الصحابة والمنافقون
في صدر الإسلام
سمات وإشارات – شبهات وردود
حقوق الطبع محفوظة للمؤلف
إلا لمن أراد طبعه وتوزيعه مجاناً
الطبعة الأولى
1428هـ
بسم الله الرحمن الرحيم
تقديم
فضيلة الشيخ صالح بن عبدالله الدرويش
الحمد لله الذي اصطفى محمداً صلى الله عليه وآله وسلم على العالمين، واختار مكة لبعثته، وجعلها أشرف البقاع، وفيها بيت الله الحرام، ومشاعر الحج.
فالكعبة بناها أبونا إبراهيم عليه السلام تمهيداً لبعثة النبي صلى الله عليه وآله وسلم: {وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ . رَبَّنَا وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِنَا أُمَّةً مُسْلِمَةً لَكَ وَأَرِنَا مَنَاسِكَنَا وَتُبْ عَلَيْنَا إِنَّكَ أَنْتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ} [البقرة:127-128].
ثم اختار الله تعالى لنبيه صلى الله عليه وآله وسلم دار الهجرة، فهاجر إلى المدينة، وارتبطت باسمه؛ فيقال: مدينة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وفيها قبره الشريف، صلوات ربي وسلامه عليه.
فانظر يا رعاك الله إلى هذا الترابط بين مبعث النبي صلى الله عليه وآله وسلم وهجرته وبين فضل تلك البقاع، وما لتلك المساجد من المكانة والمنزلة(1).
وهذا لبركة دعوة إبراهيم عليه السلام، ومناجاته لربه، لما ترك الطفل مع أمه بالوادي، قال: {رَبَّنَا إِنِّي أَسْكَنْتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِنْدَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ رَبَّنَا لِيُقِيمُوا الصَّلاةَ فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ وَارْزُقْهُمْ مِنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ}[إبراهيم: 37].
__________
(1) الصلاة في المسجد الحرام تعدل مائة ألف صلاة فيما عداه، والصلاة في مسجد النبي صلى الله عليه وآله وسلم تعدل ألف صلاة فيما عداه من سائر المساجد.(1/1)
وانتقل معي إلى أعماق التاريخ..
وتصور في ذهنك مكة وهي خاليةٌ، لا بَشَرَ فيها ولا مأوى، بجبالها الشاهقة، وَوِدْيَانِها الضيقة، تحيط بها الجبال السوداء والحجارة الصماء من كل جانب، وتخيل تلك المرأة (أم إسماعيل) وقد جاءت من بلاد الخيرات والأنهار، من بلاد النيل، بلاد مصر، وابنها وحيد أبيه وأمه، ووالده عليه السلام قد بلغ من الكبر عتياً، وابنها طفل في المهد، يعيش مع أمه في هذه البقعة، وبالتحديد كان موقعه يبعد عن الحجر الأسود بضعة أمتار (مَقَرُّ عَيْن زمزم)؛ لأن الكعبة آنذاك ربوة مرتفعة، فجلسوا في سفحها لأجل الظل، والقصة معروفة مشهورة رواها أهل الصحاح.
فمن تلك اللحظة بدأت الحياة في مكة لأجل بِعثَةِ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وعِمَارَةِ البيت الحرام، فتحققت دعوةُ إبراهيم عليه السلام واستجاب الله له، هذه بداية الحياة في مكة.
أما المدينة فلها شأن آخر، واستقرار الأوس والخزرج فيها بأمر الله، لما تركوا بلاد غامد على الأصح(1).
وأرض الهجرة موصوفة في التوراة، ولأجل هذا ترك اليهود الأرض المقدسة التي بارك الله فيها، وفيها مبعث رسلهم عليهم السلام، ومنزلة فلسطين لدى اليهود لا تخفى، فتركت بعض قبائل اليهود تلك الأراضي وسكنوا المدينة؛ لأنهم علموا أوصافها من التوراة وأنها دار هجرة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، كما أن النبي عليه الصلاة والسلام أري دار هجرته في أرض سبخة ذات نخل بين حرتين.
وقصة سلمان الفارسي رضي الله عنه مشهورة، وقد وصف له الراهب النصراني عالم زمانه أرض مبعث رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وأمره بالذهاب إليها، وقد أخبر سلمان رضي الله عنه أنه لما رآها عرفها بالوصف، وأنها هي الأرض التي سيخرج فيها النبي صلى الله عليه وآله وسلم.
__________
(1) يرى بعض المؤرخين أنهم قدموا من بلاد اليمن من مأرب، وقيل: بل قدموا من بلاد غامد، وهو الأرجح؛ كما أنه يشملها اسم اليمن أيضاً.(1/2)
فانظر يا رعاك الله! إلى لطف الله بالنبي صلى الله عليه وآله وسلم، وأن المولى عز وجل قد بيَّن في التوراة والإنجيل المكان الذي سيخرج فيه النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وقد بشَّر موسى وعيسى رضي الله عنه ببعثته، وكذلك ذكروا أوصاف أصحابه.
وقد أخبرنا الله سبحانه بأوصاف أصحاب النبي صلى الله عليه وآله وسلم في القرآن، وأخبرنا بوصفِهِم ومَثَلِهِم في التوراة والإنجيل.
ولا يعقل أن تذكر أوصاف مقر إقامته وبعثته، ويكون لها فضل ومنزلة، ثم يترك أصحابه، فلا يُذْكَرون، ومعلوم في شرعنا المطهر تفضيل الأحياء على الجمادات، فكيف يكون لمقر بعثته وإقامته اختصاص ومزية، ولا يكون لأصحابه منزلة وفضل؟!
وهذه المقدمة العقلية والقياس الجلي الواضح لمن كان في قلبه شبهات حول أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أو بعضهم.
والنصوص في كتاب الله كثيرة جداً في الثناء على الصحابة رضي الله عنهم، وفيها الآيات التي فيها تفصيل، والآيات التي فيها إجمال.
وقد أورد المؤلف - وفقه الله - جملة من الآيات، فلا نطيل على القارئ الكريم بذكرها.
ولكنني أنبه إلى مسألة في غاية الأهمية..
وهي أن من الناس من خاف على سلطانه وجاهه، فأظهر إسلامه، وهو مستتر بالكفر، وهؤلاء هم المنافقون، ولم يكن في مكة نفاق؛ لأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم لم يكن له دولة وسلطة، بل أصحابه في حال ضعف شديد، وحصل لهم من الأذى ما الله به عليم، وهاجر بعضهم إلى الحبشة، ثم جاءت الهجرة إلى المدينة، كل ذلك فراراً بدينهم، وخوفاً من قومهم.(1/3)
ولما وصل النبي صلى الله عليه وآله وسلم إلى المدينة كانت الغلبة لأهل الشرك فيها، ولم يكن للنبي صلى الله عليه وآله وسلم فيها قوة تجعل أهل الكفر يخافون على أنفسهم منه، حتى جاءت موقعة بدر يوم الفرقان -كما سماه الله عز وجل - يومٌ أعز الله فيه الإسلام وأهله، وأذل فيه الشرك وأهله، فعلم أهل الكفر في المدينة أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم ظهرت شوكته لما قُتِل صناديد الكفر بمكة، فأظهروا النفاق، حيث أعلنوا إسلامهم ظاهراً وبقوا على كفرهم باطناً، فالمهاجرون لا يمكن أن يوصف أَحَدٌ منهم بنفاق، والأنصار الذين أسلموا قبل موقعة بدر لا يمكن أن يوصف أَحَدٌ منهم بنفاق، كما ذكر ذلك أهل العلم رحمهم الله(1).
وهذا إجماع من جميع الفِرَق والطوائف المنتسبة للإسلام، ومن خالف من المتأخرين فلا عبرة بقوله.
كما أن العقل يشهد لذلك، ودلالة العقل على هذا في غاية الوضوح؛ فإنه عليه الصلاة والسلام في مكة كان أصحابه يتحملون من الأذى ما لا يتحمله إلا أشداء الرجال، ثم تركوا بلادهم وهاجروا إلى أرض الحبشة، حيث لا أهل لهم فيها ولا أقارب، وذلك بسبب الاضطهاد الذي لقوه من قومهم بمكة، فكيف يمكن أن يكون معهم من هو منافق، فماذا كان يرجو من ذلك؟! وماذا يستفيد؟! وما هي مصالحه؟!!
لقد أنزل الله سبحانه وتعالى في المنافقين آيات تتلى إلى يوم القيامة، وبيَّن فيها سبحانه وتعالى أوصافهم، وأطلع المولى نبيه عليهم، وفضحهم الله سبحانه بسورة الفاضحة (سورة التوبة) فلا يمكن أن يُخلط بينهم وبين أصحاب النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وقد جمع سبحانه وتعالى في السورة بين ذكر السابقين الأولين - وهم المهاجرون والأنصار - وبين ذكر المنافقين، ففرق سبحانه وتعالى بينهم.
__________
(1) انظر: منهاج السنة النبوية: (8/449، 474)، تفسير ابن كثير: (1/76).(1/4)
وهذه الرسالة التي بين يديك، سلط فيها المؤلف الضوء على هذه المسألة، وبيَّن فيها حال الصحابة رضي الله عنهم وحال المنافقين، وهي لطيفة في بابها، والحاجة ماسة إليها وإلى أمثالها، بسبب انتشار الشبهات التي يروج لها من في قلبه حقد على أصحاب النبي صلى الله عليه وآله وسلم، أو تأثر بالحاقدين، حتى وصل الأمر ببعضهم إلى تجاهل الفرق بين الصحابي والمنافق!!!
بل زعم من نسب نفسه إلى العلم والتحقيق أن من السابقين المهاجرين من هو من المنافقين، فتأمل بارك الله فيك آثار الكراهية كيف تحاول طمس الحقائق وحجبها.
ولا عجب في ذلك؛ فإن الصحابة رضي الله عنهم هم الذين قضوا على دولة الفرس ودولة الروم ودولة الأقباط، وقضوا على أهل الردة كبني حنيفة وغيرهم، فخصومهم وأعداؤهم كثيرون.
فجزى الله المؤلف خيراً، ونفع برسالته، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
وكتبه:
صالح بن عبد الله الدرويش
القاضي بالمحكمة العامة بالقطيف
بسم الله الرحمن الرحيم
تمهيد
الحمد لله الذي ميَّزَ الإنسانَ بالعقل، وفضله على سائر المخلوقات، والصلاة والسلام على خير خلقه وأشرف رسله نبينا محمد صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.. وبعد:
فقد مكث النبي صلى الله عليه وآله وسلم في مكة ثلاث عشرة سنة يدعو إلى دين الله جل وعلا مستضعفاً هو ومن معه، حتى أذن الله لهم في الهجرة تاركين ديارهم وأموالهم يبتغون فضلاً من الله ورضواناً: {لِلْفُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِنَ اللهِ وَرِضْوَانًا وَيَنْصُرُونَ اللهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ} [الحشر:8].(1/5)
ولما أذن الله لنبيه صلى الله عليه وآله وسلم بالهجرة خرج مهاجراً إلى المدينة المنورة، فآمن به من آمن، وكفر به من كفر؛ فلما قويت شوكة الإسلام أظهر قوم الإسلام، وأبطنوا الكفر، وعملوا على الدس والكيد في الخفاء للإسلام والمسلمين، وهم المنافقون.. ومن هنا انقسم الناس إلى: مؤمنين وكفار ومنافقين.
والمنافقون كانوا يعيشون بين الصحابة، ومنهم من كان متخفياً لا يُعلم نفاقه، ولكن إن جاز اشتباه الحال في بعض الأفراد فلا يعني اشتباه الحال فيمن علم إيمانهم قطعاً أو نفاقهم قطعاً..
وقد التبس على بعض الناس الحال، فلم يميزوا بين الصحابة والمنافقين، فظنوا أن بعض الصحابة من المنافقين أو العكس؛ ولذا كان لزاماً تجلية هذه القضية وسبر غورها لمن التبست عليه، وشتان ما بين اليزيدين.
ولم أكن أتصور أن يحصل مثل هذا اللبس، حتى شاء الله تعالى أن ألتقي ببعض الشيعة، وسمعت ما لم يكن يخطر ببال أو يدور في خيال، مما سأذكر شيئاً منه في ثنايا هذه الرسالة..
وسوف أحاول جاهداً التعريج على هذه القضايا، وقد قسمت هذه الرسالة إلى أربعة فصول:
الفصل الأول: تمييز القرآن بين الصحابة والمنافقين.
الفصل الثاني: مفهوم الصحبة والعدالة في الإسلام.
الفصل الثالث: مسائل مهمة حول الصحابة.
الفصل الرابع: الإمامة والنص.
وقد حرصت على الاستشهاد بالآيات القرآنية..
لأن القرآن هو المرجع عند الاختلاف.. وبهذا أوصى أئمة آل البيت رضوان الله عليهم، كما جاء عن الإمام الباقر رحمه الله أنه قال: «وانظروا أمرنا وما جاءكم عنا، فإن وجدتموه للقرآن موافقاً فخذوا به، وإن لم تجدوه موافقاً فردوه»(1).
__________
(1) وسائل الشيعة: (27/120)، البحار: (2/236)، الأمالي للطوسي: (1/232).(1/6)
وعن جعفر الصادق رحمه الله أنه قال: «اتقوا الله ولا تقبلوا علينا ما خالف قول ربنا تعالى وسنة نبينا محمد صلى الله عليه وآله وسلم فإنا إذا حدثنا قلنا: قال الله عز وجل وقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم»(1).
وقال: «لا تقبلوا علينا حديثاً إلا ما وافق القرآن والسنة»(2).
كما استشهدت ببعض الروايات من كتب الشيعة المعتمدة عندهم.. لأنه أدعى لقبولهم لها، وأقوى في إقامة الحجة عليهم، ولبيان كثير من الحق الذي جاء في كتبهم وأخفي عنهم..
وهذه الرسالة -التي بين يديك- جُهد سنواتٍ من البحث والنقاش مع بعض الشيعة في ميدان العمل أو غيره، والله أسأل أن يجعله خالصاً لوجهه الكريم، وأن ينفع به ويبارك، إنه جواد كريم، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه..
المؤلف
21/9/1427هـ
جوال المؤلف: 0504467548
الفصل الأول
تمييز القرآن بين الصحابة والمنافقين
وفيه عدة مباحث:
المبحث الأول:
الآيات الصريحة في وجود فئتين: (صحابة ومنافقين)
المبحث الثاني:
الثناء على الصحابة وبيان صفاتهم وتفاضلهم
المبحث الثالث:
ذم المنافقين وبيان حقيقتهم وما تنطوي عليه نفوسهم
المبحث الرابع:
موقف الشيعة من آيات الثناء على الصحابة
المبحث الأول
الآيات الصريحة في وجود فئتين
(صحابة ومنافقين)
القرآن الكريم هو الفصل ليس بالهزل، من تمسك به عصمه الله، ومن ابتغى الهدى في غيره أضله الله.
ومن جملة ما جاء في كتاب الله تعالى، ما ذكره الله تعالى عن الصحابة والمنافقين في زمن النبي صلى الله عليه وسلم.
وقد جاءت آيات كثيرة تثني على الصحابة وتزكيهم، وتذم المنافقين وتعريهم، مع بيان صفاتهم وحقيقة أفعالهم.
__________
(1) رجال الكشي: (ص195)، تحت تذكرة المغيرة بن سعيد، البحار: (2/250)، رجال ابن داود: (279).
(2) رجال الكشي: (ص195)، البحار: (2/250)، معجم رجال الحديث للخوئي: (19/300).(1/7)
«فالقرآن ذكر المؤمنين والمنافقين في غير موضع، كما ذكرهم في سورة البقرة وآل عمران والنساء والمائدة والعنكبوت والأحزاب والفتح والقتال والحديد والمجادلة والحشر والمنافقين؛ بل عامة السور المدنية يذكر فيها المنافقين..»(1).
وَذِكْرُ الطائفتين في موضع واحد يدل على التغاير بينهما والتمايز، كما قال سبحانه: {وَيَحْلِفُونَ بِاللهِ إِنَّهُمْ لَمِنْكُمْ وَمَا هُمْ مِنْكُمْ} [التوبة: 56] الآية.
فبيَّن سبحانه وتعالى أن المنافقين يحلفون بأنهم من الصحابة رضي الله عنهم، ثم أخبر بأنهم ليسوا منهم..
فلكل طائفة صفاتها وخصائصها وما يميزها عن غيرها: {وَلِيُمَحِّصَ اللهُ الَّذِينَ آَمَنُوا وَيَمْحَقَ الْكَافِرِينَ} [آل عمران: 141].
* ... * ... *
المبحث الثاني
الثناء على الصحابة وبيان صفاتهم وتفاضلهم
بعث النبي صلى الله عليه وسلم في مكة فآمن به الفقراء والمستضعفون، فأُوذوا وصبروا، ثم أخرجوا من ديارهم وأموالهم يبتغون فضلاً من الله ورضواناً، ولم يكن خروجهم إلا نصرة لله ورسوله؛ إذ ليس لهم مطمع مادي في مثل هذا الوضع الصعب.
وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم في هذه الفترة يبحث عمن ينصره من القبائل، إلى أن هاجر إلى المدينة، وقام الأنصار بنصرته خير قيام.
ولهذا جاءت آيات كثيرة تثني على الصحابة الذين ناصروا الرسول صلى الله عليه وآله وسلم وجاهدوا معه ونشروا الإسلام، ويكفيهم شرفاً وفخراً أنهم صحبوا خير البشر صلى الله عليه وآله وسلم وناصروه.
وإذا كان مما يُثنى به على طالب العلم كونه درس وتعلم على العالم الفلاني، ويعتبر هذا من مناقبه، فكيف بمن أخذ عن خير البشر صلوات ربي وسلامه عليه؟! فهذا والله هو الشرف والفخر، فبصحبته تحصل البركات، ويحل على من صحبه عظيم الخيرات، فالصحبة تاج فوق رءوسهم، وميزة لا يدركها من جاء بعدهم، فمنزلة الصحبة وشرفها راجح على سائر الأعمال.
__________
(1) الفتاوى: (7 /463)، بتصرف يسير.(1/8)
وقد حصل للصحابة الذين صحبوا النبي صلى الله عليه وآله وسلم من التزكية والعلم ما شهد به رب العالمين، فقال جل شأنه: {هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الأُمِّيِّينَ رَسُولاً مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آَيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ} [الجمعة: 2].
فبيَّن أنهم كانوا في ضلال مبين، ثم حصلت لهم التزكيةُ وعِلْمُ الكتاب والسنة بصحبتهم لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وأخذهم عنه..
ومن ثَمَّ نقلوا القرآن والسنة إلى من بعدهم، فكانوا هم الواسطة بين الرسول صلى الله عليه وآله وسلم وبين من جاء بعدهم، ولو لم يكونوا عدولاً لما حصلت الثقة بنقلهم للقرآن الكريم، ولا للسنة النبوية، فرضي الله عنهم وأرضاهم أجمعين.
