الكتاب : السيرة النبوية لابن هشام
المؤلف : عبد الملك بن هشام بن أيوب الحميري المعافري أبو محمد
[ ت : 213]
المحقق : طه عبد الرءوف سعد
الناشر : دار الجيل - بيروت
الطبعة : الأولى ، 1411
عدد الأجزاء : 6*3(1/1)
بسم الله الرحمن الرحيم
وبه نستعين
الحمد لله رب العالمين وصلواته على سيدنا محمد وعلى آله أجميعن
ذكر سرد النسب الزكي من محمد صلى الله عليه وسلم إلى آدم عليه السلام.
قال أبو محمد عبد الملك بن هشام هذا كتاب سيرة رسول الله صلى الله عليه وسلم محمد بن عبدالله بن عبد المطلب واسم عبد المطلب شيبة بن هاشم(1/89)
واسم هاشم عمرو بن عبد(1/91)
مناف واسم عبد مناف المغيرة بن قصي(1/94)
ابن كلاب(1/98)
ابن مرة بن كعب بن لؤي(1/99)
ابن غالب بن فهر(1/100)
ابن مالك بن النضر بن كنانة بن خزيمة بن مدركة واسم مدركة(1/101)
عامر بن إلياس بن مضر(1/102)
ابن نزار بن معد بن عدنان بن أد(1/103)
ويقال أدد بن مقوم بن ناحور بن تيرح بن يعرب بن يشجب بن نابت بن إسماعيل بن إبراهيم خليل الرحمن ابن تارح وهو آزر بن ناحور بن ساروغ بن داعو بن فالخ بن عيبر بن شالخ بن أرفخشذ بن سام بن(1/104)
نوح بن لمك بن متوشلخ بن أخنوخ وهو إدريس النبي فيما يزعمون والله أعلم وكان أول بني آدم أعطى النبوة وخط بالقلم ابن يرد بن مهليل بن قينن بن يانش بن(1/105)
شيث بن آدم صلى الله عليه وسلم
قال ابو محمد عبد الملك بن هشام حدثنا زياد بن عبد الله البكائي عن محمد بن إسحاق المطلبي بهذا الذي ذكرت من نسب محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى آدم عليه السلام وما فيه من حديث إدريس وغيره.
قال ابن هشام وحدثني خلاد بن قرة بن خالد السدوسي عن شيبان ابن زهير بن شقيق بن ثور عن قتادة بن دعامة أنه قال : إسماعيل بن إبراهيم خليل الرحمن ابن تارح وهو آزر ابن ناحور بن أسرغ بن أرغو بن فالخ بن عابر بن شالخ بن أرفخشذ بن(1/106)
سام بن نوح بن لمك بن متوشلخ بن أخنوخ بن يرد بن مهلائيل بن قاين ابن أنوش بن شيث بن آدم صلى الله عليه وسلم(1/107)
@ 108 @(1/108)
منهج ابن هشام في عرضه للسيرة قال ابن هشام وأنا إن شاء الله مبتدىء هذا الكتاب بذكر إسماعيل بن إبراهيم ومن ولد رسول الله صلى الله عليه وسلم من ولده وأولادهم لأصلابهم الأول فالأول من إسماعيل الى رسول الله صلى الله عليه وسلم وما يعرض من حديثهم وتارك ذكر غيرهم من ولد إسماعيل على هذه الجهة للاختصار الى حديث سيرة رسول الله صلى الله عليه وسلم وتارك بعض ما ذكره ابن اسحاق في هذا الكتاب مما ليس لرسول الله صلى الله عليه وسلم فيه ذكر ولا نزل فيه من القرآن شيء وليس سببا لشيء من هذا الكتاب ولا تفسيرا له ولا شاهدا عليه لما ذكرت من الأختصار وأشعارا ذكرها لم ار أحدا من أهل العلم بالشعر يعرفها وأشياء بعضها يشنع الحديث به وبعض يسوء بعض الناس ذكره وبعض لم يقر لنا البكائي بروايته ومستقص إن شاء الله تعالى ما سوى ذلك منه بملبغ الرواية له والعلم به(1/109)
$ سياقة النسب من ولد إسماعيل عليه السلام
أولاد إسماعيل عليه السلام قال ابن هشام حدثنا زياد بن عبد الله البكائي عن محمد بن اسحاق المطلبي قال : ولد إسماعيل بن إبراهيم عليهما السلام اثني عشر رجلا نابتا وكان أكبرهم وقيذر وأذبل ومنشا ومسمعا وماشي ودما وأذر وطيما ويطورا ونبش وقيذما وأمهم بنت مضاض بن عمر الجرهمي(1/110)
قال ابن هشام ويقال مضاض وجرهم بن قحطان وقحطان أبو اليمن كلها وإليه يجتمع نسبها ابن عامر بن شالخ بن أرفخشذ بن سام بن نوح.
قال ابن إسحاق جرهم بن يقطن بن شالخ ويقطن هو قحطان ابن عيبر بن شالخ
عمر إسماعيل وموطن أمه ووفاته قال ابن اسحاق وكان عمر اسماعيل فيما يذكرون مائة سنة وثلاثين سنة ثم مات رحمة الله وبركاته عليه ودفن في الحجر مع أمه هاجر رحمهم الله تعالى.
قال ابن هشام تقول العرب هاجر وآجر فيبدلون الألف من الهاء كما قالوا هراق الماء وأراق الماء وغيره وهاجر من أهل مصر(1/111)
حديث الوصاة بأهل مصر وسببها قال ابن هشام حدثنا عبد الله بن وهب عن عبدالله بن لهيعة عن عمر مولى غفرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : الله الله في أهل الذمة أهل المدرة السوداء السحم الجعاد فإن لهم نسبا وصهرا
قال عمر مولى غفرة نسبهم أن أم إسماعيل النبي صلى الله عليه وسلم منهم وصهرهم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم تسرر فيهم
قال ابن لهيعة أم إسماعيل هاجر من أم العرب قرية كانت أمام الفرما من مصر(1/112)
وأم إبراهيم مارية سرية النبي صلى الله عليه وسلم التي أهداها له المقوقس من حفن من كورة أنصنا.
قال ابن إسحاق حدثني محمد بن مسلم بن عبيد الله بن شهاب الزهري أن عبد الرحمن بن عبد الله بن كعب بن مالك الأنصاري ثم السلمي حدثه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال إذا فتحتم مصر فاستوصوا بأهلها خيرا فإن لهم ذمة ورحما فقلت لمحمد بن مسلم الزهري ما الرحم التي ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم لهم فقال كانت هاجر أم إسماعيل منهم(1/113)
أصل العرب قال ابن هشام فالعرب كلها من ولد إسماعيل وقحطان وبعض أهل اليمن يقول قحطان من ولد إسماعيل ويقول إسماعيل أبو العرب كلها.
قال ابن إسحاق عاد بن عوص بن إرم بن سام بن نوح وثمود وجديس اابنا عابر بن إرم بن سام بن نوح وطسم وعملاق وأميم بنو لاوذ بن سام بن نوح عرب كلهم فولد نابت بن إسماعيل يشجب بن نابت فولد يشجب يعرب بن يشجب فولد يعرب تيرح بن يعرب فولد تيرح ناحور بن تيرح فولد ناحور مقوم بن ناحور فولد مقوم أدد بن مقوم فولد ادد عدنان بن ادد.
قال ابن هشام ويقال عدنان بن اد(1/114)
قال ابن إسحاق : فمن عدنان تفرقت القبائل من ولد إسماعيل بن إبراهيم عليهما السلام فولد عدنان رجلين معد بن عدنان وعك ابن عدنان.
قال ابن هشام فصارت عك في دار اليمن وذلك أن عكا تزوج في الأشعريين فأقام فيهم فصارت الدار واللغة واحدة والأشعريون بنو أشعر بن نبت بن أدد بن زيد بن هميسع بن عمرو بن عريب بن يشجب ابن زيد بن كهلان بن سبأ بن يشجب بن يعرب بن قحطان ويقال(1/115)
أشعر نبت بن أدد ويقال أشعر بن مالك ومالك مذحج بن أدد ابن زيد بن هميسع ويقال أشعر بن سبأ بن يشجب
وأنشدني أبو محرز خلف الأحمر وأبو عبيدة لعباس بن مرداس أحد بني سليم بن منصور بن عكرمة بن خصفة بن قيس بن عيلان بن مضر بن نزار بن معد بن عدنان يفخر بعك ... وعك بن عدنان الذين تقلبوا ... بغسان حتى طردوا كل مطرد
وهذا البيت في قصيدة له وغسان ماء بسد مأرب باليمن كان شربا لولد مازن بن الأسد بن الغوث فسموا به ويقال غسان ماء بالمشلل قريب من الجحفة والذين شربوا منه تحزبوا فسموا به قبائل من ولد مازن بن الأسد بن الغوث بن نبت بن مالك بن زيد ابن كهلان بن سبأ بن يشجب بن يعرب بن قحطان(1/116)
$ ذكر نسب الأنصار
قال حسان بن ثابت الأنصاري والأنصار بنو الأوس والخزرج ابني حارثة بن ثعلبة بن عمرو بن عمر بن حارثة بن امرىء القيس بن ثعلبة بن مازن بن الأسد بن الغوث ... إما سألت فإنا معشر نجب ... الأسد نسبتنا والماء غسان
وهذا البيت في أبيات له(1/117)
فقالت اليمن وبعض عك وهم الذين بخراسان منهم عك بن عدنان بن عبد الله بن الأسد بن الغوث ويقال عدثان بن الديث بن عبد الله بن الأسد بن الغوث.
قال ابن إسحاق فولد معد بن عدنان أربعة نفر نزار بن معد وقضاعة بن معد وكان قضاعة بكر معد الذي به يكنى فيما يزعمون وقنص بن معد وإياد بن معد
فأما قضاعة فتيامنت الى حمير بن سبأ وكان اسم سبأ عبد شمس وإنما سمي سبأ لأنه اول من سبى في العرب ابن يشجب ابن يعرب بن قحطان.
قال ابن هشام فقالت اليمن وقضاعة قضاعة بن مالك بن حمير وقال عمرو بن مرة الجهني وجهينة بن زيد بن ليث بن سود بن(1/118)
أسلم بن الحاف بن قضاعة ... نحن بنو الشيخ الهجان الأزهر ... قضاعة بن مالك بن حمير
النسب المعروف غير المنكر ... في الحجر المنقوش تحت المنبر
قنص بن معد ونسب النعمان بن المنذر قال ابن اسحاق وأما قنص بن معد فهلكت بقيتهم فيما يزعم نساب معد وكان منهم النعمان بن المنذر ملك الحيرة.
قال ابن إسحاق حدثني محمد بن مسلم بن عبيد الله بن شهاب الزهري أن النعمان بن المنذر كان من ولد قنص بن معد.
قال ابن هشام ويقال قنص.
قال ابن إسحاق وحدثني يعقوب بن عتبة بن المغيرة بن الأخنس عن شيخ من الأنصار من بني زريق أنه حدثه أن عمر بن الخطاب(1/119)
رضى الله عنه حين أتي بسيف النعمان بن المنذر دعا جبير بن مطعم بن عدي بن نوفل بن عبد مناف بن قصي وكان جبير من أنسب قريش لقريش وللعرب قاطبة وكان يقول إنما أخذت النسب من أبي بكر الصديق رضى الله عنه وكان ابو بكر الصديق أنسب العرب فسلحه إياه ثم قال ممن كان يا جبير النعمان بن المنذر فقال كان من أشلاء قنص بن معد.
قال ابن إسحاق فأما سائر العرب فيزعمون انه كان رجلا من لخم من ولد ربيعة بن نصر فالله أعلم اي ذلك كان
لخم بن عدي قال ابن هشام لخم بن عدي بن الحارث بن مرة بن أدد بن زيد بن هميسع بن عمرو بن عريب بن يشجب بن زيد ابن كهلان بن سبأ ويقال لخم بن عدي بن عمرو بن سبأ ويقال(1/120)
لخم بن عدي بن عمرو بن سبأ ويقال ربيعة بن نصر بن ابي حارثة بن عمرو بن عامر وكان تخلف بالمين بعد خروج عمرو بن عامر من اليمن
أمر عمرو بن عامر في خروجه من اليمن وقصة سد مأرب
وكان سبب خروج عمرو بن عامر من اليمن فيما حدثني أبو زيد الأنصاري أنه رأى جرذا يحفر في سد مأرب الذين كان يحبس عليهم الماء فيصرفونه حيث شاءوا من أرضهم فعلم انه لا بقاء للسد على ذلك فاعتزم على النقلى من اليمن فكاد قومه فأمر أصغر ولده إذا أغلظ له ولطمه أن يقوم إليه فيلطمه ففعل ابنه ما امره به فقال عمرو لا أقيم ببلد لطم وجهي فيه أصغر ولدي وعرض أمواله فقال أشراف من إشراف اليمن اغتنموا غضبة عمرو فاشتروا منه امواله وانتقل في ولده وولد ولده وقال الأزد لا نتخلف عن عمرو بن عامر فباعوا أموالهم وخرجوا معه فساروا حتى نزلوا بلاد عك مجتازين يرتادون البلدان فحاربتهم عك فكانت حربهم سجالا ففي ذلك قال عباس بن مرداس(1/121)
البيت الذي كتبنا ثم ارتحلوا عنهم فتفرقوا في البلدان فنزل آل جفنة ابن عمرو بن عامر الشام ونزلت الأوس والخزرج يثرب ونزلت خراعة مرا ونزلت أزد السراة السراة ونزلت أزد عمان عمان ثم ارسل الله تعالى على السد السيل فهدمه ففيه أنزل الله تبارك وتعالى على رسوله محمد صلى الله عليه وسلم {لقد كان لسبإ في مسكنهم آية جنتان عن يمين وشمال كلوا من رزق ربكم واشكروا له بلدة طيبة ورب غفور فأعرضوا فأرسلنا عليهم سيل العرم}.
والعرم السد واحدته عرمة فيما حدثني أبو عبيدة
قال الأعشى أعشى بني قيس ابن ثعلبة بن عكابة بن صعب بن علي بن بكر بن وائل بن هنب بن أفصى بن جديلة بن اسد بن ربيعة بن نزار بن معد.
قال ابن هشام ويقال أفصى بن دعمي بن جديلة واسم الأعشى ميمون بن قيس بن جندل بن شراحيل بن عوف بن سعد بن ضبيعة بن قيس بن ثعلبة ... وفي ذاك للمؤتسي أسوة ... ومأرب عفى عليها العرم
رخام بنته لهم حمير ... إذا جاء مواره لم يرم
فأروى الزورع وأعنابها ... على سعة ماؤهم إذ قسم
فصاروا أيادي ما يقدرون ... منه على شرب طفل فطم
وهذه الأبيات في قصيدة له
وقال أمية بن أبي الصلت الثقفي واسم ثقيف قسي بن منبه بن(1/122)
بكر بن هوازن بن منصور بن عكرمة بن خصفة بن قيس بن عيلان بن مضر بن نزار بن معد بن عدنان ... من سبأ الحاضرين مأرب إذ ... يبنون من دون سيله العرما(1/123)
وهذا البيت في قصيدة له وتروى للنابغة الجعدي واسمه قيس بن عبدالله أحد بني جعدة بن كعب بن ربيعة بن عامر بن صعصعة بن معاوية بن بكر بن هوازن
وهو حديث طويل منعني من استقصائه ما ذكرت من الاختصار
حديث ربيعة بن نصر ورؤياه وخبر شق وسطيح الكاهنين
رؤيا ربيعة قال ابن اسحاق وكان ربيعة بن نصر ملك اليمن بين أضعاف ملوك التبابعة فرأى رؤيا هالته وفظع بها فلم يدع كاهنا ولا ساحرا ولا عائفا ولا منجما من اهل مملكته إلا جمعه إليه فقال لهم إني قد رأيت رؤيا هالتني وفظعت بها فأخبروني بها وبتأويلها قالوا له اقصصها علينا نخبرك بتأويلها قال إني إن أخبرتكم بها لم أطمئن إلى خبركم عن تأويلها فإنه لا يعرف تأويلها إلا من عرفها قبل أن أخبره بها فقال له رجل منهم فإن كان الملك يريد هذا فليبعث إلى سطيح وشق فإنه ليس أحد أعلم منهما فهما يخبرانه بما سأل عنه(1/124)
واسم سطيح ربيع بن ربيعة بن مسعود بن مازن بن ذئب بن عدي بن مازن غسان وشق بن صعب بن يشكر بن رهم بن أفرك ابن قسر بن عقبر بن أنمار بن نزار وأنمار أبو بجلية وخثعم
نسب بجيلة قال ابن هشام وقالت اليمن وبجيلة بنو أنمار ابن إراش بن لحيان بن عمرو بن الغوث بن نبت بن مالك بن زيد ابن كهلان بن سبأ ويقال إراش بن عمرو بن لحيان بن الغوث ودار بجيلة وخثعم يمانية.
قال ابن إسحاق فبعث إليهما فقدم عليه سطيح قبل شق فقال له إني رأيت رؤيا هالتني وفظعت بها فأخبرني بها فإنك إن أصبتها أصب تأويلها
قال أفعل رأيت حممة خرجت من ظلمة فوقعت بأرض تهمة فأكلت منها كل ذات جمجمة(1/125)
فقال له الملك ما أخطأت منها شيئا يا سطيح فما عندك في تأويلها
فقال أحلف بما بين الحرتين من حنش ليهبطن أرضكم الحبش فليملكن ما بين أبين الى جرش
فقال له الملك وأبيك يا سطيح إن هذا لنا لغائظ موجع فمتى هو كائن أفي زماني هذا أم بعده
قال لا بل بعده بحين أكثر من ستين أوسبعين يمضين من السنين
قال أفيدوم ذلك من ملكهم أم ينقطع
قال لا بل ينقطع لبضع وسبعين من السنين ثم يقتلون ويخرجون منها هاربين(1/126)
قال ومن يلي ذلك من قتلهم وإخراجهم
قال يليه إرم ذي يزن يخرج عليهم من عدن فلا يترك أحد منهم باليمن
قال أفيدوم ذلك من سلطانه أم يقطع
قال لا بل ينقطع
قال ومن يقطعه
قال نبي زكي يأتيه الوحي من قبل العلي
قال وممن هذا النبي قال رجل من ولد غالب بن فهر بن مالك ابن النضر يكون الملك في قومه إلى آخر الدهر قال وهل للدهر من آخر
قال نعم يوم يجمع فيه الأولون والآخرون يسعد فيه المحسنون ويشقى فيه المسيئون
قال أحق ما تخبرني
قال نعم والشفق والغسق والفلق إذا اتسق إن ما أنبأتك به لحق
ثم قدم عليه شق فقال له كقوله لسطيح وكتمه ما قال سطيح لينظر أيتفقان أم يختلفان
فقال نعم رأيت حممة خرجت من ظلمة فوقعت بين روضة وأكمة فأكلت منها كل ذات نسمة
قال فلما قال له ذلك عرف أنهما قد اتفقا وأن قولهما واحد(1/127)
إلا أن سطيحا قال وقعت بأرض تهمة فأكلت منها كل ذات جمجمة
وقال شق وقعت بين روضة وأكمة فأكلت منها كل ذات نسمة
فقال له الملك ما أخطأت يا شق منها شيئا فما عندك في تأويلها
قال أحلف بما بين الحرتين من إنسان لينزلن أرضكم السودان فليغلبن على كل طفلة البنان وليملكن ما بين أبين إلى نجران
فقال له الملك وأبيك يا شق إن هذا لنا لغائظ موجع فمتى هو كائن أفي زماني أم بعده
قال لا بل بعده بزمان ثم يستنقذكم منهم عظيم ذو شان ويذيقهم أشد الهوان
قال ومن هذا العظيم الشان قال غلام ليس بدني ولا مدن يخرج عليهم من بيت ذي يزن فلا يترك احدا منهم باليمن
قال أفيدوم سلطانه أم ينقطع
قال بل ينقطع برسول مرسل يأتي بالحق والعدل بين أهل الدين والفضل يكون الملك في قومه الى يوم الفصل
قال وما يوم الفصل قال يوم تجزى فيه الولاء ويدعى فيه من السماء بدعوات يسمع منها الأحياء والأموات ويجمع فيه بين الناس للميقات يكون فيه لمن اتقى الفوز والخيرات(1/128)
قال أحق ما تقول
قال إي ورب السماء والأرض وما بينهما من رفع وخفض إن ما أنبأتك به لحق ما فيه أمض.
قال ابن هشام أمض يعني شكا هذا بلغة حمير وقال أبو عمرو أمض أي باطل فوقع في نفس ربيعة بن نصر ما قالا فجهز بنيه وأهل(1/129)
بيته الى العراق بما يصلهم وكتب لخم الى ملك من ملوك فارس يقال له سابور بن خرزاد فأسكنهم الحيرة
رأي آخر في نسب النعمان بن المنذر فمن بقية ولد ربيعة ابن نصر النعمان بن المنذر فهو في نسب اليمن وعلمهم النعمان بن المنذر بن عمرو بن عدي بن ربيعة بن نصر ذلك الملك.
قال ابن هشام النعمان بن المنذر بن المنذر فيما أخبرني خلف الأحمر(1/130)
$ استيلاء أبي كرب تبان أسعد على ملك اليمن وغزوة الى يثرب.
قال ابن إسحاق فلما هلك ربيعة بن نصر رجع ملك اليمن كله الى حسان بن تبان أسعد أبي كرب وتبان أسعد هو تبع الآخر ابن كلكي كرب بن زيد وزيد هو تبع الأول بن عمرو ذي الأذعار ابن ابرهة ذي المنار ابن الريش(1/131)
قال ابن هشام ويقال الرائش.
قال ابن إسحاق ابن عدي بن صيفي بن سبأ الأصغر بن كعب كهف الظلم ابن زيد بن سهل بن عمرو بن قيس بن معاوية بن جشم بن عبد شمس بن وائل بن الغوث بن قطن بن عريب بن زهير بن أيمن بن الهميسع بن العرنجج والعرنجج حمير بن سبأ الأكبر بن يعرب بن يشجب بن قحطان.
قال ابن هشام يجشب بن يعرب بن قحطان.
قال ابن إسحاق وتبان أسعد أبو كرب الذي قدم المدينة وساق الحبرين من يهود المدينة الى اليمن وعمر البيت الحرام وكساه وكان ملكه قبل ملك ربيعة بن نصر.
قال ابن هشام وهو الذي يقال له ... ليت حظي من أبي كرب ... أن يسد خيره خبله
تبان يغضب على اهل المدينة قال ابن اسحاق وكان قد جعل طريقه حسين أقبل من المشرق على المدينة وكان قد مر بها في بدأته فلم يهج أهلها وخلف بين أظهرهم ابنا له فقتل غيلة فقدمها(1/132)
وهو مجمع لإخرابها واستئصال أهلها وقطع نخلها فجمع له هذا الحي من الأنصار ورئيسهم عمرو ابن طلة أخو بني النجار ثم أحد بني عمرو بن مبذول واسم مبذول عامر بن مالك بن النجار واسم النجار تيم الله بن ثعلبة بن عمرو بن الخزرج بن حارثة بن ثعلبة ابن عمرو بن عامر
عمرو ابن طلة ونسبه قال ابن هشام عمرو ابن طلة عمرو بن معاوية بن عمرو بن عامر بن مالك بن النجار وطلة أمه وهي بنت عامر بن زريق بن عامر بن زريق بن عبد الحارثة بن مالك بن غضب ابن جشم بن الخزرج
قصة مقاتلة تبان لأهل المدينة قال ابن اسحاق وقد كان رجل من بني عدي بن النجار يقال له احمر عدا على رجال من أصحاب تبع حين نزل بهم فقتله وذلك أنه وجده في عذق له يجده فضربه بمننجله فقتله وقال إنما التمر لمن ابره فزاد ذلك تبعا حنقا عليهم قال فاقتتلوا فتزعم الأنصار أنهم كانوا يقاتلونه بالنهار ويقرونه بالليل فيعجبه ذلك منهم ويقول والله إن قومنا لكرام
فبينا تبع على ذلك من قتالهم إذا جاءه حبران من احبار اليهود من(1/133)
بني قريظة وقريظة والنضير والنحام وعمرو وهو هدل بنو الخزرج بن الصريح بن التومان بن السبط بن اليسع بن سعد بن لاوي بن خير بن النحام بن تنحوم بن عازر عزرى بن هارون بن عمران بن يصهر بن قاهث بن لاوي بن يعقوب وهو إسرائيل بن إسحاق بن إبراهيم خليل الرحمن صلى الله عليهم عالمان راسخان في العلم حين سمعا بما يريد من إهلاك المدينة وأهلها فقالا له أيها الملك لا تفعل فإنك إن أبيت إلا ما تريد حيل بينك وبينها ولم نأمن عليك عاجل العقوبة فقال لهما ولم ذلك فقالا هي مهاجر نبي يخرج من هذا الحرم من قريش في آخر الزمان تكون داره وقراره فتناهى عن ذلك ورأى أن لهما علما وأعجبه ما سمع منهما فانصرف عن المدينة واتبعهما على دينهما فقال خالد بن عبد العزى بن غزية بن عمرو بن عبد بن عوف بن غنم بن مالك بن النجار يفخر بعمرو ابن طلة ... أصحا أم قد نهى ذكره ... أم قضى من لذة وطره(1/134)
أم تذكرت الشباب وما ... ذكرك الشباب أو عصره
إنها حرب رباعية ... مثلها آتي الفتى عبره
فاسألا عمران أو اسدا ... إذ أتت عدوا مع الزهرة
فيلق فيها أبو كرب ... سبغ أبدانها ذفره
ثم قالوا من نؤم بها ... أبني عوف أم النجرة
بل بني النجار إن لنا ... فيهم قتلى وإن تره(1/135)
فتلقتهم مسايفة ... مدها كالغيبة النثره
فيهم عمرو ابن طلة ملى ... الإله قومه عمره
سيد سام الملوك ومن ... رام عمرا لا يكن قدره
وهذا الحي من الأنصار يزعمون أنه إنما كان حنق تبع على هذا الحي من يهود الذين كانوا بين أظهرهم وإنما أراد هلاكهم فمنعوهم منه حتى انصرف عنهم ولذلك قال في شعره ... حنقا على سبطين حلا يثربا ... أولى لهم بعقاب يوم مفسد.
قال ابن هشام الشعر الذي فيه هذا البيت مصنوع فذالك الذي منعا من إثباته(1/136)
تبع يذهب الى مكة ويطوف بالكعبة قال ابن اسحاق وكان تبع وقومه أصحاب أوثان يعبدونها فتوجه الى مكة وهي طريقة الى اليمن حتى إذا كان بين عسفان وأمج أتاه نفر من هذيل بن مدركة ابن إلياس بن مضر بن نزار بن معد فقالوا له أيها الملك ألا ندلك على بيت مال دائر أغفلته الملوك قبلك فيه اللؤلؤ والزبرجد والياقوت والذهب والفضة قال بلى قالوا بيت بمكة يعبده أهله ويصلون عنده وإنما أراد الهذليون هلاكه بذلك لما عرفوا من هلاك من اراده من الملوك وبغى عنده فلما أجمع لما قالوا أرسل الى الحبرين فسألهما عن ذلك فقالا له ما أراد القوم إلا هلاكك وهلاك جندك ما نعلم بيتا لله اتخذه في الأرض لنفسه غيره ولئن فعلت ما دعوك إليه لتهلكن وليهلكن من معك جميعا قال فماذا تأمرانني ان أصنع إذا أنا قدمت إليه قالا تصنع عنده ما يصنع أهله تطوف به وتعظمه وتكرمه وتحلق رأسك عنده وتذل له حتى تخرج من عنده قال فما يمنعكما أنتما من ذلك قالا أما والله إنه لبيت أبينا إبراهيم وإنه لكما أخبرناك ولكن أهله حالوا بيننا وبينه بالأوثان التي نصبوها حوله وبالدماء التي يهرقون عنده وهم نجس أهل شرك أو كما قالا له فعرف نصحهما وصدق حديثهما فقرب النفر من هذيل فقطع أيديهم وأرجلهم ثم مضى حتى قدم مكة فطاف بالبيت ونحر عنده وحلق رأسه وأقام بمكة ستة أيام فيما يذكرون ينحر بها للناس ويطعم أهلها ويسقيهم العسل وأري في المنام أن يكسو البيت فكساه الخصف ثم أري أن يكسوه(1/137)
أحسن من ذلك فكساه المعافر ثم أري أن يكسوه أحسن من ذلك فكساه الملاء والوصائل فكان تبع فيما يزعمون أول من كسا البيت وأوصى به ولاته من جرهم وأمرهم بتطهيره وألا يقربوه دما ولا ميتة ولا مئلات وهي المحايض وجعل له بابا ومفتاحا وقالت سبيعة بنت الأحب بن زبينة بن جذيمة بن عوف بن معاوية بن بكر بن هوازن بن منصور بن عكرمة بن خصفة بن(1/138)
قيس بن عيلان وكانت عند عبد مناف بن كعب بن سعد بن تيم بن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب بن فهر بن مالك بن النضر بن كنانة لابن لها منه يقال له خالد تعظم عليه حرمة مكة تنهاه عن البغي فيها وتذكر تبعا وتذلله له وما صنع بها ... أبني لا تظلم بمكة ... لا الصغير ولا الكبير
واحفظ محارمها بني ... ولا يغرنك الغرور
أبني من يظلم بمكة ... يلق أطراف الشرور
أبني يضرب وجهه ... ويلح بخديه السعير
أبني قد جربتها ... فوجدت ظالمها يبور
الله امنها وما ... بنيت بعرصتها قصور
والله آمن طيرها ... والعصم تأمن في ثبير
ولقد غزاها تبع ... فكسا بنيتها الحبير
وأذل ربي ملكه ... فيها فأوفى بالنذور
يمشي إليها حافيا ... بفنائها ألفا بعير
ويظل يطعم أهلها ... لحم المهاري والجزور
يسقيهم العسل المصفى ... والرحيض من الشعير
والفيل أهلك جيشه ... يرمون فيها بالصخور
والملك في أقصى البلاد ... وفي الأعاجم والخزير
فاسمع إذا حدثت وافهم ... كيف عاقبة الأمور(1/139)
قال ابن هشام يوقف على قوافيها لا تعرب
أصل اليهودية باليمن ثم خرج منها متوجها الى اليمن بمن معه من جنوده وبالحبرين حتى إذا دخل اليمن دعا قومه الى الدخول فيما دخل فيه فأبوا عليه حتى يحاكموه الى النار التي كانت باليمن.
قال ابن إسحاق حدثني أبو مالك بن ثعلبة بن ابي مالك القرظي قال سمعت إبراهيم بن محمد بن طلحة بن عبيد الله يحدث أن تبعا لما دنا من اليمن ليدخلها حالت حمير بينه وبين ذلك وقالوا لا تدخلها علينا وقد فارقت ديننا فدعاهم الى دينه وقال إنه خير من دينكم فقالوا فحاكمنا الى النار قال نعم
قال وكانت باليمن فيما يزعم اهل اليمن نار تحكم بينهم فيما يختلفون فيه تأكل الظالم ولا تضر المظلوم فخرج قومه بأوثانهم وما يتقربون به في دينهم وخرج الحبران بمصاحفهما في أعناقهما متقلديها حتى قعدوا للنار عند مخرجها الذي تخرج منه فخرجت النار إليهم فلما أقبلت نحوهم حادوا عنها وهابوها فذمرهم من حضرهم من الناس وأمروهم بالصبر لها فصبروا حتى غشيتهم فأكلت الأوثان وما قربوا معها ومن حمل ذلك من رجال حمير وخرج الحبران بمصاحفهما في أعناقهما تعرق جباههما لم تضرهما فأصفقت عند ذلك حمير على دينه فمن هنالك وعن ذلك كان اصل اليهودية باليمن
قال ابن إسحاق وقد حدثني محدث أن الحبرين ومن خرج من حمير إنما اتبعوا النار ليردوها وقالوا من ردها فهو أولى بالحق فدنا(1/140)
منها رجال من حمير بأوثانهم ليردوها فدنت منهم لتأكلهم فحادوا عنها ولم يستطيعوا ردها ودنا منها الحبران بعد ذلك وجعلا يتلوان التوراة وتنكص عنهما حتى رداها الى مخرجها الذي خرجت منه فأصفقت عند ذلك حمير على دينهما والله أعلم أي ذلك كان
هدم البيت المسمى رئام قال ابن اسحاق وكان رئام بيت لهم يعظمونه وينحرون عنده ويكلمون منه إذ كانوا على شركهم فقال الحبران لتبع إنما هو شيطان يفتنهم بذلك فخل بيننا وبينه فاستخرجا منه فيما يزعم أهل اليمن كلبا أسود فذبحاه ثم هدما ذلك البيت فبقاياه اليوم كما ذكر لي بها آثار الدماء التي كانت تهراق عليه
ملك حسان بن تبان وقتله على يد أخيه عمرو
فلما ملك ابنه حسان بن تبان أسعد أبي كرب سار بأهل اليمن يريد أن يطأ بهم أرض العرب وأرض الأعاجم حتى إذا كانوا ببعض أرض العراق.
قال ابن هشام بالبحرين فيما ذكر لي بعض أهل العلم(1/141)
كرهت حمير وقبائل اليمن المسير معه وأرادوا الرجعة الى بلادهم وأهلهم فكلموا أخا له يقال له عمرو وكان معه في جيشه فقالوا له اقتل أخاك حسان ونملكك علينا وترجع بنا الى بلادنا فأجابهم فاجتمعوا على ذلك إلا ذا رعين الحميري فإنه نهاه عن ذلك فلم يقبل منه فقال ذو رعين ... ألا من يشتري سهرا بنوم ... سعيد من يبيت قرير عين
فإما حمير غدرت وخانت ... فمعذرة الإله لذي رعين
ثم كتبهما في رقعة وختم عليها ثم اتى بها عمرا فقال له ضع لي هذا الكتاب عندك ففعل ثم قتل عمرو اخاه حسان ورجع بمن معه إلى اليمن فقال رجل من حمير ... لاه عينا الذي رأى مثلي حسان ... قتيلا في سالف الأحقاب(1/142)
قتلته مقاول خشية الحبس ... غداة قالوا لباب لباب
ميتكم خيرنا وحيكم ... رب علينا وكلكم أربابي
قال ابن اسحاق وقوله لباب لباب لا بأس لا بأس بلغة حمير.
قال ابن هشام ويروى لباب لباب
هلاك عمرو وتفرق حمير قال ابن اسحاق فلما نزل عمرو ابن تبان اليمن منع منه النوم وسلط عليه السهر فلما جهده ذلك سأل الأطباء والحزاة من الكهان والعرافين عما به فقال له قائل منهم إنه ما قتل رجل قط أخاه أو ذا رحمه بغيا على مثل ما قتلت أخاك عليه إلا ذهب نومه وسلط عليه السهر فلما قيل له ذلك جعل يقتل كل من أمره بقتل أخيه حسان من اشراف اليمن حتى خلص الى ذي رعين فقال له ذو رعين إن لي عندك براءة فقال وما هي قال الكتاب الذي دفعت إليك فأخرجه فإذا البيتان فتركه ورأى أنه قد نصحه وهلك عمرو فمرج أمر حمير عند ذلك وتفرقوا(1/143)
$ خبر لخنيعة وذي نواس
فوثب عليهم رجل من حمير لم يكن من بيوت المملكة يقال له لخنيعة ينوف ذو شناتر فقتل خيارهم وعبث ببيوت أهل المملكة منهم فقال قائل من حمير للخنيعة ... تقتل أبناها وتنفي سراتها ... وتبني بأيديها لها الذل حمير
تدمر دنياها بطيش حلومها ... وما ضيعت من دينها فهو أكثر
كذاك القرون قبل ذاك بظلمها ... وإسرافها تأتي الشرور فتخسر
فسوق لخنيعة وكان لخنيعة امرءا فاسقا يعمل عمل قوم لوط فكان يرسل الى الغلام من أبناء الملوك فيقع عليه في مشربة له قد صنعها لذلك لئلا يملك بعد ذلك ثم يطلع من مشربته تلك الى حرسه ومن حضر من جنده قد أخذ مسواكا فجعله في فيه أي فيعلمهم أنه قد فرغ منه حتى بعث الى زرعة ذي نواس بن تبان أسعد أخي حسان وكان صبيا صغيرا حين قتل حسان ثم شب غلاما جميلا وسيما ذا هيئة وعقل فلما أتاه رسوله عرف ما يريد منه فأخذ سكينا حديدا لطيفا فخبأه بين قدمه ونعله ثم أتاه فلما خلا معه وثب إليه فواثبه ذو نواس فوجأه حتى قتله ثم حز رأسه فوضعه في الكوة التي كان يشرف منها ووضع مسواكه في فيه ثم خرج على الناس فقالوا له ذا نواس(1/144)
أرطب أم يباس فقال سل نحماس استرطبان ذو نواس استرطبان لا باس.
قال ابن هشام هذا كلام حمير ونحماس الرأس فنظروا الى الكوة فإذا رأس لخنيعة مقطوع فخرجوا في إثر ذي نواس حتى أدركوه فقالوا ما ينبغي أن يملكنا غيرك إذ أرحتنا من هذا الخبيث
ملك ذي نواس فملكوه واجتمعت عليه حمير وقبائل اليمن فكان آخر ملوك حمير وهو صاحب الأخدود وتسمى يوسف فأقام في ملكه زمانا
سبب وجود النصرانة بنجران وبنجران بقايا من اهل دين عيسى ابن مريم عليه السلام على الإنجيل أهل فضل واستقامة من اهل دينهم لهم رأس يقال له عبدالله بن الثامر
وكان موقع أصل ذلك الدين بنجران وهي بأوسط أرض العرب في ذلك الزمان وأهلها وسائر العرب كلها أهل أوثان يعبدونها وذلك أن(1/145)
رجلا من بقايا أهل ذلك الدين يقال له فيميون وقع بين أظهرهم فحملهم عليه فدانوا به
حديث فيميون قال ابن اسحاق حدثني المغيرة بن أبي لبيد مولى الأخنس عن وهب بن منبه اليماني أنه حدثهم أن موقع ذلك الدين بنجران كان أن رجلا من بقايا أهل دين عيسى ابن مريم يقال له فيميون وكان رجلا صالحا مجتهدا زاهدا في الدنيا مجاب الدعوة وكان سائحا ينزل بين القرى لا يعرف بقرية إلا خرج منها الى قرية لا يعرف بها وكان لا يأكل إلا من كسب يديه وكان بناء يعمل الطين وكان يعظم الأحد فإذا كان يوم الأحد لم يعمل فيه شيئا وخرج الى فلاة من الأرض يصلي بها حتى يمسي قال وكان في قرية من قرى الشام يعمل عمله ذلك مستخفيا ففطن لشأنه رجل من أهلها يقال له صالح فأحبه صالح حبا لم يحبه شيئا كان قبله فكان يتبعه حيث ذهب ولا يفطن له فيميون حتى خرج مرة في يوم الأحد الى فلاة من الأرض كما كان يصنع وقد أتبعه صالح وفيميون لا يدري فجلس صالح منه منظر العين مستخفيا منه لا يحب أن يعلم بمكانه وقام فيميون يصلى فبينما هو يصلي إذ أقبل نحوه التنين الحية ذات الرءوس السبعة فلما رآها فيميون دعا عليها فماتت ورآها صالح ولم يدر ما أصابها فخافها عليه فعيل عوله فصرخ يا فيميون التنين قد أقبل(1/146)
نحوك فلم يلتفت إليه وأقبل على صلاته حتى فرغ منها وامسى فانصرف وعرف أنه قد عرف وعرف صالح أنه قد رأى مكانه فقال له يا فيميون تعلم والله ما أحببت شيئا قط حبك وقد أردت صحبتك والكينونة معك حيث كنت فقال ما شئت أمرى كما ترى فإن علمت أنك تقوى عليه فنعم فلزمه صالح وقد كاد أهل القرية يفطنون لشأنه وكان إذا فاجأه العبد به الضر دعا له فشفي وإذا دعي الى أحد به ضر لم يأته وكان لرجل من اهل القرية ابن ضرير فسأل عن شأن فيميون فقيل له إنه لا يأتي أحدا دعاه ولكنه رجل يعمل للناس البنيان بالأجر فعمد الرجل الى ابنه ذلك فوضعه في حجرته وألقى عليه ثوبا ثم جاءه فقال له يا فيميون إني قد أردت أن أعمل في بيتي عملا فانطلق معي إليه حتى تنظر إليه فأشارطك عليه فانطلق معه حتى دخل حجرته ثم قال له ما تريد أن تعمل في بيتك هذا قال كذا وكذا ثم انتشط الرجل الثوب عن الصبي ثم قال له يا فيميون عبد من عباد الله أصابه ما ترى فادع الله له فدعا له فيميون فقام الصبي ليس به بأس
وعرف فيميون انه قد عرف فخرج من القرية واتبعه صالح فبينما هو يمشي في بعض الشام إذ مر بشجرة عظيمة فناداه منها رجل فقال يا فيميون قال نعم قال ما زلت أنظرك وأقول متى هو جاء حتى سمعت صوتك فعرفت أنك هو لا تبرح حتى تقوم علي فإني ميت الآن قال فمات وقام عليه حتى واراه ثم انصرف وتبعه صالح حتى وطئا بعض أرض العرب فعدوا عليهما فاختطفتهما سيارة من بعض العرب فخرجوا بهما حتى باعوهما بنجران وأهل نجران يومئذ على(1/147)
دين العرب يعبدون نخلة طويلة بين أظهرهم لها عيد في كل سنة إذا كان ذلك العيد علقوا عليها كل ثوب حسن وجدوه وحلي النساء ثم خرجوا إليها فعكفوا عليها يوما
فابتاع فيميون رجل من أشرافهم وابتاع صالحا آخر فكان فيميون إذا قام من الليل يتهجد في بيت له أسكنه إياه سيده يصلي استسرج له البيت نورا حتى يصبح من غير مصباح فرأى ذلك سيده فأعجبه ما يرى منه فسأله عن دينه فأخبره به وقال له فيميون إنما أنتم في باطل إن هذه النخلة لا تضر ولا تنفع ولو دعوت عليها إلهي الذي أعبده لأهلكها وهو الله وحده لا شريك له قال فقال له سيده فافعل فإنك إن فعلت دخلنا في دينك وتركنا ما نحن عله قال فقام فيميون فتطهر وصلى ركعتين ثم دعا الله عليها فأرسل الله عليها ريحا فجعفتها من اصلها فألقتها فاتبعه عند ذلك أهل نجران على دينه فحملهم على الشريعة من دين عيسى ابن مريم عليه السلام ثم دخلت عليهم الأحداث التي دخلت على أهل دينهم بكل أرض فمن هنالك كانت النصرانية بنجران في ارض العرب.
قال ابن إسحاق فهذا حديث وهب بن منبه عن أهل نجران(1/148)
$ خبر عبدالله بن الثامر
عبد الله بن الثامر والاسم الأعظم قال ابن اسحاق وحدثني يزيد بن زياد عن محمد بن كعب القرظي وحدثني أيضا بعض أهل نجران عن أهلها أن أهل نجران كانوا أهل شرك يعبدون الأوثان وكان في قرية من قراها قريبا من نجران ونجران القرية العظمى التي إليها جماع أهل تلك البلاد ساحر يعلم غلمان أهل نجران السحر فلما نزلها فيميون ولم يسموه لي باسمه الذي سماه به وهب بن منبه قالوا رجل نزلها ابتنى خيمة بين نجران وبين تلك القرية التي بها الساحر فجعل أهل نجران يرسلون غلمانهم الى ذلك الساحر يعلمهم السحر فبعث إليه الثامر ابنه عبد الله بن الثامر مع غلمان أهل نجران فكان إذا مر بصاحب الخيمة أعبجه ما يرى منه من صلاته وعبادته فجعل يجلس إليه ويسمع منه حتى أسلم فوحد الله وعبده وجعل يسأله عن شرائع الإسلام حتى إذا فقه فيه جعل يسأله عن الاسم الأعظم وكان يعلمه فكتمه إياه وقال له يا ابن أخي إنك لن تحمله أخشى عليك ضعفك عنه والثامر أبو عبدالله لا يظن إلا أن ابنه يختلف الى الساحر كما يختلف الغلمان فلما رأى عبد الله أن صاحبه قد ضن به عنه وتخوف ضعفه فيه عمد الى قداح فجمعها ثم لم يبق لله اسما يعلمه إلا كتبه في قدح لكل اسم قدح حتى إذا أحصاها أوقد لها نارا ثم جعل يقذفها فيها قدحا قدحا حتى إذا مر بالاسم الأعظم قذف فيها بقدحه فوثب القدح حتى خرج منها لم تضره شيئا فأخذه ثم أتى صاحبه فأخبره بأنه قد علم الإسم الذي كتمه فقال وما هو قال هو كذا وكذا قال وكيف علمته فأخبره بما صنع قال أي ابن(1/149)
أخي قد أصبته فأمسك على نفسك واما أظن أن تفعل
عبد الله بن الثامر يدعو الى التوحيد فجعل عبد الله بن الثامر إذا دخل نجران لم يلق أحدا به ضر إلا قال يا عبد الله أتوحد الله وتدخل في ديني وأدعو الله فيعافيك مما أنت فيه من البلاء فيقول نعم فيوحد الله ويسلم ويدعو له فيشفى حتى لم يبق بنجران أحد به ضر إلا أتاه الله فاتبعه على امره ودعا له فعوفي حتى رفع شأنه الى ملك نجران فدعاه فقال له أفسدت علي أهل قريتي وخالفت ديني ودين آبائي لأمثلن بك قال لا تقدر على ذلك قال فجعل يرسل به الى الجبل الطويل فيطرح على رأسه فيقع الى الأرض ليس به بأس وجعل يبعث به الى مياه بنجران بحور لا يقع فيها شيء إلا هلك فيلقى فيها(1/150)
فيخرج ليس به بأس فلما غلبه قال له عبد الله بن الثامر إنك والله لن تقدر على قتلي حتى توحد الله فتؤمن بما آمنت به فإنك إن فعلت ذلك سلطت علي فقتلتني قال فوحد الله تعالى ذلك الملك وشهد شهادة عبد الله بن الثامر ثم ضربه بعصا في يده فشجه شجة غير كبيرة فقتله ثم هلك الملك مكانه واستجمع اهل نجران على دين عبد الله بن الثامر وكان على ما جاء به عيسى ابن مريم من الإنجيل وحكمه ثم أصابهم مثل ما أصاب أهل دينهم من الأحداث فمن هنالك كان اصل النصرانية بنجران والله أعلم بذلك.
قال ابن إسحاق فهذا حديث محمد بن كعب القرظي وبعض أهل نجران عن عبد الله بن الثامر والله أعلم أي ذلك كان
ذو نواس يدعو اهل نجران الى اليهودية فسار إليهم ذو نواس بجنوده فدعاهم الى اليهودية وخيرهم بين ذلك والقتل فاختار القتل فخد لهم الأخدود فحرق من حرق بالنار وقتل من قتل بالسيف ومثل بهم حتى قتل منهم قريبا من عشرين ألفا ففي ذي نواس وجنده تلك أنزل الله تعالى على رسوله سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم {قتل أصحاب الأخدود النار ذات الوقود إذ هم عليها قعود وهم على ما يفعلون بالمؤمنين شهود وما نقموا منهم إلا أن يؤمنوا بالله العزيز الحميد}.
تفسير الأخدود قال ابن هشام الخدود الحفر المستطيل في الأرض كالخندق والجدول ونحوه وجمعه أخاديد قال ذو الرمة واسمه غيلان بن عقبة احد بني عدي بن عبد مناف بن اد بن(1/151)
طابخة بن إلياس بن مضر ... من العراقية اللاتي يحيل لها ... بين الفلاة وبين النخل أخدود
يعني جدولا وهذا البيت في قصيدة له قال ويقال لأثر السيف والسكين في الجلد وأثر السوط ونحوه أخدود وجمعه أخاديد
نهاية عبد الله بن الثامر قال ابن اسحاق ويقال كان فيمن قتل ذو نواس عبدالله بن الثامر رأسهم وإمامهم.
قال ابن إسحاق حدثني عبد الله بن أبي بكر محمد بن عمرو ابن حزم أنه حدث أن رجلا من أهل نجران كان في زمان عمر بن الخطاب رضي الله عنه حفر خربة من خرب نجران لبعض حاجته فوجدوا عبد الله بن الثامر تحت دفن منها قاعدا واضعا يده على ضربة في رأسه ممسكا عليها بيده فإن أخرت يده عنها تنبعث دما وإذا أرسلت يده ردها عليها فأمسكت دمها وفي يده خاتم مكتوب فيه ربي الله فكتب فيه الى عمر بن الخطاب يخبر بأمره فكتب إليهم عمر رضي الله عنه أن أقروه على حاله وردوا عليه الدفن الذي كان عليه ففعلوا(1/152)
فرار دوس ذي ثعلبان من ذي نواس واستنجاده بقيصر.
قال ابن إسحاق وافلت منهم رجل من سبأ يقال له دوس ذو ثعلبان على فرس له فسلك الرمل فأعجزهم فمضى على وجهه ذلك حتى أتى قيصر ملك الروم فاستنصره على ذي نواس وجنوده وأخبره بما بلغ منهم فقال له بعدت بلادك منا ولكن سأكتب لك الى ملك الحبشة فإنه على هذا الدين وهو أقرب الى بلادك وكتب اليه يأمره بنصره والطلب بثأره
النجاشي ينصر دوسا فقدم دوس على النجاشي بكتاب قيصر فبعث معه سبعين ألفا من الحبشة وأمر عليهم رجلا منهم يقال له أرياط ومعه في جنده أبرهة الأشرم فركب أرياط البحر حتى نزل بساحل اليمن ومعه دوس ذو ثعلبان
نهاية ذي نواس وسار إليه ذو نواس في حمير ومن أطاعه من قبائل اليمن فلما التقوا انهزم ذو نواس وأصحابه فلما رأى ذو نواس ما نزل به وبقومه وجه فرسه في البحر ثم ضربه فدخل به فخاض به ضحضاح البحر حتى أفضى به الى غمره فأدخله فيه وكان آخر العهد به ودخل أرياط اليمن فملكها(1/153)
فقال رجل من أهل اليمن وهو يذكر ما ساق إليهم دوس من أمر الحبشة
لا كدوس ولا كأعلاق رحله
قول ذي جدن الحميري في هذه القصة وقال ذو جدن الحميري ... هونك ليس يرد الدمع ما فاتا ... لا تهلكي أسفا في إثر من مات
أبعد بينون لا عين ولا أثر ... وبعد سلحين يبني الناس أبياتا
بينون وسلحين وغمدان من حصون اليمن التي هدمها ارياط ولم يكن في الناس مثلها وقال ذو جدن أيضا(1/154)
دعيني لا أبا لك لن تطيقي ... لحاك الله قد أنزفت ريقي ... لدى عزف القيان إذ انتشينا ... وإذ نسقى من الخمر الرحيق
وشرب الخمر ليس علي عارا ... إذا لم يشكني فيها رفيقي
فإن الموت لا ينهاه ناه ... ولو شرب الشفاء مع النشوق
ولا مترهب في أسطوان ... يناطح جدره بيض الأنوق
وغمدان الذي حدثت عنه ... بنوه مسمكا في رأس نيق
بمنهمة وأسفله جرون ... وحر الموحل اللثق الزليق(1/155)
مصابيح السليط تلوح فيه ... إذا يمسي كتوماض البروق
ونخلته التي غرست إليه ... يكاد البسر يهصر بالعذوق
فأصبح بعد جدته رمادا ... وغير حسنه لهب الحريق
وأسلم ذو نواس مستكينا وحذر قومه ضنك المضيق
قول ربيعة ابن الذئبة الثقفي في هذه القصة وقال عبدالله ابن الذئبة الثقفي في ذلك قال ابن هشام الذئبة أمه واسمه ربيعة ابن عبد ياليل بن سالم بن مالك بن حطيط بن جشم بن قسي ... لعمرك ما للفتى من مقر ... مع الموت يلحقه والكبر
لعمرك ما للفتى صحرة ... لعمرك ما إن له من وزر
أبعد قبائل من حمير أبيدوا صباحا بذات العبر(1/156)
بألف ألوف وحرابة ... كمثل السماء قبيل المطر
يصم صياحهم المقربات ... وينفون من قاتلوا بالدفر
سعالي مثل عديد التراب ... تيبس منهم رطاب الشجر
قول عمرو بن معدي كرب الزبيدي في هذه القصة وقال عمرو بن معدي كرب الزبيدي في شيء كان بينه وبين قيس بن مكشوح المرادي فبلغه أنه يتوعده فقال يذكر حمير وعزها وما زال من ملكها عنها ... أتوعدني كأنك ذو رعين ... بأفضل عيشة أو ذو نواس
وكائن كان قبلك من نعيم وملك ثابت في الناس راسي(1/157)
قديم عهده من عهد عاد ... عظيم قاهر الجبروت قاسي
فأمسى أهله بادوا واسمى ... يحول من اناس في أناس
نسب زبيد ومراد قال ابن هشام زبيد بن سلمة بن مازن بن منبه بن صعب بن سعد العشيرة بن مذحج ويقال زبيد بن منبه بن صعب بن سعد العشيرة ويقال زبيد بن صعب بن سعد ومراد يحابر بن مذحج
لماذا قال عمرو بن معدي كرب هذا الشعر قال ابن هشام وحدثني أبو عبيدة قال كتب عمر بن الخطاب رضي الله عنه الى سلمان بن ربيعة الباهلي وباهلة بن يعصر بن سعد بن قيس ابن ععيلان وهو بأرمينية يأمره أن يفضل أصحاب الخيل العراب على اصحاب الخيل المقارف في العطاء فعرض الخيل فمر به فرس عمرو ابن معدي كرب فقال له سلمان فرسك هذا مقرف فغضب عمرو وقال هجين عرف هجينا مثله فوثب إليه قيس فتوعده فقال عمرو هذه الأبيات
تصديق قول شق وسطيح قال ابن هشام فهذا الذي عنى سطيح الكاهن بقوله ليهبطن أرضكم الحبش فليملكن ما بين أبين الى جرش والذي عنى شق الكاهن بقوله لينزلن أرضكم السودان فليغلبن على كل طفلة البنان وليملكن ما بين أبين الى نجران(1/158)
$ النزاع على اليمن بين أبرهة وأياط
قال ابن اسحاق فأقام أرياط بأرض اليمن سنين في سلطانه ذلك ثم نازعه في أمر الحبشة باليمن أبرهة الحبشي حتى تفرقت الحبشة عليهما فانحاز الى كل واحد منهما طائفة منهم ثم سار أحدهما الى الآخر فلما تقارب الناس أرسل أبرهة الى ارياط إنك لا تصنع بأن تلقي الحبشة بعضها ببعض حتى تفنيها شيئا فابرز الي وأبرز إليك فأينا أصاب صاحبه انصرف إليه جنده فأرسل إليه أرياط انصفت فخرج إليه أبرهة وكان رجلا قصيرا لحيما وكان ذا دين في النصرانية وخرج إليه أرياط وكان رجلا جميلا عظيما طويلا وفي يده حربة له وخلف أبرهة غلام له يقال له عتودة يمنع ظهره فرفع أرياط الحربة فضرب أبرهة يريد يأفوخه فوقعت الحربة على جبهة أبرهة فشرمت حاجبه وأنفه وعينه وشفته فبذلك سمي أبرهة الأشرم وحمل عتودة على ارياط من خلف أبرهة فقتله وانصرف جند أرياط الى أبرهة فاجتمعت عليه الحبشة باليمن وودى أبرهة أرياط
غضب النجاشي على ابرهة فلما بلغ النجاشي غضب غضبا شديد وقال عدا على أميري فقتله بغير أمري ثم حلف لا يدع أبرهة حتى يطأ بلاده ويجز ناصيته فحلق أبرهة رأسه وملأ جرابا من تراب اليمن ثم بعث به الى النجاشي ثم كتب إليه
أيها الملك إنما كان أرياط عبدك وأنا عبدك فاختلفنا في أمرك(1/159)
وكل طاعته لك إلا أني كنت أقوى على أمر الحبشة وأضبط لها وأسوس منه وقد حلقت رأسي كله حين بلغني قسم الملك وبعثت إليه بجراب تراب من أرضي ليضعه تحت قدميه فيبر قسمه في
فلما انتهى ذلك الى النجاشي رضي عنه وكتب إليه أن اثبت بأرض اليمن حتى يأتيك أمري فأقام أبرهة باليمن
القليس أو كنيسة أبرهة ثم إن أبرهة بنى القليس بصنعاء فبنى كنيسة لم ير مثلها في زمانها بشيء من الأرض ثم كتب الى النجاشي أني قد بنيت لك ايها الملك كنيسة لم يبن مثلها لملك كان قبلك ولست بمنته حتى أصرف إليها حج العرب فلما تحدثت العرب بكتاب أبرهة ذلك الى النجاشي غضب رجل من النسأة أحد بني فقيم بن عدي بن عامر بن ثعلبة بن الحارث بن مالك بن كنانة بن خزيمة بن مدركة بن الياس بن مضر(1/160)
النساة والنسأة الذين كانوا ينسئون الشهور على العرب في الجاهلية فيحلون الشهر من الأشهر الحرم ويحرمون مكانه الشهر من أشهر الحل ليواطئوا عدة ما حرم الله ويؤخرون ذلك الشهر ففيه أنزل الله تبارك وتعالى {إنما النسيء زيادة في الكفر يضل به الذين كفروا يحلونه عاما ويحرمونه عاما ليواطئوا عدة ما حرم الله}.
قال ابن هشام ليوافقوا والمواطأة الموافقة تقول العرب واطأتك على هذا الأمر أي وافقتك عليه والإيطاء في الشعر الموافقة وهو اتفاق القافيتن من لفظ واحد وجنس واحد نحو قول العجاج واسم العجاج عبد الله بن رؤبة أحد بني سعد بن زيد مناة بن تميم ابن مر بن أد بن طابخة بن الياس بن مضر بن نزار ... في أثعبان المنجنون المرسل
ثم قال ... مد الخليج في الخليج المرسل
وهذان البيتان في أرجوزة له
أول من ابتدع النسيء قال ابن اسحاق وكان أول من نسأ الشهور على العرب فأحلت منها ما أحل وحرمت منها ما حرم القلمس وهو حذيفة بن عبد بن فقيم بن عدي بن عامر بن ثعلبة بن الحارث بن مالك بن كنانة بن خزيمة ثم قام بعده على ذلك ابنه عباد(1/161)
ابن حذيفة ثم قام بعد عباد قلع بن عباد ثم قام بعد قلع أمية بن قلع ثم قام بعد أمية عوف بن أمية ثم قام بعد عوف أبو ثمامة جنادة بن عوف وكان آخرهم وعليه قام الأسلام وكانت العرب إذا فرغت من حجها اجتمعت إليه فحرم الأشهر الحرم الأربعة رجبا وذا القعده وذا الحجة والمحرم فإذا أراد أن يحل شيئا أحل المحرم فأحلوه وحرم مكانه صفر فحرموه ليواطئوا عدة الأربعة الأشهر الحرم فإذا أرادوا الصدر قام فيهم فقال اللهم إني قد أحللت لك أحد الصفرين الصفر الأول ونسأت الآخر للعام المقبل فقال في ذلك عمر بن قيس جذل الطعان أحد بني فراس بن غنم بن ثعلبة بن مالك بن كنانة يفخر بالنسأة على العرب(1/162)
لقد علمت معد أن قومي ... كرام الناس أن لهم كراما
فأي الناس فاتونا بوتر ... وأي الناس لم نعلك لجاما
ألسنا الناسئين على معد ... شهور الحل نجعلها حراما.
قال ابن هشام أول الأشهر الحرم المحرم
الكناني يحدث في القليس قال ابن اسحاق فخرج الكناني حتى أتى القليس فقعد فيها.
قال ابن هشام يعني أحدث فيها.
قال ابن إسحاق ثم خرج فلحق بأرضه فأخبر بذلك أبرهة فقال من صنع هذا فقيل له صنع هذا رجل من العرب من أهل هذا البيت الذي تحج العرب إليه بمكة لما سمع قولك أصرف إليها حج العرب غضب فجاء فقعد فيها أي أنها ليست لذلك بأهل
خروج أبرهة لهدم الكعب فغضب عند ذلك أبرهة وحلف ليسيرن الى البيت حتى يهدمه ثم أمر الحبشة فتهيأت وتجهزت ثم سار(1/163)
وخرج معه بالفيل وسمعت بذلك العرب فأعظموه وفظعوا به ورأوا جهاده حقا عليهم حين سمعوا بأنه يريد هدم الكعبة بيت الله الحرام
أشراف اليمن يدافعون عن البيت فخرج إليه رجل من اشراف أهل اليمن وملوكهم يقال له ذو نفر فدعا قومه ومن أجابه من سائر العرب الى حرب أبرهة وجهاده عن بيت الله الحرام وما يريد من هدمه وإخراجه فأجابه الى ذلك من أجابه ثم عرض له فقاتله فهزم ذو نفر وأصحابه وأخذ له ذو نفر فأتي به أسيرا فلما أراد قتله قال له ذو نفر أيها الملك لا تقتلني فإنه عسى أن يكون بقائي معك خيرا لك من قتلي فتركه من القتل وحبسه عنده في وثاق وكان ابرهة رجلا حليما
خثعم تجاهد أبرهة ثم مضى أبرهة على وجهه ذلك يريد ما خرج له حتى إذا كان بأرض خثعم عرض له نفيل بن حبيب الخثعمي في قبيلي خثعم شهران وناهس ومن تبعه من قبائل العرب فقاتله فهزمه أبرهة وأخذ له نفيل أسيرا فأتي به فلما هم بقتله قال له نفيل أيها الملك لا تقتلني فإني دليلك بأرض العرب وهاتان يداي لك على قبيلي خثعم شهران وناهس بالسمع والطاعة فخلى سبيله
وخرج به معه يدله حتى إذا مر بالطائف خرج إليه مسعود بن معتب ابن مالك بن كعب بن عمرو بن سعد بن عوف بن ثقيف في رحال ثقيف
نسب ثقيف واسم ثقيف قسي بن النبيت بن منبه بن منصور(1/164)
ابن يقدم بن افصى بن دعمي بن إياد بن نزار بن معد بن عدنان
قال أمية بن ابي الصلت الثقفي ... قومي إياد لو أنهم أمم ... أو لو أقاموا فتهزل النعم
قوم لهم ساحة العراق إذا ... ساروا جميعا والقط والقلم
وقال أمية بن ابي الصلت ايضا ... فإما تسألي عني لبينى ... وعن نسبي أخبرك اليقينا
فإنا للنبيت أبي قسي ... لمنصور بن يقدم الأقدمينا.
قال ابن هشام ثقيف قسي بن منبه بن بكر بن هوازن بن منصرو ابن عكرمة بن خصفة بن قيس بن عيلان بن مضر بن نزار بن معد بن عدنان والبيتان الأولان والآخران في قصيدتين لأمية
ثقيف تهادن أبرهة قال ابن اسحاق فقالوا له أيها الملك إنما نحن عبيدك سامعون لك مطيعون ليس عندنا لك خلاف وليس(1/165)
بيتا هذا البيت الذي تريد يعنون اللات إنما نريد البيت الذي بمكة ونحن نبعث معك من يدلك عليه فتجاوز عنهم
اللات واللات بيت لهم بالطائف كانوا يعظمونه نحو تعظيم الكعبة.
قال ابن هشام أنشدني أبو عبيدة النحوي لضرار بن الخطاب الفهري ... وفرت ثقيف الى لاتها ... بمنقلب الخائب الخاسر
وهذا البيت في أبيات له
أبو رغال ورجم قبره قال ابن اسحاق فبعثوا معه ابا رغال يدله على الطريق الى مكة فخرج أبرهة ومعه ابو رغال حتى أنزله المغمس فلما انزله به مات أبو رغال هناك فرجمت فبره العرب فهو القبر الذي يرجم الناس بالمغمس(1/166)
الأسود بن مقصود يهاجم مكة فلما نزل أبرهة المغمس بعث رجلا من الحبشة يقال له الأسود بن مقصود على خيل له حتى انتهى الى مكة فساق إليه أموال تهامة من قريش وغيرهم وأصاب فيها مائتي بعير لعبد المطلب بن هاشم وهو يومئذ كبير قريش وسيدها فهمت قريش وكنانة وهذيل ومن كان بذلك الحرم بقتاله ثم عرفوا أنهم لا طاقة لهم به فتركوا ذلك
رسول ابرهة الى مكة وبعث أبرهة حناطة الحميري الى مكة وقال له سل عن سيد أهل هذا البلد وشريفها ثم قال له إن الملك يقول لك إني لم آت لحربكم إنما جئت لهدم هذا البيت فإن لم تتعرضوا دونه بحرب فلا حاجة لي بدمائكم فإن هو لم يرد حربي فأتني به فلما دخل حناطة مكة سأل عن سيد قريش وشريفها فقيل له عبد المطلب بن هاشم فجاءه فقال له ما أمره به ابرهة فقال له عبد المطلب والله ما نريد حربه وما لنا بذلك من طاقة هذا بيت الله الحرام وبيت خليله إبراهيم عليه السلام أو كما قال فإنه يمنعه منه فهو بيته وحرمه وإن يخل بينه وبينه فوالله ما عندنا دفع عنه فقال له حناطة فانطلق معي إليه فإنه قد أمرني أن آتيه بك
أنيس يشفع لعبد المطلب فانطلق معه عبد المطلب ومعه بعض بنيه حتى أتى العسكر فسأل عن ذي نفر وكان له صديقا حتى دخل عليه وهو في محبسه فقال له يا ذا نفر هل عندك من غناء فيما نزل بنا فقال له ذو نفر وما غناء رجل أسير بيدي ملك ينتظر أن يقتله(1/167)
غدوا أو عشيا ما عندنا غناء في شيء مما نزل بك إلا أن أنيسا سائس الفيل صديق لي وسأرسل إليه فأوصيه بك وأعظم عليه حقك وأسأله أن يستأذن لك على الملك فتكلمه بما بدا لك ويشفع لك عنده بخير إن قدر على ذلك فقال حسبي فبعث ذو نفر الى أنيس فقال له إن عبد المطلب سيد قريش وصاحب عير مكة يطعم الناس بالسهل والوحوش في رءوس الجبال وقد أصاب له الملك مائتي بعير فاستأذن عليه وانفعه عنده بما استطعت فقال أفعل
فكلم أنيس أبرهة فقال له أيها الملك هذا سيد قريش ببابك يستأذن عليك وهو صاحب عير مكة وهو يطعم الناس في السهل والوحوش في رءوس الجبال فأذن له عليك فيكلمك في حاجته قال فأذن له أبرهة
الإبل لي والبيت له رب يحميه قال وكان عبد المطلب أوسم الناس وأجملهم وأعظمهم فلما رآه أبرهة أجله وأعظمه وأكرمه عن أن يجلسه تحته وكره أن تراه الحبشة يجلس معه على سرير ملكه فنزل أبرهة عن سريره فجلس على بساطه وأجلسه معه عليه إلى جنبه ثم قال لترجمانه قل له حاجتك فقال له ذلك الترجمان فقال(1/168)
حاجتي أن يرد علي الملك مائتي بعير أصابها لي فلما قال له ذلك قال أبرهة لترجمانه قل له قد كنت أعجبتني حين رأيتك ثم زهدت فيك حين كلمتني أتكلمني في مائتي بعير أصبتها لك وتترك بيتا هو دينك ودين آبائك قد جئت لهدمه لا تكلمني فيه قال له عبد المطلب إني أنا رب الإبل وإن للبيت ربا سيمنعه قال ما كان ليمتنع مني قال أنت وذاك
الوفد المرافق لعبد المطلب وكان فيما يزعم بعض أهل العلم قد ذهب مع عبد المطلب الى أبرهة حين بعث إليه حناطة يعمر بن نفاثة بن عدي بن الدئل بن بكر بن مناة بن كنانة وهو يؤمئذ سيد بني بكر وخويلد بن واثلة الهذلي وهو يؤمئذ سيد هذيل فعرضوا على ابرهة ثلث أموال تهامة على أن يرجع عنهم ولا يهدم البيت فأبى عليهم والله أعلم أكان ذلك أم لا فرد أبرهة على عبد المطلب الإبل التي أصاب له
قريش تستنصر الله على ابرهة فلما انصرفوا عنه انصرف عبد المطلب الى قريش فأخبرهم الخبر وأمرهم بالخروج من مكة والتحرز في شعف الجبال والشعاب تخوفا عليهم من معرة الجيش ثم قام عبد المطلب فأخذ بحلقة باب الكعبة وقام معه نفر من قريش يدعون الله ويستنصرونه على أبرهة وجنده فقال عبد المطلب وهو آخذ بحلقة باب الكعبة(1/169)
لاهم إن العبد يمنع ... رحله فامنع حلالك
لا يغلبن صليبهم ... ومحالهم غدوا محالك
إن كنت تاركهم وقبلتنا فأمر ما بدا لك.
قال ابن هشام هذا ما صح له منها
عكرمة بن عامر يدعو على الأسود قال ابن اسحاق وقال عكرمة بن عامر بن هاشم بن عبد مناف بن عبد الدار بن قصي ... لاهم أخز الأسود بن مقصود ... الآخذ الهجمة فيها التقليد
بين حراء وثبير فالبيد ... يحبسها وهي أولات التطريد
فضمها الى طماطم سود ... أخفره يا رب وأنت محمود(1/170)
قال ابن هشام هذا ما صح له منها والطماطم الأعلاج.
قال ابن إسحاق ثم أرسل عبد المطلب حلقة باب الكعبة وانطلق هو ومن معه من قريش الى شعف الجبال فتحرزوا فيها ينتظرون ما أبرهة فاعل بمكة إذا دخلها
أبرهة يهاجم الكعبة فلما أصبح أبرهة تهيأ لدخول مكة وهيأ فيله وعبى جيشه وكان اسم الفيل محمودا وأبرهة مجمع لهدم البيت ثم الانصراف الى اليمن فلما وجهوا الفيل الى مكة أقبل نفيل بن حبيب حتى قام الى جنب الفيل ثم أخذه بأذنه فقال ابرك محمود أو ارجع راشدا من حيث جئت فإنك في بلد الله الحرام ثم أرسل أذنه فبرك الفيل وخرج نفيل بن حبيب يشتد حتى أصعد في الجبل وضربوا الفيل ليقوم فأبى فضربوا في رأسه بالطبرزين ليقوم فأبى فأدخلوا محاجن لهم في مراقه فبزغوه بها ليقوم فأبى(1/171)
فوجهوه راجعا الى اليمن فقام يهرول ووجهوه الى الشام ففعل مثل ذلك ووجهوه الى المشرق ففعل مثل ذلك ووجهوه الى مكة فبرك
عقاب الله لأبرهة وجنده فأرسل الله تعالى عليهم طيرا من البحر أمثال الخطاطيف والبلسان مع كل طائر منها ثلاثة أحجار يحملها حجر في منقاره وحجران في رجليه أمثال الحمص والعدس لا تصيب منهم احدا إلا هلك وليس كلهم أصابت وخرجوا هاربين يبتدرون الطريق الذي منه جاءوا ويسألون عن نفيل بن حبيب ليدلهم على الطريق الى اليمن فقال نفيل حين رأى ما أنزل الله بهم من نقمته ... أين المفر والإله الطالب ... والأشرم المغلوب ليس الغالب.
قال ابن هشام قوله ليس الغالب عن غير ابن اسحاق.
قال ابن إسحاق وقال نفيل أيضا :
ألا حييت عنا يا ردينا ... نعمناكم مع الإصباح عينا
ردينة لو رأيت ولا تريه ... لذي جنب المحصب ما رأينا
إذا لعذرتني وحمدت أمري ... ولم تأسي على ما فات بينا(1/172)
حمدت الله إذ أبصرت طيرا ... وخفت حجارة تلقى علينا
و كل القوم يسأل عن نفيل كأن علي للحبشان دينا
فخرجوا يتساقطون بكل طريق ويهلكون بكل مهلك على كل منهل وأصيب أبرهة في جسده وخرجوا به معهم يسقط أنمله أنمله كلما سقطت انملة اتبعتها منه مدة تمث قيحا ودما حتى قدموا به صنعاء وهو مثل فرخ الطائر فما مات حتى انصدع صدره عن قلبه فيما يزعمون.
قال ابن إسحاق حدثني يعقوب بن عتبة أنه حدث أن أول ما رؤيت الحصبة والجدري بأرض العرب ذلك العام وأنه اول ما رؤي بها مرائر الشجر الحرمل والحنظل والعشر ذلك العام
الله جل جلاله يذكر حادثة الفيل ويمتن على قريش
قال ابن اسحاق فلما بعث الله تعالى محمدا صلى الله عليه وسلم كان مما يعد الله على قريش من نعمته عليهم وفضله ما رد عنهم من امر الحبشة لبقاء أمرهم ومدتهم فقال الله تبارك وتعالى {ألم تر كيف فعل ربك بأصحاب الفيل ألم يجعل كيدهم في تضليل وأرسل عليهم طيرا أبابيل ترميهم بحجارة من سجيل فجعلهم كعصف مأكول} وقال {لإيلاف قريش إيلافهم رحلة الشتاء والصيف فليعبدوا رب هذا البيت الذي أطعمهم من جوع وآمنهم من خوف}(1/173)
أي لئلا يغير شيئا من حالهم التي كانوا عليها لما أراد الله بهم من الخير لو قبلوه
تفسير مفردات سورتي الفيل وقريش قال ابن هشام الأبابيل الجماعات ولم تتكلم لها العرب بواحد علمناه وأما السجيل فأخبرني يونس النحوي وأبو عبيدة أنه عند العرب الشديد الصلب قال رؤبة بن العجاج ... ومسهم ما مس أصحاب الفيل ... ترميهم حجارة من سجيل
و لعبت طير بهم أبابيل
وهذه الأبيات في أرجوزة له
ذكر بعض المفسرين أنهما كلمتان بالفارسية جعلتهما العرب كلمة واحدة وإنما هو سنج وجل يعني بالسنج الحجر وبالجل الطين يعني الحجارة من هذين الجنسين الحجر والطين والعصف ورق الزرع الذي لم يقصب وواحدته عصفة قال وأخبرني أبو عبيدة النحوي أنه يقال له العصافة والعصيفة وأنشدني لعلقمة بن عبدة أحد بني ربيعة بن مالك بن زيد مناة بن تميم ... تسقي مذانب قد مالت عصيفتها ... حدورها من أتي الماء مطموم
وهذا البيت في قصيدة له وقال الراجز ... فصيروا مثل كعصف مأكول(1/174)
قال ابن هشام ولهذا البيت تفسير في النحو
وإيلاف قريش إلفهم الخروج الى الشام في تجارتهم وكانت لهم خرجتان خرجة في الشتاء وخرجة في الصيف أخبرني أبو زيد الأنصاري أن العرب تقول ألفت الشيء إلفا وآلفته إيلافا في معنى واحد وأنشدني لذي الرمة ... من المؤلفات الرمل أدماء حرة ... شعاع الضحى في لونها يتوضح
وهذ البيت في قصيدة له وقال مطرود بن كعب الخزاعي ... المنعمين إذا النجوم تغيرت ... والظاعنين لرحلة الإيلاف
وهذا البيت في أبيات له سأذكرها في موضعها إن شاء الله تعالى والإيلاف أيضا أن يكون للإنسان ألف من الإبل أو البقر أو الغنم أو غير ذلك يقال آلف فلان إيلافا قال الكميت بن زيد أحد بني أسد ابن خزيمة بن مدركة بن إلياس بن مضر بن نزار بن معد(1/175)
بعام يقول له المؤلفون ... هذا المعيم لنا المرجل
وهذ البيت في قصيدة له والإيلاف أيضا أن يصير القوم ألفا يقال آلف القوم إيلافا قال الكميت بن زيد ... وآل مزيقياء غداة لاقوا ... بني سعد بن ضبة مؤلفينا
وهذا البيت في قصيدة له والإيلاف أيضا أن تؤلف الشيء الى الشيء فيألفه ويلزمه يقال آلفته إياه إيلافا والإيلاف أيضا أن تصير ما دون الألف ألفا آلفته إيلافا
مصير قائد الفيل وسائسه قال ابن اسحاق حدثني عبد الله ابن أبي بكر عن عمرة بنت عبد الرحمن بن سعد بن زرارة عن عائشة رضي الله عنها قالت لقد رأيت قائد الفيل وسائسه بمكة أعميين مقعدين يستطعمان الناس
ما قيل في قصة الفيل من الشعر
قال ابن اسحاق فلما رد الله الحبشة عن مكة وأصابهم بما أصابهم به من النقمة أعظمت العرب قريشا وقالوا هم أهل الله قاتل الله عنهم وكفاهم مئونة عدوهم فقالوا في ذلك اشعارا يذكرون فيها ما صنع الله بالحبشة وما رد عن قريش من كيدهم
شعر عبد الله بن الزبعري فقال عبد الله بن الزبعري بن عدي بن(1/176)
قيس بن عدي بن سعيد بن سهم بن عمرو بن هصيص بن كعب بن لؤي بن غالب بن فهر ... تنكلوا عن بطن مكة إنها ... كانت قديما لا يرام حريمها
لم تخلق الشعرى ليالي حرمت ... إذ لا عزيز من الأنام يرومها
سائل أمير الجيش عنها ما رأى ... ولسوف ينبي الجاهلين عليهما
ستون ألفا لم يئوبوا أرضهم ... ولم يعش بعد الإياب سقيمها
كانت بها عاد وجرهم قبلهم ... والله من فوق العباد يقيمها
قال ابن اسحاق يعني ابن الزبعري بقوله
بعد الإياب سقيهما
ابرهة إذ حملوه معهم حين أصابه ما أصابه حتى مات بصنعاء
شعر ابن الأسلت وقال أبو قيس بن الأسلت الأنصاري ثم الخطمي واسمه صيفي قال ابن هشام ابو قيس صيفي بن الأسلت(1/177)
ابن جشم بن وائل بن زيد بن قيس بن عامر بن مرة بن مالك بن الأوس ... ومن صنعه يوم فيل الحبوش ... إذ كلما بعثوه رزم
محاجنهم تحت أقرابه ... وقد شرموا أنفه فانخرم
وقد جعلوا سوطه مغولا ... إذا يمموه قفاه كلم
فولى وأدبر أدراجه ... وقد باء بالظلم من كان ثم
فأرسل من فوقهم حاصبا ... فلفهم مثل لف القزم
تحض على الصبر أحبارهم ... وقد ثاجوا كثؤاج الغنم.
قال ابن هشام وهذه الأبيات في قصيدة له والقصيدة أيضا تروى لأمية بن ابي الصلت.
قال ابن إسحاق وقال ابو قيس بن الأسلت ... فقوموا فصلوا ربكم وتمسحوا ... بأركان هذا البيت بين الأخاشب
فعندكم منه بلاء مصدق ... غداة أبى يكسوم هادى الكتائب
كتيبته بالسهل تمسي ورجله ... على القاذفات في رءوس المناقب(1/178)
فلما أتاكم نصر ذي العرش ردهم ... جنود المليك بين ساف وحاصب
فولوا سراعا هاربين ولم يؤب ... إلى أهله ملحبش غير عصائب.
قال ابن هشام أنشدني أبو زيد الأنصاري قوله ... على القاذفات في رءوس المناقب
وهذه الأبيات في قصيدة لأبي قيس سأذكرها في موضعها إن شاء الله وقوله غداة أبي يكسوم يعني أبرهة كان يكنى أبا يكسوم
شعر طالب بن ابي طالب قال ابن اسحاق وقال طالب بن أبي طالب بن عبد المطلب ... ألم تعلموا ما كان في حرب داحس ... وجيش أبي يكسوم إذ ملئوا الشعبا
فلولا دفاع الله لا شيء غيره ... لأصبحتم لا تمنعون لكم سربا.
قال ابن هشام وهذان البيتان في قصيدة له في يوم بدر سأذكرها في موضعها إن شاء الله تعالى
شعر أبي الصلت الثقفي قال ابن اسحاق وقال ابو الصلت ابن أبي ربيعة الثقفي في شأن الفيل ويذكر الحنيفية دين إبراهيم عليه السلام(1/179)
قال ابن هشام تروى لأمية بن أبي الصلت بن ابي ربيعة الثقفي ... إن آيات ربنا ثاقبات ... لا يماري فيهن إلا الكفور
خلق الليل والنهار فكل ... مستبين حسابه مقدور
ثم يجلو النهار رب رحيم بمهاة شعاعها منشور
حبس الفيل بالمغمس حتى ... ظل يحبو كأنه معقور
لازما حلقه الجران كما قطر ... من صخر كبكب محدور
حوله من ملوك كندة أبطال ... ملاويث في الحروب صقور
خلفوه ثم أبذعروا جميعا ... كلهم عظم ساقه مكسور
كل دين يوم القيامة عندالله ... إلا دين الحنيفة بور
شعر الفرزدق قال ابن هشام وقال الفرزدق واسمه همام ابن غالب احد بني مجاشع بن دارم بن مالك بن حنظلة بن مالك بن زيد مناة بن تميم يمدح سليمان بن عبد الملك بن مروان ويهجو الحجاج ابن يوسف ويذكر الفيل وجيشه ... فلما طغى الحجاج حين طغى به ... غنى قال إني مرتق في السلالم(1/180)
فكان كما قال ابن نوح سأرتقي ... الى جبل من خشية الماء عاصم
رمى الله في جثمانه مثل ما رمى ... عن القبلة البيضاء ذات المحارم
جنودا تسوق الفيل حتى أعادهم ... هباء وكانوا مطرخمي الطراخم
نصرت كنصر البيت إذ ساق فيله ... إليه عظيم المشركين الأعاجم
وهذه الأبيات في قصيدة له
شعر ابن قيس الرقيات قال ابن هشام وقال عبد الله بن قيس الرقيات أحد بني عامر بن لؤي بن غالب يذكر أبرهة وهو الأشرم والفيل
كاده الأشرم الذي جاء بالفيل ... فولى وجيشه مهزوم
واستهلت عليهم الطير بالجندل ... حتى كأنه مرجوم
ذاك من يغزه من الناس ... يرجع وهو فل من الجيوش ذميم(1/181)
وهذه الأبيات في قصيدة له
ولدا أبرهة قال ابن اسحاق فلما هلك أبرهة ملك الحبشة ابنه يكسوم بن أبرهة وبه كان يكنى فلما هلك يكسوم بن أبرهة ملك اليمن في الحبشة أخوه مسروق بن أبرهة
خروج سيف بن ذي يزن وملك وهرز على اليمن
سيف يشكو لقيصر فلما طال البلاء على اهل اليمن خرج سيف بن ذي يزن الحميري وكان يكنى بأبي مرة حتى قدم على قيصر ملك الروم فشكا إليه ما هم فيه وسأله أن يخرجهم عنه ويليهم هو ويبعث إليهم من شاء من الروم فيكون له ملك اليمن فلم يشكه
النعمان يتشفع لسيف عند كسرى فخرج حتى أتى النعمان بن المنذر وهو عامل كسرى على الحيرة وما يليها من أرض العراق فشكا إليه أمر الحبشة فقال له النعمان إن لي على كسرى وفادة في كل عام فأقم حتى يكون ذلك ففعل ثم خرج معه فأدخله على كسرى وكان كسرى يجلس في إيوان مجلسه في إيوان مجلسه الذي فيه تاجه وكان(1/182)
تاجه مثل القنقل العظيم فيما يزعمون يضرب فيه الياقوت واللؤلؤ والزبرجد بالذهب والفضة معلقا بسلسلة من ذهب في رأس طاقة في مجلسه ذلك وكانت عنقه لا تحمل تاجه إنما يستر بالثياب حتى يجلس في مجلسه ذلك ثم يدخل رأسه في تاجه فإذا استوى في مجلسه كفت عنه الثياب فلا يراه رجل لم يره قبل ذلك إلا برك هيبة له فلما دخل عليه سيف بن ذي يزن برك
معاوية كسرى لسيف قال ابن هشام حدثني أبو عبيدة أن سيفا لما دخل عليه طأطأ رأسه فقال الملك إن هذا الأحمق يدخل علي من هذا الباب الطويل ثم يطأطئ رأسه فقيل ذلك لسيف فقال إنما فعلت هذا لهمي لأنه يضيق عنه كل شيء.
قال ابن إسحاق ثم قال له أيها الملك غلبتنا على بلادنا الأغربة فقال له كسرى أي الأغربة الحبشة أم السند فقال بل الحبشة فجئتك لتنصرني ويكون ملك بلادي لك قال بعدت بلادك مع قلة خيرها فلم أكن لأورط جيشا من فارس بأرض العرب لا حاجة لي بذلك ثم اجازه بعشرة آلاف درهم واف وكساه كسوة حسنة فلما(1/183)
قبض ذلك منه سيف خرج فجعل ينثر ذلك الورق للناس فبلغ ذلك الملك فقال إن لهذا لشأنا ثم بعث إليه فقال عمدت الى حباء الملك تنثره للناس فقال وما أصنع بهذا ما جبال أرضي التي جئت منها إلا ذهب وفضة يرغبه فيها فجمع كسرى مرازبته فقال لهم ماذا ترون في امر هذا الرجل وما جاء له فقال قائل أيها الملك إن في سجونك رجالا قد حبستهم للقتل فلو انك بعثتهم معه فإن يهلكوا كان ذلك الذي أردت بهم وإن ظفروا كان ملكا ازددته فبعث معه كسرى من كان في سجونه وكانوا ثمانمائة رجل
انتصار سيف واستعمل عليهم رجلا يقال له وهرز وكان ذا سن فيهم وأفضلهم حسبا وبيتا فخرجوا في ثمان سفائن فغرقت سفينتان ووصل الى ساحل عدن ست سفائن فجمع سيف الى وهرز من استطاع من قومه وقال له رجلي مع رجلك حتى نموت جميعا أو نظفر جميعا قال له وهرز أنصفت وخرج إليه مسروق بن ابرهة ملك اليمن وجمع إليه جنده فأرسل إليهم وهرز ابنا له ليقاتلهم فيختبر قتالهم فقتل ابن وهرز فزاده ذلك حنقا عليهم فلما توافق الناس على مصافهم قال وهرز أروني ملكهم فقالوا له أترى رجلا على الفيل عاقدا تاجه على رأسه بين عينيه ياقوته حمراء قال نعم قالوا ذاك ملكهم فقال اتركوه قال فوقفوا طويلا ثم قال علام هو قالوا قد تحول على الفرس قال اتركوه فوقفوا طويلا ثم قال علام هو قالوا قد تحول على البغلة قال وهرز بنت الحمار ذل وذل ملكه إني سأرميه فإن رأيتم أصحبابه لم يتحركوا فاثبتوا حتى(1/184)
أوذنكم فإني قد اخطأت الرجل وإن رأيتم القوم قد استداروا ولاثوا به فقد أصبت الرجل فاحملوا عليهم ثم وتر قوسه وكانت فيما يزعمون لا يوترها غيره من شدتها وأمر بحاجبيه فعصبا له ثم رماه فصك الياقوتة التي بين عينيه فتغلغلت النشابة في راسه حتى خرجت من قفاه ونكس عن دابته واستدارت الحبشة ولاثت به وحملت عليهم الفرس وانهزموا فقتلوا وهربوا في كل وجه وأقبل وهرز ليدخل صنعاء حتى إذا أتى بابها قال لا تدخل رايتي منكسة أبدا اهدموا الباب فهدم ثم دخلها ناصبا رايته
شعر سيف بن ذي يزن في هذه القصة فقال سيف بن ذي يزن الحميري(1/185)
يظن الناس بالملكين ... أنهما قد التأما
ومن يسمع بلأمهما ... فإن الخطب قد فقما
قتلنا القيل مسروقا ... وروينا الكثيب دما
وإن القيل قيل الناس ... وهرز مقسم قسمل
يذوق مشعشعا حتى ... يفىء السبي والنعما.
قال ابن هشام وهذه الأبيات في أبيات له وأنشدني خلاد بن قرة السدوسي آخرها بيتا لأعشى بني قيس بن ثعلبة في قصيدة له وغيره من أهل العلم بالشعر ينكرها له
شعر أبي الصلت قال ابن اسحاق وقال ابو الصلت بن ابي ربيعة الثقفي.
قال ابن هشام وتروى لأمية بن أبي الصلت ... ليطلب الوتر أمثال ابن ذي يزن ... ريم في البحر للأعداء أحوالا(1/186)
يمم قيصر لما حان رحلته ... فلم يجد عنده بعض الذي سالا
ثم انثنى نحو كسرى بعد عاشرة ... من السنين يهين النفس والمالا
حتى أتى ببني الأحرار يحملهم ... إنك عمري لقد أسرعت قلقالا
لله درهم من عصبة خرجوا ... ما إن أرى لهم في الناس أمثالا
بيضا مرازبة غلبا أساورة ... أسدا تربب في الغيضات أشبالا
يرمون عن شدف كأنها غبط ... بزمخر يعجل المرمى إعجالا
أرسلت أسدا على سود الكلاب فقد ... أضحى شريدهم في الأرض فلالا
فاشرب هنيئا عليك التاج مرتفقا ... في رأس غمدان دارا منك محلالا
واشرب هنيئا فقد شالت نعامتهم ... وأسبل اليوم في برسيك إسبالا
تلك المكارم لا قعبان من لبن ... شيبا بماء فعادا بعد أبوالا(1/187)
قال ابن هشام هذا ما صح له مما روى ابن اسحاق منها إلا آخرها بيتا قوله ... تلك المكارم لا قعبان من لبن
فإنه للنابغة الجعدي واسمه حبان بن عبد الله بن قيس أحد بني جعدة بن كعب بن ربيعة بن عامر بن صعصعة بن معاوية بن بكر بن هوازن في قصيدة له
شعر عدي بن زيد قال ابن اسحاق وقال عدي بن زيد الحيري وكان احد بني تميم قال ابن هشام ثم أحد بني امرىء القيس بن زيد مناة بن تميم ويقال عدي من العباد من أهل الحيرة ... ما بعد صنعاء كان يعمرها ... ولاة ملك جزل مواهبها
رفعها من بني لدى قزع المزن ... وتندى مسكا محاربها(1/188)
محفوفة بالجبال دون عرى الكائد ... ما ترتقى غواربها
يأنش فيها صوت النهام إذا جاوبها بالعشي قاصبها
ساقت إليه الأسباب جند بني ... الأحرار فرسانها مواكبها
وفوزت بالبغال توسق بالحتف ... وتسعى بها توالبها
حتى رآها الأقوال من طرف المنقل ... مخضرة كتائبها
يوم ينادون آل بربر ... واليكسوم لا يفلحن هاربها
وكان يوم باقي الحديث وزالت ... إمة ثابت مراتبها
وبدل الفيج بالزرافة والأيام ... جون جم عجائبها
بعد بني تبع نخاورة قد اطمأنت بها مرزابها(1/189)
قال ابن هشام وهذه الأبيات في قصيدة له وأنشدني أبو زيد الأنصاري ورواه لي عن المفضل الضبي قوله ... يوم ينادون آل بربر واليكسوم الخ
وهذا الذي عني سطيح بقوله يليه إرم ذي يزن يخرج عليهم من عدن فلا يترك احدا منهم باليمن والذي عنى شق بقوله غلام ليس بدني ولا مدن يخرج عليهم من بيت ذي يزن
ذكر ما انتهى إليه أمر الفرس باليمن
مدة مكث الحبشة باليمن قال ابن اسحاق فأقام وهرز والفرس باليمن فمن بقية ذلك الجيش من الفرس الأبناء الذين باليمن اليوم وكان ملك الحبشة باليمن فيما بين أن دخلها أرياط الى أن قتلت الفرس مسروق بن أبرهة وأخرجت من الحبشة اثنتين وسبعين سنة توارث ذلك منهم اربعة أرياط ثم أبرهة ثم يكسوم بن ابرهة ثم مسروق بن ابرهة
أمراء الفرس باليمن قال ابن هشام ثم مات وهرز فأمر كسرى ابنه المرزبان بن وهرز على اليمن ثم مات المرزبان فأمر(1/190)
كسرى ابنه التينجان بن المرزبان على اليمن ثم مات التينجان فأمر كسرى بن التينجان على اليمن ثم عزله وأمر باذان فلم يزل باذان عليها حتى بعث الله محمدا النبي صلى الله عليه وسلم
محمد صلى الله عليه وسلم يتنبأ بموت كسرى فبلغني عن الزهري أنه قال : كتب كسرى الى باذان أنه بلغني أن رجلا من قريش خرج بمكة يزعم أنه نبي فسر إليه فاستتبه فإن تاب وإلا فابعث إلي برأسه فبعث باذان بكتاب كسرى الى رسول الله صلى الله عليه وسلم فكتب إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم إن الله قد وعدني أن يقتل كسرى في يوم كذا من شهر كذا فلما أتى باذان الكتاب توقف لينظر وقال إن كان نبيا فسيكون ما قال فقتل الله كسرى في اليوم الذي قال رسول الله صلى الله عليه وسلم.
قال ابن هشام قتل على يدي ابنه شيرويه وقال خالد بن حق الشيباني ... وكسرى إذ تقسمه بنوه ... بأسياف كما اقتسم اللحام(1/191)
تمخضت المنون له بيوم ... أني ولكل حاملة تمام
إسلام باذان قال الزهري فلما بلغ ذلك باذان بعث بإسلامه وإسلام من معه من الفرس الى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت الرسل من الفرس لرسول الله صلى الله عليه وسلم الى من نحن يا رسول الله قال أنتم منا وإلينا أهل البيت.
قال ابن هشام فبلغني عن الزهري أنه قال فمن ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم سلمان منا أهل البيت.
قال ابن هشام فهوالذي عنى سطيح بقوله نبى زكي يأتيه الوحي من قبل العلي والذي عني شق بقوله بل ينقطع برسول مرسل يأتي بالحق والعدل من أهل الدين والفضل يكون الملك في قومه الى يوم الفصل
كتاب الحجر الذي في اليمن قال ابن اسحاق وكان في حجر باليمن فيما يزعمون كتاب بالزبور كتب في الزمان الأول(1/192)
لمن ملك ذمار لحمير الأخيار ولمن ملك ذمار للحبشة الأشرار لمن ذمار الفارس الأحرار لمن ملك ذمار لقريش التجار
وذمار المين أو صنعاء
قال ان هشام ذمار بالفتح فيما أخبرني يونس
الأعشى يذكر نبوءة شق وسطيح قال ابن اسحاق وقال الأعشى أعشى بني قيس بن ثعلبة في وقوع ما قال سطيح وصاحبه ... ما نظرت ذات أشفار كنظرتها ... حقا كما صدق الذئبي إذ سجعا(1/193)
وكانت العرب تقول لسطيح الذئبي لأنه سطيح بن ربيعة بن مسعود بن مازن بن ذئب.
قال ابن هشام وهذا البيت في قصيدة له
قصة ملك الحضر.
قال ابن هشام وحدثني خلاء بن قرة بن خالد السدوسي عن جناد أو عن بعض علماء أهل الكوفة بالنسب أنه يقال إن النعمان بن المنذر من ولد ساطرون ملك الحضر والحضر حصن عظيم كالمدينة كان على شاطئ الفرات وهو الذي ذكر عدي بن زيد في وقوله ... وأخو الحضر إذ بناه وإذ دجلة يجبى إليه والخابور
شاده مرمرا وجلله كلسا فللطير في ذراه وكور
لم يهبه ريب المنون فبان الملك عنه فبابه مهجور.
قال ابن هشام وهذه الأبيات في قصيدة له
والذي ذكره أبو دواد الأيادي في قوله ... وأرى الموت قد تدلى من الحضر ... على رب أهله الساطرون(1/194)
وهذا البيت في قصيدة له ويقال إنها لخلف الأحمر ويقال لحماد الراوية
سابور يستولي على الحضر وكان كسرى سابور ذو الأكتاف غزا ساطرون ملك الحضر فحصره سنتين فأشرفت بنت ساطرون يوما فنظرت الى سابور وعليه ثياب ديباج وعلى رأسه تاج من ذهب مكلل بالزبرجد والياقوت واللؤلؤ وكان جميلا فدست إليه أتتزوجني إن فتحت لك بابا الحضر فقال نعم فلما أمسى ساطرون شرب حتى سكر وكان لا يبيت إلا سكران فأخذت مفاتيح باب الحضر من تحت رأسه فبعثت بها مع مولى لها ففتح الباب فدخل سابور فقتل ساطرون واستياح الحضر وخربه وسار بها معه فتزوجها فبينا هي(1/195)
نائمة على فراشها ليلا إذا جعلت تتململ لا تنام فدعا لها بشمع ففتش فراشها فوجد عليه ورقة آس فقال لها سابور أهذا الذي أشهرك قالت نعم قال فما كان أبوك يصنع بك قالت كان يفرش لي الديباج ويلبسني الحرير ويطعمني المخ ويسقين الخمر قال أفكان جزاء أبيك ما صنعت به أنت إلي بذلك أسرع ثم امر بها فربطت قرون رأسها بذنب فرس ثم ركض حتى قتلها ففيه يقول أعشى بن قيس بن ثعلبة
قول أعشى قيس في قصة الحضر ... ألم تر للحضر إذ أهله ... بنعمى وهل خالد من نعم
أقام بهع شاهبور الجنود ... حولين تضرب فيه القدم
فلما دعا ربه دعوة ... أناب إليه فلم ينتقم
وهذه الأبيات في قصيدة
قول عدي بن زيد وقال عدي بن زيد في ذلك ... والحضر صابت عليه داهية ... من فوقه أيد مناكبها
ربية لم توق والدها ... لحينها إذ أضاع راقبها(1/196)
إذ غبقته صهباء صافية ... والخمر وهل يهيم شاربها
فاسلمت أهلها بليلتها ... تظن أن الرئيس خاطبها
فكان حظ العروس إذ جشر الصبح ... دماء تجري سبائبها
وخرب الحضر واستبيح وقد ... أحرق في خدرها مشاجبها
وهذه الأبيات في قصيدة له(1/197)
$ ذكر ولد نزار بن معد
قال ابن اسحاق فولد نزار بن معد ثلاثة نفر مضر بن نزار وربيعة بن نزار وأنمار بن نزار.
قال ابن هشام وإياد بن نزار قال الحارث بن دوس الإيادي ويروى لأبي داود الإيادي واسمه جارية بن الحجاج ... وفتو حسن أوجههم ... من إياد بن نزار بن معد
وهذا البيت في أبيات له
فأم مضر وإياد سودة بنت عك بن عدنان وأم ربيعة وأنمار شقيقة بنت عك بن عدنان ويقال جمعة بنت عك بن عدنان
أولاد أنمار قال ابن اسحاق فأنمار أبو خثعم وبجيلة قال(1/198)
جرير بن عبدالله البجلي وكان سيد بجيلة وهو الذي يقول له القائل ... لولا جرير هلكت بجيله ... نعم الفتى وبئست القبيلة
وهو ينافر الفرافصة الكلبي الى الأقرع بن حابس التميمي ... يا أقرع بن حابس يا أقرع ... إنك إن تصرع أخاك تصرع
قال ... ابني نزار أنصرا أخاكما ... إن أبي وجدته أباكما
لن يغلب اليوم أخ والأكما
وقد تيامنت فلحقت باليمن.
قال ابن هشام قالت اليمن وبجيلة أنمار بن إراش بن لحيان بن عمرو بن الغوث بن نبت بن مالك بن زيد بن كهلان بن سبأ ويقال إراش بن عمرو بنا لحيان بن الغوث ودار بجيلة وخثعم يمانية
ولدا مضر قال ابن اسحاق فولد مضر بن نزار رجلين إلياس(1/199)
ابن مضر وعيلان بن مضر قال ابن هشام وأمهما جرهمية
أولاد إلياس قال ابن اسحاق فولد إلياس بن مضر ثلاثة نفر مدركة بن إلياس وطابخة بن إلياس وقمعة بن إلياس وأمهم خندف امرأة من اليمن.
قال ابن هشام خندف بنت عمران بن الحاف بن قضاعة.
قال ابن إسحاق وكان اسم مدركة عامرا واسم طابخة عمرا وزعموا أنهما كانا في إبل لهما يرعيانها فاقتنصا صيدا فقعدا عليه يطبخانه وعدت عادية على إبلهما فقال عامر لعمرو أتدرك الإبل ام تطبخ هذا الصيد فقال عمرو بل أطبح فلحق عامر بالإبل فجاء بها فلما راحا على أبيهما حدثاه بشأنهما فقال لعامر أنت مدركة وقال لعمرو وأنت طابخة(1/200)
وأما قمعة فيزعم نساب مضر أن خزاعة من ولد عمرو بن لحي بن قمعة بن إلياس
حديث عمرو بن لحي وذكر أصنام العرب
عمرو بن لحي يجر قصبة في النار قال ابن اسحاق وحدثني عبد الله بن ابي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم عن أبيه قال : حدثت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال رأيت عمرو بن لحي يجر قصبة في النار فسألته عمن بيني وبينه من الناس فقال هلكوا.
قال ابن إسحاق وحدثني محمد بن ابراهيم الحارث التيمي أن أبا صالح السمان حدثه أنه سمع أبا هريرة قال ابن هشام واسم أبي هريرة عبد الله بن عامر ويقال اسمه عبد الرحمن بن صخر يقول
سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لأكثم بن الجون الخزاعي يا أكثم رأيت عمرو بن لحي بن قمعة ابن خندف يجر قصبه في النار فما رأيت رجلا أشبه برجل منك به ولا بك منه فقال اكثم عسى أن يضرني(1/201)
شبهه يا رسول الله قال لا إنك مؤمن وهو كافر إنه كان أول من غير دين إسماعيل فنصب الأوثان وبحر البحيرة وسيب السائبة ووصل الوصيلة وحمى الحامي
أصل عبادة الأصنام في ارض العرب قال ابن هشام حدثني بعض أهل العلم ان عمرو بن لحي خرج من مكة الى الشام في بعض أموره فلما قدم مآب من أرض البلقاء وبها يومئذ العماليق وهم ولد عملاق ويقال عمليق بن لاوذ بن سام بن نوح رآهم يعبدون الأصنام فقال لهم ما هذه الأصنام التي أراكم تعبدون قالوا له هذه أصنام نعبدها فنستمطرها فتمطرنا ونستنصرها فتنصرنا فقال لهم ألا تعطونني منها صنما فأسير به الى ارض العرب فيعبدوه فأعطوه صنما يقال له هبل فقدم به مكة فنصبه وأمر الناس بعبادته وتعظيمه(1/202)
سبب عبادة الأصنام قال ابن اسحاق ويزعمون أن أول ما كانت عبادة الحجارة في بني إسماعيل أنه كان لا يظعن من مكة ظاعن منهم حين ضاقت عليهم والتمسوا الفسح في البلاد إلا حمل معه حجرا من حجارة الحرم تعظيما للحرم فحيثما نزلوا وضعوه فطافوا به كطوافهم بالكعبة حتى سلخ ذلك بهم الى ان كانوا يعبدون ما استحسنوا من الحجارة وأعجبهم حتى خلف الخلوف ونسوا ما كانوا عليه واستبدلوا بدين إبراهيم واسماعيل غيره فعبدوا الأوثان وصاروا الى ما كانت عليه الأمم قبلهم من الضلالات وفيهم على ذلك بقايا من عهد إبراهيم يتمسكون بها من تعظيم البيت والطواف به والحج والعمرة والوقوف على عرفة والمزدلفة وهدي البدن والإهلال بالحج والعمرة مع إدخالهم فيه ما ليس منه فكانت كنانة وقريش إذا أهلوا قالوا لبيك اللهم لبيك لبيكك لا شريك لك إلا شريك هو تلك تملكه وما ملك فيوحدونه بالتلبية ثم يدخلون معه أصنامهم ويجعلون ملكها بيده يقول الله تبارك وتعالى لمحمد صلى الله عليه وسلم {وما يؤمن أكثرهم بالله إلا وهم مشركون} أي ما يوحدونني لمعرفة حقي إلا جعلوا معي شريكا في خلقي
أصنام قوم نوح وقد كانت لقوم نوح أصنام قد عكفوا عليها قص الله تبارك وتعالى خبرها على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال {وقالوا لا تذرن آلهتكم ولا تذرن ودا ولا سواعا ولا يغوث ويعوق ونسرا وقد أضلوا كثيرا}(1/203)
القبائل العربية وأصنامها فكان الذين اتخذوا تلك الأصنام من ولد إسماعيل وغيرهم وسموا بأسمائهم حين فارقوا دين إسماعيل هذيل بن مدركة بن إلياس بن مضر اتخذوا سواعا فكان لهم برهاط وكلب بن وبرة من قضاعة اتخذوا ودا بدومة الجندل.
قال ابن إسحاق وقال كعب بن مالك الأنصاري ... وننسى اللات والعزى ... ونسلبها القلائد والشنوفا.
قال ابن هشام وهذا البيت في قصيدة له سأذكرها في موضعها إن شاء الله(1/204)
رة.
قال ابن هشام وكلب بن وبرة بن تغلب بن حلوان بن عمران بن الحاف بن قضاعة
عباد يغوث قال ابن اسحاق وأنعم من طيىء وأهل جرش من مذحج اتخذوا يغوث بجرش.
قال ابن هشام ويقال أنعم وطيىء بأدد بن مالك ومالك مذحج بن أدد ويقال طيىء بن أدد بن زيد بن كهلان بن سبأ
عباد يعوق قال ابن اسحاق وخيوان بطن من همدان اتخذوا يعوق بأرض همدان من أرض اليمن.
قال ابن هشام وقال مالك بن نمط الهمداني ... يريش الله في الدنيا ويبرى ... ولا يبري يعوق ولا يريش
وهذا البيت في أبيات له.
قال ابن هشام اسم همدان أوسلة بن مالك بن زيد بن ربيعة بن أوسلة بن الخيار بن مالك بن زيد بن كهلان بن سبأ ويقال أوسلة بن(1/205)
زيد بن أوسلة بن الخيار ويقال همدان بن أوسلة بن ربيعة بن مالك بن الخيار بن مالك بن زيد بن كهلان بن سبأ
عباد نسر قال ابن اسحاق وذو الكلاع من حمير اتخذوا نسرا بأرض حمير
عباد عميانس وكان لخولان صنم يقال له عميانس بأرض خولان يقسمون له من أنعامهم وحروثهم قسما بينه وبين الله بزعمهم فما دخل في حق عميانس من حق الله تعالى الذي سموه له تركوه له وما دخل في حق الله تعالى من حق عميانس ردوه عليه وهم بطن من خولان يقال لهم الأديم وفيهم أنزل الله تبارك وتعالى فيما يذكرون {وجعلوا لله مما ذرأ من الحرث والأنعام نصيبا فقالوا هذا لله بزعمهم وهذا لشركائنا فما كان لشركائهم فلا يصل إلى الله وما كان لله فهو يصل إلى شركائهم ساء ما يحكمون}.
قال ابن هشام خولان بن عمرو بن الحاف بن قضاعة ويقال خولان بن عمرو بن مرة بن أدد بن زيد بن مهسع بن عمرو بن عريب ابن زيد بن كهلان بن سبأ ويقال خولان بن عمر بن سعد العشيرة بن مذحج
عباد سعد قال ابن اسحاق وكان لبني ملكان بن كنانة بن خزيمة بن مدركة بن الياس بن مضر صنم يقال له سعد صخ(1/206)
بفلاة من ارضهم طويلة فأقبل رجل من بني ملكان بإبل له مؤبلة ليقفها عليه التماس بركته فيما يزعم فلما رأته الإبل وكانت مرعية لا تركب وكان يهراق عليه الدماء نفرت منه فذهبت في كل وجه وغضب ربها الملكاني فأخذ حجرا فرماه به ثم قال لا بارك الله فيك نفرت علي إبلي ثم خرج في طلبها حتى جمعها فلما اجتمعت له قال ... أتينا الى سعد ليجمع شملنا ... فشتتنا سعد فلا نحن من سعد
وهل سعد إلا صخرة إلا صخرة بتنوفة ... من الأرض لا تدعو لغي ولا رشد
دوس وصنمهم وكان في دوس صنم لعمرو بن حممة الدوسي.
قال ابن هشام سأذكر حديثه في موضعه إن شاء الله
ودوس بن عدثان بن عبد الله بن زهران بن كعب بن الحارث بن كعب بن عبد الله بن مالك بن نصر بن الأسد بن الغوث ويقال دوس ابن عبد الله بن زهران بن الأسد بن الغوث
عباد هبل قال ابن اسحاق وكانت قريش قد اتخذت صنما على بئر في جوف الكعبة يقال له هبل(1/207)
قال ابن هشام سأذكر حديثه إن شاء الله في موضعه
إساف ونائلة قال ابن اسحاق واتخذوا إسافا ونائلة على موضع زمزم ينحرون عندهما وكان إساف ونائلة رجلا وامرأة من جرهم هو إساف بن بغي وة نائلة بنت ديك فوقع إساف على نائلة في الكعبة فمسخها الله حجرين
حديث عائشة عن إساف ونائلة قال ابن إسحاق حدثني عبد الله بن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم عن عمرة بنت عبد الرحمن بن سعد بن زرارة أنها قالت سمعت عائشة رضي الله عنها تقول ما زلنا نسمع أن إسافا ونائلة كانا رجالا وامرأة من جرهم أحدثا في الكعبة فمسخمها الله تعالى حجرين والله أعلم.
قال ابن إسحاق وقال أبو طالب ... وحيث ينيخ الأشعرون ركابهم ... بمفضى السيول من إساف ونائل.
قال ابن هشام وهذا البيت في قصيدة له سأذكرها في موضعها إن شاء الله تعالى(1/208)
فعل العرب مع أصنافهم قال ابن اسحاق واتخذ أهل كل دار في دارهم صنما يعبدونه فإذا أراد الرجل منهم سفرا تمسح به حين يركب فكان ذلك آخر ما يصنع حين يتوجه الى سفره وإذا قدم من سفره تمسح به فكان ذلك أول ما يبدأ به قبل أن يدخل على أهله فلما بعث الله رسوله محمدا صلى الله عليه وسلم بالتوحيد قالت قريش {أجعل الآلهة إلها واحدا إن هذا لشيء عجاب}.
الطواغيت وكانت العرب قد اتخذت مع الكعبة طواغيت وهي بيوت تعظمها كتعظيم الكعبة لها سدنة وحجاب وتهدى لها كما تهدى للكعبة وتطوف بها كطوافها بها وتنحر عندها وهي تعرف فضل الكعبة عليها لأنها كانت قد عرفت أنها بيت إبراهيم الخليل ومسجده
العزى وسدنتها وحجابها فكانت لقريش وبني كنانة العزى بنخلة وكان سدنتها وحجابها بنو شيبان من سليم حلفاء بني هاشم.
قال ابن هشام حلفاء بني أبي طالب خاصة وسليم سليم بن منصور بن عكرمة بن فصفة بن قيس بن عيلان.
قال ابن إسحاق فقال شاعر من العرب ... لقد انكحت أسماء رأس بقيرة ... من الأدم أهداها أمرؤ من بني غنم
رأي قدعا في عينها إذ يسوقها ... إلى غبغب العزى فوسع في القسم(1/209)
وكذلك كانوا يصنعون إذا نحروا هديا قسموه فيمن حضرهم والغبغب المنحر ومهراق الدماء.
قال ابن هشام وهذان البيتان لأبي خراش الهذلي واسمه خويلد ابن مرة في أبيات له
من هم السدنة والسدنة الذين يقومون بأمر الكعبة قال رؤبة ابن العجاج ... فلا ورب الآمنات القطن ... يعمرن أمنا بالحرام المأمن
بمحبس الهدي وبيت المسدن
وهذا البيتان في أرجوزة له وسأذكرها حديثها إن شاء الله تعالى في موضعه
اللات وسدنتها قال ابن اسحاق وكانت اللات لثقيف بالطائف وكان سدنتها وحجاجها بنو معتب من ثقيف.
قال ابن هشام وسأذكر حديثها إن شاء الله تعالى في موضعه
مناة وسدنتها قال ابن اسحاق وكانت مناة للأوس والخزرج ومن دان بدينهم من أهل يثرب على ساحل البحر من ناحية المشلل بقديد.
