مركز المعطيات والدراسات الإستراتيجية
Data & Strategic Studies Center (D.A.S.C)
أبحاث إستراتيجية أمريكية
أمريكا والعرب
- - - - - - - - - - - -
العراق وتكاليف الحرب
السياسة الخارجية تحت المحرق
- - - - - - - - - - - -
"ويليام د. هارتوغ"
***
تقرير وكالة الاستخبارات
الأمريكية للسياسة الخارجية
تقرير وكالة الاستخبارات الأمريكية للسياسة الخارجية :
العراق وتكاليف الحرب
السياسة الخارجية تحت المحرق
"ويليام د. هارتوغ" (*)
(*) ويليام د. هارتوغ هو عضو استشاري في لجنة السياسة الخارجية المركزة
(www.fpif.org online at )
وهو زميل رفيع المستوى في معهد السياسة العالمية ومدير مركز مورد تجارة الأسلحة.
www.worldpolicy.org/projects/arms.
وهو أيضاً مؤلف لـ"كم تدفع من أجل الحرب يا أبي؟" وهو دليل عاجل لقذارة الحرب الاستغلالية في عهد إدارة بوش. (كتب الأمة-مجموعة آفالون). وقد أعدت هذه المقالة بناءً على شهادة قُدمت أمام سناتور لجنة السياسة الديمقراطية في 13 شباط 2004.
كان دور هاليبرتن حساساً في العراق خلال الأشهر القليلة الماضية، إلا أن مؤشراته تذهب إلى أبعد من كونها دالة على إحدى الشركات أو إحدى النزاعات. كانت القضية الحقيقية المتداولة آنذاك هي تقرير ما الطريقة المثلى لإيجاد دعمٍ فعال لرجالنا ونسائنا في الخدمة العسكرية، وبكلفة منطقية، وبشفافية وبمحاسبة مسؤولة. وهذا أمر واقعي في العراق، أو أفغانستان أو في الفيليبين أو كولومبيا أو كوسفو أو ليبيريا أو في أي بقعة أخرى يتم منها إرسال قوات عسكرية أمريكية عاجلة للإطاحة بالطغاة أو حفظ السلام فيها.
مشاكل لعبة المحاسبة- التكاليف الخفية للحرب:(1/1)
تعد الحروب مشاريع مكلفة، وهي تكلف دائماً أكثر مما يدعي حسبانه مسؤولو حكومة ما تقريباً. وقد اقترح عالم الاقتصاد في جامعة Yale "ويليام نور دهاوس" بأن لدى الحكومات حافزاً دوماً للتقليل من حسابات تكاليف نزاع ما. "لأنه، إذا كانت الحروب -برأيهم- قصيرة ورخيصة وبدون إراقة للدماء فيها، حينها، سيكون الأمر أسهل بكثير لإقناع الجماهير والكونغرس للإذعان لأمر الرئيس في شنها (1) ".
هذا جاء بناءً على ملاحظات" روبرت هورماتس"، نائب مدير الـGoldman Sachs International الدولية خلال الإعداد للمضي في الحرب في العراق.
يحفل التاريخ بالتقديرات المقللة بشكل جسيم لنفقات الحرب. فقد اعتقد لينكولن في البداية أن الحرب الأهلية كانت ستستمر 90 يوماً فقط. وأخبره رئيس الوزارة المالية بأنها سوف تكلف حوالي 250 مليون دولار. لكنها استمرت 4 سنوات، وكلفته حوالي 3.3بليون دولار. وقد كانت التكاليف المتوقعة للحرب العالمية الأولى قصيرة ورخيصة في البداية. إلا أن الحرب الفييتنامية قد كلفت حوالي 90% أكثر مما توقعوا لها (2) .
حتى تلك النزاعات التي تظهر في البداية رخيصة نسبياً "كحرب الخليج الفارسي 1991" فهي غالباً ما تنتهي بتكاليف ضخمة وخفية على المدى البعيد.
لقد تم دفع الـ76 بليون دولار كتكاليف حرب مباشرة بواسطة حلفاء الولايات المتحدة. وكانت الخسائر البشرية للمعركة الأمريكية منخفضة نسبياً.
__________
(1) ويليام- د – نوردهاوس – "العواقب الاقتصادية للحرب مع العراق". في الحرب مع العراق؟ النفقات، العواقب والبدائل (كامبريدج. م.آ- MA) الأكاديمية الأمريكية للفنون والعلوم 2002) راجع الصفحات من 78-79.