والذين يقولون بأن علياً رضي الله عنه معصوم من السهو والنسيان والخطأ من حين ولادته إلى وفاته يخالفون مدلول هذه الآية التي بينت صفات أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ومنهم علي رضي الله عنه، وأنهم كانوا قبل البعثة النبوية في ضلال مبين، يعبدون الأصنام والأشجار والأحجار ، وفي غاية الجهل بعلوم الأنبياء، فبعث الله إليهم نبيه صلى الله عليه وسلم فزكاهم بالأخلاق الحميدة، وعلمهم الكتاب والسنة، فكانوا بعد هذا التعليم والتزكية من أعلم الخلق، بل كانوا أئمة أهل العلم والدين، وأكمل الخلق أخلاقاً، وأحسنهم هدياً وسمتاً..، فصاروا أئمة المهتدين، وقادة المتقين(1).
__________
(1) انظر: تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان، لابن سعدي رحمه الله، عند تفسير هذه الآية..(1/9)
ومن الآيات التي بينت فضلهم قوله سبحانه: {لِلْفُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِنَ اللهِ وَرِضْوَانًا وَيَنْصُرُونَ اللهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ . وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالإِيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ..} [الحشر: 8-9] الآيات.
فوصف المهاجرين بالصدق، ثم وصف الأنصار بالفلاح، ثم قال: {وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالإِيمَانِ وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِلَّذِينَ آَمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ} [الحشر:10].
فمن صفاتهم: {وَيَنْصُرُونَ اللهَ وَرَسُولَهُ} ومواقف النصرة تراها جلية في غزواتهم مع الرسول صلى الله عليه وآله وسلم وفيما تلاها من الفتوحات الإسلامية..
وقد وصف من جاء بعدهم بالإيمان، وجعل من مستلزمات ذلك محبته إياهم وعدم الغل عليهم واستغفاره لهم، وفقدان هذه الأمور أمارة على زوال الإيمان أو ضعفه، فضلاً عما هو أشد منه.(1/10)
وقد وصف الله تعالى أصحاب محمد صلى الله عليه وآله وسلم بأنهم: {أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِنَ اللهِ وَرِضْوَانًا سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ} [الفتح:29]. وفي هذا المعنى يقول علي رضي الله عنه: «لقد رأيت أثراً من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فما أرى أحداً يشبههم، والله إِنْ كانوا ليصبحون شعثاً غبراً صُفراً بين أعينهم مثل ركب المعزى، قد باتوا يتلون كتاب الله يراوحون بين أقدامهم وجباههم، إذا ذُكر الله مادوا كما تميد الشجرة في يوم ريح، فانهملت أعينهم حتى تبل والله ثيابهم، والله لكأن القوم باتوا غافلين»(1).
وقال تعالى: {وَإِنْ يُرِيدُوا أَنْ يَخْدَعُوكَ فَإِنَّ حَسْبَكَ اللهُ هُوَ الَّذِي أَيَّدَكَ بِنَصْرِهِ وَبِالْمُؤْمِنِينَ . وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ لَوْ أَنْفَقْتَ مَا فِي الأَرْضِ جَمِيعًا مَا أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَكِنَّ اللهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ إِنَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} [الأنفال: 62-63]. فألَّفَ الله سبحانه وتعالى بين قلوبهم، ونصر نبيه بهم، في معركة بدر وما بعدها.
وقال سبحانه: {لا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ أُولَئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِنَ الَّذِينَ أَنْفَقُوا مِنْ بَعْدُ وَقَاتَلُوا وَكُلًّا وَعَدَ اللهُ الْحُسْنَى} [الحديد:10] فتأمل قوله: {وَكُلًّا وَعَدَ اللهُ الْحُسْنَى}، فهذه الآية شملت مسلمة الفتح، فقد أخبر سبحانه بأنه وعدهم الحسنى، مع كون مرتبتهم أقل من مرتبة من أسلم قبل الفتح.
__________
(1) رواه أبو نعيم في الحلية: (1/76).(1/11)
والحسنى هي الجنة، كما قال سبحانه: {إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنَى أُولَئِكَ عَنْهَا مُبْعَدُونَ . لا يَسْمَعُونَ حَسِيسَهَا وَهُمْ فِي مَا اشْتَهَتْ أَنْفُسُهُمْ خَالِدُونَ} [الأنبياء:101-102].
وفي هذه الآية أيضاً دلالة على تفاضل الصحابة رضي الله عنهم، فلا يستوي مسلمة الفتح مع من كان قبلهم، وهكذا..
كما أن تزكية الله سبحانه وتعالى لهؤلاء الصحابة مع تفاوت منزلتهم، ووعده لهم بالجنة فيه أعظم دليل على تبرئة هؤلاء الصحابة من النفاق، والشهادة لهم بالإيمان الصادق.
وقد ذكر الله من صفات المؤمنين خوفهم ألا تقبل أعمالهم، فيعملون الطاعات وقلوبهم خائفة وجلة أن لا تقبل منهم أعمالهم، كما قال سبحانه:
{وَالَّذِينَ هُمْ بِآَيَاتِ رَبِّهِمْ يُؤْمِنُونَ . وَالَّذِينَ هُمْ بِرَبِّهِمْ لا يُشْرِكُونَ . وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آَتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَى رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ} [المؤمنون:58-60].
ومن ذلك خوفهم من النفاق أو حبوط الإيمان، ولهذا سأل عمر حذيفة رضي الله عنهما: هل عدَّهُ رسولُ الله صلى الله عليه وآله وسلم من المنافقين؟ ففيه دليل على فضل عمر وتقواه، وشدة خوفه من الله، وإلا لو كان يعلم من نفسه النفاق لما سأل حذيفة، ثم إن حذيفة قال له: لا، ولا أبرئ أحداً بعدك(1). وقد قال بعض السلف عن النفاق: ما خافه إلا مؤمن، ولا أمنه إلا منافق(2).
ولعل من نافلة القول أن ثناء الله على الصحابة وتعديله لهم لا يعني عدم وقوعهم في المعاصي، بل ذلك من مقتضى بشريتهم وعدم عصمتهم، وسيأتي الكلام عليه مستوفى بإذن الله عند الحديث عن معنى الصحبة والعدالة.
__________
(1) رواه البزار: (2285)، وقال في مجمع الزوائد: رواه البزار ورجاله ثقات: (1/157).
(2) صحيح البخاري: (كتاب الإيمان، باب خوف المؤمن من أن يحبط عمله وهو لا يشعر).(1/12)
وثمت آيات أخر سأذكرها في فصل مستقل بشيء من التفصيل، كقوله تعالى: {وَالسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنْصَارِ} [التوبة:100]، وقوله تعالى: {مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ} [الفتح:29]، وقوله تعالى: {لَقَدْ رَضِيَ اللهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ} [الفتح:18].
والآيات في هذا كثيرة، فحريٌّ بالمسلم أن يتدبر كتاب ربه سبحانه وتعالى، ففيه الهداية والنور، قال سبحانه: {إِنَّ هَذَا الْقُرْآَنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ} [الإسراء: 9].
المبحث الثالث
ذم المنافقين وبيان حقيقتهم وما تنطوي عليه نفوسهم
أدرك النبيَّ صلى الله عليه وسلم فئامٌ من الناس، فاختص أناس من بينهم بالإيمان، وكفر أقوام بالرحيم الرحمن، وبقي طوائف من المنافقين لا إلى هؤلاء ولا إلى هؤلاء، {اشْتَرَوْا بِآَيَاتِ اللهِ ثَمَنًا قَلِيلاً فَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِهِ إِنَّهُمْ سَاءَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [التوبة: 9].
ظنوا أن أمرهم يخفى فاستخفوا من الناس ولم يستخفوا من الله وهو معهم إذ يبيتون ما لا يرضى من القول، فهتك الله سترهم، وفضح أمرهم، وبين عوارهم، وميز قبيح فعالهم وصفاتهم، مما جعل أمرهم ظاهراً، ووصفهم بيِّنا {وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فِي لَحْنِ الْقَوْلِ وَاللهُ يَعْلَمُ أَعْمَالَكُمْ} [محمد: 30]. فلم يختصوا بمنقبة، ولم ينالوا مكرمة.
والمتأمل في صفاتهم في القرآن الكريم يجد صفاتهم أشد ما تكون بعداً عن صفات من آمن بالنبي صلى الله عليه وسلم وجاهد معه وآزره ونصره، وبذل الغالي والنفيس من أجله، وهل يستوي البحران {هَذَا عَذْبٌ فُرَاتٌ سَائِغٌ شَرَابُهُ وَهَذَا مِلْحٌ أُجَاجٌ} [فاطر: 12].(1/13)
ومن تدبر الآيات عَلِمَ عظيمَ الفرق بينهم، وعَلِمَ أَنَّ هؤلاء المنافقين كانوا نشازاً في المجتمع الإسلامي، ولم يكن لهم دور ألبتة في الجهاد ولا في العلم ولا في تبليغ هذا الدين.
«..والله سبحانه وتعالى يعلم المؤمنين من المنافقين لا تخفى عليه سبحانه وتعالى خافية، ولكنه سبحانه لم يعلم نبيه بكل من لم يظهر نفاقه؛ بل قال: {وَمِمَّنْ حَوْلَكُمْ مِنَ الأَعْرَابِ مُنَافِقُونَ وَمِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ مَرَدُوا عَلَى النِّفَاقِ لا تَعْلَمُهُمْ} [التوبة:101]، ثم إنه ابتَلى الناسَ بأمور تميز بين المؤمنين والمنافقين، كما قال سبحانه: {وَلَيَعْلَمَنَّ اللهُ الَّذِينَ آَمَنُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْمُنَافِقِينَ} [العنكبوت:11]، وقال تعالى: {مَا كَانَ اللهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ حَتَّى يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ} [آل عمران:179] ..»(1).
وإليك شيئاً من صفاتهم التي تميزوا بها عن المؤمنين:
1- فمن صفات المنافقين وخصالهم: عدمُ الخروج للجهاد(2)، وهذا في غالب أحوالهم، وقد يخرجون نفاقاً أو إرجافاً أو غير ذلك، وهذا في القليل النادر.
قال تعالى عن المنافقين: {إِنَّمَا السَّبِيلُ عَلَى الَّذِينَ يَسْتَأْذِنُونَكَ وَهُمْ أَغْنِيَاءُ رَضُوا بِأَنْ يَكُونُوا مَعَ الْخَوَالِفِ وَطَبَعَ اللهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لا يَعْلَمُونَ . يَعْتَذِرُونَ إِلَيْكُمْ إِذَا رَجَعْتُمْ إِلَيْهِمْ قُلْ لا تَعْتَذِرُوا لَنْ نُؤْمِنَ لَكُمْ قَدْ نَبَّأَنَا اللهُ مِنْ أَخْبَارِكُمْ} [التوبة:93-94].
__________
(1) الصارم المسلول على شاتم الرسول: (1/37)، بتصرف يسير.
(2) جاء في الحديث الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من مات ولم يغز ولم يحدث به نفسه مات على شعبة من نفاق" رواه مسلم: (1910).(1/14)
فهم لا يألون جهداً في الاعتذار من النبي صلى الله عليه وآله وسلم ومن صحابته رضي الله عنهم في عدم الخروج للجهاد: {يَعْتَذِرُونَ إِلَيْكُمْ إِذَا رَجَعْتُمْ إِلَيْهِمْ} فالمنافقون لم يخرجوا في غزوة تبوك، باستثناء بضعة أشخاص من المنافقين نزلت فيهم آيات بخصوصهم، وجل المنافقين ممن تخلف في المدينة، بينما خرج الصحابة رضي الله عنهم وكان عددهم قرابة ثلاثين ألفاً.
إن المنافقين لا يجدون بداً من التخلف عن الجهاد وإبداء الأعذار الواهية، فبعضهم يعلل عدم خروجه للقتال بعدم تمكنه من إعداد العدة، ولكن الله يفضحهم ويبين أن سبب عدم خروجهم للقتال هو عدم إيمانهم بالله واليوم الآخر، كما قال سبحانه: {إِنَّمَا يَسْتَأْذِنُكَ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الآَخِرِ وَارْتَابَتْ قُلُوبُهُمْ فَهُمْ فِي رَيْبِهِمْ يَتَرَدَّدُونَ . وَلَوْ أَرَادُوا الْخُرُوجَ لَأَعَدُّوا لَهُ عُدَّةً وَلَكِنْ كَرِهَ اللهُ انْبِعَاثَهُمْ فَثَبَّطَهُمْ وَقِيلَ اقْعُدُوا مَعَ الْقَاعِدِينَ} [التوبة:45-46].
«فهذا إخبار من الله بأن المؤمن لا يستأذن الرسول صلى الله عليه وسلم في ترك الجهاد، وإنما يستأذنه الذي لا يؤمن، فكيف بالتارك من غير استئذان؟!»(1).
وعلل بعضهم بخشية الفتنة كما زعم! قال سبحانه: {وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ ائْذَنْ لِي وَلا تَفْتِنِّي أَلا فِي الْفِتْنَةِ سَقَطُوا وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمُحِيطَةٌ بِالْكَافِرِينَ} [التوبة: 49].
وتقاعس بعضهم عن الخروج لبُعد السفر وحصول المشقة؛ قال سبحانه: {لَوْ كَانَ عَرَضًا قَرِيبًا وَسَفَرًا قَاصِدًا لاتَّبَعُوكَ وَلَكِنْ بَعُدَتْ عَلَيْهِمُ الشُّقَّةُ وَسَيَحْلِفُونَ بِاللهِ لَوِ اسْتَطَعْنَا لَخَرَجْنَا مَعَكُمْ يُهْلِكُونَ أَنْفُسَهُمْ وَاللهُ يَعْلَمُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ} [التوبة:42].
__________
(1) الفتاوى: (28/439).(1/15)
ولك أن تتخيل أشكالهم عندما يُذكَرُ القتال فتدور أعينهم من الخوف والهلع، كما قال جل شأنه: {فَإِذَا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ مُحْكَمَةٌ وَذُكِرَ فِيهَا الْقِتَالُ رَأَيْتَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ نَظَرَ الْمَغْشِيِّ عَلَيْهِ مِنَ الْمَوْتِ فَأَوْلَى لَهُمْ} [محمد: 20]، وقال سبحانه عنهم: {فَإِذَا جَاءَ الْخَوْفُ رَأَيْتَهُمْ يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ تَدُورُ أَعْيُنُهُمْ كَالَّذِي يُغْشَى عَلَيْهِ مِنَ الْمَوْتِ فَإِذَا ذَهَبَ الْخَوْفُ سَلَقُوكُمْ بِأَلْسِنَةٍ حِدَادٍ أَشِحَّةً عَلَى الْخَيْرِ} [الأحزاب:19].
وقد سماهم الله بـ(المخلفين) في غير ما آية، كما قال سبحانه: {فَرِحَ الْمُخَلَّفُونَ بِمَقْعَدِهِمْ خِلافَ رَسُولِ اللهِ وَكَرِهُوا أَنْ يُجَاهِدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللهِ وَقَالُوا لا تَنْفِرُوا فِي الْحَرِّ قُلْ نَارُ جَهَنَّمَ أَشَدُّ حَرًّا لَوْ كَانُوا يَفْقَهُونَ} [التوبة: 81].
ولا ينافي هذا خروجهم في القليل النادر، سواء كان إرجافاً أو طمعاً في غنيمةٍ أو غيرَ ذلك، كما قال سبحانه عن طائفة منهم خرجوا مع النبي صلى الله عليه وآله وسلم: {يَقُولُونَ لَئِنْ رَجَعْنَا إِلَى الْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ الأَعَزُّ مِنْهَا الأَذَلَّ وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لا يَعْلَمُونَ} [المنافقون:8].(1/16)
وقال عن طائفة منهم خرجوا في غزوة تبوك ونالوا من أصحاب النبي صلى الله عليه وآله وسلم، حيث قالوا مستهزئين: «ما رأينا مثل قرائنا هؤلاء قط أرغب بطوناً، ولا أكذب أَلْسُناً، ولا أجبن عند اللقاء» فأنزل الله فيهم: {يَحْذَرُ الْمُنَافِقُونَ أَنْ تُنَزَّلَ عَلَيْهِمْ سُورَةٌ تُنَبِّئُهُمْ بِمَا فِي قُلُوبِهِمْ قُلِ اسْتَهْزِئُوا إِنَّ اللهَ مُخْرِجٌ مَا تَحْذَرُونَ . وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللهِ وَآَيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ . لا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ إِنْ نَعْفُ عَنْ طَائِفَةٍ مِنْكُمْ نُعَذِّبْ طَائِفَةً بِأَنَّهُمْ كَانُوا مُجْرِمِينَ} [التوبة:64-66](1).
وإذا كان من تخلف في المدينة هم المنافقون ومن عذر الله، فإنه تخلف ثلاثة من الصحابة، فبرأهم الله من جملة المنافقين، وأخبر أنه تاب عليهم في عدم خروجهم، فقال سبحانه: {وَعَلَى الثَّلاثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا حَتَّى إِذَا ضَاقَتْ عَلَيْهِمُ الأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ وَضَاقَتْ عَلَيْهِمْ أَنْفُسُهُمْ وَظَنُّوا أَنْ لا مَلْجَأَ مِنَ اللهِ إِلا إِلَيْهِ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُوا إِنَّ اللهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ} [التوبة:118] وهم: مرارة بن الربيع، وهلال بن أمية، وكعب بن مالك..
فأي بيان أوضح من هذا البيان في كشف حقيقة المنافقين وحالهم؟! كيف لا وقد تعهد الله بفضحهم وبيان ما تخفيه صدورهم؟! كما قال سبحانه: {يَحْذَرُ الْمُنَافِقُونَ أَنْ تُنَزَّلَ عَلَيْهِمْ سُورَةٌ تُنَبِّئُهُمْ بِمَا فِي قُلُوبِهِمْ قُلِ اسْتَهْزِئُوا إِنَّ اللهَ مُخْرِجٌ مَا تَحْذَرُونَ} [التوبة: 64].
__________
(1) تفسير الطبري: (6/408)، وذكر نحوها الطبرسي في مجمع البيان: (5/81-82).(1/17)
فأخرج الله ما يحذرون وفضحهم، فلم يعد شأنهم خافياً -في الجملة- على الصحابة رضوان الله عليهم، فضلاً عن أن يلتبس هؤلاء بهؤلاء ولا يميز بينهم.
2- ومن صفات المنافقين: تظاهرهم بالإيمان أمام الصحابة عند حصول أي ريب، فعندما يحس هؤلاء المنافقون بافتضاح أمرهم يحاولون جاهدين أن يُقسموا الأيمان المغلظة أنهم من الصحابة، ولكن الله يفضحهم ويبين كذب دعواهم، قال سبحانه: {وَيَحْلِفُونَ بِاللهِ إِنَّهُمْ لَمِنْكُمْ وَمَا هُمْ مِنْكُمْ وَلَكِنَّهُمْ قَوْمٌ يَفْرَقُونَ} [التوبة: 56].. فالصحابة صنف والمنافقون صنف آخر.
