المستفاد من ذيل تاريخ بغداد - ابن الدمياطي ج 1
المستفاد من ذيل تاريخ بغداد
ابن الدمياطي ج 1(1/)
المستفاد من ذيل تاريخ بغداد للحافظ ابن النجار البغدادي انتقاء الحافظ أبي الحسين أحمد بن أيبك بن عبد الله الحسامي المعروف بابن الدمياطي المتوفى سنة 749 ه.
دراسة وتحقيق مصطفى عبد القادر عطا الجزء الحادي والعشرون دار الكتب العلمية بيروت - لبنان(1/1)
الطبعة الاولى 1417 ه - 1997 م دار الكتب العلمية بيروت - لبنان(1/2)
بسم الله الرحمن الرحيم مقدمة التحقيق الحمد لله رب العالمين الذى هدانا لهذا وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمد عبده ورسوله.
فإن كتاب (المستفاد من تاريخ بغداد) أحد ذيول (تاريخ بغداد) للخطيب وهو عدد من التراجم التى اختارها ابن الدمياطي من الأصل الذي لم يصل إلينا منه إلا القليل، وعلى الرغم من أن عمل ابن الدمياطي يعتبر سطحي إلا أن هذا العمل يعد أكثر منفعة وأهمية لطلاب الحديث والأدب.
ولقد بلغت تراجم هذا المختصر مائتين وأحد عشر شخصا، ستة منهم نساء وقد بدأ ابن الدمياطي كتابه بترجمة لابن النجار نقلا عن ابن الدبيثي، ثم دون التراجم بعد ذلك حسب الاسم ابتداء بمحمد بن أحمد الحسين، ثم إبراهيم، وانتهاء بيوسف.
وبعد ذلك الكنى، ثم النساء.
وقد اهتم ابن الدمياطي في اختياره بالذين اشتهر عنهم السماع والتحديث.
صاحب المستفاد: هو أبو الحسن أحمد بن أيبك بن عبد الله الحسامى، يعرف بابن الدمياطي.
ولد بمصر سنة 700 ه بدمياط ونشأ بها ثم رحل إلى الشام سنة 740 ه - ثم عاد إلى مصر إلى أن مات بالطاعون سنة 749 ه.
وترك من المؤلفات ما لا بأس به منها: 1 - ذيل على كتاب صلة التكملة لوفيات النقلة.
2 - تخريج حديث الرافعي.
3 - تخريج معاجم الدبوس والسبكي وغير هما.(1/3)
4 - المستفاد من تاريخ بغداد (1).
الكتاب ومنهج التحقيق: الكتاب مخطوط بدار الكتب المصرية تحت رقم 1955 يقع في 168 صفحة
المتوسط.
وقد قمنا بمراجعة المطبوعة على المخطوط وأثبتنا بعض ما ورد به من أغلاط مع تصحيحها وأغفلنا بعضها.
قمنا بتخريج ما ورد به من تراجم كلما أمكن، وعلقنا على بعض المواضع وقدمنا الكتاب بمقدمة مبسطة.
وندعو الله أن يجعله في صالح أعمالنا إنه قريب مجيب.
__________
(1) انظر ترجمته في: الدرر الكامنة 1 / 108.
وكشف الظنون 2020.
والأعلام 1 / 102.
(*)(1/4)
بسم الله الرحمن الرحيم رب يسر وأعن الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام الأكملان الأتمان على سيدنا محمد وآله وصحبه أجمعين.
أما بعد ! فإن علم الحديث من أشرف العلوم قدرا، وأكملها شرفا وذخرا، لا سيما معرفة تراجم العلماء وأحوال الفضلاء.
وهذه تراجم وقع الاختيار عليها من (ذيل تاريخ بغداد) للحافظ محب الدين أبي عبد الله محمد بن أبي الفضل محمود بن أبي محمد الحسن بن هبة الله بن محاسن بن هبة الله البغدادي المعروف بابن النجار.
كان مولده في سنة ثمان وسبعين وخمسمائة في ليلة الثالث والعشرين من ذي القعدة ببغداد، وتوفي بها في بكرة الخامس من شعبان سنة ثلاث وأربعين وستمائة، ودفن بمقابر الشهداء بباب حرب.
وكان قد سمع ببغداد من أبي الفرج بن كليب وأبي حفص ابن طبرزد وأبي علي حنبل الرصافي وذاكر بن كامل والمبارك بن المبارك بن المعطوش (1) والحافظ أبي الفرج بن الجوزي في جماعة من أصحاب ابن الحصين (2) والقاضي أبي بكر الأنصاري، وحج وسمع بمكة والمدينة.
ورحل إلى الشام، فسمع
بدمشق من أبي اليمن الكندي وابن الحرستاني (3)، وبحلب من الهاشمي.
ودخل بغداد ورحل منها إلى أصبهان وخراسان.
سمع بأصبهان من جماعة من أصحاب إسماعيل بن الفضل بن الإخشيد وزاهر الشحامي، وبنيسابور من المؤيد وزينب السعدية في آخرين، وبمرو من أبي المظفر بن السمعاني، وسمع ببسطام ودامغان وساوه وهمذان.
ثم رحل إلى ديار مصر، وسمع بمصر والإسكندرية من جماعة من أصحاب الحافظ أحمد بن محمد السلفي، وكتب بخطه الكثير، وجمع ألف، وكان حافظا متقنا، عمدة، حسن التصنيف، عالي الهمة في طلب الحديث.
ومن نظر في هذا التاريخ علم محله
__________
(1) في شذرات الذهب 4 / 343: (وأبو المعطوس).
(2) في كل المصادر: (ابن الحصن).
(3) في الأصل: (ابن الخزستاني).
والتصحيح من طبقات الأسنوي 1 / 445.
(*)(1/5)
وإتقانه وكثرة اطلاعه وسعة رحلته - رحمه الله.
وقد أنبأني بجميع هذا التاريخ (1) الشيخ أبو محمد القاسم بن مظفر بن محمود بن عساكر الدمشقي وجماعة، وكان مولده في سنة تسع وعشرين [ وستمائة ] (2) وتوفي بدمشق في ذي الحجة سنة ثلاث وعشرين وسبعمائة - رحمه الله.
قال: كتب إلي الحافظ أبو عبد الله محمد بن محمود بن الحسن بن النجار البغدادي منها، رحمه الله تعالى.
يتلوه محمد بن أحمد الشاشي.
1 - محمد بن أحمد بن الحسين بن عمر الشاشي، أبو بكر (3): ولد بميافارقين، وتفقه بها على أبي عبد الله محمد بن بيان الكازروني وعلى القاضي أبي منصور الطوسي صاحب أبي محمد الجويني، ودخل بغداد ولازم أبا إسحاق الشيرازي وقرأ على أبي نصر بن الصباغ (كتاب الشامل).
وسمع الحديث من أبي جعفر محمد بن أحمد بن المسلمة وأبي الغنائم عبد الصمد بن علي بن المأمون
والقاضي أبي يعلي محمد بن الحسين بن الفراء وغيرهم، وسمع بميافارقين من شيخه الكازروني وحدث، سمع منه جماعة من الحفاظ.
وكان من الأئمة الأعلام وفقهاء الإسلام، مرجوعا إليه في الفتاوى والأحكام ومعرفة الحلال والحرام.
وقد صنف في المذهب عدة مصنفات مشهورة.
قال أبو بكر الشاشي: رأيت كأني أنشد هذه الأبيان في النوم من غير أن تكون على ذكرى: قد نا دت الدنيا على نفسها * لو كان في العالم من يسمع كم واثق با لعمر أفنيته * وجامع بددت ما يجمع وحدث محمد بن عبد الله القرطبي الفقيه قال: حضرت عند الإمام أبي بكر الشاشي وقد أغمى عليه في مرضه.
فلما أفاق أحضروا له ماء ليشربه، قال: لا أحتاج مذ سقاني الآني ملك شربة أغنتني عن الطعام والشراب ثم مات.
مولده في يوم الأحد سابع المحرم سنة سبع وعشرين وأربعمائة، وتوفي ليلة السبت خامس عشرى شوال سنة سبع وخمسمائة، ودفن يوم السبت في تربة الشيخ أبي
__________
(1) في الأصل: (هذه التاريخ).
(2) ما بين المعقوفتين زيادة ليست في الأصول.
(3) انظر: وفيات الأعيان 3 / 356.
والوافي بالوفيات 2 / 73، ومعجم البلدان 5 / 212.
(*)(1/6)
إسحاق الشيرازي، وصلى عليه ولده الأكبر بجامع القصرة - رحمه الله.
2 - محمد بن أحمد بن عبد الباقي بن منصور بن إبراهيم الدقاق أبو بكر المعروف بابن الخاضبة (1): طلب الحديث وسمع الكثير من القاضي أبى الحسين محمد بن علي بن المهتدي وأبي الغنائم عبد الصمد بن علي بن المأمون وأبي جعفر محمد بن المسلمة وأبي الحسين بن أحمد ومحمد بن النقور وأبي عبد الله محمد بن علي بن سكينة، والحافظ أبي بكر أحمد
ابن علي الخطيب، وببيت المقدس أبا الحسين محمد بن بكر بن عثمان الأزدي وأبا زكريا عبد الرحيم بن أحمد البخاري.
وكتب بخطه كثيرا من الحديث والسير والأدب لنفسه وتوريقا للناس، وكان يكتب خطا حسنا وله معرفة بهذا الشأن.
ويوصف بالحفظ والصدقة والثقة، وكان ورعا زاهدا محبوبا إلى الناس.
قال محمد بن طاهر المقدسي: ما كان في الدنيا أحسن قراءة للحديث من أبي بكر ابن الخاضبة في وقته، لو سمع بقراءته إنسان يومين لما مل قراءته.
قال أبو الفضل محمد بن طاهر المقدسي: سمعت أبا بكر بن الخاضبة يقول: لما كانت سنة الغرق وقعت داري على قماشي وكتبي، ولم يكن لي شئ، وكان لي عائلة: الوالدة والزوجة البنات (2)، فكنت أورق الناس وأنفق على الأهل.
فأعرف أني كتبت (صحيح مسلم) في تلك السنة بالوراقة سبع مرات، فلما كان ليلة من الليالي رأيت في المنام كأن القيامة قد قامت.
ومناد ينادي: أين ابن الخاضبة ؟ فأحضرت، فقيل لي: ادخل الجنة، فلما دخلت الباب وصرت من داخل استلقيت على قفاي ووضعت إحدى رجلي على الأخرى وقلت: آه، استرحت والله من النسخ.
توفي أبو بكر بن الخاضبة في ليلة الجمعة ثاني عشر ربيع الأول من سنة تسع وثمانين وأربعمائة، وصلي عليه بكرة يوم الجمعة في جامع القصر، وكان له يوم مشهود.
3 - محمد بن أحمد بن محمد بن سعيد بن زيد المنقري التكريتي، أبو البركات بن أبي الفرج بن أبي نصر (3):
__________
(1) انظر: العبر 3 / 325.
ومعجم الأدباء 17 / 226 - 230.
والمنتظم 17 / 35، 36.
(2) في معجم الأدباء 17 / 228: (الزوجة والبنت).
(3) انظر: الوافي بالوفيات 2 / 115.
والمحمدون من الشعراء 1 / 43.
(*)(1/7)
أصله من تكريت، وولد ببغداد في سنة أربعين وخمسمائة ونشأ بها، وكان يسكن بدرب الخبازين، وكان يبيع البربحان الصفة (1) بسوق الثلاثاء، وكان كثير المخالطة لأهل الأدب والفضل.
ومن شعره: تصدقت لقتلي بعد طول صدودها * بنفسي أفدي من تصدت وصدت أماتت بذات الهجر مني مهجة * فلو أنها بالطيف حيث لأحيت أطاعت هوى الواشين في قتل وامق * وما استيقنت لكن تظنت وظنت أعالج فيها شقة ومشقة * فأهوى عذابي شقتي ومشقتي طويت الهوى في القلب والبعد * فوا كبدي من طيتي وطويتي نحوها وله: في ذلتي في حبكم وخضوعي * عار ولا شغفي بكم ببديع دين الهوى ذل وجسم ناحل * وسهاد أجفان وفيض دموع كم قد لحاني في هواكم لائم * فثنيت عطفي عنه غير سميع ما يحدث للقلب عندي سلوة * لكم ولو جئتم بكل قطيع وإذا الحبيب أتى بذنب واحد * جاءت محاسنة بألف شفيع توفي أبو البركات بن زيد في شهر ربيع الأول من سنة تسع وتسعين وخمسمائة بالموصل ودفن بها.
4 - محمد بن الحسين بن الحسن بن الخليل بن الحسين أبو الفرح، الأديب (2): من أهل [ هيت ] (3) نزل بغداد، وكان يسكن باب البصرة، و [ قرأ ] الأدب على الشريف (4) أبي السعادات بن الشجري، وأنشأ الخطب والمقامات.
ومن شعره:
__________
(1) هكذا في الأصول.
(2) انظر: المحمدون من الشعراء 1 \ 261.
(3) ما بين المعقوفتين ليست في الأصول.
(4) في الأصل: (وعلى الأدب على الشريف).
(*)(1/8)
أمغرى بالدلال دع الملالا * فمن يدم السري يجد الكلالا (1) ولا تنس الإخا واذكر عهودا * عهدنا لسرور بها انقبالا (2) ولو حملت ما حملت من ضنبا ؟ * من االهجران لم تطق احتمالا ولست وإن حملت رسيس وجد * بهجرك مزمعا عنك احتمالا فهب لمتيم يهواك قلبا * يحاذر من تقلبك اغتيالا وإن تك غير منان بوصل * فزر بخيالك الدنف الخيالا مولده سنة سبع وتسعين بهيت - وقيل: سنة خمس وتسعين وأربعمائة تقريبا، وتوفي يوم الأربعاء لسبع بقين من ربيع الأول سنة خمس وسبعين وخمسمائة، ودفن من الغد [ عند قبر ] (3) الإمام أحمد.
وذكر أبو بكر بن مشق: أنه توفي ليلة الخميس رابع عشر ربيع الآخر.
5 - محمد بن الحسين بن عبد الل بن يوسف بن الشبل بن أسامة، أبو علي الشاعر (4): من أهل الحريم الطاهري صاحب الديوان المشهور، وحدث عن أبي الحسن أحمد ابن علي بن الباذي والأمير أبي محمد الحسن بن عيسى بن المقتدر بالله، وكان أبو علي هذا إماما في النحو واللغة وعلم الأدب، وعلق عنه الحافظ أبو بكر الخطيب شيئا من رسائله.
ومن شعره:
يا قلب مالك لا تفيق وقد * رأت عيناك ذل مصارع العشاق فبكت بك الحدق الحسان ولم تزل * تشكي [ إليك ] (5) جناية الأحداق لو مس وجدي عين (6) عذبه * والنار أذهلها عن الإحراق صروا على أبياتكم بلديغكم * يشفي ولا سعة هلاك الراقي واستوهبوا لي نظرة تحيي بها * ما مات مني أن يموت الباقي فوقى العقارب في السوالف رشفها * والسم ممتزج مع الترياق (7).
__________
(1) في المصدر السابق: (يجد الملالا).
(2) في الأصل: (أقفها لا).
(3) ما بين المعقوفتين زيادة ليست في الأصل.
(4) انظر: الوافي بالوفيان 3 / 11 - 16.
وفوات الوفيات 2 / 244.
(5) ما بين المعقوفتين زيادة ليست في الأصل.
(6) هكذا في الأصل.
(7) في الأصل: (التياقي).
(*)(1/9)
مولده في سنة إحدي وأربعمائة، وتوفي في الحادي والعشرين من المحرم سنة ثلاث وسبعين وأربعمائة، ودفن بباب حرب.
وكان سماعه من الباذي غريب الحديث.
وهو أحد المجودين (1) من الشعراء - رحمه الله تعالى.
6 - محمد بن حماد بن المبارك بن محمد بن حيان الشيباني المحرزي أبو نزار (2) (3): من أهل باب الأزج، ذكره أبو عبد الله محمد بن محمد الاصبهاني في كتاب (الخريدة) الذي جمعه في شعراء العصر، وأجازني روايته عنه، قال: محمد بن حماد
ابن المحرزي أديب فاضل من أهل [ العلم ] (4) متطرف من كل فن، وكان مشغوفا بالجمع والتصنيف، توفي ستين وخمسمائة.
فمن شعره قوله: فتنتني فتانة الألحاظ * صعبة الطوع سهلة الألفاظ خدلة عبلة (5) كعوب لعوب * بعقول النساك والوعاظ ريقها يبرد الغليل ويشفي (6) * سقم القلب من لهيب الشواظ (7) لست آسي عليك وصلا ولكن * لذة الحب بعد لوك المظاظ 7 - محمد بن محمد بن خلف بن الحسين بن المنى أبو بكر البندنيجي المعروف بحنفش (8): أسمعه والده الحديث في صباه من أبي محمد الصريفينى وأبي الحسين بن النقور وأبي القاسم عبد الله بن الحسن الخلال وعلي بن أحمد بن محمد بن البسري.
أخبرنا شهاب بن محمود المزكي بهراة قال: سمعت أبا سعد بن السمعاني يقول: محمد بن أحمد بن خلف البندنيجي أبو بكر نزل بغداد، وسكن النظامية وتفقه على
__________
(1) في الأصل: (الموحدين).
(2) انظر: المحمدون من الشعراء 1 / 302.
(3) في الأصل: (أبو مراد).
والتصحيح من المصدر السابق.
(4) ما بين المعقوفتين زيادة من المصدر السابق.
(5) في الأصل: (جدلة عبدلة).
(6) في الأصل: (العليل ولسعي).
(7) في الأصل: (الشظا).
(8) انظر: الأنساب للسمعاني 2 / 339.
والطبقات للسبكي 4 / 68.
(*)(1/10)
أبي سعد المتولي، فكان يتكلم في المسائل، وكان عسرا في الرواية، سيئ الأخلاق، ضجورا، أدار إلى أصحاب الحديث يتبرم بهم، وسمعت غير واحد ممن أثق بهم إنه كل بالصلوات، وليست له طريقة محمودة.
وسمعت أبا نصر الفتح بن أحمد بن عبد الباقي اليعقوبي بنيسابور يقول: قيل لحنفش إن ابن السمعاني ذكرك في (المذيل) وجرحك، فقال: ترى أخرج عني الدم ؟.
سألته عن مولده، فقال: بعد قتل البساسيرى، وكان قتله في سنة اثنتين وخمسين وأربعمائة.
كتب إلي أبو المعالي بن الصناع أن حنفش توفي يوم الخميس من شهر رمضان سنة ثمان وثلاثين وخمسمائة، ودفن بالوردية وقيل: إنما لقب (حنفشا) لأنه كان حنبليا ثم صار حنفيا ثم صار شافعيا.
8 - محمد بن سعيد بن إبراهيم بن سعيد بن نبهان، أبو علي بن أبي الغنائم الكاتب (1): من أهل الكرخ أسمعه جده لأمه أبو الحسين هلال بن المحسن الصابئ من أبي علي الحسن بن أحمد بن أدهم بن شاذان وابن الحسن بشرى بن عبد الله الفاتني وأبي علي الحسن بن الحسين بن دوماء النعالي، ولم يبق على وجه الأرض من يروي عن هؤلاء الأربع غيره و [ قرأت ] (2) عنه بخط أبي بكر الخطيب.
أخبرنا أبو محمد بن الأخضر، قال: أنشدنا محمد بن ناصر من لفظه، قال: أنشدنا أبو علي بن نبهان لنفسه: أسعدنا من وفقه الله * لكل فعل منه يرضاه ومن رضى من رزقه بالذي * قدره الله وأعطاه واطرح الحرص وأطماعه * في نيل ما لم يعطه مولاه طوبى لمن فكر في بعثه * من قبل أن يدعو به الله
واستدرك الفارط فيما مضى * وما نسى والله أحصاه فالموت حتم في جميع الورى * طوبى لمن تحمد عقباه
__________
(1) انظر: الوافي بالوفيات للصفدي 3 / 104.
المحمدون من الشعراء 2 / 485.
(2) ما بين المعقوفتين كلمة مطموسة في الأصل.
(*)(1/11)
وكل من عاش إلى غاية * في العمر فالموت قصاراه يعلمه (1) حقا يقينا بلا * شك ولكن يتناساه (2).
كأنما خص به غيرنا * أو هو خطب نتوقاه (3) قال أبو العلاء محمد بن جعفر بن عقيل البصري: كان شيخنا أبو علي بن نبهان إذا مكثوا أصحاب الحديث عنده زمانا فقال: قوموا واخرجوا فإن عندي مريضا.
بقى على هذا سنين، فكان الناس يقولون (مريض ابن نبهان قط لا يبرئ).
مولده سنة إحدي عشرة وأربعمائة، وتوفي في ليلة الأحد السابع عشر من شوال سنة إحدي عشرة وخمسمائة، ودفن يوم الأحد في داره بالكرخ، وبلغ من العمر ستا وتسعين سنة.
قال الحافظ أبو الفضل محمد بن ناصر: ولم يكن من أهل الحديث، وكان رافضيا.
9 - محمد بن سعيد بن يحيى بن علي بن الحجاج بن محمد بن الحجاج بن مهلهل بن مقلد، أبو عبد الله بن أبي المعالي بن أبي طالب الدبيثي (4): من أهل واسط، ذكر أنه ولد بواسط في يوم الأحد بعد صلاة الظهر السادس والعشرين من رجب سنة ثمان وخمسين وخمسمائة.
وقرأ القرآن بالروايات السبع والعشر على أبي الحسن علي بن المظفر خطيب شافياء (5) وعلى أبي بكر الباقلاني، وهما من أصحاب القلانسي، وتفقه على المجير محمود بن المبارك البغدادي لما قدم عليهم واسط.
قال: وعلقت عنه الأصلين
والخلاف.
وقرأ الأدب على شيخنا مصدق، وسمع الحديث بواسط من القاضي أبي طالب محمد بن علي بن الكتاني، ورحل إلى بغداد مرار، وسمع بها من أبي العز محمد ابن محمد بن الخراساني وأبي الفتح بن شاتيل وأبي السعادات القزاز (6) وأبي العلاء بن عقيل وبعد الجبار بن الأعرابي، وظاعن (7) بن محمود الخياط وأبي منصور البغدادي
__________
(1) في الأصل: (تعلمه).
(2) في الأصل: (تناساه).
(3) في الأصل: (نتناساه).
(4) انظر: طبقات الشافعية للسبكي 5 / 26.
وتذكرة الحفاظ 4 / 199.
والوافى بالوفيات 3 / 102.
ووفيات الأعيان 4 / 28، 29.
(5) في الأصل: (سافياء).
(6) في الأصل: (القرار).
(7) هكذا في الأصل.
(*)(1/12)
في آخرين، وكان حسن الصحبة وجميل الأخلاق والتودد والديانة وحسن الطريقة.
أنشدني أبو عبد الله محمد بن سعيد بن يحيى الحافظ لنفسه: مدارك أعلام الشريعة أصلها * حديث رسول الله إذ كان يشرع فكن جامعا منه لما صح نقله * فقد فاز من أمسى لما قال يجمع ولا تستمع من كان فيه مفندا * فلتدين (1) الحكماء عن الخير تدفع توفي أبو عبد الله بن الدبيثي في يوم الإثنين ثمان خلون من شهر ربيع الآخر سنة سبع وثلاثين وستمائة، ودفن من الغد بالوردية.
وكان قد أضر في آخر عمره.
10 - محمد بن سليمان بن قترمش (2) بن تركانشاه السمرقندي أبو منصور (3):
من أولاد الأمراء، وكان أديبا فاضلا، له النثر والنظم الجيد، يحفظ كثيرا من الحكايات والأشعار والنوادر ويكتب خطا مليحا، وكان عارفا بالنحو واللغة والحساب والفلسفة، وكان قليل الدين لا يعتقد شيئا.
أنشدنا أبو منصور محمد بن سليمان لنفسه بالمدرسة النظامية: يبكي عليك وحقه يبكيكا * صب بمهجة نفسه يفديكا ظمآن من شوق إليك وربه * لو كنت تنقعه مراشف فيكا يا مسلمي لصدوده وبعاده * رفقا سلمت فبعض ذا يكفيكا زعموا بأنك في الجمال كيوسف * صدقوا فرفقا يوسف يأتيكا مولده في شهر ربيع الأول سنة ثلاث وأربعين وخمسمائة، وتوفي عشية الإثنين السادس والعشرين من ربيع الآخر سنة عشرين وستمائة، وصلى عليه بالمدرسة النظامية، ودفن بالشونيزية.
__________
(1) هكذا في الأصل.
(2) هكذا في الأصل، وفى معجم الأدباء: (قطر مش).
(3) انظر: معجم الأدباء 18 / 205 والمحمدون من الشعراء 2 / 487.
(*)(1/13)
11 - محمد بن عبد الله بن أحمد بن محمد بن عبد الله بن عبد الصمد بن المهتدي بالله أبو الفضل (1): من أهل باب البصرة، كان خطيبا بجامع المنصور مدة ثم تولى الخطابة بجامع القصر، وكان من أهل الديانة مديما للصيام، قرأ القرآن على أبي الخطاب أحمد بن علي بن عبد الله الصوفي، وسمع أباه وأبا القاسم عبد الله بن الحسن الخلال وأبا الحسين أحمد بن محمد بن النقور وأبا القاسم علي بن أحمد بن البسري.
مولده في العشر الأول من ذي الحجة سنة تسع وأربعين وأربعمائة، وتوفي في يوم
الجمعة العشرين من جمادى الأولى سنة سبع وثلاثين وخمسمائة، ودفن يوم السبت في باب حرب على أبي الوفا بن القواس.
12 - محمد بن عبد الله بن عمر بن محمد بن الحسين بن علي الظريف (2) بن محمد بن أبي بكر أحمد بن الحسن بن سهل بن عبد الله الفارسي، أبو الحياة بن أبي القاسم بن أبي الفتح بن أبي بكر الشاه بوري الواعظ (3): من أهل بلخ، سافر أبو الحياة في طلب العلم وجال في خراسان وما وراء النهر، سمع ببلخ أباه وأبا حفص عمر بن علي المحمودي وأبا بكر محمد بن محمد الخلمي وأبا الشجاع عمر بن أبي الحسن بن عبد الله البسطامي، وبخوارزم محمود بن محمد بن عباس بن أرسلان وأبا حامد محمد بن إبراهيم بن أبي زكريا الفارابي، وبمصر أبو محمد عبد الله بن رفاعة بن غدير، وبالإسكندرية أبا طاهر السلفي وأقام عنده زماناء وروى السلفي عنه، وكان يعظمه ويبجله ويعجب بكلامه، ثم قدم بغداد مرات، ثم استوطنها إلى حين وفاته.
وكان يعقد مجلس الوعظ بالنظامية، وكان فاضلا عالما مليح الوعظ، حسن الإيراد، حلو الاستشهاد، رشيق المعاني، لطيف الألفاظ، فصيح اللهجة، له يد باسطة في تنميق الكلام وتزويقه، وكان يرمي بأشياء منها شرب الخمر وشرى الجواري المغنيات وسماع الملاهي المحرمة، وأخرج عن بغداد مرارا لأجل ذلك.
سمعت عبد العظيم بن عبد القوي المنذري الحافظ بالقاهرة يقول: سمعت شيخنا
__________
(1) انظر: النجوم الزاهرة: 5 / 273، وطبقات القراء 2 / 176.
(2) في الأصل: (الطريف).
(3) انظر: الوافي بالوفيات 3 / 343.
(*)(1/14)
الحافظ أبا الحسن علي بن المفضل المقدسي يقول: كتب البلخي مرة رقعة إلى شيخنا
الحافظ السلفي وكتب على رأسها (فراش لمعة وفراش سمعة) قال: فأعجب بها شيخنا كثيرا وكان يكررها.
ويقال إنه كان يسب الصحابة (1) كثيرا.
مولده في أوائل سنة ثلاثين وخمسمائة في ربيع الأول منها، وتوفي في يوم الجمعة التاسع عشر من صفر سنة ست وسبعين وخمسمائة - رحمه الله.
13 - محمد بن عبد الله بن محمد [ بن ] (2) أبي الفضل السلمي، أبو عبد الله (3): من أهل مرسية من بلاد الأندلس - قدم علينا بغداد شابا طالبا للعلم قافلا من مكة سنة خمس وستمائة، وأقام يسمع من شيوخنا الحديث ويقرأ الفقه والخلاف والأصلين بالمدرسة النظامية، ثم إنه سافر إلى خراسان وسمع بنيسابور وهراة، وحدث ببغداد بكتاب (السنن) لأبي بكر البيهقي (4) عن منصور بن عبد المنعم الفراوي.
وكان من الأئمة الفضلاء في جميع فنون علم (5) الحديث وعلوم القرآن والفقه والخلاف والأصلين والنحو واللغة، وله قريحة حسنة، وفهم ثاقب، وتدقيق في المعاني، وله مصنفات في جميع ما ذكرناه من العلوم، وهو مشتغل بذلك في جميع أوقاته، وله النظم والنثر المليح، ومع ذلك فهو زاهد متورع، حسن الطريقة، متدين، كثير العبادة، متعفف، نزه النفس، قليل المخالطة للناس، ما رأيت في فنه مثله.
أنشدنا الإمام أبو عبد الله محمد بن عبد الله بن أبي الفضل السلمي لنفسه: من كان يرغب في النجاة فما له * غير اتباع المصطفى فيما أتى ذاك السبيل المستقيم وغيره * سبل الضلالة والغواية والردى فاتبع كتاب الله والسنن التي * صحت فذاك إذا اتبعت هو الهدى ودع السؤال بكم وكيف فإنه * باب يجر ذوي البصيرة للعمى
__________
(1) في الوافي: (يدس سب الصحابة).
(2) ما بين المعقوفتين زيادة من الوافي.
(3) انظر: الوافي بالوفيات 3 / 345.
وشذرات الذهب 5 / 269.
ومعجم الأدباء 18 / 209 - 213.
(4) في الوافي: (حدث بالسنن الكبير للبيهقي وبغريب الحديث للخطابي).
(5) في الأصل: (في جميع فنون العلم).
(*)(1/15)
الدين ما قال الرسول وصحبه * والتابعون ومن مناهجهم قفى وله أيضا: قالوا فلان قد أزال بهاءه (1) * ذاك العذار وكان بدر تمام فأجبتهم: بل زاد نور بهائه * ولذا تزايد فيه فرط (2) عرامي استقصرت ألحاظه فنكأتها * فأتي العذار يمدها بسهام مولده بمرسية في سنة سبعين وخمسمائة.
قلت وتوفي بين الزعقة والعريش من منازل الرمل وهو متوجه من مصر إلى دمشق في النصف من شهر ربيع الأول من سنة خمس وخمسين وستمائة، ودفن في بقعة بتل الزعقة - رحمه الله.
14 - محمد بن عبد الباقي بن أحمد بن سلمان، أبو الفتح بن أبي القاسم الحاجب المعروف بابن البطي (3): من ساكني الصاغة من دار الخلافة، محدث بغداد في وقته، [ به ] (4) ختم الإسناد، وكان أبواه صالحين، فعاد عليه بركتهما، سمع بإفادة أبي بكر بن الخاضبة، وأخذ له الإجازات من الشيوخ، وكان شيخا صالحا، حسن الطريقة، مليح الأخلاق، محبا للتحديث، صدوقا، أمينا، سمع أبا عبد الله مالك بن أحمد بن علي البانياسي وأبا الخطاب نصر بن أحمد بن البطر وأبا عبد الله الحسين بن أحمد بن محمد النعالي والنقيب طراد [ بن محمد ] (5) الزينبي وأبا محمد عبد الله بن علي بن ذكري الدقاق وأبا
محمد رزق الله التميمي وأبا عبد الله محمد بن أبي نصر الحميدي وأبا بكر أحمد بن عمر السمرقندي.
وروي عنه جماعة من الحافظ الأكابر.
مولده في يوم السبت رابع عشرى جمادى الأولى سنة سبع وسبعين وأربعمائة.
وتوفي في ليلة الجمعة، ودفن يوم الجمعة ثامن عشري جمادى الأولى سنة أربع وستين وخمسمائة بباب أبرز (6).
__________
(1) في الأصل: (بهاده).
(2) في الأصل: (فرظ).
(3) انظر: شذرات الذهب 4 / 213.
والوافي بالوفيات 3 / 209.
والعبر 4 / 188.
(4) ما بين المعقوفتين زيادة من الوافي.
(5) ما بين المعقوفتين زيادة من العبر.
(6) في الأصل: (ببابيرز).
(*)(1/16)
15 - محمد بن عبد الباقي بن محمد بن عبد الله بن محمد بن عبد الرحمن بن الربيع بن ثابت بن وهب بن مشجعة بن الحارث (1) بن عبد الله بن كعب بن مالك الأنصاري، أبو بكر بن أبي طاهر البزاز (2): من أهل النصرية، بكر به أبوه فأسمعه من أبي إسحاق إبراهيم البرمكي والقاضي أبي الطيب طاهر بن عبد الله الطبري وأبي الحسن محمد بن أحمد بن الآبنوسي، وأبي الحسن علي بن أبي طالب المكي وأبي الفضل هبة الله بن أحمد بن المأموني، فهؤلاء تفرد بالرواية عنهم.
وسمع أيضا بنفسه القاضي أبا يعلى الفراء وعبد العزيز الأنماطي وعبد الله بن الحسن الخلال والقاضي أبا المظفر صاحب إبراهيم النسفي.
وقرأ بنفسه وكتب بخطه، وتفقه في صباه على الفاضي أبي يعلى بن الفراء.
وقرأ الفرائض والحساب والهندسة حتى برع في جميع ذلك، وله فيه مصنفات.
قرأت بخط أبي الفضل بن سامع: سمعت أبا محمد بن الخشاب يقول: سمعت قاضي المرستان - يعني محمد بن عبد الباقي - يقول: نظرت في كل علم وحصلت منه بعضه (3) أو كله إلا هذا النحو، فإني قليل البضاعة فيه.
أخبرني شهاب بن محمود المزكي بهراة قال: أنبأني أبو سعد بن السمعاني قال: محمد بن عبد الباقي الأنصاري أسند شيخ بقي على وجه الأرض، وكانت إليه الرحلة من أقطار الأرض، عارف بالقوم، متدين، حسن الكلام، حلو المنطق، مليح المحاورة ما رأيت أجمع للفنون منه، وكان سريع النسخ، حسن القراءة للحديث.
سمعته يقول: ما أعرف أني ضيعت ساعة من عمري في لهو أو لعب.
مولده في صفر سنة اثنتين وأربعين وأربعمائة، وتوفي في رجب سنة خمس وثلاثين وخمسمائة، ودفن بباب حرب قريبا من بشر الحافي، وأوصى أن يكتب على لوح قبره: (قل هو نبأ عظيم أنتم عنه معرضون).
16 - محمد بن عبد الرحمن بن محمد بن أبي الحسن مسعود بن أحمد بن الحسين ابن محمد المسعودي، أبو عبد الله البنجديهي الصوفي (4):
__________
(1) في الأصل: (بن الحرب).
(2) انظر: شذرات الذهب 4 / 108.
والعبر في خبر من غبر 4 / 96.
(3) في الشذرات: (كله أو بعضه).
(4) انظر: الأنساب، للسمعاني 2 / 333.
ومعجم الأدباء 18 / 215، 216.
(*)(1/17)
هكذا رأيت نسبه بخطه - رحل في طلب الحديث وطاف الأقطار: خراسان والعراق وآذربايجان والجزيرة وديار مصر والشام، وكان من الفضلاء في كل فن في الفقه والحديث والأدب، وله مصنفات: منها (شرح المقامات).
سمع ببلده أباه أبا السعادات عبد الرحمن وأبا الفضل عبد الرحمن بن الحسن بن
علي بن شراف، وبسجستان أبا محمد عبد الله بن عمر بن أبي بكر السجزي، وببلخ أبا شجاع عمر بن محمد بن عبد الله البسطامي وأبا الفتح حمزة بن محمد بن الحسون، وبنيسابور أبا بكر محمد بن علي الزاهد الطوسي وأبا المظفر محمد بن الحسن بن الحسين الزاهد، وبكرمان أبا المعالي إسماعيل بن الحسين المقرئ اللغوي، وبأصبهان أبا بكر محمد بن إبراهيم بن محمد الصالحاني، وبهمذان أبا الفرح ظهير بن زهير بن علي الرفاد، بتبريز أبا الصنوف إبراهيم بن الحسن بن إبراهيم الحريري، وببغداد أبا المظفر محمد بن أحمد بن التريكي وأبا الفتح محمد بن عبد الباقي بن سلمان وأبا محمد عبد الواحد بن الحسين البارزي، وبالموصل أبا محمد عبد الرحمن بن أحمد الطوسي، وبديار بكر أبا عبد الله مروان بن علي بن سلامة الوزير، وبمصر أبا محمد عبد الله بن رفاعة ابن غالب وأبا محمد عبد الله بن برى (1)، وبالإسكندرية أبوي طاهر أحمد بن محمد السلفي وإسماعيل بن مكي بن عوف.
كتب إلى عبد الخالق بن صالح بن زيدان المكي وأنشدني عنه ياقوت الحموي بحلب، قال: أنشدني محمد بن عبد الرحمن بن محمد المسعودي لنفسه: قالت عهدتك تبكي * دما حذار التنائي فلم تعوضت عنها * بعد الدماء بماء ؟ فقلت: ما ذاك مني * لسلوة أو عزاء (2) لكن دموعي شابت * من طول عمر بكائي توفي المسعودي في ليلة السبت التاسع والعشرين من شهر ربيع الأول، سنة أربع وثمانين وخمسمائة بدمشق، ودفن بسفح قاسيون، وذكر أن مولده في سنة إحدى وعشرين وخمسمائة.
__________
(1) في الأصل: (بن نرى).
(2) في الأصل: (لسلوة وعزاء).(1/18)
17 - محمد بن عبيد الله بن عبد الله، أبو الفتح الكاتب (1): سبط المبارك بن المبارك، المعروف بابن التعاويذي، من ساكني دار الخلافة، وكان شاعرا مجودا رشيق الألفاظ مليح المعاني رقيق الغزل حلو العبارة، أكثر القول في الغزل وحدث بشعره.
أخبرنا أبو الحسين بن الوارث قال: أنشدنا ابن التعاويذي لنفسه: أمط اللثام عن العذار السائل (2) * ليقوم عذري فيك عند عواذلي واغمد لحاظك قد فللت تجلدي * واكفف سهامك قد أصبت مقاتلي لا تجمع الشوق المبرح والقلى * والبين لي أحد (3) الثلاثة قاتلي يكفيك ما تذكيه بين جوانحي * لهواك نار لواعجي وبلابلي وهناك أني لا أدين صبابة * لهوى سواك ولا ألين لعاذلي بت لاهيا جذلا بحسنك إنني * مذ بت في شغل بحزني شاغل واعطف على جلد كعهدك في الهوى * واه وجسم مثل خصرك ناحل ويلاه من هيف بقدك ضامن * تلفي ومن كفل بوجدي كافل وبنفسي الغضبان لا يرضيه غي * - ردمي وما في سفكه من طائل (4) تصمي نبال جفونه قلبي فلا * شلت وإن أصمت يمين النابل ويهز قدا كالقناة لحاظه لمحبه منها مكان العامل عانقته أبكي ويبسم ثغره * كالبرق أو مض في غمام هاطل فألين في الشكوى لفاس قلبه * وأجد في وصف الغرام الهازل أخبرنا علي بن المبارك بن علي الحلاوي (5)، قال: أنشدنا ابن التعاويذي لنفسه: تعشقته واهي المواثيق مذاقا * نرى كل يوم في الهوى منه أخلاقا أشد نفارا من جفوني عن الكرى * وأضعف من عزمي على الصبر (6) سباقا
كثير التجني كما قل عطفه * على عاشقيه زاده الله عشاقا
__________
(1) انظر: العبر في الخبر من غبر 4 / 253، ووفيات الأعيان 4 / 90.
والوافي بالوفيات 4 / 11.
ومعجم الأدباء 18 / 235 - 249.
(2) في الأصل: (السائلي).
(3) في الأصل: (والبين في أحد).
(4) في الأصل: (من كايل).
(5) هكذا في الأصل.
(6) في الأصل: (عيزى على الصب).
(*)(1/19)
يجول (1) على متنيه سود غدائر * كما نفض الغصن المرنح أوراقا وقالوا نجا من عقرب الصدغ خده * فقلت اعترفتم أن [ في ] (2) فيه درياقا شكوت إليه ما أجن فقال لي * هل الوجد إلا أن تجن وتشتاقا إذا ما تعشقت الحسان ولم تكن * صبورا على البلوى فلا تك عشاقا مولده في يوم الجمعة عاشر رجب سنة تسع عشرة وخمسمائة.
وتوفي يوم السبت ثامن عشر شوال سنة أربع وثمانين وخمسمائة، وكان قد أضر في آخر عمره).
18 - محمد بن علي بن الحسن المؤذن، أبو عبد الله الترمذي المعروف بالحكيم (3): كان إماما من أئمة المسلمين، له المصنفات الكبار في أصول الدين ومعاني الأحاديث، وله كتاب (نوادر الأصول).
حدث عن والده وعن قتيبة بن سعيد و إبراهيم بن يوسف الحضرمي وعلي بن حجر وقبيصة بن عقبة السوائي وصالح بن محمد ومحمد بن علي الشقيقي ومحمد بن مؤيد الواسطي وعمر بن أبي عمر العبدي ومحمد بن موسى الحرشى ومحمد بن بشار وسفيان بن وكيع.
19 - محمد بن علي بن الحسن بن صدقة الحراني البزاز، أبو عبد الله التاجر، يعرف بابن الوحشي: من أهل حران، سمع بنيسابور صحيح مسلم وغيره من أبي عبد الله الفراوي، وعاد إلى الشام، واستوطن بدمشق، وبنا بها مدرسة لأصحاب أحمد بن حنبل.
مولده سنة سبع وثمانين وأربعمائة، وتوفي ليلة الثلاثاء سادس عشر ربيع الآخر سنة أربع وثمانين وخمسمائة.
20 - محمد بن علي بن عبيد الله بن أحمد بن صالح بن سليمان بن ودعان، أبو نصر (4): من أهل الموصل، وكان يتولى القضاء بها.
قدم بغداد مرارا.
قال السلفي: ليس بثقة.
__________
(1) في الأصل: (يجيل).
(2) ما بين المعقوفتين زيادة من الديوان.
(3) انظر: (طبقات الشافعية) للسبكي 2 / 20.
والأعلام للزر كلي 7 / 156.
(4) انظر: لسان الميزان 5 / 305.
واللبان 3 / 264.
والأعلام 6 / 277.
(*)(1/20)
قرأت بخط أبي الفظل محمد بن ناصر قال: رأيت القاضي بن ودعان (1) لما دخل بغداد وحدث بها ولم أسمع منه شيئا لأنه كان متهما بالكذب.
وكتابه في الأربعين سرقه من زيد بن رفاعة، وحذف منه الخطبة، وركب على كل حديث منه رجلا أو رجلين إلى شيخ زيد بن رفاعة، وزيد بن رفاعة وضعه أيضا وكان كذابا، وألف بين كلمات قد قالها النبي صلى الله عليه وسلم وبين كلمات من كلام لقمان والحكماء وغيرهم، وطول الأحاديث.
مولده سنة اثنتين وأربعمائة في شعبان بالموصل، وتوفي في محرم سنة أربع وتسعين
وأربعمائة.
21 - محمد بن علي بن محمد بن العربي، أبو عبد الله الطائي (2): من أهل الأندلس، ولد بمرسية ونشأ بها ودخل بلاد الشرق وبلاد الشام ودخل بلاد الروم، وصنف كتبا في علم التصوف (3) وفي أخبار المشايخ، وكان ورعا زاهدا.
أنشدني أبو عبد الله محمد بن العربي لنفسه بدمشق: أيا حايرا ما بين علم وشهوة * ليتصلا ما بين ضدين من وصل ومن لم يكن يستنشق الريح لم يكن * يرى الفضل للمسك الفتيق على الزبل مولده في الإثنين سابع عشر رمضان سنة ستين وخمسمائة بمرسية، وتوفي ليلة الجمعة الثاني والعشرين من شهر ربيع الآخر سنة ثمان وثلاثين وستمائة بدمشق، ودفن بقاسيون.
22 - محمد بن علي بن ميمون بن محمد، أبو الغنائم النرسي، المعروف بأبي (ع): من أهل الكوفة.
كان من حفاظ الحديث، سمع بالكوفة أبا عبد الله محمد بن علي ابن الحسن العلوي وأبا الحسن محمد بن إسحاق بن فلوية وأبا المثنى دارم، ثم قدم بغداد وسمع بها أبا الحسن أحمد بن محمد بن كامل وأبا نصر أحمد بن عبد الله الثابتي
__________
(1) في الأصل: (بن ردعان).
(2) انظر: فوات الوفيات 2 / 300.
والوافى بالوفيات 4 / 73 - 178.
ونفخ الطيب 1 / 567.
(3) في الأصل: (علم القوم).
(4) انظر: النجوم الزاهرة 5 / 212.
والعبر في خبر من غبر 3 / 22.
وتذكرة الحفاظ 4 / 1260.
والوافى بالوفيات 4 / 143، 144.
(*)(1/21)
وأبا الفتح أحمد بن علي بن محمد الأيادي وأبا الحسين أحمد بن محمد بن قفرجل وأبا
محمد الحسن بن عبد الواحد بن سهل الدياج وأبا عبد الله الحسين بن محمد بن طاهر وأبا إسحاق إبراهيم بن عمر بن أحمد البرمكي وأبا محمد الجوهري والقاضي أبا الطيب طاهر الطبري وآخرين، وكتب بخطه كثيرا لنفسه وتوريقا للناس، وجمع مجموعات حسان في فنون ورواها.
قرأت بخط أبي الفضل محمد بن ناصر الحافظ السلامي وأنبأنيه عنه أبو محمد بن الأخضر قال: وفي هذا الشهر يعني شعبان من سنة عشر وخمسمائة مات الشيخ العدل أبو الغنائم محمد بن علي بن النرسي الكوفي المقرئ المحدث بحلة بني مزيد، وكان قد خرج من بغداد مريضا ليذهب إلى الكوفة، فمات يوم السبت السادس عشر من شعبان، وحمل إلى الكوفة ودفن هناك، وكان شيخا ثقة مأمونا فهما للحديث، عارفا بالحديث كثير تلاوة القرآن بالليل، وكان مولده على ما أخبرنا بذلك في شوال سنة أربع وعشرين وأربعمائة، فرحمه [ الله ] فما رأينا مثله في وقته.
23 - محمد بن عمر بن أحمد بن عمر بن محمد بن أبي عيسى المديني، أبو موسى بن أبي بكر الحافظ (1): من مدينة أصبهان، أحد الأئمة الحفاظ المشهورين، انتشر علمه في الآفاق.
سمع منه أقرانه، وكثر عنه الحفاظ، واجتمع له ما لم يجتمع لغيره.
قرأ القرآن في صباه بالروايات، وتفقه على مذهب الشافعي على أبي عبد الله الحسن بن العباس الرستمي، وقرأ النحو واللغة حتى مهر فيهما، وأسمعه والده في صباه من أبي سعد محمد بن علي ابن محمد الكاتب وأبي علي بن أحمد الحداد وأبي القاسم غانم بن محمد البرجي وأبي منصور محمد بن عبد الله بن مندويه (2).
وطلب هو بنفسه وقرأ على المشايخ، وكتب الكثير، ورحل إلى بغداد ودخلها في شوال سنة أربع وعشرين وخمسمائة، وحج وعاد، فأقام بها.
فسمع من أبي القاسم
ابن الحصين وأبي بكر محمد بن عبد الباقي الأنصاري وأبي العز بن كادش، ومن جملة مصنفاته كتاب (تتمة معرفة الصحابة) وكتاب (تتمة الغريبين) وكتاب (الأخبار
__________
(1) انظر: تذكرة الحفاظ 4 / 1334.
والوافي بالوفيات 4 / 241 - 247.
ووفيات الأعيان 2 / 414.
(2) في الأصل: (بن منلو).
(*)(1/22)
الطوالات) وكتاب (اللطائف في المعارف) وغير ذلك.
سمعت أبا عبيد الله محمد بن محمد بن غانم الحافظ بأصبهان يقول: سمعت محمد ابن الحسين بن علي يقول: مر الشيخ أحمد الخواص على باب الشيخ أبي بكر بن أبي موسى يوم ولد أبو موسى فقيل له: (ولد اليوم للشيخ أبي بكر ابن، فقال: هذا المولود يكون ركنا من أركان الدين).
مولده تاسع عشر ذي القعدة سنة إحدى وخمسمائة، وتوفي يوم الأربعاء منتصف النهار التاسع من جمادى الأولى سنة إحدى وثمانين وخمسمائة.
ودفن بالمصلى خلف المحراب، وصنف الأئمة في مناقبه.
24 - محمد بن طاهر بن أحمد بن علي الشيباني، أبو الفضل بن أبي بكر (1): من أهل بيت المقدس، يعرف بابن القيسراني، رحل في طلب الحديث إلى الأقطار، وصنف كثيرا، وكان حافظا متقنا متفننا حسن التصنيف.
سمع ببيت المقدس أبا الفتح نصر [ بن ] إبراهيم النابلسي، وبمصر أبا إسحاق إبراهيم بن سعيد الحبال (2)، وبدمشق أبا القاسم علي بن محمد المصيصي، وبمكة أبا القاسم سعيد بن علي الزنجاني.
ودخل بغداد، وسمع بها أبا الحسين أحمد [ بن ] (3) النقور وأبا محمد عبد الله الصريفيني ض، وسمع بأصبهان أبا عمرو عبد الوهاب بن منده وأبا مسعود سليمان الحافظ، وبجرجان أبا القاسم إسماعيل بن مسعدة، وبهراة أبا إسماعيل عبد الله الأنصاري وخلقا كثيرا،
وحدث باليسير لأنه لم يعمر، وروى عنه الحفاظ.
قرأت على أبي طالب بن أبي الفرج التاجر عن أبي زرعة طاهر بن حمد المقدسي قال: أنشدني والدي محمد بن طاهر لنفسه: أضحى العذول يلومني في حبهم * فأجبته والنار حشو فؤادي يا عاذلي لو بت محترق الحشا * لعرفت كيف تفتت الأكباد صد الحبيب وغاب عن عيني الكرى * وكأنما كانا على ميعاد أخبرني لا مع بن أحمد في كتابه أن يحيى بن عبد الوهاب بن منده أخبره قال: محمد
__________
(1) انظر: وفيات الأعيان 1 / 486.
والجمع 629.
وميزان الاعتدال 3 / 75.
ولسان الميزان 5 / 207.
وآداب اللغة 3 / 67.
والوافي بالوفيات 3 / 166.
والأعلام 6 / 171، 172.
(2) في الأصل: (الجمال).
(3) ما بين المعقوفتين ساقطة من الأصل.
(*)(1/23)
ابن طاهر المقدسي أحد الحفاظ، حسن الاعتقاد، وجميل الطريقة، كان صدوقا، عالما بالصحيح والسقيم، كثير التصانيف، لازما للأثر.
قرأت على المرتضى بن حاتم بمصر عن أبي طاهر السلفي قال: سمعت الحافظ أبا الفضل محمد بن طاهر المقدسي يقول: كتبت صحيح البخاري ومسلم وأبي داود سبع مرات بالوراقة، وكتبت سنن ابن ماجة عشر مرات بالوراقة سوى التفاريق بالري.
قال الحافظ أبو الفضل بن ناصر: محمد بن طاهر ممن لا يحتج به، صنف كتابا في (جواز النظر إلى المرد) وأورد فيه حكاية عن ابن معين: رأيت جارية مليحة، صلى الله عليها، فقيل له: تصلي عليها ؟ فقال: صلى الله عليها وعلى كل مليح، ثم قال: كان يذهب مذهب الإباحة.
مولده في شوال من سنة ثمان وأربعين وأربعمائة ببيت المقدس.
قرأت في كتاب أبي
الفضائل عبد الله بن أبي بكر بن الخاضبة بخطه: توفي الحافظ محمد بن طاهر المقدسي ببغداد في الجانب الغربي برباط البسطامي ضحى يوم الخميس عشرين [ من ] (1) شهر ربيع الأول سنة سبع وخمسمائة، ودفن في المقبرة وراء الرباط: وله حجات كثيرة على قدمه ذاهبا وجائيا، وراحلا وقافلا.
وكان له معرفة بعلم التصوف وأنواعه متفننا فيه، ظريفا مطبوعا، وله تصانيف حسنة مفيدة في علم الحديث.
25 - محمد بن عمر بن يوسف بن محمد الأرموي، أبو الفضل الفقيه الشافعي (2): بكر به أبوه وأسمعه من القاضي أبي الخير محمد بن علي بن المهتدي بالله وأبي الغنائم عبد الصمد بن علي بن المأمون وأبي جعفر محمد بن المسلمة وأبي بكر أحمد ابن علي بن ثابت.
أخبرنا شهاب الحاتمي بهراة قال: أخبرنا أبو سعيد بن السمعاني قال: محمد بن عمر ابن يوسف الأرموي أبو الفضل من أهل أرمية كان قاضي دير العاقول، وهو إمام متدين ثقة صدوق صالح، حسن الكلام في المسائل، كثير التلاوة للقرآن، سألته عن مولده، فقال: في سنة تسع وخمسين وأربعمائة.
__________
(1) ما بين المعقوفتين زيادة من وفيات الأعيان.
(2) انظر: الوافي بالوفيات 4 / 345.
وطبقات الشافعية للسبكي 4 / 92.
(*)(1/24)
وذكر عن ابن السمعاني أن مولد الأرموي في صفر سنة تسع وخمسين، وتوفي رابع رجب سنة سبع وأربعين وخمسمائة ودفن بباب أبرز (1) مقابل التاجية.
26 - محمد بن فتوح بن عبد الله بن فتوح بن حميد بن يصل، أبو عبد الله بن أبي نصر الحميدي (2): سمع بالأندلس أبا القاسم أصبغ بن راشد بن أصبغ اللخمي وأبا محمد عبد الله بن
عثمان القرشي وأبا العباس أحمد بن عمر بن أنس العذري وأبا عمر يوسف النمري وأبا محمد علي بن حزم الظاهري، ولازمه حتى قرأ عليه مصنفاته وأكثر عنه، وكان على مذهبه، إلا أنه لم يكن يتظاهر بذلك.
ثم رحل إلى بلاد الشرق، فسمع بمصر أبا القاسم عبد العزيز بن الحسن الضراب وأبا زكريا عبد الرحيم بن أحمد بن نصر البخاري، وبدمياط أبا القاسم عبد البر بن عبد الوهاب بن برد الدمياطي، وبدمشق أبا محمد عبد العزيز بن أحمد الكتاني وأبا بكر أحمد بن علي بن ثابت الخطيب، وكتب أكثر مصنفاته عنه، وبمكة أبا القاسم سعد بن علي الزنجاني.
ودخل بغداد فسمع بها القاضي أبا الحسين محمد بن علي بن المهتدي بالله وأبا جعفر محمد بن أحمد بن المسلمة.
وانحدر إلى واسط وأقام بها مدة، وسمع بها من القاضي أبي تمام علي بن محمد بن الحسن.
ثم إنه عاد إلى بغداد واستوطنها، وكتب بها الكثير عن أصحاب أبي علي بن شاذان وغيره، وصنف كثيرا في الحديث وغيره.
روي عنه أبو بكر الخطيب وابن ماكولا.
ومن مصنفاته (تجريد الصحيحين للبخاري ومسلم والجمع بينهما)، و (تاريخ الأندلس)، وكتاب (تسهيل السبيل إلى علم الترسيل)، ومولده قبل العشرين وأربعمائة.
و توفي في ليلة الثلاثاء السابع عشر من ذي الحجة سنة ثمان وثمانين وأربعمائة، ودفن من الغد بمقبرة باب أبرز (3) بالقرب من قبر الشيخ أبي إسحاق الشيرازي وصلى عليه الفقيه أبو بكر الشاشي في جامع القصر، ثم نقل بعد ذلك في صفر سنة إحدى وتسعين وأربعمائة إلى مقبرة باب حرب، ودفن عند قبر بشر الحافي.
__________
(1) في الأصل: (بباب برز).
(2) انظر: الوافي بالوافيات 4 / 317، 318.
ومعجم الأدباء 18 / 282 - 286.
ووفيات الأعيان 3 / 410.
(3) في الأصل: (باب برز).(1/25)
27 - محمد بن المبارك بن محمد بن عبد الله بن محمد بن الخل، أبو الحسن بن أبي البقاء، الفقيه الشافعي (1): أحد الأئمة من أصحاب الشافعي درس المذهب والخلاف والأصول على أبي بكر الشاشي، وكان إماما كبيرا في معرفة المذهب، ونقل نصوص الشافعي.
وكان من الورع والزهد والتقشف في غاية.
وكان يصلي إماما بالإمام المقتفي لأمر الله، وصنف كتاب (التوجيه في شرح التنبيه) في مجلدين.
وسمع الحديث من أبي الخطاب نصر بن أحمد بن البطر وأبي عبد الله الحسين بن أحمد بن محمد بن طلحة النعالي وأبي عبد الله الحسين بن علي بن البسري.
مولده يوم الأربعاء عاشر ربيع الآخر سنة خمس وسبعين وأربعمائة.
وتوفي في يوم الأربعاء خامس عشر المحرم سنة اثنتين وخمسين وخمسمائة ودفن بالوردية.
وله شعر لا بأس به، رحمه الله تعالى وإيانا.
28 - محمد بن محمد بن عبد الله بن القاسم بن المظفر بن الشهرزوري، أبو حامد بن أبي الفضل (2): وقد تقدم ذكر والده، ورد بغداد في صباه، كان عالما فاضلا متضلعا من علم الأدب، وله النظم المليح، وكان موصوفا بالبذل والعطاء والجود والسخاء والتواضع.
ومن شعره (في ساق أسود): وأسود معسول الشمائل ناعم ال * - مفاصل مثل المسك في اللون والبشر فبات يريني الشمس تطلع من دجى * إذا ضم يحسدها وتغرب في فجر وله أيضا: لا تحسبوا أني امتنعت من البكا * عند الوداع تجلدا وتصبرا
لكنني زودت عيني نظرة * والدمع يمنع لحظها أن تنظرا إن كان ما فاضت فقد ألزمتها * صلة السهاد وسمتها هجر الكرا مولده في سنة سبع عشرة وخمسمائة، وتوفي بالموصل في ثامن عشر جمادى الأولى سنة ست وثمانين وخمسمائة - رحمه الله تعالى.
__________
انظر: وفيات الأعيان 1 / 467.
وطبقات الشافعية 4 / 69.
والأعلام 7 / 17.
(2) انظر: شذرات الذهب 4 / 287.
والعبر في خبر من غبر 4 / 259.
والوافي بالوافيات 1 / 210.
(*)(1/26)
29 - محمد بن محمد بن محمد الغزالي، أبو حامد بن أبي عبد الله (1): من أهل طوس، إمام الفقهاء على الإطلاق، ورباني الأمة بالاتفاق، ومجتهد زمانه وعين وقته وأوانه، ومن شاع ذكره في البلاد واشتهر فضله بين العباد، قرأ في صباه طرفا من الفقه ببلده على أحمد الرادكاني (2)، ثم سافر إلى جرجان إلى أبي نصر الإسماعيلي، وعلق عنه التعليق، وعاد إلى نيسابور فلازم الإمام أبا المعالي الجويني، وجد واجتهد حتى برع في المذهب والأصول والخلاف والمنطق، وقرأ الحكمة والفلسفة، وفهم كلام أرباب هذا العلم، وتصدى للرد عليهم وإبطال ما ادعوه، وصنف في كل فن من هذه العلوم كتبا أحسن تأليفها وأجاد ترتيبها وترصيفها.
توفي في يوم الإثنين رابع عشر جمادى الآخرة سنة خمس وخمسمائة، وقبره بظاهر الطابران قصبة طوس.
30 - محمد بن ناصر بن محمد بن علي بن عمر، أبو الفضل السلامي (3): كان والده من أولاد الترك، وقد رأيت بخطه في كتاب أشهد عليه فيه المعدلين محمود بن أبي منصور الناصر استوري (4) - ويعرف بمحمد - بن تكسين - ويعرف بعلي - المضافري التركي الحر، ولم يكتب لهم هذا النسب في سماع قط، توفي والده وهو صغير فكفله جده لأمه أبو حكيم الخبري الفرضي، وأسمعه في صباه شيئا من
الحديث يسيرا، وأشغله بحفظ القرآن والتفقه على مذهب الشافعي، ثم إنه صحب أبا زكريا التبريزي وقرأ عليه الأدب، وجد في طلب الحديث، وصحب أبا منصور بن الجواليقي في قراءة الأدب وسماع الحديث، ثم إنه خالط الحنابلة ومال إليهم، وانتقل (5) عن مذهب الشافعي إلى مذهب ابن حنبل، وكان إماما حافظا صحيح النقل والضبط، سمع أبا القاسم علي بن أحمد بن البسري هو أبا طاهر محمد بن أبي الصقر الأنباري وأبا عبد الله مالك البانياسي وأبا محمد رزق الله التميمي وأبا الفوارس طراد الزينبي وأبا الخطاب نصر بن البطر وأبا محمد جعفر بن أحمد السراج.
وكانت له إجازات قيمة
__________
(1) انظر: وفيات الأعيان 1 / 463.
وطبقات الشافعية 4 / 101 وشذرات الذهب 4 / 10.
ومفتاح السعادة 2 / 191 - 210.
وآداب اللغة 3 / 79.
واللباب 2 / 170.
والأعلام 7 / 22.
(2) في الأصل: (الدار كاني).
(3) انظر: وفيات الأعيان 3 / 420.
(4) هكذا في الأصل.
(5) في الأصل: (فكفلته).(1/27)
كابن النقور والصريفيني وابن ماكولا وغيرهم من الغرباء أخذها له ابن ماكولا في رحلته إلى البلاد.
أخبرنا شهاب بن محمود المزكي بهراة قال: حدثنا أبو سعد السمعاني قال: محمد ابن ناصر السلامي أبو الفضل سكن درب الشاكرية، حافظ ثقة دين خير متقن متثبت، له حظ كامل من اللغة ومعرفة تامة بالمتون والأسانيد، كثير الصلاة، دائم التلاوة للقرآن، مواظب على صلاة الضحى، غير أنه يحب أن يقع في أعراض [ الناس ] (1) ويتكلم في حقهم.
كان يطالع هذا الكتاب ويلحق على حواشيه بخطه ما يقع له من مثالبهم.
سمعت جماعة من شيوخي يذكرون أن ابن ناصر وابن الجواليقي
كانا يقرءان الأدب على التبريزي ويسمعان الحديث على المشايخ، فكان الناس يقولون: يخرج ابن ناصر لغوي بغداد وابن الجواليقي محدثها، فانعكس الأمر، فصار ابن ناصر محدث بغداد وابن الجواليقي لغويها.
مولده في ليلة الخميس الخامس عشر من شعبان سنة سبع وستين وأربعمائة.
وتوفي ليلة الثلاثاء الثامن عشر من شعبان سنة خمسين وخمسمائة.
ودفن من الغد بباب حرب - رحمه الله تعالى.
* * * آخر الجزء الأول من المستفاد * * *
__________
(1) على هامش الأصل: (بئس ما فعل...والله ما يستحقه).(1/28)
الجزء الثاني من المستفاد من ذيل تاريخ بغداد انتقاه كاتبه أحمد بن أيبك بن عبد الله الحسامي عرف بابن الدمياطي لنفسه ثم لمن شاء الله من بعده عفا الله عنه للحافظ أبي عبد الله محمد بن النجار البغدادي(1/29)
بسم الله الرحمن الرحيم رب يسر وأعن 31 - إبراهيم بن أدهم بن منصور بن يزيد بن جابر بن ثعلبة بن سعد بن حلام ابن غزية بن أسامة بن ربيعة بن ضبيعة بن عجل بن نجم، أبو إسحاق الزاهد (1):
من أهل بلخ، دخل بغداد مجتازا، وسكن الشام إلى حين وفاته، وقد طلب العلم والحديث ثم استقل بالزهد، وحدث عن أبيه أدهم وعن محمد بن زياد صاحب أبي هريرة والأعمش ومحمد بن عجلان ومنصور بن المعتمر ويحيى بن سعيد وسفيان الثوري وهشام بن حسان والأوزاعي، روي عنه بقية بن الوليد وسفيان الثوري وشقيق البلخي وسهل بن هاشم.
قال النسائي: أبو إسحاق إبراهيم بن أدهم ثقة مأمون أحد الزهاد.
وروي المؤلف بسنده إلى عطاء بن مسلم قال: ضاعت نفقة إبراهيم بن أدهم بمكة [ فبقي ] (2) خمسة عشر يوما يستف الرمل.
وروى أيضا إلى عبد الله بن الفرج القنطري العابد قال: اطلعت على إبراهيم بن أدهم في بستان بالشام وهو مستلق وإذا حية في فهما طاقة نرجس فما زالت تذب عنه حتى انتبه.
وروى أيضا إلى المتوكل بن الحسين قال: قال إبراهيم بن أدهم: الزهد ثلاثة أصناف: فزهد فرض، وزهد فضل، وزهد سلامة، فالفرض الزهد في الحرام، والفضل الزهد في الحلال، والسلامة الزهد في الشبهات.
قال محمد بن إسماعيل البخاري: مات إبراهيم بن أدهم سنة إحدى وستين ومائة.
ودفن بسوقين حصن ببلاد الروم.
__________
(1) انظر: تهذيب التهذيب 1 / 102.
الوافي بالوافيات 5 / 318.
وتهذيب ابن عساكر 2 / 167 - 196.
(2) ما بين المعقوفتين أثبت على الهامش الأصل.(1/31)
قال أبو داود سليمان بن الأشعث: سمعت أبا توبة الربيع بن نافع يقول: مات إبراهيم بن أدهم سنة اثنتين وستين ومائة، ودفن على ساحل البحر.
32 - إبراهيم بن علي بن يوسف بن عبد الله الفيروز آبادي الشيرازي (1)، أبو إسحاق (2): إمام أصحاب الشافعي ومن انتشر فضله في البلاد، وفاق أهل زمانه بالعلم والزهد والسداد، وأقر بعلمه وورعه الموافق والمخالف والمعادي والمحالف، وحاز قصب السبق في جميع الفضائل وتعزي بالدين والنزاهة على كل الرذائل، وكان سخي النفس، شديد التواضع، طلق الوجه، لطيفا ظريفا، كريم العشرة، سهل الأخلاق، كثير المحفوظ للحكايات والأشعار.
ولد بفيروز آباد بليدة بفارس، ونشأ بها، ودخل شيراز، وقرأ الفقه على أبي عبد الله الأنصاري، وقرأ على أبي القاسم الداركي، وقرأ الداركي على المروزي، وقرأ المروزي على ابن سريج، وقرأ ابن سريج على ابن الأنماطي، وقرأ ابن الأنماطي على المزني والربيع بن سليمان، وقرأ على الشافعي، ثم دخل بغداد سنة خمس عشرة وأربعمائة وقرأ على القاضي أبي الطيب الطبري، ولازمه حتى برع في العلم وصار من أنظر أصحابه، وامتدت إليه الأعين وتقدم على أقرانه.
وكان يدرس بمسجده بباب المراتب إلى أن بنى له الوزير نظام الملك أبو علي المدرسة على شاطئ دجلة فانتقل إليها، ودرس بها بعد امتناع شديد، ولم يزل يدرس بها إلى حين وفاته.
سمع ببغداد من أبي بكر أحمد بن محمد بن غالب البرقاني وأبي علي الحسن بن شاذان وأبي الطيب الطبري، روي عنه الخطيب الحافظ في بعض مصنفاته شيئا من شعره، وكان عارفا بالأدب.
ومن شعره:
__________
(1) بهامش الأصل: (الإمام الشيخ أبو إسحاق رضي الله عنه).
(2) انظر: طبقات الشافعية للسبكي 3 / 88 - 111.
ووفيات الأعيان 1 / 9 - 12.
والعبر في خبر من
غير 3 / 283.
وطبقات الشافعية لابن قاضي شبهة، ترجمة 200.
الجدير بالذكر أن هذه الترجمة مكانها بالمخطوط بعد ترجمة: (أحمد بن إسماعيل بن يوسف...).
واستبدل مكانها نظرا للترتيب الهجائي.
(*)(1/32)
لبست ثوب الرجا والناس قد رقدوا * وقمت أشكوا إلى مولاي ما أجد وقلت يا عدتي (1) في كل نائبة * ومن عليه لكشف الضر أعتمد وقد مددت يدي والضر مشتمل * إليك يا خير من مدت إليه يد فلا تردنها يا رب خائبة * فبحر جودك يروي كل من يرد أنشدني شهاب الحاتمي بهراة قال: أنشدنا أبو سعد بن السمعاني قال: أنشدنا أبو المظفر شبيب بن الحسين القاضي، أنشدني أبو إسحاق - يعني الشيرازي - لنفسه: جاء الربيع وحسن ورده * ومضى الشتاء وقبح برده فاشرب على وجه الحبيب * وجنتيه وحسن خده قال ابن السمعاني: قال لي شبيب: ثم جاء بعد [ أن ] (2) أنشدني هذين البيتين بمدة: كنت جالسا عند الشيخ، فذكر بين يديه أن هذين البيتين أنشدا عند القاضي يمين الدولة حاكم صور، بلدة على ساحل بحر الروم، فقال لغلامه: احضر ذاك الشأن - يعني الشراب - فقد أفتانا به الإمام أبو إسحاق، فبكى الإمام ودعا على نفسه، وقال: ليتني لم أقل هذين البيتين قط.
ثم قال لي: كيف نردها من أفواه الناس ؟ فقلت: يا سيدي هيهات ! قد سارت به الركبان.
كان أبو إسحاق إذا بقي مدة لا يأكل شيئا صعد إلى النصرية في أعلى بغداد وكان له فيها صديق باقلاني، فكان يثرد له رغيفا ويشربه بماء الباقلاء فربما صعد إليه وكان قد فرغ من بيع الباقلاء ويغلق الباب فيقف أبو إسحاق ويقرأ (تلك إذا كرة خاسرة) ويرجع.
كان القاضي أبو الطيب يسمى الشيخ أبا إسحاق (حمامة المسجد) للزومه واشتغاله
بالعلم طول ليله ونهاره.
كان الشيخ أبو إسحاق يمشي في الطريق ومعه بعض أصحابه فعرض لهما كلب، فقال ذلك الفقيه للكلب: اخسأ ! وزجره، فنهاه الشيخ أبو إسحاق عن ذلك وقال: لم طردته عن الطريق ؟ أما عرفت أن الطريق بيني وبينه مشترك.
قال ابن الخاضبة: سمعت الشيخ أبا إسحاق يقول: لو عرض هذا الكتاب الذي صنفته - وهو المهذب - على النبي صلى الله عليه وسلم [ لقال ] هذا هو شريعتي [ التي ] (3) أمرت بها أمتي.
__________
(1) في الأصل: (يا عزتي).
(2) ما بين المعقوفتين زيادة من طبقات الشافعية.
(3) ما بين المعقوفتين زيادة من طبقات الشافعية.
(*)(1/33)
قال الحافظ السلفي: سألت أبا غالب شجاع بن فارس الذهلي عن أبي إسحاق إبراهيم بن علي الشيرازي، فقال: إمام أصحاب الشافعي والمقدم عليهم في وقته ببغداد، كان ثقة ورعا صالحا عالما بمعرفة الخلاف علما لا يشاركه فيه أحد، سمعت منه شيئا من حديثه ومصنفاته.
مولده سنة ثلاث وتسعين وثلاثمائة، وتوفي ليلة الأحد.
ودفن يوم الأحد الحادي والعشرين من جمادى الآخرة سنة ست وسبعين وأربعمائة، وقيل: إن مولده سنة خمس وتسعين.
33 - أحمد (1) بن إسماعيل بن يوسف بن محمد بن العباس، أبو الخير القزويني الزاهد الرباني (2): رئيس أصحاب الشافعي.
كان إماما في المذهب والخلاف والتفسير والحديث.
ورحل من بلدة قزوين إلى نيسابور، فأقام بها عند الفقيه محمد بن يحيى، وقرأ عليه
ولازمه حتى برع في العلم.
دخل بغداد وعقد بها مجلس الوعظ وسارت وجوه الدولة إليه ملتفة، وكثر التعصب له، وكان يجلس بالنظامية وبجامع القصر ويحضر مجلسه الخلق الكثير والجم الغفير، ثم ولى التدريس بالمدرسة النظامية في رجب سنة تسع وستين وخمسمائة، ودرس بها، وعقد مجلس الوعظ إلى أوائل سنة ثمانين وخمسمائة، ثم إنه طلب العود إلى بلاده فأذن له في ذلك، فعاد إلى قزوين وأقام بها إلى حين وفاته.
سمع بقزوين أبا سعد إسماعيل، وبنيسابور أبا عبد الله الفراوي وأبا القاسم زاهرا، وأبا بكر وجيه بن طاهر الشحامي، وببغداد أبا الفتح محمد بن عبد الباقي بن أحمد ابن سليمان.
وأملى بجامع القصر وبالنظامية عدة أمالي، وكان كثير العبادة، دائم ذكر، كثير الصلاة والصيام والتهجد والتقلل من الطعام، حتى ظهر ذلك على وجهه وغير لونه، وكان لا يفتر لسانه من التسبيح في جميع حركاته وسائر أحواله.
مولده سنة اثنتي عشرة وخمسمائة في رمضان
__________
(1) في الأصل: (محمد)، والتصحيح من المصادر السابقة.
(2) انظر: العبر في خبر من غبر 4 / 271.
وشذرات الذهب 4 / 300.
وطبقات القراء 1 / 39.
(*)(1/34)
سمعت أبا المناقب محمد بن أحمد بن القزويني يقول: ولد والدي في السابع والعشرين من رمضان سنة إحدى عشرة وخمسمائة بقزوين، وتوفي بها في يوم الجمعة الحادي والعشرين من المحرم سنة تسع وثمانين وخمسمائة، رحمه الله تعالى.
34 - أحمد بن شعيب بن علي سنان بن بحر، أبو عبد الرحمن النسائي الحافظ (1): أحد الأئمة الأعلام.
صنف (السنن) وغيرها من الأدب، وله الرحلة الواسعة.
قدم
بغداد، وكتب بها عن جماعة من الشيوخ، ودخل الشام ومصر وأقام هناك إلى حين وفاته، وحدث عن قتيبة بن سعيد وإسحاق بن راهويه وإسحاق بن شاهين وإبراهيم ابن سعيد الجوهري وأحمد بن بكار بن أبي ميمونة وأحمد بن جعفر بن عبد الله وأحمد ابن عبد الله بن الحكم وهناد بن السري وعيسى بن حماد زغبة وأحمد بن عيسى التستري وأحمد بن عبد الواحد بن عبود، روي عنه ابنه عبد الكريم وأبو بشر الدولابي.
قال الحاكم أبو عبد الله بن البيع الحافظ: حدثني علي بن عمر الحافظ أنه لما امتحن بدمشق - أعني النسائي - قال: احملوني إلى مكة ! فحمل إلى مكة وتوفي بها.
وهو مدفون بين الصفا والمروة، وكانت وفاته في شعبان سنة ثلاث وثلاثمائة.
قال أبو سعيد عبد الرحمن بن أحمد بن يونس الصدفي: أحمد بن شعيب بن علي بن سنان بن بحر النسائي يكنى أبا عبد الرحمن قدم مصر قديما، وكتب بها وكتب عنه، وكان إماما في الحديث، ثقة ثبتا حافظا، وكان خروجه من مصر في ذي القعدة سنة اثنتين وثلاثمائة، وتوفي بفلسطين يوم الإثنين لثلاث عشرة خلت من صفر سنة ثلاث وثلاثمائة.
ذكر الحافظ أبو القاسم علي بن عساكر أن أبا عبد الرحمن النسائي سئل عن مولده، فقال: يشبه أن يكون سنة خمس عشرة ومائتين.
35 - أحمد بن عبد الله بن أحمد بن إسحاق بن موسى بن مهران، أبو نعيم الحافظ (2):
__________
(1) انظر: وفيات الأعيان 1 / 21.
والبداية والنهاية 11 / 123.
وطبقات الشافعية 2 / 83.
وتذكرة الحفاظ 2 / 241.
وخلاصة تهذيب الكمال 1 / 6.
وشذرات الذهب 2 / 239.
وأعلام 1 / 171.
(2) انظر: وفيات الأعيان 1 / 26.
وميزان الاعتدال 1 / 52.
ولسان الميزان 1 / 201.
وطبقات
الشافعية 3 / 7 ولأاعلام 1 / 157.
(*)(1/35)
سبط محمد بن يوسف البناء.
الزاهد من أهل أصبهان، تاج المحدثين وأحد أعلام الدين ومن جمع الله له في الرواية والحفظ والفهم والدراية، فكانت تشد إليه الرحال وعاجز إلى بابه الرجال.
سمع بأصبهان أباه وأبا محمد عبد الله بن جعفر بن أحمد بن فارس، وأبا القاسم سليمان بن أحمد الطبراني وأبا بكر محمد بن إسحاق بن أيوب وأبا بكر محمد بن جعفر المغازلي وأبا عمر محمد بن أحمد بن إبراهيم العسال وأبا إسحاق إبراهيم بن محمد بن حمزة الحافظ وأبا إسحاق إبراهيم بن إسحاق الخشاب وأبا أحمد الحسن بن عبد الله بن سعيد العسكري، وبمكة أبا بكر محمد بن الحسين الآجري وأبا العباس أحمد بن إبراهيم بن علي الكندي وأبا الفضل العباس بن أحمد الجرجاني، وبواسط أبا عبد الله محمد بن أحمد بن محمد بن شعبان وأبا بكر محمد بن حبيش بن خلف الخطيب، وبالبصرة أبا بكر محمد بن علي بن مسلم، وبالأهواز القاضي أبا بكر محمد ابن إسحاق الأهوازي وأبا الحسين محمد بن أحمد بن إسحاق الدقيقي وأبا علي الحسين بن محمد بن أحمد بن يزيد الشافعي، وبالكوفة أبا الحسين محمد بن الطاهر بن الحسين بن محمد بن جعفر بن عبد الله وأبا عبد الله محمد بن محمد بن علي بن خلف ابن مطر، وبجرجان أبا أحمد محمد بن أحمد بن الغطريف، وبنيسابور أبا عمرو محمد ابن أحمد بن حمدان والحاكم أبا أحمد محمد بن محمد بن أحمد الحافظ، وخلقا كثيرا.
وجمع معجما لشيوخه، وحدث بالكثير من مسموعاته ومصنفاته.
وصنف كثيرا.
منها: (حلية الأولياء) و (المستخرج على الصحيحين) ذكر فيها أحاديث ساوى فيها البخاري ومسلما، وأحاديث علا عليهما فيها (1) كأنهما سمعاها منه، أو ذكر فيها حديثا كأن البخاري ومسلما سمعاه ممن سمعه منه، أو بلغ في رئاسة علم الحديث ما لم
يبلغه غيره.
قرأت على محمود بن الحداد عن أبي طاهر الحافظ، قال: سمعت السيد حمزة - يعني ابن العباس العلوي الأصبهاني بهمذان - يقول: كان أصحاب الحديث في مجلس أحمد ابن الفضل الباطرقاني يقولون وأنا أسمع.
بقي أبو نعيم أربع عشرة سنة بلا نظير، لا يوجد شرقا وغربا أعلى إسنادا ولا أحفظ منه.
وكانوا يقولون: لما صنف كتاب (حلية الأولياء) حمل إلى نيسابور حالة حياته، فاشترى هناك بأربعمائة دينار.
__________
(1) في الأصل: (فيهما).(1/36)
قال الحافظ أبو بكر الخطيب: وقد رأيت لأبي نعيم أشياء يتساهل فيها، منها أن يقول في الإجازة: أنا من غير أن يبين ! والله أعلم.
قال عبد العزيز النخشبي: لم يسمع أبو نعيم مسند الحارث بتمامه من أبي بكر بن خلاد، فحدث به كله !.
مولده في رجب سنة ست وثلاثين وثلاثمائة.
وتوفي بكرة يوم الإثنين العشرين من المحرم سنة ثلاثين وأربعمائة، ودفن وقت الظهر بمردنان تحت قبر أبي القاسم السودرجاني، وصلى عليه محمد بن عبد الواحد الفقيه.
وحكى بعضهم أنه رأى في المنام قائلا يقول له: من أحب أن يستجاب دعوته فليدع عن قبر أبي نعيم سبط محمد بن يوسف - رحمه الله تعالى.
36 - أحمد بن عثمان بن عبد الرحمن بن عبد الله بن الحسن بن أحمد بن عبد الواحد بن محمد بن أحمد بن عثمان بن أبي الحديد، أبو الحسن السلمي (1): من أهل دمشق من بيت مشهور بالحديث والرواية.
سمع الحديث بدمشق من أبي
طاهر الخشوعي (2)، وسافر إلى مصر فسمع بها من أبي القاسم هبة الله التوحيدي وإسماعيل بن صالح بن ياسين.
وقدم علينا ببغداد طالبا للحديث وهو شاب في سنة سبع وتسعين وخمسمائة، وسمع معنا من جماعة من أصحاب ابن الحصين وأبي بكر بن عبد الباقي وعاد إلى دمشق، ثم إنه سافر إلى أصبهان وأقام بها مدة في سنة ثمان وستمائة، وحصل من الكتب والأجزاء (3) عدة أحمال.
وعاد بها إلى بلاده، ثم إنه أقام بحران وسكن بعض قراها إلى حين وفاته، وحدث هناك وكتب عنه.
أنشدني أبو الحسن أحمد بن أبي الحديد السلمي من حفظه ببغداد قال: أنشدني أبو العباس أحمد بن ناصر قال: أنشدنا محمد بن الحراني (4) لنفسه في غلام اسمه سهم وقد التحى:
__________
(1) انظر: مرآة الزمان، لبسط ابن الجوزي، ص 211.
(2) في الأصل بدون نقط.
(3) في الأصل: (الأجرا).
(4) في الأصل: (البحراني).
(*)(1/37)
قالوا التحى السهم قلت حصن * حشاك فالآن لا تطيش فالسهم لا ينفذ الرمايا * إلا إذا كان فيه ريش مولده بدمشق في جمادى الآخرة سنة سبعين وخمسمائة.
وتوفي في أحد الربيعين من سنة خمس وعشرين وستمائة بالذهبانية من قرى حران، ودفن بها.
37 - أحمد بن علي بن بختيار بن عبد الله، أبو القاسم الصوفي (1): كان والده أستاذ دار الخلافة.
ونشأ أبو القاسم هذا متأدبا فاضلا، حسن الطريقة
متدينا صالحا، له معرفة بالأدب، وهو مقيم برباط والده بباب الجعفرية.
أنشدني أحمد بن علي بن بختيار لنفسه: أعاذلتي في الحب هل غير ذلك * فإني لأسباب الهوي غير تارك دعيني وأوصافي فلست بعاشق * إذا رمت ميلا عن طريق المهالك أرى الحب أن ألقي المنية مسفرا * إذا شئت أن ألقي عذاب المضاحك أيا ظبية الوعساء إن حال بيننا * سباسب تنضى ناجيات الرواتك فلست بناس وقفة لم تزل بها * دماء المآقي سافحات المسافك تربعت من دون الأراكة معهدا * وغادرت عهدي بين تلك الأرائك فقلت (2) إلى الواشي وكنت غرية * إذا ما سعى الواشي بما غير ذلك أم تعلمي أني ألم بعالج * وأشتاق آثارا حلت من جمالك سألت أبا القاسم بن بختيار عن مولده، فقال: في أحد الربيعين سنة خمس وستين وخمسمائة.
وتوفي ليلة الخميس الثامن والعشرين من جمادى الآخرة من سنة اثنتين وأربعين وستمائة، ودفن من الغد برباط والده رحمه الله.
38 - أحمد بن علي بن ثابت بن أحمد بن مهدي الخطيب، أبو بكر الحافظ (3):
__________
(1) انظر: مرأة الزمان، لبسط ابن الجوازى 8 / 250.
(2) هكذا في الأصل.
(3) انظر: مقدمة تاريخ بغداد الجزء الأول.
ومعجم الأدباء 1 / 248.
وطبقات الشافعية 3 / 12.
والنجوم الزاهرة 5 / 87.
وتاريخ ابن عساكر 1 / 398.
ووفيات الأعيان 1 / 27.
والأعلام 1 / 172 (*)(1/38)
إمام هذه الصنعة (1) ومن انتهت إليه الرئاسة في الحفظ والإتقان والقيام بعلوم
الحديث.
نشأ ببغداد وقرأ القرآن بالروايات، وقرأ الفقه على القاضي أبي الطيب الطبري، وعلق عنه شيئا من الخلاف، ثم إنه اشتغل بسماع الحديث من الشيوخ ببغداد، ثم رحل إلى البصرة.
سمع سنن أبي داود من القاضي أبي عمر الهاشمي، وتوجه إلى خراسان فسمع بها من أصحاب الأصم، ثم إنه خرج إلى الشام حاجا في سنة خمس وأربعين وأربعمائة، وسمع بدمشق وصور، وحج تلك السنة، وقرأ صحيح البخاري في خمسة أيام بمكة على كريمة المروزية.
ورجع إلى بغداد وصار له قرب من الوزير أبي القاسم بن المسلمة، فلما وقعت فتنة البساسيري ببغداد في سنة خمسين وأربعمائة وقبض على الوزير، استتر الخطيب وخرج إلى الشام، وكان يتردد ما بين صور ودمشق، ثم عاد إلى بغداد في آخر عمره.
سمع ببغداد أبا الحسن محمد بن أحمد بن رزقويه وأبا الحسن أحمد بن محمد بن الصلت وأبا عمر عبد الواحد بن عبد الله بن مهدى، وبالبصرة القاضي أبا عمر القاسم بن جعفر بن عبد الواحد الهاشمي، وبنيسابور القاضي أبا بكر أحمد الحشري، وبأصبهان أبا نعيم أحمد بن عبد الله الحافظ، وبالري أبا محمد عبد الرحمن بن محمد بن فضالة، وبهمذان أبا منصور محمد بن عيسى بن عبد العزيز البزاز، وبدمشق أبا الحسين محمد بن عبد الرحمن بن عمر بن أبي نصر، وبصور أبا الفرج عبد الوهاب بن الحسين ابن الغزال، وبحلب أبا الفتح أحمد بن علي بن محمد النحاس.
ومن شعره: الشمس تشبهه والبدر يحكيه * والدر يضحك والمرجان من فيه ومن سرى وظلام الليل معتكر (2) * فوجهه عن ضياء البدر يغنيه (3) زوى له الحسن حتى حاز أحسنه * لنفسه وبقى للناس باقيه فالعقل يعجز عن تحديد غايته * والوهم يقصر عن فحوى معانيه
يدعو القلوب فتأتيه مسارعة * مطيعة الأمر منه ليس تعصيه
__________
(1) أي كتابة التاريخ.
(2) في الأصل: (معتدل).
(3) في الأصل: (تفنيه).(1/39)
سألته زروة يوما أفوز بها * فأظهر الغضب المقرون بالتيه وقال لي دون ما تبغي وتطلبه * تناول الفلك الأعلى وما فيه رضيت يا معشر العشاق منه * بأن أضحيت يعلم أني من محبيه وأن يكون فؤادي في يديه لكي * يميته بالهوى منه ويحييه وله: لو قيل لي ما تمنى قلت في * عجل أخا صدوقا أمينا غير خوان إذا فعلت جميلا ظل يشكرني * وإن أسأت تلقاني بغفران ويستر العيب في سخط وحال رضي * ويحفظ الغيب في سر وإعلان وأين في هذا الخلق عز مطلبه * فليس يوجد ما كر الجديدان مولده في يوم الخميس لست بقين من جمادى الآخرة سنة اثنتين وتسعين وثلاثمائة.
قال: فأول ما سمعت الحديث، وقد بلغت إحدى عشرة سنة في المحرم سنة ثلاث وأربعمائة.
قال الأمير أبو نصر علي بن هبة الله بن علي بن ماكولا الحافظ: وبعد فإن أبا بكر أحمد بن علي بن ثابت الخطيب البغدادي كان أحد الأعيان ممن شاهدناه معرفة وإتقانا وحفظا وضبطا لحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، وتفهما في علله وأسانيده وخبرة (1) برواته وناقليه، وعلما بصحيحه وغريبه وفرده ومنكره وسقيمه ومطروحه، ولم يكن للبغداديين بعد أبي الحسن علي بن عمر الدارقطني من يجرى مجراه، ولا قام بعده مهتما
بهذا الشأن سواه، فقد استفدنا كثيرا من هذا اليسير الذي نحسنه به وعنه، وتعلمنا شطرا من هذا القليل الذي نعرفه بتنبيهه ومنه، فجزاه الله تعالى عنا الخير ولقاه الحسنى، ولجميع مشايخنا وأئمتنا ولجميع المسلمين.
حضر أبو بكر الخطيب درس الشيخ أبي إسحاق الشيرازي، فروى الشيخ حديثا من رواية بحر بن كثير (2) السقائي، ثم قال للخطيب: ما تقول فيه ؟ فقال الخطيب: إن أذنت لي ذكرت حاله.
فأسند الشيخ أبو إسحاق ظهره من الحائط قعد مثل ما يقعد التلميذ بين يدي الأستاذ يستمع كلام الخطيب، وشرع الخطيب في شرح أحواله ويقول: قال فيه فلان كذا، وقال فلان كذا وشرح أحواله شرحا حسنا وما ذكر فيه
__________
(1) في الأصل: (خبرية)، والتصحيح من ابن عساكر.
(2) في الأصل: (كنيز).(1/40)
الأئمة من الجرح والتعديل إلى أن فرغ منه، فأثنى الشيخ أبو إسحاق عليه ثناء حسنا وقال: هو دار قطني عهدنا.
لما رجع أبو بكر الخطيب من الشام كانت له ثروة من الثياب والعين، وما كان له عقب.
فكتب إلى القائم بأمر الله: إني إذا مت يكون ما لي لبيت المال فأذن لي حتى أفرق مالي على من شئت ! فأذن له الخليفة في ذلك، ففرقها على أصحاب الحديث.
ذكر بعض مصنفاته: (تاريخ بغداد)، مائة وستة أجزاء، (المؤتلف والمختلف) أربعة وعشرون جزءا، (المتفق والمفترق) ثمانية عشر جزء، (تلخيص المتشابه)، (الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع)، (الكفاية)، (رافع الارتياب في المقلوب من الأسماء والأنساب)، (كتاب الفقيه والمتفقه)، (السابق واللاحق)، (المكمل في بيان المهمل)، (تمييز المزيد (1) في متصل الأسانيد)، (التبيين لأسماء المدلسين)، (سهو أصحاب الحديث)، (من وافقت كنيته اسم أبيه)، (تقييد العلم)، (كتاب البخلاء)، (كتاب
الطفيليين)، (كتاب القنوت)، (قبض العلم)، (الغسل للجمعة)، (الجهر بالتسمية)، (منهج سبيل (2) الصواب في أن التسمية آية في فاتحة الكتاب)، (من حدث ونسى)، (صلاة التسبيح)، (اقتضاء العلم العمل) (3).
أنشدني جعفر بن علي الهمذاني في الإسكندرية قال: أنشدني أبو طاهر السلفي الحافظ لنفسه من مصنفات الخطيب: تصانيف ابن ثابت الخطيب * ألذ من الصبا الغض (4) الرطيب تراها إذا رواها من حواها * رياضا للفتى اليقظ اللبيب ويأخذ حسن ما قد ضاع منها * بقلب الحافظ الفطن الأريب فأيه راحة ونعيم عيش * يوازي كتبها بل أي طيب قال الحافظ أبو بكر الخطيب: من صنف فقد جعل عقله على طبق يعرضه على الناس.
تقدم رئيس الرؤساء إلى الخطباء والوعاظ أن لا يرووا حديثا حتى يعرضون على الخطيب فما ذكره صحته أو ردوه، وما رده لم يذكروه.
وأظهر بعض اليهود كتابا وادعى أنه كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم بإسقاط الجزية عن أهل خيبر وفيه شهادات الصحابة
__________
(1) في الأصل: (وتخير المريد).
(2) في الأصل: (منهج سبيل الصواب).
(3) في الأصل: (اقتضاء للعلم العمل).
(4) في الأصل: (الغد).
(*)(1/41)
وذكروا أن خط علي بن أبي طالب فيه، وحمل الكتاب إلى رئيس الرؤساء، فعرضه على الخطيب فتأمله ثم قال: هذا مزور ! قيل له: ومن أين قلت ذلك ؟ فقال: في الكتاب شهادة معاوية بن أبي سفيان، ومعاوية أسلم عام الفتح سنة ثمان، وخيبر فتحت سنة سبع ولم يكن مسلما في ذلك الوقت ولا حضر ما جرى، وفيه شهادة
سعد بن معاذ الأنصاري ومات يوم بني قريظة بسهم أصابه في أكحله (1) يوم الخندق، وذلك قبل فتح خيبر بسنتين، فاستحسن ذلك منه ولم يجزهم على ما في الكتاب.
قال أبو الفضل أحمد بن الحسن بن خيرون: توفي الخطيب ضحوة نهار يوم الإثنين، ودفن يوم الثلاثاء ثامن ذي الحجة سنة ثلاث وستين وأربعمائة، ودفن بباب حرب إلى جنب بشر بن الحارث، وصلي عليه في جامع المنصور، وتقدم عليه القاضي أبو الحسين محمد بن علي بن المهتدي بالله وتصدق بجميع ماله وهو مائتا دينار فرق ذلك على أصحاب الحديث والفقهاء والفقراء في مرضه، ووقف جميع كتبه على المسلمين وأخرجت من حجرة تلي النظامية في نهر مقلى، وتبعه الفقهاء والخلق العظيم، وكان بين يدي الجنازة جماعة ينادون: هذا الذي كان يذب عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، هذا الذي كان يحفظ حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم.
مولده سنة إحدي وتسعين وثلاثمائة.
أخبرنا أبو البركات الأمين بدمشق، أنبأنا عمي أبو القاسم الحافظ قال: قرأت بخط غيث بن علي قال أبو القاسم مكي بن عبد السلام المقدسي: كنت جالسا في منزل الشيخ أبي الحسن الزعفراني ببغداد ليلة الأحد الثاني عشر من ربيع الأول سنة ثلاث وستين وأربعمائة فرأيت في المنام عند السحر كأنا اجتمعنا عند الشيخ أبي بكر الخطيب في منزله بباب المراتب لقراءة التاريخ على العادة، فكان الشيخ الإمام جالسا والشيخ الفقيه أبو الفتح نصر بن إبراهيم المقدسي عن يمينه وعن يمين الفقيه نصر رجل جالس لا أعرفه فسألت عنه، فقلت: من هذا الرجل الذي لم تجر عادته بالحضور معنا ؟ فقيل لي: هذا رسول الله صلى الله عليه وسلم، جاء ليسمع التاريخ.
فقلت في نفسي: هذه جلالة للشيخ أبي بكر إذ يحضر النبي صلى الله عليه وسلم مجلسه، فقلت في نفسي وهذا أيضا رد لقول من يعيب التاريخ ويذكر أن فيه تحاملا على أقوام - رحمه الله
__________
(1) في الأصل: (كحله).(1/42)
39 - أحمد بن علي بن محمد بن برهان الوكيل، أبو الفتح الفقيه الشافعي (1): تفقه في صباه على مذهب أحمد بن حنبل على أبي الوفاء بن عقيل، ثم انتقل إلى مذهب الشافعي، وقرأ على أبي بكر الشاشي وأبي حامد الغزالي، وكان ذكيا، خارق الذهن، ولم يزل يبالغ في الطلب والاشتغال والحفظ والتحقيق وحل المشكلات واستخراج المعاني حتى صار يضرب به المثل.
ولى التدريس بالنظامية، ثم عزل عنها.
سمع الحديث بنفسه من أبي طاهر أحمد بن الحسن الكرخي وأبي الخطاب نصر بن أحمد بن البطر وأبي عبد الله الحسين بن أحمد بن محمد بن طلحة النعال.
توفي يوم الأربعاء ثامن عشر جمادى [ الأولى ] (2) من سنة ثمان عشرة وخمسمائة، وصلى عليه بجامع القصر ودفن بباب أبرز.
40 - أحمد بن علي بن المعمر بن محمد بن المعمر بن أحمد بن محمد بن محمد بن عبيد الله العلوي الحسيني (3): نقيب الطالبيين ببغداد.
ولى النقابة على الطالبيين بعد أبيه في سنة ثلاثين وخمسمائة، ولم يزل على ولايته إلى حين وفاته، وكان يسكن بالحريم الظاهري في دار له مشرفة على دجلة.
سمع أبا الحسن علي بن محمد بن علي بن العلاف وأبا الحسين المبارك بن عبد الجبار الصيرفي، وكان مجدا في الرواية، وكان يشعر شعرا حسنا، وينثر نثرا فائقا، فمن شعره: دمع يخد وجنة تتخدد * وجوى يزيد وزفرة تتجدد وصبابة ترمي وصبر نافر * وضنى يجول وجور وجد يلبد وهوى يشعب فكرتي ويذيبني * شوقا يقسمه كواعب خرد
وحنين قلب واشتجار وساوس * ودوام تهيام وجفني يسهد وأنين خلب محدق وغرام وج * - د معلق وجوارح تتلبد ونحول جسم واضح وسقام ح * - ب فاضح وحياد عقل ويشرد
__________
(1) انظر: طبقات الشافعية 4 / 24.
والأعلام 1 / 167.
(2) ما بين المعقوفتين زيادة من طبقات الشافعية.
(3) انظر: معجم الأدباء 4 / 70 - 72.
(*)(1/43)
وغريم تذكار مقيم ساخط * أبدا على رسول يتمرد وتلفت نحو الديار وإنه يحيى بها دمعي الذي لا يجمد وتطلع نحو الغوير ولوعه * لسيارها شغفا يخب ويزيد وتنسم الأنباء في رأد الضحى * وتنفس الصعداء إذ لا موعد قرأت بخط النقيب أبي عبد الله: المولد في شوال سنة ثلاث وسبعين وأربعمائة.
وتوفي يوم الأربعاء ثامن عشر جمادي الأولى سنة تسع وستين وخمسمائة، ودفن من الغد.
41 - أحمد بن عمر بن الأشعث - ويقال ابن أبي الأشعث، أبو بكر المقرئ (1): من أهل سمرقند.
سافر إلى الشام وسكن دمشق مدة، وقرأ بها القرآن على أبي علي الحسن بن علي الأهوازي، وسمع منه الحديث ومن أبي عبد الله الحسين بن محمد الحلبي، وأبي عمر إسماعيل الصابوني، ثم إنه قدم بغداد واستوطنها إلى حين وفاته، وأقرأ بها القرآن، وحدث، وكان مجودا متقنا عارفا بالروايات واختلافها متحريا.
ويحكى أن أبا بكر السمرقندي خرج (2) مع جماعة إلى ظاهر البلد في فرجة، فقدموه (3) يصلي بهم، وكان مزاحا، فلما سجد بهم تركهم في الصلاة وصعد في شجرة، فلما طال عليهم انتظاره رفعوا رؤوسهم فلم يجدوه في مصلاه، وإذا به في
الشجرة يصيح صياح السنانير، فسقط من أعينهم، فخرج إلى بغداد وترك أولاده بدمشق.
مولده سنة ثمان وأربعمائة، وتوفي في سادس عشر رمضان سنة تسع وثمانين وأربعمائة، وقيل مولده سنة ثمان وثمانين وثلاثمائة، ودفن بمقابر الشهداء 42 - أحمد بن أبي غالب بن أحمد بن عبد الله بن محمد الوراق، أبو العباس الزاهد المعروف بابن الطلاية (4): يقال إن والدته كانت تطلي الكاغذ عند عمله بالدقيق المعجون بالماء رقيقا قبل
__________
(1) انظر: طبقات القراء 1 / 29.
وتهذيب ابن عساكر 1 / 415.
(2) في الأصل: (خارج).
(3) في الأصل: (فقلدوه).
(4) انظر: العبر في خبر من غبر 4 / 129.
(*)(1/44)
صقله، فاشتهرت بذلك.
كان أحمد هذا من عباد الله الصالحين، كثير العبادة مشهورا بالزهد.
كان يذكر أنه سمع في صباه من أبي القاسم عبد العزيز بن علي الأنماطي بن بنت السكري شيئا من الحديث، ولم يظهر له عنه شئ.
توفي يوم الأحد ثاني عشر رمضان سنة ثمان وأربعين وخمسمائة، ودفن بمقبره باب حرب، وكان من عباد الله الصالحين.
43 - أحمد بن فارس بن زكريا بن محمد بن حبيب، أبو الحسين اللغوي (1): من أهل قزوين، سكن الري، فنسب إليها.
سمع بقزوين أباه - وكان شافعيا لغويا، وأبا الحسن علي بن محمد بن مهرويه وأبا الحسين أحمد بن علان، وبأصبهان أبا القاسم سليمان الطبراني، وببغداد محمد بن عبد الله الدوري.
وقرأ عليه البديع أحمد
ابن الحسين الهمذاني صاحب المقامات.
وكان مقيما بهمذان إلى أن حمل إلى الري ليقرأ عليه أبو طالب بن فخر الدولة علي بن ركن الدولة حسن بن بوية الديلمي، فسكنها.
وكان فقيها شافعيا حاذقا، فانتقل إلى مذهب مالك في آخر عمره، وسئل من ذلك فقال: داخلتني الحمية (2) لهذا الإمام المقبول (3) على جميع الألسنة أن يخلو مثل هذا البلد عن مذهبه.
فإن الري أجمع البلاد للمقالات والاختلاف.
وقد حدث أبو الحسين ببغداد.
قال أبو الحسين بن فارس: دخلت بغداد طالبا للحديث، فحضرت مجلس بعض أصحاب الحديث، فرأيت شابا وعليه سمة جمال وليست معي قارورة، فاستأذنته في كتب الحديث من قارورته، فقال: من انبسط إلى الأخوان بالاستئذان فقد استحق الحرمان.
ومن شعره: وقالوا كيف حالك قلت خير * تقضي حاجة وتفوت حاج إذا ازدحمت هموم الصدر قلنا * عسى يوما يكون لها انفراج
__________
(1) انظر: وفيات الأعيان 1 / 100.
ومعجم الأدباء 4 / 80.
(2) على الهامش الأصل: (أعوذ بالله من الحمية حمية الجاهلية).
(3) في الأصل: (العقول).
(*)(1/45)
نديمي هرتي وشفاء قلبي * دفاتر لي ومعشوقي السراج قال: كان الصاحب بن عباد يقول: شيخنا أبو الحسين بن فارس رزق التصنيف وأمن من التصحيف.
وله من التصانيف: المجمل في اللغة - وكتاب متخير الألفاظ - وكتاب فقه اللغة - وكتاب غريب إعراب القرآن.
يقال إن أبا الحسين بن قارس كان بقزوين يصنف في
كل ليلة جمعة كتابا ويبيعه يوم الجمعة قبل الصلاة ويتصدق بثمنه ! فكان هذا دأبه.
توفي بالري في صفر سنة خمس وتسعين وثلاثمائة، ورحمه الله تعالى.
44 - أحمد بن محمد بن أحمد بن محمد بن الحسن بن الحسين بن علي بن هارون البرداني، أبو علي بن أبي الحسن الحافظ (1): من ساكني الشذا من شارع دار الرقيق، سمع أباه وأبا طالب محمد بن محمد بن غيلان وإبراهيم وعلي ابني عمر البرمكي وأبا محمد الجوهري وأبا القاسم عبد العزيز ابن علي الأزجي وأبا الحسن علي بن إبراهيم بن عيسى الباقلاني وأبا بكر محمد بن عبد الملك بن بشران وأبا طالب محمد بن علي العشاري وأبا القاسم منصور بن عمر ابن علي الكرخي.
ولم يزل يسمع ويكتب إلى حين وفاته.
وكتب بخطه كثيرا، وجمع وخرج وصنف في عدة فنون، وحدث بأكثرها، وكان موصوفا بالحفظ والمعرفة والصدق والثقة والديانة.
مولده سنة ست وعشرين وأربعمائة في النصف من جمادى الأولى، وتوفي في الليلة التي صبيحتها يوم الخميس الحادي والعشرين من شوال سنة ثمان وتسعين وأربعمائة، ودفن في هذا اليوم في مقبرة باب حرب، وكان عارفا بعلم الحديث.
45 - أحمد بن محمد بن أحمد بن محمد بن إبراهيم بن سلفة، أبو طاهر السلفي (2): من أهل أصبهان، محدث وقته وشيخ زمانه.
سمع بأصبهان الرئيس أبا عبد الله القاسم بن الفضل الثقفي وأبا الحسن مكي بن منصور الكرجي وأبا نصر عبد الرحمن
__________
(1) انظر: العبر 3 / 350.
وتذكرة الحفاظ 4 / 1232.
(2) انظر: وفيات اللأعيان 1 / 87 - 90.
(*)(1/46)
ابن محمد بن يوسف النضري وأبا العباس أحمد بن أشتة.
وسافر إلى بغداد في شبابه وسمع بها أبا الخطاب نصر بن البطر القاري وأبا عبد الله الحسين بن علي بن البسري وأبا المعالي ثابت بن بندار، سافر إلى الحجاز (1)، وسمع بمكة والمدينة والكوفة وواسط والبصرة وهمذان وزنجان، ومضى الى الشام، ودخل دمشق وسمع بها كثيرا، ثم إنه دخل ديار مصر وأحيى بها الحديث، وكان حافظا ثقة حجة نبيلا، ختم هذا العلم، وكانت الرحلة إليه من الأقطار، وعمر حتى ألحق الصغار بالكبار.