(2) من روبرت هورماتس "على أمريكا أن تجد المال لتكاليف الحرب". الفاينناشال تايمز- 28 كانون الثاني 2003.(1/2)
ولكن فيما بعد، ومنذ أكثر من عقد ونحن نرى إنهماك دافعي الضرائب في الولايات المتحدة بدفع ملايين الدولارات كنفقات لمعالجة إصابات الخدمة العسكرية ومعالجة الإعاقات الحاصلة للجنود في ذلك الصراع.
لقد تم تصنيف حوالي أكثر من ثلث الجنود في حرب الخليج عام 1990/1991، وأكثر من 206.000 بأكملهم قد صنف تحت بند الإعاقات الناجمة عن الخدمة العسكرية. وقد تمت الموافقة على أكثر من 159.000 من تلك الادعاءات بالنسبة لسنة 2003، إن معدل الإصابة فيما بعد الحرب يثبت فكرة أن حرب الخليج الأولى إما كانت رخيصة أو كانت نصراً سهل المنال. (1)
وبطريقة مماثلة، عندما اقترح "ليندسي" المستشار الاقتصادي الأسبق في البيت الأبيض لمجلة سوق البورصة Wallstreet في أيلول 2002، بأنه بإمكان تدخل أمريكي في العراق أن يكلف حوالي 200 بليون أمريكي تقريباً. قام المسؤولون في البيت الأبيض باستبعاد تقريره على الفور. وبعد مرور بضعة أشهر فقط، قاموا بقسوة بطرد" ليندسي" من منصبه كمستشار اقتصادي في البيت الأبيض.
__________
(1) للإطلاع على آخر الإحصاءات عن هذا الموضوع، استشر موقع الشبكة الخاص بالمركز الوطني لمصدر حرب الخليج عند www.ngwrc.org.
انظر أيضاً "ريتشارد ليبي " (تداعيات الحرب) حطام الذخيرة الحربية العراقية ينهال على "جيم ستتس" في 91. بعدة طرق، لايزال منطلقاًً بسرعة وعزم. صحيفة الواشنطن بوست 30 كانون الأول 2002.(1/3)
وبعد مرور سنة ونصف تقريباً على نبوءة "ليندسي" ومرور أقل من سنة على الحرب في العراق، يبدو تخمينه القاسي كتقليل عظيم لكلفة التدخل في العراق. لقد تعهد دافعوا الضرائب حتى الآن بدفع حوالي 180 بليون دولار تقريباً لإعادة الإعمار بعد الحرب، ولقلب نظام "صدام حسين" والمضي قدماً بالاحتلال، وبجهود إعادة إعمار ما بعد الحرب. طبعاً، ذلك لا يشمل حساب نفقات شراء حلفاء لهم عبر "دعم خاص وصفقات تجارية"، أو أية تصورات مستقبلية عن مدى استمرار الجنود الأمريكيين في العراق. ومن غير المرجح أن تكون هذه الإدارة مستعدة لتقديم أية معلومات عن نفقات مستقبلية أثناء سنة انتخابية قادمة، وستدعي بعدم وجودها كما حصل في الفشل الذي واجه إعداد الميزانية لتكاليف الحرب في الخطة الخمسية لعام 2005. أو ربما ستتركهم يتخبطون بحساباتهم كما حصل مؤخراً بطلب الـ50 بليون دولار أمريكي الإضافية العائمة.
