائِمٍ بَعْدِي؛لِأَنَّهُ - صلى الله عليه وسلم - دَلَّهُمْ عَلَى الْخَلِيفَةِ بَعْدَ وَفَاتِهِ بِالْأَمْرِ لَهُ بِالْإِمَامَةِ لَهُمْ فِي حَيَاتِهِ فَقَالَ:"مُرُوا أَبَا بَكْرٍ فَلْيُصَلِّ بِالنَّاسِ " (2)
وَقَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - حِينَ دَعَاهُ بِلَالٌ إِلَى الصَّلَاةِ،فَقَالَ:"مُرُوا مَنْ يُصَلِّي بِالنَّاسِ "،قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَبِيعَةَ بْنِ الْأَسْوَدِ فَقُلْتُ:قُمْ يَا عُمَرُ فَصَلِّ بِالنَّاسِ قَالَ:فَقَامَ،فَلَمَّا كَبَّرَ عُمَرُ،سَمِعَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - صَوْتَهُ،وَكَانَ عُمَرُ رَجُلًا مُجْهِرًا،فَقَالَ:"فَأَيْنَ أَبُو بَكْرٍ،يَأْبَى اللَّهُ ذَاكَ وَالْمُسْلِمُونَ،يَأْبَى اللَّهُ ذَاكَ وَالْمُسْلِمُونَ ."
وفي رواية عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ رَبِيعَةَ بْنِ الْأَسْوَدِ بْنِ الْمُطَّلِبِ بْنِ أَسَدٍ،قَالَ:لَمَّا اسْتَقَرَّ بِرَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - وَأَنَا عِنْدَهُ،وَذَكَرَ حَدِيثًا طَوِيلًا.فَدَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يُرِدْ بِقَوْلِهِ - صلى الله عليه وسلم - ."إِنْ تُوَلُّوهَا عَلِيًّا ."أَيْ:تُوَلُّوهَا بَعْدَ وَفَاتِي وَعَلَى إِثْرِي،فَيَكُونُ أَوَّلَ مَنْ يَقُومُ بِالْخِلَافَةِ بَعْدَ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - وَإِنَّمَا أَرَادَ:أَنْ تُوَلُّوا عَلِيًّا حِينَ تُفْضِي إِلَيْهِ الْخِلَافَةُ وَتَصِيرُ لَهُ الْإِمْرَةُ وَتَنْتَهِي إِلَيْهِ الْوِلَايَةُ،وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ" (3)
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ،أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - ،قَالَ:نِعْمَ الرَّجُلُ أَبُو بَكْرٍ،نِعْمَ الرَّجُلُ عُمَرُ،نِعْمَ الرَّجُلُ أَبُو عُبَيْدَةَ بْنُ الْجَرَّاحِ،نِعْمَ الرَّجُلُ أُسَيْدُ بْنُ حُضَيْرٍ،نِعْمَ الرَّجُلُ ثَابِتُ بْنُ قَيْسِ بْنِ
__________
(1) - بَحْرُ الْفَوَائِدِ الْمُسَمَّى بِمَعَانِي الْأَخْيَارِ لِلْكَلَابَاذِيِّ (228 ) صحيح
(2) - بَحْرُ الْفَوَائِدِ الْمُسَمَّى بِمَعَانِي الْأَخْيَارِ لِلْكَلَابَاذِيِّ (229 ) صحيح
(3) - بَحْرُ الْفَوَائِدِ الْمُسَمَّى بِمَعَانِي الْأَخْيَارِ لِلْكَلَابَاذِيِّ (230 ) صحيح(1/13)
شَمَّاسٍ،نِعْمَ الرَّجُلُ مُعَاذُ بْنُ عَمْرِو بْنِ الْجَمُوحِ،بِئْسَ الرَّجُلُ فُلاَنٌ وَفُلاَنٌ سَمَّاهُمْ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - وَلَمْ يُسَمِّهِمْ لَنَا سُهَيْلٌ. ... (1)
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ،قَالَ:قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - :نِعْمَ الرَّجُلُ أَبُو بَكْرٍ،نِعْمَ الرَّجُلُ عُمَرُ،نِعْمَ الرَّجُلُ مُعَاذُ بْنُ عَمْرِو بْنِ الْجَمُوحِ،نِعْمَ الرَّجُلُ مُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ،نِعْمَ الرَّجُلُ أَبُو عُبَيْدَةَ بْنُ الْجَرَّاحِ وَبِئْسَ الرَّجُلُ حَتَّى عَدَّ سَبْعَةً. (2)
وعن عَبْدِ اللهِ بْنِ مُلَيْلٍ ،قال:سَمِعْتُ عَلِيًّا - رضي الله عنهم - ،يَقُولُ:قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - :إِنَّهُ لَمْ يَكُنْ نَبِيٌّ إِلا أُعْطِيَ سَبْعَةَ رُفَقَاءَ نُجَبَاءَ وُزَرَاءَ،وَإِنِّي أَعْطِيتُ أَرْبَعَةَ عَشَرَ،حَمْزَةُ،وَأَبَوْ بَكْرٍ،وَعُمَرُ،وَعَلِيٌّ،وَجَعْفَرٌ،وَالْحَسَنُ،وَالْحُسَيْنُ،وَعَبْدُ اللهِ بْنُ مَسْعُودٍ،وَأَبُو ذَرٍّ،وَعَمَّارُ بْنُ يَاسِرٍ،وَالْمِقْدَادُ،وَسَلْمَانُ - رضي الله عنهم - مْ (3)
وعن الْمُسَيِّبِ بْنِ نَجَبَةَ، قَالَ: قَالَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - : ."إِنَّ كُلَّ نَبِيٍّ أُعْطِيَ سَبْعَةَ نُجَبَاءَ رُفَقَاءَ وُزَرَاءَ وَأُعْطِيتُ أَنَا أَرْبَعَةَ عَشَرَ ."فَقُلْنَا: مَنْ هُمْ ؟ قَالَ: ."أَنَا وَأَبْنَائِي، وَجَعْفَرٌ وَحَمْزَةُ، وَأَبُو بَكْرٍ، وَعُمَرُ، وَمُصْعَبُ بْنُ عُمَيْرٍ، وَبِلَالٌ، وَسَلْمَانُ، وَعَمَّارٌ، وَعَبْدُ اللهِ بْنُ مَسْعُودٍ ". (4)
وعَنِ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ قَالَ:سَمِعْتُ عَائِشَةَ وَسُئِلَتْ مَنْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - مُسْتَخْلِفًا لَوِ اسْتَخْلَفَ ؟ قَالَتْ:"أَبُو بَكْرٍ ."ثُمَّ قِيلَ لَهَا:مَنْ بَعْدَ أَبِي بَكْرٍ ؟ قَالَتْ:"عُمَرُ ."ثُمَّ قِيلَ لَهَا،مَنْ بَعْدَ عُمَرَ ؟ قَالَتْ:"أَبُو عُبَيْدَةَ بْنُ الْجَرَّاحِ،ثُمَّ انْتَهَتْ إِلَى ذَا " (5)
وعَنِ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ قَالَ:سَمِعْتُ عَائِشَةَ،وَسُئِلَتْ:مَنْ كَانَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - مُسْتَخْلِفًا لَوِ اسْتَخْلَفَ ؟ قَالَتْ:أَبُو بَكْرٍ،ثُمَّ قِيلَ لَهَا:مَنْ بَعْدَ أَبِي بَكْرٍ ؟ قَالَتْ:عُمَرُ،ثُمَّ قِيلَ لَهَا:بَعْدَ عُمَرَ ؟ قَالَتْ:أَبُو عُبَيْدَةَ،ثُمَّ انْتَهَتْ إِلَى ذَا. (6)
__________
(1) - صحيح ابن حبان - (15 / 458) (6997) صحيح
(2) - صحيح ابن حبان - (16 / 71) (7129) صحيح
(3) - الآحاد والمثاني - (1 / 176) (245) حسن لغيره
(4) - سنن الترمذى- المكنز - (4154 ) قَالَ أَبُو عِيسَى هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ. وَقَدْ رُوِىَ هَذَا الْحَدِيثُ عَنْ عَلِىٍّ مَوْقُوفًا.
(5) - السُّنَنُ الْكُبْرَى لِلنَّسَائِي(6972 ) صحيح
(6) - فضائل الصحابة ( 204) صحيح(1/14)
وعَنْ سَعْدِ بْنِ عُبَيْدَةَ،قَالَ:"جَاءَ رَجُلٌ إِلَى ابْنِ عُمَرَ فَسَأَلَهُ عَنْ عُثْمَانَ،فَذَكَرَ عَنْ مَحَاسِنِ عَمَلِهِ،قَالَ:لَعَلَّ ذَاكَ يَسُوءُكَ ؟ قَالَ:نَعَمْ،قَالَ:فَأَرْغَمَ اللَّهُ بِأَنْفِكَ،ثُمَّ سَأَلَهُ عَنْ عَلِيٍّ فَذَكَرَ مَحَاسِنَ عَمَلِهِ،قَالَ:هُوَ ذَاكَ بَيْتُهُ،أَوْسَطُ بُيُوتِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - ،ثُمَّ قَالَ:لَعَلَّ ذَاكَ يَسُوءُكَ ؟ قَالَ:أَجَلْ،قَالَ:فَأَرْغَمَ اللَّهُ بِأَنْفِكَ انْطَلِقْ فَاجْهَدْ عَلَيَّ جَهْدَكَ " (1)
فأرغم الله أنفك:أي:أهانك وأذلك،وأصله من الرّغام،وهو التراب،كأنه ألصق أنفه بالتراب.
وعَنْ أَبِي قَتَادَةَ، قَالَ: وَخَطَبَنَا رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - الْعَشِيَّةَ فَقَالَ: إِنَّكُمْ تَسِيرُونَ عَشِيَّتَكُمْ هَذِهِ وَلَيْلَتَكُمْ وَتَأْتُونَ الْمَاءَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ غَدًا، قَالَ: فَانْطَلَقَ النَّاسُ لا يَلْوِي بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ فَإِنِّي لأَسِيرُ إِلَى جَنْبِ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - حَتَّى ابْهَارَّ اللَّيْلُ، نَعَسَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - ،فَمَالَ عَلَى رَاحِلَتِهِ، فَدَعَمْتُهُ حَتَّى أَسْنَدْتُهُ مِنْ غَيْرِ أَنْ أُوقِظَهُ، فَاعْتَدَلَ عَلَى رَاحِلَتِهِ، ثُمَّ سِرْنَا حَتَّى إِذَا تَهَوَّرَ اللَّيْلُ فَنَعَسَ فَمَالَ عَلَى رَاحِلَتِهِ مَيْلَةً أُخْرَى فَدَعَمْتُهُ مِنْ غَيْرِ أَنْ أُوقِظَهُ، فَاعْتَدَلَ عَلَى رَاحِلَتِهِ، ثُمَّ سِرْنَا حَتَّى إِذَا كَانَ مِنْ آخِرِ السَّحَرِ مَالَ مَيْلَةً هِيَ أَشَدُّ مِنَ الْمَيْلَتَيْنِ الأُولَيَيْنِ، حَتَّى كَادَ أَنْ يَنْجَفِلَ فَدَعَمْتُهُ فَرَفَعَ رَأْسَهُ فَقَالَ: مَنْ هَذَا؟ فَقُلْتُ: أَبُو قَتَادَةَ فَقَالَ: مَتَى كَانَ هَذَا مَسِيرُكَ مِنِّي؟، قُلْتُ: مَا زَالَ هَذَا مَسِيرِي مِنْكَ مُنْذُ اللَّيْلَةَ، فَقَالَ: حَفِظَكَ اللَّهُ بِمَا حَفِظْتَ بِهِ نَبِيَّهُ، ثُمَّ قَالَ: أَتَرَانَا نَخْفَى عَلَى النَّاسِ؟ هَلا تَرَى مِنْ أَحَدٍ؟ كَأَنَّهُ يُرِيدُ أَنْ يُعَرِّسَ، قَالَ: قُلْتُ: هَذَا رَاكِبٌ، ثُمَّ قُلْتُ: هَذَا رَاكِبٌ فَاجْتَمَعْنَا فَكُنَّا سَبْعَةَ رَكْبٍ، فَمَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - عَنِ الطَّرِيقِ فَوَضَعَ رَأْسَهُ، قَالَ: احْفَظُوا عَلَيْنَا صَلاتَنَا، فَكَانَ أَوَّلُ مَنِ اسْتَيْقَظَ هُوَ بِالشَّمْسِ فِي ظَهْرِهِ فَقُمْنَا فَزِعِينَ، فَقَالَ: ارْكَبُوا، فَسِرْنَا حَتَّى إِذَا ارْتَفَعَتِ الشَّمْسُ نَزَلَ، فَدَعَا بِمِيضَاةٍ كَانَتْ مَعِي وَفِيهَا مَاءٌ، فَتَوَضَّأَ وُضُوءًا دُونَ وُضُوئِهِ، وَبَقِيَ فِيهَا شَيْءٌ مِنْ مَاءٍ، فَقَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - :يَا أَبَا قَتَادَةَ احْفَظْ مِيضَاتَكَ هَذِهِ، فَإِنَّهُ سَيَكُونُ لَهَا نَبَأٌ، ثُمَّ نُودِيَ بِالصَّلاةِ فَصَلَّى النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - رَكْعَتَيْنِ قَبْلَ الْفَجْرِ، ثُمَّ صَلَّى الْفَجْرَ كَمَا كَانَ يُصَلِّي كُلَّ يَوْمٍ، ثُمَّ قَالَ: ارْكَبُوا، فَرَكِبْنَا فَجَعَلَ بَعْضُنَا يَهْمِسُ إِلَى بَعْضٍ، فَقَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - :مَا هَذَا الَّذِي
__________
(1) - صحيح البخارى- المكنز - (3704 )(1/15)
تَهْمِسُونَ دُونِي؟ قَالَ: قُلْنَا: يَا رَسُولَ اللَّهِ تَفْرِيطَنَا فِي صَلاتَنَا، فَقَالَ: مَا لَكُمْ فِيَّ أُسْوَةٌ إِنَّهُ لَيْسَ فِي النَّوْمِ تَفْرِيطٌ، وَلَكِنَّ التَّفْرِيطَ عَلَى مَنْ لا يُصَلِّي الصَّلاةَ حَتَّى يَجِيءَ وَقْتُ صَلاةٍ أُخْرَى، فَمَنْ فَعَلَ ذَلِكَ فَلْيُصَلِّ حِينَ يَنْتَبِهُ لَهَا، فَإِذَا كَانَ الْغَدُ فَلْيُصَلِّهَا عِنْدَ وَقْتِهَا، ثُمَّ قَالَ: مَا تَرَوْنَ النَّاسَ صَنَعُوا، ثُمَّ قَالَ: أَصْبَحَ النَّاسُ فَقَدُوا نَبِيَّهُمْ.قَالَ: فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ، وَعُمَرُ: رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - بَعْدَكُمْ لَمْ يَكُنْ لِيُخَلِّفَكُمْ، وَقَالَ النَّاسُ: نَبِيُّ اللَّهِ بَيْنَ أَيْدِيكُمْ، قَالَ: إِنْ يُطِيعُوا أَبَا بَكْرٍ، وَعُمَرَ يَرْشُدُوا، قَالَ: فَانْتَهَيْنَا إِلَى النَّاسِ حِينَ حَمِيَ كُلُّ شَيْءٍ، أَوْ قَالَ: حِينَ تَعَالَى النَّهَارُ، وَهُمْ يَقُولُونَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ هَلَكْنَا عَطَشًا، فَقَالَ: لا هُلْكَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ، فَنَزَلَ، فَقَالَ: أَطْلِقُوا لِي غِمْرِي يَعْنِي الْغِمْرَ: الْقَعْبَ الصَّغِيرَ، وَدَعَا بِالْمِيضَاةِ فَجَعَلَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - يَصُبُّ وَأَسْقِيهِمْ، فَلَمَّا رَأَى النَّاسُ مَا فِيهَا تَكَابُّوا، فَقَالَ: أَحْسَنُوا الْمَلأَ وَكُلُّكُمْ سَيَرْوَى، قَالَ: فَجَعَلَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - يَصُبُّ وَأَسْقِيهِمْ حَتَّى مَا بَقِيَ غَيْرِي وَغَيْرُهُ، قَالَ: فَصَبَّ وَقَالَ: اشْرَبْ، قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ لا أَشْرَبُ حَتَّى تَشْرَبَ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - :إِنَّ سَاقِي الْقَوْمِ آخِرُهُمْ، قَالَ: فَشَرِبْتُ وَشَرِبَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - ،قَالَ: فَأَتَى النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - الْمَاءَ، فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَبَاحٍ: إِنِّي لَفِي مَسْجِدِكُمْ هَذَا الْجَامِعِ أُحَدِّثُ هَذَا الْحَدِيثَ، إِذْ قَالَ لِي عِمْرَانُ بْنُ حُصَيْنٍ: انْظُرْ أَيُّهَا الْفَتَى كَيْفَ تُحَدِّثُ فَإِنِّي أَحَدُ الرُّكَبِ تِلْكَ اللَّيْلَةَ، قَالَ: قُلْتُ: أَبَا نُجَيْدٍ فَأَنْتُمْ أَعْلَمُ، قَالَ: مِمَّنْ أَنْتَ؟ قُلْتُ: مِنَ الأَنْصَارِ، قَالَ: فَأَنْتُمْ أَعْلَمُ بِحَدِيثِكُمْ حَدِّثِ الْقَوْمَ، قَالَ: فَحَدَّثْتُ الْقَوْمَ، فَقَالَ عِمْرَانُ: شَهِدْنَا تِلْكَ اللَّيْلَةَ وَمَا شَعَرْتُ أَنَّ أَحَدًا حِفْظَهُ كَمَا حَفِظْتُهُ، فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ التَّرْغِيبَ لِلْمُسَافِرِ يَعْدِلُ عَنِ الطَّرِيقِ إِذَا أَرَادَ أَنْ يَحُطَّ رَحْلَهُ أَوْ يَنَامَ، وَكَرَاهِيَةُ التَّعْرِيسِ عَلَى الطَّرِيقِ، وَأَنَّ سَاقِي الْقَوْمِ آخِرُهُمْ شُرْبًا." (1)
وعَنْ أَبِي قَتَادَةَ،قَالَ:خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فِي جَيْشٍ فَلَمَّا كَانَ فِي بَعْضِ الطَّرِيقِ تَخَلَّفَ لِبَعْضِ حَاجَتِهِ،وَتَخَلَّفْتُ عَنْهُ بِمِيضَأَةٍ وَهِيَ الْإِدَاوَةُ.قَالَ أَبُو قَتَادَةَ:فَقَضَى حَاجَتَهُ،ثُمَّ جَاءَنِي فَسَكَبْتُ عَلَيْهِ مِنَ الْمِيضَأَةِ فَتَوَضَّأَ،وَقَالَ لِي:احْفَظْهَا فَلَعَلَّهُ أَنْ يَكُونَ لِبَقِيَّتِهَا شَأْنٌ وَسَارَ الْجَيْشُ فَقَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - :"إِنْ يُطِيعُوا أَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ يَرْفُقُوا بِأَنْفُسِهِمْ،وَإِنْ يَعْصُوهُمَا يَشُقُّوا
__________
(1) - مسند أبي عوانة (1667و1668 ) صحيح(1/16)
عَلَى أَنْفُسِهِمْ "،قَالَ:وَكَانَ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ أَشَارَا عَلَيْهِمْ أَنْ لَا يَنْزِلُوا حَتَّى لَا يَبْلُغُوا الْمَاءَ،وَقَالَ بَقِيَّةُ النَّاسِ:بَلْ نَنْزِلُ حَتَّى يَأْتِيَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فَنَزَلُوا فَجِئْنَاهُمْ فِي نَحْرِ الظَّهِيرَةِ،وَقَدْ هَلَكُوا مِنَ الْعَطَشِ فَدَعَانِي بِالْمِيضَأَةِ فَأَتَيْتُهُ بِهَا،فَاصْطَبَّها ثُمَّ جَعَلَ يَصُبُّ لَهُمْ،فَتَوَضَّأَ لَهُمْ فَشَرِبُوا حَتَّى رَوَوْا،وَتَوَضَّئُوا وَمَلَئُوا كُلَّ إِنَاءٍ مَعَهُمْ،حَتَّى جَعَلَ يَقُولُ:"هَلْ مِنْ مَائِي ؟ ."قَالَ:فَخُيِّلَ إِلَيَّ أَنَّهَا كَمَا أَخَذَهَا وَكَانُوا اثْنَيْنِ وَسَبْعِينَ رَجُلًا " (1)
التخلف:التأخر والغياب - الميضأة:مِطْهَرَةٌ كَبيرة يُتَوَضَّأ منها. والإناء الذي يُتوضأ منه كالإبريق وغيره، وهي اسم لمكان الوضوء - الرفق:اللطف - يشق:يصعِّب- نحر الظهيرة:المراد وقت اشتداد الحر وبلوغ الشمس منتهاها في الارتفاع
وعن خَالِدَ بْنِ مَعْدَانَ،قَالَ:حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَمْرٍو السُّلَمِيُّ،وَحُجْرُ بْنُ حُجْرٍ،قَالاَ:أَتَيْنَا الْعِرْبَاضَ بْنَ سَارِيَةَ وَهُوَ مِمَّنْ نَزَلَ فِيهِ { وَلاَ عَلَى الَّذِينَ إِذَا مَا أَتَوْكَ لِتَحْمِلَهُمْ قُلْتَ لاَ أَجِدُ مَا أَحْمِلُكُمْ عَلَيْهِ تَوَلَّواْ وَّأَعْيُنُهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ حَزَنًا أَلاَّ يَجِدُواْ مَا يُنفِقُونَ} (92) سورة التوبة، فَسَلَّمْنَا،وَقُلْنَا:أَتَيْنَاكَ زَائِرِينَ وَعَائِدِينَ وَمُقْتَبِسِينَ.فَقَالَ عِرْبَاضٌ:صَلَّى بِنَا رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - الصُّبْحَ ذَاتَ يَوْمٍ،ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَيْنَا،فَوَعَظَنَا مَوْعِظَةً بَلِيغَةً ذَرَفَتْ مِنْهَا الْعُيُونُ،وَوَجِلَتْ مِنْهَا الْقُلُوبُ،فَقَالَ قَائِلٌ:يَا رَسُولَ اللهِ،كَأَنَّ هَذِهِ مَوْعِظَةُ مُوَدِّعٍ،فَمَاذَا تَعْهَدُ إِلَيْنَا ؟ فَقَالَ:أُوصِيكُمْ بِتَقْوَى اللهِ،وَالسَّمْعِ وَالطَّاعَةِ،وَإِنْ كَانَ عَبْدًا حَبَشِيًّا،فَإِنَّهُ مَنْ يَعِشْ مِنْكُمْ بَعْدِي فَسَيَرَى اخْتِلاَفًا كَثِيرًا،فَعَلَيْكُمْ بِسُنَّتِي وَسُنَّةِ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ الْمَهْدِيِّينَ،تَمَسَّكُوا بِهَا،وَعَضُّوا عَلَيْهَا بِالنَّوَاجِذِ،وَإِيَّاكُمْ وَمُحْدَثَاتِ الأُمُورِ،فَإِنَّ كُلَّ مُحْدَثَةٍ بِدْعَةٌ،وَكُلَّ بِدْعَةٍ ضَلاَلَةٌ. (2)
مقتبسين:الاقتباس في الأصل:أخْذُ القبَس من النار،وأراد به: الأخذ من العلم والأدب.
ذرفت:العينُ تذرفُ:إذا دَمعت .
وجلت:وَجل القلبُ يَوْجَلُ:إذا خاف وفَزع،والوجل: الفزع.
تعهد:عهد إليه بكذا يعهد:إذا أوصى إليه.
__________
(1) - دَلَائِلُ النُّبُوَّةِ لِلْبَيْهَقِيِّ(1629 ) صحيح
(2) - مسند أحمد (عالم الكتب) - (5 / 842)(17145) 17275- صحيح(1/17)
الراشدين: الراشد: اسم فاعل من رشد يَرشَدُ،ورَشَدَ يرْشُدْ رشدًا،وهو خلاف الغي،وأرشدته أنا: إذا أوصى إليه .
المهديين:المهدي: الذي قد هداه الله إلى الحق،هداه يهديه فهو مهدي،والله هاديه.
وإن عَبْدًا حبشيّاً:أي:أطع صاحب الأمر،واسمع له،وإن كان عبدًا حبشيّاً،فحذف «كان."وهي مرادة.
وَعَضُّوا عليها بالنواجذ: النَّواجِذُ:الأضراس التي بعد الناب،جمع ناجذ،وهذا مثلٌ في شدة الاستمساك بالأمر؛ لأنَّ العَضَّ بالنّواجذ عَضُّ بمعظم الأسنان التي قبلها والتي بعدها.
الهدي: بفتح الهاء،وسكون الدال: الطريقةُ والسيرةُ.
محدثات الأمور: ما لم يكن معروفًا في كتاب،ولا سنة،ولا إجماع.
بدعة:الابتداع: إذا كان من الله وحده فهو إخراجُ الشيء من العدم إلى الوجود،وهو تكوين الأشياء بعد أن لم تكن،وليس ذلك إلا إلى الله تعالى،فأمَّا الابتداع من المخلوقين،فإن كان في خلاف ما أمر الله به ورسوله،فهو في حَيِّز الذمِّ والإنكار،وإن كان واقعًا تحت عموم ما ندب الله إليه،وحضَّ عليه أو رسوله،فهو في حيِّز المدح،وإن لم يكن مثاله موجودًا،كنوعٍ من الجود والسخاء،وفعل المعروف،فهذا فعل من الأعمال المحمودة لم يكن الفاعل قد سُبق إليه؛ ولا يجوز أن يكون ذلك في خلاف ما وَرَدَ الشرع به؛ لأن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ،قد جعل له في ذلك ثوابًا فقال: «مَنْ سَنَّ سُنَّةً حسَنَة،كان له أجرُها وأجرُ من عمل بها» وقال في ضده:«من سَنَّ سُنَّةً سيئة،كان عليه وِزرُها ووزرُ من عمل بها» .
وذلك إذا كان في خلاف ما أمر الله به ورسوله،ويعضد ذلك قول عمر بن الخطاب - رضي الله عنه- في صلاة التراويح: «نِعْمتِ البدعة هذه."لما كانت من أفعال الخير،وداخلةً في حيِّز المدح،سمَّاها بدعة ومدحها،وهي وإن كان النبيٍّ - صلى الله عليه وسلم - قد صلاها - إلا أنه(1/18)
تركها،ولم يحافظ عليها،ولا جمع الناس عليها،فمحافظة عمر عليها،وجمعه الناس لها،وندبُهُم إليها بدعة،لكنها بدعةٌ محمودة ممدوحة . (1)
- - - - - - - - - - - -
__________
(1) - جامع الأصول في أحاديث الرسول - (1 / 279)(1/19)
الباب الثاني
فضائل أبي بكر الصديق رضي الله عنه
المبحث الأول
الخلاصة في حياة الصديق
أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ،السَّابِقُ إِلَى التَّصْدِيقِ،الْمُلَقَّبُ بِالْعَتِيقِ،الْمُؤَيَّدُ مِنَ اللَّهِ بِالتَّوْفِيقِ،صَاحِبُ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - فِي الْحَضَرِ وَالْأَسْفَارِ،وَرَفِيقُهُ الشَّفِيقُ فِي جَمِيعِ الْأَطْوَارِ،وَضَجِيعُهُ بَعْدَ الْمَوْتِ فِي الرَّوْضَةِ الْمَحْفُوفَةِ بِالْأَنْوَارِ،الْمَخْصُوصُ فِي الذِّكْرِ الْحَكِيمِ بِمَفْخَرٍ فَاقَ بِهِ كَافَّةَ الْأَخْيَارِ،وَعَامَّةَ الْأَبْرَارِ،وَبَقِيَ لَهُ شَرَفُهُ عَلَى كُرُورِ الْأَعْصَارِ،وَلَمْ يَسْمُ إِلَى ذُرْوَتِهِ هِمَمُ أُولِي الْأَيْدِ وَالْأَبْصَارِ،حَيْثُ يَقُولُ عَالِمُ الْأَسْرَارِ:ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْآيَاتِ وَالْآثَارِ،وَمَشْهُورِ النُّصُوصِ الْوَارِدَةِ فِيهِ وَالْأَخْبَارِ الَّتِي غَدَتْ كَالشَّمْسِ فِي الِانْتِشَارِ،وَفَضَلَ كُلَّ مَنْ فَاضَلَ،وَفَاقَ كُلَّ مَنْ جَادَلَ وَنَاضَلَ،وَنَزَلَ فِيهِ:لَا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ.تَوَحَّدَ الصِّدِّيقُ فِي الْأَحْوَالِ بِالتَّحْقِيقِ،وَاخْتَارَ الِاخْتِيَارَ مِنَ اللَّهِ حِينَ دَعَاهُ إِلَى الطَّرِيقِ،فَتَجَرَّدَ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَعْرَاضِ،وَانْتَصَبَ فِي قِيَامِ التَّوْحِيدِ لِلتَّهَدُّفِ وَالْأَغْرَاضِ،صَارَ لِلْمِحَنِ هَدَفًا،وَلِلْبَلَاءِ غَرَضًا،وَزَهَدَ فِيمَا عَزَّ لَهُ جَوْهَرًا كَانَ أَوْ عَرَضًا،تَفَرَّدَ بِالْحَقِّ عَنِ الِالْتِفَاتِ إِلَى الْخَلْقِ "حِلْيَةُ الْأَوْلِيَاءِ
من رحمة الله وتثبيته لأعظم عظماء البشرية:الأنبياء - وقد علم ما سيلاقونه من الشدائد والمصاعب - أنه جعل إلى جوارهم أصحابا مخلصين يناصرونهم ويؤيدون مسعاهم،وأعظم هؤلاء الأصحاب هو أولهم إيمانا،وأقدمهم اتباعا للرسول،وقد كان هذا الرجل فى دعوة خاتم الأنبياء هو أبو بكر الصديق الذى عرف محمدا - صلى الله عليه وسلم - فى مكة المكرمة قبل البعثة بصدقه وأمانته،وشاهد سمو أخلاقه عن قرب،فكان أسرع الناس إيمانا بدعوته،وأعمقهم يقينا بصدق نبوته،وتحمل فى سبيل ذلك الكثير من أذى المشركين فى مكة،واستمر دوره(1/20)
فى المدينة المنورة منذ صحب الرسول - صلى الله عليه وسلم - فى رحلة الهجرة،التى تعد بالنسبة إلى أبي بكر واحدا من أعظم مواقف الرجال فى التاريخ.
وبوفاة الرسول - صلى الله عليه وسلم - لم تنته المواقف الخالدة فى حياة أبي بكر،بل بدأت صفحة جديدة منها،أثبت خلالها الصدّيق ارتباطه بالمبدأ أكثر من ارتباطه بشخص،ولو كان محمدا - صلى الله عليه وسلم - ..
وكان أول هذه المواقف ثباته وصبره على فراق حبيبه العظيم - صلى الله عليه وسلم - الذى ما أحبه أحد من الناس مثل حبه له،وما عايش أحد منهم مواقف الدعوة معه مثلما عايش أبو بكر،حتى كان ثباته عند وفاة النبى ثباتا للأمة كلها،وعَوْدا بها إلى رشدها.
ومن هذه المواقف أيضا:إصرار الصديق - بعد أن تولى الخلافة - على قتال المرتدين ومانعى الزكاة،وإنفاذه بعث أسامة بن زيد إلى الشام بالرغم من حاجة المدينة إلى كل جندى.
وقد حمل أبو بكر أمانة الخلافة بعد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فكان خير خلف لأعظم سلف،صان الأمانة وحفظها،وعدل فى الرعية،وجهز الجيوش الفاتحة ووجهها إلى العراق والشام..
وبعد سنتين وبضعة أشهر مكثها فى الخلافة حضرت الوفاة شيخ قريش العظيم وخيرَ الأمة بعد رسولها،فلم يشغله مرض الموت عن مصلحة المسلمين فأوصى بالخلافة من بعده إلى الفاروق عمر،فكان أبو بكر من أصدق الناس فراسة ومعرفة بالرجال. ومات الصديق فى جمادى الآخرة من سنة ثلاث عشرة للهجرة ليلحق بصاحبِه رسولِ الله - صلى الله عليه وسلم - ويرافقه فى القبر كما صحبه ورافقه فى الدنيا.
(عبد الله بن عثمان بن عامر) هذا هو الاسم الحقيقى الذى عرف به أبو بكر قبل الإسلام وبعده،وهو رجل شريف فى قومه،يرتفع نسبه فى قريش حتى يلتقى مع الرسول ـ - صلى الله عليه وسلم - ـ فى (مُرَّة)،وينتمى إلى بطن من بطون قريش الشريفة،وهم بنو تَيْم،الذين امتازوا منذ الجاهلية بالمواساة والمشاركة فى الخير والمعاونة عليه،وكان أبو بكر نفسه يدفع الدَّيْنَ والدِّيَاتِ عن العاجزين من قومه.(1/21)
وقد اجتمع لأبي بكر من تجارته مال كثير،وحقق له الثراءُ والغنَى واستقامة الخلق بروز شخصيته وسط المجتمع الجاهلى فى مكة،وجاءه الثراء الذى سيسخره فيما بعد لخدمة دينه ونبيه جاءه من عمله فى بيع الأقمشة الحريرية وغيرها. ولم تمنع الصديق تجارته من أن يكون حسن الخلق،بل هو الذى زين تجارته بحسن الأخلاق.
وأقام الصديق بحكم صنعته - فى حى التجار الذى انتقل إليه محمد - صلى الله عليه وسلم - بعد زواجه من السيدة خديجة بنت خويلد. ولتشابههما فى كثير من الصفات الخلقية نشأت بين الرجلين صداقة وُرفقة امتدت حتى جاء الإسلام فزادها عمقا ورسوخا،وجعلها أُخوّة صادقة فى الله تعالى .
وقد سلك أبو بكر الطريق السوية فى علاقة الرجل بالمرأة حتى قبل إسلامه،ولم تغلب الجاهلية عفته وطهارة صفحته،فتزوج امرأتين فى الجاهلية وأخريين فى الإسلام.
بالرغم من أن نفس أبي بكر الصديق كانت ممتلئة بالخير حتى فى الجاهلية،إلا أن صداقته للرسول العظيم قبل البعثة وبعدها نمّت هذا الخير فى نفسه؛ لأنه وجد فيه المعلم الذى يعمل بما يقول،والمثال الحسن للأخلاق الحميدة،بينما أهل مكة منشغلون إما بمصالحهم الشخصية أو بتحصيل ملذاتهم،ولذلك ساعدت هذه الصداقة والمعرفة القديمة وإن لم تكن عميقة جدا فى تبكير أبي بكر بالدخول فى الإسلام،ذلك لأنه اقترب من النبى - صلى الله عليه وسلم - قبل البعثة،وعلم طباعه جيدا،وشاهد أفعاله،وقنعت نفسه بها. ومع رجاحة عقل الصدّيق نشأت الصداقة بين محمد وأبي بكر قبل البعثة،لتقاربهما فى السن،فأبو بكر يصغر الرسول بعامين وستة أشهر،ولأصلهما الرفيع،فالرسول ينتمى إلى بنى هاشم،وأبو بكر ينتمى إلى تيم،وبنو هاشم وتيم من أشراف قريش،وإن كان السبق فى ذلك لبنى هاشم على قريش كلها .
وكذلك لاتفاقهما فى الصفات الحسنة،فكلاهما يُعرف بالاتزان،والميل إلى الهدوء،وعدم مشاركة أهل مكة فى لهوهم وعبثهم وشربهم للخمر وعبادتهم للأصنام.
ومن الصفات التى عرفت عن أبي بكر أيضا السماحة،وسرعة التأثر بحال الفقراء والبائسين،والإشفاق على الفقير. كما كان مألوفا فى قومه،محببا إليهم،لحرصه على قضاء حوائجهم،ومعرفته بأنسابهم،إذ هو أعلم قريش بأنساب العرب وأحسابهم.(1/22)
ومع ما كان يُعرف به أبو بكر من تواضع وحسن خُلق،فإنه كان جادا لا يعرف المزاح،حادّا فى الوقوف بجانب الصواب الذى يظهر له،وسيبدو أثر هذا الخلق جليا فيما بعد فى مواقف عديدة لأبي بكر،كحروب الردة وإنفاذ بعث أسامة بن زيد،بالرغم من مخالفة الجميع له.فقد كان رصيد صداقته ومعرفته القديمة بالرسول - صلى الله عليه وسلم - كافيا لأن يبكر بالإيمان بالله ورسوله.
المرأة ضلعٌ من أضلاع الحياة التى لا قيام للحياة البشرية بدونها،وإن كانت الجاهلية قد احتقرتْها،وقللت من شأنها ـ فإنها لم تستطع الاستغناء عن المرأة،وحمّلتها العبء الباطن من مسئوليات الحياة.. ولا يمنع هذا من وجود رجال فى الجاهلية العربية احترموا بشرية المرأة وقدروا آدميتها،فلما أتى الإسلام كانوا أكثر استعدادا من غيرهم للاستجابة لدعوته،وأبو بكر أحد هؤلاء الرجال.
تزوج أبو بكر أربع مرات:الأولى فى صدر شبابه،حين تزوج قُتيلة بنت عبد العزى،وولدت له عبد الله وأسماء،ثم تزوج بعدها أم رومان ابنة عامر بن عويمر فأنجب منها عبد الرحمن وعائشة،أما زوجته الثالثة فتزوجها بعد إسلامه،وهى أسماء بنت عميس التى استشهد زوجها جعفر بن أبي طالب فى مؤتة. وقد أوصى أبو بكر وهو فى مرض الموت بأن تغسله أسماء هذه الزوجة البارة. وأما الرابعة من زوجات أبي بكر فهى حبيبة بنت خارجة بن زيد الأنصاري،وقد توفى الصديق وفى بطنها حمل له،فولدت بعد موته أمَّ كلثوم بنت أبي بكر.
"الصِّدِّيقِيَّةُ."مقامٌ عالٍ يلي مقام النبوة،يعلن فيه صاحبُه إيمانَه بالغيب كأنه يراه،ويعلن ثقته فى دينه وحكمة تشريعه،حتى يصبحَ الإسلامُ بالنسبة لحياته الماءَ والهواءَ.. لا يبالي هذا الصدّيق بالشدائد والأذى والضوائق،بل يبدو أمامها كالهازئ بها وبمن يدبرها ويكيد بها للدين.
لقد ظهرت كل هذه المعانى بجلاء ووضوح فى الثلاث عشرة سنة التى قضاها أبو بكر الصديق فى مكة قبل الهجرة،حتى أخذ لقبه ورتبته العالية (الصديق) من موقفه إزاء أحد أحداث هذه الفترة،وهو حادث الإسراء والمعراج..(1/23)
وقبل ذلك وبعده،بقي أبو بكر فى مكة عمادا قويا من عُمُد الإسلام،يشارك الرسول فى دعوة الناس إلى الله،ويتحمل أذى قريش،ويجهد نفسه لدفع الأذى عن الرسول ـ - صلى الله عليه وسلم - ـ ويفتدى بماله الرقيقَ من المسلمين،ويقف فى وجه محاولات المشركين للتشكيك فى صدق النبي ـ - صلى الله عليه وسلم - .
وبلغت أعمال أبي بكر فى مكة قمتها بالهجرة منها إلى المدينة فى صحبة رسول الله ـ - صلى الله عليه وسلم - ـ ليكون على موعد للعودة إليها فى صفوف الفاتحين عام الثامن من الهجرة.
ـ يا أبا القاسم،فُقدتَ من مجالس قومك،واتهموك بالعيب لآبائها وأمهاتها..؟
ـ إنى رسول الله أدعوك إلى الإسلام.
هكذا جاء المشهد سريعا،وإن ترك أثرا عميقا:ليس فى حياة أبي بكر وحده،ولكن فى حياة العديد من شباب مكة الذين سيكونون أول الداخلين فى الإسلام على يديه،بل فى حياة الدنيا كلها؛ إذ ستسجل هذه الكوكبة من الرجال أعظم المواقف فى خدمة الإسلام وافتدائه والدعوة إليه. راح أبو بكر يستمع إلى صوت صاحبه القديم محمد فى إنصات واهتمام،والكلمات تتحدر من بين شفتى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كحبات اللؤلؤ التى يضيء لها قلب الصدّيق،فتمتلئ نفسه بالرضا،وفؤاده بالطمأنينة.. ولم يلبث أبو بكر حين تعلم كيف يصير مسلما أن شهد بالوحدانية لله تعالى،وبالرسالة لمحمد - صلى الله عليه وسلم - فقال فيه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - :"ما دعوت أحدا إلى الإسلام إلا كانت له عنه كبوة أى تحيّر وتردد،ونظر،إلا أبا بكر..".
ومن يومها راح أبو بكر يقتدى برسول الله - صلى الله عليه وسلم - فى دعوة من تربطه به صلة ويحس أن فيه خيرا إلى الانضمام إلى الكتيبة المؤمنة بالله رب العالمين.
ـ يا أبا القاسم،فُقدتَ من مجالس قومك،واتهموك بالعيب لآبائها وأمهاتها..؟
ـ إنى رسول الله أدعوك إلى الإسلام.
هكذا جاء المشهد سريعا،وإن ترك أثرا عميقا:ليس فى حياة أبي بكر وحده،ولكن فى حياة العديد من شباب مكة الذين سيكونون أول الداخلين فى الإسلام على يديه،بل فى حياة الدنيا كلها؛ إذ ستسجل هذه الكوكبة من الرجال أعظم المواقف فى خدمة الإسلام(1/24)
وافتدائه والدعوة إليه. راح أبو بكر يستمع إلى صوت صاحبه القديم محمد فى إنصات واهتمام،والكلمات تتحدر من بين شفتى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كحبات اللؤلؤ التى يضيء لها قلب الصدّيق،فتمتلئ نفسه بالرضا،وفؤاده بالطمأنينة.. ولم يلبث أبو بكر حين تعلم كيف يصير مسلما أن شهد بالوحدانية لله تعالى،وبالرسالة لمحمد - صلى الله عليه وسلم - فقال فيه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - :"ما دعوت أحدا إلى الإسلام إلا كانت له عنه كبوة أى تحيّر وتردد،ونظر،إلا أبا بكر..".
ومن يومها راح أبو بكر يقتدى برسول الله - صلى الله عليه وسلم - فى دعوة من تربطه به صلة ويحس أن فيه خيرا إلى الانضمام إلى الكتيبة المؤمنة بالله رب العالمين.
لقد أخلص أبو بكر فى إيمانه،فلم يكتف بأن يعْلم من الخير ما علم،وإنما قرر أن يجعله على الفور عملا ينفع به نفسه وينتفع به الناس،لذلك تحرك بالدعوة بين رجال قريش،برغم ما كان يعرفه من خطورة الأمر على نفسه وتجارته،إلا أن نور الهداية فى نفسه كان أكبر،لذلك أخذ ينتقى عقلاء قريش،ويعرض عليهم الإسلام،معتمدا على ما كان بينه وبينهم من صداقة ومودة،حتى أسلم على يديه:الزبير بن العوام،وعثمان بن عفان،وعبد الرحمن بن عوف،وطلحة بن عبيد الله،وأبو عبيدة بن الجراح،وهم من العشرة المبشرين بالجنة،الذين كانوا أكثر الناس خدمة للدين وتضحية فى سبيله.
ولم يكن أبو بكر فى دعوة هؤلاء إلا كمن ينتقى الذهب من كومة كبيرة من القش،فما أكثر الناس،ولكن من منهم على استعداد للإصغاء إلى صوت الحق والإيمان به.. بحث أبو بكر عن هؤلاء،فوجدهم الأقوم سلوكا،والأطيب نفوسا من الرجال،فغاص عليهم وسط المجتمع،وخاطب فيهم الفطرة والعقل،وانتشلهم بإذن الله من الشرك والكفر،فآمنوا بالله رب العالمين.
خافت قريش التعرض للأحرار من صحابة الرسول - صلى الله عليه وسلم - إذ كانت تخشى من غضب أهلهم،أما العبيد والمستضعفون فقد كان العذاب يُصَبُّ عليهم صبا؛ إذ لم يكن هناك من يحميهم أو يدفع عنهم الأذى .. هكذا فعلوا مع بلال بن رباح وخباب بن الأرت وزنيرة وأسرة عمار بن ياسر وغيرهم..(1/25)
فبلال مثلا - بدأوا فحبسوه فى مكان مغلق،وحرموه من الطعام والشراب،ظانين أنه قد يتراجع تحت الضغط عن دينه،ولكنهم وجدوه أكثر صلابة وتمسكا بالحق،فأخذه"أمية بن وهب"إلى الصحراء،وقد اشتدت حرارة الشمس وازداد لهيب الرمال،فألقاه،وجعل على صدره صخرة كبيرة،وهدده بالموت إن لم يتخل عن دينه،وبلال لا يقول سوى:"أحدٌ .. أحدٌ ".. ويمر به أبو بكر فيرى هذا المشهد القاسي،فيخاطب أمية:
-ألا تتقي الله فى هذا المسكين؟ إلى متى؟
فأجابه أُمَيّة بحسبة دنيوية خاطئة:أنت أفسدته فأنقذه مما ترى!
فاشترى أبو بكر بلالا،وأعتقه فى سبيل الله..
وانعدم الحياء والخجل من نفوس المشركين،فأخذت أياديهم فى تعذيب الإماء ـ إناث العبيد ـ وكانت تقاليدهم فى الجاهلية تمنعهم من هذا،إلا أن الغيظ أعماهم،وقد بلغ التعذيب بإحداهن أن فقدت بصرها،فلما سمع أبو بكر بهذا ذهب فاشتراها وأعتقها لوجه الله.
لكن أبا قحافة والد الصدّيق لم يعجبه أن يشترى ابنه عبيدا ضعفاء لا يقدرون على خدمته،ثم يعودَ فيعتقهم،فنصحه بشراء عبيد أقوياء يصلحون لخدمته ويتقى بهم أذى المشركين.
وهنا يبين أبو بكر لأبيه ذلك المعنى العميق الذى غاب عنه:"يا أبت إنى إنما أريد ما أريد لله - عز وجل "!!
هذا أبو بكر يرى نفسه فردا من الناس،ويرى رسول الله ـ - صلى الله عليه وسلم - ـ أمة كاملة،بما يحمل من الرسالة،ويتلقى من الوحي،وبما جمعه الله فيه من محاسن الأخلاق،وجعله قدوة للناس فى عقائدهم وشعائرهم وأخلاقهم.. لهذا كله كان الصدّيق يضع نفسه موضع المدافع عن الرسول ـ - صلى الله عليه وسلم - ـ ولا يستكثر أن تذهب هذه النفس فداء للإسلام ورسوله.
لقد كان يتعجب من قسوة قلوب المشركين،وفوق ذلك يتعجب من تعرضهم للنبى الذى يحمل لهم الخير والهداية بالإيذاء،فمر يوما بالمسجد الحرام فوجد شيخا من شيوخ الكفر قد(1/26)
أمسك بملابس رسول الله ـ - صلى الله عليه وسلم - ـ حتى كاد يخنقه،فجذب أبو بكر الكافرَ من كتفه بقوة،وصرخ فى وجوه أهل الشرك مستنكرا ضلالتهم:(أَتَقْتُلُونَ رَجُلاً أَنْ يَقُولَ رَبِّيَ اللَّهُ)؟!
جاء العامُ العاشر من البعثة شديدًا على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حتى أطلق عليه "عام الحزن"؛ إذ مات فيه نصيراه الكبيران:زوجته خديجة وعمه أبو طالب،وفقد بموتهما ركنين قويين كانا يردان عنه أذى السفهاء ويخففان عنه ثقل ما يجد من تعنت المشركين.. وفى هذا العام نفسه ذهب النبى - صلى الله عليه وسلم - إلى الطائف بحثا عن قلوب تتقبل الإيمان،لكنهم كانوا أقسى عليه من قريش،إذ رفضوا الاستجابة لدعوته،وآذوه فى نفسه وجسده الشريف..
أراد الله - تعالى - فى هذا الجو الصعب أن يخفف عن رسوله - صلى الله عليه وسلم - فأسرى به من المسجد الحرام فى مكة المكرمة إلى المسجد الأقصى فى فلسطين،ثم عرج به إلى السموات حتى سدرة المنتهى،وعاد إلى مكة فى ليلة واحدة.
ورحلة الإسراء - وهى المرحلة التى قطعها الرسول العظيم فوق سطح الأرض - كانت قريش تقطعها فى شهرين،شهر للذهاب وآخر للعودة،ولذلك وجدتها فرصة لتكذيب الرسول - صلى الله عليه وسلم - والتشكيك فى نبوته،وارتد بعض ضعاف الإيمان من المسلمين،وأما أبو بكر فقد قدم لهم سببا مقنعا يصدق على أساسه كل ما يقوله الرسول،وهو أنه يصدقه فى الوحى الذى يأتيه من السماء فى لحظات قليلة. ثم ذهب بنفسه إلى الرسول العظيم،وسأله عن الخبر،فلما سمعه منه أعلن تصديقه له على رءوس الأشهاد.
"والله لئن كان قاله فقد صدق".. هذه هى علامة الصدّيق الذى يثق فى أن كل ما يقوله دينه حق،وكل ما ينطق به نبيه صدق،ولو كان أوسعَ دائرة من طاقة العقل.. أتاه المشركون وكأنهم وجدوا فرصة ليثبتوا لأبي بكر كذب صاحبه الذى يظن أنه نبي،وتأكدوا من قدرتهم هذه المرة على صرف أحد أكبر أنصار محمد عنه،خاصة أن ما يحكيه محمد قد صرف عنه بعض من آمن به..
أتى المشركون إلى أبي بكر لعلمهم بمنزلته من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ومكانته من الإسلام،الذى كان قد مضى عليه فى مكة حينئذ عشر سنوات،فقالوا لأبي بكر:"إن(1/27)
صاحبك يزعم أنه قد ذهب إلى بيت المقدس وعاد إلى مكة فى ليلة واحدة"!! وخاف أن يكونوا يكذبون عليه،فقالوا له:لقد قال ذلك وهو فى المسجد يخبر الناس.
وبيقين المؤمن وفطنته يجيبهم أبو بكر:والله لئن كان قاله فقد صدق!
وما من كلمة خيبت سعى المشركين إلى تشكيك أبي بكر فى صدق نبيه مثل هذه الكلمة،فقد أفقدتهم الأمل فى أن يحاولوا مرة أخرى المساس بإيمان هذا الرجل الشامخ،الذى زادهم يأسا فقال:"ما يعجبكم من ذلك؟! فوالله إنه ليخبرني أن الخبر (أي:الوحي) يأتيه من السماء إلى الأرض فى ساعة ـ أى زمن قصير ـ من ليل أو نهار،فأصدِّقه،فهذا أبعد مما تعجبون منه..!!"
ويسرع أبو بكر إلى رسول الله ـ - صلى الله عليه وسلم - ـ ليسمع منه الخبر،ويتأكد من صدق كلام المشركين،فيجد النبى ـ - صلى الله عليه وسلم - ـ فى المسجد الحرام عند كعبة أبويه إبراهيم وإسماعيل يقص على الناس قصة الإسراء،ويروى لهم رحلة المساء التى قطع فيها الصحراء الطويلة بين المسجد الحرام والمسجد الأقصى،ورسول الله لا يبالى بتكذيب المشركين واستنكارهم،بل يسوق لهم الحجج القاطعة والأدلة الواضحة على صدقه. وبفطنته يسأل أبو بكر رسول الله أن يصف المسجد الأقصى الذى شاهده فى رحلته،ليكون ذلك أدل على صدقه أمام الناس. ويُرفَعُ المسجد أمام عينى النبى العظيم،فيصف بناءه وهيئته ومنظره،وكلما سمع أبو بكر شيئا قال للنبى الحبيب:صدقت،أشهد إنك لرسول الله"،فحلاَّه النبى - صلى الله عليه وسلم - بالوسام العظيم فقال:"وأنت يا أبا بكر الصديقُ".
بَدَا إيذاءُ المسلمين مسلسلا مُمِلاًّ يتولى الكفار تنفيذه،فأذن رسول الله ـ - صلى الله عليه وسلم - ـ لأتْباعه بالهجرة إلى الحبشة.. وأعد أبو بكر عدة السفر،ناويا الخروج والهجرة بدينه بعيدا عن أذى المشركين وتضييقهم.. ويبدأ الصدّيق خطواته المثقلة المتعبة جادا فى ترك الوطن الذى آذاه فيه قومه،لكن يلقاه فى طريق هجرته ابن الدغنة المشرك فيسأله عن وجهته،ويجيب أبو بكر فى صبر المؤمن:"أخرجنى قومى وآذوني.. "،وأبت مروءة ابن الدغنة أن يترك هذا الرجل صاحب الخلق السوى والمعروفِ والمعونة شريدا فى البلاد،ورجع به إلى مكة فى(1/28)
حمايته،وأعلن ذلك بين قريش،فرضيت واشترطت لنفسها أن يعبد أبو بكر ربه كيف يشاء،ولكن فى السر وبعيدا عن أعين الناس،حتى لا يتأثر به أحد..
وهل يرضى المؤمن أن يكتم إيمانه فى صدره،أو يحبسه فى بيته،ولا يريه للدنيا لكى تغترف منه،وتنال من هذا الخير الذى ذاق طعمه وعرف حلاوته ... ؟ اتخذ أبو بكر من منزل له فى بنى جُمَح مسجدا يصلى فيه،وانطلق صوته الجميل يرتل آى القرآن فى خشوع،ودموعه تسيل على خديه،وتبلل صوته بما يذيب الأحجار،ويزلزل النفوس من أعماقها العميقة.. وراح النساء والغلمان والعبيد من قريش يستمعون إلى هذا الصوت المغرد،فخشعوا لخشوعه،وبكوا لدموعه. وخاف السادة من قريش أثر ذلك،فأسرعوا يشكون أبا بكر إلى ابن الدغنة،فلما راجع أبا بكر،فضّل الصديق رد حمايته عليه،والبقاء فى حمى الله تعالى وقال:"أرد عليك جوارك وأرضى بجوار الله "،فعادت قريش إلى إيذائه،وعاد هو إلى الصبر.
بعد إحدى عشرةَ سنةً من بعثة الرسول - صلى الله عليه وسلم - ومن كفاحه فى مكة،وتحمله لأذى المشركين وصبره على عنادهم،وصبر أصحابه على ما يلاقونه - شاء الله تعالى أن يظهر دينه عندما قابل الرسول - صلى الله عليه وسلم - فى موسم الحج وفدا من أهل يثرب الذين جاءوا إلى مكة للحج والتجارة،ودعاهم إلى الإسلام فأبدوا استجابة وتواعدوا على اللقاء معه فى العام القادم بعدما يكونون قد عرضوا الأمر على قومهم .
وفى العام الثانى عشر من البعثة،وفى موسم الحج أيضا تمت بيعة العقبة الثانية بين الرسول العظيم وثلاثة وسبعين رجلا وامرأتين من الأنصار،واتفقوا أن يهاجر الرسول - صلى الله عليه وسلم - وصحابته إلى يثرب،فيحيوا بين أهلها،ويكون لهم ما لهم وعليهم ما عليهم .
وجمع الرسول - صلى الله عليه وسلم - صحابته وقال لهم:"إن الله - عز وجل - قد جعل لكم إخوانا ودارا تأمنون بها "،فخرج الصحابة الكرام جماعات وراء جماعات وأفرادا فى عقب أفراد مهاجرين إلى يثرب،بينما انتظر الرسول - صلى الله عليه وسلم - إذن ربه،وكلما استأذنه أبو بكر ليهاجر قال له النبى - عليه السلام:"لا تعجل،لعل الله يجعل لك صاحبا".(1/29)
وكانت الصحبة والهجرة مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حيث سخر أبو بكر نفسه وماله وأهله لإنجاح الرحلة وحماية الدين،فشهد مواقف الخلود فى الغار،وفى الطريق إلى يثرب "المدينة"،وكانت هذه أعظم صحبة فى التاريخ.
لم يكن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يأنس بأحد مثل أنسه بالله تعالى،فكان يُرى فى ليله قائما،وفى نهاره صائما،شاغلا لسانه وقلبه على كل حال بذكر مولاه،فذاك طعام قلبه وشرابه وهواؤه الذى يتنفسه.. وفى رحلة الهجرة الصعبة بقى القلب النبوى على أنسه بالله وثقته به،غير أنه اختار واختار الله له واحدا من أصحابه،يهاجر معه،ويعيش فى رفقته التجربة الخالدة نيابة عن أمته.. فهل يكون هذا الصاحب هو على بن أبي طالب بقرابته من رسول الله ونشأته بين يديه؟ أم حمزة عم رسول الله،وفارس قريش الشجاع؟ أم عمر بن الخطاب:ذلك الرجل القوى فى الجاهلية والإسلام؟
إن الرحلة رحلة الهجرة بما فيها من صعوبات هائلة ومخاطر جمة كثيرة فى حاجة إلى يقين فى الله وحب لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - أكثر من حاجتها إلى أى وصف أو شرط آخر،ومن يكون أقوى الناس فى هذا من أبي بكر الصدّيق بدرِ الصحابة ونجمهم الوضّاء؟!
ذهبت ليلة وليال،وأتى نهار ونهارات،والأصحاب يهاجرون،منهم من يخفى هجرته ومنهم من يعلنها،ومنهم من ينجح فى الخروج ومنهم من يحبسه قومه،وأبو بكر يتمنى لو أذن له رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فى الهجرة كبقية إخوانه،لكن النبى يستمهله:"لا تعجل،لعل الله يجعل لك صاحبا".
وذات ظهيرة،وفى ساعة تخلو فيها طرقات مكة وسككها من المارة،أتى النبى - صلى الله عليه وسلم - أبا بكر فى داره،وفطن الصديق إلى أن الذى أتى برسول الله فى هذه الساعة إنما هو أمر كبير،فأعد نفسه للإنصات وجهز قلبه وجوارحه للطاعة،وفى نفسه أمل لعل الله يحققه له الآن!! وفى حوار ملائكى بين القلوب بكى أبو بكر بين يدى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حين أخبره بإذن الله له بالهجرة،وبأنه سيكون رفيقه فيها،ألا فلتبكِ أبا بكر فرحا بتحقق الأمل،ولتقل والدموع تملأ عينيك:"الصحبة يا رسول الله."؟!(1/30)
حشدت قريش كل ما تملك لتمنع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من الهجرة ولتحول بينه وبين الخروج من مكة،مخافة أن يقوى سلطانه ويغلب على سلطانهم،فحشد لهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - معية ربه،وثقته فى خالقه،ورتب لأمر الهجرة،واختار أبا بكر أعظمَ صاحب يرافقه فى رحلة المصاعب والمخاطر.. وحشد الصديق لأمر الهجرة كل ما يملك:إيمانه ونفسه وماله وعياله وخدمه،وعلم من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه سيخدع المشركين بألا يتوجه إلى المدينة فى الشمال مباشرة،بل سيميل إلى جبل ثور ليبقى فى غار هناك حتى يخف طلب قريش له..
كان أبو بكر وابنه وابنته وخادمه أبطالا من نوع فريد،أحاطوا برسول الله - صلى الله عليه وسلم - ووضعوا أنفسهم فى مواطن الخطر افتداء للدين والرسول.. فأما عبد الله بن أبي بكر فقد تولى متابعة أخبار المشركين وتدبيراتهم فى منتديات مكة وبيوتها؛ لينقلها إلى رسول الله وصاحبه.
وأما أسماء بنت أبي بكر فهى امرأة وظفها الإسلام وأهملتها الجاهلية،فوقفت شامخة فى وجه أبي جهل حينما أتى يسألها عن أبيها وصاحبه بعد خروجهما مهاجرين،فأنكرت معرفتها بشيء،ولطمها على وجهها لطمة شديدة،إلا أنها هزمته بكبريائها فانسحب من أمامها تشتمه المروءة والرجولة.. وراحت أسماء تؤدى دورها فى الهجرة:تحمل الطعام إلى أبيها وصاحبه فى الغار،ولا يظن أحد أن هذه المرأة الصغيرة تكتب فى صفحات التاريخ سطورا،بل صفحات باسمها.
وأما عامر بن فهيرة خادم أبي بكر الأمينُ فقد ساق غنم سيده يتتبع بها آثار عبد الله وأسماء ليمحوها،وكم رعى ابن فهيرة أغنام سيده من قبل،غير أن الإيمان بالله جعل للرعى فى هذه الأيام مذاقا خاصا!!
واشترى الصدّيق من ماله ناقتين للرحلة،فأبى النبى - صلى الله عليه وسلم - أن يهاجر على دابة لم يدفع ثمنها،فاشترى من أبي بكر إحداهما. كما استأجر الصديق عبد الله بن أريقط - وكان مشركا - كدليل على الطريق،وترك له الناقتين يرعاهما حتى تحين ساعة الهجرة.(1/31)
حشدت قريش كل ما تملك لتمنع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من الهجرة ولتحول بينه وبين الخروج من مكة،مخافة أن يقوى سلطانه ويغلب على سلطانهم،فحشد لهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - معية ربه،وثقته فى خالقه،ورتب لأمر الهجرة،واختار أبا بكر أعظمَ صاحب يرافقه فى رحلة المصاعب والمخاطر.. وحشد الصديق لأمر الهجرة كل ما يملك:إيمانه ونفسه وماله وعياله وخدمه،وعلم من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه سيخدع المشركين بألا يتوجه إلى المدينة فى الشمال مباشرة،بل سيميل إلى جبل ثور ليبقى فى غار هناك حتى يخف طلب قريش له..
كان أبو بكر وابنه وابنته وخادمه أبطالا من نوع فريد،أحاطوا برسول الله - صلى الله عليه وسلم - ووضعوا أنفسهم فى مواطن الخطر افتداء للدين والرسول.. فأما عبد الله بن أبي بكر فقد تولى متابعة أخبار المشركين وتدبيراتهم فى منتديات مكة وبيوتها؛ لينقلها إلى رسول الله وصاحبه.
وأما أسماء بنت أبي بكر فهى امرأة وظفها الإسلام وأهملتها الجاهلية،فوقفت شامخة فى وجه أبي جهل حينما أتى يسألها عن أبيها وصاحبه بعد خروجهما مهاجرين،فأنكرت معرفتها بشيء،ولطمها على وجهها لطمة شديدة،إلا أنها هزمته بكبريائها فانسحب من أمامها تشتمه المروءة والرجولة.. وراحت أسماء تؤدى دورها فى الهجرة:تحمل الطعام إلى أبيها وصاحبه فى الغار،ولا يظن أحد أن هذه المرأة الصغيرة تكتب فى صفحات التاريخ سطورا،بل صفحات باسمها.
وأما عامر بن فهيرة خادم أبي بكر الأمينُ فقد ساق غنم سيده يتتبع بها آثار عبد الله وأسماء ليمحوها،وكم رعى ابن فهيرة أغنام سيده من قبل،غير أن الإيمان بالله جعل للرعى فى هذه الأيام مذاقا خاصا!!
واشترى الصدّيق من ماله ناقتين للرحلة،فأبى النبى - صلى الله عليه وسلم - أن يهاجر على دابة لم يدفع ثمنها،فاشترى من أبي بكر إحداهما. كما استأجر الصديق عبد الله بن أريقط - وكان مشركا - كدليل على الطريق،وترك له الناقتين يرعاهما حتى تحين ساعة الهجرة.(1/32)
ما زال الفشل يلازم سَعْيَ المشركين لمنع النبي - صلى الله عليه وسلم - من الهجرة،إذ حاولوا أن يقتلوه وهو يغادر بيته ففشلوا،فتتبعوه ليدركوه فى بيت أبي بكر فلم يدركوه،وأحكموا الكيد والمكر حتى وصلوا إلى الغار ليظفروا به،لكن مكر الله أكبر من مكرهم! ماذا يفعلون إذن بعد كل هذا؟! لقد أصبحت قريش بأسرها عاجزة عن اللحاق بهذا الرجل وصديقه القريب أبي بكر،فلترصد الجوائز كى يشاركها الناس مهمة المطاردة،مائة جمل كاملة لمن يأتى بمحمد ولو ميتا.. وهنا تصبح المهمة صعبة على الرسول وصاحبه،وأحس أبو بكر بالخطر على الرسول والرسالة،فراح يسير أمامه مرة مخافة أن يأتيه عدو من أمامه،وخلفه مرة خشية أن يأتيه من جهة ظهره،وعن يمينه،وعن شماله خوفا من أن يأتيه العدو من هنا أو من هنا،فالرسول أمة كاملة،وأبو بكر فرد من الناس..
وفى طريق الهجرة الصعب أيضا لقى أبا بكر رجلٌ يعرفه،فسأله الرجل عمن معه،إذ كان لا يعرف الرسولَ - صلى الله عليه وسلم - فقال أبو بكر على البديهة:"هاد يهديني"،ففهم السائل أنه دليل يدله على طريق سفر،وأراد أبو بكر أنه هاد ومرشد يرشده إلى الله - تعالى.
وَطِئَتْ أقدام المهاجرين أرض الوطن الجديد،فما شعروا منذ هذه اللحظة بأنهم غرباء؛ إذ أنزلهم الأنصار منزلة الإخوة،وأوسعوا لهم فى دُورهم،وجادوا عليهم بأموالهم،إلا أن المهاجرين أبوا أن يكونوا عالة على إخوانهم الكرماء الأسخياء،فاتخذوا لأنفسهم بيوتا،وانتشروا فى الأسواق يبتغون من رزق الله وفضله،لكنَّ شغلهم الشاغل كان فى الإسلام والدعوة إلى الله - تعالى .
لقد مكث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فى المدينة عشر سنوات،قضاها فى جهاد وعمل متواصلين،وحوله أعظم كوكبة من البشر بعد الأنبياء،وعلى رأس هذه الكوكبة الصدّيق أبو بكر،الذى كان أقرب الناس إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فى أعظم المواقف وأجلها،فشهد المشاهد وحضر الغزوات كلها،وكانت له مواقف خالدة فى بدر وأحد والحديبية وحنين وتبوك،وتعرض لهِزّة عميقة بعد غزوة بنى المصطلق حينما رمى المنافقون ابنته الطاهرة عائشة بالفاحشة،فصبر أبو بكر حتى برّأها الله من فوق سبع سموات.(1/33)
لقد خُصّ أبو بكر من بين الشموس والأقمار الكثيرة التى أحاطت بخاتم النبيين - صلى الله عليه وسلم - بمقام الوزير الأول له،لا وزارة منصب وجاه دنيوي،بل وزارة القرب والحب والتقدير لهذا الإنسان المبارك الذى سخّر كل ما يملك من المال والقوة والولد لخدمة دينه.. وقد كان من دلائل تقدير رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لأبي بكر:مصاهرته له بالزواج من أم المؤمنين الطاهرة عائشة،واستشارته له فى مواقف كثيرة كأسرى المشركين فى بدر،ووضعه أميرا للحج فى العامِ التاسع من الهجرة،كما استخلفه النبى - صلى الله عليه وسلم - ليصلى بالناس عند مرضه - صلى الله عليه وسلم - وخصّه بالثناء حينما كان يودع أمته للقاء الله تعالى،وبعد وفاة النبى - صلى الله عليه وسلم - ملأ الحزن والكآبة كل نواحى المدينة،واهتز المسلمون من داخلهم،غير أن الله جعل من أبي بكر الجندى الذى رد الأمة إلى رشدها.
ها هم أهل الدين الجديد ينبتون الخير فى دار هجرتهم كما تنبت النخلة،إلا أن نخلتهم الآن - وقبل يوم بدر - لم تزل ضعيفة ذليلة،أفيمنع الله العزة عنهم؟
خرج المسلمون مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فى ثلاثمائة وثلاثة عشر رجلا فى رمضان من السنة الثانية من الهجرة،لا يريدون قتالا،بل الفوزَ بقافلة قريش التجارية العائدة من الشام؛ ليعوضوا بعض ما أخذه المشركون منهم بعد الهجرة،وما هى إلا أيام حتى وجد المسلمون أنفسهم فى وجه الحرب،واستشار النبى - صلى الله عليه وسلم - أصحابه يمتحن عزيمتهم ويرى رأيهم،فكان أبو بكر ممن تكلم فوضع نفسه طوع أمر الله ورسوله،وفعل المهاجرون والأنصار مثل ذلك..
وراح الرسول - صلى الله عليه وسلم - يتضرع إلى الله ويدعوه:يسأله النصر،حتى أشفق عليه أبو بكر،وطمأنه إلى أن الله سينجزه ما وعده.. وما هى إلا جولة - كان أبو بكر أحد أبطالها حتى انكشف ميدان المعركة عن سبعين قتيلا ومثلهم أسرى من المشركين..
وفى المدينة استشار النبى - صلى الله عليه وسلم - وزيريه أبا بكر وعمر فى أمر الأسرى،فرأى أبو بكر أخذ الفدية منهم ليستفيد منها المسلمون،بينما ذهب عمر إلى قتلهم ليُضعف شوكة المشركين.. وهنا يشبه النبى - صلى الله عليه وسلم - أبا بكر بإبراهيم وعيسى - عليهما السلام - فى رفقهما ولينهما،ويشبه عمر بنوح وموسى - عليهما السلام - فى شدتهما فى الحق..(1/34)
ويأخذ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - برأى أبي بكر فيفادى الأسرى،ولم يمضِ طويل وقت حتى أتى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأبو بكر إلى عمرَ يبكيان،وما ذاك إلا لأن الله - تعالى - أنزل قرآنا يلوم من رأى العفو عن الأسرى وطلب عرض الدنيا!
فى السنة الثالثة من الهجرة جمعت قريش قوتها،وأعدت عدتها،وزحفت نحو المدينة تريد غزوها،والثأر من محمد وصحبه بعد هزيمتها الشنعاء فى بدر،فخرج إليهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بعد أن استشار صحابته،فكان الموعد بين المسلمين والمشركين فى شوال عند جبل أحد،حيث وقفت فرقة من رماة المسلمين فوق الجبل،حتى يحموا ظهور إخوانهم المتفرغين لقتال المشركين بالسيف والرمح.
وبدأت المعركة،وكاد نصر بدر يتحقق مرة أخرى،لولا تعجل الرماة،وتركهم مواقعَهم فوق الجبل مخالفة لأمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأدرك المشركون انفتاح الطريق أمامهم،وانكشاف ظهور المسلمين،فجاءوهم من خلفهم منتهزين الفرصة،وانقلب سير المعركة،وأصاب المشركون فى المسلمين إصابات شديدة،وفر كثير من المسلمين من وجه عدوهم،وثبت بعضهم حول رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وكان أبو بكر من بين هؤلاء الأبطال الثابتين الذين تحاملوا على أنفسهم بعد المعركة،وفيهم كثير من الجرحى،وخوّف بهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قريشا حينما همت بالعودة إلى القتال لإتمام القضاء على المسلمين.
ويومَ حنين فى السنة الثامنة من الهجرة بدأت المعركة مع هوازن باهتزاز شديد فى صفوف المسلمين الذين أعجبتهم كثرتهم،وظنوا أنها سبب كاف لتحقيق النصر،فأخذ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يجمعهم حوله،وكان أبو بكر من أوائل الثابتين معه الذين استعادوا المبادرة ووثقوا فى ربهم فأنزل عليهم السكينة،ونصرهم على عدوهم.
(لَقَدْ رَضِيَ اللهُ عَنِ الْمُؤْمِنينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ...).. ألف وأربعمائة من المؤمنين هكذا وصفهم ربهم،وحلاهم برضاه،وزينهم بخلود الذكر فى القرآن ... وكان أبو بكر منهم،بل فى مقدمتهم،إذ خرج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بأصحابه فى موسم الحج من العام الهجرى السادس،واعدا إياهم بدخول المسجد الحرام الذى طال حرمانهم من رؤيته(1/35)
والطواف به.. وراحت نفوس المسلمين فى طريق السفر تستعيد ذكرياتها مع هذا البيت المبارك،وتداعب خيالها تلك السكينة العجيبة التى تحيط بأنحائه.
وفجأة يموت الأمل بين أيديهم،وتتلاشى الأحلام أمام أعينهم؛ إذ خرجت قريش كلها مكشِّرة عن أنيابها لتحول دون دخول المسلمين مكة،فأبدى لهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه لا يريد حربا بل حَجّا وعبادة لله رب العالمين،فبدأت المفاوضات بين المسلمين وقريش،وأرسل كل فريق رسله إلى الآخر،وكان عثمان بن عفان واحدا من رسل المسلمين إلى قريش،فحبسوه حين حاول الالتقاء بالمسلمين الممنوعين فى مكة من الهجرة،وشاع أنه قُتل ... هنا ترك رسول الله الرفق جانبا ومال إلى خيار الحرب،فقام أصحابه وفى مقدمتهم أبو بكر يبايعونه على ذلك تحت الشجرة،فرضى الله عنهم حينما استعدوا للتضحية بنية صادقة وعزيمة ماضية،لكن قريشا أطلقت عثمان،وخافت من عاقبة التعرض له بالأذى،فصمتت الحرب،ورجع صوت التفاوض عاليا،حتى صالح النبى - صلى الله عليه وسلم - قريشا،ومن شروط الصلح الذى شهده موقع الحديبية أن يرجع المسلمون إلى بيوتهم عامهم هذا على أن يأتوا للحج فى العام المقبل ...
وقد أصاب هذا الشرط المسلمين بالغم والحزن،غير أنه لم يهز شيئا من ثقة أبي بكر فى دينه ونبيه،بل راح الصدّيق يثبت الناس من حوله،ويعيد إليهم الثقة،فقد قال لعمر لما اهتز فى هذا اليوم:يا عمر،الزم غرزه أى التزم بأمره فإنى أشهد أنه رسول الله،فقال عمر:وأنا أشهد أنه رسول الله!
سأله أحد أصحابه يوما:يا رسول الله،أى الناس أحب إليك؟ فقال - صلى الله عليه وسلم - :عائشة.
قال الصحابي:فمِن الرجال؟ قال:أبوها!
هكذا اجتمع الخير لهذه الأسرة الكريمة،فأحبُّ الرجال إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - رجل منها (أبو بكر)،وأحب امرأة إليه واحدة من بناتها (عائشة بنت أبي بكر).. وقلب رسول الله لا يحب إلا من يستحق هذه المحبة،ولا يستحق المحبة عنده إلا مؤمن ملأ اليقين ما بين جنبيه..
لقد مكثت أم المؤمنين عائشة زوجةً فى ظلال النبوة الطاهرة ثمانى سنوات ونصف السنة أقرب ما تكون من أنفاس رسول الله وأعماله،ترتشف من حنوّه ورحمته،وتسمع منه(1/36)
الحكمة والكتاب،وينزل الوحى على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو فى لحافها دون بقية زوجاته،وعاش لحظاته الأخيرة من الحياة فى بيتها،بل مات ورأسه الشريف فى حجرها،وكان ريقها الذى بللت به عود السواك آخر ما دخل فمه الطاهر - صلى الله عليه وسلم - .
لقد أتت امرأة إلى النبى - صلى الله عليه وسلم - بعد موت خديجة تذكّره بالزواج،فالنبوة مهمة شاقة تحتاج عونا من زوجة وفية،ووصفت المرأة له عائشة،قالت له:بنت أحب خلق الله إليك.. ويكفيها هذا رتبةً ليرغب النبى فيها. ولما بلغ أبا بكر الخبر السار،وأن رسول الله يريد خطبة ابنته اختلطت فى نفسه مشاعر السرور بأحاسيس الدهشة؛ إذ كيف تصلح له وهى ابنة أخيه؟! فجاءه الجواب النبوى الساطع:أنت أخى فى الإسلام،وابنتك تحل لي.. فتزوجها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قبل الهجرة بسنة،لم يتزوج بكرا غيرها،وبنى بها فى المدينة فى شوال من سنة اثنتين بعد منصرفه من غزوة بدر.
كان لسان النفاق جريئا على إيذاء المؤمنين والنيل منهم،وقد رجع النبى - صلى الله عليه وسلم - من غزوة بنى المصطلق وتأخرت عائشة عن اللحاق به؛ إذ فقدت عِقدا لها،فرجعت فى حراسة رجل صالح شهد بدرا هو صفوان بن المعطل الذى أوصلها إلى المدينة فى أمان دون أن يبيح لعينه النظر إليها إلا نظرة المعرفة الأولى..
إلى هنا والقصة قصة شهامة رجل مؤمن،لكن المنافقين أبوا إلا أن يجعلوها جريمة فاحشة وزنا،ووقع بعض المسلمين فى حبائل المنافقين فخاضوا فى التهمة الكاذبة،فآذوا نفس رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الذى يعرف طُهر أهله وبراءتها،لكنه لا يملك أن يبرئها بلا دليل واضح،فهو الحاكم والقاضي.. وجاء الخبر إلى أبي بكر وزوجه أم رومان وعرفته عائشة،فكان كالخناجر المسمومة حين تغرَس فى القلوب،حتى مرضت عائشة من التهمة الظالمة،ولازمت البكاء حتى آلم عينيها،وهى ابنة الرابعة عشرة،لا تجد ما تدفع به الكذب عن نفسها..
وأتاها النبى فى بيت أبويها يسألها عما يشيعه المنافقون ومن انخدع بهم،حتى يظل القانون مطبقا على كل أحد،ونظرت عائشة إلى أبويها فى حنان ليجيبا ويدافعا عنها،فهما اللذان ربياها على الطهر وأدّباها على العفة والنقاء،ولن تخيب رجاءهما يوما. فصمت أبو بكر حياء ولم يتكلم،وقلبه يتوجع مما افتراه المنافقون،وصمتت أم رومان فلم تتكلم.. ونطقت(1/37)
عائشة:فصبر جميل والله المستعان على ما تصفون.. لقد فقدت كل نصير من البشر،ولم يبق لها سوى مولاها فهل يخيبها؟ سرعان ما بدأ الوحى ينزل على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأبو بكر وزوجته يترقبان لا يخفيان الخوف فى نفوسهما،وعائشة واثقة مطمئنة إلى عدل الله - تعالى،ثم مسح الرسول العرق عن وجهه،وقال بنفس راضية:أبشرى يا عائشة،قد أنزل الله - عز وجل - براءتك،فقالت أم المؤمنين الصغيرة:الحمد لله ...
وممن خاضوا فى هذا الكذب،وتكلموا عن عائشة بالباطل رجل مسلم من أقارب أبي بكر يسمَّى مِسطح بن أُثاثة،كان أبو بكر يصله بالمال،ويعينه على حاجته ومطالبه،فلما قال ما قال أقسم أبو بكر ألا ينفق عليه شيئا،فنزل القرآن يذكر أبا بكر والمسلمين بخلق الصفح والمغفرة:.ألا تحبون أن يغفر الله لكم.. [النور:]،فقال أبو بكر:والله إنى لأحب أن يغفر الله لي،ورجع إلى الإنفاق على مسطح.
ها هي شجرة الإسلام تكبر فى المدينة،وتزداد فروعها كل يوم شموخا فى السماء وجذورها ثباتا فى أعماق الأرض،حتى صار المسلمون يجهزون الجيوش لقتال الروم،بعد أن كانوا محبوسين فى مكة ومضيّقا عليهم،وبعد أن كانت الأحزاب تحاصرهم فى مدينتهم وتحرمهم من النوم الهادئ فى بيوتهم..
لقد مرت على الإسلام فى المدينة ثمانى سنوات وبضعة أشهر،ودولته فى حاجة إلى ردع الجار الرومانى القوى حتى لا يجرؤ على المساس بالمسلمين كما فعل من قبل،لكن تجهيز جيش للقتال أمر عسير إذا كان الحر شديدا،بينما الأشجار باسطة ظلها،قد أمالت على الناس ثمارها وقربتها.. وكان هذا هو حال المدينة فى شوال من العام الهجرى التاسع،حيث يعد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - جيش العُسرة،داعيا أصحابه إلى الإنفاق فى سبيل الله - تعالى - فما تأخرت نفس مؤمن،حتى تبرع أحدهم بتمرٍ ثمنُه دراهم،وخرج أبو بكر يقدّم على قَدْره،يحمل مالاً بين يديه،ثم يعطيه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فإذا به كلُّ ماله،فيسأله رسول الله - صلى الله عليه وسلم - :ماذا تركت لأهلك؟ فيقول الصدّيق:تركت لهم الله ورسوله..!
منذ زمن طويل وهواء التوحيد حول الكعبة تخنقه مناظر الأصنام التى وضعها المشركون فى ساحة البيت الحرام،وأهل مكة إنما يقوم سلطانهم ومقامهم بين الناس على خدمة هذا(1/38)
البيت ورعاية الحجيج،لكن أهل البلد الحرام أشرك كثير منهم بالله وحاربوا رسوله،فأخذ الله منهم مكة عام الفتح وأعطاها لخاتم أنبيائه ولأمته من بعده إلى يوم القيامة،فزال سلطان الكفر السياسى عن مكة،وحُطّمت الأصنام تحطيما.. لكن لم يزل البيت مَشاعا والحج مَشاعا،فيحج من يشاء كيف يشاء،والنبى فى حاجة إلى أن يقر هذه الفريضة الجليلة،ويعلّم الناس مناسكهم بعيدا عن عادات الشرك والمشركين،فاختار وزيره الأكبر أبا بكر ليؤدى مهمة إنهاء كل مظهر جاهلى وضعه المشركون فى أعمال الحج،ليحج بهم - صلى الله عليه وسلم - حجة الوداع على طهارة ونقاء..
وراح أبو بكر يلبس للحج ثيابه،"وخرج من المدينة يسوق الهَدْى أمامه،مولّيا وجهه شطر المسجد الحرام"،وخرج بعده على بن أبي طالب يركب العضباء ناقة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ويحمل إلى الحجيج من النبى الخاتم رسالة تثبّت التوحيد وتزيل كل وثنية،فلما أدرك على أبا بكر فى الطريق سأله الصديق بأدب:أمير أم مأمور؟ فقال له ابن عم رسول الله:بل مأمور! فمضوا لا تنافس بينهم على دنيا،بل سباق فى طاعة الله ورسوله..
وصافحت عيون المسلمين يقودهم أبو بكر بيت الله الحرام وبلده الأمين،وراح على يبلّغ رسالة النبى إلى الناس وهم فى منى،فيقرأ عليهم صدر سورة التوبة التى "أجهزت على الوثنية فى بلاد العرب"،وينادى فيهم:"أنه لا يدخل الجنة كافر،ولا يحج بعد العام مشرك،ولا يطوف بالبيت عُريان.."
وراح القائد أبو بكر يساعد عليا فى مهمته،فينادى فى الناس بمثل ندائه،ونادى معهما صحابة آخرون كأبي هريرة،وكلَّ مرة يرتفع فيها الصوت يموت من الوثنية شيء،حتى قضى أبو بكر بالناس مناسكهم،وأصبح الحج فى منظره التوحيدى خصيما لكل ما له بالوثنية تعلق!
بدأت المهمة النبوية تكتمل،فاكتمل الدين،وتم البلاغ،وعز الإسلام،وملأ جزيرة العرب بنوره،وقد آن للفارس العظيم أن يستريح،ويخلّف دار المتاعب وراء ظهره.. وها هو المرض يزور الجسد الشريف الذى أتعبته الحياة،وضاقت على قلبه أنحاؤها،حتى أتى بلالٌ إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يُعْلمه بدخول وقت الصلاة التى يحبها ويستريح قلبه بندائها،فلم(1/39)
يستطع أن يخرج ليصلى بالناس،وقال:"مروا أبا بكر فليصلّ بالناس"،وتسمع عائشة ذلك،فتخاف على أبيها ألا يُسمِع الناس؛ إذ إن الحزن سريع الأخذ بقلبه،فتحاول أن تثنى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن رأيه،وتقترح عليه أن يصلى عمر بالناس،فيكرر:"مروا أبا بكر يصلى بالناس"،وتتوسط حفصة بنت عمر عند رسول الله ليصلى أحد غير أبي بكر بالناس،فغضب النبى - صلى الله عليه وسلم - وقال:"مروا أبا بكر فليصلّ بالناس"!
ويصلى أبو بكر بالناس،يركع بهم ويسجد،وقلبه متكئ على الخشوع،منصت إلى صوت الذكر،وروحه ترتع فى أودية الرحمة،والدمع يغلب عينيه.. ومرة يسمع النبى - صلى الله عليه وسلم - صوت رجل يصلى بالناس غير أبي بكر،فيغضب غضبا شديدا،وهو الذى لم يدع المرض جسده الشريف،ويقول:"يأبى الله ذلك والمسلمون".
فى ربيع الأول من العام الهجرى الحادى عشر،أصبح النبى - صلى الله عليه وسلم - وكأنه يودّع أمته؛ إذ اشتد به المرض،وزادت عليه الحُمّى،وخرج أثناء ذلك إلى الناس حين شعر ببعض القوة،وكأنه يصافح تلك الوجوه التى شاركته رحلة الجهاد فى سبيل الله تعالى ويترك لهم وصاياه،وكان مما قاله لهم:"إن عبدا من عباد الله خيّره الله بين الدنيا وبين ما عنده فاختار ما عند الله"،فأعجبت الناس الموعظةُ،وأحبوا أن يكونوا مثل هذا العبد الصالح،غير أنهم لا يدرون من هو،إلا أبا بكر الذى علا صوته بالبكاء،إذ أدرك أن النبى يقصد نفسه وأنه يودع أمته،وقال الصدّيق والدموع تملأ عينيه:"فديناك بآبائنا وأمهاتنا يا رسول الله!"..
ويضع النبى بلسما على قلب صاحبه الذى سبق الناس إلى الإيمان،وسبقهم إلى التضحية،وعاش مع النبى - صلى الله عليه وسلم - لحظات ومواقف لم يعشها غيره،فيقول له النبى - صلى الله عليه وسلم - :"إن أمنّ الناس على _ أى أكثرهم فضلا فى صحبته وماله أبو بكر"،ويأمر بأن تغلق كل أبواب البيوت المؤدية إلى المسجد إلا باب أبي بكر..
وفى يوم الوداع خرج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى المسجد وأراد أن يصلى خلف أبي بكر وهو إمام على الناس،لكن الناس نبهوا أبا بكر فتأخر،وجلس النبى - صلى الله عليه وسلم - على يسار أبي بكر ليكمل القراءة من حيث انتهى أبو بكر،فكان الصديق يأتم بخاتم الرسل،والناس يأتمون(1/40)
بالصدّيق.. وودع النبى الدنيا فى هذا اليوم،فما رأى الناس المدينة مُظلمة مثلما رأوها فى هذا اليوم،كما لم يروها مضيئة مثلما رأوها يوم قدم إليها مهاجرا.
ما ودّعه بشيء أعظم من الرضا بقضاء الله،مع أنه أغلى عنده من نفسه وماله وولده والناس أجمعين.. كان أبو بكر بالسُّنح وهو مكان خارج المدينة حين صعدت روح الحبيب - صلى الله عليه وسلم - إلى الرفيق الأعلى،فأتى حتى اقترب من بيت ابنته عائشة وفيه جسد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ولا يشعر أبو بكر بقدميه اللتين تحملانه،غير أنه أظهر الثبات والجلد حين رأى المسلمين قد اهتزوا،وفقد كثير منهم رشدهم،حتى قام عمر بن الخطاب يهدد بالقتل من يقول إن رسول الله قد مات.. ودخل أبو بكر بيت ابنته دون أن يكلّم أحدا،فوجد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مغطَّى،فرفع الغطاء عن وجهه،ونظر فى هذا الوجه الحبيب الذى كسته الطمأنينة وجمّله أثر القيام والصيام،ثم طبع قُبلة غالية عليه،وشمت أنفه رائحة الجسد الطاهر،فقال:"بأبي أنت وأمي،طبت حيا وميتا،أما الموتة التى كتبها الله عليك فقد ذقتها".
وهنا كاد القلب يتفطر،وكادت نفس أبي بكر تخرج من موضعها،فصديقه الحبيب قد غادر وسافر،تاركا إياه فى سجن الدنيا القاسي،لكنه تماسك وثبته الله - تعالى - ليعيد المسلمين إلى رشدهم،حيث وقف فيهم خطيبا،ووضّح لهم نقطة فى منهج دينهم كأنهم نسُوها،وهم الذين يعرفون هذا المنهج جيدا ويحفظون كتابه،وضح لهم أبو بكر أن محمدهم الغالى ليس هو الخالد،بل الخالد هو الدين الذى جاء به،والمنهج الذى علمه للدنيا،وأن إجلال الرسول لا يعنى الانتكاس بعده،وإنما يعنى حفظ أمانته وصيانة دينه،كما حفظ هو وصان ...
حين أسلم أبو بكر كان عمر ينتسب إلى الجاهلية،ويعيش فى ظل عقائدها المحرفة وعاداتها المنحرفة،لكن الفاروق ما لبث أن أدرك القافلة المؤمنة،وركب السفينة مع أهل الإسلام،متسلحا بحماس دافق وعاطفة قوية.. ومن يومها التصق اسم عمر وجسمه وحياته برسول الله - صلى الله عليه وسلم - وصاحبه أبي بكر،وصار الفاروق والصدّيق أقرب الناس من الرسول العظيم - صلى الله عليه وسلم - وقت السلم ووقت الحرب،فكان يستشيرهما قبل أن يستشير(1/41)
الناس،ويعدّهما وزيريه،ويقدمهما فى الفضل على غيرهما،وما تزوج ابنةَ أحد من أصحابه إلا عائشة بنت أبي بكر وحفصة بنت عمر،ليقرب صاحبيه منه أكثر..
لقد أصبح عمر يُذكَر بذكر أبي بكر،وأبو بكر يذكر إذا ذُكر عمر،فهما "الشيخان"،وهما "العُمَران"،وهما أول العشرة المبشرين بالجنة،وأول خليفتين لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - ومع هذا فلكل منهما طبعه،فليس أحدهما كالآخر،بل أبو بكر ليّن رفيق،إذا آمن بفكرة لم يزعزعه عنها شيء،وعمر شديد مملوء بالحماس يخشاه شيطان الإنس وشيطان الجن.
ولقد تسابق الشيخان فى الخير،فكان أبو بكر أسبق،وإن تقارب الكتفان.
وفى خلافة أبي بكر كان عمر هو وزيرَه الأول،يقف بجانبه،ويؤيد خطاه،ويقدم له النصيحة إذا وجد لها موضعا،فخلط عمر شدته بلين أبي بكر،وكان من ذلك خير كثير انتفع به الإسلام والمسلمون..
وعرف أبو بكر قدر عمر،وأهمية وجوده إلى جانبه،لذلك استأذن الصدّيق أسامة بن زيد حينما وجهه إلى الحرب فى الشام ليترك له عمر إلى جانبه،فكان نعم السندُ فى المهمات الصعبة التى قام بها أبو بكر فى خلافته.
ولم تكن الصحبة القوية بين الشيخين تنفى أنهما قد يختلفان فى الرأى أحيانا،لكن حبال المودة بقيت موصولة دائما،بل كان كل منهما يسرع فيعترف لأخيه بالفضل إذا أخطأ هو،فعمر رأى مهادنة مانعى الزكاة حتى تقوى شوكة المسلمين بينما رأى أبو بكر قتالهم ليبقى الدين محترما مهابا،وتوجس أبو بكر من فكرة عمر بجمع القرآن بعد حرب اليمامة حتى انشرح صدر أبي بكر برأى صاحبه،وكان عمر يرى عزل خالد بن الوليد عن قيادة الجيوش المجاهدة لاستعجاله فى قتل خصومه فى الردة،بينما كان أبو بكر يرى أن خالدا سيفٌ سلّه الله على الكافرين فلا ينبغى أن تُخمَد ناره،وقال عمر بعد ذلك:"كان أبو بكر أعلم منى بالرجال."حين رأى خالدا يهز قواعد الشرك فى الشام! وردها أبو بكر له حين قال:"كان عمر أعلم منى بالرجال."حين نصح الفاروق خليفةَ رسول الله ألا يعطى قيادة الجيش لخالد بن سعيد بن العاص،لكن أبا بكر ولاه،فكان عمر أصوب رأيا فيه.(1/42)
وعندما حضرت أبا بكر الوفاة لم يجد بين الناس لإمارة المؤمنين خيرا من عمر،فأوصى إليه بها،فكان من أعظم الناس فراسة وأعرفهم بمعادن الرجال.
وجوه كثيرة مملوءة بالخير،رباها الإسلام،واحتضنها قلب محمد - صلى الله عليه وسلم - امتلأوا بالمواهب والقدرات الفذة،فيهم عمر بن الخطاب البطل القوي،وعلى بن أبي طالب الفارس الشجاع،وخالد بن الوليد القائد الهمام.. وغيرهم وغيرهم،كواكب أضاءت سماء البشرية،ولكنك لا تدرى من مِن كل هؤلاء يستحق أن يقود الأمة بعد رسولها - صلى الله عليه وسلم - بل قل من يستطيع أن يؤدى هذه المهمة الصعبة،فقد ارتد كثير من العرب،وصار أمر الإسلام فى خطر،وأصبح الدين الحنيف فى حاجة إلى رجل من طراز خاص،يردع المرتدين ويحفظ هيبة الحق وسلطانه؟
لقد أسرع الأنصار إلى سقيفة بنى ساعدة يعقدون مؤتمرا خطيرا هناك ليختاروا خليفة لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - منهم؛ فالبلد بلدهم،والنصرة نصرتهم،كما أن النبى لم يوص لأحد من بعده،فما سمع عمر وأبو عبيدة بالخبر إلا وأسرعا إلى أبي بكر وهو بحضرة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فاعتذر إليهما بانشغاله بالجسد الطاهر الشريف،فألحّا عليه،حتى خرج معهما..
وسار الرجال الثلاثة فى طرق المدينة وسككها جنوبا إلى سقيفة بنى ساعدة ومنتداهم،يسرعون الخطا،ويتسابقون إلى موضع تجمع الأنصار،الذين كادوا يجتمعون على بيعة سعد بن عبادة،فما فاجأتهم إلا وجوه أبي بكر وعمر وأبي عبيدة قد كساها الحزن،وغطاها التعب،فمرت لحظات صمت اخترقها صوت السلام يلقيه المهاجرون الثلاثة على إخوانهم الأنصار.. والمسألة عند الفريقين ليست سلطان قبيلة معينة يثبتونه،ولكنها مبادئ دين تُقدم على كل هوى،وترتفع فوق كل رغبة..
فما ارتفع صوت أبي بكر يخطب فيهم إلا وسكتت الأصوات،وصمتت الأفواه،وكلهم آذان تسمع إلى شيخ قريش الجليل تتحدر الكلمات من فمه،تذكّر الأنصار بموقعهم من الدين وفضلهم عند نبى الإسلام،وتذكرهم أيضا بأن النبى قد جعل الخلافة فى قريش؛ لأن الناس لن تخضع ولن تستجيب إلا لهم؛ لقرابتهم من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ولهيبتهم القديمة بين العرب..(1/43)
وما كان للنفس الطاهرة أن ترشح نفسها للتلوث بالدنيا،فرشح أبو بكر للناس أن يختاروا بين عمر وأبي عبيدة ليشغل أحدهما منصب خلافة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وقال:"هذا عمر وهذا أبو عبيدة،فأيهما شئتم فبايعوا"،فما انتهى الصديق من كلمته تلك حتى اندفع عمر وأبو عبيدة يعارضان هذه الفكرة بشدة،ويقسمان:"لا والله لا نتولى هذا الأمر عليك،فإنك أفضل المهاجرين،وثانى اثنين إذ هما فى الغار،وخليفة رسول الله على الصلاة،والصلاة أفضل دين المسلمين"..
ولم يترك الناس لأبي بكر فرصة يفكر فيها ويختار،فأسرع إليه فارس الأنصار بشير بن سعد فبايعه،ثم تلاه عمر وأبو عبيدة،وتتابع بعدهما الناس على البيعة،حتى أتت القبائل القريبة من المدينة فبايعت. وفى اليوم التالى قام عمر فى الناس خطيبا،فزكّى اختيار أبي بكر،وذكر فضله،فبايع الناس البيعة العامة،وحمل أبو بكر اللقب الخالد الذى لم يحمله أحد فى التاريخ غيره:"خليفة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ". وكانت له فى منصبه أعمال جليلة،عز بها الدين،ورُفعت رايته.
مكث أبو بكر فى الخلافة سنتين وبضعة أشهر،سجل فيها للإسلام أعظم الأعمال،واتخذ أعظم المواقف،مما حفظ الله - تعالى - به دينه،وصان به الإسلام من كل انتقاص.. وقد كان الخلفاء الراشدون جميعا وأولهم أبو بكر امتدادا لرسول الله فى الخير،وسنتُهم وطريقتهم من سنته - صلى الله عليه وسلم - وطريقته،والدين هو الأمانة الكبرى التى تركها لهم،ومهمتهم الأولى هى حراسته وحماية حدوده وحفظ هيبته ...
لكن الدين أصبح فى خطر كاسح حين انتشر خبر وفاة الرسول - صلى الله عليه وسلم - فى الجزيرة العربية؛ إذ ارتد كثير من العرب،وادعى بعض الطامعين منهم النبوة،وأبت قبائل عديدة أن تؤدى الزكاة فَرْضَ الله فى المال،واقتربت العرب أن تأكل من بقى على دينه من المسلمين،وأتى مانعو الزكاة يعرضون البقاء على الإسلام دون أن يدفعوا زكاة أموالهم.. ورأى بعض الصحابة أن الموقف عصيب،وأن مهادنة هؤلاء هى الحل،لكن أبا بكر أبى،وغضب غضبا شديدا،وقال:لا يُنتقَص الإسلام وأنا حي.. ومضى يقاتل مانعى الزكاة(1/44)
والمرتدين،فحاربهم بنفسه حينا،وسيّر إليهم الجيوش حينا،حتى زالت الردة من جزيرة العرب،وانقضى أمرها،وعادت للإسلام هيبته فى الجزيرة.
وفى ضائقة الردة والشدة أصر أبو بكر على إرسال بعث أسامة بن زيد العسكرى إلى الشام - كما كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أوصى قبيل وفاته - برغم الموقف الخطير،وبرغم ردة القبائل..
ومن أعمال عهد أبي بكر الجليلة:أنه أول من جمع القرآن،وذلك حين أكلت الحرب الشرسة فى اليمامة كثيرا من أهل القرآن وحفاظه.
وبعد موت الردة،امتد صوت الحرب ليلامس أطراف فارس والروم،وبعد الملامسة أصبح الحال حربا شديدة واسعة يجهز لها الصدّيق عشرات الآلاف من أبناء الإسلام للغزو والفتح،فخالد بن الوليد ومعه المثنى بن حارثة يقاتلان الفرس،وأبو عبيدة وشُرَحبيل بن حَسْنة وعمرو بن العاص ويزيد بن أبي سفيان يغزون الروم،وقد مات أبو بكر ورجاله يستعدون لخوضِ معركة اليرموك الشرسة فى بلاد الشام.
إن اليقين الذى سكن نفس أبي بكر لا يُخفى رأسه فى أى موقف يحتاجه،وها هو اليوم وقد تولى الخلافة،وسلمته الأمة أمانة القيادة،يشعر بحاجته إلى يقين أكثر مما كان يحتاج إليه أيام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فيوم كان الرسول حيا كان أبو بكر يجد راحة قلبه ويقين نفسه فى القرب منه والنظر إلى وجهه - صلى الله عليه وسلم - أما وقد انتقل الرسول إلى الرفيق الأعلى وأصبحت المسئولية على أكتاف أبي بكر،فإن بحر اليقين ينبغى أن يتدفق كله..
لقد علا صوت الردة،وأصبح خطرها يهدد دار الرسول ومسجده وزوجاته،وجيش أسامة بن زيد واقف خارج المدينة ينتظر الإذن بالسير إلى الشام كما أوصى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لكن إذا أراد أبو بكر حرب المرتدين ومانعى الزكاة فلابد من أن يُبقى جيش أسامة بجانبه،أما إذا كان لابد من خروج جيش أسامة فلا مفر أمامه من مهادنة مانعى الزكاة،فأبى البطل العبقرى أبو بكر إلا أن يختار أصعب الحلول:قتال مانعى الزكاة،وإنفاذ بعث أسامة!!(1/45)
لقد بلغ اليقين بأبي بكر أن يثق تماما فى أن نصر الله - تعالى - يأتى مع طاعة أمره - سبحانه - وأمر رسوله،مهما بدا غير ذلك؛ لذا وقف بكل قوة فى وجه كبار الصحابة الذين أشاروا عليه بأن يُبقى جيش أسامة بجانبه،يحارب به المرتدين ومانعى الزكاة،وقال:"والذى نفس أبي بكر بيده،لو ظننت أن السباع تخطفنى لأنفذت بعث أسامة كما أمر به رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ولو لم يبق فى القرى غيرى لأنفذته"!
وأراد بعض الصحابة الكبار أن يغير أبو بكر قائدَ هذا الجيش،بأن يضع مكان أسامة رجلا أسن منه،فثار الصديق فى وجوههم ثورة البركان؛ وأبى أن يغير شيئا قضاه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - !
وخرج الخليفة العظيم فى وداع جيشه،فما أرفع العظمة حينما تبلغ قمة التواضع دون تكلف أو تصنع،لقد خرج الخليفة فى وداع جيشه ماشيا على قدميه المثقلتين بأكثر من ستين عاما كاملة،فيقسم القائد أسامة وهو فوق فرسه أن ينزل هو ويركب الشيخ الوقور،ولكن أبا بكر أقسم ألا ينزل أسامة وألا يركب هو..
ومضى مع أسامة يغبّر قدميه فى التراب فى سبيل الله - تعالى - ويلقى على مسامع القائد الشاب نصائح لم ينسها فى زحام الأزمات،بألا يقتلوا طفلا ولا امرأة ولا شيخا ولا راهبا تفرغ فى صومعته للعبادة،وألا يحرقوا شجرا ولا يذبحوا بقرة أو شاة إلا لأكل ومنفعة.. مبادئ لم ينسها المسلمون برغم كثرة الأعداء وشراستهم..
وآتت حرب أسامة نتيجة طيبة؛ إذ أمّنت حدود الدولة الإسلامية الفتية من جهة الروم وحلفائهم من القبائل العربية المرتزقة.
مات الرسول - صلى الله عليه وسلم - يوم مات والدين تام كامل،وله السلطان والغلبة على الجزيرة كلها،ولما أراد أهل الردة ومانعو الزكاة انتقاص الإسلام بل هدمه،شعر الصحابة - وعلى رأسهم الخليفة بالمسئولية الكاملة عن حراسة هذا الدين،وكان عنوانهم الذى نطق به أبو بكر هو:"والله لا يُنتقَص الإسلام وأنا حي"!
لم يكن التحدى هينا،ولم تكن المواجهة سهلة،بل كانت خطرا يهدد الإسلام والمسلمين بالمحو،فالقبائل إلا قليلا منها - قد ارتدت،والبلاد والأنحاء فى الجزيرة قد انتفضت ضد(1/46)
الإسلام،حتى صار المسلمون فى الجزيرة قلةً كما كانوا فى مكة قبل الهجرة،إلا أنهم اليوم وهم يواجهون الردة الطاغية ـ زَرْعُ محمدٍ ـ - صلى الله عليه وسلم - ـ كاملاً،وأبناءُ الدين الحنيف بعد تمام النُّضْجِ،فماذا سيصنعون؟!
راح أبو بكر يُقْسم بالله أن يواجه الردة حتى يقطع دابرها ويقتلع جذورها،وقلوب الصحابة تنشد معه نشيد الثبات فى وجه المحن،والخليفة ذو اليقين التام يقود كتائب المجاهدين ليحموا وجه الدين من شوائب الأنفس المريضة والقلوب العليلة..
فى بداية الأمر ظن مانعو الزكاة من عبس وذبيان ومن حالفهم - ظنوا بالمسلمين ضعفا حينما وجدوهم صامتين عن الحرب،وما علموا أن الأسد لا يخشى أبدا الخروج من عرينه،بل يكفيه أن يُسمع صوت زئيره من الداخل لتضطرب القلوب،ويخالطها الخوف والفزع..
عبأ أبو بكر كل قواته من المهاجرين والأنصار ومن ثبت معهم على الدين،وخرج بهم إلى المسجد،وأمرهم ألا يبرحوا مواضعهم فى انتظار هجوم مفاجئ من الأعداء الذين ظنوا بالمسلمين الضعف والجبن،ووضع الخليفة على مداخل المدينة حرسا من كبار الصحابة يرقبون الموقف..
وصدق توقع أبي بكر؛ إذ جاءت الأعراب تهز ذيولها لتقتحم مدينة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فما فوجئوا إلا بأبي بكر وحوله أسود المهاجرين والأنصار يردونهم على أعقابهم خاسرين،وتبعهم المسلمون إلى "ذى القَصة."قرب المدينة،حتى فضوا جمعهم،وأجلى أبو بكر عبسا وذبيان وبنى بكر ومن حالفهم وعاونهم على حرب المسلمين،وجعل بلادهم بالأبرق والرَّبَذة غنيمة للمسلمين..
وفى ذى القصة،وبعد أن رجع جيش أسامة ونال قسطا من الراحة،أخذ أبو بكر يعقد الألوية،ويجهز الجيوش ليخضِع بها الأنحاء المتمردة من الجزيرة:اليمامة واليمن والبحرين وعمان وغيرها،فكان الخليفة كالخيط الذى يجمع الأمة حوله كما تجتمع حبات العقد،ثم أرسل بهم فى أحد عشر لواء وزع الجند عليها،وجعل على كل لواء منها أميرا،ووجه كل واحد منها إلى ناحية،وأمر كل أمير أن يستنفر من يمر به من المسلمين أولي القوة،وجاءت(1/47)
النتيجة العامة فى حروب الردة انتصارا ساحقا للإسلام وأهله،وعودةً للجزيرة إلى حِضن الإسلام.
لا يمنع المسلمَ شيءٌ من تقديم النصح إلى أميره،واقتراح الخير عليه،بل إن الأمة لتحكم مع الأمير الذى فوضته لسياسة مصالحها الدينية والدنيوية،وذلك حين تساند أعماله فى الخير،وتمنحه النصح،وتقترح عليه أعمال الخير.. وقد أتى عمر بن الخطاب إلى أبي بكر ليقترح عليه جمع القرآن فى كتاب واحد؛ بسبب ما أصاب المسلمين من موت الكثيرين من حفظة كتاب الله - تعالى - فى معركة اليمامة الشرسة،فتردد أبو بكر فى قبول اقتراح عمر؛ إذ كيف يفعل شيئا لم يفعله رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ؟! لكن هذا خير يوافق روح الدين،بل إن روح الدين الداعية إلى صيانة العلم وحفظه ونشره بين الناس صحيحا موثقا - لتفرض على الأمة أن تجمع القرآن وتحافظ عليه.
لذا راح عمر يلح على أبي بكر،ويوضح له أهمية جمع القرآن،حفظا له ومنعا من اختلاف الناس فيه،حتى انشرح صدر الخليفة،واستبانت له أهمية هذه المسألة،فكلف زيدَ بن ثابت الأنصارى المملوء بعلم القرآن وحيوية الشباب كلفه بهذه المهمة الجليلة الثقيلة،فقام بها يعاونه عمر بن الخطاب خير قيام،حيث ذهبا إلى الصحابة فى البيوت والمساجد والأسواق والمنتديات يأخذون عنهم القرآن الذى يحفظه آلاف منهم،ولا يكتب زيد آية إلا إذا تيقن من أنها كُتبت على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وذلك بأن يشهد اثنان من الصحابة على ذلك،مع وجود عدد كبير منهم يحفظها شفاهيا.
لقد أتقن الصدّيق اختيار الرجل المناسب لمهمة جمع القرآن حين كلف بها زيد بن ثابت،ذلك الفتى الأنصارى الشاب الذى حضر العرضة الأخيرة للقرآن قبل وفاة النبى - صلى الله عليه وسلم - كما أنه كان لابد من إشراك الأنصار فى الشئون المهمة للدولة ليشعروا بأنهم جزء من قلب الكيان الإسلامى الكبير.
بعد أن فرغ أبو بكر - رضي الله عنه - من حروب الردة،واستقر الأمر له فى شبه الجزيرة العربية،ودان العرب جميعهم لحكم الإسلام،بدأت المواجهات مع الفرس والروم تفرض نفسها،فالظروف ملائمة لإسماع صوت الإسلام لهذه الشعوب المستعبَدة تحت حكم(1/48)
كسرى وقيصر،كما كان للفرس دور فى تقوية شوكة الردة،وتشجيع العرب القريبين منها على الردة،وكانت جبهة الروم مع المسلمين ساخنة قابلة للانفجار؛ إذ تحرش الروم بالإسلام كثيرا،وحرضوا الأعراب فى تخوم الشام على حربه ومعاداته..
لهذا كله أقام أبو بكر الحرب مع الفرس والروم على قدم وساق،فجاءه المثنى بن حارثة الشيبانى عقب انتهاء معارك الردة يهون عليه أمر الفرس،ويذكر له أنهم أقل قوة وبأسا مما يظن الناس،حتى تشجع أبو بكر وأرسل كتائبه المجاهدة يقودها خالد بن الوليد سيف الله المسلول،فغزا فى العراق غزوات كثيرة،رجع منها جميعا منتصرا،وقد شجعت هذه المعارك التى شهدها عهد أبي بكر على مواصلة المسلمين للمواجهات مع الفرس فيما بعد،حتى زالت دولة بنى ساسان.
وأما الرومان،فقد أعد لهم أبو بكر أربعة جيوش يقودها أبو عبيدة بن الجراح ومعه شرحبيل بن حسنة وعمرو بن العاص ويزيد بن أبي سفيان،وكانت المعارك التى خاضوها امتدادا لبعث أسامة بن زيد وما سبقه من مواجهات مع الروم،وقد تأزم الموقف على هذه الجبهة فى خواتيم عهد أبي بكر،إذ فوجئ المسلمون بجحافل جرارة من الروم فى مواجهتهم،فأرسلوا إلى أبي بكر يسألونه الرأى والمدد،فأمرهم بالاجتماع،ووجه خالد بن الوليد بنصف قواته فى العراق إلى الشام،وبينما المعركة فى اليرموك حامية الوطيس فى السنة الهجرية الثالثة عشرة يقودها خالد بن الوليد - جاءه البريد يخبر بوفاة الصديق،وتولية عمر من بعده،إلا أن جيوش أبي بكر سحقت الروم،ومهدت للفتح الأكبر الذى جلا على أثره الروم عن الشام في عهد أمير المؤمنين عمر.
حين شعر أبو بكر بدنو الموت وقرب الأجل لم تفلت منه هذه اللحظة دون أن يصدر فيها واحدا من قراراته العظيمة،لا يقل خطورة عن إنفاذ بعث أسامة،وقتال المرتدين ومانعى الزكاة،وإرسال الجيوش لقتال فارس والروم،وجمع القرآن الكريم،وكان هذا القرار هو الوصية بالخلافة من بعده إلى عمر بن الخطاب.
إذ اشتد المرض بأبي بكر فخاف على الأمة الاختلاف،فاختار لها أن يتولى عمر بن الخطاب الخلافة من بعده. وبالرغم من أنه لم يكن أمرا فعله الرسول - صلى الله عليه وسلم - إلا أنه كان(1/49)
توفيقا من الله - تعالى - لصلاح الإسلام والمسلمين،إذ منع الوقوع فى الخلاف والنزاع. وقد استشار أبو بكر كبار الصحابة فى أمر هذا الاختيار،مثل عبد الرحمن بن عوف،وعثمان بن عفان،وغيرهما،وظهر من إجاباتهم أن الناس تخاف من شدة عمر،إلا أن أبا بكر كان يعلم أن شدته ما هى إلا قوة فى الحق،وذكر ذلك للناس فرضوا به،وكتب وصيته بذلك،ثم أسلم الروح إلى بارئها.
ها هى رحلة الحياة قد أوشكت أن تأتى بالختام،وقد جاوز الخليفة المبارك الثالثة والستين،وهو مشغول ليله ونهاره بأمر آخرته وشؤون أمته،تشغله أحوال جيوشه التى أرسلها تجاهد هنا وهناك،وأمور رعيته وفيهم الفقير والمريض وذو الحاجة..
صعد الصديق المنبر فى خلافته يوما،وأراد أن يروى للناس شيئا سمعه من النبى ـ - صلى الله عليه وسلم - ـ لكنه بكى حين تذكر رسول الله،ثم أخذ يروى الحديث للناس والدموع تملأ عينيه وتبلل كلماته.. لقد كانت الدنيا ثقيلة على قلب أبي بكر ورسول الله فيها،فكيف يطيقها وقد ودّعها النبى ـ - صلى الله عليه وسلم - ؟!
استمر أبو بكر يدبر شئون المسلمين على أحسن ما يكون،وفق ما يهديه الله إليه،ويمليه عليه دينه وإيمانه،حتى اغتسل فى يوم بارد فأصابته الحُمّى التى لا يطيقها الأقوياء،فكيف بشيخ كبير قد أوهنت الأيام عظامه،وأرهقت بدنه؟! وجاءوا يسألون أبا بكر:أنأتى لك بالطبيب؟ فقال:قد رآني،فعادوا يسألونه:ماذا قال لك؟ فأجابهم:قال إنى أفعل ما أشاء!!
وفى مرض الموت لازمت العظمة شخصية أبي بكر،فبدا جبلا بين الناس،حتى اتخذ فى هذه الظروف التى لا يهتم فيها الإنسان إلا بما يعانى من كُرَب الموت وشدائده اتخذ الكثير من القرارات والتوصيات الرائعة،فأوصى بالخلافة من بعده إلى عمر بن الخطاب بعد أن شاور فيه كبار الصحابة،وأوصى عمرَ بأن يدعم المثنى بن حارثة على جبهة فارس بالجنود والقوات،كما تنازل لبيت مال المسلمين عما قبضه من راتب طوال خلافته،وأوصى بأن تغسله زوجته أسماء بنت عميس،وأن يكفَّن فى ثيابه؛ لأن الحى أحوج إلى الجديد من الميت..(1/50)
ويوم الإثنين الحادى والعشرين من جمادى الآخرة من السنة الثالثة عشرة الهجرية،أذن الله - تعالى - بقبض روح عبده أبي بكر،فودع الدنيا راضيا مرضيا،وحمل ليُدفن إلى جانب حبيبه - صلى الله عليه وسلم - وليرافقه فى الممات كما رافقه فى الحياة.
- - - - - - - - - - - - - -(1/51)
المبحث الثاني
أهم فضائل الصديق
أ- قال الله تعالى:{إِلاَّ تَنصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُواْ ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِى الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لاَ تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا فَأَنزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ} [التوبة:41].
قال ابن جرير الطبري:"وإنما عنى الله جل ثناؤه بقوله:{ثَانِيَ اثْنَيْنِ} رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأبا بكر رضي الله عنه؛ لأنهما كانا اللذين خرجا هاربين من قريش إذ همّوا بقتل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - واختفيا في الغار. وقوله:{إِذْ هُمَا فِى الْغَارِ} يقول:إذ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأبو بكر رضي الله عنه في الغار،والغار:النقب العظيم يكون في الجبل،{إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ} يقول:إذ يقول رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لصاحبه أبي بكر:{لاَ تَحْزَنْ} وذلك أنه خاف من الطلب" (1)
وقال أبو بكر ابن العربي:الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ:قَوْلُهُ:{ إلَّا تَنْصُرُوهُ }:يَعْنِي يُعِينُوهُ بِالنَّفِيرِ مَعَهُ فِي غَزْوَةِ تَبُوكَ،فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ بِصَاحِبِهِ أَبِي بَكْرٍ،وَأَيَّدَهُ بِجُنُودِ الْمَلَائِكَةِ .
رَوَى أَصْبَغُ،وَأَبُو زَيْدٍ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ:{ ثَانِيَ اثْنَيْنِ إذْ هُمَا فِي الْغَارِ إذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ إنَّ اللَّهَ مَعَنَا } هُوَ أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ .
قَالَ:فَرَأَيْت مَالِكًا يَرْفَعُ بِأَبِي بَكْرٍ جِدًّا لِهَذِهِ الْآيَةِ .
قَالَ:وَكَانُوا فِي الْهِجْرَةِ أَرْبَعَةً،مِنْهُمْ عَامِرُ بْنُ فُهَيْرَةَ،وَرُقَيْطُ الدَّلِيلُ .
قَالَ غَيْرُ مَالِكٍ:يُقَالُ أُرَيْقِطُ قَالَ الْقَاضِي - رضي الله عنهم - :فَحَقٌّ أَنْ يَرْفَعَ مَالِكٌ أَبَا بَكْرٍ بِهَذِهِ الْآيَةِ،فَفِيهَا عِدَّةُ فَضَائِلَ مُخْتَصَّةٍ لَمْ تَكُنْ لِغَيْرِهِ،مِنْهَا قَوْلُهُ:إذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ،فَحَقَّقَ لَهُ تَعَالَى [ قَوْلَهُ لَهُ ] بِكَلَامِهِ،وَوَصَفَ الصُّحْبَةَ فِي كِتَابِهِ مَتْلُوًّا إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ .
وَمِنْهَا قَوْلُهُ:{ إنَّ اللَّهَ مَعَنَا } .
__________
(1) - جامع البيان (10/136)(1/52)
وَفِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ لِأَبِي بَكْرٍ فِي الْغَارِ:{ يَا أَبَا بَكْرٍ،مَا ظَنُّك بِاثْنَيْنِ اللَّهُ ثَالِثُهَا ؟ } وَهَذِهِ مَرْتَبَةٌ عُظْمَى،وَفَضِيلَةٌ شَمَّاءُ،لَمْ يَكُنْ لِبَشَرٍ أَنْ يُخْبِرَ عَنْ اللَّهِ سُبْحَانَهُ أَنَّهُ ثَالِثُ اثْنَيْنِ،أَحَدُهُمَا أَبُو بَكْرٍ،كَمَا أَنَّهُ قَالَ مُخْبِرًا عَنْ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - وَأَبِي بَكْرٍ ثَانِيَ اثْنَيْنِ .
وَمِنْهَا قَوْلُهُ:{ لَا تَحْزَنْ إنَّ اللَّهَ مَعَنَا } .
وَقَالَ مُخْبِرًا عَنْ مُوسَى وَبَنِي إسْرَائِيلَ:{ كَلًّا إنَّ مَعِي رَبِّي سَيَهْدِينِ } .
قَالَ لَنَا أَبُو الْفَضَائِلِ الْمُعَدِّلُ:قَالَ لَنَا جَمَالُ الْإِسْلَامِ أَبُو الْقَاسِمِ قَالَ مُوسَى:{ كَلًّا إنَّ مَعِي رَبِّي سَيَهْدِينِ } وَقَالَ فِي مُحَمَّدٍ وَصَاحِبِهِ:{ لَا تَحْزَنْ إنَّ اللَّهَ مَعَنَا } .
لَا جَرَمَ لَمَّا كَانَ اللَّهُ مَعَ مُوسَى وَحْدَهُ ارْتَدَّ أَصْحَابُهُ بَعْدَهُ،فَرَجَعَ مِنْ عِنْدِ رَبِّهِ ،وَوَجَدَهُمْ يَعْبُدُونَ الْعِجْلَ .
وَلَمَّا قَالَ فِي مُحَمَّدٍ - صلى الله عليه وسلم - :إنَّ اللَّهَ مَعَنَا،بَقِيَ أَبُو بَكْرٍ مُهْتَدِيًا مُوَحِّدًا،عَالِمًا عَازِمًا،قَائِمًا بِالْأَمْرِ لَمْ يَتَطَرَّقْ إلَيْهِ اخْتِلَالٌ .
وَمِنْهَا قَوْلُهُ:{ فَأَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ }:فِيهِ قَوْلَانِ:أَحَدُهُمَا:عَلَى النَّبِيِّ .
الثَّانِي:عَلَى أَبِي بَكْرٍ .
قَالَ عُلَمَاؤُنَا:وَهُوَ الْأَقْوَى؛لِأَنَّ الصِّدِّيقَ خَافَ عَلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - مِنْ الْقَوْمِ،فَأَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ؛لِيَأْمَنَ عَلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - فَسَكَنَ جَأْشُهُ،وَذَهَبَ رَوْعُهُ،وَحَصَلَ لَهُ الْأَمْنُ،وَأَنْبَتَ اللَّهُ شَجَرَ ثُمَامِهِ،وَأَلْهَمَ الْوَكْرَ هُنَالِكَ حَمَامَهُ،وَأَرْسَلَ الْعَنْكَبُوتَ فَنَسَجَتْ عَلَيْهِ بَيْتًا،فَمَا أَضْعَفَ هَذِهِ الْجُنُودِ فِي ظَاهِرِ الْحِسِّ؛وَمَا أَقْوَاهَا فِي بَاطِنِ الْمَعْنَى .
وَلِهَذَا الْمَعْنَى قَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ لِعُمَرَ حِينَ تَغَامَرَ مَعَ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ:{ هَلْ أَنْتُمْ تَارِكُو لِي صَاحِبِي،إنَّ النَّاسَ كُلَّهُمْ قَالُوا كَذَبْت،وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ:صَدَقْت }
وَمِنْهَا:أَنَّهُ جَعَلَ أَبَا بَكْرٍ فِي مُقَابَلَةِ الصَّحَابَةِ أَجْمَعَ،فَقَالَ:{ إلَّا تَنْصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ بِصَاحِبِهِ فِي الْغَارِ،بِتَأْنِيسِهِ لَهُ،وَحَمْلِهِ عَلَى عُنُقِهِ } [ وَوَفَائِهِ لَهُ ] بِوِقَايَتِهِ لَهُ [ بِنَفْسِهِ ]،وَبِمُوَاسَاتِهِ بِمَالِهِ،وَكَذَلِكَ رُوِيَ { أَنَّ مِيزَانًا نَزَلَ مِنْ السَّمَاءِ،فَوُزِنَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - بِالْخَلْقِ(1/53)
فَرَجَحَهُمْ }؛وَبِهَذِهِ الْفَضَائِلِ اسْتَحَقَّ أَنْ يُقَالَ فِيهِ:لَوْ كُنْت مُتَّخِذًا خَلِيلًا لَاِتَّخَذْتُ أَبَا بَكْرٍ خَلِيلًا .وَسَبَقَتْ لَهُ بِذَلِكَ كُلِّهِ الْفَضِيلَةُ عَلَى النَّاسِ .
رَوَى الْبُخَارِيُّ وَغَيْرُهُ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَنَّهُ قَالَ:كُنَّا نُخَيِّرُ بَيْنَ النَّاسِ فِي زَمَنِ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - ؛فَنُخَيِّرُ أَبَا بَكْرٍ ثُمَّ عُمَرَ ثُمَّ عُثْمَانَ .
وَرُوِيَ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ قَالَ:خَيْرُ النَّاسِ بَعْدَ نَبِيِّهِمْ أَبُو بَكْرٍ . (1) .
ب- عَنْ أَبِى سَعِيدٍ الْخُدْرِىِّ قَالَ خَطَبَ النَّبِىُّ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ « إِنَّ اللَّهَ خَيَّرَ عَبْدًا بَيْنَ الدُّنْيَا وَبَيْنَ مَا عِنْدَهُ،فَاخْتَارَ مَا عِنْدَ اللَّهِ ».فَبَكَى أَبُو بَكْرٍ - رضى الله عنه - فَقُلْتُ فِى نَفْسِى مَا يُبْكِى هَذَا الشَّيْخَ إِنْ يَكُنِ اللَّهُ خَيَّرَ عَبْدًا بَيْنَ الدُّنْيَا وَبَيْنَ مَا عِنْدَهُ فَاخْتَارَ مَا عِنْدَ اللَّهِ،فَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - هُوَ الْعَبْدَ،وَكَانَ أَبُو بَكْرٍ أَعْلَمَنَا.قَالَ « يَا أَبَا بَكْرٍ لاَ تَبْكِ،إِنَّ أَمَنَّ النَّاسِ عَلَىَّ فِى صُحْبَتِهِ وَمَالِهِ أَبُو بَكْرٍ،وَلَوْ كُنْتُ مُتَّخِذًا خَلِيلاً مِنْ أُمَّتِى لاَتَّخَذْتُ أَبَا بَكْرٍ،وَلَكِنْ أُخُوَّةُ الإِسْلاَمِ وَمَوَدَّتُهُ،لاَ يَبْقَيَنَّ فِى الْمَسْجِدِ بَابٌ إِلاَّ سُدَّ إِلاَّ بَابُ أَبِى بَكْرٍ »أخرجه البخاري (2)
قال الحافظ ابن حجر في الفتح:قَالَ النَّوَوِيّ:قَالَ الْعُلَمَاء مَعْنَاهُ أَكْثَرُهُمْ جُودًا لَنَا بِنَفْسِهِ وَمَالِهِ،وَلَيْسَ هُوَ مِنْ الْمَنِّ الَّذِي هُوَ الِاعْتِدَادُ بِالصَّنِيعَةِ؛لِأَنَّ الْمِنَّةَ لِلَّهِ وَلِرَسُولِهِ فِي قَبُولِ ذَلِكَ،وَقَالَ الْقُرْطُبِيّ:هُوَ مِنْ الِامْتِنَانِ،وَالْمُرَاد أَنَّ أَبَا بَكْر لَهُ مِنْ الْحُقُوقِ مَا لَوْ كَانَ لِغَيْرِهِ نَظِيرِهَا لَامْتَنَّ بِهَا،يُؤَيِّدُهُ قَوْلُهُ فِي رِوَايَةِ اِبْن عَبَّاس"لَيْسَ أَحَد أَمَنّ عَلَى "،وَاللَّه أَعْلَمُ .
فِي هَذَا الْحَدِيث اِخْتِصَاص ظَاهِر لِأَبِي بَكْر،وَفِيهِ إِشَارَة قَوِيَّة إِلَى اِسْتِحْقَاقه لِلْخِلَافَةِ،وَلَا سِيَّمَا وَقَدْ ثَبَتَ أَنَّ ذَلِكَ كَانَ فِي آخِر حَيَاة النَّبِيّ - صلى الله عليه وسلم - فِي الْوَقْت الَّذِي أَمَرَهُمْ فِيهِ أَنْ لَا يَؤُمّهُمْ إِلَّا أَبُو بَكْر.وَقَدْ اِدَّعَى بَعْضهمْ أَنَّ الْبَاب كِنَايَة عَنْ الْخِلَافَة وَالْأَمْر بِالسَّدِّ كِنَايَة عَنْ طَلَبهَا كَأَنَّهُ قَالَ:لَا يَطْلُبَن أَحَد الْخِلَافَة إِلَّا أَبَا بَكْر فَإِنَّهُ لَا حَرَج عَلَيْهِ فِي طَلَبهَا،وَإِلَى هَذَا جَنَحَ اِبْن حِبَّانَ فَقَالَ بَعْد أَنْ أَخْرَجَ هَذَا الْحَدِيث:فِي هَذَا دَلِيل عَلَى أَنَّهُ الْخَلِيفَة بَعْد النَّبِيّ - صلى الله عليه وسلم - ؛لِأَنَّهُ حَسَمَ بِقَوْلِهِ:"سُدُّوا عَنِّي كُلّ خَوْخَة فِي الْمَسْجِد"أَطْمَاع النَّاس كُلّهمْ عَنْ أَنْ
__________
(1) - أحكام القرآن (2/951)
(2) - برقم (466)(1/54)
يَكُونُوا خُلَفَاء بَعْده.وَقَوَّى بَعْضهمْ ذَلِكَ بِأَنَّ مَنْزِلَ أَبِي بَكْر كَانَ بِالسُّنْحِ مِنْ عَوَالِي الْمَدِينَة كَمَا سَيَأْتِي قَرِيبًا بَعْد بَاب فَلَا يَكُون لَهُ خَوْخَة إِلَى الْمَسْجِد،وَهَذَا الْإِسْنَاد ضَعِيف لِأَنَّهُ لَا يَلْزَم مِنْ كَوْن مَنْزِله كَانَ بِالسُّنْحِ أَنْ لَا يَكُون لَهُ دَارَ مُجَاوِرَة لِلْمَسْجِدِ،وَمَنْزِله الَّذِي كَانَ بِالسُّنْحِ هُوَ مَنْزِل أَصْهَاره مِنْ الْأَنْصَار،وَقَدْ كَانَ لَهُ إِذْ ذَاكَ زَوْجَة أُخْرَى وَهِيَ أَسْمَاء بِنْت عُمَيْس بِالِاتِّفَاقِ وَأُمّ رُومَان عَلَى الْقَوْل بِأَنَّهَا كَانَتْ بَاقِيَة يَوْمَئِذٍ.وَقَدْ تَعَقَّبَ الْمُحِبّ الطَّبَرِيُّ كَلَام اِبْن حِبَّانَ فَقَالَ:وَقَدْ ذَكَرَ عُمَر بْن شَبَّة فِي"أَخْبَار الْمَدِينَة"أَنَّ دَارَ أَبِي بِكْر الَّتِي أَذِنَ لَهُ فِي إِبْقَاء الْخَوْخَة مِنْهَا إِلَى الْمَسْجِد كَانَتْ مُلَاصِقَة لِلْمَسْجِدِ وَلَمْ تَزَلْ بِيَدِ أَبِي بَكْر حَتَّى اِحْتَاجَ إِلَى شَيْء يُعْطِيه لِبَعْضِ مَنْ وَفَدَ عَلَيْهِ فَبَاعَهَا فَاشْتَرَتْهَا مِنْهُ حَفْصَة أُمّ الْمُؤْمِنِينَ بِأَرْبَعَةِ آلَاف دِرْهَم فَلَمْ تَزَلْ بِيَدِهَا إِلَى أَنْ أَرَادُوا تَوْسِيع الْمَسْجِد فِي خِلَافَة عُثْمَان فَطَلَبُوهَا مِنْهَا لِيُوَسِّعُوا بِهَا الْمَسْجِد فَامْتَنَعَتْ وَقَالَتْ:كَيْف بِطَرِيقِي إِلَى الْمَسْجِد ؟ فَقِيلَ لَهَا نُعْطِيك دَارًا أَوْسَعَ مِنْهَا وَنَجْعَل لَك طَرِيقًا مِثْلهَا،فَسَلَّمَتْ وَرَضِيَتْ .
وَفِي حَدِيث الْبَاب مِنْ الْفَوَائِد غَيْر مَا تَقَدَّمَ فَضِيلَة ظَاهِرَة لِأَبِي بَكْر الصِّدِّيق وَأَنَّهُ كَانَ مُتَأَهِّلًا لِأَنْ يَتَّخِذهُ النَّبِيّ - صلى الله عليه وسلم - خَلِيلًا لَوْلَا الْمَانِع الْمُتَقَدِّم ذِكْرُهُ،وَيُؤْخَذ مِنْهُ أَنَّ لِلْخَلِيلِ صِفَة خَاصَّة تَقْتَضِي عَدَم الْمُشَارَكَة فِيهَا،وَأَنَّ الْمَسَاجِد تُصَان عَنْ التَّطَرُّق إِلَيْهَا لِغَيْرِ ضَرُورَة مُهِمَّة،وَالْإِشَارَة بِالْعِلْمِ الْخَاصّ دُون التَّصْرِيح لِإِثَارَةِ أَفْهَام السَّامِعِينَ وَتَفَاوُت الْعُلَمَاء فِي الْفَهْم وَأَنَّ مَنْ كَانَ أَرْفَع فِي الْفَهْم اِسْتَحَقَّ أَنْ يُطْلَق عَلَيْهِ أَعْلَم،وَفِيهِ التَّرْغِيب فِي اِخْتِيَار مَا فِي الْآخِرَة عَلَى مَا فِي الدُّنْيَا،وَفِيهِ شُكْر الْمُحْسِن وَالتَّنْوِيه بِفَضْلِهِ وَالثَّنَاء عَلَيْهِ.وَقَالَ اِبْن بَطَّال:فِيهِ أَنَّ الْمُرَشَّح لِلْإِمَامَةِ يُخَصّ بِكَرَامَةٍ تَدُلّ عَلَيْهِ كَمَا وَقَعَ فِي حَقّ الصِّدِّيق فِي هَذِهِ الْقِصَّة (1) .
ج- عَنْ أَبِى عُثْمَانَ قَالَ حَدَّثَنِى عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ - رضى الله عنه - أَنَّ النَّبِىَّ - صلى الله عليه وسلم - بَعَثَهُ عَلَى جَيْشِ ذَاتِ السَّلاَسِلِ،فَأَتَيْتُهُ فَقُلْتُ أَىُّ النَّاسِ أَحَبُّ إِلَيْكَ قَالَ « عَائِشَةُ ».فَقُلْتُ
__________
(1) - فتح الباري لابن حجر - (ج 2 / ص 211)و (ج 10 / ص 451)(1/55)
مِنَ الرِّجَالِ فَقَالَ « أَبُوهَا ».قُلْتُ ثُمَّ مَنْ قَالَ « ثُمَّ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ ».فَعَدَّ رِجَالاً أخرجه البخاري (1) .
قال النووي رحمه الله:هَذَا تَصْرِيح بِعَظِيمِ فَضَائِل أَبِي بَكْر وَعُمَر وَعَائِشَة رَضِيَ اللَّه عَنْهُمْ وَفِيهِ دَلَالَة بَيِّنَة لِأَهْلِ السُّنَّة فِي تَفْضِيل أَبِي بَكْر،ثُمَّ عُمَر،عَلَى جَمِيع الصَّحَابَة رضي الله عنهم أجمعين. (2)
وقال الحافظ ابن حجر رحمه الله في الفتح:قَوْله:( أَيّ النَّاس أَحَبّ إِلَيْك )زَادَ فِي رِوَايَة قَيْس بْن أَبِي حَازِم عَنْ عَمْرو بْن الْعَاصِ"يَا رَسُول اللَّه فَأَحَبَّهُ"أَخْرَجَهُ اِبْن عَسَاكِر مِنْ طَرِيق عَلِيّ بْن مُسْهِر عَنْ إِسْمَاعِيل عَنْ قَيْس،وَقَعَ عِنْد اِبْن سَعْد سَبَب هَذَا السُّؤَال وَأَنَّهُ وَقَعَ فِي نَفْس عَمْرو لَمَّا أَمَّرَهُ النَّبِيّ - صلى الله عليه وسلم - عَلَى الْجَيْش وَفِيهِمْ أَبُو بَكْر وَعُمَر أَنَّهُ مُقَدَّم عِنْده فِي الْمَنْزِلَة عَلَيْهِمْ فَسَأَلَهُ لِذَلِكَ .
قَوْله:( فَقُلْت مِنْ الرِّجَال )فِي رِوَايَة قَيْس بْن أَبِي حَازِم عَنْ عَمْرو عِنْد اِبْن خُزَيْمَةَ وَابْن حِبَّانَ"قُلْت إِنِّي لَسْت أَعْنِي النِّسَاء إِنِّي أَعْنِي الرِّجَال"وَفِي حَدِيث أَنَس عِنْد اِبْن حِبَّانَ أَيْضًا"سُئِلَ رَسُول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - مَنْ أَحَبّ النَّاس إِلَيْك ؟ قَالَ:عَائِشَة،قِيلَ لَهُ لَيْسَ عَنْ أَهْلك نَسْأَلك"وَعُرِفَ بِحَدِيثِ عُمَر اِسْم السَّائِل فِي حَدِيث أَنَس .
قَوْله:( فَقُلْت:ثُمَّ مَنْ ؟ قَالَ:ثُمَّ عُمَر بْن الْخَطَّاب،فَعَدَّ رِجَالًا )
زَادَ فِي الْمَغَازِي مِنْ وَجْه آخَر"فَسَكَتَ مَخَافَة أَنْ يَجْعَلنِي فِي آخِرهمْ"وَوَقَعَ فِي حَدِيث عَبْد اللَّه بْن شَقِيق قَالَ:"قُلْت لِعَائِشَة:أَيّ أَصْحَاب النَّبِيّ - صلى الله عليه وسلم - كَانَ أَحَبّ إِلَيْهِ ؟ قَالَتْ:أَبُو بَكْر،قُلْت:ثُمَّ مَنْ ؟ قَالَتْ:عُمَر،قُلْت:ثُمَّ مَنْ ؟ قَالَتْ:أَبُو عُبَيْدَة بْن الْجَرَّاح،قُلْت:ثُمَّ مَنْ ؟ فَسَكَتَتْ"أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيّ وَصَحَّحَهُ فَيُمْكِن أَنْ يُفَسَّر بَعْض الرِّجَال الَّذِي أُبْهِمُوا فِي حَدِيث الْبَاب بِأَبِي عُبَيْدَة،وَأَخْرَجَ أَحْمَد وَأَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيّ بِسَنَدٍ صَحِيح عَنْ النُّعْمَان بْن بَشِير قَالَ:"اِسْتَأْذَنَ أَبُو بَكْر عَلَى النَّبِيّ - صلى الله عليه وسلم - ،فَسَمِعَ صَوْت عَائِشَة عَالِيًا وَهِيَ تَقُول:وَاَللَّه لَقَدْ عَلِمْت أَنَّ عَلِيًّا أَحَبّ إِلَيْك مِنْ أَبِي"الْحَدِيث،فَيَكُون عَلِيّ مِمَّنْ أَبْهَمَهُ عَمْرو بْن
__________
(1) - برقم (3662) ومسلم برقم ( 6328 )
(2) - انظر: شرح النووي على صحيح مسلم (15/153)(1/56)
الْعَاصِ،وَهُوَ أَيْضًا وَإِنْ كَانَ فِي الظَّاهِر يُعَارِض حَدِيث عَمْرو لَكِنْ يُرَجَّح حَدِيث عَمْرو أَنَّهُ مِنْ قَوْل النَّبِيّ - صلى الله عليه وسلم - وَهَذَا مِنْ تَقْرِيره،وَيُمْكِن الْجَمْع بِاخْتِلَافِ جِهَة الْمَحَبَّة:فَيَكُون فِي حَقّ أَبِي بَكْر عَلَى عُمُومه بِخِلَافِ عَلِيّ،وَيَصِحّ حِينَئِذٍ دُخُوله فِيمَنْ أَبْهَمَهُ عَمْرو،وَمَعَاذ اللَّه أَنْ نَقُول كَمَا تَقُول الرَّافِضَة مِنْ إِبْهَام عَمْرو فِيمَا رَوَى لِمَا كَانَ بَيْنه وَبَيْن عَلِيّ رَضِيَ اللَّه عَنْهُمَا،فَقَدْ كَانَ النُّعْمَان مَعَ مُعَاوِيَة عَلَى عَلِيّ وَلَمْ يَمْنَعهُ ذَلِكَ مِنْ التَّحْدِيث بِمَنْقَبَةِ عَلِيّ،وَلَا اِرْتِيَاب فِي أَنَّ عَمْرًا أَفْضَل مِنْ النُّعْمَان،وَاللَّهُ أَعْلَمُ .
وَفِي الْحَدِيث جَوَاز تَأْمِير الْمَفْضُول عَلَى الْفَاضِل إِذَا اِمْتَازَ الْمَفْضُول بِصِفَةٍ تَتَعَلَّق بِتِلْكَ الْوِلَايَة،وَمَزِيَّة أَبِي بَكْر عَلَى الرِّجَال وَبِنْته عَائِشَة عَلَى النِّسَاء،وَقَدْ تَقَدَّمَتْ الْإِشَارَة إِلَى ذَلِكَ فِي الْمَنَاقِب،وَمَنْقَبَة لِعَمْرِو بْن الْعَاصِ لِتَأْمِيرِهِ عَلَى جَيْش فِيهِمْ أَبُو بَكْر وَعُمَر وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ لَا يَقْتَضِي أَفْضَلِيَّته عَلَيْهِمْ لَكِنْ يَقْتَضِي أَنَّ لَهُ فَضْلًا فِي الْجُمْلَة.وَقَدْ رَوَيْنَا فِي"فَوَائِد أَبِي بَكْر بْن أَبِي الْهَيْثَم"مِنْ حَدِيث رَافِع الطَّائِيّ قَالَ:"بَعَثَ النَّبِيّ - صلى الله عليه وسلم - جَيْشًا وَاسْتَعْمَلَ عَلَيْهِمْ عَمْرو بْن الْعَاصِ وَفِيهِمْ أَبُو بَكْر"قَالَ:وَهِيَ الْغَزْوَة الَّتِي يَفْتَخِر بِهَا أَهْل الشَّام.وَرَوَى أَحْمَد وَالْبُخَارِيّ فِي الْأَدَب وَصَحَّحَهُ أَبُو عَوَانَة وَابْن حِبَّانَ وَالْحَاكِم مِنْ طَرِيق عَلِيّ بْن رَبَاح عَنْ عَمْرو بْن الْعَاصِ قَالَ:"بَعَثَ إِلَيَّ النَّبِيّ - صلى الله عليه وسلم - يَأْمُرنِي أَنْ آخُذ ثِيَابِي وَسِلَاحِي فَقَالَ:يَا عَمْرو،إِنِّي أُرِيدَ أَنْ أَبْعَثك عَلَى جَيْش فَيُغْنِمك اللَّه وَيُسَلِّمك،قُلْت:إِنِّي لَمْ أُسْلِم رَغْبَة فِي الْمَال.قَالَ:نِعْمَ الْمَال الصَّالِح لِلْمَرْءِ الصَّالِح"وَهَذَا فِيهِ إِشْعَار بِأَنَّ بَعْثه عَقِب إِسْلَامه،وَكَانَ إِسْلَامه فِي أَثْنَاء سَنَة سَبْعٍ مِنْ الْهِجْرَة (1)
د- عَنْ أَبِى الأَحْوَصِ قَالَ سَمِعْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ مَسْعُودٍ يُحَدِّثُ عَنِ النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - أَنَّهُ قَالَ « لَوْ كُنْتُ مُتَّخِذًا خَلِيلاً لاَتَّخَذْتُ أَبَا بَكْرٍ خَلِيلاً وَلَكِنَّهُ أَخِى وَصَاحِبِى وَقَدِ اتَّخَذَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ صَاحِبَكُمْ خَلِيلاً » أخرجه مسلم . (2)
__________
(1) - فتح الباري لابن حجر - (ج 10 / ص 460)
(2) - برقم(6322)(1/57)
ذ- عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ أَتَتِ امْرَأَةٌ النَّبِىَّ - صلى الله عليه وسلم - فَأَمَرَهَا أَنْ تَرْجِعَ إِلَيْهِ.قَالَتْ أَرَأَيْتَ إِنْ جِئْتُ وَلَمْ أَجِدْكَ كَأَنَّهَا تَقُولُ الْمَوْتَ.قَالَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ « إِنْ لَمْ تَجِدِينِى فَأْتِى أَبَا بَكْرٍ » أخرجه البخاري (1)
قال الحافظ ابن حجر:وَفِي الْحَدِيث أَنَّ مَوَاعِيد النَّبِيّ - صلى الله عليه وسلم - كَانَتْ عَلَى مَنْ يَتَوَلَّى الْخِلَافَة بَعْده تَنْجِيزهَا.وَفِيهِ رَدّ عَلَى الشِّيعَة فِي زَعْمهمْ أَنَّهُ نَصّ عَلَى اِسْتِخْلَاف عَلِيّ وَالْعَبَّاس
ر- عن عبد الله بن عمرو،قال:قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - :"لقد هممت أن أبعث رجالا من أصحابي إلى ملوك الأرض،يدعونهم إلى الإسلام كما بعث عيسى ابن مريم ».قالوا:أفلا نبعث أبا بكر وعمر،فهما أبلغ عنك ؟ قال:« لا غنى بي عنهما،إنما منزلتهما من الدين بمنزلة السمع والبصر من الجسد »أخرجه ابن أبي عاصم في السنة (2) .
ز- عَنْ أَبِى الدَّرْدَاءِ قَالَ:كُنْتُ جَالِسًا عِنْدَ النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - إِذْ أَقْبَلَ أَبُو بَكْرٍ رَضِىَ اللَّهُ عَنْهُ آخِذًا بِطَرَفِ ثَوْبِهِ حَتَّى أَبْدَى عَنْ رُكْبَتَيْهِ فَقَالَ :"أَمَّا صَاحِبُكُمْ هَذَا فَقَدْ غَامَرَ ». فَسَلَّمَ وَقَالَ إِنَّهُ كَانَ بَيْنِى وَبَيْنَ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ شَىْءٌ فَأَسْرَعْتُ إِلَيْهِ ثُمَّ ذَهَبَ فَسَأَلْتُهُ أَنْ يَغْفِرَ لِى فَأَبَى عَلَىَّ وَتَحَرَّزَ مِنِّى بِدَارِهِ فَأَقْبَلْتُ إِلَيْكَ فَقَالَ:يَغْفِرُ اللَّهُ لَكَ يَا أَبَا بَكْرٍ ثَلاَثًا ثُمَّ إِنَّ عُمَرَ رَضِىَ اللَّهُ عَنْهُ نَدِمَ فَأَتَى مَنْزِلَ أَبِى بَكْرٍ رَضِىَ اللَّهُ عَنْهُ فَسَأَلَ أَثَمَّ أَبُو بَكْرٍ؟ فَقَالُوا لاَ فَأَقْبَلَ إِلَى النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - فَجَعَلَ وَجْهُ النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - يَتَمَعَّرُ حَتَّى أَشْفَقَ أَبُو بَكْرٍ فَجَثَا عَلَى رُكْبَتَيْهِ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَنَا وَاللَّهِ كُنْتُ أَظْلَمَ مَرَّتَيْنِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - :"يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى بَعَثَنِى إِلَيْكُمْ فَقُلْتُمْ كَذَبْتَ وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ صَدَقْتَ وَوَاسَانِى بِنَفْسِهِ وَمَالِهِ فَهَلْ أَنْتُمْ تَارِكُونَ لِى صَاحِبِى ». قَالَهَا مَرَّتَيْنِ فَمَا أُوذِىَ بَعْدَهَا أخرجه البخاري (3)
__________
(1) - برقم(3659) ومسلم برقم(6330)
(2) - برقم(1021) والشريعة برقم( 1293 ) وهو حديث حسن لغيره
(3) - برقم(4640)(1/58)
س- عن أبي الدرداء،قال:رآني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ،وأنا أمشي بين يدي أبي بكر،قال:« لم تمشي أمام من هو خير منك ؟ إن أبا بكر خير من طلعت عليه الشمس وغربت".أخرجه ابن أبي عاصم في السنة (1)
ش- عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - "مَا نَفَعَنِى مَالٌ قَطُّ مَا نَفَعَنِى مَالُ أَبِى بَكْرٍ ». قَالَ فَبَكَى أَبُو بَكْرٍ وَقَالَ هَلْ أَنَا وَمَالِى إِلاَّ لَكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ أخرجه ابن ماجة (2)
وفي رواية عن أبي هريرة،عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ،قال:« ينفخ في الصور ».فذكر نحوه إلى قوله:"فيقعون له سجدا ويجفو أصلاب المنافقين فلا يستطيعون شيئا،فذلك قول الله عز وجل:( يوم يكشف عن ساق ويدعون إلى السجود فلا يستطيعون )،ثم ينطلق ويتبعون أثره وهو على الصراط حتى يجيزوا،فإذا جازوا فكل خزنة الجنة يدعوهم:يا مسلم هلم هاهنا،يا مسلم خير لك »،فقال أبو بكر:يا رسول الله،من ذلك الرجل ؟،فقال:« إني لأطمع أن تكون أحدهم،ما نفعني مال قط ما نفعني مال أبي بكر رضي الله عنه » أخرجه ابن مندة (3)
ص- عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - "لِكُلِّ أَهْلِ عَمَلٍ بَابٌ مِنْ أَبْوَابِ الْجَنَّةِ يُدْعَوْنَ بِذَلِكَ الْعَمَلِ وَلأَهْلِ الصِّيَامِ بَابٌ يُدْعَوْنَ مِنْهُ يُقَالُ لَهُ الرَّيَّانُ ». فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ يَا رَسُولَ اللَّهِ هَلْ أَحَدٌ يُدْعَى مِنْ تِلْكَ الأَبْوَابِ كُلِّهَا قَالَ « نَعَمْ وَأَنَا أَرْجُو أَنْ تَكُونَ مِنْهُمْ يَا أَبَا بَكْرٍ ». أخرجه أحمد (4)
ض- وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ:قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - :"إِذَا كَانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ دُعِيَ الْإِنْسَانُ بِأَكْثَرِ عَمَلِهِ،فَإِنْ كَانَتِ الصَّلَاةُ أَفْضَلَ دُعِيَ بِهَا،وَإِنْ كَانَ صِيَامُهُ دُعِيَ بِهِ،وَإِنْ كَانَ الْجِهَادُ
__________
(1) - برقم(1224) و وفضائل الصحابة(135 و137 و662) وهو حديث صحيح لغيره
(2) برقم(99) وأحمد برقم(7653) وهو صحيح
وفي حاشية السندي على ابن ماجه - (ج 1 / ص 85)
قَوْله ( هَلْ أَنَا وَمَالِي إِلَخْ )اُنْظُرْ إِلَى مُرَاعَاة التَّأَدُّب وَالتَّوَاضُع فِي حَضْرَته - صلى الله عليه وسلم - فَقَدْ جَعَلَ نَفْسه كَالْعَبْدِ وَكَذَلِكَ الْأَدَب فَالنَّبِيّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسهمْ
(3) - برقم( 828و829 ) وهو حديث حسن
(4) - برقم(10054) وهو صحيح(1/59)
دُعِيَ بِهِ،ثُمَّ يَأْتِي بَابًا مِنْ أَبْوَابِ الْجَنَّةِ يُقَالُ لَهُ:الرَّيَّانُ،يُدْعَى مِنْهُ الصَّائِمُونَ ".قَالَ أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ:يَا رَسُولَ اللَّهِ،أَثَمَّ أَحَدٌ يُدْعَى بِعَمَلَيْنِ ؟ قَالَ:"نَعَمْ.أَنْتَ ".رَوَاهُ الْبَزَّارُ (1)
ط- عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ سَمِعْتُ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ - رضى الله عنه - يَقُولُ أَمَرَنَا رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يَوْمًا أَنْ نَتَصَدَّقَ فَوَافَقَ ذَلِكَ مَالاً عِنْدِى فَقُلْتُ الْيَوْمَ أَسْبِقُ أَبَا بَكْرٍ إِنْ سَبَقْتُهُ يَوْمًا فَجِئْتُ بِنِصْفِ مَالِى فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - "مَا أَبْقَيْتَ لأَهْلِكَ ». قُلْتُ مِثْلَهُ.قَالَ وَأَتَى أَبُو بَكْرٍ - رضى الله عنه - بِكُلِّ مَا عِنْدَهُ فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - "مَا أَبْقَيْتَ لأَهْلِكَ ». قَالَ أَبْقَيْتُ لَهُمُ اللَّهَ وَرَسُولَهُ. قُلْتُ لاَ أُسَابِقُكَ إِلَى شَىْءٍ أَبَدًا.أخرجه أبو داود (2)
ظ- وَعَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ قَالَ:صَلَّى رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - الصُّبْحُ،ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَى أَصْحَابِهِ فَقَالَ:"هَلْ مِنْكُمْ أَحَدٌ أَصْبَحَ صَائِمًا ؟ ".فَقَالَ عُمَرُ:يَا رَسُولَ اللَّهِ،لَمْ أُحَدِّثْ نَفْسِي بِالصَّوْمِ الْبَارِحَةَ فَأَصْبَحْتُ مُفْطِرًا.فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ:لَكِنِّي حَدَّثْتُ نَفْسِي بِالصَّوْمِ الْبَارِحَةَ فَأَصْبَحْتُ صَائِمًا.فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - :"هَلْ مِنْكُمُ الْيَوْمَ أَحَدٌ عَادَ مَرِيضًا ؟ ".فَقَالَ عُمَرُ:يَا رَسُولَ اللَّهِ،صَلَّيْنَا ثُمَّ لَمْ نَبْرَحْ فَكَيْفَ نَعُودُ الْمَرْضَى ؟ فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ:بَلَغَنِي أَنَّ أَخِي عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ عَوْفٍ اشْتَكَى فَجَعَلْتُ طَرِيقِي عَلَيْهِ حِينَ خَرَجْتُ إِلَى الْمَسْجِدِ لِأَنْظُرَ كَيْفَ أَصْبَحَ.فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - :"هَلْ مِنْكُمْ أَحَدٌ أَطْعَمَ الْيَوْمَ مِسْكِينًا ؟ ".فَقَالَ عُمَرُ:يَا رَسُولَ اللَّهِ،صَلَّيْنَا ثُمَّ لَمْ نَبْرَحْ فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ:دَخَلْتُ الْمَسْجِدَ فَإِذَا أَنَا بِسَائِلٍ يَسْأَلُ فَوَجَدْتُ كِسْرَةَ خُبْزِ شَعِيرٍ فِي يَدِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ فَأَخَذْتُهَا فَدَفَعْتُهَا إِلَيْهِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - :"أَنْتَ فَأَبْشِرْ بِالْجَنَّةِ ".فَتَنَفَّسَ عُمَرُ فَقَالَ:وَاهًا لِلْجَنَّةِ.فَقَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - كَلِمَةً رَضَّى بِهَا عُمَرَ:"رَحِمَ اللَّهُ عُمَرَ رَحِمَ اللَّهُ عُمَرَ لَمْ يُرِدْ خَيْرًا قَطُّ إِلَّا سَبَقَهُ أَبُو بَكْرٍ إِلَيْهِ"أخرجه الطبراني (3)
__________
(1) - في زوائد بز(3474) والمجمع برقم(18653) وإسناده حسن
(2) - برقم(1680) والترمذي برقم( 4038) وهو حديث صحيح
( لَا أَسْبِقُهُ إِلَى شَيْءٍ )أَيْ مِنْ الْفَضَائِلِ لِأَنَّهُ إِذَا لَمْ يَقْدِرْ عَلَى مُغَالَبَتِهِ حِينَ كَثْرَةِ مَالِهِ وَقِلَّةِ مَالِ أَبِي بَكْرٍ فَفِي غَيْرِ هَذَا الْحَالِ أَوْلَى أَنْ لَا يَسْبِقَهُ .
(3) - المجمع برقم(4949) وعاصم برقم( 1042) وهو حديث حسن(1/60)
ع- عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ رضى الله عنه قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - "نِعْمَ الرَّجُلُ أَبُو بَكْرٍ نِعْمَ الرَّجُلُ عُمَرُ نِعْمَ الرَّجُلُ أَبُو عُبَيْدَةَ بْنُ الْجَرَّاحِ نِعْمَ الرَّجُلُ أُسَيْدُ بْنُ حُضَيْرٍ نِعْمَ الرَّجُلُ ثَابِتُ بْنُ قَيْسِ بْنِ شَمَّاسٍ نِعْمَ الرَّجُلُ مُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ نِعْمَ الرَّجُلُ مُعَاذُ بْنُ عَمْرِو بْنِ الْجَمُوحِ » أخرجه الترمذي (1)
غ- عَنِ الشَّعْبِيِّ،قَالَ:سَأَلْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ،مَنْ أَوَّلُ مَنْ أَسْلَمَ؟ قَالَ:أَبُو بَكْرٍ أَمَا سَمِعْتَ قَوْلَ حَسَّانَ بن ثَابِتٍ:
إِذَا تَذَكَّرْتَ شَجْوًا مِنْ أَخِي ثِقَةٍ فَاذْكُرْ أَخَاكَ أَبَا بَكْرٍ بِمَا فَعَلا
خَيْرُ الْبَرِيَّةِ أَتْقَاهَا وَأَعْدَلُهَا إِلا النَّبِيُّ وَافَاهَا لِمَا حَمَلا
وَالثَّانِي التَّالِي الْمَحْمُودُ مَشْهَدُهُ وَأَوَّلُ النَّاسِ مِنْهُمْ صَدَّقَ الرُّسُلا. أخرجه الآجري (2)
ف- عَنْ أَبِى سَعِيدٍ قَالَ قَالَ أَبُو بَكْرٍ أَلَسْتُ أَحَقَّ النَّاسِ بِهَا أَلَسْتُ أَوَّلَ مَنْ أَسْلَمَ أَلَسْتُ صَاحِبَ كَذَا أَلَسْتُ صَاحِبَ كَذَا أخرجه الترمذي (3)
ق- عَنْ زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ قَالَ أَوَّلُ مَنْ أَسْلَمَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - عَلِىُّ بْنُ أَبِى طَالِبٍ.
فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لِلنَّخَعِىِّ فَأَنْكَرَهُ وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ أَوَّلُ مَنْ أَسْلَمَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - .أخرجه أحمد (4)
وفي رواية عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ قَالَ سَمِعْتُ أَبَا حَمْزَةَ يُحَدِّثُ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ قَالَ أَوَّلُ مَنْ صَلَّى مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - عَلِىٌّ. قَالَ عَمْرٌو فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لإِبْرَاهِيمَ فَأَنْكَرَ ذَلِكَ وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ. أخرجه أحمد (5)
وفي رواية عن إبراهيم قال:« أبو بكر أول من أسلم » أخرجه الآجري (6)
__________
(1) - برقم(4164) وابن أبي شيبة برقم(31939) وأحمد برقم(9671)وهو حديث صحيح
(2) - في الشريعة برقم(1220 و1221) وفضائل الصحابة برقم(96) والطبراني برقم( 12398) وهو حديث حسن
(3) - برقم(4029) والآحادبرقم(16) وابن حبان (6989) والضياء برقم(18) وهو حديث صحيح
(4) - برقم(19827) وابن أبي شيبة (36594) وعاصم(392) وقال الحاكم هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ الإسناد وإنما الخلاف في هذا الحرف أن أبا بكر الصديق رضي الله عنه كان أول الرجال البالغين إسلاما وعلي بن أبي طالب تقدم إسلامه قبل البلوغ
(5) - برقم(19805) و الشريعة للآجري برقم(1225) وهو حديث صحيح
(6) - برقم(1227) وفضائل الصحابة برقم( 245) وهو صحيح مرسل(1/61)
وقَالَ يُوسُفُ بْنُ يَعْقُوبَ الْمَاجِشُونَ قَالَ:أَدْرَكْتُ مَشْيَخَتَنَا وَمَنْ نَأْخُذُ عَنْهُ،مِنْهُمْ:رَبِيعَةُ بْنُ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ،وَمُحَمَّدُ بْنُ الْمُنْكَدِرِ،وَعُثْمَانُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْأَخْشَنِيُّ يَقُولُونَ:"أَبُو بَكْرٍ أَوَّلُ الرِّجَالِ إِسْلَامًا"أخرجه الآجري (1)
ك- عَنْ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ كَانَ أَوَّلُ مَنْ أَظْهَرَ إِسْلاَمَهُ سَبْعَةً رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - وَأَبُو بَكْرٍ وَعَمَّارٌ وَأُمُّهُ سُمَيَّةُ وَصُهَيْبٌ وَبِلاَلٌ وَالْمِقْدَادُ فَأَمَّا رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فَمَنَعَهُ اللَّهُ بِعَمِّهِ أَبِى طَالِبٍ وَأَمَّا أَبُو بَكْرٍ فَمَنَعَهُ اللَّهُ بِقَوْمِهِ وَأَمَّا سَائِرُهُمْ فَأَخَذَهُمُ الْمُشْرِكُونَ فَأَلْبَسُوهُمْ أَدْرَاعَ الْحَدِيدِ وَصَهَرُوهُمْ فِى الشَّمْسِ فَمَا مِنْهُمْ إِنْسَانٌ إِلاَّ وَقَدْ وَاتَاهُمْ عَلَى مَا أَرَادُوا إِلاَّ بِلاَلٌ فَإِنَّهُ هَانَتْ عَلَيْهِ نَفْسُهُ فِى اللَّهِ وَهَانَ عَلَى قَوْمِهِ فَأَعْطَوْهُ الْوِلْدَانَ وَأَخَذُوا يَطُوفُونَ بِهِ شِعَابَ مَكَّةَ وَهُوَ يَقُولُ أَحَدٌ أَحَدٌ.أخرجه أحمد (2)
ل- وعَنْ عُرْوَةَ قَالَ:سَعَى رِجَالٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ إِلَى أَبِي بَكْرٍ - رضي الله عنهم - فَقَالُوا لَهُ:هَذَا صَاحِبُكَ يَزْعُمُ أَنَّهُ قَدْ أُسْرِيَ بِهِ اللَّيْلَةَ إِلَى بَيْتِ الْمَقْدِسِ،ثُمَّ رَجَعَ مِنْ لَيْلَتِهِ،فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ - رضي الله عنهم - :أَوَ قَالَ ذَاكَ ؟ قَالُوا:نَعَمْ،قَالَ أَبُو بَكْرٍ - رضي الله عنهم - :فَأَنَا أَشْهَدُ إِنْ كَانَ قَالَ ذَاكَ لَقَدْ صَدَقَ،قَالُوا:تُصَدِّقُهُ أَنَّهُ قَدْ جَاءَ الشَّامَ فِي لَيْلَةٍ وَاحِدَةٍ وَرَجَعَ قِبَلَ أَنْ يُصْبِحَ ؟ فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ - رضي الله عنهم - :نَعَمْ،أَنَا أُصَدِّقُهُ بِأَبْعَدَ مِنْ ذَلِكَ،أُصَدِّقُهُ بِخَبَرِ السَّمَاءِ غُدْوَةً وَعَشِيَّةً فَلِذَلِكَ سُمِّيَ أَبُو بَكْرٍ - رضي الله عنهم - :الصِّدِّيقَ."أخرجه الآجري (3)
م- عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ،قَالَ:قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - :مَا أَحَدٌ أَعْظَمُ عِنْدِي يَدًا مِنْ أَبِي بَكْرٍ رَضِي اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ،وَاسَانِي بنفْسِهِ وَمَالِهِ وأَنْكَحَنِي ابْنَتَهُ.أخرجه الطبراني (4)
ن- عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ - رضى الله عنهم - قَالَ قَالَ النَّبِىُّ - صلى الله عليه وسلم - "لَوْ قَدْ جَاءَ مَالُ الْبَحْرَيْنِ،قَدْ أَعْطَيْتُكَ هَكَذَا وَهَكَذَا وَهَكَذَا ».فَلَمْ يَجِئْ مَالُ الْبَحْرَيْنِ حَتَّى قُبِضَ النَّبِىُّ -
__________
(1) - برقم(1228 و1229) وهو صحيح مرسل
(2) - برقم(3909) وهو صحيح
(3) -برقم(1016 و1233) وهو حديث صحيح مرسل
(4) - برقم(11299) والشريعة (1239) و صحيح الجامع (5517) وهو حديث حسن(1/62)
- صلى الله عليه وسلم - فَلَمَّا جَاءَ مَالُ الْبَحْرَيْنِ أَمَرَ أَبُو بَكْرٍ فَنَادَى مَنْ كَانَ لَهُ عِنْدَ النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - عِدَةٌ أَوْ دَيْنٌ فَلْيَأْتِنَا.فَأَتَيْتُهُ،فَقُلْتُ إِنَّ النَّبِىَّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ لِى كَذَا وَكَذَا،فَحَثَى لِى حَثْيَةً فَعَدَدْتُهَا فَإِذَا هِىَ خَمْسُمِائَةٍ،وَقَالَ خُذْ مِثْلَيْهَا وفي رواية أَبِى بَكْرٍ أَمَرَ مُنَادِيًا فَنَادَى مَنْ كَانَ لَهُ عِنْدَ النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - دَيْنٌ أَوْ عِدَةٌ فَلْيَأْتِنِى.قَالَ جَابِرٌ فَجِئْتُ أَبَا بَكْرٍ،فَأَخْبَرْتُهُ أَنَّ النَّبِىَّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ « لَوْ جَاءَ مَالُ الْبَحْرَيْنِ أَعْطَيْتُكَ هَكَذَا وَهَكَذَا ثَلاَثًا ».قَالَ فَأَعْطَانِى.قَالَ جَابِرٌ فَلَقِيتُ أَبَا بَكْرٍ بَعْدَ ذَلِكَ فَسَأَلْتُهُ،فَلَمْ يُعْطِنِى،ثُمَّ أَتَيْتُهُ فَلَمْ يُعْطِنِى،ثُمَّ أَتَيْتُهُ الثَّالِثَةَ فَلَمْ يُعْطِنِى،فَقُلْتُ لَهُ قَدْ أَتَيْتُكَ فَلَمْ تُعْطِنِى،ثُمَّ أَتَيْتُكَ فَلَمْ تُعْطِنِى،ثُمَّ أَتَيْتُكَ فَلَمْ تُعْطِنِى،فَإِمَّا أَنْ تُعْطِيَنِى،وَإِمَّا أَنْ تَبْخَلَ عَنِّى.فَقَالَ أَقُلْتَ تَبْخَلُ عَنِّى وَأَىُّ دَاءٍ أَدْوَأُ مِنَ الْبُخْلِ - قَالَهَا ثَلاَثًا - مَا مَنَعْتُكَ مِنْ مَرَّةٍ إِلاَّ وَأَنَا أُرِيدُ أَنْ أُعْطِيَكَ.وَعَنْ عَمْرٍو عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِىٍّ سَمِعْتُ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ يَقُولُ جِئْتُهُ،فَقَالَ لِى أَبُو بَكْرٍ عُدَّهَا.فَعَدَدْتُهَا فَوَجَدْتُهَا خَمْسَمِائَةٍ،فَقَالَ خُذْ مِثْلَهَا مَرَّتَيْنِ أخرجهما البخاري (1)
هـ - عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ،عَنْ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ - رضي الله عنهم - قَالَ:لَمَّا كَانَتْ لَيْلَةُ الْغَارِ قُلْتُ:يَا رَسُولَ اللَّهِ،دَعْنِي فَأَدْخُلْ قَبْلَكَ،فَإِنْ كَانَ شَيْءٌ كَانَ بِي،فَدَخَلَ أَبُو بَكْرٍ - رضي الله عنهم - .فَالْتَمَسَ الْغَارَ بِيَدِهِ وَشَقَّ ثَوْبَهُ،فَكُلَّمَا رَأَى جُحْرًا فِي الْغَارِ أَلْقَمَهُ ثَوْبَهُ،حَتَّى فَعَلَ ذَلِكَ بِثَوْبِهِ أَجْمَعَ،وَبَقِيَ جُحْرٌ مِنْهَا،فَوَضَعَ عَقِبَهُ عَلَيْهِ،وَقَالَ:يَا رَسُولَ اللَّهِ،ادْخُلِ الْغَارَ،فَدَخَلَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - ،فَلَمَّا أَصْبَحَ قَالَ:"يَا أَبَا بَكْرٍ،أَيْنَ ثَوْبُكَ ؟ "،فَأَخْبَرْتُهُ بِمَا صَنَعْتُ فَرَفَعَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يَدَهُ وَقَالَ:"اللَّهُمَّ اجْعَلْ أَبَا بَكْرٍ مَعِي فِي دَرَجَتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ"فَأَوْحَى إِلَيْهِ أَنِّي قَدِ اسْتَجَبْتُ
__________
(1) - برقم(2296و4383)
وفي فتح الباري لابن حجر - (ج 7 / ص 138)
وَوَجْه دُخُوله فِي التَّرْجَمَة أَنَّ أَبَا بَكْر لَمَّا قَامَ مَقَام النَّبِيّ - صلى الله عليه وسلم - تَكَفَّلَ بِمَا كَانَ عَلَيْهِ مِنْ وَاجِب أَوْ تَطَوُّع ، فَلَمَّا اِلْتَزَمَ ذَلِكَ لَزِمَهُ أَنْ يُوفِي جَمِيع مَا عَلَيْهِ مِنْ دَيْن أَوْ عِدَّة ، وَكَانَ - صلى الله عليه وسلم - يُحِبّ الْوَفَاء بِالْوَعْدِ فَنَفَذَ أَبُو بَكْر ذَلِكَ . وَقَدْ عَدَّ بَعْض الشَّافِعِيَّة مِنْ خَصَائِصه - صلى الله عليه وسلم - وُجُوب الْوَفَاء بِالْوَعْدِ أَخْذًا مِنْ هَذَا الْحَدِيث ، وَلَا دَلَالَة فِي سِيَاقه عَلَى الْخُصُوصِيَّة وَلَا عَلَى الْوُجُوب . وَفِيهِ قَبُول خَبَر الْوَاحِد الْعَدْل مِنْ الصَّحَابَة وَلَوْ جَرّ ذَلِكَ نَفْعًا لِنَفْسِهِ ، لِأَنَّ أَبَا بَكْر لَمْ يَلْتَمِس مِنْ جَابِر شَاهِدًا عَلَى صِحَّة دَعْوَاهُ ، وَيَحْتَمِل أَنْ يَكُون أَبُو بَكْر عَلِمَ بِذَلِكَ فَقَضَى لَهُ بِعِلْمِهِ فَيُسْتَدَلّ بِهِ عَلَى جَوَاز مِثْل ذَلِكَ لِلْحَاكِمِ .(1/63)
لَكَ"قَالَ أَنَسٌ:وَكَانَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - يَدْخُلُ بَيْتَ أَبِي بَكْرٍ كَأَنَّهُ بَيْتُهُ،وَيَصْنَعُ بِمَالِ أَبِي بَكْرٍ كَمَا يَصْنَعُ بِمَالِهِ"أخرجه الآجري (1)
و- عَنْ عُقَيْلٍ قَالَ ابْنُ شِهَابٍ فَأَخْبَرَنِى عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ أَنَّ عَائِشَةَ - رضى الله عنها - زَوْجَ النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَتْ لَمْ أَعْقِلْ أَبَوَىَّ إِلاَّ وَهُمَا يَدِينَانِ الدِّينَ.وَقَالَ أَبُو صَالِحٍ حَدَّثَنِى عَبْدُ اللَّهِ عَنْ يُونُسَ عَنِ الزُّهْرِىِّ قَالَ أَخْبَرَنِى عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ أَنَّ عَائِشَةَ - رضى الله عنها - قَالَتْ لَمْ أَعْقِلْ أَبَوَىَّ قَطُّ،إِلاَّ وَهُمَا يَدِينَانِ الدِّينَ،وَلَمْ يَمُرَّ عَلَيْنَا يَوْمٌ إِلاَّ يَأْتِينَا فِيهِ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - طَرَفَىِ النَّهَارِ بُكْرَةً وَعَشِيَّةً،فَلَمَّا ابْتُلِىَ الْمُسْلِمُونَ خَرَجَ أَبُو بَكْرٍ مُهَاجِرًا قِبَلَ الْحَبَشَةِ،حَتَّى إِذَا بَلَغَ بَرْكَ الْغِمَادِ لَقِيَهُ ابْنُ الدَّغِنَةِ - وَهْوَ سَيِّدُ الْقَارَةِ - فَقَالَ أَيْنَ تُرِيدُ يَا أَبَا بَكْرٍ فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ أَخْرَجَنِى قَوْمِى فَأَنَا أُرِيدُ أَنْ أَسِيحَ فِى الأَرْضِ فَأَعْبُدَ رَبِّى.قَالَ ابْنُ الدَّغِنَةِ إِنَّ مِثْلَكَ لاَ يَخْرُجُ وَلاَ يُخْرَجُ،فَإِنَّكَ تَكْسِبُ الْمَعْدُومَ،وَتَصِلُ الرَّحِمَ،وَتَحْمِلُ الْكَلَّ،وَتَقْرِى الضَّيْفَ،وَتُعِينُ عَلَى نَوَائِبِ الْحَقِّ،وَأَنَا لَكَ جَارٌ فَارْجِعْ فَاعْبُدْ رَبَّكَ بِبِلاَدِكَ.فَارْتَحَلَ ابْنُ الدَّغِنَةِ،فَرَجَعَ مَعَ أَبِى بَكْرٍ،فَطَافَ فِى أَشْرَافِ كُفَّارِ قُرَيْشٍ،فَقَالَ لَهُمْ إِنَّ أَبَا بَكْرٍ لاَ يَخْرُجُ مِثْلُهُ،وَلاَ يُخْرَجُ،أَتُخْرِجُونَ رَجُلاً يُكْسِبُ الْمَعْدُومَ،وَيَصِلُ الرَّحِمَ،وَيَحْمِلُ الْكَلَّ،وَيَقْرِى الضَّيْفَ،وَيُعِينُ عَلَى نَوَائِبِ الْحَقِّ.فَأَنْفَذَتْ قُرَيْشٌ جِوَارَ ابْنِ الدَّغِنَةِ وَآمَنُوا أَبَا بَكْرٍ وَقَالُوا لاِبْنِ الدَّغِنَةِ مُرْ أَبَا بَكْرٍ فَلْيَعْبُدْ رَبَّهُ فِى دَارِهِ،فَلْيُصَلِّ وَلْيَقْرَأْ مَا شَاءَ،وَلاَ يُؤْذِينَا بِذَلِكَ،وَلاَ يَسْتَعْلِنْ بِهِ،فَإِنَّا قَدْ خَشِينَا أَنْ يَفْتِنَ أَبْنَاءَنَا وَنِسَاءَنَا.قَالَ ذَلِكَ ابْنُ الدَّغِنَةِ لأَبِى بَكْرٍ،فَطَفِقَ أَبُو بَكْرٍ يَعْبُدُ رَبَّهُ فِى دَارِهِ،وَلاَ يَسْتَعْلِنُ بِالصَّلاَةِ وَلاَ الْقِرَاءَةِ فِى غَيْرِ دَارِهِ،ثُمَّ بَدَا لأَبِى بَكْرٍ فَابْتَنَى مَسْجِدًا بِفِنَاءِ دَارِهِ،وَبَرَزَ فَكَانَ يُصَلِّى فِيهِ،وَيَقْرَأُ الْقُرْآنَ،فَيَتَقَصَّفُ عَلَيْهِ نِسَاءُ الْمُشْرِكِينَ وَأَبْنَاؤُهُمْ،يَعْجَبُونَ وَيَنْظُرُونَ إِلَيْهِ،وَكَانَ أَبُو بَكْرٍ رَجُلاً بَكَّاءً لاَ يَمْلِكُ دَمْعَهُ حِينَ يَقْرَأُ الْقُرْآنَ،فَأَفْزَعَ ذَلِكَ أَشْرَافَ قُرَيْشٍ مِنَ الْمُشْرِكِينَ،فَأَرْسَلُوا إِلَى ابْنِ الدَّغِنَةِ فَقَدِمَ عَلَيْهِمْ،فَقَالُوا لَهُ إِنَّا كُنَّا أَجَرْنَا أَبَا بَكْرٍ عَلَى أَنْ يَعْبُدَ رَبَّهُ فِى دَارِهِ،وَإِنَّهُ جَاوَزَ ذَلِكَ،فَابْتَنَى مَسْجِدًا بِفِنَاءِ دَارِهِ،وَأَعْلَنَ الصَّلاَةَ وَالْقِرَاءَةَ،وَقَدْ
__________
(1) - برقم(1249 و1250 و1251) وشرح أصول الاعتقاد(1975) من طرق وهو حديث حسن(1/64)
خَشِينَا أَنْ يَفْتِنَ أَبْنَاءَنَا وَنِسَاءَنَا،فَأْتِهِ فَإِنْ أَحَبَّ أَنْ يَقْتَصِرَ عَلَى أَنْ يَعْبُدَ رَبَّهُ فِى دَارِهِ فَعَلَ،وَإِنْ أَبَى إِلاَّ أَنْ يُعْلِنَ ذَلِكَ فَسَلْهُ أَنْ يَرُدَّ إِلَيْكَ ذِمَّتَكَ،فَإِنَّا كَرِهْنَا أَنْ نُخْفِرَكَ،وَلَسْنَا مُقِرِّينَ لأَبِى بَكْرٍ الاِسْتِعْلاَنَ.قَالَتْ عَائِشَةُ فَأَتَى ابْنُ الدَّغِنَةِ أَبَا بَكْرٍ،فَقَالَ قَدْ عَلِمْتَ الَّذِى عَقَدْتُ لَكَ عَلَيْهِ،فَإِمَّا أَنْ تَقْتَصِرَ عَلَى ذَلِكَ وَإِمَّا أَنْ تَرُدَّ إِلَىَّ ذِمَّتِى،فَإِنِّى لاَ أُحِبُّ أَنْ تَسْمَعَ الْعَرَبُ أَنِّى أُخْفِرْتُ فِى رَجُلٍ عَقَدْتُ لَهُ.قَالَ أَبُو بَكْرٍ إِنِّى أَرُدُّ إِلَيْكَ جِوَارَكَ،وَأَرْضَى بِجِوَارِ اللَّهِ.وَرَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يَوْمَئِذٍ بِمَكَّةَ،فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - "قَدْ أُرِيتُ دَارَ هِجْرَتِكُمْ،رَأَيْتُ سَبْخَةً ذَاتَ نَخْلٍ بَيْنَ لاَبَتَيْنِ ».وَهُمَا الْحَرَّتَانِ،فَهَاجَرَ مَنْ هَاجَرَ قِبَلَ الْمَدِينَةِ حِينَ ذَكَرَ ذَلِكَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - ،وَرَجَعَ إِلَى الْمَدِينَةِ بَعْضُ مَنْ كَانَ هَاجَرَ إِلَى أَرْضِ الْحَبَشَةِ،وَتَجَهَّزَ أَبُو بَكْرٍ مُهَاجِرًا،فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - "عَلَى رِسْلِكَ فَإِنِّى أَرْجُو أَنْ يُؤْذَنَ لِى ».قَالَ أَبُو بَكْرٍ هَلْ تَرْجُو ذَلِكَ بِأَبِى أَنْتَ قَالَ « نَعَمْ ».فَحَبَسَ أَبُو بَكْرٍ نَفْسَهُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - لِيَصْحَبَهُ وَعَلَفَ رَاحِلَتَيْنِ كَانَتَا عِنْدَهُ وَرَقَ السَّمُرِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ "
وفي رواية عَنْ عُقَيْلٍ قَالَ ابْنُ شِهَابٍ فَأَخْبَرَنِى عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ أَنَّ عَائِشَةَ - رضى الله عنها - زَوْجَ النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَتْ لَمْ أَعْقِلْ أَبَوَىَّ قَطُّ إِلاَّ وَهُمَا يَدِينَانِ الدِّينَ،وَلَمْ يَمُرَّ عَلَيْنَا يَوْمٌ إِلاَّ يَأْتِينَا فِيهِ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - طَرَفَىِ النَّهَارِ بُكْرَةً وَعَشِيَّةً،فَلَمَّا ابْتُلِىَ الْمُسْلِمُونُ خَرَجَ أَبُو بَكْرٍ مُهَاجِرًا نَحْوَ أَرْضِ الْحَبَشَةِ،حَتَّى بَلَغَ بَرْكَ الْغِمَادِ لَقِيَهُ ابْنُ الدَّغِنَةِ وَهْوَ سَيِّدُ الْقَارَةِ.فَقَالَ أَيْنَ تُرِيدُ يَا أَبَا بَكْرٍ فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ أَخْرَجَنِى قَوْمِى،فَأُرِيدُ أَنْ أَسِيحَ فِى الأَرْضِ وَأَعْبُدَ رَبِّى.قَالَ ابْنُ الدَّغِنَةِ فَإِنَّ مِثْلَكَ يَا أَبَا بَكْرٍ لاَ يَخْرُجُ وَلاَ يُخْرَجُ،إِنَّكَ تَكْسِبُ الْمَعْدُومَ،وَتَصِلُ الرَّحِمَ وَتَحْمِلُ الْكَلَّ،وَتَقْرِى الضَّيْفَ،وَتُعِينُ عَلَى نَوَائِبِ الْحَقِّ،فَأَنَا لَكَ جَارٌ،ارْجِعْ وَاعْبُدْ رَبَّكَ بِبَلَدِكَ.فَرَجَعَ وَارْتَحَلَ مَعَهُ ابْنُ الدَّغِنَةِ،فَطَافَ ابْنُ الدَّغِنَةِ عَشِيَّةً فِى أَشْرَافِ قُرَيْشٍ،فَقَالَ لَهُمْ إِنَّ أَبَا بَكْرٍ لاَ يَخْرُجُ مِثْلُهُ وَلاَ يُخْرَجُ،أَتُخْرِجُونَ رَجُلاً يَكْسِبُ الْمَعْدُومَ،وَيَصِلُ الرَّحِمَ،وَيَحْمِلُ الْكَلَّ،وَيَقْرِى الضَّيْفَ،وَيُعِينُ عَلَى نَوَائِبِ الْحَقِّ فَلَمْ تُكَذِّبْ قُرَيْشٌ بِجِوَارِ ابْنِ الدَّغِنَةِ،وَقَالُوا لاِبْنِ الدَّغِنَةِ مُرْ أَبَا بَكْرٍ فَلْيَعْبُدْ رَبَّهُ فِى دَارِهِ،فَلْيُصَلِّ فِيهَا وَلْيَقْرَأْ مَا شَاءَ،وَلاَ يُؤْذِينَا بِذَلِكَ،وَلاَ يَسْتَعْلِنْ بِهِ،فَإِنَّا نَخْشَى أَنْ يَفْتِنَ نِسَاءَنَا وَأَبْنَاءَنَا.فَقَالَ(1/65)
ذَلِكَ ابْنُ الدَّغِنَةِ لأَبِى بَكْرٍ،فَلَبِثَ أَبُو بَكْرٍ بِذَلِكَ يَعْبُدُ رَبَّهُ فِى دَارِهِ،وَلاَ يَسْتَعْلِنُ بِصَلاَتِهِ،وَلاَ يَقْرَأُ فِى غَيْرِ دَارِهِ،ثُمَّ بَدَا لأَبِى بَكْرٍ فَابْتَنَى مَسْجِدًا بِفِنَاءِ دَارِهِ وَكَانَ يُصَلِّى فِيهِ وَيَقْرَأُ الْقُرْآنَ،فَيَنْقَذِفُ عَلَيْهِ نِسَاءُ الْمُشْرِكِينَ وَأَبْنَاؤُهُمْ،وَهُمْ يَعْجَبُونَ مِنْهُ،وَيَنْظُرُونَ إِلَيْهِ،وَكَانَ أَبُو بَكْرٍ رَجُلاً بَكَّاءً،لاَ يَمْلِكُ عَيْنَيْهِ إِذَا قَرَأَ الْقُرْآنَ،وَأَفْزَعَ ذَلِكَ أَشْرَافَ قُرَيْشٍ مِنَ الْمُشْرِكِينَ،فَأَرْسَلُوا إِلَى ابْنِ الدَّغِنَةِ،فَقَدِمَ عَلَيْهِمْ.فَقَالُوا إِنَّا كُنَّا أَجَرْنَا أَبَا بَكْرٍ بِجِوَارِكَ،عَلَى أَنْ يَعْبُدَ رَبَّهُ فِى دَارِهِ،فَقَدْ جَاوَزَ ذَلِكَ،فَابْتَنَى مَسْجِدًا بِفِنَاءِ دَارِهِ،فَأَعْلَنَ بِالصَّلاَةِ وَالْقِرَاءَةِ فِيهِ،وَإِنَّا قَدْ خَشِينَا أَنْ يَفْتِنَ نِسَاءَنَا وَأَبْنَاءَنَا فَانْهَهُ،فَإِنْ أَحَبَّ أَنْ يَقْتَصِرَ عَلَى أَنْ يَعْبُدَ رَبَّهُ فِى دَارِهِ فَعَلَ،وَإِنْ أَبَى إِلاَّ أَنْ يُعْلِنَ بِذَلِكَ فَسَلْهُ أَنْ يَرُدَّ إِلَيْكَ ذِمَّتَكَ،فَإِنَّا قَدْ كَرِهْنَا أَنْ نُخْفِرَكَ،وَلَسْنَا مُقِرِّينَ لأَبِى بَكْرٍ الاِسْتِعْلاَنَ.قَالَتْ عَائِشَةُ فَأَتَى ابْنُ الدَّغِنَةِ إِلَى أَبِى بَكْرٍ فَقَالَ قَدْ عَلِمْتَ الَّذِى عَاقَدْتُ لَكَ عَلَيْهِ،فَإِمَّا أَنْ تَقْتَصِرَ عَلَى ذَلِكَ،وَإِمَّا أَنْ تَرْجِعَ إِلَىَّ ذِمَّتِى،فَإِنِّى لاَ أُحِبُّ أَنْ تَسْمَعَ الْعَرَبُ أَنِّى أُخْفِرْتُ فِى رَجُلٍ عَقَدْتُ لَهُ.فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ فَإِنِّى أَرُدُّ إِلَيْكَ جِوَارَكَ وَأَرْضَى بِجِوَارِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ.وَالنَّبِىُّ - صلى الله عليه وسلم - يَوْمَئِذٍ بِمَكَّةَ،فَقَالَ النَّبِىُّ - صلى الله عليه وسلم - لِلْمُسْلِمِينَ « إِنِّى أُرِيتُ دَارَ هِجْرَتِكُمْ ذَاتَ نَخْلٍ بَيْنَ لاَبَتَيْنِ ».وَهُمَا الْحَرَّتَانِ،فَهَاجَرَ مَنْ هَاجَرَ قِبَلَ الْمَدِينَةِ،وَرَجَعَ عَامَّةُ مَنْ كَانَ هَاجَرَ بِأَرْضِ الْحَبَشَةِ إِلَى الْمَدِينَةِ،وَتَجَهَّزَ أَبُو بَكْرٍ قِبَلَ الْمَدِينَةِ،فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - "عَلَى رِسْلِكَ،فَإِنِّى أَرْجُو أَنْ يُؤْذَنَ لِى ».فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ وَهَلْ تَرْجُو ذَلِكَ بِأَبِى أَنْتَ قَالَ « نَعَمْ ».فَحَبَسَ أَبُو بَكْرٍ نَفْسَهُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - لِيَصْحَبَهُ،وَعَلَفَ رَاحِلَتَيْنِ كَانَتَا عِنْدَهُ وَرَقَ السَّمُرِ وَهْوَ الْخَبَطُ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ.قَالَ ابْنُ شِهَابٍ قَالَ عُرْوَةُ قَالَتْ عَائِشَةُ فَبَيْنَمَا نَحْنُ يَوْمًا جُلُوسٌ فِى بَيْتِ أَبِى بَكْرٍ فِى نَحْرِ الظَّهِيرَةِ قَالَ قَائِلٌ لأَبِى بَكْرٍ هَذَا رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - مُتَقَنِّعًا - فِى سَاعَةٍ لَمْ يَكُنْ يَأْتِينَا فِيهَا - فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ فِدَاءٌ لَهُ أَبِى وَأُمِّى،وَاللَّهِ مَا جَاءَ بِهِ فِى هَذِهِ السَّاعَةِ إِلاَّ أَمْرٌ.قَالَتْ فَجَاءَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فَاسْتَأْذَنَ،فَأُذِنَ لَهُ فَدَخَلَ،فَقَالَ النَّبِىُّ - صلى الله عليه وسلم - لأَبِى بَكْرٍ « أَخْرِجْ مَنْ عِنْدَكَ ».فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ إِنَّمَا هُمْ أَهْلُكَ بِأَبِى أَنْتَ يَا رَسُولَ اللَّهِ.قَالَ « فَإِنِّى قَدْ أُذِنَ لِى فِى الْخُرُوجِ ».فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ الصَّحَابَةُ بِأَبِى أَنْتَ يَا رَسُولَ اللَّهِ.قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - "نَعَمْ ».قَالَ أَبُو بَكْرٍ فَخُذْ بِأَبِى أَنْتَ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِحْدَى رَاحِلَتَىَّ هَاتَيْنِ.قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -(1/66)
-"بِالثَّمَنِ ».قَالَتْ عَائِشَةُ فَجَهَّزْنَاهُمَا أَحَثَّ الْجَهَازِ،وَصَنَعْنَا لَهُمَا سُفْرَةً فِى جِرَابٍ،فَقَطَعَتْ أَسْمَاءُ بِنْتُ أَبِى بَكْرٍ قِطْعَةً مَنْ نِطَاقِهَا فَرَبَطَتْ بِهِ عَلَى فَمِ الْجِرَابِ،فَبِذَلِكَ سُمِّيَتْ ذَاتَ النِّطَاقِ - قَالَتْ - ثُمَّ لَحِقَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - وَأَبُو بَكْرٍ بِغَارٍ فِى جَبَلِ ثَوْرٍ فَكَمَنَا فِيهِ ثَلاَثَ لَيَالٍ،يَبِيتُ عِنْدَهُمَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِى بَكْرٍ وَهْوَ غُلاَمٌ شَابٌّ ثَقِفٌ لَقِنٌ،فَيُدْلِجُ مِنْ عِنْدِهِمَا بِسَحَرٍ،فَيُصْبِحُ مَعَ قُرَيْشٍ بِمَكَّةَ كَبَائِتٍ،فَلاَ يَسْمَعُ أَمْرًا يُكْتَادَانِ بِهِ إِلاَّ وَعَاهُ،حَتَّى يَأْتِيَهُمَا بِخَبَرِ ذَلِكَ حِينَ يَخْتَلِطُ الظَّلاَمُ،وَيَرْعَى عَلَيْهِمَا عَامِرُ بْنُ فُهَيْرَةَ مَوْلَى أَبِى بَكْرٍ مِنْحَةً مِنْ غَنَمٍ،فَيُرِيحُهَا عَلَيْهِمَا حِينَ يَذْهَبُ سَاعَةٌ مِنَ الْعِشَاءِ،فَيَبِيتَانِ فِى رِسْلٍ وَهْوَ لَبَنُ مِنْحَتِهِمَا وَرَضِيفِهِمَا،حَتَّى يَنْعِقَ بِهَا عَامِرُ بْنُ فُهَيْرَةَ بِغَلَسٍ،يَفْعَلُ ذَلِكَ فِى كُلِّ لَيْلَةٍ مِنْ تِلْكَ اللَّيَالِى الثَّلاَثِ،وَاسْتَأْجَرَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - وَأَبُو بَكْرٍ رَجُلاً مِنْ بَنِى الدِّيلِ،وَهْوَ مِنْ بَنِى عَبْدِ بْنِ عَدِىٍّ هَادِيًا خِرِّيتًا - وَالْخِرِّيتُ الْمَاهِرُ بِالْهِدَايَةِ - قَدْ غَمَسَ حِلْفًا فِى آلِ الْعَاصِ بْنِ وَائِلٍ السَّهْمِىِّ،وَهْوَ عَلَى دِينِ كُفَّارِ قُرَيْشٍ فَأَمِنَاهُ،فَدَفَعَا إِلَيْهِ رَاحِلَتَيْهِمَا،وَوَاعَدَاهُ غَارَ ثَوْرٍ بَعْدَ ثَلاَثِ لَيَالٍ بِرَاحِلَتَيْهِمَا صُبْحَ ثَلاَثٍ،وَانْطَلَقَ مَعَهُمَا عَامِرُ بْنُ فُهَيْرَةَ وَالدَّلِيلُ فَأَخَذَ بِهِمْ طَرِيقَ السَّوَاحِلِ.أخرجهما البخاري (1)
لا- عَنْ عَامِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ،عَنْ بَعْضِ أَهْلِهِ قَالَ:قَالَ أَبُو قُحَافَةَ لِابْنِهِ أَبِي بَكْرٍ:يَا بُنَيَّ،إِنِّي أَرَاكَ تُعْتِقُ رِقَابًا ضِعَافًا،فَلَوْ أَنَّكَ إِذْ فَعَلْتَ مَا فَعَلْتَ أَعْتَقْتَ رِجَالًا جُلْدًا يَمْنَعُونَكَ وَيَقُومُونَ دُونَكَ،فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ:يَا أَبَتِ،إِنِّي أُرِيدُ مَا أُرِيدُ،قَالَ:فَيُتَحَدَّثُ مَا نَزَلَ هَؤُلَاءِ الْآيَاتُ إِلَّا فِيهِ،وَفِيمَا قَالَ أَبُوهُ:فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى،وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى،فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى،وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنَى،وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى،فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى،وَمَا يُغْنِي عَنْهُ مَالُهُ إِذَا تَرَدَّى،إِنَّ عَلَيْنَا لَلْهُدَى،وَإِنَّ لَنَا لَلْآخِرَةَ وَالْأُولَى،فَأَنْذَرْتُكُمْ نَارًا تَلَظَّى،لَا يَصْلَاهَا إِلَّا الْأَشْقَى،الَّذِي كَذَّبَ وَتَوَلَّى،وَسَيُجَنَّبُهَا الْأَتْقَى،الَّذِي يُؤْتِي مَالَهُ يَتَزَكَّى،وَمَا لِأَحَدٍ عِنْدَهُ مِنْ نِعْمَةٍ تُجْزَى،إِلَّا ابْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِ الْأَعْلَى،وَلَسَوْفَ يَرْضَى .."فَضَائِلُ الصِّحَابَةِ لِأَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ (2)
__________
(1) - برقم(2297و3905)
(2) - فَضَائِلُ الصِّحَابَةِ لِأَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ (61 ) صحيح لغيره(1/67)
وفي رواية عَنْ عَامِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ،عَنْ أَبِيهِ،قَالَ:قَالَ أَبُو قُحَافَةَ لِأَبِي بَكْرٍ:أَرَاكَ تُعْتَقُ رِقَابًا ضِعَافًا فَلَوْ أَنَّكَ إِذْ فَعَلْتَ مَا فَعَلْتَ أَعْتَقَتْ رِجَالًا جَلْدًا يَمْنَعُونَكَ وَيَقُومُونَ دُونَكَ.فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ:"يَا أَبَتِ إِنِّي إِنَّمَا أُرِيدُ مَا أُرِيدُ لِمَا نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَاتُ فِيهِ فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى إِلَى قَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ وَمَا لِأَحَدٍ عِنْدَهُ مِنْ نِعْمَةٍ تُجْزَى إِلَّا ابْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِ الْأَعْلَى وَلَسَوْفَ يَرْضَى."أخرجه الحاكم (1)
قال ابن كثير رحمه الله:"قد ذكر غير واحد من المفسرين أن هذه الآيات نزلت في أبي بكر الصديق،رضي الله عنه،حتى إن بعضهم حكى الإجماع من المفسرين على ذلك. ولا شك أنه داخل فيها،وأولى الأمة بعمومها،فإن لفظها لفظ العموم،وهو قوله تعالى:{ وَسَيُجَنَّبُهَا الأتْقَى الَّذِي يُؤْتِي مَالَهُ يَتَزَكَّى وَمَا لأحَدٍ عِنْدَهُ مِنْ نِعْمَةٍ تُجْزَى } ولكنه مقدم الأمة وسابقهم في جميع هذه الأوصاف وسائر الأوصاف الحميدة؛ فإنه كان صديقًا تقيًا كريما جوادًا بذالا لأمواله في طاعة مولاه،ونصرة رسول الله،فكم من دراهم ودنانير بذلها ابتغاء وجه ربه الكريم،ولم يكن لأحد من الناس عنده منّةٌ يحتاج إلى أن يكافئه بها،ولكن كان فضله وإحسانه على السادات والرؤساء من سائر القبائل؛ ولهذا قال له عروة بن مسعود -وهو سيد ثقيف،يوم صلح الحديبية-:أما والله لولا يد لك كانت عندي لم أجزك بها لأجبتك. وكان الصديق قد أغلظ له في المقالة،فإذا كان هذا حاله مع سادات العرب ورؤساء القبائل،فكيف بمن عداهم؟ ولهذا قال:{ وَمَا لأحَدٍ عِنْدَهُ مِنْ نِعْمَةٍ تُجْزَى إِلا ابْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِ الأعْلَى وَلَسَوْفَ يَرْضَى } وفي الصحيحين أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال:"من أنفق زوجين في سبيل الله دَعَته خَزَنَةُ الجنة:يا عبد الله،هذا خير"،فقال أبو بكر:يا رسول الله،ما على من يُدعى منها ضرورة فهل يدعى منها كلها أحد؟ قال:"نعم،وأرجو أن تكون منهم" (2) .
__________
(1) - برقم(3942) والطبراني برقم(3) والبزار برقم(2209) والشريعة برقم(1262) وفضائل الصحابة برقم(61و275) وابن عساكر 30/69 و70و71 وهو حديث صحيح لغيره.
(2) - تفسير ابن كثير - دار طيبة - (8 / 422) والحديث في صحيح البخاري برقم (2841) وصحيح مسلم برقم (1027) من حديث أبي هريرة، رضي الله عنه.(1/68)
ي- عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَمْعَةَ بْنِ الأَسْوَدِ بْنِ الْمُطَّلِبِ بْنِ أَسَدٍ قَالَ لَمَّا اسْتُعِزَّ بِرَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - وَأَنَا عِنْدَهُ فِى نَفَرٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ - قَالَ - دَعَا بِلاَلٌ لِلصَّلاَةِ فَقَالَ « مُرُوا مَنْ يُصَلِّى بِالنَّاسِ ». قَالَ فَخَرَجْتُ فَإِذَا عُمَرُ فِى النَّاسِ وَكَانَ أَبُو بَكْرٍ غَائِباً فَقَالَ قُمْ يَا عُمَرُ فَصَلِّ بِالنَّاسِ. قَالَ فَقَامَ فَلَمَّا كَبَّرَ عُمَرُ سَمِعَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - صَوْتَهُ وَكَانَ عُمَرُ رَجُلاً مُجْهِراً - قَالَ - فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - "فَأَيْنَ أَبُو بَكْرٍ يَأْبَى اللَّهُ ذَلِكَ وَالْمُسْلِمُونَ يَأْبَى اللَّهُ ذَلِكَ وَالْمُسْلِمُونَ ». قَالَ فَبَعَثَ إِلَى أَبِى بَكْرٍ فَجَاءَ بَعْدَ أنْ صَلَّى عُمَرُ تِلْكَ الصَّلاَةَ فَصَلَّى بِالنَّاسِ. قَالَ وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ زَمْعَةَ قَالَ لِى عُمَرُ وَيْحَكَ مَاذَا صَنَعْتَ بِى يَا ابْنَ زَمْعَةَ وَاللَّهِ مَا ظَنَنْتُ حِينَ أَمَرْتَنِى إِلاَّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - أَمَرَكَ بِذَلِكَ وَلَوْلاَ ذَلِكَ مَا صَلَّيْتُ بِالنَّاسِ. قَالَ قُلْتُ وَاللَّهِ مَا أَمَرَنِى رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - وَلَكِنْ حِينَ لَمْ أَرَ أَبَا بَكْرٍ رَأَيْتُكَ أَحَقَّ مَنْ حَضَرَ بِالصَّلاَةِ أخرجه أحمد (1)
وفي رواية عَنْ إِبْرَاهِيمَ قَالَ الأَسْوَدُ قَالَ كُنَّا عِنْدَ عَائِشَةَ - رضى الله عنها - فَذَكَرْنَا الْمُوَاظَبَةَ عَلَى الصَّلاَةِ وَالتَّعْظِيمَ لَهَا،قَالَتْ لَمَّا مَرِضَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - مَرَضَهُ الَّذِى مَاتَ فِيهِ،فَحَضَرَتِ الصَّلاَةُ فَأُذِّنَ،فَقَالَ « مُرُوا أَبَا بَكْرٍ فَلْيُصَلِّ بِالنَّاسِ ».فَقِيلَ لَهُ إِنَّ أَبَا بَكْرٍ رَجُلٌ أَسِيفٌ،إِذَا قَامَ فِى مَقَامِكَ لَمْ يَسْتَطِعْ أَنْ يُصَلِّىَ بِالنَّاسِ،وَأَعَادَ فَأَعَادُوا لَهُ،فَأَعَادَ الثَّالِثَةَ فَقَالَ « إِنَّكُنَّ صَوَاحِبُ يُوسُفَ،مُرُوا أَبَا بَكْرٍ فَلْيُصَلِّ بِالنَّاسِ ».فَخَرَجَ أَبُو بَكْرٍ فَصَلَّى،فَوَجَدَ النَّبِىُّ - صلى الله عليه وسلم - مِنْ نَفْسِهِ خِفَّةً،فَخَرَجَ يُهَادَى بَيْنَ رَجُلَيْنِ كَأَنِّى أَنْظُرُ رِجْلَيْهِ تَخُطَّانِ مِنَ الْوَجَعِ،فَأَرَادَ أَبُو بَكْرٍ أَنْ يَتَأَخَّرَ،فَأَوْمَأَ إِلَيْهِ النَّبِىُّ - صلى الله عليه وسلم - أَنْ مَكَانَكَ،ثُمَّ أُتِىَ بِهِ حَتَّى جَلَسَ إِلَى جَنْبِهِ.قِيلَ لِلأَعْمَشِ وَكَانَ النَّبِىُّ - صلى الله عليه وسلم - يُصَلِّى وَأَبُو بَكْرٍ يُصَلِّى بِصَلاَتِهِ،وَالنَّاسُ يُصَلُّونَ بِصَلاَةِ أَبِى بَكْرٍ فَقَالَ بِرَأْسِهِ نَعَمْ .أخرجه البخاري (2)
و عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ - رضى الله عنه - قَالَ بَلَغَ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - أَنَّ بَنِى عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ بِقُبَاءٍ كَانَ بَيْنَهُمْ شَىْءٌ،فَخَرَجَ يُصْلِحُ بَيْنَهُمْ فِى أُنَاسٍ مِنْ أَصْحَابِهِ،فَحُبِسَ رَسُولُ اللَّهِ
__________
(1) - برقم(19419) وهو صحيح
(2) - برقم(664 و 665 ، 679 ، 683 ، 687 ، 712 ، 713 ، 716 ، 2588 ، 3099 ، 3384 ، 4442 ، 4445 ، 5714 ، 7303 ) ومسلم (967) وهو متواتر(1/69)
- صلى الله عليه وسلم - وَحَانَتِ الصَّلاَةُ،فَجَاءَ بِلاَلٌ إِلَى أَبِى بَكْرٍ - رضى الله عنهما - فَقَالَ يَا أَبَا بَكْرٍ،إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَدْ حُبِسَ وَقَدْ حَانَتِ الصَّلاَةُ،فَهَلْ لَكَ أَنْ تَؤُمَّ النَّاسَ قَالَ نَعَمْ إِنْ شِئْتَ.فَأَقَامَ بِلاَلٌ الصَّلاَةَ،وَتَقَدَّمَ أَبُو بَكْرٍ - رضى الله عنه - فَكَبَّرَ لِلنَّاسِ،وَجَاءَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يَمْشِى فِى الصُّفُوفِ يَشُقُّهَا شَقًّا،حَتَّى قَامَ فِى الصَّفِّ،فَأَخَذَ النَّاسُ فِى التَّصْفِيحِ.قَالَ سَهْلٌ التَّصْفِيحُ هُوَ التَّصْفِيقُ.قَالَ وَكَانَ أَبُو بَكْرٍ - رضى الله عنه - لاَ يَلْتَفِتُ فِى صَلاَتِهِ،فَلَمَّا أَكْثَرَ النَّاسُ الْتَفَتَ فَإِذَا رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فَأَشَارَ إِلَيْهِ،يَأْمُرُهُ أَنْ يُصَلِّىَ،فَرَفَعَ أَبُو بَكْرٍ - رضى الله عنه - يَدَهُ،فَحَمِدَ اللَّهَ،ثُمَّ رَجَعَ الْقَهْقَرَى وَرَاءَهُ حَتَّى قَامَ فِى الصَّفِّ،وَتَقَدَّمَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فَصَلَّى لِلنَّاسِ،فَلَمَّا فَرَغَ أَقْبَلَ عَلَى النَّاسِ فَقَالَ « يَا أَيُّهَا النَّاسُ مَا لَكُمْ حِينَ نَابَكُمْ شَىْءٌ فِى الصَّلاَةِ أَخَذْتُمْ بِالتَّصْفِيحِ إِنَّمَا التَّصْفِيحُ لِلنِّسَاءِ،مَنْ نَابَهُ شَىْءٌ فِى صَلاَتِهِ فَلْيَقُلْ سُبْحَانَ اللَّهِ ».ثُمَّ الْتَفَتَ إِلَى أَبِى بَكْرٍ - رضى الله عنه - فَقَالَ « يَا أَبَا بَكْرٍ،مَا مَنَعَكَ أَنْ تُصَلِّىَ لِلنَّاسِ حِينَ أَشَرْتُ إِلَيْكَ ».قَالَ أَبُو بَكْرٍ مَا كَانَ يَنْبَغِى لاِبْنِ أَبِى قُحَافَةَ أَنْ يُصَلِّىَ بَيْنَ يَدَىْ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - .أخرجه البخاري (1)
و عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ قَالَ كَانَ قِتَالٌ بَيْنَ بَنِى عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ فَبَلَغَ النَّبِىَّ - صلى الله عليه وسلم - فَأَتَاهُمْ بَعْدَ الظُّهْرِ لِيُصْلِحَ بَيْنَهُمْ وَقَالَ « يَا بِلاَلُ إِنْ حَضَرَتِ الصَّلاَةُ وَلَمْ آتِ فَمُرْ أَبَا بَكْرٍ فَلْيُصَلِّ بِالنَّاسِ ». قَالَ فَلَمَّا حَضَرَتِ الْعَصْرُ أَقَامَ بِلاَلٌ الصَّلاَةَ ثُمَّ أَمَرَ أَبَا بَكْرٍ فَتَقَدَّمَ بِهِمْ وَجَاءَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - بَعْدَ مَا دَخَلَ أَبُو بَكْرٍ فِى الصَّلاَةِ فَلَمَّا رَأَوْهُ صَفَّحُوا وَجَاءَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يَشُقُّ النَّاسَ حَتَّى قَامَ خَلْفَ أَبِى بَكْرٍ. قَالَ وَكَانَ أَبُو بَكْرٍ إِذَا دَخَلَ فِى الصَّلاَةِ لَمْ يَلْتَفِتْ فَلَمَّا رَأَى التَّصْفِيحَ لاَ يُمْسَكُ عَنْهُ فَالْتَفَتَ فَرَأَى النَّبِىَّ - صلى الله عليه وسلم - خَلْفَهُ فَأَوْمَأَ إِلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - بِيَدِهِ أَنِ امْضِهْ فَقَامَ أَبُو بَكْرٍ هُنَيَّةً فَحَمِدَ اللَّهَ عَلَى ذَلِكَ ثُمَّ مَشَى الْقَهْقَرَى. قَالَ فَتَقَدَّمَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فَصَلَّى بِالنَّاسِ فَلَمَّا قَضَى رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - صَلاَتَهُ قَالَ « يَا أَبَا بَكْرٍ مَا مَنَعَكَ إِذْ أَوْمَأْتُ إِلَيْكَ أَنْ لاَ تَكُونَ مَضَيْتَ ». قَالَ فَقَالَ أَبُو
__________
(1) - برقم(1218)(1/70)
بَكْرٍ لَمْ يَكُنْ لاِبْنِ أَبِى قُحَافَةَ أَنْ يَؤُمَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - .فَقَالَ لِلنَّاسِ « إِذَا نَابَكُمْ فِى صَلاَتِكُمْ شَىْءٌ فَلْيُسَبِّحِ الرِّجَالُ وَلْيُصَفِّحِ النِّسَاءُ » أخرجه أحمد (1)
قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ( الآجري) رَحِمَهُ اللَّهُ:اعْلَمُوا رَحِمَنَا اللَّهُ وَإِيَّاكُمْ أَنَّ خِلَافَةَ أَبِي بَكْرٍ،وَعُمَرَ،وَعُثْمَانَ،وَعَلِيٍّ - رضي الله عنهم - مْ بَيَانُهَا فِي كِتَابِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَفِي سُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - ،وَبَيَانٌ مِنْ قَوْلِ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - ،وَبَيَانٌ مِنْ قَوْلِ التَّابِعِينَ لَهُمْ بِإِحْسَانٍ،وَلَا يَنْبَغِي لِمُسْلِمٍ عَقَلَ عَنِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ أَنْ يَشُكَّ فِي هَذَا،فَأَمَّا دَلِيلُ الْقُرْآنِ فَإِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ قَالَ:وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعَبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ رَحِمَهُ اللَّهُ:فَقَدْ وَاللَّهِ أَنْجَزَ اللَّهُ الْكَرِيمُ لَهُمْ مَا وَعَدَهُمْ بِهِ،جَعَلَهُمُ الْخُلَفَاءَ مِنْ بَعْدِ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - وَمَكَّنَهُمْ فِي الْبِلَادِ،وَفَتَحُوا الْفُتُوحَ،وَغَنِمُوا الْأَمْوَالَ،وَسَبَوْا ذَرَارِيَّ الْكُفَّارِ،وَأَسْلَمَ فِي خِلَافَتِهِمْ خَلْقٌ كَثِيرٌ،وَقَاتَلُوا مَنِ ارْتَدَّ عَنِ الْإِسْلَامِ حَتَّى أَجْلَوْهُمْ،وَرَجَعَ بَعْضُهُمْ،كَذَلِكَ فَعَلَ أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ - رضي الله عنهم - فَكَانَ سَيْفُهُ فِيهِمْ سَيْفَ حَقٍّ إِلَى أَنْ تَقُومَ السَّاعَةُ،وَكَذَلِكَ الْخَلِيفَةُ الرَّابِعُ وَهُوَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ - رضي الله عنهم - كَانَ سَيْفُهُ فِي الْخَوَارِجِ سَيْفَ حَقٍّ إِلَى أَنْ تَقُومَ السَّاعَةُ،فَأَعَزَّ اللَّهُ الْكَرِيمُ دِينَهُ بِخِلَافَتِهِمْ،وَأَذَلُّوا الْأَعْدَاءَ،وَظَهَرَ أَمْرُ اللَّهِ،وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ،وَسَنُّوا لِلْمُسْلِمِينَ السُّنَنَ الشَّرِيفَةَ،وَكَانُوا بَرَكَةً عَلَى جَمِيعِ أُمَّةِ مُحَمَّدٍ - صلى الله عليه وسلم - مِنْ أَهْلِ السُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ،وَأَمَّا مَا جَاءَ عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - ،فَإِنَّهُ رَوَى سَفِينَةُ مَوْلَى رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ:سَمِعْتُ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ:"الْخِلَافَةُ ثَلَاثُونَ سَنَةً"ثُمَّ قَالَ:أَمْسَكَ أَبُو بَكْرٍ سَنَتَيْنِ،وَعُمَرُ عَشْرًا،وَعُثْمَانُ ثِنْتَا عَشْرَةَ،وَعَلِيٌّ سِتًا،وَكَذَا وُلُّوهَا،وَكَذَا رَوَى أَبُو بَكْرٍ عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - شَبِيهًا بِهَذَا،وَقَالَ - صلى الله عليه وسلم - :"الْأَئِمَّةُ مِنْ قُرَيْشٍ"وَقَوْلُ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - :"عَلَيْكُمْ بِسُنَّتِي،وَسُنَّةِ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ الْمَهْدِيِّينَ،عَضُّوا عَلَيْهَا بِالنَّوَاجِذِ."
__________
(1) - برقم(23509 ) وهو صحيح(1/71)
فعَنْ سَفِينَةَ قَالَ:سَمِعْتُ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ:"الْخِلَافَةُ ثَلَاثُونَ سَنَةً"ثُمَّ قَالَ:أَمْسِكْ،خِلَافَةُ أَبِي بَكْرٍ سَنَتَانِ،وَعُمَرَ عَشْرٌ،وَعُثْمَانَ ثِنْتَا عَشْرَةَ،وَعَلِيٍّ سِتٌّ قَالَ عَلِيُّ بْنُ الْجَعْدِ:قُلْتُ لِحَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ:سَفِينَةُ الْقَائِلُ:أَمْسِكْ قَالَ:نَعَمْ "( صحيح)
وعن سَعِيدَ بْنِ جُمْهَانَ قَالَ:سَمِعْتُ سَفِينَةَ يَقُولُ:قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - :"الْخِلَافَةُ فِي أُمَّتِي ثَلَاثُونَ سَنَةً"فَحَسَبْنَا فَوَجَدْنَا أَبَا بَكْرٍ،وَعُمَرَ،وَعُثْمَانَ،وَعَلِيًّا - رضي الله عنهم - مْ "( صحيح )
وعَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي بَكْرَةَ قَالَ:وَفَدْنَا مَعَ زِيَادٍ عَلَى مُعَاوِيَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ فَلَمَّا دَخَلْنَا عَلَيْهِ قَالَ لِأَبِي:يَا أَبَا بَكْرَةَ حَدِّثْنَا بِحَدِيثٍ سَمِعْتَهُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ:إِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ:"الْخِلَافَةُ ثَلَاثُونَ،ثُمَّ تَكُونُ مُلْكًا"( حسن )
وعَنْ شُفَيِّ بْنِ مَاتِعٍ قَالَ:سَمِعْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ يَقُولُ:سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ:"لَيَكُونَنَّ مِنْكُمُ اثْنَا عَشَرَ خَلِيفَةً أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ،لَا يَلْبَثُ بَعْدِي إِلَّا قَلِيلًا،وَصَاحِبُ رَحَا دَارَةِ الْعَرَبِ يَعِيشُ حَمِيدًا،وَيَمُوتُ شَهِيدًا"فَقَالَ رَجُلٌ:مَنْ هُوَ يَا رَسُولَ اللَّهِ ؟ قَالَ:"عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ"ثُمَّ الْتَفَتَ إِلَى عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ فَقَالَ:"وَأَنْتَ يَسْأَلُكَ النَّاسُ أَنْ تَخْلَعَ قَمِيصًا كَسَاكَهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ فَوَالَّذِي بَعَثَنِي بِالْحَقِّ لَئِنْ خَلَعْتَهُ لَمْ تَدْخُلِ الْجَنَّةَ حَتَّى يَلِجَ الْجَمَلُ فِي سَمِّ الْخِيَاطِ"فَقَالَ رَجُلٌ مِنْ قَوْمِهِ:مَا لَنَا وَلِهَذَا،إِنَّمَا جَلَسْنَا لِتُذَكِّرَنَا قَالَ:فَقَالَ:أَمَا لَوْ تَرَكْتَنِي لَأَخْبَرْتُكَ بِمَا قَالَ فِيهِمْ وَاحِدًا وَاحِدًا "( حسن)
وعَنْ رَبِيعَةَ بْنِ سَيْفٍ قَالَ:كُنَّا عِنْدَ شُفَيٍّ الْأَصْبَحِيِّ،فَقَالَ:سَمِعْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَمْرٍو يَقُولُ:سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ:"يَكُونُ خَلْفِي اثْنَا عَشَرَ خَلِيفَةً،أَبُو بَكْرٍ لَا يَلْبَثُ خَلْفِي إِلَّا قَلِيلًا،وَصَاحِبُ رَحَا دَارِهِ الْعَرَبُ يَعِيشُ حَمِيدًا،وَيَمُوتُ شَهِيدًا"قَالُوا:وَمَنْ هُوَ ؟ قَالَ:"عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ"قَالَ:ثُمَّ الْتَفَتَ إِلَى عُثْمَانَ فَقَالَ:"يَا عُثْمَانُ،إِنْ كَسَاكَ اللَّهُ قَمِيصًا،فَأَرَادَكَ النَّاسُ عَلَى خَلْعِهِ،فَلَا تَخْلَعْهُ فَوَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَئِنْ خَلَعْتَهُ،لَا تُرَحْ رِيحَ الْجَنَّةِ حَتَّى يَلِجَ الْجَمَلُ فِي سَمِّ الْخِيَاطِ"قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ رَحِمَهُ اللَّهُ:وَقَدْ وَلِيَ الْخِلَافَةَ بَعْدَ أَبِي بَكْرٍ،وَعُمَرَ،وَعُثْمَانَ،وَعَلِيٍّ - رضي الله عنهم - مْ خَلْقٌ كَثِيرٌ فَمِنْهُمْ مَنْ عَدَلَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ،وَمِنْهُمْ مَنْ قَصَّرَ فِيمَا يَجِبُ لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ عَلَيْهِ وَأَسْرَفَ،وَقَدْ وَرَدَ الْجَمِيعُ إِلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَهُوَ أَحْكُمُ الْحَاكِمِينَ،وَقَدْ أَمَرَنَا نَحْنُ بِالسَّمْعِ وَالطَّاعَةِ لَهُمْ فِي غَيْرِ(1/72)
مَعْصِيَةٍ،وَبِالصَّلَاةِ خَلْفَهُمْ،وَبِالْجِهَادِ مَعَهُمْ،وَبِالْحَجِّ مَعَهُمْ،مَعَ الْبَرِّ مِنْهُمْ وَالْفَاجِرِ،وَالْعَدْلِ مِنْهُمْ وَالْجَائِرِ،وَلَا نَخْرُجُ عَلَيْهِمْ،وَالصَّبْرِ حَتَّى يُفَرِّجَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ،قَالَ رَجُلٌ لِلْحَسَنِ:يَا أَبَا سَعِيدٍ مَا تَقُولُ فِي أُمَرَائِنَا هَؤُلَاءِ ؟ فَقَالَ الْحَسَنُ:"مَا عَسَى أَنْ أَقُولَ فِيهِمْ،هُمْ لِحَجِّنَا،وَهُمْ لِغَزْوِنَا،وَهُمْ لِقَسْمِ فَيْئِنَا،وَهُمْ لِإِقَامَةِ حُدُودِنَا،وَاللَّهِ إِنَّ طَاعَتَهُمْ لَغَيْظٌ،وَإِنَّ فُرْقَتَهُمْ لَكُفْرٌ،وَمَا يُصْلِحُ اللَّهُ بِهِمْ أَكْثَرُ مِمَّا يُفْسِدُ"وَقِيلَ لِلْحَسَنِ:يَا أَبَا سَعِيدٍ إِنَّ خَارِجِيًّا خَرَجَ بِالْحَرِيبَةِ،فَقَالَ:"الْمِسْكِينُ رَأَى مُنْكَرًا فَأَنْكَرَهُ،فَوَقَعَ فِيمَا هُوَ أَنْكَرُ مِنْهُ."( حسن)
وقال الآجري:بَابُ بَيَانِ خِلَافَةِ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ - رضي الله عنهم - بَعْدَ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - ،قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ رَحِمَهُ اللَّهُ:اعْلَمُوا رَحِمَنَا اللَّهُ وَإِيَّاكُمْ أَنَّهُ لَمْ يَخْتَلِفْ مَنْ شَمَلَهُ الْإِسْلَامُ وَأَذَاقَهُ اللَّهُ الْكَرِيمُ طَعْمَ الْإِيمَانِ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ خَلِيفَةً بَعْدَ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - ،إِلَّا أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ - رضي الله عنهم - ،لَا يَجُوزُ لِمُسْلِمٍ أَنْ يَقُولَ غَيْرَ هَذَا،وَذَلِكَ لِدَلَائِلَ خَصَّهُ اللَّهُ الْكَرِيمُ بِهَا،وَخَصَّهُ بِهَا النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - فِي حَيَاتِهِ،وَأَمَرَ بِهَا بَعْدَ وَفَاتِهِ،مِنْهَا:أَنَّهُ أَوَّلُ مَنْ أَسْلَمَ مِنَ الرِّجَالِ،وَأَوَّلُ مَنْ صَدَّقَ الرَّسُولَ - صلى الله عليه وسلم - ،وَصَحِبَهُ وَأَحْسَنَ الصُّحْبَةَ،وَأَنْفَقَ عَلَيْهِ مَالَهُ،وَصَاحَبَهُ فِي الْغَارِ،وَالْمُنَزَّلُ عَلَيْهِ السَّكِينَةُ،وَعَاتَبَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ الْخَلْقَ كُلَّهُمْ فِي النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - إِلَّا أَبَا بَكْرٍ،فَإِنَّهُ أَخْرَجَهُ مِنَ الْمُعَاتَبَةِ،وَهُوَ قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ:إِلَّا تَنْصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ الْآيَةَ،وَالصَّابِرُ مَعَهُ بِمَكَّةَ فِي كُلِّ شِدَّةٍ،وَرَفِيقُهُ فِي الْهِجْرَةِ،وَمَرِضَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - ،فَلَمْ يُمْكِنْهُ الْخُرُوجُ إِلَى الصَّلَاةِ فَأَمَرَ أَنْ يَتَقَدَّمَ أَبُو بَكْرٍ،فَيُصَلِّيَ بِالنَّاسِ،وَلَا يَتَقَدَّمَ غَيْرُهُ،وَصَلَّى - صلى الله عليه وسلم - خَلْفَهُ،وَخَرَجَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - يُصْلِحُ بَيْنَ بَنِي عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ،وَقَالَ لِبِلَالٍ:"إِنْ أَبْطَأْتُ فَقَدِّمْ أَبَا بَكْرٍ فَلْيُصَلِّ بِالنَّاسِ"وَقَالَ - صلى الله عليه وسلم - :"إِنَّ أَمَنَّ النَّاسِ عَلَيَّ فِي صُحْبَتِهِ وَمَالِهِ أَبُو بَكْرٍ"وَقَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - لِأَبِي بَكْرٍ وَهُمَا فِي الْغَارِ وَقَدْ عَلِمَ - صلى الله عليه وسلم - أَنَّ أَبَا بَكْرٍ إِنَّمَا حُزْنُهُ عَلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - وَإِشْفَاقُهُ عَلَيْهِ،فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - :"يَا أَبَا بَكْرٍ مَا ظَنُّكَ بِاثْنَيْنِ اللَّهُ ثَالِثُهُمَا ؟"فَكُلُّ هَذِهِ الْخِصَالُ الشَّرِيفَةُ الْكَرِيمَةُ دَلَّتْ عَلَى أَنَّهُ الْخَلِيفَةُ بَعْدَهُ،لَا يَشُكُّ فِي هَذَا مُؤْمِنٌ وَأَمَّا مَا كَانَ بَعْدَ وَفَاتِهِ فَإِنَّهُ رَوَاهُ جُبَيْرُ بْنُ مُطْعِمٍ أَنَّ امْرَأَةً أَتَتِ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - ،فَكَلَّمَتْهُ فِي شَيْءٍ فَأَمَرَهَا أَنْ تَرْجِعَ إِلَيْهِ فَقَالَتْ:يَا رَسُولَ اللَّهِ،أَرَأَيْتَ إِنْ لَمْ أَجِدْكَ تُعَرِّضُ بِالْمَوْتِ فَقَالَ لَهَا:"إِنْ لَمْ تَجِدِينِي فَأْتِي أَبَا بَكْرٍ"ثُمَّ بَايَعَهُ الْمُهَاجِرُونَ وَالْأَنْصَارُ مَعْرِفَةً مِنْهُمْ بِحَقِّ أَبِي بَكْرٍ(1/73)
وَفَضْلِهِ،وَبَايَعَهُ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ - رضي الله عنهم - لَهُوَ أَوَّلُ مَنْ بَايَعَهُ مِنْ بَنِي هَاشِمٍ وَرَوَى الشَّعْبِيُّ عَنْ شَقِيقِ بْنِ سَلَمَةَ قَالَ:قِيلَ لِعَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ - رضي الله عنهم - وَقْتَ مَا قُتِلَ:اسْتَخْلِفْ عَلَيْنَا ؟ فَقَالَ:مَا أَسْتَخْلِفُ،وَلَكِنْ إِنْ يُرِدِ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ بِهَذِهِ الْأُمَّةِ خَيْرًا يَجْمَعُهُمْ عَلَى خَيْرِهِمْ كَمَا جَمَعَهُمْ بَعْدَ نَبِيِّهِمْ - صلى الله عليه وسلم - ،عَلَى خَيْرِهِمْ وَرُوِيَ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ - رضي الله عنهم - قَامَ بَعْدَمَا بُويِعَ لَهُ وَبَايَعَ لَهُ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ - رضي الله عنهم - ،وَأَصْحَابُهُ قَامَ ثَلَاثًا يَقُولُ:أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ أَقَلْتُكُمْ بِيعَتَكُمْ،هَلْ مِنْ كَارِهٍ ؟ قَالَ:فَيَقُومُ عَلِيٌّ - رضي الله عنهم - فِي أَوَائِلِ النَّاسِ فَيَقُولُ:لَا وَاللَّهِ لَا نُقِيلُكَ وَلَا نَسْتَقِيلُكَ،قَدَّمَكَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - ،فَمَنْ ذَا الَّذِي يُؤَخِّرُكَ ؟ وَقَالَ عَلِيٌّ - رضي الله عنهم - فِي حَدِيثٍ طَوِيلٍ،وَقَدْ دَخَلَ عَلَيْهِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْكَوَّا،وَقَيْسُ بْنُ عُبَادٍ،وَقَدْ سَأَلَاهُ بَعْدَ رُجُوعِهِ مِنْ قِتَالِ الْجَمَلِ فَقَالَا:هَلْ مَعَكَ عَهْدٌ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - ؟ فَقَالَ:أَمَّا أَنْ يَكُونَ عِنْدِي عَهْدٌ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - ،فَلَا وَاللَّهِ،وَلَوْ كَانَ عِنْدِي عَهْدٌ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - ،مَا تَرَكْتُ أَخَا تَيْمِ بْنِ مُرَّةَ وَلَا ابْنَ الْخَطَّابِ عَلَى مِنْبَرِهِ،وَلَوْ لَمْ أَجِدْ إِلَّا ِيَدِي هَذِهِ،وَلَكِنَّ نَبِيَّكُمْ - صلى الله عليه وسلم - ،نَبِيُّ رَحْمَةٍ لَمْ يَمُتْ فَجْأَةً،وَلَمْ يُقْتَلْ قَتْلًا،مَرِضَ لَيَالِيَ وَأَيَّامًا،وَأَيَّامًا وَلَيَالِيَ،يَأْتِيهِ بِلَالٌ فَيُؤْذِنُهُ بِالصَّلَاةِ،فَيَقُولُ:"مُرُوا أَبَا بَكْرٍ فَلْيُصَلِّ بِالنَّاسِ"وَهُوَ يَرَى مَكَانِي،فَلَمَّا قُبِضَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - نَظَرْنَا فِي أَمْرِنَا فَإِذَا الصَّلَاةُ عَضُدُ الْإِسْلَامِ وَقِوَامُ الدِّينِ،فَرَضِينَا لِدُنْيَانَا مَنْ رَضِيَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - لِدِينِنَا،فَوَلَّيْنَا الْأَمْرَ أَبَا بَكْرٍ،فَأَقَامَ أَبُو بَكْرٍ رَحِمَهُ اللَّهُ بَيْنَ أَظْهُرِنَا،الْكَلِمَةُ جَامِعَةٌ،وَالْأَمْرُ وَاحِدٌ لَا يَخْتَلِفُ عَلَيْهِ مِنَّا اثْنَانِ،وَلَا شَهِدَ أَحَدٌ مِنَّا عَلَى أَحَدٍ بِالشِّرْكِ،وَلَا يَقْطَعُ مِنْهُ الْبَرَاءَةَ،فَكُنْتُ وَاللَّهِ آخُذُ إِذَا أَعْطَانِي،وَأَغْزُو إِذَا أَغْزَانِي،وَأَضْرِبُ بِيَدِي هَذِهِ الْحُدُودَ بَيْنَ يَدَيْهِ فَلَمَّا حَضَرَتْ أَبَا بَكْرِ الْوَفَاةُ وَلَّاهَا عُمَرَ - رضي الله عنهم - قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ رَحِمَهُ اللَّهُ:ثُمَّ ذَكَرَ عَلِيٌّ - رضي الله عنهم - عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ - رضي الله عنهم - ،فَذَكَرَ مِنْ فَضْلِهِ وَمِنْ شَرَفِهِ وَبَيْعَتِهِ لَهُ وَرِضَاهُ بِذَلِكَ وَالسَّمْعِ وَالطَّاعَةِ لَهُ،وَسَنَذْكُرُ مَا قَالَهُ فِي الْجَمِيعِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ وَصَدَقَ عَلِيٌّ - رضي الله عنهم - ،وَرُوِيَ عَنِ الْحَسَنِ قَالَ:قَالَ عَلِيٌّ - رضي الله عنهم - قَدَّمَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - أَبَا بَكْرٍ رَحِمَهُ اللَّهُ فَصَلَّى بِالنَّاسِ،وَقَدْ رَأَى مَكَانِي،وَمَا كُنْتُ غَائِبًا وَلَا مَرِيضًا،وَلَوْ أَرَادَ أَنْ يُقَدِّمَنِي لَقَدَّمَنِي فَرَضِينَا لِدُنْيَانَا مَنْ رَضِيَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - لِدِينِنَا وَرَوَى عَبْدُ خَيْرٍ قَالَ:سَمِعْتُ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ كَرَّمَ اللَّهُ وَجْهَهُ يَقُولُ:قَبَضَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى نَبِيَّهُ - صلى الله عليه وسلم - عَلَى خَيْرِ مَا قُبِضَ عَلَيْهِ نَبِيٌّ مِنَ الْأَنْبِيَاءِ قَالَ:فَأَثْنَى عَلَيْهِ قَالَ:ثُمَّ(1/74)
اسْتَخْلَفَ أَبُو بَكْرٍ - رضي الله عنهم - فَعَمِلَ بِعَمَلِ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - ،وَسُنَّتِهِ،ثُمَّ قُبِضَ أَبُو بَكْرٍ - رضي الله عنهم - عَلَى خَيْرِ مَا قَبَضَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ عَلَيْهِ أَحَدًا،وَكَانَ خَيْرَ هَذِهِ الْأُمَّةِ بَعْدَ نَبِيِّهَا،ثُمَّ اسْتَخْلَفَ عُمَرَ - رضي الله عنهم - فَعَمِلَ بِعَمَلِهِمَا وَسُنَّتِهِمَا،ثُمَّ قُبِضَ عَلَى خَيْرِ مَا قُبِضَ عَلَيْهِ أَحَدٌ،وَكَانَ خَيْرَ هَذِهِ الْأُمَّةِ بَعْدَ نَبِيِّهَا،وَبَعْدَ أَبِي بَكْرٍ،وَقَالَ عَلِيٌّ - رضي الله عنهم - :سَبَقَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - ،وَثَنَّى أَبُو بَكْرٍ،وَثَلَّثَ عُمَرُ،يَعْنِي سَبَقَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - بِالْفَضْلِ،وَثَنَّى أَبُو بَكْرٍ بِعْدَهُ بِالْفَضْلِ،وَثَلَّثَ عُمَرُ بِالْفَضْلِ بَعْدَ أَبِي بَكْرٍ قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ:هَذَا كُلُّهُ مَعَ مَا يُرْوَى عَنْ عَلِيٍّ - رضي الله عنهم - ،فِي فَضْلِ أَبِي بَكْرٍ،وَعُمَرَ - رضي الله عنهم - مَا مَا يَدُلُّ عَلَى مَا قُلْنَا،وَسَنَذْكُرُ فَضْلَهُمَا مِنْ قَوْلِ عَلِيٍّ - رضي الله عنهم - مْ مَا يُقِرُّ اللَّهُ الْكَرِيمُ بِهِ أَعْيُنَ الْمُؤْمِنِينَ،وَيُسْخِنُ بِهِ أَعْيُنَ الْمُنَافِقِينَ،وَيُذِلُّ نَفْسَ كُلِّ رَافِضِيٍّ وَنَاصِبِيٍّ قَدْ خَطَى بِهِمْ عَنْ طَرِيقِ الْحَقِّ،وَسَلَكَ بِهِمَا طُرُقَ الشَّيْطَانِ فَاسْتَحْوَذَ عَلَيْهِمْ،فَهُمْ فِي غَيِّهِمْ يَتَرَدَّدُونَ،وَعَنْ طَرِيقِ الرَّشَادِ مُتَنَكِّبُونَ " (1)
- - - - - - - - - - - - - - - -
__________
(1) - الشريعة للآجري - (ج 3 / ص 295)(1/75)
الباب الثالث
فضائل عمر بن الخطاب رضي الله عنه
المبحث الأول
الخلاصة في حياة الفاروق
قَالَ الشَّيْخُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى:وَثَانِيَ الْقَوْمِ عُمَرُ الْفَارُوقُ ذُو الْمَقَامِ الثَّابِتِ الْمَأْنُوقِ،أَعْلَنَ اللَّهُ تَعَالَى بِهِ دَعْوَةَ الصَّادِقِ الْمَصْدُوقِ،وَفَرَّقَ بِهِ بَيْنَ الْفَصْلِ وَالْهَزْلِ،وَأَيَّدَ بِمَا قَوَّاهُ بِهِ مِنْ لَوَامِعِ الطَّوْلِ،وَمَهَّدَ لَهُ مِنْ مَنَائِحِ الْفَضْلِ شَوَاهِدَ التَّوْحِيدِ،وَبَدَّدَ بِهِ مَوَادَّ التَّنْدِيدِ،فَظَهَرَتِ الدَّعْوَةُ،وَرَسَخَتِ الْكَلِمَةُ،فَجَمَعَ اللَّهُ تَعَالَى بِمَا مَنَحَهُ مِنَ الصَّوْلَةِ مَا نَشَأَتْ لَهُمْ مِنَ الدَّوْلَةِ،فَعَلَتْ بِالتَّوْحِيدِ أَصْوَاتُهُمْ بَعْدَ تَخَافُتٍ،وَتَثَبَّتُوا فِي أَحْوَالِهِمْ بَعْدَ تَهَافُتٍ،غَلَبَ كَيَدَ الْمُشْرِكِينَ بِمَا أَلْزَمَ قَلْبَهُ مِنْ حَقِّ الْيَقِينِ،لَا يَلْتَفِتُ إِلَى كَثْرَتِهِمْ وَتَوَاطِيهِمْ،وَلَا يَكْتَرِثُ لِمُمَانَعَتِهِمْ وَتَعَاطِيهِمْ،اتِّكَالًا عَلَى مَنْ هُوَ مُنْشِئِهُمْ وَكَافِيهِمْ،وَاسْتِنْصَارًا بِمَنْ هُوَ قَاصِمُهُمْ وَشَانِيهِمْ،مُحْتَمِلًا لِمَا احْتَمَلَ الرَّسُولُ،وَمُصْطَبِرًا عَلَى الْمَكَارِهِ لِمَا يُؤْمَلُ مِنَ الْوُصُولِ،وَمُفَارِقًا لِمَنِ اخْتَارَ التَّنْعِيمَ وَالتَّرْفِيهَ،وَمُعَانِقًا لِمَا كُلِّفَ مِنَ التَّشَمُّرِ وَالتَّوْجِيهِ،الْمَخْصُوصُ مِنْ بَيْنِ الصَّحَابَةِ بِالْمُعَارَضَةِ لِلْمُبْطِلِينَ،وَالْمُوافَقَةِ فِي الْأَحْكَامِ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ،السَّكِينَةُ تَنْطِقُ عَلَى لِسَانِهِ،وَالْحَقُّ يُجْرِي الْحِكْمَةَ عَنْ بَيَانِهِ،كَانَ لِلْحَقِّ مَائِلًا،وَبِالْحَقِّ صَائِلًا،وَلِلْأَثْقَالِ حَامِلًا،وَلَمْ يَخْفَ دُونَ اللَّهِ طَائِلًا. ."حِلْيَةُ الْأَوْلِيَاءِ
قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ (الآجريُّ) رَحِمَهُ اللَّهُ:وَكَانَ أَحَقَّ النَّاسِ بِالْخِلَافَةِ بَعْدَ أَبِي بَكْرٍ - رضي الله عنهم - عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ - رضي الله عنهم - لِمَا جَعَلَ اللَّهُ الْكَرِيمُ فِيهِ مِنَ الْأَحْوَالِ الشَّرِيفَةِ الْكَرِيمَةِ وَالدَّلِيلِ عَلَى ذَلِكَ أَنَّهُ لَمَّا عَلِمَ أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ - رضي الله عنهم - مَوْضِعَ عُمَرَ مِنَ الْإِسْلَامِ وَأَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ أَعَزَّ بِهِ الْإِسْلَامَ وَعَلِمَ مَوْضِعَهُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - ،عَلِمَ قَدْرَ مَا خَصَّهُ اللَّهُ الْكَرِيمُ بِهِ مِنَ الْفَضَائِلِ فَنَاصَحَ أَبُو بَكْرٍ رَبَّهُ عَزَّ وَجَلَّ فِي أُمَّةِ مُحَمَّدٍ - صلى الله عليه وسلم - ،فَاسْتَخْلَفَ عَلَيْهِمْ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ - رضي الله عنهم - ،وَعَلِمَ أَنَّ اللَّهَ مُسَائِلُهُ عَنْ ذَلِكَ فَمَا أَلِيَ جُهْدًا فِي النَّصِيحَةِ لِلْمُسْلِمِينَ،وَلَقَدْ عَارَضَ رَجُلٌ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ لِأَبِي بَكْرٍ - رضي الله عنهم - ،فَقَالَ لَهُ:أُذَكِّرُكَ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ فَإِنَّكَ قَدِ(1/76)
اسْتَخْلَفْتَ عَلَى النَّاسِ رَجُلًا فَظًّا غَلِيظًا،وَإِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ سَائِلُكَ،فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ:أَجْلِسُونِي،فَأَجْلَسُوهُ فَقَالَ:أَتُفَرِّقُونِي إِلَّا بِاللَّهِ ؟ فَإِنِّي أَقُولُ لَهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى إِذَا لَقِيتُهُ:اسْتَخْلَفْتُ عَلَيْهِمْ خَيْرَ أَهْلِكَ قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ رَحِمَهُ اللَّهُ:وَصَدَقَ أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ - رضي الله عنهم - وَكَيْفَ لَا يَكُونُ عُمَرُ - رضي الله عنهم - عِنْدَهُ كَذَلِكَ وَالنَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ:"لَوْ كَانَ بَعْدِي نَبِيٌّ لَكَانَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ"وَقَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - :"اقْتَدُوا بِاللَّذَيْنِ مِنْ بَعْدِي:أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ"وَقَالَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ كَرَّمَ اللَّهُ وَجْهَهُ:مَا كُنَّا نُبْعِدُ أَنَّ السَّكِينَةَ تَنْطَبِقُ عَلَى لِسَانِ عُمَرَ وَقَالَ أَيْضًا عَلِيٌّ - رضي الله عنهم - :إِنَّ عُمَرَ عَبْدٌ نَاصَحَ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ فَنَصَحَهُ،وَزَوَّجَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ كَرَّمَ اللَّهُ وَجْهَهُ ابْنَتَهُ أُمَّ كُلْثُومٍ بِعُمَرَ - رضي الله عنهم - ،وَقُتِلَ عُمَرُ - رضي الله عنهم - وَهَىَ عِنْدَهُ وَقَالَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ - رضي الله عنهم - :سَبَقَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - ،وَثَنَّى أَبُو بَكْرٍ - رضي الله عنهم - ،وَثَلَّثَ عُمَرُ - رضي الله عنهم - يَعْنِي سَبَقَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - بِالْفَضْلِ،وَثَنَّى أَبُو بَكْرٍ بَعْدَهُ بِالْفَضْلِ،وَثَلَّثَ عُمَرُ بَعْدَهُمَا بِالْفَضْلِ وَقَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ رَحِمَهُ اللَّهُ:"لَمَّا أَسْلَمَ عُمَرُ - رضي الله عنهم - قَالَ الْمُشْرِكُونَ:انْتَصَفَ الْقَوْمُ مِنَّا كَانَ إِسْلَامُ عُمَرَ عِزًّا،وَكَانَتْ هِجْرَتُهُ نَصْرًا،وَكَانَتْ خِلَافَتُهُ رَحْمَةً،وَاللَّهِ مَا اسْتَطَعْنَا أَنَّ نُصَلِّيَ ظَاهِرِينَ حَتَّى أَسْلَمَ عُمَرُ،وَإِنِّي لَأَحْسَبُ أَنَّ بَيْنَ عَيْنَيْ عُمَرَ رَحِمَهُ اللَّهُ مَلَكًا يُسَدِّدُهُ فَإِذَا ذُكِرَ الصَّالِحُونَ فَحَيَّ هَلًا بِعُمَرَ وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ:"لَمَّا أَسْلَمَ عُمَرُ - رضي الله عنهم - قَالَ الْمُشْرِكُونَ:انْتَصَفَ الْقَوْمُ مِنَّا "،وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ:"لَمَّا أَسْلَمَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ - رضي الله عنهم - نَزَلُ جِبْرِيلُ عَلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - ،فَقَالَ:يَا مُحَمَّدُ لَقَدِ اسْتَبْشَرَ أَهْلُ السَّمَاءِ الْيَوْمَ بِإِسْلَامِ عُمَرَ،وَقَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - :"اللَّهُمَّ أَعِزَّ الْإِسْلَامَ بِأَحَبِّ الرَّجُلَيْنِ إِلَيْكَ إِمَّا بِعُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ،وَإِمَّا بِأَبِي جَهْلِ بْنِ هِشَامٍ"فَسَبَقَتِ الدَّعْوَةُ فِي عُمَرَ لِأَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ كَانَ يُحِبُّهُ وَقَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - :"إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ جَعَلَ الْحَقَّ عَلَى لِسَانِ عُمَرَ وَقَلْبِهِ"وَقَالَ - صلى الله عليه وسلم - :"قَدْ كَانَ يَكُونُ فِي الْأُمَمِ مُحَدِّثُونَ فَإِنْ يَكُنْ فِي أُمَّتِي أَحَدٌ فَعُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ"وَرُوِيَ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّ جِبْرِيلَ عَلَيْهِ السَّلَامُ أَتَى النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ:"أَقْرِئْ عُمَرَ السَّلَامَ،وَأَخْبِرْهُ أَنَّ غَضَبَهُ عِزٌّ،وَرِضَاهُ عَدْلٌ"قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ رَحِمَهُ اللَّهُ:وَلِعُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ - رضي الله عنهم - مِنَ الْفَضَائِلِ مَا يَكْثُرُ ذِكْرُهَا،وَسَنَذْكُرُهَا فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ ثُمَّ قَالَ عَلِيٌّ - رضي الله عنهم - وَقَدْ خَطَبَ النَّاسَ بِالْكُوفَةِ فِي خِلَافَتِهِ - رضي الله عنهم - عَلَى مِنْبَرِ الْكُوفَةِ لَمْ يُكْرِهْهُ أَحَدٌ عَلَى قَوْلِهِ،وَلَمْ تَأْخُذْهُ فِي اللَّهِ لَوْمَةُ لَائِمٍ فَقَالَ:"إِنَّ خَيْرَ هَذِهِ الْأُمَّةِ بَعْدَ نَبِيِّهَا أَبُو بَكْرٍ،ثُمَّ عُمَرَ"وَرَوَى هَذَا عَنْهُ جَمِيعُ(1/77)
أَصْحَابِ عَلِيٍّ - رضي الله عنهم - ،مِمَّنْ مِثْلُهُمْ يَصْدُقُ عَلَى عَلِيٍّ - رضي الله عنهم - وَرَوَى عَنْهُ ابْنُهُ مُحَمَّدُ ابْنُ الْحَنَفِيَّةِ - رضي الله عنهم - ،فَبِهَذِهِ الْأَحْوَالِ الشَّرِيفَةِ وَغَيْرِهَا اسْتَخْلَفَهُ أَبُو بَكْرٍ - رضي الله عنهم - ،وَرَضِيَ بِهِ جَمِيعُ الصَّحَابَةِ وَمَنْ بَعْدَهُمْ مِنَ التَّابِعِينَ،وَجَمِيعُ الْمُؤْمِنِينَ إِلَى أَنْ تَقُومَ السَّاعَةُ،فَالْحَمْدُ لِلَّهِ عَلَى ذَلِكَ " (1)
عاش عمر في الجاهلية خمسة وثلاثين عامًا،وكان مولده ونشأته ونسبه في بني عدي،وهم بطن من بطون قريش وفروعها. ولم يكن لبني عدي شأن كبير في مكة،لا في تجارة،ولا في رئاسة،وخاصة بالقياس إلى بني هاشم وبني أمية.
وبذلك ندرك أن مكانة عمر في الجاهلية وهيبته كانت راجعة إلى قوته الشخصية،وليس إلى نسبه أو ماله،ولعل وصفه الذي تركه لنا المؤرخون يعطى صورة واضحة لقوته الجسمانية،التي ساعدت في خلق المهابة لعمر بين الناس في مكة..
وقد كان مما تميز به عمر في الجاهلية شجاعته،وشدته على المخالفين.
عاش عمر في الجاهلية خمسة وثلاثين عامًا،وكان مولده ونشأته ونسبه في بني عدي،وهم بطن من بطون قريش وفروعها. ولم يكن لبني عدي شأن كبير في مكة،لا في تجارة،ولا في رئاسة،وخاصة بالقياس إلى بني هاشم وبني أمية.
وبذلك ندرك أن مكانة عمر في الجاهلية وهيبته كانت راجعة إلى قوته الشخصية،وليس إلى نسبه أو ماله،ولعل وصفه الذي تركه لنا المؤرخون يعطى صورة واضحة لقوته الجسمانية،التي ساعدت في خلق المهابة لعمر بين الناس في مكة..
وقد كان مما تميز به عمر في الجاهلية شجاعته،وشدته على المخالفين.
منذ اللحظة الأولى لإسلام عمر بن الخطاب،وهو يحمل هم هذا الدين،فقد حرص على أن يعلن إسلامه للجميع،ليس إسلامه وحده،بل إسلام كل من أسلم قبله ومن أسلم بعده..
وبعد الإسلام لقبه الرسول - صلى الله عليه وسلم - بالفاروق،وقد استحق هذا اللقب عن جدارة؛ إذ فرق الله به بين الحق والباطل. وبرغم شدته وقوته إلا أنه آثر أن ينال حظه من إيذاء
__________
(1) - الشَّرِيعَةُ لِلْآجُرِّيِّ -بَابُ ذِكْرِ خِلَافَةِ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَعَنْ جَمِيعِ الصَّحَابَةِ أَجْمَعِينَ(1/78)
قريش،حتى أذن الله لعباده بالهجرة،وهاجر عمر فكانت هجرته نصرا،وجاهد في سبيل الله فى جميع الغزوات والمعارك فى حياة النبى - صلى الله عليه وسلم - .
تربى عمر فى مدرسة النبوة فنبغ فيها نبوغا استحق عليه ثناء النبى - صلى الله عليه وسلم - وثناء الصحابة عليه،واستحق أيضا أن يصبح الوزير الثانى لرسول الله،وقبل كل شيء أحب عمر رسول الله حبا ملك عليه حياته،ويظهر أثر هذا الحب فى موقف عمر عند وفاة الرسول - صلى الله عليه وسلم - .
سمع عمر القرآن في بيت أخته فاطمة فشرح الله له صدره،وأسلم،وبدأت بإسلامه مرحلة جديدة فى الدعوة الإسلامية،وهى الانتقال من الاختفاء إلى الإعلان،ومن السرية إلى الجهرية،وكان دعاء الرسول - صلى الله عليه وسلم - سببا من أسباب إسلامه،بالإضافة إلى قوة الحق الذى أثر فى عمر فأذعن له،وأصبحت قصة إسلام عمر مما يروى عن تأثير القرآن فى القلوب وأسْرِه لها.
ومما ترتب على إسلام عمر الدهشة التي أصابت قريشا وزلزلت أركانها. وبرغم قوة عمر إلا فإنه آثر أن ينال حظه من إيذاء قريش له،مثله مثل بقية المستضعفين من المسلمين.
لقد كان إسلام عمر فتحا،فاستحق أن يلقبه الرسول - صلى الله عليه وسلم - بالفاروق،وكانت هجرته نصرًا حيث هزم المشركين بقوتهم وسلطانهم،وبعد الهجرة كان جهاده دعمًا للحق فى مواجهة الباطل.
أعلن عمر إسلامه فخرج المسلمون مهللين مكبرين يعلنون الخبر فى مكة كلها،وهكذا كان إسلام عمر فتحا للمسلمين وعزة لهم أمام طغيان المشركين وتعنتهم مع المسلمين وتعذيبهم للمستضعفين منهم.
كان المسلمون قبل إسلام عمر لا يستطيعون الجهر بالصلاة ولا الصلاةَ عند الكعبة،فلما أسلم عمر خرج مع المسلمين متقلدا سيفه،ومكنهم من الصلاة عند بيت الله الحرام،فلقبه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالفاروق.
وكان لإسلام عمر دوى عند المشركين الذين أصاب الغضب بعضهم وأصاب الفزع والخوف بعضهم الآخر؛ فهم يعلمون قوة عمر وشدته وتأثيرهما بعد إسلامه،كما أن(1/79)
إسلام واحد فى مكانة عمر بين قومه سيكون له أثر كبير فى دعوة بقية قبائل الجزيرة العربية إلى الإسلام.
سئلت أم المؤمنين عائشة ـ رضى الله عنها:من سمى عمر الفاروق؟
فقالت:النبى ـ - صلى الله عليه وسلم - .
وروى أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال بعد إسلام عمر:"إن الله جعل الحق على لسان عمر وقلبه،وهو الفاروق:فرق الله به بين الحق والباطل".
وأما اليوم الذى لقبه فيه رسول الله بهذا اللقب فقد كان يوما مشهودا،إذ خرج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - والمسلمون فى صفين،عمر فى أحدهما،وحمزة فى الآخر،حتى دخلوا البيت الحرام،فنظرت قريش إلى عمر وإلى حمزة فأصابتهم كآبة لم يصبهم مثلها قط ...
حزن عمر حزنا شديدا وهو يرى إخوانه من المسلمين المستضعفين يعذبون ويؤذون،بينما هو فى أمان لا يجرؤ أحد على إيذائه،وكان يقول:"لا أحب إلا أن يصيبنى ما أصاب المسلمين"؛ لذا كان عمر يتعرض لزعماء قريش ورؤوس الكفر ويعلن أمامهم إسلامه،بل يذهب إلى بيوتهم ويطرق أبوابهم ليخبرهم بنبأ إسلامه،فذهب إلى أبى جهل فى بيته وأخبره بإسلامه،فدفع أبو جهل الباب فى وجهه،وانطلق عمر يجهر بإسلامه وسط الملأ من قريش،فتجمعوا حوله وضربوه،فوثب عمر على عتبة بن ربيعة،فبرك عليه وجعل يضربه،وأدخل أصبعه فى عينه،فجعل عتبة يصيح،الأمر الذى جعل الناس يبتعدون عنه
أمر الله تعالى نبيه - صلى الله عليه وسلم - بالهجرة من مكة إلى المدينة،التى كانت تسمى حينئذ"يثرب "،فخرج المسلمون مستخفين من كفار قريش،يتسللون تحت جُنَح الظلام تارة،وفى الهجير تارة أخرى،إلا عمر.. فإنه لما أراد الهجرة تقلد سيفه،وتنكب قوسه،وأمسك فى يده أسهما،ومضى ناحية الكعبة وعندها ملأ من قريش،فطاف عمر بالبيت الحرام سبعا بطمأنينة وتمكن،ثم أتى مقام إبراهيم فصلى عنده مطمئنا،وتوجه إلى خارج مكة مارا بحلق المشركين واحدة واحدة وهو يقول لهم:"شاهت الوجوه ( أى قبحت ) من أراد أن تثكله أمه،ويؤتم ولده،ويرمل زوجته،فليلقنى وراء هذا الوادى".
ولم يتبعه أحد من مشركى قريش..(1/80)
وهكذا كانت هجرة عمر نصرا للمسلمين ...
أحب عمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - منذ اللحظة الأولى لإسلامه،وأحبه رسول الله وقربه إليه،وقد لقبه بالفاروق الذى فرق الله به بين الحق والباطل،وكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول عنه:"أشد أمتى فى أمر الله عمر "،وفى حديث آخر:"قد كان فى الأمم محدَّثون - أي ملهمون - فإن يكن فى أمتى فعمر" ... وكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ينادى عمر بقوله:"يا أخى"- فيروى ابن عمر قائلا:استأذن عمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فى العمرة،فقال الرسول - صلى الله عليه وسلم - :يا أخى أشركنا فى صالح دعائك ولا تنسنا ".
وقال عنه أيضا:"إن الله عز وجل جعل الحق على قلب عمر ولسانه ".
ويكفى عمر من ثناء النبى عليه قوله - صلى الله عليه وسلم - :"لو كان بعدى نبى لكان عمر بن الخطاب ".
ووصف رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عمر بأنه لا يحب الباطل،وذكر الرسول - صلى الله عليه وسلم - أن الشيطان يفر من عمر ويخافه.
إنه أسعد خبر يمكن أن يسمعه بشر على الإطلاق،إنها البشرى بالفوز العظيم،الفوز بالجنة التى هى دليل رضا الله تعالى على العبد،ولقد بشر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عشرة من أصحابه بالجنة،فذات يوم دخل - صلى الله عليه وسلم - بستانا وكان معه الصحابى الجليل أبو موسى الأشعرى،فأمره النبى بأن يقف على باب البستان،وبعد قليل جاء رجل وطلب الإذن بالدخول،فقال رسول الله:ائذن له وبشره بالجنة.
وكان الرجل أبا بكر الصديق رضى الله عنه.
ثم جاء آخر وطلب الإذن بالدخول،فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لأبى موسى،ائذن له وبشره بالجنة،فكان عمر بن الخطاب - رضى الله عنه.
وبهذا أصبح عمر ثانى العشرة المبشرين من رسول الله بالجنة. وتتابعت بشريات رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لعمر بالجنة،فيروى الإمام علي فيقول:"كنت عند النبى - صلى الله عليه وسلم - فأقبل أبو بكر وعمر - رضى الله عنهما - فقال:يا علي هذان سيدا كهول أهل الجنة وشبابها بعد النبيين والمرسلين.(1/81)
وزار رسول الله قصر عمر فى الجنة،وكان قصرا من ذهب،فقال - صلى الله عليه وسلم - :لمن هذا القصر؟ فقالوا:لشاب من قريش.
فقال:لمن هو ؟
فقالوا:عمر بن الخطاب.
كان لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - وزيران من أهل السماء هما جبريل وميكائيل،واتخذ وزيرين من أهل الأرض أولهما أبو بكر والثانى عمر كان يشاورهما فى كل أمر يهم به من أمور المسلمين؛ ولذلك كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يُرَى دائما بينهما.. ويروى عبد الله بن عمر أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - خرج ذات يوم فدخل المسجد وأبو بكر وعمر أحدهما عن يمينه والآخر عن شماله،وهو آخذ بأيديهما،وقال:"هكذا نبعث يوم القيامة"..
وكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول لأبى بكر وعمر:"لو اجتمعتما فى مشورة ما خالفتكما ".
ومن المواقف المشهورة،التى شاور فيها النبى - صلى الله عليه وسلم - وزيريه استشارته لهما فى أسرى غزوة بدر. وقد شبه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وزيريه بالأنبياء والملائكة،فقال - صلى الله عليه وسلم - مثلك يا أبا بكر فى الملائكة مثل ميكائيل - عليه السلام - ينزل بالرحمة،ومثلك فى الأنبياء مثل إبراهيم،قال:فمن تبعنى فإنه مني ومن عصانى فإنك غفور رحيم،ومثلك يا عمر فى الملائكة مثل جبريل -عليه السلام- ينزل بالشدة والبأس والنقمة على أعداء الله،ومثلك فى الأنبياء مثل نوح - عليه السلام - قال:رب لا تذر على الأرض من الكافرين ديَّارا
أسر المسلمون من المشركين سبعين رجلا فى غزوة بدر الكبرى سنة اثنتين من الهجرة،وبعد أن هدأ غبار المعركة،ورجع المسلمون إلى المدينة فرحين بنصر الله المبين،استشار رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وزيريه أبا بكر وعمر فى أمر هؤلاء الأسرى،فأشار أبو بكر بأخذ الفدية منهم،فقال رسول الله لعمر:ما ترى يا ابن الخطاب ؟ فقال عمر:والله ما أرى ما يرى أبو بكر،ولكنى أرى أن تمكنى من فلان (وهو قريب لعمر) فأضرب عنقه،وتمكن عليا من عقيل فيضرب عنقه،وتمكن حمزة من فلان فيضرب عنقه،حتى يعلم الله أنه ليست فى قلوبنا هوادة للمشركين،فمال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لرأى أبى بكر،وأخذ منهم الفدية.(1/82)
يقول عمر:فلما كان من الغد غدوت على النبى - صلى الله عليه وسلم - فإذا هو قاعد وأبو بكر يبكيان،فقلت:يا رسول الله،أخبرنى ما يبكيك أنت وصاحبك ؟ فتلا عليه رسول الله ما نزل من القرآن موافقا لرأيه،قال تعالى:ما كان لنبى أن يكون له أسرى حتى يثخن فى الأرض إلى قوله تعالى:لولا كتاب من الله سبق لمسكم فيما أخذتم عذاب عظيم.
عرف عمر بنود صلح الحديبية بين المسلمين والمشركين،ورأى أن فيها إجحافا بالمسلمين وتنازلات لصالح المشركين،كما يوحى بذلك ظاهر الشروط،فسارع إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول:يا رسول الله،ألسنا على الحق وهم على باطل؟ قال رسول الله:بلى،قال عمر:فلِمَ نعطى الدنية فى ديننا،ولمَّا يحكم الله بيننا وبينهم،فقال رسول الله:يا ابن الخطاب،إنى رسول الله،ولن يضيعنى الله أبدا،فانطلق عمر إلى الوزير الأول لرسول الله،فقال له:يا أبا بكر،ألسنا على حق وهم على باطل؟ قال:نعم،فقال عمر:فعلام نعطى الدنية فى ديننا؟ فقال أبو بكر:يا ابن الخطاب إنه رسول الله،ولن يضيعه الله أبدا.
ونزلت على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الآيات الأولى من سورة الفتح تبشره بفتح مكة،وتلا الآيات على عمر فقال:يا رسول الله أوفتح هو ؟ فقال:نعم.. فطابت نفس عمر ...
أصعب شيء على المحبين الفراق،وخاصة إذا أحب المرء إنسانا حبا يملك عليه حياته،وقد يبلغ الألم حدّا يعرض صاحبه لحالة من الذهول،أو عدم تصديق ما حدث،أو إيهام نفسه ومن حوله بأن الحبيب لم يفارقه.
وهذا ما حدث لعمر عند وفاة الرسول - صلى الله عليه وسلم - إذ خرج خطيبا فى المسجد يقول:"لا أسمعن أحدا يقول إن محمدا قد مات،ولكنه أرسل الله إليه كما أرسل لموسى بن عمران". ومن شدة الموقف على عمر هدد بأن رسول الله سيرجع،ويقطع أيدى رجال وأرجلهم لأنهم"يزعمون"أن رسول الله مات.
وفوجئ عمر بأبى بكر يدخل المسجد ويقول له:اجلس يا عمر،ثم قال قولته المشهورة:من كان يعبد محمدا،فإن محمدا قد مات،ومن كان يعبد الله فإن الله حى لا يموت،قال الله عز وجل:(وَمَا مُحَمَّدٌ إِلا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلَى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللهَ شَيْئًا وَسَيَجْزِى اللهُ الشَّاكِرِينَ).. تلا أبو بكر(1/83)
هذه الآية ليفيق عمر وليستيقظ من الذهول الذى أصابه من شدة الموقف،فأهوى إلى الأرض،وظل الناس يرددون هذه الآية الكريمة وكأنهم يسمعونها لأول مرة.
اشترك عمر فى جميع الغزوات والمشاهد فى حياة النبى - صلى الله عليه وسلم - فقد شهد مع رسول الله بدرا وأحدا والخندق وبيعة الرضوان وخيبر وفتح مكة وحنينا،وغيرها.. وكان عمر من أشد الناس على الكفار ...
وأراد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن يرسله إلى أهل مكة يوم الحديبية فقال عمر:يا رسول الله قد علمت قريش شدة عداوتى لها،وإن ظفروا بى قتلونى "،فتركه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأرسل بدلا منه عثمان بن عفان - رضى الله عنه.
وعقب انتهاء غزوة أحد وقف أبو سفيان يقول بأعلى صوته من فوق الجبل:إن الحرب سجال يوم بيوم بدر.. اعل هبل،فرد عليه عمر - رضى الله عنه:الله أعلى وأجل،لا سواء،قتلانا فى الجنة وقتلاكم فى النار".
تخبرنا كتب السنة أن عمر بن الخطاب روى عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أكثر من خمسمائة وتسعة وثلاثين حديثا،وروى عنه كبار الصحابة ومن أشهر الأحاديث المروية عن عمر حديث"النية "،وهو قول رسول الله - صلى الله عليه وسلم - :"إنما الأعمال بالنيات،وإنما لكل امرئ ما نوى،فمن كانت هجرته لله ورسوله،فلله ورسوله،ومن كانت هجرته لدنيا يصيبها أو امرأة ينكحها فهجرته إلى ما هاجر إليه ".
وهذا الحديث تبدأ به معظم كتب السنة؛ لأنه يوجه المسلم إلى الأساس الذى تبنى عليه الأعمال،وهو إخلاص النية لله تعالى..
مما يدل على قوة الحق عند عمر،وشدته على أهل الباطل،وصف الرسول - صلى الله عليه وسلم - شدة عمر على الشيطان،وهو رمز الباطل،بأن الشيطان يخاف من عمر،ويفر من طريقه.
يروى الصحابى الجليل سعد بن أبى وقاص حكاية تبين شدة عمر وهيبته فيقول:استأذن عمر على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وعنده نساء من قريش يكلمنه،عالية أصواتهن،فلما استأذن عمر قمن يبتدرن الحجاب،فأذن له رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فدخل عمر ورسول الله يضحك،فقال عمر متعجبا:أضحك الله سنك يا رسول الله،قال:"عجبت من هؤلاء اللاتى(1/84)
كن عندى لما سمعن صوتك ابتدرن الحجاب "،فقال عمر معلقا:فأنت كنت أحق أن يهبن،ثم قال للنسوة:أى عدوات أنفسهن،أتهبننى ولا تهبن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقلن:نعم،عمر بن الخطاب أغلظ وأفظ من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لعمر:"والذى نفسى بيده ما لقيك الشيطان قط سالكا فجا إلا سلك فَجَّا غير فجك".
بعد وفاة الصديق أصبح عمر خليفة المسلمين،لتُظهر الخلافة الكثير من جوانب العبقرية في شخصية عمر،فمنذ اليوم الأول لتوليته الخلافة حدد عمر فى خطابه أمام الناس منهجه فى الحكم.
وخلال العشر سنوات وبضعة أشهر التى ولى فيها عمر الخلافة،عرفت الإنسانية حاكما من طراز فريد. وتعددت فى الخلافة إنجازاته،وظهرت فيها وقبلها مناقبه وفضائله،من ورعه وزهده وعدله واهتمامه بالرعية،إلى عبقريته فى الإدارة وتطبيق نظم الحكم..
وحين نتعرف على أسرة عمر،وموقفه منها بعد توليه الخلافة،ندرك كيف أنه جعل الخلافة عبئا عليهم لا مغنما لهم ...
وفى ختام هذه السنوات العشر أصبح عمر فى رحاب الشهداء،ونال الشهادة التى كان يدعو الله أن ينالها..
فسلام على عمر فى الشهداء والصالحين،مبشرا بالجنة عند رب العالمين.
فى الساعات الأخيرة من حياة أبى بكر،جمع كبار الصحابة لاستشارتهم فى استخلاف عمر من بعده،وكانوا جميعا يعرفون قدر عمر فى الإسلام،فأيدوا هذا الاختيار وكانت البيعة. وفى الساعات الأولي لخلافة عمر خطب فى الناس،موضحا منهاجه فى الخلافة،التى أظهرت العديد من جوانب العبقرية عند عمر،ويبدو ذلك واضحا من خلال إنجازاته طوال السنوات العشر التى ولى فيها،كما أظهرت الخلافة كثيرا من مناقبه وفضائله التى تحدثت عنها كتب السنة والتاريخ والآثار وسطرتها بأحرف من نور ...
ولقد كان عمر فى الخلافة واضحا وحازما مع الجميع،وخاصة مع أسرته وأهله،وله فى ذلك عشرات المواقف المضيئة فى تاريخنا الإسلامى.(1/85)
كان أخشى ما يخشاه أبو بكر على المسلمين من بعده الفرقة والاختلاف،لذلك أراد أن يحسم أمرا قد يكون سببا فى الفتنة،ألا وهو اختيار من يخلفه،وخاصة وقد مرض مرض الموت،واقترب من الرحيل. واستخار أبو بكر الله تعالى فى اختيار عمر للخلافة،ووقع هذا الاختيار من قلبه موضع رضى،ومع ذلك أراد أن يوثقه باستشارة خاصةِ المسلمين وأخيارهم،فدعا عبدَ الرحمن بن عوف وسأله عن رأيه فى عمر - فقال عبد الرحمن:هو والله أفضل من رأيك فيه،ثم دعا أبو بكر عثمان بن عفان فقال عثمان عن عمر:اللهم عِلْمى به أن سريرته خير من علانيته،وأنْ ليس فينا مثله. وشاور أبو بكر سعيد بن زيد وأسيد بن حضير وغيرهما من المهاجرين والأنصار،فأيد الجميع اختياره لعمر. غير أن بعض الصحابة خافوا من شدة عمر،فدخلوا على أبى بكر قائلين:ما أنت قائل لربك إذا سألك عن استخلافك عمر علينا؟ فقال أبو بكر أقول:"اللهم استخلفت عليهم خير أهلك "!
منذ اللحظة الأولى لمبايعة عمر بن الخطاب بالخلافة وهو يفكر فى هذه التركة المثقلة بالهموم،التى تركها له صاحباه رسول الله وخليفته الأول،خاصة وأن كثيرا من الصحابة يخشون شدته التى عرف بها واشتهر. وبعد تفكير غير طويل،حدد عمر منهاجه فى الحكم،وحرص على أن يُعْلم به الناس حتى يطمئنهم،فصعد المنبر،وخطب فى الناس،والمتأمل فى خطاب عمر،يلحظ فيه ملامح هذا المنهاج واضحةً.
قال:"بلغنى أن الناس هابوا شدتى،وخافوا غلظتى،وقالوا قد كان عمر يشتد علينا ورسول الله بين أظهرنا،ثم اشتد علينا وأبو بكر والينا دونه،فكيف وقد صارت الأمور إليه،ومن قال ذلك فقد صدق..
واستأنف قائلا:"ثم وليت أموركم أيها الناس،فاعلموا أن تلك الشدة قد أضعفت،ولكنها إنما تكون على أهل الظلم والتعدى على المسلمين،فأما أهل السلامة والدين والقصد،فأنا ألين لهم من بعضهم لبعض..
"ولكم على أيها الناس خصال أذكرها لكم فخذونى بها:لكم على ألا أجتبى شيئا من خراجكم ولا ما أفاء الله عليكم إلا من وجهه،ولكم علىَّ إذا وقع فى يدي ألا يخرج منى إلا فى حقه،ولكم على أن أزيد عطاياكم وأرزاقكم إن شاء الله تعالى،وأسد ثغوركم،ولكم(1/86)
على ألا ألقيكم فى المهالك،ولا أجمِّركم فى ثغوركم،وإذا غيبتكم فى البعوث فأنا أبو العيال أي راعيهم".
منذ اللحظة الأولى لمبايعة عمر بن الخطاب بالخلافة وهو يفكر فى هذه التركة المثقلة بالهموم،التى تركها له صاحباه رسول الله وخليفته الأول،خاصة وأن كثيرا من الصحابة يخشون شدته التى عرف بها واشتهر. وبعد تفكير غير طويل،حدد عمر منهاجه فى الحكم،وحرص على أن يُعْلم به الناس حتى يطمئنهم،فصعد المنبر،وخطب فى الناس،والمتأمل فى خطاب عمر،يلحظ فيه ملامح هذا المنهاج واضحةً.
قال:"بلغنى أن الناس هابوا شدتى،وخافوا غلظتى،وقالوا قد كان عمر يشتد علينا ورسول الله بين أظهرنا،ثم اشتد علينا وأبو بكر والينا دونه،فكيف وقد صارت الأمور إليه،ومن قال ذلك فقد صدق..
واستأنف قائلا:"ثم وليت أموركم أيها الناس،فاعلموا أن تلك الشدة قد أضعفت،ولكنها إنما تكون على أهل الظلم والتعدى على المسلمين،فأما أهل السلامة والدين والقصد،فأنا ألين لهم من بعضهم لبعض..
"ولكم على أيها الناس خصال أذكرها لكم فخذونى بها:لكم على ألا أجتبى شيئا من خراجكم ولا ما أفاء الله عليكم إلا من وجهه،ولكم علىَّ إذا وقع فى يدي ألا يخرج منى إلا فى حقه،ولكم على أن أزيد عطاياكم وأرزاقكم إن شاء الله تعالى،وأسد ثغوركم،ولكم على ألا ألقيكم فى المهالك،ولا أجمِّركم فى ثغوركم،وإذا غيبتكم فى البعوث فأنا أبو العيال أي راعيهم".
يحسد الناس كثيرا أبناء الزعماء والقادة وأصحاب المناصب على ما هم فيه،فالسعادة - كما يتصورون - تكمن خلف هذا المنصب إلا أن من ينظر إلى حال أسرة عمر وهو "أمير المؤمنين."ورئيس أكبر دولة فى العالم آنذاك،لن يَغبطهم ولن يحسدهم،بل سيشفق عليهم مما وصل إليه حالهم بسبب المنصب الكبير،حتى صارت قرابة عمر والانتماء لأسرته عبئا يود الأقرباء لو استطاعوا منه الفرار. لقد حمل عمر ورعه وشدة تحمله للمسئولية(1/87)
وخوفه من الشبهات على أن يحمل أسرته من المسئوليات أضعاف ما يحمله نظراؤهم من الناس.
بل ويحرمهم مما هو مباح لهم،خوفا من الشبهة،يقول ولده عبد الله:كان عمر إذا أراد أن ينهى الناس عن شيء تقدم إلى أهله،فقال:لا أعلمن أحدا وقع فى شيء مما نهيت عنه إلا أضعفت له العقوبة.
ودخل يوما دار عبد الله فوجده يأكل شرائح لحم،وهو مباح له مثل كل الناس،ومع ذلك يقول له عمر:"ألأنك ابن أمير المؤمنين تأكل لحما،والناس فى خصاصة،ألا خبزا وملحا؟ ألا خبزا وزيتا؟!"
كان عمر فى اهتمامه برعيته،وإدراكه وإحساسه بالمسئولية نحوهم نموذجا وقدوة يحتذى،وضرب فى ذلك أروع الأمثلة من خلال عشرات المواقف التى ترويها كتب التاريخ. وكان رضى الله عنه وهو يمشى ليلا فى شوارع المدينة بجوار بيوتها يطمئن على أحوال رعيته،وخاصة الضعفاء منهم - كان يخفى شخصيته على من لا يعرفه،حتى يتمكن من خدمته بنفسه دون حرج.
ولم يعرف التاريخ حاكما من طراز فريد كعمر يحمل طعام رعيته فوق ظهره بنفسه،بل يصنعه لهم،وبعد ذلك يحاسب نفسه حسابا عسيرا على تقصيره معهم..!! رحم الله عمر لقد أتعب الخلفاء من بعده!
وذات ليلة خرج فى سواد الليل،فرآه طلحة بن عبيد الله فمشى خلفه ينظر ماذا يصنع،فذهب عمر فدخل بيتا ثم دخل بيتا آخر،فلما أصبح طلحة ذهب إلى ذلك البيت،فإذا بعجوز عمياء مقعدة،فقال لها:ما بال هذا الرجل يأتيك ؟ قالت:إنه يتعاهدنى منذ كذا وكذا،يأتينى بما يصلحنى،ويخرج عنى الأذى.
وضع عمر بن الخطاب أسسا واضحة فى اختيار ولاته وعماله والتعامل معهم،فكان يحرص على اختيار الصالحين الأكْفاء،ثم يوصى من يختاره بتقوى الله وإصلاح الرعية،ويكتب عليه كتابا يشهد عليه بعض كبار الصحابة. وكان من الشروط التى يحويها هذا الكتاب:ألا(1/88)
يأكل نقيا،ولا يلبس رقيقا - والمقصود هنا الثياب الفاخرة والطعام المتنوع - ولا يغلق بابه دون حاجات المسلمين،وألا يقبل الهدايا.
وكان عمر يطلق الحرية للعامل فى الشئون الموضعية،ويقيده فى المسائل العامة. ويعجبه من الوالى أنه إذا كان فى القوم وليس أميرهم كان كأنه أميرهم،وإذا كان فيهم وهو أميرهم كان كأنه واحد منهم.
وكانت الرقابة الشديدة على العمال والولاة من أسس تعامل عمر معهم،خاصة ملاحظة ما يطرأ من تغيير على العامل فى ملبسه أو مسكنه أو مطعمه.
ومن أساليبه فى مراقبة العمال بعث العيون التى تراقب تعامل الولاة مع الناس فى أماكن عملهم،وأيضا سؤال الناس فى موسم الحج عن أحوال الولاة معهم،وكذلك استدعاء العامل أو الوالى إلى المدينة،ثم مراقبته فى الطريق،ليلاحظ هل تغيرت حالته بعد الولاية أم لا،وهل رجع إلى المدينة كما خرج منها أم لا. وفى علاقة عمر مع ولاته وشدته عليهم عشرات المواقف الرائعة التى روتها لنا كتب التاريخ والسير.
كان الصحابة يحبون عمر ويجلونه وينزلونه منزلة رفيعة،فهم يعرفون قدره ومكانته فى الإسلام،يروى سالم بن عبد الله عن عبد الله بن عمر أنه قال:كنا نقول ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - حى:أفضل أمة النبى - صلى الله عليه وسلم - بعده أبو بكر ثم عمر. وكان على بن أبى طالب يقول:ألا أخبركم بخير هذه الأمة بعد نبيها؟ أبو بكر،ثم قال:ألا أخبركم بخير هذه الأمة بعد أبى بكر؟ عمر.
وسئلت أم المؤمنين عائشة:أى أصحاب النبى - صلى الله عليه وسلم - كان أحب إليه؟ قالت:أبو بكر،فقيل:ثم من ؟ قالت:ثم عمر،فقيل ثم من ؟ قالت:أبو عبيدة بن الجراح.
وقال عبد الله بن مسعود:كان إسلام عمر فتحا،وكانت هجرته نصرا،وكانت إمارته رحمة،ولقد رأيتنا وما نستطيع أن نصلى فى البيت حتى أسلم عمر،فلما أسلم عمر قاتلهم حتى تركونا فصلينا.
عاش عمر بفطرة نقية وقلب مؤمن،وحس صادق يتوقع الخير ويدعو إليه،كما كان قوى الملاحظة سريع البديهة حاضر الذهن،وقد بدت هذه الصفات جميعا فى موافقة القرآن لرأيه(1/89)
فى العديد من المواقف والأحداث حتى قال أحد أئمة التفسير الكبار:كان عمر يرى الرأى فينزل به القرآن.
وأخرج الشيخان ( البخارى ومسلم ) عن عمر قال:"وافقت ربى فى ثلاث،قلت:يا رسول الله،لو اتخذنا من مقام إبراهيم مصلى فنزلت:(واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى) [سورة البقرة:]،وقلت:يا رسول الله،يدخل على نسائك البر والفاجر فلو أمرتهن يحتجبن،فنزلت آية الحجاب،واجتمع نساء النبى - صلى الله عليه وسلم - فى الغيرة،فقلت:عسى ربه إن طلقكن أن يبدله أزواجا خيرا منكن،فنزلت كذلك".
ووافق القرآن رأى عمر فى أسرى غزوة بدر،وفى قصة الصلاة على عبد الله بن أبى بن سلول،ووافق القرآن رأيه فى تحريم الخمر،إذ دعا عمر قائلا:اللهم بيِّن لنا فى الخمر بيانا شافيا،فأنزل الله تحريمها.
ويروى عن عمر أيضا أنه قال:لما نزلت هذه الآية:(لقد خلقنا الإنسان فى أحسن تقويم) [سورة التين:] قلت:فتبارك الله أحسن الخالقين،فنزلت الآية (فتبارك الله أحسن الخالقين ).
صار عمر بالإسلام قمة سامقة من قمم العطاء الإنسانى،عرف بشدته مع لين قلبه،وعرف بورعه وخوفه من الله،وحرصه على الصلاة التى هى عماد الدين،فكان يقوم الليل مصليا ومستغفرا وراجيا عفو ربه،وكأنه قد أتى عظائم الأمور،أو ارتكب كبائر الذنوب،وكان لعبادته وزهده فى الدنيا أثر كبير،أظهر الله بسببه كرامات على يديه،وذلك مشهور فى قصة سارية الجبل.
وأصبح عمر أميرا للمؤمنين،فكان ذكاؤه وفطنته فى إدارة شؤون الدولة الإسلامية،وخاصة فى مراقبة عماله،واهتمامه برعيته. وقضى عمر في الخلافة أكثر من عشر سنوات من العدل وتحمل المسئولية والحرص على صالح الإسلام و المسلمين.
كانت المؤاخاة ركنا أساسيا فى بناء الدولة الإسلامية،ومبدأ إسلاميا أصيلا فى بناء المجتمع،فالمهاجرون الذين تركوا أموالهم وأولادهم وأسرهم وبيوتهم،وهاجروا فى سبيل الله،لابد أن تصاغ العلاقة بينهم وبين إخوانهم الأنصار بشكل منظم،وبرغم وجود الأخوة(1/90)
العامة فى الدين بين كل المسلمين،حدد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لكل واحد من صحابته أخا له من المهاجرين أو الأنصار.
وآخى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فى هذا الإطار بين وزيريه أبى بكر وعمر. وتروى كتب التاريخ أن رسول الله آخى بين عمر وبين آخرين من الصحابة،إلا أن أخوة أبي بكر وعمر هى التى ظهرت بشكل واضح فى حياة الشيخين حتى تلازما فى كل شيء ودفنا متجاورين بعد الموت.
جلس الشيخان إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو يحدثهم عن الصدقة ويأمرهم بها،وما إن انتهى رسول الله من حديثه حتى انطلق عمر تلقاء بيته،وهو يقول:اليوم أسبق أبا بكر،وأسرع المشى كأنه فى سباق حقيقى،ولما وصل البيت فكر فى أن يتصدق بجزء من ماله،ثم فكر فى الأمر:ومن يضمن لى أن يتصدق أبو بكر بأكثر من هذا الجزء؟ وقرر أن يتصدق بنصف ماله كله.
وانطلق عمر إلى رسول الله وهو يظن أنه يسبق أبا بكر،وتقدم بصدقته،وسأله رسول الله:ما أبقيت لأهلك ؟ فقال عمر:مثله،وانتظر عمر مجيء أبى بكر،وفوجئ به يأتى بماله كله،وسأله رسول الله:يا أبا بكر،ما أبقيت لأهلك ؟ فقال:أبقيت لهم الله ورسوله،فقال عمر:لا أسبقه فى شيء أبدا..
وهكذا تنافس الصاحبان فى الخير والعمل الصالح،وهو خير سباق وأفضل متنافس،وظل عمر ينافس أبا بكر حتى بعد توليه الخلافة،فكان عمر يرعى عجوزا عمياء،وذات يوم وجد من سبقه إليها بالرعاية والخدمة،فإذا هو أبو بكر خليفة المسلمين!!
كان أبو بكر وعمر وزيري رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فى حياته،فكان يستشيرهما فى القضايا الكبرى والعامة من أمور المسلمين،وكان الوزيران يتنافسان ويتسابقان فى الخير،وبرغم هذا التنافس كان كل منهما يحب الآخر،فكان ثناء أبى بكر على عمر وثناء عمر على أبى بكر اعترافا من كل واحد منهما بالفضل لأخيه.
وحرص رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على أن يربط بينهما بالمؤاخاة التى استمرت بعد وفاته،حيث أصبح عمر وزيرا لأبى بكر،يساعده فى إدارة شئون الدولة،وكان أبو بكر يستشير(1/91)
وزيره،وخاصة فى القضايا الكبرى التى فاجأته،مثل قتال مانعى الزكاة،وجمع القرآن. ولا ننسى أن بيعة عمر لأبى بكر كانت من عوامل حسم الخلاف فى اختيار من يخلف رسول الله - صلى الله عليه وسلم - .
لقد كان يوم السقيفة من أيام التاريخ المعدودة،ففى هذا اليوم تحددت معالم جديدة للدولة الإسلامية الناشئة،وتم اختيار أول خليفة بعد وفاة الرسول - صلى الله عليه وسلم - .
رأى الأنصار أنهم يعيشون في بلادهم،وأنه إذا كان مقام النبوة يمنع من أن يترأس أحد على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فإن غيره ليست له هذه الميزة،ولذلك سعى الأنصار إلى اختيار خليفة لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - منهم،وكاد اختيارهم وهم مجتمعون في سقيفة بني ساعدة يقع على سعد بن عبادة،حتى أدركهم أبو بكر وعمر وأبو عبيدة.
وقد كان لعمر دور كبير فى حسم الخلاف حول اختيار الخليفة الجديد،هل يكون من الأنصار أم من المهاجرين؟.. فقال عمر للأنصار:ألستم تعلمون أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قدم أبا بكر للصلاة ؟
قالوا:بلى،قال:فأيكم تطيب نفسه أن يتقدم من قدمه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قالوا:لا أحد،ووثب عمر فأخذ بيد أبى بكر فبايعه،وقام أسيد بن حضير وبشير بن سعد يستبقان ليبايعا ووثب أهل السقيفة يبايعون أبا بكر.
فوجئ أبو بكر بوزيره ومستشاره الفاروق عمر يطرح عليه هذا الرأى،قال عمر:يا خليفة رسول الله،تألف الناس،وارفق بهم،فإنهم بمنزلة الوحش.
واستنكر أبو بكر هذا الرأى من عمر،إن عمر الذى عرف بالشدة والغلظة يأتى اليوم ليطلب الرفق،وبمن؟ بأناس ارتدوا عن الإسلام،ورفضوا ركنا من أركانه،وهو الزكاة،قالوا:نصلى ولا نزكى. وكان رد أبى بكر على عمر شيئا من الجدية والصرامة فرضته ما طبيعة الموقف،فقال أبو بكر:رجوت نصرك وجئتنى بخذلانك،جبارا فى الجاهلية خوارا فى الإسلام،بماذا عسيت أن أتألفهم ؟ بشعر مفتعل أو بسحر مفترى؟ هيهات هيهات مضى النبى - صلى الله عليه وسلم - وانقطع الوحى،والله لأجاهدنهم ما استمسك السيف فى يدى وإن منعونى عقالا كانوا يؤدونه.(1/92)
لقد حمل عمرَ على هذا الرأى خوفه من الفتنة بعد وفاة الرسول - صلى الله عليه وسلم - ولكنه أدرك بعد ذلك أن الشدة والحزم فى مثل هذه المواقف يقطعان الطريق على الفتن وهذا ما فعله أبو بكر.
كيف أفعل شيئا لم يفعله رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ؟
كان هذا رد أبى بكر عندما طرح عليه وزيره ومستشاره عمر بن الخطاب فكرة جمع القرآن فى كتاب،بعد أن كان قاصرا على الحفظ القلبى،والوجود مكتوبا ولكن متفرقا،وأيد عمر رأيه بما حدث من قتل عدد كبير من قراء القرآن وحفّاظه فى "اليمامة".
ولما رأى عمر تردد أبى بكر قال له:هو والله خير،حتى لا يضيع القرآن بموت القراء.. ولم يزل عمر يراجع أبا بكر،ويحسن له الأمر حتى استجاب خليفة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأمر زيد بن ثابت بجمعه.
يقول زيد:فتتبعت القرآن أجمعه من الرقاع والأكتاف والعُسُب وصدور الرجال،حتى وجدت من سورة التوبة آخر آيتين مع خزيمة بن ثابت لم أجدهما مع غيره..وحُفظت الصفحات التى جمع فيها القرآن عند أبي بكر حتى توفاه الله،ثم انتقلت إلى عمر حتى توفاة الله،ثم انتقلت إلى حفصة بنت عمر أم المؤمنين.
أحب أبو بكر صاحبه ووزيره عمر بن الخطاب وكان يعرف قدره ومكانته فى دين الله؛ ولذلك لم يتردد فى أن يختاره للخلافة من بعده،وعندما سأله الناس:ماذا تقول لربك وقد استخلفت علينا عمر ؟ قال أبو بكر مثنيا على عمر:أقول استخلفت عليهم خير أهلك..
وزاد أبو بكر فى الثناء على عمر بعد أن جمع الناس وخطب فيهم،فكان مما قال:"وإن هذا الأمر (يعنى الخلافة) لا يتحمله إلا أفضلكم مقدرة،وأملككم لنفسه،أشدكم فى حالة الشدة،وأسلسكم فى حال اللين،وأعملكم برأى ذوى الرأى،لا يتشاغل بما لا يعنيه،ولا يحزن لما ينزل به،ولا يستحى من التعلم،ولا يتحير عن البديهة،قوى على أمور لا يخور لشيء منها حده بعدوان ولا تقصير،يرصد لما هو آت عتاده من الحذر والطاعة،وهو عمر بن الخطاب ... ".(1/93)
"كنا نلزم باب عمر بن الخطاب نتعلم منه الورع "،هكذا عبر أحد الصحابة عن المدرسة العمرية فى الورع،لقد كان نسيجا وحده،ولو أردنا أن نتحدث عن ورع عمر لسردنا حياته كلها،فإن الورع يظهر فى كل موقف وقفه عمر،وفي كل فعل فعله،ولو قصرنا الحديث عن الورع على ورعه فى المال لسمعنا قول عمر:إنى أنزلت نفسى من مال الله منزلة والى اليتيم من ماله،إن أيسرت استعففت،وإن افتقرت أكلت بالمعروف،فإن أيسرت قضيت..
وذات يوم اشتكى من وجع فوصف له العسل،وكان فى بيت المال عسل،فصعد المنبر وقال للناس:إن أذنتم لى فيها أخذتها،وإلا فهى على حرام.
وكان عمر يحرم نفسه وأهله من كثير من المباحات خوف الوقوع فى شبهة الحرام،وجعل ابنه عبد الله يرد ربح تجارته بالكامل إلى بيت المال،خوفا من أن يكون لقرابته منه أثر فى تجارته،بأن جعلت الناس يهتمون بها؛ لأنه ابن أمير المؤمنين.
ليس الزاهد من حُرم متاع الدنيا،أو لم يقدر على تحصيله لفقر أو مرض،ولكن الزاهد الحقيقى من جاءته الدنيا راغمة وقدر عليها،ثم زهد فيها لله. وهكذا كان عمر إذ ضرب مثالا من أروع الأمثلة فى إيثار الآخرة على الدنيا،وفى خوفه من إقبال الدنيا،فكان يحرم نفسه من متاعها برغم قدرته عليه،خوفا من أن يُذْهِب طيباته فى الحياة الدنيا. ولقد وضع منهجه وشرحه لحفص بن العاص عندما زار أمير المؤمنين،ورأى الطعام اليابس الذى يأكل منه عمر،فدعاه فاعتذر حفص،وصارح أمير المؤمنين بأنه سيأكل فى بيته طعاما لينا.
فقال عمر:"والذى نفسى بيده،لولا أن تنقص حسناتى لشاركتكم فى لين عيشكم،ولو شئت لكنت أطيبكم طعاما،وأرفهكم عيشا،ولنحن أعلم بطيب الطعام من كثير من آكليه،ولكننا ندعه ليوم تذهل فيه كل مرضعة عما أرضعت،وتضع كل ذات حمل حملها وإنى لأستبقى طيباتى؛ لأنى سمعت الله تعالى يقول عن أقوام أذهبتم طيباتكم فى حياتكم الدنيا واستمتعتم بها...
"لست بالخِبّ ولا الخِبُّ يَخدعني"..(1/94)
تصور هذه العبارة التي قالها عمر طبيعة نبوغه وذكائه،وهو ذكاء فطرى،وفطنة سوية. وذكاء عمر نابع من مسئوليته. ومن معالم ذكائه وفطنته معرفته بطبائع الناس،وسرعة فهمه لحقائق الأمور،وكان أصحابه يشهدون بمقدار علمه وفقهه فيقول عبد الله بن مسعود:"كان عمر أعلمنا بكتاب الله،وأفقهنا فى دين الله ". وما نزل القرآن بموافقة رأيه إلا صورة من صور ذكائه الذى وهبه الله له. وذكاء عمر لا يأتى للأمور من بعض زواياها،إنما يكشفها جميعا ويستوعبها حتى آخر نماذجها واحتمالاتها.
ذات يوم قال لبعض أصحابه:"أحبُّكم إلينا قبل أن نراكم،أحسنكم سيرة،فإذا تكلمتم،فأبينكم منطقا،فإذا اختبرناكم فأحسنكم فعلا ".
ولقد استخدم عمر ذكاءه فى خدمة الحق الذى آمن به وعاش له،ولذلك قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - :"إن الله جعل الحق على لسان عمر وقلبه ".
كانت لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - فراسة فى أصحابه،وقد تكون هذه الصفة مشتركة بين كل أصحابه،لكن عندما يطلقها على فرد بعينه،فإن هذا يعني تميزه في هذه الناحية،وقد وصف رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عمر بأنه"رجل لا يحب الباطل "،وهذا يعنى أن بغض عمر لما يعتقد أنه باطل طابع أصيل فى شخصيته.
يروى الأسود بن سَريع فيقول:"أتيت النبى - صلى الله عليه وسلم - فقلت:قد حمدت ربى بمحامد،ومِدَح وإياك،فقال:"إن ربك يحب الحمد،فجعلت أنشده،فاستأذن رجل طوال أصلع،فقال لى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - اسكت،فدخل فتكلم ساعة ثم خرج،ففعل ذلك مرتين أو ثلاثا فقلت:يا رسول الله من هذا الذى أسكتنى له،فقال:"هذا عمر،هذا رجل لا يحب الباطل".
فى يوم الأربعاء السادس والعشرين من ذى الحجة سنة ثلاث وعشرين للهجرة،شهد مسجد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالمدينة المنورة حدثا جللا،وهو ختام عشر سنوات من حكم الخليفة الراشد عمر بن الخطاب ففى هذا اليوم تقدم غلام مجوسى يدعى أبا لؤلؤة يحمل خنجرا مسموما له رأسان،كان عمر حينها يؤم المسلمين فى الصلاة،وقرأ سورة يوسف أو النحل فى الركعة الأولى،وبعد أن كبر للسجود طعنه القاتل بخنجره،وأخذ يطعن يمينا وشمالا،حتى طعن ثلاثة عشر رجلا،ثم قتل نفسه. وتناول عمر يد عبد الرحمن بن عوف(1/95)
وقدمه للصلاة،وقال لابن عباس:انظر من قتلنى ؟ فلما عرف أنه مجوسى،قال:"الحمد لله الذى لم يجعل ميتتى بيد رجل يدعي الإسلام ".
وحملوه إلى بيته،فانطلق الناس خلفه،وهم فى وجل وخوف وقلق،وكان بعضهم يثنى عليه،فقال أحدهم:أبشر يا أمير المؤمنين ببشرى الله لك من صحبة رسول الله،وقدم فى الإسلام،ثم وليت فعدلت،ثم شهادة،فرد عليه عمر:وددت أن ذلك كفافا،لا عليَّ ولا لي.
ولقد كانت الشهادة شيئا محببا إلى نفسه،لكنه لا يزكي نفسه،ولا يحكم لها بالشهادة. وقبل أن يرحل الخليفة سجل وصيته الخاصة) ووصيته بالخليفة من بعده. وراح الناس يرثون شهيدهم العظيم الذي دفن إلى جوار صاحبيه رسول الله وأبي بكر.
فى يوم الأربعاء السادس والعشرين من ذى الحجة سنة ثلاث وعشرين للهجرة،شهد مسجد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالمدينة المنورة حدثا جللا،وهو ختام عشر سنوات من حكم الخليفة الراشد عمر بن الخطاب ففى هذا اليوم تقدم غلام مجوسى يدعى أبا لؤلؤة يحمل خنجرا مسموما له رأسان،كان عمر حينها يؤم المسلمين فى الصلاة،وقرأ سورة يوسف أو النحل فى الركعة الأولى،وبعد أن كبر للسجود طعنه القاتل بخنجره،وأخذ يطعن يمينا وشمالا،حتى طعن ثلاثة عشر رجلا،ثم قتل نفسه. وتناول عمر يد عبد الرحمن بن عوف وقدمه للصلاة،وقال لابن عباس:انظر من قتلنى ؟ فلما عرف أنه مجوسى،قال:"الحمد لله الذى لم يجعل ميتتى بيد رجل يدعي الإسلام ".
وحملوه إلى بيته،فانطلق الناس خلفه،وهم فى وجل وخوف وقلق،وكان بعضهم يثنى عليه،فقال أحدهم:أبشر يا أمير المؤمنين ببشرى الله لك من صحبة رسول الله،وقدم فى الإسلام،ثم وليت فعدلت،ثم شهادة،فرد عليه عمر:وددت أن ذلك كفافا،لا عليَّ ولا لي.
ولقد كانت الشهادة شيئا محببا إلى نفسه،لكنه لا يزكي نفسه،ولا يحكم لها بالشهادة. وقبل أن يرحل الخليفة سجل وصيته الخاصة) ووصيته بالخليفة من بعده. وراح الناس يرثون شهيدهم العظيم الذي دفن إلى جوار صاحبيه رسول الله وأبي بكر.(1/96)
أدرك عمر وهو يتعلم فى مدرسة الرسول - صلى الله عليه وسلم - أن الصلاة هى قرة العين،وهى الصلة بين العبد وربه،فأحب الصلاة،فأصبحت شغله الشاغل،ملكت عليه قلبه وعقله،ووجد فيها راحة نفسه واطمئنانها ...
وكان عمر يحب الصلاة فى جوف الليل،ولا تشغله الخلافة بأثقالها وهمومها عن الصلاة فى جوف الليل،حتى وإن نام منه قليلا،وكان يقول:"إذا نمت الليل أضعت نفسى،وإذا نمت النهار ضيعت الرعية ".
ويشاء الله أن ينال عمر الشهادة وهو ساجد،فلما طعن أُغْمِىَ عليه،فقالوا:الصلاة يا أمير المؤمنين،الصلاة قد صليت،فانتبه،وهو يقول:الصلاة .. لا حظ فى الإسلام لمن ترك الصلاة"،وصلى وجرحه ينزف دما.
كان عمر فى الساعات الأخيرة من حياته،وحوله كبار الصحابة يطلبون أن يوصى بالخلافة لمن بعده،واعتذر عمر عن ذلك بأن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مات دون أن يستخلف. وحتى يقطع الحيرة على الناس،قال عمر ما أجد أحق بهذا الأمر من هؤلاء النفر الذين توفى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو عنهم راض،وسمى ستة من كبار الصحابة وهم:على،وعثمان،والزبير،وطلحة،وسعد بن أبى وقاص،وعبد الرحمن بن عوف،وجميعهم من العشرة المبشرين بالجنة،وطلب منهم أن يشهد مجلس شورتهم عبد الله بن عمر،على أن لا تكون الخلافة إليه..
وهكذا حصر عمر الخلافة في مجلس شورى من ستة من الصحابة،ليختاروا واحدا منهم..
أوصى عمر ابنه عبد الله بسداد دينه،ثم قال له:"اقتصدوا فى كفنى،فإنه إن كان لى عند الله خير أبدلنى ما هو خير منه،واقتصدوا فى حفرتى،فإنه إن كان لى عند الله خير أوسع لى فيها مد بصرى..".
وتروى كتب التاريخ أن عمر كتب وصية خاصة لمن يخلفه،وجعل هذا الكتاب عند عبد الله بن عمر،ليسلمه للخليفة الجديد،ومما جاء فى هذا الكتاب:"أوصى الخليفة من بعدى بتقوى الله،وأوصيه بالمهاجرين والأنصار الأولين،الذين أُخرجوا من ديارهم وأموالهم،يبتغون فضلا من الله ورضوانا،وينصرون الله ورسوله،أن يعرف لهم حقهم،ويحفظ(1/97)
لهم كرامتهم،وأوصيه بالأنصار خيرا الذين تبوأوا الدار والإيمان من قبلهم يحبون من هاجر إليهم ولا يجدون فى صدورهم حاجة مما أوتوا أن يقبل من محسنهم،ويتجاوز عن مسيئهم،وأن يُشْرِكوا فى الأمر. وأوصيه بذمة الله وذمة محمد - صلى الله عليه وسلم - أن يوفى بعهدهم،ولا يكلفوا فوق طاقتهم،وأن يقاتل مَن وراءهم".
حرص عمر على أن يوصى ولده عبد الله بسداد ما عليه من دين،ثم طلب منه أن يستأذن أم المؤمنين عائشة فى أن يدفن مع صاحبيه:محمد - صلى الله عليه وسلم - وأبي بكر فدخل عليها عبد الله بن عمر فوجدها جالسة تبكي،فقال:يقرأ عليك عمر بن الخطاب السلام،ويستأذن أن يدفن مع صاحبيه،فقالت:كنت أريده لنفسى،ولأوثرنه اليوم على نفسى".
وفارق عمر الحياة الدنيا شهيدا مبشرا بالجنة،ودفن إلى جوار صاحبيه.. فسلام على عمر بن الخطاب فى الصالحين والصديقين والشهداء.
- - - - - - - - - - - - -(1/98)
المبحث الثاني
الخلاصة في فضائل الفاروق عمر
أ- عَنِ ابْنِ شِهَابٍ قَالَ أَخْبَرَنِى سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ - رضى الله عنه - قَالَ بَيْنَا نَحْنُ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - إِذْ قَالَ « بَيْنَا أَنَا نَائِمٌ رَأَيْتُنِى فِى الْجَنَّةِ،فَإِذَا امْرَأَةٌ تَتَوَضَّأُ إِلَى جَانِبِ قَصْرٍ،فَقُلْتُ لِمَنْ هَذَا الْقَصْرُ فَقَالُوا لِعُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ،فَذَكَرْتُ غَيْرَتَهُ،فَوَلَّيْتُ مُدْبِرًا ».فَبَكَى عُمَرُ وَقَالَ أَعَلَيْكَ أَغَارُ يَا رَسُولَ اللَّهِ .أخرجه البخاري
وفي رواية عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ - رضى الله عنهما - قَالَ قَالَ النَّبِىُّ - صلى الله عليه وسلم - "رَأَيْتُنِى دَخَلْتُ الْجَنَّةَ،فَإِذَا أَنَا بِالرُّمَيْصَاءِ امْرَأَةِ أَبِى طَلْحَةَ وَسَمِعْتُ خَشَفَةً،فَقُلْتُ مَنْ هَذَا فَقَالَ هَذَا بِلاَلٌ.وَرَأَيْتُ قَصْرًا بِفِنَائِهِ جَارِيَةٌ،فَقُلْتُ لِمَنْ هَذَا فَقَالَ لِعُمَرَ.فَأَرَدْتُ أَنْ أَدْخُلَهُ فَأَنْظُرَ إِلَيْهِ،فَذَكَرْتُ غَيْرَتَكَ ».فَقَالَ عُمَرُ بِأُمِّى وَأَبِى يَا رَسُولَ اللَّهِ أَعَلَيْكَ أَغَارُ أخرجه البخاري (1) .
__________
(1) - برقم(3242و 3679) ومسلم برقم(6353)
قال الحافظ ابن حجر في الفتح :
قَالَ اِبْن بَطَّال : فِيهِ الْحُكْم لِكُلِّ رَجُل بِمَا يَعْلَم مِنْ خُلُقه ، قَالَ وَبُكَاء عُمَر يَحْتَمِل أَنْ يَكُون سُرُورًا ، وَيَحْتَمِل أَنْ يَكُون تَشَوُّقًا أَوْ خُشُوعًا .
وَفِيهِ مَا كَانَ عَلَيْهِ النَّبِيّ - صلى الله عليه وسلم - مِنْ مُرَاعَاة الصُّحْبَة ، وَفِيهِ فَضِيلَة ظَاهِرَة لِعُمَر . وَقَوْله فِيهِ " تَتَوَضَّأ " يَحْتَمِل أَنْ يَكُون عَلَى ظَاهِره وَلَا يُنْكَر كَوْنهَا تَتَوَضَّأ حَقِيقَة لِأَنَّ الرُّؤْيَا وَقَعَتْ فِي زَمَن التَّكْلِيف ، وَالْجَنَّة وَإِنْ كَانَ لَا تَكْلِيف فِيهَا فَذَاكَ فِي زَمَن الِاسْتِقْرَار بَلْ ظَاهِر قَوْله " تَتَوَضَّأ إِلَى جَانِب قَصْر " أَنَّهَا تَتَوَضَّأ خَارِجَة مِنْهُ ، أَوْ هُوَ عَلَى غَيْر الْحَقِيقَة . وَرُؤْيَا الْمَنَام لَا تُحْمَل دَائِمًا عَلَى الْحَقِيقَة بَلْ تَحْتَمِل التَّأْوِيل ، فَيَكُون مَعْنَى كَوْنهَا تَتَوَضَّأ أَنَّهَا تُحَافِظ فِي الدُّنْيَا عَلَى الْعِبَادَة ، أَوْ الْمُرَاد بِقَوْلِهِ تَتَوَضَّأ أَيْ تَسْتَعْمِل الْمَاء لِأَجْلِ الْوَضَاءَة عَلَى مَدْلُوله اللُّغَوِيّ وَفِيهِ بُعْدٌ . وَأَغْرَبَ اِبْن قُتَيْبَة وَتَبِعَهُ الْخَطَّابِيُّ فَزَعَمَ أَنَّ قَوْله تَتَوَضَّأ تَصْحِيف وَتَغْيِير مِنْ النَّاسِخ ، وَإِنَّمَا الصَّوَاب اِمْرَأَة شَوْهَاء ، وَلَمْ يَسْتَنِد فِي هَذِهِ الدَّعْوَى إِلَّا إِلَى اِسْتِبْعَاد أَنْ يَقَع فِي الْجَنَّة وُضُوء لِأَنَّهُ لَا عَمَل فِيهَا ، وَعَدَم الِاطِّلَاع عَلَى الْمُرَاد مِنْ الْخَبَر لَا يَقْتَضِي تَغْلِيط الْحُفَّاظ . ثُمَّ أَخَذَ الْخَطَّابِيُّ فِي نَقْل كَلَام أَهْل اللُّغَة فِي تَفْسِير الشَّوْهَاء فَقِيلَ هِيَ الْحَسْنَاء وَنَقَلَهُ عَنْ أَبِي عُبَيْدَة ، وَإِنَّمَا تَكُون حَسْنَاء إِذَا وَصَفْت بِهَا الْفَرَس ، قَالَ الْجَوْهَرِيّ : فَرَس شَوْهَاء صِفَة مَحْمُودَة وَ " الشَّوْهَاء " الْوَاسِعَة الْفَم وَهُوَ مُسْتَحْسَنٌ فِي الْخَيْل وَالشَّوْهَاء مِنْ النِّسَاء الْقَبِيحَة كَمَا جَزَمَ بِهِ اِبْن الْأَعْرَابِيّ وَغَيْره ، وَقَدْ تَعَقَّبَ الْقُرْطُبِيّ كَلَام الْخَطَّابِيِّ لَكِنْ نَسَبَهُ إِلَى اِبْن قُتَيْبَة فَقَطْ ، قَالَ اِبْن قُتَيْبَة : بَدَل تَتَوَضَّأ شَوْهَاء ثُمَّ نَقَلَ أَنَّ الشَّوْهَاء تُطْلَق عَلَى الْقَبِيحَة وَالْحَسْنَاء ، قَالَ الْقُرْطُبِيّ : وَالْوُضُوء هُنَا لِطَلَبِ زِيَادَة الْحُسْن لَا لِلنَّظَافَةِ لِأَنَّ الْجَنَّة مُنَزَّهَةٌ عَنْ الْأَوْسَاخ وَالْأَقْذَار ، وَقَدْ تَرْجَمَ عَلَيْهِ الْبُخَارِيّ فِي كِتَاب التَّعْبِير " بَاب الْوُضُوء فِي الْمَنَام " فَبَطَلَ مَا تَخَيَّلَهُ الْخَطَّابِيُّ ، وَفِي الْحَدِيث فَضِيلَة الرُّمَيْصَاء وَأَنَّهَا كَانَتْ مُوَاظِبَة عَلَى الْعِبَادَة ، كَذَا نَقَلَهُ اِبْن التِّين عَنْ غَيْره وَفِيهِ نَظَر . فتح الباري شرح صحيح البخاري- ط دار المعرفة - (7 / 45)(1/99)
ب- عَنْ أَبِى سَعِيدٍ الْخُدْرِىِّ - رضى الله عنه - قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ « بَيْنَا أَنَا نَائِمٌ رَأَيْتُ النَّاسَ عُرِضُوا عَلَىَّ وَعَلَيْهِمْ قُمُصٌ،فَمِنْهَا مَا يَبْلُغُ الثَّدْىَ،وَمِنْهَا مَا يَبْلُغُ دُونَ ذَلِكَ،وَعُرِضَ عَلَىَّ عُمَرُ وَعَلَيْهِ قَمِيصٌ اجْتَرَّهُ ».قَالُوا فَمَا أَوَّلْتَهُ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ « الدِّينَ ».أخرجه البخاري (1)
__________
(1) - برقم( 3691 و 7009 و 7008 و 7009 )
وفي فتح الباري لابن حجر - (ج 10 / ص 487) :
وَقَدْ اُسْتُشْكِلَ هَذَا الْحَدِيث بِأَنَّهُ يَلْزَم مِنْهُ أَنَّ عُمَر أَفْضَل مِنْ أَبِي بَكْر الصِّدِّيق ، وَالْجَوَاب عَنْهُ تَخْصِيص أَبِي بَكْر مِنْ عُمُوم قَوْله " عُرِضَ عَلَيَّ النَّاس " فَلَعَلَّ الَّذِينَ عُرِضُوا إِذْ ذَاكَ لَمْ يَكُنْ فِيهِمْ أَبُو بَكْر ، وَأَنَّ كَوْن عُمَر عَلَيْهِ قَمِيص يَجُرّهُ لَا يَسْتَلْزِم أَنْ لَا يَكُون عَلَى أَبِي بَكْر قَمِيص أَطْوَل مِنْهُ وَأَسْبَغ ، فَلَعَلَّهُ كَانَ كَذَلِكَ إِلَّا أَنَّ الْمُرَاد كَانَ حِينَئِذٍ بَيَان فَضِيلَة عُمَر فَاقْتَصَرَ عَلَيْهَا ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ .
قَالُوا وَجْه تَعْبِير الْقَمِيص بِالدِّينِ أَنَّ الْقَمِيص يَسْتُر الْعَوْرَة فِي الدُّنْيَا وَالدِّين يَسْتُرهَا فِي الْآخِرَة وَيَحْجُبهَا عَنْ كُلّ مَكْرُوه ، وَالْأَصْل فِيهِ قَوْله تَعَالَى ( وَلِبَاسُ التَّقْوَى ذَلِكَ خَيْرٌ ) الْآيَة . وَالْعَرَب تَكُنِّي عَنْ الْفَضْل وَالْعَفَاف بِالْقَمِيصِ ، وَمِنْهُ قَوْله - صلى الله عليه وسلم - لِعُثْمَانَ " إِنَّ اللَّه سَيُلْبِسُك قَمِيصًا فَلَا تَخْلَعهُ " وَأَخْرَجَهُ أَحْمَد وَالتِّرْمِذِيّ وَابْن مَاجَهْ وَصَحَّحَهُ اِبْن حِبَّانَ ، وَاتَّفَقَ أَهْل التَّعْبِير عَلَى أَنَّ الْقَمِيص يُعْبَر بِالدِّينِ وَأَنَّ طُوله يَدُلّ عَلَى بَقَاء آثَار صَاحِبه مِنْ بَعْدِهِ . وَفِي الْحَدِيث أَنَّ أَهْل الدِّين يَتَفَاضَلُونَ فِي الدِّين بِالْقِلَّةِ وَالْكَثْرَة وَبِالْقُوَّةِ وَالضَّعْف ، وَتَقَدَّمَ تَقْرِير ذَلِكَ فِي كِتَاب الْإِيمَان ، وَهَذَا مِنْ أَمْثِلَة مَا يُحْمَد فِي الْمَنَام وَيُذَمّ فِي الْيَقَظَة شَرْعًا أَعْنِي جَرّ الْقَمِيص ، لِمَا ثَبَتَ مِنْ الْوَعِيد فِي تَطْوِيل ، وَمِثْله مَا سَيَأْتِي فِي " بَاب الْقَيْد " وَعَكْس هَذَا مَا يُذَمّ فِي الْمَنَام وَيُحْمَد فِي الْيَقَظَة . وَفِي الْحَدِيث مَشْرُوعِيَّة تَعْبِير الرُّؤْيَا وَسُؤَال الْعَالِم بِهَا عَنْ تَعْبِيرهَا وَلَوْ كَانَ هُوَ الرَّائِي ، وَفِيهِ الثَّنَاء عَلَى الْفَاضِل بِمَا فِيهِ لِإِظْهَارِ مَنْزِلَته عِنْدَ السَّامِعِينَ ، وَلَا يَخْفَى أَنَّ مَحَلّ ذَلِكَ إِذَا أُمِنَ عَلَيْهِ مِنْ الْفِتْنَة بِالْمَدْحِ كَالْإِعْجَابِ ، وَفِيهِ فَضِيلَة لِعُمَرَ وَقَدْ تَقَدَّمَ الْجَوَاب عَمَّا يُسْتَشْكَل مِنْ ظَاهِره وَإِيضَاح أَنَّهُ لَا يَسْتَلْزِم أَنْ يَكُون أَفْضَل مِنْ أَبِي بَكْر وَمُلَخَّصه أَنَّ الْمُرَاد بِالْأَفْضَلِ مَنْ يَكُون أَكْثَر ثَوَابًا وَالْأَعْمَال عَلَامَات الثَّوَاب فَمَنْ كَانَ عَمَله أَكْثَر فَدِينه أَقْوَى وَمَنْ كَانَ دِينه أَقْوَى فَثَوَابه أَكْثَر وَمَنْ كَانَ ثَوَابه أَكْثَر فَهُوَ أَفْضَل فَيَكُون عُمَر أَفْضَل مِنْ أَبِي بَكْر ، وَمُلَخَّص الْجَوَاب أَنَّهُ لَيْسَ فِي الْحَدِيث تَصْرِيح بِالْمَطْلُوبِ ، فَيَحْتَمِل أَنْ يَكُون أَبُو بَكْر لَمْ يُعْرَض فِي أُولَئِكَ النَّاس إِمَّا لِأَنَّهُ كَانَ قَدْ عُرِضَ قَبْلَ ذَلِكَ وَإِمَّا لِأَنَّهُ لَا يُعْرَض أَصْلًا ، وَأَنَّهُ لَمَّا عُرِضَ كَانَ عَلَيْهِ قَمِيص أَطْوَل مِنْ قَمِيص عُمَر ، وَيَحْتَمِل أَنْ يَكُون سِرّ السُّكُوت عَنْ ذِكْره الِاكْتِفَاء بِمَا عُلِمَ مِنْ أَفْضَلِيَّته ، وَيَحْتَمِل أَنْ يَكُون وَقَعَ ذِكْره فَذَهِلَ عَنْهُ الرَّاوِي ، وَعَلَى التَّنَزُّل بِأَنَّ الْأَصْل عَدَم جَمِيع هَذِهِ الِاحْتِمَالَات فَهُوَ مُعَارَض بِالْأَحَادِيثِ الدَّالَّة عَلَى أَفْضَلِيَّة الصِّدِّيق وَقَدْ تَوَاتَرَتْ تَوَاتُرًا مَعْنَوِيًّا فَهِيَ الْمُعْتَمَدَة وَأَقْوَى هَذِهِ الِاحْتِمَالَات أَنْ لَا يَكُون أَبُو بَكْر عُرِضَ مَعَ الْمَذْكُورِينَ ، وَالْمُرَاد مِنْ الْخَبَر التَّنْبِيه عَلَى أَنَّ عُمَر مِمَّنْ حَصَلَ لَهُمْ الْفَضْل الْبَالِغ فِي الدِّين وَلَيْسَ فِيهِ مَا يُصَرِّح بِانْحِصَارِ ذَلِكَ فِيهِ ، وَقَالَ اِبْن الْعَرَبِيّ : إِنَّمَا أَوَّلَهُ النَّبِيّ - صلى الله عليه وسلم - بِالدِّينِ لِأَنَّ الدِّين يَسْتُر عَوْرَة الْجَهْل كَمَا يَسْتُر الثَّوْب عَوْرَة الْبَدَن ، قَالَ : وَأَمَّا غَيْر عُمَر فَاَلَّذِي كَانَ يَبْلُغ الثُّدِيّ هُوَ الَّذِي يَسْتُر قَلْبَهُ عَنْ الْكُفْر وَإِنْ كَانَ يَتَعَاطَى الْمَعَاصِيَ ، وَالَّذِي كَانَ يَبْلُغ أَسْفَل مِنْ ذَلِكَ وَفَرْجه بَادٍ هُوَ الَّذِي لَمْ يَسْتُر رِجْلَيْهِ عَنْ الْمَشْي إِلَى الْمَعْصِيَة ، وَالَّذِي يَسْتُر رِجْلَيْهِ هُوَ الَّذِي اِحْتَجَبَ بِالتَّقْوَى مِنْ جَمِيع الْوُجُوه ، وَالَّذِي يَجُرّ قَمِيصه زَائِدًا عَلَى ذَلِكَ بِالْعَمَلِ الصَّالِح الْخَالِص . قَالَ اِبْن أَبِي جَمْرَة مَا مُلَخَّصه : الْمُرَاد بِالنَّاسِ فِي هَذَا الْحَدِيث الْمُؤْمِنُونَ لِتَأْوِيلِهِ الْقَمِيص بِالدِّينِ ، قَالَ : وَاَلَّذِي يَظْهَر أَنَّ الْمُرَاد خُصُوص هَذِهِ الْأُمَّة الْمُحَمَّدِيَّة بَلْ بَعْضهَا ، وَالْمُرَاد بِالدِّينِ الْعَمَل بِمُقْتَضَاهُ كَالْحِرْصِ عَلَى اِمْتِثَال الْأَوَامِر وَاجْتِنَاب الْمَنَاهِي ، وَكَانَ لِعُمَر فِي ذَلِكَ الْمَقَام الْعَالِي . قَالَ : وَيُؤْخَذ مِنْ الْحَدِيث أَنَّ كُلّ مَا يُرَى فِي الْقَمِيص مِنْ حُسْن أَوْ غَيْره فَإِنَّهُ يُعْبَر بِدِينِ لَابِسه ، قَالَ : وَالنُّكْتَة فِي الْقَمِيص أَنَّ لَابِسه إِذَا اِخْتَارَ نَزْعه وَإِذَا اِخْتَارَ بَقَاءَهُ ، فَلَمَّا أَلْبَسَ اللَّه الْمُؤْمِنِينَ لِبَاس الْإِيمَان وَاتَّصَفُوا بِهِ كَانَ الْكَامِل فِي ذَلِكَ سَابِغ الثَّوْب وَمَنْ لَا فَلَا ، وَقَدْ يَكُون نَقْص الثَّوْب بِسَبَبِ نَقْص الْإِيمَان ، وَقَدْ يَكُون بِسَبَبِ نَقْص الْعَمَل وَاَللَّه أَعْلَم . وَقَالَ غَيْره : الْقَمِيص فِي الدُّنْيَا سَتْر عَوْرَة فَمَا زَادَ عَلَى ذَلِكَ كَانَ مَذْمُومًا ، وَفِي الْآخِرَة زِينَة مَحْضَة فَنَاسَبَ أَنْ يَكُون تَعْبِيره بِحَسَبِ هَيْئَته مِنْ زِيَادَة أَوْ نَقْص وَمِنْ حُسْن وَضِدّه ، فَمَهْمَا زَادَ مِنْ ذَلِكَ كَانَ مِنْ فَضْل لَابِسه ، وَيُنْسَب لِكُلٍّ مَا يَلِيق بِهِ مِنْ دِين أَوْ عِلْم أَوْ جَمَال أَوْ حِلْم أَوْ تَقَدُّم فِي فِئَة وَضِدُّهُ لِضِدِّهِ .(1/100)
ت- عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سَعْدِ بْنِ أَبِى وَقَّاصٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ اسْتَأْذَنَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - ،وَعِنْدَهُ نِسْوَةٌ مِنْ قُرَيْشٍ يُكَلِّمْنَهُ وَيَسْتَكْثِرْنَهُ،عَالِيَةً أَصْوَاتُهُنَّ عَلَى صَوْتِهِ فَلَمَّا اسْتَأْذَنَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ قُمْنَ فَبَادَرْنَ الْحِجَابَ فَأَذِنَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فَدَخَلَ عُمَرُ وَرَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يَضْحَكُ،فَقَالَ عُمَرُ أَضْحَكَ اللَّهُ سِنَّكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ.فَقَالَ النَّبِىُّ - صلى الله عليه وسلم - "عَجِبْتُ مِنْ هَؤُلاَءِ اللاَّتِى كُنَّ عِنْدِى فَلَمَّا سَمِعْنَ صَوْتَكَ ابْتَدَرْنَ الْحِجَابِ ».فَقَالَ عُمَرُ فَأَنْتَ أَحَقُّ أَنْ يَهَبْنَ يَا رَسُولَ اللَّهِ.ثُمَّ قَالَ عُمَرُ يَا عَدُوَّاتِ أَنْفُسِهِنَّ،أَتَهَبْنَنِى وَلاَ تَهَبْنَ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فَقُلْنَ نَعَمْ،أَنْتَ أَفَظُّ وَأَغْلَظُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - .فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - "إِيهًا يَا ابْنَ الْخَطَّابِ وَالَّذِى نَفْسِى بِيَدِهِ مَا لَقِيَكَ الشَّيْطَانُ سَالِكًا فَجًّا قَطُّ إِلاَّ سَلَكَ فَجًّا غَيْرَ فَجِّكَ »أخرجه البخاري (1) .
__________
(1) -- برقم(3683) ومسلم برقم(6305)
وفي فتح الباري لابن حجر - (ج 10 / ص 479)
قَوْله : ( اِسْتَأْذَنَ عُمَر عَلَى رَسُول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - وَعِنْده نِسْوَة مِنْ قُرَيْش ) هُنَّ مِنْ أَزْوَاجه ، وَيَحْتَمِل أَنْ يَكُون مَعَهُنَّ مِنْ غَيْرهنَّ لَكِنْ قَرِينَة قَوْله : " يَسْتَكْثِرْنَهُ " يُؤَيِّد الْأَوَّل ، وَالْمُرَاد أَنَّهُنَّ يَطْلُبْنَ مِنْهُ مِمَّا يُعْطِيهِنَّ . وَزَعَمَ الدَّاوُدِيُّ أَنَّ الْمُرَاد أَنَّهُنَّ يُكْثِرْنَ الْكَلَام عِنْده ، وَهُوَ مَرْدُود بِمَا وَقَعَ التَّصْرِيح بِهِ فِي حَدِيث جَابِر عِنْد مُسْلِم أَنَّهُنَّ يَطْلُبْنَ النَّفَقَة .
قَوْله : ( عَالِيَة )بِالرَّفْعِ عَلَى الصِّفَة وَبِالنَّصْبِ عَلَى الْحَال ، وَقَوْله " أَصْوَاتهنَّ عَلَى صَوْته " قَالَ اِبْن التِّين : يَحْتَمِل أَنْ يَكُون ذَلِكَ قَبْل نُزُول النَّهْي عَنْ رَفْع الصَّوْت عَلَى صَوْته ، أَوْ كَانَ ذَلِكَ طَبْعهنَّ اِنْتَهَى . وَقَالَ غَيْره : يَحْتَمِل أَنْ يَكُون الرَّفْع حَصَلَ مِنْ مَجْمُوعهنَّ لَا أَنَّ كُلّ وَاحِدَة مِنْهُنَّ كَانَ صَوْتهَا أَرْفَع مِنْ صَوْته ، وَفِيهِ نَظَر . قِيلَ وَيَحْتَمِل أَنْ يَكُون فِيهِنَّ جَهِيرَة ، أَوْ النَّهْي خَاصّ بِالرِّجَالِ وَقِيلَ فِي حَقّهنَّ لِلتَّنْزِيهِ ، أَوْ كُنَّ فِي حَال الْمُخَاصَمَة فَلَمْ يَتَعَمَّدْنَ ، أَوْ وَثِقْنَ بِعَفْوِهِ . وَيَحْتَمِل فِي الْخَلْوَة مَا لَا يَحْتَمِل فِي غَيْرهَا .
قَوْله : ( أَضْحَكَ اللَّه سِنَّك )لَمْ يُرِدْ بِهِ الدُّعَاء بِكَثْرَةِ الضَّحِك بَلْ لَازِمه وَهُوَ السُّرُور ، أَوْ نَفْي لَازِمه وَهُوَ الْحُزْن .
قَوْله : ( أَتَهَبْنَنِي )مِنْ الْهَيْبَة أَيْ تُوَقِّرْنَنِي .
قَوْله : ( أَنْتَ أَفَظُّ وَأَغْلَظُ )بِالْمُعْجَمَتَيْنِ بِصِيغَةِ أَفْعَل التَّفْضِيل مِنْ الْفَظَاظَة وَالْغِلْظَة وَهُوَ يَقْتَضِي الشَّرِكَة فِي أَصْل الْفِعْل ، وَيُعَارِضهُ قَوْله تَعَالَى ( وَلَوْ كُنْت فَظًّا غَلِيظ الْقَلْب لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلك ) فَإِنَّهُ يَقْتَضِي أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ فَظًّا وَلَا غَلِيظًا ، وَالْجَوَاب أَنَّ الَّذِي فِي الْآيَة يَقْتَضِي نَفْي وُجُود ذَلِكَ لَهُ صِفَة لَازِمَة فَلَا يَسْتَلْزِم مَا فِي الْحَدِيث ذَلِكَ ، بَلْ مُجَرَّد وُجُود الصِّفَة لَهُ فِي بَعْض الْأَحْوَال وَهُوَ عِنْد إِنْكَار الْمُنْكَر مَثَلًا وَاللَّهُ أَعْلَمُ . وَجَوَّزَ بَعْضهمْ أَنَّ الْأَفَظّ هُنَا بِمَعْنَى الْفَظّ ، وَفِيهِ نَظَر لِلتَّصْرِيحِ بِالتَّرْجِيحِ الْمُقْتَضِي لِحَمْلِ أَفْعَل عَلَى بَابه ، وَكَانَ النَّبِيّ - صلى الله عليه وسلم - لَا يُوَاجِه أَحَدًا بِمَا يَكْرَه إِلَّا فِي حَقّ مِنْ حُقُوق اللَّه ، وَكَانَ عُمَر يُبَالِغ فِي الزَّجْر عَنْ الْمَكْرُوهَات مُطْلَقًا وَطَلَب الْمَنْدُوبَات ، فَلِهَذَا قَالَ النِّسْوَة لَهُ ذَلِكَ
قَوْله : ( إِيهًا اِبْن الْخَطَّاب )قَالَ أَهْل اللُّغَة " إِيهًا " بِالْفَتْحِ وَالتَّنْوِين مَعْنَاهَا لَا تَبْتَدِئنَا بِحَدِيثٍ ، وَبِغَيْرِ تَنْوِينَ كُفَّ مِنْ حَدِيث عَهِدْنَاهُ ، وَ " إِيهٍ " بِالْكَسْرِ وَالتَّنْوِين مَعْنَاهَا حَدِّثْنَا مَا شِئْت وَبِغَيْرِ التَّنْوِين زِدْنَا مِمَّا حَدَّثْتنَا . وَوَقَعَ فِي رِوَايَتنَا بِالنَّصْبِ وَالتَّنْوِين . وَحَكَى اِبْن التِّين أَنَّهُ وَقَعَ لَهُ بِغَيْرِ تَنْوِين وَقَالَ مَعْنَاهُ كُفَّ عَنْ لَوْمهنَّ ، وَقَالَ الطِّيبِيُّ : الْأَمْر بِتَوْقِيرِ رَسُول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - مَطْلُوب لِذَاتِهِ تُحْمَد الزِّيَادَة مِنْهُ ، فَكَأَنَّ قَوْله - صلى الله عليه وسلم - " إِيه " اِسْتِزَادَة مِنْهُ فِي طَلَب تَوْقِيره وَتَعْظِيم جَانِبه ، وَلِذَلِكَ عَقَّبَهُ بِقَوْلِهِ " وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ إِلَخْ " فَإِنَّهُ يُشْعِر بِأَنَّهُ رَضِيَ مَقَالَته وَحَمِدَ فِعَاله ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ .
قَوْله : ( فَجًّا )أَيْ طَرِيقًا وَاسِعًا ، وَقَوْله " قَطّ " تَأْكِيد لِلنَّفْيِ .
قَوْله : ( إِلَّا سَلَكَ فَجًّا غَيْر فَجِّك )فِيهِ فَضِيلَة عَظِيمَة لِعُمَر تَقْتَضِي أَنَّ الشَّيْطَان لَا سَبِيل لَهُ عَلَيْهِ ، لَا أَنَّ ذَلِكَ يَقْتَضِي وُجُود الْعِصْمَة إِذْ لَيْسَ فِيهِ إِلَّا فِرَار الشَّيْطَان مِنْهُ أَنْ يُشَارِكهُ فِي طَرِيق يَسْلُكهَا ، وَلَا يَمْنَع ذَلِكَ مِنْ وَسْوَسَته لَهُ بِحَسَبِ مَا تَصِل إِلَيْهِ قُدْرَته . فَإِنْ قِيلَ عَدَم تَسْلِيطه عَلَيْهِ بِالْوَسْوَسَةِ يُؤْخَذ بِطَرِيقِ مَفْهُوم الْمُوَافَقَة لِأَنَّهُ إِذَا مَنَعَ مِنْ السُّلُوك فِي طَرِيق فَأَوْلَى أَنْ لَا يُلَابِسهُ بِحَيْثُ يَتَمَكَّن مِنْ وَسْوَسَته لَهُ فَيُمْكِن أَنْ يَكُون حُفِظَ مِنْ الشَّيْطَان ، وَلَا يَلْزَم مِنْ ذَلِكَ ثُبُوت الْعِصْمَة لَهُ لِأَنَّهَا فِي حَقّ النَّبِيّ وَاجِبَة وَفِي حَقّ غَيْره مُمْكِنَة ، وَوَقَعَ فِي حَدِيث حَفْصَة عِنْد الطَّبَرَانِيِّ فِي " الْأَوْسَط " بِلَفْظِ " إِنَّ الشَّيْطَان لَا يَلْقَى عُمَر مُنْذُ أَسْلَمَ إِلَّا خَرَّ لِوَجْهِهِ " وَهَذَا دَالّ عَلَى صَلَابَته فِي الدِّين ، وَاسْتِمْرَار حَاله عَلَى الْجِدّ الصِّرْف وَالْحَقّ الْمَحْض ، وَقَالَ النَّوَوِيّ : هَذَا الْحَدِيث مَحْمُول عَلَى ظَاهِره وَأَنَّ الشَّيْطَان يَهْرُب إِذَا رَآهُ وَقَالَ عِيَاض : يَحْتَمِل أَنْ يَكُون ذَاكَ عَلَى سَبِيل ضَرْب الْمَثَل ، وَأَنَّ عُمَر فَارَقَ سَبِيل الشَّيْطَان وَسَلَكَ طَرِيق السَّدَاد فَخَالَفَ كُلّ مَا يُحِبّهُ الشَّيْطَان ، وَالْأَوَّل أَوْلَى ، اِنْتَهَى .(1/101)
ث- عَنِ ابْنِ أَبِى مُلَيْكَةَ قَالَ سَمِعْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ يَقُولُ وُضِعَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ عَلَى سَرِيرِهِ فَتَكَنَّفَهُ النَّاسُ يَدْعُونَ وَيُثْنُونَ وَيُصَلُّونَ عَلَيْهِ قَبْلَ أَنْ يُرْفَعَ وَأَنَا فِيهِمْ - قَالَ - فَلَمْ يَرُعْنِى إِلاَّ بِرَجُلٍ قَدْ أَخَذَ بِمَنْكِبِى مِنْ وَرَائِى فَالْتَفَتُّ إِلَيْهِ فَإِذَا هُوَ عَلِىُّ فَتَرَحَّمَ عَلَى عُمَرَ وَقَالَ مَا خَلَّفْتَ أَحَدًا أَحَبَّ إِلَىَّ أَنْ أَلْقَى اللَّهَ بِمِثْلِ عَمَلِهِ مِنْكَ وَايْمُ اللَّهِ إِنْ كُنْتُ لأَظُنُّ أَنْ(1/102)
يَجْعَلَكَ اللَّهُ مَعَ صَاحِبَيْكَ وَذَاكَ أَنِّى كُنْتُ أُكَثِّرُ أَسْمَعُ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ « جِئْتُ أَنَا وَأَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ وَدَخَلْتُ أَنَا وَأَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ وَخَرَجْتُ أَنَا وَأَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ فَإِنْ كُنْتُ لأَرْجُو أَوْ لأَظُنُّ أَنْ يَجْعَلَكَ اللَّهُ مَعَهُمَا. »أخرجه مسلم. (1)
ج- عَنْ حَمْزَةَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَنَّ ابْنَ عُمَرَ قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ « بَيْنَا أَنَا نَائِمٌ أُتِيتُ بِقَدَحِ لَبَنٍ،فَشَرِبْتُ حَتَّى إِنِّى لأَرَى الرِّىَّ يَخْرُجُ فِى أَظْفَارِى،ثُمَّ أَعْطَيْتُ فَضْلِى عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ ».قَالُوا فَمَا أَوَّلْتَهُ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ « الْعِلْمَ » أخرجه البخاري (2) .