وحدث ببغداد وهو شاب، وسمع منه الحفاظ والأكابر.
أنشدني عبد الرحيم بن يوسف الدمشقي بالقاهرة من ديار مصر، قال: أنشدنا أبو طاهر أحمد بن محمد السلفي لنفسه: إذا بنى فرط تجافيه * وعذل عذالي معا فيه دعوا ملامي وانظروا ظرفه * في طرفه والدر في فيه ولا حظوا الحسن بألبابكم * كي تعذروا قلب مصافيه ثم اعذلوني بعد أن كان * ما أصابني العقل ينافيه أنشدني أبو القاسم الصوفي بديار مصر، قال: أنشدنا السلفي لنفسه: لم تذق عيني مذ أبصرته * من شقائي طول ليل وسنا ولها في ذاك عذر واضح * فهو كالبدر سناء وسنا أخبرني عبد القادر بن عبد الله الرهاوي الحافظ، فيما سألني به وأذن لي في روايته عنه بحران قال: شيخنا الحافظ الإمام أبو طاهر السلفي الاصبهاني سمع الحديث بأصبهان من سنة ثمان وثمانين وأربعمائة إلى سنة ثلاث وتسعين، وحج ورجع إلى بغداد فأقام بها إلى سنة خمسمائة، فقرأ الحديث والفقه والنحو واللغة، سمع بقراءته الأئمة كالحافظ يحيى بن منده والمؤتمن الساجي ومحمد بن منصور السمعاني وأبي نصر الاصبهاني وغيرهم.
سمعته يقول: كنت بالكوفة مريضا، فكان يجعل لي مخادا أستند إليها وأكتب الحديث، ثم خرج من بغداد سنة خمسمائة إلى واسط والبصرة ودخل نهاوند ومضى إلى همذان وقزوين وزنجان وساوة، ومضى إلى الري، ثم مضى إلى الدريند، وهو آخر
__________
(1) في الأصل: (سمع في الحجاز) (*)(1/47)
بلاد الإسلام، ثم صعد إلى دمشق ودخل ديار (1) مصر - كل هذه البلاد يكتب بها الحديث في إحدى عشرة سنة - فلما وصل إلى الإسكندرية رآه كبراؤها وفضلاؤها، فاستحسنوا علمه وأخلاقه وآدابه، فأكرموه، ثم بعث إلى أصبهان فجاء يكتبه إليه.
وسمعته يقول: كنت أسمع الحديث بالحريم، فسمعت ليلة ثم جئت إلى مسجد، فوضعت الكيس الذي فيه الأجزاء تحت رأسي، فوقع علي شئ ثقيل يشبه الكابوس، فجعل يكبسني حتى ضاق نفسي، وقال: أتدري أيش صنعت ؟ تضع أحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم تحت رأسك ؟ قال: فقمت فنحيت الكيس، ووضعت تحت رأسي آجرة، وجعلت الكيس في حضني ونمت، وبلغني أنه في هذه المدة التي كان بالإسكندرية - وهي ستون سنة - ما خرج إلى بستان ولا فرجة غير مرة واحدة، بل كان عامة دهره لازما بيته ومدرسته، وما كان ندخل عليه إلا نراه مطالعا في شئ، وكان حليما متحملا لجفاء الغرباء.
وسمعت أبا علي الأوقي بالقدس يقول: سمعت شيخنا أبا طاهر السلفي يقول: لي ستون سنة بالإسكندرية: ما رأيت منارتها إلا من هذه الطاقة - وأشار إلى طاقة في غرفة، وكان يجلس فيها.
قال الحافظ أبو الحسن علي بن المفضل المقدسي: مولده - شيخنا السلفي الحافظ - بعد السبعين والأربعمائة، ووفاته في ليلة الجمعة الخامس من شهر ربيع الآخر سنة ست وسبعين وخمسمائة.
وحدث قبل بلوغ العشرين، وكان قدومه الإسكندرية في
سنة إحدي عشرة وخمسمائة، ولم يزل مقصودا للسماع منه والرواية عنه أكثر من ستين سنة، وكتب بخطه شيئا كثيرا، وكان أكثر أصوله بخطه.
سمعته يقول: متى لم يكن أصلي بخطي، لم أفرح به.
وكان جيد الضبط، حسن الخط، كثير البحث عما يشكل عليه إلى أن يجرده على ما يصح لديه، رحمة الله عليه.
46 - أحمد بن محمد بن إسماعيل النحاس، أبو جعفر النحوي (2): من أهل مصر، سمع بمصر جماعة منهم أبو جعفر أحمد بن محمد بن سلامة الطحاوي وأبو عبد الرحمن أحمد بن شعيب النسائي وبكر بن سهل الدمياطي، وسمع
__________
(1) في الأصل: (دريا).
(2) انظر: وفيات الأعيان 1 / 29.
ومعجم الأدباء 4 / 224 - 230.
(*)(1/48)
بالرملة من عبيد الله بن إبراهيم البغدادي، ورحل إلى بغداد، سمع بها أبا بكر جعفر ابن محمد الفريابي وعمر بن إسماعيل بن أبي غيلان، وإبراهيم بن محمد بن عرفة نفطويه وأبا العباس محمد بن يزيد المبرد وغيرهم، وسمع بالكوفة محمد بن الحسن بن سماعة وقرأ كتاب سيبويه على الزجاج ببغداد.
ثم إنه عاد إلى مصر، واشتغل بالتصنيف.
فصنف أكثر من خمسين مصنفا، منها: (إعراب القرآن) و (الكافي في علم العربية)، و (معاني القرآن)، و (شرح المعلقات) ذكر أبو عبد الله الزبيدي المغربي في كتابه (أخبار أهل الأدب) أن أبا جعفر النحاس لم يكن له مشاهدة فإذا خلا بقلمه جود وأحسن، وكان لا ينكر أن يسأل أهل النظر والفقه، ويناقشهم (1) عما أشكل عليه في تصانيفه.
قال: وكان لئيم النفس، شديد التقتير على نفسه.
وحدث بمصنفاته توفي في ذي الحجة سنة ثمان وثلاثين وثلاثمائة، رحمه الله تعالى.
47 - أحمد بن محمد بن الحسين بن علي الشيرازي الحاجي، أبو بكر بن أبي
عبد الله الأرجاني (2): قاضي تستر.
كان أحد أفاضل الزمان لطيف العبارة، مليح النثر، رشيق النظم، دقيق المعاني، كامل الأوصاف.
ورد بغداد مرات ومدح بها المستنجد بالله وروي بها شيئا من الحديث ومن شعره.
سمع بأصبهان أبا بكر محمد بن أحمد بن ماجة، وبكرمان من الشريف أبي يعلى بن الهبارية، وروي عن والده بالإجازة، سمع منه ابن الخشاب.
ومن شعره: ومقسومة العينين من دهش النوى * وقد راعها بالعيس (3) رجع حداء تجيب بإحدى مقلتيها تحيتي * وأخرى تراعي أعين الرقباء رأت حولها الواشين طافوا فغيضت * لهم دمعها واستقصمت بحياء فلما بكت عيني غداة وداعهم * وقد روعتني فرقة القرناء
__________
(1) في الأصل: (مفاتشتهم).
(2) انظر: طبقات الشافعية للأسنوي 1 / 110.
وطبقات الشافعية للسبكي 4 / 51، ومرآة الجنان 3 / 281.
والمنتظم 18 / 72 - 74.
(3) في الأصل: (المعيش).
(*)(1/49)
بدت في محياها خيالات أدمعي * فغاروا وظنوا أن بكت لبكائي وله: ولما (1) بلوت الناس أطلب منهم * أخا ثقة عند اعتراض الشدائد تطمعت في حالي رخاء وشدة * وناديت في الأحياء هل من مساعد فلم أر فيما ساءني غير شامت * ولم أر فيما سرني غير حاسد وله:
حيث انتهيت من الهجران [ لي ] (2) فقف * ومن وراء (3) دمي بيض الظبى فخف يا عابثا (4) بعدات الوصل يخلفها * حتى إذا جاء ميعاد الفراق يفي اعدل كفاتن قد منك معتدل * واعطف كمائل غصن منك منعطف ويا عذولي ومن يصغى إلى عذلي * إذا رنا أحور العينين ذو هيف تلوم قلبي أن أصماه ناظره * فيم اعتراضك بين السهم والهدف سلوا عقائل هذا الحي أي دم * للاعين النجل عند الأعين الذرف يستوصفون لساني عن محبتهم وأنت تصدق يا دمعي لهم فصف ليست دموعي لنار الشوق مطفئة * وكيف والماء بارد والحريف خفي لفم أنس يوم رحيل الحي موقفنا * والعيس تطلع (5) أولاها على شرف والعين من لفتة الغيران ما حظيت (6) * والدمع من رقبة الواشين لم يكف وفي الحدوج الغوادي كل آنسة * إن ينكشف سجفها للشمس تنكسف تبين عن معصم (7) بالوهم ملتزم * منها وعن مبسم باللحظ مرتشف في ذمة الله ذاك الركب أنهم * ساروا وفيهم حياة المغرم الدنف فإن أعش بعدهم فردا فيا عجبي * وإن أمت هكذا وجدا فيا أسفي قل للذين رمت بي عن ديارهم * أيدي الخطوب إلى هذا الهوى انقذف
__________
(1) في الأصل: (ولو بلوت).
(2) ما بين المعقوفتين زيادة من الديوان.
(3) في الأصل: (ولاء).
(4) في الأصل: (غانيا).
(5) في الأصل: (مطلع).
(6) في الأصل: (ما خطبت).
(7) في الأصل: (مفصهم).
(*)(1/50)
إن أبق أرجع إلى العهد القديم وإن * ألق الوزير من الأيام أنتصف وله: أهواكم وخيالكم يهواني * فلقد شجاه فراقكم وشجاني أضحى أخا سفر فما ألقاكم * وأبيت ذا سهر فما يلقاني توفي بتستر سنة أربع وأربعين وخمسمائة، ومولده في حدود سنة ستين وأربعمائة.
آخر الجزء الثاني من المستفاد من ذيل تاريخ بغداد * * *(1/51)
الجزء الثالث من المستفاد من ذيل تاريخ بغداد انتقاء كاتبه أحمد بن أيبك بن عبد الله الحسامي الدمياطي(1/53)
بسم الله الرحمن الرحيم رب أعن 48 - أحمد بن محمد بن عمر بن هبة الله بن خدا داد، الغزنوي الأصل البادرائي المولد، أبو العباس الفقيه الشافعي (1): من ساكني المدرسة النظامية كان شابا فاضلا أديبا فقيها، وكان أحد تلامذة يوسف الدمشقي، وكان يتولى بعض الأمور بين يدي ابن هبيرة.
كتب إلى أبو عبد الله محمد بن محمد الاصبهاني الكاتب، قال: أنشدنا أحمد بن محمد البادرائي للوزير ابن هبيرة قصيدة يمدحه بها وأنا حاضر به: ولما بدا ربع الأحبة باللوي * وقد جد جد الركب قلت لهم: قفوا
قفوا نزح الأنضاء أبدى تعطفا * عليها، وما منى عليها تعطف وإن بودي لو تعرفت شرقها * لنمكث حينا باللوى ونجدف أحاول كتمان الهوى ومدامعي * تفيض فتبدى ما أجن وتكشف وما بي بذاك الربع ظبى كأنما * تسنم حقفا منه غصن مهفهف غزال على صيد الضواغم قادر * ويعجز عن حمل الوشاح ويضعف تصدى لقتلي بالقلى عامدا فما * أصادفه إلا يصد ويصدف ومنها: كأني فعول في الطويل ومهجتي * بكف الأسى كالنون بالكف ترجف وها أنا معتل الثلاثي والضنا * من النحو تصريف يتصرف ومنها: إذا قال واش قد سلا فتيقنوا * هنالك أني مغرم القلب مدنف أذل لكم في الحب ذلا مكانه * على عزكم والله يدري تعجرف ويؤنسني هجرانكم ثم أنني أعلل قلبي بالمنى وأسوف وأعسر من صبري فأثرى (2) تجلدا * كما يستر الأخلاق مني التعفف
__________
(1) انظر: شذرات الذهب 4 / 191.
المنتظم، لابن الجوازي 10 / 214.
(2) هكذا في الأصل.
(*)(1/55)
49 - أحمد بن محمد بن عمر بن عبيد الله الأزجي، أبو بكر المؤدب: تفقه بالمدرسة الكمالية على أبي القاسم الفراتي الضرير، غلام ابن الخل وسمع الحديث من شيوخنا أبي الفرج بن الجوزي، وذاكر بن كامل ويحيى بن بوش وأمثالهم، ثم إنه سافر إلى الموصل، وسكن بدار الحديث المظفرية، وصحب شيخها عبد القادر الرهاوى، وكتب بخطه كثيرا وقرأ بنفسه.
وكان شابا أديبا فاضلا، يكتب خطا
حسنا، متوددا (1)، طيب الأخلاق.
أنشدني رفيقنا أحمد بن محمد الأزجي لنفسه: أحبة قلبي طال شوقي إليكم * وعز دوائي (2) ثم لم يبق لي صبر أحن إليكم والحنين يذيبني * وأشتاقكم عمري وينصرم العمر فو الله ما اخترت البعاد ملالة * ولا عن قلى [ يا ] سادتي فلي العذر ولكن قضى ربي بتشتيت * له الحمد فيما قد قضى وله الكشر شملنا فصبرا لعل الله يجمع بيننا * نعود كما كنا ويصفو لنا الدهر وجد أبو بكر الأزجي مقتولا على باب دراه في سحرة يوم الأربعاء السادس عشر من شهر ربيع الآخر سنة عشر وستمائة، ودفن بمقبرة معروف الكرخي.
وما أظنه بلغ الأربعين.
50 - أحمد بن محمد بن الفضل بن عبد الخالق بن الخازن، الكاتب (3): أديب، غزير الفضل، وشاعر مليح الشعر، فمنه: إن التواضع رفعة * خلق الكريم لها خلق كالبدر إحسن ما ترا * ه العين في ذيل الأفق وله: فرشت خدي للعشاق (4) قاطبة * فصحن خدي لهم أرض إذا عتقوا لو لا اخضراري من سقيا مدامعهم * لكنت من زفرات الوجد أحترق
__________
(1) في الأصل: (مقودد).
(2) في الأصل: (دواوى).
(3) انظر: شذرات الذهب 4 / 57.
ووفيات الأعيان 1 / 121 - 124.
(4) في الأصل: (العشاق).
(*)(1/56)
مات في صفر سنة ثمان عشرة وخمسمائة، هكذا ذكره ولده نصر الله.
51 - أحمد بن محمد بن محمد، الغزالي الطوسي، أبو الفتوح الواعظ (1): أخو الإمام أبي حامد، من أحسن الناس كلاما في الوعظ، وأرشقهم عبارة، مليح التصرف فيما يورده، حلو الاستشهاد، أظرف أهل زمانه وألطفهم طبعا.
دخل بغداد ونزل برباط شيخ الشيوخ، وعقد مجلس الوعظ بجامع القصر وبالمدرسة التاجية وغيره.
قرأ المقرئ بين يديه بالمدرسة التاجية: (يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم) - الآية شرفهم بياء الإضافة إلى نفسه بقوله: يا عبادي، ثم أنشد: وهان على اللوم في جنب حبها * وقول الأعادي إنه لخليع أصم إذا نوديت باسمي وإنني * وإذا قيل لي يا عبدها لسميع ومن شعره: أتاني الحبيب بلا موعد * فأخلق خلق الورى بالكرم أعاد الوصال وعاد الفراق * فحق التلاقي وزال التهم فما زلت أرتع روض المنى * كما كنت أقرع سن الندم وله: أنا صب مستهام وهموم لي عظام * طال ليلي دون صحبي سهرت عيني وناموا أرقب عيني لترق فشربناها وصاموا * بي غليل وعليل وغريم وغرام ففؤادي لحبيبي ودمي ليس حرام * ثم عدولي لعذولي آفة العشق كرام توفي بقزوين في حدود سنة عشرين وخمسمائة - رحمه الله تعالى.
52 - أحمد بن يحيى بن إسحاق بن الرواندي، أبو الخير (2) المتكلم (3): من أهل مرو الروذ سكن بغداد، وكان من متكلمي المعتزلة، ثم فارقهم وصار ملحدا.
قال القاضي أبو علي التنوخي: كان ابن الراوندي ملازم أهل الإلحاد، فإذا عوتب
__________
(1) انظر: ميزان الاعتدال 1 / 61.
ولسان الميزان 1 / 293.
والمنتظم 17 / 581.
(2) في وفيات الأعيان: (أبو الحسين).
(3) انظر: وفيات الأعيان 1 / 78، 79.
والأعلام 1 / 225.
والعبر 2 / 116.
(*)(1/57)
في ذلك قال: إنما اردت أن أعرف مذاهبهم، ثم إنه كاشف وناظر، ويقال إن أباه كان يهوديا، فأسلم هو.
وقال بعض اليهود: يقول للمسلمين لا يفسدن عليكم هذا كتابكم كما أفسد أبوه علينا التوراة.
ومن شعره: محن الزمان كثيرة ما تنقضي * وسرورها يأتيك كالأعياد ملك الأكارم فاسترق رقابهم * وتراه رقا في الأعاد هلك ابن الراوندي وله ست وثلاثون سنة مع ما انتهى إليه من (1) التوغل في المخازي، وذلك في سنة ثمان وتسعين ومائتين.
53 - أخمشاد بن عبد السلام بن محمود الغزنوي، أبو المكارم، الفقيه الحنفي (2): ذكره العماد الكاتب في (الخريدة)، فقال: كان من فحول العلماء وقروم الفضلاء، بحرا متموجا وفجرا متبلجا وهماما فاتكا وحساما باتكا، إذا جادل جدل الأقران، وإذا ناظر بذ النظراء والأعيان.
شاهدته بأصبهان في سني ثلاث وأربع وخمس وأربعين وخمسمائة وجاورته، فوجدته بحسن المنظر والمخبر، ذا رواء وروية، ولمعان وألمعية، فصيح العبارة، وكان عارفا بتفسير كتاب الله تعالى.
توفي في سنة اثنتين وخمسين وخمسمائة وقد بلغ سن الاكتهال واختلس عند الكمال.
ومن شعره ما أنشده لنفسه بأصبهان من قصيدة:
أمالك رقى (3) مالك اليوم رقة * على صبوتي والخير من تبعاتها سألت حياتي إذ سألتك قبلة * لي الربح فيها خذ (4) حياتي وهاتها وله
__________
(1) في الأصل: (في التوغل).
(2) انظر: الجواهر المضية 1 / 135.
(3) في الأصل: (بقى).
(4) في الأصل: (فيها عند حياتي).
(*)(1/58)
يا عاذلي أقصر وكن عاذري * في حب ظبيي أكحل الناظر ما كحل الناظر ذاك الذي قد قصد الأكحل من ناظري حلا مذاقا وهو مستملح * والحلو (1) في الملح في النادر 54 - أسبهدوست بن محمد بن الحسن بن أسفار بن شيرويه الديلمي أبو منصور (2): شاعر مليح الشعر، مطبوع المعاني، رشيق الألفاظ، حدث عن أبي أحمد عبد السلام بن الحسين البصري وأبي نصر عبد العزيز بن نباتة السعدي، روى عنه ديوانه.
ومن شعره: نفسي الفدا لمن غدا * قلبي أسيرا في يديه قمر كأن بخده * زهر الربيع وعارضيه لما رأيت بدائعا (3) من حسنه تدعو إليه أبصرت أعونا علي * ولم أجد عونا عليه وله: ما ليلة بت فيها * ضجيع غصن وبدر ألذ منه بطيب * ومن جناه بخمر
جمعت بالوصل شملي * من بعد بين وهجر لو لم يردعني (4) فؤادي * بضوء صبح وفجر لكنت ليلة قدر * أجل من ألف شهر وله في أبي الفتوح الواعظ، ولم يشاهد في زمانه أحسن صورة منه ولا أعذب لفظا: وواعظ تيمنا وعظه * فعرفه شيب بإنكار ينهي عن الذنب وألحاظه * تأمر في الذنب بإصرار
__________
(1) في الأصل: (والحلق).
(2) انظر: النجوم الزاهرة 5 / 104.
وفوات الوفيات 1 / 15، 16.
والمنتظم 16 / 184.
(3) في الأصل بلا نقط.
(4) في الأصل: (يردعي)..(*)(1/59)
وما رأينا قبله واعظا * مكسب آثام وأوزار لسانه يدعو إلى جنة * ووجهه يدعو إلى نار مولده في سنة اثنتين وثمانين وثلاثمائة، وتوفي في يوم الجمعة لأربع بقين من شهر ربيع الأول من سنة تسع وتسعين وأربعمائة، ودفن بالخيزرانية.
55 - إسماعيل بن أحمد بن عمر بن أبي الأشعث السمرقندي، أبو القاسم بن أبي بكر المقرئ (1): ولد بدمشق ونشأ بها، وأسمعه والده في صباه من أبي الحسن أحمد بن عبد الواحد ابن محمد بن أبي الحديد وأبي محمد عبد العزيز بن أحمد الكتاني وأبي الحسين عبد الدائم بن الحسن الهلالي، ثم قدم بغداد في سنة تسع وستين وأربعمائة واستوطنها إلى حين وفاته.
وسمع بها الكثير من أبي الحسين أحمد بن النقور وأبي محمد عبد الله بن محمد الصريفيني وأبوي القاسم عبد العزيز بن علي الأنماطي وعبد الله بن الحسن الخلال، وأبي منصور عبد الباقي بن محمد بن غالب العطار، وقرأ الكثير بنفسه، وكتب بخطه، وحصل الأصول الحسان، وحدث بالكثير، وكان ثقة صدوقا فاضلا، روى عنه ابن ناصر وابن الجوزي وجماعة من الأئمة.
أخبرني محمد بن محمود العدل بهراة قال: سمعت أبا سعد بن السمعاني يقول: سمعت أبا القاسم بن السمرقندي يقول: رأيت النبي صلى الله عليه وسلم في النوم كأنه مريض، وقد مد رجليه، فدخلت وكنت أقبل أخمص رجليه وأمر وجهي عليهما، فحكيت هذا المنام لأبي بكر بن الخاضبة، فقال لي: أبشر يا أبا القاسم بطول البقاء وبانتشار الرواية عنك لأحاديث النبي صلى الله عليه وسلم، فإن تقبيل رجله اتباع أثره، وأما مرض النبي صلى الله عليه وسلم، فيحدث وهن في الإسلام، فما أتى على هذا الحديث إلا قليل (2) حتى وصل الخبر أن الأفرنج استولت على بيت المقدس.
قال الحافظ أبو طاهر السلفي: أبو القاسم ثقة، وله أنس بمعرفة الرجال دون معرفة أخيه الحافظ أبي محمد.
__________
(1) انظر: طبقات الشافعية للسبكي 4 / 402.
وطبقات القراء 1 / 161.
وتهذيب تاريخ ابن عساكر 3 / 01.
(2) في ا لأصل: (وليل).
(*)(1/60)
مولده يوم الجمعة رابع رمضان سنة أربع وخمسين وأربعمائة، وتوفي ليلة الثلاثاء ودفن يوم الأربعاء ثامن عشر من ذي القعدة سنة ست وثلاثين وخمسمائة بباب حرب في مقابر الشهداء، وصلى عليه بجامع القصر وبالنظامية.
56 - إسماعيل بن عباد بن العباس بن عباد بن أحمد بن إدريس الطالقاني، أبو
القاسم بن أبي الحسن الوزير الملقب بالصاحب (1): كان والده يلي الوزارة لركن الدولة الحسن بن بويه، وهو من طالقان، وولى ولده إسماعيل الكتابة لمؤيد الدولة أبي منصور بويه بن ركن الدولة أبي علي في أول أمره.
ورد معه إلى بغداد في أيام معز الدولة وجالس بها العلماء.
وسمع الحديث من شيوخ ذاك الوقت.
قال أبو بكر محمد بن منصور بن إسماعيل: كنت في مجلس الصاحب بن عباد بالري لوقعة وقعت لي مع الباعة فرفعتها إليه وقد حضر جماعة من الفضلاء والأدباء، وتجاروا في طلب التجانس في أشعار المحدثين، فقال صاحبه الخاص أبو القاسم الكاتب: كان مولانا الصاحب ببغداد في مجلس عضد الدولة، فتجاروا بمثل ذلك، فأنشدنا كاتب الأمير بالحضرة، وعضد الدولة حاضر، فقال: ومن أطرف التجانس قول مولانا: طربت من الصبوح إلى الصباح * ونثرت الراح بالعدد الملاح وكان الثلج والكافور تبرا * ونارا بين نارنج وراح فمشمومي ومشروبي وزادي وصبحي والصبوح مع الصباح حريق في حريق في حريق * صباح في صباح في صباح قال أبو القاسم الكاتب: فقلت مسرعا: ولمولانا الصاحب على هذا الوزن والقافية، وأنشدت بحضرتهما: تبسم إذ تبسم عن أقاح * وأسفر حين أسفر عن صباح وأتحفني بكأس من رضاب * وكأس من حنى ورد وراح له وجه يدل به وطرف * يمرضه فيسكر كل صاحي حبيبك والمجلد والثنايا * صباح في صباح في صباح
__________
(1) انظر: وفيات الأعيان 1 / 206 - 210.
وأنباء الرواة 1 / 201 - 202.
ومعجم البلدان 4 / 9.
ومعجم الأدباء 6 / 168.
والمنتظم، لابن الجوزي 14 / 375 - 377.
(*)(1/61)
وللصاحب بن عباد في السمعة: وباكيات على الدجى أسفا * يقطع منهن أدمع صفر تحيى إذا ما رؤوسها قطعت * وهن بالليل أنجم زهر وله: ومهفهف أبهى من القمر * سلب الفؤاد بفاتر النظر جالسه تفاح وجنته * من غير ما خوف ولا حذر فأخافني قومي فقلت لهم * لا قطع في ثمر ولا كثر وله في الثلج: أقبل الثلج في علالة نور * يتهادى كلؤلؤ منثور فكأن السماء زفت على الأر * ض فصار النثار من كافور وله: الحب سكر خماره التلف * يحسن فيه الذبول والدنف عابوه إذ لج في تصلفه * والحسن ثوب طرازه الصلب رأى الصاحب ابن عباد بعض غلمانه الأتراك الحسان الوجوه ينكر على رجل شيئا من المنكر، فأنشأ يقول في الحال: يا حاجا سيف مقلتيه * يمنع عن درعه الدلاص جميل الليل ما لسار * فيها إلى الصبح من خلاص ووجهك البدر ليس يخشى * تمامه عهدة انتقاص وجهك عذر لكل عاص * وأنت تنهى عن المعاصي توفي الصاحب ابن عباد في يوم الجمعة لست بقين منه - أعني من صفر، سنة خمس وثمانين وثلاثمائة بالري، ودفن من غد في داره.
ونظر في الأمور بعده أبو العباس أحمد
ابن إبراهيم الضبي، ثم نقل إلى مدينة أصبهان، ومولده سنة ست وعشرين وثلاثمائة.
57 - إسماعيل بن علي بن محمد بن مواهب، أبو محمد (1):
__________
(1) انظر: معجم الأدباء 7 / 23، 24.
ومعجم المؤلفين 2 / 282.
وبغية الوعاة ص 197 والأعلام 1 / 316.
(*)(1/62)
من أهل الحظيرة من أعمال دجيل من نهر تاب.
قدم بغداد في صباه وقرأ بها الأدب على أبي محمد بن الخشاب وغيره، وقرأ اللغة على أبي محمد بن الجواليقي، وبرع في ذلك، وأنشأ الخطب والرسائل، وصنف كتابا سماه (تحرير الجواب وتقرير الصواب)، وكان زاهدا، حسن الطريقة، سكن الموصل.
ومن شعره: مغرم يدعوك شوقا فأجيي * وأثيبي بالهوى أو لا تثيبي كم أنادي معرضا عن سقمي * ومعي من دعا غير مجيب يا أصحابي ومن حسن الوفا * أن تجيبوا من دعا عند الخطوب ليت شعري من رعى روض الحمى * بعدنا أم من سقى رد القلوب مولده سنة إحدى وثلاثين وخمسمائة، وتوفي بالموصل لعشر مضت من صفر سنة ثلاث وستمائة.
58 - إسماعيل بن محمد بن أحمد بن محمد بن جعفر بن محمد بن أحمد بن موسى ابن زياد بن كرسيد المحتسب، أبو عثمان بن أبي سعد الواعظ، المعروف بابن ملة (1): من أهل أصبهان.
سمع أباه وأبا بكر محمد بن ريذة وأبا بكر محمد بن أحمد بن محمد الكاتب، وعبد الرزاق بن أحمد الخطيب.
قدم بغداد حاجا في سنة إحدى وتسعين وأربعمائة، وحدث بها، ثم دخلها ثانيا بعد الخمسمائة وأقام مدة بها.
وأملى
عدة مجالس في جامع القصر.
قال ابن ناصر: وضع ابن ملة حديثا وأملاه، وكان يخلط.
قلت: وقد سرد به الحافظ بالصدق، وكذلك ابن ناصر اليزدي، ولم أعلم لأحد فيه طعنا إلا ما حكاه ابن السمعاني عن ابن ناصر ؟ فالله أعلم مولده يوم الثلاثاء حادي عشر من رجب سنة ست وثلاثين وأربعمائة.
وتوفي في الثالث من ربيع الأول، سنة تسع وخمسمائة، يوم الثلاثاء، وصلي عليه في الجامع العتيق ودفن بالمصلى يوم الأربعاء.
59 - إسماعيل بن مسعدة بن إسماعيل بن أحمد بن إبراهيم بن إسماعيل بن مرداس أبو العباس - وليس بالسلمي - أبو القاسم بن أبي الفضل الإسماعيلي (2):
__________
(1) انظر: المنتظم 17 / 143.
(2) انظر: المنتظم 16 / 234.
والعبر 3 / 286.
(*)(1/63)
من أهل جرجان، حفيد الإمام أبي بكر صاحب الصحيح.
كان من الأئمة الكبار في الفقه والحديث والوعظ والتقدم عند الملوك.
وكان يعظ ويملي، سمع أباه وعمه أبا المعمر المفضل بن إسماعيل وأبا القاسم حمزة بن يوسف السهمي وأبا بكر محمد بن يوسف بن الفضل الخطيب وأبا عبد الله الحسين بن محمد بن الحسين بن موسى البكر اباذي، وحدث بجرجان وأصبهان والري، وقدم بغداد حاجا في سنة اثنتين وسبعين وأربعمائة.
مولده سنة سبع وأربعمائة، توفي بجرجان سنة سبع وسبعين وأربعمائة وكان إماما عالما ثقة.
* * *(1/64)
حرف الباء 60 - بهلول بن عمرو الصيرفي، أبو وهيب المجنون (1): من أهل الكوفة.
حدث من أيمن بن نائل وعمرو بن دينار وعاصم بن أبي النجود، وكان من عقلاء المجانين.
روى المصنف مسنده إلى محمد بن إسماعيل بن أبي فديك، قال: رأيت بهلولا في بعض المقابر وقد دلى رجليه في قبر وهو يلعب بالتراب، فقلت له: ما تصنع ههنا ؟ فقال: أجالس أقواما لا يؤذونني، وإن غبت عنهم لا يغتابونني، فقلت: قد غلا السعر بمرة فهل تدعو الله فيكشف ؟ فقال: والله ما أبالي، ولو حبة بدينار، إن لله علينا أن نعبده كما أمرنا، وإن عليه أن يرزقنا كما وعدنا ! ثم صفق يده وأنشأ يقول: يا من تمتع بالدنيا وزينتها * ولا تنام عن اللذات عيناه شغلت نفسك فيما لست تدركه * تقول لله ما ذا حين تلقاه وله: دع الحرص على الدنيا * وفي العيش فلا تطمع ولا تجمع من المال * ولا تدري لمن تجمع فإن الرزق مقسوم * وسوء الظن لا ينفع فقير كل ذي حرص * غني كل من يقنع قال علي بن عبد الصمد بن الكوفي: خدمت بهلولا عشر سنين أطوف معه حيث طاف، أتسقط من نوادره، وأتلقف من أشعاره، وأذب عنه من يؤذيه، فافتقدته ذات مرة أياما، فلم أره على شدة طلبي له، وافتقادي أثره إلى أن صادفته يوما في بعض أزقة الكوفة والصبيان حوله يرمونه بالحصى.
فلما رأيته قصدت نحوه، فسلمت عليه، فلم يرد علي إلا أن قال: نح عني أولاد الطوامث، ففعلت، وجعلت أسأله من أمره وحاله إلى أن قلت له: ما تشتهي ؟ قال: أريد الباقي بدهن شيرج أو دهن الجوز، فهيأته له
وأدخلته مسجدا، ووضعت القصعة بين يديه، فأقبل يأكل أكلا دلني على أنه جائع.
فأمهلته إلى أن أتى على بعض ما في القصعة، فقلت له: أيها الأستاذ ! هل أحدثت في زقة البشرة شيئا ؟ فضرب يده إلى القصعة وهم أن يضرب بها رأسي، فتغافلت عنه إلى
__________
(1) انظر: فوات الوفيات 1 / 153 - 155.
والطبقات الكبرى للشعراني، 79.
(*)(1/65)
أن سكن وشبع وطابت نفسه، فقلت: حاجتي أيها الأستاذ فقال: اكتب: أضمر أن أضمر حبي له * فيشتكي إضمار إضماري رق فلو مرت به ذرة * لخضبته بدم جاري فقلت: أريد أرق من هذا ! فقال: اكتب: أضمر أن يأخذ المرآة لكي * ينظر تمثاله فأدناها فجاز وهم الضمير منه إلى * وجنته في الهوى فأدماها فقلت: أرق من هذا أيها الأستاذ ! قال: نعم وما أظنه، اكتب: شبهته قمرا إذ مر مبتسما * فكاد يجرحه التشبيه أو كلما ومر في خاطري تقبيل وجنته * فسيلت فكرتي من عارضيه دما فقلت: أرق من هذا ! فقال: يا ابن الفاعلة ! أرق من هذا كيف يكون ؟ رويدك لأنظر، فعسى طبخ في المنزل حريرة أرق من هذا - رحمه الله تعالى.
* * *(1/66)
حرف الجيم 61 - جعفر بن أحمد بن الحسين بن أحمد بن جعفر، أبو محمد القارئ، المعروف بالسراج (1): سمع الكثير من أبي علي الحسن بن أحمد بن شاذان وأبي القاسم عبيد الله بن عمر
ابن أحمد بن شاهين وأبي محمد الخلال وأبي إسحاق البرمكي.
وسافر إلى مكة وسمع بها أبا بكر محمد بن إبراهيم الأردستاني وأبا القاسم علي بن الحسين بن محمد بن عبد الرحيم، ودخل الشام، فسمع بدمشق أبا محمد عبد العزيز الكتاني، وتوجه إلى ديار مصر فسمع بها أبا محمد الحسن بن عبد العزيز الضراب، وجمع مجموعات حسانا، منها: كتاب (مصارع العشاق) وكتاب (حكم الصبيان) وكتاب (مناقب السودان)، ونظم كثيرا من الكتب شعرا في الفقه واللغة والتواريخ.
وله شعر مليح، وكانت له معرفة بالحديث والأدب، وحدث بالكثير.
وكان متدينا، حسن الطريقة مع ظرفه ولطف أخلاقه.
ومن شعره: إذا كنتم تكتبون الحديث * ليلا وفي صبحكم تسمعونا وأفنيتم فيه أعمار كم * فأي زمان به تعملونا وله: بان الخليط فأدمعي * وجدا عليهم تستهل وحدا بهم حادي الفرا * ق عن المنازل فاستقلوا قل للذين ترحلوا * عن ناظري والقلب حلوا ودمي (2) بلا جرم أتيت * غداة بينهم استحلوا ما ضرهم لو أنهلوا * من ماء وصلهم وعلوا سأله السلفي عن مولده، فقال: إما في أواخر سنة سبع عشرة أو أوائل سنة ثمان عشرة وأربعمائة ببغداد.
وتوفي في الليلة التي صبيحتها يوم الأحد الحادي والعشرين من صفر سنة خمسمائة،
__________
(1) انظر: وفيات الأعيان 1 / 309، 310.
ومعجم الأدباء 7 / 153 - 162.
(2) في الأصل: (دمعى).
(*)(1/67)
ودفن في هذا اليوم في مقبرة باب أبرز.
62 - جعفر بن محمد بن جعفر بن أحمد بن محمد بن عبد العزيز العباسي المكي، أبو محمد بن القاضي أبي الحسن: نشأ أبو محمد هذا في طلب الحديث وسماعه، أسمعه والده في صباه من أبي الفتح عبيد الله بن شاتيل وأبي السعادات نصر الله بن عبد الرحمن القزاز وأبي المعالي الفراوي، وكتب عن أقرانه، وبالغ في الطلب بهمة عالية، وحرص وعناية شديدة.
وقرأ بنفسه الكثير، وكتب بخطه، واستكتب بخط غيره.
سمعت معه وبقراءته، وكان عنده حفظ ومعرفة بالحديث وأسماء الرجال والتواريخ، ويكتب خطا مليحا، وينقل نقلا صحيحا، وكان حسن الأخلاق، وطيب المجالسة، حلو المعاشرة، ظريفا كيسا متوددا متواضعا، إلا أنه كان ضجورا ملولا، محبا للعب والمزاح، مخالطا لغير أبناء جنسه وضيع أصوله بيعا وهبة، ولم يزل يسمع معنا إلى أن سافر في أوائل سنة ست وتسعين وخمسمائة إلى الشام، فسمع بالموصل وبلاد الجزيرة ودخل الشام، فسمع بحلب ودمشق.
أنشدني يوسف بن خليل الدمشقي بحلب قال: أنشدني أبو محمد جعفر بن محمد ابن أحمد العباسي لنفسه: إن ضاقت الشام بي أو مل ساكنها * بها مقامي ففي أرض العراق سعة ما لي وللمكث في أرض أذل بها * وهمتي في طلاب العز مرتفعة والمرء يضطر أحيانا فيصنع ما * لو لم يكن منه مضطرا لما صنعه الله ربي معي حيث اتجهت ولن * يضيع من هو في كل البلاد معه مولده في ليلة الأربعاء رابع عشرين صفر سنة اثنتين وسبعين وخمسمائة وتوفي يوم الإثنين العشرين من ذي الحجة سنة ثمان وتسعين وخمسمائة بحماة، ودفن بها.
أوصى جعفر بن محمد العباسي عند موته أن يكتب على قبره (حوائج لم تقض، وآمال لم تنل، وأنفس ماتت بحسراتها) - رحمه الله تعالى عنه وكرمه، آمين.
63 - الحسن بن أحمد بن الحسن بن أحمد بن محمد العطار، أبو العلاء الحافظ المقرئ (1):
__________
(1) انظر: طبقات القراء للجزري 1 / 204.
وشذرات الذهب 4 / 231.
والمنتظم، لابن الجوزي 18 / 208، 209.
(*)(1/68)
من أهل همذان.
إمام في علوم القراءات والحديث والأدب والزهد وحسن الطريقة.
قرأ القرآن بالقراءات بأصبهان على أبي الحداد وغيره، وصنف في القراءات والحديث.
سمع بأصبهان من أبي علي الحداد، وببغداد من أبي القاسم بن بيان وأبي علي بن نبهان وأبي علي بن المهدي، وسافر إلى خراسان وسمع بها من أبي عبد الله الفراوي.
قدم بغداد بعد الخمسمائة.
أخبرنا شهاب الحاتمي بهراة أنا أبو سعد بن السمعاني قال: الحسن بن أحمد بن الحسن العطار الحافظ أبو العلاء من أهل همذان، حافظ متقن ومقرئ فاضل، وحسن السيرة، جميل الأمر، مرضي الطريقة، غزير الفضل، سخي بما يملكه، مكرم للغرباء بما تمتد إليه يده، يعرف الحديث والأدب والقراءات معرفة حسنة، سافر في طلب العلم والحديث إلى أصبهان وخراسان وبغداد، وسمع الكثير ونقل بخطه وفصل الكتب الكبار، سمعته منه بهمذان.
مولده في يوم السبت الرابع عشر من ذي الحجة سنة ثمان وثمانين وأربعمائة.
وتوفي في ليلة الخميس الرابع عشر من جمادي الأولى سنة تسع وستين وخمسمائة - رحمه الله تعالى.
64 - الحسن بن أحمد بن محمد بن حكينا، أبو محمد بن أبي عبد الله،
الشاعر (1): من أهل الحريم الطاهري.
كان من ظراف الشعراء الخلفاء، سهل القول رشيقة، غواصا على المعاني، كثير الثلب والهجاء وأكثر شعره مقطعات، فمنه: إن التي لفتورها * في قتل عاشقها نشاط عين مخيطة لها * في القلب جرح ما يخاط وله: تزايد القول فيه إن له * وردا جنيا في صفحة الخد فتكرشت عارضاه تشعر أن * الشوك لابد منه للورد وله:
__________
(1) انظر: فوات الوفيات 1 / 288.
وشذرات الذهب 4 / 88.
مرآة الزمان 8 / 542.
(*)(1/69)
قيل لي ما تقول في شعرات * رحلت حسن ذلك الخد عنه ونحولي على تزايد وجدي * قلت غطى سنا بأحسن منه فتلافيت قلبه حين خانت * عارضاه بأنني لم أخنه وله: لما بدا خط العذا * ر يزين خديه بمشق وظننت أن سواده * فوق البياض كتاب عتقي فإذا به من سوء حظي * عهدة كتبت برقي [ وله ]: لافتضاحي في عوارضه * سبب والناس لوام كيف يخفي ما أكتمه * والذي أهواه نمام توفي بشارع دار الرقيق في يوم الإثنين سابع عشر ربيع الأول سنة ثمان وعشرين وخمسمائة - رحمه الله تعالى -.
65 - الحسن بن أحمد بن محمد بن محمد بن سليمان العباسي، أبو علي بن أبي
العباس بن أبي عبد الله، المعروف بابن الحويزي (1): ولد ببغداد ونشأ بها، وقرأ القرآن بالروايات على أبي الكرم بن الشهر زوري، وسمع منه ومن أبي القاسم إسماعيل بن السمرقندي وأبي الفرج عبد الخالق بن أحمد بن يوسف، وقرأ الأدب على أبي محمد بن الخشاب.
ثم إنه سكن واسطا إلى حين وفاته.
وكان يقرئ بها القرآن والأدب ويعلم الصبيان الغناء.
بالألحان، وكانت له معرفة بالموسيقي.
وكان مشتهرا بالسماع وحضور مجالس الغناء.
وكان أديبا فاضلا، ويشعر حسنا، فمنه: غرام كل يوم مستجد * وشوق ما له أمد وحد وحب كلما يزداد (2) قلبي * به شغفا تزايد منه صد فيا أملي إذا أملت شيئا * ويا ذخري ويا أثري المعد
__________
(1) انظر: المشتبه 194.
(2) في الأصل: (يزاد).
(*)(1/70)
أرى موتي إذا أعرضت عني * وإن واصلتني روحي ترد وله: الصبر على الغرام أجمل * والعاشق للولاء أحمل يا عاذل كف (1) عن ملامي * كم يسمح (2) والحبيب يبخل كم أحرك خلاص قلبي * من ذلقته وقد توحل وله: من حيث أرجو صحتي جاء السقم * من لا مني في حالتي فقد ظلم أنحلني فراقه فها أنا من دقتي * أدخل في شق القلم توفي بواسط في يوم الخميس الثاني عشر من ذي الحجة من سنة ثلاث وسبعين وخمسمائة، ودفن بتربة مسجد زنبور.
66 - الحسن بن سعيد بن عبد الله بن بندار، أبو علي الديار بكري الشاتاني (3): وشاتان قلعة من ديار بكر.
كان مقيما بالموصل، قدم بغداد وتفقه على أبي علي الحسن بن سلمان، وقرأ الأدب على أبي السعادات [ بن ] الشجري، وسمع الحديث من أبي القاسم هبة الله بن الحصين.
وكان يشعر حسنا ويعقد مجلس الوعظ.
فمن شعره يمدح الوزير ابن هبيرة: أهدى إلى جسدي الضنا فأعله * وعسى يرق لعبده ولعله ما كنت أحسب أن عقد تجلدي * ينحل بالهجران حتى حله يا ويح قلبي أين أطله وقد * نادى به داعي الهوى فأضله إن لم تجد بالعفو منه على الذي * قد ذاب من برح الغرام فمن له وأشد ما يلقاه من ألم الهوى * قول العواذل أنه قد مله إن لم تجد بالعطف منه على الذي * أضناه من فرط الغرام فمن له مولده في سنة عشر وخمسمائة بشاتان، وتوفي في شعبان سنة تسع وسبعين
__________
(1) في الأصل: (كيف).
(2) في الأصل: (يسمع).
(3) انظر: وفيات الأعيان 1 / 386.
ومعجم البلدان 5 / 206.
(*)(1/71)
خمسمائة.
هكذا ذكره أبو المواهب الحسن بن هبة الله الثعلبي.
67 - الحسن بن علي بن الحسن بن عبد الله بن مقلة، أبو عبد الله الكاتب (1): صاحب الخط المليح.
سمع أبا عبد الله محمد بن العباس الزيدي.
مولده يوم الأربعاء سلخ رمضان سنة ثمان وسبعين ومائتين.
وتوفي في شهر ربيع الآخر سنة ثمان وثلاثين وثلاثمائة.
وقيل مات بالشام وحمل إلى
بغداد.
68 - الحسن بن علي بن محمد بن أحمد بن جعفر، أبو علي الوخشي (2): من أهل وخش - من نواحي طخارستان بلخ.
أحد حفاظ الحديث الأثبات، سمع ببلخ أبا الفضل محمد بن عبد الله بن القاسم بن روزبه، وبنيسابور أبا زكريا يحيى بن إبراهيم المزكي، وبهمذان أبا منصور محمد بن أحمد بن محمد بن مزدين، وبأصبهان أبا نعيم أحمد الحافظ، وببغداد أبا عمر عبد الواحد بن محمد بن مهدي، وبدمشق أبا القاسم عامر بن محمد بن عبد الله الرازي، وبعسقلان أبا بكر محمد بن داود بن أحمد ابن المصحح، وبمصر أبا محمد عبد الرحمن بن عمر بن النحاس، وببيت المقدس أبا طالب محمد بن عبد الرحمن البلدي، وبحلب أبا القاسم الحسن بن علي بن عبيد الله ابن محمد بن أبي أسامة الحلبي.
أخبرنا ذاكر بن كامل بن أبي غالب الخفاف عن أبي غالب شجاع بن فارس الذهلي قال: أنا أبو بكر أحمد بن علي بن ثابت الخطيب قرأت عليه في كتاب (المؤتلف والمختلف) من جمعه، قال: وأما الثاني، وبالخاء المعجمة، فهو الحسن بن علي الوخشي من أهل وخش وهي ناحية من نواحي بلخ.
سافر في طلب الحديث إلى الشام ومصر وسمع بخراسان من أصحاب الأصم ونحوه.
وعاد إلى بلده فأقام به.
حدث أبو علي الوخشي قال: كنت بعسقلان أسمع الحديث من أبي بكر بن مصحح وغيره، فضاقت علي النفقة، وبقيت أياما مع لياليها ما وجدت شيئا من الطعام، فأخذت جزءا من الحديث لأكتبه، فعجزت عن الكتابة للضعف الذي لحقني، فمضيت
__________
(1) انظر: الوافي بالوفيات 1 / 168.
ومعجم الأدباء 9 / 28 - 34.
(2) انظر: العبر 3 / 275.
وشذرات الذهب 3 / 339.
ومعجم المؤلفين 3 / 260.
ولسان الميزان 2 / 241.
(*)(1/72)
إلى دكان خباز وقعدت قريبا منه، وكنت أشم رائحة الخبز وأتقوى بها إلى أن كتبت الجزء، ثم فتح الله بعد ذلك.
قال أبو سعد بن السمعاني: مولد الوخشي سنة خمس وثمانين وثلاثمائة.
سألت إسماعيل بن الفضل عنه فقال: حافظ كبير.
ذكر عمر بن محمد السرخسي أنه مات في ليلة الثلاثاء لخمس ليال خلون من ربيع الآخر سنة إحدى وسبعين وأربعمائة ببلخ - رحمه الله تعالى.
69 - الحسن بن محمد بن عبد الله بن هارون، أبو محمد المهلبي (1): كاتب معز الدولة أبي الحسين أحمد بن بويه.
كان من ولد المهلب بن أبي صفرة، وكان ينوب أبا جعفر الصيمري وزير معز الدولة ببغداد.
فلما مات الصيمري قلده معز الدولة الوزارة مكانه وخلع عليه، وقدمه وأدناه، وتخصص به، وتمكنت منزلته عنده.
حدث أبو عبد الله الصوفي قال: كنت أنا وأبو محمد المهلبي بسيراف في أيام حداثته وصعلكته، فأنشدني لنفسه وقد مسته إضاقة: ألا موت يباع فأشتريه * فهذا العيش ما لا خير فيه ألا رحم المهيمن روح ميت * تفضل بالوفاة على أخيه قال: ثم وردت بعد سنين كثيرة فألفيته بها وزيرا مالكا للأمور، فكتبت إليه: قصدت إلى الوزير بغير احتشام * أذكره زمانا قد نسيه زمانا كان ينشدني وقيدا * ألا موت يباع فأشتريه قال: فوقع على ظهر رقعتي المتضمنة هذه الأبيات: رق الزمان لفاقتي * ورثى لطول تحرقي فأنالني ما أشتهي * وأدال مما أتقي (2) فلأغفرن له الكبير * من الذنوب السبق حتى جنايته ما * فعل المشيب بمفرقي
__________
(1) انظر: وفيات الأعيان 1 / 392 - 395.
ومعجم الأدباء 7 / 1180152.
(2) في الأصل: (بريقى).
(*)(1/73)
قال: ووصلني وأحسن إلي وأغناني.
ومن شعر الوزير المهلبي.
قال لي من أحب والبين قد جد * وفي مهجتي لهيب الحريق ما الذي في الطريق [ تصنع ] (1) خلفي * قلت أبكي عليك طول الحريق وله: أعطيتني للهو بي خاتما * اسمك مكتوب على فصه ما روعتني زفرات الهوى * إلا تروحت إلى مصه وله: يا هلالا يبدو فتهتاج نفسي * وهزارا يشدو فيزداد عشقي زعم الناس أن رقك ملكي * كذب الناس أنت مالك رقي مولده بالبصرة في يوم الثلاثاء، لأربع ليال بقين من المحرم سنة إحدى وتسعين ومائتين.
وذكر أبو القاسم التنوخي أنه توفي في شعبان سنة اثنتين وخمسين وثلاثمائة - رحمه الله تعالى - بزاوطا (2)، وحمل تابوته إلى بغداد، فدفن بمقابر قريش.
وكانت مدة وزارته ثلاث عشرة سنة وثلاثة أشهر.
70 - الحسن بن محمد بن عبدوس، أبو علي الشاعر: من أهل واسط.
سكن بغداد، ومدح الإمام الناصر لدين الله.
وكان فاضلا قيما بالأدب، جيد الشعر، حسن المعاني، مليح الإيراد، جميل الهيئة، كيسا متواضعا.
قرأت بخط أبي علي بن عبدوس، قال: سألت إجازة بيتين هما: حياكم الله وأحياكم * ولا عدا الوابل مغناكم نحن عدمنا الصبر من بعدكم * فكيف أنتم لا عدمناكم
قال: فقلت: قد كان لي كثيرا فأنفقته * أفقرني الوجد وأغناكم
__________
(1) ما بين المعقوفتين زيادة من وفيات الأعيان.
(2) في الأصل: (براوطا).
(*)(1/74)
تشتاقكم عيني وقلبي فما * أطيب رؤياكم ورياكم أكاد من فرط ولوعي بكم * أغرق في الذكرى فأنساكم سكنتم القلب فلا توحشوا * ربعا حللتم فيه حاشاكم إني على البعد لراج بأن * يجمعني الله وإياكم وله: لو شاء من باح بالهوى كتمه * وكيف يخفى عواده سقمه قالوا مريض الفؤاد قلت لهم * والجسم أنفي بذلك التهمه فارسفوني عذالا عدمتهم (1) ما هكذا عاد سالم سلمه نعم وإن ساءهم عشقت وما * في العشق عار عندي ولا نقمه أهيف من شكله القضيب ومن * شبه بالغصن فلا ظلمه أحسن من ضمة القباء فلو * يستطيع من حبه له التزمه قد استوى سهمه وناظره * عذب فنفس أشقيتها نعمه توفي أبو علي بن عبدوس في ليلة الجمعة لخمس خلون من صفر سنة إحدى وستمائة.
ودفن من الغد بمقابر قريش.
وأظنه جاوز الأربعين بقليل - رحمه الله تعالى -.
* * * آخر الجزء الثالث من المستفاد من ذيل تاريخ بغداد.
والحمد لله على كل حال.
* * * *
__________
(1) هكذا في الأصل.
(*)(1/75)
الجزء الرابع من المستفاد من ذيل تاريخ بغدد للحافظ محب الدين أبي عبد الله بن النجار البغدادي انتخاب كاتبه الواثق بالله أحمد بن أيبك بن عبد الله(1/77)
بسم الله الرحمن الرحيم استعنت بالله من اسمه الحسين 71 - الحسين بن عبد الله بن الحسين بن الجصاص، أبو عبد الله الجوهري (1): كان من أعيان التجار، ولما بويع لعبد الله بن المعتز بالخلافة وانحل أمره وتفرق جمعه وطلبه المتقدر فاختفى عند ابن الجصاص هذا، فعلم به، فقبض عليه وعلى ابن الجصاص وصادره المقتدر على أموال جليلة.
ويحكى عنه حكايات عجيبة في الغفلة والحماقة، منها: أنه حج في بعض السنين، فلما بات بالمزدلفة في ليلة عيد الأضحى نظر إلى القمر وقال: لا إله إلا الله ! حججت قبل هذه الحجة وبت ههنا، وكان القمر أيضا في هذا الموضع نفسه، وهذا اتفاق عجيب.
ونظر يوما في المرآة وقال: اللهم بيض وجوهنا يوم تبيض وجوه، وسودها يوم تسود وجوه.
ونظر يوما آخر في المرآة فقال لإنسان عنده: ترى لحيتي قد طالت ؟ فقال له الحاضر: المرآة في يدك، فقال: صدقت، ولكن الشاهد يرى ما لا يرى الغائب.
وكسر يوما بين يديه لوز، فطفرت لوزة، فقال: لا إله إلا الله ! كل شئ يهرب
من الموت حتى البهائم.
ونظر يوما في المصحف وجعل يقول: رخيص ! والله هذا من فضل الله ! أكل وتمتع بدرهم، وإذا في المصحف ب * (ذرهم يأكلوا ويتمتعوا) * فصحف ذرهم وظن أنه درهم ؟ توفي في شوال سنة خمس عشرة وثلاثمائة ببغداد - رحمه الله تعالى.
72 - الحسين بن علي بن أحمد بن عبد الواحد بن بكر بن شبيب الطيبي، أبو عبد الله الكاتب، الملقب بسعيد الدين (2):
__________
(1) انظر: فوات الوفيات 1 / 271 - 275.
والعبر 2 / 12.
والمنتظم 13 / 267 - 270.
(2) انظر: معجم الأدباء 10 / 126 - 130 وفوات الوفيات 2 / 276 - 278.
(*)(1/79)
كان موصوفا بجزالة الشعر، وعذوبة الألفاظ، ورشاقة النظم والنثر، وكمال الطرف، ونهاية اللطف.
وكان مختصا بخدمة الإمام المستنجد بالله.
ومن شعره: وأغيد لم تسمح لنا بوصاله * يد الدهر حتى دب في عاجه النمل تمنيت لما اختط فقدان ناظري * ولم ار إنسانا تمنى للعمى قبل ليبقى على مر الزمان خياله * خيالي وفي عيني لمنظره شكل (1) وذكره أبو عبد الله الاصبهاني في (الخريدة) فقال: الحسين بن شبيب حلو التشبيب، رقيق نسيم النسيب.
وله أشعار تخجل الدر منظوما، والوشي مرقوما، والروض ناظر، والبدر زاهر، فمن مستحسن شعره قوله في المستنجد: أنت الإمام الذي يحكي بسيرته * من ناب بعد رسول الله أو خلفا أصبحت لب بني العباس كلهم * إن عددت بحروف الجمل الخلفا والمستنجد هو الثاني والثلاثون من خلفاء بني العباس، ولب اثنان وثلاثون في حساب الجمل.
مولده في سنة خمسمائة.
وتوفي يوم الجمعة لتسع عشرة خلت من ربيع الآخر سنة ثمانين وخمسمائة ببغداد، ودفن بمقبرة معروف الكرخي.
73 - الحسين بن علي بن الحسين بن علي بن محمد بن يوسف، أبو القاسم بن أبي الحسن الوزير المغربي (2): مولده بمصر في ذي الحجة سنة سبعين وثلاثمائة.
وكان أبو الحسن أبو يصحب سيف الدولة بن حمدان، وانتقل بعد ذلك إلى مصر وتولى الأعمال فيها نشأ أبو القاسم في أيام الحاكم بالله صاحب مصر وتقلد له ديوان الشام.
فلما قبض الحاكم على أبيه علي وعمه محمد وقتلهما وقتل أخويه أيضا، طلب أبا القاسم فاستتر، وهرب إلى العراق، وقصد فخر الملك، وبلغ القادر بالله أمره، فاتهمه بالورود في إفساد على الدولة العباسية.
ولي الوزارة للملك مشرف الدولة أبي علي بن بهاء الدولة أبي نصر بن عضد الدولة أبي شجاع ببغداد في سنة أربع عشرة وأربعمائة وعزل في سنة خمس عشرة.
__________
(1) في الأصل: (شك).
(2) انظر: وفيات الأعيان 1 / 428 - 432.
والمنتظم، لابن الجوزي 15 / 185 - 187.
(*)(1/80)
وكان عارفا فاضلا وبليغا مترسلا ومتفننا في كثير من العلوم الدينية والأدبية والنجومية.
وكان خبيث الباطن، كثير الحيل، شديد الحسد على الفضل وإن أظهر الميل إلى أهله.
ومن شعره: تأمل من أهواه صفرة خاتمي * فقال حبيبي لم نحيت أحمره فقلت له من أحمر كان فصه * ولكن سقامي حل فيه فغيره توفي في رمضان سنة ثمان عشرة وأربعمائة بميافارقين عن ست وأربعين سنة، و
حمل تابوته إلى الكوفة فدفن هناك.
وكان كثير الفضائل، جيد الترسل، شديد الذكاء - رحمه الله.
74 - الحسين بن علي بن عبد الصمد الديلمي، أبو العباس المنشئ، المعروف بالطغرائي (1): من أهل أصبهان.
كان يتولى الطغرا للسطان محمد بن ملك شاه، وهي علامة تكتب على التوقيعات.
وكان من أفراد الدهر وأعيان العصر، غزير الفضل، كامل العقل، وشعره ألطف من النسيم، وأرق من حواشي النعيم.
قدم بغداد وأقام بها مدة، وروى بها.
ومن شعره: تمنيت أن ألقاك في الدهر مرة * فلم أك من ذاك التمني بمرزوق سوى ساعة التوديع دامت فكم منى * أنالت وما قامت بها أملا سوقي فيا ليت أن الدهر كل زمانه * وداع ولكن لا يكون بتفريق ومن شعره: ذكرتكم عند الزلال على الظما * فلم أنتفع من ورده ببلال وحدثت نفسي بالأماني فيكم * وليس حديث النفس غير ضلال أواعدها قرب اللقاء ودونه * مواعيد دهر مولع بمطال يقر بعيني الركب من نحو أرضكم * يرجون عيشا قيدت بكلال
__________
(1) انظر: وفيات الأعيان 1 / 438 - 442.
ومعجم الأدباء 10 / 56 - 79.
(*)(1/81)
أطارحهم جد الحديث وهزله * لأحبسهم عن سيرهم بمقالي أسايل عمن لا أريد وإنما * أريدكم من بينهم بسؤالي ويعثر ما بين الكلام ورجعه * لساني لكم حتى ينم بحالي
وأطوي على ما تعلمون جوانحي وأظهر للعذال أني سالي بلى (1) والذي عافاكم وابتلى بكم * فؤادي ما اختار السلو ببالي وقد كنت دهرا لا أبالي من النوى * فعلمني الأيام كيف أبالي كانت الوقعة بين السلطان محمود بن محمد بن ملكشاه وأخيه مسعود بباب همذان في ربيع الأول من سنة أربع عشرة وخمسمائة، فانهزم مسعود وعسكره، وأخذ من جملتهم الوزير الطغرائي مأسورا إلى حضرة السلطان محمود، فأمر بقتله، فقتل وقد جاوز الستين من عمره.
وهو صاحب القصيدة الغراء التي أولها: أصالة الرأي صابتني عن الخطل * وحلية العلم زانتني عن الحلل 75 - الحسين بن المبارك بن الحسين بن علي بن شقشق، أبو عبد الله بن أبي حرب بن أبي عبد الله: ذكره أبو عبد الله الاصبهاني في (الخريدة) فقال: الحسين بن المبارك بن شقيق البغدادي، كانت لابن شقيق شقشقة في الشعر هادرة، وبديعة من الأدب نادرة، أدركته في أول العهد القديم، في زمان السلطان مسعود.
وأنشدني الفقيه شهاب الغزنوي مما نظمه مما مدح به برهان الدين الواعظ الغزنوي ببغداد من قصيدة أولها: إن جرت بالرمل وكثبانه * فاقرأ تحياتي على بانه وسائل الربع الذي قد عفا * ما صنع البين لسكانه قوم هم كانوا جيرة * فانصدع الشمل بجيرانه فالربع مفجوع بقطانه * والقلب موجوع بأشجانه وإن كتمت الحب يوم النوى * أظهره دمعي بهتانه أعاذلي في الهوى فارحما (2) وخليا قلبي بوجدانه * * *
__________
(1) في الأصل: (بلا).
(2) في الأصل: (قد حما).
(*)(1/82)
حرف الذال من اسمه ذو القرنين 76 - ذو القرنين بن الحسن بن عبد الله بن حمدان، أبو المطاع بن ناصر الدولة أبي محمد، كان يلقب بوجيه الدولة (1): ولي الإمارة بدمشق للخلفاء المصريين.
وكان شاعرا حسنا مفلقا.
فمن شعره: ومفارق ودعت عند فراقه * ودعت صبري عنه في توديعه ورأيت منه فعل لؤلؤ عقده * من ثغره وحديثه ودموعه وله: لو كنت أملك أعتده من بعدكم نظرا * لأنه نظر من ناظر رمد قال: فكتبت طرفي ما نظرت به * من بعد فرقتكم يوما إلى أحد ولست إليه ارتجالا صبرا أنت تملكه * عني تجازيت منك التيه بالصلف أويت نظمي وجدا بت أضمره * جزيتني كلفا عن شدة الكلف تعمد الرفق بي يا حب محتسبا * فليس يبعد ما تهواه من تلفي قال أبو المطاع بن حمدان المذكور: كتب إلي أخي أبو عبد الله من سفرة كان فيها: قد كان في نزهة طرفي برؤيتكم * يتوب شاهدها عن كل معتقد فالآن أشغله من بعد فقدكم * حفظا لعهدكم بالدمع والسهد وقال أبو المطاع بن حمدان:
ترى الثياب من الكتاب يلمحها * ضو من البدر أحيانا فيبليها فكيف تعجب أن تبلى غلائلها * والبدر في كل وقت لائح فيها
__________
(1) انظر: النجوم الزاهرة 5 / 27.
ووفيات الأعيان 2 / 44، 45.
والعبر 3 / 165.
ومعجم الأدباء 11 / 119 - 121.
(*)(1/83)
وقال: إني لأحسد (لا) في أسطر الصحف * إذا رأيت عناق اللام والألف (1) وما أظنهما طال اجتماعهما * إلا لما لقيا من شدة الشغف وقال: أفدي الذي زرته بالسيف مشتملا * ولحظ عينيه أمضى من مضاربه فما خلعت نجادي في العناق له * حتى لبست نجادا من ذوائبه وقال: قالت لطيف خيال زارها ومضى * بالله صفه ولا تنقص ولا تزد فقال خلفته لو مات من ظمأ * وقلت قف عن ورود الماء لم يرد قالت صدقت الوفا والحب عادته * يا برد طيب الذي قالت على كبدي توفي أبو المطاع بمصر في صفر سنة ثمان وعشرين وأربعمائة - قاله ابن الأكفاني.
* * *
__________
(1) هكذا في الأصل، وفي وفيات الأعيان (اعتناق الأم للألف).
(*)(1/84)
حرف الراء 77 - رزق الله بن عبد الوهاب بن عبد العزيز بن الحارث بن أسد بن الليث ابن سليمان بن الأسود بن سفيان بن يزيد بن أكينة بن الهيثم بن عبد الله التميمي، أبو محمد بن أبي الفرج بن أبي الحسن (1):
من ساكني باب المراتب، شيخ الحنابلة.
قرأ القرآن بالروايات على أبي الحسن علي ابن عمر الحمامي.
وتفقه على أبيه وعلى عمه أبي الفضل عبد الواحد.
وسمع منهما ومن أبي عمر عبد الواحد بن محمد بن مهدي وأبي الحسين أحمد بن محمد بن المتيم وأبي الحسين محمد بن الحسين بن الفضل القطان وأبي الحسين علي وأبي القاسم عبد الملك ابني محمد بن عبد الله بن بشران، وأبي الحسن محمد بن محمد بن محمد بن مخلد وأبي القاسم عبد الرحمن الحرفي، وأبي علي الحسن بن شاذان، وأبي الفرج محمد بن عمر بن محمد الجصاص في آخرين، روى عنه جماعة من الحفاظ كأبي مسعود سليمان ابن إبراهيم الاصبهاني، وأبي علي أحمد بن محمد بن البرداني (2)، وعبد الوهاب بن المبارك الأنماطي.
وكان إماما في المذهب والخلاف والأصول، وله في ذلك مصنفات حسنة.
وكان واعظا، مليح العبارة، لطيف الإشارة، فصيح اللسان، ظريف المعاني، معظما عند الخاص والعام.
ومن شعره قوله: لا تسألاني (3) عن الحي الذي بانا * فإنني كنت يوم البين سكرانا يا صاحبي على وجدي بنعمانا * هل راجع وصل ليلي كالذي كانا ما ضرهم لو أقاموا يوم بينهم * بقدر ما يلبس المحزون أكفانا أم ذاك آخر عهد للقاء (4) بها * فنجعل الدهر ما عشناه أحزانا ليت الجمال التي (5) للبين ما خلقت * وليت حاد حدي في الدهر حيرانا
__________
(1) انظر: معجم الأدباء 11 / 136 - 138 والمنهج الأحمد 2 / 164.
وذيل طبقات الحنابلة 1 / 77.
وطبقات المفسرين، ص 82.
والعبر 3 / 104، 320.
والشذرات 3 / 384.
وهدية العارفين 1 / 367.
(2) في الأصل: (البراني).
(3) في الأصل: (لا تسألونى).
(4) في الأصل: (اللقأ).
(5) في الأصل: (الذي للبين).
(*)(1/85)
وله: أفق يا فؤادي من غرامك واستمع * مقالة محزون عليك شفيق علقت فتاة قلبها متعلق * بغيرك فاستوثقت غير وثيق فأصبحت موثوقا وراحت طليقة * فكم بين موثوق وبين طليق قرأت على أبي الحسن بن المقدسي بمصر عن أبي طاهر السلفي، قال: سألت أبا نصر المؤتمن بن أحمد الساجي عن أبي محمد التميمي فقال: هو الإمام علما ونفسا وأبوة.
وما يذكر عنه فتحامل من أعدائه.
قال الحافظ أبو الفضل محمد بن ناصر السلامي أنا أبو محمد رزق الله التميمي: وما رأيت شيخا ابن سبع وثمانين سنة أحسن سمتا وهديا واستقامة (1) منه، ولا أحسن كلاما وأظرف وعظا وأسرع جوابا منه.
مولده سنة أربعمائة، وتوفي ببغداد في منتصف جمادى الأولى سنة ثمان وثمانين وأربعمائة، ودفن بداره بباب المراتب، ثم نقل في سنة إحدى وتسعين إلى مقبرة باب حرب، ودفن إلى جنب قبر الإمام أحمد بن حنبل.
وفي هذه السنة توفي ولده عبد الوهاب.
(*) * * *(1/86)
حرف الزاي 78 - زاهر بن طاهر بن محمد بن محمد بن أحمد بن محمد بن يوسف بن محمد
ابن المرزبان بن علي بن عبد الله بن المرزبان بالشحامي، أبو القاسم بن أبي عبد الرحمن بن أبي بكر المستملي (1): من أهل نيسابور - شيخ وقته في علو الإسناد، بكر به أبوه فأسمعه من أبي سعد محمد بن عبد الرحمن الكنجروذي (2) وأبي عثمان سعيد بن محمد النجيرمي (3) وأبي سعد أحمد بن إبراهيم المقرئ وأبي القاسم عبد الكريم بن هوازن القشيري وأبي عثمان سعيد بن أحمد العيار وأبي بكر أحمد بن الحسين البيهقي في آخرين.
وسمع بنفسه وجمع لنفسه مشيخة.
وكان يستملى على الشيوخ، وحدث بالكثير، وكتب عنه الحفاظ.
قدم بغداد في سنة خمس وعشرين وخمسمائة، وحدث بها، سمع منه ابن ناصر في آخرين.
أخبرنا شهاب الحاتمي بهراة، قال: حدثنا أبو سعد بن السمعاني قال: زاهر بن طاهر الشحامي أبو القاسم شيخ متيقظ مكثر، جمع ونسخ بخطه، وكان صاحب أصول، وعمر حتى حمل عنه الكثير، ورحل في رواية الحديث ونشره مثل ما يرحل الطلاب في جمعه، ورد علينا مرو قاصدا للرواية بها وحج، وسمع منه الكثير ببغداد وهمذان والري والحجاز، ورجع إلى نيسابور، وكان صبورا لا يضجر من القراءة عليه حتى قرأت عليه (تاريخ نيسابور) للحاكم أبي عبد الله في أيام قلائل، كنت أمضي قبل طلوع الشمس فأقرأ إلى وقت غروبها، وكان يقعد ويستمع، ولكنه كان يخل بالصلوات إخلالا ظاهرا، ووقت خروجه إلى أصبهان قال لي أخوه وجيه: أجهدت في قعوده ولا تخرج، فإن أمر صلاته مختل، ونفتضح من أهل أصبهان ! فظهر الأمر كما قال أخوه، وعرف (4) أهل أصبهان ذلك، وشنعوا عليه حتى ترك أبو العلاء أحمد بن محمد بن الفضل الحافظ الرواية عنه.
وقيل لزاهر في ذلك، فقال: لي عذر، وأنا أجمع بين الصلوات كلها.
ولعله تاب ورجع عن ذلك في آخر عمره.
وكان صحيح السماع كثيره.
__________
(1) انظر: العبر 4 / 91.
والمنتظم 17 / 336.
(2) في الأصل: (الجنزروذى).
(3) في الأصل: (النجيرى).
(4) في الأصل: (وعرد).
(*)(1/87)
مولده رابع عشر ذي القعدة سنة ست وأربعين وأربعمائة.
وتوفي ليلة الرابع عشر من ربيع الآخر سنة ثلاث وثلاثين وخسمائة بنيسابور.
ودفن بمقبرة يحيى بن يحيى - رحمه الله تعالى وإيانا.
79 - زيد بن يحيى بن أحمد بن عبيد الله بن هبة الله البيع، أبو بكر (1): من أهل باب الأزج، وهو أخو أبي المعالي أحمد، وكان الأصغر.
سمع بإفادة أخيه من أبي الوقت عبد الأول وأبي بكر محمد بن عبيد الله بن نصر الزاغوني في آخرين.
كتبت عنه من سماعه الصحيح لأنه كان يكشط اسم أخيه عبد المنعم من طباق السماع ويكتب اسمه موضعه بقلم غليظ ودواة ردية، فعل ذلك على عدة أجزاء من أصول أخيه أحمد.
مولده سنة ثمان وأربعين وخمسمائة، وتوفي ببغداد في منتصف رمضان سنة إحدى وعشرين وستمائة.
* * *
__________
(1) انظر: شذرات الذهب 4 / 128.
والعبر 4 / 112.
(*)(1/88)
حرف السين 80 - سعد الخير بن محمد بن سهل بن سعد الخير، أبو الحسن بن أبي عبد الله الأنصاري (1): من أهل بلنسية من شرقي الأندلس.
قدم بغداد وسمع بها من أبي الخطاب نصر بن
أحمد بن البطر وأبي عبد الله الحسين بن أحمد بن طلحة النعالي وأبي الفوارس طراد الزينبي في آخرين، وقرأ الأدب على أبي زكريا يحيى بن علي التبريزي.
وسافر إلى العراق، فسمع بدونة من نواحي همذان من أبي محمد عبد الرحمن بن محمد الدوني، وبأصبهان من أبي علي الحسن بن أحمد الحداد.
وحصل الكتب والأصول، وركب البحار، وقاسى الشدائد، ودخل بلاد الصين.
ثم إنه عاد إلى بغداد بعد علو سنه واستوطنها إلى حين وفاته.
وكان ثقة صدوقا متدينا.
توفي في يوم عاشوراء سنة إحدى وأربعين وخمسمائة ببغداد.
81 - سعيد بن أحمد بن محمد بن نعيم بن أشكاب، أبو عثمان بن أبي سعيد الصوفي، يعرف بالعيار (2): من أهل نيسابور.
بكر به أبوه فأسمعه من أبي بكر محمد بن محمد بن الحسن بن هانئ البزاز وأبي محمد عبد الله بن أحمد الصيرفي وأبي الحسين أحمد بن محمد بن عمر الخفاف وأبي طاهر محمد بن الفضل بن محمد بن إسحاق بن خزيمة وأبي محمد عبد الله بن حامد الاصبهاني.
وأسمعه بسرخس من أبي علي زاهر بن أحمد الفقيه وبإستراباد من أبي عبد الله محمد بن سعيد بن محمد، وبالري من أبي العباس عقيل بن الحسين العلوي، وبمكة من أبي الحسين (3) علي بن جعفر السيرواني.
وعمر حتى جاوز المائة.
وخرج له الحافظ أحمد بن الحسين البيهقي فوائد في عشرين جزءا.
حدث بدمشق وأصبهان ونيسابور، وهرات وغزنة.
ودخل بغداد في سنة ثلاث وعشرين وأربعمائة.
أنبأنا ذاكر بن كامل الحذاء عن أبي الفضل محمد بن طاهر المقدسي، قال: سعيد ابن أبي سعيد العيار يتكلمون فيه لروايته (كتاب اللمع) عن أبي نصر السراج وغيره.
__________
(1) انظر: تهذيب ابن عساكر 6 / 116.
والعبر في خبر من غبر 3 / 241.
(2) انظر: الأغاني 17 / 2.
والأعلام للزر كلي 3 / 146.
(3) في الأصل: (أبي الحسن).
(*)(1/89)
وكان يزعم أنه سمع من زاهر بن أحمد السرخسي (كتاب الأربعين) لمحمد بن أسلم ورواه عنه فذكر بعض أهل العلم أنه لم يسمع من زاهر شيئا.
وخرج له البيهقي عدة أجزاء (فوائد لطاف) ولم يخرج له فيها عن زاهر شيئا.
قلت: هكذا ذكر ابن طاهر هذا الكلام في كتابه (تكملة الكامل في ضعفاء المحدثين) من جمعه، وقد وهم في قوله: (لم يخرج له البيهقي في فوائده عن زاهر شيئا، لأن البيهقي خرج له في هذه الفوائد عدة أحاديث عن زاهر.
وذكر أن عدة أجزائها عشرة، وأنها لطاف، وقد كتبت هذه الفوائد بأصبهان، وسمعتها من جماعة وهي أحد وعشرون جزءا، ولم يزل المقدسي كثير الوهم فيما يجمعه لتهوره وعجلته وإعجابه بنفسه.
وإنما الشيخ الذي لم يخرج له البيهقي عنه في فوائده هو بشر بن أحمد الإسفراييني، فإن العيار قد روى عنه هذا من حديث قتيبة بن سعيد.
ورأيت بخط الحافظ أبي عبد الله محمد بن عبد الواحد الدقاق الاصبهاني أحاديث قد كتبها عن العيار عن بشر بن أحمد الإسفراييني ثم إنه عاد وضرب عليها بقلمه وكتب عندها: (كذب العيار في روايته عن بشر) والله أعلم ! فإن كان ابن طاهر قد سمع ممن حكى عنه أنه بشر واشتبه عليه ابن أحمد فهو صحيح، وإلا فليس بشئ - والله أعلم.
مولده - العيار سنة خمس وأربعين وثلاثمائة.
وقال بعضهم: سبب تسميته بالعيار أنه كان في ابتدائه يسلك مسلك الشطار، ثم رجع إلى هذه الطريقة.
توفي بغزنة في ربيع الأول سنة سبع وخمسين وأربعمائة.
وذكر أبو الفضل بن خيرون وفاته في سنة اثنتين وخمسين - حكاه الحميدي عن ابن خيرون.
82 - سعيد بن حميد بن سعيد بن يحيى، أبو عثمان الكاتب (1): من أولاد الدهاقين، وأصله من النهروان الأوسط.
ولد ببغداد ونشأ بها.
وكان يذكر أنه مولى بني سامة بن لؤي.
ويقال إنه ادعى أنه من أولاد ملوك الفرس.
وكان شاعرا كاتبا مترسلا فصيحا مقدما في صناعته، إلا أنه كثير السرقات والإغارة: فهو كما قال بعضهم: لو قيل لكلام سعيد: ارجع إلى أهلك لما بقي عليه إلا التأليف.
__________
(1) انظر: الأغاني 17 / 2.
والأعلام للزركلي 3 / 146.
(*)(1/90)
كتب سعيد بن حميد إلى فضل الشاعرة يعتذر إليها من تغير ظنته بها (1)، وفي آخرها: يظنون أني قد تبدلت بعدكم * بديلا وبعض الظن إثم ومنكر إذا كان قلبي في يديك رهينة * فكيف بلا قلب أصافي وأهجر 83 - سليمان بن أحمد بن أيوب بن مطير، أبو القاسم اللخمي (2): من أهل طبرية.
سمع بالشام ومصر والحجاز واليمن والعراق فأكثر وسكن أصبهان إلى حين وفاته.
سمع بدمشق أبا زرعة عبد الرحمن بن عمرو وأحمد بن المعلى وأحمد بن أنس بن مالك، وببيت المقدس أحمد بن مسعود الخياط، وبمصر يحيى بن أيوب العلاف وأحمد بن رشدين وأحمد بن إسحاق بن نبيط بن شريط الأشجعي، وببرقة أحمد بن عبد الله بن عبد الرحيم البرقي، وباليمن، إسحاق بن إبراهيم الدبري والحسن بن عبد الأعلى البوسي، وبالعراق أبا مسلم الكجي وأبا خليفة الجمحي والحسن بن سهل المحوز، وببغداد بشر بن موسى الأسدي في آخرين، وحدث كثيرا.
سمع منه من شيوخه أبو مسلم الكجي وأبو خليفة الجمحي في آخرين.
روى عنه أبو نعيم الحافظ وأبو الحسن أحمد بن محمد بن الحسين بن فادشاه وأبو بكر محمد بن عبد الله بن ريذة وهو آخر من حدث عنه.
قال أبو بكر محمد بن أحمد بن عبد الرحمن: سليمان بن أحمد الطبراني أشهر من يدل على فضله وعلمه، حدث بأصبهان ستين سنة.
فسمع منه الآباء ثم الأبناء ثم الأسباط حتى لحقوا بالأجداد، وكان واسع العلم، كثير التصانيف.
وقيل: ذهبت عيناه في آخر أيامه.
فكان يقول: الزنادقة سحروني.
قال يحيى بن عبد الوهاب بن منده: رأيت بخط أبي بكر محمد بن ريذة مكتوبا قال الصاحب إسماعيل بن عباد: قد وجدنا في معجم الطبراني * ما فقدنا في سائر البلدان بأسانيد ليس فيها سناد * ومتون إذا وردن متان قال الحافظ أبو نعيم: مولد الطبراني سنة ستين ومائتين.
__________
(1) في الأصل: (ظنته به).
(2) انظر: تهذيب ابن عساكر 6 / 240.
ومعجم البلدان 6 / 25.
ووفيات الأعيان 2 / 141.
(*)(1/91)
وتوفي في ذي القعدة لليلتين بقيتا منه سنة ستين وثلاثمائة، ودفن إلى جنب حممة بباب مدينة جئ، وحضرت الصلاة عليه.
84 - سليمان بن أحمد بن محمد، أبو الربيع بن أبي عمر السرقسطي: من أهل الأندلس.
سمع بنصر من أبي الحسن علي بن إبراهيم بن سعيد الحوفي (1)، وبواسط من أبي الحسن علي بن عبيد الله بن علي القصاب، وقدم بغداد واستوطنها.
قرأ القرآن بالقراءات على القاضي أبي العلاء محمد بن علي بن يعقوب الواسطي، فأنبأ وحدث.
أخبرني شهاب الحاتمي بهراة، قال: سمعت أبا سعد بن السمعاني يقول: سمعت أبا الفضل بن ناصر يقول: إن السرقسطي كان كذابا، وكان يلحق سماعاته.
مولده سنة تسع وتسعين وثلاثمائة.
وتوفي في ربيع الآخر سنة تسع وسبعين وأربعمائة.
وحديث بيسير، وكان فيه تساهل في دينه - قاله أبو الفضل أحمد بن الحسن بن خيرون الشاهد.
85 - سليمان بن خلف بن سعد بن أيوب بن وارث، أبو الوليد التجيبي الباجي (2): من أهل قرطبة - مدينة بالأندلس -.
سمع بالأندلس أبا بكر محمد بن الحسن بن عبد الوارث والقاضي أبا الوليد يونس بن عبد الله بن مغيث الصفار والقاضي أبا الأصبغ عيسى بن أبي درهم، وبمصر أبا محمد عبد الله بن محمد بن الوليد الأندلسي وأبا القاسم هبة الله بن إبراهيم بن عمر الصواف، وبدمشق أبا الحسن علي السمسار (3)، وبمكة أبا الحسن محمد بن علي بن صخر الأزدي، وبالكوفة الشريف أبا عبد الله محمد ابن علي العلوي.
وقدم بغداد وأقام بها مدة يدرس الفقه والخلاف على القاضي أبي الطيب الطبري وأبي إسحاق الشيرازي حتى برع في ذلك.
وسمع الحديث من أبي القاسم عبيد الله بن أحمد الصيرفي وأبي طالب عمر بن إبراهيم الزهري ومحمد بن محمد بن عبد البر، وحدث ببغداد بيسير.
روي عنه أبو بكر الخطيب الحافظ.
وعاد إلى
__________
(1) في الأصل: (الحذمى).
(2) انظر: وفيات الأعيان 2 / 142.
وفوات الوفيات 1 / 356.
وتهذيب ابن عساكر 6 / 248.
والعبر 3 / 280.
ومعجم الأدباء 11 / 246 - 251.
(3) في الأصل: (السمار).
(*)(1/92)
بلده، وولي القضاء ببعض ثغورها، ودرس وصنف في الفقه والحديث والخلاف.
ومن شعره: إذا كنت تعلم أن لا تجيد * لذي الذنب عن هول يوم الحساب فاعص الإله بمقدار ما * تحب لنفسك سوء العذاب مولده في ذي القعدة سنة ثلاث وأربعمائة (1)، وتوفي لخمس خلون من رجب سنة
أربع وسبعين وأربعمائة بمدينة المرية.
86 - سليم بن أيوب بن سليم، أبو الفتح، الفقيه (2): من أهل الري، فقيه الشافعية في زمانه.
قدم بغداد في صباه، ولازم أبا حامد الإسفراييني وقرأ عليه المذهب والخلاف.
سمع بالري أبا علي أحمد بن عبد الله الاصبهاني وأبا العباس أحمد بن محمد بن الحسين البصير، وبالكوفة أبا عبد الله محمد ابن [ عبد الله بن ] (3) الحسين الجعفي، وببغداد أبا الحسن أحمد بن محمد بن موسى ابن الصلت وأبا أحمد عبيد الله بن محمد بن أحمد الفرضي في آخرين.
روي عنه الخطيب والفقيه نصر المقدسي في آخرين.
أنبأنا ذاكر بن كامل بن أبي غالب الخفاف عن أبي الفضل محمد بن طاهر المقدسي، قال: سمعت إبراهيم بن نصر الصوفي بالري يقول: كان سليم بن أيوب الرازي الإمام من أهل قسطانة - وهي التي يقال لها بالفارسية: كستانة - على سبعة فراسخ من الري مما يلي طريق بغداد، وكان قد تفقه بالري، وقد خرج من بلده إلى بغداد، فتفقه على أبي حامد الإسفراييني، فلما مات أبو حامد جلس في موضعه للتدريس، فبلغ أباه بكستانة أن رئاسة أصحاب الشافعي قد انتهت إلى ابنك ببغداد، فخرج من قريته وقصد بغداد ودخل القطيعة، وكان يدرس في مسجد أبي حامد، وقد فرغ من الدرس الكبير وهو يذكر درس الصبيان الصغار، فوقف على الحلقة، وقال: سليم ! إذا كنت تعلم الصبيان ببغداد فارجع إلى القرية فإني أجمع لك صبيانها وتعلمهم وأنت عندنا ! فقام سليم من الدرس وأخذ بيد أبيه ودخل به إلى بيته، وقدم
__________
(1) على هامش الأصل: (قال ابن نقطة: مولده في آخر ذى الحجة من سنة ثلاث وأربعمائة).
(2) انظر: وفيات الأعيان 2 / 133 والعبر 3 / 213.
وطبقات الشافعية للسبكي 3 / 168.
ومرآة الجنان 3 / 64 وشذرات الذهب 2 / 275.
(3) ما بين المعقوفتين زيادة من العبر 3 / 81.
(*)(1/93)
إليه شيئا من المأكول، وخرج ودفع المفتاح إلى بعض أصحابه وقال: إذا فرغ أبي من الأكل فادفع إليه المفتاح، وقل: كل ما في البيت بحكمك ! وخرج سليم من فوره إلى الشام وأقام بها، وصنف ودرس، فيها انتشر علمه.
غرق سليم بن أيوب في بحر القلزم عند ساحل جدة بعد عوده من الحج في صفر سنة وأربعين وأربعمائة، وكان قد نيف على الثمانين، وقيل: في سلخ صفر.
ودفن في جزيرة بقرب الجار عند المخاضة.(1/94)
حرف الشين 87 - شجاع بن فارس بن الحسين بن فارس بن الحسين بن غريب بن زنجويه، أبو غالب بن أبي شجاع الذهلي (1): طلب الحديث بنفسه، وكان مفيدا أهل بغداد، والمرجوع إليه في معرفة الشيوخ وأحوالهم بعد الخطيب.
وذيل على تاريخ الخطيب ثم غسله قبل موته.
وكان ثقة ثبتا صدوقا فاضلا أديبا جميل السيرة، مرضي الطريقة، أفنى عمره في هذه الصناعة.
سمع أبا طالب محمد بن محمد بن إبراهيم بن غيلان وأبوي القاسم عبد العزيز بن علي الأزجي وعلي بن المحسن التنوخي وأبا الفتح عبد الواحد بن الحسن بن علي المقرئ وأبا إسحاق إبراهيم بن عمر بن أحمد البرمكي وأبا الحسين أحمد بن محمد بن الآبنوسي ومحمد بن أحمد بن حسنون النرسي وأبا بكر أحمد بن علي الحافظ الخطيب.
وكتب عنه أكثر مصنفاته مرات ولغيره، وبالغ في الطلب.
وله شعر، فمنه: وقائلة إني رقدت وقد بدا * ليل الصبى في العارضين قتير فقلت لها إن المزيد من الكرى * يكون إذا كان الظلام ينير
قرأت بخط شجاع الذهلي قال: قلت فيما يكتب على مضراب العود وقد سألته: أنا في كف مهاة ذات دل وجمال * أبدا أسلب بالتحريك ألباب الرجال قرأت في كتاب أبي طاهر السلفي بخطه، وقرأته على أبي الحسن بن المقدسي بمصر عنه، قال: أبو غالب شجاع الذهلي كان من حفاظ بغداد المذكورين، وكنت أسمع أبا علي البرداني (2) الحافظ يثني عليه إذا جرى ذكره، وكان له أدب وشعر، وقد علقت عنه كثيرا من الفوائد الأدبية.
قال عبد الوهاب الأنماطي: دخلت على شجاع بن فارس وهو مريض، فقال لي: توبني، قد كتبت شعر ابن الحجاج سبع مرات.
فقلت لشيخنا: لم كتبته ؟ فقال لي: كان فقيرا.
وقيل: إنه بعد ذلك كتب بخطه ثلاثمائة مصحف تكفيرا لما فعل.
قال ابن ناصر: كان شجاع الذهلي عسرا في الرواية، فلهذا حدث بالقليل، لضيق
__________
(1) انظر: تذكرة الحفاظ 4 / 13.
ومعجم المؤلفين 4 / 296.
والمنتظم 17 / 134، 135.
(2) في الأصل: (البردنى).
(*)(1/95)
وقته بالنساخة والتعليم لأولاد الرؤساء والأماثل.
مولده في منتصف رمضان سنة ثلاثين وأربعمائة.
وتوفي في ثالث جمادى الأولى سنة سبع وخمسمائة.
88 - شقيق بن إبراهيم الأزدي، أبو علي الزاهد (1): من أهل بلخ.
صحب إبراهيم بن أدهم وعباد بن كثير وأبا حنيفة.
روي عنه ابنه محمد.
قدم بغداد حاجا ودخل إلى الرشيد ووعظه.
قال حاتم الأصم: سمعت شقيقا البلخي يقول: عملت في القرآن عشرين سنة حتى ميزت الدنيا من الآخرة، فأصبته في حرفين وهو قوله تعالى: (فما أوتيتم من شئ فمتاع الحياة الدنيا وما عند الله خير وأبقى).
وقال حاتم أيضا: سمعت شقيقا البلخي يقول: ميز بين ما تعطى وتعطي (2)، إن كان ما يعطيك أحب إليك فأنت محب الدنيا، وإن كان ما (3) تعطيه أحب إليك فأنت محمد الآخرة.
قال أبو سعد عبد الرحمن بن محمد الحافظ الإدريسى: شقيق بن إبراهيم الزاهد روي أحاديث مناكير في الزهديات وغيرها.
لم يكن من أهل الصناعة في الحديث وقلما حدث عنه أيضا من يوثق بروايته، فلذلك لا يعتمد على روايته.
قتل شهيدا بجيلان سنة أربع وسبعين ومائة.
* * *
__________
(1) انظر: فوات الوفيات 1 / 187.
ووفيات الأعيان 2 / 171.
والأعلام 3 / 249.
وتهذيب ابن عساكر 6 / 327.
(2) في الأصل: (ويعطى).
(3) في الأصل: (من تعطيه).(1/96)
حرف الطاء 89 - طاهر بن محمد بن طاهر بن علي،، أبو زرعة بن أبي الفضل المقدسي (1): تقدم ذكر والده في هذا المختصر.
ولد بالري، وبكر به أبوه فأسمعه من أبي الفتح عبدوس بن عبد الله الهمذاني وأبي منصور محمد بن الحسين المقدمي وأبي الحسن محمد بن منصور بن علان وأبي محمد عبد الرحمن بن محمد الدوني، وسمع ببغداد أبا الحسين علي بن محمد بن العلاف وأبا القاسم علي بن أحمد بن محمد بن بيان.
وسكن همذان إلى حين وفاته.
وكان تاجرا لا يفهم شيئا من العلم، وحدث بالكثير، وعمر، وانفرد ببعض مروياته، وكان شيخا صالحا.
حمل جميع كتب والده - وكانت كلها بخطه - إلى الحافظ أبي العلاء بهمذان، ورفعها على جميع أهل العلم وسلمها إليه، وسمعت من يذكر أنها كانت في ثلاثين غرارة.
قدم بغداد بعد الخمسين وخمسمائة، وحدث بها بالكثير، سمع منه الأئمة: ابن الخشاب وابن شافع وابن الجوزي في آخرين.
وذكر من سمعه يقول: حججت عشرين حجة.
مولده في الرابع والعشرين من رمضان سنة إحدى وثمانين وأربعمائة بالري.
وتوفي بهمذان في سابع ربيع الآخر سنة ست وستين وخمسمائة.
90 - طراد بن محمد بن علي بن الحسن بن محمد بن عبد الوهاب بن سلميان ابن محمد بن سليمان بن عبد الله بن محمد بن إبراهيم الإمام بن محمد بن علي بن عبد الله بن العباس بن عبد المطلب الهاشمي، أبو الفوارس الزينبي (2): من ولد زينب بنت سليمان بن علي.
كان يسكن بباب البصرة.
ولى النقابة على العباسيين ببغداد في رجب سنة ثلاث وخمسين وخمسمائة.
سمع من أبي الفتح هلال ابن محمد الحفار وأبي نصر أحمد بن محمد بن حسنون النرسي وأبي الحسين محمد بن الحسين بن الفضل القطان وأبي عبد الله الحسين بن عمرو بن برهان الغزال في آخرين.
وانفرد بالرواية عن أكثر شيوخه وحدث بالكثير، وأملى خمسة وعشرين مجلسا بجامع المنصور، وأملى بمكة والمدينة مجالس، روى عنه الحفاظ: محمد بن ناصر السلامي ومحمد بن عبد الباقي الأنصاري وسعد الخير وشهدة بنت الإبري وهي آخر من حدث عنه.
__________
(1) انظر: شذرات الذهب 4 / 217.
والعبر 4 / 192.
(2) انظر: النجوم الزاهرة 5 / 162.
وشذرات الذهب 3 / 396.
والمنتظم 17 / 43 - 44.
والعبر 3 / 331.
(*)(1/97)
قال السلفي: سألت شجاع الذهلي عن طراد، فقال: حدث ببغداد وبغيرها من البلاد وأملي عدة سنين في جامع المنصور، وكان صدوقا، وقد سمعت منه.
قال محمد بن عبد الباقي الأنصاري: سمعت أبا الفوارس طراد يقول: إن مولده في
منتصف شوال سنة ثمان وتسعين وثلاثمائة.
وتوفي في سلخ شوال سنة إحدى وتسعين وأربعمائة ببغداد.
ودفن بباب النصر في مستهل ذي القعدة في داره.
وهو آخر من حدث عن أبي نصر بن النرسي وهلال الحفار والحسين بن عمر بن برهان الغزال في آخرين.
ثم نقل بعد ذلك إلى مقابر الشهداء.
* * *(1/98)
حرف العين 91 - عاصم بن الحسن بن محمد بن علي بن عاصم بن مهران بن أبي المضاء، أبو الحسين بن أبي علي العاصمي العطار (1): من أهل الكرخ، كان يعرف بابن عاصم الرصاص.
سمع الكثير من أبي عمر عبد الواحد بن محمد بن عبد الله بن مهدي الفارسي وأبي الفتح هلال الحفار، وأبوي ا لحسين علي بن محمد بن بشران ومحمد بن الحسين بن الفضل القطان وأبوي بكر محمد بن أحمد بن وصيف وأحمد بن محمد بن غالب البرقاني في آخرين.
وحدث، وكتب بخطه الكثير.
سمع منه أبو بكر الخطيب الحافظ، وروي عنه في كتاب (المؤتلف والمختلف) من جمعه.
وكان صدوقا عفيفا متدينا مع ظرف كان فيه ولطف.
وله شعر، فمنه: واتلفي من ساخط معرض * مذ علق القلب بن ما رضى أمرض قلبي طول هجرانه * فديته لو شاء لم يمرض فدمع عيني مارقا مذ جفا * وجفنها الساهر لم يغمض وليس لي من حبه مهرب * فما احتيالي وبهذا [ قد ] قضى ؟ قال السلفي: سألت الذهلي عن عاصم بن الحسن العاصمي فقال: حدث عن
جماعة، وله شعر مطبوع، وكان صدوقا، من أهل السنة، وقد سمعت منه.
مولده سنة سبع وتسعين وثلاثمائة.
وتوفي في ثاني عشر جمادى الآخرة سنة ثلاث وثمانين وأربعمائة ببغداد، ودفن بمقبرة جامع المدينة.
92 - عبد الله بن أحمد بن أحمد بن أحمد بن عبد الله بن نصر بن الخشاب، أبو محمد بن أبي الكرم (2): كان يسكن بباب المراتب.
وكان أعلم أهل زمانه بالنحو حتى يقال: إنه كان في درجة أبي علي الفارسي.
وكانت له معرفة بالحديث واللغة والمنطق والفلسفة والحساب والهندسة.
__________
(1) انظر: الأنساب، للسمعاني 9 / 147.
والمنتظم 16 / 286، 287، 288.
(2) انظر: وفيات الأعيان 2 / 288.
والعبر 4 / 196.
وأنباء الرواة 2 / 99.
ومعجم الأدباء 12 / 47.
والمنتظم 18 / 198.
والأعلام 4 / 191.
(*)(1/99)
قرأ الحساب والهندسة على أبي بكر محمد بن عبد الباقي الأنصاري.
وسمع الحديث منه ومن أبي القاسم علي بن الحسين الربعي وأبي الغنائم محمد بن علي النرسي، وقرأ الحديث بنفسه على أبي القاسم بن الحصين وأبي العز أحمد بن عبيد الله بن كادش وأبي القاسم هبة الله بن أحمد بن عمر الحريري في آخرين، وقرأ العالي والنازل، وكتب بخطه الكثير.
وكان يكتب خطا مليحا، ويضبط صحيحا، وحصل من الكتب والأصول وغيرها ما لا يدخل تحت حصر، وكان ثقة في الحديث والنقل، صدوقا نبيلا حجة إلا أنه كان بخيلا، ولم يكن في دينه بذاك.
وكان متبهدلا في مطعمه وملبسه ومعيشته (1)، متهتكا في حركاته، قليل المبالاة بحفظ ناموس العلم.
وكان يلعب بالشطرنج على قارعة الطريق مع العوام، ويقف في الشوارع على أصحاب اللهو، وكان كثير المزاح
واللعب، طيب الأخلاق.
وله شعر، فمنه: أسلمته العيون دار فلما * جال فوق الخدود عاد عقيقا وشموس ودعن عند التلاقي * فكأن الغروب عاد شروقا كتب إلي محمد بن هبة الله بن الحلي، قال: أنشدنا أبو محمد بن الخشاب لنفسه ملغزا في الكتاب: وذي أوجه لكنه غير بائح * بسر وذو الوجهين للسر يظهر تناجيك بالأسرار أسرار وجهه * فتسمعها (2) ما دمت بالعين تنظر قال أبو سعد بن السمعاني: سمعت شجاع البسطامي يقول: لما دخلت بغداد قرأ علي ابن الخشاب غريب الحديث لابن قتيبة قراءة ما رأيت قبلها مثلها في الصحة والسرعة، وحضر جماعة من الفضلاء سماعها، وكانوا يريدون أن يأخذوا عليه فلتة لسانه فما قدروا على ذلك.
أخبرنا شهاب الحاتمي قال: حدثنا أبو سعد بن السمعاني قال: عبد الله بن الخشاب شاب كامل فاضل، له معرفة تامة بالأدب واللغة والحديث، ويقرأ الحديث قراءة حسنة صحيحة مفهومة، سمع الكثير بنفسه، وجمع الأصول الحسان، كتبت عنه
__________
(1) في الأصل: (تعيشه).
(2) على الهامش: (فتفهمها).
(*)(1/100)
وسألته عن مولده، فقال: أظن في سنة اثنتين وتسعين وأربعمائة.
توفي في عشية الجمعة ثالث رمضان سنة سبع وستين وخمسمائة، ودفن بمقبرة أحمد.
93 - عبد الله بن أحمد بن صاعد بن صائم الإسكاف، أبو محمد بن أبي
العباس بن أ بي المجد (1): من أهل الحربية، سمع أبا القاسم بن الحصين وأبا غالب أحمد بن الحسن بن البناء وإسماعيل بن أحمد بن عمر السمرقندي في آخرين.
وكان شيخا صالحا حسن الأخلاق، حدث عنه الإمام أحمد غير مرة، ودفع إليه قوم من أهل الشام شيئا من المال وذهبوا به متوجهين إلى دمشق ليسمعوا منه هناك، فلما وصلوا إلى الموصل تسامع به أصحاب الحديث، فأمسكوه عندهم مدة وسمعوا منه المسند، وبعد فراغهم من السماع بقي الشيخ أياما ثم مرض ومات، ولم يقدر له أن يدخل الشام.
توفي بالموصل في الثاني عشر من محرم سنة ثمان وتسعين وخمسمائة، وقد نيف على الثمانين - رحمه الله.
94 - عبد الله بن أحمد بن عمر بن أبي الأشعث السمرقندي، أبو محمد بن أبي بكر الحافظ (2): تقدم ذكر أبيه وأخيه إسماعيل.
ولد بدمشق وسمع بها الكثير من أبي الحسن أحمد ابن عبد الواحد بن محمد بن أبي الحديد السلمي وأبي نصر الحسين بن محمد بن طلاب وأبي محمد عبد العزيز الكتاني، وببيت المقدس من أبي عثمان محمد بن أحمد ابن ورقاء الاصبهاني، وأكثر عن الحافظ أبي بكر الخطيب بدمشق من مصنفاته.
وقدم بغداد واستوطنها، وسمع بها الكثير من أبي محمد عبد الله بن محمد الصريفيني وأبي الحسين أحمد بن النقور وأبي منصور عبد الباقي بن محمد بن غالب العطار وأبوي القاسم عبد العزيز بن علي الأنماطي وعلي بن أحمد البسري.
ورحل إلى خراسان فسمع بنيسابور أبا القاسم الفضل بن عبد الله بن المحب، وبهراة أبا إسماعيل عبد الله بن محمد الأنصاري، وببلخ أبا القاسم أحمد بن محمد بن محمد بن عبيد الله
__________
(1) انظر: شذرات الذهب 4 / 335.
والنجوم الزاهرة 6 / 181.
والعبر 4 / 302.
(2) انظر: معجم المؤلفين 6 / 29.
والعبر 4 / 37.
وتذكرة الحفاظ 4 / 1263.
وشذرات الذهب
4 / 49.
والمنتظم 17 / 211.
(*)(1/101)
الخليلي في جماعة آخرين يطول ذكرهم.
وكتب بخطه الكثير، وحصل الأصول وجمع وخرج.
وكان يكتب خطا مليحا، ويضبط صحيحا، وكان موصوفا بالحفظ والإتقان.
روي عنه أخوه إسماعيل وابنته كمال ومحمد بن ناصر في آخرين.
قال السلفي: عبد الله بن أحمد السمرقندي كان من حفاظ الحديث، ثقة، صاحب رحلة إلى خراسان وغيرها، وكان قد رزق حظا من الأدب، وإذا قرأ الحديث أعرب وأغرب.
مولده بدمشق في سادس صفر سنة أربع وأربعين وأربعمائة.
وأول سماعه في سنة خمسين.
وتوفي ببغداد في ثاني عشر ربيع الآخر سنة ست عشرة وخمسمائة، ودفن بباب أبرز.
95 - عبد الله بن أحمد بن محمد بن عبد القاهر بن هشام الطوسي، أبو الفضل ابن أبي نصر الخطيب (1): ولد ببغداد في دار الخلافة ونشأ بها، وسمع بها الحديث من أبي الخطاب نصر بن أحمد بن البطر وأبي عبد الله الحسين بن أحمد بن محمد بن طلحة وأبي الفضل محمد ابن عبد السلام الأنصاري وأبي الخطاب علي بن عبد الرحمن بن الجراح وأبي منصور محمد بن أحمد الخياط المقرئ وأبي الحسين المبارك بن عبد الجبار الصيرفي وأبي محمد جعفر بن أحمد السراج في آخرين.
وقرأ الفقه والخلاف على إلكيا أبي الحسن علي بن محمد الهراسي وأبي بكر الشاشي، والفرائض والحساب على الحسين بن أحمد الشقاق، والأدب على أبي
زكريا التبريزي وأبي محمد الحريري، ثم إنه سافر إلى العراق وخراسان، وسافر إلى بلاد ما وراء النهر في سنة إحدى عشرة وخمسمائة، وعاد إلى بغداد في سنة أربع عشرة.
فسمع بأصبهان أبا علي الحسن بن أحمد الحداد، وبنيسابور أبا نصر عبد الرحيم بن عبد الكريم القشيري.
ثم إنه سكن الموصل وسمع بها أباه وعمه أبا البركات محمد بن محمد وأبا البركات محمد بن محمد بن خميس.
وتولى الخطابة بالجامع العتيق، وتفرد بأكثر مسموعاته.
__________
(1) انظر: شذرات الذهب 4 / 262.
والعبر 4 / 234.
والمعجم المؤلفين 6 / 30.
(*)(1/102)
وكان فاضلا أديبا، له شعر حسن، وكان محمد بن عبد الخالق بن أحمد بن يوسف البغدادي قد قدم عليه الموصل ونقل له سماعاته من ابن البطر وطراد وابن طلحة وغيرهم على فروع كتبها له بخطه، فقبلها الشيخ وحديث بها، وكانت باطلة لا أصل لها، مما اختلقت يداه، وعلم بذلك فأبطلها أصحاب الحديث، فلا يقبل من رواية هذا الخطيب إلا ما شوهد أصله، وكان بخط من يوثق به من الطلبة، وما سوى ذلك فلا يجوز روايته.