كان أكبر مصدر للتقليل من حجم التقديرات في وضع هذه الحرب هو الملاحظة التي دارت بين البعض في هذه الإدارة الحالية والتي تقول بأن الحرب ستكون مجرد رقصة زنجية "Cake Walk" أي سهلة ورخيصة وخفيفة، وبأنه حالما تتم الإطاحة بنظام صدام حسين، فإن بناء ديمقراطية فعالة في العراق هي الخطوة التالية وغير المكلفة نسبياً.(1/4)
في الواقع، فقد قام السكرتير المساعد لوزير الدفاع "باول وولفيتش" ومدير الـAID آندرو نانسيوس- بذكر أرقام مخفضة لـ1.5بليون دولار أمريكي لإعادة إعمار العراق بناءاً على النظرية القائلة بأنه من الممكن أن يأتي أغلب التمويل من بيع عائدات النفط العراقي. وهذا مدعاة للسخرية طبعاً. خاصة عندما نأخذ بعين الاعتبار بأن بعض تهم الاحتيال وسوء التصرف المنسوبة إلى "هاليبرتن" لها علاقة مباشرة بالتهم المتزايدة في قضية استيراد الوقود إلى العراق. بالنسبة للخسائر البشرية الخفية لهذه الحرب –لدينا حوالي 500 وفاة بين الجنود العسكريين، وتبدو معدلات الإصابات الناتجة عن القتال أعلى بكثير من حرب الخليج الأولى، أضف إلى ذلك كون الوضع في العراق احتلالاً، وليس حرباً جوية، توجد حاجة ماسة لمراقبة القضايا المتعلقة بالصدمات النفسية عند الجنود العائدين من العراق، كآثار رؤية أصدقائهم وزملائهم في الوحدة ذاتها وهم يتعرضون للقتل والتشويه أثناء الخدمة في معارك قريبة. ومن رؤية الآثار المرعبة لسنوات الوحشية والرعب التي فرضها صدام حسين على شعبه خلال فترة حكمه. وهكذا يتوجب حصول القوات المقاتلة على كل الدعم الذي تحتاجه لمعالجة هكذا تجارب والتي تشمل حاجات العناية الصحية بالإضافة إلى خدمات الدعم النفسي والتعاطفي ودون أدنى شك سيكلف هذا الأمر الكثير من الأموال، وهو شيء لا نستطيع تحقيقه ضمن التلاعبات الاستطلاعية على الوضع الآن، وذلك لأن قواتنا تواجه وضعاً صعباً وحرجاًً وخطيراً في العراق الآن.
إذا كانت العقود مع شركات مثل "هاليبرتن" هي "كلفة غير محدودة، كمية غير محدودة" فإن عقدنا الاجتماعي لمقابلة الحاجات المستمرة للرجال والنساء في قواتنا المسلحة وعائلاتهم يجب أن يكون أمراً ثابتاً وقوياً وطويلاً وغير قابل للتفاوض أبداً.(1/5)
عنصر هاليبرتن " السعر الباهظ لحرب مخصخصة: مثلما قلل الكثيرون في إدارة "بوش" الحالية من أهمية التحديات التي فرضتها مرحلة ما بعد الحرب بشأن الاحتلال والاستقرار في العراق، فقد بالغوا أيضاً في مقدرة شركات خاصة أمثال "هاليبرتن" في تحمل النصيب الأكبر من عبئ عملية إعادة الإعمار هناك. يوضح "جيمس فالوز" الأمر أكثر في قضية كانون الثاني وشباط إلى الدرجة التي طرح لأجلها البنتاغون كل التفاصيل المتعلقة بخطط ما قبل الحرب والتي تم العمل بها ليس من قبل قسم شؤون الدولة فقط، وإنما من قبل وكالة التطور الدولي أيضاً ووكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية والملكية العسكرية لجيش الحرب كما تفرّد تلخيص المجلة بصياغتها. يعد الاحتلال الأمريكي للعراق كارثة مفاجئة ليس لأن الحكومة لم تخطط لهذا فحسب، بل لأن كمية واسعة من التخطيط الخبير قد تمَ تجاهله من قبل المسؤولين طواعية وعن قصد أيضاً. (1)
__________
(1) جيمس فالوز: (أعمى إلى داخل العراق) الأتلنتيك، كانون الثاني/ شباط 2004. راجع الصفحات من 52-74.(1/6)
أغفل "فالوز" نقطة هامة تتعلق بهذا الموضوع، وهي، أنه كان يوجد هناك جزءان من الخطط التي انطلق منها البنتاغون جيداً قبل بدء الحرب(1)، لإدخال المنفيين العراقيين المختارين بحذرٍ وعناية إلى داخل العراق، بالإضافة إلى الوزراء العراقيين أيضاً وبأسرع وقت ممكن(2)، وتسليمهم أكبر قدر ممكن من مهام عملية إعادة الإعمار وإحياء العراق، ودعم القوات الأمريكية لشركات خاصة مثل هاليبرتن، بيتشل، جين كوربس والـSAIC بشكل عاجل. (1)
من جانب آخر، كانت خطة البنتاغون لعراق ما بعد الحرب هي (المنفيين العراقيين + هاليبرتن). وقد خلق هذا الأمر المشاكل فيما بعد بشأن الكلفة والمحاسبة المسؤولة، لكنه خلق مشاكل أكبر أيضاً فيما يتعلق بقضايانا الأكبر في العراق كتعزيز الأمن والديمقراطية هناك.