3- ومن صفات المنافقين: أعمالهم المشينة التي فُضحوا بها، كما قال تعالى: {وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مَسْجِدًا ضِرَارًا وَكُفْرًا وَتَفْرِيقًا بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ وَإِرْصَادًا لِمَنْ حَارَبَ اللهَ وَرَسُولَهُ مِنْ قَبْلُ وَلَيَحْلِفُنَّ إِنْ أَرَدْنَا إِلا الْحُسْنَى وَاللهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ} [التوبة:107] ومسجد الضرار معروف، ومن بناه معروف(1)..
وقال تعالى: {وَلَوْ نَشَاءُ لَأَرَيْنَاكَهُمْ فَلَعَرَفْتَهُمْ بِسِيمَاهُمْ وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فِي لَحْنِ الْقَوْلِ وَاللهُ يَعْلَمُ أَعْمَالَكُمْ} [محمد:30].
__________
(1) قال الطبري رحمه الله: «والذين ابتنوا مسجداً ضراراً وهم فيما ذكر اثنا عشر نفسا من الأنصار» ثم أورد روايات في بيان أسمائهم، ولهذا فالذين بنوه ليسوا من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم بل من المنافقين، والصحابة يعرفونهم ولا شك.(1/18)
4- ومن صفات المنافقين أيضاً: التكاسل عن الصلاة وقلة ذكر الله، والشح والبخل، والجبن والخوف والهلع.. قال تعالى: {إِنَّ الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلاةِ قَامُوا كُسَالَى يُرَاءُونَ النَّاسَ وَلا يَذْكُرُونَ اللهَ إِلا قَلِيلاً . مُذَبْذَبِينَ بَيْنَ ذَلِكَ لا إِلَى هَؤُلاءِ وَلا إِلَى هَؤُلاءِ وَمَنْ يُضْلِلِ اللهُ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ سَبِيلاً} [النساء:142-143].
فقال عن المنافقين: {وَلا يَذْكُرُونَ اللهَ إِلا قَلِيلاً} وأعظم الذكر هو القرآن، ولهذا لم يكن للمنافقين أي دور في حفظه أو إقرائه أو تبليغه.
وإنما نقله إلينا بالتواتر الصحابة الكرام: كعمر بن الخطاب، وعثمان بن عفان، وعلي بن أبي طالب، وعبد الله بن مسعود، وأُبي بن كعب، وزيد بن ثابت..
ولو طعنَّا في نقلة القرآن هؤلاء لحصل الطعن في القرآن الكريم وفي تواتره، بل لوقع الطعن في الدين كله...
وإذا علمنا هذا تبين سببُ أمرِ الله لنا باتباعهم بإحسان؛ إذ الدين نقل عن طريقهم رضي الله عنهم.
وخلاصة القول: أن الله بين من صفات المنافقين ما يميزهم عن غيرهم «ولهذا لما كشفهم الله بسورة براءة بقوله: ومنهم ومنهم، صار النبي صلى الله عليه وآله وسلم يعرف نفاق ناس منهم لم يكن يعرف نفاقهم قبل ذلك، فإن الله وصفهم بصفات علمها الناس منهم، وما كان الناس يجزمون بأنها مستلزمة لنفاقهم، وإن كان بعضهم يظن ذلك، وبعضهم يعلمه، فلم يكن نفاقهم معلوماً عند الجماعة، بخلاف حالهم لما نزل القرآن..»(1).
وقد قال ابن عباس رضي الله عنهما: «التوبة هي الفاضحة، ما زالت تنزل ومنهم ومنهم، حتى ظنوا أنها لن تبقي أحداً منهم إلا ذكر فيها»(2).
__________
(1) الفتاوى: (7/214).
(2) البخاري: (4503)، ومسلم: (5359)، وانظر: التبيان: (5/167)، ومجمع البيان: (5/5).(1/19)
«..وإن جاز أن يخفى على النبي صلى الله عليه وآله وسلم حال بعض الناس فلا يعلم أنه منافق، كما قال: {وَمِمَّنْ حَوْلَكُمْ مِنَ الأَعْرَابِ مُنَافِقُونَ وَمِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ مَرَدُوا عَلَى النِّفَاقِ لا تَعْلَمُهُمْ} [التوبة:101] فلا يجوز أن يخبر عنهم بما يدل على إيمانهم، ولهذا لما جاءه المخلفون عام تبوك، فجعلوا يحلفون ويعتذرون، وكان يقبل علانيتهم، ويكل سرائرهم إلى الله، لا يصدق أحداً منهم، فلما جاء كعب وأخبره بحقيقة أمره، قال: (أما هذا فقد صدق) أو قال: (صدقكم)..»(1).
ولهذا لم يقع للمنافقين أي تزكية أو وعد بالجنات، بل أظهر الله من صفاتهم ما ميَّزهم به عن المؤمنين، وتوعدهم بالعذاب الأليم، وبالدرك الأسفل من النار.
وقد أخبر النبي صلى الله عليه وآله وسلم حذيفةَ بنَ اليمان رضي الله عنه بأسماء جُملَةٍ من المنافقين، وفي ذلك حِكَمٌ كثيرة، منها: أن وظيفةَ حذيفةَ رضي الله عنه أن يفضح هؤلاء المنافقين إذا ما حاولوا إثارة الفتنة أو التصدي لمواقع قيادية، أو ممارسة التحريف في أي شكل من أشكاله، ثم إن أسماء هؤلاء المنافقين ليس لها صلة بتبليغ الرسالة، ولا في إذاعتها لكافة الناس مصلحة، وإلا لأخبر بها النبي صلى الله عليه وآله وسلم أصحابه جملة ولم يُؤْثر بها حذيفة رضي الله عنه ، فدل هذا على أن المصلحة في كتمها.
ولو رأى حذيفةُ رضي الله عنه أحداً من المنافقين يتولى قيادة الأمة أو شيئاً من ولاياتها، لم يجز له أن يسكت بحال من الأحوال، وإلا لعُدَّ غاشاً للأمة.
اللهم اهدنا للحق ووفقنا إليه، ولا تجعل في قلوبنا غلًا للذين آمنوا ربنا إنك رءوف رحيم.
* ... * ... *
المبحث الرابع
موقف الشيعة من آيات الثناء على الصحابة
__________
(1) منهاج السنة النبوية: (8/429).(1/20)
تبين مما سبق ثناء الله على الصحابة وتزكيته لهم، وذمه للمنافقين وفضحه لهم، وقد بَيَّن الله من صفات المنافقين ما ميَّزهم عن الصحابة رضوان الله عليهم، فعرفوا بأوصافهم كتثاقلهم عن الصلاة والذكر، أو بأعيانهم كما في غزوة تبوك، وأصحاب مسجد الضرار..
والشيعة -هداهم الله للحق- جعلوا جمهور الصحابة الذين أثنى الله عليهم من المنافقين، بل وصفوا أعلام الصحابة ومن شُهِدَ لهم بالجنة بالنفاق؛ متذرعين بعموم تلك النصوص.
ولا ريب أن هذا من لبس الحق بالباطل، واستدلال بالنصوص على غير دلالتها، ومن الأمثلة على ذلك ما يلي:
الآية الأولى:
قال الله تعالى: {لَقَدْ رَضِيَ اللهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنْزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحًا قَرِيبًا} [الفتح:18].
فهذه البيعة سُمِّيَت ببيعة الرضوان لإخبار الله عز وجل أنه رضي عنهم.
وعدد الذين بايعوا النبي صلى الله عليه وآله وسلم تحت الشجرة في أصح الأقوال ألف وأربعمائة.
وقد أقرَّ بهذا بعض علماء الشيعة الكبار.
يقول أحدهم وهو الطبرسي في تفسيره: «يعني بيعة الحديبية، وتُسَمَّى (بيعة الرضوان)؛ لهذه الآية، ورضا الله سبحانه عنهم، وإرادته تعظيمهم وإثابتهم، وهذا إخبار منه سبحانه أنه رضي عن المؤمنين إذ بايعوا النبي صلى الله عليه وآله وسلم في الحديبية تحت الشجرة المعروفة وهي شجرة السمرة...، وكان عدد الصحابة رضوان الله عليهم يوم بيعة الرضوان ألفاً ومائتين، وقيل: وأربعمائة، وقيل: وخمسائة، وقيل: وثمانمائة»(1)اهـ.
فهؤلاء الذين بايعوا النبي صلى الله عليه وآله وسلم تحت الشجرة حصل لهم ثلاثة أمور: أن الله رضي عنهم، وأنزل عليهم السكينة، وأثابهم فتحاً قريباً..
وإذا كانت الآية بهذا الوضوح فكيف يسوغ سبهم وشتمهم والوقيعة فيهم؟.
__________
(1) مجمع البيان: (9/193)، وانظر البحار: (20/326).(1/21)
ولهذا اضطرب الشيعة تجاه هذا النص..
فزعم بعضهم أن فيهم منافقين، وأنهم بايعوا مع المؤمنين، والرضا إنما هو خاص بالمؤمنين.
وزعم بعض من ينتسب إلى التحقيق والفقه بأن الله رضي عنهم وقت المبايعة ثم سخط عليهم بعد ذلك. وكان فيهم منافقون! وهذا ما يصرح به علماء الشيعة الكبار حتى في هذا العصر(1).
والجواب عن هذا أن يقال:
إن هذا القول فيه نسبة الجهل إلى الله تعالى؛ إذ كيف رضي سبحانه وتعالى عنهم وفيهم المنافقون؟!
ثم إن الله عز وجل لا يرضى إلا عن القوم المؤمنين، وقد أخبر في هذه الآية أنه رضي عنهم حين بايعوا النبي صلى الله عليه وآله وسلم، بل وزكى بواطنهم وشهد لهم بإخلاص النية، فقال: {فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ} [الفتح:18] وأنزل السكينة عليهم، ووعدهم بثواب فتحٍ قريب ومغانِمَ كثيرة.
فرضاه عنهم وإخباره بذلك دليل على إيمانهم، أما المنافق فلا يمكن أن يرضى الله عنه أبداً حال نفاقه؛ لأنه سبحانه وتعالى يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور.
وقوله: {إِذْ يُبَايِعُونَكَ} فيه أمران:
أولاهما: أن فيه إشارةٌ إلى أن من خرج مع النبي صلى الله عليه وآله وسلم ولم يبايع أنه حينئذ ليس بمؤمن، ومعلوم أنه لم يحضر في الحديبية أحدٌ من المنافقين على الصحيح إلا الجدُّ بن قيس كما ذكر ذلك النووي في شرح مسلم(2)، وبعض علماء التاريخ والسير(3)، ولكنه لم يبايع وتنحى بعيداً.
__________
(1) وهو آية الله جعفر السبحاني في كتابه: حوار مع الشيخ صالح بن عبدالله الدرويش القاضي بالمحكمة الكبرى بالقطيف حول الصحبة والصحابة: (159)..
(2) شرح النووي عند حديث برقم: (2780).
(3) انظر: الاستيعاب: (1/3)، البداية والنهاية: (4/168)، الكامل في التاريخ: (2/200)، تاريخ الطبري: (2/279).(1/22)
وثانيهما: أن الظرف «إذ» متعلق بقوله: رضي، وفي تعليق هذا الظرف «إذ يبايعونك» بفعل الرضا إشارة إلى أن سبب الرضا هو ذلك الظرف الخاص وهو المبايعة، مع ما يعطيه توقيت الرضا بهذا الظرف «إذ» من إشارة لطيفة بتعجيل حصول الرضا، وكون الرضا حصل عند تجديد المبايعة ولم ينتظر به تمامها.
ويشهد لهذا قوة المؤكدات في هذا الرضا، حيث أتى باللام الموطئة للقسم، وقد -وهي للتحقيق- والقسم المقدر.
ثم إن الله سبحانه وتعالى لم يخبر أنه سخط على من بايع تحت الشجرة كما أخبر برضاه عنهم، ولهذا يقول ابن عباس رضي الله عنها كما ترويه عنه كتب الشيعة: «أخبرنا الله أنه رضي عن أصحاب الشجرة، فعلم ما في قلوبهم، هل حدثنا أحد أنه سخط عليهم بعد؟»(1).
بل هذه الآية تتلى إلى يوم القيامة، فهل يتلى الرضا ويستمر ذكر الثناء إلى يوم القيامة على أناس قد بدلوا وغيروا ونافقوا؟!! سبحانك هذا بهتان عظيم.
وأما من قال بأن الرضا حصل لدقائق محدودة ثم سخط عليهم بعد ذلك، فيقال له:
هل كان الله يعلم أنهم سيبدلون أم لا؟ فإن قال: لا، فهي طامة كبرى؛ حيث اتهم الله بالجهل عياذاً بالله! وإن قال: نعم، فيقال: كيف يجعل الله الرضا يتلى إلى يوم القيامة وهو يعلم أن الفضل لن يستمر إلا سنواتٍ محدودة ثم يبدلون؟! فقائل هذا كأنه يصف القرآن بغش الأمة.. وحاشا ذلك أن يكون!
اللهم اجعلنا ممن رضوا عنك ورضيت عنهم يا رب العالمين..
الآية الثانية:
__________
(1) الإرشاد: (13)، روضة الواعظين: (75)، بحار الأنوار: (38/243).(1/23)
قال تعالى: {مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِنَ اللهِ وَرِضْوَانًا سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الإِنْجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآَزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ وَعَدَ اللهُ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا} [الفتح:29].
هذه الآية من أعظم الآيات في الثناء على الصحابة، ومن أدل الدلائل على إعجاز القرآن، وعلى عظمة الباري وسعة علمه..
وهي دالة على فضل جميع الصحابة الذين كانوا مع النبي صلى الله عليه وسلم حيث قال: {وَالَّذِينَ مَعَهُ}، والذين كانوا معه هم الصحابة رضوان الله عليهم، وقد تجلت شدتهم على الكفار في غزوة بدر وأحد وغيرها.
وهم كذلك رحماء بينهم، تسودهم المحبة والألفة، مما كان سبباً في المصاهرات بينهم، كزواج عمر رضي الله عنه بأم كلثوم بنت علي رضي الله عنه ، وسيأتي ذكر ذلك في مبحث مستقل.
وقد اضطرب بعض الشيعة تجاه الآية السابقة، فقالوا بأنها لا تدل على فضل الصحابة رضي الله عنهم؛ لأن الله قال في آخرها: {وَعَدَ اللهُ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُمْ} فمنهم للتبعيض أي بعضهم، وهو من آمن وعمل صالحاً فلا تشمل جميع من كانوا مع النبي صلى الله عليه وسلم.
وهكذا كل آية لا تروق لهم يحاولون صرفها وتأويلها، حتى لو أدى ذلك إلى ضرب القرآن بعضه ببعض.
وقول الشيعة بالتبعيض في هذه الآية ضرب لبعض القرآن ببعض؛ وذلك من عدة وجوه:
الأول: أن حصر «من» في قوله سبحانه: {مِنْهُمْ} بأنها تبعيضية تَحكُّم بلا دليل، ولا يجوز القول على الله بغير علم!!(1/24)
الثاني: أن أوّل الآية لم يذكر إلا من آمن وعمل الصالحات: {مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِنَ اللهِ وَرِضْوَانًا سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ}.
فهذه الصفات لا يتصف بها غيرُ المؤمنين، والمؤمنون كلهم أهل للمغفرة والثواب، ولو أن الآية شملت المنافقين لصح قولنا بأن «منهم» للتبعيض، ولكنها لم تذكر إلا صنف المؤمنين الصادقين والذين وصفهم الله بقوله:
{سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِنَ اللهِ وَرِضْوَانًا} فتأمل!
وقد لجأ بعض الشيعة إلى القول بالتبعيض؛ لعلمهم بدلالة الآية على فضل من كان مع النبي صلى الله عليه وآله وسلم، والذين جاهدوا معه في حياته، وبعد وفاته جاهدوا المرتدين، ومدَّعي النبوة، ومانعي الزكاة، وهم الذين فتحوا الأمصار، وفتحوا بلاد فارس والروم.
الثالث: أن هذا الوصف -كما نصت الآية- قد جاء في التوراة والإنجيل، فهو وصف وثناء عليهم قبل أن يُخلقوا، ولو كانوا سيبدلون ويغيرون لاستحقوا الذم لا المدح..
ولهذا فآخر الآية تأكيد لما سبق، ولا يمكن أن تناقض كلمات الله بعضها بعضاً.. وكذا القرآن لابد أن يؤخذ بجميعه؛ فلا يؤخذ بعضُه ويترك البعضُ الآخر، ولا يؤخذ جزءٌ من آية ويترك الجزءُ الآخر منها..
ومن ادعى أن سيبدلون ويغيرون فقد وصف الله تعالى بغش الأمة وتضليلها، بل وغش المؤمنين من بني إسرائيل ممن أَنْزَلَ عليهم التوراة والإنجيل، وذكر لهم هذه الأوصاف الموجبة لمحبتهم والدعاء لهم.
وعليه يكون معنى (من) في الآية أحد أمرين:(1/25)
الأمر الأول: إما أنها لبيان الجنس، أي: وعد الله الذين آمنوا وعملوا الصالحات من جنس هؤلاء وأمثالهم مغفرةً وأجراً عظيماً، وذلك كقوله سبحانه: {فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الأَوْثَانِ} [الحج:30] أي: من جنس هذه الأوثان، وليس معناها: اجتنبوا الرجس من الأوثان وأما باقي الأوثان فلا تجتنبوها! وهذا ما ذكره علماء أهل السنة كما ذكره بعض علماء الشيعة(1)..
والأمر الثاني: أن تكون مؤكدة، أي: وعد الله الذين آمنوا وعملوا الصالحات من هؤلاء بالذات مغفرةً وأجراً عظيماً، وذلك مثل قوله سبحانه: {وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآَنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ} [الإسراء:82] وليس قوله: {مِنَ الْقُرْآَنِ} أي: بعض القرآن شفاء ورحمة وبعضه ليس كذلك، بل (مِن) هناك مؤكدة فكذلك هنا(2)..
ودليل ذلك سياق هذه الآية، وصريح الآيات الأخرى.
ثم إن هذا الوصف لمجموع الصحابة رضوان الله عليهم، فهذه الصفات المذكورة في الآية تنطبق تماماً على أصحابه الذين قاتلوا معه في غزواته كلها، بل وقاتلوا بعد وفاته المرتدين والنصارى والمجوس، فهم كما وصفهم الله:
{أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ} [الفتح:29].
والمعية في قوله: (والذين معه) ظاهرة بينة؛ فهم معه في سلمه وحربه، وفي حله وسفره، وفي سائر أحواله، وقد خرج معه في غزوة تبوك وحدها نحو ثلاثين ألفاً.
ثم تأمل هذا الحديث من كتب الشيعة:
جاء في كتاب (كامل الزيارات)(3)
__________
(1) فتح القدير للشوكاني: (3/81)، تفسير الثعالبي: (4/119)، وذكره من علماء الشيعة الطبرسي في مجمع البيان: (9/157)، عند كلامه عن قوله سبحانه: {فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُولُو الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ} [الأحقاف:35].
(2) معاني القرآن للنحاس: (4/187)، فتح القدير للشوكاني: (3/253).