مولده في منتصف سنة سبع وثمانين وأربعمائة، وتوفي بالموصل في ليلة الثلاثاء لأربع عشرة خلت من شهر رمضان سنة ثمان وسبعين وخمسمائة.
ومن شعره: سقى الله أياما لنا ولياليا * نعمنا بها والعيش إذ ذاك ناضر ليالي لا أصغى إلى لوم عاذل * وطرفي إلى أنوار وجهك ناظر 96 - عبد الله بن الحسين بن رواحة بن إبراهيم بن عبد الله بن رواحة بن عبيد بن محمد بن عبد الله بن رواحة، أبو محمد الأنصاري الخزرجي (1): من أهل حماة، وكان يتولى الخطابة بها.
كان من ذوي الفضل والنبل والديانة
والصيانة.
قدم بغداد حاجا، ومدح الإمام المقتفي لأمر الله فأكرمه.
ومن شعره في المقتفي: أتعرف رسما دارس الآي بالحمى * عفا وتهاداه السحاب فأطسما سلوت الهوى أيام شرخ شبيبتي * فهل رغبة فيه إذا الشيب عمما ؟ وقالوا مشيبا كالنجوم طوالعا * وما حسن ليل لا ترى منه أنجما ومنه: وما الشمس في وسط السماء ودونها * حجاب عن الغيم الرقيق مفرق بأحسن منها حين تستر وجهها * حياء تبديه لعلى أرصق ومنه: أعلاق وجد القلب من أعلاقه * وتصاعد الزفرات من إحراقه
__________
(1) انظر: تاريخ ابن عساكر 7 / 367.
(*)(1/103)
مولده سنة ست وثمانين وأربعمائة، وتوفي في يوم عاشوراء سنة إحدى وستين وخمسمائة بحماة.
قال ابن عساكر: وكان شاعرا، له يد بيضاء في القراءات، وتهجد في الخلوات.
مدح المقتفي مرارا، وخلع عليه ثياب الخطابة، وقلده أمرها بحماة.
97 - عبد الله بن الحسين بن عبد الله بن الحسين العكبري، أبو البقاء بن أبي عبد الله الضرير النحوي (1): قرأ القرآن بالروايات على أبي الحسن البطائحي، وتفقه على القاضي أبي يعلى محمد بن أبي خازم بن الفراء، وقرأ العربية على أبي البركات يحيى بن نجاح وابن الخشاب.
سمع الحديث عن أبي الفتح محمد بن عبد الباقي بن البطي وأبي زرعة طاهر ابن محمد بن طاهر وأبي بكر عبد الله بن محمد بن أحمد النقور في آخرين وحدث.
وكان ثقة صدوقا، غزير الفضل، كامل الأوصاف، كثير المحفوظ، متدينا، حسن الأخلاق.
ذكر لي أنه أضر في صباه.
وله مصنفات كثيرة، منها: تفسير القرآن وإعرابه، وإعراب الشواذ (2) من القراءات، إعراب الحديث، المرام في نهاية الأحكام في مذهب الإمام أحمد، تعليق في الخلاف، شرح الهداية لأبي الخطاب، شرح الحماسة، شرح المقامات، شرح الخطب النباتية، المصباح في شرح الإيضاح والتكملة، إعراب الحماسة، التوصيف في التصريف - في غير ذلك.
أنشدني علي بن عدلان بن حماد الموصلي النحوي قال: أنشدني شيخنا أبو البقاء عبد الله لنفسه مادحا لابن مهدي الوزير: بك أضحى جيد الزمان محلى * بعد أن كان من حلاه مخلى لا يجاريك في تجاريك خلق * أنت أعلا قدرا وأعلا محلا دمت تحيى ما قد أميت من الفضل * وتنفى فقرا وتطرد محلا سمعت من ذكر أنه سمع أبا البقاء يقول: ما عملت من الشعر سوى هذه الأبيات.
مولده ببغداد في أوائل سنة ثمان وثلاثين وخمسمائة، وتوفي في ليلة يسفر صباحها عن تاسع شهر ربيع الآخر سنة ست عشرة وستمائة، ودفن بباب حرب - رحمه الله.
__________
(1) انظر: وفيات الأعيان 2 / 286.
وبغية الوعاة، ص 281.
والأعلام 4 / 208.
(2) في الأصل: (إعراب السراد).
(*)(1/104)
98 - عبد الله بن عبد الرحمن بن عبد الله بن علوان بن عبد الله بن علوان بن رافع، الأسدي، أبو محمد (1): من أهل حلب.
أسمعه والده في صباه من أبي الفرج يحيى الثقفي ومن جماعة أخرى، ثم إنه هو سمع بنفسه كثيرا، وكتب بخطه، وحصل بهمة وافرة، وتفقه على
مذهب الإمام الشافعي على أبي المحاسن يوسف بن رافع قاضي حلب، وصحبه وعنى به عناية شديدة بما رأى من نجابته وفهمه وذكائه، واتخذه ولدا وصاهره، وصار معيدا لمدرسته وله نيف وعشرون سنة.
ثم ولى التدريس بعدة مدارس، ونبل مقداره، وتقدم عند الملوك والسلاطين، وعلا به جاهه وارتفع شأنه، وروسل به إلى ملوك الشام ومصر، ثم إنه ناب في القضاء بحلب مدة حياة القاضي، فلما توفي ولي القضاء، وأرسل رسولا إلى دار الخلافة، فقدم علينا في شهر رمضان سنة أربع وثلاثين وستمائة، وأكرم مورده وجمع له فقهاء مدينة السلام بدار (2) الوزارة، وأحضر وتكلم مع الفقهاء.
وكانت له معرفة حسنة بالحديث ويد باسطة في الأدب.
وكان محبا لأهل الدين والصلاح، وكان حسن الخلق والخلق، لطيفا مزاحا، طيب المعاشرة، حلو المحاضرة، مقبول الصورة.
اجتمعت به عند شيخنا أبي اليمن الكندي ثم بحلب مرات كثيرة.
وله على أياد يعجز عن حصرها قلمي، ويقصر عن شرحها كلمي.
سمعت منه بحلب وسمع مني، وحدث ببغداد، وكان ثقة نبيلا، ما رأت عيناي أكمل منه.
أنشدني القاضي أبو محمد عبد الله بن عبد الرحمن الأسدي لنفسه ببغداد، وذكر أنه اجتمع ببعض أصدقائه وأخصائه من أهل حلب بحمص متوجها إلى دمشق، فكتب إليه من حلب: إلى الله أشكو ما وجدت من الأسى * بحمص وقد أمسى الحبيب مودعا وأودع في العين السهاد وفي الحشاك ال * لهيب وفي القلب الجوى والتصدعا ولله أيام تقضت بقرية * فيا طيبها لو دمت فيها ممتعا ولكنها عما قليل تصرمت * فأصبحت منبت السرور مفجعا وقد كان ظني أن عند قفولنا * إلى حلب ألقى من الهم مفزعا
__________
(1) انظر: النجوم الزاهرة 6 / 301.
وشذرات الذهب 5 / 170.
(2) في الأصل: (بداره الوزارة).
(*)(1/105)
فأنشدت بيتي شاعر ذاق طعم ما * شربت بكأسات الفراق تجرعا فلا مرحبا بالربع لستم حلوله * ولو كان مخضر الجوانب ممرعا ولاخير في الدنيا ولا في نعيمها * إذا لم يكن شملي وشملكم معا سألت القاضي عن مولده، فقال: في جمادى الأولى سنة ثما وسبعين وخمسمائة.
وبلغني أنه توفي في شعبان من سنة خمس وثلاثين وستمائة في ليلة السادس عشر منه.
99 - عبد الله بن عمر بن علي بن زيد اللتي، أبو المحاسن (1): من أهل شارع دار الرقيق.
سمع بإفادة عمه أبي بكر محمد بن علي بن أبي القاسم سعيد بن أحمد بن الحسن بن البناء وأبي الوقت عبد الأول السجزي وأبي الفتح بن البطي وأبي علي الحسن بن جعفر بن عبد الصمد بن المتوكل على الله وأبي المعالي محمد بن محمد بن محمد بن اللحاس في آخرين وحدث.
وتفرد بجماعة من شيوخه ومسموعاته، وقد حقق به حديث التقوى، فهو آخر من رواه عاليا، كتبنا عنه، وكان سماعه صحيحا.
وسافر إلى الشام، وحدث هناك وعاد.
مولده في العشرين من ذي القعدة سنة خمس وأربعين وخمسمائة.
وتوفي في رابع عشر جمادى الأولى سنة خمس وثلاثين وستمائة، ودفن بباب حرب، عن تسعين سنة إلا أشهرا (2).
100 - عبد الله بن القاسم بن علي بن محمد بن عثمان الحريري، أبو القاسم ابن أبي محمد (3): صاحب المقامات، من أهل البصرة.
نزل بغداد وسكنها، وروى بها عن والده (المقامات) و (درة الغواص) و (ملحة الإعراب).
روى عنه شيخانا عبد الوهاب بن الأمين وأبو اليمن الكندي، وسألته عنه، فقال: كان ابن الحريري فقد - يشير إلى قلة علمه.
أخبرنا شهاب الحاتمي بهراة قال: حدثنا أبو سعد بن السمعاني قال: عبد الله بن
__________
(1) انظر: شذرات الذهب 5 / 171.
(2) في الأصل: (أشهر)، وفوقها: (كذا).
(3) انظر الأعلام 4 / 114.
(*)(1/106)
القاسم بن علي الحريري أبو القاسم من أهل البصرة سكن بغداد، وهو ابن أبي محمد صاحب المقامات، شاب فاضل متميز، له حظ من الأدب واللغة، مليح الخط.
مولده سنة تسعين وأربعمائة.
ولم يذكر وفاته.
101 - عبد الله بن محمد بن الحسين بن ناقيا بن داود بن محمد بن يعقوب، أبو القاسم بن أبي الفتح، الحنفي الشاعر، المعروف بأبي البندار (1): كان شاعرا مجودا، عذب الألفاظ، مليح المعاني، ظريف، من محاسن الناس، إلا أنه كان مطعونا عليه في دينه وعقيدته.
سمع الحديث من أبي القاسم عبد الرحمن بن عبيد الله الحرفي وأبي طالب محمد بن علي العشاري والأمير أبي محمد الحسن بن عيسى بن المقتدر في آخرين.
روي عنه شجاع الذهلي وهبة الله بن علي بن المحلى ومحمد بن ناصر السلامي في آخرين - رحمه الله.
ومن شعره في الشمعة: أبيت وشوقي مؤنسي وجليسة * يذوب أسى قلبي وجثمانها معا مساعدة لي ما تمل وقد حكت * بأحوالها في الليل حالي أجمعا سهادا ووجدا واصطبارا وحرقة * ولونا وسقما وانتصابا وأدمعا أكاد أناجيها بشكواي حيرة * وياراحتي لو كنت صادفت مسمعا
أخبرنا عبد الوهاب بن ظاهر بن رواح بقراءتي عليه بالإسكندرية قال: حدثنا أبو طاهر أحمد بن محمد السلفي، أنشدنا أبو الحسن علي بن أحمد بن محمد بن الدهان المرتب في المارستان قال: أنشدنا أبو القاسم عبد ا لله بن محمد بن ناقيا بنفسه: معتدل القد ليس بالعدل * ألحاظه في القلوب كالنبل قنعت بالذل في محبته * لأن عزى في ذلك الذل يوعدني منه بالوصال ولا * يصح من وعده سوى المطل من لي بنوم أراك فيه وقد * أقررت عيني بزورة من لي قد طال شوقي إليك يا سكني * فارث دموعي إن كنت ذاخل أخبرنا شهاب الحاتمي قال: سمعت ابن السمعاني يقول: سألت عبد الوهاب
__________
(1) انظر: بغية الوعاة، ص 292.
ووفيات الأعيان 2 / 284، 285.
ومعجم المؤلفين 6 / 116.
وإنباه الرواة 21 / 133.
(*)(1/107)
الأنماطي عن ابن ناقيا فأساء إلينا عليه وقال: ما كان يصلي، وكان يقول: في السماء نهر من خمر ونهر من لبن ونهر من عسل لا ينقط منه شئ، ينقط هذا الذي يخرب البيوت ويهدم السقوف.
مولده في نصف ذي القعدة سنة عشر وأربعمائة، وتوفي في رابع محرم سنة خمس وثمانين وأربعمائة، ودفن في مقابر باب الشام - رحمه الله تعالى.
102 - عبد الله بن محمد بن طاهر بن الحسين، أبو بكر العمروي (1): من أهل طريثيث.
قدم بغداد وسمع بها أبا طالب بن غيلان وأبا محمد الحسن بن عيسى ابن المقتدر وأبا القاسم عبد الله بن شاهين في آخرين.
وكان أديبا فاضلا بليغا، له مصنفات.
قدم بغداد في آخر عمره واستوطنها، وحدث بها.
سمع منه السلفي وجماعة أخبرني عبد الرحمن بن مكي بن عبد الرحمن بن الحاسب بالإسكندرية قال: أخبرنا
جدي لأبي أبو طاهر أحمد بن محمد السلفي قال: أنشدني القاضي أبو بكر عبد الله ابن محمد بن طاهر النيسابوري ببغداد قال: أنشدني أبو طاهر علي بن عبيد الله الشيرازي قال: أنشدني الكافي أبو علي أبزون بن مهبرد العماني لنفسه بعمان: وقالو أفق عن سكرة اللهو والصبى * وقد لاح شيب في رجال عجيب فقلت أخلاي دعوني ولذتي * فإن الكرى عند الصباح يطيب مولد الطريثيثي سنة إحدى عشرة وأربعمائة، وتوفي في جمادى الأولى سنة ثلاث وخمسمائة.
103 - عبد الله بن علي بن عبد الله بن محمد بن علي بن محمد بن الحسن بن موسى بن الآبنوسي، أبو محمد الوكيل (2): سمع أبا القاسم علي بن المحسن التنوخي وأبا محمد الحسن بن علي الجوهري وأبا طالب محمد بن علي العشاري وأبا الطيب طاهر بن عبد الله الطبري في آخرين، وسمع تاريخ بغداد من مصنفه أبي بكر الخطيب ورواه.
روى عنه ابن ناصر ومحمد بن عبد الباقي بن البطي في آخرين.
جمع له أبو علي بن البرداني فوائد عن شيوخه.
ومن شعره - وليس له غيرهما:
__________
(1) انظر: بغية الوعاة، ص 288.
(2) انظر: العبر 4 / 9.
وشذرات الذهب 4 / 10.
(*)(1/108)
أصبح الناس حثاله * كلهم يطلب ماله لو بقي في الناس (1) حر * ما تعاطيت الوكالة قال السلفي: أبو محمد الآبنوسي كان من أهل المعرفة بالحديث وقوانينه التي لا يعرفها إلا من طال اشتغاله بها (2)، وفي شيوخه، وسماعاته كثرة، وكان ثقة، كتبنا عنه بانتقاء أبي علي البرداني الحافظ، وكان شافعي المذهب.
سئل على مولده فقال:
في شوال سنة ثمان وعشرين وأربعمائة، وقيل: سنة سبع وعشرين.
قال شجاع الذهلي: توفي أبو محمد بن الآبنوسي الوكيل في الليلة التي صبيحتها يوم الثلاثاء السادس عشر من جمادى الأولى سنة خمس وخمسمائة، ودفن من الغد في مقبرة الشونيزي - رحمه الله تعالى.
* * * آخر الجزء الرابع من المستفاد من ذيل تاريخ بغداد لابن النجار، انتقاه أحمد بن أيبك بن عبد الله الحسامي، عرف بابن الدمياطي، سامحه الله لنفسه ثم لمن سأله الله من بعده، الحمد لله على كل حال.
* * *
__________
(1) في الهامش: (في الأصل: النار، وصوابه: الناس).
(2) في الأصل: (اشتغاله به).
(*)(1/109)
الجزء الخامس من المستفاد من ذيل تاريخ بغداد للحافظ أبي عبد الله محمد بن النجار البغدادي انتخاب كاتبه الواثق بالله أحمد بن أيبك بن عبد الله.(1/111)
بسم الله الرحمن الرحيم استعنت بالله وحده 104 - عبد الله بن محمد بن هبة الله بن علي بن المطهر بن أبي عصرون، أبو سعد بن أبي السري، الفقيه الشافعي (1): من أهل الموصل، أحد الأئمة الأعيان.
قدم بغداد في صباه، وأقام بها مدة، وقرأ
القرآن بالروايات على البارع أبي عبد الله الحسين بن محمد الدباس، وقرأ المذهب والخلاف على أسعد بن أبي نصر الميهني، والأصول على أبي الفتح بن برهان، وسمع الحديث من أبي القاسم هبة الله بن الحصين وأبي عبد الله البارع (2) وأبي علي الحسين بن الخليل النسفي، وسمع بالموصل من جده لأمه أبي الحسن علي بن أحمد بن عبد الباقي الثعلبي.
ثم انتقل إلى دمشق ودرس بها في الزاوية الغربية، ثم قلد قضاء الشام بعد كمال الدين محمد بن عبد الله بن الشهرزوري في سنة ثلاث وسبعين وخمسمائة، وصنف مصنفات مفيدة في المذهب والأصول والخلاف.
مولده في ثاني عشر ربيع الأولى سنة اثنتين وتسعين وأربعمائة.
وتوفي في شهر رمضان سنة خمس وثمانين وخمسمائة بمدينة دمشق وقد بلغ من العمر ثلاثا وتسعين سنة.
105 - عبد الأول بن عيسى بن شعيب بن إبراهيم بن إسحاق السجزي، أبو الوقت بن أبي عبد الله الصوفي (3): ولد بهراة ونشأ بها، وحمله والده إلى بوشنج، فأسمعه من أبي الحسن عبد الرحمن ابن محمد بن المظفر الداودي جميع صحيح البخاري ومسند الدارمي ومنتخب المسند لعبد بن حميد، وسمع أيضا من أبي القاسم أحمد بن محمد بن محمد العاصمي، وسمع
__________
(1) انظر: طبقات القراء 1 / 455.
وطبقات الشافعية للسبكي 4 / 237.
والنجوم الزاهرة 6 / 109 ووفيات الأعيان 2 / 256.
والعبر 4 / 256.
(2) في الأصل: (البا).
(3) انظر: وفيات الأعيان 2 / 392 - 393.
والعبر 4 / 151.
وشذرات الذهب 4 / 166.
(*)(1/113)
بهراة من أبي عبد الله محمد بن عبد العزيز الفارسي وأبي صاعد يعلى بن هبة الله الفضيلي وأبي عاصم الفضيل بن يحيى (1) الفضيلي في آخرين.
وحدث بالكثير،
وسافر إلى العراق، فحدث بأصبهان وهمذان ونهاوند، وقدم بغداد في شوال سنة اثنتين وخمسين وخمسمائة ومعه أصوله فحدث بها بجميع مروياته.
وكان الوزير أبو المظفر بن هبيرة قد استدعاه، وسمع عليه صحيح البخاري قرأه عليه أبو محمد بن الخشاب، وآخر من قرأه عليه ببغداد أبو محمد بن الأخضر، وكان شيخا صدوقا أمينا، من مشايخ المتصوفين ومحاسنهم، ذا ورع وعبادة مع علو سنة.
وله أصول حسنة وسماعات صحيحة.
أخبرني شهاب بن محمود الحاتمي بهراة قال: حدثنا أبو سعد بن السمعاني من لفظه قال: عبد الأول بن عيسى بن شعيب السجزي أبو الوقت سجزي الأصل، هروي المولد والمنشأ، شيخ صالح، حسن الأخلاق والأخلاق (2)، استسعد بصحبة الإمام عبد الله الأنصاري، وكان صبورا على القراءة عليه، محبا للرواية.
سمعت أن والده عيسى حمله على رقبته من هراة إلى بوشنج، وسمعه صحيح البخاري ومسند الدارمي والمنتخب من حديث عبد بن حميد، فلحقته بركة والده.
وسمعت أن والده سماه (محمدا) فسماه الإمام عبد الله الأنصاري (عبد الأول) وكناه (بأبي الوقت).
وقال ابن الصوفي بن وقتة: سألته عن مولده، فقال: في ذي القعدة سنة ثمان وخمسين وأربعمائة بهراة.
قال أبو الفضل أحمد بن صالح بن شافع: توفي أبو الوقت في ليلة الأحد سادس ذي القعدة سنة ثلاث وخمسين وخمسمائة، ودفن بالشونيزية.
وتقدم بالصلاة على الشيخ عبد القادر الجيلي.
وكان سماعه للحديث بعد الستين وأربعمائة - رحمه الله.
106 - عبد الحليم بن محمد بن الخضر بن محمد بن تيمية، أبو محمد، الفقيه الحنبلي (3): من أهل حران.
قدم بغداد وتفقه بها حتى برع في الفقه وغيره، وسمع من أبي * (هاشم) * (1) في الأصل: (بن محمد).
(2) هكذا في الأصل.
(3) انظر: شذرات الذهب 5 / 10.
(*)(1/114)
الفرج بن كليب وأبي طاهر بن المعطوش وابن الجوزي وابن سكينة في آخرين وحدث.
قرأ عليه (جزء أبي عوانة) الحافظ أبو عبد الله محمد بن عبد الواحد المقدسي وسأله عن مولده فقال: في سنة ثلاث وسبعين وخمسمائة.
وتوفي بحران في السادس والعشرين من شوال سنة ثلاث وستمائة.
107 - عبد الحميد بن يحيى بن سعد، أبو يحيى الكاتب، مولى العلاء بن وهب العامري (1): من أهل الأنبار.
كان معلما للصبيان، وينقل في البلدان، وسكن الرقة، وكان من الكتاب البلغاء، وبه يضرب المثل في الكتابة، وعنه أخذ المترسلون.
قرأت في كتاب الوزراء لأبي عبد الله محمد بن عبدوس الجهشياري قال: أهدى عامل لمروان إلى مروان غلاما أسود، فقال لعبد الحميد: اكتب إليه واذمم فعله في هديته.
فكتب إليه: (لو وجدت لونا شرا من أسود وعددا أقل من واحد لأهديته) ! وهذا مأخوذ من قول أعرابي قيل له: ما لك من الولد ؟ فقال: قليل خبيث، فقيل له: ما معناك في هذا ؟ فقال: لا أقل من واحد، ولا أخبث من بنت.
قال: وساير عبد الحميد يوما مروان على دابة، فقال له: كيف سيرها ؟ فقال: همها أمامها وسوطها عنانها وما ضربت قط إلا ظلما.
قال الحافظ أبو القاسم بن عساكر: بلغني أن عبد الحميد استخفى بعد قتل مروان، فوجد بالشام أو بالجزيرة، فدفعه السفاح إلى عبد الجبار بن عبد الرحمن، وكان على شرطته، فكان يحمي طشتا بالنار ويضعها على رأسه حتى مات.
108 - عبد الخالق بن فيروز بن عبد الله بن عبد الملك بن داود الجوهري، أبو المظفر بن أبي جعفر الواعظ (2): أصله من همذان، ونشأ ببغداد وسكنها، وسمع به الحديث وبخراسان وأصبهان، ودخل الشام، وسكن مصر وحدث هناك ووعظ.
ذكر أنه سمع من أبي عبد الله محمد بن الفضل الفراوي وإسماعيل بن أبي القاسم
__________
(1) انظر: وفيات الأعيان 2 / 394 - 397.
(2) انظر: شذرات الذهب 4 / 301.
والعبر 4 / 272.
(*)(1/115)
القارئ وزاهر بن طاهر الشحامي وأخيه أبي بكر وجيه في آخرين.
وحدث بجزء خرجه (1) بنفسه عن هؤلاء الشيوخ وغيرهم، سمعه منه الحافظ أبو الحسن علي المقدسي.
سمعت أنه لم يكن سماعه من الفراوي صحيحا، وأنه لم يكن موثوقا به، وقد رأيت سماع أخويه بنيسابور أبي جعفر عبد الواحد وأبي عبد الله عبد الكريم ابني فيروز من الفراوي بخط محمد بن علي الطوسي، فلعله وثب على سماع أخويه فادعاه.
مولده في سابع عشرى رجب سنة ثلاث وعشرين وخمسمائة.
وتوفي رحمه الله.
قال ابن الدبيثي: وبلغنا أنه اختلط: يعني عبد الخالق بن فيروز - في شئ من مسموعاته، وادعى سماع ما لم يسمعه، وتكلم الناس فيه ولم يحدث ببغداد بشئ.
109 - عبد الرحمن بن إسحاق الزجاجي، أبو القاسم النحوي (2): تلميذ أبي إسحاق إبراهيم بن السري الزجاج، قرأ عليه ونسب إليه، وقرأ أيضا على أبي جعفر بن رستم الطبري كلام أبي عثمان المازني وأبي الحسن علي بن سليمان الأخفش.
وسافر إلى الشام، وأملى بدمشق أمالي، روى عنه أحمد بن علي الحبال الحلي وعبد الرحمن بن عمر بن نصر.
ويقال: إنه كان متشيعا، فكان إذا قام
من مجلسه بجامع دمشق غسلوا موضعه لأجل تشيعه.
وله مصنفات، منها الجمل والإيضاح وشرح خطبة أدب الكاتب.
ويقال: إنه لما صنف كتاب الجمل لما يضع من مسألة إلا وهو على طهارة.
توفي بطبرية في رمضان من سنة أربعين وثلاثمائة - قاله عبد العزيز بن أحمد الكتاني.
110 - عبد الرحمن بن علي بن محمد بن علي بن الجوزي، أبو الفرج الواعظ (3): كان والده يعمل الصفر بنهر القلائين، توفي وهو صغير.
فما ترعرع، حمله عمه
__________
(1) في الأصل: (يحرحرحه).
(2) انظر: وفيات الأعيان 2 / 317 - 318.
وشذرات الذهب 2 / 357.
والعبر 2 / 254.
ونزهة الألباب ص 379.
(3) انظر: وفيات الأعيان 1 / 279 والبداية والنهاية 13 / 28.
ومفتاح 1 / 207.
وآداب اللغة 3 / 91.
ومرآة الزمان 8 / 481.
والأعلام 3 / 316 - 317.
ومقدمة كتاب المنتظم، لابن الجوزي، الجزء الأول ط.
دار الكتب العلمية.
(*)(1/116)
أبو البركات إلى الحافظ أبي الفضل بن ناصر وسأله الحديث، فأسمعه من أبي الحسن علي بن عبد الواحد الدينوري وهبة الله بن الحصين وأحمد بن الحسن بن البنا وأبي السعادات أحمد بن أحمد المتوكلي وجماعة آخرين، تجمعهم مشيخته (1) التي خرجها لنفسه ولازم ابن ناصر وانقطع إليه، وتخرج به، وقرأ الفقه والخلاف والجدل على ابن الزاغوني ثم على أبي بكر أحمد بن محمد الدينوري وعلى القاضي أبي يعلي، وقرأ الأدب على ابن الجواليقي واشتغل بعلم الوعظ حتى صار أوحد أهل زمانه في ترصيع الكلام.
وصنف مصنفات كثيرة لا تحصى في سائر الفنون، وهو آخر من حدث عن الدينوري والمتوكلي.
وله الشعر الفائق، والنثر الرائق.
أنشدني أبو الحسن بن القطيعي قال: أنشدنا أبو الفرج بن الجوزي لنفسه: ولما رأيت ديار الصفا * أقوت من إخوان أهل الصفا سعيت إلى سد باب الوداد * وأحزن قلبي دناة الوفا فلما اصطحبنا وعاشرتكم * علمتم بكم أن رأى ورأى نقلت من خط ابن الجوزي، قال: لا أحقق مولدي، غير أنه مات [ والدي ] (2) في سنة أربع عشرة وقالت الوالدة: كان لك من العمر نحو ثلاث سنين.
توفي في ليلة الجمعة المسفر صباحها عن الثاني عشر من رمضان سنة سبع وتسعين وخمسمائة، ودفن بباب حرب.
111 - عبد الرحمن بن محمد بن مرشد بن منقذ: من أهل شيزر (3).
من بيت الإمارة والأدب، قدم بغداد رسولا من الملك الناصر صلاح بن يوسف، روى بها شيئا من شعره.
أنشدني ابن القطيعي قال: أنشدني أبو الحارث عبد الرحمن بن محمد بن مرشد بن منقذ لنفسه ببغداد: لام العذول على هواه * فقلت عذل لا يفيد زادت ملامته فقلوا * من ملامي أو فزيدوا
__________
(1) في الأصل: (مسحه).
(2) ما بين المعقوفتين زيادة ليست في الأصل.
(3) في الأصل: (سيرر).
(*)(1/117)
قد جدد الوجد القديم * لدى عارضه الجديد وأنشدني ابن القطيعي قال: أنشدني أبو الحارث بن منقذ لنفسه: وأغيد مسب للعقول بوجهه * وثغر تبدى دره من عقيقه
إذا لدغت خدي عقارب صدغه * فليس شفائي غير درياق ريقه مولده سنة اثنتين وعشرين وخمسمائة.
قلت: وتوفي (1).
112 - عبد الرحيم بن عبد الكريم بن محمد بن منصور السمعاني، أبو المظفر ابن أبي سعد (2): من أهل مرو.
بكر به والده فأسمعه من أبي الفتح محمد بن عبد الرحمن الكشميهني وأبي طاهر محمد بن محمد بن عبد الله الخطيب وأبي علي الحسن بن علي بن الحسين الشحامي وأبي الأسعد هبة الرحمن بن عبد الواحد القشيري وأبي سعد محمد بن إسماعيل المقرئ وأبي البركات عبد الله بن محمد الفراوي وأبي منصور عبد الخالق بن زاهر الشحامي وأبي سعد عبد الوهاب بن الحسن بن عبد الله الكرماني وأبي بكر محمد بن أحمد بن الجنيد الخطيب، وأبي عبد الرحمن محمد بن عبد الخالق الميهني في جماعة آخرين.
وقدم بغداد طالبا للحج في آخر سنة خمس وسبعين وخمسمائة، فحدث بها.
سمع منه الحافظ أبو بكر الحازمي وأبو الحسن بن القطيعي في آخرين.
وقد لقيته بمرو في رحلتي الأولى إلى خراسان، وسمعت منه كثيرا.
وكان فاضلا جليلا نبيلا متدينا محبا لرواية العلم، ذا أخلاق حسنة وسيرة جميلة، وكانت سماعاته التي بخط والده وخطوط المعروفين من المحدثين صحيحة، فأما ما كان بخطه فلا يعتمد عليه، فإنه كان يلحق اسمه في طباق لم يكن اسمه فيها إلحاقا ظاهرا، ويدعى سماع أشياء لم يوجد سماعه منها.
وكان متسامحا.
سألته عن مولده، فقال: في ليلة الجمعة لسبع عشرة ليلة خلت من ذي القعدة سنة سبع وثلاثين وخمسمائة بنيسابور.
وتوفي بمرو ما بين سنة أربع عشرة أو ست عشرة وستمائة.
__________
(1) بياض بعد ذلك بمقدار ثلاثة أسطر.
(2) انظر: شذرات الذهب 5 / 75.
ولسان الميزان 4 / 6.
ومعجم المؤلفين 5 / 206.
(*)(1/118)
113 - عبد الرحيم بن عبد الكريم بن هوازن بن عبد الملك بن طلحة القشيري، أبو نصر بن الأستاذ أبي القاسم (1): من أهل نيسابور.
كان من أئمة المسلمين وأعلام الدين.
ولازم أبا المعالي الجويني ودرس عليه المذهب والخلاف حتى برع من ذلك، وقرأ الأدب حتى صار ينظم وينثر من عقود المعاني سمط حسن المباني.
وسمع الحديث من أبي عثمان إسماعيل بن عبد الرحمن الصابوني وأبي الحسين عبد الغافر الفارسي وأبي حفص عمر بن مسرور وأبي عثمان سعيد بن أحمد النجيرمي (2) والحافظ أبي بكر البيهقي في آخرين.
وقدم بغداد وسمع بها أبا الحسين أحمد بن محمد بن النقور وعبد العزيز الأنماطي ويوسف بن محمد بن أحمد المهرواني وعقد مجلس الوعظ ببغداد، وظهر له القبول العظيم.
وأظهر مذهب الأشعري، وقامت سوق الفتنة بينه وبين الحنابلة.
ومن شعره: ليالي وصال قد مضين كأنها * لآلي عقود في نحور الكواعب (3) وأيام هجر أعقبتها [ كأنها ] (4) * بياض مشيب في سواد الذوائب وله: تقبيل خدك أشتهي * أمل إليه أنتهي لو نلت ذلك لم أبل * بالروح مني أن تهي دنياي لذة ساعة * وعلى الحقيقة أنت هي قال ابن السمعاني: توفي في ثمان عشرين جمادى الآخرة سنة أربع عشرة وخمسمائة بنيسابور.
114 - عبد الرحيم بن محمد بن أحمد بن حمدان بن موسى، أبو الخير بن أبي
الفضل، الحافظ (5):
__________
(1) انظر: العبر 4 / 33.
والأعلام 4 / 120.
وشذرات الذهب 4 / 45.
ومعجم المؤلفين 5 / 207.
ومرآة الجنان 3 / 210.
وطبقات السبكي 4 / 249.
(2) في الأصل: (البيجرى).
(3) مابين المعقوفتين زيادة من طبقات السبكي.
(4) في الأصل: (الكواكب).
(5) انظر: تذكرة الحفاظ 4 / 1321.
وشذرات الذهب 4 / 228.
(*)(1/119)
من أهل أصبهان.
كان من حفاظ الحديث، سمع الكثير، وقرأ بنفسه، وكتب بخطه.
قدم بغداد في شبابه، وسمع بها أبا القاسم بن الحصين وأبا العز بن كادش وأبا بكر الأنصاري.
ثم قدمها ثانيا وحدث بها عن أبي علي (1) الحسن الحداد وأبي الفضل جعفر بن عبد الواحد الثقفي، وأملى بجامع القصر بعد صلاة الجمعة، واستملي عليه ابن الأخضر.
سمعت جماعة من أهل أصبهان يقولون: إنه كان يحفظ الصحيحين، وكانوا يفضلونه على الحافظ أبي موسى بالحفظ.
أخرج إلي شيخنا أبو عبد الله الحنبلي بأصبهان محضرا قد كتب في حق أبي الخير ابن موسى وطلب من مشايخ الوقت أن يكتبوا فيه ما يعرفونه من حاله من مدح أو قدح، فشاهدت فيه خط إسماعيل بن محمد بن الفضل وعبد الجليل بن محمد المعروف بكوتاه وجماعة من الأئمة، وكلهم شهدوا أن أبا الخير بن موسى لا يحتج بنقله، ولا يقبل قوله، ولا يعتمد عليه، ولا يوثق به في ديانته وسوء سيرته.
مولد أبي الخير في ثامن صفر سنة خمسمائة.
وتوفي في عشية سابع عشرين شوال سنة ثمان وستين وخمسمائة.
115 - عبد الرحيم بن النفيس بن هبة الله بن وهبان بن رومي السلمي الحديثي، أبو نصر بن أبي جعفر (2): من ساكني الشمعية.
قرأ القرآن وتفقه على مذهب الإمام أحمد، وتكلم في مسائل الخلاف، وحصل من الأدب طرفا صالحا، وسمع الكثير في صباه من أبي الفتح بن شاتيل وأبي السعادات بن زريق وأبي العلاء محمد بن جعفر بن عقيل، وبالغ في الطلب بهمة عالية وجد واجتهاد.
وسافر في طلب الحديث إلى الشام والجزيرة وديار مصر والعراق وما وراء النهر، وكتب بخطه الكثير.
وكان مليح الخط، صحيح النقل والضبط، متقنا فاضلا.
وبعد خروجي من مرو توجه إلى بخارى وسمرقند، ثم إلى خوارزم وسكنها إلى أن استولى عليها التتر الترك وأهلكوا أهلها.
فلا أدري أهلك مع من هلك أو خرج منها هاربا مع من هرب ! والله أعلم.
__________
(1) في الأصل: (يعلى).
(2) انظر: شذرات الذهب 5 / 80.
ومعجم المؤلفين 5 / 214.
(*)(1/120)
أنشدني أبو نصر عبد الرحيم بن النفيس بن هبة الله الحديثي لنفسه ببغداد: سلوا فؤادي هل صفا شربه * مذ نأيتم عنه أو راقا وهل يسليه إذا غبتم * أن أودع التسليم أوراقا مولده ببغداد في عاشر ربيع الأول سنة سبعين وخمسمائة (1).
116 - عبد السلام بن الحسين بن علي بن عون، أبو الخطاب، الحريري: شاعر ظريف، مليح المعاني.
روى عنه الشريف أبو عبد الله الحسين بن محمد بن طباطبا العلوي ومهيار بن مرزويه الشاعر وغيرهما.
ومن شعره:
يا غائبا من سواد عيني * حللت من قلبي السوادا ما غبت عن ناظري ولكن * غيبت عن ناظري الرقادا قد قلت لما سعى وشاة * يبدون ما بيننا فسادا حاشى لقلب وأنت فيه * يبلغ منه العدى مرادا وله: ليل المحبين مطوي جوانبه * مشمر الذيل منسوب إلى القصر إذا الحبيبان باتا تحت جانبه * غابت أوائله في آخرة السحر ما ذاك إلا لأن الصبح نم بنا * فاطلع الشمس في غيض (2) على القمر توفي في يوم الخميس، لعشر بقين من رجب سنة تسع وأربعمائة.
وله أشعار ملاح.
117 - عبد السلام بن الحسين، أبو طالب المأموني (3): شاعر، طاف العراق والخراسان وما وراء النهر، ومدح الملوك والوزراء.
ذكره أبو منصور الثعالبي في كتاب (يتيمة الدهر)، فقال: أبو طالب المأموني عبد السلام بن الحسين من أولاد المأمون.
كان أحد بل أوحد أفراد الزمان، شريف نفس
__________
(1) وكانت وفاته في 816 ه (شذرات الذهب).
(2) هكذا في الأصل.
(3) انظر: فوات الوفيات 1 / 273.
ويتيمة الدهر 4 / 84 - 12.
والأعلام 4 / 5.
(*)(1/121)
ونسب، وبراعة وفضل وأدب، فياض الخاطر بشعر بديع الصنعة، مليح الصيغة، مفرغ في قالب الحسن والجودد.
ومن شعره: يا ربع لو كنت دمعا فيك منسكبا * قضيت نحبي ولم أقض الذي وجبا لا ينكرن (1) ربعك البالي بلى جسدي * فقد شربت بكأس الحب ما شربا
ولو أفضت دموعي حسب واجبها * أفضت من كل عضو مدمعا سربا عهدي بربعك للذات مرتبعا * فقد غدا لغوادي السحب منتحبا فيا سقاك أخو جفن السحاب حبا * يحبو ربى الأرض من نور الرياض حبا وقال في الحمام: وحمام له حر الجحيم * ولكن شابه برد النسيم فذقت به ثوابا في عقاب * وزرت بن نعيم في جحيم 118 - عبد السيد بن محمد بن عبد الواحد بن أحمد بن جعفر بن الصباغ، أبو نصر، الفقيه الشافعي (2): كان إماما فاضلا نبيلا، انتهت إليه رئاسة أصحاب الشافعي ببغداد.
وقال إنه أعرف بالمذهب من أبي إسحاق الشيرازي.
وله مصنفات منها (الشامل) و (الكامل) و (تذكرة العالم والطريق السالم) و (كفاية السائل).
وهو أول من درس بالنظامية في سنة تسع وخمسين وأربعمائة.
سمع مشيخة الحسن بن عرفة من أبي الحسين بن الفضل، وحدث بها ببغداد وبأصبهان لما قدمها رسولا من دار الخلافة.
روى عنه الحافظ أبو بكر الخطيب في التاريخ وهو أسن منه.
مولده في سنة أربعمائة، وتوفي في جمادى الأولى سنة سبع وسبعين وأربعمائة، ودفن بداره، ثم نقل إلى باب حرب.
119 - عبد العزيز بن أحمد بن محمد بن علي بن سلمان بن إبراهيم بن عبد العزيز، التميمي الكتاني، أبو محمد بن أبي طاهر الصوفي (3):
__________
(1) في الأصل: (لا تنكرن).
(2) انظر العبر 3 / 244.
وشذرات الذهب 3 / 355.
وطبقات الشافعية للسبكي 3 / 230.
ومرآة الجنان 3 / 121.
والنجوم الزاهرة 5 / 119.
الأعلام 4 / 132.
(3) النظر: تذكرة الحفاظ 3 / 170 والعبر 3 / 161.
وشذرات الذهب 3 / 325.
ومعجم المؤلفين
5 / 242.
والأعلام 4 / 137.
(*)(1/122)
سمع الكثير من أبوي القاسم صدقة بن محمد القرشي وتمام بن محمد الرازي وأبي محمد عبد الرحمن بن عثمان التميمي، ثم دخل بغداد فسمع بها أبا الحسن بن مخلد وأبا علي بن شاذان أبا الحسن الحمامي وأحمد بن علي بن البادا.
وكتاب بخطه الكثير، وحدث ببغداد بيسير.
روى عنه الحفاظ أبو بكر الخطيب وأبو عبد الله الحميدي وأبو القاسم بن السمرقندي - وهو آخر من روى عنه.
مولده في رجب سنة تسع وثمانين وثلاثمائة.
وتوفي بدمشق في سنة ست وستين وأربعمائة في ليلة العشرين من جمادى الآخرة.
120 - عبد العزيز بن الحسين بن عبد العزيز بن هلالة، أبو محمد بن أبي علي اللخمي الأندلسي (1): قدم بغداد في سنة خمس وستمائة فسمع بها من أصحاب ابن الحصين وابن البنا ومحمد بن عبد الباقي الأنصاري.
والنحدر إلى واسط فسمع بها من شيخنا القاضي أبي الفتح بن الماندائي، وتوجه إلى أصبهان فسمع بها معجم الطبراني من عفيفة الفارقانية، ومسند أبي يعلى الموصلي من أبي المجد زاهر بن أبي طاهر الثقفي.
وسافر إلى خوارزم ومرو وبخاري وسمرقند وسمع بها.
ثم إنه سافر إلى إربل والموصل وحلب ودمشق وسمع هناك كثيرا.
وعاد إلى بغداد وأنا بأصبهان في رحلتي الثانية إليها، وتوجه إلى البصرة فأدركه أجله بها.
وكان قد حدث ببغداد، سمع منه عبد الغني بن مشرف، وكان قد سمع كثيرا، وقرأ بنفسه وكتب بخطه، وحصل الأصول والكتب الكثيرة (2).
وكان فاضلا صدوقا لطيفا.
سألته عن مولده، فقال: ولدت بطبيرة من غربي الأندلس في شوال سنة سبع وسبعين وخمسمائة.
وتوفي بالبصرة في رمضان سنة سبع عشرة وستمائة، ودفن من الغد بمقابر الشهداء، رحمه الله.
121 - عبد العزيز بن عبد الملك بن تميم بن مالك الشيباني، أبو محمد المقرئ (3):
__________
(1) انظر: شذرات الذهب 5 / 78.
(2) في الأصل: (الكثير).
(3) انظر: شذرات الذهب 5 / 81.
(*)(1/123)
من أهل دمشق.
قرأ القرآن بالروايات على أبي اليمن الكندي، وسمع الحديث من أبي طاهر الخشوعي والقاضي أبي القاسم بن عبد الصمد في آخرين، وكتب بخطه الكثير وحصل، وتصدر بجامع دمشق للإقراء، ثم إنه قدم بغداد في سنة أحدى وستمائة، فسمع من أصحاب ابن الحصين ومحمد بن عبد الباقي الأنصاري، وقرأ القرآن على أبي أحمد بن سكينة، ثم عاد إلى دمشق، ثم قدمها مرة ثانية في سنة خمس وستمائة فأقام بها مدة، ثم انحدر إلى واسط فسمع ابن الماندائي، وسافر إلى العراق، فسمع بهمذان والري وأصبهان.
وكان حافظا لطرق القراءات بوجوهها، له يد في معرفة النحو وتحفظ الحديث وله به وبعلومه معرفة، إلا أنه كان متسمحا في الحديث.
لم يكن من أهل الإتقان ولا التحري، ونقل سماعات على مسند السراج بجماعة من شيوخنا، وسمعها الحافظ بنقله، ثم طولب بالأصل، فأحال على مواضع طلبت فلم توجد، واختلف كلامه واختلط، فتركنا رواية هذا المسند عمن نقل سماعهم، ولم نعتمد على ذلك.
وكان مطعونا عليه في دينه وأمانته، شوهد مرات يصلي بالناس إماما وهو على
غير وضوء، وسرق كتب ابن السمعاني من مرو وأنفذها إلى هراة، وفعل أشياء لا تليق بأهل الدين.
مولده في رمضان سنة ثمان وسبعين وخمسمائة بدمشق.
وبلغنا أن الترك التتار أسروه لما استولوا على نيسابور، وكان في صفر سنة ثمان عشرة وستمائة، وأظنهم أهلكوه بعد ذلك - والله أعلم.
122 - عبد الغافر السروستاني (1)، الفقيه الشافعي (2): من أهل فارس، ويعرف بالركن.
قدم بغداد طالبا للعالم، ونزل النظامية.
قال أبو عبد الله الكاتب في (الخريدة): عبد الغافر السروستاني كان معنا في النظامية ببغداد، وهو عارف باللغة، كثير الفضل، وغلب عليه العشق حتى حمل إلى البيمارستان وقيد، وكان عفيفا مستورا فاضلا، وبلي بهذا البلاء، فلما برأ من المرض لم يقم ببغداد خجلا.
__________
(1) في الأصل: (الشروستانى).
(2) انظر: طبقات الشافعية، للسبكي 4 / 255.
(*)(1/124)
ورأيته بعد ذلك بأصبهان في سنة ست أو سبع وأربعين وخمسمائة، وقال: أنشدنا عبد الغافر لنفسه وهو مقيد في البيمارستان في حال استهتاره واستهاره (1) قصيدة أولها: بأبي الوادي وصنوبره * وغزال الشعب وجوذره ومكان فيه يطلع لي * ظبي (2) بحلى مستهتره قبح الدينا بمحاسنه * فتعالى الله مصوره وهي قصيدة طويلة.
قال: وأنشدنا عبد الغافر لنفسه من قطعة:
ناحت ورقاء على فنن * نوح المشتاق على الدمن ناحت وتغنت هاتفة * بالشجو تبوح وبالشجن إن كان رضاكم في سهري * فسلام الله على الوسن 123 - عبد الغفار بن محمد بن الحسين بن علي بن شيرويه بن علي، أبو الحسين بن أبي بكر بن أبي الحسين، الشيروي الجنابذي، التاجر (3): من أهل نيسابور، وكان عفيفا متدينا صدوقا، وإليه انتهت الرحلة من البلدان، وختم بن إسناد الأصم.
سمع أباه وأبا بكر أحمد بن الحسن الحيري وأبا سعيد محمد بن موسى الصيرفي وأبا سعيد فضل الله بن أبي الخير الميهني، وسمع بأصبهان أبا بكر محمد بن عبد الله بن ريذة وأبا طاهر أحمد بن محمود الثقفي، وحدث بالكثير، سمع منه الأئمة، وآخر من روى عنه على وجه الأرض أبو المعالي عبد المنعم بن عبد الله الفراوي.
وروى عنه الحسن بن محمد اليونارتي في معجم شيوخه، وقال فيه: ما رأيت أظرف منه ولا أحسن خلقا من الأكارم الأفاضل، وقد روى عنه أيضا أبو نصر المؤتمن بن أحمد الساجي.
مولده في شعبان سنة أربع عشرة وأربعمائة.
__________
(1) هكذا في الأصل.
(2) في الأصل: (خبى).
(3) انظر: هدية العارفين 1 / 587.
وشذرات الذهب 4 / 27.
ومعجم المؤلفين 5 / 268.
(*)(1/125)
وتوفي يوم الأحد ثامن عشر ذي حجة سنة عشر وخمسمائة قاله أبو نصر اليونارتي.
124 - عبد الغني بن عبد الواحد بن علي بن سرور بن رافع بن حسن بن
جعفر المقدسي، أبو محمد الحافظ (1): من أهل دمشق.
سمع الكثير ببلده من أبي المكارم عبد الواحد بن محمد بن المسلم ابن هلال وبأي المعالي عبد الله بن صابر، ورحل إلى الإسكندرية وسمع من الحافظ السلفي، وصحبه وكتب عنه الكثير.
ثم قدم بغداد في سنة ستين وخمسمائة، وسمع بها أبا الفتح محمد بن عبد الباقي بن البطي وأبا طالب المبارك بن علي بن خضير الصيرفي في آخرين، وسمع بهمذان الحافظ أبا العلاء الحسن بن أحمد العطار، وبأصبهان أصحاب أبي قطيع، وأقام بها مدة، وحصل الأصول، وكتب الكثير بخطه، ثم عاد إلى بغداد، وحدث بها في سنة ثمان وستين [ وخمسمائة ] (2)، سمع منه أبو المكارم يعيش بن ريحان الفقيه، وكان حافظا من أهل الإتقان (3) والتجويد، قيما بجميع فنون الحديث، عارفا بقوانينه وأصوله وعلله، وصحيحه وسقيمه، وناسخه ومنسوخه، وغريبه ومشكله، وكان كثير العبادة، متمسكا بالسنة، ولم يزل بدمشق إلى أن تكلم في الصفات والقرآن بشئ أنكره عليه أهل التأويل، وشنعوا به عليه، وأباحوا إراقة دمه، فشفع فيه جماعة إلى السلطان على أن يخرج من دشمق إلى ديار مصر، فأخرج إلى مصر، وأقام بها خاملا (4) إلى حين وفاته.
سئل عن مولده فقال: أظن في سنة أربع وأربعين وخمسمائة بجماعيل من قرى بيت المقدس.
وتوفي بمصر في رابع عشرين ربيع الأول سنة ستمائة.
قال يوسف بن خليل بعد كلامه: وكان ثقة ثبتا دينا مأمونا، حسن التصنيف،
__________
(1) انظر: تذكرة الحفاظ 4 / 1372.
والأعلام 4 / 160.
وشذرات الذهب 4 / 345.
والعبر 4 / 313.
(2) ما بين المعقوفتين زيادة ليست في الأصل.
(3) في الأصل: (أهل الأمان).
(4) في الأصل: (حاملا).(1/126)
دائم الصيام، كان يصلي كان يوم وليلة ثلاثمائة ركعة.
دعي إلى أن يقول (لفظي بالقرآن مخلوق) فأبى، فمنع من التحديث بدمشق، فسافر إلى مصر فأقام بها إلى أن مات.
قال تاج الدين الكندي: رأيت ابن ناصر والحافظ أبا العلاء الهمذاني وغيرهما من الحفاظ، فما رأيت أحفظ من عبد الغني بن عبد الواحد المقدسي.
وله مصنفات مشهورة.
125 - عبد القادر بن أبي صالح بن جنكي دوست (1): من أهل جيلان.
أحد الأئمة الأعلام، صاحب الكرامات الظاهرة.
قدم بغداد في سنة ثمان وثمانين وأربعمائة، وله ثماني عشرة سنة، فقرأ الفقه على أبي الوفاء بن عقيل وأبي الخطاب الكلوذاني، وسمع الحديث من أبي غالب محمد بن الحسن الباقلاني وأبي سعد محمد بن عبد الكريم بن خشيش وأبي عثمان إسماعيل بن محمد بن مسلمة (2) الاصبهاني في آخرين، وقرأ الأدب على أبي زكريا التبريزي، ثم لازم الانقطاع والخلوة والرياضة والمجاهدة، وصحب الشيخ حماد الدباس وأخذ عنه علم الطريقة، ثم إن الله تعالى أظهره للخلق وأظهر الله الحكمة في قلبه على لسانه، وظهرت علامات من الله تعالى وأمارات ولايته.
وحدث وصنف، وله الكلام المليح في الحقيقة، فمنه قوله: (الخلق حجابك عن نفسك، ونفسك حجابك عن ربك، ما دمت ترى الخلق لا ترى نفسك، وما دمت ترى نفسك لا ترى ربك).
وقال: (الأولياء عرائس الله تعالى، لا يطلع عليهم إلا ذا محرم).
سمعت عبد العزيز بن عبد الملك الشيباني يقول: سمعت عبد الغني بن عبد الواحد
يقول: سمعت أبا محمد بن الخشاب النحوي يقول: كنت - وأنا شاب أقرأ النحو - أسمع الناس يصفون الشيخ عبد القادر ويذكرون حسن كلامه في مجالس وعظه، فكنت أريد أن أسمعه ولا يتسع وقتي لذلك، واتفق يوما أن حضرت مجلسه مع الناس، فلما تكلم أم أستحسن كلامه ولم أفهمه، وقلت في نفسي: ضاع النحو مني ! قال: فالتفت الشيخ إلى الجهة التي كنت فيها وقال: ويلك ! تفضل الاشتغال بالنحو على مجالس الذكر وتختار ذلك ؟ أصحبتنا تصيرك سيبويه ؟.
__________
(1) انظر فوات الوفيات 2 / 4 - 6.
وشذرات الذهب 4 / 198.
والعبر 4 / 175.
ومرآة الجنان 3 / 347.
والمنتظم 18 / 173.
(2) في الأصل: (بن ملة).
(*)(1/127)
مولده في سنة إحدى وتسعين وأربعمائة، وتوفي ببغداد في ليلة السبت عاشر ربيع الآخر سنة إحدى وستين وخمسمائة، ودفن بمدرسته.
سمعت عبد الرزاق بن عبد القادر يقول: ولد والدي تسعا وأربعين ولدا، سبع وعشرين ذكورا والباقي إناثا ! رحمه الله.
126 - عبد القادر بن عبد الله، أبو محمد، الفهمي الرهاوي (1): كان من سبى الرهاء، فاشتروه بنو فهم الحرانيون وأعتقوه.
وطلب الحديث في صباه في سنة تسع وخمسين وخمسمائة.
ورحل من الجزيرة إلى الشام وديار مصر، فسمع بها وبالإسكندرية من الحافظ السلفي، ودخل العراق فسمع ببغداد من أبي محمد عبد الله بن منصور بن هبة الله الموصلي وأبي الحسين عبد الحق بن عبد الخالق ابن يوسف وأبي محمد بن الخشاب وشهدة الكاتبة، وسمع بهمذان الحافظ أبا العلاء العطار، وبأصبهان من أبي عبد الله الحسن بن العباس الرستمي، وسمع بنيسابور أبا بكر محمد بن علي الطوسي في آخرين، وكتب الكثير بخطه.
ثم أقام بالموصل شيخا
بدار الحديث المظفرية مدة طويلة، وحدث بالكثير، ثم انتقل عنها إلى حران، وكان حافظا متقنا عالما ورعا متدينا زاهدا عابدا ثقة نبيلا.
مولده في جمادى الأولى سنة ست وثلاثين وخمسمائة.
وتوفي بحران في يوم السبت ثاني جمادى الأولى سنة اثنتي عشرة وستمائة.
127 - عبد الكريم بن محمد بن منصور بن محمد بن عبد الجبار، أبو سعد بن أبي بكر السمعاني (2): من أهل مرو.
وهو الإمام ابن الأئمة، غذي بالعلم، ونشأ في حجر الفضل، وحمل على أكتاف الأئمة.
أسمعه والده في صغره من أبي منصور محمد بن علي الكراعي، ورحل به وله ثلاث سنين إلى نيسابور، فأحضره على أبي بكر عبد الغفار ابن محمد الشيروي، ثم إنه اشتغل بالأدب حتى حصل منه طرفا، صالحا.
وقرأ المذهب والخلاف، وتكلم في المناظرة، ثم اشتغل بالحديث، فسمع الكثير ببلده
__________
(1) انظر: تذكرة الحفاظ 4 / 1387.
وشذرات الذهب 5 / 50.
ومرآة الجنان 4 / 23.
والأعلام 4 / 165.
(2) انظر: طبقات الشافعية، للسبكي 4 / 259.
والنجوم الزاهرة 5 / 160.
ووفيات الأعيان 2 / 278.
والأعلام 4 / 179.
والعبر 4 / 1316.
(*)(1/128)
وجال في خراسان، فسمع بنيسابور وطوس وميهنة من أبي عبد الله الفراوي وأبي القاسم الشحامي.
ودخل بغداد سنة اثنتين وثلاثين فسمع بها الكثير من محمد بن عبد الباقي الأنصاري وأبي القاسم بن السمرقندي.
وحج وانحدر إلى واسط والبصرة، وعاد إلى بغداد، وتوجه إلى الشام فسمع بدمشق وحلب وحماة وحمص، وزار بيت المقدس، وجمع ذيلا على تاريخ الخطيب أبي بكر ثم عاد إلى نيسابور وقد ولد له شيخنا أبو المظفر عبد الرحيم.
فلما بلغ حد السماع طاف به خراسان، وأسمعه بها
الكثير، ثم عاد إلى مرو فألقى بها عصاه، وأقام بها مشتغلا بالتصنيف.
وكان وافر الهمة في طلب الحديث، شديد الحرص على لقاء الشيوخ، مليح الخط، وجمع معجما لشيوخه في عشر مجلدان كبار، سمعت من يذكر أن عددهم سبعة آلاف شيخ.
وذكره الحافظ أبو القاسم بن عساكر في تاريخ دمشق من جمعه، وأثنى عليه ثناء كبيرا وله من المصنفات: (المذيل) أربعمائة طاقة، (تاريخ المراوزة)، (طراز الذهب في أدب الطلب)، (الإسفار عن الأسفار)، (الإملاء والاستملاء)، (سلوة الأحباب ورحمة الأصحاب)، (الأمالي)، (الصدق في الصداقة والرفق في الرفاقة) وغير ذلك مولده في خامس عشر شعبان سنة ست وخمسمائة بمرو.
وتوفي في ليلة غرة ربيع الأول سنة اثنتين وستين وخمسمائة بمرو.
128 - عبد اللطيف بن يوسف بن محمد بن علي، الموصلي الأصل، البغدادي المولد والدار، أبو محمد بن أبي العز (1): أسمعه والده من أبي الفتح محمد بن عبد الباقي بن البطي وأبي زرعة طاهر بن محمد المقدسي ويحيى بن ثابت بن بندار وأبي بكر عبد الله بن محمد بن أحمد بن النقور في آخرين.
وتفقه في صباه على مذهب الإمام الشافعي، وقرأ العربية على عبد الرحمن الأنباري، وحصب شيخنا الوجيه أبا بكر الضرير النحوي مدة حتى برع في النحو، وتميز على أقرانه، وقرأ علم الطب حتى أحكمه، وصنف مصنفات في الأدب وغيره.
__________
(1) انظر: بغية الوعاة، ص 311 وإنباه الرواة 2 / 193.
وفوات الوفيات 2 / 16.
والأعلام 4 / 183.
ومرآة الجنان 4 / 68.
والأعلام 4 / 183.
وشذرات الذهب 5 / 132.
(*)(1/129)
وكان يكتب خطا مليحا.
وسافر إلى الشام، ودخل ديار مصر، ورأى هناك قبولا
كبيرا.
وكان غزير الفضل، كامل العقل، ثم إنه دخل إلى بلاد الروم وأقام بها مدة، وكان يطبب (1) ملكها، وصادف، وصادف قبولا عظيما، فلما توفي الملك عاد إلى حلب وحدث بها.
ثم توجه إلى بغداد فأقام بها إلى أن توفي في ثاني عشر محرم سنة تسع وعشرين وستمائة، ودفن في مقبرة الوردية.
وكان مولده في أحد الربيعين من سنة سبع وخمسين (2).
129 - عبد الملك بن عبد الله بن يوسف بن عبد الله بن يوسف بن محمد بن حيويه الجويني، أبو المعالي بن أبي محمد، الفقيه الشافعي، الإمام، الملقب بإمام الحرمين (3): من أهل نيسابور.
أمام الفقهاء شرقا وغربا، ومقدمهم عجما وعربا، من لم تر العيون مثله فضلا، ولم تسمع الآذان كسيرته نقلا، تفقه على والده، وتوفي والده وله دون العشرين سنة، فدرس مكانه.
وقرأ الأصول على أبي القاسم الإسكاف الإسفرائيني.
وكان يقعد كل يوم بين يديه ثلاثمائة فقيه.
وسمع الحديث من والده وأبي حسان محمد بن أحمد بن جعفر المزكي وأبي سعيد عبد الرحمن بن حمدان النضروي وأبي عبد الله محمد بن إبراهيم بن يحيى المزكي ومنصور بن رامش.
وسمع ببغداد أبا محمد الحسن بن علي الجوهري وحدث، روى عنه أبو عبد الله الفراوى وزاهر الشحامي في آخرين.
ومن شعره: أضح لن تنال العلم إلا بستة * سأنبئك عن مجموعها ببيان ذكاء وحرص وافتقار وغربة * وتلقين أستاذ وطول زمان مولده في ثمان عشر محرم سنة تسع عشرة وأربعمائة.
وتوفي ليلة الخامس والعشرين من ربيع الآخر سنة ثمان وسبعين وأربعمائة، وله
مصنفات مشهورة منها (النهاية).
__________
(1) في الأصل: (وكان يطب).
(2) في الأصل: (سبع وسبعين)، وكذلك بقية المراجع.
(3) انظر: الأعلام 4 / 306.
وهدية العارفين 1 / 626.
والعبر 3 / 291.
وطبقات الشافعية للسبكي 3 / 249.
ووفيات الأعيان 2 / 341.
(*)(1/130)
130 - عبد المنعم بن عبد الله بن محمد بن الفضل بن أحمد الصاعدي الفراوي، أبو المعالي بن أبي البركات بن أبي عبد الله (1): من أهل نيسابور، من بيت مشهور بالعدالة والرواية.
سمع جده وأبا بكر عبد الغفار بن محمد الشيروي - وهو آخر من حدث عنه، وأبا نصر عبد الرحيم بن عبد الكريم القشيري في آخرين.
وقدم بغداد في سنة ثمانين وخمسمائة وحدث بها، سمع منه الحافظ أبو بكر الحازمي.
مولده في ربيع الأول سنة سبع وتسعين وأربعمائة.
وتوفي في شعبان سنة سبع وثمانين وخمسمائة.
131 - عبد المنعم بن عبد العزيز بن أبي بكر بن عبد المؤمن، أبو الفضل القرشي العبدري، المعروف بابن النطروني (2): من أهل الإسكندرية، قدم بغداد واستوطنها، ومدح بها الإمام الناصر لدين الله.
وكان شاعرا مجيدا، مليح الشعر، فاضلا، أديبا، فقيها مالكيا، مليح الشيبة، حسن السمت، رتب شيخا برباط العميد بالجانب الغربي، وناظرا في أوقافه.
أنشدني عبد العزيز بن عبد المنعم العبدري بالإسكندرية، قال: أنشدني والدي لنفسه ببغداد مادحا أمير المؤمنين الناصر لدين الله، ويهنئه: يا ساحر الطرف ليلي ما له سحر * وقد أضر بجفني بعدك السهر
يكفيك مني إشارات بعين ضنى * لم يبق مني لا عين ولا أثر أعاذك الله من شر الهوى فلقد * أذكى على كبدي نارا لها شرر غررت فيه بروحي بعد ما علمت * إن السلامة من أسبابه غرر وكان عذبا عذابي في بدايته * فصار في الصبر طعما (3) دونه الصبر ولست أدري وقد مثلت شخصك في * قلبي المشوق أشمس أنت أم قمر ؟ ما صور الله هذا الحسن في بشر * وكان يمكن أن لا تعبد الصور من لي برد غديات بذي سلم * حيث النسيم عليل والثرى عطر
__________
(1) انظر: معجم المؤلفين 6 / 194.
وشذرات الذهب 4 / 289.
والعبر 4 / 262.
(2) انظر: فوات الوفيات 2 / 33.
والأعلام 4 / 316.
(3) في الأصل: (طعم).
(*)(1/131)
ومنها: وللغصون مناجاة إذا سمعت * من النسيم أحاديثا (1) لها خطر وهي قصيدة طويلة.
توفي ببغداد في جمادى الآخرة لأربع خلون منه من سنة ثلاث وستمائة، ودفن بالشونيزية، وقد قارب السبعين، رحمه الله.
132 - عبيد الله بن محمد بن أحمد بن الحسين بن علي بن موسى، أبو الحسن ابن أبي عبد الله بن أبي بكر البيهقي (2): كان جده أحد الحفاظ المشهورين، وأبو الحسن هذا كان خاليا من العلم.
سمع من جده كثيرا من مصنفاته، وسمع أيضا من أبي سعد أحمد بن إبراهيم المقرئ وأبي يعلى إسحاق بن عبد الرحمن الصابوني في آخرين.
وقدم بغداد وحدث بها، روي عنه ابن ناصر.
أخبرني شهاب الحاتمي بهراة قال: سمعت أبا سعد بن السمعاني يقول: ورد سبط البيهقي بغداد وحدث بها، سمع منه جماعة، وكره آخرون السماع منه لقلة معرفتة بالحديث.
روي لنا عنه أبو القاسم الدمشقي وسألته عنه، فقال: ما كان يعرف شيئا، وكان يتغالى بكتب الإجازة، وكان يقول: ما أجيز إلا بطسوج.
قال: وسمع لنفسه في جزء عن جده تسميعا طريا، وكان سماعه في غير ذلك صحيحا.
سأله ابن الخشاب عن مولده [ فقال ] (3): في سنة تسع وأربعين وأربعمائة.
وتوفي ببغداد في ليلة الثالث من جمادى الأولى في سنة ثلاث وعشرين وخمسمائة، ودفن بالوردية.
133 - عتيق بن علي بن الحسن الصنهاجي، أبو بكر الحميدي (4): من أبي الأندلس.
قدم بغداد بعد الثمانين خمسمائة، وأقام بها مدة للتفقه على أبي القاسم بن فضلان، وسمع الحديث من أبي السعادات بن رزيق في آخرين، وجمع مقامة وصف بغداد، وحدث بها، وعاد إلى بلاده.
__________
(1) في الأصل: (أحاديا).
(2) انظر: لسان الميزان 4 / 116.
والعبر 4 / 54.
وشذرات الذهب 4 / 67.
(3) ما بين المعقوفتين زيادة ليست في الأصل.
(4) انظر: الأعلام 4 / 362.
(*)(1/132)
ذكر لي بركات بن ظافر الصبان بمصر أن عتيق بن علي الحميدي - بفتح الحاء - نسبة إلى بعض أجداده وأنه أندلسي، قدم عليهم مصر مرتين، وكان أديبا فاضلا، له ديوان شعر، وصنف كتابا في الحلي والشيات وما يلبق بالملوك من الآلات، وتولى القضاء بالمغرب، وتوفي هناك.
134 - علي بن أحمد بن سعيد بن الدباس، أبو الحسن المقرئ (1):
من أهل واسط.
قرأ القرآن بالروايات على أبي محمد عبد الرحمن بن الحسن بن الزجاجي، وسافر إلى همذان، فقرأ على الحافظ أبي العلاء الحسن بن أحمد العطار، ودخل بغداد وذكر أنه قرأ بها علي أبي الكرم المبارك بن الشهرزوري، وسمع الحديث بواسط من أبي المفضل محمد بن محمد بن ربيعة وأبي محمد الزجاجي في آخرين، ثم قدم بغداد وأقام بها إلى حين وفاته.
وكان عالما بالقراءات [ و ] (2) وجوهها وعللها، عارفا بالنحو، حسن الأخلاق، متواضعا.
ذكر لي أبو عبد الله بن سعيد الحافظ أن أبا الحسن بن الدباس حدث بكتاب الحجة لأبي علي الفارسي عن القاضي أبي طالب بن الكتاني سماعا عن أبي الفضل بن خيرون إجازة، وما علمنا لابن الكتاني إجازة من ابن خيرون، ولا روى عنه شيئا، ولم يشاهد ابن الدباس عند ابن الكتاني قط.
وذكر لنا من شاهد معه خطا يشبه خط ابن الشهرزوري بالقراءة عليه وليس بخطه، وأنه لم يصح أنه قرأ عليه.
مولده سنة سبع وعشرين وخمسمائة بواسط.
وتوفي ببغداد في ليلة السابع والعشرين من رجب سنة سبع وستمائة، وله شعر، وشهد عند القضاء فقبلوه.
135 - علي بن أحمد بن عبد العزيز بن علي (3)، أبو الحسن الأنصاري، يعرف بابن ظنير - بضم الظاء المعجمة وبعدها نون مشددة مفتوحة وياء معجمة باثنتين من تحتها ساكنة وراء - هكذا رأيته بخط ناصر بن محمد.
من أهل ميروقة، من بلاد الأندلس.
سمع أبا عمر يوسف بن عبد الله النمري وأبا
__________
(1) انظر: لسان الميزان 4 / 197 وطبقات القراءة 1 / 519.
(2) ما بين المعقوفتين سقط من الأصل.
(3) انظر: المشتبه، ص 418.
والإكمال 5 / 258.
(*)(1/133)
محمد غانم بن وليد المخزومي، وقدم دمشق وسمع بها من أبي محمد عبد العزيز الكتاني وأبي نصر الحسين بن طلاب، وبصور أبا بكر الخطيب، وقدم بغداد سنة أربع وستين وأربعمائة، فأقام بها يسمع، وحدث، سمع منه أبو عبد الله الحميدي الحافظ، وكان عالما بالحديث والأدب.
قال الحافظ أبو طاهر السلفي: سألت أبا الكرم خميس الحافظ عن أبي الحسن علي النحوي الأندلسي، فقال: قدم علينا، وكان فاضلا في النحو، متقدما في العربية.
من شعره: وسائلة لتعلم كيف حالي * فقلت لها بحال لا يسر دفعت إلى زمان ليس فيه * إذا فتشت عن أهليه حر توفي منصرفه من الحج بطريق البصرة على مسيرة ثلاثة أيام عنها بكاضمية (1) أو غيرها، في صفر سنة خمس وسبعين وأربعمائة.
وذكر أبو القاسم بن عساكر في (تاريخ دمشق)، فقال: حدثني أبو غالب الماوردي قال: قدم علينا أبو الحسن علي بن أحمد الأنصاري البصرة، فسمع من أبي علي التستري (2) كتاب (السنن)، فأقام عنده نحوا من سنتين.
136 - علي بن أحمد بن علي بن يحيى، أبو الحسن بن أبي بكر البيع، المعروف بابن حني - بكسر الحاء والنون - هكذا قيده الحميدي (3): سمع أبا الحسن محمد بن أحمد بن رزقويه وحدث.
مولده في ذي الحجة سنة ست ثمانين وثلاثمائة.
وتوفي ببغداد في رمضان سنة ثمان وستين وأربعمائة، ودفن بباب حرب.
137 - علي بن أحمد بن محمد بن بيان، أبو القاسم بن أبي طالب العمري الكاتب، المعروف بابن الرزاز:
ذكر أبو القاسم بن السمرقندي أنه من أولاد عمر بن الخطاب، أسمعه والده من
__________
(1) هكذا في الأصل، وفى معجم البلدان 7 / 802.
(كالظلمة).
(2) في الأصل: (النستري).
(3) انظر: شذرات الذهب 4 / 27.
وتذكرة الحفاظ 4 / 261.
والمنتظم 17 / 147، 148 والعبر 4 / 21.
والأنساب 6 / 107.
(*)(1/134)
أبي الحسن محمد بن محمد بن محمد بن مخلد وأبي علي الحسن بن أحمد بن شاذان وأبي القاسم عبد الملك بن محمد بن بشران وعبد الرحمن بن عبيد الله بن الحرفي والحسين بن علي الطناجيري ومحمد بن محمد بن غيلان، وتفرد بجماعة من شيوخه، وصارت الرحلة إليه، وكتب عنه الحفاظ.
سمع منه أبو غالب الذهلي والمؤتمن الساجي وأبو القاسم بن السمرقندي وأبو الفرج بن كليب، وهو آخر من روي عنه.
سمعت الحاتمي يقول: سمعت ابن السمعاني يقول: سمعت محمد بن عبد الباقي البزاز يقول: إن بعض الطلبة حمل إلى [ إبن ] (1) بيان دينارا ليسمع منه نسخة الحسن بن عرفة، فمضى ومعه بعض الفقراء فقال له: الدخول على الشيخ وحضور القراءة ما إليه سبيل، ولكن تقعد على الباب بحيث لا يعرف الشيخ، وأنا أرفع صوتي وقت القراءة ويحصل مقصودك، ففعل، فلما قعد بين يدي الشيع وشرع في القراءة وأحس الشيخ بما فعل، قال لجارية له: قومي واقعدي خلف الباب ودقي الشيح (2) الفلاني في الهاون، ومقصوده أن لا يسمع الذي على الباب، ثم قال: أنا بغدادي ما يخفى علي مثل هذا.
قال الحافظ المؤلف ابن النجار: كان من عادة أبي القاسم [ أنه ] (3) لا يسمع جزء ابن عرفة إلا بدينار لكل واحد من السامعين، وكان شيخنا ابن كليب لا يسمعه أيضا إلا بدينار ولكن لجماعة أو لواحد.
قال السلفي الحافظ: سألت شجاع الذهلي عن ابن بيان، فقال: حدث عن جماعة وهو صحيح السماع.
مولده في سادس صفر سنة اثنتي عشرة وأربعمائة، وقيل: سنة ثلاث عشرة - قال الأول: أبو القاسم بن السمرقندي، وقال الثاني: الحافظ السلفي.
وتوفي في سادس شعبان سنة عشر وخمسمائة، ودفن بباب حرب.
وكان قد بلغ من العمر تسعا وتسعين سنة.
138 - علي بن أحمد بن يوسف بن جعفر بن عرفة بن المأمون بن المؤمل بن الوليد بن القاسم بن الوليد بن عتبة بن أبي سفيان صخر بن حرب بن أمية بن عبد
__________
(1) ما بين المعقوفتين ليست في الأصل.
(2) في الأصل: (الشيخ)، تصحيف.
والشيخ: النبات المعروف.
(3) ما بين المعقوفتين زيادة ليست في الأصل.
(*)(1/135)
شمس بن عبد مناف، أبو الحسن بن أبي نصر القرشي الهكاري - هكذا رأيت نسبه بخط أبي علي بن البرداني (1): كان يعرف بشيخ الإسلام.
سمع الكثير، وسافر في طلبه، وجمع كتبا في السنة.
ذكر أنه سمع بالموصل أبا جعفر محمد بن المحتاج المروزي الفقيه، وبحلب أبا القاسم علي بن أحمد بن المظفر المقرئ، وبمصر أبا عبد الله محمد بن الفضل بن نظيف، وبمكة أبا الحسن محمد بن علي بن صخر، وحدث بالكثير، وانتقى (2) عليه محمد ابن طاهر المقدسي، وكان الغالب على حديثه الغرائب والمنكرات، ولم يكن حديثه يشبه حديث أهل الصدق، وفي حديثه متون موضوعة، مركبة على أسانيد صحيحة، وقيل: إنه كان يضع الحديث بأصبهان، قدم بغداد، وحدث بها، روي عنه أبو القاسم بن السمرقندي.
كتب إلي محمد بن معمر القرشي أن أبا نصر اليونارتي أخبره قال: علي بن أحمد الهكاري قدم علينا أصبهان، روى عن ابن نظيف، ولم يرضه أبو بكر بن الخاضبة فيما بلغني.
قال أبو القاسم بن عساكر: علي بن أحمد الهكاري لم يكن موثقا، بلغني أن ابن الخاضبة قصده لما قدم بغداد، فذكره له أنه سمع من شيخ استنكر سماعه منه، فسأله عن تاريخ سماعه منه، فذكر تاريخا متأخرا عن وفاة ذلك الشيخ، فقال ابن الخاضبة: هذا الشيخ يزعم أنه سمع منه بعد موته بمدة، وتركه وقام.
مولده في شوال سنة تسع وأربعمائة، وتوفي في أول محرم سنة ست وثمانين وأربعمائة - كذا بخط شجاع بن فارس الذهلي أبي غالب - رحمه الله.
139 - علي بن أفلح بن محمد، أبو القاسم العبسي (3): كاتب أديب فاضل، شاعر مترسل بليغ.
له ديوان شعر ورسائل، ويكتب خطا حسنا.
__________
(1) انظر: الكامل لابن الأكثير 1 / 93.
ولسان الميزان 4 / 195.
ووفيات الأعيان 3 / 31.
وتذكرة 3 / 1199.
والعبر 3 / 312.
والمرآة الجنان 3 / 142.
(2) في الأصل: (وانتفا).
(3) انظر: وفيات الأعلام 3 / 68.
ومرآة الزمان 8 / 169.
والأعلام 5 / 71.
والمنتظم 17 / 338 - 341.
(*)(1/136)
ومن شعره: أيها المالك رقي قد تجافيت طويلا * بالذي يبقيك إلا ما تعطفت قليلا إن أكن أذنبت ذنبا فاصفح الصفح الجميلا * أنا عبد ذل فارحم سيدي عبدا ذليلا ! مولده سنة ثلاث وستين وأربعمائة، وتوفي في ثاني شعبان سنة خمس وثلاثين
وخمسمائة.
آخر الجزء الخامس من المستفاد من ذيل تاريخ بغداد.
* * *(1/137)
الجزء السادس من المستفاد من ذيل تاريخ بغداد للحافظ محب الدين أبي عبد الله محمد بن محمود بن الحسن ابن النجار انتقاء كاتبه الواثق بالله أحمد بن أيبك بن عبد الله(1/139)
بسم الله الرحمن الرحيم حسبي الله 140 - علي بن الحسن بن علي بن أبي طيب، أبو الحسن الباخرزي الكاتب (1): من أهل باخرز، ناحية من نواحي نيسابور، كان من أفراد عصره في الأدب والبلاغة وحسن النظم والنثر.
سدا (2) في صباه طرفا من الفقه على أبي محمد الجويني، وسمع منه ومن أبي عثمان الصابوني وأبي الفضل عبيد الله بن أحمد المكيالي.
ثم اشتغل بالكتابة، وخدم في ديوان الرسائل.
وقدم بغداد في أيام القائم بالله ومدحه، وصنف كتابا سماه (دمية القصر) ذكر فيه شعراء عصره، وله ديوان شعر مشهور.
روى عنه أبو شجاع الذهلي.
وله قصيدة أولها: هبت نسيم صبا تكاد تقول * إني إليك من الحبيب رسول سكرى تجشمت الربى لتزورني * من علتي وهبوبها معلول قال أبو سعد بن السمعاني: قتل الباخرزي في ذي القعدة سنة سبع وسبعين وأربعمائة بباخرز، ودفن بها وهو في أيام الكهولة.
قتل في مجلس أنس على يدي
بعض المخاذيل في الدولة النظامية وظل دمه هدرا - رحمه الله تعالى.
141 - علي بن الحسن بن هبة الله بن عبد الله بن الحسين، أبو القاسم بن أبي محمد بن أبي الحسين الشافعي، عرف بابن عساكر (3): من أهل دمشق، إمام المحدثين في وقته، ومن انتهت إليه الرئاسة في الحفظ والإتقان، وبه ختم هذا الشأن، سمع بإفادة أخيه الأكبر في سنة خمس وخمسمائة من
__________
(1) انظر الشذرات الذهب 3 / 327.
والعبر 3 / 265.
والأعلام 5 / 81.
ومعجم الأدباء 13 / 32 - 48.
ووفيات الأعيان 3 / 66 - 68.
(2) أي طلب.
(3) انظر: تذكرة الحفاظ 4 / 1328.
والعبر 4 / 212.
ووفيات الأعيان 2 / 471 - 472.
ومعجم الأدباء 13 / 87.
(*)(1/141)
أبي الحسن بن الموازيني وأبي القاسم النسيب (1) وأبي الوحش سبيع بن قيراط (2) المقرئ وأبي طاهر الحنائي، وسمع هو بنفسه من والده وأبي محمد بن الأكفاني وأبي الحسن بن قبيس وطاهر بن سهل الإسفراتيني.
وحج في سنة إحدي وعشرين، وسمع بمكة أبا محمد عبد الله بن محمد بن إسماعيل المقرئ، ورحل إلى العراق في سنة عشرين.
وسمع الكثير ببغداد من ابن الحصين وأبي الحسن الدينوري وأبي العز بن كادش وأبي القاسم الحريري ومحمد بن عبد الباقي الأنصاري في آخرين، وسمع بالكوفة الشريف أبا البركات عمر بن إبراهيم الزيدي وعاد إلى بغداد، فأقام بها يسمع الحديث ويقرأ الفقه والخلاف بالمدرسة النظامية ويكتب ويحصل خمس سنين، ثم عاد إلى دمشق، ورحل إلى خراسان على طريق آذربيجان، ودخل نيسابور في سنة تسع وعشرين وسمع أبا عبد الله الفراوي وأبا محمد السيدي وزاهر الشحامي وأخاه وجيها، وبمرو من يوسف بن أيوب الهمذاني، وسمع ببسطام ودامغان والري
وزنجان وسمنان، وعاد إلى دمشق يملي ويحدث ويصنف، وسمع منه جماعة من شيوخه.
وكان إماما حجة ثقة نبيلا، حدث ببغداد، وروي عنه من أهلها أبو بكر بن كامل - وكان أسن منه.
قال سعد الخير: ما رأينا في سن الحافظ أبي القاسم مثله.
وله من المصنفات: (التاريخ)، (الإشراف على معرفة الأطراف)، (المعجم لأسماء شيوخه)، (الموافقات عن شيوخ الأئمة الثقات) اثنان وسبعون جزءا.
قلت وأملى أربعمائة مجلس في جامع دمشق، وكان يختمها بأبيات من شعره.
ولقد سمعت شيخنا عبد الوهاب بن علي الأمين يقول: كنت يوما مع الحافظ أبي القاسم بن عساكر وأبي سعد بن السمعاني نمشي في طلب الحديث ولقاء الشيوخ، فلقينا شيخا فاستوقفه ابن السمعاني ليقرأ عليه شيئا، وطاف على الجزء الذي هو سماعه في خريطته، فلم يجده وضاق صدره فقال له ابن عساكر: ما الجزء الذي هو سماعه ؟) قال: كتاب (البحث والنشور) لابن أبي داود سمعه من أبي النصر ابن الزينبي، فقال له: لا تحزن ! وقرأ عليه من حفظه أو بعضه - الشك من شيخنا.
أخبرني شهاب الحاتمي، حدثنا ابن المسعاني قال: علي بن الحسن بن عساكر أبو
__________
(1) في الأصل بدون نقط.
(2) في الأصل: (فراطا).
(*)(1/142)
القاسم من أهل دمشق كثير العلم، حافظ متقن دين خير، جمع من معرفة المتون والأسانيد، صحيح القراءة متثبت محتاط، رحل في طلب الحديث، وتعب في جمعة، وبالغ في الطلب.
ورد بغداد، وسمع بها من أصحاب البرمكي والتنوخي والجوهري، ثم رجع إلى دمشق، ورحل إلى خراسان ودخل نيسابور قبلي بشهر أو أكثر، ثم رأيت نيسابور وصادفته بها، وجمع ونسخ، وأقام مديدة ببغداد، وحدثني بأحاديث
ثم اجتمعت به في رحلتي إلى الشام ببلدة دمشق في سنة خمس وثلاثين [ وخمسمائة ] (1)، وأفادني عن شيوخها، وسعى في تحصيل الشيخ لي، كتبت عنه وكتب عني، وكان قد شرع في (التاريخ الكبير) لدمشق على نسق تاريخ الخطيب، وصنف التصانيف، وخرج التخاريج.
قال الحافظ أبو محمد القاسم: ولد أبي في محرم سنة تسع وتسعين وأربعمائة، وتوفي ليلة الإثنين ثاني عشر رجب سنة إحدي وسبعين وخمسمائة بدمشق، ودفن بمقابر باب الصغير - رضي الله عنه ورحمه.
142 - علي بن الحسين بن محمد بن مهدي، أبو الحسن بن أبي الفوارس الصوفي: من أهل البصرة، كان جوالا، سافر إلى الشام، ودخل ديار مصر وصحب المشايخ، وكانت أحواله ومقاماته حسنة، وصار من مشاهير الزهاد والعلماء الورعين، له كرامات، سكن بغداد إلى حين وفاته، سمع بمصر من أبي الحسن علي بن الحسن الخلعي، وحدث، روى عنه الحافظ بن عساكر.
اجتمع الإمام أبو حامد الغزالي وإسماعيل الحاتمي وأبو الحسن البصري وإبراهيم الشباك في آخرين بالمسجد الأقصى، فأنشد منشد هذين البيتين: فديتك لولا الحب كنت فديتني * ولكن بسحر المقلتين سبيتني أتيتك لما ضاق صدري من الهوى * و [ لو ] (2) كنت تدري كيف شوقي أتيني قال: فتواجد أبو الحسن البصري وجدا أثر في الحاضرين، وتوفي محمد الكازروني من بين الجماعة في ذلك المجلس ورفع ميتا.
توفي أبو الحسن البصري في جمادى الأولى سنة ست وعشرين وخمسمائة - رحمه الله.
__________
(1) ما بين المعقوفتين زيادة ليست في الأصل.
(2) ما بين المعقوفتين سقط من الأصل.
(*)(1/143)
143 - علي بن زريق، الكاتب البغدادي: صاحب القصيدة المشهور التي رواها عنه أبو الهيجاء محمد بن عمران بن شاهين: وما سر قبلي مذ شطت بك النوى * أنيس لا كأس ولا متصرف وما ذقت طعم الماء إلا وجدته * كأن ليس بالماء الذي كنت أعرف ولم أشهد اللذات إلا تكلفا * وأي سرور يقتضيه التكلف ؟ قال أبو عبد الله الحميدي: قال لي أبو محمد علي بن أحمد بن حزم، فقال: من تختم بالعقيق وقرأ لأبي عمرو وتفقه للشافعي وحفظ قصيدة من ابن زريق فقد استكمل الظرف.
144 - علي بن سعيد بن عبد الله، أبو الحسن العسكري (1): من أهل عسكر سامراء.
كان من الحفاظ، سمع علي بن مسلم الطوسي وعبد الرحيم بن سلام بن المبارك الواسطي وعبد السلام بن عبيد وعمرو بن علي الفلاس والقاسم بن محمد الزبيدي ومحمد بن المثنى الزمن في آخرين، روى عنه من أهل أصبهان القاضي أبو أحمد محمد بن أحمد العسال.
ذكر أبو بكر أحمد بن موسى بن مردويه الحافظ علي بن سعيد العسكري في تاريخ أصبهان وقال: كان من الثقات، يحفظ ويصنف.
توفي بالري سنة ثلاث عشرة وثلاثمائة.
قال الحافظ أبو نعيم: كان من الحفاظ.
145 - علي بن العباس النوبختي (2): كان وكيلا للمقتدر، وكان أديبا، راوية للأخبار والأشعار.
كان علي بن العباس النوبختي مع جماعة من أهله على سطح أبي سهل النوبختي في ليلة من ليالي النصف يشربون ومعهم إبراهيم بن القاسم بن زرزر المغني، وكان إذ ذاك أمرد حسن الوجه، وكان في السماء غيم ينجاب مرة ويتصل أخرى، فانجاب الغيم عن القمر فانبسط،
فقال علي بن العباس وأقبل على إبراهيم: لم يطلع البدر إلا من تشوقه * إليك حتى يوافي وجهك النظرا ولم يتمم البيت حتى استتر القمر فقال:
__________
(1) انظر: شذرات الذهب 2 / 233.
والأعلام 5 / 102.
والعبر 2 / 114.
(2) انظر الأعلام 4 / 297.
(*)(1/144)
ولا تغيب إلا عند خجلته * لما رآك فولى عنك واستترا توفي النوبختي في ربيع الأول سنة أربع وعشرين وثلاثمائة وقد قارب الثمانين.
146 - علي بن عبد العزيز بن الحسن بن علي بن إسماعيل، أبو الحسن (1): من أهل جرجان، ولى القضاء بها ثم انتقل إلى الري وولى القضاء بها، وصنف تاريخا، وله في الأدب اليد الطولى، روى ببغداد شيئا من شعره.
وذكره أبو منصور الثعالبي في يتيمة الدهر، قال: ومن ملح شعره قوله في الغزل: أفدى الذي قال وفي كفه * مثل الذي أشرب من فيه الورد قد أينع في وجنتي * قلت: فمن باللثم يجنيه (2) وقوله: بالله فض العقيق عن برد * تروي أقاحيه من مدام فمه وامسح عوالي العذار عن قمر * يقصر بالورد خد ملتثمه قل للسقام الذي يناظره * دعه واشرك حشاي في سقمه كل غرام يخاف فتنته * فبين ألحاظه ومبتسمه وقوله: قد برح الحب بمشتاقك * فأوله حسن أخلاقك لا تجفه وارع له حقه * فإنه خاتم عشاقك
توفي لست بقين من ذي الحجة اثنين وتسعين وثلاثمائة بالري، وحمل تابوته إلى جرجان فدفن بها.
147 - علي بن عقيل بن محمد بن عقيل بن محمد بن عبد الله أبو الوفاء الفقيه الحنبلي (3): قرأ القرآن بالقراءات علي أبي الفتح عبد الواحد بن الحسين بن علي بن شيطا، وتفقه على القاضي أبي يعلى، وقرأ الأصول والخلاف على القاضي أبي الطيب
__________
(1) انظر الأعلام 5 / 114.
وشذرات الذهب 3 / 56.
ووفيات الأعيان 2 / 440.
ومعجم المؤمنين 7 / 123.
وطبقات الشافعية للسبكي 3 / 3 ز 8 - 310.
ويتيمة الدهر 3 / 238.
(2) في الأصل: (بحسه).
(3) انظر: الأعلام 5 / 129.
وشذرات الذهب 4 / 35.
ولسان الميزان 4 / 243.
والزيل على طبقات الحنابلة، وص 171.
والعبر 4 / 29.
(*)(1/145)
الطبري، وقرأ الأدب على أبي القاسم بن برهان، وسمع الحديث من أبي بكر محمد بن بشران وأبي الفتح بن شيطا وأبي محمد الحسن بن علي الجوهري وأبي طالب محمد بن علي العشاري في آخرين.
روى عنه ابن ناصر في آخرين.
وكان فقيها مبرزا، منظرا، جدلا، كثير المحفوظ، دقيق المعاني.
وصنف كتبا كثيرة في الأصول والمذهب والخلاف، وجمع كتابا سماه (الفنون) يشتمل على ثلاثمائة مجلدة أو أكثر.
قرأت بخط أبي الوفاء بن عقيل من كلامه في صفة الأرض أيام الربيع، قال: إن الأرض أهدت إلى السماء غبرتها بترقية الغيوم، فكستها السماء زهرتها من الكواكب والنجوم، وقال: كأن الأرض أيام زهرتها مرآة السماء في انطباع صورتها.
ومن شعره قوله من قصيد: يقولون لي ما بال جسمك ناحل * ودمعك من آماق عينيك هاطل
وما بال لون الجسم بدل صفرة * وقد كان محمرا فلونك حائل فقلت سقاما حل في باطن الحشا * ولوعة قلب بلبلته البلابل وأني لمثلي أن يبين لناظر * فلي باطن قد قطعته النوازل وما أنا إلا كالزناد تضمنت * لهيبا ولكن اللهيب مداخل مولده في جمادى الأولى سنة إحدى وثلاثين وأربعمائة.
وقال السلفي: في جمادى الآخرة، وتوفي في ثاني عشر جمادى الأولى سنة ثلاث عشرة وخمسمائة، ودفن بباب حرب.
148 - علي بن علي بن سالم بن الشيخ (1)، أبو الحسن بن أبي البركات، الشاعر المعروف بالمفيد: من أهل الكرخ.
كان حسن الشعر فاضلا حسن الأخلاق.
أنشدني علي بن علي بن سالم المفيد لنفسه: كم ذا التجني والجفا * ما هكذا أهل الوفا طيفك لما زارني * شرد نومي ونفا يارشأ ألحاظه * غادرك قلبي هدفا رميتني بأسهم * فيهن سقمي والشفا
__________
(1) في الأصل بدون نقط، وكتب فوقه: (كذا).
(*)(1/146)
رفقا بصب مدنف * كابد فيك التلفا مذ غبت عنه سيدي * طيب الكرى ما عرفا فقال إذ عاتبته * أطلت عذلي سرفا لست ترى من بعدها * ما بيننا تألفا نأيت عنه نادما * أقرع سنى أسفا
أطلب صبري بعده * وكنز صبري قد عفا مولده تقديرا سنة سبع وخمسين وخمسمائة، وتوفي في رجب سنة سبع عشرة وستمائة، ودفن بمشهد الحسين بن علي.
149 - علي بن علي بن نما بن حمدون، أبو الحسن بن أبي القاسم الكاتب: من أهل الحلة السيفية.
كان أديبا فاضلا، مليح الشعر، غاليا في التشيع، مبالغا في الرفض، خبيث العقيدة.
ومن شعره قوله: ومهفهف جمع النحول بأسره * لشقاوتي في مقلتيه وخصره قمر يبيح ثغور صبري ما حمى * وأسه عمدا من سلافة ثغرة وله: إني لأغبط فيك عود أراكة * أوردتها من عذب ريقك منهلا ويروقني حسد الزجاجة كلما * رشفت تجاه الخمر منك مقبلا وأغار من ملق الوشاح إذا جرى * بنحيف خصر، ذاهبا أو مقبلا مولده سنة ثلاث وعشرين وخمسمائة، وتوفي في سنة تسع وسبعين وخمسمائة ببغداد.
150 - علي بن المبارك بن أحمد بن محمد بن علي بن بكرى، أبو الحسن: من أهل الحرم الطاهري.
كان أديبا فاضلا بليغا.
ذكره العماد الاصفهاني في (الخريدة) ووصفه بالفضل والعلم.
سمع الحديث من أبي علي بن محمد بن محمد بن المهدي وهبة الله بن الحصين في آخرين وحدث، سمع منه أبو المحاسن عمر القرشي ومن شعره قوله:(1/147)
نظرت إلى جوار سامرات * حللن بروضة مثل البدور
فقابلن الشقائق والأقاحي * بتوريد الخدود وبالثغور وله في سوداء: يا من فؤادي فيها متيما ما يزال * إن كان لليل بدر فأنت للصبح خال وقال: وقد أهديت له تفاحة: حيا بتفاحة فأحياني * بوصل بعد طول هجران كأنما ريحها تنفسه * ولونها ورد خده القاني مولده سنة تسع وخمسمائة، وتوفي سنة إحدي وسبعين وخمسمائة ببغداد، ودفن بباب حرب.
151 - علي بن محمد بن أحمد بن العباس، أبو حيان التوحيدي (1): أصله من نيسابور وهو بغدادي، سكن شيراز.
وكان أديبا نحويا لغويا، له المصنفات الحسنة المشهورة كالبصائر وغيرها.
سمع أبا بكر محمد بن عبد الله الشافعي وأبا محمد جعفر بن محمد بن نصير والمعافي بن زكريا النهرواني وأبا عبيد الله المرزباني، روى عنه أبو عبد الله محمد بن إبراهيم بن فارس في آخرين.
ومن شعره قوله: قل لبدر الدجى وبحر السماحة * والذي راحتاه للناس راحة ما تركت الحضور سهوا ولكن * أنت بحر ولست أدري السباحة 152 - علي بن محمد بن علي الهراسي، أبو الحسن الشافعي، المعروف يالكيا (2): من أهل طبرستان.
هاجر إلى نيسابور وله عشرون سنة، وصحب إمام الحرمين أبا المعالي الجويني مدة، وتفقه عليه حتى برع في الأصول والفروع والخلاف، ثم خرج إلى بيهق فأقام بها مدة يدرس ويفيد الناس، ثم قدم بغداد وتولى التدريس بالنظامية في
__________
(1) انظر: طبقات الشافعية للسبكي 4 / 2.
ومعجم المؤلفين 7 / 205.
وبغية الوعاة، ص 348.
ومعجم الأدباء 15 / 5.
(2) انظر: شذرات الذهب 4 / 8.
ووفيات الأعيان 2 / 448.
ومعجم المؤلفين 7 / 220.
والأعلام 5 / 149.
وطبقات الشافعية للسبكي 4 / 281.
(*)(1/148)
سنة ثلاث وتسعين وأربعمائة، ولم يزل على التدريس إلى حين وفاته.
وكان كامل الفضل، فصيح العبارة، جمهوري الصوت، له التعليق والمصنفات الحسنة.
سمع كثيرا من شيخه الجويني وأبي علي الحسن بن محمد الصفار وأبي الفضل زيد بن صالح الطبري، وحدث ببغداد، روى عنه سعد الخير الأنصاري والسلفي.
قال السلفي: سمعت الفقهاء يقولون: كان أبو المعالي الجويني يقول في تلامذته إذا ناظروا التحقيق للخوافي والجريان للغزالي والبيان لإلكيا.
مولده في خامس ذي قعدة سنة خمسين وأربعمائة.
وتوفي ببغداد في مستهل محرم سنة أربع وخمسمائة، ودفن بمقبرة باب أبرز.
ورثاه أبو القاسم إبراهيم بن عثمان الغزي من قصيدة أولها: هي الحوادث لا تبقى ولا تذر * ما للبرية من محتومها وزر لو كان ينجى علو من بوائقها * لم تكسف الشمس بل لم يخسف (1) القمر 153 - علي بن محمد بن علي التميمي العنبري، أبو الحسن، المعروف والده بدواس القنا: من أهل البصرة.
قدم واسطا وسكنها إلى حين وفاته، وكان تام المعرفة بالأدب.
قدم بغداد ومدح بها صدقة بن منصور.
ومن شعره من قصيدة: ساقوا الجمال وخلفوني أثرهم * متململا أدعوهم وأنادي يا راحلين عن العقيق وخاطري * لمطيهم هاد وقلبي حادي
إن كان قد حكم الهوى أن ترقدوا * عما أجن وتذهبوا برقادي فترفقوا على أفوز بنظرة * تطفي غليلا دائم الإيقاد أسكنتم جسمي الضنا وسلبتم * جفني الكرى وذهبتم بفؤادي إن تتهموا فتهامة أكرم بها * لبني الهوى من منزل ومراد أو تنجدوا فالقلب منذ بلى بكم * وقف على الإتهام والإنجاد توفي في رجب سنة اثنتين وعشرين وخمسمائة ليلة سادسة.
__________
(1) في الأصل: (لم يكسف).
(*)(1/149)
153 - علي بن محمد بن غالب، أبو فراس العامري، المعروف بمجد العرب (1): شاعر مجيد، ذكره أبو عبد الله الكاتب في الخريدة وأثنى عليه، ومن شعره: أمتعب ما رق من جسمه * بحمل السيوف ونقل (2) الرماح علام تكلفت حملانها * وبين جفونك أمضى السلاح وله: لا تنكرين علي يا شمس الهدى * أني مررت عليك غير مسلم فالشمس لا تخفي ولكن ضوءها * مخف لها عن ناظر المتوسم توفي بالموصل في سنة ثلاث وسبعين وخمسمائة.
155 - علي بن محمد بن فهد، أبو الحسن التهامي، الشاعر (3): مولده ومنشؤه باليمن، وطرا إلى الشام، وسافر منها إلى العراق، ولقي الصاحب ابن عباد، وقرأ عليه وانتحل مذهب الاعتزال، وأقام ببغداد ودون بها شيئا من شعره، ثمه عاد إلى الشام.
وكان أديبا فاضلا متورعا.
وبلغ من تورعه أنه كان نسخ شعر البحتري، فلما بلغ إلى أبيات فيها هجو امتنع من كتبها وقال: لا أسطر بخطي مثالب الناس ومساوئهم تحرجا من ذلك، ومن شعره
قوله: لها ريقة أستغفر الله إنها * ألذ وأشهى في المذاق من الخمر وصارم طرف ما يفرق غمده * ولم أر شيئا قط في غمده يفرى وقال: هل الوحد إلا أن تلوح خيامها * فتقضي يا هذا السلام ذمامها وقفت بها أبكي وتردم أينقي * وتصهل أفراسي وتدعو حمامها ولو بكت الورق الحما [ ثم ] (4) شجوها * بعين نجى أطواقهن انسجامها
__________
(1) انظر: الأعلام للزركلي 5 / 158.
(2) في فوات الوفيات: (وثقل).
(3) انظر: النجوم الزاهرة 4 / 263.
ووفيات الأعيان 3 / 60.
وكشف الظنون، ص 771.
ومرآة الجنان 3 / 92.
وشذرات الذهب 3 / 204.
(4) ما بين المعقوفتين زيادة ليست في الأصل.
(*)(1/150)
وفي كبدي أستغفر الله غلة * إلى برد يثنى عليه لثامها وبرد رضاب سلسل غير أنه * إذا شربته النفس زاد هيامها فوا عجبا من غلة كلما ارتوت * من السلسبيل العذب زاد اضطرامها كأن بعيد النوم في رشفاتها * سلاف رحيق رق منها مدامها وتعبق رياها وأنفاسها معا * كنافجة قد فض عنها ختامها ولم أنس يوم التقى در دمعها * ودر الثنايا فذها وتوامها وقد بسمت عن ثغرها فكأنه * قلائد در في العقيق انتظامها وقد نثرت در الكلام بعتبها * ولذ بسمعي عتبها وملامها فلم أدر أي الدر أنفس قيمة * أدمعها أم ثغرها أم كلامها ؟
وقد سفرت عن وجهها فكأنما * تحسر عن شمس النهار جهامها وألقت عصاها في رياض كأنما * يفض عن المسك العتيق ختامها وضاحكها نور الأقاحي فراقني * تبسمه رأد الضحى وابتسامها نظرت ولي عينان عين ترقرقت * ففاضت وأخرى حار فيها جمامها فلم أر عيبا غير سقم جفونها * وصحة أجفان الحسان سقامها خليلي هل يأتي مع الطيف نحوها * سلامي كما يأتي إلي سلامها ؟ ألمت بنا في ليلة مكفهرة * فما سفرت حتى تجلى ظلامها أتت موهنا والليل أسود فاحم * طويل حكاه فرعها وقوامها فأبصر مني الطيف نفسا أبيه * تيقظها عن عفة ومنامها إذا كان حظي أين حلت خيالها * فسيان عندي نايها ومقامها وهل نافعي أن تجمع الدار بيننا * بكل مقام وهي صعب مرامها أسيدتي رفقا بمهجة وامق * أيعذبها بالبعد منك غرامها لك الخير جودي بالجمال فإنه * سحابة صيف ليس يرجى دوامها وما الحسن إلا دولة فاصنعي بها * يدا قبل أن يمضي ويعبر رامها أرى النفس تستحلى الهوى وهو حتفها * بعيشك هل يحلو لنفس حمامها ذكر أبو الخطاب أن التهامي أظهر الانتساب في ولد الحسين بن علي، وحصل في أحياء طي، ودعا إلى نفسه، فأنفذ الطاهر بن الحاكم صاحب مصر إلى ابن عليان أمير طي، فقبض عليه وأنفذه إلى مصر فحبس بها، وقيل: إنه قتل.(1/151)
156 - علي بن هبة الله بن علي بن جعفر بن علكان بن محمد بن دلف بن أبي دلف القاسم، أبو نصر بن أبي القاسم، المعروف بابن ماكولا (1): أصله من جرباذقان، وكان والده من وزراء القائم بأمر الله، وعمه قاضي القضاة.
وأحب العلم منذ صباه، وطلب الحديث، ورحل إلى الشام والثغور وديار مصر والجزيرة والعراق، وحصل طرفا صالحا في هذا العلم، وقرأ الأدب حتى برع فيه، وله النثر والنظم الحسن والمصنفات الملاح.
سمع ببغداد أبا طالب بن غيلان وأبا القاسم عبيد الله بن عمر بن أحمد بن محمد العتيقي وأبا محمد الجوهري والقاضي أبا الطيب طاهر بن عبد الله الطبري، وسمع بدمشق من أبي الحسن أحمد بن عبد الواحد بن أبي الحديد وأبي محمد الكتاني، وبمصر من الشريف أبي إبراهيم أحمد بن القاسم الحسيني والقاضي أبي عبد الله القضاعي وآخرين.
سمع منه الحافظان أبو بكر الخطيب وعبد العزيز الكتاني والفقيه أبو الفتح نصر المقدسي في آخرين.
ومن شعره قوله: أقول لقلبي (2) قد سلا كل واجد * ونفض أثواب الهوى عن مناكبه وحبك ما يزداد إلا تجددا، فيا ليت شعري ذا الهوى في مناك به (3) قال أبو عبد الله الحميدي: كان ابن ماكولا إذا سألناه عن شئ كأنه على طرف لسانه، ولو عاش لجاء منه شئ، وما سألنا الخطيب عن شئ قط فأجابنا عنه من حفظه، إنما يحيل على كتبه.
قال السلفي: سألت شجاع الذهلي عن ابن ماكولا فقال: كان حافظا فهما ثقة، صنف كتبا في علم الحديث وغيره.
وقال السلفي أيضا: سألت المؤتمن بن أحمد الساجي عن ابن ما كولا، فقال: كان له فهم وحسن معرفة بالحديث مع وساطة البيت.
لم يلزم طريق أهل العلم فلم ينتفع بنفسه.
__________
(1) انظر: تذكرة الحفاظ 4 / 1201.
ووفيات الأعيان 2 / 466 - 467.
والنجوم الزاهرة 5 / 15.
شذرات الذهب 3 / 381.
وفوات الوفيات 2 / 185.
والعبر 3 / 317.
والمنتظم 16 / 226، 17 / 8.
ومعجم الأدباء 15 / 102 - 111.
(2) في الأصل فوقها: (لنفس).
(3) على الهامش الأصل: (أنشد في هذين البيتين يونس بن إبراهيم العسقلاني عن أبي الحسن علي ابن أبي عبد الله البغدادي عن الحافظ أبي الفضل بن ناصر عن ابن ماكولا).
(*)(1/152)
مولده بعكبرا في منتصف شعبان سنة إحدى وعشرين وأربعمائة.