ماهي معلوماتنا عن عمل هاليبرتن في البنتاغون لغاية الآن؟ نحن نعلم بأنها كانت شركة سرية للغاية، وبأن أعمالها كانت واسعة النطاق. كانت الشركة تقوم فعلياً بعمل حساس في المنطقة تحت بند البرنامج المدني لمهمة نقل الجنود وإيوائهم وتموينهم هناك (عقد Log cap) وهو إجراء مدته الإلزامية عشر سنوات منذ سنة 2001 والذي تتصدر الشركة فيه حق تعهد العقود المتعلقة به وبكل ما يتعلق بأمور دعم القوات الأمريكية.
__________
(1) لبحث هذه النقاط، راجع "سييرا دونيللي" و "ويليام د-هارتوغ". أرقام عديدة، ثمن الحرية في العراق والقوة في واشنطن. معهد السياسة العالمية للمورد الرئيسي لتجارة السلاح آب 2003. ومركز استقامة الحكومة. المكاسب الغير متوقعة للحرب، تشرين الأول 2003. والتي تعتبر الدراسة الأحدث والأكثر شمولاً للعقود التي أبرمت للعمل في أفغانستان والعراق.(1/7)
قامت هاليبرتن-كيلوغ- قسم براون ورووت. تحت شعار Log Cap وعقود أخرى لا تشمل العراق- قامت بكل المهام بدءاً من إنزال تسهيلات عسكرية مؤقتة في أفغانستان وأوزبكستان والعراق لتقديم تسهيلات لبناء سجن لزج المشبوهين الإرهابيين فيه في خليج غوانتانامو كوبا.
لذا، بوجود أو عدم وجود أموال إعادة إعمار العراق، ستكون هاليبرتن مقاول البنتاغون الهام.
عملت الشركة في هذا المنحى لبعض الوقت، بأثر رجعي عندما طلب منها وزير الدفاع" ديك تشيني" أن تقوم بدراسة جدوى قيام شركة خاصة بالتزويد بخطط متعلقة بمسائل نقل الجنود وإيوائهم وتموينهم، ودعم عمليات الولايات المتحدة الطارئة.
كان أضخم عمل لها هو دعم العمليات العسكرية على أرض الصومال، تلاه عقدٌ تقدر قيمته بحوالي بليون دولار يومياً في البلقان وبهذا جعلت الشركة لنفسها مكانة هامة وحساسة في إدارة عمليات الولايات المتحدة (1) . لم يكن عمل الـLog Cup المتواجد مسبقاً ما لفت الاهتمام العام، بل كان العقد الذي لم يتم طرح المناقصة عليه، والذي تسلمت فيه هاليبرتن مهمة إنتاج وبيع وقود نفطية ضخمة في أعقاب التدخل في العراق، وإصلاح البنى التحتية للنفط العراقي.
__________
(1) أفضل لمحة موجزة لتاريخ زيادات هاليبرتن في هذه المنطقة هي في p.w.singer، المحاربون المتواطئون، زيادة صناعة القسم العسكري المخصخص (تقارير صحفية تابعة لمجلة كورنيل ولندن ITHACA. 2003) راجع الصفحات من 136-148.(1/8)
طلب من الشركة القيام بإحصاء حجم العمل الأولوي للحرب، ومن ثم تم منح العقد للشركة كمكافئة لهم. وكما صاغها ناطق عسكري "بعبارة أخرى" أثناء مقابلة له أجرتها معه مجلة نيويورك تايمز: "كانوا بأفضل موقع للشركة لتنفيذ عمل حقول النفط بسبب اشتراكهم بالتخطيط له" (1) . هذا أسلوب غير مباشر لصياغة الموضوع بشكل ملطف.
من كان يتحقق من تخمينات هاليبرتن بشأن ماهية العمل المطلوب إنجازه للتأكد من أنهم لم يتلاعبوا بحجم العمل حسب ما يستطيعون فعله أكثر من حجم العمل المطلوب فعلاً هناك؟ من كان سيراقب هاليبرتن، التي كانت تقوم مسبقاً بتزويد خدمات على نطاق واسع للتوسع الأمريكي العسكري في العالم؟ وإذا ما كان هناك أية مشاكل، فمن الذي سيقوم بضبط هاليبرتون؛ تلك الشركة التي كانت تعتمد عليها القوات الأمريكية فعلياً فيما يتعلق بالوجبات وتنظيف الغسيل وإصلاح المركبات وبناء وإصلاح القواعد، والمضيفة لأعمال ضرورية أخرى؟
أحد الجدالات التي نتجت بسبب الإسراع في إعطاء العقد - لليبرتن كان- الخداع ببساطة شديدة.