خ- عَنِ الزُّهْرِىِّ قَالَ أَخْبَرَنِى ابْنُ الْمُسَيَّبِ سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ - رضى الله عنه - قَالَ سَمِعْتُ النَّبِىَّ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ « بَيْنَا أَنَا نَائِمٌ رَأَيْتُنِى عَلَى قَلِيبٍ عَلَيْهَا دَلْوٌ،فَنَزَعْتُ مِنْهَا مَا شَاءَ اللَّهُ،ثُمَّ أَخَذَهَا ابْنُ أَبِى قُحَافَةَ،فَنَزَعَ بِهَا ذَنُوبًا أَوْ ذَنُوبَيْنِ،وَفِى نَزْعِهِ ضَعْفٌ،وَاللَّهُ يَغْفِرُ لَهُ ضَعْفَهُ،ثُمَّ اسْتَحَالَتْ غَرْبًا،فَأَخَذَهَا ابْنُ الْخَطَّابِ،فَلَمْ أَرَ عَبْقَرِيًّا مِنَ النَّاسِ يَنْزِعُ نَزْعَ عُمَرَ،حَتَّى ضَرَبَ النَّاسُ بِعَطَنٍ ».أخرجه البخاري (3)
وعَنْ نَافِعٍ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ - رضى الله عنهما - قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - "بَيْنَمَا أَنَا عَلَى بِئْرٍ أَنْزِعُ مِنْهَا جَاءَنِى أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ،فَأَخَذَ أَبُو بَكْرٍ الدَّلْوَ،فَنَزَعَ ذَنُوبًا أَوْ ذَنُوبَيْنِ وَفِى نَزْعِهِ ضَعْفٌ،وَاللَّهُ يَغْفِرُ لَهُ،ثُمَّ أَخَذَهَا ابْنُ الْخَطَّابِ مِنْ يَدِ أَبِى بَكْرٍ،فَاسْتَحَالَتْ فِى يَدِهِ
__________
(1) - برقم(6338 )
(2) برقم(82و 3681 و 7006 و 7007 و 7027 و 7032 ) ومسلم برقم(6341 )
قال النووي على شرح مسلم - (ج 8 / ص 133) : وَأَمَّا تَفْسِير اللَّبَن بِالْعِلْمِ فَلِاشْتِرَاكِهِمَا فِي كَثْرَة النَّفْع ، وَفِي أَنَّهُمَا سَبَب الصَّلَاح ، فَاللَّبَن غِذَاء الْأَطْفَال ، وَسَبَب صَلَاحهمْ ، وَقُوت لَلْأَبَدَانِ بَعْد ذَلِكَ ، وَالْعِلْم سَبَبٌ لِصَلَاحِ الْآخِرَة وَالدُّنْيَا
وفي فتح الباري لابن حجر - (ج 1 / ص 135) : قَالَ اِبْن الْمُنِير : وَجْه الْفَضِيلَة لِلْعِلْمِ فِي الْحَدِيث مِنْ جِهَة أَنَّهُ عَبَّرَ عَنْ الْعِلْم بِأَنَّهُ فَضْلَة النَّبِيّ - صلى الله عليه وسلم - وَنَصِيب مِمَّا آتَاهُ اللَّه ، وَنَاهِيك بِذَلِكَ ، اِنْتَهَى . وَهَذَا قَالَهُ بِنَاء عَلَى أَنَّ الْمُرَاد بِالْفَضْلِ الْفَضِيلَة ، وَغَفَلَ عَنْ النُّكْتَة الْمُتَقَدِّمَة .
(3) - صحيح البخارى- المكنز - (3664)
الذنوب : الدلو العظيمة وقيل لا تسمى كذلك إلا إذا كان فيها ماء -الغرب : الدلو العظيمة التى تتخذ من جلد الثور -القليب : البئر التى لم تبن جوانبها بالحجارة ونحوها -نزع : استقى بالدلو(1/103)
غَرْبًا،فَلَمْ أَرَ عَبْقَرِيًّا مِنَ النَّاسِ يَفْرِى فَرِيَّهُ،فَنَزَعَ حَتَّى ضَرَبَ النَّاسُ بِعَطَنٍ ».قَالَ وَهْبٌ الْعَطَنُ مَبْرَكُ الإِبِلِ،يَقُولُ حَتَّى رَوِيَتِ الإِبِلُ فَأَنَاخَتْ .أخرجه البخاري (1)
فقال الحافظ في الفتح :َفِيهِ إِشَارَة إِلَى أَنَّ عُمَر وَلِيَ الْخِلَافَة بِعَهْدٍ مِنْ أَبِي بَكْر إِلَيْهِ بِخِلَافِ أَبِي بَكْر فَلَمْ تَكُنْ خِلَافَته بِعَهْدٍ صَرِيح مِنْ النَّبِيّ - صلى الله عليه وسلم - وَلَكِنْ وَقَعَتْ عِدَّة إِشَارَات إِلَى ذَلِكَ فِيهَا مَا يَقْرُب مِنْ الصَّرِيح
قَوْله ( فَاسْتَحَالَتْ فِي يَده غَرْبًا ) أَيْ تَحَوَّلَتْ الدَّلْو غَرْبًا،وَهِيَ بِفَتْحِ الْغَيْن الْمُعْجَمَة وَسُكُون الرَّاء بَعْدَهَا مُوَحَّدَة بِلَفْظِ مُقَابِل الشَّرْق،قَالَ أَهْل اللُّغَة:الْغَرْب الدَّلْو الْعَظِيمَة الْمُتَّخَذَة مِنْ جُلُود الْبَقَر،فَإِذَا فُتِحَتْ الرَّاء فَهُوَ الْمَاء الَّذِي يَسِيل بَيْنَ الْبِئْر وَالْحَوْض.وَنَقَلَ اِبْن التِّين عَنْ أَبِي عَبْد الْمَلِك الْبَوْنِيّ أَنَّ الْغَرْب كُلّ شَيْء رَفِيع،وَعَنْ الدَّاوُدِيِّ قَالَ:الْمُرَاد أَنَّ الدَّلْو أَحَالَتْ بَاطِن كَفَّيْهِ حَتَّى صَارَ أَحْمَر مِنْ كَثْرَة الِاسْتِسْقَاء،قَالَ اِبْن التِّين:وَقَدْ أَنْكَرَ ذَلِكَ أَهْل الْعِلْم وَرَدُّوهُ عَلَى قَائِلِهِ .
قَوْله ( فَلَمْ أَرَ عَبْقَرِيًّا )تَقَدَّمَ ضَبْطه وَبَيَانه فِي مَنَاقِب عُمَر،وَكَذَلِكَ قَوْله"يَفْرِي فَرْيَهُ"وَوَقَعَ عِنْدَ النَّسَائِيِّ فِي رِوَايَة اِبْن جُرَيْجٍ عَنْ مُوسَى بْن عُقْبَةَ عَنْ سَالِم عَنْ أَبِيهِ:قَالَ حَجَّاج قُلْت لِابْنِ جُرَيْجٍ:مَا اِسْتَحَالَ ؟ قَالَ:رَجَعَ.قُلْت:مَا الْعَبْقَرِيّ ؟ قَالَ:الْأَجِير.وَتَفْسِير الْعَبْقَرِيّ بِالْأَجِيرِ غَرِيب قَالَ أَبُو عَمْرو الشَّيْبَانِيّ:عَبْقَرِيّ الْقَوْم سَيِّدهمْ وَقَوِيّهمْ وَكَبِيرهمْ.وَقَالَ الْفَارَابِيّ:الْعَبْقَرِيّ مِنْ الرِّجَال الَّذِي لَيْسَ فَوْقَهُ شَيْء.وَذَكَرَ الْأَزْهَرِيّ أَنَّ عَبْقَر مَوْضِع بِالْبَادِيَةِ،وَقِيلَ بَلَد كَانَ يُنْسَج فِيهِ الْبُسُط الْمَوْشِيَّة فَاسْتُعْمِلَ فِي كُلّ شَيْء جَيِّد وَفِي كُلّ شَيْء فَائِق.وَنَقَلَ أَبُو عُبَيْد أَنَّهَا مِنْ أَرْض الْجِنّ،وَصَارَ مَثَلًا لِكُلِّ مَا يُنْسَب إِلَى شَيْء نَفِيس.وَقَالَ الْفَرَّاء:الْعَبْقَرِيّ السَّيِّد وَكُلّ فَاخِر مِنْ حَيَوَان وَجَوْهَر،وَبِسَاط وُضِعَتْ عَلَيْهِ وَأَطْلَقُوهُ فِي كُلّ شَيْء عَظِيم فِي نَفْسه.وَقَدْ وَقَعَ فِي رِوَايَة عَقِيل الْمُشَار إِلَيْهِ"يَنْزِع نَزْع اِبْن الْخَطَّاب"وَفِي رِوَايَة أَبِي يُونُس"فَلَمْ أَرَ نَزْع رَجُل قَطُّ أَقْوَى مِنْهُ".
__________
(1) - برقم ( 3664 و3667) ومسلم برقم(6343و6347)(1/104)
قَوْله ( حَتَّى ضَرَبَ النَّاس بِعَطَنِ ) بِفَتْحِ الْمُهْمَلَتَيْنِ وَآخِره نُون هُوَ مَا يُعَدّ لِلشُّرْبِ حَوْلَ الْبِئْر مِنْ مَبَارِك الْإِبِل،وَالْمُرَاد بِقَوْلِهِ"ضَرَبَ"أَيْ ضَرَبَتْ الْإِبِل بِعَطَنِ بَرَكَتْ،وَالْعَطَن لِلْإِبِلِ كَالْوَطَنِ لِلنَّاسِ لَكِنْ غَلَبَ عَلَى مَبْرَكهَا حَوْلَ الْحَوْض.وَوَقَعَ فِي رِوَايَة أَبِي بَكْر بْن سَالِم عَنْ أَبِيهِ عِنْد أَبِي بَكْر بْن أَبِي شَيْبَة ( حَتَّى رَوَّى النَّاس وَضَرَبُوا بِعَطَنٍ ) وَوَقَعَ فِي رِوَايَة هَمَّام"فَلَمْ يَزَلْ يَنْزَع حَتَّى تَوَلَّى النَّاس وَالْحَوْض يَتَفَجَّر"وَفِي رِوَايَة أَبِي يُونُس"مَلْآن يَنْفَجِر"قَالَ الْقَاضِي عِيَاض ظَاهِر هَذَا الْحَدِيث أَنَّ الْمُرَاد خِلَافَة عُمَر،وَقِيلَ هُوَ لِخِلَافَتِهِمَا مَعًا لِأَنَّ أَبَا بَكْر جَمَعَ شَمْل الْمُسْلِمِينَ أَوَّلًا بِدَفْعِ أَهْل الرِّدَّة وَابْتَدَأَتْ الْفُتُوح فِي زَمَانه،ثُمَّ عَهِدَ إِلَى عُمَر فَكَثُرَتْ فِي خِلَافَته الْفُتُوح وَاتَّسَعَ أَمْر الْإِسْلَام وَاسْتَقَرَّتْ قَوَاعِده.وَقَالَ غَيْره:مَعْنَى عِظَم الدَّلْو فِي يَد عُمَر كَوْن الْفُتُوح كَثُرَتْ فِي زَمَانه وَمَعْنَى"اِسْتَحَالَتْ"اِنْقَلَبَتْ عَنْ الصِّغَر إِلَى الْكِبَر.وَقَالَ النَّوَوِيّ قَالُوا هَذَا الْمَنَام مِثَال لِمَا جَرَى لِلْخَلِيفَتَيْنِ مِنْ ظُهُور آثَارهمَا الصَّالِحَة وَانْتِفَاع النَّاس بِهِمَا،وَكُلّ ذَلِكَ مَأْخُوذ مِنْ النَّبِيّ - صلى الله عليه وسلم - لِأَنَّهُ صَاحِب الْأَمْر فَقَامَ بِهِ أَكْمَل قِيَام وَقَرَّرَ قَوَاعِد الدِّين،ثُمَّ خَلَفَهُ أَبُو بَكْر فَقَاتَلَ أَهْل الرِّدَّة وَقَطَعَ دَابِرهمْ،ثُمَّ خَلَفَهُ عُمَر فَاتَّسَعَ الْإِسْلَام فِي زَمَنه،فَشَبَّهَ أَمْر الْمُسْلِمِينَ بِقَلِيبِ فِيهِ الْمَاء الَّذِي فِيهِ حَيَاتهمْ وَصَلَاحهمْ وَشَبَّهَ بِالْمُسْتَقِي لَهُمْ مِنْهَا وَسَقْيه هُوَ قِيَامه بِمَصَالِحِهِمْ،وَفِي قَوْله"لِيُرِيحَنِي"إِشَارَة إِلَى خِلَافَة أَبِي بَكْر بَعْدَ مَوْت النَّبِيّ - صلى الله عليه وسلم - ،لِأَنَّ فِي الْمَوْت رَاحَة مِنْ كَدَر الدُّنْيَا وَتَعَبهَا،فَقَامَ أَبُو بَكْر بِتَدْبِيرِ أَمْر الْأُمَّة وَمُعَانَاة أَحْوَالهمْ،وَأَمَّا قَوْله وَفِي نَزْعه ضَعْف فَلَيْسَ فِيهِ حَطّ مِنْ فَضِيلَته وَإِنَّمَا هُوَ إِخْبَار عَنْ حَاله فِي قِصَر مُدَّة وِلَايَته،وَأَمَّا وِلَايَة عُمَر فَإِنَّهَا لَمَّا طَالَتْ كَثُرَ اِنْتِفَاع النَّاس بِهَا وَاتَّسَعَتْ دَائِرَة الْإِسْلَام بِكَثْرَةِ الْفُتُوح وَتَمْصِير الْأَمْصَار وَتَدْوِين الدَّوَاوِين،وَأَمَّا قَوْله"وَاَللَّه يَغْفِر لَهُ"فَلَيْسَ فِيهِ نَقْص لَهُ وَلَا إِشَارَة إِلَى أَنَّهُ وَقَعَ مِنْهُ ذَنْب،وَإِنَّمَا هِيَ كَلِمَة كَانُوا يَقُولُونَهَا يُدَعِّمُونَ بِهَا الْكَلَام.وَفِي الْحَدِيث إِعْلَام بِخِلَافَتِهِمَا وَصِحَّة وِلَايَتهمَا وَكَثْرَة الِانْتِفَاع بِهِمَا،فَكَانَ كَمَا قَالَ.وَقَالَ اِبْن الْعَرَبِيّ:لَيْسَ الْمُرَاد بِالدَّلْوِ التَّقْدِير الدَّالّ عَلَى قِصَر الْحَظّ،بَلْ الْمُرَاد التَّمَكُّن مِنْ الْبِئْر،وَقَوْله فِي الرِّوَايَة الْمَذْكُورَة:بِدَلْوِ بَكْرَة فِيهِ إِشَارَة إِلَى صِغَر الدَّلْو قَبْلَ أَنْ يَصِير غَرْبًا.وَأَخْرَجَ أَبُو ذَرّ الْهَرَوِيُّ فِي كِتَاب الرُّؤْيَا مِنْ حَدِيث اِبْن مَسْعُود نَحْو حَدِيث الْبَاب،لَكِنْ قَالَ فِي آخِره"فَعَبِّرْهَا يَا أَبَا بَكْر،قَالَ:أَلِيَ الْأَمْرُ(1/105)
بَعْدَك وَيَلِيه بَعْدِي عُمَر.قَالَ:كَذَلِكَ عَبَرَهَا الْمُلْك"وَفِي سَنَده أَيُّوب بْن جَابِر وَهُوَ ضَعِيف وَهَذِهِ الزِّيَادَة مُنْكَرَة،وَقَدْ وَرَدَ هَذَا الْحَدِيث مِنْ وَجْه آخَر بِزِيَادَةٍ فِيهِ،فَأَخْرَجَ أَحْمَد وَأَبُو دَاوُدَ وَاخْتَارَ الضِّيَاء مِنْ طَرِيق أَشْعَث بْن عَبْد الرَّحْمَن الْجَرْمِيّ عَنْ أَبِيهِ عَنْ سَمُرَة بْن جُنْدُب"أَنَّ رَجُلًا قَالَ:يَا رَسُول اللَّه رَأَيْت كَأَنَّ دَلْوًا دُلِّيَ مِنْ السَّمَاء فَجَاءَ أَبُو بَكْر فَأَخَذَ بِعِرَاقَيْهَا فَشَرِبَ شُرْبًا ضَعِيفًا،ثُمَّ جَاءَ عُمَر فَأَخَذَ بِعِرَاقَيْهَا فَشَرِبَ حَتَّى تَضَلَّعَ،ثُمَّ جَاءَ عُثْمَان فَأَخَذَ بِعِرَاقَيْهَا فَشَرِبَ حَتَّى تَضَلَّعَ،ثُمَّ جَاءَ عَلِيّ فَأَخَذَ بِعِرَاقَيْهَا فَانْتُشِطَتْ وَانْتَضَحَ عَلَيْهِ مِنْهَا شَيْء"وَهَذَا يُبَيِّن أَنَّ الْمُرَاد بِالنَّزْعِ الضَّعِيف وَالنَّزْع الْقَوِيّ الْفُتُوح وَالْغَنَائِم،وَقَوْله"دُلِّيَ"بِضَمِّ الْمُهْمَلَة وَتَشْدِيد اللَّام أَيْ أُرْسِلَ إِلَى أَسْفَلَ،وَقَوْله"بِعِرَاقَيْهَا"بِكَسْرِ الْمُهْمَلَة وَفَتْح الْقَاف،وَالْعِرَاقَانِ خَشَبَتَانِ تُجْعَلَانِ عَلَى فَم الدَّلْو مُتَخَالِفَتَانِ لِرَبْطِ الدَّلْو.وَقَوْله"تَضَلَّعَ"بِالضَّادِ الْمُعْجَمَة أَيْ مَلَأَ أَضْلَاعه كِنَايَة عَنْ الشِّبَع،وَقَوْله"اُنْتُشِطَتْ"بِضَمِّ الْمُثَنَّاة وَكَسْر الْمُعْجَمَة بَعْدَهَا طَاء مُهْمَلَة أَيْ نُزِعَتْ مِنْهُ فَاضْطَرَبَتْ وَسَقَطَ بَعْض مَا فِيهَا أَوْ كُلّه.قَالَ اِبْن الْعَرَبِيّ:حَدِيث سَمُرَة يُعَارِض حَدِيث اِبْن عُمَر وَهُمَا خَبَرَانِ.قُلْت:الثَّانِي هُوَ الْمُعْتَمَد،فَحَدِيث اِبْن عُمَر مُصَرِّح بِأَنَّ النَّبِيّ - صلى الله عليه وسلم - هُوَ الرَّائِي،وَحَدِيث سَمُرَة فِيهِ أَنَّ رَجُلًا أَخْبَرَ النَّبِيّ - صلى الله عليه وسلم - أَنَّهُ رَأَى،وَقَدْ أَخْرَجَ أَحْمَد مِنْ حَدِيث أَبِي الطُّفَيْل شَاهِدًا لِحَدِيثِ اِبْن عُمَر وَزَادَ فِيهِ"فَوَرَدَتْ عَلَيَّ غَنَم سُود وَغَنَم عُفْر"وَقَالَ فِيهِ"فَأَوَّلْت السُّود الْعَرَب وَالْعُفْر الْعَجَم"وَفِي قِصَّة عُمَر"فَمَلَأَ الْحَوْض وَأَرْوَى الْوَارِدَة"وَمِنْ الْمُغَايَرَة بَيْنَهُمَا أَيْضًا أَنَّ فِي حَدِيث اِبْن عُمَر"نَزْع الْمَاء مِنْ الْبِئْر"وَحَدِيث سَمُرَة فِيهِ نُزُول الْمَاء مِنْ السَّمَاء،فَهُمَا قِصَّتَانِ تَشُدّ إِحْدَاهُمَا الْأُخْرَى،وَكَأَنَّ قِصَّة حَدِيث سَمُرَة سَابِقَة فَنَزَلَ الْمَاء مِنْ السَّمَاء وَهِيَ خِزَانَته فَأُسْكِنَ فِي الْأَرْض كَمَا يَقْتَضِيه حَدِيث سَمُرَة ثُمَّ أُخْرِجَ مِنْهَا بِالدَّلْوِ كَمَا دَلَّ عَلَيْهِ حَدِيث اِبْن عُمَر،وَفِي حَدِيث سَمُرَة إِشَارَة إِلَى نُزُول النَّصْر مِنْ السَّمَاء عَلَى الْخُلَفَاء،وَفِي حَدِيث اِبْن عُمَر إِشَارَة إِلَى اِسْتِيلَائِهِمْ عَلَى كُنُوز الْأَرْض بِأَيْدِيهِمْ،وَكِلَاهُمَا ظَاهِر مِنْ الْفُتُوح الَّتِي فَتَحُوهَا.وَفِي حَدِيث سَمُرَة زِيَادَة إِشَارَة إِلَى مَا وَقَعَ لِعَلِيٍّ مِنْ الْفِتَن وَالِاخْتِلَاف عَلَيْهِ،فَإِنَّ النَّاس أَجْمَعُوا عَلَى خِلَافَته ثُمَّ لَمْ يَلْبَث أَهْل الْجَمَل أَنْ خَرَجُوا عَلَيْهِ وَامْتَنَعَ مُعَاوِيَة فِي أَهْل الشَّام ثُمَّ حَارَبَهُ بِصِفِّينَ ثُمَّ غَلَبَ بَعْدَ قَلِيل عَلَى مِصْرَ،وَخَرَجَتْ(1/106)
الْحَرُورِيَّةُ عَلَى عَلِيّ فَلَمْ يَحْصُل لَهُ فِي أَيَّام خِلَافَته رَاحَة،فَضُرِبَ الْمَنَام الْمَذْكُور مَثَلًا لِأَحْوَالِهِمْ رِضْوَان اللَّه عَلَيْهِمْ أَجْمَعِينَ (1) .
د- عَنْ عَائِشَةَ عَنِ النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ « قَدْ كَانَ يَكُونُ فِى الأُمَمِ قَبْلَكُمْ مُحَدَّثُونَ فَإِنْ يَكُنْ فِى أُمَّتِى مِنْهُمْ أَحَدٌ فَإِنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ مِنْهُمْ ». قَالَ ابْنُ وَهْبٍ تَفْسِيرُ مُحَدَّثُونَ مُلْهَمُونَ.أخرجه مسلم (2)
قال الطحاوي :
بَابٌ بَيَانُ مُشْكِلِ مَا رُوِيَ عَنْ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - مِنْ قَوْلِهِ:"قَدْ كَانَ فِي الْأُمَمِ قَبْلَكُمْ قَوْمٌ مُحَدَّثُونَ فَإِنْ يَكُنْ فِي أُمَّتِي أَحَدٌ مِنْهُمْ فَهُوَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ " ... (صحيح) ...
عَنْ عَائِشَةَ،عَنْ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - أَنَّهُ قَالَ:"قَدْ كَانَ يَكُونُ فِي الْأُمَمِ قَبْلَكُمْ مُحَدَّثُونَ فَإِنْ يَكُنْ فِي أُمَّتِي أَحَدٌ مِنْهُمْ فَعُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ"
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ،عَنْ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ:"لَقَدْ كَانَ فِيمَنْ خَلَا مِنْ قَبْلِكُمْ مِنَ الْأُمَمِ نَاسٌ يُحَدَّثُونَ فَإِنْ يَكُنْ فِي أُمَّتِي مِنْهُمْ أَحَدٌ فَهُوَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ"قَالَ:إبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ وَهُمُ الَّذِينَ يُلْهَمُونَ ( صحيح)
فَكَانَ مَعْنَى قَوْلِهِ - صلى الله عليه وسلم - مُحَدَّثُونَ أَيْ:مُلْهَمُونَ،وَكَذَلِكَ يُحَدَّثُونَ أَيْ:يُلْهَمُونَ حَتَّى تَنْطِقَ أَلْسِنَتُهُمْ بِالْحِكْمَةِ كَمَا كَانَ لِسَانُ عُمَرَ - رضي الله عنهم - يَنْطِقُ بِمَا كَانَ يَنْطِقُ بِهِ مِنْهَا فَمِنْ ذَلِكَ مَا قَدْ ذَكَرْنَاهُ عَنْهُ فِي حَدِيثِ إيلَاءِ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - مِنْ نِسَائِهِ لَمَّا قَالَ لَهُنَّ:"لَتَنْتَهُنَّ عَنْ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - أَوْ لَيُبْدِلَنَّهُ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ أَزْوَاجًا خَيْرًا مِنْكُنَّ"عَلَى مَا ذَكَرَهُ عَزَّ وَجَلَّ فِي الْآيَةِ الَّتِي أَنْزَلَهَا فِي ذَلِكَ وَأَنَّ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ أَنْزَلَ بَعْدَ ذَلِكَ عَلَى رَسُولِهِ - صلى الله عليه وسلم - قَوْلَهُ:{ عَسَى رَبُّهُ إنْ طَلَّقَكُنَّ أَنْ يُبْدِلَهُ أَزْوَاجًا خَيْرًا مِنْكُنَّ } [التحريم:5] الْآيَةُ مُوَافِقَةٌ لِمَا قَدْ كَانَ قَالَهُ لَهُنَّ قَبْلَ
__________
(1) - فتح الباري لابن حجر - (ج 20 / ص 10)
(2) - برقم (6357 ) المحدث : الصادق الظن الملهم الذى يلقَى فى نفسه الشىء فيخبر به فراسة
وفي شرح النووي على مسلم - (ج 8 / ص 138)
اخْتَلَفَ تَفْسِير الْعُلَمَاء لِلْمُرَادِ بِمُحَدَّثُونَ ، فَقَالَ اِبْن وَهْب : مُلْهَمُونَ ، وَقِيلَ : مُصِيبُونَ ، وَإِذَا ظَنُّوا فَكَأَنَّهُمْ حَدَّثُوا بِشَيْءٍ فَظَنُّوا ، وَقِيلَ : تُكَلِّمُهُمْ الْمَلَائِكَة ، وَجَاءَ فِي رِوَايَةٍ ( مُتَكَلِّمُونَ ) وَقَالَ الْبُخَارِيّ : يَجْرِي الصَّوَابُ عَلَى أَلْسِنَتِهِمْ ، وَفِيهِ إِثْبَات كَرَامَات الْأَوْلِيَاء .(1/107)
ذَلِكَ وَمَا قَدْ رُوِيَ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ عَنْهُ مِنْ قَوْلِهِ:وَافَقْتُ رَبِّي عَزَّ وَجَلَّ فِي ثَلَاثٍ،أَوْ وَافَقَنِي رَبِّي فِي ثَلَاثٍ،فعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ:قَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ - رضي الله عنهم - :"وَافَقَنِي رَبِّي عَزَّ وَجَلَّ فِي ثَلَاثٍ أَوْ وَافَقْتُ رَبِّي عَزَّ وَجَلَّ فِي ثَلَاثٍ قَالَ:قُلْتُ:يَا رَسُولَ اللهِ لَوِ اتَّخَذْتَ مِنْ مَقَامِ إبْرَاهِيمَ مُصَلًّى فَأَنْزَلَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ { وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إبْرَاهِيمَ مُصَلًّى } [البقرة:125] وَقُلْتُ:يَدْخُلُ عَلَيْكَ الْبَرُّ وَالْفَاجِرُ فَلَوْ حَجَبْتَ أُمَّهَاتِ الْمُؤْمِنِينَ فَأَنْزَلَ اللهُ آيَةَ الْحِجَابِ وَبَلَغَنِي شَيْءٌ مِنَ الْمُعَاتَبَةِ مِنْ أُمَّهَاتِ الْمُؤْمِنِينَ فَاسْتَقْرَيْتُهُنَّ أَقُولُ:لَتَكُفُّنَّ عَنْ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - أَوْ لَيُبْدِلَنَّهُ اللهُ أَزْوَاجًا خَيْرًا مِنْكُنَّ فَانْتَهَيْتُ إلَى إحْدَى أُمَّهَاتِ الْمُؤْمِنِينَ فَقَالَتْ:يَا عُمَرُ،أَمَا فِي رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - مَا يَعِظُ نِسَاءَهُ حَتَّى تَعِظَهُنَّ أَنْتَ فَأَنْزَلَ اللهُ { عَسَى رَبُّهُ إنْ طَلَّقَكُنَّ أَنْ يُبْدِلَهُ أَزْوَاجًا خَيْرًا مِنْكُنَّ } [التحريم:5] وَقَدْ رُوِيَ عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَبَّاسٍ فِي تَوْكِيدِ مَا تَأَوَّلْنَا الْحَدِيثَ الْأَوَّلَ الَّذِي ذَكَرْنَا فِي هَذَا الْبَابِ عَلَيْهِ،فعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ كَانَ يَقْرَؤُهَا"وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَلَا نَبِيٍّ وَلَا مُحَدَّثٍ"
قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ:فَكَانَ الْمُحَدَّثُ فِي هَذَا مِنَ الْجِنْسِ الَّذِينَ ذَكَرَهُمْ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فِي الْحَدِيثِ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ فِي أَوَّلِ هَذَا الْبَابِ،فَقَالَ قَائِلٌ:أَفَيَجُوزُ أَنْ يُقَالَ لِهَؤُلَاءِ الْمُلْهَمِينَ:إنَّ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ أَرْسَلَهُمْ كَمَا قَرَأَ ابْنُ عَبَّاسٍ الْآيَةَ عَلَيْهِ عَلَى مَا فِي حَدِيثِهِ هَذَا؟ فَكَانَ جَوَابَنَا لَهُ فِي ذَلِكَ بِتَوْفِيقِ اللهِ وَعَوْنِهِ أَنَّ الرِّسَالَةَ الْمَذْكُورَةَ فِي هَذِهِ الْآيَةِ إنَّمَا أُرِيدَ بِهَا الْأَنْبِيَاءُ وَالرُّسُلُ صَلَوَاتُ اللهِ عَلَيْهِمْ لَا الْمُلْهَمُونَ الْمَذْكُورُونَ مَعَهُمْ،فَقَالَ:كَيْفَ يَكُونُ ذَلِكَ وَهُمْ مَذْكُورُونَ مَعَهُمْ بِمَا فِي أَوَّلِ الْآيَةِ وَهُوَ الرِّسَالَةُ فَكَانَ جَوَابَنَا لَهُ فِي ذَلِكَ فِيمَا ذَهَبَ إلَيْهِ أَهْلُ الْعَرَبِيَّةِ فِيهِ أَنَّهُمْ جُمِعُوا مَعَهُمْ بِكِنَايَةٍ فِي الْآيَةِ كَأَنَّهُ أُرِيدَ وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ،وَلَا نَبِيٍّ،وَلَا أَلْهَمْنَا مِنْ مُحَدَّثٍ إلَّا إذَا تَمَنَّى أَلْقَى الشَّيْطَانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ،وَكَانُوا يُنْشِدُونَ فِي ذَلِكَ بَيْتًا مِنَ الشِّعْرِ:
يَا لَيْتَ زَوْجَكَ قَدْ غَدَا ... مُتَقَلِّدًا سَيْفًا وَرُمْحَا(1/108)
وَالسَّيْفُ فَمِمَّا يُتَقَلَّدُ بِهِ وَالرُّمْحُ لَيْسَ كَذَلِكَ إنَّمَا يُحْمَلُ وَاسْتُعْمِلَتِ الْكِنَايَةُ فِي ذَلِكَ فَصَارَ كَهُوَ لَوْ قَالَ:مُتَقَلِّدٌ سَيْفًا وَحَامِلٌ رُمْحًا وَاللهُ أَعْلَمُ بِالْحَقِيقَةِ فِي ذَلِكَ وَإِيَّاهُ نَسْأَلُهُ التَّوْفِيقَ" (1)
ذ-عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ قَالَ عُمَرُ وَافَقْتُ رَبِّى فِى ثَلاَثٍ فِى مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ وَفِى الْحِجَابِ وَفِى أُسَارَى بَدْرٍ.أخرجه مسلم (2)
وعَنْ أَنَسٍ قَالَ قَالَ عُمَرُ وَافَقْتُ رَبِّى فِى ثَلاَثٍ،فَقُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ لَوِ اتَّخَذْنَا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى فَنَزَلَتْ ( وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى ) وَآيَةُ الْحِجَابِ قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ،لَوْ أَمَرْتَ نِسَاءَكَ أَنْ يَحْتَجِبْنَ،فَإِنَّهُ يُكَلِّمُهُنَّ الْبَرُّ وَالْفَاجِرُ.فَنَزَلَتْ آيَةُ الْحِجَابِ،وَاجْتَمَعَ نِسَاءُ النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - فِى الْغَيْرَةِ عَلَيْهِ فَقُلْتُ لَهُنَّ عَسَى رَبُّهُ إِنْ طَلَّقَكُنَّ أَنْ يُبَدِّلَهُ أَزْوَاجًا خَيْرًا مِنْكُنَّ.فَنَزَلَتْ هَذِهِ الآيَةُ .أخرجه البخاري (3)
قال الحافظ ابن حجر في الفتح:
قَوْله:( وَافَقْت رَبِّي فِي ثَلَاث ) أَيْ وَقَائِع،وَالْمَعْنَى وَافَقَنِي رَبِّي فَأَنْزَلَ الْقُرْآن عَلَى وَفْق مَا رَأَيْت،لَكِنْ لِرِعَايَةِ الْأَدَب أَسْنَدَ الْمُوَافَقَة إِلَى نَفْسه،أَوْ أَشَارَ بِهِ إِلَى حُدُوث رَأْيه وَقِدَم الْحُكْم،وَلَيْسَ فِي تَخْصِيصه الْعَدَد بِالثَّلَاثِ مَا يَنْفِي الزِّيَادَة عَلَيْهَا؛لِأَنَّهُ حَصَلَتْ لَهُ الْمُوَافَقَة فِي أَشْيَاء غَيْر هَذِهِ مِنْ مَشْهُورهَا قِصَّة أُسَارَى بَدْر وَقِصَّة الصَّلَاة عَلَى الْمُنَافِقِينَ،وَهُمَا فِي الصَّحِيح،وَصَحَّحَ التِّرْمِذِيّ مِنْ حَدِيث اِبْن عُمَر أَنَّهُ قَالَ"مَا نَزَلَ بِالنَّاسِ أَمْر قَطّ فَقَالُوا فِيهِ وَقَالَ فِيهِ عُمَر إِلَّا نَزَلَ الْقُرْآن فِيهِ عَلَى نَحْو مَا قَالَ عُمَر"وَهَذَا دَالٌّ عَلَى كَثْرَة مُوَافَقَته،وَأَكْثَر مَا وَقَفْنَا مِنْهَا بِالتَّعْيِينِ عَلَى خَمْسَة عَشَر لَكِنْ ذَلِكَ بِحَسَب الْمَنْقُول،وَقَدْ تَقَدَّمَ الْكَلَام عَلَى مَقَام إِبْرَاهِيم،وَسَيَأْتِي الْكَلَام عَلَى مَسْأَلَة الْحِجَاب فِي تَفْسِير سُورَة الْأَحْزَاب،وَعَلَى مَسْأَلَة التَّخْيِير فِي تَفْسِير سُورَة التَّحْرِيم،وَقَوْله فِي هَذِهِ الرِّوَايَة"وَاجْتَمَعَ نِسَاء النَّبِيّ - صلى الله عليه وسلم - فِي الْغَيْرَة عَلَيْهِ فَقُلْت لَهُنَّ:عَسَى رَبّه إِلَخْ"وَذَكَرَ فِيهِ مِنْ وَجْه آخَر عَنْ
__________
(1) - شرح مشكل الآثار - (4 / 336)(1648-1652)
(2) برقم (6359 )
(3) - برقم ( 402 و 4483 و 4790 و 4916 )(1/109)
حُمَيْدٍ فِي تَفْسِير سُورَة الْبَقَرَة زِيَادَة يَأْتِي التَّنْبِيه عَلَيْهَا فِي بَاب عِشْرَة النِّسَاء فِي أَوَاخِر النِّكَاح.وَقَالَ بَعْضهمْ:كَانَ اللَّائِق إِيرَاد هَذَا الْحَدِيث فِي الْبَاب الْمَاضِي وَهُوَ قَوْله:( وَاِتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى ) وَالْجَوَاب أَنَّهُ عَدَلَ عَنْهُ إِلَى حَدِيث اِبْن عُمَر لِلتَّنْصِيصِ فِيهِ عَلَى وُقُوع ذَلِكَ مِنْ فِعْل النَّبِيّ - صلى الله عليه وسلم - بِخِلَافِ حَدِيث عُمَر هَذَا فَلَيْسَ فِيهِ التَّصْرِيح بِذَلِكَ،وَأَمَّا مُنَاسَبَته لِلتَّرْجَمَةِ فَأَجَابَ الْكَرْمَانِيُّ بِأَنَّ الْمُرَاد مِنْ التَّرْجَمَة مَا جَاءَ فِي الْقِبْلَة وَمَا يَتَعَلَّق بِهَا،فَأَمَّا عَلَى قَوْل مَنْ فَسَّرَ مَقَام إِبْرَاهِيم بِالْكَعْبَةِ فَظَاهِر،أَوْ بِالْحَرَمِ كُلّه فَمِنْ فِي قَوْله:( مِنْ مَقَام إِبْرَاهِيم ) لِلتَّبْعِيضِ،وَمُصَلًّى أَيْ قِبْلَة،أَوْ بِالْحَجَرِ الَّذِي وَقَفَ عَلَيْهِ إِبْرَاهِيم وَهُوَ الْأَظْهَر فَيَكُون تَعَلُّقه بِالْمُتَعَلِّقِ بِالْقِبْلَةِ لَا بِنَفْسِ الْقِبْلَة،وَقَالَ اِبْن رَشِيد:الَّذِي يَظْهَر لِي أَنَّ تَعَلُّق الْحَدِيث بِالتَّرْجَمَةِ الْإِشَارَة إِلَى مَوْضِع الِاجْتِهَاد فِي الْقِبْلَة؛لِأَنَّ عُمَر اِجْتَهَدَ فِي أَنْ اِخْتَارَ أَنْ يَكُون الْمُصَلَّى إِلَى مَقَام إِبْرَاهِيم الَّذِي هُوَ فِي وَجْه الْكَعْبَة فَاخْتَارَ إِحْدَى جِهَات الْقِبْلَة بِالِاجْتِهَادِ،وَحَصَلَتْ مُوَافَقَته عَلَى ذَلِكَ فَدَلَّ عَلَى تَصْوِيب اِجْتِهَاد الْمُجْتَهِد إِذَا بَذَلَ وُسْعه وَلَا يَخْفَى مَا فِيهِ (1) .
ر- عَنِ ابْنِ عُمَرَ - رضى الله عنهما - قَالَ لَمَّا تُوُفِّىَ عَبْدُ اللَّهِ جَاءَ ابْنُهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فَسَأَلَهُ أَنْ يُعْطِيَهُ قَمِيصَهُ يُكَفِّنُ فِيهِ أَبَاهُ فَأَعْطَاهُ،ثُمَّ سَأَلَهُ أَنْ يُصَلِّىَ عَلَيْهِ،فَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - لِيُصَلِّىَ فَقَامَ عُمَرُ فَأَخَذَ بِثَوْبِ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ تُصَلِّى عَلَيْهِ وَقَدْ نَهَاكَ رَبُّكَ أَنْ تُصَلِّىَ عَلَيْهِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - "إِنَّمَا خَيَّرَنِى اللَّهُ فَقَالَ ( اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لاَ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ إِنْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً ) وَسَأَزِيدُهُ عَلَى السَّبْعِينَ ».قَالَ إِنَّهُ مُنَافِقٌ.قَالَ فَصَلَّى عَلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فَأَنْزَلَ اللَّهُ ( وَلاَ تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ مَاتَ أَبَدًا وَلاَ تَقُمْ عَلَى قَبْرِهِ )أخرجه البخاري ومسلم (2)
قَوْله:( إِنَّ النَّبِيّ - صلى الله عليه وسلم - أَعْطَاهُ قَمِيصه لِيُكَفِّنَ فِيهِ أَبَاهُ الْمُنَافِق ) قِيلَ:إِنَّمَا أَعْطَاهُ قَمِيصه وَكَفَّنَهُ فِيهِ تَطْيِيبًا لِقَلْبِ اِبْنه؛فَإِنَّهُ كَانَ صَحَابِيًّا صَالِحًا،وَقَدْ سَأَلَ ذَلِكَ،فَأَجَابَهُ إِلَيْهِ.وَقِيلَ:مُكَافَأَة لِعَبْدِ اللَّه الْمُنَافِق الْمَيِّت؛لِأَنَّهُ كَانَ أَلْبَسَ الْعَبَّاسَ حِينَ أُسِرَ يَوْم بَدْر قَمِيصًا.وَفِي هَذَا
__________
(1) - فتح الباري لابن حجر - (ج 2 / ص 119) و شرح النووي على مسلم - (ج 8 / ص 139)
(2) - البخاري برقم( 4670) ومسلم برقم( 6360 و7203)(1/110)
الْحَدِيث بَيَان عَظِيم مَكَارِم أَخْلَاق النَّبِيّ - صلى الله عليه وسلم - ؛فَقَدْ عَلِمَ مَا كَانَ مِنْ هَذَا الْمُنَافِق مِنْ الْإِيذَاء،وَقَابَلَهُ بِالْحُسْنَى،فَأَلْبَسَهُ قَمِيصًا كَفَنًا،وَصَلَّى عَلَيْهِ،وَاسْتَغْفَرَ لَهُ.قَالَ اللَّه تَعَالَى { إِنَّك لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ } وَفِيهِ تَحْرِيم الصَّلَاة،وَالدُّعَاء لَهُ بِالْمَغْفِرَةِ،وَالْقِيَام عَلَى قَبْره لِلدُّعَاءِ . (1)
ز- عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - "لَوْ كَانَ بَعْدِى نَبِىٌّ لَكَانَ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ »أخرجه الترمذي (2) .
س- عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ،أَنَّ جِبْرِيلَ،قَالَ لِرَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - :أَقْرِئْ عُمَرَ السَّلاَمَ وَأَخْبِرْهُ،أَنَّ رِضَاهُ حُكْمٌ وَغَضَبَهُ عِزٌّ.أخرجه ابن أبي شيبة (3)
ش- عَنْ رِبْعِيٍّ،قَالَ:سَمِعْت حُذَيْفَةَ يَقُولُ:مَا كَانَ الإسْلاَمُ فِي زَمَانِ عُمَرَ إلاَّ كَالرَّجُلِ الْمُقْبِلِ مَا يَزْدَادُ إلاَّ قُرْبًا،فَلَمَّا قُتِلَ عُمَرُ كَانَ كَالرَّجُلِ الْمُدْبِرِ مَا يَزْدَادُ إلاَّ بُعْدًا.أخرجه ابن أبي شيبة (4)
ص- عَنْ أَبِي وَائِلٍ،قَالَ:قَالَ عَبْدُ اللَّهِ:"لَوْ أَنَّ عِلْمَ عُمَرَ وُضِعَ فِي كِفَّةِ مِيزَانِ،وَوُضِعَ عَلْمُ أَهْلِ الأَرْضِ فِي كِفَّةٍ لَرَجَحَ عِلْمُهُ بِعِلْمِهِمْ"،قَالَ وَكِيعُ:قَالَ الأَعْمَشُ:فَأَنْكَرْتُ ذَلِكَ،فَأَتَيْتُ إِبْرَاهِيمَ فَذَكَرْتُهُ لَهُ،فَقَالَ:وَمَا أَنْكَرْتَ مِنْ ذَلِكَ،فَوَاللَّهِ لَقَدْ،قَالَ عَبْدُ اللَّهِ أَفْضَلَ مِنْ ذَلِكَ،قَالَ:"إِنِّي لأَحْسِبُ تِسْعَةَ أَعْشَارِ الْعِلْمِ ذَهَبَ يَوْمَ ذَهَبَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ".أخرجه الطبراني (5)
ض- عَنِ ابْنِ عُمَرَ - رضي الله عنهم - مَا،أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ:إِنِّي رَأَيْتُ فِي النَّوْمِ أَنِّي أُعْطِيتُ عُسًّا مَمْلُوءًا لَبَنًا فَشَرِبْتُ مِنْهُ حَتَّى تَمَلأْتُ حَتَّى رَأَيْتُهُ فِي عِرْقٍ بَيْنَ الْجِلْدِ وَاللَّحْمِ،فَفَضَلَتْ
__________
(1) - شرح النووي على مسلم - (ج 8 / ص 140) وانظر تفاصيله في فتح الباري لابن حجر - (ج 13 / ص 109)
(2) - برقم(4050 ) والمستدرك برقم(4495) والطبراني (14239) و الصحيحة (327) و صحيح الجامع (5284) وهو صحيح لغيره
فِيهِ إِبَانَةٌ عَنْ فَضْلِ مَا جَعَلَهُ اللَّهُ لِعُمَرَ مِنْ أَوْصَافِ الْأَنْبِيَاءِ وَخِلَالِ الْمُرْسَلِينَ .
(3) - برقم(320014) والطبراني برقم(12302) وهو صحيح مرسل
(4) - برقم(32016) وإسناده صحح
(5) - برقم( 8271) وإسناده صحيح(1/111)
فَضْلَةٌ فَأَعْطَيْتُهَا عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ،فَقَالُوا:يَا نَبِيَّ اللَّهِ،هَذَا عِلْمٌ أَعْطَاكَهُ اللَّهُ فَمَلأْتَ مِنْهُ،فَفَضَلَتْ فَضْلَةٌ وَأَعْطَيْتَهَا عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ،فَقَالَ:أَصَبْتُمْ أخرجه الحاكم (1)
ط- عَنْ زَيْدِ بن وَهْبٍ،قَالَ:تَنَازَعَ رَجُلانِ فِي آيَةٍ،فَبَيْنَمَا نَحْنُ كَذَلِكَ إِذْ أَقْبَلَ عَبْدُ اللَّهِ مِنْ قِبَلِ أَخْتَانِهِ فَقَامَا إِلَيْهِ،وَقُمْتُ إِلَيْهِ مَعَهُمَا،فَقَالا:إِنَّا تَنَازَعْنَا فِي آيَةٍ،فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ لأَحَدِهِمَا:"اقْرَأْ"فَقَرَأَ،فَقَالَ:"مَنْ أَقْرَأَكَهَا؟"فَقَالَ:أَبُو عَمْرَةَ مَعْقِلُ بن مُقَرِّنٍ،ثُمَّ قَالَ لِلآخَرِ:"اقْرَأْهُ"فَقَرَأَ،فَقَالَ:"مَنْ أَقْرَأَكَهَا؟"،فَقَالَ:عُمَرُ،فَجَاءَتَا عَيْنَاهُ بِأَرْبَعَةٍ فَبَكَى حَتَّى رَأَيْتُهُ أَخَذَ مِنْ دُمُوعِهِ بِكَفِّهِ،فَقَالَ بِهِ هَكَذَا،فَرَأَيْتُ أَثَرَيْنِ فِي الْحَصَا مِنْ دُمُوعِ عَبْدِ اللَّهِ،ثُمَّ قَالَ عَبْدُ اللَّهِ:"مَا أَظَنُّ أَهْلَ بَيْتٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ لَمْ يَدْخُلْ عَلَيْهِمْ حُزْنُ عُمَرَ يَوْمَ أُصِيبَ إِلا بَيْتُ سُوءٍ،إِنَّ عُمَرَ كَانَ أَعْلَمَنَا بِاللَّهِ وَأَقْرَأَنَا لِكِتَابِ اللَّهِ،وَأَفْقَهَنَا لِدِينِ اللَّهِ،وَاقْرَأْهَا كَمَا أَقْرَأَكَهَا عُمَرُ،فَوَاللَّهِ لَهِيَ أَبْيَنُ مِنْ طَرِيقِ السِّيلِحِينَ".
وفي رواية عَنْ زَيْدِ بن وَهْبٍ،قَالَ:أَتَى عَبْدَ اللَّهِ رَجُلانِ وَكُنَّا عِنْدَهُ،فَقَالَ:يَا أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ،كَيْفَ نَقْرَأُ هَذِهِ الآيَةِ؟ فَقَرَأَهَا عَلَيْهِ عَبْدُ اللَّهِ،فَقَالَ الرَّجُلُ:فَإِنْ أَبَا حَكِيمٍ أَقْرَأَنِيهَا كَذَا،وَكَذَا،قَالَ:وَقَرَأَ الآخَرُ،فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ:"مَنْ أَقْرَأَكَهَا؟"،فَقَالَ عُمَرُ:فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ:"اقْرَأْ كَمَا أَقْرَأَكَ عُمَرُ"،ثُمَّ بَكَى عَبْدُ اللَّهِ حَتَّى رَأَيْتُ دُمُوعَهُ تَحَدَّرُ فِي الْحَصَا،ثُمَّ قَالَ:"إِنَّ عُمَرَ كَانَ حِصْنًا حَصِينًا عَلَى الإِسْلامِ يَدْخُلُ النَّاسُ فِيهِ،وَلا يَخْرُجُونَ،وَإِنَّ الْحِصْنَ أَصْبَحَ قَدِ انْثَلَمَ فَالنَّاسُ يَخْرُجُونَ مِنْهُ،وَلا يَدْخُلُونَ".أخرجه الطبراني (2)
ظ- عن عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بُرَيْدَةَ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ أَمَةً سَوْدَاءَ أَتَتْ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - وَرَجَعَ مِنْ بَعْضِ مَغَازِيهِ فَقَالَتْ إِنِّى كُنْتُ نَذَرْتُ إِنْ رَدَّكَ اللَّهُ صَالِحاً أَنْ أَضْرِبَ عِنْدَكَ بِالدُّفِّ. قَالَ « إِنْ كُنْتِ فَعَلْتِ فَافْعَلِى وَإِنْ كُنْتِ لَمْ تَفْعَلِى فَلاَ تَفْعَلِى ». فَضَرَبَتْ فَدَخَلَ أَبُو بَكْرٍ وَهِىَ تَضْرِبُ وَدَخَلَ غَيْرُهُ وَهِىَ تَضْرِبُ ثُمَّ دَخَلَ عُمَرُ. قَالَ فَجَعَلَتْ دُفَّهَا خَلْفَهَا وَهِىَ مُقَنَّعَةٌ.
__________
(1) - برقم (4496) والطبراني برقم(12977) وهو حديث صحيح
(2) - برقم(8215 و8216) وابن أبي شيبة (31983) وإسناده صحيح(1/112)
فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - "إِنَّ الشَّيْطَانَ لَيَفْرَقُ مِنْكَ يَا عُمَرُ أَنَا جَالِسٌ هَا هُنَا وَدَخَلَ هَؤُلاَءِ فَلَمَّا أَنْ دَخَلْتَ فَعَلَتْ مَا فَعَلَتْ »أخرجه أحمد . (1)
ع- عَنْ شَقِيقِ بْنِ سَلَمَةَ أَبِي وَائِلٍ قَالَ:قَالَ عَبْدُ اللَّهِ:لَقِيَ الشَّيْطَانُ رَجُلًا مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - فَصَارَعَهُ،فَتَعَرَهُ الْمُسْلِمُ،وَأَزَمَ بِإِبْهَامِهِ،فَقَالَ:دَعْنِي أُعَلِّمْكَ آيَةً لَا يَسْمَعُهَا أَحَدٌ مِنَّا إِلَّا وَلَّى،فَأَرْسَلَهُ،فَأَبَى أَنْ يُعَلِّمَهُ،فَصَارَعَهُ،فَتَعَرَهُ الْمُسْلِمُ،وَأَزَمَّ بِإِبْهَامِهِ [ فَقَالَ:دَعْنِي أُعَلِّمُكَ آيَةً لَا يَسْمَعُهَا أَحَدٌ مِنَّا إِلَّا وَلَّى،فَأَرْسَلَهُ،فَأَبَى أَنْ يُعَلِّمَهُ،فَعَادَ فَصَرَعَهُ فَتَعَرَهُ الْمُسْلِمُ وَأَزَمَّ بِإِبْهَامِهِ ]،فَقَالَ:أَخْبِرْنِي بِهَا،فَأَبَى أَنْ يُعْلِمَهُ.فَلَمَّا عَاوَدَهُ الثَّالِثَةَ قَالَ:الْآيَةُ الَّتِي فِي سُورَةِ الْبَقَرَةِ ( اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ ) إِلَى آخِرِهَا،فَقِيلَ لِعَبْدِ اللَّهِ:يَا أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ،مَنْ ذَلِكَ الرَّجُلُ ؟ قَالَ:مَنْ عَسَى أَنْ يَكُونَ إِلَّا عُمَرَ .
وَفِي رِوَايَةٍ:عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ أَيْضًا قَالَ:لَقِيَ رَجُلٌ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - رَجُلًا مِنَ الْجِنِّ فَصَارَعَهُ،فَصَرَعَهُ الْإِنْسِيُّ ،فَقَالَ لَهُ الْجِنِّيُّ:عَاوِدْنِي،فَعَاوَدَهُ فَصَرَعَهُ الْإِنْسِيُّ،فَقَالَ لَهُ الْإِنْسِيُّ:إِنِّي لَأَرَاكَ ضَئِيلًا شَحِيبًا،كَأَنَّ ذُرَيِّعَتَيْكَ ذُرَيِّعَتَا كَلْبٍ قَالَ:فَكَذَلِكَ أَنْتُمْ مَعَاشِرَ الْجِنِّ - أَوْ أَنْتَ مِنْهُمْ كَذَلِكَ - قَالَ:لَا وَاللَّهِ إِنِّي مِنْهُمْ لَضَلِيعٌ،وَلَكِنْ عَاوِدْنِي الثَّالِثَةَ فَإِنْ صَرَعْتَنِي عَلَّمْتُكَ شَيْئًا يَنْفَعُكَ،فَعَاوَدَهُ فَصَرَعَهُ،فَقَالَ:هَاتِ عَلِّمْنِي قَالَ:هَلْ تَقْرَأُ آيَةَ الْكُرْسِيِّ ؟ قَالَ:نَعَمْ قَالَ:إِنَّكَ لَنْ تَقْرَأَهَا فِي بَيْتٍ إِلَّا خَرَجَ مِنْهُ الشَّيْطَانُ ; لَهُ خَبَجٌ كَخَبَجِ الْحِمَارِ،لَا يَدْخُلُهُ حَتَّى يُصْبِحَ قَالَ رَجُلٌ مِنَ الْقَوْمِ:يَا أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ،مَنْ ذَاكَ الرَّجُلُ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ؟ قَالَ:فَعَبَسَ عَبْدُ اللَّهِ وَأَقْبَلَ عَلَيْهِ،وَقَالَ:مَنْ يَكُونُ هُوَ إِلَّا عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ رواه الطبراني (2)
غ- وَعَنْ أَبِي الطُّفَيْلِ:أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ:"بَيْنَا أَنَا أَنْزِعُ اللَّيْلَةَ إِذْ وَرَدَتْ عَلَيَّ غَنَمٌ سُودٌ وَعُفْرٌ،فَجَاءَ أَبُو بَكْرٍ فَنَزَعَ ذَنُوبًا أَوْ ذَنُوبِينَ وَفِي نَزْعِهِ ضَعْفٌ ،وَاللَّهُ يَغْفِرُ لَهُ،فَجَاءَ
__________
(1) - برقم (23691) وصحيح الجامع ( 1654) والصحيحة ( 1609) وهو صحيح
(2) - برقم(8736 و8738) والمجمع (14444و14445) وهو حديث حسن(1/113)
عُمَرُ فَاسْتَحَالَتْ غَرْبًا،فَمَلَأَ الْحِيَاضَ وَأَرْوَى الْوَارِدَةَ ; فَلَمْ أَرَ عَبْقَرِيًّا أَحْسَنَ نَزْعًا مِنْ عُمَرَ،فَأَوَّلْتُ السُّودَ:الْعَرَبَ،وَالْعُفْرَ:الْعَجَمَ ".رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ (1)
ف- وعَنِ الْحَسَنِ قَالَ:بَلَغَنِي أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ:"رَأَيْتُ كَأَنِّي أَنْزِعُ عَلَى غَنَمٍ سُودٍ،فَخَالَطَهَا غَنَمٌ عُفْرٌ،فَأَوَّلْتُ السُّودَ الْعَرَبَ،وَالْعُفْرَ مَنْ خَالَطَهُمْ مِنْ إِخْوَانِهِمْ مِنَ الْعَجَمِ،قَالَ:فَبَيْنَمَا أَنَا كَذَلِكَ،إِذْ جَاءَ أَبُو بَكْرٍ فَأَخَذَ الدَّلْوَ فَنَزَعَ ذَنُوبًا أَوْ ذَنُوبَيْنِ،وَهُوَ ضَعِيفٌ،وَاللَّهِ يَغْفِرُ لَهُ،ثُمَّ جَاءَ عُمَرُ فَأَخَذَ الدَّلْوَ،فَاسْتَحَالَتْ غَرْبًا،فَمَلَأَ الْحِيَاضَ،وَأَرْوَى الْوَارِدَةَ،وَمَا رَأَيْتُ مِنْ عَبْقَرِيٍّ يَفْرِي فَرْيَ عُمَرَ " (2)
ق- عَنْ أَبِي وَائِلٍ،قَالَ:"مَا رَأَيْتُ عُمَرَ قَطُّ إِلا،وَكَانَ مَلَكًا بَيْنَ عَيْنَيْهِ يُسَدِّدُ".
وفي وراية عَنْ عَبْدِ اللَّهِ،قَالَ:"مَا رَأَيْتُ عُمَرَ بن الْخَطَّابِ إِلا وَيُخَيَّلُ إِلَيَّ أَنَّ بَيْنَ عَيْنَيْهِ مَلَكًا يُسَدِّدُ".أخرجه الطبراني (3)
وعَنِ ابْنِ شِهَابٍ،قَالَ:لَا نَعْلَمُ فِي مَوَاشِي أَهْلِ الْكِتَابِ صَدَقَةً إِلَّا الْجِزْيَةَ الَّتِي تُؤْخَذُ مِنْهُمْ،غَيْرَ أَنَّ نَصَارَى بَنِي تَغْلِبَ الَّذِينَ جُلُّ أَمْوَالِهِمُ الْمَوَاشِي،يُؤْخَذُ مِنْ أَمْوَالِهِمُ الْخَرَاجُ،فَيُضَعَّفُ عَلَيْهِمْ حَتَّى تَكُونَ مِثْلَ الصَّدَقَةِ أَوْ أَكْثَرَ قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ:فَكَذَا مَا يُؤْخَذُ مِنْ بَنِي تَغْلِبَ وَهُوَ الضِّعْفُ عَلَى صَدَقَةِ الْمُسْلِمِينَ،وَقَدْ فَسَّرْنَا ذَلِكَ فِي أَوَّلِ كِتَابِ الْفَيْءِ.وَكَانَ لِعُمَرَ فِي بَنِي تَغْلِبَ حُكْمَانِ.أَحَدُهُمَا:حَقْنُهُ دِمَاءَهُمْ لَمَّا أَعْطَوْهُ مِنْ أَمْوَالِهِمْ وَهُمْ عُرْبٌ،وَكَانَ الْحُكْمُ عَلَيْهِمُ الْإِسْلَامَ أَوِ الْقَتْلَ،فَكَانَ قَبُولُهُ ذَلِكَ مِنْهُمْ فِي مَا نَرَى لِأَمْرَيْنِ:أَحَدُهُمَا انْتِحَالُهُمُ النَّصْرَانِيَّةَ،وَالْآخَرُ حَدِيثٌ سَمِعَهُ مِنَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - ،فَتَأَوَّلَهُ فِيهِمْ."
__________
(1) - المجمع برقم(14447) والآحاد(869)وأبو يعلى برقم(904) والمطالب برقم(2926) وَإِسْنَادُهُ حَسَنٌ
(1) العُفْرة : بياضٌ ليس بالنَّاصع، ولكنْ كلَون عفَر الأرض (2) الذَّنُوب : الّدَلْو العظيمة (3) استحال : تحول وصار (4) الواردة : الدواب التي حضرت للشرب
(2) - فضائل الصحابة لأحمد بن حنبل - (142) صحيح مرسل
العُفْرة : بياضٌ ليس بالنَّاصع، ولكنْ كلَون عفَر الأرض - الدلو : إناء يُستقى به من البئر ونحوه - الذَّنُوب : الّدَلْو العظيمة -استحال : تحول وصار - الغرب : الدلو العظيمة التي تتخذ من جلد ثور - الواردة : الدواب التي حضرت للشرب - يفري الفري : إذا عمل العمل فأجاده
(3) - برقم(8742-8744) ومعرفة الصحابة برقم(180) وفضائل الصحابة برقم(288) وهو صحيح(1/114)
فعَنْ سَعِيدِ بْنِ عُمَرَ بْنِ سَعِيدِ بْنِ الْعَاصِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ أَنَّهُ سَمِعَ عُمَرَ يَقُولُ:لَوْلَا أَنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ:"إِنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى سَيَمْنَعُ الدِّينَ بِنَصَارَى مِنْ رَبِيعَةَ عَلَى شَاطِئِ الْفُرَاتِ"- مَا تَرَكْتُ عَرَبِيًّا إِلَّا قَتَلْتُهُ أَوْ يُسْلِمَ فَلِذَلِكَ رَضِيَ بِأَمْوَالِهِمْ دُونَ دِمَائِهِمْ.فَهَذَا أَحَدُ حُكْمَيْهِ.وَأَمَّا الْآخَرُ،فَإِنَّهُ حِينَ دَرَأَ عَنْهُمُ الْقَتْلَ،وَقَبِلَ مِنْهُمُ الْأَمْوَالَ،لَمْ يَجْعَلْهَا جِزْيَةً كَسَائِرِ مَا عَلَى أَهْلِ الذِّمَّةِ،وَلَكِنْ جَعَلَهَا صَدَقَةً مُضَاعَفَةً،وَإِنَّمَا اسْتَجَازَهَا فِيمَا نَرَى وَتَرَكَ الْجِزْيَةَ مِمَّا رَأَى مِنْ نِفَارِهِمْ وَأَنَفِهِمْ مِنْهَا،فَلَمْ يَأْمَنْ شِقَاقَهُمْ وَاللِّحَاقَ بِالرُّومِ،فَيَكُونُوا ظَهِيرًا لَهُمْ عَلَى أَهْلِ الْإِسْلَامِ،وَعَلِمَ أَنَّهُ لَا ضَرَرَ عَلَى الْمُسْلِمِينَ مِنْ إِسْقَاطِ ذَلِكَ الِاسْمِ عَنْهُمْ،مَعَ اسْتِبْقَاءِ مَا يَجِبُ عَلَيْهِمْ مِنَ الْجِزْيَةِ،فَأَسْقَطَهَا عَنْهُمْ،وَاسْتَوْفَاهَا مِنْهُمْ بِاسْمِ الصَّدَقَةِ حِينَ ضَاعَفَهَا عَلَيْهِمْ،فَكَانَ فِي ذَلِكَ رَتْقُ مَا خَافَ مِنْ فَتْقِهِمْ مَعَ الِاسْتِبْقَاءِ لِحُقُوقِ الْمُسْلِمِينَ فِي رِقَابِهِمْ.وَكَانَ مُسَدَّدًا.كَمَا رُوِيَ فِي الْحَدِيثِ عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - :إِنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى ضَرَبَ بِالْحَقِّ عَلَى لِسَانِ عُمَرَ وَقَلْبِهِ.وَكَقَوْلِ عَبْدِ اللَّهِ فِيهِ:مَا رَأَيْتُ عُمَرَ قَطُّ إِلَّا وَكَأَنَّ مَلَكًا بَيْنَ عَيْنَيْهِ يُسَدِّدُهُ وَمِثْلِ قَوْلِ عَلِيٍّ:مَا كُنَّا نُبْعِدُ أَنَّ السَّكِينَةَ تَنْطِقُ عَلَى لِسَانِ عُمَرَ وَكَقَوْلِ عَائِشَةَ فِيهِ:كَانَ وَاللَّهِ أَحْوَزِيًّا،نَسِيجَ وَحْدِهِ،وَقَدْ أَعَدَّ لِلْأُمُورِ أَقْرَانَهَا.فَكَانَتْ فَعْلَتُهُ هَذِهِ مِنْ تِلْكِ الْأَقْرَانِ الَّتِي أَعَدَّ،فِي كَثِيرٍ مِنْ مَحَاسِنِهِ لَا تُحْصَى.فَالَّذِي يُؤْخَذُ مِنْ بَنِي تَغْلِبَ وَإِنْ كَانَ يُسَمَّى صَدَقَةً فَلَيْسَ بِصَدَقَةٍ؛لِمَا أَعْلَمْتُكَ،وَلَا يُوضَعُ فِي الْأَصْنَافِ الثَّمَانِيَةِ الَّتِي فِي سُورَةِ بَرَاءَةٌ،إِنَّمَا مَوْضِعُهَا مَوْضِعُ الْجِزْيَةِ.وَقَدْ ذَكَرْنَا سَبَبَ قَبُولِ الْجِزْيَةِ مِنَ الْعَرَبِ كَيْفَ كَانَ فِي أَوَّلِ هَذَا الْكِتَابِ،وَالْفَرْقَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْعَجَمِ فِيهَا.وَذَلِكَ أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - خَصَّ عَرَبَ أَهْلِ الْكِتَابِ بِالْجِزْيَةِ دُونَ مَنْ لَا كِتَابَ لَهُ مِنْهُمْ،ثُمَّ لَمْ يَرْضَ مِنْ سَائِرِهِمْ إِلَّا بِالْإِسْلَامِ أَوِ الْقَتْلِ،وَعَمَّ الْعَجَمَ مِنْ ذَوِي الْكُتُبِ وَمَنْ لَا كِتَابَ لَهُ بِقَبُولِ الْجِزْيَةِ مِنْهُمْ،وَهُمُ الْمَجُوسُ.فَقَالَ قَائِلُونَ:لَمْ يَقْبَلْهَا النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - مِنْهُمْ إِلَّا وَهُمْ أَهْلُ كِتَابٍ.وَتَأَوَّلُوا قَوْلَهُ تَعَالَى:قَاتِلُوا الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلَا يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَلَا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ.وَرَوَوْهُ عَنْ عَلِيٍّ أَنَّهُ قَالَ:هُمْ أَهْلُ كِتَابٍ.وَقَدْ عَرَفْنَا الْوَجْهَ الَّذِي رُوِيَ هَذَا مِنْهُ،وَلَيْسَ مِثْلُهُ يُحْتَجُّ بِهِ،إِنَّمَا هُوَ مِنْ حَدِيثِ سَعِيدِ بْنِ الْمَرْزُبَانِ،وَالَّذِي عِنْدَنَا أَنَّهُ لَيْسَ(1/115)
بِمَحْفُوظٍ عَنْ عَلِيٍّ،وَلَوْ كَانَ لَهُ أَصْلٌ مَا حَرَّمَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - ذَبَائِحَهُمْ وَلَا مُنَاكَحَتَهُمْ،وَلَكَانَ هُوَ أَوْلَى بِعِلْمِ ذَلِكَ،وَلَيْسَ هَذَا بِخِلَافٍ لِلْكِتَابِ،وَلَا بَيْنَ حُكْمِ اللَّهِ وَبَيْنَ حُكْمِ رَسُولِهِ فِي التَّحْلِيلِ وَالتَّحْرِيمِ فَرْقٌ فِي شَيْءٍ،وَلَا كَانَ يَحْكُمُ بِحُكْمٍ يَدُلُّ الْكِتَابُ عَلَى شَيْءٍ سِوَاهُ،وَلَكِنَّ السُّنَّةَ هِيَ الْمُفَسِّرَةُ لِلتَّنْزِيلِ،وَالْمُوَضِّحَةُ لِحُدُودِهِ وَشَرَائِعِهِ،أَلَا تَرَى أَنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى أَنْزَلَ فِي كِتَابِهِ حِينَ ذَكَرَ الْحُدُودَ،فَقَالَ:الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ فَجَعَلَهُ حُكْمًا عَامًّا فِي الظَّاهِرِ عَلَى كُلِّ مَنْ زَنَى،ثُمَّ حَكَمَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فِي الثَّيِّبَيْنِ بِالرَّجْمِ ؟ وَلَيْسَ هَذَا بِخِلَافِ الْكِتَابِ،وَلَكِنَّهُ لَمَّا فَعَلَ ذَلِكَ عَلِمَ أَنَّ اللَّهَ إِنَّمَا عَنَى بِالْآيَةِ الْبِكْرَيْنِ دُونَ غَيْرِهِمَا.وَكَذَلِكَ لَمَّا ذَكَرَ الْفَرَائِضَ،فَقَالَ:يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ فَكَانَتِ الْآيَةُ شَامِلَةً لِكُلِّ وَلَدٍ،فَلَمَّا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - :لَا يَرِثُ الْمُسْلِمُ الْكَافِرَ،وَلَا الْكَافِرُ الْمُسْلِمَ،لَمْ يَكُنْ هَذَا خِلَافَ التَّنْزِيلِ،وَلَكِنْ عَلِمَ أَنَّ اللَّهَ إِنَّمَا عَنَى بِالْمُوَارَثَةِ أَهْلَ الدِّينِ الْوَاحِدِ،دُونَ أَهْلِ الدِّينَيْنِ الْمُخْتَلِفَيْنِ.وَكَذَلِكَ لَمَّا ذَكَرَ الْوُضُوءَ،فَقَالَ:يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ،ثُمَّ مَسَحَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - عَلَى الْخُفَّيْنِ،وَأَمَرَ بِهِ،فَبَيَّنَ لَنَا أَنَّ اللَّهَ إِنَّمَا عَنَى بِغُسْلِ الْأَرْجُلِ إِذَا كَانَتِ الْأَقْدَامُ بَادِيَةً لَا خِفَافَ عَلَيْهَا.وَكَذَلِكَ شَرَائِعُ الْقُرْآنِ كُلُّهَا إِنَّمَا نَزَلَتْ جُمَلًا،حَتَّى فَسَّرَتْهَا السُّنَّةُ.فَعَلَى هَذَا كَانَ أَخْذُهُ - صلى الله عليه وسلم - الْجِزْيَةَ مِنَ الْعَجَمِ كَافَّةً،إِنْ كَانُوا أَهْلَ كِتَابٍ أَوْ لَمْ يَكُونُوا،وَتَرْكُهُ أَخْذَهَا مِنَ الْعَرَبِ إِلَّا أَنْ يَكُونُوا أَهْلَ كِتَابٍ،فَلَمَّا فَعَلَ ذَلِكَ اسْتَدْلَلْنَا بِفِعْلِهِ عَلَى أَنَّ الْآيَةَ الَّتِي نَزَلَ فِيهَا شَرْطُ الْكِتَابِ عَلَى أَهْلِ الْجِزْيَةِ،إِنَّمَا كَانَتْ خَاصَّةً لِلْعَرَبِ،وَأَنَّ الْعَجَمَ يُؤْخَذُ مِنْهُمُ الْجِزْيَةُ عَلَى كُلِّ حَالٍ.وَمِمَّا يُبَيِّنُ ذَلِكَ إِجْمَاعُ الْأُمَّةِ عَلَى قَبُولِهَا مِنَ الصَّابِئِينَ بَعْدَهُ،وَلَيْسَ يَشْهَدُ لَهُمُ الْقُرْآنُ بِكِتَابٍ،وَإِنَّمَا نَرَى النَّاسَ فَعَلُوا ذَلِكَ وَاسْتَجَازُوهُ اسْتِنَانًا بِالنَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - فِي أَمْرِ الْمَجُوسِ،وَتَشْبِيهًا بِهِمْ؛لِأَنَّ الْمُسْلِمِينَ أَوْ أَكْثَرَهُمْ عَلَى كَرَاهِيَةِ ذَبَائِحِهِمْ وَمُنَاكَحَتِهِمْ؛لِأَنَّهُمْ فِي حَدِّ الْمَجُوسِ.وَقَدْ قَالَ ذَلِكَ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنَ الْعُلَمَاءِ " (1)
__________
(1) - الْأَمْوَالُ لِلْقَاسِمِ بْنِ سَلَّامٍ (1153-1154 ) حسن مرسل(1/116)
ك- عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ،أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ بَعَثَ جَيْشًا،وَأَمَّرَ عَلَيْهِمْ رَجُلًا يُدْعَى سَارِيَةَ،قَالَ:فَبَيْنَا عُمَرُ يَخْطُبُ النَّاسَ يَوْمًا،قَالَ:فَجَعَلَ يَصِيحُ وَهُوَ عَلَى الْمِنْبَرِ:يَا سَارِيَ الْجَبَلَ،يَا سَارِيَ الْجَبَلَ،قَالَ:فَقَدِمَ رَسُولُ الْجَيْشِ فَسَأَلَهُ،فَقَالَ:يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ،لَقِينَا عَدُوَّنَا فَهَزَمْنَاهُمْ،فَإِذَا بِصَايِحٍ يَصِيحُ:يَا سَارِيَ الْجَبَلَ،يَا سَارِيَ الْجَبَلَ،فَأَسْنَدْنَا ظُهُورَنَا بِالْجَبَلِ فَهَزَمَهُمُ اللَّهُ،فَقِيلَ لِعُمَرَ،يَعْنِي:ابْنَ الْخَطَّابِ:إِنَّكَ كُنْتَ تَصِيحُ بِذَلِكَ." (1)
وفي رواية عَنِ ابْنِ عُمَرَ،أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ،بَعَثَ جَيْشًا،وَأَمَّرَ عَلَيْهِمْ رَجُلًا يُدْعَى سَارِيَةَ قَالَ:فَبَيْنَا عُمَرُ يَخْطُبُ قَالَ:فَجَعَلَ يَصِيحُ وَهُوَ عَلَى الْمِنْبَرِ يَا سَارِيَةُ:الْجَبَلَ،يَا سَارِيَةُ الْجَبَلَ،قَالَ:فَقَدِمَ رَسُولُ الْجَيْشِ،فَسَأَلَهُ،فَقَالَ:يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ،لَقِينَا عَدُوَّنَا فَهَزَمُونَا وَإِنَّ الصَّائِحَ لَيَصِيحُ،يَا سَارِيَةُ:الْجَبَلَ،يَا سَارِيَةُ:الْجَبَلَ،فَشَدَدْنَا ظُهُورَنَا بِالْجَبَلِ،فَهَزَمَهُمُ اللَّهُ،فَقِيلَ لِعُمَرَ:إِنَّكَ كُنْتَ تَصِيحُ بِذَلِكَ.قَالَ ابْنُ عَجْلَانَ:وَحَدَّثَنِي إِيَاسُ بْنُ مُعَاوِيَةَ بْنِ قُرَّةَ بِذَلِكَ.وَقَدْ رُوِّينَا مِنْ أَوْجُهٍ،عَنْ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ - رضي الله عنهم - أَنَّهُ قَالَ:مَا كُنَّا نُنْكِرُ وَنَحْنُ مُتَوَافِرُونَ أَنَّ السَّكِينَةَ تَنْطِقُ عَلَى لِسَانِ عُمَرَ،وَعنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ:مَا رَأَيْتُ عُمَرَ قَطُّ إِلَّا وَكَأَنَّ بَيْنَ عَيْنَيْهِ مَلَكًا يُسَدِّدُهُ،وَعنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ قَالَ:كَانَ عُمَرُ يَقُولُ الْقَوْلَ فَنَنْتَظِرُ مَتَى يَقَعُ"قَالَ الشَّيْخُ:وَكَيْفَ لَا يَكُونُ،وَقَدْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - إِنَّهُ كَانَ فِي الْأُمَمِ مُحَدَّثُونَ،فَإِنْ يَكُنْ فِي هَذِهِ الْأُمَّةِ فَهُوَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ،وَهَذَا الْحَدِيثُ أَصْلٌ فِي جَوَازِ كَرَامَاتِ الْأَوْلِيَاءِ،وَفِي قِرَاءَةِ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ ( وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَلَا نَبِيٍّ وَلَا مُحَدَّثٍ )،وَقَرَأَهَا ابْنُ عَبَّاسٍ كَذَلِكَ فِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - أَنَّهُ قِيلَ:كَيْفَ يُحَدَّثُ ؟ قَالَ:تَتَكَلَّمُ الْمَلَائِكَةُ عَلَى لِسَانِهِ،وَذَلِكَ يُوَافِقُ مَا رُوِّينَا عَنْ عَلِيٍّ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ - رضي الله عنهم - مْ"أخرجه البيهقي في الاعتقاد (2)
__________
(1) - فَضَائِلُ الصِّحَابَةِ لِأَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ (334 ) صحيح
(2) - الِاعْتِقَادُ لِلْبَيْهَقِيِّ (289 ) وأبو نعيم في دلائل النبوة برقم(509و510و512) والمقاصد(1333) والكشف (3172) والصحيحة برقم(1110) وهو صحيح ، وانظر مجموع فتاوى ابن تيمية - (ج 2 / ص 496)(1/117)
ل- عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ قَالَتْ دَخَلَ عَلَيْهَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ قَالَ فَقَالَ يَا أُمَّهْ قَدْ خِفْتُ أَنْ يُهْلِكَنِى كَثْرَةُ مَالِى أَنَا أَكْثَرُ قُرَيْشٍ مَالاً. قَالَتْ يَا بُنَىَّ فَأَنْفِقْ فَإِنِّى سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ « إِنَّ مِنْ أَصْحَابِى مَنْ لاَ يَرَانِى بَعْدَ أَنْ أُفَارِقَهُ ». فَخَرَجَ فَلَقِىَ عُمَرَ فَأَخْبَرَهُ فَجَاءَ عُمَرُ فَدَخَلَ عَلَيْهَا فَقَالَ لَهَا بِاللَّهِ مِنْهُمْ أَنَا فَقَالَتْ لاَ وَلَنْ أُبْلِىَ أَحَداً بَعْدَكَ.
وفي رواية عَلَى أُمِّ سَلَمَةَ فَقَالَ يَا أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ إِنِّى أَخْشَى أَنْ أَكُونَ قَدْ هَلَكْتُ إِنِّى مِنْ أَكْثَرِ قُرَيْشٍ مَالاً بِعْتُ أَرْضاً لِى بِأَرْبَعِينَ أَلْفَ دِينَارٍ. فَقَالَتْ أَنْفِقْ يَا بُنَىَّ فَإِنِّى سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ « إِنَّ مِنْ أَصْحَابِى مَنْ لاَ يَرَانِى بَعْدَ أَنْ أُفَارِقَهُ ». فَأَتَيْتُ عُمَرَ فَأَخْبَرْتُهُ فَأَتَاهَا فَقَالَ بِاللَّهِ أَنَا مِنْهُمْ قَالَتْ اللَّهُمَّ لاَ وَلَنْ أُبَرِّئَ أَحَداً بَعْدَكَ.أخرجهما أحمد (1)
م- عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ،قَالَ:كَانَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - يُصَلِّي،فَمَرَّ رَجُلٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ عَلَى رَجُلٍ مِنَ الْمُنَافِقِينَ،فَقَالَ لَهُ:النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - يُصَلِّي وَأَنْتَ جَالِسٌ ؟ فَقَالَ لَهُ:"امْضِ إِلَى عَمَلِكَ إِنْ كَانَ لَكَ عَمَلٌ"فَقَالَ:مَا أَظُنُّ إِلَّا سَيَمُرُّ عَلَيْكَ مَنْ يُنْكِرُ عَلَيْكَ.فَمَرَّ عَلَيْهِ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ،فَقَالَ لَهُ:يَا فُلَانُ،النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - يُصَلِّي وَأَنْتَ جَالِسٌ.فَقَالَ لَهُ مِثْلَهَا فَقَالَ:هَذَا مِنْ عَمَلِي.فَوَثَبَ عَلَيْهِ فَضَرَبَهُ حَتَّى انْتَهَى.ثُمَّ دَخَلَ الْمَسْجِدَ فَصَلَّى مَعَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - فَلَمَّا انْفَتَلَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - قَامَ إِلَيْهِ عُمَرُ،فَقَالَ:يَا نَبِيَّ اللَّهِ،مَرَرْتُ آنِفًا عَلَى فُلَانٍ وَأَنْتَ تُصَلِّي،فَقُلْتُ لَهُ:النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - يُصَلِّي وَأَنْتَ جَالِسٌ.فَقَالَ:سِرْ إِلَى عَمَلِكَ إِنْ كَانَ لَكَ عَمَلٌ.فَقَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - :"فَهَلَّا ضَرَبْتَ عُنُقَهُ"فَقَامَ عُمَرُ مُسْرِعًا.فَقَالَ:"يَا عُمَرُ ارْجِعْ فَإِنَّ غَضَبَكَ عِزٌّ وَرِضَاكَ حُكْمٌ،إِنَّ لِلَّهِ فِي السَّمَوَاتِ السَّبْعِ مَلَائِكَةً يُصَلُّونَ لَهُ غِنًى عَنْ صَلَاةِ فُلَانٍ ".فَقَالَ عُمَرُ:يَا نَبِيَّ اللَّهِ وَمَا صَلَاتُهُمْ ؟ فَلَمْ يَرُدُّ عَلَيْهِ شَيْئًا.فَأَتَاهُ جِبْرِيلُ،فَقَالَ:يَا نَبِيَّ اللَّهِ سَأَلَكَ عُمَرُ عَنْ صَلَاةِ أَهْلِ السَّمَاءِ ؟ قَالَ:"نَعَمْ "،فَقَالَ:اقْرَأْ عَلَى عُمَرَ السَّلَامَ،وَأَخْبِرْهُ أَنَّ أَهْلَ السَّمَاءِ الدُّنْيَا سُجُودٌ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ يَقُولُونَ:سُبْحَانَ ذِي الْمُلْكِ وَالْمَلَكُوتِ،وَأَهْلَ السَّمَاءِ الثَّانِيَةِ رُكُوعٌ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ
__________
(1) - برقم(27246 و27451) وإسحاق (1913) والمجمع (14449) والصحيحة برقم(2982) وهو حديث صحيح(1/118)
يَقُولُونَ:سُبْحَانَ ذِي الْعِزَّةِ وَالْجَبَرُوتِ،وَأَهْلَ السَّمَاءِ الثَّالِثَةِ قِيَامٌ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ يَقُولُونَ:سُبْحَانَ الْحَيِّ الَّذِي لَا يَمُوتُ."أخرجه الطبري (1)
ن- وَعَنْ أَبِي ذَرٍّ:أَنَّهُ لَقِيَ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ فَأَخَذَ بِيَدِهِ فَغَمَزَهَا،وَكَانَ عُمَرُ رَجُلًا شَدِيدًا،فَقَالَ:أَرْسِلْ يَدِي يَا قُفْلَ الْفِتْنَةِ،فَقَالَ عُمَرُ:وَمَا قُفْلُ الْفِتْنَةِ ؟ قَالَ:جِئْتَ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - ذَاتَ يَوْمٍ وَرَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - جَالِسٌ وَقَدِ اجْتَمَعَ عَلَيْهِ النَّاسُ،فَجَلَسْتَ فِي آخِرِهِمْ،فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:"لَا تُصِيبُكُمْ فِتْنَةٌ مَا دَامَ هَذَا فِيكُمْ".أخرجه الطبراني في الأوسط (2)
هـ عن الْحَسَنِ،أَنَّ عُثْمَانَ بن أَبِي الْعَاصِ،تَزَوَّجَ امْرَأَةً مِنْ نِسَاءِ عُمَرَ بن الْخَطَّابِ،فَقَالَ:وَاللَّهِ مَا نَكَحْتُهَا حِينَ نَكَحْتُهَا رَغْبَةً فِي مَالٍ،وَلا وَلَدٍ،وَلَكِنْ أَرَدْتُ أَنْ تُخْبِرَنِي عَنْ لَيْلِ عُمَرَ،فَسَأَلَهَا،"كَيْفَ كَانَتْ صَلاةُ عُمَرَ بِاللَّيْلِ؟ قَالَتْ:كَانَ يُصَلِّي الْعَتَمَةَ،ثُمَّ يَأْمُرُنَا أَنْ نَضَعَ عِنْدَ رَأْسِهِ تَوْرًا مِنْ مَاءٍ وَنُغَطِّيهِ،وَيَتَعَارَّ مِنَ اللَّيْلِ فَيَضَعُ يَدَهُ فِي الْمَاءِ،فَيَمْسَحُ وَجْهَهُ وَيَدَيْهِ،ثُمَّ يَذْكُرُ اللَّهَ تَعَالَى مَا شَاءَ أَنْ يَذْكُرَ،ثُمَّ يَتَعَارَّ مِرَارًا حَتَّى يَأْتِيَ عَلَى السَّاعَةِ الَّتِي يَقُومُ فِيهَا لِصَلاتِهِ"،فَقَالَ لَهُ ابْنُ بُرَيْدَةَ:مَنْ حَدَّثَكَ؟ فَقَالَ:حَدَّثَتْنِي بنتُ عُثْمَانَ بن أَبِي الْعَاصِ،قَالَ:ثِقَةٌ وَاللَّهِ".أخرجه الطبراني (3)
و- عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ قَالَ أَخْبَرَنِى أَبُو مُوسَى الأَشْعَرِىُّ أَنَّهُ تَوَضَّأَ فِى بَيْتِهِ ثُمَّ خَرَجَ،فَقُلْتُ لأَلْزَمَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - ،وَلأَكُونَنَّ مَعَهُ يَوْمِى هَذَا.قَالَ فَجَاءَ
__________
(1) - جَامِعُ الْبَيَانِ فِي تَفْسِيرِ الْقُرْآنِ لِلطَّبَرِيِّ (567 ) وتعظيم قدر الصلاة برقم( 228 ) والحلية 4/277 والحاكم برقم(4503) صحيح مرسل
(2) - برقم(2019) وفي انقطاع وفي ( فتح الباري 606/6 ) رجاله ثقات
وفي معرفة الصحابة لأبي نعيم الأصبهاني - (ج 1 / ص 199)
مَعْرِفَةُ صِفَاتِ الْفَارُوقِ وَأَسْمَائِهِ الْمُشْتَقَّةِ مِنْ أَحْوَالِهِ الْفَارُوقُ وَالْعَبْقَرِيُّ وَالْأَحْوَذِيُّ وَالْقَرْنُ الْحَدِيدُ وَالْأَمِيرُ الشَّدِيدُ، صَاحِبُ رَحَى دَارَةِ الْعَرَبِ، الْقَوِيُّ فِي جِسْمِهِ الْجَادُّ فِي دِينِهِ الْمُحَدِّثُ الْمُسَدِّدُ الْمُتَثَبِّتُ الْمُتَيَقِّظُ الْحِصْنُ الْحَصِينُ، الْبَابُ الْوَثِيقُ، قُفْلُ الْفِتْنَةِ وَسَادُّ الثُّلْمَةَ، مُقَوِّمُ الْأَوَدِ، مُبْرِئ الْعَمَدِ، لَابِسُ الْمَرْقُوعِ، تَارِكُ الْمَدْفُوعِ، إِسْلَامُهُ فَتْحٌ، وَهِجْرَتُهُ نَصْرٌ، غَضَبُهُ عِزٌّ، وَرِضَاهُ عَدْلٌ، نَوَّرَ بِإِسْلَامِهِ الْإِسْلَامَ، وَطَلَعَتِ الشَّمْسُ يَوْمَ مَوْتِهِ كَاسِفَةً بِالظَّلَامِ"
(3) -برقم(8256) والمجمع (14453) وإسناده صحيح(1/119)
الْمَسْجِدَ،فَسَأَلَ عَنِ النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالُوا خَرَجَ وَوَجَّهَ هَا هُنَا،فَخَرَجْتُ عَلَى إِثْرِهِ أَسْأَلُ عَنْهُ،حَتَّى دَخَلَ بِئْرَ أَرِيسٍ،فَجَلَسْتُ عِنْدَ الْبَابِ،وَبَابُهَا مِنْ جَرِيدٍ حَتَّى قَضَى رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - حَاجَتَهُ،فَتَوَضَّأَ فَقُمْتُ إِلَيْهِ،فَإِذَا هُوَ جَالِسٌ عَلَى بِئْرِ أَرِيسٍ،وَتَوَسَّطَ قُفَّهَا،وَكَشَفَ عَنْ سَاقَيْهِ وَدَلاَّهُمَا فِى الْبِئْرِ،فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ ثُمَّ انْصَرَفْتُ،فَجَلَسْتُ عِنْدَ الْبَابِ،فَقُلْتُ لأَكُونَنَّ بَوَّابَ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - الْيَوْمَ،فَجَاءَ أَبُو بَكْرٍ فَدَفَعَ الْبَابَ.فَقُلْتُ مَنْ هَذَا فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ.فَقُلْتُ عَلَى رِسْلِكَ .ثُمَّ ذَهَبْتُ فَقُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ هَذَا أَبُو بَكْرٍ يَسْتَأْذِنُ.فَقَالَ « ائْذَنْ لَهُ وَبَشِّرْهُ بِالْجَنَّةِ ».فَأَقْبَلْتُ حَتَّى قُلْتُ لأَبِى بَكْرٍ ادْخُلْ،وَرَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يُبَشِّرُكَ بِالْجَنَّةِ.فَدَخَلَ أَبُو بَكْرٍ فَجَلَسَ عَنْ يَمِينِ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - مَعَهُ فِى الْقُفِّ،وَدَلَّى رِجْلَيْهِ فِى الْبِئْرِ،كَمَا صَنَعَ النَّبِىُّ - صلى الله عليه وسلم - ،وَكَشَفَ عَنْ سَاقَيْهِ،ثُمَّ رَجَعْتُ فَجَلَسْتُ وَقَدْ تَرَكْتُ أَخِى يَتَوَضَّأُ وَيَلْحَقُنِى،فَقُلْتُ إِنْ يُرِدِ اللَّهُ بِفُلاَنٍ خَيْرًا - يُرِيدُ أَخَاهُ - يَأْتِ بِهِ.فَإِذَا إِنْسَانٌ يُحَرِّكُ الْبَابَ.فَقُلْتُ مَنْ هَذَا فَقَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ.فَقُلْتُ عَلَى رِسْلِكَ.ثُمَّ جِئْتُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ،فَقُلْتُ هَذَا عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ يَسْتَأْذِنُ.فَقَالَ « ائْذَنْ لَهُ وَبَشِّرْهُ بِالْجَنَّةِ ».فَجِئْتُ فَقُلْتُ ادْخُلْ وَبَشَّرَكَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - بِالْجَنَّةِ.فَدَخَلَ،فَجَلَسَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فِى الْقُفِّ عَنْ يَسَارِهِ،وَدَلَّى رِجْلَيْهِ فِى الْبِئْرِ،ثُمَّ رَجَعْتُ فَجَلَسْتُ،فَقُلْتُ إِنْ يُرِدِ اللَّهُ بِفُلاَنٍ خَيْرًا يَأْتِ بِهِ.فَجَاءَ إِنْسَانٌ يُحَرِّكُ الْبَابَ،فَقُلْتُ مَنْ هَذَا فَقَالَ عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ.فَقُلْتُ عَلَى رِسْلِكَ.فَجِئْتُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فَأَخْبَرْتُهُ.فَقَالَ « ائْذَنْ لَهُ وَبَشِّرْهُ بِالْجَنَّةِ عَلَى بَلْوَى تُصِيبُهُ » فَجِئْتُهُ فَقُلْتُ لَهُ ادْخُلْ وَبَشَّرَكَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - بِالْجَنَّةِ عَلَى بَلْوَى تُصِيبُكَ.فَدَخَلَ فَوَجَدَ الْقُفَّ قَدْ مُلِئَ،فَجَلَسَ وُجَاهَهُ مِنَ الشِّقِّ الآخَرِ.قَالَ شَرِيكٌ قَالَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ فَأَوَّلْتُهَا قُبُورَهُمْ .أخرجه البخاري (1)
__________
(1) - برقم( 3674 و3693 و 3695 و 6216 و 7097 و 7262 ) ومسلم برقم(6367)
قالَ ابن بَطّال : إِنَّما خُصَّ عُثمان بِذِكرِ البَلاء مَعَ أَنَّ عُمَر قُتِلَ أَيضًا لِكَونِ عُمَر لَم يُمتَحَن بِمِثلِ ما اُمتُحِنَ عُثمان مِن تَسَلُّط القَوم الَّذِينَ أَرادُوا مِنهُ أَن يَنخَلِع مِنَ الإِمامَة بِسَبَبِ ما نَسَبُوهُ إِلَيهِ مِنَ الجَور والظُّلم مَعَ تَنَصُّله مِن ذَلِكَ واعتِذاره عَن كُلّ ما أَورَدُوهُ عَلَيهِ ثُمَّ هُجُومهم عَلَيهِ داره وهَتكهُم سِتر أَهله ، وكُلّ ذَلِكَ زِيادَة عَلَى قَتله.
قُلت : وحاصِله أَنَّ المُراد بِالبَلاءِ الَّذِي خُصَّ بِهِ الأُمُور الزّائِدَة عَلَى القَتل وهُو كَذَلِكَ. فتح الباري شرح صحيح البخاري- ط دار المعرفة - (13 / 51).(1/120)
لا- عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ رَأَى النَّبِىُّ - صلى الله عليه وسلم - عَلَى عُمَرَ ثَوْباً أَبْيَضَ فَقَالَ « أَجَدِيدٌ ثَوْبُكَ أَمْ غَسِيلٌ ». فَقَالَ فَلاَ أَدْرِى مَا رَدَّ عَلَيْهِ فَقَالَ النَّبِىُّ - صلى الله عليه وسلم - "الْبَسْ جَدِيداً وَعِشْ حَمِيداً وَمُتْ شَهِيداً - أَظُنُّهُ قَالَ - وَيَرْزُقُكَ اللَّهُ قُرَّةَ عَيْنٍ فِى الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ »أخرجه أحمد (1) .
ي-1- عَنْ مُعَاذٍ قَالَ إِنْ كَانَ عُمَرُ لَمِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - كَانَ مَا رَأَى فِى يَقَظَتِهِ أَوْ نَوْمِهِ فَهُوَ حَقٌّ وَإِنَّهُ قَالَ « بَيْنَمَا أَنَا فِى الْجَنَّةِ إِذْ رَأَيْتُ فِيهَا دَاراً فَقُلْتُ لِمَنْ هَذِهِ فَقِيلَ لِعُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ »أخرجه أحمد (2) .
ي-2- عَنْ أَبِى وَائِلٍ قَالَ قَالَ عَبْدُ اللَّهِ فَضَلَ النَّاسَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ بِأَرْبَعٍ بِذِكْرِ الأَسْرَى يَوْمَ بَدْرٍ أَمَرَ بِقَتْلِهِمْ فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ ( لَوْلاَ كِتَابٌ مِنَ اللَّهِ سَبَقَ لَمَسَّكُمْ فِيمَا أَخَذْتُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ) وَبِذِكْرِهِ الْحِجَابَ أَمَرَ نِسَاءَ النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - أَنْ يَحْتَجِبْنَ فَقَالَتْ لَهُ زَيْنَبُ وَإِنَّكَ عَلَيْنَا يَا ابْنَ الْخَطَّابِ وَالْوَحْىُ يَنْزِلُ فِى بُيُوتِنَا فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ (وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَ مَتَاعاً فَاسْأَلُوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ) وَبِدَعْوَةِ النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - لَهُ « اللَّهُمَّ أَيِّدِ الإِسْلاَمَ بِعُمَرَ ». وَبِرَأْيِهِ فِى أَبِى بَكْرٍ كَانَ أَوَّلَ النَّاسِ بَايَعَهُ.أخرجه أحمد (3)
ي-3- عَنْ وَهْبٍ السُّوَائِىِّ قَالَ خَطَبَنَا عَلِىٌّ فَقَالَ مَنْ خَيْرُ هَذِهِ الأُمَّةِ بَعْدَ نَبِيِّهَا فَقُلْتُ أَنْتَ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ. قَالَ لاَ خَيْرُ هَذِهِ الأُمَّةِ بَعْدَ نَبِيِّهَا أَبُو بَكْرٍ ثُمَّ عُمَرُ وَمَا نُبْعِدُ أَنَّ السَّكِينَةَ تَنْطِقُ عَلَى لِسَانِ عُمَرَ.أخرجه أحمد (4)
وعَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَبْدٍ الْقَارِيِّ،قَالَ:خَرَجْتُ مَعَ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ - رضي الله عنهم - لَيْلَةً فِي رَمَضَانَ إِلَى الْمَسْجِدِ فَإِذَا النَّاسُ أَوْزَاعٌ مُتَفَرِّقُونَ يُصَلِّي الرَّجُلُ لِنَفْسِهِ،وَيُصَلِّي الرَّجُلُ فَيُصَلِّي بِصَلَاتِهِ الرَّهْطُ،فَقَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ:وَاللَّهِ إِنِّي لَأَرَى لَوْ جَمَعْتُ هَؤُلَاءِ عَلَى قَارِئٍ وَاحِدٍ لَكَانَ أَمْثَلَ،ثُمَّ عَزَمَ فَجَمَعَهُمْ عَلَى أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ،قَالَ:ثُمَّ خَرَجْتُ مَعَهُ لَيْلَةً أُخْرَى وَالنَّاسُ يُصَلُّونَ
__________
(1) - برقم(5753) وابن ماجة برقم(3687) وعبد الرزاق برقم(20383) وابن أبي شيبة (25082) والنسائي برقم(10070) والطبراني برقم(12948) وأبو يعلى برقم(5545) وابن حبان برقم(7023) وصحيح الجامع (1234) والصحية برقم(352) صحيح
(2) - برقم(22773) وهو صحيح لغيره
(3) - برقم(4450) وهو حسن لغيره
(4) - برقم(846) وهو صحيح(1/121)
بِصَلَاةِ قَارِئِهِمْ،فَقَالَ عُمَرُ:نِعْمَتِ الْبِدْعَةُ هَذِهِ،وَالَّتِي يَنَامُونَ عَنْهَا أَفْضَلُ مِنَ الَّتِي يَقُومُونَ،يُرِيدُ آخِرَ اللَّيْلِ،وَكَانَ النَّاسُ يَقُومُونَ أَوَّلَهُ"قَالَ الشَّيْخُ - رضي الله عنهم - :وَهَذَا الَّذِي مَنَعَ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ - رضي الله عنهم - فَإِنْ كَانَتْ بِدْعَةً فَهِيَ بِدْعَةٌ مَحْمُودَةٌ؛لِأَنَّهَا لَمْ تَكُنْ بِخِلَافِ مَا مَضَى مِنْ عَهْدِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - ؛فَقَدْ رُوِّينَا أَنَّهُمْ صَلَّوْهَا بِصَلَاةِ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - لَيَالِيَ وَإِنَّمَا تَرَكَهَا رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - بِالْجَمَاعَةِ خَشْيَةَ أَنْ تُفْرَضَ عَلَيْهِمْ،فَلَمَّا تُوُفِّيَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - وَكَمُلَ الدِّينُ وَتَنَاهَتِ الْفَرَائِضُ لَمْ يَخْشَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ مَا خَشِيَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - ،وَرَأَى أَنَّ جَمْعَهُمْ عَلَى قَارِئٍ وَاحِدٍ أَمْثَلُ،فَأَمَرَ بِهِ،وَكَانَ - رضي الله عنهم - رَشِيدًا لِأَمْرٍ كَانَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ - رضي الله عنهم - يَقُولُ:مَا كُنَّا نُبْعِدُ أَنَّ السَّكِينَةَ تَنْطِقُ عَلَى لِسَانِ عُمَرَ " (1)
ي-4- عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ قَالَ:مَا أَعْلَمُ أَحَدًا مِنَ النَّاسِ كَانَ أَعْلَمَ بَعْدَ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - مِنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ الله عَنْه.أخرجه إسحاق (2)
ي-5- عَنِ الْحُسَيْنِ بن عليَّ رَضِيَ الله عَنْهما قَالَ:صَعِدْتُ إِلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ الله عَنْه،فَقُلْتُ:انْزِلْ عَنْ مِنْبَرِ أَبِي،وَاذْهَبْ إِلَى مِنْبَرِ أَبِيكَ.قَالَ رَضِيَ الله عَنْه:إِنَّ أَبِي لَمْ يَكُنْ لَهُ مِنْبَرٌ.قَالَ رَضِيَ الله عَنْه:ثُمَّ أَخَذَنِي رَضِيَ الله عَنْه بَيْنَ يَدَيْهِ،فَجَعَلْتُ أُقَلِّبُ حَصًى فِي يَدِي،فَلَمَّا نَزَلَ ذَهَبَ بِي إِلَى مَنْزِلِهِ فَقَالَ:مَنْ أَمَرَكَ بِهَذَا ؟ فَقُلْتُ:مَا أَمَرَنِي بِهَذَا أَحَدٌ.قَالَ:جَعَلْتَ تَغْشَانَا،جَعَلْتَ تَأْتِينَا.قَالَ:فَأَتَيْتُهُ يَوْمًا،وَهُو خَالٍ بِمُعَاوِيَةَ رَضِيَ الله عَنْه،وَجَاءَ ابن عمر رَضِيَ الله عَنْهما فَرَجَعَ،فَلَمَّا رَأَيْتُهُ رَجَعَ رَجَعْتُ.[فَلَقِيَنِي بَعْدُ فَقَالَ:لَمْ أَرَكَ تَأْتِينَا ؟ فقلت:قد جئت وَكُنْتُ خَالِيًا بِمُعَاوِيَةَ رَضِيَ الله عَنْه،وَجَاءَ ابْنُ عُمَرَ رَضِيَ الله عَنْه فَرَجَعَ،فَلَمَّا رَأَيْتُهُ رَجَعَ رَجَعْتُ].فَقَالَ عُمَرُ رَضِيَ الله عَنْه أَنْتَ أَحَقُّ بِالْإِذْنِ مِنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ،إِنَّمَا أَنْتَ على رؤوسنا،ما نرى إلاَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ وَأَنْتُمْ،قَالَ:وَوَضَعَ يَدَهُ رَضِيَ الله عَنْه عَلَى رَأْسِهِ.أخرجه إسحاق (3)
__________
(1) - فَضَائِلُ الْأَوْقَاتِ لِلْبَيْهَقِيِّ - بَابُ صَلَاةِ التَّرَاوِيحِ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ (118 ) صحيح
(2) - المطالب العالية بزوائد المسانيد الثمانية - (15 / 758)(3890 ) وإسناده صحيح
(3) - المطالب العالية بزوائد المسانيد الثمانية - (15 / 760)(3892 ) وإتحاف الخيرة (6580) وروضة المحدثين وإسناده صحيح(1/122)
ي-6 - عَنْ غُضَيْفِ بْنِ الْحارِثِ - رَجُلٌ مِنْ أَيْلَةَ - قَالَ مَرَرْتُ بِعُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ فَقَالَ نِعْمَ الْغُلاَمُ. فَاتَّبَعَنِى رَجُلٌ مِمَّنْ كَانَ عِنْدَهُ فَقَالَ يَا ابْنَ أَخِى ادْعُ اللَّهَ لِى بِخَيْرٍ. قَالَ قُلْتُ وَمَنْ أَنْتَ يَرْحَمُكَ اللَّهُ قَالَ أَنَا أَبُو ذَرٍّ صَاحِبُ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - . فَقُلْتُ غَفَرَ اللَّهُ لَكَ أَنْتَ أَحَقُّ أَنْ تَدْعُوَ لِى مِنِّى لَكَ. قَالَ يَا ابْنَ أَخِى إِنِّى سَمِعْتُ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ حِينَ مَرَرْتَ بِهِ آنِفاً يَقُولُ نِعْمَ الْغُلاَمُ وَسَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ « إِنَّ اللَّهَ وَضَعَ الْحَقَّ عَلَى لِسَانِ عُمَرَ يَقُولُ بِهِ »أخرجه أحمد (1) .
ي-7- عَنْ أَنَسٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ « دَخَلْتُ الْجَنَّةَ فَرَأَيْتُ قَصْراً مِنْ ذَهَبٍ فَقُلْتُ لِمَنْ هَذَا قَالُوا لِفَتًى مِنْ قُرَيْشٍ. فَظَنَنْتُهُ لِى فَإِذَا هُوَ لِعُمَرَ ». قَالَ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - "مَا مَنَعَنِى يَا أَبَا حَفْصٍ أَنْ أَدْخُلَهُ إِلاَّ مَا أَعْرِفُ مِنْ غَيْرَتِكَ ». قَالَ قَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ مَنْ كُنْتُ أَغَارُ عَلَيْهِ فَإِنِّى لَمْ أَكُنْ أَغَارُ عَلَيْكَ أخرجه أحمد (2) .
ي-8- عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ - رضى الله عنه - قَالَ صَلَّى رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - صَلاَةَ الصُّبْحِ،ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَى النَّاسِ،فَقَالَ « بَيْنَا رَجُلٌ يَسُوقُ بَقَرَةً إِذْ رَكِبَهَا فَضَرَبَهَا فَقَالَتْ إِنَّا لَمْ نُخْلَقْ لِهَذَا،إِنَّمَا خُلِقْنَا لِلْحَرْثِ ».فَقَالَ النَّاسُ سُبْحَانَ اللَّهِ بَقَرَةٌ تَكَلَّمُ.فَقَالَ « فَإِنِّى أُومِنُ بِهَذَا أَنَا وَأَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ - وَمَا هُمَا ثَمَّ - وَبَيْنَمَا رَجُلٌ فِى غَنَمِهِ إِذْ عَدَا الذِّئْبُ فَذَهَبَ مِنْهَا بِشَاةٍ،فَطَلَبَ حَتَّى كَأَنَّهُ اسْتَنْقَذَهَا مِنْهُ،فَقَالَ لَهُ الذِّئْبُ هَذَا اسْتَنْقَذْتَهَا مِنِّى فَمَنْ لَهَا يَوْمَ السَّبُعِ،يَوْمَ لاَ رَاعِىَ لَهَا غَيْرِى ».فَقَالَ النَّاسُ سُبْحَانَ اللَّهِ ذِئْبٌ يَتَكَلَّمُ.قَالَ « فَإِنِّى أُومِنُ بِهَذَا أَنَا وَأَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ »أخرجه البخاري (3)
قَالَ الْعُلَمَاء:إِنَّمَا قَالَ ذَلِكَ ثِقَة بِهِمَا لِعِلْمِهِ بِصِدْقِ إِيمَانهمَا،وَقُوَّة يَقِينهمَا،وَكَمَال مَعْرِفَتهمَا لِعَظِيمِ سُلْطَان اللَّه وَكَمَال قُدْرَته.فَفِيهِ فَضِيلَة ظَاهِرَة لِأَبِي بَكْر وَعُمَر رَضِيَ اللَّه عَنْهُمَا.وَفِيهِ جَوَاز كَرَامَات الْأَوْلِيَاء وَخَرْق الْعَوَائِد،وَهُوَ مَذْهَب أَهْل الْحَقّ،وَسَبَقَتْ الْمَسْأَلَة . (4)
__________
(1) - برقم (22074) وهو حديث صحيح
(2) - برقم(13324) وهو صحيح
(3) - برقم(3471) ومسلم برقم(6334)
(4) - شرح النووي على مسلم - (ج 8 / ص 131)(1/123)
ي-9- عَنْ أَبِى سَعِيدٍ عَنِ النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ « إِنَّ أَهْلَ الدَّرَجَاتِ الْعُلَى لَيَرَوْنَ مَنْ فَوْقَهُمْ كَمَا تَرَوْنَ الْكَوْكَبَ الدُّرِّىَّ فِى أُفُقِ السَّمَاءِ وَإِنَّ أَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ مِنْهُمْ وأَنْعَمَا »
وفي رواية عن يَحْيَى بْنِ زَكَرِيَّا بْنِ أَبِى زَائِدَةَ قَالَ سَمِعْتُ مُجَالِداً يَقُولُ أَشْهَدُ عَلَى أَبِى الْوَدَّاكِ أَنَّهُ شَهِدَ عَلَى أَبِى سَعِيدٍ الْخُدْرِىِّ أَنَّهُ سَمِعَهُ يَقُولُ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - "إِنَّ أَهْلَ الْجَنَّةِ لَيَرَوْنَ أَهْلَ عِلِّيِّينَ كَمَا تَرَوْنَ الْكَوْكَبَ الدُّرِّىَّ فِى أُفُقِ السَّمَاءِ وَإِنَّ أَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ لَمِنْهُمْ وَأَنْعَمَا ». فَقَالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ أَبِى خَالِدٍ وَهُوَ جَالِسٌ مَعَ مُجَالِدٍ عَلَى الطِّنْفِسَةِ وَأَنَا أَشْهَدُ عَلَى عَطِيَّةَ الْعَوْفِىِّ أَنَّهُ شَهِدَ عَلَى أَبِى سَعِيدٍ الْخُدْرِىِّ أَنَّهُ سَمِعَ النَّبِىَّ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ ذَلِكَ.أخرجهما أحمد (1) .
ي-10- عَنْ حُذَيْفَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - "اقْتَدُوا بِاللَّذَيْنِ مِنْ بَعْدِى أَبِى بَكْرٍ وَعُمَرَ »أخرجه الترمذي (2) . وزاد الحاكم وغيره وَاهْتَدُوا بِهَدْي عَمَّارٍ،وَتَمَسَّكُوا بِعَهْدِ ابْنِ أُمِّ عَبْدٍ
ي-11- عَنْ أَنَسٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - لأَبِى بَكْرٍ وَعُمَرَ « هَذَانِ سَيِّدَا كُهُولِ أَهْلِ الْجَنَّةِ مِنَ الأَوَّلِينَ وَالآخِرِينَ إِلاَّ النَّبِيِّينَ وَالْمُرْسَلِينَ »
وفي رواية عَنِ الْحَارِثِ عَنْ عَلِىٍّ عَنِ النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ « أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ سَيِّدَا كُهُولِ أَهْلِ الْجَنَّةِ مِنَ الأَوَّلِينَ وَالآخِرِينَ مَا خَلاَ النَّبِيِّينَ وَالْمُرْسَلِينَ لاَ تُخْبِرْهُمَا يَا عَلِىُّ ».أخرجهما الترمذي (3) .
__________
(1) - برقم( 11507 و11902) والطبراني برقم(2032) وغيرهم من طرق صحيح لغيره
(2) - برقم(4023) والحاكم برقم(4451-4454) والطبراني برقم(8344) وهو صحبيح
" اِقْتَدُوا بِاَللَّذَيْنِ مِنْ بَعْدِي" أَيْ بِالْخَلِيفَتَيْنِ اللَّذَيْنِ يَقُومَانِ مِنْ بَعْدِي، " أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ" بَدَلٌ مِنْ اللَّذَيْنِ أَيْ لِحُسْنِ سِيرَتِهِمَا وَصِدْقِ سَرِيرَتِهِمَا وَفِيهِ إِشَارَةٌ لِأَمْرِ الْخِلَافَةِ ، قَالَهُ الْمُنَاوِيُّ .
(3) - برقم(4026 و4027 و4028) وابن ماجة برقم(100 و105) والطبراني برقم(17717) وأبو يعلى برقم(533 و624) والبزار برقم(490و831) وصحيح الجامع (51) والصحيحة برقم(824)من طرق وهو صحيح مشهور
قَالَ الْجَزَرِيُّ فِي النِّهَايَةِ الْكَهْلُ مِنْ الرِّجَالِ مَنْ زَادَ عَلَى ثَلَاثِينَ سَنَةً إِلَى الْأَرْبَعِينَ وَقِيلَ مِنْ ثَلَاثٍ وَثَلَاثِينَ إِلَى تَمَامِ الْخَمْسِينَ ، وَقَدْ اُكْتُهِلَ الرَّجُلُ وَكَاهَلَ إِذَا بَلَغَ الْكُهُولَةَ فَصَارَ كَهْلًا ، وَقِيلَ أَرَادَ بِالْكَهْلِ هَهُنَا الْحَلِيمُ الْعَاقِلُ أَيْ أَنَّ اللَّهَ يُدْخِلُ أَهْلَ الْجَنَّةِ الْجَنَّةَ حُلَمَاءَ عُقَلَاءَ .
( هَذَانِ سَيِّدَا كُهُولِ أَهْلِ الْجَنَّةِ )الْكُهُولُ بِضَمَّتَيْنِ جَمْعُ الْكَهْلِ وَهُوَ عَلَى مَا فِي الْقَامُوسِ مَنْ جَاوَزَ الثَّلَاثِينَ أَوْ أَرْبَعًا وَثَلَاثِينَ إِلَى إِحْدَى وَخَمْسِينَ فَاعْتُبِرَ مَا كَانُوا عَلَيْهِ فِي الدُّنْيَا حَالَ هَذَا الْحَدِيثِ وَإِلَّا لَمْ يَكُنْ فِي الْجَنَّةِ كَهْلٌ كَقَوْلِهِ تَعَالَى { وَآتُوا الْيَتَامَى أَمْوَالَهُمْ } وَقِيلَ سَيِّدَا مَنْ مَاتَ كَهْلًا مِنْ الْمُسْلِمِينَ فَدَخَلَ الْجَنَّةَ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهَا كَهْلٌ بَلْ مَنْ يَدْخُلُهَا اِبْنَ ثَلَاثٍ وَثَلَاثِينَ ، وَإِذَا كَانَا سَيِّدَيْ الْكُهُولِ فَمِنْ أَوْلَى أَنْ يَكُونَا سَيِّدَيْ شَبَابِ أَهْلِهَا اِنْتَهَى . قُلْت وَقَعَ فِي رِوَايَةِ أَحْمَدَ هَذَانِ سَيِّدَا كُهُولِ أَهْلِ الْجَنَّةِ وَشَبَابِهَا بَعْدَ النَّبِيِّينَ وَالْمُرْسَلِينَ " مِنْ الْأَوَّلِينَ وَالْآخِرِينَ" أَيْ النَّاسِ أَجْمَعِينَ " يَا عَلِيُّ لَا تُخْبِرْهُمَا" زَادَ اِبْنُ مَاجَهْ فِي رِوَايَتِهِ مَا دَامَا حَيَّيْنِ . تحفة الأحوذي - (9 / 76)(1/124)
قال الطحاوي:"بَابُ بَيَانِ مُشْكِلِ مَا رُوِيَ عَنْ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فِيمَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْكُهُولَ مَنْ هُمْ ؟
عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ - رضي الله عنهم - ،أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ لِأَبِي بَكْرٍ،وَعُمَرَ:"هَذَانِ سَيِّدَا كُهُولِ أَهْلِ الْجَنَّةِ مِنَ الْأَوَّلِينَ وَالْآخِرِينَ إِلَّا النَّبِيِّينَ وَالْمُرْسَلِينَ "
وعَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ - رضي الله عنهم - قَالَ:كُنْتُ عِنْدَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - ،فَأَقْبَلَ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ - رضي الله عنهم - مَا فَقَالَ:"يَا عَلِيُّ،هَذَانِ سَيِّدَا كُهُولِ أَهْلِ الْجَنَّةِ مِنَ الْأَوَّلِينَ وَالْآخِرِينَ،مَا خَلَا النَّبِيِّينَ وَالْمُرْسَلِينَ،لَا تُخْبِرْهُمَا يَا عَلِيُّ"فَمَا حَدَّثْتُ بِهِ حَتَّى مَاتَا .
وعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ - رضي الله عنهم - :أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ لِعَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ - رضي الله عنهم - :"إِنَّ هَذَيْنِ سَيِّدَا كُهُولِ أَهْلِ الْجَنَّةِ مِنَ الْأَوَّلِينَ وَالْآخِرِينَ،لَا تُخْبِرْهُمَا يَا عَلِيُّ"يَعْنِي أَبَا بَكْرٍ،وَعُمَرَ - رضي الله عنهم - مَا قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ:وَأَسْنَانُ الْكُهُولِ يَدْخُلُ فِي أَسْنَانِ الشَّبَابِ،لِأَنَّهُ يُقَالَ:شَابٌّ كَهْلٌ،فَيُجْعَلُ كَهْلًا وَهُوَ شَابٌّ،وَلَا يُقَالُ شَيْخٌ كَهْلٌ،إِنَّمَا يَكُونُ شَيْخًا بَعْدَمَا يَخْرُجُ مِنَ التَّكَهُّلِ،وَالتَّكَهُّلُ هُوَ آخِرُ مُدَّةِ الشَّبَابِ،وَمِنْهُ قَالُوا:قَدِ اكْتَهَلَ هَذَا الزَّرْعُ،يَعْنُونَ:إِذَا بَلَغَ الْحَالَ الَّذِي يُحْصَدُ مِثْلُهُ عَلَيْهَا،وَاللهَ نَسْأَلُهُ التَّوْفِيقَ " (1) ...
ي-12- عَنْ أَنَسٍ،قَالَ:كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - إِذَا دَخَلَ الْمَسْجِدَ لَمْ يَرْفَعْ أَحَدٌ مِنَّا رَأْسَهُ غَيْرُ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرُ،فَإِنَّهُمَا كَانَا يَتَبَسَّمَانِ إِلَيْهِ وَيَتَبَسَّمُ إِلَيْهِمَا أخرجه الحاكم (2)
ي- 13- عَنْ عَلِيٍّ، - رضي الله عنهم - ،قَالَ:"إِنْ كُنَّا لَنَرَى أَنَّ السَّكِينَةَ تَنْطِقُ عَلَى لِسَانِ عُمَرَ،وَإِنْ كُنَّا لَنَرَى أَنَّ شَيْطَانَهُ يَخَافُهُ أَنْ يَجُرَّهُ إِلَى مَعْصِيَةِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ " (3)
__________
(1) - شرح مشكل الآثار - (5 / 217)(1963 -1966 )
(2) - برقم(418) وهو حديث حسن
(3) - أَمَالِي ابْنِ بِشْرَانَ (913 ) صحيح لغيره(1/125)
وعَنِ الشَّعْبِيِّ قَالَ:قَالَ عَلِيٌّ عَلَى الْمِنْبَرِ:مَا كُنَّا نُبْعِدُ أَنَّ السَّكِينَةَ تَنْطِقُ عَلَى لِسَانِ عُمَرَ. (1)
ي-14- عَنْ إِسْمَاعِيلَ حَدَّثَنَا قَيْسٌ قَالَ قَالَ عَبْدُ اللَّهِ مَا زِلْنَا أَعِزَّةً مُنْذُ أَسْلَمَ عُمَرُ .أخرجه البخاري (2)
ي-15- عَنْ حَفْصَةَ بِنْتِ عُمَرَ،قَالَ:قَالَتْ لأَبِيهَا:يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ،مَا عَلَيْك لَوْ لَبِسْت أَلْيَنَ مِنْ ثَوْبِك هَذَا وَأَكَلْت أَطْيَبَ مِنْ طَعَامِك هَذَا،قَدْ فَتَحَ اللَّهُ عَلَيْك الأَرْضَ،وَأَوْسَعَ عَلَيْك الرِّزْقَ،قَالَ:سَأُخَاصِمُك إلَى نَفْسِك،أَمَا تَعْلَمِينَ مَا كَانَ يَلْقَى رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - مِنْ شِدَّةِ
__________
(1) - فَضَائِلُ الصِّحَابَةِ لِأَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ (292 ) صحيح
(2) - برقم( 3684 و 3863 )
وفي فتح الباري لابن حجر - (ج 10 / ص 480)
قَوْله : ( مَا زِلْنَا أَعِزَّة مُنْذُ أَسْلَمَ عُمَر )أَيْ لِمَا كَانَ فِيهِ مِنْ الْجَلَد وَالْقُوَّة فِي أَمْر اللَّه . وَرَوَى اِبْن أَبِي شَيْبَة وَالطَّبَرَانِيُّ مِنْ طَرِيق الْقَاسِم بْن عَبْد الرَّحْمَن قَالَ : قَالَ عَبْد اللَّه بْن مَسْعُود " كَانَ إِسْلَام عُمَر عِزًّا ، وَهِجْرَته نَصْرًا ، وَإِمَارَته رَحْمَة . وَاَللَّه مَا اِسْتَطَعْنَا أَنْ نُصَلِّي حَوْل الْبَيْت ظَاهِرِينَ حَتَّى أَسْلَمَ عُمَر " وَقَدْ وَرَدَ سَبَب إِسْلَامه مُطَوَّلًا فِيمَا أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ مِنْ طَرِيق الْقَاسِم بْن عُثْمَان عَنْ أَنَس قَالَ " خَرَجَ عُمَر مُتَقَلِّدًا السَّيْف ، فَلَقِيَهُ رَجُل مِنْ بَنِي زُهْرَة - فَذَكَرَ قِصَّة دُخُول عُمَر عَلَى أُخْته وَإِنْكَاره إِسْلَامهَا وَإِسْلَام زَوْجهَا سَعِيد بْن زَيْد وَقِرَاءَته سُورَة طه وَرَغْبَته فِي الْإِسْلَام - فَخَرَجَ خَبَّاب فَقَالَ : أَبْشِرْ يَا عُمَر ، فَإِنِّي أَرْجُو أَنْ تَكُون دَعْوَة رَسُول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - لَك ، قَالَ : اللَّهُمَّ أَعِزَّ الْإِسْلَام بِعُمَر أَوْ بِعَمْرِو بْن هِشَام " وَرَوَى أَبُو جَعْفَر بْن أَبِي شَيْبَة نَحْوه فِي تَارِيخه مِنْ حَدِيث اِبْن عَبَّاس ، وَفِي آخِره " فَقُلْت يَا رَسُول اللَّه فَفِيمَ الِاخْتِفَاء ؟ فَخَرَجْنَا فِي صَفَّيْنِ : أَنَا فِي أَحَدهمَا ، وَحَمْزَة فِي الْآخَر ، فَنَظَرْت قُرَيْش إِلَيْنَا فَأَصَابَتْهُمْ كَآبَة لَمْ يُصِبْهُمْ مِثْلهَا " وَأَخْرَجَهُ الْبَزَّار مِنْ طَرِيق أَسْلَمَ مَوْلَى عُمَر عَنْ عُمَر مُطَوَّلًا ، وَرَوَى اِبْن أَبِي خَيْثَمَةَ مِنْ حَدِيث عُمَر نَفْسه قَالَ " لَقَدْ رَأَيْتنِي وَمَا أَسْلَمَ مَعَ رَسُول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - إِلَّا تِسْعَة وَثَلَاثُونَ رَجُلًا فَكَمَّلْتهمْ أَرْبَعِينَ ، فَأَظْهَرَ اللَّه دِينه ، وَأَعَزّ الْإِسْلَام " وَرَوَى الْبَزَّار نَحْوه مِنْ حَدِيث اِبْن عَبَّاس وَقَالَ فِيهِ " فَنَزَلَ جِبْرِيل فَقَالَ : يَا أَيّهَا النَّبِيّ حَسْبك اللَّه وَمَنْ اِتَّبَعَك مِنْ الْمُؤْمِنِينَ " وَفِي " فَضَائِل الصَّحَابَة " لِخَيْثَمَة مِنْ طَرِيق أَبِي وَائِل عَنْ اِبْن مَسْعُود قَالَ " قَالَ رَسُول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - : اللَّهُمَّ أَيِّدْ الْإِسْلَام بِعُمَر " وَمِنْ حَدِيث عَلِيّ مِثْله بِلَفْظِ " أَعِزَّ " وَفِي حَدِيث عَائِشَة مِثْله أَخْرَجَهُ الْحَاكِم بِإِسْنَادٍ صَحِيح ، وَأَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيّ مِنْ حَدِيث اِبْن عُمَر بِلَفْظِ " اللَّهُمَّ أَعِزَّ الْإِسْلَام بِأَحَبّ الرَّجُلَيْنِ إِلَيْك : بِأَبِي جَهْل أَوْ بِعُمَر ، قَالَ فَكَانَ أَحَبُّهُمَا إِلَيْهِ عُمَر " قَالَ التِّرْمِذِيّ : حَسَن صَحِيح . قُلْت : وَصَحَّحَهُ اِبْن حِبَّانَ أَيْضًا ، وَفِي إِسْنَاده خَارِجَة بْن عَبْد اللَّه صَدُوق فِيهِ مَقَال ، لَكِنْ لَهُ شَاهِد مِنْ حَدِيث اِبْن عَبَّاس أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيّ أَيْضًا ، وَمِنْ حَدِيث أَنَس كَمَا قَدَّمْته فِي الْقِصَّة الْمُطَوَّلَة ، وَمِنْ طَرِيق أَسْلَمَ مَوْلَى عُمَر عَنْ خَبَّاب ، وَلَهُ شَاهِد مُرْسَل أَخْرَجَهُ اِبْن سَعْد مِنْ طَرِيق سَعِيد بْن الْمُسَيِّب وَالْإِسْنَاد صَحِيح إِلَيْهِ ، وَرَوَى اِبْن سَعْد أَيْضًا مِنْ حَدِيث صُهَيْب قَالَ " لَمَّا أَسْلَمَ عُمَر قَالَ الْمُشْرِكُونَ اِنْتَصَفَ الْقَوْم مِنَّا " وَرَوَى الْبَزَّار وَالطَّبَرَانِيُّ مِنْ حَدِيث اِبْن عَبَّاس نَحْوه .(1/126)
الْعَيْشِ،وَجَعَلَ يُذَكِّرُهَا شَيْئًا مِمَّا كَانَ يَلْقَى رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - حَتَّى أَبْكَاهَا،قَالَ:قَدْ قُلْت لَك،أَنَّهُ كَانَ لِي صَاحِبَانِ سَلَكَا طَرِيقًا فَإِنِّي إنْ سَلَكْت غَيْرَ طَرِيقِهِمَا سَلَكَ بِي غَيْرَ طَرِيقِهِمَا،فَإِنِّي وَاللهِ لاَشَارِكَنَّهُمَ فِي مِثْلِ عَيْشِهِمَا الشَّدِيدِ،لَعَلِّي أُدْرِكُ مَعَهُمَا عَيْشَهُمَا الرَّخِيَّ،يَعَنْي بِصَاحِبَيْهِ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - وَأَبَا بَكْرٍ رضي اللهُ عَنْهُ .أخرجه ابن أبي شيبة (1)
ي-16- عَنْ سَالِمِ ابن أَبِي الْجَعْدِ قَالَ:أَتَى أَهْلُ نَجْرَانَ عَلِيًّا رَضِيَ الله عَنْه فَقَالُوا:نَسْأَلُكَ خَطَّكَ بِيَدِكِ،وَشَفَاعَتَكَ بِلِسَانِكَ أَنْ تَرُدَّنَا.قَالَ كَانَ عُمَرُ رَضِيَ الله عَنْه رَشِيدَ الْأَمْرِ،فَلَوْ طُعِنَ عَلَيْهِ يَوْمًا لَطُعِنَ عَلَيْهِ يَوْمَئِذٍ.أخرجه مسدد (2)
ي-17- عن الحسن،قال:« إن كان أحد لا يعرف الكذب،فعمر » أخرجه مسدد (3)
ي-18- عَنْ حُمَيْدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ،قَالَ:قَالَ عُمَرُ:لَوْ هَلَكَ حَمْلٌ مِنْ وَلَدِ الضَّأْنِ ضَيَاعًا بِشَاطِئِ الْفُرَاتِ خَشِيت أَنْ يَسْأَلَنِي اللَّهُ،عَنْهُ .أخرجه ابن أبي شيبة (4)
ي19- عن سُلَيْمَانَ بْنِ الْمُغِيرَةِ،قَالَ:قَالَ ثَابِتٌ:قَالَ أَنَسٌ:غَلاَ الشَّعِيرُ غَلاَ الطَّعَامُ بِالْمَدِينَةِ عَلَى عَهْدِ عُمَرَ،فَجَعَلَ يَأْكُلُ الشَّعِيرَ فَاسْتَنْكَرَهُ بَطْنُهُ،فَأَهْوَى بِيَدِهِ إلَى بَطْنِهِ،فَقَالَ:وَاللهِ مَا هُوَ إِلاَّ مَا تَرَى حَتَّى يُوَسِّعَ اللَّهُ عَلَى الْمُسْلِمِينَ.
وعَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عْن أَبِيهِ،قَالَ:كُنْت أَمْشِي مَعَ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ فَرَأَى تَمْرَةً مَطْرُوحَةً،فَقَالَ:خُذْهَا،قُلْت:وَمَا أَصْنَعُ بِتَمْرَةٍ،قَالَ:تَمْرَةٌ وَتَمْرَةٌ حَتَّى تَجْتَمِعَ،فَأَخَذْتهَا فَمَرَّ بِمِرْبَدِ تَمْرٍ،فَقَالَ:أَلْقِهَا فِيهِ.
وعَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَامِرٍ،قَالَ:خَرَجْت مَعَ عُمَرَ فَمَا رَأَيْته مُضْطَرِبًا فُسْطَاطًا حَتَّى رَجَعَ،قَالَ:قُلْت:بِأَيِّ شَيْءٍ كَانَ يَسْتَظِلُّ،قَالَ:يَطْرَحُ النِّطْعَ عَلَى الشَّجَرَةِ يَسْتَظِلُّ بِهِ .أخرجها ابن أبي شيبة (5)
__________
(1) - برقم(34328 ) والنسائي برقم( 11806) وعبد بن حميد برقم(25) والضياء 1/74 والمطالب العالية برقم(3982) وهو جسن لغيره
(2) - المطالب العالية بزوائد المسانيد الثمانية - (15 / 746) (3885 ) وإسناده صحيح
(3) - المطالب برقم(3987 ) وإسناده صحيح إليه
(4) - برقم(34480) وإسناده صحيح
(5) - برقم(34477- 34481) وأسانيدها صحاح(1/127)
ي-20-،عَنْ زُبَيْدِ بْنِ الْحَارِثِ،أَنَّ أَبَا بَكْرٍ حِينَ حَضَرَهُ الْمَوْتُ أَرْسَلَ إلَى عُمَرَ يَسْتَخْلِفُهُ،فَقَالَ:النَّاسُ:تَسْتَخْلِفُ عَلَيْنَا فَظًّا غَلِيظًا،وَلَوْ قَدْ وَلِيَنَا كَانَ أَفَظَّ وَأَغْلَظَ،فَمَا تَقُولُ لِرَبِّك إذَا لَقِيتَهُ وَقَدْ اسْتَخْلَفْتَ عَلَيْنَا عُمَرَ،قَالَ أَبُو بَكْرٍ:أَبِرَبِّي تُخَوِّفُونَنِي أَقُولُ:اللَّهُمَّ اسْتَخْلِفْ عَلَيْهِمْ خَيْرَ خَلْقِك،ثُمَّ أَرْسَلَ إلَى عُمَرَ،فَقَالَ:إنِّي مُوصِيكَ بِوَصِيَّةٍ إنْ أَنْتَ حَفِظْتَهَا:إنَّ لِلَّهِ حَقًّا بِالنَّهَارِ لاَ يَقْبَلُهُ بِاللَّيْلِ،وَإِنَّ لِلَّهِ حَقًّا بِاللَّيْلِ لاَ يَقْبَلُهُ بِالنَّهَارِ،وَأَنَّهُ لاَ يَقْبَلُ نَافِلَةً حَتَّى تُؤَدِّيَ الْفَرِيضَةَ وَإِنَّمَا ثَقُلَتْ مَوَازِينُ مَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِاتِّبَاعِهِمْ فِي الدُّنْيَا الْحَقَّ وَثِقَلُهُ عَلَيْهِمْ،وَحَقٌّ لِمِيزَانٍ لاَ يُوضَعُ فِيهِ إلاَّ الْحَقُّ أَنْ يَكُونَ ثَقِيلاً،وَإِنَّمَا خَفَّتْ مَوَازِينُ مَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِاتِّبَاعِهِمْ الْبَاطِلَ وَخِفَّتُهُ عَلَيْهِمْ،وَحَقٌّ لِمِيزَانٍ لاَ يُوضَعُ فِيهِ إلاَّ الْبَاطِلُ أَنْ يَكُونَ خَفِيفًا،وَأَنَّ اللَّهَ ذَكَرَ أَهْلَ الْجَنَّةِ بِصَالِحِ مَا عَمِلُوا،وَأَنَّهُ تَجَاوَزَ،عَنْ سَيِّئَاتِهِمْ،فَيَقُولُ الْقَائِلُ:أَلاَ أُبَلِّغُ هَؤُلاَءِ،وَذَكَرَ أَهْلَ النَّارِ بِأَسْوَإِ مَا عَمِلُوا،وَأَنَّهُ رَدَّ عَلَيْهِمْ صَالِحَ مَا عَمِلُوا،فَيَقُولُ قَائِلٌ:أَنَا خَيْرٌ مِنْ هَؤُلاَءِ،وَذَكَرَ آيَةَ الرَّحْمَةِ وَآيَةَ الْعَذَابِ،لِيَكُونَ الْمُؤْمِنُ رَاغِبًا وَرَاهِبًا،لاَ يَتَمَنَّى عَلَى اللهِ غَيْرَ الْحَقِّ،وَلاَ يُلْقِي بِيَدِهِ إلَى التَّهْلُكَةِ فَإِنْ أَنْتَ حَفِظْت وَصِيَّتِي لَمْ يَكُنْ غَائِبٌ أَحَبَّ إلَيْك مِنْ الْمَوْتِ،وَإِنْ أَنْتَ ضَيَّعْت وَصِيَّتِي لَمْ يَكُنْ غَائِبٌ أَبْغَضَ إلَيْك مِنْ الْمَوْتِ،وَلَنْ تَعْجِزَهُ .أخرجه ابن أبي شيبة (1)
ي-21- عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ:قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - :"عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ سِرَاجُ أَهْلِ الْجَنَّةِ"أخرجه الآجري (2)
قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ رَحِمَهُ اللَّهُ:فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ:إِيشْ يَحْتَمِلُ قَوْلُهُ سِرَاجُ أَهْلِ الْجَنَّةِ ؟ قِيلَ لَهُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ:لَمَّا كَانَ قَدْ أَسْلَمَ جَمَاعَةٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ بِمَكَّةَ قَبْلَ عُمَرَ،فَكَانَ يُؤْذِيهِمُ الْمُشْرِكُونَ أَذًى شَدِيدًا،وَيَسْتَخْفِي كَثِيرٌ مِنْهُمْ بِإِسْلَامِهِمْ،وَكَانَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - يَجْتَمِعُ إِلَيْهِ الْجَمَاعَةُ مِنْهُمْ فَيُقْرِئَهُمُ الْقُرْآنَ سِرًّا خَوْفًا عَلَيْهِمْ؛فَلَمَّا أَسْلَمَ عُمَرُ - رضي الله عنهم - فَرَّجَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ عَنِ الْمُسْلِمِينَ،وَخَرَجُوا وَأَظْهَرُوا إِسْلَامَهُمْ،فَأَعَزَّ اللَّهُ الْكَرِيمُ الْمُسْلِمِينَ بِإِسْلَامِ عُمَرَ،وَأَضَاءَ نُورَ
__________
(1) - برقم( 37056 ) والسنة للخلال برقم(345) ووصايا العلماء برقم(15) و أبو نعيم في معرفة الصحابة برقم(106) وهناد برقم(490) وعبد الرزاق برقم(9765) من طرق وهو صحيح لغيره
(2) - الشَّرِيعَةُ لِلْآجُرِّيِّ (1354 ) ضعيف(1/128)
الْإِسْلَامِ،وَقَوِيَتْ قُلُوبُ الْمُسْلِمِينَ،وَعَلِمُوا أَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ قَدْ مَنَعَ مِنْهُمْ،وَفَرَّجَ عَنْهُمْ،وَأَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ سَيُبْدِلُهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا؛أَلَمْ تَسْمَعْ إِلَى مَا قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ:"لَمَّا أَسْلَمَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ قَالَ الْمُشْرِكُونَ:انْتَصَفَ الْقَوْمُ مِنَّا"وَقَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ:"مَا زِلْنَا أَعِزَّةً مُنْذُ أَسْلَمَ عُمَرُ بْنِ الْخَطَّابِ"وَرَوَى ابْنُ عَبَّاسٍ:"لَمَّا أَسْلَمَ عُمَرُ - رضي الله عنهم - نَزَلَ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ عَلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ:يَا مُحَمَّدُ،لَقَدِ اسْتَبْشَرَ أَهْلُ السَّمَاءِ الْيَوْمَ بِإِسْلَامِ عُمَرَ"قُلْتُ:فَصَارَ عُمَرُ - رضي الله عنهم - سِرَاجَ أَهْلِ الْجَنَّةِ بِهَذِهِ الْمَعَانِي وَمَا أَشْبَهَهَا مِنْ فَضَائِلِهِ الشَّرِيفَةِ؛اسْتَضَاءَ بِإِسْلَامِهِ نُورُ الْقُلُوبِ وَعَزُّوا وَقَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ:"مَا اسْتَطَعْنَا أَنْ نُصَلِّيَ ظَاهِرِينَ حَتَّى أَسْلَمَ عُمَرُ "،فَهَذَا جَوَابُنَا فِي مَعْنَى قَوْلِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - :"عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ سِرَاجُ أَهْلِ الْجَنَّةِ "
ي-22- عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ،عَنْ أَبِيهِ،عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ الله عَنْه أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ:اللَّهُمَّ لَا تَجْعَلْ قَتْلِي بِيَدِ رَجُلٍ صَلَّى لَكَ سَجْدَةً ." (1)
وعَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ كَانَ يَقُولُ:اللَّهُمَّ لاَ تَجْعَلْ قَتْلِى بِيَدِ رَجُلٍ صَلَّى لَكَ سَجْدَةً وَاحِدَةً يُحَاجُّنِى بِهَا عِنْدَكَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ.أخرجه مالك (2)
ي-23- عَنْ شَقِيقٍ،قَالَ:قَالَ عَبْدُ اللَّهِ:"وَاللَّهِ إِنِّي لأَحْسِبُ عِلْمَ عُمَرَ لَوْ وُضِعَ فِي كِفَّةِ الْمِيزَانِ،وَوُضِعَ سَائِرُ أَحْيَاءِ أَهْلِ الأَرْضِ فِي كِفَّةِ الْمِيزَانِ لَرَجَحَ عَلَيْهِ عَلْمُ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ
__________
(1) - المطالب العالية بزوائد المسانيد الثمانية - (15 / 762) (3893 )هَذَا إِسْنَادٌ صَحِيحٌ .
(2) - برقم(991) مرسلا وووصله إسحاق المطالب برقم( 3993) وإسناده صحيح
وفي الاستذكار الجامع لمذاهب فقهاء الأمصار - (ج 5 / ص 88)
قال أبو عمر معنى قول مالك الذي فسر به قول عمر - رضي الله عنه - عندي والله أعلم - أن عمر أراد أن لا يكون قتله بيد مؤمن لا يخلد في نار جهنم لأن المؤمن تكون له حجة بتوحيده وصلاته وسجوده يخرج بذلك من النار قاتله بعد أن يناله منها مقدار ذنبه فأراد أن يكون قاتله مخلدا في النار وهذا لا يكون إلا فيمن لم يكن يسجد لله سجدة ولم يعمل من الخير والإيمان مثقال ذرة
وقد يحتمل أن يكون قوله ( ( يحاجني بها عندك يوم القيامة ) ) أن يقتله من تأول في قتله تأويلا سابقا في ظاهر القران أو السنة وإن كان فيه عند الله مبطلا أو مخطئا فيخفف عنه بذلك
وأما الكافر فلا يقام له يوم القيامة وزنا ولا تسمع منه حجة لأن حجته داحضة ولا تأويل إلا لمؤمن موحد والله أعلم(1/129)
تَعَالَى عَنْهُ"،قَالَ سُلَيْمَانُ:فَذَكَرْتُهُ،فَقَالَ:لَقَدْ قَالَ عَبْدُ اللَّهِ أَفْضَلَ مِنْ ذَلِكَ،قَالَ:"إِنِّي لأَحْسِبُ تِسْعَةَ أَعْشَارِ الْعِلْمِ ذَهَبَ يَوْمَ ذَهَبَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ".أخرجه الطبراني (1)
ي-24- عَنْ قَتَادَةَ،وَحَمَّادٍ،قَالا:سَمِعْتَهُمْ يَقُولُونَ:سَمِعَهُمَا يَقُولانِ:كَانَ ابْنُ مَسْعُودٍ،يَقُولُ:"إِنَّ عُمَرَ بن الْخَطَّابِ كَانَ حِصْنًا حَصِينًا لِلإِسْلامِ يُدْخَلُ فِي الإِسْلامِ،وَلا يُخْرَجُ مِنْهُ،فَلَمَّا مَاتَ عُمَرُ،انْثَلَمَ مِنَ الْحِصْنِ ثُلْمَةُ فَهُوَ يَخْرُجُ مِنْهُ،وَلا يَدْخُلُ فِيهِ،وَكَانَ إِذَا سَلَكَ طَرِيقًا،وَجَدْنَاهُ سَهْلا،فَإِذَا ذُكِرَ الصَّالِحُونَ فَحَيَّ هَلا بِعُمَرَ،كَانَ فَصْلَ مَا بَيْنَ الزِّيَادَةِ وَالنُّقْصَانِ،وَاللَّهِ لَوَدِدْتُ أَنِّي أَخْدُمُ مِثْلَهُ حَتَّى أَمُوتَ أَمُوتَ". قَالَ:"إِنِّي لأَظُنُّ عُمَرَ قَدْ ذَهَبَ بِتِسْعَةِ أَعْشَارِ الْعِلْمِ".أخرجه الطبراني (2)
ي-25-عَنْ إِبْرَاهِيمَ النَّخَعِىِّ قَالَ ضَرَبَ عَلْقَمَةُ بْنُ قَيْسٍ هَذَا الْمِنْبَرَ وَقَالَ خَطَبَنَا عَلِىٌّ عَلَى هَذَا الْمِنْبَرِ فَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ وَذَكَرَ مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ يَذْكُرَ وَقَالَ إِنَّ خَيْرَ النَّاسِ كَانَ بَعْدَ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - أَبُو بَكْرٍ ثُمَّ عُمَرُ ثُمَّ أَحْدَثْنَا بَعْدَهُمَا أَحْدَاثاً يَقْضِى اللَّهُ فِيهَا أخرجه أحمد (3)
ي-26- عَنْ زَيْدِ بن وَهْبٍ،قَالَ:ذَهَبْتُ أَنَا وَرَجُلٌ إِلَى عَبْدِ اللَّهِ فَإِذَا هُوَ قَائِمٌ يُصَلِّي،وَقَدِ اكْتَنَفَهُ رَجُلانِ،فَلَمَّا سَلَّمَ سَأَلاهُ عَنْ آيَةٍ،فَقَالَ لأَحَدِهِمَا:"مَنْ أَقْرَأَكَ؟"قَالَ:عُمَرُ،فَقَالَ لِلآخَرِ:"مَنْ أَقْرَأَكَ؟"قَالَ:أَبُو حَكِيمٍ،قَالَ:أَوْ أَبُو عَمْرَةَ،فَقَالَ:"اقْرَأْ كَمَا أَقْرَأَكَ عُمَرُ"،ثُمَّ بَكَى حَتَّى بَلَّ الْحَصَا دُمُوعُهُ،ثُمَّ قَالَ:"إِنَّ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ كَانَ لِلإِسْلامِ حِصْنًا حَصِينًا يَدْخُلُونَ فِي الإِسْلامِ،وَلا يَخْرُجُونَ،فَلَمَّا أُصِيبَ عُمَرُ،انْثَلَمَ الْحِصْنُ".
وفي رواية،عَنْ زَيْدِ بن وَهْبٍ،قَالَ:تَمَارَى رَجُلانِ فِي آيَةٍ مِنَ الْقُرْآَنِ فَأَتَيَا عَبْدَ اللَّهِ بن مَسْعُودٍ،فَقَالَ أَحَدُهُمَا:أَقْرَأَنِيهَا أَبُو عَمْرَةَ،وَقَالَ الآخَرُ:أَقْرَأَنِيهَا عُمَرُ،فَلَمَّا ذُكِرَ عُمَرُ بَكَى عَبْدُ اللَّهِ،وَهُوَ قَائِمٌ،وَمَسَحَ عَيْنَيْهِ،وَنَفَضَ يَدَهُ فِي الْحَصَا،ثُمَّ قَالَ:"لَهِيَ أَبْيَنُ مِنْ طَرِيقِ
__________
(1) - برقم (8720 و8721 و8722) من طرق وإسناده صحيح
(2) - برقم(8719 ) وهو حسن لغيره
(3) - برقم(1063) والاعتقاد للبيهقي (343) وشرح أصول الاعتقاد (2200) وفضائل الصحابة برقم(417 و460) وهو صحيح مشهور(1/130)
السِّيلِحِينَ"،ثُمَّ قَالَ:"اقْرَأْهَا كَمَا أَقْرَأَكَهَا عُمَرُ،إِنَّ أَهْلَ بَيْتٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ لَمْ يَدْخُلْهُمْ حُزْنٌ عَلَى عُمَرَ يَوْمَ أُصِيبَ لأَهْلُ سُوءٍ،عُمَرُ كَانَ أَتْقَانَا،وَأَقْرَأَنَا لِكِتَابِ اللَّهِ".
وفي رواية عَنْ زَيْدِ بن وَهْبٍ،قَالَ:تَنَازَعَ رَجُلانِ فِي آيَةٍ،فَبَيْنَمَا نَحْنُ كَذَلِكَ إِذْ أَقْبَلَ عَبْدُ اللَّهِ مِنْ قِبَلِ أَخْتَانِهِ فَقَامَا إِلَيْهِ،وَقُمْتُ إِلَيْهِ مَعَهُمَا،فَقَالا:إِنَّا تَنَازَعْنَا فِي آيَةٍ،فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ لأَحَدِهِمَا:"اقْرَأْ"فَقَرَأَ،فَقَالَ:"مَنْ أَقْرَأَكَهَا؟"فَقَالَ:أَبُو عَمْرَةَ مَعْقِلُ بن مُقَرِّنٍ،ثُمَّ قَالَ لِلآخَرِ:"اقْرَأْهُ"فَقَرَأَ،فَقَالَ:"مَنْ أَقْرَأَكَهَا؟"،فَقَالَ:عُمَرُ،فَجَاءَتَا عَيْنَاهُ بِأَرْبَعَةٍ فَبَكَى حَتَّى رَأَيْتُهُ أَخَذَ مِنْ دُمُوعِهِ بِكَفِّهِ،فَقَالَ بِهِ هَكَذَا،فَرَأَيْتُ أَثَرَيْنِ فِي الْحَصَا مِنْ دُمُوعِ عَبْدِ اللَّهِ،ثُمَّ قَالَ عَبْدُ اللَّهِ:"مَا أَظَنُّ أَهْلَ بَيْتٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ لَمْ يَدْخُلْ عَلَيْهِمْ حُزْنُ عُمَرَ يَوْمَ أُصِيبَ إِلا بَيْتُ سُوءٍ،إِنَّ عُمَرَ كَانَ أَعْلَمَنَا بِاللَّهِ وَأَقْرَأَنَا لِكِتَابِ اللَّهِ،وَأَفْقَهَنَا لِدِينِ اللَّهِ،وَاقْرَأْهَا كَمَا أَقْرَأَكَهَا عُمَرُ،فَوَاللَّهِ لَهِيَ أَبْيَنُ مِنْ طَرِيقِ السِّيلِحِينَ".
وفي رواية عَنْ زَيْدِ بن وَهْبٍ،قَالَ:أَتَى عَبْدَ اللَّهِ رَجُلانِ وَكُنَّا عِنْدَهُ،فَقَالَ:يَا أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ،كَيْفَ نَقْرَأُ هَذِهِ الآيَةِ؟ فَقَرَأَهَا عَلَيْهِ عَبْدُ اللَّهِ،فَقَالَ الرَّجُلُ:فَإِنْ أَبَا حَكِيمٍ أَقْرَأَنِيهَا كَذَا،وَكَذَا،قَالَ:وَقَرَأَ الآخَرُ،فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ:"مَنْ أَقْرَأَكَهَا؟"،فَقَالَ عُمَرُ:فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ:"اقْرَأْ كَمَا أَقْرَأَكَ عُمَرُ"،ثُمَّ بَكَى عَبْدُ اللَّهِ حَتَّى رَأَيْتُ دُمُوعَهُ تَحَدَّرُ فِي الْحَصَا،ثُمَّ قَالَ:"إِنَّ عُمَرَ كَانَ حِصْنًا حَصِينًا عَلَى الإِسْلامِ يَدْخُلُ النَّاسُ فِيهِ،وَلا يَخْرُجُونَ،وَإِنَّ الْحِصْنَ أَصْبَحَ قَدِ انْثَلَمَ فَالنَّاسُ يَخْرُجُونَ مِنْهُ،وَلا يَدْخُلُونَ".
وفي رواية عَنْ زَيْدِ بن وَهْبٍ،قَالَ:أَتَيْنَا ابْنَ مَسْعُودٍ فَوَجَدْنَاهُ يُصَلِّي،فَانْتَظَرْنَاهُ حَتَّى فَرَغَ مِنْ صَلاتِهِ،فَجَاءَهُ رَجُلانِ قَدِ اخْتَلَفَا فِي آيَةٍ فَقَرَأَهُ أَحَدُهُمَا،فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ:"أَحْسَنْتَ،مَنْ أَقْرَأَكَ؟"قَالَ:أَقْرَأَنِي أَبُو حَكِيمٍ الْمُزَنِيُّ،وَاسْتَقْرَأَ الآخَرَ،فَقَالَ:"مَنْ أَقْرَأَكَ؟"فَقَالَ:أَقْرَأَنِي عُمَرُ بن الْخَطَّابِ،فَبَكَى عَبْدُ اللَّهِ حَتَّى خَضَّبَتْ دُمُوعُهُ الْحَصَا،ثُمَّ قَالَ:"اقْرَأْ كَمَا أَقْرَأَكَ عُمَرُ"،ثُمَّ دَوَّرَ دَارَةً بِيَدِهِ،ثُمَّ قَالَ:"إِنَّ عُمَرَ كَانَ حِصْنًا حَصِينًا لِلإِسْلامِ يَدْخُلُ النَّاسُ مِنْهُ،وَلا(1/131)
يَخْرُجُونَ مِنْهُ،فَلَمَّا مَاتَ عُمَرُ انْثَلَمَ الْحِصْنُ،فَالنَّاسُ يَخْرُجُونَ مِنْهُ،وَلا يَدْخُلُونَ".أخرجها الطبراني (1)
ي-27- َعنِ الشَّعْبِيِّ،قَالَ:حُبُّ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَمَعْرِفَةُ فَضْلِهِمَا مِنْ السُّنَّةِ أخرجه ابن أبي شيبة (2)
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ:قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - :"لَا يَجْتَمِعُ حُبُّ هَؤُلَاءِ الْأَرْبَعَةِ إِلَّا فِي قَلْبٍ مُؤْمِنٍ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعُثْمَانَ وَعَلِيٍّ " (3)
وعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ،قَالَ:قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - :"لَا يَجْتَمِعُ حُبُّ هَؤُلَاءِ الْأَرْبَعَةِ فِي قَلْبِ مُنَافِقٍ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعُثْمَانَ وَعَلِيٍّ" - رضي الله عنهم - مْ " (4)
وعَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ حُمَيْدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ،عَنْ أَبِيهِ،عَنْ جَدِّهِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ قَالَ:قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - :"أَبُو بَكْرٍ فِي الْجَنَّةِ،وَعُمَرُ فِي الْجَنَّةِ،وَعُثْمَانُ فِي الْجَنَّةِ،وَعَلِيٌّ فِي الْجَنَّةِ،وَطَلْحَةُ فِي الْجَنَّةِ،وَالزُّبَيْرُ فِي الْجَنَّةِ،وَعَبْد الرَّحْمَنِ فِي الْجَنَّةِ،وَسَعْدٌ وَسَعِيدٌ فِي الْجَنَّةِ،وَأَبُو عُبَيْدَةَ بْنُ الْجَرَّاحِ فِي الْجَنَّةِ"قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ:فَوَاجِبٌ عَلَى الْمُسْلِمِينَ أَنْ يَشْهَدُوا لِمَنْ شَهِدَ لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - ،وَإِذَا شَهِدَ لَهُمْ فَقَدْ أَحَبَّهُمْ،وَمَنْ أَحَبَّ هَؤُلَاءِ وَشَهِدَ لَهُمْ بِالْجَنَّةِ سَلِمَ جَمِيعُ الصَّحَابَةِ مِنْهُ،وَيَشْهَدَ لَهُمْ بِالْخِلَافَةِ،أَوَّلُهُمْ أَبُو بَكْرٍ،ثُمَّ عُمَرُ،ثُمَّ عُثْمَانُ،ثُمَّ عَلِيُّ، - رضي الله عنهم - مْ،فَهَؤُلَاءِ الَّذِينَ قَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - :"لَا يَجْتَمِعُ حُبُّ هَؤُلَاءِ الْأَرْبَعَةِ إِلَّا فِي قَلْبِ مُؤْمِنٍ:أَبِي بَكْرٍ،وَعُمَرَ،وَعُثْمَانَ،وَعَلِيٍّ - رضي الله عنهم - مْ"قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ:اعْلَمْ رَحِمَكَ اللَّهُ:مَنْ أَحَبَّ أَبَا بَكْرٍ فَقَدْ أَقَامَ الدِّينَ،وَمَنْ أَحَبَّ عُمَرَ فَقَدْ أَوْضَحَ السَّبِيلَ،وَمَنْ أَحَبَّ عُثْمَانَ فَقَدِ اسْتَنَارَ بِنُورِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ،وَمَنْ أَحَبَّ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ فَقَدِ اسْتَمْسِكْ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى،وَمَنْ قَالَ الْحُسْنَى فِي أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فَقَدْ بَرِئَ مِنَ النِّفَاقِ " (5)
__________
(1) - برقم( 8713-8717 ) وهو صحيح
(2) - برقم(31932 ) والسنة لعبد الله برقم(1249 ) وجامع بيان العلم برقم(1407) وهو صحيح
(3) - الشَّرِيعَةُ لِلْآجُرِّيِّ (1202 ) صحيح لغيره
(4) - مُسْنَدُ الشَّامِيِّينَ لِلطَّبَرَانِيِّ (2255 ) صحيح
(5) - الْأَرْبَعُونَ حَدِيثًا لِلْآجُرِّيِّ (10 ) صحيح(1/132)
وعن أبي شِهَابٍ ,قال:"لَا يَجْتَمِعُ حُبُّ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعُثْمَانَ وَعَلِيٍّ - رضي الله عنهم - مْ إِلَّا فِي قُلُوبِ أَتْقِيَاءِ هَذِهِ الْأُمَّةِ " (1)
وفي رواية عن عبد الله،قال:« حب أبي بكر وعمر رضي الله عنهما ومعرفة فضلهما من السنة"أخرجه ابن عبد البر في جامع بيان العلم
ي-28- عَنْ أَبِي رَافِعٍ قَالَ:كَانَ أَبُو لُؤْلُؤَةَ عَبْدًا لِلْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ،وَكَانَ يَصْنَعُ الْأَرْحَاءَ،وَكَانَ الْمُغِيرَةُ يَسْتَغِلُّهُ كُلَّ يَوْمٍ أَرْبَعَةَ دَرَاهِمَ،فَلَقِيَ أَبُو لُؤْلُؤَةَ عُمَرَ فَقَالَ:يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ،إِنَّ الْمُغِيرَةَ قَدْ أَثْقَلَ عَلَيَّ غَلَّتِي،فَكَلِّمْهُ أَنْ يُخَفِّفَ عَنِّي،فَقَالَ لَهُ عُمَرُ:اتَّقِ اللَّهَ وَأَحْسِنْ إِلَى مَوْلَاكَ،وَمِنْ نِيَّةِ عُمَرَ أَنْ يَلْقَى الْمُغِيرَةَ فَيُكَلِّمَهُ فَيُخَفِّفَ.فَغَضِبَ الْعَبْدُ وَقَالَ:وَسِعَ النَّاسَ كُلَّهُمْ عَدْلُهُ غَيْرِي،فَأَضْمَرَ عَلَى قَتْلِهِ،فَاصْطَنَعَ خِنْجَرًا لَهُ رَأْسَانِ وَشَحَذَهُ وَسَمَّهُ،ثُمَّ أَتَى بِهِ الْهُرْمُزَانَ،فَقَالَ:كَيْفَ تَرَى هَذَا ؟ قَالَ:أَرَى أَنَّكَ لَا تَضْرِبُ بِهِ أَحَدًا إِلَّا قَتَلْتَهُ قَالَ:فَتَحَيَّنَ أَبُو لُؤْلُؤَةَ فَجَاءَ فِي صَلَاةِ الْغَدَاةِ حَتَّى قَامَ وَرَاءَ عُمَرَ،وَكَانَ عُمَرُ إِذَا أُقِيمَتِ الصَّلَاةُ فَتَكَلَّمَ يَقُولُ:أَقِيمُوا صُفُوفَكُمْ كَمَا كَانَ يَقُولُ قَالَ:فَلَمَّا كَبَّرَ وَجَأَهُ أَبُو لُؤْلُؤَةَ فِي كَتِفِهِ وَوَجَأَهُ فِي خَاصِرَتِهِ،فَسَقَطَ عُمَرُ وَطَعَنَ بِخِنْجَرِهِ ثَلَاثَةَ عَشَرَ رَجُلًا،فَهَلَكَ مِنْهُمْ سَبْعَةٌ وَفَرَقَ مِنْهُمْ سِتَّةٌ،وَجَعَلَ [ عُمَرُ ] يَذْهَبُ [ بِهِ ] إِلَى مَنْزِلِهِ،وَضَاجَ النَّاسُ حَتَّى كَادَتْ تَطْلُعُ الشَّمْسُ،فَنَادَى عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ:يَا أَيُّهَا النَّاسُ،الصَّلَاةَ،الصَّلَاةَ،الصَّلَاةَ.قَالَ :وَفَزِعُوا إِلَى الصَّلَاةِ،وَتَقَدَّمَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ فَصَلَّى بِهِمْ بِأَقْصَرِ سُورَتَيْنِ مِنَ الْقُرْآنِ،فَلَمَّا قَضَى الصَّلَاةَ تَوَجَّهُوا [ إِلَى عُمَرَ ]،فَدَعَا بِشَرَابٍ لِيَنْظُرَ مَا قَدْرُ جُرْحِهِ،فَأُتِيَ بِنَبِيذٍ فَشَرِبَهُ فَخَرَجَ مِنْ جُرْحِهِ.فَلَمْ يَدْرِ أَنَبِيذٌ هُوَ أَمْ دَمٌ،فَدَعَا بِلَبَنٍ فَشَرِبَهُ فَخَرَجَ مِنْ جُرْحِهِ،فَقَالُوا:لَا بَأْسَ عَلَيْكَ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ،فَقَالَ:إِنْ يَكُنِ الْقَتْلُ بَأْسِي فَقَدْ قُتِلْتُ،فَجَعَلَ النَّاسُ يُثْنُونَ عَلَيْهِ،يَقُولُونَ:جَزَاكَ اللَّهُ خَيْرًا يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ ; كُنْتَ وَكُنْتَ،ثُمَّ يَنْصَرِفُونَ وَيَجِيءُ قَوْمٌ آخَرُونَ فَيُثْنُونَ عَلَيْهِ،فَقَالَ عُمَرُ:أَمَا وَاللَّهِ عَلَى مَا يَقُولُونَ وَدِدْتُ أَنِّي خَرَجْتُ مِنْهَا كَفَافًا لَا عَلَيَّ وَلَا لِي،وَإِنَّ صُحْبَةَ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - [ قَدْ ] سَلِمَتْ لِي.فَتَكَلَّمَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبَّاسٍ
__________
(1) -الشَّرِيعَةُ لِلْآجُرِّيِّ (1206 ) صحيح(1/133)
[ وَكَانَ عِنْدَ رَأْسِهِ _ وَكَانَ خَلِيطُهُ كَأَنَّهُ مِنْ أَهْلِهِ،وَكَانَ ابْنُ عَبَّاسٍ يَقْرَأُ الْقُرْآنَ فَتَكَلَّمَ _ عَبْدُ اللَّهِ بنُ عَبَّاسٍ ] فَقَالَ:وَاللَّهِ لَا تَخْرُجُ مِنْهَا كَفَافًا،لَقَدْ صَحِبْتَ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فَصَحِبْتَهُ خَيْرَ مَا صَحِبَهُ صَاحِبٌ كُنْتَ لَهُ،وَكُنْتَ لَهُ،وَكُنْتَ لَهُ حَتَّى قُبِضَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - وَهُوَ عَنْكَ رَاضٍ،ثُمَّ صَحِبْتَ خَلِيفَةَ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - ثُمَّ وُلِّيتَهَا يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْتَ،فَوُلِّيتَهَا بِخَيْرِ مَا وَلِيَهَا وَالٍ،كُنْتَ تَفْعَلُ وَكُنْتَ تَفْعَلُ،فَكَانَ عُمَرُ يَسْتَرِيحُ إِلَى حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ،فَقَالَ عُمَرُ:يَا ابْنَ عَبَّاسٍ كَرِّرْ عَلَيَّ حَدِيثَكَ،فَكَرَّرَ عَلَيْهِ.فَقَالَ عُمَرُ:أَمَا وَاللَّهِ عَلَى مَا يَقُولُونَ،لَوْ أَنَّ لِي طِلَاعَ الْأَرْضِ ذَهَبًا لَافْتَدَيْتُ بِهِ الْيَوْمَ مِنْ هَوْلِ الْمَطْلَعِ،قَدْ جَعَلْتُهَا شُورَى فِي سِتَّةٍ:عُثْمَانَ،وَعَلِيٍّ،وَطَلْحَةَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ،وَالزُّبَيْرِ بْنِ الْعَوَّامِ،وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ،وَسَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ،وَجَعَلَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ مَعَهُمْ مُشِيرًا [ وَلَيْسَ مِنْهُمْ ]،وَأَجَّلَهُمْ ثَلَاثًا،وَأَمَرَ صُهَيْبًا أَنْ يُصَلِّيَ بِالنَّاسِ .أخرجه أبو يعلى (1) .