قرأت على أبي محمد بن الأخضر عن أبي الفضل بن ناصر قال: كان أبو نصر بن ماكولا قد سافر نحو كرمان وكان معه مماليكه الأتراك، فغدروا به وقتلوه وأخذوا الموجود من ماله، وذلك في سنة خمس وسبعين وأربعمائة وله من المصنفات كتابه المشهور في (المؤتلف والمختلف).
157 - علي بن هلال بن البواب، أبو الحسن الكاتب، مولى معاوية بن أبي سفيان (1): قرأ الأدب على أبي الفتح بن جني، سمع من أبي عبيد الله المرزباني، وكانت له معرفة بتعبير الرؤيا، وكان يعظ الناس بجامع المنصور، وله النظم والنثر المليح، وإليه انتهت الرئاسة في حسن الخط وجودته.
قال الحافظ أبو بكر الخطيب: علي بن هلال أبو الحسن بن البواب، صاحب الخط المستحسن المذكور، رأيته وكان رجلا دينا، لا أعلمه روى شيئا من الحديث.
وقد قال أبو العلاء أحمد بن عبد الله بن سليمان المعرى في قصيدة له: ولاح هلال مثل نون أجادها * بماء النضار الكاتب ابن هلال قال محمد بن الليث الزجاج يهجو ابن البواب، وكان إذ ذاك منقطعا إلى الشريف الرضى وملازما له.
[ أيهذا الشريف ] (2) حاشاك حاشاك * ترى في فناك ابن هلال هو نحس النحوس في السادة العز * وسعد السعود في الأندال
انظر اللام من هلال تجدها * فيه مشكولة بلا أشكال توفي في ثاني جمادى الأولى سنة ثلاث عشرة وأربعمائة ببغداد، ودفن بجوار أحمد.
158 - علي بن يلدرك بن أرسلان التركي، أبو الثناء بن أبي منصور الكاتب (3): كان شاعرا، لطيف الشعر، ومترسلا مليح النثر.
روي عنه أبو الوفاء بن عقيل في
__________
(1) انظر: وفيات الأعيان 3 / 28 - 30.
والأعلام 5 / 183.
ومعجم الأدباء 15 / 120 - 134.
وتذكرة الحفاظ 3 / 56.
(2) مابين المعقوفتين زيادة ليست في الأصل.
(3) انظر: مرآة الزمان 8 / 99.
(*)(1/153)
كتابه (الفنون) وابن ناصر.
ومن شعره: ومد له علق الغرام بقلبه * فمواقد النيران من نيرانه إن من جي ن ليل جن لاعج حبه * أو مد سيل كان من أجفانه عذب العذاب من أهوى عذابه * وحلا مرير الجور من سلطانه يرتاح ما حدر الصباح لثامه * وارتاح قمري على أغصانه ما لج عاذله عليه بعذله * إلا ولج عليه في عصيانه بغداد موطنه ولكن الهوى * نجد وأين هواه من أوطانه ؟ أن كان قيس العامري بعصره * دعي الخي من الهوى لعنانه وله من قصيدة: رقت حواشي الحب بعدك رقة * غارت لها ببلادنا الهصهباء وحفت علينا بعد ذاك خشونة * فكأنها التفريق والقرباء توفي في صفي سنة خمس عشرة وخمسمائة ببغداد، ودفن بباب حرب - قاله أبو
الفرج بن الجوزي.
159 - علي بن الطستاني الأنباري: شاعر حسن الشعر، سافر إلى الموصل واستوطنها.
توفي في سنة ثلاث وأربعين وأربعمائة.
ومن شعره قوله: لو تراني في ليلة العيد واليأ * س لأبصرت أعجب الأشياء كل عين ترنو إلى مغرب الشم * س وعيني ترنو إلى البطحاء مقلتي تطلب الهلال على الأر * ض وهم يطلبونه في السماء يتلوه عمربن حسن بن دحية الكلبي رحمه الله تعالى (1).
160 - عمر بن حسن بن علي بن محمد بن فرح - بسكون الراء وبالحاء المهملة - بن خلف بن قومس بن يزلال بن ملال بن أحمد بن دحية بن خليفة الكلبي، أبو الخطاب (2):
__________
(1) هذه الترجمة أضيفت على الأصل في المخطوط.
(2) انظر: شذرات الذهب 5 / 160 ووفيات الأعيان 3 / 212.
ومرآة الزمان 8 / 698.
والأعلام 5 / 201.
(*)(1/154)
من أهل منورقة من بلاد الأندلس (1)، وذكر أنه يسمى عبد الله، وأن أمه أمة الرحمن بنت أبي عبد الله محمد بن أبي البسام موسى بن عبد الله بن الحسين بن علي ابن أبي جعفر محمد بن علي بن موسى بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي ابن أبي طالب.
فلهذا كان يكتب بخطه: ذو النسبين: بن دحية والحسين.
قدم علينا بغداد، وأملى من حفظه، وكتبنا عنه، وذكر أنه سمع من أبي الفرج ابن الجوزي، وسافر إلى العراق فسمع بأصبهان من أبي جعفر الصيدلاني معجم الطبراني، ودخل خراسان فسمع بنيسابور من أبي سعد بن الصفار ومنصور الفراني والمؤيد الطوسي
في آخرين وحصل الأصول، وسمع بواسط من أبي الفتح بن الماندائي.
وذكر أنه سمع كتاب (الصلة) من أبي القاسم بن بشكوال، وأنه سمع بالأندلس من جماعة، غير أني رأيت الناس مجمعين على كذبه وضعفه وادعائه لقاء من لم يلقه، وسماع ما لم يسمعه، وكانت أمارات ذلك لائحة على كلامه، وكان القلب يأبى سماع كلامه، ويشهد ببطلان قوله.
دخل ديار مصر، وسكن بالقاهرة، وصادف قبولا من السلطان الملك الكامل، وسمعت من يذكر أنه كان يسوى له الملابس حين يقوم.
وكان صديقنا إبراهيم السنهوري المحدث صاحب الرحلة إلى البلاد قد دخل بلاد الأندلس، وذكر لمشايخها وعلمائها أن ابن دحية يدعى أنه قرأ على جماعة من الشيوخ القدماء، فأنكروا ذلك وأبطلوه وقالوا: لم يلق هؤلاء ولا أدركهم، وإنما اشتغل بالطلب أخيرا وليس نسبه بصحيح (2)، ودحية لم يعقب.
فكتب السنهوري محضرا،
__________
(1) على الهامش الأصل: (ذكر ابن نقطة في) (تكملة الإكمال ونقله من خطه ابن دحية هذا، وإلا أنه قال في نسبه: أحمد بن بدر بن دحية، ثم قال بعد كلام له: وكان موصوفا بالمعرفة والفضل إلا أنه يدعي أشياء لا حقيقة لها، ذكر أبو القاسم بن عبد السلام قال: نزل عندنا بالحريم الظاهرى أبو الخطاب بن دحية، فكان يقول: أحفظ صحيح مسلم والترمذي وغير ذلك، فأخذت جمة أحاديث من الترمذي وجمة أحاديث من مسند أحمد وجمة أحاديث من الموضوعات فجعلتها في جزء، ثم عرضت عليه حديثا من الترمذي فقال: ليس بصحيح، وآخر فقال: لا أعرفه، ولم يعرف منها شيئا، وذكر ابن نقطة أنه يعرف بابن الجميل - بضم الجيم وفتح الميم وتشديد الياء المكسورة المعجمة من تحتها باثنتين).
وعلى الهامش أيضا إضافة من المحرز: (ثم شاهدت هذا النسب بخط الحافظ أبي الخطاب بن دحية في إجازة كتب بها لجماعة فيهم اسم بعض شيوخ شيوخنا، ومنهم يحيى بن علي القوسي وعلي بن شجاع بن سالم الغرير وجعفر الهمذاني وعبد الغني بن سليمان وزينب وعاصم بن الأسود).
وعلى الهامش أيضا إضافة من المحرز: (ثم شاهدت هذا النسب بخط الحافظ أبي الخطاب بن
دحية في إجازة كتب بها لجماتعة فيهم اسم بعض شيوخ شيوخنا، ومنهم يحيى بن علي القوسي وعلي بن شجاع بن سالم الغرير وجعفر الهمذاني وعبد الغني بن سليمان وزينب وعاصم بن الأسود).
(2) على هامش الأصل: (ذكر ابن دحية بن الزبير قال: روى سننه عن أبي محمد عبى الله وغيره، ودخل الأندلس، وأخذ بها عن جماعة منهم الحافظ أبو بكر بن الجد أبو عبد الله بن رزقون وأبو العباس بن خليل، وكان معتنيا بالعلم، ومشاركا في فنون عدة، ومجتهدا معتنيا بالأخذ عن = (*)(1/155)
وأخذ خطوطهم فيه بذلك، وقدم به ديار مصر، فعلم ابن دحية بذلك، فاشتكى إلى السلطان منه وقال: هذا يأخذ عرضي ويؤذيني ! فأمر السلطان بالقبض عليه، وضرب، وأشهر على حمار وأخرج من ديار مصر، وأخذ ابن دحيبة المحضر وخرقه.
وبنى له السلطان الملك الكامل دارا للحديث.
وكان حافظا ماهرا عالما بقيود الحديث، فصيح العبارة، تام المعرفة بالنحو واللغة، وكان ظاهري المذهب، كثير الوقيعة في السلف، خبيث اللسان، أحمق، شديد الكبر، قليل النظر في الأمور الدينية، متهاونا في دينه.
قال الحافظ أبو الحسن بن علي بن الفضل المقدسي: كنا يوما بحضرة السلطان في مجلس عام وهناك ابن دحيد، فسألني السلطان عن حديث فذكرته له، فقال لي: من رواه ؟ فلم يحضرني إسناده وانفصلنا، فاجتمع بي ابن دحية وقال لي: يا فقيه ! لما سألك السلطان عن إسناد ذاك الحديث، لم لم تذكر له أي إسناد شئت ؟ فإنه ومن حضر مجلسه لا يعلمون هل هو صحيح أم لا ! وكنت قد ربحت قولك (لا أعلم)، وعظمت في عينه، قال: فعلمت أنه جرئ على الكذب.
أنشدني أبو المحاسن محمد بن نصر عرف بابن عنين لنفسه بدمشق يهجو ابن دحية: دحية لم يعقب فلم تعتزي * إليه بالبهتان والإفك
ما صح سعند الناس شئ سوى * أنك من كلب بلا شك توفي ابن دحية بالقاهرة في ليلة رابع عشر ربيع الأول من سنة ثلاث وثلاثين وستمائة، وقد نيف على الثمانين.
وكان يخضب بالسواد - قدس الله [ روحه ] (1).
161 - عمر بن محمد بن عبد الله بن عمويه، السهروردي، أبو عبد الله الصوفي (2).
ابن أخي الشيخ أبي النجيب.
كان شيخ وقته في علم الحقيقة وطريقه التصوف، وإليه انتهت الرئاسة في تربيتة المريدين وتسليك طريق العبادة والزهد في الدنيا.
__________
= الشيوخ، وأقر العبارة والأسانيد ورجال الحديث والجرح والتعديل، وكان موصوفا بالثقة وبالعدالة والصداقة والاعتناء التام).
__________
(1) ما بين المعقوفتين ليست في الأصل.
(2) انظر: وفيات الأعيان 3 / 119.
وشذرات الذهب 5 / 153.
وطبقات الشافعية للسبكي 5 / 143.
والأعلام 5 / 223.
ومرآة الجنان 4 / 79.
وطبقات الشافعية لابن قاضي شهبة 2 / 103.
(*)(1/156)
ولد بسهرورد وقدم بغداد في صباه، وصعب عمه وغيره، وسلك طريق الرياضيات، وقرأ الفقه والخلاف والعربية، وسمع الحديث.
ثم انقطع عن الناس ولازم الخلوة، واشتغل بإدامة الصيام والقيام والذكر إلى أن خطر له عند علو سنة أن يظهر للناس ويتكلم عليهم، فعقد مجلس الوعظ بمدرسة عمه على شاطئ دجلة، وكان يتكلم على الناس بكلام مفيد، وظهر له قبول عظيم من الخاص والعام، واشتهر اسمه، وقصده المريدون.
سمع الحديث من عمه ومن أبي المظفر هبة الله بن أحمد بن محمد بن الشبلي وأبي الفتح بن البطي وأبي زرعة المقدسي في آخرين.
وحدث وصنف مصنفات مفيدة، منها مغاني المعاني، وأضر في آخر عمره.
أنشدني عمر بن محمد السهروردي لنفسه:
ربع الحمى مذ حللتم معشب نضر * تروق أكنافه يزهو بها النظر لا كان وادي الفضا لا ينزلون به * ولا من (1) الحمى سح في أرجائه مطر ولا الرياح وإن رقت نسائمها * إن لم تفد (2) نشركم لا ضمها سحر ولا خلت مهجتي تشكو دسيس جوى * وحر قلبي بريا حبكم عطر ولا رقب عبرعتي حتى يكون لمن * ذاق الهوى وصبا في عبرتي عبر أنبأنا عبد...(3) من شيوخنا، قالوا: أنبأنا أبو عبد الله السهروردي مولده في رجب سنة تسع وثلاثين وخمسمائة.
وتوفي ببغداد في ليلة الأربعاء مستهل محرم سنة اثنتين وثلاثين وستمائة، ودفن بالوردية في تربة له مستجدة - رحمه الله.
162 - عمر بن محمد بن معمر بن أحمد بن يحيى بن حسان، أبو حفص بن أبي بكر المؤدب، المعروف بابن طبرزد (4): من أهل دار القز.
سمع الكثير بإفادة أخيه ومن آباء القاسم هبة الله بن الحصين وهبة الله بن أحمد الحريري وهبة الله بن عبد الله الواسطي وأبي غالب أحمد بن الحسن بن البناء وأبي المواهب أحمد بن ملوك وأبي بكر محمد بن عبد الباقي الأنصاري.
__________
(1) (من) إضافة من الهامش.
(2) هكذا في الأصل.
(3) مكان النقط كلمات ممسوحة.
(4) انظر: النجوم الزاهرة 6 / 201 - 202.
ووفيات الأعيان 3 / 124.
والزيل على طبقات الحنابلة، ولسان المثيزان 4 / 329.
(*)(1/157)
وأبي القاسم علي بن طراد الزينبي في آخرين وهو آخر من حدث في الدنيا عن ابن الحصين وابن البناء وابن ملوك.
وطلب من الشام للسماع عليه فتوجه إلى هناك،
وحدث بإربل والموصل وحران وحلب، وأقام بدمشق مدة طويلة، وروى أكثر مسموعاته، وحصل مالا حسنا، وعاد إلى بغداد وأقام بها يحدث على حين وفاته، وكان يعرف شيوخه ويذكر مسموعاته.
وكانت أصول سماعاته بيده، وأكثرها بخط أخيه، وكان يكتب خطا حسنا، وكان متهاونا بأم ور الدين.
رأيته غير مرة يبوحل من قيام، فإذا فرع من إراقة بوله أرسل ثوبه وقعد من غير استنجاء.
وكنا نسمع منه أجمع، فنصلي ولا يصلي معنا، ولا يقوم لصلاة، وكان يطلب الأجر على الرواية، إلى غير ذلك من سوء طريقته.
مولده سنة عشرة وخمسمائة، وتوفي في رجب لتسع خلون منه من سنة سبع وستمائة.
ودفن بباب حرب.
قال عبد العزيز بن هلاله: رأيت ابن طبرزد في النوم وعليه ثوب أزرق، فقلت له: سألتك بالله ما لقيبت بعد موتك ؟ فقال لي: أنا في بيت من نار داخل بيت من نار داخل بيت من نار، فقلت: ولم ؟ قال: لأخذ الذهب على الرواية.
163 - العلاء بن الحسن بن وهب بن الموصلاي (1)، أبو سعد بن أبي علي الكاتب (2): من أهل الكرخ.
كاتب جليل مترسل كامل الأدب.
روى عنه موهوب بن الجواليقي اللغوي.
قال: أنشدنا العلاء بن الحسن الكاتب لنفسه: أحن إلى روض التصابي وأرتاح * وأمتح من حوضا لتصافي وأمتاح وأشتاق رئما كلما رمت صيده * تصد يدى عنه سيوف وأرامح غزال إذا ما لاح أو فاح نشره * تعذب أرواح وتعذب أرواح بنفسي وإن عزت وأهلي أهله * لها غرور في الحسن تبدو وأوضاح نجوم أغاروا النور للبدر عندما * أغاروا على سرب الملاحة واجتاحوا
__________
(1) في المراجع السابقة: (المواصلايا).
(2) انظر: النجوم الزاهرة 5 / 189.
ووفيات الأعيان 3 / 149.
ومرآة الزمان 8 / 11.
ومعجم الأدباء 12 / 196.
والمنتظم 17 / 89.
(*)(1/158)
فتتضح الأعذار فيهم إذا بدوا * ويفتضح اللاحون فيهم إذا لاحوا وكرخية عذراء يعذر حبها * ومن زندها في الدهر تقدح أقداح إذا جليت في الكأس والليل ما انجلى * يقابل إصباح لديك ومصباح يطوف بها ساق لسوق جماله * نفاق لإفساد الهوى فيه إصلاح به عجمة في اللفظ تغزى بوصله * وإن كان منه بالقطيعة إفصاح وغرته صبح وطرته دجى * مبسمه من وريقته راح أباح دمي مذبحت في الحب باسمه * وبالشجو من قبل المحبون قد باحوا وأوعدني بالسوء ظلما ولم يكن * لإشكال ما يفضي إلى الضيم إيضاح وكيف أخاف الضيم أو أحذر الردى * وعوني على الأيام أبلج وضاح وظل نظام الملك للكسر جابر * وللضر مناع وللنفع مناح مولده ببغداد في ليلة سادس شوال سنة اثنتي عشرة وأربعمائة.
وتوفي يوم الإثنين الثاني والعشرين من جمادى الآخرة سنة سبع وتسعين وأربعمائة، وبلغ من العمر خمسا وثمانين سنة، ودفن في تربة الطائع لله بالرصافة - رحمه الله تعالى.
164 - عيسى بن أبي عيسى بن بزار (1) بن محير، أبو موسى، الفقيه المالكي: من أهل قابس من بلاد المغرب.
سمع بالمغرب أبا عبد الله الحسين بن عبد الرحمن الأجدالي، وبمكة أبا ذر الهروي، ودخل بغداد وسمع بها من أبي طالب بن غيلان والعشاري وابن المذهب وابن شاهين وأحمد بن محمد العتيقي والحسن بن علي الجوهري في آخرين، وحدث عنه الحافظ أبو بكر الخطيب وذكره في كتابه (المؤتلف
والمختلف) من تأليفه، قال: وأما الثاني بالقاف والباء المعجمة بواحدة والسين المهملة فهو عيسى بن أبي عيسى بن بزاز القابسي.
قدم علينا بغداد بعد الثلاثين [ وأربعمائة ] (2) فسمع من شيوخ ذلك الوقت، وأقام عندنا مدة، ثم رجع إلى بلده.
توفي بمصر في سنة سبع وأربعين وأربعمائة - قاله أبو محمد الأكفاني.
__________
(1) في الأصل: (نزار)، والتصحيح من الأكمل 1 / 259.
(2) ما بين المعقوفتين زيادة ليست في الأصل.
(*)(1/159)
حرف الفاء 165 - الفتح بن خاقان بن حمد، أبو محمد التركي (1): تربي في دار المعتصم، واختص بولده المتوكل.
فلما ولى الخلافة حوله على خاتمة، ولما سافر المتوكل إلى دمشق كان عديله.
وولاه دمشق فاستخلف بها كلباتكين التركي، وعاد مع المتوكل إلى بغداد.
وكان أديبا شاعرا، غاية في السماحة والجود، روى عنه أبو العباس محمد بن يزيد المبرد وغيره.
ومن شعره قوله: بني الحب على الجور فلو * أنصف المعشوق فيه لسمج ليس يستملح في وصف الهوى * عاشق يحسن تأليف الحجج (2) لا تعيبن من حبيب دله * دله للحب مفتاح الفرج وقليل الحب صرف خالص * خير من حب كثير قد مزج دخل المعتصم يوما إلى خاقان يعوده، فرأى الفتح ابنه وهو صبي، فقال له: أيما أحسن داري أم داركم ؟ فقال الفتح: (يا سيدي، دارنا إذا كنت فيها أحسن)، فقال المعتصم: لا أبرح والله أو تنثر عليه مائة ألف درهم، ففعل ذلك.
ومن شعر الفتح قوله:
أيها العاشق المعذب صبرا * فخطايا أخي الهوى مغفورة زفرة في الهوى أحط لذنب * من غزاة وحجة مبرورة قتل الفتح ليلة الأربعاء، وقيل: ليلة الخميس بعد العتمة لأربع ليال خلون من شوال سنة سبع وأربعين ومائتين - رحمه الله تعالى.
166 - الفضل بن سهل بن بشر بن أحمد بن سعيد الإسفرائيني، أبو المعالي بن أبي الفرج، الواعظ كان يعرف بالأمير الحلبي (3): ولد بديار مصر، ونشأ ببيت المقدس، وقدم دمشق مع والده، وكان والده محدثا
__________
(1) انظر: فوات الوفيات 2 / 246 - 248.
ومعجم الأدباء 16 / 174 - 186.
وفهرست ابن النديم ص 169.
(2) في الأصل: (الحج).
(3) انظر: تذكرة الحفاظ 4 / 1313.
وهدية العارفين 1 / 819.
ومعجم المؤلفين 8 / 68 وكشف الظنون 186.
(*)(1/160)
مشهورا، فأسمعه بدمشق من أبي القاسم علي بن محمد المصيصي ونصر المقدسي، وسمع من والده وأجازه الخطيب، وسافر إلى حلب وأقام بها، فعقد مجلس الوعظ مدة، ثم أرسله صاحبها إلى بغداد رسولا، فأقام بها إلى حين وفاته.
ومن شعره قوله: يا صاحب المرآة يا من قاده * إلى لقائي قدر نافذ أريتي وجهي عز وما * يسوي الذي أنظر ما تأخذ قال الفضل بن سهل: حضرت في مجلس فيه الأستاذ أبو الحسين بن مقلد لمعرفة خبر صاحب المخزن، فأحضر الطعام فأكلنا، وحضر مجلس الشرب، فنهضت أمضي، فقال لي صاحب المخزن والجماعة: اجلس واسمع الأستاذ أبا الحسن ! فجلست
فأخذوا في المفاكهة والمذاكرة، ثم عرض علي الشرب فامتنعت، فأعفيت من ذلك، ثم إنني سكرت من ريح المجلس وطيبه، فقلت: سكرت من ريح ما شربتم * والراح محمودة الفعال فيالها سكرة حلالا * كأنها زورة الخيال قال ابن السمعاني: الفضل بن سهل سافر بنفسه إلى العراق وخراسان، وكان يتجر ويقول الشعر، كتبت عنه ببغداد، وسمعت جماعة يتهمونه باكذب في الأحاديث التي يذكرها والمحاورات.
قال عمر بن علي القرشي: رأيت قطعة كبيرة من سماعاته - يعني الفضل بن سهل - كالشمس في الوضوح بخط المعروفين الثقات غير أن خصائص على جمع النسائي، وكان ملكا للابن، وفيه طبقة فيها اسمه واسم ابنه أبي المجد عبد العامر وهي مفسودة تشهد على نفسها بالتزوير، وقد حدث به للابن عن أبيه، وقد قرأه عليه ابن شافع، فسألته عن الطبقة، فقال: سماع مزور، فقلت له: وكيف قرأته عليه ؟ فقال: لعله من طبقة أخرى في الجزء، وأخذه وفتشه فلم ير فيه شيئا.
وقد حدث به ابنه أبو المجد عن جده بذلك التسميع المفسود، ثم رأيت له بعد ذلك أجزاء وسماعه مفسودة، وقد حدث بها وفي بعضها.
قد سمع لنفسه من أبيه، وسمع لجماعة منهم الفقيه نصر المقدسي، وذكر تاريخا.
قد مات قبله نصر بمدة.(1/161)
مولده في شعبان في ليلة سادس عشرة سنة إحدى وستين وأربعمائة.
وتوفي في ثاني رجب سنة ثمان وأربعين وخمسمائة فجأة ببغداد، ودفن بباب أبرز، وكان عسرا في التحديث - قاله ابن شافع.
* * * آخر الجزء السادس من المستفاد من ذيل تاريخ بغداد لأبي عبد الله ابن النجار
البغدادي الحافظ - رحمه الله تعالى.
* * *(1/162)
الجزء السابع من المستفاد من ذيل تاريخ بغداد للحافظ محب الدين أبي عبد الله محمد بن محمود بن الحسن ابن النجار انتقاء كاتبه الواثق بالله أحمد بن أيبك بن عبد الله(1/163)
بسم الله الرحمن الرحيم حسبي الله وكفى 167 - القاسم بن الحسين بن الطوابيقي، أبو شجاع البغدادي (1): شاعر، حسن القول، لطيف الطبع.
روي عنه عثمان بن عيسى البلطي النحوي.
قال أبو عبد الله الكاتب في (الخريدة): أبو شجاع بن الطوابيقي، له نظم رائق وشعر فائق، وهو مقيم بالموصل.
ومن شعره قوله: قامت تهز قوامها يوم النقا * فتساقطت خجلا غصون البان وإذا نظرتكم بعين خيانة * قام الغرام بشافع عريان إن لم يخلصني الغرام بجاهته * سافرت تحت عقوبة الهجران ومنها: أصبحت تخرجني بغير جناية * من دار إعزاز لدار هوان كدم الفصاد يراق أرذل موضع * أبدا ويخرج من أعز مكان توفي في سنة تسع وستين وخمسمائة - رحمه الله تعالى.
168 - القاسم بن علي بن محمد بن عثمان الحريري، أبو محمد (2):
من أهل البصرة.
قرأ الأدب على أبي الفضل بن محمد القصباني بالبصرة، ثم قدم بغداد، وقرأ على أبي الحسن علي بن فضال المجاشعي، وتفقه على أبي نصر بن الصباغ وأبي إسحاق الشيرازي، وقرأ الفرائض والحساب على أبي حكيم الخبري، وسمع
__________
(1) انظر: فوات الوفيات 2 / 258.
والأعلام 6 / 8.
(2) انظر: طبقات الشافعية لابن قاضى شهبة 1 / 321.
ووفيات الأعيان 3 / 227 - 231.
والعبر 4 / 38.
ومعجم الأدباء 16 / 261 - 292.
والأنساب للسمعاني 4 / 106، 138.
والأعلام 6 / 12.
(*)(1/165)
الحديث بالبصرة من أبي تمام محمد بن الحسن المقرئ وأبي القاسم الفضل بن محمد بن علي النحوي وأبي القاسم الحسين بن أحمد بن الحسين الباقلاني وغيرهم وقدم بغداد بعد الخمسمائة وحدث بها، يحرف حديثه عن شيوخه، وبالمقامات.
روى عنه الشريف أبو علي الحسن بن جعفر بن عبد الصمد بن المتوكل على الله وأبو الفضل بن ناصر الحافظ.
وكان من الفصاحة والبلاغة وحسن العبارة ورشاقة الألفاظ وملاحة النثر وحلاوة النظم على طريقة لم يسبقه من كان قبله، ولم يدركه من جاء بعده.
وجمع المقامات الخمسين التي سارت في الدنيا سير الشمس، وتلقاها الناس بالقبول، وعقد على بلاغتها الخناصر.
قال أبو بكر عبد الله بن محمد بن أحمد بن النقور البزاز: سمعت أبا محمد الحريري صاحب (المقامات) يقول: أبو زيد السروجي كان سجاعا بليغا، ورد علينا البصرة، فوقف يوما في مسجد يتكلم، ويسأل الناس شيئا، وكان بعض الولاة حاضرا والمسجد غاص بالفضلاء.
فأعجبهم بفصاحته، وذكر أسر الروم ابنته كما ذكرنا في المقامة الحرامية، وهي الثامنة والأربعون، قال: فاجتمع عندي عشية ذلك اليوم جماعة من الفضلاء، فحكيت لهم ما شاهدت من ذلك السائل من لطافة عبارته في تحصيل مراده
فحكى كلى واحد من جلسائي أنه شاهد من هذا السائل مثل ما شاهدت، وأنه سمع منه في معنى آخر فصلا أحسن مما سمعت، وكان يغير في مسجد زيه وشكله، ويظهر في فنون احتياله فضله، فتعجبوا من جرأته في ميدانه وأمعانه في إحسانه.
قال الحريري: فابتدأت في إنشاء المقامة الحرامية تلك حاذيا حذوه، فلما فرغت منها أقرأنيها جماعة من الأعيان، فاستحسنوها في غاية الاستحسان، وأنهوا ذلك إلى وزير السلطان، واقترحوما علي أخواتها، والله المستعان، حكى لما قدم ابن الحريي بغداد وكان الناس يهتفون بفضائله ويسارعون (1) إلى إلقائه وسماع كلامه، فحظر إليه فيمن حضر ابن حكينا (2) الحريمي المنبوز بالبرغوث، فلم يجده على ما كان يظنه من الفصاحة واللسن، فنظم أبياتا، منها: شيخ لنا من ربيعة الفرس * ينتف عثنونه من الهوس أنطقه الله بالمشان وقد * ألجمه في العراق بالخرس
__________
(1) في الأصل: (ويسارلون).
(2) في الأصل: (ابن حكينا).(1/166)
قال ابن السمعاني: مولد ابن الحريري في سنة ست وأربعين وأربعمائة.
وتوفي في ثامن رجب سنة ست عشرة وخمسمائة بالبصرة وعمره سبعون سنة.(1/167)
حرف الميم 169 - مالك بن أحمد بن علي بن إبراهيم البانياسي، أبو عبد الله بن أبي بكر المالكي الفراء (1): سمع أبا الحسن أحمد بن محمد بن الصلت وأبوي الحسين محمد بن الحسين بن الفضل القطان وعلي بن محمد بن محمد بن عبد الله بن بشران وأبا الفتح محمد بن
أحمد بن أبي الفوارس الحافظ، وهو آخر من حدث عن ابن الصلت.
قال السلفي: سألت المؤتمن الساجي عن مالك البانياسي، فقال: كنت أراه قبل دخولي خراسان جالسا في السوق، فلم تطب نفسي بالسماع منه، كان ثقة فيما حدث به، تلاء للقرآن.
وقال السلفي أيضا: سألت شجاع الذهلي عن البانياسي، فقال: هو أبو عبد الله المالكي، سمعت منه شيئا عن ابن الصلت، وكان صدوقا.
قال شجاع الذهلي: وقع حريق في تاسع عشر جمادى الآخرة سنة خمس وثمانين وأربعمائة بنهر المعلى فاحترق فيه أبو عبد الله مالك المالكي، ودفن من الغد بالجانب الغربي.
وقد رثاه أبو القاسم عبد الغني بن محمد بن حنيفة الباجرائي: لن يجمع الله بين مالك * بعد احتراق وبين مالك وهلكه هاهنا شهيدا * أشر من هلكه هنالك 170 - المبارك بن الحسن بن أحمد بن علي بن فتحان بن منصور الشهرزوري، أبو الكرام المقرئ (2): من ساكني دار الخلافة.
أحد الشيوخ القراء المجودين بحفظ القراءات وطرقها ومعرفة وجوهها.
وصنف في ذلك كتابا سماه (المصباح في القراءات الصحاح).
وكان عالما فاضلا أديبا، حسن الطريقة، قرأ القرآن بالقراءات على الشريف أبي الفضل عبد القاهر بن عبد السلام العباسي وأبي محمد رزق الله بن عبد الوهاب التميمي وأبي المعالى ثابت بن بندار البقال في آخرين.
وسمع الحديث الكثير بنفسه، وكتب بخطه، وحصل الأصول، سمع رزق الله التميمي وطراد الزينبي وإسماعيل بن مسعدة
__________
(1) انظر: الأنساب للسمعاني 2 / 67.
وشذرات الذهب 3 / 376.
والعبر 3 / 308.
(2) انظر: تذكرة الحافظ 1292.
والعبر 4 / 141.
ومعجم الأدباء 17 / 52.
وكشف الظنون، ص 1706.
والأعلام 6 / 149.
(*)(1/168)
الإسماعيل ونصر بن البطر القارئ، وأجازه أبو الحسين بن النقور في آخرين.
قال ابن السمعاني: ابن الشهرزوري شيخ صالح، حسن السيرة، قيم بكتاب الله، عارف باختلاف القراءات، جيذ الأخذ على الطلاب، كتبت عنه، وذكر أن مولده سابع عشر ربيع الآخر سنة اثنتين وستين وأربعمائة.
وتوفي في ليلة ثاني عشر ذي الحجة سنة خمسين وخمسمائة.
171 - المبارك بن عبد الجبار بن أحمد بن القاسم بن أحمد بن عبد الله بن الصيرفي، أبو الحسين بن أبي القاسم، المعروف بابن الطيوري (1): من أهل الكرخ.
محدث بغداد ومسندها، سمع العالي والنازل.
وكان أكثر مشايخ وقته سماعا، وأعلاهم إسنادا، وكتب بخطه ما لا يدخل تحت حصر.
سمع أبا علي بن شاذان وأبا القاسم عبد الرحمن بن عبيد الله الحرفي وأبا عبد الله الحسين بن علي الصيرفي وأبا الفرج الحسين بن علي الطناجيري وأبا طالب بن غيلان وأبا طاهر محمد ابن علي بن العلاف وأبا إسحاق إبراهيم بن عمر البرمكي والحسن بن علي الجوهري في آخرين.
وسافر إلى البصرة فسمع بها أبا علي الحسن بن علي الشاموخي، وبواسط القاضي أبا جعفر محمد بن إسماعيل العلوي في آخرين.
وحدث بجميع مروياته.
وروى عنه الأئمة والحفاظ شرقا وغربا.
روى عنه الحافظان أبو عامر العبدري وأبو عبد الله الحميدي وأبو منصور الجواليقي وعبد الوهاب الأنماطي والحافظ أبو طاهر السلفي في آخرين من الحافظ والأئمة.
قال أبو نصر اليونارتي في معجم شيوخه وقد ذكر ابن الطيوري فقال: ثقة، ثبت، كثير الأصول، يحب العلم وأهله.
وقال أبو بكر بن الخاضبة: ابن الطيوري ممن يستسقى بحديثه.
أخبرنا شهاب الحاتمي قال: سمعت ابن السمعاني يقول: كان المؤتمن الساجي سيئ
الرأي في ابن الطيوري، وكان يرميه بالكذب ويصرح بذلك مع أنه سمع منه الحديث
__________
(1) انظر: لسان الميزان 5 / 9.
والعبر 3 / 356.
والأعلام 6 / 151.
وشذرات الذهب 3 / 412.
ومعجم المؤلفين 8 / 172.
والمنتظم.
على هامش الأصل: (ذكره الأمير أبو نصر بن ماكولا في باب (الحمامي) بالتخفيف، فقال بعد كلام له: وصديقنا أبي الحسين المبارك بن عبد الجبار بن أحمد ابن القاسم الصيرفي يعرف بالحمامي، سمع أبا علي بن شاذان وخلقا كثيرا بعده، وهو من أهل الخير والعفاف والصلاح، وأظن والده حدث عن ابن شاذان).(1/169)
وكتب عنه، وما رأيت أحدا من مشايخنا الثقات يوافق المؤتمن على ذلك، فإني سألت جماعة من مشايخنا عنه مثل عبد الوهاب بن الأنماطي وابن ناصر فأثنوا عليه ثناء حسنا، وشهدوا له بطلب الحديث والصدق والأمانية وكثرة السماع.
وقال محمد بن علي بن فولاذ الطبري: سألت أبا غالب الذهلي عن ابن الطيوري، فقال: لا أقول إلا خيرا، اعفني عن هذا ! فألححت عليه وقلت له: رأينا سماعه - أنا والسمعاني (1) - بكتاب (الناسخ والمنسوخ) لابن عبيد ملحقا على رقعة ملصقا بالكتاب وكتاب (الفصل) لداود بن المجير كان سماعه إلى البلاغ بخط ابن خيرون، فأتم هو السماع للجميع بخطه ؟ فقال: نعم ! وغير ذا ؟.
وذكر المجلس عن الحفري، فقال: قط لم يسمع منه، وأخرجه في جزازة له بخطه، قالوا له: فأين كان إلى الساعة ؟ قال: كان قد ضاع، وجدته الآن.
وقال الأسدي أيضا قريب منه.
وذكره السلفي وأثنى عليه، ثم قال بعد كلام له: كتبت عنه فأكثرت، وأخرج لي في جملة ما أخرج في سنة أربع وتسعين جزءا من حديث ما روى الخطابي كان يرويه عن أبي بكر بن النمط المقرر عنه فكتبته، وكان سماعا ملحقا بخطه، فحضرنا المجلس للقراءة على العادة، فأعطيته المؤتمن الساجي، فنظر فيه فرأى الإلحاق، فقال لي: رأيت
هذا التسميع ؟ قلت: نعم، والشيخ ثقة، جليل القدر، ربما نقله من نسخة أخرى وما ذكره ولا أحال عليه، فقال: نعم، يحتمل منه لأنه ثقة كبير.
ثم رأيت بعد ذلك من هذا الخط غير جزء ابن النمط.
، أراني المؤتمن ومحمد بن منصور السمعاني، وكان أبو نصر محمود الاصبهاني حاضرا، فذكر أنه وقف على مثل هذا، قال: والعلة فيه أنه صاحب كتب كثيرة تنقل من نسخة إلى نسخة أخرى ولا يذكر الطبقة، وكذا التسميع اتكالا على ثقته.
وحلف أبو نصر بالله أنه رأى مثل ذلك في أجزائه، ثم وجد في كتبه الأصول التي نقل منها.
وأنا بعد وقفت على مثل ما ذكره أبو نصر، فالله أعلم.
مولده في ربيع الأول - وقيل: في ربيع الآخر - سنة إحدى عشرة وأربعمائة.
وتوفي في ليلة منتصف ذي القعدة سنة خمسمائة، ودفن بباب حرب، وكان صالحا.
172 - محفوظ بن أحمد بن الحسن بن أحمد الكلوذاني، أبو الخطاب، الفقيه الحنبلي (2):
__________
(1) في الأصل: (وأبا والسمعاني).
(2) انظر: النجوم الزاهرة 5 / 212.
وشذرات الذهب 4 / 27.
والبداية والنهاية 12 / 174.
والمنتظم 17 / 152 - 155 وتذكرة الحفاظ 4 / 1261.
والأعلام.
والأعلام 6 / 178.
وطبقات الحنابلة، ص 143.
والذيل لابن رحب 1 / 177.
(*)(1/170)
درس الفقه على أبي يعلى بن الفراء، وصار إمام وقته وشيخ عصره، يدرس ويفتي، وصنف في المذهب والأصول، وكانت له يد حسنة في الأدب، ويقول الشعر اللطيف.
سمع الحديث من أبي محمد الحسن بن علي الجوهري وأبي طالب محمد بن علي العشاري والحسن بن غالب بن المبارك وأبي جعفر محمد بن المسلمة في آخرين، وكتب بخطه كثيرا من مسموعاته.
روى عنه ابن ناصر والمبارك بن مسعود الغسال
ومن شعره: إن كنت يا صاح بوجدي عالما * فلا تكن لي في هواهم لائما وإن جهلت ما ألاقي بهم * فانظر ترى دموعي السواجما هم قتلوني بالصدود والقلى * وما رعوا في قتلي المحارما يامن يخاف الإثم في قتلي ما * تخاف في سفك دمي المآثما ؟ هبني رضيت أن تكون قاتلي * فهل رضيت أن تكون ظالما ؟ سلوا النجوم بعد كم عن مضجعي * قل قر جنبي أو رأتني نائما ؟ واستقبلوا الشمال كيما تنظروا * من حر أنفاسي بما شمائما وهذه الأيك سلوا الأيك ألم * أعلم النوح بها الحمائما لقد أقمت بعد أن فارقتكم * على فؤادي بينهن قائما وله: وقربتني حتى تملكت مهجتي * وصرت حجابا بين قبلي والعذل وأضرمت نيران الجوى في جوانحي * وأجريت دمعي [ بين ] (1) سكب ومنهل تجافيت إما قاتلي أو معذبي * فهل لك نفع في عذابي وفي قتلي ؟ خف الله في سفك الدماء فربما * ندمت على التفريط في موقف العدل وقالوا ألا ينهاك عقلك عنهم * فقلت وهل أحببتهم ومعي عقلي لقد بعتهم حلمي بحلو وصالهم * فخانوا فلا بالحلم فزت ولا الوصل مولد محفوظ الكلوداني في ثاني شوال سنة اثنتين وثلاثين وأربعمائة.
وتوفي ببغداد في ثالث عشر جمادي الآخرة سنة عشر خمسمائة، وقيل: في رابع
__________
(1) ما بين المعقوفتين ليست في الأصل.
(*)(1/171)
عشر منه، ودفن إلى جانب الإمام أحمد.
173 - محمود بن عمر بن محمد بن عمر الزمخشري، أبو القاسم النحوي (1): من أهل خوارزم، وزمخشر إحدى قراها.
كان إماما في النحو واللعة، تشد إليه الرحال، وله في ذلك مصنفات.
وكان فصيحا بليغا علامة، قدم بغداد قبل الخمسمائة، وسمع بها من أبي الخطاب بن البطر، وتوجه إلى الحجاز فحج وأقام هناك مدة مجاورا، وعاد إلى خوارزم وأقام بها، ثم قدم بغداد بعد الثلاثين وخمسمائة.
لما قدم الزمخشري بغداد للحج جاءه الشريف أبو السعادات بن الشجري مهنئا له بقدومه، فلما جالسه أنشده الشريف: كانت مسألة الركبان تخبرني * عن أحمد بن علي أطيب الخبر حتى التقينا فلا والله ما سمعت * أذني بأحسن مما قد رأى بصري وأنشده: وأستكبر الأخبار قبل لقائه * فلما التقينا صغر الخبر الخبر وأثنى عليه، ولم ينطق الزمخشري حتى فرغ الشريف من كلامه، فلما فرغ شكر الشريف وعظمه وتصاغر له وقال: إن زيد الخيل دخل على رسول الله عليه السلام، فحين بصر بالنبي صلى الله عليه وسلم رفع صوته بالشهادتين، فقال له الرسول: يا زيد الخيل ! كل رجل وصف لي وجدته دون الصفة إلا أنت، فإنك فوق ما وصفت، ودعا له وأثنى عليه.
قال: فتعجب الحاضرون من كلامهما لأن الخبر كان أليق بالشريف والشعر كان أليق بالزمخشري.
ومن شعره يرثي شيخه أبا مضر، يعني الزمخشري: وقائلة ما هذه الدرر التي * تساقطها عيناك (2) سمطين سمطين فقلت هو الدر الذي قد حشا به * أبو مضر أذني تساقط من عيني مولده في سابع عشرين رجب سنة سبع وستين وأربعمائة.
وتوفي في ليلة عرفة من سنة ثمان وثلاثين وخمسمائة بكر كانج، وهي قصبة خوارزم
__________
(1) انظر: شذرات الذهب 4 / 118.
وفيات الأعيان 4 / 254 - 260.
والأعلام 8 / 55.
والعبر
4 / 106.
ومعجم الأدباء 19 / 126 - 135.
وتذكرة الحفاظ 4 / 1283.
ولسان الميزان 6 / 4.
وبغية الوعاة ص 288.
والنجوم الزاهرة 5 / 274.
والمنتظم 18 / 37 - 38.
(2) في الهامش: (تساقط من عيناك).
(*)(1/172)
- قاله ابن السمعاني.
174 - مسعود بن المحسن بن الحسن بن عبد الرزاق بن عبد الوهاب بن عبد العزيز بن عبد الله بن عبيد الله بن العباس بن محمد بن عبد الله بن العباس بن عبد المطلب، أبو جعفر الهاشمي، المعروف بابن البياضي (1): شاعر مجود، رقيق الشعر، عذب الألفاظ، مليح المعاني.
روى عنه أبو غالب الذهلي وأبو القاسم بن السمر قندي.
ومن شعره قوله: يقولون لي إن كان سمعك عاشقا * فما بال دمع العين في الخد جاريا فقلت لهم قد لمت طرفي، فقال لي: * أتمنعني من أن أساعد جاريا وقال: يا من لبست بهجره ثوب الضنا * حتى خفيت به عن العواد وأنست بالسهر الطويل فأنسيت * أجفان عيني كيف كان رقادي إن كان يوسف بالجمال مقطع ال * - أيدي فأنت مقطع الأكباد توفي ابن البياضي في سادس عشر ذي القعدة سنة ثمان وستين وأربعمائة ببغداد.
ولابن البياضي أيضا: ليس لي صاحب معين سوى اللي * - ل إذ طال بالصدود عليا أنا أشكو بعد الحبيب إليه * وهو يشكو بعد الصباح إليا وله: ألفت الضنا من بعدكم فلو أنه * يزول إذا عدتم حننت إليه
وصار البكا لي مؤنسا فلو أنه * تغيب عن عيني بكيت عليه 175 - المظفر بن الفضل بن يحيى، العلوي الحسيني، أبو علي بن أبي القاسم (2): قرأ الأدب وحفظ أشعار العرب، وقال الشعر في صباه فأجاد، ولم يزل في ارتفاع
__________
(1) انظر: شذرات الذهب 3 / 331 - 332.
ومرآة الجنان 3 / 97.
ووفيات الأعيان 4 / 285.
والأعلام 8 / 113.
والمنتظم 16 / 175 - 176.
(2) انظر: كشف الظنون، ص 1959.
والأعلام 8 / 165.
(*)(1/173)
من فضله وتحصيله وجودة نظمه ونثره وحسن عبارته وعذوبة ألفاظه ورشاقة معانيه وملاحة خطه، وسمع الحديث.
أنشدني أبو علي المظفر الحسيني لنفسه: كيف يشتاقك قلب * أنت في السوداء منه إنما يشتاقتك التطر * ف الذي قد غبت عنه وأنشدنا لنفسه: ومفعمة الحجلين تشكو وشاحها * إلى القلب ما أشكو من قلق الوجد أتتني وقد نام السمير ولم أكن * على طمع في الوصل منها ولا الوعد فبتنا جميعا والعفاف ر قيبنا * وكف على كف وخد على خد مولده بالموصل في الخامس والعشرين من جمادى الآخرة سنة أربع وثمانين وخمسمائة.
176 - معمر بن عبد الواحد بن رجاء بن عبد الواحد بن محمد بن الفاخر بن أحمد بن القاسم بن الفاخر بن محمد بن النعمان بن المنذر بن إسماعيل بن لقيط بن إسماعيل بن عبد الرحمن بن كثير بن ربيعة بن عبد الرحمن بن سمرة بن حبيب بن
عبد شمس بن عبد مناف، أحمد القرشي (1): من أهل أصبهان.
كان من وجوه عدولها.
طلب الحديث من صباه، وسمع ببلده من أبي الفتح أحمد بن محمد الحداد وأبي القاسم غانم بن محمد البرجي وأبي علي الحسن ابن أحمد الحداد في آخرين من أصحاب أبي نعيم الحافظ.
وقدم بغداد بعد العشرين وخمسمائة وسمع بها أبا القاسم بن الحصين وأبا نصر بن رضوان وأبا غالب بن البناء، وعاد إلى أصبهان مشغولا بالسماع والقراءة على المشايخ، وقدم بغداد بعد ذلك تسع مرات ليسمع ويسمع أولاده ويحدث.
كتب الكثير، وكان موصوفا بالحفظ والمعرفة والثقة والصلاح والورع.
وأملى عدة سنين، وصنف وخرج.
قال ابن السمعاني: معمر بن الفاخر أبو أحمد شاب كيس، حسن الصحبة، جميل المعاشرة، سخي النفس، متوددا، يراعي حقوق الأصدقاء ويقضي حوائجهم، اصطحبنا بأصبهان مدة مقامي بها، وأكثر ما سمعت بإفادته، وكان يدور معي من
__________
(1) انظر: تذكرة الحفاظ 4 / 1319.
ومرآة الجنان 3 / 377.
وشذرات الذهب 4 / 214.
والعبر 4 / 189.
والأعلام 8 / 190.
(*)(1/174)
الصباح إلى الليل على الشيوخ، كتب لي جزءا عن شيوخه، وحدثني به.
مولده لخمس بقين من جمادى الآخرة سنة أربع وتسعين وأربعمائة.
وتوفي في ثالث عشر ذي قعدة سنة أربع وستين وخمسمائة بطريق الحجاز بين مغيثة والواقصة عند المسجد المعروف بمسجد سعد، ودفن هناك.
سمع منه الأئمة والحفاظ - رحمه الله.
177 - مكرم بن محمد بن حمزة بن محمد بن أحمد بن سلامة بن أبي الصقر، أبو المفضل القرشي (1): من أهل دمشق.
سمع أبا يعلى حمزة بن علي بن الحبوبي الثعلبي وحمزة بن أسد بن
القلانسي وأبا محمد عبد الرحمن بن أبي الحسن الداراني في آخرين، وكان صحيح السماع.
قدم بغداد وحدث بها، وكان عسرا في الرواية.
مولده في رجب سنة ثمان أربعين وخمسمائة.
وتوفي بدمشق في ثاني رجب سنة خمس وثلاثين وستمائة.
178 - منصور بن عبد المنعم بن عبد الله بن محمد بن الفضل بن أحمد، أبو القاسم بن أبي المعالي، الصاعدي الفراوي (2): من أهل نيسابور، من أولاد المحدثين.
سمع أباه وجده وجد أبيه وأبا القاسم زاهر ابن طاهر الشحامي وأبا محمد عبد الجبار بن محمد الخواري في آخرين.
وقدم بغداد وحدث بها.
وكان شيخا نبيلا ثقة صدوقا، حسن الأخلاق متوددا.
مولده في رمضان سنة اثنتين وعشرين وخمسمائة.
وتوفي ليلة السبت لسبع خلون من شعبان سنة ثمان وستمائة.
وحدث بالكثير.
179 - منوجهر بن محمد بن تركانشاه بن محمد بن الفرج، أبو الفضل بن أبي الوفاء الكاتب (3): كان أديبا فاضلا صادقا، حسن الطريقة صدوقا.
سمع أباه وأبا عبد الله هبة الله بن أحمد الموصلي وأبا القاسم علي بن أحمد بن بيان في آخرين، وسمع المقامات للحريري
__________
(1) انظر: شذرات الذهب 5 / 174.
(2) انظر: مرآة الزمان 8 / 758.
وشذرات الذهب 5 / 34.
(3) انظر: العبر 4 / 226.
وبغية الوعاة 399.
ومعجم الأدباء 19 / 196.
(*)(1/175)
منه ورواها عنه مرارا، وهو آخر من روي عنه المقامات.
روى عنه ابن السمعاني - ومات قبله.
وروى عنه أيضا ابن الأخضر وابن الحصري وأحمد بن البندينجي.
مولده في ثاني عشر شوال سنة تسع وثمانين وأربعمائة.
وتوفي ببغداد في منتصف جمادى الآخرة سنة خمس وسبعين وخمسمائة، ودفن بباب حرب بوصيه منه.
180 - المؤتمن بن أحمد بن علي بن الحسين بن عبيد الله، الربعي الساجي الدير عاقولي، أبو نصر بن أبي منصور بن أبي الحسن، الحافظ، يعرف بالمقدسي (1): حافظ، كامل، ثقة، نبيل، مجيد، واسع الرحلة، كثير الكتابة، صحيح النقل، جيد الضبط، حجة.
سمع أبا الحسين بن النقور وأبا القاسم عبد العزيز الأنماطي وعلي بن أحمد بن البسري.
ورحل إلى الشام فسمع ببيت المقدس أبا عثمان محمد بن أحمد بن ورقاء الاصبهاني، وبصور الحافظ أبا بكر الخطيب، وبحلب أبا محمد الحسن بن مكي الشيزري، وعاد إلى العراق وسمع بأصبهان أبا عمر عبد الوهاب بن أبي عبد الله بن منده، وسمع بنيسابور أبا بكر أحمد بن خلف الشيرازي، وبهراة عبد الله بن محمد الأنصاري في آخرين، وعاد إلى بغداد، وانقطع إلى حين وفاته.
حدث باليسير، روى عنه سعد الخير الأنصاري وأبو الفضل بن ناصر الحافظ في آخرين.
قال أبو الوقت عبد الأول بن عيسى: كان الإمام عبد الله الأنصاري إذا رأى مؤتمنا [ قال ]: لا يمكن أحدا أن يكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم مادام هذا حيا.
قال أبو سعد بن السمعاني: سمعت عبد الرحمن بن عبد الجبار الفامي يقول: أقام المؤتمن عندنا بهراة قريبا من عشر سنين وقرأ ونسخ بخطه الكثير، كتب جامع الترمذي ست مرات، وكان فيه قناعة وعفة واشتغال بما يعنيه.
قال الحافظ أبو طاهر السلفي: لم يكن ببغداد أحسن قراءة للحديث من المؤتمن الساجي، كان لا يملي قراءته وإن طالت.
أنبأنا ذاكر بن كامل عن أبي الفضل محمد بن طاهر المقدسي.
قال: ورأيت أنا من تساهله - يعني أبا نصر الساجي - أنا كنا بنيسابور سنة ثمان وسبعين وكنا نحضر مجلس أبي بكر أحمد بن علي بن خلف الأديب، وكان لكل واحد منا نوبة يقرأ فيها، فظهر
__________
(1) انظر: شذرات الذهب 4 / 20.
وتذكرة الحفاظ 4 / 1246.
ومرآة الجنان 3 / 197.
والعبر 4 / 15.
(*)(1/176)
سماع الشيخ في الجزء الثاني من تفسير سفيان بن عيينة فقرأنا عليه، فلما كان يوم نوبتي، أخذ في قراءة الأول (1) من التفسير، فقلت له: وجدت السماع في الأول ؟ قال: لا، قلت: فلم تقرأه ؟ قال: تراه سمع الثاني ولم يسمع الأول ؟ فذكرت ذلك للشيخ فمنعه من القراءة.
مولد الساجي في صفر سنة خمس وأربعين وأربعمائة.
وتوفي في سابع عشر صفر سنة سبع وخمسمائة ببغداد، ودفن بمقبرة الإمام أحمد بن حنبل.
181 - المؤتمن بن نصر بن أبي القاسم بن أبي الحسن، أبو القاسم بن أبي السعود التاجر (2)، عرف بابن قميرة (3): من أهل باب الأزج.
سمع شهدة بنت الأبري، كتبت عنه، وهو شيخ حسن لا بأس به.
سألته عن مولده فقال: سنة خمس وستين وخمسمائة - هذا آخر كلام ابن النجار المؤلف.
قلت: وتوفي ببغداد في ليلة السابع والعشرين من جمادى الأولى سنة خمسين وستمائة ببغداد، وكان يسمى يحيى.
وسمع أيضا من الحسن بن محمد بن شيرويه وأبي الرضا محمد بن بدر الشيحي وتجني بنت عبد الله الوهبانية، وحدث ببغداد ومصر.
سمع منه شيخنا محمد بن محمد بن عيسى الصوفي كتاب (الفرج بعد الشدة).
سمعت عليه أحاديث منتقاة منه.
182 - موهوب بن أحمد بن محمد بن الخضر بن الحسن بن محمد بن الجواليقي، أبو منصور بن أبي طاهر اللغوي (4): إمام أهل عصره في معرفة اللغة وكلام العرب، والمرجوع إليه في ذلك.
قرأ الأدب
على التبريزي ولازمه حتى نقل عنه كثيرا، وسمع الحديث من أبي القاسم علي بن أحمد ابن البسري وأبي طاهر محمد بن أحمد بن أبي الصفر وطراد الزينبي ونصر بن أحمد بن البطر القارئ في آخرين.
وكتب بخطه الكثير من كتب الأدب والحديث، وكان خطه مليحا، وضبطه صحيحا، وعلى خطه الاعتماد.
روى عنه الأئمة ابن الجوزي وأبو
__________
(1) في الأصل: ((للأحوال).
(2) انظر: شذرات الذهب 5 / 253.
(3) في الأصل: (مميرة).
(4) انظر: شذرات الذهب 4 / 127.
ووفيات الأغيان 4 / 424.
وتذكرة الحفاظ 4 / 1286.
والأعلام 8 / 292.
ومعجم الأدباء 19 / 205 - 207.
(*)(1/177)
اليمن الكندي وكان ثقة صدوقا حجة نبيلا.
قال أبو سعد بن السمعاني: موهوب بن الجواليقي إمام في اللغة والأدب، وهو من مفاخر بغداد، وهو متدين ورع، غزير الفضل، وافر العقل، مليح الخط، كثير الضبط، صنف التصانيف وانتشرت عنه، وشاع ذكره، ونقل بخطه الكثير، كتب عنه.
وسألته عن مولده فقال: في سنة ست وستين وأربعمائة - وقيل: مولده في سنة خمس وستين في ذي القعدة، وتوفي في منتصف محرم سنة أربعين وخمسمائة ببغداد، وصلى عليه بجامع القصر، ودفن بباب حرب.
* * *(1/178)
حرف النون 183 - ناصر بن عبد السيد بن علي المطرزي، أبو الفتح بن أبي المكارم، الأديب (1):
من أهل خوارزم.
كان في أعيان مشايخها، قرأ الأدب على [ أبي ] (2) المؤيد الموفق ابن أحمد بن علي المكي خطيب خوارزم وعلى والده أبي المكارم حتى برع في معرفة النحو واللغة، وصنف كتبا حسانا، وشرح المقامات لابن الحريري وكان قد قرأ طرفا من الفقه على مذهب أهل العراق، وشيئا من الكلام على مذهب المعتزلة.
وكان شديد التعصب، داعية إلى الاعتزال.
قدم علينا في آخر سنة إحدى وستمائة، فحج وعاد.
سمع الحديث من أبي عبد الله محمد بن علي بن أبي سعيد التاجر أنشدنا ناصر المطرزي لنفسه: وزند ندى فواضله ورى * ورند ربي فصائله نضير ودر جلاله أبدا ثمين * ودر نواله أبدا غزير مولده في رجب سنة ثمان وثلاثين وخمسمائة.
وتوفي بخوارزم في الحادي والعشرين من جمادى الأولى سنة عشر وستمائة.
وكان مولده بخوارزم.
184 - نصر الله بن محمد بن محمد بن عبد الكريم بن عبد الواحد الشيباني، أبو الفتح الكاتب، المعروف بابن الأثير (3): من أهل جزيرة ابن عمر، ولد بها في آخر شعبان سنة ثمان وخمسين وخمسمائة، وقرأ الأدب وعاني البلاغة والإنشاء حتى حاز قصب السبق في ذلك.
وصنف مصنفات في الأدب، وولى الوزارة للملك الأفضل على بن السلطان صلاح الدين يوسف بن أيوب.
ثم سكن الموصل، وكان ذا لسان وعارضة وفصاحة وبيان.
قدم بغداد مرارا رسولا من الموصل، وحدث ببغداد و (بكتابه المثل السائر في أدب الكاتب والشاعر).
__________
(1) انظر: الأعلام 8 / 311.
ووفيات الأعيان 5 / 6.
ومرآة الجنان 4 / 20 - 21.
ومعجم الأدباء 19 / 212.
وبغية الوعاة، ص 402، وكشف الظنون، ص 139.
(2) ما بين المعقوفتين زيادة ليست في الأصل.
(3) انظر: شذرات الذهب 5 / 187، 189.
ووفيات الأعيان 5 / 25، 32.
وبغية الوعاة، ص 404.
ومرآة الجنان 4 / 97 - 100.
(*)(1/179)
ومن شعره قوله: رضيت بما يرضى به لي بحبه * وقدت إليك النفس قود المسلم ومثلك من كان الفؤاد شفيعه * يكلمه عني ولم أتكلم قدم رسولا في منتصف ربيع الآخر سنة سبع وثلاثين وستمائة.
فبقى أياما ومرض، وتوفي في تاسع عشرى الشهر المذكور، ودفن بمقابر قريش - رحمه الله.
[ قال الشيخ ذكي الدين في وفياته): توفي ابن الأثير في أحد الجمادين من السنة.
وقال: مولده في العشرين من شعبان سنة ثمان وخمسين وخمسمائة بجزيرة ابن عمر.
وكان يلقب ضياء الدين - رحمه الله ] (1).
185 - نصر الله بن هبة الله بن عبد الباقي بن هبة الله بن الحسين بن يحيى بن بزاقة الغفاري الكناني، أبو الفتح الكاتب (2): من أهل مصر.
سكن دمشق، وكان خصيصا بالملك المعظم عيسى بن أبي بكر بن أيوب، ثم بابنه داود بن بعده، وقدم معه بغداد في سنة ثلاث وثلاثين وستمائة، وأقام بها مدة، وكتبنا عنه، وهو أديب فاضل، مليح النظم والنثر، ظريف، حسن المجالسة، طيب المحاضرة.
أنشدني أبو الفتح نصر الله بن هبة الله المصري لنفسه: ولما أبيتم سادتي عن زيارتي * وعوضتموني بالعباد عن القرب ولم تسمحوا بالوصل في حال يقظتي * ولم يصطبر عنكم لرقته قلبي نصبت لصيد الطيف نومي حباله * فأدركت خفض العيش في النوم بالنصب
وأنشدني أبو الفتح نصر الله بن هبة الله لنفسه: ما لك في الخلق عاشق مثلي * فكيف تختار في الهوى قتلي إن أنكرت مقلتاك سفك دمي * خلى بخديك شاهدا عدل لكنني غير طالب قودا منك * ولا راغبا إلى عقل ولا ليوم المعاد أدخره * بل أنت منه في أوسع الحل يا فارغ القلب جد على دنف * فؤاده من هواك في شغل وعدتني إن تزورني فعسى * تقصر عما أطلت من مطل
__________
(1) ما بين المعقوفتين كتب على الهامش الأصل.
(2) انظر: شذرات الذهب 5 / 252.
والأعلام 8 / 354.
والجواهر المضيئة 2 / 199.
(*)(1/180)
مرارة الهجر ذقتها فمتى * تذيقني من حلاوة الوصل ؟ يا عاذلي فيه عد على عذل * فلست أصغى فيه إلى العذل أمرت بالصبر عن تذكره * من لي إن أسطعته من لي ؟ لكن هواه غطاء على بصري * وسمعي فالفؤاد في خبل فكيف أصغى لما يقول بلا سمع * ولا ناظر ولا عقل ؟ سألت أبا الفتح بن البزاقة عن مولده، فقال: ولدت في رجب سنة تسع وسبعين وخمسمائة.
186 - نصر بن أحمد بن عبد الله بن البطر، البزاز، أبو الخطاب بن أبي بكر القارئ (1): من ساكني باب الغرمة.
سمع بإفادة أخيه من أبي محمد عبد الله بن عبيد الله بن يحيى البيع وأبي حفص عمر بن أحمد بن عثمان البزاز العكبري وأبي الحسن محمد بن أحمد بن رزقويه وأبي بكر أحمد بن طلحة بن هارون المنقى وأبي طالب مكي بن علي
ابن عبد الرزاق الحريري في آخرين.
وعمر حتى تفرد بالرواية عن جماعة من شيوخه.
روى عنه الحفاظ كعبد الوهاب الأنماطي وأبي القاسم بن السمر قندي ومحمد بن ناصر وسعد الخير الأنصاري وأبي طاهر السلفي في آخرين.
قال الحافظ أبو طاهر السلفي: سألت شجاع الذهلي عن نصر بن أحمد بن البطر، فقال: حدث عن جماعة، وكان مريب الأمر، لينا في الرواية.
قال السلفي: راجعته في ذلك وقلت: ما عرفنا مما ذكرت شيئا، وما قرئ عليه شئ يشك فيه، وسماعاته كالشمس وضوحا، فقال: لعمري هو كما ذكرت، غير أني وجدت في بعض ما كان له به نسخة سماعا يشهد القلب ببطلانه، ولم يحمل عنه شئ من ذلك.
كتب إلي علي بن المفضل الحافظ بن علي بن عتيق الأنصاري أخبره عن القاضي عياض بن موسى التجيى قال: سألت القاضي أبا على الحسين بن محمد الصوفى المعروف بابن سكرة عن نصر بن البطر، فقال: شيخ مستور ثقة.
سأله السلفي عن مولده فقال: سنة ثمان وتسعين وثلاثمائة.
__________
(1) انظر: شذرات الذهب 3 / 402.
والعبر 3 / 340.
(*)(1/181)
وتوفي في سادس عشر ربيع الأول سنة أربع وتسعين وأربعمائة، ودفن بباب حرب.
187 - نصر بن محمد بن علي بن أبي الفرج، أبو الفتوح بن أبي الفرج بن الحصري الوقاياتي الحافظ (1): من أهل همذان.
قرأ القرآن بالقراءات على أبي بكر محمد بن عبيد الله بن الزاغوني والمبارك بن الحسن بن الشهرزوري في آخرين.
ثم إنه قرأ الأدب وحصل منه طرفا صالحا وطلب الحديث، وصحب الحافظ أبا بكر الباقداري وأخذ عنه علم الحديث، سمع أبا الوقت عبد الأول وأبا المظفر هبة الله بن أحمد بن محمد بن الشبلي
وأبا محمد محمد بن أحمد بن عبد الكريم المادح وأبا الفتح محمد بن عبد الباقي بن البطي وأبا القاسم هبة الله بن الحسن بن هلال وأبا بكر أحمد بن المقرب الكرخي وأبا القاسم هبة الله بن الفضل المتوثي في آخرين.
ولم يزل يسمع ويقرأ إلى أواخر عمره.
سمعنا منه وبقراءته، وكان يقرأ قراءة صحيحة إلا أنه يدغمها بحيث لا يفهم، ويكتب خطا رديئا جدا، وكان من حفاظ الحديث العارفين بفنونه، متقنا ضابطا، غزير الفضل، كثير المحفوظ، ثقة صدوقا حجة نبيلا، من أعلام الدين وأئمة المسلمين.
وكان يصوم الدهر ويكثر التلاوة.
وخرج عن بغداد إلى مكة، وجاور بها نيفا وعشرين سنة، مديما للصيام والقيام، ويكثر الطواف والعمرة حتى أنه يكون يطوف في كل يوم وليلة سبعين أسبوعا.
ثم إنه خرج من مكة في آخر عمره لما اشتد القحط، سافر إلى اليمن، فأدركه أجله بها.
سألت ابن الحصري عن مولده، فقال: أخبرني والده أنه في رمضان سنة ست وثلاثين وخمسمائة.
وبلغنا أنه توفي باليمن في بلدة تعرف بالمهجم في المحرم، وقيل في شهر ربيع الآخر سنة تسع عشرة وستمائة - والله أعلم.
* * *
__________
(1) انظر: تذكرة الحفاظ 4 / 1382.
والنجوم الزاهرة 6 / 253.
وشذرات الذهب 5 / 83.
وطبقات القراءة 2 / 338.
(*)(1/182)
حرف الهاء 188 - هبة الله بن الحسن بن المظفر بن الحسن بن السبط الهمذاني أبو القاسم (1): من أولاد المحدثين.
أسمعه والده الكثير في صباه، وعمر حتى حدث بالكثير، وانفرد
بأكثر مسموعاته، وكان شيخنا قيما ذكيا متأدبا، لطيف المحاضرة، وفيا، حلو الاستشهاد، وكان يعمل من الطرف والملح أشياء غريبة، من ذلك أنه عمل شطرنجا كاملا من أبنوس وعاج وزنه حبتان وأرزة، وأنه كان ينقله بالسفت الذي يكون للصائغ لأن الأنامل تعجز عن ضبطه لصغره وخفائه وكان على قدر حبة الخردل.
ثم إن أبا القاسم هذا كبر وعجز وافتقر واحتاج إلى الناس، فساءت أخلاقه، وصار وسخا قذرا في جميع أحواله، لا يتنزه عن النجاسات، ولم يكن في دينه بذاك، فكان عسرا في التحديث، وكان يبغض هذا الشأن ويسب أباه كيف أسمعه الحديث.
سمع أباه وأبا نصر أحمد بن عبد الله بن رضوان وأبا العز أحمد بن كادش وهبة الله بن الحصين وأبا الحسين محمد بن محمد بن الحسين بن الفراء ومحمد بن عبد الباقي الأنصاري في آخرين.
وكان صدوقا، صحيح السماع.
سألته عن مولده فقال: في سنة عشر خمسمائة، وقرأت والده: قال ولد ولدي هبة الله في ليلة الحادي والعشرين من رجب سنة ثلاث عشرة وخمسمائة.
وتوفي في عشرى محرم سنة ثمان وتسعين وخمسمائة ببغداد، ودفن من الغد بالقصرية.
* * * آخر الجزء السابع من (المستفاد من ذيل تاريخ بغداد).
* * *
__________
(1) انظر: طبقات الشافعية للسبكي 4 / 320 والعبر 4 / 184.
والدارس في تاريخ المدارس 1 / 416 ومرآة الجنان 8 / 273.
(*)(1/183)
الجزء الثامن من المستفاد من ذيل تاريخ بغداد
للحافظ محب الدين أبي عبد الله محمد بن محمود بن الحسن ابن النجار انتقاء كاتبه الواثق بالله أحمد بن أيبك بن عبد الله(1/185)
بسم الله الرحمن الرحيم 189 - هبة الله بن الحسن بن هبة الله بن عبد الله بن الحسين، أبو الحسين بن أبي محمد بن أبي الحسين، الفقيه الشافعي، المعروف بالصائن ابن عساكر: أخو الحافظ أبي القاسم على، وكان الأكبر.
قرأ القرآن بالقراءات على أبي الوحش سبيع بن قيراط المقرئ، وسمع الحديث من الشريف أبي القاسم على بن إبراهيم بن العباس العلوي وأبي طاهر بن الحنائي وأبي الحسن وأبي الفضل ابني الموازيني وأبي القاسم بن هلال، وقرأ الفقه على أبي الحسن علي بن المسلم ونصر الله ابن محمد المصيصي، ثم قدم بغداد في سنة عشر وخمسمائة وعلق درس الخلاف على أسعد الميهني، وقرأ أصول الفقه على أبي الفتح بن برهان، وأصول الكلام على أبي عبد الله بن القيرواني، وسمع الحديث من أبي علي محمد بن سعيد بن نبهان وأبي علي محمد بن محمد بن عبد العزيز بن المهدي.
قال ابن السمعاني: هبة الله بن عساكر من أهل دمشق، أحد من عني بجمع الحديث، وسمع الكثير، وكان طريفا فاضلا مطبوعا كيسا معاشرا حريصا على طلب العلم.
وسألته عن مولده فقال: في رجب سنة ثمان وثمانين وأربعمائة، وتوفي في الثالث والعشرين من شعبان سنة ثلاث وستين وخمسمائة، ودفن بباب الصغير.
190 - هبة الله بن الحسين بن يوسف، أبو القاسم الأصطرلابي، المعروف ببديع الزمان (1): كان وحيد عصره وفريد دهره في علم الهندسة والهيئة، وكانت له معرفة حسنة
بالأدب، وشعر مليح، وقد دون شعره، وروى منه شيئا.
سمع منه أبو محمد الخشاب وأبو الوفاء بن الحصين.
ومن شعره قوله: قيل لي قد عشقته أمرد الخد * وقد قيل: إنه نكريش
__________
(1) انظر: وفيات الأعيان 5 / 101 - 103.
ومعجم الأدباء 19 / 273 - 275.
ومرآة الزمان 8 / 184.
ومرآة الجنان 3 / 261.
والأعلام 9 / 58.
وفوات الوفيات 2 / 614 - 616.
(*)(1/187)
قلت: فرخ الطاووس أحسن ما كا * ن إذا ما علا عليه الريتش وقال أيضا: جدر لم التحى حبيبي * فماج في عشقه خصومي وأرجفوا بالسلو عني * وشنعوا عنده لشومي وكيف أسلو وقد رماني * خداه بالمقعد المقيم ؟ وفروز الورد بالغتوا لي * ونقط البدر بالنجوم وقال: ولما بدا خط بخد معذبي * كظلمة ليل في ضياء نهار تهتك ستري في هواه ولم أزل * خليع عذار في جديد عذار وقال: إن...(1) هوى ذوي العذر * عذرا كلما أعتم الملام تبلج كان قتلي ورد الخدود وقد * صار بلاي ورد عليه بنفسج وله: صبها صرفا فلما * قابلت ضوء السراج ظنها في الكأس نارا * وطفاها بالمزاج
توفي البديع في رابع عشرين جمادى الأولى سنة أربع وثلاثين وخمسمائة، ودفن بالوردية.
191 - هبة الله بن عبد الوارث بن علي بن أحمد بن علي بن أحمد بن إبراهيم ابن جعفر بن بوزي، أبو القاسم الحافظ (2): من أهل شيراز.
كان واسع الرحلة، جوالا في الآفاق، مبالغا في الطلب والإجتهاد.
سمع بفارس والعراق وقومس وديار مصر والشام والثغور والسواحل، وجمع وخرج وصنف تاريخ شيراز، وكان من الحفاظ الثقات.
سمع بشيراز أبا منصور عبد الجبار بن عبد العزيز المصري وأبا الفوارس عبد الوارث بن أحمد بن عبد الرحمن الواعظ،
__________
(1) كلمة ممسوحة.
(2) انظر: شذرات الذهب 3 / 279.
وتذكرة الحفاظ 4 / 1215.
والأعلام 8 / 61.
والعبر 3 / 314.
والمنتظم 61 / 314.
(*)(1/188)
وبأصبهان أبا الطيب عبد الرزاق بن عمر بن يوسف بن سمه التاجر وأبا بكر أحمد بن الفضل بن محمد الباطرقاني، وبهمذان أبا طالب ذا المحاسن بن الحسن بن علي الحسني، وبالكرخ أبا الصفا ناصر بن علي بن محمد الواعظ، وبعمان أبا الحسن علي بن أحمد ابن عبد العزيز الأنصاري، وبالبصرة أبا تمام محمد بن الحسن بن موسى المقرئ، وبواسط أبا تمام محمد بن الحسن العبدي، وبالكوفة أبا أحمد عبد الكريم بن المطلب بن محمد الهاشمي، وبالمدينة أبا علي الحسن بن أحمد بن عبد الله العثماني، وبصنعاء القاضي أبا الحسن أحمد بن محمد بن الحسن الأنباري، وبمصر أبا الحسين محمد بن مكي الأزدي وأبا محمد عبد الله بن عبيد الله بن محمد بن الحسن المحاملي وأبا إسحاق إبراهيم بن سعيد بن عبد الله الحبال في آخرين، وقدم بغداد وسمع بها الشريفين أبا الحسين محمد بن علي بن المهتدي وأبا الغنائم عبد الصمد بن علي بن المأمون والقاضي
أبا يعلى بن الفراء في آخرين، وحدث.
قال يحيى بن عبد الوهاب بن محمد بن إسحاق بن منده: هبة الله بن عبد الوارث الشيرازي قدم أصبهان مرات وكتب عن أصحاب ابن المقرئ، سافر كثيرا، وتغرب في طلب الحديث.
كثير الكتب، حسن الخلق، جميل الطريقة، كان يختلف إلى سماع الحديث إلى أن مات.
قال ابن السمعاني: وتوفي هبة الله الشيرازي في رمضان سنة خمس وثمانين وأربعمائة بمرو، ودفن بجنب يعقوب على باب رباطه.
وكان به علة البطن، وكان في الليلة التي مات في صبيحتها احتاج إلى القيام سبعين مرة، ففي كل نوبة كان يغتسل في النهر إلى أن توفي على الطهارة.
192 - هبة الله بن علي بن محمد بن حمزة بن علي بن عبيد الله بن حمزة بن محمد بن عبيد الله بن علي الملقب بأغر بن الأمير عبيد الله المعروف بالطبيب بن عبد الله بن الحسن بن جعفر بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب، أبو السعادات بن أبي الحسن العلوي الحسني، المعروف بابن الشجري (1).
من أهل الكرخ.
كان شيخ وقته في معرفة النحو.
قرأ الأدب على الشريف أبي المعمر يحيى بن محمد بن طباطبا.
قرأ عليه الأدب أبو محمد بن الخشاب وأبو اليمن
__________
(1) انظر: وفيات الأعيان 5 / 96 - 100.
وتذكرة الحفاظ 4 / 1294.
والنجوم الزاهرة 5 / 281.
والأعلام 8 / 62.
ومرآة الجنان 275: 3.
والعبرة 4 / 116.
وشذرات الذهب 4 / 132.
ومعجم الأدباء 19 / 282 - 284.
وفوات الوفيات 2 / 610.
(*)(1/189)
الكندي.
وسمع كتاب المغازي لسعيد بن يحيى بن سعيد الأموي من أبي الحسين المبارك بن عبد الجبار الصيرفي ورواه عنه.
كان ابن الشجري قد أنشد شيئا من نظمه في مجلس علي بن طراد الوزير فلم يجد
فيه، وكان ابن حكينا حاضرا، فعمل هذين البيتين ارتجالا: يا سيدي والذي يعيذك من زله * لفظ يصدى به الفكر ما فيك من جدك النبي سوى * أنك لا ينبغي لك الشعر قال ابن السمعاني: هبة الله بن الشجري النحوي نقيب الطالبيين، أحد أئمة النحاة، له معرفة تامة باللغة والنحو.
صنف في النحو تصانيف، وكان فصيحا، حلو الكلام، حسن البيان والإفهام.
قرأ الحديث بنفسه على جماعة من المتأخرين مثل أبي الحسين بن الطيوري وأبي علي بن نبهان، كتبت عنه.
مولده في رمضان سنة خمسين وأربعمائة.
وتوفي في السادس والعشرين من رمضان سنة اثنتين وأربعين وخمسمائة ببغداد، ودفن في داره بالكرخ، وحدث.
193 - هبة الله بن المبارك بن موسى بن علي بن غنم بن خالد السقطي، أبو البركات (1): طلب الحديث بنفسه، وسمع الكثير، وقرأ على المشايخ، وكتب بخطه، وحصل بجد واجتهاد، وسافر إلى واسط والبصرة والكوفة والموصل وأصبهان والجبال وسمع هناك، وبالغ في الطلب، وكتب عن المتقدمين والمتأخرين، حتى كتب عن أقرانه وعن جماعة حدثوه عن شيوخه، وكان حافظا، وله أنس بالأدب، ومعرفة بالسير والتواريخ وأيام الناس، وحدث باليسير، ولم يكن موثوقا به.
كان متهافتا، قليل الإتقان، ضعيفا.
سمع القاضي أبا يعلى محمد بن الحسين بن الفراء وأبا الحسين محمد بن علي بن المهتدي ومحمد بن أحمد بن النرسي وأحمد بن محمد بن النقور وأبا جعفر محمد بن أحمد بن المسلمة وأبا الغنائم محمد بن علي بن الدجاجي وأبا الحسن جابر بن ياسين الحنائي في آخرين.
روى عنه الحافظ أبو طاهر السلفي وعبد القادر بن أبي صالح الجيلي في
آخرين.
وخرج لنفسه معجما في نيف وعشرين جزاءا، وحدث به.
__________
(1) انظر: الأنساب 7 / 153.
والذيل على طبقات الحنابلة.
والعبر 4 / 19.
ولسان الميزان 6 / 189.
ومعجم المؤلفين 13 / 144.
وشذرات الذهب 4 / 26.
والأعلام 9 / 94.
(*)(1/190)
سأله السلفي عن مولده، فقال: في سنة ثمان وأربعين - يعني وأربعمائة.
قال ابن السمعاني: هبة الله بن السقطي، قرأت في معجم شيوخه: أنا أبو محمد الحسن بن علي الجوهري قراءة عليه وأنا أسمع، وهذا محال !.
قرأت بخط أبي بكر بن فولاد: ذاكرت شجاعا الذهلي برواية السقطي عن الجوهري، قال: ما سمعنا بهذا قط، وضعفه فيه جدا.
قال ابن السمعاني: سألت الحافظ أبا الفضل بن ناصر عن السقطي: أكان ثقة ؟ فقال: لا والله، حدث بواسط عن شيوخ لم يرهم، وظهر كذبه عندهم، وسمعت ابن ناصر غير مرة يقول: السقطي لا شئ، هو مثل نسبه من سقط المتاع.
توفي في يوم الإثنين رابع عشر ربيع الأول سنة تسع وخمسمائة ببغداد، ودفن بباب حرب عند منصور بن عمار.
وكان يتسامح فيما يرويه - قاله المبارك بن كامل الخفاف.
194 - هبة الله بن محمد بن عبد الواحد بن أحمد بن العباس بن إبراهيم بن الحصين بن شيبان الشيباني، أبو القاسم بن أبي عبد الله الكاتب (1): أسمعه والده في صباه من أبي علي بن المذهب مسند الإمام أحمد بن حنبل، وفوائد أبي بكر الشافعي من ابن غيلان، وأخبار اليشكري من الأمير أبي محمد الحسن بن عيسى بن المقتدر بالله، وتفرد برواية ذلك عنهم وسمع أيضا أبا القاسم علي بن المحسن التنوخي وأبا محمد الجوهري وأبا الطيب الطبري الفقيه وعمر، وقصده الطلاب من الأقطار، وصارت الرحلة إليه، وألحق الأبناء بالآباء، وسمع منه الحفاظ، كالحافظ أبي
موسى وأبي القاسم بن السمرقندي وابن الخشاب وابن طبرزد - وهو آخر من روى عنه.
وكان قد خرج له ابن ناصر أربعين مجلسا من أصول سماعاته، وأملاها يجامع القصر في كل جمعة بعد الصلاة، فاستملاها عليه ابن ناصر، وكتبها الناس ورووها عنه.
وكان شيخا حسنا متيقضا صدوقا صحيح السماع.
مولده في صفر سنة اثنتين وثلاثين وأربعمائة، وقيل في رابع ربيع الأول.
وتوفي في رابع عشر شوال سنة خمس وعشرين وخمسمائة ببغداد، ودفن بباب حرب - رحمه الله.
__________
(1) انظر: شذرات الذهب 4 / 77.
ومرآة الجنان 3 / 245.
والمنتظم 17 / 268.
(*)(1/191)
195 - هبة الرحمن بن عبد الواحد بن عبد الكريم بن هوازن بن محمد بن عبد الملك بن طلحة القشيري، أبو الأسعد بن أبي سعيد بن أبي القاسم (1): من أهل نيسابور، من بيت العلم والتصوف والإمامة.
حضر على جده وسمع أباه وعميه أبا سعد عبد الله وأبا منصور عبد الرحمن وأبا صالح أحمد بن عبد الملك بن على المؤذن وأبا نصر عبد الرحمن بن علي بن موسى التاجر وأبا بكر محمد بن إبراهيم ابن يحيى المزكمي وأبا عمرو عبد الوهاب بن عبد الرحمن السلمي وأبا سعيد محمد بن عبد العزيز الصفار وجدته فاطمة بنت أبي علي الدقاق في آخرين.
وقدم بغداد وحدث بها، وسمع بها من أبي القاسم من بيان وغيره، وتفرد بالرواية عن جده.
أخبرنا الحاتمي أن ابن السمعاني قال: هبة الرحمن بن عبد الواحد القشيري خطيب نيسابور، وهو مقدم القشيرية بها، ويرجع إلى فضل ويمع ومعرفة بعلوم القوم، طريف، حسن الأخلاق، وحضرت مجلس إملائه، وسمعت جماعة من أصحابنا أنه ادعى سماع الرسالة عن جده وغيرها من تصانيفه، وما ظهر له أصلا فيه سماعه عنه غير أجزاء من حديث أبي العباس السراج ومجالس من أملائه وكتاب عيون الأجوبة في
فنون الأسئلة.
مولده في العشرين من جمادي الأولى سنة ستين وأربعمائة.
وتوفي يوم الأربعاء ودفن يوم الخميس رابع عشر شوال سنة ست وأربعين وخمسمائة، ودفن عنه أجداده بنيسابور.
196 - ياقوت بن عبد الله الرومي، أبو عبد الله الكاتب، مولى عسكر، الحموي التاجر (2): قرأ الأدب وكتب الخط المليح، وجالس العلماء، وسمع الحديث، وكتب من الأدب كثيرا، وصنف كتبا حسنة مفيدة، منها كتاب (أخبار الأدباء)، وكتاب (أخبار الشعراء)، وكتاب (أسماء البلدان والجبال والمياه والأماكن)، وتاريخا على السنين وغير ذلك.
وكان غزير الفضل، صحيح النقل، متحريا، صدوقا، له النظم الحسن والنثر الجيد.
__________
(1) انظر: طبقات الشافعية للسبكي 4 / 322.
وتذكرة الحفاظ 4 / 1309.
وشذرات الذهب 4 / 140.
والعبر 4 / 125.
والأعلام 9 / 57.
ومرآة الجنان 3 / 284.
(2) انظر: النجوم الزاهرة 6 / 152.
وشذرات الذهب 5 / 121.
ومرآة الجنان 4 / 95.
ومعجم المؤلفين 13 / 178.
ومعجم الأدباء 8 / 157.
(*)(1/192)
أنشدني ياقوت الحموي لنفسه: أقول لقلبي وهو في الغي جامح * أما آن للجهل القديم يزول أطعت مهاة في الجدار خريدة * وكنت على أسد الفلاة تصول ولما رأيت الوصل قد حيل دونه * وأن لقاكم ما إليه سبيل لبست رداء الصبر لا عن ملالة * ولكنني للضيم فيك حمول توفي بحلب في العشرين من رمضان سنة ست وعشرين وستمائة، ولم يبلغ الستين،
ووقف كتبه ببغداد.
قلت: كتب عنه الحافظ أبو محمد المنذري في معجم شيوخه، وقال: سمعته يقول مولدي سنة أربع أو خمس وسبعين وخمسمائة.
أنشدنا أبو عمر يوسف بن عمر الفقيه الحنفي العدل قراءة عليه وأنا أسمع، قال: أنشدنا الحافظ أبو محمد عبد العظيم بن عبد القوي المنذري قال: أنشدنا الأديب الفاضل أبو عبد الله ياقوت بن عبد الله الحموي لنفسه، قال: واستيقظت من النوم، فجرى على لساني هذه الأبيات من غير قصد ولا روية، فأنشدتها كأني أحفظها: لعمرك ما أبكي على رسم منزل * ودار خلت من زينب ورباب ولكنني أبكي على زمن مضى * تسود فيه بالذنوب كتابي وأعجب شئ أنه لا يصدني * عن اللهو شيب حال دون شبابي وقد جلى بازي للمشيب بعارضي * وما طار عن وكر الذنوب غرابي فيارب جد بالعفو منك فإنني * مريض حريض لما بي ولا لي أهل في بلاد ومعشر * يعدون أيامي لوقت إيابي وإن سرت عن دار فما من مشيع * ولا ملتق إن جئتها بركابي (1) ولا سكن أعتده لملمة * ولا أحد يرجى لدفع [ مصابي ] (2) (* * *)
__________
(1) في الأصل: (بالركابي).
(2) ما بين المعقوفتين من هامش الأصل.
(*)(1/193)
حرف الياء 197 - يحيى بن الحسين بن أحمد بن جميلة، أبو زكريا الضرير المقرئ (1): من أهل أوانا.
قدم بغداد في صباه وتلقن بها القرآن وأتقنه، وقرأ بالقراءات الكثيرة
على المشايخ، ولازم مجالس العلم، وحصل النساخ والأصول، ولم يزل في التحقيق والتجويد وضبط القراءات والإتقان حتى صار أحد القراء المشار إليهم.
قرأ القرآن بالقراءات على عمر بن ظفر المغازلي وأبي الكرم بن الشهرزوري، وانحدر إلى واسط وقرأ بها على أبي الكرم محفوظ بن الحسين بن عبد الباقي بن الناربخ، وسمع الحديث من أبي عبد الله محمد بن علي بن الجلابي وأبي العباس بن الطلاية وأبي الفضل بن ناصر وابن الشهرزوري في آخرين، وحدث كثيرا، سمعت منه، ولم يكن ثقة، ولا مرضيا في دينه ولا في روايته، فإنه كان مرتكبا للفواحش والمنكرات في المساجد.
رأيته مرارا يبول في بالوعة المسجد ويخل بالصلوات.
وكان يدعى أنه قرأ على أبي محمد بن بنت الشيخ بجميع ما عنده ويروي عنه، ولم يكن بيده خطه، ولم يذكر أحد من تلامذة أبي محمد أنه رآه عند قط.
مولده في ليلة رابع عشرى ربيع الآخر سنة اثنتي عشرة وخمسمائة.
وتوفي في ليلة ثالث عشرى صفر سنة ست وستمائة، ودفن بباب حرب.
198 - يحيى بن سلامة بن الحسين بن محمد، أبو الفضل الطبري الخطيب، المعروف بالحصكفي (2): كان فقيها فاضلا أديبا بليغا، مليح الشعر، لطيف المعاني، رقيق الغزل، وكان يتشيع.
قدم بغداد، وجالس أبا زكريا التبريزي، فقرأ عليه شيئا من شعره.
ومن شعر الحصكفي من أول قصيدة: أقوت مغانيهم فأقوى الجسد * ربعان كل بعد سكن فدفد أسأل عن قلبي وعن أحبابه * ومنهم كل فقير يجحد وهل يجيب أعظم باليد أو رأيتم دارسه من ينشد توفي بميافارقين في شهر ربيع الأول سنة ثلاث وخمسين، وكان مولده بعد الستين.
__________
(1) انظر: طبقات القراء 2 / 368.
وشذرات الذهب 5 / 23.
(2) انظر: النجوم الزاهرة 5 / 328.
ووفيات الأعيان 15 / 651.
والأعلام 9 / 183.
ومعجم الأدباء 20 / 18 - 19.
والمنتظم 18 / 133.
128.
(*)(1/194)
199 - يحيى بن عبد الوهاب بن محمد بن إسحاق بن يحيى بن منده، أبو زكريا بن أبي عمرو بن أبي عبد الله، الإمام العبدي (1): من أهل أصبهان.
سمع الحديث من أبي بكر محمد بن عبد الله بن ريذة وأبي العباس أحمد بن محمد بن أحمد بن النعمان وأبي عبد الله محمد بن علي الجصاص وأبي طاهر أحمد بن محمود الثقفي وأبيه أبي عمرو وعميه أبي الحسن عبيد الله وأبي القاسم عبد الرحمن، ورحل إلى خراسان، فسمع بنيسابور من أبي بكر أحمد بن منصور بن خلف المغربي وأبي بكر أحمد بن الحسين البيهقي.
وصنف وأملي.
ودخل بغداد، وحدث بها، وأملي بجامع المنصور.
سمع منه ابن الخشاب وعبد الوهاب الأنماطي.
قال شيرويه بن شهردار الديلمي قال: يحيى بن عبد الوهاب بن منده كان حافظا فاضلا مكثرا، صدوقا، ثقة، يحسن هذا الشأن جيدا جدا، كثير التصانيف، شيخ الحنابلة ومقدمهم، حسن السيرة، بعيدا من التكلف، متمسكا بالمآثر.
قال الحافظ أبو موسى في معجم شيوخه: أنا الحافظ الأصيل أبو زكريا بن منده، وكان مولده في تاسع عشر شوال سنة أربع وثلاثين - يعني وأربعمائة.
وتوفي في حادي عشر ذي حجة سنة إحدى عشرة - يعني وخمسمائة - رحمه الله 200 - يحيى بن علي بن الحسن بن محمد بن موسى بن بسطام، الشيباني الخطيب، أبو زكريا (2): من أهل تبريز.
سافر في طلب علم الأدب إلى الأقطار، فقرأ على عبد القاهر بن عبد الرحمن الجرجاني وأبي سعيد الحسين بن الحسين البيضاوي، وقرأ بالبصرة على
أبي القاسم الفضل بن محمد بن علي القصباني، وببغداد على أبي محمد بن الحسن بن محمد بن علي بن الدهان في آخرين، وسمع بها الحديث وكتب الأدب على أبوي الحسين هلال بن المحسن الصابئ ومحمد بن محمد بن السراج وابي الطيب الطبري وأبي محمد الجوهري في آخرين، وسافر المعرة، ولازم أبا العلاء أحمد بن عبد الله التنوخي وقرأ عليه كثيرا من مصنفاته، ودخل الشام وقرأ بصيدا على عالي بن عثمان بن جني، وسمع الحديث من الفقيه سليم بن أيوب الرازي والحافظ أبي بكر الخطيب، وصنف
__________
(1) انظر: وفيات الأعيان 5 / 217.
وتذكرة الحفاظ 4 / 1250.
والعبر 4 / 25.
والأعلام 8 / 194.
(2) انظر: شذرات الذهب 4 / 5، 6.
ووفيات الأعيان 5 / 238.
والنجوم الزاهرة 197.
والأعلام 8 / 197.
والأنساب 3 / 16.
ومعجم الأدباء 20 / 25.
ومعجم المؤلفين 13 / 214.
والمنتظم 17 / 114 - 116.
(*)(1/195)
مصنفات حسنة، منها تفسيرا للغريب وإعرابا، وشرح اللمع لابن جني، وشرح الحماسة ثلاثة شروح، وشرح ديوان المتنبي وديوان أبي تمام الطائي وسقط الزند للعمري.
وسكن بغداد إلى حين وفاته، وتولى تدريس الأدب بالمدرسة النظامية.
وكان إماما في اللغة، حجة في النقل، له معرفة تامة بالنحو، وكان صدوقا ثبتا نبيلا، انتهت إليه الرئاسة في فنه، واتفقت الألسن على تفرده في وقته.
روى عنه أبو بكر الخطيب في مصنفاته - وهو من شيوخه - وابن الجواليقي وابن ناصر والسلفي وسعد الخير الأنصاري في آخرين.
ومن شعر الخطيب قوله يرثي غلاما له مات بالموصل: دفنت بدر التم بالموصل * فلا سقاه الغيث من منزل يا صبر لا خل به مؤنسي * وارتحل الركب ولم ترحل ما كنت إلا مقطعا جنب ال * وصل فلم سميت بالموصل ؟
قال السلفي في معجم شيوخه: أبو زكريا يحيى التبريزي إمام في اللغة والنحو، ثقة، قرأ على أبي العلاء المعري وعلى عالي بن عثمان بن جني، وسمع أبا الطيب الطبري والجوهري، وله مؤلفات كثيرة، منها تفسير القرآن وغيره.
سألته عن مولده، فقال: في سنة إحدى عشرة وأربعمائة.
قال ابن السمعاني: سمعت أبا منصور بن خيرون يقول: أبو زكريا التبريزي ما كان مرضي الطريقة، وذاكرت أبا الفضل بن ناصر بما ذكره ابن خيرون فسكت، وكأنه ما أنكر ما قال، ثم قال: ولكن كان ثقة في اللغة وما كان ينقله.
توفي مساء يوم الثلاثاء تاسع عشر جمادى الآخرة سنة اثنتين وخمسمائة بعد أن كان عبر يوم الإثنين - وهو صحيح - إلى النقيب الطاهر أبي الحسن علي بن معمر العلوي يهنئه (1) بالنقابة، فهنأه وعاد من عنده، فاشتهى أن تعمل له دجاجة، فعملت وأكل منها ثم نام، فانتبه في بعض الليل، فاستسقى غلامه، فأتاه بالماء، فوجده قد مات، ودفن بباب أبرز وهو في عشر التسعين - قاله أبو عمر العبدري.
201 - يحيى بن عيسى بن جزلة، أبو علي الطبيب (2):
__________
(1) في الأصل: (تهنيته).
(2) انظر: النجوم الزاهرة 5 / 166.
ووفيات الأعيان 5 / 310، 311.
ومعجم المؤلفين 13 / 218.
والأعلام 9 / 202.
(*)(1/196)
كان نصرانيا، وكان يقرأ المنطق على أبي علي بن الوليد شيخ المعتزلة ويلازمه، فلم يزل يدعوه إلى الإسلام ويشرح له الدلالات حتى أسلم.
وكان عالما بالحكمة والطب.
وله مصنفات حسنة مفيدة في الطب، منها كتاب منهاج البيان فيما يستعمله الإنسان.
ومن شعره قوله يمدح رسول الله صلى الله عليه وسلم: وشاهر السيف قبل السيف الذرهم * والناس قد عكفوا جهلا على هبل
إمام معجزة قولا ونممه * فعلا فأحكمه بالقول والعمل توفي في آخر شعبان سنة ثلاث وتسعين وأربعمائة، وكان وقف كتبه في مشهد أبي حنيفة.
202 - يحيى بن محمد بن هبيرة بن سعيد بن حسين بن أحمد بن الحسن بن جهم بن عمر بن هبيرة بن علوان، أبو المظفر الوزير (1): قلده الإمام المقتفي لأمر الله الوزارة وخلع عليه.
وكانت أيام وزارته منيرة بالعدل، مزهرة بالجود والفضل، وكان محبا لأهل العلم، يحضر مجلسه الفقهاء والأدباء والقراء وأصحاب الحديث، ويبحث مع كل منهم في فنه، فيسفر فكره عن فائدة لطيفة ونكتة ظريفة، ويشهد له الجماعة بوفور فضله وجلالة قدره.
وكانت له مصنفات حسنة في عدة فنون من العلم والقراءات والحديث والأدب، وأجلها كتاب الإفصاح عن معاني الأحاديث الصحاح، شرح فيه أحاديث صحيحي البخاري ومسلم، وبين فقهها ولغتها ومعانيها بألفاظ تعرب عن نبله وجلاله، وتفصح عن بعد مرماه في الفضل وكماله، وتبين عن غزارة علمه وحسن تصوره وفهمه.
وقرئ عليه في مجلس عام جامع لأئمة أهل الإسلام ثم إنه رتب لحفظ هذا الكتاب من المتعلمين ألفا وثمانمائة طالب، وجعل لهم مائة وأربعين معيدا لتحفيظهم وتفقيههم بحيث لم يبق مسجد ولا مدرسة إلا ويلقي فيهما درس منه.
وبعد حفظ الطلبة لدروسهم يحضرون مع مفيدهم في حضرة الوزير فيقرءونه من حفظهم، فيوصل إليهم من المبار والأنعام ما يدهش سائر الأنعام ما يدهش سائر الأنام.
ويقال: إنه أنفق على هذا الكتاب حتى جمعه مائة ألف دينار وثلاثة عشر ألف دينار.
سمع الحديث من أبي عثمان إسماعيل بن قيلة وأبي القاسم هبة الله بن الحسين وأبي غالب بن البنا وأبي الحسين محمد بن محمد بن
__________
(1) انظر: النجوم الزاهرة 5 / 300.
ووفيات الأعيان 5 / 274 - 287.
وشذرات الذهب 4 / 191.
والأعلام 9 / 222.
والدارسي 1 / 409.
والعبر 4 / 212.
والمنتظم 18 / 55 ومرآة 8 / 255.
(*)(1/197)
الفراء وأبي بكر محمد بن عبد الباقي الأنصاري وعبد الوهاب الأنماطي، وحدث وأملى عدة مجالس بالديوان الزمامي.
ومن شعره قوله: ربما فاتك ما تهواه والخيرة فيه * وكثيرا يعطب الإنسان فيما يشتهيه وينال المرء ما يرجوه فيما يتقيه توفي ليلة الأحد لاثنتي عشرة خلت من جمادى الأولى سنة ستين وخمسمائة ببغداد.
وكان مولده في صفر سنة تسع وستين وأربعمائة - قاله ابن شافع.
أنشد القاسم بن عمر الخليع لنفسه يوم مات الوزير: مات يحيى ولم نجد بعد يحيى * ملكا ماجدا به يستعان وإذا مات من زمان كريم * مثل يحيى به يموت الزمان 203 - يحيى بن نزار بن سعيد، أبو الفضل التاجر (1): من أهل منبج.
قدم بغداد واستوطنها، وكان من ذوي الثروة الواسعة والحرفة الكاملة.
وله شعر حسن لطيف.
أخبرنا شهاب الحاتمي أن ابن السمعاني [ قال ] أنشدنا يحيى بن نزار المنبجي لنفسه: لو صد عني دلالا أو معاتبة * لكنت أرجو تلاقيه وأعتذر لكن ملالا فلا أرجو تعطفه * جبر الزجاج عزيز حين ينكسر قال: وأنشدني لنفسه: وأغيد غض زاد خط عذاره * لعاشقه في همه والبلابل تموج بحار الحسن في وجناته * فتقذف منها عنبرا في السواحل وتجرى بخديه الشبيبة ماءها * فتنبت ريحانا جنوب الجداول مولده بمنبج في محرم سنة ست وثمانين وأربعمائة.
وتوفي ببغداد في ليلة سادس ذي حجة سنة أربع وخمسين وخمسمائة، ودفن
بالوردية، وكان سبب موته أنه وجد في أذنه ثقلا، فاستدعى إنسانا في الطرقية فامتص أذنه، فخرج شئ من مخه، فكان سبب موته - قاله صدقة بن الحسين بن الحداد.
__________
(1) انظر: النجوم الزاهرة 5 / 300.
ووفيات الأعيان 5 / 274 - 287.
وشذرات الذهب 4 / 191.
والأعلام 9 / 222.
والدارسي 1 / 409.
والعبر 4 / 212.
والمنتظم 18 / 55 ومرآة الجنان 8 / 255.
(*)(1/198)
204 - يعقوب بن صابر بن أبي البركات بن عمار بن علي بن الحسين بن علي بن حوثرة القرشي، أبو يوسف المنجنيقي (1): حراني الأصل.
كان أديبا فاضلا، مليج الشعر لطيفه، ذا معان مطبوعة، وألفاظ سهلة.
سمع أبا المظفر هبة الله بن عبد الله بن السمرقندي، وحدث، وكان حسن الأخلاق.
أنشدنا يعقوب بن صابر الحراني لنفسه: كيف يسخو العاشق بوصال با * خل في الكرى بطيف الخيال علق القرط حين بلبل صدغيه * بداج من فرعه كالليالي فرأينا الدجى وقد سحب البدر إل * - يه من قرطه بهلال وأنشدنا أيضا لنفسه: شكوت منه إليه جوره فبكى * واحمر من خجل واصفر من وحل بالورد والياسمين الغض منغمس * في الطل بين البكاء والعذر والعذل مولده في رابع محرم سنة أربع وخمسين وخمسمائة ببغداد، وتوفي بها في ليلة ثامن عشرى صفر سنة ست وعشرين وستمائة، ودفن بمقابر قريش.
205 - يوسف بن خليل بن عبد الله الآدمي، أبو الحجاج الدمشقي (2): سمع الكثير ببلدة، وقدم بغداد في سنة سبع وثمانين وخمسمائة، وسمع بها من أصحاب أبي القاسم بن بيان وأبي علي بن نبهان وأبي طالب بن يوسف في آخرين.
ثم سافر إلى أصبهان، وسمع بها من أصحاب أبي علي الحداد وغانم البرجي وأبي منصور الصيرفي في آخرين.
وعاد فسمع بالموصل ودخل ديار مصر وسمع بها البوصيري والشفيقي في آخرين.
وكتب بخطه الكثير، وكان يكتب خطا حسنا، ويفهم هذا الشأن فهما جيدا.
ثم إن قدم بغداد بعد العشرين وستمائة حاجا وحدث بها، كتب عنه أبو عبد الله الواسطي، ثم إنه عاد إلى حلب واستوطنها، وحدث بها بالكثير على استقامة وحسن طريقة ومعرفة، كتبت عنه بحلب ونعم الشيخ هو.
مولده في سنة خمس وخمس وخمسمائة بدمشق.
__________
(1) انظر: وفيات الأعيان 6 / 35 - 45.
وشدرات الذهب 5 / 120.
ومعجم المؤلفين 13 / 250.
والأعلام 8 / 161.
(2) انظر: تذكرات الحفاظ 4 / 1410.
ومعجم المؤلفين 13 / 279.
وشذرات الذاهب 5 / 243.
وذيل طبقات الحنابلة، وص 235.
والأعلام 8 / 304.
والدارس في تاريخ المدارس 1 / 514.
(*)(1/199)
قلت: وتوفي بحلب في ليلة عاشر جمادى الآخرة سنة ثمان وأربعين وستمائة، ودفن من الغد ظاهر باب أربعين - سمعت من أصحابه رحمهم الله تعالى.
ومعجم شيوخه يزيدون على أربعمائة شيخ - نقلته من خط الشريف عز الدين الحسيني.
* * *(1/200)
الكنى 206 - أبو عبد الله بن خليفة الدوري: ذكره أبو عبد الله الكاتب في كتاب (الخريدة) وقال: أنشدت له بيتين يهجو بهما ابن كامل العواد أحلى من نغمة العود، وألطف من نعمة الرود، وأطيب من وجدان الحظ المنشود، وأحسن من الروض المعهود، وهما:
إن وفت لابن كامل صنعة العود * فقد خان غناء وحلق هو للضرب مستحق ولكن * هو بالضرب للغناء أحق قال: وله رباعيات في حسن الربيع بالمعنى البديع واللفظ الرصيع، فمنها: يا من هربي منه وفيه أربي * ضدان هما عذاب قلبي التعب أحيى وأموت وهو لا يشعر بي * كم واحزني منه وكم واطربي قال ومنها: يا من أدعو فيستجيب الدعوى * لا يحسن بن إلى سواك الشكوى أنت المبلى فكن مزيل البلوى * لا مسعد للضعيف إلا الأقوى 207 - أبو الفوارس الصوفي، الملقب (قتيل الحب): روى عنه أبو علي أحمد بن البرداني أنا شيد، منها ما أنشده لغيره قلت: وهما للشريف الرضى من جملة أربعة أبيات: سهمك مدلول على مقتلي * فمن يرى سهمك يا نابل قد رضى المقتول كل الرضى المقتول كل الرضى * واعجبا لم يخط القاتل وأنشد لبعضهم، أعنى قتيل الحب: يا غائبا عن سواد عيني * حللت من قلبي السوادا ما غبت عن ناظري ولكن * نفيت عن مقلتي الرقادا 208 - أبو المعالي بن محمد بن أحمد بن محمد الشروطي: من أهل باب البصرة، كان شاعرا رقيق الشعر، لطيف الطبع.