__________
(1) دان بوم: "بناة الوطن للرشوة". مجلة نيويورك تايمز. 22 حزيران 2003 لمعالجة أشمل لتاريخ الصفقات المنفذة ذاتياً والمحيطة بهاليبرتن وceo السابق، نائب الرئيس "ديك تشيني". انظر الجزء 2 من "ديك تشيني وقوة إلتهامه لكوز المثلجات". في دراسة لويليام د. هارتوغ"، كم تدفع ثمن نفقات الحرب يا أبي؟ دليل عاجل وقذر لكشف الفوائد التي تم ربحها من الحرب أثناء إدارة بوش. (كتب الأمة /مجموعة Avalon آفالون-2004) راجع الصفحات من 23 إلى 43.(1/9)
أخبر البنتاغون الشعب "بأننا كنا في حاجة لأن نكون جاهزين لضرب أرض الصراع، خاصة إذا كانت حقول النفط في العراق تشتعل عالياً كما حصل في الحقول الكويتية إبان حرب الخليج الأولى. إلا أنه اتضح فيما بعد أنه كان هناك شركات مؤهلة لإنتاج النفط وبيعه أكثر من هاليبرتن بكثير قد مُنعت من المشاركة في هذه المناقصة. وكما أشار الراحل العظيم "مارك فاينمان" في العمود المخصص له في جريدة لوس أنجلوس تايمز بمشاركة زميلته "دانا كالفو" في العدد الصادر في نيسان2003. الشركة الدولية المهيمنة المدمجة Boots and Coots أشارت إلى أن انضمام هاليبرتن لها سيسخر في سبيل إنتاج وبيع وقود النفط، حيث كانت تواجه مشكلة مالية أثناء تنفيذ العقد العراقي، وقامت بالحد من القدرة على معالجة الاندلاع الذي حصل لآبار النفط في الخليج الفارسي. إلا أن نيران آبار النفط قد تمت السيطرة عليها لحسن الحظ. وحتى بشأن القدرة على استلام مهامٍ أقل لتنفذها هاليبرتن، كان على الأخيرة أن تستدعي شركة ثانية للقيام بهذه المهمة كشركة Wildwell control. لقد أخبر مدير الـ"Wild well" ، "بيل ماهلر" "كلاً من "فاينمان وكالفو" بأننا كنا نرغب في المشاركة في إجراء التخطيط المبدئي، وكان أمراً محبطاً بالنسبة لنا لأننا استبعدنا من المشاركة نهائياً (1) . لذا، فإن الإسراع لتوظيف هاليبرتن لم يجد نفعاً في إحضار أفضل شركة لإطفاء نيران آبار النفط إلى المنطقة. كما استطاعت جيداً إثبات وجود مشكلة رئيسية وهي وجود نيران في آبار النفط أعظم وأخطر من القدرة على السيطرة عليها.
__________
(1) "مارك فاينمان" و"دانا كالفو" التعامل مع النار" الأشهر التي سبقت سقوط أول قنبلة. حجز شركة مرتبطة بهاليبرتن في معاهدة سرية مع الولايات المتحدة لإخماد نيران آبار النفط. ذلك العقد أصبح ملفاً ساخناً الآن. مجلة لوس أنجيلز -6نيسان 2003.(1/10)
لم تخدم السرية حاجات التوسع، إلا أنها خدمت في استبعاد شركات أخرى مؤهلة من المزايدة أو من المشاركة في المناقصة على هذا العمل.