قال ابن هشام وقال الكميت بن زيد أحد بني أسد بن مدركة ... وقد آلت قبائل لا تولي ... مناة ظهورها متحرفينا
وهذا البيت في قصيدة له
هدم مناة قال ابن هشام فبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم إليها أبا سفيان بن حرب فهدمها ويقال علي بن أبي طالب(1/210)
ذو الخلصة وعبادة وهدمه قال ابن اسحاق وكان ذو الخلصة لدوس وخثعم وبجيلة ومن كان ببلادهم من العرب بتبالة.
قال ابن هشام ويقال ذو الخلصة قال رجل من العرب ... لو كنت يا ذا الخلص الموتورا ... مثلي وكان شيخك المقبورا
لم تنه عن قتل العداة زورا
قال وكان أبوه قتل فأراد الطلب بثأره فأتى ذا الخلصة فاستقسم عنده بالأزلام فخرج السهم بنهيه عن ذلك فقال هذه الأبيات ومن الناس من ينحلها أمرأ القيس بن حجر الكندي فبعث إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم جرير بن عبد الله البجلي فهدمه
فلس وعباده وهدمه قال ابن اسحاق وكانت فلس لطيىء ومن يليها بجبلي طيىء يعني سلمى وأجأ.
قال ابن هشام فحدثني بعض أهل العلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث إليها علي بن أبي طالب فهدمها فوجد فيها سيفين يقال لأحدهما الرسوب وللآخر المخذم فأتى بهما رسول الله صلى الله عليه وسلم فوهبهما له فهما سيفا علي رضي الله عنه(1/211)
رئام قال ابن اسحاق وكان لحمير وأهل اليمن بيت بصنعاء يقال له رئام.
قال ابن هشام قد ذكرت حديثه فيما مضى
رضاء وعباده وهدمه قال ابن اسحاق وكانت رضاء بيتا لبني ربيعة بن كعب بن سعد بن زيد مناة بن تميم ولها يقول المستوغر بن ربيعة بن كعب بن سعد حين هدمها في الإسلام ... ولقد شددت على رضاء شدة ... فتركتها قفرا بقاع أسحما.
قال ابن هشام قوله ... فتركتها قفرا بقاع أسحما
عن رجل من بن سعد
عمر المستوغر ويقال إن المتسوغر عمر ثلاثمائة سنة وثلاثين سنة وكان أطول مضر كلها عمرا وهو الذي يقول ... ولقد سئمت من الحياة وطولها ... وعمرت من عدد السنين مئينا
مائة حدتها بعدها مئتان لي ... وازددت من عدد الشهور سنينا
هل ما بقي إلا كما قد فاتنا ... يوم يمر وليلة تحدونا
وبعض الناس يروي هذه الأبيات لزهير بن جناب الكلبي(1/212)
ذو الكعبات وعبادة قال ابن اسحاق وكان ذو الكعبات لبكر وتغلب ابني وائل وإياد بسنداد وله يقول أعشى بني قيس بن ثعلبة ... بين الخورنق والسدير وبارق ... والبيت ذي الكعبات من سنداد.
قال ابن هشام وهذا البيت لأسود بن يعفر النهشلي نهشل بن دارم بن مالك بن زيد بن مناة بن تميم في قصيدة له وأنشدنيه أبو محرز خلف الأحمر ... أهل الخورنق والسدير وبارق ... والبيت ذي الشرفات من سنداد(1/213)
$ البحيرة والسائبة والوصيلة والحامي
رأي ابن اسحاق فيها قال ابن اسحاق فأما البحيرة فهي بنت السائبة والسائبة الناقة إذا تابعت بين عشر إناث ليس بينهن ذكر سيبت فلم يركب ظهرها ولم يجز وبرها ولم يشرب لبنها إلا ضيف فما نتجت بعد ذلك من أنثى شقت أذنها ثم خلي سبيلها مع أمها فلم يركب ظهرها ولم يجز وبرها ولم يشرب لبنها إلا ضيف كما فعل بأمها فهي البحيرة بنت السائبة والوصيلة الشاة إذا أتأمت عشر إناث متتابعات في خمسة أبطن ليس بينهن ذكر جعلت وصيلة قالوا قد وصلت فكان ما ولدت بعد ذلك للذكور منهم دون إناثهم إلا أن أن يموت منها شيء فيشتركوا في أكله ذكورهم وإناثهم.
قال ابن هشام ويروى فكان ما ولدت بعد ذلك لذكور بنيهم دون بناتهم.
قال ابن إسحاق والحامي الفحل إذا نتج له عشر إناث متتابعات ليس بينهن ذكر حمي ظهره فلم يركب ولم يجز وبره وخلي في إبله يضرب فيها لا ينتفع منه بغير ذلك
ابن هشام يخالف ابن اسحاق قال ابن هشام وهذا عند العرب على غير هذا إلا الحامي فإنه عندهم على ما قال ابن اسحاق فالبحيرة عندهم الناقة تشق إذنها فلا يركب ظهرها ولا يجز وبرها ولا يشرب لبنها إلا ضيف أو يتصدق به وتهمل لآلهتهم والسائبة التي ينذر الرجل أن يسيبها إن برىء من مرضه أو إن أصاب أمرا يطلبه فإذا كان اساب ناقة من إبله أو جملا لبعض آلهتهم فسابت فرعت لا(1/214)
ينتفع بها والوصيلة التي تلد أمها اثنين في كل بطن فيجعل صاحبهما لآلهته الإناث منها ولنفسه الذكور فتلدها أمها ومعها ذكر في بطن فيقولون وصلت أخاها فيسيب أخوها معها فلا ينتفع به.
قال ابن هشام حدثني به يونس بن حبيب النحوي وغيره وروى بعض ما لم يرو بعض.
قال ابن إسحاق فلما بعث الله تبارك وتعالى رسوله محمد صلى الله عليه وسلم أنزل عليه {ما جعل الله من بحيرة ولا سائبة ولا وصيلة ولا حام ولكن الذين كفروا يفترون على الله الكذب وأكثرهم لا يعقلون}.
وأنزل الله تعلى {وقالوا ما في بطون هذه الأنعام خالصة لذكورنا ومحرم على أزواجنا وإن يكن ميتة فهم فيه شركاء سيجزيهم وصفهم إنه حكيم عليم}.
وأنزل الله تعالى {قل أرأيتم ما أنزل الله لكم من رزق فجعلتم منه حراما وحلالا قل آلله أذن لكم أم على الله تفترون}.
وأنزل عليه {ثمانية أزواج من الضأن اثنين ومن المعز اثنين قل آلذكرين حرم أم الأنثيين أما اشتملت عليه أرحام الأنثيين نبئوني بعلم إن كنتم صادقين ومن الإبل اثنين ومن البقر اثنين قل آلذكرين حرم أم الأنثيين أما اشتملت عليه أرحام الأنثيين أم كنتم شهداء إذ وصاكم الله بهذا فمن أظلم ممن افترى على الله كذبا ليضل الناس بغير علم إن الله لا يهدي القوم الظالمين}(1/215)
البحيرة والوصيلة والحامي لغة قال ابن هشام قال الشاعر ... حول الوصائل في شريف حقه ... والحاميات ظهورها والسيب
وقال تميم بن أبي بن مقبل أحد بني عامر بن صعصعة ... فيه من الأخرج المرباع قرقرة ... هدر الديافي وسط الهجمة البحر
وهذا البيت في قصيدة له وجمع بحيرة بحائر وبحر وجمع وصيلة وصائل ووصل وجمع سائبة الأكثر سوائب وسيب وجمع حام الأكثر حوم(1/216)
$ عود إلى النسب
نسب خزاعة قال ابن اسحاق وخزاعة تقول نحن بنو عمرو ابن عامر من اليمن.
قال ابن هشام وتقول خزاعة نحن بنو عمرو بن ربيعة بن حارثة ابن عمرو بن عامر بن حارثة بن امرىء القيس بن ثعلبة بن مازن بن الأسد بن الغوث وخندف أمنا فيما حدثني أبو عبيدة وغيره من اهل العلم ويقال خزاعة بنو حارثة بن عمرو بن عامر وإنما سميت خزاعة لأنهم تخزعوا من ولد عمرو بن عامر حين أقبلوا من اليمن يريدون الشام فنزلوا بمر الظهران فأقاموا بها قال عوف بن أيوب الأنصاري أحد بني عمرو بن سواد بن غنم بن كعب بن سلمة من الخزرج في الإسلام ... فلما هبطنا بطن مر تخزعت ... خزاعة منا في خيول كراكر
حمت كل واد من تهامة واحتمت ... بصم القنا والمرهفات البواتر
وهذان البيتان في قصيدة له
وقال أبو المطهر إسماعيل بن رافع الأنصاري أحد بني حارثة بن الحارث بن الخزرج بن عمرو بن مالك بن الأوس(1/217)
فلما هبطنا بطن مكة أحمدت ... خزاعة دار الآكل المتحامل
فحلت أكاريسا وشنت قنابلا ... على كل حي بين نجد وساحل
نفوا جرهما عن بطن مكة واحتبوا ... بعز خزاعي شديد الكواهل.
قال ابن هشام وهذه الأبيات في قصيدة له وأنا إن شاء الله أذكر نفيها جرهما في موضعه
أولاد مدركة وخزيمة قال ابن اسحاق فولد مدركة بن إلياس رجلين خزيمة بن مدركة وهذل بن مدركة وأمهما امرأة من قضاعة فولد خزيمة بن مدركة أربعة نفر كنانة بن خزيمة وأسد بن خزيمة وأسدة بن خزيمة والهون بن خزيمة فأم كنانة عوانة بنت سعد ابن قيس عيلان بن مضر.
قال ابن هشام ويقال الهون بن خزيمة
أولاد كنانة وأمهاتهم قال ابن اسحاق فولد كنانة بن خزيمة أربعة نفر النضر بن كنانة ومالك بن كنانة وعبد مناة بن كنانة وملكان بن كنانة فأم النضر برة بنت مر بن اد بن طابخة بن إلياس ابن مضر وسائر بنيه لامرأة أخرى.
قال ابن هشام ام النضر ومالك وملكان برة بنت مر وأم عبد مناة هالة بنت سويد بن الغطريف من أزد شنوءة وشنوءة عبد الله بن كعب بن عبد الله بن مالك بن نضر بن الأسد بن الغوث وإنما سموا شنوءة لشنآن كان بينهم والشنآن البغض(1/218)
من يطلق عليه لقب قرشي قال ابن هشام النضر قريش فمن كان من ولده فهو قرشي ومن لم يكن من ولده فليس بقرشي قال جرير بن عطية أحد بني كليب بن يربوع بن حنظلة بن مالك بن زيد مناة ابن تميم يمدح هشام بن عبد الملك بن مروان ... فما الأمر التي ولدت قريشا ... بمقرفة الندجار ولا عقيم
وما قرم بانجب من ابيكم ... وما خال بأكرم من تميم
يعني برة بنت مر أخت تميم بن مر أم النضر وهذان البيتان في قصيدة له
لماذا سميت قريش باسمها ويقال فهر بن مالك قريش فمن كا من ولده فهو قرشي ومن لم يكن من ولده فليس بقرشي وإنما سميت قريش قريشا من التقرش والتقرش التجارة والاكتساب قال رؤبة بن العجاج ... قد كان يغنيهم عن الشغوش ... والخشل من تساقط القروش
شحم ومحض ليس بالمغشوش.
قال ابن هشام والشغوش قمح يسمى الشغوش والخشل رءوس الخلاخيل والأسورة ونحوه والقروش التجارة والاكتساب يقول قد كان يغنيهم عن هذا شحم ومحض والمحض اللبن الحليب الخالص(1/219)
وهذه الأبيات في أرجوزة له وقال ابو جلدة اليشكري ويشكر بن بكر بن وائل ... إخوة قرشوا الذنوب علينا ... في حديث من عمرنا وقديم
وهذا البيت في أبيات له.
قال ابن إسحاق ويقال إنما سميت قريش قريشا لتجمعها من بعد تفرقها
ويقال للتجمع التقرش
أولاد النضر وامهاتهم فولد النضر بن كنانة رجلين مالك بن النضر ويخلد بن النضر فأم مالك عاتكة بنت عدوان بن عمرو بن قيس بن عيلان ولا أدري أهي أم يخلد أم لا.
قال ابن هشام والصلت بن النضر فيما قال أبو عمرو المدني وأمهم جميعا بنت سعد بن ظرب العداوني وعدوان بن عمر بن قيس بن عيلان قال كثير بن عبد الرحمن وهو كثير عزة أحد بني مليح بن عمرو من خزاعة ... أليس أبي بالصلت أم ليس إخوتي ... لكل هجان من بني النضر أزهرا
رأيت ثياب العصب مختلط السدى ... بنا وبهم والحضرمي المخصرا(1/220)
فإن لم تكونوا من بني النضر فاتركوا ... أراكا بأذناب الفوائج أخضرا
قال وهذه الأبيات في قصيدة له
والذين يعزون الى الصلت بن النضر من خزاعة بنو مليح بن عمرو رهط كثير عزة
أولاد مالك وفهر وأمهاتهم قال ابن اسحاق فولد مالك بن النضر فهر بن مالك وأمه جندلة بنت الحارث بن مضاض الجرهمي.
قال ابن هشام وليس بابن مضاض الأكبر.
قال ابن إسحاق فولد فهر بن مالك أربعة نفر غالب بن فهر ومحارب بن فهر والحارث بن فهر وأسد بن فهر وأمهم ليلى بنت سعد بن هذيل بن مدركة.
قال ابن هشام وجندلة بنت فهر وهي أم يربوع بن حنظلة بن مالك بن زيد مناة بن تميم وأمها ليلى بنت سعد قال جرير بن عطية ابن الخطفي واسم الخطفي حذيفة بن بدر بن سلمة بن عوف بن كليب بن يربوع بن حنظلة ... وإذا غضبت رمى ورائي بالحصى ... أبناء جندلة كخير الجندل
وهذا البيت في قصيدة له
أولاد غالب وأمهاتهم قال ابن اسحاق فولد غالب بن فهر(1/221)
رجلين لؤي بن غالب وتيم بن غالب وأمهما سلمى بنت عمرو الخزاعي وتيم بن غالب الذين يقال لهم بنو الأدرم.
قال ابن هشام وقيس بن غالب وأمه سلمى بنت كعب بن عمرو الخزاعي وهي أم لؤي وتيم ابني غالب
أولاد لؤي وأمهاتهم قال ابن اسحاق فولد لؤي بن غالب أربعة نفر كعب بن لؤي وعامر بن لؤي وسامة بن لؤي وعوف بن لؤي فأم كعب وعامر وسامة ماوية بنت كعب بن القين بن جسر من قضاعة.
قال ابن هشام ويقال والحارث بن لؤي وهم جشم بن الحارث في هزان من ربيعة قال جرير(1/222)
بني جشم لستم لهزان فانتموا ... لأعلى الروابي من لؤي بن غالب
ولا تنكحوا في آل ضور نساءكم ... ولا في شكيس بئس مثوى الغرائب
وسعد بن لؤي وهم بنانة في شيبان بن ثعلبة بن عكابة بن صعب ابن علي بن بكر بن وائل من ربيعة
وبنانة حاضنة لهم من بني القين بن جسر بن شيع الله ويقال سيع الله ابن الأسد بن وبرة بن ثعلبة بن حلوان بن عمران بن الحاف بن قضاعة ويقال بنت النمر بن قاسط من ربيعة ويقال بنت جرم بن ربان بن حلوان بن عمران بن الحاف بن قضاعة
وخزيمة بن لؤي بن غالب وهم عائذة في شيبان بن ثعلبة وعائذة امرأة من اليمن وهي أم بن عبيدة بن خزيمة بن لؤي
وأم بني لؤي كلهم إلا عامر بن لؤي ماوية بنت كعب بن القين ابن جسر وأم عامر بن لؤي مخشية بنت شيبان بن محارب بن فهر ويقال ليلى بنت شيبان بن محارب بن فهر(1/223)
$ أمر سامة بن لؤي
هروبه من أخيه وموته قال ابن اسحاق فأما سامة بن لؤي فخرج الى عمان وكان بها ويزعمون أن عامر بن لؤي أخرجه وذلك أنه كان بينهما شيء ففقأ سامة عين عامر فأخافه عامر فخرج الى عمان فيزعمون أن سامة بن لؤي بينا هو يسير على ناقته إذ وضعت رأسها ترتع فأخذت حية بمشفرها فهصرتها حتى وقعت الناقة لشقها ثم نهشت سامة فقتلته فقال سامة حين أحس بالموت فيما يزعمون ... عين فابكي لسامة بن لؤي ... علقت ساق سامة العلاقة
لاارى مثل سامة بن لؤي ... يوم حلوا به قتيلا
بلغا عامرا وكعبا رسولا ... أن نفسي إليهما مشتاقة
إن تكن في عمان داري فإني ... غالبي خرجت من غير فاقة
رب كأس هرقت يا ابن لؤي ... حذر الموت لم تكن مهراقة
رمت دفع الحتوف يا ابن لؤي ... ما لمن رام ذاك بالحتف طاقة(1/224)
وخروس السرى تركت رديا ... بعد جد وجدة ورشاقة.
قال ابن هشام وبلغني أن بعض ولده أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فانتسب إلى سامة بن لؤي فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم آلشاعر فقال له بعض أصحابه كأنك يا رسول الله أردت قوله ... رب كأس هرقت يا ابن لؤي ... حذر الموت لم تكن مهراقة
قال أجل
أمر عوف بن لؤي ونقلته
سبب انتمائه الى غطفان قال ابن اسحاق وأما عوف بن لؤي فإنه خرج فيما يزعمون في ركب من قريش حتى إذا كان بأرض غطفان بن سعد بن قيس بن عيلان ابطىء به فانطلق من كان معه من قومه فأتاه ثعلبة بن سعد وهو أخوه في نسب بني ذبيان ثعلبة بن سعد بن ذبيان بن بغيض بن ريث بن غطفان وعوف بن سعد بن ذبيان ابن بغيض بن ريث بن غطفان فحبسه وزوجه والتاطه وآخاه فشاع نسبه في بن ذبيان وثعلبة فيما يزعمون الذي يقول لعوف حين أبطىء به فتركه قومه(1/225)
احبس علي ابن لؤي جملك ... تركك القوم ولا مترك لك
مكانة مرة قال ابن اسحاق وحدثني محمد بن جعفر بن الزبير أو محمد بن عبد الرحمن بن عبد الله بن حصين أن عمر بن الخطاب قال لو كنت مدعيا حيا من العرب أو ملحقهم بنا لادعيت بني مرة بن عوف إنا لنعرف فيهم الأشباه مع ما نعرف من موقع ذلك الرجل حيث وقع يعني عوف بن لؤي
نسب مرة قال ابن اسحاق فهو في نسب غطفان مرة بن عوف بن سعد بن ذبيان بن بغيض بن ريث بن غطفان وهم يقولون إذا ذكر لهم هذا النسب ما ننكره وما نجحده وإنه لأحب النسب إلينا
وقال الحارث بن ظالم بن جذيمة بن يربوع قال ابن هشام أحد بني مرة بن عوف حين هرب من النعمان بن المنذر فلحق بقريش ... فما قومي بثعلبة بن سعد ... ولا بفزراة الشعر الرقابا
وقومي إن سألت بنو لؤي ... بمكة علموا مضر الضرابا
سفهنا باتباع بني بغيض ... وترك الأقربين لنا انتسابا
سفاهة مخلف لما تروى ... هراق الماء واتبع السرابا
فلو طووعت عمرك كنت فيهم ... وما ألفيق أنتجع السحابا
وخش رواحة القرشي رحلي ... بناجية ولم يطلب ثوابا(1/226)
قال ابن هشام هذا ما أنشدني أبو عبيد منها.
قال ابن إسحاق فقال الحصين بن الحمام المري ثم أحد بني سهم ابن مرة يرد على الحارث بن ظالم وينتمي الى غطفان ... ألا لستم منا ولسنا إليكم ... برئنا إليكم من لؤي بن غالب
أقمنا على عز الحجاز وأنتم ... بمعتلج البطحاء بين الأخاشب
يعني قريشا ثم ندم الحصين على ما قال وعرف ما قال الحارث ابن ظالم فاتتمى الى قريش وأكذب نفسه فقال ... ندمت على قول مضى كنت قلته ... تبينت فيه أنه قول كاذب
فليت لساني كان نصفين منهما ... بكيم ونصف عند مجرى الكواكب
أبونا كناني بمكة قبره ... بمعتلج البطاء بين الأخاشب
لنا الربع من بيت الحرام وراثة ... وربع البطاح عند دار ابن حاطب
أي أن بني لؤي كانوا أربعة كعبا وعامرا وسامة وعوفا.
قال ابن إسحاق وحدثني من لا أتهم ان عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال لرجال من بني مرة إن شئتم أن ترجعوا الى نسبكم فارجعوا اليه
أشراف مرة قال ابن اسحاق وكان القوم اشرافا في غطفان(1/227)
هم سادتهم وقادتهم منهم هرم بن سنان بن ابي حارثة وخارجة بن سنان بن أبي حارثة والحارث بن عوف والحصين بن الحمام وهاشم ابن حرملة الذي يقول له القائل ... أحيا أباء هاشم بن حرملة
يوم الهباءات ويوم اليعمله
ترى الملوك عنده مغربلة
يقتل ذا الذنب ومن لا ذنب له.
قال ابن هشام أنشدني أبو عبيدة هذه الأبيات لعامر الخصفي خصفة بن قيس بن عيلان ... أحيا أباه هاشم بن حرملة
يوم الهباءات ويوم اليعمله
ترى الملوك عنده مغريلة
يقتل ذا الذنب ومن لا ذنب له
ورمحه للوالدات مشكله.
قال ابن هشام وحدثني أن هاشما قال لعامر قل في بيتا جيدا(1/228)
أثبك عليه فقال عامر البيت الأول فلم يعجب هاشما ثم قال الثاني فلم يعجبه ثم قال الثالث فلم يعجبه فلما قال الرابع ... يقتل ذا الذنب ومن لا ذنب له
أعجبه فأثابه عليه.
قال ابن هشام وذلك الذي أراد الكمت بن زيد في قوله ... وهاشم مرة المفني ملوكا ... بلا ذنب إليه ومذنبينا
وهذا البيت في قصيدة له وقول عامر يوم الهباءات عن غير أبي عبيدة.
قال ابن إسحاق قوم لهم صيت وذكر في غطفان وقيس كلها فأقاموا على نسبهم وفيهم كان البسل
أمر البسل
تعريف البسل والبسل فيما يزعمون نسيئهم ثمانية أشهر حرم لهم من كل سنة من بين العرب قد عرفت ذلك لهم العرب لا ينكرونه ولا يدفعونه يسيرون به الى أي بلاد العرب شاءوا لا يخافون(1/229)
منهم شيئا قال زهير بن ابي سلمى يعني بني مرة
نسب زهير بن أبي سلمى قال ابن هشام زهير أحد بني مزينة بن أد بن طابخة بن اليا س بن مضر ويقال زهير بن أبي سلمى من غطفان ويقال حليف في غطفان ... تأمل فإن تقو المروراة منهم ... وداراتها لا تقويا منهم إذا نخل
بلاد بها نادمتهم وألفتهم ... فإن تقويا منهم فإنهم بسل
أي حرام يقول ساروا في حرمهم.
قال ابن هشام وهذان البيتان في قصيدة له.
قال ابن إسحاق وقال أعشى بن قيس بن ثعلبة ... أجارتكم بسل علينا محرم ... وجارتنا حل لكم وحليلها
قال اابن هشام وهذا البيت في قصيدة له
أولاد كعب وأمهم قال ابن اسحاق فولد كعب بن لؤي ثلاثة نفر مرة بن كعب وعدي بن كعب وهصيص بن كعب وأمهم وحشية بنت شيبان بن محارب بن فهر بن مالك بن النضر(1/230)
أولاد مرة وأمهاتهم فولد مرة بن كعب ثلاثة نفر كلاب بن مرة وتيم بن مرة ويقظة بن مرة
فأم كلاب هند بنت سرير بن ثعلبة بن الحارث بن فهر بن مالك بن كنانة بن خزيمة وأم يقظة البارقية امرأة من بارق من الأسد من اليمن ويقال هي أم تيم ويقال تيم لهند بنت سرير أم كلاب
نسب بارق قال ابن هشام بارق بنو عدي بن حارثة بن عمرو بن عامر بن حارثة بن امرىء القيس بن ثعلبة بن مازن بن الأسد بن الغوث وهم في شنوءة قال الكميت بن زيد ... وأزد شتوءة أندرءوا علينا ... بجم يحسبون لها قرونا
فما قلنا لبارق قد أسأتم ... وما قلنا لبارق أعتبونا
قال وهذان البيتان في قصيدة له وإنما سموا ببارق لأنهم تبعوا البرق
ولدا كلاب وأمهما قال ابن اسحاق فولدكلاب بن مرة رجلين قصي بن كلاب وزهرة بن كلاب وأمهما فاطمة بنت سعد ابن سيل أحد بنى الجدرة من جعثمة الأزد من اليمن حلفاء في بنى(1/231)
الديل بن بكر بن عبد مناف بن كنانة
نسب جعثمة قال ابن هشام ويقال جعثمة الأسد وجعثمة الأزد وهو جعثمة بن يشكر بن مبشر بن صعب دهمان بن نصر بن زهران بن الحارث بن كعب بن عبد الله بن مالك بن نصر بن الأسد بن الغوث ويقال جعثمة بن يشكر بن مبشر بن صعب بن نصر بن زهران ابن الأسد بن الغوث
وإنما سموا الجدرة لأن عامر بن عمرو بن جعثمة تزوج بنت الحارث بن مضاض الجرهمي وكانت جرهم أصحاب الكعبة فبنى للكعبة جدارا فسمى عامر بذلك الجادر فقيل لولده الجدرة لذلك.
قال ابن إسحاق ولسعد بن سيل يقول الشاعر ... ما نرى في الناس شخصا واحدا ... من علمناه كسعد بن سيل(1/232)
فارسا أضبط فيه عسرة ... وإذا ما واقف القرن نزل
فارسا يستدرج الخيل كما استدرج ... الحر القطامي الحجل
قال ابن اسحاق قوله كما استدرج الحر عن بعض أهل العلم بالشعر
نعم بنت كلاب وأمها ووالداها قال ابن هشام ونعم بنت كلاب وهي أم سعد وسعيد ابني
سهم بن عمرو بن هصيص بن كعب ابن لؤي وأمها فاطمة بنت سعد بن سيل أولاد قصي وأمهم قال ابن اسحاق فولد قصي بن كلاب أربعة نفر وامرأتين عبد مناف بن قصي وعبد الدار بن قصي وعبد العزى بن قصي وعبد قصي بن قصي وتخمر بنت قصي وبرة بنت قصي وامهم حبى بنت حليل بن حبشية بن سلول بن كعب بن عمرو الخزاعي.
قال ابن هشام ويقال حبشية بن سلول
أولاد عبد مناف وأمهاتهم قال ابن اسحاق فولد عبد مناف واسمه المغيرة بن قصي أربعة نفر هاشم بن عبد مناف(1/233)
وعبد شمس بن عبد مناف والمطلب بن عبد مناف وأمهم عاتكة بنت مرة بن هلال بن فالج بن ذكوان بن ثعلبة بن بهثة بن سليم بن منصور بن عكرمة ونوفل بن عبد مناف وأمه واقدة بنت عمرو المازنية مازن ابن منصور بن عكرمة.
قال ابن هشام فبهذا النسب خالفهم عتبة بن غزوان بن جابر بن وهب بن نسيب بن مالك بن الحارث بن مازن بن منصور بن عكرمة #.
قال ابن هشام وأبو عمرو وتماضر وقلابة وحية وريطة وأم الأخثم وأم سفيان بنو عبد مناف
فأم أبي عمرو ريطة امرأة من ثقيف وأم سائر النساء عاتكة بنت مرة بن هلال أم هاشم بن عبد مناف وأمها صفية بنت حوزة بن عمرو ابن سلول بن صعصعة بن معاوية بن بكر بن هوازن وأم صفية بنت عائذ الله بن سعد العشيرة بن مذحج
أولاد هاشم وأمهاتهم قال ابن هشام فولد هاشم بن عبد مناف أربعة نفر وخمسة نسوة عبد المطلب بن هاشم وأسد بن(1/234)
هاشم وأبا صيفي بن هاشم ونضلة بن هاشم والشفاء وخالدة وضعيفة ورقية وحية فأم عبد المطلب ورقية سلمى بنت عمرو بن زيد بن لبيد بن خداش بن عامر بن غنم بن عدي بن النجار واسم النجار تيم الله بن ثعلبة بن عمرو بن الخزرج بن حارثة بن ثعلبة بن عمرو بن عامر
وأمها عميرة بنت صخر بن حبيب بن الحارث بن ثعلبة بن مازن بن النجار وأم عميرة سلمى بنت عبد الأشهل النجارية وأم أسد قيلة بنت عامر بن مالك الخزاعي وأم أبي صيفي وحية هند بنت عمرو بن ثعلبة الخزاجية وام نضلة والشفاء امرأة من قضاعة وأم خالدة وضعيفة واقدة بنت أبي عدي المازنية(1/235)
$ أولاد عبد المطلب بن هاشم
أولاد عبد المطلب وامهاتهم قال ابن هشام فولد عبد المطلب بن هاشم عشرة نفر وست نسوة العباس وحمزة وعبد الله وأبا طالب واسمه عبد مناف والزبير والحارث وحجلا والمقوم وضرارا وابا لهب واسمه عبد العزى وصفية وأم حكيم البيضاء وعاتكة وأميمة وأروى وبرة(1/236)
فأم العباس وضرار نتيله بنت جناب بن كليب بن مالك بن عمرو بن عامر بن زيد مناة بن عامر وهو الضحيان بن سعد بن الخزرج بن تيم اللات بن النمر بن قاسط بن هنب بن أفصى بن جديلة بن أسد بن ربيعة بن نزار ويقال أفصى بن دعمي بن جديلة
وأم حمزة والمقوم وحجل وكان يلقب بالغيداق لكثرة خيره وسعة ماله وصفية هالة بنت أهيب بن عبد مناف بن زهرة بن كلاب بن مرة بن كعب بن لؤي
وأم عبد الله وأبي طالب والزبير وجميع النساء غير صفية فاطمة بنت عمرو بن عائذ بن عمران بن مخزوم بن يقظة بن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب بن فهر بن مالك بن النضر
وأمها صخرة بنت عبد بن عمران بن مخزوم بن يقظة بن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب بن فهر بن مالك بن النضر
وأم ضخرة تخمر بنت عبد بن قصي بن كلاب بن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب بن فهر بن مالك بن النضر
وام الحارث بن عبد المطلب سمراء بنت جندب بن جحير بن رئاب بن حبيب بن سواءة بن عامر بن صعصعة بن معاوية بن بكر بن هوازن بن منصور بن عكرمة
وأم أبي لهب لبني بنت هاجر بن عبد مناف بن ضاطر بن حبشية ابن سلول بن كعب بن عمرو الخزاعي
أم رسول الله صلى الله عليه وسلم وأمهاتها قال ابن هشام فولد عبد الله بن عبد المطلب رسول الله صلى الله عليه وسلم سيد ولد آدم محمد بن عبد الله بن عبد المطلب صلوات الله وسلامة ورحمته وبركاته عليه وعلى آله(1/237)
وأمه آمنة بنت وهب بن عبد مناف بن زهرة بن كلاب بن مرة ابن كعب بن لؤي بن غالب بن فهر بن مالك بن النضر
وأمها برة بنت عبد العزى بن عثمان بن عبد الدار بن قصي بن كلاب بن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب بن فهر بن مالك بن النضر
وأم برة أم حبيب بنت أسد بن عبيد العزى بن قصي بن كلاب بن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب بن فهر بن مالك بن النضر
وأم أم حبيب برة بنت عوف بن عبدي بن عويج بن عدي بن كعب بن لؤي بن غالب بن فهر بن مالك بن النضر.
قال ابن هشام فرسول الله صلى الله عليه وسلم أشرف ولد آدم حسبا وأفضلهم نسبا من قبل أبيه وأمه صلى الله عليه وسلم(1/238)
$ حديث مولد رسول الله صلى الله عليه وسلم
احتفار زمزم قال حدثنا أبو محمد عبد الملك بن هشام قال وكان من حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم ما حدثنا به زياد بن عبد الله البكائي عن محمد بن إسحاق المطلبي بينما عبد المطلب بن هاشم نائم في الحجر إذ أتي فأمر بحفر زمزم وهي دفن بين صنمي قريش إساف ونائلة عند منحر قريش وكانت جرهم دفنتها حين ظعنوا من مكة وهي بئر إسماعيل بن إبراهيم عليهما السلام التي سقاه الله حين ظمىء وهو صغير فالتمست له أمه ماء فلم تجده فقامت الى الصفا تدعو الله وتستغيثه لإسماعيل ثم أتت المروة ففعلت مثل ذلك وبعث الله تعالى جبريل عليه السلام فهمز له بعقبة في الأرض فظهر الماء وسمعت أمه أصوات السباع فخافتها عليه فجاءت تشتد نحوه فوجدته يفحص بيده عن الماء من تحت خده ويشرب فجعلته حسيا(1/239)
$ أمر جرهم ودفن زمزم
ولاة البيت من ولد إسماعيل قال ابن هشام وكان من حديث جرهم ودفنها زمزم وخروجها من مكة ومن ولي أمر مكة بعدها الى أن حفر عبد المطلب زمزم ما حدثنا به زياد بن عبد الله البكائي عن محمد بن اسحاق المطلبي قال لما توفي إسماعيل بن إبراهيم ولي البيت بعده ابنه نابت بن اسماعيل ما شاء الله أن يليه ثم ولي البيت بعده مضاض بن عمرو الجرهمي.
قال ابن هشام ويقال مضاض بن عمرو الجرهمي
بغي جرهم وقطوراء قال ابن اسحاق وبنو اسماعيل وبنو نابت مع جدهم مضاض بن عمرو وأخوالهم من جرهم وجرهم وقطوراء يومئذ أهل مكة وهما ابنا عم وكانا ظعنا من اليمن فأقبلا سيارة وعلى جرهم مضاض بن عمرو وعلى قطوراء السميدع(1/240)
رجل منهم وكانوا إذا خرجوا من اليمن لم يخرجوا إلا ولهم ملك يقيم أمرهم فلما نزلا مكة رأيا بلدا ذا ماء وشجر فأعجبهما فنزلا به فنزل مضاض بن عمرو بمن معه من جرهم بأعلى مكة بقعيقان فما حاز ونزل السميدع بقطوراء أسفل مكة بأجياد فما حاز فكان مضاض يعشر من دخل مكة من أعلاها وكان السميدع يعشر من دخل مكة من أسفلها وكل في قومه لا يدخل واحد منهما على صاحبه ثم إن جرهم وقطوراء بغي بعضهم على بعض وتنافسوا الملك بها ومع مضاض يومئذ بنو اسماعيل وبتو نابت وإليه ولاية البيت دون السميدع فصار بعضهم الى بعض فخرج مضاض بن عمرو بن قعيقعان في كتيبته سائرا إلى السميدع ومع كتيبته عدتها من الرماح والدرق والسيوف والجعاب ويقعقع بذلك معه فيقال ما سمي قعيقعان بقعيقعان إلا لذلك وخرج السميدع من اجياد ومعه الخيل والرجال فيقال ما سمي أجياد إلا لخروج الجياد من الخيل مع السميدع منه فالتقوا بفاضح واقتتلوا قتالا شديدا فقتل السميدع وفضحت قطوراء فيقال(1/241)
ما سمي فاضح فاضحا إلا لذلك ثم إن القوم تداعوا الى الصلح فساورا حتى نزلوا المطابخ شعبا بأعلى مكة واصطلحوا به وأسلموا الأمر الى مضاض فلما جمع إليه أمر مكة فصار ملكها نحر للناس فأطعمهم فاطبخ الناس وأكلوا فيقال ما سميت المطابخ إلا لذلك وبعض أهل العلم يزعم أنها إنما سميت المطابخ لما كان تبع نحر بها وأطعم وكان منزله فكان الذي كان بين مضاض والسميدع أول بغي كان بمكة فيما يزعمون
أنتشار ولد اسماعيل ثم نشر الله ولد اسماعيل بمكة وأخوالهم من جرهم ولاة البيت والحكام بمكة لا ينازعهم ولد إسماعيل في ذلك لخئولتهم وقرابتهم وإعظاما للحرمة أن يكون بها بغي أو قتال فلما ضاقت مكة على ولد إسماعيل انتشروا في البلاد فلا يناوئون قوما إلا أظهرهم الله عليهم بدينهم فوطئوهم(1/242)
$ بغي جرهم ونفيهم عن مكة
بنو بكر وغبشان يطردون جرهما ثم إن جرهما بغوا بمكة واستملوا خلالا من الحرمة فظلموا من دخلها من غير أهلها وأكلوا مال الكعبة الذي يهدى لها وفرق أمرهم فلما رأت بنو بكر بن عبد مناة بن كنانة وغبشان من خزاعة ذلك أجمعوا لحربهم وإخراجهم من مكة فآذنوهم بالحرب فاقتتلوا فغلبتهم بنو بكر وغبشان فنفوهم من مكة وكان مكة في الجاهلية لا تقر فيها ظلما ولا بغيا ولا يبغي فيها أحد إلا أخرجته فكانت تسمى الناسة ولا يريدها ملك يستحل حرمتها إلا هلك مكانه فقال إنها ما سميت ببكة إلا أنها كانت تبك أعناق الجبابرة إذا أحدثوا فيها شيئا
معنى بكة قال ابن هشام أخبرني أبو عبيدة أن بكة أسم لبطن مكة لأنهم يتباكون فيها أي يزدحمون وأنشدني ... إذا الشريب أخذته أكه ... فخله حتى يبك بكة(1/243)
أي فدعه حتى يبك إبله أي يخليها الى الماء فتزدحم عليه وهو موضع البيت والمسجد وهذان البيتان لعامان بن كعب بن عمرو بن سعد بن زيد مناة بن تميم.
قال ابن إسحاق فخرج عمرو بن الحارث بن مضاض الجرهمي بغزالي الكعبة وبحجر الركن فدفنهما في زمزم وانطلق هو ومن معه من جرهم الى اليمن فحزنوا على ما فارقوا من امر مكة وملكها حزنا شديدا فقال عمرو بن الحارث بن مضاض في ذلك وليس بمضاض الأكبر ... وقائلة والدمع سكب مبادر ... وقد شرقت بالدمع منها المحاجر
كأن لم يكن بين الحجون الى الصفا ... أنيس ولم يسمر بمكة سامر
فقلت لها والقلب مني كأنما ... يلجلجه بن الجناحين طائر
بلى نحن كنا أهلها فأزلنا ... صروف الليالي والجدود العواثر
وكنا ولاة البيت من بعد نابت ... نطوف بذاك البيت والخير طاهر
ونحن ولينا البيت من بعد نابت ... بعز فما يحظى لدينا المكاثر
ملكنا فعززنا فأعظم بملكنا ... فليس لحي غيرنا ثم فاخر
ألم تنكحوا من خير شخص علمته ... فأبناؤه منا ونحن الأصاهر
فإن تنثن الدنيا علينا بحالها ... فإن لها حالا وفيها التشاجر
فإخرجنا منها المليك بقدرة ... كذلك يا للناس تجري المقادر(1/244)
أقول إذا نام الخلي ولم أنم ... إذا العرش لا يبعد سهيل وعامر
وبدلت منها أوجها لا احبها ... قبائل منها حمير ويحابر
وصرنا أحاديثا وكنا بغبطة ... بذلك عضتنا السنون الغوابر
فسحت دموع العين تبكي لبلدة ... بها حرم أمن وفيها المشاعر
وتبكي لبيت ليس يؤذى حمامه ... يظل به أمنا وفيه العصافر
وفي وحوش لا ترام أنيسة ... إذا خرجت منه فليست تغادر.
قال ابن هشام فأبناؤه منا عن غير ابن اسحاق.
قال ابن إسحاق وقال عمرو بن الحارث أيضا يذكر بكرا وغبشان وساكني مكة الذين خلفوا فيها بعدهم ... يا أيها الناس سيروا إن قصركم ... أن تصبحوا ذات يوم لا تسيرونا
حثوا المطي وأرخوا من أزمتها ... قبل الممات وقضوا ما تقضونا
كنا أناسا كما كنتم فغيرنا ... دهر فأنتم كما كنا تكونونا.
قال ابن هشام هذا ما يصح له منها وحدثني بعض أهل العلم(1/245)
بالشعر أن هذه الأبيات أول شعر قيل في العرب وأنها وجدت مكتوبة في حجر بالمين ولم يسم لي قائلها(1/246)
$ استبداد قوم من خزاعة بولاية البيت.
قال ابن إسحاق ثم إن غبشان من خزاعة وليت البيت دون بنى بكر ابن عبد مناة وكان الذي يليه منهم عمرو بن الحارث الغبشاني وقريش إذ ذاك حلول وصرم وبيوتات متفرقون في قومهم من بن كنانة فوليت خزاعة البيت يتوارثون ذلك كابرا عن كابر حتى كان آخرهم حليل بن حبشية بن سلول بن كعب بن عمرو الخزاعي.
قال ابن هشام يقال حبشية بن سلول
تزوج قصي بن كلاب حبي بنت حليل
أولاد قصي وحبي قال ابن اسحاق ثم إن قصي بن كلاب خطب إلى خليل بن حبشية بنته حبي فرغب فيه حليل فزوجه فولدت له عبد الدار وعبد مناف وعبد العزى وعبدا فلما انتشر ولد قصي وكثر ماله وعظم شرفه هلك حليل(1/247)
مساعدة رزاح لقصي في تولي أمر البيت فرأى قصي أنه أولى بالكعبة وبأمر مكة من خزاعة وبنى بكر وأن قريشا قرعه إسماعيل بن إبراهيم وصريح ولده فكلم رجالا من قريش وبني كنانة ودعاهم الى إخراج خزاعة وبني بكر من مكة فأجابوه وكان ربيعة بن حرام من عذرة بن سعد بن زيد قد قدم مكة بعدما هلك كلاب فتزوج فاطمة بنت سعد بن سيل وزهرة يومئذ رجل وقصي فطيم فاحتملها الى بلاده فحملت قصيا معها وأقام زهرة فولدت لربيعة رزاحا فلما بلغ(1/248)
قصي وصار رجلا أتى مكة فأقام بها فلما أجابه قومه الى ما دعاهم إليه كتب الى اخيه من امه رزاح بن ربيعة يدعوه الى نصرته والقيام معه فخرج رزاح بن ربيعة ومعه إخوته حن بن ربيعة ومحمود بن ربيعة وجلهمة بن ربيعة وهم لغير أمه فاطمة فيمن تبعهم من قضاعة في حاج العرب وهم مجمعون لنصرة قصي وخزاعة تزعم أن حليل بن حبشية أوصى بذلك قصيا وأمره به حين أنتشر له من ابنته من الولد ما انتشر وقال أنت أولى بالكعبة وبالقيام عليها وبأمر مكة من خزاعة فعند ذلك طلب قصي ما طلب ولم نسمع ذلك من غيرهم فالله أعلم أي ذلك كان
ما كان يليه الغوث بن مر من الإجازة للناس بالحج
وكان الغوث بن مر بن أد بن طابخة بن الياس بن مضر يلي الإجازة للناس بالحج من عرفة وولده من بعده وكان يقال له ولولده صوفه(1/249)
وإنما ولي ذلك الغوث بن مر لأن أمه كانت امرأة من جرهم وكانت لا تلد فنذرت لله إن هي ولدت رجلا أن تصدق به علي الكعبة عبدا لها يخدمها ويقوم عليها فولدت فكان يقوم على الكعبة الدهر الأول مع أخواله من جرهم فولي الإجازة بالناس من عرفه لمكانه الذي كان به من الكعبة وولده من بعده حتى انقرضوا فقال مر ابن أد لوفاء نذر أمه ... إني جعلت رب من بنيه ... ربيطة بمكة العلية
فباركن لي بها أليه ... واجعله لي من صالح البرية
وكان الغوث بن مر فيما زعموا إذا دفع بالناس قال ... لأهم إني تابع تباعه ... إن كان إثم فعلى قضاعة
صوفة ورمي بالجمار قال ابن اسحاق حدثني يحيى بن عباد ابن عبد الله بن الزبير عن ابيه قال : كانت صوفة بالناس من عرفة وتجيز بهم إذا نفروا من منى فإذا(1/250)
كان يوم النفر أتوا لرمي الجمار ورجل من صوفة يرم للناس لا يرمون حتى يرمي فكان ذوو الحاجات المتعجلون يأتونه فيقولون له قم فارم حتى نرمي معك فيقول لا والله حتى تميل الشمس فيظل ذوو الحاجات الذين يحبون التعجل يرمونه بالحجارة ويستعجلونه بذلك ويقولون له ويلك قم فارم فيأبى عليهم حتى إذا مالت الشمس قام فرمى ورمى الناس معه.
قال ابن إسحاق فإذا فرغوا من رمي الجمار وأرادوا النفر من منى أخذت صوفة بجانبي العقبة فحبسوا الناس وقالوا أجيزي صوفة فلم يجز احد من الناس حتى يمروا فإذا نفرت صوفة ومضت على سبيل الناس فانطلقوا بعدهم فكانوا كذلك حتى انقرضوا فورثهم ذلك من بعدهم بالقعدد بنو سعد بن زيد مناة بن تميم وكانت من بني سعد في آل صفوان بن الحارث بن شجنة
نسب صفوان بن جناب قال ابن هشام صفوان بن جناب بن شجنة بن عطارد بن عوف بن كعب بن سعد بن زيد مناة بن تميم
صفوان وبنوه وإجازتهم للناس بالحج قال ابن اسحاق وكان صفوان هو الذي يجيز للناس بالحج من عرفة ثم بنوه من بعده حتى كان آخرهم الذي قام عليه الإسلام كرب بن صفوان وقال أوس ابن تميم بن مغراء السعدي ... لا يبرح الناس ما حجوا معرفهم ... حتى يقال اجيزوا آل صفوانا.
قال ابن هشام هذا البيت في قصيدة لأوس بن مغراء(1/251)
$ ما كانت عليه عدوان من إفاضة المزدلفة
ذو الإصبع يذكر هذه الأفاضة وأما قول ذي الإصبع العدواني واسمه حرثان بن عمرو وإنما سميء ذا الإصبع لأنه كان له إصبع فقطعها ... عذير الحي من عدوان ... كانوا حية الأرض
بغي بعضهم ظلما ... فلم يرع على بعض
ومنهم كانت السادات والموفون بالقرض
ومنهم من يجيز الناس ... بالسنة والفرض
ومنهم حكم يقضي ... فلا ينقض ما يقضي
أبو سيارة يفيض بالناس وهذه الأبيات في قصيدة له فلأن الإفاضة من المزدلفة كانت في عداون فيما حدثني زياد بن عبد الله البكائي عن محمد بن اسحاق يتواثرون ذلك كابرا عن كابر حتى(1/252)
كان آخرهم الذي قام عليه الإسلام أبو سيارة عميلة بن الأعزل ففيه يقول شاعر من العرب ... نحن دفعنا عن أبي سياره ... وعن مواليه بني فزاره
حتى إجاز سالما حماره ... مستقبل القبلة يدعو جاره
قال وكان أبو سيارة يدفع بالناس على أتان له فلذلك يقول سالما حماره
أمر عامر بن ظرب بن عمرو بن عياذ بن يشكر ابن عدوان
ابن الظرب حاكم العرب قال ابن اسحاق وقوله حكم يقضي يعني عامر بن ظرب بن عمرو بن عياذ بن يشكر بن عدوان(1/253)
العدواين وكانت العرب لا يكون بينها نائرة ولا عضلة في قضاء إلا أسندوا ذلك إليه ثم رضوا بما قضى فيه فاختصم إليه في بعض ما كانوا يختلفون فيه في رجل خنثى له ما للرجل وله ما للمرأة فقالوا أتجعله رجلا أو امرأة ولم يأتوه بأمر كان أعضل منه فقال حتى أنظر في أمركم فوالله ما نزل بي مثل هذه منكم يا معشر العرب فاستأخروا عنه فبات ليلته ساهرا يقلب أمره وينظر في شأنه لا يتوجه له منه وجه وكانت له جارية يقال لها سخيلى ترعى عليه غنمه وكان يعاتبها إذا سرحت فيقول صبحت والله يا سخيل وإذا أراحت عليه قال مسيت والله يا سخيل وذلك أنها كانت تؤخر السرح حتى يسبقها بعض الناس وتؤخر الإراحة حتى يسبقها بعض الناس فلما رأت سهره وقلقهة وقلة قراره على فراشه قالت ما لك لا أبا لك ما عراك في ليلتك هذه قال ويلك دعيني أمر ليس من شأنك ثم عادت له بمثل قولها فقال في نفسه عسى أن تأتي مما أنا فيه بفرج فقال ويحك اختصم إلي في ميراث خنثى أأجلعه رجلا أو امرأة فوالله ما أدرى ما أصنع وما يتوجه لي فيه وجه قال فقالت سبحان الله لا أبا لك أتبع القضاء المبال أقعده فإن بال من حيث يبول الرجل فهو رجل وإن بال من حيث تبول المرأة فهي امرأة قال مسي سخيل بعدها أو صبحي فرجتها والله ثم خرج على الناس حين أصبح فقضى بالذي أشارت عليه به(1/254)
$ غلب قصي بن كلاب على امر مكة وجمعه أمر قريش ومعونة قضاعة له
قصي يتغلب على صوفة قال ابن اسحاق فلما كان ذلك العام فعلت صوفة كما كانت تفعل وقد عرفت ذلك لها العرب وهو دين في أنفسهم في عهد جرهم وخزاعة وولايتهم فأتاهم قصي بن كلاب بمن معه من قومه من قريش وكنانة وقضاعة عند العقبة فقال لنحن أولى بهذا منكم فقاتلوه فاقتتل الناس قتالا شديدا ثم انهزمت صوفة وغلبهم قصي على ما كان بأيديهم من ذلك
قصي يقاتل خزاعة وبني بكر وانحازت عند ذلك خزاعة وبنو بكر عن قصي وعرفوا أنه سيمنعهم كما منع صوفة وأنه سيحول بينهم وبين الكعبة وأمر مكة فلما انحازوا عنه باداهم وأجمع لحربهم وخرجت له خزاعة وبنو بكر فالتقوا فاقتتلوا قتالا شديدا حتى كثرت القتلى في الفريقين جيمعا ثم إنهم تداعوا الى الصلح والى أن يحكموا بينهم رجلا من العرب فحكموا يعمر بن عوف بن كعب بن عامر بن ليث بن بكر بن عبد مناة بن كنانة فقضى بينهم بأن قصيا أولى بالكعبة وأمر مكة من خزاعة وأن كل دم أصابه قصي من خزاعة وبني بكر موضوع يشدخه تحت قدميه وأن ما أصابت خزاعة وبنو بكر من قريش وكنانة وقضاعة ففيه الدية مؤداة وأن يخلى بين قصي وبين الكعبة ومكة(1/255)
فمسي يعمر بن عوف يومئذ الشداخ لما شدخ من الدماء ووضع منها
قصي يتولى أمر مكة قال ابن اسحاق فولى قصي البيت وأمر مكة وجمع قومه في منازلهم الى مكة وتملك على قومه وأهل مكة فملكوه إلا أنه قد أقر للعرب ما كانوا عليه وذلك أنه كان يراه دينا في نفسه لا ينبغي تغييره فأقر آل صفوان وعدوان والنسأة ومرة بن عوف على ما كانوا عليه حتى جاء الإسلام فهدم الله به ذلك كله فكان قصي أول بني كعب بن لؤي أصاب ملكا أطاع له به قومه فكانت إليه الحجابة والسقاية والرفادة والندوة واللواء فحاز شرف مكة كله(1/256)
وقطع مكة رباعا بين قومه فأنزل كل قوم من قريش منازلهم من مكة التي أصبحوا عليها ويزعم الناس أن قريشا هابوا قطع شجر الحرم في منازلهم فقطعها قصي بيده وأعوانه فسمته قريش مجمعا لما جمع من امرها وتيمنت بأمره فما تنكح امرأة ولا يتزوج رجل من قريش وما يتشاورون في أمر نزل بهم ولا يعقدون لواء لحرب قوم من غيرهم إلا في داره يعقده لهم بعض ولده وما تدرع جارية إذا بلغت أن تدرع من قريش إلا في داره يشق عليها فيها درعها ثم تدرعه ثم ينطلق بها الى أهلها فكان أمره في قومه من قريش في حياته ومن بعد موته كالدين المتبع لا يعمل بغيره واتخذ لنفسه دار الندوة وجعل بابها الى مسجد الكعبة ففيها كانت قريش تقضي أمورها.
قال ابن هشام وقال الشاعر ... قصي لعمري كان يدعى مجمعا ... به جمع الله القبائل من فهر
قال ابن اسحاق حدثني عبد الملك بن راشد عن أبيه قال سمعت السائب بن حباب صاحب المقصورة يحدث أنه سمع رجلا(1/257)
يحدث عمر بن الخطاب وهو خليفة حديث قصي بن كلاب وما جمع من أمر قومه وإخراجه خزاعة وبني بكر من مكة وولايته البيت وأمر مكة فلم يرد ذلك عليه ولم ينكره
شعر رزاح بن ربيعة في هذه القصة قال ابن اسحاق فلما فرغ قصي من حربة انصرف أخوه رزاح بن ربعية إلى بلاده بمن معه من قومه وقال رزاح في إجابته قصيا ... لما أتى من قصي رسول ... فقال الرسول أجيبوا الخليلا
نهضنا إليه نقود الجياد ... ونطرح عنا الملول الثقيلا
نسير بها الليل حتى الصباح ... ونكمي النهار لئلا تزولا
فهن سراع كورد القطا ... يجبن بنا من قصي رسولا
جمعنا من السر من اشمذين ومن كل حي جمعنا قبيلا
فيا لك حلبة ما ليلة ... تزيد على الألف سيبا رسيلا
فلما مررن على عسجر ... وأسهلن من مستناخ سبيلا
وجاوزن بالركن من ورقان ... وجاوزن بالعرج حيا حلولا
مررن على الحيل ما ذقنه ... وعالجن من مر ليلا طويلا(1/258)
تدنى من العوذ أفلاءها ... إرادة أن يسترقن الصهيلا
فلما انتهينا الى مكة ... أبحنا الرجال قبيلا قبيلا
نعاورهم ثم حد السيوف ... وفي كمل أوب خلسنا العقولا
نخبزهم بصلاب النسور ... خبز القوي العزيز الذليلا
قتلنا خزاعة في دارها ... وبكرا قتلنا وجيلا فجيلا
نفيناهم من بلاد المليك ... كما لا يحلون ارضا سهولا
فأصبح سبيهم في الحديد ... ومن كل حي شفينا الغليلا
شعر ثعلبة القضاعي في هذه القصة وقال ثعلبة بن عبد الله بن ذبيان بن الحارث بن سعد بن هذيم القضاعي في ذلك من امر قصي حين دعاهم فأجابوه ... جلبنا الخيل مضمرة تغالى ... من الأعراف أعراف الجناب
الى غورى تهامة فالتقينا ... من الفيفاء في قاع يباب
فأما صوفة الخنثى فخلوا ... منازلهم محاذرة الضراب
وقام بنو علي إذ رأونا ... إلى الأسياف كالإبل الطراب(1/259)
شعر قصي وقال قصي ... أنا ابن العاصمين بني لؤي ... بمكة منزلي وبها ربيت
الى البطحاء قد علت معد ... ومروتها رضيت بها رضيت
فلست لغالب إن لم تأثل ... بها أولاد قيذر والنبيت
رزاح ناصري وبه أسامى ... فلست أخاف ضيما ما حييت
فلما استقر رزاح بن ربعية في بلاده نشره الله ونشر حنا فهما قبيلا عذرة اليوم وقد كان بين رزاح بن ربعية حين قدم بلاده وبين نهد ابن زيد وحوتكة بن أسلم وهما بطنان من قضاعة شيء فأخافهم حتى لحقوا باليمن وأجلوا من بلاد قضاعة فهم اليوم باليمن فقال قصي ابن كلاب وكان يحب قضاعة ونماءها واجتماعها ببلادها لما بينه وبين رزاح من الرحم ولبلائهم عنده إذال أجابوه إذ دعاهم الى نصرته وكره ما صنع بهم رزاح ... ألا من مبلغ عنى رزاحا ... فإني قد لحيتك في اثنتين
لحيتك في بني نهد بن زيد ... كما فرقت بينهم وبيني
وحوتكة بن اسلم إن قوما ... عنوهم بالمساءة قد عنوني.
قال ابن هشام وتروى هذه الأبيات لزهير بن جناب الكلبي(1/260)
قصي يفضل عبد الدار على سائر ولده قال ابن اسحاق فلما كبر قصي ورق عظمه وكان عبد الدار بكره وكان عبد مناف قد شرف في زمان أبيه وذهب كل مذهب وعبد العزى وعبد قال قصي لعبد الدار أما والله يا بني لالحقنك بالقوم وإن كانوا قد شرفوا عليك لا يدخل رجل منهم الكعبة حتى تكون أنت تفتحها له ولا يعقد لقريش لواء لحربها إلا انت بيدك ولا يشرب أحد بمكة إلا من سقايتك ولا يأكل أحد من أهل الموسم طعاما إلا من طعامك ولا تقطع قريش أمرا من امورها إلا في دارك فأعطاه داره دار الندوة التى لا تقضي قريش أمرا من أحورها إلا فيها وأعطاه الحجابة واللواء والسقاية والرفادة
الرفادة وكانت الرفادة خرجا تخرجه قريش في كل موسم من أموالها الى قصي بن كلاب فيصنع به طعاما للحاج فيأكله من لم يكن له سعة ولا زاد وذلك أن قصيا فرضه على قريش فقال لهم حين أمرهم به يا معشر قريش إنكم جيران الله واهل بيته وأهل الحرم وإن الحاج ضيف الله وزوار بيته وهم أحق الضيف بالكرامة فاجعلوا لهم طعاما وشرابا أيام الحج حتى يصدروا عنكم فكانوا يخرجوان لذلك كل عام من أموالهم خرجا فيدفعونه إليه فيصنعه طعاما للناس أيام منى فجرى ذلك من امره في الجاهلية على قومه حتى قام الإسلام ثم جرى في الإسلام الى يومك هذا فهو الطعام الذي يصنعه السلطان كل عام بمنى للناس حتى ينقضي الحج.
قال ابن إسحاق حدثني بهذا من امر قصي بن كلاب وما قال لعبد الدار فيما دفع إليه مما كان بيده أبو اسحاق بن يسار عن الحسن ابن محمد بن علي بن ابي طالب رضي الله عنهم قال سمعته يقول(1/261)
ذلك لرجل من بني عبد الدار يقال له نبيه بن وهب بن عمر بن عكرمة ابن عامر بن هاشم بن عبد مناف بن عبد الدار بن قصي
قال الحسن فيجعل إليه قصي كل ما كان بيده من أمر قومه وكان قصي لا يخالف ولا يرد عليه شيء صنعه
ذكر ما جرى من اختلاف قريش بعد قصي وحلف المطيبين
النزاع بين بني عبد الدار وبني أعمامهم قال ابن اسحاق ثم إن قصي بن كلاب هلك فأقام أمره في قومه وفي غيرهم بنوه من بعده فاختطوا مكة رباعا بعد الذي كان قطع لقومه بها فكانوا يقطعونها في قومهم وفي غيرهم من حلفائهم ويبيعونها فأقامت على ذلك قريش معهم ليس بينهم اختلاف ولا تنازع ثم إن بني عبد مناف ابن قصي عبد شمس وهاشما والمطلب ونوفلا اجمعوا على أن يأخذوا ما بأيدي بني عبد الدار بن قصي مما كان قصي جعلل الى عبد الدار من الحجابة واللواء والسقاية والرفادة ورأوا أنهم أولى بذلك منهم لشرفهم عليهم وفضلهم في قومهم فتفرقت عند ذلك قريش فكانت طائفة مع بني عبد مناف على رأيهم يرون أنهم احق به من بني عبد الدار لمكانهم في قومهم وكانت طائفة مع بني عبد الدار يرون ان لا ينزع منهم ما كان قصي جعل إليهم
فكان صاحب أمر بني عبد مناف عبد شمس بن عبد مناف وذلك أنه كان اسن بن عبد مناف(1/262)
وكان صاحب أمر بني عبدالدار عامر بن هاشم بن عبد مناف بن عبد الدار
حلفاء بن عبد الدار وحلفاء بني أعمامهم فكان بنو اسد بن عبد العزى بن قصي وبنو زهرة بن كلاب وبنو تيم بن مرة بن كعب وبنو الحارث بن فهر بن مالك بن النضر مع بني عبد مناف
وكان بنو مخزوم بن يقظة بن مرة وبنو سهم بن عمرو بن هصيص ابن كعب وبنو جمح بن عمرو بن هصيص بن كعب وبنو عدي بن كعب مع بني عبد الدار وخرجت عامر بن لؤي ومحارب بن فهر فلم يكونوا مع واحد من الفريقين
فعقد كل قوم على أمرهم حلفا مؤكدا على ان لا يتخاذلوا ولا يسلم بعضهم بعضا ما بل بحر صوفة
فأخرج بنو عبد مناف جفنة مملوءة طيبا فيزعمون أن بعض نساء بني عبد مناف أخرجتها لهم فوضعوها لأحلافهم في المسجد عند الكعبة ثم غمس القوم أيديهم فيها فتعاقدوا وتعهدوا هم وحلفاؤهم ثم مسحوا الكعبة بأيديهم توكيدا على أنفسهم فسموا المطيبين
وتعاقد بنو عبد الدار وتعاهدوا هم وحلفاؤهم عند الكعبة حلفا مؤكدا على ان لا يتخاذلوا ولا يسلم بعضهم بعضا فسموا الأحلاف(1/263)
تقسيم القبائل في هذه الحرب ثم سوند بين القبائل ولز بعضها ببعض فعبيت بنو عبد مناف لبني سهم وعبيت بنو اسد لبني عبد الدار وعبيت زهرة لبني جمح وعبيت بنو تيم لبني مخزوم وعبيت بنو الحارث بن فهر لبني عدي بن كعب ثم قالوا لتفن كل قبيلة من اسند إليها
تصالح القبائل فبينا الناس على ذلك قد أجمعوا للحرب إذ تداعوا الى الصلح على أن يعطوا بني عبد مناف السقاية والرفادة وأن تكون الحجابة واللواء والندرة لبني عبد الدار كما كانت ففعلوا ورضي كل واحد من الفريقين بذلك وتحاجز الناس عن الحرب وثبت كل قوم مع من حالفوا فلم يزالوا على ذلك حتى جاء الله تعالى بالإسلام فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ما كان من حلف في الجاهلية فإن الإسلام لم يزده إلا شدة
حلف الفضول
سبب تسميته قال ابن اسحاق وأما حلف الفضول فحدثني زياد بن عبد الله البكائي عن محمد بن اسحاق قال تداعت قبائل من قريش الى حلف فاجتمعوا له في دار عبد الله بن جدعان بن عمرو بن كعب بن سعد بن تيم بن مرة بن كعب بن لؤي لشرفه وسنه فكان(1/264)
حلفهم عنده بنو هاشم وبنو المطلب وأسد بن عبد العزى وزهرة بن كلاب وتيم بن مرة فتعاقدوا وتعهدوا على أن لا يجدوا بمكة مظلوما من أهلها وغيرهم ممن دخلها من سائر الناس إلا قاموا معه وكانوا على من ظلمه حتى ترد عليه مظلمته فسمت قريش ذلك الحلف حلف الفضول(1/265)
حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم فيه قال ابن إسحاق فحدثني محمد ابن زيد بن المهاجر بن قنفذ التيمي أنه سمع طلحة بن عبد الله بن عوف الزهري يقول قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لقد شهدت في دار عبد الله ابن جدعان حلفا ماأحب أن لي به حمر النعم ولو أدعى به في الإسلام لأجبت
الحسين يهدد الوليد بالدعوة الى إحياء الحلف قال ابن اسحاق وحدثني يزيد بن عبد الله بن اسامة بن الهادي الليثي أن محمد بن إبراهيم بن الحارث التيمي حدثه أنه كان بين الحسين بن على بن أبي طالب رضي الله عنهما وبين الوليد بن عتبة بن أبي سفيان والوليد يؤمئذ أمير على المدينة أمره عليها عمه معاوية بن ابي سفيان منازعة في مال كان بينهما بذي المروة فكان الوليد تحامل على الحسين في حقه لسلطانه فقال له الحسين أحلف بالله لتنصفني(1/266)
من حقي أو لآخذن سيفي ثم لأقومن في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم لأدعون بحلف الفضول قال فقال عبد الله بن الزبير وهو عند الوليد حين قال الحسين رضي الله عنه ما قال وأنا أحلف بالله لئن دعا به لآخذن سيفي ثم لأخومن معه حتى ينصف من حقه أو نموت جميعا قال فبلغت المسور بن مخرمة بن نوفل الزهري فقال مثل ذلك وبلغت عبد الرحمن بن عثمان بن عبيد الله التيمي فقال مثل ذلك فلما بلغ ذلك الوليد بن عتبه أنصف الحسين من حقه حتى رضي
خروج بني عبد شمس وبني نوفل من الحلف قال ابن إسحاق وحدثني يزيد بن عبد الله بن اسامة بن الهادي الليثي عن محمد ابن ابراهيم بن الحارث التيمي قال قدم محمد بن جبير بن مطعم بن عدي بن نوفل بن عبد مناف وكان محمد بن جبير أعلم قريش فدخل على عبد الملك بن مروان بن الحكم حين قتل ابن الزبير واجتمع الناس على عبد الملك بن مروان بن الحكم حين قتل ابن الزبير واجتمع الناس على عبد الملك فلما دخل عليه قال له يا أبا سعيد ألم نكن نحن وأنتم يعني بني عبد شمس بن عبد مناف وبني نوفل بن عبد مناف في حلف الفضول قال أنت أعلم قال عبد الملك لتخبرني يا أبا سعيد بالحق من ذلك فقال لا والله لقد خرجنا نحن وأنتم منه قال صدقت
هاشم يتولى الرفادة والسقاية قال ابن اسحاق فولى الرفادة والسقاية هاشم بن عبد مناف وذلك أن عبد شمس كان رجلا سفارا قلما يقيم بمكة وكان مقلا ذا ولد وكان هاشم موسرا فكان فيما يزعمون إذا حضر الحج قام في قريش فقال يا معشر قريش إنكم جيران الله واهل بيته وإنه يأتيكم في هذا الموسم زوار الله وحجاج بيته وهم ضيف الله وأحق الضيف بالكرامة ضيفه فاجمعوا لهم ما تصنعون لهم به طعاما أيامهم هذه التي لا بد لهم من الإقامة بها(1/267)
فإنه والله لو كان مالي يسع لذلك ما كلفتكموه فيخرجون لذلك خرجا من أموالهم كل امرىء يقدر ما عنده فيصنع به للحجاج طعام حتى يصدروا منها
أفضال هاشم على قومه وكان هاشم فيما يزعمون أول من سن الرحلتين لقريش رحلتي الشتاء والصيف وأول من اطعم الثريد للحجاج بمكة وإنما كان اسمه عمرا فما سمي هاشما إلا بهشمه الخبز بمكة لقومه فقال شاعر من قريش أو من العرب ... عمرو الذي هشم الثريد لقومه ... قوم بمكة مسنتين عجاف
سنت إليه الرحلتان كلاهما ... سفر الشتاء ورحلة الإيلاف.
قال ابن هشام أنشدني بعض أهل العلم بالشعر من اهل الحجاز ... قوم بمكة مسنتين عجاف(1/268)
المطلب يلي الرفادة والسقاية قال ابن اسحاق ثم هلك هاشم بن عبد مناف بغزة من ارض الشام تاجرا فولي السقاية والرفادة من بعده المطلب بن عبد مناف وكان أصغر من عبد شمس وهاشم وكان ذا شرف في قومه وفضل وكانت قريش إنما تسميه الفيض لسماحته وفضله
زواج هاشم بن عبد مناف وكان هاشم بن عبد مناف قدم المدينة فتزوج سلمى بنت عمرو احد بني عدي بن النجار وكانت قبله عند أحيحه بن الجلاح بن الحريش.
قال ابن هشام ويقال الحريس بن جحجبي بن كلفة بن عوف بن عمرو بن عوف بن مالك بن الأوس فولدت له عمرو بن أحيحة وكانت لا تنكح الرجال لشرفها في قومها حتى يشترطوا لها أن أمرها بيدها إذا كرهت رجلا فارقته
سبب تسمية عبد المطلب باسمه فولدت لهاشم عبد الملطب فسمته شيبة فتركه هاشم عندها حتى كان وصيفا أو فوق ذلك ثم خرج إليه عمه المطلب ليقبضه فيلحقه ببلده وقومه فقال هل فقالت له(1/269)
سلمى لست بمرسلته معك فقال لها المطلب إني غير منصرف حتى أخرج به معي ان ابن أخي قد بلغ وهو غريب في غير قومه ونحن أهل بيت شرف في قومنا نلي كثير من أمرهم وقومه وبلده وعشيرته خير له من الإقامة في غيرهم أو كما قال وقال شيبة لعمه المطلب فيما يزعمون لست بمفارقها إلا أن تأذن لي فأذنت له ودفعته إليه فاحتمله فدخل به مكة مردفه معه على بعيره فقالت قريش عبد المطلب ابتاعه فبها سمي شيبة عبد المطلب فقال المطلب ويحكم إنما هو ابن أخي هاشم قدمت به من المدينة
وفاة المطلب ثم هلك المطلب بردمان من أرض اليمن فقال رجل من العرب يبكيه ... قد ظمىء الحجيج بعد المطلب ... بعد الجفان والشراب المنثغب
ليت قريشا بعده على نصب
مطرود يبكي المطلب وبني عبد مناف وقال مطرود بن كعب الخزاعي يبكي المطلب وبني عبد مناف جميعا حين أتاه نعى نوفل بن عبد مناف وكان نوفل آخرهم هلكا ... يا ليلة هيجت ليلاتي ... إحدى ليالي القسيات
وما أقاسي من هموم وما ... عالجت من رزء المنيات
إنما تذكرت أخي نوفلا ... ذكرني بالأوليات
ذكرني بالأزر الحمر والأردية ... الصفر القشيبات
أربعة كلهم سيد ... أبناء سادات لسادات(1/270)
ميت بردمان وميت بسلمان ... وميت بين غزات
وميت أسكن لحدا لدى المحجوب ... شرقي البنيات
أخلصهم عبد مناف فهم ... من لوم من لام بمنجاة
إن المغيرات وأبناءها من خير أحياء وأموت
اسم عبد مناف وترتيب أولاده موتا وكان اسم عبد مناف المغيرة وكان أول بني عبد مناف هلكا هاشم بغزة من أرض الشام ثم عبد شمس بمكة ثم المطلب بردمان من أرض اليمن ثم نوفلا بسلمان من ناحية العراق
شعر آخر لمطرود فقيل لمطرود فيما يزعمون لقد قلت فأحسنت ولو كان أفحل مما قلت كان أحسن فقال أنظروني ليالي فمكث أياما ثم قال ... يا عين جودي وأذري الدمع وانهمري ... وابكي على السر من كعب المغيرات
يا عين واسحنفري بالدمع واحتفلي ... وابكي خبيئة نفسي في الملمات(1/271)
وبكي على كل فياض أخي ثقة ... ضخم الدسيعة وهاب الجزيلات
محض الضريبة عالي الهم مختلق ... جلد النجيزة ناء بالعظيمات
صعب البديهة لا نكس ولا وكل ... ماضي العزيمة متلاف الكريمات
صقر توسط من كعب إذا نسبوا ... يحبوحة المجد والشم الرفيعات
ثم أندبي الفيض والفياض مطلبا ... واستخرطي بعد فيضات بجمات
أمسى بردمان عنا اليوم مغتربا ... يا لهف نفسي عليه بين اموات
وابكي لك الويل إما كنت باكية ... لعبد شمس بشرقي الثنيات
وهاشم في ضريح وسط بلقعة ... تسفي الرياح عليه بين غزات(1/272)
ونوفل كان دون القوم خالصتيي ... أمسى بسلمان في رمس بموماة
لم ألق مثلهم عجما ولا عربا ... إذا استقلت بهم أدم المطيات
أمست ديارهم منهم معطلة ... وقد يكونون زينا في السريات
أفناهم الدهر أم كلت سيوفهم ... أم كل من عاش أزواد المنيات
أصبحت أرضى من الأقوام بعدهم ... بسط الوجوه وإلقاء التحيات
يا عين فابكي أبا الشعث الشجيات ... يبكينه حسرا مثل البليات(1/273)
يبكين أكرم من يمشي على قدم ... يعولنه بدموع بعد عبرات
يبكين شخصا طويل الباع ذا فجر ... آبى الهضيمة فراج الجليلات
يبكين عمرو العلا إذ حان مصرعه ... سمح السجية بسام العشيات
يبكينه مستكينات على حزن ... يا طول ذلك من حزن وعولات
يبكين لما جلاهن الزمان له ... خضر الخدود كأمثال الحميات(1/274)
محتزمات على أوساطهن لما ... جر الزمان من احداث المصيبات
أبيت ليلي أراعى النجم من ألم ... أبكى وتبكي معي شجوي بنياتي
ما في القروم لهم عدل ولا خطر ... ولا لمن تركوا شروى بقيات
أبناؤهم خير أبناء وأنفسهم ... خير النفوس لدى جهد الأليات
كم وهبوا من طمر سابح أرن ... ومن طمرة نهب في طمرات
ومن سيوف من الهندي مخلصة ... ومن رماح كأشطان الركيات
ومن توابع مما يفضلون بها ... عند المسائل من بذل العطيات
فلو حسبت وأحصى الحاسبون معي ... لم أقض أفعالهم تلك الهنيات
هم المدلون إما معشر فخروا ... عند الفخار بأنساب نقيات
زين البيوت التي حلوا مساكنها ... فأصبحت منهم وحشا خليات
أقول والعين لا ترقا مدامعها ... لا يبعد الله أصحاب الرزيات(1/275)
قال ابن هشسام الفجر العطاء قال ابو خراش الهذلي ... عجف أضيافي جميل بن معمر ... بذي فجر تأوي إليه الأرامل
قال ابن اسحاق أبو الشعت الشجيات هاشم بن عبد مناف
عبد المطلب يلي السقاة والرفادة قال ثم ولي عبد المطلب ابن هاشم السقاية والرفادة بعد عمه المطلب فأقامها للناس وأقام لقومه ما كان آباؤه يقيمون قبله لقومهم من أمرهم وشرف في قومه شرفا لم يبلغه أحد من آبائه وأجبه قومه وعظم خطره فيهم
ذكر حفر زمزم وما جرى من الخلف فيها
سبب حفر زمزم ثم إن عبد المطلب بينما هو نائم في الحجر إذ أتي فأمر بحفر زمزم.
قال ابن إسحاق وكان أول ما ابتدىء به عبد المطلب من حفرها كما حدثني يزيد بن أبي حبيب المصري عن مرثد بن عبد الله اليزني عن عبد الله بن زرير الغافقي انه سمع علي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنه يحدث حديث زمزم حين أمر عبد المطلب بحفرها قال : قال عبد المطلب إني لنائم في الحجر إذا أتاني آت فقال احفر طيبة قال قلت وما طيبة قال ثم ذهب عني فلما كان الغد رجعت إلى مضجعي فنمت فيه فجاءني فقال احفر برة قال فقلت وما برة قال ثم ذهب عني فلما كان الغد رجعت الى مضجعي(1/276)
فنمت فيه فجاءني فقال احفر المضنونة فقال فقلت وما المضنونة قال ثم ذهب عني فلما كان الغد رجعت الى مضجعي فنمت فيه فجاءني فقال احفر زمزم قال قلت وما زمزم قال لا تنزف أبدا ولا تذم تسقي الحجيج الأعظم وهي بين الفرث والدم عند نقرة الغراب الأعصم عند قرية النمل(1/277)
قريش تنازع عبد المطلب في زمزم قال ابن اسحاق فلما بين له شأنها ودل على موضعها وعرف أنه قد صدق غدا بمعوله ومعه ابنه الحارث بن عبد المطلب ليس له يومئذ ولد غيره فحفر فيها فلما بدا لعبد المطلب الطي كبر
التحاكم في بئر زمزم فعرفت قريش أنه قد أدرك حاجته فقاموا إليه فقالوا يا عبد المطلب إنها بئر أبينا إسماعيل وإن لنا فيها حقا فأشركنا معك فيها قال ما أنا بفاعل إن هذا الأمر قد خصصت به دونكم وأعطيته من بينكم فقالوا له فأنصفنا فإنا غير تاركيك حتى(1/278)
نخاصمك فيها قال فاجملوا بيني وبينكم من شئتم أحاكمكم إليه قالوا كاهنة بني سعد بن هذيم قال نعم قال وكانت بأشراف الشام فركب عبد المطلب ومعه نفر من بني أبيه من بني عبد مناف وركب من كل قبيلة من قريش نفر قال والأرض إذ ذاك مفاوز قال فخرجوا حتى إذا كانوا ببعض تلك المفاوز بين الحجاز والشام فني ماء عبد المطلب واصحابه فظمئوا حتى أيقنوا بالهلكة فاستسقوا من معهم من قبائل قريش فأبوا عليهم وقالوا إنا بمفازة ونحن نخشى على انفسنا مثل ما اصابكم فلما رأى عبد المطلب ما صنع القوم وما يتخوف على نفسه وأصحابه قال ما ترون قالوا ما رأينا إلا تبع لرأيك فمرنا بما شئت قال فإني أرى أن يحفر كل رجل منكم حفرته لنفسه بما بكم الآن من القوة فكلما مات رجل دفعه أصحابه في حفرته ثم واروه حتى يكون آخركم رجلا واحدا فضيعة رجل واحد أيسر من ضيعة ركب جميعا قالوا نعم ما أمرت به فقام كل واحد منهم فحفر حفرته ثم قعدوا ينتظرون الموت عطشا ثم إن عبد المطلب قال لأصحابه والله إن إلقاءنا بأيدينا هكذا للموت لا نضرب في الأرض ولا نبتغي لأنفسنا لعجز فعسى الله ان يرزقنا ماء ببعض البلاد ارتحلوا فارتحلوا حتى إذا فرغوا ومن معهم من قبائل قريش ينظرون إليهم ما هم فاعلون تقدم عبد المطلب الى راحلته فركبا فلما انبعثت به انفجرت من تحت خفها عين ماء عذب فكبر عبد المطلب وكبر أصحابه ثم نزل فشرب وشرب أصحابه واستقوا حتى ملئوا أسقيتهم ثم دعا القبائل من قريش فقال هلم الى الماء فقد سقانا الله فاشربوا واستقوا ثم قالوا قد والله قضى لك علينا يا عبد المطلب والله لا نخاصمك في زمزم أبدا إن الذي سقاك هذا الماء بهذه الفلاة لهو الذي سقاك زمزم فارجع الى سقايتك راشدا فرجع ورجعوا معه ولم يصلوا الى الكاهنة وخلوا بينه وبينها(1/279)
قال ابن إسحاق : فهذا الذي بلغني من حديث على بن أبي طالب رضي الله عنه في زمزم وقد سمعت من يحدث عن عبد المطلب أنه قيل له حين أمر بحفر زمزم ... ثم ادع بالماء الروي غير الكدر ... يسقي حجيج الله في كل مبر
ليس يخاف منه شيء ما عمر
فخرج عبد المطلب حين قيل له ذلك الى قريش فقال تعلموا أني قد أمرت أن أحفر لكم زمزم فقالوا فهل بين بي لك اين هي قال لا قالوا فارجع الى مضجعك الذي رأيت فيه ما رأيت فإن يك حقا من الله يبين لك وإن يكن من الشيطان فلن يعود إليك فرجع عبد المطلب الى مضجعه فنام فيه فأتي فقيل له احفر زمزم إنك إن حفرتها لم تندم وهي تراث من أبيك الأعظم لا تنزف أبدا ولا تذم تسقي الحجيج الأعظم مثل نعام جافل لم يقسم ينذر فيها ناذر لمنعم تكون ميراثا وعقدا محكم ليست كبعض ما قد تعلم وهي بين الفرث والدم(1/280)
قال ابن هشام هذا الكلام والكلام الذي قبله من حديث علي في حفر زمزم من قوله لا تنزف أبدا ولا تذم الى قوله عند قرية النمل عندنا سجع وليس شعرا.
قال ابن إسحاق فزعموا انه حين قيل له ذلك قال وأين هي قيل له عند قرية النمل حيث ينقر الغراب غدا والله أعلم أي ذلك كان
عبد المطلب يحفر زمزم فغدا عبد المطلب ومعه ابنه الحارث وليس له يومئذ ولد غيره فوجد قرية النمل ووجد الغراب ينقر عندها بين الوثنين إساف ونائلة اللذين كانت قريش تنحر عندهما ذبائحها فجاء بالمعول وقام ليحفر حيث أمر فقامت إليه قريش حين رأوا جده فقالوا والله لا نترك تحفر بين وثنينا هذين اللذين ننحر عندهما فقال عبد المطلب لابنه الحارث ذد عني حتى أحفر فوالله لأمضين لما أمرت به فلما عرفوا أنه غير نازع خلوا بينه وبين الحفر وكفوا عنه فلم يحفر إلا يسيرا حتى بدا له الطي فكبر وعرف أنه قد صدق فلما تمادى به الحفر وجد فيها غزالين من ذهب وهما الغزالان اللذان دفنت جرهم فيها حين خرجت من مكة ووجد فيها أسيافا قلعية وأدراعا فقالت له قريش يا عبد المطلب لنا معك في هذا شرك وحق قال لا ولكن هلم الى امر نصف بيني وبينكم نضرب عليها بالقداح قالوا وكيف تصنع قال أجعل للكعبة قدحين ولي قدحين ولكم قدحين فمن خرج له قدحاه على شيء كان له ومن تخلف قدحاه فلا شيء له قالوا أنصفت فجعل قدحين أصفرين للكعبة وقدحين أسودين لعبد المطلب وقدحين أبيضين لقريش ثم أعطوا القداح صاحب القداح الذي يضرب بها عند هبل وهبل صنم في جوف الكعبة وهو أعظم أصنامهم وهو الذي يعني أبو سفيان بن حرب يوم أحد حين قال أعل هبل أي أظهر دينك وقام عبد المطلب يدعو الله عز وجل فضرب صاحب(1/281)
القداح القداح فخرج الأصفران على الغزالين للكعبة وخرج الأسودان في الأسياف والأدراع لعبد المطلب وتخلف قدحا قريش فضرب عبد المطلب الأسياف بابا للكعبة وضرب في الباب الغزالين من ذهب فكان أول ذهب حليته الكعبة فيما يزعمون ثم إن عبد المطلب أقام سقاية زمزم للحجاج
ذكر بئار قبائل قريش $.
قال ابن هشام وكانت قريش قبل حفر زمزم قد احتفرت بئارا بمكة فيما حدثنا زياد بن عبد الله البكائي عن محمد بن اسحاق قال : عبد شمس يحفر الطوي حفر عبد شمس بن عبد مناف الطوي وهي البئر التي بأعلى مكة عند البيضاء دار محمد بن يوسف
هاشم يحفر بذر وحفر هاشم بن عبد مناف بذر وهي البئر(1/282)
التي عند المستنذر خطم الخندمة على فم شعب أبي طالب وزعموا أنه قال حين حفرها لأجعلنها بلاغا للناس.
قال ابن هشام وقال الشاعر ... سقى الله أمواها عرفت مكانها ... جرابا وملكوما وبذر والغمرا
سجلة والاختلاف فيمن حفرها قال ابن اسحاق وحفر سجلة وهي بئر المطعم بن عدي بن نوفل بن عبد مناف التي يسقون عليها اليوم ويزعم بنو نوفل أن المطعم ابتاعها من اسد بن هاشم ويزعم بنو هاشم أنه وهبها له حين ظهرت زمزم فاستغنوا بها عن تلك الآبار
أمية بن عبد شمس يحفر الحفر وحفر أمية بن عبد شمس الحفر لنفسه
بنو أسد تحفر سقية وحفرت بنو أسد بن عبد العزى سقية وهي بئر بني أسد
بنو عبد الدار تحفر أم أحراد وحفرت بنو عبد الدار أم أحراد(1/283)
بنو جمح تحفر السنبلة وحفرت بنو جمح السنبلة وهي بئر خلف بن وهب
بنو سهم تحفر الغمر وحفرت بنو سهم الغمر وهي بئر بني سهم
أصحاب رم وخم والحفر وكانت آبار حفائر خارجا من مكة قديمة من عهد مرة بن كعب وكلاب بن مرة وكبراء قريش الأوائل منها يشربون وهي رم ورم بئر مرة بن كعب بن لؤي وخم(1/284)
وخم بئر بني كلاب بن مرة والحفر قال حذيفة بن غانم أخو بني عدي بن كعب بن لؤي.
قال ابن هشام وهو أبو أبي جهم بن حذيفة ... وقدما غنينا قبل ذلك حقبة ... ولا نستقي إلا بخم أو الحفر
قال ابن هشام وهذا البيت في قصيدة له وسأذكرها إن شاء الله في موضعها
فضل زمزم على سائر المياه قال ابن اسحاق فعفت زمزم على المياه التي كانت قبلها يسقي عليها الحاج وانصرف الناس إليها لمكانها من المسجد الحرام ولفضلها على ما سواها من المياه ولأنها بئر إسماعيل بن إبراهيم عليهما السلام
بنو عبد مناف يفتخرون بزمزم وافتخرت بها بنو عبد مناف على قريش كلها وعلى سائر العرب فقال مسافر بن أبي عمرو بن أمية ابن عبد مناف وهو يفخر على قريش بما ولوا عليهم من السقاية والرفادة وما أقاموا للناس من ذلك وبزمزم حين ظهرت لهم وإنما كان بنو عبد مناف أهل بيت واحد شرف بعضهم لبعض شرف وفضل بعضهم لبعض فضل ... ورثنا المجد من آبائنا ... فنمى بنا صعدا(1/285)
ألم نسق الحجيج ونتحر ... الدلافة الرفدا
ونلقى عند تصريف المنايا ... شدداد رفدا
فإن نهلك فلم نملك ... ومن ذا خالد أبدا
وزمزم في أرومتنا ... ونفقأ عين من حسدا.
قال ابن هشام وهذه الأبيات في قصيدة له.
قال ابن إسحاق وقال حذيفة بن غانم أخو بني عدي بن كعب بن لؤي ... وساقي الحجيج ثم للخبز هاشم ... وعبد مناف ذلك السيد الفهري
طوى زمزما عند المقام فاصبحت ... سقايته فخرا على كل ذي فخر.
قال ابن هشام يعني عبد المطلب بن هاشم وهذان البيتان في قصيدة لحذيفة بن غانم سأذكرها في موضعها إن شاء الله تعالى
ذكر نذر عبد المطلب ذبح ولده.
قال ابن إسحاق وكان عبد المطلب بن هاشم فيما يزعمون والله أعلم قد نذر حين لقي من قريش ما لقي عند حفر زمزم لئن ولد له عشرة نفر ثم بلغوا معه حتى يمنعوه لينحرن أحدهم لله عند الكعبة فلما توافى بنوه عشرة وعرف أنهم سيمنعونه جمعهم ثم أخبرهم بنذره ودعاهم الى الوفاء لله بذلك فأطاعوه وقالوا كيف نصنع قال ليأخذ كل رجل منكم قدحا ثم يكتب فيه اسمه ثم(1/286)
ائتوني ففعلوا ثم أتوه فدخل بهم على هبل في جوف الكعبة وكان هبل على بئر في جوف الكعبة وكانت تلك البئر هي التي يجمع فيها ما يهدي للكعبة
قداح هبل السبعة وكان عند هبل قداح سبعة كل قدح منها فيه كتاب قدح فيه العقل إذا اختلفوا في العقل من يحمله منهم ضربوا بالقداح السبعة فإن خرج العقل فعلى من خرج حمله وقدح فيه نعم للأمر إذ أرادوه يضرب به القداح فإن خرج قدح نعم عملوا به وقدح فيه لا إذا أرادوا أمرا ضربوا به القداح فإن خرج ذلك القدح لم يفعلوا ذلك الأمر وقدح فيه منكم وقدح فيه ملصق وقدح فيه من غيركم وقدح فيه المياه إذا أرادوا أن يحفروا الماء ضربوا بالقداح وفيها ذلك القدح فحيثما خرج عملوا به
وكانوا إذا أرادوا أن يختنوا غلاما أو ينكحوا منكحا أو يدفنوا ميتا أو شكوا في نسب أحدهم ذهبوا به الى هبل وبمائة درهم وجزور فأعطوها صاحب القداح الذي يضرب بها ثم قربوا صاحبهم الذي يريدون به ما يريدون ثم قالوا لصاحب القداح اضرب ياإلهنا هذا فلان ابن فلان قد أردنا به كذا فأخرج الحق فيه ثم يقولون القداح اضرب فإن خرج عليه منكم كان منهم وسيطا وإن خرج عليه من غيركم كان حليفا وإن خرج عليه ملصق كان على منزلته فيهم لا نسب له ولا حلف وإن خرج فيه شيء مما سوى هذا مما يعملون به نعم عملوا به وإن خرج لا أخروه عامه وذلك حتى يأتوه به مرة أخرى ينتهون في أمورهم إلى ذلك مما خرجت به القداح
عبد المطلب يحتكم الى القداح فقال عبد المطلب لصاحب القداح اضرب على بن هؤلاء بقداحهم هذه وأخبره بنذره الذي نذر(1/287)
فأعطاه كل رجل منهم قدحه الذي فيه اسمه وكان عبد الله بن عبد المطلب أصغر بني أبيه كان هو والزبير وأبو طالب لفاطمة بنت عمرو ابن عائذ بن عمران بن مخزوم بن يقظة بن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب بن فهر.
قال ابن هشام عائذ بن عمران بن مخزوم
خروج القداح على عبد الله قال ابن اسحاق وكان عبد الله فيما يزعمون أحب ولد عبد المطلب إليه فكان عبد المطلب يرى أن السهم إذا أخطأه فقد أشوى وهو أبو رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما أخذ صاحب القداح القداح ليضرب بها قام عبد المطلب عند هبل يدعو الله ثم ضرب صاحب القداح فخرج القدح على عبد الله
عبد المطلب يحاول ذبح ابنه ومنع قريش له فأخذه(1/288)
عبد المطلب بيده وأخذ الشفرة ثم أقبل به الى إساف ونائلة ليذبحه فقامت إليه قريش من انديتها فقالوا ماذا تريد يا عبد المطلب قال أذبحه فقالت له قريش وبنوه والله لا تذبحه أبدا حتى تعذر فيه لئن فعلت هذا لا يزال الرجل يأت بابنه حتى يذبح فما بقاء الناس على هذا
وقال له المغيرة بن عبد الله بن عمرو بن مخزوم بن يقظة وكان عبد الله ابن اخت القوم والله لا تذبحه أبدا حتى تعذر فيه فإن كان فداؤه بأموالنا فديناه وقالت له قريش وبنوه لا تفعل وانطلق به الى الحجاز فإن به عرافة لها تابع فسلها ثم أنت على رأس أمرك إن أمرتك بذبحه ذبحته وإن أمرتك بأمر لك وله في فرج قبلته
ما أشارت به عرافة الحجاز فانطلقوا حتى قدموا المدينة فوجدوها فيما يزعمون بخيبر فركبوا حتى جاءوها فسألوها وقص عليها عبد المطلب خبره وخبر ابنه وما أراد به ونذره فيه فقالت لهم ارجعوا عني اليوم حتى يأتيني تابعي فأسأله فرجعوا من عندها فلما خرجوا عنها قام عبد المطلب يدعو الله ثم غدوا عليها فقالت لهم قد جاءني الخبر كم الدية فيكم قالوا عشر من الإبل وكانت كذلك قالت فارجعوا الى بلادكم ثم قربوا صاحبكم وقربوا عشرا من الإبل ثم اضربوا عليها وعليه بالقداح فإن خرجت على صاحبكم فزيدوا من الإبل حتى يرضى ربكم وإن خرجت على الإبل فانحروها عنه فقد رضي ربكم ونجا صاحبكم(1/289)
تنفيذ وصية العرافة ونجاة عبد الله فخرجوا حتى قدموا مكة فلما أجمعوا على ذلك من الأمر قام عبد المطلب يدعو الله ثم قربوا عبدالله وعشرا من الإبل وعبد المطلب قائم عند هبل يدعو الله عز وجل ثم ضربوا فخرج القدح على عبد الله فزادوا عشرا من الإبل فبلغت الإبل عشرين وقام عبد المطلب يدعو الله عز وجل ثم ضربوا فخرج القدح على عبد الله فزادوا عشرا من الإبل فبلغت الإبل ثلاثين وقام عبد المطلب يدعو الله ثم ضربوا فخرج القدح على عبد الله فزادوا عشرا من الإبل فبلغت الإبل أربعين وقام عبدالمطلب يدعو الله ثم ضربوا فخرج القدح على عبدالله فزادوا عشرا من الإبل فبلغت الإبل خمسين وقام عبد المطلب يدعو الله عز وجل ثم ضربوا فخرج القدح على عبد الله فزادوا عشرا من الإبل فبلغت ستين وقام عبد المطلب يدعو الله ثم ضربوا فخرج القدح على عبد الله فزادوا عشرا من الإبل فبلغت الإبل سبعين وقام عبد المطلب يدعو الله ثم ضربوا فخرج القدح على عبد الله فزادوا عشرا من الإبل فبلغت الإبل ثمانين وقام عبد المطلب يدعو الله عز وجل ثم ضربوا فخرج القدح على عبد الله فزادوا عشرا من الإبل فبلغت الإبل تسعين وقام عبد المطلب يدعوا الله ثم ضربوا فخرج القدح على عبد الله فزادوا عشرا من الإبل فبلغت الإبل مائة وقام عبد المطلب يدعوا الله ثم ضربوا فخرج القدح على الإبل فقالت قريش ومن حضر قد انتهى رضا ربك يا عبد المطلب فزعموا أن عبد المطلب قال لا والله حتى أضرب عليها ثلاث مرات فضربوا على عبد الله وعلى الإبل وقام عبد المطلب يدعو الله فخرج القدح على الإبل ثم عادوا الثانية وعبد المطلب قائم يدعو الله فضربوا فخرج القدح على الإبل ثم عادوا الثالثة وعبد المطلب قائم يدعو الله فضربوا فخرج القدح على الإبل فنحرت ثم تركت لا يصد عنها إنسان ولا يمنع(1/290)
قال ابن هشام ويقال إنسان ولا سبع.
قال ابن هشام وبين أضعاف هذا الحديث رجز لم يصح عندنا عن أحد من أهل العلم بالشعر
ذكر المرأة المتعرضة لنكاح عبد الله بن عبد المطلب
عبد الله يرفضها قال ابن اسحاق ثم انصرف عبد المطلب آخذا بيد عبد الله فمر به فيما يزعمون على امراة من بني أسد ابن عبد العزى بن قصي بن كلاب بن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب(1/291)
ابن فهر وهي أخت ورقة بن نوفل بن أسد بن عبد العزى وهي عند الكعبة فقالت له حين نظرت الى وجهه أين تذهب يا عبد الله قال مع أبي قالت لك مثل الإبل التي نحرت عنك وقع علي الآن قال أنا مع ابي ولا أستطيع خلافه ولا فراقه
عبد الله يتزوج آمنة بنت وهب فخرج به عبد المطلب حتى أتى به وهب بن عبد مناف بن زهرة بن كلاب بن مرة بن كعب بن لؤي ابن غالب بن فهر وهو يؤمئذ سيد بني زهرة نسبا وشرفا فزوجه ابنته آمنة بنت وهب وهي يؤمئذ أفضل امرأة في قريش نسبا وموضعا
أمهات آمنة وهي لبرة بنت عبد العزى بن عثمان بن عبد الدار بن قصي بن كلاب بن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب بن فهر وبرة لأم حبيب بنت أسج بن عبد العزى بن قصي بن كلاب بن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب بن فهر وأم حبيب لبرة بنت عوف بن عبيد ابن عويج بن عدي بن كعب بن لؤي بن غالب بن فهر
سبب زهد المراة المعترضة لعبد الله فيه فزعموا أنه دخل عليها حين أملكها مكانه فوقع عليها فحملت برسول الله صلى الله عليه وسلم ثم خرج من عندها فأتى المرأة اللي عرضت عليه ما عرضت فقال لها ما لك لا تعرضين علي اليوم ما كنت عرضت علي بالأمس قالت له فارقك النور الذي كان معك بالأمس فليس لي بك اليوم حاجة وقد كانت تسمع من أخيها ورقة بن نوفل وكان قد تنصر واتبع الكتب أنه كائن في هذه الأمة نبي
قصة حمل آمنة برسول الله صلى الله عليه وسلم قال ابن اسحاق وحدثني أبي إسحاق بن يسار أنه حدث أن عبدالله إنما دخل على امرأة كانت له مع آمنة بنت وهب وقد عمل في طين له وبه آثار من الطين(1/292)
فدعاها الى نفسه فأبطأت عليه لما رات به أثر الطين فخرج من عندها فتوضأ وغسل ما كان به من ذلك الطين ثم خرج عامدا الى آمنة فمر بها فدعته الى نفسها فأبى عليها وعمد الى آمنة فدخل عليها فأصابها فحملت بمحمد صلى الله عليه وسلم ثم مر بامرأته تلك فقال لها هل لك قالت لا مررت بي وبين عينيك غرة بيضاء فدعوتك فأبيت علي ودخلت على آمنة فذهبت بها.
قال ابن إسحاق فزعموا أن امرأته تلك كانت تحدث أنه مر بها وبين عينيه غرة مثل غرة الفرس قالت فدعوته رجاء أن تكون تلك بي فأبى علي ودخل على آمنة فأصابها فحملت برسول الله صلى الله عليه وسلم فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم أوسط قومه نسبا وأعظمهم شرافا من قبل أبيه وامه صلى الله عليه وسلم
ذكر ما قيل لآمنة عند حملها برسول الله صلى الله عليه وسلم
رؤيا آمنة ويزعمون فيما يتحدث الناس والله أعلم ان آمنة ابنة وهب أم رسول الله صلى الله عليه وسلم كانت تحدث
أنها أتيت حبن حملت بروسل الله صلى الله عليه وسلم فقيل لها إنك قد حملت بسيد هذه الأمة فإذا وقع إلى الأرض فقولي أعيذه بالواحد من شر كل حاسد ثم سميه محمدا ورأت حين حملت به أنه خرج منها نور رأت به قصور بصرى من أرض الشام(1/293)
وفاة عبد الله ثم لم يلبث عبد الله بن عبد المطلب أبو رسول الله صلى الله عليه وسلم أن هلك وأم رسول الله صلى الله عليه وسلم حامل به
ولادة رسول الله صلى الله عليه وسلم
ابن اسحاق يحدد الميلاد قال حدثنا أبو محمد عبد الملك ابن هشام قال حدثنا زياد بن عبدالله البكائي محمد بن اسحاق قال ولد رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الاثنن لاثنتي عشرة ليلة خلت من شهر ربيع الأول عام الفيل(1/294)
قال ابن إسحاق : وحدثني المطلب بن عبد الله بن قيس بن مخرمة عن أبيه عن جده قيس بن مخرمة قال : ولدت انا ورسول الله صلى الله عليه وسلم عام الفيل فنحن لدتان.
قال ابن إسحاق وحدثني صالح بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف عن يحيى بن عبد الله بن عبد الرحمن بن سعد بن زرارة الأنصاري قال حدثني من شئت من رجال قومي عن حسان بن ثابت قال والله إني لغلام يفعه أبن سبع سنين أو ثمان أعقل كل ما سمعت إذ سمعت يهوديا يصرخ بأعلى صوته علي أطمة يا بيثرب يا معشر يهود حتى إذا اجتمعوا إليه قالوا له ويلك ما لك قال طلع الليلة نجم أحمد الذي ولد به.
قال ابن إسحاق فسألت سعيد بن عبد الرحمن بن حسان بن ثابت فقلت ابن كم كان حسان بن ثابت مقدم رسول الله صلى الله عليه وسلم(1/295)
المدينة فقال ابن ستين وقدمها رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو ابن ثلاث وخمسين سنة فسمع حسان ما سمع وهو ابن سبع سنين
إعلام جده لولادته وما فعله به قال ابن اسحاق فلما وضعته أمه صلى الله عليه وسلم أرسلت إلى جده عبد المطلب أنه قد ولد لك غلام فأته فانظر إليه فأتاه فنظر إليه وحدثته بما أت حين حملت به وما قيل لها فيه وما أمرت به ان تسميه
فيزعمون أن عبد المطلب أخذه فدخل به الكعبة فقام يدعو الله ويشكر له ما أعطاه ثم خرج به الى أمه فدفعه إليها والتمس لرسول الله صلى الله عليه وسلم الرضعاء(1/296)
قالا ابن هشاام المراضع وفي كتاب الله تبارك وتعالى في قصه موسى عليه السلام {وحرمنا عليه المراضع}.
مرضعته حليمة قال ابن اسحاق فاسترضع له امرأة من بني سعد بن بكر يقال لها حليمة ابنة أبي ذؤيب
نسب مرضعته وأبو ذؤيب عبد الله بن الحارث بن شجنة بن جابر بز رزام بن ناصرة بن فصية بن نصر بن سعد بن بكر بن هوازن بن منصور بن عكرمة بن خصفة بن قيس بن عيلان
زوج حليمة ونسبه واسم أبيه الذي أرضعه صلى الله عليه وسلم الحارث ابن عبد العزى بن رفاعة بن ملان بن ناصرة بن فصية بن نصر بن سعد ابن بكر بن هوازن(1/297)
قال بن هشام ويقال هلال بن ناصرة
أولاد حليمة قال ابن اسحاق وإخوته من الرضاعة عبد الله ابن الحارث وأنيسة بنت الحارث وخذامة بنت الحارث وهي الشيماء غلب ذلك على اسمها فلا تعرف في قومها إلا به وهم لحليمة بنت أبي ذؤيب عبد الله بن الحارث أم رسول الله صلى الله عليه وسلم ويذكرون أن الشيماء كانت تحضنه مع أمها إذ كان عندهم.
قال ابن إسحاق وحدثني جهم بن أبي جهم مولى الحارث بن حاطب الجمحي عن عبد الله بن جعفر بن ابي طالب أو عمن حدثه عنه قال : حديث حليمة كانت حليمة بنت أبي ذؤيب السعدية أم رسول الله صلى الله عليه وسلم التي أرضعته تحدث أنها خرجت من بلدها مع زوجها وابن لها صغير ترضعه في نسوة من بني سعد بن بكر تلتمس الرضعاء قالت وذلك في سنة شهباء لم تبق لنا شيئا قالت فخرجت على أتان لي قمراء معنا شارف لنا والله ما تبض بقطرة وما(1/298)
ننام ليلنا أجمع من صبينا الذي معنا من بكائه من الجوع ما في ثدي ما يغنيه وما في شارفنا ما يغديه.
قال ابن هشام ويقال يغذيه ولكنا كنا نرجو الغيث والفرج فخرجت على أتاني تلك فلقد أدمت بالركب حتى شق ذلك عليهم ضعفا وعجفا حتى قدمنا مكة نلتمس الرضعاء فما منا امرأة إلا وقد عرض عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم فتأباه إذا قيل لها إنه يتيم وذلك أنا إنما كنا نرجو المعروف من أبي الصبي فكنا نقول يتيم وما(1/299)
عسى أن تصنع أمه وجده فكنا نكرهه لذلك فما بقيت امراة قدمت معي إلا أخذت رضيعا غيري فلما أجمعنا الانطلاق قلت لصاحبي والله إني لأكره أن ارجع من بين صواحبي ولم آخذ رضيعا والله لأذهبن الى ذلك اليتيم فلآخذنه قال لا عليك أن تفعلي عسى الله ان يجعل لنا فيه بركة قالت فذهبت إليه فأخذته وما حملني علي أخذه إلا أني لم أجد غيره
الخير الذي أصاب حليمة قالت فلما أخذته رجعت به الى رحلي فلما وضعته في حجري أقبل عليه ثدياي بما شاء من لبن فشرب حتى روي وشرب معه أخوه حتى روي ثم ناما وما كنا ننام معه قبل ذلك وقام زوجي الى شارفنا تلك فإذا إنها لحافل فحلب منها ما شرب وشربت معه حتى انتهينا ريا وشبع فبتنا بخير ليلة قالت يقول صاحبي حين أصبحنا تعلمي والله يا حليمة لقد أخذت نمسة مباركة قالت فقلت والله إني لأرجو ذلك قالت ثم خرجنا وركبت أتاني وحملته عليها معي فوالله لقطعت بالركب ما يقدر عليها شيء من حمرهم حتى إن صواحبي ليقلن لي يا أبنة ابي ذؤيب ويحك أربيعي علينا أليست هذه أتانك التي كنت خرجت عليها فأقول لهن بلى والله إنها لهي هي فيقلن والله إن لها لشأنا
قالت ثم قدمنا منازلنا من بلاد بني سعد وما أعلم أرضا من أرض الله أجدب منها فكانت غنمي تروح علي حين قدمنا به معنا شباعا لبنا فنحلب ونشرب وما يحلب إنسان قطرة لبن ولا يجدها في ضرع حتى كان الحاضرون من قومنا يقولون لرعيانهم ويلكم أسرحوا حيث(1/300)
يسرح راعي بنت أبي ذؤيب فتروح أغنامهم جياعا ما تبض بقطرة لبن وتروح غنمي شباعا لبنا فلم نزل نتعرف من الله الزيادة والخير حتى مضت سنتاه وفصلته وكان يشب شبابا لا يشبه الغلمان فلم يبلغ سنتيه حتى كان غلاما جفرا
رجوع حليمة به الى مكة أول مرة قالت فقدمنا به على أمه ونحن احرص شيء على مكثه فينا لما كنا نرى من بركته فكلمنا أمه وقلت لها لو تركت بني عندي حتى يغلظ فإني أخشى عليه وباء مكة قالت فلم نزل بها حتى ردته معنا
حديث الملكين اللذين شقا بطنه قال فجرعنا به فوالله إنه بعد مقدمنا بشهر مع أخيه لفي بهم لنا خلف بيوتنا إذ أتانا أخوه يشتد فقال لي ولأبيه ذاك أخي القرشي قد أخذه رجلان عليهما ثياب بيض فأضجعاه فشقا بطنه فهما يسوطانه قالت فخرجت أنا وابوه نحوه فوجدناه قائم منتقعا وجهه قالت فالتزمته والتزمه أبوه فقلنا له ما لك يا بني قال جاءني رجلان عليها ثياب بيض فأضجعاني وشقا بطني فالتمسا شيئا لا أدري ما هو قالت فرجعنا الى خبائنا
حليمة ترد محمدا صلى الله عليه وسلم الى أمه قالت وقال لي أبوه يا حليمة لقد خشيت أن يكون هذا الغلام قد اصيب فالحقيه بأهله قبل أن(1/301)
يظهر ذلك به قال فاحتملناه فقدمنا به على امه فقالت ما أقدمك به يا ظئر وقد كنت حريصة عليه وعلى مكثه عندك قالت فقلت فقد بلغ الله بابني وقضيت الذي علي وتخوفت الأحداث عليه فأديته إليك كما تحبين قالت ما هذا شأنك فأصدقيني خبرك قالت فلم تدعني حتى أخبرتها قالت أفتخوفت علهي الشيطان قال قلت نعم قال مكا والله ما للشيطان عليه من سبيل وإن لبني لشأنا أفلا أخبرك خبره قالت قلت بلى قالت رأيت حين حملت به أنه خرج مني نور أضاء قصور بصرى من ارض الشام ثم حملت به فوالله ما رأيت من حمل قط كان اخف ولا أيسر منه ووقع حين ولدته وإنه لواضع يديه بالأرض رافع رأسه الى السماء دعيه عنك وانطلقي راشدة
الرسول يسأل عن نفسه وإجابته صلى الله عليه وسلم قال ابن اسحاق وحدثني ثور بن يزيد عن بعض اهل العلم ولا احسبه إلا عن خالد بن معدان الكلاعي أن نفرا من اصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم قالوا له يا رسول الله أخبرنا عن نفسك قال نعم أنا دعوة أبي إبراهيم وبشرى أخي عيسى ورأت أمي حين حملت بي أنه خرج منها نور أضاء لها قصور الشام واسترضعت في بني سعد بن بكر فبينا أنا مع أخ لي خلف بيوتنا نرعى بهما لنا إذ أتاني رجلان عليهما ثياب بيض بطست من ذهب مملوءة ثلجا ثم اخذاني فشقا بطني واستخرجا قلبي فشقاه(1/302)
فاسترخجا منه علقة سوداء فطرحاها ثم غسلا قلبي وبطني بذلك الثلج حتى أنقياه ثم قال أحدهما لصاحبه زنه يشعرة من أمته فوزنني بهم فوزنتهم ثم قال زنه بمائة من أمته فوزنني بهم فوزنتهم ثم قال زنه بألف من أمته فوزنني بهم فوزنتهم فقال دعه عنك فوالله لو وزنه بأمته لوزنها
رعيه صلى الله عليه وسلم الغنم وافتخاره بقرشيته قال ابن اسحاق وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ما من نبي إلا وقد رعى الغنم قيل وأنت يا رسول الله قال وأنا(1/303)
قال ابن إسحاق : وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لأصحابه أنا أعربكم أنا قرشي واسترضعت في بني سعد بن بكر
افتقاد حليمة له صلى الله عليه وسلم قال ابن اسحاق وزعم الناس فيما يتحدثون والله أعلم ان أمه السعدية لما قدمت به مكة أضلها في الناس وهي مقبلة به نحو أهله فالتمسته فلم تجده فأتت عبد المطلب فقالت له إني قد قدمت بمحمد هذه الليلة فلما كنت بأعلى مكة أضلني فوالله ما أدرى أين هو فقام عبد المطلب عند الكعبة يدعو الله أن يرده فيزعمون أنه وجده ورقة بن نوفل بن أسد ورجل آخر من قريش فأتيا به عبد المطلب فقالا له هذا ابنك وجدناه بأعلى مكة فأخذه عبد المطلب فجلعه على عنقه وهو يطوف بالكعبة يعوذه ويدعو له ثم أرسل به إلى أمه آمنة
سبب آخر لرجوع حليمة به صلى الله عليه وسلم الى مكة قال ابن إسحاق وحدثني بعض أهل العلم أن مما هاج أمه السعدية على رده الى أمه مع ما ذكرت لأمه مما اخبرتها عنه أن نفرا من الحبشة نصارى رأوه معها حين رجعت به بعد فطامه فنظروا إليه وسألوها عنه وقلبوه ثم قالوا لها لنأخذن هذا الغلام فلنذهبن به الى ملكنا وبلدنا فإن هذا غلام كائن له شأن نحن نعرف أمره فزعم الذي حدثني أنها لم تكد تنفلت به منهم(1/304)
$ وفاة آمنة وحال رسول الله صلى الله عليه وسلم مع جده عبد المطلب بعدها
وفاة أمه صلى الله عليه وسلم قال ابن اسحاق وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم مع أمه آمنة بنت وهب وجده عبد المطلب بن هاشم في كلاءة الله وحفظه ينبته الله نباتا حسنا لما يريد به من كرامته فلما بلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم ست سنين توفيت أمة آمنه بنت وهب
عمر رسول الله صلى الله عليه وسلم حين وفاة أمه قال ابن اسحاق حدثني عبد الله بن ابي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم
أن أم رسول الله صلى الله عليه وسلم آمنة توفيت ورسول الله صلى الله عليه وسلم ابن ست سنين بالأبواء بين مكة والمدينة وكانت قد قدمت به على أخواله من بني عدي بن النجار تزيره إياهم فماتت وهي راجعة به الى مكة(1/305)
قال ابن هشام ام عبد المطلب بن هاشم سلمى بنت عمرو النجارية فهذه الخئولة التي ذكرها ابن اسحاق لرسول الله صلى الله عليه وسلم فيهم
إجلال عبد المطلب له صلى الله عليه وسلم قال ابن اسحاق وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم مع جده عبد المطلب بن هاشم وكان يوضع لعبد المطلب فراش في ظل الكعبة فكان بنوه يجلسون حول فراشه ذلك حتى يخرج اليه لا يجلس عليه أحد من بنيه إجلالا له قال فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأت وهو غلام جفر حتى يجلس عليه فيأخذه أعمامه ليؤخروه عنه فيقول عبد المطلب إذا رأى ذلك منهم دعوا ابني فوالله إن له لشأنا ثم يجلسه معه على الفراش ويمسح ظهره بيده ويسره ما يراه يصنع(1/306)
$ وفاة عبد المطلب وما رثي به من الشعر
فلما بلغ روس الله صلى الله عليه وسلم ثماني سنين هلك عبد المطلب بن هاشم وذلك بعد الفيل بثماني سنين
قال ابن اسخاق وحدثني العباس بن عبد الله بن معبد بن عباس عن بعض أهله أن عبد المطلب توفي ورسوله الله صلى الله عليه وسلم ابن ثمان سنين
عبد المطلب يطلب من بناته أن يرثينه قال ابن اسحاق حدثني محمد بن سعيد بن المسيب أن عبد المطلب لما حضرته الوفاة وعرف أنه ميت جمع بناته وكن ست نسوة صفية وبرة وعاتكة وأم حكيم البيضاء وأميمة وأروى فقال لهن ابكين علي حتى أسمع ما تقلن قبل أن أموت.