ذكره أبو عبد الله الكاتب في (الخريدة)، وقال: أذكره في أوان الصبى، ودكانه بباب النوبي، فجمع الظرفاء والأدباء، وهو يعمل شعرا ويلقبه صناع الغناء، فمن(1/201)
نظمه قوله:
نادي منادي البيت بالترحال * فلذالك المعنى تغير حالي رصت ركابهم فلما ودعوا * رفعوا على الأجمال كل جمال فجرت دموع في خدود خلتها * الياقوت قد نثرت عليه لآلي وتفرق الشمل المصون وقبل ذا * لم يخطر البين المشت ببالي توفي في ربيع الأول سنة خمس وأربعين وخمسمائة ببغداد، ولم يبلغ الأربعين * * *(1/202)
ومن النساء 209 - بدر التمام بنت الحسين بن محمد بن عبد الوهاب الدباس (1): كان والدها يعرف بالبارع.
وكانت شاعرة رقيقة الشعر، ومن شعرها قولها: جمالك بين الورى عاذري * وذكرك في ليلتي سامري ولا صح ودك لي إن سلوت * ولاجال حبك في خاطري أما لان قبلك يا هاجري * ولا رق للمدنف الساهر ؟ 210 - بنان، جارية المتوكل: كانت شاعرة - ذكرها أبو الفرج الاصبهاني.
خرج المتوكل يوما يمشي في صحن القصر وهو متكئ على يد بنان ويد فضل الشاعرة فمشى شيئا، ثم أنشد قول الشاعر: تعلمت أسباب الرضا خوف هجرها * وعلمها حبي لها كيف تغضب ثم قال: أجيزي هذا البيت ! فقالت فضل: يصد وأدنو بالمودة جاهدا * ويبعد عني بالوصال وأقرب فقلت: وعندي له العتبي على كل حالة * فما منه لي بد ولا عنه مذهب
211 - بوران بنت الحسن بن سهل وزير المأمون: يقال (2): إن اسمها خديجة.
ذكر الطبري أن المأمون تزوجها في سنة اثنتين ومائتين وبنى لها في رمضان سنة عشر بفم الصلح، فلما دخل عليها نثرت عليهما جدتها ألف درة كانت في صينية ذهب، فأمر المأمون أن تجمع فجمعت كما كانت في الطبق ووضعها في حجر بوران وقال: هذه نحلتك، وسلي حوائجك، [ فأمسكت ] (3) فقالت لها جدتها: كلمي سيدك واسأليه حوائجك قد أمرك، فسألته الرضا عن إبراهيم بن المهدي، فقال: فقد فعلت،
__________
(1) انظر: وفيات الأعيان 1 / 258.
وتاريخ الطبري 10 / 271.
والأعلام 2 / 56.
والدر المنثور في طبقات ربات الخدور، ص 102.
(2) انظر: تاريخ الطبري 10 / 251 (3) ما بين المعقوفتين من الطبري وليست في الأصل.
(*)(1/203)
وسألته الإذن لأم جعفر في الحج، فأذن لها، وألبستها أم جعفر البدنة الأموية.
وابتنى بها في ليلته وأوقد في تلك الليلة شمعة عنبر فيها أربعون منا في تور ذهب، وأقام المأمون عند الحسن بن سهل سبعة عشر يوما، وكان مبلغ ما أنفق ابن سهل على المأمون وعسكره خمسين ألف ألف درهم، وأمر المأمون بعد انصرافه أن يدفع إلى الحسن عشرة آلاف ألف من مال فارس.
وأقطعه الصلح، فحملت إليه على المكان.
وكانت [...] (1) فجلس الحسن ففرقها في قواده وحشمه وأصحابه.
ويقال: إن الحسن كتب رقاعا فيها اسماء ضياعة ونثرها على القواد وعلى بني هاشم، فمن وقعت في يده رقعة منها فيها اسم ضيعة بعث فتسلمها، لما بنى المأمون على بوران، فرش له حصير من ذهب مسقوف، ونثر عليه جواهر، فجعل بياض الدر يشرق على صفرة الذهب وما مسه أحد.
فوجه الحسن إلى المأمون: هذا نثار يجب أن يلقط، فقال
المأمون لمن حوله من بنات الخلفاء: شرفن أبا محمد، فمدت كل واحدة منهن يدها، فأخذت درة وبقي باقي الدر يلوح على الذهب حصير.
فقال المأمون: قاتل الله أبا نواس حيث يقول: كأن صغري وكبري من فواقعها * حصباء در على أرض من الذهب فكيف لو رأى هذا معانية ! وكان أبو نواس في هذا الوقت قد مات لما دخل المأمون على بوران أراد أن يقبضها، فلما كاد مشت فقالت: أتى أمر الله فلا تستعجلوه ! ففهم المأمون قولها فوثب عنها.
ومن شعر بوران بنت الحسن بن سهل ترثي المأمون: أسعداني على البكا مقلتيا * صرت بعد الإمام للهم فيا كنت أسطو على الزمان فلما * مات صار الزمان يسطو عليا مولدها في صفر سنة اثنتين وتسعين ومائة، وتوفيت في ربيع الأولى سنة إحدى وسبعين ومائتين ببغداد، وقد بلغت من السن ثمانين سنة.
212 - تجني بنت عبد الله الوهبانية، أم عتب عتيقة محمود بن وهبان (2): سمعت طراد الزينبي والحسين بن أحمد بن أحمد بن محمد النعالي، وهي آخر من
__________
(1) مكان النقط ممسوح في الأصل، وفي تاريخ الطبري 10 / 272.
(وكانت معدة عند غسان بن وعياد).
(2) انظر: شذرات الذهب 4 / 250.
والعبر 4 / 223.
(*)(1/204)
روت عنهما، روى عنها ابن السمعاني ومات قبلها.
وكانت صالحة، صحيحة السماع.
مولدها سنة اثنتين وثمانين وأربعمائة، وتوفيت في شوال سنة خمس وسبعين وخمسمائة.
213 - فاطمة بنت أبي حكيم عبد الله بن إبراهيم الخبري (1): سمعت أبا جعفر محمد بن أحمد بن المسلمة وأبا محمد عبد الله بن محمد الصريفيني
مولدها سنة اثنتين وثمانين وأربعمائة، وتوفيت في شوال سنة خمس وسبعين وخمسمائة.
213 - فاطمة بنت أبي حكيم عبد الله بن إبراهيم الخبري (1): سمعت أبا جعفر محمد بن أحمد بن المسلمة وأبا محمد عبد الله بن محمد الصريفيني وأبا الحسين بن النقور وأبا القاسم يوسف بن محمد بن أحمد المهرواني وأبا منصور محمد بن محمد بن عبد العزيز العكبري في آخرين، وحدثت، وكانت امرأة صالحة.
وسمع منها ابن أختها الحافظ أبو الفضل ناصر وأبو أحمد بن سكينة.
مولدها في جمادى الأولى سنة إحدى وخمسين وأربعمائة.
وتوفيت، ليلة خامس رجل سنة أربع وثلاثين وخمسمائة، ودفنت بباب أبرز.
214 - نعمة بنت علي بن يحيى بن على بن محمد بن الطراح، المدعوة بست الكتبة (2): سمعت جدها.
وكانت إمرأة حسنة صادقة.
مولدها في سابع ذي حجة سنة أربع وعشرين وخمسمائة، وتوفيت في ليلة ثامن عشرى ربيع الأول سنة أربع وستمائة بدمشق، ودفنت خارج باب الفراديس، وحدثت بالكثير.
* * * آخر الجزء الثامن من المستفاد من ذيل تاريخ بغداد وهو آخر ما وقع عليه الاختيار من الذيل المذكور والله الموفق وكتب بتنقية أحمد بن أيبك بن عبد الله الحسام عرف بابن الدمياطي وهو يستغفر الله تعالى ويسأله الإنابة والتوفيق والهداية.
آخر الجزء التاسع عشر
__________
(1) انظر: مرآة الزمان 8 / 175.
والمنتظم 18 / 7.
(2) انظر: مرآة الزمان 8 / 539.
وشذرات الذهب 5 / 12.
والأعلام للزركلي 8 / 11.
(*)(1/205)
المستفاد من ذيل تاريخ بغداد - ابن الدمياطي ج 2
المستفاد من ذيل تاريخ بغداد
ابن الدمياطي ج 2(2/)
كتاب الرد على أبي بكر الخطيب البغدادي تأليف الامام الحافظ محب الدين أبي عبد الله محمد بن محمود ابن الحسن بن هبة الله بن محاسن المعروف بابن النجار البغدادي المتوفى سنة 643 ه.
دراسة وتحقيق مصطفى عبد القادر عطا الجزء الثاني والعشرون دار الكتب العلمية بيروت - لبنان(2/1)
الطبعة الاولى دار الكتب العلمية بيروت - لبنان(2/2)
بسم الله الرحمن الرحيم قال الخطيب أبو بكر أحمد بن على بن ثابت البغدادي، صاحب التاريخ في تاريخه: أخبرنا العتيقي أنبأنا محمد بن العباس أنبأنا أبو أيوب سليمان بن إسحق الجلاب قال: سمعت إبراهيم الحربي يقول: كان أبو حنيفة طلب النحو في أول أمره فذهب يقيس فلم يجئ، وأراد أن يكون فيه أستاذا قال: قلب وقلوب.
وكلب
وكلوب.
فقيل له كلب وكلاب ووقع في الفقه، فكان يقيس ولم يكن له علم بالنحو ؟ فسأله رجل بمكة.
فقال له: رجل شج رجلا بحجر.
فقال: هذا خطأ ليس عليه شئ لو أنه حتى يرميه بأبا قبيس لم يكن عليه شئ.
فأقول وبالله التوفيق.
هذا من يكون عالما بالعربية.
لأن الشرع مردود إلى ما ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم.
والعربية مردودة إلى العرب.
فما جاء عنهم أخذنا به.
فإن كان كثيرا جوزناه وإن كان قليلا جدا.
قال سيبويه في مثل هذا: سمعنا من العرب من يقول ذاك، فإن كان قد سمعه من فصيح أو موثوق به نبه عليه.
فقال سمعناه ممن يوثق بعربيته، وقوله: بأبا قبيس.
قد جاء مثله للعرب وهو قولهم: إن أباها وأبا أباها * قد بلغنا في المجد غايتاها فهذا منقول عن العرب.
وقد قرئ في قوله تعالى: (إن هذان لساحران) [ طه 63 ] ولم يقرأ (إن هذين) غير أبى عمرو.
فكان بعض العرب يجعل التثنية مبنية على هذا الوجه.
ألا ترى إلى اسم إن لم يتغير بدخول إن عليه معما أنهم لم يدخلوا في كلامهم إن إلا للتأكيد.
والحروف الستة عند بعض العرب مبنية إذا كانت مضافة تقول: رأيت أباك، ومررت بأباك.
وقد جاء في قول الشاعر: إذا ابن أبى موسى بلالا بلغته * وقام بفأس بين وصلاك جازر وأكثر الرواية فيها على الوجه الأصلى وهو: بين وصليك.
قال سيبويه: واعلم(2/5)
أنهم لا يغيرون كلامهم إلا وهم يحاولون بذلك وجها لعلمه بأن إن مؤكدة لما كانت داخلة على مبتدإ وخبر وفيه معنى لا يحتاج إلى دخولها ألا ترى إلى قولهم زيد منطق أنه كلام تام مبتدأ وخبره.
وإنما أدخلوا إن لتؤكد هذا المعنى الذى في المبتدأ والخبر من غير إخلال.
ولما كانت إن جامدة جمود الاسم كان عملها فيه - أعنى النصب -
بخلاف كان.
لأنها منصرفة تقول: كأن يكون كونا فلما دخلت على الماضي والمستقبل والحال اشبهت الأفعال.
فكان عملها فيها تقول: كان زيد منطلقا.
ترفع الاسم وتنصب الخبر بخلاف إن.
فإذا كانت إن مزادة للتأكيد لم تغير إن عن عملها في التثنية.
كيف تغيرها الباء الزائدة مع أنها تحذف ولا تعمل.
وكونها زائدة يكفى فيما ذكرت.
وأما كلام أبي حنيفة رضى الله عنه في العربية غير مخفى وهو ما حكى عنه محمد ابن الحسن رضى الله عنه وسأذكر بعض ذلك لتقف عليه إن شاء الله تعالى.
* * * مسألة رجل قال لامرأته: أنت طالق إن دخلت الدار.
لا تطلق حتى تدخل الدار ولو فتح (أن) طلقت للوقت.
والفرق بينهما أنه إذا كسر إن كانت للشرط وإذا فتحها كانت بتقدير اللام.
فكأنه قال لدخولك الدار.
فلم يصر هذا الكلام من صفة الطلاق ولا من الشرط.
فصار كأنه قال مبتدأ: أنت طالق.
فطلقت في الوقت.
قال سيبويه في باب من أبواب أن التى تكون والفعل بمنزلة مصدر تقول: أن تأتني خير لك كأنك قلت الإتيان خير لك.
ومثل ذلك قوله تعالى: (وأن تصوموا خير لكم) [ البقرة 184 ] يعنى الصوم خير لكم.
قال عبد الرحمن بن حسان.
إني رأيت من المكارم حسبكم * أن تلبسوا خز الثياب وتشبعوا كأنه قال: رأيت حسبكم لبث الثياب.
واعلم أن اللام ونحوها من حروف الجر قد تحذف من أن، كما حذفت من إن، جعلوها بمنزلة المصدر حين قلت فعلت ذاك حذر الشر، أي لحذر الشر.
ويكون مجرورا على التفسير الآخر.
يعنى حين قدرها باللام التى تجر.
ومثل ذلك قولك: إنما انقطع إليك أن تكرمه أي لأن تكرمه قال الله تعالى:(2/6)
(أن تضل إحداهما فتذكر) [ البقرة 282 ] أي لأن تضل: وقال: (أن كان ذا مال وبنين) [ القلم 14 ] أي لأن كان ذا مال.
قال الأعشى: أأن رأت رجلا أعشى أضربه * ريب المنون ودهر تابل خبل فإن المخففة هنا حالها في حذف حرف الجر كحال إن المثقة.
وتفسيرها كتفسيرها وهى وتفسيرها بمنزلة المصدر.
ألا ترى أنك لو قلت: لم يك ولم أبل.
لم يتغير عملها بالحذف لأن أصل أك أكن حذفت النون لكثرة الاستعمال.
وكذلك أبل أصلها أبالى فلما حذف منها ما حذف لم يتغير عملها كذلك أن لما خففت نفى عملها إلا ان الفرق بين المسكورة والمفتوحة ما ذكرت.
* * * مسألة رجل قال لامرأته: - وهى غير مدخول بها - إن كلمتك فأنت طالق إن كلمتك فأنت طالق.
إن كلمتك فأنت طالق.
طلقت واحدة لأنه في المرة الأولى حلف بطلاقها أن لا يكلمها فإذا قال لها في المرة الثانية: إن كلمتك فأنت طالق وجد شرط انحلال اليمين الأولى، ووقعت تطليقة يعنى أنه إذا قال إنت كلمتك فقد جاء بالشرط والجزاء والشرط والجزاء كلام تام.
لأنه مثل المبتدإ والخبر.
ففيه فائدة تامة.
فإذا كان كذلك صار كلام تاما فوقع به الطلاق وإن كان قد أوجب شرطا آخر فلما قال في المرة الثالثة وجد منه الكلام ولم يصادف الشرط ما يمكن أن يكون جزاء فلغا ألا ترى إلى قوله: إن كلمتك فأنت طالق يقتضى كلام تاما مفهما للمعنى وإنما يتم بقوله فأنت طالق فوجب أن لا ينحث في الأولى إلا بعد الفراغ من الثانية ولما فرغ من الثانية كانت في ملكه، فصح إدخالها في الجزاء فانعقدت اليمين الثانية فإذا قال في المرة الثالثة حنث في اليمين الثانية لكن لم تصادف الملك فلغا فلا تنعقد اليمين الثالثة
لأنها كانت خارجة عن ملكه فإن تزوجها بعد ذلك وكلها لا يحنث، لأن اليمين الثالثة لم تنعقد ولو كانت المرأة مدخولا بها تقع تطبيقات لأن الأولى انحلت بالثانية والثالثة وبقيت الثالثة منعقدة فإذا كلمها وهى في العدة تقع أخرى لوجود الشرط في علقة الملك.
ولو قال لامرأته - ولم يدخل بها -: أن حلفت بطلاقك فأنت طالق، قالها ثلاث مرات وقعت تطبيقه واحدة، لأنه في المرة الأولى حلف بطلاقها أن لا يحلف بطلاقها فغذا قال لها في المرة الثانية أن حلفت بطلاقك فأنت طالق فقد(2/7)
حلف بطلاقها ووجد الشرط، فانحلت اليمين الأولى وطلقت واحدة، واليمين الثانية منعقدة لأنه إنما حنث في اليمين الأولى بعد الفراغ من اليمين الثانية لأن اليمين إنما تصح بالجزاء وحينما تكلم بالجزاء كانت في ملكه فلما كررها في المرة الثالثة لم تنحل اليمين الثانية، لأن المرأة بانت بلاعدة، فلم يصح في المرة الثالثة إدخالها تحت الجزاء فوجد شرط حنثه وهو الحلف بطلاقها، بخلاف المسألة الأولى ففرق بين قوله: إن كلمتك وإن حلفت بطلاقك، لأن شرط الخنث هناك هو الكلام، والكلام يصخ إن كانت المرأة في ملكه أو لم تكن واليمين بالطلاق لا يصح إلا في ملك، أو في علقة من علائق الملك، أو في مضاف إلى الملك.
* * * الأصل في مسائل الأيمان إن اليمين على ضربين: يمين يراد بها تعظيم المقسم به وهو الحلف بالله تعالى ويمين هي شرط وجزاء.
قال سيبويه: اليمين جملة يؤكد بها الكلام.
قوله جملة، يعنى من فعل وفاعل، أو من مبتدأ وخبر، أو شرط وجزاء: أما المبتدأ والخبر قولك: والله لا كلمت زيدا، والجملة التى من فعل وفاعل: والله خالق السموات لا كلمت زيدا، والشرط والجزاء كقولك: إن دخلت الدار فو الله لا
كلمتك وهنا لا يصح إلا في الملك أو مضافا إلى الملك أو في علقة من علائق الملك، وأما الشرط فيصح في الملك وغيره.
والمحلوف عليه من دخل تحت الجزاء لا من دخل تحت الشرط لأن الجزاء قوله أنت كذا وكان هو الداخل تحت اليمين وإنما لا يحتاج الشرط أن يكون في الملك لأن ذكر الشرط ليس بتصرف في الملك والجزاء إنما يجازى بما في ملكه فلذلك سمى جزاء لأن المجازاة هي أن يكون منك فعل قبالة فعل غيرك أو فعل غيرك قبالة فعلك إن خيرا فخير وإن شرا فشر قال الله تعالى: (وجزاء سيئة سيئة مثلها) وقال الشاعر: جزى الله عنا ذات بعل تصدقت * على عزب حتى يكون له أهل فإنا سنجزيها كما فعلت بنا * إذا ما تزوجنا وليس لها بعل ألا ترى إلى قوله: نجزيها كما فعلت وجزى الله والمعلق بالشرط لا ينزل إلا عند وجوده والنكرة في النفى تعم.
تقول: ما رأيت اليوم رجلا تقديره ما رأيت اليوم(2/8)
أحدا من الرجال، وفى الإثبات تخص، لأنك لو قلت رأيت اليوم رجلا اقتضى كلامك رؤية رجل واحد.
* * * مسألة وقال: رجل قال لامرأته - ولم يدخل بها - إن حلفت بطلاقك فأنت طالق قالها ثلاث مرات وقعت تطليقة واحدة.
لأن في المرة الأولى حلف بطلاقها أن لا يحلف بطلاقها فإذا قال لها في المرة الثانية: إن حلفت بطلاقك فأنت طالق فقد حلف بطلاقها ووجد الشرط فانحلت اليمين الأولى وطلقت واحدة، واليمين الثانية منعقدة لأنه إنما حنث في اليمين الأولى بعد الفراغ من الثانية، لأن اليمين إنما تصح بالجزاء، وحينما تكلم بالجزاء كنت في ملكه، فلما كررها في المرة الثالثة لم تنحل اليمين
الثانية: لأن المرأة بانت بلا عدة، فلم يصح في المرة الثالثة إدخالها تحت الجزاء، فوجد شرط حنثه.
وهو الحلف بطلاقها، بخلاف المسألة الأولى، لأنه لم تنحل اليمين الثانية، لأن شرط الحنث هناك هو الكلام.
والكلام يصح وإن لم تكن امرأته وهاهنا شرط الحنث الحلف بطلاقها وذلك لا يصح إلا في الملك.
ثم إذا تزوجها وقال لها إن دخلت الدار فإنت طالق طلقت باليمين الثانية لوجود الشرط، وهو الحلف بطلاقها وإن لم يتزوجها ولكن قال لها إن تزوجتك ودخلت الدار فأنت طالق، حنث في اليمين الثالثة أيضا لأنه أضافها إلى الملك فصحت اليمين وانحلت اليمين الثانية ووقع الطلاق، إلا أنه لم يصادف الملك فلغا.
واليمين التى أضافها إلى الملك صحيحة، فلو تزوجها ودخلت الدار وطلقت باليمين الثالثة ولو كانت مدخولا بها يقع تطليقان لأن اليمين الأولى انحلت بالثانية والثانية انحلت بالثالثة لأنها وجدت في علقة من علائق الملك وهى العدة وبقيت الثالثة منعقدة.
فإذا قال لها وهى في العدة: إذا دخلت الدار فأنت طالقا انحلت الثالثة أيضا ووقع عليها أخرى.
* * * مسألة وقال رجل: قال امرأته طالق إن تزوج النساء أو اشترى العبيد، أو كلم الناس.
فتزوج امرأة واحدة، أو اشترى عبدا واحدا، أو كلم رجلا واحدا حنث لأن الألف واللام إنما يدخلان على السابق المعهود.
كقوله تعالى: (إنا أرسلنا إلى فرعون(2/9)
رسولا فعصى فرعون الرسول) ألا ترى أنه ذلك الرسول الأول.
وإنما لما كان تقدم أمره وجرى ذكره ثانيا وقعت الدلالة أن الألف واللام تكون للسابق المعهود، أو للجنس والجنس يقتضى الواحد فصاعدا.
قال الله تعالى: (والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما) وذلك أنه لم يرد سارقا بعينه فكأنه قال: اقطعوا هذا الجنس
والأصل فيما ذكرت أن اسم الجنس لا يقتضى عددا محصورا بل الواحد فصاعدا واسم الجمع يقتضى عددا محصورا.
كاقال في رجل قال: امرأته طالق أن تزوج نساء أو اشترى عبيدا.
فإن لم يتزوج ثلاثا أو يشترى ثلاثا لا تطلق لأنه أخرج الكلام مخرج الجمع.
أو قل الجمع الصحيح ثلاثة.
وذلك أن العرب فرقت بين الواحد والاثنتين والثلاثة.
فالواحد جاء زيد وحده.
وأما الواحد العدد كما تقول واحد اثنان.
وأما الصفة فكما تقول جاء زيد وحده.
وأما الاثنان فعدد له صيغة يتميز بها عن الآحاد والمجموع.
فإذا أرادوا أن يصفوهما قالوا جاء الرجلان كلاهما قال الشاعر: يا رب حى الزائرين كليهما * وحى دليلا بالفلاة هداهما ألا ترى أنه لما وصف الزائرين وهما مفعولان قال كليهما فنصب كما نصب الزائرين، وأما فجعلوهم صيغة واحدة لأن أكثر العدد لا يتناهى.
فلو جاءوا يعلمون لكل عدد صيغة لطال عليهم، فوحدوا وثنوا وجمعوا.
أما التوحيد فكما علمت للفرد.
وأما التثنية فلأنه أضاف واحدا إلى واحد وكذلك الجمع.
فإنه أضاف واحدا إلى واحد وأما من قال أن التثنية جمع فهو على ما ذكرت من أنه جمع واحد.
فهو على الحقيقة جمع بالنسبة إلى الفرد.
وعلى هذا جاء قوله تعالى: (فإن كان له إخوة فلأمه السدس) وإجماع الناس على أنه إذا كان له أخوان كان لأمه السدس.
وقد جاءت التثنية بلفظ الجمع وليس ذلك إلا نظرا للجمع على الحقيقة إذ كان ذلك جمع واحد إلى واحد فعلى هذا ساغ أن تكون التثنية جمعا.
قال الله تعالى: (هل أتاك نبأ الخصمين إذ تسوروا المحراب إذ دخلوا على داود ففزع منهم قالوا لا تخف خصمان بغى بعضا على بعض) قال الله تعالى تسوروا ودخلوا، وهذا لا يكون إلا على الجمع لأنه بين بعد ذلك وقال خصمان قال الخليل: فهذا على إن الاثنين عندهم جمع أيضا وصار بمنزلة قول الاثنين نحن فعلنا.
قال الشاعر: ظهراها مثل ظهور الترسين(2/10)
وإلا فصيغة كل جزء مما ذكرت مختصة على حدة.
وأكثر الجمع عندهم تسعة وأقلهم ثلاثة، لأنه بعد التسعة يكرر لفظ الآحاد والجموع، فلو قال قائل إنكم إنما تجعلون الربع يقوم مقام الكل فلم جعلتم هنا الثلاث أعنى صيغة لفظ الجمع قلنا: إن ربع التسعة اثنان وربع ولما كانت الأعداد من شأنها الصحة لا الكسور وكان الرابع داخلا في الجزء والثلث غير منفصل عنه وليس فصله ممكن، ساغ أن يكون صيغة لفظ الجمع منطلقة على الثلاث إذا لا يمكن أقل من ذلك قال الله تعالى: (الحج أشهر معلومات) وهى شهران وعشرة أيام فلما دخل بعض الثالث في الكلام اقتضى النطق به بلفظ الجمع.
* * * مسألة رجل قال: والله لا أشرب من الفرات.
إن شرب كرعا حنث، وإن شرب بآناء لم يحنث وذلك أنه إذا قال من فمن هنا لابتداء الغاية ولا يكون للتبعيض فلو أنها للتبعيض كان لا ينحث أبدا لأن الفرات اسم الأرض وليست باسم للماء فلو كان الفرات اسم الماء لكان المسمى ذهب وما أتى لم يسم وأنت إذا قلت أتيت الفرات لم ترد أنك أتيت الماء ولكنك تريد أنك أتيت البلاد التى على النهر فالنهر اسمه الفرات لا الماء فكأنك قلت والله لا أشرب من هذا الكوز ولو قلت هكذا لكانت يمينك على الشرب من الكوز لا على ما في الكوز فلو صب ما في الكوز في كوز آخر وشرب منه لم يحنث والنهر كما علمت اسم للحفرة المستطيلة كما قيل سيف منهر لم يرد أن الماء يجرى فيه ولكنه أراد المفقر ومنه سمى سيف النبي صلى الله عليه وسلم ذا الفقار ولو كان قال لا أشرب من ماء الفرات فإن شرب منه أو من إناء نقل من الفرات أو شرب بكفه حنث لأنه أضاف الماء إلى نهر مخصص لأنه لو كان اسما للماء لم يجز إضافته إليه كما تقول ماء الفرات فلو كان الماء اسمه الفرات لما قلت هذا ماء الفرات
وإنما كنت تقول الفرات لأن الشئ عندهم لا يضاف إلى نفسه كما لا تقول هذا غلام غلام ولكنك تقول هذا غلام زيد فيضيف الغلام إلى زيد كأنه قال لا أشرب من هذه الماء الذى في هذا الكوز فسواء شرب منه أو من إناء آخر نقل إليه من حنث ولو قال لا أشرب من هذا البئر يحنث إذا شرب بإناء.
الفرق بينهما أن البئر غير مقدور على الشرب منها على الحقيقة فصار كأنه حلف مجازا كما لو قال: والله لا آكل من هذه الشاة فاليمين على لحمها لأنه يقدر على أكلها حقيقة ولو قال لا آكل(2/11)
من هذه النخلة فاليمين على ثمرتها لأنه لم يقدر على أكل عينها حقيقة، فحمل على المجاز فكذلك الفرق بين الفر ات والبئر.
واعلم أن العرب إذا وجدت الحقيقة في كلامها لا يعدلن عنه وإذا لم يجدوا الحقيقة حملوا كلامهم على المجاز المتعارف فإذا لم يجدوا حملوا على المجاز فأما الحقيقة إذا قال رجل هذا أسد لا يشكون أنه رأى عرباضا ولو قال زيد الأسد حمل على المجاز إذ كان الحمل على الحقيقة متعذرا قال الله تعالى: (وأزواجه أمهاتهم) فلم يرد أنهم أمهاتنا لكنه حمله عليه المجاز فلما جاء على الحقيقة قال: (إن أمهاتهم إلا اللائى ولدنهم وإنهم ليقولون منكرا من القول وزورا) وأما المجاز المتعارف فقوله تعالى: (أو جاء أحد منكم من الغائط) فإن أحدنا لو جاء الغائط ألف مرة لا ينتقض وضوءه وإنما جعل الغائط كناية عن الحدث وإن كان الحدث أيضا مجازا إلا أننى استقبحت أن أذكر الحقيقة إذا لم أجد له في العربية اسما حقيقيا إلا اسما واحدا وأما المجاز غير المتعارف فقولهم الوطء يكون على الوطء بالقدم على الحقيقة وكناية عن الجماع قال الله تعالى: (وأورثكم أرضهم ديارهم وأرضا لم تطئوها) والمراد منه الجماع لأنه لما قال أرضهم وديارهم كفى في البلاد وأرضا لم تطؤها يعنى النساء.
* * * مسألة رجل قال: أن خرج فلان من هذه الدار حتى آذن له فعبدي حر.
فأذن له مرة ثم خرج بغير أمره لا يحنث لأن حتى تكون للغاية فإذا قال حتى آذن له فكأنه قال غاية ذاك أذنى له قال الله تعالى: (فلن أبرح الأرض حتى يأذن لى أبى) فلو كان أبوه أذن له مرة له يحتج إلى إذن ثان ولو كان قال إلا بإذنى احتاج إلى الإذن في كل مرة، ألا ترى إلى قوله تعالى: (من ذا الذى يشفع عند إلا بإذنه) فيحتاج إلى الاستئذان في كل مرة.
والفرق بينهما أن المسألة الأول جعل لها غاية بقوله حتى.
فإذا انتهت غايتها سقطت كأنه قال لا أكلمك حتى يدخل رمضان فإذا دخل رمضان جاز له الكلام من غير حنث لأنه جعل رمضان غاية ليمينه.
وأما الإذن فقال تعالى: (آمنتم له قبل أن آذن لكم) أي قبل إذنى لكم.
فهذا محتاج إلى الإذن كل مرة، كأنه قال: إلا(2/12)
وقد بين أبو حنيفة رضى الله عنه حكم الحرف الوعائى ما لم يبينه أحد.
وذلك في قوله رجل قال لآخر، إن شتمتك في المسجد فعبدي حر وقال إن ضربتك في المسجد فعبدي حر.
فأما الشتيمة ونحوها مما يجرى من أحدهما فجعله كون الفاعل في المسجد.
وأما ما لم يعم الفاعل بنفسه جعل الفعل أن يقع على المفعول فقال إن شتمتك في المسجد يحتاج إلى أن يكون الشاتم في المسجد إلا ترى أن الرائى لو رأى رجلا يشتم رجلا أو يكفر، ويقول: لا تشتم في المسجد أولا تكفر في المسجد وأما الذى لم يقم بالفعل وحده فلا يحنث ما لم يكن المفعول في المسجد.
ألا ترى أن رجلا لو رأى رجلا يذبح شاة والذابح بالمسجد والشاة خارج المسجد يقول لا تذبح عند باب المسجد ولو كانت الشاة بالمسجد والذابح خارج المسجد يقول لا تذبح في
المسجد وكذلك لو قال إن قتلتك يوم الجمعة فضربة في غير يوم الجمعة لكنه مات يوم الجمعة حنث، ولو ضربه يوم الجمعة فمات في غير يوم الجمعة لا يحنث، لأن القتل لا يكون إلا بزهوق الروح.
وقيل زهوق الروح لا يكون قاتلا.
وإنما يكون ضاربا.
* * * مسألة رجل قال: كل امرأة أتزوجها فهى طالق، إن كلمت فلانا.
فتزوج امرأة قبل الكلام وامرأة بعد الكلام.
فالتى تزوجها قبل الكلام طلقت ولا تطلق التى تزوجها بعد الكلام.
لأنه أوجب الكلام من ساعته وجعل كلام فلان غاية ليمينه واليمين إذا انتهت غايتها سقطت فيكون كلام فلان غاية ليمينه وصار شرطا لانحلال اليمين ولم يكن شرطا لانعقاده لأنه أخر الشرط فصار شرطا لانحلال اليمين فدخلت المزوجة قبل الشرط تحت اليمين، وأما إذا قدم الشرط فقال إن كلمت فلانا فكل امرأة أتزوجها فهى طالق فتزوج امرأة بعد الكلام وامرأة قبل الكلام فالتى تزوجها قبل الكلام لا تطلق، لأنه تزوجها قبل اليمين، والتى تزوجها بعد الكلام تطلق لأنه تزوجها بعد انعقاد اليمين.
وهذا لأنه جعل كلام فلان شرطا لانعقاد اليمين فصار كأنه قال عند كلام فلان كل امرأة أتزوجها فهى طالق، لنه إذا علق الطلاق بالشرط يكون شرطا لانعقاد اليمين والداخلة تحت اليمين المزوجة بعد الشرط وإن أخر الشرط يكون شرطا لانحلال اليمين والداخلة تحت اليمين المزوجة قبل الشرط،(2/13)
أما إذا وسط الشرط فقال: كل امرأة أتزوجها أن كلمت فلانا فهى طالق صار كما إذا قدم الشرط لأن كلمة هي لا تستبد بنفسها، فصار كما إذا قال كل امرأة أتزوجها إن كلمت فلانا فالمرأة التى أتزوجها إن كلمت فلانا فالمرأة التى أتزوجها
طالق ولو قال إن كلمت فلانا كل امراة أتزوجها طالق صار الشرط مقدما كذلك هاهنا.
وأما إذا وقت وأخر الشرط فقال كل امرأة أتزوجها فهى طالق إلى ثلاثين سنة إن كلمت فلانا.
فتزوج امرأة بعد الكلام وامرأة قبل الكلام طلقتا لأنا إنما جعلنا كلام فلان غاية ليمينه من طريق الدلالة.
فإذا وقت صريحا خرجت الدلالة من أن تكون للغاية لأن الصريح أقوى منها.
ولو قدم الشرط فقال: إن كلمت فلانا فكل امرأة أتزوجها إلى ثلاثين سنة فهى طالق.
فالتى تزوج قبل الكلام لا تطلق، لأن الكلام صار شرطا، لانعقاد اليمين على ما ذكت ومن تزوجها بعد الكلام تطلق ولو وسط فهو كما لو قدم ثم إذا أخر الشرط يعتبر من وقت اليمين، لأنه أوجب اليمين من ساعته.
ولو أخر الشرط يعتبر من وقت الكرام لأن اليمين انعقدت عند الكلام وكذلك الجواب في الفصول كلها إذا جعل غاية ليمينه وشرطا لحنثه.
وحروف الشرط إن المكسورة الهمزة المخففة تقول أن تأتني آتك (ومن) يقول من يمرو أمرر به فقولك إن تذهب وما أشبهه من الفعل الذى يلى إن شرط والجزاء قولك اذهب.
وجزاء الشرط ثلاثة أشياء: الفعل وقد ذكرته، والآخرة الفاء.
في نحو أن تأتني فأنت مكرم قال الله تعالى: (فمن يؤمن بربه فلا يخاف بخسا ولا رهقا) وإذا، تقول: إذا احمر البسر أعطيتك قال الله تعالى: (وإن تصبهم سيئة بما قدمت أيديهم إذا هم يقنطون) فموضع الفاء وما بعده جزم وكذلك موضع إذا وما بعدها بدلالة أنه لو وقع موضع ذلك فعل لظهر الجزم.
وعلى هذا قرأ بعض القراء (من يضلل الله فلا هادى له ويذرهم) فجزم يذرهم لحمه إياه على موضع فلا هادى له.
وقد تقع أسماء موضع إن وتلك الأسماء منها ما هو غير ظرف ومنها ما هي ظرف.
فما كان غير ظرف فنحونا ومن، وأيهم، تقول من يكرم أكرم.
وأيهم تعط أعط.
وما تركب أركب قال الله تعالى: (ما يفتح الله للناس من رحمة فلا ممسك
لها) وقال تعالى: (أيا ما تدعوا فله الأسماء الحسنى) فعلامة الجزم في الفعل بعد أي حذف النون التى تثبت علامة للرفع في تفعلون قال الله تعالى: (مهما تأتنا به من(2/14)
آية لتسحرنا بها فما نحن بمؤمنين) والظروف التى تجازى بها متى، وأنى وأين.
وأى حين، وحيثما وإذ ما، ولا يجازى بحيث، ولا بإذ.
حتى يلزم كل واحدة منهما ما يقول متى، يأتنى آته، ومتى ما تأتني آتك.
قال: متى تأته تعشو إلى ضوئ ناره * تجد خير نار عندها خير موقد وأنى يقم أقم.
وأين تذهب أذهب.
وأى حين تركب أركب وهذه الأسماء التى جوزي بها إذا نصبت أنتصبت بالفعل الذى هو شرط ولا يجوز: زيدا إن تضرب أضرب، لا يجوز أن تنصبه في قول البصريين بالشرط، ولا بالجزاء.
فإن قلت: إن يضرب زيدا أضرب، كان زيد منتصبا بالفعل الذى هو شرط.
فإن شغلت الشرط بالضمير قلت: إن زيدا تضربه اضرب عمرا كان زيد منتصبا بفعل مضمر، يفسره هذا الظاهر.
كما أن قولك زيدا ضربته، كذلك وقد يحذف الشرط في مواضع فلا يؤتى به لدلالة ما ذكر عليه وتلك المواضع: الأمر، والنهى، والاستفهام، والتمنى، والعرض.
تقول: أكرمنى أكرمك، والتأويل أكرمنى فإنك أن تكرمني أكرمك.
والنهى لا تفعل يكن خيرا لك.
والاستفهام ألا تأتني أحدثك ؟ وأين بيتك أزرك ؟ والتمنى ألا ماء باردا أشربه ؟ والعرض إلا تنزل تصب خيرا ؟ فمعنى ذلك كله إن تفعل أفعل فهو جميعه معنى الشرط ومعنى الجزاء أفعل قال محمد في (الجامع الكبير): ألا ترى أنه إذا قال إذا جاء غد فكل امرأة أتزوجها فهى طالق فلا تطلق إلا التى تزوجها في الغد، وانما أراد ما أشكل بالأفعال فاعتبره بالأوقات لأنك إذا قدمت الشرط أو وسطته أو أخرته في الأوقات تبين لك في الأفعال.
اجعل مجئ الغد.
بمنزلة كلام فلان.
وقد تبين لك ما ذكرت.
* * * مسألة إذا قال: كل امرأة أتزوجها فهى طالق كلما كلمت فلانا وتزوج امرأة ودخل بها ثم كلم فلانا، ثم تزوج أخرى فالتى تزوجها قبل الكلام تطلق ولا تطلق التى تزوجها بعد الكلام، لأنه جعل كلام فلان غاية ليمينه وشرطا لحنثه، فصار كأنه قال كل امرأة أتزوجها غدا فهى طالق كلما كلمت فلانا ولو قال هكذا لا يشكل لأنه لا يقع الطلاق إلا على التى تزوجها غدا، فذكر المسألة بكلمة، وكلما كلمة تكرار بيانها(2/15)
يجئ بعد إن شاء الله.
فصار حكم هذه المسألة وحكم المسائل المتقدمة على السواء، إلا أن هنا ذكرت شرط الحنث مكررا فأن كلم فلانا مرة أخرى طلقت أخرى إذا كانت في العدة، ولا تطلق الثانية لأنه جعل الكلام فلان غاية ليمينه والغاية لا تحتمل التكرار، والشرط يحتمل التكرار.
فإذا تزوج المرأة الأولى وكلم فلانا فقد انتهت اليمين غايتها وسقطت، لأن في حق الأولى صار الكلام شرطا للحنث وشرط الحنث يحتمل التكرار، ولو قدم الشرط فقال كلما كلمت فلانا فكل امرأة أتزوجها طالق، فتزوج امرأة قبل الكلام وامرأة بعد الكرم فالتى تزوجها تزوجها قبل الكلام لا تطلق وتطلق التي تزوجها بعد الكلام، لأنه جعل كلام فلان شرطا لانعقاد اليمين فالتى تزوجها قبل الكلام تزوجها قبل انعقاد اليمين فلا يقع الطلاق عليها، فإن تزوج أخرى طلقت أيضا لأن كلمة كل تجمع الأسماء على الانفراد فكل امرأة يتزوجها بعد الكلام تطلق ولو لم يتزوج امرأة أخرى حتى كلم فلانا مرة أخرى لا يقطع الطلاق على المرأة الأولى لأنها بانت بالطلقة الأولى.
وكذلك لو كانت في ملكه لا يقع الطلاق أيضا إذا كان التزوج قبل الكلام.
ولو كلم فلانا ثم تزوج امرأة تقع تطيقتان، تطليقة بالكلام الأول وتطليقة بالكلام الثاني لأن يمينه انعقدت بحرف متكرر فانعقد في حقه يمينان.
وكذلك لو كلم فلانا ثلاث مرات ثم تزوج امرأة طلقت ثلاثا لأنه انعقدت عند الكلام فلان أيمان ثلاثة، كأنه قال كل امرأة أتزوجها فهى طالق، وكذلك في الثانية والثالثة، فإذا تزوجها حنث في الأيمان كلها.
قال في الكتاب: ألا ترى أنه لو قال كلما ضربت فلانا ففلانة طالق إن تزوجتها، فضرب فلانا ثلاث مرات ثم تزوجها طلقت ثلاثا لأنه إذا تكرر الضرب تكرر الانعقاد.
فإذا وجد الشرط نزلت كلها وانحلت الأيمان معا.
وقال ألا ترى أنه إذا قال لامرأته كلما دخلت الدار اليوم فأنت طالق غدا فدخلت الدار اليوم ثلاث مرات تطلق غدا ثلاثا.
وقال ألا ترى أنه لو قال كلما ضربت فلانا فامرأتي طالق إن دخلت الدار، فضرب فلانا ثلاث مرات ثم دخل الدار تطلق ثلاثا، ولو وسط الشرط صار كأنه قدم وقد ذكرت ذلك.
ولو قال كل امرأة أتزوجها إن دخلت الدار فهى طالق فالجواب في دخول الدار بمنزلة الجواب في كلام فلان إن كان شرط الدخول متقدما يقع الطلاق على المزوجة بعد الدخول ولا يقع على المزوجه قبل الدخول لكنه لا يدخله التكرار، والفرق بين كل وكلما أن كلا اسم مفرد يقع على الأفراد أبدا فإذا أضيف إلى الجمع أو قرن به اقتضى الجمع أيضا لكن على سبيل الأفراد لأنه مخصص(2/16)
به قال الله تعالى: (كل من عليها فان) فهذا يقتضى الجمع لكن على سبيل الإفراد لأن من بمعنى الذى لكن لما كان اللفظ يقتضى العموم اقتضت ذلك لكن على أصلها وهى الإفراد، ألا ترى إلى من أنها لا تكون للجمع، وأما ما وصف به الجمع قوله تعالى: (وإن كل لما جميع لدينا محضرون) فجميع ومحضرون جموع، فلما قرنت بها كل اقتضتها لما فيها من الإبهام.
قال سيبويه: هذا مال كل مال عندك فإضافة إلى النكرة، إلا ترى أنك تصف بها النكرة وذلك أنك تصف ما بها بما تصف به النكرة ولا تصف بما تصف به المعرفة.
قال سيبويه: حدثنا الخليل عمن يوثق بعربيته من العرب ينشد هذا البيت: وكل خليل غيرها ضم نفسه * لوصل خليل صارم أو معارز فجعله صفة لكل والبيت للشماخ.
فهذا يدل على الإفراد بقوله نفسه فأضاف كلا إلى الأفراد.
قال سيبويه: هذا كل مالك، وقال مررت برجلين مثلك أي كل رجل منهما مثلك، وأما كلما فهى من حروف الشرط وتدخل على الأفعال لأنك تقول كلما قام زيد قمت، فقولك قمت هو جواب لكلما وكل اسم لأنه يضاف ويضاف إليه تقوله كل رجل وصنعته، فتضيف كلا إلى رجل.
قال الله تعالى: * (كلما أوقدوا نارا للحرب أطفأها الله).
* * * مسألة ولو قال كل امرأة أتزوجها إن دخلت الدار فهى طالق فالجواب في دخول الدار بمنزلة الجواب في كلام فلان إن كان الشرط متقدما يقع على المزوجة بعد الدخول ولا يقع على المزوجة قبل الدخول.
ولو قال كل امرأة أملكها فهى طالق إن دخلت الدار فالطلاق يقع على المرأة التى في ملكه لا يكون غير ذلك، سواء قدم الشرط أو وسطه أو آخره لأن لفظ أملك يكون للحال ويصلح للاستقبال فلو أراد أن يخلص اللفظ للاستقبال قال سوف أملك أو سأملك للحال أي وضح أن يكون كذا.
وإنما صلح للاستقبال لأن الحال أشبه بالاستقبال من الماضي لأن فعل خلاف سوف يفعل وإنما يفعل إذا نسبناه إلى أحدهما كنسبة المستقبل والملك الذى يكون للحال يكون(2/17)
للاستقبال لأن أملك اليوم والساعة وغدا سواء، وأملك صالح لكل ما ذكرت فلما كان ملك الحال يكون للاستقبال صلح اللفظ كما كان الفعل في أحواله.
فلذلك
قلت إن فعل الحال يصلح للاستقبال.
فلما صلح اللفظ للأمرين حملناه على الأصل إذا لم يكن له قرين فإن كان له قرين حملنا على ما يصلح له فإذا قال أملك غدا حملناه على الملك المتجدد غدا ولئن قال: أملك حملناه على ملك الحال فصار كأنه قال كل امرأته إذا ملكها، فإنه يقع على من كانت في ملكه كذلك هنا يقع الطلاق على المزوجة في الحال ولا يصدق في صرف الطلاق عن من يملكها في الحال لأنه أراد صرف الكلام عن الظاهر إلى غيره فتجوز نيته على التى عنى ولا تصدق في إبطاله عن التى يملكها في الحال.
ووجه آخر: إنك إذا قلت زيد يضرب عمرا فإن بعض الضرب ماضى وبقيته مستقبل فكأنه وقع حالا وفيه المستقبل لكونه الضرب ما انقضى، فلو انقضى عبر عنه بالماضي ولذلك أشبه الحال الاستقبال في الكلام العرب.
ولو قال كل جارية أملكها فهى حرة إذا جاء غد، أو قال كل جارية أملكها إذا جاء غد فهى حرة فأن هذا كله يقع على الموجود دون الحارث، لأنه علق العتق بمجئ الغد وذكر الملك مرسلا والملك المرسل يقع على الموجود دون الحارث، فصار كأنه قال كل جارية أملكها في الحال فهى حرة، ولو قال كذا لا يعتق إلا من كان في ملكه وقت اليمين بشرط حدوث الغد، ولو قال كل جارية أملكها قبل مجئ الغد ولا يعتق ما يملك في الغد من أول النهار إلى خره ولا يعتق الموجود والتى يملكها قبل مجئ الغد ولا يعتق التى يملكها بعد الغد لأنه وصف الملك بمجئ الغد وفى الأخرى جعل شرط حنثه مجئ الغد فلذلك افترقا.
* * * مسألة إذا قال الرجل لامرأته أنت طالق اليوم وغدا طلقت اليوم ولا تطلق غدا وإذا قال أنت طالق اليوم وإذا جاء غد، طلقت اليوم طلقة وعذا طلقة، والفرق بينهما أن الواو
للجمع وما اتصف مرة فلا يتصف ثانيا وهى فقد اتصفت بالطلاق فكل يوم هي موصوفة بالطلاق.
قوله أنت طالقة اليوم وقع الطلاق واتصفت به وقوله وغدا فقد عطف اليوم على اليوم فحمل على الصفة.
وأما قوله أنت طالق اليوم وإذا جاء غد(2/18)
فقد عطف المجئ على اليوم فأريد به الحدوث فحمل على الحدوث ولم يحمل على الصفة.
فصار كأنه قال أنت طالق، وإذا جاء الغد طالق أيضا، فحمل كلامه على الإضمار إذ لم يكن له بد من ذلك فصار كأنه قال كما قال تعالى: (لكان لزاما وأجل مسمى).
وقال الفرزدق: وعضن زمان يا ابن مروان لم يدع * من المال إلا مستحا أو مجلف أي مجلف كذلك.
* * * مسألة رجل قال لامرأته إن دخلت هذه الدار وهذه الدار فأنت طالق ثلاثا، فطلقها واحدة وهى غير مدخول بها فدخلت إحدى الدارين فتزوجها ثانيا ودخلت الدار الأخرى وهى في ملكه لا يمنع وقوع الطلاق، لأن الحنث يظهر بدخول الدار الثانية فيعتبر وقت اليمين ووقت الحنث ألا ترى أنه لو قال لامرأته أنت طالق رأس الشهر، فبانت منه فيما بين ذلك ثم عادت إلى ملكه قبل رأس الشهر وقع عليها الطلاق رأس الشهر، لأنه في ملكه وقت وجود اليمين والشرط جميعا.
ولا يعتبر فراقهما خلال ذلك، ولأنه أضاف الطلاق إلى فعل مخصص ووجد الفعل وهى في ملكه، والأصل أن المعلق بالشرطين لا ينزل إلا عند وجود الآخر منهما لأن الكلام بآخره والواو للجمع ولا يمكن الجمع من دخول الدارين حقيقة فحمل على المعنى وهو الجمع في
الفعل وهو دخول الدارين ولا يوجد ذلك إلا بدخول الدار الآخرة منهما.
ولو قال إذا دخلت هذه الدار فأنت طالق إذا دخلت هذه الدار الأخرى فبانت منه ثم دخلت إحدى الدارين ثم تزوجها ثم دخلت الدار الأخرى لا يقع عليها شئ لأنه جعل دخول الدار الأولى شرطا لانعقاد اليمين فصار كأنه قال عند دخول الدار الأولى أنت طالق إن دخلت هذه الدار الأخرى ولو قال ذلك لا تطلق لأنها وقت اليمين لم تكن في ملكه لأن اليمين بالطلاق لا يصح إلا بالملك أو مضافا إلى الملك أو في علقة من علائق الملك وهنا لم يوجد شئ من ذلك فصار كأنه قال لأجنبية أنت طالق ثم تزوجها لا تطلق كذا هاهنا.
ولافرق بينهما أن المسألة الأولى كان الشرط دخول(2/19)
الدارين وقد وجد واليمين انعقدت لساعته ودخول الدارين جميعا كان شرطا لانحلال اليمين وهنا جعل دخول الدار الأولى شرطا لصحة اليمين ولما دخلت الدار الأولى لم تكن في ملكه فلذلك افترقا.
* * * مسألة إذا قال الرجل لامرأته أنت طالق غدا أو بعد غد، فجاء غد لم تطلق حتى يجئ بعد غد لأنه أوقع الطلاق في أحد الوقتين فلو قلنا إنها تطلق غدا احتجنا إلى أن نوقع الطلاق بعد غد وذا خلاف ما قال الحالف ولأن أو لأحد ما دخلت عليه فإذا جاء بعد الغد وقع الطلاق يقينا واليوم الأولى كان شكا.
ولو قال أنت طالق إذا جاء غد يقع الطلاق إذا جاء غد لأنه جعل مجئ الغد شرطا لوقوع الطلاق ثم أدخل كلمة الشك فقال أو بعد غد، وبعد وقوع الطلاق لا يمكن استدراكه فصار كأنه قال أنت طالق إذا جاء فلان أو فلان فأيهما جاء وقع الطلاق.
وكذلك هاهنا إلا أن في الشخصين لا نعلم أيهما يجئ أولا وغد مقدم على بعد غد ضرورة فلذلك افترقا.
* * *
مسألة إذا قال الرجل لامرأته إن دخلت هذه الدار وإن دخلت هذه الدار فأنت طالق، فهذه المسألة على ثلاثة أوجه، أما إن عطف الشرط على الشرط، وأما إن عطف الفعل على الشرط، أو عطف المفعول على الشرط.
وكل وجه على ثلاثة أوجه أما إن قدم الطلاق، أو وسط الطلاق، أو أخر الطلاق.
أما إذا عطف الشرط على الشرط إن أخر الطلاق كما إذا قال إن دخلت هذه الدا وإن دخلت هذه الدار فأنت طالق فإنها لا تطلق حتى يوجد الدخول لأنه جميعا لأنه جمع بين الشرطين قبل اكمال الأول بالجزاء فصار كأنه قال إن دخلت هاتين الدارين فأنت طالق لأنه لو اقتصر على قوله إن دخلت هذه الدار وإن دخلت هذه الدار لم يكن كلاما تاما وإنما يتم بقوله أنت طالق، ولو قدر الطلاق فقال أنت طالق إن دخلت هذه الدار وإن دخلت هذه الدار فأى الدارين دخلت حنث لأنه أكمل الشرط الأول بالجزاء وعطف دخول الدار الأخرى عليها، فصار كأنه ابتداء، ولو وسط فقال إن دخلت هذه الدار فأنت طالق، وان دخلت هذه الدار.
فأيهما وجد حنث في يمينه لأنه اليمين(2/20)
تمت بالشرط الأول، فقوله الثاني ان دخلت ابتداء يمين منه على ما ذكرنا هذا عطف الشرط على الشرط، نحو قوله إن دخلت هذه الدار ودخلت هذه الدار فأنت طالق أو قدم الطلاق أو وسط الطلاق فالجواب واحد لا يقع الطلاق ما لم يوجد الطلاق جميعا لأن الواو للجمع ما لم يقم دليل الاستئناف.
أما إذا أخر الطلاق فقال إن دخلت هذه الدار ودخلت هذه الدار فأنت طالق لا يقع الطلاق ما لم يوجد الدخولان لأنه جمع بين الفعلين وأجاب بجزاء فصار كأنه قال إن دخلت هاتين الدارين فأنت طالق ولو قدم الطلاق فقال أنت طالق إن دخلت هذه الدار ودخلت هذه الدار فكذلك الجواب أيضا.
وإن كانت اليمين تتم بالشرط لأنه لا يجوز حمله
على الاستئناف هنا لأن الطلاق لا يكون يمينا إلا بشرط وجزاء ولا يستقيم أن يكون بغير شرط وجزاء فحمل على معنى الجمع بخلاف ما إذا عطف الشرط على الشرط لأن هناك حمله على الاستئناف ممكن، وكذلك لو وسط الطلاق فالجواب هكذا كما إذا قال إن دخلت هذه الدار فأنت طالق ودخلت هذه الدار.
ولو عطف المفعول على الشرط قدم الطلاق أو وسط أو أخر فالجواب واحد لأنه لا يقع اطلاق ما لم يوجد الدخولان جميعا كما إذا قال إن دخلت هذه الدار وهذه الدار فأنت طالق أو قال أنت طالق إن دخلت هذه الدار وهذه الدار أو وسط الطلاق فقال إن دخلت هذه الدار فأنت طالق، وهذه الدار، لأن الواو للجمع ما لم يقم دليل الاستئناف ولأنه يمكن أن تستأنف يمين أخرى بقوله هذه الدار من غير شرط ولا جزاء فحمل على الجمع فصار كأنه قال إن دخلت هاتين الدارين فالجواب في الفصول الخمسة واحد وفى فصلين خلاف الخمسة وهو أنه إذا عطف الشرط على الشرط وقدم الطلاق أو وسط لأنه قام هناك دليل الاستئناف وكذلك في هذه الفصول كلها إذا كان الشرط إذا، أو متى ما، أو إذا ما.
* * * مسألة رجل قال لامرأتيه إن دخلتما هذه الدار فأنتما طالقان فدخلت إحداهما دون الأخرى لا يقع الطلاق، ولو كان قال لهما إن دخلتما هاتين تالدارين فدخلت كل واحدة منهما دارا على حدة يقع الطلاق، وذلك لأنه أضاف جمعة الأفعال إلى جماعة(2/21)
الأشخاص فالمراد فعل كل واحد على حدة قال الله تعالى: (يا بنى لا تدخلوا من باب واحد وادخلوا من أبواب متفرقة) فما أراد أن كل واحد يدخل من جميع الأبواب.
ومثل ذلك قوله تعالى: (يخرجون من الأجداث) فكل يخرج من جدثه ألا
ترى إلى ما روى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه أتاه رجل فقال: يا رسول الله إنى جعلت لقومي مالا ليسلموا وقد أسلموا وقد شحت نفسي فيما جعلت لهم ؟ فقال صلى الله عليه وسلم (إن أسلموا وإلا سيرنا لهم الخيل - أي الخيالة - كلا على فرسه) فأضاف جماعة الأفعال إلى جماعة الأشخاص وقوله تعالى: (واسأل القرية) دليل على ما ذكرت من المعنى أي أهل القرية.
فالنبى عليه السلام ما أراد إرسال الخيل هدية ولا أراد إلا حربهم.
ولو قال إن دخلتما هذه الدار وإن دخلتما هذه الدار فأنتما طالقان، فدخلت كل واحدة منهما دارا يقع حتى يدخلا جميعا الدارين، لأنه جعل لكل يمين شرطا وجزاء على حدة ولم يضف جماعة الأفعال إلى جماعة الأشخاص، ألا ترى أن كل يمين منهما جملة من شرط وجزاء، فما لم يوجد لكل شرط جزاؤه لا يقع فصار كما إذا قال إن كلمت زيدا فعبدي حروان كلمت عمرا فامرأتي طالق.
ألا ترى أنه لو اقتصر على إحدى الجملتين كانت يمينا تامة، وألا ترى أنه فو قال إن دخلتما هذه الدار فأنتما طالقان اليوم، وإن دخلتما هذه الدار أنتما طالقان غدا.
وإن دخلتا الدار الأولى طلقتا اليوم، وإن دخلتا الدار الأخرى طلقتا غدا.
* * * بسم الله الرحمن الرحيم لما كان بتاريخ المحرم سنة خمس عشرة وستمائة ورد كتاب من الموصل من الشريف النقيب جمال الدين بن عبيد الله على القاضى شرف الدين بن عنين ونسخته -: كنت منذ زمن طويل تأملت كتاب (الجامع الكبير): لمحمد بن الحسن رحمه الله وارتقم على خاطري منه شئ والكتاب في فنه عجيب غريب لم يصنف مثله، وفى هذه الأيام عاودت نظرى فيه وتأملته وأحضرت الشرح الذى شرحه الاسبيجابى رحمه الله وهو على كل حال عجمى اللسان لاسيما إذا تكلم في المسائل المتعلقة
بالعربية من نحو وغيره فإنه يقصر في بعض المواضع ويخطئ في بعض وأوثر منك - أبقاك الله - إن تسأل عن شبهة أذكرها لك وتحقق القول فيها مع الشيخ جمال الدين(2/22)
فمن جملة ما ذكره محمد بن الحسن رحمه الله أنه قال في باب العتق: إذا قال الرجل لآخر أي عبيدى ضربك فهو حر، فضربوه جميعا عتقوا.
ثم قال في باب آخر: إذا قال الرجل لعبيده أيكم حمل هذه الخشبة فهو حر، وكانت مما يقدر على حملها رجل واحد فحملوها جميعا لم يعتق واحد منهم.
هذا قول محمد رحمه الله، ولا فرق عندي بين المسألتين فإن الضاربين في المسألة الأولى بمنزلة الحاملين الخشبة، والمضروب بمنزلة الخشبة المحمولة، فإن قيل الخشبة يحملونها جملة واحدة قلت كذالك الضاربون والمضروب فإنهم يأخذون عصا واحدة في أيديهم ويضربون بها ضربة واحدة، وكذلك قال محمد رحمه الله في باب من أبواب الكتاب: إذا حلف الرجل أنه لا يصلى صلاة وصلى بغير وضوء لا يحنث، وإذا حلف أنه ما صلى وكان قد صلى بغير وضوء يحنث.
ولا فرق عندي أيضا بين الصلاة الماضية والمستقبلة، فلم كان في إحداهما يحنث وفى الأخرى لا يحنث، وقد قال صلى الله عليه وسلم: (لا صلاة إلا بوضوء) وعلى هذا فينبغي أن لا يحنث في الصلاة الماضية والمستقبلة لأنهما بغير وضوء، وأنت يا مولاى حفظك الله إذا تكلمت مع الرجل فينبغي أن تحققه تحقيقا لا يبقى عليه غبار ولا تقنع بالكلام إلا قناعي فعرضت المسألتان على الشيخ جمال الدين الحصرى فأجاب بما صورته.
قال في المسألة الأولى: لفظة أي تتناول واحدا من الجملة، قال الله تعالى: (أيكم يأتيني بعرشها قبل أن يأتوني) ولم يقل تأتوني بعرشها، ويقال أي الرجال أتاك ولا يقال أتوك إلا أنها تقبل الوصف بالعموم كما في قوله صلى الله عليه وسلم: (أيما امراة نكحت نفسها بغير إذن وليها)
فقبل العموم بالوصف فقد وصفهم بكونهم ضاربين فعمهم والضرب بعموم الوصف فوجد الشرط من كل واحد منهم فعتقوا ولا فرق بين كونهم ضربوا جملة أو متفرقين وأما في مسألة الحمل فإنه أيضا وصفهم بوصف عام وهو الحمل إلا أن الشرط لم يوجد وهو حمل كل واحد منهم لجميع الخشبة بل وجد من كل واحد منهم حمل البعض.
المسألة الثانية: وهى رجل قال: إن كنت صليت صلاة فعبدي حر، وقد كان صلى بغير وضوء حنث، ولو قال إن صليت فعبدي حر لا يحنث إذا صلى بغير وضوء.(2/23)
والفرق بينهما من وجهين: أحدهما: أن الماضي موجود والموجود معرف وصفة المعرف لغو لأنه مستغن عن الصفة.
اما المستقبل فهو معدوم ولا يعرف إلا بالصفة فاعتبرت الصفة في المستقبل ولم تعتبر في الماضي.
الوجه الثاني: أن الكلام في الماضي وقع خبرا وليس المطلوب من الأخبار الصحة والنفاذ والقبح والحسن، إنما المراد منه إعلام السامع لشئ ما وليس لذلك في المستقبل المطلوب منه وجود الغرض المتعلق بالفعل والإمتاع منه والغرض يتعلق في المستقبل فإن المستقبل بالصحيح لا بالفاسد، والله أعلم.
وقلت أنا: سألت رحمك الله عن قول محمد في (الجامع الكبير) في باب العتق إذا قال الرجل لآخر: أي عبيدى ضربك فهو حر، وكانت مما يقدر على حملها واحد فحملها كلهم جملة واحدة لا يعتق أحد منهم ما الفرق بين المسألتين ؟ وسألت وفقك الله عن قوله إذا حلف الرجل أنه لا يصلى صلاة فصلى بغير وضوء لا يحنث، وإذا حلف أنه ما صلى وقد كلان صلى بغير وضوء حنث، ما الفرق بين المسألتين أيضا وأنا أذكر إن شاء الله ما وقع من الفرق بين هذه المسائل، فإن رأيت خطأ فاعذر
وسامح كما قال الحريري: وإن تجد عيبا فسد الخللا * فجل من لاعيب فيه وعلا أوكما قال أبو على الفارسى: إن الخطأ بعد التحرى موضوع عن المخطئ ومثلى من يعذر ولا سيما في مثل هذا الوقت واشتغالى فيه بما تعلم مع قلة المطالعة بل مع عدمها وذلك أن هذا الكتاب وصل إلى وأنا بنابلس في شهر المحرم سنة خمس عشرة وستمائة والفرنج على عثليث وقيسارية يبنونهما فلذلك لم يكن عندي كتاب.
أما الفرق بين ضرب العبيد وحمل الخشبة وذلك لأن أيا اسم معرب يستفهم به، ويجازى فيمن يعقل وفيما لا يعقل.
قال أبو على: أيهم في الدار فمكرم محمول، وأيكم يأتيني فله درهم.
وقال الجوهرى: تقول أيهم أخواك وأيهم يكرمني أكرمه.
وهو معرفة بالإضافة وقد تترك إلاضافة لفظا وفيه معناها، وقد تكون بمنزلة الذى فتحتاج إلى صلة، وتقول(2/24)
أيهم في الدار أخوك وقد يكون نعتا للنكرة تقول مررت برجل أي رجل، وأيما رجل، ومرت بامرأة أي امرأة، وأية امرأة، وأيتما امرأة، وأيما امرأة فتكون ما زائدة وتنتصب على الحال والتعجب وإذا كان هذا الاسم الذى هو أي لهذه الأقسام فإن وصفت به الجمع كان للعموم وإن وصفت به المفرد كان للخصوص فتكون أي هاهنا بمعنى الذى كما تقول أيهم في الدار أخوك أي الذى في الدار أخوك، فكأنه قال الذى يضربه من عبيدى فهو حر، وإذا كان نعتا للنكرة فالمراد منه بيان الصفة وهو حمل الخشبة التى لا يقدر على حملها الواحد فكأنه أراد بيان صفة الخشبة بالثقل والخفة وإذا كان كذلك اعتبر مراده قال الله تعالى: (أي الحزبين أحصى لما لبثوا أمدا) فهذا للعموم.
وقال تعالى: (ليبلوكم أيكم أحسن عملا) فهذا للخصوص، والعامل في أي ما بعده وقوله أيكم يحمل هذه الخشبة لفظ للعموم والإفراد، فإن كانت
الخشبة يطيق حملها الواحد كان كلامه لاختبار القوة، فكأنه قال أيكم أطلق حملها كما يقال في المسابقة أيكم سبق فله الجعل، فيستحق الجزاء السابق.
ألا ترى أن عادة الأمراء أن يسابقوا الحلبة فيقولون من سبق فله كذا فلا يأخذ قصب السبق إلا من جاء أول الخيل كلها وإن كان الثاني سبق خيلا كثيرة أيضا لا يستحق أن يذكر، وكذلك الثالث وقوله تعالى: (أيكم يأتيني بعرشها) إنما تقديره أيكم يأتيني به أولا وإلا فالكل منهم كان قادرا على الإتيان به، وانما أراد السابق وقد فهم هذا آصف فكان جوابه (أنا آتيك به قبل أن يرتد إليك طرفك) ولا فرق بين أن تقول من سبق وأيكم سبق وإن كانت الخشبة لا يطيق حملها الواحد كان المراد من الفظ إزالتها عن مكانها حملا فيستوى فيها الاثنان والجماعة، كما يقال أيكم شرب الماء الذى في هذا الكوز ويقدر على شربه واحد، فإذا شربه أكثر من واحد لا يستحق الجعل.
وإن قال أيكم شرب ماء الفرات كان المراد به بيان الصفة وهو الكرع لا استيعاب شربه لاستحالة ذلك، فمن كرع منه استحق الجعل فيختص الصفة ولا يختص لأن العامل في أي ما بعده لصلاحيته للمعنيين، فتبين بالإضافة وليس الضرب كذلك لأن الضرب راجع إلى إيقاع الفعل من غير اختبار القوة والضعف فأيهم وجد منه الضرب كان داخلا تحت الجزاء كالشارب من الفرات والقائل إنما يحمل كلامه على الصحة لا الفساد.
ولذلك فرق محمد رحمه الله في قوله أي عبيدى ضربك، وأى عبيدى ضربته.
فإذا ضرب أحدهم عتق في قوله ضربته لأن العائد ضمير واحد ولو ضرب الجميع واحدا بعد واحد عتق الأول ولو ضربهم جملة عتق أحدهم والبيان إلى المولى.(2/25)
لأنه أبهم العتق وأعاد الضمير على واحد كما لو قال أحد عبيدى حر واستشهد بمسألة الطلاق فقال: أي نسائى شاءت الطلاق فهى طالق فشئن جميعا، لأنه أعاد الضمير على الجماعة.
ولو قال أي نسائى شاءت طلاقها فهى طالق لا يقع إلا على
واحدة فصار الفرق بينهما من حيث اختبار القوة واتحاد الفعل، فإذا لا فرق بين الخشبة التى يقدر على حملها الواحد إذا حملت الخشبة على التفريق بحملها واحدا بعد واحد، هذا إذا لم يكن له نية لأنا نحمله على العرف في مثل هذا لاختبار القوة يكون غالبا وبين مسألة الضرب فاستويا.
وأما الخشبة التى لا يقدر على حملها الواحد فتفارقهما من حيث أن المراد إزالتها عن مكانها بالحمل لأن القائل عالم أن الواحد لا يزيلها فكأنه قال إن أزلتموها عن مكانها حملا فأنتم أحرار، وأما مسألة الصلاة وهى قوله إنه إذا حلف الرجل أنه لا يصلى صلاة فصلى بغير وضوء لا يحنث، وإذا حلف أنه ما صلى وكان قد صلى بغير وضوء حنث.
فالفرق بينهما من وجهين، أما قوله لا يصلى صلاة فصلاة مصدر والمصدر لا يكون إلا بعد تمام الكلام ويكون مؤكدا للجملة والتأكيد إنما يكون للحقيقة وإذا تناول الكلام الحقيقة انتفى المجاز فكأنه قال إن صليت صلاة صحيحة أو مقبولة وعلى هذا التأويل الخبر الوارد (لا صلاة إلا بوضوء) تقديره لا صلاة صحيحة أو مقبولة.
والوجه الثاني: أنه حلف على المستقبل واليمين في المستقبل يكون لبيان الأمر وبيانه بالصحة يكون فإذا حلف أنه ما صلى وقد كان صلى بغير وضوء كان إخبارا عنه يحتمل الصدق والكذب لفظا وعرفا كما إذا قال إني أخبرتني أن فلانا قدم فلك كذا فأخبره أنه قدم استحق الجعل، وإن كذب.
وكذلك لو قال إن أخبرتني أن هذا الشهر رمضان وهو شوال فأخبره أنه رمضان استحق وإن كذبا حقيقة.
ولو قال إن أخبرتني بقدوم فلان فله كذا لا يستحق الجعل إلا أذا أخبره بقدومه، وقد قدم لدخول حرف التحقيق وهو الباء كما إذا قال إن أخبرتني بدخول شهر رمضان لا يكون إلا على التحقيق فلذلك افترقا.
* * * مسألة
رجل قال لامراته: أنت طالق إلا أن يقدم فلان، لا تطلق مادام يرجى قدوم فلان، فإن مات فلان قبل أن يقدم طلقت لأنه أدخل كلمة إلا أن، فيما لا يتوقف وهو(2/26)
الطلاق.
فكان هنا في معنى الشرط كأنه قال إن لم يقدم فلان، ولو قال هكذا لا يقع الطلاق مادام يرجى قدومه، فإذا وقع الناس من قدومه بموته وقع الطلاق وهذا لأن كلمة إلا أن حقيقة للغاية فإذا تعذر حملها على الغاية حملت على الشرط ولو قال لها أنت طالق إن كلمت زيدا إلا أن يقدم عمرو، إن كلم زيدا قبل أن يقدم عمرو وطلقت سواء قدم عمرو أو لم يقدم، وإن لم يكلم زيدا حتى قدم عمرو سقطت اليمين لأنه أدخل كلمة إلا أن فيما يتوقف وهو الكلام كأنه يقول كلم فلانا شهرا فكان معناها معنى الغاية، فإن كلم فلانا قبل القدوم حنث لأنه لم توجد غايته، وإن قدم عمرو سقطت اليمين لوجود غايتها فلا يحنث، لأنك إن أدخلت إلا أن فيما يتوقف أردت بها الغاية، وإن أدخلتها فيما لا يتوقف أردت بها الشرط فإن أشكل عليك بالأفعال فاعتبره بالأوقات.
ولو قال أنت طالق إلا أن يجئ الليل صار كأنه قال أنت طالق إن لم يجئ الليل، ولو قال هكذا لا تطلق لأن وجود الليل برجى، ولو قال أنت طالق إن كلمت فلانا إلا أن يجئ الليل صار الليل غاية ليمينه إن كلمه قبل مجئ الليل حنث وبعده لا يحنث.
* * * الأصل في بيان ما يأتي من المسألة إن كلمة لا، رجوع.
وكلمة بل، تدارك.
فإن أدخل كلمة لا قبل إكمال الشرط بالجزاء يصح رجوعه، وإن أدخل بعد إكمال الشرط بالجزاء لا يصح رجوعه، وإنما قلت ذلك لأن الشرط إذا لم يكمل بالجزاء لم يتم اليمين، فصح رجوعه.
أما إذا كمل الشرط بالجزاء تمت اليمين، واليمين بعد تمامها لا يصح الرجوع عنها.
وأصل آخر: إنه متى ذكر بعد كلمة لا بل، من هو محل لوقوع الطلاق كان العطف على الطلاق، ويقتضى مشاركة في الطلاق.
وإن ذكر بعد كلمة لا بل، من ليس بمحل لوقوع الطلاق كان عطفا على الشرط، ويقتضى مشاركة في الشرط.
أصل آخر: إن كل كلمة تستقيم بنفسها لا تتعلق بما قبلها، وكل كلمة لا تستقل بنفسها تتعلق بما قلبها لأن التعلق بما قبلها للضرورة يكون، فإن كانت تستقيم بنفسها فلا ضرورة بنا إلى التعلق.
بيان ذلك.
* * *(2/27)
مسألة رجل له امرأتان، فقال لإحداهما أنت طالق إن دخلت هذه الدار، لا بل هذه لامرأته الأخرى.
فإن دخلت.
الأولى الدار طلقتا، وإن دخلت الأخرى لا تطلق واحدة منهما فكلمة الاستدراك دخلت على الطلاق خاصة لأنه لما قال أنت طالق إن دخلت الدار فقد علق الطلاق بالدخول، فإذا قال لا بل هذه فقد رجع عن الأولى وأقام الثانية مقام الأولى، فرجوعه عن الأولى باطل لأن الشرط قد كمل بالجزاء ولا يصح الرجوع عنه وإقامة الثانية مقام الأولى جائز بالعطف فيقع الطلاق عليها أيضا بذلك الفعل.
ولو قال أنت طالق إن دخلت الدار، لابل فلان تكون هذه مشاركة له في الدخول.
لأنه ليس بمحل لوقوع الطلاق عليه، فأيهما دخل يقع الطلاق.
هذا كما قالوا في رجل قال لامرأته إن نكحت فعبدي حر، يقع على الوطء، وإن كانت أجنبية يقع على العقد بدلالة الحال.
وكذلك لو قال أنت طالق إن شئت لابل هذه، فإن شاءت الأولى طلاقهما جميعا أو طلاق نفسها أو طلاق صاحبتها طلقتا جميعا.
وإن شاءت الثانية لا تطلق واحدة منهما لأن الثانية دخلت في الطلاق لا في المشيئة كما قلنا في دخول الدار.
فإن قيل: إن شاءت الأولى طلاق إحداهما لم يقع الطلاق، ولم لا يكون بمنزلة من قال لامراته أنت طالق إن دخلت الدار، وعبدي حر إن كلمت فلانا إن شاء فلان.
فشاء فلان أحدهما دون الآخر لا تطلق امرأته ما لم يشأ فلان كليهما ؟ قيل له: الفرق بينهما أن في تلك المسألة عطف الثاني على الأولى وعلقهما جميعا بمشيئاة فلان فصارت مشيئته لهما جميعا شرطا، فلما لم يوجد الشرط كله لا يقع الطلاق، أما هاهنا لم يعطف الثاني على الأول وأبدل الثاني مكانه، فرجوعه لم يصح فتعلق كما يمين بمشيئتها على حدة فأيهما وجد يقع الطلاق، ولو قال أن طالق إن دخلت الدار لا بل فلانة طالق طلقت الأخرى من ساعته، وطلاق الأولى معلق بالدخول.
وذلك لأنه أخرج الكلام مخرج الابتداء في طلاق الثانية لأن الكلام الثاني مستغن عن غيره فتطلق الثانية من ساعته، كما لو قال أنت طالق ثلاثا لا بل هذه، تطلق كل واحدة منهما ثلاثا لأن قوله لا بل هذه لا تتم بنفسها فكانت معلقة بما قبلها فكأنه طلق الأولى ثلاثا ثم رجع وأنزل الثانية مكانها فإنزاله صحيح، ورجوعه لا يصح.
* * *(2/28)
مسألة رجل قال لرجل: إن فلان قدم فعبدي حر، فقال له قد قدم ولم يكن قد قدم عتق عبده، لأنه جعل شرط حنثه إلاخبار والإخبار قد يكون كذبا لأن الإخبار موضوع لنفس الإنباء ويحتمل الصدق والكذب معا، قال الله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبإ فتبينوا أن تصيبوا قوما بجهالة) ألا ترى انه قال: (فتبينوا) وقال: (بجهالة) فلو كان للصدق لم يقل ذاك.
ولو قال إن أخبرتني بقدوم فلان لا يعتق ما لم يقدم فلان لأن الباء للإلصاق وإذا تلتصق لا تدخله الباء الزائدة.
لأنك
تقول ضربته بالحجر فما لم يقع الحجر في المضروب لا يسمى ضربا، بل حذفا أو رميا.
لأنك تقول رماه فضربه، ورماه فأخطأه قال امرؤ القيس: وتعدو كعدو نجاة الظبا * ءأخطأها الحاذف المقتدر سماه حاذفا من الخطأ، فأما إلحاق الباء فلا يكون إلا لتحقيق قال الله تعالى: (فنبذ بالعراء وهو سقيم) ألا ترى أنه لما أدخل الباء أراد التحقيق والخبر متى كان موصولا بحرف التحقيق يقع على الصدق دون الكذب، ومتى لم يدخله حرف التحقيق يقعل على الصدق والكذب جميعا.
ولو قال إن أعلمتني لا يقع العتق إلا أن يكون قد قدم لأن العلم لرفع الجهل.
والكذب لا يرفع الجهل.
فصار ضد العلم والعلم مشتق من العلم وهو الجبل قالت الخنساء: وإن صخرا لتأتم الهداة به * كأنه علم في رأسه نار فوصفته بالعلمية، ثم قالت: في رأسه نار لزيادة التأكيد.
ومن هنا قال النحاة اسم علم جعلوه بحيث توضع اليد عليه لمعرفته.
وقيل إنه عبر على النبي صلى الله عليه وسلم رجل فقال: (فيكم من يعرفه ؟) فقال رجل أنا فقال: (ما اسمه) فقال لا أعرفه.
فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (فإنك لا تعرفه) وذلك لأن الاسم العلم عندهم يعرف به الشخص مع الغيبة ويلحق الغائب بالحاضر فلذلك سمى علما.
ومنه العلم أيضا وهى الرواية وسميت راية لرؤية الناس لها عن بعد، وسميت علما لعلم الناس لها أنها لبنى فلان دون بنى فلان وإن لم يرو الأشخاص ولو قدم فلان وعلم به الحالف ثم أعلمه المحلوف له لا يعتق عبده لأنه أراد الإعلام من جهته، وكذلك البشارة ولأن البشارة مشتقة من البشر والبشر مشتق من البشرة وهو ما على الجلد لأن المبشر أولا إذا بشر الرجل بما بشره ظهر من وجهه دم يعرف منه الفرح، وذلك لأن القلب إذا صادفه ما يسره تنتصب منه عروق(2/29)
لانبساطه وتلقيه ذلك الأمر بسرور فيظهر على الوجه منه ما يعرف الرائى به قد فرح
وذلك ضد الحزن، لأن الحزن يقبض القلب فإذا انقبض تجمعت تلك العروق فيمتقع لون الحزين.
قال الله عز وجل: (يبشرهم ربهم برحمة منه ورضوان) وذلك لأنهم لم يكونوا متحققيها فسماها بشارة: ولو كان له نية حمل على نية في ذلك لأن هذه الأسماء منها ما هو حقيقة ومنها ما هو مشتق ومنها ما هو مجاز فإذا عضدت النية شيئا من ذلك تحقق بالنية.
* * * مسألة رجل قال لامرأته: أنت طالق في دخولك الدار.
لا تطلق حتى تدخل الدار لأن الطلاق إذا علق بالموجود نزل من ساعته ومتى علق بالمعدوم ينتظر وجوده والأصل في أن تكون وعائية وهى حرف، وحروف الجر يقوم بعضها مقام بعض قال الله تعالى: (فادخلي في عبادي وادخلي جنتي) أي مع عبادي.
وقال تعالى: (لأصلبنكم في جذوع النخل) أي على جذوع النخل.
فإذا جاءت في الفظ على غير معناها الأصلى قامت مقام الحرف الذى يكون بمعناها، وهاهنا هي بمعنى مع فعلمت عملها فإذا قال: أنت طالق في دخولك الدار صار كأنه قال مع دخولك الدار.
ومع فهى كلمة صحبة وقران ومن شرط القران أن لا يكون فرقة.
قال الله تعالى: (ومن يعش عن ذكر الرحمن نقيض له شيطانا فهو له قرين) أي مقارن وأصل القران أن يقرن بين البعيرين لجر الغرب إذا كانت المنساة بعيدة.
فلا يقع الطلاق إلا بعد استكمال الدخول حتى تكون لكلمة القران أثرا حقيقا.
ولو قال: أنت طالق في الدار يقع من ساعته لأنه أوقع الطلاق وخصه بالمكان والطلاق لا يختص بالمكان وإنما يختص بالعقد ولما وصف الطلاق بما لا يوصف به صار ذلك لغوا ووقع الطلاق من ساعته، ولا يتصف بظروف الأمكنة ولا الأزمنة.
مثال الأمكنة أنت طالق في الدار، وأما الأزمنة أنت طالق في غد لأن الطلاق لا يوصف بالظروف وإنما
يوصف بما يلائمه ويضاف إلى الأفعال ومتى أضيف إلى الأفعال ينزل منزلة الجزاء.
* * * مسألة رجل قال لامرأتين له: إن ولدتما ولدا فأنتما طالقان، فولدت إحداهما يقع(2/30)
الطلاق عليهما لأنه علق الطلاق بفعل واحد وأضافه على اثنين وذلك الفعل يستحيل وجوده منهما فوجب وقوع الطلاق بوجوده من واحدة منهما.
ولو أنه كان لا يستحيل وجوده منهما لكان يقع فكيف مع الاستحالة وذلك أن الله تعالى قال: (يا معشر الجن والإنس ألم يأتكم رسل منكم يقصون عليكم آياتى وينذرونكم لقاء يومكم هذا) فلئن قال قائل في ذا نظر قلنا فقد قال تعالى: (يخرج منهما اللؤ لؤ والمرجان) ولم يخرج ذلك إلا من المالح وقال أيضا في قصة موسى وفتاه (فنسيا حوتهما) ولم ينس إلا يوشع ثبت أن الكلام بضاف إلى اثنين ويراد به أحدهما هذا مع عدم الاستحالة فكيف مع وجودها.
والوجه في ذلك أنه لما قال إذا ولدتما ولدا.
لو صرفناه إليهما كان باطلا وإن صرفناه إلى إحداهما يصح، إنما يحمل الكلام على الصحة دون الفساد فصرفناه إلى ما يصح.
فإن قال قائل: لم أضربت عن الكلام في قوله تعالى: (ألم يأتكم رسل منكم).
قلت: لأني كتبت هذا الكتاب للاختصار والإيجاز ولئلا يمل الناظر منه لطوله فتركت كثيرا مما جاء عن أبى حنيفة في الفن الذى ذكره الخطيب ونفى علمه عن أبى حنيفة، فلأن اقتصر عن ما لم يكن الغرض أولى لأن القائل كان يقول ليس يمكن الرسالة من الجن لأنه ليس بمحل لهذا الأمر ولأنه لا فائدة في إرساله لأحدى الفئتين فإن الإنس يعتقدون أن الجن يقدرون على الإتيان بما لم يأت به الإنس فلا فائدة في إرساله والجن يعلمون أن الإنس لا يقدرون على الإتيان بمثل هذا.
قلنا: محال فإن
الجن قد رءوا من معجزات داود وغيره من الأنبياء صلوات الله عليهم ما أعجزهم.
والسبب الموجب للرسالة من الغانس هو مصلحة للفئتين ما لم يكن من الجن وإنما أردت أن أعرف أن الإضافة تجوز فيما يستقيم وفيما يستحيل.
لو قال: إن ولدتما أو قال إن ولدتما ولدين لا يطلقان حتى يوجد من كل واحدة منهما مثل ما يوجد من الأخرى، لأنه أضاف إلى كل منهما فعلا كما قلنا في قصة يوسف (يا بنى لا تدخلوا من باب واحد).
* * * مسألة رجل قال لأربع نسوة له: إذا حضتن حيضة فأنتن طوالق فقالت واحدة منهن حضت.
إن صدقها يقع على كل واحدة منهن طلقة لما ذكرت وهو أنه علق الطلاق(2/31)
بما يستحيل وجوده منهن فتعلق وجوده من إحداهن.
وإن كذبها يقع عليها خاصة لأنها مصدقة في حق نفسها غير مصدقة في حق الباقين وهى أمينة في هذا فقادتنا الضرورة إلى تصديقها، وكذلك لو قالت كل واحدة منهن حضت فكذبهن أو صدقهن يقع على كل واحدة تطليقة.
ولو قال: إذا حضتن فأنتن طوالق لا يطلقن حتى تحيض كل واحدة منهن حيضة هذا إن صدقهن.
وإن قالت واحدة منهن حضت لا يقع عليها الطلاق سواء صدقها أو كذبها لأن الحيض لا يستحيل وجوده منهن.
وكذلك إن صدق اثنتين ولو صدق ثلاثا وكذب واحدة يقع عليها خاصة لأنه ظهر حيض الثلاث بالتصديق وهى مصدقة في حق نفسها ولا يقع على المصدقات لأنه لم يظهر حيض المكذبة في حقهن لأنه لا يمكن الحيضة الواحدة منهن جميعا.
ولو قال لأربع نسوة له: كلما حضتن حيضة فأنتن طوالق فقلن جميعا حضنا حيضة، أن كذبهن يقع على كل واحدة منهن طلقة لأن كل واحدة منهن مصدقة
في حق نفسها والطلاق معلق بوجود حيضة واحدة منهن جميعا وقد ظهرت بأمانتهن.
وإن صدقهن يقع على كل واحدة منهن أربع طلقات إلا أنه لا مزيد على الثلاث وتلغ الواحدة.
لأن الزوج علق الطلاق بوجود حيضة واحدة منهن بكلمة متكررة فإذا صدقهن فقد ظهر أربع حيض، وإن صدق الواحدة وكذب الثلاث طلقن الثلاث المكذبات كل واحدة تطليقتين والمصدقة تطليقة واحدة لأنه لم يظهر في حق المصدقة إلا حيضة واحدة وهى حيضها وفى حق المكذبات ظهر قولها في حقها وقول المصدقة لما تقدم، ولو صدق اثنتين وكذب اثنتين يقع على كل واحدة من المصدقتين اثنتان وعلى كل واحدة من المكذبتين ثلاث واحدة بقولها واثنتان بقول المصدقتين، ولو صدق الثلاث وكذب الواحدة طلقت المكذبة أربع إلا أنه لا مزيد على ثلاث وطلقت كل واحدة من المصدقات ثلاثا.
* * * مسألة رجل قال لرجل: إن بعث لك ثوبا فعبدي حر، فدفع المحلوف عليه ثوبه إلى رجل وأمره أن يدفعه إلى الحالف ليبيعه فدفع الرجل الثوب إلى الحالف فباعه فإن قال الرسول للحالف بع هذا الثوب لفلان المحلوف عليه فباعه حنث، وذلك لأنه حلف على فعله وأضافه إلى فلان فمتى عمل عملا مضافا إلى المحلوف عليه حنث لأن يمينه(2/32)
لمنع نفسه عن التزام الحقوق بينه وبين المحلوف عليه لأن الحقوق هي من الأفعال فما لم يجب الفعل لا يجب الحق بدليل أنه يدفع الثمن إليه لو استحق فله أن يرجع عليه.
وإن قال للرسول: بع هذا الثوب فباعه لا يحنث لأن هذا التفعل للرسول لا للمرسل لأنه نفى الحق للمحلوف عليه وهنا إنما التزم الحق للرسول، ألا ترى أنه لو استحق إنما يرجع على الرسول، ولو باع ثوب غيره بأمر المحلوف عليه حنث لأنه إنما التزم
منع الفعل عنه ولم يلتزم الملك ألا ترى أنه لو قال إن خطت لك ثوبا، إنما اليمين على الخياطة وهى الفعل لا على الملك والعمل إذا كان لا يجرى فيه النيابة يقع على الملك، وليس كذلك إن قال إن ضربت عبدا لك فهنا لا يكون العمل للمحلوف عليه فيقع على الملك قال الله تعالى: (استغفر لهم أولا تستغفر لهم).
فأضاف فعل النبي صلى الله عليه وسلم إليهم لأن استغفاره لأجلهم وذلك لأنه متى حلف على عمل في المعمول وأضافه إلى إنسان إن أضاف المعمول إليه يقع يمينه على الملك دون الأمر، وإن أضاف العمل إليه فإن كان العمل مما يجرى فيه النيابة يقع على الملك.
* * * مسألة رجل قال لعبديه: إن ضربتكما إلا يوما فامرأتي طالق، فله أن يضربهما أي يوم شاء لأنه نفى ضربهما في جميع الأوقات إلا يوم الاستثناء.
لأن قوله إن ضربتكما إلا يوما نكرة في سياق الإتيان فيخص إلا إذا كانت موصوفة وإنما يقع في يوم واحد فإذا جمع ضربهما في يوم واحد تعين الاستثناء فعند ذلك إذا ضربهما مجتمعا أو متفرقا حنث، فإن ضرب أحدهما يوم الجمعة والآخر يوم السبت لم يحنث ما لم تغرب الشمس وما ضرب الآخر لجواز أنه يعيد الضرب عليه فإن غربت الشمس ولم يضربه حنث لأن الضرب وجد منه إلا أنه في غير يوم واحد حتى يصح الاستثناء.
ولو ضرب أحدهما دفعان في أيام متعددة لم يحنث لأنه إنما حلف على ضربهما جميعا واستثنى يوما واحدا ولم يحلف على ضرب أحدهما فصار كأنه قال إلا يوما واحدا أضربكما فيه: ولو قال: والله لأضربكما إلا يوم أضربكما فيه، أو إلا يوما أضربكما فيه، أو إلا في يوم أضربكما فيه، فأى يوم جمع ضربهما فيه فهو مستثنى.
والفرق بينهما أنه في المسألة الأولى قال: إن ضربتكما إلا يوما ما فخص بالاستثناء يوما واحدا لإيقاع الفعل بهما جميعا.
والمسألة الأخرى قال: والله لا أضربكما إلا(2/33)
يوما أضربكما بقدره لأضربكما إلا يوم أجمع فعلى بكما.
كأنه حلف جميع على جميع فعله بهما في يوم مستثنى من غيره من الأيام وهذا اليوم المستثنى نكرة فأى يوم أوقع فيه الحنث وجود المسمى دون المستثنى والنكرة في النفى تعم وفى الإثبات تخص، إلا إذا كانت موصوفة فحينئذ تعم، إلا إذا قرنها بحرف الفرد فحينئذ تخص.
* * * مسألة إذا كان لرجل ثلاثة أعبد سالم وبزيع ومبارك.
فقال: سالم حر، أو سالم وبزيع حران، أو سالم وبزيع ومبارك أحرار.
يؤمر بالبيان، لأنه أوقع العتق بأحد الأقوال لأن أو حرف شك وهو أدخلها بين الأقوال الثلاثة لأنه ردد الشك بين أقواله لأنه لما قال سالم حر كان الواجب العتق فلما أدخل حرف الشك بين المرة الأولى والثانية وعطف عليه بزيعا فقال أو سالم وحده، وبين سالم وبزيع معا ثم قال أو سالم وبزيع ومبارك أحرار فجرى مثل الأول فوقع الشك في أقواله فلما وقع الشك كان البيان إليه مادام حيا فإن أردت القول الأول عتق سالم وحده، وإن قال أردت الكلام الثاني عتق سالم وبزيع، وإن قال أردت الكلام الثالث عتق الكل.
وذلك لأن أو لأحد ما دخلت عليه.
قال أبو على: منها أو وهى لأحد الشيئين أو الأشياء في الخبر وغيره.
تقول كل السمك أو اشرب اللبن، أي افعل أحدهما ولا تجمع بينهما ومن ثم قلت: زيد أو عمرو قام كما تقول أحدهما قال ولا تقول قاما.
فأما إذا قلت كل خبزا أو لحما أو تمرا فأردت الإباحة فكأنك قلت كل هذا الضرب فيما ذكرته لأحد الأشياء قائم فيه لأنه لو أكل أحد هذه الأشياء كان مؤتمرا ولو كانت كالواو لم يكن قد ائتمر حتى يجمع بينها كلها وأما منزلتها في أنها تكون لأحد الأمرين أو الأمور إلا أنها تؤذن أن الكلام على الشك.
قال سيبويه: و (أو) قد يجوز فيها أن يكون المبنى وقع على اليقين
ثم أدرك الشك كما قلنا سالم حر أو سالم وبزيع فإنه أوقع على اليقين ثم أدركه الشك قال: فقلنا لهم ثنتان لابد منهما * صدور رماح أشرعت أو سلاسل كأنه قال أحدهما صدور رماح أو سلاسل.
فإن مات المولى قبل البيان عتق سالم كله لأنه لا شك في عتقه لأنه دخل في الثلاث مرات أما بزيع عتق نصفه لأنه يعتق(2/34)
بالكلام الثاني والثالث لأنه دخل في لفظين ولا يعتق بالكلام الأول فإذا كان يعتق في حالين ولا يعتق في حال فبقى الشك في العتق أولا وحالة العتق حالة واحدة والشك إنما هو هل عتق أم لا فعتق نصفه ويسعى في النصف فكأنه عتق في حال ورق في حال وأما مبارك فيعتق ثلثه لأنه لا يعتق بالكلام الأول والثانى إنما يعتق بالكلام الثالث فيعتق في حال ويرق في حالين ويسعى في ثلثى قيمته لأن أحوال الرق أحوال أحوال العتق واحدة لأن الرق يكون مملوكا ومدبرا ومكاتبا والعتق حالة واحدة هذا إذا كان القول منه في حال الصحة أما إذا كان في حال المرض ولا مال له غير هؤلاء العبيد ولم تجز الورثة فالثلث يقسم بينهم على قدر عتقهم فيصيب سالم جيع رقبته ويصيب بزيع نصف رقبته ويصيب مبارك ثلث الرقبة فهذه وصية كل واحد منهم فيحتاج إلى حساب ليتبين نصيب كل واحد منهم على الحقيقة والحساب يحتاج أن يكون له نصف صحيح وثلث صحيح وأقله ستة فسالم يضرب لجميع الرقبة وهى ستة وبزيع يضرب بنصف الرقبة وهى ثلاثة ومبارك يضرب بثلث الرقبة وهى اثنان فذلك أحد عشر فغالب المسألة بخمسة فاجعل ثلث المال على أحد عشر سهما فإذا صار ثلث المال أحد عشر سهما صار الجميع ثلاثة وثلاثين وماله هؤلاء العبيد كما تقدم تعين أن كل عبد صار أحد عشر سهما فأما سالم فعتق منه ستة ويسعى في خمسة وبزيع عتق منه ثلاثة ويسعى في ثمانية ومبارك عتق منه سهمان ويسعى في
تسعة فصارت جملة السعاية اثنين وعشرين وهى ثلاثة وثلاثين بالعول وصارت وصاياهم أحد عشر فاستقام على الثلاثة والثلاثين هذا إذا لم يخرجوا من الثلث ولو خرجوا من الثلث أو لم يخرجوا وأجازت الورثة فالجواب كما خرج.
ولو لم يكن له إلا عبدان فقال سالم وبزيع حران يؤمر بالبيان فإن قال عنيت الكلام الأول عتق سالم كله وإن قال عنيت الكلام الثاني عتقا جميعا لما ذكرت ولو مات من غير بيان عتق سالم كله ونصف بزيع لأن سالما لا شك في عتقه لأنه ذكر عتقه في المرتين وأما بزيع فيعتق بالكلام الثاني ولا يعتق بالكلام الأول فإذا كان يعق في حال ولا يعتق في حال عتق نصفه ويسعى في نصف قيمته ولو كان القول منه في حال المرض إن خرج من الثلث فكذلك وإن لم يخرج وأجازت الورثة فكذلك، وإن لم تجز الوثة فيقسم الثلث بينهما فيعتق سالمكله ونصف بزيع فالنصف مخرجه من سهمين فسالم يضرب بسهمين وبزيع بسهم صار ثلاثة أجعل هذا ثلث المال كما تقدم وثلثاه مثلا ذلك وذلك ستة فالجميع تسعة وماله لرقبتان وتسعة ليس لها نصف صحيح فضعف(2/35)
فيصير ثمانية عشر فيعتق من سالم خمسة ويسعى في أربعة ويعتق من بزيع سهمان ويسعى في سبعة فاستقام على الثلاث والثلاثين.
ولو قال سالم حر أو سالم وبزيع عتقا لأنه.
وضع كلمة الشك في غير الأفعال فلم يفد لأن الشك لا يكون في الإعلام إنما يكون في خبرهم فلما قال سالم حر أو سالم فلم يفد فوقع عليه العتق إذ لم يكن للشك هنا مدخل فعتق وعطف بزيعا فأشركه في الفعل فعتق أيضا فصار كأنه قل سالم حر وبزيع فعتقا.
* * * مسألة رجل قال لامرأته: إن دخلت الدار فأنت طالق يصير الطلاق معلقا بدخول الدار
لأن هذا شرط وجزاء فيكون الطلاق معلقا بدخول الدار ولأن الفاء تكون جوابا للشرط كقوله تعالى: (إن تبدوا الصدقات فنعما هي) فإن قال إن دخلت الدار أنت طالق طلقت في ساعته لأنه لم يأت بجواب الشرط وهى الفاء فصار كلامه مبتدأ وخبرا كأنه قال أنت طالق ولو قال إنما عنيت الشرط والجزاء وحذفت الفاء جواب الشرط كما قال تعالى: (فمن يرد الله أن يهديه يشرح صدره للإسلام) أي فيشرح صدره وكما قيل: (من يفعل الحسنات الله يشكرها).
قلنا: ندينك فيما بينك وبين الله ولا ندينك في القضاء لأن جواب الشرط بالفاء وقد يجوز حذفها لكن على سبيل الجواز.
قال سيبويه: يجوز في الشعر ويقبح في الكلام إلا أنه لما جاز صار فيه شبهة لمن أراد التعلق به فلذلك دين فندينك فيما بينك وبين الله تعالى.
وأما الظاهر لنا فهذا طلاق منجز كما تقول أنت طالق لأنا لا نعرف ما في ضميرك ولأن الطلاق مرسل ومضاف وشرك وجزاء فما كان شرطا وجزاء فهو كما ذكرت وما كان مرسلا يقع من ساعته كقوله أنت طالق والمضاف يؤخر إلى وقت ينزل عند وجود وقته.
* * * مسألة رجل قال لامرأته: أنت طالق يا زانية إن دخلت الدار.
لا يقع الطلاق ما لم تدخل الدار لأن قوله يا زانية نداء والنداء لا يفصل بين كلامين كما لو قال أنت(2/36)
طالق يا عمرة إن دخلت الدار لا يكون هذا النداء فاصلا بين الشرط والجزاء ولا يلزمه حكم القذف من اللعان والحد لأن هذا قذف معلق بالحظر فلا يوجب اللعان ولا الحد، كما إذا قال لرجل إن دخلت الدار فأنت زان لا يحد وإنما قلنا إنه معلق بالشرط لأنه إذا تعلق الأبعد وهو قوله أنت طالق فتعلق الأقرب أولى به وإنما لا يجب
الحد بالقذف المعلق لأنه لا يورث تهمة بالمقذوف لأنه لم يعلقه بالشرط قصدا لكنه تعلق به حكما لأن كلامه أو حد فإذا لحق الشرط في آخره انصرف إلى جميع الكلام فإنه لو جعله كلامين يصير فاصلا بين الشرط والجزاء والنداء لا يفصل بينهما ولو قال لامرأته يا زانيه أنت طالق إن دخلت الدار يكون قاذفا لها لأن قوله يا زانية قذف منه وليس القذف إلا هذه الصيغة وقوله أنت طالق إن دخلت الدار شرط وجزاء، والشرط والجزاء لا تعلق له بالنداء وإذا لم يتعلق بالنداء حظر صار ذلك صريحا بالقذف ولأنه ليس من ضرورة تعلق الأقرب بالشرط تعلق الأبعد، والفرق بينهما أنه متى خلل النداء لا يصير فاصلا بين الشرط والجزاء ولا يظهر له حكم وليس كذلك إذا قدم لأنه لا تعلق به في الحظر فإن القذف ليس إلا هذه الصيغة أو أن تأتى باسم الإشارة وهو قوله هذا زان، وأما قوله أنت طالق يا زانية إن دخلت الصار قوله يا زانيه متعلقا بدخول الدار وإذا كان معلقا بالحظر لا يوجب له حكما لأن المعلقات لا توجب حكما إلا عند وجود المعلق به والقذف ما لم يكن صريحا لا يوجب حكما.
* * * مسألة رجل قال: إن كان في يدى دراهم إلا ثلاثة دراهم فجميع ما في يدى من الدراهم على المساكين صدقة، فإذا في يده خمسة دراهم لا يجب عليه أن يتصدق بشئ لأن ثلاثة دراهم مستثناة من يمينه وشرط حنثه دراهم سوى ثلاثة دراهم في يده وليس في يديه سوى ثلاثة دراهم مستثناة من يمينه وشرط حنثه دراهم سوى ثلاثة دراهم في يديه وليس في يده سوى ثلاثة دراهم حاشا درهمين، ودرهمان لا يستحقان اسم الدراهم لأن العرب قالوا درهم ودرهمان وثلاثة دراهم فأفردوا لكل عدد صيغة والاستثناء يعرف جنس المستثنى منه.
ولو كان في يده ستة دراهم أو
أكثر يجب عليه أن يتصدق بالكل ولو قال إن كان في يدى من الدراهم سوى ثلاثة(2/37)
دراهم فجميع ما في يدى صدقة فكان في يده خمسة فعليه أن يتصدق بها لأنه نطق بحرف يكون لا بأنه الجنس وهو من لأنه لما قال إن كان في يدى من الدراهم سوى ثلاثة دراهم فقد بين الجنس والجنس يقتضى الواحد فصاعدا ثم ذكر لفظا يقتضى العدد فعرف بصيغته والألف واللام إنما يدخلان للسابق المعهود أولا بأنه الجنس وهنا هي لا بأنه الجنس قال الله تعالى: (فاجتنبوا الرجس من الأوثان) ولم يرد به بعضهم وإنما أمراد به الاجتناب من الجنس من الجنس وقال تعالى: (ليغفر لك الله ما تقدم من ذنبك وما تأخر) ولم يرد به البعض فإذا ثبت أن كلمة من تستعمل لإبانة الجنس وتستعمل للتبعيض وفى هذه أدخل اللام وهى للتعريف فصارت كلمة من للتجزئة والتبعيض وهناك لم تدخلها اللام فصارت كلمة من لإبانة الجنس دون التجزئة فصار كأنه قال إن كان في يدى أكثر من ثلاثة دراهم فجميع ما في يدى صدقة ولو قال كذا لوجب عليه أن يتصدق بالكل.
* * * مسألة رجل قال لامرأته: أنت طالق ثلاثا قبل أن أقربك لا يكون مؤليا وتطلق من ساعته لأنه أتى بمبتدإ وخبر ولم يضفه إلى شئ إلا إلى قبل القربان وهذا الوقت قبل القربان فوقع الطلاق وسقطت اليمين وقد يجوز أن يوسف الشئ قبل وجود ذلك الشئ قال الله تعالى: (من قبل أن نطمس وجوها فنردها) فوصف ها بالطمس ولم يوجد ولو قال أنت طالق ثلاثا قبيل أن أقربك صار مؤليا ولا يقع الطلاق ما لم يقربها لأن قبيل تصغير التقريب لأن التصغير على وجوه تصغير التحقير كما تقول لقيت الرجيل وفعل الصبى وتصغير التعظيم كما قال أنا جديلها المرجب وعذيقها
المحكك ألا ترى أنه وصف روحه بالمرجب، ورجب أيضا من التعظيم سمى وهو الشهر فلما وصف روحه بالعظمة ما بقى يمكن أن يحمل على التصغير ولا سيما أن هذا القول كان يوم سقيفة بنى ساعدة وإنما كان يريد الفخار ويطلب الأمر فكيف يكون هذا مع التصغير وتصغير الحنة والشفقة كقوله تعالى: (يا بنى إنها إن تك) ما أراد تصغير ابنه.
وتصغير التقريب هذا الذي ذكره أبو حنيفة كما تقول وضعته فويق الحائط فهذا لا يمكن أن يكون للتصغير وإنما أراد التقريب كما تقول: (اقعد إلى جنيبى) إنما تريد القرب قال الشاعر:(2/38)
وقعد علوت قتود الرحل يسفعنى * يوم قد يديمه الخوراء مسموم فلما كان كذلك صار اسما لوقت قريب ليس بينه وبين القربان وقت فلا يطلق، ولو قال كذلك كان إيلاء بلا شك.
قال سيبويه في هذا: باب ما يحقر لدنوه من الشئ وليس مثله وذلك هو أصغر منك إنما أردت أن تقلل الذى بينهما ومن ذلك قولك هو دوين ذاك وهو فويق ذلك ومن ذلك أن يقول أسيد أي قد قارب السواد ومن هنا قولهم كميت لأنه لم يخلص إلى الحمرة ولا إلى السواد فلما قارب اللونين سمى مصغرا.