(3) وانظر: الكافي: (4/548)، البحار: (96/387)، نور الثقلين: (1/541)،
كامل الزيارات: (44).(1/26)
وهو من كتب الشيعة، أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: من مات في أحد الحرمين: مكة أو المدينة، لم يعرض على الحساب، ومات مهاجراً إلى الله، وحشر يوم القيامة مع أصحاب بدر.
فالرواية تشير بوضوح إلى فضل أصحاب بدر خاصة، من دون تقييد بأَحَدٍ دون أَحَد، وفي مقدمتهم: أبو بكر وعمر وعثمان وعلي وأبو عبيدة وعبد الرحمن بن عوف والزبير وطلحة رضي الله عنهم.
ويقول رضي الله عنه كما في (نهج البلاغة): «لقد رأيت أصحاب محمد صلى الله عليه وآله وسلم فما أرى أحداً يشبههم، لقد كانوا يصبحون شعثاً غبراً، وقد باتوا سجداً وقياماً، يراوحون بين جباههم وخدودهم، ويقفون على مثل الجمر من ذكر معادهم، كأن بين أعينهم ركب المعزى من طول سجودهم، إذا ذكر الله هملت أعينهم حتى تبل جيوبهم، ومادوا كما يميد الشجر يوم الريح العاصف خوفاً من العقاب ورجاءً للثواب»(1).
وخلاصة القول: أن الله أثنى على الصحابة رضي الله عنهم، وشهد لهم بالإيمان في التوراة والإنجيل والقرآن، وجعل هذا الثناء يتلى في القرآن إلى يوم القيامة.
ولا يفهم من الآيات إلا شمول هذا الثناء لجميع الصحابة الذين معه، ولذا حاول الشيعة جعل الوعد بالثواب خاصاً ببعضهم.
والقرآن دستور الأمة، فمن أخذ به نجا، ومن أبى ولاه الله ما تولى، ولا يظلم ربك أحداً.
الآية الثالثة:
قال سبحانه: {وَالسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنْصَارِ} فذكر السابقين الأولين من المهاجرين والأنصار، ووعدهم جنات تجري تحتها الأنهار، ثم قال: {وَمِمَّنْ حَوْلَكُمْ مِنَ الأَعْرَابِ مُنَافِقُونَ وَمِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ مَرَدُوا عَلَى النِّفَاقِ} [التوبة:100-101].
فَفَرَّق سبحانه بين السابقين الأولين من المهاجرين والأنصار وبين المنافقين.
__________
(1) نهج البلاغة، خطبة: (97) شرح ابن أبي الحديد: (7/77)، شرح محمد عبده: (1/190)، البحار: (66/307)، الحلية لأبي نعيم: (1/76).(1/27)
فالسابقون وصف عام لكل من حصل منه السبق للهجرة أو النصرة..
وقد بين بعض علماء الشيعة؛ كالطباطبائي في (تفسير الميزان)؛ أن السابقين من المهاجرين والأنصار هم كل من توفرت فيه صفات السبق، كأصحاب الهجرتين..
يقول الطباطبائي: «المراد بالسابقين هم الذين أسسوا أساس الدين، ورفعوا قواعده، قبل أن يشيد بنيانه وتهتز راياته؛ صِنْفٌ منهم بالإيمان واللحوق بالنبي صلى الله عليه وآله وسلم والصبر على الفتنة والتعذيب، والخروج من ديارهم وأموالهم بالهجرة إلى الحبشة والمدينة، وصِنْفٌ بالإيمان ونصرة الرسول وإيوائه وإيواء من هاجر إليهم من المؤمنين والدفاع عن الدين قبل وقوع الوقائع»(1).
وعلى كلٍّ ففي المسألة خلاف في وَضعِ حَدٍ يحصل به السبق، وأمثل الأقوال وأعدلها في هذا أنه في فترة ضعف الإسلام، وذلك قبل غزوة بدر؛ إذ ليست المزية فيمن آمن في وقت ضعف الإسلام واستذلال أهله كمن آمن في وقت قوته وتمكنه، ولهذا لم يظهر النفاق في الفترة المكية؛ فلما ظهر الإسلام وقوي، ظهر النفاق.
وفي الآية دلالة على مشروعية الاقتداء بهؤلاء السابقين، فإن الله وعد من اتبعهم بإحسان بأن يرضى عنه ويدخله جنات تجري تحتها الأنهار خالداً فيها أبداً، ولذا قال سبحانه: {وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ} [التوبة:100]، وأخبر بأنهم يشاركونهم في الخير، كما قال سبحانه:
{وَآَخَرِينَ مِنْهُمْ لَمَّا يَلْحَقُوا بِهِمْ} [الجمعة:3]، وقال سبحانه: {وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالإِيمَانِ} [الحشر:10].
__________
(1) تفسير الميزان: (9/373).(1/28)
فهذه الآيات وغيرها تبين مشروعية الاقتداء بهؤلاء الأعلام من الصحابة رضي الله عنهم، بأخذ العلم عن طريقهم، هذا العلم الذي أخذوه من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وبمحبتهم ومعرفة فضائلهم والذب عن أعراضهم، ورَدِّ الكذب عنهم..، ولا يكون بالكذبِ عليهم وسبِّهم وشتمِهم وتَنَقُّصِهم والطعنِ فيهم..
وهذا يرد مزاعم الشيعة بأن العلم لا يمكن أن يؤخذ إلا عن طريق الأئمة المعصومين، فقد بين سبحانه وتعالى أن العلم يؤخذ عن طريق العلماء الراسخين، ولذا قال سبحانه وتعالى: {هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الأُمِّيِّينَ رَسُولاً مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آَيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ} [الجمعة:2].
فهذا نص جلي يدل على فضل الصحابة رضي الله عنهم وتزكية الله لهم، وعلى عدم عصمتهم، كما يدل على أخذهم علم الكتاب والسنة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، مما يجعلهم أهلاً لتبليغه ونشره.
والشيعة بقولهم: إن علياً رضي الله عنه معصوم من حين ولادته إلى حين وفاته يخالفون وصف الله تعالى لأصحاب نبيه صلى الله عليه وسلم بأنهم كانوا قبل البعثة في ضلال مبين، وقد سبق بيانه(1).
ثم إن قولهم بأن العصمة شرط فيمن ينقل العلم عن النبي صلى الله عليه وسلم باطل؛ وإلا لم يصح أخذهم عن العلماء غير المعصومين من حين الغيبة الكبرى إلى يومنا هذا، فإن قالوا بل يصح، قيل وكذلك يصح أخذه عمن سبقهم من العلماء غير المعصومين.
وجماع الأمر، أن الله سبحانه وتعالى زكى أصحاب نبيه صلى الله عليه وسلم، وأثنى عليهم، وأمر بالاقتداء بهم وأخذ العلم عن طريقهم.
فإن قيل: وهل يعني ثناء الله عليهم أنهم لا يعصون الله أبداً؟ وما هو مفهوم الصحبة الذي نعرف به الصحابي من غيره. فجواب هذا في المبحث التالي.
* ... * ... *
الفصل الثاني
مفهوم الصحابة والعدالة في الإسلام
__________
(1) انظر (ص:17) .(1/29)
وفيه مبحثان:
المبحث الأول:
مفهوم الصحبة
المبحث الثاني:
مفهوم العدالة
المبحث الأول
مفهوم الصحبة
أما مفهوم الصحبة: فإنه عند الإطلاق يراد به المعنى الشرعي لا اللغوي، والصحابي بالمعنى الشرعي هو: من لقي النبي صلى الله عليه وآله وسلم في حياته مؤمناً به ومات على الإسلام(1).
فبناءً على هذا التعريف نعلم أن لفظ الصحابة لا يراد به المنافقون؛ لعدم إيمانهم أصلاً، وكذا لا يراد به من ارتد ومات على الكفر، كما لا يراد به من آمن بعد موت النبي صلى الله عليه وآله وسلم، أو آمن في حياته ولكنه لم يلتق به.. إلخ.
ويقال ثانياً: إن من طالت صحبته وجاهد مع النبي صلى الله عليه وآله وسلم أفضل ممن لم يصحبه إلا يسيراً، وإنْ كان كلٌ منهما حصل له فضل صحبة النبي صلى الله عليه وآله وسلم..
* ... * ... *
المبحث الثاني
مفهوم العدالة
وأما مسألة عدالة الصحابة فالمراد بعدالتهم أنهم لا يتعمدون الكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم ألبتة..(2).
__________
(1) الإصابة في تمييز الصحابة: (9).
(2) فتح الباري، شرح حديث رقم: (690)، (3462)، منهاج السنة: (7/220)، وانظر ما ذكره محقق كتاب (تدريب الراوي) الشيخ عبدالوهاب عبداللطيف الأستاذ بكلية أصول الدين بجامعة الأزهر: (2/215)، فقد ذكر عدة إطلاقات للعدالة، وذكر منها تجنب تعمد الكذب، ثم ذكر جملة من أقوال العلماء، فليراجع.(1/30)
وقولنا بأنهم: (عدول) لا يعني أنهم سواء -أي في الفضل والتقى-، بل يتفاوتون في الفضل، فمنهم السابقون الأولون، ومنهم أصحاب بدر، ومنهم أهل بيعة الرضوان، وقد بين الله تعالى تفاضلهم في كتابه، كما قال سبحانه وتعالى: {لا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ أُولَئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِنَ الَّذِينَ أَنْفَقُوا مِنْ بَعْدُ وَقَاتَلُوا وَكُلًّا وَعَدَ اللهُ الْحُسْنَى} [الحديد:10] فهذه الآية شملت من آمن قبل فتح مكة ومن آمن بعده وهم مسلمة الفتح، وإن كانوا في مرتبة أقل بكثير من السابقين الأولين، والجميع وعدهم الله الحسنى، والحسنى هي الجنة، كما قال سبحانه: {إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنَى أُولَئِكَ عَنْهَا مُبْعَدُونَ . لا يَسْمَعُونَ حَسِيسَهَا وَهُمْ فِي مَا اشْتَهَتْ أَنْفُسُهُمْ خَالِدُونَ} [الأنبياء:101-102].
وليس معنى عدالتهم أنهم معصومون من المعاصي أو السهو أو الغلط، بل هم بشر كغيرهم، قد تحصل منهم الذنوب والمعاصي، ولكنهم يتوبون منها، ولهم من الحسنات ما يربو بكثير على ما قد يحصل منهم من سيئات.
ولقد ذكر الله المتقين وأثنى عليهم ووعدهم الجنة، وأخبر بعدم عصمتهم، وأنهم قد تحصل منهم الذنوب والمعاصي، كما قال سبحانه: {وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَوَاتُ وَالأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ . الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ . وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلا اللهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ} [آل عمران:133-135].(1/31)
فمع وعدهم بهذا الجزاء العظيم، ووصفهم بالتقوى، بيَّن سبحانه أنهم غير معصومين، وأنه قد يحصل من بعضهم الوقوع في بعض الذنوب أو الفواحش، ولكنهم يتوبون منها ولا يصرون على فعلها، فهم يوافون الله سبحانه وتعالى مع وصفهم بالمتقين، فهذا هو المراد من عدالة الصحابة عند الإطلاق... فتأمل.
وخلاصة القول: أنهم قد يقعون في بعض المعاصي، ولهم من السوابق والفضائل ما يوجب مغفرة ما يصدر منهم إن صدر، فقد يغفر لهم بسابقتهم، أو بما لهم من الحسنات التي تمحو السيئات، أو بحبِّهم لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، أو بالمصائب، أو بظلمِ وسبِّ من يأتي بعدهم، أو بتوبةٍ صادقة منهم، أو بشفاعة النبي صلى الله عليه وسلم -وهم أحق الناس بها- ونحو ذلك، والتوبة تَجُبُّ ما قبلها.
ثم القَدْرُ الذي يُنكر من فعل بعضهم قليلٌ نزرٌ مغمورٌ في جنب فضائلهم ومحاسنهم، من الإيمان بالله ورسوله والجهاد في سبيله والهجرة والنصرة والعلم النافع والعمل الصالح(1).
وقد زنى بعض الصحابة في عهد النبي صلى الله عليه وآله وسلم ورجمه، ومع ذلك شهد له بتوبة عظيمة لو قسمت بين أُمّةٍ لوسعتهم(2).
وشَرِبَ الخمرَ أحدُ الصحابة فجلده النبي صلى الله عليه وآله وسلم عدة مرات، فلما لعنه أحد الصحابة لكثرة ما يؤتى به، قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: (لا تلعنوه فإنه يحب الله ورسوله)(3).
__________
(1) مجموع الفتاوى: (3/155).
(2) هذا اللفظ لمسلم: (1695)، وهو وارد في حق ماعز الأسلمي رضي الله عنه.
(3) البخاري: (6780).(1/32)
والمراد بعدالتهم عند أهل الحديث قبول روايتهم مطلقاً(1)، مع جواز ورود النسيان والغلط عليهم، ولكن هذا يندفع بعدم معارضة أحد من الصحابة رضي الله عنهم له، مما يدل على قبول حديثه مطلقاً، ولو نسي أو غلط لهيّأ الله من يرد عليه خطأه، وبهذا يتحقق حفظ الله لدينه، والأمة معصومة بمجموعها كما هو مقرر في الأصول(2)..
وعدالة الصحابة أمر لازم لحفظ هذا الدين، فهم نقلة الكتاب والسنة، وليست مجرد شرف شخصي لهم، ولهذا نقلوا إلينا الكتاب والسنة على أتم وجه.
فمن طعن في عدالتهم فقد طعن في القرآن والسنة، كيف لا! والأخبار لا تؤخذ من الفاسق، فكيف بالقرآن؟!
ويؤيد هذا ما جاء في (الكافي) عن منصور بن حازم، قال: قلت لأبي عبدالله: «.. فَأَخْبِرْنِي عن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: صدقوا على محمد أم كذبوا؟ قال: بل صدقوا..»(3)، فالرواية تثبت عدالة الصحابة رضي الله عنهم في روايتهم عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم.
أما المنافقون فلم ينقلوا شيئاً ألبتة، فهم لا يتجرءون على الرواية عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم، ولا يستطيعون الكذب في هذا الشأن؛ ولهذا فإن الآيات التي تفضح المنافقين وتعريهم كثيرة جداً، وليس فيها آية واحدة تدل على أنهم استطاعوا الكذب على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.
وتأمل قوله سبحانه عن نبيه صلى الله عليه وسلم: {وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنَا بَعْضَ الأَقَاوِيلِ . لَأَخَذْنَا مِنْهُ بِالْيَمِينِ . ثُمَّ لَقَطَعْنَا مِنْهُ الْوَتِينَ . فَمَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ عَنْهُ حَاجِزِينَ} [الحاقة:44-47]. فإذا كان هذا في شأن النبي صلى الله عليه وسلم لو تقول على الله سبحانه، فكيف بغيره لو حاول أن يكذب أو يحرف؟!
__________
(1) انظر: الإصابة في تمييز الصحابة: (11).
(2) انظر: منهاج السنة: (2/456-458).
(3) الكافي: (1/65)، وسائل الشيعة: (27/208)، البحار: (2/228).(1/33)
والحماية ربانية لا بشرية، والبشر إنما هم من الأسباب المُسَخَّرة لهذه الحماية.
وهذه حقيقةٌ ناصعة، فلا الصحابة يكذبون لعدالتهم، ولا المنافقون يقدرون على الكذب في هذا الميدان تحديداً(1).
أما مسلمة الفتح فهم كغيرهم من الصحابة، لا يمكن أن يتعمدوا الكذب على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، ومع ذلك فلم يتحملوا من السنة ما تحمله الصحابة الملازمون للرسول صلى الله عليه وآله وسلم من قبل، مع ما اشتهروا به من الصدق والديانة وغاية الأمانة، وأما من أُخِذَ عليه بعضُ المآخذ منهم -كوقوعه في بعض المعاصي- فقد تتبع أئمة الحديث أحاديثهم، فلم يجدوا في ذلك ما يوجب التهمة، بل وجدوا عامة ما رووه قد رواه غيرهم من الصحابة ممن لا تتجه إليه تهمة، أو جاء في الشريعة ما في معناه أو يشهد له، فلم يبقَ بعد ذلك حجة لأحد(2)..
وصدق الله: {هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الأُمِّيِّينَ رَسُولاً مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آَيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ} [الجمعة:2].
* ... * ... *
الفصل الثالث
شبهات حول الصحابة
وفيه خمسة مباحث:
المبحث الأول:
حديث الحوض
المبحث الثاني:
الطعن فيمن فر من الصحابة رضي الله عنهم يوم أحد
المبحث الثالث:
مظلومية الزهراء رضي الله عنها وقضية فدك
المبحث الرابع:
عمر وزواجه من أم كلثوم بنت علي رضي الله عنهم
المبحث الخامس:
شبهة حول زوجات النبي صلى الله عليه وسلم
المبحث الأول
حديث الحوض
__________
(1) انظر كتاب: (براءة الصحابة من النفاق) لمنذر الأسعد: (36 – 37).
(2) الأنوار الكاشفة: (262) بتصرف.(1/34)
يستدل بعض الشيعة على ارتداد الصحابة أو بعضهم بحديث الحوض حيث قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: «يَرِدُ عَلَيَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ رَهْطٌ مِنْ أَصْحَابِي، فَيُجلونَ عَن الْحَوْضِ، فَأَقُولُ: يَا رَبِّ أَصْحَابِي! فَيَقُولُ: إِنَّكَ لَا عِلْمَ لَكَ بِمَا أَحْدَثُوا بَعْدَكَ، إِنَّهُمُ ارْتَدُّوا عَلَى أَدْبَارِهِمُ الْقَهْقَرَى»(1).
وفي رواية أخرى ذكر أنه يعرض عليه زمرة منهم ثم زمرة أخرى، ثم قَالَ: «فَلَا أُرَاهُ يَخْلُصُ مِنْهُمْ إِلا مِثْلُ هَمَلِ النَّعَمِ»(2).
وهذا الحديث لا دلالة فيه على رِدَّةِ المهاجرين والأنصار، بل هو دال على فضلهم، وبيان ذلك من وجوه:
الوجه الأول: أن يقال للذين يكفرون أبا بكر وعمر وعثمان وطلحة والزبير وغيرهم، يقال لهم: أنتم بين أمرين:
[1] إما أن تجعلوا حديث الحوض يشمل الخلفاء الثلاثة، ولفظ الحديث يدل على أن التغيير محصور فيما بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، بدليل قوله: «إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك».
فيلزم من هذا: أنهم كانوا قبل وفاة النبي صلى الله عليه وآله وسلم من أهل الإيمان، ولذلك ظن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنهم استمروا على ذلك، وأنهم سَيَرِدُونَ على الحوض، فَأُخبر أنهم أحدثوا بعده، وبالتالي يلزم بطلان ما نُسب إليهم من كُفر أو نِفاق أو استحقاق لِلَّعن ونحو ذلك؛ لقوله: «لا تدري ما أحدثوا بعدك».
[2] وإما أن لا تدخلوهم ضمن المذادين عن الحوض، وأنهم سيردون حوضه صلى الله عليه وسلم، وهذا هو المطلوب.