قال ابن هشام ولم أر أحدا من أهل العلم بالشعر يعرف هذا الشعر إلا أنه لما رواه عن محمد بن سعيد بن المسيب كتبناه
رثاء صفية بنت عبد المطلب لأبيها فقالت صفية بنت عبد المطلب تبكي أباها ... أرقت لصوت نائحة بليل ... على رجل بقارعة الصعيد
ففاضت عند ذلكم دموعي ... على خدي كمنحدر الفريد
على رجل كريم غير وغل ... له الفضل المبين على العبيد(1/307)
على الفياض شيبة ذي المعالي ... أبيك الخير وارث كل جود
صدوق في المواطن غير نكس ... ولا سخت المقام ولا سنيد
طويل الباع أروع شيظمي ... مطاع في عشيرته حميد
رفيع البيت ابلج ذي فضول ... وغيث الناس في الزمن الحرود
كريم الجد ليس بذي وصوم ... يروق على المسود والمسود
عظيم الحلم من نفر كرام ... خضارمة ملاوثة أسود
فلو خلد امرؤ لقديم مجد ولكن لا سبيل الى الخلود
لكان مخلدا أخرى الليالي لفضل المجد والحسب التليد
رثاء برة بنت عبد المطلب لأبيها وقالت برة بنت عبد المطلب تبكي أباها ... أعيني جودا بدمع درر ... على طيب الخيم والمعتصر
على ماجد الجد واري الزناد ... جميل المحيا عظيم الخطر
على شيبة الحمد ذي المكرمات ... وذي المجد والعز والمفتخر
وذي الحلم والفصل في النائبات ... كثير المكارم جم الفخر(1/308)
له فضل مجد على قومه ... منير يلوح كضوء القمر ... أتته المنايا فلم تشوه بصرف الليالي وريب القدر
رثاء عاتكة بنت عبد المطلب لأبيها وقالت عاتكة بنت عبد المطلب تبكي أباها ... أعيني جودا ولا تبخلا ... بدمعكما بعد نوم النيام
أعيني واسحنفرا واسكبا ... وشوبا بكاءكما بالتدام
أعيني واستخرطا واسجما ... على رجل غير نكس كهام
على الجحفل الغمر في النائبات ... كريم المساعي وفي الذمام
على شيبة الحمد واري الزناد وذي مصدق بعد ثبت المقام
وسيف لدى الحرب صمصامة ... ومردي المخاصم عند الخصام
وسهل الخليقة طلق اليدين ... وف عدملي صميم لهام(1/309)
تبنك في باذخ بيته ... رفع الذؤابة صعب المرام
رثاء أم حكيم بنت عبد المطلب لأبيها وقالت أم حكيم البيضاء بنت عبد المطلب تبكي أباها ... ألا يا عين جودي واستهلي ... وبكي ذا الندى والمكرمات
ألا يا عين ويحك أسعفيني ... بدمع من دموع هاطلات
وبكي خير من ركب المطايا ... أباك الخير تيار الفرات
طويل الباع شيبة ذا المعالي ... كريم الخيم محمود الهبات
وصولا للقرابة هبرزيا ... وغيثا في السنين الممحلات
وليثا حين تشتجر العوالي ... تروق له عيون الناظرات
عقيل بني كنانة والمرجى ... إذا ما الدهر أقبل بالهنات
ومفزعها إذا ما هاج هيج ... بداهية وخصم المعضلات
فبكيه ولا تسمى بحزن ... وبكي ما بقيت الباكيات
رثاء أميمة بنت عبد المطلب لأبيها وقالت اهمية بنت عبد المطلب تكبي أباها ... ألا هلك الراعي العشيرة ذو الفقد ... وساقي الحجيج والمحامي عن المجد
ومن يؤلف الضيف الغريب بيوته ... إذا ما سماء الناس تبخل بالرعد
كسبت وليدا خير ما يكسب الفتى ... فلم تنفكك تزداد ياشيبة الحمد(1/310)
أبو الحارث الفياض خلا كانه ... فلا تبعدن فكل حي إلى بعد
فإني لباك ما بقيت وموجع ... وكان له أهلا لما كان من وجدي
سقاك ولي الناس في القبر ممطرا ... فسوف أبكيه وإن كان في اللحد
فقد كان زينا للعشيرة كلها ... وكان حميدا حيث ما كان من حمد
رثاء أروى بنت عبد المطلب لأبيها وقال أروى بنت عبد المطلب تبكي أباها ... بكت عيني وحق لها لابكاء ... على سمح سجيته الحياء
على سهل الخليقة أبطحي ... كريم الخيم نيته العلاء
على الفياض شية ذي المعالي ... ألأبيك الخير ليس له كفاء
طويل الباع أملس شيظمي ... أغر كأن غرته ضياء
أقب الكشح أروع ذي فضول ... له المجد المقدم والسناء
أبي الضيم أبلج هبرزي ... قديم المجد ليس له خفاء
ومعقل مالك وربيع فهر ... وفاصلها إذا التمس القضاء
وكان هو الفتى كرما وجودا ... وبأسا حين تنسكب الدماء
إذا هاب الكماة الموت حتى ... كأن قلوب أكثرهم هواء
مضى قدما بذي ربد خشيب ... عليه حين تبصره البهاء(1/311)
إعجاب عبد المطلب بالرثاء قال ابن اسحاق فزعم لي محمد بن سعيد بن المسيب أنه اشار برأسه وقد أصمت أن هكذا فابكينني
نسب المسيب بن حزن قال ابن هشام المسيب بن حزن بن أبي وهب بن عمرو بن عائذ بن عمران بن مخزوم
رثاء حذيفة بن غانم لعبد المطلب قال ابن اسحاق وقال حذيفة بن غانم أخو بني عدي بن كعب بن لؤي يبكي عبد المطلب ابن هاشم بن عبد هاشم بن عبد مناف ويذكر فضله وفضل قصي على قريش وفضل ولده من بهده عليهم وذلك أنه أخذ بغرم أربعة الاف درهم بمكة فوقف بها فمر به أبو لهب عبد العزى بن عبد المطلب فافتكه ... أعيني جودا بالدموع على الصدر ... ولا تسأما اسقيتما سبل القطر
وجودا بدمع واسفحا كل شارق ... بكاء امرىء لم يشوه نائب الدهر
وسحا وجما واسجما ما بقيتما ... على ذي حياء من قريش وذي ستر(1/312)
على رجل جلد القوى ذي حفيظه ... جميل المحيا غير نكس ولا هذر
على الماجد البهلول ذي الباع واللهي ... ربيع لؤي في القحوط وفي العسر
على خير حاف من معد وناعل ... كريم المساعي طيب الخيم والنحر
وخيرهم أصلا وفرعا ومعدنا ... وأحظاهم بالمكرمات وبالذكر
وأولاهم بالمجد والحلم والنهى ... وبالفضل عند المجحفات من الغبر
على شيبة الحمد الذي كان وجهه ... يضيء سواد الليل كالقمر البدر
وساقي الحجيج ثم للخبز هاشم ... وعبد مناف ذلك السيد الفهري
طوى زمزما عند المقام فأصبحت ... سقايته فخرا على كل ذي فخر
ليبك عليه كل عان بكربة ... وآل قصي من مقل وذي وفر
بنوه سراة كهلهم وشبابهم
تفلق عنهم بيضة الطائر الصقر
قصي الذي عادي كنانة كلها ... ورابط بيت الله في العسر واليسر(1/313)
فإن تك غالته المنايا وصرفها ... فقد عاش ميمون النقيبة والأمر
وأبقي رجالا سادة غير عزل ... مصاليت أمثال الردينية السمر
أبو عتبة الملقي الى حباؤه ... أغر هجان اللون من نفر غر
وحمزة مثل البدر يهتز للندى ... نقي الثياب والذمام من الغدر
وعبد مناف ماجد ذو حفيظة ... وصول لذي القربي رحيم بذي الصهر
كهولهم خير الكهول ونسلهم ... كنسل الملوك لا تبور ولا تحري
متى ما تلاقي منهم الدهر ناشئا ... تجده بإجرايا أوائله يجري
هم ملئوا البطحاء مجدا وعزه إذا استبق الخيرات في سالف العصر(1/314)
وفيهم بناة للعلا وعمارة ... وعبد مناف جدهم جابر الكسر
بإنكاح عوف بنته ليجيرنا ... من اعدائنا إذ أسلمتنا بنو فهر
فسرنا تهامي البلاد ونجدها ... بأمنه حتى خاضت العير في البحر
وهم حضروا والناس باد فريقهم ... وليس بها إلا شيوخ بنو عمرو
بنوها ديارا جمة وطووا بها ... بئارا تسح الماء من ثبج البحر
لكي يشرب الحجاج منها وغيرهم ... إذا ابتدروها صبح تابعة النحر
ثلاثة أيام تظل ركابهم ... مخيسة بين الأخاشب والحجر
وقدما غنينا قبل ذلك حقبة ... ولا نستقي إلا بخم أو الحفر ... وهم يغفرون الذنب ينقم دونه ... ويعفون عن قول السفاهة والهجر(1/315)
وهم جمعوا حلف الأحابيش كلها ... وهم نكلوا عنا غواة بني بكر
فخارج إما أهلكن فلا تزل ... لهم شاكرا حتى تغيب في القبر
ولا تنس ما أسدى ابن لبنى فإنه ... قد أسدى يدا محقوقة منك بالشكر
وأنت ابن لبنى من قصي إذا انتموا ... بحيث انتهى قصد الفؤاد من الصدر
وأنت تناولت العلا فجمعتها ... إلى محتد للمجد ذي ثبج جسر
سبقت وفت القوم بذلا ونائلا ... وسدت وليدا كل ذي سؤدد غمر
وأمك سر من خزاعة جوهر ... إذا حصل الأنساب يوما ذوو الخبر
إلى سبأ الأبطال تنمى وتنتمي ... فأكرم بها منسوبة في ذرا الزهر
أبو شمر منهم وعمرو بن مالك ... وذو جدن من قومها وأبو الجبر(1/316)
وأسعد قاد الناس عشرين حجة ... يؤيد في تلك المواطن بالنصر.
قال ابن هشام أمك سر من خزاعة يعني أبا لهب أمه لبنى بنت هاجر الخزاعي وقوله بإجريا أوائله عن غير ابن إسحاق
رثاء مطرود الخزاعي لعبد المطلب قال ابن إسحاق وقال مطرود بن كعب الخزاعي يبكي عبدالمطلب وبني عبد مناف ... يا أيها الرجل المحول رحله ... هلا سألت عن آل عبد مناف
هبلتك أمك لو حللت بدارهم ... ضمنوك من جرم ومن إقراف
الخالطين غنيهم بفقيرهم ... حتى يعود فقيرهم كالكافي
المنعمين إذا النجوم تغيرت ... والظاعنين لرحلة الإيلاف
والمطعمين إذا الرياح تناوحت ... حتى تغيب الشمس في الرجاف
إما هلكت أبا الفعال فما جرى ... من فوق مثلك عقد ذات نطاف(1/317)
إلا أبيك أحي المكارم وحده ... والفيض مطلب أبي الأضياف
قال ابن إسحاق فلما هلك عبدالمطلب بن هاشم ولي زمزم والسقاية عليها بعده العباس بن عبدالمطلب وهو يومئذ من أحدث إخوته سنا فلم تزل إليه حتى قام الإسلام وهي بيده فأقرها رسول الله صلى الله عليه وسلم له على ما مضى من ولايته فهي إلى آل العباس بولاية العباس إياها إلى اليوم
كفالة أبي طالب رسول الله صلى الله عليه وسلم
وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد عبدالمطلب مع عمه أبي طالب وكان عبدالمطلب فيما يزعمون يوصي به عمه أبا طالب وذلك لأن عبدالله أبا رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبا طالب أخوان لأب وأم أمهما فاطمة(1/318)
بنت عمرو بن عائذ بن عبد بن عمران بن مخزوم.
قال ابن هشام عائذ بن عمران بن مخزوم
قال ابن إسحاق وكان أبو طالب هو الذي يلي أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد جده فكان إليه ومعه
اللهبي العائف قال ابن إسحاق وحدثني يحيى بن عباد بن عبدالله بن الزبير أن أباه حدثه أن رجلا من لهب.
قال ابن هشام ولهب من أزد شنوءة كان عائفا فكان إذا قدم مكة أتاه رجال قريش بغلمانهم ينظر إليهم ويعتاف لهم فيهم قال فأتى به أبو طالب وهو غلام مع من يأتيه فنظر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم شغله عنه شيء فلما فرغ قال الغلام علي به فلما رأى أبو طالب حرصه عليه غيبه عنه فجعل يقول ويلكم ردوا علي الغلام الذي رأيت آنفا فوالله ليكونن له شأن قال فانطلق أبو طالب
قصة بحيرى
محمد صلى الله عليه وسلم يخرج مع عمه إلى الشام قال ابن إسحاق ثم إن أبا طالب خرج في ركب تاجرا إلى الشام فلما تهيأ للرحيل وأجمع المسير صب به رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما يزعمون فرق له وقال(1/319)
والله لأخرجن به معي ولا يفارقني ولا أفارقه أبدا أو كما قال فخرج به معه
بحيري يحتفي بتجار قريش فلما نزل الركب بصرى من أرض الشام وبها راهب يقال له بحيري في صومعه له وكان إليه علم أهل النصرانية ولم يزل في تلك الصومعة منذ قط راهب إليه يصير علمهم عن كتاب فيها فيما يزعمون يتوارثونه كابرا عن كابر فلما نزلوا ذلك العام ببحيري وكانوا كثيرا ما يمرون به قبل ذلك فلا يكلمهم ولا يعرض لهم حتى كان ذلك العام فلما نزلوا به قريبا من صومعته صنع لهم طعاما كثير وذلك يزعمون عن شيء رآه في صومعته يزعمون أنه رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو في صومعته في الركب حين أقبلوا وغمامة تظله من بين القوم قال ثم أقبلوا فنزلوا في ظل شجرة قريبا منه فنظر الى الغمامة حين أظلت الشجرة وتهصرت أغصاان الشجرة على رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى استظل تحتها فلما رأى ذلك بحيري نزل من صومعته وقد أمر بذلك الطعام فصنع ثم أرسل إليهم فقال إني مد صنعت لكم طعاما يا معشر قريش فأنا أحب أن(1/320)
تحضروا كلكم صغيركم وكبيركم وعبدكم وحركم فقال له رجل منهم والله يا بحيري إن لك لشأنا اليوم ما كنت تصنع هذا بنا وقد كنا نمر بك كثيرا فما شانك اليوم قال له بحيري صدقت قد كان ما تقول ولكنكم ضيف وقد أحببت أن أكرمكم وأصنع لكم طعاما فتأكلوا منه كلكم فاجتمعوا إليه وتخلف رسول الله صلى الله عليه وسلم من بين القوم لحداثة سنة في رحال القوم تحت الشجرة فلما نظر بحيري في القوم لم ير الصفة التي يعرف ويجد عنده فقال يا معشر قريش لا يتخلفن أحد منكم عن طعامي قالوا له يا بحيري ما تخلف عنك أحد ينبغي له أن يأتيك إلا غلام وهو أحدث القوم سنا فتخلف في رحالهم فقال لا تفعلوا ادعوه فليحضر هذا الطعام معكم قال فقال رجل من قريش مع القوم واللات والعزى إن كان للؤم بنا أن يتخلف ابن عبد الله بن عبد المطلب عن طعام من بيننا ثم قام إليه فاحتضنه واجلسه مع القوم
بحيري يتثبت من محمد صلى الله عليه وسلم فلما رآه بحيري جعل يلحظه لحظا شديد وينظر الى أشياء من جسده قد كان يجدها عنده من صفته حتى إذا فرغ القوم من طعامهم وتفرقوا قام إليه بحيري فقال يا غلام أسألك بحق اللات والعزى ألا ما أخبرتني عما أسألك عنه وإنما قال له بحيري ذلك لأنه سمع قومه يحلفون بهما فزعموا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لا تسألن باللات والعزى شيئا فوالله ما أبغضت شيئا قط بغضهما فقال له بحيري فبالله إلا ما أخبرتني عما اسألك عنه فقا له سلني عما بدا لك فجعل يسأله عن أشياء من حاله من نومه وهيئته وأموره فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يخبره فيوافق ذلك ما عند بحيري من صفته ثم نظر الى ظهره فرأى خاتم النبوة بين كتفيه على موضعه من صفته التي عنده(1/321)
قال ابن هشام وكان مثل أثر المحجم
بحيري يوصي أبا طالب بمحمد صلى الله عليه وسلم قال ابن اسحاق فلما فرغ أقبل على عمه أبي طالب فقال له ما هذا الغلام منك قال ابني قال له بحيري ما هو بابنك وما ينبغي لهذا الغلام أن يكون أبوه حيا قال فإنه ابن أخي قال فما فعل أبوه قال مات وأمه حبلى به قال صدقت فارجع بابن أخيك الى بلده واحذر عليه يهود فوالله لئن رأوه وعرفوا منه ما عرفت ليبغنه شرا فإنه كائن لابن أخيك هذا شأن عظيم فأسرع به الى بلاده
بعض من أهل الكتاب يريدون بمحمد صلى الله عليه وسلم الشر فخرج به عمه أبو طالب سريعا حتى أقدمه مكة حين فرغ من تجارته بالشام فزعموا فيما روى الناس أن زريرا وتماما ودريسا وهم نفر من أهل الكتاب قد كانوا رأوا من رسول الله صلى الله عليه وسلم مثل ما رآه بحيري في ذلك السفر الذي كان فيه مع عمه أبي طالب فأرادوه فردهم عنه بحيري وذكرهم الله وما يجدون في الكتاب من ذكره وصفته وأنهم إن أجمعوا لما أرادوا به لم يخلصوا إليه ولم يزل بهم حتى عرفوا ما قال لهم وصدقوه بما قال فتركوه وانصرفوا عنه(1/322)
محمد صلى الله عليه وسلم يشب على مكارم الأخلاق فشب رسول الله صلى الله عليه وسلم والله تعالى يكلؤه ويحفظه ويحوطه من أقذار الجاهلية لما يريد به من كرامته ورسالته حتى بلغ أن كان رجلا أفضل قومه مروءة وأحسنهم خلقا وأكرمهم حسبا وأحسنهم جوارا وأعظمهم حلما وأصدقهم حديثا وأعظمهم أمانة وأبعدهم من الفحش والأخلاق التي تدنس الرجال تنزها وتكرما حتى ما اسمه في قومه إلا الأمين لما جمع الله فيه من الأمور الصالحة
رسول الله صلى الله عليه وسلم يحدث عن حفظ الله له وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما ذكر لي يحدث عما كان الله يحفظه به في صغره وأمر جاهليته أنه قال : لقد رأيتني في غلمان قريش ننقل حجارة لبعض ما يلعب به الغلمان كلنا قد تعرى وأخذ إزاره فجعله على رقبته يحمل عليه الحجارة فإني لأقبل معهم كذلك وأدبر إذ لكمني لاكم ما أراه لكمة وجيعة ثم قال شد عليك إزارك قال فأخذته وشددته علي ثم جعلت أحمل الحجارة على رقبتي وإزاري علي من بين أصحابي(1/323)
$ حرب الفجار $.
قال ابن هشام فلما بلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم أربع عشرة سنة أو خمس عشرة سنة فيما حدثني أبو عبيدة النحوي عن أبي عمرو بن العلاء هاجت حرب الفجار بين قريش ومن معها من كنانة وبين قيس عيلان
سببها وكان الذي هاجها أن عروة الرحال بن عتبة بن جعفر بن كلاب بن ربيعة بن عامر بن صعصعة بن معاوية بن هوازن أجار لطيمة للنعمان بن المنذر فقال له البراض بن قيس أحد بني ضمرة ابن بكر بن عبد مناة بن كنانة أتجيرها على كنانة قال نعم وعلى الخلق فخرج فيها عروة الرحال وخرج البراض يطلب غفلته حتى إذا كان بتيمن ذي طلال بالعالية غفل عروة فوثب عليه البراض فقتله في الشهر الحرام فلذلك سمي الفجار وقال البراض في ذلك ... وداهية تهم الناس قبلي ... شددت لها بني بكر ضلوعي(1/324)
هدمت بها بيوت بني كلاب ... وأرضعت الموالي بالضروع
رفعت له بذي طلال كفي ... فخر يميد كالجذع الصريع
وقال لبيد بن مالك بن جعفر بن كلاب ... أبلغ إن عرضت بن كلاب ... وعمر والخوب لها موالي
وبلغ إن عرضت بن نمير ... وأخوال القتيل بني هلال
بأن الوافد الرحال أمسى ... مقيما عند تيمن ذي طلال(1/325)
وهذه الأبيات في أبيات له فيما ذكر ابن هشام
قتال هوازن لقريش قال ابن هشام فأتى آت قريشا فقال إن البراض قد قتل عروة وهم في الشهر الحرام بعكاظ وهوازن لا تشعر ثم بلغهم الخبر فاتبعوهم فأدركوهم قبل أن يدخلوا الحرم فاقتتلوا حتى جاء الليل ودخلوا الحرم فأمسكت عنهم هوازن ثم ألتقوا بعد هذا اليوم اياما والقوم متساندون على كل قبيل من قريش وكنانة رئيس منهم وعلى كل قبيل من قيس رئيس منهم
الرسول صلى الله عليه وسلم يشهد القتال وهو صغير وشهد رسول الله صلى الله عليه وسلم بعض أيامهم أخرجه أعمامه معهم وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم كنت أنبل على أعمامي أي أرد عنهم نبل عدوهم إذا رموهم بها
سن رسول الله صلى الله عليه وسلم في هذه الحرب قال ابن اسحاق هاجت حرب الفجار ورسول الله صلى الله عليه وسلم ابن عشرين سنة
سبب تسمية هذا اليوم بالفجار وإنما سمي يوم الفجار بما استحل هذان الحيان كنانة وقيس عيلان فيه من المحارم بينهم
قائد قريش وكنانة وكان قائد قريش وكنانة حرب بن أمية بن(1/326)
عبد شمس وكان الظفر في أول النهار لقيس على كنانة حتى إذا كان في وسط النهار كان الظفر لكنانة على قيس.
قال ابن هشام وحديث الفجار أطول مما ذكرت وإنما منعني من استقصائه قطعه حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم(1/327)
$ حديث تزويج رسول الله صلى الله عليه وسلم خديجة رضي الله عنها
سنه صلى الله عليه وسلم حين زواجه قال ابن هشام فلما بلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم خمسا وعشرين سنة تزوج خديجة بنت خويلد بن أسد ابن عبد العزى قصي بن كلاب بن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب فيما حدثني غير واحد من اهل العلم عن أبي عمرو المدني
خروجه صلى الله عليه وسلم الى التجارة بمال خديجة قال ابن اسحاق وكانت خديجة بنت خويلد امرأة تاجرة ذات شرف ومال تستأجر الرجال في مالها وتضاربهم إياه بشيء تجلعه لهم وكانت قريش(2/5)
قوما تجارا فلما بلغها عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ما بلغها من صدق حديثه وعظم أمانته وكرم أخلاقه بعثت إليه فعرضت عليه أن يخرج في مال لها إلى الشام تاجرا وتعطيه أفضل ما كانت تعطي غيره من التجار مع غلام لها يقال له ميسرة فقبله رسول الله صلى الله عليه وسلم منها وخرج في مالها ذلك وخرج معه غلامها ميسرة حتى قدم الشام
حديثه صلى الله عليه وسلم مع الراهب فنزل رسول الله صلى الله عليه وسلم في ظل شجرة قريبا من صومعة راهب من الرهبان فاطلع الراهب الى ميسرة فقال له من هذا الرجل الذي نزل تحت هذه الشجرة قال له ميسرة هذارجل من قريش من أهل الحرم فقال له الراهب ما نزل تحت هذه الشجرة قط إلا نبي
ثم باع رسول الله صلى الله عليه وسلم سلعته التي خرج بها واشترى ما اراد أن يشتري ثم أقبل قافلا الى مكة ومعه ميسرة فكان ميسرة فيما يزعمون إذا كانت الهاجرة واشتد الحر يرى ملكين يظلانه من الشمس وهو يسير على بعيره فلما قدم مكة على خديجة بمالها باعت ما جاء به فأضعف أو قريبا وحدثها ميسرة عن قول الراهب وعما كان يرى من إظلال الملكين إياه(2/6)
خديجة ترغب في الزواج منه صلى الله عليه وسلم وكانت خديجة امرأة حازمة شريفة لبيبة مع ما أراد الله بها من كرامته فلما أخبرها ميسرة مما أخبرها به بعثت الى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال له فيما يزعمون يا ابن عم إني قد رغبت فيك لقرابتك وسطتك في قومك وأمانتك وحسن خلقك وصدق حديثك ثم عرضت عليه نفسها(2/7)
وكانت خديجة يومئذ أوسط نساء قريش نسبا وأعظمهن شرفا وأكثرهن مالا كل قومها كان حريصا على ذلك منها لو يقدر عليه
نسب خديجة رضي الله عنها وهي خديجة بنت خويلد بن أسد بن عبد العزى بن قصي بن كلاب بن مرة بن كعب بن لؤي ابن غالب بن فهر
وأمها فاطمة بنت زائدة من الأصم بن رواحة بن حجر بن عبد ابن معيص بن عامر بن لؤي بن غالب بن فهر
وأم فاطمة هالة بنت عبد مناف بن الحارث بن عمرو بن منقذ ابن عمرو بن معيص بن عمر بن لؤي بن غالب بن فهر
وأم هالة قلابة بنت سعيد بن سعد بن سهم بن عمرو بن هصيص ابن كعب بن لؤي بن غالب بن فهر الرسول صلى الله عليه وسلم يتزوج من خديجة بعد استشارة أعمامه فلما قالت ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم ذكر ذلك لأعمامه فخرج معه عمه حمزة بن عبد المطلب رحمه الله حتى دخل على خويلد ابن اسد فخطبها إليه فتزوجها(2/8)
صداق خديجة قال ابن هشام وأصدقها رسول الله صلى الله عليه وسلم عشرين بكرة وكانت أول امرأة تزوجها رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يتزوج عليها غيرها حتى ماتت رضي الله عنها
أولاده صلى الله عليه وسلم من خديجة قال ابن اسحاق فولدت لرسول الله صلى الله عليه وسلم ولده كلهم إلا إبراهيم القاسم وبه كان يكنى صلى الله عليه وسلم والطاهر والطيب وزينب ورقية وام كلثوم وفاطمة عليهم السلام
ترتيب ولادتهم قال ابن هشام أكبر بنيه القاسم ثم الطيب ثم الطاهر وأكبر بناته رقية ثم زينب ثم أم كلثوم ثم فاطمة.
قال ابن إسحاق فأما القاسم والطيب والطاهر فهلكوا في الجاهلية
وأما بناته فكلهن أدركن الإسلام فأسلمن وهاجرن معه صلى الله عليه وسلم
إبراهيم وأمه قال ابن هشام وأما إبراهيم فأمه مارية القبطية حدثنا عبد الله بن وهب عن ابن لهيعة قال ام إبراهيم مارية سرية النبي صلى الله عليه وسلم التي أهداها إليه المقوقس من حفن من كورة أنصنا(2/9)
ورقة يتنبأ له صلى الله عليه وسلم قال ابن اسحاق وكانت خديجة بنت خويلد قد ذكرت لورقة بن نوفل بن اسد بن عبد العزى وكان ابن عمها وكان نصرانيا قد تتبع الكتب وعلم من علم الناس ما ذكر لها غلامها ميسرة من قول الراهب وما كان يرى منه إذ كان الملكان يظلانه فقال ورقة لئن كان هذا حقا يا خديجة إن محمدا لنبي هذه الأمة وقد عرفت أنه كائن لهذه الأمة نبي ينتظر هذا زمانه أو كما قال : شعر لورقة فجعل ورقة يستبطىء الأمر ويقول حتى متى فقال ورقة في ذلك ... لججت وكنت في الذكرى لجوجا ... لهم طالما بعث التشبجا
ووصف من خديجة بعد وصف ... فقد طال انتظاري يا خديجا
ببطن المكتين على رجائي ... حديثك أن أرى منه خروجا(2/10)
بما خبرتنا من قول قس ... من الرهبان أكره ان يهوجا
بأن محمدا سيسود فينا ... ويخصم من يكون له حجيجا
ويظهر في البلاد ضياء نور ... يقيم به البرية أن تموجا(2/11)
فيلقى من يحاربه خسارا ... ويلقى من يسالمه فلوجا
فيا ليتي إذا ما كان ذاكم شهدت فكنت أولهم ولوجا
ولوجا في الذي كرهت قريش ... ولو عجت بمكتها عجيجا
أرجي بالذي كرهوا جميعا ... الى ذي العرش إن سفلوا عروجا
وهل أمر السفالة غير كفر ... بمن يختار من سمك البروجا
فإن يبقوا وأبق تكن أمور ... يضج الكافرون لها ضجيجا
وإن أهلك فكل فتى سيلقى ... من الأقدار متلفة حروجا(2/12)
$ حديث بنيان الكعبة وحكم رسول الله صلى الله عليه وسلم بين قريش في وضع الحجر
سبب هذا البنيان قال ابن اسحاق فلما بلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم خمسا وثلاثين سنة اجتمعت قريش لبنيان الكعبة وكانوا يهمون(2/13)
بذلك ليسقفوها ويهابون هدمها وإنما كانت رضما فوق القامة فأرادوا رفعها وتسقيفها وذلك أن نفرا سرقوا كنزا للكعبة وإنما كان يكون في بئر في جوف الكعبة وكان الذي وجد عنده الكنر دويكا مولى لبني مليح بن عمرو من خزاعة.
قال ابن هشام فقطعت قريش يده
وتزعم قريش أن الذين سرقوه وضعوه عند دويك وكان البحر قد رمى بسفينة الى جده لرجل من تجار الروم فتحطمت فأخذوا خشبها فأعدوه لتسقيفها وكان بمكة رجل قبطي نجار فتهيأ لهم في أنفسهم بعض ما يصلحه وكانت حية تخرج من بئر الكعبة التي كان يطرح فيها ما يهدى لها كل يوم فتتشرق على جدار الكعبة وكانت مما يهابون وذلك أنه كان لا يدنو منها أحد إلا اجزألت وكشت وفتحت فاها وكانوا يهابونها فبينما هي ذات يوم تتشرق على جدار الكعبة كما كانت تصنع بعث الله إليها طائرا(2/14)
فاختطفها فذهب بها فقالت قريش إنا لنرجو أن يكون الله قد رضي ما اردنا عندنا عامل رفيق وعندنا خشب وقد كفانا الله الحية
أبو وهب خال أبي رسول الله صلى الله عليه وسلم وما حدث له عند بناء الكعبة فلما أجمعوا امرهم في هدمها وبنائها قام أبو وهب بن عمرو ابن عائذ بن عبد بن عمران بن مخزوم.
قال ابن هشام عائذ بن عمران بن مخزوم فتناول من الكعبة حجرا فوثب من يده حتى رجع الى موضعه فقال يا معشر قريش لا تدخلوا في بنائها من كسبكم إلا طيبا لا يدخل فيها مهر بغي ولا بيع ربا ولا مظلمة أحد من الناس والناس ينحلون هذا الكلام الوليد بن المغيرة بن عبدالله بن عمر بن مخزوم.
قال ابن إسحاق وقد حدثني عبدالله بن ابي نجيح المكي أنه حدث عن عبدالله بن صفوان بن أمية بن خلف بن وهب بن حذافة ابن جمح بن عمرو بن هصيص بن كعب بن لؤي أنه رأى ابنا لجعدة بن هبيرة بن ابي وهب بن عمرو يطوف بالبيت فسئل عنه فقيل هذا ابن لجعدة بن هبيرة فقال عبد الله بن صفوان عند ذلك جد هذا يعني أبا وهب الذي أخذ حجرا من الكعبة حين أجمعت قريش لهدمها فوثب من يده حتى رجع الى موضعه فقال عند ذلك يا معشر قريش لا تدخلوا في بنائها من كسبكم إلا طيبا(2/15)
لا تدخلوا فيها مهر بغي ولا بيع ربا ولا مظلمة أحد من الناس
شعر في أبي وهب قال ابن اسحاق وابو وهب خال أبي رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان شريفا وله يقول شاعر من العرب ... ولو بأبي وهب انخت مطيتي ... غدت من نداه رحلها غير خائب
بأبيض من فرعي لؤي بن غالب ... إذا حصلت انسابها في الذوائب
أبي لأخذ الضيم يرتاح للندى ... توسط جداه فروع الأطايب
عظيم ورماد القدر يملأ جفانه ... من الخبز يعلوهن مثل السبائب
نصيب قبائل قريش في تجزئة الكعبة ثم إن قريشا تجزأت الكعبة فكان شق الباب لبني عبد مناف وزهرة وكان ما بين الركن الأسود والركن اليماني لبني مخزوم وقبائل من قريش انظموا إليهم وكان ظهر الكعبة لبني جمح وسهم ابني عمرو بن هصيص بن كعب بن لؤي وكان شق الحجر لبني عبد الدار بن قصي ولبني أسد بن عبد العزى بن قصي ولبني عدي بن كعب بن لؤي وهو الحطيم
الوليد بن المغيرة يبدأ بهدم الكعبة ثم إن الناس هابوا هدمها وفرقوا منه فقال الوليد بن المغيرة انا أبدؤكم في هدمها فأخذ المعول ثم قام عليها وهو يقول اللهم لم ترع قال ابن(2/16)
هشام ويقال لم نزغ اللهم إنا لا نريد إلا الخير ثم هدم من ناحية الركنين فتربص الناس تلك الليلة وقالوا ننظر فإن أصيب لم نهدم منها شيئا ورددناها كما كانت وإن لم يصبه شيء فقد رضي الله صنعنا فهدمنا فأصبح الوليد من ليلته غاديا على عمله فهدم وهدم الناس معه حتى إذا انتهى الهدم بهم الى الأساس أساس إبراهيم عليه السلام أفضوا الى حجارة خضر كأسنمه آخذ بعضها بعضا
امتناع قريش عن هدم الأساس وسببه قال ابن اسحاق فحدثني بعض من يروى الحديث أن رجلا من قريش ممن كان يهدمها أدخل عتلة بين حجرين منها ليقلع بها احدهما فلما تحرك الحجر تنقضت مكة بأسرها فانتهوا عن ذلك الأساس
الكتاب الذي وجد في الركن قال ابن اسحاق وحدثت أن قريشا وجدوا في الركن كتابا بالسريانية فلم يدروا ما هو حتى قرأه لهم رجل من يهود فإذا هو أنا الله ذو بكة خلقتها يوم خلقت السموات والأرض وصورت الشمس والقمر وحففتها بسبعة(2/17)
أملاك حنفاء لا تزول حتى يزول اخشباها مبارك لأهلها في الماء واللبن.
قال ابن هشام أخشباها جبلاها
الكتاب الذي وجد في المقام قال ابن اسحاق وحدثت أنهم وجدوا في المقام كتابا فيه مكة بيت الله الحرام يأتيها رزقها من ثلاثة سبل لا يحلها أول من أهلها
حجر الكعبة المكتوب عليه العظة قال ابن اسحاق وزعم ليث بن أبي سليم أنهم وجدوا حجرا في الكعبة قبل مبعث النبي صلى الله عليه وسلم بأربعين سنة إن كان كان ما ذكر حقا مكتوبا فيه من يزرع خيرا يحصد غبطة ومن يرزع شرا يحصد ندامة تعملون السيئات وتجزون الحسنات اجل كما لا يجتنى من الشوك العنب
الاختلاف بين قريش في وضع الحجر قال ابن اسحاق ثم إن القبائل من قريش جمعت الحجارة لبنائها كل قبيلة تجمع(2/18)
على حدة ثم بنوها حتى بلغ البنيان موضع الركن فاختصموا فيه كل قبيلة تريد أن ترفعه الى موضعه دون الأخرى حتى تحاوروا وتحالفوا وأعدوا للقتال
لعقة الدم فقربت بنو عبد الدار جفنة مملوءة دما ثم تعاقدوا هم وبنو عدي بن كعب بن لؤي على الموت وأدخلوا أيديهم في ذلك الدم في تلك الجفنة فسموا لعقة الدم فمكث قريش أربع ليال أو خمسا ثم إنهم اجتمعوا فيي المسجد وتشاوروا وتناصفوا
أبو امية بن المغيرة يجد حلا فزعم بعض أهل الرواية إن ابا امية بن المغيرة بن عبد الله بن عمر بن مخزوم وكان عامئذ أسن قريش كلها قال يا معشر قريش اجعلوا بينكم فيما تختلفون فيه أول من يدخل من باب هذا المسجد يقضي بينكم فيه ففعلوا
الرسول صلى الله عليه وسلم يضع الحجر فكان أول داخل عليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما رأوه قالوا هذا الأمين رضينا هذا محمد فلما انتهى إليهم وأخبروه الخبر قال صلى الله عليه وسلم هلم إلي ثوبا فأتى به فأخذ الركن فوضعه فيه بيده ثم قال لتأخذ كل قبيلة بناحية من الثوب ثم ارفعوه جميعا ففعلوا حتى إذا بلغوا به موضعه وضعه هو بيده ثم بني عليه(2/19)
وكانت قريش تسمي رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل أن ينزل عليه الوحي الأمين
شعر الزبير في الحية التي كانت تمنع قريش من بنيان الكعبة فلما فرغروا من البنيان وبنوها على ما أرادوا قال الزبير ابن عبد المطلب فيما كان من امر الحية التي كانت قريش تهاب بنيان الكعبة لها ... عجبت لما تصوبت العقاب ... الى الثعبان وهي لها اضطراب
وقد كانت يكون لها كشيش ... وأحيانا يكون لها وثاب
إذا قمنا الى التأسيس شدت ... تهيبنا البناء وقد تهاب
فلما أن خشينا الرجز جاءت ... عقاب تتلئب لها انصباب
فضمتها إليها ثم خلت ... لنا البنينان ليس له حجاب
فقمنا حاشدين الى بناء ... لنا منه القواعد والتراب
غداة نرفع التأسيس منه ... وليس على مسوينا ثياب
أعز به المليك بني لؤي ... فليس لأصله منهم ذهاب
وقد حشدت هناك بنو عدي ... ومرة قد تقدمها كلاب
فبوأنا المليك بذاك عزا ... وعند الله يلتمس الثواب(2/20)
قال ابن هشام ويروي ... وليس على مساوينا ثياب
ارتفاع الكعبة وكسوتها وكانت الكعبة على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ثماني عشرة ذراعا وكانت تكسى القباطي ثم كسيت البرود وأول من كساها الديباج الحجاج بن يوسف
حديث الحمس
قريش تبتدع الحمس قال ابن اسحاق وقد كانت قريش لا أدري أقبل الفيل أم بعده ابتدعت راي الحمس رأيا رأوه وأداروه فقالوا نحن بنو إبراهيم وأهل الحرمة وولاة البيت وقطان مكة وساكنها فليس لأحد من العرب مثل حقنا ولا مثل منزلتنا ولا تعرف له العرب مثل ما تعرف لنا فلا تعظموا شيئا من الحل كما تعظمون الحرم فأنكم إن فعلتم ذلك استخفت العرب بحرمتكم وقالوا قد عظموا من الحل مثل ما عظموا من الحرم فتركوا الوقوف على عرفة والإفاضة منها وهم يعرفون ويقرون أنها من المشاعر والحج ودين إبراهيم صلى الله عليه وسلم ويرون لسائر العرب أن يفيضوا منها إلا أنهم قالوا نحن أهل الحرم فليس ينبغي لنا ان نخرج من الحرمة ولا(2/21)
نعظم غيرها كما نعظمها نحن الحمس والحمس أهل الحرم ثم جعلوا لمن ولدوا من العرب من ساكن الحل والحرم مثل الذي لهم بولادتهم إياهم يحل لهم ما يحل لهم ويحرم عليهم ما يحرم عليهم
القبائل الت آمنت مع قريش بالحمس وكانت كنانة وخزاعة قد دخلوا معهم في ذلك.
قال ابن هشام وحدثني ابو عبيد النحوى أن بني عامر بن صعصة ابن معاوية بن بكر بن هوازن دخلوا معهم في ذلك وأنشدني لعمرو ابن معد يكرب ... أعباس لو كانت شيارا جيادنا ... بتثليث ما ناصيت بعدي الأحامسا.
قال ابن هشام تثليث موضع من بلادهم والشيار الحسان يعني بالأحامس بني عامر بن صعصعة وبعباس عباس بن مرداس السلمي وكان أغار على بن زبيد بتثليت وهذا البيت في قصيدة لعمرو
وانشدني للقيط بن زرارة الدارمي في يوم جبلة ... أجذم إليك إنها بنو عبس ... المعشر الحلة في القوم الحمس
لأن بني عبس كانوا يوم جبلة حلفاء في بني عامر بن صعصعة
يوم جبلة ويوم جبلة يوم كان بين بني حنظلة بن مالك بن زيد مناة بن تميم وبين بني عامر بن صعصعة فكان الظفر فيه لبني عامر بن صعصعة على بن حنظلة وقتل يومئذ لقيط بن زرارة بن(2/22)
عدس وأسر حاجب بن زرارة بن عدس وانهزم عمرو بن عمرو ابن عدس بن زيد بن عبد الله بن دارم بن مالك بن حنظلة ففيه يقول جرير للفرزدق ... كأنك لم تشهد لقيطا وحاجبا ... وعمرو بن عمرو إذا دعوا يالدارم
وهذا البيت في قصدية له
يوم ذي نجب ثم التقوا يوم ذي نجب فكان الظفر لحنظلة على بني عامر وقتل يومئذ حسان بن معاوية الكندي وهو ابو كبشة واسر يزيد بن الصعق الكلابي وانهزم الطفيل بن مالك بن جعفر بن كلاب أبو عمر بن الطفيل ففيه يقول الفرزدق ... ومنهن إذ نجى طفيل بن مالك ... على قرزل رجلا ركوض الهزائم
ونحن ضربنا هامة ابن خويلد ... نزيد على ام الفراخ الجواثم
وهذان البيتان في قصيدة له(2/23)
فقال جرير ... ونحن خضبنا لابن كبشة تاجه ... ولاقى أمرأ في ضمة الخيل مصقعا
وهذا البيت في قصيدة له
وحديث يوم جبلة ويوم ذي نجب أطول مما ذكرنا وإنما منعني من استقصائه ما ذكرت في حديث يوم الفجار
ما زادته قريش في الحمس قال ابن اسحاق ثم ابتدعوا في ذلك أمورا لم تكن لهم حتى قالوا لا ينبغي للحمس ان يأتقطوا الأقط ولا يسئلوا السمن وهم حرم ولا يدخلوا بيت من شعر ولا يستظلوا إن استظلوا إلا في بيوت الأدم ما كانوا حرما ثم رفعوا في ذلك فقالوا لا ينبغي لأهل الحل أن يأكلوا من طعام جاءوا به معهم من الحل الى الحرم إذا جاءوا حجاجا أو عمارا ولا يطوفون بالبيت إذا قدموا أول طوافهم إلا في ثياب الحمس فإن لم يجدوا منها شيئا طافوا بالبيت عراة
اللقى عند الحمس فإن تكرم منهم متكرم من رجل أو امرأة ولم يجدوا ثياب الحمس فطاف في ثيابه التي جاء بها من الحل ألقاها إذا فرغ من طوافه ثم لم ينتفع بها ولم يمسها هو ولا أحد غيره أبدا
وكانت العرب تسمى تلك الثياب اللقى فحملوا على ذلك العرب(2/24)
فدانت به ووقفوا على عرفات وأفاضوا منها وطافوا بالبيت عراة أما الرجال فيطوفون عراة وأما النساء فتضع إحداهن ثيابها كلها إلا درعا مفرجا عليها ثم تطوف فيه فقالت امراة من العرب وهي كذلك تطوف بالبيت ... اليوم يبدو بعضه أو كله ... وما بدا منه فلا أحله
ومن طاف منهم في ثيابه التي جاء فيها من الحل ألقاها فلم ينتفع بها هو ولا غيره فقال قائل من العرب يذكر شيئا تركه من ثيابه فلا يقربه وهو يحبه ... كفى حزنا كري عليها كأنها ... لقى بين أيدي الطائفين حريم
يقول لا تمس(2/25)
الإسلام يبطل عادات الحمس فكانوا كذلك حتى بعث الله تعالى محمدا صلى الله عليه وسلم فأنزل عليه حين أحكم له دينه وشرع له سنن حجه {ثم أفيضوا من حيث أفاض الناس واستغفروا الله إن الله غفور رحيم} يعني قريشا والناس العرب فرفعهم في سنة الحج الى عرفات والوقوف عليها والإفاضة منها
وأنزل الله عليه فيما كانوا حرموا على الناس من طعامهم ولبوسهم عند البيت حين طافوا عراة وحرموا ما جاءوا به من الحل من الطعام {يا بني آدم خذوا زينتكم عند كل مسجد وكلوا واشربوا ولا تسرفوا إنه لا يحب المسرفين قل من حرم زينة الله التي أخرج لعباده والطيبات من الرزق قل هي للذين آمنوا في الحياة الدنيا خالصة يوم القيامة كذلك نفصل الآيات لقوم يعلمون}(2/26)
فوضع الله تعالى امر الحمس وما كانت قريش ابتدعت منه عن الناس بالإسلام حين بعث الله به رسوله صلى الله عليه وسلم
الرسول صلى الله عليه وسلم يخالف الحمس قبل الرسالة قال ابن اسحاق حدثني عبدالله بن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم عن عثمان ابن ابي سليمان بن جبير بن معطعم عن عمه نافع بن جبير عن أبيه جبير بن مطعم قال لقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل أن ينزل عليه الوحي وإنه لواقف على بعير له بعرفات مع الناس من بين قومه حتى يدفع معهم منها توفيقا من الله له صلى الله عليه وسلم تسليما كثيرا
أخبار الكهان من العرب والأحبار من يهود والرهبان من النصارى ببعثته صلى الله عليه وسلم
الكهان والأحبار والرهبان يتحدثون بمبعثه قال ابن اسحاق وكانت الأحبار من يهود والرهبان من النصارى والكهان من العرب قد تحدثوا بأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل مبعثه لما تقارب من زمانه
أما الأحبار من يهود والرهبان من النصارى فعما وجدوا في كتبهم من صفته وصفة زمانه وما كان من عهد أنبيائهم إليهم فيه وأما الكهان من العرب فأتتهم به الشياطين من الجن فيما تسترق من(2/27)
السمع إذ كانت هي لا تحجب عن ذلك بالقذف بالنجوم وكان الكاهن والكاهنة لا يزال يقع منهما ذكر بعض أموره لا تلقي العرب لذلك فيه بالا حتى بعثه الله تعالى ووقعت تلك الأمور التي كانوا يذكرون فعرفوها
قذف الجن بالشهب دلالة على مبعثه صلى الله عليه وسلم فلما تقارب أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم وحضر مبعثه حجبت الشيطان عن السمع وحيل بينها وبين المقاعد الي كانت تقعد لا ستراق السمع فيها فرموا بالنحوم فعرفت الجن أن ذلاك لأمر حدث من امر الله في العباد يقول الله تبارك وتعلى لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم حين بعثه وهو يقص عليه خبر الجن إذ حجبوا عن السمع فعرفوا ما عرفوا وما أنكروا من ذلك حين رأوا ما رأوا {قل أوحي إلي أنه استمع نفر من الجن فقالوا إنا سمعنا قرآنا عجبا يهدي إلى الرشد فآمنا به ولن نشرك بربنا أحدا وأنه تعالى جد ربنا ما اتخذ صاحبة ولا ولدا وأنه كان يقول سفيهنا على الله شططا وأنا ظننا أن لن تقول الإنس والجن على الله كذبا وأنه كان رجال من الإنس يعوذون برجال من الجن فزادوهم رهقا}(2/28)
الى قوله {وأنا كنا نقعد منها مقاعد للسمع فمن يستمع الآن يجد له شهابا رصدا وأنا لا ندري أشر أريد بمن في الأرض أم أراد بهم ربهم رشدا}.
فلما سمعت الجن القرآن عرفت أنها إنما منعت من السمع قبل ذلك لئلا يشكل الوحي بشيء من خبر السماء فيلتبس على أهل الأرض ما جاءهم من الله فيه لوقوع الحجة وقطع الشبهة فآمنوا وصدقوا ثم {ولوا إلى قومهم منذرين قالوا يا قومنا إنا سمعنا كتابا أنزل من بعد موسى مصدقا لما بين يديه يهدي إلى الحق وإلى طريق مستقيم} الآيات
وكان قول الجن {وأنه كان رجال من الإنس يعوذون برجال من الجن فزادوهم رهقا} أنه كان الرجل من العرب من قريش وغيرهم إذا سافر فنزل بطن واد من الأرض ليبيت فيه قال إني أعوذ بعزيز هذا الوادي من الجن الليلة من شر ما فيه.
قال ابن هشام الرهق الطغيان والسفه قال رؤبة بن العجاج ... إذ تستبي الهيامة المرهقا ...(2/29)
وهذا البيت في أرجوزة له والرهق أيضا طلبك الشيء حق تدنو منه أو لا تأخذه قال رؤبة بن العجاج يصف حمير وحش ... بصبصن واقشعررن من خوف الرهق
وهذا البيت في أرجوزة له والرهق أيضا مصدر لقول الرجل رهقت الإثم أو العسر الذي أرهقتني رهقا شديد أي حملت الإثم أو العسر الذي حملني حملا شديد وفي كتاب الله تعالى {فخشينا أن يرهقهما طغيانا وكفرا} وقوله {ولا ترهقني من أمري عسرا}.
ثقيف أول من فزعت برمى الجن قال ابن اسحاق وحدثني يعقوب بن عقبتة بن المغيرة بن الأخنس أنه حدث أن أول العرب فزع للرمي بالنجوم حين رمي بها هذا الحي من ثقيف وأنهم جاءوا الى رجل منهم يقال له عمرو بن أمية أحد بني علاج قال وكان أدهى العرب وأنكرها رأيا فقالوا له يا عمرو ألم تر ما حدث في السماء من القذف بهذه النجوم قال بلى فانظروا فإن كانت معالم النجوم التي يهتدى بها في البر والبحر وتعرف بها الأنواء من الصيف والشتاء لما يصلح الناس في معايشهم هي التي يرمى بها فهو والله طي الدنيا وهلاك هذا الخلق الذي فيها وإن كانت نجوما غيرها وهي ثابتة على حالها فهذا لأمر أراد الله به هذا الخلق فما هو(2/30)
$ الرسول يسأل الأنصار عن قولهم في رجم الجن بالشهب وتوضيحه للأمر
قال ابن اسحاق وذكر محمد بن مسلم بن شهاب الزهري عن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب عن عبدالله بن العباس عن نفر من الأنصار أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لهم ماذا كنتم تقولون في هذا النجم الذي يرمى به قالوا يا نبى الله كنا نقول حين رأيناها يرمى بها مات ملك ملك ملك ولد مولود مات مولود فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ليس ذلك كذلك ولكن الله تبارك وتعالى كان إذا قضى في خلقه أمرا سمعه حمله العرش فسبحوا فسبح من تحتهم فسبح لتسبيحهم من تحت ذلك فلا يزال التسبيح يهبط حتى ينتهي الى السماء الدنيا فيسبحوا ثم يقول بعضهم لبعض مم سبحتم فيقولون سبح من فوقنا فسبحنا لتسبيحهم فيقولون ألا تسالون من فوقكم من سبحوا فيقولون مثل ذلك حتى ينتهوا الى حملة العرش فيقال لهم مم سبحتم فيقولون قضى الله في خلقه كذا وكذا للأمر الذي كان فيهبط به الخبر من سماء الى سماء(2/31)
حتى ينتهي الى السماء الدنيا فيتحدثوا به فتسترقه الشياطين بالسمع على توهم واختلاف ثم يأتوا به الكهان من أهل الأرض فيحدثوهم به فيخطئون ويصيبون فيتحدث به الكهان فيصيبون بعضا ويخطئون بعضا ثم إن الله عز وجل حجبت الشياطين بهذه النجوم التي يقذفون بها فانقطعت الكهانة اليوم فلا كهانة.
قال ابن إسحاق وحدثني عمرو بن أبي جعفر عن محمد بن عبد الرحمن بن أبي لبيبة عن علي بن الحسين بن علي رضي الله عنهم بمثل حديث ابن شهاب عنه
الغيطلة وصاحبها قال ابن اسحاق وحدثني بعض أهل العلم أن امرأة من بني سهم يقال لها الغيطلة كانت كاهنة في الجاهلية فلما جاءها صاحبها في ليلة من الليالي فأنقض تحتها ثم قال أدر ما أدر يوم عقر ونحر فقالت قريش حين بلغها ذلك ما يريد ثم جاءها ليلة أخرى فأنقض تحتها ثم قال شعوب ما شعوب تصرع فيه كعب لجنوب فلما بلغ ذلك قريشا قالوا ماذا يريد إن هذا لأمر هو كائن فانظروا ما هو فما عرفوه حتى كانت وقعة بدر واحد بالشعب فعرفوا أنه الذي كان جاء به الى صاحبته(2/32)
نسب الغيطلة قال ابن هشام الغيطلة من بني مرة بن عبد مناة بن كنانة إخوة مدلج بن مرة وهي أم الغياطل الذين ذكر أبو طالب في قوله ... لقد سفهت أحلام قوم تبدلوا ... بني خلف قيضا بنا والغياطل
فقيل لولدها الغياطل وهم من بني سهم بن عمرو بن هصيص وهذا البيت في قصيدة له سأذكرها في موضعها إن شاء الله تعالى
كاهن جنب يذكر خبر الرسول صلى الله عليه وسلم قال ابن اسحاق وحدثني علي بن نافع الجرشي أن جنبا بطنا من اليمن كان لهم كاهن في الجاهلية فلما ذكر أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم وانتشر في العرب قالت له جنب انظر لنا في أمر هذا الرجل واجتمعوا له في أسفل(2/33)
جبله فنزل عليهم حين طلعت الشمس فوقف لهم قائما متكئا على قوس له فرقع رأسه الى السماء طويلا ثم جعل ينزو ثم قال أيها الناس إن الله أكرم محمدا واصطفاه وطهر قلبه وحشاه ومكثه فيكم أيها الناس قليل ثم اشتد في جبله راجعا من حيث جاء
سواد بن قارب يحدث عمر بن الخطاب عن صاحبه من الجن
قال ابن اسحاق وحدثني من لا أتهم عن عبد الله بن كعب مولى عثمان بن عفان أنه حدث أن عمر بن الخطاب بينا هو جالس في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ أقبل رجل من العرب داخلا المسجد يريد عمر بن الخطاب فلما نظر إليه عمر رضي الله عنه قال إن هذا الرجل لعلى شركه ما فارقه بعد ولقد كان كاهنا في الجاهلية فسلم عليه الرجل ثم جلس فقال له عمر رضي الله عنه هل أسلمت قال نعم يا أمير المؤمنين قال له فهل كنت كاهنا في الجاهلية فقال الرجل سبحان الله يا أمر المؤمنين لقد خلت في واستقبلتني بأمر ما أراك قلته لأحد من رعيتك منذ وليت ما(2/34)
وليت فقال عمر اللهم غفرا قد كنا في الجاهلية على شر من هذا نعبد الأصنام ونعتنق الأوثان حتى أكرمنا الله برسوله وبالإسلام قال نعم والله يا أمير المؤمنين لقد كنت كاهنا في الجاهلية قال فأخبرني ما جاءك به صاحبك قال جاءني قبل الإسلام بشهر أو شيعة فقال الم تر الى الجن وإبلاسها وأياسها من دينها ولحوقها بالقلاص وأحلامها.
قال ابن هشام هذا الكلام سجع وليس بشعر
قال عبدالله بن كعب فقال عمر بن الخطاب عند ذلك يحدث الناس والله إني لعند وثن من أوثان الجاهلية في نفر من قريش قد ذبح له رجل من العرب عجلا فنحن ننتظر قسمه ليقسم لنا منه إذ سمعت من جوف العجل صوتا ما سمعت صوتا قط أنفذ منه وذلك قبيل الإسلام بشهر أو شيعة يقول يا ذريح أمر نجيح رجل يصيح يقول لا إله إلا الله.
قال ابن هشام ويقال رجل يصيح بلسان فصيح يقول لا إله إلا الله وأنشدني بعض أهل العلم بالشعر(2/35)
عجبت للجن وإبلاسها ... وشدها العيس بأحلاسها ... تهوى إلى مكة تبغي الهدى ... ما مؤمنو الجن كأنجاسها.
قال ابن إسحاق فهذا ما بلغنا من الكهان من العرب(2/36)
$ إنذار يهود برسول الله صلى الله عليه وسلم
اليهود لعنهم الله يعرفونه ويكفرون به قال ابن اسحاق وحدثني عاصم بن عمر بن قتادة عن رجال من قومه قالوا إن مما دعانا إلى الإسلام مع رحمة الله تعالى وهداه لما كنا نسمع من رجال يهود كنا أهل شرك أصحاب أوثان وكانوا أهل كتاب عندهم علم ليس لنا وكانت لا تزال بيننا وبينهم شرور فإذا نلنا منهم بعض ما يكرهون قالوا لنا إنه تقارب زمان نبي يبعث الآن نقتلكم معه قتل عاد وإرم فكنا كثيرا ما نسمع ذلك منهم
فلما بعث الله رسوله صلى الله عليه وسلم أجبناه حين دعانا الى الله تعالى وعرفنا ما كانوا يتوعدوننا به فبادرناهم إليه فآمنا به وكفروا به ففينا وفيهم نزل هؤلاء الآيات من البقرة {ولما جاءهم كتاب من عند الله مصدق لما معهم وكانوا من قبل يستفتحون على الذين كفروا فلما جاءهم ما عرفوا كفروا به فلعنة الله على الكافرين}.
قال ابن هشام يستفتحون يستنصرون ويستفتحون أيضا يتحاكمون وفي كتاب الله تعالى {ربنا افتح بيننا وبين قومنا بالحق وأنت خير الفاتحين}(2/37)
سلمة يذكر حديث اليهودي الذي أنذر بالرسول صلى الله عليه وسلم قال ابن اسحاق وحدثني صالح بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف عن محمود بن لبيد أخي بني عبد الأشهل عن سلمة بن سلامة بن وقش وكان سلمة من أصحاب بدر قال كان لنا جار من يهود في بني عبد الأشهل قال فخرج علينا يوما من بيته حتى وقف على بني عبد الأشهل قال سلمة وأنا يومئذ أحدث من فيه سنا علي بردة لي مضطجع فيها قتاء أهلي فذكر القيامة والبعث والحساب والميزان والجنة والنار قال فقال ذلك لقوم أهل شرك أصحاب أوثان لا يرون أن بعثا كائن بعد الموت فقالوا له ويحك يا فلان أوترى هذا كائنا أن الناس يبعثون بعد موتهم الى دار فيها جنة ونار يجزون فيها بأعمالهم قال نعم والذي يحلف به ولود أن له بحظه من تلك النار أعظم تنور في الدار يحمونه ثم يدخلونه إياه فيطينونه عليه بأن ينجو من تلك النار غدا فقالوا له ويحك يا فلان فما آية ذلك قال نبى مبعوث من نحو هذه البلاد وأشار بيده الى مكة واليمن فقالوا ومتى تراه قال فنظر الي وانا من احدثهم سنا فقال إن يستنفد هذا الغلام عمره يدركه قال سلمة فوالله ما ذهب الليل والنهار حتى بعث الله محمد رسوله صلى الله عليه وسلم وهو حي بين اظهرنا فآمنا به وكفر به بغيا وحسدا قال فقلنا له ويحك يا فلان ألست الذي قلت لنا فيه ما قلت قال بلى ولكن ليس به
ابن الهيبان اليهودي يتسبب في إسلام ثعلبة وأسيد ابني سعية وأسد بن عبيد قال ابن اسحاق وحدثني عاصم بن عمر ابن قتادة عن شيخ من بني قريظة قال قال لي هل تدري عم كان(2/38)
إسلام ثعلبة بن سعية وأسيد بن سعية وأسد بن عبيد نفر من بن هدل إخوه من بني قريظة كانوا معهم في جاهليتهم ثم كانوا ساداتهم في الإسلام قال قلت لا قال فإن رجلا من يهود من أهل الشام يقال له ابن الهيبان قدم علينا قبيل الإسلام بسنين فحل بين أظهرنا لا والله ما رأينا رجلا قط لا يصلي الخمس أفضل منه فأقام عندنا فكنا إذا قحط عنا المطر قلنا له اخرج يا ابن الهيبان فاستسق لنا فيقول لا والله حتى تقدموا بين يدي مخرجكم صدقة فنقول له كم فيقول صاعا من تمر أو مدين من شعير قال فنخرجها(2/39)
ثم يخرج بنا الى ظاهر حرتنا فيستسقي الله لنا فوالله ما يبرح مجلسه حتى تمر السحابة ونسقى قد فعل ذلك غير مرة ولا مرتن ولا ثلاث قال ثم حضرته الوفاة عندنا فلما عرف أنه ميت قال أيا معشر يهود ما ترونه أخرجني من ارض الخمر والخمير الى ارض البؤس والجوع قال قلنا إنك أعلم قال فإني إنما قدمت هذه البلدة أتوكف خروج نبى قد أظل زمانه وهذه البلدة مهاجره فكنت أرجو أن يبعث فأتبعه وقد أظلكم زمانه فلا تسبقن إليه يا معشر يهود فإنه يبعث بسفك الدماء وسبي الذراري والنساء ممن خالفه فلا يمنعكم ذلك منه
فلما بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم وحاصر بني قريظة قال هؤلاء الفتية وكانوا شبابا أحداثا يا بني قريظة والله إنه للنبي الذي كان عهد إليكم فيه ابن الهيبان قالوا ليس به قالوا بلى والله إنه لهو بصفته فنزلوا وأسلموا وأحرزوا دماءهم و أموالهم وأهليهم.
قال ابن إسحاق فهذا ما بلغنا عن أخبار يهود(2/40)
$ حديث إسلام سلمان رضي الله عنه
سلمان رضي الله عنه يتشوف الى النصرانية بعد المجوسية قال ابن اسحاق وحدثني عاصم بن عمر بن قتادة الأنصاري عن محمود بن لبيد عن عبدالله بن عباس قال حدثني سلمان الفارسي من فيه قال كنت رجلا فارسيا من أهل إصبهان من اهل قرية يقال لها جي وكان أبي دهقان قريته وكنت أحب خلق الله إليه لم يزل به حبه إياي حتى حبسني في بيته كما تحبس الجارية واجتهدت في المجوسية حتى كنت قطن النار الذي يوقودها لا يتركها تخبوا ساعة قال وكانت لأبي ضيعة عظيمة قال فشغل في بنيان له يوما فقال لي يا بني إني قد شغلت في بنياني هذا اليوم عن ضيعتي فاذهب إليها فاطلعها وأمرني فيها ببعض ما يريد ثم قال لي ولا تحتبس عني فإنك إن احتبست عني كنت أهم إلي من ضيعتي وشغلتني عن كل شيء من أمرى قال فخرجت أريد ضيعته التي بعثني إليها فمررت بكنيسة من كنائس النصارى فسمعت أصواتهم فيها وهم يصلون وكنت لا أدري ما أمر الناس لحبس أبي إياي في بيه فلما سمعت أصواتهم دخلت عليهم أنظر ما يصنعون فلما رأيتهم أعجبتني صلاتهم ورغبت في أمرهم وقلت هذا والله خير من الدين الذي نحن عليه فوالله ما برحتهم حتى غربت الشمس وتركت ضيعة أبي فلم آتها ثم قلت لهم أين أصل هذا الدين قالوا بالشام فرجعت الى ابي وقد بعث في طلبي وشغلته عن عمله كله فلما جئته قال أي بني أين كنت أولم أكن عهدت(2/41)
إليك ما عهدت قال قلت له يا أبت مررت بأناس يصلون في كنسية لهم فأعجبني ما رأيت من دينهم فوالله ما زلت عندهم حتى غربت الشمس قال اي بني ليس في ذلك الدين خير دينك ودين آبائك خير منه قال قلت له كلا والله إنه لخير من ديننا قال فخافني فجعل في رجلي قيدا ثم حبسني في بيته
سلمان يهرب الى الشام قال وبعثت إلى النصارى فقلت لهم إذا قدم عليكم ركب من الشام فأخبروني بهم قال فقدم عليهم ركب من الشام تجار من النصارى فأخبروني بهم فقلت لهم إذا قضوا حوائجهم وأرادوا الرجعة الى بلادهم فآذنوني بهم قال فلما أرادوا الرجعة الى بلادهم أخبروني بهم فألقيت الحديد من رجلي ثم خرجت معهم حتى قدمت الشام فلما قدمتها قلت من أفضل أهل هذا الدين علما قالوا الأسقف في الكنيسة
سلمان مع أسقف النصارى السيىء قال فجئته فقلت له إني قد رغبت في هذا الدين فأحببت أن أكون معك وأخدمك في كنيستك فأتعلم منك وأصلي معك قال أدخل فدخلت معه قال وكان رجل سوء يأمرهم بالصدقة ويرغبهم فيها فإذا جمعوا إليه شيئا منها اكتنزه لنفسه ولم يعطه المساكين حتى جمع سبع قلال من ذهب وورق قال فأبغضته بغضا شديدا لما رأيته يصنع ثم مات فاجتمعت إليه النصارى ليدفنوه فقلت لهم إن هذا كان رجل سوء يأمركم بالصدقة ويرغبكم فيها فإذا جئتموه بها اكتنزها لنفسه ولم يعط المساكين منها شيئا قال فقالوا لى وما علمك بذلك قال فقلت لهم أنا أدلكم على كنزه قالوا فدلنا عليه قال فأريتهم موضعه فاستخرجوا سبع قلال مملوءة ذهبتا وورقا قال فلما(2/42)
رأوها قالوا والله لا ندفنه أبدا قال فصلبوه ورجموه بالحجارة وجاءوا برجل آخر فجعلوه مكانه
سلمان مع أسقف النصارى الصالح قال يقول سلمان فما رأيت رجلا لا يصلى الخمس أرى أنه كان افضل منه وأزهد في الدنيا ولا أرغب في الآخرة ولا أدأب ليلا ولا نهارا منه قال فأحببته حبا لم احبه شيئا قبله مثله قال فأقمت معه زمانا ثم حضرته الوفاة فقلت له يا فلان إني قد كنت معك وأحببتك حبا لم أحبه شيئا قبلك وقد حضرك ما ترى من أمر الله تعالى فإلى من توصي بي وبم تأمرني قال أي بني والله ما أعلم اليوم أحدا على ما كنت عليه فقد هلك الناس وبدلوا وتركوا أكثر ما كانوا عليه إلا رجلا بالموصل وهو على ما كنت عليه فالحق به
سلمان يلحق بأسقف الموصل فلما مات وغيب لحقت بصاحب الموصل فقلت له يافلان إن فلانا أوصاني عند موته أن ألحق بك وأخبرني أنك على أمره قال فقال لي أقم عندي فأقمت عنده فوجوته خير رجل على أمر صاحبه فلم يلبث أن مات فلما حضرته الوفاة قلت له يا فلان إن فلانا أوصي بي إليك وأمرني باللحوق بك وقد حضرك من امر الله ما ترى فإلى من توصي بي وبم تأمرني قال يا بني والله ما أعلم رجلا على مثل ما كنا عليه إلا رجلا بنصيبين وهو فلان فالحق به
سلمان يلحق بأسقف نصيبين فلما مات وغيب لحقت بصاحب نصيبين فأخبرته خبرى وما أمرنبي صاحباي فقال أقم عندي فأقمت عنده فوجودته على أمر صاحبيه فأقمت مع خير رجل فوالله ما لبث أن نزل به الموت فلما حضر قلت له يا فلان إن فلانا(2/43)
كان أوصى بي إلى فلان ثم أوصى بي فلان إليك فإلى من توصي بي وبم تأمرني قال يا بني والله ما أعلمه بقي أحد على أمرنا آمرك أن تأتيه إلا رجلا بعمورية من ارض الروم فإنه على مثل ما نحن عليه فإن أحببت فأته فإنه على أمرنا
سلمان يلحق بصاحب عمورية فلما مات وغيب لحقت بصاحب عمورية فأخبرته خبري فقال أقم عندي فأقمت عند خير رجل علي هدي أصحابه وأمرهم قال واكتسبت حتى كان لي بقرات وغنيمة قال ثم نزل به أمر الله فلما حضر قلت له يا فلان إني كنت مع فلان فأوصى بي إلى فلان ثم أوصى بني فلان إلى فلان ثم أوصى بني فلان إليك فإلى من توصي بي وبم تأمرني قال أي بن والله ما أعلمه اصبح اليوم احد على مثل ما كنا عليه من الناس آمرك به أن تأتيه ولكنه قد أظل زمان نبي وهو مبعوث بدين إبراهيم عليه السلام يخرج بأرض العرب مهاجره الى أرض بين حرتين بينهما نخل به علامات لا تخفى يأكل الهدية ولا يأكل الصدقة وبين كتفيه خاتم النبوة فإن استطعت أن تلحق بتلك البلاد فافعل
سلمان يذهب الى وادي القرى قال ثم مات وغيب ومكثت بعمورية ما شاء الله ان أمكث ثم مر بي نفر من كلب تجار فقلت لهم احملوني الى أرض العرب وأعطيكم بقراتي هذه وغنيمتي هذه قالوا نعم فأعطيتهموها وحملوني معهم حتى إذا بلغوا وادي القرى ظلموني فباعوني من رجل يهودي عبدا فكنت عنده ورأيت النخل فرجوت أن يكون البلد الذي وصف لي صاحبي ولم يحق في نفسي
سلمان يذهب الى المدينة فبينا أنا عنده إذ قدم عليه ابن عم له من بني قريظة من المدينة فابتاعني منه فاحتملني الى المدنية(2/44)
فوالله ما هو إلا أن رأيتها فعرفتها بصفة صاحبي فأقمت بها وبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم فأقام بمكة ما أقام لا اسمع له بذكر مع ما أنا فيه من شغل الرق ثم هاجر الى المدينة
سلمان يسمع بهجرة النبي صلى الله عليه وسلم الى المدينة فوالله إني لفى رأس عذق لسيدي أعمل له فيه بعض العمل وسيدي جالس تحتي إذ أقبل ابن عم له حتى وقف عليه فقال يا فلان قاتل الله بني قيلة والله إنهم الآن لمجتعون بقباء على رجل قدم عليهم من مكة اليوم يزعمون أنه نبي
نسب قيلة قال ابن هشام قيلة بنت كاهل بن عذرة بن سعد ابن زيد بن ليث بن سود بن اسلم بن الحاف بن قضاعة ام الأوس والخزرج
قال النعان بن بشير الأنصاري يمدح الأوس والخزرج ... بهاليل من أولاد قيلة لم يجد ... عليهم خليط في مخالطة عتبا
مساميح أبطال يراحون للندى ... يرون عليهم فعل آبائهم نحبا
وهذان البيتان في قصيدة له.
قال ابن إسحاق وحدثني عاصم بن عمر بن قتادة الأنصاري عن محمود بن لبيد عن عبدالله بن عباس قال سلمان فلما سمعتها أخذني العروراء قال ابن هشام العروراء الرعدة من البرد والانتفاض فإن كان مع ذلك عرق فهي الرحضاء وكلاهما ممدود حتى ظننت أني سأسقط على سيدي فنزلت عن النخلة فجعلت أقول لابن عمه ذلك ماذا تقول فغضب سيدي فلكمني لكمة شديدة ثم قال ما لك ولهذا أقبل على عملك قال قلت لا شيء إنما أردت أن أستثبته عما قال(2/45)
سلمان يستوثق من رسالة محمد صلى الله عليه وسلم قال وقد كان عندي شيء قد جمعته فلما أمسيت أخذته ثم ذهبت به الى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو بقباء فدخلت عليه فقلت له إنه قد بلغني أنك رجل صالح ومعك أصحاب لك غرباء ذوو حاجة وهذا شيء كان عندي للصدقة فرأيتكم احق به من غيركم قال فقربته إليه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأصحابه كلوا وامسك يده فلم يأكل قال فقلت في نفسي هذه واحدة قال ثم انصرفت عنه فجمعت شيئا وتحول رسول الله صلى الله عليه وسلم الى المدينة ثم جئته به فقلت له إني قد رأيتك لا تأكل الصدقة فهذه هدية أكرمتك بها قال فأكل رسول الله صلى الله عليه وسلم منها وأمر أصحابه فأكلوا معه قال فقلت في نفسي هاتان ثنتان قال ثم جئت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو ببقيع الغرقد قد تبع جنازة رجل من أصحابه علي شملتان لي وهو جالس في أصحابه فسلمت عليه ثم استدرت أنظر الى ظهره هل أرى الخاتم الذي وصف لي صاحبي فلما رآني رسول الله صلى الله عليه وسلم استدبرته عرف اني استثبت في شيء وصف لي فألقى رداءه عن ظهره فنظرت الى الخاتم فعرفته فأكببت عليه أقبله وأبكي فقال لي رسول الله(2/46)
صلى الله عليه وسلم تحول فتحولت فجلست بين يديه فقصصت عليه حديثي كما حدثتك يا ابن عباس فأعجب رسول الله صلى الله عليه وعلى وآله وسلم أن يسمع ذلك أصحابه ثم شغل سلمان الرق حتى فاته من رسول الله صلى الله عليه وسلم بدر وأحد
سلمان يفتك نفسه من الرق بأمر رسول الله ومساعدته صلى الله عليه وسلم قال سلمان ثم قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم كاتب يا سلمان فكاتبت صاحبي على ثلثمائة نخلة أحييها له بالفقير وأربعين أوقية فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأصحابه أعينوا أخاكم فأعانوني بالنخل الرجل بثلاثين ودية والرجل بعشرين ودية والرجل بخمس عشرة ودية والرجل بعشر يعين الرجل بقدر ما عنده حتى اجتمعت لي ثلثمائة ودية فقال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم اذهب يا سلمان ففقر لها فإذا فرغت فأتني اكن أنا أضعها بيدي قال ففقرت وأعانني أصحابي حتى إذا فرغت جئته فأخبرته فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم معي إليها فجعلنا نقرب إليه الودي ويضعه رسول الله صلى الله عليه وسلم بيده حتى فرغنا فوالذي(2/47)
نفس سلمان بيده ما ماتت منها ودية واحدة
قال فأديت النخل وبقي علي المال فأتي رسول الله صلى الله عليه وسلم بمثل بيضة الدجاجة من ذهب من بعض المعادن فقال ما فعل الفارسي المكاتب قال فدعيت له فقال خذ هذه فأدها مما عليك يا سلمان قال قلت وأين تقع هذه يا رسول الله مما علي فقال خذها فإن الله سيؤدي بها عنك قال فأخذتها فوزنت لهم منها والذي نفس سلمان بيده أربعين أوقية فأوفيتهم حقهم منها وعتق سلمان فشهدت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم الخندق حرا ثم لم يفتني معه مشهد.
قال ابن إسحاق وحدثني يزيد بن أبي حبيب عن رجل من عبد القيس عن سلمان انه قال لما قلت وأين تقع هذه من الذي علي يا رسول الله أخذها رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلبها على لسانه ثم قال خذها فأوفهم منها فأخذتها فأوفيتهم منها حقهم كله أربعين أوقية
حديث سلمان مع الرجل الذي بعموية قال ابن اسحاق وحدثني عاصم بن عمرو بن قتادة قال حدثني من لا أتهم عن عمر ابن عبد العزيز بن مروان قال حدثت عن سلمان الفارسي أنه قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم حين أخبره خبره إن صاحب عمورية قال له أئت(2/48)
كذا وكذا من ارض الشام فإن بها رجلا بين غيضتين يخرج في كل سنة من هذه الغيضة الى هذه الغيضة مستجيزا يعترضه ذوو الأسقام فلا يدعو لأحد منهم إلا شفي فاسأله عن هذا الدين الذي تبتغي فهو يخبرك عنه قال سلمان فخرجت حتى أتيت حيث وصف لي فوجدت الناس قد اجتمعوا بمرضاهم هنالك حتى خرج لهم تلك الليلة مستجيزا من إحدى الغيضتين الى الأخرى فغشيه الناس بمرضاهم لا يدعوا لمريض إلا شفي وغلبوني عليه فلم أخلص إليه حتى دخل الغيضة التي يريد أن يدخل إلا منكبه قال فتناولته فقال من هذا والتفت إلي فقلت يرحمك الله أخبرني عن الحنيفية دين إبراهيم قال إنك لتسألني عن شيء ما يسأل عنه الناس اليوم قد أظلك زمان نبي يبعث بهذا الدين من اهل الحرم فأته فهو يحملك عليه قال ثم دخل قال فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لسلمان لئن كنت صدقتني يا سلمان لقد لقيت عيسى ابن مريم على نبينا وعليه السلام(2/49)
$ ذكر ورقة بن نوفل بن اسد بن عبد العزى وعبيد الله ابن جحش وعثمان بن الحويرث وزيد بن عمرو بن نفيل
تشككهم في الوثنية قال ابن اسحاق واجتمعت قريش يوما في عيد لهم عند صنم من أصنامهم كانوا يعظمونه وينحرون له ويعكفون عنده ويديرون به وكان ذلك عيدا لهم في كل سنة يوما فخلص منهم أربعة نفر نجيا ثم قال بعضهم لبعض تصادقوا وليكتم بعضكم على بعض قالوا أجل وهم ورقة بن نوفل بن اسد بن عبد العزى بن قصي بن كلاب بن مرة بن كعب بن لؤي وعبيد الله بن جحش بن رئاب بن يعمر بن صبرة بن مرة بن كبير بن غنم بن دودان بن أسد بن خزيمة وكانت أمه أميمة بنت عبد المطلب وعثمان بن الحويرث بن اسد بن عبد العزى بن قصي وزيد بن(2/50)
عمرو بن نفيل بن عبد العزى بن عبدالله بن قرط بن رياح بن رزاح ابن عدي بن كعب بن لؤي فقال بعضهم لبعض تعلموا والله ما قومكم على شيء لقد اخطئوا دين ابيهم إبراهيم ما حجر نطيف به لا يسمع ولا يبصر ولا يضر ولا ينفع يا قوم التمسوا لأنفسكم فإنكم والله ما أنتم على شيء فتفرقوا في البلدان يلتسمون الحنيفية دين إبراهيم
تنصر ورقة وابن جحش فأما ورقة بن نوفل فاستحكم في النصرانية واتبع الكتب من أهلها حتى علم علما من أهل الكتاب وأما عبيد الله بن جحش فأقام على ما هو عليه من الالتباس حتى أسلم ثم هاجر مع المسلمين الى الحبشة ومعه امرأته أم حبيبة بنت أبي سفيان مسلمة فلما قدمها تنصر وفارق الإسلام حتى هلك هنالك نصرانيا
ابن جحش يغري مهاجري الحبشة على التنصر قال ابن اسحاق فحدثني محمد بن جعفر بن الزبير قال كان عبيد الله(2/51)
ابن جحش حين تنصر يمر بأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وهم هنالك من أرض الحبشة فيقول فقحنا وصأصأتم أي أبصرنا وأنتم تلتمسون البصر ولم تبصروا بعد وذلك أن ولد الكلب إذا أراد أن يفتح عينيه لينظر صأصأ لينظر وقوله فقح فتح عينيه
رسول الله صلى الله عليه وسلم يخلف على زوجة ابن جحش بعد وفاته
قال ابن اسحاق وخلف رسول الله صلى الله عليه وسلم بعده على امرأته أم حبيبة بنت أبي سفيان بن حرب.
قال ابن إسحاق وحدثني محمد بن علي بن حسين أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث فيها الى النجاشي عمرو بن امية الضمري فخطبها عليه النجاشي فزوجه إياها وأصدقها عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أربعمائة دينار فقال محمد بن علي ما نرى عبد الملك بن مرروان وقف صداق النساء على اربعمائة دينا إلا عن ذلك وكان الذي أملكها النبي صلى الله عليه وسلم خالد بن سعيد بن العاص
تنصر ابن الحويرث وقدومه على قيصر قال ابن اسحاق وأما عثمان بن الحويرث فقدم على قيصر ملك الروم فتنضر وحسنت منزلته عنده(2/52)
قال ابن هشام ولعثمان بن الحويرث عند قيصر حديث منعني من ذكره ما ذكرت في حديث حرب الفجار
زيد يتوقف عن جميع الأديان قال ابن اسحاق وأما زيد ابن عمرو بن نفيل فوقف فلم يدخل يهودية ولا نصرانية وفارق دين قومه فاعتزل الأوثان والميتة والدم والذبائح التي تذح على الأوثان(2/53)
ونهى عن قتل الموءودة وقال أعبد رب إبراهم وبادى قومه بعيب ما هم عليه.
قال ابن إسحاق وحدثني هشام بن عروة عن أبيه عن أمه أسماء بنت ابي بكر رضي الله عنهما قال لقد رأيت زيد بن عمرو بن نفيل شيخا كبير مسند ظهره الى الكعبة وهو يقول يا معشر قريش والذي نفس زيد بن عمرو بيده ما أصبح منكم احد على دين إبراهيم غيري ثم يقول اللهم لو أني أعلم أي الوجوه أحب إليك عبدتك به ولكني لا أعلمه ثم يسجد على راحلته(2/54)
قال ابن إسحاق : وحدثت أن ابنه سعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل وعمر بن الخطاب وهو ابن عمه قالا لرسول الله صلى الله عليه وسلم أتستغفر لزيد بن عمرو قال نعم فإنه يبعث أمة وحدة
شعر زيد في فراق الوثنية وقال زيد بن عمرو بن نفيل في فراق دين قومه وما كان لقي منهم في ذلك ... أربا واحدا أم الف رب ... أدين إذا تقسمت الأمور
عزلت اللات والعزى جميعا ... كذلك يفعل الجلد الصبور
فلا العزى أدين ولا ابنتيها ... ولا صنمي بن عمرو أزور
ولا هبلا أدين وكان ربا ... لنا في الدهر إذ حلمي يسير
عجبت وفي الليالي معجبات ... وفي الأيام يعرفها البصير
بأن الله قد أفنى رجالا ... كثيرا كان شأنهم الفجور
وأبقى آخرين ببر قوم ... فيربل منهم الطفل الصغير(2/55)
وبينا المرء يعثر ثاب يوما ... كما يتروح الغصن المطير
ولكن أعبد الرحمن ربي ... ليغفر ذنبي الرب الغفور
فتقوى الله ربكم أحفظوها ... متى ما تحفظوها لا تبوروا
ترى الأبرار دراهم جنان ... وللكفار حامية سعير
وخزي في الحياة وإن يموتوا ... يلاقوا ما تضيق به الصدور
وقال زيد بن عمرو بن نفيل أيضا قال ابن هشام هي لأمية ابن أبي الصلت في قصيدة له إلا البيتين الأولين والبيت الخامس وآخرها بيتا وعجر البيت الأول عن غير ابن اسحاق ... إلى الله أهدي مدحتي وثنائيا ... وقولا رصينا لا يني الدهر باقيا
الى الملك الأعلى الذي ليس فوقه ... إله ولا رب يكون مدانيا
ألا أيها الإنسان إياك والردى ... فإنك لا تخفي من الله خافيا
وإياك لا تجعل مع الله غيره ... فإن سبيل الرشد أصبح باديا
حنانيك أن الجن كانت رجاءهم ... وأنت إلهي ربنا ورجائيا
رضيت بك اللهم ربا فلن أرى ... أدين إلها غيرك الله ثانيا(2/56)
وأنت الذي من فضل من ورحمة ... بعثت الى موسى رسولا مناديا
فقلت له يا اذهب وهارون فادعوا ... إلى الله فرعون الذي كان طاغيا
وقولا له آأنت سويت هذه ... بلا وتد حتى اطمأنت كما هيا
وقولا له آأنت رفعت هذه ... بلا عمد أرفق إذا بك بانيا
وقولا له آأنت سويت وسطها ... منيرا إذ ما جنه الليل هاديا
وقولا له من يرسل الشمس غدوة ... فيصبح ما مست من الأرض ضاحيا(2/57)
وقولا له من ينبت الحب في الثرى ... فيصبح منه البقل يهتز رابيا
ويخرج منه حبه في رءوسه ... وفي ذاك آيات لمن كان واعيا
وأنت بفضل منك نجيت يونسا وقد بات في اضعاف حوت لياليا
وإني ولو سبحت باسمك ربنا ... لأكثر إلا ما غفرت خطائيا
فرب العباد ألق سيبا ورحمة ... علي وبارك في بني وماليا
وقال زيد بن عمرو يعاتب امرأته صفية بنت الحضرمي
نسب الحضرمي قال ابن هشام واسم الحضرمي عبد الله بن عباد احد الصدف واسم الصدف عمرو بن مالك أحد السكون ابن اشرس بن كندي ويقال كنده بن ثور بن مرتع بن عفير بن عدي بن الحارث بن مرة بن أدد بن زيد بن مهسع بن عمرو بن عريب بن زيد بن كهلان بن سبأ ويقال مرتع بن مالك بن زيد ابن كهلان بن سبأ
زيد يعاتب زوجته لمنعها له عن البحث في الحنيفية قال ابن اسحاق وكان زيد بن عمرو قد أجمع الخروج من مكة ليضرب في الأرض يطلب الحنيفية دين إبراهيم صلى الله عليه وسلم فكانت صفية بنت الحضرمي كلما رأته قد تهيأ للخروج وأراده آذنت به الخطاب بن نفيل وكان(2/58)
الخطاب بن نفيل عمه واخاه لأمه وكان يعاتبه على فراق دين قومه وكان الخطاب قد وكل صفية به وقال إذا رأيتيه قد هم بأمر فآذنيني به فقال زيد ... لا تحبسيني في الهوان ... صفي ما دابي ودابه
إني إذا خفت الهوان ... مشيع ذلل ركابه
دعموص أبواب الملوك ... وجانب للخرق نابه
قطاع أسباب تذل ... بغير أقران صعابه
وإنما أخذ الهوان ... العير إذ يوهي إهابه
ويقول إني لا أذل بصك ... جنبيه صلابه
وأخي ابن امي ثم ... عمي لا يوايتين خطابه
وإذا يعاتبني بسوء ... قلت أعياني جوابه
ولو أشاء لقلت ما ... عندي مفاتحه وبابه
قول زيد حين يستقبل الكعبة قال ابن اسحاق وحدثت عن بعض أخل زيد بن عمرو بن نفيل ان أن زيدا كان إذا استقيل الكعبة داخل المسجد قال لبيك حقا حقا تعبدا ورقا ... عذت بما عاذ به إبراهيم ... مستقبل القبلة وهو قائم(2/59)
إذ قال ... أنفي لك اللهم عان راغم ... مهما تجشمني فإني جاشم
البر أبغي لا الخال ليس مهجر كمن قال.
قال ابن هشام ويقال البر ابقي لا الخال ليس مهجر كمن قال قال وقوله مستقبل الكعبة عن بعض أهل العلم.
قال ابن إسحاق وقال زيد بن عمرو بن نفيل ... وأسلمت وجهي لمن أسلمت ... له الأرض تحمل صخرا ثقالا
دحاها فلما رآها استوت ... على الماء أرسى عليها الجبالا
وأسلمت وجهي لمن أسلمت ... له المزن تحمل عذبا زلالا
إذا هي سيقت الى بلدة ... أطاعت فصبت عليها سجالا
الخطاب يؤذي زيدا ويحاصره وكان الخطاب قد آذى زيدا حتى أخرجه الى أعلى مكة فنزل حراء مقابل مكة ووكل به الخطاب شابا من شابا قريش وسفهاء من سفهائهم فقال لهم لا تتركوه يدخل مكة فكان لا يدخلها إلا سرا منهم فإذا علموا بذلك آذنوا به الخطاب فأخرجوه وآذوه كراهية أن يفسد عليهم دينهم وأن يتابعه أحد منهم على فراقه فقال وهو يعظم حرمته على من استحل منه ما استحل من قومه(2/60)
لاهم إني محرم لا حلة ... وإن بيتي أوسط المحله
عند الصفا ليس بذي مضلة
زيد يرحل الى الشام وموته ثم خرج يطلب دين إبراهيم عليه السلام ويسأل الرهبان والأحبار حتى بلغ الموصل والجزيرة كلها ثم أقبل فجال الشام كله حتى انتهى الى راهب بميفعة من أرض البلقاء كان ينتهي إليه علم أهل النصرانية فيما يزعمون فسأله عن الحنيفية دين إبراهيم فقال إنك لتطلب دينا ما أنت بواجد من يحملك عليه اليوم ولكن قد أظل زمان نبي يخرج من بلادك التي خرجت منها يبعث بدين إبراهيم الحنيفية فالحق بها فإنه مبعوث الآن هذا زمانه وقد كان شام اليهودية والنصرانية فلم يرض شيئا منهما فخرج سريعا حين قال له ذلك الراهب ما قال يريد مكة حتى إذا توسط بلاد لخم عدوا عليه فقتلوه
ورقة يرثي زيدا فقال ورقة بن نوفل بن اسد يبكيه ... رشدت وانعمت ابن عمرو وإنما ... تجنبت تنورا من النار حاميا(2/61)
بدينك ربا ليس رب كمثله ... وتركك أوثان الطواغي كما هيا
وإدراكك الدين الذي قد طلبته ... ولم تك عن توحيد ربك ساهيا
فأصبحت في دار كريم مقامها ... تعلل فيها بالكرامة لاهيا
تلاقي خليل الله فيها ولم تكن ... من الناس جبارا الى النار هاويا
وقد تدرك الإنسان رحمة ربه ... ولو كان تحت الأرض سبعين واديا.
قال ابن هشام يروي لأمية بن أبي الصلت البيتان الأولان منها وآخرها بيتا في قصيدة له وقوله أوثان الطواغي عن غير ابن اسحاق(2/62)
$ صفة رسول الله صلى الله عليه وسلم من الإنجيل
يحنس الحواري يثبت بعثة الرسول صلى الله عليه وسلم من الإنجيل قال ابن اسحاق وقد كان فيما بلغني عما كان وضع عيسى ابن مريم فيما جاءه من الله في الإنجيل لأهل الإنجيل من صفة رسول الله صلى الله عليه وسلم مما أثبتت يحنس الحواري لهم حين نسخ لهم الإنجيل عن عهد عيسى ابن مريم عليه السلام في رسول الله صلى الله عليه وسلم إليهم أنه قال من أبغضني فقد أبغض الرب ولولا أني صنعت بحضرتهم صنائع لم يصنعها أحد قبلي ما كانت لهم خطيئة ولكن من الآن بطروا وظنوا أنهم يعزونني وأيضا للرب ولكن لا بد من أن تتم الكلمة التي في الناموس أنهم أبغضوني مجانا أي باطلا فلو قد(2/63)
جاء المنحمنا هذا الذي يرسله الله إليكم من عند الرب وروح القدس هذا الذي من عند الرب خرج فهو شهيد علي وأنتم أيضا لأنكم قديما كنتم معي في هذا قلت لكم لكيما لا تشكوا
والمنحمنا بالسريانية محمد وهو بالرومية البرقليطس صلى الله عليه وسلم
مبعث النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم تسليما
أخذ الله الميثاق على الرسل الإيمان به صلى الله عليه وسلم قال حدثنا أبو محمد عبد الملك بن هشام قال حدثنا زياد بن عبد الله البكائي عن محمد بن اسحاق المطلبي قال فلما بلغ محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم(2/64)
أربعين سنة بعثه الله تعالى رحمة للعالمين وكافة للناس بشيرا وكان الله تبارك وتعالى قد أخذ الميثاق على كل نبي بعثه قبله بالإيمان به والتصديق له والنصر له على من خالفه وأخذ عليهم أن يؤدوا ذلك الى كل من آمن بهم وصدقهم فأدوا من ذلك ما كان عليهم من الحق في يقول الله تعالى لمحمد صلى الله عليه وسلم {وإذ أخذ الله ميثاق النبيين لما آتيتكم من كتاب وحكمة ثم جاءكم رسول مصدق لما معكم لتؤمنن به ولتنصرنه قال أأقررتم وأخذتم على ذلكم إصري} أي ثقل ما حملتكم من عهدي {قالوا أقررنا قال فاشهدوا وأنا معكم من الشاهدين} فأخذ الله ميثاق النبيين(2/65)
جميعا بالتصديق له والنصر له ممن خالفه وأدوا ذلك الى من آمن بهم وصدقهم من أهل هذين الكتابين
الرؤيا الصادقة أول ما بدىء به رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ابن اسحاق فذكر الزهري عن عروة بن الزبير عن عائشة رضي الله عنها أنها حدثته أن أول ما بدىء به رسول الله صلى الله عليه وسلم من النبوة حين أراد الله كرامته ورحمة العباد به الرؤيا الصادقة لا يرى رسول الله صلى الله عليه وسلم رؤيا في نومه إلا جاءت كفلق الصبح قالت وحبب الله تعالى إليه الخلوة فلم يكن شيء أحب إليه من ان يخلو وحده
سلام الحجر والشجر عليه صلى الله عليه وسلم قال ابن اسحاق وحدثني عبد الملك بن عبيد الله بن ابي سفيان بن العلاء بن جارية الثقفي وكان داعية عن بعض أهل العلم
أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حين اراده الله بكرامته وابتدأه بالنبوة كان إذا خرج لحاجته أبعد حتى تحسر عنه البيوت ويفضي الى شعاب مكة وبطون أوديتها فلا يمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بحجر ولا شجر إلا قال السلام عليك يا رسول الله قال فيلتفت رسول الله صلى الله عليه وسلم(2/66)
حوله وعن يمينه وشماله وخلفه فلا يرى إلا الشجر والحجارة فمكث رسول الله صلى الله عليه وسلم كذلك يرى ويسمع ما شاء الله ان يمكث ثم جاءه جبريل عليه السلام بما جاءه من كرامة الله وهو بحراء في شهر رمضان(2/67)
نزول جبريل عليه صلى الله عليه وسلم قال ابن اسحاق وحدثني وهب بن كيسان مولى آل الزبير قال سمعت عبدالله بن الزبير وهو يقول لعبيد ابن عمير بن قتادة الليثي حدثنا يا عبيد كيف كان بدء ما ابتدىء به رسول الله صلى الله عليه وسلم من النبوة حين جاءه جبريل عليه السلام قال فقال عبيد وأنا حاضر يحدث عبدالله بن الزبير ومن عنده من الناس كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يجاور في حراء من كل سنة شهرا وكان ذلك مما تحنث به قريش في الجاهلية والتحنث التبرر.
قال ابن إسحاق وقال أبو طالب ... وثور ومن أرسى ثبيرا مكانه ... وراق ليرقى في حراء ونازل
التحنث والتحنف قال ابن هشام تقول العرب التحنث والتحنف يريدون الحنيفية فيبدلون الفاء من الثاء كما قالوا جدف وجدث يريدون القبر قال رؤبة بن العجاج(2/68)
لو كا أحجاري مع الأجداف
يريد الأجداث وهذا البيت في أرجوزة له وبيت أبي طالب في قصيدة له سأذكرها إن شاء الله في موضعها.
قال ابن هشام وحدثني أبو عبيدة ان العرب تقول فم في موضع ثم يبدلون الفاء من الثاء.
قال ابن إسحاق حدثني وهب بن كيسان قال قال عبيد فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم ذلك يجاور الشهر من كل سنة يطعم من جاءه من المساكين فإذا قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم جواره من شهره ذلك كان أول ما يبدأ به إذا انصرف من جواره الكعبة قبل أن يدخل بيته فيطوف بها سبعا أو ما شاء الله ثم يرجع إلى بيته(2/69)
حتى إذا كان الشهر الذي أراد الله تعالى به فيه ما أراد من كرامته من السنة التي بعثه الله تعالى فيها وذلك الشهر شهر رمضان خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم الى حراء كما كان يخرج لجواره ومعه أهله حتى إذا كانت الليلة التي أكرمه الله فيها برسالته ورحم العباد بها جاءه جبريل عليه السلام بأمر الله تعالى
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فجاءني جبريل وانا نائم بنمط من(2/70)
ديباج فيه كتاب فقال اقرأ قال قلت ما أقرأ قال فغتني(2/71)
به حتى ظننت أنه الموت ثم أرسلني فقال اقرأ قال قلت ما أقرأ قال فغتني به حتى ظننت أنه الموت ثم ارسلني فقال اقرأ قال قلت ماذا أقرأ قال فغتني به حتى ظننت أنه الموت ثم أرسلني فقال اقرأ قال فقلت ماذا أقرا ما أقول ذلك إلا افتداء منه أن يعود لي بمثل ما صنع بي فقال {اقرأ باسم ربك الذي خلق خلق الإنسان من علق اقرأ وربك الأكرم الذي علم بالقلم علم الإنسان ما لم يعلم} قال فقرأتها ثم انتهى فانصرف عني وهببت من نومي فكأنما كتبت في قلبي كتابا قال فخرجت حتى إذا كنت في وسط من الجبل سمعت صوتا من السماء يقول يا محمد أنت رسول الله وأنا جبريل قال فرفعت رأسي الى السماء أنظر فإذا جبريل في صورة رجل صاف قدميه في أفق السماء يقول يا(2/72)
محمد أنت رسول الله وأنا جبريل قال فوقفت أنظر إليه فما أتقدم وما أتأخر وجعلت أصرف وجهي عنه في آفاق السماء قال فلا أنظر في ناحية منها إلا رأيته كذلك فما زلت واقفا ما أتقدم أمامي وما أرجع ورائي حتى بعثت خديجة رسلها في طلبي فبلغوا أعلى مكة ورجعوا إليها وأنا في مكاني ذلك ثم انصرف عني
الرسول صلى الله عليه وسلم يخبر خديجة رضي الله عنها بنزول جبريل عليه وانصرفت راجعا الى أهلي حتى أتيت خديجة فجلست الى فخذها مضيفا إليها فقالت يا أبا القاسم أين كنت فوالله لقد بعثت رسلي في طلبك حتى بلغوا مكة ورجعوا لي ثم حدثتها بالذي رأيت فقالت ابشر يا ابن عم واثبت فوالذي نفس خديجة بيده إني لأرجوا أن تكون نبي هذه الأمة
خديجة رضي الله عنها تخبر ورقة بن نوفل ثم قامت فجمعت عليها ثيابها ثم انطلقت الى ورقة بن نوفل بن أسد بن عبد العزى ابن قصي وهو ابن عمها وكان ورقة قد تنصر وقرأ الكتب وسمع من اهل التوراة والإنجيل فأخبرته بما أخبرها به رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه رأى وسمع فقال ورقة بن نوفل قدوس قدوس والذي نفس ورقة بيده لئن كنت صدقتيني يا خديجة لقد جاءه الناموس الأكبر(2/73)
الذي كان يأتي موسى وإنه لنبي هذه الأمة فقولي له فليثبت
فرجعت خديجة الى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبرته بقول ورقة بن نوفل فلما قضي رسول الله صلى الله عليه وسلم جواره وانصرف صنع كما كان يصنع بدأ بالكعبة فطاف بها فلقيه ورقة بن نوفل وهو يطوف بالكعبة فقال يا ابن أخي أخبرني بما رأيت وسمعت فأخبره رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال له ورقة والذي نفسي بيده إنك لنبي هذه الأمة وقد جاءك الناموس الأكبر الذي جاء موسى ولتكذبنه ولتؤذينه ولتخرجنه ولتقاتلنه ولئن انا أدركت ذلك اليوم لأنصرن الله نصرا يعلمه ثم أدنى رأسه منه فقبل يافوخه ثم انصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم الى منزله
تثبت خديجة رضي الله عنها من الوحي قال ابن اسحاق وحدثني إسماعيل بن أبي حكيم مولى آل الزبير أنه حدث عن خديجة رضي الله عنها أنها قالت لرسول الله صلى الله عليه وسلم أي ابن عم أتستطيع(2/74)
أن تخبرني بصاحبك هذا الذي يأتيك إذا جاءك قال نعم قالت فإذا جاءك فأخبرني به فجاءه جبريل عليه السلام كما كان يصنع فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لخديجة يا خديجة هذا جبريل قد جاءني قالت قم يا ابن عم فاجلس على فخذي اليسرى قال فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم فجلس عليها قالت هل تراه قال نعم قالت فتحول فاجلس على فخذي اليمنى قال فتحول رسول الله صلى الله عليه وسلم فجلس على فخذي اليمنى فقالت هل تراه قال نعم قالت فتحول فاجلس في حجري قالت فتحول رسول الله صلى الله عليه وسلم فجلس في حجرها قالت هل تراه قال نعم قال فتحسرت وألقت خمارها ورسول الله صلى الله عليه وسلم جالس في حجرها ثم قالت له هل تراه قال لا قالت يا ابن عم أثبت وأبشر فوالله إنه لملك وما هذا بشيطان.
قال ابن إسحاق وقد حدثت عبدالله بن حسن هذا الحديث فقال قد سمعت أمي فاطمة بنت حسين تحدث بهذا الحديث عن خديجة إلا أني سمعتها تقول أدخلت رسول الله صلى الله عليه وسلم بينها وبين درعها فذهب عند ذلك جبريل فقالت لرسول الله صلى الله عليه وسلم إن هذا لملك وما هو بشيطان(2/75)
$ ابتداء تنزيل القرآن
متى نزل القرآن قال ابن اسحاق فابتدىء رسول الله صلى الله عليه وسلم بالتنزيل في شهر رمضان بقول الله عز وجل {شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن هدى للناس وبينات من الهدى والفرقان} وقال الله تعالى {إنا أنزلناه في ليلة القدر وما أدراك ما ليلة القدر ليلة القدر خير من ألف شهر تنزل الملائكة والروح فيها بإذن ربهم من كل أمر سلام هي حتى مطلع الفجر} وقال الله تعالى {حم والكتاب المبين إنا أنزلناه في ليلة مباركة إنا كنا منذرين فيها يفرق كل أمر حكيم أمرا من عندنا إنا كنا مرسلين} وقال تعالى {إن كنتم آمنتم بالله وما أنزلنا على عبدنا يوم الفرقان يوم التقى الجمعان} وذلك ملتقى رسول الله صلى الله عليه وسلم والمشركين ببدر
تاريخ وقعة بدر قال ابن اسحاق وحدثني أبو جعفر محمد ابن علي بن حسين أن رسول الله صلى الله عليه وسلم التقى هو والمشركون ببدر يوم الجمعة صبيحة سبع عشرة من رمضان.
قال ابن إسحاق ثم تتام الوحي الى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو مؤمن بالله مصدق بما جاءه منه قد قبله بقبوله وتحمل منه ما حمله على رضا العباد وسخطهم والنبوة أثقال ومؤنة لا يحملها ولا يستطيع بها إلا أهل القوة والعزم من الرسل بعون الله تعالى وتوفيقه لما يلقون من الناس وما يرد عليهم مما جاءوا به عن الله سبحانه وتعالى قال فمضى رسول الله صلى الله عليه وسلم على أمر الله على ما يلقى من قومه من الخلاف والأذى(2/76)
$ إسلام خديجة بنت خويلد
وقوفها بجانبه صلى الله عليه وسلم وآمنت به خديجة بنت خويلد وصدقت بما جاءه من الله ووازرته على أمره وكانت أول من آمن بالله وبرسوله وصدق بما جاء منه فخفف الله بذلك عن نبيه صلى الله عليه وسلم لا يسمع شيئا مما يكرهه من رد عليه وتكذيب له فيحزنه ذلك إلا فرج الله عنه بها إذا رجع إليها تثبته وتخفف عليه وتصدقه وتهون عليه امر الناس رحمها الله تعالى
تبشير خديجة ببيت من قصب قال ابن اسحاق وحدثني هشام بن عروة عن أبيه عروة بن الزبير عن عبدالله بن جعفر ابن ابي طالب رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أمرت أن ابشر خديجة ببيت من قصب لا صخب فيه ولا نصب(2/77)
@ 78 @(2/78)
قال ابن هشام القصب اللؤلؤ المجوف
جبريل يقرىء خديجة السلام من ربها قال ابن هشام وحدثني من اثق به أن جبريل عليه السلام اتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال أقرىء خديجة السلام من ربها فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم يا خديجة هذا جبريل يقرئك السلام من ربك فقالت خديجة الله السلام ومنه السلام وعلى جبريل السلام(2/79)
فترة الوحي ونزول سورة الضحى قال ابن اسحاق ثم فتر الوحي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فترة من ذلك حتى شق ذلك عليه فأحزنه فجاءه جبريل بسورة الضحى يقسم له ربه وهو الذي أكرمه بما أكرمه به ما ودعه وما قلاه فقال تعالى {والضحى والليل إذا سجى ما ودعك ربك وما قلى} يقول ما صرمك فتركك وما أبغضك منذ أحبك {وللآخرة خير لك من الأولى} أي لما عندي من مرجعك الي خير لك مما عجلت لك من الكرامة في الدنيا {ولسوف يعطيك ربك فترضى} من الفلح في الدنيا والثواب في الآخرة {ألم يجدك يتيما فآوى ووجدك ضالا فهدى ووجدك عائلا فأغنى} يعرفه الله ما ابتدأه به من كرامته في عاجل أمره ومنه عليه في يتمه وعيللته وضلالته واستنقاذه من ذلك كله برحمته
تفسير مفردات سورة الضحى قال ابن هشام سجى سكن قال أمية بن ابي الصلت الثقفي ... إذ أتى موهنا وقد نام صحبي ... وسجا الليل بالظلام البهيم
وهذا البيت في قصيدة له ويقال للعين إذا سكن طرفها ساجية وسجا طرفها
قال جرير ... ولقد رمينك حين رحن بأعين ... يقتلن من خلل الستور سواجي(2/80)
وهذا البيت في قصيدة له والعائل الفقير قال أبو خراش الهذلي ... الى البيت يأوي الضريك إذا شتا ... ومستنبح بالي الدريسين عائل
وجمعه عالة وعيل وهذا البيت في قصيدة له سأذكرها في موضعها إن شاء الله والعائل أيضا الذي يعول العيال والعئل أيضا الخائف وفي كتاب الله تعلى {ذلك أدنى ألا تعولوا} وقال أبو طالب ... بميزان قسط لا يخس شعيرة ... له شاهد من نفسه غير عائل
وهذا البيت في قصيدة له سأذكرها أن شاء الله في موضعها والعائل أيضا الشيء المثقل المعيي يقول الرجل قد عالني هذا الأمر أي أثقلني وأعياني.