* * * مسألة أصل هذه المسألة: تدور على حرف (أو)، و (أو) تكون على وجهين: أحدهما للشك، وهى لأحد ما تدخل عليه.
والآخر أن تكون بمعنى الإباحة، كما تقول: (جالس الحسن أو ابن سيرين) لا تريد مجالسة أحدهما.
قال الشاعر: إذا ما مات ميت من تميم * مسرك أن يعيش فجئ بزاد بخبز أو بلحم أو بتمر * أو الشئ الملفف في البجاد
وقال في الوجه الآخر: وكنت إذا غمزت قناة قوم * كسرت كعوبها أو تستقيما والطبيب إذا كان يعالج مريضا يقول له: (كل فروجا أو دراجا) - يعنى: كل أحدهما.
والمسألة تنقسم على أربعة أوجه: إما أن يضع حرف (أو) بين منع ومنع، أو بين إثبات وإثبات، أوبين منع وإثبات، أو بين إثبات ومنع.
رجل قال: (والله لا أدخل هذه الدار أولا أدخل هذه الدار) فأى الدارين دخل حنث لأنه عطف منعا على منع بحرف التخيير فكان ممنوعا عن دخول كل دار على حدة، فإذا دخل إحداهما فقد وجد شرط الحنث.
وأما إذا وضع بين إثبات وإثبات كما لو قال: والله لأدخلن هذه الدار أو لأدخلن هذه الدار الأخرى.
فأيهما دخل بر في يمينه فأو هاهنا للتخيير كما تقول خذ هذا أو هذا كأنك قلت خذ أحدهما، وأما إذا وضع بين منع وإثبات كما إذا قال والله لا أدخل هذه الدار أو أدخل هذه الدار اليوم فإن دخل الدار الأولى حنث وإن دخل الثانية بر لوجود الشرط لأنه جعل حرف أوبين(2/39)
المنع والإثبات ووقت فقال اليوم.
دخل الدار الأولى بعد ذلك أولم يدخل لأنه كان مخيرا فيه وإن مضى اليوم قبل أن يدخل حنث في اليمين الثانية لأنه أوجب على نفسه الدخول ولم يوجود وأما إذا وضعها بين إثبات ومنع كما إذا قال والله لأدخلن هذه الدار أولا أدخل الدار أبدا إن دخل الدار الأولى بر وسقطت اليمين لأنه كان مخيرا فيه وإن مضى اليوم ولم يدخل حنث في يمينه لأنه أوجب على نفسه الدخول في الدار الأولى في اليوم ولم يوجد وما أذا أدخل كلمة الشك بين منع وإثبات ولم يوقت كما إذا قال: والله لا أدخل هذه الدار أو لأدخلن هذه الدار فإن دخل الدار الأولى حنث لأنه وجد الدخول بعد المنع وإن دخل الثانية بر لأنه عقد على الأثبات وقد وجد.
وإن مات ولم يدخل إحداهما بر لأن قوله أو أدخل للغاية وتقديره حتى
أدخل.
قال الله تعالى: (يقاتلونهم أو يسلمون) كأنه قال حتى يسلموا كما ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم: (أمرت أن أقاتل الناس كافة حتى يقولوا لا إله إلا الله، فإذا قالوا عصموا منى دماءهم وأموالهم إلا بحقها) فقد جاء في الكتاب بأو، وفى الأثر بحتى لأن المعنى واحد كما لو قال: والله لا أدخل هذه الدار وهذه الدار وهذه الدار.
ولو قال والله لا أدخل هذه الدار أو أدخل هذه الدار وهذه الدار صارت هايتن الدارين الآخرتين غاية ليمينه فأيهما دخل بر ولو دخل الأولى أولا حنث لأن اليمين لم ينته غايتها ولو مات قبل أن يدخل الأولى بر لأنه الغاية وحقيقة هذا أنه متى ذكر كلمة أو بعد كلمة النفى وبعده مثبت تكون للغاية.
* * * باب ما جاء من المسائل اللغوية مسألة رجل قال لامرأته: أنت طالق إن لم أهدم هذا الحائط اليوم فهدم بعضه ولم يهدم الباقي حتى خرج اليوم طلقت امرأته.
وكذلك لو قال إن لم انقض هذا الحائط لأن الهدم عبارة عن إفاتة تأليف أجزاء جميع الحائط.
وكذلك النقض لأنه ضد التأليف فما دام التأليف باقيا لا يكون نقضا والهدم ضد البناء فما دام شئ من البناء باقيا لا يكون هدما ولو نوى هدم بعضه فهو على ما نوى قال الله تعالى: (لهدمت صوامع) معناه أنها هدمت إلى أن لا يبقى صوامع وكذلك النقض قال الله تعالى: (ولا تكونوا كالتى نقضت غزلها من بعد قوة أنكاثا) في قصة ريطة وكانت امرأة(2/40)
مجنونة تغزل جميع ليلها وتنقض جميع نهارها حتى لم تبق غزلا.
ولو قال أكسر كان على البعض لأن الكسر ضد الجبر وهو افتراق الاتصال ليس إلا في الصلاب وما كان في اللحم يكون جرحا أو قطعا والقطع يقع على الاثنين
لأن القطع من التقاطع وهو أن ينقطع حكم كل واحد منهما عن الآخر جملة كافية فأما فيما يتصل فمجاز ثم اعلم أن الأسماء على نوعين اسم جنس واسم نوع واسم الجنس يقع على الخاص والعام واسم النوع يقع على الخاص دون العام، والهاء على ضربين هاء إفراد واسم الجنس كما تقول حيوان فإنه يقع على جميع الحيوانات فإن خصصت نوعا منه قلت إنسان فإنسان حيوان أيضا ولكن يختص بقولنا إنسان من دون سائر الحيوانات وكذلك إن وصفناه بناطق أيضا وهاء الإفراد أكثر من أن أصف لك مثل عمامة وقلنسوة وشعيرة وقمحة وهاء التأنيث امرأة ويتيمة وغلامه فإن مذكر ذلك يتيم وامرؤ وغلام.
* * * مسألة رجل.
قال: عبده حر إن أكل لحم دجاج أبدا فأكل لحم دجاجة أو ديك حنث لأن الدجاج اسم جنس يقع على الذكر والأنثى قال جرير: لما تذكرت بالديرين أرقني * صوت الدجاج وضرب بالنواقيس والأنثى منهن لا تصيح وإنما يصيح الذكر فدل على أن الهاء للأفراد، لا التأنيث وذكر الجوهرى في الصحاح أن الهاء في الدجاجة للأفراد، ولو حلف لا يأكل لحم دجاجة فهو على الأنثى لأن الهاء للتأنيث إذ لم يكن لها من جنس لفظها ذكر فحملت على الحقيقة كما أن اسم الديك يقع على الذكر خاصة ولو حلف لا يأكل لحم جمل أو بعير أو إبل أو جزور هذا كله يقع على الذكر والأنثى وعلى العربي والبختي لأنه اسم جنس يتناول الكل لأن العرب نسبت الصنعة إلى صانعها كما نسبت سائر الصناعات فقالت جمال كما قالت حداد وبغال وما كان على وزن فعال ولم يفرقوا بينهم.
ولو حلف لا يأكل لحم بقر فأكل لحم ثور أو بقرة حنث لأن البقر اسم جنس والبقرة أيضا كذلك.
ولو أن رجلا وكل رجلا في أن يشترى له بقرة
فاشترى له ثورا جاز ألا ترى أن رجلا لو حلف أن لا يملك عشرين بقرة فملك(2/41)
عشرين بقرة إناثا وذكورا يحنث واسم الثور يقع على الذكر خاصة لأنه اسم نوع واسم الشاة يقع على الذكر والأنثى جميعا.
قال أبو دؤيب الشاعر: فلما رآه قال لله من رأى * من العصم شاة مثل ذا في العواقب وما قال مثل هذه لأنه لم يرد التأنيث.
وقال آخر: * أو أسفع الخدين شاة أر أن * لأنه اسم جنس والكبش اسم نوع يقع على الذكر خاصة وانعجة اسم نوع يقع على الأنثى خاصة.
قال جران العود: أو نعجة من نعاج الرمل أخدلها * عن إلفها واضح الخدين مكحول ولو حلف لا يأكل لحم البقر فأكل لحم الجواميس لا يحنث لأن أو هام الناس لا تنصرف إليه عند ذكر البقر والأيمان محمولة على معاني كلام الناس وجمعه في باب الزكاة لا يدل على أنه من نوعه في باب اليمين فصار في الزكاة كالعنز يضم إلى الضأن والكبش إلى النعاج، ومع ذلك لو حلف لا يأكل لحم شاة فأكل عنزا لا يحنث والفرس اسم للعربي ويقع على الذكر والأنثى، والبرذون اسم للبخاتي والتركى غير العربي ويقع على الذكر والأنثى، والخليل يقع على الجميع لأن الخليل اسم جنس والفرس اسم نوع والفرس والبرذون اسم نوع قد روى عن سعيد بن المسيب رضى الله عنه أنه سئل عن صدقة البراذين فقال: أو في الخيل صدقة ؟ فسماها خيلا.
ولو حلف لا يركب حمارا يقع على الذكر والأنثى، لانه اسم جنس لأنهم يرون أن ابن عباس رضى الله عنه قدم على حمار ذكر وما أرادوا ذلك إلا ليبينوا النوع والآتان للأنثى والعير للذكر.
وقد قيل حمار للذكر وحمارة للأنثى ولو حلف لا يركب حمارة يقع على الأنثى خاصة.
قال الخطيب: أخبرنا البرقانى حدثنا محمد بن العباس الخزاز حدثنا عمر بن سعد حدثنا عبد الله ابن محمد حدثنى أبو مالك بن أبى بهز البجلى عن عبد الله بن صالح عن أبى يوسف، قال: قال لى أبو حنيفة: إنهم يقرأون حرفا في يوسف فليحنون فيه.
قلت ما هو ؟ قال قوله: (لا يأتيكما طعام ترزقانه) قلت: فكيف هو ؟ قال ترزقانه(2/42)
هذه القراءة لم يخرج بها أبو حنيفة عن الأصل لأن الأصل في ضمير الذكور هو الرفع لأنك تقول هو، وضمير المؤنث هي، هذه المسالة التى جرت بين سيبويه الكسائي لأن الكسائي جعل ضمير المؤنث منصوبا فقال: إياها وسيبويه كان معه الحق فمن عرف هذا عرف ما قلت، لأن الهاء عائدة إلى الرزق وهو مذكر وعلى هذا قرأ من قرأ (فخسفنا به وبداره الأرض) ألا ترى أنه لما جاء إلى ضمير المذكر أجراه على الأصل وإنما كسر من كسر الهاء من ضمير المذكر في المجرورات اتباعا للكسرة كما أمال من أمال للاتباع، وأن الهاء حرف خفى أخفى من الألف فلما ساغ لهم الإمالة في الألف مع أنها أشد من الهاء فلأن تمال الهاء أجدر.
وأما قوله يلحنون فاللحن ليس هو الخطأ على لغة العرب وإنما يحتمل معنى غير المفهوم الأصل وذلك أن الحديث إذا احتمل معنى ظاهرا واحتمل معنى آخر قيل له لحن، ومن هاهنا سمى ابن دريد كتابه المعروف بملاحن بن دريد وذلك أنه قال: إذا قال له شخص رأيت فلانا فقال والله ما رأيته ولا كلمته فظاهر اللفظ يدل على رؤية العين والكلام باللسان.
وإنما الحالف يعنى ما ضرت رئته ولا جرحته وهو مأخوذ من الكلم وهى الجراح.
قال الله تعالى: (ولتعرفنهم في لحن القول) لأنه يكون كلاما يدل على معنيين مثل ذلك قوله: (فبشر عبادي الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه) ألا تراه جعل له أحسن وغير أحسن قال الشاعر: حلوا عن الناقة الحمراء أرحلكم * والبازل الأصهب المعقول فاصطنعوا
إن الذئاب قد اخضرت براثنها * والناس كلهم بكر إذا شبعوا فلو حملنا هذين البيتين على ظاهر لفظهما لما دلا على معنى لأن قوله الذئاب قد اخضرت براثنها، والناس كلهم بكر، كل جملة مناهتين الجملتين غير مناسبة للجملة الأخرى.
وهذا محمول على أن رجلا كان من تغلب وكان أسيرا في بنى وائل فرأى الناس يتمتعون للنهيض إلى قومه وكان قومه في أرض يقال لها الدهناء فقال لأصحابه إنى أريد أن أفادي نفسي فهل لكم في الفداء.
قالوا نعم - قال ائتونى برجل أرسله فلما جاءه قال أبلغ قومي التحية وقل لهم قد أطلتم الركوب على ناقتي الحمراء فخلوا عنها وارتحلوا الجمل الأصهب فقد شكت الإماء ودبى العرفج بآية ما أكلت معكم حيسا واسألوا أبا الحسين عن خبرى.
فلما جاء إلى أهل الأسير قال لهم الرسالة قالوا والله إنه لمجنون لا ناقة حمراء له ولا جمل أصهب.
فقال: أحدهم إنه قال لكم(2/43)
اسألوا أبا الحسين فلما سألوه قال هو يقول لكم قد أطلتم المقام على الدهناء فارتحلوا عنها واطلعوا الصمان فقد شكت الإماء أي ملأن الشكايا وأدبى العرفج، والعرفج شجر له شوك فشبه العدو به وأدبى أي دبا نحوكم بآية ما أكلت معكم حيسا والحيس يعمل من تمر وسمن وخبز أي تجمع لكم من أعدائكم وغيرهم.
فهذا ومثله اللحن.
ومن هذا قيل لمعاوية إن عبد الله يلحن قال أو ليس بظريف بنى أخى يعرف بالفارسية فجعل الفارسية لحنا فإذا قال أبو حنيفة إنهم يلحنون إنما عنى أنهم غيروه عن أصله على ما ذكرنا.
قال الخطيب: قد سقنا عن أيوب السختيانى، وسفيان الثوري، وسفيان بن عيينة، وأبى بكر بن عياش، وغيرهم من الأئمة أخبارا كثيرة تتضمن تقريظ أبى حنيفة والمدح له والثناء عليه، والمحفوظ عند نقلة الحديث عن الأئمة المتقدمين وهؤلاء المذكورين منهم في
أبى حنيفة خلاف ذلك وكلامهم فيه كثير لأمور شنيعة حفظت عليه يتعلق بعضها بأصول الديانات، وبعضها بالفروع.
نحن ذاكروها بمشيئة الله ومعتذرون إلى من وقف عليهما وكره سماعها، بأن أبا حنيفة عندنا مع جلالة قدره أسوة غير من العلماء الذين دونا ذكرهم في هذا الكتاب وأوردنا أخبارهم وحكينا أقول الناس فيهم على تباينها.
أما قول الخطيب هذا فأنا إن شاء الله نبين أن قصده خلاف ما ذكر من المعذرة وإنما قصد الشناعة جرأة منه وافتراء.
أما قوله: والمحفوظ عند نقلة الحديث خلاف ذلك.
فأقول: إن نقلة الحديث ينظرون إلى طريق الحديث فمتى ما وجدوا فيه رجلا ضعيفا ضعفوا الحديث خاصة في جرح الرجال، فإنه لا يسمع إلا من عدل ثقة معروف بالعدالة والثقة، فحيث نقل الخطيب أحاديث في الجرح عن جماعة ضعفاء شهد بضعفهم أئمة الحديث تبين أن قصده خلاف ما اعتذر عنه.
قال الخطيب: ما حكى عن أبى حنيفة في الإيمان: أخبرنا الحسين بن محمد الحسن أخو الخلال بإسناده إلى وكيع.
قال سمعت الثوري يقول: نحن المؤمنون وأهل القبلة عندنا مؤمنون في الأنكحة والمواريث والصلاة(2/44)
والإقرار، ولنا ذنوب ولا ندرى ما حالنا عند الله.
ثم قال وقال أبو حنيفة من قال بقول سفيان هذا فهو عندنا شاك، نحن المؤمنون هنا وعند الله حقا.
قال وكيع: ونحن نقول بقول سفيان وقول أبى حنيفة عندنا جرأة.
إعلم وفقك الله أن الإيمان هو التصديق، واعلم أنه لا يكون تصديقا بدون المعرفة والمعرفة لا تكون مع الشك إنما تكون مع اليقين وإذا ثبت هذا فنحن المؤمنون هنا وعند الله لأن المعرفة والمعرفة لا تختلف لأن من عرف هنا كان عارفا عند الله لأن
المعرفة الجهل، وأما قول أبى حنيفة عن سفيان في قوله نحن المؤمنون وأهل القبلة عندنا مؤمنون محمول على قوله تعالى: (قالت الأعراب آمنا قل لم تؤمنوا ولكن قولوا أسلمنا ولما يدخل الإيمان في قلوبكم) ألا تراه نفى الإيمان عن من أسلم إلا من عرف بقلبه فثبت ما قلت إنه لا يكون إيمانا إلا بمعرفة.
وقال: حدثنا على بن محمد بن عبد الله المعدل بإسناده إلى حمزة بن الحارث بن عمير عن أبيه.
قال سمعت رجلا سأل أبا حنيفة في المسجد الحرام عن رجل قال أشهد أن الكعبة حق ولكن لا أدرى هي هذه التى بمكة أم لا ؟ فقال مؤمن حقا وسألة عن رجل قال أشهد أن محمد بن عبد الله نبى ولكن لا أدرى هو الذى قبره بالمدينة أم لا ؟ فقال مؤمن حقا.
قال الحميدى: من قال بهذا فقد كفر.
قال وكان سفيان يحدث به عن حمزة بن الحارث.
وقال أخبرنا الحسن محمد الخلال بإسناده إلى محمد الباغندى حدثنا أبى قال: كنت عند عبد الله بن الزبير فأتاه كتاب أحمد بن حنبل اكتب إلى بأشبع مسألة عن أبى حنيفة فكتب إليه: حدثنى الحارث بن عمير قال سمعت أبا حنيفة يقول: لو أن رجلا قال أعرف أن الله بيتا ولا أدرى هو الذى بمكة أو غيره أمؤمن هو ؟ قال: نعم ولو أن رجلا قال أعلم أن النبي صلى الله عليه وسلم قد مات ولا أدرى دفن بالمدينة أو غيرها أمؤمن هو ؟ قال نعم فهذا القول لم ينقله أحد من أصحاب أبى حنيفة ولا رووا عنه مثل هذا فلو كان صحيحا لنقل كما نقلت جميع مسائله.
ولكني أقول ما تقول في اليهود أصحاب موسى لما جهلوا قبر موسى أضرهم ذلك ؟ لا لأنهم عرفوا أن موسى نبى حق فأما جهالة القبر لا تضر بدليل أن من لم يزر المدينة ولم يحج لا يعرف القبر ولا البيت ومع ذلك لم يقدح في إيمانه ثم ومن زار المدينة فالحجرة الشريفة حائلة بينه وبين مكان القبر حقيقة من جهة التربيع فمن ذهب إلى قول الحميدى(2/45)
وسفيان احتاج أن يعرف بيوت مكة المدينة وبنيانهما وصقاعهما وحدائقهما على ما كانا عليه في زمن النبي صلى الله عليه وسلم إلى اليوم، واعلم أن معرفة الأراضي غير مشروعة في شريعة من شرائع الإسلام، واعلم أنا نقول إن الأنبياء صلوات الله عليهم أجمعين مبعوثون حقا ولو قال رجل لا أعرف أن موسى نبى حق أو غيره فقد كفر ومع ذلك لا يضرنا جهالة قبورهم ولا مواطنهم.
فأما إذا ثبت عنده مبعث النبي صلى الله عليه وسلم بلا شك بشرائط الإسلام فهو مؤمن حقا ولا يضره جهالته بموضع قبر النبي صلى الله عليه وسلم فيه فإن القبر ليس من شرائط الإيمان ولا الإسلام، واعلم أنه لو كان الأمر كما ذكر عنه لكان المسلمون الذين في زمن النبي صلى الله عليه وسلم الناءون عنه لا يصح إسلامهم فإنهم ما كانوا يعرفون كل وقت حقيقة موضعه لأنهم كانوا يفارقونه في موضع وينتقل إلى آخر، أفكانوا بجهالة المواضع يكفرون ؟ فإذا ثبت أن الموضع لا يحتاج إليه في حال الحياة فلأن لا يضر مع الوفاة أجدر.
وقال: في سياق الحديث قال الحارث بن عمير: وسمعته يقول: لو أن شاهدين شهدا عند قاضى أن فلانا طلق امرأته وعلما جميعا أنهما شهدا بالزور ففرق بينهما، ثم لقيها أحد الشاهدين فله أن يتزوج بها ؟ قال نعم.
الجواب: إن القاضى ما سمى قاضيا إلا مشتقا من القضاء والقضاء القطع كأنه مأخوذ من قطع الخصومات أو مأخوذ من القطع بالشئ عن أحدهما للآخر وهذا أولى لأن النبي صلى الله عليه وسلم يقول: (قضيت له شيئا) أي من قطعت له شيئا فثبت ما ذكرت فإذا فسخ القاضى بينهما أيحل لأجنبي أن يتزوج بهذه المرأة أم لا فإن قال لا فقد افترى، وإن قال نعم فكذلك يحل لأحد الشاهدين لأن فعل القاضى حجة من حجج الشرع لا تندفع في حق بعض دون بعض وإن كانت لا تحل لأحد الشاهدين فهى على نكاحها الأول فلا تحل لغيره أيضا وليس في سياق الخبر ما يضر ما قلت لأن قول النبي صلى الله عليه وسلم (فإنما أقطع له قطعة من النار) فنحن نقول كذا أيضا لأن هذا فعل حرام إنما
اتصل بقضاء القاضى غير مدفوع كقضاء النبي صلى الله عليه وسلم وإن كان النبي صلى الله عليه وسلم بين تحريمه، وما قلت فهو جواب لما أسنده إلى حمزة بن الحارث بن عمير وعن عباد بن كثير.
وأما ما نقله عن محمد بن الحسين بن الفضل القطان إلى يحيى بن حمزة أن أبا حنيفة قال: لو أن رجلا عبده هذه النعل يتقرب بها إلى الله لم أر بذلك بأسا.
فقال سعيد: هذا الكفر صراحا.(2/46)
فهذا لم ينقله أحد من أصحاب أبى حنيفة واعلم أن أصحاب الإنسان أعرف به من الأجنبي، ثم اعلم أن مذهب أبى حنيفة له أصول وقواعد وشروط لا يخرج عنها، فأما أصول مذهبه رضى الله عنه فإنه يرى الأخذ بالقرآن والآثار ما وجد وقواعده أن لا يفرق بين الخبرين أو الآى والخبر مهما أمكن الجمع بينهما إلا إن ثبت ناسخا أو منسوخا وشروطه أن لا يعدل عنهما إلا أن لا يجد فيهما شيئا فيعدل إلى أقوال الصحابة الملائمة للقرآن والسنة وإن اختلفوا تخير ما كان أقرب إلى الكتاب والسنة.
فهذا عليه إجماع أصحاب أبى حنيفة وهو إذا عددت المدرسين منهم في عصر واحد وجدتهم أكثر من إسناد الخطيب منه إلى أبى حنيفة رحمه الله.
واعلم أن أخبار الآحاد المروية عن النبي صلى الله عليه وسلم توجب العمل لأجل الاحتياط في الدين ولا توجب العلم.
وأخبار التواتر توجب العلم والعمل معا فكيف بك عن أخبار الخطيب هذه التى لا تكاد تنفك عن قائل يقول فيها، فإذا نازلنا الأمر وساوينا قلنا أخباره أخبار آحاد وأخبار أصحاب أبى حنيفة متواترة والعمل بالمتواترة أولى، وقد ثبت مذهب أبى حنيفة وأصوله وقواعده فإذا ثبت أن هذه أصول أبى حنيفة فكيف يسوغ له أن يقول هذا مع علمه بقوله تعالى: (ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى) فهذا لا يصح عن أبى حنيفة.
قال: أخبرنا أبو سعيد بإسناده إلى إسماعيل بن عيسى بن على قال قال لى شريك:
كفر أبو حنيفة بآيتين من كتاب الله قال الله تعالى: (ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة وذلك دين القيمة) وقال تعالى: (ليزدادوا إيمانا مع إيمانهم) وزعم أبو حنيفة أن الإيمان لا يزيد ولا ينقص، وزعم أن الصلاة ليست من دين الله.
قد قلت فيما مضى: إن الإيمان هو المعرفة والمعرفة لا يدخلها جهل وإذا لم يدخلها جهل فمن أين تكون الزيادة والنقصان إنما الزيادة بأن يرتفع الجهل والنقص بأن تذهب المعرفة، وأما قوله عنه إن الصلاة ليست من دين الله تعالى فلم يرو هذا عن أبى حنيفة لكن نقول إذ لو روى هذا إن الصلاة لا يكون تاركها كافرا إنما الكافر جاحدها، فإذا لم يفرق القائل والناقل بين هذين كيف يعرف كلام أبى حنيفة ومن أين يأخذ عليه.
إنما الصلاة دين إلى الله لا دين الله ؟ وأصل الديانة الذلة والتعبد فإن قلنا إنها من عبدنا الله صح وإن قلنا إنها من ذلتنا إلى الله وطاعتنا له فهى دين لنا.
قالوا دنته فدان وفى الحديث (الكيس من دان نفسه وعمل لما بعد الموت).(2/47)
قال الأعشى: هو دان الرباب أذكر هو الدين * دراكا بغزوة وارتحال ثم دانت بعد الرباب وكانت * كعذاب عقوبة الأقوال قال: هو دان الرباب يعنى أذلها.
ثم دانت بعد الرباب أي ذلت له وأطاعت، والدين الجزاء والكافأة يقال دانه دينا أي جازاه كما قالوا كما تدين تدان قال: ولم يبق سوى العدوا * ن دناهم كما دانوا ومنه الدين قال تعالى: (إنما لمدينون) أي لمجزيون محاسبون، ومنه الديان في صفة الله عزوجل.
والمدين العبد والمدينة الأمة كأنهما من أذلهما العمل قال الأخطل: ربت وربا في كرمها ابن مدينة * يظل على مسحاته يتركل فلو كانت الصلاة من جزاء الله لكانت دين الله، وانما هي من ديننا دينا الله بها
أي عبدنا فهى ديننا لا دين الله.
وأجمع أهل السنة أن الصلاة ليست داخلة في الإيمان لأنها من الأعمال وإنما يرد على أبي حنيفة من عرف وجه الكلام واشتقاقه.
قال: أخبرنا أبو القاسم عبد الرحمن بن محمد بن عبد الله السراج بإسناده إلى أبى إسحاق الفزارى يقول سمعت أبا حنيفة يقول: إيمان أبى بكر مثل ايمان إبليس.
فهذا أيضا لم ينقل عن أبى حنيفة لكن لو نقل كان على ما ذكرت لك من الأصل أن معرفة أبى بكر الصديق بالله كمعرفة إبليس وهذا لا ينكره عالم لأنا قد أصلنا أن الإيمان هو المعرفة ولا يشك أن إبليس رأى صنع الله تعالى عيانا وأبو بكر انما ثبت هذا عنده بقول النبي صلى الله تعالى وسلم والنقل، ولا شك أن ثبوت العلم في القلب بالرؤية أكثر من ثبوته بالنقل، ويدل على هذا أنه من وصف له طريق حتى حفظ صفاتها كالماء الجارى ثم أراد أن يسلكها فإنه لا يقدر على ذلك، ومن سلكها دفعة بعد أخرى قدر على سلوكها وإن لم يصفها.
ويدلك على ما ذكرت أن أكابر الفقهاء إذا حجوا احتاجوا من يعرفهم.
فإذا عرفت هذا كان القياس أن يقول إن إيمان إبليس أقوى من إيمان أبى بكر، إلا أن العلم لما استوى قلنا إنه مثله.
ثم قال: قال أبو إسحاق: ومن كان من المرجئة ثم لم يقل هذا أنكر عليه قوله.
أما قوله إنه من المرجئة فيجئ الجواب إن شاء الله في موضعه.
قوله حدثنا الفضل بإسناده عن إيمان إبليس وآدم فهو يخرج على ما ذكرت.(2/48)
وقال حدثنا أبو طالب بإسناده إلى القاسم بن عثمان يقول مر أبو حنيفة بسكران يبول قائما قال لو بلت جالسا: قال فنظر في وجهه فقال ألا تمر يا مرجئ قال له أبو حنيفة: هذا جزائي منك صيرت إيمانك كإيمان جبريل.
فإن كان أراد الإيمان وحديثه فقد مر، وإن كان يحتج بقول السكران فهذا مما تثبت به الروايات عند المحدثين ؟ أتراه ما عرف شروط أهل الحديث أم تعامى.
أخبرنا ابن رزق بإسناده إلى القاسم بن حبيب.
قال وضعت نعلي في الحصا ثم قلت لأبي حنيفة أرأيت رجلا صلى لهذه النعل حتى مات إلا أنه كان يعرف الله بقلبه فقال مؤمن قال لا أكملك أبدا.
فهذه قد ذهب الجواب عنه عند أصول أبى حنيفة.
قال الخلال بإسناده إلى وكيع.
قال اجتمع سفيان الثوري وشريك والحسن بن صالح وابن أبى ليلى فبعثوا إلى أبي حنيفة فأتاهم فقالوا له: ما تقول في رجل قتل أباه ونكح أمه وشرب الخمر في رأس أبيه ؟ قال مؤمن فقال له ابن أبى ليلى لا قبلت لك شهادة أبدا، وقال له سفيان لا كلمتك أبدا، وقال له شريك لو كان لى من الأمر شئ لضربت عنقك، قال له الحسن بن صالح وجهى من وجهك حرام أن أنظر إليه أبدا.
فابصر إلى هذا الراوى إنه لا يفرق بين رجل وبين مؤمن.
فأما رجل فإنه نكرة من الرجال فلو كانت كافرا وعبد الله مائة سنة لم يكن مؤمنا، وأما المؤمن لو فعل هذا لم تذهب معرفته.
وقال بروايته عن جماعة عن أبى يوسف وغيره إن أبا حنيفة كان مرجئا جهميا أفنظرت لكثرة كلامه في ذلك ؟ أما الجواب فإن أبا حنيفة لا يرى الصلاة خلف المرجئ والجهمي ولا صاحب بدعة ولا هوى فكيف يكون منهم ؟ وهذا القول في جميع كتب أصحاب أبى حنيفة وروايتهم حفظا كما يحفظ الكتاب العزيز أفيكون هذا متروكا ويكون المحفوظ ما جاء به آحاد الناس.
وأما روايته عن أبى يوسف فالمروى عن أبى يوسف أنه قال لما حج: اللهم إنك تعلم أنى ما قلت قولا إلا ما ثبت عندي من كتابك وسنة نبيك، ومالا أعرفه منهما جعلت أبا حنيفة فيه بينى وبينك.
وقد روى عنه هذا القول عند الموت أيضا، فكيف يصح عن من يقول هذا عند الموت أن يقول بمثل ذلك ؟ ثم إن جميع كتب أبى حنيفة مشحونة برواية أبى يوسف عنه ولم يكن فيها شئ من ذلك.(2/49)
وقال بإسناده إلى ابن المقرئ عن أبيه أن رجلا سأل أبا حنيفة - أحمر كأنه من رجال الشام - فقال: رجل لزم غريما له فحلف له بالطلاق أن يعطيه حقه غدا إلا أن يحول بينه وبينه قضاء الله، فلما كان من الغد جلس على الزنا وشرب الخمر ؟ قال: لم يحنث ولم تطلق امرأته.
وهذا لم يرو عن أبى حنيفة كما ذكر، ولكن الرواية عنه قريب من هذا، إذا قال الرجل امرأته طالق إن شاء الله لم تطلق، وهذا أظنه إجماعا.
وكذلك لو قال إن شاء الإنس أو الجن أو الملائكة فهذا المروى وهذا استثناء والاستثناء لا يوجب إيقاع اليمين.
وأما قوله قعد على شرب الخمر والزنا فهذا مما لا يدخل في اليمين ولا في شئ منه بإجماع الفقهاء، لكن قصده الشناعة.
وقال: أما القول بخلق القرآن فقد قيل إن أبا حنيفة لم يكن يذهب إليه، والمشهور عنه أنه كان يقوله واستتيب منه وهذا دليل على كذب الخطيب لأن المشهور ما نفى الجهل عن عامة الناس وهو إنما روى ما ذكر عن أبى حنيفة عن واحد واحد من كل عصر وأصحاب أبى حنيفة تفردوا بأكثر بلاد المسلمين وفقهاؤهم في كل عصر أكثر من أن يحصوا وكلهم يروى عن أبى حنيفة أنه لا يصلى خلف من يقول بخلق القرآن فترى أي شهرة أوجبت له ما ذكر لأنه روى عن أناس أن أبا حنيفة كان يقول القرآن مخلوق، وروى عن أناس أنه لم يكن يقول القرآن مخلوق، وجميع أصحاب أبى حنيفة على أن أبا حنيفة لم يكن يقول بخلق القرآن إلا بعضهم وهم أناس من أصحاب أبى حنيفة والشافعي وهو المعتزلة مخالفون أبا حنيفة وهو معترفون بأن هذا القول لم يكن أبو حنيفة قاله، ولا شك أن أبا حنيفة ناظر المعتزلي في خلق أفعال العباد فقال له: إن كان فعلك بأمرك فأخرج البول من موضع الغائط والغائط من موضع البول.
فانقطع فضحك أبو حنيفة، فقال له المعتزلي: أتناظرني في العلم وتضحك والله لا كلمتك بعد اليوم فلم ير أبو حنيفة بعد ذلك اليوم ضاحكا.
وهذا المسألة أخذها أبو حنيفة من قول الله عز وجل: (فإن الله يأتي بالشمس من
المشرق فأت بها من المغرب) والمعتزلي إنما اعتزل حلقة الحسن البصري فكيف لقائل أن يقول إن أبا حنيفة أول من تكلم بهذا ؟ وهذه الروايات التى تخالف أصحاب أبى حنيفة ومن قد روى عنه لا تصح لان أصحاب أبى حنيفة مجمعون على خلاف ما نقله عنه الخطيب.
وهما كتب أصحاب أبى حنيفة بخلاف ما ذكر فكيف له أن يقول والمشهور خلاف ذلك، إنما المشهور مأخوذ من الشهرة وهى ما يلبسه الرجل عند القتال، والشهرة مشتقة من الشهر وهو الهلال سمى بذلك لشهرة الناس(2/50)
له، ومنه سمى الشهر للأيام.
وقال الخطيب: بإسناده إلى أبى بكر بن أبى داود السجستاني يقول لأصحابه ما تقولون في مسألة اتفق عليها مالك وصأحابه، والشافعي وأصحابه، والأوزاعي وأصحابه، والحسن بن صالح وأصحابه، وسفيان الثوري وأصحابه، وأحمد بن حنبل وأصحابه ؟ فقال أصحابه: يا أبا بكر لا تكون مسألة أصح من هذه.
فقال: هؤلاء كلهم اتفقوا على تضليل أبى حنيفة.
الجواب: اعلم وفقك الله أن الصحابة جميعهم اختلفوا في عدة مسائل ولكن ليس كل من خولف فقد ضل، فإن هؤلاء المسلمين جميعهم خالف بعضهم بعضا كما خالفوا أبا حنيفة فهذا لا يعد من التضليل أما المنقول عن الشافعي في كتاب الأم أنه قال من راد خمسا فعليه بخمس، من أراد الفقه فعليه بأبى حنيفة، ومن أراد النحو فعليه بالكسائى.
وما ذكرت مسطور عن الشافعي.
ومن يقول عنه هذا مثل الشافعي كيف يقول مثل ذلك وانظر بين الروايتين ما قلت في كتاب الأم لأصحاب الشافعي ينقله فقهاء أهل عصر إلى فقهاء أهل عصر إلى ما روى الخطيب عن آحاد الناس.
وأما غيرا لشافعي فسيأتي الجواب عنه إن شاء الله.
وقال الخطيب: ذكر ما حكى عن أبى حنيفة في الخروج على السلطان بأسانيده إلى جماعة
ينقلون عن أبى جماعة ينقلون عن أبى حنيفة منه ما أساسنده إلى الأوزاعي أنه قال جاءوني فقالوا قد أخذنا عن أبى حنيفة شيئا فانظر فيه فلم يبرح بى وبهم حتى أريتهم.
فما جاءوني به عنه أنه قد أحل لهم الخروج على الأئمة.
وهذه الرواية لا تصح عن أبى حنيفة لأنه يقول: ولا نرى الخروج على أئمتنا وولاة أمورنا وإن جاروا علينا وندعوا لهم.
ثم إجماع أصحاب أبى حنيفة على ما قلت، ثم أبو حنيفة جعل قتال على رضى الله عنه مع البغاة والخوارج حجة، كما جعل قتال النبي صلى الله عليه وسلم مع الكفار.
قال وإذا سمع الإمام أن قوما يدعون إلى الخروج فعليه أن ينبذ إليهم ويمسكهم حتى يظهروا توبة، فإذا صار فئة يرجعون إليها يقتل مقاتلهم ويجهز على جريحهم، ويقتل أسراهم كما يقتل الكفار.
فمن يكون هذا رأيه كيف يرى الخروج على الأئمة ؟ قال الله تعالى: (وإما تخافن من قوم خيانة فانبذ إليهم على سواء إن الله لا يحب الخائنين) وقال: لا يمض قضاء قاضى أهل البغى ولا تقبل شهادتهم.
ثم روى بإسناه إلى ابن المبارك قال ذكرت أبا حنيفة يوما عند الأوزاعي فأعرض(2/51)
عنى فعاتبته في ذلك فقال: تجئ إلى رجل يرى السيف في أمة محمد فتذكره عندنا ألا ترى إلى الخطيب لم يعرف الفرق بين الخروج على الأئمة وبين من يرى السيف في الأمة ! اعلم وفقك الله أن القتل ليس مشروعا بمجرد الكفر إذ لو كان لكان يحل لنا قتالهم من غير نبذ، ولما كان يجوز لنا أخذ الجزية منهم وتركهم وما يعبدون ويكونون كالمسلمين في أموالهم ودمائهم، وإنما القتل مشروع للفساد في الأرض والتعدى على الدين.
ولذلك قال تعالى: (وإما تخافن من قوم خيانة فانبذ إليهم على سواء إن الله لا يحب الخائنين) وقال تعالى: (وإنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله ويسعون في الأرض فسادا أن يقتلوا) وقال تعالى: (وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا بينهما فإن بغت إحداهما على الأخرى فقاتلوا التى تبغى
حتى تفئ إلى أمر الله) فأمر بقتال البغاة كما أمر بقتال أهل الحرب.
وقال عز وجل في قصة أهل الحرب (حتى يعطوا الجزية عند يد وهم صاغرون) فأراد إعلاء كلمة الإسلام وأمر بالقتال للفريقين جميعا لاكتفاء شرهم وقمع المفسدين وإصلاح الرعية وأمن الطرق فاستويا، فمن لا يعرف وجوه القرآن كيف يجوز له الرد على من يعرف ؟ ثم ذكر على الأبار لإسناده إلى أبى إسحاق الفزارى.
قال: جاءني نعى أخى من العراق - وخرج مع إبراهيم بن عبد الله الطالبى - فقدمت الكوفة فأخبروني أنه قتل وأنه قد استشار سفيان الثوري وأبا حنيفة.
فأتيت سفيان فقلت أنبئت بمصيبتي بأخى وأخبرت أنه استفتاك ؟ قال نعم قد جاءني فاستفتاني.
فقلت: ما أفتيته قال قلت لا آمرك بالخروج ولا أنهاك.
قال فأتيت أبا حنيفة فقلت له بلغني أن أخى أتاك فاستفتاك ؟ قال قد أتانى واستفتاني، قال قلت وما أفتيته بالخروج، قال فأقبلت عليه فقلت لا جزاك الله خيرا.
قال: هذا رأيى قال فحدثته بحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في الرد لهذا قال هذه خرافة.
قال الخطيب: يعنى حديث النبي صلى الله عليه وسلم.
الخطيب ذكر هذا الخبر عن هذا الرجل أعنى أبا إسحاق ثم اختلف فيه فتارة قال ما ذكرت.
ثم روى عنه أنه قال قتل أخى مع إبراهيم بالبصرة فركبت لنظر في تركته فلقيت أبا حنيفة ففقال لى من أين أقبلت وأين أردت ؟ فأخبرته الحديث فقال لى لو أنك قتلت مع أخيك لكان خيرا لك.
فهذا حديث قد تقدم الجواب عنه.
إلا أنى(2/52)
أردت أن أذكر شيئا يعرفه الناس كما يعرفون أن أبا إسحاق الفزارى روى لأبي حنيفة حديثا عن النبي صلى الله عليه وسلم، والناس يعرفون أن إبا إسحاق لم يكن فقيها ولا محدثا يؤخذ بقوله، ثم يرجح قول مثل هذا يكون أراد به الحق، ثم قول الخطيب أنه عنى
قول النبي صلى الله عليه وسلم.
أترى ما علم أنه لو ثبت مثل هذا القول عند أبى حنيفة إنه يحمل على أن هذا حديث مشكوك فيه أو مطعون في ناقله، وأن أبا إسحاق لم يهتد إلى نقله على الوجه، وأنه لم يعرف الوجه في الحديث.
ثم إن الخطيب قال عنى بقوله حديث النبي صلى الله عليه وسلم.
فما أدرى الخطيب أنه عنى حديث النبي صلى الله عليه وسلم دون حديث الفزارى ؟ ثم إن الخطيب جعل رأى سفيان في هذا الأمر حجة حيث قال لم آمر أخاك ولم أنهه.
فإن المتفقهة إذا سئلوا عن مثل هذا لابد أن يقولوا حلال أو حرام أو واجب أو محظور فإن كان واجبا لزم العلم به وإن كان محظورا وجب التجنب عنه.
فنقول: سفيان في هذه الفتيا لا يخلو إمام إن كان الطالبى على الحق أو على الباطل ولا يخلو المستفتى إما أن كان ذا قدرة على الخروج أو عاجز وإن كان طالب فضيلة أولا.
إن كان قادرا على الخروج طالبا للفضيلة ووجد إمام حق فالأولى له اتباعه، وان كان إمام باطل وجب عليه قتاله مع إمام الحق إذا دعى.
أما السوقة وآحاد الناس فيقدرون على أن يفتوا بما أفتى به سفيان بأن لا يأمروا ولا ينهوا، فمن لا يفرق بين هذا وهذا ليت شعرى كيف يجوز له الطعن على الأئمة، وفى قوله حدثته بحديث عن رسول الله صلى الله وسلم في الرد لهذا، كان الواجب أن يبين الحديث الذى في الرد.
وأما إسناده إلى محمد بن على عن سعيد بن سالم أنه قال قلت لقاضي القضاة أبي يوسف سمعت أهل خراسان يقولون: إن أبا حنيفة جهمى مرجئ ؟ فقال لى صدقوا ويرى السيف أيضا.
قال له فأين أنت منه ؟ قال إنما كنا نأتيه يدرسنا الفقه ولم نكن نقلده ديننا.
اعلم أن المشهور عن أبى يوسف خلاف ما ذكره عنه لأنه ذكر هذا الحديث عن محمد وحده وجميع أصحاب أبى حنيفة يقولون عن أبى يوسف عن - أبى حنيفة خلاف ما ذكر.
وأما قول أبى يوسف كان يدرسنا الفقه وما كنا نقلده ديننا فالمشهور عن أبى يوسف أنه لما حج.
قال اللهم إنك تعلم أننى لم أعمل إلا بما عرفته من كتابك
وسنة نبيك، وما لم أعرفه منهما جعلت بينى وبينك فيه أبا حنيفة لعلمي به.
وروى عنه أيضا هذا القول عند الموت، فمن يكون هذا قوله أما يكون قد قلده في دينه ؟(2/53)
قال الخطيب: ذكر ما حكى عنه من مستشنعات الألفاظ والأفعال، روى بإسناده عن الحسن بن على الجوهرى إلى أبى مطيع أن أبا حنيفة رضى الله عنه قال: إن كانت الجنة والنار مخلوقتين فإنهما يفنيان عن محمد بن الحسين عن أبى مطيع أنه سمع أبا حنيفة يقول إن كانت الجنة والنار خلقتا فإنهما يفنيان والرواية المشهورة عن أبى حنيفة التى عليها جملة أصحابه أنه قال: إن الجنة والنار مخلوقتان لاتبيدان أبدا.
وكذلك روى عنه أبو جعفر الطحاوي في عقيدته.
وبإسناده عن ابن رزق عن أسباط أن أبا حنيفة.
قال: لو أدركني رسول الله صلى الله عليه وسلم وأدركته لأخذ بكثير من قولى.
وباسناده عن على بن أحمد الرزاز عن يوسف بن أسباط.
قال قال أو حنيفة: لو أدركني رسول الله صلى الله عليه وسلم وأدركته لأخذ بكثير من قولى.
والمروى عن العباس رضى الله عنه وعليه فتاوى كل أصحابه أنه قال في المروى عن العباس رضى الله عنه لما خطب النبي صلى عليه وسلم وقال: (ألا إن مكة حرام من حرمات الله) الخبر بطوله.
فقال العباس إلا الأذخر يا رسول الله فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إلا الأذخر) قال أبو حنيفة في هذا أن النبي صلى الله عليه وسلم أراد أن يستثنى هذا فسبقه العباس إليه.
فأبو حنيفة لم يجعل النبي صلى الله عليه وسلم آخذا برأى العباس، فكيف يجعله أخذا برأى نفسه.
وقد روى عن عمر رضى الله عنه مثل هذا أنه قال وافقنى ربى في ثلاث ولم يرد بالموافقه أنه كان على الخلاف ثم وافق، إنما كانت شهوته تقتضي هذا، وأنزل الله ذلك على وفاق ما أراده فسماه موافقة، ومذهب أبى حنيفة خلاف ما نقل الناقل لأنه يرى الأخذ بالكتاب والسنة ما وجد، فإن لم يجد أخذ بقول الصحابي فإن
اختلفوا أخذ بقول أقربهم إلى الكتاب والسنة لا يعدل عن ذلك.
وروى بإسناده عن عبد الله بن محمد بن الحارث عن أبى إسحاق الفزارى.
قال: كنت آتى أبا حنيفة أسأله عن الشئ من أمر الغزو فسألته من مسألة فأجاب، فقلت له إنه يروى فيها عن النبي صلى الله عليه وسلم كذا وكذا.
فقال دعنا من هذا.
قال وسألته يوما آخر عن مسألة فأجاب فيها، فقلت له إن هذا يروى عن النبي صلى الله عليه وسلم فيه كذا وكذا.
فقال حك هذا بذنب خنزير، هذا النقل يخالف مذهب أبى حنيفة وقد تقدم الجواب عنه.(2/54)
ثم إن الخطيب لم يعن المسألة التى ذكر الراوى أنه سأل أبا حنيفة عنها ولا الخبر الذى أورده الفزارى، وإذا لم يعين لم يثبت ما اشترطه الخطيب من أن التثبت عند أهل الحديث غير هذا لأن المعلوم لا ينقض بالمجهول وهذا قد روى عن آحاد الناس لا شئ.
لأنه قال حدثنا فلان عن الفزارى أنه قال سالت أبا حنيفة عن مسألة فأجاب.
فقلت: روى عن النبي صلى الله عليه وسلم كذا وكذا في هذا.
فقال له أبو حنيفة: حك هذا بذنب خنزير.
وهذا كما حكى الخطيب في كتابه في ترجمة أشعب عن أشعب أنه قال لما سئل هل تروى شيئا من الحديث النبوى ؟ فقال: نعم سمعت عكرمة يقول سمعت ابن عباس يقول سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (خلتان لا يجتمعان من مؤمن).
ثم سكت فقالوا له وما الخلتان ؟ قال: نسى عكرمة واحدة ونسيت أنا الأخرى.
قال أخبرنا ابن دوما ثم أسنده إلى الفزازى قال حدثت أبا حنيفة حديثا في رد السيف فقال: هذا حديث خرافة أترى أي شئ هو رد السيف ؟ وإنما اشتراط الخطيب أن هذا ثبت هو العجب، لأنه قال والثبت عن أصحاب الحديث غير هذا، أترى الثبت ما يعلم ؟ فإن كان الثبت ما يعلم كان [ ينبغى ] نقل ما قال وما قيل عنه ليكون الجواب.
وأما قوله حدثت أبا حنيفة في رد السيف حديثا فهذا
لا يثبت مثله، لأنه إنما يثبت الشئ، أما غير شئ لا يثبت أصلا وهذا كقول المتنبي: إذا رأى غير شئ ظنه رجلا وهذا غير شئ، أترى غير شئ أي شئ يكون: وروى عن الابار إلى أن قال سمعت على بن عاصم يقول: حدثنا أبا حنيفة بحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.
فقال: لا آخذ به، ثم قلت عن النبي صلى الله عليه وسلم فقال: لا آخذ به.
إنما يجاب عن هذا لو ذكر الحديث، فمن المعلوم أن كلما روى عن النبي صلى الله عليه وسلم لا يؤخذ به لأن فيه منسوخا والمنسوخ فبالإجماع لا يؤخذ به.
اعلم وفقك الله أن أخبار النبي صلى الله عليه وسلم فيها ناسخ ومنسوخ، ومحكم ومتشابه، وإفراد وتركيب، وحقيقة ومجاز.
ثم بعد ذلك صنفت على النبي صلى الله عليه وسلم أحاديث، [ و ] نقل عن النبي صلى الله عليه وسلم ثقات وغير ثقات، وبعض هذا مما يرد به الحديث بإجماع الأمة.
قال أخبرنا محمد بن أبى نصر الزينبي إلى بشر بن مفضل.
قال قلت لأبى حنيفة: روى نافع عن ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم: قال (البيعان بالخيار(2/55)
ما لم يفترقا) قال هذا رجز.
أترى الناقل عن أبى حنيفة مثل هذا ما استحيا أن ينقل ما لا يسمع، فإن أراد به الرجز الذى هو الشعر فليس كذلك ومثل أبى حنيفة يعرف هذا المقدار، ولو أنه عرض على أدنى عامى لعرف هذا فكيف ينقل عن أبى حنيفة رحمه الله ما لو قيل لعامي لعرف أنه خلاف ذلك ويدعى أنه الثبت ؟ وأما أبو حنيفة فإنه لا يأخذ بهذا الحديث على هذا الوجه الذى ذهب إليه غيره أن قول النبي صلى الله عليه وسلم إذا اختلف لفظا الواجب أن يوفق بينهما معنى.
وهذا مذهب أبى حنيفة والبيع عقد من عقود الشرع، وجميع عقود الشرع بعد صحتها لا تحتمل النقض، مثل أن تقول بعت ويقول اشتريت، ومثل أن تقول أنكحتك على صداق مبلغه كذا وكذا، فيقول قبلت.
فكما أنه ليس خيار في النكاح فكذلك ليس له خيار في البيع.
وكذلك إلا
جارة وغيرها من عقود الشرع، وإنما كلام النبي صلى الله عليه وسلم مثل القرآن والقرآن جاء على العرب، تقول بئست الرمية الأرنب وإن كانت لم ترم إلا أنها من شأنها أن ترمى فسميت رمية بذلك.
كما قال تعالى (أعصر خمرا) والمايع لا ينعصر وإنما كان يعصر عنبا ليجعله خمرا.
فلما كان من شأنه أن يكون خمرا نطلق اسم الخمر على العنب، لأنه اسم ما يؤل إليه.
وقد روى أنه عليه السلام.
قال لأبى سفيان يوم الفتح: (كل الصيد في جوف الفرا) سماه صيدا وان لم يصد.
فكذلك سماهما بيعين وإن يبيعا بعد، وتقديره البيعان بالخيار إذا شاءا تبايعا، وإن شاءا لا.
كما قال صلى الله عليه وسلم: (المتطوع أمير نفسه، إن شاء صام وإن شاء أفطر) فلما عرض عليه الحكم وهو أن النبي صلى الله عليه وسلم حضر عند رجل من الأنصار وكان معه رجل صائم فقال: (أجب أخاك وأفطر واقض يوما مكانه) فلما أثبت الوجوب أوجب العوض، فهذا ومثله كثير عن النبي صلى الله عليه وسلم.
قال قلت: روى قتادة عن أنس أن يهوديا رضخ رأس جارية بين حجرين فرضخ النبي صلى الله عليه وسلم رأسه.
قال.
هذيان.
فأبو حنيفة رحمه الله لا يقول عن كلام النبي صلى الله عليه وسلم هذا، ولو كان كما قال عنه الخطيب لما ترك فضلا عن أن يتبعه الناس ويقتادون إليه وقد تقدم أن رواية جماعية خير من رواية آحاد الناس.
ثم هذا الخبر مجمع على ترك العمل به بقول النبي صلى الله عليه وسلم عن جابر بن عبد الله.
قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا أمر أميرا على جيش أو سرية.
قال: (اغزوا بسم الله، قاتلوا من كفر بالله، اغزوا ولا تغلوا ولا تمثلوا).
ألا تراه صلى الله عليه وسلم نهى عن المثلة.
ونهى في الخبر عن قتل النساء والصبيان فهذا ناسخ لما تقدم.(2/56)
ثم قال أخبرنا أبو بكر البرقانى إلى عبد الصمد عن أبيه قال: ذكر لأبى حنيفة قول النبي صلى الله عليه وسلم (أفطر الحاجم والمحجوم) فقال هذا سجع.
وهذا مثل قول الله عز وجل: (فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى
عليكم) والثانى لا يكون متعديا بل مستوفيا.
ثم هذا الحديث منسوخ بقول النبي صلى الله عليه وسلم (الفطر مما دخل، والوضوء مما خرج) الحاجم والمحجوم لم يدخل إلى بطنيهما شئ فيفطرهما.
قال: وذكر له قول من قول عمر - أو قضاء من قضاء عمر - فقال: هذا قول شيطان.
فهذا مثل ما ذكرت من خبر أشعب، الواحد أنسيه هو، والآخر أنسيه الخطيب.
وكذلك ما رواه عن ابن رزق إلى عبد الوارث، وقال أخبرنا محمد بن عبد الملك القرشى إلى إسحاق قال سمعت يحيى بن آدم ذكر لأبى حنيفة هذا الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (الوضوء نصف الإيمان) قال لتتوضأ مرتين حتى تستكمل الإيمان.
قال إسحاق وقال يحيى بن آدم الوضوء نصف الإيمان - يعنى نصف الصلاة - لأن الله تعالى سمى الصلاة إيمانا فقال: (وما كان الله ليضيع إيمانكم) أي صلاتكم.
قال النبي صلى الله عليه وسلم (لا تقبل صلاة إلا بطهور) فالطهور نصف الإيمان على هذا المعنى إذا كانت الصلاة لا تتم إلا به.
ومثل هذا لم ينقل عن أحد من الأئمة المعروفين وكيف ينبغى أن يقال في قوله تعالى: (وما كان الله ليضيع إيمانكم) ويعنى بها الصلاة لأنه يقول في أثناء الآية (بعد أن هداكم للإيمان) وليس الهداية الصلاة وحدها وإنما الهداية إلى جميع الدين والصلاة فرع من فروعه.
فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (لا يكمل إيمان المؤمن حتى يريد لأخيه المؤمن ما يريد لنفسه).
أفكان يعنى بهذا الصلاة وحدها ؟ وقد قال الله تعالى: (إنما المؤمنون إخوة) فيحمل هذا الخطاب على من هو في الصلاة لا من هو خارج عنها، ومثل هذا كثير.
وإنما [ لا ] يتبين المختلف فيه إلا على العلماء، أما مثل هذا فلا.
وقد نقل عن يحيى أيضا أنه ذكر لأبى حنيفة قول من قال لا أدرى نصف العلم.
قال: فليقل مرتين لا أدرى حتى يستكمل العلم.
قال يحيى وتفسير قوله لا أدرى نصف العلم، لأن العلم إنما هو أدرى ولا أدرى، فأحدهما نصف الآخر.
فانظر ما
أحسن هذا الكلام أترى إيش يقال فيمن لا يعرف هذا الكلام ؟ حتى أنه يجعل قول من قال حجة حتى يرد به على أبى حنيفة.
والعلم إنما هو إثبات حكم أو نسخ حكم.(2/57)
قال أخبرنا أبو القاسم إلى سفيان بن عيينة ثم أعاد حديث (البيعان بالخيار ما لم يفترقا)، وهذا تقدم الجواب عنه.
وروى عن ابن دوما إلى الفضل بن موسى قال سمعت أبا حنيفة يقول: من أصحابي من يبول قلتين، يرد على النبي صلى الله عليه وسلم.
أترى أين الرد على النبي صلى الله عليه وسلم ؟ وإنما القلتان العامتان، والقلتان الجرتان، والقلتان الكوزان، والقلتان قلتا الجبلين فهذا كله ينطلق عليه اسم القلتين، وقول أبى حنيفة هذا إن ثبت أنه قاله أين الرد فيه على النبي صلى الله عليه وسلم ؟ وانما أردت أن أبين بهذا ومثله قول الخطيب والمحفوظ غير ذلك فانظر إلى هذا المحفوظ ما أحسنه، إلا أنه يشبه ذلك الحافظ الذى جعله ثبتا فأخبر عن الخلال إلى وكيع يقول سأل ابن المبارك أبا حنيفة عن رفع اليدين في الكروع فقال أبو حنيفة: يريد أن يطير.
أترى أن شئ في هذا من الفقه أو العلم حتى يجعله ثبتا وروى عن ابن رزق إلى سفيان يقول: كنت في جنازة أم خصيب بالكوفة فسأل رجل أبا حنيفة عن مسألة في الصرف فأفتاه، فقلت: يا أبا حنيفة إن أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم قد اختلفوا في هذه، فغضب وقال للذى استفتاه: فأعمل بها فما كان فيها من إثم فهو على.
افتراه لم لا عرف المسألة كما عرف أم خصيب ؟ أفهذا ومثله الثبت.
وحدث عن أبى القاسم عبد الواحد إلى يوسف بن أسباط يقول: رد أبو حنيفة على رسول الله صلى الله عليه وسلم أربعمائة حديث - أو أكثر - قلت له يا أبا محمد تعرفها ؟ قال نعم قلت أخبرني بشئ منها فقال قال: رسول الله صلى الله عليه وسلم: (للفرس سهمان وللراجل سهم) فقال أبو حنيفة إنا لا نجعل سهم بهيمة أكثر من سهم المؤمن.
فهذا اللفظ لم يثبت عن أبى حنيفة وإنما مذهبه أن يكون للفارس سهمان وللراجل سهم.
وأما لفظ
النبي صلى الله عليه وسلم للفرس سهمان فمحمول على أمثاله مما ورد عنه صلى الله عليه وسلم وعن أصحابه.
فأما ما روى عنه صلى الله عليه وسلم فإنه لما جاء الرجل إليه وقال إنى جعلت لأصحابي إبلا ليسلموا فلما أسلموا رجعت نفسي في الإبل ؟ فقال صلى الله عليه وسلم (لا تعطهم شيئا إن أقاموا وإلا سيرنا إليهم الخيل) فلم يرد النبي صلى الله عليه وسلم أن يسير إليهم الخيل وإنما أراد أن يسير الخيالة.
وقد تقدم مثل هذا القول.
وأما روى عن أصحابه رضى الله عنهم فإنه كان ينادى فيهم بحضرة النبي صلى الله عليه وسلم وبعده إذا استفزعوا يا خيل الله اركبي، فما كانت الخيل تركب الناس عادة، وإنما تقديره يا خيالة الله اركبي، فكنى عن الخيالة بالبعض كما ورد العبر كثير من هذا، ومثله قوله تعالى: (إنى أرانى أعصر خمرا) وإنما كان يعصر العنب ليكون حمرا، فمن لا يفهم هذا إيش يكون جوابه ؟ وقال قال أبو حنيفة: الأشعار مثله.(2/58)
صدق إلا أن يكون في الحج.
وقال قال البيعان بالخيار، وقد تقدم الجواب.
وقال كان النبي صلى الله عليه وسلم يقرع بين نسائه إذا أراد أن يخرج في السفر.
وأقرع أصحابه.
وقال أبو حنيفة: القرعة قمار.
فأقول إن القمار ما كان فيه أخذ وعطاء، وأما مذهب أبى حنيفة رحمه الله في السفر بالنساء إن شاء أخرج إحداهن، وإن شاء أقرع بينهن تطييبا لأنفسهن كان حسنا.
وقال لو أدركني رسول الله صلى الله صلى الله عليه وسلم وأدركته لأخذ بكثير من قولى.
قد تقدم الجواب عنه.
وحدث عن ابن رزق إلى إسماعيل البطلانى.
وأخبرنا البرقانى قال قرأت على أبى حفص إلى أبى السائل يقول سمعت وكعيا يقول: وجدنا أبا حنيفة خالف مائتي حديث.
هذه كانت أربعمائة صارت مائتين ولم يذكر من الأربعمائة والمائتين إلا حديثا واحدا، ولو أراد الخطيب صحة الثبت كما زعم لذكر الأحاديث.
وحدث عن على بن أحمد الزاز إلى حماد بن سلمة قال وسمعته يقول: أبو حنيفة استقبل الآثار واستدبرها.
فهذا قول قاله حماد.
والجواب عنه فيما مضى وعن غيره من أمثاله الذين قالوا مثل هذه الأقوال في أبى حنيفة وقد روى عنه أن أبا حنيفة يستقبل السنة يردها
برأيه.
وأخبرني عن محمد بن الحسين بن محمد المتوثى إلى بشر بن السرى قال أتيت أبا عوانة فقلت بلغني أن عندك كتابا لأبى حنيفة أخرجه فقال، يا بنى ذكرتني فقام إلى صندوق فاستخرج كتابا فقطعه قطعة [ قطعة ] ثم رمى به، فقلت له ما حملك على ما صنعت ؟ قال: كنت عند أبى حنيفة جالسا فأتاه رسول بعجلة من قبل السلطان كأنما قد حموا الحديد وأرادوا أن يقلدوه الأمر.
فقال: يقول الأمير رجل سرق وديا فما ترى ؟ فقال - غير متمتع - إن كانت قيمته عشرة دراهم فاقطعوه: فذهب الرجل فقلت يا أبا حنيفة ألا تتقى الله، حدثنى يحيى بن سعيد عن محمد بن يحيى بن حبان عن رافع بن خديج.
أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (لا قطع في ثمر ولا كثر) أدرك الرجل فإنه يقطع.
فقال - غير متعتع - ذاك حكم قد مضى فانتهى وقد قطع الرجل فهذا ما يكون له عندي كتاب.
هذا مذهب أبى حنيفة رضى الله عنه.
وذلك لما روى عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا قطع في ثمر ولا كثر) وقال: (فإذا جمعها الجرين فاقطعوا فيما بلغ قيمة المجن) فأبوا حنيفة رحمه الله اعتبر الأصل، وذلك أن اللص إذا سرق قمحا أو تمرا أو شيئا إلا أنه أصل في نفسه مقصود بالمالية قطع.
وإن سرق طعاما أو شرابا ليس بمقصود بالمالية مثل(2/59)
طعام مطبوخ أو شراب لم يقطع لأنه ليس بمقصود بالمالية في نفسه، وإنما المقصد منه دفع ضرر الجوع حتى أنه لو سرقه في إناء فضة أو ذهب لاقطع عليه لأن مقصوده دفع الضر وسد الجوع وذلك مباح بالمحرم فصار فيه شبهة والحدود عنده تدرأ بالشبهات لما روى عن الصحابة رضى الله عنهم أنهم كانوا يقولون.
ادرءوا الحدود بالشبهات.
والنبى صلى الله عليه وسلم تارة أمر بالقطع وتارة منع منه.
وقد ذكرت فيما مضى مذهب أبى حنيفة في أنه لا يخالف بين الخبرين ما وجد وجه التوفيق.
فلما يبن النبي صلى الله عليه وسلم الكثير بقوله (جمعه الجرين) تبين أنه المقصد بنفسه للمالية.
ولما أبهم كان لسد الجوعة.
وكذلك ما حدث عن ابن دوما إلى أبى عوانة.
قال وقال الحلواني إلى حماد.
قال سمعت أبا حنيفة سئل عن محرم لم يجد إزارا فلبس سراويل، قال عليه فدية.
قلت: سبحان الله سمعت عن نافع عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (السراويل لمن لم يجد الإزار).
هذا الخبر لم يعمل به أحد من الأئمة فيحتج بصحته، فإن من لم يجد الإزار يلبس السراويل، كذلك من لم يجد الرداء يلبس القميص ومحال أن يجد السراويل ولم يجد إزارا، فإن السراويل يصير منه إزار، فهذا ومثله لا يدفع قول الخصم، فإن أعرابيا سأل النبي صلى اللقه عليه وسلم فقال: يا رسول الله ما تقول فمين أحرم في جبته هذه بعد ما ضمخها بالطيب ؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم (أما الجبة فانزعها وأما الطيب فاغسله وافعل في عمرتك ما تفعل في حجك) وإجماع الناس ان المحرم يلزم المخيط فإن المخيط لا يراد به ما دخلته الإبرة مطلقا إنما المراد به ما يتلف على الإنسان مثل الثوب المخيط على البدن وعلى اليدين حتى يصير كهيئة الإنسان.
فكذلك أيضا السراويل والخف.
وحديثه عن بن دوما إلى حماد يدخل فيما ذكرت.
ثم قال: أخبرنا ابن دوما إلى سفيان بن عيينة قال قدمت الكوفة فحدثتهم عن عمرو بن دينار عن جابر بن زيد - يعنى حديث ابن عباس - فقالوا: إن أبا حنيفة يذكر هذا عن جابر بن عبد الله.
قال قلت لا إنما هو جابر بن زيد.
فذكروا ذلك لأبى حنيفة فقال: لا تبالوا إن شئتم صيروه عن جابر بن عبد الله، وإن شئتم صيروه عن جابر بن زيد.
إنما قال أبو حنيفة ذلك - إن صح عنه - لأن هذا الخبر لم يعمل به أحد من الفقهاء فتقديره صيروه عمن شئتم فإنه غير معمول به.
فقد أجمع القوم على أنه من لبس المخيط كان عليه الفدية سواء كان سراويل أو غيره.(2/60)
ثم قال أخبرنا القاضى أبو عبد الله الصيمري إلى أبى عبد الله قال أنشدني أبو
عبد الله محمد بن زيد الوسطى لمحمد بن المعدل: إن كنت كاذبة التى حدثتني * فعليك إثم أبى حنيفة أو زفر المائلين إلى القياس تعمدا * والراغبين عن التمسك بالأثر أما من هجا فقد هجا مثله خيرا من أبى حنيفة ولم يصر ذلك حجة.
وهذا قال عن أبى حنيفة رحمه الله ما ليس من مذهبه، وقد تقدم القول في مذهب أبى حنيفة وأخذه بالأحاديث ما وجد حتى أنه إذا جاءه الحديث الواحد خلاف القياس يعمل به في الواقعة وحدها ولا يترك أحد الحديثين.
مثاله: إن الله تعالى فرض الصلاة في أوقات مخصوصة ففرض لكل وقت صلاة، ثم إن النبي صلى الله عليه وسلم صلى الظهر مع العصر بعرفة في وقت الظهر، والمغرب مع العشاء بالمزدلفة في وقت العشاء.
فعمل بذلك أبو حنيفة في يوم عرفة خاصة، ولم يقسه على باقى الصلوات، ولا قاس باقى الصلوات عليه.
وهذا إذا كان المصلى مع الإمام، وأما إذا صلى وحده صلاها كسائر الصلوات في أوقاتها لأن النبي صلى الله عليه وسلم إنما فعل ذلك بالجماعة ولم يثبت أنه صلاها وحده على ما ذكرت فمن يكون نظره في الجمع بين الأحاديث كذا كيف يقدح فيه بقول من لا يعرف الفقه ولا العربية ولا يفرق بين الأحاديث.
ثم قال أخبرنا عبد الله بن يحيى السكرى والحسن بن أبى بكر ومحمد بن عمر النرسى إلى أبى عوانة.
قال سمعت أبا حنيفة وسئل عن الأشربة، قال: فما سئل عن شئ منها إلا قال هو حلال، حتى سئل عن السكر - أو السكر شك أبو جعفر - فقال: حلال.
قال قلت يا هؤلاء إنها زلة عالم لا تأخذوا عنه.
أما مذهب أبى حنيفة رحمه الله في الأشربة فمعروف، ولو لم يشك أبو جعفر لرددت الجواب.
وإنما الشاك لا يصدق لأن كذبه من نفسه إذا قال شككت فقد عرف أن قوله ليس بحجة فهو شك فيما نقله عن أبى حنيفة، ولم يشك في علم أبى حنيفة فكيف استحل الخطيب أن يجعل ما شك فيه ثبتا ينفى به ما جعله يقينا.
فأما السكر فحرام على مذهب أبى حنيفة، والسكر حلال إذا طبخ أدنى طبخ لقول الله تعالى: (يتخذون منه سكرا ورزقا حسنا) وليس قول من قال خلاف أبى حنيفة بحجة لأنه قد نقل عن بعض الناس أنه قال الكلام محمول على أنك تقول تتخذون منه سكرا وتتخذون رزقا حسنا.
وليس هذا حجة لأن الصحابة رضى الله(2/61)
عنهم اتخذوا من السكر ومن التمر ومن الزبيب ومن العسل الأنبذة، والنبى صلى الله عليه وسلم شرب من السقاية بعد ما قال له العباس يا رسول الله إنه منذ أيام، وقد مر سته أيدى الناس، ألا تصبر حتى نأتيك بشراب من البيت ؟ يقول ذلك له ثلاثا والنبى صلى الله عليه وسلم يرد قوله.
حتى أياه بشئ منه فشربه وقطب وجهه ثم بماء من زمزم فصبه فيه وشربه.
ثم قال: (إذا اغتلمت عليكم هذه الأشربة فاكسروا متونها بالماء) وأضاف على عليه السلام قوما فأطعمهم وسقاهم، فسكر بعضهم فحده.
فقال: تسقينا، ثم تحدنا ؟ فقال: إنما أحدكم للسكر لا للشرب.
وروى أن رجلا من المسلمين شرب من سطيحة عمر فسكر، فأراد أن يحده فقال إنما شربت من سطيحتك.
فقال: إنى أحدك للسكر لا للشرب فمثل هذه الأحاديث قد روى عن النبي صلى الله عليه وسلم وعن أصحابه فلأن يحمل أحد وجهى الآية على ما يوافق هذه الآثار مع أن هذا الوجه في القرآن أو لا خير من أن يحمل على أبعد الوجهين مع مضاد هذه الآثار وأولى.
ثم قال: أخبرنا محمد بن أحمد بن محمد بن حسنون الترسى إلى أبى حمزة السكرى يقول: سمعت أبا حنيفة يقول لو أن ميتا مات فدفن ثم احتاج أهله إلى الكفن فلهم أن ينبشوه ويبيعوه.
هذا لم ينقل عن أبى حنيفة ولو فعل ذلك أحد لما كان به بأس.
فإن حيا يحتاج إلى كفن الميت مع أنه لم يزل عن ملكه بدفنه إياه لأحق من ميت لا يحتاج إلى شئ من أمور الدنيا.
ثم قال أخبرنا محمد بن عيسى بن عبد العزيز والبزاز بهمذان إلى سفيان بن عيينة
يقول: ما رأيت أحد أجرأ على الله من أبى حنيفة، ولقد أتاه يوما رجل من أهل خراسان فقال يا أبا حنيفة قد أتيتك بمائة ألف مسألة أريد أن أسألك عنها.
فقال هاتها، فهل سمعتم أحدا أجرأ على الله تعالى من هذا ؟ وأخبرنا عطاء بن السايب عن أبى ليلى.
قال لقد أدركت عشرين ومائة من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم من الأنصار إن كان أحدهم ليسأل عن المسألة فيردها إلى غيره فيرد هذا إلى هذا وهذا إلى هذا حتى ترجع إلى الأول، وإن كان أحدهم ليقول في شئ وإنه ليرتعد، وهذا يقول هات مائة ألف مسالة.
وأنا أقول: هل رأيتم أو سمعتم بأحد أكذب من هذا، من يحفظ مائة ألف مسألة(2/62)
يكون رجلا لا يعرف له اسم ؟ فهل رأيتم كذا بل أقول إن جميع المجتهدين من كان فيهم من يحفظ مائة ألف مسألة على قلبه، ولو كان الأمر كما زعم فليس بأكثر من كتب الفقه فلو أخذ رجل كتابا من كتب الفقه وجاء إلى رجل من أوساط الفقهاء وقال له: أريد أن أسألك عن جميع ما في هذا الكتاب لقال له نعم وما كان يعجز عنه إذا كان من مذهبه فكيف يعجز أبو حنيفة عن ما يسأل عنه.
وقد نقل عن أبى حنيفة ما شاء الله من المسائل.
وأما قوله عن الصحابة: فمن المعلوم أن جميع الصحابة لم يكونوا فقهاء وما كان الفقهاء منهم إلا قليل، بل لو كان هذا السائل سأل أحد فقهاء الصحابة لقال كما قال أبو حنيفة.
وقد روى عن ابن عباس أنه كان قاعدا بحرم مكة والناس حوله يسألون عن القرآن وهو يجيب، فقال له نافع بن الأزرق: يا ابن عباس ما أجرأك على كتاب الله أتفسره من عندك ؟ فقال: لا إنه لكلام عربي وأنا أفسره على ما تعرفه العرب.
فقال له أكل هذا تعرفه العرب ؟ فقال نعم ثم جعل يقص عليه شيئا فشيئا من القرآن وينشده عليه بيتا [ بيتا ] من أشعار العرب، وهذا الكتاب جمعه
ابن السائب وهو يعرف اليوم بغريب القرآن لابن السائب ؟ قال: ذكر ما قاله العلماء في ذم رأيه والتحذير عنه إلى ما يتصل بذلك من أخباره قال أخبرنا أبو الحسن على بن أحمد بن إبراهيم البزاز إلى هشام بن عروة عن أبيه.
قال: كان الأمر في بنى إسرائيل مستقيما حتى نشأ فيهم أبناء سبايا الأمم.
فقالوا بالرأى فهلكوا وأهلكوا، وأكثر هذا الباب مثل هذا الخبر.
والجواب: أن الخطيب جعل هذا ثبتا وصححه وجعل قول عروة أولى من قول النبي صلى الله عليه وسلم فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال لمعاذ: (يا معاذ بم تحكم ؟) قال أحكم بكتاب الله.
قال (فإن لم تجد ؟) قال بسنة رسول الله.
قال فإن لم تجد) ؟: قال أجتهد رأيى ولا آلو.
فقال النبي صلى الله عليه وسلم حينئذ: (الحمد لله الذى وفق رسول رسول الله).
وهذا الخطيب شرع يرد قول النبي صلى الله عليه وسلم بطريق الرد على أبى حنيفة كما فعلت الفلاسفة وذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم شهد للعشرة بالجنة فلما أرادت الفلاسفة رد قول النبي صلى الله عليه وسلم جاؤوا إلى العشرة يطعنون فيهم فلم يجدوا إلى ذلك سبيلا إلى ان جرى ما جرى(2/63)
بين المسلمين من قتل عثمان ونوبة الجمل وصفين ثم قتل الحسين، وقامت التوابون وكثرت شيعة على واختلف الناس وذلك في زمن فترة معاوية بن يزيد بن معاوية لما خلع نفسه، فقالت الفلاسفة: إن عليا رضى الله عنه ابن عم النبي صلى الله عليه وسلم وأحق بالخلافة من غيره، وأبو بكر اغتصبه حقه وأعانه عمر ثم ولى عثمان أمرا لم يكن له بحق وذلك لأن عبد الرحمن بن عوف تغرض عليا فأزاله عن مستحقه، وأما طلحة والزبير فإنهما قاتلا عليا في نوبة الجمل وهما له ظالمان.
فهؤلاء غيروا بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يبقوا على ما كانوا في زمن النبي صلى الله عليه وسلم فإذا صار أمرهم على هذا فقد فسقوا فلم
يبقوا من أهل الجنة.
ثم أرادوا الطعن في على فقالوا: إن عليا ترك حقه لأبى بكر وعمر وعثمان وكان أحق بذلك منهم وكان يلزمه القيام بالخلافة لأنه كان أعلم منهم وأحق بالخلافة، ومن تعين للإمامة ثم تركها لغير ذى حق فقد فسق ومن فسق استحق النار.
فهؤلاء كلهم غيروا فلم تبق شهادة النبي صلى الله عليه وسلم نافعة لهم وأشاروا إلى أن النبي صلى الله عليه وسلم إنما شهد لهم لما رآه منهم ولم ينزل عليه في ذلك وحى، وما قصدوا بذلك إلا أنه لم يكن ينزل عليه الوحى، لأن النبوات عندهم باطلة لأنهم يقولون إما أن تكون الحاجة بالرسالة أو للناس، فيقال لهم للناس لأن الله غير محتاج إلى شئ، فيقولون هل يمكن أن يؤمن من لا يريد الله إيمانه ؟ فنقول لا فيقولون: فإذا لا حاجة إلى النبي فإن الله يهدى من يريد، وهذا هو الكفر بعينه.
وإنما أرسل الله الرسل مبشرين ومنذرين واختصهم برسالته فإن الله تعالى اجتبى الأنبياء صلوات الله عليهم ليميزهم على الناس، وأرسلهم ليعلموا الناس الحلال والحرام، وجعل العلماء ورثتهم ليهدوا الناس بهداية النبي صلى الله عليه وسلم فمن طعن في العلماء فإنما طعن في الأنبياء لقوله صلى الله عليه وسلم: (العلماء ورثة الأنبياء).
ثم إن النبي صلى الله عليه وسلم شهد للسبطين الشهيدين بالجنة فما قدروا أن يطعنوا إلا في الحسن رضى الله عنه.
فقالوا: ترك حقه وبايع للرغبة في الدنيا فجعلوا ذلك ذريعة إلى الرد على النبي عليه السلام.
وهكذا الخطيب جعل الرأى الذى قرنه النبي عليه السلام بالكتاب والسنة وحمد الله كيف وفق معاذا رسوله وكيف هده الله إليه خطأ واعلم أنه إذا خطأ أحد الثلاثة المجتمعة فقد خطأ الآخرين ضرورة، وإذ خطأ الثلاثة فإنما التخطئة لقابلهم فكان ظاهر قوله الرد على أبى حنيفة والمقصود من قال بالرأى.
فانظر أيدك الله إلى رجل جعل أبا حنيفة ذريعة إلى الرد على الرسول صلى الله عليه وسلم وسائر أئمة الأمصار موافقون لأبى حنيفة في الرأى فكان الرد على النبي صلى الله عليه وسلم وعلى أئمة أمته جميعا.(2/64)
وقال: أخبرنا البرقانى إلى حمدويه.
قال قلت لمحمد بن مسلمة: ما لرأى النعمان دخل البلدان كلها إلا المدينة.
قال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
قال.
(لا يدخلها الدجال ولا الطاعون) وهو دجال من الدجاجلة.
أما هذا الخبر عن النبي صلى الله عليه وسلم فصحيح، وأبو حنيفة قد دخل المدينة ودخلها مذهبه، فلو كان الأمر كذلك لما دخلها.
وأما قوله إن مذهبه ما دخلها فباطل، لأن في المدينة من أهل مذهب أبى حنيفة جماعة لا يحصون وقد دخلها من زوار الحجاج ممن يقول بمذهب أبى حنيفة من لا يعد ولا يحصى كثرة في كل سنة من الأعوام.
وبإسناده عن ابن الفضل إلى ما لك أنه قال: ما ولد في الإسلام مولود أضر على أهل الإسلام من أبى حنيفة.
وكان يعيب الرأى ويقول قبض النبي صلى الله عليه وسلم وقد تم الأمر واستكمل، فإنما ينبغى أن تتبع آثار النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه ولا يتبع الرأى، وأنه متى اتبع الرأى جاء رجل آخر أقوى منك في الرأى فاتبعته، فأنت كلما جاء رجل أقوى منك اتبعته أرى هذا الأمر لا يتم.
هذا لا يكاد يصح عن مالك فإن ظاهر مذهبه أنه يعمل بإجماع أهل المدينة ويترك الحديث الذى رواه في موطئه وهذا عمل بالرأى وهو خلاف عمل أبى حنيفة رضى الله عنه.
لأن رأى أبى حنيفة أن يأخذ بخبر النبي صلى الله عليه وسلم.
ما جاء فإن اختلف خبران أو كان لأحدهما وجه في التأويل يوافق به الخبر الآخر الذى ليس له إلا وجه واحد في الظاهر وفق بينهما.
فإن لم يجد خبرا عن النبي صلى الله عليه وسلم عمل من أقوال الصحابة رضى الله عنهم لما كان أقرب إلى كتاب الله وسنة نبيه ويسمى ذلك اجتهادا.
ومالك فقد عمل لإجماع أهل المدينة وترك الحديث الذى رواه في موطئه وهو قول النبي صلى الله عليه وسلم: (البيعان بالخيار ما لم يتفرقا) وقد رواه عن أنبل شيوخه عن نافع عن ابن عمر ثم ترك العمل به وأفتى بغير قياس لأنه أهل المدينة فصار مقلدا لهم.
فإذا كان هذا مذهبه فكيف يمكن أن يصح عنه مثل هذا القول الناقض لمذهبه.
وبإسناده عن ابن رزق إلى حبيب عن مالك بن أنس أنه قال كانت فتنة أبى حنيفة على هذه الأمة أضر من فتنة إبليس في الوجهين جميعا في الأرجاء وما وضع من نقض السنن.
أما السنن فقد ذكرنا مذهب أبى حنيفة رضى الله عنه فيها، وأما الأرجاء فأصحاب أبى حنيفة كلهم على خلاف رأى أصحاب الأرجاء فلو كان أبو حنيفة(2/65)
مرجئا لكان أصحابه على رأيه وهم الآن موجودون على خلاف ذلك وهذا يبطل ما ادعاه الخطيب من الثبت فإنه جاء إلى أصحاب أبى حنيفة مع كثرتهم أهمل ما نقلوه وماهم عليه وتمسك بقول رجل واحد وجعله ثبتا وسيأتى فيما بعد ذكر ما في إسناد هذه الحكاية وغيرها من الخلل.
وبإسناد عن الأزهري إلى اسماعيل بن بشر عن عبد الحمن بن مهدى يقول: ما أعلم في الإسلام فتنة بعد فتنة الدجال أعظم من رأى أبى حنيفة.
كان ينبغى لعبد الرحمن أن يبين ما استخطأ فيه أبا حنيفة حتى نجيب عنه.
فإن رأى أبى حنيفة يستحيل أن يكون أخطأ في جميعه وخالف آراء الناس، فأما حين أجمل القول فهذا دليل على أن الكلام محمول على الغرض والقصد.
ثم إنه قال بعد فتنة الدجال والدجال لم يفتن بعد ولا خرج فكيف يجعل شيئا ظهر وأجمعت عليه الأمة مثل شئ لم يظهر.
ويقول بعد فلو كان غير هذا لكان أخفى لقصده من التشينع ولا شك أن جمعا من المسلمين وافقوا رأى أبى حنيفة، وأيضا أبو حنيفة عمل بقول النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه فترى أي الأمور التى قصدها عبد الرحمن، ما نقله أبو حنيفة عن النبي صلى الله عليه وسلم أو عن أصحابه أو ما استخرجه من القرآن العظيم.
وبإسناده عن ابن الفضل إلى نعيم عن سفيان قال: ما وضع في الإسلام من الشر ما وضع أبو حنيفة إلا فلان - لرجل صلب -.
الجواب عن هذا كالجواب عن ما تقدمه ومن هو فلان الذى صلب حتى إن كان له مذهب يوافق مذهب أبى حنيفة نتكلم عليه.
وإلا فلان لا يعرف، وإن كان كل من صلب يلزم أن يكون مخطئا منسوبا إلا الخطإ فيلزم من هذا أن يكون زيد بن الحسن بن على بن أبي طالب، وابن الزبير، وخبيب صاحب النبي صلى الله عليه وسلم على هذه الصورة.
وبإسناده عن الطناجيرى إلى ابن صالح الأسدى قال سمعت شريكا يقول لأن يكون في كل حى من الأحياء خمار خيرا من أن يكون فيه رجل من أصحاب أبى حنيفة.
وبإسناده أيضا بن على بن محمد بن عبد الله المعدل إلى منصور بن أبى مزاحم.
قال سمعت شريكا يقول: لو أن في كل ربع من أرباع الكوفة خمارا يببع الخمر لكان خيرا من أن يكون فيه من يقول بقول أبى حنيفة.
أنا لا أشك أن شريكا إن صح عنه هذا القول كان يختار أن يكون الخمارون في الكوفة ولا يكون فيها(2/66)
مذهب أبى حنيفة وذلك لأن الكوفة حينئذ لم تخل من النصارى واليهود والمجوس ولم يذكرهم ولا أنف منهم، وأظن أنه كان يحب الخمر ويختارها على ما سواها، فأراد أن تكون في رباع الكوفة ليسهل مطلبها ولا يكون فيها مثل أبى حنيفة يبين خطأه ويفقه الناس، وهذا معروف عند الناس أنه من استقضى في بلدة وكان فيها من هو أفقه منه لا يريد مجاورته لأنه كلما أخطأ بين خطأه للناس.
وبإسناده عن ابن الفضل إلى حماد بن زيد يقول: سمعت أيوب - وذكر أبا حنيفة - فقال: (يريدون أن يطفئوا نور الله بأفواهم ويأبى الله إلا أن يتم نوره) هذا يدل على قلة فهم الخطيب لأن إتمام نور الله إنما هو بقاء العلم وقد رأينا مذاهب جماعة من أهل الرأى قد ذهب واضمحلت ومذهب أبى حنيفة باق وكلما قدم يزيد، والناس الآن مطبقون على أن أصحاب السنة والجماعة هو أهل المذاهب
الأربعة مثل أبى حنيفة، ومالك، والشافعي، وأحمد بن حنبل.
والخطيب لم يكن قريبا من عصر أبى حنيفة ولا معاصرا له بل كان بينهما ثلثمائة وعشر سنين وقد رأى أن مذهب أيوب تلاشى ومذهب أبى حنيفة باق ومع هذا لم يرجع عنه، بل هو كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: (حبك الشئ يعمى ويصم) فمن لم يفهم إلى أن وضع المدح موضع الذم ما كان ينبغى أن يتحدث في مثل هذا.
ونحن نقول إن أيوب ما أراد بتلاوة هذه الآية عند ذكر الإمام أبى حنيفة إلا مدح أبى حنيفة والدليل عليه أن كل من تحدث في مذهب أبى حنيفة درس مذهبه حتى لا يعرف، ومذهب أبى حنيفة باق قد ملأ الأرض وأكثر الناس عليه.
وبإسناده عن الحيرى إلى سلام بن أبى مطيع قال كان أيوب قاعدا في المسجد الحرام فرآه أبو حنيفة فأقبل نحوه فلما رآه أيوب قد أقبل نحوه قال لأصحابه: قوموا لا يعرنا بجربه.
قوموا فقاموا فتفرقوا.
وأى شئ في هذا مما ينقص به أبو حنيفة، فكونهم قاموا وتفرقوا لا يدل على معيبة في كلام أبى حنيفة ولا في رأيه.
ولقائل أن يقول ربما أراد بقيامه أن لا يناظره فيقطعه قدام تلامذته، ثم إنه لم يبين الجرب الذى يعرهم به أي شئ هو ؟ حتى يجاب عنه.
ثم أيضا إن الله تعالى بين إتمام نوره بأن مذهب أيوب قد اضمحل وبقى مذهب أبى حنيفة بحيث لا يعرف اليوم أن أيوب كان صاحب مذهب إلا القليل من الناس.
وبإسناده عن ابن الفضل إلى الأسود بن عامر عن شريك أنه قال: إنما كان أبو(2/67)
حنيفة جربا.
وهذ مما يؤيد ما ذكرنا من أن الخطيب إنما أراد الرد على النبي صلى الله عليه وسلم لأنه عليه السلام.
قال: - (فمن أعدى الأول).
وقال عليه السلام (لا عدوى ولا هامة ولا صفر).
وبسنده عن ابن رزق إلى سليمان الحلبي أنه قال سمعت الأوزاعي - ما لا
أحصره - يقول: عمد أبو حنيفة إلى عرى الإسلام فنقضها عروة عروة.
وروى عن ابن الفضل إلى إبراهيم الفزازى قال كنت عند سفيان الثوري إذ جاءه نعى أبى حنيفة فقال: الحمد لله الذى أراح المسلمين منه، لقد كان ينقض عرى الإسلام عروة عروة، وما ولد في الإسلام مولود أشأم على الإسلام منه.
وروى عن ابن حسنويه إلى ثعلبة قال سمعت سفيان الثوري يقول: ما ولد في الإسلام مولود أشأم على أهل الإسلام منه.
وروى عن أبى نصر إلى محمد بن كثير قال سمعت الأوزاعي يقول: ما ولد مولود في الإسلام أضر على الإسلام من أبى حنيفة.
وروى عن أبى العلاء محمد بن الحسن الوراق إلى الفزارى قال سمعت الأوزاعي وسفيان يقولان: ما ولد في الإسلام مولود أشأم عليهم.
وقال الشافعي هذا هو محمد بن عبد الله صاحب الفوائد - شر عليهم من أبى حنيفة.
وروى عن ابن رزق إلى يحيى بن السكن البصري قال سمعت حمادا يقول: ما ولد في الإسلام مولود أضر عليهم من أبى حنيفة.
ورى عن ابن رزق إلى الحميدى قال سمعت سفيان يقول: ما ولد في الإسلام مولود أضر على الإسلام من أبى حنيفة.
وروى عن الحسين بن أبى بكر إلى عمر بن إسحاق قال سمعت ابن عون يقول: ما ولد في الأسلام مولود أشأم من أبى حنيفة إن كان لينقض عرى الإسلام عروة عروة.
وبروايته عن محمد بن عمر بن كبير المقرى إلى شريك قال سمعت ابن عون يقول: ما ولد في الإسلام مولود أشأم من أبى حنيفة.(2/68)
قد سبق الجواب عن هذه الروايات مع أن أبا حنيفة رضى الله عنه كان آدميا ولم
يكن جربا فإن أراد بذلك الاستعارة والتشبيه بأفعاله فكان ينبغى أن يبين الفعل الذى صدر منه فشبهه بالجرب حتى نجيب عنه، ومثل هذه الحكايات لا تكاد تصدر عن الأوزاعي لأنه كان فقيها فلو أراد أن يرد عليه أبى حنيفة لرد عليه مفصلا لا مجملا كما يرد الفقهاء وبين الخطأ الذى نسبه إليه والعرى التى حلها حتى يكون الجواب عنه على كل فصل، وأما من أجمل أمرا والناس على خلافة فلا اعتداد بقوله.
وقد روى عن الأوزاعي في مدح أبى حنيفة ما يدل على رجوعه عن هذا القول في حقه - إن صح هذا عنه - وهو يأتي فيما بعد.
وروى عن ابن الفضل إلى ابن عون أنه قال نبئت أن فيكم صدادين يصدون عن سبيل الله.
قال سليمان بن حرب: وأبو حنيفة وأصحابه ممن يصدون عن سبيل الله.
وهذا ليس كما ذكر ابن عون فإن أبا حنيفة رضى الله عنه أملى محمدا رحمه الله كتابي السير.
وذكر فيهما من أمور الجهاد ووصايا الأمراء وما ينبغى أن يفعله أهل الثغور وقسمة الغنائم ما لم يسبقه إلى جمعه أحد، ولم يجمع مثله بعده أحد.
فهذا الذى نعرفه فأما إن عنى بسبيل الله الجهاد وأحواله فكان يلزمه البيان ليكون الجواب بحسبه ثم كان ينبغى له أن يبين من نبأه، فإن كان النبي صلى الله عليه وسلم كان محمولا على الرأس والعين، وإن كان عن غير النبي صلى الله عليه وسلم عرف بالقائل لنجيب عنه.
وإن كان ابن عون نبى من النبوة بزعمه فقد كفر، وإن كان قال هذا القول من عنده وعزاه إلى من لا يعرف، فبهذا القدر يعرف كذبه، وأنه ليس بأهل لهذا القول وكان يلزم سليمان ابن حرب أن يبين من أين عرف أن أبا حنيفة وأصحابه من الصدادين.
وروى عن الخلال إلى حماد بن زيد قال ذكر أبو حنيفة عند البتى فقال: ذاك رجل أخطأ عظم دينه كيف يكون حاله ؟.
وروى عن إبراهيم بن محمد الى الفربابى قال سمعت سفيان يقول: قيل لسوار لو نظرت في شئ من كلام أبى حنيفة وقضاياه فقال: كيف أنظر في كلام ورجل لم
يؤت الرفق في دينه.
قد أخذ بمذهب أبى حنيفة من هو خير من البتى وأجمعت الأمة على أن أبا حنيفة أحد فقهاء الأمصار والبتى لم يعرفه إلا آحاد الناس ولم يكن ممن يصلح لهذا القول.(2/69)
وروى عن إبراهيم بن مخلد إلى أبى مصعب الأصم قال سئل مالك بن أنس عن قول عمر في العراق بها الداء العضال ؟ قال: الهلكة في الدين ومنهم أبو حنيفة.
لم يرد عمر رضى الله عنه بالداء العضال الهلكة في الدين كما ذكر مالك، إنما أراد الوباء بدليل قوله لا تسكنوا العراق فإن العرب لا تصلح إلا حيث يصلح البعير.
فاختطوا بأرض العرب.
فاختط الناس الكوفة والبصرة فكتبوا إليه وإنا قد اختطينا بأرض كوفة، فسميت الكوفة.
وبأرض بصرة فسميت البصرة.
وروى عن جعفر إلى مطرف أنه قال سمعت مالكا يقول الداء العضال الهلاك في الدين وأبو حنيفة من الداء العضال.
وروى عن ابن رزق إلى الوليد بن مسلم قال قال لى مالك بن أنس: أيتكلم برأى أبى حنيفة عندكم ؟ قلت: نعم.
قال: ما ينبغى لبلدكم أن يسكن.
وروى عن على بن المعدل إلى الوليد بن مسلم قال قال لى مالك بن أنس: أيذكر أبو حنيفة ببلدكم ؟ قلت نعم.
وقال ما ينبغى لبلدكم أن تسكن.
وروى عن على بن معدل إلى منصور بن مزاحم قال سمعت مالك بن أنس يقول - وذكر أبا حنيفة - فقال: كاد الدين، كاد الدين.
وروى عن ابن رزق إلى منصور بن مزاحم قال سمعت مالك يقول: إن أبا حنيفة كاد الدين ومن كاد فليس له دين.
وروى عن أحمد العتيقي إلى أبى محمد عبد الرحمن بن أبى حاتم الرازي عن أبيه عن بن أبى سريج قال سمعت الشافعي يقول سمعت مالك بن أنس - وقيل له أتعرف
أبا حنيفة ؟ فقال نعم ما ظنكم برجل لو قال هذه السارية من ذهب لقام دونها حتى يجعلها من ذهب وهى من خشب أو حجارة.
قال أبو محمد: يعنى أنه كان يثبت على الخطإ ويحتج دونه ولا يرجع إلى الصواب إذا بان له.
هذا لا يصلح أن يصدر عن مالك، لأن مالكا رضى الله عنه كان يثنى على أبى حنيفة وهو ما رواه الخطيب.
قال: أنبأنا البرقانى أنبأنا أبو العباس بن حمدان لفظا حدثنا محمد بن أيوب حدثنا أحمد بن الصباح قال سمعت الشافعي محمد بن إدريس قال قيل لمالك بن أنس: هل رأيت أبا حنيفة ؟ قال نعم رأيت رجلا لو كلمك في هذه السارية أن يجعلها ذهبا لقام بحجته.
وأما قول أبى محمد إن مالكا عنى أنه كان(2/70)
يثبت على الخطإ ويحتج دونه ولا يرجع إلى الصواب إذا بان له فمن أين لأبى محمد هذا ؟ وهذا القول من مالك في حق أبى حنيفة أقرب إلى المدح منه إلى الذم وأظهر.
ثم إن القائلين بمذهب مالك من عهد مالك إلى وقتنا هذا - وهى سنة إحدى وعشرين وستمائة - لا يقدرون على إثبات خطإ لأبى حنيفة، فكيف يسوغ لفقيه أن يتكلم في أمر فقيه ولا يقوم بما قال ومسائل الخلاف أشهر من أن أبينها لك وليس المراد من كتابا هذا الإكثار وإنما مرادنا الاختصار.
وروى عن حمزة إلى أبى بلال الأشعري قال سمعت أبا يوسف القاضى يقول: كنا عند هارون أنا وشريك وإبراهيم بن أبى يحيى وحفص بن غياث، قال فسأل هارون عن مسألة فقال إبراهيم بن أبى يحيى حدثنا صالح عن أبى هريرة.
قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وقال شريك حدثنا أبو إسحاق عن عمرو بن ميمون قال: قال عمر بن الخطاب.
وقال حفص حدثنا الأعمش عن إبراهيم عن علقمة قال: قال عبد الله قال: وقال لى أنا: ما تقول أنت قال: قلت قال أبو حنيفة.
قال فقال خاك يس.
قلت: تفسيره تراب على رأسك.
هذا القول إنما أراد به الخطيب التشنيع على أحسن وجهيه أما الوجه الآخر فهو الصحيح لأن الخطيب إنما أراد التشنيع وما علم ما ينقل، لأن الأمة قد أجمعت أن أئمة قد أجمعت أن أئمة الأمصار هم اليوم الأربعة فمتى جاء عن أحدهم كلام لا يشك أحد أنه منقول من الكتاب والسنة، أو مقيس عليهما أو على أحدهما، ولا شك أن الخبر الوارد عن النبي صلى الله عليه وسلم لا يكمل العمل به اليوم، لأنا لا نعلم أحوال الرواة.
ثم إن المحدثين يأخذون الآثار عمن سمع وهو طفل صغير لم يقف على ما يرويه ولا يعلم كيف سمعه.
أو يكون رجلا سمع الحديث ثم لم يقرأه ولم يدر ما هو حتى يرويه.
وقد أجمعت الأمة على أنه لا يجوز أخذ الأحكام إن ممن سمعها ووعاها وأداها كما سمعها، كما قال عليه الصلاة والسلام: (رحم الله امرءا سمع مقالتي فوعاها وأداها كما سمعها) وإذا سمع أحد الخبر على هذا الوجه لا يحل له العمل به حتى يعلم أناسخا هو أو منسوخا، أم ثم حديث آخر يجب على الفقيه أن يجمع بينهما مثل قوله صلى الله عليه وسلم - لما سئل عن مس الفرج - فقال: (من مس فرجه فليتوضأ).
ثم روى عنه صلى الله عليه وسلم أنه سئل فقال: (هل هو إلا بضعة منك) فورد عنه عليه السلام هذان الوجهان، فإذا أردنا الجمع بينهما قلنا إن أصل الوضوء من الوضاءة وهى(2/71)
النظافة، والوضوء الشرعي هو غسل أعضاء معينة، فلما ورد الأمران احتجنا إلى أن نعرف تأويل الخبر فقلنا لما أمر بالوضوء تارة وبتركه أخرى قلنا إن أمره بالوضوء محمول على قوله صلى الله عليه وسلم: (فتوضئوا مما مسته النار فتوضئوا ولو من تور أقط) وهذا للنظافة.
وقد أجمعنا على أنه لا يجب من هذا إلا النظافة وحملنا قوله هل هو إلا بضعة منك على الوجوب فلم يوجب وضوءا.
واعلم أيدك الله أن الخلاف نشأ بين الأئمة من ثمانية أوجه، وهى الناسخ والمنسوخ، والمحكم والمتشابه، والحقيقة والمجاز، والأفراد والتركيب، والاجتهاد فيما لا
نص فيه إلى ما فيه نص، واشتراك الألفاظ مع اختلاف المعنى واختلاف الألفاظ مع اشتراك المعنى، والتأويل، والنقلة والرواة.
فأما النقلة والرواة فقد انقطع أمرهم عنا لأنا لا نعرفهم إلا بالنقل، ولعل الناقل لا يعرف حاله على الوجه أيضا.
فمن لا يعرف هذا كله لا يحل له الكلام إلا فيما ينقله عن الأئمة لأن الله تعالى يقول (فلولا نفر من كل فرقة منهم طائفة ليتفقهوا في الدين ولينذروا قومهم إذا رجعوا إليهم لعلهم يحذرون) فبين أن بعضنا إذا قام بالعلم جاز لنا أن نأخذ عنه أمر ديننا.
وأجمع أهل عصر أبى حنيفة على أنه لم يكن مثله في علم التأويل، والفقهاء إلى يومنا هذا مسلمون أن القياس مع أبى حنيفة وقد أجمعنا أن الأئمة لم يأخذوا إلا من كتاب الله وسنة رسوله، فإذا قد سلموا الفقه لأبى حنيفة وسلموا أنه مشاركهم في الكتاب والسنة فوجب على العامة الأخذ بقول أبى حنيفة دون غيره.
هذا إذ لو كان الخطيب لما ذكر الإسناد بين الخبر الذى أسنده وما المسألة التى سألها هارون وطعن الخطيب هذا ليس على أبى حنيفة وحده لأن الأئمة الأربعة على مذهب واحد في أنهم إذا سألوا عن مسألة لم يرووها عن النبي صلى الله عليه وسلم ولكنهم يذكرون المسألة ويعلم السامع أنهم لم يأخذونها إلا من الكتاب والسنة.
وكأن الخطيب أراد التشنيع في الظاهر على أبى حنيفة ومراده الجميع.
وروى عن القاضى أبى بكر الحرشى إلى عفان قال سمعت أبا عوانة يقول: اختلفت إلى أبى حنيفة حتى مهرت في كلامه ثم خرجت حاجا فلما قدمت أتيت مجلسه فجعل أصحابه يسألونى عن مسائل كنت عرفتها وخالفوني فيها، فقلت سمعت من أبى حنيفة على ما قلت، فلما خرج سألته عنها فإذا هو قد رجع عنها(2/72)
فقال: رأيت هذا أحسن منه.
فقلت كل دين يتحول عنه فلا حاجة لى فيه ونقضت
ثيابي ثم لم أعد إليه.
هذا أبو عوانة لم يعرف من الفقهاء فقد ثبت أن قوله مهرت في كلامه ليس بصحيح وإنما مهر في كلام أبى حنيفة أبو يوسف ومحمد بن الحسن وبشر بن غياث وابن أبى ليلى وابن شبرمة وزفر وغيرهم ممن هو في طبقاتهم.
ثم قوله فلا حاجة لى فيه.
خلاف إجماع الأمة، لأنا نعلم يقينا أن القرآن العزيز فيه الناسخ والمنسوخ، كذلك السنة فإذا قال الفقيه قولا ثم علم أنه منسوخ كيف يحل له الوقوف عنده ؟ وهذا لم يفعله أبو حنيفة وحده، وقد فعله جميع الفقهاء من الصحابة والتابعين وغيرهم.
ومذهب على رضى الله عنه أنه.
قال: كنت لا أرى بيع أم الولد في زمن عمر، واليوم فقد رأيته ذلك.
فهذا أيضا رجوع عن مذهب وتمسك بآخر.
وابن عباس قد نقل عنه كذلك أيضا في مسألة العول، أنه.
قال: ما كان المال إن يكون له نصف ونصف وثلث.
فقالوا له: إنك كنت تراها في زمن عمر.
فقال هبته وكان رجلا مهيبا.
فانظر إلى الخطيب كيف يروى الشئ وضده ويجعله عيبا والشئ وضده لا يكونان عيبا، لأنه قال في الحكاية التى ذكر فيها أبا حنيفة: وإن مالكا قال ما ظنكم برجل لو قال هذه السارية من ذهب لقام بحجته، أي لجعلها من ذهب وهى من خشب أو حجارة.
ثم قال قال أبو محمد - يعنى أنه كان يثبت على الخطإ ويحتج دونه ولا يرجع إلى الصواب إذا بان له - ففى هذه الحكاية أخبر أنه لا يرجع وجعله عيبا، وفى هذه أخبر إنه يرجع وجعله عيبا، فهذا أيدك الله يعلم منه أنه انما أراد التشنيع ولم يرد التثبيت ولم يكن له من المعرفة ما يفرق به بين الجيد والردئ، ولا من العلم ما يعرف به الخطأ من الصواب.
وروى عن أحمد بن الحسن بن إلى النضر بن محمد قال: كنا نختلف إلى أبى حنيفة وشامي معنا فلما أراد الخروج جاء ليودعه فقال: يا شامى تحمل هذا الكلام معك إلى
الشام.
قال نعم قال تحمل شرا كثيرا.
هذا الخطيب لا يستحى فيما يذكر كيف يقول الرجل مذمة نفسه، وإن كان قاله فإنما قاله على وجه التواضع، لأن الرجل قد يقول للآخر أنت خير الناس فيقول أنا أقل الناس، وهذا الذى عليه الناس فما يقول أنا خير الناس، ولو قال ذلك لعاب(2/73)
الناس عقله.
ثم قوله تحمل شرا كثيرا إن كان أراد ما قلت فهو كذلك وإن أراد أنه فقه كلام كثير وجدل كثير فهذا عليه جميع الفقهاء.
وكل فقه لا يكون كذلك فليس بشئ.
والخطيب فلكونه لم يكن من الفقهاء ولا عرف الفقه ظن أن يعيب أبا حنيفة بهذا.
وروى عن ابن الفضل إلى مزاحم بن زفر قال قلت لأبى حنيفة: يا أبا حنيفة هذا الذى تفنى والذى وضعت في كتابك هو الحق الذى لا شك فيه ؟ فقال: والله ما أدرى لعله الباطل الذى لا شك فيه.