وهذا الوجه كافٍ في بيان بطلان استدلال الشيعة بهذا الحديث، ولكن تتميماً للفائدة أذكر أوجهاً أخرى، ومنها:
__________
(1) البخاري: (6097).
(2) البخاري: (6215).(1/35)
الوجه الثاني: أن المراد بهم أناس ممن أسلموا ولم يحسن إسلامهم، كأولئك الذين في أطراف الجزيرة وحصلت الردة منهم بعد ذلك، أو الذين منعوا الزكاة بعد وفاة النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وقد قاتل الصحابة رضي الله عنهم هؤلاء، ونحن نعلم أنه قَدِمَ على النبيِّ صلى الله عليه وآله وسلم بعد فتح مكة عشراتُ الوفود بالإسلام من قومهم، وأن الذين شهدوا حجة الوداع مع النبي صلى الله عليه وآله وسلم يتجاوز عددهم مائة ألف..، وهذا القول من أعدل الأقوال وأحسنها.
وأما المهاجرون والأنصار فقد ثبتوا على إيمانهم، وقاتلوا المرتدين، ونشروا الإسلام في أصقاع الأرض، ولذا يقول الإمام جعفر الصادق رضي الله عنه: «كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم اثني عشر ألفا، ثمانية آلاف من المدينة، وألفان من مكة، وألفان من الطلقاء، ولم ير فيهم قدري ولا مرجئ ولا حروري ولا معتزلي ولا صاحب رأي، كانوا يبكون الليل والنهار، ويقولون: اقبض أرواحنا من قبل أن نأكل خبز الخمير»(1).
فالمهاجرون والأنصار لم يغيروا ولم يبدلوا، بل ثبتوا على الإيمان والجهاد، تحقيقاً لوعد الله لهم بالجنات والخلود فيها.
وقد ارتد سائر العرب بعد موت النبي صلى الله عليه وسلم كأتباع مسيلمة الكذاب، وطليحة بن خويلد، وسجاح، وغيرهم، فمن مات منهم على ردته ممن رأى النبي صلى الله عليه وسلم فهو جدير بأن يذاد عن الحوض ويرد عنه.
__________
(1) الخصال: (640)، البحار: (22/305)، حدائق الأنس: (200).(1/36)
الوجه الثالث: قال بعض أهل العلم: إن لفظ الصحابي في اللغة – لا الاصطلاح الشرعي - يشمل المنافق، فيحتمل أن يريد النبي صلى الله عليه وآله وسلم المنافقين الذين لم يعرفهم أو لم يظهر له نفاقهم، وقد قال تعالى: {لا تَعْلَمُهُمْ نَحْنُ نَعْلَمُهُمْ}، وإن كان يعلم غالبهم بالصفات التي وصفهم الله بها؛ والدليل على ذلك: أن رأس المنافقين وهو عبد الله بن أبيِّ بن سلول لما قال: أقد تداعَوا علينا؟ لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الأعزّ منها الأذل، فقال عمر: ألا نقتل يا رسول الله هذا الخبيث - يعني: عبدَ الله بن أُبَي بن سلول - فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: «لا يَتَحَدَّثُ النَّاسُ أَنَّهُ كَانَ يَقْتُلُ أَصْحَابَهُ»(1).
ففي هذه الرواية دليل على أن مسمى الصحابة في اللغة يطلق على المنافقين أيضاً، ومن ثَمَّ يمكن حمل روايات الذم على هؤلاء، أي: يراد بلفظ الصحبة الوارد في حديث الحوض هؤلاء المنافقون، وليس الصحابة بالمصطلح الشرعي، والذين وعدهم الله بالحسنى والخلود في الجنات، وبهذا يحصل الجمع بين الروايات.
الوجه الرابع: أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم لا يَعلَم من هم الذين بدلوا بعده إلا حين يَرِدُونَ عليه الحوض ثم يُرَدُّونَ عنه، فإذا كان النبي صلى الله عليه وآله وسلم لا يعلمهم، فمن الذي حددهم لكم وعيَّنهم بأسمائهم؟! فهل أنتم تعلمون ما لا يعلمه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم؟! وهل أنتم أعلم من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم؟!.
الوجه الخامس: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «فإذا رهط» ولم يقل: فإذا أكثر أصحابي، والرهط في اللغة من ثلاثة إلى عشرة، فدل على أن الذين يمنعون عن الحوض قليل، ومثله يقال في قوله: «فإذا زمرة» .
__________
(1) البخاري: (3518).(1/37)
فإن قيل: إن هذا الحديث يدل على أن أكثر الصحابة يُرَدّون عن الحوض، كما في قوله صلى الله عليه وآله وسلم: «فَلَا أُرَاهُ يَخْلُصُ مِنْهُمْ إِلا مِثْلُ هَمَلِ النَّعَمِ»(1).
فالجواب ظاهر: وهو أن هؤلاء الذين يخلصون (مِثْلُ هَمَلِ النَّعَمِ)، هم من بين تلك الزمر التي عرضت عليه صلى الله عليه وآله وسلم، وليسوا يخلصون من بين سائر الصحابة؛ أي: لا أراه يخلص من بين تلك الزمر التي تُردُّ عن الحوض إلا مثل همل النعم، ولهذا قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: «يَرِدُ عَلَيَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ رَهْطٌ مِنْ أَصْحَابِي»(2). وفي رواية: «بَيْنَا أَنَا قَائِمٌ إِذَا زُمْرَةٌ... فَلَا أُرَاهُ يَخْلُصُ مِنْهُمْ إِلا مِثْلُ هَمَلِ النَّعَمِ»(3)، ولم يقل: تُعرَضُون أنتم..
وتوضيح ذلك: أن الصحابة عددهم كثير جداً، وهؤلاء الصحابة يعرضون على الحوض ويشربون منه، ولكنْ هناك زمرٌ (أي: مجموعات) منها من تُرَدُّ عن الحوض؛ لأنها بدلت وغيرت، فيعفى عن مجموعة يسيرة من بين تلك المجموعات، وذلك فضل من الله سبحانه وتعالى (4). فأين هذا من زعم بعض الشيعة ارتداد الصحابة إلا نفراً قليلاً؟!
ومثاله: لو قال مسئول عنده ثلاثة آلاف موظف: عُرِضَ علي أسماء مجموعة من الموظفين بسبب إهمالهم وكسلهم فعاقبتهم، إلا مجموعة يسيرة عفوت عنهم لأسباب ما، فإن السامع لهذا الكلام يعلم أن الذين عُرِضوا عليه لا يشكلون نسبةً تذكر إلى بقية الموظفين.
الوجه السادس: لو قال لنا قائل: إن النص عام، فيشمل أمير المؤمنين علياً رضي الله عنه، وكذلك يشمل المقدادَ وعماراً وسلمانَ وأبا ذر رضي الله عنهم، فما الجواب؟
فالجواب أن يقال: إن الأدلة قد دلت على عدم شمول حديث الحوض للمهاجرين والأنصار؛ لأن الله وعدهم بالجنة.
__________
(1) البخاري: (6215).
(2) البخاري: (6215).
(3) البخاري: (6215).
(4) انظر: كتاب انتصار الحق مناظرة علمية مع بعض الشيعة الإمامية: (442).(1/38)
فالأدلة التي دلت على خروج هؤلاء دلت كذلك على خروج باقي إخوانهم من المهاجرين والأنصار.
ولهذا يقال: هذا الحديث لا يراد به علي بن أبي طالب رضي الله عنه قطعاً؛ لأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم شهد له بالجنة، وكذلك لا يراد به غيره من الصحابة السابقين للإسلام ممن شهد لهم النبي صلى الله عليه وآله وسلم بالجنة كأبي بكر وعمر وعثمان وطلحة والزبير وعمار والمقداد وغيرهم من الصحابة رضي الله عنهم.
وكذلك لا يمكن أن يراد به السابقون الأولون من المهاجرين والأنصار؛ لأن الله أخبر ووعد بأن لهم: {جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا} [التوبة:100].
فهل هؤلاء الذين وعدهم الله بالجنات هم المرتدون الناكثون، أو أن الله وعدهم بالجنات وهو لا يعلم أنهم سيرتدون، تعالى الله وتقدس عن الجهل والنقائص والعيوب؟!
الوجه السابع: أن الله سبحانه وتعالى أخبر أنه غفر للمهاجرين والأنصار الذين خرجوا مع النبي صلى الله عليه وآله وسلم في غزوة تبوك: {لَقَدْ تَابَ اللهُ عَلَى النَّبِيِّ وَالْمُهَاجِرِينَ وَالأَنْصَارِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ فِي سَاعَةِ الْعُسْرَةِ} [التوبة:117]. وفي هذا دلالة قاطعة على ثباتهم على الإيمان.
المبحث الثاني
الطعن فيمن فَرَّ يوم أحد من الصحابة رضي الله عنهم
يطعن البعض(1) في الصحابة أو يستدل على ردتهم بقوله سبحانه: {وَمَا مُحَمَّدٌ إِلا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ} [آل عمران:144] الآية.
والجواب على هذا من وجوه:
__________
(1) انظر على سبيل المثال: كتاب ثم اهتديت: (114). بل صرح التيجاني – عياذاً بالله – بنفاق خاصة أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، كأبي بكر وعمر وعثمان وطلحة والزبير...، وذلك في كتابه: مؤتمر السقيفة.(1/39)
الأول: أن هذه الآية نزلت في معركةِ أحدٍ، وهي تشير إلى ما كان من بعض المسلمين من الضعف والوهن والتأخر عن القتال حين أشيع موت النبي صلى الله عليه وسلم، والمقصود من الآية العتاب لهؤلاء، وكذلك الثناء على الذين ثبتوا؛ ولهذا قال تعالى في آخر الآية: {وَسَيَجْزِي اللهُ الشَّاكِرِينَ} [آل عمران:144]، ولا دلالة في الآية على ارتداد الصحابة رضي الله عنهم بعد موت النبي صلى الله عليه وآله وسلم.
الثاني: في الآية إثباتٌ لفضيلة أبي بكر الصديق رضي الله عنه خصوصاً، وبقية الصحابة عموماً، حيث ثبت أبو بكر مع النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وثبت ثانياً بعد موته، وقاتل المرتدين، ومعه المهاجرون والأنصار..
ولو كان الصحابة مرتدين بعد موت النبي صلى الله عليه وآله وسلم إلا بضعة نفر، فكيف بقي الإسلام؟! ومن الذي قاتل مسيلمة الكذاب؟! ومن الذي هزم فارس والروم؟!.
ثم إن الذين ثبتوا في معركة أحد ولم يفروا كثر، منهم: أبو بكر وعلي وطلحة والزبير وغيرهم رضي الله عنهم، وقد عدَّ بعضُ العلماء أسماء اثني عشر صحابياً لم يفروا(1)، ناهيك عن الذين قتلوا بين يديه صلى الله عليه وآله وسلم، فرضي الله عنهم وأرضاهم.
وكذلك الحال في غزوة حنين، فقد ثبت مع النبي صلى الله عليه وآله وسلم أبو بكر وعمر وعثمان وعلي، وكذا العباس وغيره، وقد جاء في بعض الروايات عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه أنه قال: (كنت مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يوم حنين فولى عنه الناس، وثبت معه ثمانون رجلاً من المهاجرين والأنصار)(2).
__________
(1) البداية والنهاية: (4/29)، منهاج السنة: (4/169). نعم.. ثبت أن عمر قعد في مكانه لما أشيع موت النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وذلك من هول الصدمة، لكنه عاود القتال لما نادى بعضُ الصحابة: موتوا على ما مات عليه..، فالقعودُ لفترةٍ يسيرةٍ شيءٌ، والفرارُ شيءٌ آخر.
(2) البداية والنهاية: (4/380).(1/40)
الثالث: بيَّن الله عز وجل أنه تاب على من فرَّ من الصحابة يوم أحد، كما قال سبحانه: {إِنَّ الَّذِينَ تَوَلَّوْا مِنْكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ إِنَّمَا اسْتَزَلَّهُمُ الشَّيْطَانُ بِبَعْضِ مَا كَسَبُوا وَلَقَدْ عَفَا اللهُ عَنْهُمْ} [آل عمران:155] ، كما أخبر أيضاً أنه تاب عليهم بعد غزوة تبوك كما في آخر سورة التوبة: {لَقَدْ تَابَ اللهُ عَلَى النَّبِيِّ وَالْمُهَاجِرِينَ وَالأَنْصَارِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ فِي سَاعَةِ الْعُسْرَةِ} [التوبة:100].
وإذا كان الله تعالى قد تاب عليهم فإن في التشنيع عليهم نوعُ اعتراضٍ على عَفوِ الله لهم ومغفرتِه لذنوبهم، ومع ذلك فلهم من فضل الصحبة ونصرة الدين ما لا يدانيهم فيه أحد..
* ... * ... *
المبحث الثالث
مظلومية الزهراء رضي الله عنها
إن من أعظم ما تشعل به الشحناء والبغضاء بين السنة والشيعة دعوى ظلم الزهراء رضي الله عنها وضربها وكسر ضلعها، فهل هذه الدعوى ثابتة؟ وهل ورد فيها روايات صحيحة أم لا؟ وهل هناك من علماء الشيعة من أنكرها؟
فيقال أولاً: هذه الدعوى لم يثبت فيها سند صحيح، وجميع أسانيدها إما ضعيفة وإما موضوعة.
وثانياً: كل عاقل يعلم أن هذه الروايات لا تتفق بحال مع ما هو معروف من شجاعة علي رضي الله عنه، فلو كانت ثابتة فأين علي؟! وأين دفاعه عن بضعة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم؟!
لقد كان معروفاً عند العرب في الجاهلية -فضلاً عن الإسلام- دفاعهم عن أعراضهم وأهليهم حتى لو أدى ذلك إلى ضرر أنفسهم بل وهلاكها، حتى قال قائلهم:
أصون عرضي بمالي لا أدنسه ... لا بارك الله بعد العرض بالمال
وحمية بني هاشم وأنفتهم وشجاعتهم وكونهم سادة لقريش يجعل العقل يرفض مثل هذه القصة؛ إذ في إثباتها طعن فيهم عامة وفي سيدنا علي رضي الله عنه خاصة.(1/41)
بل إن الإسلام أمر بالدفاع عن المال، وجعل من قتل دون ماله شهيداً، فكيف بالعرض؟! وقد قال الخليل صلى الله عليه وآله وسلم: «من قتل دون ماله فهو شهيد»(1) والدفاع عن الزوجة أعظم من ذلك، فكيف يتركها تضرب ويكسر ضلعها ويسقط جنينها وهو ساكت؟!
وقد استبعد حصول هذه القضية بعضُ مراجع الشيعة المعاصرين وهو السيد محمد حسين فضل الله، وذلك من جهة النقل والعقل؛ حيث قال: «أنا من الأساس لم أقل: إنه لم يكسر ضلع الزهراء عليها السلام، وكُلُّ من ينسب إليَّ ذلك فهو كاذب، أنا استبعدت الموضوع استبعاداً، رسمت علامة استفهام على أساس التحليل التاريخي، قلت: أنا لا أتفاعل مع هذا؛ لأن محبة المسلمين للزهراء عليها السلام كانت أكثر من محبتهم لعلي وأكثر من محبتهم للحسن والحسين، وفوقها محبتهم لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، قلت: إنه من المستبعد أن يُقْدِمَ أحدٌ على فعل ذلك، مع الإقرارِ بوجودِ نوايا سَيِّئة ومُبيَّتة، ليس لبراءة فلانٍ من الناس، بل خوفاً من أن يهيج الرأي العام الإسلامي، وفي هذا المجال هناك روايات مختلفة، فبعضهم يقول: دخلوا المنزل، والبعض الآخر يقول: لم يدخلوا، فقلت: أنا أستبعد ذلك ولا أتفاعل مع الكلمة نفسها، وضَجَّت الدنيا وانقلبت السموات على الأرض، وبدأت تُنسج الأقوال وتتفشى عند البعض»(2)اهـ.
__________
(1) البخاري: (2348)، مسلم: (141)، وأيضاً: الكافي: (5/52)، (7/296) من لا يحضره الفقيه: (4/96).
(2) الزهراء المعصومة، أنموذج المرأة العالمية: (ص:55-56).(1/42)
فأنت تلحظ أنه استبعد القضية من جهة العقل -إضافة إلى اختلاف الروايات- وذكر أن مكانة الزهراء رضي الله عنها عند الصحابة رضي الله عنهم تنافي مثل هذا القول، فلا يمكن أن يَسكت الصحابة لو حصلَ شيءٌ من ذلك، ولاسِيَّما مع عظم محبتهم لها ولأبيها صلى الله عليه وآله وسلم.. وإن كنا لا نوافق هذا المرجع الشيعي في تعريضه بعمر بن الخطاب رضي الله عنه حيث قال: «ليس لبراءة فلان من الناس»، ويكفي في الرَّدِّ عليه وبيان فضل عمر رضي الله عنه ثناءُ علي رضي الله عنه عليه، ونُصْحُه له، وتزويجُه إياه ابنته أم كلثوم.
وملخص القول: أن من عرف حَثَّ الإسلام على الدفاع عن الأعراض، وعرف شجاعةَ عليٍ رضي الله عنه وأنفته، عَلِمَ بُطلانَ أمثال هذه القصص، ناهيك عما عُرف عن بقية الصحابة الذين كانوا يُجلِّون الزهراء ويبذلون الأرواح دونها.
ويقال ثالثاً: إن من تأمل ثناء عليٍّ على عمرَ رضي الله عنهما علم بطلان هذه القصص، إذ لا يمكن الثناء عليه بالتقوى والورع والموت على الإيمان لو صحت هذه القصص.
يقول علي رضي الله عنه واصفاً لعمر بن الخطاب رضي الله عنه كما في (نهج البلاغة): «لله بلاء فلان – يعني عمر - لقد قَوَّمَ الأَودَ، وداوى العَمَدَ(1)، خَلَّف الفتنة، وأقام السنة، ذهب نَقِيَّ الثوب، قليل العيب، أصاب خيرها وسبق شرها، أدى إلى الله طاعته، واتقاه بحقه، رحل وتركهم في طرق متشعبة لا يهتدي فيها الضال، ولا يستيقن المهتدي»(2) .
فهذه شهادة من أمير المؤمنين عليٍّ رضي الله عنه بأن عمر رضي الله عنه ذهب نقيَّ الثوبِ قليلَ العيبِ، وحاشاه أن يثني عليه هذا الثناء البليغ لو فعل مثل هذا الفعل الشنيع.
__________
(1) قوم الأود، أي: قوم العوج، وداوى العَمَد، أي: داوى العلة.
(2) نهج البلاغة، خطبة: (228)، شرح ابن أبي الحديد: (12/3)، وشرح محمد عبده: (2/222).(1/43)
وجاء في (نهج البلاغة) أيضاً أن علياً قال لعمر بن الخطاب رضي الله عنهما لما شاوره في الخروج إلى غزو الروم: «إنك متى تسر إلى هذا العدو بنفسك فتلقهم فتنكب، لا تكن للمسلمين كانفةٌ دون أقصى بلادهم، ليس بعدك مرجعٌ يرجعون إليه، فابعث إليهم رجلاً مجرّباً، واحفز معه أهل البلاء والنصيحة، فإن أظهره الله فذاك ما تحب، وإن تكن الأخرى، كنت رِدءاً للناس ومثابةً للمسلمين»(1).