قال الفرزدق :
ترى الغر الجحاجح من قريش ... إذا ما الأمر في الحدثان عالا
وهذا البيت في قصيدة له
{فأما اليتيم فلا تقهر وأما السائل فلا تنهر} أي لا تكن جبارا ولا متكبرا ولا فحاشا فظا على الضعفاء من عباد الله {وأما بنعمة ربك فحدث} أي بما جاءك من الله من نعمته وكرامته(2/81)
من النبوة فحدث أي أذكرها وادع إليها فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يذكر ما أنعم الله به عليه وعلى العباد به من النبوة سرا الى من يطمئن إليه من أهله
ابتداء ما افترض الله سبحانه وتعالى على النبي صلى الله عليه وسلم من الصلاة وأوقاتها
وافترضت الصلاة عليه فصلى رسول الله صلى الله عليه وآله والسلام عليه وعليهم ورحمة الله وبركاته
افترضت الصلاة ركعتين ثم زيدت قال ابن اسحاق وحدثني صالح بن كيسان عن عروة بن الزبير عن عائشة رضي الله عنها قالت افترضت الصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم أول ما افترضت عليه ركعتين ركعتين كل صلاة ثم إن الله تعالى اتمها في الحضر أربع وأقرها في السفر على فرضها الأول ركعتين(2/82)
جبريل يعلم الرسول صلى الله عليه وسلم الوضوء والصلاة قال ابن اسحاق وحدثني بعض أهل العلم ان الصلاة حين افترضت على رسول الله صلى الله عليه وسلم آتاه جبريل وهو بأعلى مكة فهمز له بعقبه في ناحية الوادي فانفجرت منه عين فتوضأ جبريل عليه السلام ورسول الله صلى الله عليه وسلم ينظر إليه ليريه كبف الطهور للصلاة ثم توضأ رسول الله صلى الله عليه وسلم كما رأى جبريل توضأ ثم قام به جبريل فصلى به وصلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بصلاته ثم انصرف جبريل عليه السلام
الرسول صلى الله عليه وسلم يعلم خديجة الوضوء والصلاة فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم خديجة فتوضأ لها ليريها كيف الطهور للصلاة كما أراه جبريل فتوضأت كما توضأ لها رسول الله عليه الصلاة والسلام ثم صلى بها رسول الله عليه الصلاة والسلام كما صلى به جبريل فصلت بصلاته(2/83)
جبريل يعين للرسول الله صلى الله عليه وسلم أوقات الصلاة قال ابن اسحاق حدثني عتبة بن مسلم مولى بني تميم عن نافع بن جبير بن مطعم وكان نافع كثير الرواية عن ابن عباس قال فلما افترضت الصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم أتاه جبريل عليه السلام فصلى به الظهر حين مالت الشمس ثم صلى به العصر حين كان ظله مثله ثم صلى به المغرب حين غابت الشمس ثم صلى به العشاء الآخرة حين ذهب الشفق ثم صلى به الصبح حين طلع الفجر ثم جاءه فصلى به الظهر من غد حين كان ظله مثله ثم صلى به العصر حين كان ظله مثليه ثم صلى به المغرب حين غابت الشمس لوقتها بالأمس ثم صلى به العشاء الآخرة حين ذهب ثلث الليل الأوة ل ثم صلى به الصبح مسفرا غير مشرق ثم قال يا محمد الصلاة فيما بين صلاتك اليوم وصلاتك بالأمس
ذكر أن علي بن أبي طالب رضي لله عنه أول ذكر أسلم
قال ابن اسحاق ثم كان اول ذكر من الناس آمن برسول الله صلى الله عليه وسلم وصلى معه وصدق بما جاءه من الله تعالى علي بن أبي طالب(2/84)
ابن عبد المطلب بن هاشم رضوان الله وسلامه عليه وهو يومئذ ابن عشر سنين
نعمة الله على علي بنشأته في كنف الرسول وكان مما أنعم الله به علي علي بن أبي طالب رضي الله عنه أنه كان في حجر رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل الإسلام
سبب هذه النشأة قال ابن اسحاق وحدثني عبدالله بن أبي نجيح عن مجاهد بن جبر بن أبي الحجاج قال كان من نعمة الله علي علي بن أبي طالب ومما صنع الله له وأراده به من الخير ان قريشا أصابتهم أزمة شديدة وكان أبو طالب ذا عيال كثير فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم للعباس عمه وكان من أيسر بني هاشم يا عباس إن أخاك أبا طالب كثير العيال وقد اصاب الناس ما ترى من هذه الأزمة فانطلق بنا إليه فلنخفف عنه من عياله آخذ من بنيه رجلا وتأخذ أنت رجلا فنكلهما عنه فقال العباس نعم فانطلقا حتى أتيا أبا طالب فقالا له إنا نريد أن نخفف عنك من عيالك حتى ينكشف عن الناس ما هم فيه فقال لهما أبو طالب إذا تركتما لي عقيلا فاصنعا ما شئتما قال ابن هشام ويقال عقيلا وطالبا
فأخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم عليا فضمه إليه وأخذ العباس جعفرا فضمه إليه فلم يزل علي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى بعثه الله تبارك وتعالى(2/85)
نبيا فاتبعه علي رضي الله عنه وآمن به وصدقه ولم يزل جعفر عند العباس حتى أسلم واستغنى عنه
الرسول صلى الله عليه وسلم وعلي يخرجان الى الصلاة في شعب مكة واكتشاف أبي طالب لهما قال ابن اسحاق وذكر بعض أهل العلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان أذا حضرت الصلاة خرج إلى شعاب مكة وخرج معه علي بن أبي طالب مستخفيا من أبيه أبي طالب ومن جميع أعمامه وسائر قومه فيصليان الصلوات فيها فإذا أمسيا رجعا فمكثا كذلك ما شاء الله أن يمكثا ثم إن أبا طالب عثر عليهما يوما وهما يصليان فقال لرسول الله صلى الله عليه وسلم يا ابن أخي ما هذا الدين الذي أراك تدين به قال أي عم هذا دين الله ودين ملائكته ودين رسله ودين أبينا إبراهيم أو كما قال ما صلى الله عليه وسلم بعثني الله به رسولا الى العباد وأنت أي عم أحق من بذلت له النصيحة ودعوته الى الهدى وأحق من أجابن إليه وأغانني عليه أو كما قال فقال أبو طالب أي ابن أخي إني لا أستطيع أن أفارق دين آبائي وما كانوا عليه ولكن والله لا يخلص إليك بشيء تكرهه ما بقيت
وذكروا أنه قال لعلي أي بني ما هذا الدين الذي أنت عليه فقال يا ابت آمنت بالله وبرسول الله وصدقته بما جاء به وصليت معه لله واتبعته فزعموا أنه قال له أما إنه لم يدعك إلا الى خير فألزمه(2/86)
$ إسلام زيد بن حارثة ثانيا
قال ابن اسحاق ثم أسلم زيد بن حارثة بن شرحبيل بن كعب ابن عبد العزى بن امريء القيس الكلبي مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان أول ذكر أسلم وصلى بعد علي بن أبي طالب
نسب زيد قال ابن هشام زيد بن حارثة بن شراحيل بن كعب ابن عبد العزى بن امرىء القيس بن عامر بن النعمان بن عامر بن عبد ود بن عوف بن كنانة بن بكر بن عوف بن عذرة بن زيد اللات بن رفيدة بن ثور بن كلب بن وبرة وكان حكيم بن حزام ابن خويلد قدم من الشام برقيق فيهم زيد بن حارثة وصيف فدخلت عليه عمته خديجة بنت خويلد وهي يومئذ عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال لها اختاري يا عمة أي هؤلاء الغلمان شئت فهو لك فاختارت زيدا فأخذته فرآه رسول الله صلى الله عليه وسلم عندها فاستوهبه منها فوهبته له فأعتقه رسول الله صلى الله عليه وسلم وتبناه وذلك قبل أن يوحى إليه
شعر حارثة أبي زيد عندما فقده وكان أبوه حارثة قد جزع عليه جزعا شديد وبكى عليه حين فقده فقال ... بكيت على زيد ولم أدر ما فعل ... أحي فيرجي أن أتى دونه الأجل
فوالله ما أدرى وإني لسائل ... أغالك بعدي السهل أم غالك الجبل
ويا ليت شعري هل لك الدهر أوبه ... فحسبي من الدنيا رجوعك لي بجل(2/87)
تذكرنيه الشمس عند طلوعها ... وتعرض ذكراه إذا غربها أفل
وإن هبت الأرواح هيجن ذكره ... فيا طول ما حزني عليه وما وجل
سأعمل نص العيس في الأرض جاهدا ... ولا أسأم التطواف أو تسأم الإبل
حياتي أو تأتي علي منيتي ... فكل امرىء فإن وإن غره الأمل
ثم قدم عليه وهو عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم إن شئت فأقم عندي وإن شئت فانطلق مع أبيك فقال بل أقيم عندك فلم يزل عند رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى بعثه الله فصدقه وأسلم وصلى معه فلما أنزل الله عز وجل {ادعوهم لآبائهم} قال أنا زيد بن حارثة
إسلام ابي بكر الصديق رضي الله عنه وشأنه
نسبه قال ابن اسحاق ثم أسلم أبو بكر بن أبي قحافة واسمه عتيق واسم أبي قحافة عثمان بن عمرو بن كعب بن سعد بن تيم ابن مرة بن لؤي بن غالب بن فهر(2/88)
اسمه ولقبه قال ابن هشام واسم ابي بكر عبدالله وعتيق لقب لحسن وجهه وعتقه
إسلامه قال ابن اسحاق فلما أسلم أبو بكر رضي الله عنه أظهر إسلامه ودعا الى الله والى رسوله
إيلاف قريش له ودعوته للإسلام وكان أبو بكر رجلا مألفا لقومه محببا سهلا وكان أنسب قريش لقريش وأعلم قريش بها وبما كان فيها من خير وشر وكان رجلا تاجرا ذا خلق ومعروف وكان رجال قومه يأتونه ويألفونه لغير واحد من الأمر لعلمه وتجارته وحسن مجالسته فجعل يدعو الى الله والى الإسلام من وثق به من قومه ممن يغشاه ويجلس إليه(2/89)
$ ذكر من أسلم من الصحابة بدعوة أبي بكر رضي الله عنه
عثمان قال فأسلم بدعائه فيما بلغني عثمان بن عفان ابن أبي العاص بن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف بن قصي بن كلاب بن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب
الزبير والزبير بن العوام بن خويلد بن أسد بن عبد العزى بن قصي بن كلاب بن مرة بن كعب بن لؤي
عبد الرحمن بن عوف وعبد الرحمن بن عوف بن عبد عوف ابن عبد بن الحارث بن زهرة بن كلاب بن مرة بن كعب بن لؤي
سعد بن أبي وقاص وسعد بن أبي وقاص واسم ابي وقاص مالك بن أهيب بن عبد مناف بن زهرة بن مرة بن كلاب بن مرة ابن كعب بن لؤي(2/90)
طلحة وطلحة بن عبيد الله بن عثمان بن عمرو بن كعب بن سعد بن تيم بن مرة بن كعب بن لؤي فجاء بهم الى رسول الله صلى الله عليه وسلم حين استجابوا له فأسلموا وصلوا وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول فيما بلغني ما دعوت أحدا الى الإسلام إلا كانت فيه عنده كبوة ونظر وتردد إلا ما كان من أبي بكر بن أبي قحافة ما عكم عنه حين ذكرته له وما تردد فيه.
قال ابن هشام قوله بدعائه عن غير ابن اسحاق.
قال ابن هشام قوله عكم تلبث قال رؤبة بن العجاج ونصاع وثاب بها وما عكم.
قال ابن إسحاق فكان هؤلاء النفر الثمانية الذين سبقوا الناس بالإسلام فصلوا وصدقوا رسول الله صلى الله عليه وسلم بما جاءه من الله
إسلام أبي عبيدة ثم أسلم أبو عبيدة بن الجراح واسمه عامر ابن عبد الله بن الجراح بن هلال بن أهيب بن ضبة بن الحارث بن فهر
إسلام أبي سلمة وأبو سلمة واسمه عبد الله بن عبد الأسد بن هلال بن عبد الله بن عمر بن مخزوم بن يقظة بن مرة بن كعب بن لؤي
إسلام الأرقم والأرقم بن أبي الأرقم واسم أبي الأرقم عبد مناف بن أسد وكان اسد يكنى أبا جندب بن عبدالله بن(2/91)
عمر بن مخزوم بن يقظة بن مرة بن كعب بن لؤي
إسلام عثمان بن مظعون وأخويه وعثمان بن مظعون بن حبيب ابن وهب بن حذافة بن جمح بن عمرو بن هصيص بن كعب بن لؤي وأخواه قدامه وعبد الله ابنا مظعون بن حبيب
إسلام عبيدة بن الحارث وعبيدة بن الحارث بن المطلب بن عبد مناف بن قصي بن كلاب بن مرة بن كعب بن لؤي
إسلام سعيد بن زيد وامرأته وسعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل بن عبد العزى بن عبد الله بن فرط بن رياح بن رزاح بن عدي ابن كعب بن لؤي وامراته فاطمة بنت الخطاب بن نفيل بن عبد العزى بن عبد الله بن قرط بن رياح بن رزاح بن عدي بن كعب ابن لؤي أخت عمر بن الخطاب
إسلام أسماء وعائشة ابنتي أبي بكر وخباب بن الآرت وأسماء بنت أبي بكر وعائشة بنت أبي بكر وهي يؤمئذ صغيرة وخباب بن الأرت حليف بني زهرة.
قال ابن هشام خباب بن الإرت من بني تميم ويقال هو من خزاعة(2/92)
إسلام عمير وابن مسعود وابن القاري قال ابن اسحاق وعمير بن أبي وقاص أخو سعد بن ابي وقاص وعبد الله بن مسعود ابن الحارث بن شمخ بن مخزوم بن صاهلة بن كاهل بن الحارث ابن تميم بن سعد بن هذيل ومسعود بن القارىء وهو مسعود بن ربيعة بن عمرو بن سعد بن عبد العزى بن حمالة بن غالب بن محلم بن عائذة بن سبيع بن الهون بن خزيمة من القارة.
قال ابن هشام والقارة لقب ولهم يقال ... قد أنصف القارة من راماها
وكانوا قوما رماة
إسلام سليط وأخيه وعياش وامرأته وخنيس وعامر قال ابن اسحاق وسليط بن عمرو بن عبد شمس بن عبد ود بن نصر ابن مالك بن حسل بن عامر بن لؤي بن غالب بن فهر وأخوه حاطب بن عمرو وعياش بن ربيعة بن المغيرة بن عبدالله بن عمر ابن مخزوم بن يقظة بن مرة بن كعب بن لؤي وامرأته أسماء بنت سلامة بن مخربة التميمية وخنيس بن حذافة بن عدي بن سعد بن سهم بن عمرو بن هصيص بن كعب بن لؤي وعامر بن ربيعة من عنز بن وائل حليف آل الخطاب بن نفيل بن عبد العزى(2/93)
قال ابن هشام عنز بن وائل أخو بكر بن وائل من ربيعة بن نزار
إسلام ابني جحش وجعفر وامرأته وحاطب وإخوته ونسائهم والسائب والمطلب وامرأته قال ابن اسحاق وعبد الله ابن جحش بن رئاب بن يعمر بن صبرة بن مرة بن كبير بن غنم ابن دودان بن أسد بن خزيمة وأخوه أبو أحمد بن جحش حليفا بني أمية بن عبد شمس وجعفر بن أبي طالب وامراته أسماء بنت عميس بن النعمان بن كعب بن مالك بن قحافة من خثعم وحاطب ابن الحارث بن معمر بن حبيب بن وهب بن حذافة بن جمح بن عمرو بن هصيص بن كعب بن لؤي وامرأته فاطمة بنت المجلل ابن عبد الله بن ابي قيس بن عبد ود بن نصر بن مالك بن حسل ابن عامر بن لؤي بن غالب بن فهر واخوه خطاب بن الحارث وامرأته فكيهة بنت يسار ومعمر بن الحارث بن حبيب بن وهب ابن حذافة بن جمح بن عمرو بن هصيص بن كعب بن لؤي والسائب ابن عثمان بن مظعون بن حبيب بن وهب والمطلب بن أزهر بن عبد عوف بن عبد بن الحارث بن زهرة بن كلاب بن مرة بن كعب بن لؤي وامرأته رملة بنت أبي عوف بن ضبيرة بن سعيد ابن سهم بن عمرو بن هصيص بن كعب بن لؤي
إسلام نعيم والنحام واسمه نعيم بن عبدالله بن اسد أخو بني كعب بن لؤي
نسب نعيم قال ابن هشام هو نعيم بن عبد الله بن أسيد بن عبد عوف بن عبيد بن عويج بن عدي بن كعب بن لؤي وإنما سمي النحام لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لقد سمعت نحمه في الجنة.
قال ابن هشام نحمه صوته أو حسه(2/94)
إسلام عامر بن فهيرة قال ابن اسحاق وعامر بن فهيرة مولى أبي بكر الصديق رضي الله عنه
نسبه قال ابن هشام عامر بن فهيرة مولد من مولدي الأسيد أسود اشتراه أبو بكر رضي الله عنه منهم
إسلام خالد بن سعيد ونسبه واسلام امرأته قال ابن اسحاق وخالد بن سعيد بن العاص بن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف ابن قصي بن مرة بن كعب بن لؤي وامرأته أمينة بنت خلف بن أسعد بن عامر بن بياضة بن سبيع بن جعثمة بن سعد بن مليح بن عمرو من خزاعة.
قال ابن هشام ويقال همينة بنت خلف
إسلام حاطب وأبي حذيفة قال ابن اسحاق وحاطب بن عمرو بن عبد شمس بن عبد ود بن نصر بن مالك بن حسل بن عامر بن لؤي بن غالب بن فهر وأبو حذيفة واسمه مهشم فيما قال ابن هشام ابن عتبة بن ربيعة بن عبد شمس بن عبد مناف بن قصي بن كلاب بن مرة بن كعب بن لؤي
إسلام واقد وشيء من خبره وواقد بن عبدالله بن عبد مناف ابن عرين بن ثعلبة بن يربوع بن حنظلة بن مالك بن زيد مناة بن تميم حليف بني عدي بن كعب.
قال ابن هشام جاءت به باهلة فباعوه من الخطاب بن نفيل(2/95)
فتبناه فلما أنزل الله تعالى {ادعوهم لآبائهم} قال أنا واقد بن عبدالله فيما قال أبو عمرو المدني
إسلام بني البكير قال ابن اسحاق وخالد وعامر وعاقل وإياس بنو البكير بن عبد ياليل بن ناشب بن غيرة بن سعد بن ليث بن بكر بن عبد مناة بن كنانة حلفاء بني عدي بن كعب
إسلام عمار بن ياسر حليف بني مخزوم بن يقظة.
قال ابن هشام عمار بن ياسر عنسي من مذحج
إسلام صهيب قال ابن اسحاق صهيب بن سنان أحد النمر ابن قاسط حليف بني تميم بن مرة
نسب صهيب قال ابن هشام النمر بن قاسط بن هنب بن أفصى بن جديلة بن اسد بن ربيعة بن نزار ويقال أفصى بن دعمي ابن جديلة بن اسد ويقال صهيب مولى عبدالله بن جدعان بن عمرو بن كعب بن سعد بن تيم
ويقال إنه رومي فقال بعض من ذكر أنه من النمر بن قاسط إنما كان أسيرا في أرض الروم فاشترى منهم وجاء في الحديث عن النبي صلى الله عليه سلم صهيب سابق الروم(2/96)
$ مباداة رسول الله صلى الله عليه وسلم قومه وما كان منهم
أمر الله له صلى الله عليه وسلم بمباداة قومه قال ابن اسحاق ثم دخل الناس في الإسلام أرسالا من الرجال والنساء حتى فشا ذكر الإسلام بمكة وتحدث به ثم إن الله عز وجل أمر رسوله صلى الله عليه وسلم أن يصدع بما جاءه منه وأن يبادي الناس بأمره وأن يدعو إليه وكان بين ما أخفى رسول الله صلى الله عليه وسلم أمره واستتر به إلى أن أمره الله تعالى بإظهار دينه ثلاث سنين فيما بلغني من مبعثه ثم قال الله تعالى له {فاصدع بما تؤمر وأعرض عن المشركين} وقال تعالى {وأنذر عشيرتك الأقربين واخفض جناحك لمن اتبعك من المؤمنين} {وقل إني أنا النذير المبين}.
معنى {فاصدع بما تؤمر} قال ابن هشام اصدع فرق بين الحق والباطل قال أبو ذؤيب الهذلي واسمه خويلد بن خالد يصف أتن وحش وفحلها ... وكأنهن ربابة وكانه ... يسر يفيض على القداح ويصدع(2/97)
إي يفرق على القداح ويبين أنصباءها وهذا البيت في قصيدة له وقال رؤبة بن العجاج ... أنت الحليم والأمير المنتقم ... تصدع بالحق وتنفي من ظلم
وهذان البيتان في أرجوزة له
خروج الرسول صلى الله عليه وسلم بأصحابه للصلاة في الشعب قال ابن اسحاق وكان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا صلوا ذهبوا في الشعاب فاستخفوا بصلاتهم من قومهم فبينا سعد بن ابي وقاص في نفر من اصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم في شعاب من شعاب مكة إذ ظهر عليهم نفر من المشركين وهم يصلون فناكروهم وعابوا عليهم ما يصنعون حتى قاتلوهم فضرب سعد بن ابي وقاص يؤمئذ رجلا من المشركين بلحي بعير فشجه فكان أول دم هريق في الإسلام
عداوة قومه ومساندة أبي طالب له قال ابن اسحاق فلما بادى رسول الله صلى الله عليه وسلم قومه بالإسلام وصدع به كما أمره الله لم يبعد منه قومه ولم يردوا عليه فيما بلغني حتى ذكر آلهتهم وعابها فلما فعل ذلك أعظموه وناكروه واجمعوا خلافه وعداوته إلا من عصم الله تعالى منهم بالإسلام وهم قليل مستخفون وحدب علي رسول الله صلى الله عليه وسلم عمه أبو طالب ومنعه وقام دونه(2/98)
ومضى رسول الله صلى الله عليه وسلم على امر الله مظهرا لأمره لا يرده عنه شيء فلما رأت قريش أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يعتبهم من شيء أنكروه عليه من فراقهم وعيب آلهتهم ورأوا أن عمه ابا طالب قد حدب عليه وقام دونه فلم يسلمه لهم مشى رجال من اشراف قريش إلى أبي طالب عتبة وشيبة ابنا ربيعة بن عبد شمس بن عبد مناف بن قصي بن كلاب بن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب وأبو سفيان بن حرب بن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف بن قصي بن كلاب بن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب بن فهر.
قال ابن هشام واسم أبي سفيان صخر.
قال ابن إسحاق وأبو البختيري اسمه العاص بن هشام بن الحارث ابن أسد بن عبد العزى بن قصي بن كلاب بن مرة بن كعب بن لؤي.
قال ابن هشام أبو البختري العاص بن هاشم.
قال ابن إسحاق والأسود بن المطلب بن أسد بن عبد العزي ابن قصي بن كلاب بن مرة بن كعب بن لؤي وابو جهل واسمه عمرو وكان يكنى أبا الحكم بن هشام بن المغيرة بن(2/99)
عبدالله بن عمر بن مخزوم بن يقظة بن مرة بن كعب بن لؤي والوليد بن المغيرة بن عبد الله بن عمر بن مخزوم بن يقظة بن مرة ابن كعب بن لؤي ومنيه ابنا الحجاج بن عامر بن حذيفة بن سعد بن سهم بن عمرو بن هصيص بن كعب بن لؤي والعاص بن وائل.
قال ابن هشام العاص بن وائل بن هاشم بن سعيد بن سهم ابن عمرو بن هصيص بن كعب بن لؤي
وفد قريش يعاتب أبا طالب قال ابن اسحاق أو من مشى منهم فقالوا يا ابا طالب إن ابن أخيك قد سب آلهتنا وعاب ديننا وسفه أحلامنا وضلل آباءنا فإما أن تكفه عنا وإما أن تخلي بيننا وبينه فإنك على مثل ما نحن عليه من خلافه فنكفيكه فقال لهم ابو طالب قولا رفيقا وردهم ردا جميلا فانصرفوا عنه
الرسول صلى الله عليه وسلم يستمر في دعوته ومضى رسول الله صلى الله عليه وسلم على هو عليه يظهر دين الله ويدعو إليه ثم شرى الأمر بينه وبينهم حتى تباعد الرجال وتضاغنوا وأكثرت قريش ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم بينها فتذامروا فيه وحض بعضهم بعضا عليه
رجوع الوفد الى أبي طالب مرة ثانية ثم إنهم مشوا الى أبي طالب مرة أخرى فقالوا له ياأبا طالب إن لك سنا وشرفا ومنزلة فينا وإنا قد استنهيناك من ابن اخيك فلم تنهه عنا وإنا والله لا نصبر على هذا من شتم آباءنا وتسفيه أحلامنا وعيب آلهتنا حتى(2/100)
تكفه عنا أو ننازله وإياك في ذلك حتى يهلك أحد الفريقين أوو كما قالوا له ثم انصرفوا عنه فعظم على أبي طالب فراق قومه وعداوتهم ولم يطب نفسا بإسلام رسول الله صلى الله عليه وسلم لهم ولا خذلانه
ما دار بين الرسول صلى الله عليه وسلم وأبي طالب قال ابن اسحاق وحدثني يعقوب بن عتبة بن المغيرة بن الأخنس أنه حدث أن قريشا حين قالوا لأبي طالب هذه المقالة بعث الى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال له يا بن أخي إن قومك قد جاءوني فقالوا لي كذا وكذا الذي كانوا قالوا له فابق علي وعلى نفسك ولا تحملني من الأمر ما لا أطيق قال فظن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قد بدا لعمه فيه بداء أنه خاذله ومسلمة وأنه قد ضعف عن نصرته والقيام معه قال فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم يا عم والله لو وضعوا الشمس في يميني و القمر في يساري على ان أترك هذا الأمر حتى يظهره الله أو أهلك فيه ما تركته قال ثم استعبر رسول الله صلى الله عليه وسلم فبكى ثم قام فلما ولى ناداه أبو طالب فقال أقبل يا بن أخي قال فأقبل عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال اذهب يا بن أخي فقل ما أحببت فوالله لا اسلمك لشيء أبدا
قريش تعرض عمارة بن الوليد على أبي طالب قال ابن اسحاق ثم إن قريشا حين عرفوا أن أبا طالب قد أبى خذلان رسول(2/101)
الله صلى الله عليه وسلم وإسلامه وإجماعه لفراقهم في ذلك وعداوتهم مشوا إليه بعمارة بن الوليد بن المغيرة فقالوا له فيما بلغني يا أبا طالب هذا عمارة بن الوليد أنهد فتى في قريش وأجمله فخذه فلك عقله ونصره واتخذه ولدا فهو لك وأسلم إلينا ابن اخيك هذا الذي قد خالف دينك ودين آبائك وفرق جماعة قومك وسفه أحلامهم فنقتله فإنما هو رجل برجل فقال والله لبئس ما تسومونني أتعطونني ابنكم أغذوه لكم وأعطيكم ابني تقتلونه هذا والله ما لا يكون ابدا قال فقال المطعم بن عيد بن نوفل بن عبد مناف بن قصي الله يا أبا طالب لقد أنصفك قومك وجهدوا على التخلص مما تكرهه فما أراك تريد أن تقبل منهم شيئا فقال أبو طالب للمطعم والله ما أنصفوني ولكنك قد أجمعت خذلاني ومظارهة القوم علي فاصنع ما بدا لك أو كما قال قال فحقب الأمر وحميت الحرب وتنابذ القوم وبادى بعضهم بعضا
شعر أبي طالب في المطعم ومن خذله فقال أبو طالب عند ذلك يعرض بالمطعم بن عدي ويعم من خذله من بني عبد مناف ومن عاداه من قبائل قريش ويذكر ما سألوه وما تباعد من ارمهم ... ألا قل لعمرو والوليد ومطعم ... ألا ليت حظي من حياطتكم بكر(2/102)
من الخور حبحاب كثير رغاؤه ... يرش على الساقين من بوله قطر
تخلف خلف الورد ليس بلاحق ... إذا ما علا الفيفاء قيل له وبر
أرى أخوينا من أبينا وأمنا ... إذاا سئلا قالا الى غيرنا الأمر
بلى لهما أمر ولكن تدجرجما ... كما جرجمت من رأس ذي علق صخر
أخص خصوصا عبد شمس ونوفلا ... هما نبذانا مثل ما ينبذ الجمر
هما أغمزا القوم في أخويهما ... فقد أصبحا منهم أكفهما صفر
هما أشركا في المجد من لا أبا له ... من الناس إلا أن يرس له ذكر
وتيم ومخزوم وزهرة منهم ... وكانوا لنا مولى إذا بغي النصر
فوالله لا تنفك منا عداوة ... ولا منهم ما كان من نسلنا شفر
فقد سفهت أحلامهم وعقولهم ... وكانوا كجفر بئس ما صنعت جفر.
قال ابن هشام تركنا منها بيتين أقذع فيهما
قريش تظهر عداوتها للمسلمين قال ابن اسحاق ثم إن قريشا تذامروا بينهم على من في القبائل من اصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم الذين(2/103)
أسلموا معه فوثبت كل قبيلة على من فيهم من المسلمين يعذبونهم ويفتنونهم عن دينهم ومنع الله رسوله صلى الله عليه وسلم منهم بعمه أبي طالب وقد قام أبو طالب حين رأى قريشا يصنعون ما يصنعون في بني هاشم وبني المطلب فدعاهم إلى ما هو عليه من منع رسول الله صلى الله عليه وسلم والقيام دونه فاجتمعوا إليه وقاموا معه وأجابوه الى ما دعاهم إليه إلا ما كان من أبي لهب عدو الله الملعون
شعر أبي طالب في مدح قومه لنصرته فلما رأى أبو طالب من قومه ما سره في جهدهم معه وحدبهم عليه جعل يمدحهم ويذكر قديمهم ويذكر فضل رسول الله صلى الله عليه وسلم فيهم ومكانه منهم ليشد لهم رأيهم وليحدبوا معه على أمره فقال ... إذا اجتمعت يوما قريش لمفخر ... فعبد مناف سرها وصميمها
وإن حصلت أشراف عبد منافها ... ففي هاشم أشرافها وقديمها
وإن فخرت يوما فإن محمدا هو المصطفى من سرها وكريمها ... تداعت قريش غثها وسمينها ... علينا فلم تظفر وطاشت حلومها ... وكنا قديما لا نقر ظلامة ... إذا ما ثنوا صعر الخدود نقيمها
ونحمى حماها كل يوم كريهة ... ونضرب عن أحجارها من يرومها ... بنا انتعش العود الذواء وإنما ... بأكنافنا تندى وتنمى أرومها(2/104)
$ الوليد بن المغيرة كيده للرسول وموقفه من القرآن
ثم إن الوليد بن المغيرة اجتمع إليه نفر من فريش وكان ذا سن فيهم وقد حضر الموسم فقال لهم يا معشر قريش إنه قد حضر هذا الموسم وإن وفود العرب ستقدم عليكم فيه وقد سمعوا بأمر صاحبكم هذا فأجتمعوا فيه رأيا واحدا ولا تختلفوا فيكذب بعضكم بعضا ويرد قولكم بعضه بعضا قالوا فأنت يا أبا عبد شمس فقل وأقم لنا رأيا نقول به قال بل أنتم فقولوا اسمع قالوا نقول كاهن قال لا والله ما هو بكاهن لقد رأينا الكهان فما هو بزمزمة الكاهن ولا سجعه قالوا فنقول مجنون قال ما هو بمجنون لقد رأينا الجنون وعرفنا فما هو بخنقه ولا تخالجه ولا وسوسته قالوا فنقول شاعر قال ما هو بشاعر لقد عرفنا الشعر كله رجزه وهزجه وقرضه ومقبوضه ومبسوطة فما هو بالشعر قالوا فنقول ساحر قال ما هو بساحر لقد رأينا السحار وسحرهم فما هو بنفثهم ولا عقدهم قالوا فما نقول يا أبا عبد شمس قال والله ن لقوله لحلاوة وإن أصله لعذق وإن فرعه لجناة قال ابن هشام(2/105)
ويقال لغدق وما انتم بقائلين من هذا شيئا إلا عرف أنه باطل وإن أقرب القوم فيه لأن تقولوا ساحر جاء بقول هو سحر يفرق به بين المرء وابنه وبين المرء وأخيه وبين المرء وزوجته وبين المرء وعشيرته فتفرقوا عنه بذلك فجعلوا يجلسون بسبل الناس حين قدموا الموسم ولا يمر بهم أحد إلا حذروه إياه وذكروا لهم أمره فأنزل الله تعالى في الوليد بن المغيرة في ذلك من قوله {ذرني ومن خلقت وحيدا وجعلت له مالا ممدودا وبنين شهودا ومهدت له تمهيدا ثم يطمع أن أزيد كلا إنه كان لآياتنا عنيدا} أي خصيما(2/106)
قال ابن هشام عنيد معاند مخالف قال رؤبة بن العجاج ... ونحن ضرابون رأس العند
وهذا البيت في أرجوزة له {سأرهقه صعودا إنه فكر وقدر فقتل كيف قدر ثم قتل كيف قدر ثم نظر ثم عبس وبسر}.
قال ابن هشام بسر كره وجهه قال العجاج ... مضبر اللحيين بسرا منهسا
يصف كراهية وجهه وهذا البيت في أرجوزة له {ثم أدبر واستكبر فقال إن هذا إلا سحر يؤثر إن هذا إلا قول البشر}.
رد القرآن على صحب الوليد قال ابن اسحاق وأنزل الله تعالى في رسوله صلى الله عليه وسلم وفيما جاء به من الله تعالى وفي النفر الذين كانوا معه يصنفون القول في رسول الله صلى الله عليه وسلم وفيما جاء به من الله تعالى {كما أنزلنا على المقتسمين الذين جعلوا القرآن عضين فوربك لنسألنهم أجمعين عما كانوا يعملون}.
قال ابن هشام واحدة العضين عضة يقول عضوه فرقوه قال رؤبة بن العجاج ... وليس دين الله بالمعضى
وهذا البيت في أرجوزة له(2/107)
قال ابن إسحاق : فجعل أوئك النفر يقولون ذلك في رسول الله صلى الله عليه وسلم لمن لقوا من الناس وصدرت العرب من ذلك الموسم بأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم فانتشر ذكره في بلاد العرب كلها
شعر أبي طالب في معاداة خصومه فلما خشي أبو طالب دهماء العرب أن يركبوه مع قومه قال قصيدته التى تعوذ فيها بحرم مكة وبمكانه منها وتودد فيها أشراف قومه وهو على ذلك يخبرهم وغيرهم في ذلك من شعره أنه غير مسلم رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا تاركه لشيء ابدا حتى يهلك دونه فقال ... ولما رأيت القوم لا ود فيهم ... وقد قطعوا كل العرى والوسائل
وقد صارحونا بالعداوة والأذى ... وقد طاوعوا أمر العدو المزايل
وقد حالفوا قوما علينا أظنه ... يعضون غيظا خلفنا بالأنامل
صبرت لهم نفسي بسمراء سمحة ... وأبيض عضب من تراث المقاول
وأحصرت عند البيت رهطي وإخوتي ... وأمسكت من أثوابه بالوصائل
قياما معا مستقبلين رتاجه ... لدي حيث يقضي حلفه كل نافل
وحيث ينيخ الأشعرون ركابهم ... بمفضي السيول من إساف ونائل(2/108)
موسمه الأعضاد أو قصراتها ... مخيسة بين السديس وبازل
ترى الودع فيها والرخام وزينة ... بأعناقها معقودة كالعثاكل
أعوذ برب الناس من كل طاعن ... علينا بسوء أو ملح بباطل
ومن كاشح يسعى لنا بمعيبة ... ومن ملحق في الدين ما لم نحاول
وثور ومن ارسى ثبيرا مكانه ... وراق ليرقى في حراء ونازل
وبالبيت حق البيت من بطن مكة ... وبالله إن الله ليس بغافل
وبالحجر المسود إذ يمسحونه ... إذا اكتنفوه بالضحى والأصائل
وموطىء إبراهيم في الصخر رطبة ... على قدم به حافيا غير ناعل(2/109)
وأشواط بين المروتين الى الصفا ... وما فيهما من صورة وتماثل
ومن حج بيت الله من كل راكب ومن كل ذي نذر ومن كل راجل
وبالمشعر الأقصى إذا عمدوا له ... إلال الى مفضي الشراج القوابل
وتوقافهم فوق الجبال عشية ... يقيمون بالأيدي صدور الرواحل
وليلة جمع والمنازل من منى ... وهل فوقها من حرمة ومنازل
وجمع إذا ما المقربات أجزنه ... سراعا كما يخرجن من وقع وابل
وبالجمرة الكبرى إذا صمدوا لها ... يؤمون قذفا رأسها بالجنادل
وكندة إذ هم بالحصاب عشية ... تجيز بهم حجاج بكر بن وائل
حليفان شدا عقد ما احتلفا له ... وردا عليه عاطفات الوسائل
وحطمهم سمر الرماح وسرحه ... وشبرقة وخد النعام الجوافل(2/110)
فهل بعد هذا من معاذ لعائذ ... وهل من معيذ يتقى الله عاذل
يطاع بنا أمر العدو ود أننا ... تسد بنا أبواب ترك وكابل
كذبتم وبيت الله نترك مكة ... ونظعن إلا أمركم في بلابل
كذبتم وبيت الله نبزي محمدا ... ولما نطاعن دونه ونناضل
ونسلمه حتى نصرع حوله ... نذهل عن أبنائنا والحلائل
وينهض قوم في الحديد إليكم ... نهوض الروايا تحت ذات الصلاصل
وحتى ترى ذا الضغن يركب ردعه من الطعن فعلى الأنكب المتحامل
وإما لعمر الله إن جد ما أرى ... لتلتبسن أسيافنا بالأماثل
بكفى فتى مثل الشهاب سميدع ... أخي ثقة حامي الحقيقة باسل
شهورا وأياما وحولا مجرما ... علينا وتأتي حجة بعد قابل
وما ترك قوم لا أبا لك سيدا ... يحوط الذمار غير ذرب مواكل ... وأبيض يستقى الغمام بوجهه ثمال اليتامى عصمة للأرامل ... يلوذ به الهلاف ... من آل هاشم ... فهم عنده في رحمة وفواضل(2/111)
لعمري لقد أجرى أسيد وبكره ... الى بغضنا وجزآنا لآكل
وعثمان لم يربع علينا وقنفذ ... ولكن أطاعا أمر تلك القبائل
أطاعا أبيا وابن عبد يغوثهم ... ولم يرقبا فينا مقالة قائل
كما قد لقينا من سبيع ونوفل ... وكل تولى معرضا لم يجامل
فإن يلقيا او يمكن الله منهما ... نكل لهما صاعا بصاع المكايل
وذاك أبو عمرو ابي غير بغضنا ... ليظغنا في أهل شاء وجامل
يناجي بنا في كل ممسى ومصبح ... فناج ابا عمرو بنا ثم خاتل
ويؤلى لنا بالله ما إن يغشنا ... بلى قد نراه جهرة غير حائل
أضاق عليه بغضنا كل تلعة ... من الأرض بين أخشب فمجادل ... وسائل أبا الوليد ماذا حبوتنا ... بسعيك فينا معرضا كالمخاتل
وكنت أمرأ ممن يعاش برأيه ... ورحمته فينا ولست بجاهل
فعتبة لا تسمع بنا قول كاشح ... حسود كذوب مبغض ذي دغاول
ومر أبو سفيان عني معرضا ... كما مر قيل من عظام المقاول(2/112)
يفر الى نجد وبرد مياهه ... ويزعم أنني لست عنكم بغافل
ويخبرنا فعل المناصح أنه ... شفيق ويخفي عارمات الدواخل
أمطعم لم أخذلك في يوم نجدة ... ولا معظم عند الأمور الجلائل
ولا يوم خصم إذا أتوك ألدة ... أولي جدل من الخصوم المساجل
أمطعم إن القوم ساموك خطة ... وإني متى أو كل فلست بوائل
جزى الله عنا عبد شمس ونوفل ... عقوبة شر عاجلا غير آجل
بميزان قسط لا يخس شعيرة ... له شاهد من نفسه غير عائل
لقد سفهت أحلام قوم تبدلوا ... بني خلف قيضا بنا والغياطل
ونحن الصميم من ذؤابة هاشم ... وآل قصي في الخطوب الأوائل
وسهم ومخزوم تمالوا وألبوا ... علينا العدا من كل طمل وخامل(2/113)
فعبد مناف أنتم خير قومكم ... فلا تشركوا في أمركم كل واغل
لعمري لقد وهنتم وعجزتم ... وجئتم بأمر مخطىء للمفاصل
وكنتم حديثا حطب قدر وانتم الآن ... حطاب أقدر ومراجل
ليهنىء بني عبد مناف عقوقنا ... وخذلاننا وتركنا في المعاقل
فإن نك قوما نثئر ما صنعتم ... وتحتلبوها لقحة غير باهل
وسائط كانت في لؤي بن غالب ... نفاهم إلينا كل صقر حلاحل
ورهط نفيل شر من وطىء الحصى ... وألأم حاف من معد وناعل
فأبلغ قصيا أن سينشر أمرنا ... وبشر قصيا بعدنا بالتخاذل
ولو طرقت ليلا قصيا عظيمة ... إذا ما لجأنا دونهم في المداخل
ولو صدقوا ضربا خلال بيوتهم ... لكنا أسى عند النساء المطافل
فكل صديق وابن أخت نعده ... لعمري وجدنا غبة غير طائل
سوى ان رهطا من كلاب بن مرة ... براء إلينا من معقة خاذل(2/114)
وهنا لهم حتى تبدد جمعهم ... ويحسر عنا كل باغ وجاهل
وكان لنا حوض السقاية فيهم ... ونحن الكدى من غالب والكواهل
شباب من المطيبين وهاشم ... كبيض السيوف بين أيدي الصياقل
فما أدركوا ذخلا ولا سفكوا دما ... ولا حالفوا إلا شرار القبائل
بضرب ترى الفتيان فيه كانهم ... ضواري أسود فوق لحم خرادل
بني أمة محبوبة هندكية ... بني جمح عبيد قيس بن عاقل
ولكننا نسل كرام لسادة ... بهم نعي الأقوام عند البواطل
ونعم ابن أخت القوم غير مكذب ... زهير حساما مفردا من حمائل
أشم من الشم البهاليل ينتمي ... الى حسب في حومة المجد فاضل
لعمري لقد كلفت وجدا بأحمد وإخوته دأب المحب المواصل
فلا زال في الدنيا جمالا لأهلها ... وزينا لمن والاه رب المشاكل
فمن مثله في الناس أي مؤمل ... إذا قاسه الحكام عند التفاضل
حليم رشيد عادل غير طائش ... يوالي إلا ها ليس عنه الغافل
فوالله لولا أن أجيء بسبة ... تجر على أشياخنا في المحافل
لكنا اتبعناه على كل حالة ... من الدهر جدا غير قول التهازل
لقد علموا أن ابننا لا مكذب لدينا ولا يعنى بقول الأباطل(2/115)
فأصبح فينا أحمد في أرومة ... تقصر عنه سورة المتطاول
حدبت بنفسي دونه وحميته ... ودافعت عنه بالذرا والكلاكل
فأيده رب العباد بنصره ... وأظهر دينا حقه غير باطل
رجال كرام غير ميل نماهم ... الى الخير آباه كرام المحاصل
فإن تك كعب من لؤي صقيبة ... فلا بد يوما مرة من تزايل.
قال ابن هشام هذا ما صح لي من هذه القصيدة وبعض أهل العلم بالشعر ينكر أكثرها
الرسول عليه السلام يستقي لأهل المدينة ويد لو أن ابا طالب حي ليرى ذلك قال ابن هشام وحدثني من أثق به قال اقحط أهل المدينة فأتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم فشكوا ذلك إليه فصعد رسول الله صلى الله عليه وسلم المنبر فاستسقى فما لبث أن جاء من المطر ما أتاه أهل الضواحي يشكون منه الغرق فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم اللهم حوالينا ولا علينا فانجاب السحاب عن المدبنة فصار(2/116)
حوليها كلأكليل فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لو أردك أبو طالب هذا اليوم لسره فقال له بعض أصحابه كانك يا رسول الله أردت قوله ... وأبيض يتسقى الغمام بوجهه ... ثمال اليتامى عصمة للأرامل
قال أجل.
قال ابن هشام وقوله وشبرقة عن غير أبن اسحاق
ذكر الأسماء التى وردت في قصيدة ابي طالب قال ابن اسحاق والغياطل من بني سهم بن عمرو بن هصيص وأبو سفيان ابن حرب بن امية ومطعم بن عدي بن نوفل بن عبد مناف وزهير بن ابي أمية بن المغيرة بن عبدالله بن عمر بن مخزوم أمه عاتكة بنت عبد المطلب.
قال ابن إسحاق واسيد وبكره عتاب بن أسيد بن أبي العيص ابن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف بن قصي وعثمان بن عبيد الله أخو طلحة بن عبيد الله التيمي وقنفذ بن عمير بن جدعان بن عمرو بن كعب بن سعد بن تيم بن مرة وأبو الوليد عتبة بن ربيعة وأبو الأخنس بن شريق الثقفي حليف بني زهرة بن كلاب.
قال ابن هشام وإنما سمي الأخنس لأنه خنس بالقوم يوم بدر وإنما اسمه أبي وهو من بني علاج وهو علاج بن ابي سلمة بن عوف بن عقبة والأسود بن عبد يغوث بن وهب بن عبد مناف ابن زهرة بن كلاب وسبيع بن خالد أخو بلحارث بن فهر ونوفل ابن خويلد بن أسد بن عبد العزي بن قصي وهو ابن العدوية وكان من شياطين قريش وهو الذي قرن بين أبي بكر الصديق وطلحة بن عبيد الله رضي الله عنهما في حبل حين أيلما فبذلك كانا يسميان(2/117)
القرينين قتله علي بن ابي طالب عليه السلام يوم بدر وأبو عمرو قرظة بن عبد عمرو بن نوفل بن عبد مناف
وقوم علينا أظنه بنو بكر بن عبد مناة بن كنانة فهؤلاء الذين عدد أبو طالب في شعره من العرب
انتشار ذكر الرسول خارج مكة فلما انتشر أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم في العرب وبلغ البلدان ذكر بالمدينة ولم يكن حي من العرب أعلم بأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم حين ذكر وقبل أن يذكر من هذا الحي من الأوس والخزرج وذلك لما كانوا يسمعون من احبار اليهود وكانوا لهم حلفاء ومعهم في بلادهم فلما وقع ذكره بالمدينة وتحدثوا بما بين قريش فيه من الاختلاف قال ابو قيس بن الأسلت أخو بني واقف
نسب ابن الأسلت قال ابن هشام نسب ابن اسحاق أبا قيس هذا هاهنا الى بني واقف ونسبه في حديث الفيل الى خطمة لأن العرب قد تنسب الرجل الى أخي جده الذي هو أشهر منه(2/118)
قال ابن هشام حدثني أبو عبيدة أن الحكم بن عمرو الغفاري من ولد نعيلة أخي غفار وهو غفار بن مليل ونعيلة بن مليل بن ضمرة بن بكر بن عبد مناة وقد قالوا عتبة بن غزوان السلمي وهو من ولد مازن بن منصور وسليم بن منصور.
قال ابن هشام فأبوا قيس بن الأسلت من بني وائل ووائل وواقف وخطمة إخوة من الأوس
شعر ابن الأسلت في الدفاع عن الرسول صلى الله عليه وسلم قال ابن اسحاق فقال ابو قيس بن الأسلت وكان يحب قريشا وكان لهم صهرا كانت عنده أرنب بنت أسد بن عبد العزى بن قصي وكان يقيم عندهم السنين بامرأته قصيدة يعظم فيها الحرمة وينهى قريشا فيها عن الحرب ويأمرهم بالكف بعضهم عن بعض ويذكر فضلهم وأحلامهم ويأمرهم بالكف عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ويذكرهم بلاء الله عندهم ودفعه عنهم الفيل وكيده عنهم فقال ... يا راكبا إما عرضت فبلغن ... مغلغلة عني لؤي بن غالب
رسول امرئ قد راعه ذات بينكم ... على النأي محزون بذلك ناصب
وقد كان عندي للهموم معرس ... فلم أقض منها حاجتي ومآربي
نبيكم شرجين كل قبيلة ... لها أزمل من بين مذك وحاطب(2/119)
أعيذكم بالله من شر صنعكم ... وشر تباغيكم ودس العقارب
وإظهار أخلاق ونجوى سقيمة ... كوخز الأشافي وقعها حق صائب
فذكرهم بالله أول وهلة ... وإحلال أحرام الظباء الشوازب
وقل لهم والله يحكم حكمة ... ذرو الحرب تذهب عنكم في المراحب
متى تبعثوها تبعثوهها ذميمة ... هي الغول الأقصين أو للأقارب
تقطع أرحاما وتهلك أمة ... وتبرى السديف من سنام وغارب
وتستبدلوا بالأتحمية بعدها ... شليلا وأصداء ثياب المحارب
وبالمسك والكافور غبرا سوابغا ... كأن قتيريها عيون الجنادب
فإياكم والحرب لا تعلقنكم ... حوضا وخيم الماء مر المشارب(2/120)
تزين للأقوام ثم يرونها ... بعاقبة إذ بينت أم صاحب
تحرق لا تشوي ضعيفا وتنتحي ... ذوي العز منكم بالحتوف الصوائب
ألم تعلموا ما كان في حرب داحس ... فتعتبروا أو كان في حرب حاطب
وكم قد أصابت من شريف مسود ... طويل العماد ضيفة غير خائب
عظيم رماد النار يحمد أمره ... وذي شيمة محض كريم المضارب
وماء هريق في الضلال كأنما ... أذاعت به ريح الصبا والجنائب
يخبركم عنها امرؤ حق عالم ... بأيامها والعلم علم التجارب
فبيعوا الحراب ملمحارب واذكروا ... حسابكم والله خير محاسب(2/121)
ولي أمرىء فاختار دينا فلا يكن ... عليكم رقيبا غير رب الثواقب
أقيموا لنا دينا حنيفا فأنتم ... لنا غاية قد يهتدى بالذوائب
وأنتم لهذا الناس نور وعصمة ... تؤمون والأحلام غير عوازب
وأنتم إذا ما حصل الناس جوهر ... لكم سرة البطحاء شم الأرانب
تصونون اجسادا كراما عتيقة ... مهذبة الأنساب غير أشائب
ترى طالب الحاجات نحو بيوتكم ... عصائب هلكى تهتدي بعصائب
لقد علم الأقوام أن سراتكم ... على كل حال خير أهل الجباجب
وأفضله رأيا وأعلاه سنة وأقوله للحق وسط المواكب
فقوما فصلوا ربكم وتمسحوا ... بأركان هذا البيت بين الأخاشب
فعندمكم منه بلاء ومصدق ... غداة أبي يكسوم هادي الكتائب
كتيبته بالسهل تمسي وجله ... على القاذفات في رءوس المناقب
فلما أتاكم نصر ذي العرش ردهم ... جنود المليك بين ساف وحاصب(2/122)
فولوا سراعا هاربين ولم يؤب ... إلى أهله ملحبش غير عصائب
فإن تهلكوا نهلك وتهلك مواسم ... يعاش بها قول امريء غير كاذب.
قال ابن هشام أنشدني بيته وماء هريق وبيته فبيعوا الحراب وقوله ولي أرمىء فاختار وقوله ... على القاذفات في رءوس المناقب
أبو زيد الأنصاري وغيره
حرب داحس ولغبراء قال ابن هشام وأما قوله ... ألم تعلموا ما كان في حرب داحس
فحدثني أبو عبيدة النحوي ان داحسا فرس كان لقيس بن زهير ابن جذيمة بن رواحة بن ربيعة بن الحارث بن مازن بن قطية بن عبس بن بغيض بن ريث بن غطفان أجراه مع فرس لحذيفة بن بدر بن عمرو بن زيد بن جؤية بن لوذان بن ثعلبة بن عدي بن فزارة بن ذيبان بن بغيض بن ريث بن غطفان يقال لها الغبراء فدس حذيفة قوما وأمرهم أن يضربوا وجه داحس إن رأوه قد جاء سابقا فجاء داحس سابقا فضربوا وجهه وجاءت الغبراء فلما جاء فارس داحس أخبر قيسا الخبر فوثب أخوه مالك بن زهير فلطم وجه الغبراء فقام حمل بن بدر فلطم مالكا ثم إن أبا الجنيدب العبسي لقي عوف بن حذيفة فقتله ثم لقي رجل من بني فزارة مالكا فقتله فقال حمل بن بدر أخو حذيفة بن بدر(2/123)
قتلنا بعوف مالكا وهو ثأرنا ... فإن تطلبوا منا سوى الحق تندموا
وهذا البيت في ابيات له وقال الربيع بن زياد العبسي ... أفبعد مقتل مالك بن زهير ... ترجو النساء عواقب الأطهار
وهذا البيت في قصيدة له
فوقعت الحوب بين عبس وفزارة فقتل حذيفة بن بدر وأخوه حمل ابن بدر فقال قيس بن زهير بن جذيمة يرثي حذيفة وجزع عليه ... كم فارس يدعى وليس بفارس ... وعلى الهباءة فارس ذو مصدق(2/124)
فابكوا حذيفة لن ترثوا مثله ... حتى تبيد قبائل لم تخلق
وهذان البيتان في أبيات له وقال قيس بن زهير ... على أن الفتى حمل بن بدر ... بغى والظلم مرتعه وخيم
وهذا البيت في أبيات له وقال الحارث بن زهير أخو قيس بن زهير ... تركت على الهباءة غير فخر ... حذيفة عنده قصد العوالي
وهذا البيت في أبيات له.
قال ابن هشام ويقال أرسل قيس داحسا والغبراء وأرسل حذيفة الخطار والحنفاء والأول أصح الحديثين وهو حديث طويل منعني من استقصائه قطعه حديث سيرة رسول الله صلى الله عليه وسلم
حرب حاطب قال ابن هشام وأما قوله حرب حاطب فيعني حاطب بن الحارث بن قيس بن هيشة بن الحارث بن امية ابن معاوية بن مالك بن عوف بن عمرو بن عوف بن مالك بن الأوس كان قتل يهوديا جارا للخزرج فخرج إليه يزيد بن الحارث ابن قيس بن مالك بن أحمر بن حارثة بن ثعلبة بن كعب بن الخزرج وهو الذي يقال له ابن فسحم وفسحم أمه وهي امرأة من القين بن جسر ليلا في نفر من بني الحارث ابن الخزرج فقتلوه فوقعت الحرب بين الأوس والخزرج فاقتتلوا قتالا شديدا فكان الظفر للخزرج على الأوس وقتل يومئذ سويد بن صامت ابن خالد بن عطية بن حوط بن حبيب بن عمرو بن عوف بن مالك بن الأوس قتله المجذر بن زياد البلوي واسمه عبدالله حليف بني عوف بن الخزرج فلما كان يوم أحد خرج المجذر بن زياد(2/125)
مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وخرج معه الحارث بن سويد بن صامت فوجد الحارث بن سويد غرة من المجذر فقتله بأبيه وسأذكر حديثه في موضعه أن شاء الله تعالى ثم كانت بينهم حروب منعني من ذكرها واستقصاء هذا الحديث ما ذكرت في حديث حرب داحس
شعر حكيم بن امية في نهي قومه عن عداوة الرسول
قال ابن اسحاق وقال حكيم بن أمية بن حارثة بن الأوقص السلمين حليف بني أمية وقد أسلم يورع قومه عما أجمعوا عليه من عداوة رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان فيهم شريفا مطاعا ... هل قائل قولا من الحق قاعد ... عليه وهل غضبان للرشد سامع
وهل سيد ترجو العشيرة نفعه ... لأقصى الموالي والأقارب جامع
تبرأت إلا وجه من يملك الصبا ... وأهجركم ما دام مدل ونازع
وأسلم وجهي للإله ومنطقي ... ولو راعني من الصديق روائع
$ ذكر ما لقي رسول الله صلى الله عليه وسلم من قومه
سفهاء قريش يأذونه قال ابن اسحاق ثم إن قريش اشتد أمرهم للشقاء الذي أصابهم في عداوة رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن اسلم معه منهم فأغروا برسول الله صلى الله عليه وسلم سفهاءهم فكذبوه وآذوه ورموه بالشعر والسحر والكهانة والجنون ورسول الله صلى الله عليه وسلم مظهر لأمر الله لا يستخفي به مباد لهم بما يكرهون من عيب دينهم واعتزال أوثانهم وفراقه إياهم كفرهم(2/126)
أشد ما أوذي به الرسول صلى الله عليه وسلم قال ابن اسحاق فحدثني يحيى بن عروة بن الزبير عن ابيه عروة بن الزبير عن عبد الله بن عمرو بن العاص قال قلت له ما أكثر ما رأيت قريشا أصابوا من رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما كانوا يظهرون من عداوته قال حضرتهم وقد واجتمع أشرافهم يوما في الحجر فذكروا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا ما رأينا مثل ما صبرنا عليه من امر هذا الرجل قط سفه أحلامنا وشتم آباءنا وعاب ديننا وفرق جماعتنا وسن آلهتنا لقد صبرنا منه على أمر عظيم أو كما قالوا فبينا هم في ذلك إذ طلع رسول الله صلى الله عليه وسلم فأقبل يمشي حتى استلم الركن ثم مر بهم طائفا البيت فلما مر بهم غمزوه ببعض القول قال فعرفت ذلك في وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ثم مضى فلما مر بهم الثانية غمزوه بملثها فعرفت ذلك في وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم مر الثالثة فغمزوه بمثلها فوقف ثم قال أتسمعون يا معشر قريش أما والذي نفسي بيده لقد جئتكم بالذبح قال فأخذت القوم كلمته حتى ما منهم رجل إلا كأنما على رأسه طائر واقع حتى إن أشدهم فيه وصاة قبل ذلك ليرفؤه بأحسن ما يجد من القول حتى إنه ليقول انصرف يا ابا القاسم فوالله ما كنت جهولا قال فانصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى إذا كان الغد اجتمعوا في الحجر وأنا معهم فقال بعضهم لبعض ذكرتم ما بلغ منكم وما بلغكم عنه حتى إذا باداكم بما تكرهون تركتموه فبينما هم في ذلك طلع عليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فوثبوا إليه وثبة رجل واحد وأحاطوا به يقولون أنت الذي تقول كذا وكذا لما كان يقول من عيب آلهتهم ودينهم فيقول رسول الله صلى الله عليه وسلم نعم أنا الذي(2/127)
أقول ذلك قال فلقد رأيت رجلا منهم أخذ بجمع ردائه قال فقام أبو بكر رضي الله عنه دونه وهو يبكي ويقول أتقلتون رجلا أن يقول ربي الله ثم انصرفوا عنه فإن ذلك لأشد ما رأيت قريشا نالوا منه قط.
قال ابن إسحاق وحدثني بعض آل أم كلثوم بنت أبي بكر أنها قالت رجع أبو بكر يومئذ وقد صدعوا فرق رأسه مما جبذوه بلحيته وكان كثير الشعر.
قال ابن هشام حدثني بعض أهل العلم أشد ما لقي رسول الله صلى الله عليه وسلم من قريش أنه خرج يوما فلم يلقه أحد من الناس إلا كذبه وآذاه لا حر ولا عبد فرجع رسول الله صلى الله عليه وسلم الى منزله فتدثر من شدة ما اصابه فأنزل الله تعالى عليه {يا أيها المدثر قم فأنذر}
إسلام حمزة رضي الله عنه
سبب إسلامه قال ابن اسحاق حدثني رجل من اسلم كان واعية أن أبا جهل مر برسول الله صلى الله عليه وسلم عند الصفا فآذاه وشتمه ونال منه بعض ما يكره من العيب لدينه والتضعيف لأمره فلم يكلمه رسول الله صلى الله عليه وسلم ومولاة لعبدالله بن جدعان بن عمرو بن كعب بن(2/128)
سعد بن تيم بن مرة في مسكن لها تسمع ذلك ثم انصرف عنه فعمد إلى ناد من قريش عند الكعبة فجلس معهم فلم يلبث حمزة بن عبد المطلب رضي الله عنه ان اقبل متوشحا قوسه راجعا من قنص يرميه ويخرج له وكان إذا رجع من قنصه لم يصل الى أهله حتى يطوف بالكعبة وكان إذا فعل ذلك لم يمر على ناد من قريش إلا وقف وسلم وتحدث معهم وكان أعز فتى في قريش وأشد شكيمة فلما مر بالمولاة وقد رجع رسول الله صلى الله عليه وسلم الى بيته قالت له يا ابا عمارة ولو رأيت ما لقي ابن أخيك محمد آنفا من أبي الحكم بن هشام وجده هاهنا جالسا فآذاه وسبه وبلغ منه ما يكره ثم انصرف عنه ولم يكلمه محمد صلى الله عليه وسلم
فاحتمل حمزة الغضب لما اراد الله به من كرامته فخرج يسعى ولم يقف على احد معدا لأبي جهل إذا لقيه ان يوقع به فلما دخل المسجد نظر اليه جالسا في القوم فأقبل نحوه حتى اذا قام على رأسه رفع القوس فضربه بها فشجه شجة منكرة ثم قال أتشتمه وأنا على دينه اقول ما يقول فرد ذلك علي إن استطعت فقامت رجال من بني مخزوم الى حمزة لينصروا أبا جهل فقال ابو جهل دعوا أبا عمارة فإني والله قد سببت ابن أخيه سبا قبيحا وتم حمزة رضي الله عنه على إسلامه وعلى ما تابع عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم من قوله فلما أسلم حمزة عرفت قريش أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد عز وامتنع وأن حمزة سيمنعه فكفوا عن بعض ما كانوا ينالون منه(2/129)
$ عتبة بن ربيعة يفاوض الرسول صلى الله عليه وسلم
قال ابن اسحاق وحدثني يزيد بن زياد عن محمد بن كعب القرظي قال حدثت أن عتبة بن ربعية وكان سيدا قال يوما وهو جالس في نادي قريش ورسول الله صلى الله عليه وسلم جالس في المسجد وحده يا معشر قريش ألا أقوم الى محمد فأكلمه وأعرض عليه أمورا لعله يقبل بعضها فنعطيه أيها شاء ويكف عنا وذلك حين اسلم حمزة ورأوا أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يزيدون ويكثرون فقال بلى يا أبا الوليد قم إليه فكلمه فقام إليه عتبة حتى جلس الى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال يا ابن أخي إنك منا حيث قد علمت من السلطة في العشيرة والمكان في النسب وإنك أتيت قومك بأمر عظيم فرقت(2/130)
به جماعتهم وسفهت به أحلامهم وعبت به آلهتهم ودينهم وكفرت به من مضى من آبائهم فاسمع مني أعرض عليك أمورا تنظر فيها لعلك تقبل منها بعضها
قال فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم قل يا أبا الوليد أسمع قال يا ابن أخي إن كنت إنما تريد بما جئت به من هذا الأمر مالا جمعنا لك من أموالنا حتى تكون أكثرنا مالا وإن كنت تريد به شرفا سودناك علينا حتى لا نقطع أمرا دونك وإن كنت تريد به ملكا ملكناك علينا وإن كان هذا الذي يأتيك رئيا تراه لا تستيطع رده عن نفسك طلبنا لك الطب وبذلنا فيه أموالنا حتى نبرئك منه فإنه ربما غلب التابع على الرجل حتى يداوى منه أو كما قال له حتى إذا فرغ عتبة ورسول الله صلى الله عليه وسلم يستمع منه قال أقد فرغت يا أبا الوليد قال نعم قال فاسمع مني قال أفعل
فقال بسم الله الرحمن الرحيم {حم تنزيل من الرحمن الرحيم كتاب فصلت آياته قرآنا عربيا لقوم يعلمون بشيرا ونذيرا فأعرض أكثرهم فهم لا يسمعون وقالوا قلوبنا في أكنة مما تدعونا إليه} ثم مضى رسول الله صلى الله عليه وسلم فيها يقرؤها عليه فلما سمعها منه عتبة انصت لها وألقى يديه خلف ظهره معتمدا عليهما بسمع منه ثم انتهى رسول الله صلى الله عليه وسلم الى السجدة منها فسجد ثم قال قد سمعت يا أبا الوليد ما سمعت فأنت وذاك
رأي عتبة فقام عتبة الى أصحابه فقال بعضهم لبعض نحلف بالله لقد جاءكم أبو الوليد بغير الوجه الذي ذهب به فلما جلس إليهم قالوا ما وراءك يا أبا الوليد قال ورائي أني قد سمعت قولا(2/131)
والله ما سمعت مثله قط والله ما هو بالشعر ولا بالسحر ولا بالكهانة يا معشر قريش أطيعوني واجعلوها بي وخلوا بين هذا الرجل وبين ما هو فيه فاعتزلوه فوالله ليكونن لقوله الذي سمعت منه نبأ عظيم فإن تصبه العرب فقد كفيتموه بغيركم وإن يظهر على العرب فملكه ملككم وعزه عزكم وكنتم أسعد الناس به قالوا سحرك والله يا أبا الوليد بلسانه قال هذا رأي فيه فاصنعوا ما بدا لكم
قريش تفتن المسلمين قال ابن اسحاق ثم ان الإسلام جعل يفشو بمكة في فبائل قريش في الرجال والنساء وقريش تحبس من قدرت على حبسه وتفتن من استطاعت فتنته من المسلمين ثم إن أشراف قريش من كل قبيلة كما حدثني بعض أهل العلم عن سعيد ابن جبير وعن عكرمة مولى ابن عباس عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما قال : زعماء قريش تفاوض الرسول صلى الله عليه وسلم اجتمع عتبة بن ربيعة وشيبة بن ربيعة وأبو سفيان بن حرب والنضر بن الحارث أخو بني عبد الدار وابو البختري بن هشام والأسود بن المطلب بن أسد وزمعة بن الأسود والوليد بن المغيرة وأبو جهل بن هشام وعبدالله بن أبي أمية والعاص بن وائل ونبيه ومنبه ابنا الحجاج السهميان وأمية بن خلف أو من اجتمع منهم قال اجتمعوا بعد غروب الشمس عند ظهر الكعبة ثم قال بعضهم لبعض ابعثوا الى محمد فكلموه وخاصموه حتى تعذروا فيه فبعثوا إليه إن أشراف قومك قد اجتمعوا لك ليكلموك فأتهم
فجاءهم رسول الله صلى الله عليه وسلم سريعا وهو يظن أن قد بدا لهم فيما كلمهم فيه بداء وكان عليهم حريصا يحب رشدهم ويعز عليه عنتهم(2/132)
حتى جلس إليهم فقالوا له يا محمد إنا قد بعثنا إليك لنكلمك وإنا والله ما نعلم رجلا من العرب أدخل على قومه مثل ما أدخلت على قومك لقد شتمت الآباء وعبت الدين وشتمت الآلهة وسفهت الأحلام وفرقت الجماعة فما بقي أمر قبيح إلا جئته فيما بيننا وبينك أو كما قالوا له فإن كنت إنما جئت بهذا الحديث تطلب به مالا جمعنا لك من أموالنا حتى تكون أكثرنا مالا وإن كنت إنما تطلب به الشرف فينا فنحن نسودك علينا وإن كنت تريد ملكا ملكناك علينا وإن كان هذا الذي يأتيك رئيا تراه قد غلب عليك وكانوا يسمعون التابع من الجن رئيا فربما كان ذلك بذلنا لك أموالنا في طلب الطب لك حتى نبرئك منه أونعذر فيك فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ما بي ما تقولون ما جئت بما جئتكم به أطلب أموالكم ولا الشرف فيكم ولا الملك عليكم ولكن الله بعثني إليكم رسولا وأنزل علي كتاب وأمرني أن اكون لكم بشيرا ونذيرا فبلغتكم رسالات ربي ونصحت لكم فإن تقبلوا من ما جئتكم به فهو حظكم في الدنيا والاخرة وإن تردوه علي أصبر لأمر الله حتى يحكم الله بيني وبينكم أو كما قال صلى الله عليه وسلم
قالوا يا محمد فإن كنت غير قابل منا شيئا مما عرضناه عليك فإنك قد علمت أنه ليس من الناس أحد أضيق بلدا ولا أقل ماء ولا أشد عيشا منا فسل لنا ربك الذي بعثك بما بعثك به فليسير عنا هذا الجبال التي قد ضيقت علينا وليبسط لنا بلادنا وليفجر لنا فيها أنهارا كأنهار الشام والعراق وليبعث لنا من مضى من آبائنا وليكن فيمن يبعث لنا منهم قصي بن كلاب فإن كان شيخ صدق فنسألهم عما تقول أحق هو ام باطل فإن صدقوك وصنعت ما سألناك صدقناك وعرفنا به منزلتك من الله وأنه بعثك رسولا كما تقول(2/133)
فقال له صلوات الله وسلامه عليه ما بهذا بعثت إليكم من الله إنما جئتكم من الله بما بعثني به وقد بلغتكم ما أرسلت به إليكم فإن تقبلوه فهو حظكم في الدنيا والآخرة وإن تردوه علي أصبر لأمر الله تعالى حتى يحكم الله بيني وبينكم
قالوا فإذا لم تفعل هذا لنا فخذ لنفسك سل ربك بأن يبعث معك ملكا يصدقك بما تقول ويراجعنا عنك وسله فليجعل لك جنانا وقصورا وكنوزا من ذهب وفضة يغنيك بها عما نراك تبتغي فإنك تقوم بالأسواق كما نقوم وتلتمس المعاش منا كما تلتمسه حتى نعرف فضلك ومنزلتك من ربك إن كنت رسولا كما تزعم
فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ما بفاعل وما أنا بالذي يسأل ربه هذا وما بعثت إليكم بهذا ولكن الله بعثني بشيرا ونذيرا أو كما قال فإن تقبلوا ما جئتكم به فهو حظكم في الدنيا والآخرة وإن تردوه علي أصبر لأمر الله حتى يحكم الله بيني وبينكم
قالوا فأسقط السماء علينا كسفا كما زعمت أن ربك إن شاء فعل فإنا لا نؤمن لك إلا أن تفعل
قال فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ذلك الى الله إن شاء أن يفعله بكم فعل
قالوا يا محمد أفما علم ربك أنا سنجلس معك ونسألك عما سألناك عنه ونطلب منك ما نطلب فيتقدم فيعلمك ما تراجعنا به ويخبرك ما هو صانع في ذلك بنا إذ لم نقبل منك ما جئتنا به إنه قد بلغنا أنك إنما يعلمك هذا رجل باليمامة يقال له الرحمن وإنا والله لا نؤمن بالرحمن أبدا فقد أعذرنا إليك يا محمد وإنا والله لا نتركك وما بلغت منا حتى نهلكك أو تهلكنا وقال قائلهم(2/134)
نحن نبعد الملائكة وهي بنات الله وقال قائلهم لن نؤمن لك حتى تأتينا بالله والملائكة قبيلا(2/135)
لما قالوا ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم قام عنهم وقام معه عبدالله بن أبي أمية بن المغيرة بن عبد الله بن عمر بن مخزوم وهو ابن عمته فهو لعاتكة بنت عبد المطلب فقال له يا محمد عرض عليك قومك ما عرضوا فلم تقبله منهم ثم سألوك لأنفسهم أمورا ليعرفوا بها منزلتك من الله كما تقول ويصدقوك ويتبعوك فلم تفعل ثم سألوك أن تأخذ لنفسك ما يعرفون به فضلك عليهم ومنزلتك من الله فلم تفعل ثم سألوك أن تعجل لهم بعض ما تخوفهم به من العذاب فلم تفعل أو كما قال له فوالله لا أومن بك أبدا حتى تتخذ الى السماء سلما ثم ترقى فيه وأنا أنظر إليك حتى تأتيها ثم تأتي معك أربعة من الملائكة يشهدون لك أنك كما تقول وايم الله لو فعلت ذلك ما ظننت أني أصدقك ثم انصرف عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وانصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم الى أهله حزينا آسفا لما فاته مما كان يطمع به من قومه حين دعوه ولما رأى من مباعدتهم إياه
أبو جهل يتوعد الرسول صلى الله عليه وسلم فلما قام عنهم رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ابو جهل يا معشر قريش إن محمدا قد أبى إلا ما ترون من عيب ديننا وشتم آبائنا وتسفيه أحلامنا وشتم آلهتنا وإني أعاهد الله لأجلسن له غدا بحجر ما أطيق حمله أو كما قال فإذا سجد في صلاته فضخت به رأسه فأسلموني عند ذلك أو امنعوني فليصنع بعد ذلك بنو عبد مناف ما بدا لهم قالوا والله لا نسلمك لشيء أبدا فامض لما تريد
فلما أصبح أبو جهل اخذ حجرا كما وصف ثم جلس لرسول(2/136)
الله صلى الله عليه وسلم ينتظره وغدا رسول الله صلى الله عليه وسلم كما كان يغدو وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة وقبلته الى الشام فكان إذا صلى صلى بين الركن اليماني والحجر الأسود وجعل الكعبة بينه وبين الشام فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي وقد غدت قريش فجلسوا في انديتهم ينتظرون ما أبو جهل فاعل فلما سجد رسول الله صلى الله عليه وسلم احتمل أبو جهل الحجر ثم اقبل نحوه حتى إذا دنا منه رجع منهزما منتقعا لونه مرعوبا قد يبست يداه على حجره حتى قذف الحجر من يده وقامت إليه رجال قريش فقالوا له ما لك يا أبا الحكم قال قمت إليه لأفعل به ما قلت لكم البارحة فلما دنوت منه عرض لي دونه فحل من الإبل لا والله ما رأيت مثل هامته ولا مثل قصرته ولا أنيابه لفحل قط فهم بي أن يأكلني.
قال ابن إسحاق فذكر لي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ذلك جبريل عليه السلام لو دنا لأخذه
النضر بن الحارث ينصح قريشا فلما قال لهم ذلك أبو جهل قام النصر بن الحارث بن كلده بن علقمة بن عبد مناف بن عبد الدار بن قصي.
قال ابن هشام ويقال النضر بن الحارث بن علقمة بن كلدة ابن عبد مناف.
قال ابن إسحاق فقال يا معشر قريش إنه والله قد نزل بكم(2/137)
أمر ما أتيتم له بحيلة بعد قد كان محمد فيكم غلاما حدثا أرضاكم فيكم وأصدقكم حديثا وأعظمكم أمانة حتى إذا رأيتم في صدغيه الشيب وجاءكم بما جاءكم به قلتم ساحر لا والله ما هو بساحر لقد رأينا السحرة ونفثهم وعقدهم وقلتم كاهن لا والله ما هو بكاهن قد رأينا الكهنة وتخالجهم وسمعنا سجعهم وقلتم شاعر لا والله ما هو بشاعر قد رأينا الشعر وسمعنا أصنافه كلها هزجه ورجزه وقلتم مجنون لا والله ما هو بمجنون لقد رأينا الجنون فما هو بخنقه ولا وسوسته ولا تخليطه يا معشر قريش فانظروا في شأنكم فإنه والله لقد نزل بكم أمر عظيم
أذى النضر للرسول صلى الله عليه وسلم وكان النضر بن الحارث من شياطين قريش وممن كان يؤذي رسول الله صلى الله عليه وسلم وينصب له العداوة وكان قد قدم الحيرة وتعلم بها أحاديث ملوك الفرس وأحاديث رستم واسبنديار فكان إذا جلس رسول الله صلى الله عليه وسلم مجلسا فذكر فيه بالله وحذر قومه ما أصاب من قبلهم من الأمم من نقمة الله خلفه في مجلسه إذا قام ثم قال أنا والله يا معشر قريش أحسن حديثا منه فهلم إلي فأنا أحدثكم أحسن من حديثه ثم يحدثهم عن ملوك فارس ورستم واسبنديار ثم يقول بماذا محمد أحسن حديثا مني.
قال ابن هشام وهو الذي قال فيما بلغني سأنزل مثل ما أنزل الله.
قال ابن إسحاق وكان ابن عباس رضي الله عنهما يقول فيما بلغني نزل فيه ثمان آيات من القرآن قول الله عز وجل {إذا تتلى عليه آياتنا قال أساطير الأولين} وكل ما ذكر فيه من الأساطير من القرآن(2/138)
قريش تسأل أحبار اليهود في شأنه عليه الصلاة والسلام فلما قال لهم ذلك النضر بن الحارث بعثوه وبعثوا معه عقبة بن أبي معيط الى احبار يهود بالمدينة وقالوا لهما سلاهم عن محمد وصفا لهم صفته وأخبراهم بقوله فإنهم أهل الكتاب الأول وعندهم علم ليس عندنا من علم الأنبياء فخرجا حتى قدما المدينة فسألا أحبار يهود عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ووصفا لهم أمره وأخبراهم ببعض قوله وقالا لهم إنكم أهل التوراة وقد جئناكم لتخبرونا عن صاحبنا هذا
فقالت لهما أحبار يهود سلوه عن ثلاث نأمركم بهن فإن أخبركم بهن فهو نبي مرسل وإن لم يفعل فالرجل متقول فروا فيه رأيكم سلوه عن فتية ذهبوا في الدهر الأول ما كان أمرهم فإنه قد كان لهم حديث عجب وسلوه عن رجل طواف قد بلغ مشارق الأرض ومغاربها ما كان نبؤه وسلوه ما هي فإذا أخبركم بذلك فاتبعوه فإنه نبي وإن لم يفعل فهو رجل متقول فاصنعوا في امره ما بدا لكم
فأقبل النضر بن الحارث وعقبة بن ابي معيط بن ابي عمرو بن امية بن عبد شمس بن عبد مناف بن قصي حتى قدما مكة على قريش فقالا يا معشر قريش قد جئناكم بفصل ما بينكم وبين محمد قد أخبرنا أحبار يهود أن نسأله عن أشياء أمرونا بها فإن أخبركم عنها فهو نبي وإن لم يفعل فالرجل متقول فروا فيه رأيكم(2/139)
قريش تسأل والرسول يجيب فجاءوا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا يا محمد أخبرنا عن فتية ذهبوا في الدهر الأول قد كانت لهم قصة عجب وعن رجل كان طوافا قد بلغ مشارق الأرض ومغاربها وأخبرنا عن الروح ما هي قال فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم أخبركم بما سألتم عنه غدا ولم يستثن فانصرفوا عنه
فمكث رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما يذكرون خمس عشرة ليلة لا يحدث الله إليه في ذلك وحيا ولا يأتيه جبريل حتى أوجف أهل مكة وقالوا وعدنا محمدا غدا واليوم خمس عشرة ليلة قد أصبحنا منها لا يخبرنا بشيء مما سألناه عنه وحتى احزن رسول الله صلى الله عليه وسلم مكث الوحي عنه وشق عليه ما يتكلم به أهل مكة ثم جاءه جبريل من الله عز وجل بسورة اصحاب الكهف فيها معاتبته إياه على حزنه عليهم وخبر ما سألوه عنه من أمر الفتية والرجل الطواف والروح
الرد على قريش فيما سألوه قال ابن اسحاق فذكر لي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لجبريل حين جاءه لقد احتبست عني يا جبريل حتى سؤت ظنا فقال له جبريل {وما نتنزل إلا بأمر ربك له ما بين أيدينا وما خلفنا وما بين ذلك وما كان ربك نسيا} فافتتح السورة تبارك وتعالى بحمده وذكر نبوة رسوله لما أنكروه عليه من ذلك فقال {الحمد لله الذي أنزل على عبده الكتاب} يعنى محمدا صلى الله عليه وسلم إنك رسول مني أي تحقيق لما سألوه عنه من(2/140)
نبوتك {ولم يجعل له عوجا قيما} اي معتدلا لا اختلاف فيه {لينذر بأسا شديدا من لدنه} أي عاجل عقوبته في الدنيا وعذابا أليما في الآخرة أي من عند ربك الذي بعث رسولا {ويبشر المؤمنين الذين يعملون الصالحات أن لهم أجرا حسنا ماكثين فيه أبدا} أي دار الخلد لا يموتون فيها الذين صدقوك بما جئت به مما كذبك به غيرهم وعملوا بما أمرتهم به من الأعمال {وينذر الذين قالوا اتخذ الله ولدا} يعني قريشا في قولهم إنا نعبد الملائكة وهي بنات الله {ما لهم به من علم ولا لآبائهم} الذين أعظموا فراقهم وعيب دينهم {كبرت كلمة تخرج من أفواههم} أي لقولهم إن الملائكة بنات الله {إن يقولون إلا كذبا فلعلك باخع نفسك} يا محمد {على آثارهم إن لم يؤمنوا بهذا الحديث أسفا} أي لحزنه عليهم حين فاته ما كان يرجو منهم أي لا تفعل.
قال ابن هشام باخع نفسك اي مهلك نفسك فيما حدثني أبو عبيدة قال ذو الرمة(2/141)
ألا أيهذاالباخع الوجد نفسه ... لشيء نحته عن يديه المقادر
وجمعه باخعون وبخعة وهذا البيت في قصيدة له وتقول العرب قد بخعت له نصحي ونفسي أي جهدت له {إنا جعلنا ما على الأرض زينة لها لنبلوهم أيهم أحسن عملا}.
قال ابن اسحاق أي أيهم أتبع لأمري وأعمل بطاعتي {وإنا لجاعلون ما عليها صعيدا جرزا} أي الأرض وإن ما عليها لفان وزائل وإن المرجع إلي فأجزي كلا بعمله فلا تأس ولا يحزنك ما تسمع وترى فيها.
قال ابن هشام الصعيد الأرض وجمعه صعد قال ذو الرمة يصف ظبيا صغيرا ... كأنه بالضحى ترمي الصعيد به ... دبابة في عظام الرأس خرطوم
وهذا البيت في قصيدة له والصعيد الطريق وقد جاء في الحديث إياكم والقعود على الصعدات يريد الطرق والجرز الأرض التي لا تنبت شيئا وجمعها أجراز ويقال سنة جرز وسنون أجراز وهي التي لا يكون فيها مطر وتكون فيها جدوبة ويبس وشدة قال ذو الرمة يصف إبلا ... طوى النحز والأجراز ما في بطونها ... فما بقيت إلا الضلوع الجراشع(2/142)
وهذا البيت في قصيدة له
أهل الكهف قال ابن اسحاق ثم استقبل قصة الخبر فيما سألوه عنه من شأن الفتنة فقال {أم حسبت أن أصحاب الكهف والرقيم كانوا من آياتنا عجبا} أي قد كان من آياتي فيما وضعت على العباد من حججي ما هو أعجب من ذلك.
قال ابن هشام والرقيم الكتاب الذي رقم فيه بخبرهم وجمعه رقم قال العجاج ... ومستقر المصحف المرقم
وهذا البيت في أرجوزة له.
قال ابن إسحاق ثم قال تعالى {إذ أوى الفتية إلى الكهف فقالوا ربنا آتنا من لدنك رحمة وهيئ لنا من أمرنا رشدا فضربنا على آذانهم في الكهف سنين عددا ثم بعثناهم لنعلم أي الحزبين أحصى لما لبثوا أمدا}(2/143)
ثم قال تعالى {نحن نقص عليك نبأهم بالحق} أي بصدق الخبر عنهم {إنهم فتية آمنوا بربهم وزدناهم هدى وربطنا على قلوبهم إذ قاموا فقالوا ربنا رب السماوات والأرض لن ندعوا من دونه إلها لقد قلنا إذا شططا} أي لم يشركوا بي كما أشركتم بي ما ليس لكم به علم.
قال ابن هشام والشطط الغلو ومجاوزة الحق قال أعشى بني قيس بن ثعلبة ... لا ينتهون ولا ينهى ذوي شطط ... كالطعن يذهب فيه الزيت والفتل
وهذا البيت في قصيدة له {هؤلاء قومنا اتخذوا من دونه آلهة لولا يأتون عليهم بسلطان بين}.
قال ابن اسحاق أي بحجة بالغة {فمن أظلم ممن افترى على الله كذبا وإذ اعتزلتموهم وما يعبدون إلا الله فأووا إلى الكهف ينشر لكم ربكم من رحمته ويهيئ لكم من أمركم مرفقا وترى الشمس إذا طلعت تزاور عن كهفهم ذات اليمين وإذا غربت تقرضهم ذات الشمال وهم في فجوة منه}(2/144)
قال ابن هشام تزاور تميل وهو من الزور وقال امرؤ القيس ابن جحر ... وإني زعيم إن رجعت مملكا ... بسير ترى منه الفرانق أزورا(2/145)
وهذا البيت في قصيدة له وقال أبو الزحف الكلبي يصف بلدا ... جأب المندى عن هوانا أزور ... ينضي المطايا خمسه العشنزر
وهذا البيتان في ارجوزة له {تقرضهم ذات الشمال} تجاوزهم وتتركهم عن شمالها قال ذو الرمة ... الى ظعن يقرضن أقواز مشرف ... شمالا وعن أيمانهن الفوارس
وهذا البيت في قصيدة له والفجوة السعة وجمعها الفجاء قال الشاعر ... ألبست قومك مخزاة ومنقصة ... حتى أبيحوا وخلوا فجوة الدار
{ذلك من آيات الله} أي في الحجة على من عرف ذلك من امورهم من أهل الكتاب ممن أمر هؤلاء بمسألتك عنهم في صدق نبوتك بتحقيق الخبر عنهم {من يهد الله فهو المهتد ومن يضلل فلن تجد له وليا مرشدا وتحسبهم أيقاظا وهم رقود ونقلبهم ذات اليمين وذات الشمال وكلبهم باسط ذراعيه بالوصيد}.
قال ابن هشام الوصيد الباب قال العبسي واسمه عبيد بن وهب ... بأرض فلاة لا يسد وصيدها ... علي ومعروفي بها غير منكر
وهذا البيت في أبيات له والوصيد أيضا الفناء وجمعه وصائد ووصد ووصدان وأصد وأصدان {لو اطلعت عليهم لوليت منهم فرارا ولملئت منهم رعبا}(2/146)
الى قوله {قال الذين غلبوا على أمرهم} أهل السلطان والملك منهم {لنتخذن عليهم مسجدا سيقولون} يعني أحبار يهود الذين أمروهم بالمسألة عنهم {ثلاثة رابعهم كلبهم ويقولون خمسة سادسهم كلبهم رجما بالغيب} أي لا علم لهم {ويقولون سبعة وثامنهم كلبهم قل ربي أعلم بعدتهم ما يعلمهم إلا قليل فلا تمار فيهم إلا مراء ظاهرا} اي لا تكابرهم {ولا تستفت فيهم منهم أحدا} فإنهم لا علم لهم بهم
{ولا تقولن لشيء إني فاعل ذلك غدا إلا أن يشاء الله واذكر ربك إذا نسيت وقل عسى أن يهدين ربي لأقرب من هذا رشدا} أي ولا تقولن لشيء سألوك عنه كما قلت في هذا إني مخبركم غدا واستثن مشيئة الله واذكر ربك إذا نسيت وقل عسى أن يهدين ربي لخير مما سألتموني عنه رشدا فإنك لا تدري ما أنا صانع في ذلك {ولبثوا في كهفهم ثلاث مائة سنين وازدادوا تسعا} أي(2/147)
سيقولون ذلك {قل الله أعلم بما لبثوا له غيب السماوات والأرض أبصر به وأسمع ما لهم من دونه من ولي ولا يشرك في حكمه أحدا} أي لم يخف عليه شيء مما سألوك عنه
ذو القرنين وقال فيما سألوه عنه من أمر الرجل الطواف {ويسألونك عن ذي القرنين قل سأتلو عليكم منه ذكرا إنا مكنا له في الأرض وآتيناه من كل شيء سببا} حتى انتهى الى آخر قصة خبره
خبر ذي القرنين وكان من خبر ذي القرنين أنه أوتى ما لم يؤت أحد غيره فمدت له الأسباب حتى انتهى من البلاد الى مشارق الأرض ومغاربها لا يطأ أرضا إلا سلط على أهلها حتى انتهى من المشرق والمغرب الى ما ليس وراءه شيء من الخلق.
قال ابن إسحاق فحدثني من يسوق الأحاديث عن الأعاجم فيما(2/148)
توارثوا من علمه أن ذا القرنين كان رجلا من أهل مصر أسمه مرزبان بن مرذبة اليوناني من ولد يونان بن يافث بن نوح.
قال ابن هشام واسمه الإسكندر وهو الذي بني الإسكندرية فنسبت إليه.
قال ابن إسحاق وقد حدثني ثور بن يزيد عن خالد بن معدان الكلاعي وكان رجلا قد أدرك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل عن ذي القرنين فقال ملك مسح الأرض من تحتها بالأسباب
وقال خالد سمع عمر بن الخطاب رضي الله عنه رجلا يقول يا ذا القرنين فقال عمر اللهم غفرا أما رضيتم أن تسموا بالأنبياء حتى تسميتم بالملائكة.
قال ابن إسحاق الله أعلم اي ذلك كان أقال ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم أم لا فإن كان قاله فالحق ما قال : أمر الروح وقال تعالى فيما سألوه عنه من الروح {ويسألونك عن الروح قل الروح من أمر ربي وما أوتيتم من العلم إلا قليلا}.
ما أوتيتم من العلم إلا قليلا قال ابن اسحاق وحدثت عن ابن عباس أنه قال لما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة قالت أحبار يهود يا محمد أرأيت قولك {وما أوتيتم من العلم إلا قليلا} إيانا تريد أم قومك قال كلا قالوا فإنك تتلو فيما جاءك أنا(2/149)
قد أوتينا التوراة فيها بيان كل شيء فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم إنها في علم الله قليل وعندكم في ذلك ما يكفيكم لو اقمتموه قال فأنزل الله تعالى عليه فيما سألوه عنه من ذلك {ولو أنما في الأرض من شجرة أقلام والبحر يمده من بعده سبعة أبحر ما نفدت كلمات الله إن الله عزيز حكيم} أي أن التوراة في هذا من علم الله قليل
تسير الجبال وبعث الموتى قال وأنزل الله تعالى عليه فيما سأله قومه لأنفسهم من تسيير الجبال وتقطيع الأرض وبعث من مضى من آبائهم من الموتى {ولو أن قرآنا سيرت به الجبال أو قطعت به الأرض أو كلم به الموتى بل لله الأمر جميعا} أي لا أصنع من ذلك إلا ما شئت
خذ لنفسك وأنزل عليه في قولهم خذ لنفسك ما سألوه ان يأخذ لنفسه أن يجعل له جنانا وقصورا وكنوزا ويبعث معه ملكا يصدقه بما يقول ويرد عنه {وقالوا ما لهذا الرسول يأكل الطعام ويمشي في الأسواق لولا أنزل إليه ملك فيكون معه نذيرا أو يلقى إليه كنز أو تكون له جنة يأكل منها وقال الظالمون إن تتبعون إلا رجلا مسحورا انظر كيف ضربوا لك الأمثال فضلوا فلا يستطيعون سبيلا تبارك الذي إن شاء جعل لك خيرا من ذلك} أي من أن تمشي في الأسواق وتلتمس المعاش {جنات تجري من تحتها الأنهار ويجعل لك قصورا}.
لو شئت أن اجعل الدنيا مع رسلي لفعلت وأنزل عليه في ذلك من قولهم {وما أرسلنا قبلك من المرسلين إلا إنهم ليأكلون الطعام ويمشون في الأسواق وجعلنا بعضكم لبعض فتنة أتصبرون وكان ربك بصيرا}(2/150)
أي جعلت بعضكم لبعض بلاء لتصبروا ولو شئت أن اجعل الدنيا مع رسلي فلا يخالفوا لفعلت
القرآن يرد على ابن أبي أمية وأنزل الله عليه فيما قال عبدالله ابن أبي أمية {وقالوا لن نؤمن لك حتى تفجر لنا من الأرض ينبوعا أو تكون لك جنة من نخيل وعنب فتفجر الأنهار خلالها تفجيرا أو تسقط السماء كما زعمت علينا كسفا أو تأتي بالله والملائكة قبيلا أو يكون لك بيت من زخرف أو ترقى في السماء ولن نؤمن لرقيك حتى تنزل علينا كتابا نقرؤه قل سبحان ربي هل كنت إلا بشرا رسولا}.
قال ابن هشام الينبوع ما نبع من الماء من الأرض وغيرها وجمعه ينابيع قال ابن هرمة واسمه ابراهيم بن علي الفهري ... وإذا هرقت بكل دار عبرة ... نزف الشئون ودمعك الينبوع
وهذا البيت في قصيدة له والكسف القطع من العذاب وواحدته كسفه مثل سدرة وسدر وهي أيضا وحدة الكسف والقيبل يكون مقابلة ومعاينة وهو كقوله تعالى {أو يأتيهم العذاب قبلا} اي عيانا وأنشدني أبو عبيدة لأعشى بني قيس بن ثعلبة ... أصالحكم حتى تبوءوا بمثلها ... كصرخة حبلى يسرتها قبيلها(2/151)
يعني القابلة لأنها تقابلها وتقبل ولدها وهذا البيت في قصيدة له ويقال القبيل جمعه قبل وهي الجماعات وفي كتاب الله تعالى {وحشرنا عليهم كل شيء قبلا} فقبل جمع قبيل مثل سبل جمع سبيل وسرر جمع سرير قمص جمع قميص والقبيل أيضا في مثل من الأمثال وهو قولهم ما يعرف قبيلا من دبير أي لا يعرف ما أقبل مما ادبر قال الكميت بن زيد ... تفرقت الأمور بوجهتيهم ... فما عرفوا الدبير من القبيل
وهذا البيت في قصيدة له ويقال إنما أريد بهذا القبيل الفتل فما فتل الى الذارع فهو القبيل وما فتل الى أطراف الأصابع فهو الدبير وهو من الإقبال والإدبار الذي ذكرت ويقال فتل المغزل فإذا فتل المغزل الى الركبة فهو القبيل وإذا فتل الى الورك فهو الدبير والقبيل ايضا قوم الرجل والزخرف الذهب والمزخرف المزين بالذهب قال العجاج ... من طلل أمسى تخال المصحفا ... رسومه والمذهب المزخرفا
وهذان البيتان في أرجوزة له ويقال أيضا لكل مزين مزخرف
نفي القرآن أن رجلا من اليمامة يعلمه قال ابن اسحاق وأنزل في قولهم إنا قد بلغنا أنك إنما يعلمك رجل باليمامة يقال له الرحمن ولن نؤمن به ابدا {كذلك أرسلناك في أمة قد خلت من قبلها أمم لتتلو عليهم الذي أوحينا إليك وهم يكفرون بالرحمن قل هو ربي لا إله إلا هو عليه توكلت وإليه متاب}(2/152)
ما نزل في أبي جهل وأنزل عليه فيما قال أبو جهل بن هشام وما هم به {أرأيت الذي ينهى عبدا إذا صلى أرأيت إن كان على الهدى أو أمر بالتقوى أرأيت إن كذب وتولى ألم يعلم بأن الله يرى كلا لئن لم ينته لنسفعا بالناصية ناصية كاذبة خاطئة فليدع ناديه سندع الزبانية كلا لا تطعه واسجد واقترب}.
قال ابن هشام لنسفعا لنجذبن ولنأخذن قال الشاعر ... قوم إذا سمعوا الصراخ رأيتهم ... من بين ملجم مهره أو سافع
والنادي المجلس الذي يجتمع فيه القوم ويقضون فيه أمورهم وفي كتاب الله تعالى {وتأتون في ناديكم المنكر} وهو الندي قال عبيد بن الأبرص ... أذهب إليك فإن من بني أسد ... أهل الندي وأهل الجود والنادي
وفي كتاب الله تعالى {وأحسن نديا} وجمعه أندية فليدع أهل ناديه كما قال تعالى {واسأل القرية} يريد أهل القرية قال سلامه بن جندل أحد بني سعد بن زيد مناة بن تميم ... يومان يوما مقامات وأندية ... ويوم سير الى الأعداء تأويب
وهذا البيت في قصيدة له وقال الكميت بن زيد ... لا مهاذير في الندي مكاثير ... ولا مصمتين بالإفحام ... وهذا البيت في قصيدة له ويقال النادي الجلساء الزبانية الغلاظ(2/153)
الشداد وهم في هذا الموضع خزنة النار والزبانية أيضا في الدنيا أعوان الرجل الذين يخدمونه ويعينونه والواحد زبنية قال ابن الزبعرى في ذلك ... مطاعيم في المقرى مطاعين في الوغى ... زبانية غلب عظام حلومها
يقول شداد وهذا البيت في أبيات له وقال صخر بن عبدالله الهذلي وهو صخر الغي ... ومن كبير نفر زبانية ... وهذا البيت في أبيات له.
قال ابن إسحاق وأنزل الله تعالى عليه فيما عرضوا عليه من اموالهم {قل ما سألتكم من أجر فهو لكم إن أجري إلا على الله وهو على كل شيء شهيد}.
استكبار قريش عن الإيمان بالرسول صلى الله عليه وسلم فلما جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم بما عرفوا من الحق وعرفوا صدقه فيما حدث وموقع نبوته فيما جاءعهم به من علم الغيوب حين سألوه عما سألوه عنه حال الحسد منهم له بينهم وبين اتباعه وتصديقه فعتوا على الله وتركوا(2/154)
أمره عيانا ولجوا فيما هم عليه من الكفر فقال قائلهم {لا تسمعوا لهذا القرآن والغوا فيه لعلكم تغلبون} أي اجعلوه لغوا وباطلا واتخذوه هزوا لعلكم تغلبونه بذلك فإنكم إن ناظرتموه أو خاصمتموه يوما غلبكم
فقال ابو جهل يوما يهزأ برسول الله صلى الله عليه وسلم وما جاء من الحق يا معشر قريش يزعم محمد أنما جنود الله الذين يعذبونكم في النار يحبسونكم فيها تسعة عشر وأنتم أكثر الناس عددا وكثرة أفيعجز كل مائة رجل منكم عن رجل منهم فأنزل الله تعالى عليه في ذلك من قوله {وما جعلنا أصحاب النار إلا ملائكة وما جعلنا عدتهم إلا فتنة للذين كفروا} الى آخر القصة فلما قال ذلك بعضهم لبعض جعلوا إذا جهر رسول الله صلى الله عليه وسلم بالقرآن وهو يصلي يتفرقون عنه ويأبون أن يستمعوا له فكان الرجل منهم إذا أراد أن يستمع من رسول الله صلى الله عليه وسلم بعض ما يتلو من القرآن وهو يصلي استرق السمع دونهم فرقا منهم فإن رأى أنهم قد عرفوا أنه يستمع منه ذهب خشية أذاهم فلم يستمع وإن خفض رسول الله صلى الله عليه وسلم صوته فظن الذي يستمع أنهم لا يستمعون شيئا من قراءته وسمع هو شيئا دونهم أصاخ له يستمع منه.
قال ابن إسحاق حدثني داود بن الحصين مولى عمر بن عثمان ان عكرمة مولى ابن عباس حدثهم أن عبدالله بن عباس رضي الله عنهما حدثهم إنما أنزلت هذه الآية {ولا تجهر بصلاتك ولا تخافت بها وابتغ بين ذلك سبيلا} من اجل أولئك النفر يقول لا تجهر بصلاتك فيتفرقوا عنك ولا تخافت بها فلا يسمعها من يحب أن يسمعها ممن يسترق ذلك دونهم لعله يرعوي الى بعض ما يسمع فينتفع به(2/155)
$ أول من جهر بالقرآن
قال ابن اسحاق وحدثني يحيى بن عروة بن الزبير عن أبيه قال كان أول من جهر بالقرآن بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة عبدالله ابن مسعود رضي الله عنه قال اجتمع يوما أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا والله ما سمعت قريش هذا القرآن يجهر لها به قط فمن رجل يسمعهموه فقال عبدالله بن مسعود أنا قالوا إنا نخشاهم عليك إنما نريد رجلا له عشيرة يمنعونه من القوم إن أرادوه قال دعوني فإن الله سيمنعني قال فغدا ابن مسعود حتى أتى المقام في الضحى وقريش في أنديتها حتى قام عند المقام ثم قرأ {بسم الله الرحمن الرحيم} رافعا بها صوته {الرحمن علم القرآن} قال ثم استقبلها يقرؤها قال فتأملوه فجلعوا يقولون ما ذا قال ابن أم عبد قال ثم قالوا إنه ليتلو بعض ما جاء به محمد فقاموا إليه فجعلوا يضربون في وجهه وجعل يقرأ حتى بلغ منها ما شاء الله أن يبلغ ثم انصرف الى اصحابه وقد أثروا في وجهه فقالوا له هذا الذي خشينا عليك فقال ما كان أعداء الله أهون علي منهم الان ولئن شئتم لأغادينهم بمثلها غدا قالوا لا حسبك قد أسمعتهم ما يكروهون
قصة استماع قريش الى قراءة النبي صلى الله عليه وسلم.
قال ابن إسحاق وحدثني محمد بن مسلم بن شهاب الزهري انه حدث أن أبا سفيان بن حرب وابا جهل بن هشام والأخنس بن شريق بن عمرو بن وهب الثقفي حليف بني زهرة خرجوا ليلة ليستمعوا من رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يصلي من الليل في(2/156)
بيته فأخذ كل رجل منهم مجلسا يستمع فيه وكل لا يعلم بمكان صاحبه فباتوا يستمعون له حتى إذا طلع الفجر تفرقوا فجمعهم الطريق فتلاوموا وقال بعضهم لبعض لا تعودوا فلو رآكم بعض سفهائكم لأوقعتم في نفسه شيئا ثم انصرفوا حتى إذا كانت الليلة الثانية عاد كل رجل منهم الى مجلسه فباتوا يستمعون له حتى إذا طلع الفجر تفرقوا فجمعهم الطريق فقال بعضهم لبعض مثل ما قالوا اول مرة ثم انصرفوا حتى إذا كانت الليلة الثالثة أخذ كل رجل منهم مجلسه فباتوا يستمعون له حتى إذا طلع الفجر تفرقوا فجمعهم الطريق فقال بعضهم لبعض لا نبرح حتى نتعاهد ألا نعود على ذلك ثم تفرقوا
الأخنس يستفهم عما سمعه فلما اصبح الأخنس بن شريق أخذ عصاه ثم خرج حتى أتى أبا سفيان في بيته فقال أخبرني يا أبا حنظلة عن رأيك فيما سمعت من محمد فقال يا أبا ثعلبة والله لقد سمعت أشياء أعرفها وأعرف ما يراد بها وسمعت أشياء ما عرفت معناها ولا ما يراد بها قال الأخنس وأنا والذي حلفت به
قال ثم خرج من عنده حتى أتى أبا جهل فدخل عليه بيته فقال يا أبا الحكم ما رأيك فيما سمعت من محمد فقال ماذا سمعت تنازعنا نحن وبنو عبد مناف الشرف أطعموا فأطعمنا وحملوا فحلمنا وأعطوا فأعطينا حتى إذا تحازينا على الركب وكنا كفرسي رهان قالوا منا نبي يأتيه الوحي من السماء فمتى ندرك مثل هذه والله لا نؤمن به أبدا ولا نصدقه قال فقام عنه الأخنس وتركه(2/157)
تعنت قريش عند سماعهم القرآن وما نزل فيهم قال ابن اسحاق وكان رسول الله صلى الله عله وسلم إذا تلا عليهم القرأن ودعاهم الى الله قالوا يهزءون به {قلوبنا في أكنة مما تدعونا إليه} لا نفقه ما تقول {وفي آذاننا وقر} لا نسمع ما تقول {ومن بيننا وبينك حجاب} قد حال بيننا وبينك {فاعمل} بم انت عليه {إننا عاملون} بما نحن عليه إنا لا نفقه عنك شيئا فأنزل الله تعالى عليه في ذلك من قولهم {وإذا قرأت القرآن جعلنا بينك وبين الذين لا يؤمنون بالآخرة حجابا مستورا} الى قوله {وإذا ذكرت ربك في القرآن وحده ولوا على أدبارهم نفورا} أي كيف فهموا توحيدك ربك إن كنت جعلت على قلوبهم أكنة هو في آذانهم وقرا وبينك وبينهم حجابا بزعمهم أي إني لم افعل ذلك {نحن أعلم بما يستمعون به إذ يستمعون إليك وإذ هم نجوى إذ يقول الظالمون إن تتبعون إلا رجلا مسحورا} أي ذلك ما تواصوا به من ترك ما بعثك به إليهم {انظر كيف ضربوا لك الأمثال فضلوا فلا يستطيعون سبيلا} أي أخطئوا المثل الذي ضربوا لك فلا يصيبون به هدى ولا يعتدل لهم فيه قول {وقالوا أئذا كنا عظاما ورفاتا أئنا لمبعوثون خلقا جديدا} أي قد جئت تخبرنا أنا سنبعث بعد موتنا إذا كنا عظاما ورفاتا وذلك ما لا يكون {قل كونوا حجارة أو حديدا أو خلقا مما يكبر في صدوركم فسيقولون من يعيدنا قل الذي فطركم أول مرة} أي الذي خلقكم مما تعرفون فليس خلقكم من تراب بأعز من ذلك عليه(2/158)
قال ابن إسحاق : حدثني عبدالله بن أبي نجيح عن مجاهد عن ابن عباس رضي الله عنهما قال سألته عن قول الله تعالى {أو خلقا مما يكبر في صدوركم} ما الذي أراد به الله فقال الموت
ذكر عدوان المشركين على المستضعفين ممن أسلم بالأذى والفتنة
قال ابن اسحاق ثم إنهم عدوا على من أسلم واتبع رسول الله صلى الله عليه وسلم من اصحابه فوثبت كل قبيلة على من فيها من المسلمين فجعلوا يحبسونهم ويعذبونهم بالضرب والجوع والعطش وبرمضاء مكة إذا اشتد الحر من استضعفوا منهم يفتنونهم عن دينهم فمنهم من يفتن من شدة البلاء الذي يصيبه ومنهم من يصلب لهم ويعصمه الله منهم
ما لقيه بلال وتخليص أبي بكر له وكان بلال مولى أبي بكر رضي الله عنهما لبعض بني جمح مولدا من مولديهم وهو بلال بن رباح وكان اسم أمه حمامة وكان صادق الإسلام طاهر القلب وكان أمية بن وهب بن حذافة بن جمح يخرجه إذا حميت(2/159)
الظهيرة في بطحاء مكة ثم يأمر بالصخرة العظيمة فتوضع على صدره ثم يقول له لا تزال هكذا حتى تموت أو تكفر بمحمد وتعبد اللات والعزى فيقول وهو في ذلك البلاء أحد أحد.
قال ابن إسحاق وحدثني هشام بن عروة عن أبيه قال كان ورقة بن نوفل يمر به وهو يعذب بذلك وهو يقول أحد أحد فيقول أحد أحد والله يا بلال ثم يقبل على أمية بن خلف ومن يصنع ذلك به من بني جمح فيقول أحلف بالله لئن قتلتموه على هذا لأتخذنه حنانا حتى مر به أبو بكر الصديق ابن أبي قحافة رضي الله عنه يوما وهم يصنعون ذلك به وكانت دار أبي بكر في بني جمح فقال لأمية بن خلف ألا تتقي الله في هذا المسكين حتى متى قال أنت الذي أفسدته فأنقذه مما ترى فقال أبو بكر أفعل عندي غلام أسود أجلد منه وأقوى على دينك أعطيكه به قال قد قبلت فقال هو لك فأعطاه أبو بكر الصديق رضي الله عنه غلامه ذلك وأخذه فأعتقه
من أعتقهم ابو بكر ثم أعتق معه على الإسلام قبل أن يهاجر الى المدينة ست رقاب بلال سابعهم عامر بن فهيرة شهد بدر واحدا وقتل يوم بئر معونة شهيدا وأم عبيس وزنيرة وأصيب(2/160)
بصرها حين أعتقها فقالت قريش ما أذهب بصرها إلا اللات والعزى فقالت كذبوا وبيت الله ما تضر اللات والعزى وما تنفعان فرد الله بصرها
وأعتق الهدية وبنتها وكانتا لامرأة من بني عبد الدار فمر بهما وقد بعثتهما سيدتهما بطحين لها وهي تقول والله لا أعتقهما ابدا فقال ابو بكر رضي الله عنه حل يا أم فلان فقالت حل أنت أفسدتهما فأعتقهما قال فبكم هما قال بكذا وكذا قال وقد أخذتهما وهما حرتان أرجعا إليها طحينها قالتا أو نفرغ منه يا أبا بكر ثم نرده إليها قال وذلك إن شئتما
ومر بجارية بني مؤمل حي من بني كعب وكانت مسلمة وعمر بن الخطاب يعذبها لتترك الإسلام وهو يومئذ مشرك وهو يضربها حتى إذا مل قال إني أعتذر إليك إني لم أتركك إلا ملالة فتقول كذلك فعل الله بك فابتاعها أبو بكر فأعتقها
أبو قحافة يلوم أبا بكر قال ابن اسحاق وحدثني محمد ابن عبد المطلب بن أبي عتيق عن عامر بن عبدالله بن الزبير عن بعض أهله قال : قال ابو قحافة لأبي بكر يا بني إني أراك تعتق رقابا ضعافا فلو أنك إذا ما فعلت أعتقت رجالا جلدا يمنعونك ويقومون دونك فقال ابو بكر رضي الله عنه يا أبت إني إنما أريد ما أريد لله(2/161)
عز وجل قال فيتحدث أنه ما نزل هؤلاء الآيات إلا فيه وفيما قال له أبوه {فأما من أعطى واتقى وصدق بالحسنى} الى قوله تعالى {وما لأحد عنده من نعمة تجزى إلا ابتغاء وجه ربه الأعلى ولسوف يرضى}.
تعذيب آل ياسر قال ابن اسحاق وكانت بنو مخزوم يخرجون بعمار بن ياسر وبأبيه وأمه وكانوا أهل بيت إسلام إذا حميت الظهيرة يعذبونهم برمضاء مكة فيمر بهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فيقول فيما بلغني صبرا آل ياسر موعدكم الجنة فأما أمه فقتلوها وهي تأبى إلا الإسلام
وكان أبو جهل الفاسق الذي يغري بهم في رجال من قريش إذا سمع بالرجل قد أسلم له شرف ومنعة أنبه وأخزاه وقال تركت دين أبيك وهو خير منك لنسفهن حلمك ولنفيلن رأيك ولنضعن شرفك وإن كان تاجرا قال والله لنكسدن تجارتك ولنهلكن مالك وإن كان ضعيفا ضربه وأغرى به
فتنة المسلمين قال ابن اسحاق وحدثني حكيم بن جبير عن سعيد بن جبير قال قلت لعبد الله بن عباس أكان المشركون يبلغون(2/162)
من اصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم من العذاب ما يعذرون به في ترك دينهم قال نعم والله إن كانوا ليضربون أحدهم ويجيعونه ويعطشونه حتى ما يقدر أن يستوي جالسا من شدة الضر الذي نزل به حتى يعطيهم ما سألوه من الفتنة حتى يقولوا له آللات والعزى إلهك من دون الله فيقول نعم حتى إن الجعل ليمر بهم فيقولون له اهذا الجعل إلهك من دون الله فيقول نعم افتداء منهم مما يبلغون من جهده
هشام يرفض تسليم الوليد الى قريش قال ابن اسحاق وحدثني الزبير بن عكاشة أبي احمد أنه حدث أن رجالا من بني مخزوم مشوا الى هشام بن الوليد حين أسلم أخوه الوليد بن الوليد وكانوا قد أجمعوا على أن يأخذوا فتية منهم كانوا قد أسلموا منهم سلمة ابن هشام وعياش بن أبي ربيعة قال فقالوا له وخشوا شرهم إنا قدا أردنا أن نعاتب هؤلاء الفتية على هذا الدين الذي أحدثوا فإنا نأمن بذلك في غيرهم قال هذا فعليكم به فعاتبوه وإياكم ونفسه وأنشأ يقول ... ألا لا يقتلن أخي عييش ... فيبقى بيننا أبدا تلاحي
احذروا على نفسه فأقسم بالله لأن قتلتموه لأقتلن أشرفكم رجلا قال فقالوا اللهم العنه من يغرر بهذا الخبيث فوالله لو أصيب في أيدينا لقتل أشرفنا رجلا قال فتركوه ونزعوا عنه قال وكان ذلك مما دفع الله به عنهم(2/163)
$ ذكر الهجرة الأولى الى أرض الحبشة
قال ابن اسحاق فلما راى رسول الله صلى الله عليه وسلم ما يصيب أصحابه من البلاء وما هو فيه من العافية بمكانه من الله ومن عمه أبي طالب وأنه لا يقدر أن يمنعهم مما هم فيه من البلاء قال لهم لو خرجتم الى ارض الحبشة فإن بها ملكا لا يظلم عنده أحد وهي أرض صدق حتى يجعل الله لكم فرجا مما أنتم فخرج عند ذلك المسلمون من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم الى أرض الحبشة مخافة الفتنة وفرارا الى الله بدينهم فكانت أول هجرة كانت في الإسلام
أوائل المهاجرين الى الحبشة وكان اول من خرج من المسلمين من بني أمية بن عبد شمس بن عبد مناف بن قصي بن كلاب بن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب بن فهر عثمان بن عفان بن أبي العاص بن امية معه امرأته رقية بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم
ومن بني عبد شمس بن عبد مناف أبو حذيفة بن عتبة بن ربيعة ابن عبد شمس معه امرأته سهلة بنت سهيل بن عمرو أحد بني عامر بن لؤي ولدت له بأرض الحبشة محمد بن ابي حذيفة ومن بني أسد بن عبد العزى بن قصي الزبير بن العوام بن خويلد بن أسد ومن بني عبدالدار بن قصي مصعب بن عمير بن هاشم ابن عبدمناف بن عبد الدار ومن بني زهرة بن كلاب عبد الرحمن ابن عوف بن عبد عوف بن عبد بن الحارث بن زهرة ومن بني مخزوم بن يقظة بن مرة أبو سلمة بن عبد السد بن هلال بن(2/164)
عبدالله بن عمر بن مخزوم ومعه أمرأته أم سلمة بنت أبي أمية بن المغيرة بن عبد الله بن عمر بن مخزوم ومن بني جمح بن عمرو ابن هصيص بن كعب عثمان بن مظعون بن حبيب بن وهب بن حذافة بن جمح ومن بني عدي بن كعب عامر بن ربيعة حليف آل الخطاب من عنز بن وائل معه امرأته ليلى بنت ابي حثمة ابن حذافة بن غانم بن عامر بن عبدالله بن عوف بن عبيد بن عويج ابن عدي بن كعب ومن بني عامر بن لؤي ابو سبرة بن أبي رهم بن عبد العزى بن أبي قيس بن عبد ود بن نصر بن مالك ابن حسل بن عامر ويقال بل ابو حاطب بن عمرو بن عبد شمس ابن عبد ود بن نصر بن مالك بن حسل بن عامر ويقال هو أول من قدمها ومن بني الحارث بن فهر سهيل بن بيضاء سهيل ابن وهب بن ربيعة بن هلال بن أهيب بن ضبه بن الحارث فكان هؤلاء العشرة أول من خرج من المسلمين الى ارض الحبشة فيما بلغني.
قال ابن هشام وكان عليهم عثمان بن مظعون فيما ذكر لي بعض أهل العلم.
قال ابن إسحاق ثم خرج جعفر بن ابي طالب رضي الله عنه وتتابع المسلمون حتى اجتمعوا بأرض الحبشة فكانوا بها منهم من خرج بأهله معه ومنهم من خرج بنفسه لا أهل له معه
المهاجرون من بني هاشم ومن بني هاشم بن عبد مناف بن قصي بن كلاب بن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب بن فهر جعفر ابن ابي طالب بن عبد المطلب بن هاشم معه امرأته أسماء بنت عميس بن النعمان بن كعب بن مالك بن قحافة بن خثعم ولدت له بأرض الحبشة عبدالله بن جعفر رجل(2/165)
المهاجرون من بني أمية ومن بني أمية بن عبد شمس بن عبد مناف عثمان بن عفان بن أبي العاص بن امية بن عبد شمس معه امراته رقية ابنة رسول الله صلى الله عليه وسلم وعمرو بن سعيد بن العاص ابن امية معه امرأته فاطمة بنت صفوان بن امية بن محرث بن شق بن رقبة بن مخدج الكناني وأخوه خالد بن سعيد بن العاص أبن أمية معه امرأته أمينة بنت خلف بن أسعد بن عامر بن بياضة ابن سبيع بن جعثمة بن سعد بن مليح بن عمرو من خزاعة.
قال ابن هشام ويقال همينة بنت خلف.