برزت قصة مماثلة لهذه القصة في قضية تهم الغش في أسعار الغازولين في الكويت. لقد ظهر أن هاليبرتن قد زادت في سعر الغازولين بمعدل دولار واحد زيادة للغالون الواحد وعلى 57 مليون غالون التي كان قد تم إحضارها من الكويت باستخدام شركة وسيطة تدعى "ألتانميا" ALTANMIA. وعندما تعرضت هاليبرتن للضغط عليها، ادعت بأنها أُمرت باستخدام تلك الشركة. أو بشكل مختلف، أن تلك الشركة كانت الخيار الأمثل لنقل مادة الغاسولين من الكويت. ولكن حين تم طرح بعض الأسئلة على ممثل مكتب WAX MAN، اتضح أن هاليبرتن كانت قد أمضت يوماً واحداً فقط في البحث عن شركات لتساعد بهذا العمل، وبأن شركة ألتانميا لم يكن لها أي سجل يذكر في التزويد بالوقود، كما يوجد هناك احتمال في التورط بتوظيف الأقارب – محاباة الأقارب- الذين يمتون بصلة قريبة ما لفرد من أفراد العائلة الحاكمة والتي تربطها علاقة معينة بالشركة. ورغم ذلك، فقد نشب جدال بين كلٍ من هاليبرتن وشركة هيئة الجيش ARMY CORPS للمهندسين ويتلخص فيما إذا كانت الشركة قد قامت بالفعل بعمل أفضل ما بوسعها تحت ظروف صعبة لإحضار الوقود إلى العراق بأنسب طريقة ممكنة.(1/11)
بينما يعارض هذا الرأي مسؤولون آخرون في البنتاغون حيث يوجد تحقيق جار الآن لمعرفة إذا ما كان هناك أية ملابسات جرمية متعلقة (1) بزيادة أسعار الوقود. بالإضافة إلى وجود فضيحة "عدم خدمة الوجبات" حيث كانت هاليبرتن تعطي فواتير للبنتاغون على أساس خدمة 42.042 وجبة يومياً في مخيم "أريفجان" في الكويت، بينما كان يتم خدمة 14.053 فعلياً فقط. وذلك ليس مجرد حسابات صغيرة أو قضية المبالغة في لعب "إحزر من سيأتي إلى العشاء"؟ كما صاغها أحد الموظفين في هاليبرتن. إذ أن ذلك يعني أن الوجبات كانت تعطى بمعدل (يوم نعم ويوم لا) مكلفة بذلك دافعي الضرائب في الولايات المتحدة ثمن الوجبات ثلاثة أضعاف مما كان يقدم بالفعل. ووفقاً لحسابات الصحافة، فإن نوعية الطعام كانت رديئة جداً لدرجة أن أكثر الجنود الأمريكيين في الكويت كانوا يتسللون خلسة من قاعة الطعام ليخرجوا لشراء الطعام من الباعة في الشارع.
تم التحقيق في 27 مليون دولار أمريكي كزيادة في الأسعار في خمسة تسهيلات فقط حتى الآن. بالإضافة إلى تسهيلات خمسين أخرى تقريباً في طريقها إلى التحقيق (2) . يبدو هذا الوضع أشبه بوضع شركة لم يطلق لها العنان في عملها فحسب، وإنما يبدو بأنها كانت تستغل ضبابية الحرب والاحتلال لخطف واضعي الضرائب وأموالهم في أمريكا.
__________
(1) "ديفيد إيفانو فيتش" يقول السياسيون": تعاملوا بمحاباة". "صلات هاليبرتون والعائلة الكويتية الملكية". تاريخ هوستن. 16 كانون الثاني 2004.
(2) "صفقات وولائم" الرسالة الإخبارية اللاحقة لسانت لويس 9 شباط 2004.(1/12)
أخيراً، يبرز لدينا قضية 6.3 مليون دولار على الأقل كابتزاز للأموال في عقد آخر من عقود هاليبرتن في العراق. فإذا كان هناك أساليب أو طرق لابتزاز الأموال، هذا يعني أنه يجب أن يكون هناك ملاءة في العقد تسمح بهذا الابتزاز أيضاً، بالإضافة إلى جني فائدة أو ربح ما لكل الأطراف المعنية. وإذا ما وجد ابتزاز ما في أحد العقود، بالإضافة إلى غش في الأسعار في آخر، وغش في الفواتير، فيجب على المرء أن يتساءل متى سيتم الكف عن معالجة هذه القضايا كمواضيع منفردة، بل يجب تعريفها كمشكلة واحدة منظمة في التبذير والاحتيال وسوء الاستخدام والتصرف وبتجريم محتمل لعمليات هاليبرتن المشبوهة في العراق. والسؤال: هل بإمكان هذه الشركات أن تسرق أموال دافعي الضرائب أولاً ثم تقوم بإعادة أموالهم فيما بعد عن طريق الغش في أسعار العقود المستقبلية تماماً كما حصل في حسابات هذه القضية حتى الآن؟
أم هل سيكون هناك أمر بإيجاد حسابات دقيقة ومنظمة ومسؤولة ومراقبتها للتأكد بأن الأمثلة المطروحة أعلاه ليست سوى جزء ضئيل من جبل جليدي ضخم؟
نحو إيجاد محاسبة مسؤولة- مسألة التوازن:
لقد قام عدد من أعضاء الكونغرس وممثلو جماعات الحكومة الصالحين باستدعاء هاليبرتن لمنعها من تنفيذ عقود الحكومة جميعها، أو حتى من عقود مستقبلية لإعادة إعمار العراق بناءً على الممارسات الخاطئة والمتعلقة بزيادة الأسعار وطرق ابتزاز الأموال والغش في الفواتير التي ظهرت في عملها على خشبة المسرح العراقي أثناء تأدية عملها هناك. ربما سيكون القيام بهذا التصرف مضموناً بشكل جيد إلا أنه يبدو أن أمر التفكير في كيفية تنفيذه هو أمر حساس ومهم تماماً كأهمية التساؤل هل سيتم القيام بفعله حقاً؟(1/13)
وبعبارة أخرى كما صاغها "ديفيد إيزنبرغ" من مجلس مخابرات الأمن البريطاني الأمريكي بأنه وباعتبار أن قواتنا المسلحة دائماً على أتم استعداد ودائماً مهيأة للعمليات العسكرية، فإن الشركات العسكرية الخاصة مثل (هاليبرتن) هم بمثابة بطاقة القطار الأمريكي السريع، لا تستطيع العودة إلى الوطن بدونهم، لذا، وقبل معاقبة شركة مثل (هاليبرتن)، يجب على المرء أن يأخذ بعين الاعتبار كيفية تقديم الدعم وإنجاز مهمات نقل وإيواء الجيش وخدمته وتموينه والتي تأخذها هاليبرتن على عاتقها الآن بالنيابة عن القوات المسلحة.