وهذا من أعظم الأدلة على تعظيم عليٍّ لعمرَ رضي الله عنهما ومعرفته لقدره، وحرصه على حياته، ويكفي قوله: «ليس بعدك مرجعٌ يرجعون إليه».
بل قال علي رضي الله عنه فيه وفي صاحبه الصديق رضي الله عنهما: «لعَمْرِي إنّ مكانهما في الإسلام لعظيمٌ، وإن المصاب بهما لجرحٌ في الإسلام شديد، فرحمهما الله وجزاهما أحسن ما عملا»(2).
فهذه نبذة يسيرة من المناقب، ولو أُحصيت لبلغت المجلدات، وكلها من كتب الشيعة المعتمدة عندهم كما ترى.
وأمير المؤمنين علي رضي الله عنه لم يقتصر على هذا الثناء فحسب بل سمى أحد أبنائه (عمر)، وزوج ابنته أم كلثوم رضي الله عنها عمر بن الخطاب رضي الله عنه كما سيأتي بيانه.
والمؤسف أن بعض الشيعة لم يرضهم هذا الكلام؛ إذ هو عقبة أمامهم، وهو ما دفع الشيخ ميثم البحراني لأن يقول: «واعلم أن الشيعة قد أوردوا هنا سؤالاً، فقالوا: إن هذه الممادح التي ذكرها في حق أحد الرجلين -يعني: أبا بكر وعمر- تنافي ما أجمعنا عليه من تخطئتهما وأخذهما لمنصب الخلافة، فإما أن لا يكون هذا الكلام من كلامه رضي الله عنه، وإما أن يكون إجماعنا خطأً»(3).
ونقول: كتاب نهج البلاغة لا شك في صحته عند الشيعة، فلم يبق إلا الاحتمال الآخر.
__________
(1) نهج البلاغة، خطبة: (134)، شرح ابن أبي الحديد: (8/296)، وشرح محمد عبده: (2/18).
(2) شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد: (15/76).
(3) شرح نهج البلاغة لميثم البحراني: (4/98).(1/44)
فتبين أن هذه القصة من نسج الخيال، وأنها محض افتراء دل على بطلانه الشرع والعقل والواقع، ولكن ما هي إلا أداة لإثارة الشحناء والبغضاء بين المسلمين، وبث الفرقة بينهم، وسَببٌ لإبعادهم عن طلب الحق وبغيته بإثارة العواطف فيما لا طائل من ورائه، والله المستعان.
وأما قضية فدك فملخص الكلام كما يلي:
أولاً: أن أصل الحديث صحيحٌ دون ما وقع من زيادات لا صحة لها؛ فأبو بكر رضي الله عنه لم يعط فدكاً لفاطمة رضي الله عنها، لأنه سمع النبي صلى الله عليه وآله وسلم يقول: «إِنَّا لا نورث، ما تركنا فهو صدقة»(1)، وفي رواية أخرى قال صلى الله عليه وآله وسلم: «إن العلماء ورثة الأنبياء، وإن الأنبياء لم يورثوا ديناراً ولا درهماً، وإنما ورثوا العلم، فمن أخذ به أخذ بحظ وافر»(2).
وقد وجدت عليه فاطمة رضي الله عنها في ذلك وهجرته، فلم تكلمه حتى ماتت(3).
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله في توجيه اجتهادها: «وأما سبب غضبها [أي فاطمة رضي الله عنها] مع احتجاج أبي بكر بالحديث المذكور، فلاعتقادها تأويل الحديث على خلاف ما تمسك به أبو بكر، وكأنها اعتقدت تخصيص العموم في قوله: (لا نورث) ورأت أن منافع ما خلفه من أرض وعقار لا يمتنع أن تورث عنه، وتمسك أبو بكر بالعموم، واختلفا في أمر محتمل للتأويل، فلما صمم على ذلك انقطعت عن الاجتماع به لذلك»(4).
وعدم كلامها له إنما هو في شأن الإرث، فلم تكلمه فيه حتى ماتت، وليس فيه دلالة على عدم كلامها له ألبتة، وإن كان فحسبه أنه عمل بحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، وروي أنه دخل عليها فترضاها فرضيت(5).
__________
(1) البخاري: (3810) مسلم: (1761).
(2) الترمذي: (2682)، أبو داود: (3641).
(3) البخاري: (4240-4241)، مسلم: (1759).
(4) فتح الباري: (6/202).
(5) المرجع السابق.(1/45)
هذا هو القدر الثابت من الحديث، وأما ما يروى من خروج فاطمة رضي الله عنها ووقوفها على مجامع الرجال وغير ذلك، فلم يثبت فيه حديث صحيح، والعقل يستبعده كما سبق ذكره في مظلومية الزهراء رضي الله عنها.
والعجيب أن الرواية الثانية وهي قوله: (إن العلماء ورثة الأنبياء، وإن الأنبياء لم يورثوا ديناراً ولا درهماً، وإنما ورثوا العلم، فمن أخذ به أخذ بحظ وافر)، رواها الشيعة في كتبهم عن جعفر الصادق رضي الله عنه(1)، ولكنَّ علماءهم أعرضوا عنها وتناسوها، مع صحتها وثبوتها عندهم.
فقد صححها المجلسي والخميني، يقول المجلسي عن هذا الحديث: «..له سندان: الأول: مجهول، والثاني: حسن أو موثق لا يقصران عن الصحيح»(2).
ويقول الخميني: «رجال الحديث كلهم ثقات، حتى إنّ والد علي بن إبراهيم (إبراهيم بن هاشم) من كبار الثقات المعتمدين في نقل الحديث، فضلاً عن كونه ثقة..»(3).
فهذه الرواية صحيحة عند الشيعة، وصريحة في أنَّ الأنبياء لم يورثوا قليلاً ولا كثيراً من المال، وإنما ورثوا العلم..
ثانياً: أن عمر وعثمان وعلياً والحسن رضي الله عنهم تولوا الخلافة بعد ذلك، فلم يعط أحدٌ منهم شيئاً لورثة فاطمة رضي الله عنها، ولو كان ثمة حق لها فإنه لا يبطل بِمَرِّ السنين(4)، وهذا يرد على من زعم ضعف الحديث واختلاقه.
ثالثاً: لو وَرِثَ النبيَّ صلى الله عليه وآله وسلم أحدٌ لورثه أزواجه وعمه العباس رضي الله عنهم، وكل هؤلاء لم يعطوا شيئاً، فَلِمَ حُصرت القضية في فاطمة رضي الله عنها؟!! ولِمَ لَمْ يطالب البقية بإرثهم لو صح ما يذكرونه من قضية فدك؟!
__________
(1) الكافي: (1/32 – 34)، بحار الأنوار: (2/92، 151).
(2) مرآة العقول: (1/111)، تحت باب: ثواب العالم والمتعلم.
(3) الحكومة الإسلامية، تحت عنوان: صحيحة القداح: (ص93).
(4) منهاج السنة النبوية: (4/220).(1/46)
رابعاً: إن قيل: بأن سليمان عليه السلام ورث داود عليه السلام بنص القرآن، كما قال سبحانه: {وَوَرِثَ سُلَيْمَانُ دَاوُودَ} [النمل:16].
فيقال: المراد إرث النبوة لا المال، فسليمان عليه السلام له إخوة من أبيه، فلا يمكن أن يرث المال وحده، ثم إنه من البدهي إِرثُ كلِّ ابنٍ من أبيه، فلو كان المراد إرث المال، فما الفائدة من ذكره؟! ونحو هذا يقال في قوله سبحانه:
{يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آَلِ يَعْقُوبَ} [مريم: 6].
خامساً: أن فاطمة رضي الله عنها أمرت بأن تغسلَها زوجةُ أبي بكر الصديق رضي الله عنهما وهي أسماء بنت عميس التي تزوجها علي بن أبي طالب رضي الله عنه بعد ذلك، كما أمرت أن تُدفن حيث لا يراها الرجال الأجانب؛ وذلك لشدة حيائها، وقد قامت أسماء بنت عميس على تمريضها، وشاركت في غسلها، ثم دفنت ليلاً(1)، ولا يمكن أن تمرضها وتغسلها إلا بإذن زوجها -الصديق- وعلمه.
وهذا يدل على ما كان بينهم من ألفة ومحبة، ولو لم يكن الصديق رضي الله عنه يُجِلُّ فاطمة رضي الله عنها لما أذن لزوجته بتمريضها وتغسيلها وتكفينها.
* ... * ... *
المبحث الرابع
عمر وزواجه من أم كلثوم بنت علي بن أبي طالب
من الحقائق التي تخفى على كثير من الشيعة:
أن علياً رضي الله عنه زوج عمر رضي الله عنه ابنته أم كلثوم.
وأنه أثنى عليه ونصح له في كثير من المواقف.
وأنه سمى أحد أبنائه بـ(عمر).
__________
(1) قال المجلسي في بحار الأنوار: (30/347-348) ما نصه: ".. وروي أنه لما حضرتها الوفاة قالت لأسماء بنت عميس: (إذا أنا مت فانظري إلى الدار..)، ثم ذكر المجلسي من حضر وفاتها فقال: ".. وأنه لم يحضرها إلا أمير المؤمنين والحسن والحسين وزينب وأم كلثوم وفضة جاريتها وأسماء بنت عميس"، وفي الأمالي للمفيد: (281) قال: "وكان يمرضها بنفسه، وتعينه على ذلك أسماء بنت عميس.."، وانظر: الأمالي للطوسي: (109)، كشف الغمة: (2/122-126) (ذكر وفاتها وما قبل ذلك).(1/47)
كما سمى أحدَ أبنائِه بـ(أبي بكر)، وآخر بـ(عثمان)، وكلهم قُتِلَ مع الحسين رضي الله عنه في كربلاء(1).
وكذا فعل عددٌ من الأئمة، فقد سمى الحسنُ والحسينُ أبناءهما باسم (أبي بكر) و(عمر)، وكذا عليُّ بنُ الحسين سمى بعض أبنائه (عمر) وآخر سماه (عثمان)، وكان يحب أن يكنى بـ(أبي بكر)، وكذا الكاظمُ سمى باسم (أبي بكر) و(عمر)، وكان الرضا يحب أن يكنى بـ(أبي بكر)..، وغيرهم كثير وليس هذا مجال حصره(2).
إن هذه التسميات المتكررة تدل دلالة قاطعة على عظم المحبة بينهم، ولا يمكن بحال أن تكثر التسميات والمصاهرات مع وجود البغضاء والشحناء بينهم، فضلاً عن الردة والنفاق.
والشيعة غالباً ما يلجئون إلى تبرير ذلك بأن التسمية لا تدل على المحبة، وأن قضية الزواج لا تصح.
وفي هذا مغالطة للمنقول والمعقول:
فإن كل عاقل يدرك أهمية اختيار الاسم الحسن، ولا يرضى رجل سوي عاقل بأن يسمي ابنه بأسماء تختص بأعدائه وأعداء دينه.
__________
(1) انظر: الإرشاد: (ص167)، المناقب: (4/112)، الكافي: (1/286)، معجم الخوئي: (13/45).
(2) الغريب أيضاً أن هذه الأسماء نقلتها كتب الشيعة، فلماذا تخفى عنهم؟!! وانظر مثلاً: مقاتل الطالبيين: (92/453)، المناقب: (4/112، 175)، إعلام الورى: (212، 243)، البحار: (10/250)، (44/163، 168، 169)، (45/36، 63، 67)، التنبيه والإشراق: (263)، كشف الغمة: (2/217، 341).(1/48)
وأحاديث تزويج علي رضي الله عنه ابنته لعمر رضي الله عنه روتها كتب الشيعة، وصححها بعض علمائهم الكبار؛ فإن المجلسي -وهو من أكبر علماء الشيعة في القرون المتأخرة- ذكر في كتابه: (مرآة العقول) بأن أحاديث تزويج علي ابنته أم كلثوم بعمر بن الخطاب صحيحةٌ لا شكَّ فيها، وقد ذكر الأحاديث التي أوردها صاحبُ (الكافي) ثم حكم على الأول والثاني بأن درجتهما حسن(1)، والثالث بأن درجته موثق، والرابع بأن درجته صحيح(2).
وقد ذكر المجلسي إنكارَ المفيدِ لهذا التزويجِ، ثم قال: (.. وكذا إنكارُ المفيدِ (ره) أصلَ الواقعة إنما هو لبيانِ أنه لم يثبت ذلك من طرقهم، وإلا فبعد ورود تلك الأخبار وما سيأتي بأسانيد أن علياً رضي الله عنه لما توفي عمرُ أتى أمَّ كلثومَ فانطلق بها إلى بيته، وغير ذلك مما أوردتُه في كتابِ بحارِ الأنوار، إنكارُ ذلك عجيبٌ، والأصلُ في الجوابِ هو أن ذلك وقع على سبيل التقية والاضطرار، ولا استبعاد في ذلك.. إلخ)(3).
ولا أظن المفيد يجهل مثل هذه الأحاديث، ولكنه وقع في معضلة لابد له أن يتخلص منها؛ إذ كيف يزوج عليٌ رضي الله عنه ابنته أم كلثوم رضي الله عنها لطاغوت منافق! ولا يمكن لرجل عاقل تزويج ابنته لرجل بهذه المثابة مهما كانت الأمور، فضلاً عن علي رضي الله عنه.
أما المجلسي فإنه أثبت هذا الزواج؛ بناءً على صحة هذه الأحاديث، ولكنه يقول: إنه زَوَّجه تقيةً واضطراراً..
ولا تدري من أيهما تعجب!
أَمِنْ إِنكارِ أحاديثٍ ثابتةٍ والتعامي عنها، أم من جعل الأعراض بهذه المثابة؟! فهل وصل أمر الأعراض عند علي رضي الله عنه إلى هذه الدرجة من المهانة حتى يزوجه تقية واضطراراً؟!
__________
(1) مرآة العقول: (20/42) باب تزويج أم كلثوم.
(2) مرآة العقول: (21/197) باب المتوفى عنها زوجها المدخول بها أين تعتد؟
(3) مرآة العقول: (20/45) باب تزويج أم كلثوم.(1/49)
وهل هذه هي قيمة بنت فاطمة رضي الله عنها عند الشيعة حتى تُجعل عند طاغوت منافق تقية واضطراراً!!
وخلاصة القول: أن هذا هو قول علي رضي الله عنه وفعله وصنيعه، ولم يبق على من يريد الحق إلا أن يزيح عن عينيه غشاوة التقليد ويبصر حقيقة الحال، والله الهادي إلى سواء السبيل.
* ... * ... *
المبحث الخامس
شبهة حول زوجات النبي صلى الله عليه وسلم
حث النبي صلى الله عليه وآله وسلم من يريد الزواج بالبحث عن امرأة صاحبة دين وخلق، ولا يحل لمسلم أن يتزوج كافرة – غير كتابية - أو يبقيها معه، كما هي شريعة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم.
وإذا كان النبي صلى الله عليه وسلم يحث أمته على ذلك فهو أولى الناس بصلاح زوجاته وإيمانهن، ولذا خيرهن الله بين إرادة الآخرة والبقاء مع النبي صلى الله عليه وسلم أو إرادة الدنيا ومفارقة النبي صلى الله عليه وسلم فاخترن الله ورسوله والدار الآخرة.
ومن المحزن أن نفترض لأنفسنا الزواج من امرأة كفؤ ومن بيت كريم، وفي المقابل ننسب إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم الزواج من امرأة منافقة أو كافرة أو رأسٍ في الفتنة، ويَعلم ذلك من حالها، ثم يبقيها معه حتى يموت، وكأننا ننزه أنفسنا عما لا ننزه عنه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، بل وما لا ننزه عنه ربنا سبحانه وتعالى حيث رضيها لنبيه صلى الله عليه وآله وسلم؟!
ولم أكن أصدق أن يعتقد أحد مثل هذا الكلام حتى قرأت قول بعض الشيعة: إن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أشار إلى حجرة عائشة، عنها فقال: «ألا إن الفتنة هاهنا» (1)!!
__________
(1) انظر: وصول الأخيار للعاملي: (83)، الصراط المستقيم: (3 /142).(1/50)
والنبي صلى الله عليه وآله وسلم إنما أشار إلى جهة المشرق، فانظر كيف وصل بهم الحال إلى النيل من النبي صلى الله عليه وآله وسلم ومن زوجه، وهل يعقل أن يمسكها لو كانت كذلك؟ ولو قُدِّر وجاءه أولادٌ منها فهل سيكون أبناؤه صلى الله عليه وآله وسلم من أُمٍ هي رأسٌ في الفتنة والنفاق؟!!
ولا نزاع في بشرية أزواج النبي صلى الله عليه وسلم ووقع بعض الأخطاء منهن، ولكنها بغير الصورة التي يصورها الشيعة اليوم، ولذا فقد أبقاهن النبي صلى الله عليه وسلم معه إلى أن مات.
ففي سورة التحريم أخبر سبحانه أن عائشة وحفصة رضي الله عنهما قد صاغت قلوبهما أي «فقد وجد منكما ما يوجب العقوبة وهو ميل قلوبكما عن الواجب في مخالصة رسول الله صلى الله عليه وسلم من حب ما يحبه وكراهية ما يكرهه» (1)!!
وأما واقعة الجمل فقد خرجت عائشة رضي الله عنها تريد الإصلاح، وخروجها لمصلحة تظنها لا حرج فيه، ولا ينافي الأمر بقرارها في بيتها، وذلك كخروجها للحج والعمرة في زمن النبي صلى الله عليه وسلم وبعده.
وقد خَيَّر الله نساء النبي صلى الله عليه وآله وسلم بين اختيار الآخرة والبقاء مع النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وبين اختيار الدنيا ومفارقة النبي صلى الله عليه وآله وسلم، فاخترن الله ورسوله والدار الآخرة؛ ولذا لم يطلّق النبي صلى الله عليه وآله وسلم واحدة منهن، قال سبحانه: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لأَزْوَاجِكَ إِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا فَتَعَالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنَّ سَرَاحًا جَمِيلاً . وَإِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ اللهَ وَرَسُولَهُ وَالدَّارَ الآَخِرَةَ فَإِنَّ اللهَ أَعَدَّ لِلْمُحْسِنَاتِ مِنْكُنَّ أَجْرًا عَظِيمًا} [الأحزاب:28-29].
__________
(1) الكشاف للزمخشري، عند تفسير سورة التحريم، آية 4.(1/51)
ولو لم يحصل مقتضى هذا التخيير لكان عبثاً، والله سبحانه وتعالى منزه عن ذلك، فأبقاهن النبي صلى الله عليه وآله وسلم معه إلى أن مات عليه الصلاة والسلام.