قال ابن إسحاق ولدت له بأرض الحبشة سعيد بن خالد وأمه بنت خالد فتزوج أمه بعد ذلك الزبير بن العوام فولدت له عمرو ابن الزبير وخالد بن الزبير
المهاجرون من بني أسد ومن حلفائهم من بني أسد بن خزيمة عبدالله بن جحش بن رئاب بن يعمر بن صبرة بن مرة بن كبير ابن غنم بن دودان بن اسد وأخوه عبيد الله بن جحش معه امراته أم حبيبة بنت أبي سفيان بن حرب بن أمية وقيس بن عبد الله رجل من بني أسد بن خزيمة معه أمرأته بركة بنت يسار مولاة ابي سفيان ابن حرب بن امية ومعيقيب بن ابي فاطمة وهؤلاء آل سعيد بن العاص سبعة نفر.
قال ابن هشام ومعيقيب من دوس
المهاجرون من بني عبد شمس قال ابن اسحاق ومن بين عبد شمس بن عبد مناف ابو حذيفة بن عتبة بن ربيعة بن عبد(2/166)
شمس وأبو موسى الأشعري واسمه عبدالله بن قيس حليف آل عتبة بن ربيعة رجلان
المهاجرون من بني نوفل ومن بني نوفل بن عبد مناف عتبة ابن غزوان بن جابر بن وهب بن نسيب بن مالك بن الحارث بن مازن بن منصور بن عكرمة بن خصفة بن قيس بن عيلان حليف لهم رجل
المهاجرون من بني أسد ومن بني أسد بن عبد العزى بن قصي الزبير بن العوام بن خويلد بن اسد والأسود بن نوفل بن خويلد بن اسد ويزيد بن زمعة بن الأسود بن عبدالمطلب بن أسد وعمر بن أمية بن الحارث بن اسد أربعة نفر
المهاجرون من بني عبد بن قصي ومن بني عبد بن قصي طليب بن عمير بن وهب بن ابي كبير بن عبد بن قصي رجل
المهاجرون من بني عبد الدار بن قصي ومن بني عبد الدار ابن قصي مصعب بن عمير بن هاشم بن عبد مناف بن عبد الدار وسويبط بن حرملة بن مالك بن عميلة بن السباق بن عبد الدار وجهم بن قيس بن عبد شرحبيل بن هاشم بن عبد مناف بن عبد الدار معه امرأته ام حرملة بنت عبد الأسود بن جذيمة بن اقيش ابن عامر بن بياضة بن سبيع بن جعثمة بن سعد بن مليح بن عمرو(2/167)
من خزاعة وابناه عمرو بن جهم وخزيمة بن جهم وأبو الروم بن عمير بن هاشم بن عبد مناف بن عبد الدار وفراس بن النضر بن الحارث بن كلدة بن علقمة بن عبد مناف بن عبد الدار خمسة نفر
المهاجرون من بني زهرة ومن بني زهرة بن كلاب عبد الرحمن بن عوف بن عبد عوف بن عبد بن الحارث بن زهرة وعامر بن ابي وقاص وأبو وقاص مالك بن أهيب بن عبد مناف ابن زهرة والمطلب بن أزهر بن عبد عوف بن عبد بن الحارث ابن زهرة معه امراته رملة بنت أبي عوف بن ضبيرة بن سعيد بن سعد بن سهم ولدت له بأرض الحبشة عبدالله بن المطلب
المهاجرون من بني هذيل ومن حلفائهم من هذيل عبدالله ابن مسعود بن الحارث بن شمخ بن مخزوم بن صاهلة بن كاهل ابن الحراث بن تميم بن سعد بن هذيل وأخوه عتبة بن مسعود
المهاجرون من بهراء ومن بهراء المقداد بن عمرو بن ثعلبة ابن مالك بن ربيعة بن ثمامة بن مطرود بن عمرو بن سعد بن زهير بن لؤي بن ثعلبة بن مالك بن الشريد بن ابي أهوز بن أبي فائش بن دريم بن القين بن أهود بن بهراء بن عمرو بن الحاف ابن قضاعة.
قال ابن هشام ويقال هزل بن فاس بن ذر ودهير بن ثور.
قال ابن إسحاق وكان يقال له المقداد بن الأسود بن عبد يغوث(2/168)
ابن وهب بن عبد مناف بن زهرة وذلك أنه تبناه في الجاهلية وحالفه ستة نفر
المهاجرون من بني تيم ومن بني تيم بن مرة الحارث بن خالد بن صخر بن عامر بن عمرو بن كعب بن سعد بن تيم معه امرأته ريطة بنت الحارث بن جبلة بن عامر بن كعب بن سعد بن تيم ولدت له بأرض الحبشة موسى بن الحارث وعائشة بنت الحارث وزينب بنت الحارث وفاطمة بنت الحارث وعمرو بن عثمان بن عمرو بن كعب بن سعد بن تيم رجلان
المهاجرون من بني مخزوم ومن بني مخزوم بن يقظة بن مرة أبو سلمة بن عبد الأسد بن هلال بن عبدالله بن عمر بن مخزوم ومعه امرأته ام سلمة بنت أبي أمية بن المغيرة بن عبدالله بن عمر ابن مخزوم ولدت له بأرض الحبشة زينب بنت ابي سلمة واسم ابي سلمة عبد الله واسم أم سلمة هند وشماس بن عثمان بن الشريد ابن سويد بن هرمي بن مخزوم
خبر الشماس قال ابن هشام واسم شماس عثمان وإنما سمي شماسا لأن شماسا من الشمامسة قدم مكة في الجاهلية وكان جميلا فعجب الناس من جمله فقال عتبة بن ربيعة وكان خال شماس أنا آتيكم بشماس أحسن منه فجاء بابن اخته عثمان بن عثمان فسمي شماسا فيما ذكر ابن شهاب وغيره.
قال ابن إسحاق وهبار بن سفيان بن عبد الأسد بن هلال بن عبدالله بن عمر بن مخزوم وأخوه عبدالله بن سفيان وهشام بن أبي حذيفة بن المغيرة بن عبد الله بن مخزوم وسلمة بن هشام بن المغيرة بن عبد الله بن عمر بن مخزوم وعياش بن ابي ربيعة بن المغيرة بن عبد الله بن عمر بن مخزوم(2/169)
المهاجرون من حلفاء بني مخزوم ومن حلفائهم معتب بن عوف بن عمر بن الفضل بن عفيف بن كليب بن حبشية ابن سلول ابن كعب بن عمرو من خزاعة وهو الذي يقال له عيهامة ثمانية نفر.
قال ابن هشام ويقال حبشية ابن سلول وهو الذي يقال له معتب ابن حمراء
المهاجرون من بني جمح ومن بني جمح بن عمرو بن هصيص ابن كعب عثمان بن مظعون بن حبيب بن وهب بن حذافة بن جمح وابنه السائب بن عثمان واخواه قدامة بن مظعون وعبدالله ابن مظعون وحاطب بن الحارث بن معمر بن حبيب بن وهب بن حذافة بن جمح معه امرأته فاطمة بنت المجلل بن عبدالله بن أبي قيس بن عبد ود بن نصر بن مالك بن حسل بن عامر وابناه محمد ابن حاطب والحارث بن حاطب وهما لبنت المجلل وأخوه حطاب ابن الحارث معه امراته فكيهة بنت يسار وسفيان بن معمر بن حبيب ابن وهب بن حذافة بن جمح معه ابناه جابر بن سفيان وجنادة ابن سفيان ومعه امرأته حسنة وهي أمهما وأخوهما من أمهما شرحبيل ابن حسنة أحد الغوث.
قال ابن هشام شرحبيل بن عبدالله أحد الغوث بن مر أخي تميم بن مر.
قال ابن إسحاق وعثمان بن ربيعة بن أهبان بن وهب بن حذافة ابن جمح احد عشر رجلا
المهاجرون من بني سهم ومن بني سهم بن عمرو بن هصيص ابن كعب خنيس بن حذافة بن قيس بن عدي بن سعد بن سهم(2/170)
وعبد الله بن الحارث بن قيس بن عدي بن سعد بن سهل وهشام ابن العاص بن وائل بن سعد بن سهم.
قال ابن هشام العاص بن وائل بن هاشم بن سعد بن سهم.
قال ابن إسحاق وقيس بن حذافة بن قيس بن عدي بن سعد ابن سهم وأبو قيس بن الحارث بن قيس بن عدي بن سعد بن سهم وعبدالله بن حذافة بن قيس بن عدي بن سعد بن سهم والحارث ابن قيس بن عدي بن سعد بن سهم ومعمر بن الحارث بن قيس ابن عدي بن سعد بن سهم وبشر بن الحارث بن قيس بن عدي ابن سعد بن سهم واخ له من امه من بني تميم يقال له سعيد ابن عمرو وسعيد بن الحارث بن قيس بن عدي بن سعد بن سهم والسائب بن الحارث بن قيس بن عدي بن سعد بن سهم وعمير ابن رئاب بن حذيفة بن مهشم بن سعد بن سهم ومحمية بن جزء حليف لهم من بني زبيد اربعة عشر رجلا
المهاجرون من بني عدي ومن بني عدي بن كعب معمر ابن عبد الله بن نضلة بن عبد العزى بن حرثان بن عوف بن عبيد ابن عويج بن عدي وعروة بن عبد العزي بن حرثان بن عوف بن عبيد بن عويج بن عدي وعدي بن نضلة بن عبد العزى بن حرثان ابن عوف بن عبيد بن عويج بن عدي وابنه النعمان بن عدي وعامر ابن ربيعة حليف لآل الخطاب من عنز بن وائل معه امرأته ليلى بنت ابي حثمة بن غانم خمسة نفر
المهاجرون من بني عامر ومن بني عامر بن لؤي أبو سبرة ابن ابي رهم بن عبد العزى بن ابي قيس بن عبد ود بن نصر بن مالك بن حسل بن عامر معه امرأته أم كلثوم بنت سهيل بن عمرو(2/171)
ابن عبد شمس بن عبد ود بن نصر بن مالك بن حسل بن عمر وعبدالله بن مخرمة بن عبد العزى بن أبي قيس بن عبد ود بن نصر ابن مالك بن حسل بن عامر وعبدالله بن سهيل بن عمرو بن عبد شمس بن عبد ود بن مالك بن حسل بن عامر وسليط بن عمرو ابن عبد شمس بن عبد ود بن نصر بن مالك بن حسل بن عامر وأخوه السكران بن عمرو معه امرأته سودة بنت زمعة بن قيس ابن عبد شمس بن عبد ود بن نصر بن مالك بن حسل بن عامر ومالك بن زمعة بن قيس بن عبد شمس بن عبد ود بن نصر بن مالك بن حسل بن عامر معه امرأته عمرة بنت السعدي بن وقدان ابن عبد شمس بن عبد ود بن نصر بن مالك بن حسل بن عامر وحاطب بن عمرو بن عبد شمس بن عبد ود بن نصر بن مالك ابن حسل بن عامر وسعد بن خولة حليف لهم ثمانية نفر.
قال ابن هشام سعد بن خولة من اليمن
المهاجرون من بني الحارث قال ابن اسحاق ومن بني الحارث ابن فهر ابو عبيدة بن الجراح وهو عامر بن عبدالله بن الجراح بن هلال بن اهيب بن ضبة بن الحارث بن فهر وسهيل ابن بيضاء وهو سهيل بن وهب بن ربيعة بن هلال بن أهيب بن ضبة بن الحارث ولكن أمه غلبت على نسبه فهو يسنب إليها وهي دعد بنت جحدم ابن أمية من ظرب بن الحارث بن فهر وكانت تدعى بيضاء وعمرو ابن أبي سرح بن ربيعة بن هلال بن أهيب بن ضبة بن الحارث وعياض بن زهير بن ابي شداد بن ربيعة بن هلال بن أهيب بن ضبة بن الحارث ويقال بل ربيعة بن هلال بن مالك بن ضبة وعمرو بن الحارث بن زهير بن أبي شداد بن ربيعة بن مالك بن ضبه بن الحارث وعثمان بن عبد غنم بن زهير بن ابي شداد بن(2/172)
ربيعة بن هلال بن مالك بن ضبة بن الحارث وسعد بن عبد قيس ابن لقيط بن عامر بن امية بن ظرب بن الحارث والحارث بن عبد قيس بن لقيط بن عامر بن امية بن ظرب بن الحارث بن فهر ثمانية نفر
عدد مهاجري الحبشة فكان جميع من لحق بأرض الحبشة وهاجر إليها من المسلمين سوى أبنائهم الذين خرجوا بهم معهم صغارا وولدوا بها ثلاثة وثمانين رجلا إن كان عمار بن ياسر فيهم وهو يشك فيه
شعر عبد الله بن الحارث في هجرة الحبشة وكان مما قيل من الشعر في الحبشة أن عبدالله بن الحارث بن قيس بن عدي بن سعد بن سهم حين أمنوا بأرض الحبشة وحمدوا جوار النجاشي وعبدوا الله لا يخافون على ذلك احدا وقد احسن النجاشي جوارهم حين نزلوا به قال ... يا راكبا بلغن عني مغلغلة ... من كان يرجو بلاغ الله والدين
وكل امرىء من عباد الله مضطهد ... ببطن مكة مقهور ومفتون
أنا وجدنا بلاد الله واسعة ... تنجي من الذل والمخزاة والهون
فلا تقيموا على ذل الحياة وخز ي ... في الممات وعيب غير مأمون
إنا تبعنا رسول الله واطرحوا ... قول النبي وعالوا في الموازين(2/173)
فاجعل عذابك في القوم الذين بغوا ... وعائذا بك ان يغلوا فيطغوني
وقال عبدالله بن الحارث ايضا يذكر نفي قريش إياهم من بلادهم ويعاتب بعض قومه في ذلك ... أبت كبدي لا أكذبنك قتالهم ... علي وتأباه علي أناملي
وكيف قتالي معشرا أدبوكم ... علي الحق أن لا تأشبوه بباطل
نفتهم عباد الجن من حر أرضهم ... فأضحوا على أمر شديد البلابل
فإن تك كانت في عدي أمانة ... عدي بن سعد عن تقي أو تواصل
فقد كنت أرجو أن ذلك فيكم ... بحمد الذي لا يطبي بالجعائل
وبدلت شبلا شبل كل خبيئة ... بذي فجر مأوى الضعاف الأرامل
وقال عبد الله بن الحارث أيضا ... وتلك قريش تجحد الله حقه ... كما جحدت عاد ومدين والحجر
فإن أنا لم أبرق فلا يسعنني ... من الأرض بر ذو فضاء ولا بحر
بأرض بها عبد الإله محمد ... أبين ما في النفس إذ بلغ النقر(2/174)
فسمى عبد الله بن الحارث يرحمه الله لبيته الذي قال المبرق
وقال عثمان بن مظعون يعاتب أمية بن خلف بن وهب بن حذافة ابن جمح وهو ابن عمه وكان يؤذيه في إسلامه وكان أمية شريفا في قومه في زمان ذلك ... أتيم بن عمرو للذي جاء بغضه ... ومن دونه الشرمان والبرك أكتع
أأخرجتني من بطن مكة آمنا ... وأسكنتني في صرح بيضاء تقذع
تريش نبالا لا يواتيك ريشها ... وتبري نبالا ريشها لك أجمع
وحاربت أقواما كراما أعزة ... أهلكت أقواما بهم كنت تفزع
ستعلم إن نابتك يوما ملمة ... وأسلمك الأوباش ما كنت تصنع
وتيم بن عمرو الذي يدعو عثمان جمح كان اسمه تيما(2/175)
$ إرسال قريش الى الحبشة في طلب المهاجرين إليها
من أرسلتهما قريش في طلب المهاجرين قال ابن اسحاق فلما رأت قريش أن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أمنوا واطمأنوا بأرض الحبشة وأنهم قد أصابوا بها دارا وقرارا ائتمروا بينهم ان يبعثوا فيهم منهم رجلين من قريش جلدين الى النجاشي فيردهم عليهم ليفتنوهم في دينهم ويخرجوهم من دارهم التي اطمأنوا بها وأمنوا فيها فبعثوا عبدالله بن أبي ربيعة وعمرو بن العاص بن وائل وجمعوا لهما هدايا للنجاشي ولبطارقته ثم بعثوهما إليه فيهم
شعر أبي طالب للنجاشي فقال أبو طالب حين رأى ذلك من رأيهم وما بعثوهما فيه أبياتا للنجاشي يحضه على حسن جوارهم والدفع عنهم ... ليت شعري كيف في الناي جعفر ... وعمرو وأعداء العدو الأقارب
وهل نالت أفعال النجاشي جعفرا ... وأصحابه أو عاق ذلك شاغب(2/176)
تعلم أبيت اللعن أنك ماجد ... كريم فلا يشقى لديك المجانب
تعلم بأن الله زادك بسطة ... واسباب خير كلها بك لازب
وأنك فيض ذو سجال غزيرة ينال الأعادي نفعها والأقارب
حديث أم سلمة عن الرسولين اللذين أرسلتهما قريش للنجاشي قال ابن اسحاق حدثني محمد بن مسلم الزهري عن ابي بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام المخزومي عن أم سلمة بنت ابي أمية بن المغيرة زوج رسول الله صلى الله عليه وسلم قالت لما نزلنا أرض الحبشة جاورنا بها خير جار النجاشي أمنا على ديننا وعبدنا الله تعالى لا نؤذى ولا نسمع شيئا نكرهه فلما بلغ ذلك قريشا ائتمروا بينهم أن يبعثوا الى النجاشي فينا رجلين منهم جلدين وان يهدوا للنجاشي هدايا مما يستظرف من متاع مكة وكان من اعجب ما يأتيه منها الآدم فجمعوا له أدما كثيرا ولم يتركوا من بطارقته بطريقا إلا أهدوا له هدية ثم بعثوا بذلك عبد الله بن ابي ربيعة وعمرو ابن العاص وأمروهما بأمرهم وقالوا لهما ادفعا الى كل بطريق هديته قبل أن تكلما النجاشي فيهم ثم قدما الى النجاشي هداياه ثم سلاه أن يسلمهم إليكما قبل أن يكلمهم
قالت فخرجا حتى قدما على النجاشي ونحن عنده بخير دار عند خير جار فلم يبق من بطارقته بطريق إلا دفعا إليه هديته قبل(2/177)
أن يكلما النجاشي وقالا لكل بطريق منهم أنه قد ضوى الى بلد الملك منا غلمان سفهاء فارقوا دين قومهم ولم يدخلو في دينكم وجاءوا بدين مبتدع لا نعرفه نحن ولا أنتم وقد بعثنا الى الملك فيهم اشراف قومهم ليردهم إليهم فإذا كلمنا الملك فأشيروا عليه بأن يسلمهم إلينا ولا يكلمهم فإن قومهم أعلى بهم عينا وأعلم بما عابوا عليهم فقالوا لهما نعم
ثم أنهما قدما هداياهما الى النجاشي فقبلها منهما ثم كلماه فقالا له أيها الملك إنه قد ضوى الى بلدك منا غلمان سفهاء فارقوا دين قومهم ولم يدخلوا في دينك وجاءوا بدين ابتدعوه لا نعرفه نحن ولا أنت وقد بعثنا إليك فيهم أشراف قومهم من آبائهم وأعمامهم لتردهم إليهم فهم أعلى بهم عينا وأعلم بما عابوا عليهم وعاتبوهم فيه
قالت ولم يكن شيء أبغض الى عبدالله بن ابي ربيعة وعمرو ابن العاص من ان يسمع كلامهم النجاشي قال فقالت بطارقته حوله صدقا أيها الملك قومهم اعلى بهم عينا وأعلم بما عابوا عليهم فأسلمهم إليهما فليرداهم إلى بلادهم وقومهم
قالت فغضب النجاشي ثم قال لاها الله إذن لا أسلمهم إليهما ولا يكاد قوم جاوروني ونزلوا بلادي واختاروني على من سواي حتى أدعوهم فأسألهم عما يقول هذان في أمرهم فإن كانوا كما يقولان أسلمتهم إليهما ورددتهم الى قومهم وإن كانوا على غير ذلك منعتهم منهما واحسنت جوارهم ما جاوروني(2/178)
الحوار الذي دار بين المهاجرين والنجاشي قالت ثم أرسل الى اصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فدعاهم فلما جاءهم رسوله اجتمعوا قال بعضهم لبعض ما تقولون للرجل إذا جئتموه قالوا نقول والله ما علمنا وما أمرنا به نبينا صلى الله عليه وسلم كائنا في ذلك ما هو كائن
فلما جاءوا وقد دعا النجاشي اساقفته فنشروا مصاحفهم حوله سألهم فقال لهم ما هذا الدين الذي قد فارقتم فيه قومكم ولم تدخلوا في ديني ولا في دين أحد من هذه الملل
قالت فكان الذي كلمه جعفر بن أبي طالب فقال له أيها الملك كنا قوما أهل جاهلية نعبد الأصنام ونأكل الميتة ونأت الفواحش ونقطع الأرحام ونسيء الجوار ويأكل القوي منا الضعيف فكنا على ذلك حتى بعت الله إلينا رسولا منا نعرف نسبه وصدقه وأمانته وعفافه فدعانا الى الله لنوحده ونعبده ونخلع ما كنا نعبد نحن وآباؤنا من الحجارة والأوثان وأمرنا بصدق الحديث وأداء الأمانة وصلة الرحم وحسن الجوار والكف عن المحارم والدماء ونهانا عن الفواحش وقول الزور وأكل مال اليتيم وقذف المحصنات وأمرنا أن نعبد الله وحده لا نشرك به شيئا وأمرنا بالصلاة والزكاة والصيام قالت فعدد عليه أمور الإسلام فصدقناه وآمنا به واتبعناه على ما جاء به من الله فعبدنا الله وحده فلم نشرك به شيئا وحرمنا ما حرم علينا وأحللنا ما أحل لنا فعدا علينا قومنا فعذبونا وفتنونا عن ديننا ليردونا الى عبادة الأوثان من عبادة الله تعالى وأن نستحل من الخبائث فلما قهرونا وظلمونا وضيقوا علينا وحالوا بيننا وبين ديننا خرجنا الى بلادك واخترناك على من سواك ورغبنا في جوارك ورجونا أن لا نظلم عندك أيها الملك(2/179)
قالت فقال له النجاشي هل معك مما جاء به عن الله من شيء قالت فقال له جعفر نعم فقال له النجاشي فاقرأه علي قالت فقرأ عليه صدرا من كهيعص قالت فبكى والله النجاشي حتى اخضلت لحيته وبكت أساقفته حتى أخضلوا مصاحفهم حين سمعوا ما تلا عليهم
ثم قال النجاشي إن هذا والذي جاء به عيسى ليخرج من مشكاة واحدة انطلقا فلا والله لا أسلمهم إليكما ولا يكادون
رأي المهاجرين في عيسى أمام النجاشي قالت فلما خرجا من عنده قال عمرو بن العاص والله لآتينه غدا عنهم بما استأصل به خضراءهم قال فقال له عبدالله بن أبي ربعية وكان أتقى الرجلين فينا لاتفعل فإن لهم أرحاما وإن كانوا قد خالفونا قال والله لأخبرنه أنهم يزعمون أن عيسى ابن مريم عبد قال ثم غدا عليه من الغد فقال أيها الملك إنهم يقولون في عيسى ابن مريم قولا عظيما فأرسل إليهم فسلهم عما يقولون فيه قالت فأرسل إليهم ليسألهم عنه
قالت ولم ينزل بنا مثلها قط فاجتمع القوم ثم قال بعضهم لبعض ماذا تقولون في عيسى ابن مريم إذا سألكم عنه قالوا نقول والله ما قال الله وما جاءنا به نبينا كائنا في ذلك ما هو كائن
قالت فلما دخلوا عليه قال لهم ماذا تقولون في عيسى ابن مريم قالت فقال جعفر بن ابي طالب نقول فيه الذي جاءنا به نبينا صلى الله عليه وسلم هو عبدالله ورسوله وروحه وكلمته ألقاها الى مريم(2/180)
العذارء البتول قال فضرب النجاشي بيده الى الأرض فأخذ منها عودا ثم قال والله ما عدا عيسى ابن مريم ما قلت هذا العود قالت فتناخرت بطارقته حوله حين قال ما قال فقال وإن نخرتم والله اذهبوا فأنتم شيوم بأرضي والشيوم الآمنون من سبكم غرم ثم قال من سبكم غرم ثم قال من سبكم غرم ما أحب أن لي دبرا من ذهب واني آذيت رجلا منكم.
قال ابن هشام ويقال دبري من ذهب ويقال فأنتم سيوم والدبر بلسان الحبشة الجبل ردوا عليهما هداياهما فلا حاجة لي بها فوالله ما اخذ الله من الرشوة حين رد علي ملكي فآخذ الرشوة فيه وما أطاع الناس في فأطيعهم فيه قالت فخرجا من عنده مقبوحين مردودا عليهما ما جاءا به وأقمنا عنده بخير دار مع خير جار(2/181)
المهاجرون يفرحون بانتصار النجاشي قالت فوالله إنا لعلي ذلك إذا نزل به رجل من الحبشة ينازعه في ملكه قالت فوالله ما علمتنا حزنا جزنا قط كان أشد علينا من حزن حزناه عند ذلك تخوفا أن يظهر ذلك الرجل على النجاشي فيأتي رجل لا يعرف من حقنا ما كان النجاشي يعرف منه قالت وسار إليه النجاشي وبينهما عرض النيل قالت فقال أصحاب رسول الله صلى الله عليه وعلى وآله وسلم من رجل يخرج حتى يحضر وقيعة القوم ثم يأتنا بالخبر قالت فقال الزبير بن العوام أنا قالوا فأنت وكان من أحدث القوم سنا قالت فنفخوا له قربة فجعلها في صدره ثم سبح عليها حتى خرج الى ناحية النيل التي بها ملتقى القوم ثم انطلق حتى حضرهم قالت فدعونا الله تعالى للنجاشي بالظهور على عدوه والتمكين له في بلاده
قالت فوالله إنا لعلى ذلك متوقعون لما هو كائن إذ طلع الزبير وهو يسعى فلمع بثوبه وهو يقول ألا أبشروا فقد ظفر النجاشي وأهلك الله عدوه ومكن له في بلاده قالت فوالله ما علمتنا فرحنا فرحة قط مثلها قالت ورجع النجاشي وقد اهلك الله عدوه ومكن له في بلاده واستوثق عليه أمر الحبشة فكنا عنده في خير منزل حتى قدمنا على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو بمكة(2/182)
$ قصة تملك النجاشي على الحبشة
قتل ابي النجاشي وتملك عمه قال ابن اسحاق قال الزهري فحدثت عروة بن الزبير حديث أبي بكر بن عبد الرحمن عن أم سلمة زوج النبي صلى الله عليه وسلم فقال هل تدري ما قوله ما اخذ الله مني الرشوة حين رد علي ملكي فآخذ الرشوة فيه وما اطاع الناس في فأطيع الناس فيه قال قلت لا قال فإن عائشة أم المؤمنين حدثتني أن اباه كان ملك قومه ولم يكن له ولد إلا النجاشي وكان للنجاشي عم له من صلبه اثنا عشر رجلا وكانوا أهل بيت مملكة الحبشة فقالت الحبشة بينها لو أنا قتلنا أبا النجاشي وملكنا أخاه فإنه لا ولد له غير هذا الغلام وإن لأخيه من صلبه اثني عشر رجلا فتوارثوا ملكه من بعده بقيت الحبشة بعده دهرا فغدوا على ابي النجاشي فقتلوه وملكوا أخاه فمكثوا على ذلك حينا
الحبشة تبيع النحاشي ونشأ النجاشي مع عمه وكان لبيبا حازما من الرجال فغلب على أمر عمه ونزل منه بكل منزل فلما رأت الحبشة مكانه منه قالت بينها والله لقد غلب هذا الفتى على امر عمه وإنا لنتخوف أن يملكه علينا وإن ملكه علينا ليقتلنا أجمعين لقد عرف أنا نحن قتلنا أباه فمشوا الى عمه فقالوا إما أن تقتل هذا الفتى وإما أن تخرجه من بين أظهرنا فإنا قد خفناه على انفسنا قال ويلكم قتلت أباه بالأمس وأقتله اليوم بل أخرجه من بلادكم قالت فخرجوا به الى السوق فباعوه من رجل من التجار بست مئة درهم فقذفه في سفينة فانطلق به حتى إذا كان العشي من ذلك اليوم هاجت سحابة من سحائب الخريف فخرج عمه يستمطر تحتها فأصابته صاعقة فقتلته قالت ففزعت الحبشة الى ولده فإذا(2/183)
هو محمق ليس في ولده خير فمرج على الحبشة أمرهم
تولية النجاشي الملك فلما ضاق عليهم ما هم فيه من ذلك قال بعضهم لبعض تعلموا والله أن ملككم الذي لا يقيم أمركم غيره للذي بعتم غدوة فإن كان لكم بأمر الحبشة حاجة فأدركوه الآن قالت فخرجوا في طلبه وطلب الرجل الذي باعوه منه حتى أدركوه فأخذوه منه ثم جاءوا به فعقدوا عليه التاج وأقعدوه على سرير الملك فملكوه
حديث التاجر الذي اشتراه فجاءهم التاجر الذي كانوا باعوه منه فقال إما أن تعطوني مالي وإما أن أكلمه في ذلك قالوا لا نعطيك شيئا قال إذن والله أكلمه قالوا فدونك وإياه قالت فجاءه فجلس بين يديه فقال أيها الملك ابتعت غلاما من قوم بالسوق بست مئة درهم فأسلموا إلي غلامي غلامي وأخذوا دراهمي حتى إذا سرت بغلام أدركوني فأخذوا غلامي ومنعوني دراهمي قالت فقال لهم النجاشي لتعطنه دراهمه أو ليضعن غلامه يده في يده فليذهبن به حيث شاء قالوا بل نعطيه دراهمه قالت فلذلك يقول ما أخذ الله مني رشوة حين رد علي ملكي فآخذ الرشوة فيه وما أطاع الناس في فأطيع الناس فيه قالت وكان ذلك اول ما خبر من صلابته في دينه وعدله في حكمه.
قال ابن إسحاق وحدثني يزيد بن رومان عن عروة بن الزبير عن عائشة قالت لما مات النجاشي كان يتحدث أنه لا يزال يرى على قبره نور(2/184)
$ إسلام النجاشي والصلاة عليه وخروج الحبشة عليه
قال ابن اسحاق وحدثني جعفر بن محمد عن أبيه قال اجتمعت الحبشة فقالوا للنجاشي إنك قد فارقت ديننا وخرجوا عليه فأرسل الى جعفر واصحابه فهيأ لهم سفنا وقال اركبوا فيها وكونوا كما انتم فإذا هزمت فامضوا حتى تلحقوا بحيث شئتم وإن ظفرت فاثبتوا ثم عمد الى كتاب فكتب فيه هو يشهد ان لا إله إلا الله وأن محمد عبده ورسوله ويشهد أن عيسى ابن مريم عبده ورسوله وروحه وكلمته ألقاها الى مريم ثم جعله في قبائه عند المنكب الأيمن وخرج الى الحبشة وصفوا له فقال يا معشر الحبشة ألست أحق الناس بكم قالوا بلى قال فكيف رأيتم سيرتي فيكم قالوا خير سيرة قال فما لكم قالوا فارقت ديننا وزعمت أن عيسى عبد قال فما تقولون أنتم في عيسى قالوا نقول هو ابن الله فقال النجاشي ووضع يده على صدره على قبائه هو يشهد ان عيسى ابن مريم لم يزد على هذا شيئا وإنما يعني ما كتب فرضوا وانصرفوا فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم فلما مات النجاشي صلى عليه واسغفر له(2/185)
$ إسلام عمر بن الخطاب رضي الله عنه
قال ابن اسحاق ولما قدم عمرو بن العاص وعبدالله بن أبي ربيعة على قريش ولم يدركوا ما طلبوا من اصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وردهما النجاشي بما يكرهون وأسلم عمر بن الخطاب وكان رجلا ذا شكيمة لا يرام ما وراء ظهره امتنع به أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وبحمزة حتى عازوا قريشا وكان عبدالله بن مسعود يقول ما كنا نقدر على أن نصلي عند الكعبة حتى اسلم عمر فلما أسلم قاتل قريشا حتى صلى عند الكعبة وصلينا معه وإن كان إسلام عمر بعد خروج من خرج من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم الى الحبشة
قال البكائي قال حدثني مسعر بن كدام عن سعد بن إبراهيم قال قال عبد الله بن مسعود إن إسلام عمر كان فتحا وإن هجرته كانت نصرا وإن إمارته كانت رحمة ولقد كنا ما نصلي عند الكعبة حتى أسلم عمر فلما اسلم قاتل قريشا حتى صلى عند الكعبة وصلينا معه
حديث أم عبدالله بنت ابي حثمة عن إسلام عمر قال ابن اسحاق حدثني عبد الرحمن بن الحارث بن عبدالله بن عباس ابن ابي ربيعة عن عبد العزيز بن عبدالله بن عامر بن ربيعة عن أمه أم عبد الله بنت أبي حثمة قالت(2/186)
والله إنا لنترحل الى أرض الحبشة وقد ذهب عامر في بعض حاجاتنا إذ أقبل عمر بن الخطاب حتى وقف علي وهو على شركه قالت وكنا نلقى منه البلاء أذى لنا وشدة علينا قالت فقال إنه للانطلاق يا أم عبدالله قالت فقلت نعم والله لنخرجن في أرض الله آذيتمونا وقهرتمونا حتى يجعل الله مخرجا قالت فقال صحبكم الله ورأيت له رقة لم اكن أراها ثم انصرف وقد أحزنه فيما أرى خروجنا قالت فجاء عامر بحاجته تلك فقلت له يا ابا عبدالله لو رأيت عمر آنفا ورقته وحزنه علينا قال أطمعت في إسلامه قالت قلت نعم قال فلا يسلم الذي رأيت حتى يسلم حمار الخطاب قالت يأسا منه لما كان يرى من غلظته وقسوته عن الإسلام
سبب إسلام عمر قال ابن اسحاق وكان اسلام عمر فيما بلغني أن اخته فاطمة بنت الخطاب وكانت عند سعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل وكانت قد اسلمت وأسلم بعلها سعيد بن زيد وهما مستخفيان بإسلامهما من عمر وكان نعيم بن عبدالله النحام من مكة رجل من قومه من بني عدي بن كعب قد أسلم وكان أيضا يستخفي بإسلامه فرقا من قومه وكان خباب بن الأرت يختلف الى فاطمة(2/187)
بنت الخطاب يقرئها القرآن فخرج عمر يوما متوشحا سيفه يريد رسول الله صلى الله عليه وسلم ورهطا من اصحابه قد ذكروا له أنهم قد اجتمعوا في بيت عند الصفا وهم قريب من أربعين ما بين رجال ونساء ومع رسول الله صلى الله عليه وسلم عمه حمزة بن عبد المطلب وأبو بكر بن أبي قحافة الصديق وعلي بن أبي طالب في رجال من المسلمين رضي الله عنهم ممن كان أقام من رسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة ولم يخرج فيمن خرج الى أرض الحبشة
فلقيه نعيم بن عبدالله فقال له أين تريد يا عمر فقال اريد محمدا هذا الصابئ والذي فرق أمر قريش وسفه أحلامها وعاب دينها وسب آلهتها فأقتله فقال له نعيم والله لقد غرتك نفسك من نفسك يا عمر أترى بني عبد مناف تاركيك تمشي على الأرض وقد قتلت محمدا أفلا ترجع الى أهل بيتك فتقيم امرهم قال وأي أهل بيتي قال ختنك وابن عمك سعيد بن زيد بن عمرو وأختك فاطمة بنت الخطاب فقد والله أسلما وتابعا محمدا على دينه فعليك بهما
قال فرجع عمر عامدا الى أخته وختنه وعندهما خباب بن الأرت معه صحيفة فيها طه يقرئهما إياها فلما سمعوا حس عمر تغيب خباب في مخدع لهم أو في بعض البيت واخذت فاطمة بنت الخطاب الصحيفة فجعلتها تحت فخذها وقد سمع عمر حين دنا الى البيت قراءة خباب عليهما فلما دخل قال ما هذه الهينمة التي سمعت قالا له ما سمعت شيئا قال بلى والله لقد أخبرت أنكما تابعتما محمدا على دينه وبطش بختنه سعيد بن زيد فقامت إليه أخته فاطمة(2/188)
بنت الخطاب لتكفه عن زوجها فضربها فشجها فلما فعل ذلك قالت له أخته وختنه نعم لقد أسلمنا وآمنا بالله ورسوله فاصنع ما بدا لك فلما رأى عمر ما بأخته من الدم ندم على ما صنع فارعوى وقال لأخته أعطيني هذه الصحيفة التي سمعتكم تقرءون آنفا أنظر ما هذا الذي جاء به محمد وكان عمر كاتبا فلما قال ذلك قالت له أخته إنا نخشاك عليها قال لا تخافي وحلف لها بآلهته ليردنها إذا قرأها إليها فلما قال ذلك طمعت في إسلامه فقالت له يا أخي إنك نجس على شركك وإنه لا يمسها إلا الطاهر فقام عمر فاغتسل فأعطته الصحيفة وفيها طه فقرأها فلما قرأ منها صدرا قال ما أحسن هذا الكلام وأكرمه فلما سمع ذلك خباب خرج عليه فقال له يا عمر والله إني لأرجو أن يكون الله قد خصك بدعوة نبيه فإني سمعته أمس وهو يقول اللهم أيد الإسلام بأبي الحكم بن هشام أو بعمر بن الخطاب فالله الله يا عمر فقال له عند ذلك عمر فدلني يا خباب على محمد حتى آتيه فأسلم فقال له خباب هو في بيت عند الصفا معه فيه نفر من أصحابه(2/189)
فأخذ عمر سيفه فتوشحه ثم عمد الى رسول الله صلى الله عليه وسلم واصحابه فضرب عليهم الباب فلما سمعوا صوته قام رجل من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فنظر من خلل الباب فرآه متوشحا السيف فرجع الى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو فزع فقال يا رسول الله هذا عمر بن الخطاب متوشحا السيف فقال حمزة بن عبد المطلب فأذن لهى فإن كان جاء يريد خيرا بذلناه له وإن كان يريد شرا قتلناه بسيفه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ائذن له فإذن له الرجل ونهض إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى لقيه في الحجرة فأخذ حجزته أو بمجمع ردائه ثم جبذه به جبذة شديدة وقال ما جاء بك يا بن الخطاب فوالله ما أرى أن تنتهي حتى ينزل الله بك قارعة فقال عمر يا رسول الله جئتك لأومن بالله وبرسوله وبما جاء من عند الله قال فكبر رسول الله صلى الله عليه وسلم تكبيرة عرف أهل البيت من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أن عمر قد أسلم
فتفرق أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم من مكانهم وقد عزوا في أنفسهم حين اسلم عمر مع إسلام حمزة وعرفوا أنهما سيمنعان رسول الله صلى الله عليه وسلم وينتصفون بهما من عدوهم فهذا حديث الرواة من أهل المدينة عن إسلام عمر بن الخطاب حين أسلم(2/190)
ما رواه عطاء ومجاهد عن إسلام عمر قال ابن اسحاق وحدثني عبد الله بن ابي نجيح المكي عن أصحابه عطاء ومجاهد أو عمن روى ذلك أن إسلام عمر فيما تحدثوا به عنه أنه كان يقول كنت للإسلام مباعدا وكنت صاحب خمر في الجاهلية أحبها وأسر بها وكان لنا مجلس يجتمع فيه رجال من قريش بلاحزورة عند دور آل عمر بن عبد بن عمران المخزومي قال فخرجت ليلة أريد جلسائي أولئك في مجلسهم ذلك قال فجئتهم فلم أجد فيه منهم أحدا فقلت لو اني جئت فلانا الخمار وكان بمكة يبيع الخمر لعلي أجد عنده خمرا فأشرب منها قال فخرجت فجئته فلم أجده قال فقلت فلو أني جئت الكعبة فطفت بها سبعا أو سبعين قال فجئت المسجد أريد أن أطوف بالكعبة فإذا رسول الله صلى الله عليه وسلم قائم يصلي وكان إذا صلى استقبل الشام وجعل الكعبة بينه وبين الشام وكان مصلاه بين الركنين الركن الأسود والركن اليماني قال فقلت حين أتيته والله لو أني استمعت لمحمد الليلة حتى اسمع ما يقول فقلت لئن دنوت منه أستمع منه لأروعنه فجئت من قبل الحجر فدخلت تحت ثيابها فجعلت أمشي رويدا ورسول الله صلى الله عليه وسلم قائم يصلي يقرأ القرآن حتى قمت في قبلته مستقبله ما بيني وبينه إلا ثياب الكعبة قال فلما سمعت القرآن رق له قلبي فبكيت ودخلني الإسلام فلم ازل قائما في مكاني ذلك حتى قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاته ثم انصرف وكان إذا انصرف خرج على دار ابن ابي حسين وكانت طريقه حتى يجزع المسعى ثم يسلك بين دار عباس بن عبد المطلب وبين دار ابن أزهر بن عبد عوف الزهري ثم على دار الأخنس بن شريق حتى يدخل بيته وكان مسكنه صلى الله عليه وسلم في(2/191)
الدار الرقطاء التي كانت بيدي معاوية بن أبي سفيان قال عمر رضي الله عنه فتبعته حتى إذا دخل بين دار عباس ودار ابن أزهر أدركته فلما سمع رسول اله صلى الله عليه وسلم حسي عرفني فظن رسول الله صلى الله عليه وسلم أني إنما تبعته لأوذيه فنهمني ثم قال ما جاء بك يا بن الخطاب هذه الساعة قال قلت لأومن بالله وبرسلوه وبما جاء به من عندالله قال فحمد الله رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم قال قد هداك الله يا عمر ثم مسح صدري ودعا لي بالثبات ثم انصرفت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ودخل رسول الله صلى الله عليه وسلم بيته.
قال ابن إسحاق والله أعلم أي ذلك كان
ثبات عمر في إسلامه قال ابن اسحاق وحدثني نافع مولى عبدالله بن عمر عن ابن عمر قال لما أسلم أبي عمر قال أي قريش أنقل للحديث فقيل له جميل بن معمر الجمحي قال(2/192)
فغدا عليه قال عبدالله بن عمر فغدوت أتبع أثره وأنظر ما يفعل وأنا غلام أعقل كل ما رأيت حتى جاءه فقال له أعلمت يا جميل أني قد أسلمت ودخلت في دين محمد قال فوالله ما راجعه حتى قام يجر رداءه واتبعه عمر واتبعت أبي حتى إذا قام على باب المسجد صرخ بأعلى صوته يا معشر قريش وهم في أنديتهم حول الكعبة ألا إن عمر بن الخطاب قد صبا قال يقول عمر من خلفه كذب ولكني قد أسلمت وشهدت أن لا إله إلا الله وأن محمدا عبده ورسوله وثاروا إليه فما برح يقاتلهم ويقاتلونه حتى قامت الشمس على رءوسهم قال وطلح فقعد وقاموا على رأسه وهو يقول افعلوا ما بدا لكم فأحلف بالله أن لو قد كنا ثلاثمائة رجل لقد تركناها لكم أوتركتموها لنا قال فبينما هم على ذلك إذا أقبل شيخ من قريش عليه حلة حبرة وقميص موشى حتى وقف عليهم فقال ما شانكم قالوا صبا عمر فقال فمه رجل اختار لنفسه أمرا فماذا تريدون أترون بني عدي بن كعب يسلمون لكم صاحبكم هكذا خلوا عن الرجل قال فوالله لكأنما كانوا ثوبا كشط عنه قال فقلت لأبي بعد أن هاجر إلى المدينة يا أبت من الرجل الذي زجر القوم عنك بمكة يوم أسلمت وهم يقاتلونك فقال ذاك أي بني العاص بن وائل السهمي(2/193)
قال أبن هشام وحدثني بعض أهل العلم أنه قال يا أبت من الرجل الذي زجر القوم عنك بمكة يوم اسلمت وهم يقاتلونك جزاه الله خيرا قال يا ابني ذلك العاص بن وائل لا جزاه الله خيرا.
قال ابن إسحاق وحدثني عبد الرحمن بن الحارث عن بعض آل عمر أو بعض أهله قال قال عمر لما اسلمت تلك الليلة تذكرت أي أهل مكة أشد لرسول الله صلى الله عليه وسلم عداوة حتى آتيه فأخبره أني قد أسلمت قال قلت أبو جهل وكان عمر لحنتمة بنت هشام بن المغيرة قال فأقبلت حين أصبحت حتى ضربت عليه بابه قال فخرج إلي أبو جهل فقال مرحبا وأهلا بابن اختي ما جاء بك قلت جئت لأخبرك أني قد آمنت بالله وبرسوله ومحمد وصدقت بما جاء به قال فضرب الباب في وجهي وقال قبحك الله وقبح ما جئت به(2/194)
$ خبر الصحيفة
ائتمار قريش بالرسول قال ابن اسحاق فلما رأت قريش أن اصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم قد نزلوا بلدا أصابوا به أمنا وقرارا وأن النجاشي قد منع من لجأ إليه منهم وأن عمر قد اسلم فكان هو وحمزة بن عبد المطلب مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه وجعل الإسلام يفشوا في القبائل اجتمعوا وائتمروا أن يكتبوا كتابا يتعاقدون فيه على بني المطلب على ان لا ينكحوا إليهم ولا ينكحوهم ولا يبيعوهم شيئا ولا يبتاعوا منهم فلما اجتمعوا لذلك كتبوه في صحيفة ثم تعاهدوا وتواثقوا على ذلك ثم علقوا الصحيفة في جوف الكعبة توكيدا على انفسهم وكان كاتب الصحيفة منصور بن عكرمة بن عامر بن هاشم بن عبد مناف بن عبد الدار بن قصي.
قال ابن هشام ويقال النضر بن الحارث
فدعا عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم فشل بعض أصابعه
من انحاز الى ابي طالب ومن خرج عنه قال ابن اسحاق فلما فعلت ذلك قريش انحازت بنو هاشم بنو المطلب الى ابي طالب ابن عبد المطلب فدخلوا معه في شعبه واجتمعوا إليه وخرج من(2/195)
بني هاشم أبو لهب عبد العزى بن عبد المطلب الى قريش فظاهرهم
تهكم أبي لهب بالرسول وما نزل فيه من القرآن قال ابن اسحاق وحدثني حسين بن عبدالله أن أبا لهب لقي هند بنت عتبة بن ربيعة حين فارق قومه وظاهر عليهم قريشا فقال يا بنت عتبة هل نصرت اللات والعزى وفارقت من فارقهما وطاهر عليهما قالت نعم فجزاك الله خيرا يا أبا عتبة.
قال ابن إسحاق وحدثت أنه كان يقول بعض ما يقول يعدني محمد أشياء لا اراها يزعم انها كائنة بعد الموت فماذا وضع في يدي بعد ذلك ثم ينفخ في يديه ويقول تبا لكما ما ارى فيكما شيئا مما يقول محمد فأنزل الله تعالى فيه {تبت يدا أبي لهب وتب}(2/196)
قال ابن هشام وتبت خسرت والتباب الخسران قال حبيب بن خدرة الخارجي أحد بني هلال بن عامر بن صعصعة ... يا طيب إنا في معشر ذهبت ... مسعاتهم في التبار والتبب
وهذا البيت في قصيدة له
شعر أبي طالب في تظاهر قريش قال ابن اسحاق فلما أجتمعت على ذلك قريش وصنعوا فيه الذي صنعوا قال ابو طالب ... ألا أبلغا عني على ذات بيننا ... لؤيا وخصا من لؤي بني كعب
ألم تعلموا أنا وجدنا محمدا ... نبيا كموسى خط ف أول الكتب
وأن عليه في العباد محبة ... ولا خير ممن خصه الله بالحب
وأن الذي ألصقتم من كتابكم ... لكم كائن نحسا كراغيه السقب
أفيقوا أفيقوا قبل أن يحفر الثرى ... ويصبح من لم يجن ذنبا كذي الذنب
ولا تتبعوا أمر الوشاة وتقطعوا ... أواصرنا بعد المودة والقرب
وتستجلبوا حربا عوانا وربما ... أمر على من ذاقه جلب الحرب(2/197)
فلسنا ورب البيت أسلم أحمدا ... لعزاء من عض الزمان ولا كرب
ولما تبن منا ومنكم سوالف ... وأيد أترت بالقساسية الشهب
بمعترك ضيق ترى كسر القنا ... به والنسور الطخم يعكفن كالشرب
كأن مجال الخيل في حجراته ... ومعمعة الأبطال معركة الحرب
أليس أبونا هاشم شد أزره ... وأوصى بنيه بالطعان وبالضرب
ولسنا نمل الحرب حتى تملنا ... ولا نشتكي ما قد ينوب من النكب
ولكننا اهل الحفائظ والنهى ... إذا طار ارواح الكماة من الرعب
فأقاموا على ذلك سنتين أو ثلاثا حتى جهدوا لا يصل إليهم شيء إلا سرا مستخفيا به من اراد صلتهم من قريش
أبو جهل يحكم الحصار على المسلمين وقد كان أبو جهل ابن هشام فيما يذكرون لقي حكيم بن حزام بن خويلد بن أسد معه غلام يحمل قمحا يريد به عمته خديجة بنت خويلد وهي عند رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعه في الشعب فتعلق به وقال أتذهب الطعام الى بني هاشم والله لا تبرح أنت وطعامك حتى أفضحك بمكة فجاءه أبو البختري بن هشام بن الحارث بن أسد فقال ما لك وله فقال يحمل الطعام الى بني هاشم فقال أبو البختري طعام كان لعمته عنده بعثت إليه فيه أفتمنعه أن يأتيها بطعامها خل سبيل الرجل فأبى ابو جهل حتى نال أحدهما من صاحبه فأخذ أبو البختري لحي(2/198)
بعير فضربه به فشجه ووطئه وطأ شديدا وحمزة بن عبد المطلب قريب يرى ذلك وهم يكرهون أن يبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه فيشمتوا بهم ورسول الله صلى الله عليه وسلم على ذلك يدعو قومه ليلا وهارا سرا وجهارا مناديا بأمر الله لا يتقي فيه احدا من الناس
ذكر ما لقي رسول الله صلى الله عليه وسلم من قومه من الأذى
ما نزل من القرآن في أبي لهب وامرأته حمالة الحطب فجعلت قريش حين منعه الله منها وقام عمه وقومه من بني هاشم وبن المطلب دونه وحالوا بينهم وبين ما أراداو من البطش به يهمزونه ويستهزئون به ويخاصمونه وجعل القرآن ينزل في قريش بأحداثهم وفيمن نصب لعداوته منهم ومنهم من سمى لنا ومنهم من نزل فيه القرآن في عامة من ذكر الله من الكفار فكان ممن سمي لنا من قريش ممن نزل فيه القرآن عمه أبو لهب بن عبد المطلب وامرأته أم جميل بنت حرب بن أمية حمالة الحطب وإنما سماها الله تعلى حمالة الحطب لأنها كانت فيما بلغني تحمل الشوك فتطرحه على طريق رسول الله صلى الله عليه وسلم حيث تمر فأنزل الله تعالى فيهما(2/199)
{تبت يدا أبي لهب وتب ما أغنى عنه ماله وما كسب سيصلى نارا ذات لهب وامرأته حمالة الحطب في جيدها حبل من مسد}.
قال ابن هشام الجيد العنق قال أعشى بني قيس بن ثعلبة ... يوم تبدي لنا قتيلة عن جيد ... أسيل تزينه الأطواق
وهذا البيت في قصيدة له وجمعه أجياد والمسد شجر يدق كما يدق الكتاب فتفتل منه حبال قال النابغة الذبياني واسمه زياد ابن عمرو بن معاوية ... مقذوفة بدخيس النحض بازلها ... له صريف صريف القعو بالمسد
وهذا البيت في قصيدة له وواحدته مسدة
أم جميل امرأة ابي لهب قال ابن اسحاق فذكر لي أن ام جميل حمالة الحطب حين سمعت ما نزل فيها وفي زوجها من القرآن أتت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو جالس في المسجد عند الكعبة ومعه أبو بكر الصديق وفي يدها فهر من جارة فلما وقفت عليهما أخذ الله ببصرها عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فلا ترى إلا ابا بكر فقالت يا أبا بكر أين صاحبك فقد بلغني أنه يهجوني والله لو(2/200)
وجدته لضربت بهذا الفهر فاه أما والله إني لشاعرة ثم قالت ... مذمما عصينا وأمره أبينا ودينه قلينا
ثم انصرفت فقال أبو بكر يا رسول الله اما تراها رأتك فقال ما رأتني لقد أخذ الله ببصرها عني.
قال ابن هشام قولها ودينه قلينا عن غير ابن اسحاق.
قال ابن إسحاق وكانت قريش إنما تسمي رسول الله صلى الله عليه وسلم مذمما ثم يسبونه فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ألا تعجبون لما صرف الله عني أذى قريش يسبون مذمما وأنا محمد
إيذاء أمية بن خلف للرسول وأمية بن خلف بن وهب بن حذافة بن جمح كان إذا رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم همزة ولمزة فأنزل الله تعالى فيه {ويل لكل همزة لمزة الذي جمع مالا وعدده يحسب أن ماله أخلده كلا لينبذن في الحطمة وما أدراك ما الحطمة نار الله الموقدة التي تطلع على الأفئدة إنها عليهم مؤصدة في عمد ممددة}.
قال ابن هشام الهمزة الذي يشتم الرجل علانية ويكسر عينيه(2/201)
عليه ويغمز به قال حسان بن ثابت ... همزتك فاختضعت لذل نفس ... بقافية تأجج كالشواظ
وهذا اللبيت في قصيدة له وجمعه همزات واللمزة ة الذي يعيب الناس سرا ويؤذيهم
قال رؤبة بن العجاج ... في ظل عصري باطلي ولمزي
وهذا البيت في أرجوزة له وجمعه لمزات
إيذاء العاص الرسول صلى الله عليه وسلم وما نزل فيه من قرآن قال ابن اسحاق والعاص بن وائل السهمي كان خباب بن الأرت صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم قينا بمكة يعمل السيوف وكان قد باع من العاص أبن وائل سيوفا عملها له حتى كان له مال فجاءه يتقاضاه فقال له يا خباب أليس يزعم محمد صاحبكم هذا الذي أنت على دينه أن في الجنة ما ابتغى أهلها من ذهب أو فضة أو ثياب أو خدم قال خباب بلى قال فأنظرني الى يوم القيامة يا خباب حتى أرجع الى تلك الدار فأقضيك هناك حقك فوالله لا تكون أنت وأصحابك يا خباب آثر عند الله مني ولا أعظم حظا في ذلك فأنزل الله تعالى فيه {أفرأيت الذي كفر بآياتنا وقال لأوتين مالا وولدا أطلع الغيب} الى قوله تعالى {ونرثه ما يقول ويأتينا فردا}.
إيذاء أبي جهل الرسول ولقي أبو جهل بن هشام رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما بلغني فقال له والله يا محمد لتتركن سب آلهتنا(2/202)
أو لنسبن إلهك الذي تعبد فأنزل الله تعالى فيه {ولا تسبوا الذين يدعون من دون الله فيسبوا الله عدوا بغير علم} فذكر لي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كف عن سلب آلهتهم وجعل يدعوهم الى الله
إيذاء النضر الرسول والنضر بن الحارث بن علقمة بن كلدة ابن عبد مناف بن عبد الدار بن قصي كان إذا جلس رسول الله صلى الله عليه وسلم مجلسا فدعا فيه الى الله تعالى وتلا فيه القرآن وحذر قريشا ما أصاب الأمم الخالية خلفه في مجلسه إذا قام فحدثهم عن رستم السنديد وعن أسفنديار وملوك فارس ثم يقول والله ما محمد باحسن حديثا مني وما أحاديثه إلا أساطير الأولين أكتتبها كما اكتتبتها فأنزل الله فيه {وقالوا أساطير الأولين اكتتبها فهي تملى عليه بكرة وأصيلا قل أنزله الذي يعلم السر في السماوات والأرض إنه كان غفورا رحيما} ونزل فيه {إذا تتلى عليه آياتنا قال أساطير الأولين} ونزل فيه {ويل لكل أفاك أثيم يسمع آيات الله تتلى عليه ثم يصر مستكبرا كأن لم يسمعها فبشره بعذاب أليم}.
قال ابن هشام الأفاك الكذاب وفي كتاب الله تعالى {ألا إنهم من إفكهم ليقولون ولد الله وإنهم لكاذبون}(2/203)
وقال رؤبة ... ما لامرىء أفك قولا إفكا
وها البيت في أرجوزة له.
قال ابن إسحاق وجلس رسول الله صلى الله عليه وسلم يوما فيما بلغني مع الوليد بن المغيرة في المسجد فجاء النضر بن الحارث حتى جلس معهم في المجلس وفي المجلس غير واحد من رجال قريش فتكلم رسول الله صلى الله عليه وسلم فعرض له النضر بن الحارث فكلمه رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى أفحمه ثم تلا عليه وعليهم {إنكم وما تعبدون من دون الله حصب جهنم أنتم لها واردون لو كان هؤلاء آلهة ما وردوها وكل فيها خالدون لهم فيها زفير وهم فيها لا يسمعون}.
قالت ابن هشام حصب جهنم كل ما أوقدت به قال أبو ذؤيب الهذلي واسمه خويلد بن خالد ... فأطفىء ولا توقد ولا تك محصبا ... لنار العداة أن تطير شداتها
وهذا البيت في أبيات له ويروى ولا تك محضئا قال الشعر ... حضأت له ناري فأبصر ضوءها ... وما كان لولا حضأة النار يهتدي
ابن الزبعري وما قيل فيه قال ابن اسحاق ثم قام رسول الله صلى الله عليه وسلم وأقبل عبد الله بن الزبعري السهمي حتى جلس فقال الوليد ابن المغيرة لعبدالله بن الزبعري والله ما قام النضر بن الحارث لابن عبد المطلب آنفا وما قعد وقد زعم محمد أنا وما نعبد من آلهتنا هذه حصب جهنم فقال عبدالله بن الزبعري أما والله لو وجدته(2/204)
لخصمته فسلوا محمدا أكل ما يعبد من دون الله في جهنم مع من عبده فنحن نعبد الملائكة واليهود تعبد عزيرا والنصارى تعبد عيسى ابن مريم عليهما السلام فعجب الوليد ومن كان معه في المجلس من قول عبدالله بن الزبعرى ورأوا أنه قد احتج وخاصم فذكر لرسول الله صلى الله عليه وسلم من قول ابن الزبعرى فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم كل من أحب أن يعبد من دون الله فهو مع من عبده إنهم إنما يعبدون الشياطين ومن أمرتهم بعبادته فأنزل الله تعالى عليه في ذلك {إن الذين سبقت لهم منا الحسنى أولئك عنها مبعدون لا يسمعون حسيسها وهم في ما اشتهت أنفسهم خالدون} أي عيسى ابن مريم وعزيرا ومن عبدوا من الأحبار والرهبان الذي مضوا على طاعة الله فاتخذهم من يعبدهم من أهل الضلالة أربابا من دون الله
ونزل فيما يذكرون أنهم يعبدون الملائكة وأنها بنات الله {وقالوا اتخذ الرحمن ولدا سبحانه بل عباد مكرمون لا يسبقونه بالقول وهم بأمره يعملون} الى قوله و {ومن يقل منهم إني إله من دونه فذلك نجزيه جهنم كذلك نجزي الظالمين}(2/205)
ونزل فيما ذكروا من امر عيسى ابن مريم أنه يعبد من دون الله وعجب الوليد ومن حضره من حجته وخصومته {ولما ضرب ابن مريم مثلا إذا قومك منه يصدون} أي يصدون عن أمرك بذلك من قولهم
ثم ذكر عيسى ابن مريم فقال {إن هو إلا عبد أنعمنا عليه وجعلناه مثلا لبني إسرائيل ولو نشاء لجعلنا منكم ملائكة في الأرض يخلفون وإنه لعلم للساعة فلا تمترن بها واتبعون هذا صراط مستقيم} أي ما وضعت على يديه من الآيات من إحياء الموتى وإبراء الأسقام فكفى به دليلا على علم الساعة يقول {فلا تمترن بها واتبعون هذا صراط مستقيم}.
الأخنس وما أنزل فيه والأخنس بن شريق بن عمرو بن وهب الثقفي حليف بني زهرة وكان من اشراف القوم وممن يستمع منه فكان يصيب من رسول الله صلى الله عليه وسلم ويرد عليه فأنزل الله تعالى {ولا تطع كل حلاف مهين هماز مشاء بنميم} الى قوله تعالى {زنيم} ولم يقل زنيم لعيب في نسبه لأن الله لا يعيب احدا بنسب ولكنه حقق بذلك نعته ليعرف والزنيم العديد للقوم وقد قال الخطيم التميمي في الجاهلية ... زنيم تداعاه الرجال زيادة ... كما زيد في عرض الأديم الأكارع(2/206)
الوليد وما أنزل فيه والوليد بن المغيرة قال أينزل على محمد وأترك وأنا كبير قريش وسيدها ويترك أبو مسعود عمرو بن عمير الثقفي سيد ثقيف ونحن عظيما القريتين فأنزل الله تعالى فيه فيما بلغني {وقالوا لولا نزل هذا القرآن على رجل من القريتين عظيم} الى قوله تعالى {مما يجمعون}.
أبي بن خلف وعقبة بن ابي معيط وماأنزل فيهما وأبي ابن خلف بن وهب بن حذافة بن جمح وعقبة بن أبي معيط وكانا متصافيين حسنا ما بينهما فكان عقبة قد جلس الى رسول الله صلى الله عليه وسلم وسمع منه فبلغ ذلك ابيا فأتى عقبة فقال ألم يبلغني أنك جالست محمد وسمعت منه قال وجهي من وجهك حرام أن أكلمك واستغلظ من اليمين إن أنت جلست إليه أو سمعت منه أو لم تأته فتتفل في وجهه ففعل ذلك عدو الله عقبة بن أبي معيط لعنه الله فأنزل الله تعالى فيهما {ويوم يعض الظالم على يديه يقول يا ليتني اتخذت مع الرسول سبيلا} الى قوله تعالى {للإنسان خذولا}.
ومشى أبي بن خلف الى رسول الله صلى الله عليه وسلم بعظم بال قد أرفت فقال يا محمد أنت تزعم أن الله يبعث هذا بعد ما أرم ثم فته بيده ثم نفخه في الريح نحو رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم نعم انا أقول ذلك يبعثه الله وإياك بعدما تكونان هكذا ثم يدخلك الله النار فأنزل الله تعالى فيه {وضرب لنا مثلا ونسي خلقه قال من يحيي العظام وهي رميم قل يحييها الذي أنشأها أول مرة وهو بكل خلق عليم الذي جعل لكم من الشجر الأخضر نارا فإذا أنتم منه توقدون}(2/207)
سورة الكافرون وسبب نزولها واعترض رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يطوف بالكعبة فيما بلغني الأسود بن المطلب بن أسد ابن عبد العزى والوليد بن المغيرة وأمية بن خلف والعاص بن وائل السهمي وكانوا ذوي أسنان في قومهم فقالوا يا محمد هلم فلتعبد ما تعبد وتعبد ما نعبد فنشترك نحن وأنت في الأمر فإن كان الذي تعبد خيرا مما نعبد كنا قد أخذنا بحظنا منه وإن كان ما نعبد خيرا مما تعبد كنت قد أخذت بحظك منه فأنزل الله تعلى فيهما {قل يا أيها الكافرون لا أعبد ما تعبدون ولا أنتم عابدون ما أعبد ولا أنا عابد ما عبدتم ولا أنتم عابدون ما أعبد لكم دينكم ولي دين} أي إن كنتم لا تعبدون الله إلا ان أعبد ما تعبدون فلا حاجة لي بذلك منكم لكم دينكم جميعا ولي دين
أبو جهل وما نزل فيه وابو جهل بن هشام لما ذكر الله عز وجل شجرة الزقوم تخويفا بها لهم قال يا معشر قريش هل تدرون ما شجرة الزقوم التي يخوفكم بها محمد قالوا لا قال(2/208)
عجوة يثرب بالزبد والله لئن استمكنا منها لنتزقمنها تزقما فأنزل الله تعلى فيه {إن شجرة الزقوم طعام الأثيم كالمهل يغلي في البطون كغلي الحميم} أي ليس كما يقول
تفسير لفظ المهل قال ابن هشام المهل كل شيء أذبته من نحاس أو رصاص أو ما أشبه ذلك فيما أخبرني أبو عبيدة
وبلغنا عن الحسن البصري أنه قال كان عبدالله بن مسعود واليا لعمر بن الخطاب على بيت مال الكوفة وأنه أمر يوما بفضة فأذيبت فجعلت تلون الوانا فقال هل بالباب من أحد قالوا نعم قال فأدخلوهم فأدخلوا فقال إن أدنى ماأنتم راءون شبها بالمهل لهذا وقال الشاعر ... يسقيه ربي حميم المهل يجرعه ... يشوي الوجوه فهو في بطنه صهر
ويقال إن المهل صديد الجسد
وقال عبدالله بن الزبير الأسدي ... فمن عاش منهم عاش عبدا وإن يمت ... ففي النار يسقي مهلها وصديدها
وهذا البيت في قصيدة له(2/209)
بلغنا أن ابا بكر الصديق رضي الله عنه لما حضر أمر بثوبين لبيسين يغسلان فيكفن فيهما فقالت عائشة قد أغناك الله يا أبت عنهما فاشترى كفنا فقال إنما هي ساعة حتى يصير الى المهل قال الشاعر ... شاب بالماء منه مهلا كريها ... ثم عل المتون بعد النهال
قال ابن اسحاق فأنزل الله تعالى فيه {والشجرة الملعونة في القرآن ونخوفهم فما يزيدهم إلا طغيانا كبيرا} ابن أم مكتوم والوليد وسورة عبس ووقف الوليد بن المغيرة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم يكلمه وقد طمع في إسلامه فبينا هو في ذلك إذ مر به ابن أم مكتوم الأعمى فكلم رسول الله صلى الله عليه وسلم وجعل يستقرئه القرآن فشق ذلك منه على رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى أضجره وذلك أنه شغله عما كان فيه من امر الوليد وما طمع فيه من إسلامه فلما اكثر عليه انصرف عنه عابسا وتركه فأنزل الله تعالى عليه فيه {عبس وتولى أن جاءه الأعمى} الى قوله تعالى {في صحف مكرمة مرفوعة مطهرة} إي إنما بعثتك بشيرا ونذيرا لم أخص بك احدا فلا تمنعه ممن أبتغاه ولا تتصدين به لمن لا يريده(2/210)
$ العائدون من ارض الحبشة
قال ابن اسحاق وبلغ أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم الذين خرجوا الى ارض الحبشة إسلام أهل مكة فأقبلوا لما بلغهم من ذلك حتى إذا دنوا من مكة بلغهم أن ما كانوا تحدثوا به من إسلام أهل مكة كان باطلا فلم يدخل منهم أحد إلا بجوار أو مستخفيا
من عبد شمس فكان ممن قدم عليه مكة منهم فأقام بها حتى هاجر الى المدينة فشهد معه بدرا ومن حبس عنه حتى فاته بدر وغيره ومن مات بمكة منهم من بني عبد شمس بن عبد مناف ابن قصي عثمان بن عفان بن ابي العاص بن أمية بن عبد شمس معه امرأته رقية بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو حذيفة بن عتبة بن ربيعة ابن عبد شمس وامرأته سهلة بنت سهيل
ومن حلفائهم عبد الله بن جحش بن رئاب
من نوفل ومن بني نوفل بن عبد مناف عتبة بن غزوان حليف لهم من قيس عيلان
من أسد ومن بني أسد بن عبد العزى بن قصي الزبير بن العوام بن خويلد بن اسد
من عبد الدار ومن بني عبد الدار بن قصي مصعب بن عمير ابن هاشم بن عبد مناف وسويبط بن سعد بن حريملة(2/211)
من عبد ومن بني عبد بن قصي طليب بن وهب بن عبد
من زهرة ومن بني زهرة بن كلاب عبد الرحمن بن عوف ابن عبد عوف بن عبد بن الحارث بن زهرة والمقداد بن عمرو حليف لهم وعبدالله بن مسعود حليف لهم
من مخزوم ومن بني مخزوم بن يقظة أبو سلمة بن عبد الأسد ابن هلال بن عبد الله بن عمرو بن مخزوم معه امرأته أم سلمة بنت أبي أمة بن المغيرة وشماس بن عثمان بن الشريد بن سويد بن هرمي بن عامر بن مخزوم وسلمة بن هشام بن المغيرة حبسه عمه بمكة فلم يقدم إلا بعد بدر وأحد والخندق وعياش بن ابي ربيعة ابن المغيرة هاجر معه الى المدينة ولحق به اخواه لأمه أبو جهل ابن هشام والحارث بن هشام فرجعا به الى مكة فحبساه بها حتى مضى بدر وأحد والخندق
ومن حلفائهم عمار بن ياسر يشك فيه أكان خرج الى الحبشة ام لا ومعتب بن عوف بن عامر من خزاعة
من جمح ومن بني جمح بن عمرو بن هصيص بن كعب عثمان ابن مظعون بن حبيب بن وهب بن حذافة بن جمح وابنه السائب ابن عثمان وقدامه بن مظعون وعبدالله بن مظعون
من سهم ومن بني سهم بن عمرو بن هصيص بن كعب خنيس ابن حذافة بن قيس بن عدي وهشام بن العاص بن وائل حبس بمكة بعد هجرة الرسول صلى الله عليه وسلم الى المدينة حتى قدم بعد بدر وأحد والخندق(2/212)
من عدي ومن بني عدي بن كعب عامر بن ربيعة حليف لهم معه امرأته ليلى بنت أبي حثمة بن حذافة بن غانم
من عامر ومن بني عامر بن لؤي عبدالله بن مخرمة بن عبد العزى بن ابي قيس وعبدالله بن سهيل بن عمرو وكان حبس عن رسول الله صلى الله عليه وسلم حين هاجر الى المدينة حتى كان يوم بدر فانحاز من المشركين الى رسول الله صلى الله عليه وسلم فشهد معه بدرا وأبو سبره بن أبي رهم بن عبد العزى معه امراته ام كلثوم بنت سهيل بن عمرو والسكران بن عمرو بن عبد شمس معه امرته سودة بنت زمعة ابن قيس مات بمكة قبل هجرة رسول الله صلى الله عليه وسلم الى المدينة فخلف رسول الله صلى الله عليه وسلم على امرأته سودة بنت زمعة
ومن حلفائهم سعد بن خولة
من الحارث ومن بني الحارث بن فهر أبو عبيدة بن الجراح وهو عامر بن عبد الله بن الجراح وعمرو بن الحارث بن زهير بن أبي شداد وسهيل بن بيضاء وهو سهيل بن وهب بن ربيعة بن هلال وعمرو بن ابي سرح بن ربيعة بن هلال
جميع من قدم عليه مكة من أصحابه من أرض الحبشة ثلاثة وثلاثون رجلا
من دخل مكة بجوار من مهاجري الحبشة فكان من دخل منهم بجوار فيمن سمي لنا عثمان بن مظعون بن حبيب الجمحي دخل بجوار من الوليد بن المغيرة وأبو سلمة بن عبد الأسد بن هلال بن عبد الله بن عمر بن مخزوم دخل بجوار من أبي طالب بن عبد المطلب وكان خاله وأم أبي سلمة برة بنت عبد المطلب(2/213)
عثمان بن مظعون يرد جوار الوليد قال ابن اسحاق فأما عثمان بن مظعون فإن صالح بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف حدثني عمن حدثه عن عثمان قال لما رأى عثمان بن مظعون ما فيه أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم من البلاء وهو يغدو ويروح في أمان من الوليد بن المغيرة قال والله إن غدوي ورواحي آمنا بجوار رجل من أهل الشرك وأصحابي وأهل ديني يلقون من البلاء والأذى في الله ما لا يصيبني لنقص كبير في نفسي فمشى الى الوليد بن المغيرة فقال له يا ابا عبد شمس وفت ذمتك قد رددت إليك جوارك فقال له يا ابن أخي لعله آذاك أحد من قومي قال لا ولكني أرضى بجوار الله ولا أريد أن اأستجير بغيره قال فانطلق الى المسجد فأردد علي جواري علانية كما أجرتك علانية قال فانطلقا فخرجا حتى أتيا المسجد فقال الوليد هذا عثمان قد جاء يرد علي جواري قال صدق قد وجدته وفيا كريم الجوار ولكني قد أحببت أن لا استجير بغير الله فقد رددت عليه جواره ثم انصرف عثمان ولبيد ابن ربيعة بن مالك بن جعفر بن كلاب في مجلس من قريش ينشدهم فجلس معهم عثمان فقال لبيد ... ألا كل شيء ما خلا الله باطل(2/214)
قال عثمان صدقت قال لبيد ... وكل نعيم لا محالة زائل
قال عثمان كذبت نعيم الجنة لا يزول قال لبيد بن ربعية يا معشر قريش والله ما كان يؤذي جليسكم فمتى حدث هذا فيكم فقال رجل من القوم إن هذا سفيه في سفهاء معه قد فارقوا ديننا فلا تجدن في نفسك من قوله فرد عليه عثمان حتى شري أمرهما فقام إليه ذلك الرجل فلطم عينه فخضرها والوليد بن المغيرة قريب يرى ما بلغ من عثمان فقال أما والله يابن أخي كانت عينك عما أصابها لغنية لقد كنت في ذمة منيعة قال يقول عثمان بل والله إن عيني الصحيحة لفقيرة الى مثل ما أصاب أختها في الله وإني لفى جوار من هو اعز منك وأقدر يا أبا عبد شمس فقال(2/215)
له الوليد هلم يا بن أخي إن شئت فعد الى جوارك فقال لا
أبو سلمة في جوار أبي طالب قال ابن اسحاق وأما أبو سلمة بن عبد الأسد فحدثني أبي إسحاق بن يسار عن سلمة بن عبدالله بن عمر بن أبي سلمة أنه حدثه أن أبا سلمة لما استجار بأبي طالب مشى إليه رجل من بني مخزوم فقالوا يا أبا طالب لقد منعت منا ابن أخيك محمدا فما لك ولصاحبنا تمنعه منا قال إنه استجار بي وهو ابن اختي وإن أنا لم أمنع ابن اختي لم أمنع ابن اخي فقام أبو لهب فقال يا معشر قريش والله لقد اكثرتم على هذا الشيخ ما تزالون تتواثبون عليه في جواره من بين قومه والله لتنتهن عنه أو لنقومن معه في كل ما قام فيه حتى يبلغ ما أراد قال فقالوا بل ننصرف عما تكره يا ابا عتبة وكان لهم وليا وناصرا على رسول الله صلى الله عليه وسلم فأبقوا على ذلك فطمع فيه أبو طالب حين سمعه يقول ما يقول ورجا أن يقوم معه في شأن رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال أبو طالب يحرض أبا لهب على نصرته ونصرة رسول الله صلى الله عليه وسلم ... وإن أمرأ أبو عتيبة عمه ... لفي روضة ما إن يسام المظالما
أقول له وأين منه نصيحتي ... با أبا معتب ثبت سوادك قائما
ولا تقبلن الدهر ما عشت خطة ... تسب بها إما هبطت المواسما
وول سبيل العجز غيرك منهم ... فإنك لم تخلق على العجر لازما
وحارب فإن الحرب نصف وما ترى ... أخا الحرب يعطي الخسف حتى يسالما
وكيف ولم يجنوا عليك عظيمة ... ولم يخذلوك غانما أو مغارما
جزى الله عنا عبد شمس ونوفلا ... وتيما ومخزوما عقوقا ومأثما
بتفريقهم من بعد ود وألفة ... جماعتنا كيما ينالوا المحارما(2/216)
كذبتم وبيت الله نبزى محمدا ... ولما تروا يوما لدى الشعب قائما.
قال ابن هشام نبزى نسلب قال ابن هشام وبقي منها بيت تركناه
دخول أبي بكر في جوار ابن الدغنة ثم رده عليه قال ابن اسحاق وقد كان أبو بكر الصديق رضي الله عنه كما حدثني محمد بن مسلم الزهري عن عروة عن عائشة رضي الله عنهما حين ضاقت عليه مكة وأصابه فيها الأذى ورأى من تظاهر قريش على رسول الله صلى الله عليه وسلم واصحابه ما رأى استأذن رسول الله صلى الله عليه وسلم في الهجرة فأذن له فخرج أبو بكر مهاجرا حتى إذا سار من مكة يوما أو يومين لقيه ابن الدغنة أخو بني عبد مناة بن كنانة وهو يومئذ سيد الأحابيش.
قال ابن إسحاق والأحابيش بنو الحارث بن عبد مناة بن كنانة والهون بن خزيمة بن مدركة وبنو المصطلق من خزاعة.
قال ابن هشام تحالفوا جميعا فسموا الأحابيش للحلف ويقال ابن الدغينة.
قال ابن إسحاق حدثني الزهري عن عروة عن عائشة رضي الله عنها قال قالت ابن الدغنة أين يا أبا بكر قال أخرجني قومي وآذوني وضيقوا علي قال ولم فوالله إنك لتزين العشيرة وتعين على النوائب وتفعل المعروف وتكسب المعدوم ارجع فأنت في(2/217)
جوارى فرجع معه حتى إذا دخل مكة قام ابن الدغنة فقال يا معشر قريش إني قد اجرت ابن أبي قحافة فلا يعرضن له احد إلا بخير قالت فكفوا عنه
قالت وكان لأبي بكر مسجد عند باب داره في بني جمح فكان يصلي فيه وكان رجلا رقيقا إذا قرأ القرآن استبكى قالت فيقف عليه الصبيان والعبيد والنساء يعجبون لما يرون من هيئته قالت فمشى رجال من قريش الى ابن الدغنة فقالوا يا بن الدغنة إنك تجير هذا الرجل ليؤذينا إنه رجل إذا صلى وقرأ ما جاء به محمد يرق ويبكي وكانت له هيئة ونحو فنحن نتخوف على صبياننا ونسائنا وضعفتنا أن يفتنهم فأته فمره أن يدخل بيته فليصنع فيه ما شاء قالت فمشى ابن الدغنة ليه فقال له يا أبا بكر إني لم اجرك لتؤذي قومك إنهم قد كرهوا مكانك الذي أنت فيه وتأذوا بذلك منك فادخل بيتك فاصنع فيه ما أحببت قا أوأرد عليك جوارك وأرضى بجوار الله قال فاردد علي جواري قال قد رددته عليك قالت فقام ابن الدغنة فقال يا معشر قريش إن ابن أبي قحافة قد رد علي جواري فشأنكم بصاحبكم.
قال ابن إسحاق وحدثني عبد الرحمن بن القاسم عن أبيه القاسم ابن محمد قال لقيه سفيه من سفهاء قريش وهو عامد الى الكعبة فحثا على رأسه ترابا قال فمر بأبي بكر الوليد بن المغيرة او العاص بن وائل قال فقال ابو بكر ألا ترى الى ما يصنع هذا السفيه قال انت فعلت ذلك بنفسك قال وهو يقول أي رب ما أحلمك أي رب ما أحلمك أي رب ما أحلمك(2/218)
$ حديث نقض الصحيفة
هشام بن عمرو يسعى في نقض الصحيفة قال ابن اسحاق وبنو هاشم وبنو المطلب في منزلهم الذي تعاقدت فيه قريش عليهم في الصحيفة التي كتبوها ثم إنه قام في نقض تلك الصحيفة التي تكاتبت فيها قريش على بني هاشم وبني المطلب نفر من قريش ولم يبل فيها أحد أحسن من بلاء هشام بن عمرو بن ربيعة بن الحارث بن حبيب بن نصر بن جذيمة بن مالك بن حسل بن عامر بن لؤي وذلك أنه كان ابن اخي نضلى بن هاشم بن عبد مناف لأمه فكان هشام لبني هاشم واصلا وكان ذا شرف في قومه فكان فيما بلغني يأتي بالبعير وبنو هاشم وبنو المطلب في الشعب ليلا قد أوقره طعاما حتى إذا أقبل به فم الشعب خلع خطامه من رأسه ثم ضرب على جنبه فيدخل الشعب عليهم ثم يأتي به قد أوقره بزا أو برا فيفعل به مثل ذلك.
قال ابن إسحاق ثم إنه مشى الى زهير بن ابي أمية بن المغيرة ابن عبدالله بن عمر بن مخزوم وكانت أمه عاتكة بنت عبد المطلب فقال يا زهير أقد رضيت أن تأكل الطعام وتلبس الثياب وتنكح النساء وأخوالك حيث قد علمت لا يباعون ولا يبتاع منهم ولا ينكحون ولا ينكح إليهم أما إني أحلف بالله أن لو كانوا أخوال أبي الحكم بن هشام ثم دعوته الى مثل ما داعاك إليه منهم ما اجابك إليه أبدا قال ويحك يا هشام فماذا أصنع إنما أنا رجل واحد والله لو كان معي رجل آخر لقمت في نقضها حتى أنقضها(2/219)
قال قد وجدت رجلا قال فمن هو قال انا قال له زهير أبغنا رجلا ثالثا
فذهب الى المطعم بن عدي فقال له يا مطعم أقد رضيت ان يهلك بطنان من بني عبد مناف وانت شاهد على ذلك موافق لقريش فيه أما والله لئن امكنتموهم من هذه لتجدنهم إليها منكم سراعا قال ويحك فماذا أصنع إنما انا رجل واحد قال قد وجدت ثانيا قال من هو قال انا فقال أبغنا ثالثا قال قد فعلت قال من هو قال زهير بن ابي امية قال أبغنا رابعا
فذهب الى البخترى بن هشام فقال له نحوا مما قال للمطعم ابن عدي فقال وهل من احد يعين على هذا قال نعم قال من هو قال زهير بن أبي أمية والمطعم بن عدي وأنا معك قال أبغنا خامسا
فذهب الى زمعة بن الأسود بن المطلب بن أسد فكلمه وذكر له قرابتهم وحقهم فقال له وهل على هذا الأمر الذي تدعوني إليه من أحد قال نعم ثم سمى له القوم
فاتعدوا خطم الحجون ليلا بأعلى مكة فاجتمعوا هنالك فأجمعوا أمرهم وتعاقدوا على القيام في الصحيفة حتى ينقضوها وقال زهير أنا أبدؤكم فأكون أول من يتكلم فلما أصبحوا غدوا الى أنديتهم وغدا زهير بن أبي أمية عليه حله فطاف بالبيت سبعا ثم أقبل على الناس فقال يا أهل مكة أنأكل الطعام ونلبس الثياب وبنو هاشم هلكه لا يباع ولا يبتاع منهم والله لا أقعد حتى تشق هذه الصحيفة القاطعة الظالمة(2/220)
أبو جهل وكان في ناحية المسجد كذبت والله ولا تشق قال زمعة بن الأسود أنت والله أكذب ما رضينا كتابها حيث كتبت قال أبو البختري صدق زمعة لا نرضى ما كتب فيها ولا نقر به قال المطعم بن عدي صدقتما وكذب من قال غير ذلك نبرأ الى الله منها ومما كتب فيها قال هشام بن عمرو نحوا من ذلك فقال ابو جهل هذا أمر قضي بليل تشوور فيه بغير هذا المكان وأبو طالب جالس في ناحية المسجد فقام المطعم الى الصحيفة ليشقها فوجد الأرضة قد أكلتها إلا باسمك اللهم
شلت يد من كتب الصحيفة وكان كاتب الصحيفة منصور ابن عكرمة فشلت يده فيما يزعمون
أخباره عليه الصلاة والسلام بأكل الأرضة الصحيفة قال ابن هشام وذكر بعض أهل العلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لأبي طالب يا عم إن ربي الله قد سلط الأرضة على صحيفة قريش فلم تدع فيها اسما هو لله إلا اأثبتته فيها ونفت منه الظلم والقطيعة والبهتان فقال أربك اخبرك بهاذا قال نعم قال فوالله ما يدخل عليك أحد ثم خرج الى قريش فقال يا معشر قريش إن ابن اخي أخبرني بكذا وكذا فهلم صحيفتكم فإن كان كما قال ابن اخي فانتهوا عن قطيعتنا وانزلوا عما فيها وإن يكن كاذبا دفعت إليكم ابن أخي فقال القوم رضينا فتعاقدوا على ذلك ثم نظروا فإذا هي كما(2/221)
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فزادهم ذلك شرا فعند ذلك صنع الرهط من قريش في نقض الصحيفة ما صنعوا.
قال ابن إسحاق فلما مزقت الصحيفة وبطل ما فيها قال ابو طالب فيما كان من أمر أولئك النفر الذين قاموا في نقضها يمدحهم ... ألا هل أتى بحرينا صنع ربنا ... على نأيهم والله بالناس أرود
فيخبرهم أن الصحيفة مزقت ... وأن كل ما لم يرضه الله مفسد
تراوحها إفك وسحر مجمع ... ولم يلف سحر آخر الدهر يصعد
تداعى لها من ليس فيها بقرقر ... فطائرها في رأسها يتردد(2/222)
وكانت كفاء زفعة بأثيمة ... ليقطع منها ساعد ومقلد
ويظعن أهل المكتين فيهربوا ... فرائصهم من خشية الشر ترعد
ويترك حراث يقلب أمره ... أيتهم منهم عند ذاك وينجد
وتصعد بين الأخشبين كتيبة ... لها حدج سهم وقوس ومرهد
فمن ينش من حضار مكة عزه ... فعزتنا في بطن مكة أتلد
نشأنا بها والناس فيها قلائل ... فلم ننفك نزداد خيرا ونحمد
ونطعم حتى يترك الناس فضلهم ... إذا جعلت أيدي المفيضين ترعد
جزى الله رهطا بالحجون تتابعوا ... على ملإ يهدي لحزم ويرشد
قعودا لدى خطم الحجون كأنهم ... مقاولة بل هم أعز وأمجد
أعان عليها كل صقر كأنه ... إذا ما مشى في رفرف الدرع أحرد
جرى على جلى الخطوب كأنه ... شهاب بكفي قابس يتوقد
من الأكرمين من لؤي بن غالب ... إذا سيم خسفا وجهه يتربد
طويل النجاد خارج نصف ساقه ... على وجهه يسقى الغمام ويسعد
عظيم الرماد سيد وابن سيد ... يحض على مقرى الضيوف ويحشد
ويبني لأبناء العشيرة صالحا ... إذا نحن طفنا في البلاد ويمهد(2/223)
ألظ بهذا الصلح كل مبرإ ... عظيم اللواء أمره ثم يحمد
قضوا ما قضوا في ليلهم ثم أصبحوا ... عل مهل وسائر الناس رقد
هم رجعوا سهل بن بيضاء راضيا ... وسر أبو بكر بها ومحمد
متى شرك الأقوام في جل أمرنا ... وكنا قديما قبلها نتودد
وكنا قديما لا نقر ظلامه ... وندرك ما شئنا ولا نتشدد
فيا لقصي هل لكم في نفوسكم ... وهل لكم فيما يجىء به غد
فإني وإياكم كما قال قائل ... لديك البيان لو تكلمت أسود
ما رثى به حسان المطعم بن عدي وذكره نقضه الصحيفة وقال حسان بن ثابت يبكي المطعم بن عدي حين مات ويذكر قيامه في نقض الصحيفة ... أيا عين فابكي سيد القوم واسفحي ... بدمع وإن أنزفته فاسكبي الدما
وبكي عظيم المشعرين كليهما ... على الناس معروفا له ما تكلما
فلو كان مجد يخلد الدهر واحدا ... من الناس أبقى مجده اليوم مطعما
أجرت رسول الله منهم فأصبحوا ... عبيدك ما لي مهل وأحرما
فلو سئلت عنه معد بأسرها ... وقحطان أو باقي بقية جرهما
لقالوا هو الموفى بخفرة جاره ... وذمته يوما إذا ما تذمما
فما تطلع الشمس المنيرة فوقهم ... على مثله فيهم أعز وأعظما
وآبى إذا يأبي وألين شيمة ... وأنوم عن جار إذا الليل أظلما(2/224)
قال ابن هشام قوله كليهما عن غير ابن اسحاق.
قال ابن هشام وأما قوله أجرت رسول الله منهم فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما انصرف عن أهل الطائف ولم يجيبوه الى ما دعاهم إليه من تصديقه ونصرته صار الى حراء ثم بعث الى الأخنس بن شريق ليجيره فقال أنا حليف والحليف لا يجير فبعث الى سهيل ابن عمرو فقال إن بني عامر لا تجير على بني كعب فبعث إلى المطعم بن عدي فأجابه الى ذلك ثم تسلح المطعم وأهل بيته وخرجوا حتى أتوا المسجد ثم بعث الى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أدخل فدخل رسول الله صلى الله عليه وسلم فطاف بالبيت وصلى عنده ثم انصرف الى منزله فذلك الذي يعنى حسان بن ثابت
حسان يمدح هشام بن عمرو لقيامه في نقض الصحيفة قال ابن اسحاق وقال حسان بن ثابت أيضا يمدح هشام بن عمرو لقيامه في الصحيفة ... هل يوفين بنو أمة ذمة ... عقدا كما أوفى جوار هشام
من معشر لا يغدرون بجارهم ... للحارث بن حبيب ابن سخام
وإذا بنو حسل أجاروا ذمة ... اوفوا وأدوا جارهم بسلام
وكان هشام أحد سحام.
قال ابن هشام ويقال سخام(2/225)
$ إسلام الطفيل بن عمرو الدوسي
قريش تحذره من استماعه للرسول قال ابن اسحاق وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم على ما يرى من قومه يبذل لهم النصيحة ويدعوهم الى النجاة مما هم فيه وجعلت قريش حين منعه الله منهم يحذرونه الناس ومن قدم عليهم من العرب
وكان الطفيل بن عمرو الدوسي يحدث أنه قدم مكة ورسول الله صلى الله عليه وسلم بها فمشى إليه رجال من قريش وكان الطفيل رجلا شريفا شاعرا لبيبا فقالوا له يا طفيل إنك قدمت بلادنا وهذا الرجل الذي بين اظهرنا قد اعضل بنا وقد فرق جماعتنا وشتت أمرنا وإنما قوله كالسحر يفرق بين الرجل وبين أبيه وبين الرجل وبين أخيه وبين الرجل وبين زوجته وإنا نخشى عليك وعلى قومك ما قد دخل علينا فلا تكلمنه ولا تسمعن منه شيئا
استماعه للرسول صلى الله عليه وسلم قال فوالله ما زالوا بي حتى اجمعت أن لا أسمع منه شيئا ولا أكلمه حتى حشوت في أذني حين غدوت الى المسجد كرسفا فرقا من أن يبلغني شيء من قوله وأنا لا أريد أن أسمعه قال فغدوت الى المسجد فإذا رسول الله صلى الله عليه وسلم قائم يصلي عند الكعبة قال فقمت منه قريبا فأبى الله إلا أن يسمعني بعض قوله قال فسمعت كلاما حسنا قال فقلت في نفسي واثكل أمي والله إني لرجل لبيب شاعر ما يخفي علي الحسن من القبيح فما يمنعني أن اسمع من هذا الرجل ما يقول فإن كان الذي يأتي به حسنا قبلته وإن كان قبيحا تركته(2/226)
إسلام الطفيل قال فمكثت حتى انصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم الى بيته فاتبعته حتى إذا دخل بيته دخلت عليه فقلت يا محمد إن قومك قد قالوا لي كذا وكذا للذي قالوا فوالله ما برحوا يخوفونني أمرك حتى سددت أذني بكرسف لئلا أسمع قولك ثم أبى الله إلا أن يسمعني قولك فسمعته قولا حسنا فاعرض علي أمرك قال فعرض علي رسول الله صلى الله عليه وسلم الإسلام وتلا علي القرآن فلا والله ما سمعت قولا قط أحسن منه ولا أمرا أعدل منه قال فأسلمت وشهدت شهادة الحق وقلت يا نبي الله إن امرؤ مطاع في قومي وأنا راجع إليهم وداعيهم الى الإسلام فادع الله أن يجعل لي آية تكون لي عونا عليهم فيما أدعوهم إليه فقال اللهم اجعل له آية
آية للطفيل ليصدقه قومه قال فخرجت الى قومي حتى إذا كنت بثنية تطلعني على الحاضر وقع نور بين عيني مثل المصباح فقلت اللهم في غير وجهي إني أخشى أن يظنوا أنها مثله وقعت في وجهي لفراقي دينهم قال فتحول فوقع في رأس سوطي قال فجعل الحاضر يتراءون ذلك النور في سوطي كالقنديل المعلق وأنا أهبط إليهم من الثنية قال حتى جئتهم فأصبحت فيهم
إسلام والد الطفيل وزوجه قال فلما نزلت أتاني أبي وكان شيخا كبيرا قال فقلت إليك عني يا أبت فلست منك ولست مني قال ولم يابني قال قلت اسملت وتابعت دين محمد صلى الله عليه وسلم قال أي بني فديني دينك قال فقلت فاذهب فاغتسل وطهر ثيابك ثم تعال حتى أعلمك ما علمت قال فذهب فاغتسل وطهر ثيابه قال ثم جاء فعرضت عليه الإسلام فأسلم(2/227)
قال ثم أتتني صاحبتي فقلت إليك عني فلست منك ولست مني قالت لم بأبي أنت وأمي قال قلت قد فرق بيني وبينك الإسلام وتابعت دين محمد صلى الله عليه وسلم قالت فديني دينك قال قلت فاذهبي الى حنا ذي الشرى قال ابن هشام ويقال حمى ذي الشرى فتطهري منه
قال وكان ذو الشرى صنما لدوس وكان الحمى حمى حموه له وبه وشل من ماء يهبط من جبل
قال فقالت بأبي أنت وأمي أتخشى على الصبية من ذي الشرى شيئا قال قلت لا أنا ضامن لذلك فذهبت فاغتسلت ثم جاءت فعرضت عليها الإسلام فأسلمت
دعاؤه للإسلام ثم دعوت دوسا الى الإسلام فأبطئوا علي ثم جئت رسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة فقلت له يا نبي الله إنه قد غلبني على دوس الزنا فادع الله عليهم فقال اللهم اهد دوسا ارجع الى قومك فادعهم وارفق بهم قال فلم أزل بأرض دوس أدعوهم الى الإسلام حتى هاجر رسول الله صلى الله عليه وسلم الى المدينة ومضى بدر واحد والخندق ثم قدمت على رسول الله صلى الله عليه وسلم بمن أسلم معي من قومي ورسول الله صلى الله عليه وسلم بخيبر حتى نزلت المدينة بسبعين أو ثمانين بيتا من دوس ثم لحقنا برسول الله صلى الله عليه وسلم بخيبر فأسهم لنا مع المسلمين(2/228)
ثم لم أزل مع رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى إذا فتح الله عليه مكة قال قلت يا رسول الله ابعثني الى ذي الكفين صنم عمرو بن حممة حتى أحرقه
إحراق صنم ذي الكفين قال ابن اسحاق فخرج إليه فجعل طفيل يوقد عليه النار ويقول ... يا ذا الكفين لست من عبادكا ... ميلادنا أقدم من ميلادكا
إني حشوت النار في فؤادكا
جهاده معه صلى الله عليه وسلم وموته قال ثم رجع الى رسول الله صلى الله عليه وسلم فكان معه بالمدينة حتى قبض الله رسوله صلى الله عليه وسلم فلما ارتدت العرب خرج مع المسلمين فسار معهم حتى فرغوا من طليحة ومن أرض نجد كلها ثم سار مع المسلمين الى اليمامة ومعه ابنه عمرو بن الطفيل فرأى رؤيا وهو متوجه الى اليمامة فقال لأصحابه إني قد رأيت رؤيا فاعبروها لي رأيت أن رأسي حلق وانه خرج من فمي طائر وانه لقيتني امرأة فأدخلتني في فرجها وأرى ابني يطلبني حثيثا ثم رأيته حبس عني قالوا خيرا قال أما أنا والله فقد أولتها قالوا ماذا قال أما حلق رأسي فوضعه وأما الطائر الذي خرج من فمي فروحي وأما المرأة التي أدخلتني فرجها فالأرض تحفر لي فأغيب فيها وأما طلب ابني أياي ثم حبسه عني فإني أراه سيجهد أن يصيبه ما أصابني فقتل رحمه الله شهيدا باليمامة وجرح ابنه جراحة شديدة ثم استبل منها ثم قتل عام اليرموك في زمن عمر رضي الله عنه شهيدا(2/229)
$ قصة أعشى بني قيس بن ثعلبة
قدومه على الرسول ومدحه قال ابن هشام حدثني خلاد ابن قرة بن خالد السدوسي وغيره من مشايخ بكر بن وائل من أهل العلم أن أعشى بني قيس بن ثعلبة بن عكابة بن صعب بن علي بن بكر بن وائل خرج الى رسول الله صلى الله عليه وسلم يريد الإسلام فقال يمدح رسول الله صلى الله عليه وسلم ... ألم تغتمض عيناك ليلة أرمدا ... وبت كما بات السليم مسهدا
وما ذاك من عشق النساء وإنما ... تناسيت قبل اليوم خلة مهددا
ولكن أرى الدهر الذي هو خائن
إذا أصلحت كفاي عاد فأفسدا
كهولا وشبانا فقدت وثروة ... فلله هذا الدهر كيف ترددا
وما زلت أبغي المال مذ أنا يافع ... وليدا وكهلا حين شبت وأمردا
وأبتذل العيسى المراقيل تغتلى ... مسافة ما بين النجير فصرخدا(2/230)
ألا أيهذا السائلي أين يممت ... فإن لها في أهل يثرب موعدا
فإن تسألي عني فيا رب سائل ... حفي عن الأعشى به حيث أصعدا
أجدت برجليها النجاء وراجعت ... يداها خنافا لينا غير أحردا
وفيها إذا ما هجرت عجرفية ... إذا خلت حرباء الظهيرة أصيدا
فآليت لا ارثى لها من كلالة ... ولا من حفى حتى تلاقي محمدا
متى ما تناخي عند باب ابن هاشم ... تراحي وتلقى من فواضله ندى
نبيا يرى ما لا ترون وذكره ... أغار لعمري في البلاد وأنجدا
له صدقات ما تغب ونائل ... وليس عطاء اليوم مانعه غدا(2/231)
أجدك لم تسمع وصاة محمد ... نبى الإله حيث أوصى وأشهدا
إذا أنت لم ترحل بزاد من التقى ... ولا قيت بعد الموت من قد تزودا
ندمت على أن لا تكون كمثله ... فترصد للموت الذي كان أرصدا
فإياك والميتات لا تقربنها ... ولا تأخذن سهما حديدا لتفصدا
ولا النصب المنصوب لا تنسكنه ... ولا تعبد الأوثان والله فاعبدا
ولا تقربن حرة كان سرها ... عليك حراما فانكحن أو تأبدا
وذا الرحم القربى فلا تقطعنه ... لعاقبة ولا الأسير المقيدا
وسبح على حين العشيات والضحى ... ولا تحمد الشيطان والله فاحمدا
ولا تسخرن من بائس ذي ضرارة ... ولا تحسبن المال للمرء مخلدا
نهاية الأعشى فلما كان بمكة أو قريبا منها اعترضه بعض المشركين من قريش فسأله عن أمره فأخبره أنه جاء يريد رسول الله صلى الله عليه وسلم ليسلم فقال له يا ابا بصير إنه يحرم الزنا فقال الأعشى والله إن ذلك الأمر ما لي فيه من أرب فقال له يا أبا بصير فإنه يحرم الخمر فقال الأعشى أما هذه فوالله إن في النفس منها لعلالات ولكني منصرف فأتروى مها عامي هذا ثم آتيه فأسلم فانصرف فمات في عامه ذلك ولم يعد الى رسول الله صلى الله عليه وسلم(2/232)
أبو جهل يذل للرسول قال ابن اسحاق وقد كان عدو الله أبو جهل بن هشام مع عداوته لرسول الله صلى الله عليه وسلم وبغضه إياه وشدته عليه يذله الله له إذا رآه
أبو جهل والإراشي
مماطلة ابي جهل الإراشي قال ابن اسحاق حدثني عبد الملك بن عبدالله بن ابي سفيان الثقفي وكان واعية قال قدم رجل من إراش قال ابن هشام ويقال إراشة بإبل له مكة فابتاعها منه أبو جهل فمطله بأثمانها فأقبل الإراشي حتى وقف على ناد من قريش ورسول الله صلى الله عليه وسلم في ناحية المسجد جالس فقال يا معشر قريش من رجل يؤديني على ابي الحكم بن هشام فإني(2/233)
رجل غريب ابن سبيل وقد غلبني على حقي قال فقال له أهل ذلك المجلس اترى ذلك الرجل الجالس لرسول الله صلى الله عليه وسلم وهم يهزءون به لما يعلمون ما بينه وبين ابي جهل من العداوة اذهب إليه فإنه يؤديك عليه
الرسول ينصف الإراشي من ابي جهل فأقبل الإراشي حتى وقف على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال يا عبد الله إن أبا الحكم بن هشام قد غلبني على حق لي قبله وأنا رجل غريب ابن سبيل وقد سألت هؤلاء القوم عن رجل يؤديني عليه يأخذ لي حقي منه فأشاروا لي إليك فخذ لي حقي منه يرحمك الله قال انطلق إليه وقام معه رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما رأوه قام معه قالوا لرجل ممن معهم اتبعه فانظر ماذا يصنع
قال وخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى جاءه فضرب عليه بابه فقال من هذا قال محمد فاخرج الي فخرج إليه وما في وجهه من رائحة قد انتقع لونه فقال اعط هذا الرجل حقه قال نعم لا تبرح حتى أعطيه الذي له قال فدخل فخرج إليه قال ثم انصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال للإراشي الحق بشأنك فأقبل الإراشي حتى وقف على ذلك المجلس فقال جزاه الله خيرا فقد والله أخذ لي حقي
ما خافه أبو جهل من رسول الله صلى الله عليه وسلم قال وجاء الرجل الذي بعثوا معه فقالوا ويحك ماذا رأيت قال عجبا من العجب(2/234)
والله ما هو إلا أن ضرب عليه بابه فخرج إليه وما معه روحه فقال له أعط هذا حقه فقال نعم لا تبرح حتى أخرج إليه حقه فدخل فخرج إليه بحقه فأعطاه إياه قال ثم لم يلبث أبو جهل أن جاء فقالوا ويلك ما لك والله ما رأينا مثل ما صنعت قط قال ويحكم والله ما هو إلا أن ضرب علي بابي وسمعت صوته فملئت رعبا ثم خرجت إليه وإن فوق رأسه لفحلا من الإبل ما رأيت مثل هامته ولا قصرته ولا أنيابه لفحل قط والله لو ابيت لأكلني
امر ركانة المطلبي ومصارعته النبي صلى الله عليه وسلم
من معجزاته صلى الله عليه وسلم قال ابن اسحاق وحدثني ابي اسحاق بن يسار قال كان ركانه بن عبد يزيد بن هاشم بن عبد المطلب بن عبد مناف أشد قريش فخلا يوما برسول الله صلى الله عليه وسلم في بعض شعاب مكة فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم يا ركانة ألا تتقي الله وتقبل ما أدعوك إليه قال إني لو أعلم أن الذي تقول حق لاتبعتك فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم أفرأيت إن صرعتك أتعلم أن ما أقول حق قال نعم قال فقم حتى أصارعك قال فقام إليه ركانه يصارعه فلما بطش به رسول الله صلى الله عليه وسلم أضجعه وهو لا يملك من نفسه شيئا ثم قال عد يا محمد فعاد فصرعه فقال يا محمد والله إن هذا للعجب أتصرعني فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم وأعجب من ذلك(2/235)
إن شئت أن أريكه إن اتقيت الله واتبعت أمري قال ما هو قال أدعوا لك هذه الشجرة التي ترى فتأتيني قال أدعها فدعاها فأقبلت حتى وقفت بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم قال فقال لها ارجعي الى مكانك قال فرجعت الى مكانها
قال فذهب ركانة الى قومه فقال يا بني عبد مناف ساحروا بصاحبكم أهل الأرض فوالله ما رأيت أسحر منه قط ثم أخبرهم بالذي رأى والذي صنع
قدوم وفد النصارى من الحبشة
أبو جهل يحاول ردهم عن الإسلام قال ابن اسحاق ثم قدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو بمكة عشرون رجلا أو قريب من ذلك من النصارى حين بلغهم خبره من الحبشة فوجدوه في المسجد فجلسوا إليه وكلموه وسألوه ورجال من قريش في أنديتهم حول الكعبة فلما فرغوا من مسألة رسول الله صلى الله عليه وسلم عما أرادوا دعاهم رسول الله صلى الله عليه وسلم الى الله عز وجل وتلا عليهم القرآن فلما سمعوا القرآن فاضت أعينهم من الدمع ثم استجابوا بالله وآمنوا به وصدقوه وعرفوا منه ما كان يوصف لهم في كتابهم من أمره فلما قاموا عنه اعترضهم أبو جهل بن هشام في نفر من قريش فقالوا لهم خيبكم الله من ركب بعثكم من وراءكم من أهل دينكم ترتادون لهم لتأتوهم بخبر الرجل فلم تطمئن مجالسكم عنده حتى فارقتم دينكم وصدقتموه بما قال ما نعلم ركبا أحمق منكم أو كما فقالوا فقالو لهم سلام عليكم لا نجاهلكم لنا ما نحن عليه ولكم ما أنتم عليه لم نأل أنفسنا خيرا(2/236)
ا
ما نزل فيهم من القرآن ويقال إن النفر من النصارى من أهل نجران فالله أعلم أي ذلك كان فيقال والله أعلم فيهم نزلت هؤلاء الآيات {الذين آتيناهم الكتاب من قبله هم به يؤمنون وإذا يتلى عليهم قالوا آمنا به إنه الحق من ربنا إنا كنا من قبله مسلمين} إلى قوله {لنا أعمالنا ولكم أعمالكم سلام عليكم لا نبتغي الجاهلين}.
قال ابن اسحاق وقد سألت ابن شهاب الزهري عن هؤلاء الآيات فيمن أنزلن فقال لي ما أسمع من علمائنا أنهن أنزلن في النجاشي وأصحابه والآية من سورة المائدة من قوله {ذلك بأن منهم قسيسين ورهبانا وأنهم لا يستكبرون} الى قوله {فاكتبنا مع الشاهدين}.
تهكم المشركين بالمستضعفين وما نزل في ذلك قال ابن اسحاق وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا جلس في المسجد فجلس إليه المستضعفون من أصحابه خباب وعمار وأبو فكيهة يسار مولى صفوان بن أمية بن محرث وصهيب وأشباههم من المسلمين هزئت بهم قريش وقال بعضهم لبعغض هؤلاء أصحابه كما ترون أهؤلاء من الله عليهم من بيننا بالهدى والحق لو كان ما جاء به محمد خيرا ما سبقنا هؤلاء إليه وما خصهم الله به دوننا فأنزل الله تعالى فيهم {ولا تطرد الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي يريدون وجهه ما عليك من حسابهم من شيء وما من حسابك عليهم من شيء فتطردهم فتكون من الظالمين وكذلك فتنا بعضهم ببعض ليقولوا أهؤلاء من الله عليهم من بيننا أليس الله بأعلم بالشاكرين وإذا جاءك الذين يؤمنون بآياتنا فقل سلام عليكم كتب ربكم على نفسه الرحمة أنه من عمل منكم سوءا بجهالة ثم تاب من بعده وأصلح فأنه غفور رحيم}(2/237)
ادعاء المشركين أنه يعلمه بشر ورد القرآن عليهم وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما بلغني كثيرا ما يجلس عند المروة الى مبيعة غلام نصراني يقال له جبر عبد لبني الحضرمي فكانوا يقولون والله ما يعلم محمدا كثيرا مما يأتي به إلا جبر النصراني غلام بنى الحضرم فأنزل الله تعالى في ذلك من قولهم {ولقد نعلم أنهم يقولون إنما يعلمه بشر لسان الذي يلحدون إليه أعجمي وهذا لسان عربي مبين}.
قال ابن هشام يلحدون إليه يميلون إليه والإلحاد الميل عن الحق
قال رؤبة بن العجاج ... إذا تبع الضحاك كل ملحد.
قال ابن هشام يعني الضحاك الخارجي وهذا البيت في أرجوزة له(2/238)
$ سبب نزول سورة الكوثر
نزول سورة الكوثر في العاص بن وائل قال ابن اسحاق وكان العاص بن وائل السهمي فيما بلغني إذا ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم قال دعوه فإنما هو رجل أبتر لا عقب له لو مات لا نقطع ذكره واسترحتم منه فأنزل الله في ذلك {إنا أعطيناك الكوثر} ما هو خير لك من الدنيا وما فيها والكوثر العظيم
معنى الكوثر قال ابن اسحاق قال لبيد بن ربيعة الكلابي ... وصاحب ملحوب فجعنا بيومه ... وعند الرداع بيت آخر كوثر
يقول عظيم.
قال ابن هشام وهذا البيت في قصيدة له وصاحب ملحوب عوف بن الأحوص بن جعفر بن كلاب مات بملحوب وقوله وعند الرداع بيت آخر كوثر يعني شريح بن الأحوص بن جعفر بن كلاب مات بالرداع وكوثر أراد الكثير ولفظه مشتق من لفظ الكثير قال الكميت بن زيد يمدح هشام بن عبد الملك بن مروان ... وأنت كثير يابن مروان طيب ... وكان أبوك ابن العقائل كوثرا
وهذا البيت في قصيدة له وقال أمية بن ابي عائذ الهذلي يصف حمار وحش(2/239)
يحامي الحقيق إذا ما احتدمن ... وحمحمن في كوثر كالجلال
يعني بالكوثر الغبار الكثير شبهه لكثرته عليه بالجلال وهذا البيت في قصيدة له.
قال ابن إسحاق حدثني جعفر بن عمرو قال ابن هشام هو جعفر بن عمرو بن أمية الضمري عن عبد الله بن مسلم أخي محمد بن مسلم بن شهاب الزهري عن أنس بن مالك قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم وقيل له يا رسول الله ما الكوثر الذي أعطاك الله قال نهر كما بين صنعاء إلى أيلة آنيته كعدد نجوم السماء ترده طيور لها أعناق كأعناق الإبل قال يقول عمر بن الخطاب إنها يا رسول الله لناعمة قال آكلها أنعم منها.
قال ابن إسحاق وقد سمعت في هذا الحديث أو غيره أنه قال صلى الله عليه وسلم من شرب منه لا يظمأ أبدا(2/240)
$ نزول {وقالوا لولا أنزل عليه ملك}
قال ابن اسحاق ودعا رسول الله صلى الله عليه وسلم قومه الى الإسلام وكلمهم فأبلغ إليهم فقال زمعة بن الأسود والنضر بن الحارث والأسود ابن عبد يغوث وأبي بن خلف والعاص بن وائل لو جعل معك يا محمد ملك يحدث عنك الناس ويرى معك فأنزل الله تعالى في ذلك من قولهم {وقالوا لولا أنزل عليه ملك ولو أنزلنا ملكا لقضي الأمر ثم لا ينظرون ولو جعلناه ملكا لجعلناه رجلا وللبسنا عليهم ما يلبسون}
نزول {ولقد استهزئ برسل من قبلك}
قال ابن اسحاق ومر رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما بلغني بالوليد ابن المغيرة وأمية بن خلف وبأبي جهل بن هشام فهمزوه واستهزءوا به فغاظه ذلك فأنزل الله تعالى عليه في ذلك من أمرهم {ولقد استهزئ برسل من قبلك فحاق بالذين سخروا منهم ما كانوا به يستهزؤون}(2/241)
$ ذكر الإسراء والمعراج $.
قال ابن هشام حدثنا زياد بن عبدالله البكائي عن محمد بن اسحاق المطلبي قال ثم أسري برسول الله صلى الله عليه وسلم من المسجد الحرام الى المسجد الأقصى وهو بيت المقدس من إيلياء وقد فشا الإسلام بمكة في قريش وفي القبائل كلها.