2- عَنِ ابْنِ عُمَرَ،قَالَ:لَمَّا طَعَنَ أَبُو لُؤْلُؤَةَ عُمَرَ،طَعَنَهُ طَعْنَتَيْنِ،فَظَنَّ عُمَرُ أَنَّ لَهُ ذَنْبًا فِي النَّاسِ لا يَعْلَمُهُ،فَدَعَا ابْنَ عَبَّاسٍ وَكَانَ يُحِبُّهُ ويُدْنِيهِ ويَسْتَمِعُ مِنْهُ،فَقَالَ لَهُ:أَحَبُّ أَنْ تَعْلَمَ عَنْ مَلأٍ مِنَ النَّاسِ كَانَ هَذَا ؟ فَخَرَجَ ابْنُ عَبَّاسٍ،فَجَعَلَ لا يَمُرُّ بِمَلإٍ مِنَ النَّاسِ إِلا وَهُمْ يَبْكُونَ،فَرَجَعَ إِلَيْهِ،فَقَالَ:يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ:مَا أَتَيْتُ عَلَى مَلإٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ إِلا وَهُمْ يَبْكُونَ،كَأَنَّمَا فَقَدُوا الْيَوْمَ أبكارَ أَوْلادِهِمْ،فَقَالَ:مَنْ قَتَلَنِي ؟ قَالَ:أَبُو لُؤْلُؤَةَ الْمَجُوسِيُّ عَبْدُ الْمُغِيرَةِ بن شُعْبَةَ،قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ:فَرَأَيْتُ الْبِشْرَ فِي وَجْهِهِ،فَقَالَ:الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَمْ يَبْتَلِنِي بِقَوْلِ أَحَدٍ يُحَاجُّنِي بِقَوْلِ:لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ،أَمَا إِنِّي كُنْتُ قَدْ نَهَيْتُكُمْ أَنْ تَجْلِبُوا إِلَيْنَا مِنَ الْعُلُوجِ أَحَدًا،فَعَصَيتُمُونِي،ثُمَّ قَالَ:ادْعُوا لِي إِخْوَانِي،قَالُوا:وَمَنْ ؟ قَالَ:عُثْمَانُ،وَعَلِيٌّ،وَطَلْحَةُ،وَالزُّبَيْرُ،وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بن عَوْفٍ،وَسَعْدُ بن أَبِي وَقَّاصٍ،فَأَرْسَلَ إِلَيْهِمْ،ثُمَّ وَضَعَ رَأْسَهُ فِي حَجْرِي،فَلَمَّا جَاءُوا،قُلْتُ:هَؤُلاءِ قَدْ حَضَرُوا،فَقَالَ:نَعَمْ،نَظَرْتُ فِي
__________
(1) - برقم(2731) وابن حبان برقم(7031) والمطالب العالية (4001) وهو صحيح
(1) الغداة : الصبح (2) النَّبِيذ : هو ما يُعْمَلُ من الأشْرِبة من التَّمرِ، والزَّبيب، والعَسَل، والحِنْطَة، والشَّعير وغير ذلك يقال : نَبَذْتُ التَّمر والعِنَب، إذا تَركْتَ عليه الْمَاء لِيَصِيرَ نَبِيذاً (3) الثناء : المدح والوصف بالخير (4) الكفاف : ما أغنى عن سؤال الناس وحفظ ماء الوجه وسد الحاجة من الرزق(1/134)
أَمْرِ الْمُسْلِمِينَ،فَوَجَدْتُكُمْ أَيُّهَا السِّتَّةُ رُءُوسَ النَّاسِ،وَقَادَتَهُمْ،وَلا يَكُونُ هَذَا الأَمْرُ إِلا فِيكُمْ،مَا اسْتَقَمْتُمْ يَسْتَقِيمُ أَمْرُ النَّاسِ،وَإِنْ يَكُنِ اخْتِلافٌ يَكُنْ فِيكُمْ،فَلَمَّا سَمِعْتُ ذِكْرَ الاخْتِلافِ،وَالشِّقَاقِ ظَنَنْتُ أَنَّهُ كَائِنٌ،لأَنَّهُ قَلَّ مَا قَالَ شَيْئًا إِلا رَأَيْتُهُ،ثُمَّ نَزَفَ الدَّمَ،فَهَمَسُوا بَيْنَهُمْ حَتَّى خَشِيتُ أَنْ يُبَايِعُوا رَجُلا مِنْهُمْ،فَقُلْتُ:إِنَّ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ حَيٌّ بَعْدُ،وَلا يَكُونُ خَلِيفَتَانِ يَنْظُرُ أَحَدُهُمَا إِلَى الآخَرِ،فَقَالَ:احْمِلُونِي،فَحَمَلْنَاهُ،فَقَالَ:تَشَاوِرُوا ثَلاثًا،وَيُصَلِّي بِالنَّاسِ صُهَيْبٌ،قَالَ:مَنْ نُشَاوِرُ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ ؟ فَقَالَ:شَاوِرُوا الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنْصَارَ،وسَرَاةَ مَنْ هُنَا مِنَ الأَجْنَادِ،ثُمَّ دَعَا بِشَرْبَةٍ مِنْ لَبَنٍ فَشَرِبَ،فَخَرَجَ بَيَاضُ اللَّبَنِ مِنَ الْجُرْحَيْنِ،فَعُرِفَ أَنَّهُ الْمَوْتُ،فَقَالَ:الآنَ لَوْ أَنَّ لِيَ الدُّنْيَا كُلَّهَا لافْتَدَيْتُ بِهَا مِنْ هَوْلِ الْمَطْلَعِ،وَمَا ذَاكَ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ إِنْ أَكُونُ رَأَيْتُ إِلا خَيْرًا،فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ:وَإنْ قُلْتَ ذَلِكَ،فَجَزَاكَ اللَّهُ خَيْرًا،أَلَيْسَ قَدْ دَعَا رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - أَنْ يُعِزَّ اللَّهُ بِكَ الدِّينَ وَالْمُسْلِمِينَ إِذْ يَخَافُونَ بِمَكَّةَ،فَلَمَّا أَسْلَمْتَ كَانَ إسْلامُكَ عِزًّا،وَظَهَرَ بِكَ الإِسْلامُ وَرَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - وَأَصْحَابُهُ،وَهَاجَرْتَ إِلَى الْمَدِينَةِ،فَكَانَتْ هِجْرَتُكَ فَتْحًا،ثُمَّ لَمْ تَغِبْ عَنْ مَشْهَدٍ شَهِدَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - مِنْ قِتَالِ الْمُشْرِكِينَ مِنْ يَوْمِ كَذَا وَيَوْمِ كَذَا،ثُمَّ قُبِضَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - وَهُوَ عَنْكَ رَاضٍ،فَوَازَرْتَ الْخَلِيفَةَ بَعْدَهُ عَلَى مِنْهَاجِ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - ،فَضَرَبْتِ مَنْ أَدْبَرَ بِمَنْ أَقْبَلَ حَتَّى دَخَلَ النَّاسُ فِي الإِسْلامِ طَوْعًا أَوْ كَرْهًا،ثُمَّ قُبِضَ الْخَلِيفَةُ وَهُوَ عَنْكَ رَاضٍ،ثُمَّ وُلِّيتَ بِخَيْرِ مَا وُلِّيَ النَّاسُ،مَصَّرَ اللَّهُ بِكَ الأَمْصَارَ،وَجَبَى بِكَ الأَمْوَالَ،وَنَفَى بِكَ الْعَدُوَّ،وَأَدْخَلَ اللَّهُ بِكَ عَلَى كُلِّ أَهْلِ بَيْتٍ مِنْ تَوَسُّعِهِمْ فِي دِينِهِمْ،وتَوَسُّعِهِمْ فِي أَرْزَاقِهِمْ،ثُمَّ خَتَمَ لَكَ بِالشَّهَادَةِ،فَهَنِيئًا لَكَ،فَقَالَ:وَاللَّهِ إِنَّ الْمغرورَ مَنْ تَغُرُّونَهُ،ثُمَّ قَالَ:أَتَشْهَدُ لِي يَا عَبْدَ اللَّهِ عِنْدَ اللَّهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ؟ فَقَالَ:نَعَمْ،فَقَالَ:اللَّهُمَّ لَكَ الْحَمْدُ،أَلْصِقْ خَدِّي بِالأَرْضِ يَا عَبْدَ اللَّهِ ابْنَ عُمَرَ،فَوَضَعْتُهُ مِنْ فَخِذِي عَلَى سَاقِي،فَقَالَ:أَلْصِقْ خَدِّي بِالأَرْضِ،فَتَرَكَ لِحْيَتَهُ وَخَدَّهُ حَتَّى وَقَعَ بِالأَرْضِ،فَقَالَ:وَيْلَكَ وَوَيْلَ أُمِّكَ يَا عُمَرُ إِنْ لَمْ يَغْفِرِ اللَّهُ لَكَ،ثُمَّ قُبِضَ رَحِمَهُ اللَّهُ،فَلَمَّا قُبِضَ أَرْسَلُوا إِلَى عَبْدِ اللَّهِ بن عُمَرَ،فَقَالَ:لا آتِيكُمْ إِنْ لَمْ تَفْعَلُوا مَا أَمَرَكُمْ بِهِ مِنْ مُشَاوَرَةِ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنْصَارِ،وسَرَاةِ مَنْ هَاهُنَا مِنَ الأَجْنَادِ،قَالَ الْحَسَنُ:وَذُكِرَ لَهُ فِعْلُ عُمَرَ عِنْدَ مَوْتِهِ وخَشْيَتُهُ مِنْ رَبِّهِ،فَقَالَ:هَكَذَا الْمُؤْمِنُ جَمَعَ إِحْسَانًا وَشَفَقَةً،وَالْمُنَافِقُ جَمَعَ إساءةً(1/135)
وَغِرَّةً،وَاللَّهِ مَا وَجَدْتُ فِيمَا مَضَى،وَلا فِيمَا بَقِيَ عَبْدًا ازْدَادَ إِحْسَانًا إِلا ازْدَادَ مَخَافَةً وَشَفَقَةً مِنْهُ،وَلا وَجَدْتُ فِيمَا مَضَى،وَلا فِيمَا بَقِيَ عَبْدًا ازْدَادَ إساءةً،إِلا ازْدَادَ غِرَّةٍ أخرجه الطبراني (1)
3- عَنْ عَمْرِو بْنِ مَيْمُونٍ قَالَ رَأَيْتُ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ - رضى الله عنه - قَبْلَ أَنْ يُصَابَ بِأَيَّامٍ بِالْمَدِينَةِ وَقَفَ عَلَى حُذَيْفَةَ بْنِ الْيَمَانِ وَعُثْمَانَ بْنِ حُنَيْفٍ،قَالَ كَيْفَ فَعَلْتُمَا أَتَخَافَانِ أَنْ تَكُونَا قَدْ حَمَّلْتُمَا الأَرْضَ مَا لاَ تُطِيقُ قَالاَ حَمَّلْنَاهَا أَمْرًا هِىَ لَهُ مُطِيقَةٌ،مَا فِيهَا كَبِيرُ فَضْلٍ.قَالَ انْظُرَا أَنْ تَكُونَا حَمَّلْتُمَا الأَرْضَ مَا لاَ تُطِيقُ،قَالَ قَالاَ لاَ.فَقَالَ عُمَرُ لَئِنْ سَلَّمَنِى اللَّهُ لأَدَعَنَّ أَرَامِلَ أَهْلِ الْعِرَاقِ لاَ يَحْتَجْنَ إِلَى رَجُلٍ بَعْدِى أَبَدًا.قَالَ فَمَا أَتَتْ عَلَيْهِ إِلاَّ رَابِعَةٌ حَتَّى أُصِيبَ.قَالَ إِنِّى لَقَائِمٌ مَا بَيْنِى وَبَيْنَهُ إِلاَّ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبَّاسٍ غَدَاةَ أُصِيبَ،وَكَانَ إِذَا مَرَّ بَيْنَ الصَّفَّيْنِ قَالَ اسْتَوُوا.حَتَّى إِذَا لَمْ يَرَ فِيهِنَّ خَلَلاً تَقَدَّمَ فَكَبَّرَ،وَرُبَّمَا قَرَأَ سُورَةَ يُوسُفَ،أَوِ النَّحْلَ،أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ،فِى الرَّكْعَةِ الأُولَى حَتَّى يَجْتَمِعَ النَّاسُ،فَمَا هُوَ إِلاَّ أَنْ كَبَّرَ فَسَمِعْتُهُ يَقُولُ قَتَلَنِى - أَوْ أَكَلَنِى - الْكَلْبُ.حِينَ طَعَنَهُ،فَطَارَ الْعِلْجُ بِسِكِّينٍ ذَاتِ طَرَفَيْنِ لاَ يَمُرُّ عَلَى أَحَدٍ يَمِينًا وَلاَ شِمَالاً إِلاَّ طَعَنَهُ حَتَّى طَعَنَ ثَلاَثَةَ عَشَرَ رَجُلاً،مَاتَ مِنْهُمْ سَبْعَةٌ،فَلَمَّا رَأَى ذَلِكَ رَجُلٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ،طَرَحَ عَلَيْهِ بُرْنُسًا،فَلَمَّا ظَنَّ الْعِلْجُ أَنَّهُ مَأْخُوذٌ نَحَرَ نَفْسَهُ،وَتَنَاوَلَ عُمَرُ يَدَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ فَقَدَّمَهُ،فَمَنْ يَلِى عُمَرَ فَقَدْ رَأَى الَّذِى أَرَى،وَأَمَّا نَوَاحِى الْمَسْجِدِ فَإِنَّهُمْ لاَ يَدْرُونَ غَيْرَ أَنَّهُمْ قَدْ فَقَدُوا صَوْتَ عُمَرَ وَهُمْ يَقُولُونَ سُبْحَانَ اللَّهِ سُبْحَانَ اللَّهِ.فَصَلَّى بِهِمْ عَبْدُ الرَّحْمَنِ صَلاَةً خَفِيفَةً،فَلَمَّا انْصَرَفُوا.قَالَ يَا ابْنَ عَبَّاسٍ،انْظُرْ مَنْ قَتَلَنِى.فَجَالَ سَاعَةً،ثُمَّ جَاءَ،فَقَالَ غُلاَمُ الْمُغِيرَةِ.قَالَ الصَّنَعُ قَالَ نَعَمْ.قَالَ قَاتَلَهُ اللَّهُ لَقَدْ أَمَرْتُ بِهِ مَعْرُوفًا،الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِى لَمْ يَجْعَلْ مَنِيَّتِى بِيَدِ رَجُلٍ يَدَّعِى الإِسْلاَمَ،قَدْ كُنْتَ أَنْتَ وَأَبُوكَ تُحِبَّانِ أَنْ تَكْثُرَ الْعُلُوجُ بِالْمَدِينَةِ وَكَانَ { الْعَبَّاسُ } أَكْثَرَهُمْ رَقِيقًا.فَقَالَ إِنْ شِئْتَ فَعَلْتُ.أَىْ إِنْ شِئْتَ قَتَلْنَا.قَالَ كَذَبْتَ،بَعْدَ مَا تَكَلَّمُوا بِلِسَانِكُمْ،وَصَلَّوْا قِبْلَتَكُمْ وَحَجُّوا حَجَّكُمْ فَاحْتُمِلَ إِلَى بَيْتِهِ فَانْطَلَقْنَا مَعَهُ،وَكَأَنَّ النَّاسَ لَمْ تُصِبْهُمْ مُصِيبَةٌ قَبْلَ يَوْمَئِذٍ،فَقَائِلٌ يَقُولُ لاَ بَأْسَ.وَقَائِلٌ يَقُولُ أَخَافُ عَلَيْهِ،فَأُتِىَ بِنَبِيذٍ فَشَرِبَهُ فَخَرَجَ مِنْ جَوْفِهِ،ثُمَّ أُتِىَ بِلَبَنٍ
__________
(1) - برقم(217) والأوسط برقم( 590) وهو حديث حسن
(1) الهول : الخَوْفُ والرعب والأمْرُ الشَّديدُ .(2) المصر : البلد أو القرية(1/136)
فَشَرِبَهُ فَخَرَجَ مِنْ جُرْحِهِ،فَعَلِمُوا أَنَّهُ مَيِّتٌ،فَدَخَلْنَا عَلَيْهِ،وَجَاءَ النَّاسُ يُثْنُونَ عَلَيْهِ،وَجَاءَ رَجُلٌ شَابٌّ،فَقَالَ أَبْشِرْ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ بِبُشْرَى اللَّهِ لَكَ مِنْ صُحْبَةِ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - وَقَدَمٍ فِى الإِسْلاَمِ مَا قَدْ عَلِمْتَ،ثُمَّ وَلِيتَ فَعَدَلْتَ،ثُمَّ شَهَادَةٌ.قَالَ وَدِدْتُ أَنَّ ذَلِكَ كَفَافٌ لاَ عَلَىَّ وَلاَ لِى.فَلَمَّا أَدْبَرَ،إِذَا إِزَارُهُ يَمَسُّ الأَرْضَ.قَالَ رُدُّوا عَلَىَّ الْغُلاَمَ قَالَ ابْنَ أَخِى ارْفَعْ ثَوْبَكَ،فَإِنَّهُ أَبْقَى لِثَوْبِكَ وَأَتْقَى لِرَبِّكَ،يَا عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ انْظُرْ مَا عَلَىَّ مِنَ الدَّيْنِ.فَحَسَبُوهُ فَوَجَدُوهُ سِتَّةً وَثَمَانِينَ أَلْفًا أَوْ نَحْوَهُ،قَالَ إِنْ وَفَى لَهُ مَالُ آلِ عُمَرَ،فَأَدِّهِ مِنْ أَمْوَالِهِمْ،وَإِلاَّ فَسَلْ فِى بَنِى عَدِىِّ بْنِ كَعْبٍ،فَإِنْ لَمْ تَفِ أَمْوَالُهُمْ فَسَلْ فِى قُرَيْشٍ،وَلاَ تَعْدُهُمْ إِلَى غَيْرِهِمْ،فَأَدِّ عَنِّى هَذَا الْمَالَ،انْطَلِقْ إِلَى عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ فَقُلْ يَقْرَأُ عَلَيْكِ عُمَرُ السَّلاَمَ.وَلاَ تَقُلْ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ.فَإِنِّى لَسْتُ الْيَوْمَ لِلْمُؤْمِنِينَ أَمِيرًا،وَقُلْ يَسْتَأْذِنُ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ أَنْ يُدْفَنَ مَعَ صَاحِبَيْهِ.فَسَلَّمَ وَاسْتَأْذَنَ،ثُمَّ دَخَلَ عَلَيْهَا،فَوَجَدَهَا قَاعِدَةً تَبْكِى فَقَالَ يَقْرَأُ عَلَيْكِ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ السَّلاَمَ وَيَسْتَأْذِنُ أَنْ يُدْفَنَ مَعَ صَاحِبَيْهِ.فَقَالَتْ كُنْتُ أُرِيدُهُ لِنَفْسِى،وَلأُوثِرَنَّ بِهِ الْيَوْمَ عَلَى نَفْسِى.فَلَمَّا أَقْبَلَ قِيلَ هَذَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ قَدْ جَاءَ.قَالَ ارْفَعُونِى،فَأَسْنَدَهُ رَجُلٌ إِلَيْهِ،فَقَالَ مَا لَدَيْكَ قَالَ الَّذِى تُحِبُّ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ أَذِنَتْ.قَالَ الْحَمْدُ لِلَّهِ،مَا كَانَ مِنْ شَىْءٍ أَهَمُّ إِلَىَّ مِنْ ذَلِكَ،فَإِذَا أَنَا قَضَيْتُ فَاحْمِلُونِى ثُمَّ سَلِّمْ فَقُلْ يَسْتَأْذِنُ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ،فَإِنْ أَذِنَتْ لِى فَأَدْخِلُونِى،وَإِنْ رَدَّتْنِى رُدُّونِى إِلَى مَقَابِرِ الْمُسْلِمِينَ.وَجَاءَتْ أُمُّ الْمُؤْمِنِينَ حَفْصَةُ وَالنِّسَاءُ تَسِيرُ مَعَهَا،فَلَمَّا رَأَيْنَاهَا قُمْنَا،فَوَلَجَتْ عَلَيْهِ فَبَكَتْ عِنْدَهُ سَاعَةً،وَاسْتَأْذَنَ الرِّجَالُ،فَوَلَجَتْ دَاخِلاً لَهُمْ،فَسَمِعْنَا بُكَاءَهَا مِنَ الدَّاخِلِ.فَقَالُوا أَوْصِ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ اسْتَخْلِفْ.قَالَ مَا أَجِدُ أَحَقَّ بِهَذَا الأَمْرِ مِنْ هَؤُلاَءِ النَّفَرِ أَوِ الرَّهْطِ الَّذِينَ تُوُفِّىَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - وَهْوَ عَنْهُمْ رَاضٍ.فَسَمَّى عَلِيًّا وَعُثْمَانَ وَالزُّبَيْرَ وَطَلْحَةَ وَسَعْدًا وَعَبْدَ الرَّحْمَنِ وَقَالَ يَشْهَدُكُمْ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ وَلَيْسَ لَهُ مِنَ الأَمْرِ شَىْءٌ - كَهَيْئَةِ التَّعْزِيَةِ لَهُ - فَإِنْ أَصَابَتِ الإِمْرَةُ سَعْدًا فَهْوَ ذَاكَ،وَإِلاَّ فَلْيَسْتَعِنْ بِهِ أَيُّكُمْ مَا أُمِّرَ،فَإِنِّى لَمْ أَعْزِلْهُ عَنْ عَجْزٍ وَلاَ خِيَانَةٍ وَقَالَ أُوصِى الْخَلِيفَةَ مِنْ بَعْدِى بِالْمُهَاجِرِينَ الأَوَّلِينَ أَنْ يَعْرِفَ لَهُمْ حَقَّهُمْ،وَيَحْفَظَ لَهُمْ حُرْمَتَهُمْ،وَأُوصِيهِ بِالأَنْصَارِ خَيْرًا،الَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالإِيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ،أَنْ يُقْبَلَ مِنْ مُحْسِنِهِمْ،وَأَنْ يُعْفَى عَنْ مُسِيئِهِمْ،وَأُوصِيهِ بِأَهْلِ الأَمْصَارِ خَيْرًا فَإِنَّهُمْ(1/137)
رِدْءُ الإِسْلاَمِ،وَجُبَاةُ الْمَالِ،وَغَيْظُ الْعَدُوِّ،وَأَنْ لاَ يُؤْخَذَ مِنْهُمْ إِلاَّ فَضْلُهُمْ عَنْ رِضَاهُمْ،وَأُوصِيهِ بِالأَعْرَابِ خَيْرًا،فَإِنَّهُمْ أَصْلُ الْعَرَبِ وَمَادَّةُ الإِسْلاَمِ أَنْ يُؤْخَذَ مِنْ حَوَاشِى أَمْوَالِهِمْ وَتُرَدَّ عَلَى فُقَرَائِهِمْ،وَأُوصِيهِ بِذِمَّةِ اللَّهِ وَذِمَّةِ رَسُولِهِ - صلى الله عليه وسلم - أَنْ يُوفَى لَهُمْ بِعَهْدِهِمْ،وَأَنْ يُقَاتَلَ مِنْ وَرَائِهِمْ،وَلاَ يُكَلَّفُوا إِلاَّ طَاقَتَهُمْ.فَلَمَّا قُبِضَ خَرَجْنَا بِهِ فَانْطَلَقْنَا نَمْشِى فَسَلَّمَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ قَالَ يَسْتَأْذِنُ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ.قَالَتْ أَدْخِلُوهُ.فَأُدْخِلَ،فَوُضِعَ هُنَالِكَ مَعَ صَاحِبَيْهِ،فَلَمَّا فُرِغَ مِنْ دَفْنِهِ اجْتَمَعَ هَؤُلاَءِ الرَّهْطُ،فَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ اجْعَلُوا أَمْرَكُمْ إِلَى ثَلاَثَةٍ مِنْكُمْ.فَقَالَ الزُّبَيْرُ قَدْ جَعَلْتُ أَمْرِى إِلَى عَلِىٍّ.فَقَالَ طَلْحَةُ قَدْ جَعَلْتُ أَمْرِى إِلَى عُثْمَانَ.وَقَالَ سَعْدٌ قَدْ جَعَلْتُ أَمْرِى إِلَى عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ.فَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ أَيُّكُمَا تَبَرَّأَ مِنْ هَذَا الأَمْرِ فَنَجْعَلُهُ إِلَيْهِ،وَاللَّهُ عَلَيْهِ وَالإِسْلاَمُ لَيَنْظُرَنَّ أَفْضَلَهُمْ فِى نَفْسِهِ.فَأُسْكِتَ الشَّيْخَانِ،فَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ أَفَتَجْعَلُونَهُ إِلَىَّ،وَاللَّهُ عَلَىَّ أَنْ لاَ آلُوَ عَنْ أَفْضَلِكُمْ قَالاَ نَعَمْ،فَأَخَذَ بِيَدِ أَحَدِهِمَا فَقَالَ لَكَ قَرَابَةٌ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - وَالْقَدَمُ فِى الإِسْلاَمِ مَا قَدْ عَلِمْتَ،فَاللَّهُ عَلَيْكَ لَئِنْ أَمَّرْتُكَ لَتَعْدِلَنَّ،وَلَئِنْ أَمَّرْتُ عُثْمَانَ لَتَسْمَعَنَّ وَلَتُطِيعَنَّ.ثُمَّ خَلاَ بِالآخَرِ فَقَالَ لَهُ مِثْلَ ذَلِكَ،فَلَمَّا أَخَذَ الْمِيثَاقَ قَالَ ارْفَعْ يَدَكَ يَا عُثْمَانُ.فَبَايَعَهُ،فَبَايَعَ لَهُ عَلِىٌّ،وَوَلَجَ أَهْلُ الدَّارِ فَبَايَعُوهُ أخرجه البخاري (1)
وفِي قِصَّة عُمَر هَذِهِ مِنَ الفَوائِد شَفَقَته عَلَى المُسلِمِينَ،ونَصِيحَته لَهُم،وإِقامَته السُّنَّة فِيهِم،وشِدَّة خَوفه مِن رَبّه،واهتِمامه بِأَمرِ الدِّين أَكثَر مِن اهتِمامه بِأَمرِ نَفسه،وأَنَّ النَّهي عَن المَدح فِي الوجه مَخصُوص بِما إِذا كانَ غُلُوّ مُفرِط أَو كَذِب ظاهِر،ومِن ثَمَّ لَم يَنهَ عُمَر الشّابّ عَن مَدحه لَهُ مَعَ كَونه أَمَرَهُ بِتَشمِيرِ إِزاره،والوصِيَّة بِأَداءِ الدَّين،والاعتِناء بِالدَّفنِ عِند أَهل الخَير والمَشُورَة فِي نَصب الإِمام وتَقدِيم الأَفضَل،وأَنَّ الإِمامَة تَنعَقِد بِالبَيعَةِ وغَير ذَلِكَ مِمّا هُو ظاهِر بِالتَّأَمُّلِ،والله المُوفِّق.
وقالَ ابن بَطّال:فِيهِ دَلِيل عَلَى جَواز تَولِيَة المَفضُول عَلَى الأَفضَل مِنهُ لأَنَّ ذَلِكَ لَو لَم يَجُز لَم يَجعَل الأَمر شُورَى إِلَى سِتَّة أَنفُس مَعَ عِلمه أَنَّ بَعضهم أَفضَل مِن بَعض،قالَ:ويَدُلّ
__________
(1) - برقم(3700) والبيهقي في السنن برقم( 16436) وصحيح ابن حبان برقم(7043)(1/138)
عَلَى ذَلِكَ أَيضًا قَول أَبِي بَكر:"قَد رَضِيت لَكُم أَحَد الرَّجُلَينِ عُمَر وأَبِي عُبَيدَة"مَعَ عِلمه بِأَنَّهُ أَفضَل مِنهُما.
وقَد اُستُشكِلَ جَعل عُمَر الخِلافَة فِي سِتَّة ووكَّلَ ذَلِكَ إِلَى اجتِهادهم،ولَم يَصنَع ما صَنَعَ أَبُو بَكر فِي اجتِهاده فِيهِ؛لأَنَّهُ إِن كانَ لا يَرَى جَواز وِلايَة المَفضُول عَلَى الفاضِل فَصَنِيعه يَدُلّ عَلَى أَنَّ مَن عَدا السِّتَّة كانَ عِنده مَفضُولاً بِالنِّسبَةِ إِلَيهِم،وإِذا عَرَفَ ذَلِكَ فَلَم يَخفَ عَلَيهِ أَفضَلِيَّة بَعض السِّتَّة عَلَى بَعض،وإِن كانَ يَرَى جَواز وِلايَة المَفضُول عَلَى الفاضِل فَمَن ولاَّهُ مِنهُم أَو مِن غَيرهم كانَ مُمكِنًا،والجَواب عَن الأَوَّل يَدخُل فِيهِ الجَواب عَن الثّانِي وهُو أَنَّهُ تَعارَضَ عِنده صَنِيع النَّبِيّ - صلى الله عليه وسلم - حَيثُ لَم يُصَرِّح بِاستِخلافِ شَخص بِعَينِهِ وصَنِيع أَبِي بَكر حَيثُ صَرَّحَ،فَتِلكَ طَرِيق تَجمَع التَّنصِيص وعَدَم التَّعيِين،وإِن شِئت قُل تَجمَع الاستِخلاف وتَرك تَعيِين الخَلِيفَة. (1)
4- عَنْ حُمَيْدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْحِمْيَرِىِّ حَدَّثَنَا ابْنُ عَبَّاسٍ بِالْبَصْرَةِ قَالَ أَنَا أَوَّلُ مَنْ أَتَى عُمَرَ حِينَ طُعِنَ فَقَالَ احْفَظْ عَنِّى ثَلاَثاً فَإِنِّى أَخَافُ أَنْ لاَ يُدْرِكَنِى النَّاسُ أَمَّا أَنَا فَلَمْ أَقْضِ فِى الْكَلاَلَةِ قَضَاءً وَلَمْ أَسْتَخْلِفْ عَلَى النَّاسِ خَلِيفَةً وَكُلُّ مَمْلُوكٍ لِى عَتِيقٌ.فَقَالَ لَهُ النَّاسُ اسْتَخْلِفْ. فَقَالَ أَىَّ ذَلِكَ أَفْعَلُ فَقَدْ فَعَلَهُ مَنْ هُوَ خَيْرٌ مِنِّى إِنْ أَدَعْ إِلَى النَّاسِ أَمْرَهُمْ فَقَدْ تَرَكَهُ نَبِىُّ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - وَإِنْ أَسْتَخْلِفْ فَقَدِ اسْتَخْلَفَ مَنْ هُوَ خَيْرٌ مِنِّى أَبُو بَكْرٍ. فَقُلْتُ لَهُ أَبْشِرْ بِالْجَنَّةِ صَاحَبْتَ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فَأَطَلْتَ صُحْبَتَهُ وَوُلِّيتَ أَمْرَ الْمُؤْمِنِينَ فَقَوِيتَ وَأَدَّيْتَ الأَمَانَةَ. فَقَالَ أَمَّا تَبِشيرُكَ إِيَّاىَ بِالْجَنَّةِ فَوَاللَّهِ لَوْ أَنَّ لِى - قَالَ عَفَّانُ فَلاَ وَاللَّهِ الَّذِى لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ لَوْ أَنَّ لِى الدُّنْيَا بِمَا فِيهَا لاَفْتَدَيْتُ بِهِ مِنْ هَوْلِ مَا أَمَامِى قَبْلَ أَنْ أَعْلَمَ الْخَبَرَ وَأَمَّا قَوْلُكَ فِى أَمْرِ الْمُؤْمِنِينَ فَوَاللَّهِ لَوَدِدْتُ أَنَّ ذَلِكَ كَفَافاً لاَ لِى وَلاَ عَلَىَّ وَأَمَّا مَا ذَكَرْتَ مَنْ صُحْبَةِ نَبِىِّ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فَذَلِكَ. أخرجه أحمد (2)
5- عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ،أَنَّهُ دَخَلَ عَلَى عُمَرَ حِينَ طُعِنَ،فَقَالَ:أَبْشِرْ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ،أَسْلَمْتَ مَعَ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - حِينَ كَفَرَ النَّاسُ،وَقَاتَلْتَ مَعَ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - حِينَ خَذَلَهُ النَّاسُ،وَتُوُفِّيَ
__________
(1) - فتح الباري شرح صحيح البخاري- ط دار المعرفة - (7 / 69)
(2) - برقم(329) وهو صحيح(1/139)
رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - وَهُوَ عَنْكَ رَاضٍ وَلَمْ يَخْتَلِفْ فِي خِلاَفَتِكَ رَجُلاَنِ،وَقُتِلْتَ شَهِيدًا. فَقَالَ:أَعِدْ،فَأَعَادَ فَقَالَ:الْمَغْرُورُ مَنْ غَرَرْتُمُوهُ لَوْ أَنَّ مَا عَلَى ظَهْرِهَا مِنْ بَيْضَاءَ وَصَفْرَاءَ،لاَفْتَدَيْتُ بِهِ مِنْ هَوْلِ الْمَطْلَعِ. أخرجه ابن حبان (1)
وعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ:أَنَّهُ دَخَلَ عَلَى عُمَرَ حِينَ طُعِنَ،فَقَالَ:أَبْشِرْ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ،أَسْلَمْتَ مَعَ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - حِينَ كَفَرَ النَّاسُ،وَقَاتَلْتَ مَعَ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - حِينَ خَذَلَهُ النَّاسُ،وَتُوُفِّيَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - وَهُوَ عَنْكَ رَاضٍ،وَلَمْ يَخْتَلِفْ فِي خِلَافَتِكَ رَجُلَانِ،وَقُتِلْتَ شَهِيدًا،فَقَالَ عُمَرُ:"أَعِدْ"فَأَعَدْتُ،فَقَالَ عُمَرُ:"الْمَغْرُورُ مَنْ غَرَرْتُمُوهُ،وَلَوْ أَنَّ لِيَ مَا عَلَى ظَهْرِهَا مِنْ بَيْضَاءَ وَصفْرَاءَ لَافْتَدَيْتُ بِهِ مِنْ هَوْلِ الْمُطَّلَعِ " (2)
6 -عَنْ مَعْدَانَ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ،أَنَّ عُمَرَ خَطَبَ يَوْمَ جُمُعَةٍ،فَذَكَرَ نَبِيَّ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - ،وَذَكَرَ أَبَا بَكْرٍ - رضي الله عنهم - ،وَقَالَ:إِنِّي قَدْ رَأَيْتُ كَأَنَّ دِيكًا قَدْ نَقَرَنِي نَقْرَتَيْنِ،وَلاَ أُرَاهُ إِلاَّ لِحُضُورِ أَجَلِي،وَإِنَّ أَقْوَامًا يَأْمُرُونِي أَنْ أَسْتَخْلِفَ،وَإِنَّ اللَّهَ لَمْ يَكُنْ لِيُضِيعَ دِينَهُ وَلاَ خِلافَتَهُ،وَالَّذِي بَعَثَ بِهِ نَبِيَّهُ - صلى الله عليه وسلم - ،فَإِنْ عَجِلَ بِي أَمْرٌ،فَالْخِلافَةُ شُورَى بَيْنَ هَؤُلاءِ السِّتَّةِ الَّذِينَ تُوُفِّيَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - وَهُوَ عَنْهُمْ رَاضٍ،وَإِنِّي قَدْ عَلِمْتُ أَنَّ قَوْمًا سَيَطْعُنُونَ فِي هَذَا الأَمْرِ،أَنَا ضَرَبْتُهُمْ بِيَدِي هَذِهِ عَلَى الإِِسْلامِ،فَإِنْ فَعَلُوا فَأُولَئِكَ أَعْدَاءُ اللهِ الْكَفَرَةُ الضُّلاَّلُ،وَإِنِّي لاَ أَدَعُ بَعْدِي شَيْئًا أَهَمَّ إِلَيَّ مِنَ الْكَلالَةِ وَمَا أَغْلَظَ لِي رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فِي شَيْءٍ مُنْذُ صَاحَبْتُهُ،مَا أَغْلَظَ لِي فِي الْكَلالَةِ،وَمَا رَاجَعْتُهُ فِي شَيْءٍ مَا رَاجَعْتُهُ فِي الْكَلالَةِ ،حَتَّى طَعَنَ بِإِصْبَعِهِ فِي صَدْرِي،وَقَالَ:يَا عُمَرُ أَلاَ تَكْفِيكَ آيَةُ الصَّيْفِ الَّتِي فِي آخِرِ سُورَةِ النِّسَاءِ ؟ فَإِنْ أَعِشْ أَقْضِي فِيهَا قَضِيَّةً يَقْضِي بِهَا مَنْ يَقْرَأُ الْقُرْآنَ،وَمَنْ لاَ يَقْرَأُ الْقُرْآنَ،ثُمَّ قَالَ:اللَّهُمَّ إِنِّي أُشْهِدُكَ عَلَى أُمَرَاءِ الأَمْصَارِ،فَإِنَّمَا بَعَثْتُهُمْ لِيُعَلِّمُوا النَّاسَ دِينَهُمْ،وَسُنَّةَ نَبِيِّهِمْ - صلى الله عليه وسلم - ،وَيَقْسِمُوا فِيهِمْ فَيْئَهُمْ،وَيَعْدِلُوا عَلَيْهِمْ،وَيَرْفَعُوا إِلَيَّ مَا أَشْكَلَ عَلَيْهِمْ مِنْ أَمْرِهِمْ،أَيُّهَا النَّاسُ،إِنَّكُمْ تَأْكُلُونَ مِنْ شَجَرَتَيْنِ لاَ أُرَاهُمَا إِلاَّ
__________
(1) - صحيح ابن حبان - (15 / 314) (6891) صحيح - خذل فلانا : تخلى عن عونه ونصرته
(2) - شعب الإيمان - (6 / 503) (4530 ) صحيح(1/140)
خَبِيثَتَيْنِ،لَقَدْ رَأَيْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - إِذَا وَجَدَ رِيحَهُمَا مِنَ الرَّجُلِ فِي الْمَسْجِدِ،أَمَرَ بِهِ فَأُخِذَ بِيَدِهِ فَأُخْرِجَ إِلَى الْبَقِيعِ وَمَنْ أَكَلَهُمَا،فَلْيُمِتْهُمَا طَبْخًا..أخرجه مسلم (1)
7- عَنْ عَمْرِو بْنِ مَيْمُونٍ،قَالَ:رَأَيْتُ عُمَرَ قَبْلَ قَتْلِهِ بِأَرْبَعِ لَيَالٍ وَاقِفًا عَلَى بَعِيرٍ يَقُولُ لِحُذَيْفَةَ بْنِ الْيَمَانِ،وَعُثْمَانَ بْنِ حُنَيْفٍ:انْظُرَا مَا لَدَيْكُمَا،انْظُرَا:"أَلَّا تَكُونَا حَمَّلْتُمَا أَهْلَ الْأَرْضِ مَا لَا يُطِيقُونَ "،فَقَالَ عُثْمَانُ:وَضَعْتُ عَلَيْهِمْ شَيْئًا لَوْ أَضْعَفْتُهُ عَلَيْهِمْ لَكَانُوا مُطِيقِينَ لِذَلِكَ،وَقَالَ حُذَيْفَةُ:وَضَعْتُ عَلَيْهِمْ شَيْئًا مَا فِيهِ كَثِيرُ فَضْلٍ.ثُمَّ ذَكَرَ مَقْتَلَ عُمَرَ إِلَى آخِرِهِ فِي حَدِيثٍ طَوِيلٍ قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ:وَهَذَا عِنْدَنَا مَذْهَبُ الْجِزْيَةِ وَالْخَرَاجِ،إِنَّمَا هُمَا عَلَى قَدْرِ الطَّاقَةِ مِنْ أَهْلِ الذِّمَّةِ،بِلَا حِمْلٍ عَلَيْهِمْ،وَلَا إِضْرَارٍ بِفَيْءِ الْمُسْلِمِينَ،لَيْسَ فِيهِ حَدٌّ مُؤَقَّتٌ،أَلَا
__________
(1) - برقم( 1286) ومسند أحمد (عالم الكتب) - (1 / 132) (186)
وفي شرح النووي على مسلم - (ج 2 / ص 332)
قَوْله : ( وَإِنَّ أَقْوَامًا يَأْمُرُونَنِي أَنْ أَسْتَخْلِف ، وَإِنَّ اللَّه لَمْ يَكُنْ لِيُضَيِّع دِينه وَلَا خِلَافَته ) مَعْنَاهُ : إِنْ أَسْتَخْلِف فَحَسَن ، وَإِنْ تَرَكْت الِاسْتِخْلَاف فَحَسَن ، فَإِنَّ النَّبِيّ - صلى الله عليه وسلم - لَمْ يَسْتَخْلِف ؛ لِأَنَّ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ لَا يُضَيِّع دِينه ، يُقِيم لَهُ مَنْ يَقُوم بِهِ .
قَوْله : ( فَإِنْ عَجِلَ بِي أَمْرٌ فَالْخِلَافَةُ شُورَى بَيْن هَؤُلَاءِ السِّتَّة )مَعْنَى ( شُورَى ) يَتَشَاوَرُونَ فِيهِ وَيَتَّفِقُونَ عَلَى وَاحِد مِنْ هَؤُلَاءِ السِّتَّة : عُثْمَان وَعَلِيّ وَطَلْحَة وَزُبَيْر وَسَعْد بْن أَبِي وَقَّاص وَعَبْد الرَّحْمَن بْن عَوْف . وَلَمْ يُدْخِل سَعِيد بْن زَيْد مَعَهُمْ وَإِنْ كَانَ مِنْ الْعَشَرَة ؛ لِأَنَّهُ مِنْ أَقَارِبه ، فَتَوَرَّعَ عَنْ إِدْخَاله كَمَا تَوَرَّعَ عَنْ إِدْخَال اِبْنه عَبْد اللَّه - رَضِيَ اللَّه عَنْهُمْ
قَوْله : ( وَقَدْ عَلِمْت أَنَّ أَقْوَامًا يَطْعَنُونَ فِي هَذَا الْأَمْر - إِلَى قَوْله - فَإِنْ فَعَلُوا ذَلِكَ فَأُولَئِكَ أَعْدَاء اللَّه الْكَفَرَة الضُّلَّال ) مَعْنَاهُ : إِنْ اِسْتَحَلُّوا ذَلِكَ فَهُمْ كَفَرَة ضُلَّال ، وَإِنْ لَمْ يَسْتَحِلُّوا ذَلِكَ فَفِعْلهمْ فِعْل الْكَفَرَة .
وَقَوْله : ( يَطْعَنُونَ )بِضَمِّ الْعَيْن وَفَتْحهَا وَهُوَ الْأَصَحّ هُنَا .
قَوْله - صلى الله عليه وسلم - : ( أَلَا تَكْفِيك آيَة الصَّيْف الَّتِي فِي آخِر سُورَة النِّسَاء ) مَعْنَاهُ : الْآيَة الَّتِي نَزَلَتْ فِي الصَّيْف ، وَهِيَ قَوْل اللَّه تَعَالَى : { يَسْتَفْتُونَك قُلْ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلَالَةِ } إِلَى آخِرهَا وَفِيهِ : دَلِيل عَلَى جَوَاز قَوْل : سُورَة النِّسَاء وَسُورَة الْبَقَرَة ، وَسُورَة الْعَنْكَبُوت وَنَحْوهَا ، وَهَذَا مَذْهَب مَنْ يُعْتَدُّ بِهِ مِنْ الْعُلَمَاء ، وَالْإِجْمَاع الْيَوْم مُنْعَقِد عَلَيْهِ ، وَكَانَ فِيهِ نِزَاع فِي الْعَصْر الْأَوَّل ، وَكَانَ بَعْضهمْ يَقُول : لَا يُقَال سُورَة كَذَا ، إِنَّمَا يُقَال : السُّورَة الَّتِي يُذْكَرُ فِيهَا كَذَا ، وَهَذَا بَاطِل مَرْدُود بِالْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَة ، وَاسْتِعْمَال النَّبِيّ - صلى الله عليه وسلم - وَالصَّحَابَة وَالتَّابِعِينَ فَمَنْ بَعْدهمْ مِنْ عُلَمَاء الْمُسْلِمِينَ ، وَلَا مَفْسَدَة فِيهِ ، لِأَنَّ الْمَعْنَى مَفْهُوم وَاللَّهُ أَعْلَم
قَوْله : ( لَقَدْ رَأَيْت رَسُول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - إِذَا وَجَدَ رِيحهمَا مِنْ الرَّجُل فِي الْمَسْجِد أَمَرَ بِهِ فَأُخْرِجَ إِلَى الْبَقِيع ) هَذَا فِيهِ : إِخْرَاج مَنْ وُجِدَ مِنْهُ رِيح الثَّوْم وَالْبَصَل وَنَحْوهمَا مِنْ الْمَسْجِد وَإِزَالَة الْمُنْكَر بِالْيَدِ لِمَنْ أَمْكَنَهُ .
قَوْله : ( فَمَنْ أَكَلَهُمَا فَلْيُمِتْهُمَا طَبْخًا )مَعْنَاهُ مَنْ أَرَادَ أَكْلهمَا فَلْيُمِتْ رَائِحَتهمَا بِالطَّبْخِ ، وَإِمَاتَة كُلّ شَيْء كَسْر قُوَّته وَحِدَّته ، وَمِنْهُ قَوْلهمْ : قَتَلْت الْخَمْر إِذَا مَزَجَهَا بِالْمَاءِ وَكَسَرَ حِدَّتهَا(1/141)
تَرَى أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - إِنَّمَا كَانَ فَرَضَهُ عَلَى أَهْلِ الْيَمَنِ دِينَارًا عَلَى كُلِّ حَالِمٍ،فِي الْأَحَادِيثِ الَّتِي ذَكَرْنَاهَا فِي كِتَابِهِ إِلَى مُعَاذٍ،وَقِيمَةُ الدِّينَارِ يَوْمَئِذٍ إِنَّمَا كَانَتْ عَشَرَةَ دَرَاهِمَ أَوِ اثْنَيْ عَشَرَ دِرْهَمًا ؟ فَهَذَا دُونَ مَا فَرَضَ عُمَرُ رَحِمَهُ اللَّهُ عَلَى أَهْلِ الشَّامِ وَأَهْلِ الْعِرَاقِ،وَإِنَّمَا يُوَجَّهَ هَذَا مِنْهُ أَنَّهُ إِنَّمَا زَادَ عَلَيْهِمْ بِقَدْرِ يَسَارِهِمْ وَطَاقَتِهِمْ،وَقَدْ رُوِيَ عَنْ مُجَاهِدٍ مِثْلُ ذَلِكَ."الأموال للقاسم بن سلام (1)
وعَنْ عَمْرِو بْنِ مَيْمُونٍ،قَالَ:رَأَيْتُ عُمَرَ قَبْلَ قَتْلِهِ بِأَرْبَعِ لَيَالٍ،وَاقِفًا عَلَى بَعِيرٍ يَقُولُ لِحُذَيْفَةَ بْنِ الْيَمَانِ وَعُثْمَانَ بْنِ حُنَيْفٍ:"انْظُرَا مَا لَدَيْكُمَا،انْظُرَا لَا تَكُونَا حَمَّلْتُمَا أَهْلَ الْأَرْضِ مَا لَا يُطِيقُونَ ".فَقَالَ عُثْمَانُ:وَظَّفْتُ عَلَيْهِمْ شَيْئًا لَوْ أَضْعَفْتَهُ عَلَيْهِمْ لَكَانُوا مُطِيقِينَ لِذَلِكَ،وَقَالَ حُذَيْفَةُ:وَضَعْتُ عَلَيْهِمْ شَيْئًا مَا فِيهِ كَبِيرُ فَضْلٍ،ثُمَّ ذَكَرَ مَقْتَلَ عُمَرَ إِلَى آخِرِهِ حَدَّثَنَا حُمَيْدٌ قَالَ قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ:فَهَذَا عِنْدَنَا مَذْهَبُ الْجِزْيَةِ وَالْخَرَاجِ،إِنَّمَا هُمَا عَلَى قَدْرِ الطَّاقَةِ مِنْ أَهْلِ الذِّمَّةِ بِلَا حَمْلٍ عَلَيْهِمْ،وَلَا ضِرَارٍ بِفَيْءِ الْمُسْلِمِينَ،لَيْسَ فِيهِ حَدٌّ مُؤَقَّتٌ،أَلَا تَرَى أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - :إِنَّمَا فَرَضَهُ عَلَى أَهْلِ الْيَمَنِ دِينَارًا عَلَى كُلِّ حَالِمٍ،فِي كُلِّ الْأَحَادِيثِ الَّتِي ذَكَرْنَا فِي كُتُبِهِ إِلَى مُعَاذٍ،وَقِيمَةُ الدِّينَارِ يَوْمَئِذٍ إِنَّمَا كَانَتْ عَشَرَةَ دَرَاهِمَ أَوِ اثْنَيْ عَشَرَ دِرْهَمًا،فَهَذَا دُونَ مَا فَرَضَ عُمَرُ عَلَى أَهْلِ الشَّامِ،وَأَهْلِ الْعِرَاقِ،وَإِنَّمَا يُؤْخَذُ هَذَا مِنْهُ،إِنَّهُ إِنَّمَا زَادَ عَلَيْهِمْ بِقَدْرِ يَسَارِهِمْ وَطَاقَتِهِمْ " (2)
8- عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ - رضي الله عنهم - أَنَّهُ قَالَ:أُوصِي الْخَلِيفَةَ مِنْ بَعْدِي بِأَهْلِ الذِّمَّةِ خَيْرًا،أَنْ يُوفِيَ لَهُمْ بِعَهْدِهِمْ،وَأَنْ يُقَاتِلَ مِنْ وَرَائِهِمْ،وَأَنْ لَا يُكَلَّفُوا فَوْقَ طَاقَتِهِمْ.أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ فِي الصَّحِيحِ (3)
وعَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ - رضي الله عنهم - أَنَّهُ قَالَ:"أُوصِي الْخَلِيفَةَ مِنْ بَعْدِي بِذِمَّةِ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - خَيْرًا،أَنْ يُوفِيَ لَهُمْ بِعَهْدِهِمْ،وَأَنْ يُقَاتِلَ مِنْ وَرَائِهِمْ،وَأَنْ لَا يُكَلَّفُوا فَوْقَ طَاقَتِهِمْ " (4)
__________
(1) - الْأَمْوَالُ لِلْقَاسِمِ بْنِ سَلَّامٍ (93 ) وهو صحيح
(2) - الْأَمْوَالُ لِابْنِ زَنْجُوَيْهِ (139 ) صحيح
(3) - صحيح البخارى- المكنز - (3052 ) والسُّنَنُ الْكُبْرَى لِلْبَيْهقِيِّ (17191 )
(4) - الْخَرَاجُ لِيَحْيَى بْنِ آدَمَ (228 ) صحيح(1/142)
وعَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ،أَنَّهُ كَانَ فِي وَصِيَّتِهِ عِنْدَ مَوْتِهِ:أُوْصِي الْخَلِيفَةَ مِنْ بَعْدِي بِكَذَا وَكَذَا وَأُوصِيهِ بِذِمَّةِ اللَّهِ وَذِمَّةِ رَسُولِهِ - صلى الله عليه وسلم - خَيْرًا:أَنْ يُقَاتِلَ مِنْ وَرَائِهِمْ،وَأَنْ لَا يُكَلَّفُوا فَوْقَ طَاقَتِهِمْ " (1)
وعَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ،أَنَّهُ كَانَ فِي وَصِيَّتِهِ عِنْدَ مَوْتِهِ:"أُوصِي الْخَلِيفَةَ مِنْ بَعْدِي بِكَذَا وَكَذَا،وَأُوصِيهِ بِذِمَّةِ اللَّهِ.وَذِمَّةِ رَسُولِهِ خَيْرًا،وَأَنْ يُقَاتِلَ مَنْ وَرَاءَهُمْ،وَأَنْ لَا يُكَلَّفُوا فَوْقَ طَاقَتِهِمْ وَقَالَ عَوَّامٌ:أَهْلُ الْعِلْمِ فِي أَهْلِ الذِّمَّةِ:يُسْبَوْنَ،ثُمَّ يُصِيبُهُمُ الْمُسْلِمُونَ بَعْدُ،إِنَّهُمْ لَا يُسْتَرَقُّونَ وَيُرَدُّونَ إِلَى ذِمَّتِهِمْ،وَهَذَا قَوْلُ النَّخَعِيِّ،وَالشَّعْبِيِّ،وَبِهِ قَالَ مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ،وَاللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ،وَالْأَوْزَاعِيُّ،وَالشَّافِعِيُّ،وَأَمَرَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ،أَنْ يُفْدَى أَسْرَاهُمْ،وَبِهِ قَالَ اللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ،وَقَالَ مَالِكٌ فِي أَمْوَالِ أَهْلِ الذِّمَّةِ:هُمْ وَأَهْلُ الْإِسْلَامِ سَوَاءٌ إِنْ أَدْرَكُوا أَمْوَالَهُمْ قَبْلَ أَنْ تُقْسَمَ كَانُوا أَوْلَى بِهَا،وَإِنْ أَدْرَكُوهَا بَعْدَ الْقِسْمَةِ أَخَذُوهَا بِالثَّمَنِ.قَالَ أَبُو بَكْرٍ:وَقَدْ رُوِّينَا عَنْ هِشَامِ بْنِ عَبْدِ الْمَلِكِ غَيْرَ ذَلِكَ،رُوِّينَا عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ فِي نَاسٍ مِنْ أَهْلِ الذِّمَّةِ،سَبَاهُمُ الْعَدُوُّ فَبَاعُوهُمْ مِنْ أَهْلِ قُبْرُسَ،ثُمَّ بَاعَهُمْ أَهْلُ قُبْرُسَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ،فَلَمَّا قَدِمُوا خَاصَمُوهُمْ،فَكَتَبَ هِشَامٌ:أَنَّ أَجْرَ بَيْعِهِمْ لِمَنِ اشْتَرَاهُمْ.قَالَ أَبُو بَكْرٍ:فَإِنْ أَصَابَ أَهْلُ الْإِسْلَامِ شَيْئًا مِنَ الْعَدُوِّ،فَادَّعَى بَعْضُهُمْ أَنَّهُ كَانَ مِنْ أَهْلِ الذِّمَّةِ،لَمْ يُقْبَلْ قَوْلُهُ،إِلَّا أَنْ يَشْهَدَ لَهُ بَيِّنَةٌ بِذَلِكَ،فَإِنْ شَهِدَتْ لَهُ بَيِّنَةٌ رُدَّ إِلَى ذِمَّتِهِ،وَإِنْ لَمْ تَشْهَدْ لَهُنَّ بَيِّنَةٌ،كَانَ حُكْمُهُ كَحُكْمِ سَائِرِ الرِّجَالِ الَّذِينَ الْإِمَامُ فِيهِمْ بِالْخِيَارِ عَلَى مَا ذَكَرْنَاهُ فِيمَا مَضَى " (2)
وفي رواية عَنْ زُبَيْدٍ الأَيَامِيِّ،قَالَ:قَالَ عُمَرُ - رضي الله عنهم - :أُوصِي الْخَلِيفَةَ مِنْ بَعْدِي بِتَقْوَى اللَّهِ،وَأُوصِيهِ بِالْمُهَاجِرِينَ الأَوَّلِينَ،أَنْ يَعْرِفَ لَهُمْ حَقَّهُمْ،وَيَحْفَظَ لَهُمْ كَرَامَتَهُمْ،وَأُوصِيهِ بِالأَنْصَارِ خَيْرًا،الَّذِينَ تَبَوَّؤُوا الدَّارَ وَالإِيمَانَ مِنْ قَبْلِ،أَنْ يُقْبَلَ مِنْ مُحْسِنِهِمْ،وَأَنْ يُعْفَى عَنْ مُسِيئِهِمْ،وَأُوصِيهِ بِأَهْلِ الأَمْصَارِ خَيْرًا،فَإِنَّهُمْ رِدْءُ الإِسْلاَمِ،وَغَيْظُ الْعَدُوِّ،وَجُبَاةُ الأَمْوَالِ،أَنْ لاَ يُؤْخَذَ مِنْهُمْ إِلاَّ فَضْلَهُمْ عَنْ رَضًى مِنْهُمْ،وَأُوصِيهِ بِالأَعْرَابِ خَيْرًا؛فَإِنَّهُمْ أَصْلُ الْعَرَبِ وَمَادَّةُ
__________
(1) - الْأَمْوَالُ لِلْقَاسِمِ بْنِ سَلَّامٍ (300 ) صحيح
(2) - الْأَوْسَطُ لِابْنِ الْمُنْذِرِ (3283 ) صحيح(1/143)
الإِسْلاَمِ،أَنْ يُؤْخَذَ مِنْ حَوَاشِ أَمْوَالِهِمْ فَتُرَدُّ عَلَى فُقَرَائِهِمْ،وَأُوصِيهِ بِذِمَّةِ اللَّهِ،وَذِمَّةِ رَسُولِهِ،أَنْ يُوفِيَ لَهُمْ بِعَهْدِهِمْ،وَأَنْ يُقَاتِلَ مَنْ وَرَاءَهُمْ،وَلاَ يُكَلَّفُوا فَوْقَ طَاقَتِهِمْ. (1)
9- عَنْ طَارِقِ بْنِ شِهَابٍ،قَالَ:قَالَتْ أُمُّ أَيْمَنَ لَمَّا قُتِلَ عُمَرُ الْيَوْمَ وَهَى الإسْلاَمُ.أخرجه ابن أبي شيبة (2)
10- عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بن مَسْعُودٍ،قَالَ:"لَقَدْ أَحْبَبْتُ عُمَرَ حَتَّى لَقَدْ خِفْتُ اللَّهَ،وَلَوْ أَعْلَمُ أنَّ كَلْبًا يُحِبُّ عُمَرَ لأَحْبَبْتُهُ،وَلَوَدِدْتُ أَنِّي كُنْتُ خَادِمًا لِعُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ،وَلَقَدْ وَجَدَ فَقْدَهُ كُلُّ شَيْءٍ حَتَّى الْعِضَاهَ،وَإِنَّ هِجْرَتَهُ كَانِتْ نَصْرًا،وَإنَّ سُلْطَانَهُ كَانَ رَحْمَةً".
وَفِي رِوَايَةٍ:لَوْ أَنَّ عُمَرَ أَحَبَّ كَلْبًا كَانَ أَحَبَّ الْكِلَابِ إِلَيَّ وَفِي رِوَايَةٍ:لَقَدْ خَشِيتُ اللَّهَ فِي حُبِّي عُمَرَ أخرجها الطبراني (3)
11- وَعَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ:أَنَّ سَعِيدَ بْنَ زَيْدٍ قَالَ:يَا أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ،قُبِضَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فَأَيْنَ هُوَ ؟ قَالَ:فِي الْجَنَّةِ.قَالَ:تُوُفِّيَ أَبُو بَكْرٍ فَأَيْنَ هُوَ ؟ قَالَ:ذَاكَ الْأَوَّاهُ عِنْدَ كُلِّ خَيْرٍ يُبْتَغَى.قَالَ:تُوُفِّيَ عُمَرُ فَأَيْنَ هُوَ ؟ قَالَ:إِذَا ذُكِرَ الصَّالِحُونَ فَحَيَّهَلَا بِعُمَرَ أخرجه الطبراني (4)
__________
(1) - السنة لأحمد بن محمد الخلال - (1 / 116) (62) صحيح
الذمة والذمام : العَهْد، والأمَانِ، والضَّمان، والحُرمَة، والحقِّ
حَواشي أمْوَالهم : هي صِغار الإبل ، كابن المخَاض ، وابن اللَّبون ، واحِدُها حاشِية ، وحاشية كل شيء : جانبه وطَرَفُه
(2) - برقم(31973) والطبراني برقم(20731) ومعجم ابن الأعرابي برقم(1581) وهو صحيح
أم أيمن بركة الحبشية، مولاة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، وحاضنته.- ورثها من أبيه، ثم أعتقها عندما تزوج بخديجة.- وكانت من المهاجرات الأول.- اسمها: بركة. وقد تزوجها عبيد بن الحارث الخزرجي فولدت له: أيمن. ولأيمن هجرة وجهاد، استشهد يوم حنين .- ثم تزوجها زيد بن حارثة ليالي بعث النبي - صلى الله عليه وسلم - فولدت له أسامة بن زيد، حب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - .- عن أنس قال : أن أم أيمن بكت حين مات النبي - صلى الله عليه وسلم - . قيل لها: أتبكين؟ قال: والله لقد علمت أنه سيموت، ولكني أبكي على الوحي إذ انقطع عنا من السماء.- وعن طارق قال: لما قتل عمر بكت أم أيمن وقالت : اليوم وهى الإسلام.- قال الواقدي: ماتت في خلافة عثمان.المصدر: نزهة الفضلاء
(3) - برقم(8726 -8728) وهو حسن
(4) - مصنف ابن أبي شيبة - (20 / 595) (38222) صحيح(1/144)
12- عَنِ الْمِسْوَرِ بْنِ مَخْرَمَةَ،قَالَ:دَخَلْتُ أَنَا،وَابْنُ عَبَّاسٍ عَلَى عُمَرَ بَعْدَ مَا طُعَنْ،وَقَدْ أُغْمِيَ عَلَيْهِ،فَقُلْنَا:لاَ يَنْتَبِهُ لِشَيْءٍ أَفْرَغَ لَهُ مِنَ الصَّلاَةِ،فَقُلْنَا:الصَّلاَةُ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ،فَانْتَبَهَ،وَقَالَ:الصَّلاَةُ،وَلاَ حَظَّ فِي الإِسْلاَمِ لاِمْرِئٍ تَرَكَ الصَّلاَةَ،فَصَلَّى وَإِنَّ جُرْحَهُ لَيَثْعَبُ دَمًا.. أخرجه ابن أبي شيبة (1)
13- عَنْ عَمْرِو بْنِ مَيْمُونٍ،قَالَ:كُنْتُ أَدَعُ الصَّفَّ الأَوَّلَ هَيْبَةً لِعُمَرَ،وَكُنْتُ فِي الصَّفِّ الثَّانِي يَوْمَ أُصِيبَ،فَجَاءَ،فَقَالَ:الصَّلاَةُ عِبَادَ اللهِ،اسْتَوُوا،قَالَ:فَصَلَّى بِنَا،فَطَعَنْهُ أَبُو لُؤْلُؤَةَ طَعَنْتَيْنِ،أَوْ ثَلاَثًا،قَالَ:وَعَلَى عُمَرَ ثَوْبٌ أَصْفَرُ،قَالَ:فَجَمَعَهُ عَلَى صَدْرِهِ،ثُمَّ أَهْوَى،وَهُوَ يَقُولُ:{وَكَانَ أَمْرُ اللهِ قَدَرًا مَقْدُورًا} فَقَتَلَ وَطَعَنَ اثْنَيْ عَشَرَ،أَوْ ثَلاَثَةَ عَشَرَ،قَالَ:وَمَالَ النَّاسُ عَلَيْهِ،فَاتَّكَأَ عَلَى خِنْجَرِهِ فَقَتَلَ نَفْسَهُ. ُ.أخرجه ابن أبي شيبة (2)
14- عَنِ الْمِسْوَرِ بْنِ مَخْرَمَةَ - رضي الله عنهم - قَالَ:"لَمَّا طُعِنَ عُمَرُ - رضي الله عنهم - حَمَلْنَاهُ فَأَدْخَلْنَاهُ فَأُغْمِيَ عَلَيْهِ فَجَعَلْنَا نُنَادِيهِ نُنَبِّهُهُ وَجَعَلَ لَا يَنْتَبِهُ فَقَالَ بَعْضُ الْقَوْمِ:إِنْ كَانَ لَيْسَ يَنْتَبِهُ فَاذْكُرُوا لَهُ الصَّلَاةَ فَقَالُوا:يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ الصَّلَاةَ الصَّلَاةَ فَفَتَحَ عَيْنَهُ وَقَالَ:"الصَّلَاةُ الصَّلَاةُ هَآ اللَّهِ إِذًا وَلَا حَظَّ فِي الْإِسْلَامِ لِمَنْ تَرَكَ الصَّلَاةَ"
وعَنِ الْمِسْوَرِ بْنِ مَخْرَمَةَ،وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسِ بْنِ أَبِي رَبِيعَةَ،قَالَا:لَمَّا طُعِنَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ - رضي الله عنهم - حَمَلْنَاهُ إِلَى بَيْتِهِ فَلَمَّا أَسْفَرَ قُلْنَا:نُهِبُّهُ بِذِكْرِ الصَّلَاةِ فَقُلْنَا لَهُ:الصَّلَاةَ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ فَقَالَ:"نَعَمْ لَا حَظَّ فِي الْإِسْلَامِ لِمَنْ تَرَكَ الصَّلَاةَ "
وعَنِ الْمِسْوَرِ بْنِ مَخْرَمَةَ،قَالَ:دَخَلْتُ عَلَى عُمَرَ - رضي الله عنهم - وَهُوَ مُسَجًّى فَقَالُوا:الصَّلَاةَ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ قَالَ:"الصَّلَاةُ هَا اللَّهِ إِذًا وَلَا حَقَّ فِي الْإِسْلَامِ لِمَنْ تَرَكَ الصَّلَاةَ فَصَلَّى وَجُرْحُهُ يَثْعَبُ دَمًا "
وعَنِ الْمِسْوَرِ بْنِ مَخْرَمَةَ،قَالَ:دَخَلْتُ مَعَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ - رضي الله عنهم - مْ عَلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابٍ - رضي الله عنهم - حِينَ طُعِنَ فَأَخَذَتْهُ غَشْيَةٌ فَقِيلَ لَهُ:الصَّلَاةَ فَرَفَعَ رَأْسَهُ فَقَالَ:"الصَّلَاةَ وَلَا حَظَّ فِي الْإِسْلَامِ
__________
(1) - برقم(37067) وهو صحيح
(2) - مصنف ابن أبي شيبة - (20 / 595) (38223) صحيح(1/145)
لِمَنْ تَرَكَ الصَّلَاةَ فَصَلَّى وَالْجُرْحُ يَثْعَبُ دَمًا"أخرجه محمد بن نصر في تعظيم قدر الصلاة (1)
عَنِ الْحَسَنِ،قَالَ:"إِذَا تَرَكَ الرَّجُلُ صَلَاةً وَاحِدَةً مُتَعَمِّدًا فَإِنَّهُ لَا يَقْضِيَهَا"قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ:وَقَوْلُ الْحَسَنِ هَذَا يَحْتَمِلُ مَعْنَيَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ كَانَ يُكَفِّرُهُ بِتَرْكِ الصَّلَاةِ مُتَعَمِّدًا فَذَلِكَ لَمْ يَرَ عَلَيْهِ الْقَضَاءَ لِأَنَّ الْكَافِرَ لَا يُؤْمَرُ بِقَضَاءِ مَا تَرَكَ مِنَ الْفَرَائِضِ فِي كُفْرِهِ،وَالْمَعْنَى الثَّانِي أَنَّهُ إِنْ لَمْ يَكُنْ يُكَفِّرُهُ بِتَرْكِهَا فَإِنَّهُ ذَهَبَ إِلَى أَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ إِنَّمَا افْتَرَضَ عَلَيْهِ أَنْ يَأْتِيَ بِالصَّلَاةِ فِي وَقْتٍ مَعْلُومٍ فَإِذَا تَرَكَهَا حَتَّى يَذْهَبَ وَقْتُهَا فَقَدْ لَزِمَتْهُ الْمَعْصِيَةُ لِتَرْكِهِ الْفَرْضَ فِي الْوَقْتِ الْمَأْمُورِ بِإِتْيَانِهِ بِهِ فِيهِ فَإِذَا أَتَى بِهِ بَعْدَ ذَلِكَ فَإِنَّمَا أَتَى بِهِ فِي وَقْتٍ لَمْ يُؤْمَرْ بِإِتْيَانِهِ بِهِ فِيهِ،فَلَا يَنْفَعُهُ أَنْ يَأْتِيَ بِغَيْرِ الْمَأْمُورِ بِهِ عَنِ الْمَأْمُورِ بِهِ.وَهَذَا الْقَوْلُ غَيْرُ مُسْتَنْكَرٍ فِي النَّظَرِ لَوْلَا أَنَّ الْعُلَمَاءَ قَدْ أَجْمَعَتْ عَلَى خِلَافِهِ.وَمَنْ ذَهَبَ إِلَى هَذَا قَالَ فِي النَّاسِي لِلصَّلَاةِ حَتَّى يَذْهَبَ وَقْتُهَا وَفَى النَّائِمِ أَيْضًا:إِنَّهُ لَوْ لَمْ يَأْتِ الْخَبَرُ عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - أَنَّهُ قَالَ:"مَنْ نَامَ عَنْ صَلَاةٍ أَوْ نَسِيَهَا فَلْيُصَلِّهَا إِذَا اسْتَيْقَظَ أَوْ ذَكَرَ "،وَأَنَّهُ - صلى الله عليه وسلم - نَامَ عَنْ صَلَاةِ الْغَدَاةِ فَقَضَاهَا بَعْدَ ذَهَابِ الْوَقْتِ لِمَا وَجَبَ عَلَيْهِ فِي النَّظَرِ قَضَاؤُهَا أَيْضًا فَلَمَّا جَاءَ الْخَبَرُ عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - بِذَلِكَ وَجَبَ عَلَيْهِ قَضَاؤُهَا وَبَطُلَ حَظُّ النَّظَرِ.قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ:وَأَمَّا اقْتِيَاسُهُمْ تَرْكَ الصَّلَاةِ عَلَى تَرْكِ سَائِرِ الْفَرَائِضِ فَقَدْ ذَكَرْنَا فِي صَدْرِ كِتَابِنَا هَذَا الدَّلِيلَ عَلَى تَعْظِيمِ قَدْرِ الصَّلَاةِ وَمُبَايَنَتِهَا سَائِرَ الْأَعْمَالِ فِي الْفَضْلِ وَعِظَمِ الْقَدْرِ مَا فِيهِ كِفَايَةٌ،وَدَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ تُجْعَلَ قِيَاسًا عَلَى سَائِرِ الْفَرَائِضِ،وَمَنْ قَبِلَ أَنَّ الصَّلَاةَ لَمْ تَزَلْ مِفْتَاحَ شَرَائِعِ دِينِ الْإِسْلَامِ وَعَقْدَهُ لَا تَزُولُ عَنْهُ أَبَدًا لَمْ تَزَلْ مَقْرُونَةً بِالْإِيمَانِ فِي دِينِ الْمَلَائِكَةِ وَالْأَنْبِيَاءِ وَالْخَلْقِ أَجْمَعِينَ لَمْ يَكُنْ لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ دِينٌ بِغَيْرِهَا قَطُّ،وَسَائِرُ الْفَرَائِضِ لَيْسَ كَذَلِكَ لَيْسَ عَلَى الْمَلَائِكَةِ زَكَاةٌ وَلَا صِيَامٌ وَلَا حَجٌّ،وَالصَّلَاةُ لَا تَسْقُطُ عَنْهُمْ،وَلَا يُزَايِلُ التَّوْحِيدَ فَهِيَ أَعَمُّ الشَّرَائِعِ فَرْضًا بِهَا يَفْتَتِحُ اللَّهُ ذِكْرَهَا وَبِهَا يَفْتَتِحُ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - أَعْلَامَ الْإِيمَانِ أَيْنَمَا ذَكَرَهَا وَهِيَ أَخَصُّ
__________
(1) - تَعْظِيمُ قَدْرِ الصَّلَاةِ لِمُحَمَّدِ بْنِ نَصْرٍ الْمَرْوَزِيِّ (809-812) ومالك برقم(83) والبيهقي في السنن برقم( 1471) وهو صحيح
(1) مسجى : مغطى (2) ثعب : سال وجرى(1/146)
الْفَرَائِضِ لُزُومًا لِلدَّاخِلِ فِي الْإِسْلَامِ وَأَشْهَرِهَا مَنَارًا لِلدِّينِ،وَمَعْلَمًا بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُشْرِكِينَ أَلَا تَرَى أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - كَانَ إِذَا غَزَا قَوْمًا لَمْ يَغْزُ عَلَيْهِمْ حَتَّى يُصْبِحَ فَإِنْ سَمِعَ أَذَانًا أَمْسَكَ وَإِنْ لَمْ يَسْمَعْهُ أَغَارَ عَلَيْهِمْ وَكَذَلِكَ كَانَ الصِّدِّيقُ - رضي الله عنهم - يَفْعَلُ فَهِيَ أَشْهَرُ مَعَالِمِ التَّوْحِيدِ مَنَارًا بَيْنَ مِلَّةِ الْإِسْلَامِ وَمِلَّةِ الْكُفْرِ،لَنْ يَسْتَحِقَّ دِينَ الْإِسْلَامِ وَمُشَارَكَةَ أَهْلِ الْمِلَّةِ وَمُبَايَنَةَ مِلَّةِ الْكُفْرِ إِلَّا بِإِقَامَتِهَا،فَإِنْ تَرَكَتْهَا الْعَامَّةُ انْطَمَسَ مَنَارُ الدِّينِ كُلِّهِ فَلَا يَبْقَى لِلدِّينِ رَسْمٌ وَلَا عَلَمٌ يُعْرَفُ بِهِ،فَلَيْسَ تَعْطِيلُ مَا لَوْ تَرَكَتْهُ الْعَامَّةُ شَمِلَهُمْ تَعْطِيلُ الدِّينِ حَتَّى لَا يَبْقَى لَهُ رَسْمٌ كَتَرْكِ مَا لَا يَشْمَلُ الْعَامَّةَ فَالصَّلَاةُ شَامِلَةٌ لَهُمْ يَجْمَعُهُمْ إِقَامَتُهَا عَلَى مُبَايَنَةِ مِلَّةِ الْكُفْرِ شَهَّرَ اللَّهُ تَعَالَى أَمْرَهَا بِالنِّدَاءِ إِلَيْهَا وَالتَّجَمُّعِ فِيهَا عَلَى إِقَامَتِهَا،وَجَعَلَهَا الشَّرْعُ فِي الْمِلَّةِ فَمَنْ تَخَلَّى مِنْهَا فَمَا حَظُّهُ فِي الْإِسْلَامِ بِلَا مِصْدَاقٍ وَلَا عِلْمٍ تُحَقِّقُهُ بِهِ وَهُوَ كَمَا قَالَ عُمَرُ - رضي الله عنهم - :لَا حَظَّ فِي الْإِسْلَامِ لِمَنْ تَرَكَ الصَّلَاةَ.وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ - رضي الله عنهم - :لَا دِينَ لِمَنْ لَا صَلَاةَ لَهُ.وَكَذَلِكَ الرِّوَايَةُ عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - أَنَّهُ قَالَ:"الْعَهْدُ الَّذِي بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمُ الصَّلَاةُ فَمَنْ تَرَكَهَا فَقَدْ كَفَرَ ".وَأَكْثَرُ مِنْ ذَلِكَ كُلِّهِ مَا قَدْ تَلَوْنَاهُ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ فِي صَدْرِ كِتَابِنَا مِنْ إِيعَادِهِ مُضَيِّعَ الصَّلَاةِ وَتَارِكِهَا الْوَعِيدَ الْغَلِيظَ الَّذِي لَمْ يَفْعَلْهُ بِمُضَيِّعِ سَائِرِ الْفَرَائِضِ نَحْوَ قَوْلِهِ تَعَالَى:فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلَاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا " (1)
15- عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ،قَالَ:لَمَّا صَدَرَ عُمَرُ مِنْ مِنًى أَنَاخَ بِالْأَبْطَحِ،ثُمَّ كَوَّمَ كُومَةً مِنَ الْبَطْحَاءِ،ثُمَّ أَلْقَى عَلَيْهِ نَفْسَهُ،فَلَزِقَ بِثَوْبِهِ وَاسْتَلْقَى،وَمَدَّ يَدَهُ إِلَى السَّمَاءِ،فَقَالَ:"اللَّهُمَّ ضَعُفَتْ قُوَّتِي،وَكَبِرَتْ سِنِّي،وَانْتَشَرَتْ رَعِيَّتِي،فَاقْبِضْنِي إِلَيْكَ غَيْرَ مُضَيِّعٍ وَلَا مُفْرِّطٍ،ثُمَّ قَدِمَ الْمَدِينَةَ،فَخَطَبَ،فَقَالَ:"أَيُّهَا النَّاسُ،إِنِّي قَدْ سَنَنْتُ لَكُمُ السُّنَنَ،وَفَرَضْتُ لَكُمُ الْفَرَائِضَ،وَتَرَكْتُكُمْ عَلَى وَاضِحَةٍ وَصَفَّقَ يَحْيَى بِيَدَيْهِ إِلَّا أَنْ تَضِلُّوا بِالنَّاسِ يَمِينًا وَشِمَالًا"فَذَكَرَ الْحَدِيثَ قَالَ سَعِيدٌ:فَمَا انْسَلَخَ ذُو الْحِجَّةِ،حَتَّى قُتِلَ عُمَرُ"أخرجه مسدد (2)
__________
(1) - تَعْظِيمُ قَدْرِ الصَّلَاةِ لِمُحَمَّدِ بْنِ نَصْرٍ الْمَرْوَزِيِّ (915 ) صحيح
(2) - الْمَطَالِبُ الْعَالِيَةُ لِلْحَافِظِ ابْنِ حَجَرٍ الْعَسْقَلَانِيِّ (3997 ) صحيح وهو صحيح
(1) الصَّدَر بالتحريك : رجوعُ المُسَافِر من مَقْصِده (2) الكوم : كل ما اجتمع وارتفع له رأس ، من تراب أو رمل أو حجارة أو قمح أو نحو ذلك(1/147)
16- عَنِ الْمِقْدَامِ بْنِ مَعْدِي كَرِبَ،قَالَ:لَمَّا أُصِيبَ عُمَرُ،دَخَلَتْ إِلَيْهِ حَفْصَةُ،فَقَالَتْ:يَا صَاحِبَ رَسُولِ اللَّهِ،وَيَا صِهْرَ رَسُولِ اللَّهِ،وَيَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينِ،فَقَالَ عُمَرُ لِابْنِ عُمَرَ:أَجْلِسْنِي يَا عَبْدَ اللَّهِ،أَجْلِسْنِي،فَلَا صَبْرَ لِي عَلَى مَا أَسْمَعُ،فَأَسْنَدَهُ إِلَى صَدْرِهِ،فَقَالَ لَهَا:"إِنِّي أُحَرِّجُ عَلَيْكِ بِمَا لِي عَلَيْكِ مِنَ الْحَقِّ أَنْ لَا تَنْدِبِينِي بَعْدَ مَجْلِسِكِ هَذَا،فَأَمَّا عَيْنَيْكِ فَلَنْ أَمْلِكُهُمَا،إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ مَيِّتٍ يُنْدَبُ بِمَا لَيْسَ فِيهِ،إِلَّا الْمَلَائِكَةُ تَلْعَنُهُ"أخرجه الحارث (1)
17- عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ،قَالَ:لَمَّا صَدَرَ عُمَرُ مِنْ مِنًى أَنَاخَ بِالْأَبْطَحِ،ثُمَّ كَوَّمَ كُومَةً مِنَ الْبَطْحَاءِ،ثُمَّ أَلْقَى عَلَيْهِ نَفْسَهُ،فَلَزِقَ بِثَوْبِهِ وَاسْتَلْقَى،وَمَدَّ يَدَهُ إِلَى السَّمَاءِ،فَقَالَ:"اللَّهُمَّ ضَعُفَتْ قُوَّتِي،وَكَبِرَتْ سِنِّي،وَانْتَشَرَتْ رَعِيَّتِي،فَاقْبِضْنِي إِلَيْكَ غَيْرَ مُضَيِّعٍ وَلَا مُفْرِّطٍ،ثُمَّ قَدِمَ الْمَدِينَةَ،فَخَطَبَ،فَقَالَ:"أَيُّهَا النَّاسُ،إِنِّي قَدْ سَنَنْتُ لَكُمُ السُّنَنَ،وَفَرَضْتُ لَكُمُ الْفَرَائِضَ،وَتَرَكْتُكُمْ عَلَى وَاضِحَةٍ وَصَفَّقَ يَحْيَى بِيَدَيْهِ إِلَّا أَنْ تَضِلُّوا بِالنَّاسِ يَمِينًا وَشِمَالًا"فَذَكَرَ الْحَدِيثَ قَالَ سَعِيدٌ:فَمَا انْسَلَخَ ذُو الْحِجَّةِ،حَتَّى قُتِلَ عُمَرُ"أخرجه مسدد (2)
18- وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ - رضي الله عنهم - :كَانَ إِسْلَامُ عُمَرَ فَتْحًا،وَكَانَتْ إِمَارَتُهُ رَحْمَةً،وَكَانَتْ هِجْرَتُهُ نُصْرَةً،وَاللَّهِ مَا اسْتَطَعْنَا أَنْ نُصَلِّيَ بِالْبَيْتِ ظَاهِرِينَ حَتَّى أَسْلَمَ عُمَرُ - رضي الله عنهم - ،فَلَمَّا أَسْلَمَ قَاتَلَهُمْ حَتَّى صَلَّيْنَا " (3)
فَالْخَوَاصُّ الَّتِي تَظْهَرُ لِلْخَلْقِ مِنْ أَوْصَافِ الْأَنْبِيَاءِ،الصِّدْقُ لِلَّهِ،وَالثَّقَةُ بِاللَّهِ،وَالْإِعْرَاضُ عَمَّا دُونَ اللَّهِ،وَذَلِكَ فِي صِدْقِ الْقَوْلِ،وَشَجَاعَةِ الْقَلْبِ،وَسَخَاوَةِ النَّفْسِ،قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - :"وَاللَّهِ لَوْ كَانَتْ لِي بِعَدَدِ شَجَرِ تِهَامَةَ كَذَا نَعَمًا لَقَسَمْتُهَا بَيْنَكُمْ،لَا تَجِدُونِي جَبَانًا وَلَا كَذُوبًا وَلَا بَخِيلًا "،هَذَا مَعْنَى الْحَدِيثِ،فَدَلَّ هَذَا عَلَى أَنَّ هَذِهِ الْخِصَالَ مِنْ أَخَصِّ الْأَوْصَافِ الَّتِي تَظْهَرُ لِلنَّاسِ مِنَ الْأَنْبِيَاءِ،وَمَا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ اللَّهِ لَا يَطَلِّعُ عَلَيْهِ إِلَّا هُوَ وَحْدَهُ عَزَّ
__________
(1) - الْمَطَالِبُ الْعَالِيَةُ لِلْحَافِظِ ابْنِ حَجَرٍ الْعَسْقَلَانِيِّ(3996 ) وهو صحيح
(2) - الْمَطَالِبُ الْعَالِيَةُ لِلْحَافِظِ ابْنِ حَجَرٍ الْعَسْقَلَانِيِّ (3997 ) وهو صحيح
(3) - بَحْرُ الْفَوَائِدِ الْمُسَمَّى بِمَعَانِي الْأَخْيَارِ لِلْكَلَابَاذِيِّ ( 232 ) حسن(1/148)
وَجَلَّ.ثُمَّ وُجِدَتْ أَكْثَرُ هَذِهِ الْأَوْصَافِ فِي أَبِي بَكْرٍ،وَفِي عَلِيٍّ أَكْثَرَ مِمَّا وُجِدَتْ فِي عُمَرَ - رضي الله عنهم - مْ أَجْمَعِينَ - قَالَ أَبُو بَكْرٍ:"وَاللَّهِ لَوْ خَشِيتُ أَنْ تَأْكُلَنِي السِّبَاعُ فِي هَذِهِ الْقَرْيَةِ - يَعْنِي الْمَدِينَةَ - لَأَنْفَذْتُ جَيْشَ أُسَامَةَ ."وَبِهِ بَانَ الْحَقُّ مِنَ الْبَاطِلِ بَعْدَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - بِقِتَالِهِ أَهْلَ الرِّدَّةِ،وَبَذْلِ جَمِيعِ مَالِهِ،حَتَّى قَالَ لَهُ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - :"مَاذَا خَلَّفْتَ لِعَيَالِكَ ؟ ."قَالَ:اللَّهَ وَرَسُولَهُ.وَالصِّدْقُ مِنْ أَخَصِّ أَوْصَافِهِ وَسَائِرِ خِصَالِهِ الَّتِي لَا خَفَاءَ بِهِ،ثُمَّ لَمْ يُخْبِرِ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - أَنْ لَوَ كَانَ بَعْدَهُ نَبِيٌّ لَكَانَ أَبُو بَكْرٍ أَوْ عَلِيٌّ،وَلَكِنْ قَالَ ذَلِكَ لِعُمَرَ،لِيَعْلَمَ أَنَّ النُّبُوَّةَ بِالْمَشِيئَةِ وَالِاصْطِفَاءِ لَا بِالْأَسْبَابِ.وَقَوْلُهُ:"لَوْ كَانَ بَعْدِي نَبِيٌّ لَكَانَ عُمَرَ ."لَا يُوجِبُ أَنْ يَكُونَ عُمَرُ أَفْضَلَ مِنْ غَيْرِهِ؛لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ نَبِيًّا،وَلَوْ كَانَ نَبِيًّا كَانَ أَفْضَلَ مِمَّنْ لَيْسَ بِنَبِيٍّ،فَأَمَّا إِذَا لَمْ يَكُنْ نَبِيًّا جَازَ أَنْ يَكُونَ غَيْرُهُ أَفْضَلَ مِنْهُ وَهُوَ أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ "
19- وعَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ الْجُهَنِيِّ، - رضي الله عنهم - قَالَ:سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ:"لَوْ كَانَ بَعْدِي نَبِيٌّ لَكَانَ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ - رضي الله عنهم - " (1)
قَالَ الشَّيْخُ الْإِمَامُ الزَّاهِدُ (الكلاباذيُّ)- رَحِمَهُ اللَّهُ -:أَخْبَرَ النَّبِيُّ عَمَّا لَمْ يَكُنْ،أَنْ لَوْ كَانَ كَيْفَ كَانَ،كَمَا أَخْبَرَ اللَّهُ تَعَالَى عَمَّا لَا يَكُونُ أَنْ لَوْ كَانَ كَيْفَ كَانَ،بِقَوْلِهِ:وَلَوْ رُدُّوا لَعَادُوا لِمَا نُهُوا عَنْهُ وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ،بِقَوْلِهِمْ:رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْهَا فَإِنْ عُدْنَا فَإِنَّا ظَالِمُونَ،فَفِيهِ إِنَابَةُ كَذِبِهِمْ وَعُتُوِّهِمْ عَلَى اللَّهِ - عَزَّ وَجَلَّ - وَأَنْ كُفْرَهُمْ وَتَرْكَهُمُ الْإِيمَانَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ كَانَ عِنَادًا،وَجُحُودًا عَلَى بَصِيرَةٍ بِمَوَاضِعِ الْحَقِّ،وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهَوَى لَا لِشُبْهَةٍ عَرَضَتْ.فَكَذَلِكَ قَوْلُ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - ."لَوْ كَانَ بَعْدِي نَبِيٌّ لَكَانَ عُمَرَ - رضي الله عنهم - ."فِيهِ إِنَابَةٌ عَلَى الْفَضْلِ الَّذِي جَعَلَ اللَّهُ فِي عُمَرَ - رضي الله عنهم - وَالْأَوْصَافِ الَّتِي تَكُونُ فِي الْأَنْبِيَاءِ،وَالنُّعُوتِ الَّتِي تَكُونُ فِي الْمُرْسَلِينَ.فَأَخْبَرَ أَنَّ فِي عُمَرَ - رضي الله عنهم - أَوْصَافًا مِنْ أَوْصَافِ الْأَنْبِيَاءِ،وَخِصَالًا مِنَ الْخِصَالِ الَّتِي تَكُونُ فِي الْمُرْسَلِينَ،مُقَرَّبٌ حَالُهُ مِنْ حَالِ الْأَنْبِيَاءِ - صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ أَجْمَعِينَ - كَمَا وَصَفَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - رَكْبًا أَتَوْهُ فَقَالَ:"حُكَمَاءُ عُلَمَاءُ كَادُوا أَنْ يَكُونُوا مِنَ الْفِقْهِ أَنْبِيَاءَ ".وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ فِيهِ مَعْنًى آخَرُ،وَهُوَ إِخْبَارٌ أَنَّ النُّبُوَّةَ لَيْسَتْ بِاسْتِحْقَاقٍ وَلَا بِعِلَّةٍ تَكُونُ
__________
(1) - بَحْرُ الْفَوَائِدِ الْمُسَمَّى بِمَعَانِي الْأَخْيَارِ لِلْكَلَابَاذِيِّ (231 ) صحيح(1/149)
فِي الْعَبْدِ يَسْتَحِقُّ بِهَا النُّبُوَّةَ وَيَسْتَوْجِبُ الرِّسَالَةَ،بَلْ هُوَ اخْتِيَارٌ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى وَاصْطِفَاءٌ،قَالَ اللَّهُ تَعَالَى:وَلَكِنَّ اللَّهَ يَجْتَبِي مِنْ رُسُلِهِ مَنْ يَشَاءُ،وَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى:اللَّهُ يَصْطَفِي مِنَ الْمَلَائِكَةِ رُسُلًا وَمِنَ النَّاسِ،وَقَالَ تَعَالَى:لَوْلَا نُزِّلَ هَذَا الْقُرْآنُ عَلَى رَجُلٍ مِنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَةَ رَبِّكَ.فَكَأَنَّهُ - صلى الله عليه وسلم - أَشَارَ إِلَى أَوْصَافِ الرُّسُلِ وَالْأَنْبِيَاءِ - عَلَيْهِمُ السَّلَامُ - وَأَنَّ عُمَرَ - رضي الله عنهم - جَمَعَ مِنْهَا كَثِيرًا،لَوْ كَانَتِ الْأَوْصَافُ مُوجِبَةً لِلرُّسُلِ لَكَانَ عُمَرُ بَعْدِي رَسُولًا.وَمِمَّا يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ أَنَّ خَاصَّةَ الْأَوْصَافِ الَّتِي كَانَتْ فِي عُمَرَ الَّتِي تَفَرَّدَ بِهَا عَنْ غَيْرِهِ،قُوَّتُهُ فِي دِينِهِ وَبَدَنِهِ،وَسِتْرُهُ،وَقِيَامُهُ بِإِظْهَارِ دِينِ اللَّهِ وَإِعْرَاضِهِ عَنِ الدُّنْيَا،وَأَنَّهُ كَانَ سَبَبًا لِظُهُورِ الْحَقِّ وَإِعْزَازِ الدِّينِ،وَفُرْقَانِ الْحَقِّ وَالْبَاطِلِ،وَبِذَلِكَ سُمِّيَ الْفَارُوقَ "
- - - - - - - - - - - - -(1/150)
الباب الرابع
فضائل عثمان بن عفان رضي الله عنه
المبحث الأول
الخلاصة في حياة عثمان رضي الله عنه
وَثَالِثُ الْقَوْمِ الْقَانِتُ ذُو النُّورَيْنِ،وَالْخَائِفُ ذُو الْهِجْرَتَيْنِ،وَالْمُصَلِّي إِلَى الْقِبْلَتَيْنِ،هُوَ عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ.كَانَ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ ثُمَّ اتَّقَوْا وَآمَنُوا ثُمَّ اتَّقَوْا وَأَحْسَنُوا،فَكَانَ مِمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاءَ اللَّيْلِ سَاجِدًا وَقَائِمًا يَحْذَرُ الْآخِرَةَ وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ.غَالِبُ أَحْوَالِهِ الْكَرَمُ وَالْحَيَاءُ،وَالْحَذَرُ وَالرَّجَاءُ،حَظُّهُ مِنَ النَّهَارِ الْجُودُ وَالصِّيَامُ،وَمِنَ اللَّيْلِ السُّجُودُ وَالْقِيَامُ،مُبَشَّرٌ بِالْبَلْوَى،وَمُنَعَّمٌ بِالنَّجْوَى"حِلْيَةُ الْأَوْلِيَاءِ
ذو النورين:عثمان بن عفان هو صاحب المناقب والفضائل:ثالث الخلفاء الراشدين،وأول من هاجر إلى الله بعد نبى الله لوط،نعيش مع صفحات من سيرته وحياته ... نتعرف على شخصية عثمان في الجاهلية،ونتعرف على عثمان في حياة النبى - صلى الله عليه وسلم - إلى أن أصبح وزيرا لأبى بكر وعمر،ثم أصبح عثمان أميرا للمؤمنين،حتى لقى ربه شهيدا مبشَّرا بجنات النعيم.
امتاز عثمان بطبيعة فذة،وغلب على شخصيته صفتا الحياء والكرم،وبينهما كانت حياة عثمان الحافلة بالأحداث التى أثارت المناقشات بين المؤرخين وكُتَّاب السير. ولكن من يفهم هذه الطبيعة الشخصية لعثمان يدرك أن فراسة النبى - صلى الله عليه وسلم - في صحابته كانت تصف كل واحد منهم بما يلخص طبيعة شخصيته،ويفسر مواقفها المختلفة،وذلك عند وصف رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عثمان بأنه أشد الأمة حياءً،فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - :"أرحم أمتى أبو بكر،وأشدها في دين الله عمر،وأشدها حياء عثمان".. فهيا بنا نتعرف على عثمان الحيى الكريم وثالث الخلفاء الراشدين. بعد عام الفيل بست سنوات،أى فى عام 577 م،شهدت مدينة"الطائف"بالجزيرة العربية مولد ذى النورين عثمان بن عفان - رضى الله عنه.
وعثمان قرشى أموى،يجتمع نسبه مع النبى - صلى الله عليه وسلم - فى عبد مناف.(1/151)
فهو:عثمان بن عفان بن أبى العاص بن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف،كان والده تاجرًا كبيرًا.
وأما أمه فهى:أروى بنت كريز بن ربيعة بن حبيب بن عبد شمس بن عبد مناف،وهى ابنة عمة الرسول - صلى الله عليه وسلم - .
وكان عثمان فى الجاهلية يكنىَ أبا عمرو،فلما كان الإسلام ولد له من رقية بنت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - غلام سماه عبد الله،فكناه المسلمون أبا عبد الله. عرف عثمان بين قومه بأنه كان جميلا رقيق البشرة،تبدو عليه آثار النعمة.
ووصف بأنه كان ربعة لا بالقصير ولا بالطويل،حسن الوجه،أسمر اللون،كثير الشعر،طويل الذراعين..
ووصفه الحسن بن على فقال:نظرت إلى عثمان فإذا رجل حسن الوجه،وإذا بوجنته نكات،وإذا شعره قد كسا ذراعه. لم تذكر لنا كتب التاريخ والسير الكثير عن حياة عثمان في الجاهلية،غير أنه كان وجيها في قومه،وأهَّله لذلك نسبه فيهم،فهو ينتمى إلى بنى أمية،وكان مولده في الطائف سنة سبع وأربعين قبل الهجرة. وأما وصفه فقد كان جميلا رقيق البشرة تبدو عليه آثار النعمة.
وكان عثمان فى قريش محبوبا،وكانت المرأة من العرب ترقّص ولدها وهي تقول له:
أحبك والرحمن حبَّ قريش عثمان أحب عثمان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قبل إسلامه،وزاد حبه له بعد أن أسلم،حتى أصبح حبا ملك عليه حياته،وأحب رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - عثمان وعرف فيه خلق الحياء والرحمة والكرم،وزوجه من ابنتيه رقية وأم كلثوم،فسمى عثمان لذلك "ذا النورين".
وروت كتب السنة ثناء النبى - صلى الله عليه وسلم - على عثمان،وبشارته له بالجنة،ووصفه له بأنه أصدق الأمة حياء. وقال عن هجرته:"إنه لأول من هاجر إلى الله بعد نبى الله لوط".
وكان عثمان يكتب الوحى لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - فروى عن رسول الله كثيرا من الأحاديث.(1/152)
وفى بيعة الرضوان بايع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن عثمان بيده الشريفة،وقال:"هذه عن عثمان"..
وأحب صحابة رسول الله عثمان،وأثنوا عليه،وعلى أهله وأسرته،لمكانته من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ولسبقه إلى الإسلام،وإنفاقه فى سبيل اللهكان عثمان من السابقين الأولين إلى الإسلام،وكانت سِنُّه يوم أسلم قد تجاوزت الثلاثين،ولم يتردد عثمان فى قبول الإسلام. وكان سبب إسلامه فطرته النقية وأخلاقه النبيلة؛ إذ استجاب للحق عندما دعاه أبو بكر إلى دين الله،وحاول عمه الحكم بن أبى العاص أن يثنى عثمان عن الإسلام،غير أن صلابته فى دينه جعلته يقول لعمه فى ثقة وثبات:والله لا أدعه أبدا. ... كانت صفات عثمان الشخصية وسجاياه وأخلاقه تهيئة لقبول الحق،وكان مقتنعا تماما بأن قومه على باطل فى ديانتهم التى يعبدون فيها أصناما لا تنفع ولا تضر،ولذلك ظل فى شوق إلى دين جديد يعلى من شأن الإنسان.
ولم يتردد عثمان فى قبول الإسلام والإيمان بالله حينما عُرض عليه،خاصة بعد أن رأى فى المنام ذات يوم - وهو قادم من الشام - رؤيا تبشره بهذا الدين،رأى عثمان مناديا يصيح فى النائمين:أن هبوا أيقاظا فإن "أحمد."قد خرج بمكة..!!
وهكذا كان وجدان عثمان مهيئًا للدخول فى الإسلام. ذات يوم مر أبو بكر الصديق على عثمان وقال له:ويحك يا عثمان،والله إنك لرجل حازم ما يخفى عليك الحق من الباطل،هذه الأوثان التى يعبدها قومك أليست حجارة صماء لا تسمع ولا تبصر ولا تضر ولا تنفع؟
فقال عثمان:بلى،والله إنها كذلك.
فقال أبو بكر:هذا محمد بن عبد الله قد بعثه الله برسالته إلى جميع خلقه،فهل لك أن تأتيه وتسمع منه؟ فقال:نعم.
وجاء عثمان إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال له الرسول:يا عثمان،أجب الله إلى جنته فإنى رسول الله إليك و إلى جميع خلقه.(1/153)
يقول عثمان:ما ملكت حين سمعت قوله إلا أن أسلمت،وشهدت أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له،وأن محمدا عبده ورسوله.
وكان عثمان حين أسلم قد تجاوز الثلاثين عامًا.
وكان إسلامه قبل دخول رسول الله دار الأرقم بن أبى الأرقم. فور إسلام عثمان أخذه عمه الحكم بن أبى العاص بن أمية،فأوثقه بالحبال،وقال له فى غضب:أترغب عن ملة آبائك إلى دين محدث؟! والله لا أخليك أبدا حتى تدع ما أنت عليه من هذا الدين.
ولم تهز عثمان الكلمات الغاضبة من عمه،ولم يأبه لما أوثقه به،ورد فى ثبات وثقة قائلا:
والله لا أدعه أبدا..
فلما رأى عمه صلابته فى دينه وثباته عليه تركه. وصف رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عثمان بأنه أول من هاجر إلى الله بعد نبى الله لوط.
ويقول أحد كتاب سيرة عثمان عن هذا الوصف:"ألا إن أولى الألقاب به،وأصدقها فى تصوير حقيقته لهو لقب "المهاجر".. لأن الهجرة لم تكن بالنسبة لعثمان مجرد سفر وانتقال من بلد إلى بلد،بل كانت أبعد من ذلك غورًا وعمقًا،لقد كانت سفر روح ونفس وحياة قبل أن تكون مجرد خطا فوق الرمال ... لقد كانت عبورًا لتخوم الذات وحدود المصير،قبل أن تكون عبورا لتخوم جغرافية وحدود إقليمية ".
وعثمان المهاجر نرحل معه فى هجرته إلى الحبشة ثم هجرته إلى المدينة. أول من هاجر إلى الحبشة عثمان وكانت فى صحبته زوجه رقية بنت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ثم تابعه سائر المهاجرين..
وكان رسول الله يتابع أخبار الزوجين المهاجرين من خلال القادمين من الحبشة. وذات يوم قدمت امرأة من قريش فسألها عنهما،فقالت:رأيتها..
فقال رسول الله:على أى حال رأيتها؟
قالت:رأيتها وقد حملها على حمار من هذه الدواب وهو يسوقها.
فقال رسول الله:صحبهما الله،إن كان عثمان لأول من هاجر إلى الله - عز وجل - بعد لوط. لما أذن الله لرسوله وللمؤمنين فى الهجرة إلى المدينة المنورة،هاجر عثمان إليها،وهناك(1/154)
نزل على أوس بن ثابت فى بنى النجار،وقد آخى بينهما رسول الله. وقيل:إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - آخى بين عثمان بن عفان وعبد الرحمن بن عوف. أحب رسول الله ـ - صلى الله عليه وسلم - ـ عثمان أحبه لحيائه وكرمه،وتضحياته فى سبيل الله،وكذلك أحب عثمان رسول الله حبا ملك عليه حياته.
وكان رسول الله يعرف قدر أصحابه،ويعطى لكل واحد منهم من الوصف والثناء ما هو جدير به،فاختار لأبى بكر صفة الرحمة للأمة،واختار لعمر صفة الشدة فى دين الله،أما عثمان فقد اختار له صفة "الحياء".. قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - "أرحم أمتى أبو بكر،وأشدها فى دين الله عمر،وأشدها حياء عثمان".
وذات يوم قال عنه رسول الله:"اللهم ارض عن عثمان؛ فإنى عنه راضى".
وعندما جهز عثمان جيش العسرة قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - :"غفر الله لك يا عثمان ما أسررت وما أعلنت،وما هو كائن إلى يوم القيامة". اختار رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عثمان بن عفان ليكون كاتب سره،ومن كتاب الوحى،فكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا جلس جلس أبو بكر عن يمينه وعمر عن يساره وعثمان بين يديه يكتب له.
وسئلت السيدة عائشة عن عثمان فقالت:لعن الله من لعنه،فوالله لقد كان عند نبى الله - صلى الله عليه وسلم - وأن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لمسند ظهره إلىَّ وإن جبريل ليوحى إليه القرآن،وإنه ليقول له اكتب يا عثيم،فما كان الله لينزل تلك المنزله إلا كريما على الله ورسوله".. بشر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عشرة من أصحابه بالفوز بالجنة،وكان منهم عثمان غير أن رسول الله اختص عثمان بأن جعله رفيقه فى الجنة،فعن أبى هريرة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال:"لكل نبى رفيق فى الجنة،ورفيقى فيها عثمان بن عفان". وهذه مكانة يتوق لها كل مسلم،وتدل على عظيم قدر عثمان عند الله وعند رسوله - صلى الله عليه وسلم - وقال - صلى الله عليه وسلم - فيما يرويه عبد الرحمن بن عوف - رضى الله عنه:"أبو بكر فى الجنة،وعمر فى الجنة،وعثمان في الجنة،وعليّ في الجنة،وطلحة في الجنة،والزبير في الجنة،وعبد الرحمن بن عوف في الجنة،وسعد ابن أبي وقاص في الجنة،وسعيد بن زيد في الجنة وأبو عبيدة بن الجراح في الجنة". عرف صحابة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بتفوق كل واحد منهم وعبقريته فى مجال من(1/155)
مجالات الدعوة والجهاد فى سبيل الله،برغم مشاركته فى أكثر أعمال الخير،فنرى فيهم القائد العبقرى مثل خالد بن الوليد،ونرى الشاعر مثل حسان بن ثابت،والعالم المتفوق مثل معاذ بن جبل ... وهكذا كان عثمان بن عفان أكثر الصحابة إنفاقًا وجهادًا بماله فى سبيل الله. وبرغم أن عثمان لم يتخلف إلا عن غزوة "بدر"،فإن جهاده بالمال كان السمة الغالبة عليه فى غزوات الرسول - صلى الله عليه وسلم - خاصة تجهيز جيش العسرة فى غزوة تبوك،هذا مع مشاركته في القتال بنفسه في هذه الغزوات.
وغاب عثمان عن غزوة بدر لأنه كان يمرِّض زوجه المريضة رقية بنت رسول الله،والتى توفيت بعد الغزوة،ولهذا العذر ضرب رسول الله لعثمان سهمه وأجره فى بدر،فأصبح من البدريين وإن لم يشهد الغزوة. ومن الأمور المثيرة للاختلاف موقف عثمان فى غزوة أحد،وفراره مع من فروا،قال عبد الله بن عمر:أما فراره يوم أحد فأشهد أن الله عفا عنه وغفر له. أن يعد المرء من البدريين.. هذا شرف عظيم،ناله بعض صحابة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهم أولئك الذين جاهدوا مع رسول الله فى أول معركة بين الحق والباطل،وهى غزوة بدر التي كتب الله فيها النصر للمؤمنين.
تزوج عثمان رقية بنت رسول الله ـ - صلى الله عليه وسلم - ـ في مكة،وفى شهر رمضان من السنة الثانية للهجرة،فى أيام غزوة بدر مرضت رقية،فأذن رسول الله لعثمان أن يبقى في المدينة لتمريض زوجته،وحزن عثمان،ليس لمرض زوجه فحسب،بل لتخلفه عن أول لقاء بين الكفر والإيمان فى ساحة القتال.
وجاء البشير إلى المدينة بنصر المؤمنين،ففرح عثمان،وزاد من فرحه أن رسول الله ضرب له بسهمه وأجره فى بدر كمن شهدها،أى أنه معدود في البدريين. الحر شديد،والأرض جدباء،والناس فى شدة،فى هذه الظروف جاءت جيوش الروم تهدد المسلمين على مشارف الجزيرة العربية،ووقف رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يخطب فى المسلمين،يدعوهم إلى تجهيز جيش لملاقاة الروم،فقام عثمان فقال:يا رسول الله،على مائة بعير بأحلاسها وأقتابها فى سبيل الله،ثم تكلم رسول الله وحض على تجهيز الجيش،فمائة بعير لاتكفى،فقام عثمان مرة(1/156)
أخرى فقال:يا رسول الله علىّ مائتا بعير بأحلاسها وأقتابها،فخطب رسول الله مرة ثالثة،فقام عثمان وقال:يا رسول الله علىَّ ثلاثمائة بعير بأحلاسها وأقتابها فى سبيل الله.
وجاء عثمان بألف دينار فى كمه فنثرها فى حجر رسول الله،فقال رسول الله:ما ضر عثمان ما عمل بعد اليوم.
وقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - :"من جهز جيش العسرة فله الجنة ". في يوم الحديبية أراد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن يختار رجلا من صحابته ليكون سفيرًا إلى قريش،فوقع اختياره على عمر،فقال عمر:يا رسول الله إنى أخاف قريشًا على نفسى،وقد عرفت عداوتى إياها وغلظتى عليها،ولكنى أدلك على رجل أعز بها منى،عثمان بن عفان. فبعث رسول الله عثمان إلى أبى سفيان وأشراف قريش،يخبرهم أنه لم يأت لحربهم،وإنما جاء زائرا للبيت.
وانطلق عثمان فأبلغ قريشًا رسالة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقالوا له:إن شئت أن تطوف بالبيت فطف،فقال:ما كنت لأفعل حتى يطوف رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وظل عثمان في قريش ثلاثة أيام ينتظر الرد،وأبطأ عن الرجوع،فقلق عليه المسلمون،وأشيع أن عثمان قد قتل،فلما بلغ هذا الخبر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال:"لا نبرح حتى نناجز القوم"،وأخذ البيعة من المسلمين على ذلك،وبايع رسول الله عن عثمان،فوضع يده اليمنى على يده اليسرى،وقال:"اللهم هذه عن عثمان في حاجتك وحاجة رسولك"،وهذا مما يدل على تقدير الرسول - صلى الله عليه وسلم - عثمان الذي مثل الدولة المسلمة في هذه الموقف،وسميت هذه البيعة "بيعة الرضوان"،والتى نزل فيها قول الله تعالى:لقد رضى الله عن المؤمنين إذ يبايعونك تحت الشجرة وبعد أن جاء عثمان بايع بنفسه. روى عثمان بن عفان عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مائة وستة وأربعين حديثا،وروى عن أبى بكر وعمر،وروى عنه أولاده وكثير من أعلام الصحابة،منهم عبد الله بن مسعود،وعبد الله بن عباس،وزيد بن ثابت،وأبو هريرة ... وغيرهم كثير.
وكان عثمان يهاب الخطابة والتحديث،وبرغم هذا فكان إذا حدَّث أتم الناس حديثا،وفي هذا يقول أحد الصحابة:ما رأيت أحدًا من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان إذا حدث أتم حديثا ولا أحسن من عثمان بن عفان،إلا أنه كان رجلا يهاب الحديث. تزوج عثمان(1/157)
تسع زوجات،أنجب منهن ستة عشر ولدًا:تسعة ذكور،وسبع إناث،وسمى عثمان بذى النورين لتشرفه بالزواج من رقية بنت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ثم زواجه من أم كلثوم أختها،وقد ماتتا عنده،وقال له رسول الله - صلى الله عليه وسلم - "لو كان عندى ثالثة لزوجتها لك".
وأولاده وزوجاته كالتالى:
عبد الله،وأمه رقية.
وعبد الله الأصغر،وأمه فاختة بنت غزوان بن جابر.
ـ وعمرو،وخالد،وأبان،وعمر،ومريم،وأمهم أم عمرو بنت جندب.
ـ والوليد،وسعيد،وأم سعيد،وأمهم فاطمة بنت الوليد بن عبد شمس.
وعبد الملك،وأمه أم البنين بنت عيينة بن حصن بن حذيفة.
ـ وعائشة،وأم أبان،أم عمرو،وأمهن بنت شيبة بن ربيعة.
ومريم،وأمها نائلة بنت الفرافصة بن الأحوص.
وأم البنين،وأمها أم ولد. تزوج عثمان رقية بنت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأمُّها خديجةُ بنت خويلد بمكة وهاجرت معه إلى الحبشة،وقال عنهما رسول الله:"إنهما لأول من هاجر إلى الله بعد نبى الله لوط". وفي الحبشة ولدت رقية لعثمان ولدًا سماه "عبد الله"،وكان عثمان يُكْنَى به،ولما بلغ عبد الله ست سنين نقر عينه ديك فمرض ومات. ثم هاجرت رقية مع عثمان إلى المدينة المنورة. وفي العام الثانى للهجرة،مرضت رقية أثناء خروج المسلمين إلى "بدر"،فأذن رسول الله لعثمان أن يمرضها،إلا أنها - رضى الله عنها - ما لبثت أن ماتت،فحزن عليها عثمان. حزن عثمان لوفاة زوجه رقية،فرآه النبى - صلى الله عليه وسلم - فقال له:ما لى أراك مهموما؟ فقال:يا رسول الله،وهل دخل على أحد ما دخل على،ماتت ابنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - التى كانت عندى،وانقطع ظهرى،وانقطع الصِّهْر بينى وبينك.
فقال رسول الله:هذا جبريل عليه السلام يأمرنى عن الله - عز وجل - أن أزوجك أختها أم كلثوم على مثل صداقها.. فزوَّجه إياها.
وكانت أم كلثوم أصغر من رقية،وكان زواجه بها في ربيع الأول من سنة ثلاث للهجرة،وبنى بها في جمادى الآخرة من السنة نفسها. عاشت أم كلثوم مع عثمان ست(1/158)
سنوات،ولم تلد له حتى توفيت سنة تسع للهجرة،وصلى عليها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وقال:لو أن لنا ثالثة لزوجنا عثمان بها. كان عثمان فى عهد أبى بكر هو الكاتب الأول للخليفة،ومستشاره الثانى بعد عمر،وكان لعثمان دور فى تسيير شئون الدولة مع عمر بن الخطاب وغيره من كبار الصحابة،إذ كانوا يساعدون أبا بكر ويعينونه فى تسيير أمور الحكم.
وفى عهد عمر بن الخطاب استمر عثمان في إعانة أمير الدولة،والإشارة عليه إذا استشاره،فإذا أراد الناس أن يسألوا عمر شيئا لاذوا بعثمان لمكانه منه،وهو الذى أشار على عمر بتسجيل الناس فى سجلات خاصة وإنشاء الدواوين،وهو أيضا الذى أشار عليه بكتابة التاريخ الهجرى بدءًا من شهر المحرم - في بعض الآراء.
ومن الجدير بالذكر أن عثمان هو الذى كتب لأبى بكر عهده باستخلاف عمر وهو الذي أذاعه على الناس. اختير عثمان للخلافة من بين الستة الذين اختارهم عمر وتمت البيعة لعثمان،وبدأ استخلافه فى التاسع والعشرين من ذى الحجة سنة ثلاث وعشرين من الهجرة،ليصبح عثمان ثالث الخلفاء الراشدين..
وهو أطول الخلفاء الأربعة بقاء في الحكم،فقد استمرت خلافته اثنى عشر عامًا،حقق خلالها العديد من الإنجازات،ومن أعظم إنجازاته توحيد المصاحف على قراءة واحدة،هذا غير إنشاء الأسطول،والقضاء على الاضطرابات التى حدثت فى المدن المفتوحة عقب وفاة عمر.
وقد أحب الناس عثمان لكرمه وحيائه،وحزنوا عليه كثيرا عندما قتلته الفئة الظالمة،ليلقى ربه شهيدا،فى يوم الجمعة الثامن عشر من ذى الحجة سنة خمس وثلاثين من الهجرة. في يوم الإثنين التاسع والعشرين من ذى الحجة سنة 23 هـ بويع عثمان بالخلافة،وتمت البيعة في حضور مجلس الشورى السداسى الذى حدده الخليفة الثانى عمر وفي اليوم التالى،الأول من المحرم سنة 24 هـ،بدأت خلافة عثمان وكان عمره آنذاك ثمانية وستين عاما. كان عمر بن الخطاب يخاف أن يستخلف أحدا بعده،فاكتفى بأن حصر الخلافة في الستة الذين توفي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو عنهم راض،وهم:على بن أبى طالب،والزبير(1/159)
بن العوام،وعبد الرحمن بن عوف وعثمان بن عفان،وطلحة بن عبيد الله،وسعد بن أبى وقاص.
فلما مات عمر أصبحت الأمانة حملا ثقيلا في أعناق كبار الصحابة،ولم يكن أمامهم بد من صيانتها وحسن أدائها،حبا لهذا الدين،وسعيا إلى إعزازه.
اجتمع أهل الشورى،فأخرج عبد الرحمن بن عوف نفسه من دائرة الاختيار،حبا في أن يحمل الأمانة من هو أقدر على ذلك منه،وبدأ يشاور الوجهاء من الصحابة والأمراء ورءوس الناس،ويحاور المرشحين،ثلاثة أيام لم يغمض له فيها جفن،حتى انحصرت دائرة الاختيار في عليّ وعثمان،فأخذ عبد الرحمن الميثاق من علىّ ليسمعنَّ ويطيعن لو اختير عثمان،وأخذ الميثاق من عثمان ليسمعنَّ ويطيعن إذا اختير عليّ،ثم قال عبد الرحمن:ارفع يدك يا عثمان فبايعه،وبايع له على،وبايعه كل من كان في الدار آنذاك.. ثم خرج عثمان إلى الناس فبايعوه.
حفلت فترة خلافة عثمان بالعديد من الإنجازات،كان أعظمها على الإطلاق توحيد المصاحف على قراءة واحدة ومصحف واحد هو ما نعرفه اليوم بـ "مصحف عثمان"،ومن إنجازات عثمان في مجال البناء والتشييد زيادته في المسجد الحرام،وزيادته في المسجد النبوى.
وكذلك بناؤه للأسطول الإسلامى الذى شهد أول معركة بحرية في عهده وفي الإسلام،وهى معركة "ذات الصوارى."كما تعددت الفتوح في عهده.
ومن أوليات عثمان أنه أول من حمى الحمى لنَعَم الصدقة،وأول من اتخذ صاحب شرطة ـ فيما يُقال. أعظم إنجاز تم في عهد عثمان بن عفان هو توحيد الناس في العالم الإسلامى على مصحف واحد،وقراءة واحدة،درءا لفتنة كادت تقوم بين المسلمين،شعر بها الصحابى الجليل حذيفة بن اليمان،فأسرع إلى عثمان قائلا:"أدرك الأمة قبل أن يختلفوا اختلاف اليهود والنصارى"،فجمع عثمان الصحابة وأخبرهم برأى حذيفة،فوافقوه عليه،ثم كون لجنة منهم ضمت:زيد بن ثابت وعبد الله بن الزبير،وسعيد بن العاص،وعبد الرحمن بن(1/160)
الحارث بن هشام،فأمرهم أن ينسخوا المصحف الذى جُمِع في أيام أبى بكر - رضى الله عنه.
وكان محفوظا عند أم المؤمنين حفصة،فنسخوا عدة نسخ أرسلها عثمان إلى البلاد،وأمر بحرق ما سواها من المصاحف وأبقى المصحف الذي أمر بنسخه،وهو المصحف الذى نقرأه اليوم والمعروف بـ "الرسم العثمانى."وصدق الله العظيم إذ يقول "إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون". كان المسجد الحرام عبارة عن فناء يحيط بالكعبة،ولم يكن له جدار،فلما كثر الناس في عهد عمر رضى الله عنه وسع في المسجد،وبنى له جدارا قصيرا،ثم جاء عهد عثمان فاشترى منازل تحيط بالمسجد فهدمها ووسع المسجد،وبنى المسجد الحرام،وبنى فيه أروقة،فكان عثمان رضى الله عنه أول من اتخذ للمسجد أروقة. وكان يكسو الكعبة القباطى،وهى ثياب من كتان نسجت في مصر. في عهد عثمان ضاق المسجد النبوى بالناس،فكلموه أن يزيد في المسجد كما زاد عمر فشاور عثمان أهل الرأى من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأجمعوا على أن يهدمه ويزيد فيه. ولم يكتف عثمان بهذا،بل أراد أن يطمئن الناس فخطب فيهم قائلا:"أيها الناس،إنى قد أردت أن أهدم مسجد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأزيد فيه،وأشهد أنى سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول:"من بنى مسجدا بنى الله له بيتا في الجنة"،وقد كان لى فيه سلف وإمام تقدمنى:عمر بن الخطاب..". فاطمأن الناس،ودعوا له. وبدأ عثمان العمل في الهدم والتوسعة،فزاد في المسجد النبوى زيادة كبيرة،وبنى جدرانه بالحجارة المنقوشة والفضة،وجعل أعمدته من حجارة منقوشة،وسقفه بالساج (وهو نوع من الخشب القوي)،وجعل أبوابه على ما كانت أيام عمر ستة أبواب. واستغرق العمل في التوسعة عشرة أشهر. بعد وفاة عمر بن الخطاب انتفضت كثير من البلاد التى فتحها المسلمون في فارس والروم،ونقضت كثير من المقاطعات الفارسية معاهداتها مع المسلمين،فتصدى عثمان لهذه الثورات بحزم وقضى عليها. وحاولت الروم أن تهاجم الشام وتطرد المسلمين منها،فأمر عثمان بتحريك قوات من العراق لنجدة الشام،وهزم المسلمون الروم،وافتتحوا حصونا كثيرة في بلادهم. وهاجم(1/161)
الروم مصر،واستولى قائدها "مانويل."على الإسكندرية،فخرج إليهم فاتح مصر عمرو بن العاص فطردهم نهائيا،وقتل "مانويل".
وفي عهد عثمان استمرت الفتوحات الإسلامية في شمال إفريقيا،وتم بناء أول أسطول إسلامى،وكان أول عمل بحرى ناجح قام به الأسطول هو "فتح جزيرة قبرص."سنة 28 للهجرة. والتقى الأسطول الإسلامى مع الأسطول البيزنطى في أول معركة بحرية للمسلمين سنة 31 للهجرة،وهى "ذات الصوارى"،وفيها هُزِم الأسطول البيزنطى هزيمة ساحقة. كان عثمان بن عفان أول من هاجر بأهله من المسلمين،وأول من جمع الناس على حرف واحد في القراءة،وأول من حمى الحمى لنَعَم الصدقة،وأول من فوض إلى الناس إخراج زكاتهم،وأول من اتخذ صاحب شرطة،وأول من قدم الخطبة في العيد على الصلاة،وأول من جعل للمؤذنين رواتب،وأول من ولى الخلافة في حياة أمه.. كان الصحابة يضربون المثل بعثمان في تلاوة القرآن الكريم،وخاصة في قيام الليل،وروى عنه أكثر من واحد أنه ختم القرآن كله في ركعة..
قال عطاء بن أبى رباح:"إن عثمان بن عفان صلى بالناس،ثم قام خلف المقام فجمع كتاب الله في ركعة".
وقالت امرأة عثمان حين قُتِل:"قتلتموه،وإنه ليحيى الليل كله بالقرآن؟". وكان عثمان كثير الصيام،حتى وصف بأنه يصوم الدهر.
وحج عثمان بالناس سنوات خلافته كلها،إلا آخر حجة.
وكان كثير الخوف من الله،قال - رضى الله عنه:"لو أنى بين الجنة والنار،لا أدرى إلى أيتهما يؤمر بى،لاخترت أن أكون رمادا قبل أن أعلم إلى أيتهما أصير". بعيدا عن مهام الخلافة وهمومها،نقترب من عثمان لنتعرف على فضائله وأخلاقه ومناقبه،لنرى عبادته وتواضعه،ولنسمع من كلمات عثمان ما يرقق القلوب،ويحث الهمم على السعي للآخرة.
وكان حياؤه وكرمه يفيضان على المسلمين،فقد كان رحيما لين الجانب،يؤثر الناس بماله،وينفق في سبيل الله ما ملكت يداه دون شُحّ أو تقتير. بعيدا عن مهام الخلافة(1/162)
وهمومها،نقترب من عثمان لنتعرف على فضائله وأخلاقه ومناقبه،لنرى عبادته وتواضعه،ولنسمع من كلمات عثمان ما يرقق القلوب،ويحث الهمم على السعي للآخرة.
وكان حياؤه وكرمه يفيضان على المسلمين،فقد كان رحيما لين الجانب،يؤثر الناس بماله،وينفق في سبيل الله ما ملكت يداه دون شُحّ أو تقتير. كان عثمان جوادا كريما،سخى اليد في طاعة الله،وسريع البذل في سبيله وإعلاء دينه،وقد جهز جيش العسرة المتوجه إلى تبوك من ماله،ويومها قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - :"ما ضر عثمان ماصنع بعد اليوم". واشترى عثمان بئر رومة - وكانت ملكا ليهودى يبيع المسلمين ماءها - فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - :"من يشترى بئر رومة فيجعلها للمسلمين وله الجنة"،فأتى عثمان اليهودىَّ فساومه،فأبى أن يبيعها كلها،فاشترى نصفها،واتفق معه على أن تكون لعثمان يوما وله يوما،فكان المسلمون في يوم عثمان يستقون ما يكفيهم ليومين،فلما رأى اليهودى ذلك باع لعثمان النصف الآخر،وأصبحت البئر كلها ملكا للمسلمين.
وقحط الناس في زمن أبى بكر،وجاءت لعثمان قافلة محملة بالبضائع،وعرض عليه التجار أغلى الأسعار لشرائها،ولكن عثمان قال لهم:أشهدكم - معشر التجار- أنها صدقة على فقراء المدينة. كان عثمان أصدق الأمة حياء،وصفة الحياء تلازمها دائما صفة التواضع،فكان عثمان متواضعا تواضع الحيى الكريم،وتواضع الأمير الذى يعامل رعيته على أنه واحد منهم.
يروى أحد التابعين فيقول:رأيت عثمان نائما في المسجد ورداؤه تحت رأسه،فيجيء الرجل فيجلس كأنه أحدهم
وسئل الحسن البصرى عن القائلين - أي الذين ينامون وقت القيلولة - في المسجد،فقال:رأيت عثمان بن عفان يقيل في المسجد وهو يومئذ خليفة،ويقوم وأثر الحصى بجنبه فنقول:هذا أمير المؤمنين.. هذا أمير المؤمنين.
وأما في بيته فقد كان عثمان لا يوقظ أحدا من أهله أو خدمه من الليل،إلا أن يجده يقظان فيدعوه فيناوله وَضُوءَه.. بشَّرَ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عثمان بأن الشهادة ستكون ختام حياته،وكرامة من الله وإنعاما.(1/163)
ذات يوم صعد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - جبل أحد ومعه أبو بكر وعمر وعثمان فرجف الجبل بهم،فقال - صلى الله عليه وسلم - :"اثبت أحد فما عليك إلا نبى وصديق وشهيدان".
وروى عن ابن عباس أن النبى - صلى الله عليه وسلم - قال لعثمان:"تقتل وأنت مظلوم..". كانت الشهادة أمنية في نفس عثمان يشعر أنها سوف تتحقق،خاصة أن الرسول - صلى الله عليه وسلم - بشره بها،وجاءت الفتنة لتكون سببا في استشهاد عثمان،ولتفتح على المسلمين أبواب الشر واسعة. وقد أثار قتلة عثمان كثيرا من الشبهات حوله،لكن الصحابة دافعوا عن عثمان وردوا الافتراءات على قائليها،وبرغم حراستهم لباب عثمان ومحاولتهم ألا يصل إليه أحد من القتلة،إلا أن ذلك لم يمنع ما قدره الله من قتل عثمان شهيدا،وبين يديه كتاب الله. وكان رثاء عثمان والمطالبة بثأره حارًا وصادقًا من كبار شعراء الإسلام. فوداعا عثمان في الصالحين والصديقين والشهداء في رحاب جنة رب العالمين. جاءت "الفتنة."لتثير الافتراءات على ثالث الخلفاء الراشدين عثمان ولتكون سببا في استشهاده،ولقد حفظ لنا الرواة في كتب السنة والسير،كيف دافع صحابة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن عثمان - رضى الله عنه،وكيف ردوا الافتراءات على قائليها.
ذات يوم جاء رجل من أهل مصر إلى مكة حاجا،فرأى قوما جلوسا،وبينهم عبد الله بن عمر فسأله:هل تعلم أن عثمان فر يوم أحد؟ قال:نعم،فقال:هل تعلم أنه تغيب عن بدر ولم يشهدها؟ قال:نعم،فقال:هل تعلم أنه تغيب عن بيعة الرضوان ولم يشهدها؟ قال:نعم،ففرح الرجل وكبر.
عندئذ قال له عبد الله:تعال أبين لك،أما فراره يوم أحد فأشهد أن الله عفا عنه وغفر له،وأما تغيبه عن بدر فإنه كانت تحته بنت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وكانت مريضة،فقال له رسول الله - صلى الله عليه وسلم - :"إن لك أجر رجل ممن شهد بدرا وسهمه"،وأما تغيبه عن بيعة الرضوان فلو كان أحد أعز ببطن مكة من عثمان لبعثه إلى مكانه،فبعث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عثمان،وكانت بيعة الرضوان بعدما ذهب عثمان إلى مكة،فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بيده اليمنى"هذه يد عثمان "،فضرب بها على يده،فقال:"هذه لعثمان". قال علي بن أبي طالب:كان عثمان أوصلنا للرحم،وأتقانا للرب.(1/164)
وسأله سائل عن عثمان بعد مقتله فقال له:إن عثمان من الذين آمنوا وعملوا الصالحات،ثم اتقوا وآمنوا،ثم اتقوا وأحسنوا،والله يحب المحسنين.
وكان عبد الله بن عمر يتلو قول الله تعالى:أمن هو قانت آناء الليل ساجدًا وقائمًا يحذر الآخرة ويرجو رحمة ربه،ثم يقول:هو "عثمان بن عفان". في يوم الجمعة الثامن عشر من ذى الحجة سنة هـ،جلس عثمان في بيته المحاصر من الفئة الظالمة،وفتح أمامه المصحف يطالع كتاب الله،وكان هذا آخر لقاء بينه وبين المصحف في الدنيا،فقد تسلل ثلاثة من أنصار الفتنة،وقام اثنان منهم بقتل أمير المؤمنين عثمان بن عفان،لينهى بذلك اثنتى عشرة سنة من خلافته،واثنتين وثمانين سنة من عمره.
وصدقت بشرى رسول الله،وهو الصادق دائما،بأن عثمان تقتله فئة باغية،وهو يقرأ في كتاب الله،وكان عثمان صائما ليفطر عند الأحبة محمد وصحبه.
روى عن أحد التابعين قال:أصبح عثمان بن عفان يوم قتل يقص رؤيا على أصحابه رآها،فقال:رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - البارحة،فقال لى:يا عثمان،أفطر عندنا.. وأصبح عثمان صائما وقتل في ذلك اليوم،ودفن عثمان في اليوم التالى بالبقيع.
فسلام على ذى النورين في الشهداء والصالحين.
- - - - - - - - - - - - - -(1/165)
المبحث الثاني
فضائل عثمان بن عفان
قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ( الآجريُّ) رَحِمَهُ اللَّهُ:أَوَّلُ فَضَائِلِ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ - رضي الله عنهم - بَعْدَ الْإِيمَانِ بِاللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَبِرَسُولِهِ - صلى الله عليه وسلم - أَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ أَكْرَمَهُ بِأَنْ زَوَّجَهُ بِابْنَتَيْ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - ،وَاحِدَةً بَعْدَ وَاحِدَةٍ ولَمْ يَجْمَعْ بَيْنَ ابْنَتَيْ نَبِيٍّ مُنْذُ خَلَقَ اللَّهُ آدَمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ إِلَّا عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ - رضي الله عنهم - ،فَضِيلَةٌ أَكْرَمَهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ بِهَا مَعَ الْكَرَامَاتِ الْكَثِيرَةِ،وَالْمَنَاقِبِ الْجَمِيلَةِ،وَالْفَضَائِلِ الْحَسَنَةِ،وَبِشَارَةِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - لَهُ بِالشَّهَادَةِ،وَأَنَّهُ يُقْتَلُ مَظْلُومًا،وَأَمَرَهُ بِالصَّبِرِ،فَصَبَرَ - رضي الله عنهم - حَتَّى قُتِلَ وَحَقَنَ دِمَاءَ الْمُسْلِمِينَ " (1)
1- عَنِ ابْنِ حَوَالَةَ قَالَ َتَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - وَهُوَ جَالِسٌ فِى ظِلِّ دَوْمَةٍ وَعِنْدَهُ كَاتِبٌ لَهُ يُمْلِى عَلَيْهِ فَقَالَ « أَلاَ أَكْتُبُكَ يَا ابْنَ حَوَالَةَ ». قُلْتُ َ أَدْرِى مَا خَارَ اللَّهُ لِى وَرَسُولُهُ فَأَعْرَضَ عَنِّى.وَقَالَ إِسْمَاعِيلُ مَرَّةً فِى الأُولَى"نَكْتُبُكَ يَا ابْنَ حَوَالَةَ ». قُلْتُ َ أَدْرِى فِيمَ يَا رَسُولَ اللَّهِ فَأَعْرَضَ عَنِّى فَأَكَبَّ عَلَى كَاتِبِهِ يُمْلِى عَلَيْهِ ثُمَّ قَالَ « أَنَكْتُبُكَ يَا ابْنَ حَوَالَةَ ». قُلْتُ لاَ أَدْرِى مَا خَارَ اللَّهُ لِى وَرَسُولُهُ فَأَعْرَضَ عَنِّى فَأَكَبَّ عَلَى كَاتِبِهِ يُمْلِى عَلَيْهِ. قَالَ فَنَظَرْتُ فَإِذَا فِى الْكِتَابِ عُمَرُ فَعَرَفْتُ أَنَّ عُمَرَ لاَ يُكْتَبُ إِلاَّ فِى خَيْرٍ ثُمَّ قَالَ « أَنَكْتُبُكَ يَا ابْنَ حَوَالَةَ ». قُلْتُ نَعَمْ. فَقَالَ « يَا ابْنَ حَوَالَةَ كَيْفَ تَفْعَلُ فِى فِتْنَةٍ تَخْرُجُ فِى أَطْرَافِ الأَرْضِ كَأَنَّهَا صَيَاصِى بَقَرٍ ». قُلْتُ لاَ أَدْرِى مَا خَارَ اللَّهُ لِى وَرَسُولُهُ. قَالَ « وَكَيْفَ تَفْعَلُ فِى أُخْرَى تَخْرُجُ بَعْدَهَا كَأَنَّ الأُولَى فِيهَا انْتِفَاجَةُ أَرْنَبٍ ». قُلْتُ َ أَدْرِى مَا خَارَ اللَّهُ لِى وَرَسُولُهُ. قَالَ « اتَّبِعُوا هَذَا ». قَالَ وَرَجُلٌ مُقَفٍّ حِينَئِذٍ. قَالَ َانْطَلَقْتُ فَسَعَيْتُ وَأَخَذْتُ بِمَنْكِبَيْهِ فَأَقْبَلْتُ بِوَجْهِهِ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فَقُلْتُ َذَا قَالَ « نَعَمْ ». قَالَ َإِذَا هُوَ عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ أخرجه أحمد (2)
__________
(1) - الشَّرِيعَةُ لِلْآجُرِّيِّ -كِتَابُ ذِكْرِ فَضَائِلِ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَعَنْ جَمِيعِ الصَّحَابَةِ
(2) - برقم(17467 و20890) وفضائل عثمان رقم(1) وهو صحيح
(1) أعرض : ولى الأمر ظهره وصد عنه وانصرف (2) صياصي : قرون (3) المنكب : مُجْتَمَع رأس الكتف والعضد(1/166)
2- وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ قَالَ:كُنْتُ عِنْدَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - بِحَشٍّ مِنْ حِشَّانِ الْمَدِينَةِ،فَجَاءَ رَجُلٌ فَاسْتَأْذَنَ،فَقَالَ:"قُمْ فَائْذَنْ لَهُ،وَبَشِّرْهُ بِالْجَنَّةِ ".فَقُمْتُ فَأَذِنْتُ لَهُ،فَإِذَا هُوَ أَبُو بَكْرٍ فَبَشَّرْتُهُ بِالْجَنَّةِ،فَجَعَلَ يَحْمَدُ اللَّهَ حَتَّى جَلَسَ.ثُمَّ جَاءَ رَجُلٌ فَاسْتَأْذَنَ،فَقَالَ:"قُمْ فَائْذَنْ لَهُ،وَبَشِّرْهُ بِالْجَنَّةِ ".فَقُمْتُ فَأَذِنْتُ لَهُ،فَإِذَا هُوَ عَمَرُ فَأَذِنْتُ لَهُ وَبَشَّرْتُهُ بِالْجَنَّةِ،فَجَعَلَ يَحْمَدُ اللَّهَ حَتَّى جَلَسَ.ثُمَّ جَاءَ خَفِيضُ الصَّوْتِ فَقَالَ:"قُمْ فَائْذَنْ لَهُ،وَبَشِّرْهُ بِالْجَنَّةِ فِي بَلْوَى تُصِيبُهُ ".فَقُمْتُ فَأَذِنْتُ لَهُ فَإِذَا هُوَ عُثْمَانُ،فَبَشَّرْتُهُ بِالْجَنَّةِ عَلَى بَلْوَى تُصِيبُهُ،فَقَالَ:اللَّهُمَّ صَبْرًا،حَتَّى جَلَسَ.قُلْتُ:يَا رَسُولَ اللَّهِ،فَأَيْنَ أَنَا ؟ قَالَ:"أَنْتَ مَعَ أَبِيكَ "أخرجه عبدالله في فضائل الصحابة (1)
3- عَنْ أَبِي مُوسَى،أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - كَانَ فِي حَائِطٍ بِالْمَدِينَةِ مُسْنِدًا ظَهْرَهُ إِلَى حَائِطٍ،فَجَاءَ رَجُلٌ فَاسْتَفْتَحَ الْبَابَ،فَقَالَ:"قُمْ فَائْذَنْ لَهُ وَبَشِّرْهُ بِالْجَنَّةِ،فَإِذَا هُوَ أَبُو بَكْرٍ،ثُمَّ جَاءَ آخَرُ فَاسْتَفْتَحَ الْبَابَ فَقَالَ:"قُمْ فَافْتَحْ لَهُ وَبَشِّرْهُ بِالْجَنَّةِ،فَإِذَا هُوَ عُمَرُ،ثُمَّ جَاءَ آخَرُ فَاسْتَفْتَحَ الْبَاَبَ،فَقَالَ:"قُمْ فَافْتَحْ لَهُ وبَشِّرْهُ بِالْجَنَّةِ عَلَى بَلْوَى تُصِيبُهُ"فَإِذَا هُوَ عُثْمَانُ.وَكَانَ الرَّجُلُ الَّذِي يَفْتَحُ لَهُمْ أَبُو مُوسَى وَلَيْسَ فِي حَدِيثِ عَلِيِّ بْنِ الْحَكَمِ:"مُسْنِدٌ ظَهْرَهُ"أخرجه عبد الله بن أحمد في فضائل عثمان (2)
وعَنْ أَبِي مُوسَى - رضي الله عنهم - أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - كَانَ فِي حَائِطٍ بِالْمَدِينَةِ مُسْنِدًا ظَهْرَهُ إِلَى حَائِطٍ،فَجَاءَ رَجُلٌ فَاسْتَفْتَحَ الْبَابَ فَقَالَ:"اذْهَبْ وَافْتَحْ لَهُ وَبَشِّرْهُ بِالْجَنَّةِ مَعَ بَلْوَى شَدِيدَةٍ تُصِيبُهُ"فَفَتَحَ لَهُ فَإِذَا هُوَ عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ - رضي الله عنهم - " (3)
4- عَنْ مُرَّةَ الْبَهْزِيِّ،قَالَ:قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - :تَهِيجُ عَلَى الأَرْضِ فِتَنٌ كَصَيَاصِي الْبَقَرِ،فَمَرَّ رَجُلٌ مُتَقَنِّعٌ،فَقَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - :هَذَا وَأَصْحَابُهُ يَوْمَئِذٍ عَلَى الْحَقِّ،فَقُمْتُ إِلَيْهِ فَكَشَفْتُ
__________
(1) -برقم(2) وهو صحيح
(1) البلوى : المصيبة والبلية ، وهي التي صار بها شهيد الدار ، عندما داهمه الثوار الآثمون
(2) -برقم(3) وهو صحيح
(1) الحائط : البستان أو الحديقة وحوله جدار (2) البلوى : المصيبة والبلية ، وهي التي صار بها شهيد الدار ، عندما داهمه الثوار الآثمون
(3) -تَارِيخُ الْمَدِينَةِ لِابْنِ شَبَّةَ (1739 ) صحيح وهو صحيح(1/167)
قِنَاعَهُ وَأَقْبَلْتُ بِوَجْهِهِ إِلَى رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فَقُلْتُ:يَا رَسُولَ اللهِ،هُوَ هَذَا ؟ قَالَ:هُوَ هَذَا،قَالَ:فَإِذَا بِعُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ.
وفي رواية عَنْ كَعْبِ بْنِ عُجْرَةَ قَالَ:ذَكَرَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فِتْنَةً فَقَرَّبَهَا وَعَظَّمَهَا،قَالَ:ثُمَّ مَرَّ رَجُلٌ مُتَقَنِّعٌ فِي مِلْحَفَةٍ فَقَالَ:هَذَا يَوْمَئِذٍ عَلَى الْحَقِّ،قَالَ:فَانْطَلَقْتُ مُسْرِعًا،أَوْ مُحْضِرًا،فَأَخَذْتُ بِضَبْعَيْهِ فَقُلْتُ:هَذَا يَا رَسُولَ اللهِ ؟ قَالَ:هَذَا،فَإِذَا عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ. أخرجه عبد الله بن أحمد في فضائل عثمان (1)
5- عن مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ قَالَ حَدَّثَنِى جَدِّى أَبُو أُمِّى أَبُو حَبِيبَةَ أَنَّهُ دَخَلَ الدَّارَ وَعُثْمَانُ مَحْصُورٌ فِيهَا وَأَنَّهُ سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ يَسْتَأْذِنُ عُثْمَانَ فِى الْكَلاَمِ فَأَذِنَ لَهُ فَقَامَ فَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ ثُمَّ قَالَ إِنِّى سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ « إِنَّكُمْ تَلْقَوْنَ بَعْدِى فِتْنَةً وَاخْتِلاَفاً - أَوْ قَالَ - اخْتِلاَفاً وَفِتْنَةً ». فَقَالَ لَهُ قَائِلٌ مِنَ النَّاسِ فَمَنْ لَنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ « عَلَيْكُمْ بِالأَمِينِ وَأَصْحَابِهِ ». وَهُوَ يُشِيرُ إِلَى عُثْمَانَ بِذَلِكَ أخرجه أحمد (2)
6-،عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ:ذَكَرَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فِتْنَةً،فَمَرَّ رَجُلٌ،فَقَالَ:يُقْتَلُ هَذَا الْمُقَنَّعُ يَوْمَئِذٍ مَظْلُومًا،قَالَ:فَنَظَرْتُ فَإِذَا هُوَ عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ. أخرجه عبد الله في فضائل عثمان (3)
7- عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدِ بْنِ الْعَاصِ أَنَّ سَعِيدَ بْنَ الْعَاصِ أَخْبَرَهُ أَنَّ عَائِشَةَ زَوْجَ النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - وَعُثْمَانَ حَدَّثَاهُ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ اسْتَأْذَنَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - وَهُوَ مُضْطَجِعٌ عَلَى فِرَاشِهِ لاَبِسٌ مِرْطَ عَائِشَةَ فَأَذِنَ لأَبِى بَكْرٍ وَهُوَ كَذَلِكَ فَقَضَى إِلَيْهِ حَاجَتَهُ ثُمَّ انْصَرَفَ ثُمَّ اسْتَأْذَنَ عُمَرُ فَأَذِنَ لَهُ وَهُوَ عَلَى تِلْكَ الْحَالِ فَقَضَى إِلَيْهِ حَاجَتَهُ ثُمَّ انْصَرَفَ. قَالَ عُثْمَانُ ثُمَّ اسْتَأْذَنْتُ عَلَيْهِ فَجَلَسَ وَقَالَ لِعَائِشَةَ « اجْمَعِى عَلَيْكِ ثِيَابَكِ ». فَقَضَيْتُ إِلَيْهِ حَاجَتِى ثُمَّ انْصَرَفْتُ فَقَالَتْ عَائِشَةُ يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا لِى لَمْ أَرَكَ فَزِعْتَ لأَبِى بَكْرٍ وَعُمَرَ رَضِىَ اللَّهُ
__________
(1) - برقم(4و5 و6) وهو صحيح
(1) التقنع : تغطية الرأس وأكثر الوجه برداء أو غيره (2) الملحفة : اللحاف والملحف والملحفة اللباس الذي فوق سائر اللباس من دثار البرد ، وكل شيء تغطيت به فقد التحفت به ، واللحاف اسم ما يلتحف به (3) الضبع : العضد
(2) - برقم(8768) وفضائل عثمان برقم( 7) ودلائل النبوة للبيهقي برقم( 2685 ) وهو صحيح
(3) - برقم( 8) وهو حديث حسن
(1) التقنع : تغطية الرأس وأكثر الوجه برداء أو غيره(1/168)
عَنْهُمَا كَمَا فَزِعْتَ لِعُثْمَانَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - "إِنَّ عُثْمَانَ رَجُلٌ حَيِىٌّ وَإِنِّى خَشِيتُ إِنْ أَذِنْتُ لَهُ عَلَى تِلْكَ الْحَالِ أَنْ لاَ يَبْلُغَ إِلَىَّ فِى حَاجَتِهِ ».أخرجه مسلم (1)
8- عَنْ مُوسَى بْنِ طَلْحَةَ قَالَ:قَالَتْ عَائِشَةُ:اسْمَعُوا نُحَدِّثْكُمْ عَمَّا جِئْتُمُونَا لَهُ،إِنَّكُمْ عَتَبْتُمْ عَلَى عُثْمَانَ فِي ثَلاَثِ خِلاَلٍ:فِي إِمَارَةِ الْفَتَى،وَمَوْضِعِ الْغَمَامَةِ،وَضَرْبِهِ بِالسَّوْطِ وَالْعَصَا،حَتَّى إِذَا مُصْتُمُوهُ مَوْصَ الثَّوْبِ بِالصَّابُونِ عَدَوْتُمْ عَلَيْهِ الْفِقَرَ الثَّلاَثَ:حُرْمَةَ الْبَلَدِ،وَحُرْمَةَ الْخِلاَفَةِ،وَحُرْمَةَ الشَّهْرِ الْحَرَامِ،وَإِنْ كَانَ عُثْمَانُ لأَحْصَنَهُمْ فَرْجًا،وَأَوْصَلَهُمْ لِلرَّحِمِ. أخرجه عبد الله في فضائل عثمان (2)
9- عَنْ قَيْسِ بْنِ عَبَّادٍ،قَالَ:سَمِعْتُ عَلِيًّا - رضي الله عنهم - يَوْمَ الْجَمَلِ يَقُولُ:اللَّهُمَّ إِنِّي أَبْرَأُ إِلَيْكَ مِنْ دَمِ عُثْمَانَ،وَلَقَدْ طَاشَ عَقْلِي يَوْمَ قُتِلَ عُثْمَانُ،وَأَنْكَرَتْ نَفْسِي وجَاءُونِي لِلْبَيْعَةِ،فَقُلْتُ:وَاللَّهِ إِنِّي لأَسْتَحْيِي مِنَ اللَّهِ أَنْ أُبَايِعَ قَوْمًا قَتَلُوا رَجُلا قَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - :أَلا أَسْتَحْيِي مِمَّنْ تَسْتَحْيِي مِنْهُ الْمَلائِكَةُ،وَإِنِّي لأَسْتَحْيِي مِنَ اللَّهِ أَنْ أُبَايِعَ وَعُثْمَانُ قَتِيلٌ عَلَى الأَرْضِ لَمْ يُدْفَنْ بَعْدُ،فَانْصَرَفُوا،فَلَمَّا دُفِنَ رَجَعَ النَّاسُ فَسَأَلُونِي الْبَيْعَةَ،فَقُلْتُ:اللَّهُمَّ إِنِّي مُشْفِقٌ مِمَّا أَقْدَمُ عَلَيْهِ،ثُمَّ جَاءَتْ عَزِيمَةٌ فَبَايَعْتُ،فَلَقَدْ قَالُوا:يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ،فَكَأَنَّمَا صُدِعَ قَلْبِي،وَقُلْتُ:اللَّهُمَّ خُذْ مِنِّي لِعُثْمَانَ حَتَّى تَرْضَى أخرجه الحاكم (3)
10- عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ جُبَيْرِ بْنِ نُفَيْرٍ،عَنْ أَبِيهِ،قَالَ:قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - لِعُثْمَانَ - رضي الله عنهم - :"إِنِ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ كَسَاكَ يَوْمًا قَمِيصًا،فَأَرَادَكَ الْمُنَافِقُونَ أَنْ تَخْلَعَهُ،فَلَا تَخْلَعْهُ"أخرجه عبد الله في فضائل عثمان (4)
__________
(1) - برقم(6363) وأحمد برقم(524و19630و19634و25960و26081)
(2) -برقم(10) وهو صحيح
(3) - برقم(4527و4556) والشريعة (1388) والدولابي برقم(641) وفضائل عثمان برقم(11) والجعد برقم(1855) من طرق وهو صحيح
(4) - برقم(12) والمروزي برقم( 432) وهو صحيح(1/169)
وعن عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ جُبَيْرِ بْنِ نُفَيْرٍ،عَنْ أَبِيهِ:أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ لِعُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ:(إِنَّ غَشَاكَ اللَّهُ يَوْمًا قَمِيصًا،فَأَرَادَكَ الْمُنَافِقُونَ أَنْ تَخْلَعَهُ،فَلاَ تَخْلَعْهُ).قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ:قَدْ أَرَادُوهُ عَلَى ذَلِكَ،يَعْنِي هَذَا الْحَدِيثَ. (1)
11- عَنْ هَارُونَ بْنِ عَنْتَرَةَ،عَنْ أَبِيهِ قَالَ:رَأَيْتُ عَلِيًّا - رضي الله عنهم - بِالْخَوَرْنَقِ وَهُوَ عَلَى سَرِيرِهِ،وَعِنْدَهُ أَبَانُ بْنُ عُثْمَانَ،فَقَالَ:"إِنِّي لَأَرْجُو أَنْ أَكُونَ أَنَا وَأَبُوكَ مِنَ الَّذِينَ قَالَ اللَّهُ:عَزَّ وَجَلَّ:{وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِم مِّنْ غِلٍّ إِخْوَانًا عَلَى سُرُرٍ مُّتَقَابِلِينَ } (2) (47) سورة الحجر أخرجه الحاكم (3)
عَنْ أُسَيْدِ بْنِ صَفْوَانَ،صَاحِبِ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ:لَمَّا قُبِضَ أَبُو بَكْرٍ - رضي الله عنهم - وَسُجِّيَ عَلَيْهِ ارْتَجَّتِ الْمَدِينَةُ بِالْبُكَاءِ كَيَوْمِ قَبْضِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - فَجَاءَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ - رضي الله عنهم - بَاكِيًا مُسْتَرْجِعًا مُسْرِعًا وَهُوَ يَقُولُ:"الْيَوْمَ انْقَطَعَتْ خِلَافَةُ النُّبُوَّةِ،حَتَّى وَقَفَ عَلَى بَابِ الْبَيْتِ الَّذِي فِيهِ أَبُو بَكْرٍ،وَأَبُو بَكْرٍ - رضي الله عنهم - مُسَجًّى،فَقَالَ:رَحِمَكَ اللَّهُ أَبَا بَكْرٍ كُنْتَ إِلْفَ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - وَأَنِيسَهُ وَمُسْتَراحَهُ وَثِقَتَهُ وَمَوْضِعَ سِرِّهِ وَمُشَاوَرَتِهِ،وَكُنْتَ أَوَّلَ الْقَوْمِ إِسْلَامًا،وَأَخْلَصَهُمْ إِيمَانًا،وَأَسَدَّهُمْ يَقِينًا،وَأَخْوَفَهُمْ لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ،وَأَعْظَمَهُمْ غَنَاءً فِي دَيْنِ اللَّهِ،وَأَحْوَطَهُمْ عَلَى رَسُولِهِ،وَأَحْدَبَهُمْ عَلَى الْإِسْلَامِ،وَأَمَنَّهُمْ عَلَى أَصْحَابِهِ،أَحْسَنَهُمْ صُحْبَةً،وَأَكْثَرَهُمْ مَنَاقِبَ،وَأَفْضَلَهُمْ سَوَابِقَ،وَأَرْفَعَهُمْ دَرَجَةً،وَأَقْرَبَهُمْ وَسِيلَةً،وَأَشْبَهَهُمْ بِرَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - هَدْيًا وَسَمْتًا وَرَحْمَةً وَفَضْلًا،أَشْرَفَهُمْ مَنْزِلَةً،وَأَكْرَمَهُمْ عَلَيْهِ وَأَوْثَقَهُمْ عِنْدَهُ،فَجَزَاكَ اللَّهُ عَنِ الْإِسْلَامِ
__________
(1) - السنة لأحمد بن محمد الخلال - (2 / 329) (423) صحيح
(2) - إن هذا الدين لا يحاول تغيير طبيعة البشر في هذه الأرض ولا تحويلهم خلقا آخر. ومن ثم يعترف لهم بأنه كان في صدورهم غلّ في الدنيا وبأن هذا من طبيعة بشريتهم التي لا يذهب بها الإيمان والإسلام من جذورها ولكنه يعالجها فقط لتخف حدتها ، ويتسامى بها لتنصرف إلى الحب في اللّه والكره في اللّه - وهل الإيمان إلا الحب والبغض؟ - ولكنهم في الجنة - وقد وصلت بشريتهم إلى منتهى رقيها وأدت كذلك دورها في الحياة الدنيا - ينزع أصل الإحساس بالغل من صدورهم ولا تكون إلا الأخوة الصافية الودود ..إنها درجة أهل الجنة .. فمن وجدها في نفسه غالبة في هذه الأرض ، فليستبشر بأنه من أهلها ، ما دام ذلك وهو مؤمن ، فهذا هو الشرط الذي لا تقوم بغيره الأعمال ..فى ظلال القرآن ـ موافقا للمطبوع - (4 / 2145)
(3) - برقم(4563 ) وعبد الله برقم(13 و47 و144) والطبراني برقم(109) والاعتقاد للبيهقي برقم( 360) والسنة للمرزوي برقم(564) من طرق وهو صحيح(1/170)
وَعَنْ رَسُولِهِ خَيْرًا،كُنْتَ عِنْدَهُ بِمَنْزِلَةِ السَّمْعِ وَالْبَصَرِ،صَدَّقْتَ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - حِينَ كَذَّبَهُ النَّاسُ،فَسَمَّاكَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ فِي تَنْزِيلِهِ صِدِّيقًا،فَقَالَ فِي كِتَابِهِ وَالَّذِي جَاءَ بِالصِّدْقِ مُحَمَّدٌ - صلى الله عليه وسلم - وَصَدَّقَ بِهِ أَبُو بَكْرٍ،وَاسَيْتَهُ حِينَ بَخِلُوا،وَأَقَمْتَ مَعَهُ عِنْدَ الْمَكَارِهِ حِينَ عَنْهُ قَعَدُوا،وَصَحِبْتَهُ فِي الشِّدَّةِ أَكْرَمَ الصُّحْبَةِ،وَصَاحِبُهُ فِي الْغَارِ وَالْمُنْزَّلُ عَلَيْهِ السَّكِينَةُ،وَرَفِيقُهُ فِي الْهِجْرَةِ،وَخِلْفَتُهُ فِي دَيْنِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَأُمَّتِهِ أَحْسَنَ الْخِلَافَةِ،حِينَ ارْتَدَّ النَّاسُ فَقُمْتَ بِالْأَمْرِ مَا لَمْ يَقُمْ بِهِ خَلِيفَةُ نَبِيٍّ،فَنَهَضْتَ حِينَ وَهَنَ أَصْحَابُكَ،وَبَرَزْتَ حِينَ اسْتَكَانُوا،وَقَوِيتَ حِينَ ضَعُفُوا،وَلَزِمْتَ مِنْهَاجَ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فَكُنْتَ خَلِيفَتَهُ حَقًّا،لَمْ تُنَازَعْ وَلَمْ تُصَدَّعْ بِرَغْمِ الْمُنَافِقِينَ وَكَبْتِ الْكَافِرِينَ وَكُرْهِ الْحَاسِدِينَ وَفِسْقِ الْفَاسِقِينَ وَغَيْظِ الْبَاغِينَ،وَقُمْتَ بِالْأَمْرِ حِينَ فَشِلُوا،وَنَطَقْتَ إِذْ تَتَعْتَعُوا،وَمَضَيْتَ بِنُورٍ إِذْ وَقَفُوا،اتَّبَعُوكَ فَهُدُوا مَا كُنْتَ أَخْفَضَهُمْ صَوْتًا وَأَعْلَاهُمْ فَوْقًا وَأَقَلَّهُمْ كَلَامًا وَأَصْوَبَهُمْ مَنْطِقًا،وَأَطْوَلَهُمْ صَمْتًا،وَأَبْلَغَهُمْ قَوْلًا،وَأَكْثَرَهُمْ رَأْيًا،وَأَشْجَعَهُمْ نَفْسًا وَأَعْرَفَهُمْ بِالْأُمُورِ،وَأَشْرَفَهُمْ عَمَلًا،كُنْتَ وَاللَّهِ لِلدِّينِ يَعْسُوبًا،أَوَّلًا حِينَ نَفَرَ عَنْهُ النَّاسُ،وَآخِرًا حِينَ فُتِنُوا،كُنْتَ وَاللَّهِ لِلْمُؤْمِنِينَ أَبًا رَحِيمًا حِينَ صَارُوا عَلَيْكَ عِيَالًا،حَمِلَتْ أَثْقَالَ مَا ضَعُفُوا،وَرَعَيْتَ مَا أَهْمَلُوا،وَحَفِظْتَ مَا أَضَاعُوا،تَعْلَمُ مَا جَهِلُوا،وَشَمَّرْتَ إِذْ خَنَعُوا،وَعَلَوْتَ إِذْ هَلَعُوا،وَصَبَرْتَ إِذْ جَزِعُوا،وَأَدْرَكْتَ آثَارَ مَا طَلَبُوا،وَرَاجَعُوا رُشْدَهُمْ بِرَأْيِكَ فَظَفَرُوا،وَنَالُوا مَا لَمْ يَحْتَسِبُوا،كُنْتَ عَلَى الْكَافِرِينَ عَذَابًا صَبًّا،وَلِلْمُؤْمِنِينَ رَحْمَةً وَأُنْسًا وَحِصْنًا،فَطِرْتَ بِعَبَائِهَا وَفُزْتَ بِحِبَائِهَا وَذَهَبْتَ بِفَضَائِلِهَا،وَلَمْ يَزِعْ قَلْبُكَ وَلَمْ يَجْبُنْ،كُنْتَ وَاللَّهِ كَالْجَبَلِ لَا تُحَرِّكُهُ الْعَوَاصِفُ وَلَا تُزِيلُهُ الْقَوَاصِفُ،كُنْتَ كَمَا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - :"أَمَنُّ النَّاسِ عِنْدَهُ فِي صُحْبَتِهِ"وَكَمَا قَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - "ضَعِيفًا فِي بَدَنِكَ،قَوِيًّا فِي أَمَرِ اللَّهِ،مُتَوَاضِعًا فِي نَفْسِكَ،عَظِيمًا عِنْدَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ،جَلِيلًا فِي أَعْيَنِ النَّاسِ،كَبِيرًا فِي أَنْفُسِهِمْ"لَمْ يَكُنْ لِأَحَدٍ فِيكَ مَغْمَزٌ،وَلَا لِقَائِلٍ فِيكَ مَهْمَزٌ،وَلَا لِأَحَدٍ فِيكَ مَطْمَعٌ،وَلَا لِمَخْلُوقٍ عِنْدَكَ هَوَادَةٌ،الضَّعِيفُ الذَّلِيلُ عِنْدَكَ قَوِيُّ حَتَّى تَأْخُذَ لَهُ بِحَقِّهِ،الْقَوِيُّ الْعَزِيزُ عِنْدَكَ ضَعِيفٌ ذَلِيلٌ حَتَّى تَأْخُذَ مِنْهُ الْحَقَّ،الْقَرِيبُ وَالْبَعِيدُ فِي ذَلِكَ عِنْدَكَ سَوَاءٌ،أَقْرَبُ النَّاسِ إِلَيْكُمْ أَطْوَعُهُمْ لِلَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى وَأَتْقَاهُمْ لَهُ،شَأْنُكَ الْحَقُّ وَالصِّدْقُ وَالرِّفْقُ،قَوْلُكَ حُكْمٌ وَحَتْمٌ،أَمَرُكَ حِلْمٌ وَجَزْمٌ،وَرَأَيُكَ عِلْمٌ وَعَزْمٌ،فَأَقْلَعْتَ وَقَدْ نُهِجَ(1/171)
السَّبِيلُ،وَسَهُلَ الْعُسَيْرُ،وَأُطْفِئَتِ النِّيرَانُ،وَاعْتَدَلَ بِكَ الدِّينُ،وَقَوِيَ الْإِيمَانُ،وَثَبَتَ الْإِسْلَامُ وَالْمُسْلِمُونَ،وَظَهَرَ أَمَرُ اللَّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ،فَجَلَيْتَ عَنْهُمْ فَأَبْصَرُوا،فَسَبَقْتَ وَاللَّهِ سَبْقًا بَعِيدًا،وَاتْعَبْتَ مَنْ بَعْدَكَ إِتْعَابًا شَدِيدًا،وَفُزْتَ بِالْخَيْرِ فَوْزًا مُبِينًا،فَجُلِّلْتَ عَنِ الْبُكَاءِ،وَعَظُمَتْ رَزِيئَتُكَ فِي السَّمَاءِ،وَهَدَّتْ مُصِيبَتُكَ الْأَنَامَ،فَإِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ،رَضِينَا عَنِ اللَّهِ قَضَاهُ،وَسَلَّمْنَا لَهُ أَمَرَهُ،وَاللَّهِ لَنْ يُصَابَ الْمُسْلِمُونَ بَعْدَ رَسُولِهِ - صلى الله عليه وسلم - بِمِثْلِكَ أَبَدًا،كُنْتَ لِلدِّينِ عِزًّا وَحِرْزًا وَكَهْفًا،وَلِلْمُؤْمِنِينَ فِئَةً وَحِصْنًا،وَعَلَى الْمُنَافِقِينَ غِلْظَةً وَكَظًّا وَغَيْظًا،فَأَلْحَقَكَ اللَّهُ بِنَبِيِّكَ وَلَا حَرَمَنَا أَجْرَكَ وَلَا أَضَلَّنَا بَعْدَكَ،فَإِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ.وَسَكَتَ النَّاسُ حَتَّى انْقَضَى كَلَامُهُ - رضي الله عنهم - ثُمَّ بَكَوْا حَتَّى عَلَتْ أَصْوَاتُهُمْ،فَقَالُوا:صَدَقْتَ يَا خَتَنَ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - "
قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ رَحِمَهُ اللَّهُ:قَدْ ذَكَرْتُ مِنْ مَنَاقِبِ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ - رضي الله عنهم - فِي أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ - رضي الله عنهم - مَا،وَعُثْمَانُ مَعَهُمَا لَمَقْتُولٌ ظُلْمًا - رضي الله عنهم - وَعَظِيمِ قَدْرِهِمْ عِنْدَهُ مَا تَأَدَّى إِلَيْنَا مَا فِيهِ مَبْلَغٌ لِمَنْ عَقَلَ فَمَيَّزَ جَمِيعَ مَا تَقَدَّمَ ذِكْرُنَا لَهُ،فَمَنْ أَرَادَ اللَّهُ الْكَرِيمُ بِهِ خَيْرًا فَمَيَّزَ ذَلِكَ عَلِمَ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعُثْمَانَ وَعَلِيًّا - رضي الله عنهم - مْ كَمَا قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ إِخْوَانًا عَلَى سُرُرٍ مُتَقَابِلِينَ وَعَلِمَ أَنَّ هَؤُلَاءِ الصَّفْوَةَ مِنْ صَحَابَةِ نَبِيِّنَا - صلى الله عليه وسلم - الَّذِينَ قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ - رضي الله عنهم - مْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ،وَكَذَلِكَ جَمِيعُ صَحَابَتِهِ ضَمِنَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ لِلنَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - أَنْ لَا يُخْزِيهِ فِيهِمْ وَأَنَّهُ يُتِمُّ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ نُورَهُمْ وَيَغْفِرُ لَهُمْ وَيَرْحَمُهُمْ؛قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ يَوْمَ لَا يُخْزِي اللَّهُ النَّبِيَّ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ نُورُهُمْ يَسْعَى بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَتْمِمْ لَنَا نُورَنَا وَاغْفِرْ لَنَا إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَقَالَ عَزَّ وَجَلَّ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ،وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا،سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ،ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الْإِنْجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزِّرَاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ،وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا "(1/172)
قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ رَحِمَهُ اللَّهُ:فَنَعُوذُ بِاللَّهِ مِمَّنْ فِي قَلْبِهِ غَيْظٌ لِأَحَدٍ مِنْ هَؤُلَاءِ أَوْ لِأَحَدٍ مِنْ أَهْلِ بَيْتِ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - ،أَوْ لِأَحَدٍ مِنْ أَزْوَاجِهِ،بَلْ نَرْجُوا بِمَحَبَّتِنَا لِجَمِيعِهِمُ الرَّحْمَةَ وَالْمَغْفِرَةَ مِنَ اللَّهِ الْكَرِيمِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ " (1)
12- عَنْ أَبِى عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَنَّ عُثْمَانَ - رضى الله عنه - حَيْثُ حُوصِرَ أَشْرَفَ عَلَيْهِمْ وَقَالَ أَنْشُدُكُمْ وَلاَ أَنْشُدُ إِلاَّ أَصْحَابَ النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - ،أَلَسْتُمْ تَعْلَمُونَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ « مَنْ حَفَرَ رُومَةَ فَلَهُ الْجَنَّةُ ».فَحَفَرْتُهَا،أَلَسْتُمْ تَعْلَمُونَ أَنَّهُ قَالَ « مَنْ جَهَّزَ جَيْشَ الْعُسْرَةِ فَلَهُ الْجَنَّةُ ».فَجَهَّزْتُهُمْ.قَالَ فَصَدَّقُوهُ بِمَا قَالَ.وَقَالَ عُمَرُ فِى وَقْفِهِ لاَ جُنَاحَ عَلَى مَنْ وَلِيَهُ أَنْ يَأْكُلَ.وَقَدْ يَلِيهِ الْوَاقِفُ وَغَيْرُهُ فَهْوَ وَاسِعٌ لِكُلٍّ أخرجه البخاري (2)
في هذا الحديث الشريف دعوة للأمة إلى الإنفاق والصدقة ابتغاء وجه الله تعالى؛لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - دعا إلى حفر بئر رومة فحفرها عثمان رضي الله عنه وهذا العمل من أعظم الصدقات،ودعا - صلى الله عليه وسلم - إلى تجهيز جيش العسرة،فجهزه عثمان رضي الله عنه،وهذه من النفقات في سبيل الله تعالى (3)
إن من صفات الداعية الصادق مع الله تبارك وتعالى المسارعة إلى الخير ابتغاء مرضات الله تعالى؛ولهذا سارع عثمان رضي الله عنه عندما سمع النبي - صلى الله عليه وسلم - يدعو إلى الإنفاق ويبين فضله،فأنفق على جيش العسرة فجهزه،وحفر بئر رومة،فينبغي للداعية أن يسارع إلى فعل الخيرات كما قال سبحانه وتعالى:{ وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا
__________
(1) - الشَّرِيعَةُ لِلْآجُرِّيِّ (1781 )
(2) - برقم( 2788 )
جهد الرجل، فهو مجهود : إذا وجد مشقة ، وهو من الجهد ، وجهد الناس : إذا قحطوا فهم مجهودون ، فأما أجهد فهو مُجهد ،فإنما يكون على تقدير أنه وقع في الجهد ، وهو المشقة ، وكذلك مجهد - بالكسر - أي : إنه ذو جهد ومشقة ، أو هو من أجهد دابته : إذا حمل عليها في السير فوق طاقتها ، ورجل مجهد ومجهد : إذا كان ذا دابة ضعيفة ، فاستعاره للحال في قلة المال ونحوه.
وابن السبيل : السبيل :الطرق ، وابن السبيل : هو المسافر ، كأنه للزومة السرفر ، والطريق نسب إليها.
(3) - انظر : شرح الكرماني على صحيح البخاري 12 / 87، وفتح الباري لابن حجر، 5 / 407، وعمدة القاري للعيني، 14 / 71 .(1/173)
السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ }{ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ }...(سورة آل عمران, الآيتان:134,133) الآية.
إن الكرم صفة حميدة ينبغي للدعاة أن يتصفوا بها،وفي هذا الحديث صورة واضحة تبين كرم عثمان رضي الله عنه وأرضاه،فقد أنفق نفقة عظيمة عجز عظماء الرجال عن الإِنفاق مثلها،فقد ثبت أنه « أنفق في هذه الغزوة ثلاثمائة بعير بأحلاسها وأقتابها،وجاء بألف دينار فنثرها في حجر النبي - صلى الله عليه وسلم - ،فأخذ النبي - صلى الله عليه وسلم - يقلِّبها في حجره ويقول:"ما ضرَّ عثمان ما عمل بعد هذا اليوم"قالها مرارا » ومما يدل على كرمه أيضا ما أنفقه في شراء بئر رومة وحفرها،وذلك أن"المهاجرين لما قدموا المدينة استنكروا الماء،وكانت لرجل من بني غفار عين يقال لها رومة،وكان يبيع منها القربة بمد،فقال له النبي - صلى الله عليه وسلم - :"تبيعنيها بعين في الجنة ؟"فقال يا رسول الله:ليس لي ولا لعيالي غيرها،فبلغ ذلك عثمان رضي الله عنه فاشتراها بخمسة وثلاثين ألف درهم،ثم أتى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال أتجعل لي فيها ما جعلت له ؟ قال:"نعم "،قال:قد جعلتها للمسلمين ».
وهذا يدل على كرم عثمان رضي الله عنه ورغبته فيما عند الله تعالى،فعلى الداعية أن يكون كريما راغبا فيما عند الله سبحانه وتعالى .