* ... * ... *
الفصل الرابع
الإمامة والنص
وفيه مبحثان:
المبحث الأول:
الصحابة والنص على الإمامة
المبحث الثاني:
الإمامة بين النص والعقل والواقع
المبحث الأول
الصحابة والنّص على الإمامة
يعتقد الشيعة أن الله نص على إمامة اثني عشر إماماً(1)
__________
(1) وهم: علي ثم الحسن ثم الحسين رضي الله عنهم، ثم تتسلسل الإمامة في أبناء الحسين: علي بن الحسين (زين العابدين) ثم محمد (الباقر) ثم جعفر (الصادق) ثم موسى (الكاظم) ثم علي (الرضا) ثم محمد (الجواد)، ثم علي (الهادي) ثم الحسن (العسكري) ثم محمد (المهدي المنتظر عند الشيعة)، وقد أثبت عدم وجوده أصلاً بعض الشيعة كأحمد الكاتب في كتابه: تطور الفكر السياسي الشيعي.
وقد ذكر الخوئي عدم وجود رواية صحيحة تنص على أسماء الأئمة كما في صراط النجاة في أجوبة الاستفتاءات: (2/452) حيث قال: "الروايات المتواترة الواصلة إلينا من طريق العامة والخاصة قد حددت الأئمة عليهم السلام باثني عشر من ناحية العدد، ولم تحددهم بأسمائهم عليهم السلام واحدا بعد واحد حتى لا يمكن فرض الشك في الإمام اللاحق بعد رحلة الإمام السابق، بل قد تقتضي المصلحة في ذلك الزمان اختفاءه والتستر عليه لدى الناس، بل لدى أصحابهم عليهم السلام، إلا أصحاب السر لهم، وقد اتفقت هذه القضية في غير هذا المورد والله العالم".
فهل قضية من أصول الدين تكون بهذا الغموض؟!.(1/52)
، وأن هذا من أصول الدين وجحده كفر(1)، ولهذا قالوا بارتداد الصحابة لما جحدوا هذا الأصل وبايعوا الصديق رضي الله عنه، وقد أُجبِرَ عليٌّ رضي الله عنه على البيعة وأكره عليها.. إلخ.
وقد كفانا في الجواب عن ذلك الإمام علي رضي الله عنه حيث يقول متحدثاً عن بيعته لأبي بكر رضي الله عنه:
«..فمشيت عند ذلك إلى أبي بكر فبايعته، ونهضت في تلك الأحداث حتى زاغ الباطل وزهق، وكانت كلمة الله هي العليا ولو كره الكافرون، فتولى أبو بكر تلك الأمور، فيسر وسدد وقارب واقتصد، فصحبته مناصحاً، وأطعته فيما أطاع الله فيه جاهداً»(2).
وهذه الرواية جاء في أولها أن علياً رضي الله عنه امتنع عن المبايعة أول الأمر؛ إما لأنه كان يرى أنه أحق بها لقرابته، أو لأنه يرى أن له حقاً في اختيار الإمام والخليفة، ولكنه بايع بعد ذلك، وأثنى هذا الثناء، ولا يمكن أن يثني هذا الثناء على أبي بكر رضي الله عنه ويشهد له بأنه يسر وسدد وقارب لو لم يكن كذلك.
وقد صرح السيد محمد آل كاشف الغطاء بهذه الحقيقة، فقال: (وحين رأى أن الخليفتين -أعني: الخليفة الأول والثاني- بذلا أقصى الجهد في نشر التوحيد وتجهيز الجنود وتوسيع الفتوح، ولم يستأثرا ولم يستبدا بايع وسالم)(3).
__________
(1) يقول الصدوق كما في الاعتقادات: (103) ما نصه: "واعتقادنا فيمن جحد إمامة أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام والأئمة من بعده عليهم السلام أنه كمن جحد نبوة جميع الأنبياء، واعتقادنا فيمن أقر بأمير المؤمنين وأنكر واحداً من بعده من الأئمة أنه بمنزلة من أقر بجميع الأنبياء وأنكر نبوة نبينا محمد صلى الله عليه وآله".
(2) شرح النهج لابن أبي الحديد: (6/95)، البحار: (33/568)، الغارات للثقفي: (2/305 - 307).
(3) انظر: أصل الشيعة الاثني عشرية وأصولها: (123-124).(1/53)
وبهذا يظهر فساد القول بمخالفة الصحابة رضي الله عنهم لأمر الله ورسوله صلى الله عليه وسلم، واغتصاب الخلفاء الثلاثة رضي الله عنهم لحق عليٍّ رضي الله عنه وتصرفهم في الأرض بغير وجه حق، وقد رأيت كلام علي رضي الله عنه مع ما سيأتي من ظاهر أحوالهم معه وأحواله معهم، مما ينبئ بخلاف ذلك، فلم يكن يجمعهم سوى المحبة والاحترام وإقرار كل واحد منهم بفضيلة الآخر..
وعلي رضي الله عنه لا يعتقد النص على الإمامة؛ بل كان يرى أن الخلافة الشرعية هي ما تمت بمشورةٍ من المهاجرين والأنصار، وكان يرى شرعية خلافة أبي بكر وعمر، بل كان يثني عليهما كثيراً..
يقول رضي الله عنه كما في (نهج البلاغة): «إنه بايعني القوم الذين بايعوا أبا بكر وعمر وعثمان على ما بايعوهم عليه، فلم يكن للشاهد أن يختار، ولا للغائب أن يرد، وإنما الشورى للمهاجرين والأنصار، فإن اجتمعوا على رجل وسموه إماماً، كان ذلك لله رضاً، فإن خرج منهم خارج بطعن أو بدعة ردوه إلى ما خرج منه، فإن أبى قاتلوه على اتباعه غير سبيل المؤمنين، وولاه الله ما تولى»(1).
فقد احتج بهذا على معاوية ليلزمه ببيعته، مبيناً أن من بايعه المهاجرون والأنصار فقد تمت بيعته، وكان وفق مرضاة الله سبحانه.
وما كان لمثل علي رضي الله عنه أن يحابي أحداً في دين الله، ولا أن يَستدِلَّ بباطلٍ ليثبت حقاً، ولا أن يتفوه بباطلٍ عمداً مسايرةً لأحد، كيف والشيعة تدعي أنه معصوم، وأنه قمة في الشجاعة؟! رضي الله عنه وأرضاه.
__________
(1) نهج البلاغة، خطبة: (6)، شرح ابن أبي الحديد: (14/35)، شرح محمد عبده: (3/7)، البحار: (32/368)، (33/77).(1/54)
علاوة على ذلك نجد أنه يقول عن بيعة المهاجرين والأنصار: «فإن اجتمعوا على رجل وسموه إماماً كان ذلك لله رضاً»، وهم ولا شك قد اجتمعوا على بيعته، كما اجتمعوا قبل ذلك على بيعة أبي بكر ثم بيعة عمر ثم بيعة عثمان، وسموا كُلَّ واحدٍ منهم: «إمام المسلمين..» بل لم يحصل من الاجتماع عليه كما حصل لمن سبقه.
وجاء في (نهج البلاغة) أيضاً عن علي رضي الله عنه أنه قال: «دعوني والتمسوا غيري..» إلى أن قال: «وأنا لكم وزيراً خير لكم مني أميراً»(1).
وهذا القول يدل على عدم النص؛ إذ لو كان هناك نصٌ لم يجز أن يقول هذا الكلام؛ لأن حكم الله هو خير الأمور، وكان الواجب عليه أن يقول: خير الأمور أن أكون أميراً عليكم؛ إذ مقتضى كونه حكم الله أن يكون خير الأمور، وأن يُظهِرَ النَّص ويصرح به وقت الحاجة، سيَّما والناس يطلبون منه البيعة وهو يعتذر عنها، ولو ساغ له كتم النص أول الأمر، فكيف يصح له في مثل هذا الموقف؟!!
فتبين من هذين النصَّيْن عن علي رضي الله عنه عدم وجود نص على الإمامة..
وقد اشتمل القرآن على أصول العقائد والأحكام -وإن كانت تفاصيلها في السنة المطهرة- ومع ذلك لا نجد من بينها النص على الإمامة نصاً ظاهراً يفهمه كل من قرأ القرآن بلسان عربي مبين، وأما الروايات فكلٌ يستطيع وضع رواياتٍ على ما يريد تفسيراً للقرآن أو غير ذلك، ومن ثَمَّ نحتاج إلى التمحيص ومعرفة الصحيح من الضعيف، والمقبول من المردود.
ثم إن أدلة الشيعة على الإمامة لا تستقيم؛ إما لضعفها، وإما لعدم دلالتها، ناهيك عن كون بعضها ينقض بعضاً.
__________
(1) نهج البلاغة، خطبة: (92)، بحار الأنوار: (32/35، 36)، (33/116)، شرح ابن أبي الحديد: (7/34).(1/55)
فحديث غدير خم(1)، وما روي فيه من قول بعض الصحابة لعلي رضي الله عنه: «هنيئاً يا ابن أبي طالب أصبحت وأمسيت مولى كل مؤمن ومؤمنة» (2)، يُبْطِلُ الاستدلالَ بما قبله من روايات، كحديث يوم الدار(3)؛ فإن كون هذا الحديث ينص على الإمامة وأنه في هذا اليوم صار مولى كلِّ مؤمنٍ ومؤمنةٍ؛ حيث هنأه بعضهم على ذلك، كل هذا يدل على أن الإمامة لم ينص عليها قبل ذلك.
وحديث رزية يوم الخميس(4)، إذا كان من أجل النص على الإمامة يبطل الاستدلال بما قبله من أحاديث، وهكذا..
هذا على فرض التسليم بدلالة الحديث على الإمامة، والحق أنه لا دلالة فيها على ذلك؛ فلفظ المولى هنا معناه المحبة، وذلك كقوله سبحانه: {فَإِنَّ اللهَ هُوَ مَوْلاهُ وَجِبْرِيلُ وَصَالِحُ الْمُؤْمِنِينَ} [التحريم:4] ولا يستقيم المعنى هنا إلا بجعله بمعنى المحبة المقتضية للنصرة والتأييد؛ ولا يمكن جعل المولى بمعنى الخليفة؛ لأن جبريل وصالح المؤمنين ليسوا خلفاء على الرسول صلى الله عليه وآله وسلم.
__________
(1) أصل الحديث في صحيح مسلم: (2408)، وأما الزيادات عليه فجلها ضعيف. وانظر الكافي: (1/289).
(2) مسند الإمام أحمد: (18011)، والحديث ضعيف، فيه علي بن زيد بن جدعان، مشهور ضعفه، انظر تقريب التهذيب: (401)، وهو في البحار: (37/159).
(3) مسند الإمام أحمد: (885)، وأيضاً: بحار الأنوار: (18/178)، والحديث مكذوب، قال عنه الألباني: موضوع كما في السلسلة الضعيفة: (4932) .
(4) البخاري: (5669)، مسلم: (1637). وانظر: وسائل الشيعة: (1/15)، بحار الأنوار: (22/474)، ورزية الخميس كما قال ابن عباس رضي الله عنهما: (إن الرزية كل الرزية ما حال بين رسول الله صلى الله عليه وسلم وبين أن يكتب الكتاب).(1/56)
ومثل هذا أيضاً يقال في قوله سبحانه: {إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آَمَنُوا} [المائدة:55] فإن الله سبحانه وتعالى لا يوصف بأنه أمير على عباده، بل هو ربهم وخالقهم وإلههم، وكذلك الرسول صلى الله عليه وآله وسلم لا يقال بأنه أمير عليهم، وإنما هو نَبِيٌّ تجب طاعته، وطاعته طاعة لله سبحانه وتعالى.
وأيضاً فما روي عن بعض الصحابة من قوله: «اليوم أصبحت مولاي ومولى كل مؤمن» يدل على أن المراد هو المحبة؛ وذلك لأنه لا يمكن أن يكون خليفة على المسلمين ورسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بين ظهرانيهم، وقوله: «اللهم وال من والاه، وعاد من عاداه»(1) يفسر بعضه بعضاً، حيث جعل العداوة في مقابل الموالاة.
أضف إلى ذلك أن لفظ «المولى» له معانٍ كثيرة جداً، ولو أراد النص على الإمامة لذكره بنصٍ صريحٍ يرفع النزاع ويحسم مادة الخلاف.
وهنا مسألة أختم بها هذا الحديث: وهي أن غديرَ خُمٍ مكانٌ بالقرب من المدينة، حيث خطب النبي صلى الله عليه وآله وسلم بمن بقي معه من أهل المدينة ومن كان في طريقهم، وسببُ هذه الخطبة أن بعض الصحابة وجد في نفسه على علي رضي الله عنه لما شدد عليهم في قسمة الغنائم في اليمن، فأتى مشتكياً للنبي صلى الله عليه وآله وسلم، فخطب النبي صلى الله عليه وآله وسلم هذه الخطبة مشيراً إلى وجوب محبة علي رضي الله عنه(2)، ولو أراد أمراً كالإمامة، لخطب به في مجمع الحجيج قبل تفرق الناس عنه كأهل اليمن ونجد والبحرين وغيرهم..
__________
(1) سنن ابن ماجه: (116)، مسند الإمام أحمد: (953). وانظر: بحار الأنوار: (35/184).
(2) انظر البداية والنهاية: (5/106)، السيرة لابن هشام: (4/603)، مغازي الواقدي: (3/1080).(1/57)
وحديث المنزلة(1) -وهو قوله صلى الله عليه وسلم: «أنت مني بمنزلة هارون من موسى»- يكفي في ردِّ الاستدلال به على الإمامة ورود حديث الغدير بعده، مع أنه لا يفيد إلا تشبيه استخلاف النبي صلى الله عليه وآله وسلم لعلي على المدينة باستخلاف موسى عليه السلام لهارون عليه السلام على قومه، ولو أراد بذلك الخلافة بعد موته لشبَّهَهُ بيوشع عليه السلام؛ فإنه استُخلِف على بني إسرائيل بعد وفاة موسى عليه السلام، وهارون توفي في حياة موسى رضي الله عنه.
ومن جعل التشبيه في الحديث تشبيهاً مطلقاً لزمه أن يجعل التشبيه شاملاً للنبوة زمن النبي صلى الله عليه وآله وسلم وهذا غير مراد قطعاً؛ لأنه صلى الله عليه وسلم في آخر الحديث قال: «إلا أنه لا نبي بعدي».
وهذه لطيفة لغوية هامة توضح المراد من الحديث، وأنه لا يراد به التشبيه الكلي، فلم يقل أحدٌ بأن علياً رضي الله عنه كان نبياً مع النبي صلى الله عليه وآله وسلم كما أن هارون عليه السلام كان نبياً مع موسى عليه السلام، فدل على أن المراد بقوله: «أنت مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي» تشبيه استخلاف النبي صلى الله عليه وآله وسلم لعلي على المدينة، باستخلاف موسى لهارون لما ذهب لميقات ربه.
ثم إن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال هذا الكلام تطييباً لخاطر علي رضي الله عنه لما استخلفه على المدينة، فأرجف به المنافقون، وقالوا: ما خلفه إلا استثقالاً له وتخففاً منه، فحزن علي رضي الله عنه ولحق بالنبي صلى الله عليه وآله وسلم، فطيب خاطره بهذا الكلام وأرجعه إلى المدينة(2).
والمقصود أن الاستدلال بهذه الروايات لا يسلم من معارض، فضلاً عن كون بعض الروايات أو الألفاظ ضعيفاً أو موضوعاً..
__________
(1) البخاري: (3704)، ومسلم: (2404)، وانظر: الكافي: (8/107).
(2) البداية والنهاية: (5/7)، وانظر: الإرشاد: (1/156)، بحار الأنوار: (2/226).(1/58)
ويكفينا قول علي رضي الله عنه: «وإنما الشورى للمهاجرين والأنصار، فإن اجتمعوا على رجل وسموه إماماً كان ذلك لله رضاً..»(1).
بقي مسألة مهمة: وهي قول بعض الشيعة: إن علياً رضي الله عنه ترك حقه
-يعني: الخلافة- ولم يقاتل عليها الخلفاء الذين قبله، وكذلك لم يدافع عن بضعة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فاطمة الزهراء رضي الله عنها؛ لأنه خشي أن يضيع الإسلام، أو حفاظاً على بيضة الإسلام، ونحو ذلك!!
وهذا القول لا شك أن قائله لم يعقل ما يقول، وإلا لم يتفوه به، فلو كانت الإمامة ركن الإسلام الأعظم، فماذا بقي في الإسلام حتى يخشى عليه؟! ولو كان سيترك ما يراه حقاً لم يبرز لمعاوية ولا لغيره!!
بل كان رضي الله عنه لا يخشى في الله لومة لائم، وما كان لمثله أن يسكت عن فرع من فروع الدين لو أجمع الناس على تركه، فكيف بركن من أركانه؟!
كيف وهو القائل كما في النهج: «إن هذا الأمر لم يكن نصره ولا خذلانه بكثرة ولا قلة، وهو دين الله الذي أظهره، وجنده الذي أعده وأمده، حتى بلغ ما بلغ، وطلع حيث طلع، ونحن على موعود من الله، والله منجز وعده، وناصرٌ جنده..»(2)؟!
__________
(1) العاقل المنصف الذي يدرس الروايات بإمعان سيخرج بما خرج به الباحث عن الحقيقة خليفة الإمام الشيرازي أحمد الكاتب في كتابه تطور الفكر السياسي الشيعي..، وأحمد الكاتب من الشيعة المعاصرين المعروفين بتعصبهم سابقاً للمذهب الشيعي كما لا يخفى، وممن ناقش هذه العقيدة من أهل السنة فيصل نور في كتابه الإمامة والنص، وقبله شيخ الإسلام ابن تيمية في كتابه منهاج السنة.
(2) نهج البلاغة، خطبة: (146)، شرح ابن أبي الحديد: (9/100)، شرح محمد عبده: (2/29).(1/59)
فلو كانت إمامته من أركان الدين لم يتوانَ عليٌّ رضي الله عنه في طلبها، إذ الله تعالى قد تكفل بحفظ الدين، فليست العبرة بالكثرة ولا بالقلة، ولكن الحقيقة التي لا تخفى أنه بايع طائعاً مختاراً عالماً، وشارك معهم في جهادهم وفتوحاتهم ونشرهم للإسلام.
وحرب أمير المؤمنين عليٍ رضي الله عنه مع معاويةَ وطلحةَ والزبيرِ رضي الله عنهم لم تكن من أجل الإمامة، ولا شك أن علياً رضي الله عنه وطائفته كانوا أولى بالحق من طائفة معاوية رضي الله عنه، وطائفة معاوية هي الطائفة الباغية، ومع ذلك وصفهم الله جميعاً بالإيمان، كما قال سبحانه: {وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللهِ فَإِنْ فَاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ} [الحجرات:9] فسمى الله الفئة الباغية مع ذلك مؤمنة كما هو ظاهر في الآية..
فالقتال الذي حصل بينهم إنما هو قتالٌ بسبب التأوُّلِ في دمِ عثمانَ رضي الله عنه، ولم يكن بسبب العداوة في الدين، فأمير المؤمنين عليٌّ رضي الله عنه كان يقول: لا بد من مبايعة جميع المسلمين ثم بعد ذلك نقتص من قتلة عثمان، ومعاوية كان يقول: لا نبايع إلا بعد الاقتصاص من قتلة عثمان، فهذا هو سبب قتالهم(1).