فهذا كما ذكر والمجتهد لا يعلم يقينا أنه على الحق ولو علم ذلك يقينا لتنزل منزلة النبي صلى الله عليه وسلم وهذا عليه إجماع الأمة أن المجتهد يخطئ ويصيب وإلى هذا أشار النبي صلى الله عليه وسلم بقوله: (إذا اجتهد الحاكم فأصاب كان له أجران، وإذا اجتهد وأخطأ كان له أجر) فإذا كان النبي صلى الله عليه وسلم بين هذا وإجماع الأمة عليه فمن جعله خطأ وعيبا، أتراه يكون يكون مخطئا للفرع أو للأصل ؟ وقد بينت لك من قبل أنه لم يكن غرض الخطيب إلا التشنيع والطعن على النبي صلى الله عليه وسلم وإنما جعل أبا حنيفة ذريعة إلى ذلك.
ولو كان أبو حنيفة قال هو الحق الذى لا شك فيه لكان مخطئا لا محالة فانظر إلى من لا يعرف الصواب من الخطأ ويعيب الأئمة.
وروى عن على بن القاسم عن أبى نعيم قال سمعت زفر يقول: كنا نختلف إلى أبى حنيفة ومعنا أبو يوسف ومحمد بن الحسن فكنا نكتب عنه، قال زفر فقال يوما أبو حنيفة لأبى يوسف: ويحك يا يعقوب لا تكتب كل ما تسمعه منى فإنى قد أرى
الرأى اليوم فاتركه غدا، وأرى الرأى غدا وأتركه بعد غد.
هذا قد تقدم الجواب عنه.
وسيأتى في الخبر الذى بعده جواب أيضا.
وقد روى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال (لا تكتبوا عنى شيئا سوى القرآن: من كتب عنى شيئا فليمحه).
وروى عن الخلال إلى حماد بن أبى عمر قال قال أبو نعيم سمعت أبا حنيفة يقول لأبى يوسف: لا ترو عنى شيئا فانى والله ما أدرى أمخطئ أنا أم مصيب.
هذا لم ينقل عن أبى حنيفة لكل نقل عنه ما هو قريب من هذا، وذلك أنه كان إذا بلغ أحد أصحابه رتبة الاجتهاد قال له: لا يحل لك بعد أن تأخذ عنى.
فهذا يدل على دينه ووفور عقله وهذا لم يفعله أحد من العلماء قبل أبى حنيفة ولا بعده، والعلة في هذا أن الجتهد كما بيننا يخطئ ويصيب، والواجب على كل مسلم أن يجتهد فإن قدر على الاجتهاد مثل الفقهاء كان، وإن لم يقدر اجتهد فيمن يأخذ عنه.
وهذا عليه إجماع(2/74)
الأمة فكان أبو حنيفة يقرئ الناس الفقه فإذا بلغ أحدهم رتبة الاجتهاد قال له هذا القول.
أفترى ذلك عيبا على من فعله ؟ أو على من اعتقد أن هذا ذم ؟ وما قلت عن الخطيب فهو أحسن الوجهين له، لأنه إن كان يعرف هذا وقال هذا، إنما كان قصده الطعن على الأئمة جميعهم، لأن هذه مسألة إجماع، ألا تراه قال لأبى يوسف ولم يقل لغيره، وذلك لعلمه بأبى يوسف وهذا دال على ما قلت ولو كان كما قال الخطيب لقال لهم جميعا ولم يقرئ أحدا مذهبه.
وروى عن ابن رزق إلى عمر بن حفص بن غياث عن أبيه قال كنت أجلس إلى أبى حنيفة فأسمعه يسأل عن مسألة في اليوم الواحد فيفتى فيها بخمسة أقاويل، فلما رأيت ذلك تركته وأقبلت على الحديث.
هذا هو الفقه لأنه يوجه جميع الوجوه حتى يترجح عنده الحق فيتبعه.
وقد روى عن أبى حنيفة أنه كان يتحدث أنه كان يتحدث في المسائل إلى أن سأله محمد بن الحسن فقال: ما تقول يا شيخ في رجل قال لامرأته إن كلمتك
فأنت طالق إن كلمتك فأنت طالق إن كلمتك فأنت طالق.
فقال ثم ماذا ؟ فقال محمد أنظر حينا.
فأطرق أبو حنيفة رأسه ثم رفعه.
فقال: طلقت ثنتان.
فقال أحسنت.
فقال ما أدرى أي قوليه أوجع.
أنظر حينا أو أحسنت.
قال فما كان أبو حنيفة بعد ذلك إلى سئل مسألة يعرف رأسه حتى يأتي بالجواب.
وفقهه معروف لا أحتاج أن أذكره فمن أراد أن يعرفه فليقف عليه وليتصفحه، فقد روى أن عالما يهوديا كان بالبصرة فطلب الجامع الكبير، فلما وقف عليه.
قال: من بحث عن دينه مثل هذا ودقق مثل هذه المسائل ثم لم يدعها لنفسه وإنما نسبها إلى نبى أشهد أنه على الحق.
فأسلم وهذا يعد من بركات محمد بن الحسن رحمه الله لما صنفه، ومسائله معروفة فإن من أراد أن يقرأه ويفهمه يحتاج أن يكون عالما بارعا بستة علوم، أولها الكتاب العزيز، والآثار، والفقه، والنحو، واللغة والحساب.
ومن لم يكن مجيدا بهذه العلوم لم يعرفه إلا تقليدا.
وروى عن الحسن بن أبى طالب إلى ابن المقرى عن أبيه قال سمعت أبا حنيفة يقول: ما رأيت أفضل من عطاء، وعامة ما أحدثكم به خطأ هذا لا يثبت مثله عن أحد أن يقول أكثر ما أقوله خطأ، فإن قال أحد من العلماء مثل هذا إنما يريد به التواضع وهذا الأحسن بالعالم لا سيما في الاجتهاديات فإن العلماء لمجمعون على أن المجتهد ليس على الخطأ بيقين، ولا على الصواب بيقين ولهذا سميت الاجتهاديات وقد(2/75)
تقدم الجواب أيضا.
وروى عن ابن رزق إلى وكيع عن أبى حنيفة أنه سمع عطاء - إن كان سمعه.
هذا كلام لا يجاب عنه، لأننى لم أفهم قوله سمع عطاء إن كان سمعه.
وإن قصد ثلب أبى حنيفة في أنه يدعى أنه سمع من تابعي ولم يكن سمع منه، فأبو حنيفة أدرك جماعة من الصحابة وعاصرهم، ومولده يقتضى ذلك فإنه ولد سنة ثمانين وعاش إلى سنة خمسين
ومائة، فقد أمكن اللقاء لوجود جماعة من الصحابة في ذلك العصر.
وقد جمع روايته في جزء أبو معشر عبد الكريم بن عبد الصمد الطبري المقرئ وهذا الجزء سمعناه وروينا الأحاديث التى فيه عن سبعة، أخبرنا به الشيخ الفقيه ضياء الدين أبو الخطاب عمر بن أيلمك بن الأردغانسى الحنفي قراءة علية بظاهر البيت المقدس بقراءة الخطيب بالمسجد الأقصى يومئذ في يوم الأحد الثاني والعشرين من شهر ربيع الأول سنة ثلاث وستمائة.
قال أنبأنا القاضى نجم الدين أبو البركات محمد بن على بن محمد الأنصاري البخاري - قراءة عليه بمدينة أسيوط من أصل سماعه في جمادى الأولى سنة إحدى وثمانين وخمس مائة -.
قال أنبأنا القاضى الإمام أبو الحسن مسعود ابن الحسن اليزدى.
قال أنبأنا الشيخ الإمام أبو معشر عبد الكريم بن عبد الصمد المقرئ الطبري قال: هذا ما روى الإمام أبو حنيفة النعمان بن ثابت بن زوطا بن يحيى ابن زيد بن ثابت الأنصاري التيمى - تيم الله - بن ثعلبة رحمه الله تعالى.
وتوفى ببغداد سنة خمسين ومائة عن الصحابة رضى الله عنهم - أعنى أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم - فذكر أنس بن مالك وعبد الله بن جزء وواثلة بن الأسقع وجابر ابن عبد الله وعبد الله بن أنيس وعبد الله بن أبى أوفى وعائشة بنت عجرد وروي عن كل واحد منهم حديثا مسندا إلى النبي صلى الله عليه وسلم.
وأما لقيه للتابعين وسماعه منهم فقد قال ابن حاتم في كتابه في حرف النون.
النعمان بن ثابت أبو حنيفة روى عن عطاء ونافع وأبى جعفر محمد بن على وقتادة وسماك بن حرب وحماد بن أبى سليمان.
روى عنه هشيم وعباد بن العوام، وابن المبارك، ووكيع وعبد الرزاق وأبو نعيم.
فقد اندفع بهذا إنكار الخطيب.
وقوله عن أبى حنيفة أنه سمع عطاء إن كان سمعه، فقد أثبت ابن حاتم روايته عن عطاء وجماعة من التابعين.
وروى عن البرقانى إلى أبى محمد عبد الله بن أبى القاضى قال سمعت محمد بن حماد يقول: رأيت النبي صلى الله عليه وسلم في المنام فقلت يا رسول الله ما تقول في النظر في كلام(2/76)
أبى حنيفة وأصحابه أنظر فيها وأعمل عليها ؟ قال لا.
لا.
لا ثلاث مرات، قلت فما تقول في النظر في حديثك وحديث أصحابك أنظر فيها وأعمل عليها ؟ قال نعم نعم نعم ثلاث مرات.
ثم قلت يا رسول الله علمني دعاء أدعو به، فعلمني دعاء وقال لى ثلاث مرات فلما استيقظت أنسيته.
فمن رأى النبي عليه السلام وسأله عن أي شئ يعمل بواسطة ؟ وأما حديث النبي عليه السلام وأصحابه فلا يرده أحد من علمائنا، إنما الاختلاف في تفسيره وبيانه وصحة روايته، ثم كيف أنسى الدعاء وحفظ شيئا يتهم في الصدق فيه.
وروى عن محمد بن عبد الله الخنائى إلى عبيد الله بن المبارك قال: من نظر في كتاب الحيل لأبى حنيفة أحل ما حرم الله وحرم ما أحل الله.
وروى عن محمد بن على المقرى إلى النضر بن شميل يقول في كتاب الحيل كذا وكذا مسألة كلها كفر.
وحدث عن الأزهري إلى عبد الله بن المبارك يقول من كان عنده كتاب حيل أبى حنيفة يستعمله أو يفى به فقد بطل حجه وبانت منه امرأته.
فقال مولى ابن المبارك: يا أبا عبد الرحمن ما أرى وضع كتاب الحيل إلا شيطان.
فقال ابن المبارك الذى وضع كتاب الحيل أشر من الشيطان.
وروى عن إبراهيم بن عمر البرمكى إلى أبى إسحاق قال سمعت ابن المبارك يقول: من أن كتاب الحيل في بيته يفتى به أو يعمل بما فيه فهو كافر بانت امرأته وبطل حجه.
فقيل له: إن في هذا الكتاب إذا أرادت المرأة أن تختلع من زوجها ارتدت عن الإسلام حتى تبين ثم تراجع الإسلام ! فقال عبد الله: من وضع هذا فهو كافر بانت منه امرأته وبطل حجه.
فقال له خاقان المؤذن: ما وضعه إلا إبليس.
فقال الذى وضعه عندي أبلس من إبليس.
نحن لا نحيل الجواب عن هذا على معدوم، الكتاب حاضر فمن أراد أن يستبين فليفعل ؟ وأما قوله عن المرأة فقد أجمع الملسمون على أن الردة تفسخ النكاح وأما عند أبى حنيفة فإنها إذا ارتدت عن الإسلام إلى دين أهل الكتاب إن لحقت بدار الحرب انفسخ نكاحها عند حلولها بدار الحرب، وإن أقامت بدار الإسلام لم ينفسخ نكاحها إلا بعد انقضاء العدة وهى على الردة، وإن ارتدت إلى الشرك انفسخ نكاحها في(2/77)
الحال.
وهذه ليست بمسألة اجتهاد بل هي مأخوذة عن النص بقوله تعالى.
(ولا تنكحوا المشركات حتى يؤمن) ولا فرق بين بقاء النكاح وبين إنشائه.
وقال تعالى (وإن فاتكم شئ من أزواجكم إلى الكفار فعاقبتم فآتوا الذين ذهبت أزواجهم مثل ما أنفقوا) ولهذا قلنا إنها لا تبين حتى تعتد أو تلحق بدار الحرب، فإنها إذا لحقت بدار الحرب زال عنها حكم الإسلام وجرى عليها حكم الكفر وحصلت بالبينونة فليس طعنه على أبى حنيفة وحده.
وروى عن زكريا إلى الحسين بن عبد المبارك النيسابوري قال: أشهد على عبد الله يعنى ابن المبارك شهادة يسألنى عنها أنه قال لى: يا حسين قد تركت كل شئ رويته عن أبى حنيفة فاستغفر الله وأتوب إليه.
هذا التارك لكل ما رواه عن أبى حنيفة مع أن أبا حنيفة أحد المجتهدين على وجهين، ان أراد بالترك ترك الرواية فمنه إلى ربه، وإن أراد بالترك ترك المروى، فلا يخلو هل تركه باجتهاد أظهر له أن الصحيح في خلافة فله حكم بقية المجتهدين، وإن تركه عن غير اجتهاد فقد ترك الإسلام.
والمنقول عن ابن المبارك أنه لم يزل على مذهب أبى حنيفة إلى أن قبضة الله.
وهذا يدل على خلاف ما نقل عنه الخطيب.
وقال زكريا: سمعت عبد أن وعلى بن شقيق كليها يقولان.
وقال ابن المبارك كنت إذا أتيت مجلس سفيان فشئت أن تسمع كتاب الله سمعته
وإن شئت أن تسمع آثار رسول الله صلى الله عليه وسلم سمعتها وإن شئت أن تسمع كلاما في الزهد سمعته.
وأما مجلس لا أذكر أنى سمعت فيه قط صلى على رسول الله صلى الله عليه وسلم فمجلس أبى حنيفة.
وروى عن الخلال إلى أبى داود سليمان بن الأشعت السجستاني قال ابن المبارك: ما مجلس ما رأيت ذكر في النبي صلى الله عليه وسلم قط ولا يصلى إلا مجلس أبى حنيفة.
وما كنا نأتية إلا خفية من سفيان الثوري.
وروى عن أبى نصر أحمد بن الحسين القاضى بالدينور إلى هارون بن إسحاق.
قال سمعت محمد بن عبد الوهاب القناد يقول: حضرب مجلس أبى حنيفة فرأيت مجلس لغو لا وقار فيه وحضرت مجلس سفيان الثوري فكان الوقار والعلم والسكينة فيه فلزمته.(2/78)
وروى عن أبى بكر محمد بن عبد الله أبان التغلبي الهيتى إلى يوسف الفريابى يقول: كان سفيان ينهى عن النظر في رأى أبى حنيفة.
قال: وسمعت محمد بن يوسف وسئل هل روى سفيان الثوري عن أبى حنيفة شيئا ؟ فقال: معاذ الله سمعت سفيان الثوري يقول: ربما استقبلني أبو حنيفة يسألنى عن مسالة فأجيبه وأنا كاره وما سألته عن شئ قط.
وروى عن القاضى أبى بكر محمد بن عمر الداودى إلى محمد بن عبيد الطنافسى يقول سمعت سفيان - وذكر عنده أبو حنيفة - فقال: يتعسف الأمور بغير علم ولا سنة.
وحدث عن ابن رزق إلى ابن الجراح قال سمعت أبى يقول: ذكروا أبا حنيفة في مجلس سفيان فكانى قول عوذا بالله من شر النبطي إذا استعرب.
أبو حنيفة رحمه الله لم يكن نبطيا وإنما اختلف الناس في أنه هل كان مولى لبنى زياد أو فارسيا ؟ وقد قال
النبي صلى الله عليه وسلم: (لو أن العلم مناط بالثريا لنالته رجال من أبناء فارس).
ولا شك في أن قول النبي صلى الله عليه أرجح من قول ابن الجراح.
وروى عن ابن رزق إلى الفريابى قال سمعت الثوري ينهى عن مجالسة أبى حنيفة وأصحاب الرأى.
هذا سفيان رحمه الله قد روى الخطيب عن جماعة عنه ذم أبى حنيفة والتحذير عنه، وهذا الخبر الأخير يتضمن أنه نهى عن مجالسة أصحاب الرأى جملة.
فهذا يدخل فيه مالك أيضا والشافعي وأحمد بن حنبل.
ولما قرض ابن المبارك سفيان قال إذا أتين مجلس سفيان، إن شئت أن تسمع كتاب الله سمعته، وإن شئت أن تسمع آثار رسول الله صلى الله عليه وسلم سمعتها.
وإن تسمع كلاما في الزهد سمعته، ولم يذكر له فقها.
فهذا يدل على أنه لم يكن فقيها وإذا لم يكن فقيها لم يدخل في قول تعالى (إنما يخشى الله عباده العلماء) ومن لم يخش الله قال ما شاء، وقوله ليس بحجة لأنه ليس من الفقهاء وإنما يطعن في كل صنف من كان منه.
فإن شاعرا إذا طعن في محدث لا يلتفت إلى قوله، وكذلك إن طعن محدث في فقيه وإنما يكون قوله حجة إذا كان يعرف ذلك العلم، هذا إذا عرفت أن سفيان لم يكن له غرض أو حيث عرف غرضه بأن طعن على جميع أصحاب الرأى فقوله متروك بالإجماع وسيأتى ما ذكره عن سفيان وغيره بعد أن شاء الله تعالى.(2/79)
وروى عن الأبار إلى عبد الله بن عبد الرحمن سئل قيس بن عن أبى حنيفة فقال.
من أجهل الناس بما كان، وأعلمهم بما لم يكن.
وروى عن البرمكى إلى حجاج قال سألت قيس بن الربيع عن أبى حنيفة فقال: أنا من أعلم الناس به كان أعلم الناس بما لم يكن وأجهلهم بما كان.
هذا قد روى عن قيس بن الربيع من وجهين أن أبا حنيفة كان من أجهل الناس بما وأعلمهم بما لم
يكن، هذا قد رد قول الله تعالى (قل لا يعلم من في السموات والأرض الغيب إلا الله) قال فقد جعل أبا حنيفة يعلم ما لم يأت وجهله بما أتى وهذا رجل من الجاهلية يقول: وأعلم ما في اليوم والأمس قبله * ولكني عن عمل ما في غد عم وسمع النبي صلى الله عليه وسلم قوله فاستحسنه ولم يخطئه.
فانظر رحمك الله لى رجل يرد أن يثلب أبا حنيفة فيدعى له علم الغيب ولا علم له بما قال.
ثم إن الخطيب إما أن نقل مثل هذا ولم يعلم ما نقل أو لم يستح أن ينقل مثل هذا.
وروى عن البرقانى قال: قال ابن إدريس: إنى لأشتهى من الدنيا أن يخرج من الكوفة.
قول أبى حنيفة، وشرب المسكر، وقراءة حمزة هذا قد بلغه الله أمنيته، فقد خرج من الكوفة قول أبى حنيفة وقراءة حمزة ولكنهما انتشرا في الأرض واستحسنهما الناس واشتغلوا بهما، وما ضره قوله.
واعلم أن جميع أصحاب أبى حنيفة ومن قرأ بقراءة حمزة إلى يومك هذا منهم من هو أعلم وأورع من هذا المتمنى وأتقى لله.
وروى عن زكريا قال سمعت محمد بن الوليد البسرى قال: كنت قد تحفظت قول أبى حنيفة، فبينما أنا يوما عند أبى عاصم فدرست عيه شيئا من مسائل أبى حنيفة فقال ما أحسن حفظك ولكن ما دعاك إلى أن تحفظ شيئا تحتاج أن تتوب إلى الله منه ؟ أتراه يريد من العلم بكتاب الله وسنة رسوله وأتباع الصحابة، وإذا تاب عن هذا فبأى شئ كان يريده يتعلق أم تراه لم يقف على الجامع الكبير وحدة حتى يعلمه ما يتوب عنه.
وأنا ذاكرا لك مسألة من مسائلة لتعلم ما يطرد عليه.
قال أبو حنيفة: إذا قال الرجل لامرأته إن دخلت الدار فأنت طالق وطالق وطالق إن كلمت زيدا.
فدخلت الدار، وقع عليها تليقتان، وإن كلمت زيدا وقع عليها(2/80)
تطليقة.
قال الله عز وجل: (ختم الله على قلوبهم وعلى سمعهم وعلى أبصارهم غشاوة) فقد جمع الناس على أن الختم للقلوب، والأسماع، والغشاوة للبص.
فأبو حنيفة استخرج من هذه الآية هذه المسألة فجعل قوله إن دخلت الدار فأنت طالق وطالق، ثم ابتدأ وطالق إن كلمت زيدا.
فجاء بها على نسق الآية.
فانظر كم وقف على هذه الآية من إنسان ولم يستخرج منها شيئا.
وقد بينت في أول كتابي من جنس هذه المسألة ما يستدل به على أن من تاب عن مثل هذا كفر.
وروى عن ابن رزق إلى مصعب بن خارج بن مصعب قال سمعت حمادا يقول - في مسجد الجامع - وما علم أبى حنيفة ؟ علمه أحدث من خضاب لحيتى هذه.
وروى عن أبى أحمد بن على بن عبد الله الزجاجي إلى سفيان بن سعيد وشريك والحسن بن صالح قالوا: أدركنا أبا حنيفة وما يعرف بشئ من الفقه، ما نعرفه إلا بالخصومات.
لا يشك أحد أن كل إنسان محدث وفي حال صغره لا يوصف بالعلم، ومعرفته بالعلم محدثة ولا يكون العلم قديما إلا لله تعالى وحده.
وأنه لم يؤت العلم وهو صبى سوى يحيى.
ومع هذا افعلمه كان محدثا، ومن ادعى العلم القديم فقد كفر.
فهذا شكر أبا حنيفة وهو يظن أن يثلبه.
وروى عن الحسن بن أبى طالب إلى المزني قال: سمعت الشافعي يقول: ناظر أبو حنيفة رجلا فكان يرفع صوته في مناظرته إياه.
فوقف عليه رجل فقال الرجل لأبى حنيفة: أخطأت فقال أبو حنيفة للرجل تعرف المسألة ما هي ؟ قال لا، قال فكيف تعرف أنى أخطأت ؟ قال أعرفك إذا كان لك الحجة ترفق بصاحبك، وإذ كانت عليك تشغب وتجلب.
إذا كان الغائب لا يعرف المسألة فقوله وتركه سواء لأنه معترف بالجهل، وأجهل منه من يعتقد أن هذا مما يطعن به على الأئمة.
وروى عن البرقانى إلى أبى العباس السراج قال سمعت أبا قدامة يقول سمعت
سلمة ابن سليمان قال: قال رجل لابن المبارك: كان أبو حنيفة مجتهدا ؟ قال: ما كان بخليق لذاك، كان يصبح نشيطا في الخوض إلى الظهر، ومن الظهر إلى العصر، ومن العصر إلى المغرب، ومن المغرب إلى الشاء فمتى كان مجتهدا ؟ قال وسمعت أبا قدامة يقول سمعت سملة بن سليمان يقول قال رجل لابن المبارك: أكان أبو حنيفة عالما ؟(2/81)
قال لا، ما كان بخليق لذاك، ترك عطاء وأقبل على أبى العطوف.
هذا لا يجاب عن مثله، لأنه قال من عنده شيئا خالفه الناس كلهم.
لأن الناس رجلان، إما صاحب لأبى حنيفة وإما مخالف له، فأما أصحابه فلا يشك أحد أنهم يكذبون من قال هذا، وأما مخالفوه فهم أصحاب مالك والشافعي.
فأما مالك فقد.
قال: رأيت رجلا لو أراد أن يقيم الدليل على أن هذه السارية من ذهب لأقامه.
والشافعي يقول: الناس عيال في الفقه على أبى حنيفة.
وقد ذكرت عن الخطيب أنه قال في تاريخه: إن ابن المبارك لم يزل على مذهب أبى حنيفة إلى أن مات.
فكيف يقول إنسان مثل هذا ويعمل بقوله ؟.
وروى عن الأزهري إلى إبراهيم بن راشد الآدمى قال سمعت أبا ربيعة محمد بن عوف يقول سمعت حماد بن سلمة يكنى أبا حنيفة أبا جيفة.
وروى عن ابن رزق إلى حنبل بن إسحاق قال سمعت الحميدى يقول لأبى حنيفة - إذا كناه - أبو جيفة، لا يكنى عن ذاك، ويطهره في المسجد الحرام في حلقته والناس حوله.
أما هذا القول فيريد مثله أن يجبيبه، لأن مثل هذا لا يذكره إلا من لا خلاق له.
قال الله تعالى (ولا تنابذوا بالألقاب) فمن خالف القرآن فقد كفر، وهذا قد خالق القرآن أفترى قوله يصير حجة ؟ فلو أن الخطيب يريد الإنصاف لكان يجعل الذم لحماد بن سلمة والحميدي لأنهما خالفا الكتاب العزيز وعملا بضد ما جاء فيه.
وروى عن العتيقي إلى زكريا بن يحيى الحلواني قال: سمعت محمد بن بشار العبدى بندارا يقول: قلما كان عبد الرحمن بن مهدى يذكر أبا حنيفة إلا قال: كان بينه وبين الحق حجاب.
وروى عن ابن الفضل إلى يعقوب عن محمد بن بشار قال سمعت عبد الرحمن بن مهدى يقول: بين أبى حنيفة وبين الحق حجاب.
وروى عن البرقائى إلى محمد بن على الحافظ قال قيل لبندار - وأنا أسمع - أسمعت عبد الرحمن بن مهدى يقول كان بين أبى حنيفة وبين الحق حجاب ؟ فقال: نعم قد قاله لي.
قال الله تعالى: (ولو كنت أعلم الغيب لاستكثرت من الخير) وقال النبي صلى الله عليه وسلم: (لتختصمون إلى ولعل بعضكم أن يكون ألحن بحجته من بعض(2/82)
فأقضى له بنحو ما أسمع، فمن قضيته له بشئ من ذلك فإنما أقطع له قطعة من النار) فقد ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يعلم الغيب، فكيف عرف عبد الرحمن بن مهدى أن بين أبى حنيفة وبين الحق حجابا ؟.
وروى عن ابن رزق إلى الوليد بن عتبة قال سمعت مؤمل بن إسماعيل.
قال: قال عمر بن قيس: من أراد الحق فليأت الكوفة فلينظر ما قال أبو حنيفة وأصحابه فليخالفهم.
وروى عن بشرى بن عبد الله الرومي إلى أبى الجواب قال: قال لى عمار بن زريق: خالف أبا حنيفة فإنك تصيب.
وقال بشرى: فإنك إذا خالفته أصبت.
وروى عن ابن الفضل إلى عمار بن زريق قال إذا سألت عن شئ فلم يكن عندك شئ فانظر ما قال ألى حنيفة فخالفه فإنك تصيب.
وروى عن البرقانى إلى الحسين بن إدريس قال: قال ابن عمار: إذا شككت في شئ نظرت إلى ما قال أبو حنيفة فخالفته كان هو الحق - أو قال البركة - في
خلافه.
قال حنيفة مخالفته كان هوالحق - أو قال البركة - في خلافه.
قال أبو حنيفة مخالفته كان هوالحق - أو قال البركة - في خلافه.
قال أبو حنيفة وأصحابه: إن الله تعالى واحد أحد لا شريك له ولا شئ يشبهه قديم بلا ابتداء، دائم بلا انتهاء، لا يفنى ولا يبيد، ولا يكون إلا ما يريد.
وإن النبي صلى الله الله عليه وسلم حق، والساعة حق، وإن القرآن كلام الله منه بدأ وإليه يعود بلا كيفية شبها، وإن الجنة والنار مخلوقتان لا يفنيان أبدا، وإن الله يبث من في القبور، أفترى من خالفهم في هذا يكون حاله ؟.
وروى عن عبد الله بن يحيى السكرى إلى سفيان بن عيينة قال: قال مساور الوراق: إذا ما أهل رأى حاورونا * بآبدة من الفتوى طريفه أتيناهم بمقياس صحيح * صليب من طراز أبى حنيفة إذا سمع الفقيه بها وعاها * وأثبتها بحبر في صحيفة فأجابه بعضهم يقول:(2/83)
إذا ذو الرأى خاصم عن قياس * وجاء ببدعة هنة سخيفه أتيناه بقول الله فيها * وآيات محبرة شريفه فكم من فرج محصنة عفيف * أحل حرامها بأبى حنيفه فكان أبو حنيفة إذا رأى مساور الوراق أوسع له وقال هاهنا، هاهنا.
وروى عن ابن رزق إلى أبى صالح هدبة بن عبد الوهاب المروزى قال: قدم علينا شقيق البلخى فجعل يصرى أبا حنيفة، فقيل له لا تطر أبا حنيفة بمرو فإنهم لا يحتملونك.
قال شقيق أليس قد قال مساور الوراق:
إذا ما الناس يوما قايسونا * بآبدة من الفتوى طريفه أتيناهم بمقياس تليد * طريف من طراز أبى حنيفه فقالوا له أما سمعت ما أجابوه ؟ قال أجل.
إذا ذو الرأى خاصم في قياس * وجاء ببدعة هنة سخيفه أتيناهم بقول الله فيها * وآثار مبرزة شريفه فكم من فرج محصنة عفيف * أحل حرامها بأبى حنيفه وروى عن ابن رزق إلى عبد الكريم قال سمعت يحيى بن أيوب قال حدثنا صاحب لنا ثقة.
قال: كنت جالسا عند أبى بكر بن عياش فجاء إسماعيل بن حماد بن أبى حنيفة فسلم وجلس، فقال أبو بكر من هذا ؟ قال أنا اسماعيل يا أبا بكر.
قال فضرب أبو بكر على ركبة إسماعيل ثم قال: كم من فرج حرام أباحه جدك.
لا شك في أنه كان حراما فأحله بما أحله به الله ورسوله، وهذه كتب أبى حنيفة غير مدحوضة ولا مستورة.
وقد ذكرت غير مرة أصول مذهب أبى حنيفة وأنها من كتاب الله، فإن لم يجد فمن سنة رسول الله، فإن اختلفت الأحاديث رجح ما رجحته الصحابة، فإن لم يجد اجتهد في التوفيق بينهما ما أمكن.
فإن لم يمكن واجتهد برأيه ولم يخرج عن قول النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه وهذا مذكور في عدة مواضع، أفترى الخطيب يعتقد أن الفرج يكون حلالا من أول ما يخلق ؟ ومن لا يعرف مثل هذا كيف يجوز له الحديث.
وإنما الفرج يكون حراما فيحل، ويكون حلالا فيحرم.
وهذا ما جاء في الكتاب والسنة.
وحدث عن أبى عبد الله محمد بن عبد الواحد إلى أبى معمر قال: أبو بكر بن(2/84)
عياش: يقولون إن أبا حنيفة ضرب على القضاء، إنما ضرب على أن يكون عريفا على طرز حاكة الخزازين.
هذا إن صح عن ابن عياش فإنما ذكره ابن عياش وحده والناس على خلافه ولكني أجيبه، وإن كان ضرب أيضا على أن يكون عريفا فلم يفعل فهو كذلك أيضا لأنه تجنب الولاية، فسواء القضاء وغيره لأن النبي صلى الله عليه وسلم يقول (العرفاء في النار) ودليل على خلاف قوله، أنهم استعملوا أبا يوسف على القضاء وهو تلميذ أبى حنيفة، فلو فعل أبو حنيفة [ ورضى أن ] يلى لما ولوا غلامه.
وروى عن ابن رزق إلى أسود بن سالم يقول قال أبو بكر بن عياش سود الله وجه أبى حنيفة.
هذا من الجميع خطأ، رجل دعا على أبى حنيفة أي شئ كان في هذا حتى ينقله، فإن مثل هذا لا ينبغى أن يذكره أحد لأنه ما أتى عن أبى حنيفة بشئ ينكره عالم، وإنما سفه فنقل الخطيب سفهه فلو أن كل من دعى عليه كان منكوتا لما سلم أحد من الناس كافة.
وروى عن الحسن بن على بن عبد الله المقرئ إلى محمد بن حفص الدوري قال سمعت أبا عبيد يقول: كنت جالسا مع الأسود بن سالم في مسجد الجامع بالرصافة، فتذكروا مسألة فقلت إن أبا حنيفة يقول فيها كيت وكيت، فقال لى الأسود: تذكر أبا حنيفة في المسجد ؟ فلم يكلمني حتى مات.
الجواب عن هذا كما تقدم، وأيضا فإن ذكر الكفار في القرآن، وهو كلام الله الذى لا تصح الصلاة إلا به، وأى شئ كان في هذا مما ينقل ويجعل قدحا في أبى حنيفة ؟ وأيضا قد فعل محرما لأن النبي صلى الله عليه وسلم يقول: (لا يحل لمؤمن أن يهجر أخاه فوق ثلاث، يلتقيان فيعرض هذا ويعرض هذا، وخيرهما الذى يبدأ بالسلام) فهذا الخبر لم يفت الخطيب، وإنما قصد رده والطعن فيه لا في أبى حنيفة.
وروى عن محمد بن أحمد بن يعقوب إلى محمد بن عبد الوهاب يقول قلت لعلى ابن عثام: أبو حنيفة حجة ؟ فقال: لا للدين ولا للدنيا.
قد أجمع الناس على خلاف قول هذا القائل، وليس ابن عثام بأعلم من جميع
أصحاب أبى حنيفة ولا مثل واحد منهم، فكيف ينقل عنه مثل هذا ؟ وقد تقدم الجواب عنه مع غيره.(2/85)
وروى عن أبى حازم إلى محمد بن جعفر الأسامى قال: كان أبو حنيفة يتهم شيطان الطاق بالرجعة، وكان شيطان الطاق يتهم أبا حنيفة بالتناسخ فخرج أبو حنيفة يوما إلى السوق فاستقبله شيطان الطاق ومعه ثوب يريد بيعه، فقال له أبو حنيفة أتبيع هذا الثوب إلى رجوع على ؟ فقال: إن أعطيتني كفيلا أنك لا تمسح قردا بعتك.
فبهت أبو حنيفة.
وقال: لما مات جعفر بن محمد التقى هو وأبو حنيفة فقال له أبو حنيفة أما إمامك فقد مات: فقال له شيطان الطاق: أما إمامك فمن المنظرين إلى يوم الوقت المعلوم.
قد تقدم القول فيما مضى أن أبا حنيفة وأصحابه على غير هذا المذهب فكيف كان يليق بالخطيب أن يقول هذا المحفوظ ويحيل على رجل يخالفه أصحاب أبى حنيفة كلهم، ثم إن شيطان الطاق كان رافضيا وقد كان يسب كبار الصحابة، فلأبى حنيفة رضى الله عنه أسوة بأبى بكر وعمر رضى الله عنهما، والحمد لله الذى بين لك صحة ما ذكرت من أن الخطيب لم يكن غرضه الرد على أبى حنيفة، وإنما أراد الرد على النبي عليه الصلاة وأفضل السلام وأصحابه، فلذلك رجح قول من يبغض الصحابة ويسبهم.
وحدث عن أبى نعيم الحافظ إلى جبر - وهو محمد بن عصام بن يزيد الاصبهاني يقول سمعت سفيان الثوري يقول: أبو حنيفة ضال مضل.
قد تقدم الجواب عن مثل هذا في أمر الحميدى وعبد الرحمن، وكذلك سفيان إن كان يدعى علم الغيب، وإلا فمن أين له هذا ؟ فإن كان من قول أبى حنيفة كان بينه، فإن أقوال أبى حنيفة أظهر من الشمس.
وروى عن إبراهيم بن محمد بن سليمان المؤدب إلى رجاء السندي قال: قال عبد الله بن إدريس: أما أبو حنيفة فضال مضل، وأما أبو يوسف ففاسق من الفساق.
قد تقدم الجواب عن هذا في الخبر الذى قبله.
وروى عن أيوب إلى يزيد بن هارون يقول ما رأيته قوما أشبه بالنصارى من أصحاب أبى حنيفة.
أترى النصارى على غير شكل بنى آدم وإلا فأى شئ شبههم بالنصارى.
ومثل هذا لا يذكر فإن الله تعالى خالق كل شئ ومع هذا فلا يقال خالقك خالق الكلب.
ولا شك أن الجميع خلقة الله، ومن ينكر هذا لا يكون مسلما.(2/86)
وروى عن أحمد بن محمد العتيقي والحسن بن جعفر السلماسى والحسن بن على الجوهرى إلى محمد بن عبد الله بن الحكم قال: قال لى محمد بن إدريس الشافعي: نظرت في كتب لأصحاب أبى حنيفة فإذا فيها مائة وثلاثون ورقة، فعددت منها ثمانين ورقة خلاف الكتاب والسنة.
قال أبو محمد: لأن الأصل كان خطأ فصارت الفروع ماضية على الخطإ.
وقال ابن أبى حاتم حدثنى الربيع بن سليمان المرادى قال: سمعت الشافعي يقول: أبو حنيفة يضع أول المسألة خطأ ثم يقيس الكتاب كله عليها.
وقال أيضا حدثنا هارون بن سعيد الإيلى قال: سمعت الشافعي يقول: ما أعلم أحدا وضع الكتب أدل على عوار قوله من أبى حنيفة.
أما أصول أبى حنيفة رضى الله عنه فمعروفة لا يقدر أحد أن يطعن فيها، فإنه إذا بنى أصلا على باب من الأبواب لم يخالفه أبدا.
مثال ذلك أن الشك لا يزيل اليقين عند أبى حنيفة رحمه الله، مثاله إذا أكل الرجل في شهر رمضان وهو يرى أنه لم يصبح وكان قد أصبح فعليه القضاء ولا كفارة عليه، ولو أكل وهو يرى أنه قد دخل الليل ثم تبين أنه نهار فعليه القضاء والكفارة، لأنه ممسك بالأصل.
ومثاله إن العصير
لا يصير خمرا يغلى ويقذف بالزبد ويشتد ويسكر فإذا حمض الخمر أدنى الحمض لا يصير خلا حتى يشتد حمضه فيتخلل بيقين ومثاله رجل توضأ ثم شك في الحدث فهو على وضوئه، ورجل شك في الوضوء يجب عليه الوضوء لأنه على الأصل، هذا في الأصول التى بنى عليها.
أما على القول فالشافعى وأصحابه منذ كانوا وإلى هذه السنة التى تكلمنا فيها - وهى سنة إحدى وعشرين وستمائة لهجرة النبي صلى الله عليه وسلم - لا يقدرون على بيان ما نقل عنه الخطيب.
وجوابي للخطيب، وإنما عندي أن الشافعي نقل عنه من حمد أبى حنيفة ما لا ينقل إلا عمن يعرف الفضل ويعرف به.
وروى عن ابن رزق إلى أحمد بن سنان بن أسد القطان قال سمعت الشافعي يقول: ما شبهت رأى أبى حنيفة إلا بخيط السحارة يمد كذا فيجئ أخضر، ويمد كذا فيجئ أصفر.
هذا القول لا يحسن أن ينقل عن الشافعي لأنه لا ينقله عنه إلا من يريد الطعن والتشنيع عليه، لأن مثل هذا المثل لا يتمثل به إلا الصبيان.
وحدث عن البرقانى إلى المروذى أبو بكر أحمد بن الحجاج قال سألت أبا عبد الله - وهو أحمد بن حنبل - عن أبى حنيفة وعمرو بن عبيد.
قال: أبو حنيفة أشد على(2/87)
المسلمين من عمرو بن عبيد لأن له أصحابا.
إن صح هذا الخبر وكان الأمر على ما ذكر فكلهم له الأصحاب، فأما أصحاب أبى حنيفة فليس فيهم من يقول: إن الله شبح جالس على العرش والعرش لا يسعه.
أترى من يقول هذا القول لا يعرف أن من خلق السموات والأرض قادر على أن يخلق له ما يسعه ؟.
وروى عن طلحة بن على الكتاني إلى الأثرم قال رأيت أبا عبد الله مرارا يعيب أبا حنيفة ومذهبه، ويحكى الشئ من قوله على الإنكار والتعجب.
أنا أصدق هذا لأن أصحاب أحمد إلى يومنا هذا لم يفهم أحد منهم (الجامع الكبير)، ولا عرف ما فيه، ومتى وقف عليه فلا شك أنه ينكره فخل عنك باقى كتب أصحاب أبى حنيفة.
وروى عن بشرى بن عبد الله الرومي إلى أبى بكر الأثرم قال أخبرنا أبو عبد الله بباب في العقيقة فيه عن النبي صلى الله عليه وسلم أحاديث مسندة، وعن أصحابه، وعن التابعين، ثم قال: وقال أبو حنيفة: هو من عمل الجاهلية.
ويتبسم كالمتعجب.
أما هذا القول فلا ينكره على أبى حنيفة إلا من لا يعرف أمور الشرع، فإن العقيقة والطهور وغيرهما كان من شريعة إبراهيم ثم استمر ذلك في الجاهلية حتى جاء النبي صلى الله عليه وسلم وأمر به، وبهذا جاء الكتاب العزيز (وكتبنا عليهم فيها أن النفس بالنفس) يعنى التوراة.
ونحن نعمل بذلك.
وقد جاء شئ من عمل الجاهلية لم يكن مذهبا لإبراهيم عليه السلام وعلم به النبي صلى الله عليه وسلم وهو البدنة.
وروى عن محمد بن عبد الملك القرشى إلى محمد بن يوسف البيكندى يقول: قيل لأحمد بن حنبل قول أبى حنيفة الطلاق قبل النكاح ؟ فقال مسكين أبو حنيفة كأنه لم يكن من العراق، كأنه لم يكن من العلم بشئ، قد جاء فيه عن النبي صلى الله عليه وسلم، وعن الصحابة، وعن نيف وعشرين من التابعين، مثل سعيد بن جبير وسعيد بن المسيب وعطاء وطاووس وعكرمة.
كيف يجترئ أن يقول تطلق ؟.
هذا خلاف مذهب أبى حنيفة، لأن مذهبه أنه يقول لا طلاق إلا في ملك أو مضافا إلى ملك، أو في علقة من علائق الملك.
وجميع أصحاب أبى حنيفة على ما ذكرت.
وأما من نقل عن رجل فقها لمن يكن من مذهبه ويقول إنه مذهبه، ما نعلم كل أحد أنه يتقول عليه ومن علم أنه كاذب كيف يصدق قوله في الأخبار عنه أو عن غيره ؟.(2/88)
وروى عن ابن رزق إلى مهنئ بن يحيى قال: سمعت أحمد بن حنبل يقول: ما قول أبى حنيفة والبعر عندي إلا سواء.
لا يشك أحد أن أحمد بن حنبل بعد مذهب أبى حنيفة، والمسائل التى هي [ من ]
قول أبى حنيفة وعمل بها أحمد كيف حكمه فيها ؟ هل هي داخلة في الجملة أو خارجة عنها ؟ فإن قال داخلة فيها فقد خالف قوله بلا شك وصار بهذا كافرا لأنه يرى الخطأ ويتبعه، وإن قال لا فقد خالف قوله وناقض الحكم، ومثل هذا لا يصح عن أحمد بن حنبل لأن أدنى درجات أحمد أن يعرف ما ذكرت، فإن أحمد ولد بعد [ وفاة ] أبى حنيفة بأربع عشرة سنة.
وروى عن البرقانى إلى محمد بن روح قال سمعت أحمد بن حنبل يقول: لو أن رجلا ولى القضاء ثم حكم برأى أبى حنيفة، ثم سألت عنه لرأيت أن أرد أحكامه.
إن كان أحمد يرى رد أحكام الحكام فربما، وإن كان غير ذلك فلا يجوز له.
لأن الصحابة كلهم على خلاف هذا، فإن عليا رضى الله عنه ولى شريحا وكان يرى خلاف رأى شريح، وكذلك أكثر الخلفاء الراشدين ولو اقضاة يرون خلاف رأيهم وإن كان أحمد يحالف جميع الصحابة فهذا عجيب.
وروى عن الحسن بن أبى طالب إلى خالد بن يزيد بن أبى مالك أنه قال: أحل أبو حنيفة الزنا، وأحل الربا، وأهدر الدماء.
فسأله رجل ما تفسير هذا ؟ فقال: أما تحليل الربا فقال درهم وجوزة بدرهمين نسيئة لا بأس به، وأما الدماء فقال لو أن رجلا ضرب بحجر عظيم فقتله كان على العاقلة ديته ثم تكلم في شئ من النحو فلم يحسنه، ثم قال لو ضربه بأبا قبيس كان على العاقلة وأما تحليل الزنا فقال لو أن رجلا وامرأة أصيبا في بيت وهما معروفا الأبوين فقال المرأة هو زوجي، وقال هو هي امرأتي، لم أعرض لهما.
قال أبو الحسن النجاد: في هذا إبطال الشرائع والأحكام.
أما جوزة ودرهم بدرهمين نسيئة فإن هذا لم يرو عن أبى حنيفة ولا يصح في مذهبه النسيئة خاصة، بل الذى روى عن أبى حنيفة إذا اشترى سيفا وعليه حلية فضة لا يخلص إلا تضرب بدراهم نقدا، فإن كان الثمن بقدر الحلية أو أقل لم يصح البيع،
وإن كان الثمن أكثر من الحلية صح.
لأن الحلية بوزنها والفضل في مقابلة السيف، وهذا إذا كان يدا بيد.
قال ولو باع إبريق فضة وزنه عشرة دراهم بعشرين درهما(2/89)
لصح يدا بيد.
فإن أعطاه غيره دراهم وافترقا صح في النصف وبطل في النصف، وهذا خلاف ما حكاه الخطيب.
وأما الدماء فإن النبي صلى الله عليه وسلم لم يرو عنه القصاص في الحجر، وقد قال صلى الله عليه وسلم: (ادرءوا الحدود بالشبهات) وقال (ألا إن قتيل شبه العمد قتيل السوط والعصا مائة من الإبل) ولم يفرق النبي صلى الله عليه وسلم بين العصا الكبيرة والصغيرة، ولا يستحق كل واحدة اسما غير العصا.
ولم يوجب إلا الدية بهذا.
وأما أبا قبيس فقد تقدم الجواب عنه.
وأما الزنا فإذا جاء واحد إلى كل واحد من امرأة ورجل فقالا نحن زوجان بأى طريق يفرق بينهما أو يعترض عليهما، لأن كل واحد منهما يدعى أمرا حلالا.
ولو فتح هذا الباب لكان الإنسان كل هيوم، بل في كل ساعة يشهد على نفسه وعلى زوجه أنهما زوجان، وهذا لم يقل بن أحد من الأئمة وفيه من الحرج ما لا يخفى على أحد.
وروى عن إبراهيم بن عمر البرمكى إلى محمد بن أيوب بن المعافى البزاز قال: سمعت إبراهيم الحربى يقول: وضع أبو حنيفة أشياء في العلم مضغ الماء أحسن منها، وعرضت يوما شيئا من مسائله على أحمد بن حنبل فجعل يتعجب منها، ثم قال كأنه هو يبتدئ الإسلام.
أما جواب أحمد بن حنبل عن مثل هذا فقد تقدم، ولو كان الأمر كما ذكر لبين المسائل حتى يعرف السامع أن الحق مع من وضعها أو مع من عابها.
وروى عن البرقانى إلى عبد الله بن محمد بن سيار الفرهيانى قال سمعت القاسم ابن عبد الملك أبا عثمان يقول سمعت أبا مسهر يقول: كانت الأئمة تلعن أبا فلان على هذا المنبر، وأشار إلى منبر دمشق.
قال الفرهيانى: وهو أبو حنيفة: أترى بأى
شئ استدل الفرهيانى على أن المراد بأبى فلان أبو حنيفة، حتى كأن الكنى والكنايات اختصت به دون غيره.
ومع هذا فإن أبا حنيفة لم يلعن على منبر دمشق، وأما الذى ذكرة فلم يتعرض إليه إلا من وجب قتاله، وإذا كان لأبى حنيفة أسوة بمن ذكره فما نريد شرفا أكثر من ذلك.
وروى عن الخلال إلى العباس بن عبد الله الترقفى قال سمعت الفريابى يقول: كنا في مجلس سعيد بن عبد العزيز بدمشق، فقال رجل رأيت فيما يرى النائم كان النبي صلى الله عليه وسلم قد دخل من باب الشرقي يعنى باب المسجد، ومعه أبو بكر وعمر - وذكر غير واحد من الصحابة - وفى القوم رجل وسخ الثياب، رث الهيئة فقال تدرى من ذا ؟(2/90)
قلت لا، قال هذا أبو حنيفة، هذا ممن أعين بعقله على الفجور.
فقال له سعيد: أنا أشهد أنك صادق لولا أنك رأيت هذا، لم تكن تحسن تقول هذا.
ليت شعرى أي شئ في هذا القول مما يصعب على أبله الناس إذا أراد الاختلاف أن يقوله، ثم ومن لا يحسن أن يقول مثل هذا في اليقظة كيف يحتج بقوله في المنام ؟ وليت شعرى من كان هذا الرجل الرائى للمنام الذى قيست رؤياه برؤيا يوسف لم يتحمل على ظاهرها لأنها أولت لأنه لم يسجد له الشمس والقمر والكواكب الأحد عشر في اليقظة كما رآها ساجدة له في المنام، ومه هذا فيكفى أبا حنيفة شرفا دخوله المسجد مع النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه مقارنا لأبى بكر وعمر، ولو كان الأمر كما ذكرنا لما صحب النبي صلى الله عليه وسلم إلى المسجد، هذا إن صدق افتراؤهما لوجدنا به بهتا وهما مستيقظان أكان أحد يصدقهما فكيف يصدقهما في المنام ؟ وقد أجمع الناس على أن الرؤيا لا تفسر على ظاهرها ولو كان الأمر كذلك لما احتيج إلى المفسرين لأن نص القرآن العزيز حكاية عن يوسف لما قال له الرائى (إنى) أرانى أحمل فوق رأسي خبزا تأكل الطير منه) إنه يصلب فتأكل الطير من رأسه، وأين الحمل من الصلب، وأين
الخبز من رأسه ؟ وفى قول الملك (إنى أرى سبع بقرات سمان يأكلهن سبع عجاف)، (قال تزرعون سبع سنين) ثم قال (ثم يأتي من بعد ذلك سبع شداد) * وأين البقرة من السنة، فقد أول المعبرون البكاء بالفرج، والموت بطول العمر وأشياء كثيرة بما يضادها.
فعلى هذا يكون وسخ أثواب أبى حنيفة ورثاثة هيئته نظافة وطهارة.
وحدث عن أبى الفتح محمد بن المظفر بن إبراهيم الخياط إلى على بن حرب قال سمعت محمد بن عامر الطائى - وكان خيرا - يقول: رأيت في المنام كان الناس مجتمعون على درج مسجد دمشق، إذ خرج شيخ ملبب بشيخ، فقال: أيها الناس إن هذا قد بدل دين محمد صلى الله عليه وسلم.
فقلت لرجل إلى جانبى من هذان الشيخان ؟ فقال: هذا أبو بكر الصديق ملبب بأبى حنيفة.
أما حديثهم عن أبى حنيفة في المنام فلا حجة فيه، لا سيما ممن لو طعن فيه في اليقظة لم يقدح ذلك فيه، لأنهم ليسوا من أهل العلم.
والطعن في مثله وليس في مثل هذا فائدة إلا ما ذكرناه عن الخطيب من قصد التشنيع والنكير والتعصب وقد تقدم الكلام عن ذلك.(2/91)
وروى عن القاضى أبى العلاء محمد بن على الواسطي إلى طريف بن عبد الله قال: سمعت ابن أبى شيبة - وذكر أبا حنيفة - فقال: أراه كان يهوديا.
قد أجمع الناس على أنه من كفر مسلما فهو كافر، ولا شبهة عند أئمة الأمصار أن أبا حنيفة مسلم، ومن كفر مسلما فقد كفر.
لا يعد بقوله، ولقد كان هذا القول بالقدح في ابن أبى شيبة أولى منه في أبى حنيفة لولا حيف الخطيب.
وحدث عن ابن رزق إلى محمد بن المهلب السرخسى عن على بن جرير.
قال: كنت في الكوفة فقدمت البصرة وبها ابن المبارك، فقال لى كيف تركت الناس ؟ قال
قلت تركت قوما بالكوفة يزعمون أن أبا حنيفة أعلم من رسول الله صلى الله عليه وسلم.
قال قلت اتخذوك في الكفر إماما ؟ قال فبكى حتى ابتلت لحيته.
هذا كلام غير مفهوم فيجاب عنه، ولو أراد قائله أن يقول ما يسمع الجواب عنه لتكلم بما يفهم، ومع هذا قد تقدم القول عن ابن المبارك وأنه ما زال على مذهب أبى حنيفة إلى أن مات برواية الخطيب عنه.
وروى عن محمد بن على المقرئ إلى على بن جرير الأبيوردى قال قدمت على ابن المبارك فقال له رجل: إن رجلين تماريا عندنا في مسألة فقال أحدهما قال أبو حنيفة.
وقال الآخر قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: كان أبو حنيفة أعلم بالقضاء.
فقال ابن المبارك: أعد على، فأعاد عليه فقال: كفر كقر.
قلت بك كفورا.
وبك اتخذوا الكفر إماما.
قال ولم ؟ قلت بورايتك عن أبى حنيفة.
قال أستغفر الله من رواياتي عن أبى حنيفة.
أول ما نقول إن هذا القول من ذلك الرجل لا يتعلق بأبى حنيفة، فيكون قدحا فيه، ثم نقول كيف يتصور أن يستغفر الله من رواياته عن أبى حنيفة رجل لم يزل على مذهب أبى حنيفة إلى أن مات.
وحدث عن الحسن بن أبى طالب إلى الحميدى قال سمعت ابن المبارك يقول: صليت وراء أبى حنيفة صلاة وفى نفسي منها شئ.
وقال وسمعت ابن المبارك يقول: كتبت عن أبى حنيفة أربعمائة حديث إذا رجعت إلى العراق إن شاء الله محوتها.
أما قوله إن في نفسه شيئا من تلك الصلاة فلا يعلم الغيب إلا الله، ما يدرى أي شئ هو الذى كان في نفسه، وأما الأحاديث التى رواها عن أبى كانت من أقوال(2/92)
أبو حنيفة فينبغي أن يبينها لنجيب عما أنكره، وإن لم تكن من أقوال أبى حنيفة فليس الطعن في ذلك على أبى حنيفة.
وحدث عن إبراهيم بن محمد بن سليمان المؤدب إلى إبراهيم بن شماس يقول: كنت مع ابن المبارك بالثغر فقال: إن رجعت من هذه لأخرجن أبو حنيفة من كتبي.
وروى عن العتيقي إلى إبراهيم بن شماس قال: سمعت ابن المبارك يقول: اضربوا على الحديث أبى حنيفة.
وروى عن عبيد الله بن عمر الواعظ إلى الحسن بن الربيع قال: ضرب ابن المبارك على حديث أبى حنيفة قبل أن يموت بأيام يسيرة.
قال الخطيب كذا رواه لنا وأظنه عن عبد الله بن أحمد عن أبى بكر الأعين نفسه والله أعلم.
الجواب عن هذه الحكايات الثلاث: إن قول ابن المبارك لا يعتد به في مثل أبى حنيفة لأن أبا حنيفة كان مجتهدا وابن المبارك من كودان المتفقه، ثم قد تقدم القول أن ابن المبارك مات وهو على مذهب أبى حنيفة.
ثم إن الخطيب بحمد الله قد شك في رواة الحكاية الثالثة الذين جعلهم ثبتا.
وروى عن محمد بن أحمد بن يعقوب إلى محمد بن على بن حسن بن شقيق يقول سمعت أبى يقول سمنعت عبد الله بن المبارك يقول: لحديث واحد من حديث الزهري أحب إلى من جميع كلام أبى حنيفة.
إن كان الحديث الذى يحدثه الزهري عن النبي صلى الله عليه وسلم فكل المسلمين يقولون هذا ويعتقدونه، بل يعتقدون أن لفظة واحدة من كلام النبي صلى الله عليه وسلم خير من كل مل تكلم به الخلق، إلا أن يظن أن في المسلمين من لا يعتقد هذا فمكافأته عمن يظن به ذلك على الله، وإن كان الحديث من كلام الزهري فما اعتد أحد بكلام الزهري ولا عمل به، ولا نعرف مذهبا يقال له مذهب الزهري.
وروى عن ابن دوما إلى على بن إسحاق الترمذي قال: قال ابن المبارك: كان أبو حنيفة يتيما في الحديث.
هذا بالمدح أشبه منه بالذم فإن الناس قد قالوا درة يتيمة إذا كانت معدومة المثل، وهذا اللفظ متداول للمدح لا نعلم أحدا قال بخلاف، وقيل يتيم دهره، وفريد عصره وإنما فهم الخطيب قصر عن إدراك ما لا يجهله عوام الناس.
وحدث عن البرقانى إلى عبد الله بن أحمد بن شبويه قال سمعت أبا وهب يقول سمعت عبد الله بن المبارك يقول: كان أبو حنيفة يتيما في الحديث.
الجواب عن هذا كالجواب عما تقدمه.(2/93)
وحدث عن على بن محمد بن عبد الله المعدل إلى أبى قطعن قال حدثنا أبو حنيفة - وكان زمنا في الحديث - الزمانة لا نعرفها إلا في الأعضاء وأما العلم فلا يوصف من يتعاناه إلا بالجهل أو المعرفة، ولا يشك أحد في فقه أبى حنيفة.
وأما أبو قطن فلا يعرف له قول يرجع إليه.
وروى عن محمد بن الحسين الأزرق إلى أبى غسان قال ذكرت للحسن بن صالح رجلا قد كان جالس أبا حنيفة من النخع.
فقال لا: لو كان أخذ من فقه النخع كان خيرا له.
انظروا عمن تأخذون النخع إنما هي قبيلة من اليمن وليست بفقيه، فانظروا إلى رجل لا يعرف النخع هل هي قبيلة أو فقيه، ثم يأخذ بالأخذ عنها، ثم يحتج بقوله ويجعل ثبتا يقدح به في الأئمة.
مع إن هذا الحسن بن صالح لم يكن من الفقهاء فيعرف الفقه، إنما كان يحمل كتب الحديث.
وروى عن عبد الله بن يحيى السكرى والحسن بن أبى بكر ومحمد بن عمر النرسى إلى مؤمل بن إسماعيل قال سألت سفيان بن عينية قلت يا أبا محمد تحفظ عن أبى حنيفة شيئا ؟ قال لا، ولا نعمة عين.
ليس يضر أبا حنيصفة لا يقدح فيه كون سفيان لا يحفظ عنه، فقد حفظ عنه من هو خير من سفيان مع أن الخطيب ذكر في تاريخه أن سفيان روى عنه، فلا ندرى على أي قولى الخطيب نعتمد.
على أن الذين حفظوا عن أبى حنيفة اعتد بأقوالهم الناس واعتمدوا على مذاهبهم، وسفيان بحمد الله لم يعتمد أحد على مذهبه.
وروى عن البرمكى إلى ابن نمير قال: أدركت الناس وما يكتبون الحديث عن أبى
حنيفة الرأى ؟ هذا ابن نمير لم يعرف أنه من الفقهاء أصلا ولا من المحدثين المعتبرين المعتد بأقوالهم، ومه هذا فلو لم يكتب الرأى عن أبى حنيفة ويحفظ ويتداول كيف كان يبقى مذهبه إلى زماننا بعد موته إلى تأليف هذا الكتاب أربعمائة وإحدى وسبعون سنة.
ويكفى هذا في الدلالة على بطلان قول ابن نمير.
وروى عن العتيقي إلى حماد بن زيد قال سمعت الحجاج بن أرطاة يقول: ومن أبو حنيفة ؟ ومن يأخذ عن أبى حنيفة ؟ وما أبو حنيفة: أما قوله من أبو حنيفة فهو النعمان بن ثابت وأما قوله من يأخذ عنه فمن وفقه الله للتفقه في دينه، وقد أخذ عنه أهل اليمن أجمع، وأهل الهند والسند، وأهل غزنة، وجبال الغور، وأهل ما وراة النهر كلهم، وأهل خراسان - إلا بعض أهل نيسابور وما حولها فإنهم شافعية -(2/94)
وعامة أهل العراق، وبلد الروم بأسرهم، وأكثر أهل الشام.
وفلسطين، ومصر، وما برح أصحاب أبى حنيفة قضاة الإسلام في دار السلام التى هي قبة الإسلام إلى هلم.
وأما ما هو فإنسان شرفه الله بالعلم والعمل، فكان علمه ومله لا يرجح أحدهما على الآخر، ولم يماثله أحد فيهما ولا قارنه.
وأما علمه فباق إلى الآن لا يحتاج من عنده أدنى معرفة إلى طلب الدليل على عظمه، وأما علمه فمن جملته أنه أقام - على ما اشتهر عنه من الجم الغفير الموثوق برواياتهم - أربعين سنة يصوم النهار ويقوم الليل.
لم يرو عنه أن رؤى بالليل نائما.
وكان يصلى الصبح في المسجد جماعة ثم يعطى ظهره المحراب ويقعد يطارح الناس الفقه ويتكلم في العلم إلى أن يؤذن للظهر، ثم يقوم فيتركع ويصلى الظهر، فإذا فرغ من صلاته أعطى ظهره القبلة وفعل كذلك إلى العصر، ثم يصلى العصر، ويفعل كذلك إلى أن يؤذن المغرب، ثم يصلى المغرب ثم يفعل كذلك إلى أن يؤذن العشاء فيصليها ثم يقول إلى بيته فيفطر ثم يجدد وضوءه، ثم يعود إلى المسجد فيختم القرآن الذين أثنى النبي عليه الصلاة والسلام عليه بلا
خلاف لأنه من القرآن الثاني.
ثم لم يكن من عامة الناس بل كان من خواصهم في أحكام القرآن والسنة والدين، وكان من خيار أهل عصره ومعلوم أن من كان في الدرجة الثانية وقد فاق أهلها فليس له منزلة إلا الدرجة الأولى.
قال الله تعالى * (ومن يطع الله والرسول فأولئك مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيها) * فقد بين الله تعالى أن من أطاع الله ورسوله فقد لحق بالنبيين والصديقين والشهداء والصالحين فحقيق أن يلحقه لكونه من صالحي أهل قرنه بالقرن الأول.
وروى عن البرقانى إلى يحيى هو ابن سعيد القطان - وذكر عنده أبو حنيفة - قالوا كيف كان حديثه ؟ قال: لم يكن بصاحب حديث.
هذا لا يصح فإن الناس قد رووا عنه، ولو لا إلا طالة لذكرت كل من روى عنه لأن ذلك موجود في الكتب وقد ذكر الخطيب في التاريخ أنه روى عن جماعة، وروى عنه جماعة.
وحدث عن الخلال إلى محمد بن حماد المقرئ قال: وسألت يحيى بن معين عن أبى حنيفة.
فقال: وآيش كان عند أبى حنيفة من الحديث حتى تسأل عنه ؟ كتب الحديث التى رويت عنه مشهورة لا يحتاج إلى ذكرها لاشتهارها.(2/95)
وروى عن الحسن بن الحسن بن المنذر القاضى والحسن بن أبى بكر البزاز إلى إبراهيم بن إسحاق الحربى قال سمعت أحمد بن حنبل - وسئل عن مالك - فقال: حديث صحيح ورأى ضعيف وسئل عن الأوزاعي فقال: حديث ضعيف ورأى ضعيف.
وسأل عن أبى حنيفة فقال: لا رأى ولا حديث.
وسأل عن الشافعي فقال.
حديث صحيح ورأى صحيح.
هذا لا يكاد يصح عن أحمد بن حنبل، وإن صح فلا اعتداد به لأنه إذا جعل رأى الشافعي صحيحا وخالفه كفر.
ولا شك أن أحمد يخالف الشافعي في كثير من الأقوال.
وحدث عن أحمد بن على البادا إلى أبى بكر بن شاذان قال: قال لى أبو بكر بن أبى داود: جميع ما روى أبو حنيفة من الحديث مائة وخمسين حديثا أخطأ - أو قال غلط - في نصفها.
هذا القائل كان يببغى له أن يذكر الأحاديث ويبين ما أخطأ فيه بزعمه حتى نجيبه عن ذلك إن قدرنا.
وروى عن ابن دوما إلى إبراهيم بن سعيد قال سمعت أبا أسامة يقول: مر رجل على رقبة فقال من أين أقبلت ؟ قال من عند أبى حنيفة قال يمكنك من رأى ما مضغت، وترجع إلى أهلك بغير ثقة.
وروى عن ابن رزق إلى الحميدى قال: قال سفيان: كنت جالسا عند رقبة ابن مصقلة فرأى جماعة منجفلين، فقال من أين ؟ قالوا من عند أبى حنيفة، فقال رقبة يمكنهم من أرى ما مضغوا وينقلبون إلى أهليهم بغير ثقة.
هذان القولان لم نفهم معناهما، ولو فهمنا ذلك لأجبناه.
وأما قوله بغير ثقة فليس كذلك بإجماع من يعتد بقوله، ويرجع إلى مذهبه من الناس.
وروى عن العتيقي إلى حيى بن سعيد قال سمعت شعبة يقول: كف من تراب خير من أبى حنيفة.
هذا القول مخالف لقول الله تعالى، وقول نبيه صلى الله عليه وسلم، فإن الله تعالى يقول * (ولقد كرمنا بنى آة م وحملناهم في البر والبحر ورزقناهم من الطيبات وفضلناهم على كثير ممن خلقنا تفضيلا) * فممن، سؤال عمن يعقل، وليس من خلق الله من يعقل سوى الملائكة والجن والأنس، وأقل درجات أبى حنيفة أن يكون من بنى آدم لا ينازع في ذلك من له لب، بل كان من أكابر العلماء.
والإجماع على أن العلماء أفضل من خواص الملائكة، وبهذه الآية استدل على ذلك لأنهم لو فضلوا على الجن لم يكن تفضيلا على الكثير، لأن تفضيل جنس من ثلاثة أجناس على جنس(2/96)
منها لا يكون تفضيلا على الكثير إن لم يفضل على الجنسين الآخرين.
فلزم أن
يفضلوا على الملائكة والجن عملا بالنص.
والنبى صلى الله عليه وسلم يقول: (حرمة المؤمن عند الله خير مما طلعت عليه الشمس) وهذا قد جعل كفا من تراب خيرا من أبى حنيفة.
فهذا الرد ليس لأبى حنيفة فيه حديث.
وحدث عن البرمكى إلى عبد الرحمن بن مهدى قال سألت سفيان عن حديث عاصم في المرتدة فقال: أما من ثقة فلا، كان يرويه أبو حنيفة.
قال أبو عبد الله: والحديث كان يرويه أبو حنيفة عن عاصم عن أبى رزين عن ابن عباس في المرأة إذا ارتدت، قال تحبس ولا تقتل.
وحدث عن عبيد الله بن عمر الواعظ إلى منصور بن سلمة الخزاعى قال سمعت أبا بكر بن عياش - وذكر حديث عاصم - فقال: والله ما سمعه أبو حنيفة قط.
هذا الحديث لم يذكره أبو حنيفة فيكون الجواب عنه، وإنما هكذا مذهبه أنها تحبس، والتعلق بنهي النبي صلى الله عليه وسلم عن قتل النساء مطلقا بقوله (نهيت عن قتل النساء) وبقوله (ما بالها قتلت ولم تقاتل) والنهى إذا ورد مطلقا عمل به إلا أن يأتي أمر آخر يقيده فإنه يعمل به.
فإنها إذا قتلت قتلت.
ولكن بنص آخر وهو أنه القصاص.
وحدث عن على بن أحمد الرزاز إلى مؤمل قال ذكروا أبا حنيفة عند سفيان الثوري فقال: غير ثقة ولا مأمون غير ثقة ولا مأمون.
الجواب عن هذا يأتي عند ذكر الرواة.
وحدث عن محمد بن عمر بن بكير المقرئ إلى المؤمل إلى المؤمل مثله.
وحدث عن أبى سعيد بن حسنويه إلى الأشجعي مثله.
هذا الأخبار إن صحت عن سفيان فقد رد عليه أكثر أهل الإسلام وعدوه مخطئا في ذلك.
وحدث عن البرقانى إلى محمد بن كثير العبدى يقول: كنت عند سفيان الثوري فذكر حديثا، فقال رجل حدثنى فلان بغير هذا فقال من هو ؟ فقال أبو حنيفة.
قال أحلتني على غير ملئ.
وحدث عن محمد بن الحسين بن محمد المتوثى إلى محمد بن كثير العبدى إلى سفيان الثوري قال رأيته، وسأله رجل عن مسألة فافتاه فيها، فقال له الرجل إن فيها أثرا، فقال عمن ؟ فقال عن أبى حنيفة.
قال أحلتني على غير ملئ.
أما قوله غير(2/97)
ملئ فليس بصحيح فلا شك أن أبا حنيفة أول من وضع المسائل، وأقرأ الفقه.
والنبى صلى الله عليه وسلم يقول: (حسن السؤال نصف العلم) فقد حصل له نصف العلم بالسؤال، ثم أجاب عن المسائل فحصل له نصف العلم بالإجابة، ثم وافقه أناس وخالفه آخرون فخولف في ربع الأمر فحصل له ثلاثة أرباع العلم بغير منازعة، ومثل هذا لا يكون غير ملئ.
ثم وإن عنى بقوله غير ملئ أن أبا حنيفة لا يكون مليئا بحديث واحد عن النبي صلى الله عليه وسلم فهذا أيضا يقطع كل أحد ببطلانه، فإن الصبيان لا يقصرون عن مثل هذا فكيف أبو حنيفة ؟ وحدث عن رضوان إلى أبى سلمة الفقيه يقول سمعت عبد الرزاق يقول ما كتبت عن أبى حنيفة إلى لأكثر به رجالى: وكان يروى عنه نيفا وعشرين حديثا.
هذا قال لأكثر به رجالى.
وهذا أكبر غرض المحدثين فإنهم لا يحفظون الأحاديث كما يحفظ الفقهاء المسائل والمقرئون القرآن،.
وملا غرضهم إلا ما ذكر من جميع من يروون عنه، فأى شئ في هذا ما يقدح في أبى حنيفة ؟ وإن كان هذا القدر قادحا فهو في جميع من يروى عنه من المشايخ.
وحدث عن على بن أحمد بن عمر المقرئ إلى عبد الله بن أحمد بن حنبل قال: سألت أبى عن الرجل يريد أن يسأل عن الشئ من أمر دينه مما يبتلى به من الإيمان في الطلاق وغيره، وفى مصره من أصحاب الرأى، ومن أصحاب الحديث لا يحفظون ولا يعرفون الحديث الضعيف ولا الإسناد القوى.
فلمن يسأل ؟ لأصحاب الرأى أو لهؤلاء ؟ - أعنى أصحاب الحديث - على ما كان من قلة معرفتهم.
قال:
يسأل أصحاب الحديث، ولا يسأل أصحاب الرأى، ضعيف الحديث خير من رأى أبى حنيفة.
هذا لا يكاد يصح عن أحمد بن حنبل رضى الله عنه لأنه من أصحاب الرأى، فكيف يفضل أصحاب الحديث مع وصفه لهم بقلة المعرفة والحفظ على أصحاب الرأى - وهو منهم - فإن ثبت عنه ذلك فهو إما مخالف لرأيه، أو لحديث معاذ: ومن رأى الحق في جهة واتبع غيرها كان مخطئا.
وحدث عن العتيقي إلى عبد الله بن أحمد قال سمعت أبى يقول: حديث أبى حنيفة ضعيف، ورأيه ضعيف.
وحدث عن التعيقى أيضا إلى أحمد بن الحسن الترمذي قال سمعت أحمد بن حنبل يقول: كان أبو حنيفة يكذب لم يقل العتقيقى - كان - أبو حنيفة رحمه الله ما كان(2/98)
يروى عن النبي صلى الله عليه وسلم حديثا في الأحكام والدين ويخالفه، بل إن كان الحديث صحيحا عمل به، وإن كان ضعيفا وثم حديث آخر صحيح يشبهه عمل بهما، ومن صح عنده عن النبي صلى الله عليه وسلم حديث ولم يعمل به كان مخطئا، وهذا لم ينقل عن أبى حنيفة كما نقل عن أحمد ومالك فإنهما رويا أحاديث وخالفاها.
وحدث عن القاضى أبى الطيب طاهر بن عبد الله المطيرى إلى عباس بن محمد الدوري قال سمعت يحيى بن معين يقول: - وقال له رجل - أبو حنيفة كذاب.
قال: أبو حنيفة أنبل من أن يكذب، كان صدوقا إلى أن في حديثه ما في حديث الشيوخ أنظر إلى الخطيب اعتقد أن هذا مما يذم به أبو حنيفة، فهل للمحدثين ولجميع العلماء إلا الشيوخ ؟ وحدث عن عبيد الله بن عمر الواعظ إلى جعفر بن أبى عثمان قال سمعت يحيى - وسألته عن أبى يوسف وأبى حنيفة - فقال كان أبو يوسف أوثق منه في الحديث.
قلت فكان أبو حنيفة يكذب ؟ قال كان أنبل في نفسه من أن يكذب.
من لا يكذب
كيف يكون غيره أوثق منه ؟ مع أن أبا يوسف رحمه الله لم يكن له شئ إلا من أبى حنيفة، وقد تقدم قول أبى يوسف بقول أبى حنيفة في حكاية خاك يسر.
وروى عن البرقانى عن محمد بن العباس الخزاز إلى أحمد بن محمد بن القاسم بن محرز قال سمعت يحيى بن معين يقول: كان أبو حنيفة لا بأس به وكان لا يكذب.
وسمعت يحيى يقول مرة أخرى: أبو حنيفة عندنا من أهل الصدق ولم يتهم بالكذب.
ولقد ضربه ابن هبيرة على القضاء فأبى أن يكون قاضيا.
هذا يحيى بن معين قد رددت أقواله في أبى حنيفة رضى الله عنه وتناقضت فإن ثبتت عنه هذه الطرق المروية كلها فلا اعتبار بقوله، لأنه قد ثبت عنه قوله الشئ وضده، ولا بد أن يكون في أحدهما مبطلا.
وإذا بطل في أحد القولين لم يصدق في الآخر.
وحدث عن العتيقي إلى نصر بن محمد البغدادي يقول سمعت يحيى بن معين يقول: كان محمد بن الحسن كذابا وكان جهميا، وكان أبو حنيفة جهميا ولم يكن كذابا.
أصحاب أبى حنيفة أكثر من أن يحصوا في عصر من الأعصار، وما ثبت عن أحد منهم مذهب الجهمية بل هم مجمعون على أن الصلاة خلف الجهمى لا تجوز، وهؤلاء ثبتت بعشرة منهم خبر التواتر.
والذى نقل عن يحيى بن معين إنما نقله الواحد عن الواحد، وإذا قيس بمثل هذين في الأخبار النبوية رجح التواتر على الآحاد.
وحدث عن ابن رزق إلى محمد بن سعد العوفى يقول سمعت يحيى بن معين يقول:(2/99)
كان أبو حنيفة ثقة لا يحدث بالحديث إلا بما يحفظ، ولا يحدث بما لا يحفظ.
هذا هو مذهب أبى حنيفة وأصحابه أنه لا يجوز أن يروى حديثا عن النبي صلى الله عليه وسلم إلا ما سمعه وحفظه من حين سمعه إلى حين أداه.
وحدث عن التنوخى إلى أحمد بن الصلت الحمانى قال سمعت يحيى بن معين - وهو يسأل عن أبى حنيفة أثقة هو في الحديث ؟ - قال: نعم ثقة ثقة، كان والله
أورع من أن يكذب، وهو أجل قدرا من ذلك.
وهذا الخبر عن أبى حنيفة إنما أوردناه في هذا الموضع لأنه جاء في هذا الباب وليس منه وإنما أوردناه لسياق الكلام.
وسيأتى الجواب عن هذا وعما تقدم من صفات أبى حنيفة ومدحه فيما بعد وحدث عن الصيمري إلى أحمد بن عطية قال سئل يحيى بن معين هل حدث سفيان عن أبى حنيفة ؟ قال نعم كان أبو حنيفة ثقة صدوقا في الحديث والفقه، مأمونا على دين الله عزوجل.
قلت: (يعنى الخطيب) أحمد بن الصلت هو أحمد بن عطية وكان غير ثقة، وسيأتى حديث أحمد مع بقية الرواة فيما بعد إن شاء الله.
وحدث عن ابن رزق إلى محمد بن عثمان بن أبى شيبة قال سمعت يحيى بن معين - وسئل عن أبى حنيفة - فقال: كان يضعف في الحديث.
وحدث عن أحمد بن عبد الله الأنماطي إلى أحمد بن سعد بن أبى مريم قال: وسألته - يعنى يحيى بن معين - عن أبى حنيفة فقال: لا تكتب حديثه.
هذا القول لا يلتفت الناس إليه، قد كتب حديثه ورأيه وسار في الآفاق واجمع الناس على أئمة أربعة أبو حنيفة منهم.
وما أخذ أحد بقول يحيى ولا بروايته.
وأخبر عن على بن محمد المالكى إلى عبد الله بن على بن عبد الله المدينى قال: وسألته - يعنى أباه - عن أبى حنيفة صاحب الرأى فضعفه جدا وقال لو كان بين يدى ما سألته عن شئ.
وروى خمسين حديثا أخطأ فيها.
كان الواجب أن يذكر الأحاديث ويبين خطأ أبى حنيفة فيها هل هو من الطرق أو من الرأى الذى رآه فيها، وأما أن يقول خمسين حديثا من غير ذكرها وتبيين الخطإ فيها فهذا من دلائل التحامل والافتراء، والعجب من اقتصاره على خمسين حديثا.(2/100)
وحدث عن عبد الله بن يحيى السكرى إلى ابن الغلابى قال: أبو حنيفة ضعيف.
هذه دعوى مجهولة، هل أراد ضعيف الجسم، أو ضعيف القلب، أو ضعيف الفقه أو ضعيف الحديث.
كان يريد أن يبين في أي شئ هو ضعيف، وإن كان يعنى الحديث - وهو الأقرب - فكان يلزمه أن يبين الأحاديث التى ضعفه فيها ويبين وجه ضعفه وإلا ربما يكون الضعف من فهم القادح، وإلا فقد روى عن أبى حنيفة جماعة كثيرة كل واحد منهم أجل قدرا منه.
وحدث عن ابن الفضل إلى أبى حفص عمرو بن على قال: وأبو حنيفة النعمان ابن ثابت صاحب الرأى ليس بالحافظ مضطرب الحديث: واهى الحديث، وصاحب هوى.
هذا كان يحتاج إلى تبيين ما ادعاه وإثبات طرقه وذكر الأحاديث التى كان فيها مضطربا واهيا متهاويا فإن مثل هذا لا يثبت إلا بمثل هذه الشرائط.
وحدث عن عبد العزيز بن أحمد الكتاني إلى إبراهيم بن يعقوب الجوزجائى قال: أبو حنيفة لا يقنع بحديثه ولا برأيه.
أما الحديث فقد ذكرته وذكرت أنه كان يجب ذكر الأحاديث التى لم يقنع به فيها ولم كان ؟ وأما الرأى فقد أجمع أهل العصر على أربعة منهم أبو حنيفة، وهذا إبراهيم لا يكاد يعرفه إلا آحاد المحدثين فمن أجمعت الأمة على أنه أحد الأئمة الأربعة المجمع عليهم لا يقدح فيه قول من لا يعرفه إلا بعض المحدثين.
ورأى أبى حنيفة أكثر من أن نحصيه في كتاب.
وحدث عن أبى عمر عبد الواحد بن محمد بن عبد الله بن مهدى أخبرنا أبو بكر محمد بن أحمد بن يعقوب بن شيبة حدثنا جدى قال: أبو حنيفة النعمان بن ثابت صدوق ضعيف الحديث.
وهذا أيضا كما قدمنا من الأمر أنه قال شيئا وضده، والذى يكون صدوقا كيف يكون ضعيف الحديث، ومن يكون ضعيف الحديث كيف يكون صدوقا.
وحدث عن أبى حازم العبدوى قال سمعت محمد بن عبد الله الجوزقى يقول قرئ على مكى بن عبدان وأنا أسمع قيل له سمعت مسلم بن الحجاج يقول: أبو حنيفة
النعمان بن ثابت صاحب الرأى مضطرب الحديث، ليس له كبير حديث صحيح ؟ هذه أيضا دعوى مجهولة إلا أن يشرح الأحاديث ويبين وجه الاضطراب كما بينا القول(2/101)
وحدث عن البرقانى إلى عبد الكريم بن أحمد بن شعيب النسائي عن أبيه قال: أبو حنيصفة النعمان بن ثابت كوفى ليس بالقوى في الحديث.
والجواب عن هذا كما تقدم.
وحدث عن القاضى أبى العلاء محمد بن على الواسطي إلى الهيثم بن عدى قال: وأبو حنيفة النعمان بن ثابت التيمى - تيم بن ثعلبة - مولى لهم توفى ببغداد سنة خمسين ومائة.
هذا إن كان أراد أن يبين النسب فالنسب قد اختلف فيه وهو معروف، وإن كان أراد أن يبين كونه مولى فنحن نجيب على تقدير صحة قوله فنقول قال الله عز وجل (إن أكرمكم عند الله أتقاكم) وقال تعالى (فإذا نفخ في الصور فلا أنساب بينهم يومئذ ولا يتسائلون).
وقال النبي صلى الله عليه وسلم: (الناس كإبل مائة لا تجد فيها راحلة) وقال: (الناس كأسنان المشط) وكونه مولى إن صح ذلك لا يقدح في دينه ولا في علمه.
وحدث عن القاضى أبى بكر أحمد بن الحسن الخرشى إلى أبى عاصم قال سمعت سفيان الثوري - بمكة - وقيل له مات أبو حنيفة فقال: الحمد لله الذى عافانا مما ابتلى به كثيرا من الناس.
وحدث عن أبى سعيد محمد بن موسى الصيرفى إلى مسدد قال سمعت أبا عاصم يقول ذكر عند سفيان موت أبى حنيفة فما سمعته يقول رحمه الله ولا شيئا.
قال: الحمد لله الذى عافانا مما ابتلاه به.
هذا قد بين أن سفيان كان له غرض مع أبى حنيفة حتى أنه لما مات لم يترحم
عليه مع كونه من أهل القبلة بلا شك.
وقال: الحمد الله الذى عافانا مما ابتلاه به فإن كان حمد الله على كونه عافاه من الموت الذى ابتلاه به فقد أخطأ فإن الله لا يعافى أحدا منه ولو كان ذلك لكان في حق النبي صلى الله عليه وسلم وقد قال له (إنك ميت وإنهم ميتون) وإن كان حمد الله على أنه عافاه بلاء ابتلا به أبا حنيفة دونه فكان ينبغى أن يبينه.
وحدث عن محمد بن عمر بن بكير المقرئ إلى عبد الله بن مسمع الهروي قال: سمعت عبد الصمد بن حسان يقول: لما مات أبو حنيفة قال لى سفيان الثوري اذهب إلى إبراهيم بن طهمان فبشره أن فتان هذه الأمة قد مات، فذهبت إليه فوجدته قاتلا(2/102)
فرجعت إلى سفيان.
فقلت له إنه قائل، قال اذهب فصح به إن فتان هذه الأمة قد مات.
قلت: (يعنى الخطيب) أراد الثوري أن يغم إبراهيم بوفاة أبى حنيفة لأنه كان على مذهبه في الأرجاء.
هذا غير صحيح لأن أصحاب أبى حنيفة كلهم على غير ذلك وإذا جمع الناس على أمر وخالفهم واحد لم يلتفت إلى قوله ولم يصدق في دعواه، حتى أن الصلاة عند أصحاب أبى حنيفة خلف المرجئة لا تجوز.
وحدث عن ابن الفضل إلى على بن المدينى قال: قال لى بشر بن أبى الأزهر النيسابور رأيت في المنام جنازة عليها ثوب أسود وحولها قسيسين، فقلت جنازة من هذه ؟ فقالوا: جنازة أبى حنيفة، حدثت به أبا يوسف فقال لا تحدث به أحدا.
قد علمت وفقك الله بما تقدم من هذه الأقوال تعصب الخطيب وما ذكرت فيه في نفسه وإن مثله لا يقبل قوله إذا روى عمن يقول في اليقظة فكيف بالرواية عمن يقول إنه رأى في المنام، ولكني أجيب عن ذلك أيضا لأن لكل كلام جوابا وقد
يكون الكلام خطأ ويسمى كلاما، وأنا أذكر الجواب من الكتاب والسنة وإن كنت قد ذكرته فيما تقدم.
أما الكتاب العزيز فقوله تعالى: (إنى رأيت أحد عشر كوكبا والشمس والقمر رأيتهم لى ساجدين) فلم يكن ذلك في اليقظة وإنما كان أخوته النجوم وأباه وخالته القمران، هذا مع كونه نبى ابن نبى وقوله: (إنى أرى سبع بقرات سمان يأكلهن سبع عجاف) فأولت البقر بالسنين وأين هذا من هذا، وقوله عزوجل: (ودخل معه السجن فتيان قال أحدهما إنى أرانى أعصر خمرا وقال الآخر إنى أرانى أحمل فوق رأسي خبزا تأكل الطير منه) وأجمع المفسرون على أن هذه الرؤيا ما كانت وأنهما افتعلاها كذبا ولما أولها يوسف الصديق لم يؤولها على ظاهر لفظها بل أول العاصر على أنه يسقى ربه خمرا ولم يكن للسقي ولا لرب الرائى ذكر في الرؤيا، وأول لحامل الخبز أنه يصلب فتأكل الطير من رأسه وأين هذا من هذا لو لا التأويل، فإن كان راوي هذه الرؤيا صادقا فيما زعم فالتأويل على ضد ما روى، وأما السنة فإن النبي صلى الله عليه وسلم رويت عنه تأويلات كثيرة على خلاف ظاهر لفظ الرؤيا، وكان إذا أصبح يقول (من رأى منكم الليلة رؤيا) ثم يؤوله أو يقول لأبى بكر الصديق رضى الله عنه ما ترى فيه ولا يتوقف على أن يحمله على ظاهره وكان(2/103)
المفسر مثل رسول الله صلى الله عليه وسلم.
فكيف يصدق بشر بن أبى الأزهر ويحمل منامه على ظاهره من غير تأويل.
(* * *) هذا آخر ما ذكره الخطيب في ترجمة أبى حنيفة رحمه الله وقد أجبناه بما تيسر لنا من الأجوبة.
ونحن الآن ذاكرون إن شاء الله أحوال الرجال الذين روى عنهم هذه الحكايات التى أوردها في تاريخه وكاشفون أسماءهم من كتابه التاريخ وناقلون ما
ذكره عنهم وما ذكره غيره من أئمة الحديث في حالهم.
فأول من روى عنه هذه الحكايات وكيع بن الجراح.
قال: الخطيب في تاريخه في ترجمة وكيع أجاز لنا إبراهيم بن مخلد حدثنا مكرم بن أحمد القاضى.
ثم أنبأنا الصيمري قراءة أنبأنا عمر بن إبراهيم المقرئ أنبأ مكرم حدثنا على بن الحسين بن حبان عن أبيه قال سمعت يحيى بن معين قال: ما رأيت أفضل من وكيع بن الجراح، قيل له ولا ابن المبارك ؟ قال قد كان لابن المبارك فضل ولكن ما رأيت أفضل من وكيع، كان يستقبل القبلة ويحفظ حديثه ويقوم الليل ويسرد الصوم ويفتى أبى حنيفة، وكان قد سمع منه شيئا كثيرا قال يحيى بن معين: وكان يحيى بن سعيد القطان يقول بقوله أيضا.
وإذا أثبت الخطيب أن وكيعا من أصحاب أبى حنيفة وكان يفتى بقوله فقد اندفع ما نقل عنه من خلاف ذلك، وعلم أنه لا يقدح فيه.
والذى يدل على كونه من اتباع أبى حنيفة أنه كان يرى شرب النبيذ مباحا.
وقد ذكر الخطيب في ترجمة وكيع، حدثت عن أبى الحسن الدارقطني قال: حدثنى القاضى أبو الحسن محمد بن صالح بن على بن أم شيبان الهاشمي.
قال حدثنى أبى قال حدثنا أبو عبد الرحمن سفيان بن وكيع بن الجراح قال حدثنى أبى.
قال: كان أبى وكيع يصوم الدهر فكان يبكر فيجلس لأصحاب الحديث إلى ارتفاع النهار ثم ينصرف فيقيل إلى وقت صلاة الظهر ثم يخرج فيصلى الظهر ويقصد طريق المشرعة التى كان يصعد منها أصحاب الروايا فيريحون نواضحهم فيعلمهم من القرآن ما يؤدون به الفرض إلى حدود العصر ثم يرجع إلى مسجده فيصلى العصر ثم يجلس فيدرس القرآن ويذكر الله إلى آخر النهار، ثم يدخل إلى منزله فيقدم إليه إفطاره وكان يفطر على نحو عشرة أرطال من الطعام ثم يقدم له قرابة فيها نحو من عشرة(2/104)
أرطال نبيذ فيشرب منها ما طاب له على طعامه ثم يجعلها بين يديه.
ويقوم فيصلى
ورده من الليل وكلما صلى ركعتين - أو أكثر من شفع أو وتر - شرب منها حتى ينفذها ثم ينام.
وقال الخطيب: قرأت على التنوخى عن أبى الحسن أحمد بن يوسف بن يعقوب ابن إسحاق بن البهلول الأنباري.
قال حدثنى أبى قال حدثنى جدى إسحاق بن البهلول.
قال: قدم علينا وكيع بن الجراح فنزل في المسجد على الفرات فكنت أصير إليه لاستماع الحديث منه فطلب منى نبيذا فجئته بخميسة ليلا فأقبلت أقرأ عليه الحديث وهو يشرب فلما نفذ ما كنت جئته به أطفأ السراج فقلت له ما هذا فقال لو زدتنا لزدناك.
وقال أنبأنا هلال بن محمد بن جعفر الحفار أنبا إسماعيل بن محمد الصفار حدثنا جعفر ابن محمد - يعنى الطيالسي - قال سمعت يحيى بن معين يقول سمعت رجلا سأل وكيعا فقال: يا أبا سفيان شربت البارحة نبيذا فرأيت فيما يرى النائم كأن رجلا يقول إنك شربت خمرا ؟ فقال وكيع ذاك الشيطان.
وقال أخبرنا ابن الفضل أنبأنا دعلج حدثنا أحمد بن على الأبار حدثنا محمد بن يحيى قال: قال نعيم بن حماد: تعشينا عند وكيع أو قال تغذينا فقال أي شئ تريدون أجئكم به ؟ نبيذ الشيوخ أو بنبيذ الفتيان ؟ قال قلت أتتكلم بهذا.
قال هو عندي أحل من ماء الفرات.
قال قلت له ماء الفرات لم يختلف فيه أحد، وقد اختلف في هذا.
وذكر الخطيب في ترجمة الفضل بن دكين أبى نعيم من تاريخه بإسناد ساقه عن البرقانى إلى أن قال سمعت عبد الله بن أحمد بن حنبل.
قال سمعت أبى يقول: أخطأ وكيع بن الجراح في خمسمائة حديث.
ثم ذكر بعده سفيان الثوري وهو ممن قال في أبى حنيفة المدح وخلافه، وقد روى عنه الأمران جميعا فأما أن يكون الطرق إليه كلها سواء فإحدى الروايتين كذب
لا محالة، وإن كانت إحدى الطريقين ليست بصحيحة فالأخرى صحيحة فأما طرق مدح أبى حنيفة وتعظيمه فلم نذكرها إذ لا حاجة لنا في ذكره فإن الطرق في هذا كثيرة وقد أفردت له كتب من غير تصانيف الخطيب، فلو كنا نقتصر على البعض(2/105)
يكون الكتاب غير مفيد، ولو استوعبنا الجميع لطال الكتاب وليس هذا من الغرض فنقتصر على المتكلمين في أبى حنيفة والنقلة عنهم ونبين طرق ذلك.
فأول من تكلم سفيان الثوري وروى عنه وكيع ورجح قول سفيان.
فنحن ذاكرون حاله إن شاء الله تعالى ونبدأ بما نقل عنه الخطيب ثم بما بلغنا عن غيره.
قال الخطيب في ترجمة سفيان الثوري: أخبرنا محمد بن الحسين القطان أخبرنا دعلج بن أحمد أخبرنا أحمد بن على الأبار حدثنا أحمد بن هاشم حدثنا ضمرة قال سمعت مالك بن أنس يقول إنما كانت العراق تجيش علينا بالدراهم والثياب، ثم صارت تجيش علينا بسفيان الثوري.
وكان سفيان يقول: مالك ليس له حفظ.
فهذا القول من سفيان في حق مالك باطل، لأن إن عنى به الحفظ للحديث فمالك له الموطأ الذى هو أشهر من الشمس وإن كان يريد الفقه فهو أحد الأئمة الأربعة الذين أجمعت عليهم الأمة، فثبت أن قول سفيان هذا ليس بشئ لأنه نقل خلاف إجماع الناس فتبين أنه صاحب هوى، ومن كان شأنه هكذا رفض المحدثون أقواله.
ونطرنا طرق هذا النقل إلى سفيان رجلا رجلا فلم نجد فيهم من تحدث فيه، ثم نظرنا الحديث الذى تكلم فيه سفيان عن أبى حنيفة فرأينا رواية عنه وكيعا، وقد ذكرنا عن وكيع ما تقدم.
ثم ذكر حكاية حدث بها عن على بن محمد بن عبد الله المعدل إلى حمزة بن الحارث بن عمير عن أبيه.
والحارث بن عمير هذا هو أبو عمر البصري.
قال ابن حبان البستى في كتاب الجرح: يروى عن الإثبات الموضوعات.
ثم ذكر حكاية رواها عن واحد عن محمد بن العباس الخزاز - وهو ابن حيوية - ذكر عنه الخطيب في ترجمته أنه كان مكثرا وكان فيه تسامح، وربما أراد أن يقرأ شيئا ولا يقرب أصله منه.
فيقرأه من كتاب أبى الحسن بن الرزاز لثقته بذلك الكتاب، وإن لم يكن فيه سماعه، ثم ساق السند إلى محمد بن محمد الباغندى وقال في ترجمته قال حمزة سألت الدارقطني عن محمد الباغندى.
قال: كان كثير التدليس يحدث بما لم يسمع، وربما سرق.
وقال ابن عدى في كتاب الجرح: كان مدلسا.
وقال إبراهيم الاصفهانى كذاب.
وهذا ظاهر.
وهذه الحكاية قال في آخرها: إن أحمد بن حنبل كتب إلى ابن الزبير أن أكتب إلى بأشنع مسأله عن أبى حنيفة، فكتب إليه: حدثنى(2/106)
الحارث بن عمير، والحارث بن عمير قد نقلنا ما ذكر الناس عنه.
وأما أحمد بن حنبل فإنخه طلب أشنع مسألة من أبى حنيفة، فتبين بهذا أنه كان صاحب هوى.
ثم نقل ما نقل عن الحارث بن عمير وهو عارف بما قيل فيه فتبيين أنه نقل عن ضعيف غير خاف عنه ضعفه وحاله، وساق فيها عن الحارث بن عمير أشياء أخر، وقد بينا حال الحارث هنا.
ثم ذكر حكاية فيها الحارث بن عمير [ أيضا ] وقد تبين حاله.
وذكر أيضا حكاية فيها مؤمل بن إسماعيل عن سفيان، ومؤمل هذا هو بصرى، قال أبو حاتم: صدوق شديد في السنة كثير الخطأ.
وذكر حكاية عن سفيان في سندها شيخ شيخه وهو عبد الله بن جعفر بن درستويه، ثم ذكر في ترجمة عبد الله هذا قال سمعت هبة الله بن الحسن الطبري ذكر ابن درستويه فضعفه وقال: بلغني أنه قيل له حدث عن عباس الدوري حديثا ونحن نعطيك درهما، ففعل - ولم يكن سمع من عباس - وقال سألت البرقانى عن ابن درستويه فقال ضعفوه، لأنه لما روى كتاب التاريخ عن يعقوب بن سفيان أنكروا عليه ذلك، وقالوا له إنما يعقوب بهذا الكتاب قديما فمتى سمعته منه ؟
وذكر في حكاية ساقها إلى شريك القاضى، وقد ذكر الخطيب في ترجمة شريك عن أحمد بن حنبل.
قال: قال أبو بكر المروذى قلت - يعنى لأحمد بن حنبل - يحيى القطان أي شئ كان يقول في شريك ؟ قال: كان لا يرضاه، وما ذكر عنه إلا شيئا على المذاكرة حديثين وذكر قال: قال على بن المدينى: شريك أعلم من إسرائيل.
وإسرائيل أقل خطأ منه.
وذكر عن شريك فقال: كان عسرا في الحديث، وإنما كان حديث شريك وقع بواسط قدم عليهم في حفر نهر فحمل عنه إسحاق الأزرق وغيره وغيره.
وقال أيضا في روايته إلى عمرو بن على أبى حفص.
قال: كان يحيى لا يحدث عن إسرائيل ولا عن شريك.
وروى أيضا بإسناد له إلى على بن المدينى.
قال: قال يحيى بن سعيد: قدم شريك مكة فقيل لى لو أتيته ؟ فقلت لو كان بين يدى ما سألته عن شئ، وضعف حديثه جدا.
قال يحيى أتيته بالكوفة فإذا هو لا يدرى.
وقال أيضا بإسناد رفعه إلى أبى صالح الهمداني قال سمعت أبا حاتم الرازي.
قال: شريك لا يحتج بحديثه.(2/107)
وقال أبو حاتم في كتاب (الجرح والتعديل): شريك بن عبد الله النخعي صدوق وله أغاليط.
وقال أبو زرعة: كان صاحب وهم يغلط أحيانا.
وقال يحيى بن سعيد: ما زال مخلطا.
وقال الدارقطني في كتابه: ليس بالقوى فيما ينفرد به - يعنى شريكا.
ومن جملة رجال هذه الحكاية عبد السلام بن عبد الرحمن الوابصى القاضى ذكر في ترجمته قال: كان عبد السلام بن عبد الرحمن الأسدى الوابصى على قضاء بغداد، وكان عفيفا.
فصرفه يحيى بن أكثم في أيام المتوكل فأخبرني أبو عبد الله المباركى أن المتوكل قال ليحيى: لم صرفت الوابصى ؟ فذكر له شيئا أراه ضعفه في الفقه وقول ابن المبارك أراه ضعفه في الفقه ظن منه.
والظاهر أن يحيى لم يعزله إلا لأمر أوجب
عزله، ولأنه بين ذلك بين يدى الخليفة.
وذكر حكاية فيها شيخ شيخه عبد الله بن درستويه وقد ذكرنا ما قيل عنه.
وذكر حكاية ساقها إلى القاسم بن حبيب، وهذا القاسم المذكور ذكره أبو حاتم في كتاب (الجرح والتعديل) قال: قال عنه ابن معين: لا شئ.
وذكر حكاية ساق سندها إلى طاهر بن محمد بن وكيع، وقد تقدم القول في وكيع.
وذكر حكاية فيها شيخ شيخة ابن درستويه وقد تقدم القول فيه وفى ضعفه وذكرهما من طريق آخر فيه محمد بن موسى البربري وقد ذكر الخطيب في ترجمته قال: كان لا يحفظ إلا حديثين، حديث الطير، وحديث تقتل عمارا الفئة الباغية.
ومعلوم أن حديث الطير موضوع.
وروى عن القاضى أحمد بن كامل أنه دخل عليه يوما وهو مغموم فقال له مالك ؟ فقال فلانه - يعنى امرأته - حملتني على أن عتقت هذه الجارية، وقد بقيت بلا أمة تخدمني ولا أحد يغيثنى.
فقلت وأى شئ ثمن هذه الجارية ؟ قال إن امرأتي دفعت إلى دنانير اشترى لها بها جارية فاشتريت هذه الجارية.
فقلت وتعتق ما لا تملك ؟ قال كأنه لا يجوز ؟ قلت لا، الجارية لها لها على ملكها.
فقال لى: فعل الله وفعل، يدعو لى.
ومن لا يعرف هذا المقدار كيف يؤخذ عنه.
وذكر في حكاية أخرى عن أبى القاسم إبراهيم بن محمد بن سليمان المؤدب بأصفهان أخبرنا أبو بكر بن المقرئ قال حدثنا سلام بن محمود القيسي - بعسقلان -(2/108)
حدثنا عبد الله بن محمد بن عمرو قال سمعت أبا مسهر.
وذكر حكاية أخرى رواها عن الحسن بن الحسين بن العباس النعالى - وهو شيخ الخطيب يعرف بابن دوما - ذكر الخطيب في ترجمته قال: كتبنا عنه وكان كثير
السماع، إلا أنه أفسده أمره بأن ألحق لنفسه السماع في أشياء لم تكن سماعه.
وقال الخطيب: ذكرت لمحمد بن على الصوري جزءا من حديث الشافعي كان حدثنا به ابن دوما، فقال الصوري: لما دخلت بغداد رأيت هذا الجزء وفيه سماع ابن دوما الأكبر وليس فيه سماع أبى على، ثم سمع فيه أبو على لنفسه وألحق اسمه مع اسم أخيه.
وقد قال الخطيب عنه هذا وروى عنه.
وروى في حكاية أخرى عن ابن رزق عن جعفر الخلدى حدثنا محمد بن عبد الله ابن سليمان الحضرمي حدثنا محمد بن عبد الله بن يزيد المقرئ قال سمعت أبى يقول: دعاني أبو حنيفة إلى الأرجاء.
وروى في حكاية أخرى عن ابن الفضل عن ابن درستويه - وقد تقدم ما ذكر فيه - رفعها إلى ابن المبارك وقد تقدم القول فيه.
والحكاية التى بعدها فيها ابن درستويه وقد علم حاله.
ثم ذكر حكاية أخري عن أبى يوسف رضى الله عنه، وقد ذكرنا أن هذا لا يصح عن أبى يوسف، لأن الفقهاء ينقلون عنه خلاف ذلك.
وذكر حكاية عن الحسن بن الحسين بن دوما وقد تقدم القول عنه وهو شيخه وذكر حكاية عن البرقانى عن محمد بن العباس الخزاز وقد تقدم ما ذكره عنه.
وذكر حكاية أخرى عن العتيقي رفعها إلى أبى القاسم البغوي، وأبو القاسم هذا هو عبد الله بن محمد بن عبد العزيز البغوي، ذكره ابن عدى في كتاب (الضعفاء).
وقال: وافيت العراق سنة سبع وتسعين ومائتين والناس أهل العلم والمشايخ مجمعون على ضعفه.
وذكره حكاية عن محمد بن على المقرئ ساقها إلى مسدد بن قطن عن قطن، وقطن هذا هو ابن بشير أبو عباد الغبرى.
قال الرازي قال أبو زرعة: روى أحاديث عن جعفر بن سليمان عن ثابت أنكرت عليه.
وقال ابن عدى: كان يسرق الحديث(2/109)
ويوصله.
وتمام الحكاية قال سمعت عشرة كلهم ثقات.
كان الواجب عليه أن يبين من هم ليعلم حالهم.
ثم ذكر حكاية رواها عن أبى عبد الله الحسين بن شجاع الصوفى ساقها إلى حسين بن عبد الأول، والحسين هذا هو الذى ذكره ابن أبى حاتم في كتابه وقال تكلم الناس فيه.
وقال أبو زرعة: روى أحاديث لا أدرى ما هي، ولست أحدث عنه وروى حكاية عن الخلال إلى عمر بن الحسن القاضى، والقاضى هذا هو الأشناني، ذكره الخطيب في تاريخه وقال في ترجمته ذكر أبو عبد الرحمن السلمى أنه سأل الدارقطني عن عمر بن الأشناني فقال: ضعيف.
ثم قال الخطيب سألت الحسن ابن محمد الخلال عن ابن الأشناني فقال: ضعيف تكلموا فيه.
وذكر الحكاية التى بعدها.
أخبرنا ابن رزق عن محمد بن العباس قال حدثنا أبو محمد - شيخ له - وهذا مجهول كان ينبغى بيانه.
وذكر حكاية رواها عن ابن الفضل إلى سفيان بن وكيع، وسفيان بن وكيع هذا هو ابن الجراح أبو محمد.
قال البخاري يتكلمون فيه لاشياء لقنوه إياها.
قال أبو زرعة: لا نشتغل به، قيل له أكان يتهم بالكذب ؟ قال نعم.
وقال ابن عدى: كان إذا لقن تلقن.
وقال النسائي: ليس بشئ.
وقال ابن حبان: قيل له في أشياء لقتها فلم يرجع عنها فاستحق الترك لإصراره.
وذكر حكاية عن إبراهيم بن عمر البرمكى إلى ابن أبى غنية قال أخبرنا جار لى أن أبا حنيفة دعاه إلى ما استتيب منه بعد ما استتيب.
وهذا جميعه مجهول الراوى والذى استتيب منه.
وذكر حكاية عن محمد بن عبد الله الحنائى بن عبد الله الحنائى إلى ضرار بن صرد، وضرارا هذا هو نعيم الكوفى الطحان.
روى عن المعتمر والدراوردى، وكان متعبدا.
ذكره ابن أبى
حاتم في كتابه وقال: كانت يحيى بن معين يكذبه.
وقال النسائي: متروك الحديث وقال الدارقطني: ضعيف: ضعيف.
وشيخ ضرار المذكور سليم أبو سلمة القارئ الكوفى وهو مولى الشعبى يروى عنه.
قال يحيى بن معين: ضعيف ليس بشئ وقال أبو حفص الفلاس: ضعيف الحديث.
وقال النسائي ليس بثقة.
وذكر حكاية بعدها فيها ضرار بن صرد وقد تقدم ما ذكرته العلماء عنه.