إظهار الداعية مناقبه عند الحاجة لذلك:لا شك أن الداعية الصادق المخلص لا يحب أن يظهر عمله للناس؛لأنه لا يقصد به إلا وجه الله تعالى والدار الآخرة،ولكن إذا كان في إظهار مناقبه مصلحة راجحة تنفع الدعوة والمدعوين،أو تبيِّن للناس مدى صحة ما يقول حتى يعملوا به،أو تدفع عنه تهمة رمِيَ بها،فلا بأس بذلك،وفي هذا الحديث من فعل عثمان وقوله ما يدل على ذلك؛ولهذا قال الحافظ ابن حجر رحمه الله في فوائد هذا الحديث:"...وفيها جواز تحدث الرجل بمناقبه عند الاحتياج إلى ذلك لدفع مضرة،أو تحصيل منفعة،وإنما يكره ذلك عند المفاخرة والمكاثرة والعجب "
يظهر في هذا الحديث ما حصل لعثمان رضي الله عنه من الابتلاء،والامتحان،فقابل ذلك بالثبات والصبر،فهو ثالث الخلفاء الراشدين،وأحد العشرة المشهود لهم بالجنة،ومع ذلك(1/174)
أصابه هذا الابتلاء؛قال سبحانه وتعالى:{ وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجَاهِدِينَ مِنْكُمْ وَالصَّابِرِينَ وَنَبْلُوَ أَخْبَارَكُمْ }.( سورة محمد،الآية:31 )
فينبغي للداعية أن يسأل الله العفو والعافية،وإذا حصل ابتلاء صبر واحتسب الأجر على الله تعالى،نسأل الله العفو والعافية في الدنيا والآخرة .
لا ريب أن أسلوب الترغيب له أثر في حياة المدعو؛ولهذا اعتنى به القرآن الكريم،واستخدمه النبي - صلى الله عليه وسلم - في دعوته،وفي هذا الحديث يظهر هذا الأسلوب في قوله - صلى الله عليه وسلم - :"من حفر رومة فله الجنة "،وقوله - صلى الله عليه وسلم - :"من جهز جيش العسرة فله الجنة "،وقد جاء في سبب ورود هذا الحديث أن"المسلمين عندما قدموا إلى المدينة وجدوا أن الماء العذب قليل،وليس بالمدينة ما يستعذب غير بئر رومة،فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - :"من يشتري بئر رومة فيجعل دلوه مع دلاء المسلمين بخير له منها في الجنة ؟ » .وقال في حديث الباب:"من حفر رومة فله الجنة"قال ابن حجر في الجمع بين لفظ الحفر والشراء:"...وإن كانت أولا عينا فلا مانع أن يحفر فيها عثمان بئرا،ولعل العين كانت تجري إلى بئر فوَسَّعَها وطواها فنسب حفرها إليه".
يظهر في هذا الحديث أن القدوة وسيلة ناجحة في الدعوة إلى الله تعالى،وذلك أن عثمان رضي الله عنه اشترى بئر رومة وحفرها،وأنفق النفقة العظيمة في غزوة تبوك وكل ذلك بحضرة الصحابة رضي الله عنهم،فكان رضي الله عنه قدوة حسنة لغيره من الصحابة؛ولهذا أثنى عليه النَّبِيّ - صلى الله عليه وسلم - مرارا بقوله:« ما ضر عثمان ما عمل بعد اليوم"وكان ذلك بحضرة الصحابة رضي الله عنهم،وفي ذلك تشجيع لهم على النفقة . (1)
13- عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بن سِنَانٍ،قَالَ:سَمِعْتُ عَبْدَ اللَّهِ بن مَسْعُودٍ،يَقُولُ:حِينَ بُويِعَ لِعُثْمَانَ:مَا أَلَوْنَا عَنْ أَعْلاهَا ذَا فَوْقٍ.أخرجه الطبراني (2)
__________
(1) - فقه الدعوة في صحيح الإمام البخاري - (1 / 204)
(2) - برقم(138 و139و8749-8752) وتهذيب الآثار برقم(1194 و1195) وفضائل عثمان برقم(15) وهو صحيح
ما ألونا عن أعلاها ذا فوق ، فإنه يعني بقوله : ما ألونا ، ما قصرنا ، وما تركنا الجهد(1/175)
14- عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ،أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ:يَطْلُعُ عَلَيْكُمْ مِنْ هَذَا الْفَجِّ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ،فَطَلَعَ عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ.أخرجه عبد الله (1)
15- عَنْ مُحَمَّدِ ابْنِ الْحَنَفِيَّةِ قَالَ:بَلَغَ عَلِيًّا أَنَّ عَائِشَةَ تَلْعَنُ قَتَلَةَ عُثْمَانَ فِي الْمِرْبَدِ،قَالَ:فَرَفَعَ يَدَيْهِ حَتَّى بَلَغَ بِهِمَا وَجْهَهُ فَقَالَ:وَأَنَا أَلْعَنُ قَتَلَةَ عُثْمَانَ،لَعَنَهُمُ اللَّهُ فِي السَّهْلِ وَالْجَبَلِ،قَالَ مَرَّتَيْنِ أَوْ ثَلاَثًا. أخرجه عبد الله (2)
16- عَنْ جُنْدُبٍ قَالَ:أَتَيْتُ بَابَ حُذَيْفَةَ فَاسْتَأْذَنْتُ ثَلاَثًا،فَلَمْ يُؤْذَنْ لِي،فَذَكَرَ هُشَيْمٌ قِصَّةً فِيهَا قَالَ:ذَهَبُوا لِيَقْتُلُوهُ،قُلْتُ:فَأَيْنَ هُوَ ؟ قَالَ:فِي الْجَنَّةِ،قُلْتُ:فَأَيْنَ قَتَلَتُهُ ؟ قَالَ:فِي النَّارِ،يَعْنِي قَتَلَةَ عُثْمَانَ. أخرجه عبد الله (3)
17- عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ كُنَّا نَعُدُّ - وَرَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - حَىٌّ وَأَصْحَابُهُ مُتَوَافِرُونَ - أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ وَعُثْمَانُ ثُمَّ نَسْكُتُ أخرجه أحمد (4)
وعَنِ ابْنِ عُمَرَ،قَالَ:"كُنَّا فِي زَمَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - لَا نَعْدِلُ نَعُدُّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - بِأَبِي بَكْرٍ ثُمَّ عُمَرَ ثُمَّ عُثْمَانَ ثُمَّ نَقُولُ:فَلَا نُفَاضِلُ بَيْنَهُمْ"أخرجه عبد الله (5)
قَالَ عَبْدُوسُ بْنُ مَالِكٍ الْعَطَّارُ:سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ أَحْمَدَ بْنَ مُحَمَّدِ بْنِ حَنْبَلٍ يَقُولُ:"أُصُولُ السُّنَّةِ عِنْدَنَا:التَّمَسُّكُ بِمَا كَانَ عَلَيْهِ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - ،وَالِاقْتِدَاءُ بِهِمْ،وَتَرْكُ الْبِدَعِ،وَكُلُّ بِدْعَةٍ فَهِيَ ضَلَالَةٌ،وَتَرْكُ الْخُصُومَاتِ وَالْجُلُوسِ مَعَ أَصْحَابِ الْأَهْوَاءِ،وَتَرْكُ الْمِرَاءِ وَالْجِدَالِ وَالْخُصُومَاتِ فِي الدِّينِ،وَالسُّنَّةُ عِنْدَنَا آثَارُ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - ،وَالسُّنَّةُ تُفَسِّرُ الْقُرْآنَ،وَهِيَ دَلَائِلُ الْقُرْآنِ،وَلَيْسَ فِي السُّنَّةِ قِيَاسٌ،وَلَا تُضْرَبُ لَهَا الْأَمْثَالُ،وَلَا تُدْرَكُ بِالْعُقُولِ وَلَا الْأَهْوَاءِ،إِنَّمَا هِيَ الِاتِّبَاعُ وَتَرْكُ الْهَوَى،وَمِنَ السُّنَّةِ اللَّازِمَةِ الَّتِي مَنْ تَرَكَ مِنْهَا خَصْلَةً لَمْ يَقُلْهَا وَيُؤْمِنْ بِهَا لَمْ يَكُنْ مِنْ أَهْلِهَا:الْإِيمَانُ بِالْقَدَرِ خَيْرِهِ وَشَرِّهِ،وَالتَّصْدِيقُ بِالْأَحَادِيثِ
__________
(1) - برقم(16) وهو حسن لغيره
(2) - برقم(17) و وسعيد بن منصور برقم(2756) وهو صحيح
(3) - برقم(19) وهو صحيح
(4) - برقم( 4728) وابن أبي شيبة برقم(31931) وهو صحيح
(5) - فَضَائِلُ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَحْمَدَ (22) والمرزي برقم(552) وهو صحيح(1/176)
فِيهِ،وَالْإِيْمَانُ بِهَا لَا يُقَالُ لِمَ وَلَا كَيْفَ،إِنَّمَا هُوَ التَّصْدِيقُ بِهَا وَالْإِيمَانُ بِهَا،وَمَنْ لَمْ يَعْرِفْ تَفْسِيرَ الْحَدِيثِ وَيَبْلُغْهُ عَقْلُهُ فَقَدْ كُفِيَ ذَلِكَ وَأُحْكِمَ لَهُ،فَعَلَيْهِ الْإِيمَانَ بِهِ وَالتَّسْلِيمَ لَهُ،مِثْلُ حَدِيثِ الصَّادِقِ وَالْمَصْدُوقِ،وَمَا كَانَ مِثْلَهُ فِي الْقَدَرِ،وَمِثْلُ أَحَادِيثِ الرُّؤْيَةِ كُلِّهَا،وَإِنْ نَبَتْ عَنِ الْأَسْمَاعِ وَاسْتَوْحَشَ مِنْهَا الْمُسْتَمِعُ فَإِنَّمَا عَلَيْهِ الْإِيمَانُ بِهَا،وَأَنْ لَا يَرُدَّ مِنْهَا جُزْءًا وَاحِدًا وَغَيْرَهَا مِنَ الْأَحَادِيثِ الْمَأْثُورَاتِ عَنِ الثِّقَاتِ،لَا يُخَاصِمُ أَحَدًا وَلَا يُنَاظِرُهُ وَلَا يَتَعَلَّمُ الْجَدَلَ،فَإِنَّ الْكَلَامَ فِي الْقَدَرِ وَالرُّؤْيَةِ وَالْقُرْآنِ وَغَيْرِهَا مِنَ السُّنَنِ مَكْرُوهٌ مَنْهِيٌّ عَنْهُ،وَلَا يَكُونُ صَاحِبُهُ إِنْ أَصَابَ بِكَلَامِهِ السُّنَّةَ مِنْ أَهْلِ السُّنَّةِ حَتَّى يَدَعَ الْجَدَلَ وَيُسَلِّمَ وَيُؤْمِنَ بِالْآثَارِ،وَالْقُرْآنُ كَلَامُ اللَّهِ وَلَيْسَ بِمَخْلُوقٍ،وَلَا تَضْعُفْ أَنْ تَقُولَ لَيْسَ بِمَخْلُوقٍ،فَإِنَّ كَلَامَ اللَّهِ مِنْهُ وَلَيْسَ مِنْهُ شَيْءٌ مَخْلُوقٌ،وَإِيَّاكَ وَمُنَاظَرَةَ مَنْ أَحْدَثَ فِيهِ،وَمَنْ قَالَ بِاللَّفْظِ وَغَيْرِهِ،وَمَنْ وَقَفَ فِيهِ فَقَالَ:"لَا أَدْرِي مَخْلُوقٌ أَوْ لَيْسَ بِمَخْلُوقٍ "،وَإِنَّمَا هُوَ كَلَامُ اللَّهِ وَلَيْسَ بِمَخْلُوقٍ.وَالْإِيمَانُ بِالرُّؤْيَةِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كَمَا رُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - مِنَ الْأَحَادِيثِ الصِّحَاحِ،وَأَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - قَدْ رَأَى رَبَّهُ،وَأَنَّهُ مَأْثُورٌ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - صَحِيحٌ،رَوَاهُ قَتَادَةُ،عَنْ عِكْرِمَةَ،عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ،وَرَوَاهُ الْحَكَمُ بْنُ أَبَانَ،عَنْ عِكْرِمَةَ،عَنِ ابْنِ عَبَّاسِ،وَرَوَاهُ عَلِيُّ بْنُ زَيْدٍ،عَنْ يُوسُفَ بْنِ مِهْرَانَ،عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ،وَالْحَدِيثُ عِنْدَنَا عَلَى ظَاهِرِهِ كَمَا جَاءَ عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - ،وَالْكَلَامُ فِيهِ بِدْعَةٌ،وَلَكِنْ نُؤْمِنُ بِهِ كَمَا جَاءَ عَلَى ظَاهِرِهِ وَلَا نُنَاظِرْ فِيهِ أَحَدًا.وَالْإِيمَانُ بِالْمِيزَانِ كَمَا جَاءَ:يُوزَنُ الْعَبْدُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ"فَلَا يُوزَنُ جَنَاحَ بَعُوضَةٍ،وَتُوزَنُ أَعْمَالُ الْعِبَادِ كَمَا جَاءَ فِي الْأَثَرِ.وَالْإِيمَانُ بِهِ وَالتَّصْدِيقُ بِهِ وَالْإِعْرَاضُ عَمَّنْ رَدَّ ذَلِكَ،وَتَرْكُ مُجَادَلَتِهِ.وَإِنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى يُكَلِّمُ الْعِبَادَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ لَيْسَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَهُ تُرْجُمَانٌ،وَالْإِيمَانُ بِهِ وَالتَّصْدِيقُ بِهِ.وَالْإِيمَانُ بِالْحَوْضِ،وَأَنَّ لِرَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - حَوْضًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ تَرِدُ عَلَيْهِ أُمَّتُهُ،عَرْضُهُ مِثْلُ طُولِهِ مَسِيرَةَ شَهْرٍ،آنِيَتُهُ كَعَدَدِ نُجُومِ السَّمَاءِ،عَلَى مَا صَحَّتْ بِهِ الْأَخْبَارُ مِنْ غَيْرِ وَجْهٍ.وَالْإِيمَانُ بِعَذَابِ الْقَبْرِ،وَأَنَّ هَذِهِ الْأُمَّةَ تُفْتَنُ فِي قُبُورِهَا،وَتُسْأَلُ عَنِ الْإِيمَانِ وَالْإِسْلَامِ،وَمَنْ رَبُّهُ،وَمَنْ نَبِيُّهُ،وَيَأْتِيهِ مُنْكَرٌ وَنَكِيرٌ كَيْفَ شَاءَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ وَكَيْفَ أَرَادَ،وَالْإِيمَانُ بِهِ وَالتَّصْدِيقُ بِهِ.وَالْإِيمَانُ بِشَفَاعَةِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - ،وَبِقَوْمٍ يَخْرُجُونَ مِنَ النَّارِ بَعْدَمَا احْتَرَقُوا وَصَارُوا فَحْمًا،فَيُؤْمَرُ بِهِمْ إِلَى نَهْرٍ عَلَى بَابِ الْجَنَّةِ كَمَا جَاءَ فِي الْأَثَرِ،كَيْفَ شَاءَ(1/177)
اللَّهُ وَكَمَا شَاءَ،إِنَّمَا هُوَ الْإِيمَانُ بِهِ وَالتَّصْدِيقُ بِهِ،وَالْإِيمَانُ أَنَّ الْمَسِيحَ الدَّجَّالَ خَارِجٌ مَكْتُوبٌ بَيْنَ عَيْنَيْهِ كَافِرٌ،وَالْأَحَادِيثُ الَّتِي جَاءَتْ فِيهِ،وَالْإِيمَانُ بِأَنَّ ذَلِكَ كَائِنٌ،وَأَنَّ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ يَنْزِلُ فَيَقْتُلُهُ بِبَابِ لُدٍّ.وَالْإِيمَانُ قَوْلٌ وَعَمَلٌ يَزِيدُ وَيَنْقُصُ كَمَا جَاءَ فِي الْخَبَرِ:"أَكْمَلُ الْمُؤْمِنِينَ إِيمَانًا أَحْسَنُهُمْ خُلُقًا ".وَمَنْ تَرَكَ الصَّلَاةَ فَقَدْ كَفَرَ،وَلَيْسَ مِنَ الْأَعْمَالِ شَيْءٌ تَرْكُهُ كُفْرٌ إِلَّا الصَّلَاةَ،مَنْ تَرَكَهَا فَهُوَ كَافِرٌ،وَقَدْ أَحَلَّ اللَّهُ قَتْلَهُ.وَخَيْرُ هَذِهِ الْأُمَّةِ بَعْدَ نَبِيِّهَا أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ،ثُمَّ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ،ثُمَّ عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ،نُقَدِّمُ هَؤُلَاءِ الثَّلَاثَةَ كَمَا قَدَّمَهُمْ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - لَمْ يَخْتَلِفُوا فِي ذَلِكَ،ثُمَّ بَعْدَ هَؤُلَاءِ الثَّلَاثَةِ أَصْحَابُ الشُّورَى الْخَمْسُ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ،وَطَلْحَةُ،وَالزُّبَيْرُ،وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ،وَسَعْدٌ،كُلُّهُمْ يَصْلُحُ لِلْخِلَافَةِ وَكُلُّهُمْ إِمَامٌ.وَنَذْهَبُ إِلَى حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ:كُنَّا نَعُدُّ وَرَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - حَيٌّ،وَأَصْحَابُهُ مُتَوَافِرُونَ:أَبُو بَكْرٍ،ثُمَّ عُمَرُ،ثُمَّ عُثْمَانُ،ثُمَّ نَسْكُتُ.ثُمَّ مِنْ بَعْدِ أَصْحَابِ الشُّورَى أَهْلُ بَدْرٍ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ،ثُمَّ أَهْلُ بَدْرٍ مِنَ الْأَنْصَارِ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - عَلَى قَدْرِ الْهِجْرَةِ وَالسَّابِقَةِ أَوَّلًا فَأَوَّلًا.ثُمَّ أَفْضَلُ النَّاسِ بَعْدَ هَؤُلَاءِ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - الْقَرْنُ الَّذِي بُعِثَ فِيهِمْ،كُلُّ مَنْ صَحِبَهُ سَنَةً أَوْ شَهْرًا أَوْ يَوْمًا أَوْ سَاعَةً أَوْ رَآهُ،فَهُوَ مِنْ أَصْحَابِهِ،لَهُ مِنَ الصُّحْبَةِ عَلَى قَدْرِ مَا صَحِبَهُ،وَكَانَتْ سَابِقَتُهُ مَعَهُ،وَسَمِعَ مِنْهُ وَنَظَرَ إِلَيْهِ نَظْرَةً،فَأَدْنَاهُمْ صُحْبَةً هُوَ أَفْضَلُ مِنَ الْقَرْنِ الَّذِينَ لَمْ يَرَوْهُ،وَلَوْ لَقُوا اللَّهَ بِجَمِيعِ الْأَعْمَالِ كَانَ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ صَحِبُوا النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - وَرَأَوْهُ وَسَمِعُوا مِنْهُ وَمَنْ رَآهُ بِعَيْنِهِ وَآمَنَ بِهِ وَلَوْ سَاعَةً أَفْضَلَ بِصُحْبَتِهِ مِنَ التَّابِعِينَ وَلَوْ عَمِلُوا كُلَّ أَعْمَالِ الْخَيْرِ.وَالسَّمْعُ وَالطَّاعَةُ لِلْأَئِمَّةِ وَأَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ الْبَرِّ وَالْفَاجِرِ،وَمَنْ وَلِيَ الْخِلَافَةَ فَاجْتَمَعَ النَّاسُ عَلَيْهِ وَرَضُوا بِهِ.وَمَنْ غَلَبَهُمْ بِالسَّيْفِ حَتَّى صَارَ خَلِيفَةً وَسُمِّيَ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ.وَالْغَزْوُ مَاضٍ مَعَ الْأُمَرَاءِ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ الْبَرِّ وَالْفَاجِرِ لَا يُتْرَكُ.وَقِسْمَةُ الْفَيْءِ وَإِقَامَةُ الْحُدُودِ إِلَى الْأَئِمَّةِ مَاضٍ لَيْسَ لِأَحَدٍ أَنْ يَطْعَنَ عَلَيْهِمْ وَلَا يُنَازِعَهُمْ،وَدَفْعُ الصَّدَقَاتِ إِلَيْهِمْ جَائِزَةٌ وَنَافِذَةٌ،مَنْ دَفَعَهَا إِلَيْهِمْ أَجْزَأَتْ عَنْهُ بَرًّا كَانَ أَوْ فَاجِرًا،وَصَلَاةُ الْجُمُعَةِ خَلْفَهُ وَخَلْفَ مَنْ وَلَّى جَائِزَةٌ تَامَّةٌ رَكْعَتَيْنِ،مَنَ أَعَادَهُمَا فَهُوَ مُبْتَدِعٌ،تَارِكٌ لِلْآثَارِ،مُخَالِفٌ لِلسُّنَّةِ،لَيْسَ لَهُ مِنْ فَضْلِ الْجُمُعَةِ شَيْءٌ إِذَا لَمْ يَرَ الصَّلَاةَ خَلْفَ الْأَئِمَّةِ مَنْ كَانُوا بَرِّهِمْ وَفَاجِرِهِمْ،فَالسُّنَّةُ أَنَّ تُصَلِّيَ مَعَهُمْ رَكْعَتَيْنِ،مَنَ أَعَادَهُمَا فَهُوَ(1/178)
مُبْتَدِعٌ،وَتَدِينُ بِأَنَّهَا تَامَّةٌ،وَلَا يَكُنْ فِي صَدْرِكَ مِنْ ذَلِكَ شَكٌّ.وَمَنْ خَرَجَ عَلَى إِمَامِ الْمُسْلِمِينَ وَقَدْ كَانَ النَّاسُ اجْتَمَعُوا عَلَيْهِ وَأَقَرُّوا لَهُ بِالْخِلَافَةِ بِأَيِّ وَجْهٍ كَانَ بِالرِّضَا أَوْ بِالْغَلَبَةِ فَقَدْ شَقَّ هَذَا الْخَارِجُ عَصَا الْمُسْلِمِينَ،وَخَالَفَ الْآثَارَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - ،فَإِنْ مَاتَ الْخَارِجُ عَلَيْهِ مَاتَ مِيتَةَ جَاهِلِيَّةٍ.وَلَا يَحِلُّ قِتَالُ السُّلْطَانِ وَلَا الْخُرُوجُ عَلَيْهِ لِأَحَدٍ مِنَ النَّاسِ،فَمَنْ فَعَلَ ذَلِكَ فَهُوَ مُبْتَدِعٌ عَلَى غَيْرِ السُّنَّةِ وَالطَّرِيقِ.وَقِتَالُ اللُّصُوصِ وَالْخَوَارِجِ جَائِزٌ إِذَا عَرَضُوا لِلرَّجُلِ فِي نَفْسِهِ وَمَالِهِ،فَلَهُ أَنْ يُقَاتِلَ عَنْ نَفْسِهِ وَمَالِهِ وَيَدْفَعَ عَنْهَا بِكُلِّ مَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ.وَلَيْسَ لَهُ إِذَا فَارَقُوهُ أَوْ تَرَكُوهُ أَنْ يَطْلُبَهُمْ وَلَا يَتْبَعَ آثَارَهُمْ،لَيْسَ لِأَحَدٍ إِلَّا لِلْإِمَامِ أَوْ وُلَاةِ الْمُسْلِمِينَ،إِنَّمَا لَهُ أَنْ يَدْفَعَ عَنْ نَفْسِهِ فِي مَقَامِهِ ذَلِكَ،وَيَنْوِي بِجَهْدِهِ أَنْ لَا يَقْتُلَ أَحَدًا،فَإِنْ أَتَى عَلَيْهِ فِي دَفْعِهِ عَنْ نَفْسِهِ فِي الْمَعْرَكَةِ فَأَبْعَدَ اللَّهُ الْمَقْتُولَ،وَإِنْ قَتَلَ هَذَا فِي تِلْكَ الْحَالِ وَهُوَ يَدْفَعُ عَنْ نَفْسِهِ وَمَالِهِ رَجَوْتُ لَهُ الشَّهَادَةَ،كَمَا جَاءَ فِي الْأَحَادِيثِ وَجَمِيعِ الْآثَارِ فِي هَذَا إِنَّمَا،أُمِرَ بِقِتَالِهِ وَلَمْ يُؤْمَرْ بِقَتْلِهِ وَلَا اتِّبَاعِهِ،وَلَا يُجْهِزْ عَلَيْهِ إِنْ صُرِعَ أَوْ كَانَ جَرِيحًا،وَإِنْ أَخَذَهُ أَسِيرًا فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَقْتُلَهُ وَلَا يُقِيمَ عَلَيْهِ الْحَدَّ،وَلَكِنْ يَرْفَعُ أَمْرَهُ إِلَى مَنْ وَلَّاهُ اللَّهُ فَيَحْكُمُ فِيهِ.وَلَا يَشْهَدُ عَلَى أَهْلِ الْقِبْلَةِ بِعَمَلٍ يَعْمَلُهُ بِجَنَّةٍ وَلَا نَارٍ يَرْجُو لِلصَّالِحِ،وَيَخَافُ عَلَيْهِ،وَيَخَافُ عَلَى الْمُسِيءِ الْمُذْنِبِ،وَيَرْجُو لَهُ رَحْمَةَ اللَّهِ.وَمَنْ لَقِيَ اللَّهَ بِذَنْبٍ يَجِبُ لَهُ بِهِ النَّارُ تَائِبًا غَيْرَ مُصِرٍّ عَلَيْهِ؛فَإِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ يَتُوبُ عَلَيْهِ وَيَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَعْفُو عَنِ السَّيِّئَاتِ.وَمَنْ لَقِيَهُ وَقَدْ أُقِيمَ عَلَيْهِ حَدُّ ذَلِكَ الذَّنْبِ فِي الدُّنْيَا فَهُوَ كَفَّارَتُهُ كَمَا جَاءَ الْخَبَرُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - .وَمَنْ لَقِيَهُ مُصِرًّا غَيْرَ تَائِبٍ مِنَ الذُّنُوبِ الَّتِي قَدِ اسْتَوْجَبَ بِهَا الْعُقُوبَةَ،فَأَمْرُهُ إِلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ،إِنْ شَاءَ عَذَّبَهُ،وَإِنْ شَاءَ غَفَرَ لَهُ.وَمَنْ لَقِيَهُ كَافِرًا عَذَّبَهُ وَلَمْ يَغْفِرْ لَهُ.وَالرَّجْمُ حَقٌّ عَلَى مَنْ زَنَا وَقَدْ أُحْصِنَ إِذَا اعْتَرَفَ أَوْ قَامَتْ عَلَيْهِ بَيِّنَةٌ،وَقَدْ رَجَمَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - ،وَقَدْ رَجَمَتِ الْأَئِمَّةُ الرَّاشِدُونَ.وَمَنِ انْتَقَصَ أَحَدًا مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - أَوْ أَبْغَضَهُ لِحَدَثٍ كَانَ مِنْهُ أَوْ ذَكَرَ مَسَاوِئَهُ كَانَ مُبْتَدِعًا حَتَّى يَتَرَحَّمَ عَلَيْهِمْ جَمِيعًا،وَيَكُونَ قَلْبُهُ لَهُمْ سَلِيمًا.وَالنِّفَاقُ هُوَ الْكُفْرُ،أَنْ يَكْفُرَ بِاللَّهِ وَيَعْبُدَ غَيْرَهُ،وَيُظْهِرَ الْإِسْلَامَ فِي الْعَلَانِيَةِ مِثْلَ الْمُنَافِقِينَ الَّذِينَ كَانُوا عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - .وَهَذِهِ الْأَحَادِيثُ الَّتِي جَاءَتْ:"ثَلَاثٌ مَنْ كُنَّ فِيهِ فَهُوَ مُنَافِقٌ"هَذَا عَلَى التَّغْلِيظِ،نَرْوِيهَا كَمَا جَاءَتْ وَلَا(1/179)
نُفَسِّرُهَا.وَقَوْلُهُ:"لَا تَرْجِعُوا بَعْدِي كُفَّارًا ضُلَّالًا يَضْرِبُ بَعْضُكُمْ رِقَابَ بَعْضٍ "،وَمِثْلُ:"إِذَا الْتَقَى الْمُسْلِمَانِ بِسَيْفَيْهِمَا فَالْقَاتِلُ وَالْمَقْتُولُ فِي النَّارِ "،وَمِثْلُ:"سِبَابُ الْمُسْلِمِ فُسُوقٌ وَقِتَالُهُ كُفْرٌ "،وَمِثْلُ:"مَنْ قَالَ لِأَخِيهِ:يَا كَافِرُ فَقَدْ بَاءَ بِهَا أَحَدُهُمَا "،وَمِثْلُ:"كُفْرٌ بِاللَّهِ تَبَرُّؤٌ مِنْ نَسَبٍ،وَإِنْ دَقَّ ".وَنَحْوُهُ مِنَ الْأَحَادِيثِ مِمَّا قَدْ صَحَّ وَحُفِظَ فَإِنَّا نُسَلِّمُ لَهُ وَإِنْ لَمْ يُعْلَمْ تَفْسِيرُهَا،وَلَا يُتَكَلَّمُ فِيهِ وَلَا يُجَادَلُ فِيهِ وَلَا تُفَسَّرُ هَذِهِ الْأَحَادِيثُ إِلَّا بٍمِثْلِ مَا جَاءَتْ،وَلَا نَرُدُّهَا إِلَّا بِأَحَقِّ مِنْهَا.وَالْجَنَّةُ وَالنَّارُ مَخْلُوقَتَانِ،قَدْ خُلِقَتَا كَمَا جَاءَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - :"دَخَلْتُ الْجَنَّةَ فَرَأَيْتُ قَصْرًا،وَرَأَيْتُ الْكَوْثَرَ،وَاطَّلَعْتُ فِي الْجَنَّةِ فَرَأَيْتُ لِأَهْلِهَا كَذَا،وَاطَّلَعْتُ فِي النَّارِ فَرَأَيْتُ كَذَا،وَرَأَيْتُ كَذَا"فَمَنْ زَعَمَ أَنَّهُمَا لَمْ تُخْلَقَا فَهُوَ مُكَذِّبٌ بِالْقُرْآنِ وَأَحَادِيثِ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - ،وَلَا أَحْسِبُهُ يُؤْمِنُ بِالْجَنَّةِ وَالنَّارِ.وَمَنْ مَاتَ مِنْ أَهْلِ الْقِبْلَةِ مُوَحِّدًا يُصَلَّى عَلَيْهِ وَيُسْتَغْفَرُ لَهُ،وَلَا تُتْرَكُ الصَّلَاةُ عَلَيْهِ لِذَنْبٍ أَذْنَبَهُ صَغِيرًا كَانَ أَوْ كَبِيرًا،وَأَمْرُهُ إِلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ " (1)
18- عَنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ:أَخْبَرَنِي سَالِمُ بْنُ عَبْدِ اللهِ،أَنَّ عَبْدَ اللهِ بْنَ عُمَرَ قَالَ:جَاءَنِي رَجُلٌ مِنَ الأَنْصَارِ فِي خِلاَفَةِ عُثْمَانَ فَكَلَّمَنِي،فَإِذَا هُوَ يَأْمُرُنِي فِي كَلاَمِهِ بِأَنْ أَعْيَبَ عَلَى عُثْمَانَ،فَتَكَلَّمَ كَلاَمًا طَوِيلاً،وَهُوَ امْرُؤٌ فِي لِسَانِهِ ثِقَلٌ،فَلَمْ يَكَدْ يَقْضِي كَلاَمَهُ فِي سَرِيحٍ،قَالَ:فَلَمَّا قَضَى كَلاَمَهُ قُلْتُ لَهُ:إِنَّا كُنَّا نَقُولُ وَرَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - حَيٌّ:أَفْضَلُ أُمَّةِ رَسُولِ اللهِ بَعْدَهُ أَبُو بَكْرٍ،ثُمَّ عُمَرُ،ثُمَّ عُثْمَانُ،وَإِنَّا وَاللهِ مَا نَعْلَمُ عُثْمَانَ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ حَقٍّ،وَلاَ جَاءَ مِنَ الْكَبَائِرِ شَيْئًا،وَلَكِنْ هُوَ هَذَا الْمَالُ،فَإِنْ أَعْطَاكُمُوهُ رَضِيتُمْ،وَإِنْ أَعْطَاهُ أُولِي قَرَابَتِهِ
__________
(1) - شَرْحُ أُصُولِ الاعْتِقَادِ- اعْتِقَادُ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ (281)
البدعة بِدْعَتَان : بدعة هُدًى، وبدعة ضلال، فما كان في خلاف ما أمَر اللّه به ورسوله - صلى الله عليه وسلم - فهو في حَيِّز الذّم والإنكار، وما كان واقعا تحت عُموم ما نَدب اللّه إليه وحَضَّ عليه اللّه أو رسوله فهو في حيز المدح، وما لم يكن له مثال موجود كنَوْع من الجُود والسخاء وفعْل المعروف فهو من الأفعال المحمودة، ولا يجوز أن يكون ذلك في خلاف ما وَردَ الشرع به - الضلالة : الباطل والبعد عن الحق والميل عن الصواب - المراء : المجادلة على مذهب الشك والريبة -الخصلة : خلق في الإنسان يكون فضيلة أو رزيلة- كفى : عصم وحفظ - الجدَل والجدال : مُقابَلة الحُجَّة بالحجَّة. والمُجَادَلَة : المُناظَرةُ والمخاصَمة. وطَلبُ المغالَبة -يدع : يترك(1/180)
سَخِطْتُمْ،إِنَّمَا تُرِيدُونَ أَنْ تَكُونُوا كَفَارِسَ وَالرُّومِ،لاَ يَتْرُكُونَ لَهُمْ أَمِيرًا إِلاَّ قَتَلُوهُ.."أخرجه عبد الله (1)
19- عن عُثْمَانَُ- هُوَ ابْنُ مَوْهَبٍ - قَالَ جَاءَ رَجُلٌ مَنْ أَهْلِ مِصْرَ حَجَّ الْبَيْتَ فَرَأَى قَوْمًا جُلُوسًا،فَقَالَ مَنْ هَؤُلاَءِ الْقَوْمُ قَالَ هَؤُلاَءِ قُرَيْشٌ.قَالَ فَمَنِ الشَّيْخُ فِيهِمْ قَالُوا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ.قَالَ يَا ابْنَ عُمَرَ إِنِّى سَائِلُكَ عَنْ شَىْءٍ فَحَدِّثْنِى هَلْ تَعْلَمُ أَنَّ عُثْمَانَ فَرَّ يَوْمَ أُحُدٍ قَالَ نَعَمْ.قَالَ تَعْلَمُ أَنَّهُ تَغَيَّبَ عَنْ بَدْرٍ وَلَمْ يَشْهَدْ قَالَ نَعَمْ.قَالَ تَعْلَمُ أَنَّهُ تَغَيَّبَ عَنْ بَيْعَةِ الرُّضْوَانِ فَلَمْ يَشْهَدْهَا قَالَ نَعَمْ.قَالَ اللَّهُ أَكْبَرُ.قَالَ ابْنُ عُمَرَ تَعَالَ أُبَيِّنْ لَكَ أَمَّا فِرَارُهُ يَوْمَ أُحُدٍ فَأَشْهَدُ أَنَّ اللَّهَ عَفَا عَنْهُ وَغَفَرَ لَهُ،وَأَمَّا تَغَيُّبُهُ عَنْ بَدْرٍ،فَإِنَّهُ كَانَتْ تَحْتَهُ بِنْتُ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - وَكَانَتْ مَرِيضَةً،فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - "إِنَّ لَكَ أَجْرَ رَجُلٍ مِمَّنْ شَهِدَ بَدْرًا وَسَهْمَهُ ».وَأَمَّا تَغَيُّبُهُ عَنْ بَيْعَةِ الرُّضْوَانِ فَلَوْ كَانَ أَحَدٌ أَعَزَّ بِبَطْنِ مَكَّةَ مِنْ عُثْمَانَ لَبَعَثَهُ مَكَانَهُ فَبَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - عُثْمَانَ وَكَانَتْ بَيْعَةُ الرُّضْوَانِ بَعْدَ مَا ذَهَبَ عُثْمَانُ إِلَى مَكَّةَ،فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - بِيَدِهِ الْيُمْنَى"هَذِهِ يَدُ عُثْمَانَ ».فَضَرَبَ بِهَا عَلَى يَدِهِ،فَقَالَ « هَذِهِ لِعُثْمَانَ ».فَقَالَ لَهُ ابْنُ عُمَرَ اذْهَبْ بِهَا الآنَ مَعَكَ أخرجه البخاري (2)
قَوله:"هَل تَعلَم أَنَّ عُثمان فَرَّ يَوم أُحُد إِلَخ."الَّذِي يَظهَر مِن سِياقه أَنَّ السّائِل كانَ مِمَّن يَتَعَصَّب عَلَى عُثمان فَأَرادَ بِالمَسائِلِ الثَّلاث أَن يُقَرِّر مُعتَقَده فِيهِ،ولِذَلِكَ كَبَّرَ مُستَحسِنًا لَمّا أَجابَهُ بِهِ ابن عُمَر.
قَوله:"قالَ ابن عُمَر:تَعالَ أُبَيِّن لَك"كَأَنَّ ابن عُمَر فَهِمَ مِنهُ مُراده لَمّا كَبَّرَ،وإِلاَّ لَو فَهِمَ ذَلِكَ مِن أَوَّل سُؤاله لَقَرَنَ العُذر بِالجَوابِ.
وحاصِله أَنَّهُ عابَهُ بِثَلاثَةِ أَشياء فَأَظهَرَ لَهُ ابن عُمَر العُذر عَن جَمِيعها:أَمّا الفِرار فَبِالعَفوِ،وأَمّا التَّخَلُّف فَبِالأَمرِ،وقَد حَصَلَ لَهُ مَقصُود مَن شَهِدَ مِن تَرَتُّب الأَمرَينِ الدُّنيَوِيّ وهُو السَّهم والأُخرَوِيّ وهُو الأَجر.
__________
(1) - برقم(23) والمرزوي برقم( 558 و559) وهو صحيح
(2) - برقم( 3698و 3704 و 4066 و4513 و 4514 و 4650 و 4651 و7095 )(1/181)
وأَمّا البَيعَة فَكانَ مَأذُونًا لَهُ فِي ذَلِكَ أَيضًا،ويَد رَسُول الله - صلى الله عليه وسلم - خَير لِعُثمان مِن يَده كَما ثَبَتَ ذَلِكَ أَيضًا عَن عُثمان نَفسه فِيما رَواهُ البَزّار بِإِسنادٍ جَيِّد أَنَّهُ عاتَبَ عَبد الرَّحمَن بن عَوف فَقالَ لَهُ:لِمَ تَرفَع صَوتك عَلَيَّ ؟ فَذَكَرَ الأُمُور الثَّلاثَة،فَأَجابَهُ بِمِثلِ ما أَجابَ بِهِ ابن عُمَر.قالَ فِي هَذِهِ:فَشِمال رَسُول الله - صلى الله عليه وسلم - خَير لِي مِن يَمِينِي.
قَوله:"فَأَشهَد أَنَّ الله عَفا عَنهُ وغَفَرَ لَهُ"يُرِيد قَوله تَعالَى:{إِنَّ الَّذِينَ تَولَّوا مِنكُم يَوم التَقَى الجَمعانِ إِنَّما استَزَلَّهُم الشَّيطان بِبَعضِ ما كَسَبُوا،ولَقَد عَفا الله عَنهُم إِنَّ الله غَفُور حَلِيم.
قَوله:"وأَمّا تَغَيُّبه عَن بَدر فَإِنَّهُ كانَ تَحته بِنت رَسُول الله - صلى الله عليه وسلم - "؛ هِيَ رُقيَة،فَرَوى الحاكِم فِي "المُستَدرَك"مِن طَرِيق حَمّاد بن سَلَمَة عَن هِشام بن عُروة عَن أَبِيهِ قالَ:"خَلَّفَ النَّبِيّ - صلى الله عليه وسلم - عُثمان وأُسامَة بن زَيد عَلَى رُقَيَّة فِي مَرَضها لَمّا خَرَجَ إِلَى بَدر،فَماتَت رُقَيَّة حِين وصَلَ زَيد بن حارِثَة بِالبِشارَةِ،وكانَ عُمر رُقَيَّة لَمّا ماتَت عِشرِينَ سَنَة،قالَ ابن إِسحاق:ويُقال إِنَّ ابنها عَبد الله بن عُثمان ماتَ بَعدها سَنَة أَربَع مِنَ الهِجرَة ولَهُ سِتّ سِنِينَ.
قَوله:"فَلَو كانَ أَحَد بِبَطنِ مَكَّة أَعَزّ مِن عُثمان"؛أَي عَلَى مَن بِها"لَبَعَثَهُ"؛أَي النَّبِيّ - صلى الله عليه وسلم - "مَكانه"؛أَي بَدَل عُثمان.
قَوله:"فَبَعَثَ النَّبِيّ - صلى الله عليه وسلم - عُثمان وكانَت بَيعَة الرِّضوان"؛أَي بَعد أَن بَعَثَهُ والسَّبَب فِي ذَلِكَ أَنَّ النَّبِيّ - صلى الله عليه وسلم - بَعَثَ عُثمان لِيُعلِمَ قُرَيشًا أَنَّهُ إِنَّما جاءَ مُعتَمِرًا لا مُحارِبًا،فَفِي غَيبَة عُثمان شاعَ عِندهم أَنَّ المُشرِكِينَ تَعَرَّضُوا لِحَربِ المُسلِمِينَ،فاستَعَدَّ المُسلِمُونَ لِلقِتالِ وبايَعَهُم النَّبِيّ - صلى الله عليه وسلم - حِينَئِذٍ تَحت الشَّجَرَة عَلَى أَن لا يَفِرُّوا وذَلِكَ فِي غَيبَة عُثمان.وقِيلَ بَل جاءَ الخَبَر بِأَنَّ عُثمان قُتِلَ،فَكانَ ذَلِكَ سَبَب البَيعَة.
قَوله:"فَقالَ رَسُول الله - صلى الله عليه وسلم - بِيَدِهِ اليُمنَى"؛أَي أَشارَ بِها.
قَوله:"هَذِهِ يَد عُثمان"؛أَي بَدَلها،فَضَرَبَ بِها عَلَى يَده اليُسرَى فَقالَ:"هَذِهِ،أَي البَيعَة،لِعُثمان."أَي عَن عُثمان.
قَوله:"فَقالَ لَهُ ابن عُمَر:اذهَب بِها الآن مَعَك"؛أَي اقرِن هَذا العُذر بِالجَوابِ حَتَّى لا يَبقَى لَك فِيما أَجَبتُك بِهِ حُجَّة عَلَى ما كُنت تَعتَقِدهُ مِن غَيبَة عُثمان.(1/182)
وقالَ الطِّيبِيُّ:قالَ لَهُ ابن عُمَر تَهَكُّمًا بِهِ،أَي تَوجَّه بِما تَمَسَّكت بِهِ فَإِنَّهُ لا يَنفَعك بَعدَما بَيَّنت لَك. (1)
20- عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ سَمُرَةَ قَالَ جَاءَ عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ إِلَى النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - بِأَلْفِ دِينَارٍ فِى ثَوْبِهِ حِينَ جَهَّزَ النَّبِىُّ - صلى الله عليه وسلم - جَيْشَ الْعُسْرَةِ. قَالَ فَصَبَّهَا فِى حِجْرِ النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - فَجَعَلَ النَّبِىُّ - صلى الله عليه وسلم - يُقَلِّبُهَا بِيَدِهِ وَيَقُولُ « مَا ضَرَّ ابْنَ عَفَّانَ مَا عَمِلَ بَعْدَ الْيَوْمِ ». يُرَدِّدُهَا مِرَاراً.أخرجه أحمد (2)
21- عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ:لاَ تَسُبُّوا عُثْمَانَ،فَإِنَّا كُنَّا نَعُدُّهُ مِنْ خِيَارِنَا. أخرجه عبد الله (3)
22- عن يُوسُفَ بْنِ الْمَاجِشُونِ قَالَ سَمِعْتُ ابْنُ شِهَابٍ يَقُولُ:لَوْ هَلَكَ عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ وَزَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ رَضِىَ اللَّهُ عَنْهُمَا فِى بَعْضِ الزَّمَانِ لَهَلَكَ عِلْمُ الْفَرَائِضِ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ جَاءَ عَلَى النَّاسِ زَمَانٌ وَمَا يُحْسِنُهُ غَيْرُهُمَا.أخرجه البيهقي في السنن (4)
23- عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدِ بْنِ الْعَاصِ أَنَّ سَعِيدَ بْنَ الْعَاصِ أَخْبَرَهُ أَنَّ عَائِشَةَ زَوْجَ النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - وَعُثْمَانَ حَدَّثَاهُ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ اسْتَأْذَنَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - وَهُوَ مُضْطَجِعٌ عَلَى فِرَاشِهِ لاَبِسٌ مِرْطَ عَائِشَةَ فَأَذِنَ لأَبِى بَكْرٍ وَهُوَ كَذَلِكَ فَقَضَى إِلَيْهِ حَاجَتَهُ ثُمَّ انْصَرَفَ فَاسْتَأْذَنَ عُمَرُ فَأَذِنَ لَهُ وَهُوَ عَلَى تِلَكَ الْحَالِ فَقَضَى إِلَيْهِ حَاجَتَهُ ثُمَّ انْصَرَفَ قَالَ عُثْمَانُ ثُمَّ اسْتَأْذَنْتُ عَلَيْهِ فَجَلَسَ وَقَالَ لِعَائِشَةَ « اجْمَعِى عَلَيْكِ ثِيَابَكِ ». فَقَضَيْتُ إِلَيْهِ حَاجَتِى ثُمَّ انْصَرَفْتُ فَقَالَتْ عَائِشَةُ يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا لِى لَمْ أَرَكَ فَزِعْتَ لأَبِى بَكْرٍ وَعُمَرَ كَمَا فَزِعْتَ لِعُثْمَانَ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - "إِنَّ عُثْمَانَ رَجُلٌ حَيِىٌّ وَإِنِّى خَشِيتُ إِنْ أَذِنْتُ لَهُ عَلَى تِلْكَ الْحَالِ أَنْ لاَ يَبْلُغَ إِلَىَّ فِى حَاجَتِهِ ». قَالَ لَيْثٌ وَقَالَ جَمَاعَةُ النَّاسِ إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ لِعَائِشَةَ « أَلاَ أَسْتَحِى مِمَّنْ تَسْتَحِى مِنْهُ الْمَلاَئِكَةُ »
__________
(1) - فتح الباري شرح صحيح البخاري- ط دار المعرفة - (7 / 59)
(2) - برقم(21172) وهو صحيح
(3) -برقم(32) وهو صحيح
(4) - برقم( 12553) وفضائل عثمان برقم( 33) وهو صحيح
الفرائض : المواريث ، وعلم تعرف به قسمتها ، وهي أيضا : الأنصبة المقدرة في كتاب الله(1/183)
وفي رواية عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِى سَعِيدٍ الْمَدَنِىِّ قَالَ حَدَّثَتْنِى حَفْصَةُ ابْنَةُ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ قَالَتْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - ذَاتَ يَوْمٍ قَدْ وَضَعَ ثَوْباً بَيْنَ فَخِذَيْهِ فَجَاءَ أَبُو بَكْرٍ فَاسْتَأْذَنَ فَأَذِنَ لَهُ وَهُوَ عَلَى هَيْئَتِهِ ثُمَّ عُمَرُ بِمِثْلِ هَذِهِ الْقِصَّةِ ثُمَّ عَلِىٌّ ثُمَّ نَاسٌ مِنْ أَصْحَابِهِ وَالنَّبِىُّ - صلى الله عليه وسلم - عَلَى هَيْئَتِهِ ثُمَّ جَاءَ عُثْمَانُ فَاسْتَأْذَنَ فَأَذِنَ لَهُ النَّبِىُّ - صلى الله عليه وسلم - فَأَخَذَ ثَوْبَهُ فَتَجَلَّلَهُ فَتَحَدَّثُوا ثُمَّ خَرَجُوا قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ جَاءَ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ وَعَلِىٌّ وَسَائِرُ أَصْحَابِكَ وَأَنْتَ عَلَى هَيْئَتِكَ فَلَمَّا جَاءَ عُثْمَانُ تَجَلَّلْتَ بِثَوْبِكَ. فَقَالَ « أَلاَ أَسْتَحِى مِمَّنْ تَسْتَحِى مِنْهُ الْمَلاَئِكَةُ ».أخرجهما أحمد. (1)
24- عَنْ عَائِشَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - كَانَتْ تَقُولُ:يَا لَيْتَنِي كُنْتُ نَسْيًا مَنْسِيًّا،فَأَمَّا الَّذِي كَانَ مِنْ شَأْنِ عُثْمَانَ فَوَاللهِ مَا أَحْبَبْتُ أَنْ يُنْتَهَكَ مِنْ عُثْمَانَ أَمْرٌ قَطُّ إِلاَّ انْتُهِكَ مِنِّي مِثْلُهُ،حَتَّى لَوْ أَحْبَبْتُ قَتْلَهُ قُتِلْتُ،يَا عُبَيْدَ اللهِ بْنَ عَدِيٍّ،لاَ يَغُرَّنَّكَ أَحَدٌ بَعْدَ الَّذِي تَعْلَمُ،فَوَاللهِ مَا احْتَقَرْتُ أَعْمَالَ أَصْحَابِ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - حَتَّى نَجَمَ النَّفَرُ الَّذِينَ طَعَنُوا فِي عُثْمَانَ فَقَالُوا قَوْلًا لاَ يَحْسُنُ مِثْلُهُ،وَقَرَؤُوا قِرَاءَةً لاَ يَحْسُنُ مِثْلُهَا،وَصَلَّوْا صَلاَةً لاَ يُصَلَّى مِثْلُهَا،فَلَمَّا تَدَبَّرْتُ الصَّنِيعَ إِذَنْ وَاللهِ مَا تَقَارَبُوا أَعْمَالَ أَصْحَابِ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - ،فَإِذَا أَعْجَبَكَ حُسْنُ قَوْلِ امْرِئٍ فَقُلِ:{اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ} وَلاَ يَسْتَخِفَّنَّكَ أَحَدٌ. أخرجه عبد الله (2)
25- عَنْ أَبِى سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ قَالَ أَشْرَفَ عُثْمَانُ مِنَ الْقَصْرِ وَهُوَ مَحْصُورٌ فَقَالَ أَنْشُدُ بِاللَّهِ مَنْ شَهِدَ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يَوْمَ حِرَاءٍ إِذِ اهْتَزَّ الْجَبَلُ فَرَكَلَهُ بِقَدَمِهِ ثُمَّ قَالَ « اسْكُنْ حِرَاءُ لَيْسَ عَلَيْكَ إِلاَّ نَبِىٌّ أَوْ صِدِّيقٌ أَوْ شَهِيدٌ ». وَأَنَا مَعَهُ. فَانْتَشَدَ لَهُ رِجَالٌ قَالَ أَنْشُدُ بِاللَّهِ مَنْ شَهِدَ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يَوْمَ بِيعَةِ الرِّضْوَانَ إِذْ بَعَثَنِى إِلَى الْمُشْرِكِينَ إِلَى أَهْلِ مَكَّةَ قَالَ « هَذِه يَدِى وَهَذِهِ يَدُ عُثْمَانَ » فَبَايَعَ لِى. فَانْتَشَدَ لَهُ رِجَالٌ قَالَ أَنْشُدُ بِاللَّهِ مَنْ شَهِدَ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ « مَنْ يُوَسِّعُ لَنَا بِهَذَا الْبَيْتِ فِى الْمَسْجِدِ بِبَيْتٍ لَهُ فِى الْجَنَّةِ ». فَابْتَعْتُهُ مِنْ مَالِى فَوَسَّعْتُ بِهِ الْمَسْجِدَ. فَانْتَشَدَ لَهُ رِجَالٌ قَالَ وَأَنْشُدُ بِاللَّهِ مَنْ
__________
(1) - برقم(25960 و27224) وهو صحيح تجلل : تغطى
(2) - برقم(38) وهو صحيح - ينتهك : ينتقص ويعتدى عليه(1/184)
شَهِدَ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يَوْمَ جَيْشِ الْعُسْرَةِ قَالَ « مَنْ يُنْفِقُ الْيَوْمَ نَفَقَةً مُتَقَبَّلَةً ». فَجَهَّزْتُ نِصْفَ الْجَيْشِ مِنْ مَالِى. قَالَ فَانْتَشَدَ لَهُ رِجَالٌ وَأَنْشُدُ بِاللَّهِ مَنْ شَهِدَ رُومَةَ يُبَاعُ مَاؤُهَا لاِبْنِ السَّبِيلِ فَابْتَعْتُهَا مِنْ مَالِى فَأَبَحْتُهَا لاِبْنِ السَّبِيلِ. قَالَ فَانْتَشَدَ لَهُ رِجَالٌ.أخرجه أحمد (1)
26- عَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ عُثْمَانَ أَشْرَفَ عَلَى أَصْحَابِهِ وَهُوَ مَحْصُورٌ فَقَالَ عَلاَمَ تَقْتُلُونِى فَإِنِّى سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ « لاَ يَحِلُّ دَمُ امْرِئٍ مُسْلِمٍ إِلاَّ بِإِحْدَى ثَلاَثٍ رَجُلٌ زَنَى بَعْدَ إِحْصَانِهِ فَعَلَيْهِ الرَّجْمُ أَوْ قَتَلَ عَمْداً فَعَلَيْهِ الْقَوَدُ أَوِ ارْتَدَّ بَعْدَ إِسْلاَمِهِ فَعَلَيْهِ الْقَتْلُ » فَوَاللَّهِ مَا زَنَيْتُ فِى جَاهِلِيَّةٍ وَلاَ إِسْلاَمٍ وَلاَ قَتَلْتُ أَحَداً فَأُقِيدَ نَفْسِى مِنْهُ وَلاَ ارْتَدَدْتُ مُنْذُ أَسْلَمْتُ إِنِّى أَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّداً عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ.أخرجه أحمد (2)
27- عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ،أَنَّ أَبَا قَتَادَةَ وَرَجُلًا آخَرَ مَعَهُ مِنَ الأَنْصَارِ دَخَلاَ عَلَى عُثْمَانَ وَهُوَ مَحْصُورٌ،فَاسْتَأْذَنَا فِي الْحَجِّ فَأَذِنَ لَهُمَا،ثُمَّ قَالاَ:مَعَ مَنْ نَكُونُ إِنْ ظَهَرَ هَؤُلاَءِ الْقَوْمُ ؟ قَالَ:عَلَيْكُمْ بِالْجَمَاعَةِ،قَالاَ:أَرَأَيْتَ إِنْ أَصَابَكَ هَؤُلاَءِ الْقَوْمُ،وَكَانَتِ الْجَمَاعَةُ فِيهِمْ ؟ قَالَ:الْزَمُوا الْجَمَاعَةَ حَيْثُ كَانَتْ،قَالَ:فَخَرَجْنَا مِنْ عِنْدَهُ،فَلَمَّا بَلَغْنَا بَابَ الدَّارِ لَقِينَا الْحَسَنَ بْنَ عَلِيٍّ دَاخِلًا،فَرَجَعْنَا عَلَى أَثَرِ الْحَسَنِ لِنَنْظُرَ مَا يُرِيدُ،فَلَمَّا دَخَلَ الْحَسَنُ عَلَيْهِ قَالَ:يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ،إِنَّا طَوْعُ يَدِكَ،فَمُرْنِي بِمَا شِئْتَ،فَقَالَ لَهُ عُثْمَانُ:يَا ابْنَ أَخِي،ارْجِعْ فَاجْلِسْ فِي بَيْتِكَ حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ،فَلاَ حَاجَةَ لِي فِي هِرَاقَةِ الدِّمَاءِ.."أخرجه عبد الله (3)
28- عَنْ أَبِى أُمَامَةَ بْنِ سَهْلِ بْنِ حُنَيْفٍ قَالَ:كُنَّا مَعَ عُثْمَانَ رَضِىَ اللَّهُ عَنْهُ فِى الدَّارِ وَهُوَ مَحْصُورٌ وَكُنَّا نَدْخُلُ مُدْخَلاً نَسْمَعُ مِنْهُ كَلاَمَ مَنْ فِى الْبَلاَطِ فَدَخَلَ عُثْمَانُ رَضِىَ اللَّهُ عَنْهُ
__________
(1) - برقم(428) والدارقطني برقم( 4496) وفضائل عثمان برقم(39) وهو صحيح
(1) الحصر : المنع والحبس (2) الرَّكْض : الضَّرب بالرجْل والإصابة بها والدفع (3) انتشد : تذكر
(2) - برقم(461) وابو داود برقم(4504) والنسائي برقم( 4036) وهو صحيح
(1) الحصر : المنع والحبس (2) الإحْصان : المَنْع، والمرأة تكون مُحْصَنة بالإسلام، وبالعَفاف، والحُرِّيَّة، وبالتَّزْويج وكذلك الرجُل (3) القَوَد : القصاص ومجازاة الجاني بمثل صنيعه
(3) - برقم(41) وعبد الرزاق برقم( 20967) وهو صحيح -الحصر : المنع والحبس - هراقة الدم : إراقته وإسالته وصبه(1/185)
ثُمَّ خَرَجَ مُتَغَيِّرَ اللَّوْنِ قِيلَ:يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ مَا شَأْنُكَ؟ قَالَ:إِنَّهُمْ لَيَتَوَاعَدُونِى بِالْقَتْلِ آنِفًا وَلَمْ أَسْتَيْقِنْ ذَلِكَ مِنْهُمْ حَتَّى كَانَ الْيَوْمُ. أخرجه البيهقي في السنن (1)
29- عَنِ الزُّهْرِىِّ حَدَّثَنِى عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ أَنَّ عُبَيْدَ اللَّهِ بْنَ عَدِىِّ بْنِ الْخِيَارِ أَخْبَرَهُ أَنَّ عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ قَالَ لَهُ ابْنَ أَخِى أَدْرَكْتَ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ فَقُلْتُ لَهُ لاَ وَلَكِنْ خَلَصَ إِلَىَّ مِنْ عِلْمِهِ وَالْيَقِينِ مَا يَخْلُصُ إِلَى الْعَذْرَاءِ فِى سِتْرِهَا.
قَالَ فَتَشَهَّدَ ثُمَّ قَالَ أَمَّا بَعْدُ فَإِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ بَعَثَ مُحَمَّداً - صلى الله عليه وسلم - بِالْحَقِّ فَكُنْتُ مِمَّنِ اسْتَجَابَ لِلَّهِ وَلِرَسُولِهِ وَآمَنَ بِمَا بُعِثَ بِهِ مُحَمَّدٌ - صلى الله عليه وسلم - ثُمَّ هَاجَرْتُ الْهِجْرَتَيْنِ كَمَا قُلْتُ وَنِلْتُ صِهْرَ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - وَبَايَعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فَوَاللَّهِ مَا عَصَيْتُهُ وَلاَ غَشَشْتُهُ حَتَّى تَوَفَّاهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ. أخرجه أحمد (2)
30- عَنْ حُمْرَانَ قَالَ كَانَ عُثْمَانُ يَغْتَسِلُ كُلَّ يَوْمٍ مَرَّةً مُنْذُ أَسْلَمَ فَوَضَعْتُ وَضُوءاً لَهُ ذَاتَ يَوْمٍ لِلصَّلاَةِ فَلَمَّا تَوَضَّأَ قَالَ إِنِّى أَرَدْتُ أَنْ أُحَدِّثَكُمْ بِحَدِيثٍ سَمِعْتُهُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - ثُمَّ قَالَ بَدَا لِى أَنْ لاَ أُحَدِّثَكُمُوهُ. فَقَالَ الْحَكَمُ بْنُ أَبِى الْعَاصِ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ حَدِّثْنَا إِنْ كَانَ خَيْراً فَنَأْخُذُ بِهِ أَوْ شَرًّا فَنَتَّقِيهِ.قَالَ فَقَالَ فَإِنِّى مُحَدِّثُكُمْ بِهِ تَوَضَّأَ رَسُو لُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - هَذَا الْوُضُوءَ ثُمَّ قَالَ « مَنْ تَوَضَّأَ هَذَا الْوُضُوءَ فَأَحْسَنَ الْوُضُوءَ ثُمَّ قَامَ إِلَى الصَّلاَةِ فَأَتَمَّ رُكُوعَهَا وَسُجُودَهَا كَفَّرَتْ عَنْهُ مَا بَيْنَهَا وَبَيْنَ الصَّلاَةِ الأُخْرَى مَا لَمْ يُصِبْ مَقْتَلَةً ».أخرجه أحمد (3)
31- عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ « لِكُلِّ نَبِىٍّ رَفِيقٌ فِى الْجَنَّةِ وَرَفِيقِى فِيهَا عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ ».أخرجه ابن ماجة (4)
__________
(1) - برقم(16261) والآحاد برقم(147) والطيالسي برقم(71) وفضائل عثمان برقم( 42و43) وهو صحيح
(1) الحصر : المنع والحبس (2) انتقع لونه : تغير من خوف أو ألم (3) الإحْصان : المَنْع، والمرأة تكون مُحْصَنة بالإسلام، وبالعَفاف، والحُرِّيَّة، وبالتَّزْويج وكذلك الرجُل
(2) - برقم( 490) وعبد الله برقم( 44و104) وهو صحيح
(1) العذراء : البكر
(3) - برقم(494) وعبد الله برقم( 45) وهو صحيح
(4) - برقم(114) وفضائل الصحابة برقم(729و813و815) وفضائل عثمان برقم(46 و133) وفيه لين
( وَرَفِيقِي إِلَخْ ) أَكْثَر مَا يُطْلَق الرَّفِيق عَلَى الصَّاحِب فِي السَّفَر وَقَدْ يُطْلَق عَلَى الصَّاحِب مُطْلَقًا وَهُوَ الْمُرَاد هَاهُنَا قُلْت وَلَعَلَّ سَبَب ذَلِكَ مَا يُشِير إِلَيْهِ قَوْله تَعَالَى { وَأَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّاتهمْ } فَتَكُون بَنَاته - صلى الله عليه وسلم - عِنْده وَعُثْمَان لِكَوْنِهِ زَوْج الْبِنْتَيْنِ يَتْبَعهُمَا فَيَكُون عِنْده وَتَخْصِيص عُثْمَان إِنَّمَا هُوَ مِنْ أَجْل أَنَّهُ لَيْسَ مِنْ الذُّرِّيَّة وَعَلِيّ لِشِدَّةِ قَرَابَته وَلِكَوْنِهِ نَشَأَ فِي تَرْبِيَته مَعْدُود فِي الذُّرِّيَّة وَالْمَقْصُود هَاهُنَا هُوَ الْإِخْبَار بِأَنَّهُ يَكُون فِي الْجَنَّة رَفِيقًا لَا الْحَصْر . حاشية السندي على ابن ماجه - (ج 1 / ص 96)(1/186)
32- عَنْ أَبِي وَائِلٍ،أَنَّ عَبْدَ اللهِ بْنَ مَسْعُودٍ سَارَ مِنَ الْمَدِينَةِ إِلَى الْكُوفَةِ ثَمَانِيًا حِينَ اسْتُخْلِفَ عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ،فَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ ثُمَّ قَالَ:أَمَّا بَعْدُ،فَإِنَّ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ مَاتَ،فَلَمْ يُرَ يَوْمٌ أَكْثَرُ نَشِيجًا مِنْ يَوْمَئِذٍ،وَإِنَّا اجْتَمَعْنَا أَصْحَابَ مُحَمَّدٍ - صلى الله عليه وسلم - فَلَمْ نَأْلُ عَنْ خَيْرِنَا ذِي فُوقٍ،فَبَايَعْنَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ عُثْمَانَ،فَبَايِعُوهُ. أخرجه عبد الله (1)
33- عَنْ مُطَرِّفٍ قَالَ:لَقِيتُ عَلِيًّا بِهَذَا الْحَزِيزِ،أَيْ بِهَذِهِ الصَّحْرَاءِ - بَعْدَ الْجَمَلِ،وَهُوَ فِي مَوْكِبِهِ،فَأَسْرَعَ بِدَابَّتِهِ،قَالَ:فَقُلْتُ:أَنَا كُنْتُ أَحَقَّ أَنْ أُسْرِعَ إِلَيْكَ،فَقَالَ:أَحُبُّ عُثْمَانَ مَنَعَكَ أَنْ تَأْتِيَنَا ؟ فَجَعَلْتُ أَعْتَذِرُ إِلَيْهِ،فَقَالَ:أَحُبُّ عُثْمَانَ مَنَعَكَ أَنْ تَأْتِيَنَا ؟ فَلَمَّا عَلِمَ أَنَّ أَصْحَابَهُ لاَ يَسْمَعُونَ مَقَالَتَهُ قَالَ:وَاللهِ لَئِنْ أَحْبَبْتَهُ إِنْ كَانَ لَخَيْرَنَا وَأَفْضَلَنَا. أخرجه عبد الله (2)
34- عَنْ نَافِعٍ،أَنَّ ابْنَ عُمَرَ لَبِسَ يَوْمَئِذٍ الدِّرْعَ مَرَّتَيْنِ،يَعْنِي يَوْمَ الدَّارِ. أخرجه عبد الله (3)
35- عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ قَالَ:كَانُوا لاَ يَفْقِدُونَ الْخَيْلَ الْبُلْقَ فِي الْمَغَازِي حَتَّى قُتِلَ عُثْمَانُ،فَلَمَّا قُتِلَ فُقِدَتْ فَلَمْ يُرَ مِنْهَا شَيْءٌ،قَالَ:كَانُوا يَرَوْنَهَا الْمَلاَئِكَةَ،قَالَ:وَكَانُوا لاَ يَخْتَلِفُونَ فِي الأَهِلَّةِ حَتَّى قُتِلَ عُثْمَانُ،فَلَمَّا قُتِلَ عُثْمَانُ لُبِسَتْ عَلَيْهِمْ،قَالَ:وَكَانَتِ الصَّدَقَةُ تُدْفَعُ إِلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - وَمَنْ أَمَرَ بِهِ،وَإِلَى أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ وَمَنْ أَمَرَ بِهِ،وَإِلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ وَمَنْ أَمَرَ بِهِ،فَلَمَّا قُتِلَ عُثْمَانُ اخْتَلَفُوا فَرَأَى قَوْمٌ يَقْسِمُونَهَا بِرَأْيِهِمْ،وَرَأَى قَوْمٌ يَرْفَعُونَهَا إِلَى السُّلْطَانِ،قَالَ ابْنُ عَوْنٍ:وَسَمِعْتُ إِبْرَاهِيمَ النَّخَعِيَّ يَقُولُ:لَمَّا نَزَلَتْ {ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ
__________
(1) - برقم(48) وهو صحيح - الثناء : المدح والوصف بالخير - النشيج : صوت معه توجع وبكاء
(2) - برقم(51) والسنة عاصم برقم(1012) وهو صحيح
(3) - برقم(52) وهو صحيح(1/187)
عِنْدَ رَبِّكُمْ تَخْتَصِمُونَ} قَالَ أَصْحَابُ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - مَا خُصُومَتُنَا هَذِهِ ؟ وَإِنَّمَا نَحْنُ إِخْوَانٌ،فَلَمَّا قُتِلَ عُثْمَانُ قَالُوا:هَذِهِ هَذِهِ ..أخرجه عبد الله (1)
36- عَنْ أَبِي سَعِيدٍ مَوْلَى أَبِي أُسَيْدَ الأَنْصَارِيِّ،قَالَ:سَمِعَ عُثْمَان،أَنَّ وَفْدَ أَهْلِ مِصْرَ قَدْ أَقْبَلُوا،فَاسْتَقْبَلَهُمْ فَكَانَ فِي قَرْيَةٍ خَارِجًا مِنْ الْمَدِينَةِ،أَوْ كَمَا قَالَ:قَالَ:فَلَمَّا سَمِعُوا بِهِ أَقْبَلُوا ...نَحْوَهُ إلَى الْمَكَانِ الَّذِي هُوَ فِيهِ،قَالَ:أَرَاهُ،قَالَ:وَكَرِهَ أَنْ يَقْدُمُوا عَلَيْهِ الْمَدِينَةَ،أَوْ نَحْوًا مِنْ ذَلِكَ،فَأَتَوْهُ فَقَالُوا:اُدْعُ بِالْمُصْحَفِ،فَدَعَا بِالْمُصْحَفِ فَقَالُوا:افْتَحْ السَّابِعَةَ،وَكَانُوا يُسَمُّونَ سُورَةَ يُونُسَ السَّابِعَةَ،فَقَرَأَهَا حَتَّى إذَا أَتَى عَلَى هَذِهِ الآيَةِ {قُلْ أَرَأَيْتُم مَّا أَنزَلَ اللّهُ لَكُم مِّن رِّزْقٍ فَجَعَلْتُم مِّنْهُ حَرَامًا وَحَلاَلاً قُلْ آللّهُ أَذِنَ لَكُمْ أَمْ عَلَى اللّهِ تَفْتَرُونَ} (59) سورة يونس،قَالَوا:أَرَأَيْت مَا حَمَيْت مِنْ الْحِمَى آللَّهُ أَذِنَ لَك بِهِ أَمْ عَلَى اللهِ تَفْتَرِي،فَقَالَ:أَمْضِهِ،أَنْزَلَتْ فِي كَذَا وَكَذَا،وَأَمَّا الْحِمَى فَإِنَّ عُمَرَ حَمَى الْحِمَى قَبْلِي لاِِبِلِ الصَّدَقَةِ،فَلَمَّا وُلِّيتُ زَادَتْ إبِلُ الصَّدَقَةِ فَزِدْت فِي الْحِمَى لِمَا زَادَ مِنْ إبِلِ الصَّدَقَةِ أَمْضِهِ،فَجَعَلُوا يَأْخُذُونَهُ بِالآيَةِ فَيَقُولُ:أَمْضِهِ،نَزَلَتْ فِي كَذَا وَكَذَا وَاَلَّذِي يَلِي كَلاَمُ عُثْمَانَ يَوْمَئِذٍ فِي سِنِّك،يَقُولُ أَبُو نَضْرَةَ:يَقُولُ لِي ذَلِكَ أَبُو سَعِيدٍ،قَالَ أَبُو نَضْرَةَ:وَأَنَا فِي سِنِّك يَوْمَئِذٍ،قَالَ:وَلَمْ يَخْرُجْ وَجْهِي،أَوْ لَمْ يَسْتَوِ وَجْهِي يَوْمَئِذٍ،لاَ أَدْرِي لَعَلَّهُ،قَالَ مَرَّةً أُخْرَى:وَأَنَا يَوْمَئِذٍ فِي ثََلاَثِينَ سَنَةً،ثُمَّ أَخَذُوهُ بِأَشْيَاءَ لَمْ يَكُنْ عَنْدَهُ مِنْهَا مَخْرَجٌ،فَعَرَفَهَا،فَقَالَ:أَسْتَغْفِرُ اللَّهَ وَأَتُوبُ إلَيْهِ،فَقَالَ لَهُمْ:مَا تُرِيدُونَ فَأَخَذُوا مِيثَاقَهُ،قَالَ:وَأَحْسِبُهُ،قَالَ:وَكَتَبُوا عَلَيْهِ شَرْطًا،قَالَ:وَأَخَذَ عَلَيْهِمْ،أَنْ َلاَ يَشُقُّوا عَصًا وََلاَ يُفَارِقُوا جَمَاعَةً مَا أَقَامَ لَهُمْ بِشَرْطِهِمْ،أَوْ كَمَا أَخَذُوا عَلَيْهِ،فَقَالَ لَهُمْ:مَا تُرِيدُونَفَقَالُوا:نُرِيدُ أَنْ َلاَ يَأْخُذَ أَهْلُ الْمَدِينَةِ عَطَاءً،فَإِنَّمَا هَذَا الْمَالُ لِمَنْ قَاتَلَ عَلَيْهِ وَلِهَذِهِ الشُّيُوخِ مِنْ أَصْحَابِ مُحَمَّدٍ فَرَضُوا،وَأَقْبَلُوا مَعَهُ إلَى الْمَدِينَةِ رَاضِينَ،فَقَامَ فَخَطَبَ،فَقَالَ:وَاللهِ إنِّي مَا رَأَيْت وَفْدًا أَهُمْ خَيْرٌ لِحَوْبَاتِي مِنْ هَذَا الْوَفْدِ الَّذِينَ قَدِمُوا عَلَيَّ،وَقَالَ مَرَّةً أُخْرَى:حَسِبْت،أَنَّهُ قَالَ:مِنْ هَذَا الْوَفْدِ مِنْ أَهْلِ مِصْرَ،أََلاَ مَنْ كَانَ لَهُ زَرْعٌ فَلْيَلْحَقْ بِزَرْعِهِ،وَمَنْ كَانَ لَهُ ضَرْعٌ فَلْيَحْتَلِبْ،أََلأَأَنَّهُ َلاَ مَالَ لَكُمْ عِنْدَنَا،إنَّمَا هَذَا الْمَالُ
__________
(1) - برقم(53) وفضائل الصحابة برقم(736) وإسناده صحيح -ألبس عليه الأمر : اشتبه واختلط(1/188)
لِمَنْ قَاتَلَ عَلَيْهِ،وَلِهَذِهِ الشُّيُوخِ مِنْ أَصْحَابِ مُحَمَّدٍ فَغَضِبَ النَّاسُ وَقَالَوا:هَذَا مَكْرُ بَنِي أُمَيَّةَ،ثُمَّ رَجَعَ الْوَفْدُ الْمِصْرِيُّونَ رَاضِينَ،فَبَيْنَمَا هُمْ فِي الطَّرِيقِ إذْ بِرَاكِبٍ يَتَعَرَّضُ لَهُمْ،ثُمَّ يُفَارِقُهُمْ،ثُمَّ يَرْجِعُ إلَيْهِمْ،ثُمَّ يُفَارِقُهُمْ وَيَسُبُّهُمْ،فَقَالُوا:لَهُ:إنَّ لَك َلاَمْرًا مَا شَأْنُك،قَالَ:أَنَا رَسُولُ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ إلَى عَامِلِهِ بِمِصْرَ فَفَتَّشُوهُ فَإِذَا بِكِتَابٍ عَلَى لِسَانِ عُثْمَانَ،عَلَيْهِ خَاتَمُهُ إلَى عَامِلِ مِصْرَ أَنْ يَصْلُبَهُمْ،أَوْ يَقْتُلَهُمْ،أَوْ يَقْطَعَ أَيْدِيهمْ وَأَرْجُلَهُمْ فَأَقْبَلُوا حَتَّى قَدِمُوا الْمَدِينَةَ،فَأَتَوْا عَلِيًّا فَقَالُوا:أَلَمْ تَرَ إلَى عَدُوِّ اللهِ،أَمَرَ فِينَا بِكَذَا وَكَذَا،وَاللهِ قَدْ أُحِلَّ دَمُهُ قُمْ مَعَنَّا إلَيْهِ،فَقَالَ:لاَ وَاللهِ،لاَ أَقُومُ مَعَكُمْ،قَالَوا:فَلِمَ كَتَبْت إلَيْنَا،قَالَ:لاَ وَاللهِ مَا كَتَبْت إلَيْكُمْ كِتَابًا قَطُّ،قَالَ:فَنَظَرَ بَعْضُهُمْ إلَى بَعْضٍ،ثُمَّ قَالَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ:أَلِهَذَا تُقَاتِلُونَ،أَوْ لِهَذَا تَغْضَبُونَ،وَانْطَلَقَ عَلِيٌّ فَخَرَجَ مِنْ الْمَدِينَةِ إلَى قَرْيَةٍ،أَوْ قَرْيَةٍ لَهُ فَانْطَلَقُوا حَتَّى دَخَلُوا عَلَى عُثْمَانَ فَقَالُوا:كَتَبْت فِينَا بِكَذَا وَكَذَا،فَقَالَ:إنَّمَا هُمَا اثْنَتَانِ:أَنْ تُقِيمُوا عَلَيَّ رَجُلَيْنِ مِنْ الْمُسْلِمِينَ،أَوْ يَمِينِي:بِاللهِ الَّذِي َلاَ إلَهَ إَلاَ هُوَ،مَا كَتَبْت وََلاَ أَمْلَيْت،وَقَدْ تَعْلَمُونَ،أَنَّ الْكِتَابَ يُكْتَبُ عَلَى لِسَانِ الرَّجُلِ وَقَدْ يَنْقُشُ الْخَاتَمَ عَلَى الْخَاتَمِ،فَقَالُوا:لَهُ:قَدْ وَاللهِ أَحَلَّ اللَّهُ دَمَك،وَنَقَضَ الْعَهْدَ وَالْمِيثَاقَ،قَالَ:فَحَصَرُوهُ فِي الْقَصْرِ،فَأَشْرَفَ عَلَيْهِمْ،فَقَالَ:السََّلاَمُ عَلَيْكُمْ،قَالَ:فَمَا أَسْمَعُ أَحَدًا رَدَّ السََّلاَمَ إَلاَ أَنْ يَرُدَّ رَجُلٌ فِي نَفْسِهِ،فَقَالَ:أَنْشُدُكُمْ بِاللهِ،هَلْ عَلِمْتُمْ أَنِّي اشْتَرَيْت رُومَةً بِمَالِي لأَسْتَعْذِبَ بِهَا،فَجَعَلْت رِشَائِي فِيهَا كَرِشَاءِ رَجُلٍ مِنْ الْمُسْلِمِينَ،فَقِيلَ:نَعَمْ،فَقَالَ:فَعََلاَمَ تَمْنَعُونِي أَنْ أَشْرَبَ مِنْهَا حَتَّى أُفْطِرَ عَلَى مَاءِ الْبَحْرِ،قَالَ:أَنْشُدُكُمْ بِاللهِ هَلْ عَلِمْتُمْ أَنِّي اشْتَرَيْت كَذَا وَكَذَا مِنْ الأَرْضِ فَزِدْته فِي الْمَسْجِدِ،قِيلَ:نَعَمْ،قَالَ:فَهَلْ عَلِمْتُمْ أَحَدًا مِنْ النَّاسِ مُنِعَ أَنْ يُصَلِّيَ فِيهِ،قِيلَ:نَعَمْ،قَالَ:فَأَنْشُدُكُمْ بِاللهِ هَلْ سَمِعْتُمْ نَبِيَّ اللهِ عليه السلام فَذَكَرَ كَذَا وَكَذَا شَيْئًا مِنْ شَأْنِهِ،وَذَكَرَ أَرَى كِتَابَةَ الْمُفَصَّلِ،قَالَ:فَفَشَا النَّهْيُ،وَجَعَلَ النَّاسُ يَقُولُونَ:مَهْلاً،عَنْ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ،وَفَشَا النَّهْيُ وَقَامَ الأَشْتَرُ،فََلاَ أَدْرِي يَوْمَئِذٍ أَمْ يَوْمًا آخَرَ،فَقَالَ:لَعَلَّهُ قَدْ مَكَرَ بِهِ وَبِكُمْ،قَالَ:فَوَطِئَهُ النَّاسُ حَتَّى لَقِيَ كَذَا وَكَذَا،ثُمَّ أَنَّهُ أَشْرَفَ عَلَيْهِمْ مَرَّةً أُخْرَى فَوَعَظَهُمْ وَذَكَّرَهُمْ،فَلَمْ تَأْخُذْ فِيهِمْ الْمَوْعِظَةُ،وَكَانَ النَّاسُ تَأْخُذُ فِيهِمْ الْمَوْعِظَةُ أَوَّلَ مَا يَسْمَعُونَهَا،فَإِذَا أُعِيدَتْ عَلَيْهِمْ لَمْ تَأْخُذْ فِيهِمْ الْمَوْعِظَةُ،ثُمَّ فَتَحَ الْبَابَ وَوَضَعَ الْمُصْحَفَ بَيْنَ(1/189)
يَدَيْهِ،قَالَ:فَحَدَّثَنَا الْحَسَنُ،أَنَّ مُحَمَّدَ بْنَ أَبِي بَكْرٍ دَخَلَ عَلَيْهِ فَأَخَذَ بِلِحْيَتِهِ،فَقَالَ لَهُ عُثْمَان:لَقَدْ أَخَذْت مِنِّي مَأْخَذًا،أَوْ قَعَدْت مِنِّي مَقْعَدًا مَا كَانَ أَبُو بَكْرٍ لِيَأْخُذَهُ،أَوْ لِيَقْعُدَهُ،قَالَ:فَخَرَجَ وَتَرَكَهُ،قَالَ:وَفِي حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ:فَدَخَلَ عَلَيْهِ رَجُلٌ،فَقَالَ:بَيْنِي وَبَيْنَك كِتَابُ اللهِ،فَخَرَجَ وَتَرَكَهُ،وَدَخَلَ عَلَيْهِ رَجُلٌ يُقَالُ لَهُ الْمَوْتُ الأَسْوَدُ فَخَنَقَهُ وَخَنَقَهُ،ثُمَّ خَرَجَ،فَقَالَ:وَاللهِ مَا رَأَيْت شَيْئًا قَطُّ هُوَ أَلْيَنُ مِنْ حَلْقِهِ،وَاللهِ لَقَدْ خَنَقْته حَتَّى رَأَيْت نَفَسَهُ مِثْلَ نَفَسِ الْجَانِّ تَرَدَّدَ فِي جَسَدِهِ،ثُمَّ دَخَلَ عَلَيْهِ آخَرُ،فَقَالَ:بَيْنِي وَبَيْنَك كِتَابُ اللهِ وَالْمُصْحَفُ بَيْنَ يَدَيْهِ فَأَهْوَى إلَيْهِ بِالسَّيْفِ فَاتَّقَاهُ بِيَدِهِ فَقَطَعَهَا فََلاَ أَدْرِي أَبَانَهَا،أَوْ قَطَعَهَا فَلَمْ يُبِنْهَا،فَقَالَ:أَمَّا وَاللهِ،أَنَّهَا َلاَوَّلُ كَفٍّ خَطَتْ الْمُفَصَّلَ،وَحَدَّثْت فِي غَيْرِ حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ:فَدَخَلَ عَلَيْهِ التُّجِيبِيُّ فَأَشْعَرَهُ بِمِشْقَصٍ،فَانْتَضَحَ الدَّمُ عَلَى هَذِهِ الآيَةِ {فَإِنْ آمَنُواْ بِمِثْلِ مَا آمَنتُم بِهِ فَقَدِ اهْتَدَواْ وَّإِن تَوَلَّوْاْ فَإِنَّمَا هُمْ فِي شِقَاقٍ فَسَيَكْفِيكَهُمُ اللّهُ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ } (137) سورة البقرة وَإِنَّهَا فِي الْمُصْحَفِ مَا حُكَّتْ،وَأَخَذَتْ بِنْتُ الْفُرَافِصَةِ فِي حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ حُلِيَّهَا فَوَضَعَتْهُ فِي حِجْرِهَا،وَذَلِكَ قَبْلَ أَنْ يُقْتَلَ،فَلَمَّا أَشْعَرَ،أَوْ قُتِلَ تَجَافَتْ،أَوْ تَفَاجَتْ عَلَيْهِ،فَقَالَ:بَعْضُهُمْ:قَاتَلَهَا اللَّهُ،مَا أَعْظَمَ عَجِيزَتَهَا،فَعَرَفْت،أَنَّ أَعْدَاءَ اللهِ لَمْ يُرِيدُوا إَلاَ الدُّنْيَا.أخرجه ابن أبي شيبة (1)
__________
(1) - برقم(37690) وابن حبان برقم( 7045 ) وفضائل عثمان برقم(55و56) وهو صحيح
(1) الْحِمَى : يقال أحْمَيْت المكان فهو مُحْمًى أي مَحْظُور لا يُقْرَب، وحَمَيْتُه حِماية إذا دَفَعْتَ عنه ومَنَعْتَ منه مَنْ يَقْرُبه (2) الميثاق : العهد (3) العامل : الوالي على بلدٍ ما لجمع خراجها أو زكواتها أو الصلاة بأهلها أو التأمير على جهاد عدوها (4) الميثاق : العهد والذمة والضمان (5) المشقص : نصل السهم إذا كان طويلا غير عريض
قلت: والكتاب المزعوم من صنع عبد الله بن سبأ وجماعته ليخدعوا الناس حتى يصدقوا ترهاتهم ، انظر تفصيل الرد عليه العواصم من القواصم في تحقيق مواقف الصحابة بعد وفاة النبي - صلى الله عليه وسلم - (ج 1 / ص 103) و منهاج السنة ( 3 : 189 )
وأعجب العجب أن قوافل الثوار العراقيين التي كانت متباعدة في الشرق عن قوافل الثوار المصريين في الغرب عادتا معًا إلى المدينة في آن واحد ، أي أن قوافل العراقيين التي كانت بعيدة مراحل متعددة عن قوافل المصريين ولا علم لها بالرواية المسرحية التي مثلت في البويب رجعت إلى المدينة من الشرق وقت رجوع المصريين من الغرب ووصلتا إلى المدينة معًا كأنما كانوا على ميعاد! ومعنى هذا أن اللذين استأجروا الراكب ليمثل دور حامل الكتاب أمام قوافل المصريين استأجروا راكبًا آخر خرج من المدينة معه قاصدًا قوافل العراقيين ليخبرهم بأن المصريين اكتشفوا كتابًا بعث به عثمان إلى عبد الله بن سعد في مصر بقتل محمد بن أبي بكر . قال الطبري (5 : 105) : فقال لهم علي : ((كيف علمتم يا أهل الكوفة ويا أهل البصرة بما لقي أهل مصر ، وقد سرتم مراحل ثم طويتم نحونا؟ هذا والله أمر أبرم بالمدينة!)) (يشير كرم الله وجهه إلى تخلف الأشتر وحكيم في المدينة ، وأنهما هما اللذان دبرا هذه المسرحية . قال الثوار العراقيون بلسان رؤسائهم : ((فضعوه على ما شئتم . لا حاجة لنا إلى هذا الرجل . ليعتزلنا)) وهذا تسليم منهم بأن قصة الكتاب مفتعلة ، وأن الغرض الأول والأخير هو خلع أمير المؤمنين عثمان وسفك دمه الذي عصمه الله بشريعة رسوله - صلى الله عليه وسلم - .
(5) الطبري (5 : 108) . وهذا الحوار بين علي والثوار مجمع عليه في كل الروايات وهو نص قاطع على أن اليد التي زورت الكتاب على عثمان وبعثت إلى العراقيين تخبرهم بذلك وتطلب منهم أن يعودوا إلى المدينة ، هي اليد التي زورت على علي كتابًا إلى الثوار العراقيين بأن يعودوا . وقد قلنا في ص 125 أن الثوار فريقان - خادع ومخدوع - فالذين نظر بعضهم إلى بعض عندما حلف علي بأنه لم يكتب إليهم هم من الفريق المخدوع يتعجب كيف لم يكتب علي إليهم وقد جاءهم كتابه . ومن ذا الذي يكون قد كتب الكتاب على لسانه إذا لم يكن هو الذي كتبه؟ وسيأتي في ص 136 أن مسروق بن الأجدع الهمداني - وهو من الأئمة الأعلام المقتدى بهم - عاتب أم المؤمنين عائشة بأنها كتبت إلى الناس تأمرهم بالخروج على عثمان ، فأقسمت له بالذي آمن به المؤمنون وكفر به الكافرون أنها ما كتبت إليهم سوادًا في بياض . قال سليمان بن مهران الأعمش - أحد الأئمة الأعلام الحفاظ - : ((فكانوا يرون أنه كتب على لسانها)) . أيها المسلمون في هذا العصر وفي كل عصر ، إن الأيدي المجرمة التي زورت الرسائل الكاذبة على لسان عائشة وعلي وطلحة والزبير هي التي رتبت هذا الفساد كله ، وهي التي طبخت الفتنة من أولها إلى آخرها ، وهي التي زورت الرسالة المزعومة على لسان أمير المؤمنين عثمان إلى عامله في مصر في الوقت الذي كان يعلم فيه أنه لم يكن له عامل في مصر ، وقد زورت هذه الرسالة على لسان عثمان بالقلم الذي زورت به رسالة أخرى على لسان علي ، كل ذلك ليرتد الثوار إلى المدينة بعد أن اقتنعوا بسلامة موقف خليفتهم ، وأن ما كان قد أشيع عنه كذب كله ، وأنه كان يتصرف في كل أمر بما كان يراه حقًا وخيرًا . ولم يكن صهر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - المبشر منه بالشهادة والجنة هو المجني عليه وحده بهذه المؤامرة السبئية الفاجرة ، بل الإسلام نفسه كان مجنيًا عليه قبل ذلك . والأجيال الإسلامية التي تلقت تاريخ ماضيها الطاهر الناصع مشوهًا ومحرفًا هي كذلك ممن جنى عليهم ذلك اليهودي الخبيث ، والمنقادون له بخطام الأهواء والشهوات .(1/190)
37- عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ:اسْتَشَارَنِي عُثْمَانُ وَهُوَ مَحْصُورٌ فَقَالَ:مَا تَرَى فِيمَا يَقُولُ الْمُغِيرَةُ بْنُ الأَخْنَسِ ؟ قُلْتُ:مَا يَقُولُ ؟ قَالَ:يَقُولُ:إِنَّ هَؤُلاَءِ الْقَوْمَ إِنَّمَا يُرِيدُونَ أَنْ تَخْلَعَ هَذَا الأَمْرَ،وَتُخَلِّي بَيْنَهُمْ وَبَيْنَهُ،فَقُلْتُ:أَرَأَيْتَ إِنْ فَعَلْتَ أَمُخَلَّفٌ أَنْتَ فِي الدُّنْيَا ؟ قَالَ:لاَ،قُلْتُ:أَفَرَأَيْتَ إِنْ لَمْ تَفْعَلْ هَلْ يَزِيدُونَ عَلَى أَنْ يَقْتُلُوكَ ؟ قَالَ:لاَ،قُلْتُ:أَفَيَمْلِكُونَ الْجَنَّةَ وَالنَّارَ ؟ قَالَ:لاَ،قُلْتُ:فَإِنِّي لاَ أَرَى أَنْ تُسِنَّ هَذِهِ السُّنَّةَ فِي الإِسْلاَمِ،كُلَّمَا اسْتَخَطُوا أَمِيرًا خَلَعُوهُ،وَلاَ أَنْ تَخْلَعَ قَمِيصًا أَلْبَسَكَهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ. أخرجه عبد الله (1)
__________
(1) - برقم( 57) وهو صحيح - الحصر : المنع والحبس - أسخط : أغضب(1/191)
38- عَنْ نَافِعٍ قَالَ:دَخَلُوا عَلَى عُثْمَانَ مِنْ بَابٍ،فَسَدَّدَ الْحَرْبَةَ لِرَجُلٍ مِنْهُمْ،فَوَلَّى وَقَالَ:اللَّهَ اللَّهَ يَا عُثْمَانُ،فَقَالَ عُثْمَانُ:اللَّهَ اللَّهَ يَا عُثْمَانُ،اللَّهَ اللَّهَ يَا عُثْمَانُ،ثُمَّ كَفَّ حَتَّى قُتِلَ. أخرجه عبد الله (1)
39- عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ سَلاَمٍ قَالَ:لاَ تَقْتُلُوا عُثْمَانَ،فَإِنَّكُمْ إِنْ فَعَلْتُمْ لَمْ تُصَلُّوا جَمِيعًا أَبَدًا. أخرجه عبد الله (2)
وقَالَ شُرَيْحُ بْنُ عُبَيْدٍ وَغَيْرُهُ،إنَّ عَبْدَ اللهِ بْنَ سَلاَمٍ كَانَ يَقُولُ:يَا أَهْلَ الْمَدِينَةِ،لاَ تَقْتُلُوا عُثْمَانَ،فَوَاللهِ إِنَّ سَيْفَ اللهِ مَغْمُودٌ عَنْكُمْ،وَإِنَّ مَلاَئِكَةَ اللهِ لَيَحْرُسُونَ الْمَدِينَةَ مِنْ كُلِّ نَاحِيَةٍ،مَا مِنْ نِقَابِ الْمَدِينَةِ مِنْ نَقَبٍ إِلاَّ وَعَلَيْهِ مَلَكٌ سَالٌّ سَيْفَهُ،فَلاَ تَسُلُّوا سَيْفَ اللهِ الْمَغْمُودَ عَنْكُمْ،وَلاَ تُنَفِّرُوا مَلاَئِكَةَ اللهِ الَّذِينَ يَحْرُسُونَكُمْ. (3)
40- وقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُغَفَّلٍ:كَانَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَلَامٍ (رَضِيَ الله عَنْه) يَجِيءُ مِنْ أَرْضٍ لَهُ عَلَى أَتَانٍ أَوْ حِمَارٍ يَوْمَ الْجُمُعَةِ،فَيُبَكِّرُ،فَإِذَا قضى الصلاة أتى أَرْضَهُ،فَلَمَّا هَاجَ النَّاسُ بِعُثْمَانَ رَضِيَ الله عَنْه،قَالَ لَهُمْ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَلَامٍ رَضِيَ الله عَنْه:لَا تَقْتُلُوهُ،وَاسْتَعْتِبُوهُ،فَوَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ،مَا قَتَلَتْ أُمَّةٌ نَبِيَّهَا،فَأَصْلَحَ اللَّهُ ذَاتَ بَيْنِهِمْ حتى يهريقوا دم سَبْعِينَ أَلْفًا،وَمَا قَتَلَتْ أُمَّةٌ خَلِيفَةً،فَأَصْلَحَ اللَّهُ ذَاتَ بَيْنِهِمْ حتى يهريقوا دم أَرْبَعِينَ أَلْفًا،وَمَا هَلَكَتْ أُمَّةٌ قَطُّ حَتَّى يَرْفَعُوا الْقُرْآنَ عَلَى السُّلْطَانِ،ثُمَّ (قَالَ لَهُمْ):لَا تَقْتُلُوهُ وَاسْتَعْتِبُوهُ،قَالَ:فَمَا نَظَرُوا فِيمَا قَالَ فَقَتَلُوهُ .
قَالَ:فَجَلَسَ عَلَى طَرِيقِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ (رَضِيَ الله عَنْه) حَتَّى أَتَاهُ عَلِيٌّ رَضِيَ الله عَنْه،فَقَالَ لَهُ:أَيْنَ تُرِيدُ ؟ (فَقَالَ:الْعِرَاقَ) فَقَالَ:لَا تَأْتِ الْعِرَاقَ،وَعَلَيْكَ بِمِنْبَرِ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - ،فَالزَمْهُ،وَلَا أَدْرِي هَلْ يُنْجِيكَ،فَوَاللَّهِ لَئِنْ تَرَكْتَهُ لَا تَرَاهُ أَبَدًا،فَقَالَ مَنْ حَوْلَهُ:دَعْنَا فَلْنَقْتُلْهُ،قَالَ عَلِيٌّ رَضِيَ الله عَنْه:إِنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ سَلَامٍ مِنَّا رَجُلٌ صَالِحٌ .
__________
(1) -برقم( 58 ) وإسناده صحيح لكن نافع لم يدرك مقتل عثمان رضي الله عنه
(2) -برقم(59) والمرزوي برقم(447)وهو صحيح
(3) - المصدر السايق (795) صحيح لغيره - النقب : الطريق بين الجبلين ، والمراد : طرق المدينة وحدودها -سل سيفه : انتزعه من غمده(1/192)
قَالَ ابْنُ مُغَفَّلٍ:وَكُنْتُ اسْتَأْذَنْتُ ابْنَ سَلَامٍ فِي أَرْضٍ إِلَى جَنْبِ أَرْضِهِ أَنْ أَشْتَرِيَهَا فَقَالَ لِي بَعْدَ ذَلِكَ:هَذَا رَأْسُ أربعن سَنَةً،وَسَيَكُونُ بَعْدَهَا صُلْحٌ،فَاشْتِرِهَا،قَالَ سُلَيْمَانُ،فَقُلْتُ لِحُمَيْدٍ:كَيْفَ يَرْفَعُونَ الْقُرْآنَ على السلطان،فقال:أَلَمْ تَرَ إِلَى الْخَوَارِجِ كَيْفَ يَتَأَوَّلُونَ الْقُرْآنَ عَلَى السُّلْطَانِ.أخرجه محمد بن مخلد في فوائده (1)
41- عَنْ أَبِي عَوْنٍ قَالَ:سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بْنَ حَاطِبٍ قَالَ:سَأَلْتُ عَلِيًّا عَنْ عُثْمَانَ،فَقَالَ:هُوَ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا ثُمَّ اتَّقَوْا ثُمَّ آمَنُوا ثُمَّ اتَّقَوْا وَلَمْ يَخْتِمِ الآيَةَ. أخرجه عبد الله (2)
42- عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ حَاطِبٍ قَالَ:سَمِعْتُ عَلِيًّا يَقُولُ يَعْنِي{إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُم مِّنَّا الْحُسْنَى أُوْلَئِكَ عَنْهَا مُبْعَدُونَ} (101) سورة الأنبياء،مِنْهُمْ عُثْمَانُ » أخرجه عبد الله (3)
43- عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ الزُّبَيْرِ قَالَ:قُلْتُ لِعُثْمَانَ يَوْمَ الدَّارِ:قَاتِلْهُمْ،فَوَاللهِ لَقَدْ أُحِلَّ لَكَ قِتَالُهُمْ،فَقَالَ لَهُ:وَاللهِ لاَ أُقَاتِلُهُمْ أَبَدًا،قَالَ:فَدَخَلُوا عَلَيْهِ فَقَتَلُوهُ وَهُوَ صَائِمٌ،ثُمَّ قَالَ:وَقَدْ كَانَ عُثْمَانُ أَمَّرَ عَبْدَ اللهِ بْنَ الزُّبَيْرِ عَلَى الدَّارِ،فَقَالَ عُثْمَانُ:مَنْ كَانَتْ لِي عَلَيْهِ طَاعَةٌ فَلْيُطِعْ عَبْدَ اللهِ بْنَ الزُّبَيْرِ. أخرجه عبد الله (4)
44- عَنْ هَانِئٍ مَوْلَى عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ قَالَ:كَانَ عُثْمَانُ رَضِىَ اللَّهُ عَنْهُ إِذَا وَقَفَ عَلَى قَبْرٍ بَكَى حتَّى يَبَلَّ لِحْيَتَهُ قَالَ فَيُقَالُ لَهُ:تُذْكَرُ الْجَنَّةُ وَالنَّارُ فَلاَ تَبْكِى وَتَبْكِى مِنْ هَذَا قَالَ فَقَالَ:إِنِّى سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ :"إِنَّ الْقَبْرَ أَوَّلُ مَنَازِلِ الآخِرَةِ،فَمَنْ نَجَا مِنْهُ فَمَا بَعْدَهُ أَيْسَرُ مِنْهُ،وَمَنْ لَمْ يَنْجُ مِنْهُ فَمَا بَعْدَهُ أَشَدُّ مِنْهُ ». قَالَ وَقَالَ عُثْمَانُ:مَا رَأَيْتُ مَنْظَرًا قَطُّ إِلاَّ وَالْقَبْرُ أَفْظَعُ مِنْهُ قَالَ عُثْمَانُ رَضِىَ اللَّهُ عَنْهُ:وَكَانَ النَّبِىُّ - صلى الله عليه وسلم - إِذَا فَرَغَ مِنْ دَفْنِ الْمَيِّتِ قَالَ :"اسْتَغْفِرُوا لِمَيِّتِكُمْ وَسَلُوا لَهُ التَّثْبِيتَ فَإِنَّهُ الآنَ يُسْأَلُ ». زَادَ فِيهِ غَيِرُهُ عَنْ
__________
(1) - برقم(9) والمروزي برقم(716) والمطالب العالية بزوائد المسانيد الثمانية - (18 / 57)(4376) وهو صحيح
الأتان : الحمار يقع على الذكر والأنثى ، والأتَانُ الحمارَةُ الأنثى خاصَّةً - يهريق : يريق ويسيل ويسكب
(2) - برقم(60) وهو صحيح
(3) - برقم(61) وهو صحيح
(4) - برقم(62) وهو صحيح -يوم الدار : وقت الحصار أو الأيام التي جلس فيها عثمان رضي الله عنه في داره لأجل أهل الفتنة(1/193)
هِشَامٍ وَقَفَ عَلَيْهِ فَقَالَ :"اسْتَغْفِرُوا ». وَأَسْنَدَ قَوْلَهُ مَا رَأَيْتُ مَنْظَرًا إِلَى النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - أخرجه البيهقي في السنن (1)
45- عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يُوسُفَ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ سَلاَمٍ،أَنَّهُ أَتَى الْحَجَّاجَ لِيَدْخُلَ عَلَيْهِ،فَأَنْكَرَهُ الْبَوَّابُونَ فَرَدُّوهُ،فَلَمْ يَتْرُكُوهُ حَتَّى جَاءَ عَنْبَسَةُ بْنُ سَعِيدٍ فَاسْتَأْذَنَ لَهُ،فَأَمَرَ بِهِ أَنْ يَدْخُلَ عَلَيْهِ،فَسَلَّمَ فَرَدَّ عَلَيْهِ السَّلاَمَ ثُمَّ مَشَى فَقَبَّلَ رَأْسَهُ،فَأَمَرَ الْحَجَّاجُ رَجُلَيْنِ مِمَّا يَلِي السَّرِيرَ أَنْ يُوسِعَا لَهُ،فَجَلَسَ فَقَالَ لَهُ الْحَجَّاجُ:لِلَّهِ أَبُوكَ هَلْ تَعْلَمُ حَدِيثًا حَدَّثَهُ أَبُوكَ عَبْدَ الْمَلِكِ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ سَلاَمٍ جَدِّكَ ؟
قَالَ:أَيُّ حَدِيثٍ يَرْحَمُكَ اللَّهُ ؟ قَالَ:حَدِيثُ عُثْمَانَ إِذْ حَصَرَهُ أَهْلُ مِصْرَ،فَقَالَ:نَعَمْ،قَدْ عَلِمْتُ ذَلِكَ الْحَدِيثَ،فَقَالَ:أَقْبَلَ عَبْدُ اللهِ بْنُ سَلاَمٍ فَصَرَخَ النَّاسُ لَهُ،حَتَّى دَخَلَ عَلَى عُثْمَانَ،فَوَجَدَ عُثْمَانَ وَحْدَهُ فِي الدَّارِ،لَيْسَ مَعَهُ أَحَدٌ،قَدْ عَزَمَ عَلَى النَّاسِ أَنْ يَخْرُجُوا عَنْهُ،فَخَرَجُوا،فَسَلَّمَ عَلَيْهِ عَبْدُ اللهِ بْنُ سَلاَمٍ،فَقَالَ:السَّلاَمُ عَلَيْكَ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ وَرَحْمَةُ اللهِ،فَقَالَ لَهُ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ:مَا جَاءَ بِكَ يَا عَبْدَ اللهِ بْنَ سَلاَمٍ ؟ قَالَ:جِئْتُ لأَبِيتَ مَعَكَ حَتَّى يَفْتَحَ اللَّهُ لَكَ أَوْ أُسْتَشْهَدَ مَعَكَ،فَإِنِّي لاَ أَرَى هَؤُلاَءِ إِلاَّ قَاتِلِيكَ،فَإِنْ يَقْتُلُوكَ فَخَيْرٌ لَكَ وَشَرٌّ لَهُمْ،قَالَ عُثْمَانُ:فَإِنِّي أَعْزِمُ عَلَيْكَ بِمَا لِي عَلَيْكَ مِنَ الْحَقِّ لَمَّا خَرَجْتَ إِلَيْهِمْ،خَيْرٌ يَسُوقُهُ اللَّهُ بِكَ أَوْ شَرٌّ يَدْفَعَهُ اللَّهُ بِكَ،فَسَمِعَ وَأَطَاعَ،فَخَرَجَ إِلَى الْقَوْمِ،فَلَمَّا رَأَوْهُ عَظَّمُوهُ،وَظَنُّوا أَنَّهُ قَدْ جَاءَهُمْ بِبَعْضِ الَّذِي يَسُرُّهُمْ،فَقَامَ خَطِيبًا فَاجْتَمَعُوا إِلَيْهِ،فَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ،فَقَالَ:إِنَّ اللَّهَ بَعَثَ مُحَمَّدًا - صلى الله عليه وسلم - بَشِيرًا وَنَذِيرًا،يُبَشِّرُ بِالْجَنَّةِ وَيُنْذِرُ بِالنَّارِ،فَأَظْهَرَ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَهُ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ ،ثُمَّ اخْتَارَ اللَّهُ لَهُ الْمَسَاكِنَ فَجَعَلَ مَسْكَنَهُ الْمَدِينَةَ،فَجَعَلَهَا دَارَ الْهِجْرَةِ وَالإِيمَانِ،وَجَعَلَ بِهَا قَبْرَهُ،وَقَبْرَ أَزْوَاجِهِ،ثُمَّ قَالَ:إِنَّ اللَّهَ بَعَثَ
__________
(1) -برقم ( 7315) وعبد الله برقم(63 و64) والشهاب برقم(239) وهو حسن
وفي فيض القدير، شرح الجامع الصغير، (ج 5 / ص 134) 2085 - (إن القبر أول منازل الآخرة فإن نجا) الميت (منه) أي من القبر أي من عذابه ونكاله (فما بعده) من أهوال المحشر والموقف والحساب والصراط والميزان وغيرها (أيسر) عليه (منه وإن لم ينج منه) أي من عذابه (فما بعده) مما ذكر (أشد منه) عليه فما يراه الإنسان فيه عنوان ما سيصير إليه ولا ينافيه قوله تعالى {وإنما توفون أجوركم} أي على طاعتكم ومعصيتكم يوم القيامة لأن كلمة التوفية يزيل هذا الوهم إذ المعنى أن توفية الأجور وتكميلها يكون ذلك اليوم وما يكون قبل ذلك فبعض الأجور، ذكره في الكشاف.(1/194)
مُحَمَّدًا هُدًى وَرَحْمَةً،فَمَنْ يَهْتَدِي مِنْ هَذِهِ الأُمَّةِ فَإِنَّمَا يَهْتَدِي بِهُدَى اللهِ،وَمَنْ يَضِلُّ مِنْهُمْ فَإِنَّمَا يَضِلُّ بَعْدَ السُّنَّةِ وَالْحُجَّةِ،فَبَلَّغَ مُحَمَّدٌ - صلى الله عليه وسلم - الَّذِي أُرْسِلَ بِهِ،ثُمَّ قَبَضَهُ اللَّهُ إِلَيْهِ،ثُمَّ إِنَّهُ كَانَ مَنْ قَبْلَكُمْ مِنَ الأُمَمِ إِذَا قُتِلَ النَّبِيُّ بَيْنَ ظَهْرَانَيْهِمْ كَانَتْ دِيَتُهُ سَبْعِينَ أَلْفَ مُقَاتِلٍ،كُلُّهُمْ يُقْتَلُ بِهِ،وَإِذَا قُتِلَ الْخَلِيفَةُ كَانَتْ دِيَتُهُ خَمْسَةً وَثَلاَثِينَ أَلْفَ مُقَاتِلٍ،كُلُّهُمْ يُقْتَلُ بِهِ،فَلاَ تَعْجَلُوا إِلَى هَذَا الشَّيْخِ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ بِقَتْلٍ الْيَوْمَ،فَإِنِّي أُقْسِمُ بِاللهِ لَقَدْ حَضَرَ أَجَلُهُ،نَجِدُهُ فِي كِتَابِ اللهِ،ثُمَّ أُقْسِمُ لَكُمْ بِاللهِ الَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لاَ يَقْتُلُهُ رَجُلٌ إِلاَّ لَقِيَ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مُشَلًّا يَدُهُ مَقْطُوعَةٌ،ثُمَّ اعْلَمُوا أَنَّهُ لَيْسَ لِلْوَالِدِ عَلَى وَلَدِهِ حَقٌّ إِلاَّ لِهَذَا الشَّيْخِ عَلَيْكُمْ مِثْلُهُ،وَقَدْ أُقْسِمُ لَكُمْ بِاللهِ مَا زَالَتِ الْمَلاَئِكَةُ بِهَذِهِ الْمَدِينَةِ مُنْذُ دَخَلَهَا رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - إِلَى الْيَوْمِ،وَمَا زَالَ سَيْفُ اللهِ مَغْمُودًا عَنْكُمْ مُنْذُ دَخَلَهَا رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - ،فَلاَ تَسُلُّوا سَيْفَ اللهِ بَعْدَ إِذْ غُمِدَ عَنْكُمْ وَلاَ تَطْرُدُوا جِيرَانَكُمْ مِنَ الْمَلاَئِكَةِ،فَلَمَّا قَالَ ذَلِكَ لَهُمْ قَامُوا يَسُبُّونَهُ وَيَقُولُونَ:كَذَبَ الْيَهُودِيُّ،فَقَالَ لَهُمْ عَبْدُ اللهِ:كَذَبْتُمْ وَاللهِ وَأَثِمْتُمْ،مَا أَنَا بِالْيَهُودِيِّ،إِنِّي لأَحَدُ الْمُؤْمِنِينَ يَعْلَمُ ذَلِكَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ،وَلَقَدْ أَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ فِيَّ قُرْآنًا فَقَالَ فِي آيَةٍ مِنَ الْقُرْآنِ:{قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كَانَ مِنْ عِنْدِ اللهِ وَكَفَرْتُمْ بِهِ وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى مِثْلِهِ فَآمَنَ وَاسْتَكْبَرْتُمْ} وَأَنْزَلَ فِيَّ آيَةً أُخْرَى {قُلْ كَفَى بِاللهِ شَهِيدًا بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَمَنْ عِنْدَهُ عِلْمُ الْكِتَابِ} فَانْصَرَفُوا مِنْ عِنْدِهِ وَدَخَلُوا عَلَى عُثْمَانَ،فَذَبَحُوهُ كَمَا تُذْبَحُ الْحُمْلاَنُ،فَقَامَ عَبْدُ اللهِ بْنُ سَلاَمٍ عَلَى بَابِ الْمَسْجِدِ حِينَ فَرَغُوا مِنْهُ،وَقَتَلَتُهُ فِي الْمَسْجِدِ،فَقَالَ:يَا أَهْلَ مِصْرَ،يَا قَتَلَةَ عُثْمَانَ،أَقَتَلْتُمْ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ ؟ فَوَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ،لاَ يَزَالُ بَعْدَهُ عَهْدٌ مَنْكُوثٌ،وَدَمٌ مَسْفُوحٌ،وَمَالٌ مَقْسُومٌ،أَبَدًا مَا بَقِيتُمْ،وَقَدْ دَخَلَ عَلَيْهِ قَبْلَ أَنْ يُقْتَلَ كَثِيرُ بْنُ الصَّلْتِ الْكِنْدِيُّ لَيْلَةَ قُتِلَ فِيهَا مِنْ آخِرِ النَّهَارِ،فَقَالَ عُثْمَانُ:يَا كَثِيرُ،إِنِّي مَقْتُولٌ غَدًا،فَقَالَ لَهُ كَثِيرٌ:يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ،بَلْ يُعْلِي اللَّهُ كَعْبَكَ،وَيَكْبِتُ عَدُوَّكَ،فَقَالَ لَهُ الثَّانِيَةَ:يَا كَثِيرُ،إِنِّي مَقْتُولٌ غَدًا،فَقَالَ:يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ،بَلْ يُعْلِي اللَّهُ كَعْبَكَ وَيَكْبِتُ عَدُوَّكَ،فَقَالَ لَهُ الثَّالِثَةَ أَيْضًا،فَقَالَ لَهُ كَثِيرٌ،عَمَّنْ تَقُولُ هَذَا يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ ؟ فَقَالَ لَهُ(1/195)
عُثْمَانُ:أَتَانِي أَوَّلَ اللَّيْلِ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - وَمَعَهُ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ فَقَالَ:يَا عُثْمَانُ،إِنَّكَ مَقْتُولٌ غَدًا،فَأَنَا وَاللهِ يَا كَثِيرُ بْنَ الصَّلْتِ مَقْتُولٌ غَدًا،فَقُتِلَ رَحِمَهُ اللَّهُ.."أخرجه عبد الله (1)
46- عَنْ عُثْمَانَ قَالَ:مَا مِنْ عَامِلٍ يَعْمَلُ عَمَلًا إِلاَّ كَسَاهُ اللَّهُ رِدَاءَ عَمَلِهِ. أخرجه عبد الله (2)
47- عَنْ أُمِّ عَيَّاشٍ،قَالَتْ:سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - ،يَقُولُ:مَا زَوَّجَتُ عُثْمَانَ،أُمَّ كُلْثُومٍ إِلا بِوَحْيٍ مِنَ السَّمَاءِ.أخرجه الطبراني (3)
48- عَنِ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ أَنَّهُ دَخَلَ عَلَى عُثْمَانَ وَهُوَ مَحْصُورٌ فَقَالَ إِنَّكَ إِمَامُ الْعَامَّةِ وَقَدْ نَزَلَ بِكَ مَا تَرَى وَإِنِّى أَعْرِضُ عَلَيْكَ خِصَالاً ثَلاَثاً اخْتَرْ إِحْدَاهُنَّ إِمَّا أَنْ تَخْرُجَ فَتُقَاتِلَهُمْ فَإِنَّ مَعَكَ عَدَداً وَقُوَّةً وَأَنْتَ عَلَى الْحَقِّ وَهُمْ عَلَى الْبَاطِلِ وَإِمَّا أَنْ تَخْرِقَ لَكَ بَاباً سِوَى الْبَابِ الَّذِى هُمْ عَلَيْهِ فَتَقْعُدَ عَلَى رَوَاحِلِكَ فَتَلْحَقَ بِمَكَّةَ فَإِنَّهُمْ لَنْ يَسْتَحِلُّوكَ وَأَنْتَ بِهَا وَإِمَّا أَنْ تَلْحَقَ بِالشَّامِ فَإِنَّهُْم أَهْلُ الشَّامِ وَفِيهِمْ مُعَاوِيَةُ. فَقَالَ عُثْمَانُ أَمَّا أَنْ أَخْرُجَ فَأُقَاتِلَ فَلَنْ أَكُونَ أَوَّلَ مَنْ خَلَفَ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فِى أُمَّتِهِ بِسَفْكِ الدِّمَاءِ وَأَمَّا أَنْ أَخْرُجَ إِلَى مَكَّةَ فَإِنَّهُمْ لَنْ يَسْتَحِلُّونِى بِهَا فَإِنِّى سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ « يُلْحِدُ رَجُلٌ مِنْ قُرَيْشٍ بِمَكَّةَ يَكُونُ عَلَيْهِ نِصْفُ عَذَابِ الْعَالَمِ ». فَلَنْ أَكُونَ أَنَا إِيَّاهُ وَأَمَّا أَنْ أَلْحَقَ بِالشَّامِ فَإِنَّهُمْ أَهْلُ الشَّأْمِ وَفِيهِمْ مُعَاوِيَةُ فَلَنْ أُفَارِقَ دَارَ هِجْرَتِى وَمُجَاوَرَةَ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - أخرجه أحمد (4)
49- وعن مُحَمَّدَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مُجَبَّرٍ،عَنْ أَبِيهِ،عَنْ جَدِّهِ،أَنَّ عُثْمَانَ - رضي الله عنهم - أَشْرَفَ عَلَى الَّذِينَ حَصَرُوهُ،فَسَلَّمَ عَلَيْهِمْ فَلَمْ يَرُدُّوا عَلَيْهِ،فَقَالَ عُثْمَانُ:أَفِي الْقَوْمِ طَلْحَةُ ؟ قَالَ طَلْحَةُ:نَعَمْ.قَالَ:فَإِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ،أُسَلِّمُ عَلَى قَوْمٍ أَنْتَ فِيهِمْ فَلا يَرُدُّونَ،قَالَ:قَدْ رَدَدْتُ،قَالَ:مَا هَكَذَا الرَّدُّ أُسْمِعُكَ وَلاَ تُسْمِعُنِي يَا طَلْحَةُ ؟ أَنْشُدُكَ اللَّهَ،أَسَمِعْتَ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم -
__________
(1) - برقم(65) وفيه جهالة -الثناء : المدح والوصف بالخير
(2) - برقم(67) وفيه انقطاع
(3) - برقم(20746) والآحاد برقم(2646) ومعرفة الصحابة برقم(7360) والمجمع برقم(14508 -14512) وفضائل عثمان برقم(75 و123) وهو حسن لغيره
(4) - برقم(491) وفيه انقطاع - الحصر : المنع والحبس = خرق الشيء : أحدث به ثقبا - الرواحل : جمع راحلة وهي ما صلح للأسفار والأحمال من الإبل(1/196)
يَقُولُ:لاَ يُحِلُّ دَمَ الْمُسْلِمِ إِلاَّ وَاحِدَةٌ مِنْ ثَلاثٍ:أَنْ يَكْفُرَ بَعْدَ إِيمَانِهِ،أَوْ يَزْنِيَ بَعْدَ إِحْصَانِهِ،أَوْ يَقْتُلَ نَفْسًا فَيُقْتَلَ بِهَا قَالَ:اللَّهُمَّ نَعَمْ.فَكَبَّرَ عُثْمَانُ،فَقَالَ:وَاللَّهِ مَا أَنْكَرْتُ اللَّهَ مُنْذُ عَرَفْتُهُ،وَلاَ زَنَيْتُ فِي جَاهِلِيَّةٍ وَلاَ فِي إِسْلامٍ،وَقَدْ تَرَكْتُهُ فِي الْجَاهِلِيَّةِ تَكَرُّهًا وَفِي الإِِسْلامِ تَعَفُّفًا،وَمَا قَتَلْتُ نَفْسًا يَحِلُّ بِهَا قَتْلِي.".أخرجه أحمد (1)
50- عَنِ الْحَسَنِ قَالَ:جَاءَ عُثْمَانُ إِلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - بِدَنَانِيرَ فِي غَزْوَةِ تَبُوكَ،قَالَ:فَجَعَلَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - يُقَلِّبُهَا بِيَدِهِ وَهُوَ يَقُولُ:مَا عَلَى ابْنِ عَفَّانَ مَا عَمِلَ بَعْدَ هَذِهِ. أخرجه عبد الله (2)
51- عَنْ سَفِينَةَ قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ « الْخِلاَفَةُ ثَلاَثُونَ عَاماً ثُمَّ يَكُونُ بَعْدَ ذَلِكَ الْمُلْكُ ». قَالَ سَفِينَةُ أَمْسِكْ خِلاَفَةُ أَبِى بَكْرٍ سَنَتَيْنِ وَخِلاَفَةُ عُمَرَ رَضِىَ اللَّهُ عَنْهُ عَشْرَ سِنِينَ وَخِلاَفَةُ عُثْمَانَ اثْنَىْ عَشْرَ سَنَةً وَخِلاَفَةُ عَلِىٍّ سِتُّ سِنِينَ أخرجه أحمد (3)
قال الطحاوي:"بَابُ بَيَانِ مُشْكِلِ مَا رُوِيَ عَنْ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فِي وُلَاةِ الْأَمْرِ بَعْدَهُ،الَّذِينَ هُمْ فِي وِلَايَتِهِمْ إيَّاهُ خُلَفَاءُ نُبُوَّةٍ،مَنْ هُمْ ؟
عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ أَنَّهُ كَانَ يُحَدِّثُ:أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ:"أُرِيَ اللَّيْلَةَ رَجُلٌ صَالِحٌ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ نِيطَ بِرَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - ،وَنِيطَ عُمَرُ بِأَبِي بَكْرٍ،وَنِيطَ عُثْمَانُ بِعُمَرَ ".فَلَمَّا قُمْنَا مِنْ عِنْدِ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قُلْنَا:"أَمَّا الرَّجُلُ الصَّالِحُ فَرَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - ،وَأَمَّا مَا ذُكِرَ مِنْ نَوْطِ بَعْضِهِمْ بَعْضًا فَهُمْ وُلَاةُ هَذَا الْأَمْرِ الَّذِي بَعَثَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ بِهِ نَبِيَّهُ - صلى الله عليه وسلم - ".
قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ:فَفِي هَذَا الْحَدِيثِ أَنَّ وُلَاةَ الْأَمْرِ الَّذِي بَعَثَ اللهُ بِهِ نَبِيَّهُ - صلى الله عليه وسلم - بَعْدَهُ هُمْ هَؤُلَاءِ الثَّلَاثَةُ الْمَذْكُورُونَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ،فَقَدْ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونُوا وُلَاتَهُ بَعْدَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - وَيَكُونَ لَهُ وُلَاةٌ بَعْدَهُمْ سِوَاهُمْ.فَنَظَرْنَا فِي ذَلِكَ ،فعَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي بَكَرَةَ،عَنْ أَبِيهِ قَالَ:"كَانَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يُعْجِبُهُ الرُّؤْيَا وَيَسْأَلُ عَنْهَا،فَقَالَ ذَاتَ يَوْمٍ:"أَيُّكُمْ رَأَى رُؤْيَا ؟ "،فَقَالَ رَجُلٌ:أَنَا يَا رَسُولَ اللهِ،رَأَيْتُ كَأَنَّ مِيزَانًا دُلِّيَ مِنَ السَّمَاءِ،فَوُزِنْتَ فِيهِ أَنْتَ وَأَبُو بَكْرٍ فَرَجَحْتَ بِأَبِي بَكْرٍ،ثُمَّ وُزِنَ فِيهِ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ فَرَجَحَ أَبُو بَكْرٍ بِعُمَرَ،وَوُزِنَ فِيهِ عُمَرُ
__________
(1) - مسند أحمد (عالم الكتب) - (1 / 447) (1402) حسن لغيره
(2) - برقم(80) وهو صحيح مرسل
(3) - برقم(22559) وعبد الله برقم(82 و83) وهو صحيح(1/197)
وَعُثْمَانُ فَرَجَحَ عُمَرُ بِعُثْمَانَ،ثُمَّ رُفِعَ الْمِيزَانُ.فَاسْتَاءَ لَهَا رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - ،فَقَالَ:"خِلَافَةُ نُبُوَّةٍ،ثُمَّ يُؤْتِي اللهُ الْمُلْكَ مَنْ شَاءَ ".
ثُمَّ نَظَرْنَا فِي ذَلِكَ،هَلْ رُوِيَ فِيهِ غَيْرُ هَذَا الْحَدِيثِ إذْ كَانَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ رَفْعُ الْمِيزَانِ الَّذِي أَخْبَرَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - أَنَّ الْمَوْزُونِينَ بِهِ وُلَاةُ ذَلِكَ الْأَمْرِ بَعْدَهُ ،فعَنْ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ سَفِينَةَ قَالَ:سَمِعْتُ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ:"الْخِلَافَةُ ثَلَاثُونَ عَامًا ثُمَّ يَكُونُ الْمُلْكُ "،ثُمَّ قَالَ سَفِينَةُ:"أَمْسَكَ سَنَتَيْنِ أَبُو بَكْرٍ،وَعَشْرَ سِنِينَ عُمَرُ،وَاثْنَتَيْ عَشْرَةَ سَنَةً عُثْمَانُ،وَسِتَّ سِنِينَ عَلِيٌّ - رضي الله عنهم - مْ ".
فَدَلَّ هَذَا الْحَدِيثُ أَنَّ سِنِينَ خِلَافَةِ النُّبُوَّةِ فِي هَذِهِ الثَّلَاثُونَ السَّنَةَ الَّتِي قَدْ دَخَلَتْ فِيهَا مُدَدُ خِلَافَةِ أَبِي بَكْرٍ،وَمُدَدُ خِلَافَةِ عُمَرَ،وَمُدَدُ خِلَافَةِ عُثْمَانَ،وَمُدَدُ خِلَافَةِ عَلِيٍّ - رضي الله عنهم - مْ.وَأَنَّ مَا فِي الْحَدِيثَيْنِ الْأَوَّلَيْنِ مِمَّا فِيهِ ذِكْرُ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعُثْمَانَ بِمَا ذُكِرُوا بِهِ فِيهِمَا لَا يُذْكَرُ لِعَلِيٍّ فِي ذَلِكَ مَعَهُمْ إنَّمَا كَانَ لِأَنَّ مَا فِيهَا كَانَ فِي أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعُثْمَانَ خَاصَّةً،كَمَا قَدْ رُوِيَ سِوَى ذَلِكَ فِي أَبِي بَكْرٍ مِمَّا لَا ذِكْرَ لِعُمَرَ فِيهِ،وَفِي عُمَرَ مِمَّا لَا ذِكْرَ لِأَبِي بَكْرٍ وَلَا لِعُثْمَانَ فِيهِ،وَفِي عُثْمَانَ مِمَّا لَا ذِكْرَ لِأَبِي بَكْرٍ وَلِعُمَرَ فِيهِ،فَمِثْلُ ذَلِكَ أَيْضًا عَلِيٌّ فِي هَذَا الْمَعْنَى قَدْ رُوِيَ فِيهِ مَا لَا ذِكْرَ لِأَبِي بَكْرٍ وَلَا لِعُمَرَ وَلَا لِعُثْمَانَ فِيهِ ; لِأَنَّهُمْ رِضْوَانُ اللهِ عَلَيْهِمْ أَهْلُ السَّوَابِقِ،وَأَهْلُ الْفَضَائِلِ،وَيَتَبَايَنُونَ فِي فَضَائِلِهِمْ،وَيَتَفَاضَلُونَ فِيهَا كَأَنْبِيَاءِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ فِي نُبُوَّتِهِمُ الَّتِي قَدْ جَمَعَتْهُمْ،ثُمَّ أَخْبَرَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ فِي كِتَابِهِ بِمَا أَخْبَرَ بِهِ فِيهِمْ مِنْ قَوْلِهِ:{ وَلَقَدْ فَضَّلْنَا بَعْضَ النَّبِيِّينَ عَلَى بَعْضٍ } [الإسراء:55].وَحَدِيثُ سَفِينَةَ الَّذِي ذَكَرْنَا حَصَرَ خِلَافَةَ النُّبُوَّةِ بِمُدَّةٍ عَقَلْنَا بِهَا أَنَّ لَهَا أَهْلًا إلَى انْقِضَائِهَا،وَهُوَ هَؤُلَاءِ الْأَرْبَعَةُ رُضْوَانُ اللهِ عَلَيْهِمْ،وَاللهَ عَزَّ وَجَلَّ نَسْأَلُهُ التَّوْفِيقَ ." (1)
52- عَنِ الزُّهْرِيِّ،قَالَ:حَدَّثَنِي عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ،أَنَّ عُبَيْدَ اللهِ بْنَ عَدِيِّ بْنِ الْخِيَارِ أَخْبَرَهُ،أَنَّ الْمِسْوَرَ بْنَ مَخْرَمَةَ،وَعَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ الأَسْوَدِ بْنِ عَبْدِ يَغُوثَ،قَالاَ لَهُ:مَا يَمْنَعُكَ أَنْ تُكَلِّمَ خَالَكَ يُكَلِّمُ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ عُثْمَانَ فِي الْوَلِيدِ بْنِ عُقْبَةَ،وَقَدْ أَكْثَرَ النَّاسُ فِيمَا فَعَلَ ؟ قَالَ عُبَيْدُ
__________
(1) - شرح مشكل الآثار - (8 / 412)( 3347-3349 ) صحيح(1/198)
اللهِ:فَاعْتَرَضْتُ لأَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عُثْمَانَ حِينَ خَرَجَ إِلَى الصَّلاَةِ فَقُلْتُ لَهُ:إِنَّ لِي إِلَيْكَ حَاجَةً،هِيَ نَصِيحَةٌ،قَالَ قَالَ:يَا أَيُّهَا الْمَرْءُ،إِنِّي أَعُوذُ بِاللهِ مِنْكَ،قَالَ:فَانْصَرَفْتُ،فَلَمَّا قَضَيْتُ الصَّلاَةَ جَلَسْتُ إِلَى الْمِسْوَرِ وَابْنِ عَبْدِ يَغُوثَ،فَحَدَّثْتُهُمَا بِالَّذِي قُلْتُ لأَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ وَقَالَ لِي،فَقَالاَ:قَدْ قَضَيْتَ الَّذِي عَلَيْكَ،فَبَيْنَا أَنَا جَالِسٌ مَعَهُمَا جَاءَنِي رَسُولُ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عُثْمَانَ،فَقَالاَ لِي:قَدِ ابْتَلاَكَ اللَّهُ،فَانْطَلَقْتُ حَتَّى دَخَلْتُ عَلَى عُثْمَانَ،فَقَالَ:مَا نَصِيحَتُكَ الَّتِي ذَكَرْتَ لِي آنِفًا ؟ قَالَ:فَتَشَهَّدْتُ ثُمَّ قُلْتُ لَهُ:إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ بَعَثَ مُحَمَّدًا بِالْحَقِّ،وَأَنْزَلَ عَلَيْهِ الْكِتَابَ،فَكُنْتَ مِمَّنِ اسْتَجَابَ لِلَّهِ وَلِرَسُولِهِ وَآمَنَ،فَهَاجَرْتَ الْهِجْرَتَيْنِ الأُولَيَيْنِ،وَنِلْتَ صِهْرَ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - ،وَرَأَيْتَ هَدْيَهُ،وَقَدْ أَكْثَرَ النَّاسُ فِي شَأْنِ الْوَلِيدِ،فَحَقٌّ عَلَيْكَ أَنْ تُقِيمَ عَلَيْهِ الْحَدَّ،قَالَ:فَقَالَ لِي:ابْنَ أُخْتِي،أَدْرَكْتَ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - ؟ قَالَ:فَقُلْتُ:لاَ،وَلَكِنْ خَلُصَ إِلَيَّ مِنْ عِلْمِهِ وَالْيَقِينِ مَا يَخْلُصُ إِلَى الْعَذْرَاءِ فِي سِتْرِهَا،قَالَ:فَتَشَهَّدَ ثُمَّ قَالَ:أَمَّا بَعْدُ،فَإِنَّ اللَّهَ بَعَثَ مُحَمَّدًا بِالْحَقِّ،فَكُنْتُ مِمَّنِ اسْتَجَابَ لِلَّهِ وَلِرَسُولِهِ،وَآمَنَ بِمَا بُعِثَ بِهِ مُحَمَّدٌ - صلى الله عليه وسلم - ،ثُمَّ هَاجَرْتُ الْهِجْرَتَيْنِ كَمَا قُلْتَ،وَنِلْتُ صِهْرَ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - ،وَبَايَعْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - ،فَوَاللهِ مَا عَصَيْتُهُ وَلاَ غَشَشْتُهُ حَتَّى تَوَفَّاهُ اللَّهُ،ثُمَّ اسْتُخْلِفَ بَعْدَهُ أَبُو بَكْرٍ فَبَايَعْنَاهُ،فَوَاللهِ مَا عَصَيْتُهُ وَلاَ غَشَشْتُهُ حَتَّى تَوَفَّاهُ اللَّهُ،ثُمَّ اسْتُخْلِفَ عُمَرُ،فَوَاللهِ مَا عَصَيْتُهُ وَلاَ غَشَشْتُهُ حَتَّى تَوَفَّاهُ اللَّهُ،ثُمَّ اسْتَخْلَفَنِي اللَّهُ،أَفَلَيْسَ لِي عَلَيْكُمْ مِثْلُ الَّذِي كَانَ لَهُمْ عَلَيَّ ؟ قَالَ:فَقُلْتُ:بَلَى،قَالَ:فَمَا هَذِهِ الأَحَادِيثُ الَّتِي تَبْلُغُنِي عَنْكُمْ ؟ فَأَمَّا مَا ذَكَرْتَ مِنْ شَأْنِ الْوَلِيدِ فَسَنَأْخُذُ فِيهِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ بِالْحَقِّ،قَالَ:فَجَلَدَ الْوَلِيدَ أَرْبَعِينَ سَوْطًا،وَأَمَرَ عَلِيًّا بِجِلْدِهِ،فَكَانَ هُوَ يَجْلِدُهُ. أخرجه عبد الله (1)
53- عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ:ذَكَرَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فِتْنَةً،وَمَرَّ رَجُلٌ مُتَقَنِّعٌ،فَقَالَ:هَذَا يُقْتَلُ يَوْمَئِذٍ مَظْلُومًا،فَقُمْتُ إِلَيْهِ،فَإِذَا هُوَ عُثْمَانُ.أخرجه عبد الله (2)
__________
(1) - برقم(84) وهو صحيح -الصِّهر : القريب بالزواج - العذراء : البكر
وانظر تفاصيل مناقشة هذا الخبر والكلام عن الوليد بن عقبة العواصم من القواصم في تحقيق مواقف الصحابة بعد وفاة النبي - صلى الله عليه وسلم - (ج 1 / ص 93)
(2) - برقم(88) وهو حسن -التقنع : تغطية الرأس وأكثر الوجه برداء أو غيره(1/199)
54- عَنْ سَعْدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ،أَنَّهُ سَمِعَ أَبَاهُ يُحَدِّثُهُ أَنَّهُ،سَمِعَ عُثْمَانَ يَقُولُ:هَاتَانِ رِجْلاَيَ،فَإِنْ وَجَدْتُمْ فِي كِتَابِ اللهِ أَنْ تَضَعُوهُمَا فِي الْقُيُودِ فَضَعُوهُمَا. أخرجه عبد الله (1)
55- عن الحسن قَالَ:لَمَّا اشْتَدَّ أَمْرُهُمْ يَوْمَ الدَّارِ،قَالَ:قَالُوا:فَمَنْ فَمَنْ ؟ قَالَ:فَبَعَثُوا إِلَى أُمِّ حَبِيبَةَ،فَجَاؤُوا بِهَا عَلَى بَغْلَةٍ بَيْضَاءَ وَمِلْحَفَةٍ قَدْ سَتَرَتْ،فَلَمَّا دَنَتْ مِنَ الْبَابِ قَالُوا:مَا هَذَا ؟ قَالُوا:أُمُّ حَبِيبَةَ،قَالُوا:وَاللهِ لاَ تَدْخُلُ،فَرَدُّوهَا. أخرجه عبد الله (2)
56- عَنِ الْحَسَنِ قَالَ:رَأَيْتُ عُثْمَانَ قَائِلاً فِي الْمَسْجِدِ فِي مِلْحَفَةٍ لَيْسَ حَوْلَهُ أَحَدٌ،وَهُوَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ. أخرجه عبد الله (3)
57- عَنْ حُذَيْفَةَ قَالَ:لَمَّا بَلَغَهُ قَتْلُ عُثْمَانَ قَالَ:اللَّهُمَّ إِنَّكَ تَعْلَمُ بَرَاءَتِي مِنْ دَمِ عُثْمَانَ،فَإِنْ كَانَ الَّذِينَ قَتَلُوهُ أَصَابُوا بِقَتْلِهِ فَإِنِّي بَرِيءٌ مِنْهُ،وَإِنْ كَانُوا أَخْطَأُوا بِقَتْلِهِ فَقَدْ تَعْلَمُ بَرَاءَتِي مِنْ دَمِهِ،وَسَتَعْلَمُ الْعَرَبُ لَئِنْ كَانَتْ أَصَابَتْ بِقَتْلِهِ،لَتَحْتَلِبَنَّ بِذَلِكَ لَبَنًا،وَإِنْ كَانَتْ أَخْطَأَتْ بِقَتْلِهِ لَتَحْتَلِبَنَّ بِذَلِكَ دَمًا،فَاحْتَلَبُوا بِذَلِكَ دَمًا،مَا رُفِعَتْ عَنْهُمُ السُّيُوفُ وَلاَ الْقَتْلُ. أخرجه عبد الله (4)
وعَنْ مُحَمَّدٍ،قَالَ:قَالَ حُذَيْفَةُ حِينَ قُتِلَ عُثْمَان:اللَّهُمَّ إِنْ كَانَتِ الْعَرَبُ أَصَابَتْ بِقَتْلِهَا عُثْمَانَ خَيْرًا،أَوْ رُشْدًا،أَوْ رِضْوَانًا فَإِنِّي بَرِيءٌ مِنْهُ،وَلَيْسَ لِي فِيهِ نَصِيبٌ،وَإِنْ كَانَتِ الْعَرَبُ أَخْطَأَتْ بِقَتْلِهَا عُثْمَانَ فَقَدْ عَلِمْت بَرَاءَتِي،قَالَ:اعْتَبِرُوا قَوْلِي مَا أَقُولُ لَكُمْ،وَاللهِ إِنْ كَانَتِ الْعَرَبُ أَصَابَتْ بِقَتْلِهَا عُثْمَانَ لَتَحْتَلِبُنَّ بِهِ لَبَنًا،وَلَئِنْ كَانَتِ الْعَرَبُ أَخْطَأَتْ بِقَتْلِهَا عُثْمَانَ لَتَحْتَلِبُنَّ بِهِ دَمًا. (5)
__________
(1) - برقم(89 و90 ) وهو صحيح
(2) - برقم(91) وهو صحيح - يوم الدار : وقت الحصار أو الأيام التي جلس فيها عثمان رضي الله عنه في داره لأجل أهل الفتنة
(3) - برقم(92) وهو حسن - القائل : النائم أو المستريح في وسط النهار - الملحفة : اللحاف والملحف والملحفة اللباس الذي فوق سائر اللباس من دثار البرد ، وكل شيء تغطيت به فقد التحفت به ، واللحاف اسم ما يلتحف به
(4) - برقم(93) فيه انقطاع
(5) - مصنف ابن أبي شيبة - (21 / 321)(38852) فيه انقطا(1/200)
58- عَنْ حَارِثَةَ بْنِ مُضَرِّبٍ قَالَ:سَمِعْتُ حَادِيًا يَحْدُو فِي إِمَارَةِ عُمَرَ،أَلاَ إِنَّ الأَمِيرَ بَعْدَهُ عُثْمَانُ،وَسَمِعْتُهُ يَحْدُو فِي إِمْرَةِ عُثْمَانَ،إِنَّ الأَمِيرَ بَعْدَهُ عَلِيٌّ. أخرجه عبد الله (1)
59- عَنْ أَنَسٍ،قَالَ:قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - :أَرْحَمُ أُمَّتِي أَبُو بَكْرٍ،وَأَشَدُّهَا فِي دِينِ اللهِ عُمَرُ،وَأَصْدَقُهَا حَيَاءً عُثْمَانُ،وَأَعْلَمُهَا بِالْحَلاَلِ وَالْحَرَامِ مُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ،وَأَقْرَؤُهَا لِكِتَابِ اللهِ أُبَيٌّ،وَأَعْلَمُهَا بِالْفَرَائِضِ زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ،وَلِكُلِّ أُمَّةٍ أَمِينٌ،وَأَمِينُ هَذِهِ الأُمَّةِ أَبُو عُبَيْدَةَ بْنُ الْجَرَّاحِ. أخرجه عبد الله (2)
60- عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - "ادْعُوا لِى بَعْضَ أَصْحَابِى ». قُلْتُ أَبُو بَكْرٍ قَالَ « لاَ ». قُلْتُ عُمَرُ قَالَ « لاَ ». قُلْتُ ابْنُ عَمِّكَ عَلِىٌّ قَالَ « لاَ ». قَالَتْ قُلْتُ عُثْمَانُ قَالَ « نَعَمْ ». فَلَمَّا جَاءَ قَالَ « تَنَحَّى ». فَجَعَلَ يُسَارُّهُ وَلَوْنُ عُثْمَانَ يَتَغَيَّرُ فَلَمَّا كَانَ يَوْمُ الدَّارِ وَحُصِرَ فِيهَا قُلْنَا يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ أَلاَ تُقَاتِلُ قَالَ لاَ إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - عَهِدَ إِلَىَّ عَهْدًا وَإِنِّى صَابِرٌ نَفْسِى عَلَيْهِ.أخرجه أحمد (3)
61- عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ قَالَ:أَشْرَفَ عُثْمَانُ وَهُوَ مَحْصُورٌ،فَقَالَ:أَنْشُدُ بِاللهِ مَنْ شَهِدَ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَوْمَ حِرَاءَ إِذِ اهْتَزَّ الْجَبَلُ فَرَكَلَهُ بِقَدَمِهِ ثُمَّ قَالَ:اسْكُنْ حِرَاءُ،لَيْسَ عَلَيْكَ إِلاَّ نَبِيُّ،أَوْ صِدِّيقٌ،أَوْ شَهِيدٌ،وَأَنَا مَعَهُ ؟ فَانْتَشَدَ لَهُ رِجَالٌ،وَقَالَ:أَنْشُدُ بِاللهِ مَنْ شَهِدَ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَوْمَ بَيْعَةِ الرِّضْوَانِ إِذْ بَعَثَنِي إِلَى الْمُشْرِكِينَ إِلَى أَهْلِ مَكَّةَ قَالَ:هَذِهِ يَدِي،وَهَذِهِ يَدُ عُثْمَانَ،فَبَايَعَ لِي ؟ فَانْتَشَدَ لَهُ رِجَالٌ،قَالَ:أَنْشُدُ بِاللهِ مَنْ شَهِدَ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ:مَنْ يُوَسِّعْ لَنَا بِهَذَا الْبَيْتِ فِي الْمَسْجِدِ بِبَيْتٍ لَهُ فِي الْجَنَّةِ ؟،فَابْتَعْتُهُ مِنْ مَالِي فَوَسَّعْتُ بِهِ الْمَسْجِدَ ؟ فَانْتَشَدَ لَهُ رِجَالٌ،قَالَ:وَأَنْشِدُ بِاللهِ مَنْ شَهِدَ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَوْمَ جَيْشِ الْعُسْرَةِ قَالَ:مَنْ يُنْفِقِ الْيَوْمَ نَفَقَةً مُتَقَبَّلَةً ؟ فَجَهَّزْتُ نِصْفَ الْجَيْشِ مِنْ مَالِي ؟ قَالَ:فَانْتَشَدَ لَهُ
__________
(1) - برقم(94) ومسند أحمد (عالم الكتب) - (4 / 474)(12904) 12935- صحيح
الحادي : منشد ينشد شعرا وغناء تطرب له الإبل فتسرع في سيرها - حدا : أنشد شعرا تطرب له الأسماع وتخف له الإبل في سيرها
(2) - برقم(98) وهو صحيح
(3) - برقم(24985) وهو صحيح
تنحى : مال جانبا وتباعد(1/201)
رِجَالٌ،وَأَنْشُدُ بِاللهِ مَنْ شَهِدَ رُومَةَ يُبَاعُ مَاؤُهَا ابْنَ السَّبِيلِ،فَابْتَعْتُهَا مِنْ مَالِي فَأَبَحْتُهَا ابْنَ السَّبِيلِ ؟ قَالَ:فَانْتَشَدَ لَهُ رِجَالٌ.أخرجه عبد الله (1)
62 عَنْ مُسْلِمٍ أَبِي سَعِيدٍ مَوْلَى عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ،أَنَّ عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ أَعْتَقَ عِشْرِينَ مَمْلُوكًا،وَدَعَا سَرَاوِيلَ فَشَدَّهَا عَلَيْهِ،وَلَمْ يَلْبَسْهَا فِي جَاهِلِيَّةٍ وَلاَ إِسْلاَمٍ،قَالَ:إِنِّي رَأَيْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - الْبَارِحَةَ فِي النَّوْمِ،وَرَأَيْتُ أَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ،وَإِنَّهُمْ قَالُوا لِي:اصْبِرْ،فَإِنَّكَ تُفْطِرُ عِنْدَنَا الْقَابِلَةَ،ثُمَّ دَعَا بِمُصْحَفٍ فَنَشَرَهُ بَيْنَ يَدَيْهِ،فَقُتِلَ وَهُوَ بَيْنَ يَدَيْهِ. أخرجه عبد الله (2)
63- عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ فَرُّوخَ،عَنْ أَبِيهِ قَالَ:شَهِدْتُ عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ دُفِنَ فِي ثِيَابِهِ بِدِمَائِهِ،وَلَمْ يُغَسَّلْ - رضي الله عنهم - . أخرجه عبد الله (3)
64- عَنِ ابْنِ عُمَرَ،أَنَّ عُثْمَانَ أَصْبَحَ يُحَدِّثُ النَّاسَ،قَالَ:رَأَيْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - اللَّيْلَةَ فِي الْمَنَامِ،فَقَالَ:يَا عُثْمَان أَفْطِرْ عِنْدَنَا،فَأَصْبَحَ وَقُتِلَ مِنْ يَوْمِهِ.أخرجه ابن أبي شيبة (4)
65- عَنْ مُوسَى بْنِ طَلْحَةَ قَالَ سَمِعْتُ عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ وَهُوَ عَلَى الْمِنْبَرِ وَالْمُؤَذِّنُ يُقِيمُ الصَّلاَةَ وَهُوَ يَسْتَخْبِرُ النَّاسَ يَسْأَلُهُمْ عَنْ أَخْبَارِهِمْ وَأَسْعَارِهِمْ. أخرجه أحمد (5)
66- عَنْ قَتَادَةَ قَالَ:صَلَّى الزُّبَيْرُ عَلَى عُثْمَانَ وَدَفَنَهُ،وَكَانَ أَوْصَى إِلَيْهِ..أخرجه أحمد أخرجه عبد الله (6)
67- عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ سَمُرَةَ قَالَ جَاءَ عُثْمَانُ إِلَى النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - بِأَلْفِ دِينَارٍ - قَالَ الْحَسَنُ بْنُ وَاقِعٍ وَكَانَ فِى مَوْضِعٍ آخَرَ مِنْ كِتَابِى فِى كُمِّهِ حِينَ جَهَّزَ جَيْشَ الْعُسْرَةِ فَنَثَرَهَا
__________
(1) - برقم(101) وهو صحيح - الحصر : المنع والحبس - الرَّكْض : الضَّرب بالرجْل والإصابة بها والدفع - انتشد : تذكر
(2) - برقم(108) وهو حسن -السروال : لباس يغطي السرة والركبتين وما بينهما
(3) - برقم(109) وهو حسن لغيره
(4) - برقم(30503و30504) وهو صحيح
(5) - برقم(550 ) وعبد الله برقم(111) وهو صحيح
(6) - برقم( 71 و113) وأحمد برقم(559) وفيه انقطاع(1/202)
فِى حِجْرِهِ. قَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ فَرَأَيْتُ النَّبِىَّ - صلى الله عليه وسلم - يُقَلِّبُهَا فِى حِجْرِهِ وَيَقُولُ « مَا ضَرَّ عُثْمَانَ مَا عَمِلَ بَعْدَ الْيَوْمِ ». مَرَّتَيْنِ. أخرجه الترمذي (1)
68- عَنْ أَبِى قِلاَبَةَ قَالَ لَمَّا قُتِلَ عُثْمَانُ قَامَ خُطَبَاءُ بِإِيلِيَاءَ فَقَامَ مِنْ آخِرِهِمْ رَجُلٌ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - يُقَالُ لَهُ مُرَّةُ بْنُ كَعْبٍ فَقَالَ لَوْلاَ حَدِيثٌ سَمِعْتُهُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - مَا قُمْتُ إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - ذَكَرَ فِتْنَةً - وَأَحْسَبُهُ قَالَ فَقَرَّبَهَا شَكَّ إِسْمَاعِيلُ - فَمَرَّ رَجُلٌ مُتَقَنِّعٌ فَقَالَ « هَذَا وَأَصْحَابُهُ يَوْمَئِذٍ عَلَى الْحَقِّ ». فَانْطَلَقْتُ فَأَخَذْتُ بِمَنْكِبِهِ وَأَقْبَلْتُ بِوَجْهِهِ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فَقُلْتُ هَذَا قَالَ « نَعَمْ ».أخرجه أحمد (2)
69- عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ حَوَالَةَ قَالَ:أَتَيْتُ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - وَهُوَ تَحْتَ دُومَةٍ،وَهُوَ يَكْتُبُ النَّاسَ،فَرَفَعَ رَأْسَهُ فَقَالَ:يَا ابْنَ حَوَالَةَ،أَكْتُبُكَ ؟،قُلْتُ:مَا خَارَ اللَّهُ لِي وَرَسُولُهُ،ثُمَّ جَعَلَ يُمْلِي عَلَى الْكَاتِبِ،ثُمَّ رَفَعَ رَأْسَهُ فَقَالَ:يَا ابْنَ حَوَالَةَ أَكْتُبُكَ ؟،فَقُلْتُ:مَا خَارَ اللَّهُ لِي وَرَسُولُهُ،ثُمَّ جَعَلَ يُمْلِي عَلَى الْكَاتِبِ،ثُمَّ رَفَعَ رَأْسَهُ فَقَالَ:يَا ابْنَ حَوَالَةَ،أَكْتُبُكَ ؟ فَقُلْتُ:مَا خَارَ اللَّهُ لِي وَرَسُولُهُ،ثُمَّ جَعَلَ يُمْلِي عَلَى الْكَاتِبِ،ثُمَّ رَفَعَ رَأْسَهُ فَقَالَ:أَكْتُبُكَ ؟ فَقُلْتُ:مَا خَارَ اللَّهُ لِي وَرَسُولُهُ،فَجَعَلَ يُمْلِي عَلَى الْكَاتِبِ،فَنَظَرْتُ فِي الْكِتَابِ فَإِذَا فِيهِ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ،فَعَلِمْتُ أَنَّهُمَا لَمْ يُكْتَبَا إِلاَّ فِي خَيْرٍ،قَالَ:يَا ابْنَ حَوَالَةَ،أَكْتُبُكَ ؟ فَقُلْتُ:نَعَمْ،فَكَتَبَنِي،ثُمَّ قَالَ:يَا ابْنَ حَوَالَةَ،كَيْفَ أَنْتَ وَفِتْنَةٌ تَكُونُ بِأَقْطَارِ الأَرْضِ كَأَنَّهَا صَيَاصِي الْبَقَرِ،وَالَّتِي تَلِيهَا كَنَفْخَةِ أَرْنَبٍ ؟ قُلْتُ:اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ،قَالَ:فَإِنَّهُ يَوْمَئِذٍ وَمَنْ مَعَهُ عَلَى الْحَقِّ،قَالَ:فَذَهَبْتُ فَلَفَتُّهُ فَإِذَا هُوَ عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ،فَقُلْتُ:هَذَا يَا رَسُولَ اللهِ ؟ فَقَالَ:نَعَمْ،قَالَ:وَقَالَ ذَاتَ يَوْمٍ:يَدْخُلُ
__________
(1) - برقم(4066) وهو صحيح لغيره
" مَا ضَرَّ عُثْمَانَ مَا عَمِلَ بَعْدَ الْيَوْمِ" أَيْ فَلَا عَلَى عُثْمَانَ بَأْسٌ الَّذِي عَمِلَ بَعْدَ هَذِهِ مِنْ الذُّنُوبِ فَإِنَّهَا مَغْفُورَةٌ مُكَفَّرَةٌ ، وَنَحْوُهُ قَوْلُهُ - صلى الله عليه وسلم - فِي حَدِيثِ حَاطِبِ بْنِ أَبِي بَلْتَعَةَ : " لَعَلَّ اللَّهَ قَدْ اِطَّلَعَ عَلَى أَهْلِ بَدْرٍ فَقَالَ اِعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ فَقَدْ غَفَرْت لَكُمْ " . قَالَ الطِّيبِيُّ وَغَيْرُهُ .