قال ابن إسحاق كان من الحديث فيما بلغني عن مسراه صلى الله عليه وسلم عن عبد الله بن مسعود وابي سعيد الخدري وعائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم ومعاوية بن ابي سفيان والحسن بن ابي الحسن البصري وابن شهاب الزهري وقتادة وغيرهم من اهل العلم وأم هانيء بنت أبي طالب ما اجتمع في هذا الحديث كل يحدث عنه بعض ما ذكر من امره حين اسري به صلى الله عليه وسلم وكان في مسراه وما ذكر عنه بلاء وتمحيص وامر من أمر الله عز وجل في قدرته وسلطانه فيه عبرة لأولي الألباب وهدى ورحمة وثبات لمن آمن وصدق وكان من أمر الله سبحانه(2/242)
وتعالى على يقين فأسرى به سبحانه وتعالى كيف شاء ليريه من آياته ما أراد حتى عاين ما عاين من أمره وسلطانه العظيم وقدرته التي يصنع بها ما يريد
رواية ابن مسعود عن الإسراء فكان عبدالله بن مسعود فيما بلغني عنه يقول
أتي رسول الله صلى الله عليه وسلم بالبراق وهي الدابة التي كانت تحمل عليها الأنبياء قبله تضع حافرها في منتهى طرفها فحمل عليها ثم خرج به صاحبه يرى الآيات فيما بين السماء والأرض حتى انتهى الى بيت المقدس فوجد فيه إبراهيم الخليل وموسى وعيسى في نفر من الأنبياء قد جمعوا له فصلى بهم ثم أتى بثلاثة آنية إناء فيه لبن وإناء فيه خمر وإناء فيه ماء قال فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم فسمعت قائلا يقول حين عرضت علي إن أخذ الماء غرق وغرقت أمته وإن أخذ الخمر غوي وغوت أمته وإن أخذ اللبن هدي وهديت أمته قال فأخذت إناء اللبن فشربت منه فقال لي جبريل عليه السلام هديت وهديت أمتك يا محمد
رواية الحسن قال ابن اسحاق وحدثت عن الحسن أنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم بينا أنا نائم في الحجر إذ جاءني جبريل فهمزني بقدمه فجلست فلم ار شيئا فعدت الى مضجعي فجاءني الثانية فهمزني بقدمه فجلست ولم أر شيئا فعدت الى مضجعي فجاءني الثالثة فهمزني بقدمه فجلست فأخذ بعضدي فقمت معه فخرج بي الى باب المسجد فإذا دابة أبيض بين البغل والحمار في فخذيه جناحان يحفز بهما رجله يضع يده في منتهى طرفه(2/243)
فحملني عليه ثم خرج معي لا يفوتني ولا أفوته
رواية قتادة قال ابن اسحاق وحدثت عن قتادة أنه قال حدثت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لما دنوت منه لأركبه شمس فوضع جبريل يده على معرفته ثم قال ألا تستحي يا براق مما تصنع فوالله ما ركبك عبد لله قبل محمد أكرم عليه منه قال فاستحيا حتى ارفض عرقا ثم قر حتى ركبته
عودة الى رواية الحسن قال الحسن في حديثه فمضى رسول الله صلى الله عليه وسلم ومضى جبريل عليه السلام معه حتى انتهى به الى بيت المقدس فوجد فيه إبراهيم وموسى وعيسى في نفر من الأنبياء فأمهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فصلى بهم ثم اتى بإناءين في أحدهما خمر وفي الأخر لبن قال فأخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم إناء اللبن فشرب منه وترك إناء الخمر قال فقال له جبريل هديت للفطرة وهديت أمتك يا محمد وحرمت عليكم الخمر ثم انصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم الى مكة فلما أصبح غدا على قريش فأخبرهم الخبر فقال أكثر الناس هذا والله الإمر البين والله إن العير لتطرد شهرا من مكة إلى الشام مدبرة وشهرا مقبلة أفيذهب ذلك محمد في ليلة واحدة ويرجع الى مكة قال فارتد كثير ممن كان أسلم وذهب الناس الى أبي بكر فقالوا له هل لك يا أبا بكر في صاحبك يزعم انه قد جاء هذه الليلة بيت المقدس وصلى فيه ورجع الى مكة قال فقال لهم(2/244)
أبو بكر إنكم تكذبون عليه فقالوا بلى ها هو ذاك في المسجد يحدث به الناس فقال ابو بكر والله لئن كان قاله لقد صدق فما يعجبكم من ذلك فوالله إنه ليخبرني أن الخبر ليأتيه من السماء إلى الأرض في ساعة من ليل أو نهار فأصدقه فهذا أبعد مما تعجبون منه ثم اقبل حتى انتهى الى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال يا نبي الله أحدثت هؤلاء القوم أنك جئت بيت المقدس هذه الليلة قال نعم قال يا نبي الله فصفه لي فإني قد جئته قال الحسن فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم فرفع لي حتى نظرت إليه فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يصفه لأبي بكر ويقول أبو بكر صدقت أشهد أنك رسول الله كلما وصف له منه شيئا قال صدقت أشهد أنك رسول الله حتى إذا انتهى قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأبي بكر وأنت يا أبا بكر الصديق فيومئذ سماه الصديق
قال الحسن وأنزل الله تعالى فيمن ارتد عن إسلامه لذلك {وما جعلنا الرؤيا التي أريناك إلا فتنة للناس والشجرة الملعونة في القرآن ونخوفهم فما يزيدهم إلا طغيانا كبيرا}.
فهذا حديث الحسن عن مسرى رسول الله صلى الله عليه وسلم وما دخل فيه من حديث قتادة
رواية عائشة قال ابن اسحاق حدثني بععض آل أبي بكر أن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم كانت تقول ما فقد جسد رسول الله صلى الله عليه وسلم ولكن الله أسرى بروحه
رواية معاوية قال ابن اسحاق وحدثني يعقوب بن عتبة بن المغيرة بن الأخنس أن معاوية بن ابي سفيان كان إذا سئل عن مسرى رسول الله صلى الله عليه وسلم قال كانت رؤيا من الله تعالى صادقة(2/245)
الإسراء رؤيا فلم ينكر ذلك من قولهما لقول الحسن إن هذه الآية نزلت في ذلك قول الله تبارك وتعالى {وما جعلنا الرؤيا التي أريناك إلا فتنة للناس} ولقول الله تعالى في الخبر عن إبراهيم عليه السلام إذ قال لابنه {يا بني إني أرى في المنام أني أذبحك} ثم مضى على ذلك فعرفت أن الوحي من الله يأتي الأنبياء أيقاظا ونياما.
قال ابن إسحاق وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما بلغني يقول تنام عيناي وقلبي يقظان والله أعلم أي ذلك كان قد جاءه وعاين فيه ما عاين من أمر الله على أي حاليه كان نائما أو يقظان كل ذلك حق وصدق(2/246)
وصفه صلى الله عليه وسلم إبراهيم وموسى وعيسى قال ابن اسحاق وزعم الزهرى عن سعيد بن المسيب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم وصف لأصحابه إبراهيم وموسى وعيسى حين رآهم في تلك الليلة فقال أما إبراهيم فلم أر رجلا أشبه قط بصاحبكم ولا صاحبكم أشبه به منه وأما موسى فرجل آدم طويل ضرب جعد أقنى كأنه من رجال شنوءة وأما عيسى ابن مريم فرجل أحمر بين القصير والطويل سبط الشعر كثير خيلان الوجه كأنه خرج من ديماس تخال رأسه يقطر ماء وليس به ما أشبه رجالكم به عروة بن مسعود الثقفي
علي يصف الرسول صلى الله عليه وسلم قال ابن هشام وكانت صفة رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما ذكر عمر مولى غفرة عن إبراهيم بن محمد بن علي بن أبي طالب قال كان علي بن ابي طالب عليه السلام إذا نعت رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لم يكن بالطويل الممغط ولا القصير المتردد وكان ربعة من القوم ولم يكن بالجعد القطط ولا السبط كان جعدا رجلا ولم يكن بالمطهم ولا المكلثم وكان ابيض(2/247)
مشربا أدعج العينين اهدب الأشفار جليل المشاش والكتد دقيق المسربة أجرد شثن الكفين والقدمين إذا مشى تقلع كأنما يمشي في صبب وإذا التفت التفت معا بين كتفيه خاتم النبوة وهو خاتم النبيين أجود الناس كفا وأجرأ الناس صدرا وأصدق الناس لهجة وأوفى الناس ذمة وألينهم عريكة وأكرمهم عشرة من رآه بديهة هابه ومن خالطه أحبه يقول ناعته لم أر قبله ولا بعده مثله صلى الله عليه وسلم
رواية أم هانئ عن الإسراء قال محمد بن اسحاق وكان فيما بلغني عن أمر هانئ بنت أبي طالب رضي الله عنها واسمها هند في مسرى رسول الله صلى الله عليه وسلم أنها كانت تقول ما أسري برسول الله صلى الله عليه وسلم إلا وهو في بيتي نائم عندي تلك الليلة في بيتي فصلى العشاء الآخرة ثم نام ونمنا فلما كان قبيل الفجر أهبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما صلى الصبح وصلينا معه قال يا أم هانىء لقد(2/248)
صليت معكم العشاء الآخرة كما رأيت بهذا الوادي ثم جئت بيت المقدس فصليت فيه ثم صليت صلاة الغداة معكم كما ترين ثم قام ليخرج فأخذت بطرف ردائه فتكشف عن بطنه كأنه قطبية مطوية فقلت له يا نبي الله لا تحدث بهذا للناس فيكذبوك ويؤذوك قال والله لاحدثنهموه قالت فقلت لجارية لي حبشية ويحك اتبعي رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى تسمعي ما يقول للناس وأما يقولون له فلما خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم الى الناس أخبرهم فعجبوا وقالوا ما آية ذلك يا محمد فإنا لم نسمع بمثل هذا قط قال آية ذلك أني مررت بعير بني فلان بوادي كذا وكذا فأنفرهم حس الدابة فند لهم بعير فدللتهم عليه وأنا متوجه الى الشام ثم أقبلت حتى إذا كنت بضجنان مررت بعير بني فلان فوجدت القوم نياما ولهم إناء فيه ماء قد غطوا عليه بشيء فكشفت غطاءه وشربت ما فيه ثم غطيت عليه كما كان وآية ذلك ان عيرهم الآن يصوب من البيضاء ثنية التنعيم يقدمها جمل أورق عليه غرارتان إحداهما سوداء والأخرى برقاء قالت فابتدر القوم الثنية فلم يلقهم أول من الجمل كما وصف لهم وسألوهم عن الإناء فأخبروهم أنهم وضعوه مملوءا ماء ثم غطوه وإنهم هبوا فوجدوه مغطى كما غطوه ولم يجدوا فيه ماء وسألوا الآخرين وهم بمكة فقالوا صدق والله لقد أنفرنا في الوادي الذي ذكر وند لنا بعير فسمعنا صوت رجل يدعونا إليه حتى أخذناه(2/249)
$ قصة المعرج
الرسول صلى الله عليه وسلم يصعد الى السماء الأولى وقال ابن اسحاق وحدثني من لا أتهم عن ابي سعيد الخدري رضي الله عنه أنه قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لما فرغت مما كان في بيت المقدس أتي بالمعراج ولم أر شيئا قط أحسن منه وهو الذي يمد إليه ميتكم عينيه إذا حضر فأصعدني صاحبي فيه حتى انتهى بي الى باب من أبواب السماء يقال له باب الحفظة عليه ملك من الملائكة يقال له إسماعيل تحت يديه اثنا عشر ألف ملك تحت يدي كل ملك منهم اثنا عشر ألف ملك قال يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم حين حدث بهذا الحديث {وما يعلم جنود ربك إلا هو} فلما دخل بي قال من هذا يا جبريل قال محمد قال أوقد بعث قال نعم قال فدعا لي بخير وقال : صفة مالك خازن النار قال ابن اسحاق وحدثني بعض أهل العلم عمن حدثه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال تلقتني الملائكة حين دخلت السماء الدنيا فلم يلقني ملك إلا ضاحكا مستبشرا يقول(2/250)
خيرا ويدعو به حتى لقيني ملك من الملائكة فقال مثل ما قالوا ودعا بمثل ما دعوا به إلا أنه لم يضحك ولم أر منه البشر مثل ما رأيت من غيره فقلت لجبريل يا جبريل من هذا الملك الذي قال لي كما قالت الملائكة ولم يضحك ولم ار منه من البشر مثل الذي رأيت من غيره قال فقال لي جبريل أما إنه لو ضحك إلى احد كان قبلك أو كان ضاحكا الى احد بعدك لضحك إليك ولكنه لا يضحك هذا مالك صاحب النار
من صفات جهنم أعاذنا الله منها فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت لجبريل وهو من الله تعالى بالمكان الذي وصف لكم {مطاع ثم أمين} ألا تأمره أن يريني النار فقال بلى يا مالك أر محمدا النار قال فكشف عنها غطاءها فقال ففارت وارتفعت حتى ظننت لتأخذن ما أرى قال فقلت لجبريل يا جبريل مره فليردها الى مكانها قال فأمره فقال لها اخبى فرجعت الى مكانها الذي خرجت منه فما شبهت رجوعها إلا وقوع الظل حتى إذا دخلت من حيث خرجت رد عليها غطاءها
عرض الأرواح على آدم عليه السلام قال ابو سعيد الخدري في حديثه إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لما دخلت السماء الدنيا رأيت بها رجلا جالسا تعرض عليها أرواح بني آدم فيقول لبعضها إذا عرضت عليها خيرا ويسر به ويقول روح طيبة خرجت من جسد طيب ويقول لبعضها إذا عرضت عليه أف ويعبس بوجهه ويقول روح(2/251)
خبيثة خرجت من جسد خبيث قال قلت من هذا جبريل قال هذا أبوك آدم تعرض عليه أرواح ذريته فإذا مرت به روح المؤمن منهم سر بها وقال روح طيبة خرجت من جسد طيب وإذا مرت به روح الكافر منهم أنف منها وكرهها وساءه ذلك وقال روح خبيثة خرجت من جسد خبيث
أكلة أموال اليتامي ظلما قال ثم رأيت رجالا لهم مشافر كمشافر الإبل في أيديهم قطع من نار كالأفهار يقذفونها في أفواههم فتخرج من ادبارهم فقلت من هؤلاء يا جبريل قال هؤلاء أكله أمول اليتامي ظلما
أكلة الربا قال ثم رأيت رجالا لهم بطون لم ار مثلها قط بسبيل آل فرعون يمرون عليهم كالإبل المهيومة حين يعرضون على النار يطئونهم لا يقدرون على أن يتحولوا من مكانهم ذلك قال قلت من هؤلاء يا جبريل قال هؤلاء أكلة الربا
الزناة من بني آدم قال ثم رأيت رجالا بين أيديهم لحم سمين طيب الى جنبه لحم غث منتن يأكلون من الغث المنتن ويتركون السمين الطيب قال قلت من هؤلاء يا جبريل قال هؤلاء الذين يتركون ما أحل الله لهم من النساء ويذهبون الى ما حرم الله عليهم منهن(2/252)
من نسبت ابنا لزوجها من غيره قال ثم رأيت نساء معلقات بثديهن فقلت من هؤلاء يا جبريل قال هؤلاء اللاتي أدخلن على الرجال من ليس من أولادهم.
قال ابن إسحاق وحدثني جعفر بن عمرو عن القاسم بن محمد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال اشتد غضب الله على امرأة أدخلت على قوم من ليس منهم فأكل حرائبهم وطلع على عوراتهم
صعوده صلى الله عليه وسلم الى السموات الأخر وما رأى منها ثم رجع الى حديث أبي سعيد الخدري قال ثم أصعدني الى السماء الثانية فإذا فيها ابنا الخالة عيسى ابن مريم ويحيى بن زكريا قال ثم أصعدني الى السماء الثالثة فإذا فيها رجل صورته كصورة القمر ليلة البدر قال قلت من هذا يا جبريل قال هذا أخوك يوسف ابن يعقوب قال ثم أصعدني الى السماء الرابعة فإذا فيها رجل فسألته(2/253)
من هو قال هذا إدريس قال يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم ورفعناه مكانا عليا قال ثم أصعدني الى السماء الخامسة فإذا فيها كهل أبيض الرأس واللحية عظيم العثنون لم أر كهلا أجمل منه قالت قلت من هذا يا جبريل قال هذا المحبب في قومه هارون ابن عمران قال ثم أصعدني الى السماء السادسة فإذا فيها رجل آدم طويل أقنى كأنه من رجال شنوءة فقلت له من هذا يا جبريل قال هذا أخوك موسى بن عمران ثم أصعدني الى السماء السابعة فإذا فيها كهل جالس على كرسي الى باب البيت المعمور يدخله كل يوم سبعون ألف ملك لا يرجعون فيه الى يوم القيامة لم أر رجلا أشبه بصاحبكم ولا صاحبكم أشبه به منه قال قلت من هذا يا جبريل قال هذا أبوك إبراهيم قال ثم دخل بي الجنة فرأيت فيها جارية لعساء فسألتها لمن أنت وقد أعجبتني حين رأيتها فقالت لزيد بن حارثة فبشر بها رسول الله صلى الله عليه وسلم زيد بن حارثة(2/254)
فرض الصلاة عليه صلى الله عليه وسلم قال ابن اسحاق ومن حديث ابن مسعود رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم فيما بلغني أن جبريل لم يصعد به الى سماء من السموات إلا قالوا له حين يستأذن في دخولها من هذا يا جبريل فيقول محمد فيقولون أوقد بعث إليه فيقول نعم فيقولون حياه الله من اخ وصاحب حتى انتهى به الى السماء السابعة ثم انتهي به الى ربه ففرض عليه خمسين صلاة في كل يوم
موسى بن عمران عليه السلام يطلب منه عليه الصلاة والسلام سؤال ربه التخفيف عن أمته في أمر الصلاة قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فأقبلت راجعا فلما مررت بموسى بن عمران ونعم الصاحب كان لكم سألني كم فرض عليك من الصلاة فقلت خمسين صلاة كل يوم فقال إن الصلاة ثقيلة وإن أمتك ضعيفة فارجع الى ربك فاسأله أن يخفف عنك وعن أمتك فرجعت فسألت ربي أن يخفف عني وعن أمتي فوضع عني عشرا ثم انصرفت فمررت على موسى فقال لي مثل ذلك فرجعت فسألت ربي أن يخفف عني وعن أمتى فوضع عني عشرا ثم انصرفت فمررت على موسى فقال لي مثل ذلك فرجعت فسألت ربي فوضع عني عشرا ثم لم يزل يقول لي مثل ذلك كلما رجعت إليه قال فارجع فاسأل ربك حتى انتهيت الى أن وضع ذلك عني إلا خمس صلوات في كل يوم وليلة ثم رجعت الى موسى فقال لي مثل ذلك فقلت قد راجعت ربي وسألته حتى استحييت منه فما أنا بفاعل
فمن أداهن منكم إيمانا بهن واحتسابا لهن كان له أجر خمسين صلاة(2/255)
$ المستهزئون بالرسول وكفاية الله أمرهم
قال ابن اسحاق فأقام رسول الله صلى الله عليه وسلم على أمر الله تعالى صابرا محتسبا مؤديا الى قومه النصيحة على ما يلقى منهم من التكذيب والأذى وكان عظماء المستهزئين كما حدثني يزيد بن رومان عن عروة بن الزبير خمسة نفر من قومهم وكانوا ذوي أسنان وشرف في قومهم
أسماء المستهزئين من بني أسد بن عبد العزى بن قصي بن كلاب الأسود بن المطلب بن اسد ابو زمعة وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما بلغني قد دعا عليه لما كان يبلغه من أذاه واستهزائه فقال اللهم اعم بصره وأثكله ولده
ومن بني زهرة بن كلاب الأسود بن عبد يغوث بن وهب بن عبد مناف بن زهرة
ومن بني مخزوم بن يقظة بن مرة الوليد بن المغيرة بن عبدالله بن عمر بن مخزوم
ومن بني سهم بن عمرو بن هصيص بن كعب العاص بن وائل ابن هشام.
قال ابن هشام العاص بن وائل بن هاشم بن سعيد بن سهم(2/256)
ومن بني خزاعة الحارث ابن الطلاطلة بن عمرو بن الحارث ابن عبد عمرو بن ملكان
فلما تمادوا في الشر وأكثروا برسول الله صلى الله عليه وسلم الاستهزاء أنزل الله تعالى عليه {فاصدع بما تؤمر وأعرض عن المشركين إنا كفيناك المستهزئين الذين يجعلون مع الله إلها آخر فسوف يعلمون}.
ما فعل الله بالمستهزئين قال ابن اسحاق فحدثني يزيد بن رومان عن عروة بن الزبير أو غيره من العلماء أن جبريل أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهم يطوفون بالبيت فقام وقام رسول الله صلى الله عليه وسلم الى جنبه فمر به الأسود بن المطلب فرمي في وجهه بورقة خضراء فعمي ومر به الأسود بن عبد يغوث فأشار الى بطنه فاستستقى بطنه فمات منه حبنا ومر به الوليد بن المغيرة فأشار الى أثر جرح بأسفل كعب رجله كان أصابه قبل ذلك بسنين وهو يجر سبله وذلك أنه مر برجل من خزاعة وهو يريش نبلا له فتعلق سهم من نبله بإزاراه فخدش في رجله ذلك الخدش وليس بشيء فانتقض به فقتله ومر به العاص بن وائل فأشار الى اخمص رجله وخرج على حمار له يريد الطائف فربض به على شبارقة فدخلت في أخمص رجله شوكة فقتلته ومر به الحارث ابن الطلاطلة فأشار الى رأسه فامتخض قيحا فقتله(2/257)
$ قصة أبي أزيهر الدوسي
وصية الوليد أولاده قال ابن اسحاق فلما حضرت الوليد الوفاة دعا بنيه وكانوا ثلاثة هشام بن الوليد والوليد بن الوليد وخالد ابن الوليد فقال لهم اي بني أوصيكم بثلاث فلا تضيعوا فيهن دمي في خزاعة فلا تطلنه والله إني لأعلم أنهم منه براء ولكني أخشى أن تسبوا به بعد اليوم ورباي في ثقيف فلا تدعوه حتى تأخذوه وعقري عند أبي أزيهر فلا يفوتنكم به وكان أبو أزيهر قد زوجه بنتا ثم أمسكها عنه فلم يدخلها عليه حتى مات
عقل الوليد عند خزاعة فلما هلك الوليد بن المغيرة وثب بنو مخزوم على خزاعة يطلبون منهم عقل الوليد وقالوا إنما قتله سهم صاحبكم وكان لبني كعب حلف من بني عبد المطلب ابن هاشم فأبت عليهم خزاعة ذلك حتى تقاولوا أشعارا وغلظ بينهم الأمر وكان الذي أصاب الوليد سهمه رجلا من بني كعب ابن عمرو من خزاعة فقال عبد الله بن أبي أمية بن المغيرة بن عبدالله بن عمر بن مخزوم
ما قيل من الأشعار في مقتل الوليد ... إني زعيم أن تسيروا فتهربوا ... وأن تتركوا الظهران تعوي الثعالبه
وأن تتركوا ماء بجزعة أطرقا ... وأن تسألوا أي الأراك أطايبه(2/258)
فإنا أناس لا تطل دماؤنا ... ولا يتعالى صاعدا من نحاربه
وكانت الظهران والاراك منازل بني كعب من خزاعة فأجابه الجون ابن ابي الجون أخو بني كعب بن عمرو الخزاعي فقال ... والله لا نؤتى الوليد ظلامه ولما تروا يوما تزول كواكبه
ويصرع منكم مسمن بعد مسمن ... وتفتح بعد الموت قسرا مشاربه
إذا ما أكلتم خبرزكم خزيركم ... فكلكم باكي الوليد ونادبه
ثم إن الناس ترادوا وعرفوا إنما يخشى القوم السبه فأعطتهم خزاعة بعض العقل وانصرفوا عن بعض فلما اصطلح القوم قال الجون بن أبي الجون ... وقائلة لما اصطلحنا تعجبا ... لما قد حملنا للوليد وقائل
ألم تقسموا تؤتوا الوليد ظلامه ... ولما تروا يوما كثير البلابل
فنحن خلطنا الحرب بالسلم فاستوت ... فأم هواه آمنا كل راحل
ثم لم ينته الجون بن أبي الجون حتى افتخر بقتل الوليد وذكر أنهم أصابوه وكان ذلك باطلا فلحق بالوليد وبولده وقومه من ذلك(2/259)
ما حذر فقال الجون بن ابي الجون ... ألا زعم المغيرة أن كعبا ... بمكة منهم قدر كبير
فلا تفخر مغير أن تراها ... بها يمشي المعلهج والمهير
بها آباؤنا وبها ولدنا ... كما أرسي بمثبته ثبير
وما قال المغيرة ذاك إلا ... ليعلم شأننا أو يستثير
فإن دم الوليد يطل إنا ... نطل دماء أنت بها خبير
كساه الفاتك الميمون سهما ... زعافا وهو ممتلىء بهير
فخر ببطن مكة مسلحبا ... كأنه عند وجبته بعير
سيكفيني مطال أبي هشام ... صغار جعدة الأوتار خور.
قال ابن هشام تركنا منها بيتا واحدا أقذع فيه
مقتل أبي أزيهر قال ابن اسحاق ثم عدا هشام بن الوليد على أبي أزيهر وهو بسوق ذي المجاز وكانت عند ابي سفيان بن حرب عاتكة بنت أبي أزيهر وكان ابو أزيهر رجلا شريفا في قومه فقتله بعقر الوليد الذي كان عنده لوصية أبيه إياه وذلك بعد ان هاجر رسول الله صلى الله عليه وسلم الى المدينة ومضى بدر وأصيب به من أصيب من أشراف قريش من المشركين فخرج يزيد بن ابي سفيان فجمع بني عبد مناف وأبو سفيان بذي المجاز فقال الناس أخفر أبو سفيان في صهره فهو ثائر به فلما سمع أبو سفيان بالذي صنع ابنه يزيد وكان ابو سفيان رجلا حليما منكرا يحب قومه حبا(2/260)
شديدا انحط سريعا الى مكة وخشي أن يكون بين قريش حدث في أبي أزيهر فأتى ابنه وهو في الحديد في قومه من بني عبد مناف والمطيبين فأخذ الرمح من يده ثم ضرب به على رأسه ضربة هده منها ثم قال له قبحك الله أتريد أن تضرب قريشا بعضهم ببعض في رجل من دوس سنؤتيهم العقل إن قبلوه وأطفىء لك الأمر
فانبعث حسان بن ثابت يحرص في دم أبي أزيهر ويعير أبا سفيان حفرته ويجبنه فقال ... غدا أهل ضوجى ذي المجاز كليهما ... وجار ابن حرب بالمغمس ما يغدو
ولم يمنع العير الضروط ذماره ... وما منعت مخزاة والدها هند
كساك هشام بن الوليد ثيابه ... فأبل وأخلف مثلها جددا بعد
قضى وطرا منه فأصبح ماجدا ... وأصبحت رخوا ما تخب وما تعدو
فلو أن أشياخا ببدر تشاهدوا ... لبل نعال القوم معتبط ورد
فلما بلغ أبا سفيان قول حسان قال يريد حسان أن يضرب بعضنا ببعض في رجل من دوس بئس والله ما ظن
ولما أسلم أهل الطائف كلم رسول الله صلى الله عليه وسلم خالد بن الوليد في ربا الوليد الذي كان في ثقيف لما كان أبوه أوصاه به(2/261)
خالد يطالب بتنفيذ وصية أبيه وما نزل في ذلك من القرآن قال ابن اسحاق فذكر لي بعض أهل العلم أن هؤلاء الآيات من تحريم ما بقي من الربا بأيدي الناس نزلن في ذلك من طلب خالد الربا {يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وذروا ما بقي من الربا إن كنتم مؤمنين} إلى آخر القصة فيها
دوس تحاول الثأر لأبي أزيهر ولم يكن في أبي أزيهر ثأر نعلمه حتى حجز الإسلام بين الناس إلا أن ضرار بن الخطاب بن مرادس الفهري خرج في نفر من قريش الى ارض دوس فنزلوا على امرأة يقال لها ام غيلان مولاة لدوس وكانت تمشط النساء وتجهز العرائس فأرادت دوس قتلهم بأبي أزيهر فقامت دونهم أم غيلان ونسوة معها حتى منعتهم فقال ضرارا بن الخطاب في ذلك ... جزى الله عنا أم غيلان صالحا ... ونسوتها إذ هن شعث عواطل
فهن دفعن الموت بعد اقترابه ... وقد برزت للثائرين القوابل
دعت دعوة دوسا فسألت شعابها ... بعز وأدتها الشراج القوابل
وعمرا جزاه الله خيرا فما ونى ... وما بردت منه لدي المفاصل
... فجردت سيفي ثم قمت بنصله ... وعن أي نفس بعد نفسي أقاتل.
قال ابن هشام حدثني أبو عبيدة أن التي قامت دون ضرار أم جميل ويقال ام غيلان قال ويجوز أن تكون ام غيلان قامت مع أم جميل فيمن قام دونه
فلما قام عمر بن الخطاب أتته أم جميل وهي ترى أنه أخوه فلما أنتسبت له عرف القصة فقال إني لست بأخيه إلا في الإسلام(2/262)
وهو غاز وقد عرفت منتك عليه فأعطاها على أنها ابنة سبيل
قال الرواي قال ابن هشام وكان ضرار لحق عمر بن الخطاب يوم احد فجعل يضربه بعرض الرمح ويقول انج يا ابن الخطاب لا أقتلك فكان عمر يعرفها له بعد إسلامه
وفاة أبي طالب وخديجة وما عاناه رسول الله صلى الله عليه وسلم بعدهما
من كان يؤذي الرسول صلى الله عليه وسلم قال ابن اسحاق وكان النفر الذن يؤذون رسول الله صلى الله عليه وسلم في بيته أبا لهب والحكم بن العاص ابن امية وعقبة بن ابي معيط وعدي بن حمراء الثقفي وابن الأصداء الهذلي وكانوا جيرانه لم يسلم منهم احد إلا الحكم بن ابي العاص فكان أحدهم فيما ذكر لي يطرح عليه صلى الله عليه وسلم رحم الشاة وهو يصلي وكان احدهم يطرحها في برمته إذا نصبت له حتى اتخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم حجرا يستتر به منهم إذا صلى فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا طرحوا عليه ذلك الأذى كما حدثني عمر بن عبد الله بن عروة بن الزبير عن عروة بن الزبير يخرج به رسول الله صلى الله عليه وسلم على العود فيقف به على بابه ثم يقول يا بني عبد مناف أي جوار هذا ثم يلقيه في الطريق.
قال ابن إسحاق ثم إن خديجة بنت خويلد وأبا طالب هلكا(2/263)
في عام واحد فتتابعت على رسول الله صلى الله عليه وسلم المصائب بهلك خديجة وكانت له وزير صدق على الإسلام يشكو إليها وبهلك عمه أبي طالب وكان له عضدا وحرزا في أمره ومنعة وناصرا على قومه وذلك قبل مهاجره الى المدينة بثلاث سنين فلما هلك أبو طالب نالت قريش من رسول الله صلى الله عليه وسلم من الأذى ما لم تكن تطمع به في حياة أبي طالب حتى اعترضه سفيه من سفهاء قريش فنثر على رأسه ترابا.
قال ابن إسحاق فحدثني هشام بن عروة عن أبيه عروة بن الزبير قال : لما نثر ذلك السفيه على رأس رسول الله صلى الله عليه وسلم ذلك التراب دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم بيته والتراب على رأسه فقامت إليه إحدى بناته فجعلت تغسل عنه التراب وهي تبكي ورسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لها لا تبكي يا بنيه فإن الله مانع أباك قال يقول بين ذلك ما نالت مني قريش شيئا أكرهه حتى مات أبو طالب
المشركون يطلبون عهدا بينهم وبين الرسول قبل موت أبي طالب قال ابن اسحاق ولما اشتكى أبو طالب وبلغ قريشا ثقله قالت قريش بعضها لبعض إن حمزة وعمر قد أسلما وقد فشا امر محمد في قبائل قريش كلها فانطلقوا بنا الى أبي طالب فيأخذ لنا على ابن أخيه وليعطه منا والله ما نأمن أن يبتزونا أمرنا.
قال ابن إسحاق فحدثني العباس بن عبدالله بن معبد بن عباس(2/264)
عن بعض أهله عن ابن عباس قال مشوا الى أبي طالب فكلموه وهم أشراف قومه عتبة بن ربيعة وشيبة بن ربيعة وأبو جهل بن هشام وأمية بن خلف وأبو سفيان بن حرب في رجال من اشرافهم فقالوا يا أبا طالب إنك منا حيث قد علمت وقد حضرك ما ترى وتخوفنا عليك وقد علمت الذي بيننا وبين ابن اخيك فادعه فخذ له منا وخذ لنا منه ليكف عنا ونكف عنه وليدعنا وديننا وندعه ودينه فبعث إليه أبو طالب فجاءه فقال يا ابن أخي هؤلاء أشراف قومك قد اجتمعوا لك ليعطوك وليأخذوا منك قال فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم نعم كلمة واحدة تعطونيها تملكون بها العرب وتدين لكم بها العجم قال فقال أبو جهل نعم وأبيك وعشر كلمات قال تقولون لا إله إلا الله وتخلعون ما تعبدون من دونه قال فصفقوا بأيديهم ثم قالوا أتريد يا محمد ان تجعل الآلهة إلها واحدا إن أمرك لعجب قال بعضهم لبعض إنه والله ما هذا الرجل بمعطيكم شيئا مما تريدون فانطلقوا وامضوا على دين آبائكم حتى يحكم الله بينكم وبينه قال ثم تفرقوا
رجاء الرسول إسلام ابي طالب فقال أبو طالب لرسول الله صلى الله عليه وسلم والله يا ابن أخي ما رأيتك سألتهم شططا قال فلما قالها ابو طالب طمع رسول الله صلى الله عليه وسلم في إسلامه فجعل يقول له أي عم فأنت فقلها استحل لك بها الشفاعة يوم القيامة قال فلما رأى حرص رسول الله صلى الله عليه وسلم عليه قال يا ابن أخي والله لولا مخافة السبة عليك وعلي بني أبيك من بعدي وأن تظن قريش أني إنما قلتها جزعا من الموت لقلتها لا أقولها إلا لأسرك بها قال فلما تقارب من ابي طالب الموت قال نظر العباس إليه يحرك سفتيه قال فأصغى إليه بأذنه قال فقال يا ابن أخي والله لقد قال أخي(2/265)
الكلمة التي أمرته أن يقولها قال فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لم اسمع
ما نزل فيمن طالبوا العهد على الرسول عند أبي طالب قال وأنزل الله تعالى في الرهط الذين كانوا قد اجتمعوا إليه وقال لهم ما قال وردوا عليه ما ردوا {والقرآن ذي الذكر بل الذين كفروا في عزة وشقاق} الى قوله تعالى {أجعل الآلهة إلها واحدا إن هذا لشيء عجاب وانطلق الملأ منهم أن امشوا واصبروا على آلهتكم إن هذا لشيء يراد ما سمعنا بهذا في الملة الآخرة} يعنون النصارى لقولهم {إن الله ثالث ثلاثة} إن هذا إلا اختلاف ثم هلك أبو طالب
سعي الرسول الى الطائف وموقف ثقيف منه.
قال ابن إسحاق ولما هلك أبو طالب نالت قريش من رسول الله صلى الله عليه وسلم من الأذى ما لم تكن تنال منه في حياة عمه أبي طالب فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم الى الطائف يلتمس النصرة من ثقيف والمنعة بهم من قومه ورجاء أن يقبلوا منه ما جاءهم به من الله عز وجل فخرج اليهم وحده(2/266)
الثلاثة الذين نزل بهم رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ابن اسحاق فحدثني يزيد بن زياد عن محمد بن كعب القرظي قال لما انتهى رسول الله صلى الله عليه وسلم الى الطائف عمد الى نفر من ثقيف هم يؤمئذ ساده ثقيف وأشرافهم وهم إخوه ثلاثة عبد ياليل بن عمرو بن عمير ومسعود بن عمرو بن عمير وحبيب بن عمرو بن عمير بن عوف ابن عقدة بن غيرة بن عوف بن ثقيف وعند أحدهم امرأة من قريش من بني جمح فجلس إليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فدعاهم الى الله وكلمهم بما جاءهم له من نصرته على الإسلام والقيام معه على من خالفه من قومه فقال له أحدهم هو يمرط ثياب الكعبة إن كان الله أرسلك وقال الآخر أما وجد الله أحدا يرسله غيرك وقال الثالث والله لا أكلمك أبدا لئن كنت رسولا من الله كما تقول لأنت أعظم خطرا من أن أرد عليك الكلام ولئن كنت تكذب على الله ما ينبغي لي أن أكلمك فقال رسول الله صلى عليه وسلم من عندهم وقد يئس من خير ثقيف وقد قال لهم فيما ذكر لي إذا فعلتم ما فعلتم فاكتموا عني وكره رسول الله صلى الله عليه وسلم يبلغ قومه عنه فيذئرهم ذلك عليه.
قال ابن هشام قال عبيد بن الأبرص ... ولقد أتاني عن تميم أنهم ... ذئروا لقتلى عامر وتعصبوا
فلم يفعلوا واغروا به سفهاءهم وعبيدهم يسبونه ويصيحون به حتى اجتمع عليه الناس وألجئوه الى حائط لعتبة بن ربيعة وشيبة ابن ربيعة وهما فيه ورجع عنه سفهاء ثقيف من كان يتبعه فعمد(2/267)
الى ظل حبله من عنب فجلس فيه وابنا ربيعة ينظران إليه ويريان ما لقي من سفهاء أهل الطائف وقد لقي رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما ذكر لي المرأة التي من بني جمح فقال لها ماذا لقينا من أحمائك
شكواه صلى الله عليه وسلم إليه تعالى فلما اطمأن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال فيما ذكر لي اللهم إليك أشكو ضعف قوتي وقلة حيلتي وهواني على الناس يا أرحم الراحمين أنت رب المستضعفين وأنت ربي إلى من تكلني الى بعيد يتجهمني أم الى عدو ملكته أمري إن لم يكن بك علي غضب فلا أبالي ولكن عافيتك هي أوسع لي أعوذ بنور وجهك الذي أشرقت له الظلمات وصلح عليه أمر الدنيا والآخرة من أن تنزل بي غضبك أو يحل علي سخطك لك العتبى حتى ترضى ولا حول ولا قوة إلا بك
قصته صلى الله عليه وسلم مع عداس قال فلما رآه ابنا ربيعة عتبة وشيبة وما لقي تحركت له رحمهما فدعوا غلاما لهما نصرانيا يقال له عداس فقالا له خذ قطفا من هذا العنب فضعه في هذا الطبق ثم اذهب به الى ذلك الرجل فقل له يأكل منه ففعل عداس ثم أقبل به حتى وضعه بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم قال له كل فلما وضع رسول الله صلى الله عليه وسلم فيه يده قال باسم الله ثم أكل فنظر عداس في وجهه ثم قال والله إن هذا الكلام ما يقوله أهل هذه البلاد فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن أهل أي البلاد أنت يا عداس وما دينك قال نصراني وأنا رجل من أهل نينوى فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم من قرية الرجل الصالح يونس بن متى فقال له عداس(2/268)
وما يدريك ما يونس بن متى فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ذاك اخي كان نبيا وأنا نبي فأكب عداس علي رسول الله صلى الله عليه وسلم يقبل رأسه ويديه وقدميه
قال يقول ابنا ربيعة أحدهما لصاحبه أما غلامك فقد أفسده عليك فلما جاءهما عداس قالا له ويلك يا عداس ما لك تقبل رأس هذا الرجل ويديه وقدميه قال يا سيدي ما في الأرض شيء خير من هذا لقد أخبرني بأمر ما يعلمه إلا نبي قالا له ويحك يا عداس لا يصرفنك عن دينك فإن دينك خير من دينه
وفد جن نصيبين قال ثم إن رسول الله صلى الله عليه وسلم انصرف من الطائف راجعا الى مكة حين يئس من خير ثقيف حتى إذا كان بنخلة قام من جوف الليل يصلي فمر به النفر من الجن الذين ذكرهم الله تبارك وتعالى وهم فيما ذكر لي سبعة نفر من جن أهل نصيبين فاستمعوا له فلما فرغ من صلاته ولوا الى قومهم منذرين قد آمنوا وأجابوا الى ما سمعوا فقص الله خبرهم عليه صلى الله عليه وسلم قال الله عز وجل {وإذ صرفنا إليك نفرا من الجن يستمعون القرآن} الى قوله تعالى {ويجركم من عذاب أليم} وقال تبارك وتعلى {قل أوحي إلي أنه استمع نفر من الجن} الى آخر القصة من خبرهم في هذه السورة(2/269)
$ عرض رسول الله صلى الله عليه وسلم نفسه على القبائل
عرض نفسه في المواسم قال ابن اسحاق ثم قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة وقومه أشد ما كانوا عليه من خلافه وفراق دينه إلا قليلا مستضعفين ممن آمن به فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعرض نفسه في المواسم إذا كانت على قبائل العرب يدعوهم الى الله ويخبرهم أنه نبي مرسل ويسألهم أن يصدقوه ويمنعوه حتى يبين لهم ما بعثه به الله.
قال ابن إسحاق فحدثني من أصحابنا من لا أتهم عن زيد بن أسلم عن رَبِيعَةَ بْنِ عِبَادٍ الديلي أو من حدثه أبو الزناد عنه قال ابن هشام ربيعة بن عباد
أبو لهب يفرق الناس من حوله صلى الله عليه وسلم قال ابن اسحاق وحدثني حسين بن عبد الله بن عبيد الله بن عباس قال سمعت ربيعةَ بن عِبَاد يحدثه أبي قال إني لغلام شاب مع أبي بمنى ورسول الله صلى الله عليه وسلم يقف على منازل القبائل من العرب فيقول يا بني فلان إني رسول الله إليكم يأمركم أن تعبدوا الله ولا تشركوا به شيئا وأن تخلعوا ما تعبدون من دونه من هذه الأنداد وأن تؤمنوا بي وتصدقوا بي وتمنعوني حتى أبين عن الله ما بعثني به قال وخلفه رجل أحول وضيء غديرتان عليه حلة عدنية فإذا فرغ رسول الله صلى الله عليه وسلم من قوله وما دعا إليه قال ذلك الرجل يا بني فلان إن هذا إنما يدعوكم أن تسخلوا اللات والعزى من أعناقكم وحلفاءكم من الجن من بني مالك بن أقيش الى ما جاء به من البدعة والضلالة فلا تطيعوه ولا تسمعوا منه(2/270)
قال فقلت لأبي يا أبت من هذا الذي يتبعه ويرد عليه ما يقول قال هذا عمه عبد العزى بن عبد المطلب أبو لهب.
قال ابن هشام قال النابغة ... كأنك من جمال بني أقيش ... يقعقع خلف رجليه بشن
عرضه صلى الله عليه وسلم نفسه على كندة قال ابن اسحاق حدثنا ابن شهاب الزهري أنه أتى كندة في منازلهم وفيهم سيد لهم يقال مليح فدعاهم الى الله عز وجل وعرض عليهم نفسه فأبوا عليه
عرضه صلى الله عليه وسلم نفسه على كلب قال ابن اسحاق وحدثني محمد بن عبد الرحمن بن عبدالله بن حصين أنه اتى كلبا في منازلهم الى بطن منهم يقال لهم بنو عبد الله فدعاهم الى الله وعرض عليهم نفسه حتى إنه ليقول لهم يا بني عبد الله إن الله عز وجل قد أحسن اسم أبيكم فلم يقبلوا منه ما عرض عليهم
عرضه صلى الله عليه وسلم نفسه على بني حنيفة قال ابن اسحاق وحدثني بعض أصحابنا عن عبدالله بن كعب بن مالك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أتى بني حنيفة في منازلهم فدعاهم الى الله وعرض عليهم نفسه فلم يكن أحد من العرب أقبح عليهم ردا منهم(2/271)
عرضه صلى الله عليه وسلم نفسه على بني عامر قال ابن إسحاق وحدثني الزهري أنه أتى بني عامر بن صعصعة فدعاهم الى الله عز وجل وعرض عليهم نفسه فقال رجل منهم يقال له بيحرة بن فراس قال ابن هشام فراس بن عبدالله بن سلمة الخير بن قشير بن كعب ابن ربيعة بن عامر بن صعصعة والله لو أني أخذت هذا الفتى من قريش لأكلت به العرب ثم قال أرأيت إن نحن بايعناك على أمرك ثم أظهرك الله على من خالفك أيكون لنا الأمر من بعدك قال الأمر الى الله يضعه حيث يشاء قال فقال له أفتهدف نحورنا للعرب دونك فإذا أظهرك الله كان الأمر لغيرنا لا حاجة لنا بأمرك فأبوا عليه
فلما صدر الناس رجعت بنو عامر الى شيخ لهم قد كانت أدركته السن حتى لا يقدر أن يوافي معهم المواسم فكانوا إذا رجعوا اليه حدثوه بما يكون في ذلك الموسم فلما قدموا عليه ذلك العام سألهم عما كان في موسمهم فقالوا جاءنا فتى من قريش ثم أحد بني عبد المطلب يزعم أنه نبي يدوعنا الى أن نمنعه ونقوم معه ونخرج به الى بلادنا قال فوضع الشيخ يديه على رأسه ثم قال يا بني عامر هل لها من تلاف هل لذناباها من مطلب والذي نفس فلان بيده ما تقولها إسماعيلي قط وإنها لحق فأين رأيكم كان عنكم(2/272)
عرضه نفسه في المواسم قال ابن اسحاق فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم على ذلك من أمره كلما اجتمع له الناس بالموسم أتاهم يدعو القبائل الى الله والى الإسلام ويعرض عليهم نفسه وما جاء به من الله من الهدى والرحمة وهو لا يسمع بقادم يقدم مكة من العرب له اسم وشرف إلا تصدى له فدعا الى الله وعرض عليه ما عنده
عرضه صلى الله عليه وسلم نفسه على سويد بن صامت قال ابن اسحاق وحدثني عاصم بن عمر بن قتادة الأنصاري ثم الظفري عن أشياخ من قومه قالوا
قدم سويد بن صامت أخو بني عمرو بن عوف مكة حاجا أو معتمرا وكان سويد إنما يسميه قومه فيهم الكامل لجلده وشعره وشرفه ونسبه وهو الذي يقول ... ألا رب من تدعو صديقا ولو ترى ... مقالته بالغيب ساءك ما يفرى
مقالته كالشهد ما كان شاهدا ... وبالغيب مأثور على ثغرة النحر
يسرك باديه وتحت أديمه ... نميمة غش تبتري عقب الظهر
تبين لك العينان ما هو كاتم ... من الغل والبغضاء بالنظر الشزر
فرشني بخير طالما قد بريتني ... وخير الموالي من يريش ولا يبري
وهو الذي يقول ونافر رجلا من بني سليم ثم أحد بني زعب ابن مالك على مائة ناقة الى كاهنة من كهان العرب فقضت له(2/273)
فانصرف عنها هو والسلمي ليس معهما غيرها فلما فرقت بينهما الطريق قال مالي يا أخا بني سليم قال ابعث إليك به قال فمن لي بذلك إذا فتني به قال كلا والذي نفس سويد بيده لا تفارقني حتى أوتى بمالي فاتخذا فضرب به الأرض ثم أوثقه رباطا ثم انطلق به الى دار بني عمرو بن عوف فلم يزل عنده حتى بعثت إليه سليم بالذي له فقال في ذلك ... لا تحسبني يا بن زغب بن مالك ... كمن كنت تردي بالغيوب وتختل
تحولت قرنا إذ صرعت بعزة ... كذلك إن الحازم المتحول
ضربت به إبط الشمال فلم يزل ... على كل حال خده هو أسفل
في أشعار كثيرة كان يقولها
فتصدى له رسول الله صلى الله عليه وسلم حين سمع به فدعاه الى الله والى الإسلام فقال له سويد فلعل الذي معك مثل الذي معي فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم وما الذي معك قال مجلة لقمان يعني ح 4 كمة لقمان فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم أعرضها علي فعرضها عليه فقال له إن هذا لكلام حسن والذي معي أفضل من هذا قرآن أنزله الله تعالى علي هو هدى ونور فتلا عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم القرآن ودعاه الى الإسلام فلم يبعد منه وقال إن هذا لقول حسن(2/274)
ثم انصرف عنه فقدم المدينة على قومه فلم يلبث أن قتلته الخزرج فإذا كان رجال من قومه ليقولون إنا لنراه قد قتل وهو مسلم وكان قتله قبل يوم بعاث
إسلام إياس بن معاذ وقصة أبي الحيسر
قال ابن اسحاق وحدثني الحصين بن عبد الرحمن بن عمرو بن سعد بن معاذ عن محمود بن لبيد قال لما قدم ابو الحيسر أنس ابن رافع مكة ومعه فتية من بني عبد الأشهل فيهم إياس بن معاذ يلتمسون الحلف من قريش على قومهم من الخزرج سمع بهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فأتاهم فجلس إليهم فقال لهم هل لكم في خير مما جئتم له فقالوا له وما ذاك قال أنا رسول الله بعثني الى العباد أدعوهم الى ان يعبدوا الله ولا يشركوا به شيئا وأنزل علي الكتاب قال ثم ذكر لهم الإسلام وتلا عليهم القرآن قال فقال إياس بن معاذ وكان غلاما حدثا أي قوم وهذا والله خير مما جئتم له قال فيأخذ أبو الحيسر أنس بن رافع حفنة من تراب البطحاء فضرب بها وجه إياس بن معاذ وقال دعنا منك فلعمري لقد جئنا لغير هذا قال فصمت إياس وقام رسول الله صلى الله عليه وسلم عنهم وانصرفوا الى المدينة وكان وقعة بعاث بين الأوس والخزرج
قال ثم لم يلبث إياس بن معاذ أن هلك قال محمود بن لبيد فأخبرني من حضره من قومه عند موته أنهم لم يزالوا يسمعونه يهلل(2/275)
الله تعالى ويكبره ويحمده ويسبحه حتى مات فما كانوا يشكون أن قد مات مسلما لقد كان استشعر الإسلام في ذلك المجلس حين سمع من رسول الله صلى الله عليه وسلم ما سمع
إسلام الأنصار
اجتماعه صلى الله عليه وسلم بوفد من الخزرج عند العقبة قال ابن اسحاق فلما أراد الله عز وجل إظهار دينه وإعزاز نبيه صلى الله عليه وسلم وإنجاز موعده له خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم في الموسم الذي لقيه فيه النفر من الأنصار فعرض نفسه على قبائل العرب كما كان يصنع في كل موسم فبينما هو عند العقبة لقي رهطا من الخزرج أراد الله بهم خيرا.
قال ابن إسحاق فحدثني عاصم بن عمر بن قتادة عن أشياخ من قومه قالوا لما لقيهم رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لهم من أنتم قالوا نفر من الخزرج قال امن موالي يهود قالوا نعم قال أفلا(2/276)
تجلسون أكلمكم قالوا بلى فجلسوا معه فدعاهم الى الله عز وجل وعرض عليهم الإسلام وتلا عليهم القرآن قال وكان مما صنع الله لهم به في الإسلام أن يهود كانوا معهم في بلادهم وكانوا أهل كتاب وعلم وكانوا هم أهل شرك وأصحاب أوثان وكانوا قد عزوهم ببلادهم فكانوا إذا كان بينهم شيء قالوا لهم إن نبيا مبعوث الآن قد أظل زمانه نتبعه فنقتلكم معه قتل عاد وإرم فلما كلم رسول الله صلى الله عليه وسلم أولئك النفر ودعاهم الى الله قال بعضهم لبعض يا قوم تعلموا والله إنه للنبي توعدكم به يهودي فلا تسبقنكم إليه فأجابوه فيما دعاهم إليه بأن صدقوه وقبلوا منه ما عرض عليهم من الإسلام وقالوا إنا قد تركنا قومنا ولا قوم بينهم من العداوة والشر ما بينهم فعسى أن يجمعهم الله بك فسنقدم عليهم فندعوهم الى أمرك ونعرض عليهم الذي أجبناك إليه من هذا الدين فإن يجمعهم الله عليك فلا رجل أعز منك
ثم انصرفوا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم راجعين الى بلادهم وقد آمنوا وصدقوا
أسماء من التقوا به صلى الله عليه وسلم من الخزرج قال ابن اسحاق وهم فيما ذكر لي ستة نفر من الخزرج منهم من بني النجار وهو تيم الله ثم من بني مالك بن النجار بن ثعلبة ابن عمرو بن الخزرج بن حارثة بن عمرو بن عامر أسعد بن زرارة ابن عدس بن عبيد بن ثعلبة بن غنم بن مالك بن النجار وهو أبو أمامة وعوف بن الحارث بن رفاعة بن سواد بن مالك بن غنم بن مالك بن النجار وهو ابن عفراء(2/277)
قال ابن هشام وعفراء بنت عبيد بن ثعلبة بن عبيد بن ثعلبة بن غنم بن مالك بن النجار.
قال ابن إسحاق ومن بني زريق بن عامر بن زريق بن عبد حارثة بن مالك بن غضب بن جشم بن الخزرج رافع بن مالك بن العجلان بن عمرو بن عامر بن زريق.
قال ابن هشام ويقال عامر بن الأزرق قال إبن اسحاق ومن بني سلمة بن سعد بن علي بن ساردة بن تزيد بن جشم بن الخزرج ثم من بني سواد بن غنم بن كعب ابن سلمة قطبة بن عامر بن حديدة بن عمرو بن غنم بن سواد.
قال ابن هشام عمرو بن سواد وليس لسواد ابن يقال له غنم.
قال ابن إسحاق ومن بني حرام بن كعب بن غنم بن كعب بن سلمة عقبة بن عامر 2 بن نابي بن زيد بن حرام
ومن بني عبيد بن عدي بن غنم بن كعب بن سلمة جابر بن عبدالله بن رئاب بن النعمان بن سنان بن عبيد
فلما قدموا المدينة الى قومهم ذكروا لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ودعوهم الى الإسلام حتى فشا فيهم فلم يبق دار من دور الأنصار إلا وفيها ذكر من رسول الله صلى الله عليه وسلم(2/278)
$ بيعة العقبة الأولى
حتى إذا كان العام المقبل وافى الموسم من الأنصار اثنا عشر رجلا فلقوه بالعقبة قال وهي العقبة الأولى فبايعوا رسول الله صلى الله عليه وسلم على بيعة النساء وذلك قبل أن تفترض عليهم الحرب
رجال البيعة الأولى منهم من بني النجار ثم من بني مالك بن النجار أسعد بن زرارة بن عدس بن عبيد بن ثعلبة بن غنم بن مالك بن النجار وهو أبو أمامة وعوف ومعاذ ابنا الحارث بن رفاعة بن سواد بن مالك بن غنم بن مالك بن النجار وهما ابنا عفراء
ومن بني زريق بن عامر رافع بن مالك بن العجلان بن عمرو بن(2/279)
عامر بن زريق وذكوان بن عبد قيس بن خلدة بن مخلد بن عامر ابن زريق.
قال ابن هشام ذكوان مهاجري أنصاري
ومن بني عوف بن الخزرج ثم من بني غنم بن عوف بن عمرو بن عوف بن الخزرج وهم القوافل عبادة بن الصامت بن قيس بن أصرم بن فهر بن ثعلبة بن غنم وأبو عبدالرحمن وهو يزيد بن ثعلبة بن خزمة بن أصرم بن عمرو بن عمارة من بني غصينة من بلي حليف لهم.
قال ابن هشام وإنما قيل لهم القواقل لأنهم كانوا إذا استجار بهم الرجل دفعوا له سهما وقالوا له قوقل به بيثرب حيث شئت.
قال ابن هشام القوقلة ضرب من المشي
قال ابن إسحاق ومن بني سالم بن عمرو بن الخزرج ثم من بني العجلان بن زيد بن غنم بن سالم العباس بن عبادة بن نضلة بن مالك بن العجلان
ومن بني سلمة بن علي بن أسد بن ساردة بن تزيد بن جشم بن الخزرج ثم من بني حرام بن كعب بن غنم بن سلمة عقبة بن عامر بن نابي بن زيد بن حرام
ومن بني سواد بن غنم بن كعب بن سلمة قطبة بن عامر بن حديدة بن عمرو بن غنم بن سواد
وشهدها من الأوس بن حارثة بن ثعلبة بن عمرو بن عامر ثم من بني عبد الأشهل بن جشم بن الحارث بن الخزرج بن عمرو بن مالك بن الأوس أبو الهيثم بن التيهان واسمه مالك(2/280)
قال ابن هشام التيهان يخفف ويثقل كقوله ميت وميت
ومن بني عمرو بن عوف بن مالك بن الأوس عويم بن ساعدة
نص البيعة قال ابن اسحاق وحدثني يزيد بن أبي حبيب عن أبي مرثد بن عبد الله اليزني عن عبد الرحمن بن عسيلة الصنابحي عن عبادة بن الصامت قال كنت فيمن حضر العقبة الأولى وكنا اثنى عشر رجلا فبايعنا رسول الله صلى الله عليه وسلم على بيعة النساء وذلك قبل أن تفترض الحرب على أن لا نشرك بالله شيئا ولا نسرق ولا نزني ولا نقتل أولادنا ولا نأتي ببهتان نفتريه من بين أيدينا وأرجلنا ولا نعصيه في معروف فإن وقيتم فلكم الجنة وإن غشيتم من ذلك شيئا فأمركم الى الله عز وجل إن شاء عذب وإن شاء غفر.
قال ابن إسحاق وذكر ابن شهاب الزهري عن عائذ الله بن عبدالله الخولاني أبي إدريس أن عبادة بن الصامت حدثه أنه قال بايعنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة العقبة الأولى على أن لا نشرك بالله شيئا ولا نسرق ولا نزني ولا نقتل أولادنا ولا نأتي ببهتان نفتريه من بين أيدينا وأرجلنا ولا نعصيه في معروف فإن وفيتم فلكم الجنة وإن غشيتم من ذلك فأخذتم بحده في الدينا فهو كفارة له وإن سترتم عليه الى يوم القيامة فأمركم إلى الله عز وجل إن شاء عذب وإن شاء غفر
إرسال مصعب بن عمير مع وفد العقبة قال ابن اسحاق فلما انصرف عنه القوم بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم معهم مصعب بن عمير بن هاشم بن عبد مناف بن عبد الدار بن قصي وأمره ان يقرئهم القرآن ويعلمهم الإسلام ويفقههم في الدين فكان يسمى المقرىء(2/281)
بالمدينة مصعب وكان منزله على أسعد بن زرارة بن عدس أبي أمامة.
قال ابن إسحاق فحدثني عاصم بن عمر بن قتادة انه كان يصلي بهم وذلك أن الأوس والخزرج كره بعضهم أن يؤمه بعض
أول جمعة أقيمت بالمدينة
قال ابن اسحاق وحدثني محمد بن ابي أمامة بن سهل بن حنيف عن أبيه أبي أمامة عن عبد الرحمن بن كعب بن مالك قال كنت قائد أبي كعب بن مالك حين ذهب بصره فكنت إذا خرجت به الى الجمعة فسمع الأذان بها صلى على أبي أمامة أسعد بن زرارة قال فمكث حينا على ذلك لا يسمع الأذان للجمعة الا(2/282)
صلى عليه واستغفر له قال فقلت في نفسي والله إن هذا بي لعجز ألا أساله ما له إذا سمع الأذان للجمعة صلى على أبي أمامة أسعد ابن زرارة قال فخرجت به في يوم جمعة كما كنت أخرج فلما سمع الأذان للجمعة صلى عليه واستغفر له قال فقلت له يا أبت ما لك إذا سمعت الأذان للجمعة صليت علي أبي أمامة فقال أي بني كان اول من جمع بنا بالمدينة في هزم النبيت من حرة بني بياضة يقال له نقيع الخضمات قال قلت وكم أنتم يومئذ قال أربعون رجلا
إسلام سعد بن معاذ وأسيد بن حضير وبني عبد الأشهل قال ابن اسحاق وحدثني عبيد الله بن المغيرة بن معيقب وعبدالله بن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم أن أسعد بن زرارة خرج بمصعب بن عمير يريد به دار بن عبد الأشهل ودار بني ظفر وكان سعد بن معاذ بن النعمان بن امرىء القيس بن زيد بن عبد الأشهل ابن خالة أسعد بن زرارة فدخل به حائطا من حوائط بني ظفر.
قال ابن هشام واسم ظفر كعب بن الحارث بن الخزرج بن عمرو بن مالك بن الأوس قالا على بئر يقال لها بئر مرق فجلسا في الحائط واجتمع إليهما رجال ممن أسلم وسعد بن معاذ وأسيد بن حضير يومئذ سيدا قومهما من بني عبد الأشهل وكلاهما مشرك على دين قومه فلما سمعا به قال سعد بن معاذ لأسيد بن(2/283)
حضير لا أبا لك انطلق الى هذين الرجلين اللذين قد أتيا دارينا ليسفها ضعفاءنا فازجرهما وانههما عن أن يأتيا دارينا فإنه لولا أن أسعد ابن زرارة مني حيث قد علمت كفيتك ذلك هو ابن خالتي ولا أجد عليه مقدما
قال فأخذ أسيد بن حضير حربته ثم أقبل إليهما فلما رآه أسعد ابن زرارة قال لمصعب بن عمير هذا سيد قومه قد جاءك فاصدق الله فيه قال مصعب إن يجلس أكلمه قال فوقف عليهما متشتما فقال ما جاء بكما إلينا تسفهان ضعفاءنا اعتزلانا إن كانت لكما بأنفسكما حاجة
فقال له مصعب أوتجلس فتسمع فإن رضيت أمرا قبلته وإن كرهته كف عنك ما تكره
قال أنصفت ثم ركز حربته وجلس إليهما فكلمه مصعب بالإسلام وقرأ عليه القرآن فقالا فيما يذكر عنهما والله لعرفنا في وجهه الإسلام قبل أن يتكلم في إشراقه وتسهله ثم قال ما احسن هذا الكلام وأجمله كيف تصنعون إذا أردتم أن تدخوا في هذا الدين قالا له تغتسل فتطهر وتطهر ثوبيك ثم تصلي(2/284)
فقام فاغتسل وطهر ثوبيه وتشهد شهادة الحق ثم قام فركع ركعتين ثم قال لهما إن ورائي رجلا إن اتبعكما لم يتخلف عنه احد من قومه وسأرسله إليكما الآن سعد بن معاذ ثم أخذ حربته وانصرف الى سعد وقومه وهم جلوس في ناديهم فلما نظر إليه سعد بن معاذ مقبلا قال أحلف بالله لقد جاءكم أسيد بغير الوجه الذي ذهب به من عندكم فلما وقف على النادي قال له سعد ما فعلت قال كلمت الرجلين فوالله ما رأيت بهما بأسا وقد نهيتهما فقالا نفعل ما أحببت وقد حدثت أن بني حارثة قد خرجوا الى أسعد بن زرارة ليقتلوه وذلك أنهم قد عرفوا أنه ابن خالتك ليخفروك
قال فقام سعد مغضبا مبادرا تخوفا للذي ذكر له من بني حارثة فأخذ الحربة من يده ثم قال والله ما أراك أغنيت شيئا ثم خرج إليهما فلما رآهما سعد مطمئنين عرف سعد أن أسيدا إنما أراد منه أن يسمع منهما فوقف عليهما متشتما ثم قال لأسعد بن زرارة يا أبا أمامة أما والله لولا ما بيني وبينك من القرابة ما رمت هذا مني أتغشانا في دارينا بما نكره وقد قال اسعد بن زرارة لمصعب بن عمير أبي مصعب جاءك والله سيد من وراءه من قومه إن يتبعك لا يتخلف عنك منهم اثنان قال فقال له مصعب أوتقعد فتسمع فإن رضيت أمرا ورغبت فيه قبلته وأن كرهته عزلنا عنك ما تكره قال سعد أنصفت ثم ركز الحربة وجلس فعرض عليه الإسلام وقرأ عليه القرآن قالا فعرفنا والله في وجهه الإسلام قبل أن يتكلم لإشراقه وتسهله ثم قال لهما وكيف تصنعون إذا أنتم أسلمتم ودخلتم في هذا الدين قالا تغتسل فتطهر ثوبيك ثم تشهد شهادة الحق ثم تصلي ركعتين(2/285)
قال فقام فاغتسل وطهر ثوبيه وشهد شهادة الحق ثم ركع ركعتين ثم أخذ حربته فأقبل عامدا الى نادي قومه ومعه أسيد بن حضير
قال فلما رآه قومه مقبلا قالوا نحلف بالله لقد رجع إليكم سعد بغير الوجه الذي ذهب به من عندكم فلما وقف عليهم قال يا بني عبد الأشهل كيف تعملون امرى فيكم قالوا سيدنا وأفضلنا رأيا وأيمننا نقيبة قال فإن كلام رجالكم ونسائكم علي حرام حتى تؤمنوا بالله وبرسوله
قالا فوالله ما أمسى في دار بني عبد الأشهل رجل ولا امرأة إلا مسلما ومسلمة ورجع أسعد ومصعب الى منزل أسعد بن زرارة فأقام عنده يدعو الناس إلى الإسلام حتى لم تبق دار من دور الأنصار إلا وفيها رجال ونساء مسلمون إلا ما كان من دار بني أمية بن زيد وخطمة ووائل وواقف وتلك أوس الله وهم من الأوس بن حارثة وذلك انه كان فيهم أبو قيس بن الأسلت وهو صيفي وكان شاعرا لهم وقائدا يستمعون منه ويطيعونه فوقف بهم عن الإسلام فلم يزل على ذلك حتى هاجر رسول الله صلى الله عليه وسلم الى المدينة ومضى بدر وأحد والخندق وقال فيما رأى من الإسلام وما اختلف الناس فيه من أمره ... أرب الناس أشياء ألمت ... يلف الصعب منها بالذلول
أرب الناس أما إذ ضللنا ... فيسرنا لمعروف السبيل
فلولا ربنا كنا يهودا ... وما دين اليهود بذي شكول(2/286)
ولولا ربنا كنا نصارى ... مع الرهبان في جبل الجليل
ولكنا خلقنا إذ خلقنا ... حنيفا ديننا عن كل جيل
نسوق الهدي ترسف مذعنات ... مكثفة المناكب في الجلول.
قال ابن هشام أنشدني قوله فلولا ربنا وقوله لولا ربنا وقوله مكشفة المناكب في الجلول رجل من الأنصار أو من خزاعة
أمر العقبة الثانية
قال ابن اسحاق ثم إن مصعب بن عمير رجع الى مكة وخرج من خرج الأنصار من المسلمين الى الموسم مع حجاج قومهم من اهل الشرك حتى قدموا مكة فواعدوا رسول الله صلى الله عليه وسلم العقبة من أوسط أيام التشريق حين أراد من كرامته والنصر لنبيه وإعزاز الإسلام وأهله وإذلال الشرك وأهله
البراء بن معرور يصلي الى الكعبة قال ابن اسحاق حدثني معبد بن كعب بن مالك بن أبي كعب بن القين اخو بني سلمة أن اخاه عبدالله بن كعب وكان من أعلم الأنصار حدثه أن أباه كعبا حدثه وكان كعب ممن شهد العقبة وبايع رسول الله صلى الله عليه وسلم بها قال خرجنا في حجاج قومنا من المشركين وقد صلينا وفقهنا(2/287)
ومعنا البراء بن معرور سيدنا وكبيرنا
فلما وجهنا لسفرنا وخرجنا من المدينة قال البراء لنا يا هؤلاء إني قد رأيت رأيا فوالله ما أدري أتوافقونني عليه أم لا قال قلنا وما ذاك قال قد رأيت أن لا أدع هذه البنية مني بظهر يعني الكعبة وان أصلي إليها قال فقلنا والله ما بلغنا أن نبينا صلى الله عليه وسلم يصلي إلا إلى الشام وما نريد أن نخالفه قال فقال إني لمصل إليها قال فقلنا له لكنا لا نفعل
قال فكنا إذا حضرت الصلاة صلينا الى الشام وصلى الى الكعبة حتى قدمنا مكة قال وقد كنا عبنا عليه ما صنع وابى إلا الإقامة على ذلك فلما قدمنا مكة قال لي يابن أخي انطلق بنا الى رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى نسأله عما صنعت في سفري هذا فإنه والله قد وقع في نفسي منه شيء لما رأيت من خلافكم إياي فيه
قال فخرجنا نسأل عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وكنا لا نعرفه ولم نره قبل ذلك فلقينا رجلا من أهل مكة فسألناه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال هل تعرفانه فقلنا لا قال فهل تعرفان العباس بن عبد المطلب عمه قال قلنا نعم قال كنا نعرف العباس وكان لا يزال يقدم علينا تاجرا قال فإن دخلتما المسجد فهو الرجل الجالس مع العباس
قال فدخلنا المسجد فإذا العباس جالس ورسول الله صلى الله عليه وسلم جالس معه فسلمنا ثم جلسنا إليه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم للعباس هل تعرف هذين الرجلين يا ابا الفضل قال نعم هذا البراء بن معرور سيد قومه وهذا كعب بن مالك قال فوالله ما أنسى قول رسول الله صلى الله عليه وسلم الشاعر قال نعم قال فقال له البراء بن معرور يا نبي الله إني خرجت في سفري هذا وقد هداني الله للإسلام فرأيت أن لا(2/288)
أجعل هذه البنية مني بظهر خصلين إليها وقد خالفني أصحابي في ذلك حتى وقع في نفسي من ذلك شيء فماذا ترى يا رسول الله قال كنت على قبلة لو صبرت عليها قال فرجع البراء الى قبلة رسول الله صلى الله عليه وسلم وصلى معنا الى الشام قال وأهله يزعمون أنه صلى الى الكعبة حتى مات وليس ذلك كما قالوا نحن أعلم به منهم.
قال ابن هشام وقال عون بن أيوب الأنصاري ... ومنا المصلي أول الناس مقبلا ... على كعبة الرحمن بين المشاعر
يعني البراء بن معرور وهذا البيت في قصيدة له
إسلام عبد الله بن عمرو بن حرام قال ابن اسحاق حدثني معبد بن كعب أن أخاه عبدالله بن كعب حدثه أن أباه كعب بن مالك حدثه قال كعب ثم خرجنا الى الحج وواعدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بالعقبة من اوسط أيام التشريق قال فلما فرغنا من الحج وكانت(2/289)
الليلة أتى واعدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم لها ومعنا عبد الله بن عمرو بن حرام أبو جابر سيد من سادتنا وشريف من أشرافنا أخذناه معنا وكنا نكتم من معنا من قومنا من المشركين أمرنا فكلمناه وقلنا له يا أبا جابر إنك سيد من سادتنا وشريف من أشرافنا وإنا نرغب بك عما أنت فيه أن تكون حطبا للنار غدا ثم دعوناه الى الإسلام وأخبرناه بميعاد رسول الله صلى الله عليه وسلم إيانا العقبة قال فأسلم وشهد معنا العقبة وكان نقيبا
امرأتان في البيعة قال فنمنا تلك الليلة مع قومنا في رحالنا حتى إذا مضى ثلث الليل خرجنا من رحالنا لمعاد رسول الله صلى الله عليه وسلم نتسلل تسلل القطا مستخفين حتى اجتمعنا في الشعب عند العقبة ونحن ثلاثة وسبعون رجلا ومعنا امرأتان من نسائنا نسيبة بنت كعب أم عمارة إحدى نساء بني مازن بن النجار وأسماء بنت عمرو بن عدي بن نابي إحدى نساء بني سلمة وهي أم منيع
العباس يستوثق من الأنصار قال فاجتمعنا في الشعب ننتظر رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى جاءنا ومعه عمه العباس بن عبد المطلب وهو يومئذ على دين قومه إلا أنه أحب أن يحضر أمر ابن أخيه ويتوثق له فلما جلس كان أول متكلم العباس بن عبد المطلب فقال يا معشر الخزرج قال وكانت العرب إنما يسمون هذا الحي من الأنصار الخزرج خزرجها واوسها إن محمدا منا حيث قد علمتم(2/290)
وقد منعناه من قومنا ممن هو علي مثل رأينا فيه فهو في عز من قومه ومنعة في بلده وإنه قد أبى إلا الانحياز إليكم واللحوق بكم فإن كنتم ترون انكم وافون له بما دعوتموه إليه ومانعوه ممن خالفه فأنتم وما تحملتم من ذلك وإن كنتم ترون أنكم مسلموه وخاذلوه بعد الخروج به إليكم فمن الآن فدعوه فإنه في عز ومنعة من قومه وبلده قال فقلنا له قد سمعنا ما قلت فتكلم يا رسول الله فخذ لنفسك ولربك ما أحببت
عهد الرسول عليه الصلاة والسلام على الأنصار قال فتكلم رسول الله صلى الله عليه وسلم فتلا القرآن ودعا الى الله ورغب في الإسلام ثم قال أبايعكم على أن تمنوعني مما تمنعون منه نساءكم وأبناءكم قال فأخذ البراء بن معرور بيده ثم قال نعم والذي بعثك بالحق لنمنعنك مما نمنع منه أزرنا فبايعنا يا رسول الله فنحن والله أبناء الحروب وأهل الحلقة ورثناها كابرا عن كابر قال فاعترض القول والبراء يكلم رسول الله صلى الله عليه وسلم أبو الهيثم بن التيهان فقال يا رسول الله إن بيننا وبين الرجال حبالا وإنا قاطعوها يعن اليهود فهل عسيت إن نحن فعلنا ذلك ثم أظهرك الله أن ترجع الى قومك وتدعنا قال فتبسم رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم قال بل الدم الدم والهدم الهدم(2/291)
أنا منكم وأنتم مني أحارب من حاربتم وأسالم من سالمتم.
قال ابن هشام ويقال الهدم الهدم يعني الحرمة أي ذمتي ذمتكم وحرمتي حرمتكم
قال كعب بن مالك وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أخرجوا إلي منكم اثنى عشر نقيبا ليكونوا على قومهم بما فيهم فأخرجوا منهم اثني عشر نقيبا تسعة من الخزرج وثلاثة من الأوس
أسماء النقباء الاثني عشر
نقباء الخزرج قال ابن هشام من الخزرج فيما حدثنا زياد ابن عبدالله البكائي عن محمد بن اسحاق المطلبي أبو أمامة أسعد بن زرارة بن عدس بن عبيد بن ثعلبة بن غنم بن مالك بن النجار وهو تيم الله بن ثعلبة بن عمرو بن الخزرج وسعد بن الربيع بن عمرو بن أبي زهير بن مالك بن امرئ القيس بن مالك بن ثعلبة بن كعب بن الخزرج بن الحارث بن الخزرج وعبدالله بن رواحه بن(2/292)
ثعلبة بن امرئ القيس بن عمرو بن امرئ القيس بن مالك بن الأغر بن ثعلبة بن كعب بن الخزرج بن الحارث بن الخزرج ورافع بن مالك بن العجلان بن عمرو بن عامر بن زريق بن عبد حارثة بن مالك بن غضب بن جشم بن الخزرج والبراء بن معرور بن صخر بن خنساء بن سنان بن عبيد بن عدي بن غنم بن كعب بن سلمة بن سعد بن علي بن اسد بن ساردة بن تزيد بن جشم بن الخزرج وعبدالله بن عمرو بن حرام بن ثعلبة بن حرام بن كعب بن سلمة بن سعد بن علي بن اسد بن ساردة بن تزيد بن جشم بن الخزرج وعبادة بن الصامت بن قيس بن أصرم بن فهر بن ثعلبة بن غنم بن سالم بن عوف بن عمرو بن عوف بن الخزرج.
قال ابن هشام هو غنم بن عوف أخو سالم بن عوف بن عمرو بن الخزرج.
قال ابن إسحاق وسعد بن عبادة بن دليم بن حارثة بن أبي حزيمة بن ثعلبة بن طريف بن الخزرج بن ساعدة بن كعب بن الخزرج والمنذر بن عمرو بن خنيس بن حارثة بن لوذان بن عبد ود بن زيد بن ثعلبة بن الخزرج بن ساعدة بن كعب بن الخزرج.
قال ابن هشام ويقال ابن خنيس
نقباء الأوس ومن الأوس أسيد بن حضير بن سماك بن عتيك ابن رافع بن امرئ القيس بن زيد بن عبد الأشهل وسعد بن خيثمة بن الحارث بن مالك بن كعب بن النحاط بن كعب بن حارثة بن غنم بن السلم بن امرئ القيس بن مالك بن الأوس ورفاعة بن عبد المنذر بن زنبر بن زيد بن أمية بن زيد بن مالك بن عوف بن عمرو بن عوف بن مالك بن الأوس(2/293)
شعر كعب بن حالك في النقباء قال ابن هشام وأهل العلم يعدون فيهم ابا الهيثم بن التيهان ولا يعدون رفاعة وقال كعب ابن مالك يذكرهم فيما أنشدني أبو زيد الأنصاري ... أبلغ أبيا أنه فال رأيه ... وحال غداة الشعب والحين واقع
أبي الله كما منتك نفسك إنه ... بمرصاد أمر الناس راء وسامع
وأبلغ أبا سفيان أن قد بدا لنا ... بأحمد نور من هدى الله ساطع
فلا ترغبن في حشد أمر تريده ... وألب وجمع كل ما أنت جامع
ودونك فاعلم أن نقض عهودنا ... أباه عليك الرهط حين تبايعوا
أباه البراء وابن عمرو كلاهما ... وأسعد يأباه عليك ورافع
وسعد أباه الساعدي ومنذر ... لانفك إن حاولت ذلك جادع
وما ابن ربيع إن تناولت عهده ... بمسلمه لا يطمعن ثم طامع
وأيضا فلا يعطيكه ابن رواحة ... وإخفاره من دونه السم ناقع
وفاء به والقوقلي بن صامت ... بمندوحة عما تحاول يافع
أبو هيثم أيضا وفي بمثلها ... وفاء بما أعطى من العهد خانع
وما ابن حضير إن أردت بمطمع ... فهل أنت عن احموقة الغي نازع
وسعد أخو عمرو بن عوف فإنه ... ضروح لما حاولت ملأمر مانع
أولاك نجوم لا يغبك منهم ... عليك بنحس في دجى الليل طالع
فذكر كعب فيهم أبا الهيثم بن التيهان ولم يذكر رفاعة.
قال ابن إسحاق فحدثني عبدالله بن أبي بكر أن رسول الله(2/294)
صلى الله عليه وسلم قال للنقباء أنتم على قومكم بما فيهم كفلاء ككفالة الحواريين لعيسى ابن مريم وأنا كفيل على قومي يعني المسلمين قالوا نعم
ما قاله العباس بن عبادة للخزرج قال ابن اسحاق وحدثني عاصم بن عمر بن قتادة أن القوم لما اجتمعوا لبيعة رسول الله صلى الله عليه وسلم قال العباس بن عبادة بن نضلة الأنصاري أخو بني سالم بن عوف يا معشر الخزرج هل تدرون علام تبايعون هذا الرجل قالوا نعم قال إنكم تبايعونه على حرب الأحمر والأسود من الناس فأن كنتم ترون أنكم إذا نهكت أموالكم مصيبة وأشرافكم قتلا أسلمتموه فمن الآن فهو والله إن فعلتم خزي الدينا والآخرة وإن كنتم ترون أنكم وافون له بما دعوتموه إليه على نهكة الأمول وقتل الأشراف فخذوه فهو والله خير الدينا والآخرة قالوا فإنا نأخذه على مصيبة الأموال وقتل الأشراف فما لنا بذلك يا رسول الله إن نحن وفينا قال الجنة قالوا ابسط يدك فبسط يده فبايعوه
وأما عاصم بن عمر بن قتادة فقال والله ما قال ذلك العباس إلا ليشد لعقد لرسول الله صلى الله عليه وسلم في أعناقهم
وأما عبد الله بن ابي بكر فقال ما قال ذلك العباس إلا ليؤخر القوم تلك الليلة رجاء أن يحضرها عبدالله بن ابي ابن سلول فيكون اقوى لأمر القوم فالله أعلم أي ذلك كان.
قال ابن هشام سلول امرأة من خزاعة وهي أم أبي بن مالك بن الحارث(2/295)
$ أول من ضرب على يد الرسول في بيعة العقبة الثانية
قال ابن اسحاق فبنو النجار يزعمون أن ابا أمامة أسعد بن زرارة كان أول من ضرب على يده وبنو عبد الأشهل يقولون بل أبو الهيثم بن التيهان.
قال ابن إسحاق فأما معبد بن كعب بن مالك فحدثني في حديثه عن أخيه عبدالله بن كعب عن أبيه كعب بن مالك قال كان أول من ضرب على يد رسول الله صلى الله عليه وسلم البراء بن معرور ثم بايع بعد القوم
الشيطان يصرخ بعد بيعة العقبة فلما بايعنا رسول الله صلى الله عليه وسلم صرخ الشيطان من رأس العقبة بأنفذ صوت سمعته قط يا أهل الجباجب والجباجب المنازل هل لكم في مذمم والصباة معه قد اجتمعوا على حربكم قال فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم هذا أزب العقبة هذا ابن أزيب قال ابن هشام ويقال ابن أزيب أتسمع أي عدو الله أما والله لأفرغن لك(2/296)
الأنصار تستعجل الحرب قال ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ارفضوا الى رحالكم قال فقال له العباس بن عبادة بن نضلة والله الذي بعثك بالحق إن شئت لنميلن على أهل منى غدا بأسيافنا قال فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لم نؤمر بذلك ولكن ارجعوا الى رحالكم قال فرجعنا الى مضاجعنا فنمنا عليها حتى أصبحنا
قريش تجادل الأنصار قال فلما أصبحنا غدت علينا جلة قريش حتى جاءونا في منازلنا فقالوا يا معشر الخزرج إنه قد بلغنا أنكم قد جئتم الى صاحبنا هذا تستخرجونه من بين أظهرنا وتبايعونه على حربنا وإنه والله ما من حي من العرب أبغض إلينا أن تنشب الحرب بيننا وبينهم منكم قال فانعبث من هناك من مشركي قومنا يحلفون بالله ما كان من هذا شيء وما علمناه قال وقد صدقوا لم يعلموه قال وبعضنا ينظر الى بعض قال ثم قام القوم وفيهم الحارث بن شهام بن المغيرة المخزومي وعليه نعلان له جديدان قال فقلت له كلمة كأني أريد أن أشرك القوم بها فيما قالوا يا أبا جابر اما تستيطع أن تتخذ وأنت سيد من ساداتنا مثل نعلي هذا الفتى من قريش قال فسمعها الحارث فخلعهما من رجليه ثم رمي بهما إلي وقال والله لتنتعلنهما قال يقول أبو جابر مه احفظت والله الفتى فاردد إليه نعليه قال قلت والله لا أردهما فأل والله صالح لئن صدق الفأل لأسلبنه.
قال ابن إسحاق وحدثني عبد الله بن أبي بكر أنهم أتوا عبدالله بن ابي ابن سلول فقالوا له مثل ما قال كعب من القول فقال لهم إن هذا الأمر جسيم ما كان قوم ليتفوتوا علي بمثل هذا وما علمته كان قال فانصرفوا عنه(2/297)
قريش تأسر سعد بن عبادة قال ونفر الناس من منى فتنطس القوم الخبر فوجوده قد كان وخرجوا في طلب القوم فأدركوا سعد بن عبادة بأذاخر والمنذر بن عمرو أخا بني ساعدة بن كعب ابن الخزرج وكلاهما كان نقيبا فأما المنذر فأعجز القوم وأما سعد فأخذوه فربطوا يديه الى عنقه بنسع رحله ثم أقبلوا به حتى أدخلوه مكة يضربونه ويجذبونه بجمته وكان ذا شعر كثير
خلاص سعد قال سعد فوالله إني لفي أيديهم إذ طلع علي نفر من قريش فيهم رجل وضيء أبيض شعشاع حلو من الرجال.
قال ابن هشام الشعشاع الطويل الحسن قال رؤبة ... يمطوه من شعشاع غير مودن
يعني عنق البعير غير قصير يقول مودن اليد اي ناقص اليد
قال فقلت في نفسي إن يك عند أحد من القوم خير فعند هذا قال فلما دنا مني رفع يده فلكمني لكمة شديدة قال فقلت في نفسي لا والله ما عندهم بعد هذا من خير قال فوالله إني لفي أيديهم يسحبونني إذا أوي لي رجل ممن كان معهم فقال ويحك أما بينك وبين احد من قريش جوار ولا عهد قال قلت بلى والله لقد كنت أجير لجبير بن مطعم بن عدي بن نوفل بن(2/298)
عبد مناف تجارة وأمنعهم ممن أراد ظلمهم ببلادي وللحارث بن حرب ابن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف قال ويحك فاهتف باسم الرجلين واذكر ما بينك وبينهما قال ففعلت وخرج ذلك الرجل إليهما فوجدهما في المسجد عند الكعبة فقال لهما إن رجلا من الخزرج الآن يضرب بالأبطح ويهتف بكما ويذكر أن بينه ويينكما جوارا قالا ومن هو قال سعد بن عبادة قالا صدق والله إن كان ليجير لنا تجارنا ويمنعهم أن يظلموا ببلده قال فجاء فخلصا سعدا من ايديهم فانطلق وكان الذي لكم سعدا سهيل بن عمرو أخو بني عامر بن لؤي.
قال ابن هشام وكان الرجل الذي أوي إليه أبا البختري بن هشام
أول ما قيل في الهجرة من الشعر قال ابن اسحاق وكان أول شعر قيل في الهجرة بيتين قالهما ضرار بن الخطاب بن مرداس أخو بني محارب بن فهر ... تداركت سعدا عنوة فأخذته ... وكان شفاء لو تداركت منذرا
لو نلته طلت هناك جراحه ... وكانت حريا أن يهان ويهدرا.
قال ابن هشام ويروى ... وكان حقيقا أن يهان ويهدرا
قال ابن اسحاق فأجابه حسان بن ثابت فيهما فقال(2/299)
لست الى سعد ولا المرء منذر ... إذا ما مطايا القوم أصبحن ضمرا
فلولا أبو وهب لمرت قصائد ... على شرف البرقاء يهوين حسرا
أتفخر بالكتان لما لبسته ... وقد تلبس الأنباط ريطا مقصرا
فلا تك كالوسنان يحلم أنه ... بقرية كسرى أو بقرية قيصرا
ولاتك كالثكلى وكانت بمعزل ... عن الثكل لو كان الفؤاد تفكرا
ولا تك كالشاة التي كان حتفها ... بحفر ذراعيها فلم ترض محفرا
ولا تك كالعاوي فأقبل نحره ... ولم يخشه سهما من النبل مضمرا
فإنا ومن يهدي القصائد نحونا ... كمستبضع تمرا الى أهل خيبرا
$ قصة صنم عمرو بن الجموح
فلما قدموا المدينة أظهروا الإسلام بها وفي قومهم بقايا من شيوخ لهم على دينهم من الشرك منهم عمرو بن الجموع بن زيد بن حرام بن كعب بن غنم بن كعب بن سلمة وكان ابنه معاذ بن عمرو شهد العقبة وبايع رسول الله صلى الله عليه وسلم بها وكان عمرو بن الجموح سيدا من سادات بني سلمة وشريفا من أشرافهم وكان قد اتخذ في داره صنما من خشب يقال له مناة كما كانت الأشراف(2/300)
يصنعون تتخذه إلها تعظمه وتطهره فلما أسلم فتيان بني سلمة معاذ ابن جبل وابنه معاذ بن عمرو بن الجموح في فتيان منهم ممن أسلم وشهد العقبة كانوا يدلجون بالليل على صنم عمرو ذلك فيحملونه فيطرحونه في بعض حفر بني سلمة وفيها عذر الناس منكسا على رأسه فإذا أصبح عمرو قال ويلكم من عدا على آلهتنا هذه الليلة قال ثم يغدو يلتمسه حتى إذا وجده غسله وطهره وطيبه ثم قال أما والله لو أعلم من فعل هذا بك لأخزينه فإذا أمسى ونام عمرو عدوا عليه ففعلوا به مثل ذلك فيغدو فيجده في مثل ما كان فيه من الأذى فيغسله ويطهره ويطيبه ثم يعدون عليه إذا أمسى فيفعلون به مثل ذلك فلما أكثروا عليه استخرجه من حيث ألقوه يوما فغسله وطهره وطيبه ثم جاء بسيفه فعلقه عليه ثم قال إني والله ما أعلم من يصنع بك ما ترى فإن كان فيك خير فامتنع فهذا السيف معك فلما أمسى ونام عمرو عدوا عليه فأخذوا السيف من عنقه ثم أخذوا كلبا ميتا فقرنوه به بحبل ثم ألقوه في بئر من آبار بني سلمة فيها عذر من عذر الناس ثم عدا عمرو بن الجموح فلم يجده في مكانه الذي كان به
إسلام عمرو وما قاله من الشعر فخرج يتبعه حتى وجده في تلك البئر منكسا مقرونا بكلب ميت فلما رآه وأبصر شأنه وكلمه من أسلم من قومه فأسلم برحمة الله وحسن إسلامه فقال حين أسلم وعرف من الله ما عرف وهو يذكر صنمة ذلك وما أبصر من أمره ويشكر الله تعالى الذي أنقذه مما كان فيه من العمى والضلالة(2/301)
والله لو كنت إلها لم تكن ... انت وكلب وسط بئر في قرن
أف لملقاك إلها مستدن ... الآن فتشناك عن سوءالغبن
الحمد لله العلي ذي المئن ... الواهب الرزاق ديان الدين
هو الذي أنقذني من أن ... أكون في ظلمة قبر مرتهن
بأحمد المهدي النبي المرتهن
شروط البيعة في العقبة الأخيرة
قال ابن اسحاق وكانت بيعة الحرب حين أذن الله لرسوله صلى الله عليه وسلم في القتال شروطا سوى شرطه عليهم في العقبة الأولى كانت الأولى على بيعة النساء وذلك أن الله تعالى لم يكن أذن لرسوله صلى الله عليه وسلم في الحرب فلما أذن الله له فيها وبايعهم رسول الله صلى الله عليه وسلم في العقبة الأخيرة على حرب الأحمر والأسود أخذ لنفسه واشترط على القوم لربه وجعل لهم على الوفاء بذلك الجنة.
قال ابن إسحاق فحدثني عبادة بن الوليد بن عبادة بن الصامت(2/302)
عن ابيه الوليد عن جده عبادة بن الصامت وكان أحد النقباء قال بايعنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بيعه الحرب وكان عبادة من الأثني عشر الذين بايعوه في العقبة الأولى على بيعة النساء وعلى السمع والطاعة في عسرنا ويسرنا ومنشطنا ومكرهنا وأثرة علينا وأن لا ننازع الأمر أهله وأن نقول بالحق أينما كنا لا نخاف في الله لومة لائم
أسماء من شهد العقبة الأخيرة
عدد من شهدها قال ابن اسحاق وهذا تسمية من شهد العقبة وبايع رسول الله صلى الله عليه وسلم بها من الأوس والخزرج وكانوا ثلاثة وسبعين رجلا وامرأتين من الأوس بن حارثة شهدها من الأوس بن حارثة بن ثعلبة بن عمرو بن عامر ثم من بني عبد الأشهل بن جشم بن الحارث بن الخزرج بن عمرو بن الأوس أسيد بن حضير بن سماك بن عتيك بن رافع بن امرئ القيس بن زيد بن عبد الأشهل نقيب لم يشهد بدرا وأبو الهيثم بن التيهان واسمه مالك شهد بدرا وسلمة بن سلامة بن وقش بن زغبة بن زعوراء بن عبد الأشهل شهد بدرا ثلاثة نفر قال ابن هشام ويقال ابن زعوراء
من بنى حارثة بن الحارث قال ابن اسحاق ومن بنى حارثة بن الحارث بن الخزرج بن عمرو بن مالك بن الأوس ظهير بن رافع بن عدي بن زيد بن جشم بن حارثة وأبو بردة بن نيار واسمه هاني بن نيار بن عمرو بن عبيد بن كلاب بن دهمان بن غنم بن ذيبان بن(2/303)
هميم بن كاهل بن ذهل بن هني بن بلي بن عمرو بن الحاف بن قضاعة حليف لهم شهد بدرا ونهير بن الهيثم من بني نابي ابن مجدعة بن حارثة بن الحارث بن الخزرج بن عمرو بن مالك بن الأوس ثم من آل السواف بن قيس بن عامر بن نابي بن مجدعة بن حارثة ثلاثة نفر
من بني عمرو بن عوف ومن بني عمرو بن عوف بن مالك بن الأوس سعد بن خيثمة بن الحارث بن مالك بن كعب بن النحاط بن كعب بن حارثة بن غنم بن السلم بن امرىء القيس بن مالك بن الأوس نقيب شهد بدرا فقتل به مع رسول الله صلى الله عليه وسلم شهيدا.
قال ابن هشام ونسبه ابن اسحاق في بني عمرو بن عوف وهو من بني غنم بن السلم لأنه ربما كانت دعوة الرجل في القوم ويكون فيهم فينسب إليهم.
قال ابن إسحاق ورفاعة بن عبد المنذر بن زنبر بن زيد بن أمية بن زيد بن مالك بن عوف بن عمرو نقيب شهد بدرا وعبدالله بن جبير بن النعمان بن أمية بن البرك واسم البرك وامرؤ القيس بن ثعلبة بن عمرو بن عوف بن مالك بن الأوس شهدا بدرا وقتل يوم أحد شهيدا أميرا لرسول الله صلى الله عليه وسلم على الرماة ويقال أمية بن البرك فيما قال ابن هشام.
قال ابن إسحاق ومعن بن عدي بن الجد بن العجلان بن حارثة بن ضبيعة حليف لهم من بلي شهد بدرا واحدا والخندق ومشاهد رسول الله صلى الله عليه وسلم كلها قتل يوم اليمامة شهيدا في خلافة أبي بكر الصديق رضي الله عنه وعويم بن ساعدة شهد بدرا واحدا والخندق خمسة نفر(2/304)
فجميع من شهد العقبة من الأوس أحد عشر رجلا
من الخزرج بن حارثة وشهدها من الخزرج بن حارثة بن ثعلبة بن عمرو بن عامر ثم من بني النجار وهو تيم الله بن ثعلبة بن عمرو بن الخزرج أبو أيوب وهو خالد بن زيد بن كليب بن ثعلبة بن عبد بن عوف بن غنم بن مالك بن النجار شهد بدرا واحدا والخندق والمشاهد كلها مات بأرض الروم غازيا في زمن معاوية بن ابي سفيان ومعاذ بن الحارث بن رفاعة بن سواد بن مالك بن غنم بن مالك بن النجار شهد بدرا واحدا والخندق والمشاهد كلها وهو ابن عفراء وأخوه عوف بن الحارث شهد بدرا وقتل به شهيدا وهو لعفراء وأخوه معوذ بن الحارث شهد بدرا وقتل به شهيدا وهو الذي قتل أبا جهل بن هشام بن المغيرة وهو لعفراء ويقال رفاعة بن الحارث بن سواد فيما قال ابن هشام وعمارة بن حزم بن زيد بن لوذان بن عمرو بن عبد عوف بن غنم بن مالك بن النجار شهد بدرا وأحد والخندق والمشاهد كلها قتل يوم اليمامة شهيدا في خلافة أبي بكر الصديق رضي الله عنه وأسعد بن زرارة ابن عدس بن عبيد بن ثعلبة بن غنم بن مالك بن النجار نقيب مات قبل بدر ومسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم يبنى وهو أبو أمامة ستة نفر
من بنى عمرو بن مبذول ومن بني عمرو بن مبذول ومبذول عامر بن مالك بن النجار سهل بن عتيك بن نعمان بن عمرو ابن عتيك بن عمرو شهد بدرا رجل
من بني عمرو بن مالك ومن بني عمرو بن مالك بن النجار وهم بنو حديلة قال ابن هشام حديلة بنت مالك بن زيد مناة بن حبيب بن عبد حارثة بن مالك بن غضب بن جشم بن الخزرج(2/305)
أوس بن ثابت بن المنذر بن حرام بن عمرو بن زيد مناة بن عدي بن عمرو بن مالك بن النجار شهد بدرا وأبو طلحة وهو زيد بن سهل بن الأسود بن حرام بن عمرو بن زيد مناة بن عدي بن مالك بن النجار شهدا بدرا رجلان
من بني مازن بن النجار ومن بني مازن بن النجار قيس بن أبي صعصعة واسم أبي صعصعة عمرو بن زيد بن عوف بن مبذول بن عمرو بن غنم بن مازن شهد بدرا وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم جعله على الساقة يومئذ وعمرو بن غزية بن عمرو بن ثعلبة بن خنساء بن مبذول بن عمرو بن غنم بن مازن رجلان فجميع من شهد العقبة من بني النجار أحد عشر رجلا.
قال ابن هشام عمرو بن غزية بن عمرو بن ثعلبة بن خنساء هذا الذي ذكره ابن اسحاق إنما هو غزية بن عمرو بن عطية بن خنساء
من بني الحارث بن الخزرج قال ابن اسحاق ومن بلحارث بن الخزرج سعد بن الربيع بن عمرو بن أبي زهير بن مالك بن امرىء القيس بن مالك بن ثعلبة بن كعب بن الخزرج بن الحارث نقيب شهد بدرا وقتل يوم أحد شهيدا وخارجة بن زيد بن أبي زهير بن مالك بن امرىء القيس بن مالك بن ثعلبة بن كعب بن الخزرج بن الحارث شهد بدرا وقتل يوم احد شهيدا وعبدالله بن رواحة بن ثعلبة بن امرىء القيس بن عمرو بن امرىء القيس بن مالك بن ثعلبة ين كعب بن الخزرج بن الحارث نقيب شهد بدرا وأحدا والخندق ومشاهد رسول الله صلى الله عليه وسلم كلها إلا الفتح وما بعده وقتل يوم مؤتة شهيدا أميرا لرسول الله صلى الله عليه وسلم وبشير بن سعد بن ثعلبة بن خلاس بن زيد بن مالك بن ثعلبة بن كعب بن الخزرج بن الحارث أبو النعمان بن بشير شهد بدرا وعبدالله بن زيد بن ثعلبة بن عبدالله بن زيد مناة بن(2/306)
الحارث بن الخزرج شهد بدرا وهو الذي أري النداء للصلاة فجاء به الى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأمر به وخلاد بن سويد بن ثعلبة بن عمرو بن حارثة بن امرىء القيس بن مالك بن ثعلبة بن كعب بن الخزرج شهد بدرا وأحدا والخندق وقتل يوم بني قريظة شهيدا طرحت عليه رحى من أطم من أطامها فشدخته شدخا شديدا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما يذكرون إن له لأجر شهيدين وعقبة بن عمرو بن ثعلبة بن أسيرة بن عسيرة بن جدارة بن عوف بن الحارث بن الخزرج وهو أبو مسعود وكان أحدث من شهد العقبة سنا مات في أيام معاوية لم يشهد بدرا سبعة نفر
من بني بياضة ومن بني بياضة بن عامر بن زريق بن عبد حارثة بن مالك بن غضب بن جشم بن الخزرج زياد بن لبيد بن ثعلبة بن سنان بن عامر بن عدي بن أمية بن بياضة شهد بدرا وفروة بن عمرو بن وذفة بن عبيد بن عامر بن بياضة شهد بدرا قال ابن هشام ويقال ودفة.
قال ابن إسحاق وخالد بن قيس بن مالك بن العجلان بن عامر ابن بياضة شهد بدرا ثلاثة نفر
من بنى زريق ومن بنى زريق بن عامر بن زريق بن عبد حارثة بن مالك بن غضب بن جشم بن الخزرج رافع بن مالك بن العجلان بن(2/307)
عمرو بن عامر بن زريق نقيب وذكوان بن عبد قيس بن خلدة ابن مخلد بن عامر بن زريق وكان خرج الى رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان معه بمكة وهاجر الى رسول الله صلى الله عليه وسلم من المدينة فكان يقال له مهاجري أنصاري شهد بدرا وقتل يوم أحد شهيدا وعباد بن قيس بن عامر بن خلدة بن مخلد بن عامر بن زريق شهد بدرا والحارث بن قيس بن خالد بن مخلد بن عامر بن زريق وهو أبو خالد شهد بدرا أربعة نفر
من بني سلمة بن سعد ومن بني سلمة بن سعد بن علي بن أسد بن ساردة بن تزيد بن جشم بن الخزرج ثم من بن عبيد ابن عدي بن غنم بن كعب بن سلمة البراء بن معروز بن صخر بن خنساء بن سنان بن عبيد بن عدي بن غنم نقيب وهو الذي تزعم بنو سلمة أنه كان أول من ضرب على يد رسول الله صلى الله عليه وسلم وشرط له واشترط عليه ثم توفي قبل مقدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة وابنه بشر بن البراء بن معرور شهد بدرا وأحدا والخندق ومات بخيبر من أكله أكلها مع رسول الله صلى الله عليه وسلم من الشاة التي سم فيها وهو الذي قال له رسول الله صلى الله عليه وسلم حين سأل بني سلمة من سيدكم يا بني سلمة فقالوا الجد بن قيس على بخلة فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم وأي داء أكبر من البخل سيد بني سلمة الأبيض الجعد بشر بن البراء بن معرور وسنان بن صيفي بن صخر بن خنساء بن سنان ابن عبيد شهد بدرا بدرا وقتل يوم الخندق شهيدا والطفيل بن النعمان ابن خنساء بن سنان بن عبيد شهد بدرا وقتل يوم الخندق شهيدا ومعقل بن المنذر بن سرح بن خناس بن سنان بن عبيد شهدا بدرا ويزيد بن المنذر شهد بدرا ومسعود بن يزيد بن سبيع بن خنساء بن سنان بن عبيد والضحاك بن حارثة بن زيد بن ثعلبة بن عبيد شهد(2/308)
بدرا ويزيد بن حرام بن سبيع بن خنساء بن سنان بن عبيد وجبار بن صخر بن أمية بن خنساء بن سنان بن عبيد شهد بدرا.
قال ابن هشام ويقال جبار بن صخر بن أمية بن خناس.
قال ابن إسحاق والطفيل بن مالك بن خنساء بن سنان بن عبيد شهد بدرا أحد عشر رجلا
من بني سواد بن غنم ومن بني سواد بن غنم بن كعب بن سلمة ثم من بني كعب بن سواد كعب بن مالك بن أبي كعب ابن القين بن كعب رجل
من بني غنم بن سواد ومن بني غنم بن سواد بن غنم بن كعب بن سلمة سليم بن عمرو بن حديدة بن عمرو بن غنم شهد بدرا وقطبة بن عامر بن حديدة بن عمرو بن غنم شهد بدرا وأخوه يزيد بن عامر بن حديدة بن عمرو بن غنم وهو أبو المنذر شهد بدرا وأبو اليسر واسمه كعب بن عمرو بن عباد بن عمرو بن غنم شهد بدرا وصيفي بن سواد بن عباد بن عمرو بن غنم خمسة نفر.
قال ابن هشام صيفي بن أسود بن عباد بن عمرو بن غنم بن سواد وليس لسواد ابن يقال له غنم
من بني نابي قال ابن اسحاق ومن بني نابي بن عمرو بن سواد بن غنم بن كعب بن سلمة ثعلبة بن غنمة بن عدي بن نابي شهد بدرا وقتل بالخندق شهيدا وعمرو بن غنمة بن عدي بن نابي وعبس بن عامر بن عدي بن نابي شهد بدرا وعبد الله بن أنيس حليف لهم من قضاعة وخالد بن عمرو بن عدي بن نابي خمسة نفر(2/309)
من بني حرام بن كعب قال ابن اسحاق ومن بني حرام ابن كعب بن غنم بن كعب بن سلمة عبد الله بن عمرو بن حرام ابن ثعلبة بن حرام نقيب شهد بدرا وقتل يوم أحد شهيدا وابنه جابر بن عبدالله ومعاذ بن عمرو بن الجموح بن يزيد بن حرام شهد بدرا وثابت بن الجذع والجذع ثعلبة بن زيد بن الحارث بن حرام شهد بدرا وقتل بالطائف شهيدا وعمير بن الحارث بن ثعلبة بن الحارث بن حرام شهد بدرا.
قال ابن هشام عمير بن الحارث بن لبدة بن ثعلبة.
قال ابن إسحاق وخديج بن سلامة بن أوس بن عمرو بن الفرافر حليف لهم من بى ل ومعاذ بن جبل بن عمرو بن اوس بن عائذ بن كعب بن عمرو بن أدي بن سعد بن علي بن أسد ويقال أسد بن ساردة بن تزيد بن جشم بن الخزرج وكان في بني سلمة شهد بدرا والمشاهد كلها ومات بعمواس عام الطاعون بالشام في خلافة عمر بن الخطاب رضي الله عنه وإنما ادعته بنو سلمة أنه كان أخا سهل بن محمد بن الجد بن قيس بن صخر بن خنساء بن سنان ابن عبيد بن عدي بن غنم بن كعب بن سلمة سبعة نفر.
قال ابن هشام أوس ابن عباد بن عدي بن كعب بن عمرو بن أذن بن سعد
من بنى عوف بن الخزرج قال ابن اسحاق ومن بنى عوف بن الخزرج ثم من بنى سالم بن عوف بن عمرو بن عوف بن الخزرج عبادة بن الصامت بن قيس بن أصرم بن فهر بن ثعلبة بن غنم بن سالم بن عوف نقيب شهد بدرا والمشاهد كلها(2/310)
قال ابن هشام هو غنم بن عوف أخو سالم بن عوف بن عمرو ابن عوف بن الخزرج.
قال ابن إسحاق والعباس بن عبادة بن نضلة بن مالك بن العجلان بن زيد بن غنم بن سالم بن عوف وكان ممن خرج الى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو بمكة فأقام معه بها فكان يقال له مهاجري أنصاري وقتل يوم أحد شهيدا وأبو عبد الرحمن يزيد بن ثعلبة بن خزمة بن أصرم بن عمرو بن عمارة حليف لهم من بني غصينة من بلي وعمرو بن الحارث بن لبدة بن عمرو بن ثعلبة أربعة نفر وهم القواقل
من بنى سالم بن غنم ومن بنى سالم بن غنم بن عوف بن الخزرج وهم بنو الحبلى قال ابن هشام الحبلى سالم بن غنم ابن عوف وإنما سمي الحبلى لعظم بطنه رفاعة بن عمرو بن زيد بن عمرو بن ثعلبة بن مالك بن سالم بن غنم شهد بدرا وهو أبو الوليد.
قال ابن هشام ويقال رفاعة بن مالك ومالك ابن الوليد بن عبدالله بن مالك بن ثعلبة بن جشم بن مالك بن سالم.
قال ابن إسحاق وعقبة بن وهب بن كلدة بن الجعد بن هلال بن الحارث بن عمرو بن عدي بن جشم بن عوف بن بهثة بن عبدالله بن غطفان بن سعد بن قيس بن عيلان حليف لهم شهد بدرا وكان ممن خرج الى رسول الله صلى الله عليه وسلم مهاجرا من المدينة الى مكة فكان يقال له مهاجري أنصاري.
قال ابن هشام رجلان(2/311)
من بني ساعدة بن كعب قال ابن اسحاق ومن بنى ساعدة بن كعب بن الخزرج سعد بن عبادة بن حارثة بن ابي خزيمة بن ثعلبة بن طريف بن الخزرج بن ساعدة نقيب والمنذر بن عمرو بن خنيس بن حارثة بن لوذان بن عبد ود بن زيد بن ثعلبة بن جشم بن الخزرج بن ساعدة نقيب شهد بدرا وأحدا وقتل يوم بئر معونة أميرا لرسول الله صلى الله عليه وسلم وهو الذي كان يقال له أعنق اليموت رجلان.
قال ابن هشام ويقال المنذر بن عمرو بن خنش.
قال ابن إسحاق خجيمع من شهد العقبة من الأوس والخزرج ثلاثة وسبعون رجلا وامرأتان منهم يزعمون أنهما قد بايعتا وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يصافح النساء إنما كان يأخذ عليهن فإذا أقررن قال اذهبن فقد بايعتكن
من بنى مازن بن النجار ومن بنى مازن بن النجار نسيبة بنت كعب بن عمرو بن عوف بن مبذول بن عمرو بن غنم بن مازن وهي أم عمارة كانت شهدت الحرب مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وشهدت معها أختها وزوجها زيد بن عاصم بن كعب وابناها حبيب بن زيد وعبدالله بن زيد وابنها حبيب الذي أخذه مسيلمة الكذاب الحنفي صاحب اليمامة فجعل يقول له أتشهد أن محمدا رسول الله فيقول نعم فيقول أفتشهد أني رسول الله فيقول لا أسمع فجعل يقطعه عضوا حتى مات في يده لا يزيده على ذلك إذا ذكر له رسول الله صلى الله عليه وسلم آمن به وصلى عليه وإذا ذكر له مسيلمة قال لا اسمع فخرجت الى اليمامة مع المسلمين فباشرت الحرب بنفسها حتى قتل الله مسيلمة ورجعت وبها اثنا عشر جرحا من بين طعنة وضربة(2/312)
قال ابن إسحاق : حدثني هذ الحديث عنها محمد بن يحيى بن حبان عن عبدالله بن عبد الرحمن بن أبي صعصعة
من بنى سلمة ومن بنى سلمة ام منيع واسمها اسماء بنت عمرو بن عدي بن نابى بن عمرو بن غنم بن كعب بن سلمة
بسم الله الرحمن الرحيم
$ نزول الأمر لرسول الله صلى الله عليه وسلم في القتال
قال حدثنا أبو محمد عبد الملك بن هشام قال حدثنا زياد ابن عبدالله البكائي عن محمد بن إسحاق المطلبي وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل بيعة العقبة لم يؤذن له في الحرب ولم تحلل له الدماء إنما يؤمر بالدعاء الى الله والصبر على الأذى والصفح عن الجاهل وكانت قريش قد اضطهدت من اتبعه من المهاجرين حتى فتنوهم عن دينهم ونفوهم من بلادهم فهم من بين مفتون في دينه ومن بين معذب في أيديهم ومن بين هارب في البلاد فرارا منهم منهم من بأرض الحبشة ومهم من بالمدينة وفي كل وجه فلما عتت قريش على الله عز وجل وردوا عليه ما أرادهم به من الكرامة وكذبوا نبيه صلى الله عليه وسلم وعذبوا ونفوا من عبده ووحده وصدق نبيه واعتصم بدينه أذن الله عز وجل لرسوله صلى الله عليه وسلم في القتال والانتصار ممن ظلمهم وبغى عليهم(2/313)
فكانت أول آية أنزلت في إذنه له في الحرب وإحلاله الدماء والقتال لمن بغى عليهم فيما بلغني عن عروة بن الزبير وغيره من العلماء قول الله تبارك وتعالى {أذن للذين يقاتلون بأنهم ظلموا وإن الله على نصرهم لقدير الذين أخرجوا من ديارهم بغير حق إلا أن يقولوا ربنا الله ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لهدمت صوامع وبيع وصلوات ومساجد يذكر فيها اسم الله كثيرا ولينصرن الله من ينصره إن الله لقوي عزيز الذين إن مكناهم في الأرض أقاموا الصلاة وآتوا الزكاة وأمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر ولله عاقبة الأمور} أي أني إنما أحللت لهم القتال لأنهم ظلموا ولم يكن لهم ذنب فيما بينهم وبين الناس إلا أن يعبدوا الله وأنهم إذا ظهروا وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة وأمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر يعني النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه رضي الله عنهم أجميعن ثم أنزل الله تبارك وتعالى عليه {وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة} أي حتى لا يفتن مؤمن عن دينه {ويكون الدين لله} أي حتى يعبد الله لا يعبد معه غيره
الإذن لمسلمي مكة بالهجرة الى المدينة قال ابن اسحاق فلما أذن الله تعالى له صلى الله عليه وسلم في الحرب وبايعه هذا الحي من الأنصار على الإسلام والنصرة له ولمن اتبعه وأوى إليهم من المسلمين أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أصحابه من المهاجرين من قومه ومن معه بمكة من المسليم بالخروج الى المدينة والهجرة إليها واللحوق بإخوانهم من الأنصار وقال إن الله عز وجل قد جعل لكم إخوانا ودارا تأمنون بها فخرجوا أرسالا وأقام رسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة ينتظر أن يأذن له ربه في الخروج من مكة والهجرة الى المدينة(2/314)
$ ذكر المهاجرين الى المدينة
هجرة أبي سلمة وامرأته فكان أول من هاجر الى المدينة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم من المهاجرين من قريش من بني مخزوم أبو سلمة بن عبد الأسد بن هلال بن عبد الله بن عمر بن مخزوم واسمه عبدالله هاجر الى المدينة قبل بيعة أصحاب العقبة بسنة وكان قدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة من أرض الحبشة فلما آذته قريش وبلغة إسلام من أسلم من الأنصار خرج الى المدينة مهاجرا.