لقد غالت الولايات المتحدة كثيراً في أسلوب الخصخصة بشأن الدعم المادي العسكري. ويوجد معايير معينة للضبط والمجازفة وحرية الاختيار إلى درجة بأنه إذا توقع المرء من شخص ما أن يوافق على ارتداء الزي العسكري لبلاده، فإنه ليس على المرء بالضرورة أن يتوقع نفس الشيء من شخص آخر يقوم بأداء مهمة مماثلة لقاء أجر معين بالمقابل.
لقد أكد الملازم العام "تشارلز –س- ماهان" بأنه كان يوجد نقاط عديدة خلال الحرب الجارية في العراق، كرفض موظفي العقود تنفيذ مهماتهم، والذين حرموا بذلك القوات الأمريكية من الطعام الطازج والاستحمام والمراحيض وخدمات رئيسية هامة أخرى لعدة أشهر في أحد الأوقات. (1)
__________
(1) أنتوني بيانكو" وستيفاني أندرسون فوريست" ، مع "ستان كرووك" في واشنطن، و"توماس ف. آرمستيد في بغداد "حرب المصادر الخارجية" أسبوع الأعمال 15 أيلول 2003.(1/14)
وبخلاف المسؤولين العسكريين الأمريكيين، ما من أحد يحتفظ بأرقام دقيقة عن عدم الموظفين المدنيين الذين قتلوا وجرحوا في العراق، إلا أنه يوجد اعتقاد سائد بأنه ضخم، وقد اقترحت بعض الحسابات التي قامت بإجرائها الصحافة، بأن النفقات الأمنية قد أضيفت على العقود بواسطة شركات خاصة تقوم بأعمال إعادة الإعمار ودعم القوات التي تقوم بأداء مهماتها في العراق في أي مكان وأنها بنسبة تتراوح ما بين 6% إلى 25%، لدرجة أن الولايات المتحدة عاجزة عن تموين وتزويد عدد موظفي العقد الحاليين في العراق ولا بأي شكل من الأشكال.
كانت المغادرة المبكرة لـ60 مهندساً كورياً إلى خارج العراق في أوائل كانون الأول بعد مقتل اثنين من زملائهم في كمين نصب لهم، هو الوضع الأكثر مأساة في مدى تأثير المسائل الأمنية على متعهدين فرعيين أجانب يعملون لصالح شركات أمريكية هناك. (1)
من الغموض ما يتوقعه المرء لموظفي العقود، لأن بتواجدهم ضمن أوضاع كالعراق، يصبحون أهدافاً سهلة وواضحة أمام إرهاب مفجري القنابل والمقاومين، والانتحاريين بشكل متزايد.
فهم في نظر الآخرين صلة ضعيفة في نظام دعمنا لقواتنا في المجال الذي بالإمكان استغلاله للتقليل من معنوياتهم، وحرمانهم من المؤن الحيوية بالنسبة لهم... وهكذا، بإمكان شركة كهاليبرتن أن تحاول وبشكل فعال الرد على هذه المسألة بأن تمتلك معدات أفضل بكثير من أغلب الشركات الأخرى وهي جاهزة للعمل تحت أية ظروف خطيرة. لهذا، فإن اختيارها يكون أفضل بكثير من اختيار شركة ربما تبدو بطريقة أخرى، كاختيار منطقي أو معتمد بشكل أكبر على مهارات العمل التقليدية فقط. ولكن فيما يتعلق بقضية الخصخصة، وفيما يخص الفعالية المركزة سنجد أنه لربما كان أسلوب عمل هاليبرتن هو الأضعف على الإطلاق.