(2) - برقم(19547و18619) والشاميين(644) ومعرفة الصحابة برقم(5631) وشرح السنة برقم(3717) وفضائل عثمان برقم(116) وهو صحيح
التقنع : تغطية الرأس وأكثر الوجه برداء أو غيره(1/203)
عَلَيَّ رَجُلٌ مُعْتَجِرٌ بِبُرْدِ حِبَرَةٍ يُبَايِعُ النَّاسَ،مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ،قَالَ:فَهَجَمْنَا عَلَى عُثْمَانَ وَهُوَ مُعْتَجِرٌ بِبُرْدِ حِبَرَةٍ يُبَايِعُ النَّاسَ.أخرجه عبد الله (1)
70- عَنْ عُثْمَانَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَوْهَبٍ أَنَّ رَجُلاً مِنْ أَهْلِ مِصْرَ حَجَّ الْبَيْتَ فَرَأَى قَوْمًا جُلُوسًا فَقَالَ مَنْ هَؤُلاَءِ قَالُوا قُرَيْشٌ. قَالَ فَمَنْ هَذَا الشَّيْخُ قَالُوا ابْنُ عُمَرَ. فَأَتَاهُ فَقَالَ إِنِّى سَائِلُكَ عَنْ شَىْءٍ فَحَدِّثْنِى أَنْشُدُكَ اللَّهَ بِحُرْمَةِ هَذَا الْبَيْتِ أَتَعْلَمُ أَنَّ عُثْمَانَ فَرَّ يَوْمَ أُحُدٍ قَالَ نَعَمْ. قَالَ أَتَعْلَمُ أَنَّهُ تَغَيَّبَ عَنْ بَيْعَةِ الرِّضْوَانِ فَلَمْ يَشْهَدْهَا قَالَ نَعَمْ. قَالَ أَتَعْلَمُ أَنَّهُ تَغَيَّبَ يَوْمَ بَدْرٍ فَلَمْ يَشْهَدْ قَالَ نَعَمْ. قَالَ اللَّهُ أَكْبَرُ. فَقَالَ لَهُ ابْنُ عُمَرَ تَعَالَ أُبَيِّنْ لَكَ مَا سَأَلْتَ عَنْهُ أَمَّا فِرَارُهُ يَوْمَ أُحُدٍ فَأَشْهَدُ أَنَّ اللَّهَ قَدْ عَفَا عَنْهُ وَغَفَرَ لَهُ وَأَمَّا تَغَيُّبُهُ يَوْمَ بَدْرٍ فَإِنَّهُ كَانَتْ عِنْدَهُ - أَوْ تَحْتَهُ - ابْنَةُ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - "لَكَ أَجْرُ رَجُلٍ شَهِدَ بَدْرًا وَسَهْمُهُ ». وَأَمَرَهُ أَنْ يَخْلُفَ عَلَيْهَا وَكَانَتْ عَلِيلَةً وَأَمَّا تَغَيُّبُهُ عَنْ بَيْعَةِ الرِّضْوَانِ فَلَوْ كَانَ أَحَدٌ أَعَزَّ بِبَطْنِ مَكَّةَ مِنْ عُثْمَانَ لَبَعَثَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - مَكَانَ عُثْمَانَ بَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - عُثْمَانَ إِلَى مَكَّةَ وَكَانَتْ بَيْعَةُ الرِّضْوَانِ بَعْدَ مَا ذَهَبَ عُثْمَانُ إِلَى مَكَّةَ قَالَ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - بِيَدِهِ الْيُمْنَى"هَذِهِ يَدُ عُثْمَانَ ». وَضَرَبَ بِهَا عَلَى يَدِهِ فَقَالَ « هَذِهِ لِعُثْمَانَ ». قَالَ لَهُ اذْهَبْ بِهَذَا الآنَ مَعَكَ. قَالَ أَبُو عِيسَى هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ.أخرجه الترمذي (2)
__________
(1) - برقم(117) وهو صحيح - صياصي : قرون - البْرُدُ والبُرْدة : الشَّمْلَةُ المخطَّطة، وقيل كِساء أسود مُرَبَّع فيه صورٌ - الحبرة : ثوب يماني من قطن أو كتان مخطط
(2) - برقم(4071) وهو صحيح
وفي تحفة الأحوذي - (ج 9 / ص 118) قَوْلُهُ : ( فَرَأَى قَوْمًا جُلُوسًا ) أَيْ جَالِسِينَ ( فَمِنْ هَذَا الشَّيْخِ ) أَيْ فَمِنْ هَذَا الْعَالَمِ الْكَبِيرِ
( أَنْشُدُك ) بِضَمِّ الشِّينِ الْمُعْجَمَةِ أَسْأَلُك ( أَتَعْلَمُ أَنَّ عُثْمَانَ فَرَّ يَوْمَ أُحُدٍ إِلَخْ ) الَّذِي يَظْهَرُ مِنْ سِيَاقِهِ أَنَّ السَّائِلَ كَانَ مِمَّنْ يَتَعَصَّبُ عَلَى عُثْمَانَ فَأَرَادَ بِالْمَسَائِلِ الثَّلَاثِ أَنْ يُقَرِّرَ مُعْتَقَدَهُ وَلِذَلِكَ كَبَّرَ مُسْتَحْسِنًا لِمَا أَجَابَهُ بِهِ اِبْنُ عُمَرَ ( فَلَمْ يَشْهَدْهَا ) أَيْ فَلَمْ يَحْضُرْهَا ( فَقَالَ ) أَيْ الرَّجُلُ الْحَاجُّ ( اللَّهُ أَكْبَرُ ) كَلِمَةٌ يَقُولُهَا الْمُتَعَجِّبُ عِنْدَ إِلْزَامِ الْخَصْمِ وَتَبْكِيتِهِ قَالَهُ الطِّيبِيُّ
( فَقَالَ لَهُ اِبْنُ عُمَرَ تَعَالَ حَتَّى أُبَيِّنَ لَك مَا سَأَلْت عَنْهُ ) كَأَنَّ اِبْنَ عُمَرَ فَهِمَ مِنْهُ مُرَادَهُ لَمَّا كَبَّرَ وَإِلَّا لَوْ فَهِمَ ذَلِكَ مِنْ أَوَّلِ سُؤَالِهِ لِقَرْنِ الْعُذْرِ بِالْجَوَابِ وَحَاصِلُهُ أَنَّهُ عَابَهُ بِثَلَاثَةِ أَشْيَاءَ فَأَظْهَرَ لَهُ اِبْنُ عُمَرَ الْعُذْرَ عَنْ جَمِيعِهَا ، أَمَّا الْفِرَارُ فَبِالْعَفْوِ وَأَمَّا التَّخَلُّفُ فَبِالْأَمْرِ وَقَدْ حَصَلَ لَهُ مَقْصُودُ مَنْ شَهِدَ بَدْرًا مِنْ تَرَتُّبِ الْأَمْرَيْنِ الدُّنْيَوِيِّ وَهُوَ السَّهْمُ وَالْأُخْرَوِيِّ وَهُوَ الْأَجْرُ وَأَمَّا الْبَيْعَةُ فَكَانَ مَأْذُونًا لَهُ فِي ذَلِكَ أَيْضًا وَيَدُ رَسُولِ اللَّه - صلى الله عليه وسلم - خَيْرٌ لِعُثْمَانَ مِنْ يَدِهِ ( فَأَشْهَدَ أَنَّ اللَّهَ قَدْ عَفَا عَنْهُ وَغَفَرَ لَهُ ) يُرِيدُ قَوْله تَعَالَى { إِنَّ الَّذِينَ تَوَلَّوْا مِنْكُمْ يَوْمَ اِلْتَقَى الْجَمْعَانِ إِنَّمَا اِسْتَزَلَّهُمْ الشَّيْطَانُ بِبَعْضِ مَا كَسَبُوا وَلَقَدْ عَفَا اللَّهُ عَنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ حَلِيمٌ } ( عِنْدَهُ أَوْ تَحْتَهُ ) أَيْ تَحْتَ عَقْدِهِ وَأَوْ لِلشَّكِّ ( اِبْنَةَ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - ) هِيَ رُقَيَّةُ فَرَوَى الْحَاكِمُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ مِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ خَلَّفَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - مِنْ عُثْمَانَ وَأُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ عَلَى رُقَيَّةَ فِي مَرَضِهَا لَمَّا خَرَجَ إِلَى بَدْرٍ فَمَاتَتْ رُقَيَّةُ حِينَ وَصَلَ زَيْدُ بْنُ حَارِثَةَ بِالْبِشَارَةِ وَكَانَ عُمْرُ رُقَيَّةَ لِمَا مَاتَتْ عِشْرِينَ سَنَةَ ( فَلَوْ كَانَ أَحَدٌ أَعَزَّ بِبَطْنِ مَكَّةَ مِنْ عُثْمَانَ ) أَيْ عَلَى مَنْ بِهَا مَكَانَ عُثْمَانَ أَيْ بَدَلَهُ ( بَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - عُثْمَانَ وَكَانَتْ بَيْعَةُ الرِّضْوَانِ ) أَيْ بَعْدَ أَنْ بَعَثَهُ ، وَالسَّبَبُ فِي ذَلِكَ أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - بَعَثَ عُثْمَانَ لِيَعْلَمَ قُرَيْشًا أَنَّهُ إِنَّمَا جَاءَ مُعْتَمِرًا لَا مُحَارَبًا فَفِي غَيْبَةِ عُثْمَانَ شَاعَ عِنْدَهُمْ أَنَّ الْمُشْرِكِينَ تَعَرَّضُوا لِحَرْبِ الْمُسْلِمِينَ فَاسْتَعَدَّ الْمُسْلِمُونَ لِلْقِتَالِ وَبَايَعَهُمْ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - حِينَئِذٍ تَحْتَ الشَّجَرَةِ عَلَى أَنْ لَا يَفْرَوْا وَذَلِكَ فِي غَيْبَةِ عُثْمَانَ ، وَقِيلَ بَلْ جَاءَ الْخَبَرُ بِأَنَّ عُثْمَانَ قُتِلَ فَكَانَ ذَلِكَ سَبَبَ الْبَيْعَةِ ( فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - بِيَدِهِ الْيُمْنَى ) أَيْ أَشَارَ بِهَا ( هَذِهِ يَدُ عُثْمَانَ ) أَيْ بَدَلَهَا ( وَضَرَبَ بِهَا عَلَى يَدِهِ ) أَيْ الْيُسْرَى ( وَقَالَ هَذِهِ لِعُثْمَانَ )
أَيْ هَذِهِ الْبَيْعَةُ عَنْ عُثْمَانَ ( قَالَ ) أَيْ اِبْنُ عُمَرَ ( لَهُ ) أَيْ لِلرَّجُلِ الْحَاجِّ السَّائِلِ ( اِذْهَبْ بِهَذَا الْآنَ مَعَك ) أَقْرِنْ هَذَا الْعُذْرَ بِالْجَوَابِ حَتَّى لَا يَبْقَى لَك فِيمَا أَجَبْتُك بِهِ حُجَّةٌ عَلَى مَا كُنْت تَعْتَقِدُهُ مِنْ غَيْبَةِ عُثْمَانَ وَقَالَ الطِّيبِيُّ : قَالَ اِبْنُ عُمَرَ تَحَكُّمًا بِهِ أَيْ تَوَجَّهْ بِمَا تَمَسَّكْت بِهِ فَإِنَّهُ لَا يَنْفَعُك بَعْدَمَا بَيَّنْت لَك(1/204)
71- عَنِ الأَحْنَفِ بْنِ قَيْسٍ قَالَ خَرَجْنَا حُجَّاجًا فَقَدِمْنَا الْمَدِينَةَ وَنَحْنُ نُرِيدُ الْحَجَّ فَبَيْنَا نَحْنُ فِى مَنَازِلِنَا نَضَعُ رِحَالَنَا إِذْ أَتَانَا آتٍ فَقَالَ إِنَّ النَّاسَ قَدِ اجْتَمَعُوا فِى الْمَسْجِدِ وَفَزِعُوا. فَانْطَلَقْنَا فَإِذَا النَّاسُ مُجْتَمِعُونَ عَلَى نَفَرٍ فِى وَسَطِ الْمَسْجِدِ وَفِيهِمْ عَلِىٌّ وَالزُّبَيْرُ وَطَلْحَةُ وَسَعْدُ بْنُ أَبِى وَقَّاصٍ فَإِنَّا لَكَذَلِكَ إِذْ جَاءَ عُثْمَانُ رضى الله عنه عَلَيْهِ مُلاَءَةٌ صَفْرَاءُ قَدْ قَنَّعَ بِهَا رَأْسَهُ فَقَالَ أَهَا هُنَا طَلْحَةُ أَهَا هُنَا الزُّبَيْرُ أَهَا هُنَا سَعْدٌ قَالُوا نَعَمْ. قَالَ فَإِنِّى أَنْشُدُكُمْ بِاللَّهِ الَّذِى لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ أَتَعْلَمُونَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ « مَنْ يَبْتَاعُ مِرْبَدَ بَنِى فُلاَنٍ غَفَرَ اللَّهُ لَهُ ». فَابْتَعْتُهُ بِعِشْرِينَ أَلْفًا أَوْ بِخَمْسَةٍ وَعِشْرِينَ أَلْفًا فَأَتَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فَأَخْبَرْتُهُ فَقَالَ « اجْعَلْهُ فِى مَسْجِدِنَا وَأَجْرُهُ لَكَ ». قَالُوا اللَّهُمَّ نَعَمْ. قَالَ أَنْشُدُكُمْ بِاللَّهِ الَّذِى لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ أَتَعْلَمُونَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ « مَنِ ابْتَاعَ بِئْرَ رُومَةَ غَفَرَ اللَّهُ لَهُ فَابْتَعْتُهَا بِكَذَا وَكَذَا فَأَتَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فَقُلْتُ قَدِ ابْتَعْتُهَا بِكَذَا وَكَذَا قَالَ « اجْعَلْهَا سِقَايَةً لِلْمُسْلِمِينَ وَأَجْرُهَا لَكَ ». قَالُوا اللَّهُمَّ نَعَمْ. قَالَ أَنْشُدُكُمْ بِاللَّهِ الَّذِى لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ أَتَعْلَمُونَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - نَظَرَ فِى وُجُوهِ الْقَوْمِ فَقَالَ « مَنْ يُجَهِّزْ هَؤُلاَءِ غَفَرَ اللَّهُ لَهُ(1/205)
». يَعْنِى جَيْشَ الْعُسْرَةِ فَجَهَّزْتُهُمْ حَتَّى لَمْ يَفْقِدُوا عِقَالاً وَلاَ خِطَامًا. فَقَالُوا اللَّهُمَّ نَعَمْ. قَالَ اللَّهُمَّ اشْهَدِ اللَّهُمَّ اشْهَدِ اللَّهُمَّ اشْهَدْ.أخرجه النسائي (1)
72- عَنِ الأَحْنَفِ بْنِ قَيْسٍ،قَالَ:قَدِمْنَا الْمَدِينَةَ وَنَحْنُ نُرِيدُ الْحَجَّ،فَإِنَّا لِمَنَازِلِنَا نَضَعُ رِحَالَنَا إذْ أَتَانَا آتٍ،فَقَالَ:إنَّ النَّاسَ قَدْ فَزِعُوا وَاجْتَمَعُوا فِي الْمَسْجِدِ،فَانْطَلَقْت فَإِذَا النَّاسُ مُجْتَمِعُونَ فِي الْمَسْجِدِ،فَإِذَا عَلِيٌّ وَالزُّبَيْرُ وَطَلْحَةُ وَسَعْدُ بْنُ أَبِي وَقَّاصٍ،قَالَ:فَإِنَّا لَكَذَلِكَ إذَا جَاءَنَا عُثْمَان،فَقِيلَ:هَذَا عُثْمَان،فَدَخَلَ عَلَيْهِ مَلِيَّةٌ لَهُ صَفْرَاءُ،قَدْ قَنَّعَ بِهَا رَأْسَهُ،قَالَ:هَاهُنَا عَلِيٌّ،قَالَوا:نَعَمْ،قَالَ:هَاهُنَا الزُّبَيْرُ،قَالَوا:نَعَمْ،قَالَ:هَاهُنَا طَلْحَةُ،قَالَوا:نَعَمْ،قَالَ هَاهُنَا سَعْدٌ،قَالَوا:نَعَمْ،قَالَ:أَنْشُدُكُمْ بِاللهِ الَّذِي َلاَ إلَهَ إَلاَ هُوَ هَلْ تَعْلَمُونَ،أَنَّ رَسُولَ اللهِ،قَالَ:مَنْ يَبْتَاعُ مِرْبَدَ بَنِي فَُلاَنٍ غَفَرَ اللَّهُ لَهُ،فَابْتَعْتُهُ بِعِشْرِينَ أَلْفًا،أَوْ بِخَمْسَةٍ وَعِشْرِينَ أَلْفًا،فَأَتَيْت رَسُولَ اللهِ فَقُلْت لَهُ:ابْتَعْته،قَالَ:اجْعَلْهُ فِي مَسْجِدِنَا وَلَك أَجْرُهُ فَقَالُوا:اللَّهُمَّ نَعَمْ،قَالَ:فَقَالَ:أَنْشُدُكُمْ بِاللهِ الَّذِي َلاَ إلَهَ إَلاَ هُوَ،أَتَعْلَمُونَ،أَنَّ رَسُولَ اللهِ،قَالَ:مَنْ ابْتَاعَ بِئْرَ رُومَةَ غَفَرَ اللَّهُ لَهُ،فَابْتَعْتُهَا بِكَذَا وَكَذَا،ثُمَّ أَتَيْته فَقُلْت:قَدْ ابْتَعْتهَا،قَالَ:اجْعَلْهَا سِقَايَةً لِلْمُسْلِمِينَ وَأَجْرُهَا لَك،قَالَوا:اللَّهُمَّ نَعَمْ،قَالَ:أَنْشُدُكُمْ بِاللهِ الَّذِي َلاَ إلَهَ إَلاَ هُوَ،أَتَعْلَمُونَ،أَنَّ رَسُولَ اللهِ نَظَرَ فِي وُجُوهِ الْقَوْمِ،فَقَالَ:مَنْ جَهَّزَ هَؤَُلاَءِ غَفَرَ اللَّهُ لَهُ،يَعَنْي جَيْشَ الْعُسْرَةِ،فَجَهَّزْتُهُمْ حَتَّى لَمْ يَفْقِدُوا خِطَامًا وََلاَ عِ،قَالاًَ،قَالَ:قَالَوا:اللَّهُمَّ نَعَمْ،قَالَ:اللَّهُمَّ اشْهَدْ ثََلاَثًا،قَالَ الأَحْنَفُ:فَانْطَلَقْت فَأَتَيْت طَلْحَةَ وَالزُّبَيْرَ فَقُلْت:مَا تَأْمُرَانِي بِهِ وَمَنْ تَرْضَيَانِهِ لِي،فَإِنِّي َلاَ أَرَى هَذَا إَلاَ مَقْتُولاً،قَالاَ:نَأْمُرُك بِعَلِيٍّ،قَالَ:قُلْت:تَأْمُرَانِي بِهِ وَتَرْضَيَانِهِ لِي،قَالاَ:نَعَمْ،قَالَ:ثُمَّ انْطَلَقْت حَاجًّا حَتَّى قَدِمْت مَكَّةَ فَبَيْنَا نَحْنُ بِهَا إذْ أَتَانَا قَتْلُ عُثْمَانَ وَبِهَا عَائِشَةُ أُمُّ الْمُؤْمِنِينَ،فَلَقِيتُهَا فَقُلْت لَهَا:مَنْ تَأْمُرِينِي بِهِ أَنْ أُبَايِعَ،فَقَالَتْ:عَلِيًّا،فَقُلْت
__________
(1) - برقم(3195و3621و3622) وابن أبي شيبة برقم(32018و37798) وأحمد برقم( 521 )وهو حديث صحيح لغيره
(1) الملحفة : اللحاف والملحف والملحفة اللباس الذي فوق سائر اللباس من دثار البرد ، وكل شيء تغطيت به فقد التحفت به ، واللحاف اسم ما يلتحف به (2) المربد : مأوى الأبل والغنم ومحبسها (3) الخطام : كل ما وُضِعَ على أنف البعير ليُقتادَ به (4) العقال : الحبل الذي تُربط به الإبل ونحوها(1/206)
أَتَأْمُرِينَنِي بِهِ وَتَرْضَيْنَهُ لِي،قَالَتْ:نَعَمْ،فَمَرَرْت عَلَى عَلِيٍّ بِالْمَدِينَةِ فَبَايَعْته،ثُمَّ رَجَعْت إلَى الْبَصْرَةِ،وََلاَ أَرَى إَلأَأَنَّ الأَمْرَ قَدْ اسْتَقَامَ،قَالَ:فَبَيْنَا أَنَا كَذَلِكَ إذْ أَتَانِي آتٍ،فَقَالَ:هَذِهِ عَائِشَةُ أُمُّ الْمُؤْمِنِينَ وَطَلْحَةُ وَالزُّبَيْرُ قَدْ نَزَلُوا جَانِبَ الْخِرْبَةِ،قَالَ:قُلْت:مَا جَاءَ بِهِمْ،قَالَ:أُرْسِلُوا إلَيْك لِيَسْتَنْصِرُوك عَلَى دَمِ عُثْمَانَ،قُتِلَ مَظْلُومًا،قَالَ:فَأَتَانِي أَفْظَعُ أَمْرٍ أَتَانِي قَطُّ فَقُلْت:إنَّ خِذَْلاَنِي هَؤَُلاَءِ وَمَعَهُمْ أُمُّ الْمُؤْمِنِينَ وَحَوَارِيُّ رَسُولِ اللهِ لَشَدِيدٌ،وَإِنَّ قِتَالِي ابْنَ عَمِّ رَسُولِ اللهِ بَعْدَ أَنْ أَمَرُونِي بِبَيْعَتِهِ لَشَدِيدٌ،فَلَمَّا أَتَيْتُهُمْ،قَالَوا:جِئْنَا نَسْتَنْصِرُ عَلَى دَمِ عُثْمَانَ،قُتِلَ مَظْلُومًا،قَالَ:فَقُلْت:يَا أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ،أَنْشُدُك بِاللهِ،هَلْ قُلْت لَك:مَنْ تَأْمُرِينِي بِهِ فَقُلْت:عَلِيًّا فَقُلْت:تَأْمُرِينِي بِهِ وَتَرْضَيْنَهُ لِي فَقُلْت:نَعَمْ،قَالَتْ:نَعَمْ،وَلَكِنَّهُ بَدَّلَ،قُلْت:يَا زُبَيْرُ،يَا حَوَارِيَّ رَسُولِ اللهِ يَا طَلْحَةُ،نَشَدْتُكُمَا بِاللهِ أَقَلْت لَكُمَا:مَنْ تَأْمُرَانِي بِهِ فَقُلْتُمَا:عَلِيًّا،فَقُلْت:تَأْمُرَانِي بِهِ وَتَرْضَيَانِهِ لِي فَقُلْتُمَا:نَعَمْ،قَالاَ:بَلَى،وَلَكِنَّهُ بَدَّلَ،قَالَ:فَقُلْت:لاَ وَاللهِ َلاَ أُقَاتِلُكُمْ وَمَعَكُمْ أُمُّ الْمُؤْمِنِينَ وَحَوَارِيُّ رَسُولِ اللهِ أَمَرْتُمُونِي بِبَيْعَتِهِ اخْتَارُوا مِنِّي بَيْنَ إحْدَى ثََلاَثِ خِصَالٍ:إمَّا أَنْ تَفْتَحُوا لِي بَابَ الْجِسْرِ فَأَلْحَقَ بِأَرْضِ الأَعَاجِمِ،حَتَّى يَقْضِيَ اللَّهُ مِنْ أَمْرِهِ مَا قَضَى،أَوْ أَلْحَقَ بِمَكَّةَ فَأَكُونَ بِهَا حَتَّى يَقْضِيَ اللَّهُ مِنْ أَمْرِهِ مَا قَضَى،أَوْ أَعْتَزِلَ فَأَكُونَ قَرِيبًا،قَالَوا:نَأْتَمِرُ،ثُمَّ نُرْسِلُ إلَيْك،فَائْتَمَرُوا فَقَالُوا:نَفْتَحُ لَهُ بَابَ الْجِسْرِ فَيَلْحَقُ بِهِ الْمُنَافِقُ وَالْخَاذِلُ،وَيَلْحَقُ بِمَكَّةَ فَيَتَعَجَّسُكُمْ فِي قُرَيْشٍ وَيُخْبِرُهُمْ بِأَخْبَارِكُمْ،لَيْسَ ذَلِكَ بِأَمْرٍ،اجْعَلُوهُ هَاهُنَا قَرِيبًا حَيْثُ تَطَئُونَ عَلَى صِمَاخِهِ،وَتَنْظُرُونَ إلَيْهِ،فَاعْتَزَلَ بِالْجَلْحَاءِ مِنْ الْبَصْرَةِ عَلَى فَرْسَخَيْنِ،وَاعْتَزَلَ مَعَهُ زُهَاءُ سِتَّةِ آَلاَفٍ،ثُمَّ الْتَقَى الْقَوْمُ،فَكَانَ أَوَّلَ قَتِيلٍ طَلْحَةُ وَكَعْبُ بْنُ سَوْرٍ مَعَهُ الْمُصْحَفُ،يَذْكُرُ هَؤَُلاَءِ وَهَؤَُلاَءِ حَتَّى قُتِلَ مِنْهُمْ مَنْ قُتِلَ،وَبَلَغَ الزُّبَيْرُ سَفَوَانَ مِنْ الْبَصْرَةِ كَمَكَانِ الْقَادِسِيَّةِ مِنْكُمْ فَلَقِيَهُ النَّضْرُ رَجُلٌ مِنْ بَنِي مُجَاشِعٍ،قَالَ:أَيْنَ تَذْهَبُ يَا حَوَارِيَّ رَسُولِ اللهِ،إلَيَّ فَأَنْتَ فِي ذِمَّتِي،لاَ يُوصَلُ إلَيْك،فَأَقْبَلَ مَعَهُ،قَالَ:فَأَتَى إنْسَانٌ الأَحْنَ،فَقَالَ:هَذَا الزُّبَيْرُ قَدْ لُقِيَ بِسَفَوَانَ،قَالَ:فَمَا يَأْمَنُ جَمَعَ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ حَتَّى ضَرَبَ بَعْضُهُمْ حَوَاجِبَ بَعْضٍ بِالسُّيُوفِ،ثُمَّ لَحِقَ بِبَيْتِهِ وَأَهْلِهِ،فَسَمِعَهُ عُمَيْرُ بْنُ جُرْمُوزٍ وَغُوَاةٌ مِنْ غُوَاةِ بَنِي تَمِيمٍ وَفَضَالَةُ بْنُ حَابِسٍ وَنُفَيْعٌ،فَرَكِبُوا فِي طَلَبِهِ،فَلَقُوا مَعَهُ النَّضْرَ،فَأَتَاهُ عُمَيْرُ بْنُ جُرْمُوزٍ وَهُوَ عَلَى فَرَسٍ لَهُ ضَعِيفَةٍ،فَطَعَنْهُ طَعَنْةً خَفِيفَةً،وَحَمَلَ عَلَيْهِ الزُّبَيْرُ وَهُوَ عَلَى فَرَسٍ لَهُ(1/207)
يُقَالُ لَهُ ذُو الْخِمَارِ حَتَّى إذَا ظَنَّ،أَنَّهُ قَاتِلُهُ نَادَى صَاحِبَيْهِ:يَا نُفَيْعُ يَا فَضَالَةُ،فَحَمَلُوا عَلَيْهِ حَتَّى قَتَلُوهُ .أخرجه ابن أبي شيبة (1)
73- عَنْ مُرَّةَ الْبَهْزِيِّ،قَالَ:قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - :يَخْتَلَجُ عَلَى الأَرْضِ فِتْنَةٌ كَصَيَاصِي الْبَقَرِ،فَمَرَّ رَجُلٌ مُقَنَّعٌ،فَقَالَ:هَذَا وَأَصْحَابُهُ يَوْمَئِذٍ عَلَى الْهُدَى،فَإِذَا عُثْمَانُ بن عَفَّانَ .
و عَنْ جُبَيْرِ بن نُفَيْرٍ،قَالَ:كُنَّا مُعَسْكِرِينَ مَعَ مُعَاوِيَةَ بَعْدَ قَتْلِ عُثْمَانَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ،فَقَامَ مُرَّةُ بن كَعْبٍ الْبَهْزِيُّ،فَقَالَ:أَمَا وَاللَّهِ لَوْلا شَيْءٌ سَمِعْتُهُ مِنْ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - مَا قُمْتُ هَذَا الْمَقَامَ،قَالَ:فَلَمَّا سَمِعَ مُعَاوِيَةُ ذِكْرَ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - أَجْلَسَ النَّاسَ،فَقَالَ:بَيْنَا نَحْنُ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - جُلُوسٌ إِذْ مَرَّ عُثْمَانُ مُرَجِّلا مُعْدِقًا،فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - :لَتَخْرُجَنَّ فِتْنَةٌ مِنْ تَحْتِ رِجْلِي أَوْ مِنْ تَحْتِ قَدَمِي هَذَا،وَمَنِ اتَّبَعَهُ يَوْمَئِذٍ عَلَى الْهُدَى،فَقُمْتُ حَتَّى أَخَذْتُ بِمَنْكِبِ عُثْمَانَ حَتَّى لَفَتُّهُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ،فَقُلْتُ:هَذَا؟ قَالَ:نَعَمْ،هَذَا وَمَنِ اتَّبَعَهُ يَوْمَئِذٍ عَلَى الْهُدَى،فَقَامَ عَبْدُ اللَّهِ بن حَوَالَةَ الأَنْصَارِيُّ مِنْ عِنْدِ الْمِنْبَرِ فَقَالَ:إِنَّكَ لِصَاحِبُ هَذَا؟قَالَ:نَعَمْ،قَالَ:أَمَا وَاللَّهِ إِنِّي حَاضِرٌ ذَلِكَ الْمَجْلِسَ،وَلَوْ كُنْتُ أَعْلَمُ أَنَّ لِي فِي الْجَيْشِ مُصَدِّقًا لَكُنْتُ أَوَّلَ مَنْ تَكَلَّمَ بِهِ. أخرجهما الطبراني (2)
74- عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنهم - ،قَالَ:دَخَلْتُ عَلَى رُقَيَّةَ بِنْتِ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - وَبِيَدِهَا مُشْطٌ،فَقَالَتْ:خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - مِنْ عِنْدِي آنِفًا،فَرَجَّلْتُ رَأْسَهُ،فَقَالَ لِي:كَيْفَ تَجِدِينَ عُثْمَانَ ؟ قَالَتْ:فَقُلْتُ:بِخَيْرٍ،قَالَ:أَكْرِمِيهِ،فَإِنَّهُ مِنْ أَشْبَهِ أَصْحَابِي بِي خُلُقًا،قَالَ الْحَاكِمُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى:وَلا أَشُكُّ أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى رَوَى هَذَا الْحَدِيثَ عَنْ مُتَقَدِّمٍ
__________
(1) - برقم(37798) وهو حسن
(2) = برقم(17135-17138) وفضائل عثمان برقم(120و121) وابن أبي شيبة برقم(32019 و32020) وهو صحيح
التقنع : تغطية الرأس وأكثر الوجه برداء أو غيره(1/208)
مِنَ الصَّحَابَةِ،أَنَّهُ دَخَلَ عَلَى رُقَيَّةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا،لَكِنِّي قَدْ طَلَبْتُهُ جَهْدِي،فَلَمْ أَجِدْهُ فِي الْوَقْتِ أخرجه الحاكم (1)
75- عَنْ أَبِي بَكْرٍ الْعَدَوِيِّ قَالَ:سَأَلْتُ عَائِشَةَ:هَلْ عَهِدَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - إِلَى أَحَدٍ مِنْ أَصْحَابِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ ؟ فَقَالَتْ:مَعَاذَ اللهِ،غَيْرَ أَنِّي سَأُحَدِّثُكَ،ثُمَّ أَقْبَلَتْ عَلَى حَفْصَةَ فَقَالَتْ:يَا حَفْصَةُ،نَشَدْتُكِ اللَّهَ أَنْ تُكَذِّبِينِي بِحَقٍّ أَوْ تُصَدِّقِينِي بِبَاطِلٍ،قَالَتْ:أَفْعَلُ،فَقَالَتْ عَائِشَةُ:هَلْ تَعْلَمِينَ أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - أُغْمِيَ عَلَيْهِ،فَقُلْتُ:أُفْرِغُ ؟ قُلْتِ:لاَ أَدْرِي،فَأَفَاقَ فَقَالَ:افْتَحُوا عَنْهُ،فَقُلْتُ:أَبِي ؟ فَسَكَتَ،فَقُلْتِ أَنْتِ:أَبِي ؟ فَسَكَتَ،فَأُغْمِيَ عَلَيْهِ ثَلاَثًا،أَقُولُ لَهُ مِثْلَ ذَلِكَ،فَقُلْتِ:أَتَعْلَمِينَ أَنَّ عَلَى الْبَابِ لَرَجُلًا مَا هُوَ بِأَبِي وَلاَ بِأَبِيكِ،فَانْظُرِي مَنْ هُوَ ؟ فَإِذَا هُوَ عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ،فَدَخَلَ فَقَالَ:ادْنُهْ ثَلاَثًا،حَتَّى اتَّكَأَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - بِيَدِهِ فَجَعَلَهَا مِنْ وَرَاءِ عُنُقِهِ ثُمَّ سَارَّهُ،فَلَمَّا فَرَغَ قَالَ:فَهِمْتَ ؟ قَالَ:سَمِعَتْ أُذُنَايَ وَوَعَى قَلْبِي،حَتَّى فَعَلَ ذَلِكَ ثَلاَثَ مَرَّاتٍ،ثُمَّ قُبِضَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - ،قَالَتْ حَفْصَةُ:نَعَمْ.أخرجه عبد الله (2)
76- عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ حَوَالَةَ،قَالَ:قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - :يَهْجُمُونَ عَلَى رَجُلٍ يُبَايِعُ النَّاسَ مُعْتَجِرٌ بِبُرْدِ حِبَرَةٍ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ،فَهَجَمْنَا عَلَى عُثْمَانَ وَهُوَ مُعْتَجِرٌ بِبُرْدِ حِبَرَةٍ يُبَايِعُ النَّاسَ. أخرجه عبد الله (3)
77 عَنْ عُقَيْلِ بْنِ خَالِدٍ قَالَ قَالَ ابْنُ شِهَابٍ الزُّهْرِيُّ:حَمَلَ عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ فِي غَزْوَةِ تَبُوكَ عَلَى تِسْعِمِائَةٍ وَأَرْبَعِينَ بَعِيرًا،ثُمَّ جَاءَ بِسِتِّينَ فَرَسًا فَأَتَمَّ بِهَا الأَلْفَ. أخرجه عبد الله (4)
__________
(1) - برقم(6854 و6855) والطبراني برقم(97) ومعرفة الصحابة برقم(214 و3865 و6723) وفضائل عثمان برقم(126 و132) حسن لغيره، وسنده صحيح لكن فيه علة ،وهي أن أبا هريرة رضي الله عنه لم يدرك رقية رضي الله عنها ، والظاهر أنه يرويه عن صحابى عنها كما أشار لذلك الحاكم
الترجيل : تسريح الشعر وتنظيفه وتحسينه
(2) - برقم(127) وهو صحيح
نشده : سأله وأقسم عليه - الدنو : الاقتراب - ساره : حدثه سرا - وعى : حفظ وفهم وأدرك وحوى
(3) - برقم( 134) وهو صحيح
(1) البْرُدُ والبُرْدة : الشَّمْلَةُ المخطَّطة، وقيل كِساء أسود مُرَبَّع فيه صورٌ (2) الحبرة : ثوب يماني من قطن أو كتان مخطط
(4) - برقم(136) وهو حسن مرسل(1/209)
78- عن قَتَادَةَ أَنَّ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ حَدَّثَهُمْ أَنَّ النَّبِىَّ - صلى الله عليه وسلم - صَعِدَ أُحُداً فَتَبِعَهُ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ وَعُثْمَانُ فَرَجَفَ بِهِمْ فَقَالَ « اسْكُنْ نَبِىٌّ وَصِدِّيقٌ وَشَهِيدَانِ ».أخرجه أحمد (1)
79- عَنْ قَتَادَةَ أَنَّ أَنَسًا - رضى الله عنه - حَدَّثَهُمْ قَالَ صَعِدَ النَّبِىُّ - صلى الله عليه وسلم - أُحُدًا،وَمَعَهُ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ وَعُثْمَانُ،فَرَجَفَ وَقَالَ « اسْكُنْ أُحُدُ - أَظُنُّهُ ضَرَبَهُ بِرِجْلِهِ - فَلَيْسَ عَلَيْكَ إِلاَّ نَبِىٌّ وَصِدِّيقٌ وَشَهِيدَانِ » أخرجه البخاري (2)
80-عَنْ أَبِى عَبْدِ الرَّحْمَنِ السُّلَمِىِّ قَالَ لَمَّا حُصِرَ عُثْمَانُ أَشْرَفَ عَلَيْهِمْ فَوْقَ دَارِهِ ثُمَّ قَالَ أُذَكِّرُكُمْ بِاللَّهِ هَلْ تَعْلَمُونَ أَنَّ حِرَاءَ حِينَ انْتَفَضَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - "اثْبُتْ حِرَاءُ فَلَيْسَ عَلَيْكَ إِلاَّ نَبِىٌّ أَوْ صِدِّيقٌ أَوْ شَهِيدٌ ». قَالُوا نَعَمْ. قَالَ أُذَكِّرُكُمْ بِاللَّهِ هَلْ تَعْلَمُونَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ فِى جَيْشِ الْعُسْرَةِ « مَنْ يُنْفِقُ نَفَقَةً مُتَقَبَّلَةً ». وَالنَّاسُ مُجْهَدُونَ مُعْسِرُونَ فَجَهَّزْتُ ذَلِكَ الْجَيْشَ قَالُوا نَعَمْ. ثُمَّ قَالَ أُذَكِّرُكُمْ بِاللَّهِ هَلْ تَعْلَمُونَ أَنَّ بِئْرَ رُومَةَ لَمْ يَكُنْ يَشْرَبُ مِنْهَا أَحَدٌ إِلاَّ بِثَمَنٍ فَابْتَعْتُهَا فَجَعَلْتُهَا لِلْغَنِىِّ وَالْفَقِيرِ وَابْنِ السَّبِيلِ قَالُوا اللَّهُمَّ نَعَمْ وَأَشْيَاءُ عَدَّدَهَا.أخرجه الترمذي (3)
81- عَنِ الْقَاسِمِ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ قَالَ:كَانَ عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ يَفْتَتِحُ لَيْلَةَ الْجُمُعَةِ بِالْبَقَرَةِ إِلَى الْمَائِدَةِ،وَبِالأَنْعَامِ إِلَى هُودٍ،وَيُوسُفَ إِلَى مَرْيَمَ،وَبِطَهَ إِلَى طسم فِرْعَوْنَ وَبِالْعَنْكَبُوتِ إِلَى ص،وَتَنْزِيلَ إِلَى الرَّحْمَنِ،ثُمَّ يَخْتَتِمُ،فَيَفْتَتِحُ لَيْلَةَ الْجُمُعَةِ وَيَخْتِمُ لَيْلَةَ الْخَمِيسِ. أخرجه عبد الله (4)
__________
(1) - برقم(12435) وأبو يعلى برقم(3171) وهو صحيح - رجف : تحرك واضطرب
(2) - برقم(3699)
" اُسْكُنْ أُحُد "بِضَمِّ الدَّال عَلَى أَنَّهُ مُنَادَى مُفْرَد ، وَحُذِفَ مِنْهُ حَرْف النِّدَاء ، وَقَدْ تَقَدَّمَ الْكَلَام عَلَيْهِ فِي مَنَاقِب أَبِي بَكْر ، وَمَنْ رَوَاهُ بِلَفْظِ حِرَاء ، وَأَنَّهُ يُمْكِن الْجَمْع بِالْحَمْلِ عَلَى التَّعَدُّد ، ثُمَّ وَجَدْت مَا يُؤَيِّدهُ : فَعِنْد مُسْلِم مِنْ حَدِيث أَبِي هُرَيْرَة قَالَ : " كَانَ رَسُول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - عَلَى حِرَاء هُوَ وَأَبُو بَكْر وَعُمَر وَعُثْمَان وَعَلِيّ وَطَلْحَة وَالزُّبَيْر ، فَتَحَرَّكَتْ الصَّخْرَة ، فَقَالَ رَسُول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - " فَذَكَرَهُ ، وَفِي رِوَايَة لَهُ " وَسَعْد " وَلَهُ شَاهِد مِنْ حَدِيث سَعِيد بْن زَيْد عِنْد التِّرْمِذِيّ وَآخَر عَنْ عَلِيّ عِنْد الدَّارَقُطْنِيِّ . فتح الباري لابن حجر - (ج 10 / ص 496)
(3) -برقم( 4064) والمستدرك برقم(1476) وابن حبان برقم(7042) وهو صحيح
(4) - برقم (143 ) حسن(1/210)
82- عَنْ حَسَّانَ بْنِ عَطِيَّةَ،قَالَ:قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - :غَفَرَ اللَّهُ لَكَ يَا عُثْمَانُ مَا قَدَّمْتَ وَمَا أَخَّرْتَ،وَمَا أَسْرَرْتَ وَمَا أَعْلَنْتَ،وَمَا أَخْفَيْتَ وَمَا أَبْدَيْتَ،وَمَا هُوَ كَائِنٌ وَمَا يَكُونُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ. وفي رواية عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ دِينَارٍ قَالَ:سَمِعْتُ ابْنَ عُمَرَ قَالَ:سَمِعْتُ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ:مَنْ زَادَ بَيْتًا فِي الْمَسْجِدِ فَلَهُ الْجَنَّةُ،وَمَنْ جَهَّزَ جَيْشَ الْعُسْرَةِ فَلَهُ الْجَنَّةُ،قَالَ:فَفَعَلَ ذَلِكَ عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ،فَقَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - :مَا ضَرَّ عُثْمَانَ مَا عَمِلَ،غَفَرَ اللَّهُ لَكَ يَا عُثْمَانُ ... أخرجه عبد الله (1)
83- عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ قَالَ:كُنَّا نَتَحَدَّثُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - :إِنَّ خَيْرَ هَذِهِ الأُمَّةِ بَعْدَ نَبِيِّهَا أَبُو بَكْرٍ،ثُمَّ عُمَرُ،ثُمَّ عُثْمَانُ،فَيَبْلُغُ ذَلِكَ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فَلاَ يُنْكِرُهُ. أخرجه عبد الله (2)
84- عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ:مَا رَأَيْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَدْعُو إِلاَّ لِعُثْمَانَ قَالَ:اللَّهُمَّ لاَ تَنْسَ هَذَا الْيَوْمَ لِعُثْمَانَ. أخرجه عبد الله (3)
85- عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ كُنْتُ عِنْدَ النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ « يَا عَائِشَةُ لَوْ كَانَ عِنْدَنَا مَنْ يُحَدِّثُنَا ». قَالَتْ قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَلاَ أَبْعَثُ إِلَى أَبِى بَكْرٍ فَسَكَتَ ثُمَّ قَالَ « لَوْ كَانَ عِنْدَنَا مَنْ يُحَدِّثُنَا ». فَقُلْتُ أَلاَ أَبْعَثُ إِلَى عُمَرَ فَسَكَتَ قَالَتْ ثُمَّ دَعَا وَصِيفاً بَيْنَ يَدَيْهِ فَسَارَّهُ فَذَهَبَ.قَالَتْ فَإِذَا عُثْمَانُ يَسْتَأْذِنُ فَأَذِنَ لَهُ فَدَخَلَ فَنَاجَاهُ النَّبِىُّ - صلى الله عليه وسلم - طَوِيلاً ثُمَّ قَالَ « يَا عُثْمَانُ إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ مُقَمِّصُكَ قَمِيصاً فَإِنْ أَرَادَكَ الْمُنَافِقُونَ عَلَى أَنْ تَخْلَعَهُ فَلاَ تَخْلَعْهُ لَهُمْ وَلاَ كَرَامَةَ ». يَقُولُهَا لَهُ مَرَّتَيْنِ أَوْ ثَلاَثاً.أخرجه أحمد (4)
قال الطحاوي:"بَابُ بَيَانِ مُشْكِلِ مَا رُوِيَ عَنْ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - مِنْ قَوْلِهِ لِعُثْمَانَ - رضي الله عنهم - :"إِنَّ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ مُقَمِّصُكَ قَمِيصًا،فَإِنْ أَرَادُوكَ عَلَى خَلْعِهِ،فَلَا تَخْلَعْهُ "
__________
(1) - برقم(147) وهو حديث حسن
(2) - برقم(150) وهو صحيح
(3) - برقم(157) وهو حسن
(4) - برقم(25200) و والطبراني برقم(4921) وهو صحيح لغيره(1/211)
عَنْ عَائِشَةَ:أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - وَجَدَ يَوْمًا أَلَمًا،فَأَرْسَلَ إِلَى عُثْمَانَ - رضي الله عنهم - ،فَسَمِعْتُهُ يَقُولُ لَهُ:"يَا عُثْمَانُ،إِنَّ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ سَيُقَمِّصُكَ قَمِيصًا،فَإِنْ أَرَادُوكَ عَلَى خَلْعِهِ،فَلَا تَخْلَعْهُ "،فَقِيلَ لَهَا:فَأَيْنَ كُنْتِ ؟،لَمْ تَذْكُرِي هَذَا قَالَتْ:نَسِيتُهُ "
وعَنْ نُعْمَانَ بْنِ بَشِيرٍ الْأَنْصَارِيِّ قَالَ:قَالَتْ لِي عَائِشَةُ:"سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - وَهُوَ يَقُولُ:"يَا عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ،لَعَلَّ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ يُقَمِّصُكَ قَمِيصًا،فَإِنْ أَرَادُوكَ عَلَى خَلْعِهِ،فَلَا تَخْلَعْهُ،يَا عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ،إِنَّهُ لَعَلَّ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ يُقَمِّصُكَ قَمِيصًا،فَإِنْ أَرَادُوكَ عَلَى خَلْعِهِ،فَلَا تَخْلَعْهُ"قَالَ:فَقُلْتُ:يَا أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ،فَأَيْنَ كُنْتِ مِنْ هَذَا الْحَدِيثِ،فَقَالَتْ:نَسِيتُ وَاللهِ يَا ابْنَ أُخْتِي،مَا ظَنَنْتُ أَنِّي سَمِعْتُهُ "
فَتَأَمَّلْنَا هَذَا الْحَدِيثَ،فَوَجَدْنَا بَيْعَةَ عُثْمَانَ - رضي الله عنهم - ،قَدْ كَانَتْ بَيْعَةَ هُدًى،وَرُشْدٍ،وَاسْتِقَامَةً،وَاتِّفَاقٍ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ،وَالْأَنْصَارِ،وَأَصْحَابِ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - سِوَاهُمْ عَلَيْهَا،لَمْ يَتَنَازَعُوا فِي ذَلِكَ،وَلَمْ يَخْتَلِفُوا فِيهِ،وَجَرَى الْأَمْرُ لَهُ رِضْوَانُ اللهِ عَلَيْهِ عَلَى ذَلِكَ مَا شَاءَ اللهُ أَنْ يَجْرِيَ لَهُ مِنْ مُدَّةِ خِلَافَتِهِ،ثُمَّ وَقَعَ بَيْنَ النَّاسِ فِي أَمْرِهِ مَا وَقَعَ مِنَ الِاخْتِلَافِ،وَادَّعَى بَعْضُهُمْ عَلَيْهِ التَّبْدِيلَ،وَالتَّغْيِيرَ لِمَا كَانَ عَلَيْهِ قَبْلَ ذَلِكَ،وَحَاشَ لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ أَنْ يَكُونَ كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ،حَتَّى كَانَ سَبَبًا لَتَحَزُّبِهِمْ عَلَيْهِ فِي أَمْرِهِ،وَاخْتِلَافِهِمْ عَلَيْهِ فِيهِ،وَحَتَّى هَمَّ بَعْضُهُمْ بِإِزَالَتِهِ عَنْ ذَلِكَ لِدَعْوَاهُ عَلَيْهِ الْخُرُوجَ عَنْهُ بِالْأَحْدَاثِ الَّتِي ادَّعَوْا عَلَيْهِ أَنَّهُ أَحْدَثَهَا،مِمَّا لَا يَصْلُحُ مَعَهَا بَقَاؤُهُ عَلَيْهَا،وَكَانَ مَا تَقَدَّمَ مِنْ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فِي أَمْرِهِ،مِمَّا خَاطَبَهُ بِهِ فِي عَهْدِهِ إِلَيْهِ فِي ذَلِكَ الْأَمْرِ،مِمَّا أَطْلَعَهُ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ عَلَيْهِ مِنْهُ،مَا قَدْ رُوِّينَاهُ فِي هَذَا الْحَدِيثِ دَلِيلًا عَلَى أَنَّ أَحْوَالَهُ رِضْوَانُ اللهِ عَلَيْهِ حِينَئِذٍ هِيَ الْأَحْوَالُ الَّتِي اسْتَحَقَّ بِهَا مَا اسْتَحَقَّ مِنَ الْخِلَافَةِ فِي بَدْءِ أَمْرِهِ،وَفِي اجْتِمَاعِ النَّاسِ عَلَى ذَلِكَ لَهُ،لَمْ يَتَغَيَّرْ عَنْ ذَلِكَ،وَلَمْ يَحُلْ عَنْهُ إِلَى مَا سِوَاهُ،لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ قَدْ تَغَيَّرَ عَنْ ذَلِكَ،وَحَالَ عَنْهُ إِلَى مَا سِوَاهُ،مِمَّا ادُّعِيَ عَلَيْهِ لَخَرَجَ بِذَلِكَ،مِمَّا كَانَ قَدْ وَجَبَتْ لَهُ وِلَايَتُهُ بِمَا كَانَ عَلَيْهِ مِنَ الْأَسْبَابِ الْمُوجِبَةِ لَهُ،لَمَا أَمَرَهُ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - بِالتَّمَسُّكِ بِالْخِلَافَةِ الَّتِي كَانَ عَلَيْهَا،وَلَأَمَرَهُ بِرَدِّهِ إِيَّاهَا إِلَى مِنْ سِوَاهُ،مِمَّنْ يَسْتَحِقُّهَا،لِأَنَّ اللهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى،قَدْ كَانَ أَعْلَمَهُ مَا كَانَ يَنْزِلُ بِهِ،وَمَا كَانَ يَطْلَبُ مِنْ أَجْلِهِ تَرْكُ الْخِلَافَةِ الَّتِي قَدْ كَانَتْ إِلَيْهِ قَبْلَ ذَلِكَ،مِمَّا كَانَ اسْتِحْقَاقُهُ(1/212)
إِيَّاهَا بِالْأَسْبَابِ الَّتِي كَانَتْ فِيهِ،وَفِي أَمْرهِِ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - إِيَّاهُ بِلُزُومِهَا،وَبِالتَّمَسُّكِ بِهَا،مَا قَدْ دَلَّ أَنَّ أَحْوَالَهُ فِي وَقْتِهِ ذَلِكَ أَحْوَالُ اسْتِحْقَاقٍ لَهَا،لَا تَبْدِيلَ مَعَهُ فِيهَا،وَلَا تَغَيُّرَ عَمَّا كَانَ عَلَيْهِ قَبْلَ ذَلِكَ،مِمَّا اسْتَحَقَّهَا بِهِ،وَبِاللهِ التَّوْفِيقُ" (1)
وقال الطحاوي:"بَابُ بَيَانِ مُشْكِلِ مَا رُوِيَ فِي السَّبَبِ الَّذِي مِنْ أَجْلِهِ قِيلَ: بَيْعَةُ الرِّضْوَانِ كَانَ سَبَبَهَا عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ مَعَ غَيْبَتِهِ عَنْهَا
عَنِ الْمِسْوَرِ بْنِ مَخْرَمَةَ، وَمَرْوَانَ بْنِ الْحَكَمِ، فِي حَدِيثِ الْحُدَيْبِيَةِ قَالَ: وَقَدْ كَانَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - بَعَثَ خِرَاشَ بْنَ أُمَيَّةَ الْخُزَاعِيَّ إِلَى مَكَّةَ، وَحَمَلَهُ عَلَى جَمَلٍ لَهُ يُقَالُ لَهُ: الثَّعْلَبُ، فَلَمَّا دَخَلَ، غَدَرَتْ قُرَيْشٌ، فَأَرَادُوا قَتْلَ خِرَاشٍ، وَمَنَعَتْهُ الْأَحَابِيشُ، حَتَّى أَتَى رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - ، فَدَعَا عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ - رضي الله عنهم - لِيَبْعَثَهُ إِلَى أَهْلِ مَكَّةَ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنِّي أَخَافُ قُرَيْشًا عَلَى نَفْسِي، وَلَيْسَ بِهَا مِنْ عَدِيِّ بْنِ كَعْبٍ أَحَدٌ يَمْنَعُنِي، وَقَدْ عَرَفَتْ قُرَيْشٌ عَدَاوَتِي إِيَّاهَا , وَغِلْظَتِي عَلَيْهَا، وَلَكِنِّي أَدُلُّكَ عَلَى رَجُلٍ أَعَزَّ بِهَا مِنِّي: عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ، فَدَعَاهُ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - ، فَبَعَثَهُ إِلَى قُرَيْشٍ يُخْبِرُهُمْ أَنَّهُ لَمْ يَأْتِ لِحَرْبٍ، وَأَنَّهُ إِنَّمَا جَاءَ زَائِرًا لِهَذَا الْبَيْتِ مُعَظِّمًا لِحُرْمَتِهِ، فَخَرَجَ عُثْمَانُ حَتَّى أَتَى مَكَّةَ، فَلَقِيَهُ أَبَانُ بْنُ سَعِيدِ بْنِ الْعَاصِ، فَنَزَلَ عَنْ دَابَّتِهِ، وَحَمَلَهُ فَرَدَفَهُ، وَأَجَارَهُ، حَتَّى يُبَلِّغَ رِسَالَةَ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - ، فَانْطَلَقَ عُثْمَانُ حَتَّى أَتَى أَبَا سُفْيَانَ، وَعُظَمَاءَ قُرَيْشٍ، فَبَلَّغَهُمْ عَنْ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - مَا أَرْسَلَهُ بِهِ، فَقَالُوا لِعُثْمَانَ: إِنْ شِئْتَ أَنْ تَطُوفَ أَنْتَ بِالْبَيْتِ فَطُفْ، فَقَالَ: مَا كُنْتُ أَفْعَلُ حَتَّى يَطُوفَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - ، وَاحْتَبَسَتْهُ قُرَيْشٌ عِنْدَهَا، فَبَلَغَ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - وَالْمُسْلِمِينَ أَنَّ عُثْمَانَ قَدْ قُتِلَ قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: فَأَخْبَرَنِي عَبْدُ اللهِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - لَمَّا بَلَغَهُ أَنَّ عُثْمَانَ قَدْ قُتِلَ، فَكَانَتْ بَيْعَةُ الرِّضْوَانِ، ثُمَّ أَتَى رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - أَنَّ الَّذِي ذُكِرَ مِنْ أَمْرِ عُثْمَانَ كَانَ بَاطِلًا ."فَفِي هَذَا الْحَدِيثِ: أَنَّ تِلْكَ الْبَيْعَةَ كَانَتْ يَوْمَئِذٍ لَمَّا بَلَغَ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - أَنَّهُ كَانَ مِنْ أَهْلِ مَكَّةَ فِي عُثْمَانَ مَا بَلَغَهُ أَنَّهُ كَانَ مِنْهُمْ فِيهِ: فَبَايَعَ النَّاسَ حِينَئِذٍ عَلَى مَا بَايَعَهُمْ مِمَّا لَمْ يَكُنْ
__________
(1) - شرح مشكل الآثار - (13 / 335)(5310-5311 ) صحيح(1/213)
بَايَعَهُمْ مِنْ قَبْلُ عَلَى مِثْلِهِ ... وعَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ الْمُغَفَّلِ قَالَ: ."بَايَعْنَا رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - تَحْتَ الشَّجَرَةِ عَلَى أَنْ لَا نَفِرَّ " ...
وعَنْ سَلَمَةَ بْنِ الْأَكْوَعِ قَالَ: قُلْتُ لَهُ: عَلَى أَيِّ شَيْءٍ بَايَعْتُمْ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - ؟ قَالَ: عَلَى أَنْ لَا نَفِرَّ ."فَكَانَتْ تِلْكَ الْبَيْعَةُ مِنْ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - النَّاسَ بِمَا كَانَ بَلَغَهُ أَنَّهُ كَانَ مِنْ أَهْلِ مَكَّةَ فِي عُثْمَانَ مَا كَانَ.فَقِيلَ: إِنَّهُ كَانَ سَبَبًا لَهَا مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ.وَقَدْ سَمِعْتُ الْمُزَنِيَّ: يَقُولُ الشَّافِعِيُّ: بِسَبَبِ عُثْمَانَ نَزَلَتْ بَيْعَةُ الرِّضْوَانِ.فَقَالَ قَائِلٌ: فَإِنَّ عُثْمَانَ قَدْ كَانَ غَائِبًا عَنْهَا، فَكَانَ مَنْ شَهِدَهَا أَوْلَى بِالْفَضِيلَةِ بِهَا مِنْ عُثْمَانَ.فَكَانَ جَوَابَنَا لَهُ فِي ذَلِكَ: أَنَّ هَذَا الْكَلَامَ يَدُلُّ عَلَى جَهْلٍ مِنْ هَذَا الْقَائِلِ بِآثَارِ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - ، وَبِمَنَاقِبِ أَصْحَابِهِ فِيهَا؛لِأَنَّ عُثْمَانَ قَدْ كَانَ لَهُ فِيهَا مِنْ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - أَجَلَّ مَا كَانَ مِنْهُ لِأَحَدٍ مِنَ النَّاسِ مِمَّنْ كَانَ حَاضِرًا لِتِلْكَ الْبَيْعَةِ، وَمِمَّنْ كَانَ غَابَ عَنْهَا"
وعَنْ حَبِيبِ بْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ قَالَ: كُنْتُ قَاعِدًا إِلَى جَنْبِ ابْنِ عُمَرَ، فَجَاءَ رَجُلٌ، فَقَالَ: أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ، أَخْبِرْنِي عَنْ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ، هَلْ شَهِدَ بَدْرًا ؟ قَالَ: لَا قَالَ: فَهَلْ شَهِدَ بَيْعَةَ الرِّضْوَانِ ؟ قَالَ: لَا.قَالَ: فَكَانَ فِيمَنْ تَوَلَّى يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ ؟ قَالَ: نَعَمْ قَالَ: فَوَلَّى الرَّجُلُ، فَقَالَ رَجُلٌ لِعَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ: إِنَّ هَذَا يَذْهَبُ فَيُخْبِرُ النَّاسَ أَنَّكَ وَقَعْتَ فِي عُثْمَانَ قَالَ: وَهَلْ فَعَلْتُ كَذَلِكَ ؟ قَالَ ابْنُ عُمَرَ: عَلَيَّ بِالرَّجُلِ، فَرَدَّهُ قَالَ: أَتَدْرِي مَا قُلْتُ لَكَ ؟ قَالَ: نَعَمْ، سَأَلْتُكَ: هَلْ شَهِدَ عُثْمَانُ بَدْرًا ؟ قُلْتَ: لَا، وَسَأَلْتُكَ: هَلْ شَهِدَ عُثْمَانُ بَيْعَةَ الرِّضْوَانِ ؟ قُلْتَ: لَا، وَسَأَلْتُكَ: هَلْ كَانَ فِيمَنْ تَوَلَّى يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ ؟ قُلْتَ: نَعَمْ، فَقَالَ ابْنُ عُمَرَ: إِنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ يَوْمَ بَدْرٍ: ."إِنَّ عُثْمَانَ قَدِ انْطَلَقَ فِي حَاجَةِ اللهِ، وَحَاجَةِ رَسُولِهِ "، فَضَرَبَ لَهُ بِسَهْمٍ،وَلَمْ يَضْرِبْ لِأَحَدٍ غَابَ غَيْرِهِ، وَبَعَثَهُ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَوْمَ بَيْعَةِ الرِّضْوَانِ، وَهُوَ يُرِيدُ أَنْ يَدْخُلَ مَكَّةَ، فَقَالَ: إِنَّ عُثْمَانَ قَدِ انْطَلَقَ فِي حَاجَةِ اللهِ، وَرَسُولِهِ، وَإِنِّي أُبَايِعُ اللهَ لَهُ، فَصَفَقَ إِحْدَى يَدَيْهِ عَلَى الْأُخْرَى، وَقَدْ قَالَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ: { إِنَّ الَّذِينَ تَوَلَّوْا مِنْكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ إِنَّمَا اسْتَزَلَّهُمُ الشَّيْطَانُ بِبَعْضِ مَا كَسَبُوا وَلَقَدْ عَفَا اللهُ عَنْهُمْ إِنَّ اللهَ غَفُورٌ حَلِيمٌ } [آل عمران: 155]، فَقَدْ عَفَا اللهُ عَنْهُ، فَاجْهَدْ جَهْدَكَ ,(1/214)
وعَنْ حَبِيبِ بْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ النَّهْدِيِّ قَالَ: كُنْتُ جَالِسًا عِنْدَ ابْنِ عُمَرَ، فَأَتَاهُ رَجُلٌ فَقَالَ: يَا عَبْدَ اللهِ بْنَ عُمَرَ، أَشَهِدَ عُثْمَانُ بَيْعَةَ الرِّضْوَانِ ؟ قَالَ: لَا.قَالَ: أَفَكَانَ فِيمَنْ تَوَلَّى يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ ؟ قَالَ: نَعَمْ، فَوَلَّى الرَّجُلُ فَقَالَ رَجُلٌ لِعَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ: إِنَّ هَذَا يَذْهَبُ، فَيُخْبِرُ النَّاسَ أَنَّكَ وَقَعْتَ فِي عُثْمَانَ، ثُمَّ ذَكَرَ الْحَدِيثَ.فَبَانَ بِحَمْدِ اللهِ وَنِعْمَتِهِ أَنَّهُ قَدْ كَانَ لِعُثْمَانَ فِي تِلْكَ الْبَيْعَةِ مَعَ غَيْبَتِهِ عَنْهَا مَا لَمْ يَكُنْ لِأَحَدٍ شَهِدَهَا سِوَاهُ؛لِأَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - بَايَعَ لَهُ، وَصَفَقَ بِيَدِهِ عَلَى يَدِهِ، فَأَيُّ فَضِيلَةٍ كَهَذِهِ الْفَضِيلَةِ الَّتِي كَانَتْ لَهُ فِي بَيْعَةِ الرِّضْوَانِ ؟ " (1)
- - - - - - - - - - - - -
__________
(1) - شرح مشكل الآثار - (14 / 478)(5771 ) فما بعد صحيح(1/215)
الباب الخامس
فضائل علي رضي الله عنه
المبحث الأول
الخلاصة في حياة علي رضي الله عنه
سَيِّدُ الْقَوْمِ،مُحِبُّ الْمَشْهُوَدِ،وَمَحْبُوبُ الْمَعْبُودِ،بَابُ مَدِينَةِ الْعِلْمِ (1) وَالْعُلُومِ،وَرَأْسُ الْمُخَاطَبَاتِ،وَمُسْتَنْبِطُ الْإِشَارَاتِ،رَايَةُ الْمُهْتَدِينَ،وَنُورُ الْمُطِيعِينَ،وَوَلِيُّ الْمُتَّقِينَ،وَإِمَامُ الْعَادِلِينَ،أَقْدَمُهُمْ إِجَابَةً وَإِيمَانًا،وَأَقْوَمُهُمْ قَضِيَّةً وَإِيقَانًا،وَأَعْظَمُهُمْ حِلْمًا،وَأَوْفَرُهُمْ عِلْمًا،عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ كَرَّمَ اللَّهُ وَجْهَهُ،قُدْوَةُ الْمُتَّقِينَ،وَزِينَةُ الْعَارِفِينَ،الْمُنَبِّئُ عَنْ حَقَائِقِ التَّوْحِيدِ،الْمُشِيرُ إِلَى لَوَامِعِ عِلْمِ التَّفْرِيدِ،صَاحِبُ الْقَلْبِ الْعَقُولِ،وَاللِّسَانِ السَّؤُولِ،وَالْأُذُنِ الْوَاعِي،وَالْعَهْدِ الْوَافِي،فَقَّاءُ عُيُونِ الْفِتَنِ،وَوُقِيَ مِنْ فُنُونِ الْمِحَنِ،فَدَفَعَ النَّاكِثِينَ،وَوَضَعَ الْقَاسِطِينَ،وَدَمَغَ الْمَارِقِينَ،الْأُخَيْشَنُ فِي دِينِ اللَّهِ،الْمَمْسُوسُ فِي ذَاتِ اللَّهِ."حِلْيَةُ الْأَوْلِيَاءِ
لو قلتَ هو فارس الفرسأن فلن تخطئ،ولو قلت هو من سادة الزهاد فلن تخالف الحقيقة،ولو عدَدْتَه سيدًا بين العلماء فلن تكون مجأوزًا الصواب،ولو قلت هو كل هؤلاء جميعًا فستصيب كبد الحقيقة.. فعلي بن أبي طالب رابع الخلفاء الراشدين المهديين اجتمع فيه شرف النَّسَب وعظمة الميلاد،وتربى فى حجر النبي المصطفى - صلى الله عليه وسلم - وبادر بالإيمان بالله ورسوله حينما دعاه ابن عمه محمد بن عبد الله - صلى الله عليه وسلم - وراقبت عيناه الصغيرتأن وهو يصعد نحو سن الشباب راقبتا صعود نجم الإسلام وشموخه فى وجه الشرك والمشركين،حتى كانت الهجرة إلى المدينة والفرار بالدين من وجه الكافرين،حيث بقي عليٌّ إلى جانب النبي - صلى الله عليه وسلم - يؤمِّن خطة هجرة الرسول،ثم كانت هجرته هو.
__________
(1) - حديث أنا مدينة العلم وعلي بابها ، لا يصح سندا ولا متناً ، فهو شبيه بالموضوع ، وقد أفردته برسالة ، بينت بطلانه ، ورددت على من قواه(1/216)
حمل علي لواء الجهاد فى سبيل الله مع من حملوه،وسار على الطريق بأقدام فتية،وعزيمة صُلبة قوية،فشهد مع النبي الخاتم مشاهد الكفاح والجهاد كلها،إلا تبوك التي استخلفه فيها النبي - صلى الله عليه وسلم - على أهل بيته في المدينة،فكان ثوابه كثواب من حضرها.
وتزينت حياة على بالزواج من فاطمة الزهراء بنت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ولم يتزوج غيرها حتى ماتت.. وبلغ من ثقة النبي - صلى الله عليه وسلم - به أن أرسله وهو شاب إلى اليمن قاضيًا ومعلمًا.
ومع أن النبي - صلى الله عليه وسلم - توفي وعلي بن أبي طالب فى ريعأن شبابه،إلا أن مسيرة الهدى للفتى المبارك لم تتوقف،فوقف إلى جانب الخلفاء أبي بكر وعمر وعثمان مستشارًا أمينا،وناصحًا خبيرًا. وظهر ذكاؤه ونبوغه فى القضاء،وكذا علمُه بكتاب الله وسنة رسوله اللذين ارتوى منهما اثناء صحبته لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - .
ثم وقع اختيار الأمة على شيخ قريش الشجاع علي بن أبي طالب ليليَ أمرها،ويتولى الخلافة عليها،فى جو عاصف مضطرب،بعد مقتل الخليفة الصالح عثمان بن عفان. وحأول علىٌّ أن يسير بسفينة الأمة بين الأمواج الصعبة العاتية،وجاهد فى سبيل ربه حتى أتته الشهادة،وساما لحياته كلها،وقدّم أمير المؤمنين لبنيه وصية المودع للدنيا،المقبل على ربه بروح مشتاقة.
سارت فاطمة بنت أسد فى ساحة الكعبة،كما كانت تسير من قبل،غير أنها أحست هذه المرة بآلام الوضع،وإن الجنين الذى يقبع فى رحمها منذ بضعة شهور،يريد أن يغادره ليشم هواء الدنيا،فوضعت غلامًا استبشر الجميع بقدومه،وسجدوا لا لله تعالى،ولكن للأصنام التى خنقوا بها التوحيد حول الكعبة،وما كانوا يدرون أن هذا المولود المبارك سيكون من أعدى أعداء هذه الإلهة المزيفة،وسيشارك في هدمها وتحطيمها بقوة الحق.
كان ميلاد ذلك الطفل فى السنة السادسة بعد المائة السادسة من الميلاد،وأرادت أمه أن تختار له اسمًا،فبحثت فى دفاتر عقلها عن اسم يحمل معأنى القوة والهيبة،ليقذف الخوف فى قلوب أعدائه،ويرهبهم باسمه كما يرهبهم بقوته،فسمته "حيدرة"،أى أسدا،كاسم أبيها،إلا(1/217)
أن الرسول - صلى الله عليه وسلم - كرم الطفل الصغير،واختار له اسمًا خيرًا من هذا،علا به عن تسميته باسم هذا الحيوإن الشرس،فسماه "عليًا".
وفاطمة بنت أسد والدة علي بن أبي طالب كانت فى موضع قريب من قلب النبي - صلى الله عليه وسلم - إذ حنت عليه صغيرا،ورعته بعد وفاة أمه وجده،وودّعها - صلى الله عليه وسلم - يوم ماتت بقوله:"رحمك الله يا أمي،كنت أمي بعد أمي".
هو أول هاشمي ولد لهاشميينِ.. فكان نقي النسب،أبوه هو أبو طالب بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف،قرشي هاشمي،وكذلك أمه قرشية هاشمية،وهي فاطمة بنت أسد بن هاشم.. وصاحب هذا النسب النقي ليس غريبا أن ينشأ قويا فتيا. وهو ابن عم رسول الله وصهره،بل كان أخا له فى الدنيا والآخرة.
كان - كرم الله وجهه - يحب أن ينادَى "بأبي تراب"،وهى كنية أطلقها عليه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقد غاضب علي زوجته فاطمة الزهراء يوما،فخرج إلى المسجد واضطجع إلى جانب الجدار،وذهب الرسول الكريم إلى ابن ته يسأل عن علي فأخبرته بما حدث،فأرسل النبي - صلى الله عليه وسلم - من يبحث عنه،فوجده فى المسجد،فذهب إليه - صلى الله عليه وسلم - فوجد ظهره قد التصق به التراب،فأقبل عليه - صلى الله عليه وسلم - وجعل يمسح التراب عن ظهره،ويقول له:"اجلس أبا تراب".. ومنذ تلك الساعة وكنية "أبى تراب."أحب كنية إليه.
كذلك كان علي يكنى بأبي الحسن،فهو والد السبطين - أي الحفيدين - الحسن والحسين،وهما سيدا شباب أهل الجنة.
أن دوام الحال من المحال.. وقريش أغنى القبائل وسيدتها أصابتها أزمة شديدة،وكان أبو طالب يخرج بتجارة رجال من القوم،ومع هذه الأزمة قل ماله مع كثرة عياله،فرقَّ النبي - صلى الله عليه وسلم - لحاله (وذلك قبل البعثة)،فذهب إلى عمه العباس يعرض عليه المشاركة فى حمل المسئولية عن أبي طالب،فوافق العباس وأيده،وذهبا إلى أبي طالب،فكفل العباس "جعفرا"،وكان أكبر من علي،وكفل الرسول - صلى الله عليه وسلم - عليا،فقد كان يحبه حبا شديدا،وكان مقربا إليه.(1/218)
وبذلك نشأ علىٌّ منذ نعومة أظافره،وتربى فى بيت النبوة،فمع نقاء أصله وصفاء سريرته كان النبي - صلى الله عليه وسلم - قدوته الأولى،فاقتدى به فى كل صفاته ... ولذلك كانت دعوته إلى الإسلام سهلة يسيرة مع حداثة سنه؛ لإنه كان يتمتع منذ صغره برجاحة عقل،وحكمة وذكاء ملحوظين،مع الثقة التامة فى صدق محمد - صلى الله عليه وسلم - فكان نبتة صغيرة رواها الإسلام بنوره،لتصبح شجرة ثابتة قوية راسخة إلى آخر لحظة.
ما هذا؟! إنه النور يخرج من بيت محمد بن عبد الله - صلى الله عليه وسلم - لينتشر فى أرجاء المعمورة.. فكان أول ما قابل فى طريقه قلبُ هذا الصبي الصغير عليّ،الذي تسرب الخير إليه فملأه بالهدى والنور..
وكان إسلام الصبي الذى لم يتجأوز عمره العاشرة حينها بعد أن رأى النبي - صلى الله عليه وسلم - وزوجه خديجة رضي الله عنها يصليأن،فسأل الرسولَ - صلى الله عليه وسلم - ما هذا؟ فأجابه عليه الصلاة والسلام:"إنه دين الله اصطفاه لنفسه وبعث به رسوله". ثم دعاه إلى عبادة الله وحده لا شريك له،فتعجب الصبي من هذا الدين الذي لم يسمع به من قبل،وأراد أن يحدث به أباه،فطلب منه النبي الكريم - صلى الله عليه وسلم - إما أن يُسلم وإما أن يكتم الأمر،فبات الصبي ليلته والنور مازال يتسرب إلى قلبه،حتى أصبح غاديا إلى الرسول - صلى الله عليه وسلم - فأسلم بين يديه،وكتم إسلامه،حتى علم به أبوه فأمر ه بالثبات عليه.
وهنا يبدأ طريق الجهاد،فتتحول تلك الأقدام الصغيرة إلى أقدام فتية تسلك سبيل الجهاد فى سبيل الله والعمل لدينه،فتطويه طيا حتى آخر لحظة فى العمر.
اشتدت المعركة بين الحق والباطل فى مكة،فجاء الأمر الإلهي بهجرة النبي - صلى الله عليه وسلم - والمسلمين إلى المدينة،وبدأت مواكب المؤمنين بالهجرة،تسبق قائدها إلى العش الآمن الذي يعيش فيه الدين والدعوة بلا تضييق ولا فتنة،حتى لم يبق فى مكة من المسلمين سوى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في نفر قليل من أصحابه،منهم علي بن أبي طالب.
وكان لابد من تضليل الباطل ليهاجر النبي - صلى الله عليه وسلم - فكلف رسول الله عليا بأن ينام فى فراشه،فتظنَّ قريش أن الرسول - صلى الله عليه وسلم - مازال نائما فى فراشه،ثم أمره أن يبقى بمكة ثلاثة أيام يرد فيها الأمأنات إلى أهلها،ثم يهاجر إلى المدينة ويلحق به.(1/219)
أدى علي المهمة فى دقة،حتى خدع المشركين،ونفذ الوصية،ورد الأمأنات،ثم بدأ رحلة الهجرة غير مفتون فى دينه،فكان يسير ليلا ويستريح نهارًا،حتى وصل إلى بنى عمرو بن عوف من الآنصار،فنزل على كلثوم بن الهِدْم،ولما علم النبي - صلى الله عليه وسلم - بقدومه طلب استدعاءه،فقالوا:"لا يقدر أن يمشي"،فذهب إليه - صلى الله عليه وسلم - بنفسه فاعتنقه،وبكى رحمة به؛ لما بقدميه من ورم من أثر السفر.. وتفل النبي - صلى الله عليه وسلم - فى يديه ومسح بها رجلي علي،ودعا له،فلم يشتك منهما حتى استُشهد،بل حملتاه طوال الطريق الطويل دون شكوى ولا تعب.
"إنها ريحأنة أشمها".. كانت فاطمة الزهراء - رضي الله عنها - أحب بناته - صلى الله عليه وسلم - إليه.. كالزهرة ـ هي ـ تَفُوح عطرًا،وتنثر عبيرًا يسعد قلب أبيها ويسر نفسه.
وصفها النبي - صلى الله عليه وسلم - بإنها "سيدة نساء العالمين"،ما عدا مريم بنت عمران.. فمن يا تُرى يستحق هذه الزهرة فيحافظ عليها متفتحة دائما.. ومن هذا الذي يستحق أن يكون زوجا لسيدة نساء العالمين وحبيبة سيد العالمين ؟ ! لابد أن يكون هو الآخر حبيبا لرسول الله،وإن يكون جزءا منه - صلى الله عليه وسلم - كما إنها - رضي الله عنها - قطعة غالية منه.
لابد إنه من قال عنه - صلى الله عليه وسلم - :"إنه مني وإنا منه ".
ذهب علي بعد غزوة أحد إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - يريد أن يخطب فاطمة الزهراء،ولكنه جلس بين يدي النبي ولم يستطع الكلام،فعلم الرسول - صلى الله عليه وسلم - بمكنون نفسه،فصرح له به.. وكيف لا يعلم بما فى قلبه وهو - صلى الله عليه وسلم - الذى رباه؟!
وعرض النبي الكريم الأمر على ابن ته فاطمة يأخذ رأيها،فلم ترض بعلي زوجا فى البدآية،ولكنها وافقت عليه،ورضيت به عندما سمعت النبي - صلى الله عليه وسلم - يمدحه..
وبهذا اجتمع حبيبا رسول الله،وتم الزواج،وكان سن الزهراء حينها خمس عشرة سنة وخمسة أشهر،ودعا لهما النبي الكريم بأن يبارك الله فيهما،وإن يبارك عليهما،ويبارك لهما فى نسلهما،فكان ثمرة هذا الزواج أربعة من الأبناء،هم:الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة،وزينب الكبرى وأم كلثوم الكبرى ...
وكان علي يحب فاطمة حبا شديدا،فلم يتزوج عليها فى حياتها.. وبعد زواجٍ دام قرابة تسعة أعوام رحلت الزوجة الوفية والزهرة الجميلة عن الدنيا،بعد وفاة أبيها - صلى الله عليه وسلم - بستة(1/220)
أشهر،فكانت أول من لحق به من أهل بيته،فحزن علىٌّ حزنا شديدا،فقد كانت زينة لداره وحياته.
لم يكن النبي - صلى الله عليه وسلم - ليتحمل أن يرى زهرته قد آذاها شيء،وكان - صلى الله عليه وسلم - يغار على بناته غيرة شديدة،فلا تُنْكَح عليهن ضرة أبدا،فقد جاء بنو هشام بن المغيرة يستأذنونه - صلى الله عليه وسلم - أن ينكحوا عليا ابن تهم،فلم يأذن لهم النبي الكريم إلا أن يطلق علىٌّ الزهراء وينكح ابن تهم؛ لأن فاطمة قطعة منه وزهرة من بستإنه،يؤذيه ما آذاها..
فلم ينكح علىٌّ غيرها رضي الله عنها إلا بعد وفاتها،فتزوج خولة بنت جعفر بن قيس،وهى من بنى حنيفة،وإنجب منها محمدًا الأكبر،وتزوج كذلك من أسماء بنت عميس التى كانت زوجة لأبي بكر الصديق،وتزوج أيضا من الصهباء،وهي أم حبيب بنت ربيعة،وكانت سبية أتى بها خالد بن الوليد حينما أغار على بني تغلب بناحية عين التمر. وتزوج كذلك من أمامة بنت أبي العاص بن الربيع،وأمُّها زينب بنت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - .
وتقدم - رضي الله عنه - للزواج من عاتكة بنت زيد فلم توافق عليه هو وثلاثة من الصحابة،ووافقت على طلحة بن عبيد الله؛ لإنه كان يدخل باسما،ويخرج باسما. وكان علىٌّ زوجا حكيما،وأبا رحيما رقيق العواطف،يعدل بين زوجاته وأولاده.
بدأ النبي - صلى الله عليه وسلم - يضع أسس الدولة الإسلامية فى المدينة منذ اللحظة الأولى للهجرة،فكان لابد أن يتعأون الجميع لتوطيد الأسس والعمل من أجل الرسالة. ونشر الإسلام فى ربوع المعمورة،والوقوف فى وجه الكفر والباطل لردعه بل والقضاء عليه. وعلي بن أبى طالب ممن ساروا على طريق الجهاد والعمل للدين بأقدام فتية،ونفس تتوق شوقا للفردوس الأعلى،فهأن عليه كل شيء فى سبيل الوصول إلى الغآية الكبرى،وهي رضا الله - عز وجل - ونصرة دينه..
شهد علي الغزوات والمشاهد الكبرى مع النبي - صلى الله عليه وسلم - ما عدا غزوة تبوك،لم يتخلف عنها ولكن الرسول الكريم استخلفه فى أهله،فشهد هذا الفارس المعركة الفاصلة بين الحق والباطل فى يوم بدر،وحضر يوم أحد،فكان سيفا من سيوف الحق يطيح بمن يقف فى وجهه. وفي بقية الغزوات كان علي يُرَى مرة حاملا للواء،وتارة يفرق بسيفه جموع(1/221)
الأعداء،أو يبارز أبطال قريش وأعداء الإسلام فيصرعهم،أو يفتح الحصون المستعصية - كما تحقق في فتحه حصون خيبر.. ويا له من بطل لا يفتح الحصون فقط،بل يفتح القلوب أيضا.. فقد مكث خالد بن الوليد فى همدأن ستة أشهر فلم يسلم منهم أحد،وأسلموا جميعا على يد على - رضي الله عنه - فى يوم واحد.
وأرسل النبي - صلى الله عليه وسلم - أبا بكر فى السنة التاسعة للهجرة يحج بالناس،وبعث عليا فى أثره ليقرأ على الناس سورة براءة،لتكتمل حلقات الجهاد بالسيف والكلمة في حياة الإمام علي.
فى السنة الثآنية من الهجرة كان الموعد مع الاختبار الأول للجماعة المهاجرة مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - والفئة المناصرة لهم،وكم كان اختبارا صعبا،إذ خرج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فى ثلاثمائة من أصحابه المهاجرين والآنصار،لا ينوون قتالا،فإذا بهم وجها لوجه أمام قرابة ألف من مشركي قريش فى سلاحهم وعدة قتالهم.. وسجل التاريخ أسماء الصحابة الثلاثمائة كصفوة من رجال هذا الدين،إذ كانوا جميعا على مستوى المسئولية الثقيلة التى ألقيت على ظهورهم يوم بدر،وكان الشاب اليافع علي بن أبى طالب أحد النجوم فى هذا اليوم الرائع.
حمل علي إحدى رايتى المسلمين"العقاب "،وتقدم بها كما الصقر والنسر والأسد،تمتلئ عيناه بالنظر إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فيزداد ثقة فى نصر الله تعالى،وقلبه يبتهل إلى الله ألا يخذل عباده،وألا يرفع للمشركين رآية ... وقبل أن يصطدم الجيشأن أخرجت قريش ثلاثة من أبطالها وفرسإنها:شيبة وعتبة ابن ا ربيعة والوليد بن عتبة،يريدون المبارزة،ولا يرضون بمبارزة الآنصار،فيخرج لهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ثلاثة من أقربائه من فرسأن المسلمين،هم:عمه حمزة بن عبد المطلب،وابن عمه عبيدة بن الحارث،وابن عمه الآخر علي بن أبى طالب.
وفى جولة سريعة من المبارزة والضربات القوية السريعة،انقض علي بن أبى طالب على الوليد فقتله،ولم يمهل حمزة شيبة حتى قتله،وأعأن علي وحمزة عبيدة على قتل عتبة،وحملا أخاهما في الدين عبيدة جريحا.(1/222)
وإنفجر الصمت لتشتعل المعركة،والملائكةُ شاهدةٌ،وعلىٌّ يجالد أعداء الله،ويجاهدهم مع إخوإنه من المهاجرين والآنصار،وينظر إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فيرآه فى قلب المعركة،فيزداد ثباتا.
ويتكرر موقف النصر فى يوم أحد،وعلىٌّ أحد الشهود المشاركين فى نصرة الدين،لكن فجأة يتغير مجرى المعركة؛ لأن ظهور المسلمين أصبحت مكشوفة بعد نزول الرماة من فوق الجبل،فيستدير علىٌّ فى نفر من المسلمين يردون كَرَّة العدو بقدر ما يستطيعون،ويثبت حول رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مع القلة التى ثبتت،ويدافع عنه دفاع المستميت،حتى أصيب علي ست عشرة إصابة.
وقعت غزوة تبوك فى السنة التاسعة من الهجرة فى شهر رجب،وهى غزوة جيش العسرة الذي تكوّن في ظروف شديدة الصعوبة،تخلف عنها الكثير من المنافقين،وبعض المؤمنين،ولم يشهدها علي بن أبى طالب.. إلا إنه لم يتخلف عن الجهاد،ولم يتراجع عن أداء واجبه،وإنما استخلفه الرسول - صلى الله عليه وسلم - فى أهله. واستغل المنافقون الفرصة،وقالوا:"ما خُلِّف علي إلا لشيء كُره منه"،فبلغ ذلك عليا،فاتبع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بعد أن تحرك الجيش،حتى وصل إليه،فسأله - صلى الله عليه وسلم - :ما جاء بك يا علي؟ فقال:ما جئت إلا لإني سمعت ناسا يزعمون إنك إنما خلفتنى لشيء كرهتَه منى"،فتضاحك رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وقال:"يا علي،أما ترضى أن تكون مني كهارون من موسى،غير إنك لست بنبي ؟! فقال علي:بلى يا رسول الله،قال:فإنه كذلك".
وعاد علي إلى المدينة وقد اطمأن قلبه وارتاحت نفسه،ورُدّ كيد المنافقين فى نحورهم.. ودوره هو حمآية العرين حتى ترجع الأسود إلى بيوتها.
"لأعطين الراية غدا رجلا يحبه الله ورسوله ويحب الله ورسوله،يفتح الله على يديه،وليس بفَرّار..". بعد أن قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - هذا - وهو يستعد لمحأولة جديدة لاقتحام حصون خيبر المنيعة - ظل الكل يترقب ويتمنى لو كان هو هذا الرجل،ولما كان الغد سأل - صلى الله عليه وسلم - :"أين علي بن أبى طالب؟."فقالوا:يشتكي عينيه،فأرسل إليه فأتى،فوضع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من ريقه الشريف فى عينيه فبرئ،حتى كان لم يكن به شيء،فأعطاه الراية،وقال علي:يا(1/223)
رسول الله،أقاتلهم حتى يكونوا مثلنا؟! فقال - صلى الله عليه وسلم - :"أنفذ على رِسْلِكَ حتى تنزل بساحتهم،ثم ادعهم إلى الإسلام،وأخبرهم بما يجب عليهم من حق الله ـ تعالى ـ فيه،فوالله لأن يهدى الله بك رجلا واحدا خير لك من حُمر النَّعَمِ". كان هذا هو مبدأ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - والذى سار الصحابة على هديه،بل هو مبدأ الإسلام دين الله الأوحد.
كان الرسول - صلى الله عليه وسلم - قد أرسل أبا بكر وعمر من قبل فقاتلا،ولكن لم يتم الفتح على يد أيّ منهما،وتسلم علي الراية،وخرج إلى خيبر يتبعه جند الله من المسلمين،وعندما وصل علي إلى الحصن خرج إليه مَرْحَبٌ اليهودي صاحب الحصن،وعليه مغفر يماني وحجر قد ثقبه مثل البيضة على رأسه،وتبادل هو وعلي ضربتين،فبادره على بضربة فشق الحجر والمغفر حتى وصل إلى رأسه فشقها،وسقط اليهودي قتيلا. وبعد قتال شديد تم الفتح على يد علي،وصدق رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو الصادق المصدوق.
وقعت غزوة تبوك فى السنة التاسعة من الهجرة فى شهر رجب،وهى غزوة جيش العسرة الذي تكوّن في ظروف شديدة الصعوبة،تخلف عنها الكثير من المنافقين،وبعض المؤمنين،ولم يشهدها علي بن أبى طالب.. إلا إنه لم يتخلف عن الجهاد،ولم يتراجع عن أداء واجبه،وإنما استخلفه الرسول - صلى الله عليه وسلم - فى أهله. واستغل المنافقون الفرصة،وقالوا:"ما خُلِّف علي إلا لشيء كُره منه"،فبلغ ذلك عليا،فاتبع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بعد أن تحرك الجيش،حتى وصل إليه،فسأله - صلى الله عليه وسلم - :ما جاء بك يا علي؟ فقال:ما جئت إلا لإني سمعت ناسا يزعمون إنك إنما خلفتنى لشيء كرهتَه منى"،فتضاحك رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وقال:"يا علي،أما ترضى أن تكون مني كهارون من موسى،غير إنك لست بنبي ؟! فقال علي:بلى يا رسول الله،قال:فإنه كذلك".
وعاد علي إلى المدينة وقد اطمأن قلبه وارتاحت نفسه،ورُدّ كيد المنافقين فى نحورهم.. ودوره هو حمآية العرين حتى ترجع الأسود إلى بيوتها.
أرسل النبي - صلى الله عليه وسلم - خالد بن الوليد إلى أهل اليمن يدعوهم إلى الإسلام،وظل هناك ستة أشهر،وهم لا يجيبونه إلى شيء،وهو فارس الفرسأن وبطل القادة،فاختار - صلى الله عليه وسلم - رجلا شهد له(1/224)
الجميع بإنه من أعلم الصحابة وأفقههم،وهو علي بن أبى طالب. وذهب علي إلى اليمن،وبعد أن صلى الفجر تقدم إلى الناس وقرأ عليهم كتاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأسلمت همدأن كلها فى يوم واحد.. الله أكبر إنه ليس فاتح حصون وبلدأن فقط،بل فاتح قلوب بعزة الله وقدرته أيضا.. وبعد أن أسلمت همدأن كلها تتابع أهل اليمن إلى الإسلام..
وعندما أراد علىٌّ العودة إلى مكة استخلف على الجند الذين تركهم رجلا من أصحابه،فكسا ذلك الرجلُ رجالا منهم حللا من حرير كان مع علي بن أبى طالب،فلما عاد الجيش خرج علي ليلقاه،فإذا هم عليهم الحلل،فنزعها منهم،فسأله الرجل:لماذا ؟ فقال علي:ويلك،أنزع قبل أن تنتهي إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - واشتكى الجيش إلى رسول الله ذلك،فقام - صلى الله عليه وسلم - خطيبا فيهم قائلا:"يا أيها الناس لا تشكوا عليا،فوالله إنه لأخشى فى ذات الله ... ".
فى السنة التاسعة من الهجرة بعث الرسول - صلى الله عليه وسلم - أبا بكر الصديق لكى يحج بالناس،وكان ذلك بعد عودته - صلى الله عليه وسلم - من غزوة تبوك ... وكان المشركون يأتون للحج ومن عاداتهم السيئة الطواف بالكعبة وهم عرايا،وكره الرسول الاختلاط بهم على هذه الهيئة فى الحج،فأمر أبا بكر على جموع الحجيج،وأمره بمحو العادات الجاهلية التى أدخلها المشركون على الحج،وما لبث النبي - صلى الله عليه وسلم - أن أرسل عليا خلف أبى بكر ليقرأ على الناس سورة براءة،وليوضح لهم عهد الله ورسوله،وهو:"لا يقربن المسجد الحرام بعد عامهم هذا مشرك،ولا يطوفن بالبيت عريأن،ومن كان بينه وبين الرسول عهد فعهده إلى مدته،وإن هذه أيام أكل وشرب وليست حربا،وإن الله لا يدخل الجنة إلا من كان مسلما ".
ارتفع صوت ابن أبى طالب يدوّي فى أرجاء مكة،والناس منصتة إليه وهو يحمل إليهم النداء النبوي الشريف،والكلمات تسرى من فمه فسرعأن ما تخترق الآذأن،فيشعر المسلمون بالسعادة الغامرة إذ يسحب الشرك آخر جنوده بعيدا عن أداء هذه الفريضة الغالية:الحج إلى بيت الله الحرام.(1/225)
"أبو بكر أفضل الأمة بعد رسولها".. أمر كان يدركه علىٌّ جيدا،إلا إنه كان يفهم أن كون قريش الأولى بالخلافة يعني أيضا أن أقارب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأهل بيته هم أولى قريش بهذا الأمر،لذا تردد علي فى مبايعة أبى بكر أول الأمر،إلا إنه سرعأن ما أدرك فضل أبي بكر،فبادر بالمبايعة على الخلافة والسمع والطاعة للصدِّيق،فقرّبه منه أبو بكر،وجعله من أهل مشورته،وجعله فى حروب الردة على مداخل المدينة مع الزبير وطلحة وابن مسعود يرقبون حركة العدو،حتى أنتصر المسلمون وزهق الباطل.
وكان عليٌّ يروي الحديث عن أبي بكر ويثق في صدقه وأمأنته.
ويرحل أبو بكر عن الدنيا،ويخلفه الفاروق الكبير عمر بن الخطاب أميرًا على المسلمين من بعده،فيكون علي بن أبى طالب أحد رجال مجلسه ومستشاريه الكبار:يُسْأَل عن رأيه فيفيض علما،ويستفتى فى قضية فتتدفق منه الحكمة.
وكان علي يرى الخليفة عمر رجلا عفا صائنا لأموال المسلمين،محافظا على أمأناتهم،فيثني عليه خيرا،ويقول له:"أتعبت من جاء بعدك "!
لقد كان على يجل الشيخين،ويثني عليهما خيرا،وقال مرة فى خطبة له:"اللهم أصلحنا بما أصلحت به الخلفاء الراشدين المهديين "،فسئل عنهم فقال:هما حبيباي أبو بكر وعمر،إماما الهدى،وشيخا الإسلام ورجلا قريش ... ".
تنافس علي وعثمان على نيل ثقة الأمة والفوز بالخلافة بعد وفاة عمر بن الخطاب،فمال الصحابة إلى اختيار عثمان لإيثاره الرفق واللين،ومع ذلك لم تترك المنافسة الشريفة غلا ولا حقدا فى قلب أي من الأخوين على أخيه،فبقي علي مستشارا وناصحا للخليفة عثمان،كما كان لأبي بكر وعمر من قبله،وحرص عثمان من جانبه على أن يقرب منه ابن عم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - .
وتقدمت السن بالخليفة،فبدأ بعض أقاربه من بنى أمية يستغلون قرابتهم منه بصورة غير طيبة،فراح علي ينصح الخليفة برفق،والخليفة يهوِّن عليه الأمر،حتى خرج المعترضون على عثمان يريدون قتله،أو عزله،فوقف علي إلى جانب الحق الذى مثله الخليفة،ولم يمنعه ذلك من نصح عثمان بقص أجنحة بعض أقاربه دفعا لاعتراض الناس. ولما اشتد الحصار حول(1/226)
بيت أمير المؤمنين،ومُنع عنه الطعام والشراب كان ابن أبي طالب من أول المنجدين للخليفة العظيم،بل أرسل إليه ولديه الحسن والحسين لحراسته من المتمردين الأشقياء،وغضب بشدة حينما بلغه نبأ مقتل الخليفة الشهيد،حتى لطم وجه الحسن الغالي.
لقد شهد عبد الله بن عباس بهذا الحب الذى كان علي يكنه لعثمان فقال:"فالله يعلم أنى رأيت فيه ال إنكسار والرقة لعثمان ".
قُتِل الخليفة عثمان بن عفان بيد الغادرين الذين أثاروا الفتنة فى البلاد،وألبوا الناس عليه،فمن يا ترى يستحق الخلافة بعده ؟! لم يكن هناك من يستحقها مثل علي،فهو الأسبق إلى الإسلام،وابن عم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو المجاهد فى الله حق جهاده،مع علمه وفضله. ولهذا بايعه المهاجرون والآنصار،وتأخر طلحة والزبير،ولكنهما بايعاه بعد ذلك.. فسار رضي الله عنه على هَدي أصحابه من قبله،ولم يغير شيئا من نظم الدولة التى وضعها عمر بن الخطاب،وقال علي في ذلك:"أن عمر كان رشيد الرأي،ولن أغير شيئا صنعه عمر".
عمل - رضي الله عنه - على تنظيم الدولة وتوزيع الولاة على الأمصار،وسار فى ذلك أيضا على طريقة من سبقوه من الخلفاء،فهو يولي العامل ثم يوضح له المنهاج الذى يسير عليه،ويدعوه إلى الرفق بالرعية والعمل من أجلهم،فهم أمانة يثقل حملها..
وكان في فترة خلافته يضرب بقوة الحق على أيدى من يحيد عن الحق..
وكان يرفع بقوة الحق كل مظلوم وينصره،فهو من قال فيه النبي - صلى الله عليه وسلم - :"وإن تؤمروا عليا ولا أراكم فاعلين - تجدوه هاديا مهديا يأخذ بكم الصراط المستقيم ".
حأول علي جهده نشر الاستقرار فى البلاد،ولكن التوفيق أخطأه بسبب تلك الفتنة الثائرة الفائرة منذ مقتل عثمان - رضي الله عنه - ودامت خلافته أربع سنين وتسعة أشهر،وكان سنه في نهآية خلافته ثلاثا وستين سنة.
"يا دنيا غُرّي غيري،أَلِي تعرضْتِ أم إليَّ تَشَوَّفْتِ (أي تطلعْتِ)؟ هيهات،قد طلقتك ثلاثا لا رجعة فيها."ـ كان هذا هو خطاب عليّ كرم الله وجهه للدنيا،فهو ليس فى حاجة لزينتها وغرورها،فكم حذر الناس منها،وكشف لهم من وجهها القبيح،فهى دار غرور(1/227)
وفناء. لقد جمع الناس أموالا من ذهب وفضة،ففاخروا بها،وأصبحوا عبيدا لها،ولكنه رضي الله عنه كان زهده هو ماله وثروته،فساد به،فها هو ذا الخليفة وأمير المؤمنين يشترى قميصا مقطوعا كمه من موضع الرسغين يوما،ويعرض سيفه للبيع ليشترى بثمنه إزارا يرتديه،مع إنه إذا أخذ ثمن إزار من بيت المال فلن يسأله عنه أنسأن،أليس من حقه أن يأخذ راتبا يكفيه وأهله؟ !
لقد بلغ ورعه وزهده وتقواه إنه عندما كان يذهب إلى بيت المال فيجد فيه أموالا،لا يهدأ له بال إلا بعد أن يوزعها جميعها على من يستحقونها من الفقراء والمساكين وغيرهم.
أن الزهد هو زينته - رضي الله عنه - وليس زخرف الدنيا،حتى رُوي أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال له:"إن الله قد زينك بزينةٍ لم يزين العباد بزينةٍ أحب منها،هى زينة الأبرار عند الله،الزهد فى الدنيا".
هو رجل "لا يطمع القوي فى باطله،ولا ييأس الضعيف من عدله".. كان هذا هو حال كل من يقف أمام علي - رضي الله عنه - ليحكم له فى أمر ما،فكان قاضيا عدلا ذا حكمة وبصيرة،يرتوي بهما من نبع القرآن والسنة الفياض،حتى شهد له سيد الخلق أجمعين - صلى الله عليه وسلم - قائلا:"أَقْضَى أُمتي عَلِيّ"،وبعثه الرسول - صلى الله عليه وسلم - إلى اليمن قاضيا حديث السن،فتعجب علي من ذلك،فقال له - عليه الصلاة والسلام:"إن الله سيهدي قلبك،ويثبت لسان ك،فإذا جلس بين يديك الخصمأن فلا تقضين حتى تسمع من الآخر كما سمعت من الأول ". ويؤكد علي - رضي الله عنه - إنه منذ ذلك اليوم لم يشكّ فى قضاء قط. وقد شهد له النبي - صلى الله عليه وسلم - عندما كان باليمن فوجد أربعة وقعوا فى حفرة اصطادوا فيها أسدا فجرحهم فماتوا جميعا،وتنازع أولياؤهم واختلفوا،فقال لهم على:"أنا أقضي بينكم ". وكانوا قد سقط منهم رجل فتعلق بالآخر ثم الآخر حتى سقط الأربعة،فقضى بينهم - رضي الله عنه - بأن يجمعوا من القبائل التى حفرت البئر ربع الدية وثلثها ونصفها ودية كاملة،فلمن سقط أولا الربع،لإنه أهلك من فوقه،والذى يليه الثلث لإنه كذلك،والذى يليه النصف لإنه مثلهما،وللرابع الدية كاملة لإنه لم يهلك أحدا.. فأبوا(1/228)
ذلك الحكم،وأتوا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأجاز حكم علي - رضي الله عنه - وأعجب النبي - صلى الله عليه وسلم - بقضائه،وقال:"الحمد لله الذى جعل فينا الحكمة أهل البيت ".
وكما شهد له الرسول - صلى الله عليه وسلم - شهد له الصحابة أيضا،فها هو ذا عمر بن الخطاب يقول مادحا له وشاهدا بحكمته وقضائه:"أقضانا علي بن أبى طالب "،وكيف لا يكون كذلك وهو ذو علم وحكمة!
نزل القرآن على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - شفويا متتابعَ الآيات والسور،وكان لابد من تسجيله بطريقة أكثر توثيقًا،فخصص النبي - صلى الله عليه وسلم - فريقا من أصحابه لكتابة الوحي بمجرد نزوله،وكان الفتى النابغة علي بن أبى طالب واحدا منهم،وأضاف إلى ذلك حفظه لكتاب الله فى صدره وذاكرته،فكان له نورا أضاء القلب ونوَّرَ البصيرة.
وفاق الصحابة فى علمه بمواطن نزول الآيات وأوقات تلقي النبي - صلى الله عليه وسلم - لها،فما من آية من كتاب الله إلا وهو يعلم أين نزلت:أبسهل أم بجبل،ومتى نزلت:أبليل أم بنهار ؟! وكم سمع أنوار البيان من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فنقل علم السنة إلى تلاميذه من صغار الصحابة وكبار التابعين.
وبرز علي وسط الصحابة كأحد النجوم الكبيرة بينهم،فكان أحد المفتين الأربعة الكبار من الصحابة (عمر بن الخطاب،وعائشة بنت أبى بكر،وعبد الله بن مسعود،وعلي بن أبى طالب). وإنطوى علمه بالقضاء،وفهمه للمسائل العويصة على قدرة هائلة على الفهم والتدقيق،حتى كان عمر بن الخطاب يستعيذ بالله من معضلة ليس لها أبو حسن علي بن أبى طالب رضي الله عنه الذى كان يدري من نفسه هذه الموهبة الربآنية،فيقول للناس:"سلوني.."،مخافة أن يموت قبل أن يأخذ الناس العلم الذي فى صدره.
سأل النبي - صلى الله عليه وسلم - عليا قائلا:يا علي،من أشقى الأولين والآخرين ؟ قال:الله ورسوله أعلم،فقال - صلى الله عليه وسلم - أشقى الأولين عاقر الناقة من ثمود،وأشقى الآخرين الذى يطعنك يا علي،وأشار حيث يطعن ".. منذ ذلك اليوم وعلي رضي الله عنه ينتظر تحقق البشرى .. بشرى الشهادة.(1/229)
فكم تمنى الشهادة فى سبيل الله،وكم تمنى لقاء الأحبة فى الفردوس الأعلى ... وزادت رغبته فى تحقق البشرى آخر أيامه،حيث كثرت الفتن،واختلطت الأمور فكان يقول:"ما يحبس أشقاكم أن يجيء فيقتلنى؟". وفى ذلك الوقت اختار الخوارج الذين حاربهم علي فى النهروإن ثلاثة منهم،هم:عبد الرحمن بن ملجم المرادي لقتل علي،والبرك بن عبد الله التميمي لقتل معاوية بن أبي سفيان،أما عمرو بن العاص فانتدبوا لقتله عمرو بن بكر التميمي. وذهب كل إلى هدفه،وذهب ابن ملجم إلى الكوفة،وزار جماعة من الخوارج هناك،فرأى عندهم امرأة جميلة فائقة الجمال،يقال لها قطام،فشغف بها،ونسي ما جاء له،وتقدم لخطبتها،فاشترطت عليه مهرا لزواجها ثلاثة آلاف درهم،وعبدا وأمة مغنية،وقتل علي قبل ذلك كله،وما أغلاه مهرا دفع لتلك المرأة..!
وفى صبيحة إحدى الجُمَع من سنة أربعين للهجرة،كان الوقت قد حأن لتهدأ الروح بلقاء بارئها فتتحقق لها البشرى على يد أشقى الآخرين.. فبينما علي خارج إلى المسجد لصلاة الصبح،إذ بادره هذا الشقي بضربة بالسيف على رأسه.. وقُبض على الشقى،فأمر أمير المؤمنين بقتله أن هو مات،وإن عاش فسوف ينظر فى أمره..
ولكن ماذا قتل ابن ملجم من علي غير جسد رغب صاحبه عن الدنيا،وأسهره وأتعبه في قيام الليل والعمل لله تعالى؟!
هاهي ذي دارُ عليّ تَمُوجُ بالناس فَزِعِينَ من الخبر،مشفقين على أميرهم وخليفتهم،فقد شاهدوا عدله وفضله،ولمسوا زهده وورعه،فكان لا يحكّم إلا كتاب الله وسنة رسوله،لا يستهين بأمر ظالم،ولا يضيع حق مظلوم،وكانت الدنيا ملقاة وراء ظهره لم تسكن قلبه أبدا. وها هم أولاء أولاده يلتفون حوله وعيونهم دامعة وقلوبهم محترقة،وكلهم آذأن صاغية لوصية أبيهم،أعلم الناس وأفقههم،وحبيب الله ورسوله.. أوصى علي أولاده قائلا مخاطبا الحسن والحسين:"أوصيكما بتقوى الله،وألا تبغيا الدنيا وإن بغتكما،ولا تبكيا على شيء زوى عنكما،وقولا الحق،وارحما آليت يم،وأغيثا الملهوف،وكونا للظالم خصما وللمظلوم ناصرا،واعملا بما فى الكتاب،ولا تأخذكما فى الله لومة لائم ".(1/230)
لله أنت يا على:لقد لازمته رحمته وتقواه،حتى فاضت فكان لقاتله نصيب منها،فها هو ذا يوصي ابن ه الحسن قائلا:"انظر يا حسن أن أنا مت من ضربته هذه،فاضربه ضربة بضربة،ولا تمثل بالرجل ... "!
ألا يستحق رجل يحمل في قلبه كل هذه الرحمة أن يكون حبيب الله ورسوله؟ لقد امتلأ قلبه بنور الهدى وفاضت نفسه بسماحة الإسلام،فعمت من حوله حتى قاتِلَه:
إذا استقبلت وجهَ أبى حسين رأيتَ البدر راع الناظرينا
لقد علِمَتْ قريش حيث كانت ب إنك خيرها حسبا ودينا
- - - - - - - - - - - - - -(1/231)
المبحث الثاني
فضائل علي رضي الله
قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ رَحِمَهُ اللَّهُ:الْحَمْدُ لِلَّهِ الْمُتَفَضِّلُ عَلَيْنَا بِالنِّعَمِ الدَّائِمَةِ،ظَاهِرَةً وَبَاطِنَةً،حَمْدَ مَنْ يَعْلَمُ أَنَّ مَوْلَاهُ الْكَرِيمَ يُحِبُّ الْحَمْدَ،فَلَهُ الْحَمْدُ عَلَى كُلِّ حَالٍ،وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى مُحَمَّدٍ النَّبِيِّ،وَعَلَى آلِهِ الطَّيِّبِينَ وَسَلَّمَ،أَمَّا بَعْدُ:فَاعْلَمُوا رَحِمَنَا اللَّهُ وَإِيَّاكُمْ أَنَّ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ - رضي الله عنهم - ،شَرَّفَهُ اللَّهُ الْكَرِيمُ بِأَعْلَى الشَّرَفِ،سَوَابِقُهُ بِالْخَيْرِ عَظِيمَةٌ،وَمَنَاقِبُهُ كَثِيرَةٌ،وَفَضْلُهُ عَظِيمٌ،وَخَطَرُهُ جَلِيلٌ،وَقَدْرُهُ نَبِيلٌ،أَخُو الرَّسُولِ - صلى الله عليه وسلم - ،وَابْنُ عَمِّهِ،وَزَوْجُ فَاطِمَةَ،وَأَبُو الْحَسَنِ وَالْحُسَيْنِ،وَفَارِسُ الْمُسْلِمِينَ،وَمُفَرِّجُ الْكَرْبِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - ،وَقَاتِلُ الْأَقْرَانِ،الْإِمَامُ الْعَادِلُ،الزَّاهِدُ فِي الدُّنْيَا،الرَّاغِبُ فِي الْآخِرَةِ،الْمُتَّبِعُ لِلْحَقِّ،الْمُتَأَخِّرُ عَنِ الْبَاطِلِ،الْمُتَعَلِّقُ بِكُلِّ خُلُقٍ شَرِيفٍ،اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ وَرَسُولُهُ لَهُ مُحِبَّانِ،وَهُوَ لِلَّهِ وَالرَّسُولِ مُحِبٌّ،الَّذِي لَا يُحِبُّهُ إِلَّا مُؤْمِنٌ تَقِيُّ،وَلَا يُبْغِضُهُ إِلَّا مُنَافِقٌ شَقِيُّ،مَعْدِنُ الْعَقْلِ وَالْعِلْمِ،وَالْحِلْمِ وَالْأَدَبِ - رضي الله عنهم - " (1) .
وقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ ( الآجريُّ) رَحِمَهُ اللَّهُ:أَوَّلُ مَا نَبْتَدِئُ بِهِ مِنْ ذِكْرِنَا فِي هَذَا الْبَابِ،أَنَّا نُجِلُّ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ كَرَّمَ اللَّهُ وَجْهَهُ،وَفَاطِمَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا،وَالْحَسَنَ وَالْحُسَيْنَ - رضي الله عنهم - مَا،وَعَقِيلَ بْنَ أَبِي طَالِبٍ - رضي الله عنهم - ،وَأَوْلَادَهُمْ،وَأَوْلَادَ جَعْفَرٍ الطَّيَّارِ - رضي الله عنهم - مْ،وَذُرِّيَّتَهُمُ الطَّيِّبَةُ الْمُبَارَكَةُ،عَنْ مَذَاهِبِ الرَّافِضَةِ الَّذِينَ قَدْ خُطِئَ بِهِمْ عَنْ طَرِيقِ الرَّشَادِ.أَهْلُ بَيْتِ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - أَعْلَى قَدْرًا وَأَصْوَبُ رَأْيًا وَأَعْرَفُ بِاللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَبِرَسُولِهِ - صلى الله عليه وسلم - مِمَّا تَنْحَلُهُمُ الرَّافِضَةُ إِلَيْهِ،مِنْ سَبِّهِمْ لِأَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعُثْمَانَ وَطَلْحَةَ وَالزُّبَيْرَ وَعَائِشَةَ، - رضي الله عنهم - مْ،قَدْ صَانَ اللَّهُ الْكَرِيمُ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ - رضي الله عنهم - وَمَنْ ذَكَرْنَا مِنْ ذُرِّيَّتِهِ الطَّيِّبَةِ الْمُبَارَكَةِ عَمَّا يَنْحُلُونَهُمْ إِلَيْهِ بِالدَّلَائِلِ وَالْبَرَاهِينِ الَّتِي تَقَدَّمَتْ مِنْ ذِكْرِهِمْ - رضي الله عنهم - مْ مِنْ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعُثْمَانَ وَطَلْحَةَ وَالزُّبَيْرِ وَعَائِشَةَ وَسَائِرِ الصَّحَابَةِ إِلَّا بِكُلِّ جَمِيلٍ،بَلْ هُمْ كُلُّهُمْ عِنْدَنَا إِخْوَانٌ عَلَى سُرُرٍ
__________
(1) - الشريعة للآجري - (ج 4 / ص 138)(1/232)
مُتَقَابِلِينَ فِي الْجَنَّةِ،قَدْ نَزَعَ اللَّهُ الْكَرِيمُ مِنْ قُلُوبِهِمُ الْغِلَّ،كَمَا قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ إِخْوَانًا عَلَى سُرُرٍ مُتَقَابِلِينَ، - رضي الله عنهم - مْ.وَقَدْ تَقَدَّمَ ذِكْرُنَا لِمَذْهَبِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ - رضي الله عنهم - فِي أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعُثْمَانَ وَغَيْرِهِمْ مِنَ الصَّحَابَةِ - رضي الله عنهم - مْ،وَمَا رُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - مِنْ فَضَائِلِهِمْ،وَمَا ذُكِرَ مِنْ مَنَاقِبِ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ - رضي الله عنهم - عِنْدَ وَفَاتِهِ،وَمَا ذُكِرَ مِنْ مَنَاقِبِ عُمَرَ - رضي الله عنهم - عِنْدَ وَفَاتِهِ،وَمَا ذُكِرَ مِنْ عِظَمِ مُصِيبَتِهِ بِمَا جَرَى عَلَى عُثْمَانَ - رضي الله عنهم - مِنْ قَتْلِهِ وَتَبْرَأَ إِلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ مِنْ قَتْلِهِ،وَكَذَا وَلَدُهُ وَذُرِّيَّتُهُ الطَّيِّبَةُ يُنْكِرُونَ عَلَى الرَّافِضَةِ سُوءَ مَذَاهِبِهِمْ،وَيَتَبَرَّءُونَ مِنْهُمْ،وَيَأْمُرُونَ بِمَحَبَّةِ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعُثْمَانَ وَسَائِرِ الصَّحَابَةِ - رضي الله عنهم - مْ؛لِأَنَّ الرَّافِضَةَ لَا يَشْهَدُونَ جُمُعَةً وَلَا جَمَاعَةً،وَيَطْعَنُونَ عَلَى السَّلَفِ،وَلَا نِكَاحُهُمْ نِكَاحَ الْمُسْلِمِينَ،وَلَا طَلَاقُهُمْ طَلَاقَ الْمُسْلِمِينَ،وَهُمْ أَصْنَافٌ كَثِيرَةٌ،مِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ:إِنَّ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ - رضي الله عنهم - إِلَهٌ،وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ:بَلْ عَلِيٌّ كَانَ أَحَقَّ بِالنُّبُوَّةِ مِنْ مُحَمَّدٍ،وَأَنَّ جِبْرِيلَ غَلَطَ بِالْوَحْيِ.وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ:هُوَ نَبِيٌّ بَعْدَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - .وَمِنْهُمْ مَنْ يَشْتُمُ أَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ،وَيُكَفِّرُونَ جَمِيعَ الصَّحَابَةِ،وَيَقُولُونَ:هُمْ فِي النَّارِ إِلَّا سِتَّةً.وَمِنْهُمْ مَنْ يَرَى السَّيْفَ عَلَى الْمُسْلِمِينَ فَإِنْ لَمْ يَقْدِرُوا خَنَقُوهُمْ حَتَّى يَقْتُلُوهُمْ.وَقَدْ أَجَلَّ اللَّهُ الْكَرِيمُ أَهْلَ بَيْتِ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - عَنْ مَذَاهِبِهِمُ الْقَذِرَةِ الَّتِي لَا تُشْبِهُ الْمُسْلِمِينَ.وَفِيهِمْ مَنْ يَقُولُ بِالرَّجْعَةِ،نَعُوذُ بِاللَّهِ مِمَّنْ يَنْحَلُ إِلَى مَنْ قَدْ أَجَلَّهُمُ اللَّهُ الْكَرِيمُ وَصَانَهُمْ عَنْهَا،رَضِيَ اللَّهُ عَنْ أَهْلِ الْبَيْتِ وَجَزَاهُمْ عَنْ جَمِيعِ الْمُسْلِمِينَ خَيْرًا،وَأَنَا أَذْكُرُ مِنَ الْأَخْبَارِ مَا دَلَّ عَلَى مَا قُلْتُ،وَاللَّهُ الْمُوَفِّقُ لِكُلِّ رَشَادٍ وَالْمُعِينُ عَلَيْهِ" (1) .
1. عَنِ ابْنِ بُرَيْدَةَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ بَعَثَنَا رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فِى سَرِيَّةٍ. قَالَ لَمَّا قَدِمْنَا قَالَ « كَيْفَ رَأَيْتُمْ صَحَابَةَ صَاحِبِكُمْ ». قَالَ فَإِمَّا شَكَوْتُهُ أَوْ شَكَاهُ غَيْرِى. قَالَ فَرَفَعْتُ رَأْسِى وَكُنْتُ رَجُلاً مِكْبَاباً. قَالَ فَإِذَا النَّبِىُّ - صلى الله عليه وسلم - قَدِ احْمَرَّ وَجْهُهُ. قَالَ وَهُوَ يَقُولُ « مَنْ كُنْتُ وَلِيَّهُ فَعَلِىٌّ وَلِيُّهُ »أخرجه أحمد (2) .
2.
__________
(1) - الشريعة للآجري - (ج 5 / ص 218)
(2) - برقم(23663 و23730و23759) وهو صحيح
الولي والمولى : من المشترك اللفظي الذي يطلق على عدة معان منها الرَّبُّ، والمَالكُ، والسَّيِّد والمُنْعِم، والمُعْتِقُ، والنَّاصر، والمُحِبّ، والتَّابِع، والجارُ، وابنُ العَمّ، والحَلِيفُ، والعَقيد، والصِّهْر، والعبْد، والمُعْتَقُ، والمُنْعَم عَلَيه وكل من ولي أمرا أو قام به فهو وليه ومولاه
وفي فتاوى الشبكة الإسلامية - (ج 54 / ص 223)-من كنت مولاه فعلي مولاه.. شرح وإيضاح رقم الفتوى:73438تاريخ الفتوى:13 ربيع الأول 1427السؤال:
سؤالي هو : ما معنى قول الرسول - صلى الله عليه وسلم - من كنت مولاه فعلي مولاه، قالها بعد عودته - صلى الله عليه وسلم - من الحج والخطبة المعروفة لديكم هل كان - صلى الله عليه وسلم - يقصد بها الخلافة لعلي بن أبي طالب رضي الله عنه ؟
الفتوى:الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالمراد بالموالاة في قوله - صلى الله عليه وسلم - : من كنت مولاه فعلي مولاه . والذي رواه الترمذي وقال : هذا حديث حسن صحيح، نقول : المراد بذلك ، المحبة والمودة وترك المعاداة ، وهذا الذي فهمه الصحابة رضوان الله عليهم حتى قال عمر لعلي رضي الله عنهما : هنيئا يا ابن أبي طالب أصبحت وأمسيت مولى كل مؤمن ومؤمنة . رواه أحمد .
وليس المراد بذلك الخلافة، ويدل عليه أنه - صلى الله عليه وسلم - أطلق ذلك في حياته ولم يقل : فعلي بعد موتي مولاه . ومعلوم أن في حياة رسول الله لم يكن الأمر إلى علي رضي الله عنه، ومثل هذا الأمر العظيم الخلافة يجب أن يبلغ بلاغا مبينا لا يكفي فيه لفظ محتمل مجمل ، قال البيهقي في كتاب الاعتقاد والهداية إلى سبيل الرشاد : وأما حديث الموالاة فليس فيه إن صح إسناده نص على ولاية علي بعده، فقد ذكرنا من طرقه في كتاب الفضائل ما دل على مقصود النبي - صلى الله عليه وسلم - من ذلك، وهو أنه لما بعثه إلى اليمن كثرت الشكاة عنه وأظهروا بغضه، فأراد النبي - صلى الله عليه وسلم - أن يذكر اختصاصه به ومحبته إياه، ويحثهم بذلك على محبته وموالاته وترك معاداته، فقال: من كنت وليه فعلي وليه ، وفي بعض الروايات: من كنت مولاه فعلي مولاه، اللهم وال من والاه وعاد من عاداه، والمراد به ولاء الإسلام ومودته، وعلى المسلمين أن يوالي بعضهم بعضا ولا يعادي بعضهم بعضا، وهو في معنى ما ثبت عن علي رضي الله عنه أنه قال : والذي فلق الحبة وبرأ النسمة إنه لعهد النبي الأمي - صلى الله عليه وسلم - إلي أنه لا يحبني إلا مؤمن ولا يبغضني إلا منافق . ثم نقل بسنده عن الشافعي رحمه الله في معنى قول النبي - صلى الله عليه وسلم - لعلي بن أبي طالب رضي الله عنه: من كنت مولاه فعلي مولاه يعني بذلك ولاء الإسلام ، وذلك قول الله عز وجل : ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ مَوْلَى الَّذِينَ آَمَنُوا وَأَنَّ الْكَافِرِينَ لَا مَوْلَى لَهُمْ، ثم نقل بسنده عن الحسن بن الحسن وسأله رجل : ألم يقل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لعلي من كنت مولاه فعلي مولاه ، فقال: أما والله إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إن كان يعني بذلك الأمرة والسلطان والقيام على الناس بعده لأفصح لهم بذلك كما أفصح لهم بالصلاة والزكاة وصيام رمضان وحج البيت، ولقال لهم إن هذا ولي أمركم من بعدي فاسمعو له وأطيعوا، فما كان من وراء هذا شيء، فإن أنصح الناس كان للمسلمين رسول الله - صلى الله عليه وسلم - .
وروى الذهبي وغيره بسنده عن الحسن قال : لما قدم علي البصرة قام إليه ابن الكواء وقيس بن عباد فقالا له : ألا تخبرنا عن مسيرك هذا الذي سرت فيه تتولى على الأمة تضرب بعضهم ببعض، أعهد من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عهده إليك؟ فحدثنا فأنت الموثوق المأمون على ما سمعت، فقال : أما أن يكون عندي عهد من النبي - صلى الله عليه وسلم - في ذلك فلا والله، إن كنت أول من صدق به فلا أكون أول من كذب عليه، ولو كان عندي من النبي - صلى الله عليه وسلم - عهد في ذلك ما تركت أخا بني تيم بن مرة وعمر بن الخطاب يقومان على منبره ولقاتلتهما بيدي ولو لم أجد إلا بردي هذا، ولكن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لم يقتل قتلا ولم يمت فجأة مكث في مرضه أياما وليالي يأتيه المؤذن فيؤذنه بالصلاة فيأمر أبا بكر فيصلي بالناس وهو يرى مكاني، ثم يأتيه المؤذن فيؤذنه بالصلاة فيأمر أبا بكر فيصلي بالناس وهو يرى مكاني، ولقد أرادت امرأة من نسائه أن تصرفه عن أبي بكر فأبى وغضب وقال : أنتن صواحب يوسف مروا أبا بكر يصلي بالناس ، فلما قبض الله نبيه نظرنا في أمورنا فاخترنا لدنيانا من رضيه نبي الله لديننا ، وكانت الصلاة أصل الإسلام وهي أعظم الأمر وقوام الدين ، فبايعنا أبا بكر وكان لذلك أهلا لم يختلف عليه منا اثنان، ولم يشهد بعضنا على بعض، ولم نقطع منه البراءة، فأديت إلى أبي بكر حقه وعرفت له طاعته وغزوت معه في جنوده، وكنت آخذ إذا أعطاني، وأغزو إذا أغزاني، وأضرب بين يديه الحدود بسوطي، فلما قبض ولاها عمر فأخذ بسنة صاحبه وما يعرف من أمره فبايعنا عمر لم يختلف عليه منا اثنان ولم يشهد بعضنا على بعض ولم نقطع البراءة منه ، فأديت إلى عمر حقه وعرفت طاعته وغزوت معه في جيوشه، وكنت آخذ إذا أعطاني، وأغزو إذا أغزاني، وأضرب بين يديه الحدود بسوطي ، فلما قبض تذكرت في نفسي قرابتي وسابقتي وسالفتي وفضلي وأنا أظن أن لا يعدل بي ولكن خشي أن لا يعمل الخليفة بعده ذنبا إلا لحقه في قبره فأخرج منها نفسه وولده، ولو كانت محاباة منه لآثر بها ولده فبرئ منها إلى رهط من قريش ستة أنا أحدهم ، فلما اجتمع الرهط تذكرت في نفسي قرابتي وسابقتي وفضلي وأنا أظن أن لا يعدلوا بي، فأخذ عبد الرحمن مواثقنا على أن نسمع ونطيع لمن ولاه الله أمرنا، ثم أخذ بيد ابن عفان فضرب بيده على يده فنظرت في أمري فإذا طاعتي قد سبقت بيعتي وإذا ميثاقي قد أخذ لغيري، فبايعنا عثمان فأديت له حقه وعرفت له طاعته وغزوت معه في جيوشه، وكنت آخذ إذا أعطاني، وأغزو إذا إغزاني، وأضرب بين يديه الحدود بسوطي ، فلما أصيب نظرت في أمري فإذا الخليفتان اللذان أخذاها بعهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إليهما بالصلاة قد مضيا وهذا الذي قد أخذ له الميثاق قد أصيب، فبايعني أهل الحرمين وأهل هذين المصرين .وبالجملة فقد أوسع العلماء هذا الحديث شرحا وردا لما أثير حوله من شبه ، وننصح في هذا الصدد بمراجعة كتاب الصواعق المحرقة للإمام ابن حجر الهيتمي فقد أجاد وأفاد في رد سائر الشبه المتعلقة بهذا الحديث ولولا خشية الإطالة لنقلنا ذلك .والله أعلم .(1/233)
عَنْ عَلِىٍّ قَالَ لَقَدْ عَهِدَ إِلَىَّ النَّبِىُّ الأُمِّىُّ - صلى الله عليه وسلم - "أَنَّهُ لاَ يُحِبُّكَ إِلاَّ مُؤْمِنٌ وَلاَ يَبْغَضُكَ إِلاَّ مُنَافِقٌ ». قَالَ عَدِىُّ بْنُ ثَابِتٍ أَنَا مِنَ الْقَرْنِ الَّذِينَ دَعَا لَهُمُ النَّبِىُّ - صلى الله عليه وسلم - . قَالَ أَبُو عِيسَى هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ أخرجه الترمذي (1) .
3. عَنْ عَطِيَّةَ بْنِ سَعْدٍ،قَالَ:دَخَلْنَا عَلَى جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ وَهُوَ شَيْخٌ كَبِيرٌ وَقَدْ سَقَطَ حَاجِبَاهُ عَلَى عَيْنَيْهِ،قَالَ:فَقُلْت:أَخْبِرْنَا،عَنْ هَذَا الرَّجُلِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ،قَالَ:فَرَفَعَ حَاجِبَيْهِ بِيَدَيْهِ،ثُمَّ قَالَ:ذَاكَ مِنْ خَيْرِ الْبَشَرِ.أخرجه ابن أبي شيبة (2)
__________
(1) - برقم(4101) والنسائي برقم(5035)وأحمد برقم(742و1074) وهو صحيح
وفي تحفة الأحوذي - (ج 9 / ص 147) " لَا يُحِبُّك إِلَّا مُؤْمِنٌ" أَيْ لَا يُحِبُّك حُبًّا مَشْرُوعًا مُطَابِقًا لِلْوَاقِعِ مِنْ غَيْرِ زِيَادَةٍ وَنُقْصَانٍ لِيَخْرُجَ النُّصَيْرِيُّ وَالْخَارِجِيُّ فَمَنْ أَحَبَّهُ وَأَبْغَضَ الشَّيْخَيْنِ مَثَلًا فَمَا أَحَبَّهُ حُبًّا مَشْرُوعًا أَيْضًا ،" وَلَا يُبْغِضُك إِلَّا مُنَافِقٌ" أَيْ حَقِيقَةً أَوْ حُكْمًا "
(2) - برقم(32115) وفوائد الصواف برقم(33) صحيح لعيره(1/235)
4.عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِى لَيْلَى قَالَ كَانَ أَبِى يَسْمُرُ مَعَ عَلِىٍّ وَكَانَ عَلِىٌّ يَلْبَسُ ثِيَابَ الصَّيْفِ فِى الشِّتَاءِ وَثِيَابَ الشِّتَاءِ فِى الصَّيْفِ فَقِيلَ لَهُ لَوْ سَأَلْتَهُ فَسَأَلَهُ فَقَالَ إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - بَعَثَ إِلَىَّ وَأَنَا أَرْمَدُ الْعَيْنِ يَوْمَ خَيْبَرَ فَقُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّى أَرْمَدُ الْعَيْنِ - قَالَ - فَتَفَلَ فِى عَيْنِى وَقَالَ « اللَّهُمَّ أَذْهِبْ عَنْهُ الْحَرَّ وَالْبَرْدَ ». فَمَا وَجَدْتُ حَرًّا وَلاَ بَرْداً مُنْذُ يَوْمِئِذٍ. وَقَالَ « لأُعْطِيَنَّ الرَّايَةَ رَجُلاً يُحِبُّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيُحِبُّهُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ لَيْسَ بِفَرَّارٍ ». فَتَشَرَّفَ لَهَا أَصْحَابُ النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - فَأَعْطَانِيهَا.أخرجه أحمد (1)
5. عَنْ أَبِي حَيْوَةَ،قَالَ:سَمِعْت عَلِيًّا يَقُولُ:يَهْلِكُ فِي رَجُلاَنِ:مُفْرِطٌ فِي حُبِّي وَمُفْرِطٌ فِي بُغْضِي.أخرجه ابن أبي شيبة (2)
6. عَنْ أَبِي السَّوَّارِ الْعَدَوِيِّ،قَالَ:قَالَ عَلِيٌّ لَيُحِبُّنِي قَوْمٌ حَتَّى يَدْخُلُوا النَّارَ فِي حُبِّي وَلَيُبْغِضُنِي قَوْمٌ حَتَّى يَدْخُلُوا النَّارَ فِي بُغْضِي.أخرجه ابن أبي شيبة (3)
7. عَنْ عُثْمَانَ بن صُهَيْبٍ،عَنْ أَبِيهِ،عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - ،أَنَّهُ قَالَ يَوْمًا لِعَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ:"مَنْ أَشْقَى الأَوَّلِينَ؟"قَالَ:الَّذِي عَقَرَ النَّاقَةَ يَا رَسُولَ اللَّهِ،قَالَ:"صَدَقْتَ،فَمَنْ أَشْقَى الآخَرِينَ؟"قَالَ:لا عَلِمَ لِي يَا رَسُولَ اللَّهِ،قَالَ:"الَّذِي يَضْرِبُكَ عَلَى هَذِهِ"،وَأَشَارَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - بِيَدِهِ إِلَى يَافُوخِهِ،فَكَانَ عَلِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ،يَقُولُ لأَهْلِ الْعِرَاقِ:أَمَا وَاللَّهِ،لَوَدِدْتُ أَنَّهُ قَدِ ابْتَعَثَ أَشْقَاكُمْ،فَخَضَبَ هَذِهِ،يَعْنِي لِحْيَتَهُ،مِنْ هَذِهِ،وَوَضَعَ يَدَهُ عَلَى مُقَدَّمِ رَأْسِهِ،وَاللَّفْظُ لِحَدِيثِ سُوَيْدِ بن سَعِيدٍ،وَقَالَ الْحَضْرَمِيُّ فِي حَدِيثِهِ:وَأَشَارَ بِيَدِهِ إِلَى يَافُوخِهِ.أخرجه الطبراني (4)
8.
__________
(1) - برقم(789و1129) والنسائي في الكبرى برقم(8483) والطبراني في الأوسط برقم(2377) وهو حديث حسن
(2) - برقم(32129 و32131)وأحمد برقم(1392) واعتلال القلوب برقم(364) والمروزي برقم(369 و807و820و823 ) والسنة لعبد الله برقم(1222و1224) وهو حديث صحيح -المبغض : الكاره بشدة
(3) - برقم(32128) وعاصم برقم(819) وفضائل الصحابة برقم(920) وهو صحيح -البغض : عكس الحب وهو الكُرْهُ والمقت
(4) - برقم(7159) وأبو يعلى برقم(585) والمجالس العشرة برقم(69) وفضائل الصحابة برقم(921) حسن لغيره(1/236)
عَنْ عَامِرِ بْنِ سَعْدِ بْنِ أَبِى وَقَّاصٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - لِعَلِىٍّ « أَنْتَ مِنِّى بِمَنْزِلَةِ هَارُونَ مِنْ مُوسَى إِلاَّ أَنَّهُ لاَ نَبِىَّ بَعْدِى ». قَالَ سَعِيدٌ فَأَحْبَبْتُ أَنْ أُشَافِهَ بِهَا سَعْدًا فَلَقِيتُ سَعْدًا فَحَدَّثْتُهُ بِمَا حَدَّثَنِى عَامِرٌ فَقَالَ أَنَا سَمِعْتُهُ. فَقُلْتُ آنْتَ سَمِعْتَهُ فَوَضَعَ إِصْبَعَيْهِ عَلَى أُذُنَيْهِ فَقَالَ نَعَمْ وَإِلاَّ فَاسْتَكَّتَا.أخرجه مسلم (1)
9. عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ كُنَّا نَقُولُ فِى زَمَنِ النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - رَسُولُ اللَّهِ خَيْرُ النَّاسِ ثُمَّ أَبُو بَكْرٍ ثُمَّ عُمَرُ وَلَقَدْ أُوتِىَ ابْنُ أَبِى طَالِبٍ ثَلاَثَ خِصَالٍ لأَنْ تَكُونَ لِى وَاحِدَةٌ مِنْهُنَّ أَحَبُّ إِلَىَّ مِنْ حُمْرِ النَّعَمِ زَوَّجَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - ابْنَتَهُ وَوَلَدَتْ لَهُ وَسَدَّ الأَبْوَابَ إلاَّ بَابَهُ فِى الْمَسْجِدِ وَأَعْطَاهُ الرَّايَةَ يَوْمَ خَيْبَرَ.أخرجه أحمد (2)
10.
__________
(1) - برقم(6370 ) والترمذي برقم(4095و4096) وابن ماجة برقم(126) وأحمد برقم(1565و11576 و27840 و28229) وهو حديث متواتر
شرح النووي على مسلم - (ج 8 / ص 145)
قَالَ الْقَاضِي : هَذَا الْحَدِيث مِمَّا تَعَلَّقَتْ بِهِ الرَّوَافِض وَالْإِمَامِيَّة وَسَائِر فِرَق الشِّيعَة فِي أَنَّ الْخِلَافَة كَانَتْ حَقًّا لِعَلِيٍّ ، وَأَنَّهُ وَصَّى لَهُ بِهَا . قَالَ : ثُمَّ اِخْتَلَفَ هَؤُلَاءِ ، فَكَفَّرَتْ الرَّوَافِض سَائِر الصَّحَابَة فِي تَقْدِيمهمْ غَيْره ، وَزَادَ بَعْضهمْ فَكَفَّرَ عَلِيًّا لِأَنَّهُ لَمْ يَقُمْ فِي طَلَب حَقّه بِزَعْمِهِمْ ، وَهَؤُلَاءِ أَسْخَف مَذْهَبًا وَأَفْسَد عَقْلًا مِنْ أَنْ يُرَدَّ قَوْلهمْ ، أَوْ يُنَاظَرَ . وَقَالَ الْقَاضِي : وَلَا شَكَّ فِي كُفْرِ مَنْ قَالَ هَذَا ؛ لِأَنَّ مَنْ كَفَّرَ الْأُمَّةَ كُلّهَا وَالصَّدْر الْأَوَّل فَقَدْ أَبْطَلَ نَقْل الشَّرِيعَة ، وَهَدَمَ الْإِسْلَام ، وَأَمَّا مَنْ عَدَا هَؤُلَاءِ الْغُلَاة فَإِنَّهُمْ لَا يَسْلُكُونَ هَذَا الْمَسْلَكَ . فَأَمَّا الْإِمَامِيَّةُ وَبَعْض الْمُعْتَزِلَة فَيَقُولُونَ : هُمْ مُخْطِئُونَ فِي تَقْدِيم غَيْره لَا كُفَّار . وَبَعْض الْمُعْتَزِلَة لَا يَقُولُ بِالتَّخْطِئَةِ لِجَوَازِ تَقْدِيم الْمَفْضُول عِنْدهمْ . وَهَذَا الْحَدِيث لَا حُجَّةَ فِيهِ لِأَحَدٍ مِنْهُمْ ، بَلْ فِيهِ إِثْبَات فَضِيلَة لِعَلِيٍّ ، وَلَا تَعَرُّض فِيهِ لِكَوْنِهِ أَفْضَل مِنْ غَيْره أَوْ مِثْله ، وَلَيْسَ فِيهِ دَلَالَة لِاسْتِخْلَافِهِ بَعْده ، لِأَنَّ النَّبِيّ - صلى الله عليه وسلم - إِنَّمَا قَالَ هَذَا لِعَلِيٍّ حِين اِسْتَخْلَفَهُ فِي الْمَدِينَة فِي غَزْوَة تَبُوك ، وَيُؤَيِّد هَذَا أَنَّ هَارُون الْمُشَبَّه بِهِ لَمْ يَكُنْ خَلِيفَة بَعْد مُوسَى ، بَلْ تُوُفِّيَ فِي حَيَاة مُوسَى ، وَقَبْل وَفَاة مُوسَى بِنَحْوِ أَرْبَعِينَ سَنَة عَلَى مَا هُوَ مَشْهُور عِنْد أَهْل الْأَخْبَار وَالْقَصَص . قَالُوا : وَإِنَّمَا اِسْتَخْلَفَهُ حِين ذَهَبَ لِمِيقَاتِ رَبّه لِلْمُنَاجَاةِ . وَاَللَّه أَعْلَم .
قَالَ الْعُلَمَاء : وَفِي هَذَا الْحَدِيث دَلِيل عَلَى أَنَّ عِيسَى بْن مَرْيَم - صلى الله عليه وسلم - إِذَا نَزَلَ فِي آخِر الزَّمَان نَزَلَ حَكَمًا مِنْ حُكَّام هَذِهِ الْأُمَّة ، يَحْكُمُ بِشَرِيعَةِ نَبِيِّنَا مُحَمَّد - صلى الله عليه وسلم - ، وَلَا يَنْزِلُ نَبِيًّا ، وَقَدْ سَبَقَتْ الْأَحَادِيث الْمُصَرِّحَة بِمَا ذَكَرْنَاهُ فِي كِتَاب الْإِيمَان
(2) - برقم(4901) والمجمع برقم(14698) وفضائل الصحابة برقم(923) وابن أبي شيبة برقم(32094) صحيح(1/237)
عَنْ عَائِشَةَ بِنْتِ سَعْدٍ عَنْ أَبِيهَا أَنَّ عَلِيًّا خَرَجَ مَعَ النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - حَتَّى جَاءَ ثَنِيَّةَ الْوَدَاعِ وَعَلِىٌّ يَبْكِى يَقُولُ تَخَلِّفُنِى مَعَ الْخَوَالِفِ فَقَالَ « أَوَمَا تَرْضَى أَنْ تَكُونَ مِنِّى بِمَنْزِلَةِ هَارُونَ مِنْ مُوسَى إِلاَّ النُّبُوَّةَ »أخرجه أحمد (1)
11. عَنْ عِكْرِمَةَ،وعن أبي يزيد المدني،أو أحدهما،شك عبد الرزاق،أَنَّ أَسْمَاءَ بنتَ عُمَيْسٍ،قَالَتْ:لَمَّا أُهْدِيَتْ فَاطِمَةُ إِلَى عَلِيِّ بن أَبِي طَالِبٍ لَمْ نَجِدْ فِي بَيْتِهِ إِلا رَمَلا مَبْسُوطًا وَوِسَادَةً حَشَوْهَا،وَجَرَّةً وَكُوزًا،فَأَرْسَلَ فَأَرْسَلَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - إِلَى عَلِيٍّ لا تُحْدِثَنَّ حَدِيثًا،أَوْ قَالَ:لا تَقْرَبَنَّ أَهْلَكَ حَتَّى آتِيَكَفَجَاءَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - ،فَقَالَ:أَثَمَّ أَخِي؟فَقَالَتْ أُمُّ أَيْمَنَ وَهِيَ أُمُّ أُسَامَةَ بن زَيْدٍ وَكَانَتْ حَبَشِيَّةً،وَكَانَتِ امْرَأَةً صَالِحَةً:يَا رَسُولَ اللَّهِ،هَذَا أَخُوكَ وَزَوَّجْتُهُ ابْنَتُكَ،وَكَانَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - آخَى بَيْنَ أَصْحَابِهِ،وَآخَى بَيْنَ عَلِيٍّ وَنَفْسِهِ،قَالَ:إِنَّ ذَلِكَ يَكُونُ يَا أُمَّ أَيْمَنَقَالَتْ:فَدَعَا النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - بِإِنَاءٍ فِيهِ مَاءٌ،فَقَالَ فِيهِ مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ يَقُولَ،ثُمَّ مَسَحَ بِهِ صَدْرَ عَلِيٍّ وَوَجْهَهُ،ثُمَّ دَعَا فَاطِمَةَ فَقَامَتْ إِلَيْهِ تَعْثُرُ فِي مِرْطِهَا مِنَ الْحَيَاءِ،فَنَضَحَ عَلَيْهَا مِنْ ذَلِكَ،وَقَالَ لَهَا مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ يَقُولَ،ثُمَّ قَالَ لَهَا:إِنِّي لَمْ آلُكِ أَنْ أَنْكَحْتُكِ أَحَبَّ أَهْلِي إِلَيَّ،ثُمَّ رَأَى سَوَادًا مِنْ وَرَاءِ السِّتْرِ،أَوْ مِنْ وَرَاءِ الْبَابِ،فَقَالَ:مَنْ هَذَا؟قَالَتْ:أَسْمَاءُ،قَالَ:أَسْمَاءُ بنتُ عُمَيْسٍ؟قَالَتْ:نَعَمْ يَا رَسُولَ اللَّهِ،قَالَ:جِئْتِ كَرَامَةً لِرَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - مَعَ ابْنَتِهِ؟قَالَتْ:نَعَمْ إِنَّ الْفَتَاةَ لَيْلَةَ يُبْنَى بِهَا لا بُدَّ لَهَا مِنِ امْرَأَةٍ تَكُونُ قَرِيبًا مِنْهَا،إِنْ عَرَضَتْ لَهَا حَاجَةٌ أَفَضَتْ بِذَلِكَ إِلَيْهَا،قَالَتْ:فَدَعَا لِي بِدُعَاءٍ،فَإِنَّهُ لأَوْثَقُ عَمَلِي عِنْدِي،ثُمَّ قَالَ لِعَلِيٍّ:دُونَكَ أَهْلِكَ،ثُمَّ خَرَجَ فَوَلَّى،قَالَتْ:فَمَا زَالَ يَدْعُو لَهُمَا حَتَّى تَوَارَى فِي حِجْرِهِ.أخرجه الطبراني (2)
12.
__________
(1) - برقم(1480و1550) وفضائل الصحابة برقم(924) صحيح
(2) - برقم(19845) وعبد الرزاق برقم(9732) وإسحاق برقم(1922) والآجري برقم(1572) وفضائل الصحابة برقم(926) صحيح مرسل ،والصواب أسماء بنت يزيد وليس أسماء بنت عميس لأنها كانت مع زوجها جعفر رضي الله عنه في الحبشة
النضح : الرش بالماء = المرط : كساء من صوف أو خز أو كتان = الحياء : الانقباض والانزواء(1/238)
عَنْ أَبِى سَرِيْحَةَ أَوْ زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ شَكَّ شُعْبَةُ - عَنِ النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ « مَنْ كُنْتُ مَوْلاَهُ فَعَلِىٌّ مَوْلاَهُ ».أخرجه الترمذي (1)
وقال الطحاوي:"بَابُ بَيَانِ مُشْكِلِ مَا رُوِيَ عَنْ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - مِنْ قَوْلِهِ يَوْمَ غَدِيرِ خُمٍّ لِعَلِيٍّ - رضي الله عنهم - :"مَنْ كُنْتُ مَوْلَاهُ فَعَلِيٌّ مَوْلَاهُ "
__________
(1) - برقم(4078) وابن ماجة برقم(126) وابن أبي شيبة برقم (32067 و32068و32073و32086و32087و32113و32127)وأحمد برقم(651 و962 و973 و1324 و18977 و19849 و23647 و23808 و23844) والنسائي في الكبرى برقم(8088و8089 و8343 و8412 و8413 و8414-8424) وغيرهم كثير وهو حديث صحيح مشهور
وفي فتاوى الشبكة الإسلامية - (ج 20 / ص 370)-منزلة علي بن أبي طالب وأولاده رقم الفتوى:31594تاريخ الفتوى:04 ربيع الأول 1424السؤال : لم لا نعترف نحن أهل السنة بولاية علي بن أبي طالب (رضي الله عنه) وأولاده كأئمة؟ وشكراً.
الفتوى : الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فأما ولاية علي بن أبي طالب رضي الله عنه بمعنى أنه ولي لله تعالى فأهل السنة مجمعون عليها إذ لا شك في ذلك، لأنه من السابقين للإسلام الذين قال الله فيهم: وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ [التوبة:100].
وتكفي شهادة النبي - صلى الله عليه وسلم - له في عدة أحاديث منها قوله: أليس الله بأولى بالمؤمنين؟ قالوا: بلى، قال: اللهم من كنت مولاه فعلي مولاه، اللهم والِ من والاه، وعاد من عاداه. رواه أحمد والترمذي وابن ماجه والبيهقي بأسانيد صحاح.
وأما إن كانت ولايته بمعنى أحقيته بواراثة النبي - صلى الله عليه وسلم - في مقام الدين والدنيا، أي أنه الأحق بالخلافة من أبي بكر وعمر فهذا غير مُسَلَّم، للإجماع على تفضيل أبي بكر وعمر عليه وأنهما أحق بالخلافة منه، وكان هو نفسه رضي الله عنه معترفاً بهذا لا ينازعهما فيه وقد بايع لهما بالخلافة، وفي تفضيل عثمان على عليّ رضي الله عنهما خلاف بين أهل السنة، والأكثرون على تفضيل عثمان.
أما الولاية له ولأولاده بالمعنى الذي يعتقده بعض أهل الزيغ فهي مردودة؛ لأنها بمعنى العصمة له وللأئمة من ذريته، وأحقيتهم بالولاية الدينية على المؤمنين، وقد وُجِدَ كثير من المسلمين من الصحابة ومن بعدهم أفضل من بعضهم، ولأن أساس التفضيل في الإسلام ليس قائماً على النسب والقرابة من النبي - صلى الله عليه وسلم - ، بل هو بالتقوى والإيمان: إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ [الحجرات:13].
ومذهب أهل السنة والجماعة أنه لا عصمة لأحد غير الأنبياء عليهم الصلاة والسلام، وعصمتهم في ما يتعلق بتبليغ الوحي، وهم معصومون عن كبائر الذنوب دون صغائرها، وأهل البيت داخلون تحت قول النبي - صلى الله عليه وسلم - : كل بني آدم خّطاء، وخير الخطائين التوابون. رواه أحمد والترمذي وابن ماجه وحسنه الألباني.
وهم داخلون كذلك تحت الخطاب الإلهي للناس جميعاً وذلك في الحديث القدسي الذي رواه الإمام مسلم عن أبي ذر رضي الله عنه وفيه: يا عبادي: إنكم تخطئون بالليل والنهار وأنا أغفر الذنوب جميعاً فاستغفروني أغفر لكم.والله أعلم.(1/239)
عَنْ عَلِيٍّ،أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - حَضَرَ الشَّجَرَةَ بِخُمٍّ فَخَرَجَ آخِذًا بِيَدِ عَلِيٍّ فَقَالَ:"يَا أَيُّهَا النَّاسُ،أَلَسْتُمْ تَشْهَدُونَ أَنَّ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ رَبُّكُمْ ؟"قَالُوا:بَلَى،قَالَ:"أَلَسْتُمْ تَشْهَدُونَ أَنَّ اللهَ وَرَسُولَهُ أَوْلَى بِكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ،وَأَنَّ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ وَرَسُولَهُ مَوْلَيَاكُمْ ؟"قَالُوا:بَلَى،قَالَ:"فَمَنْ كُنْتُ مَوْلَاهُ فَإِنَّ هَذَا مَوْلَاهُ "،أَوْ قَالَ:"فَإِنَّ عَلِيًّا مَوْلَاهُ "."إِنِّي قَدْ تَرَكْتُ فِيكُمْ مَا إِنْ أَخَذْتُمْ بِهِ لَنْ تَضِلُّوا:كِتَابَ اللهِ سَبَبُهُ بِأَيْدِيكُمْ،وَأَهْلَ بَيْتِي ".
وعَنْ عَمْرٍو ذِي مُرٍّ قَالَ:سَمِعْتُ عَلِيًّا،يَنْشُدُ النَّاسَ فِي الرَّحْبَةِ:مَنْ سَمِعَ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ يَوْمَ غَدِيرِ خُمٍّ إِلَّا قَامَ،فَقَامَ بِضْعَةُ عَشَرَ رَجُلًا،فَشَهِدُوا أَنَّهُمْ سَمِعُوا رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فِي يَوْمِ غَدِيرِ خُمٍّ يَقُولُ:"اللهُمَّ مَنْ كُنْتُ مَوْلَاهُ فَإِنَّ عَلِيًّا مَوْلَاهُ،اللهُمَّ وَالِ مَنْ وَالِاهُ،وَعَادِ مَنْ عَادَاهُ،وَأَحِبَّ مَنْ أَحَبَّهُ،وَأَبْغِضْ مَنْ أَبْغَضَهُ،وَأَعِنْ مَنْ أَعَانَهُ،وَانْصُرْ مَنْ نَصَرَهُ،وَاخْذُلْ مَنْ خَذَلَهُ "
وعَنْ أَبِي الطُّفَيْلِ عَامِرِ بْنِ وَاثِلَةَ قَالَ:جَمَعَ عَلِيٌّ - رضي الله عنهم - النَّاسَ فِي الرَّحْبَةِ فَقَالَ:أَنْشُدُ بِاللهِ كُلَّ امْرِئٍ سَمِعَ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ يَوْمَ غَدِيرِ خُمٍّ مَا سَمِعَ،فَقَامَ أُنَاسٌ مِنَ النَّاسِ فَشَهِدُوا أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ يَوْمَ غَدِيرِ خُمٍّ:"أَلَسْتُمْ تَعْلَمُونَ أَنِّي أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ ؟"وَهُوَ قَائِمٌ،ثُمَّ أَخَذَ بِيَدِ عَلِيٍّ - رضي الله عنهم - فَقَالَ:"مَنْ كُنْتُ مَوْلَاهُ فَعَلِيٌّ مَوْلَاهُ،اللهُمَّ وَالِ مَنْ وَالِاهُ،وَعَادِ مَنْ عَادَاهُ ".قَالَ:أَبُو الطُّفَيْلِ فَخَرَجْتُ وَفِي نَفْسِي مِنْهُ شَيْءٌ،فَلَقِيتُ زَيْدَ بْنَ أَرْقَمَ فَأَخْبَرْتُهُ،فَقَالَ:وَمَا تُنْكِرُ ؟ أَنَا سَمِعْتُهُ مِنْ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - .
قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ:فَدَفَعَ دَافِعٌ هَذَا الْحَدِيثَ وَقَالَ:إِنَّهُ مُسْتَحِيلٌ،وَذَكَرَ أَنَّ عَلِيًّا عَلَيْهِ السَّلَامُ لَمْ يَكُنْ مَعَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - فِي خُرُوجِهِ إِلَى الْحَجِّ مِنَ الْمَدِينَةِ الَّذِي مَرَّ فِي طَرِيقِهِ بِغَدِيرِ خُمٍّ لِأَنَّ غَدِيرَ خُمٍّ إِنَّمَا هُوَ بِالْجُحْفَةِ،وَذَكَرَ فِي ذَلِكَ،قال جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ,عَنْ أَبِيهِ قَالَ:دَخَلْنَا عَلَى جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ فَذَكَرَ حَدِيثَهُ فِي حَجَّةِ النَّبِيِّ عَلَيْهِ السَّلَامُ،قَالَ:قَدِمَ عَلِيٌّ مِنَ الْيَمَنِ بِبُدْنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - ثُمَّ ذَكَرَ بَقِيَّةَ الْحَدِيثِ
وعن ابْنِ جُرَيْجٍ قَالَ:حَدَّثَنِي عَطَاءٌ قَالَ:سَمِعْتُ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللهِ الْأَنْصَارِيَّ،فِي أُنَاسٍ مَعِي قَالَ:قَدِمَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ مِنْ سِعَايَتِهِ،فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - :"بِمَ أَهْلَلْتَ يَا عَلِيُّ ؟ "،قَالَ:بِمَا أَهَلَّ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - ،قَالَ:"فَأَهْدِ وَامْكُثْ حَرَامًا كَمَا أَنْتَ".(1/240)
فَكَانَ جَوَابَنَا لَهُ فِي ذَلِكَ بِتَوْفِيقِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ وَعَوْنِهِ:أَنَّ عَلِيًّا كَمَا ذُكِرَ،لَمْ يَكُنْ مَعَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - فِي خُرُوجِهِ إِلَى الْحَجِّ مِنَ الْمَدِينَةِ الَّذِي كَانَ مُرُورُهُ فِيهِ بِغَدِيرِ خُمٍّ،وَلَكِنَّهُ قَدْ كَانَ مَعَهُ فِي إِقْبَالِهِ مِنْ مَكَّةَ إِلَى الْمَدِينَةِ فِي طَرِيقِهِ الَّذِي كَانَ مُرُورُهُ فِيهِ بِغَدِيرِ خُمٍّ فَقَدْ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ مَا قَالَهُ لَهُ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - هُنَاكَ كَانَ فِي رَجْعَتِهِ مِنْ حَجِّهِ،وَإِنَّمَا يَكُونُ ذَلِكَ مُحَالًا كَمَا ذَكَرْتَ لَوْ كَانَ فِي الْحَدِيثِ أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ:لَهُ هَذَا فِي الْقَوْلِ فِي خُرُوجِهِ إِلَى مَكَّةَ مُتَوَجِّهًا لَهُ،وَقَدْ وَجَدْنَا بِحَمْدِ اللهِ وَنِعْمَتِهِ فِي ذَلِكَ حَدِيثًا صَحِيحَ الْإِسْنَادِ يُخْبِرُ أَنَّ ذَلِكَ الْقَوْلَ الَّذِي كَانَ مِنْ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - لِعَلِيٍّ بِغَدِيرِ خُمٍّ إِنَّمَا كَانَ فِي رُجُوعِهِ إِلَى الْمَدِينَةِ مِنْ حَجِّهِ لَا فِي خُرُوجِهِ مِنْهَا إِلَى حَجِّهِ،فعَنْ زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ قَالَ:لَمَّا رَجَعَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - ،عَنْ حَجَّةِ الْوَدَاعِ وَنَزَلَ بِغَدِيرِ خُمٍّ أَمَرَ بِدَوْحَاتٍ فَقُمِّمْنَ،ثُمَّ قَالَ:"كَأَنِّي دُعِيتُ فَأَجَبْتُ،إِنِّي قَدْ تَرَكْتُ فِيكُمُ الثَّقَلَيْنِ،أَحَدُهُمَا أَكْبَرُ مِنَ الْآخَرِ:كِتَابَ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ وَعِتْرَتِي أَهْلَ بَيْتِي،فَانْظُرُوا كَيْفَ تَخْلُفُونِي فِيهِمَا،فَإِنَّهُمَا لَنْ يَتَفَرَّقَا حَتَّى يَرِدَا عَلَيَّ الْحَوْضَ"ثُمَّ قَالَ:"إِنَّ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ مَوْلَايَ،وَأَنَا وَلِيُّ كُلِّ مُؤْمِنٍ"ثُمَّ أَخَذَ بِيَدِ عَلِيٍّ - رضي الله عنهم - فَقَالَ:"مَنْ كُنْتُ وَلِيَّهُ فَهَذَا وَلِيُّهُ،اللهُمَّ وَالِ مَنْ وَالِاهُ،وَعَادِ مَنْ عَادَاهُ"فَقُلْتُ لِزَيْدٍ سَمِعْتَهُ مِنْ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - ؟ فَقَالَ:مَا كَانَ فِي الدَّوْحَاتِ أَحَدٌ إِلَّا رَآهُ بِعَيْنَيْهِ،وَسَمِعَهُ بِأُذُنَيْهِ"
قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ:فَهَذَا الْحَدِيثُ صَحِيحُ الْإِسْنَادِ،لَا طَعْنَ لِأَحَدٍ فِي أَحَدٍ مِنْ رُوَاتِهِ،فِيهِ أَنْ كَانَ ذَلِكَ الْقَوْلُ كَانَ مِنْ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - لِعَلِيٍّ بِغَدِيرِ خُمٍّ فِي رُجُوعِهِ مِنْ حَجِّهِ إِلَى الْمَدِينَةِ لَا فِي خُرُوجِهِ لِحَجِّهِ مِنَ الْمَدِينَةِ.فَقَالَ هَذَا الْقَائِلُ:فَإِنَّ هَذَا الْحَدِيثَ قَدْ رُوِيَ،عَنْ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ فِي هَذِهِ الْقِصَّةِ،وَأَنَّ ذَلِكَ الْقَوْلَ إِنَّمَا كَانَ مِنْ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - بِغَدِيرِ خُمٍّ فِي خُرُوجِهِ مِنَ الْمَدِينَةِ إِلَى الْحَجِّ لَا فِي رُجُوعِهِ مِنَ الْحَجِّ إِلَى الْمَدِينَةِ،فعَنْ سَعْدٍ - رضي الله عنهم - قَالَ:كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - بِطَرِيقِ مَكَّةَ وَهُوَ مُتَوَجِّهٌ إِلَيْهَا،فَلَمَّا بَلَغَ غَدِيرَ خُمٍّ وَقَفَ النَّاسُ،ثُمَّ رَدَّ مَنْ مَضَى وَلَحِقَهُ مَنْ تَخَلَّفَ،فَلَمَّا اجْتَمَعَ النَّاسُ إِلَيْهِ قَالَ:"أَيُّهَا النَّاسُ،هَلْ بَلَّغْتُ ؟"قَالُوا:نَعَمْ،قَالَ:"اللهُمُ اشْهَدْ"ثَلَاثَ مَرَّاتٍ يَقُولُهَا،ثُمَّ قَالَ:"أَيُّهَا النَّاسُ،مَنْ وَلِيُّكُمْ ؟"قَالُوا:اللهُ وَرَسُولُهُ - صلى الله عليه وسلم - ،ثَلَاثًا،ثُمَّ أَخَذَ بِيَدِ عَلِيٍّ - رضي الله عنهم - فَأَقَامَهُ ثُمَّ قَالَ:"مَنْ كَانَ اللهُ وَرَسُولُهُ وَلِيَّهُ فَهَذَا وَلِيُّهُ،اللهُمَّ وَالِ مَنْ وَالِاهُ،وَعَادِ مَنْ عَادَاهُ".(1/241)
فَكَانَ جَوَابَنَا لَهُ فِي ذَلِكَ بِتَوْفِيقِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ وَعَوْنِهِ أَنَّ هَذَا الْحَدِيثَ إِنَّمَا رَوَاهُ كَمَا ذَكَرَ يَعْقُوبُ بْنُ جَعْفَرِ بْنِ أَبِي كَثِيرٍ وَلَيْسَ بِالْمَشْهُورِ بِالْعِلْمِ وَلَا عَنْدَ أَهْلِهِ مِنْ أَهْلِ الثَّبْتِ فِي الرِّوَايَةِ.وَقَدْ رَوَى هَذَا الْحَدِيثَ غَيْرُهُ،عَنِ الْمُهَاجِرِ بْنِ مِسْمَارٍ،وَهُوَ مُوسَى بْنُ يَعْقُوبَ الزَّمْعِيُّ فَلَمْ يَذْكُرْ فِيهِ هَذَا الْحَرْفَ الَّذِي ذَكَرَهُ فِيهِ يَعْقُوبُ بْنُ جَعْفَرٍ ،فعَنِ الْمُهَاجِرِ بْنِ مِسْمَارٍ،مَوْلَى عَامِرِ بْنِ سَعْدٍ،أَنَّ عَائِشَةَ،أَخْبَرَتْهُ أَنَّ سَعْدَ بْنَ أَبِي وَقَّاصٍ قَالَ:سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَوْمَ الْجُحْفَةِ أَمَرَ بِالنَّخَلَاتِ يُنَحَّى مَا تَحْتَهُنَّ،فَلَمَّا كَانَ الرَّوَاحُ خَرَجَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فَأَخَذَ بِيَدِ عَلِيٍّ فَخَطَبَ النَّاسَ،فَحَمِدَ اللهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ ثُمَّ قَالَ:"أَمَّا بَعْدُ أَيُّهَا النَّاسُ،فَإِنِّي وَلِيُّكُمْ"قَالُوا:صَدَقْتَ يَا رَسُولَ اللهِ،ثُمَّ أَخَذَ بِيَدِ عَلِيٍّ - رضي الله عنهم - فَرَفَعَهَا ثُمَّ قَالَ:"هَذَا وَلِيِّي وَالْمُؤَدِّي عَنِّي،وَالَى اللهُ مَنْ وَالِاهُ،وَعَادَى مَنْ عَادَاهُ "
وعَنْ عَائِشَةَ ابْنَةِ سَعْدٍ،عَنْ سَعْدٍ - رضي الله عنهم - قَالَ:أَخَذَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - بِيَدِ عَلِيٍّ - رضي الله عنهم - فَخَطَبَ النَّاسَ،فَحَمِدَ اللهَ،وَأَثْنَى عَلَيْهِ،ثُمَّ قَالَ:"أَلَسْتُمْ تَعْلَمُونَ أَنِّي أَوْلَى بِكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ ؟"قَالُوا:نَعَمْ،صَدَقْتَ يَا رَسُولَ اللهِ،ثُمَّ أَخَذَ بِيَدِ عَلِيٍّ - رضي الله عنهم - فَرَفَعَهَا فَقَالَ:"مَنْ كُنْتُ وَلِيَّهُ فَهَذَا وَلِيُّهُ،وَإِنَّ اللهَ يُوَالِي مَنْ وَالِاهُ،وَيُعَادِي مَنْ عَادَاهُ ".قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ:فَهَذَا ابْنُ أَبِي فُدَيْكٍ،وَمُحَمَّدُ بْنُ خَالِدِ بْنِ عَثْمَةَ قَدْ رَوَيَا هَذَا الْحَدِيثَ،عَنْ مُوسَى بْنِ يَعْقُوبَ الزَّمْعِيِّ،عَنْ مُهَاجِرِ بْنِ مِسْمَارٍ خَالِيًا عَنِ الزِّيَادَةِ الَّتِي زَادَهَا فِيهِ يَعْقُوبُ بْنُ جَعْفَرٍ مِمَّا احْتَجَجْتَ بِهَا،وَقَدْ كَانَ يُغْنِينَا عَنْ ذَلِكَ بِحَمْدِ اللهِ وَنِعْمَتِهِ مَا رَوَاهُ أَبُو عَوَانَةَ،عَنْ سُلَيْمَانَ الْأَعْمَشِ،عَنْ حَبِيبِ بْنِ أَبِي ثَابِتٍ،عَنْ أَبِي الطُّفَيْلِ،عَنْ زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ،عَنِ التَّشَاغُلِ بِمَا رَوَاهُ يَعْقُوبُ بْنُ جَعْفَرٍ إِذْ لَيْسَ مِثْلُهُ يُعَارِضُ بِرِوَايَتِهِ رِوَايَةَ مَنْ ذَكَرْنَا مِمَّنْ مَعَهُ الثَّبْتُ فِي الرِّوَايَةِ،وَالْجَلَالَةُ فِي الْمِقْدَارِ،وَالْمَوْضِعُ الْجَلِيلُ فِي الْعِلْمِ،وَلَكِنَّا تَكَلَّفْنَا مَا تَكَلَّفْنَا مِنْ ذَلِكَ زِيَادَةً فِي الْحُجَّةِ عَلَيْكَ.وَلَقَدْ كَانَ مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ رَأَى عَائِشَةَ ابْنَةَ سَعْدٍ وَدَخَلَ عَلَيْهَا .فَسَمِعْتُ يُونُسَ يَقُولُ:أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ،وَأَشْهَبُ جَمِيعًا،عَنْ مَالِكٍ قَالَ:حَدَّثَتْنِي عَائِشَةُ ابْنَةُ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ أَنَّهُ كَانَ لِأَبِيهَا - رضي الله عنهم - مِرْكَنٌ يَتَوَضَّأُ هُوَ وَأَهْلُ بَيْتِهِ مِنْهُ،فِي حَدِيثِ أَشْهَبَ:رُبَّمَا تَوَضَّأَ بِفَضْلِهِمْ.فَسَمِعْتُ يُونُسَ لَمَّا حَدَّثَ بِهَذَا الْحَدِيثِ يَقُولُ:انْظُرُوا إِلَى ضَبْطِ مَالِكٍ وَإِلَى اخْتِيَارِهِ فِيمَنْ يَأْخُذُ الْعِلْمَ عَنْهُ،إِنَّهُ دَخَلَ عَلَى هَذِهِ الْمَرْأَةِ فَلَمْ يَرَهَا تَضْبِطُ(1/242)
مَا تُحَدِّثُ بِهِ،فَلَمْ يَأْخُذْ عَنْهَا شَيْئًا إِلَّا مَا يُحِيطُ عِلْمًا أَنَّهَا قَدْ ضَبَطَتْهُ،وَإِنَّهُ لَمْ يَذْهَبْ عَنْهَا،وَلَمْ يَأْخُذْ عَنْهَا مَا سِوَى ذَلِكَ مِمَّا أَخَذَهُ غَيْرُهُ مِنَ النَّاسِ عَنْهَا،ثُمَّ ذَكَرَ لَنَا مَعَ ذَلِكَ عَنْ مَنْ لَمْ يُسَمِّهِ لَنَا،عَنْ مَالِكٍ،هَذَا الْكَلَامُ مِنْ لَفْظِهِ رَحِمَهُ اللهُ.قَالَ هَذَا الْقَائِلُ:فَإِنَّ عَائِشَةَ هَذِهِ قَدْ حَدَّثَ الْحَكَمُ بْنُ عُتَيْبَةَ عَنْهَا،فَذَلِكَ دَلِيلٌ عَلَى جَلَالَةِ مِقْدَارِهَا فِي الْعِلْمِ،وَلَوْلَا ذَلِكَ لَمَا أَخَذَ الْحَكَمُ عَنْهَا شَيْئًا مِنْهُ،قِيلَ لَهُ:إِنَّمَا ذَكَرَ ذَلِكَ،عَنِ الْحَكَمِ،لَيْثُ بْنِ أَبِي سُلَيْمٍ وَرِوَايَتُهُ كَمَا لَا خَفَاءَ بِهِ عَلَى أَهْلِ الْعِلْمِ بِالرِّوَايَةِ،فعَنْ لَيْثٍ،عَنِ الْحَكَمِ،عَنْ عَائِشَةَ ابْنَةِ سَعْدٍ،عَنْ سَعْدٍ - رضي الله عنهم - ،أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ لِعَلِيٍّ فِي غَزْوَةِ تَبُوكَ:"أَنْتَ مِنِّي مَكَانَ هَارُونَ مِنْ مُوسَى إِلَّا أَنَّهُ لَا نَبِيَّ بَعْدِي".
وَقَالَ:كَأَنَّ الصَّحِيحَ فِي ذَلِكَ أَنَّ الْحَكَمَ لَمْ يَأْخُذْ هَذَا الْحَدِيثَ عَنْ عَائِشَةَ ابْنَةِ سَعْدٍ،وَإِنَّمَا أَخَذَهُ عَنْ مُصْعَبِ بْنِ سَعْدٍ كَذَلِكَ رَوَاهُ الثَّبْتُ فِي رِوَايَتِهِ الْمَأْمُونِ عَلَيْهَا،الضَّابِطِ لَهَا،الْحُجَّةِ فِيهَا وَهُوَ شُعْبَةُ بْنُ الْحَجَّاجِ عَنِ الْحَكَمِ،عَنْ مُصْعَبِ بْنِ سَعْدٍ،عَنْ سَعْدٍ - رضي الله عنهم - قَالَ:خَلَّفَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - عَلِيًّا فِي غَزْوَةِ تَبُوكَ فَقَالَ:يَا رَسُولَ اللهِ،تُخَلِّفُنِي عَلَى النِّسَاءِ وَالصِّبْيَانِ ؟ فَقَالَ:"أَمَا تَرْضَى أَنْ تَكُونَ مِنِّي بِمَنْزِلَةِ هَارُونَ مِنْ مُوسَى غَيْرَ أَنَّهُ لَا نَبِيَّ بَعْدِي ".
فَبَانَ بِحَمْدِ اللهِ وَنِعْمَتِهِ انْتِفَاءُ مَا رَوَى لَيْثٌ فِي ذَلِكَ،عَنِ الْحَكَمِ وَثَبَتَ مَا رَوَى شُعْبَةُ فِيهِ.فَقَالَ قَائِلٌ:فَمَا مَعْنَى:"مَنْ كُنْتُ مَوْلَاهُ فَعَلِيٌّ مَوْلَاهُ"؟ فَقِيلَ لَهُ:الْمَوْلَى هَا هُنَا هُوَ الْوَلِيُّ،كَمَا قَالَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ:{ وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ } [التوبة:71] وَقَدْ بُيِّنَ ذَلِكَ فِيمَا رَوَيْنَا،فَمَنْ كَانَ لِرَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - وَلِيًّا كَانَ لِعَلِيٍّ كَذَلِكَ،وَكَذَلِكَ أَصْحَابُهُ رِضْوَانُ اللهِ عَلَيهمْ،بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ،وَاللهَ نَسْأَلُهُ التَّوْفِيقَ .." (1)
13.
__________
(1) - شرح مشكل الآثار - (5 / 13) (1760-1770 )(1/243)
عن سعد بن أبي وقاص قال:خلف رسول الله - صلى الله عليه وسلم - علي بن أبي طالب في غزوة تبوك،فقال:يا رسول الله،تخلفني في النساء والصبيان ؟ فقال:« أما ترضى أن تكون بمنزلة هارون من موسى ؟ غير أنه لا نبي بعدي".فضائل الصحبة (1)
14. عَنْ زِرِّ بْنِ حُبَيْشٍ قَالَ قَالَ عَلِىٌّ وَاللَّهِ إِنَّهُ مِمَّا عَهِدَ إِلَىَّ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - أَنَّهُ لاَ يُبْغِضُنِى إِلاَّ مُنَافِقٌ وَلاَ يُحِبُّنِى إِلاَّ مُؤْمِنٌ. أخرجه أحمد (2)
15. عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ ظَالِمٍ قَالَ:جَاءَ رَجُلٌ إِلَى سَعِيدِ بْنِ زَيْدٍ فَقَالَ:إِنِّي أَحْبَبْتُ عَلِيًّا حُبًّا لَمْ أُحِبَّهُ شَيْئًا قَطُّ،قَالَ:نِعْمَ مَا رَأَيْتَ،أَحْبَبْتَ رَجُلاً مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ،وَجَاءَهُ رَجُلٌ فَقَالَ:إِنِّي أَبْغَضْتُ عُثْمَانَ بُغْضًا لَمْ أَبْغَضْهُ شَيْئًا قَطُّ،قَالَ:بِئْسَ مَا رَأَيْتَ،أَبْغَضْتَ رَجُلاً مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ..أخرجه في فضائل الصحابة (3)
16. عَنْ جَبَلَةَ بْنِ حَارِثَةَ أَخِي زَيْدٍ،قَالَ:كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - إِذَا لَمْ يَغْزُ لَمْ يُعْطِ سِلاحَهُ إِلاَّ عَلِيًّا،أَوْ زَيْدًا - رضي الله عنهم - مَاأخرجه الحاكم (4)
17. عَنْ زَيْدِ بْنِ يُثَيْعٍ،قَالَ:قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - :لَيَنْتَهِيَنَّ بَنُو وَلِيعَةَ،أَوْ لأَبْعَثَنَّ إِلَيْهِمْ رَجُلاً كَنَفْسِي،يُمْضِي فِيهِمْ أَمْرِي،يَقْتُلُ الْمُقَاتِلَةَ،وَيَسْبِي الذُّرِّيَّةَ،قَالَ:فَقَالَ أَبُو ذَرٍّ:فَمَا رَاعَنِي إِلاَّ بَرْدُ كَفِّ عُمَرَ فِي حُجْزَتِي مِنْ خَلْفِي،فَقَالَ:مَنْ تُرَاهُ يَعْنِي ؟ قُلْتُ:مَا يَعْنِيكَ،وَلَكِنْ يَعْنِي خَاصِفَ النَّعْلِ.أخرجه في فضائل الصحابة (5)
18.