قال ابن إسحاق فحدثني أبي إسحاق بن يسار عن سلمة بن عبدالله بن عمر بن أبي سلمة عن جدته أم سلمة زوج النبي صلى الله عليه وسلم قالت لما أجمع أبو سلمة الخروج الى المدينة رحل لي بعيره ثم حملني عليه وحمل معي ابني سلمة بن ابي سلمة في حجري ثم خرج بي يقود بعير فلما رأته رجال بنى المغيرة بن عبد الله بن عمر بن مخزوم قاموا إليه فقالوا هذه نفسك غلبتنا عليها أرأيت صاحبتك هذه علام نتركك تسير بها في البلاد قالت فنزعوا خطام البعير من يده فأخذوني منه قالت وغضب عند ذلك بنو عبد الأسد رهط أبي سلمة فقالوا لا والله لا نترك ابننا عندها إذ نزعتموها من صاحبنا قالت فتجاذبوا بني سلمة بينهم حتى خلعوا يده وانطلق به بنو عبد الأسد وحبسني بنو المغيرة عندهم وانطلق زوجي أبو سلمة الى المدينة قالت ففرق بيني وبين زوجي وبين ابني
قالت فكنت أخرج كل غداة فأجلس بالأبطح فما أزال أبكي حتى أمسى سنة أو قريبا منها حتى مر بي رجل من بني عمي أحد بني المغيرة فرأى ما بي فرحمنى فقال لبني المغيرة ألا تخرجون هذه المسكينه فرقتم بينها وبين زوجها وبين ولدها قالت فقالوا(2/315)
لي الحقي بزوجك ان شئت قالت ورد بنو عبد الأسد إلي عند ذلك ابني
قالت فارتحلت بعيري ثم أخذت ابنى فوضعته في حجري ثم خرجت أريد زوجي بالمدينة قالت وما معي أحد من خلق الله قالت أتبلغ بمن لقيت حتى أقدم على زوجي حتى إذا كنت بالتنعيم لقيت عثمان بن طلحة بن أبي طلحة أخا بني عبد الدار فقال لي إلي أين يا بنت أبي أمية قال فقلت أريد زوجي بالمدينة قال أوما معك أحد قالت فقلت لا والله إلا الله وبني هذا قال والله ما لك من مترك فأخذ بخطام البعير فانطلق معي يهوي بي فوالله ما صحبت رجلا من العرب قط أرى أنه كان أكرم منه كان إذا بلغ المنزل أناخ بي ثم استأخر عني حتى إذا نزلت استأخر ببعيري فحط عنه ثم قيده في الشجرة ثم تنحى عني إلى شجرة فاضطجع تحتها فإذا دنا الرواح قام الى بعيري فقدمه فرحله ثم استأخر عني وقال اركبي فإذا ركبت واستويت علي بعيري أتى فأخذه بخطامه فقاده حتى ينزل بي حتى أقدمني المدينة فلما نظر الى قرية بني عمرو بن عوف بقباء قال زوجك في هذه القرية وكان أبو سلمة بها نازولا فادخليها على بركة الله ثم انصرف راجعا الى مكة
قال فكانت تقول والله ما أعلم أهل بيت في الإسلام أصابهم ما أصاب آل أبي سلمة وما رأيت صاحبا قط كان أكرم من عثمان ابن طلحة(2/316)
هجرة عامر بن ربيعة وبني جحش قال ابن اسحاق ثم كان أول من قدمها من المهاجرين بعد أبي سلمة عامر بن ربيعة حليف بني عدي بن كعب معه امرأته ليلى بنت أبي حثمة بن غانم ابن عبدالله بن عوف بن عبيد بن عدي بن كعب ثم عبدالله بن جحش بن رئاب بن يعمر بن صبرة بن مرة بن كثير بن غنم بن دودان بن أسد بن خزيمة حليف بني أمية بن عبد شمس احتمل بأهله وبأخيه عبد بن جحش وهو أبو احمد وكان أبو أحمد رجلا ضرير البصر وكان يطوف مكة أعلاها وأسفلها بغير قائد وكان شاعرا وكانت عنده الفرعة بنت أبي سفيان بن حرب وكانت أمه أميمة بنت عبد المطلب بن هاشم فغلقت دار بني جحش(2/317)
هجرة فمر بها عتبة بن ربيعة والعباس بن عبد المطلب وأبو جهل ابن هشام بن المغيرة وهي دار أبان بن عثمان اليوم التي بالردم وهم مصعدون الى أعلى مكة فنظر إليها عتبة بن ربيعة تخفق أبوابها يبابا ليس فيها ساكن فلما رآها كذلك تنفس الصعداء ثم قال ... وكل دار وإن طالت سلامتها ... يوما ستدركها النكباء والحوب.
قال ابن هشام وهذا البيت الأبي دؤاد الإيادي في قصيدة له والحوب التوجع.
قال ابن إسحاق ثم قال عتبة بن ربيعة أصبحت دار بني جحش خلاء من أهلها فقال أبو جهل وما تبكي عليه من قل ابن قل.
قال ابن هشام القل الواحد قال لبيد بن ربيعة ... كل بني حرة مصيرهم ... قل وإن أكثرت من العدد(2/318)
قال ابن إسحاق : ثم قال هذا عمل ابن أخي هذا فرق جماعتنا وشتت أمرنا وقطع بيننا فكان منزل أبي سلمة بن عبد الأسد وعامر أبن ربيعة وعبدالله بن جحش وأخيه أبي أحمد بن جحش على مبشر بن عبد المنذر بن زنبر بقباء في بنى عمرو بن عوف ثم قدم المهاجرون أرسالا وكان بنو غنم بن دوادن أهل إسلام قد أوعبوا الى المدينة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم هجرة رجالهم ونساؤهم عبدالله ابن جحش وأخوه أبو أحمد بن جحش وعكاشة بن محصن وشجاع وعقبة ابنا وهب واربد بن حميرة.
قال ابن هشام ويقال ابن حميرة
هجرة بعض الرجال ونسائهم قال ابن اسحاق ومنقذ بن نباته وسعيد بن رقيش ومحرز بن نضلة ويزيد بن رقيش وقيس ابن جابر وعمرو بن محصن ومالك بن عمرو وصفوان بن عمرو وثقف بن عمرو وربيعة بن أكثم والزبير بن عبيد وتمام بن عبيدة وسخبرة بن عبيدة ومحمد بن عبدالله بن جحش
ومن نسائهم زينب بنت جحش وأم حبيب بنت جحش وجذامة بنت جندل وأم قيس بنت محصن وأم حبيب بنت ثمامة وآمنة بنت رقيش وسخبرة بنت تميم وحمنة بنت جحش(2/319)
وقال أبو أحمد بن جحش بن رئاب وهو يذكر هجرة بني أسد ابن خزيمة من قومه الى الله تعالى والى رسوله صلى الله عليه وسلم وإيعابهم في ذلك حين دعوا الى الهجرة ... ولو حلفت بين الصفا أم أحمد ... ومروتها بالله برت يمينها
لنحن الألى كنا بها ثم لم نزل ... بمكة حتى عاد غثا سمينها
بها خيمت غنم بن دوادن وابتنت ... وما إن غدت غنم وخف قطينها
الى الله تغدو بين مثنى وواحد ... ودين رسول الله بالحق دينها
وقال ابو أحمد بن جحش أيضا ... لما رأتني أم أحمد غاديا ... بذمة من أخشى بغيب وأرهب
تقول فإما كنت لا بد فاعلا ... فيمم بنا البلدان ولتنأ يثرب
فقلت لها بل يثرب اليوم وجهنا ... وما يشاء الرحمن فالعبد يركب
الى الله وجهي والرسول ومن يقم ... الى الله يوما وجهه لا يخيب
فكم قد تركنا من حميم مناصح ... وناصحة تبكي بدمع وتندب
ترى أن وترا نأينا عن بلادنا ... ونحن نرى أن الرغائب تطلب
دعوت بني غنم لحقن دمائهم ... وللحق لما لاح للناس ملحب(2/320)
أجابو بحمد لله لما دعاهم ... الى الحق داع والنجاح فأوعبوا
وكنا وأصحابا لنا فارقوا الهدى ... أعانوا علينا بالسلاح وأجلبوا
كفوجين أما منهما فموفق ... على الحق مهدي وفوج معذب
طغوا وتمنوا كذبة وأزلهم ... عن الحق إبليس فخابوا وخيبوا
ورعنا الى قول النبي محمد ... فطاب ولاة الحق منا وطيبوا
نمت بأرحام إليهم قريبة ... ولا قرب بالأرحام إذ لا نقرب
فأي ابن أخت بعدنا بأمننكم ... وأية صهر بعد صهري ترقب
ستعلم يوما أينا إذ تزايلوا ... وزيل أمر الناس للحق أصوب.
قال ابن هشام قوله ولتنأ يثرب وقوله إذ لا نقرب عن غير ابن اسحاق.
قال ابن هشام يريد بقوله إذ إذا كقول الله عز وجل {إذ الظالمون موقوفون عند ربهم} قال أبو النجم العجلي ... ثم جزاه الله عنا إذ جزى ... جنات عدن في العلالي والعلا
$ هجرة عمر وقصة عياش وهشام معه
قال ابن اسحاق ثم خرج عمر بن الخطاب وعياش بن أبي ربيعة المخزومي حتى قدما المدينة فحدثني نافع مولى عبد الله بن عمر عن عبد الله بن عمر عن أبيه عمر بن الخطاب قال اتعدت لماأردنا الهجرة الى المدينة أنا وعياش بن أبي ربيعة وهشام(2/321)
ابن العاص بن وائل السهمي التناضب من أضاة بني غفار فوق سرف وقلنا أينا لم يصبح عندها فقد حبس فليمض صاحباه قال فأصبحت أنا وعياش بن أبي ربيعة عند التناضب وحبس عنا هشام وفتن فافتتن
أبو جهل يغرر بعياش بن أبي ربيعة فلما قدمنا المدينة نزلنا في بنى عمرو بن عوف بقباء وخرج أبو جهل بن هشام والحارث بن هشام الى عياش بن ابي ربيعة وكان ابن عمهما وأخاهما لأمهما حتى قدما علينا المدينة ورسول الله صلى عليه وسلم بمكة فكلماه وقالا إن أمك قد نذرت أن لا يمس رأسها مشط حتى تراك ولا تستظل من شمس حتى تراك فرق لها فقلت له يا عياش إنه والله إن يريدك القوم إلا ليفتنوك عن دينك فاحذرهم فوالله لو قد آذى أمك القمل لا متشطت ولو قد اشتد عليها حر مكة لاستظلت قال فقال أبر قسم أمي ويلي هنالك مال فآخذه قال فقلت والله إنك لتعلم أني لمن أكثر قريش مالا فلك نصف مالي ولا تذهب معهما قال فأبى علي إلا أن يخرج معهما فلما أبي إلا ذلك قال قلت له أما إذ قد فعلت ما فعلت فخذ ناقتي هذه فإنها ناقة نجيبة ذلول فالزم ظهرها فإن رابك من القوم ريب فانج عليها
فخرج عليه معهما حتى إذا كانوا ببعض الطريق قال له أبو جهل يا بن أخي والله لقد استغلظت بعيري هذا أفلا تعقبني على(2/322)
ناقتك هذه قال بلى قال فأناخ وأناخا ليتحول عليها فلما استووا بالأرض عدوا عليها فأوثقاه وربطاه ثم دخلا به مكة وفتناه فافتتن.
قال ابن إسحاق فحدثني به بعض آل عياش بن أبي ربيعة أنهما حين دخلا به مكة دخلا به نهارا موثقا ثم قالا يا أهل مكة هكذا فافعلوا بسفائكم كما فعلنا بسيفهنا هذا
كتاب عمر الى هشام بن العاص قال ابن اسحاق وحدثني نافع عن عبدالله بن عمر عن عمر في حديثه قال فكنا نقول ما الله بقابل ممن افتتن صرفا ولا عدلا ولا توبة قوم عرفوا الله ثم رجعوا الى الكفر لبلاء أصابهم قال وكانوا يقولون ذلك لأنفسهم فلما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة أنزل الله تعلى فيهم وفي قولنا وقولهم لأنفسهم {قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعا إنه هو الغفور الرحيم وأنيبوا إلى ربكم وأسلموا له من قبل أن يأتيكم العذاب ثم لا تنصرون واتبعوا أحسن ما أنزل إليكم من ربكم من قبل أن يأتيكم العذاب بغتة وأنتم لا تشعرون}.
قال عمر بن الخطاب فكتبتها بيدي في صحيفة وبعثت بها الى هشام بن العاص قال فقال هشام بن العاص فلما أتتني جعلت أقرؤها بذي طوى أصعد بها فيه وأصوب ولا أفهمها حتى قلت(2/323)
اللهم فهمنيها قال فألقى الله تعالى في قلبي إنما أنزلت فينا وفيما كنا نقول في أنفسنا ويقال فينا قال فرجعت الى بعيري فجلست عليه فلحقت برسول الله صلى الله عليه وسلم وهو بالمدينة
أمر الوليد بن الوليد مع عياش وهشام قال ابن هشام فحدثني من أثق به أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال وهو بالمدينة من لي بعياش ابن ابي ربيعة وهشام بن العاص فقال الوليد بن الوليد بن المغيرة انا لك يا رسول الله بهما فخرج الى مكة فقدمها مستخفيا فلقي امرأة تحمل طعاما فقال لها أين تريدين يا أمة الله قالت اريد هذين المحبوسين تعنيهما فتبعها حتى عرف موضعهما وكانا محبوسين في بيت لا سقف له فلما أمسى تسور عليهما ثم أخذ مروة فوضعها تحت قيديهما ثم ضربهما بسيفه فقطعهما فكان يقال لسيفه ذو المروة لذلك ثم حملهما على بعيره وساق بهما فكثر فدميت إصبعه فقال ... هل أنت إلا إصبع دميت ... وفي سبيل الله ما لقيت
ثم قدم بهما على رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة(2/324)
$ منازل المهاجرين بالمدينة
منزل عمر وأخيه وعمرو وعبدالله ابني سراقة وخنيس بن حذافة وبني البكير قال ابن اسجاق ونزل عمر بن الخطاب حين قدم المدينة ومن لحق به من اهله وقومه وأخوه زيد بن الخطاب وعمرو وعبد الله ابنا سراقة بن المعتمر وخنيس بن حذافة السهمي وكان صهره على ابنته حفصة بنت عمر فخلف عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم بعده وسعيد بن زيد عمرو بن نفيل وواقد بن عبدالله التميمي حليف لهم وخولي بن ابي خولي ومالك بن ابي خولي حليفان لهم.
قال ابن هشام أبو خولي من بن عجل بني لجيم بن صعب أبن على بن بكر بن وائل.
قال ابن إسحاق وبنو البكير أربعتهم إياس بن البكير وعاقل ابن البكير وعامر بن البكير وخالد بن البكير وحلفاؤهم من بني سعد بن ليث على رفاعة بن عبد المنذر بن زنبر في بنى عمرو ابن عوف بقباء وقد كان منزل عياش بن أبي ربيعة معه عليه حين قدما المدينة
منزل طلحة وصهيب ثم تتابع المهاجرون فنزل طلحة بن عبيد الله ابن عثمان وصهيب بن سنان على خبيب بن إساف أخي بلحارث(2/325)
ابن الخزرج بالسنح ويقال بل نزل طلحة بن عبيد الله على أسعد ابن زرارة أخي بني النجار.
قال ابن هشام وذكر لي عن أبي عثمان النهدي أنه قال بلغني أن صهيبا حين أراد الهجرة قال له كفار قريش أتيتنا صعلوكا حقيرا فكثر مالك عندنا وبلغت الذي بلغت ثم تريد أن تخرج بمالك ونفسك والله لا يكون ذلك فقال لهم صهيب أرأيتم إن جعلت لكم مالي أتخلون سبيلي قالوا نعم قال فإني جعلت لكم مالي قال فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال ربح صهيب ربح صهيب
منزل حمزة وزيد وابي مرثد وابنه وانسه وأبي كبشة قال ابن اسحاق ونزل حمزة بن عبد المطلب وزيد بن حارث وأبو مرثد كناز بن حصن.
قال ابن هشام ويقال ابن حصين وابنه مرثد الغنويان حليف حمزة بن عبد المطلب وأنسة وأبو كبشة موليا رسول الله(2/326)
صلى الله عليه وسلم على كلثوم بن هدم أخي بن عمرو بن عوف بقباء ويقال بل نزلوا على سعد بن خيثمة ويقال بل نزل حمزة بن عبد المطلب على أسعد بن زرارة أخي بني النجار كل ذلك يقال : منزل عبيدة واخيه والحصين وغيرهم ونزل عبيدة بن الحارث ابن المطلب وأخوه الطفيل بن الحارث والحصين بن الحارث ومسطح ابن أثاثة بن عباد بن المطلب وسويبط بن سعد بن حريملة أخو بني عبد الدار وطليب بن عمير أخو بني عبد بن قصي وخباب مولي عتبة بن غزوان علي عبد الله بن سلمة أخي بلعجلان بقباء
منزل عبد الرحمن بن عوف ونزل عبد الرحمن بن عوف في رجال من المهاجرين على سعد بن الربيع أخي بلحارث بن الخزرج في دار بلحارث بن الخزرج
منزل الزبير وابي سبرة ونزل الزبير بن العوام وابو سبرة بن أبي رهم بن عبدالعزة على منذر بن محمد بن عقبة بن أحيحه ابن الجلاح بالعصبة دار بني جحجبي
منزل مصعب بن عمير ونزل مصعب بن عمير بن هاشم أخو بني عبد الدار على سعد بن معاذ بن النعمان أخي بني عبد الأشهل في دار بني عبد الأشهل(2/327)
منزل أبي حذيفة ونزل أبو حذيفة بن عتبة بن ربيعة وسالم مولي أبي حذيفة.
قال ابن هشام سالم مولي أبي حذيفة سائبة لثبيتة بنت يعار بن زيد بن عبيد بن زيد بن مالك بن عوف بن عمرو بن عوف بن مالك بن الأوس سبيته فانقطع الى ابي حذيفة بن عتبة بن ربيعة فتبناه فقيل سالم مولى أبي حذيفة ويقال كانت ثبيته بنت يعار تحت أبي حذيفة بن عتبة فأعتقت سالما سائبة فقيل سالم مولى أبي حذيفة
منزل عتبة بن غزوان قال ابن اسحاق ونزل عتبة بن غزوان ابن جابر على عباد بن بشر بن وقش أخي بني عبد الأشهل في دار عبد الأشهل
منزل عثمان بن عفان ونزل عثمان بن عفان على اوس بن ثابت بن المنذر أخي حسان بن ثابت في دار بني النجار فلذلك كان حسان يحب عثمان ويبكيه حين قتل
وكان يقال نزل الأعزاب من المهاجرين على سعد بن خيثمة وذلك أنه كان عزبا فالله أعلم أي ذلك كان(2/328)
$ هجرة الرسول صلى الله عليه وسلم
سبب تأخر أبي بكر وعلي في الهجرة وأقام رسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة بعد أصحابه من المهاجرين ينتظر أن يؤذن له في الهجرة ولم يتخلف معه بمكة أحد من المهاحرين إلا من حبس أو فتن إلا علي بن أبي طالب وأبو بكر بن أبي قحافة الصديق رضي الله عنهما وكان أبو بكر كثيرا ما يستأذن رسول الله صلى الله عليه وسلم في الهجرة فيقول له رسول الله صلى الله عليه وسلم لا تعجل لعل الله يجعل لك صاحبا فيطمع أبو بكر أن يكونه
قريش تتشاور في أمره عليه السلام قال ابن إسحاق ولما رأت قريش أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد صارت له شيعة وأصحاب من غيرهم بغير بلدهم ورأوا خروج أصحابه من المهاجرين إليهم عرفوا أنهم قد نزلوا دارا وأصابوا منهم منعة فحذروا خروج رسول الله صلى الله عليه وسلم إليهم وعرفوا أنهم قد أجمع لحربهم فاجتمعوا له في دارالندوة وهي دار قصي بن كلاب التي كانت قريش لا تقضي أمرا إلا فيها يتشاورون فيها ما يصنعون في أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم حين خافوه(3/5)
قال ابن إسحاق فحدثني من لا أتهم من أصحابنا عن عبدالله ابن أبي نجيح عن مجاهد بن جبير أبي الحجاج وغيره ممن لا أتهم عن عبدالله بن عباس رضي الله عنهما قال لما أجمعوا لذلك واتعدوا أن يدخلوا في دار الندوة ليتشاوروا فيها في أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم غدوا في اليوم الذي اتعدوا له وكان ذلك اليوم يسمى يوم الرحمة فاعترضهم إبليس في هيئة شيخ جليل عليه بتلة فوقف على باب الدار فلما رأوه واقفا على بابها قالوا من الشيخ قال شيخ من أهل نجد سمع بالذي اتعدتم له فحضر معكم ليسمع ما تقولون وعسى أن لا يعدمكم منه رأيا ونصحا قالوا أجل فادخل معهم وقد اجتمع فيها أشراف قريش من بني عبد شمس عتبة بن ربيعة وشيبة بن ربيعة وأبو سفيان بن حرب ومن بني نوفل بن عبد مناف طعيمة بن عدي وجبير بن مطعم والحارث بن عامر بن نوفل ومن بني عبدالدار بن قصي النضر بن الحارث بن كلدة ومن بني أسد بن عبد العزى أبو البختري بن هشام وزمعة بن الأسود بن المطلب وحكيم بن حزام ومن بني مخزوم أبو جهل بن هشام ومن بني سهم نبيه ومنبه ابنا الحجاج ومن بني جمح أمية بن(3/6)
خلف ومن كان معهم وغيرهم ممن لا يعد من قريش
فقال بعضهم لبعض إن هذا الرجل قد كان من أمره ما قد رأيتم فإنا والله ما نأمنه على الوثوب علينا فيمن قد اتبعه من غيرنا فأجمعوا فيه رأيا قال فتشاوروا ثم قال قائل منهم احبسوه في الحديد وأغلقوا عليه بابا ثم تربصوا به ما أصاب أشباهه من الشعراء الذين كانوا قبله زهيرا والنابغة ومن مضى منهم من هذا الموت حتى يصيبه ما أصابهم
فقال الشيخ النجدي لا والله ما هذا لكم برأي والله لئن حبستموه كما تقولون ليخرجن أمره من وراء الباب الذي أغلقتم دونه إلى أصحابه فلأوشكوا أن يثبوا عليكم فينزعوه من أيديكم ثم يكاثروكم به حتى يغلبوكم على أمركم ما هذا لكم برأي فانظروا في غيره
فتشاوروا ثم قال قائل منهم نخرجه من بين أظهرنا فننفيه من بلادنا فإذا أخرج عنا فوالله ما نبالي أين ذهب ولا حيث وقع إذا غاب عنا وفرغنا منه فأصلحنا أمرنا وألفتنا كما كانت
فقال الشيخ النجدي لا والله ما هذا لكم برأي ألم تروا حسن حديثه وحلاوة منطقه وغلبته على قلوب الرجال بما يأتي به والله لو فعلتم ذلك ما أمنتم أن يحل على حي من العرب فيغلب عليهم بذلك من قوله وحديثه حتى يتابعوه عليه ثم يسير بهم إليكم حتى يطأكم بهم في بلادكم فيأخذ أمركم من أيديكم ثم يفعل بكم ما أراد دبروا فيه رأيا غير هذا
قال فقال أبو جهل بن هشام والله إن لي فيه لرأيا ما أراكم وقعتم عليه بعد قالوا وما هو يا أبا الحكم قال أرى أن نأخذ من كل قبيلة فتى شابا جليدا نسيبا وسيطا فينا ثم نعطي كل فتى(3/7)
منهم سيفا صارما ثم يعمدوا إليه فيضربوه بها ضربة رجل واحد فيقتلوه فنستريح منه فإنهم إذا فعلوا ذلك تفرق دمه في القبائل جميعا فلم يقدر بنو عبد مناف على حرب قومهم جميعا فرضوا منا بالعقل فقلناه لهم
قال فقال الشيخ النجدي القول ما قال الرجل هذا الرأي الذي لا رأي غيره فتفرق القوم على ذلك وهم مجمعون له
استخلافه صلى الله عليه وسلم عليا فأتى جبريل عليه السلام رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال لا تبت هذه الليلة على فراشك الذي كنت تبيت عليه قال فلما كانت عتمة من الليل اجتمعوا على بابه يرصدونه متى ينام فيثبون عليه فلما رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم مكانهم قال لعلي بن أبي طالب نم على فراشي وتسج ببردي هذا الحضرمي الأخضر فنم فيه فإنه لن يخلص إليك شيء تكرهه منهم وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم ينام في برده ذلك إذا نام
قال ابن إسحاق فحدثني يزيد بن زياد عن محمد بن كعب القرظي قال لما أجتمعوا له وفيهم أبو جهل بن هشام فقال وهم على بابه إن محمدا يزعم أنكم إن تابعتموه على أمره كنتم ملوك العرب والعجم ثم بعثتم من من بعد موتكم فجعلت لكم جنان كضنان الأردن وإن لم تفعلوا كان له فيكم ذبح ثم بعثتم من بعد موتكم ثم جعلت لكم نار تحرقون فيها
قال وخرج عليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخذ حفنة من تراب في يده ثم قال أنا أقول ذلك أنت أحدهم وأخذ الله تعالى على أبصارهم عنه فلا يرونه فجعل ينثر ذلك التراب على رؤوسهم وهو يتلو هؤلاء الآيات من يس {يس والقرآن الحكيم إنك لمن المرسلين على صراط مستقيم تنزيل العزيز الرحيم}(3/8)
إلى قوله {فأغشيناهم فهم لا يبصرون} حتر فرغ رسول الله صلى الله عليه وسلم من هؤلاء الآيات ولم يبق منهم رجل إلا قد وضع على رأسه ترابا ثم انصرف إلى حيث أراد أن يذهب فأتاهم آت ممن لم يكن معهم فقال ما تنتظرون ها هنا قالوا محمدا قال خيبكم الله قد والله خرج عليكم محمد ثم ما ترك منكم رجلا إلا وقد وضع على رأسه ترابا وانطلق لحاجته أفما ترون ما بكم قال فوضع كل رجل منهم يده على رأسه فإذا عليه تراب ثم جعلوا يتطلعون فيرون عليا على الفراش مشجيا ببرد رسول الله صلى الله عليه وسلم فيقولون والله إن هذا لمحمد نائما عليه برده فلم يبرحوا كذلك حتى أصبحوا فقام علي رضي الله عنه عن الفراش فقال والله لقد كان صدقنا الذي حدثنا
ما نزل في تربص المشركين بالنبي قال ابن إسحاق وكان مما أنزل الله عز وجل من القرآن في ذلك اليوم وما كانوا أجمعوا له {وإذ يمكر بك الذين كفروا ليثبتوك أو يقتلوك أو يخرجوك ويمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين} وقول الله(3/9)
عز وجل {أم يقولون شاعر نتربص به ريب المنون قل تربصوا فإني معكم من المتربصين}.
قال ابن هشام المنون الموت وريب المنون ما يريب ويعرض منها قال أبو ذؤيب الهذلي ... أمن المنون وريبها تتوجع ... والدهر ليس بمعتب من يجزع
وهذا البيت في قصيدة له
قال ابن إسحاق وأذن الله تعالى لنيبه صلى الله عليه وسلم عند ذلك في الهجرة
أبو بكر يطمع في المصاحبة قال ابن إسحاق وكان أبو بكر رضي الله عنه رجلا ذا مال فكان حين استأذن رسول الله صلى الله عليه وسلم في الهجرة فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم لا تعجل لعل الله يجد لك صاحبا قد طمع بأن يكون رسول الله صلى الله عليه وسلم إنما يعني نفسه حين قال له ذلك فابتاع راحلتين فاحتبسهما في داره يعلفهما إعدادا لذلك
حديث الهجرة إلى المدينة قال ابن إسحاق فحدثني من لا أتهم عن عروة بن الزبير عن عائشة أم المؤمنين أنها قالت كان لا يخطئ رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يأتي بيت أبي بكر أحد طرفي النهار إما بكرة وأما عشية حتى إذا كان اليوم الذي أذن فيه لرسول الله صلى الله عليه وسلم في الهجرة والخروج من مكة من بين ظهري قومه أتانا رسول الله صلى الله عليه وسلم بالهاجرة في ساعة كان لا يأتي فيها قالت فلما رآه أبوبكر قال ما جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم هذه الساعة إلا لأمر حدث
قالت فلما دخل تأخر له أبو بكر عن سريره فجلس رسول الله صلى الله عليه وسلم وليس عند أبي بكر إلا أنا وأختي أسماء بنت أبي بكر(3/10)
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أخرج عني من عندك فقال يا رسول الله إنما هما ابتتاي وما ذاك فداك أبي وأمي فقال إن الله قد أذن لي في الخروج والهجرة قالت فقال أبو بكر الصحبة يا رسول الله قال الصحبة
قالت فوالله ما شعرت فط قبل ذلك اليوم أن أحدا يبكي من الفرح حتى رأيت أبا بكر يبكي يومئذ ثم قال يا نبي الله إن هاتين راحلتان قد كنت أعددتهما لهذا
فاستأجرا عبدالله بن أرقط رجلا من بني الدئل بن بكر وكانت أمه امرأة من بني سهم بن عمرو وكان مشركا يدلهما على الطريق فدفعا إليه راحلتيهما فكانتا عنده يرعاهم لميعادهما
من علم بامر هجرة الرسول صلى الله عليه وسلم قال ابن إسحاق ولم يعلم فيما بلغني بخروج رسول الله صلى الله عليه وسلم أحد حين خرج إلا علي ابن أبي طالب وأبو بكر الصديق وآل أبي بكر أما علي فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما بلغني أخبره بخروجه وأمره أن يتخلف بعده بمكة حتى يؤدي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم الودائع التي كانت عنده للناس وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم ليس بمكة أحد عنده شيءيخشى عليه إلا وضعه عنده لما يعلم من صدقه وأمانته صلى الله عليه وسلم(3/11)
في الغار قال ابن إسحاق فلما أجمع رسول الله صلى الله عليه وسلم الخروج أتى أبا بكر بن أبي قحافة فخرجا من خوخة لأبي بكر في ظهر بيته ثم عمدا إلى غار بثور جبل بأسفل مكة فدخلاه وأمر أبو بكر ابنه عبدالله بن أبي بكر أن يتسمع لهما ما يقول الناس فيهما نهاره ثم يأتيهما إذا أمسى بما يكون في ذلك اليوم من الخبر وأمر عامر بن فهيرة مولاه أن يرعى غنمه نهاره ثم يريحها عليهما يأتيهما ثم إذا أمسى في الغار وكانت أسماء بنت أبي بكر تأتيهما من الطعام إذا أمست بما يصلحهما.
قال ابن هشام وحدثني بعض أهل العلم أن الحسن بن أبي الحسن البصري قال انتهى رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر إلى الغار ليلا فدخل أبو بكر رضي الله عنه قبل رسول الله صلى الله عليه وسلم فلمس الغار لينظر أفيه سبع أو حية يقي رسول الله صلى الله عليه وسلم بنفسه
من قام بشأن الرسول صلى الله عليه وسلم في الغار قال ابن إسحاق فأقام رسول الله صلى الله عليه وسلم في الغار ثلاثا ومعه أبو بكر وجعلت قريش فيه حين فقدوه مائة ناقة لمن يرده عليهم وكان عبدالله بن أبي بكر يكون في قريش نهاره معهم يسمع ما يأتمرون به وما يقولون في شأن رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبي بكر ثم يأتيهما إذا أمسى فيخبرهما الخبر وكان عامر بن فهيرة مولى ابي بكر رضي الله عنه يرعى في رعيان أهل مكة فإذا أمسى أراح عليهما غنم أبي بكر فاحتلبا وذبحا فإذا عبدالله بن أبي بكر غدا من عندهما إلى مكة اتبع عامر(3/12)
ابن فهيرة أثره بالغنم حتى يعفي عليه حتى إذا مضت الثلاث وسكن عنهما الناس أتاهما صاحبهما الذي استأجراه ببعيريهما وبعير له وأتتهما أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنها بسفرتهما ونسيت أن تجعل لها عصاما فلما ارتحلا ذهبت لتعلق السفرة فإذا ليس لها عصام فتحل نطاقها فتجعله عصاما ثم علقتها به
سبب تسمية أسماء بذات النطاق فكان يقال لأسماء بنت أبي بكر ذات النطاق لذلك.
قال ابن هشام وسمعت غير واحد من أهل العلم يقول ذات النطاقين وتفسيره أنهما لما أرادت أن تعلق السفرة شقت نطاقها باثنين فعلقت السفرة بواحد وانتطقت بالآخر
راحلة الرسول قال ابن إسحاق فلما قرب أبو بكر رضي الله عنه الراحلتين إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم قدم له أفضلهما ثم قال اركب فداك أبي وأمي فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم إني لا أركب بعيرا ليس لي قال فهي لك يا رسول الله بأبي أنت وأمي قال لا ولكن ما الثمن الذي ابتعتها به قال كذا وكذا قال قد أخذتها به قال هي لك يا رسول الله فركبا وانطلقا وأردف أبو بكر الصديق رضي الله عنه عامر بن فهيرة مولاه خلفه ليخدمهما في الطريق(3/13)
أبو جهل يضرب أسماء قال ابن إسحاق فحدثت عن أسماء بنت أبي بكر أنها قالت لما خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر رضي الله عنه أتانا نفر من قريش فيهم أبو جهل بن هشام فوقفوا على باب أبي بكر فخرجت إليهم فقالوا أين أبوك يا بنت أبي بكر قالت قلت لا أدري والله أين أبي قالت فرفع أبو جهل يده وكان فاحشا خبيثا فلطم خدي لطمة طرح منها قرطي
الجني الذي تغنى بمقدمه صلى الله عليه وسلم قالت ثم انصرفوا فمكثنا ثلاث ليال وما ندري أين وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى أقبل رجل من الجن من أسفل مكة يتغنى بأبيات من شعر غناء العرب وإن الناس ليتبعونه يسمعون صوته وما يرونه حتى خرج من أعلى مكة وهو يقول ... جزى الله رب الناس خير جزائه ... رفيقين حلا خيمتي أم معبد
هما نزلا بالبر ثم تروحا ... فأفلح من امسى رفيق محمد
ليهن بنو كعب مكان فتاتهم ... ومقعدها للمؤمنين بمرصد
نسب أم معبد قال ابن هشام ام معبد بنت كعب امرأة(3/14)
من بني كعب من خزاعة وقوله حلا خيمتي وهما نزلا بالبر ثم تروحا عن غير ابن إسحاق
قال ابن إسحاق قالت أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنهما فلما سمعنا قوله عرفنا حيث وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم وأن وجهه إلى المدينة وكانوا أربعة رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر الصديق رضي الله عنه وعامر بن فهيرة مولى أبي بكر وعبدالله بن أرقط دليلهما.
قال ابن هشام ويقال عبدالله بن أريقط
موقف آل أبي بكر بعد الهجرة قال ابن إسحاق فحدثني يحيى بن عباد بن عبدالله بن الزبير أن أباه عبادا حدثه عن جدته أسماء بنت أبي يكر قالت لما خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم وخرج أبو بكر معه احتمل أبو بكر ماله كله ومعه خمسة آلاف درهم أو ستة آلاف فانطلق بها معه قالت فدخل علينا جدي أبو قحافة وقد ذهب بصره فقال والله إني لأراه قد فجعكم بماله مع نفسه قالت قلت كلا يا أبت إنه قد ترك لنا خيرا كثيرا قالت فأخذت أحجارا فوضعتها في كوة في البيت الذي كان أبي يضع ماله فيها ثم وضعت عليها ثوبا ثم أخذت بيده فقلت يا أبت ضع يدك على هذا المال قالت فوضع يده عليه فقال لا بأس إذا كان ترك لكم هذا فقد أحسن وفي هذا بلاغ لكم لا والله ما ترك لنا شيئا ولكني أردت أن أسكن الشيخ بذلك
سراقة بن مالك قال ابن إسحاق وحدثني الزهري أن عبدالرحمن بن مالك بن جعشم حدثه عن أبيه عن عمه سراقة بن مالك ابن جعشم قال لما خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم من مكة مهاجرا إلى(3/15)
المدينة جعلت قريش فيه مائة ناقة لمن رده عليهم قال فبينا أنا جالس في نادي قومي إذا اقبل رجل منا حتى وقف علينا فقال والله لقد رأيت ركبة ثلاثة مروا علي آنفا إني لأراهم محمدا وأصحابه قال فأومأت إليه بعيني أن اسكت ثم قلت إنما هم بنو فلان يبتغون ضالة لهم قال لعله ثم سكت قال ثم مكثت قليلا ثم قمت فدخلت بيتي ثم أمرت بفرسي فقيد لي إلى بطن الوادي وأمرت بسلاحي فأخرج لي من دبر حجرتي ثم أخذت قداحي التي أستقسم بها ثم انطلقت فلبست لأمتي ثم أخرجت قداحي فاستقسمت بها فخرج السهم الذي أكره لا يضره قال وكنت أرجو أن أرده على قريش فآخذ المائة الناقة قال فركبت على أثره فبينما فرسي يشتد بي عثر بي فسقطت عنه قال فقلت ما هذا قال ثم أخرجت قداحي فاستقسمت بها فخرج السهم الذي أكره لا يضره قال فأبيت إلا أن أتبعه قال فركبت في أثره فبينا فرسي يشتد بي عثر بي فسقطت عنه قال فقلت ما هذا قال ثم أخرجت قداحي فاسقسمت بها فخرج السهم الذي أكره لا يضره قال فأبيت إلا أن أتبعه فركبت في أثره فلما بدا لي القوم ورأيتهم عثر بي فرسي فذهبت يداه في الأرض وسقطت عنه ثم انتزع يديه من الأرض وتبعهما دخان كالإعصار قال فعرفت حين رأيت ذلك أنه قد منع مني وأنه ظاهر
قال فناديت القوم فقلت أنا سراقة بن جعشم انظروني أكلمكم فوالله لا أريبكم ولا يأتيكم مني شيء تكرهونه
قال فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأبي بكر قل له وما تبتغي منا قال فقال ذلك أبو بكر(3/16)
قال قلت تكتب لي كتابا يكون آية بيني وبينك
قال اكتب له يا أبا بكر
إسلام سراقة بن جعشم قال فكتب لي كتابا في عظم أو في رقعة أو في خزفة ثم ألقاه إلي فأخذته فجعلته في كنانتي ثم رجعت فسكت فلم أذكر شيئا مما كان حتى إذا كان فتح مكة على رسول الله صلى الله عليه وسلم وفرغ من حنين والطائف خرجت ومعي الكتاب لألقاه فلقيته بالجعرانة قال فدخلت في كتيبة من خيل الأنصار قال فجعلوا يقرعونني بالرماح ويقولون إليك ماذا تريد قال فدنوت من رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو على ناقته والله لكأني أنظر إلى ساقه في غزرة كأنها جمارة قال فرفعت يدي بالكتاب ثم قلت يا رسول الله هذا كتابك أنا سراقة بن جعشم قال فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم وفاء وبر أدنه قال فدنوت منه فأسلمت ثم تذكرت شيئا اسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عنه فما أذكره إلا أني قلت يا رسول الله الضالة من الإبل تغشى حياضي وقد ملأتها لأبلي هل لي أجر في أن أسقيها قال نعم في كل ذات كبد حرى أجر قال ثم رجعت إلى قومي فسقت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم صدقتي.
قال ابن هشام عبدالرحمن بن الحارث بن مالك بن جعشم
طريق الهجرة قال ابن إسحاق فلما خرج بهما دليلهما عبدالله بن أرقط سلك بهما اسفل مكة ثم مضى بهما على الساحل حتى عارض الطريق أسفل من عسفان ثم سلك بهما على أسفل(3/17)
أمج ثم استجاز بهما حتى عارض بهما الطريق بعد ان أجاز قديدا ثم أجاز بهما من مكانه ذلك فسلك بهما الخرار ثم سلك بهما ثنية المرة ثم سلك بهما لقفا.
قال ابن هشام ويقال لفتا قال معقل بن خويلد الهذلي ... نزيعا محلبا من اهل لفت ... لحي بين أثلة والنحام
قال ابن إسحاق ثم أجاز بهم مدلجة لقف ثم استبطن بهما مدلجة محاج ويقال مجاج فيما قال ابن هشام ثم سلك بهما مرجح محاج ثم تبطن بهما مرجح من ذي العضوين.
قال ابن هشام ويقال العضوين
ثم بطن ذي كشر ثم أخذ بهما على الجداجد ثم على(3/18)
الأجرد ثم سلك بهما ذا سلم من بطن أعداء مدلجة تعهن ثم على العبابيد.
قال ابن هشام ويقال العبابيب ويقال العثيانة يريد العبابيب
قال ابن إسحاق ثم أجاز الفاجة ويقال الفاحة فيما قال ابن هشام.
قال ابن هشام ثم هبط بهما العرج وقد أبطأ عليهم بعض ظهرهم فحمل رسول الله صلى الله عليه وسلم رجل من أسلم يقال له أوس بن حجر على جمل له يقال له ابن الرداء إلى المدينة وبعث معه غلاما له يقال له مسعود بن هنيدة ثم خرج بهما دليلهما من العرج فسلك بهما ثنية العائر عن يمين ركوبة ويقال ثنية الغائر فيما قال ابن هشام حتى هبط بهما بطن رئم ثم قدم بهما قباء على بني عمرو بن عوف لاثنتي عشرة ليلة خلت من شهر ربيع الأول يوم الاثنين حين اشتد الضحاء وكادت الشمس تعتدل
قدومه صلى الله عليه وسلم قباء قال ابن إسحاق فحدثني محمد بن جعفر ابن الزبير عن عروة بن الزبير عن عبدالرحمن بن عويمر بن ساعدة قال حدثني رجال من قومي من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم قالوا لما سمعنا بمخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم من مكة وتوكفنا قدومه كنا(3/19)
نخرج إذا صلينا الصبح إلى ظاهر حرتنا ننتظر رسول الله صلى الله عليه وسلم فوالله ما نبرح حتى تغلبنا الشمس على الظلال فإذا لم نجد ظلا دخلنا وذلك في أيام حارة حتى إذا كان اليوم الذي قدم فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم جلسنا كما كنا نجلس حتى إذا لم يبق ظل دخلنا بيوتنا وقدم رسول الله صلى الله عليه وسلم حين دخلنا البيوت فكان أول من رآه رجل من اليهود قد رأى ما كنا نصنع وأنا ننتظر قدوم رسول الله صلى الله عليه وسلم علينا فصرخ بأعلى صوته يا بني قيلة هذا جدكم قد جاء قال فخرجنا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو في ظل نخلة ومعه أبو بكر رضي الله عنه في مثل سنه وأكثرنا لم يكن رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل ذلك وركبه الناس وما يعرفونه من أبي بكر حتى زال الظل عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فقام أبو بكر فأظله بردائه فعرفناه عند ذلك
منزله عليه السلام بقباء قال ابن إسحاق فنزل رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما يذكرون على كلثوم بن هدم أخي بني عمرو ابن عوف ثم أحد بني عبيد ويقال بل نزل على سعد بن خيثمة ويقول من يذكر أنه نزل على كلثوم بن هدم إنما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا خرج من منزل كلثوم بن هدم جلس الناس في بيت سعد بن خيثمة وذلك أنه كان عازبا لا أهل له وكان منزل(3/20)
الأعزاب من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم من المهاجرين فمن هنالك يقال نزل على سعد بن خيثمة وكان يقال لبيت سعد بن خيثمة بيت الأعزاب فالله أعلم أي ذلك كان كلا قد سمعنا
منزل أبي بكر بقباء ونزل أبو بكر الصديق رضي الله عنه على خبيب بن إساف أحد بني الحارث بن الخزرج بالسنح ويقول قائل كان منزله على خارجة بن زيد بن أبي زهير أخي بني الحارث ابن الخزرج
منزل علي بقباء وأقام علي بن أبي طالب عليه السلام بمكة ثلاث ليال وأيامها حتى أدى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم الودائع التي كانت عنده للناس حتى إذا فرغ منها لحق برسول الله صلى الله عليه وسلم فنزل معه على كلثوم بن هدم
من فضائل سهل بن حنيف فكان علي بن أبي طالب وإنما كانت إقامته بقباء ليلة أو ليلتين يقول كانت بقباء امرأة لا زوج لها مسلمة قال فرأيت إنسانا يأتيها من جوف الليل فيضرب عليها بابها فتخرج إليه فيعطيها شيئا فتأخذه قال فاستربت بشأنه فقلت لها يا أمة الله من هذا الرجل الذي يضرب عليك بابك كل ليلة فتخرجين إليه فيعطيك شيئا لا أدري ما هو وأنت امرأة(3/21)
ملسمة لا زوج لك قالت هذا سهل بن حنيف بن واهب قد عرف أني امرأة لا أحد لي فإذا أمسى عدا على أوثان قومه فكسرها ثم جاءني بها فقال احتطبي بهذا فكان علي رضي الله عنه يأثر ذلك من أمر سهل بن حنيف حتى هلك عنده بالعراق
قال ابن إسحاق وحدثني هذا من حديث علي رضي الله عنه هند بن سعد بن سهل بن حنيف رضي الله عنه
مسجد ئقباء قال ابن إسحاق فأقام رسول الله صلى الله عليه وسلم بقباء في بني عمرو بن عوف يو الاثنين ويوم الثلاثاء ويوم الاربعاء ويوم الخميس وأسس مسجده
خروج الرسول من قباء وذهابه إلى المدينة ثم أخرجه الله من بين أظهرهم يوم الجمعة وبنو عمرو بن عوف يزعمون أنه مكث فيهم أكثر من ذلك فالله أعلم أي ذلك كان فأدركت رسول الله صلى الله عليه وسلم الجمعة في بنو سالم بن عوف فصلاها في المسجد الذي في بطن الوادي وادي رانوناء فكانت اول جمعة صلاها بالمدينة
اعتراض القبائل له لينزل عندها فأتاه عتبان بن مالك وعباس ابن عبادة بن نضلة في رجال من بني سالم بن عوف فقالوا يا(3/22)
رسول الله أقم عندنا في العدد والعدة والمنعة قالوا خلوا سبيلها فإنها مأمورة لناقته فخلوا سبيلها فانطلقت حتى إذا وازنت دار بني بياضة تلقاه زياد بن الوليد وفروة بن عمرو في رجال من بني بياضة فقالوا يا رسول الله هلم إلينا إلى العدد والعدة والمنعة قال خلوا سبيلها فإنها مأمورة فخلوا سبيلها فانطلقت حتى إذا مرت بدار بني ساعدة اعترضه سعد بن عبادة والمنذر بن عمرو في رجال من بني ساعدة فقالوا يا رسول الله هلم إلينا إلى العدد والعدة والمنعة قال خلوا سبيلها فإنها مأمورة فخلوا سبيلها فانطلقت حتى وازنت دار بني الحارث بن الخزرج اعترضه سعد ابن الربيع وخارجة بن زيد وعبدالله بن رواحة في رجال من بني الحارث بن الخزرج فقالوا يا رسول الله هلم إلينا إلى العدد والعدة والمنعة قال خلوا سبيلها فإنها مأمورة فخلوا سبيلها فانطلقت حتى إذا مرت بدار بني عدي بن النجار وهو أخواله دنيا أم عبد المطلب سلمى بنت عمرو إحدى نسائهم اعترضه سليط بن قيس وأبو سليط أسيرة بن أبي خارجة في رجال من بني عدي بن النجار فقالوا يا رسول الله هلم إلى أخوالك إلى العدد والعدة والمنعة قال خلوا سبيلها فإنها مأمورة فخلوا سبيلها فانطلقت
مبرك الناقة حتى إذا أتت دار بني مالك بن النجار بركت على باب مسجده صلى الله عليه وسلم وهو يومئذ مربد لغلامين يتيمين من بني النجار ثم من بني مالك بن النجار وهما في حجر معاذ بن عفراء سهل وسهيل بن عمرو فلما بركت ورسول الله صلى الله عليه وسلم عليها لم ينزل وثبت فسارت غير بعيد ورسول الله صلى الله عليه وسلم واضع لها زمامها لا يثنيها به ثم التفتت إلى خلفها فرجعت إلى مبركها أول مرة(3/23)
فبركت فيه ثم تحلحلت ورزمت وألقت بجرانها فنزل عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم فاحتمل أبو أيوب خالد بن زيد رحله فوضعه في بيته ونزل عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم وسأل عن المربد لمن هو فقال له معاذ بن عفراء هو يا رسول الله سهل وسهيل ابني عمرو وهما يتيمان لي وسأرضيهما منه فاتخذه مسجدا بناء مسجد المدينة قال فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يبني مسجدا ونزل رسول الله صلى الله عليه وسلم على أبي أيوب حتى بنى مسجده ومساكنه فعمل فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم ليرغب المسلمين في العمل فيه فعمل فيه المهاجرون والأنصار ودأبوا فيه فقال قائل من المسلمين(3/24)
لئن قعدنا والنبي يعمل ... لذاك منا العمل المضلل ... وارتجز المسلمون وهو يبنونه يقولون ... لا عيش إلا عيش الآخره ... اللهم ارحم الأنصار والمهاجره.
قال ابن هشام هذا كلام وليس برجز
قال ابن إسحاق فيقول رسول الله صلى الله عليه وسلم لا عيش إلا عيش الاخرة اللهم ارحم المهاجرين والأنصار
عمار والفئة الباغية قال فدخل عمار بن ياسر وقد أثقلوه باللبن فقال يا رسول الله قتلوني يحملون علي ما لا يحملون قالت أم سلمة زوج النبي صلى الله عليه وسلم فرأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم ينفض وفرته بيده وكان رجلا جعدا وهو يقول ويح ابن سمية ليسوا بالذين يقتلونك إنما تقتلك الفئة الباغية
وارتجز علي بن أبي طالب رضي الله عنه يومئذ ... لا يستوي من يعمر المساجدا ... يدأب فيه قائما وقاعدا.
قال ابن هشام سألت غير واحد من أهل العلم بالشعر عن هذا الرجز فقالوا بلغنا أن علي بن أبي طالب ارتجز به فلا يدري أهو قائله أم غيره
قال ابن إسحاق فأخذها عمار بن ياسر فجعل يرتجز بها.
قال ابن هشام فلما أكثر ظن الرجل من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم(3/25)
أنه إنما يعرض به فيما حدثنا زياد بن عبدالله البكائي عن ابن إسحاق وقد سمى ابن إسحاق الرجل
قال ابن إسحاق فقال قد سمعت ما تقول منذ اليوم يا ابن سمية والله إني لأراني سأعرض هذه العصا لأنفك قال وفي يده عصا قال فغضب رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم قال ما لهم ولعمار يدعوهم إلى الجنة ويدعونه إلى النار إن عمارا جلدة ما بين عيني وأنفي فإذا بلغ ذلك من الرجل فلم يستبق فاجتنبوه.
قال ابن هشام وذكر سفيان بن عيينة عن زكريا عن الشعبي قال إن أول من بنى مسجدا عمار بن ياسر
الرسول ينزل في بيت أبي أيوب قال ابن إسحاق فأقام رسول الله صلى الله عليه وسلم في بيت أبي أيوب حتى بني له مسجده ومساكنه ثم انتقل إلى مساكنه من بيت أبي أيوب رحمة الله عليه ورضوانه(3/26)
من أدب أبي أيوب قال ابن إسحاق وحدثني يزيد بن أبي حبيب عن مرثد بن عبدالله اليزني عن أبي رهم السماعي قال حدثني أبو أيوب قال لما نزل علي رسول الله صلى الله عليه وسلم في بيتي نزل في السفل وإنا وأم أيوب في العلو فقلت له يا نبي الله بأبي أنت وأمي إني لأكره وأعظم أن أكون فوقك وتكون تحتي فأظهر أنت فكن في العلو وننزل نحن فنكون في السفل فقال يا أبا أيوب إن أرفق بنا وبمن يغشانا أن نكون في سفل البيت
قال فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفله وكنا فوقه في المسكن فقد انكسر حب لنا فيه ماء فقمت أنا وام أيوب بقطيفة لنا ما لنا لحاف غيرها نكشف بها الماء تخوفا أن يقطر على رسول الله صلى الله عليه وسلم منه شيء فيؤذيه
قال وكنا نصنع له العشاء ثم نبعث إليه فإذا رد علينا فضله تيممت أنا وأم أيوب موضع يده فأكلنا نبتغي بذلك البركة(3/27)
حتى بعثنا إليه ليلة بعشائه وقد جعلنا له بصلا أو ثوما فرده رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم أر ليده فيه اثرا
قال فجئته فزعا فقلت يا رسول الله بأبي أنت وأمي رددت عشاءك لم أر فيه موضع يدك وكنت إذا رددته علينا تيممت أنا وأم أيوب موضع يدك نبتغي بذلك البركة قال إني وجدت فيه ريح هذه الشجرة وأنا رجل اناجي فأما أنتم فكلوه فأكلناه ولم نصنع له تلك الشجرة بعد
تلاحق المهاجرين إلى المدينة قال ابن إسحاق وتلاحق المهاجرون إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم يبق بمكة منهم احد إلا مفتون أو محبوس ولم يوعب أهل هجرة مكة بأهليهم وأموالهم إلى الله تبارك وتعالى وإلى رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا أهل دور مسمون بنو مظعون من بني جمح وبنو جحش بن رئاب حلفاء بني أمية وبنو البكير من بني سعد بن ليث حلفاء بني عدي بن كعب فإن دورهم غلقت بمكة هجرة ليس فيها ساكن
أبو سفيان يعتدي على دار بني جحش ولما خرج بنو جحش بن رئاب من دارهم عدا عليها أبو سفيان بن حرب فباعها من عمرو بن علقمة أخي بني عامر بن لؤي فلما بلغ بني جحش ما صنع أبو سفيان بدارهم ذكر ذلك عبدالله بن جحش لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم ألا ترضى يا عبدالله أن يعطيك بها الله دارا خيرا منها في الجنة قال بلى قال فذلك لك(3/28)
فلما افتتح رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة كلمه أبو أحمد في دارهم فأبطأ عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال الناس لأبي أحمد يا أبا أحمد إن رسول الله صلى الله عليه وسلم يكره أن ترجعوا في شيء من أموالكم أصيب منكم في الله عز وجل فأمسك عن كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال لأبي سفيان ... أبلغ أبا سفيان عن ... أمر عواقبه ندامة
دار ابن عمك بعتها ... تقضي بها عنك الغرامة
وحليفكم بالله رب ... الناس مجتهد القسامة
اذهب بها اذهب بها ... طوقتها طوق الحمامة
من بقي على شركه من أهل المدينة قال ابن إسحاق فأقام رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمدينة إذ قدمها شهر ربيع الأول إلى صفر من السنة الداخلة حتى بني له فيها مسجده ومساكنه واستجمع له إسلام هذا الحي من الأنصار فلم يبق دار من دور الأنصار إلا أسلم أهلها إلا ما كان من خطمة وواقف ووائل وأمية وتلك أوس الله وهم حي من الأوس فإنهم أقاموا على شركهم(3/29)
خطب رسول الله صلى الله عليه وسلم وكانت أول خطبة خطبها رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما بلغني عن أبي سلمة بن عبدالرحمن نعوذ بالله أن نقول على رسول الله صلى الله عليه وسلم ما لم يقل أنه قام فيهم فحمد الله وأثنى عليه بما هو اهله ثم قال : أما بعد أيها الناس فقدموا لأنفسكم تعلمن والله ليصعقن أحدكم ثم ليدعن غنمه ليس لها راع ثم ليقولن له ربه وليس له ترجمان ولا حاجب يحجبه دونه ألم يأتك رسولي فبلغك وآتيتك مالا وأفضلت عليك فما قدمت لنفسك فلينظرن يمينا وشمالا فلا يرى شيئا ثم لينظرن قدامه فلا يرى غير جهنم فمن استطاع أن يقي وجهه من النار ولو بشق من تمرة فليفعل ومن لم يجد فبكلمة طيبة فإن بها تجزى الحسنة عشر أمثالها إلى سبع مئة ضعف والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
قال ابن إسحاق ثم خطب رسول الله صلى الله عليه وسلم الناس مرة أخرى فقال : إن الحمد لله أحمده وأستعينه نعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له إن أحسن الحديث كتاب الله تبارك وتعالى قد أفلح من زينه الله في قلبه وأدخله في الإسلام بعد الكفر واختاره على ما سواه من أحاديث الناس إنه أحسن الحديث وأبلغه أحبوا ما أحب الله أحبوا الله من كل قلوبكم ولا تملوا(3/30)
كلام الله وذكره ولا تقس عنه قلوبكم فإنه من كل ما يخلق الله يختار ويصطفي وقد سماه الله خيرته من الأعمال ومصطفاه من العباد والصالح من الحديث ومن كل ما اوتي الناس الحلال والحرام فاعبدوا الله ولا تشركوا به شيئا واتقوه حق تقاته وأصدقوا الله صالح ما تقولون بأفواهكم وتحابوا بروح الله بينكم إن الله يغضب أن ينكس عهده والسلام عليكم
الرسول يوادع اليهود وكتابه بين المسلمين قال ابن إسحاق وكتب رسول الله صلى الله عليه وسلم كتابا بين المهاجرين والأنصار وادع فيه يهود وعاهدهم وأقرهم على دينهم وأموالهم وشرط لهم واشترط عليهم
بسم الله الرحمن الرحيم هذا كتاب من محمد النبي صلى الله عليه وسلم بين(3/31)
المؤمنين والمسلمين من قريش ويثرب ومن تبعهم فلحق بهم وجاهد معهم إنهم أمة واحدة من دون الناس المهاجرون من قريش على ربعتهم يتعاقلون بينهم وهم يفدون عانيهم بالمعروف والقسط بين المؤمنين وبنو عوف على ربعتهم يتعاقلون معافلهم الأولى كل طائفة تفدى عانيها بالمعروف والقسط بين المؤمنين وبنو ساعدة على ربعتهم يتعاقلون معاقلهم الاولى وكل طائفة منهم تفدي عانيها بالمعروف والقسط بين المؤمنين وبنو الحارث على ربعتهم يتعاقلون معاقلهم الأولى وكل طائفة تفدي عانيها بالمعروف والقسط بين المؤمنين وبنو جشم على ربعتهم يتعاقلون معاقلهم الأولى وكل طائفة منهم تفدي عانيها بالمعروف والقسط بين المؤمنين وبنو النجار على ربعتهم يتعاقلون معاقلهم الأولى وكل طائفة منهم تفدي عانيها بالمعروف والقسط بين المؤمنين وبنو عمرو بن عوف على ربعتهم يتعاقلون معاقلهم الأولى وكل طائفة تفدي عانيها بالمعروف والقسط بين المؤمنين وبنو النبيت على ربعتهم يتعاقلون معاقلهم الأولى وكل طائفة تفدي عانيها بالمعروف والقسط بين المؤمنين وبنو الأوس على ربعتهم يتعاقلون معاقلهم الأولى وكل طائفة منهم تفدي عانيها بالمعروف(3/32)
والقسط بين المؤمنين وإن المؤمنين لا يتركون مفرحا بينهم ان يعطوه بالمعروف في فداء أو عقل.
قال ابن هشام المفرح المثقل بالدين والكثير العيال قال الشاعر ... إذا انت لم تبرح تؤدي أمانة ... وتحمل أخرى أفرحتك الودائع
وأن لا يحالف مؤمن مولى مؤمن دونه وإن المؤمنين المتقين على من بغى منهم أو ابتغى دسيعة ظلم أو إثم أو عدوان أو فساد بين المؤمنين وإن أيديهم عليه جميعا ولو كان ولد أحدهم ولا يقتل مؤمن مؤمنا في كافر ولا ينصر كافرا على مؤمن وإن ذمة الله واحدة يجير عليهم أدناهم وإن المؤمنين بعضهم موالي بعض دون الناس وإنه من تبعنا من يهود فإن له النصر والأسوة غير مظلومين ولا متناصرين عليهم وإن سلم المؤمنين واحدة لا يسالم مؤمن دون مؤمن في قتال في سبيل الله إلا على سواء وعدل بينهم وإن كل غازية غزت معنا يعقب بعضها بعضا وإن المؤمنين يبيء بعضهم على بعض بما نال دماءهم في سبيل الله وإن المؤمنين المتقين على أحسن هدي وأقومه وأنه لا يجير مشرك مالا لقريش ولا نفسا ولا يحول دونه على مؤمن وإنه من اعتبط مؤمنا قتلا عن بينة فإنه قود به إلا أن يرضى ولي المقتول وإن المؤمنين عليه كافة ولا يحل لهم إلا قيام عليه وإنه لا يحل لمؤمن أقر بما في هذه الصحيفة وآمن بالله واليوم الآخر أن ينصر محدثا ولا يؤويه وأنه من نصره أو آواه فإن عليه لعنة الله وغضبه يوم القيامة ولا يؤخذ منه صرف(3/33)
ولا عدل وإنكم مهما اختلفتم فيه من شيء فإن مرده إلى الله عز وجل وإلى محمد صلى الله عليه وسلم وإن اليهود ينفقون مع المؤمنين ما داموا محاربين وإن يهود بني عوف أمة مع المؤمنين لليهود دينهم وللمسلمين دينهم مواليهم وأنفسهم إلا من ظلم وأثم فإنه لا يوتغ إلا نفسه وأهل بيته وإن ليهود بني النجار مثل ما ليهود بني عوف وإن ليهود بني الحارث مثل ما ليهود بني عوف وإن ليهود بني ساعدة مثل ما ليهود بن عوف وإن ليهود بني جشم مثل ما ليهود بني عوف وإن ليهود بني الأوس مثل ما ليهود بني عوف وإن ليهود بني ثعلبة مثل ما ليهود بني عوف إلا من ظلم وأثم فإنه لا يوتغ إلا نفسه وأهل بيته وإن جفنة بطن من ثعلبة كأنفسهم وإن لبني الشطيبة مثل ما ليهود بني عوف وإن البر دون الإثم وإن موالي ثعلبة كأنفسهم وإن بطانة يهود كأنفسهم وإنه لا يخرج منهم أحد إلا بإذن محمد صلى الله عليه وسلم وإنه لا ينحجز على نار جرح وإنه من فتك فبنفسه فتك وأهل بيته إلا من ظلم وإن الله على أبر هذا وإن على اليهود نفقتهم وعلى المسلمين نفقتهم وإن بينهم النصر على من حارب أهل هذه الصحيفة وإن بينهم النصح والنصيحة والبر دون الإثم وإنه لم يأثم امرؤ بحليفه وإن النصر للمظلوم وإن اليهود ينفقون مع المؤمنين ما داموا محاربين وإن يثرب حرام جوفها لأهل هذه الصحيفة وإن الجار كالنفس غير مضار ولا آثم وإنه لا تجار حرمة إلا بإذن أهلها وإنه ما كان بين أهل هذه الصحيفة من حدث او اشتجار يخاف فساده فإن مرده إلى الله عز وجل(3/34)
وإلى محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم وإن الله على أتقى ما في هذه الصحيفة وأبره وإنه لا تجار قريش ولا من نصرها وإن بينهم النصر على من دهم يثرب وإذا دعوا إلى صلح يصالحونه ويلبسونه فإنهم يصالحونه ويلبسونه وإنهم إذا دعواإلى مثل ذلك فإنه لهم على المؤمنين إلا من حارب في الدين على كل أناس حصتهم في جانبهم الذي قبلهم وإن يهود الأوس مواليهم وأنفسهم على مثل ما لأهل هذه الصحيفة مع البر المحض من أهل هذه الصحيفة.
قال ابن هشام ويقال مع البر المحسن من أهل هذه الصحيفة
قال ابن إسحاق وإن البر دون الإثم لا يكسب كاسب إلا على نفسه وإن الله على أصدق ما في هذه الصحيفة وأبره وإنه لا يحول هذا الكتاب دون ظالم وآثم وإنه من خرج آمن ومن قعد آمن بالمدينة إلا من ظلم أو أثم وإن الله جار لمن بر واتقى ومحمد رسول الله صلى الله عليه وسلم(3/35)
$ المؤاخاة بين المهاجرين والأنصار
قال ابن إسحاق وآخى رسول الله صلى الله عليه وسلم بين أصحابه من المهاجرين والأنصار قال فيما بلغنا ونعوذ بالله أن نقول عليه ما لم يقل تآخوا في الله أخوين أخوين ثم أخذ بيد علي بن أبي طالب فقال هذا أخي فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم سيد المرسلين وإمام المتقين ورسول رب العالمين الذي ليس له خطير ولا نظير من العباد وعلي بن أبي طالب رضي الله عنه أخوين وكان حمزة بن عبدالمطلب أسد الله وأسد رسوله صلى الله عليه وسلم وعم رسول الله صلى الله عليه وسلم وزيد بن حارثة مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم أخوين وإليه أوصى حمزة يوم احد حين حضره القتال إن حدث به حادث الموت وجعفر بن أبي طالب ذو الجناحين الطيار في الجنة ومعاذ بن جبل أخو بني سلمة اخوين(3/36)
قال ابن هشام وكان جعفر بن أبي طالب يومئذ غائبا بأرض الحبشة
قال ابن إسحاق وكان أبو بكر الصديق رضي الله عنه ابن أبي قحافة وخارجة بن زهير أخو بلحارث بن الخزرج أخوين وعمر بن الخطاب رضي الله عنه وعتبان بن مالك أخو بني سالم ابن عوف بن عمرو بن عوف بن الخزرج أخوين وأبو عبيدة بن عبدالله بن الجراح واسمه عامر بن عبدالله وسعد بن معاذ بن النعمان أخو بني عبد الأشهل أخوين وعبدالرحمن بن عوف وسعد ابن الربيع أخو بلحارث بن الخزرج أخوين والزبير بن العوام وسلامة ابن سلامة بن وقش أخو بني عبدالأشهل أخوين ويقال بل الزبير وعبدالله بن مسعود حليف بني زهرة أخوين وعثمان بن عفان واوس بن ثابت بن المنذر أخو بني النجار أخوين وطلحة ابن عبيد الله وكعب بن مالك أخو بني سلمة أخوين وسعد بن زيد بن عمرو بن نفيل وأبي بن كعب أخو بني النجار أخوين ومصعب بن عمير بن هاشم وأبو أيوب خالد بن زيد أخو بني النجار أخوين وأبو حذيفة بن عتبة بن ربيعة وعباد بن بشر بن وقش أخو بني عبد الأشهل أخوين وعمار بن ياسر حليف بني مخزوم وحذيفة بن اليمان أخو بني عبد عبس حليف بني عبد الأشهل أخوين ويقال ثابت بن قيس بن الشماس أخو بلحارث ابن الخزرج خطيب رسول الله صلى الله عليه وسلم وعمار بن ياسر أخوين وأبو ذر وهو برير بن جنادة الغفاري والمنذر بن عمرو المعنق ليموت أخو بني ساعدة بن كعب بن الخزرج أخوين(3/37)
قال ابن هشام وسمعت غير واحد من العلماء يقول أبو ذر جندب بن جنادة
قال ابن إسحاق وكان حاطب بن أبي بلتعة حليف بني أسد ابن عبدالعزى وعويم بن ساعدة اخو بني عمرو بن عوف أخوين وسلمان الفارسي وأبو الدرداء عويمر بن ثعلبة أخو بلحارث بن الخزرج أخوين.
قال ابن هشام عويمر بن عامر ويقال عويمر بن زيد
قال ابن إسحاق وبلال مولى أبي بكر رضي الله عنهما مؤذن رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو رويحة عبدالله بن عبدالرحمن الخثعمي ثم احد الفزع أخوين فهؤلاء من سمي لنا ممن كان رسول الله صلى الله عليه وسلم آخى بينهم من أصحابه
فلما دون عمر بن الخطاب الدواوين بالشام وكان بلال قد خرج إلى الشام فأقام بها مجاهدا فقال عمر لبلال إلى من تجعل ديوانك يا بلال قال مع أبي رويحة لا أفارقه أبدا للأخوة التي كان رسول الله صلى الله عليه وسلم عقد بينه وبيني فضم إليه وضم ديوان الحبشة إلى(3/38)
خثعم لمكان بلال منهم فهو في خثعم إلى هذا اليوم بالشام
موت أبي أمامة قال ابن إسحاق وهلك في تلك الأشهر أبو أمامة أسعد بن زرارة والمسجد يبنى أخذته الذبحة أو الشهقة
قال ابن إسحاق وحدثني عبدالله بن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم عن يحيى بن عبدالله بن عبدالرحمن بن أسعد ابن زرارة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال بئس الميت أبو أمامة ليهود ومنافقي العرب يقولون لو كان نبيا لم يمت صاحبه ولا أملك لنفسي ولا أصحابي من الله شيئا
نقابته عليه السلام لبني النجار قال ابن إسحاق وحدثني عاصم بن عمر بن قتادة الأنصاري أنه لما مات أبو أمامة أسعد ابن زرارة اجتمعت بنو النجار إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان أبو أمامة نقيبهم فقالوا له يا رسول الله إن هذا قد كان منا حيث قد علمت فاجعل منا رجلا مكانه يقيم من أمرنا ما كان يقيم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لهم أنتم أخوالي وأنا بما فيكم وأنا نقيبكم وكره رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يخص بها بعضهم دون بعض فكان من فضل بني النجار الذي يعدون على قومهم أن كان رسول الله صلى الله عليه وسلم نقيبهم(3/39)
$ خبر الأذن
التفكير في اتخاذ علامة لحلول وقت الصلاة قال ابن إسحاق فلما اطمأن رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمدينة واجتمع إليه إخوانه من المهاجرين واجتمع أمر الأنصار استحكم أمير الإسلام فقامت الصلاة وفرضت الزكاة والصيام وقامت الحدود وفرض الحلال والحرام وتبوأ الإسلام بين أظهرهم وكان هذا الحي من الأنصار هم الذين تبوءوا الدار والإيمان وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم حين قدمها إنما يجتمع الناس إليه للصلاة لحين مواقيتها بغير دعوة فهم رسول الله صلى الله عليه وسلم حين قدمها أن يجعل بوقا كبوق يهود الذين يدعون به لصلاتهم ثم كرهه ثم أمر بالناقوس فنحت ليضرب به للمسلمين للصلاة
رؤيا عبدالله بن زيد الأذن فبينما هم على ذلك إذ رأى عبدالله بن زيد بن ثعلبة بن عبدربه أخو بلحارث بن الخزرج(3/40)
النداء فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال له يا رسول الله إنه طاف بي هذه الليلة طائف مر بي رجل عليه ثوبان أخضران يحمل ناقوسا في يده فقلت له يا عبد الله أتبيع هذا الناقوس قال وما تصنع به قال قلت ندعو به إلى الصلاة قال أفلا أدلك على خير من ذلك قال قلت وما هو قال تقول الله أكبر الله أكبر الله أكبر الله أكبر أشهد أن لا إله إلا الله أشهد أن لا إله إلا الله أشهد أن محمد رسول الله أشهد أن محمد رسول الله حي على الصلاة حي على الصلاة حي على الفلاح حي على الفاح الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله
أمره بلالا بالأذان فلما أحبر بها رسول الله صلى الله عليه وسلم قال إنها لرؤيا حق إن شاء الله فقم مع بلال فألقها عليه فليؤذن بها فإنه أندى صوتا منك فلما أذن بها بلال سمعها عمر بن الخطاب وهو في بيته فخرج إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يجر رداءه وهو يقول يا نبي الله والذي بعثك بالحق لقد رأيت مثل الذي رأى فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم فلله الحمد على ذلك
رؤيا عمر في الأذان قال ابن إسحاق حدثني بهذا الحديث محمد بن إبراهيم بن الحارث عن محمد بن عبدالله بن زيد بن ثعلبة بن عبدربه عن أبيه(3/41)
قال ابن هشام وذكر ابن جريج قال لي عطاء سمعت عبيد ابن عمير الليثي يقول ائتمر النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه بالناقوس للاجتماع للصلاة فبينما عمر بن الخطاب في المنام لا تجعلوا الناقوس بل أذنوا للصلاة فذهب عمر إلى النبي صلى الله عليه وسلم ليخبره بالذي رأى وقد جاء النبي صلى الله عليه وسلم الوحي بذلك فما راع عمر إلا بلال يؤذن فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم حين أخبره بذلك قد سبقك بذلك الوحي
ما كان يدعو به بلال قبل الفجر قال ابن إسحاق وحدثني محمد بن جعفر بن الزبير عن عروة بن الزبير عن امرأة من بني النجار قالت كان بيتي من أطول بيت حول المسجد فكان بلال يؤذن عليه الفجر كل غداة فيأتي بسحر فيجلس على البيت ينتظر الفجر فإذا رآه تمطى ثم قال اللهم إني أحمدك وأستعينك على قريش أن يقيموا على دينك قالت والله ما علمته كان يتركها ليلة واحدة(3/42)
$ أمر أبي قيس بن أبي أنس
قال ابن إسحاق فلما اطمأنت برسول الله صلى الله عليه وسلم داره وأظهر الله بها دينه وسره بما جمع إليه من المهاجرين والأنصار من أهل ولايته قال أبو قيس صرمة بن أبي أنس أخو بني عدي بن النجار.
قال ابن هشام أبو قيس صرمة بن أبي أنس بن صرمة بن مالك ابن عدي بن عامر بن غنم بن عدي بن النجار
قال ابن إسحاق وكان رجلا قد ترهب في الجاهلية ولبس المسوح وفارق الأوثان واغتسل من الجنابة وتطهر من الحائض من النساء وهه بالنصرانية ثم أمسك عنها ودخل بيتا له فاتخذه مسجدا لا تدخله عليه فيه طامث ألا جنب وقال أعبد رب إبراهيم حين فارق الأوثان وكرهها حتى قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة فأسلم وحسن إسلامه وهو شيخ كبير وكان قوالا بالحق معظما لله عز وجل في جاهليته يقول أشعارا في ذلك حسانا وهو الذي يقول ... يقول أبو قيس وأصبح غاديا ... ألا ما استطعتم من وصاتي فافعلوا
فأوحيكم بالله والبر والتقى ... وأعراضكم والبر بالله أول
وإن قومكم سادوا فلا تحسدنهم ... وإن كنتم أهل الرياسة فاعدلوا
وإن نزلت إحدى الدواهي بقومكم ... فأنفسكم دون العشيرة فاجعلوا
وإن ناب غرم فادح فارفقوهم ... وما حملوكم في الملمات فاحملوا
وإن أنتم أمعرتم فتعففوا ... وإن كان فضل الخير فيكم فأفضلوا(3/43)
قال ابن هشام ويروى ... وإن ناب أمر فادح فارفدوهم
قال ابن إسحاق وقال أبو قيس صرمة أيضا ... سبحوا لله شرق كل صباح ... طلعت شمسه وكل هلال
عالم السر والبيان لدينا ... ليس ما قال ربنا بضلال
وله الطير تستريد وتأوي ... في وكور من آمنات الجبال
وله الوحش بالفلاة تراها ... في حقاف وفي ظلال الرمال
وله هودت يهود ودانت ... كل دين إذا ذكرت عضال
وله شمس النصارى وقاموا ... كل عيد لربهم واحتفال
وله الراهب الحبيس تراه ... رهن بؤس وكان ناعم بال
يا بني الأرحام لا تقطعوها ... وصلوها قصيرة من طوال
واتقوا الله في ضعاف اليتامى ... ربما يستحل غير الحلال
واعلموا أن لليتيم وليا ... عالما يهتدي بغير السؤال
ثم مال اليتيم لا تأكلوه إن مال اليتيم يرعاه والي
يا بني التخوم لا تخزلوها ... إن خزل التخوم ذو عقال
يا بني الأيام لا تأمنوها ... واحذروا مكرها ومر الليالي
واعلموا ان مرها لنفاد ال ... خلق ما كان من جديد وبالي
واجمعوا امركم على البر والتق ... وى وترك الخنا وأخذ الحلال(3/44)
وقال أبو قيس صرمة أيضا يذكر ما أكرمهم الله تبارك وتعالى به من الإسلام وما خصهم الله به من نزول رسوله صلى الله عليه وسلم عليهم ... ثوى في قريش بضع عشرة حجة ... يذكر لو يلقى صديقا مواتيا
ويعرض في أهل المواسم نفسه ... فلم ير من يؤوي ولم ير داعيا
فلما أتانا أظهر الله دينه ... فأصبح مسرورا بطيبة راضيا
وألفي صديقا واطمأنت به النوى ... وكان له عونا من الله باديا
يقص لنا ما قال نوح لقومه ... وما قال موسى إذ أجاب المناديا
فأصبح لا يخشى من الناس واحدا ... قريبا ولا يخشى من الناس نائبا
بذلنا له الأموال من حل مالنا ... وأنفسنا عند الوغى والتآسيا
ونعلم أن الله لا شيء غيره ... ونعلم أن الله أفضل هاديا
نعادي الذي عادى من الناس كلهم ... جميعا وإن كان الحبيب المصافيا
أقول إذا أدعوك في كل بيعة ... تباركت قد أكثرت لاسمك داعيا
أقول إذا جاوزت أرضا مخوفة ... حنانيك لا تظهر علي الأعاديا
فطأ معرضا إن الحتوف كثيرة ... وإنك لا تبقي لنفسك باقيا
فوالله ما يدري الفتى كيف يتقي ... إذا هو لم يجعل له الله واقيا
ولا تحفل النخل المعيمة ربها ... إذا أصبحت ريا وأصبح ثاويا.
قال ابن هشام البيت الذي أوله ... فطأ معرضا إن الحتوف كثيرة
والبيت الذي يليه ... فوالله ما يدري الفتى كيف يتقي
لأفنون التغلبي وهو صريم بن معشر في أبيات له(3/45)
$ عداوة اليهود
قبائلهم وأسماؤهم قال ابن إسحاق ونصبت عند ذلك أحبار يهود لرسول الله صلى الله عليه وسلم العداوة بغيا وحسدا وضغنا لما خص الله تعالى به العرب من اخذه رسوله منهم وأنضاف إليهم رجال من الأوس والخزرج ممن كان عسى على جاهليته فكانوا أهل نفاق على دين آبائهم من الشرك والتكذيب بالبعث إلا أن الإسلام قهرهم بظهوره واجتماع قومهم عليه فظهروا بالإسلام واتخذوه جنة من القتل وتافقوا في السر وكا هواهم مع يهود لتكذيبهم النبي صلى الله عليه وسلم وجحودهم الإسلام وكانت احبار يهود هم الذين يسألون رسول الله صلى الله عليه وسلم ويتعنتونه ويأتونه باللبس ليلبسوا الحق بالباطل فكان القرآن ينزل فيهم فيما يسألون عنه إلا قليلا من المسائل في الحلال والحرام كان المسلمون يسألون عنها
من بني النضير حيي بن أخطب وأخواه أبو ياسر بن اخطب وجدي بن أخطب وسلام بن مشكم وكنانة بن الربيع بن أبي الحقيق وسلام بن أبي الحقيق وأبو رافع الأعور وهو الذي قتله أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم بخيبر والربيع بن الربيع بن أبي الحقيق وعمرو بن جحاش وكعب بن الأشرف وهو من طيئ ثم أحد بني نبهان وأمه من بني النضير والحجاج بن عمرو حليف كعب ابن الأشرف وكردم بن قيس حليف كعب بن الأشرف فهؤلاء من بني النضير(3/46)
ومن بني ثعلبة بن الفطيون عبدالله بن صوريا الأعور ولم يكن بالحجاز في زمانه أحد أعلم بالتوراة منه وابن صلوبا ومخيريق وكان حبرهم أسلم
ومن بني قينقاع زيد بن اللصيت ويقال ابن اللصيت فيما قال ابن هشام وسعد بن حنيف ومحمود بن سيحان وعزيز ابن أبي عزيز وعبدالله بن صيف.
قال ابن هشام ويقال ابن ضيف
قال ابن إسحاق وسويد بن الحارث ورفاعة بن قيس وفنحاص وأشيع ونعمان بن آضا وبحري بن عمرو وشأس بن عدي وشأس ابن قيس وزيد بن الحارث ونعمان بن عمرو وسكين بن أبي سكين وعدي بن زيد ونعمان بن أبي اوفى أبو أنس ومحمود بن دحية ومالك بن صيف.
قال ابن هشام ويقال ابن ضيف
قال ابن إسحاق وكعب بن راشد وعازر ورافع بن أبي رافع وخالد وأزار بن أبي أزار.
قال ابن هشام ويقال آزر بن آزر
قال ابن إسحاق ورافع بن حارثة ورافع بن حريملة ورافع(3/47)
ابن خارجة ومالك بن عوف ورفاعة بن زيد بن التابوت وعبدالله ابن سلام بن الحارث وكان حبرهم وأعلمهم وكان اسمه الحصين فلما أسلم سماه رسول الله صلى الله عليه وسلم عبدالله فهؤلاء من بني قينقاع
ومن بني قريظة الزبير بن باطا بن وهب وعزال بن شمويل وكعب بن اسد وهو صاحب عقد بني قريظة الذي نقض عام الأحزاب وشمويل بن زيد وجبل بن عمرو بن سكينة والنحام بن زيد وقردم ابن كعب ووهب بن زيد ونافع بن أبي نافع وأبو نافع عدي ابن زيد والحارث بن عوف وكردم بن زيد وأسامة بن حبيب ورافع بن رميلة وجبل بن أبي قشير ووهب بن يهوذا فهؤلاء من بني قريظة
ومن يهود بني زريق لبيد بن أعصم وهو الذي أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم عن نسائه(3/48)
ومن يهود بن حارثة كنانة بن صوريا
ومن يهود بني عمرو بن عوف قردم بن عمرو
ومن يهود بني النجار سلسلة بن برهام
فهؤلاء احبار اليهود أهل الشرور والعداوة لرسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه وأصحاب المسألة والنصب لأمر الاسلام الشرور ليطفئوه إلا ما كان من عبدالله بن سلام ومخيريق
إسلام عبدالله بن سلام
قال ابن إسحاق وكان من حديث عبدالله بن سلام كما حدثني بعض أهله عنه وعن إسلامه حين اسلم وكان حبرا عالما قال لما سمعت برسول الله صلى الله عليه وسلم عرفت صفته واسمه وزمانه الذي كنا نتوكف له فكنت مسرا لذلك صامتا عليه حتى قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة فلما نزل بقباء في بني عمرو بن عوف أقبل رجل حتى أخبر بقدومه وأنا في رأس نخلة لي أعمل فيها وعمتي خالدة(3/49)
ابنة الحارث تحتي جالسة فلما سمعت الخبر بقدوم رسول الله صلى الله عليه وسلم كبرت فقالت لي عمتي حين سمعت تكبيري خيبك الله والله لو كنت سمعت بموسى بن عمران قادما ما زدت قال فقلت لها أي عمة هو والله أخو موسى بن عمران وعلى دينه بعث بما بعث به فقالت أي ابن اخي أهو النبي الذي كنا نخبر انه يبعث مع نفس الساعة قال فقلت لها نعم قال فقالت فذاك إذا قال ثم خرجت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأسلمت ثم رجعت إلى اهل بيتي فأمرتهم فأسلموا
تكذيب قومه له قال وكتمت إسلامي من يهود ثم جئت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت له يا رسول الله إن يهود قوم بهت وإني أحب أن تدخلني في بعض بيوتك وتغيبني عنهم ثم تسألهم عني حتى يخبروك كيف أنا فيهم قبل ان يعلموا بإسلامي فإنهم إن علموا به بهتوني وعابوني
قال فأدخلني رسول الله صلى الله عليه وسلم في بعض بيوته ودخلوا عليه فكلموه وساءلوه ثم قال لهم أي رجل الحصين بن سلام فيكم قالوا سيدنا وابن سيدنا وحبرنا وعالمنا قال فلما فرغوا من قولهم خرجت عليهم فقلت لهم يا معشر يهود اتقوا الله واقبلوا ما جاءكم به فوالله إنكم لتعلمون إنه لرسول الله تجدونه مكتوبا عندكم في(3/50)
التوراة باسمه وصفته فإني أشهد أنه رسول الله صلى الله عليه وسلم وأومن به وأصدقه وأعرفه فقالوا كذبت ثم واقعوا بي
قال فقلت يا لرسول الله صلى الله عليه وسلم ألم أخبرك يا رسول الله أنهم قوم بهت أهل غدر وكذب وفجور قال فأظهرت إسلامي وإسلام أهل بيتي وأسلمت عمتي خالدة بنت الحارث فحسن إسلامها
من حديث مخيريق قال ابن إسحاق وكان من حديث مخيريق وكان حبرا عالما وكان رجلا غنيا كثير الاموال من النخل وكان يعرف رسول الله صلى الله عليه وسلم بصفته وما يجد في علمه وغلب عليه إلف دينه فلم يزل على ذلك حتى إذا كان يوم احد وكان يوم أحد يوم السبت قال يا معسر يهود والله إنكم لتعلمون أن نصر محمد عليكم لحق قالوا إن اليوم يوم السبت قال لا سبت لكم ثم اخذ سلاحه فخرج حتى أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم بأحد وعهد إليه من وراءه من قومه إن قتلت هذا اليوم فأموالي لمحمد صلى الله عليه وسلم يصنع فيها ما أراه الله فلما اقتتل الناس قاتل حتى قتل فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما بلغني يقول مخيريق خير يهود وقبض(3/51)
رسول الله صلى الله عليه وسلم أمواله فعامة صدقات رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمدينة منها
حديث صفية بنت حيي قال ابن إسحاق وحدثني عبدالله ابن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم قال حدثت عن صفية بنت حيي بن أخطب أنها قالت كنت أحب ولد أبي إليه وإلى عمي أبي ياسر لم ألقهما قط مع ولد لهما إلا أخذاني دونه قالت فلما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة ونزل قباء في بني عمرو بن عوف غدا عليه أبي حيي بن أخطب وعمي أبو ياسر بن أخطب مغلسين قالت فلم يرجعا حتى كانا مع غروب الشمس قالت فأتيا كالين كسلانين ساقطين يمشيان الهوينى قالت فهششت إليهما كما كنت أصنع فوالله ما التفت إلي واحد منهما مع ما بهما من الغم قالت وسمعت عمي أبا ياسر وهو يقول لأبي حيي بن أخطب أهو هو قال نعم والله قال أتعرفه وتثبته قال نعم قال فما في نفسك منه قال عداوته والله ما بقيت
المنافقون بالمدينة قال ابن إسحاق وكان ممن انضاف إلى يهود ممن سمي لنا من المنافقين من الاوس والخزرج والله أعلم من الأوس ثم من بني عمرو بن عوف بن مالك بن الأوس ثم من بني بواذن بن عمرو بن عوف زوي بن الحارث
ومن بني حبيب بن عمرو بن عوف جلاس بن سويد بن الصامت وأخوه الحارث بن سويد
وجلاس الذي قال وكان ممن تخلف عن رسول الله صلى الله عليه وسلم(3/52)
في غزوة تبوك لئن كان هذا الرجل صادقا لنحن شر من الحمر فرفع ذلك من قوله إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم عمير بن سعد أحدهم وكان في حجر جلاس خلف جلاس على امه بعد أبيه فقال له عمير بن سعد والله يا جلاس إنك لأحب الناس إلي وأحسنهم عندي يدا وأعزهم علي أن يصيبه شيء يكرهه ولقد قلت مقالة لئن رفعتها عليك لأفضحنك ولئن صمت عليها ليهلكن ديني ولإحداهما أيسر علي من الأخرى ثم مشى الى رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكر له ما قال جلاس فحلف جلاس بالله لرسول الله صلى الله عليه وسلم لقد كذب علي عمير وما قلت ما قال عمير بن سعد فأنزل الله عز وجل فيه {يحلفون بالله ما قالوا ولقد قالوا كلمة الكفر وكفروا بعد إسلامهم وهموا بما لم ينالوا وما نقموا إلا أن أغناهم الله ورسوله من فضله فإن يتوبوا يك خيرا لهم وإن يتولوا يعذبهم الله عذابا أليما في الدنيا والآخرة وما لهم في الأرض من ولي ولا نصير}.
قال ابن هشام الأليم الموجع قال ذو الرمة يصف إبلا ... وترفع من صدور شمردلات ... يصك وجوهها وهج أليم
وهذا البيت في قصيدة له
قال ابن إسحاق فزعموا أنه تاب فحسنت توبته حتى عرف منه الخير والإسلام
وأخوه الحارث بن سويد الذي قتل المجذر بن زياد البلوي وقيس ابن زيد أحد بني ضبيعة يوم أحد خرج مع المسلمين وكان منافقا فلما التقى الناس عدا عليهما فقتلهما ثم لحق بقريش(3/53)
قال ابن هشام وكان المجذر بن زياد قتل سويد بن صامت في بعض الحروب التي كانت بين الأوس والخزرج فلما كان يوم أحد طلب الحارث بن سويد غرة المجذر بن زياد ليقتله بأبيه فقتله وحده وسمعت غير واحد من أهل العلم يقول والدليل على أنه لم يقتل قيس بن زيد أن ابن إسحاق لم يذكره في قتلى أحد
قال ابن إسحاق قتل سويد بن صامت معاذ بن عفراء غيلة في غير حرب رماه بسهم فقتله قبل يوم بعاث
قال ابن إسحاق وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما يذكرون قد أمر عمر بن الخطاب بقتله إن هو ظفر به ففاته فكان بمكة ثم بعث إلى أخيه جلاس يطلب التوبة ليرجع إلى قومه فأنزل الله تبارك وتعالى فيه فيما بلغني عن ابن عباس {كيف يهدي الله قوما كفروا بعد إيمانهم وشهدوا أن الرسول حق وجاءهم البينات والله لا يهدي القوم الظالمين} إلى آخر القصة
ومن بني ضبيعة بن زيد بن مالك بن عوف بن عمرو بن عوف بجاد بن عثمان بن عامر(3/54)
ومن بني لوذان بن عمرو بن عوف نبتل بن الحارث وهو الذي قال له رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما بلغني من أحب أن ينظر إلى الشيطان فلينظر إلى نبتل بن الحارث وكان رجلا جسيما أذلم ثائر شعر الرأس أحمر العينين أسفع الخدين وكان يأتي رسول الله صلى الله عليه وسلم يتحدث إليه فيسمع منه ثم ينقل حديثه إلى المنافقين وهو الذي قال إنما محمد أذن من حدثه شيئا صدقه فأنزل الله عز وجل فيه {ومنهم الذين يؤذون النبي ويقولون هو أذن قل أذن خير لكم يؤمن بالله ويؤمن للمؤمنين ورحمة للذين آمنوا منكم والذين يؤذون رسول الله لهم عذاب أليم}.
قال ابن إسحاق وحدثني بعض رجال بلعجلان أنه حدث أن جبريل عليه السلام أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال له إنه يجلس إليك رجل أذلم ثائر شعر الرأس أسفع الخدين أحمر العينين كأنهما قدران من صفر كبده أغلظ من كبد الحمار ينقل حديثك إلى المنافقين فاحذره وكانت تلك صفة نبتل بن الحارث فيما يذكرون
ومن بني ضبيعة أبو حبيبة بن الأزعر وكان ممن بنى مسجد الضرار وثعلبة بن حاطب ومعتب بن قشير وهما اللذان عاهدا الله لئن آتانا من فضله لنصدقن ولنكونن من الصالحين إلخ القصة ومعتب الذي قال يوم أحد لو كان لنا من الأمر شيء ما قتلنا هاهنا فأنزل الله تعالى في ذلك من قوله {وطائفة قد أهمتهم أنفسهم يظنون بالله غير الحق ظن الجاهلية يقولون هل لنا من الأمر من شيء} {ما قتلنا ها هنا} إلى آخر القصة وهو الذي قال يوم الأحزاب كان محمد يعدنا أن نأكل كنوز كسرى وقيصر وأحدنا لا يأمن(3/55)
أن يذهب إلى الغائط فأنزل الله تعالى عز وجل فيه {وإذ يقول المنافقون والذين في قلوبهم مرض ما وعدنا الله ورسوله إلا غرورا} والحارث ابن حاطب.
قال ابن هشام معتب بن قشير وثعلبة والحارث ابنا حاطب وهم من بني أمية بن زيد من أهل بدر وليسوا من المنافقين فيما ذكر لي من أثق به من أهل العلم وقد نسب ابن إسحاق ثعلبة والحارث في بني أمية بن زيد في أسماء أهل بدر
قال ابن إسحاق وعباد بن حنيف أخو سهل بن حنيف وبحزج وهم ممن كان بنى مسجد الضرار وعمرو بن خذام وعبدالله بن نبتل
ومن بني ثعلبة بن عمرو بن عوف جارية بن عامر بن العطاف وابناه زيد ومجمع ابنا جارية وهم ممن اتخذ مسجد الضرار وكان مجمع غلاما حدثا قد جمع بن من القرآن أكثره وكان يصلي بهم فيه ثم إنه لما أخرب المسجد وذهب رجال من بني عمرو ابن عوف كانوا يصلون ببني عمرو بن عوف في مسجدهم وكان زمان عمر بن الخطاب كلم في مجمع ليصلي بهم فقال لا أو ليس بإمام المنافقين في مسجد الضرار فقال لعمر يا أمير المؤمنين والله الذي لا إله إلا هو ما علمت بشيء من أمرهم ولكني كنت غلاما قارئا للقرآن وكانوا لا قرآن معهم فقدموني أصلي بهم وما أرى أمرهم إلا على أحسن ما ذكروا فزعموا ان عمر تركه فصلى بقومه
ومن بني امية بن زيد بن مالك وديعة بن ثابت وهوممن بنى مسجد الضرار وهو الذي قال إنما كنا نخوض ونلعب فأنزل الله تبارك وتعالى {ولئن سألتهم ليقولن إنما كنا نخوض ونلعب قل أبالله وآياته ورسوله كنتم تستهزؤون} إلى آخر القصة(3/56)
ومن بني عبيد بن مالك خذام بن خالد وهو الذي أخرج مسجد الضرار من داره وبشر ورافع ابنا زيد
ومن بني النبيت قال ابن هشام النبيت عمرو بن مالك ابن الأوس قال ابن إسحاق ثم من بني حارثة بن الحارث بن الخزرج بن عمرو بن مالك بن الأوس مربع بن قيظي وهو الذي قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم حين أجاز في حائطه ورسول الله صلى الله عليه وسلم عامد إلى أحد لا أحل لك يا محمد إن كنت نبيا أن تمر في حائطي وأخذ في يده حفنة من تراب ثم قال والله لو أعلم أني لا أصيب بهذا التراب غيرك لرميتك به فابتدره القوم ليقتلوه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم دعوه فهذا الاعمى اعمى القلب أعمى البصيرة فضربه سعد بن زيد أخو بني عبد الأشهل بالقوس فشجه وأخوه أوس بن قيظي وهو الذي قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الخندق يا رسول الله إن بيوتنا عورة فأذن لنا فلنرجع إليها فأنزل الله تعالى فيه {يقولون إن بيوتنا عورة وما هي بعورة إن يريدون إلا فرارا}.
قال ابن هشام عورة أي معورة للعدو وضائعة وجمعها عورات قال النابغة الذبياني ... متى تلقهم لا تلق للبيت عورة ... ولا الجار محروما ولا الأمر ضائعا
وهذا البيت في أبيات له والعورة أيضا عورة الرجل وهي حرمته والعورة أيضا السوءة
قال ابن إسحاق ومن بني ظفر واسم ظفر كعب بن الحارث(3/57)
ابن الخزرج حاطب بن أمية بن رافع وكان شيخا جسيما قد عسا في جاهليته وكان له ابن من خيار المسلمين يقال له يزيد ابن حاطب أصيب يوم أحد حتى أثبتته الجراحات فحمل إلى دار بني ظفر
قال ابن إسحاق فحدثني عاصم بن عمر بن قتادة أنه اجتمع إليه من بها من رجال المسلمين ونسائهم وهو بالموت فجعلوا يقولون أبشر يابن حاطب بالجنة قال فنجم نفاقه حينئذ فجعل يقول أبوه أجل جنة الله من حرمل غررتم والله هذا المسكين من نفسه
قال ابن إسحاق وبشير بن أبيرق وهو أبو طعمة سارق الدرعين الذي أنزل الله تعالى فيه {ولا تجادل عن الذين يختانون أنفسهم إن الله لا يحب من كان خوانا أثيما} وقزمان حليف لهم
قال ابن إسحاق فحدثني عاصم بن عمر بن قتادة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقول إنه لمن أهل النار فلما كان يوم أحد قاتل قتالا شديدا حتى قتل بضعة نفر من المشركين فأثبتته الجراحات فحمل إلى دار بني ظفر فقال له رجال من المسلمين أبشر يا قزمان فقد أبليت اليوم وقد أصابك ما ترى في الله قال بماذا أبشر فوالله ما قاتلت إلا حمية عن قومي فلما اشتدت به جراحاته وآذته أخذ سهما من كنانته فقطع به رواهش يده فقتل نفسه
قال ابن إسحاق ولم يكن في بني عبدالأشهل منافق ولا منافقة يعلم إلا ان الضحاك بن ثابت أحد بني كعب رهط سعد بن(3/58)
زيد وقد كان يتهم بالنفاق وحب يهود قال حسان بن ثابت ... من مبلغ الضحاك أن عروقه ... أعيت على الإسلام أن تتمجدا
أتحب يهدان الحجاز ودينهم ... كبدالحمار ولا تحب محمدا
دينا لعمري لا يوافق دينا ... ما استن آل في الفضاء وخودا
وكان جلاس بن سويد بن صامت قبل توبته فيما بلغني ومعتب بن قشير ورافع بن زيد وبشر وكانوا يدعون بالإسلام فدعاهم رجال من المسلمين في خصومة كانت بينهم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فدعوهم إلى الكهان حكام أهل الجاهلية فأنزل الله عز وجل فيهم {ألم تر إلى الذين يزعمون أنهم آمنوا بما أنزل إليك وما أنزل من قبلك يريدون أن يتحاكموا إلى الطاغوت وقد أمروا أن يكفروا به ويريد الشيطان أن يضلهم ضلالا بعيدا} إى آخر القصة
ومن الخزرج ثم من بني النجار رافع بن وديعة وزيد بن عمرو وعمرو بن قيس وقيس بن عمرو بن سهل
ومن بني جشم بن الخزرج ثم من بني سلمة الجد بن قيس وهو الذي يقول يا محمد ائذن لي ولا تفتني فأنزل الله تعالى فيهم {ومنهم من يقول ائذن لي ولا تفتني ألا في الفتنة سقطوا وإن جهنم لمحيطة بالكافرين} إلى آخر القصة
ومن بني عوف بن الخزرج عبدالله بن أبي ابن سلول وكان رأس المنافقين وإليه يجتمعون وهو الذي قال لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الأعز منها الأذل في غزوة بني المصطلق وفي قوله ذلك نزلت سورة المنافقين بأسرها وفيه وفي وديعة رجل من بني عوف ومالك بن أبي قوقل وسويد وداعس وهم من رهط عبدالله بن أبي ابن سلول وعبدالله بن أبي ابن سلول فهؤلاء(3/59)
النفر من قومه الذين كانوا يدسون إلى بني النضير حين حاصرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم أن اثبتوا فوالله لئن أخرجتم لنخرجن معكم ولا نطيع فيكم أحدا أبدا وإن قوتلتم للنصرنكم فأنزل الله تعالى فيهم {ألم تر إلى الذين نافقوا يقولون لإخوانهم الذين كفروا من أهل الكتاب لئن أخرجتم لنخرجن معكم ولا نطيع فيكم أحدا أبدا وإن قوتلتم لننصرنكم والله يشهد إنهم لكاذبون} ثم القصة من السورة حتى انتهى إلى قوله {كمثل الشيطان إذ قال للإنسان اكفر فلما كفر قال إني بريء منك إني أخاف الله رب العالمين}.
المنافقون من احبار اليهود قال ابن إسحاق وكان ممن تعوذ بالإسلام ودخل فيه مع المسلمين وأظهره وهو منافق من أحبار يهود
ومن بني بني قينقاع سعد بن حنيف وزيد بن اللصيت ونعمان بن أوفى بن عمرو وعثمان بن اوفى وزيد بن اللصيت الذي قاتل عمر ابن الخطاب رضي الله عنه يسوق بني قينقاع وهو الذ قال حين ضلت ناقة رسول الله صلى الله عليه وسلم يزعم محمد أنه يأتيه خبر السماء وهو لا يدري أين ناقته فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم وجاءه الخبر بما قال عدو الله في رحله ودل الله تبارك وتعالى رسوله صلى الله عليه وسلم على ناقته إن قائلا قال يزعم محمد انه يأتيه خبر السماء ولا يدري أين ناقته وإني والله ما اعلم إلا علمني الله وقد دلني الله عليها فهي في هذا الشعب قد حبستها شجرة بزمامها فذهب رجال من المسلمين فوجدوها حيث قال رسول الله صلى الله عليه وسلم وكما وصف ورافع ابن حريملة وهو الذي قال له الرسول صلى الله عليه وسلم فيما بلغنا(3/60)
حين مات قد مات اليوم عظيم من عظماء المنافقين ورفاعة بن زيد بن التابوت قال له رسول الله صلى الله عليه وسلم حين هبت عليه الريح وهو الذي قافل من غزوة بني المصطلق فاشتدت عليه حتى أشفق المسلمون منها فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم لا تخافوا فإنما هبت لموت عظيم من عظماء الكفار فلما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة وجد رفاعة بن زيد بن التابوت مات ذلك اليوم الذي هبت فيه الريح وسلسلة بن برهام وكنانة بن صوريا
طرد المنافقين من المسجد وكان هؤلاء المنافقون يحضرون المسجد فيستمعون أحاديث المسلمين ويسخرون ويستهزؤن بدينهم فاجتمع يوما في المسجد منهم ناس فرآهم رسول الله صلى الله عليه وسلم يتحدثون بينهم خافضي أصواتهم قد لصق بعضهم ببعض فأمر بهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخرجوا من المسجد إخراجا عنيفا فقام أبو أيوب خاد بن زيدبن كليب إلى عمر بنقيس أحد بني غنم بن مالك بن النجار كان صاحب آلهتهم في الجاهلية فأخذ برجله فسحبه حتى اخرجه من المسجد وهو يقول أتخرجني يا أبا أيوب من مربد بني ثعلبة ثم أقبل أبو أيوب أيضا إلى رافع بن وديعة أحد بني النجار فلببه بردائه ثم نثره نثرا شديدا ولطم وجهه ثم أخرجه من المسجد وأبو أيوب يقول أف لك منافقا خبيثا أدراجك يا منافق من مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم.
قال ابن هشام أي ارجع من الطريق التي جئت منها قال الشاعر ... فولى وأدبر أدراجه ... وقد باء بالظلم من كان ثم
وقام عمارة بن حزم إلى زيد بن عمرو وكان رجلا طويل اللحية فأخذ بلحيته فقاده بها قودا عنيفا حتى أخرجه من المسجد ثم جمع عمارة يديه فلدمه بهما في صدره لدمة خر منها يقول خدشتني(3/61)
يا عمارة قال أبعدك الله يا منافق فما اعد الله لك من العذاب أشد من ذلك فلا تقربن مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم.
قال ابن هشام اللدم الضرم ببطن الكف قال تميم بن أبي ابن مقبل ... وللفؤاد وجيب تحت أبهره ... لدم الوليد وراء الغيب بالحجر.
قال ابن هشام الغيب ما انخفض من الأرض والأبهر عرق القلب
قال ابن إسحاق وقام أبو محمد رجل من بني النجار كان بدريا وأبو محمد مسعود بن اوس بن زيد بن اصرم بن زيد بن ثعلبة بن غنم بن مالك بن النجار إلى قيس بن عمرو بن سهل وكان قيس غلاما شابا وكان لا يعلم في المنافقين شاب غيره فجعل يدفع في قفاه حتى اخرجه من المسجد
وقام رجل من بلخدرة بن الخزرج رهط أبي سعيد الخدري يقال له عبدالله بن الحارث حين أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بإخراج المنافقين من المسجد إلى رجل يقال له الحارث بن عمرو وكان ذا جمة فأخذ بجمته فسحبه بها سحبا عنيفا على ما مر به من(3/62)
الأرض حتى اخرجه من المسجد قال يقول المنافق لقد أغلظت ياابن الحارث فقال إنك أهل لذلك أي عدو الله لما أنزل الله فيك فلا تقربن مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم فإنك نجس
وقام رجل من بني عمرو بن عوف إلى أخيه زوي بن الحارث فأخرجه من المسجد إخراجا عنيفا وأفف منه قال غلب عليك الشيطان أمره
فهؤلاء من حضر المسجد يومئذ من المنافقين وامر رسول الله صلى الله عليه وسلم بإخراجهم
ما نزل في اليهود والمنافقين ففي هؤلاء من أحبار يهود والمنافقين من الأوس والخزرج نزل صدر سورة البقرة إلى المئة منها فيما بلغني والله اعلم
يقول الله سبحانه وبحمده {الم ذلك الكتاب لا ريب فيه} أي لا شك فيه.
قال ابن هشام قال ساعدة بن جؤية الهذلي ... فقالوا عهدنا القوم قد حصروا به ... فلا ريب أن قد كان ثم لحيم
وهذا البيت في قصيدة له والريب أيضا الريبة قال خالد بن زهير الهذلي ... كأنني أدينه بريب(3/63)
قال ابن هشام ومنهم من يرويه ... كأنني أربته بريب
وهذا البيت في أبيات له وهو ابن أخي أبي ذؤيب الهذلي
{هدى للمتقين} أي الذين يحذرون من الله عقوبته في ترك ما يعرفون من الهدى ويرجون رحمته بالتصديق بما جاءهم منه {الذين يؤمنون بالغيب ويقيمون الصلاة ومما رزقناهم ينفقون} أي يقيمون الصلاة بفرضها ويؤتون الزكاة احتسابا لها {والذين يؤمنون بما أنزل إليك وما أنزل من قبلك} أي يصدقونك بما جئت به(3/64)
من الله عز وجل وما جاء به من قبلك من المرسلين لا يفرقون بينهم ولا يجحدون ما جاءوهم به من ربهم {وبالآخرة هم يوقنون} أي بالبعث والقيامة والجنة والنار والحساب والميزان أي هؤلاء الذين يزعمون أنهم آمنوا بما كان من قبلك وبما جاءك من ربك {أولئك على هدى من ربهم} أي على نور من ربهم واستقامة على ما جاءهم {وأولئك هم المفلحون} أي الذين أدركوا ما طلبوا ونجوا من شر ما منه هربوا {إن الذين كفروا} أي بما أنزل إليك وإن قالوا إنا قد آمنا بما جاءنا قبلك {سواء عليهم أأنذرتهم أم لم تنذرهم لا يؤمنون} أي أنهم كفروا بما عندهم من ذكرك وجحدوا ما أخذ عليهم الميثاق لك فقد كفروا بما جاءك وبما عندهم مما جاءهم به غيرك فكيف يستمعون منك إنذارا أو تحذيرا وقد كفروا بما عندهم من علمك {ختم الله على قلوبهم وعلى سمعهم وعلى أبصارهم غشاوة} عن الهدى أن يصيبوه أبدا يعني بما كذبوك به من الحق الذي جاءك من ربك حتى يؤمنوا به وإن آمنوا بكل ما كان قبلك {ولهم} بما هم عليه من خلافك {عذاب عظيم}.
فهذا في الأحبار من يهود فيما كذبوا به من الحق بعد معرفته
{ومن الناس من يقول آمنا بالله وباليوم الآخر وما هم بمؤمنين} يعني المنافقين من الأوس والخزرج ومن كان على أمرهم {يخادعون الله والذين آمنوا وما يخدعون إلا أنفسهم وما يشعرون في قلوبهم مرض} أي شك {فزادهم الله مرضا} أي شكا {ولهم عذاب أليم بما كانوا يكذبون وإذا قيل لهم لا تفسدوا في الأرض قالوا إنما نحن مصلحون} أي إنما نريد الإصلاح بين الفريقين(3/65)
من المؤمنين وأهل الكتاب يقول الله تعالى {ألا إنهم هم المفسدون ولكن لا يشعرون وإذا قيل لهم آمنوا كما آمن الناس قالوا أنؤمن كما آمن السفهاء ألا إنهم هم السفهاء ولكن لا يعلمون وإذا لقوا الذين آمنوا قالوا آمنا وإذا خلوا إلى شياطينهم} من يهود الذين يأمرونهم بالتكذيب بالحق وخلاف ما جاء به الرسول {قالوا إنا معكم} أي إنا على مثل ما أنتم عليه {إنما نحن مستهزؤون} أي إنما نستهزئ بالقوم ونلعب بهم يقول الله عز وجل {الله يستهزئ بهم ويمدهم في طغيانهم يعمهون}.
قال ابن هشام يعمهون يحارون تقول العرب رجل عمه وعامه أي حيران قال رؤبة بن العجاج يصف بلدا ... أعمى الهدى بالجاهلين العمه
وهذا البيت في أرجوزة له فالعمة جمع عامه وأما عمه فجمعه عمهون والمرأة عمهة وعمهاء
{أولئك الذين اشتروا الضلالة بالهدى} أي الكفر بالإيمان {فما ربحت تجارتهم وما كانوا مهتدين}.
قال ابن إسحاق ثم ضرب لهم مثلا فقال تعالى {مثلهم كمثل الذي استوقد نارا فلما أضاءت ما حوله ذهب الله بنورهم وتركهم في ظلمات لا يبصرون} أي لا يبصرون الحق ويقولون به حتى إذا خرجوا به من ظلمة الكفر أطفئوه بكفرهم به ونفاقهم فيه فتركهم(3/66)
الله في ظلمات الكفر فهم لا يبصرون هدى ولا يستقيمون على حق {صم بكم عمي فهم لا يرجعون} أي لا يرجعون إلى الهدى صم بكم عمي عن الخير لا يرجعون إلى الخير لا يصيبون نجاة ما كانوا على ما هم عليه {أو كصيب من السماء فيه ظلمات ورعد وبرق يجعلون أصابعهم في آذانهم من الصواعق حذر الموت والله محيط بالكافرين}.
قال ابن هشام الصيب المطر وهو من صاب يصوب مثل قولهم السيد من ساد يسود والميت من مات يموت وجمعه صيائب قال علقمة بن عبدة أحد بني ربيعة بن مالك بن زيد مناة ابن تميم ... كأنهم صابت عليه سحابة ... صواعقها لطيرهن دبيب
وفيها ... فلا تعدلي بيني وبين مغمر ... سقتك روايا المزن حيث تصوب
وهذان البيتان في قصيدة له
قال ابن إسحاق أي هم من ظلمة ما هم فيه من الكفر والحذر من القتل من الذي هم عليه من الخلاف والتخوف لكم على مثل ما وصف من الذي هو في ظلمة الصيب يجعل أصابعه في أذنيه من الصواعق حذر الموت يقول والله منزل ذلك بهم من النقمة أي هو محيط بالكافرين {يكاد البرق يخطف أبصارهم} أي لشدة ضوء الحق {كلما أضاء لهم مشوا فيه وإذا أظلم عليهم قاموا} أي يعرفون الحق ويتكلمون به فهم من قولهم به على استقامة فإذا(3/67)
ارتكسوا منه في الكفر قاموا متحيرين {ولو شاء الله لذهب بسمعهم وأبصارهم} أي لما تركوا من الحق بعد معرفته {إن الله على كل شيء قدير}.
ثم قال {يا أيها الناس اعبدوا ربكم} للفريقين جميعا من الكفار والمنافقين أي وحدوا ربكم {الذي خلقكم والذين من قبلكم لعلكم تتقون الذي جعل لكم الأرض فراشا والسماء بناء وأنزل من السماء ماء فأخرج به من الثمرات رزقا لكم فلا تجعلوا لله أندادا وأنتم تعلمون}.
قال ابن هشام الأنداد الأمثال واحدهم ند قال لبيد بن ربيعة ... أحمد الله فلا ند له ... بيديه الخير ما شاء فعل
وهذا البيت في قصيدة له.