__________
(1) أريانا إنجونغ تشو "بعد مهاجمتهم= مهندسو كوريا الجنوبية تيركون العراق، صحيفة الواشنطن بوست. 8 كانون الأول 2003.(1/15)
من المفترض أن تكون الفائدة المرجوة من الخصخصة هي هز البيروقراطيات الراغبة في إرضاء الحكومة بتقديم عنصر المنافسة أما الحسنات الأخرى فهي إجراء سقف علوي بعدم الاضطرار إلى الاستثمار بدوام كامل، وعلى المدى البعيد، جعل الموظفين يقومون بمهمات على المدى القصير، وتعيين أفراد بمهارات مختصة (كدمج أنواع معينة من التكنولوجيا طالما هناك حاجة ماسة لها، أو بالإمكان الاستغناء عنها). تكمن المشكلة في قضية هاليبرتن بأنه حالما تُسلّم بسرعة ملحوظة رقعة ضخمة من عملياتك لهم لمدة عشر سنوات، وبشكل عقود مفتوحة مضافة الكلفة على الأغلب، فإنه لن يكون هناك أية منافسة بعد الآن. وإذا أصبحت معتمداً على شركة مثل هاليبرتن للقيام بمهام حساسة، بينما تهمل الأناس الذين تحتاجهم فعلاً لتنفيذ تلك المهام. حينها ستحكم على نفسك بالموت. أو بحالة كهذه بتجاوز ألف مرة الكلفة، خاصة إذا لم يكن لديك نظام جيد لمراقبة نشاطهم وعملهم بانتظام.
لذا، ما الذي يتوجب فعله؟ تحتاج التحقيقات المستقلة في هاليبرتن إلى ضرورة المواصلة فيها، إلا أنه يجب مباشرة العقوبات بشكل متوازٍ مع شكل من أشكال سياسة تدقيق رسمي للحسابات التجارية. سيكون بالإمكان مد يد العون لهذه العملية بشكل كبير فيما لو تم فتح الأبواب أمام مزايدة تنافسية أصلية، ليس بين الشركات الأمريكية الكبيرة فحسب، وإنما بين شركات خاصة وبين دوائر الحكومة الأمريكية أيضاً والتي من المحتمل أن تكون مؤهلة لإنجاز العمل بشكل أفضل. كما يتوجب على أمريكا القيام بخطوات مدروسة أكثر لاستخدام مقاولين عراقيين محليين للقيام بالأعمال هناك. ناهيك عن رفع القيود غير المنطقية أبدأ بشأن من يستطيع المزايدة على أعمال إعادة الإعمار في العراق. فإذا تم استحضار شركات كشركات مقاولات فرعية فقط حينها ستلغي المنافسة على السعر على مستوى المتعهد الرئيسي، عندئذ سيتم إنقاذ أموال دافعي الضرائب.(1/16)
يجب إعادة فحص العمل الإضافي، وأعمال الشركات الخاصة والتي نريد أن يقوم القسم العسكري بإدارتها بنفسه، خاصة فيما يتعلق بمسائل نقل الجنود وإيوائهم وتموينهم وخدماتهم الأخرى، ودعم الأعمال التي تتطلب التواجد في وسط ساحة القتال وعمليات الاحتلال. ولكن، للحظة ما ربما يؤدي تقييد هذا الاعتماد على هاليبرتن وشركات خاصة أخرى، ربما يؤدي إلى تقليص مهامهم بشكل متدنٍ جداً. لذا فهم "ليسوا كبارا جداً لمعاقبتهم" دون معاقبة رجالنا ونسائنا في الخدمة العسكرية. ذلك لا يعني بالضرورة التوقف عن اعتمادها، بل يعني ضرورة إيجاد خطة إستراتيجية معتمدة على المدى القصير والبعيد أيضاً.
لقد نشأت قضية خصخصة مهام الدعم العسكري منذ عقد أو أكثر، هذا ولربما يتطلب إحياء التوازن الأمثل بين الحكومة والأدوار المشتركة في هذه المنطقة وقتاً طويلاً كذاك الوقت على الأقل.(1/17)