__________
(1) - برقم(928) وهو صحيح
(2) - برقم(652) وهو صحيح -البغض : عكس الحب وهو الكُرْهُ والمقت
قال الذهبي في السير : " فَقَدْ أَحَبَّه قَوْمٌ لاَ خَلاَقَ لَهُم، وَأَبغضه بجهلٍ قَوْمٌ مِنَ النَّوَاصب، فَالله أَعلم ، قال المحقق : قلت: لا إشكال، فالمراد: لا يحبك الحب الشرعي المعتد به عند الله تعالى، أما الحب المتضمن لتلك البلايا والمصائب، فلا عبرة به، بل هو وبال على صاحبه كما أحبت النصارى المسيح. سير أعلام النبلاء - (17 / 169)
(3) - برقم(931) والنسائي برقم(8149) وعاصم برقم( 1219) حسن
(1) البغض : عكس الحب وهو الكُرْهُ والمقت
(4) - برقم(4960) وفضائل الصحابة برقم(933)صحيح
(5) - برقم(934) والنسائي برقم(8403) والطبراني في الأوسط برقم(3939) والمجمع برقم(11355) وهو صحيح
الخصف : إصلاح النعل وخياطته بالمخرز(1/244)
عَنْ رِيَاحِ بْنِ الْحَارِثِ قَالَ جَاءَ رَهْطٌ إِلَى عَلِىٍّ بِالرَّحْبَةِ فَقَالُوا السَّلاَمُ عَلَيْكَ يَا مَوْلاَنَا. قَالَ كَيْفَ أَكُونُ مَوْلاَكُمْ وَأَنْتُمْ قَوْمٌ عَرَبٌ قَالُوا سَمِعْنَا رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يَوْمَ غَدِيرِ خُمٍّ يَقُولُ « مَنْ كُنْتُ مَوْلاَهُ فَإِنَّ هَذَا مَوْلاَهُ ». قَالَ رِيَاحٌ فَلَمَّا مَضَوْا تَبِعْتُهُمْ فَسَأَلْتُ مَنْ هَؤُلاَءِ قَالُوا نَفَرٌ مِنَ الأَنْصَارِ فِيهِمْ أَبُو أَيُّوبَ الأَنْصَارِىُّ.أخرجه أحمد (1)
19. عَنْ أَبِى سَعِيدٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - "إِنِّى تَارِكٌ فِيكُمُ الثَّقَلَيْنِ أَحَدُهُمَا أَكْبَرُ مِنَ الآخَرِ كِتَابُ اللَّهِ حَبْلٌ مَمْدُودٌ مِنَ السَّمَاءِ إِلَى الأَرْضِ وَعِتْرَتِى أَهْلُ بَيْتِى وَإِنَّهُمَا لَنْ يَفْتَرِقَا حَتَّى يَرِدَا عَلَىَّ الْحَوْضَ ».أخرجه أحمد (2)
قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ الآجريُّ:هذا َيَدُلُ عَلَى أَنَّ خُطْبَةَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ بِمِنًى،وَأَمَرَ أُمَّتَهُ بِالتَّمَسُّكِ بِكِتَابِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَبِسُنَّتِهِ - صلى الله عليه وسلم - ،وَفِي رِجُوعِهِ مِنْ هَذِهِ الْحِجَّةِ بِغَدِيرِ خَمٍّ فَأَمَرَ أُمَّتَهَ بِكِتَابِ اللَّهِ وَالتَّمَسُّكِ بِهِ وَبِمَحَبَّةِ أَهْلِ بَيْتِهِ،وَبِمُوَالَاةِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ - رضي الله عنهم - ،وَتَعْرِيفِ النَّاسِ شَرَفَ عَلِيٍّ وَفَضْلِهِ عِنْدَهُ،يَدُلُّ الْعُقَلَاءَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى أَنَّهُ وَاجِبٌ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ أَنْ يَتَمَسَّكَ بِكِتَابِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ،وَبِسُنَّةِ رَسُولِهِ - صلى الله عليه وسلم - ،وَسُنَّةِ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ الْمَهْدِيِّنَ،وَبِمَحَبَّتِهِمْ وَبِمَحَبَّةِ أَهْلِ بَيْتِهِ الطَّيِّبِينَ،وَالتَّعَلُّقِ بِمَا كَانُوا عَلَيْهِ مِنَ الْأَخْلَاقِ الشَّرِيفَةِ،وَالِاقْتِدَاءِ بِهِمْ - رضي الله عنهم - مْ،فَمَنْ كَانَ هَكَذَا،فَهُوَ عَلَى طَرِيقٍ مُسْتَقِيمٍ،أَلَا تَرَى أَنَّ الْعِرْبَاضَ بْنَ سَارِيَةَ السُّلَمِيَّ قَالَ:وَعَظَنَا النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - ذَاتَ يَوْمٍ مَوْعِظَةً بَلِيغَةً،ذَرَفَتْ مِنْهَا الْعُيُونُ،وَوَجِلَتْ مِنْهَا الْقُلُوبُ،فَقُلْنَا:يَا رَسُولَ اللَّهِ:إِنَّ هَذِهِ لَمَوْعِظَةُ مُوَدِّعٍ،فَمَا تَعْهَدُ إِلَيْنَا ؟ قَالَ:"أُوصِيكُمْ بِتَقْوَى اللَّهِ،وَالسَّمْعِ وَالطَّاعَةِ،وَإِنْ عَبْدًا حَبَشِيًّا،فَإِنَّهُ مَنْ يَعِشْ مِنْكُمْ بَعْدِي سَيَرَى اخْتِلَافًا كَثِيرًا،فَعَلَيْكُمْ بِسُنَّتِي،وَسُنَّةِ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ الْمَهْدِيِّينَ،عَضُّوا عَلَيْهَا بِالنَّوَاجِذِ،وَإِيَّاكُمْ وَمُحْدَثَاتِ الْأُمُورِ،فَإِنَّ كُلَّ مُحْدَثَةٍ بِدْعَةٌ،وَكُلُّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ ".قَالَ مُحَمَّدُ
__________
(1) - برقم(24279) والطبراني برقم(3947)صحيح
الرهط : الجماعة من الرجال دون العشرة
(2) - برقم(11402 و19834) وابن أبي شيبة برقم(30074) والحاكم برقم(4711) والطبراني برقم(4790-4791و4836و4846 و4847و4885و4886و4900) وفضائل الصحابة برقم(936 و1340) وهو حديث صحيح(1/245)
بْنُ الْحُسَيْنِ رَحِمَهُ اللَّهُ:وَالْخُلَفَاءُ الرَّاشِدُونَ فَهُمْ:أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ وَعُثْمَانُ وَعَلِيٌّ - رضي الله عنهم - مْ،فَمَنْ كَانَ لَهُمْ مُحِبًّا رَاضِيًا بِخِلَافَتِهِمْ،مُتَّبِعًا لَهُمْ،فَهُوَ مُتَّبِعٌ لِكِتَابِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ،وَلِسُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - ،وَمَنْ أَحَبَّ أَهْلَ بَيْتِ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - الطَّيِّبِينَ،وَتَوَلَّاهُمْ وَتَعَلَّقَ بِأَخْلَاقِهِمْ،وَتَأَدَّبَ بِأَدَبِهِمْ،فَهُوَ عَلَى الْمَحَجَّةِ الْوَاضِحَةِ،وَالطَّرِيقِ الْمُسْتَقِيمِ وَالْأَمْرِ الرَّشِيدِ،وَيُرْجَى لَهُ النَّجَاةَ،كَمَا قَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - :"مِثْلُ أَهْلِ بَيْتِي مِثْلُ سَفِينَةِ نُوحٍ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ،مَنْ رَكِبَهَا نَجَا،وَمَنْ تَخَلَّفَ عَنْهَا هَلَكَ"فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ:فَمَا تَقُولُ فِيمَنْ يَزْعُمُ أَنَّهُ مُحِبٌّ لِأَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعُثْمَانَ،مُتَخَلِّفٌ عَنْ مَحَبَّةِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ - رضي الله عنهم - مْ،وَعَنْ مَحَبَّةِ الْحَسَنِ وَالْحُسَيْنِ - رضي الله عنهم - مَا،غَيْرُ رَاضِي بِخِلَافَةِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ كَرَّمَ اللَّهُ وَجْهَهُ ؟ هَلْ تَنْفَعُهُ مَحَبَّةُ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعُثْمَانَ - رضي الله عنهم - مْ ؟ قِيلَ لَهُ:مُعَاذَ اللَّهِ،هَذِهِ صِفَةُ مُنَافِقٍ،لَيْسَتْ بِصِفَةِ مُؤْمِنٍ قَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - لِعَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ - رضي الله عنهم - :"لَا يَحِبُّكَ إِلَّا مُؤْمِنٌ،وَلَا يُبْغِضُكَ إِلَّا مُنَافِقٌ"وَقَالَ عَلَيْهِ السَّلَامُ:"مَنْ آذَى عَلِيًّا فَقَدْ آذَانِي"وَشَهِدَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - لِعَلِيٍّ - رضي الله عنهم - بِالْخِلَافَةِ وَشَهِدَ لَهُ بِالْجَنَّةِ،وَبِأَنَّهُ شَهِيدٌ،وَأَنَّ عَلِيًّا - رضي الله عنهم - مُحِبٌّ لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَلِرَسُولِهِ - صلى الله عليه وسلم - ،وَأَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ وَرَسُولَهُ - صلى الله عليه وسلم - مُحِبَّانِ لِعَلِيٍّ - رضي الله عنهم - وَجَمِيعُ مَا شَهِدَ لَهُ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - مِنَ الْفَضَائِلِ الَّتِي تَقَدَّمَ ذِكْرُنَا لَهَا وَمَا أَخْبَرَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - مِنْ مَحَبَّتِهِ لِلْحَسَنِ وَالْحُسَيْنِ - رضي الله عنهم - مَا،مِمَّا تَقَدَّمَ ذِكْرُنَا لَهُ،فَمَنْ لَمْ يُحِبَّ هَؤُلَاءِ وَيَتَوَلَّهُمْ فَعَلَيْهِ لَعْنَةُ اللَّهِ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ،وَقَدْ بَرِئَ مِنْهُ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ وَعُثْمَانُ - رضي الله عنهم - مْ،وَكَذَا مَنْ زَعَمَ أَنَّهُ يَتَوَلَّى عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ - رضي الله عنهم - ،وَيُحِبُّ أَهْلَ بَيْتِهِ وَيَزْعُمُ أَنَّهُ لَا يَرْضَى بِخِلَافَةِ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَلَا عُثْمَانَ وَلَا يُحِبُّهُمْ وَيَبْرَأُ مِنْهُمْ،وَيَطْعَنُ عَلَيْهِمْ،فَنَشْهَدُ بِاللَّهِ يَقِينًا أَنَّ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ وَالْحَسَنَ وَالْحُسَيْنَ - رضي الله عنهم - مْ بَرَآءٌ مِنْهُ لَا تَنْفَعُهُ مَحَبَّتُهُمْ حَتَّى يُحِبَّ أَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعُثْمَانَ - رضي الله عنهم - مْ،كَمَا قَالَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ - رضي الله عنهم - فِيمَا وَصَفَّهُمْ بِهِ،وَذَكَرَ فَضْلَهُمْ،وَتَبْرَّأَ مِمَّنْ لَمْ يُحِبَّهُمْ،فَ - رضي الله عنهم - ،وَعَنْ ذُرِّيَّتِهِ الطَّيِّبَةِ،هَذَا طَرِيقُ الْعُقَلَاءِ مِنَ الْمُسْلِمِينَ،وَنَعُوذُ بِاللَّهِ مِمَّنْ يَقْذِفُ أَهْلَ بَيْتِ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - بِالطَّعْنِ عَلَى أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعُثْمَانَ - رضي الله عنهم - مْ،لَقَدِ افْتَرَى(1/246)
عَلَى أَهْلِ الْبَيْتِ وَقَذَفَهُمْ بِمَا قَدْ صَانَهُمُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ عَنْهُ وَهَلْ عَرَفْتُ أَكْثَرَ فَضَائِلِ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعُثْمَانَ،إِلَّا مِمَّا رَوَاهُ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ - رضي الله عنهم - مْ أَجْمَعِينَ ؟ " (1)
20. عَنْ مُحَمَّدِ ابْنِ الْحَنَفِيَّةِ قَالَ:كُنْتُ مَعَ عَلِيٍّ،وَعُثْمَانُ مَحْصُورٌ،قَالَ:فَأَتَاهُ رَجُلٌ فَقَالَ:إِنَّ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ مَقْتُولٌ،ثُمَّ جَاءَ آخَرُ فَقَالَ:إِنَّ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ مَقْتُولٌ السَّاعَةَ،قَالَ:فَقَامَ عَلِيٌّ،قَالَ مُحَمَّدٌ:فَأَخَذْتُ بِوَسَطِهِ تَخَوُّفًا عَلَيْهِ،فَقَالَ:خَلِّ لاَ أُمَّ لَكَ،قَالَ:فَأَتَى عَلِيٌّ الدَّارَ،وَقَدْ قُتِلَ الرَّجُلُ،فَأَتَى دَارَهُ فَدَخَلَهَا،وَأَغْلَقَ عَلَيْهِ بَابَهُ،فَأَتَاهُ النَّاسُ فَضَرَبُوا عَلَيْهِ الْبَابَ،فَدَخَلُوا عَلَيْهِ فَقَالُوا:إِنَّ هَذَا الرَّجُلَ قَدْ قُتِلَ وَلاَ بُدَّ لِلنَّاسِ مِنْ خَلِيفَةٍ،وَلاَ نَعْلَمُ أَحَدًا أَحَقَّ بِهَا مِنْكَ،فَقَالَ لَهُمْ عَلِيٌّ:لاَ تُرِيدُونِي،فَإِنِّي لَكُمْ وَزِيرٌ خَيْرٌ مِنِّي لَكُمْ أَمِيرٌ،فَقَالُوا:لاَ وَاللهِ مَا نَعْلَمُ أَحَدًا أَحَقَّ بِهَا مِنْكَ،قَالَ:فَإِنْ أَبَيْتُمْ عَلَيَّ فَإِنَّ بَيْعَتِي لاَ تَكُونُ سِرًّا،وَلَكِنْ أَخْرُجُ إِلَى الْمَسْجِدِ فَمَنْ شَاءَ أَنْ يُبَايِعَنِي بَايَعَنِي،قَالَ:فَخَرَجَ إِلَى الْمَسْجِدِ فَبَايَعَهُ النَّاسُ..فضائل الصحابة (2)
21. عَنِ الْمِسْوَرِ بْنِ مَخْرَمَةَ قَالَ:قُتِلَ عُثْمَانُ،وَعَلِيٌّ فِي الْمَسْجِدِ،قَالَ:فَمَالَ النَّاسُ إِلَى طَلْحَةَ،قَالَ:فَانْصَرَفَ عَلِيٌّ يُرِيدُ مَنْزِلَهُ،فَلَقِيَهُ رَجُلٌ مِنْ قُرَيْشٍ عِنْدَ مَوْضِعِ الْجَنَائِزِ فَقَالَ:انْظُرُوا إِلَى رَجُلٍ قَتَلَ ابْنَ عَمِّهِ،وَسَلَبَ مُلْكَهُ،قَالَ:فَوَلَّى رَاجِعًا فَرَقَى فِي الْمِنْبَرِ فَقِيلَ:ذَاكَ عَلِيٌّ عَلَى الْمِنْبَرِ،فَمَالَ النَّاسُ عَلَيْهِ فَبَايَعُوهُ وَتَرَكُوا طَلْحَةَ. .فضائل الصحابة (3)
22. عَنْ أَبِى بَكْرٍ - رضى الله عنهم - قَالَ ارْقُبُوا مُحَمَّدًا - صلى الله عليه وسلم - فِى أَهْلِ بَيْتِهِ أخرجه البخاري (4)
23.
__________
(1) - الشَّرِيعَةُ لِلْآجُرِّيِّ (1659 ) -قلت : بعض الأحاديث فيها نظر مثل حديث أهل بيتي مثل سفينة نوح .. فهو منكر لا يصح
(2) - برقم(937) و المروزي برقم(629و630) والآجري برقم(1194) وهو صحيح -أبى : رفض وامتنع
(3) - برقم(938) وهو صحيح
(4) - برقم(3713) -قَوْلُهُ : ( اُرْقُبُوا مُحَمَّدًا فِي أَهْل بَيْته ) يُخَاطِب بِذَلِكَ النَّاس وَيُوصِيهِمْ بِهِ ، وَالْمُرَاقَبَة لِلشَّيْءِ الْمُحَافَظَة عَلَيْهِ ، يَقُول اِحْفَظُوهُ فِيهِمْ فَلَا تُؤْذُوهُمْ وَلَا تُسِيئُوا إِلَيْهِمْ .(1/247)
عَنْ قُرَّةَ بن خَالِدٍ،قَالَ:سَمِعْتُ أَبَا رَجَاءٍ الْعُطَارِدِيَّ،يَقُولُ:"لا تَسُبُّوا عَلِيًّا وَلا أَهْلَ هَذَا الْبَيْتِ،فَإِنَّ جَارًا لَنَا مِنْ بَلْهُجَيْمِ،قَالَ:أَلَمْ تَرَوْا إِلَى هَذَا الْفَاسِقِ الْحُسَيْنِ بن عَلِيٍّ قَتَلَهُ اللَّهُ،فَرَمَاهُ اللَّهُ بِكَوْكَبَيْنِ فِي عَيْنَيْهِ،فَطَمَسَ اللَّهُ بَصَرَهُ".أخرجه الطبراني (1)
24. عَنِ الرَّبِيعِ بْنِ خُثَيْمٍ،أَنَّهُمْ ذَكَرُوا عِنْدَهُ عَلِيًّا،فَقَالَ:مَا رَأَيْتُ أَحَدًا مُبْغِضِيهِ أَشَدَّ لَهُ بُغْضًا،وَلاَ مُحِبِّيهِ أَشَدَّ لَهُ حُبًّا،وَلَمْ أَرَهُمْ يَجِدُونَ عَلَيْهِ فِي حُكْمِهِ،وَاللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ يَقُولُ:{يُؤتِي الْحِكْمَةَ مَن يَشَاء وَمَن يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلاَّ أُوْلُواْ الأَلْبَابِ} (269) سورة البقرة .فضائل الصحابة (2)
25. عَنِ الشَّعْبِيِّ قَالَ:لَقِيتُ عَلْقَمَةَ،فَقَالَ:أَتَدْرِي مَا مَثَلُ عَلِيٍّ فِي هَذِهِ الأُمَّةِ ؟ قَالَ:قُلْتُ:وَمَا مَثَلُهُ ؟ قَالَ:مَثَلُ عِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ،أَحَبَّهُ قَوْمٌ حَتَّى هَلَكُوا فِي حُبِّهِ،وَأَبْغَضَهُ قَوْمٌ حَتَّى هَلَكُوا فِي بُغْضِهِ..أخرجه في فضائل الصحابة (3)
26. عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَيَّاشٍ الزُّرَقِيِّ قَالَ:قُلْتُ لَهُ:أَخْبِرْنَا عَنْ هَذَا الرَّجُلِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ،قَالَ:إِنَّ لَنَا أَخْطَارًا وَأَحْسَابًا،وَنَحْنُ نَكْرَهُ أَنْ نَقُولَ فِيهِ مَا يَقُولُ بَنُو عَمِّنَا،قَالَ:كَانَ عَلِيٌّ رَجُلاً تِلْعَابَةً،يَعْنِي مَزَّاحًا،قَالَ:وَكَانَ إِذَا فُزِعَ،فُزِعَ إِلَى ضَرِسٍ حَدِيدٍ،قَالَ:قُلْتُ:مَا ضَرِسٌ حَدِيدٌ ؟ قَالَ:قِرَاءَةُ الْقُرْآنِ،وَفِقْهٌ فِي الدِّينِ،وَشَجَاعَةٌ،وَسَمَاحَةٌ..فضائل الصحابة (4)
27. عن عوف قَالَ:كُنْتُ عِنْدَ الْحَسَنِ،فَذَكَرُوا أَصْحَابَ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ ابْنُ جَوْشَنٍ الْغَطَفَانِيُّ:يَا أَبَا سَعِيدٍ،إِنَّمَا أَزْرِي بِأَبِي مُوسَى اتِّبَاعَهُ عَلِيًّا،قَالَ:فَغَضِبَ الْحَسَنُ حَتَّى تَبَيَّنَ الْغَضَبُ فِي وَجْهِهِ قَالَ:فَمَنْ يُتَّبَعُ ؟ قُتِلَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ عُثْمَانُ مَظْلُومًا،فَعَمَدَ النَّاسُ إِلَى خَيْرِهِمْ فَبَايَعُوهُ،فَمَنْ يُتَّبَعُ،حَتَّى رَدَّهَا مِرَارًا..فضائل الصحابة (5)
28.
__________
(1) - برقم(2761) وفضائل الصحابة برقم( 940) صحيح
(2) - برقم(941) وهو صحيح
البغض : عكس الحب وهو الكُرْهُ والمقت
(3) - برقم(942) صحيح لغيره
(4) - برقم(943) وهو صحيح
(5) - برقم(944) وهو صحيح(1/248)
عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ « يَطْلُعُ عَلَيْكُمْ - أَوْ يَدْخُلُ عَلَيْكُمْ - رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ ». فَجَاءَ أَبُو بَكْرٍ ثُمَّ قَالَ « يَطْلُعُ عَلَيْكُمْ - أَوْ يَدْخُلُ عَلَيْكُمْ - شَابٌّ ». يُرِيدُ « رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ ». قَالَ فَجَاءَ عُمَرُ ثُمَّ قَالَ « يَطْلُعُ عَلَيْكُمْ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ اللَّهُمَّ اجْعَلْهُ عَلِيًّا اللَّهُمَّ اجْعَلْهُ عَلِيًّا ». قَالَ فَجَاءَ عَلِىٌّ.أخرجه أحمد (1)
29. عَنْ شَدَّادٍ أَبِي عَمَّارٍ قَالَ:دَخَلْتُ عَلَى وَاثِلَةَ بْنِ الأَسْقَعِ وَعِنْدَهُ قَوْمٌ،فَذَكَرُوا عَلِيًّا فَشَتَمُوهُ،فَشَتَمْتُهُ مَعَهُمْ،فَلَمَّا قَامُوا قَالَ لِي:لِمَ شَتَمْتَ هَذَا الرَّجُلَ ؟ قُلْتُ:رَأَيْتُ الْقَوْمَ شَتَمُوهُ فَشَتَمْتُهُ مَعَهُمْ،فَقَالَ:أَلاَ أُخْبِرُكَ بِمَا رَأَيْتُ مِنْ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - ؟ قُلْتُ:بَلَى،فَقَالَ:أَتَيْتُ فَاطِمَةَ أَسْأَلُهَا عَنْ عَلِيٍّ،فَقَالَتْ:تَوَجَّهَ إِلَى رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - ،فَجَلَسْتُ أَنْتَظِرُهُ حَتَّى جَاءَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - وَمَعَهُ عَلِيٌّ،وَحَسَنٌ وَحُسَيْنٌ،آخِذًا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِيَدِهِ،حَتَّى دَخَلَ فَأَدْنَى عَلِيًّا وَفَاطِمَةَ،فَأَجْلَسَهُمَا بَيْنَ يَدَيْهِ،وَأَجْلَسَ حَسَنًا وَحُسَيْنًا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى فَخِذِهِ،ثُمَّ لَفَّ عَلَيْهِمْ ثَوْبَهُ،أَوْ قَالَ:كِسَاءً،ثُمَّ تَلاَ هَذِهِ الآيَةَ:{... إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا} (33) سورة الأحزاب ثُمَّ قَالَ:اللَّهُمَّ هَؤُلاَءِ أَهْلُ بَيْتِي،وَأَهْلُ بَيْتِي أَحَقُّ..فضائل الصحابة (2)
30. عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالَ:إِنَّمَا كُنَّا نَعْرِفُ مُنَافِقِي الأَنْصَارِ بِبُغْضِهِمْ عَلِيًّا.. فضائل الصحابة (3)
31. عَنْ عَلِيٍّ قَالَ:مَا رَمِدَتْ عَيْنِي مُنْذُ تَفَلَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - فِي عَيْنِي...فضائل الصحابة (4)
32. عَنْ عَمْرِو بْنِ شَاسٍ الأَسْلَمِىِّ - قَالَ وَكَانَ مِنْ أَصْحَابِ الْحُدَيْبِيَةِ - قَالَ َرَجْتُ مَعَ عَلِىٍّ إِلَى الْيَمَنِ فَجَفَانِى فِى سَفَرِى ذَلِكَ حَتَّى وَجَدْتُ فِى نَفْسِى عَلَيْهِ فَلَمَّا قَدِمْتُ
__________
(1) - برقم(15454) والطبراني برقم(1416) والشريعة برقم(1496) وطبقات محدثي أصبهان برقم(1212) صحيح لغيره
(2) - برقم(946) حديث حسن
(3) - برقم(947) والآجري برقم(1489) وإسناده صحيح
(4) - برقم(948) حديث حسن(1/249)
أَظْهَرْتُ شِكَايَتَهُ فِى الْمَسْجِدِ حَتَّى بَلَغَ ذَلِكَ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فَدَخَلْتُ الْمَسْجِدَ ذَاتَ غَدَاةٍ وَرَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فِى نَاسٍ مِنْ أَصْحَابِهِ فَلَمَّا رَآنِى أَبَدَّنِى عَيْنَيْهِ - يَقُولُ حَدَّدَ إِلَىَّ النَّظَرَ - حَتَّى إِذَا جَلَسْتُ قَالَ « يَا عَمْرُو وَاللَّهِ لَقَدْ آذَيْتَنِى ». قُلْتُ َعُوذُ بِاللَّهِ أَنْ أُؤْذِيَكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ. قَالَ « بَلَى مَنْ آذَى عَلِيًّا فَقَدْ آذَانِى ».أخرجه أحمد (1)
33. عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَانِ بْنِ أَبِي لَيْلَى،قَالَ:ذُكِرَ عَنْدَهُ قَوْلُ النَّاسِ فِي عَلِيٍّ،فَقَالَ:قَدْ جَالَسْنَاهُ وَوَاكَلْنَاهُ وَشَارَبْنَاهُ وَقُمْنَا لَهُ عَلَى الأَعْمَالِ،فَمَا سَمِعْته يَقُولُ شَيْئًا مِمَّا يَقُولُونَ،إنَّمَا يَكْفِيكُمْ أَنْ تَقُولُوا:ابْنُ عَمِّ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - وَخَتَنُهُ،وَشَهِدَ بَيْعَةَ الرِّضْوَانِ،وَشَهِدَ بَدْرًا.أحره ابن أبي شيبة (2)
34. عَنْ أَبِي الْبَخْتَرِيِّ قَالَ:أَتَى رَجُلٌ عَلِيًّا يَمْدَحُهُ،وَقَدْ كَانَ يَقَعُ فِيهِ،فَقَالَ عَلِيٌّ:مَا أَنَا كَمَا تَقُولُ،وَإِنِّي لَخَيْرٌ مِمَّا فِي نَفْسِكَ.. فضائل الصحابة (3)
35. عَنْ عَلِىٍّ قَالَ بَعَثَنِى رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - إِلَى الْيَمَنِ فَقُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ تَبْعَثُنِى وَأَنَا شَابٌّ أَقْضِى بَيْنَهُمْ وَلاَ أَدْرِى مَا الْقَضَاءُ قَالَ فَضَرَبَ فِى صَدْرِى بِيَدِهِ ثُمَّ قَالَ « اللَّهُمَّ اهْدِ قَلْبَهُ وَثَبِّتْ لِسَانَهُ ».قَالَ فَمَا شَكَكْتُ بَعْدُ فِى قَضَاءٍ بَيْنَ اثْنَيْنِ.أخرجه ابن ماجة (4)
36.
__________
(1) - برقم(16381) والحاكم برقم(4619) وصححه ووافقه الذهبي ودلائل النبوة للبيهقي برقم(2130)وأبو يعلى برقم(770) والبزا ر برم(1166) وابن حبان برقم(7049) ومعرفة برقم(4469) والمجمع برقم (14736 و14738) والآجري برقم(1493 و1499 ) وفيه ضعف والمرفوع منه صحيح
الجَفَاء : البُعْد عَن الشيء يقال جَفَاه إذا بَعُدَ عَنْه= الوجد : الغضب ، والحزن والمساءة وأيضا : وَجَدْتُ بِفُلانَة وَجْداً، إذا أحْبَبْتها حُبّا شَديدا.
(2) - برقم(32090) وفضائل الصحابة برقم(950) وهو صحيح
الختن : قريب الزوجة كأبيها وأخيها ، وزوج الابنة ، وزوج الأخت
(3) - برقم(951) وفيه انقطاع
(4) - برقم(2398) وأحمد برقم(646) وابن أبي شيبة برقم(29091 و32063) والنسائي برقم(8365) والبزار برقم(912) وابن الأعرابي برقم(1675) من طرق صحيح لغيره
وفي حاشية السندي على ابن ماجه - (ج 5 / ص 13) قَوْله ( وَلَا أَدْرِي مَا الْقَضَاء ) لَمْ يُرِدْ نَفْي الْعِلْم بِالْقَضَاءِ مُطْلَقًا وَإِنَّمَا أَرَادَ نَفْي التَّجْرِبَة بِكَيْفِيَّةِ فَصْل الْخُصُومَات وَكَيْفِيَّة دَفْع كُلٍّ مِنْ الْمُتَخَاصِمَيْنِ كَلَام الْآخَر وَمَكْر أَحَدهمَا بِالْآخَرِ أَيْ إِنِّي مَا جَرَّبْت ذَلِكَ قَبْل هَذَا وَإِلَّا فَهُوَ كَامِلٌ لِلْعِلْمِ بِأَحْكَامِ الدِّين وَقَضَايَا الشَّرْع قَوْله ( فِي قَضَاء إِلَخْ ) أَيْ فِي كَيْفِيَّة الْفَصْل بَيْنهمَا(1/250)
عَنْ زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ قَالَ كَانَ لِنَفَرٍ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - أَبْوَابٌ شَارِعَةٌ فِى الْمَسْجِدِ.قَالَ فَقَالَ يَوْماً « سُدُّوا هَذِه الأَبْوَابَ إِلاَّ بَابَ عَلِىٍّ ». قَالَ فَتَكَلَّمَ فِى ذَلِكَ النَّاسُ. قَالَ فَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فَحَمِدَ اللَّهَ تَعَالَى وَأَثْنَى عَلَيْهِ ثُمَّ قَالَ « أَمَّا بَعْدُ فَإِنِّى أَمَرْتُ بِسَدِّ هَذِه الأَبْوَابَ إِلاَّ بَابَ عَلِىٍّ وَقَالَ فِيهِ قَائِلُكُمْ وَإِنِّى وَاللَّهِ مَا سَدَدْتُ شَيْئاً وَلاَ فَتَحْتُهُ وَلَكِنِّى أُمِرْتُ بِشَىْءٍ فَاتَّبَعْتُهُ »أخرجه أحمد (1)
قال الطحاوي:"بَابُ بَيَانِ مُشْكِلِ مَا رُوِيَ عَنْ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فِي الْبَابِ الَّذِي اسْتَثْنَاهُ مِنَ الْأَبْوَابِ الَّتِي كَانَتْ إِلَى مَسْجِدِهِ،فَأَمَرَ بِسَدِّهَا غَيْرَ ذَلِكَ الْبَابِ
عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ،أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ فِي مَرَضِهِ الَّذِي مَاتَ فِيهِ:"سُدُّوا عَنِّي كُلَّ خَوْخَةٍ فِي الْمَسْجِدِ غَيْرَ خَوْخَةِ أَبِي بَكْرٍ " ... ...
وعَنْ عَائِشَةَ،أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ:"سُدُّوا هَذِهِ الْأَبْوَابَ إِلَّا بَابَ أَبِي بَكْرٍ،فَإِنِّي لَوْ كُنْتُ مُتَّخِذًا خَلِيلًا لَاتَّخَذْتُ أَبَا بَكْرٍ خَلِيلًا،وَلَكِنْ أُخُوَّةُ الْإِسْلَامِ أَفْضَلُ "
وعَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ،عَنْ أَبِيهِ قَالَ:قَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - فِي مَرَضِهِ:"سُدُّوا هَذِهِ الْأَبْوَابَ الشَّارِعَةَ إِلَّا بَابَ أَبِي بَكْرٍ،فَإِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَصْحَابِي أَحَدٌ أَعْظَمَ عِنْدِي يَدًا،وَلَا أَحْسَنَ بَلَاءً مِنْهُ "
وعَنْ بَعْضِ،أَصْحَابِ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - ،أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ:"سُدُّوا هَذِهِ الْأَبْوَابَ الشَّوَارِعَ فِي الْمَسْجِدِ إِلَّا بَابَ أَبِي بَكْرٍ,فَإِنِّي لَا أَعْلَمُ امْرَأً أَفْضَلَ عِنْدِي يَدًا فِي الصَّحَابَةِ مِنْ أَبِي بَكْرٍ "
وعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ،أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ:"سُدُّوا هَذِهِ الْأَبْوَابَ إِلَّا بَابَ أَبِي بَكْرٍ،فَإِنِّي رَأَيْتُ عَلَى كُلِّ بَابٍ مِنْهَا ظُلْمَةٌ "
قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ:فَذَكَرْتُ هَذَا الْحَدِيثَ لِإِبْرَاهِيمَ بْنِ أَبِي دَاوُدَ،وَقُلْتُ لَهُ:إِنَّ فَهْدًا قَدْ وَافَقَهُ فِيهِ حَسَنُ بْنُ سُلَيْمَانَ،أَفَسَمِعْتَهُ أَنْتَ مِنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ صَالِحٍ ؟ فَقَالَ:حَدَّثَ بِهِ فِي يَوْمٍ لَمْ أَحْضُرْهُ فِيهِ،ثُمَّ حَضَرْتُهُ فِي غَدِهِ،فَذَكَرَهُ،وَرَجَعَ عَنْهُ.قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ:فَفِيمَا رُوِّينَا مِنْ هَذِهِ
__________
(1) -برقم(19808) والنسائي برقم(8369) والمستدرك برقم(4631) وغيرهما من طرق حسن لغيره خلافا لمن زعم وضعه(1/251)
الْأَحَادِيثِ أَنَّ الْبَابَ الْمُسْتَثْنَى مِنْهَا كَانَ بَابَ أَبِي بَكْرٍ،وَقَدْ رُوِيَ أَنَّ الْبَابَ الْمُسْتَثْنَى مِنْهَا كَانَ بَابَ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ - رضي الله عنهم - .
فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنهم - قَالَ:قَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ - رضي الله عنهم - :"لَقَدْ أُعْطِيَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ - رضي الله عنهم - خِصَالًا،لَأَنْ يَكُونَ فِيَّ خَصْلَةٌ مِنْهَا أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ أُعْطَى حُمْرَ النَّعَمِ،قَالُوا:وَمَا هُنَّ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ ؟ قَالَ:تَزَوَّجَ فَاطِمَةَ ابْنَةَ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - ،وَسُكْنَاهُ الْمَسْجِدَ مَعَ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - ،يَحِلُّ لَهُ فِيهِ مَا يَحِلُّ لِرَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - ،وَالرَّايَةُ يَوْمَ خَيْبَرَ"
قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ:وَعَبْدُ اللهِ بْنُ جَعْفَرٍ الَّذِي عَادَ إِلَيْهِ هَذَا الْحَدِيثُ،إِنْ يَكُنْ هُوَ الْمَخْرَمِيَّ،فَهُوَ مِمَّنْ يُحْمَدُ فِي حَدِيثِهِ،وَإِنْ يَكُنْ هُوَ ابْنَ نَجِيحٍ أَبُو عَلِيِّ بْنَ الْمَدِينِيِّ،فَإِنَّ حَدِيثَهُ لَيْسَ كَحَدِيثِ عَبْدِ اللهِ بْنِ جَعْفَرٍ الْمَخْرَمِيِّ،وَلَكِنَّهُ لَيْسَ بِسَاقِطٍ،قَدْ حَدَّثَ النَّاسُ عَنْهُ،وَأَحَدُ مَنْ حَدَّثَ عَنْهُ ابْنُهُ،وَهُوَ إِمَامُ أَهْلِ الْحَدِيثِ.ثُمَّ نَظَرْنَا:هَلْ رَوَى هَذَا الْحَدِيثَ عَنْ سُهَيْلٍ غَيْرُهُ
فعَنْ سُهَيْلِ بْنِ أَبِي صَالِحٍ،عَنْ أَبِيهِ،- وَلَمْ يَذْكُرْ أَبَا هُرَيْرَةَ - رضي الله عنهم - ،أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ - رضي الله عنهم - قَالَ:"لَقَدْ أُوتِيَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ ثَلَاثًا،لَأَنْ أَكُونَ أُوتِيتُهُنَّ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ أُعْطَى حُمْرَ النَّعَمِ:جِوَارُ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - فِي الْمَسْجِدِ،وَالرَّايَةُ يَوْمَ خَيْبَرَ،وَالثَّالِثَةُ نَسِيَهَا سُهَيْلٌ "
وعَنِ الْحَارِثِ بْنِ ثَعْلَبَةَ قَالَ:قُلْتُ لِسَعْدٍ - رضي الله عنهم - :أَشَهِدْتَ شَيْئًا مِنْ مَنَاقِبِ عَلِيٍّ عَلَيْهِ السَّلَامُ ؟ قَالَ:شَهِدْتُ لَهُ أَرْبَعَ مَنَاقِبَ،وَالْخَامِسَةُ لَقَدْ شَهِدْتُهَا،لَأَنْ يَكُونَ لِي أُخْرَاهُنَّ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنَ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا:"سَدَّ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - أَبْوَابَ الْمَسْجِدِ وَتَرَكَ بَابَ عَلِيٍّ - رضي الله عنهم - ،فَسُئِلَ عَنْ ذَلِكَ فَقَالَ:"مَا أَنَا سَدَدْتُهَا،وَمَا أَنَا تَرَكْتُهَا "،وَزَوَّجَهُ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فَاطِمَةَ عَلَيْهَا السَّلَامُ،فَوَلَدَتْ لَهُ،وَأَعْطَاهُ الرَّايَةَ يَوْمَ خَيْبَرَ"
وعَنْ سَعْدٍ:"أَنَّ الْعَبَّاسَ أَتَى النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ:سَدَدْتَ أَبْوَابَنَا إِلَّا بَابَ عَلِيٍّ ؟ فَقَالَ:"مَا أَنَا فَتَحْتُهَا،وَمَا أَنَا سَدَدْتُهَا "
وعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ - رضي الله عنهم - مَا قَالَ:"أَمَرَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - بِأَبْوَابٍ الْمَسْجِدِ فَسُدَّتْ إِلَّا بَابَ عَلِيٍّ عَلَيْهِ السَّلَامُ "
وقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ:"وَسَدَّ أَبْوَابَ الْمَسْجِدِ - يَعْنِي النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - غَيْرَ بَابِ عَلِيٍّ عَلَيْهِ السَّلَامُ،فَكَانَ يَدْخُلُ فِي الْمَسْجِدِ وَهُوَ جُنُبٌ،وَهُوَ طَرِيقُهُ لَيْسَ لَهُ طَرِيقٌ غَيْرُهُ"(1/252)
وعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ:قَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - :"سُدُّوا أَبْوَابَ الْمَسْجِدِ إِلَّا بَابَ عَلِيٍّ "
وعَنِ الْعَيْزَارِ بْنِ حُرَيْثٍ قَالَ:كُنْتُ عِنْدَ ابْنِ عُمَرَ،فَسَأَلَهُ رَجُلٌ عَنْ عَلِيٍّ وَعُثْمَانَ - رضي الله عنهم - مَا،فَقَالَ لَهُ:"أَمَّا عَلِيٌّ،فَلَا تَسْأَلْنَا عَنْهُ،وَلَكِنِ انْظُرْ إِلَى مَنْزِلَتِهِ مِنْ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - :إِنَّهُ سَدَّ أَبْوَابَنَا فِي الْمَسْجِدِ غَيْرَ بَابِهِ،وَأَمَّا عُثْمَانَ،فَإِنَّهُ أَذْنَبَ ذَنْبًا يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ عَظِيمًا،عَفَا اللهُ عَزَّ وَجَلَّ عَنْهُ،وَأَذْنَبَ ذَنْبًا صَغِيرًا،فَقَتَلْتُمُوهُ "
وعَنِ ابْنِ عُمَرَ - رضي الله عنهم - مَا قَالَ:"كُنَّا نَتَحَدَّثُ فِي زَمَنِ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ:"خَيْرُ النَّاسِ أَبُو بَكْرٍ،ثُمَّ عُمَرُ - رضي الله عنهم - مَا "،وَقَدْ أُعْطِيَ عَلِيٌّ عَلَيْهِ السَّلَامُ ثَلَاثَ مَنَاقِبَ،لَأَنْ يَكُونَ لِي إِحْدَاهُنَّ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ حُمْرِ النَّعَمِ:زَوَّجَهُ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فَاطِمَةَ فَوَلَدَتْ مِنْهُ،وَأَعْطَاهُ الرَّايَةَ يَوْمَ خَيْبَرَ،وَسَدَّ أَبْوَابَ الْمَسْجِدِ كُلَّهَا إِلَّا بَابَ عَلِيٍّ "
وعَنْ زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ قَالَ:"كَانَ لِنَفَرٍ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - أَبْوَابٌ شَارِعَةٌ فِي الْمَسْجِدِ،فَقَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - :"سُدُّوا هَذِهِ الْأَبْوَابَ إِلَّا بَابَ عَلِيٍّ "،فَتَكَلَّمَ فِي ذَلِكَ أُنَاسٌ،فَقَامَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - ،فَحَمِدَ اللهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ،ثُمَّ قَالَ:"أَمَّا بَعْدُ:فَإِنِّي أُمِرْتُ بِسَدِّ هَذِهِ الْأَبْوَابِ غَيْرَ بَابِ عَلِيٍّ،فَقَالَ فِيهِ قَائِلُكُمْ،وَاللهِ مَا سَدَدْتُ،وَلَا فَتَحْتُ،وَلَكِنْ أُمِرْتُ بِشَيْءٍ فَاتَّبَعْتُهُ"قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ:فَقَالَ قَائِلٌ:هَذَا اضْطِرَابٌ شَدِيدٌ،وَاخْتِلَافٌ بَعِيدٌ،فَكَيْفَ تَقْبَلُونَ هَذَا،وَتُضِيفُونَهُ بِجُمْلَتِهِ إِلَى رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - ؟ فَكَانَ جَوَابُنَا لَهُ فِي ذَلِكَ بِتَوْفِيقِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ وَعَوْنِهِ:إِنَّهُ لَمْ يُبَيِّنْ لَنَا فِي ذَلِكَ مَا ادَّعَاهُ مِنَ الِاخْتِلَافِ،وَإِنَّهُ إِنَّمَا أَتَى فِي ذَلِكَ مِنْ قِلَّةِ عَلِمِهِ بِسَعَةِ اللُّغَةِ الَّتِي كَانَتِ الْعَرَبُ يُخَاطِبُ بَعْضُهُمْ بِهَا بَعْضًا،وَيَفْهَمُ بَعْضُهُمْ بِهَا عَنْ بَعْضٍ مُرَادَهُمْ بِمَا يَتَخَاطَبُونَ بِهِ مِنْهَا،فَقَدْ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ كَانَ مِنْهُ مَا فِي كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ هَذَيْنِ الْجِنْسَيْنِ مِنْ هَذِهِ الْأَحَادِيثِ فِي قَوْلَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ،فَكَانَ الْأَوَّلُ مِنْهُمَا أُمِرَ بِسَدِّ تِلْكَ الْأَبْوَابِ إِلَّا الْبَابَ الَّذِي اسْتَثْنَاهُ مِنْهَا،إِمَّا بَابَ أَبِي بَكْرٍ،وَإِمَّا بَابَ عَلِيٍّ،ثُمَّ أَمَرَ بَعْدَ ذَلِكَ بِسَدِّ الْأَبْوَابِ الَّتِي أَمَرَ بِسَدِّهَا بِقَوْلِهِ الْأَوَّلِ،وَلَمْ يَكُنْ مِنْهَا الْبَابُ الَّذِي اسْتَثْنَاهُ مِنْهَا إِلَّا الْبَابَ الَّذِي اسْتَثْنَاهُ،إِمَّا بَابَ أَبِي بَكْرٍ،وَإِمَّا بَابَ عَلِيٍّ،فَعَادَ الْبَابَانِ مُسْتَثْنَيَيْنِ بِالِاسْتِثْنَاءَيْنِ جَمِيعًا،وَلَمْ يَكُنْ مَا أَمَرَ بِهِ آخِرًا رُجُوعًا عَمَّا كَانَ أَمَرَ بِهِ أَوَّلًا،وَعَادَ مَا كَانَ مِنْهُ فِي أَمْرَيْهِ جَمِيعًا بَاقِيًا،فَعَادَ الْبَابَانِ:بَابُ أَبِي بَكْرٍ،وَبَابُ عَلِيٍّ مُسْتَثْنَيَيْنِ جَمِيعًا،خَارِجَيْنِ مِنَ الْأَبْوَابِ(1/253)
الَّتِي كَانَ أَمَرَ بِسَدِّهَا،وَكَانَ ذَلِكَ مِمَّا اخْتَصَّ بِهِ أَبَا بَكْرٍ وَعَلِيًّا،كَمَا قَدِ اخْتَصَّ غَيْرَهُمَا مِنْ أَصْحَابِهِ بِمَا اخْتَصَّهُ بِهِ.فَمَنْ ذَلِكَ مَا كَانَ مِنْهُ مِمَّا اخْتَصَّ بِهِ عُمَرَ مِنْ قَوْلِهِ لَهُ:"فَقَدْ كَانَ فِي الْأُمَمِ مُحَدَّثُونَ - يَعْنِي مُلْهَمِينَ - فَإِنْ يَكُنْ فِي أُمَّتِي مِنْهُمْ أَحَدٌ فَعُمَرُ "،وَهَذِهِ رُتْبَةٌ لَمْ يُطْلِقْهَا فِي أَحَدٍ غَيْرِ عُمَرَ.وَمَثَلُ ذَلِكَ مَا اخْتَصَّ بِهِ عُثْمَانَ،إِذْ أَخْبَرَ بِاسْتِحْيَاءِ الْمَلَائِكَةِ مِنْهُ،وَذَلِكَ مِمَّا لَمْ يَذْكُرْهُ لِغَيْرِهِ،وَمَثَلُ ذَلِكَ مَا كَانَ مِنْهُ فِي طَلْحَةَ بْنِ عُبَيْدِ اللهِ بِإِخْبَارِهِ أَنَّهُ مِمَّنْ قَضَى نَحْبَهُ،قَالَ مُوسَى بْنُ طَلْحَةَ قَالَ:دَخَلْتُ عَلَى مُعَاوِيَةَ،فَلَمَّا خَرَجْتُ دَعَانِي فَقَالَ:يَا ابْنَ أَخِي،أَلَا أَضَعُ عِنْدَكَ حَدِيثًا سَمِعْتُهُ مِنْ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - ؟ قُلْتُ:بَلَى قَالَ:أَشْهَدُ لَسَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ:"طَلْحَةُ قَضَى نَحْبَهُ "
قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ:وَهَذَا مِمَّا لَا نَعْلَمُهُ أُطْلِقَ فِي غَيْرِهِ،وَمَثَلُ ذَلِكَ مَا كَانَ مِنْهُ فِي الزُّبَيْرِ ،فعَنْ جَابِرٍ - رضي الله عنهم - قَالَ:نَدَبَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - النَّاسَ يَوْمَ الْخَنْدَقِ،فَانْتَدَبَ الزُّبَيْرَ،ثُمَّ نَدَبَهُمْ،فَانْتَدَبَ الزُّبَيْرَ،ثُمَّ نَدَبَهُمْ،فَانْتَدَبَ الزُّبَيْرَ،فَقَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - :"لِكُلِّ نَبِيٍّ حَوَارِيُّ،وَحَوَارِيِّ الزُّبَيْرُ"قَالَ يُونُسُ:قَالَ سُفْيَانُ:الْحَوَارِيُّ:النَّاصِرُ،وَلَا نَعْلَمُ هَذَا أُطْلِقَ فِي غَيْرِهِ وَمَثَلُ ذَلِكَ مَا كَانَ مِنْهُ فِي سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ - رضي الله عنهم - ،فعَنْ سَعْدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ قَالَ:سَمِعْتُ عَبْدَ اللهِ بْنَ شَدَّادِ بْنِ الْهَادِ يَقُولُ:سَمِعْتُ عَلِيًّا عَلَيْهِ السَّلَامُ يَقُولُ:"مَا سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - جَمَعَ لِأَحَدٍ أَبَوَيْهِ غَيْرَ سَعْدِ بْنِ مَالِكٍ،فَإِنَّهُ جَعَلَ يَوْمَ أُحُدٍ يَقُولُ:"ارْمِ فِدَاكَ أَبِي وَأُمِّي"وَمَثَلُ ذَلِكَ مَا كَانَ مِنْهُ فِي سَعِيدِ بْنِ زَيْدٍ فِي إِدْخَالِهِ إِيَّاهُ فِي الْعَشَرَةِ الَّذِينَ شَهِدَ أَنَّهُمْ فِي الْجَنَّةِ ,
وَمَثَلُ ذَلِكَ مَا رُوِيَ فِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ - رضي الله عنهم - ،عَنْ عُثْمَانَ مِمَّا نُحِيطُ عِلْمًا أَنَّهُ لَمْ يَقُلْهُ إِلَّا تَوْقِيفًا،فعَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ حُمَيْدٍ،عَنْ أَبِيهِ قَالَ:قَالَ الْمِسْوَرُ:بَيْنَا أَنَا أَسِيرُ فِي رَكْبٍ بَيْنَ عُثْمَانَ وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ،وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ قُدَّامِي عَلَيْهِ خَمِيصَةٌ سَوْدَاءُ،فَقَالَ عُثْمَانُ:مَنْ صَاحِبُ الْخَمِيصَةِ ؟ فَقَالُوا:عَبْدُ الرَّحْمَنِ،فَنَادَانِي:يَا مِسْوَرُ،قُلْتُ:لَبَّيْكَ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ،قَالَ:"مَنْ زَعَمَ أَنَّهُ خَيْرٌ مِنْ خَالِكَ فِي الْهِجْرَةِ الْأُولَى،وَفِي الْهِجْرَةِ الْآخِرَةِ،فَقَدْ كَذَبَ "
وعَنْ أُمِّ بَكْرٍ يَعْنِي ابْنَةَ الْمِسْوَرِ،أَنَّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ عَوْفٍ،بَاعَ أَرْضًا لَهُ مِنْ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ بِأَرْبَعِينَ أَلْفَ دِينَارٍ،فَقَسَمَ فِي فُقَرَاءِ بَنِي زُهْرَةَ،وَفِي أُمَّهَاتِ الْمُؤْمِنِينَ،وَفِي ذِي(1/254)
الْحَاجَةِ مِنَ النَّاسِ قَالَ الْمِسْوَرُ:فَدَخَلْتُ عَلَى عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا بِنَصِيبِهَا مِنْ ذَلِكَ،فَقَالَتْ:مَنْ أَرْسَلَ بِهَذَا ؟،قُلْتُ:عَبْدُ الرَّحْمَنِ،فَقَالَتْ:إِنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ:"لَا يَحْنُو عَلَيْكُنَّ بَعْدِي إِلَّا الصَّابِرُونَ",سَقَى الله عَزَّ وَجَلَّ ابْنَ عَوْفٍ مِنْ سَلْسَبِيلِ الْجَنَّةِ"وَهَذَا فَمَا عَلِمْنَاهُ قِيلَ فِي غَيْرِهِ .
وَمِثْلُ ذَلِكَ مَا قَالَهُ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - فِي أَبِي عُبَيْدَةَ بْنِ الْجَرَّاحِ مِمَّا قَدْ ذَكَرْنَاهُ مِمَّا تَقَدَّمَ مِنَّا فِي كِتَابِنَا هَذَا:"لِكُلِّ أُمَّةٍ أَمِينٌ،وَأَمِينُ هَذِهِ الْأُمَّةِ أَبُو عُبَيْدَةَ بْنُ الْجَرَّاحِ".
فَهَذِهِ خَصَائِصُ كَانَتْ مِنْ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - لِمَنِ اخْتَصَّهُ بِهَا مِنْ أَصْحَابِهِ رِضْوَانُ اللهِ عَلَيْهِمْ،وَمَا فَوْقَ ذَلِكَ مِمَّا قَدْ جَاءَ بِهِ كِتَابُ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ مِنْ قَوْلِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ:{ لَا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ أُولَئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِنَ الَّذِينَ أَنْفِقُوا مِنْ بَعْدُ وَقَاتِلُوا } [الحديد:10]،وَكُلُّ مَنْ ذَكَرْنَاهُ فَقَدْ دَخَلَ فِي هَذَا الْمَعْنَى،وَبَانَ عُلُوُّهُ فَوْقَ النَّاسِ وَجَلَالَةُ مَنْزِلَتِهِ،وَأَنْ لَا أَحَدَ مِنَ النَّاسِ مِمَّنْ لَمْ يَكُنْ مِنْهُ مَا كَانَ مِنْهُ مِثْلُهُ،ثُمَّ قَالَ عَزَّ وَجَلَّ مَوْصُولًا بِذَلِكَ:{ وَكُلًّا وَعَدَ اللهُ الْحُسْنَى } [النساء:95]،فَدَخَلَ الْمُفَضَّلُونَ بِمَا ذَكَرْنَا فِي الْمَعْنَى الْأَوَّلِ،وَدَخَلَ مَنْ سِوَاهُمْ مِمَّنْ صَحِبَ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فِي الْمَعْنَى الثَّانِي،فَثَبَتَ بِذَلِكَ أَنَّ مَنْ صَحِبَ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - ،فَمَعَهُ الْفَضْلُ عَلَى النَّاسِ جَمِيعًا،وَأَنَّ مَنْ صَحِبَهُ يَتَفَاضَلُونَ بِمَا كَانَ مِنْهُمْ مِمَّا قَدْ ذَكَرَهُمُ اللهُ بِهِ فِي الْآيَةِ الَّتِي تَلَوْنَا،وَاللهَ عَزَّ وَجَلَّ نَسْأَلُهُ التَّوْفِيقَ." (1)
37. عَنْ أَبِى الْمُعَدِّلِ عَطِيَّةَ الطُّفَاوِىِّ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ أُمَّ سَلَمَةَ حَدَّثَتْهُ قَالَتْ بَيْنَمَا رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فِى بَيْتِى يَوْماً إِذْ قَالَتِ الْخَادِمُ إِنَّ عَلِيًّا وَفَاطِمَةَ بِالسُّدَّةِ. قَالَتْ فَقَالَ لِى « قُومِى فَتَنَحَّىْ لِى عَنْ أَهْلِ بَيْتِى ». قَالَتْ فَقُمْتُ فَتَنَحَّيْتُ فِى الْبَيْتِ قَرِيباً فَدَخَلَ عَلِىٌّ وَفَاطِمَةُ وَمَعَهُمَا الْحَسَنُ وَالْحُسَيْنُ وَهُمَا صَبِيَّانِ صَغِيرَانِ فَأَخَذَ الصَّبِيَّيْنِ فَوَضَعَهُمَا فِى حِجْرِهِ فَقَبَّلَهُمَا - قَالَ - وَاعْتَنَقَ عَلِيًّا بِإِحْدَى يَدَيْهِ وَفَاطِمَةَ بِالْيَدِ الأُخْرَى فَقَبَّلَ فَاطِمَةَ
__________
(1) - شرح مشكل الآثار - (9 / 178)( 3545) فما بعد(1/255)
وَقَبَّلَ عَلِيًّا فَأَغْدَفَ عَلَيْهِمْ خَمِيصَةً سَوْدَاءَ فَقَال"اللَّهُمَّ إِلَيْكَ لاَ إِلَى النَّارِ أَنَا وَأَهْلُ بَيْتِى ». قَالَتْ فَقُلْتُ وَأَنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ فَقَالَ « وَأَنْتِ ».أخرجه أحمد (1)
38. عن عَبْدِ اللَّهِ بْنُِعِصْمَةَ الْعِجْلِىُّ قَالَ سَمِعْتُ أَبَا سَعِيدٍ الْخُدْرِىَّ يَقُولُ إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - أَخَذَ الرَّايَةَ فَهَزَّهَا ثُمَّ قَالَ « مَنْ يَأْخُذُهَا بِحَقِّهَا ». فَجَاءَ فُلاَنٌ فَقَالَ أَنَا. قَالَ « أَمِطْ ». ثُمَّ جَاءَ رَجُلٌ فَقَالَ « أَمِطْ ». ثُمَّ قَالَ النَّبِىُّ - صلى الله عليه وسلم - "وَالَّذِى كَرَّمَ وَجْهَ مُحَمَّدٍ لأُعْطِيَنَّهَا رَجُلاً لاَ يَفِرُّ هَاكَ يَا عَلِىُّ ». فَانْطَلقَ حَتَّى فَتَحَ اللَّهُ عَلَيْهِ خَيْبَرَ وَفَدَكَ وَجَاءَ بِعَجْوَتِهِمَا وَقَدِيدِهِمَا. قَالَ مُصْعَبٌ بِعَجْوَتِهَا وَقَدِيدِهَاأخرجه أحمد (2)
39. عن سعيد بن المسيب،أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال يوم خيبر:"لأدفعن الراية إلى رجل يحبه الله ورسوله،أو يحب الله ورسوله »،فدعا عليا وإنه لأرمد ما يبصر موضع قدمه،فتفل في عينه،ثم دفعها إليه،ففتح الله عليه.فضائل الصحابة (3)
40. عَنْ بُرَيْدَةَ الأَسْلَمِيِّ - رضي الله عنهم - ،قَالَ:غَزَوْتُ مَعَ عَلِيٍّ إِلَى الْيَمَنِ فَرَأَيْتُ مِنْهُ جَفْوَةً،فَقَدِمْتُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فَذَكَرْتُ عَلِيًّا فَتَنَقَّصْتُهُ،فَرَأَيْتُ وَجْهَ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يَتَغَيَّرُ،فَقَالَ:يَا بُرَيْدَةُ،أَلَسْتُ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ ؟ قُلْتُ:بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ،فَقَالَ:مَنْ كُنْتُ مَوْلاهُ،فَعَلِيٌّ مَوْلاهُ ،أخرجه الحاكم (4)
41.
__________
(1) - برقم(27299) وفيه ضعف
الخميصة : كساء أسود مربع له علمان فى طرفيه من صوف وغيره =السدة : الظلال المسقفة عند باب المسجد وحوله وأصله الباب والظلة تجعل فوقه =أغدف : أرسل وأسبل
(2) - برقم(11421) حسن -القديد : اللحم المقطع والمملح المجفف في الشمس
وفي مغانى الأخيار - (ج 3 / ص 128) 1319- عبد الله بن عصمة الجشمى: حجازى، روى عن حكيم بن حزام، وأبى سعيد الخدرى، روى عن صفوان بن موهب، وعطاء بن أبى رباح، ويوسف بن ماهك المكيُّون، وإسرائيل، وشريك، وآخرون. ذكره ابن حبان فى الثقات، روى له النسائى حديثًا واحدًا من ثلاث طرق فى باب البيع، وروى له أبو جعفر الطحاوى.
وفي معرفة الثقات - (ج 2 / ص 47) (933) عبد الله بن عصمة ثقة
(3) - برقم(956) والنسائي برقم(8352) موصولا وابن عساكر 42/103 وهو صحيح
(4) - برقم(4578) ومعرفة الصحابة برقم(1174) وفضائل الصحابة برقم( 957) صحيح
الجفوة والجَفَاء : البُعْد عَن الشيء ، وقطع الصلة والبر(1/256)
عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فِى حَجَّتِهِ يَوْمَ عَرَفَةَ وَهُوَ عَلَى نَاقَتِهِ الْقَصْوَاءِ يَخْطُبُ فَسَمِعْتُهُ يَقُولُ « يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّى قَدْ تَرَكْتُ فِيكُمْ مَا إِنْ أَخَذْتُمْ بِهِ لَنْ تَضِلُّوا كِتَابَ اللَّهِ وَعِتْرَتِى أَهْلَ بَيْتِى ».أخرجه الترمذي (1)
42. عَنْ زَاذَانَ أَبِى عُمَرَ قَالَ سَمِعْتُ عَلِيًّا فِى الرَّحَبَةِ وَهُوَ يُنْشِدُ النَّاسَ مَنْ شَهِدَ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يَوْمَ غَدِيرِ خُمٍّ وَهُوَ يَقُولُ مَا قَالَ فَقَامَ ثَلاَثَةَ عَشَرَ رَجُلاً فَشَهِدُوا أَنَّهُمْ سَمِعُوا رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - وَهُوَ يَقُولُ « مَنْ كُنْتُ مَوْلاَهُ فَعَلِىٌّ مَوْلاَهُ ».أخرجه أحمد (2)
43. عَنْ عَطِيَّةَ الْعَوْفِىِّ قَالَ سَأَلْتُ زَيْدَ بْنَ أَرْقَمَ فَقُلْتُ لَهُ إِنَّ خَتَناً لِى حَدَّثَنِى عَنْكَ بِحَدِيثٍ فِى شَأْنِ عَلِىٍّ يَوْمَ غَدِيرِ خُمٍّ فَأَنَا أُحِبُّ أَنْ أَسْمَعَهُ مِنْكَ. فَقَالَ إِنَّكُمْ مَعْشَرَ أَهْلِ الْعِرَاقِ فِيكُمْ مَا فِيكُمْ. فَقُلْتُ لَهُ لَيْسَ عَلَيْكَ مِنِّى بَأْسٌ.فَقَالَ نَعَمْ كُنَّا بِالْجُحْفَةِ فَخَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - إِلَيْنَا ظُهْراً وَهُوَ آخِذٌ بِعَضُدِ عَلِىٍّ فَقَالَ « أَيُّهَا النَّاسُ أَلَسْتُمْ تَعْلَمُونَ أَنِّى أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ ». قَالُوا بَلَى. قَالَ « فَمَنْ كُنْتُ مَوْلاَهُ فَعَلِىٌّ مَوْلاَهُ ». قَالَ فَقُلْتُ لَهُ هَلْ قَالَ « اللَّهُمَّ وَالِ مَنْ وَالاَهُ وَعَادِ مَنْ عَادَاهُ ». قَالَ إِنَّمَا أُخْبِرُكَ كَمَا سَمِعْتُ.أخرجه أحمد (3)
44.
__________
(1) - برقم(4155) وأحمد برقم(11875) والطبراني برقم(2614) وفضائل الصحابة برقم(958)وأبو يعلى برقم(1140) و الصحيحة (1761) و صحيح الجامع (2748) صحيح
وفي تحفة الأحوذي - (ج 9 / ص 203)
" إِنِّي تَرَكْت فِيكُمْ مَنْ إِنْ أَخَذْتُمْ بِهِ "أَيْ اِقْتَدَيْتُمْ بِهِ وَاتَّبَعْتُمُوهُ . وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ : " تَرَكْت فِيكُمْ مَا إِنْ أَخَذْتُمْ بِهِ" أَيْ إِنْ تَمَسَّكْتُمْ بِهِ عِلْمًا وَعَمَلًا " كِتَابَ اللَّهِ وَعِتْرَتِي أَهْلَ بَيْتِي" قَالَ التُّورْبَشْتِيُّ عِتْرَةُ الرَّجُلِ أَهْلُ بَيْتِهِ وَرَهْطُهُ الْأَدْنَوْنَ وَلِاسْتِعْمَالِهِمْ الْعِتْرَةَ عَلَى أَنْحَاءَ كَثِيرَةٍ بَيَّنَهَا رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - بِقَوْلِهِ " أَهْلَ بَيْتِي " لِيُعْلَمَ أَنَّهُ أَرَادَ بِذَلِكَ نَسْلَهُ وَعِصَابَتَهُ الْأَدْنَيْنَ وَأَزْوَاجَهُ اِنْتَهَى . قَالَ الْقَارِي وَالْمُرَادُ بِالْأَخْذِ بِهِمْ التَّمَسُّكُ بِمَحَبَّتِهِمْ وَمُحَافَظَةُ حُرْمَتِهِمْ وَالْعَمَلُ بِرِوَايَتِهِمْ وَالِاعْتِمَادُ عَلَى مَقَالَتِهِمْ وَهُوَ لَا يُنَافِي أَخْذَ السُّنَّةِ مِنْ غَيْرِهِمْ لِقَوْلِهِ - صلى الله عليه وسلم - : " أَصْحَابِي كَالنُّجُومِ بِأَيِّهِمْ اِقْتَدَيْتُمْ اِهْتَدَيْتُمْ " وَلِقَوْلِهِ تَعَالَى { فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ } وَقَالَ اِبْنُ الْمَلَكِ : التَّمَسُّكُ بِالْكِتَابِ الْعَمَلُ بِمَا فِيهِ وَهُوَ الِائْتِمَارُ بِأَوَامِرِ اللَّهِ وَالِانْتِهَاءُ عَنْ نَوَاهِيهِ ، وَمَعْنَى التَّمَسُّكُ بِالْعِتْرَةِ مَحَبَّتُهُمْ وَالِاهْتِدَاءُ بِهَدْيِهِمْ وَسِيرَتِهِمْ ، زَادَ السَّيِّدُ جَمَالُ الدِّينِ إِذَا لَمْ يَكُنْ مُخَالِفًا لِلدِّينِ .
(2) -برقم(651) وهو صحيح لغيره -الرحبة : الساحة
(3) - برقم(19800) والطبراني برقم(4930) ومعرفة الصحابة برقم(6585) صحيح لغيره
العضد : ما بين المرفق والكتف(1/257)
عَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ،قَالَ:حَدَّثَنِي مَنْ سَمِعَ أُمَّ سَلَمَةَ تَذْكُرُ،أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - كَانَ فِي بَيْتِهَا فَأَتَتْهُ فَاطِمَةُ بِبُرْمَةٍ فِيهَا حَرِيرَةٌ،فَدَخَلَتْ بِهَا عَلَيْهِ،فَقَالَ:ادْعِي لِي زَوْجَكِ وَابْنَيْكِ،قَالَتْ:فَجَاءَ عَلِيٌّ وَحَسَنٌ وَحُسَيْنٌ،فَدَخَلُوا عَلَيْهِ فَجَلَسُوا يَأْكُلُونَ مِنْ تِلْكَ الْحَرِيرَةِ،وَهُوَ عَلَى مَنَامَةٍ لَهُ عَلَى دُكَّانٍ،تَحْتَهُ كِسَاءٌ خَيْبَرِيُّ،قَالَتْ:وَأَنَا فِي الْحُجْرَةِ أُصَلِّي،فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ هَذِهِ الآيَةَ {إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا} قَالَتْ:فَأَخَذَ فَضْلَ الْكِسَاءِ فَغَشَّاهُمْ بِهِ،ثُمَّ أَخْرَجَ يَدَهُ فَأَلْوَى بِهَا إِلَى السَّمَاءِ ثُمَّ قَالَ:اللَّهُمَّ هَؤُلاَءِ أَهْلُ بَيْتِي وَحَامَّتِي،فَأَذْهِبْ عَنْهُمُ الرِّجْسَ وَطَهِّرْهُمْ تَطْهِيرًا،اللَّهُمَّ هَؤُلاَءِ أَهْلُ بَيْتِي وَحَامَّتِي،فَأَذْهِبْ عَنْهُمُ الرِّجْسَ وَطَهِّرْهُمْ تَطْهِيرًا،قَالَتْ:فَأَدْخَلْتُ رَأْسِي الْبَيْتَ قُلْتُ:وَأَنَا مَعَكُمْ يَا رَسُولَ اللهِ ؟ قَالَ:إِنَّكِ إِلَى خَيْرٍ،إِنَّكِ إِلَى خَيْرٍ. فضائل الصحابة (1)
45. عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ،أَنَّ عَلِيًّا أَوَّلُ مَنْ أَسْلَمَ..فضائل الصحابة (2)
46. عَنْ سَلَمَةَ بْنِ كُهَيْلٍ قَالَ سَمِعْتُ حَبَّةَ الْعُرَنِىَّ قَالَ سَمِعْتُ عَلِيًّا يَقُولُ أَنَا أَوَّلُ مَنْ صَلَّى مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - وَأَسْلَمَ.أخرجه أحمد (3)
47.
__________
(1) - برقم(962) من طرق حسن
البرمة : القِدر مطلقا وهي في الأصل المتخذة من الحجارة - الدكان : الدكة المبنية للجلوس عليها ، والنون مختلف فيها فمنهم من يجعلها أصلا ومنهم من يجعلها زائدة -الرجس : اسم لكل مستقذر أو عمل قبيح
(2) - برقم(963و964) والحاكم برقم(5962)صحيح - يعني أول من أسلم من الأطفال
(3) - برقم(1204) والمجمع برقم(14607) والنسائي برقم(8332و8333) من طرق صحيح
قلت : هو أول من صلى من الصغار مع النبي - صلى الله عليه وسلم - لأنه كان يسكن عنده في البيت
فتاوى الشبكة الإسلامية - (ج 24 / ص 49) -علة إطلاق "كرم الله وجهه" على علي بن أبي طالب رقم الفتوى:35843تاريخ الفتوى:05 جمادي الثانية 1424السؤال : السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
سؤالي حفظكم الله: ما حكم من يتهم الإمام عليٍّ - كرم الله وجهه - بأنه قبل أن يسلم كان يسجد للأصنام ولا يرى إلا بأنه كان مشركًا قبل أن يسلم (ولم يقل كان كافرًا، بل قال بأنه كان مشركًا) فما حكم قائل هذا الكلام ؟ وما معنى كرم الله وجهه؟
الفتوى : الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فعلي بن أبي طالب رضي الله عنه أول صبي أسلم، ولد قبل البعثة بعشر سنين على الصحيح، وربي في حجر النبي - صلى الله عليه وسلم - ولم يفارقه، وشهد معه المشاهد إلا غزوة تبوك، فقد خلفه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال يا رسول الله: تخلفني في النساء والصبيان؟ فقال: أما ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى؟ غير أنه لا نبي بعدي. متفق عليه، وأطلق على علي بن أبي طالب رضي الله عنه لقب "كرم الله وجهه" من دون سائر الصحابة، لأنه لم يسجد لصنم قط، قال السفاريني في غذاء الألباب: قد ذاع ذلك وشاع وملأ الطروس والأسماع، قال الأشياخ: وإنما خص علي رضي الله عنه بقول "كرم الله وجهه" لأنه ما سجد إلى صنم قط، وهذا إن شاء الله تعالى لا بأس به اهـ.
والأفضل ألا يخص بهذا اللقب من بين الصحابة، لاسيما بعد ما اتخذ بعض أهل البدع هذا اللقب سُلَّما لأغراض خبيثة، وفسروه بتفسيرات باطلة.
قال الحافظ ابن كثير رحمه الله: وقد غلب هذا في عبارة كثير من النساخ للكتب أن يفرد علي رضي الله عنه، بأن يقال عليه السلام من دون سائر الصحابة، أو كرم الله وجهه، هذا وإن كان معناه صحيحا، لكن ينبغي أن يسوي بين الصحابة في ذلك، فإن هذا من باب التعظيم والتكريم، فالشيخان -أبوبكر وعمر- وأمير المؤمنين عثمان أولى بذلك منه. اهـ.
وبهذا تبين أن علي بن أبي طالب رضي الله عنه لم يكن يسجد للأصنام من دون الله قبل إسلامه، فلا يجوز إطلاق ذلك عليه.والله أعلم.(1/258)
عَنْ زَيْدِ بْنِ أَرَقْمَ،قَالَ:أَوَّلُ مَنْ أَسْلَمَ مَعَ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - عَلِيٌّ،قَالَ عَمْرُو بْنُ مُرَّةَ:فَأَتَيْت إبْرَاهِيمَ فَذَكَرْت ذَلِكَ لَهُ فَأَنْكَرَهُ.أخرجه ابن أبي شيبة (1)
48. قَالَ أَبُو زُمَيْلٍ،إنَّهُ سَمِعَ ابْنَ عَبَّاسٍ يَقُولُ:كَاتِبُ الْكِتَابِ يَوْمَ الْحُدَيْبِيَةِ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ. فضائل الصحابة (2)
49. عَنْ سَعْدٍ قَالَ سَمِعْتُ إِبْرَاهِيمَ بْنَ سَعْدٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ النَّبِىُّ - صلى الله عليه وسلم - لِعَلِىٍّ « أَمَا تَرْضَى أَنْ تَكُونَ مِنِّى بِمَنْزِلَةِ هَارُونَ مِنْ مُوسَى » أخرجه البخاري (3)
50. عَنْ عَائِشَةَ بِنْتِ سَعْدٍ عَنْ أَبِيهَا أَنَّ عَلِيًّا خَرَجَ مَعَ النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - حَتَّى جَاءَ ثَنِيَّةَ الْوَدَاعِ وَعَلِىٌّ يَبْكِى يَقُولُ تَخَلِّفُنِى مَعَ الْخَوَالِفِ فَقَالَ « أَوَمَا تَرْضَى أَنْ تَكُونَ مِنِّى بِمَنْزِلَةِ هَارُونَ مِنْ مُوسَى إِلاَّ النُّبُوَّةَ ».أخرجه أحمد (4)
51.
__________
(1) - برقم(32101 و33861 و35765 و35910و36594) وأحمد برقم(19802 و19827) والحاكم برقم(4663) والطبراني برقم(18533) صحيح
قال الحاكم : وإنما الخلاف في هذا الحرف أن أبا بكر الصديق رضي الله عنه كان أول الرجال البالغين إسلاما وعلي بن أبي طالب تقدم إسلامه قبل البلوغ
(2) - برقم0967) والمطالب برقم( 4407) صحيح
(3) - برقم(3706) ومسلم برقم06371و6373 و6374) والترمذي برقم(4090)وأحمد برقم(1507و1523 و1527 و1605 و1622 و1630 و3117 و15104) وغيرهم
(4) - برقم(1480) وهو صحيح - تخلفني : تتركني خلفك ولا ألحق بك = الخوالف : النساء اللائي يتركن خلف الجنود في البيوت(1/259)
عَنِ ابْنِ طَاوُوسٍ،عَنْ أَبِيهِ قَالَ:لَمَّا بَعَثَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - إِلَى الْيَمَنِ عَلِيًّا،خَرَجَ بُرَيْدَةُ الأَسْلَمِيُّ مَعَهُ،فَعَتَبَ عَلَى عَلِيٍّ فِي بَعْضِ الشَّيْءِ،فَشَكَاهُ بُرَيْدَةُ إِلَى رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - ،فَقَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - :مَنْ كُنْتُ مَوْلاَهُ فَإِنَّ عَلِيًّا مَوْلاَهُ.. فضائل الصحابة (1)
52. عَنِ الْمُطَّلِبِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ حَنْطَبٍ،قَالَ:قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - لِوَفْدِ ثَقِيفٍ حِينَ جَاؤُوهُ:وَاللهِ لَتُسْلِمُنَّ أَوْ لأَبْعَثَنَّ إِلَيْكُمْ رَجُلاً مِنِّي،أَوْ قَالَ:مِثْلَ نَفْسِي،فَلَيَضْرِبَنَّ أَعْنَاقَكُمْ،وَلَيَسْبِيَنَّ ذَرَارِيَّكُمْ،وَلَيَأْخُذَنَّ أَمْوَالَكُمْ،قَالَ عُمَرُ:فَوَاللهِ مَا اشْتَهَيْتُ الإِمَارَةَ إِلاَّ يَوْمَئِذٍ،جَعَلْتُ أَنْصِبُ صَدْرِي لَهُ رَجَاءَ أَنْ يَقُولَ:هَذَا،فَالْتَفَتَ إِلَى عَلِيٍّ فَأَخَذَ بِيَدِهِ ثُمَّ قَالَ:هُوَ هَذَا،هُوَ هَذَا مَرَّتَيْنِ. فضائل الصحابة (2)
53. عن عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بُرَيْدَةَ حَدَّثَنِى أَبِى بُرَيْدَةُ قَالَ حَاصَرْنَا خَيْبَرَ فَأَخَذَ اللِّوَاءَ أَبُو بَكْرٍ فَانْصَرَفَ وَلَمْ يُفْتَحْ لَهُ ثُمَّ أَخَذَهُ مِنَ الْغَدِ فَخَرَجَ فَرَجَعَ وَلَمْ يُفْتَحْ لَهُ وَأَصَابَ النَّاسَ يَوْمَئِذٍ شِدَّةٌ وَجَهْدٌ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - "إِنِّى دَافِعٌ اللِّوَاءَ غَداً إِلَى رَجُلٍ يُحِبُّهُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَيُحِبُّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ لاَ يَرْجِعُ حَتَّى يُفْتَحَ لَهُ ». فَبِتْنَا طَيِّبَةٌ أَنْفُسُنَا أَنَّ الْفَتْحَ غَداً فَلَمَّا أَنْ أَصْبَحَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - صَلَّى الْغَدَاةَ ثُمَّ قَامَ قَائِماً فَدَعَا بِاللِّوَاءِ وَالنَّاسُ عَلَى مَصَافِّهِمْ فَدَعَا عَلِيًّا وَهُوَ أَرْمَدُ فَتَفَلَ فِى عَيْنَيْهِ وَدَفَعَ إِلَيْهِ اللِّوَاءَ وَفُتِحَ لَهُ.قَالَ بُرَيْدَةُ وَأَنَا فِيمَنْ تَطَاوَلَ لَهَا.أخرجه أحمد (3)
54. عَنْ حُبْشِىِّ بْنِ جُنَادَةَ قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ « عَلِىٌّ مِنِّى وَأَنَا مِنْهُ وَلاَ يُؤَدِّى عَنِّى إِلاَّ عَلِىٌّ »أخرجه ابن ماجة . (4)
__________
(1) - برقم(973) صحيح لغيره
(2) - برقم(974) حسن مرسل
(3) - برقم(23965) والنسائي برقم(8346 و854) صحيح
(4) - برقم(124) وأحمد برقم(17968 و17973 17974و17975) والآحاد برقم(1355 ) والنسائي برقم(8091 و8400و8405) والطبراني برقم(3431-3433) وعاصم برقم(1121) وفضائل الصحابة برقم(976و988 ) صحيح(1/260)
وفي رواية فقلت لأبي إسحاق أين سمعته قال وقف علي ها هنا فحدثني.
وفي رواية قَالَ شَرِيكٌ:قُلْتُ:يَا أَبَا إِسْحَاقَ رَأَيْتَهُ ؟ فَقَالَ:وَقَفَ عَلَيْنَا فِي مَجْلِسِنَا فَحَدَّثَنَا بِهِ
55. عَنْ أَبِى عَبْدِ اللَّهِ الْجَدَلِىِّ قَالَ دَخَلْتُ عَلَى أُمِّ سَلَمَةَ فَقَالَتْ لِى أَيُسَبُّ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فِيكُمْ قُلْتُ مَعَاذَ اللَّهِ أَوْ سُبْحَانَ اللَّهِ أَوْ كَلِمَةً نَحْوَهَا. قَالَتْ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ « مَنْ سَبَّ عَلِياًّ فَقَدْ سَبَّنِى »أخرجه أحمد (1) .
وعَنْ أَبِي إِسْحَاقَ السَّبِيعِيِّ،قَالَ:حَجَجْتُ وَأَنَا غُلَامٌ،فَمَرَرْتُ بِالْمَدِينَةِ،فَرَأَيْتُ النَّاسَ عُنُقًا وَاحِدًا،فَأَتْبَعْتُهُمْ فَأَتَوْا أُمَّ سَلَمَةَ زَوْجَ النَّبَيِّ - صلى الله عليه وسلم - ،فَسَمِعْتُهَا وَهِيَ تَقُولُ:يَا شَبِيبَ بْنَ رِبْعِيٍّ،فَأَجَابَهَا رَجُلٌ جِلْفٌ جَافٍ لَبَّيْكِ يَا أُمَّهْ،فقَالَتْ:أَيُسَبُّ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فِي نَادِيكُمْ ؟،فَقَالَ:إِنَّا نَقُولُ شَيْئًا نُرِيدُ عَرَضَ هَذِهِ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا،فَقَالَتْ:سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - ،يَقُولُ:"مَنْ سَبَّ عَلِيًّا فَقَدْ سَبَّنِي،وَمَنْ سَبَّنِي سَبَّهُ اللَّهُ" (2)
56. عن العلاء بن عرار قال:سألت ابن عمر عن علي وعثمان،فقال:أما علي،فهذا بيته،لا أحدثك عنه بغيره،وأما عثمان،فإنه أذنب فيما بينه وبين الله عز وجل ذنبا عظيما فغفره له،وأذنب فيما بينكم وبينه ذنبا صغيرا فقتلتموه.فضائل الصحابة (3)
57. عَنْ عَمْرِو بْنِ حُبْشِىٍّ قَالَ خَطَبَنَا الْحَسَنُ بْنُ عَلِىٍّ بَعْدَ قَتْلِ عَلِىٍّ فَقَالَ لَقَدْ فَارَقَكُمْ رَجُلٌ بِالأَمْسِ مَا سَبَقَهُ الأَوَّلُونَ بِعِلْمٍ وَلاَ أَدْرَكَهُ الآخِرُونَ إِنْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - لَيَبْعَثُهُ وَيُعْطِيهِ الرَّايَةَ فَلاَ يَنْصَرِفُ حَتَّى يُفْتَحَ لَهُ وَمَا تَرَكَ مِنْ صَفْرَاءَ وَلاَ بَيْضَاءَ إِلاَّ سَبْعَمِائَةِ دِرْهَمٍ مِنْ عَطَائِهِ كَانَ يَرْصُدُهَا لَخَادِمٍ لأَهْلِهِ. أخرجه أحمد (4)
58. عَنْ عَلِيِّ بْنِ حُسَيْنٍ،قَالَ:حَدَّثَنِي ابْنُ عباس،قَالَ:أَرْسَلَنِي عَلِيٌّ إلَى طَلْحَةَ وَالزُّبَيْرِ يَوْمَ الْجَمَلِ،قَالَ:فَقُلْت لَهُمَا:إنَّ أَخَاكُمَا يُقْرِئُكُمَا السَّلاَمَ وَيَقُولُ لَكُمَا:هَلْ وَجَدْتُمَا عَلَيَّ
__________
(1) - برقم(27505) وهو صحيح
(2) - جُزْءُ عَلِيِّ بْنِ مُحَمَّدٍ الْحِمْيَرِيِّ (26 ) صحيح
(3) - برقم(987) صحيح
(4) - برقم(1742) وفضائل الصحابة برقم(892 و979) صحيح
الصفراء : الذهب = بيضاء : المراد هنا الفضة(1/261)
فِي حَيْفٍ،أَوْ فِي اسْتِئْثَارٍ فِي فَيْءٍ،أَوْ فِي كَذَا،قَالَ:فَقَالَ:الزُّبَيْرُ:لأَوَلاَ فِي وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا،وَلَكِنْ مَعَ الْخَوْفِ شِدَّةُ الْمَطَامِعِ.أخرجه ابن أبي شيبة (1)
59. عَنِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ قَالَ كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فِى سَفَرٍ فَنَزَلْنَا بِغَدِيرِ خُمٍّ فَنُودِىَ فِينَا الصَّلاَةُ جَامِعَةٌ. وَكُسِحَ لِرَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - تَحْتَ شَجَرَتَيْنِ فَصَلَّى الظُّهْرَ وَأَخَذَ بِيَدِ عَلِىٍّ فَقَالَ « أَلَسْتُمْ تَعْلَمُونَ أَنِّى أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ ». قَالُوا بَلَى. قَالَ « أَلَسْتُمْ تَعْلَمُونَ أَنِّى أَوْلَى بِكُلِّ مُؤْمِنٍ مِنْ نَفْسِهِ ». قَالُوا بَلَى. قَالَ فَأَخَذَ بِيَدِ عَلِىٍّ فَقَالَ « مَنْ كُنْتُ مَوْلاَهُ فَعَلِىٌّ مَوْلاَهُ اللَّهُمَّ وَالِ مَنْ وَالاَهُ وَعَادِ مَنْ عَادَاهُ ». قَالَ فَلَقِيَهُ عُمَرُ بَعْدَ ذَلِكَ فَقَالَ لَهُ هَنِيئاً يَاابْنَ أَبِى طَالِبٍ أَصْبَحْتَ وَأَمْسَيْتَ مَوْلَى كُلِّ مُؤْمِنٍ وَمُؤْمِنَةٍ.أخرجه أحمد (2)
وفي الموسوعة الفقهية:"مَنْ سَبَّ الصَّحَابَةَ،أَوْ وَاحِدًا مِنْهُمْ،فَإِنْ نَسَبَ إِلَيْهِمْ مَا لاَ يَقْدَحُ فِي عَدَالَتِهِمْ،أَوْ فِي دِينِهِمْ بِأَنْ يَصِفَ بَعْضَهُمْ بِبُخْلٍ،أَوْ جُبْنٍ،أَوْ قِلَّةِ عِلْمٍ،أَوْ عَدَمِ الزُّهْدِ،وَنَحْوِ ذَلِكَ،فَلاَ يَكْفُرُ بِاتِّفَاقِ الْفُقَهَاءِ،وَلَكِنَّهُ يَسْتَحِقُّ التَّأْدِيبَ .
أَمَّا إِنْ رَمَاهُمْ بِمَا يَقْدَحُ فِي دِينِهِمْ أَوْ عَدَالَتِهِمْ كَقَذْفِهِمْ:فَقَدِ اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى تَكْفِيرِ مَنْ قَذَفَ الصِّدِّيقَةَ بِنْتَ الصِّدِّيقِ:عَائِشَةَ - رضي الله عنهم - مَا - زَوْجَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - بِمَا بَرَّأَهَا اللَّهُ مِنْهُ،لأَِنَّهُ مُكَذِّبٌ لِنَصِّ الْقُرْآنِ .
أَمَّا بَقِيَّةُ الصَّحَابَةِ فَقَدِ اخْتَلَفُوا فِي تَكْفِيرِ مَنْ سَبَّهُمْ،فَقَال الْجُمْهُورُ:لاَ يَكْفُرُ بِسَبِّ أَحَدِ الصَّحَابَةِ،وَلَوْ عَائِشَةَ بِغَيْرِ مَا بَرَّأَهَا اللَّهُ مِنْهُ،وَيَكْفُرُ بِتَكْفِيرِ جَمِيعِ الصَّحَابَةِ أَوِ الْقَوْل بِأَنَّ الصَّحَابَةَ ارْتَدُّوا جَمِيعًا بَعْدَ رَسُول اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - أَوْ أَنَّهُمْ فَسَقَوْا؛لأَِنَّ ذَلِكَ تَكْذِيبٌ لِمَا نَصَّ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ فِي غَيْرِ مَوْضِعٍ مِنَ الرِّضَا عَنْهُمْ،وَالثَّنَاءِ عَلَيْهِمْ،وَأَنَّ مَضْمُونَ هَذِهِ الْمَقَالَةِ:أَنَّ نَقَلَةَ الْكِتَابِ،وَالسُّنَّةِ كُفَّارٌ،أَوْ فَسَقَةٌ،وَأَنَّ هَذِهِ الأُْمَّةَ الَّتِي هِيَ خَيْرُ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ،وَخَيْرُهَا الْقَرْنُ الأَْوَّل كَانَ عَامَّتُهُمْ كُفَّارًا،أَوْ فُسَّاقًا،وَمَضْمُونُ هَذَا:أَنَّ هَذِهِ الأُْمَّةَ شَرُّ الأُْمَمِ،وَأَنَّ سَابِقِيهَا هُمْ أَشْرَارُهَا،وَكُفْرُ مَنْ يَقُول هَذَا مِمَّا عُلِمَ مِنَ الدِّينِ بِالضَّرُورَةِ .
__________
(1) - برقم(30558و37792) وفضائل الصحابة برقم(980 ) صحيح
(2) - برقم(18977) وفضائل الصحابة برقم( 981 و982)صحيح لغيره -الكسح : الكنس(1/262)
وَجَاءَ فِي فَتَاوَى قَاضِي خَانْ:يَجِبُ إِكْفَارُ مَنْ كَفَّرَ عُثْمَانَ،أَوْ عَلِيًّا،أَوْ طَلْحَةَ،أَوْ عَائِشَةَ،وَكَذَا مَنْ يَسُبُّ الشَّيْخَيْنِ أَوْ يَلْعَنُهُمَا . (1)
60. عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ،أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - آخَى بَيْنَ أَصْحَابِهِ،فَبَقِيَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - وَأَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ وَعَلِيٌّ،فَآخَى بَيْنَ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ،وَقَالَ لِعَلِيٍّ:أَنْتَ أَخِي،وَأَنَا أَخُوكَ. فضائل الصحابة (2) .
61. عَنْ مُوسَى الْجُهَنِيِّ قَالَ:دَخَلْتُ عَلَى فَاطِمَةَ بِنْتِ عَلِيٍّ،فَقَالَ رَفِيقِي أَبُو مَهْلٍ:كَمْ لَكِ ؟ قَالَتْ:سِتٌّ وَثَمَانُونَ سَنَةً،قَالَ:مَا سَمِعْتِ مِنْ أَبِيكِ شَيْئًا ؟ قَالَتْ:حَدَّثَتْنِي أَسْمَاءُ بِنْتُ عُمَيْسٍ،أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ لِعَلِيٍّ:"أَنْتَ مِنِّي بِمَنْزِلَةِ هَارُونَ مِنْ مُوسَى،إِلَّا أَنَّهُ لَيْسَ بَعْدِي نَبِيُّ"فضائل الصحابة (3)
62. عَنْ أَبِى إِسْحَاقَ قَالَ سَمِعْتُ سَعِيدَ بْنَ وَهْبٍ قَالَ نَشَدَ عَلِىٌّ النَّاسَ فَقَامَ خَمْسَةٌ أَوْ سِتَّةٌ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - فَشَهِدُوا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ « مَنْ كُنْتُ مَوْلاَهُ فَعَلِىٌّ مَوْلاَهُ ». أخرجه أحمد (4)
63. وَعَنْ زَيْدِ بْنِ يُثَيْعٍ قَالاَ نَشَدَ عَلِىٌّ النَّاسَ فِى الرَّحَبَةِ مَنْ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ يَوْمَ غَدِيرِ خُمٍّ إِلاَّ قَامَ. قَالَ فَقَامَ مِنْ قِبَلِ سَعِيدٍ سِتَّةٌ وَمِنْ قِبَلِ زَيْدٍ سِتَّةٌ فَشَهِدُوا أَنَّهُمْ سَمِعُوا رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ لِعَلِىٍّ يَوْمَ غَدِيرِ خُمٍّ « أَلَيْسَ اللَّهُ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ ». قَالُوا بَلَى. قَالَ « اللَّهُمَّ مَنْ كُنْتُ مَوْلاَهُ فَعَلِىٌّ مَوْلاَهُ اللَّهُمَّ وَالِ مَنْ وَالاَهُ وَعَادِ مَنْ عَادَاهُ »أخرجه أحمد (5)
64.
__________
(1) - الموسوعة الفقهية الكويتية - (26 / 316) ونهاية المحتاج 7 / 419، شرح الزرقاني 8 / 74، فتاوى قاضيخان بهامش الفتاوى الهندية 6 / 318، 319 .
(2) - برقم(984) صحيح مرسل
(3) - برقم(985) صحيح
(4) - برقم(23808) صحيح نشد : سأل وطلب
(5) - برقم(962 و973 و976 و18977 و19800و19823 و19849 و23844) وابن أبي شيبة برقم(32086 و32087و32113) وغيرهم صحيح(1/263)
عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ شَدَّادِ بْنِ الْهَادِ قَالَ:قَدِمَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - مِنْ أَهْلِ الْيَمَنِ وَفْدُ لِيشَرَحَ،قَالَ:فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - :"لَتُقِيمُنَّ الصَّلَاةَ،أَوْ لَأَبْعَثَنَّ إِلَيْكُمْ رَجُلًا يَقْتُلُ الْمُقَاتِلَةَ،وَيَسْبِي الذُّرِّيَّةَ "،قَالَ:ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - :"اللَّهُمَّ أَنَا،أَوْ هَذَا "،وَانْتَشَلَ بِيَدِ عَلِيٍّ. فضائل الصحابة (1)
65. عَنْ عَلِيٍّ - رضي الله عنهم - قَالَ:"مَثَلِي فِي هَذِهِ الْأُمَّةِ كَمَثَلِ عِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ أَحَبَّتْهُ طَائِفَةٌ فَأَفْرَطَتْ فِي حُبِّهِ فَهَلَكَتْ وَأَبْغَضَتْهُ طَائِفَةٌ فَأَفْرَطَتْ فِي بُغْضِهِ فَهَلَكَتْ وَأَحَبَّتْهُ طَائِفَةٌ فَاقْتَصَدَتْ فِي حُبِّهِ فَنَجَتْ فضائل الصحابة (2)
66. عَنْ أَبِي رَزِينٍ قَالَ:خَطَبَنَا الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ بَعْدَ وَفَاةِ عَلِيٍّ وَعَلَيْهِ عِمَامَةٌ سَوْدَاءُ فَقَالَ:لَقَدْ فَارَقَكُمْ رَجُلٌ لَمْ يَسْبِقْهُ الْأَوَّلُونَ بِعِلْمٍ،وَلَا يُدْرِكُهُ الْآخَرُونَ .فضائل الصحابة (3)
67. عَنْ عَلِيٍّ أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ:يَا عَلِيُّ،إنَّ لَكَ كَنْزًا فِي الْجَنَّةِ وَإِنَّكَ ذُو قَرْنَيْهَا فَلاَ تُتْبِعَنَّ النَّظْرَةَ النَّظْرَةَ فَإِنَّمَا لَكَ الأُولَى وَلَيْسَتْ لَكَ الآخِرَةُ.أخرجه ابن أبي شيبة (4)
قَالَ الشَّيْخُ الْإِمَامُ الزَّاهِدُ ( الكلاباذيُّ) رَحِمَهُ اللَّهُ:يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مَعْنَى قَوْلِهِ:"إِنَّكَ ذُو قَرْنَيْهَا ."أَيْ أَنْتَ مَلِكُهَا الْمَخْصُوصُ بِالْمُلْكِ الْأَكْبَرِ وَإِنَّ لَكَ مُلْكًا فِي الْجَنَّةِ كُلِّهَا كَمَا كَانَ ذُو الْقَرْنَيْنِ مَخْصُوصًا بِمُلْكِ الْأَرْضِ كُلِّهَا يَضْرِبُ مِنْ مَشْرِقِهَا إِلَى مَغْرِبِهَا،قَالَ اللَّهُ تَعَالَى:حَتَّى إِذَا بَلَغَ مَغْرِبَ الشَّمْسِ وَجَدَهَا تَغْرُبُ فِي عَيْنٍ حَمِئَةٍ الْآَيَةَ،وَقَالَ:حَتَّى إِذَا بَلَغَ مَطْلِعَ الشَّمْسِ وَجَدَهَا تَطْلُعُ عَلَى قَوْمٍ،فَأَخْبَرَ اللَّهُ تَعَالَى أَنَّهُ بَلَغَ مَغْرِبَهَا وَمَطْلِعَهَا،وَقَالَ:إِنَّا مَكَّنَّا لَهُ فِي الْأَرْضِ وَآتَيْنَاهُ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ سَبَبًا،فَأَخْبَرَ أَنَّهُ مَلِكُ الْأَرْضِ كُلِّهَا يَضْرِبُ مِنْ
__________
(1) -برقم(989) صحيح
(2) - برقم(990) حسن لغيره -البغض : عكس الحب وهو الكُرْهُ والمقت
(3) - برقم(991) صحيح
(4) - برقم(17223 و32078) والحاكم برقم(4623) ومشكل الآثار برقم(1609) وإتحاف الخيرة برقم(6641) وفضائل الصحابة برقم(993 و1066) وفيه ضعف وآخره صحيح
قوله - صلى الله عليه وسلم - : " وإنك ذو قرنيها " أي : ذو قرني هذه الأمة وذلك لأنه كان له شجتان في قرن رأسه إحداهما: من ابن ملجم- لعنه الله- والأخرى: من عمرو بن ود. وقيل: معناه أنك ذو قرني الجنة أي ذو طرفيها وقيل غير ذلك ذكره المنذري مطولًا في أول النكاح.(1/264)
أَوَّلِهَا إِلَى آخِرِهَا،فَكَذَلِكَ عَلِيٌّ - رضي الله عنهم - لَهُ فِي الْجَنَّةِ مُلْكٌ هُوَ مَخْصُوصٌ بِهِ مِنْ بَيْنِ سَائِرِ الْمُلُوكِ،فَإِنَّ فِي الْجَنَّةِ مُلُوكًا كَمَا أَنَّ فِيَ الدُّنْيَا مُلُوكًا،قَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - :"أَلَا أُنَبِّئُكُمْ بِمُلُوكِ أَهْلِ الْجَنَّةِ ."قَالُوا:بَلَى قَالَ:"كُلُّ أَشْعَثَ أَغْبَرَ ذِي طِمْرَيْنِ لَا يُؤْبَهُ بِهِ،لَوْ أَقْسَمَ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى لَأَبَرَّهُ " (1)
68. عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ لِفَاطِمَةَ « ائْتِينِى بِزَوْجِكِ وَابْنَيْكِ ». فَجَاءَتْ بِهِمْ فَأَلْقَى عَلَيْهِمْ كِسَاءً فَدَكِياًّ - قَالَ - ثُمَّ وَضَعَ يَدَهُ عَلَيْهِمْ ثُمَّ قَالَ « اللَّهُمَّ إِنَّ هَؤُلاَءِ آلُ مُحَمَّدٍ فَاجْعَلْ صَلَوَاتِكَ وَبَرَكَاتِكَ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ ». قَالَتْ أُمُّ سَلَمَةَ فَرَفَعْتُ الكِسَاءَ لأَدْخُلَ مَعَهُمْ فَجَذَبَهُ مِنْ يَدِى وَقَالَ « إِنَّكِ عَلَى خَيْرٍ »أخرجه أحمد (2)
وقال الطحاوي:"بَابُ بَيَانِ مُشْكِلِ مَا رُوِيَ عَنْهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ فِي الْمُرَادِ بِقَوْلِ اللهِ تَعَالَى:{ إنَّمَا يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا } [الأحزاب:33] مَنْ هُمْ ؟
عَنْ عَامِرِ بْنِ سَعْدٍ،عَنْ أَبِيهِ قَالَ:لَمَّا نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ دَعَا رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - عَلِيًّا،وَفَاطِمَةَ،وَحَسَنًا،وَحُسَيْنًا عَلَيْهِمُ السْلَامَ،فَقَالَ:"اللهُمَّ هَؤُلَاءِ أَهْلِي"
فَفِي هَذَا الْحَدِيثِ أَنَّ الْمُرَادِينَ بِمَا فِي هَذِهِ الْآيَةِ هُمْ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - ،وَعَلِيٌّ،وَفَاطِمَةُ،وَحَسَنٌ،وَحُسَيْنٌ
وعَنْ أُمِّ سَلَمَةَ قَالتْ:"نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ فِي رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - وَعَلِيٍّ،وَفَاطِمَةَ،وَحَسَنٍ،وَحُسَيْنٍ عَلَيْهِمُ السَّلَامُ { إنَّمَا يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا } [الأحزاب:33]"فَفِي هَذَا الْحَدِيثِ مِثْلُ الَّذِي فِي الْأَوَّلِ
وعَنْ أُمِّ سَلَمَةَ أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - جَمَعَ فَاطِمَةَ،وَالْحَسَنَ،وَالْحُسَيْنَ،ثُمَّ أَدْخَلَهُمْ تَحْتَ ثَوْبِهِ ثُمَّ جَأَرَ إلَى اللهِ تَعَالَى:"رَبِّ هَؤُلَاءِ أَهْلِي"قَالَتْ أُمُّ سَلَمَةَ:فَقُلْتُ:يَا رَسُولَ اللهِ فَتُدْخِلُنِي مَعَهُمْ ؟ قَالَ:"أَنْتِ مِنْ أَهْلِي"فَفِي هَذَا الْحَدِيثِ قَوْلُ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - لِأُمِّ سَلَمَةَ جَوَابًا مِنْهُ
__________
(1) - بَحْرُ الْفَوَائِدِ الْمُسَمَّى بِمَعَانِي الْأَخْيَارِ لِلْكَلَابَاذِيِّ (233 )
(2) - برقم(27503) والطبراني برقم(2599) ومشكل برفم (652) صحيح لغيره(1/265)
لَهَا عِنْدَ قَوْلِهَا لَهُ:تُدْخِلُنِي مَعَهُمْ:"أَنْتِ مِنْ أَهْلِي"فَكَانَ ذَلِكَ مِمَّا قَدْ يُجَوِّزُ أَنْ يَكُونَ أَرَادَ بِهِ أَنَّهَا مِنْ أَهْلِهِ؛لِأَنَّهَا مِنْ أَزْوَاجِهِ وَأَزْوَاجُهُ أَهْلُهُ،كَمَا قَالَ فِي حَدِيثِ الْإِفْكِ الَّذِي قَدْ جاء عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ رَسُولَ اللهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ فِي حَدِيثِ الْإِفْكِ قَامَ عَلَى الْمِنْبَرِ فَاسْتَعْذَرَ مِنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ أُبَيٍّ فَقَالَ:"يَا مَعْشَرَ الْمُسْلِمِينَ مَنْ يَعْذِرُنِي مِنْ رَجُلٍ قَدْ بَلَغَ أَذَاهُ فِي أَهْلِي ؟ وَاللهِ مَا عَلِمْتُ عَلَى أَهْلِي إلَّا خَيْرًا،وَلَقَدْ ذَكَرُوا رَجُلًا مَا عَلِمْتُ مِنْهُ إلَّا خَيْرًا،وَمَا كَانَ يَدْخُلُ عَلَى أَهْلِي إلَّا مَعِي"فَكَانَ قَوْلُهُ:"مَنْ يَعْذِرُنِي مِنْ رَجُلٍ قَدْ بَلَغَنِي أَذَاهُ فِي أَهْلِي ؟"يَعْنِي:فِي زَوْجَتِهِ الَّتِي كَانَ أَذَاهُ فِيهَا،فَكَانَ فِي ذَلِكَ مَا قَدْ دَلَّ عَلَى أَنَّ الزَّوْجَةَ تُسَمَّى بِهَذَا الِاسْمِ فَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ قَوْلُهُ لِأُمِّ سَلَمَةَ:"أَنْتِ مِنْ أَهْلِي"مِنْ هَذَا الْمَعْنَى أَيْضًا أَنَّهَا مِنْ أَهْلِ الْآيَةِ الْمَتْلُوَّةِ فِي هَذَا الْبَابِ،وَمِمَّا يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ مَا قَدْ جاء عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ قَالتْ:نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ فِي بَيْتِي:{ إنَّمَا يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا } [الأحزاب:33]،يَعْنِي فِي سَبْعَةٍ جِبْرِيلَ،وَمِيكَائِيلَ،وَرَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - ،وَعَلِيٍّ،وَفَاطِمَةَ،وَالْحَسَنِ،وَالْحُسَيْنِ عَلَيْهِمُ السَّلَامُ وَأَنَا عَلَى بَابِ الْبَيْتِ فَقُلْتُ:يَا رَسُولَ اللهِ أَلَسْتُ مِنْ أَهْلِ الْبَيْتِ ؟ قَالَ:"إنَّكِ مِنْ أَزْوَاجِ النَّبِيِّ عَلَيْهِ السَّلَامُ"وَمَا قَالَ:إنَّكِ مِنْ أَهْلِ الْبَيْتِ
وعَنْ أمِّ سَلَمَةَ،وَعَبْدِ الْمَلِكِ،عَنْ عَطَاءٍ،عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ قَالتْ:جَاءَتْ فَاطِمَةُ بِطَعَامٍ لَهَا إلَى أَبِيهَا،وَهُوَ عَلَى مَنَازِلِهِ فَقَالَ:"أَيْ بُنَيَّةُ،ائْتِينِي بِأَوْلَادِي وَابْنَيَّ وَابْنِ عَمِّكِ"قَالَتْ:ثُمَّ جَلَّلَهُمْ أَوْ قَالَتْ:حَوَى عَلَيْهِمُ الْكِسَاءَ،فَقَالَ:"هَؤُلَاءِ أَهْلُ بَيْتِي وَحَامَّتِي فَأَذْهِبْ عَنْهُمُ الرِّجْسَ وَطَهِّرْهُمْ تَطْهِيرًا"قَالَتْ أُمُّ سَلَمَةَ:يَا رَسُولَ اللهِ،وَأَنَا مَعَهُمْ قَالَ:"أَنْتِ مِنْ أَزْوَاجِ النَّبِيِّ عَلَيْهِ السَّلَامُ وَأَنْتِ عَلَى خَيْرٍ "،أَوْ"إلَى خَيْرٍ "
وعَنْ أُمِّ سَلَمَةَ قَالتْ:كَانَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - فِي بَيْتِي فَجَاءَتْهُ فَاطِمَةُ عَلَيْهَا السَّلَامُ بِخَزِيرَةٍ فَقَالَ:"ادْعِي لِي بَعْلَكِ"فَدَعَتْهُ وَابْنَيْهَا،فَجَاءَ بِكِسَاءٍ فَحَفَّهُمْ بِهِ،ثُمَّ أَخَذَ طَرَفَهُ بِيَدِهِ،ثُمَّ رَفَعَ يَدَيْهِ فَقَالَ:"اللهُمَّ إنَّ هَؤُلَاءِ ذُرِّيَّتِي وَأَهْلُ بَيْتِي فَأَذْهِبِ الرِّجْسَ عَنْهُمْ وَطَهِّرْهُمْ تَطْهِيرًا"قَالَتْ:فَرَفَعْتُ الْكِسَاءَ،وَأَدْخَلْتُ رَأْسِي فِيهِ فَقُلْتُ:أَنَا يَا رَسُولَ اللهِ قَالَ:"إنَّكِ عَلَى خَيْرٍ "(1/266)
وعَنْ أُمِّ سَلَمَةَ قَالتْ نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ فِي بَيْتِي:{ إنَّمَا يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا } [الأحزاب:33] فَقُلْتُ:يَا رَسُولَ اللهِ،أَلَسْتُ مِنْ أَهْلِ الْبَيْتِ ؟ فَقَالَ:"أَنْتِ عَلَى خَيْرٍ إنَّكِ مِنْ أَزْوَاجِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - "وَفِي الْبَيْتِ عَلِيٌّ،وَفَاطِمَةُ،وَالْحَسَنُ،وَالْحُسَيْنُ
وعَنْ أُمِّ سَلَمَةَ أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ لِفَاطِمَةَ:"ائْتِينِي بِزَوْجِكِ،وَابْنَيْكِ"فَجَاءَتْ بِهِمْ،فَأَلْقَى عَلَيْهِمْ كِسَاءً فَدَكِيًّا،ثُمَّ وَضَعَ يَدَهُ عَلَيْهِمْ،ثُمَّ قَالَ::"اللهُمَّ إنَّ هَؤُلَاءِ آلُ مُحَمَّدٍ فَاجْعَلْ صَلَوَاتِكَ،وَبَرَكَاتِكَ عَلَى آلِ مُحَمَّدٍ إنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ"قَالَتْ أُمُّ سَلَمَةَ:فَرَفَعْتُ الْكِسَاءَ؛لِأَدْخُلَ مَعَهُمْ فَجَبَذَهُ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - وَقَالَ:"إنَّكِ عَلَى خَيْرٍ "
وعن شَهْرََ قَالَ:سَمِعْتُ أُمَّ سَلَمَةَ،حِينَ جَاءَ نَعْيُ الْحُسَيْنِ بْنِ عَلِيٍّ فَقَالَتْ:قَتَلُوهُ قَتَلَهُمُ اللهُ وَعَرُّوهُ وَذَلُّوهُ لَعَنَهُمُ اللهُ،فَإِنِّي رَأَيْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - وَجَاءَتْهُ فَاطِمَةُ غَدِيَّةً بِبُرْمَةٍ لَهَا قَدْ صَنَعَتْ مِنْهَا عَصِيدَةً تَحْمِلُهَا فِي طَبَقٍ لَهَا حَتَّى وَضَعَتْهَا بَيْنَ يَدَيْهِ،فَقَالَ لَهَا:"أَيْنَ ابْنُ عَمِّكِ ؟"فَقَالَتْ:هُوَ فِي الْبَيْتِ قَالَ:اذْهَبِي فَادْعِيهِ،وَائْتِينِي بِابْنَيْكِ"قَالَتْ:فَجَاءَتْ تَقُودُ ابْنَيْهَا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا وَعَلِيٌّ فِي أَثَرِهِمْ يَمْشِي حَتَّى دَخَلُوا عَلَى رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فَأَجْلَسَهُمَا فِي حِجْرِهِ،وَجَلَسَ عَلِيٌّ عَلَى يَمِينِهِ،وَجَلَسَتْ فَاطِمَةُ عَلَى يَسَارِهِ قَالَتْ أُمُّ سَلَمَةَ:فَاجْتَبَذَ مِنْ تَحْتِي كِسَاءً حَبِيرًا كَانَ بِسَاطًا لَنَا عَلَى الْمَنَامَةِ بِالْمَدِينَةِ فَلَفَّهُ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - عَلَيْهِمْ جَمِيعًا فَأَخَذَ بِشِمَالِهِ طَرَفَيِ الْكِسَاءِ وَأَلْوَى بِيَدِهِ الْيُمْنَى إلَى رَبِّهِ عَزَّ وَجَلَّ فَقَالَ:"اللهُمَّ أَذْهِبْ عَنْهُمُ الرِّجْسَ وَطَهِّرْهُمْ تَطْهِيرًا"ثَلَاثَ مِرَارٍ،قَالَتْ:قُلْتُ:يَا رَسُولَ اللهِ أَلَسْتُ مِنْ أَهْلِكَ ؟ قَالَ:"بَلَى"قَالَ:"فَادْخُلِي فِي الْكِسَاءِ"قَالَتْ:فَدَخَلْتُ بَعْدَمَا قَضَى دُعَاءَهُ لِابْنِ عَمِّهِ عَلِيٍّ،وَابْنَيْهِ،وَابْنَتِهِ فَاطِمَةَ عَلَيْهِمُ السَّلَامُ
وعَنْ عُمَرَ بْنِ أَبِي سَلَمَةَ قَالَ:نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ عَلَى رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - ،وَهُوَ فِي بَيْتِ أُمِّ سَلَمَةَ:{ إنَّمَا يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا } [الأحزاب:33] قَالَتْ:فَدَعَا النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - الْحَسَنَ،وَالْحُسَيْنَ،وَفَاطِمَةَ فَأَجْلَسَهُمْ بَيْنَ يَدَيْهِ وَدَعَا عَلِيًّا فَأَجْلَسَهُ خَلْفَ ظَهْرِهِ،ثُمَّ جَلَّلَهُمْ جَمِيعًا بِالْكِسَاءِ،ثُمَّ قَالَ:"اللهُمَّ هَؤُلَاءِ أَهْلُ بَيْتِي(1/267)
فَأَذْهِبْ عَنْهُمُ الرِّجْسَ،وَطَهِّرْهُمْ تَطْهِيرًا"قَالَتْ أُمُّ سَلَمَةَ:اللهُمَّ اجْعَلْنِي مِنْهُمْ قَالَ:"أَنْتِ مَكَانَكِ وَأَنْتِ عَلَى خَيْرٍ "
وعَنْ عَمْرَةَ الْهَمْدَانِيَّةِ قَالتْ:أَتَيْتُ أُمَّ سَلَمَةَ فَسَلَّمْتُ عَلَيْهَا فَقَالَتْ:مَنْ أَنْتِ ؟ فَقُلْتُ:عَمْرَةُ الْهَمْدَانِيَّةُ فَقَالَتْ عَمْرَةُ:يَا أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ أَخْبِرِينِي عَنْ هَذَا الرَّجُلِ الَّذِي قُتِلَ بَيْنَ أَظْهُرِنَا فَمُحِبٌّ وَمُبْغِضٌ تُرِيدُ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ قَالَتْ أُمُّ سَلَمَةَ أَتُحِبِّينَهُ أَمْ تُبْغِضِينَهُ ؟ قَالَتْ:مَا أُحِبُّهُ وَلَا أُبْغِضُهُ،فَقَالَتْ:أَنْزَلَ اللهُ هَذِهِ الْآيَةَ:{ إنَّمَا يُرِيدُ اللهُ } [التوبة:55] إلَى آخِرِهَا وَمَا فِي الْبَيْتِ إلَّا جِبْرِيلُ وَرَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - ،وَعَلِيٌّ،وَفَاطِمَةُ،وَحَسَنٌ،وَحُسَيْنٌ عَلَيْهِمُ السَّلَامُ،فَقُلْتُ:يَا رَسُولَ اللهِ،أَنَا مِنْ أَهْلِ الْبَيْتِ ؟،فَقَالَ:"إنَّ لَكِ عِنْدَ اللهِ خَيْرًا"فَوَدِدْتُ أَنَّهُ قَالَ:نَعَمْ،فَكَانَ أَحَبَّ إلَيَّ مِمَّا تَطْلُعُ عَلَيْهِ الشَّمْسُ وَتَغْرُبُ.فَدَلَّ مَا رَوَيْنَا فِي هَذِهِ الْآثَارِ مِمَّا كَانَ مِنْ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - إلَى أُمِّ سَلَمَةَ مِمَّا ذَكَرَ فِيهَا لَمْ يُرِدْ بِهِ أَنَّهَا كَانَتْ مِمَّنْ أُرِيدَ بِهِ مِمَّا فِي الْآيَةِ الْمَتْلُوَّةِ فِي هَذَا الْبَابِ،وَأَنَّ الْمُرَادِينَ بِمَا فِيهَا هُمْ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - ،وَعَلِيٌّ،وَفَاطِمَةُ،وَحَسَنٌ،وَحُسَيْنٌ عَلَيْهِمُ السَّلَامُ دُونَ مَنْ سِوَاهُمْ،وَمِمَّا يَدُلُّ عَلَى مُرَادِ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - بِقَوْلِهِ لِأُمِّ سَلَمَةَ فِيمَا رُوِيَ فِي هَذِهِ الْآثَارِ مِنْ قَوْلِهِ لَهَا:"أَنْتِ مِنْ أَهْلِي "
وعن وَاثِلَةَ قَالَ:أَتَيْتُ عَلِيًّا فَلَمْ أَجِدْهُ،فَقَالَتْ فَاطِمَةُ انْطَلَقَ إلَى رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَدْعُوهُ قَالَ:فَجَاءَ مَعَ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - ،فَدَخَلَا وَدَخَلْتُ مَعَهُمَا فَدَعَا رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - الْحَسَنَ،وَالْحُسَيْنَ فَأَقْعَدَ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى فَخِذِهِ،وَأَدْنَى فَاطِمَةَ مِنْ حِجْرِهِ وَزَوْجَهَا،ثُمَّ لَفَّ عَلَيْهِمْ ثَوْبًا وَأَنَا مُنْتَبِذٌ،ثُمَّ قَالَ:{ إنَّمَا يُرِيدُ اللهُ } [التوبة:55] الْآيَةَ،ثُمَّ قَالَ:"اللهُمَّ هَؤُلَاءِ أَهْلِي إنَّهُمْ أَهْلُ حَقٍّ"فَقُلْتُ:يَا رَسُولَ اللهِ وَأَنَا مِنْ أَهْلِكَ قَالَ:"وَأَنْتَ مِنْ أَهْلِي"قَالَ:وَاثِلَةُ فَإِنَّهَا مِنْ أَرْجَى مَا أَرْجُو.وَوَاثِلَةُ أَبْعَدُ مِنْهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ مِنْ أُمِّ سَلَمَةَ مِنْهُ؛لِأَنَّهُ إنَّمَا هُوَ رَجُلٌ مِنْ بَنِي لَيْثٍ لَيْسَ مِنْ قُرَيْشٍ وَأُمُّ سَلَمَةَ مَوْضِعُهَا مِنْ قُرَيْشٍ مَوْضِعُهَا الَّذِي هِيَ بِهِ مِنْهُ،فَكَانَ قَوْلُهُ لِوَاثِلَةَ:"أَنْتَ مِنْ أَهْلِي"عَلَى مَعْنَى لِاتِّبَاعِكَ إيَّايَ،وَإِيمَانِكَ بِي فَدَخَلْتَ بِذَلِكَ فِي جُمْلَتِي،وَقَدْ وَجَدْنَا اللهَ قَدْ ذَكَرَ فِي كِتَابِهِ مَا يَدُلُّ عَلَى هَذَا الْمَعْنَى بِقَوْلِهِ:{ وَنَادَى نُوحٌ رَبَّهُ،فَقَالَ رَبِّ إنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي } [هود:45] فَأَجَابَهُ فِي ذَلِكَ بِأَنْ قَالَ لَهُ:{ إنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ } [هود:46] فَكَمَا جَازَ أَنْ يُخْرِجَهُ مِنْ أَهْلِهِ،وَإِنْ(1/268)
كَانَ ابْنَهُ؛لِخِلَافِهِ إيَّاهُ فِي دِينِهِ جَازَ أَنْ يُدْخِلَ فِي أَهْلِهِ مَنْ يُوَافِقُهُ عَلَى دِينِهِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مِنْ ذَوِي نَسَبِهِ،فَمِثْلُ ذَلِكَ أَيْضًا مَا كَانَ مِنْ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - جَوَابًا لِأُمِّ سَلَمَةَ:"أَنْتِ مِنْ أَهْلِي"يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ عَلَى هَذَا الْمَعْنَى أَيْضًا،وَأَنْ يَكُونَ قَوْلُهُ لَهَا ذَلِكَ كَقَوْلِهِ مِثْلَهُ لِوَاثِلَةَ وَحَدِيثُ سَعْدٍ وَمَا قَدْ ذَكَرْنَاهُ مَعَهُ مِنَ الْأَحَادِيثِ فِي أَوَّلِ هَذَا الْبَابِ مَعْقُولٌ بِهَا مِنْ أَهْلِ الْآيَةِ الْمَتْلُوَّةِ فِيهَا؛لِأَنَّا قَدْ أَحَطْنَا عِلْمًا أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - لَمَّا دَعَا مَنْ دَعَا مِنْ أَهْلِهِ عِنْدَ نُزُولِهَا لَمْ يُبْقِ مِنْ أَهْلِهَا الْمُرَادِينَ فِيهَا أَحَدًا سِوَاهُمْ،وَإِذَا كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ اسْتَحَالَ أَنْ يُدْخِلَ مَعَهُمْ فِيمَا أُرِيدَتْ بِهِ سِوَاهُمْ،وَفِيمَا ذَكَرْنَا مِنْ ذَلِكَ بَيَانُ مَا وَصَفْنَا.فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ:فَإِنَّ كِتَابَ اللهِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ أَزْوَاجَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - هُمُ الْمَقْصُودُونَ بِتِلْكَ الْآيَةِ؛لِأَنَّهُ قَالَ قَبْلَهَا فِي السُّورَةِ الَّتِي هِيَ فِيهَا:{ يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ إنْ كُنْتُنَّ } [الأحزاب:28] إلَى قَوْلِهِ:{ يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ لَسْتُنَّ } [الأحزاب:32] إلَى قَوْلِهِ:{ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى } [الأحزاب:33] فَكَانَ ذَلِكَ كُلُّهُ يُرَدْنَ بِهِ؛لِأَنَّهُ عَلَى خِطَابِ النِّسَاءِ لَا عَلَى خِطَابِ الرِّجَالِ،ثُمَّ قَالَ:{ إنَّمَا يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ } [الأحزاب:33] الْآيَةَ،فَكَانَ جَوَابُنَا لَهُ أَنَّ الَّذِي تَلَاهُ إلَى آخِرِ مَا قَبْلَ قَوْلِهِ:{ إنَّمَا يُرِيدُ اللهُ } [التوبة:55] الْآيَةَ خِطَابٌ لِأَزْوَاجِهِ،ثُمَّ أَعْقَبَ ذَلِكَ بِخِطَابِهِ لِأَهْلِهِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى:{ إنَّمَا يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ } [الأحزاب:33] الْآيَةَ فَجَاءَ عَلَى خِطَابِ الرِّجَالِ؛لِأَنَّهُ قَالَ فِيهِ:{ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ } [الأحزاب:33] وَهَكَذَا خِطَابُ الرِّجَالِ،وَمَا قَبْلَهُ فَجَاءَ بِهِ بِالنُّونِ وَكَذَلِكَ خِطَابُ النِّسَاءِ فَعَقَلْنَا أَنَّ قَوْلَهُ:{ إنَّمَا يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ } [الأحزاب:33] الْآيَةَ خِطَابٌ لِمَنْ أَرَادَهُ مِنَ الرِّجَالِ بِذَلِكَ لِيُعْلِمَهُمْ تَشْرِيفَهُ لَهُمْ وَرِفْعَتَهُ لِمِقْدَارِهِمْ أَنْ جَعَلَ نِسَاءَهُمْ مَنْ قَدْ وَصَفَهُ لِمَا وَصَفَهُ بِهِ مِمَّا فِي الْآيَاتِ الْمَتْلُوَّاتِ قَبْلَ الَّذِي خَاطَبَهُمْ بِهِ تَعَالَى،وَمَا دَلَّ عَلَى ذَلِكَ أَيْضًا عَنْ أَنَسٍ أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - كَانَ إذَا خَرَجَ لِصَلَاةِ الْفَجْرِ يَقُولُ:"الصَّلَاةَ يَا أَهْلَ الْبَيْتِ"{ إنَّمَا يُرِيدُ اللهُ } [التوبة:55]"الْآيَةَوقَالَ أَبُو الْحَمْرَاءِ:صَحِبْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - تِسْعَةَ أَشْهُرٍ كَانَ إذَا أَصْبَحَ أَتَى بَابَ فَاطِمَةَ عَلَيْهَا السَّلَامُ فَقَالَ:"السَّلَامُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ"{ إنَّمَا يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ(1/269)
الْبَيْتِ } [الأحزاب:33]"الْآيَةَ وَفِي هَذَا أَيْضًا دَلِيلٌ عَلَى أَهْلِ هَذِهِ مَنْ هُمْ،وَبِاللهِ التَّوْفِيقُ.." (1)
بطلان استدلال الشيعة بحديث الكساء على إمامة علي وعصمة آل البيت:
ومن الأدلة التي يستدلون بها على الإمامة:آية التطهير،وآية التطهير هي قوله تبارك وتعالى:(( إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمْ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً ))[الأحزاب:33] يقولون:إن أهل البيت هم:علي،وفاطمة،والحسن،والحسين،بدلالة حديث الكساء.
حديث الكساء ترويه أم المؤمنين عائشة التي يزعمون أنها تبغض آل بيت النبي صلى الله عليه وآله وسلم،وهذا الحديث يخرجه الإمام مسلم الذي يزعمون أنه يكتم أحاديث في فضائل آل بيت النبي صلى الله عليه وآله وسلم.
عائشة تروي:(أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم جاءه علي فأدخله في عباءته -أي:في كسائه- ثم جاءت فاطمة فأدخلها،ثم جاءه الحسن فأدخله،ثم جاء الحسين فأدخله،ثم جللهم-أي:غطاهم-صلوات الله وسلامه عليه بالكساء،ثم قال:اللهم هؤلاء أهل بيتي،اللهم أذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا) فقالوا:هذا الحديث يفسر الآية وهي قول الله تعالى:(( إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمْ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً ))[الأحزاب:33] .
ثم الاستدلال الآخر وهو:أن إذهاب الرجس والتطهير،أي:العصمة،فيكونون بذلك معصومين،ويكون علي رضي الله عنه معصوماً،وكذا الحسن والحسين وفاطمة رضي الله عنهم أجمعين،فإذا كان الأمر كذلك فهم إذاً أولى بالإمامة من غيرهم،ثم أخرجوا فاطمة رضي الله عنها وقالوا:إن الإمامة في علي والحسن والحسين،ثم في أولاد الحسين كما هو معلوم عند الكثيرين.
هذه الآية هل هي فعلاً في علي وفاطمة والحسن والحسين رضي الله عنهم أو في غيرهم؟
__________
(1) - شرح مشكل الآثار - (2 / 235)( 761- 775 )(1/270)
كما قلنا في قول الله تبارك وتعالى:(( إِنَّمَا وَلِيُّكُمْ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ ))[المائدة:55] ثم اقرءوا ما قبل هذه الآية،تدبروا القرآن،فنحن لا نريد أكثر من ذلك،أفليس الله تبارك وتعالى يقول:(( أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا ))[محمد:24]؟ ويقول:(( أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافاً كَثِيراً ))[النساء:82]؟ إن هذا الخطاب من الله جل وعلا ليس متوجهاً فقط إلى أناس معنيين هم الذين يحق لهم أن يتدبروا القرآن،بل إن الله تعالى يطلب من جميع المسلمين -بل ومن غير المسلمين- أن يتدبروا القرآن،ويتعرفوا على الله جل وعلا من خلال هذا القرآن،فإنهم إذا قرءوا القرآن وتدبروه وعرفوه حق المعرفة وعرفوا قدره ومكانته لن يجدوا بداً من الانصياع إليه واتباعه والإقرار بكماله وحسن رصه،وغير ذلك من الأمور.
كذلك الأمر هنا،نحن لا نريد منكم أكثر من أن تتدبروا القرآن -أنا أعنيكم يا عوام الشيعة- دعوا علماءكم جانباً،ارجعوا إلى كتاب ربكم جل وعلا واقرءوه،وافتحوا هذا القرآن الكريم،على سورة الأحزاب،فعندما نفتح الآن على سورة الأحزاب في الجزء الثاني والعشرين سنجد أن الله تبارك وتعالى يقول:(( يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لأَزْوَاجِكَ إِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا فَتَعَالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنَّ سَرَاحاً جَمِيلاً * وَإِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالدَّارَ الآخِرَةَ فَإِنَّ اللَّهَ أَعَدَّ لِلْمُحْسِنَاتِ مِنْكُنَّ أَجْراً عَظِيماً * يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ مَنْ يَأْتِ مِنْكُنَّ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ يُضَاعَفْ لَهَا الْعَذَابُ ضِعْفَيْنِ وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيراً * وَمَنْ يَقْنُتْ مِنْكُنَّ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ وَتَعْمَلْ صَالِحاً نُؤْتِهَا أَجْرَهَا مَرَّتَيْنِ وَأَعْتَدْنَا لَهَا رِزْقاً كَرِيماً * يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنْ النِّسَاءِ إِنْ اتَّقَيْتُنَّ فَلا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلاً مَعْرُوفاً * وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الأُولَى وَأَقِمْنَ الصَّلاةَ وَآتِينَ الزَّكَاةَ وَأَطِعْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمْ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً * وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَى فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ وَالْحِكْمَةِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ لَطِيفاً خَبِيراً ))[الأحزاب:28-34] نجد أن كل الآيات متناسقة،آيات في نساء النبي - صلى الله عليه وسلم - ،يقول الله:((يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ)).. ((يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ)).. ((وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلا تَبَرَّجْنَ)) ثم(1/271)
قال:(( وَأَطِعْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمْ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً * وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَى فِي بُيُوتِكُنَّ ))[الأحزاب:33-34] فنجد الآيات في نساء النبي صلى الله عليه وآله وسلم،فكيف لأحد أن يدعي بعد ذلك أن هذه الآية،بل هذا المقطع من الآية؛ لأن قوله تعالى:(( إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمْ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً ))[الأحزاب:33] ليست آية إنما هي جزء من آية:((وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ)) تلكم الآية،فكيف تقبلون في كلام الله جل وعلا أن يكون الخطاب لنساء النبي صلى اللهعليه وسلم:(( يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لأَزْوَاجِكَ إِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا ))[الأحزاب:28] ثم يقول:(( يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ مَنْ يَأْتِ مِنْكُنَّ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ ))[الأحزاب:30] .. (( يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنْ النِّسَاءِ * وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الأُولَى وَأَقِمْنَ الصَّلاةَ وَآتِينَ الزَّكَاةَ وَأَطِعْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمْ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً ))[الأحزاب:32-33] يا علي.. يا فاطمة .. يا حسين،ثم يعود مرة ثانية:(( وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَى فِي بُيُوتِكُنَّ ))[الأحزاب:34] ما الذي أدخل علياً والحسن الحسين وفاطمة في خطاب موجه لنساء النبي صلى الله عليه وآله وسلم،ما مناسبة هذه الفقرة بين هذه الآيات؟ لا توجد مناسبة؛ ماذا علينا أن نفعل؟ هل نطعن في كلام الله أو نطعن في الذين فهموا هذا الفهم وادعوا دعوى غير صحيحة؛ لأن قوله تعالى:(( إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمْ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً ))[الأحزاب:33]؟ نقول:هذه دعوى باطلة،فهذه في نساء النبي - صلى الله عليه وسلم - ؛لذلك كان مجاهد رحمه الله تعالى -مجاهد بن جبر- يقول:[[هي في نساء النبي - صلى الله عليه وسلم - ومن شاء باهلته]]. أي:في هذه الآية.
* من هم آل بيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ؟
القصد هذه الآية هي في نساء النبي صلى الله عليه وآله وسلم،وحديث الكساء لعلي،وفاطمة،والحسن،والحسين،وبهذا نجمع بين الأمرين،أن علياً وفاطمة،والحسن والحسين من آل بيت النبي صلى الله عليه وآله وسلم بدليل حديث الكساء،وأزواج النبي صلى الله عليه وآله وسلم من آل بيت النبي - صلى الله عليه وسلم - والدليل:الآيات المذكورة سابقاً،وغيرهم يدخل أيضاً في آل بيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كالفضل بن العباس،والمطلب بن ربيعة بن الحارث بن(1/272)
عم النبي - صلى الله عليه وسلم - ؛وذلك لأنه لما منعهما من الزكاة أن يكونا عاملين عليها وقال:(إنها لا تحل لمحمد ولا لآل محمد) ويدخل كذلك في آل بيت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم آل جعفر وآل عقيل وآل العباس بحديث زيد بن أرقم رضي الله عنه وأرضاه،فقصر هذه الآية على علي والحسن والحسين وفاطمة لا يستقيم معه نص الآية؛ ولذلك نقول:إن هذا القول مردود.
*حل إشكال ورد شبهة:
هنا إشكال وهو:إذا كان الأمر كذلك وهي في نساء النبي - صلى الله عليه وسلم - فما مفهوم:(( إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمْ ))[الأحزاب:33] ولم يقل:عنكن؟ وهذا هو الذي يدندنون عليه،لماذا قال:عنكم،ولم يقل:عنكن؟ وهذه قد ذكر أهل العلم لها معانٍ كثيرة منها:
أولاً:-وهو أصح هذه الأقوال-:أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم داخل معهن،وذلك أن الخطاب كان للنساء،ثم لما تكلم على البيت دخل سيد البيت وهو محمد صلى الله عليه وآله وسلم،فإذا دخل صلوات الله وسلامه عليه مع النساء في الخطاب فطبيعي جداً أن تلغى نون النسوة وتأتي بدلها ميم الجمع:(( إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمْ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ ))[الأحزاب:33] أي:يا نساء النبي - صلى الله عليه وسلم - ومعكن سيدكن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.
وتصح أيضاً لما قال الله تبارك وتعالى لما قال عن امرأة إبراهيم:(( رَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ ))[هود:73] وهي امرأة إبراهيم،لم جاء بميم الجمع هنا:(عليكم) ولم يقل:(عليكن)،ولا (عليكِ) أيضاً،وإنما (عليكم)؟ يريد أهل البيت،يريد مراعاة اللفظ،واللفظ (أهل).
وعلى كل حال إن نون النسوة هنا لم يؤت بها؛ لأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم دخل معهن.
*عدم دلالة آية التطهير على عصمة آل بيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - :
كذلك بالنسبة للتطهير:الله سبحانه يريد أن يذهب الرجس،ويريد أن يطهر سبحانه وتعالى،فهل هم مطهرون خلقة أو يريد الله الآن أن يطهرهم؟ القوم يدعون أنهم مطهرون(1/273)
خلقة،أي:خلقوا مطهرون،فإذا كانوا خلقوا مطهرين فما معنى قوله وتعالى:(( إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمْ الرِّجْسَ ))[الأحزاب:33] بعد أوامر ونواهٍ قال:يريد أن يذهب عنكم الرجس أي:طهركم وأذهب عنكم الرجس،إذاً:ما معنى حديث الكساء،وهو:(أن النبي - صلى الله عليه وسلم - جللهم بالكساء ثم قال:اللهم أذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا) لماذا يدعو وبماذا؟ يدعو بإذهاب الرجس الذي هو أصلاً ذاهب عنهم؛ لأنهم مطهرون خلقة؟! فكيف النبي صلى الله عليه وآله وسلم يطلب من الله أن يذهب عنهم الرجس؟ تحصيل حاصل لا ينبغي أن يكون من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.
إذاً:هذه الآية لا تدل على العصمة،كيف تدل على العصمة وعلي رضي الله عنه يقول:[[وإني لست في نفسي بفوق أن أخطئ،ولا آمن من أن يقع مني ذلك]] يقول ذلك في الكافي الجزء الثامن صفحة:(293)،ويقول للحسن ابنه:[[ ثم أشفقت أن يلتبس عليك ما اختلف الناس فيه من أهوائهم وآرائهم مثل الذي التبس عليهم ]] وهذا في نهج البلاغة صفحة:(576)،وقال له أيضاً:[[ فاعلم أنك إنما تخبط خبط العشواء وتتورط الظناء ]] وهذا في نهج البلاغة صفحة:(577)،وقال له كذلك:[[ فإن أشكل عليك من ذلك-يعني:أمر-فاحمله على جهالتك به،فإنك أول ما خلقت جاهلاً ثم علمت،وما أكثر ما تجهل من الأمر،ويتحير فيه رأيك،ويضل فيه بصرك ]] وهذا في نهج البلاغة صفحة:(578).
وهذا من يسمونه بالشهيد الثاني:زين الدين بن علي العاملي، يقول:[[ فإن كثيراً منهم ما كانوا يعتقدون بعصمتهم لخفائها عليهم،بل كانوا يعتقدون أنهم علماء أبرار ]]. وهذا في حقائق الإيمان صفحة:(151).
*معنى الرجس:
يقول الله تعالى:(( إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمْ الرِّجْسَ ))[الأحزاب:33] ما هو الرجس؟ الرجس:قال أهل اللغة:هو القذر.. الذنب .. الإثم .. الفسق .. الشك ..الشرك .. الشيطان،كل هذا يدخل في مسمى الرجس.(1/274)
وردت كلمة الرجس في القرآن في مواضع عدة،فقد وردت في قول الله تعالى:(( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنصَابُ وَالأَزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ ))[المائدة:90] وقال تعالى:(( كَذَلِكَ يَجْعَلُ اللَّهُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ ))[الأنعام:125] وقال سبحانه وتعالى:(( قُلْ لا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّماً عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلاَّ أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَماً مَسْفُوحاً أَوْ لَحْمَ خِنزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ أَوْ فِسْقاً أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ ))[الأنعام:145]،وكذلك يقول سبحانه وتعالى على الكفار من اليهود:(( قَالَ قَدْ وَقَعَ عَلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ رِجْسٌ وَغَضَبٌ أَتُجَادِلُونَنِي فِي أَسْمَاءٍ سَمَّيْتُمُوهَا أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ مَا نَزَّلَ اللَّهُ بِهَا مِنْ سُلْطَانٍ فَانتَظِرُوا إِنِّي مَعَكُمْ مِنْ الْمُنتَظِرِينَ ))[الأعراف:71] ويقول تعالى:(( سَيَحْلِفُونَ بِاللَّهِ لَكُمْ إِذَا انقَلَبْتُمْ إِلَيْهِمْ لِتُعْرِضُوا عَنْهُمْ فَأَعْرِضُوا عَنْهُمْ إِنَّهُمْ رِجْسٌ ))[التوبة:95] وجاءت آيات أخرى تبين معنى الرجس،وهو:الإثم.. الذنب.. القذر.. الشك.. الشيطان.. الشرك،وما شابهها من المعاني؛ ولذلك جاء عن جعفر الصادق رضي الله عنه ورحمه أنه قال:[[ (( إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمْ الرِّجْسَ ))[الأحزاب:33] قال:هو الشك ]] وقال الباقر:[[ الرجس:هو الشك،والله لا نشك في ربنا ]]،وفي رواية:[[ في ديننا ]]. وفي رواية:[[ لا نشك في الله الحق ودينه ]]. إذاً:هذا هو الرجس.
ماذا كان عندما أذهب الله عنهم الرجس؟ هل كل من أذهب الله عنه الرجس يصير إماماً معصوماً؟ الله تعالى يقول عن جميع المؤمنين:(( إِذْ يُغَشِّيكُمْ النُّعَاسَ أَمَنَةً مِنْهُ وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُمْ مِنْ السَّمَاءِ مَاءً لِيُطَهِّرَكُمْ بِهِ وَيُذْهِبَ عَنكُمْ رِجْزَ الشَّيْطَانِ ))[الأنفال:11] وقرئت:رجس،هل صاروا معصومين إذاً،كل هؤلاء صاروا أئمة ثلاثمائة وبضعة عشر كانوا مع النبي صلى الله عليه وآله وسلم.
هل كل من طهره الله تعالى يكون إماماً؟
يقول الله تعالى:(( وَلَكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ ))[المائدة:6] يقوله لعموم المؤمنين:(( وَلَكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ ))[المائدة:6] وقال تعالى سبحانه وتعالى:(( وَاللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَنْ تَمِيلُوا مَيْلاً عَظِيماً ))[النساء:27] الله يريد سبحانه وتعالى،وهذه الإرادة كما قال أهل العلم تنقسم إلى(1/275)
قسمين:إرادة شرعية،وهي ما يحبه الله ويرضاه سبحانه وتعالى، وإرادة كونية قدرية،وهي ما يوقعه الله سبحانه وتعالى،والآية إنما هي فيما يحبه الله تعالى،ولذلك سبقت بأمر ونهي:(( يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنْ النِّسَاءِ * وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ ))[الأحزاب:32-33].. (( وَأَطِعْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ ))[الأحزاب:33] ثم قال بعدها:(( إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمْ الرِّجْسَ ))[الأحزاب:33] مع هذه الأوامر وهذه النواهي (يريد الله) أي:يحب جل وعلا أن يذهب عنكم الرجس إذا التزمتم بفعل ما أمر وترك ما نهى وزجر،فهذه إرادة شرعية يحبها الله ويرضاها.
وهذه الإرادة الشرعية قد تقع وقد لا تقع؛ ولذلك الله سبحانه وتعالى يقول:(( وَاللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَنْ تَمِيلُوا مَيْلاً عَظِيماً ))[النساء:27] هل جميع الناس تاب عليهم؟ لا،منهم من غضب عليهم سبحانه وتعالى،ومنهم من لعنهم جل وعلا،ومنهم من جعل منهم عبد الطاغوت وجعلهم حطب جهنم ولم يتب عليهم سبحانه وتعالى؛ لأنها إرادة شرعية وليست قدرية.
أما الإرادة القدرية الكونية فهي التي يوقعها الله سبحانه وتعالى،وهذه تقع على ما يحبه الله تعالى وما لا يحبه،ككفر الكافر مثلاً،هل كفر الكافر رغماً عن الله أو بإرادة الله؟ بإرادة الله سبحانه وتعالى،ما وقع شيء في هذا الكون أبداً إلا بإرادة الله سبحانه وتعالى:(( وَمَا تَشَاءُونَ إِلاَّ أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ ))[الإنسان:30] فكفر الكافر ليس رغماً عن الله،بل هو بإرادة الله الكونية القدرية سبحانه وتعالى،وإن كان الله لا يحب هذا -أي:لا يحب الله أن يكفر الكافر- ولا يريد الله أن يمتنع إبليس عن السجود لآدم ولكن وقع هذا بإرادة الله الكونية القدرية ولا بإرادته الشرعية التي هي على ما يحبه ويرضاه؛ ولذلك يحاسب الله على ترك إرادته الشرعية ولا يحاسب على ترك إرادته الكونية القدرية؛ لأنه لا يستطيع أحد أن يترك الإرادة الكونية القدرية ولا يستطيع أحد أن يتجاوزه" (1)
69.
__________
(1) - بطلان استدلال الشيعة بحديث الكساء على إمامة علي وعصمة آل البيت - الشيخ/ عثمان الخميس(1/276)
عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يَوْمَ خَيْبَرَ « لأَدْفَعَنَّ الرَّايَةَ إِلَى رَجُلٍ يُحِبُّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ يَفْتَحُ اللَّهُ عَلَيْهِ ». قَالَ فَقَالَ عُمَرُ فَمَا أَحْبَبْتُ الإِمَارَةَ قَبْلَ يَوْمَئِذٍ فَتَطَاوَلْتُ لَهَا وَاسْتَشْرَفْتُ رَجَاءَ أَنْ يَدْفَعَهَا إِلَىَّ. فَلَمَّا كَانَ الْغَدُ دَعَا عَلِيًّا عَلَيْهِ السَّلاَمُ فَدَفَعَهَا إِلَيْهِ فَقَالَ « قَاتِلْ وَلاَ تَلْتَفِتْ حَتَّى يُفْتَحَ عَلَيْكَ ». فَسَارَ قَرِيباً ثُمَّ نَادَى يَا رَسُولَ اللَّهِ عَلاَّمَ أُقَاتِلُ قَالَ « حَتَّى يَشْهَدُوا أَنَّ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّداً رَسُولُ اللَّهِ فَإِذَا فَعَلُوا ذَلِك فَقَدْ مَنَعُوا مِنِّى دِمَاءَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ إِلاَّ بِحَقِّهَا وَحِسَابُهُمْ عَلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ »أخرجه أحمد (1)
70. عَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - "إِنِّى تَارِكٌ فِيكُمْ خَلِيفَتَيْنِ كِتَابُ اللَّهِ حَبْلٌ مَمْدُودٌ مَا بَيْنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ - أَوْ مَا بَيْنَ السَّمَاءِ إِلَى الأَرْضِ - وَعِتْرَتِى أَهْلُ بَيْتِى وَإِنَّهُمَا لَنْ يَتَفَرَّقَا حَتَّى يَرِدَا عَلَىَّ الْحَوْضَ ».أخرجه أحمد (2)
يقول العلامة عثمان بن خميس:روايات عدة لحديث الثقلين:
ومن الأدلة التي استدلوا بها على الإمامة والعصمة:أدلة من السنة،أي:من أحاديث النبي صلى الله عليه وآله وسلم،وسوف نتكلم عن تسعة أحاديث تقريباً.
أولها:حديث الثقلين،حتى ألفت كتب عناوينها تحمل هذا المضمون،فحديث الثقلين أخرجه الإمام مسلم في صحيحه عن زيد بن أرقم أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال:(وأنا تارك فيكم ثقلين أولهما:كتاب الله فيه الهدى والنور،فخذوا بكتاب الله واستمسكوا به. قال زيد:فحث على كتاب الله ورغب فيه،ثم قال:وأهل بيتي،أذكركم الله أهل بيتي،أذكركم الله في أهل بيتي،أذكركم الله في أهل بيتي) هذا إخراج الإمام مسلم في الصحيح،ففيه أن النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول:(إني تارك فيكم ثقلين).
الثقل الأول:كتاب الله،وكما هو وارد في الحديث أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أمر بالأخذ به والتمسك به.
__________
(1) - برقم(9226) والطيالسي برقم(2554) وهو صحيح
(2) - برقم(22199 و22279) وفضائل الصحابة برقم(996) صحيح(1/277)
ثم الثقل الثاني:وهم أهل بيته،قال:(أذكركم الله في أهل بيتي.. أذكركم الله في أهل بيتي .. أذكركم الله في أهل بيتي).
ظاهر الحديث:أن النبي - صلى الله عليه وسلم - يأمر برعاية حقوق أهل بيته صلى الله عليه وآله وسلم،ولكنهم لا يتوقفون عند هذا الحديث -حديث زيد بن أرقم- وإنما يتجاوزون ذلك إلى حديث أم سلمة،وحديث علي،وحديث أبي سعيد الخدري.
أما حديث علي ففيه:(إني تركت فيكم ما إن أخذتم به لن تضلوا:كتاب الله،سببه بيد الله وسببه في أيديكم،وأهل بيتي) ظاهره:أنه أمر بالتمسك بأهل بيته،وهذا أخرجه أبو عاصم في السنة،ولكن مشكلته أنه لا يصح حيث أن في روايته الكثير بن زيد،ضعفه أبو حاتم والنسائي وأبو زرعة،ويعقوب بن شيبة،وابن المديني،فلا يمكن الاستدلال بمثل هذا الحديث،ندعه ونأخذ الحديث الذي بعده،وهو حديث أبي سعيد الخدري وفيه:
أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال:(تركت فيكم الثقلين أحدهما أكبر من الآخر:كتاب الله حبل ممدود من السماء إلى الأرض،وعترتي أهل بيتي،ألا إنهما لن يفترقا حتى يردا علي الحوض) وهذا أخرجه الترمذي وأبو يعلى وابن أبي عاصم،ولكن هذا أيضاً فيه عطية العوفي،وعطية ضعفه أحمد وأبو حاتم والنسائي وغيرهم،لأنه متفق على ضعفه عند أهل العلم،فلا يسلم هذا الحديث أيضاً.
الحديث الرابع:وهو حديث زيد بن ثابت،وفيه:(إني تارك فيكم خليفتين:كتاب الله حبل ممدود ما بين السماء والأرض أو ما بين السماء إلى الأرض،وعترتي أهل بيتي،فإنهما لن يفترقا حتى يردا علي الحوض) أخرجه أحمد والطبراني،وفيه القاسم بن حسان،وثقه أحمد بن صالح والعجلي،وذكره ابن حبان في الثقات،وضعفه البخاري وابن قطان،وسكت عنه ابن أبي حاتم،وضعفه الذهبي،وقال ابن حجر:مقبول،وفيه شريك بن عبد الله وهو سيء الحفظ.
الحديث الخامس:حديث جابر بن عبد الله،وفيه:(يا أيها الناس! إني تركت فيكم ما إن أخذتم به لن تضلوا:كتاب الله وعترتي أهل بيتي) أخرجه الترمذي والطبراني،فيه زيد بن حسن الأنماطي،قال أبو حاتم منكر الحديث،وقال ابن حجر:ضعيف.(1/278)
من هذه الروايات يظهر لنا أن حديث الثقلين إنما يصح من رواية زيد بن أرقم رضي الله عنه وليس فيه شيء من الأمر بالتمسك بالعترة،وإنما فيه الأمر برعاية حق العترة،والأمر إنما هو بالتمسك بكتاب الله؛ لذلك جاء حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنه في صحيح مسلم:(وقد تركتم فيكم ما لا تضلوا بعده إن اعتصمتم به:كتاب الله) فقط،ولم يتطرق لأهل البيت ولا للعترة،وهذا الحديث رواه جعفر الصادق عن أبيه محمد الباقر عن جابر بن عبد الله عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم.
وحديث الأمر بالتمسك بالعترة ضعفه أحمد وابن تيمية،نعم صححه بعض أهل العلم كالألباني وغيره،ولكن العبرةَ بما يكون فيه البحث العلمي،وهو أن هذا الحديث لا يصح علمياً من حيث النظر في الأسانيد والدلالات،وهذه منهجية أهل السنة والجماعة،فإنهم لا يقلدون أحداً في هذه الأمور،بل يتبعون بحسب القواعد الموضوعة.
فإذا سلمنا بصحة هذا الحديث جدلاً،أمر بالتمسك بالثقلين -كتاب الله،وعترة النبي صلى الله عليه وآله وسلم- يقول ابن الأثير:سماهما ثقلين؛ لأن الأخذ بهما والعمل بهما ثقيل،ويقال لكل خطير:ثقل،فسماهما ثقلين إعظاماً لقدرهما وتفخيماً لشأنهما،وهذا قاله ابن الأثير في الجزء الأول صفحة (216) في غريب الحديث.
ومعنى الحديث:أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أمر بحفظ حقوقهم؛ ولذلك الصحابة رضي الله عنهم أعطوا الثقلين حقهم،هذا أبو بكر الصديق رضي الله عنه وأرضاه يقول:[[ ارقبوا محمداً في آل بيته ]] وهذا خرجه البخاري في صحيحه،وقال:[[ والذي نفسي بيده،لقرابة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أحب إلي أن أصل من قرابتي ]] وهذا أخرجه البخاري كذلك في صحيحه.
ثم إن النبي - صلى الله عليه وسلم - والمسلمون معه أمروا بالتمسك بأشياء أخرى،قال الله تبارك وتعالى:(( وَمَنْ يُشَاقِقْ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ ))[النساء:115].
71.(1/279)
عَنْ عَبْدِ اللهِ قَالَ:كُنَّا نَتَحَدَّثُ أَنَّ أَفْضَلَ أَهْلِ الْمَدِينَةِ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ..فضائل الصحابة (1)
72. عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بُرَيْدَةَ،عَنْ أَبِيهِ بُرَيْدَةَ الْأَسْلَمِيِّ،أَنَّ نَبِيَّ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - لَمَّا نَزَلَ بِحَضْرَةِ أَهْلِ خَيْبَرَ قَالَ:"لَأُعْطِيَنَّ الرَّايَةَ غَدًا رَجُلًا يُحِبُّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ،وَيُحِبُّهُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ "،فَلَمَّا كَانَ الْغَدُ دَعَا عَلِيًّا،وَهُوَ أَرْمَدُ،فَتَفَلَ فِي عَيْنَيْهِ،وَأَعْطَاهُ اللِّوَاءَ،وَنَهَضَ مَعَهُ النَّاسُ فَلَقُوا أَهْلَ خَيْبَرَ،فَإِذَا مَرْحَبٌ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ يَرْتَجِزُ،وَإِذَا هُوَ يَقُولُ:
قَدْ عَلِمَتْ خَيْبَرُ أَنِّي مَرْحَبُ شَاكِي السِّلَاحَ بَطَلٌ مُجَرَّبُ
إِذَا اللُّيُوثُ أَقْبَلَتْ تَلَهَّبُ أَطْعَنُ أَحْيَانًا وَحِينًا أَضْرِبُ
فَاخْتَلَفَ هُوَ وَعَلِيٌّ ضَرْبَتَيْنِ،فَضَرَبَهُ عَلَى رَأْسِهِ حَتَّى عَضَّ السَّيْفُ بِأَضْرَاسِهِ،وَسَمِعَ أَهْلُ الْعَسْكَرِ صَوْتَ ضَرْبَتِهِ،قَالَ:فَمَا تَتَامَّ آخِرُ النَّاسِ حَتَّى فُتِحَ لِأَوَّلِهِمْ،قَالَ ابْنُ جَعْفَرٍ:آخِرُ النَّاسِ مَعَ عَلِيٍّ فَفُتِحَ لَهُ وَلَهُمْ."فضائل الصحابة (2)
73. عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ،قَالَ:بَعَثَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - سَرِيَّةً،وَاسْتَعْمَلَ عَلَيْهِمْ عَلِيًّا،قَالَ:فَمَضَى عَلِيٌّ فِي السَّرِيَّةِ،فَأَصَابَ جَارِيَةً،فَأَنْكَرَ ذَلِكَ عَلَيْهِ أَصْحَابُ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - ،فَقَالُوا:إِذَا لَقِينَا رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - أَخْبَرْنَاهُ بِمَا صَنَعَ عَلِيٌّ ،قَالَ عِمْرَانُ:وَكَانَ الْمُسْلِمُونَ إِذَا قَدِمُوا مِنْ سَفَرٍ بَدَؤُوا بِرَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - ،فَسَلَّمُوا عَلَيْهِ وَنَظَرُوا إِلَيْهِ،ثُمَّ يَنْصَرِفُونَ إِلَى رِحَالِهِمْ،فَلَمَّا قَدِمَتِ السَّرِيَّةُ سَلَّمُوا عَلَى رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - ،فَقَامَ أَحَدُ الأَرْبَعَةِ،فَقَالَ:يَا رَسُولَ اللهِ،أَلَمْ تَرَ أَنَّ عَلِيًّا صَنَعَ كَذَا وَكَذَا،فَأَعْرَضَ عَنْهُ،ثُمَّ قَامَ آخَرُ فَقَالَ:يَا رَسُولَ اللهِ،أَلَمْ تَرَ أَنَّ عَلِيًّا صَنَعَ كَذَا وَكَذَا،فَأَعْرَضَ عَنْهُ،ثُمَّ قَامَ آخَرُ فَقَالَ:يَا رَسُولَ اللهِ،أَلَمْ تَرَ أَنَّ عَلِيًّا صَنَعَ كَذَا
__________
(1) - برقم(997 و1062) وإسناده صحيح
(2) -برقم(998) صحيح -الرجز : إنشاد الشعر وهو بحر من بحوره عند العروضيين = اختلف : تبادل(1/280)
وَكَذَا،فَأَقْبَلَ إِلَيْهِ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - وَالْغَضَبُ يُعْرَفُ فِي وَجْهِهِ،فقَالَ:مَا تُرِيدُونَ مِنْ عَلِيٍّ - ثَلاَثًا - إِنَّ عَلِيًّا مِنِّي وَأَنَا مِنْهُ،وَهُوَ وَلِيُّ كُلِّ مُؤْمِنٍ بَعْدِي.."أخرجه أحمد (1)
74. عن إِيَاسَ بْنِ سَلَمَةَ قَالَ أَخْبَرَنِى أَبِى قَالَ بَارَزَ عَمِّى يَوْمَ خَيْبَرَ مَرْحَباً الْيَهُودِىَّ فَقَالَ مَرْحَبٌ قَدْ عَلِمَتْ خَيْبَرُ أَنِّى مَرْحَبُ شَاكِى السِّلاَحِ بَطَلٌ مُجَرَّبُ إِذَا الْحُرُوبُ أَقْبَلَتْ تَلَهَّبُ فَقَالَ عَمِّى عَامِرٌ قَدْ عَلِمَتْ خَيْبَرُ أَنِّى عَامِرُ شَاكِى السِّلاَحِ بَطَلٌ مُغَامِرُ فَاخْتَلَفَا ضَرْبَتَيْنِ فَوَقَعَ سَيْفُ مَرْحَبٍ فِى تُرْسِ عَامِرٍ وَذَهَبَ يَسْفُلُ لَهُ فَرَجَعَ السَّيْفُ عَلَى سَاقِهِ فَقَطَعَ أَكْحَلَهُ فَكَانَتْ فِيهَا نَفْسُهُ قَالَ سَلَمَةُ بْنُ الأَكْوَعِ فَلَقِيتُ نَاساً مِنْ صَحَابَةِ النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالُوا بَطَلَ عَمَلُ عَامِرٍ قَتَلَ نَفْسَهُ.قَالَ سَلَمَةُ فَجِئْتُ إِلَى نَبِىِّ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - أَبْكِى
__________
(1) -برقم(20462) والترمذي برقم( 4077) والآحاد برقم(2033) والطبراني برقم(14684) وأبو يعلى برقم(355) صحيح ابن حبان - (15 / 373)(6929) وفضائل الصحابة برقم(999و1069) و الصحيحة ( 2223 ) صحيح
وفي فيض القدير، شرح الجامع الصغير، الإصدار 2 - (ج 9 / ص 452)5595 - (عليٌّ مني وأنا من عليٍّ) أي هو متصل بي وأنا متصل به في الاختصاص والمحبة وغيرهما ومن هذه تسمى اتصالية من قولهم فلان كأنه بعضه متحد به لاختلاطهما (ولا يؤدي عني إلا أنا أو عليّ) كان الظاهر أن يقال لا يؤدي عني إلا عليّ فأدخل أنا تأكيداً لمعنى الاتصال في قوله عليّ مني وأنا من عليّ وأخرج الطبراني عن وهب بن حمزة قال: صحبت علياً إلى مكة فرأيت منه بعض ما أكره فقلت: لئن رجعت لأشكونك إلى رسول اللّه - صلى الله عليه وسلم - فلما قدمت قلت: يا رسول اللّه رأيت من عليّ كذا وكذا فقال: لا تقل هذا فهو أولى الناس بكم بعدي رواه الطبراني قال الهيثمي: فيه دكين ذكره أبو حاتم ولم يضعفه أحد وبقية رجاله وثقوا اهـ.
وفي النهاية المولى يقع على جماعة كثيرة كالرب والمالك والسيد والمنعم والمعتق والناصر والمحب والتابع والجار وابن العم والحليف والعقيد والصهر والعبد والمعتق والمنعم عليه وأكثرها قد جاءت في الأحاديث فيضاف كل واحد إلى ما يقتضيه الحديث الوارد فيه وقوله من كنت مولاه يحمل على أكثر هذه الأسماء المذكورة قال الشافعي يعني بذلك ولاء الإسلام كقوله تعالى ذلك بأن الله مولى الذين آمنوا وأن الكافرين لا مولى لهم محمد وقول عمر لعلي أصبحت مولى كل مؤمن أي والي كل مؤمن وقيل سبب ذلك أن أسامة قال لعلي لست مولاي إنما مولاي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال - صلى الله عليه وسلم - من كنت مولاه فعلي مولاه وفي شرح المصابيح للقاضي قالت الشيعة هو المتصرف وقالوا معنى الحديث أن عليا رضي الله عنه يستحق التصرف في كل ما يستحق الرسول - صلى الله عليه وسلم - التصرف فيه ومن ذلك أمور المؤمنين فيكون إمامهم قال الطيبي لا يستقيم أن تحمل الولاية على الإمامة التي هي التصرف في أمور المؤمنين لأن المتصرف المستقل في حياته - صلى الله عليه وسلم - هو هو لا غيره فجيب أن يحمل على المحبة وولاء الإسلام ونحوهما اهـ مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح - (17 / 434) وانظر تحفة الأحوذي - (ج 9 / ص 125)(1/281)
قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ بَطَلَ عَمَلُ عَامِرٍ. قَالَ « مَنْ قَالَ ذَاكَ ». قُلْتُ نَاسٌ مِنْ أَصْحَابِكَ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - "كَذَبَ مَنْ قَالَ ذَاكَ بَلْ لَهُ أَجْرُهُ مَرَّتَيْنِ ». إِنَّهُ حِينَ خَرَجَ إِلَى خَيْبَرَ جَعَلَ يَرْجُزُ بِأَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - وَفِيهِمُ النَّبِىُّ - صلى الله عليه وسلم - يَسُوقُ الرِّكَابَ وَهُوَ يَقُولُ تَاللَّهِ لَوْلاَ اللَّهُ مَا اهْتَدَيْنَا وَلاَ تَصَدَّقْنَا وَلاَ صَلَّيْنَا إِنَّ الَّذِينَ قَدْ بَغَوْا عَلَيْنَا إِذَا أَرَادُوا فِتْنَةً أَبَيْنَا وَنَحْنُ عَنْ فَضْلِكَ مَا اسْتَغْنَيْنَا فَثَبِّتِ الأَقْدَامَ إِنْ لاَقَيْنَا وَأَنْزِلَنْ سَكِينَةً عَلَيْنَا فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - "مَنْ هَذَا ». قَالَ عَامِرٌ يَا رَسُولَ اللَّهِ. قَالَ « غَفَرَ لَكَ رَبُّكَ ». قَالَ وَمَا اسْتَغْفَرَ لإِنْسَانٍ قَطُّ يَخُصُّهُ إِلاَّ اسْتُشْهِدَ فَلَمَّا سَمِعَ ذَلِكَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ قَالَ َا رَسُولَ اللَّهِ لَوْ مَتَّعْتَنَا بِعَامِرٍ. فَقَدِمَ فَاسْتُشْهِدَ قَالَ سَلَمَةُ ثُمَّ إِنَّ نَبِىَّ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - أَرْسَلَنِى إِلَى عَلِىٍّ فَقَالَ « لأُعْطِيَنَّ الرَّايَةَ الْيَوْمَ رَجُلاً يُحِبُّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أَوْ يُحِبُّهُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ ». قَالَ فَجِئْتُ بِهِ أَقُودُهُ أَرْمَدَ فَبَصَقَ نَبِىُّ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فِى عَيْنِهِ ثُمَّ أَعْطَاهُ الرَّايَةَ فَخَرَجَ مَرْحَبٌ يَخْطِرُ بِسَيْفِهِ فَقَالَ قَدْ عَلِمَتْ خَيْبَرُ أَنِّى مَرْحَبُ شَاكِى السِّلاَحِ بَطَلٌ مُجَرَّبُ إِذَا الْحُرُوبُ أَقْبَلَتْ تَلَهَّبُ فَقَالَ عَلِىُّ بْنُ أَبِى طَالِبٍ كَرَّمَ اللَّهُ وَجْهَهُ أَنَا الَّذِى سَمَّتْنِى أُمِّى حَيْدَرَهْ كَلَيْثِ غَابَاتٍ كَرِيهِ الْمَنْظَرَهْ أُوَفِّيهِمْ بِالصَّاعِ كَيْلَ السَّنْدَرَهْ فَفَلَقَ رَأْسَ مَرْحَبٍ بِالسَّيْفِ وَكَانَ الْفَتْحُ عَلَى يَدَيْهِ.أخرجه أحمد (1)
75. عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ - رضى الله عنه - أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ « لأُعْطِيَنَّ الرَّايَةَ غَدًا رَجُلاً يَفْتَحُ اللَّهُ عَلَى يَدَيْهِ » قَالَ فَبَاتَ النَّاسُ يَدُوكُونَ لَيْلَتَهُمْ أَيُّهُمْ يُعْطَاهَا فَلَمَّا أَصْبَحَ النَّاسُ،غَدَوْا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - كُلُّهُمْ يَرْجُو أَنْ يُعْطَاهَا فَقَالَ « أَيْنَ عَلِىُّ بْنُ أَبِى طَالِبٍ ».فَقَالُوا يَشْتَكِى عَيْنَيْهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ.قَالَ « فَأَرْسِلُوا إِلَيْهِ فَأْتُونِى بِهِ ».فَلَمَّا جَاءَ بَصَقَ فِى عَيْنَيْهِ،وَدَعَا لَهُ،فَبَرَأَ حَتَّى كَأَنْ لَمْ يَكُنْ بِهِ وَجَعٌ،فَأَعْطَاهُ الرَّايَةَ.فَقَالَ عَلِىٌّ يَا رَسُولَ
__________
(1) - برقم(16987) وابن أبي شيبة برقم(36874) وفضائل الصحابة برقم(1000) صحيح
شاكي السلاح : تام السلاح ، وهي من الشوكة بمعنى القوة = تلهب : تَتَّقِد وتشتعل =اختلف : تبادل = سفل له : ضربه من أسفله = الرجز : إنشاد الشعر وهو بحر من بحوره عند العروضيين = بغوا : ظلموا وتعدوا =السكينة : الطمأنينة والمهابة والوقار = مَتَّع : المراد أخرت دعاءك لنتمتع بصحبته = بصق : تفل =الليث : الأسد = الصاع : مكيال المدينة تقدر به الحبوب وسعته أربعة أمداد ، والمد هو ما يملأ الكفين =السّنْدرة : مكْيال واسعٌ(1/282)
اللَّهِ أُقَاتِلُهُمْ حَتَّى يَكُونُوا مِثْلَنَا فَقَالَ « انْفُذْ عَلَى رِسْلِكَ حَتَّى تَنْزِلَ بِسَاحَتِهِمْ،ثُمَّ ادْعُهُمْ إِلَى الإِسْلاَمِ،وَأَخْبِرْهُمْ بِمَا يَجِبُ عَلَيْهِمْ مِنْ حَقِّ اللَّهِ فِيهِ،فَوَاللَّهِ لأَنْ يَهْدِىَ اللَّهُ بِكَ رَجُلاً وَاحِدًا خَيْرٌ لَكَ مِنْ أَنْ يَكُونَ لَكَ حُمْرُ النَّعَمِ » .أخرجه البخاري (1)
76. عَنْ جَابِرٍ قَالَ كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - عِنْدَ امْرَأَةٍ مِنَ الأَنْصَارِ صَنَعَتْ لَهُ طَعَاماً فَقَالَ النَّبِىُّ - صلى الله عليه وسلم - "يَدْخُلُ عَلَيْكُمْ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ ». فَدَخَلَ أَبُو بَكْرٍ فَهَنَّيْنَاهُ ثُمَّ قَالَ « يَدْخُلُ عَلَيْكُمْ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ ». فَدَخَلَ عُمَرُ فَهَنَّيْنَاهُ ثُمَّ قَالَ « يَدْخُلُ عَلَيْكُمْ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ ». فَرَأَيْتُ النَّبِىَّ - صلى الله عليه وسلم - يُدْخِلُ رَأْسَهُ تَحْتَ الْوَدِىِّ فَيَقُولُ « اللَّهُمَّ إِنْ شِئْتَ جَعَلْتَهُ عَلِيًّا ». فَدَخَلَ عَلِىٌّ فَهَنَّيْنَاهُ.أخرجه أحمد (2)
77. عَنْ أُمِّ عَطِيَّةَ،أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - بَعَثَ عَلِيًّا فِي سَرِيَّةٍ،فَرَأَيْتُهُ رَافِعًا يَدَيْهِ وَهُوَ يَقُولُ:"اللَّهُمَّ لَا تُمِتْنِي حَتَّى تُرِيَنِي عَلِيًّا"أخرجه عبد الله في فضائل الصحابة (3)
78. عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ قَالَ:قُلْتُ لِسَعْدِ بْنِ مَالِكٍ:إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أَسْأَلَكَ عَنْ حَدِيثٍ وَأَنَا أَهَابُكَ أَنْ أَسْأَلَكَ عَنْهُ،قَالَ:فَقَالَ:لَا تَفْعَلْ يَا ابْنَ أَخِ،إِذَا عَلِمْتَ أَنَّ عِنْدِي عِلْمًا فَسَلْنِي عَنْهُ وَلَا تَهَبْنِي،فَقُلْتُ:قَوْلُ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - لِعَلِيٍّ حِينَ خَلَّفَهُ فِي الْمَدِينَةِ فِي غَزْوَةِ تَبُوكَ،فَقَالَ عَلِيٌّ:يَا رَسُولَ اللَّهِ،تُخَلِّفُنِي فِي الْخَالِفَةِ فِي النِّسَاءِ وَالصِّبْيَانِ ؟ قَالَ:"أَمَا تَرْضَى أَنْ تَكُونَ مِنِّي بِمَنْزِلَةِ هَارُونَ مِنْ مُوسَى"؟ قَالَ:بَلَى،فَرَجَعَ مُسْرِعًا كَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَى غُبَارِ قَدَمَيْهِ يَسْطَعُ.فضائل الصحابة (4)
79.
__________
(1) - برقم(3701) والطبراني برقم(5686) وأبو يعلى برقم(338 و7361و7371) وابن حبان برقم(7058)
= يدوكون : يخوضون ويتحدثون = الغدو : الذهاب والسير أول النهار = بصق : تفل = حمر النعم : الإبل الحمر وهي أنفس أموال العرب
(2) - برقم(14924) وفضائل الصحابة برقم(1002) وهو حديث رحسن
(3) - برقم(1003) والترمذي برقم(4102) والطبراني برقم(20679) وفيه جهالة
" اللَّهُمَّ لَا تُمِتْنِي"بِضَمٍّ فَكَسْرٍ مِنْ الْإِمَاتَةِ أَيْ لَا تَقْبِضْ رُوحِي " حَتَّى تُرِيَنِي" بِضَمٍّ فَكَسْرٍ مِنْ الْإِرَاءَةِ " عَلِيًّا" أَيْ رُجُوعَهُ بِالسَّلَامَةِ .
(4) - برقم(1005) وأبو يعلى برقم(698) وهو صحيح لغيره(1/283)
عَنِ الْبَرَاءِ وَهُوَ ابْنُ عَازِبٍ،قَالَ:أَقْبَلْنَا مَعَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ حَتَّى كُنَّا بِغَدِيرِ خُمٍّ،فَنُودِيَ فِينَا:إِنَّ الصَّلَاةَ جَامِعَةٌ،وَكُسِحَ لِرَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - تَحْتَ شَجَرَتَيْنِ،فَأَخَذَ بِيَدِ عَلِيٍّ فَقَالَ:"أَلَسْتُ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ ؟"قَالُوا:بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ،قَالَ:"هَذَا مَوْلَى مَنْ أَنَا مَوْلَاهُ،اللَّهُمَّ وَالِ مَنْ وَالِاهُ،وَعَادِ مَنْ عَادَاهُ "،فَلَقِيَهُ عُمَرُ فَقَالَ:هَنِيئًا لَكَ يَا ابْنَ أَبِي طَالِبٍ،أَصْبَحْتَ وَأَمْسَيْتَ مَوْلَى كُلِّ مُؤْمِنٍ وَمُؤْمِنَةٍ .فضائل الصحابة (1)
80. عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ،أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ يَوْمَ خَيْبَرَ:"لَأَدْفَعَنَّ اللِّوَاءَ إِلَى رَجُلٍ يُحِبُّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ،ثُمَّ يَفْتَحُ اللَّهُ عَلَى يَدَيْهِ "،فَقَالَ عُمَرُ:فَمَا أَحْبَبْتُ الْإِمَارَةَ قَبْلَ يَوْمَئِذٍ،فَتَطَاوَلْتُ لَهَا،فَقَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - :"قُمْ يَا عَلِيُّ "،فَدَفَعَ إِلَيْهِ اللِّوَاءَ قَالَ:"اذْهَبْ وَلَا تَلْتَفِتْ حَتَّى يَفْتَحَ اللَّهُ عَلَيْكَ "،فَقَالَ عَلِيٌّ:عَلَامَ أُقَاتِلُ النَّاسَ ؟ قَالَ - صلى الله عليه وسلم - :"أَنْ يَشْهَدُوا أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ،وَأَنِّي رَسُولُ اللَّهِ "فضائل الصحابة (2)
81. عَنْ عُبَيْدَةَ قَالَ:قَالَ لِي:لَا أُنَبِّئُكَ إِلَّا مَا أَنْبَأَنِي عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ:"فِيهِمْ مُودَنُ الْيَدِ،أَوْ مَثْدُونُ الْيَدِ،أَوْ مُخْدَجُ الْيَدِ،لَوْلَا أَنْ تَبْطَرُوا لَأَنْبَأْتُكُمْ مَا وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَهُمْ عَلَى لِسَانِ مُحَمَّدٍ - صلى الله عليه وسلم - "،قَالَ:قُلْتُ:أَنْتَ سَمِعْتَهُ مِنْ مُحَمَّدٍ قَالَ:إِي وَرَبِّ الْكَعْبَةِ،إِي وَرَبِّ الْكَعْبَةِ،إِي وَرَبِّ الْكَعْبَةِ،يَعْنِي ثَلَاثً فضائل الصحابة (3)
82. عَنِ الْحُسَيْنِ بْنِ عَلِيٍّ،أَنَّ عَلِيًّا أَخْبَرَهُ،أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - طَرَقَهُ وَفَاطِمَةَ لَيْلَةً،فَقَالَ لَهُمْ:"أَلَا تُصَلُّونَ ؟"فَقَالَ عَلِيٌّ:يَا رَسُولَ اللَّهِ،إِنَّ أَنْفُسَنَا بِيَدِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ،إِنْ شَاءَ أَنْ يَبْعَثَنَا بَعَثَنَا،فَانْصَرَفَ فَلَمْ يَرْجِعْ إِلَيْهِ شَيْئًا وَهُوَ يَقُولُ:{.. وَكَانَ الْإِنسَانُ أَكْثَرَ شَيْءٍ جَدَلًا} (54) سورة الكهف. فضائل الصحابة (4)
83.