__________
(1) تاريخ الطبري: (4/437)، البداية والنهاية: (7/239)، وانظر: الفصل في الملل والأهواء والنحل: (4/160)، مجموع الفتاوى: (25/72).(1/60)
وهذا ما كان يصرح به عليٌ رضي الله عنه، فقد كان يقول -كما في (نهج البلاغة)- ذاكراً فيه ما جرى بينه وبين أهل صفين: «وكان بدء أمرنا أنا التقينا والقوم من أهل الشام، والظاهر أن ربنا واحد، ودعوتنا في الإسلام واحدة، ولا نستزيدهم في الإيمان بالله والتصديق برسوله ولا يستزيدوننا، والأمر واحد إلا ما اختلفنا فيه من دم عثمان، ونحن منه براء»(1).
وإلا فهل يعقل أن يتنازل سيدنا الحسن بن علي رضي الله عنهما لعدو الإسلام والمسلمين كما يزعم البعض؟!!
وهل يعقل أن يقول عن شيعته الذين شنعوا عليه لَمّا صالح معاوية: «أرى والله معاويةَ خيراً لي من هؤلاء، يزعمون أنهم لي شيعة، ابتغوا قتلي، وانتهبوا ثَقَلي، وأخذوا مالي، والله لأن آخذ من معاوية عهداً أحقن به دمي وآمن به في أهلي، خيرٌ من أن يقتلوني فيضيع أهل بيتي وأهلي»(2).
ولا شك أن سيدنا الحسن رضي الله عنه قد فعل ما هو الأصلح له وللأمة حين تنازل عن الخلافة، لحديث: «إن ابني هذا سيدٌ، ولعل الله أن يصلح به بين فئتين عظيمتين من المسلمين»(3).
وكذا عمل الأصلح سيدنا الحسين رضي الله عنه لما صبر طيلة فترة معاوية رضي الله عنه ولم يخرج عليه، حتى تولى يزيد ابنه فخرج عليه، ويزيد كما هو معلوم ليس بصحابي..
فمما سبق يتضح لك لِمَ تنازل الحسنُ لمعاويةَ رضي الله عنهما، وكذا الحسين رضي الله عنه لِمَ لم يخرج في زمن معاوية، بل كان مطيعاً له تابعاً لإمرته، فلما ولي يزيد خرج عليه ولم يبايعه..
__________
(1) نهج البلاغة، خطبة: (58)، شرح ابن أبي الحديد: (17/141)، شرح محمد عبده: (3/114)، بحار الأنوار: (33/307).
(2) الاحتجاج للطبرسي: (2/290)، بحار الأنوار: (44/20).
(3) البخاري: (2704)، وانظر: بحار الأنوار: (43/298).(1/61)
وأمير المؤمنين عليٌّ رضي الله عنه لم يكن ينسب أحداً من أهل حربه إلى الشرك ولا إلى النفاق، ولكنه يقول: «هم إخواننا بغوا علينا»(1). فوصفهم بما وصفهم الله جل وعلا به في قوله: {وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللهِ..} [الحجرات:9].
وكان رضي الله عنه ينهى عن السب والشتم واللعن، حيث قال لشيعته كما في (نهج البلاغة): «إني أكره لكم أن تكونوا سبابين»(2)، فالمسلم لا يكون سباباً ولا لعاناً، ومعلوم أن اللعّانين لا يكونون شفعاء ولا شهداء يوم القيامة.
والمحزن هو انشغال بعض الشيعة هداهم الله بالشتمِ واللعنِ والسبِّ بدل انشغالهم بما ينفعهم في الآخرة من التسبيح والتحميد والتهليل.
فرحم الله الصحابة وآل البيت أجمعين، ورضي عنهم وأرضاهم، وجمعنا بهم في جنات ونهر، في مقعد صدق عند مليك مقتدر..
المبحث الثاني
الإمامة بين النص والعقل والواقع
تبين مما سبق عدم وجود نص على الإمامة، ولا شك أن النقل الصحيح لا يخالف العقل الصريح.
فهل القول بالإمامة يوافق العقل ويطابق الواقع أم لا؟
أما من جهة العقل فإن قيام المصاهرات بينهم، وتسمية أبنائهم بأسماء بعض، وثناء بعضهم على بعض أعظم دليل على عدم ما ينسجه الشيعة حول الإمامة.
ومن جهة أخرى فإن الأئمة -عند الشيعة- معصومون، ويتعاملون بالتقية عند الخوف على أنفسهم وأتباعهم(3)، وهاتان قضيتان –العصمة والتقية- متنافيتان متضادتان، وكذلك فإن تمييز التقية لا يمكن.
__________
(1) وسائل الشيعة: (11/62)، الاحتجاج: (2/40)، تفسير العياشي: (2/20، 151)، البحار: (32/324).
(2) نهج البلاغة، خطبة: (206)، شرح ابن أبي الحديد: (11/21)، شرح محمد عبده: (2/185)، البحار: (32/561).
(3) انظر مثلاً: تهذيب المقال للأبطحي، لما تحدث عن زرارة بن أعين: (5/356).(1/62)
ولا شك أن ضبط ما قيل تقية من غيره متعذر، ولنا أن نسأل المراجع بالذات: هل يوجد لديكم ضابط يستطيع به طلاب العلم والحوزات والمثقفون أن يفرقوا بين ما قاله الأئمة على وجه التقية، وما قالوه على وجه الحقيقة، خاصة وأن العلماء أنفسهم اختلفوا في مسائل بسبب اختلافهم في هذه الرواية أو تلك هل قيلت على وجه التقية أو الحقيقة، فضلاً عن غير العلماء؟!!
ثم يقال: هل التقيةُ حالَ الضرورة جائزةٌ أم لا، وهل المعصومُ تجوز عليه التقية؟
والجواب: أن التقية حال الضرورة جائزةٌ لغير المعصوم؛ ودليل هذا ما حصل لعمارٍ رضي الله عنه عندما آذاه المشركون فتكلم بما يرضيهم حتى يتركوه، فلما تركوه وذهب للنبي صلى الله عليه وآله وسلم قال له: «إن عادوا فعد»(1).
أما المعصوم، فإنه لا تجوز له التقية بحال من الأحوال.. لأن مقتضى العصمة هو عدم الغلط في تبليغ هذا الدين، فالنبي صلى الله عليه وآله وسلم لا ينطق عن الهوى، كما قال سبحانه: {وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى . إِنْ هُوَ إِلا وَحْيٌ يُوحَى} [النجم:3-4] ويترتب على هذا أن كلَّ ما يقوله من أمور الدين حقٌ ووحيٌ وتشريعٌ، ولهذا لا يمكن أن يكذب حتى في حال الضرورة، وهذا معنى كونه معصوماً.
وتجويز الكذب عليه في الدين حتى حال الضرورة تجويزٌ للكذب على الله سبحانه، ولهذا لما سأل أحدُ الصحابة النبيَّ صلى الله عليه وآله وسلم: هل يكتب كلَّ ما يقول حتى في حال الغضب؟ قال له النبي صلى الله عليه وآله وسلم: «اكتب فإني لا أقول إلا حقاً»(2).
__________
(1) المستدرك: (3362)، سنن البيهقي الكبرى: (16673)، وأيضاً: الكافي: (2/219)، وسائل الشيعة: (16/226)، بحار الأنوار: (19/35).
(2) سنن أبي داود: (3646)، وانظر تاريخ دمشق: (31/258)، وأيضاً: بحار الأنوار: (2/147).(1/63)
وأما قول النبي صلى الله عليه وآله وسلم عن الرجل: «بئس أخو العشيرة؛ فلما دخل عليه هَشَّ في وجهه وابتسم»(1)، فهذا ليس تقيةً؛ لأن التبسم في وجوه الناس خلقٌ إسلاميٌ رفيعٌ، والنبي صلى الله عليه وآله وسلم لم يقل له: أنت نعم أخو العشيرة، وإلا لعد كذباً في حقه.
وعليه فإنَّ كَونَ المعصوم لا يكذب أبداً أمرٌ لا غبار عليه، ولا مرية فيه، وإنما جَعَلَ الشيعةُ علياً رضي الله عنه معصوماً، فلما فوجئوا بكلام له رضي الله عنه يصادم عقائدهم ويهدمها لجئوا للقول بالتقية، فكيف يجتمع عقلاً القول بالعصمة والتقية؟!!. اللهم إلا إذا عاش السمك والضب معاً في مكان واحد..
والحقُّ أن الأئمة كانوا لا يخشون أحداً إلا الله، ولا يتقون أحداً من الناس، بل روى الشيعة أنفسهم ما يدل على ذلك كحديث الخواتيم، فقد روى علماء الشيعة -كالكليني في الكافي- هذا الحديث، وفيه: (أن كل إمام فَضَّ الخاتمَ الخاص به في أول إمامته، ولما فتح الباقرُ خاتَمه وجد فيه: «فسِّر كتاب الله تعالى، وصدِّق أباك، وورِّث ابنك، واصطنع الأمة، وقم بِحَقِّ الله عز وجل، وقل الحق في الخوف والأمن، ولا تخش إلا الله» ففعل)(2)، ثم ذكر في الرواية التي تليها نحو هذا عن الصادق رحمه الله.
فالرواية تشير بوضوح إلى أن الباقر والصادق رحمهما الله لم يكونا يتقيان أحداً من الناس، وإنما كانا يقولان الحق في الخوف والأمن ولا يخشيان إلا الله.
__________
(1) البخاري: (6032)، مسلم: (2591)، وأيضاً: الكافي: (2/326)، مستدرك الوسائل: (9/36)، بحار الأنوار: (16/281).
(2) الكافي: (1/280)، البحار: (36/210)، التبصرة: (39).(1/64)
ولعمر الله لقد صدق ميثم البحراني حين قال: «إن هذه الممادح التي ذكرها في حق أحد الرجلين -يعني: أبا بكر وعمر- تنافي ما أجمعنا عليه من تخطئتهما وأخذهما لمنصب الخلافة، فإما أن لا يكون هذا الكلام من كلامه رضي الله عنه ، وإما أن يكون إجماعنا خطأً»(1).
ولم يجعل هذا على سبيل التقية كما قال غيره، وإنما جعله محتملاً لأحد أمرين: إما أن لا يكون من كلامه، وإما أن يكون إجماع الشيعة خطأً.
وقد صرح عدد من علماء الشيعة بأن كتاب: (نهج البلاغة) لا شك في نسبته إلى أمير المؤمنين علي رضي الله عنه(2)، فلم يبق إلا الأمر الآخر، وهو أن ما أجمع عليه الشيعة هو الخطأ..
وبهذا يتبين من جهة العقل بطلان القول بالنص على الإمامة.
وأما من جهة الواقع: فإن الشيعة يعتقدون عصمة الأئمة الاثني عشر، وأنه يجب تنصيبهم للخلافة، وأن خلافة من سواهم باطلة؛ لأن غير المعصوم لا يؤمن عليه الغلط في تبليغ هذا الدين فكيف يصلح لخلافة المسلمين؟! فكان وجود المعصومين إلى يوم القيامة أمراً لازماً لحفظ الدين.. إلخ.
فأقول:
هذه القضية لو سلمنا بها فإنها قضية خيالية، وموجودة في الذهن فقط ولا وجود لها في الخارج -أي لا وجود لها في الواقع-.
فإننا نشاهد أن الإسلام باقٍ -بحمد الله- إلى يومنا هذا، ولا معصوم بيننا يمكن مشاهدته والرجوع إليه، وإنما اعتماد الأمة –أمة الدعوة وأمة الإجابة- على علمائها، سواء عند السنة أو الشيعة.
__________
(1) شرح نهج البلاغة لميثم البحراني: (4/98).
(2) انظر كتاب: بحوث في فقه الرجال – تقرير بحث الفاني، لعلي مكي العاملي: (113)، حيث قال: ".. النهج كان على مرأى من علمائنا وأصحابنا المتقدمين، ولم نجد منهم من طعن في صحته أو غمز فيه، مما يدل على تسالمهم بأن ما فيه هو من كلام أمير المؤمنين سلام الله عليه..". وقد أطال الكلام على هذه المسألة ورجح أن هذا الكلام صحيح في الجملة، ولا يلزم أن يعم كل كلمة أو حرف.(1/65)
فإذا صح اعتماد الأمة على اجتهاد العلماء وعلى نقلهم ما يزيد على ألف سنة، فمن باب أولى أن يصح اعتمادها عليهم قبل ذلك، أي: من وفاة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم إلى يومنا هذا، وهذا هو الواقع الذي عليه الجميع وإن كابر البعض.
فكما يصح الاعتماد على اجتهاد العلماء على وفق الدليل، فكذلك يصح الاعتماد على اجتهاد الصحابة رضي الله عنهم على وفق الدين، بل هو أولى؛ فهم نقلة الكتاب والسنة بلا واسطة، وأعرف بلغة العرب ولهجاتها، وعايشوا التنزيل وشهدوا الوقائع، فإدراكهم أقوى من إدراك من جاء بعدهم بلا نزاع.
وكما يصح عند الشيعة الاعتماد على نقل الرواة عن الأئمة، فإن صحة الاعتماد على نقل الصحابة ومن بعدهم من الرواة عن الرسول صلى الله عليه وآله وسلم من باب أولى، فكلهم غير معصوم؛ فضلاً عن كون الصحابة مقطوعاً بعدالتهم في عدم تعمد الكذب كما سبق بيانه، وأما غيرهم فلا؛ ففيهم العدل وغيره، بل فيهم كذابون وزنادقة..
وإذا صححنا حكم بعض الحكومات المعاصرة وهم غير معصومين، فتصحيح خلافة الصحابة وهم غير معصومين من باب أولى.
وخلاصة القول: أن دين الإسلام دين موافق للعقل ولواقع الناس، والقول بالنص على الإمامة لا يمكن تطبيقه في الواقع، وإنما هو مجرد نظرية في الذهن يستحيل تطبيقها والعمل بها.
ولكن لا شك أن هناك من يستفيد من هذه النظرية وينافح عنها من أجل مصالحه الدنيوية، فمن هذه المصالح: الأموال الطائلة التي تؤخذ بغير حق باسم الأئمة المعصومين منذ مئات السنين، وتؤخذ من متوسطي الحال ومن الفقراء، بل وتؤخذ ممن ينتسب إلى آل البيت أنفسهم بدلاً من أن يعطوا إياها، والله أعلم أين تصرف وأين تذهب هذه الأموال..
ومن المصالح أيضاً: تلك القداسة التي افترضها أصحابها وترفعوا بها عن الناس، وتلك المناصب والحكومات الدنيوية التي تخالف ما ينظِّره أصحابها من بطلان كل خلافةٍ وحُكمٍ غير حكم الأئمة المعصومين..(1/66)
فنسأل الله تعالى أن يهدينا وإياهم للرشاد، وأن يرينا الحق حقاً ويرزقنا اتباعه، ويرينا الباطل باطلاً ويرزقنا اجتنابه، وألا يجعله ملتبساً علينا فنضل، والله تعالى أعلم، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.
* ... * ... *
مسك الختام
وفي نهاية المطاف.. أقف وإياك بعد كل هذه الحقائق من كلام الله سبحانه وتعالى وكلام رسوله صلى الله عليه وآله وسلم ، ثم من كلام أئمة آل البيت رحمهم الله تعالى.
- وقد تبين لنا أن المنافقين كانوا معلومين في الجملة، وليس لهم أي أثر في جهاد أو دعوة أو تبليغ للدين، وإنما فرسان ذلك هم الصحابة رضي الله عنهم، الذين قاتلوا مع النبي صلى الله عليه وآله وسلم ، ثم قاتلوا بعد وفاته المرتدين وفتحوا الأمصار وبلغوا دين الله تعالى في الآفاق.
- وتبين أن الصحابي هو من لقي النبي صلى الله عليه وآله وسلم في حياته مؤمناً به ومات على الإسلام، كالسابقين الأولين من المهاجرين والأنصار، الذين لم يظهر فيهم النفاق، حيث أسلموا في فترة ضعف الإسلام، فلم يسلموا طمعاً في دنيا، بل لم يلاقوا إلا التعذيب والإخراج من ديارهم وأموالهم، فآمنوا طمعاً في رضوان الله تعالى، فاستحقوا بذلك مزيد فضل، حيث كانوا سبباً في نشر الإسلام ومثلاً في الصمود من أجله.
وقد كانوا كما أخبر الله عنهم: {أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِنَ اللهِ وَرِضْوَانًا..} [الفتح:29] فسطروا أروع الأمثلة في ذلك، وكانوا هم وآل البيت كالجسد الواحد، وما تلك المصاهرات والتسميات وثناء بعضهم على بعض إلا دليل واضحٌ بيِّنٌ على ذلك.
وهذه الشهادة ليست من قبل أنفسنا، بل من قبل آل البيت رحمهم الله، والذين أبطلوا بأنفسهم مزاعم من يقول بالنص على الإمامة.
فلم يبق بعد ذلك إلا التمسك بالقرآن الكريم، وبهدي سيد المرسلين عليه الصلاة والسلام.(1/67)
ومن نِعَمِ الله علينا أن أنزل هذا القرآن العظيم، وتكفل بحفظه إلى يوم الدين، ونَصَّ فيه على أصولِ العقائدِ والأحكامِ ليبقى مرجعاً عند التنازع والخصام.
فهذا كتاب الله بين يديك، فانظر لنفسك ماذا أنت تختار! وأَعِدَّ للسؤال جواباً.
اللهم هل بلغت.. اللهم فاشهد..
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين..
فهرس المحتويات
تقديم ... 3
تمهيد ... 7
الفصل الأول: تمييز القرآن بين الصحابة والمنافقين ... 9
المبحث الأول: الآيات الصريحة في وجود فئتين ... 10
المبحث الثاني: الثناء على الصحابة وبيان صفاتهم وتفاضلهم ... 11
المبحث الثالث: ذم المنافقين وبيان حقيقتهم وما تنطوي عليه نفوسهم ... 14
المبحث الرابع: موقف الشيعة من آيات الثناء على الصحابة ... 19
الفصل الثاني: مفهوم الصحابة والعدالة في الإسلام ... 26
المبحث الأول: مفهوم الصحبة ... 27
المبحث الثاني: مفهوم العدالة ... 28
الفصل الثالث: شبهات حول الصحابة ... 31
المبحث الأول: حديث الحوض ... 32
المبحث الثاني: الطعن فيمن فَرَّ يوم أحد من الصحابة رضي الله عنهم ... 36
المبحث الثالث: مظلومية الزهراء رضي الله عنها ... 38
المبحث الرابع: عمر وزواجه من أم كلثوم بنت علي بن أبي طالب ... 43
المبحث الخامس: شبهة حول زوجات النبي صلى الله عليه وسلم ... 45
الفصل الرابع: الإمامة والنص ... 47
المبحث الأول: الصحابة والنّص على الإمامة ... 48
المبحث الثاني: الإمامة بين النص والعقل والواقع ... 55
مسك الختام ... 59
فهرس المحتويات ... 60
* ... * ... *(1/68)