وذكر(2/110)
حكاية بعدها عن عبد الباقي بن عبد الكريم إلى عبد الرحمن بن الحكم بن بشر بن سلمان عن أبيه ثم قال - أو غيره - وأكبر ظنى أنه عن غيره.
لما ساق الخطيب الإسناد جيدا عدل به ثم قال أو غيره، فأدخل الشك فنفى صحة الإسناد.
ألا ترى أن غيرا موضوعة للإبهام، وهى مع الإضافة لا تختص بقول مررت برجل غيرك، فيكون كل من مر به غيرك الاسم واقع عليه إلا ترك أن قولك مررت بغلامك يختص هاهنا ويعرف بالإضافة إلى الكاف فهى تجرى في الإبهام مجرى مثلك وشبهك.
ثم ذكر حكاية عن ابن رزق ساقها إلى شريك القاضى وقد تقدم ما قيل فيه.
ثم ذكر حكاية عن ابن الفضل عن ابن درستويه وقد ذكر حاله، وما ذكر.
عنه.
ثم ساقها إلى محمد بن فليح المدنى ذكره ابن أبى حاتم في كتابه وقال: قال يحيى ابن معين: ليس بثقة.
وقال أبو حاتم: ليس بذلك القوى.
وهذا محمد بن فليمح يروى الحكاية عن أخيه سلميان.
قال أبو زرعة: لا أعرفه ولا أعرف لفليح ولدا غير محمد ويحيى.
وقال الخطيب عن سليمان في هذا السند: وكان علامة بالناس.
وأدنى أحوال العلامة أن يعرفه أكثر الناس، فكيف بك من ينكر وجوده أئمة المحدثين ويقولون لا نعرف لفليح ولدا غير محمد ويحيى.
وذكر حكاية عن على بن طلحة المقرئ والحسن بن على الجوهرى ساقها إلى على بن إسحاق بن زاطيا ذكره الخطيب في تاريخه فقال في ترجمته بحكاية ساقها: كان بجانبنا أسفل خان أبى زياد، كتب عنه ولم يكن بالمحمود.
ثم ساقها إلى حجاج الأعور ذكره الخطيب في تاريخه في ترجمة حجاج وقال: قال إبراهيم الحربى: أخبرني صديق لى قال: لما قدم حجاج الأعور آخر قدمة إلى بغداد خلط، فرأيت يحيى بن معين عنده، فرآه يحيى يخلط فقال لابنه: لا تدخل عليه أحدا.
وروى الحجاج هذا عن قيس بن الربيع، وقيس هذا هو أبو محمد الكوفى الأسدى ذكره ابن أبى حاتم في كتابه فقال: تركه عبد الرحمن بن مهدى، وضعفه أحمد.
وقال روى أحاديث منكرة وقال ابن معين: ليس حديثه بشئ.
وذكره ابن الجوزى في كتاب (الضعفاء) فقال قال يحيى ليس بشئ.
وقال مرة(2/111)
ضعيف.
وقال مرة لا يكتب حديثه.
وقال قيل لأحمد لم ترك الناس حديثه ؟ قال كان يتشيع، وكان كثير الخطأ في الحديث وروى أحاديث منكرة.
وكان ابن المدينى ووكيع يضعفانه.
وقال الدارقطني: ضعيف الحديث.
وقال السعدى: ساقط.
وقال النسائي: متروك الحديث.
وقال أبو داود: إنما أتى قيس من قبل ابنه، كان يأخذ أحاديث الناس فيدخلها في كتاب قيس ولا يعرف الشيخ ذلك.
وقال ابن الجوزى: إنما قال أبو الفتح الأزدي في ابن منيع.
أخبرنا محمود بن غيلان.
قال لى محمد بن عبيدة: كان قيسا بن الربيع استعمله أبو جعفر على المدائن، فكان يعلق النساء بأبدانهن ليرسل عليهم الزنابير.
ثم ذكر حكاية عن الحسن بن محمد أخى الخلال ساقها إلى شريك القاضى وقد تقدم شرح حاله.
ثم ذكر حكاية أخرى حدث فيها عن ابن الفضل عن ابن درستويه وقد شرحنا
ما قاله فيه الناس.
ثم ساقها إلى شريك القاضى وقد ذكر ما قيل فيه.
ثم ذكر حكاية أخرى عن محمد بن عبد الله المعدل رفعها إلى شريك وقد ذكر فيها تقدم حاله.
ثم ذكر حكاية عن ابن رزق إلى على بن إسحاق بن عيسى بن زاطيا وقد شرح ما قاله الخطيب في ترجمته.
وساق الحكاية من طريق أخرى عن ابن الفضل إلى أن أوصل الطريقين إلى سفيان الثوري.
ذكر ابن عدى صاحب كتاب (الجرح والتعديل) في كتاب مسند أبى حنيفة رضى الله عنه في صدر الكتاب في مناقب أبى حنيفة بإسناد له إلى أن قال: كان بين أبى حنيفة وبين سفيان الثوري شئ، وكان أبو حنيفة أكفهما لسانا.
فهذا ابن عدى قد نقل أنهما كان بينهما شئ، وإذا صار خصما فلا اعتداد بقوله في حقه، وقد بين ابن عدى بقوله وكان أبو حنيفة أكفهما لسانا.
أنه قد جرت بينهما منافرة توجب ترك كلام كل واحد منهما في صاحبه ثم إن الخطيب نقل عن سفيان الثوري مدح أبى حنيفة وتعظيمه، ونقل خلاف ذلك عنه أيضا.
وقد ذكرنا ما كان بينهما، وهذا إذا لم يقابل بين قولى سفيان فقد بينا غرضه.
أما إذا تقابل القولان فهما متضادان، فلا بد أن يكون أحدهما باطلا.
فأما من وافق سفيان على مدح أبى حنيفة وتعظيمه(2/112)
فأكثر من أن يحصوا كثرة في كل عصر من أعصر الإسلام من لدن أبى حنيفة إلى هلم.
وأما من وافق سفيان في القول الآخر فقليل لم نعرفه إلا في كتاب الخطيب، وقد بينا ما كان بينهما، وبينا فساد الطريق.
فأما ما حكى الخطيب عن سفيان بإسناد له في كتابه إلى أن قال سمعت يزيد بن أبى الزرقا يقول: رأيت سفيان الثوري ببغداد وقد نظر إلى شيخ جلاد يتصدق - وقد ذهب بصره - فحمل قطعة فاعطاه ثم قال له: ليس هذه صدقة عليك.
هذه شماتة بك.
وذكر أيضا في ترجمته عن محمد بن الحسين القطان أخبرنا دعلج بن أحمد أخبرنا أحمد بن على الأبار حدثنا أحمد بن هاشم حدثنا ضمرة قال سمعت مالك بن أنس يقول إنما: كانت العراق تجيش علينا بالدراهم والثياب، ثم صارت تجيش علينا بسفيان الثوري.
وكان سفيان الثوري يقول: مالك ليس له حفظ.
فهذا يدلك أيدك الله أنه لما قال للأعمى ذلك القول إنما أراد المجون - أو الاستهتار - ومن نقل عنه مثل هذا عن رجل ليس بينه وبينه شئ فلأن ينقل عنه في رجل بينه وبينه شئ بطريق الأولى.
ثم قوله عن مالك ليس له حفظ يعلم يقينا أنه كذب، لأنه إن أراد الحديث فليس لسفيان مثل موطإ مالك، وإن أراد الفقه فهو أحد الأئمة أربعة المجمع عليهم وسفيان من المتروكى المذهب.
ومن ثبت مثل هذا عنه فلا اعتداد بقوله.
وحدث أيضا مثلها عن ابن الفضل عن ابن درستويه إلى سفيان، وابن درستويه قد تقدم ما قاله فيه، وهذا قولنا في سفيان.
وحدث في حكاية عن أبى نعيم الحافظ، وأبى نعيم هذا هو صاحب الحلية وقد تكلم فيه بسبب جزء محمد بن عاصم الذى أخرجه إلى أبى بكر الخطيب ولم يكن سماعه عليه، ولحق الخطيب الضعف أيضا بسبب قراءته عليه، وسيأتى ذكره.
وقد ذكر الحافظ محمد بن طاهر المقدسي في كتابه المعروف بمنثور الحكايات قال: سمعت إسماعيل بن أبى الفضل القومسانى - بهمذان - وكان من أهل المعرفة بالحديث يقول: ثلاثة من الحفاظ لا أحبهم لشدة تعصبهم وقلة إنصافهم، الحاكم أبو عبد الله، وأبو نعيم، وأبو بكر الخطيب.
ثم ساق الخبر إلى مؤمل وسيأتى ذكر مؤمل هذا في الحكاية التى تلى هذه الحكاية.(2/113)
ثم ذكر حكاية عن أبى سعيد محمد بن عبد الله بن حسنويه إلى مؤمل بن إسماعيل
إلى سفيان الثوري، أما سفيان ذكرنا حاله، وأما مؤمل فقد ذكر مؤملا الأول ولم يذكر ابن من هو، وذكر في الحكاية الثانية مؤمل بن إسماعيل ولم يكن في هذه الطبقة إلا مؤمل بن إسماعيل ومؤمل بن أهاب، فلا يخلو إما أن يكون مؤمل الذى في الحكاية الاولى هذا ابن إسماعيل فقد قال فيه ابن أبى حاتم في كتابه هو ثقة.
وقال أبو حاتم صدوق شديد في السنة، كثير الخطأ.
وإن كان مؤمل الأول هو ابن أهاب قال الخطيب في ترجمته ذكر عن ابن معين أنه سئل عنه فضعفه.
وذكر حكاية عن ابن رزق إلى سفيان بن عينية، وقد ذكر الخطيب في كتابه في ترجمة سفيان عن محمد بن عبد الله بن أحمد بن شهريار إلى أن قال سمعت حامد بن يحيى البلخى يقول سمعت سفيان بن عينية يقول: رأيت كان أسناني كلها سقطت فذكرت ذلك للزهري فقال: تموت أسنانك وتبقى أنت.
فمات أسناني وبقيت، فجعل الله كل عدو لى محدثا يحتمل الوجهين أن يكون يعاديهم أو يعادونه.
وفى كلا الوجهين قوله غير مقبول فيهم.
ثم ذكر حكاية عنه أيضا عن الحسن بن أبى بكر إلى أن قال سمعت أبا مسلم - يعنى المستملى - قال سمعت سفيان يقول سمعت من عمرو - ما لبث نوح في قومه - ويؤيد هذا الكلام ما ذكره الخطيب في ترجمته عن البرقانى إلى أن قال سمعت ابن عمار قال سمعت يحيى بن سعيد يقول: اشهدوا أن سفيان بن عينية قد اختلط سنة سبع وتسعين، فمن سمع منه في هذه السنة - أو بعدها - فسماعه لا شئ، وقد تقدم القول في أن كل من مدح أبا حنيفة وعظمه ثم ذكر عنه ضد ذلك يقابل القول فيه ولا بد أن يكون أحدهما ساقطا.
ثم تأيد قوله في أبى حنيفة مما نقل عنه من الاختلاط، مع غير ذلك مما لا يفيد قوله في مثل أبى حنيفة هذا لو تفرد بهذا القول، أما إذا وجد منه المدح وغيره فلا اعتداد بقوله، لأنه قال الشئ وضده.
ثم ذكره حكاية عن ابن رزق إلى أن ساقها إلى نعيم بن حماد، ونعيم هذا هو الخزاعى الأعور الفارض.
ذكر الخطيب في ترجمته في تاريخه عن محمد بن جعفر بن علان إلى أن قال سمعت صالح بن مسمار يقول سمعت نعيم بن حماد يقول: أنا كنت جهميا فلذلك عرفت كلامهم، فلما طلبت الحديث عرفت أن أمرهم يرجع إلى التعطيل.
وذكر عنه رواية(2/114)
حديث عوف بن مالك (تفترق أمتى على بضع وسبعين فرقة) ثم قال: قال أبو زرعة قلت ليحيى بن معين في حديث نعيم هذا - وسألته عن صحته - فأنكره.
قلت من أين يؤتى ؟ قال شبه له.
ثم ذكر طرق هذا الحديث عن جماعة ثم قال: وبهذا الحديث سقط نعيم بن حماد عند كثير من أهل العلم بالحديث.
وإلا أن يحيى بن معين لم يكن ينسبه إلى الكذب، بل كان ينسبه إلى الوهم.
وذكر أيضا في سياق حديث.
قال: وكان نعيم يحدث من حفظه وعنده مناكير كثيرة لا يتابع عليها.
وسمعت يحيى ابن معين سئل عنه فقال: ليس في الحديث بشئ، ولكنه كان صاحب سنة وذكره ابن الجوزى أيضا في كتاب (الضعفاء) ونقل ما ذكرناه أولا ثم قال: وقال الدار قطني كثير الوهم.
وقال أبو الفتح الازدي: كان يضع الحديث في تقوية السنة، وحكايات مزورة في ثلب أي حنيفة كلها كذب.
وكذلك ذكر ابن عدى في كتاب (الضعفاء).
وذكر حكاية عن الحسن بن أبى بكر عن البغوي، والبغوى هذا هو عبد الله بن إسحاق بن إبراهيم البغوي الخراساني ذكر عنه الخطيب في ترجمته حكاية قال فيها سئل أبو الحسن على بن عمر عن عبد الله بن إسحاق الخراساني فقال: فيه لين.
ثم ذكر حكاية عن أبى بكر البرقانى وابن رزق عن محمد بن جعفر بن الهيثم وقد ذكره الخطيب في تاريخه فقال فيه بعض الشئ.
ثم ذكر حكاية رواها عن محمد بن عبد الله بن أبان الهيتى.
وذكر الخطيب في كتابه في ترجمة شيخه هذا قال: كان شيخا مستورا صالحا فقيرا مقلا معروفا بالخير، وكان مغفلا مع خلوه من علم الحديث إنما حدثنا عن شيخ شيخه وهو لا يعلم ولقد حدثنا في مجلس الإملاء فقال: حدثنا أبو الحسن على بن العباس المقانعى، وذكر عنه حديثا طويلا هو في كتابي إلى الآن على الخطإ لأنى لا أعلم من حدثه به عن المقانعى، وكنت إذ ذاك مبتدئا في كتب الحديث فلم أقف على أنه وهم فأسأله عنه.
وحدثنا يوما آخر قال: حدثنا محمد بن على بن حبيب الرقى المرى الطرائفي، وأظن الحديثين عنده عن ابن الدقم.
ثم ذفكر حكاية عن محمد بن على بن مخلد الوراق وساقها إلى أبى بكر بن أبى داود، وأبو بكر هذا هو عبد الله بن سليمان بن أبى الأشعث السجستاني ذكره الأئمة في كتبهم.
وقال ابن صاعد: إن أباه كفانا أمره وقال إن ابني هذا كذاب قلا(2/115)
تأخذوا عنه.
وكذلك قال إبراهيم الاصفهانى.
وقال ابن عدي سمعت محمد بن الضحاك بن عمرو بن أبى عاصم النبيل يقول: أشهد على محمد بن يحيى بن منده بين يدى الله عز وجل أنه قال: أشهد على أبى بكر بن أبى داود السجستاني بين يدى الله عز وجل أنه قال.
روى الزهري عن عروة.
قال: كانت قد حفيت أظفار على من كثرة ما كان يتسلق على أزواج النبي صلى الله عليه وسلم.
(* * *) ذكر ما حكى عن أبى حنيفة رحمه الله من الخروج على السلطان ذكر فيه حكاية عن ابن الفضل عن عبد الله بن جعفر بن درستويه، وقد تقدم ما قيل فيه.
ثم ذكر حكاية عن طلحة بن على بن الصقر، ورواها من طريق آخر عن عبد الله
ابن عمر البرمكى ساقها من الطريقين إلى ابن المبارك وقد تقدم ذكره.
ثم ذكر حكاية عن محمد بن أحمد بن يعقوب وساقها أيضا إلى ابن المبارك وقد تقدم ذكره وذكر حكاية عن الحسن بن الحسين بن العباس بن دوما النعالى وقد تقدم ما ذكره الخطيب عنه، ثم ساقها إلى الحسن بن على الحلواني.
قال الخطيب في ترجمته في التاريخ: أنبأنا محمد بن أحمد بن رزق أخبرنا أبو على ابن الصواف حدثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل قال سألت أبى عن الحسن بن الخلال الذى يقال له الحلواني ؟ قال: ما أعرفه بطلب الحديث، وما رأيته يطلب الحديث قلت إنه يذكر أنه كان ملازما ليزيد بن هارون.
قال ما أعرفه إلا أنه جاءني إلى هنا يسلم على، ولم يحمده أبى.
ثم قال: يبلغني عنه أشياء أكرهها، ولو أراه يستخفه وقال أبى مرة أخرى - وذكره - أهل الثقة عنه غير راضين - أو كلاما هذا معناه.
وذكر أيضا حكاية عن البرقانى إلى أن قال: قال لكم أبو سليمان داود بن الحسين البيهقى: بلغني أن الحلواني الحسن بن على.
قال: إنى لا أكفر من وقف في القرآن فتركوا علمه.
قال أبو سليمان سألت أبا سلمة بن شبيب عن علم الحلواني قال: يرمى في الحش.
قال أبو سلمة: من لم يشهد بكفر الكافر فهو كافر.
ثم ساقها إلى ابن المبارك وقد تقدم حاله فيها.(2/116)
ثم قال: وقال الأبار حدثنا منصور بن أبى مزاحم حدثنى يزيد بن يوسف، ويزيد هذا هو يزيد بن يوسف أبو يوسف شامى ذكره الخطيب في تاريخه فقال في ترجمته أخبرنا العتيقي إلى أن قال حدثنا عبد الله بن أحمد قال سمعت أبى يقول: رأيت يزيد ابن يوسف أبا يوسف الشامي وكان قد رأى حسان بن عطية.
قال أبى: رأيت عليه إزارا أصفر ولم أكتب عنه شيئا.
ثم روى حكاية قال فيها قال أبو زكريا: يزيد بن يوسف شامى ليس بثقة.
وروى حكاية إلى أن قال فيها سمعت يحيى يقول: يزيد بن يوسف، قال في آخرها وليس بشئ.
وروى حكاية قال فيها سألت أبا على صالح بن محمد عن يزيد بن يوسف.
قال: تركوا حديثه.
وروى حكاية إلى أن قال فيها وذكر [ حديثا فقال ] خطأ لا أصل له، إنما هو عن يحيى عن النبي صلى الله عليه وسلم.
وروى حكاية عن البرقانى قال سألت أبا الحسن الدارقطني عن يزيد بن يوسف الدمشقي فقال: متروك الحديث حميري يروى عن الأوزاعي.
وقال لنا مرة أخرى: اختلفوا فيه فيجى بين معين يغمز عليه.
ثم ذكر حكاية عن ابن الفضل عن ابن درستويه وقد تقدم شرح حاله.
ثم ذكر حكاية عن الحسن بن أبى بكر عن إبراهيم بن محمد بن يحيى المزكى، وهذا إبراهيم المذكور هو أبو إسحاق النيسابوري من جملة شيوخ أبى بكر البرقانى.
حكى الخطيب في ترجمته من تاريخه أن البرقانى كان عنده عن المزكى سفط أو سفطان، ولم يخرج عنه في صحيحه شيئا.
قال الخطيب فسألته عن ذلك فقال حديثه كثير الغرائب وفى نفسي منه شئ فلذلك لم أرو عنه في الصحيح.
ثم ساقها إلى أبى عوانة الوضاح، قال أبو محمد بن أبى حاتم في كتابه: إذا حدث عن حفظه غلط كثيرا.
وقال الخطيب في ترجمته إنه كان يقرأ من كتب الناس فيقرأ الخطأ وقال أيضا بإسناده ذكره إلى أن قال سمعت على بن عبد الله المدينى قال: كان أبو عوانة في قتادة.
ضعيفا، لأنه كان ذهب كتابه وكان يحفظ في سعيد وقد أغرب فيها أحاديث.
وقال أيضا بإسناده ذكره.
قال شعبة لأبى عوانة: كتابك صالح وحفظك لا يسوى شيئا، مع من طلبت الحديث ؟ قال مع منذر الصيرفى.
قال: منذر صنع بك هذا.(2/117)
ثم روى حكاية عن على بن أحمد الرزاز ساقها إلى سفيان والأوزاعي، وقد تقدم ذكرهما.
ثم روى حكاية عن ابن الفضل عن محمد بن الحسن بن زياد النقاش، والنقاش، والنقاش هذا هو المفسر.
ذكره الخطيب في تاريخه وقال: كان في حديثه مناكير بأسانيد مشهورة.
ثم قال حدثنى أبو القاسم الأزهري عن أبى الحسن على بن عمر الحافظ.
قال حدث أبو بكر النقاش بحديث أبى غالب على بن أحمد بن النضر أخى أبى بكر ابن بنت معاوية اتبن عمر ولأبيه، فقال: حدثنا أبو غالب حدثنا جدى معاوية بن عمرو عن زائدة عن ليث عن مجاهد عن ابن عمر.
قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: (سألت الله أن لا يستجيب دعاء حبيب على حبيبه) فأنكرت عليه هذا الحديث وقلت لها إن أبا غالب ليس هو ابن بنت معاوية، وإنما أخوه لأبيه ابن بنت معاوية، ومعاوية بن عمرو ثقة، وزائدة من الإثبات الأئمة، وهذا حديث كذب موضوع مركب ؟ فرجع عنه وقال: هو في كتابي ولم أسمعه من أبى غالب، وأرانى كتابا له فيه هذا الحديث على ظهره أبو غالب.
قال حدثنا جدى.
قال أبو الحسن: وأحسبه أنه نقله من كتاب عنده صحيح، وكان هذا الحديث مركبا في الكتاب على أبى غالب فتوهم أبو بكر أنه من حديث أبى غالب فاستغربه وكتبه، فلما وقفناه عليه رجع عنه.
ثم ذكر الخطيب حديثا عن النقاش وقال عقيبة: دلس النقاش بن صاعد فقال: حدثنا يحيى بن محمد بن عبد الملك الخياط، وأقل مما شرح في هذين الحديثين يسقط به عدالة المحدث، ويترك الاحتجاج به.
ثم قال حدثنخى عبد الله بن أبى الفتح عن طلحة بن محمد بن جعفر أنه ذكر النقاش فقال: كان يكذب في الحديث، والغالب عليه القصص.
ثم قال سألت أبا بكر البرقانى عن النقاش فقال: كل حديثه منكر.
وقال أيضا وحدثني من سمع أبا بكر ذكر تفسير النقاش فقال: ليس فيه حديث صحيح.
وقال حدثنى محمد بن يحيى الكرماني قال سمعت هبة الله بن الحسن الطبري ذكر تفسير النقاش فقال: ذاك أشفاء الصدور وليس بشفاء الصدور.
ثم ذكر حكاية عن الحسن بن على الجوهرى عن محمد بن العباس الخزاز، وهذا هو ابن حيويه، وقد مضى ما قيل فيه.(2/118)
ثم ذكر حكاية عن ابن رزق إلى أن ساقها إلى يوسف بن أسباط وهو أبو محمد ابن واصل ذكره ابن أبى حاتم في كتابه، فقال أبو حاتم: كان رجلا عابدا يغلط كثيرا، دفن كتبه لا يحتج بحديثه.
وذكر حكاية عن على بن أحمد الرزاز ساقها إلى المسيب بن الواضح، والمسيب هذا كثير الوهم.
قال الدارقطني: المسيب ضعيف، حكى ذلك ابن الجوزى في كتاب (الضعفاء).
وهذا المسيب رواها عن يوسف بن أسباط وقد ذكرناه في الحكاية الأولى.
وحدث عن أبى سعيد الحسن بن محمد بن حسنويه الكاتب بأصبهان إلى أن ساقها إلى عبد السلام بن عبد الرحمن القاضى، وقد ذكرنا حاله فيما تقدم.
ثم ذكر حكاية عن ابن دوما الحسن بن الحسين النعالى وقد ذكرنا ما قاله فيه ثم ساقها إلى الحسن بن على الحلواني وقد تقدم ما ذكره عنه.
ثم ذكر حكاية عن الأبار إلى على بن عاصم ذكره الخطيب في تاريخه فقال في ترجمته أخبرنا أبو عمر بن مهدى - إجازة - وحدثنيه الحسن بن على بن عبد الله المقرئ عنه أخبرنا محمد بن أحمد بن يعقوب بن شيبة حدثنا جدى قال سمعت على بن عاصم على اختلاف أصحابنا فيه منهم من أنكر عليه كثرة الخطإ والغلط، ومنهم من أنكر عليه تماديه في ذلك وتركه الرجوع عما يخالفه الناس فيه ولجاجته فيه، نشأته على الخطإ ومنهم من تكلم في سوء حفظه واشتباه الأمر عليه في بعض ما حدث به من ضبطه، وتوانيه عن التصحيح ما كتبه الوراقون له، ومنهم من قصته عنده أغلظ
من هذه القصص.
وقد كان رحمة الله علينا وعليه من أهل الدين والصلاح والخير البارع شديد التوقى وللحديث آفات تفسده.
وقال أخبرنا أبو عمر بن مهدى - إجازة - وحدثنيه الحسن بن على المقرئ عنه أخبرنا محمد بن أحمد حدثنا جدى قال حدثنى إبراهيم بن هاشم حدثنا عتاب بن زياد عن ابن المبارك قال قلت لعبادي بن العوام: يا أبا سهل ما بال صاحبكم ؟ - يعنى على بن عاصم - قال: ليس ننكر عليه أنه لم يسمع، ولكنه كان رجلا موسرا، وكان الوراقون يكتبون له فناره أتى من كتبه التى كتبوها له.
وذكر عنه حكايات من هذا الجنس.
ثم ذكر حكاية عن محمد بن أبى نصر النرسى عن محمد بن عمر بن محمد بهته(2/119)
البزاز ذكره في تاريخه فقال: قال البرقانى: كان يذكر أن في مذهبه شيئا ويقولون هو باب طاقى.
قلت للبرقانى يعنى بذلك أنه شيعي ؟ قال نعم.
ثم ساقها إلى أحمد بن محمد بن سعيد الكوفى وأحمد بن محمد بن سعيد هذا هو أبو العباس بن عقدة الحافظ من كبار الشيعة، وممن روى المنكرات والمنقطعات عن النبي صلى الله عليه وسلم في فضائل أهل البيت.
وقد ذكره ابن عدى في كتاب (الضعفاء) وقال: رأيت مشايخ بغداد يسيئون الثناء عليه ويقولون إنه كان لا يتدين بالحديث ويحمل شيوخنا بالكوفة على الكذب، ويسوى لهم نسخا ويأمرهم بروايتها، واشتهر ذلك عنه.
وقال ابن عدى أيضا في كتابه محارفات في الرواية وقال سمعت ابن مكرم يقول: كان ابن عقدة معنا عند ابن نعيما به سعيد المروى بالكوفة في بيت فوضع بين أيدينا كتبا كثيرة، فنزع ابن عقدة سراويله وملأه من كتب الشيخ سرا منه ومنا، فلما خرجنا قلنا له ما هذا الذى معك لم حملته ؟ قال دعونا من ورعكم هذا.
وقد ذكره الدارقطني وقال: ابن عقدة رجل
سوء.
وقد ذكره الخطيب في تاريخه وذكر هذه الحكايات جميعها بأسانيده.
وقال أيضا حدثنى على بن محمد بن نصر إلى أن قال سمعت أبا عمر بن حيوية يقول: كان أحمد ابن محمد بن سعيد بن عقدة في جامع براثا يملى مثالب أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم - أو قال الشيخين أبى بكر وعمر رضى الله عنهما - وتركت حديثه لا أحدث عنه بشئ وما سمعت بعد ذلك عنه شيئا.
وهذا ممن جعله الخطيب حجة.
وقد حكى عنه مثل هذا وحكى عنه بإسناد ذكره.
قال: وجه إلى أبى العباس بن عقدة من خراسان بمال وأمر أن يعطيه بعض الضعفاء، وكان على باب داره صخرة عظيمة.
فقال لابنه ارفع هذه الصخرة فلم يستطع رفعها لعظمها وثقلها، فقال له أراك ضعيفا فخذ هذا المال ودفعه إليه.
ثم ذكر حكاية عن البرقانى إلى أن ساقها إلى عبد الله بن عمرو بن أبى الحجاج أبو معمر المنقرى ذكره الخطيب في تاريخه وقال: إنه كان يرى القدر.
وذكر مثل ذلك عن جماعات بطرق شتى.
وذكر حكاية عن أبى القاسم إبراهيم بن سليمان المؤدب ساقها إلى إبراهيم بن(2/120)
بشار الرمادي عن سفيان بن عينية، وإبراهيم بن بشار هذا ذكر عنه أحمد بن حنبل تخليطا حكاه أبو حاتم في كتابه.
وقال يحيى بن معين: ليس بشئ.
وقال النسائي: ليس بالقوى.
هذا عن إبراهيم بن بشار وسفيان بن عينية قد سبق عنه ما ذكرناه.
وحدث عن ابن دوما حكاية أخرى وقد تقدم ذكره.
ثم ذكر حكاية أخرى عن الخلال ساقها إلى وكيع وابن المبارك وقد تقدم ذكرهما ثم ذكر حكاية عن ابن رزق ساقها إلى الحميدى عن سفيان - هو ابن عينية وقد
ذكرناه حاله، وإن كان الثوري فقد ذكرناه أيضا.
ثم ذكر حكاية عن القاضى أبى القاسم البجلى إلى أحمد بن محمد بن عبد الكريم الوساوسى وقد ذكره الخطيب في تاريخه فقال حدثنى على بن محمد بن نصر.
قال سمعت حمزة بن يوسف قال سألت الدارقطني عن أحمد بن محمد بن عبد الكريم الوساوسى فقال: تكلموا فيه.
ثم ساقها إلى يوسف بن إسحاق بن أسباط وقد تقدم ذكره.
ثم ذكر حكاية عن ابن رزق والبرقاني من طريقين ساقها إلى وكيع بن الجراح وقد تقدم ذكره.
وذكر حكاية عن على بن أحمد بن الطيب الرزاز وقد ذكره الخطيب فقال عنه إن ابنه ألحق في سماعاته من ليس بسماعه بخط طرى وشيخ على الرزاز هذا في هذه الحكاية على بن محمد بن سعيد [ الموصلي ] ذكره الخطيب في ترجمة عيسى بن فيروز من كتابه وقال ليس بثقة.
ثم ذكر حكاية عن أبى سعيد محمد بن موسى الصيرفى ساقها إلى مؤمل عن حماد ابن سلمة، ومؤمل هذا هو ابن اسماعيل وقد ذكرنا ما قاله ابن أبى حاتم فيه ثم ذكر حكاية عن ابن دوما النعالى وقد تقدم حاله، ثم ساقها إلى مؤمل وقد تقدم أيضا.
ثم ذكر حكاية عن محمد بن الحسن بن محمد المتوثى إلى أبى عوانة وهو الوضاح وقد تقدم ذكره، وحدث حكاية أخرى عن ابن دوما وقد تقدم ما ذكره عن ابن(2/121)
دوما، ثم ساقها إلى الحسن بن على الحلواني وقد تقدم إلى أبى عوانة وقد تقدم.
وحدث حكاية أخرى عن ابن دوما أيضا وقد علم حاله، ثم ساقها إلى عارم وهو محمد بن الفضل أبو النعمان.
قال أبو حاتم: اختلط وزال عقله فمن سمع منه قبل
الاختلاط سنة عشرين ومائتين فسماعنه صحيح، وسمعت منه قبل الاختلاط سنة أربع عشرة.
ثم ذكر حكاية عن البرقانى رفعها إلى حماد بن زيد في لبس الخفين والسراويل وهذا ليس بتشنيع على أبى حنيفة، إنما هو تشنيع على كثير من الأئمة فإنهم خالفوا هذا الحديث.
ثم حدث حكاية عن ابن دوما قود ذكرنا حاله، ثم ساقها إلى الحسن بن على الحلواني وقد تقدم ما ذكره الخطيب عنه، رواها الحلواني عن نعيم بن حماد وقد ذكرنا ما قبل فيه، ثم ساقها إلى سفيان بن عينية ومقد تقدم خبره.
ثم ذكر حكاية عن الصيمري إلى أن أورد بيتهين لابن المعدل هجوا لم يكن بنا حاجة إلى الكرام في رجالها إذ قد تقدم الجواب عنها.
ثم ذكر حكاية عن عبد الله بن يحيى السكرى رفعها إلى أبى عوانة الوضاح وقد ذكرناه ما ذكر فيه، ثم شك بعض الرواة في هذا الخبر هل قال السكر بفتح السين والكاف أم السكر بجزم الكاف، فسقط الاحتاج به.
ثم ذكر حكاية عن أحمد بن محمد بن حسنون النرسى ساقها إلى محمد بن محمد الباغندى وقد مر ذكره.
ثم ذكر حكاية عن محمد بن عيسى بن عبد العزيز البزاز عن صالح بن أحمد وصالح هذا هو ابن أبى مقاتل يعرف بالقيراطى هروى الأصل ذكره الخطيب في تاريخه فقال بإسناد له عن ابن حبان إنه كان يسرق الحديث يقلبه ولعله قد قلب أكثر من عشرة آلاف حديث فيما خرج من الشيوخ والأبواب، لا يجوز الاحتجاج به بحال.
وقال ذكر أبو عبد الرحمن السلمى أنه سأل الدراقطنى عن صالح هذا فقال: كذاب دجال يحدث بما لم يسمعه.
وقال قال لى البرقانى: لم نكن نكتب حديث صالح بن أبى مقاتل.
قلت ولم ذلك لضعفه ؟ قال نعم هو ذاهب الحديث، وطريقه
المحدثين قد علمتموها.
فمن روى عن مثل هذا، وقد قال عنه مثل هذا الكلام كيف(2/122)
يكون حاله ؟ وقال ابن عدى أيضا في كتابه: إنه كان يسرق الأحاديث ويلزق حديث قوم على قوم ويرفع الموقوف، ويصل المرسل، وأمره بين.
وقال في الترجمة: ذكر ما قاله العلماء في ذم رأيه والتحذير منه إلى ما يتصل بذلك من أخباره قال أخبرنا أبو الحسن على بن أحمد بن إبراهيم البزاز بالبصرة قال حدثنا أبو على الحسن بن محمد بن عثمان الفسوى أنبأنا يعقوب بن سفيان قال حدثنا محمد بن عوف حدثنا إسماعيل بن عباس الحمصى حدثنا هشام بن عروة عن أبيه.
قال: كان الأمر في بنى إسرائيل مستقيما حتى نشأ فيهم أبناء سبايا الأمم، فقالوا بالرأى فهلكوا وأهلكوا فإنا قد تركت الجواب عن هذه الحكاية في الموضع لأنها لم تتعلق بأبى حنيفة وحده، فتركها ليعلم من وقف عليها أنه لم يرد الطعن على أبى حنيفة وحده وإنما أراد الطعن على أئمة المسلمين من الصحابة والتابعين، وتركته ليعلم من وقف عليها ما ذكرت من أول الأمر من أنه جعل الطعن على أبى حنيفة سببا للطعن على سائر المسلمين كما فعلت الفلاسفة بمذهب الروافض، وقد ذكر بعدها مثلها وذكر فيها أبا حنيفة وأنا مجاوبه إن شاء الله تعالى.
وأما الحكاية التى بعدها ذكرها ونسبها إلى سفيان ورواها عن أبى نعيم الاصبهاني وقد تقدم خبره.
وكذلك سفيان وما ذكره عن أبى حنيفة من أنه من أبناء سبايا الأمم فقد أجمع النسابون على أنه لم يكن من أبناء سبايا الأمم وهو أبو حنيفة النعمان بن ثابت بن النعمان بن المرزبان، والنعمان بن المرزبان أبو ثابت الذى أهدى لعلى بن أبى طالب رضى الله عنه الفالوذج في يوم النيروز - أو المهرجان - فقال: نيرزونا كل يوم - أو مهرجونا كل يوم - وساق هذه الحكايات عن سفيان وهذا
عندي نقص في حق سفيان إن صحت هذه الأسانيد عن سفيان لأنه إذا عاب الرأى لم يعد من العلماء ومن لم يعد من العلماء فلا اعتداد بقوله.
وذكر حكاية عن ابن الفضل الى أن ساقها إلى البخاري ثم قال حدثنا صاحب لنا فنكر وأجهل الإسناد وقد تقدم الجواب عن مثل هذا.
ثم ذكر حكاية عن محمد بن الحسن الأزرق إلى النقاش المقرئ وقد تقدم ما قيل فيه.(2/123)
ثم ذكر حكاية عن ابن درستويه أيضا وقد تقدم أيضا ساقها إلى إسحاق بن إبراهيم الحنينى، وهذا إسحاق من أصحاب مالك كان أحمد بن صالح المصرى لا يرضاه، حكاه ابن أبى حاتم في كتابه، وذكره ابن الجوزى في كتاب الضعفاء، وقال: قال النسائي: ليس بثقة.
وقال ابن عدى: ضعيف.
وقال الأزدي ضعيف.
ثم ذكر حكاية عن ابن رزق وساقها إلى حبيب كاتب مالك بن أنس، وحبيب هذا هو ابن رزق ذكره ابن أبى حاتم في كتابه.
وقال أحمد: ليس بثقة.
وقال أبو حاتم: كان يحيل الحديث ويكذب.
ثم ذكر حكاية عن ابن درستويه إلى نعيم عن سفيان وقد تقدم ذكر الثلاثة.
وذكر حكاية عن أبى الفضل الطناجيرى إلى شريك القاضى وقد تقدم ذكر حاله.
وذكر حكاية من طريقين إحداهما عن ابن دوما وقد تقدم حاله، والطريق الثانية عن على بن محمد بن عبد الله المعدل ساقها إلى منصور إلى شريك القاضى وقد ذكرناه ثم ذكر حكاية عن ابن الفضل عن ابن درستويه عن يعقوب عن أبى بكر بن خلاد.
قال سمعت عبد الرحمن بن مهدى قال سمعت حماد بن زيد يقول سمعت أيوب - وذكر أبو حنيفة - فقال (يريدون أن يطفئوا نور الله بأفواههم يأبى الله إلا أن
يتم نوره) فهذه الحكاية ذكرها الخطيب في ذم أبى حنيفة والتحذيبر منه، والله أعمى الخطيب ليظهر كرامة أبى حنيفة فإنه قال (يريدون أن يطفئوا نور الله بأفواههم) وقد علم الناس أن الله عزوجل نشر مذهب الأربعة الأئمة وأتم نور دينه بهم حتى ملأ الآفاق وهو من المتأخرين ولم يعلم ذلك، فكأن الله أنطق حماد بن زيد بكرامة أبى حنيفة رضى الله عنه، ومع هذا فإن مذهب أبى حنيفة رضى الله عنه اشتهر في الآفاق ولم يعرف لحماد بن زيد مذهب إلا ما نقل في آحاد الكتب.
ثم ذكر حكاية عن أحمد بن الحسن الحيرى إلى أن ساقها إلى سعيد بن عامر وسعيد بن عامر هذا هو الضبعى أبو محمد ذكره ابن أبى حاتم في كتابه فقال: هو صدوق صالح وفى حديثه بعض الغلط، ورواها سعيد بن عامر عن سلام بن أبى مطيع وكنيته أبو سعيد.
قال ابن حبان البستى: كثير الوهم لا يجوز الاحتجاج به إذا انفرد.(2/124)
ثم ذكر حكاية أخرى عن ابن الفضل عن ابن درستويه وقد تقدم ذكر حاله، وساقها إلى شريك القاضى وقد مضى ذكره.
ثم ذكر حكاية عن ابن رزق والبرقاني جميعا، ثم سرقها إلى محمد بن جعفر بن الهيثم الأنباري وقد ذكر حاله، ثم ساقها إلى سليمان بن حسان الحلبي الشامي ذكره الخطيب في تاريخه وقال ذكره عبد الرحمن بن أبى حاتم وقال سألت عنه أبى فقال سألت ابن أبى غالب عنه فقال: لا أعرفه ولا أرى البغداديين يروون عنه.
ثم ذكر حكاية عن ابن رزق ساقها إلى الحسن بن على الحلواني وقد تقدم ذكره.
ثم روى حكاية عن ابن الفضل عن ابن درستويه وقد تقدم ذكره، ثم ساقها إلى نعيم بن حماد الخزاعى وقد تقدم ذكره.
ثم ساقها إلى سفيان الثوري وقد تقدم ذكره.
ثم ذكر حكاية عن ابن حسنويه ساقها إلى ثعلبة بن سهيل وهو القاضى ذكره ابن
الجوزى في كتاب (الضعفاء) وقال يحيى بن معين: ليس بشئ.
ثم ساقها إلى سفيان وقد ذكرناه، وفى جملة سند هذا الحديث جرير بن عبد الحميد ذكره الخطيب في تاريخه وقال في ترجمته بإسناد ساقه قال سمعت سلميان بن داود الشاذكونى يقول: قدمت على جرير فأعجب بحفظي وكان لو مكرما، وقدم يحيى بن معين والبغداديون الذين معه وأنا، ثم قال فرءوا موضعي منه فقال له بعضهم: إنما بعثه يحيى وعبد الرحمن ليفسد حديثك عليك ويتتبع عليك الأحاديث، قال وكان جرير حدثنا عن مغيرة عن إبراهيم في طلاق الأخرس، قال ثم حدث به بعد عن سفيان عن مغيرة عن إبراهيم، قال فبينما أنا يوما عند ابن أخيه إذ رأيت على ظهر كتاب لابن أخيه عن ابن المبارك عن سفيان عن مغيرة عن إبراهيم، قال فقلت لابن أخيه: عمك هذا يحدث بهذا عن مغيرة، ومرة عن سفيان عن مغيرة، ومرة عن ابن المبارك عن سفيان، فينبغي أن نسأله ممن سمعه ؟ قال سليمان وكان هذا الحديث موضوعا.
قال فوقفت جريرا عليه فقلت له حديث طلاق الأخرس ممن سمعته ؟ فقال حدثنيه رجل من أهل خراسان عن ابن المبارك.
قال فقلت له قد حدثت به مرة عن مغيرة، ومرة عن سفيان عن مغيرة، ومرة عن رجل عن ابن المبارك عن سفيان عن مغيرة، ولست أراك تقف على شئ فمن الرجل ؟ قال: رجل جاءنا من أصحاب الحديث.
قال فوثبوا بى وقالوا ألم نقل لك إنما جاء ليفسد عليك حديثك ؟ قال فوثب بى البغداديون، قال وتعصب لى قوم من أهل الرى حتى كان بينهم شر شديد.
وذكر في ترجمته أيضا(2/125)
حكاية عن أبى الوليد الطيالسي قال قدمت الرى ومعى أبو داود الطيالسي وحملت معى أصل كتابي عن شعبة، قال وكان جرير يجالسنا عند رجل من التجار، قال فسمعنا نذكر الحديث، فيعجب بالحديث إعجاب رجل سمع العلم وليس له حفظ، قال فسمعني أتحدث بحديث شعبة عن عمرو بن مرة عن عبد الله بن مسلمة حديث
صفوان بن عسال - أو حديث على - (إنما) علجان فعالجا عن دينكما) فقال اكتبه لى.
قال فكتبته له وحدثته به، قال وتحدثت بحديث فضالة بن عبيد في القلادة فاستحسنه وقال اكتبه لى فكتبته له، وحدثته به عن الليث بن سعد.
قال فقال لى قد كتبت عن منصور ومغيرة وجعل يذكر الشيوخ، فقلت له حدثنا، فقال لست أحفظ كتبي غائبة عنى، وأنا أرجو أن أوتى بها، قد كتبت في ذاك: فبينما نحن كذلك إذ ذكر يوما شيئا من الحديث، فقلت له أحسب أن كتبك جاءت ؟ قال أجل.
قلت لأبى داود: جليسا جاءته كتبه من الكوفة اذهب بنا ننظر فيها قال فأتيناه فنظرت في كتبه أنا وأبو داود.
وحكى بإسناد له قال سمعت سليمان بن حرب يقول: كان جرير عبد الحميد وأبو عوانة يتشابهان في رأى العين، ما كانا يصلحان إلا أن يكونا راعيى غنم.
ثم روى حكاية عن أبى نصر أحمد بن إبراهيم المقدمى إلى على بن زيد وهذا هو الفرائض ذكره في تاريخه وقال: هو شيخ شيخ شيخي ثم قال في الترجمة وقد تكلموا فيه، ثم قالها إلى محمد بن كثير عن الأوزاعي، ومحمد هذا هو المصيصى صناعي الاصل أبو يوسف ذكره ابن أبى حاتم في كتابه وقال: ضعفه أحمد جدا وضعف حديثه.
وقال أبو حاتم: لم يكن عندي ثقة.
وذكر حكاية عن محمد بن الحسن الوراق عن أحمد بن كامل القاضى ذكره في تاريخه وقال في ترجمته سأل أبو سعيد الإسماعيل أبا الحسن الدارقطني عن أبى بكر أحمد بن كامل فقال: كان متساهلا وربما حدث من حفظه بما ليس عنده في كتابه وأهلكه العجب، فإنه كان يختار ولا يضع لاحد من العلماء الأئمة أصلا.
ثم إلى الأوزاعي وسفيان وقد مضى ذكرهما، ثم حدث عن ابن رزق إلى يحيى بن السكن البصري عن أيوب بن محمد ذكره ابن أبى حاتم في كتابه وقال: قال أبو حاتم: ليس بالقوى.
ثم ذكر حكاية عن ابن رزق، ثم ساقها من طريق أخرى عن أبى نعيم الحافظ(2/126)
وهو الاصفهانى وقد تقدم ذكرنا له، ثم ساقها إلى سفيان وقد تقدم ذكر حاله.
ثم ذكر حكاية عن الحسن بن إبراهيم وهو ابن شاذان ذكره الخطيب في تاريخه فقال في ترجمته كان أشعريا مشتهرا بشرب النبيذ، ثم ساقها إلى مؤمل بن إسماعيل وقد سبق ذكرنا له.
وحدث حكاية عن محمد بن عمر بن بكر إلى المؤمل وقد ذكرنا حاله.
وحدث حكاية أخرى عن ابن الفضل عن ابن درستويه وقد تقدم شرح ما قاله فيه.
وحدث حكاية أخرى عن الخلال ساقها إلى أبان بن سفيان الحرزى قال أبو حاتم محمد بن حبان البستى: روى عن الثقات أشياء موضوعة.
وقال الدار قطني متروك.
ثم ذكر حكاية عن إبراهيم بن محمد بن سليمان ساقها إلى سفيان وقد تقدم ذكره.
ثم ذكر حكاية عن إبراهيم بن مخلد عن محمد بن أحمد الحكيمي، وهذا ذكره الخطيب في تاريخه فقال: سألت أبا بكر البرقانى عن الحكيمي فقال: ثقة إلا أنه يروى مناكير، ثم ساقها إلى مطرف أبى مصعب الأصم قال أبو أحمد بن عدى: يحدث مطرف عن ابن أبى ذئب ومالك وغيرهما بالمناكير.
ثم ذكر حكاية عن ابن رزق إلى الوليد بن مسلم والوليد هذا هو أبو العباس الدمشقي.
قال ابن عدى: يروى عن الأوزاعي عن شيوخ ضعفاء عن شيوخ قد أدركهم الأوزاعي مثل نافع والزهرى فيسقط أسماء الضعفاء ويجعلها عن الأوزاعي عنهم.
وقال الدارقطني مثل هذا أيضا.
ثم ذكر حكاية أخرى عن على بن محمد المعدل إلى الوليد بن مسلم هذا المقدم ذكره.
ثم ذكر حكاية أخرى عن ابن رزق إلى مطرف وقد تقدم ذكرنا له.
ثم ذكر حكاية عن أبى الفرج الطناجيرى إلى على بن زيد الفرائضى ذكره الخطيب في تاريخه فقال: وقد تكلموا فيه.(2/127)
ثم ذكر حكاية عن القاضى أبى بكر أحمد بن الحسن الحرشى إلى أبى عوانة وقد تقدم.
ثم ذكر حكاية عن ابن الفضل عن ابن درستويه وقد تقدم ذكره.
ثم ذكر حكاية عن الحسن بن أبى طالب إلى عبد الله بن محمد البغوي وهو أبو القاسم وقد تقدم ذكره.
ثم ذكر حكاية عن الخلال إلى أبى نعيم وحدث عن على بن القاسم بن الحسين البصري إلى أبى نعيم وقد ذكر الخطيب في ترجمة أبى نعيم ض من تاريخه قال حدثت عن محمد بن عبد الله بن المطلب الكوفى قال حدثنا على بن محمد حدثنا أحمد بن ميثم بن أبى نعيم.
قال: قلت جدى أبو نعيم الفضل بن دكيل بغداد ونحن معه، فنزل الرميلة ونصب له كرسى عظيم فجلس عليه ليحدث فقام إليه رجل ظننته من أهل خراسان فقال: يا أبا نعيم أتتشيع ؟ فكره الشيخ مقالته وصرف وجهه وتمثل بقول مطيع بن إياس: وما زال بى حبيك حتى كأننى * برجع جواب السائلى عنك أعجم لأسلم من قول الوشاة وتسلمى * سلمت وهل حى من الناس يسلم فلم يفقه الرجل مراده فعاد سائلا فقال: يا أبا نيعم أتتشيع ؟ فقال الشيخ: يا هذا كيف بليت بك، وأى ريح هبت إلى بك.
سمعت الحسن بن صالح يقول سمعت جعفر ابن محمد يقول: حب على عبادة، وأفضل العبادة ما كتم.
ثم ذكر حكاية أخرى عن أبى الفتح بن أبى الفوارس إلى أن قال: كنت عند أبى نعيم الفضل بن دكين فجاء
ابنه يبكى، فقال له مالك ؟ فقال الناس يقولون إنك تتشيع فأنشأ يقول: ومازال كتمانيك حتى كأننى * برجع جواب السائلى عنك أعجم لأسلم من قول الوشاة وتسلمى * على وهل حى على الناس يسلم ثم ذكر حكاية عن ابن رزق إلى وكيع وقد تقدم ذكره.
ثم ذكر حكاية عن محمد بن عبد الله الحنائى ساقها إلى عبد الله بن المبارك وقد تقدم ذكره.
ثم ذكر حكاية عن محمد بن على المقرئ عن محمد بن عبد الله الحاكم(2/128)
النيسابوري وهذا محمد بن الحاكم هو صاحب التاريخ ذكره الخطيب في تاريخه وحكى أنه كان يميل إلى التشيع.
وقال: جمع الحاكم أبو عبد الله أحاديث زعم أنها صحاح على شرط البخاري ومسلم لم يلزمهما إخراجها في صحيحيهما، منها حديث (الطائر، ومن كنت مولاه فعلى مولاه).
فأنكر عليه أصحاب الحديث ذلك ولم يلتفتوا إلى قوله، ولا صوبوه في فعله.
وقد حكى أبو الفضل محمد بن طاهر المقدسي عن سعد بن على الريحاني أنه قال: ثلاثة من الحفاظ لا أحبهم لشدة تعصبهم، منهم أبو عبد الله الحاكم.
ثم ذكر حكاية عن الأزهري عن محمد بن العباس الخزاز وهذا هو ابن حيويه وقد تقدم حاله.
ثم ذكر حكاية عن الأزهري إلى أبى إسحاق الطالقاني وهو إبراهيم بن إسحاق ابن عيسى الطالقاني ذكره الخطيب في تاريخه وقال عنه كان ثقة ثبتا يقول بالإرجاء.
وساقها إلى عبد الله بن المبارك وقد تقدم ذكره.
وذكر حكاية عن إبراهيم بن عمر البرمكى عن عمر بن محمد الجوهرى ذكره في تاريخه فقال: وفى بعض حديثه نكرة.
ثم ذكر حكاية أخرى ساقها إلى الطالقاني إلى ابن المبارك وقد تقدم ذكرهما.
ثم ذكر حكاية عن الخلال إلى أبى داود عن ابن المبارك وهذا سند منقطع لأن أبا داود لم يدرك ابن المبارك وثم قد تقدم ذكر ابن المبارك، ثم إن الحكاية هي أن قال ابن المبارك: ما كنا نأتى مجلس أبى حنيفة إلا خفية من سفيان الثوري، وهذا دليل على ما ذكرناه من أنه كان بين أبى حنيفة وبين سفيان الثوري شئ، وكان أبو حنيفة أكفهما لسانا.
ثم ذكر حكاية عن أبى نصر أحمد بن الحسين عن أبى بكر السنى عن عبد الله ابن محمد بن جعفر، وعبد الله هذا هو أبو القاسم القزويني القاضى فقيها على مذهب الشافعي وكان يظهر العبادة ويحفظ، ثم خلط ووضع أحاديث فافتضح سقط جاهه.
ذكر ذلك أبو سعيد بن يوسف في تاريخه مصر..وقال الدارقطني: هو كذاب يضع الحديث.
وإن كان غيره فهو أبو محمد عبد الله بن محمد بن جعفر الاصفهانى بن حبان المعروف بأبى الشيخ، ضعفه أبو أحمد العسال الاصفهانى.(2/129)
ثم ذكر حكاية عن ابن رزق إلى سفيان الثوري وقد تقدم ذكره.
ثم ذكر حكاية عن أبى بكر محمد بن عبد الله بن أبان الهيتى ذكره الخطيب في تاريخه وقد سبق ما ذكره، وعن أحمد بن سلمان النجاد ذكره الخطيب في تاريخه فقال سأل أبو سعيد الإسماعيلي أبا الحسن الدارقطني فقال قد حدث أحمد بن سلمان النجاد من كتاب غيره بما لم يكن في أصوله.
ثم رفعها إلى سفيان وقد تقدم ذكره.
ثم ذكر حكاية عن القاضى أبى بكر محمد بن عمر الداودى إلى محمد بن الحسين ابن حميد بن الربيع وذكره الخطيب في تاريخه فروى عن أحمد بن محمد بن سعيد قال: كنت عند الحضرمي فمر عليه ابن للحسين بن حميد الخزاز فقال: هذا كذاب
ابن كذاب.
ثم بعده إلى محمد بن عمر بن الوليد ذكره ابن أبى حاتم في كتابه وقال: قال أبو حاتم: أرى أمره مضطربا وذكره أبن الجوزى في كتاب الضعفاء.
وقال: قال ابن حبان: يروى عن مالك ما ليس من حديثه لا يجوز الاحتجاج به.
ثم بعده إلى محمد بن عبيد الطنافسى ذكره ابن أبى حاتم وقال: قال أحمد: كان يخطئ ولا يرجع عن خطئه.
ثم سرقها إلى سفيان الثوري وقد تقدم ذكره، أو ابن عينية.
ثم ذكر حكاية عن ابن رزق إلى سفيان بن وكيع بن الجراح عن أبيه وقد تقدم ذكر هما ثم ساقها إلى سفيان وقد تقدم ذكره.
ثم ذكر حكاية عن الأبار إلى قيس بن الربيع وقد تقدم حاله.
ثم ذكر حكاية عن البرمكى إلى عمر بن محمد الجوهرى ذكره الخطيب في تاريخه فقال: وفى بعض حديثه نكرة.
ثم إلى حجاج وهو أبو محمد الأعور وقد ذكرناه، إلى قيس بن الربيع وقد تقدم ذكره.
ثم ذكر حكاية عن البرقانى عن محمد بن أحمد بن محمد الآدمى ذكره الخطيب في تاريخه قال: قال لى أبو طاهر حمزة بن محمد الدقاق: لم يكن الأمي هذا صدوقا في الحديث كان يسمع لنفسه في كتب لم يسمعها، ثم ساقها إلى أن قال حدثنى بعض أصحابنا وهذا مجهول.
وذكر حكاية أخرى عن ابن رزق ساقها إلى مصعب بن خارجة وذكره ابن أبى حاتم في كتابه وقال: مجهول.(2/130)
ثم ذكر حكاية عن أبى بكر أحمد بن على بن عبد الله الرخاخى الطبري وذكره في تاريخه وقال: إنه ثقة، ثم ساق الحكاية إلى سفيان الثوري وشريك والحسن بن صالح، فأما شريك وابن صالح فقد سبق ما قيل عنهما.
ثم ذكر حكاية عن الحسن بن أبى طالب ولم يذكره في التاريخ.
ثم ذكر حكاية عن البرقانى إلى أن ساقها إلى سلمة بن سليمان قال: قال رجل لابن المبارك، ورجل غير مسمى مجهول الأمر.
ثم ذكر حكاية عن الأزهري عن محمد بن العباس ومحمد بن العباس هذا هو ابن حيوية الخزاز ذكره الخطيب في تاريخه وقال كان فيه تسامح وربما أراد أن يقرأ شيئا ولا يقرب أصله منه، فيقرأه من كتاب أبى الحسن بن الرزاز لثقته بذلك الكتاب، وإن لم يكن فيه سماعه.
وكان مع ذلك ثقة، ثم ساقها إلى فهد بن عوف وفهد بن عوف هذا قال على بن المدينى: هو كذاب وكان على يقول: ذهب الفهدان، فهد ابن عوف وفهد بن حيان.
حكى ذلك ابن الجوزى في كتاب (الضعفاء).
ثم ذكر حكاية عن العتيقي ساقها إلى محمد بن بشار بندار وقد ذكره الخطيب في تاريخه فقال في ترجمته بإسناد ساقه إلى أن قال الفرهيانى قال سمعت أبا موسى وكان قد صنف حديث داود بن أبى هند، ولم يكن بندار صنفه.
سمعت أبا موسى يقول: منا قوم لو قدروا أن يسرقوا حديث داود لسرقوه - يعنى به بندار - ثم قال الخطيب أخبرنا أبو القاسم الأزهري وساق سندا إلى أن قال حدثنا عبد الله بن على ابن عبد الله المدينى قال سمعت أبى وسألته عن حديث رواه بندار عن ابن مهدى عن أبى بكر بن عياش عن عاصم عن زر عن عبد الله عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (تسحروا فإن في السحور بركة) فقال هذا كذب.
قال حدثنى أبو داود موقوفا وأنكره أشد الإنكار.
ثم قال أخبرنا محمد بن جعفر بن علان الشروطى - مما أذن لى أن أرويه عنه - أخبرنا أبو الفتح محمد بن الحسين الأزدي الحافظ حدثنا محمد بن جعفر المطيرى حدثنا عبد الله بن الدورقى.
قال: كنا عند يحيى بن معين وجرى ذكر بندار فرأيت يحيى لا يعبأ به ويستضعفه، قال ابن الدورقى ورأيت القواريرى لا يرضاه، وكان صاحب حمام.(2/131)
ثم ذكر حكاية عن البرقانى ثم ساقها إلى بندار هذا وقد تقدم ذكره.
ثم ذكر حكاية عن ابن الفضل عن ابن درستويه وقد تقدم ذكره أيضا.
ثم ذكر حكاية عن ابن رزق إلى الوليد بن عتبة وهو مجهول، ثم إلى مؤمل بن إسماعيل وقد ذكرناه فيما تقدم.
ثم ذكر حكاية عن بشرى وعن محمد بن حسنويه ساق السندين إلى البغوي عن أبى الجواب، وهو الأحوص بن جواب قال يحيى بن معين: ليس بذاك القوى، وذكر البغوي قد تقدم.
ثم ذكر حكاية عن ابن الفضل عن ابن درستويه وقد تقدم ذكرهما، ثم ساقها إلى ابن نمير عن بعض أصحابنا وهذا مجهول.
ثم ذكر حكاية عن عبد الله بن يحيى السكرى ساقها إلى سفيان بن عيينة وقد تقدم ذكره، روى ابن عيينة شعرا عن مساور الوراق.
وقال أجابه بعضهم وهذا المجيب مجهول وقد تقدم الجواب عن الشعر.
ثم ذكر حكاية عن ابن رزق ساقها إلى يحيى بن أيوب قال حدثنا صاحب لنا ثقة وأيهم، وهذا مجهول عن أبى بكر بن عياش ذكره ابن الجوزى في كتاب (الضعفاء) فقال: كان يحيى بن سعيد لا يعبأ به، وإذا ذكر عنده كلح وجهه.
وكان محمد بن عبد الله بن نمير يضعفه.
ثم ذكر حكاية عن ابن رزق إلى أسود بن سالم إلى أبى بكر بن عياش وقد ذكرناه.
ثم ذكر حكاية عن أبى عبد الله محمد بن عبد الواحد عن محمد بن العياش وقد تقدم ساقها إلى أبى معمر، وأبو معمر هذا هو إسماعيل بن إبراهيم الهذلى الهروي ذكره الخطيب في (التاريخ) فروى بإسناده إلى يحيى بن معين وذكر أبا معمر - يعنى يحيى - فقال لا صلى الله عليه ذهب إلى الرقة فحدث بخمسة آلاف حديث أخطأ
في ثلاثة آلاف حديث، وذكر أيضا بإسناده إلى أبى زرعة أنه قال: كان أحمد لا يرى الكتابة عن أبى نصر النمار ولا عن أبى معمر ولا يحيى بن معين ولا أحد ممن امتحن فأجاب، وذكر أيضا بإسناده إلى أبى معمر أخذ في المحنة فأجاب فلما خرج قال: كفرنا وخرجنا.(2/132)
وقد ذكر حكاية عن أبى بكر بن عياش وقد سبق ذكره.
ثم ذكر حكاية عن أبى حازم العبدون عمر بن أحمد بن إبراهيم بن عبدويه السدوسى.
ثم ذكر حكاية عن أبى نعيم الحافظ أحمد بن عبد الله الاصبهاني صاحب الحلية وقد تقدم ذكره، عن أبى محمد عبد الله بن محمد بن حيان - وهو أبو الشيخ وقد ضعفه أبو أحمد العسال وهو من أهل بلده - عن سالم بن عصام وقد ذكره أبو نعيم في تاريخ أصفهان فقال: كان كثير الحديث والغرائب، ثم ساقها إلى سفيان الثوري وقد تقدم ذكره.
ثم ذكر حكاية عن البرقانى عن محمد بن العباس بن حييه وقد تقدم ذكر حاله.
ثم ذكر حكاية عن بشرى الرومي عن أحمد بن جعفر بن حمدان - وهو القطيعى - ذكره الخطيب في تاريخه وحدث عن أبى الحسن بن الفرات قال: كان ابن مالك القطيعى مستورا صاحب سنة كثير السماع [ سمع ] من عبد الله بن أحمد وغيره إلا أنه خلط في آخر عمره وكف بصره وخرف حتى لا يعرف شيئا مما يسمع عليه، ثم قال: قال محمد بن أبى الفوارس: أبو بكر بن مالك كان مستورا صاحب سنة، ولم يكن في الحديث بذاك.
وقال أيضا سمعت أبا بكر البرقانى - وسئل عن ابن مالك - فقال: كان شيخا صالحا، وكان لأبيه اتصال ببعض السلاطين، فقرئ لابن ذلك السلطان على عبد الله بن أحمد المسند وحضر ابن مالك سماعة ثم غرقت قطعة من كتبه بعد ذلك فنسخها من كتاب ذكروا أنه لم يكن سماعه فيه فغمزوه لأجل ذلك.
ثم ذكر حكاية عن ابن رزق عن أحمد بن سلمان الفقيه المعروف بالنجاد وقد تقدم ذكره.
ساقها إلى مهنى بن يحيى ذكره الخطيب في تاريخه فقال في ترجمته حدثنى أحمد بن محمد الرزاز أخبرنا محمد بن جعفر الشروطى أنبأنا أبو الفتح محمد بن الحسين الأزدي.
قال: مهنى بن يحيى الشامي نزل بغداد منكر الحديث.
ثم ذكر حكاية عن البرقانى عن أحمد بن محمد الأدمى وقد تقدم ذكره.
ثم ذكر حكاية عن الحسن بن أبى طالب عن محمد بن نصر بن أحمد بن نصر بن مالك القطيعى ذكره الخطيب في تاريخه وقال حدثنى الأزهري قال حضرت عند محمد بن نصر بن مالك فوجدته على حالة عظيمة من الفقر والفاقة، وعرض على(2/133)
شيئا من كتبه لأشتريه، ثم انصرفت من عنده وحضرت بعد عند أبى الحسن بن رزقويه فقال لى: ألا ترى إلى ابن مالك، إنه جاءني بقطعة من كتب ابن أبى الدنيا وقال لى اشتراها منى فإن فيها سماعك معى من البرذعى ؟ فقلت لى يا هذا والله ما سمعت من البرذعى شيئا.
قال الأزهري فنظرت في تلك الكتب وقد سمع فيها ابن مالك بخطه لابن رزقويه تسميعا طريا - أو كما قال - ثم ذكر حكاية عن محمد بن المسيب - وقد تقدم ذكره - عن خالد بن يزيد بن أبى مالك الشاعر ذكره بن أبى حاتم في كتابه فقال: كان يروى مناكير.
ثم ذكر حكاية عن البرقانى عن بشر بن أحمد الإسفرايينى عن عبد الله بن محمد.
ابن سيار قال سمعت القاسم بن عبد الملك أبا عثمان يقول سمعت أبا مسهر يقول: كانت الأئمة تلعن أبا فلان على هذا المنبر - وأشار إلى منبر دمشق - قال الفرهيانى: هو أبو حنيفة.
لم يكن غرض الخطيب أن يذكر هذا عن أبى حنيفة، إنما جعل أبا حنيفة ذريعة، وأراد أن يذكر الناس بما نقل مما كان على منبر دمشق، ولم أتتبع رجال هذا السند
بالكشف لعلم الناس بمن أراد بالحكاية وشهرة الخبر أغنت عن ذكره ولأن أحدا لا يلعن على منبر إلا باذن الإمام، وأبو حنيفة كان في دولة بنى العباس في زمن المنصور.
فلو لعن على منبر دمشق لكان لعن على منابر العراق إذ هي دار الخلافة ولم ينقل هذا الخطيب ولا غيره.
ثم ذكر حكاية عن الخلال عن أبى الفضل عبيد الله بن عبد الرحمن بن محمد الزهري عن عبيد الله بن عبد الرحمن أبو محمد السكرى عن العباس بن عبد الله الترقفى قال سمعت الفريابى يقول: كنا في مجلس سعيد بن عبد العزيز بدمشق فقال رجل: رأيت فيما يرى النائم كأن النبي صلى الله عليه وسلم قد دخل من الباب الشرقي - يعنى باب المسجد - ومعه أبو بكر وعمر، وذكر غير واحد من الصحابة وفى القوم رجل وسخ الثياب رث الهيئة، فقال تدرى من ذا ؟ قلت لا، قال [ هذا ] أبو حنيفة، هذا ممن أعين بعقله على الفجور، فقال له سعيد بن عبد العزيز: أنا أشهد أنك صادق ولولا أنك رأيت هذا لم تحسن تقول هذا.
أما أنا فقد رضيت بصحبة أبى حنيفة للنبى صلى الله عليه وسلم ولم أر بالثياب بأسا بعد صحبة(2/134)
النبي صلى الله عليه وسلم، ومن صحب النبي صلى الله عليه وسلم في مثل ما ذكر فلا يكون فاجرا ولا يعان بعقله على الفجور، فإن كان الخطيب أراد بهذا أن كل من صحب النبي صلى الله عليه وسلم يوصف بما وصف به أبا حنيفة فيكون تأكيدا لما ذكرت أنا آنفا، وأما هذا السند فلو أردت أن أقول فيه شيئا لقلت فإنه قال: قال رجل، أخبر عن رجل، لا يعرف، ثم إنه منام، ثم إن سعيد بن عبد العزيز شهد للرائى أنه لا يعرف شيئا.
ثم ذكر حكاية عن أبى الفتح محمد بن المظفر بن إبراهيم الخياط قال الخطيب في تاريخه كتبت عنه وهو شيخ صدوق، كان يسكن دار إسحاق، ولا أعلم كتب عنه أحد غيرى عن محمد بن على بن عطية المكى ذكره في تاريخه فقال في ترجمته صنف
كتابا سماه قوت القلوب على لسان الصوفية، وذكر فيه أشياء منكرة مستشنعة في الصفات.
قال الخطيب وقال لى أبو طاهر محمد بن على بن العلاف: كان أبو طالب المكى من أهل الجبل، ونشأ بمكة ودخل البصرة بعد وفاة أبى الحسن بن سالم فانتمى إلى مقالته، وقدم بغداد.
فاجتمع الناس عليه في مجلس الوعظ، فخلط في كلامه وحفظ عنه أنه قال: ليس على المخلوقين أضر من الخالق.
فبدعه الناس وهجروه، وامتنع من الكلام على الناس بعد ذلك.
ثم ذكر حكاية عن القاضى محمد بن على الواسطي أبى العلاء ذكره الخطيب في تاريخه فقال في ترجمته ورأيت لأبى العلاء أصولا عتقا سماعه فيها صحيح، وأصولا مضربة وكان من أهل العلم بالقراءات ممن أدركنا يقدحون فيه وسمعته يذكر أن عنده تاريخ شباب العصفرى فسألته إخراج أصله لأقرأ عليه فوعدني بذلك، ثم اجتمعت مع أبى عبد الله الصوري فتجارينا ذكره فقال لى لا ترد أصله بتاريخ شباب فإنه لا يصلح لك، فقلت وكيف ذاك ؟ فذكر أن أبا العلا أخرج إليه الكتاب فرآه قد سمع فيه لنفسه تسميعا طريا مشاهدته تدل على فساده.
ورأيت في كتاب أبى العلا عن بعض الشيوخ المعروفين حديثا استتنكرته وكان متنه طويلا موضوعا مركبا على إسناد واضح صحيح عن رجال ثقات أئمة في الحديث، فذاكرت به أبا عبد الله الصوري فقال لى: قد رأيت هذا الحديث في كتاب أبى العلاء فاستنكرته، فعرضته على حمزة بن محمد فقال لى اطلب من القاضى أصلا به فإنه لا يقدر على ذلك.
قال الخطيب: ورأيت له أشياء سماعه فيها مفسود، إما مكشوط بالسكين أو مصلح بالقلم.
ثم قرأت عليه حديثا من المسلسلات فقال(2/135)
لى: هذا الحديث عندي بعلو، فسألته إخراجه فأخرجه إلى في رقعة خطه فقرأه على من لفظه، فلما قرأ استنكرته، فقلت له هذا الحديث من هذا الطريق غريب
جدا وأراه باطلا.
فذكر أن له به أصلا نقله منه إلى الرقعة وأن الأصل قريب إليه لا يتعذر إخراجه عليه، وأعتل بأن له شغلا يمنعه عن إخراجه في ذلك الوقت، فسألته أن يخرجه بعد فراغه من شغله فأجابني إلى أن يفعل ذلك، وانصرفت من عنده فالتقيت ببعض من كان يختص به فذكرت له القصة وقلت له هذا موضوع على أبى يعلى الموصلي وكنت قد سمعته من عير أبى العلاء بنزول، وقلت ما أظن القاضى إلا قد وقع إليه نازلا من الطريق الموضوع فحدث به عن عبد الله بن محمد بن عثمان.
فلما كان بعد أسبوع اجتمعت معه فقال لى: قد طلبت أصل كتابي بالحديث وتعبت في طلبه فلم أجده، وهو مختلط بين كتبي.
فسألته أن يعيد طلبه إياه فقال أنا أفعل ومكثت مدة أقتضيه به وهو يحتج بأنه ليس يجده، ثم قال لى إيش قدر هذا الحديث فكم عندي مثله، يروى عنى فما سمعنى غيره.
وسأل أبو العلاء بعد إنكارى عليه أن يحدث به فامتنع ولم يروه لأحد بعدى.
ثم ساقها إلى طريف بن عبيدالله قال: الدارقطني: هو ضعيف.
ثم ذكر حكاية عن إبراهيم بن عمر البرمكى عن عبيد الله بن محمد بن محمد بن حمدان العكبرى هو أبو عبد الله بن بطة ذكره الخطيب في تاريخه ثم قال: كتب إلى أبو ذر عبد بن أحمد الهروي يذكر أنه سمع نصرا الأندلسى قال - وكان يحفظ ويفهم ورحل إلى خراسان - قال: خرجت إلى عكبرا فكتبت على شيخ بها عن أبى خليفة وعن ابن بطة، فرجعت إلى بغداد فقال الدارقطني أين كنت ؟ فقلت بعكبرا، فقال وعمن كتبت ؟ فقلت عن ابن بطة، فقال وايش كتبت عن ابن بطة ؟ فقلت: كتاب السنن لرجاء بن مرجى حدثنى به ابن بطة، عن حفص بن عمر الأردبيلى عن رجاء ابن مرجى فقال: هذا محال، دخل رجاء بن مرجى بغداد سنة أربعين، ودخل حفص ابن عمر الإردبيلى سنة سبعين ومائتين، كيف سمع منه قال الخطيب قال لى أبو القاسم الأزهري بن بطة ضعيف ضعيف ليس بحجة، وعندي عنه معجم البغوي ولا
أخرج عنه في الصحيح شيئا.
فقلت له فكيف كان كتابه بالمعجم ؟ فقال: لم نر له أصلا وإنما دفع إلينا نسخة طرية بخط ابن شهاب فنسخنا منها وقرأنا عليه، وكذلك ادعى سماع كتب أبى محمد بن قتيبة ورواها عن شيخ سماء بن أبى مريم، وزعم أنه دينورى حدثه عن ابن قتيبة، وابن أبى مريم هذا لا يعرفه أحد من أهل العلم سوى ابن بطة.(2/136)
ثم ذكر حكاية عن محمد بن على المقرى عن محمد بن عبد الله النيسابوري وقد تقدم ذكره ثم ساقها إلى محمد بن أبى عتاب الأعين أبى بكر ذكره الخطيب في تاريخه فقال في ترجمته محمد بن الحسن.
وقال في أثناء إسناد ساقه: سأل يحيى بن معين عن أبى بكر الأعين فقال: ليس هو من أصحاب الحديث.
ثم ذكر حكاية عن الحسن بن أبى طالب عن أحمد بن محمد بن يوسف - وهو ابن دوست - ذكره الخطيب في تاريخه فقال تكلم محمد بن أبى الفوارس في روايته عن المطيرى وطعن عليه.
وقال الخطيب سمعت أبا القاسم الأزهري يقول: ابن دوست ضعيف رأيت كتبه كلها طرية، وكان يذكر أن أصوله العتق غرقت فاستدرك نسخها.
قال الخطيب: سألت البرقانى عن ابن دوست فقال: كان يسرد الحديث من حفظه وتكلموا فيه، وقيل إنه كان يكتب الأجزاء ويتربها حتى يظن أنها عتق.
قال الخطيب: حدثنى عيسى بن أحمد قال سمعت حمزة بن محمد يقول: مكث ابن دوست سبع عشرة سنة يملى الحديث، وكان إذا سئل عن شئ أملى من حفظه في معنى ما سئل عنه، وكان يذاكر بحضرة أبى الحسن الدارقطني ويتكلم في علم الحديث، فتكلم الدارقطني فيه بهذا السبب.
ثم ساقها إلى ابن المبارك وقد تقدم ذكره.
ثم ذكر حكاية عن إبراهيم بن محمد بن سليمان المؤدب إلى ابن المبارك وقد سبق.
ثم ذكر حكاية عن العتيقي ساقها إلى أبى بكر الأعين وقد تقدم ذكره ثم ساقها إلى ابن المبارك وقد تقدم أيضا.
ثم ذكر حكاية عن عبد الله بن عمر بن شاهين عن
أبيه عن عبد الله بن سليمان وقد سبق ذكر عبد الله بن سليمان، ثم ساقها إلى أبى بكر الأعين وقد سبق ذكره عن الحسن بن الربيع ذكره الخطيب في تاريخه فقال: قال عبد الخالق بن نصور سئل يحيى بن معين - وأنا أسمع - عن الحسن بن الربيع فقال: لو كان يتقى الله لم يحدث بالمغازي، ما كان يحسن يقرؤها.
وقال ابن بنت لأبى أسامة إنه يحدث عن ابن المبارك عن حميد عن أنس في القراءة.
فقال يحيى: كل من يحدث به عن حميد فقد كذب.
ثم ذكر حكاية عن ابن المبارك وقد تقدم ذكره.
ثم ذكر حكاية عن محمد بن أحمد بن يعقوب ثم ساقها إلى محمد بن على بن الحسن بن شقيق عن أبيه، وأبوه على هذا ذكره الخطيب في تاريخه وقال: إنهم(2/137)
تكلموا فيه في الأرجاء ثم رجع عنه.
ثم ذكر حكاية عن ابن المبارك وقد تقدم ذكره.
ثم ذكر حكاية عن ابن دوما النعالى وقد تقدم ذكره، ثم ساقها إلى ابن المبارك وقد تقدم ذكره.
ثم ذكر حكاية عن البرقانى إلى أن ساقها إلى أبى وهب عن ابن المبارك وأبو وهب إن كان زمعة بن صالح فهو ضعيف في حديثه، وأما عبد الله بن المبارك فقد تقدم ذكره.
ثم ذكر حكاية عن عبد الله بن يحيى السكرى وغيره من شيوخه، ثم ساقها إلى محمد بن يونس الكديمى ذكره الخطيب في تاريخه ونقل عن جماعة أنه كذاب.
ثم ذكر حكاية عن مؤمل بن إسماعيل عن سفيان بن عيينة وقد تقدم ذكرهما.
ثم ذكر حكاية عن البرمكى إلى محمد بن محمد الجوهرى ؟ عن الأثرم وقد تقدم ذكر الجوهرى.
ثم ذكر حكاية عن العتيقي ساقها إلى الحجاج بن أرطاة، قال أبو الحسن الدارقطني: حجاج بن أرطاة لا يحتج به.
وكان الخطيب يقول: كان مدلسا يروى عمن لم يلقه.
وقال محمد بن سعد: كان ضعيفا وقال يحيى بن معين: الحجاج بن أرطاة ضعيف.
وقال زائدة: اطرحوا حديث الحجاج بن أرطاة.
وذكره ابن الجوزى في كتاب الضعفاء.
فقال: قال ابن حبان: تركه ابن المبارك ويحيى القطان، وابن مهدى، ويحيى بن معين، وأحمد بن حنبل.
وقال ابن المبارك: رأيته في مسجد الكوفة يحدثهم بأحاديث العرزمى يدلسها على شيوخ العرزمى، والعرزمى قائم يصلى لا يقربه أحد والناس على حجاج.
وقال أحمد بن حنبل: يزيد في الأحاديث، ويروى عمن لم يلقه لا يحتج بحديثه.
وحدث عن البرقانى عن محمد بن العباس بن حيويه وقد تقدم ذكره، ساقها إلى على بن المدينى ذكره الخطيب في تاريخه فقال في ترجمته بإسناد ذكره.
قال.
دخلت على على بن المدينى يوما فرأيته واجما مغموما فقلت ما شأنك ؟ فقال: رؤيا رأيتها، فقلت وما هي ؟ فقال رأيت كأنى أخطب على منبر داود النبي عليه السلام، قال: فقلت خيرا رأيت أنك تخطب على منبر نبى، فقال: لو رأيت كأنى أخطب على منبر(2/138)
أيوب كان خيرا لى لأن، أيوب بلى في بدنه، وداود فتن في دينه، وأخشى أن أفتن في دينى.
فكان منه ما كان.
قال الخطيب يعنى أنه أجاب لما امتحن إلى القول بخلق القرآن.
ثم قال أخبرني الحسين بن على الصيمري حدثنا محمد بن عمران المرزبانى أخبرني محمد بن يحيى حدثنى الحسين بن فهم حدثنى أبى قال: قال ابن أبى داود للمعتصم: يا أمير المؤمنين هذا يزعم - يعنى أحمد بن حنبل - أن الله تعالى يرى في الآخرة، والعين لا تقع إلا على محدود، والله لا يحد.
فقال له المعتصم ما عندك في هذا ؟ فقال: يا أمير المؤمنين
عندي ما قاله رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال وما قال صلى الله عليه وسلم ؟ قال: حدثنى محمد بن جعفر غندر حدثنا شعبة عن إسماعيل بن أبى خالد عن قيس بن أبى حازم عن جرير بن عبد الله البجلى.
قال: كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم في ليلة أربع عشرة من الشهر، فنظر إلى البدر فقال: (أما إنكم سترون ربكم كما ترون هذا البدر لا تضامون في رؤيته) فقال لأحمد بن أبى داود: ما عندك في هذا ؟ فقال انظر في إسناد هذا الحديث وكان هذا في أول يوم ثم انصرف، فوجه ابن أبى داود إلى على بن المدينى وهو ببغداد مملق ما يقدر على درهم، فأحضره فما كلمه بشئ حتى وصله بعشرة آلاف درهم، فقال هذه وصلك بها أمير المؤمنين وأمر أن يدفع إليه جميع ما استحق من أرزاقه، وكان به رزق سنتين ثم قال: يا أبا الحسن حديث عبد الله بن جرير في الرؤية ما هو ؟ قال صحيح، قال: فهل عندك فيه شئ ؟ قال يعفينى القاضى من هذا، فقال يا أبا الحسن هذه حاجة الدهر، ثم أمر له بثياب وطيب ومركب بسرجه ولجامه، ولم يزل حتى قال له: في هذا الإسناد من لا يعمل عليه ولا على ما يرويه، وهو قيس بن أبى حازم، إنما كان أعرابيا بوالا على عقبيه.
فقبل ابن أبى داود بن المدينى واعتنقه، فلما كان الغد وحضروا قال: ابن أبى داود: يا أمير المؤمنين يحتج في الرؤية بحديث جرير، وإنما رواه عنه قيس بن أبى حازم وهو أعرابي بوال على عقبيه.
قال: فقال أحمد بعد ذلك: فحين أطلع لى هذا علمت أنه من عمل على بن المدينى، فكان هذا وأشباهه من أوكد الأمور في ضربه.
ثم ذكر حكاية عن أحمد بن على بن البادا ثم ساقها إلى أبى بكر بن أبى داود وقد تقدم ذكره.
ثم ذكر حكاية عن ابن دوما النعالى وقد تقدم ذكره.(2/139)
ثم ذكر حكاية عن ابن رزق ساقها إلى سفيان بن عينية وقد تقدم ذكره، ثم
ساقها من طريق أخرى عن أبى نعيم الاصفهانى وهو صاحب الحلية وقد تقدم ذكره.
وساقها إلى سفيان بن عينية.
ثم ذكرها حكاية عن العتيقي ساقها إلى محمد بن يونس الجمال، قال محمد بن الجهم: هو عندي متهم.
وقال ابن عدى: هو يسرق الحديث.
حكى ذلك ابن الجوزى في كتاب (الضعفاء)، ثم ساقها إلى شعبة بن الحجاج العتكى ذكره الخطيب في تاريخه فقال في ترجمته أخبرنا أحمد بن جعفر بن حمدان حدثنا محمد بن جعفر الراشدي حدثنا أبو بكر الأثرم قال سمعت أبا عبد الله يقول: كان شعبة يحفظ لم يكتب إلا شيئا قليلا وربما وهم في الشئ، ثم ذكر حكاية أخرى قال أخبرنا ابن الفضل حدثنا أحمد بن دعلج بن أحمد أخبرنا أحمد بن على الأبار حدثنا محمد بن المنهال حدثنا يزيد بن زريع.
قال: قدم علينا شعبة البصرة ورأيه رأى سوء خبيث - يعنى الترفض - فما زلنا به حتى ترك قوله ورجع وصار معنا.
ثم ذكر حكاية أخرى عن البرمكى ثم ساقها إلى عمر بن محمد الجوهرى وقد تقدم ذكره، ثم ساقها إلى سفيان بن عينية وقد تقدم ذكره.
ثم ذكر حكاية عن عبيد الله بن عمر الواعظ ساقها إلى أبى بكر بن عياش وقد تقدم ذكره.
ثم ذكر حكاية عن على بن أحمد الرزاز إلى مؤمل بن إسماعيل وتقدم ذكر على ومؤمل، ثم ساقها إلى سفيان الثوري وقد تقدم ذكره.
ثم ذكر حكاية عن محمد بن عمر بن بكر المقرى ساقها إلى المؤمل بن إسماعيل إلى سفيان وقد تقدم ذكرهما.
ثم ذكر حكاية عن أبى حسنويه ساقها إلى إبراهيم بن أبى الليث.
ذكره الخطيب في تاريخه فقال: قرأت على البرقانى عن محمد بن العباس قال حدثنا أحمد بن محمد ابن مسعدة قال حدثنا جعفر بن درستويه قال حدثنا أحمد بن محمد بن القاسم بن
محرز قال سمعت يحيى بن معين - وذكر إبراهيم بن أبى الليث - فقيل له إن أحمد يكتب عنه فقال: لو اختلف إليه ثمانون كلهم مثل منصور بن المعتمر.
ما كان إلا كذابا.
قال الخطيب: أخبرني الأزهري حدثنا عبد الرحمن بن عمر الخلال حدثنا محمد(2/140)
ابن أحمد بن يعقوب بن شيبة قال حدثنا جدى قال: إبراهيم بن أبى الليث كان أصحابنا كتبوا عنه ثم تركوه، وكانت عنده كتب الأشجعي، وكان معروفا بها، ولم يقتصر على الذى عنده حتى تخطى إلى أحاديث موضوعة.
وقال جدى: حدثنى أحمد ابن العباس قال سمعت يحيى بن معين يقول: ابن أبى الليث يكذب في الحديث.
ولو حدث بما سمع لكان خيرا له.
وقال أبو حفص عمرو بن على: وإبراهيم بن نصر صاحب الأشجعي متروك الحديث كان يكذب.
وقال أبو على صالح بن محمد الأسدى: كان إبراهيم بن أبى الليث يكذب عشرين سنة.
وذكر حكاية ساقها إلى سفيان الثوري وقد تقدم ذكره.
ثم ذكر حكاية عن محمد ابن الحسين بن محمد المتوثى إلى الحسن بن الفضل البوصرائى ذكره الخطيب في تاريخه فقال: أكثر الناس عنه ثم انكشف ستره فتركوه.
وذكر حكاية عن محمد بن كثير العبدى وقد تقدم.
وذكر حكاية عن سفيان الثوري وقد تقدم.
ثم ذكر حكاية عن رضوان بن محمد بن الحسن الدينورى ساقها إلى عبد الرزاق، وعبد الرزاق هذا هو ابن همام الصنعائى.
قال النسائي: فيه نظر لمن كتب عنه بأخرة، كتبت عنه أحاديث مناكير.
وقال عباس بن عبد العظيم لما قدم من صنعاء والله لقد تجشمت إلى عبد الرزاق وإنه لكذاب، والوقدى أصدق منه.
وقال ابن عدى: حدث عبد الرزاق بأحاديث في الفضائل لم يوافقه أحد عليها، ومثالب لغيرهم مناكير، ونسبوه إلى التشيع.
حكى ذلك ابن الجوزى في كتاب الضعفاء.
ثمه ذكر حكاية عن ابن رزق ساقها إلى محمد بن عثمان بن أبى شيبة ذكره الخطيب في تاريخه فقال في ترجمته أخبرنا على بن محمد بن الحسين الدقاق.
قال قرأنا على الحسين بن هارون عن أبى العباس بن سعيد قال: سمعت عبد الله بن أسامة الكلبى يقول: محمد بن عثمان كذاب أخذ كتب ابن عبدوس الرازي ما زلنا نعرفه بالكذب، وقال ابن سعيد: سمعت إبراهيم بن إسحاق الصواف يقول: محمد بن عثمان كذاب يسرق حديث الناس، ويحيل على أقوام أشياء ليست من حديثهم.
وقال سمعت داود ابن يحيى يقول: محمد بن عثمان كذاب قد وضع أشياء كثيرة يحيل على قوم أشياء ما حدثوا بها قط.
قال وسمعت عبد الرحمن بن يوسف بن خراش(2/141)
يقول: محمد بن عثمان كذاب بين الأمر يزيد في الأسانيد فيوصل ويضع الحديث.
وقال سمعت محمد بن عبد الله بن على الحضرمي يقول: محمد بن عثمان كذاب ما زلنا نعرفه بالكذب وهو صبى.
وقال سمعت عبد الله بن أحمد بن حنبل يقول: محمد بن عثمان كذاب بين الأمر يقلب هذا على هذا، وأعجب ممن يكتب عنه.
وقال سمعت جعفر بن محمد بن أبى عثمان الطيالسي يقول: ابن عثمان هذا كذاب يجئ عن قوم بأحاديث ما حدثوا بها قط، متى سمع ؟ أنا عارف به جدا.
وقال حدثنى محمد بن عبيد بن حماد قال: سمعت جعفر بن هذيل يقول: محمد بن عثمان كذاب.
قال الخطيب إلى هاهنا عن ابن سعيد.
قال وحدثني على بن محمد ابن نصر قال سمعت حمزة بن يوسف السهمى يقول وسألت الدارقطني عن محمد بن عثمان بن أبى شيبة فقال: كان يقال أخذ كتب أبى أنس وكتب غير محدث.
قال الخطيب: سألت البرقانى عن ابن أبى شيبة قال: لم أزل أسمع الشيوخ يذكرون أنه مقدوح فيه.
ثم ذكر حكاية عن محمد بن على المالكى ساقها إلى محمد بن عبد الله المدينى قال الخطيب حدثنى على بن محمد بن نصر قال سمعت حمزة بن يوسف يقول سألت
الدارقطني عن عبد الله بن على المدينى روى عن أبيه كتاب الفلك ؟ فقال: إنما أخذ كتبه وروى إجازة ومناولة، وما سمع كثير من أبيه، قلت لم ؟ قال لأنه ما كان يمكنه من كتبه.
وذكر حكاية عن أبيه على بن المدينى وقد تقدم ذكره.
ثم ذكر حكاية عن أبى عمر عبد الواحد ساقها إلى يعقوب بن شيبة ذكره الخطيب في تاريخه ونقل عن أحمد بن حنبل أنه سأل يعقوب فقال: مبتدع صاحب هوى.
وذكر حكاية عن أحمد بن الحسن الحرشى الحربى ساقها إلى أبى قلابة الرقاشى وهو عبد الملك بن محمد ذكره الخطيب في تاريخه وقال: قال الدارقطني: هو صدوق كثير الخطإ في الأسانيد والمتون، كان يحدث من حفظه فكثرت الأوهام منه.
وقال في حكاية أخرى بسند ساقه قال: حدثنا محمد بن إسحاق بن خزيمة أبو قلابة بالبصرة قبل أن يختلط ويخرج إلى بغداد، ثم ساق الحكاية إلى سفيان الثوري وقد تقدم ذكره.
ثم ذكر حكاية عن أبى سعيد محمد بن موسى الصيرفى عن أبى العباس محمد بن(2/142)
يعقوب الأصم عن محمد بن على الوراق عن مسدد قال سمعت أبا عاصم يقول ذكر عند سفيان موت أبى حنيفة فما سمعته يقول رحمة الله عليه ولا شيئا، وقال الحمد لله الذى عافانا مما ابتلاه.
وهذا يؤيد قول عبد الله بن على في قوله: وكان بينهما شيئا.
وهذا آخر ما ذكره الخطيب وقد بينا الجواب عن كل فصل، وهذا على ما شرطته أولا في صدر الكتاب.
ثم ذكرت روايته وما في سند كل واحد من الضعف أو الكلام الشبيه بالضعف
وكل ذلك بينت موضعه من الكتب وقائله لم أرد بذلك إلا جوابا للخطيب في قوله المحفوظ عند أئمة الحديث غير هذا، وربما كان بعض من ذكرنا مشهورا بالثقة والأمانة إلا أن الخطيب لما أن ذكر في كتابه ما حكيناه عن واحد واحد منهم أردنا نقل ذلك عنه إلزاما له بقوله وهو لابد أن يكون في أحد النقلين كاذبا، وهذا حديثنا في الرجال والنقلة على تقدير أن يكون الخطيب يصلح للنقل أو النقل عنه كما في الفصل إذا وقع الاختلاف في المقضى به فعلى القاضى الثاني أن يجيزه، أما إذا كان الاختلاف في القاضى فليس للثاني أن يجيزه على وجه من الوجوه.
مثال ذلك أن يكون محدودا في القذف أو يكون امرأة استقضت فحكمت في الحدود فهذا لا ينفذ، وليس للثاني أن يجبره أصلا.
وجوابنا للخطيب على هذا التقدير.
أما ما قد نقل عنه في نفسه فما أنبأنا به أبو محمد بن اسماعيل الطرسوسى في كتابه إلى من أصبهان قال أنبأنا محمد بن طاهر المقدسي الحافظ - ونقلته من خطه - قال سألت الإمام أبا القاسم سعد بن على عن أبى بكر الخطيب - ورأيت على بعض أجزائه علامة له - فقلت له كيف رأيته ؟ فقال: كان هاهنا يفيد الناس من سليم الرازي، ويقرأ لهم عليه.
وكن ه لم يرفع به رأسا.
وبالإسناد قال المقدسي - ونقلته من خطه - وسألت أبا القاسم هبة الله بن عبد الوارث الشيرازي هل كان أبو بكر الخطيب كتصانيفه في الحفظ ؟ فقال: لا كنا إذا سألناه عن شئ أجابنا بعد أيام، وإن ألححنا عليه غضب.
وكانت له بادرة وحشة.
وأما تصانيفه فمصنوعة مهذبة، ولم يكن حفظه على قدرها.
قلت: وقد كان مصحفا.
أنبأنا شيخنا الأمام العلامة حجة العرب أيو اليمن زيد ابن الحسن الكندى - مشافهة - قال أجاز لنا الإمام العلامة الحافظ أبو الفضل محمد(2/143)
ابن ناصر السلامى.
قال: قال لنا الشيخ الحافظ أبو الغنائم بن النرسى سمعت الشيخ
الحافظ أبو بكر الخطيب وهو يقرأ لنا كتاب (المغازى) عن الواقدي على أبى محمد الجوهرى، فبلغ إلى غزاة أحد وذكر قول النبي صلى الله عليه وسلم: (يا ليتنى غودرت يوم أحد مع أصحابي نحض الجبل).
بالضاد معجمة، فاستنكرته إذ لم يعرف ذلك فلقيت الشيخ أبا القاسم بن برهان النحوي فسألته عن ذلك وقلت له قد قرأ أبو بكر الخطيب اليوم على الجوهرى في (المغازى) قول النبي صلى الله عليه وسلم (يا ليتنى غودرت مع أصحابي نحض الجبل) بالضاد فاستنكرته فما تقول في ذلك ؟ فقال لى: صحف أبو بكر الخطيب هذه الكلمة، وإنما هو نحص بالصاد غير معجمة - النص - أصل الجبل.
وبالإسناد قال المقدسي - ونقلته من خطه أيضا - سمعت أبا القاسم مكى بن عبد السلام الرميلى رحمه الله يقول كان سبب خروج أبى بكر الخطيب من دمشق إلى صور أنه كان يختلف إليه صبى صبيح الوجه وقد سماه مكى أنا نكبت عن ذكره فتكلم الناس في ذلك وكان أمير البلدة رافضيا يتعصب، فبلغته القصة فجعل ذلك سببا للفتك به، فأمر صاحب شرطته أن يأخذه بالليل ويقتله، وكان صاحب الشرطة من أهل السنة.
فقصده صاحب الشرطة في تلك الليلة من جماعة من أصحابه ولم يمكنه أن يخالف الأمير وأخذه وقال: قد أمرت بكذا وكذا، ولا أجد لك حيلة إلا أنى أعبر بك على دار الشريف بن أبى الحسن العلوى، فإذا حاذيت الباب اقفز وادخل الدار فإنى لا أطلبك، وأرجع إلى الأمير وأخبره بالقصة.
ففعل ذلك ودخل دار الشريف وذهب صاحب الشرطة إلى أمير وأخبره بالخبر فبعث الأمير إلى الشريف أن يبعث به.
فقال الشريف: أيها الامير أنت تعرف اعتقادي فيه وفى أمثاله، ولكن ليس في قتله مصلحة، هذا رجل مشهور بالعراق وإن قتلته قتل به جماعة من الشيعة بالعراق وخربت المشاهد.
قال فما ترى ؟ قال: أرى أن يخرج من بلدك.
فأمر بإخراجه فخرج إلى صور وبقى بها مدة إلى أن رجع إلى بغداد وأقام بها إلى أن مات رحمه الله.
ويدل على هذه الحكاية ما ذكره أبو الفرج بن الجوزى في كتابه المسمى ب (السهم المصيب في الرد على الخطيب) الذى أخبرنا به الشيخ الإمام الأوحد أبو طاهر أحمد بن عمر بن محمد بن قدامة المقدسي بقراءتي عليه بالبيت المقدس في شهر صفر من سنة اثنتين وعشرين وستمائة قال أخبرنا الشيخ الإمام العالم أبو الفرج(2/144)
ابن الجوزى بجميع كتابه المسمى ب (السهم المصيب في الرد على الخطيب) قال في أثناء كتابه: (فصل) وجمع الخطيب كتابا في الجهر بالبسملة فساق فيه الأحاديث التى يعلم أنها ليست صحيحة مثل حديث عبد الله بن زياد بن سمعان وقد أجمعوا على ترك حديثه.
فقال مالك: كان كذابا ومثل حديث عبد الرحمن بن عبد الله العمرى، قال أحمد: كان كذابا.
ومثل حديث حفص بن سليمان، قال أحمد: هو متروك الحديث.
وكل أحاديثه قد تكلمت عليها في التعليقة وبينت وهاءها، فلا أعيد.
والعجب منه كيف يعارض بمثل هذه الأحاديث الصحاح وصنف كتاب (القنوت) فذكر فيه من هذا الجنس، ولو لا أن مسائل الخلاف أولى بذكر ذلك من ها هنا لذكرت من ذلك هاهنا الكثير وإنما المقصد بيان عصبيته الخارجية على الحنابلة، ومدحه المبتدعة وأصحاب الكلام، وما للمحدث ومدح المتكلمين.
وقد قال الشافعي: حكمي في أهل الكلام أن يحملوا على البغال ويطاف بهم في القبائل، ويقال هذا جزاء من ترك الكتاب والسنة وأخذ في الكلام.
قال ابن الجوزى: أنبأنا أبو زرعة طاهر بن محمد بن طاهر المقدسي عن أبيه.
قال سمعت إسماعيل بن الفضل القوسى - وكان من أهل المعرفة بالحديث - يقول: ثلاثة من الحفاظ لا أحبهم.
لشدة تعصبهم وقلة إنصافهم الحاكم أبو عبد الله، وأبو نعيم الاصفهانى، وأبو بكر الخطيب.
قلت: كان إسماعيل هذا حافظا ثقة صدوقا له معرفة بالرجال والمتون، غزير
الديانة سمع أبا الحسين بن المهتدى وابن النقور وغيرهما.
وقال الحق.
فأما أبو عبد الله الحاكم فأخبرنا أبو منصور القزاز قال: أخبرنا أحمد بن على بن ثابت قال: كان ابن البيع الحاكم يميل إلى التشيع، وأنبأنا أبو الفتح بن عبد الباقي عن أبى محمد التميمي عن أبى عبد الرحمن السلمى.
قال: دخلت على الحاكم أبى عبد الله وهو في داره لا يمكنه الخروج إلى المسجد من جهة أصحاب أبى عبد الله بن كرام وذكر أنهم كسروا منبره ومنعوه من الخروج.
فقلت له لو خرجت وأمليت في فضائل هذا الرجل يعنى معاوية حديثا لاسترحت من هذه المحنة ؟ فقال: لا يجئ من قلبى، لا يجئ من قلبى لا يجئ من قلبى.
وأما أبو نعيم الاصفهانى فكانت له العصبية في مذاهب الأشاعرة، ورأيت له(2/145)
كتابا قد سماه (مذهب الحروفية) فذكر مذهب الأشعري مختلطا بضده وهو لا يدرى مثل قوله: من قرأ حرفا من القرآن فله عشر حسنات، ومن دليل تخليطه أنه قال: القراءة غير المقروء.
ثم حكى عن أحمد بن حنبل أنه سئل ما تقول في رجل قال التلاوة مخلوقة وألفاظنا بالقرآن مخلوقة، والقرآن كلام الله ليس بمخلوق ؟ فقال: هذا يجانب، وهو قول المبتدعة.
فقلت: فمن أحتج على ما نصره بهذا لا يصلح أن يكلم لانه يريد أن يحتج لنفسه فيحتج على نفسه وليس هذا موضع الرد عليه وإنما المقصود أنه متعصب وما للمحدث والخوض في الكلام وهو يروى نهى السلف عنه، وأما الخطيب فإنه زاد عليهما في التعصب وسوء القصد، ولهذا لم يبارك في كتبه ولا يكاد يلتفت إليها وهى كتب حسان، ولو ذهبنا نذكر أغلاطه وما تعصب به لطال ومن تبلغ به العصبية إلى ما قد ذكرنا من تغطية الحق والتلبيس على الخلق لا ينبغى أن نقبل جرحه وتعديله لأن فعله وقوله ينبئ عن قلة دين، ولقد نقلت من خطه أشعارا قالها منها:
تغيب الناس عن عينى سوى قمر * حسبى من الخلق طرا ذلك القمر محله من فؤادى قد تملكه * وحاز روحي فمالى عنه مصطبر أردت تقبيله يوما مخالسة * فصار من خاطري في خده أثر وكم حكيم رآه ظنه ملكا * وراجع الفكر فيه أنه بشر ومنها: بات الحبيب وكم له من ليلة * فيها أقام إلى الصباح معانقى ثم الصباح أتى ففرق بيننا * ولقلما يصفو سرور العاشق ومنها: للخمر والورد حق لست أجحده * إذ ناسبا ما بدت منه بلاياى فالخمر من طيب ريق الحب قد سرقت * والورد أضحى يحاكى خد مولاى ومنها: بالله أقسم أيمانا مغلظة * ما مثل حبى مشى في سائر الناس إذا بدا يتثنى خلته قمرا * من فوق غصن مديد الفرع مياس شربت من لحظة خمرا سكرت بها * زادت على نعت خمر الكاس والطاس(2/146)
فأورثت مهجتي من حبه دنفا * وعظمت حال أفكارى وسواسي ومنها: يا عاذلي كف عن عذلى فلو نظرت * عيناك حبى لعاينت الذى أجد وقلت من فرط وجد حين تنظره * هل يملك الصبر عن هذا ترى أحد جعلت في الحب فردا لا نظير له * كما حبيبي بحسن الوصف منفرد ومنها: ما كان أغفلني عما ابتليت به * من حب ذى هيف أبهى من القمر
قد أبدع الله فيه حين صوره * كأنه ملك في صورة البشر سقام أجفانه قد زاد في سقمى * فصرت من ذا وذا في أعظم الخطر مترف ناعم لو ظلت لاحظه * لذاب من رقة في ساعة [ النظر ] يؤثر الوهم في توريد وجنته * لكنما قلبه أقسى من الحجر فهذه الأشعار تدل على صحة ما تقدم من الحكاية التى ذكرها المقدسي في سبب خروج الخطيب من دمشق، ومن هذا حاله لا يصلح أن يكون بمنزلة الأئمة الذين تقبل أقوالهم في الجرح والتعديل، ورواياتهم.
نسأل الله أن يعصمنا من الزلل ويوقفنا لصالح العمل بفضله وكرمه، وما ذكرته من الحكايات والأسانيد أخبرني بها وبجميع تاريخه الخطيب شيخي الأمام العلامة حجة العرب أبو اليمن زيد بن الحسن بن زيد الكندى - إجازة - قال أخبرنا أبو منصور القزاز - سماعا - قال أخبرنا أبو بكر الخطيب.
آخر الكتاب والحمد لله والصلاة والسلام على سيد المرسلين محمد النبي أجمعين.(2/147)
ملحق في آخر الأصل ما يأتي ومن جملة لطائف الإمام الأعظم أبى حنيفة رضوان الله عليه في النحو يقول: أشرت إلى بكم بكم بكم ما بكم * بكم عوضا ترضون عما بكم بكم أعرب تفهم الجواب فقالوا جميعا بالإشارة إنه * كفى عوضا أن السلامة في البكم فرغ من كتابته العبد الفقير إلى رحمة ربه الراجى عفوه أحمد بن عبد الدايم ابن نعمة المقدسي سامحه الله وذلك في يوم الإثنين العشرين من شهر رمضان المبارك من سنة ثلاث وعشرين وستمائة هجرية.
نسأل الله أن يعصمنا من الزلل ويوقفنا لصالح العمل بفضله وكرمه، وما ذكرته من الحكايات والأسانيد أخبرني بها وبجميع تاريخه الخطيب شيخي الأمام العلامة حجة العرب أبو اليمن زيد بن الحسن بن زيد الكندى - إجازة - قال أخبرنا أبو منصور القزاز - سماعا - قال أخبرنا أبو بكر الخطيب.
آخر الكتاب والحمد لله والصلاة والسلام على سيد المرسلين محمد النبي أجمعين.(2/148)
ملحق في آخر الأصل ما يأتي ومن جملة لطائف الإمام الأعظم أبى حنيفة رضوان الله عليه في النحو يقول: أشرت إلى بكم بكم بكم ما بكم * بكم عوضا ترضون عما بكم بكم أعرب تفهم الجواب فقالوا جميعا بالإشارة إنه * كفى عوضا أن السلامة في البكم فرغ من كتابته العبد الفقير إلى رحمة ربه الراجى عفوه أحمد بن عبد الدايم ابن نعمة المقدسي سامحه الله وذلك في يوم الإثنين العشرين من شهر رمضان المبارك من سنة ثلاث وعشرين وستمائة هجرية.
وفى آخر ما نصه قوبل بالأصل المنقول عنه المقروء على مولانا السلطان أعز الله نصره.
ثم كتاب الرد للملك المعظم.
ويتلوه إن شاء الله [ كتاب مفتاح الترتيب لأحاديث تاريخ الخطيب ] الذى تفضل بوضعه العلامة ألا ترى السيد أحمد الصديق الطنجى نزيل القاهرة حالا، والحمد لله وحده وصلى آلله على سيدنا محمد وصحبه وسلم.
آخر الجزء الثاني والعشرين(2/148)