__________
(1) - برقم(1006) حديث حسن
(2) - برقم(1008) والحاكم برقم(4342)وهو صحيح
(3) - برقم(1010) وهو حديث حسن
(4) - برقم(1014) وهو صحيح(1/284)
عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بُرَيْدَةَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ خَطَبَ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ رضى الله عنهما فَاطِمَةَ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - "إِنَّهَا صَغِيرَةٌ ». فَخَطَبَهَا عَلِىٌّ فَزَوَّجَهَا مِنْهُ.أخرجه النسائي (1)
84. عَنِ الْحَسَنِ،أَنَّ عُمَرَ خَطَبَ إلَى عَلِيٍّ ابْنَتَهُ أُمَّ كُلْثُومٍ،فَقَالَ عَلِيٌّ:إنَّهَا صَغِيرَةٌ فَانْظُرْ إلَيْهَا،فَأَرْسَلَهَا إلَيْهِ بِرِسَالَةٍ فَمَازَحَهَا،فَقَالَتْ:لَوْلاَ أَنَّك شَيْخٌ،أَوْ لَوْلاَ أَنَّك أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ فَأَعْجَبَ عُمَرَ مُصَاهَرَتُهُ فَخَطَبَهَا فَأَنْكَحَهَا إيَّاهُ..أخرجه ابن أبي شيبة (2)
وفي الموسوعة الفقهية الكويتية:" اتَّفَقَ الْحَنَفِيَّةُ وَالْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ عَلَى أَنَّ مَا يُبَاحُ لِلْخَاطِبِ نَظَرُهُ مِنْ مَخْطُوبَتِهِ الْحُرَّةِ هُوَ الْوَجْهُ وَالْكَفَّانِ ظَاهِرُهُمَا وَبَاطِنُهُمَا إِلَى كُوعَيْهِمَا لِدَلاَلَةِ الْوَجْهِ عَلَى الْجَمَال،وَدَلاَلَةِ الْكَفَّيْنِ عَلَى خِصْبِ الْبَدَنِ،وَهُنَاكَ رِوَايَةٌ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ أَنَّ الْقَدَمَيْنِ لَيْسَتَا بِعَوْرَةٍ حَتَّى فِي غَيْرِ الْخِطْبَةِ .
وَاخْتَلَفَ الْحَنَابِلَةُ فِيمَا يَنْظُرُ الْخَاطِبُ مِنَ الْمَخْطُوبَةِ،فَفِي"مَطَالِبِ أُولِي النُّهَى"."وَكَشَّافِ الْقِنَاعِ"أَنَّهُ يَنْظُرُ إِلَى مَا يَظْهَرُ مِنْهَا غَالِبًا كَوَجْهٍ وَيَدٍ وَرَقَبَةٍ وَقَدَمٍ،لأَِنَّهُ - صلى الله عليه وسلم - لَمَّا أَذِنَ فِي النَّظَرِ إِلَيْهَا مِنْ غَيْرِ عِلْمِهَا،عُلِمَ أَنَّهُ أَذِنَ فِي النَّظَرِ إِلَى جَمِيعِ مَا يَظْهَرُ غَالِبًا،إِذْ لاَ يُمْكِنُ إِفْرَادُ الْوَجْهِ بِالنَّظَرِ مَعَ مُشَارَكَةِ غَيْرِهِ فِي الظُّهُورِ؛وَلأَِنَّهُ يَظْهَرُ غَالِبًا فَأَشْبَهَ الْوَجْهَ .
وَفِي الْمُغْنِي:لاَ خِلاَفَ بَيْنَ أَهْل الْعِلْمِ فِي إِبَاحَةِ النَّظَرِ إِلَى وَجْهِهَا،وَذَلِكَ لأَِنَّهُ لَيْسَ بِعَوْرَةٍ،وَهُوَ مَجْمَعُ الْمَحَاسِنِ وَمَوْضِعُ النَّظَرِ،وَلاَ يُبَاحُ النَّظَرُ إِلَى مَا لاَ يَظْهَرُ عَادَةً .
أَمَّا مَا يَظْهَرُ غَالِبًا سِوَى الْوَجْهِ،كَالْكَفَّيْنِ وَالْقَدَمَيْنِ وَنَحْوِ ذَلِكَ مِمَّا تُظْهِرُهُ الْمَرْأَةُ فِي مَنْزِلِهَا فَفِيهِ رِوَايَتَانِ لِلْحَنَابِلَةِ .
__________
(1) - برقم(3234) والكبرى برقم(5310 و8454) والمستدرك برقم(2705) وابن حبان برقم(7074) وفضائل الصحابة برقم(1015) صحيح
ةفي شرح سنن النسائي - (ج 4 / ص 470) قَوْله ( فَخَطَبَهَا عَلِيّ )أَيْ عَقِب ذَلِكَ بِلَا مُهْلَة كَمَا تَدُلّ عَلَيْهِ الْفَاء فَعُلِمَ أَنَّهُ لَاحَظَ الصِّغَر بِالنَّظَرِ إِلَيْهِمَا وَمَا بَقِيَ ذَاكَ بِالنَّظَرِ إِلَى عَلِيّ فَزَوَّجَهَا مِنْهُ فَفِيهِ أَنَّ الْمُوَافَقَة فِي السِّنّ أَوْ الْمُقَارَبَة مَرْعِيَّة لِكَوْنِهَا أَقْرَب إِلَى الْمُؤَالَفَة نَعَمْ قَدْ يُتْرَك ذَاكَ لِمَا هُوَ أَعْلَى مِنْهُ كَمَا فِي تَزْوِيج عَائِشه رَضِيَ اللَّه تَعَالَى عَنْهَا وَاَللَّه تَعَالَى أَعْلَم .
(2) - مصنف ابن أبي شيبة - (9 / 384) (17629) والآجري برقم(1665 و1770) وعبد الرزاق برقم(10353 و10354) صحيح لغيره(1/285)
إِحْدَاهُمَا:لاَ يُبَاحُ النَّظَرُ إِلَيْهِ لأَِنَّهُ عَوْرَةٌ،فَلَمْ يُبَحِ النَّظَرُ إِلَيْهِ كَالَّذِي لاَ يَظْهَرُ،فَإِنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ مَسْعُودٍ رَوَى أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - قَال:الْمَرْأَةُ عَوْرَةٌ،وَلأَِنَّ الْحَاجَةَ تَنْدَفِعُ بِالنَّظَرِ إِلَى الْوَجْهِ فَبَقِيَ مَا عَدَاهُ عَلَى التَّحْرِيمِ .
وَالثَّانِيَةُ:وَهِيَ الْمَذْهَبُ،لِلْخَاطِبِ النَّظَرُ إِلَى ذَلِكَ،قَال أَحْمَدُ فِي رِوَايَةِ حَنْبَلٍ:لاَ بَأْسَ أَنْ يَنْظُرَ إِلَيْهَا وَإِلَى مَا يَدْعُوهُ إِلَى نِكَاحِهَا مِنْ يَدٍ أَوْ جِسْمٍ وَنَحْوِ ذَلِكَ،قَال أَبُو بَكْرٍ:لاَ بَأْسَ أَنْ يَنْظُرَ إِلَيْهَا حَاسِرَةً.وَوَجْهُ جَوَازِ النَّظَرِ إِلَى مَا يَظْهَرُ غَالِبًا أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - لَمَّا أَذِنَ فِي النَّظَرِ إِلَيْهَا مِنْ غَيْرِ عِلْمِهَا عُلِمَ أَنَّهُ أَذِنَ فِي النَّظَرِ إِلَى جَمِيعِ مَا يَظْهَرُ عَادَةً إِذْ لاَ يُمْكِنُ إِفْرَادُ الْوَجْهِ بِالنَّظَرِ مَعَ مُشَارَكَةِ غَيْرِهِ لَهُ فِي الظُّهُورِ،وَلأَِنَّهُ يَظْهَرُ غَالِبًا فَأُبِيحَ النَّظَرُ إِلَيْهِ كَالْوَجْهِ،وَلأَِنَّهَا امْرَأَةٌ أُبِيحَ النَّظَرُ إِلَيْهَا بِأَمْرِ الشَّارِعِ فَأُبِيحَ النَّظَرُ مِنْهَا إِلَى ذَلِكَ كَذَوَاتِ الْمَحَارِمِ .وَقَال الأَْوْزَاعِيُّ:يَنْظُرُ الْخَاطِبُ إِلَى مَوَاضِعِ اللَّحْمِ. (1)
85. عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ،أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ يَوْمَ خَيْبَرَ:لأَدْفَعَنَّ الرَّايَةَ غَدًا إِلَى رَجُلٍ يُحِبُّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ،يَفْتَحُ اللَّهَ عَلَيْهِ،فَقَالَ عُمَرُ:فَمَا أَحْبَبْتُ الإِمَارَةَ إِلاَّ يَوْمَئِذٍ،فَتَطَاوَلْتُ لَهَا،قَالَ:فَقَالَ لِعَلِيٍّ:قُمْ،فَدَفَعَ اللِّوَاءَ إِلَيْهِ ثُمَّ قَالَ:اذْهَبْ وَلاَ تَلْتَفِتْ لِلْعَزِيمَةِ،فَقَالَ عَلِيٌّ:عَلاَمَ أُقَاتِلُ النَّاسَ ؟ فَقَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - :قَاتِلْهُمْ حَتَّى يَشْهَدُوا أَلاَّ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ،فَإِذَا قَالُوهَا فَقَدْ مَنَعُوا مِنِّي دِمَاءَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ إِلاَّ بِحَقِّهَا،وَحِسَابُهُمْ عَلَى اللهِ.. فضائل الصحابة (2)
86. عَنْ عَلِيٍّ قَالَ:إِنِّي لَأَرْجُو أَنْ أَكُونَ أَنَا،وَعُثْمَانُ،وَطَلْحَةُ،وَالزُّبَيْرُ مِمَّنْ قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ:وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ إِخْوَانًا عَلَى سُرُرٍ مُتَقَابِلِينَ ..فضائل الصحابة (3)
قال الإمام أحمد بن حَنْبَلِ":الْغُلُوُّ فِي أَصْحَابِ مُحَمَّدٍ،الْغُلُوُّ فِي ذِكْرِ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - ،لأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ:(اللَّهَ اللَّهَ فِي أَصْحَابِي،لاَ تَتَّخِذُوهُمُ غَرَضًا)،وَقَالَ:(إِنَّمَا هُمْ بِمَنْزِلَةِ
__________
(1) - الموسوعة الفقهية الكويتية - (19 / 199) ورد المحتار 5 / 237 ، جواهر الإكليل 1 / 275 ، نهاية المحتاج 6 / 183 ، مطالب أولي النهى 5 / 11 ، كشاف القناع 5 / 10 ، المغني 6 / 553 - 554 ، نيل الأوطار 6 / 126 ، المواق 3 / 404
(2) - برقم(1020) صحيح
(3) - برقم(1021) والطبراني برقم ( 109) والاعتقاد للبيهقي برقم(360) والمرزوي برقم(564و777) وأصول الاعتقاد برقم(2104 ) من طرق صحيح(1/286)
النُّجُومِ،بِمَنِ اقْتَدَيْتُمْ مِنْهُمُ اهْتَدَيْتُمْ).فَالنَّبِيُّ عَلَيْهِ السَّلاَمُ قَدْ نَهَى عَنْ ذِكْرِ أَصْحَابِهِ وَأَنْ يُنْتَقَصَ أَحَدٌ مِنْهُمْ،وَقَدْ عَلِمَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - مَا يَكُونُ بَعْدَهُ مِنْ أَصْحَابِهِ.كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يُنَبَّأُ بِذَلِكَ،فَالاِقْتِدَاءُ بِرَسُولِ اللَّهِ وَالْكَفُّ عَنْ ذِكْرِ أَصْحَابِهِ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ وَالتَّرَحُّمُ عَلَيْهِمْ،وَنُقَدِّمُ مَنْ قَدَّمَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - ،نَرْضَى بِمَنْ رَضِيَ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فِي حَيَاتِهِ وَبَعْدَ مَوْتِهِ.قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى:{تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ لَهَا مَا كَسَبَتْ وَلَكُمْ مَا كَسَبْتُمْ وَلاَ تُسْأَلُونَ عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ} وَقَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - :(خَيْرُ النَّاسِ قَرْنِيَ الَّذِينَ بُعِثْتُ فِيهِمْ،ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ،ثُمَّ،ثُمَّ) وَقَالَ - صلى الله عليه وسلم - :(لَوْ أَنْفَقَ أَحَدُكُمْ مِلْءَ الأَرْضِ ذَهَبًا مَا أَدْرَكَ مُدَّ أَحَدِهِمْ وَلاَ نَصِيفَهُ).فَالْفَضْلُ لَهُمْ،وَدَعْ عَنْكَ ذِكْرَ مَا كَانُوا فِيهِ،قَالَ عَلِيٌّ رَحِمَهُ اللَّهُ:إِنِّي لأَرْجُو أَنْ أَكُونَ أَنَا وَعُثْمَانُ مِمَّنْ قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ:{إِخْوَانًا عَلَى سُرُرٍ مُتَقَابِلِينَ}
فَعَلِيٌّ يَقُولُ هَذَا لِنَفْسِهِ وَلِطَلْحَةَ وَالزُّبَيْرِ،وَيَتَرَحَّمُ عَلَيْهِمْ أَجْمَعِينَ،وَنَحْنُ فَلاَ نَذْكُرُهُمْ إِلاَّ بِمَا أَمَرَنَا اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ بِهِ {اغْفِرْ لَنَا وَلإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالإِيمَانِ}.وَقَالَ عَزَّ وَجَلَّ:{تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ لَهَا مَا كَسَبَتْ وَلَكُمْ مَا كَسَبْتُمْ وَلاَ تُسْأَلُونَ عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ}.ثُمَّ قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ:هَذَا الطَّرِيقُ الْوَاضِحُ،وَالْمِنْهَاجُ الْمُسْتَوِي،لِمَنْ أَرَادَ اللَّهُ بِهِ خَيْرًا وَفَقَّهَهُ،وَعَصَمَنَا اللَّهُ وَإِيَّاكُمْ مِنْ كُلِّ هَلَكَةٍ بِرَحْمَتِهِ.قَالَ:وَسَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ يَقُولُ:مَنْ سَلِمَ مَا عَلَيْهِ أَصْحَابُ مُحَمَّدٍ عَلَيْهِ السَّلاَمُ أَرْجُو أَنْ يَسْلَمَ.قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ:وَمَا أَجِدُ فِي الإِسْلاَمِ أَعْظَمَ مِنَّةً عَلَى الإِسْلاَمِ بَعْدَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - مِنْ أَبِي بَكْرٍ رَحِمَهُ اللَّهُ لِقِتَالِهِ أَهْلَ الرِّدَّةِ وَقِيَامِهِ بِالإِسْلاَمِ،ثُمَّ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَحِمَهُ اللَّهُ وَرَحِمَ أَصْحَابَ النَّبِيِّ عَلَيْهِ السَّلاَمُ،وَنَفَعَنَا بِحُبِّهِمْ.قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ:أَرْجُو لِمَنْ سَلِمَ عَلَيْهِ أَصْحَابُ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - الْفَوْزَ غَدًا لِمَنْ أَحَبَّهُمْ،لأَنَّهُمْ كَانُوا عِمَادًا لِلدِّينِ،وَقَادَةً لِلإِسْلاَمِ،وَأَعْوَانَ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - ،وَأَنْصَارَهُ،وَوُزَارءَ عَلَى الْحَقِّ،وَاتِّبَاعُ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - هِيَ السُّنَّةُ،وَلاَ يَذْكُرُونَ إِلاَّ بِخَيْرٍ،وَيُتَرَحَّمُ عَلَى أَوَّلِهِمْ وَآخِرِهِمْ " (1)
87.
__________
(1) - السنة لأحمد بن محمد الخلال - (2 / 480)(768)(1/287)
عَنْ مُسَاوِرٍ الْحِمْيَرِيِّ،عَنْ أُمِّهِ قَالَتْ:دَخَلْتُ عَلَى أُمِّ سَلَمَةَ فَسَمِعْتُهَا تَقُولُ:قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - لِعَلِيٍّ:"لَا يُبْغِضُكَ مُؤْمِنٌ،وَلَا يُحِبُّكَ مُنَافِقٌ".فضائل الصحابة (1)
88. عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ،أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - كَانَ عَلَى حِرَاءٍ هُوَ وَأَبُو بَكْرٍ،وَعُمَرُ،وَعُثْمَانُ،وَعَلِيٌّ،وَطَلْحَةُ،وَالزُّبَيْرُ،فَتَحَرَّكَتِ الصَّخْرَةُ،فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - :"اهْدَئِي فَمَا عَلَيْكِ إِلَّا نَبِيٌّ،وَصِدِّيقٌ،وَشَهِيدٌ"فضائل الصحابة (2)
89. عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ،عَنْ أَبِيهِ،أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ خَطَبَ إِلَى عَلِيٍّ أُمَّ كُلْثُومٍ فَقَالَ:أَنْكِحْنِيهَا،فَقَالَ عَلِيٌّ:إِنِّي أَرْصُدُهَا لاِبْنِ أَخِي جَعْفَرٍ،فَقَالَ عُمَرُ:أَنْكِحْنِيهَا،فَوَاللهِ مَا مِنَ النَّاسِ أَحَدٌ يَرْصُدُ مِنْ أَمْرِهَا مَا أَرْصُدُ،فَأَنْكَحَهُ عَلِيٌّ،فَأَتَى عُمَرُ الْمُهَاجِرِينَ فَقَالَ:أَلاَ تُهَنِّئُونِي ؟ فَقَالُوا:بِمَنْ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ ؟ فَقَالَ:بِأُمِّ كُلْثُومٍ بِنْتِ عَلِيٍّ،وَابْنَةِ فَاطِمَةَ بِنْتِ رَسُولِ اللهِ،إِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ:كُلُّ نَسَبٍ وَسَبَبٍ يَنْقَطِعُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ،إِلاَّ مَا كَانَ مِنْ سَبَبِي وَنَسَبِي،فَأَحْبَبْتُ أَنْ يَكُونَ بَيْنِي وَبَيْنَ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - سَبَبٌ وَنَسَبٌ .. فضائل الصحابة (3)
90. عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالَ:كُنَّا نَمْشِي مَعَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - فَانْقَطَعَ شِسْعُ نَعْلِهِ،فَتَنَاوَلَهَا عَلِيٌّ يُصْلِحُهَا،ثُمَّ مَشَى فَقَالَ:إِنَّ مِنْكُمْ لَمَنْ يُقَاتِلُ عَلَى تَأْوِيلِ الْقُرْآنِ،كَمَا قَاتَلْتُ عَلَى تَنْزِيلِهِ،قَالَ أَبُو سَعِيدٍ:فَخَرَجْتُ فَبَشَّرْتُهُ بِمَا قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - ،فَلَمْ يُكَبِّرْ بِهِ فَرَحًا،كَأَنَّهُ شَيْءٌ قَدْ سَمِعَهُ..فضائل الصحابة (4)
91. عَنْ عُبَيْدِ اللهِ بْنِ أَبِي رَافِعٍ،عَنْ أَبِيهِ،عَنْ أُمِّهِ سَلْمَى قَالَتِ:اشْتَكَتْ فَاطِمَةُ بِنْتُ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فَمَرَّضْتُهَا،فَأَصْبَحَتْ يَوْمًا كَأَمْثَلِ مَا كَانَتْ،فَخَرَجَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ،فَقَالَتْ فَاطِمَةُ:يَا أُمَّتَاهُ،اسْكُبِي لِي مَاءً غُسْلًا،فَسَكَبْتُ لَهَا،فَقَامَتْ فَاغْتَسَلَتْ
__________
(1) - برقم (1023) وأحمد27264) صحيح لغيره
(2) - برقم(1025) وشرح السنة برقم(3736) وعاصم برقم(1229) وهو صحيح
(3) - برقم(1033) والآجري برقم( 1666) فيه انقطاع
(4) - برقم (1035) والشريعة برقم(1546) ودلائل النبوة للبيهقي برقم(2753) وهو حديث صحيح
الشسع : سير يمسك النعل بأصابع القدم(1/288)
كَأَحْسَنِ مَا كَانَتْ تَغْتَسِلُ،ثُمَّ قَالَتْ:هَاتِي ثِيَابِي الْجُدُدَ،فَأَعْطَيْتُهَا،فَلَبِسَتْهَا ثُمَّ جَاءَتْ إِلَى الْبَيْتِ الَّذِي كَانَتْ فِيهِ فَقَالَتْ:قَدِّمِي الْفِرَاشَ إِلَى وَسَطِ الْبَيْتِ،فَقَدَّمْتُهُ فَاضْطَجَعَتْ وَاسْتَقْبَلَتِ الْقِبْلَةَ فَقَالَتْ:يَا أُمَّتَاهُ،إِنِّي مَقْبُوضَةٌ الآنَ،وَإِنِّي قَدِ اغْتَسَلْتُ،فَلاَ يَكْشِفْنِي أَحَدٌ،وَقُبِضَتْ،فَجَاءَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ فَأَخْبَرْتُهُ،فَقَالَ:لاَ وَاللهِ لاَ يَكْشِفُهَا أَحَدٌ،ثُمَّ حَمَلَهَا بِغُسْلِهَا ذَلِكَ فَدَفَنَهَا .. فضائل الصحابة (1)
92. عَنْ عَمْرِو بْنِ شَاسٍ الأَسْلَمِىِّ - قَالَ وَكَانَ مِنْ أَصْحَابِ الْحُدَيْبِيَةِ - قَالَ َرَجْتُ مَعَ عَلِىٍّ إِلَى الْيَمَنِ فَجَفَانِى فِى سَفَرِى ذَلِكَ حَتَّى وَجَدْتُ فِى نَفْسِى عَلَيْهِ فَلَمَّا قَدِمْتُ أَظْهَرْتُ شِكَايَتَهُ فِى الْمَسْجِدِ حَتَّى بَلَغَ ذَلِكَ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فَدَخَلْتُ الْمَسْجِدَ ذَاتَ غَدَاةٍ وَرَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فِى نَاسٍ مِنْ أَصْحَابِهِ فَلَمَّا رَآنِى أَبَدَّنِى عَيْنَيْهِ - يَقُولُ حَدَّدَ إِلَىَّ النَّظَرَ - حَتَّى إِذَا جَلَسْتُ قَالَ « يَا عَمْرُو وَاللَّهِ لَقَدْ آذَيْتَنِى ». قُلْتُ َعُوذُ بِاللَّهِ أَنْ أُؤْذِيَكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ. قَالَ « بَلَى مَنْ آذَى عَلِيًّا فَقَدْ آذَانِى » أخرجه أحمد. (2)
93. عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَن بْنِ أَبِي لَيْلَى،عَنْ أَبِيهِ،أَنَّهُ قَالَ لِعَلِيٍّ،وَكَانَ يَسِيرُ مَعَهُ:إِنَّ النَّاسَ قَدْ أَنْكَرُوا مِنْكَ أَنَّكَ تَخْرُجُ فِي الْبَرْدِ فِي الْمُلاَءَتَيْنِ،وَتَخْرُجُ فِي الحَرِّ فِي الْحَشْوِ وَالثَّوْبِ الْغَلِيظِ،قَالَ:أَوَ لَمْ تَكُنْ مَعَنَا بِخَيْبَرَ ؟ قَالَ:بَلَى،قَالَ:فَإِنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - بَعَثَ أَبَا بَكْرٍ،وَعُقِدَ لَهُ لِوَاءٌ فَرَجَعَ،وَبَعَثَ عُمَرَ،وَعُقِدَ لَهُ لِوَاءٌ،فَرَجَعَ بِالنَّاسِ،فَقَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - :لأُعْطِيَنَّ الرَّايَةَ رَجُلاً يُحِبُّ اللهَ وَرَسُولَهُ،وَيُحِبُّهُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ،لَيْسَ بِفَرَّارٍ،فَأَرْسَلَ إِلَيَّ وَأَنَا أَرْمَدُ،قُلْتُ:إِنِّي أَرْمَدُ،فَتَفَلَ فِي عَيْنِي،وَقَالَ:اللَّهُمَّ اكْفِهِ أَذَى الْحَرِّ وَالْبَرْدِ،فَمَا وَجَدْتُ حَرًّا بَعْدَ ذَلِكَ وَلاَ بَرْدًا.أخرجه النسائي في الكبرى (3)
94.
__________
(1) - برقم(1038) حسن -القبض : الوفاة والموت
(2) - برقم(16381) و ابن أبي شيبة برقم(32103) والحاكم برقم(4619) ودلائل النبوة للبيهقي برقم( 2130) وأبو يعلى برقم(770) وابن حبان برقم(7049) ومعرفة الصحابة برقم(4469) والضياء 2/83 وصحيح الجامع (5924) والآجري برقم01493 و1499 والمطالب العالية برقم(4037)وفضائل الصحابة برقم(1042) والصحيحة برقم(2295) صحيح
(3) -برقم(8345) وفضائل الصحابة برقم(1048) وابن ماجة برقم(122)وأحمد برقم(789و1129) صحيح(1/289)
عَنْ عُرْوَةَ وَهُوَ ابْنُ الزُّبَيْرِ،أَنَّ رَجُلاً وَقَعَ فِي عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ بِمَحْضَرٍ مِنْ عُمَرَ،فَقَالَ لَهُ عُمَرُ:تَعْرِفُ صَاحِبَ هَذَا الْقَبْرِ ؟ هُوَ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ،وَعَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ،فَلاَ تَذْكُرْ عَلِيًّا إِلاَّ بِخَيْرٍ،فَإِنَّكَ إِنْ أَبْغَضْتَهُ آذَيْتَ هَذَا فِي قَبْرِهِ..فضائل الصحابة (1)
95. عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ،أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - بَعَثَ بِبَرَاءَةَ مَعَ أَبِي بَكْرٍ إِلَى أَهْلِ مَكَّةَ،فَلَمَّا بَلَغَ ذَا الْحُلَيْفَةِ بَعَثَ إِلَيْهِ فَرَدَّهُ وَقَالَ:لاَ يَذْهَبُ بِهَا إِلاَّ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ بَيْتِي،فَبَعَثَ عَلِيًّا ..فضائل الصحابة (2)
96. عَنْ زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ قَالَ:أُتِيَ عَلِيٌّ بِالْيَمَنِ بِثَلاَثَةِ نَفَرٍ وَقَعُوا عَلَى جَارِيَةٍ فِي طُهْرٍ وَاحِدٍ،فَوَلَدَتْ وَلَدًا،فَادَّعَوْهُ،فَقَالَ عَلِيٌّ لأَحَدِهِمْ:تَطِيبُ بِهِ نَفْسًا لِهَذَا ؟ قَالَ:لاَ،وَقَالَ لِآخَرَ:تَطِيبُ بِهِ نَفْسًا لِهَذَا ؟ قَالَ:لاَ،وَقَالَ لِلآخَرِ:تَطِيبُ بِهِ نَفْسًا لِهَذَا ؟ قَالَ:لاَ،فَقَالَ:أَرَاكُمْ شُرَكَاءُ مُتَشَاكِسُونَ،إِنِّي مُقْرِعٌ بَيْنَكُمْ،فَأَيُّكُمْ أَصَابَتْهُ الْقُرْعَةُ أَغْرَمْتُهُ ثُلُثَيِ الْقِيمَةِ وَأَلْزَمْتُهُ الْوَلَدَ،فَذَكَرُوا ذَلِكَ لِلنَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ:مَا أَجِدُ فِيهَا إِلاَّ مَا قَالَ عَلِيٌّ. فضائل الصحابة. (3)
97. عَنْ عَلِىٍّ قَالَ بَعَثَنِى النَّبِىُّ - صلى الله عليه وسلم - إِلَى الْيَمَنِ قَاضِياً فَقُلْتُ تَبْعَثُنِى إِلَى قَوْمٍ وَأَنَا حَدَثُ السِّنِّ وَلاَ عِلْمَ لِى بِالْقَضَاءِ فَوَضَعَ يَدَهُ عَلَى صَدْرِى فَقَالَ « ثَبَّتَكَ اللَّهُ وَسَدَّدَكَ إِذَا جَاءَكَ الْخَصْمَانِ فَلاَ تَقْضِ لِلأَوَّلِ حَتَّى تَسْمَعَ مِنَ الآخَرِ فَإِنَّهُ أَجْدَرُ أَنْ يَبِينَ لَكَ الْقَضَاءُ ». قَالَ فَمَا زِلْتُ قَاضِياً. وَهَذَا لَفْظُ حَدِيثِ دَاوُدَ بْنِ عَمْرٍو الضَّبِّىِّ وَبَعْضُهُمْ أَتَمُّ كَلاَماً مِنْ بَعْضٍ.أخرجه أحمد (4)
98.
__________
(1) -برقم(1054) وفيه انقطاع
(2) - برقم(1055) صحيح
(3) - برقم(1060) وهو صحيح - التشاكس : الاختلاف والتنازع - أقرع بينهم : ضرب القرعة بينهم
(4) - برقم(1294) وفضائل الصحابة برقم(1061و1189) والحاكم برقم(4658) حسن(1/290)
عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ قَالَ:أُرَاهُ عَنْ سَعِيدٍ قَالَ:لَمْ يَكُنْ أَحَدٌ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ:سَلُونِي،إِلاَّ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ." فضائل الصحابة (1)
قال الخطيب:"قُلْتُ:وَإِنَّمَا كَانَ يَقُولُ هَذَا الْقَوْلَ وَقَدِ انْتَهَى الْأَمْرُ إِلَيْهِ،وَتَعَيَّنَتِ الْفَتْوَى عَلَيْهِ،وَانْقَرَضَتِ الْفُقَهَاءُ مِنَ الصَّحَابَةِ سِوَاهُ،وَحَصَلَ فِي جَمْعِ أَكْثَرِهِمْ عَامَّةً،وَلَوْلَا ذَاكَ مَا بُلِيَ بِهِ،أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَمْ يَقُلْ هَذَا فِي عَهْدِ أَبِي بَكْرٍ،وَلَا فِي عَهْدِ عُمَرَ،لِأَنَّهُ قَدْ كَانَ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ جَمَاعَةٌ يَكْفُونَ أَمْرَ الْفَتْوَى ثُمَّ مِنْ أَيْنَ بَعْدَ عَلِيٍّ مِثْلُهُ،حَتَّى يَقُولَ هَذَا الْقَوْلَ " (2)
99. عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ قَالَ:كَانَ عُمَرُ يَتَعَوَّذُ بِاللهِ مِنْ مُعْضِلَةٍ لَيْسَ لَهَا أَبُو حَسَنٍ ..فضائل الصحابة (3)
100. عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ قَالَ:بَعَثَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - سَرِيَّةً،فَاسْتَعْمَلَ يَعْنِي عَلِيًّا،فَصَنَعَ شَيْئًا أَنْكَرُوهُ،فَتَعَاقَدُوا أَرْبَعَةٌ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - ،يَعْنِي شَكَاتَهُ،وَكَانُوا إِذَا قَدِمُوا مِنْ سَفَرٍ بَدَؤُوا بِرَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فَسَلَّمُوا عَلَيْهِ،وَنَظَرُوا إِلَيْهِ،ثُمَّ يَنْصَرِفُونَ إِلَى رِحَالِهِمْ،فَلَمَّا قَدِمَتِ السَّرِيَّةُ سَلَّمُوا عَلَى رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - ،فَقَامَ أَحَدُ الأَرْبَعَةِ فَقَالَ:يَا رَسُولَ اللهِ،أَلَمْ تَرَ إِلَى عَلِيٍّ صَنَعَ كَذَا وَكَذَا ؟ فَأَعْرَضَ عَنْهُ،ثُمَّ قَامَ آخَرُ مِنْهُمْ فَقَالَ:يَا رَسُولَ اللهِ،أَلَمْ تَرَ إِلَى عَلِيٍّ صَنَعَ كَذَا وَكَذَا ؟ فَأَقْبَلَ إِلَيْهِ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يُعْرَفُ الْغَضَبُ فِي وَجْهِهِ وَقَالَ:مَا تُرِيدُونَ مِنْ عَلِيٍّ ؟ عَلِيٌّ مِنِّي،وَأَنَا مِنْ عَلِيٍّ،وَعَلِيٌّ وَلِيُّ كُلِّ مُؤْمِنٍ بَعْدِي.."الآحاد والمثاني (4)
101.
__________
(1) - برقم( 1063 ) حسن
(2) - الْفَقِيهُ وَالْمُتَفَقِّهُ لِلْخَطِيبِ الْبَغْدَادِيِّ (1078 )
(3) - برقم(1065) حسن وفي فتح الباري 343/13 إسناده حسن -المعضلة : المسألة الشديدة
(4) -برقم(2033) وفضائل الصحابة برقم(1069) والنسائي برقم(8090و8399) وأبو يعلى برقم(329و355) وعاصم برقم(987) وظلال الجنة برقم(1187) صحيح
= السرية : هي طائفةٌ من الجَيش يبلغُ أقصاها أربَعمائة تُبْعث سرا إلى العَدوّ، وجمعُها السَّرَايا، وقد يراد بها الجنود مطلقا = الرحال : المنازل سواء كانت من حجر أو خشب أو شعر أو صوف أو وبر أو غير ذلك = المسير : السير والسفر = أصاب الرجل المرأة : جامعها =الولي والمولى : من المشترك اللفظي الذي يطلق على عدة معان منها الرَّبُّ، والمَالكُ، والسَّيِّد والمُنْعِم، والمُعْتِقُ، والنَّاصر، والمُحِبّ، والتَّابِع، والجارُ، وابنُ العَمّ، والحَلِيفُ، والعَقيد، والصِّهْر، والعبْد، والمُعْتَقُ، والمُنْعَم عَلَيه وكل من ولي أمرا أو قام به فهو وليه ومولاه(1/291)
عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جَعْفَرٍ عَنْ عَلِىِّ بْنِ أَبِى طَالِبٍ قَالَ لَقَّنَنِى رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - هَؤُلاَءِ الْكَلِمَاتِ وَأَمَرَنِى إِنْ نَزَلَ بِى كَرْبٌ أَوْ شِدَّةٌ أَنْ أَقُولَهُنَّ « لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ الْكَرِيمُ الْحَلِيمُ سُبْحَانَهُ وَتَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ »أخرجه أحمد. (1)
102. عَنِ الْحَارِثِ بْنِ سُوَيْدٍ قَالَ قَالَ عَلِيٌّ:لاَ يَزَالُ النَّاسُ يَنْتَقِصُونَ حَتَّى لاَ يَقُولَ أَحَدٌ:اللَّهُ اللَّهُ،فَإِذَا كَانَ ذَلِكَ ضَرَبَ يَعْسُوبُ الدِّينِ بِذَنَبِهِ،فَإِذَا فَعَلَ ذَلِكَ بَعَثَ إِلَيْهِ بَعْثًا يَتَجَمَّعُونَ عَلَى أَطْرَافِ الأَرْضِ،كَمَا تَتَجَمَّعُ قَزَعُ الْخَرِيفِ،وَاللهِ إِنِّي لأَعْلَمُ اسْمَ أَمِيرِهِمْ،وَمَنَاخَ رِكَابِهِمْ ..فضائل الصحابة (2)
103. عَنْ عَمْرٍو الأَصَمِّ قَالَ:قُلْتُ لِلْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ:إِنَّ هَؤُلاَءِ الشِّيعَةَ يَزْعُمُونَ أَنَّ عَلِيًّا مَبْعُوثٌ قَبْلَ يَوْمِ الْقِيَامَةِ،قَالَ:كَذَبُوا وَاللهِ،مَا هَؤُلاَءِ بِالشِّيعَةِ،لَوْ عَلِمْنَا أَنَّهُ مَبْعُوثٌ،مَا زَوَّجْنَا نِسَاءَهُ،وَلاَ قَسَمْنَا مَالَهُ. الجعد (3)
104. عن حُضَيْنَ بْنِ الْمُنْذِرِ أَبُو سَاسَانَ قَالَ شَهِدْتُ عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ وَأُتِىَ بِالْوَلِيدِ قَدْ صَلَّى الصُّبْحَ رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ قَالَ أَزِيدُكُمْ فَشَهِدَ عَلَيْهِ رَجُلاَنِ أَحَدُهُمَا حُمْرَانُ أَنَّهُ شَرِبَ الْخَمْرَ وَشَهِدَ آخَرُ أَنَّهُ رَآهُ يَتَقَيَّأُ فَقَالَ عُثْمَانُ إِنَّهُ لَمْ يَتَقَيَّأْ حَتَّى شَرِبَهَا فَقَالَ يَا عَلِىُّ قُمْ فَاجْلِدْهُ. فَقَالَ عَلِىٌّ قُمْ يَا حَسَنُ فَاجْلِدْهُ. فَقَالَ الْحَسَنُ وَلِّ حَارَّهَا مَنْ تَوَلَّى قَارَّهَا - فَكَأَنَّهُ وَجَدَ عَلَيْهِ - فَقَالَ يَا عَبْدَ اللَّهِ بْنَ جَعْفَرٍ قُمْ فَاجْلِدْهُ. فَجَلَدَهُ وَعَلِىٌّ يَعُدُّ حَتَّى بَلَغَ أَرْبَعِينَ فَقَالَ أَمْسِكْ. ثُمَّ قَالَ جَلَدَ النَّبِىُّ - صلى الله عليه وسلم - أَرْبَعِينَ وَجَلَدَ أَبُو بَكْرٍ أَرْبَعِينَ وَعُمَرُ ثَمَانِينَ وَكُلٌّ سُنَّةٌ وَهَذَا أَحَبُّ إِلَىَّ. .أخرجه مسلم (4)
105.
__________
(1) - برقم( 737) والنسائي برقم(10389و10391) ومعرفة الصحابة برقم(336) والضياء 1/330 والدعا طب برقم(933) وفضائل الصحابة برقم(1089)صحيح
(2) - برقم(1090) صحيح موقوف ومثله لا يقال بالرأي -القزع : قِطَع السَّحاب المُتَفَرقة
(3) - برقم(2101) وفضائل الصحابة برقم(1093) والحاكم برقم(4700) حسن
(4) - برقم(4554) وفضائل الصحابة برقم(1102) وأبو داود برقم(4482) وهو صحيح
الهجرة : فراق الرجل وطنه إلى بلد آخر فرارا بدينه من الكفر ، والهجرتان : هما : الهجرة الأولى ، وهي هجرة المسلمين في صدر الإسلام إلى الحبشة ،فرارا من أذى قريش ، وهجرة ثانية ، وهي هجرة النبي - صلى الله عليه وسلم - والمسلمين قبله ومعه وبعده وإلى المدينة ، فكان عثمان رضي الله عنه ممن هاجر الهجرتين.
الهدي : السمت والطريقة والسيرة. -العذراء : البكر المخدرة التي لم تتزوج بعد.
حَدُّ شَارِبِ الْخَمْرِ الْجَلْدُ بِاتِّفَاقِ الْفُقَهَاءِ،ثُمَّ اخْتَلَفُوا فِي عَدَدِ الْجَلَدَاتِ : فَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ ، وَالْمَالِكِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ إِلَى أَنَّهَا ثَمَانُونَ جَلْدَةً فِي الْحُرِّ ، وَفِي غَيْرِهِ أَرْبَعُونَ . قَالُوا : وَأَجْمَعَ الصَّحَابَةُ عَلَى ذَلِكَ ،وَذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ إِلَى أَنَّهُ أَرْبَعُونَ جَلْدَةً فِي الْحُرِّ ، وَعِشْرُونَ فِي غَيْرِهِ .وَلَوْ رَأَى الإِْمَامُ بُلُوغَهُ فِي الْحُرِّ ثَمَانِينَ جَازَ فِي الأَْصَحِّ ، وَالزِّيَادَةُ تَعْزِيرَاتٌ ، وَقِيل : حَدٌّ " الموسوعة الفقهية الكويتية - (15 / 245) والجمل 5 / 160 ، وروضة الطالبين 10 / 170 ، ومغني المحتاج 4 / 189 ، والمغني 8 / 307 .
وفي شرح النووي على مسلم - (ج 6 / ص 129) قَوْله : ( وَكُلٌّ سُنَّةٌ )مَعْنَاهُ أَنَّ فِعْل النَّبِيّ - صلى الله عليه وسلم - وَأَبِي بَكْر سُنَّة يُعْمَل بِهَا ، وَكَذَا فِعْل عُمَر ، وَلَكِنَّ فِعْل النَّبِيّ - صلى الله عليه وسلم - وَأَبِي بَكْر أَحَبّ إِلَيَّ .وَقَوْله : ( وَهَذَا أَحَبّ إِلَيَّ )إِشَارَة إِلَى الْأَرْبَعِينَ الَّتِي كَانَ جَلَدَهَا ، وَقَالَ لِلْجَلَّادِ : أَمْسِكْ ، وَمَعْنَاهُ هَذَا الَّذِي قَدْ جَلَدْته ، وَهُوَ الْأَرْبَعُونَ أَحَبّ إِلَيَّ مِنْ الثَّمَانِينَ . وَفِيهِ : أَنَّ فِعْل الصَّحَابِيّ سُنَّة يُعْمَل بِهَا ، وَهُوَ مُوَافِق لِقَوْلِهِ - صلى الله عليه وسلم - : " فَعَلَيْكُمْ بِسُنَّتِي وَسُنَّة الْخُلَفَاء الرَّاشِدِينَ الْمَهْدِيِّينَ عَضُّوا عَلَيْهَا بِالنَّوَاجِذِ " وَاَللَّه أَعْلَم .(1/292)
عَنْ قَيْسِ بْنِ أَبِي حَازِمٍ قَالَ:جَاءَ رَجُلٌ إِلَى مُعَاوِيَةَ فَسَأَلَهُ عَنْ مَسْأَلَةٍ،فَقَالَ:سَلْ عَنْهَا عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ،فَهُوَ أَعْلَمُ،فَقَالَ:يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ،جَوَابُكَ فِيهَا أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ جَوَابِ عَلِيٍّ،فَقَالَ:بِئْسَ مَا قُلْتَ،وَلُؤْمَ مَا جِئْتَ بِهِ،لَقَدْ كَرِهْتَ رَجُلاً كَانَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَغُرُّهُ الْعِلْمَ غَرًّا،وَلَقَدْ قَالَ لَهُ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - :أَنْتَ مِنِّي بِمَنْزِلَةِ هَارُونَ مِنْ مُوسَى غَيْرَ أَنَّهُ لاَ نَبِيَّ بَعْدِي،وَكَانَ عُمَرُ إِذَا أَشْكَلَ عَلَيْهِ شَيْءٌ يَأْخُذُ مِنْهُ،وَلَقَدْ شَهِدْتُ عُمَرَ وَقَدْ أَشْكَلَ عَلَيْهِ شَيْءٌ فَقَالَ:هَا هُنَا عَلِيٌّ،قُمْ لاَ أَقَامَ اللَّهُ رِجْلَيْكَ. .فضائل الصحابة (1)
106. عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ قَالَ قَالَ لِي رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - :يُولَدُ لَكَ ابْنٌ قَدْ نَحَلْتُهُ اسْمِي وَكُنْيَتِي.» فضائل الصحابة. (2)
107. عن ابن عباس قال:كان المهاجرون يوم بدر سبعة وسبعين رجلا،وذكر الحديث وقال في آخره:وكان صاحب راية رسول الله - صلى الله عليه وسلم - علي بن أبي طالب .فضائل الصحابة (3)
108.
__________
(1) - برقم(1117) فيه لين
(2) - برقم( 1119) حسن -النحلة : العطاء عن طيب نفس بدون عوض
(3) - برقم(1123) حسن(1/293)
عَنْ أَبِى سَعِيدٍ الْخُدْرِىِّ قَالَ اشْتَكَى عَلِيًّا النَّاسُ. قَالَ فَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فِينَا خَطِيباً فَسَمِعْتُهُ يَقُولُ « أَيُّهَا النَّاسُ لاَ تَشْكُوا عَلِيًّا فَوَاللَّهِ إِنَّهُ لأَخْشَنُ فِى ذَاتِ اللَّهِ أَوْ فِى سَبِيلِ اللَّهِ ».أخرجه أحمد (1)
109. عن شَهْرَ بْنِ حَوْشَبٍ قَالَ سَمِعْتُ أُمَّ سَلَمَةَ زَوْجَ النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - حِينَ جَاءَ نَعْىُ الْحُسَيْنِ بْنِ عَلِىٍّ لَعَنَتْ أَهْلَ الْعِرَاقِ فَقَالَتْ قَتَلُوهُ قَتَلَهُمُ اللَّهُ غَرُّوهُ وَذَلُّوهُ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فَإِنِّى رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - جَاءَتْهُ فَاطِمَةُ غَدِيَّةً بِبُرْمَةٍ قَدْ صَنَعَتْ لَهُ فِيهَا عَصِيدَةً تَحْمِلُهُ فِى طَبَقٍ لَهَا حَتَّى وَضَعَتْهَا بَيْنَ يَدَيْهِ فَقَالَ لَهَا « أَيْنَ ابْنُ عَمِّكِ ». قَالَتْ هُوَ فِى الْبَيْتِ. قَالَ « فَاذْهَبِى فَادْعِيهِ وَائْتِنِى بِابْنَيْهِ ». قَالَتْ فَجَاءَتْ تَقُودُ ابْنَيْهَا كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِيَدٍ وَعَلِىٌّ يَمْشِى فِى إِثْرِهِمَا حَتَّى دَخَلُوا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فَأَجْلَسَهُمَا فِى حِجْرِهِ وَجَلَسَ عَلِىٌّ عَنْ يَمِينِهِ وَجَلَسَتْ فَاطِمَةُ عَنْ يَسَارِهِ قَالَتْ أُمُّ سَلَمَةَ فَاجْتَبَذَ مِنْ تَحْتِى كِسَاءً خَيْبَرِيًّا كَانَ بِسَاطاً لَنَا عَلَى الْمَنَامَةِ فِى الْمَدِينَةِ فَلَفَّهُ النَّبِىُّ - صلى الله عليه وسلم - عَلَيْهِمْ جَمِيعاً فَأَخَذَ بِشِمَالِهِ طَرَفَىِ الْكِسَاءِ وَأَلْوَى بِيَدِهِ الْيُمْنَى إِلَى رَبِّهِ عَزَّ وَجَلَّ قَالَ « اللَّهُمَّ أَهْلِى أَذْهِبْ عَنْهُمُ الرِّجْسَ وَطَهِّرْهُمْ تَطْهِيراً اللَّهُمَّ أَهْلُ بَيْتِى أَذْهِبْ عَنْهُمُ الرِّجْسَ وَطَهِّرْهُمْ تَطْهِيراً اللَّهُمَّ أَهْلُ بَيْتِى أَذْهِبْ عَنْهُمُ الرِّجْسَ وَطَهِّرْهُمْ تَطْهِيراً ». قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَلَسْتُ مِنْ أَهْلِكَ قَالَ « بَلَى فَادْخُلِى فِى الْكِسَاءِ ». قَالَتْ فَدَخَلْتُ فِى الْكِسَاءِ بَعْدَمَا قَضَى دُعَاءَهُ لاِبْنِ عَمِّهِ عَلِىٍّ وَابْنَيْهِ وَابْنَتِهِ فَاطِمَةَ.أخرجه أحمد (2)
110. عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ قَالَتْ وَالَّذِى أَحْلِفُ بِهِ إِنْ كَانَ عَلِىٌّ لأَقْرَبَ النَّاسِ عَهْداً بِرَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَتْ عُدْنَا رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - غَدَاةً بَعْدَ غَدَاةٍ يَقُولُ « جَاءَ عَلِىٌّ ». مِرَاراً قَالَتْ وَأَظُنُّهُ كَانَ بَعَثَهُ فِى حَاجَةٍ قَالَتْ فَجَاءَ بَعْدُ فَظَنَنْتُ أَنَّ لَهُ إِلَيْهِ حَاجَةً فَخَرَجْنَا مِنَ الْبَيْتِ
__________
(1) - برقم(12138) والمستدرك برقم(4654) وفضائل الصحابة برقم(1125) والصحيحة برقم02479) صحيح
(2) - برقم(27309) والطبراني برقم(2749)وفضائل الصحابة برقم(1134و1350)حسن
البرمة : القِدر مطلقا وهي في الأصل المتخذة من الحجارة = العصيدة : دقيق يخلط بالسمن ويطبخ والجمع : عصائد = الجبذ : الشد والجذب بقوة = الرجس : اسم لكل مستقذر أو عمل قبيح(1/294)
فَقَعَدْنَا عِنْدَ الْبَابِ فَكُنْتُ مِنْ أَدْنَاهُمْ إِلَى الْبَابِ فَأَكَبَّ عَلَيْهِ عَلِىٌّ فَجَعَلَ يُسَارُّهُ وَيُنَاجِيهِ ثُمَّ قُبِضَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - مِنْ يَوْمِهِ ذَلِكَ فَكَانَ أَقْرَبَ النَّاسِ بِهِ عَهْداً أخرجه أحمد (1)
111. عَنْ عَمَّارِ بْنِ يَاسِرٍ قَالَ كُنْتُ أَنَا وَعَلِىٌّ رَفِيقَيْنِ فِى غَزْوَةِ ذَاتِ الْعُشَيْرَةِ فَلَمَّا نَزَلَهَا رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - وَأَقَامَ بِهَا رَأَيْنَا نَاساً مِنْ بَنِى مُدْلِجٍ يَعْمَلُونَ فِى عَيْنٍ لَهُمْ فِى نَخْلٍ فَقَالَ لِى عَلِىٌّ يَا أَبَا الْيَقْظَانِ هَلْ لَكَ أَنْ نَأْتِىَ هَؤُلاَءِ فَنَنْظُرَ كَيْفَ يَعْمَلُونَ فَجِئْنَاهُمْ فَنَظَرْنَا إِلَى عَمَلِهِمْ سَاعَةً ثُمَّ غَشِيَنَا النَّوْمُ فَانْطَلَقْتُ أَنَا وَعَلِىٌّ فَاضْطَجَعْنَا فِى صَوْرٍ مِنَ النَّخْلِ فِى دَقْعَاءَ مِنَ التُّرَابِ فَنِمْنَا فَوَاللَّهِ مَا أَهَبْنَا إِلاَّ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يُحَرِّكُنَا بِرِجْلِهِ وَقَدْ تَتَرَّبْنَا مِنْ تِلْكَ الْدَّقْعَاءِ فَيَوْمَئِذٍ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - لِعَلِىٍّ « يَا أَبَا تُرَابٍ ». لِمَا يُرَى عَلَيْهِ مِنَ التُّرَابِ قَالَ « أَلاَ أُحَدِّثُكُمَا بِأَشْقَى النَّاسِ رَجُلَيْنِ ». قُلْنَا بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ. قَالَ « أُحَيْمِرُ ثَمُودَ الَّذِى عَقَرَ النَّاقَةَ وَالَّذِى يَضْرِبُكَ يَا عَلِىُّ عَلَى هَذِهِ ». يَعْنِى قَرْنَهُ حَتَّى تُبَلَّ مِنْهُ هَذِهِ يَعْنِى لِحْيَتَهُ. أخرجه أحمد (2)
112.
__________
(1) - برقم(27324) وابن أبي شيبة برقم(32061) والمستدرك برقم(4671) وصححه ووافقه الذهبي وأبو يعلى برقم(6934) وفضائل الصحابة برقم(11359 حسن
(2) - برقم(18816 ) والحاكم برقم(4662) ومعرفة الصحابة برقم(644) والدولابي برقم(1566) وفضائل الصحابة برقم(1136) والصحيحة برقم(1743) صحيح
وفي فيض القدير، شرح الجامع الصغير: 2850 - (ألا أحدثكم) في رواية أحمد والطبراني أحدثكما خطاباً لعمار وعليٌّ لما رآهما وقد اضطجعا في صور من النخل فناما فحركهما برجله وقال: ألا أحدثكما (بأشقى الناس؟ رجلين) عطف بيان وقال أبو البقاء: تمييز كما تقول هذا أشقى الناس رجلاً وجاز تثنيته وجمعه كما قالوا نعم الرجلين الزيدان ونعم رجالاً الزيدون وهم أفضل الناس رجالاً (أحيمر ثمود) تصغير أحمر وهو قدار بن سالف (الذي عقر الناقة) أي قتلها لأجل قول نبيهم صالح عليه السلام {ناقة اللّه وسقياها} أي احذروا أن تصيبوها بمكروه ولا تمنعوها عن شربها وكان أخبرهم أن لها شرب يوم ولهم شرب يوم وإنما قال أحيمر لأنه كان أحمر أشقر أزرق قصيراً ذميماً (والذي) أي وعبد الرحمن بن ملجم المرادي قبحه اللّه (يضربك يا علي) بن أبي طالب بالسيف (على هذه) يعني هامته (حتى يبل منها) بالدم (هذه) يعني لحيته فمرض علي كرم اللّه وجهه بعد موت المصطفى - صلى الله عليه وسلم - ، واعلم أن هذا الحديث من معجزات المصطفى - صلى الله عليه وسلم - لأنه إخبار عن غيب وقع، وذلك أنه لما كانت ليلة الجمعة سابع عشر رمضان سنة أربعين استيقظ عليٌّ كرم اللّه وجهه سحراً فقال لابنه الحسن: رأيت الليلة رسول اللّه - صلى الله عليه وسلم - وشكوت له ما لقيت من أمته من اللدد فقال لي: ادع اللّه عليهم فقلت: اللّهم أبدلني بهم خيراً وأبدلهم بي شراً لهم مني فدخل المؤذن على أثر ذلك فقال: الصلاة فخرج عليٌّ كرم اللّه وجهه من الباب ينادي الصلاة الصلاة فاعترضه ابن ملجم فضربه بالسيف فأصاب جبهته إلى قرنه ووصل لدماغه فشد عليه الناس من كل جانب فأمسك وأوثق وأقام عليٌّ الجمعة والسبت وانتقل إلى رحمة اللّه ليلة الأحد فقطعت أطراف ابن ملجم ثم جعل في قوصرة وأحرق بالنار "(1/295)
وعَنْ فَضَالَةَ بْنِ أَبِي فَضَالَةَ الأَنْصَارِيِّ،قَالَ:خَرَجْتُ مَعَ أَبِي عَائِدًا لِعَلِيٍّ،وَكَانَ مَرِيضًا فَقَالَ لَهُ أَبِي:مَا يُقِيمُكَ بِهَذَا الْمَنْزِلِ لَوْ هَلَكْتَ لَهُ لَمْ تَلِكَ إِلاَّ أَعْرَابُ جُهَيْنَةَ،فَلَوْ دَخَلْتَ الْمَدِينَةَ كُنْتَ بَيْنَ أَصْحَابِكَ فَإِنْ أَصَابَكَ مَا تَخَافُ،وَيَخَافُهُ عَلَيْكَ وَلِيَكَ أَصْحَابُكَ.وَكَانَ أَبُو فَضَالَةَ مِنْ أَهْلِ بَدْرٍ فَقَالَ لَهُ عَلِيٌّ:إِنِّي لَسْتُ مَيِّتًا فِي مَرَضِي هَذَا أَوْ مِنْ وَجَعِي هَذَا إِنَّهُ عَهِدَ إِلَيَّ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - ،أَنِّي لاَ أَمُوتُ حَتَّى،أَحْسِبُهُ،قَالَ،أُضْرَبَ أَوْ حَتَّى تَخْضِبَ هَذِهِ مِنْ هَذِهِ،يَعْنِي هَامَتَهُ،فَقُتِلَ أَبُو فَضَالَةَ مَعَهُ بِصِفِّينَ. (1)
113. عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بُرَيْدَةَ عَنْ أَبِيهِ بُرَيْدَةَ قَالَ بَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - بَعْثَيْنِ إِلَى الْيَمَنِ عَلَى أَحَدِهِمَا عَلِىُّ بْنُ أَبِى طَالِبٍ وَعَلَى الآخَرِ خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ فَقَالَ « إِذَا الْتَقَيْتُمْ فَعَلِىٌّ عَلَى النَّاسِ وَإِنِ افْتَرَقْتُمَا فَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْكُمَا عَلَى جُنْدِهِ ». قَالَ فَلَقِينَا بَنِى زَيْدٍ مِنْ أَهْلِ الْيَمَنِ فَاقْتَتَلْنَا فَظَهَرَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ فَقَتَلْنَا الْمُقَاتِلَةَ وَسَبَيْنَا الذُّرِّيَّةَ فَاصْطَفَى عَلِىٌّ امْرَأَةً مِنَ السَّبْىِ لِنَفْسِهِ قَالَ بُرَيْدَةُ فَكَتَبَ مَعِى خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يُخْبِرُهُ بِذَلِكَ فَلَمَّا أَتَيْتُ النَّبِىَّ - صلى الله عليه وسلم - دَفَعْتُ الْكِتَابَ فَقُرِئَ عَلَيْهِ فَرَأَيْتُ الْغَضَبَ فِى وَجْهِ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فَقُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ هَذَا مَكَانُ الْعَائِذِ بَعَثْتَنِى مَعَ رَجُلٍ وَأَمَرْتَنِى أَنْ أُطِيعَهُ فَفَعَلْتُ مَا أُرْسِلْتُ بِهِ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - "لاَ تَقَعْ فِى عَلِىٍّ فَإِنَّهُ مِنِّى وَأَنَا مِنْهُ وَهُوَ وَلِيُّكُمْ بَعْدِى وَإِنَّهُ مِنِّى وَأَنَا مِنْهُ وَهُوَ وَلِيُّكُمْ بَعْدِى ».أخرجه أحمد (2)
114. عَنِ ابْنِ بُرَيْدَةَ عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ مَرَّ عَلَى مَجْلِسٍ وَهُمْ يَتَنَاوَلُونَ مِنْ عَلِىٍّ فَوَقَفَ عَلَيْهِمْ فَقَالَ إِنَّهُ قَدْ كَانَ فِى نَفْسِى عَلَى عَلِىٍّ شَىْءٌ وَكَانَ خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ كَذَلِكَ فَبَعَثَنِى رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فِى سَرِيَّةٍ عَلَيْهَا عَلِىٌّ وَأَصَبْنَا سَبْياً. - قَالَ - فَأَخَذَ عَلِىٌّ جَارِيَةً مِنَ الْخُمُسِ لِنَفْسِهِ فَقَالَ خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ دُونَكَ. قَالَ فَلَمَّا قَدِمْنَا عَلَى النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - جَعَلْتُ أُحَدِّثُهُ بِمَا
__________
(1) - مسند البزار ( المطبوع باسم البحر الزخار - (3 / 137) (927) حسن
(2) - برقم(23714) وفضائل الصحابة برقم(1138) وطبقات محدثي أصبهان برقم(862) والصحيحة برقم(2223)صحيح لغيره
السبي : الأسر = العائذ : المستجير والمتحصن والمعتصم والمحتمي(1/296)
كَانَ ثُمَّ قُلْتُ إِنَّ عَلِيًّا أَخَذَ جَارِيَةً مِنَ الْخُمُسِ. قَالَ وَكُنْتُ رَجُلاً مِكْبَاباً. قَالَ فَرَفَعْتُ رَأْسِى فَإِذَا وَجْهُ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَدْ تَغَيَّرَ فَقَالَ « مَنْ كُنْتُ وَلِيَّهُ فَعَلِىٌّ وَلِيُّهُ ». أخرجه أحمد (1)
115. قَالَ زَيْدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ بْنِ عَلِيٍّ أَمَّا أَنَا فَلَوْ كُنْتُ مكَانَ أَبِي بَكْرٍ لِحَكَمْتُ بِمِثْلِ مَا حَكَمَ بِهِ أَبُو بَكْرٍ فِي فَدَكَ."وَأَمَّا حَدِيثُ الْمُوَالِاةِ فَلَيْسَ فِيهِ - إِنْ صَحَّ إِسنَادُهُ - نَصٌّ عَلَى وَلَايَةِ عَلِيٍّ بَعْدَهُ،فَقَدْ ذَكَرْنَا مِنْ طُرُقِهِ فِي كِتَابِ الْفَضَائِلِ مَا دَلَّ عَلَى مَقْصودِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - مِنْ ذَلِكَ وَهُوَ أَنَّهُ لَمَّا بَعَثَهُ إِلَى الْيمَنِ كَثُرَتِ الشَّكَاةُ عَنْهُ وَأَظْهَرُوا بُغْضَهُ فَأَرَادَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - أَنْ يَذْكُرَ اخْتِصَاصَهُ بِهِ وَمَحبَّتَهُ إِيَّاهُ وَيَحُثُّهُمْ بِذَلِكَ عَلَى مَحَبَّتِهِ وَمُوَالِاتِهِ وَتَرْكِ مُعَادَاتِهِ فَقَالَ:"مِنْ كُنْتُ وَلِيَّهُ فَعَلِيٌّ وَلِيَّهُ"وَفِي بَعْضِ الرُّوَايَاتِ:مِنْ كُنْتُ مَوْلَاهُ فَعَلِيٌّ مَوْلَاهُ اللَّهُمْ وَالِ مِنْ وَالِاهُ وَعَادِ مِنْ عَادَاهُ.وَالْمُرَادُ بِهِ وَلَاءُ الْإِسْلَامِ وَمَودَّتُهُ،وَعَلَى الْمُسْلِمِينَ أَنْ يوَالِيَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا وَلَا يُعَادِي بَعْضُهُمْ بَعْضًا وَهُوَ فِي مَعْنَى مَا ثَبَتَ عَنْ عَلِيٍّ - رضي الله عنهم - أَنَّهُ قَالَ:وَالَّذِي فَلَقَ الْحَبَّةَ وَبَرَأَ النَّسَمَةَ إِنَّهُ لَعَهْدُ النَّبِيِّ الْأُمِّيِّ - صلى الله عليه وسلم - إِلَيَّ"أَنَّهُ لَا يُحِبُّنِي إِلَا مُؤْمِنٌ وَلَا يُبْغِضُنِي إِلَّا مُنَافِقٌ ".وَفِي حَدِيثِ بُرَيْدَةَ شَكَا عَلِيًّا فَقَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - أَتَبْغِضُ عَلِيًّا ؟ فَقُلْتُ:نَعَمْ،فَقَالَ:لَا تُبْغِضْهُ وَأَحْبِبْهُ وَازْدَدْ لَهُ حُبًّا،قَالَ بُرَيْدَةُ:فَمَا كَانَ مِنَ النَّاسِ أَحَدٌ أَحَبُّ أَليَّ مِنْ عَلِيٍّ بَعْدَ قَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - " (2)
116. عَنِ ابْنِ بُرَيْدَةَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ لَمَّا خَطَبَ عَلِىٌّ فَاطِمَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - "إِنَّهُ لاَ بُدَّ لِلْعُرْسِ مِنْ وَلِيمَةٍ ». قَالَ فَقَالَ سَعْدٌ عَلَىَّ كَبْشٌ. وَقَالَ فُلاَنٌ عَلَىَّ كَذَا وَكَذَا مِنْ ذُرَةٍ.أخرجه أحمد (3)
__________
(1) - برقم(23663 و23730و23759)صحيح
وفي فيض القدير، شرح الجامع الصغير: 9001 - (من كنت وليه فعلي وليه) يدفع عنه ما يكره قال الشافعي: عنى به ولاء الإسلام ورواه الديلمي بلفظ "من كنت نبيه فعلي وليه" ولهذا قال أبو بكر فيما أخرجه الدارقطني "على عترة رسول اللّه - صلى الله عليه وسلم - " أي الذين حث على التمسك بهم.
(2) - الِاعْتِقَادُ لِلْبَيْهَقِيِّ (332 )
(3) -برقم(23737) والنسائي برقم(1016) ومشكل برقم(2559) وصحيح الجامع برقم(2419)وفضائل الصحابة برقم(1141)صحيح لغيره(1/297)
اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي حُكْمِ الْوَلِيمَةِ وَلَهُمْ رَأْيَانِ :
الأَْوَّل:ذَهَبَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ:الْحَنَفِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ فِي الْمَذْهَبِ وَالْحَنَابِلَةُ فِي الْمَذْهَبِ إِلَى أَنَّ وَلِيمَةَ الْعَرَبِ سُنَّةٌ،زَادَ الْحَنَفِيَّةُ وَفِيهَا مَثُوبَةٌ عَظِيمَةٌ .
وَذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ إِلَى أَنَّهَا مَنْدُوبَةٌ عَلَى الْمَذْهَبِ .... .
وَقَالُوا:سَبَبُ الْوَلِيمَةِ عَقْدُ النِّكَاحِ وَهُوَ غَيْرُ وَاجِبٍ فَفَرْعُهُ أَوْلَى أَنْ يَكُونَ غَيْرَ وَاجِبٍ،وَلأَِنَّهَا لَوْ وَجَبَتْ لَتَقَدَّرَتْ كَالزَّكَاةِ وَالْكَفَّارَاتِ وَلَكَانَ لَهَا بَدَلٌ عِنْدَ الإِْعْسَارِ،كَمَا يَعْدِل الْمُكَفِّرُ فِي إِعْسَارِهِ إِلَى الصِّيَامِ،فَدَل عَدَمُ تَقْدِيرِهَا وَبَدَلِهَا عَلَى سُقُوطِ وُجُوبِهَا،وَلأَِنَّهَا لَوْ وَجَبَتْ لَكَانَ مَأْخُوذًا بِفِعْلِهَا حَيًّا،وَمَأْخُوذَةً مِنْ تَرِكَتِهِ مَيِّتًا كَسَائِرِ الْحُقُوقِ.
الثَّانِي:ذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ فِي قَوْلٍ وَالْمَالِكِيَّةُ فِي قَوْلٍ وَالإِْمَامُ أَحْمَدَ فِي قَوْلٍ ذَكَرَهُ ابْنُ عَقِيلٍ إِلَى أَنَّ الْوَلِيمَةَ وَاجِبَةٌ،... وَهَذَا أَمْرٌ يَدُل عَلَى الْوُجُوبِ،وَلأَِنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - مَا نَكَحَ قَطُّ إِلاَّ أَوْلَمَ فِي ضِيقٍ أَوْ سَعَةٍ،وَلأَِنَّ فِي الْوَلِيمَةِ إِعْلاَنًا لِلنِّكَاحِ،فَرْقًا بَيْنَهُ وَبَيْنَ السِّفَاحِ،...،وَلأَِنَّهُ لَمَّا كَانَتْ إِجَابَةُ الدَّاعِي إِلَيْهَا وَاجِبَةً،دَل عَلَى أَنَّ فِعْل الْوَلِيمَةِ وَاجِبٌ،لأَِنَّ وُجُوبَ الْمُسَبِّبِ دَلِيلٌ عَلَى وُجُوبِ السَّبَبِ. (1)
117. عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بُرَيْدَةَ عَنْ أَبِيهِ - رضى الله عنه - قَالَ بَعَثَ النَّبِىُّ - صلى الله عليه وسلم - عَلِيًّا إِلَى خَالِدٍ لِيَقْبِضَ الْخُمُسَ وَكُنْتُ أُبْغِضُ عَلِيًّا،وَقَدِ اغْتَسَلَ،فَقُلْتُ لِخَالِدٍ أَلاَ تَرَى إِلَى هَذَا فَلَمَّا قَدِمْنَا عَلَى النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - ذَكَرْتُ ذَلِكَ لَهُ فَقَالَ « يَا بُرَيْدَةُ أَتُبْغِضُ عَلِيًّا ».فَقُلْتُ نَعَمْ.قَالَ « لاَ تُبْغِضْهُ فَإِنَّ لَهُ فِى الْخُمُسِ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ » أخرجه البخاري (2)
118.
__________
(1) - الموسوعة الفقهية الكويتية - (45 / 233) والحاوي للماوردي 12 / 192، وتحفة المحتاج 7 / 424 - 425
(2) - برقم(4350) وأحمد برقم(23738)
وفي فتح الباري لابن حجر - (ج 12 / ص 161)
قَوْله : ( فَإِنَّ لَهُ فِي الْخُمُس أَكْثَر مِنْ ذَلِكَ )فِي رِوَايَة عَبْد الْجَلِيل " فُو الَّذِي نَفْس مُحَمَّد بِيَدِهِ لَنَصِيب آلِ عَلِيّ فِي الْخُمُس أَفْضَل مِنْ وَصِيفَة " وَزَادَ " قَالَ : فَمَا كَانَ أَحَد مِنْ النَّاس أَحَبَّ إِلَيَّ مِنْ عَلِيّ " وَأَخْرَجَ أَحْمَد هَذَا الْحَدِيث مِنْ طَرِيق أَجْلَح الْكِنْدِيّ عَنْ عَبْد اللَّه بْن بُرَيْدَةَ بِطُولِهِ وَزَادَ فِي آخِره " لَا تَقَع فِي عَلِيّ فَإِنَّهُ مِنِّي وَأَنَا مِنْهُ وَهُوَ وَلِيّكُمْ بَعْدِي " وَأَخْرَجَهُ أَحْمَد أَيْضًا وَالنَّسَائِيُّ مِنْ طَرِيق سَعِيد بْن عُبَيْدَة عَنْ عَبْد اللَّه بْن بُرَيْدَةَ مُخْتَصَرًا وَفِي آخِره " فَإِذَا النَّبِيّ - صلى الله عليه وسلم - قَدْ اِحْمَرَّ وَجْهه يَقُول : مَنْ كُنْت وَلِيّه فِعْلِيّ وَلِيّه " وَأَخْرَجَهُ الْحَاكِم مِنْ هَذَا الْوَجْه مُطَوَّلًا وَفِيهِ قِصَّة الْجَارِيَة نَحْو رِوَايَة عَبْد الْجَلِيل ، وَهَذِهِ طُرُق يُقَوِّي بَعْضهَا بَعْضًا . قَالَ أَبُو ذَرّ الْهَرَوِيُّ : إِنَّمَا أَبْغَض الصَّحَابِيّ عَلِيًّا لِأَنَّهُ رَآهُ أَخَذَ مِنْ الْمَغْنَم ، فَظَنَّ أَنَّهُ غَلَّ ، فَلَمَّا أَعْلَمهُ النَّبِيّ - صلى الله عليه وسلم - أَنَّهُ أَخَذَ أَقَلّ مِنْ حَقّه أَحَبَّهُ ا ه . وَهُوَ تَأْوِيل حَسَن ، لَكِنْ يُبْعِدهُ صَدْر الْحَدِيث الَّذِي أَخْرَجَهُ أَحْمَد فَلَعَلَّ سَبَب الْبُغْض كَانَ لِمَعْنًى آخَر وَزَالَ بِنَهْيِ النَّبِيّ - صلى الله عليه وسلم - لَهُمْ عَنْ بُغْضه . وَقَدْ اِسْتُشْكِلَ وُقُوع عَلِيّ عَلَى الْجَارِيَة بِغَيْرِ اِسْتِبْرَاء ، وَكَذَلِكَ قِسْمَته لِنَفْسِهِ ، فَأَمَّا الْأَوَّل فَمَحْمُول عَلَى أَنَّهَا كَانَتْ بِكْرًا غَيْر بَالِغ وَرَأَى أَنَّ مِثْلهَا لَا يُسْتَبْرَأ كَمَا صَارَ إِلَيْهِ غَيْره مِنْ الصَّحَابَة ، وَيَجُوز أَنْ تَكُون حَاضَتْ عَقِب صَيْرُورَتهَا لَهُ ثُمَّ طَهُرَتْ بَعْد يَوْم وَلَيْلَة ثُمَّ وَقَعَ عَلَيْهَا وَلَيْسَ مَا يَدْفَعهُ ، وَأَمَّا الْقِسْمَة فَجَائِزَة فِي مِثْل ذَلِكَ مِمَّنْ هُوَ شَرِيك فِيمَا يَقْسِمهُ كَالْإِمَامِ إِذَا قَسَمَ بَيْن الرَّعِيَّة وَهُوَ مِنْهُمْ ، فَكَذَلِكَ مَنْ نَصَّبَهُ الْإِمَام قَامَ مَقَامه . وَقَدْ أَجَابَ الْخَطَّابِيُّ بِالثَّانِي ، وَأَجَابَ عَنْ الْأَوَّل لِاحْتِمَالِ أَنْ تَكُون عَذْرَاء أَوْ دُون الْبُلُوغ أَوْ أَدَّاهُ اِجْتِهَاده أَنْ لَا اِسْتِبْرَاء فِيهَا ، وَيُؤْخَذ مِنْ الْحَدِيث جَوَاز التَّسَرِّي عَلَى بِنْت رَسُول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - بِخِلَافِ التَّزْوِيج عَلَيْهَا لِمَا وَقَعَ فِي حَدِيث الْمِسْوَر فِي كِتَاب النِّكَاح .(1/298)
عن عَبْدِ الْجَلِيلِ قَالَ انْتَهَيْتُ إِلَى حَلْقَةٍ فِيهَا أَبُو مِجْلَزٍ وَابْنُ بُرَيْدَةَ فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ بُرَيْدَةَ حَدَّثَنِى أَبِى بُرَيْدَةُ قَالَ أَبْغَضْتُ عَلِيًّا بُغْضاً لَمْ يُبْغَضْهُ أَحَدٌ قَطُّ. قَالَ وَأَحْبَبْتُ رَجُلاً مِنْ قُرَيْشٍ لَمْ أُحِبَّهُ إِلاَّ عَلَى بُغْضِهِ عَلِيًّا. قَالَ فَبُعِثَ ذَلِكَ الرَّجُلُ عَلَى خَيْلٍ فَصَحِبْتُهُ مَا أَصْحَبُهُ إِلاَّ عَلَى بُغْضِهِ عَلِيًّا. قَالَ فَأَصَبْنَا سَبْياً. قَالَ فَكَتَبَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - ابْعَثْ إِلَيْنَا مَنْ يُخَمِّسُهُ قَالَ فَبَعَثَ إِلَيْنَا عَلِيًّا وَفِى السَّبْىِ وَصِيفَةٌ هِىَ أَفْضَلُ مِنَ السَّبْىِ فَخَمَّسَ وَقَسَمَ فَخَرَجَ رَأْسُهُ مُغَطًّى فَقُلْنَا يَا أَبَا الْحَسَنِ مَا هَذَا قَالَ أَلَمْ تَرَوْا إِلَى الْوَصِيفَةِ الَّتِى كَانَتْ فِى السَّبْىِ فَإِنِّى قَسَمْتُ وَخَمَّسْتُ فَصَارَتْ فِى الخُمُسِ ثُمَّ صَارَتْ فِى أَهْلِ بَيْتِ النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - ثُمَّ صَارَتْ فِى آلِ عَلِىٍّ وَوَقَعْتُ بِهَا. قَالَ فَكَتَبَ الرَّجُلُ إِلَى نَبِىِّ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فَقُلْتُ ابْعَثْنِى.
فَبَعَثَنِى مُصَدِّقاً. قَالَ فَجَعَلْتُ أَقْرَأُ الْكِتَابَ وَأَقُولُ صَدَقَ.قَالَ فَأَمْسَكَ يَدِى وَالْكِتَابَ وَقَالَ « أَتُبْغِضُ عَلِيًّا ». قَالَ قُلْتُ نَعَمْ.قَالَ « فَلاَ تُبْغِضْهُ وَإِنْ كُنْتَ تُحِبُّهُ فَازْدَدْ لَهُ حُبًّا فَوَالَّذِى نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ لَنَصِيبُ آلِ عَلِىٍّ فِى الخُمُسِ أَفْضَلُ مِنْ وَصِيفَةٍ ». قَالَ فَمَا كَانَ مِنَ النَّاسِ أَحَدٌ بَعْدَ قَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - أَحَبَّ إِلَىَّ مِنْ عَلِىٍّ. قَالَ عَبْدُ اللَّهِ فَوَالَّذِى لاَ إِلَهَ غَيْرُهُ مَا بَيْنِى وَبَيْنَ النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - فِى هَذَا الْحَدِيثِ غَيْرُ أَبِى بُرَيْدَةَ.أخرجه أحمد (1)
__________
(1) - برقم(23669) والنسائي برقم(8428) وفضائل الصحابة برقم(1143) حسن(1/299)
قال الطحاوي:"بَابُ بَيَانِ مُشْكِلِ مَا رُوِيَ عَنْ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فِيمَا كَانَ مِنْ عَلِيٍّ - رضي الله عنهم - فِي قِسْمَتِهِ خُمُسَ مَا بُعِثَ فِي قِسْمَتِهِ مِنَ السَّبْيِ وَوُقُوعِ الْوَصِيفَةِ الَّتِي كَانَتْ فِيهِ فِي آلِهِ،وَمَا كَانَ مِنْهُ فِيهَا مِنْ وَطْئِهِ لَهَا،وَمِنْ تَنَاهِي ذَلِكَ إلَى رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - بِلَا اسْتِبْرَاءٍ مَذْكُورٍ فِيهِ،وَتَرْكِ إنْكَارِ ذَلِكَ عَلَيْهِ
عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ بُرَيْدَةَ قَالَ حَدَّثَنِي أَبِي قَالَ:لَمْ يَكُنْ أَحَدٌ مِنَ النَّاسِ أَبْغَضَ إلَيَّ مِنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ حَتَّى أَحْبَبْتُ رَجُلًا مِنْ قُرَيْشٍ لَا أُحِبُّهُ إِلَّا عَلَى بُغْضِ عَلِيٍّ،فَبُعِثَ ذَلِكَ الرَّجُلَ عَلَى خَيْلٍ فَصَحِبْتُهُ،وَمَا أَصْحَبُهُ إِلَّا عَلَى بَغْضَاءِ عَلِيٍّ،فَأَصَابَ سَبْيًا،فَكَتَبَ إلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - أَنْ يَبْعَثْ لَهُ مَنْ يُخَمِّسُهُ،فَبَعَثَ إلَيْنَا عَلِيًّا - رضي الله عنهم - ،وَفِي السَّبْيِ وَصِيفَةٌ مِنْ أَفْضَلِ السَّبْيِ،فَلَمَّا خَمَّسَهُ صَارَتِ الْوَصِيفَةُ فِي الْخُمُسِ،ثُمَّ خَمَّسَ فَصَارَتْ فِي أَهْلِ بَيْتِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - ،ثُمَّ خَمَّسَ فَصَارَتْ فِي آلِ عَلِيٍّ،فَأَتَانَا وَرَأْسُهُ تَقْطُرُ،فَقُلْنَا:مَا هَذَا ؟ فَقَالَ:"أَلَمْ تَرَوْا إلَى الْوَصِيفَةِ صَارَتْ فِي الْخُمُسِ،ثُمَّ صَارَتْ فِي آلِ بَيْتِ النَّبِيِّ عَلَيْهِ السَّلَامُ،ثُمَّ صَارَتْ فِي آلِ عَلِيٍّ،وَقَعْتُ عَلَيْهَا "،فَكَتَبَ وَبَعَثَنِي مُصَدِّقًا لِكِتَابِهِ إلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - بِمَا قَالَ عَلِيٌّ،فَجَعَلْتُ أَقُولُ عَلَيْهِ وَيَقُولُ:صَدَقَ،وَأَقُولُ وَيَقُولُ:صَدَقَ،فَأَمْسَكَ بِيَدِي رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ:"أَتَبْغَضُ عَلِيًّا ؟"فَقُلْتُ:نَعَمْ،فَقَالَ:"لَا تَبْغَضْهُ،وَإِنْ كُنْتَ تُحِبُّهُ فَازْدَدْ لَهُ حُبًّا،فَوَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَنَصِيبُ آلِ عَلِيٍّ فِي الْخُمُسِ أَفْضَلُ مِنْ وَصِيفَةٍ"فَمَا كَانَ أَحَدٌ بَعْدَ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - أَحَبَّ إلَيَّ مِنْ عَلِيٍّ ".قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ بُرَيْدَةَ:"وَاللهِ مَا فِي الْحَدِيثِ بَيْنِي وَبَيْنَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - غَيْرُ أَبِي
فَقَالَ قَائِلٌ:وَكَيْفُ يَجُوزُ أَنْ تَقْبَلُوا هَذَا الْحَدِيثَ إذْ كَانَ فِيهِ أَنَّ عَلِيًّا - رضي الله عنهم - قَسَّمَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَهْلِ الْخُمُسِ مَا ذَكَرْتَ قِسْمَتَهُ فِيهِ وَهُوَ شَرِيكٌ فِي ذَلِكَ،وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الرَّجُلُ يُقَاسِمُ نَفْسَهُ لِنَفْسِهِ وَلِغَيْرِهِ.فَكَانَ جَوَابُنَا لَهُ فِي ذَلِكَ بِتَوْفِيقِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ وَعَوْنِهِ:أَنَّ مَا يُقَسَّمُ بِالْوِلَايَةِ مِنَ الْأَشْيَاءِ الَّتِي مِنْ هَذَا الْجِنْسِ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مِمَّنْ هُوَ شَرِيكٌ فِي ذَلِكَ،كَمَا يُقَسِّمُ الْإِمَامُ بِالْإِمَامَةِ الْغَنَائِمَ بَيْنَ أَهْلِهَا وَهُوَ مِنْهُمْ،وَإِذَا كَانَ الْإِمَامُ كَذَلِكَ فِيمَا ذَكَرْنَا كَانَ مَنْ يَقْسِمُهُ لِذَلِكَ سِوَاهُ يَقُومُ فِيهِ مَقَامَهُ،فَبَانَ بِحَمْدِ اللهِ وَنِعْمَتِهِ صِحَّةُ هَذَا الْمَعْنَى مِنْ هَذَا الْحَدِيثِ .(1/300)
ثُمَّ عَادَ هَذَا الْقَائِلُ سَائِلًا لَنَا فَقَالَ:فَإِنَّ فِي هَذَا الْحَدِيثِ أَيْضًا مَا لَا يَجُوزُ لَكُمْ قَبُولُهُ عَنْ عَلِيٍّ - رضي الله عنهم - فِي الْوَصِيفَةِ الْمَذْكُورَةِ فِيهِ مِنْ وُقُوعِهِ عَلَيْهَا ; لِأَنَّهَا إنَّمَا كَانَتْ صَارَتْ فِي آلِهِ،وَآلُهُ غَيْرُهُ،فَكَانَ جَوَابُنَا لَهُ فِي ذَلِكَ بِتَوْفِيقِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ وَعَوْنِهِ:أَنَّ الْمُرَادَ بِآلِهِ هُوَ نَفْسُهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ،بِمَعْنَى أَنَّهَا وَقَعَتْ فِي نَصِيبِهِ،فَكَانَ مِنْهُ فِيهَا مَا كَانَ ; لِأَنَّ الْعَرَبَ تَجْعَلُ آلَ الرَّجُلِ الرَّجُلَ،وَتَجْعَلُ آلَهَ صُلْبَهُ.وَمِنْهُ مَا قَدْ رُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - فِيمَا خَاطَبَ بِهِ عَبْدَ اللهِ بْنَ أَبِي أَوْفَى لَمَّا جَاءَ بِصَدَقَةِ أَبِيهِ.
فعَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ أَبِي أَوْفَى وَكَانَ مِنْ أَصْحَابِ الشَّجَرَةِ قَالَ:كَانَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - إذَا أَتَاهُ قَوْمٌ بِصَدَقَتِهِمْ قَالَ:"اللهُمَّ صَلِّ عَلَيْهِمْ "،قَالَ"فَأَتَاهُ أَبِي بِصَدَقَتِهِ،فَقَالَ:"اللهُمَّ صَلِّ عَلَى آلِ أَبِي أَوْفَى ".
فَكَانَ ذَلِكَ بِمَعْنَى:اللهُمَّ صَلِّ عَلَى أَبِي أَوْفَى،وَمِنْ ذَلِكَ مَا رُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - فِي أَبِي مُوسَى"لَقَدْ أُوتِيَ هَذَا مِزْمَارًا مِنْ مَزَامِيرِ آلِ دَاوُدَ - صلى الله عليه وسلم - "بِمَعْنَى:مِزْمَارًا مِنْ مَزَامِيرِ دَاوُدَ - صلى الله عليه وسلم - .وَالْآلُ صِلَةٌ ; لِأَنَّ الْمَزَامِيرَ إنَّمَا كَانَتْ لِدَاوُدَ - صلى الله عليه وسلم - لَا لِغَيْرِهِ مِنْ آلِهِ،وَلَا مِمَّنْ سِوَاهُمْ،وَمِنْ ذَلِكَ مَا هُوَ أَجَلُّ مِنْ هَذَا،وَهُوَ قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ:{ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ } [غافر:46]،لَا لِإِخْرَاجِ فِرْعَوْنَ مِنْهُمْ،وَهُوَ دَاخِلٌ فِيهِمْ،وَأَمَّا مَا سِوَى هَذَيْنِ الْمَعْنَيَيْنِ بِمَا فِي هَذَا الْحَدِيثِ مِنْ وَطْءِ عَلِيٍّ - رضي الله عنهم - الْوَصِيفَةَ الْمَذْكُورَةَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ بِلَا اسْتِبْرَاءٍ كَانَ مِنْهُ فِيهَا،فَإِنَّ الَّذِي أَتَيْنَا بِهِ فِي الْبَابِ الَّذِي قَبْلَ هَذَا الْبَابِ يُغْنِينَا عَنِ الْكَلَامِ فِي ذَلِكَ فِي هَذَا الْبَابِ،وَاللهَ نَسْأَلُهُ التَّوْفِيقَ ." (1)
119. عَنْ عَلِىٍّ قَالَ دَخَلَ عَلَىَّ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - وَأَنَا نَائِمٌ عَلَى الْمَنَامَةِ فَاسْتَسْقَى الْحَسَنُ أَوِ الْحُسَيْنُ - قَالَ - فَقَامَ النَّبِىُّ - صلى الله عليه وسلم - إِلَى شَاةٍ لَنَا بَكِىءٍ فَحَلَبَهَا فَدَرَّتْ فَجَاءَهُ الْحَسَنُ فَنَحَّاهُ النَّبِىُّ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَتْ فَاطِمَةُ يَا رَسُولَ اللَّهِ كَأَنَّهُ أَحَبُّهُمَا إِلَيْكَ. قَالَ « لاَ
__________
(1) - شرح مشكل الآثار - (8 / 58)(3051 )(1/301)
وَلَكِنَّهُ اسْتَسْقَى قَبْلَهُ - ثُمَّ قَالَ - إِنِّى وَإِيَّاكِ وَهَذَيْنِ وَهَذَا الرَّاقِدَ فِى مَكَانٍ وَاحِدٍ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ».أخرجه أحمد (1)
120. عَنْ فَضَالَةَ بْنِ أَبِى فَضَالَةَ الأَنْصَارِىِّ - وَكَانَ أَبُو فَضَالَةَ مِنْ أَهْلِ بَدْرٍ - قَالَ خَرَجْتُ مَعَ أَبِى عَائِداً لِعَلِىِّ بْنِ أَبِى طَالِبٍ مِنْ مَرَضٍ أَصَابَهُ ثَقُلَ مِنْهُ - قَالَ - فَقَالَ لَهُ أَبِى مَا يُقِيمُكَ بِمَنْزِلِكَ هَذَا لَوْ أَصَابَكَ أَجَلُكَ لَمْ يَلِكَ إِلاَّ أَعْرَابُ جُهَيْنَةَ تُحْمَلُ إِلَى الْمَدِينَةِ فَإِنْ أَصَابَكَ أَجَلُكَ وَلِيَكَ أَصْحَابُكَ وَصَلَّوْا عَلَيْكَ.فَقَالَ عَلِىٌّ إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - عَهِدَ إِلَىَّ أَنْ لاَ أَمُوتَ حَتَّى أُؤَمَّرَ ثُمَّ تُخْضَبَ هَذِه ِ- يَعْنِى لِحْيَتَهُ - مِنْ دَمِ هَذِهِ يَعْنِى هَامَتَهُ. فَقُتِلَ وَقُتِلَ أَبُو فَضَالَةَ مَعَ عَلِىٍّ يَوْمَ صِفَّينَ.أخرجه أحمد (2)
121. عَنْ عَلِىِّ بْنِ أَبِى طَالِبٍ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - أَنَّهُ كَانَ إِذَا قَامَ إِلَى الصَّلاَةِ قَالَ « وَجَّهْتُ وَجْهِىَ لِلَّذِى فَطَرَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ حَنِيفًا وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ إِنَّ صَلاَتِى وَنُسُكِى وَمَحْيَاىَ وَمَمَاتِى لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ لاَ شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ اللَّهُمَّ أَنْتَ الْمَلِكُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ أَنْتَ. أَنْتَ رَبِّى وَأَنَا عَبْدُكَ ظَلَمْتُ نَفْسِى وَاعْتَرَفْتُ بِذَنْبِى فَاغْفِرْ لِى ذُنُوبِى جَمِيعًا إِنَّهُ لاَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلاَّ أَنْتَ وَاهْدِنِى لأَحْسَنِ الأَخْلاَقِ لاَ يَهْدِى لأَحْسَنِهَا إِلاَّ أَنْتَ وَاصْرِفْ عَنِّى سَيِّئَهَا لاَ يَصْرِفُ عَنِّى سَيِّئَهَا إِلاَّ أَنْتَ لَبَّيْكَ وَسَعْدَيْكَ وَالْخَيْرُ كُلُّهُ فِى يَدَيْكَ وَالشَّرُّ لَيْسَ إِلَيْكَ أَنَا بِكَ وَإِلَيْكَ تَبَارَكْتَ وَتَعَالَيْتَ أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتُوبُ إِلَيْكَ ». وَإِذَا رَكَعَ قَالَ « اللَّهُمَّ لَكَ رَكَعْتُ وَبِكَ آمَنْتُ وَلَكَ أَسْلَمْتُ خَشَعَ لَكَ سَمْعِى وَبَصَرِى وَمُخِّى وَعَظْمِى وَعَصَبِى ». وَإِذَا رَفَعَ قَالَ « اللَّهُمَّ رَبَّنَا لَكَ الْحَمْدُ مِلْءَ السَّمَوَاتِ وَمِلْءَ الأَرْضِ وَمِلْءَ مَا بَيْنَهُمَا وَمِلْءَ مَا شِئْتَ مِنْ شَىْءٍ بَعْدُ ». وَإِذَا سَجَدَ قَالَ « اللَّهُمَّ لَكَ سَجَدْتُ وَبِكَ آمَنْتُ وَلَكَ أَسْلَمْتُ سَجَدَ وَجْهِى لِلَّذِى خَلَقَهُ وَصَوَّرَهُ وَشَقَّ
__________
(1) - برقم(803) والطبراني برقم(2556و18450) والبزار برقم(779) والطيالسي برقم(184) ومعرفة الصحابة برقم(6333) والمحاملي برقم(184) وفضائل الصحابة برقم(1146) وعاصم برقم(1123) والصحيحة برقم(3319) صحيح لغيره
(2) - برقم(813) والضياء برقم(702) والمجمع برقم(8946) وإتحاف الخيرة برقم(6696) وفضائل الصحابة برقم(1150) وفيه لين(1/302)
سَمْعَهُ وَبَصَرَهُ تَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ ». ثُمَّ يَكُونُ مِنْ آخِرِ مَا يَقُولُ بَيْنَ التَّشَهُّدِ وَالتَّسْلِيمِ « اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِى مَا قَدَّمْتُ وَمَا أَخَّرْتُ وَمَا أَسْرَرْتُ وَمَا أَعْلَنْتُ وَمَا أَسْرَفْتُ وَمَا أَنْتَ أَعْلَمُ بِهِ مِنِّى أَنْتَ الْمُقَدِّمُ وَأَنْتَ الْمُؤَخِّرُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ أَنْتَ ».أخرجه مسلم (1)
122. عَنْ عَلِىٍّ قَالَ كُنْتُ شَاكِيًا فَمَرَّ بِى رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - وَأَنَا أَقُولُ اللَّهُمَّ إِنْ كَانَ أَجَلِى قَدْ حَضَرَ فَأَرِحْنِى وَإِنْ كَانَ مُتَأَخِّرًا فَارْفَعْنِى وَإِنْ كَانَ بَلاَءً فَصَبِّرْنِى. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - "كَيْفَ قُلْتَ ». قَالَ فَأَعَادَ عَلَيْهِ مَا قَالَ قَالَ فَضَرَبَهُ بِرِجْلِهِ فَقَالَ « اللَّهُمَّ عَافِهِ أَوِ اشْفِهِ ». شُعْبَةُ الشَّاكُّ. فَمَا اشْتَكَيْتُ وَجَعِى بَعْدُ.أخرجه الترمذي (2)
123. عَنْ حَنَشٍ عَنْ عَلِىٍّ قَالَ أَمَرَنِى رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - أَنْ أُضَحِّىَ عَنْهُ فَأَنَا أُضَحِّى عَنْهُ أَبَداً.أخرجه أحمد (3)
124. عَنْ عَلِىٍّ رضى الله عنه قَالَ جَهَّزَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فَاطِمَةَ فِى خَمِيلٍ وَقِرْبَةٍ وَوِسَادَةٍ حَشْوُهَا إِذْخِرٌ.أخرجه النسائي (4)
125. عَنْ سُوَيْدِ بْنِ غَفَلَةَ قَالَ قَالَ عَلِىٌّ إِذَا حَدَّثْتُكُمْ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - حَدِيثاً فَلأَنْ أَخِرَّ مِنَ السَّمَاءِ أَحَبُّ إِلَىَّ مِنْ أَنْ أَكْذِبَ عَلَيْهِ وَإِذَا حَدَّثْتُكُمْ فِيمَا بَيْنِى وَبَيْنَكُمْ فَإِنَّ الْحَرْبَ خَدْعَةٌ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ « يَخْرُجُ قَوْمٌ فِى آخِرِ الزَّمَانِ أَحْدَاثُ الأَسْنَانِ
__________
(1) - برقم( 1848) وأبو داود برقم( 760) والترمذي برقم(3749)
وفي عون المعبود - (ج 2 / ص 270) قَالَ صَاحِبُ عَوْنِ الْمَعْبُودِ :( إِذَا قَامَ إِلَى الصَّلَاة كَبَّرَ ثُمَّ قَالَ وَجَّهْت وَجْهِيَ ) : هَذَا تَصْرِيح بِأَنَّ هَذَا التَّوْجِيه بَعْد التَّكْبِيرَة لَا كَمَا ذَهَبَ إِلَيْهِ الْبَعْض مِنْ أَنَّهُ قَبْل التَّكْبِيرَة ، وَاعْلَمْ أَنَّ اِبْن حِبَّان أَخْرَجَ هَذَا الْحَدِيث وَقَالَ : إِذَا قَامَ إِلَى الصَّلَاة الْمَكْتُوبَة ، وَكَذَلِكَ رَوَاهُ الشَّافِعِيّ وَقَيَّدَهُ أَيْضًا بِالْمَكْتُوبَةِ وَكَذَا غَيْرهمَا ، وَأَمَّا مُسْلِم فَقَيَّدَهُ بِصَلَاةِ اللَّيْل ، وَزَادَ لَفْظ مِنْ جَوْف اللَّيْل . قَالَهُ الْعَلَّامَة الشَّوْكَانِيُّ .
(2) - برقم(3912) وأحمد برقم( 647 و648 و853) والمستدرك برقم(4239) وابن حبان برقم(7066)حسن
(3) - برقم(855) والبيهقي في السنن برقم(19661) وفضائل الصحابة برقم(1154) فيه أبو الحسناء الكوفي مجهول
وقال البيهقي : هُوَ إِنْ ثَبَتَ يَدُلُّ عَلَى جَوَازِ التَّضْحِيَةِ عَمَّنْ خَرَجَ مِنْ دَارِ الدُّنْيَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ وَأَمَّا عَنِ الْحَمْلِ فَقَدْ قَالَ الشَّافِعِىُّ : لاَ يُضَحَّى عَمَّا فِى الْبَطْنِ. وانظر الحاوي للفتاوي - (ج 3 / ص 119)
(4) -برقم(3397)وأحمد برقم(653 و726 و865) ودلائل النبوة برقم(1024) وفضائل الصحابة برقم(1155)حسن
قَوْله ( فِي خَمِيل ) بِخَاءِ مُعْجَمَة بِوَزْنِ كَرِيم هِيَ الْقَطِيفَة وَهِيَ كُلّ ثَوْب لَهُ خَمْل مِنْ أَيّ شَيْء كَانَ .(1/303)
سُفَهَاءُ - وَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ أَسْفَاهُ - الأَحْلاَمِ يَقُولُونَ مِنْ خَيْرِ قَوْلِ الْبَرِيَّةِ يَقْرَءُونَ الْقُرْآنَ لاَ يُجَاوِزُ حَنَاجِرَهُمْ - قَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ لاَ يُجَاوِزُ إِيمَانُهُمْ حَنَاجِرَهُمْ - يَمْرُقُونَ مِنَ الدِّينِ كَمَا يَمْرُقُ السَّهْمُ مِنَ الرَّمِيَّةِ فَإِذَا لَقِيتُمُوهُمْ فَاقْتُلُوهُمْ فَإِنَّ فِى قَتْلِهِمْ أَجْراً لِمَنْ قَتَلَهُمْ عِنْدَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ. قَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ فَإِذَا لَقِيتَهُمْ فَاقْتُلْهُمْ فَإِنَّ قَتْلَهُمْ أَجْرٌ لِمَنْ قَتَلَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ».أخرجه أحمد (1)
126. عَنْ شُرَيْحِ بْنِ هَانِئٍ قَالَ أَتَيْتُ عَائِشَةَ أَسْأَلُهَا عَنِ الْمَسْحِ عَلَى الْخُفَّيْنِ فَقَالَتْ عَلَيْكَ بِابْنِ أَبِى طَالِبٍ فَسَلْهُ فَإِنَّهُ كَانَ يُسَافِرُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - . فَسَأَلْنَاهُ فَقَالَ جَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ وَلَيَالِيَهُنَّ لِلْمُسَافِرِ وَيَوْمًا وَلَيْلَةً لِلْمُقِيمِ. قَالَ وَكَانَ سُفْيَانُ إِذَا ذَكَرَ عَمْرًا أَثْنَى عَلَيْهِ. وفي رواية عَنْ شُرَيْحِ بْنِ هَانِئٍ قَالَ سَأَلْتُ عَائِشَةَ عَنِ الْمَسْحِ عَلَى الْخُفَّيْنِ فَقَالَتِ ائْتِ عَلِيًّا فَإِنَّهُ أَعْلَمُ بِذَلِكَ مِنِّى فَأَتَيْتُ عَلِيًّا فَذَكَرَ عَنِ النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - بِمِثْلِهِ..أخرجه مسلم (2)
127.
__________
(1) - برقم(1098) والنسائي برقم(4119) والسنة لعبد الله برقم(1362) وفضائل الصحابة برقم(1159) صحيح
التَّراقِي : جمع تَرْقُوَة : وهي عظمة مشرفة بين ثغرة النحر والعاتق وهما ترقوتان = يمرقون : يجوزون ويخرقون ويخرجون = مرق السهم من الرمية : اخترقها وخرج من الجانب الآخر في سرعة = الرمية : الهدف الذي يرمى
(2) - برقم( 661 -663 ) وابن ماجة برقم(595)وأحمد برقم(759 و791 و918 و978 و1290و25537)
وفي شرح النووي على مسلم - (ج 1 / ص 445) فَفِيهِ الْحُجَّة الْبَيِّنَة وَالدَّلَالَة الْوَاضِحَة لِمَذْهَبِ الْجُمْهُور : أَنَّ الْمَسْح عَلَى الْخُفَّيْنِ مُوَقَّت بِثَلَاثَةِ أَيَّام فِي السَّفَر وَبِيَوْمٍ وَلَيْلَة فِي الْحَضَر ، وَهَذَا مَذْهَب أَبِي حَنِيفَة وَالشَّافِعِيّ وَأَحْمَد وَجَمَاهِير الْعُلَمَاء مِنْ الصَّحَابَة فَمَنْ بَعْدهمْ . وَقَالَ مَالِك فِي الْمَشْهُور عَنْهُ : يَمْسَح بِلَا تَوْقِيت ، وَهُوَ قَوْل قَدِيم ضَعِيف عَنْ الشَّافِعِيّ ، وَاحْتَجُّوا بِحَدِيثِ اِبْن أَبِي عِمَارَة بِكَسْرِ الْعَيْن فِي تَرْك التَّوْقِيت رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَغَيْره وَهُوَ حَدِيث ضَعِيف بِاتِّفَاقِ أَهْل الْحَدِيث ، وَأَوْجُه الدَّلَالَة مِنْ الْحَدِيث عَلَى مَذْهَب مَنْ يَقُول بِالْمَفْهُومِ ظَاهِرَة ، وَعَلَى مَذْهَب مَنْ لَا يَقُول بِهِ يُقَال : الْأَصْل مَنْعُ الْمَسْح فِيمَا زَادَ ، وَمَذْهَب الشَّافِعِيّ وَكَثِيرِينَ : أَنَّ اِبْتِدَاء الْمُدَّة مِنْ حِين الْحَدَث بَعْد لُبْس الْخُفّ لَا مِنْ حِين اللُّبْس وَلَا مِنْ حِين الْمَسْح ، ثُمَّ إِنَّ الْحَدَث عَامّ مَخْصُوص بِحَدِيثِ صَفْوَان بْن غَسَّال رَضِيَ اللَّه عَنْهُ قَالَ : ( أَمَرَنَا رَسُول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - إِذَا كُنَّا مُسَافِرِينَ أَوْ سَفْرًا أَنْ لَا نَنْزِع خِفَافنَا ثَلَاثَة أَيَّام وَلِيَالِيهنَّ إِلَّا مِنْ جَنَابَة ) . قَالَ أَصْحَابنَا : فَإِذَا أَجْنَبَ قَبْل اِنْقِضَاء الْمُدَّة لَمْ يَجُزْ الْمَسْح عَلَى الْخُفّ ، فَلَوْ اِغْتَسَلَ وَغَسَلَ رِجْلَيْهِ فِي الْخُفّ اِرْتَفَعَتْ جَنَابَته وَجَازَتْ صَلَاته ، فَلَوْ أَحْدَثَ بَعْد ذَلِكَ لَمْ يَجُزْ لَهُ الْمَسْح عَلَى الْخُفّ بَلْ لَا بُدّ مِنْ خَلْعِهِ وَلُبْسِهِ عَلَى طَهَارَة ، بِخِلَافِ مَا لَوْ تَنَجَّسَتْ رِجْله فِي الْخُفّ فَغَسَلَهَا فِيهِ ، فَإِنَّ لَهُ الْمَسْح عَلَى الْخُفّ بَعْد ذَلِكَ . وَاللَّهُ أَعْلَم .
وَفِي هَذَا الْحَدِيث مِنْ الْأَدَب مَا قَالَهُ الْعُلَمَاء : إِنَّهُ يُسْتَحَبّ لِلْمُحَدِّثِ وَلِلْمُعَلِّمِ وَالْمُفْتِي إِذَا طُلِبَ مِنْهُ مَا يَعْلَمهُ عِنْد أَجَل مِنْهُ أَنْ يُرْشِد إِلَيْهِ ، وَإِنْ لَمْ يَعْرِفهُ قَالَ اِسْأَلْ عَنْهُ فُلَانًا ، قَالَ أَبُو عُمَر بْن عَبْد الْبَرّ : وَاخْتَلَفَ الرُّوَاة فِي رَفْع هَذَا الْحَدِيث وَوَقْفِهِ عَلَى عَلِيّ ، قَالَ : وَمَنْ رَفَعَهُ أَحْفَظ وَأَضْبَط . وَاَللَّه سُبْحَانه وَتَعَالَى أَعْلَم .(1/304)
عَنْ عَلِىٍّ أَنَّ النَّبِىَّ - صلى الله عليه وسلم - حِينَ بَعَثَهُ بِبَرَاءَةٌ فَقَالَ يَا نَبِىَّ اللَّهِ إِنِّى لَسْتُ بِاللَّسِنِ وَلاَ بِالْخَطِيبِ قَالَ « مَا بُدٌّ أَنْ أَذْهَبَ بِهَا أَنَا أَوْ تَذْهَبَ بِهَا أَنْتَ ». قَالَ فَإِنْ كَانَ وَلاَ بُدَّ فَسَأَذْهَبُ أَنَا. قَالَ « فَانْطَلِقْ فَإِنَّ اللَّهَ يُثَبِّتُ لِسَانَكَ وَيَهْدِى قَلْبَكَ ». قَالَ ثُمَّ وَضَعَ يَدَهُ عَلَى فَمِهِ.أخرجه أحمد (1)
128. عَنْ أَبِى الطُّفَيْلِ قَالَ سُئِلَ عَلِىٌّ أَخَصَّكُمْ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - بِشَىْءٍ فَقَالَ مَا خَصَّنَا رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - بِشَىْءٍ لَمْ يَعُمَّ بِهِ النَّاسَ كَافَّةً إِلاَّ مَا كَانَ فِى قِرَابِ سَيْفِى هَذَا - قَالَ - فَأَخْرَجَ صَحِيفَةً مَكْتُوبٌ فِيهَا « لَعَنَ اللَّهُ مَنْ ذَبَحَ لِغَيْرِ اللَّهِ وَلَعَنَ اللَّهُ مَنْ سَرَقَ مَنَارَ الأَرْضِ وَلَعَنَ اللَّهُ مَنْ لَعَنَ وَالِدَهُ وَلَعَنَ اللَّهُ مَنْ آوَى مُحْدِثًا »أخرجه مسلم (2) .
وفي رواية عَنِ الْحَارِثِ بْنِ سُوَيْدٍ قَالَ قِيلَ لِعَلِىٍّ إِنَّ رَسُولَكُمْ كَانَ يَخُصُّكُمْ بِشَىْءٍ دُونَ النَّاسِ عَامَّةً قَالَ مَا خَصَّنَا رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - بِشَىْء لَمْ يَخُصَّ بِهِ النَّاسَ إِلاَّ بِشَىْءٍ فِى قِرَابِ سَيْفِى هَذَا. فَأَخْرَجَ صَحِيفَةً فِيهَا شَىْءٌ مِنْ أَسْنَانِ الإِبِلِ وَفِيهَا « إِنَّ الْمَدِينَةَ حَرَمٌ مِنْ بَيْنِ ثَوْرٍ إِلَى عَائِرٍ مَنْ أَحْدَثَ فِيهَا حَدَثاً أَوْ آوَى مُحْدِثاً فَإِنَّ عَلَيْهِ لَعْنَةَ اللَّهِ وَالْمَلاَئِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ لاَ يُقْبَلُ مِنْهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ صَرْفٌ وَلاَ عَدْلٌ وَذِمَّةُ الْمُسْلِمِينَ وَاحِدَةٌ فَمَنْ أَخْفَرَ مُسْلِماً فَعَلَيْهِ لَعْنَةُ اللَّهِ وَالْمَلاَئِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ لاَ يُقْبَلُ مِنْهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ صَرْفٌ وَلاَ عَدْلٌ وَمَنْ تَوَلَّى مَوْلًى بِغَيْرِ إِذْنِهِمْ فَعَلَيْهِ لَعْنَةُ اللَّهِ وَالْمَلاَئِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ لاَ يُقْبَلُ مِنْهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ صَرْفٌ وَلاَ عَدْلٌ »أخرجه أحمد (3)
129.
__________
(1) - برقم(1300) وفضائل الصحابة برقم(1162) حسن
(2) - برقم(3659)
(3) - برقم(966 و1311و1320) والسنة لعبد الله برقم( 1150) وفضائل الصحابة برقم(1165) صحيح(1/305)
عن نُعَيْمَ بْنِ حَكِيمٍ قال:حَدَّثَنِى أَبُو مَرْيَمَ حَدَّثَنَا عَلِىُّ بْنُ أَبِى طَالِبٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ « إِنَّ قَوْماً يَمْرُقُونَ مِنَ الإِسْلاَمِ كَمَا يَمْرُقُ السَّهْمُ مِنَ الرَّمِيَّةِ يَقْرَءُونَ الْقُرْآنَ لاَ يُجَاوِزُ تَرَاقِيَهُمْ طُوبَى لِمَنْ قَتَلَهُمْ وَقَتَلُوهُ عَلاَمَتُهُمْ رَجُلٌ مُخْدَجُ الْيَدِ »أخرجه أحمد. (1)
130. عَنْ عَلِىٍّ رضى الله عنه أَنَّ مُكَاتَبًا جَاءَهُ فَقَالَ إِنِّى قَدْ عَجَزْتُ عَنْ كِتَابَتِى فَأَعِنِّى. قَالَ أَلاَ أُعَلِّمُكَ كَلِمَاتٍ عَلَّمَنِيهِنَّ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - لَوْ كَانَ عَلَيْكَ مِثْلُ جَبَلِ صِيرٍ دَيْنًا أَدَّاهُ اللَّهُ عَنْكَ قَالَ « قُلِ اللَّهُمَّ اكْفِنِى بِحَلاَلِكَ عَنْ حَرَامِكَ وَأَغْنِنِى بِفَضْلِكَ عَمَّنْ سِوَاكَ ».أخرجه الترمذي (2)
131. عَنْ أَبِى ظَبْيَانَ الْجَنْبِىِّ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ أُتِىَ بِامْرَأَةٍ قَدْ زَنَتْ فَأَمَرَ بِرَجْمِهَا فَذَهَبُوا بِهَا لِيَرْجُمُوهَا فَلَقِيَهُمْ عَلِىٌّ فَقَالَ مَا هَذِهِ قَالُوا زَنَتْ. فَأَمَرَ عُمَرُ بِرَجْمِهَا فَانْتَزَعَهَا عَلِىٌّ مِنْ أَيْدِيهِمْ وَرَدَّهُمْ فَرَجَعُوا إِلَى عُمَرَ فَقَالَ مَا رَدَّكُمْ قَالُوا رَدَّنَا عَلِىٌّ.قَالَ مَا فَعَلَ هَذَا عَلِىٌّ إِلاَّ لِشَىْءٍ قَدْ عَلِمَهُ. فَأَرْسَلَ إِلَى عَلِىٍّ فَجَاءَ وَهُوَ شِبْهُ الْمُغْضَبِ فَقَالَ مَا لَكَ رَدَدْتَ هَؤُلاَءِ قَالَ أَمَا سَمِعْتَ النَّبِىَّ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ « رُفِعَ الْقَلَمُ عَنْ ثَلاَثَةٍ عَنِ النَّائِمِ حَتَّى يَسْتَيْقِظَ وَعَنِ الصَّغِيرِ حَتَّى يَكْبَرَ وَعَنِ الْمُبْتَلَى حَتَّى يَعْقِلَ » قَالَ بَلَى. قَالَ عَلِىٌّ فَإِنَّ هَذِهِ مُبْتَلاَةُ بَنِى
__________
(1) - برقم(1316) وأبو يعلى برقم( 358) وفضائل الصحابة برقم(1166) حسن لغيره
التَّراقِي : جمع تَرْقُوَة : وهي عظمة مشرفة بين ثغرة النحر والعاتق وهما ترقوتان =طوبى : اسم الجنة ، وقيل هي شجرة فيها = المخدج : القصير اليد أو الناقص
(2) - برقم(3911) وأحمد برقم(1332) والمستدرك برقم(1973) والبزار برقم(563) والدعوات للبيهقي برقم(166) وفضائل الصحابة برقم(1169) والصحيحة برقم(266) حديث حسن
وفي فيض القدير : وفي تحفة الأحوذي - (ج 8 / ص 460) قَالَ الطِّيبِيُّ طَلَبَ الْمُكَاتَبُ الْمَالَ فَعَلَّمَهُ الدُّعَاءَ إِمَّا لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ عِنْدَهُ مِنْ الْمَالِ لِيُعِينَهُ فَرَدَّهُ أَحْسَنَ رَدٍّ عَمَلًا بِقَوْلِهِ تَعَالَى { قَوْلٌ مَعْرُوفٌ وَمَغْفِرَةٌ خَيْرٌ } أَوْ أَرْشَدَهُ إِشَارَةً إِلَى أَنَّ الْأَوْلَى وَالْأَصْلَحَ لَهُ أَنْ يَسْتَعِينَ بِاَللَّهِ لِأَدَائِهَا وَلَا يَتَّكِلَ عَلَى الْغَيْرِ ، وَيَنْصُرُ هَذَا الْوَجْهَ قَوْلُهُ " وَاغْنَنِي بِفَضْلِك عَمَّنْ سِوَاك"
( لَوْ كَانَ عَلَيْك مِثْلَ جَبَلِ صِيرٍ دَيْنًا )بِكَسْرِ الصَّادِ الْمُهْمَلَةِ وَسُكُونِ التَّحْتِيَّةِ وَهُوَ حَبْلٌ لِطَيِّئٍ وَيُرْوَى صَبِيرٌ بِفَتْحِ الصَّادِ الْمُهْمَلَةِ وَكَسْرِ الْمُوَحَّدَةِ وَسُكُونِ التَّحْتِيَّةِ كَذَا فِي النِّهَايَةِ
" اللَّهُمَّ اِكْفِنِي"بِهَمْزَةِ وَصْلٍ تَثْبُتُ فِي الِابْتِدَاءِ مَكْسُورَةً وَتَسْقُطُ فِي الدَّرْجِ . وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ : اُكْفُفْنِي مِنْ الْكَفِّ " بِحَلَالِك عَنْ حَرَامِك" أَيْ مُتَجَاوِزًا أَوْ مُسْتَغْنِيًا مِنْهُ .(1/306)
فُلاَنٍ فَلَعَلَّهُ أَتَاهَا وَهُوَ بِهَا. فَقَالَ عُمَرُ لاَ أَدْرِى. قَالَ وَأَنَا لاَ أَدْرِى. فَلَمْ يَرْجُمْهَا.أخرجه أحمد (1)
132. عَنْ عَاصِمِ بْنِ كُلَيْبٍ حَدَّثَنِى أَبُو بُرْدَةَ بْنُ أَبِى مُوسَى قَالَ كُنْتُ جَالِساً مَعَ أَبِى مُوسَى فَأَتَانَا عَلِىٌّ فَقَامَ عَلَى أَبِى مُوسَى فَأَمَرَهُ بِأَمْرٍ مِنْ أَمْرِ النَّاسِ قَالَ قَالَ عَلِىٌّ قَالَ لِى رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - "قُلِ اللَّهُمَّ اهْدِنِى وَسَدِّدْنِى وَاذْكُرْ بِالْهُدَى هِدَايَتَكَ الطَّرِيقَ وَاذْكُرْ بِالْسَّدَادِ تَسْدِيدَ السَّهْمِ ». وَنَهَانِى أَنْ أَجْعَلَ خَاتَمِى فِى هَذِهِ. وَأَهْوَى أَبُو بُرْدَةَ إِلَى السَّبَّابَةِ أَوِ الْوُسْطَى - قَالَ عَاصِمٌ أَنَا الَّذِى اشْتَبَهَ عَلَىَّ أَيَّتَهُمَا عَنَى - وَنَهَانِى عَنِ الْمِيثَرَةِ وَالْقَسِّيَّةِ. قَالَ أَبُو بُرْدَةَ فَقُلْتُ لأَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ مَا الْمِيثَرَةُ وَمَا الْقَسِّيَّةُ قَالَ أَمَّا الْمِيثَرَةُ شَىْءٌ كَانَتْ تَصْنَعُهُ النِّسَاءُ لِبُعُولَتِهِنَّ لِيَجْعَلُونَهُ عَلَى رِحَالِهِمْ وَأَمَّا الْقَسِّىُّ فَثِيَابٌ كَانَتْ تَأْتِينَا مِنَ الشَّامِ أَوِ الْيَمَنِ - شَكَّ عَاصِمٌ - فِيهَا حَرِيرٌ فِيهَا أَمْثَالُ الأُتْرُجِّ. قَالَ أَبُو بُرْدَةَ فَلَمَّا رَأَيْتُ السَّبَنِىَّ عَرَفْتُ أَنَّهَا هِىَ.أخرجه أحمد (2)
133. عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَبْعٍ قَالَ خَطَبَنَا عَلِىٌّ فَقَالَ وَالَّذِى فَلَقَ الْحَبَّةَ وَبَرَأَ النَّسَمَةَ لَتُخْضَبَنَّ هَذِهِ مِنْ هَذِهِ. قَالَ قَالَ النَّاسُ فَأَعْلِمْنَا مَنْ هُوَ وَاللَّهِ لَنُبِيرَنَّ عِتْرَتَهُ. قَالَ أَنْشُدُكُمْ
__________
(1) - برقم(1341) والنسائي برقم(7304) وفضائل الصحابة برقم(1170)وأبو داود برقم(4404) والمسند الجامع برقم(10167) صحيح لغيره
وفي عون المعبود - (ج 9 / ص 430) ( فَقَالَ عَلِيّ رَضِيَ اللَّه عَنْهُ وَأَنَا لَا أَدْرِي ): أَيْ إِتْيَانه فِي حَالَة عَدَم جُنُونهَا وَلَعَلَّ الْمَرْأَة الْمَجْنُونَة لَمْ يُصَاحِبهَا الْجُنُون دَائِمًا بَلْ أَصَابَهَا مَرَّة وَتُفِيق مَرَّة ، فَلِذَا قَالَ عُمَر رَضِيَ اللَّه عَنْهُ لَا أَدْرِي إِتْيَانه فِي حَالَة جُنُونهَا فَأَجَابَ عَنْهُ عَلِيّ رَضِيَ اللَّه عَنْهُ وَأَنَا لَا أَدْرِي إِتْيَانه فِي حَالَة عَدَم جُنُونهَا . وَالْحَاصِل أَنَّ الْحَال مُشْتَبِهَة وَالْحُدُود تُدْرَأ بِالشُّبُهَاتِ .
(2) -برقم(1334 و18823 و20069) وفضائل الصحابة برقم(1171) صحيح
الأترج : أى أن الأضلاع التى فيها غليظة معوجة =السبنى : السبنية ضرب من الثياب تتخذ من الكتان نسبة إلى موضع يقال له سبن =القسية : ثياب من كتان مخلوط بالحرير منسوبة إلى قرية قس بمصر =الميثرة : الميثرة من مراكب العجم تعمل من حرير أو ديباج(1/307)
بِاللَّهِ أَنْ يُقْتَلَ غَيْرُ قَاتِلِى. قَالُوا إِنْ كُنْتَ قَدْ عَلِمْتَ ذَلِكَ اسْتَخْلِفْ إِذاً. قَالَ لاَ وَلَكِنْ أَكِلُكُمْ إِلَى مَا وَكَلَكُمْ إِلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - .أخرجه أحمد (1)
134. عَنْ أَبِى عَبْدِ الرَّحْمَنِ السُّلَمِىِّ قَالَ أَخَذَ بِيَدِى عَلِىٌّ فَانْطَلَقْنَا نَمْشِى حَتَّى جَلَسْنَا عَلَى شَطِّ الْفُرَاتِ فَقَالَ عَلِىٌّ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - "مَا مِنْ نَفْسٍ مَنْفُوسَةٍ إِلاَّ قَدْ سَبَقَ لَهَا مِنَ اللَّهِ شَقَاءٌ أَوْ سَعَادَةٌ ». فَقَامَ رَجُلٌ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ فِيمَ إِذاً نَعْمَلُ قَالَ « اعْمَلُوا فَكُلٌّ مُيَسَّرٌ لِمَا خُلِقَ لَهُ ». ثُمَّ قَرَأَ هَذِهِ الآيَةَ {فَأَمَّا مَن أَعْطَى وَاتَّقَى (5) وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى (6) فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى (7) وَأَمَّا مَن بَخِلَ وَاسْتَغْنَى (8) وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى (9) فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى} (10) سورة الليل.أخرجه أحمد (2)
135. عَنِ الْمُخْتَارِ بْنِ نَافِعٍ حَدَّثَنِى أَبُو مَطَرٍ الْبَصْرِىُّ وَكَانَ قَدْ أَدْرَكَ عَلِيًّا أَنَّ عَلِيًّا اشْتَرَى ثَوْباً بِثَلاَثَةِ دَرَاهِمَ فَلَمَّا لَبِسَهُ قَالَ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِى رَزَقَنِى مِنَ الرِّيَاشِ مَا أَتَجَمَّلُ بِهِ فِى النَّاسِ وَأُوَارِى بِهِ عَوْرَتِى. ثُمَّ قَالَ هَكَذَا سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ أخرجه أحمد (3)
136. عَنْ عَلِىٍّ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - "أَلاَ أُعَلِّمُكَ كَلِمَاتٍ إِذَا قُلْتَهُنَّ غُفِرَ لَكَ عَلَى أَنَّهُ مَغْفُورٌ لَكَ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ الْعَلِىُّ الْعَظِيمُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ الْحَلِيمُ الْكَرِيمُ سُبْحَانَ اللَّهِ رَبِّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ».أخرجه أحمد (4)
137. عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ كَعْبٍ الْقُرَظِىِّ أَن عَلِيًّا قَالَ لَقَدْ رَأَيْتُنِى مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - وَإِنِّى لأَرْبُطُ الْحَجَرَ عَلَى بَطْنِى مِنَ الْجُوعِ وَإِنَّ صَدَقَتِى الْيَوْمَ لأَرْبَعُونَ أَلْفاً. أخرجه أحمد (5)
138.
__________
(1) - برقم(1353)وأبو يعلى برقم(590) والبزار برقم(871) والمجمع برقم(14782 و14789) وإتحاف المهرة برقم(6693 ) والدولابي برقم(585 ) وفضائل الصحابة برقم(1172) وابن سعد 3/34 من طرق صحيح لغيره
(2) - برقم(1365) وفضائل الصحابة برقم( 1174)صحيح
(3) -برقم(1369و1370) وفضائل الصحابة برقم(1176) وفيه ضعف
(4) - برقم(1379) والنسائي برقم(7630 و8360) والطبراني في الأوسط برقم(3552) والبزار برقم(627) والضياء برقم(648 -650) وفضائل الصحابة برقم(1177) صحيح
(5) - برقم(1383) وفيه انقطاع(1/308)
عَنْ عَلِىٍّ قَالَ لَمَّا وُلِدَ الْحَسَنُ سَمَّاهُ حَمْزَةَ فَلَمَّا وُلِدَ الْحُسَيْنُ سَمَّاهُ بِعَمِّهِ جَعْفَرٍ. قَالَ فَدَعَانِى رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ « إِنِّى أُمِرْتُ أَنْ أُغَيِّرَ اسْمَ هَذَيْنِ ». فَقُلْتُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ. فَسَمَّاهُمَا حَسَناً وَحُسَيْناً.أخرجه أحمد (1)
139. عَنْ عَلِىٍّ قَالَ جَمَعَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - - أَوْ دَعَا رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - - بَنِى عَبْدِ الْمُطَّلِبِ فِيهِمْ رَهْطٌ كُلُّهُمْ يَأْكُلُ الْجَذَعَةَ وَيَشْرَبُ الْفَرَقَ - قَالَ - فَصَنَعَ لَهُمْ مُدًّا مِنْ طَعَامٍ فَأَكَلُوا حَتَّى شَبِعُوا - قَالَ - وَبَقِىَ الطَّعَامُ كَمَا هُوَ كَأَنَّهُ لَمْ يُمَسَّ ثُمَّ دَعَا بِغُمَرٍ فَشَرِبُوا حَتَّى رَوَوْا وَبَقِىَ الشَّرَابُ كَأَنَّهُ لَمْ يُمَسَّ أَوْ لَمْ يُشْرَبْ فَقَالَ « يَا بَنِى عَبْدِ الْمُطَّلِبِ إِنِّى بُعِثْتُ إِلَيْكُمْ خَاصَّةً وَإِلَى النَّاسِ بِعَامَّةٍ وَقَدْ رَأَيْتُمْ مِنْ هَذِهِ الآيَةِ مَا رَأَيْتُمْ فَأَيُّكُمْ يُبَايِعُنِى عَلَى أَنْ يَكُونَ أَخِى وَصَاحِبِى ». قَالَ فَلَمْ يَقُمْ إِلَيْهِ أَحَدٌ - قَالَ - فَقُمْتُ إِلَيْهِ وَكُنْتُ أَصْغَرَ الْقَوْمِ - قَالَ - فَقَالَ « اجْلِسْ ». قَالَ ثَلاَثَ مَرَّاتٍ كُلُّ ذَلِكَ أَقُومُ إِلَيْهِ فَيَقُولُ لِى « اجْلِسْ ». حَتَّى كَانَ فِى الثَّالِثَةِ ضَرَبَ بِيَدِهِ عَلَى يَدِى أخرجه أحمد (2)
140. عَنْ عَلِىِّ بْنِ أَبِى طَالِبٍ قَالَ قَالَ لِى النَّبِىُّ - صلى الله عليه وسلم - "فِيكَ مَثَلٌ مِنْ عِيسَى أَبْغَضَتْهُ الْيَهُودُ حَتَّى بَهَتُوا أُمَّهُ وَأَحَبَّتْهُ النَّصَارَى حَتَّى أَنْزَلُوهُ بِالْمَنْزِلَةِ الَّتِى لَيْسَ بِهِ ». ثُمَّ قَالَ يَهْلِكُ فِىَّ رَجُلاَنِ مُحِبٌّ مُفْرِطٌ يُقَرِّظُنِى بِمَا لَيْسَ فِىَّ وَمُبْغِضٌ يَحْمِلُهُ شَنَآنِى عَلَى أَنْ يَبْهَتَنِى. أخرجه أحمد (3)
141. عَنْ عَاصِمِ بْنِ كُلَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ كُنْتُ جَالِساً عِنْدَ عَلِىٍّ فَقَالَ إِنِّى دَخَلْتُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - وَلَيْسَ عِنْدَهُ أَحَدٌ إِلاَّ عَائِشَةُ فَقَالَ « يَا ابْنَ أَبِى طَالِبٍ كَيْفَ أَنْتَ وَقَوْمَ كَذَا وَكَذَا ». قَالَ قُلْتُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ. قَالَ « قَوْمٌ يَخْرُجُونَ مِنَ الْمَشْرِقِ يَقْرَءُونَ
__________
(1) - برقم(1386) والصحيحة برقم(2709) حديث حسن
(2) - برقم(1387) والنسائي برقم(8397) والضياء برقم0484) وقال إسناده صحيح والمجمع برقم(14109) وفضائل الصحابة برقم(1180) وصحيح السيرة النبوية 1/136 للشيخ ناصر حديث حسن
(3) - برقم(1392) وفضائل الصحابة برقم(1051 و1181) وابن أبي شيبة برقم(32129 و32131)وأبو يعلى برقم(534) وإتحاف الخيرة برقم(6676) واعتلال القلوب برقم(364) والمرزوي برقم(369 و807) وعاصم برقم( 820 و823 ) والآجري برقم(1961 و1963) والشاشي برقم(1455) وفضائل الخلفاء الراشدين برقم( 54 ) فضائل الصحابة برقم( 919و932 و1052 و1111و1181) من طرق صحيح لغيره(1/309)
الْقُرْآنَ لاَ يُجَاوِزُ تَرَاقِيَهُمْ يَمْرُقُونَ مِنَ الدِّينِ مُرُوقَ السَّهْمِ مِنَ الرَّمِيَّةِ فَمِنْهُمْ رَجُلٌ مُخْدَجُ الْيَدِ كَأَنَّ يَدَيْهِ ثَدْىُ حَبَشِيَّةٍ ».أخرجه أحمد (1)
142. عَنْ طَارِقِ بْنِ زِيَادٍ قَالَ سَارَ عَلِىٌّ إِلَى النَّهْرَوَانِ فَقَتَلَ الْخَوَارِجَ فَقَالَ اطْلُبُوا فَإِنَّ النَّبِىَّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ « سَيَجِىءُ قَوْمٌ يَتَكَلَّمُونَ بِكَلِمَةِ الْحَقِّ لاَ يُجَاوِزُ حُلُوقَهُمْ يَمْرُقُونَ مِنَ الإِسْلاَمِ كَمَا يَمْرُقُ السَّهْمُ مِنَ الرَّمِيَّةِ سِيمَاهُمْ أَوْ فِيهِمْ رَجُلٌ أَسْوَدُ مُخْدَجُ الْيَدِ فِى يَدِهِ شَعَرَاتٌ سُودٌ إِنْ كَانَ فِيهِمْ فَقَدْ قَتَلْتُمْ شَرَّ النَّاسِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِمْ فَقَدْ قَتَلْتُمْ خَيْرَ النَّاسِ ». قَالَ ثُمَّ إِنَّا وَجَدْنَا الْمُخْدَجَ. قَالَ فَخَرَرْنَا سُجُوداً. وَخَرَّ عَلِىٌّ سَاجِداً مَعَنَا.أخرجه أحمد (2)
143. عَنْ عَاصِمِ بْنِ ضَمْرَةَ قَالَ قُلْتُ لِلْحَسَنِ بْنِ عَلِىٍّ إِنَّ الشِّيعَةَ يَزْعُمُونَ أَنَّ عَلِيًّا يَرْجِعُ قَالَ كَذِبَ أُولَئِكَ الْكَذَّابُونَ لَوْ عَلِمْنَا ذَاكَ مَا تَزَوَّجَ نِسَاؤُهُ وَلاَ قَسَمْنَا مِيرَاثَهُ.أخرجه أحمد (3)
144. عَنْ مُجَاهِدٍ قَالَ قَالَ عَلِىٌّ جُعْتُ مَرَّةً بِالْمَدِينَةِ جُوعاً شَدِيداً فَخَرَجْتُ أَطْلُبُ الْعَمَلَ فِى عَوَالِى الْمَدِينَةِ فَإِذَا أَنَا بِامْرَأَةٍ قَدْ جَمَعَتْ مَدَراً فَظَنَنْتُهَا تُرِيدُ بَلَّهُ فَأَتَيْتُهَا فَقَاطَعْتُهَا كُلَّ ذَنُوبٍ عَلَى تَمْرَةٍ فَمَدَدْتُ سِتَّةَ عَشَرَ ذَنُوباً حَتَّى مَجَلَتْ يَدَاىَ ثُمَّ أَتَيْتُ الْمَاءَ فَأَصَبْتُ مِنْهُ ثُمَّ أَتَيْتُهَا فَقُلْتُ بِكَفِّى هَكَذَا بَيْنَ يَدَيْهَا وَبَسَطَ إِسْمَاعِيلُ يَدَيْهِ وَجَمَعَهُمَا. فَعَدَّتْ لِى سِتَّ عَشْرَةَ تَمْرَةً فَأَتَيْتُ النَّبِىَّ - صلى الله عليه وسلم - فَأَخْبَرْتُهُ فَأَكَلَ مَعِى مِنْهَا.أخرجه أحمد (4)
145.
__________
(1) - برقم(1394) صحيح
المخدج : ناقص الخلقة =الرمية : الصيد الذى ترميه فتقصده وينفذ فيه سهمك وقيل هى كل دابة مرمية
(2) - برقم(1268) والمسند الجامع برقم( 10383) حسن لغيره
المخدج : القصير اليد أو الناقص = المخدج : القصير اليد ، والمراد رجل من الخوارج وصفه لهم النبي - صلى الله عليه وسلم -
(3) - برقم(1279) وفضائل الصحابة برقم(1188) حسن
(4) - برقم(1147) والضياء برقم(715) وفضائل الصحابة برقم(1191)فيه انقطاع
المدر : الطين اللزج المتماسك وكل ما يصنع منه مثل اللَّبِنِ والبيوت ونحو ذلك وهو بخلاف وبر الخيام في البادية = بله : خلطه بالماء = المجل : قشور رقيقة يجتمع فيها ماء تحت الجِلْدِ من أثر العمل تشبه البَثْر(1/310)
عَنْ عَلِىٍّ قَالَ كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فِى جَنَازَةٍ فَقَالَ « مَنْ يَأْتِى الْمَدِينَة فَلاَ يَدَعُ قَبْراً إِلاَّ سَوَّاهُ وَلاَ صُورَةً إِلاَّ طَلَخَهَا وَلاَ وَثَناً إِلاَّ كَسَرَهُ ». قَالَ فَقَامَ رَجُلٌ فَقَالَ أَنَا. ثُمَّ هَابَ أَهْلَ الْمَدِينَةِ فَجَلَسَ قَالَ عَلِىٌّ فَانْطَلَقْتُ ثُمَّ جِئْتُ فَقُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ لَمْ أَدَعْ بِالْمَدِينَةِ قَبْراً إِلاَّ سَوَّيْتُهُ وَلاَ صُورَةً إِلاَّ طَلَخْتُهَا وَلاَ وَثَناً إِلاَّ كَسَرْتُهُ. قَالَ فَقَالَ « مَنْ عَادَ فَصَنَعَ شَيْئاً مِنْ ذَلِكَ فَقَدْ كَفَرَ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَى مُحَمَّدٍ يا عَلِىُّ لاَ تَكُونَنَّ فَتَّاناً - أَوْ قَالَ مُخْتَالاً - وَلاَ تَاجِراً إِلاَّ تَاجِرَ الْخَيْرِ فَإِنَّ أُولَئِكَ هُمُ الْمَسْبُوقُونَ فِى الْعَمَلِ ».أخرجه أحمد (1)
146. عَنْ أَبِى الْوَضِىءِ قَالَ شَهِدْتُ عَلِيًّا حَيْثُ قَتَلَ أَهْلَ النَّهْرَوَانِ قَالَ الْتَمِسُوا لِى الْمُخْدَجَ. فَطَلَبُوهُ فِى الْقَتْلَى فَقَالُوا لَيْسَ نَجِدُهُ. فَقَالَ ارْجِعُوا فَالْتَمِسُوا فَوَاللَّهِ مَا كَذَبْتُ وَلاَ كَذَبْتُ. فَرَجَعُوا فَطَلَبُوهُ فَرَدَّدَ ذَلِكََ مِرَاراً كُلُّ ذَلِكََ يَحْلِفُ بِاللَّهِ مَا كَذَبْتُ وَلاَ كُذِبْتُ. فَانْطَلَقُوا فَوَجَدُوهُ تَحْتَ الْقَتْلَى فِى طِينٍ فَاسْتَخْرَجُوهُ فَجِىءَ بِهِ فَقَالَ أَبُو الْوَضِىءِ فَكَأَنِّى أَنْظُرُ إِلَيْهِ حَبَشِىٌّ عَلَيْهِ ثَدْىٌ قَدْ طَبَقَ إِحْدَى يَدَيْهِ مِثْلُ ثَدْىِ الْمَرْأَةِ عَلَيْهَا شَعَرَاتٌ مِثْلُ شَعَرَاتٍ تَكُونُ عَلَى ذَنَبِ الْيَرْبُوعِ.أخرجه أحمد (2)
147. عَنِ الشَّعْبِىِّ قَالَ أُتِىَ عَلِىٌّ بِمَوْلاَةٍ لِسَعِيدِ بْنِ قَيْسٍ مُحْصَنَةٍ قَدْ فَجَرَتْ - قَالَ- فَضَرَبَهَا مِائَةً ثُمَّ رَجَمَهَا ثُمَّ قَالَ جَلَدْتُهَا بِكِتَابِ اللَّهِ وَرَجَمْتُهَا بِسُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - .أخرجه أحمد (3)
148.
__________
(1) - برقم(1182) وفضائل الصحابة برقم(1192) وفيه انقطاع وأصله صحيح
الطلخ : اللطخ بالطين ، والطمس
(2) - برقم(1191) وأبو يعلى برقم(555) والمحاملي برقم0139) وفضائل الصحابة برقم01193) صحيح لغيره
المخدج : ناقص الخلقة =اليربوع : حيوان صغير على هيئة الجرذ الصغير
(3) - برقم(954و1197و1202و1330) والحاكم برقم(8087) والدارقطني برقم(3278 و3279 و3280) والشاميين برقم(2686) وفضائل الصحابة برقم(1195) صحيح
اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّ عُقُوبَةَ الزَّانِي الْبِكْرِ مِائَةُ جَلْدَةٍ ، لِقَوْلِهِ تَعَالَى : { الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُل وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ } .وَاخْتَلَفُوا فِي الْجَمْعِ بَيْنَ الرَّجْمِ وَالْجَلْدِ فِي عُقُوبَةِ الزَّانِي الْمُحْصَنِ ، فَذَهَبَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ إِِلَى أَنَّ الْجَلْدَ لاَ يَجْتَمِعُ مَعَ الرَّجْمِ ، لأَِنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - رَجَمَ مَاعِزًا وَالْغَامِدِيَّةَ وَغَيْرَهُمَا ، وَلَمْ يَرِدْ أَنَّهُ جَلَدَ وَاحِدًا مِنْهُمْ ، وَلأَِنَّ الْحَدَّ إِِنَّمَا وُضِعَ لِلزَّجْرِ ، وَلاَ تَأْثِيرَ لِلزَّجْرِ بِالضَّرْبِ مَعَ الرَّجْمِ ، وَاخْتَارَ هَذَا مِنَ الْحَنَابِلَةِ أَبُو إِِسْحَاقَ الْجُوزَجَانِيُّ وَأَبُو بَكْرٍ الأَْثْرَمُ .
وَيَرَى الْحَنَابِلَةُ فِي رِوَايَةٍ أَنَّ الْجَلْدَ يَجْتَمِعُ مَعَ الرَّجْمِ وَبِهِ قَال الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ وَإِِسْحَاقُ ، فَيُجْلَدُ الزَّانِي الْمُحْصَنُ أَوَّلاً ، ثُمَّ يُرْجَمُ ، وَاسْتَدَلُّوا بِحَدِيثِ عُبَادَةَ قَال - صلى الله عليه وسلم - : الثَّيِّبُ بِالثَّيِّبِ جَلْدُ مِائَةٍ وَالرَّجْمُ . وَبِفِعْل عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، وَهُوَ أَنَّهُ جَلَدَ شُرَاحَةَ يَوْمَ الْخَمِيسِ ثُمَّ رَجَمَهَا يَوْمَ الْجُمُعَةِ ، ثُمَّ قَال جَلَدْتُهَا بِكِتَابِ اللَّهِ ، وَرَجَمْتُهَا بِسُنَّةِ رَسُول اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - . وَبِهِ قَال ابْنُ عَبَّاسٍ وَأُبَيُّ بْنُ كَعْبٍ ، وَأَبُو ذَرٍّ ، وَإِِلَيْهِ ذَهَبَ إِِسْحَاقُ وَابْنُ الْمُنْذِرِ . الموسوعة الفقهية الكويتية - (17 / 140) وابن عابدين 3 / 145 ، 146 ، والبدائع 7 / 39 وما بعدها ، والشرح الصغير 4 / 455 ، وبداية المجتهد 2 / 435 ، وشرح الزرقاني 8 / 82 ، 83 ، وروضة الطالبين 10 / 86 ، والمغني 8 / 160 ، 161 ، 186 ، 187 .(1/311)
عن يَزِيدَ بْنِ أَبِى صَالِحٍ أَنَّ أَبَا الْوَضِىءٍ عَبَّاداً حَدَّثَهُ أَنَّهُ قَالَ كُنَّا عَامِدِينَ إِلَى الْكُوفَةِ مَعَ عَلِىِّ بْنِ أَبِى طَالِبٍ فَلَمَّا بَلَغْنَا مَسِيرَةَ لَيْلَتَيْنِ أَوْ ثَلاَثٍ مِنْ حَرُورَاءَ شَذَّ مِنَّا نَاسٌ كَثِيرٌ فَذَكَرْنَا ذَلِكَ لِعَلِىٍّ فَقَالَ لاَ يَهُولَنَّكُمْ أَمْرُهُمْ فَإِنَّهُمْ سَيَرْجِعُونَ فَذَكَرَ الْحَدِيثَ بِطُولِهِ قَالَ فَحَمِدَ اللَّهَ عَلِىُّ بْنُ أَبِى طَالِبٍ وَقَالَ إِنَّ خَلِيلِى أَخْبَرَنِى أَنَّ قَائِدَ هَؤُلاَءِ رَجُلٌ مُخْدَجُ الْيَدِ عَلَى حَلَمَةِ ثَدْيِهِ شَعَرَاتٌ كَأَنَّهُنَّ ذَنَبُ الْيَرْبُوعِ. فَالْتَمَسُوهُ فَلَمْ يَجِدُوهُ فَأَتَيْنَاهُ فَقُلْنَا إِنَّا لَمْ نَجِدْهُ. فَقَالَ الْتَمِسُوهُ فَوَاللَّهِ مَا كَذَبْتُ وَلاَ كُذِبْتُ. ثَلاَثاً فَقُلْنَا لَمْ نَجِدْهُ فَجَاءَ عَلِىٌّ بِنَفْسِهِ فَجَعَلَ يَقُولُ اقْلِبُوا ذَا اقْلِبُوا ذَا. حَتَّى جَاءَ رَجُلٌ مِنَ الْكُوفَةِ فَقَالَ هُوَ ذَا. قَالَ عَلِىٌّ اللَّهُ أَكْبَرُ لاَ يَأْتِيكُمْ أَحَدٌ يُخْبِرُكُمْ مَنْ أَبُوهُ. فَجَعَلَ النَّاسُ يَقُولُونَ هَذَا مَلِكٌ هَذَا مَلِكٌ يَقُولُ عَلِىٌّ ابْنُ مَنْ هُوَ.أخرجه أحمد (1)
149. عَنْ نُعَيْمِ بْنِ دِجَاجَةَ أَنَّهُ قَالَ دَخَلَ أَبُو مَسْعُودٍ عُقْبَةُ بْنُ عَمْرٍو الأَنْصَارِىُّ عَلَى عَلِىِّ بْنِ أَبِى طَالِبٍ فَقَالَ لَهُ عَلِىٌّ أَنْتَ الَّذِى تَقُولُ لاَ يَأْتِى عَلَى النَّاسِ مِائَةُ سَنَةٍ وَعَلَى الأَرْضِ عَيْنٌ تَطْرِفُ. إِنَّمَا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - "لاَ يَأْتِى عَلَى النَّاسِ مِائَةُ سَنَةٍ وَعَلَى الأَرْضِ عَيْنٌ تَطْرِفُ مِمَّنُ هُوَ حَىٌّ الْيَوْمَ وَاللَّهِ إِنَّ رَخَاءَ هَذِهِ الأُمَّةِ بَعْدَ مِائَةِ عَامٍ ». أخرجه أحمد (2)
150. عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِىٍّ قَالَ جَاءَ إِلَى عَلِىٍّ نَاسٌ مِنَ النَّاسِ فَشَكَوْا سُعَاةَ عُثْمَانَ - قَالَ - فَقَالَ لِى أَبِى اذْهَبْ بِهَذَا الْكِتَابِ إِلَى عُثْمَانَ فَقُلْ لَهُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ شَكَوْا سُعَاتَكَ وَهَذَا
__________
(1) - برقم(1201) والمستدرك برقم(8617) وفضائل الصحابة برقم(1196)حسن
المخدج : القصير اليد أو الناقص = الذنب : الذيل =اليربوع : حيوان له ذيل طويل ينتهي بخصلة من الشعر قصير اليدين طويل الرجلين
(2) - برقم(725 و1199) والطبراني برقم(14114) وفي الأوسط برقم(2300) وأبو يعلى برقم(561) وابن حبان برقم(3048) وفضائل الصحابة برقم(1197) والصحيحة برقم(2906)صحيح(1/312)
أَمْرُ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فِى الصَّدَقَةِ فَمُرْهُمْ فَلْيَأْخُذُوا بِهِ - قَالَ - فَأَتَيْتُ عُثْمَانَ فَذَكَرْتُ ذَلِكََ لَهُ - قَالَ - فَلَوْ كَانَ ذَاكِراً عُثْمَانَ بِشَىْءٍ لَذَكَرَهُ يَوْمَئِذٍ. يَعْنِى بِسُوءٍ .أخرجه أحمد (1)
وفي رواية البخاري عَنِ ابْنِ الْحَنَفِيَّةِ قَالَ لَوْ كَانَ عَلِىٌّ - رضى الله عنه - ذَاكِرًا عُثْمَانَ - رضى الله عنه - ذَكَرَهُ يَوْمَ جَاءَهُ نَاسٌ فَشَكَوْا سُعَاةَ عُثْمَانَ،فَقَالَ لِى عَلِىٌّ اذْهَبْ إِلَى عُثْمَانَ فَأَخْبِرْهُ أَنَّهَا صَدَقَةُ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - ،فَمُرْ سُعَاتَكَ يَعْمَلُونَ فِيهَا.فَأَتَيْتُهُ بِهَا فَقَالَ أَغْنِهَا عَنَّا.فَأَتَيْتُ بِهَا عَلِيًّا فَأَخْبَرْتُهُ فَقَالَ ضَعْهَا حَيْثُ أَخَذْتَهَا . (2)
__________
(1) - برقم(1208) وفضائل الصحابة برقم(1199) وهو صحيح والبخاري برقم(3111)
فتح الباري لابن حجر - (ج 9 / ص 367)
قَوْلُهُ : ( لَوْ كَانَ عَلِيٌّ ذَاكِرًا عُثْمَانَ )زَادَ الْإِسْمَاعِيلِيُّ عَنْ الْحَسَنِ بْنِ سُفْيَانَ عَنْ قُتَيْبَةَ " ذَاكِرًا عُثْمَانَ بِسُوءٍ " وَرَوَى اِبْنُ أَبِي شَيْبَةَ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سُوقَةَ " حَدَّثَنِي مُنْذِرٌ قَالَ : كُنَّا عِنْدَ اِبْنِ الْحَنَفِيَّةِ فَنَالَ بَعْضُ الْقَوْمِ مِنْ عُثْمَانَ فَقَالَ : مَهْ ، فَقُلْنَا لَهُ أَكَانَ أَبُوك يَسُبُّ عُثْمَانَ ؟ فَقَالَ مَا سَبَّهُ ، وَلَوْ سَبَّهُ يَوْمًا لَسَبَّهُ يَوْمَ جِئْته " فَذَكَرَهُ
قَوْلُهُ : ( جَاءَهُ نَاسٌ فَشَكَوْا سُعَاةَ عُثْمَانَ )لَمْ أَقِفْ عَلَى تَعْيِينِ الشَّاكِي وَلَا الْمَشْكُوِّ وَالسُّعَاةُ جَمْعُ سَاعٍ وَهُوَ الْعَامِلُ الَّذِي يَسْعَى فِي اِسْتِخْرَاجِ الصَّدَقَةِ مِمَّنْ تَجِبُ عَلَيْهِ وَيَحْمِلُهَا إِلَى الْإِمَامِ
قَوْلُهُ : ( فَقَالَ لِي عَلِيٌّ : اِذْهَبْ إِلَى عُثْمَانَ فَأَخْبِرْهُ أَنَّهَا صَدَقَةُ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - )أَيْ أَنَّ الصَّحِيفَةَ الَّتِي أَرْسَلَ بِهَا إِلَى عُثْمَانَ مَكْتُوبٌ فِيهَا بَيَانُ مَصَارِفِ الصَّدَقَاتِ ، وَقَدْ بَيَّنَ فِي الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ أَنَّهُ قَالَ لَهُ " خُذْ هَذَا الْكِتَابَ فَإِنَّ فِيهِ أَمْرَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - فِي الصَّدَقَةِ " وَفِي رِوَايَةِ اِبْنِ أَبِي شَيْبَةَ " خُذْ كِتَابَ السُّعَاةِ فَاذْهَبْ بِهِ إِلَى عُثْمَانَ "
قَوْلُهُ : ( أَغْنِهَا )بِهَمْزَةٍ مَفْتُوحَةٍ وَمُعْجَمَةٍ سَاكِنَةٍ وَكَسْرِ النُّونِ أَيْ اِصْرِفْهَا تَقُولُ : أَغْنِ وَجْهَك عَنِّي أَيْ اِصْرِفْهُ ، وَمِثْلُهُ قَوْلُهُ : ( لِكُلِّ اِمْرِئٍ مِنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ ) أَيْ يَصُدُّهُ وَيَصْرِفُهُ عَنْ غَيْرِهِ ، وَيُقَالُ قَوْلُهُ " اِغْنَهَا عَنَّا " بِأَلِفِ وَصْلٍ مِنْ الثُّلَاثِيِّ وَهِيَ كَلِمَةٌ مَعْنَاهَا التَّرْكُ وَالْإِعْرَاضُ ، وَمِنْهُ ( وَاسْتَغْنَى اللَّهُ ) أَيْ تَرَكَهُمْ اللَّهُ لِأَنَّ كُلَّ مَنْ اِسْتَغْنَى عَنْ شَيْءٍ تَرَكَهُ تَقُولُ غَنِيَ فُلَانٌ عَنْ كَذَا فَهُوَ غَانٍ بِوَزْنِ عَلِمَ فَهُوَ عَالِمٌ ، وَفِي رِوَايَةِ اِبْنِ أَبِي شَيْبَةَ " لَا حَاجَةَ لَنَا فِيهِ " وَقِيلَ كَانَ عِلْمُ ذَلِكَ عِنْدَ عُثْمَانَ فَاسْتَغْنَى عَنْ النَّظَرِ فِي الصَّحِيفَةِ ، وَقَالَ الْحُمَيْدِيُّ فِي " الْجَمْعِ " : قَالَ بَعْضُ الرُّوَاةِ عَنْ اِبْنِ عُيَيْنَةَ : لَمْ يَجِدْ عَلِيٌّ بُدًّا حِينَ كَانَ عِنْدَهُ عِلْمٌ مِنْهُ أَنْ يُنْهِيَهُ إِلَيْهِ ، وَنَرَى أَنَّ عُثْمَانَ إِنَّمَا رَدَّهُ لِأَنَّ عِنْدَهُ عِلْمًا مِنْ ذَلِكَ فَاسْتَغْنَى عَنْهُ ، وَيُسْتَفَادُ مِنْ الْحَدِيثِ بَذْلُ النَّصِيحَةِ لِلْأُمَرَاءِ وَكَشْفُ أَحْوَالِ مَنْ يَقَعُ مِنْهُ الْفَسَادُ مِنْ أَتْبَاعِهِمْ وَلِلْإِمَامِ التَّنْقِيبُ عَنْ ذَلِكَ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ عُثْمَانُ لَمْ يَثْبُتْ عِنْدَهُ مَا طُعِنَ بِهِ عَلَى سُعَاتِهِ ، أَوْ ثَبَتَ عِنْدَهُ وَكَانَ التَّدْبِيرُ يَقْتَضِي تَأْخِيرَ الْإِنْكَارِ ، أَوْ كَانَ الَّذِي أَنْكَرَهُ مِنْ الْمُسْتَحَبَّاتِ لَا مِنْ الْوَاجِبَاتِ وَلِذَلِكَ عَذَرَهُ عَلِيٌّ وَلَمْ يَذْكُرْهُ بِسُوءٍ قَوْلُهُ : ( فَأَخْبَرْته فَقَالَ : ضَعْهَا حَيْثُ أَخَذْتهَا )
(2) - صحيح البخارى- المكنز - (3111 ) ...(1/313)
151.عَنْ عَلِىٍّ قَالَ بَعَثَنِى رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - إِلَى الْيَمَنِ فَانْتَهَيْنَا إِلَى قَوْمٍ قَدْ بَنَوْا زُبْيَةً لِلأَسَدِ فَبَيْنَا هُمْ كَذَلِكَ يَتَدَافَعُونَ إِذْ سَقَطَ رَجُلٌ فَتَعَلَّقَ بِآخَرَ ثُمَّ تَعَلَّقَ رَجُلٌ بِآخَرَ حَتَّى صَارُوا فِيهَا أَرْبَعَةً فَجَرَحَهُمُ الأَسَدُ فَانْتَدَبَ لَهُ رَجُلٌ بِحَرْبَةٍ فَقَتَلَهُ وَمَاتُوا مِنْ جِرَاحَاتِهِمْ كُلُّهُمْ فَقَامَ أَوْلِيَاءُ الأَوَّلِ إِلَى أَوْلِيَاءِ الآخَرِ فَأَخْرَجُوا السِّلاَحَ لِيَقْتَتِلُوا فَأَتَاهُمْ عَلِىٌّ عَلَى تَفْيِئَةِ ذَلِكَ فَقَالَ تُرِيدُونَ أَنْ تُقَاتِلُوا وَرَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - حَىٌّ إِنِّى أَقْضِى بَيْنَكُمْ قَضَاءً إِنْ رَضِيتُمْ فَهُوَ الْقَضَاءُ وَإِلاَّ حَجَزَ بَعْضُكُمْ عَنْ بَعْضٍ حَتَّى تَأْتُوا النَّبِىَّ - صلى الله عليه وسلم - فَيَكُونَ هُوَ الَّذِى يَقْضِى بَيْنَكُمْ فَمَنْ عَدَا بَعْدَ ذَلِكَ فَلاَ حَقَّ لَهُ اجْمَعُوا مِنْ قَبَائِلِ الَّذِينَ حَفَرُوا الْبِئْرَ رُبُعَ الدِّيَةِ وَثُلُثَ الدِّيَةِ وَنِصْفَ الدِّيَةِ وَالدِّيَةَ كَامِلَةً فَلِلأَوَّلِ الرُّبُعُ لأَنَّهُ هَلَكَ مَنْ فَوْقَهُ وَلِلثَّانِى ثُلُثُ الدِّيَةِ وَلِلثَّالِثِ نِصْفُ الدِّيَةِ فَأَبَوْا أَنْ يَرْضَوْا فَأَتَوُا النَّبِىَّ - صلى الله عليه وسلم - وَهُوَ عِنْدَ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ فَقَصُّوا عَلَيْهِ الْقِصَّةَ فَقَالَ « أَنَا أَقْضِى بَيْنَكُمْ ». وَاحْتَبَى فَقَالَ رَجُلٌ مِنَ الْقَوْمِ إِنَّ عَلِيًّا قَضَى فِينَا فَقَصُّوا عَلَيْهِ الْقِصَّةَ فَأَجَازَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - . أخرجه أحمد (1)
152. عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زُرَيْرٍ أَنَّهُ قَالَ دَخَلْتُ عَلَى عَلِىِّ بْنِ أَبِى طَالِبٍ - قَالَ حَسَنٌ يَوْمَ الأَضْحَى - فَقَرَّبَ إِلَيْنَا خَزِيرَةً فَقُلْتُ أَصْلَحَكَ اللَّهُ لَوْ قَرَّبْتَ إِلَيْنَا مِنْ هَذَا الْبَطِّ - يَعْنِى الْوَزَّ - فَإِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ قَدْ أَكْثَرَ الْخَيْرَ. فَقَالَ يَا ابْنَ زُرَيْرٍ إِنِّى سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ « لاَ يَحِلُّ لِلْخَلِيفَةِ مِنْ مَالِ اللَّهِ إِلاَّ قَصْعَتَانِ قَصْعَةٌ يَأْكُلُهَا هُوَ وَأَهْلُهُ وَقَصْعَةٌ يَضَعُهَا بَيْنَ يَدَىِ النَّاسِ ».أخرجه أحمد (2)
__________
(1) - برقم(583) والمسند الجامع برقم(10181) والبزار برقم(732) والبيهقي في السنن برقم(16837) حديث حسن
الزبية : الحفرة = تفيئة : وقت وحين = القَضاء في اللغة على وجوه : مَرْجعها إلى انقطاع الشيء وتَمامه. وكلُّ ما أُحكِم عَملُه، أو أتمّ، أو خُتِم، أو أُدِّي، أو أُوجِبَ، أو أُعْلِم، أو أُنفِذَ، أو أُمْضيَ فقد قُضِيَ.
وفي سنن البيهقى - (ج 41 / ص 222) وَأَصْحَابُنَا يَقُولُونَ الْقِيَاسُ أَنْ يَكُونَ فِى الأَوَّلِ ثُلُثَا الدِّيَةِ ثُلُثُهَا عَلَى عَاقِلَةِ الثَّانِى وَثُلُثُهَا عَلَى عَاقِلَةِ الثَّالِثِ لأَنَّهُ مَاتَ مِنْ فِعْلِ نَفْسِهِ وَفِعْلِ اثْنَيْنِ فَسَقَطَ ثُلُثُ الدِّيَةِ لِفِعْلِ نَفْسِهِ وَوَجَبَ الثُّلُثَانِ وَفِى الثَّانِى ثُلُثَا الدِّيَةِ ثُلُثُهَا عَلَى عَاقِلَةِ الأَوَّلِ وَثُلُثُهَا عَلَى عَاقِلَةِ الثَّالِثِ وَفِى الثَّالِثِ وَجْهَانِ أَحَدُهُمَا نِصْفُ الدِّيَةِ عَلَى عَاقِلَةِ الثَّانِى وَالآخَرُ ثُلُثَا الدِّيَةِ عَلَى عَاقِلَةِ الأَوَّلِ وَالثَّانِى وَفِى الرَّابِعِ جَمِيعُ الدِّيَةِ عَلَى عَاقِلَةِ الثَّالِثِ وَفِيهِ وَجْهٌ آخَرُ أَنَّهَا عَلَى عَاقِلَةِ الأَوَّلِ وَالثَّانِى وَالثَّالِثِ فَإِنْ صَحَّ الْحَدِيثُ تُرِكَ لَهُ الْقِيَاسُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
(2) - برقم( 588) والصحيحة (362) وفضائل الصحابة برقم01203) حديث حسن
الخزير : لحم يقطع ثم يطبخ بماء كثير وملح فإذا نضج يذر عليه الدقيق ويعصد به(1/314)
153.عَنْ عَلِىٍّ قَالَ قَالَ لِى النَّبِىُّ - صلى الله عليه وسلم - "يَا عَلِىُّ أَسْبِغِ الْوُضُوءَ وَإِنْ شَقَّ عَلَيْكَ وَلاَ تَأْكُلِ الصَّدَقَةَ وَلاَ تُنْزِ الْحَمِيرَ عَلَى الْخَيْلِ وَلاَ تُجَالِسْ أَصْحَابَ النُّجُومِ ».أخرجه أحمد (1)
- - - - - - - - - - - - -
__________
(1) - برقم(592) وأبو يعلى برقم(484) وفضائل الصحابة برقم(1204) حسن لغيره(1/315)
أهم المصادر
1. التفسير الميسر
2. الدر المنثور للسيوطي -موافق للمطبوع
3. تفسير ابن أبي حاتم
4. تفسير ابن كثير - دار طيبة
5. تفسير الطبري - مؤسسة الرسالة
6. تفسير القرطبي ـ موافق للمطبوع
7. فى ظلال القرآن ـ موافقا للمطبوع
8. أحكام القرآن لابن العربي
9. أحكام القرآن للجصاص
10. أخبار مكة للفاكهي (272)
11. اتحاف الخيرة المهرة بزوائد المسانيد العشرة
12. الآحاد والمثاني لابن أبي عاصم
13. الأدب المفرد للبخاري
14. الترغيب والترهيب
15. السنن الكبرى للإمام النسائي الرسالة
16. السنن الكبرى للبيهقي- المكنز
17. الشمائل المحمدية للترمذي
18. الفوائد لتمام 414
19. المجالسة وجواهر العلم (333)
20. المدخل إلى السنن الكبرى
21. المستدرك للحاكم مشكلا
22. المسند الجامع
23. المطالب العالية بزوائد المسانيد الثمانية (852)
24. المعجم الأوسط للطبراني
25. المعجم الصغير للطبراني
26.(1/316)
المعجم الكبير للطبراني
27. المنتقى من السنن المسندة لابن الجارود
28. بغية الباحث عن زوائد مسند الحارث
29. جامع الأحاديث
30. جامع الأصول في أحاديث الرسول
31. دلائل النبوة للبيهقي
32. سنن أبي داود - المكنز
33. سنن ابن ماجة- طبع مؤسسة الرسالة
34. سنن ابن ماجه- المكنز
35. سنن الترمذى- المكنز
36. سنن الدارقطنى- المكنز
37. سنن الدارمى- المكنز
38. سنن النسائي- المكنز
39. شرح مشكل الآثار (321)
40. شرح معاني الآثار (321)
41. شعب الإيمان (458)
42. صحيح ابن حبان
43. صحيح ابن خزيمة مشكل
44. صحيح البخارى- المكنز
45. صحيح مسلم- المكنز
46. عشرة النساء للإمام للنسائي - الطبعة الثالثة
47. غاية المقصد فى زوائد المسند 1
48. غاية المقصد فى زوائد المسند 2
49. كشف الأستار
50. مجمع الزوائد
51. مسند أبي عوانة مشكلا
52. مسند أبي يعلى الموصلي مشكل
53.(1/317)
مسند أحمد (عالم الكتب)
54. مسند احمد بن حنبل ( بأحكام شعيب الأرنؤوط)
55. مسند البزار ( المطبوع باسم البحر الزخار
56. مسند الحميدي - المكنز
57. مسند الشاشي 335
58. مسند الشاميين 360
59. مسند الطيالسي 204
60. مسند عبد بن حميد
61. مصنف ابن أبي شيبة
62. مصنف عبد الرزاق مشكل
63. معرفة الصحابة لأبي نعيم (430)
64. موسوعة السنة النبوية
65. موطأ مالك- المكنز
66. فتح الباري لابن حجر
67. شرح النووي على صحيح مسلم
68. الشريعة للآجري
69. فضائل الصحابة لعبد الله بن أحمد
70. حاشية السندي على ابن ماجه
71. السنة لابن أبي عاصم
72. صحيح الجامع الصغير للألباني
73. شرح أصول الاعتقاد
74. تاريخ دمشق ابن عساكر
75. الصحيحة للألباني
76. معرفة الصحابة
77. الْأَمْوَالُ لِلْقَاسِمِ بْنِ سَلَّامٍ
78. الِاعْتِقَادُ لِلْبَيْهَقِيِّ
79. أبو نعيم في دلائل النبوة
80.(1/318)
مجموع فتاوى ابن تيمية
81. تعظيم قدر الصلاة
82. فَضَائِلُ الْأَوْقَاتِ لِلْبَيْهَقِيِّ
83. المطالب العالية بزوائد المسانيد الثمانية
84. روضة المحدثين
85. أَمَالِي ابْنِ بِشْرَانَ
86. السنة لأحمد بن محمد الخلال
87. الاستذكار الجامع لمذاهب فقهاء الأمصار
88. الاعتقاد للبيهقي
89. شرح أصول الاعتقا
90. جامع بيان العلم
91. الْأَرْبَعُونَ حَدِيثًا لِلْآجُرِّيِّ
92. الْأَمْوَالُ لِابْنِ زَنْجُوَيْهِ
93. الْخَرَاجُ لِيَحْيَى بْنِ آدَمَ
94. الْأَوْسَطُ لِابْنِ الْمُنْذِرِ
95. معجم ابن الأعرابي
96. فَضَائِلُ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَحْمَدَ
97. شرح الكرماني على صحيح البخاري
98. عمدة القاري للعيني
99. فقه الدعوة في صحيح الإمام البخاري
100. العواصم من القواصم في تحقيق مواقف الصحابة بعد وفاة النبي - صلى الله عليه وسلم -
101. تحفة الأحوذي
102. فتاوى الشبكة الإسلامية
103. المجالس العشرة
104. سير أعلام النبلاء
105. جُزْءُ عَلِيِّ بْنِ مُحَمَّدٍ الْحِمْيَرِيِّ
106. الموسوعة الفقهية الكويتية
107.(1/319)
نهاية المحتاج
108. شرح الزرقاني
109. فتاوى قاضيخان بهامش الفتاوى الهندية
110. فيض القدير، شرح الجامع الصغير
111. مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح
112. الْفَقِيهُ وَالْمُتَفَقِّهُ لِلْخَطِيبِ الْبَغْدَادِيِّ
113. عون المعبود
114. الحاوي للفتاوي
115. الدعوات للبيهقي
116. المكتبة الشاملة 3
117. برنامج قالون(1/320)
الفهرس العام
الباب الأول ... 4
الفضائل المشتركة ... 4
الباب الثاني ... 20
فضائل أبي بكر الصديق رضي الله عنه ... 20
المبحث الأول ... 20
الخلاصة في حياة الصديق ... 20
المبحث الثاني ... 52
أهم فضائل الصديق ... 52
الباب الثالث ... 76
فضائل عمر بن الخطاب رضي الله عنه ... 76
المبحث الأول ... 76
الخلاصة في حياة الفاروق ... 76
المبحث الثاني ... 99
الخلاصة في فضائل الفاروق عمر ... 99
الباب الرابع ... 151
فضائل عثمان بن عفان رضي الله عنه ... 151
المبحث الأول ... 151
الخلاصة في حياة عثمان رضي الله عنه ... 151
المبحث الثاني ... 166
فضائل عثمان بن عفان ... 166
الباب الخامس ... 216
فضائل علي رضي الله عنه ... 216(1/321)
المبحث الأول ... 216
الخلاصة في حياة علي رضي الله عنه ... 216
المبحث الثاني ... 232
فضائل علي رضي الله ... 232(1/322)