قال ابن إسحاق أي لا تشركوا بالله غيره من الأنداد التي لا تنفع ولا تضر وأنتم تعلمون أنه لا رب لكم يزرقكم غيره وقد علمتم أن الذي يدعوكم اليه الرسول من توحيده هو الحق لا شك فيه {وإن كنتم في ريب مما نزلنا على عبدنا} أي في شك مما جاءكم {فأتوا بسورة من مثله وادعوا شهداءكم من دون الله} أي من استطعتم من أعوانكم على ما أنتم عليه {إن كنتم صادقين فإن لم تفعلوا ولن تفعلوا} فقد تبين لكم الحق {فاتقوا النار التي وقودها الناس والحجارة أعدت للكافرين} أي لمن كان على مثل ما أنتم عليه من الكفر
ثم رغبهم وحذرهم نقض الميثاق الذي أخذ عليهم لنبيه صلى الله عليه وسلم إذا جاءهم وذكر لهم بدء خلقهم حين خلقهم وشأن أبيهم آدم عليه(3/68)
السلام وأمره وكيف صنع به حين خالف عن طاعته ثم قال {يا بني إسرائيل} للأحبار من يهود {اذكروا نعمتي التي أنعمت عليكم} أي بلائي عندكم وعند آبائكم لما كان نجاهم به من فرعون وقومه {وأوفوا بعهدي} الذي أخذت في أعناقكم لنبيي أحمد إذا جاءكم {أوف بعهدكم} أنجز لكم ما وعدتكم على تصديقه واتباعه بوضع ما كان عليكم من الآصار والأغلال التي كانت في أعناقكم بذنوبكم التي كانت من أحداثكم {وإياي فارهبون} أي أن أنزل بكم ما أنزلت بمن كان قبلكم من النقمات التي قد عرفتم من المسخ وغيره {وآمنوا بما أنزلت مصدقا لما معكم ولا تكونوا أول كافر به} وعندكم من العلم فيه ما ليس عند غيركم {وإياي فاتقون ولا تلبسوا الحق بالباطل وتكتموا الحق وأنتم تعلمون}(3/69)
أي لا تكتموا ما عندكم من المعرفة برسولي ومما جاء به وأنتم تجدونه عندكم فيما تعلمون من الكتب التي بأيديكم {أتأمرون الناس بالبر وتنسون أنفسكم وأنتم تتلون الكتاب أفلا تعقلون} أي أتنهون الناس عن الكفر بما عندكم من النبوة والعهد من التوراة وترتكون أنفسكم أي وأنتم تكفرون بما فيها من عهدي اليكم في تصديق رسولي وتنقضون ميثاقي وتجحدون ما تعلمون من كتابي
ثم عدد عليهم أحداثهم فذكر لهم العجل وما صنعوا فيه وتوبته عليهم وإقالته إياهم ثم قولهم {أرنا الله جهرة}.
قال ابن هشام جهرة أي ظاهرا لنا لا شيء يستره عنا قال أبو الأخرز الحماني واسمه قتيبة ... يجهر أجواف المياه السدم
وهذا البيت في أرجوزة له يجهر يقول يظهر الماء ويكشف عنه ما يستره من الرمل وغيره
قال ابن إسحاق وأخذ الصاعقة إياهم عند ذلك لغرتهم ثم إحياءه إياهم بعد موتهم وتظليله عليهم الغمام وإنزاله عليهم المن والسلوى وقوله لهم {وادخلوا الباب سجدا وقولوا حطة} أي قولوا ما آمركم به أحط به ذنوبكم عنكم وتبديلهم ذلك من قوله استهزاء بأمره وإقالته إياهم ذلك بعد هزئهم(3/70)
قال ابن هشام المن شيء كان يسقط في السحر على شجرهم فيجتنونه حلوا مثل العسل فيشربونه ويأكلونه قال أعشى بني قيس ابن ثعلبة ... لو أطعموا المن والسلوى مكانهم ... ما أبصر الناس طعما فيهم نجعا
وهذا البيت في قصيدة له والسلوى طير واحدتها سلواة ويقال إنها السماني ويقال للعسل أيضا السلوى وقال خالد بن زهير الهذلي ... وقاسمها بالله حقا لأنتم ... ألذ من السلوى إذا ما نشورها
وهذا البيت في قصيدة له وحطة أي حط عنا ذنوبنا.
قال ابن إسحاق وكان من تبديلهم ذلك كما حدثني صالح بن كيسان عن صالح مولى التوءمة بنت أمية بن خلف عن أبي هريرة ومن لا أتهم عن ابن عباس عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال دخلوا الباب الذي أمروا أن يدخوا منه سجدا يزحفون وهم يقولون حنط في شعير.
قال ابن هشام ويروى حنظة في شعيرة.
قال ابن إسحاق واستسقاء موسى لقومه وأمره إياه أن يضرب بعصاه الحجر فانفجرت لهم منه اثنتا عشرة عينا لكل سبط عين يشربون منها ن قد علم كل سبط عينه التي منها يشرب وقولهم لموسى عليه السلام {لن نصبر على طعام واحد فادع لنا ربك يخرج لنا مما تنبت الأرض من بقلها وقثائها وفومها}(3/71)
قال ابن هشام القوم الحنطة قال أمية بن أبي الصلت الثقفي ... فوق شيزى مثل الجوأبي عليها ... قطع كالوذيل في نقي فوم.
قال ابن هشام الوذيل قطع الفضة والفوم القمح واحدته فومة وهذا البيت في قصيدة له {وعدسها وبصلها قال أتستبدلون الذي هو أدنى بالذي هو خير اهبطوا مصرا فإن لكم ما سألتم}.
قال ابن اسحاق فلم يفعلوا ورفعه الطور فوقهم ليأخذوا ما أوتوا والمسخ الذي كان فيهم إذ جعلهم قردة بإحداثهم والبقرة التي أراهم الله عز وجل بها العبرة في القتيل الذي اختلفوا فيه حتى بين الله لهم أمره بعد التردد على موسى عليه السلام في صفة البقرة وقسوة قلوبهم بعد ذلك حتى كانت كالحجارة او أشد قسوة ثم قال تعإلى {وإن من الحجارة لما يتفجر منه الأنهار وإن منها لما يشقق فيخرج منه الماء وإن منها لما يهبط من خشية الله} أي وإن من الحجارة لألين من قلوبكم عما تدعون اليه من الحق {وما الله بغافل عما تعملون}.
ثم قال لمحمد عليه الصلاة والسلام ولمن معه من المؤمنين يؤيسهم منهم {أفتطمعون أن يؤمنوا لكم وقد كان فريق منهم يسمعون كلام الله ثم يحرفونه من بعد ما عقلوه وهم يعلمون} وليس قوله ( يسمعون التوراة ) أن كلهم قد سمعها ولكنه فريق منهم أي خاصة.
قال ابن إسحاق فيما بلغني عن بعض أهل العلم قالوا لموسى(3/72)
يا موسى قد حيل بيننا وبين رؤية الله فأسمعنا كلامه حين يكلمك فطلب ذلك موسى عليه السلام من ربه فقال له نعم مرهم فليطهروا أو ليطهروا ثيابهم وليصوموا ففعلوا ثم خرج بهم حتى أتى بهم الطور فلما غشيهم الغمام أمرهم موسى فوقعوا سجدا وكلمه ربه فسمعوا كلامه تبارك وتعالى يأمرهم وينهاهم حتى عقلوا عنه ما سمعوا ثم انصرف بهم إلى بني إسرائيل فلما جاءهم حرف فريق منهم ما أمرهم به وقالوا حين قال موسى لبني إسرائيل إن الله قد أمركم بكذا وكذا قال ذلك الفريق الذي ذكر الله عز وجل إنما قال كذا وكذا خلافا لما قال الله لهم فهم الذين عنى الله عز وجل لرسوله صلى الله عليه وسلم
ثم قال تعإلى {وإذا لقوا الذين آمنوا قالوا آمنا} أي بصاحبكم رسول الله ولكنه إليكم خاصة {وإذا خلا بعضهم إلى بعض قالوا} لا تحدثوا العرب بهذا فإنكم قد كنتم تستفتحون به عليهم فكان فيهم فأنزل الله عز وجل فيهم {وإذا لقوا الذين آمنوا قالوا آمنا وإذا خلا بعضهم إلى بعض قالوا أتحدثونهم بما فتح الله عليكم ليحاجوكم به عند ربكم أفلا تعقلون} أي تقرون بأنه نبي وقد عرفتم أنه قد أخذ له الميثاق عليكم باتباعه وهو يخبركم أنه النبي الذي كنا ننتظر ونجد في كتابنا اجحدوه ولا تقروا لهم به يقول الله عز وجل {أو لا يعلمون أن الله يعلم ما يسرون وما يعلنون ومنهم أميون لا يعلمون الكتاب إلا أماني}.
قال ابن هشام عن أبي عبيدة إلا أماني إلا قراءة لأن الأمي الذي يقرأ ولا يكتب يقول لا يعلمون الكتاب إلا أنهم يقرءونه.
قال ابن هشام عن أبي عبيدة ويونس أنهما تأولا ذلك عن العرب في قول الله عز وجل حدثني ابو عبيدة بذلك(3/73)
قال ابن هشام وحدثني يونس بن حبيب النحوي وابو عبيدة أن العرب تقول تمنى في معنى قرأ وفي كتاب الله تبارك وتعالى {وما أرسلنا من قبلك من رسول ولا نبي إلا إذا تمنى ألقى الشيطان في أمنيته} قال وأنشدني ابو عبيدة النحوي ... تمنى كتاب الله أول ليله ... وآخره وافى حمام المقادر ... وأنشدني ايضا ... تمنى كتاب الله في الليل خاليا ... تمنى داود الزبور على رسل ... وواحدة الأماني أمنية والأماني ايضا أن يتمنى الرجل المال او غيره.
قال ابن إسحاق {وإن هم إلا يظنون} أي لا يعلمون الكتاب ولا يدرون ما فيه وهم يجحدون نبوتك بالظن {وقالوا لن تمسنا النار إلا أياما معدودة قل أتخذتم عند الله عهدا فلن يخلف الله عهده أم تقولون على الله ما لا تعلمون}.
ما ادعاه يهود في عذاب الاخرة قال ابن اسحاق وحدثني مولى لزيد بن ثابت عن عكرمة او عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة واليهود تقول إنما مدة الدنيا سبعة آلاف سنة وإنما يعذب الله الناس في النار بكل ألف سنة من أيام الدنيا يوما واحدا في النار من أيام الآخرة وإنما هي سبعة أيام ثم ينقطع العذاب فأنزل الله في ذلك من قولهم {وقالوا لن تمسنا النار إلا أياما معدودة قل أتخذتم عند الله عهدا فلن يخلف الله عهده أم تقولون على الله ما لا تعلمون بلى من كسب سيئة وأحاطت به خطيئته} أي من عمل بمثل أعمالكم وكفر بمثل(3/74)
ما كفرتم به يحيط كفره بما له عند الله من حسنة {فأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون} أي خلد أبدا {والذين آمنوا وعملوا الصالحات أولئك أصحاب الجنة هم فيها خالدون} أي من آمن بما كفرتم به وعمل بما تركتم من دينه فلهم الجنة خالدين فيها يخبرهم أن الثواب بالخير والشر مقيم على أهله أبدا لا انقطاع له.
قال ابن إسحاق ثم قال الله عز وجل يؤنبهم {وإذ أخذنا ميثاق بني إسرائيل} أي ميثاقكم {لا تعبدون إلا الله وبالوالدين إحسانا وذي القربى واليتامى والمساكين وقولوا للناس حسنا وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة ثم توليتم إلا قليلا منكم وأنتم معرضون} أي تركتم ذلك كله ليس بالتنقص {وإذ أخذنا ميثاقكم لا تسفكون دماءكم} $.
قال ابن هشام تسفكون تصبون تقول العرب سفك دمه أي صبه وسفك الزق أي هراقه قال الشاعر ... وكنا اذا ما الضيف حل بأرضنا ... سفكنا دماءه البدن في تربة الحال.
قال ابن هشام يعني ( بالحال ) الطين الذي يخالطه الرمل وهو الذي تقول له العرب السهلة وقد جاء في الحديث أن جبريل لما قال فرعون {آمنت أنه لا إله إلا الذي آمنت به بنو إسرائيل} أخذ من حال البحر وحمأته فضرب به وجه فرعون والحال مثل الحمأة.
قال ابن إسحاق {ولا تخرجون أنفسكم من دياركم ثم أقررتم وأنتم تشهدون} على أن هذا حق من ميثاقي عليكم {ثم أنتم هؤلاء تقتلون أنفسكم وتخرجون فريقا منكم من ديارهم تظاهرون عليهم بالإثم والعدوان} أي اهل الشرك حتى يسفكوا دماءهم معهم(3/75)
ويخرجوهم من ديارهم معهم {وإن يأتوكم أسارى تفادوهم} وقد عرفتم أن ذلك عليكم في دينكم {وهو محرم عليكم} في كتابكم {إخراجهم أفتؤمنون ببعض الكتاب وتكفرون ببعض} أي اتفادوتهم مؤمنين بذلك وتخرجونهم كفارا بذلك {فما جزاء من يفعل ذلك منكم إلا خزي في الحياة الدنيا ويوم القيامة يردون إلى أشد العذاب وما الله بغافل عما تعملون أولئك الذين اشتروا الحياة الدنيا بالآخرة فلا يخفف عنهم العذاب ولا هم ينصرون} فانبهم الله عز وجل بذلك من فعلهم وقد حرم عليهم في التوراة سفك دمائهم وافترض عليهم فيها فداء أسراهم
فكانوا فريقين منهم بنو قينقاع ولفهم خلفاء الخزرج والنضير وقريظة ولفهم حلفاء الأوس فكانوا اذا كانت بين الاوس والخزرج حرب خرجت بنو قينقاع مع الخزرج وخرجت النضير وقريضة مع الاوس يظاهر كل واحد من الفريقين حلفاءه على إخوانه حتى يتسافكوا دماءهم بينهم وبأيديهم التوراة يعرفون فيها ما عليهم وما لهم والأوس والخزرج اهل شرك يعبدون الأوثان لا يعرفون جنة ولا نارا ولا بعثا ولا قيامة ولا كتابا ولا حلالا ولا حراما فإذا وضعت الحرب أوزارها افتدوا أساراهم تصديقا لما في التوراة وأخذ به بعضهم من بعض يفتدي بنو قينقاع من كان من أسراهم في أيدي الأوس وتفتدي النضير وقريظة ما في أيدي الخزرج منهم ويطلون ما أصابوا من الدماء وقتلى من قتلوا منهم فيما بينهم مظاهرة لأهل الشرك عليهم يقول الله تعالى لهم حين أنبهم بذلك {أفتؤمنون ببعض الكتاب وتكفرون ببعض} أي تفاديه بحكم التوراة وتقتله وفي حكم التوراة(3/76)
أن لا تفعل تقتله وتخرجه من داره وتظاهر عليه من يشرك بالله ويعبد الأوثان من دونه ابتغاء عرض الدنيا ففي ذلك من فعلهم مع الأوس والخزرج فيما يلغني نزلت هذه القصة
ثم قال تعالى {ولقد آتينا موسى الكتاب وقفينا من بعده بالرسل وآتينا عيسى ابن مريم البينات} أي الآيات التي وضعت على يديه من إحياء الموتي وخلقه من الطين كهيئة الطير ثم ينفخ فيه فيكون طيرا بإذن الله وإبراء الأسقام والخبر بكثير من الغيوب مما يدخرون في بيوتهم وما رد عليم من التوراة مع الإنجيل الذي أحدث الله إليه ثم ذكر كفرهم بذلك كله فقال {أفكلما جاءكم رسول بما لا تهوى أنفسكم استكبرتم ففريقا كذبتم وفريقا تقتلون} ثم قال تعالى {وقالوا قلوبنا غلف} في أكنة يقول عز وجل {بل لعنهم الله بكفرهم فقليلا ما يؤمنون ولما جاءهم كتاب من عند الله مصدق لما معهم وكانوا من قبل يستفتحون على الذين كفروا فلما جاءهم ما عرفوا كفروا به فلعنة الله على الكافرين}.
قال ابن اسحاق حدثني عاصم بن عمر بن قتادة عن أشياخ من قومه قال قالوا فينا والله وفيهم نزلت هذه القصة كنا قد علوناهم ظهرا في الجاهلية ونحن أهل الشرك وهم أهل كتاب فكانوا يقولون لنا إن نبيا يبعث الآن نتبعه قد أظل زمانه نقتلكم معه قتل عاد وإرم فلما بعث الله رسوله صلى الله عليه وسلم من قريش فاتبعناه كفروا به يقول الله {فلما جاءهم ما عرفوا كفروا به فلعنة الله على الكافرين بئسما اشتروا به أنفسهم أن يكفروا بما أنزل الله بغيا أن ينزل الله من فضله على من يشاء من عباده} أي أن جعله في غيرهم {فباؤوا بغضب على غضب وللكافرين عذاب مهين}(3/77)
قال ابن هشام فباءوا بغضب اي اعترفوا به واحتملوه قال أعشى بني قيس بن ثعلبة ... أصالحكم حتى تبوءوا بمثلها ... كصرخة حبلى يسرتها قبيلها.
قال ابن هشام يسرتا أجليتها للولادة وهذا البيت في قصيدة له.
قال ابن إسحاق فالغضب على الغضب لغضبه عليهم فيما كانوا ضيعوا من التوراة وهي معهم وغضب بكفرهم بهذا البي صلى الله عليه وسلم الذي أحدث الله إليهم
ثم أنبهم برفع الطور عليهم واتخاذهم العجل إلها دون ربهم يقول الله تعالى لمحمد صلى الله عليه وسلم {قل إن كانت لكم الدار الآخرة عند الله خالصة من دون الناس فتمنوا الموت إن كنتم صادقين} أي ادعوا بالموت على اي الفريقين أكذب عند الله فأبوا ذلك على رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول الله جل ثناؤه لنبيه عليه الصلاة والسلام {ولن يتمنوه أبدا بما قدمت أيديهم} أي بعلمهم بما عندهم من العلم بك والكفر بذلك فيقال لو تمنوه يوم قال ذلك لهم مابقي عل وجه الأرض يهودي إلا مات ثم ذكر رغيتهم في الحياة الدنيا وطول العمر فقال تعالى {ولتجدنهم أحرص الناس على حياة} اليهود {ومن الذين أشركوا يود أحدهم لو يعمر ألف سنة وما هو بمزحزحه من العذاب أن يعمر} أي ما هو بمنجيه من العذاب وذلك أن المشرك لا يرجو بعثا بعد الموت فهو يحب طول الحياة وأن اليهودي قد عرف ما له في الآخرة من الخزى بما ضيع مما عنده من العلم ثم قال تعالى {قل من كان عدوا لجبريل فإنه نزله على قلبك بإذن الله}(3/78)
سؤال اليهود الرسول وإجابته قال ابن اسحاق حدثني عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي حسين المكي عن شهر بن حوشب الأشعري أن نفرا من أحبار يهود جاءوا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا يا محمد أخبرنا عن أربع نسألك عنهن فإن فعلت ذلك اتبعناك وصدقناك وآمنا بك قال فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم عليكم بذلك عهد الله وميثاقه لئن أنا أخبرتكم بذلك لتصدقني قالوا نعم قال فاسئلوا عما بدا لكم
قالوا فأخبرنا كيف يشبه الولد أمه وإنما النطفة من الرجل قال فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم أنشدكم بالله وبأيامه عند بني إسرائيل هل تعلمون ان نطفة الرجل بيضاء غليظة ونطفة المرأة صفراء رقيقه فأيتهام علت صاحبتها كان لها الشبه قالوا اللهم نعم
قالوا فأخبرنا كيف نومك فقال أنشدكم بالله وبأيامه عند بني إسرائل هل تعلمون ان نوم الذي تزعمون أني لست به تنام عينه وقلبه يقظان فقالوا اللهم نعم قال فكذلك نومي تنام عيني وقلبي يقظان
قالوا فأخبرنا عما حرم إسرائيل على نفسه قال أنشدكم بالله وبأيامه عند بني إسرائل هل تعلمون انه كان أحب الطعام والشراب إليه ألبان الإبل ولحومها وأنه اشتكى شكوى فعافاه الله منها فحرم على نفسه أحب الطعام والشراب إليه شكرا لله فحرم على نفسه لحوم الإبل وألبانها قالوا اللهم نعم
قالوا فأخبرنا عن الروح قال أنشدكم بالله وبأيامه عند بني إسرائيل هل تلعمونه جبريل وهو الذ يأتيني قالوا اللهم نعم ولكنه يا محمد لنا عدو وهو ملك إنما يأتي بالشدة وبسفك الدماء(3/79)
ولولا ذلك لاتبعناك قال فأنز الله عز وجل فيهم {قل من كان عدوا لجبريل فإنه نزله على قلبك بإذن الله مصدقا لما بين يديه وهدى وبشرى للمؤمنين} الى قوله تعالى {أو كلما عاهدوا عهدا نبذه فريق منهم بل أكثرهم لا يؤمنون ولما جاءهم رسول من عند الله مصدق لما معهم نبذ فريق من الذين أوتوا الكتاب كتاب الله وراء ظهورهم كأنهم لا يعلمون واتبعوا ما تتلوا الشياطين على ملك سليمان} أي السحر {وما كفر سليمان ولكن الشياطين كفروا يعلمون الناس السحر}.
اليهود ينكرون نبوة سليمان عليه السلام ورد الله عليهم قال ابن اسحاق وذلك ان رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما بلغني لما ذكر سليمان بن داود في المرسلين قال بعض أحبارهم ألا تعجبون من محمد يزعم أن سليمان بن داود كان نبيا والله ما كان إلا ساحرا فأنزل الله تعالى في ذلك من قولهم {وما كفر سليمان ولكن الشياطين كفروا} أي باتباعهم السحر وعملهم به {وما أنزل على الملكين ببابل هاروت وماروت وما يعلمان من أحد}.
قال ابن اسحاق وحدثني بعض من لااتهم عن عكرمة عن ابن عباس أنه كان يقول الذي حرم سرائيل على نفسه زائدتا الكبد والكليتان والشحم إلا ما كان على الظهر فإن ذلك كان يقرب للقربان فتأكله النار
كتابه صلى الله عليه وسلم الى يهود خيبر قال ابن اسحاق وكتب رسول الله صلى الله عليه وسلم الى يهود خيبر فيما حدثني مولى لآل زيد بن ثابت عن عكرمة أو عن سعيد بن جبير عن ابن عباس
بسم الله الرحمن الرحيم من محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم صاحب(3/80)
موسى وأخيه والمصدق لما جاء به موسى ألا اإن الله قد قال لكم يا معشر أهل التوراة وإنكم لتجدون ذلك في كتابكم {محمد رسول الله والذين معه أشداء على الكفار رحماء بينهم تراهم ركعا سجدا يبتغون فضلا من الله ورضوانا سيماهم في وجوههم من أثر السجود ذلك مثلهم في التوراة ومثلهم في الإنجيل كزرع أخرج شطأه فآزره فاستغلظ فاستوى على سوقه يعجب الزراع ليغيظ بهم الكفار وعد الله الذين آمنوا وعملوا الصالحات منهم مغفرة وأجرا عظيما}.
وإني أنشدكم بالله وأنشدكم بما أنزل عليكم وأنشدكم بالذي أطعم من كان قبلكم من أسباطكم المن والسلوى وأنشدكم بالذي أيبس البحر لآبائكم حتى أنجاهم من فرعون وعمله إلا أخبر تموني هل تجدون فبما أنزل الله عليمن أن تؤمنوا بمحمد إن كنتم لا تجدون ذلك في كتابكم فلا كره عليكم {قد تبين الرشد من الغي} فأدعوكم الى الله وإلى نبيه.
قال ابن هشام شطؤه فراخه وواحدته شطأة تقول العرب قد أشطأ الزرع إذا أخرج فراخه وأزره عاونه فصار الذي قبله مثل الأمهات قال امرؤ القيس بن حجر الكندي ... بمحنية قد آزر الضال نبتها ... مجر جيوش غانمين وخيب
وهذا البيت في قصيدة له وقال حميد بن مالك الأرقط أحد بني ربيعة بن مالك بن زيد مناة ... زرع وقضبا مؤزر النبات ...(3/81)
وهذا البيت في أرجوزة وسوقه جمع ساق لساق الشجرة
ما نزل في أبي ياسر وأخيه قال ابن اسحاق وكان ممن نزل فيه القرآن بحاصة من الأحبار وكفار يهود الذي كانوا يسألونه ويتعنتونه ليلبسوا الحق بالباطل فيما ذكر لي عن عبد الله بن عباس وجابر بن عبد الله بن رئاب أن أبا ياسر بن أخطب مر برسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يتلو فاتحة البقرة {الم ذلك الكتاب لا ريب فيه} فأنى أخاه حيي بن أخطب في رجال من يهود فقال تعلموا والله لقد سمعت محمدا يتلو فيما أنزل عليه {الم ذلك الكتاب} فقالو انت سمعته فقال نعم فمشى حيي بن أخطب في أولئك النفر من يهود الى رسول الله صلى الله عليه فقالوا له يا محمد ألم يذكر لنا أنك تتلو فيما أنزل إليك {الم ذلك الكتاب} فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم بلى قالوا أجاءك به جبريل من عند الله فقال نعم قالوا القد بعث الله قبلك أنبياء ما نعلمه بين لنبي منهم مامده ملكه وما أكل أمته غيرك فقال حيتى بن أخطب وأقبل على من معه فقال لهم الأف واحدة واللام ثلاثون والميم أربعون فهذه إحدى وسبعون سنة أفتدخلون في دين إنما مدة ملكه وأكل أمته إحدى وسبعون سنة
ثم أقبل على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال يا محمد هل مع هذا غيره قال نعم قال ماذا قال {المص} قال هذه والله أثقل وأطلو وأحول الألف واحدة واللام ثلاثون والميم أربعون والصاد تسعون فهذه إحدى وستون ومئة سنة
هل مع هذا يا محمد غيره قال نعم {الر} قال هذه والله(3/82)
أثقل وأطول الألف واحدة وللام ثلاثون والراء مئتان فهذه إحدى وثلاثون ومئتان
هل مع هذا غيره يا محمد قال نعم {المر} قال هذه والله أثقل وأطول الألف واحدة واللام ثلاثون والميم أربعون والراء مئتان فهذه إحدى وسبعون ومئتا سنة
ثم قال لقد لبس علينا أمرك يا محمد حتى ما ندري أقليلا أعطيت أم كثيرا ثم قاموا عنه فقال ابو ياسر لأخيه حيي بن اخطب ولمن معه من الأحبار ما يدريكم لعله قد جمع هذا كله لمحمد إحدى وسبعون وإحدى وستون ومئة وإحدى وثلاثون ومئتان وإحدى وسبعون ومئتان فذلك سبع مئة وأربع وثلاثون سنة فقالو لقد تشابه علينا أمره فيزعمون أن هؤلاء الايات نزلت فيه {منه آيات محكمات هن أم الكتاب وأخر متشابهات}.
قال ابن اسحاق وقد سمعت من لا أتهم من اهل العلم يذكر إن هؤلاء الآيات إنما أنزلن في أهل نجران حين قدموا على رسول الله صلى الله عليه وسلم يسألونه عن عيسى ابن مريم عليه السلام.
قال ابن إسحاق وقد حدثني محمد بن أبي أمامة بن سهل بن حنيف أنه قد سمع أن هؤلاء الآيات إنما أنزلن في نفر من يهود ولم يفسر ذلك لي فالله أعلم أي ذلك كان
كفر اليهود بالإسلام وما نزل في ذلك قال ابن اسحاق وكان فيما بلغني عن عكرمة مولى ابن عباس أو عن سعيد بن جبير عن ابن عباس أن يهود كانوا يستفتحون على الأوس والخزرج برسول الله صلى الله عليه وسلم قبل مبعثه فلما بعثه الله من العرب كفروا به وجحدوا ما كانوا يقولون فيه فقال لهم معاذ بن جبل وبشر بن البراء بن(3/83)
معرور أخو بني سلمة يا معشر يهود اتقوا الله وأسلموا فقد كنتم تستفتحون علينا بمحمد ونحن أهل شرك وتخبروننا أنه مبعوث وتصفونه لنا بصفته فقال سلام بن مشكم أحد بني النضير ما جاءنا بشيء نعرفه وما هو بالذي كنا نذكره لكم فأنزل الله في ذلك من قولهم {ولما جاءهم كتاب من عند الله مصدق لما معهم وكانوا من قبل يستفتحون على الذين كفروا فلما جاءهم ما عرفوا كفروا به فلعنة الله على الكافرين}.
وقال ابن إسحاق وقال مالك بن الصيف حين بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم وذكر لهم ما أخذ عليهم له من الميثاق وما عهد الله إليهم فيه والله ما عهد إلينا في محمد عهد وما أخذ له علينا من ميثاق فأنزل الله فيه {أو كلما عاهدوا عهدا نبذه فريق منهم بل أكثرهم لا يؤمنون}.
وقال أبو صلوبا الفطيون لرسول الله صلى الله عليه وسلم يا محمد ما جئتنا بشيء نعرفه وما أنزل الله عليك من آية فنتبعك لها فأنزل الله تعالى في ذلك من قوله {ولقد أنزلنا إليك آيات بينات وما يكفر بها إلا الفاسقون}.
وقال رافع بن حريملة ووهب بن زيد لرسول الله صلى الله عليه وسلم يا محمد ائتنا بكتاب تنزله علينا من السماء نقرؤه وفجر لنا أنهارا نتبعك ونصدقك فأنزل الله تعالى في ذلك من قوهمام {أم تريدون أن تسألوا رسولكم كما سئل موسى من قبل ومن يتبدل الكفر بالإيمان فقد ضل سواء السبيل}.
قال ابن هشام سواء وسط السبيل قال حسان بن ثابت(3/84)
يا ويح أنصار النبي ورهطه ... بعد المغيب في سواء الملحد
وهذا البيت في قصيدة له سأذكرها في موضعها إن شاء الله تعالى.
قال ابن إسحاق وكان حيي بن أخطب وأخوه أبو ياسر بن أخطب من أشد يهود للعرب حسدا إذ خصهم الله تعالى برسوله صلى الله عليه وسلم وكانا جاهدين في رد الناس بما استطاعا فأنزل الله تعالى فيهما {ود كثير من أهل الكتاب لو يردونكم من بعد إيمانكم كفارا حسدا من عند أنفسهم من بعد ما تبين لهم الحق فاعفوا واصفحوا حتى يأتي الله بأمره إن الله على كل شيء قدير}.
تنازع اليهود والنصارى عند الرسول صلى الله عليه وسلم قال ابن إسحاق ولما قدم أهل نجران من النصارى على رسول الله صلى الله عليه وسلم أتتهم أحبار يهود فتنازعوا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال رافع بن حريملة ما أنتم على شيء وكفر بعيسى وبالإنجيل فقال رجل من أهل نجران من النصارى لليهود ما أنتم على شيء وجحد نبوة موسى وكفر بالتوراة فأنزل الله تعالى في ذلك من قولهم {وقالت اليهود ليست النصارى على شيء وقالت النصارى ليست اليهود على شيء وهم يتلون الكتاب كذلك قال الذين لا يعلمون مثل قولهم فالله يحكم بينهم يوم القيامة فيما كانوا فيه يختلفون} أي كل يتلوا في كتابه تصديق ما كفر به أي يكفر اليهود بعيسى وعندهم التوراة فيها ما أخذ الله عليهم على لسان موسى عليه السلام بالتصديق بعيسى عليه السلام وفي الإنجيل ما جاء به عيسى عليه السلام من تصديق موسى عليه السلام وما جاء به من التوراة من عند الله وكل يكفر بما في يد صاحبه(3/85)
قال ابن إسحاق : وقال رافع بن حريملة لرسول الله صلى الله عليه وسلم يا محمد إن كنت رسولا من الله كما تقول فقل لله فيكلمنا حتى نسمع كلامه فأنزل الله تعالى في ذلك من قوله {وقال الذين لا يعلمون لولا يكلمنا الله أو تأتينا آية كذلك قال الذين من قبلهم مثل قولهم تشابهت قلوبهم قد بينا الآيات لقوم يوقنون}.
وقال عبدالله صوريا الأعور الفطيوني لرسول الله صلى الله عليه وسلم ما الهدى إلا ما نحن عليه فاتبعنا يا محمد تهتد وقالت النصارى مثل ذلك فأنزل الله تعالى في ذلك من قول عبدالله بن صوريا وما قالت النصارى {وقالوا كونوا هودا أو نصارى تهتدوا قل بل ملة إبراهيم حنيفا وما كان من المشركين} ثم القصة الى قول الله تعالى {تلك أمة قد خلت لها ما كسبت ولكم ما كسبتم ولا تسألون عما كانوا يعملون}.
ما قالته اليهود عند صرف القبلة الى الكعبة قال ابن إسحاق ولما صرفت القبلة عن الشام إلى الكعبة وصرفت في رجب على رأس سبعة عشر شهرا من مقدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم رفاعة بن قيس وقردم بن عمرو وكعب بن الأشرف ورافع بن أبي رافع والحجاج بن عمرو حليف كعب بن الأشرف والربيع بن الربيع بن أبي الحقيق وكنانة بن الربيع بن أبي الحقيق فقالوا يا محمد ما ولاك عن قبلتك التي كنت عليها وأنت تزعم(3/86)
أنك على ملة إبراهيم ودينه ارجع إلى قبلتك التي كنت عليها نتبعك ونصدقك وإنما يريدون بذلك فتنته عن دينه فأنزل الله تعالى فيهم {سيقول السفهاء من الناس ما ولاهم عن قبلتهم التي كانوا عليها قل لله المشرق والمغرب يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم وكذلك جعلناكم أمة وسطا لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيدا وما جعلنا القبلة التي كنت عليها إلا لنعلم من يتبع الرسول ممن ينقلب على عقبيه} أي ابتلاء واختبار {وإن كانت لكبيرة إلا على الذين هدى الله} أي من الفتن أي الذين ثبت الله {وما كان الله ليضيع إيمانكم} أي إيمانكم بالقبلة الأولى وتصديقكم نبيكم واتباعكم إياه إلى القبلة الآخرة وطاعتكم نبيكم فيها أي ليعطينكم أجرهما جميعا {إن الله بالناس لرؤوف رحيم}.
ثم قال تعالى {قد نرى تقلب وجهك في السماء فلنولينك قبلة ترضاها فول وجهك شطر المسجد الحرام وحيث ما كنتم فولوا وجوهكم شطره}.
قال ابن هشام شطره نحوه وقصده قال عمر بن أحمر الباهلي وباهلة بن يعصر بن سعد بن قيس بن عيلان يصف ناقة له ... تعدو بنا شطر جمع وهي عاقدة ... قد كارب العقد من إيفادها الحقبا وهذا البيت في قصيدة له(3/87)
وقال قيس بن خويلد الهذلي يصف ناقته ... إن النعوس بها داء مخامرها ... فشطرها نظر العينين محسور ... وهذا البيت في أبيات له.
قال ابن هشام والنعوس ناقته وكان بها داء فنظر إليها نظر حسير من قوله {وهو حسير}.
{وإن الذين أوتوا الكتاب ليعلمون أنه الحق من ربهم وما الله بغافل عما يعملون ولئن أتيت الذين أوتوا الكتاب بكل آية ما تبعوا قبلتك وما أنت بتابع قبلتهم وما بعضهم بتابع قبلة بعض ولئن اتبعت أهواءهم من بعد ما جاءك من العلم إنك إذا لمن الظالمين}.
قال ابن إسحاق إلى قوله تعالى {فيكون الحق من ربك فلا تكن من الممترين}.
كتمانهم ما في التوراة وسأل معاذ بن جبل أخو بني سلمة وسعد بن معاذ أخو بني عبد الأشهل وخارجة بن زيد أخو بلحارث ابن الخزرج نفرا من احبار يهود عن بعض ما في التوراة فكتموهم إياه وأبوا أن يخبروهم عنه فأنزل الله تعالى فيهم {إن الذين يكتمون ما أنزلنا من البينات والهدى من بعد ما بيناه للناس في الكتاب أولئك يلعنهم الله ويلعنهم اللاعنون}(3/88)
جوابهم النبي عليه السلام حين دعاهم إلى الإسلام قال ودعا رسول الله صلى الله عليه وسلم اليهود من أهل الكتاب إلى الإسلام ورغبهم فيه وحذرهم عذاب الله ونقمته فقال له رافع بن خارجة ومالك ابن عوف بل نتبع يا محمد ما وجدنا عليه آباءنا فهم كانوا أعلم وخيرا منا فأنزل الله عز وجل في ذلك من قولهما {وإذا قيل لهم اتبعوا ما أنزل الله قالوا بل نتبع ما ألفينا عليه آباءنا أولو كان آباؤهم لا يعقلون شيئا ولا يهتدون}.
جمعهم في سوق بني قينقاع ولما أصاب الله عز وجل قريشا يوم بدر جمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يهود في سوق بني قينقاع حين قدم المدينة فقال يا معشر يهود أسلموا قبل أن يصيبكم الله بمثل ما أصاب به قريشا فقالوا له يا محمد لا يغرنك من نفسك أنك قتلت نفرا من قريش كانوا أغمارا لا يعرفون القتال إنك والله لو قاتلتنا لعرفت أنا نحن الناس وانك لم تلق مثلنا فأنزل الله تعالى في ذلك من قولهم {قل للذين كفروا ستغلبون وتحشرون إلى جهنم وبئس المهاد قد كان لكم آية في فئتين التقتا فئة تقاتل في سبيل الله وأخرى كافرة يرونهم مثليهم رأي العين والله يؤيد بنصره من يشاء إن في ذلك لعبرة لأولي الأبصار}(3/89)
دخوله صلى الله عليه وسلم بيت المدارس قال ودخل رسول الله صلى الله عليه وسلم بيت المدارس على جماعة من يهود فدعاهم إلى الله فقال له النعمان بن عمرو والحارث بن زيد على أي دين انت يا محمد قال على ملة إبراهيم ودينه قالا فإن إبراهيم كان يهوديا فقال لهما رسول الله صلى الله عليه وسلم فهلم إلى التوراة فهي بيننا وبينكم فأبيا عليه فأنزل الله تعالى فيهما {ألم تر إلى الذين أوتوا نصيبا من الكتاب يدعون إلى كتاب الله ليحكم بينهم ثم يتولى فريق منهم وهم معرضون ذلك بأنهم قالوا لن تمسنا النار إلا أياما معدودات وغرهم في دينهم ما كانوا يفترون}.
تنازع اليهود والنصارى في إبراهيم عليه السلام وقال أحبار يهود ونصارى نجران حين اجتمعوا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فتنازعوا فقالت الأحبار ما كان إبراهيم إلا يهوديا وقالت النصارى من أهل نجران ما كان إبراهيم إلا نصرانيا فأنزل الله عز وجل فيهم {يا أهل الكتاب لم تحاجون في إبراهيم وما أنزلت التوراة والإنجيل إلا من بعده أفلا تعقلون ها أنتم هؤلاء حاججتم فيما لكم به علم فلم تحاجون فيما ليس لكم به علم والله يعلم وأنتم لا تعلمون ما كان إبراهيم يهوديا ولا نصرانيا ولكن كان حنيفا مسلما وما كان من المشركين إن أولى الناس بإبراهيم للذين اتبعوه وهذا النبي والذين آمنوا والله ولي المؤمنين}(3/90)
ما نزل في إيمانهم غدوة وكفرهم عشيا وقال عبد الله ابن صيف وعدي بن زيد والحارث بن عوف بعضهم لبعض تعالوا نؤمن بما أنزل على محمد وأصحابه غدوة ونكفر به عشية حتى نلبس عليهم دينهم لعلهم يصنعون كما نصنع ويرجعون عن دينه فانزل الله تعالى فيهم {يا أهل الكتاب لم تلبسون الحق بالباطل وتكتمون الحق وأنتم تعلمون وقالت طائفة من أهل الكتاب آمنوا بالذي أنزل على الذين آمنوا وجه النهار واكفروا آخره لعلهم يرجعون ولا تؤمنوا إلا لمن تبع دينكم قل إن الهدى هدى الله أن يؤتى أحد مثل ما أوتيتم أو يحاجوكم عند ربكم قل إن الفضل بيد الله يؤتيه من يشاء والله واسع عليم}.
ما نزل في قول ابي رافع أتريد أن نعبدك كما تعبد النصارى عيسى وقال ابو رافع القرظي حين اجتمعت الأحبار من يهود والنصارى من اهل نجران عند رسول الله صلى الله عليه وسلم ودعاهم الى الإسلام أتريد منا يا محمد أن نعبدك كما تعبد النصارى عيسى ابن مريم وقال رجل من أهل نجران نصراني يقال له الريس ويروى الربيس والرئيس أو ذاك تريد منا يا محمد وإليه تدعونا أو كما قال : فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم معاذ الله أن أعبد غير الله أو آمر بعبادة غيره فما بذلك بعثني الله ولا أمرني أو كما قال(3/91)
فأنزل الله تعالى في ذلك من قولهما {ما كان لبشر أن يؤتيه الله الكتاب والحكم والنبوة ثم يقول للناس كونوا عبادا لي من دون الله ولكن كونوا ربانيين بما كنتم تعلمون الكتاب وبما كنتم تدرسون} الى قوله تعالى {بعد إذ أنتم مسلمون}.
قال ابن هشام الربانيون العلماء الفقهاء السادة واحدهم رباني
قال الشاعر ... لو كنت مرتهنا في القوس أفتنني ... منها الكلام ورباني أحبار 5.
قال ابن هشام القوس صومعه الراهب وأفتنن لغة تميم وفتنني لغة قيس
قال جرير ... لا وصل إذ صرمت هند ولو وقفت ... لا تستزلتني وذا المسحين في القوس
أي صومعة الراهب والربان مشتق من الرب وهو السيد وفي كتاب الله {فيسقي ربه خمرا} أي سيده.
قال ابن إسحاق {ولا يأمركم أن تتخذوا الملائكة والنبيين أربابا أيأمركم بالكفر بعد إذ أنتم مسلمون}.
ما نزل في أخذ الميثاق عليهم قال ابن اسحاق ثم ذكر ما أخذ الله عليهم وعلى أنيائهم من الميثاق بتصديقه إذ هو جاءهم وإقرارهم فقال {وإذ أخذ الله ميثاق النبيين لما آتيتكم من كتاب وحكمة ثم جاءكم رسول مصدق لما معكم لتؤمنن به ولتنصرنه قال أأقررتم وأخذتم على ذلكم إصري قالوا أقررنا قال فاشهدوا وأنا معكم من الشاهدين} إلى آخر القصة(3/92)
سعيهم في الوقيعة بين الأنصار قال ابن اسحاق ومر شأس ابن قيس وكان شيخا قد عسا عظيم الكفر شديد الضغن على المسلمين شديد الحسد لهم على نفر من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم من الأوس والخرزج في مجلس قد جمعهم يتحدثون فيه فغاظه ما اى من ألفتهم وجماعتهم وصلاح ذات بينهم على الإسلام بعد الذي كان بينهم من العداوة في الجاهلية فقال قد اجتمع ملأ بن قيلة بهذه البلاد لا والله ما لنا معهم إذا جتمع ملؤهم بها من قرار فأمر فتى شابا من يهود كان معهم فقال اعمد إليهم فاجلس معهم ثم اذكر يوم بعاث وما كان قبله وأنشدهم بعض ما كانوا تقاولوا فيه الأشعار
يوم بعاث وكان يوم بعاث يوما اقتتلت فيه الأوس والخزرج وكان الظفر فيه يومئذ للأوس على الخزرج وكان على الأوس يومئذ حضير بن سماك الأشهلي أبو أسيد بن حضير وعلى الخزرج عمرو ابن النعمان البياضي فقتلا جميعا.
قال ابن هشام قال أبو قيس بن الأسلت ... على أن قد فجعت بذي حفاظ ... فعاودني له حزن رصين
فإما تقتلون فإن عمرا ... أعض برأسه عضب سنين
وهذا البيتان في قصيدة له وحديث يوم بعاث أطول مما ذكرت وإنما منعني من استقصائه ما ذكرت من القطع(3/93)
قال ابن هشام سنين مسنون من سنة إذا شحذه.
قال ابن إسحاق ففعل فتكلم القوم عند ذلك وتنازعوا وتفاخروا حتى تواثب رجلان من الحيين على الركب أوس بن قيظي أحد من بني حارثة بن الحارث من الأوس وجبار بن صخر احد بني سلمة من الخزرج فتقاولا ثم قال أحدهما لصاحبه إن شئتم رددناها الآن جذعة فغضب الفريقان جميعا وقالوا قد فعلنا موعدكم الظاهرة والظاهرة الحرة السلاح السلاح فخرجوا إليها
فبلغ لك رسول الله صلى الله عليه وسلم فخرج إليهم فيمن معه من اصحابه المهاجرين حتى جاءهم فقال يا معشر المسلمين الله الله أبدعوى الجاهلي وأنا بين أظهركم بعد أن هداكم الله للإسلام وأكرمكم به وقطع به عنكم أمر الجاهلية واستنقذكم به من الكفر وألف به من قلوبكم فعرف أنها نزغة من الشيطان وكيد من عدوهم فبكوا وعانق الرجال من الأوس والخزرج بعضهم بعضا ثم انصرفوا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم سامعين مطيعين قد أطفأ الله عنهم كيد عدو الله شأس بن قيس فأنزل الله تعلى في شأس بن قيس وما صنع {قل يا أهل الكتاب لم تكفرون بآيات الله والله شهيد على ما تعملون قل يا أهل الكتاب لم تصدون عن سبيل الله من آمن تبغونها عوجا وأنتم شهداء وما الله بغافل عما تعملون}.
وأنزل الله في اوس بن قيظي وجبار بن صخر ومن كان معهما من قومهما الذين صنعوا ما صنعوا عما أدخل عليهم شأس من امر الجاهلية {يا أيها الذين آمنوا إن تطيعوا فريقا من الذين أوتوا الكتاب يردوكم بعد إيمانكم كافرين وكيف تكفرون وأنتم تتلى عليكم آيات الله وفيكم رسوله ومن يعتصم بالله فقد هدي إلى صراط مستقيم يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون}(3/94)
الى قوله تعالى {وأولئك لهم عذاب عظيم}
ما نزل في قولهم ما اتبع محمدا إل شرارنا قال ابن اسحاق وولما أسلم عبد الله بن سلام وثعلبة بن سعية وأسيد بن سعية وأسد بن عبيد ومن أسلم من يهود معهم فآمنوا وصدقوا ورغبوا في الإسلام ورسخوا فيه قال أحبار يهود أهل الكفر منهم ما آمن بمحمد ولا اتبعه إلا شرارنا ولو كانوا من اخيارنا ما تركوا دين آبائهم وذهبوا الى غيره فأنزل الله تعالى في ذلك من قولهم {ليسوا سواء من أهل الكتاب أمة قائمة يتلون آيات الله آناء الليل وهم يسجدون}.
قال ابن هشام آناء الليل ساعات الليل وواحدها إني قال المتنخل الهذلي واسمه مالك بن عويمر يرثي أثيله ابنه ... حلو ومر كعطف القدح شيمته ... في كل إني قضاه الليل
وهذا لبيت في قصيدة له وقال لبيد بن ربيعة يصف حمار وحش ... يطرب آناء النهار كأنه ... غوي سقاه في التجار نديم
وهذا البيت في قصيدة له ويقال اني مقصورر فيما أخبرني يونس {يؤمنون بالله واليوم الآخر ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ويسارعون في الخيرات وأولئك من الصالحين}.
ما نزل في نهي المسلمين عن مباطنة اليهود قال ابن اسحاق وكان رجال من المسلمين يواصلون رجلا من اليهود لما(3/95)
كان بينهم من الجوار والحلف فأنزل الله تعالى فيهم ينهاهم عن مباطنتهم {يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا بطانة من دونكم لا يألونكم خبالا ودوا ما عنتم قد بدت البغضاء من أفواههم وما تخفي صدورهم أكبر قد بينا لكم الآيات إن كنتم تعقلون ها أنتم أولاء تحبونهم ولا يحبونكم وتؤمنون بالكتاب كله} أي تؤمنون بكتابكم وبما مضى من الكتب قبل ذلك وهم يكفرون بكتابكم فأنتم كنتم أحق بالبغضاء لهم منهم لكم {وإذا لقوكم قالوا آمنا وإذا خلوا عضوا عليكم الأنامل من الغيظ قل موتوا بغيظكم} إلى آخر القصة
دخول ابي بكر بيت المدراس ودخل أبو بكر الصديق بيت المدراس على يهود فوجد منهم ناسا كثيرا قد اجتمعوا الى رجل منهم يقال له فنحاص وكان من علمائهم واحبارهم ومعه حبر من أحبارهم يقال له أشيع فقال ابو بكر لفنحاص ويحك يا فنحاص اتق الله وأسلم فوالله إنك لتعلم ان محمدا لرسول الله وقد جاءكم بالحق من عنده تجدونه مكتوبا عندكم في التوارة والإنجيل فقال فنحاص لأبي بكر والله يا أبا بكر ما بنا الى الله من فقر وإنه إلينا لفقير وما نتصرع إليه كما يتضرع إلينا وإنا عنه لأغنياء وما هو عنا بغني ولو كان عنا غنيا ما استقرضنا أموالنا كما يزعم صاحبكم ينهاكم عن الربا ويعطيناه ولو كان عنا غنيا ما أعطانا الربا
قال فغضب أبو بكر فضرب وجه فنحاص ضربا شديدا وقال والذي نفسي بيده لولا العهد الذي بيننا وبينكم لضربت رأسك أي عدو الله
قال فذهب فنحاص الى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال يا محمد انظر ما صنع بي صاحبك فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأبي بكر ما حملك على ما صنعت فقال ابو بكر يا رسول الله إن عدو الله قال(3/96)
قولا عظيما إنه زعم أن الله فقير وأنهم أغنياء فلما قال ذلك غضبت لله مما قال وضربت وجهه فجحد ذلك فنحاص وقال ما قلت ذلك
فأنزل الله تعالى فيما قال فنحاص ردا عليه وتصديقا لأبي بكر {لقد سمع الله قول الذين قالوا إن الله فقير ونحن أغنياء سنكتب ما قالوا وقتلهم الأنبياء بغير حق ونقول ذوقوا عذاب الحريق} ونزل في أبي بكر الصديق رضي الله عنه وما بلغه في ذلك من الغضب {ولتسمعن من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم ومن الذين أشركوا أذى كثيرا وإن تصبروا وتتقوا فإن ذلك من عزم الأمور}.
ثم قال فيما قال فنحاص والأحبار معه من يهود {وإذ أخذ الله ميثاق الذين أوتوا الكتاب لتبيننه للناس ولا تكتمونه فنبذوه وراء ظهورهم واشتروا به ثمنا قليلا فبئس ما يشترون لا تحسبن الذين يفرحون بما أتوا ويحبون أن يحمدوا بما لم يفعلوا فلا تحسبنهم بمفازة من العذاب ولهم عذاب أليم} يعني فنحاص واشيع واشباههما من الأحباء الذين يفرحون بما يصيبون من الدينا على ما زينوا للناس من الضلالة ويحبون أن يحمدوا بما لم يفعلوا أن يقول الناس علماء وليسوا بأهل علم لم يحملوهم على هدى ولا حق ويحبون أن يقول الناس قد فعلوا
أمر اليهود المؤمنين بالبخل قال ابن اسحاق وكان كردم ابن قيس حليف كعب بن الأشرف وأسامة بن حبيب ونافع بن أبي نافع وبحري بن عمرو وحيي بن أخطب ورفاعة بن زيد بن التابوت يأتون رجالا من الأنصار كانوا يخالطونهم وينتصحون لهم(3/97)
من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فييقولون لهم لا تنفقوا أموالكم فإنا نخشى عليكم الفقر في ذهابها ولا تسارعوا في النفقة فإنكم لا تدرون علام يكون
فأنزل الله فيهم {الذين يبخلون ويأمرون الناس بالبخل ويكتمون ما آتاهم الله من فضله} أي من التوراة التي فيها تصديق ما جاء به محمد صلى الله عليه وسلم {وأعتدنا للكافرين عذابا مهينا والذين ينفقون أموالهم رئاء الناس ولا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر} الى قوله {وكان الله بهم عليما}.
اليهود لعنهم الله يجحدون الحق قال ابن اسحاق وكان رفاعة بن زيد بن التابوت من عظماء يهود إذا كلم رسول الله صلى الله عليه وسلم لوى لسانه وقال ارعنا سمعك يا محمد حتى نفهمك ثم طعن في الإسلام وعابه فأنزل الله فيه {ألم تر إلى الذين أوتوا نصيبا من الكتاب يشترون الضلالة ويريدون أن تضلوا السبيل والله أعلم بأعدائكم وكفى بالله وليا وكفى بالله نصيرا من الذين هادوا يحرفون الكلم عن مواضعه ويقولون سمعنا وعصينا واسمع غير مسمع وراعنا} أي راعنا سمعك {ليا بألسنتهم وطعنا في الدين ولو أنهم قالوا سمعنا وأطعنا واسمع وانظرنا لكان خيرا لهم وأقوم ولكن لعنهم الله بكفرهم فلا يؤمنون إلا قليلا}.
وكلم رسول الله صلى الله عليه وسلم رؤساء من أحبار يهود منهم عبد الله ابن صوريا الأعور وكعب بن اسد فقال لهم يا معشر يهود اتقوا الله واسلموا فوالله إنكم لتعلمون أن الذي جئتكم به لحق قالوا ما نعرف ذلك يا محمد فجخدوا ما عرفوا وأصروا على الكفر(3/98)
فأنزل الله تعالى فيهم {يا أيها الذين أوتوا الكتاب آمنوا بما نزلنا مصدقا لما معكم من قبل أن نطمس وجوها فنردها على أدبارها أو نلعنهم كما لعنا أصحاب السبت وكان أمر الله مفعولا}.
قال ابن هشام نطمس نمسحها فنسويها فلا يرى فيها عين ولا أنف ولا فم ولا شيء بما يرى في الوجه وكذلك {فطمسنا أعينهم} المطموس العين الذي ليس بين جفنيه شق ويقال طمست الكتاب والأثر فلا يرى منه شيء قال الأخطل واسمه الغوث ابن هبيرة بن الصلت التغلبي يصف إبلا كلفها ما ذكر ... وتكليفناها كل طامسة الصوى ... شطون ترى حرباءها يتململ
وهذا لبيت في قصيدة له.
قال ابن هشام واحدة الصوى صوة والصوى الأعلام التي يستدل بها على الطرق والماء.
قال ابن هشام يقول مسحت فاستوت بالأرض فليس فيها شيء نأتىء
من حزب الأحزاب قال ابن اسحاق وكان الذين حزبوا الأحزاب من قريش وغطفان وبني قريظة حيي بن أخطب وسلام ابن ابي الحقيق أبو رافع بن والربيع بن أبي الحقيق وأبو عمار ووحوح بن عمر وهوذة بن قيس فأما وحوح وأبو عمار وهوذة فمن بني وائل وكان سائرهم من بن النضير فلما قدموا(3/99)
على قريش قالوا هؤلاء أحبار يهود وأهل العلم بالكتاب الأول فسلوهم دينكم خير أم دين محمد فسألوهم فقالو بل دينكم خير من دينه وأنتم أهدى منه وممن اتبعه فأنزل الله تعالى فيهم {ألم تر إلى الذين أوتوا نصيبا من الكتاب يؤمنون بالجبت والطاغوت}.
قال ابن هشام الجبت عند العرب ما عبد من دون الله تبارك وتعالى الطاغوت كل ما أضل عن الحق وجمع الجبت جبوت وجمع الطاغوت طواغيت.
قال ابن هشام وبلغنا عن ابن أبي نجيح أنه قال الجبت السحر والطاغوت الشيطان {ويقولون للذين كفروا هؤلاء أهدى من الذين آمنوا سبيلا}.
قال ابن اسحاق الى قوله تعالى {أم يحسدون الناس على ما آتاهم الله من فضله فقد آتينا آل إبراهيم الكتاب والحكمة وآتيناهم ملكا عظيما}.
إنكار اليهود التنزيل قال ابن اسحاق وقال سكين وعدي ابن زيد يا محمد ما نعلم أن الله أنزل على بشر من شيء بعد موسى فأنزل الله تعالى في ذلك من قولهما {إنا أوحينا إليك كما أوحينا إلى نوح والنبيين من بعده وأوحينا إلى إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب والأسباط وعيسى وأيوب ويونس وهارون وسليمان وآتينا داود زبورا ورسلا قد قصصناهم عليك من قبل ورسلا لم نقصصهم عليك وكلم الله موسى تكليما رسلا مبشرين ومنذرين لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل وكان الله عزيزا حكيما}(3/100)
ودخلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم جماعة منهم فقال لهم أما والله إنكم لتعلمون أني رسول من الله إليكم قالوا ما نعلمه وما نشهد عليه فأنزل الله تعالى في ذلك من قولهم {لكن الله يشهد بما أنزل إليك أنزله بعلمه والملائكة يشهدون وكفى بالله شهيدا}.
اتفاقهم على طرح الصخرة على رسول الله صلى الله عليه وسلم وخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى بني النضير يستعينهم في دية العامريين اللذين قتل عمرو بن أمية الضمري فلما خلا بعضهم ببعض قالوا لن تجدوا محمدا أقرب منه الآن فمن رجل يظهر على هذا البيت فيطرح عليه صخرة فيريحنا منه فقال عمرو بن جحاش بن كعب أنا فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم الخبر فانصرف عنهم فأنزل الله تعالى فيه وفيما أراد هو وقومه {يا أيها الذين آمنوا اذكروا نعمة الله عليكم إذ هم قوم أن يبسطوا إليكم أيديهم فكف أيديهم عنكم واتقوا الله وعلى الله فليتوكل المؤمنون}.
ادعائهم أنهم أحباء الله وأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم نعمان بن أضاء وبحري بن عمرو وشأس بن عدي فكلموه وكلمهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ودعاهم إلى الله وحذرهم نقمته فقالوا ما تخوفنا يا محمد نحن والله أبناء الله وأحباؤه كقول النصارى فأنزل الله تعالى فيهم {وقالت اليهود والنصارى نحن أبناء الله وأحباؤه قل فلم يعذبكم بذنوبكم بل أنتم بشر ممن خلق يغفر لمن يشاء ويعذب من يشاء ولله ملك السماوات والأرض وما بينهما وإليه المصير}.
إنكارهم نزول كتاب من بعد موسى قال ابن إسحاق ودعا رسول الله صلى الله عليه وسلم يهود إلى الإسلام ورغبهم فيه وحذرهم غير الله وعقوبته فأبوا عليه وكفروا بما جاءهم به فقال لهم معاذ بن(3/101)
جبل وسعد بن عبادة وعقبة بن وهب يا معشر يهود اتقوا الله فوالله إنكم لتعلمون أنه رسول الله لقد كنتم تذكرونه لنا قبل مبعثه وتصفونه لنا بصفته فقال رافع بن حريملة ووهب بن يهوذا ما قلنا لكم هذا قط وما انزل الله من كتاب بعد موسى ولا أرسل بشيرا ولا نذيرا بعده فأنزل الله تعالى في ذلك من قولهما {يا أهل الكتاب قد جاءكم رسولنا يبين لكم على فترة من الرسل أن تقولوا ما جاءنا من بشير ولا نذير فقد جاءكم بشير ونذير والله على كل شيء قدير}.
ثم قص عليهم خبر موسى وما لقي منهم وانتقاضهم عليه وما ردوا عليه من امر الله حتى تاهوا في الأرض أربعين سنة عقوبة
رجوعهم إلى النبي صلى الله عليه وسلم في حكم الرجم قال ابن إسحاق وحدثني ابن شهاب الزهري أنه سمع رجلا من مزينة من اهل العلم يحدث سعيد بن المسيب أن أبا هريرة حدثهم أن أحبار يهود اجتمعوا في بيت المدارس حين قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة وقد زنى رجل منهم بعد إحصانه بامرأة من يهود قد أحصنت فقالوا ابعثوا بهذا الرجل وهذه المرأة إلى محمد فسلوه كيف الحكم فيهما وولوه الحكم عليهما فإن عمل فيهما بعملكم من التجبية والتجبية الجلد بحبل من ليف مطلي بقار ثم تسود وجوههما ثم يحملان على حمارين وتجعل وجوههما من قبل أدبار الحمارين فاتبعوه فإنما هو ملك وصدقوه وإن هو حكم فيهما بالرجم فإنه نبي فاحذروه على ما في أيديكم أن يسلبكموه فأتوه فقالوا يا محمد هذا رجل قد زنى بعد إحصانه بامرأة قد أحصنت فاحكم فيهما فقد وليناك الحكم فيهما فمشى رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى أتى(3/102)
أحبارهم في بيت المدارس فقال يا معشر يهود أخرجوا إلي علماءكم فأخرج له عبدالله بن صوريا
قال ابن إسحاق وقد حدثني بعض بني قريظة أنهم قد أخرجوا إليه يومئذ مع ابن صوريا أبا ياسر بن أخطب ووهب بن يهوذا فقالوا هؤلاء علماؤنا فسألهم رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى حصل أمرهم إلى أن قالوا لعبد الله بن صوريا هذا اعلم من بقي بالتوراة.
قال ابن هشام من قوله وحدثني بعض بني قريظة إلى أعلم من بقي بالتوراة من قول ابن إسحاق وما بعده من الحديث الذي قبله
فخلا به رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان غلاما شابا من أحدثهم سنا فألظ به رسول الله صلى الله عليه وسلم المسألة يقول له يابن صوريا أنشدك الله وأذكرك بأيامه عند بني إسرائيل هل تعلم أن الله حكم فيمن زنى بعد إحصانه بالرجم في التوراة قال اللهم نعم أما والله يا أبا القاسم إنهم ليعرفون أنك لنبي مرسل ولكنهم يحسدونك قال فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم فأمر بهما فرجما عند باب مسجده في بني غنم بن مالك بن النجار ثم كفر بعد ذلك ابن صوريا وجحد نبوة رسول الله صلى الله عليه وسلم
قال ابن إسحاق فأنزل الله تعالى فيهم {يا أيها الرسول لا يحزنك الذين يسارعون في الكفر من الذين قالوا آمنا بأفواههم ولم تؤمن قلوبهم ومن الذين هادوا سماعون للكذب سماعون لقوم آخرين لم يأتوك} أي الذين بعثوا منهم من بعثوا وتخلفوا وأمروهم(3/103)
به من تحريف الحكم عن مواضعه ثم قال {يحرفون الكلم من بعد مواضعه يقولون إن أوتيتم هذا فخذوه وإن لم تؤتوه} أي الرجم {فاحذروا} الى آخر القصة.
قال ابن إسحاق وحدثني محمد بن طلحة بن يزيد بن ركانة عن اسماعيل عن ابراهيم عن ابن عباس قال أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم برجمهما فرجما بباب مسجده فلما وجد اليهودي مس الحجارة قام الى صاحبته فجنأ عليها يقيها مس الحجارة حتى قتلا جميعا
قال وكان ذلك مما صنع الله لرسوله صلى الله عليه وسلم في تحقيق الزنا منهما.
قال ابن إسحاق وحدثني صالح بن كيسان عن نافع مولى عبد الله ابن عمر عن عبد الله بن عمر قال لما حكموا رسول الله صلى الله عليه وسلم فيهما دعاهم بالتوراة وجلس حبر منهم يتلوها وقد وضع يده على آية الرجم قال فضرب عبد الله بن سلام يد الحبر ثم قال هذه يا نبي الله آية الرجم يأبى ان يتلوها عليك(3/104)
فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ويحكم يا معشر يهود ما دعاكم الى ترك حكم الله وهو بأيديكم قال فقالوا أما والله إنه قد كان فينا يعمل به حتى زنا رجل منا بعد إحصانه من بيوت الملوك وأهل الشرف فمنعه الملك من الرجم ثم زنا رجل بعده فأراد أن يرجمه فقالوا لا والله حتى ترجم فلانا فلما قالوا له ذلك اجتمعوا فأصلحة أمرهم على التجبية وأماتوا ذكر الرجم والعمل به قال فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم فأنا أول من أحيا أمر الله وكتابه وعمل به ثم أمر بهما فرجما عند باب مسجده وقال عبد الله بن عمر فكنت فيمن رجمهما
ظلمهم في الدية قال ابن اسحاق وحدثني داود بن الحصين عن عكرمة عن ابن عباس أن الآيات من المائدة التي قال الله فيها {فاحكم بينهم أو أعرض عنهم وإن تعرض عنهم فلن يضروك شيئا وإن حكمت فاحكم بينهم بالقسط إن الله يحب المقسطين} إنما نزلت في الدية بين بني النضير وبين بني قريظة وذلك أن قتلى بني النضير وكان لهم شرف يؤدون الدية كاملة وأن بني قريظة كانوا يؤدون نصف الدية فتحاكموا في ذلك الى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأنزل الله ذلك فيهم فحملهم رسول الله صلى الله عليه وسلم على الحق في ذلك فجعل الدية سواء #.
قال ابن إسحاق فالله أعلم أي ذلك كان
رغبتهم في فتنة الرسول صلى الله عليه وسلم قال ابن اسحاق وقال كعب ابن أسد وابن صلوبا وعبدالله بن صوريا وشأس بن قيس بعضهم لبعض اذهبوا بنا الى محمد لعلنا نفتنه عن دينه فإنما هو بشر فأتوه فقالوا له يا محمد إنك قد عرفت أنا أحبار يهود وأشرافهم(3/105)
وسادتهم وأنا إن اتبعناك اتبعتك يهود ولم يخالفونا وأن بيننا وبين بعض قومنا خصومة أفنحاكمهم إليك فتقضي لنا عليهم ونؤمن بك ونصدقك فأبى ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم عليهم فأنزل الله فيهم {وأن احكم بينهم بما أنزل الله ولا تتبع أهواءهم واحذرهم أن يفتنوك عن بعض ما أنزل الله إليك فإن تولوا فاعلم أنما يريد الله أن يصيبهم ببعض ذنوبهم وإن كثيرا من الناس لفاسقون أفحكم الجاهلية يبغون ومن أحسن من الله حكما لقوم يوقنون}.
إنكارهم نبوة عيسى عليه السلام قال ابن اسحاق وأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم نفر منهم أبو ياسر بن أخطب ونافع بن أبي نافع وعازر بن ابي عازر وخالد وزيد وإزار بن أبي إزار وأشيع فسألوه عمن يؤمن به من الرسل فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم نؤمن بالله وما أنزل إلينا وماأنزل الى إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب والأسباط وما أوتى موسى وعيسى وما أوتي النبيون من ربهم لا نفرق بين أحد منهم ونحن له مسلمون فلما ذكر عيسى ابن مريم جحدوا نبوته وقالوا لا نؤمن بعيسى ابن مريم ولا بمن آمن به فأنزل الله تعالى فيهم {قل يا أهل الكتاب هل تنقمون منا إلا أن آمنا بالله وما أنزل إلينا وما أنزل من قبل وأن أكثركم فاسقون}.
ادعاؤهم أنهم على الحق وأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم رافع بن حارثة وسلام بن مشكم ومالك بن الصيف وراف بن حريملة فقالوا يا محمد ألست تزعم أنك على ملة إبراهيم ودينه وتؤمن بما عندنا من التوراة وتشهد أنها من الله حق قال بلى ولكنكم أحدثتم وجحدتم ما فيها مما أخذ الله عليكم من الميثاق فيها وكتمتم منها ما أمرتم أن تبينوه للناس فبرئت من احداثكم قالوا فإنا نأخذ بما في ايدينا فإنا على الهدى والحق ولا نؤمن بك ولا نتبعك(3/106)
فأنزل الله تعالى فيهم {قل يا أهل الكتاب لستم على شيء حتى تقيموا التوراة والإنجيل وما أنزل إليكم من ربكم وليزيدن كثيرا منهم ما أنزل إليك من ربك طغيانا وكفرا فلا تأس على القوم الكافرين}.
إشراكهم بالله قال ابن اسحاق وأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم النحام ابن زيد وقردم بن كعب وبحري بن عمرو فقالوا له يا محمد أما تعلم مع الله إلها غيره فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم الله لا إله إلا هو بذلك بعثت والى ذلك أدععو فأنزل الله فيهم وفي قولهم {قل أي شيء أكبر شهادة قل الله شهيد بيني وبينكم وأوحي إلي هذا القرآن لأنذركم به ومن بلغ أئنكم لتشهدون أن مع الله آلهة أخرى قل لا أشهد قل إنما هو إله واحد وإنني بريء مما تشركون الذين آتيناهم الكتاب يعرفونه كما يعرفون أبناءهم الذين خسروا أنفسهم فهم لا يؤمنون}.
نهى الله المؤمنين عن موادتهم وكان رفاعة بن زيد بن التابوت وسويد بن الحارث قد أظهرا الإسلام ونافقا فكان رجال من المسلمين يوادونهم فأنزل الله تعلى فيهما {يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا الذين اتخذوا دينكم هزوا ولعبا من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم والكفار أولياء واتقوا الله إن كنتم مؤمنين} الى قوله {وإذا جاؤوكم قالوا آمنا وقد دخلوا بالكفر وهم قد خرجوا به والله أعلم بما كانوا يكتمون}.
سؤالهم عن قيام الساعة وقال جبل بن أبي قشير وشمويل ابن زيد لرسول الله صلى الله عليه وسلم يا محمد أخبرنا متى تقوم الساعة إن(3/107)
كنت نبيا كما تقول فأنزل الله تعالى فيهما {يسألونك عن الساعة أيان مرساها قل إنما علمها عند ربي لا يجليها لوقتها إلا هو ثقلت في السماوات والأرض لا تأتيكم إلا بغتة يسألونك كأنك حفي عنها قل إنما علمها عند الله ولكن أكثر الناس لا يعلمون}.
قال ابن هشام أيان مرساها متى مرساها قال قيس بن الحدادية الخزاعي ... فجئت ومخفى السر بيني وبينها ... لأسألها أيان من سار راجع
وهذا البيت في قصيدة له ومرساها منهاها وجمعه مراس وقال الكميت بن زيد السدي ... والمصيبين باب ما أخطا الناس ... ومرسى قواعد الإسلام
وهذا البيت في قصيدة له ومرسى السفينة حيث تنتهي وحفي عنها على التقديم والتأخير يقول يسألونك عنها كأنك حفي بهم تخبرهم بما لا تخبر به غيرهم والحفي البر المتعهد وفي كتاب الله {إنه كان بي حفيا} وجمعه أحفياء وقال أعشى بني قيس بن ثعلبة ... فأن تسألي عني فيا رب سائل ... حفي عن الأعشى به حيث أصعدا
وهذا البيت في قصيدة له والحفي أيضا المستحفي عن علم الشيء المبالغ في طلبه
ادعاؤهم أن عزيرا ابن الله قال ابن اسحاق وأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم سلام بن مشكم ونعمان بن أبي مشكم أوفى أبو أنس ومحمود ابن دحية وشأس بن قيس ومالك بن الصيف فقال له كيف(3/108)
نتبعك وقد تركت فبلتنا وأنت لا تزعم أن عزيرا ابن الله فأنزل الله عز وجل في ذلك في قولهم {وقالت اليهود عزير ابن الله وقالت النصارى المسيح ابن الله ذلك قولهم بأفواههم يضاهئون قول الذين كفروا من قبل قاتلهم الله أنى يؤفكون} الى آخر القصة.
قال ابن هشام يضاهون أي يشاكل قولهم قول الذين كفروا نحو أن تحدث بحديث فيحدث آخر بمثله فهو يضاهيك
طلبهم كتاب من السماء قال ابن اسحاق وأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم محمود بن سيحان ونعمان بن أضاء وبحري بن عمرو وعزير ابن أبي عزير وسلام بن مشكم فقالوا احق يا محمد أن هذا الذي جئت به لحق من عندالله فإنا لا نراه متسقا كما تتسق التوارة فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم أما والله إنكم لتعرفون أنه من عند الله تجدونه مكتوبا عندكم في التوارة ولو اجتمعت الإنس والجن على ان يأتوا بمثله ما جاءوا به فقالوا عند ذلك وهم جميع فنحاص وعبد الله بن صوريا وابن صلوبا وكنانة بن الربيه بن ابي الحقيق وأشيع وكعب بن أسد وشمويل بن زيد وجبلا بن سكينة يا محمد أما يعلمك هذا إنس ولا جن قال فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم أما والله إنكم لتعلمون انه من عند الله تجدون ذلك مكتوبا عندكم في التوراة فقالوا يا محمد فإن الله يصنع لرسوله إذا بعثه ما يشاء ويقدره منه على ما أراد فأنزل علينا كتابا من السماء نقرؤه ونعرفه وإلا جئناك بمثل ما تأتي به فأنزل الله تعالى فيهم وفيما قالوا {قل لئن اجتمعت الإنس والجن على أن يأتوا بمثل هذا القرآن لا يأتون بمثله ولو كان بعضهم لبعض ظهيرا}.
قال ابن هشام الظهير العون ومنه قول العرب تظاهروا عليه(3/109)
أي تعاونوا عليه قال الشاعر يا سمي النبي أصبحت للدين ... قوما وللإمام ظهيرا
أي عونا وجمعه ظهراء
سؤالهم له صلى الله عليه وسلم عن ذي القرنين قال ابن اسحاق وقال حيي بن أخطب وكعب بن اسد وأبو رافع وأشيع وشمويل بن زيد لعبد الله بن سلام حين أسلم ما تكون النبوة في العرب ولكن صاحبك ملك ثم جاءوا رسول الله صلى الله عليه وسلم فسألوه عن ذي القرنين فقص عليهم ما جاءه من الله تعالى فيه مما كان قص على قريش وهم كانوا ممن أمر قريشا أن يسألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم عنه حين بعثوا إليهم النضر بن الحارث وعقبة بن ابي معيط
تهجمهم على ذات الله قال ابن اسحاق وحدثت عن سعيد ابن جبير أنه قال أتى رهط من يهود الى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا يا محمد هذا الله خلق الخلق فمن خلق الله قال فغضب رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى انتقع لونه ثم ساورهم غضبا لربه قال فجاءه جبريل عليه السلام فسكنه فقال خفض عليك يا محمد وجاءه من الله بجواب ما سألوه عنه {قل هو الله أحد الله الصمد لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا أحد}.
قال فلما تلاها عليهم قالوا فصف لنا يا محمد كيف خلقه كيف ذراعه كيف عضده فغضب رسول الله صلى الله عليه وسلم أشد من غضبه الأول وساورهم فأتاه جبريل عليه السلام فقال له مثل ما قال له أول مرة وجاءه من الله تعالى بجواب ما سألوه يقول الله تعالى {وما قدروا الله حق قدره والأرض جميعا قبضته يوم القيامة والسماوات مطويات بيمينه سبحانه وتعالى عما يشركون}(3/110)
قال ابن إسحاق : وحدثني عتبة بن مسلم مولى بني تيم عن أبي سلمة بن عبد الرحمن عن أبي هريرة قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول يوشك الناس أن يتسأءلوا بينهم حتى يقول قائلهم هذا الله خلق الخلق فمن خلق الله فإذا قالوا ذلك فقولوا {قل هو الله أحد الله الصمد لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا أحد} ثم ليتفل الرجل عن يساره ثلاثا وليستعذ بالله من الشيطان الرجيم.
قال ابن هشام الصمد الذي يصمد إليه ويفرع إليه قالت هند بنت معبد بن نضلة تبكي عمرو بن مسعود وخالد بن نضلة عميها الأسديين وهما اللذان قتل النعمان بن المنذر اللخمي وتبنى الغريين اللذين بالكوفة عليها ... ألا بكر الناعي بخيري بني أسد ... بعمرو بن مسعود وبالسيد الصمد(3/111)
$ ذكر نصارى نجران وما أنزل الله فيهم
معنى العاقب والسيد والأسقف قال ابن اسحاق وقدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم وفد نصارى نجران ستون راكبا فيهم اربعة عشر رجلا من أشرافهم وفي الأربعة عشر منهم ثلاثة نفر إليهم يئول أمرهم العاقب أمير القوم وذو رأيهم وصاحب مشورتهم والذي لا يصدرون إلا عن رأيه واسمه عبد المسيح والسيد لهم ثمالهم وصاحب رحلهم ومجتمعهم واسمه الأيهم وابو حارثة بن علقمة أحد بني بكر بن وائل أسقفهم وحبرهم وإمامهم وصاحب مدراسهم
وكان أبو حارثة قد شرف فيهم ودرس كتبتهم حتى حسن علمه في دينهم فكانت ملوك الروم من النصرانية قد شرفوه ومولوه وأخدموه وبنوا له الكنائس وبسطوا عليه الكرامات لما يبلغهم عنه من علمه واجتهاده في دينهم(3/112)
إسلام كوز بن علقمة فلما رجعوا الى رسول الله صلى الله عليه وسلم من نجران جلس أبو حارثة على بغلة له موجها الى رسول الله صلى الله عليه وسلم والى جنبه أخ له يقال له كوز بن علقمة قال ابن هشام ويقال كرز فعثرت بغلة أبي حارثة فقال كوز تعس الأبعد يريد رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال له أبو حارثة بل وأنت تعست فقال ولم يا أخي قال والله إنه للنبي الذي كنا ننتظر فقال له كوز ما يمنعك منه وأنت تعلم هذا قال ما صنع بنا هؤلاء القوم شرفونا ومولونا وأكرمونا وقد أبوا إلا خلافه فلو فعلت نزعوا منا كل ما ترى فأضمر عليها منه أخوه كوز بن علقمة حتى اسلم بعد ذلك فهو كان يحدث عنه هذا الحديث فيما بلغني
رؤساء نجران وإسلام ابن رئيس قال ابن هشام وبلغني أن رؤساء نجران كانوا يتوارثون كتابا عندهم فكلما مات رئيس منهم فأفضت الرياسة الى غيره ختم على تلك الكتب خاتما مع الخواتم التي كانت قبله ولم يكسرها فخرج الرئيس الذي كان على عهد النبي صلى الله عليه وسلم يمشي فعثر فقال له ابنه تعس الأبعد يريد النبي صلى الله عليه وسلم فقال له أبوه لا تفعل فإنه نبى واسمه في الوضائع يعني الكتب فلما مات لم تكن لابنه همة إلا أن شد فكسر الخواتم فوجد فيها ذكر النبي صلى الله عليه وسلم فأسلم فحسن إسلامه وحج وهو الذي يقول ... إليك تعدو قلقا وضينها ... معترضا في بطنها جنينها
مخالفا دين النصارى دينها
$.
قال ابن هشام الوضين الحزام حزام الناقة وقال هشام بن عروة وزاد فيه أهل العراق ... معترضا في بطنها جنينها
$(3/113)
فأما أبو عبيدة فأنشدها فيه
صلاتهم الى جهة المشرق قال ابن اسحاق وحدثن محمد ابن جعفر بن الزبير قال لما قدموا على رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة فدخلوا عليه مسجده حين صلى العصر عليهم ثياب الحبرات جبب وأردية في جمال رجال بني الحارث بن كعب قال يقول بعض من رآهم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم يومئذ ما رأينا وفدا مثلهم وقد حانت صلاتهم فقاموا في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلون فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم دععوهم فصلوا الى المشرق
أسماؤهم ومعتقداتهم قال ابن اسحاق فكانت تسمية الأربعة عشر الذين يئول إليهم أمرهم العاقب وهو عبد المسيج والسيد وهو الأيهم وأبو حارثة بن علقمة أخو بني بكر بن وائل وأوس والحارث وزيد وقيس ويزيد ونبيه وخويلد وعمرو وخالد وعبد الله ويحنس في ستين راكبا فكلم رسول الله صلى الله عليه وسلم منهم أبو حارثة بن علقمة والعاقب عبد المسيح والأيهم السيد وهم من النصرانية على دين الملك مع اختلاف من امرهم يقولون هو الله ويقولون هو والد الله ويقولون هو ثالث ثلاثة وكذلك قو النصرانية
فهم يحتجون في قولهم هو الله بانه كان يحيى الموتى ويبرىء الأسقام ويخبر بالغيوب ويخلق من الطين كهيئة الطير ثم بنفخ فيه فيكون طائر وذلك كله بامر الله تبارك وتعالى {ولنجعله آية للناس}(3/114)
ويحتجون في قولهم إنه ولد الله بانهم يقولون لم يكن له أب يعلم وقد تكلم في المهد وهذا لم يصنعه أحد من ولد آدم قبله
ويحتجون في قولهم إنه ثالث ثلاثة بقول الله فعلنا وأمرنا وخلقنا وقضينا فيقولون لو كان واحدا ما قال إلا فعلت وقضيت وأمرت وخلقت ولكنه هو وعيسى ومريم ففي كل ذلك من قولهم قد نزل القرآن فلما كلمه الحبران قال لهما رسول الله صلى الله عليه وسلم أسلما قالا قد أسلمنا قال إنكما لم تسلما فأسلما قالا بلى قد أسملنا قبلك قال كذبتما يمنعكما من الإسلام دعاؤكما لله ولدا وعبادتكما الصليب وأكلكما الخنزير قالا فمن ابوه يا محمد فصمت عنهما رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم يجبهما
ما نزل فيهم من القرآن فأنزل الله تعالى في ذلك من قولهم واختلاف أمرهم كله صدر سورة آل عمران الى بضع وثمانين آية منها قال جل وعز {الم الله لا إله إلا هو الحي القيوم} فافتتح السورة بتنزيه نفسه عما قالوا وتوحيده إياه بالخلق والأمر لا شريك له فيه ردا عليهم ما ابتدعوا من الكفر وجعلوا معه من الأنداد(3/115)
واحتجاجا بقولهم عليهم في صاحبهم ليعرفهم بذلك ضلالتهم فقال {الم الله لا إله إلا هو} ليس معه غيره شريك في أمره {الحي القيوم} الحي الذي لا يموت وقد مات عيسى وصلب في قولهم والقيوم القائم على مكانه من سلطانه في خلقه لا يزول وقد زال عيسى في قولهم عن مكانه الذي كان به وذهب عنه الى غيره
{نزل عليك الكتاب بالحق} أي بالصدق فيما اختلفوا فيه {وأنزل التوراة والإنجيل} التوراة على موسى والإنجيل على عيسى كما أنزل الكتب على من كان قبله {وأنزل الفرقان} أي الفصل بين الحق والباطل فيما اختلف فيه الاحزاب من أمر عيسى وغيره
{إن الذين كفروا بآيات الله لهم عذاب شديد والله عزيز ذو انتقام} أي أن الله منتقم ممن كفر بآياته بعد علمه بها ومعرفته بما جاء منه فيها
{إن الله لا يخفى عليه شيء في الأرض ولا في السماء} أي قد علم ما يريدون وما يكيدون وما يضاهون بقولهم في عيسى إذ جعلوه إلها وربا وعندهم من علمه غير ذلك غرة بالله وكفرا به
{هو الذي يصوركم في الأرحام كيف يشاء} أي قد كان عيسى ممن صور في الأرحام لا يدفعون ذلك ولا ينكرونه كما صور غيره من ولد آدم فكيف يكون إلها وقد كان بذالك المنزل
ثم قال تعالى إنزاها لنفسه وتوحيدا لها مما جعلوا معه {لا إله إلا هو العزيز الحكيم} العزيز في انتصاره ممن كفر به إذا شاء الحيكم في حجته وعذره الى عباده(3/116)
{هو الذي أنزل عليك الكتاب منه آيات محكمات هن أم الكتاب} فهن جحة الرب وعصمة العباد ودفع الخصوم والباطل ليس لهن تصريف ولا تحريف عما وضعن عليه {وأخر متشابهات} لهن تصريف وتأويل ابتلى الله فيهن العباد كما اتبلاهم في الحلا والحرام أل ايصرفن الى الباطل ولا يحرفن عن الحق
يقول عز وجل {فأما الذين في قلوبهم زيغ} أي ميل عن الهدى {فيتبعون ما تشابه منه} أي ما تصرف منه ليصدقوا به(3/117)
ما ابتدعوا وأحدثوا لتكون لهم حجة ولهم على ما قالوا شبهة {ابتغاء الفتنة} أي اللبس {وابتغاء تأويله} ذلك على ما ركبوا من الضلالة في قولهم خلقنا وقضينا يقول {وما يعلم تأويله} أي الذي به أرادوا ما أرادوا {إلا الله والراسخون في العلم يقولون آمنا به كل من عند ربنا} فكيف يختلف وهو قول واحد من رب واحد ثم ردوا تأويل المتشابه على ما عرفوا من تأويل المحكمة التي لا تأويل لأحد فيها إلا تأويل واحد واتسق بقولهم الكتاب وصدق بعضه بعضا فنفذت به الحجة وظهر به العذر وزاح به الباطل ودمغ به الكفر
يقول الله تعالى في مثل هذا {وما يذكر} في مثل هذا {إلا أولوا الألباب ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا} أي لا تمل قلوبنا وإن ملنا يأحداثنا {وهب لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب}.
ثم قال {شهد الله أنه لا إله إلا هو والملائكة وأولو العلم} بخلاف ما قالوا {قائما بالقسط} أي بالعدل فيما يريد {لا إله إلا هو العزيز الحكيم إن الدين عند الله الإسلام} أي ما أنت عليه يا محمد التوحيد للرب والتصديق للرسل {وما اختلف الذين أوتوا الكتاب إلا من بعد ما جاءهم العلم} أي الذي جاءك أي أن الله الواحد الذي ليس له شريك {بغيا بينهم ومن يكفر بآيات الله فإن الله سريع الحساب فإن حاجوك} أي بما يأتون به من(3/118)
الباطل من قولهم خلفنا وفعلنا وأمرنا فأنما هي شبهة باطل قد عرفوا ما فيها من الحق {فقل أسلمت وجهي لله} أي وحده {ومن اتبعن وقل للذين أوتوا الكتاب والأميين} الذين لا كتاب لهم {أأسلمتم فإن أسلموا فقد اهتدوا وإن تولوا فإنما عليك البلاغ والله بصير بالعباد}.
ما نزل من القرآن فيما اتبعه اليهود والنصارى ثم جمع أهل الكتابين جميعا وذكر ما أحدثوال وما ابتدعوا من اليهود والنصارى فقال {إن الذين يكفرون بآيات الله ويقتلون النبيين بغير حق ويقتلون الذين يأمرون بالقسط من الناس} الى قوله {قل اللهم مالك الملك} أي رب العباد والملك الذي لا يقضي فيهم غيره {تؤتي الملك من تشاء وتنزع الملك ممن تشاء وتعز من تشاء وتذل من تشاء بيدك الخير} أي لا إله غيرك {إنك على كل شيء قدير} 6 اي لا يقدر على هذا غيرك بسطانك وقدرتك {تولج الليل في النهار وتولج النهار في الليل وتخرج الحي من الميت وتخرج الميت من الحي} تبلك القدرة {وترزق من تشاء بغير حساب} لا يقدر على ذلك غيرك ولا يصنعه إلا أنت أي فإن كنت سلطت عيسى على الأشياء التي بها يزعمون أنه إله من أحياء الموتي وإبراء الأسقام والخلق للطير من الطين والإخبار عن الغيوب لأجعله به آية للناس وتصديقا له في نبوته التي بعثته بها الى قومه فإن من سلطاني وقدرتي ما لم أعطه تمليك الملوك بامر النبوة ووضعهاا حيث شئت وإبلاج الليل في النهار والنهار في الليل وإخراج الحي من الميت وإخراج الميت من الحي ورزق من شئت من بر أو فاجر بغير حساب فكل ذلك لم أسلط عيسى عليه ولم أملكه إياه أفلم تكن لهم في ذلك عبرة وبينة أن لو كان ذلك(3/119)
كله إليه وهو في علمهم يهرب من الملوك وينتقل منهم في البلاد من بلد الى بلد
ما نزل من القرآن في وعظ المؤمنن وتحذيرهم ثم وعظ المؤمنين وحذرهم ثم قال {قل إن كنتم تحبون الله} أي إن كان هذا من قولكم حقا حبا لله وتعظيما له {فاتبعوني يحببكم الله ويغفر لكم ذنوبكم} أي ما مضى من كفركم {والله غفور رحيم قل أطيعوا الله والرسول} فأنتم تعرفونه وتجدونه في كتابكم {فإن تولوا} أي على كفرهم {فإن الله لا يحب الكافرين}.
ما نزل في حلق عيسى وخبر مريم وزكريا ثم استقبل لهم امر عيسى عليه السلام وكيف كان في بدء ما أراد الله به فقال {إن الله اصطفى آدم ونوحا وآل إبراهيم وآل عمران على العالمين ذرية بعضها من بعض والله سميع عليم} ثم ذكر أمر أمرأة عمران وقولها {رب إني نذرت لك ما في بطني محررا} أي نذرته فجعلته عتيقا تعبده لله لا ينتفح به لشيء من الدينا {فتقبل مني إنك أنت السميع العليم فلما وضعتها قالت رب إني وضعتها أنثى والله أعلم بما وضعت وليس الذكر كالأنثى} أي ليس الذكر كالأنثى كما جعلتها محررا لك نذيرة {وإني سميتها مريم وإني أعيذها بك وذريتها من الشيطان الرجيم} يقول الله تبارك وتعالى {فتقبلها ربها بقبول حسن وأنبتها نباتا حسنا وكفلها زكريا} بعد أبيها وأمها(3/120)
قال ابن هشام كفلها ضمها
خبر زكريا ومريم عليهما السلام قال ابن اسحاق فذكرها باليتم ثم قص خبرها وخبر زكريا وما دعا به وماأعطاه إذ وهب له يحيى ثم ذكر مريم وقول الملائكة لها {يا مريم إن الله اصطفاك وطهرك واصطفاك على نساء العالمين يا مريم اقنتي لربك واسجدي واركعي مع الراكعين} يقول الله عز وجل {ذلك من أنباء الغيب نوحيه إليك وما كنت لديهم} أي ما كنت معهم {إذ يلقون أقلامهم أيهم يكفل مريم}.
قال ابن هشام أقلامهم سهامهم يعني قداحهم التي استهموا بها عليها فخرج فدح زكريا فضمها فيما قال الحسن بن ابي الحسن البصري
كفالة جريج مريم قال ابن اسحاق كفلها هاهنا جريج الراهب رجل من بني إسرائل نجار خرج السهم عليه بحملها فحملها وكان زكريا قد كفلها فيل ذلك فأصابت بني إسرائل أزمة شديدة فعجر زكريا عن حملها فاستهموا عليها أيهم يكفلها فخرج السهم على جريج الراهب بكفولها فكفلها {وما كنت لديهم إذ يختصمون} أي ما كنت معهم إذ يختصمون فيها يخبره بخفي ما كتموا عنه من العللم عندهم لتحقيق نبوته والحجة عليهم بما يأتيهم به بما اخفوا منه
ثم قال {إذ قالت الملائكة يا مريم إن الله يبشرك بكلمة منه اسمه المسيح عيسى ابن مريم} أي هكذا كان امره لا كما تقولون فيه {وجيها في الدنيا والآخرة} أي عند الله {ومن المقربين ويكلم الناس في المهد وكهلا ومن الصالحين} يخبرهم بحالاته(3/121)
التي بتقلبوا فيها في عمره كتقلب بن آدم في أعمارهم صغارا وكبارا إلا أن الله خصه بالكلام في مهده آية لنبوته وتعريفا للعباد بمواقع قدرته {قالت رب أنى يكون لي ولد ولم يمسسني بشر قال كذلك الله يخلق ما يشاء} أي يصنع ما أراد ويخلق ما يشاء من بشر أو غير بشر {إذا قضى أمرا فإنما يقول له كن} مما يشاء وكيف شاء {فيكون} كما أراد
ثم أخبرها بما يريد به فقال ويعلمه الكتاب والحكمة والتوراة التي كانت فيهم من عهد موسى قبله {والإنجيل} كتابا آخر أحدثه الله عز وجل إليه لم يكن عندهم إلا ذكره أنه كائن من الأنبياء بعده {ورسولا إلى بني إسرائيل أني قد جئتكم بآية من ربكم} أي يحقق بها نبوتي أني رسول الله منه إليكم {أني أخلق لكم من الطين كهيئة الطير فأنفخ فيه فيكون طيرا بإذن الله} الذي بعثني إليكم وهو ربكم {وأبرئ الأكمه والأبرص}.
قال ابن هشام الأكمه الذي يولد أعمى قال رؤبة بن العجاج ... هرجت فارتد اراتداد الأكمه
وجمعه كمه.
قال ابن هشام هرجت صحت بالأسد وجبلت عليه وهذا البيت في أرجوزة له
{وأحيي الموتى بإذن الله وأنبئكم بما تأكلون وما تدخرون في بيوتكم إن في ذلك لآية لكم} أين رسول الله من الله إليكم {إن كنتم مؤمنين ومصدقا لما بين يدي من التوراة} أي لما سبقني عنها {ولأحل لكم بعض الذي حرم عليكم} أي أخبركم(3/122)
به أنه كان عليكم حراما فتركتموه ثم أحله لكم تخفيفا عنكم فتصيبون يسره وتخرجون من تباعاته {وجئتكم بآية من ربكم فاتقوا الله وأطيعون إن الله ربي وربكم} أي تبريا من الذي يقولون فيه واحتجاجا لربه عليهم {فاعبدوه هذا صراط مستقيم} أي هذا الذي قد حملتكم عليه وجئتكم به {فلما أحس عيسى منهم الكفر} والعداون عليه {قال من أنصاري إلى الله قال الحواريون نحن أنصار الله آمنا بالله} هذا قولهم الذي أصابوا به الفضل من ربهم {واشهد بأنا مسلمون} لا ما يقول هؤلاء الذين يحاجونك فيه {ربنا آمنا بما أنزلت واتبعنا الرسول فاكتبنا مع الشاهدين} اي هكذا كان قولهم وإيمانهم
رفع عيسى عليه السلام ثم ذكر سبحانه وتعالى رفعه عيسى إليه حين اجتمعوا لقتله فقال {ومكروا ومكر الله والله خير الماكرين}.
ثم أخبرهم ورد عليهم فيما أقروا لليهود بصلبه كيف رفعه وطهره منهم فقال {إذ قال الله يا عيسى إني متوفيك ورافعك إلي ومطهرك من الذين كفروا} إذ هموا منك بما هموا {وجاعل الذين اتبعوك فوق الذين كفروا إلى يوم القيامة} ثم القصة حتى انتهى الى قوله {ذلك نتلوه عليك} يا محمد {من الآيات والذكر الحكيم} القاطع الفاصل الحق الذي لا يخالطه الباطل من الخبر عن عيسى وعما اختلفوا فيه من أمره فلا تقبلن خبرا غيره(3/123)
{إن مثل عيسى عند الله} فاستمع {كمثل آدم خلقه من تراب ثم قال له كن فيكون الحق من ربك} أي ما جاءك من الخبر عن عيسى {فلا تكن من الممترين} أي قد جاءك الحق من ربك فلا تمترين فيه وإن قالوا خلق عيسى من غير ذكر فقد خلقت آدم من تراب بتلك القدرة من غير أنثى ولا ذكر فكان كما كان عيسى لحما ودما وشعرا وبشرا فليس خلق عيسى من غير ذكر بأعجب من هذا {فمن حاجك فيه من بعد ما جاءك من العلم} أي من بعد ما قصصت عليك من خبره وكيف كان أمره {فقل تعالوا ندع أبناءنا وأبناءكم ونساءنا ونساءكم وأنفسنا وأنفسكم ثم نبتهل فنجعل لعنة الله على الكاذبين}.
قال ابن هشام قال ابو عبيد نبتهل ندعو باللعنة قال أعشى بني قيس بن ثعلبة ... لا تقعدن وقدأكلتها حطبا ... نعود من شرها يوما ونبتهل
وهذا البيت في قصيدة له يقول ندعو باللعنة وتقول العرب(3/124)
بهل الله فلانا أي لعنه وعليه بهلة الله قال ابن هشام ويقال بهلة الله أي لعنة الله ونبتهل ايضا نجتهد في الدعاء.
قال ابن إسحاق {إن هذا} الي جئت به من الخبر عن عيسى {لهو القصص الحق} من امره {وما من إله إلا الله وإن الله لهو العزيز الحكيم فإن تولوا فإن الله عليم بالمفسدين قل يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم ألا نعبد إلا الله ولا نشرك به شيئا ولا يتخذ بعضنا بعضا أربابا من دون الله فإن تولوا فقولوا اشهدوا بأنا مسلمون} فدعاهم الى النصف وقطع عنهم الحجة
إباؤهم الملاعنة فلما أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم الخبر من الله عنه والفصل من القضاء بينه وبينهم وأمر بما أمر به من ملاعنتهم إن ردوا ذلك عليه داعاهم الى ذلك فقالوا له يا أبا القاسم دعنا ننظر في امرنا ثم نأتيك بما نريد أن نفعل فيما دعوتنا إليه فانصرفوا عنه ثم خلوا بالعاقب وكان ذا رأيهم فقالوا يا عبد المسيح ماذا ترى فقال والله أيا معشر النصارى لقد عرفتم أن محمدا للنبي مرسل ولقد جاءكم بالفصل من خبر صاحبكم ولقد علمتم ما لاعن قوم نبيا قط فبقي كبيرهم ولا نبت صغيرهم وإنه الاستئصال منكم إن فعلتم فإن كنتم قد أبيتم إلا إلف دينكم والإقامة على ما أنتم عليه من القول في صاحبكم فوادعوا الرجل ثم انصرفوا الى بلادكم فأتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا يا ابا القاسم قد رأينا ألا نلاعنك وأن نتركك على دينك ونرجع على ديننا ولكن أبعث معنا رجلا من اصحابك ترضاه لنا يحكم بيننا في أشياء اختلفنا فيها من أموالنا فإنكم عندنا رضا(3/125)
أبو عبيدة يتولى أمرهم قال محمد بن جعفر بن جعفر فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ائتوني العشية أبعث معكم القوي الأمين قال فكان عمر بن الخطاب يقول ما أحببت الإمارة قط حبي إياها يومئذ رجاء أن أكون صاحبها فرحت الى الظهر مهجرا فلما صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم الظهر سلم ثم نظر عن يمينه وعن يساره فجعلت أتطاول له ليران فلم يزل يلتمس ببصره حتى رأى ابا عبيدة بن الجراح منعاه فقال اخرج معهم فاقض بينهم بالحق فيما اختلفوا فيه قال عمر فذهب بها أبو عبيدة
أخبار عن المنافقين
شقاء عبدالله بن ابي وأبي عامر بن صيفي قال ابن اسحاق وقدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة كما حدثني عاصم بن عمر بن قتادة وسيد أهلها عبد الله بن أبي ابن سلول العوفي ثم أحد بن الحبلى لا يختلف عليه في شرف من فومه اثنان لم تجتمع(3/126)
الأوس والخزرج قلبه ولا بعده على رجل من احد الفريقين حتى جاء الإسلام غيره ومعه في الأوس رجل هو في قومه من الأوس شريف مطاع أبوة عامر عبد عمرو بن صيفي بن النعمان أحد بن ضبيعة بن زيد وهو أبو حنظلة الغسيل يوم احد وكان قد ترهب في الجاهلية ولبس المسوح وكان يقال له الراهب فشقيا بشرفهما وضرهما
نفاق ابن ابي فأما عبد الله بن ابي فكان قومه قد نظموا له الخرز ليتوجوه ثم يملكوه عليهم فجاءهم الله تعالى برسوله صلى الله عليه وسلم(3/127)
وهم على ذلك فلما انصرف قومه عنه الى الإسلام ضغن ورأى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد استلبه ملكا فلما رأى قومه قد أبوا إلا الإسلام دخل فيه كارها مصرا على نفاق وضغن
كفر أبي عامر بن صيفي وأما أبو عامر فأبي إلا الكفر والفراق لقومه حين اجتمعوا على الإسلام فخرج منهم الى مكة ببضعة عشر رجلا مفارقا للإسلام ولرسلو الله صلى الله عليه وسلم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم كما حدثني محمد بن ابي أمامة عن بعض آل حنظلة بن أبي عامر لا تقولوا الراهب ولكن قولوا الفاسق
جزاء بن صيفي لتعريضه به صلى الله عليه وسلم قال ابن اسحقا وحدثني جعفر بن عبد الله بن ابي الحكم وكان قد أدرك وسمع وكان راوية انا أبا عامر اتى رسول الله صلى الله عليه وسلم حين قدم المدينة قبل أن يخرج الى مكة فقال ما هذا الدين الذي حئت به فقال جئت بالحنيفية دين إبراهيم قال فأنا عليها فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم إنك لست عليها قال بلى قال إنك أدخلت يا محمد في الحنيفية ما ليس منها قال ما فعلت ولكني جئت بها بيضاء نقية قال الكاذب أماته الله طريدا غريبا وحيدا يعرض برسول الله صلى الله عليه وسلم أي انك جئت بها كذلك قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أجل فمن كذب ففعل الله تعالى ذلك به فكان هو ذلك عدو الله خرج الى مكة فلما افتتح رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة خرج الى الطائف فلما اسلم أهل الطائف لحق بالشام فمات بها طريدا غريبا وحيدا
الاختصام في ميراثه الى قيصر وكان قد خرج معه علقمة ابن علاثة بن عوف بن الأحوص بن جعفر بن كلاب وكنانة بن(3/128)
عبد ياليل عمرو بن عمر الثقفي فلما مات اختصما في مراثه الى قيصر صاحب الروم فقال قيصر يرث أهل المدر أهل المدر ويرث أهل الوبر أهل الوبر فورثه كنانة بن عبد ياليل بالمدر دون علقمة
قال كعب بن مالك لأبي عمار فيما صنع ... معاذ الله من عمل خبيث ... كسعيك في العشيرة عبد عمرو
فما قلت لي شرف ونخل ... فقدما بعث إيمانا بكفر.
قال ابن هشام ويروي ... فإما قلت لي شرف ومال.
قال ابن إسحاق وأما عبد الله بن ابي فأقام على شرفه في قومه مترددا حتى غلبه الإسلام فدخل فيه كارها
تعرض ابن ابي له صلى الله عليه وسلم وغضب قومه منه قال ابن اسحاق فحدثني محمد بن مسلم الزهري عن عروة بن الزبير عن اسامة ابن زيد بن حارثة حب رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ركب رسول الله صلى الله عليه وسلم الى سعد بن عبادة يعوده من شكو أصابه على حمار عليه إكاف فوقه قطيفة فدكية مختطمة بحبل من ليف وأردفني(3/129)
رسول الله صلى الله عليه وسلم خلفه قال فمر بعبد الله بن أبي وهو في ظل مزاحم اطمه.
قال ابن هشام مزاحم اسم الأطم.
قال ابن إسحاق وحوله رجال من قومه فلما رآه رسول الله تذمم من أن يجاوزه حتى ينزل فنزل فسلم ثم جلس قليلا فتلا القرآن ودعا الى الله عز وجل وذكر بالله وحذر وبشر وأنذر قال وهو زام لا يتلكم حتى إذا فرغ رسول الله صلى الله عليه وسلم من مقالته قال يا هذا إنه لا أحسن من حديثك هذا إن كان حقا فاجلس في بيتك فمن جاءك له فحدثه إياه ومن لم يأتك فلا تغته به ولا تأته في مجلسه بما يكره منه
قال قال عبد الله بن رواحة في رجال كانوا عنده من المسلمين بلى فاغشنا به وائتنا في مجالسنا ودورنا وبيوتنا فهو والله ما نحب ومما أكرمنا الله به وهدانا له فقال عبد الله بن أبي حين رأى من(3/130)
خلافهس قومه ما رأى ... متى ما يكن مولاك خصمك لا تزل ... تذل ويصرعك الذين تصارع
وهل ينهض البازى بغير حناحه ... وإن جذ يوما ريشه فهو واقع.
قال ابن هشام البيت الثاني عن غير ابن اسحاق
غضبه صلى الله عليه وسلم من قوله ابن ابي قال ابن اسحاق وحدثني الزهري عن عروة بن الزبير عن اسامة قال وقام رسول الله صلى الله عليه وسلم فدخل على سعد بن عبادة وفي وجهه ما قال عدو الله ابن ابي فقال والله يا رسول الله إني لأرى في وجهك شيئا لكأنك سمعت شيئا تكرهه قال أجل ثم أخبره بما قال ابن أبي فقال سعد يا رسول الله ارفق به فوالله لقد جاءنا الله بك وإنا لننظم له الخرز لنتوجه فوالله إنه ليرى أن قد سلبته ملكا(3/131)
$ ذكر من اعتل من اصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد الهجرة
مرض أبي بكر وبلال وعامر بن فهيرة قال ابن اسحاق وحدثني هشام بن عروة وعمر بن عبدالله بن عروة عن عروة ابن الزبير عن عائشة رضي الله عنها قالت لما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة قدمها وهي أوبأ اأرض الله من الحمى فأصاب أصحابه منها بلاء وسقم فصرف الله تعالى ذلك عن نبيه صلى الله عليه وسلم
قالت فكان أبو بكر وعمر بن فهيرة وبلال موليا أبي بكر مع أبي بكر في بيت واحد فأصابيتهم الحمى فدخلت عليهم أعودهم وذلك قبل ان يضرب علينا الحجاب وبهم ما لا يعلمه إلا االله من شدة الوعك فدنوت من أبي بكر فقلت له كيف تجدك يا أبت فقال ... كل امرىء مصبح في اهله ... والموت أدنى من شراك نعله
قالت فقلت والله ما يدري أبي ما يقول قالت ثم دنوت الى عامر بن فهيرة فقلت له كيف تجدك يا عامر فقال ... لقد وجدت الموت قبل ذوقه ... إن الجبان حتفه من فوقه
كل امرىء مجاهد بطوقه ... كالثور يحمي جلده بروقه
بطوقه يريد بطاقته فيما قال ابن هشام قالت فقلت والله ما يدري عامر ما يقول قالت وكان بلال إذا تركته الحمى اضطجع بفناء البيت ثم رفع عقيرته فقال(3/132)
ألا ليت شعري هل أبيتن ليلة ... بفخ وحولي إذخر وجليل
وهل اردن يوما مياه مجنة ... وهل يبدون لي شامة وطفيل
قال ابن هشا شامة وطفيل جبلان بمكة
دعاء الرسول صلى الله عليه وسلم بنقل وباء المدينة الى مهيعة قالت عائشة رضي الله عنها فذكرت لرسول الله صلى الله عليه وسلم ما سمعت منهم فقلت إنهم ليهذون وما يعقلون من شدة الحمى قالت فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم اللهم حبب إلينا المدينة كما حببت إلينا مكة أو أشد وبارك لنا في مدها وصاعها وانقل وباءها الى مهيعة ومهيعة الجحفة.
قال ابن إسحاق وذكر ابن شهاب الزهري عن عبد الله بن عمرو بن العاص أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما قدم المدينة هو وأصحابه أصابتهم حمى المدينة حتى جهدوا مرضا وصرف الله تعالى ذلك عن نبيه صلى الله عليه وسلم حتى كانوا ما يصلون إلا وهم قعود قال فخرج عليهم رسول الله صلى الله عيه وسلم وهم يصلون كذلك فقال لهم اعلموا أن(3/133)
صلاة القاعد على النصف من صلاة القائم فتجشم قال المسلمون القيام على ما بهم من الصعف والسقم التماس الفضل
بدء قتال المشركين قال ابن اسحاق ثم إن رسول الله صلى الله عليه وسلم تهيا لحربه قام فيما أمره الله به من جهاد عدوه وقتال من أمره الله به ممن يليه من المشركن مشركي العرب وذلك بعد ان بعثه الله تعلى بثلاث عشرة سنة(3/134)
$ تاريخ الهجرة
بالإسناد المتقدم عن عبد الملك بن هشام قال حدثنا زياد بن عبد الله البكائي عن محمد بن إسحاق المطلبي قال قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة يوم الأثنين حين اشتد الضحاء وكادت الشمس تعتدل لثنتي عشرة ليلة مضت من شهر ربيع الأول وهو التاريخ فيما قال ابن هشام
عمره صلى الله عليه وسلم حين الهجرة قال ابن اسحاق ورسول الله صلى الله عليه وسلم يومئذ ابن ثلاث وخمسين سنة وذلك بعد أن بعثه الله عز وجل بثلاث عشرة سنة فأقام بها بقية شهر ربيع الأول وشهر ربيع الآخر وجماديين ورجبا وشعبان وشهر رمضان وشوال وذا القعدة وذا الحجة وولى تلك الحجة المشركون والمحرم ثم خرج غازيا في صفر على رأس اثنى عشر شهرا من مقدمه المدينة
غزوة ودان وهي أول غزواته عليه الصلاة والسلام $.
قال ابن هشام واستعمل على المدينة سعد بن عبادة.
قال ابن إسحاق حتى بلغ ودان وهي غزوة الأبواء يريد قريشا وبني ضمرة بن بكر بن عبد مناة بن كانة فوادعته فيها بنو ضمرة وكان الذي وادعه منهم عليهم مخشي بن عمرو الضمري وكان سيدهم في زمانه ذلك ثم رجع رسول الله صلى الله عليه وسلم الى المدينة ولم يلق كيدا فأقام بها بقية صفر وصدرا من شهر ربيع الأول قال بن هشام وهي أول غزوة غزاها(3/135)
$ سرية عبيدة بن الحارث وهو راية عقدها عليه الصلاة والسلام
أول سهم رمى به في الإسلام قال ابن اسحاق وبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم في مقامه ذاك بالمدينة عبيدة بن الحارث بن المطلب ابن عبد مناف بن قصي في ستين أو ثمانين راكبا من المهاجرين ليس فيهم من الأنصار أحد فسار حتى بلغ ماء بالحجاز بأسفل ثنية المرة فلقي بها جمعا عظيما من قريش فلم يكن بينهم قتال إلا أن سعد بن أبي وقاص قد رمى يومئذ بسهم فكان اول سهم رمى به في الإسلام
من فر من المشركين الى المسلمين في هذه السرية ثم انصرف القوم عن القوم وللسلمين حامية وفر من المشركين الى المسلمين المقداد بن عمرو البهراني حليف بني زهرة وعتبة ابن غزوان بن جابرالمازني حليف بني نوفل بن عبد مناف وكانا مسلمين ولكنهما خرجا ليتوصلا بالكفار وكان على القوم عكرمة ابن ابي جهل.
قال ابن هشام حدثني ابن أبي عمرو بن العلاء عن أبي عمرو المدني أنه كان عليهم مكرز بن حفص بن الأخيف أحد بن معيص بن عامر بن لؤي بن غالب بن فهر(3/136)
شعر أبي بكر في هذه السرية قال ابن اسحاق فقال ابو بكر الصديق رضي الله عنه في غزوة عبيدة بن الحارث قال ابن هشام وأكثر أهل العلم بالشعر ينكر هذه القصيدة لأبي بكر رضي الله عنه ... أمن طيف سلمى بالبطاح الدمائث ... أرقت وأمر في العشيرة حادث
ترى من لؤي فرقة لا يصدها ... عن الكفر تذكير ولا بعث باعث
رسول أتاهم صادق فتكذبوا ... عليه وقالوا لست فينا بماكث
إذا ما دعوناهم الى الحق أدبروا ... وهروا هرير المجحرات اللواهث
فكم قد متتنا فيهم بقرابة ... وترك التقي شيء لهم غير كارث
فإن يرجعوا عن كفرهم وعقوقهم ... فما طيبات الحل مثل الخبائث
وإن يركبوا طغيانهم وضلالهم ... فليس عذاب الله عنهم بلابث
ونحن أناس من ذؤابة غالب ... لنا العز منها في الفروع الأثائث
فأولي برب الراقصات عشية ... حراجيج تحدي في السريح الرثائث
كأدم ظباء حول مكة عكف ... يردن حياض البئر ذات النبائث
لئن لم يفيقوا علجلا من ضلالهم ... ولست إذا آليت قولا بحانث(3/137)
لتبتدرنهم غارة ذات مصدق ... تحرم أطهار النساء الطوامث
تغادر قتلى تعصب الطير حولهم ... ولا ترأف الكفار رأف ابن حارث
فأبلغ بن سهم لديك رسالة ... وكل كفور يبتغي الشر باحث
فإن تشعثوا عرضي على سوء رأيكم ... فإني من أعراضكم غير شاغث
ابن الزبعري يرد على ابي بكر فأجابه عبد الله بن الزبعيري السهمي فقال ... أمن رسم دار افقرت بالعثاعث ... بكيت بعين دمعها غير لابث
ومن عجب الأيام والدهر كله ... له عجب من سابقات وحادث
لجيش أتانا ذي عرام يقوده ... عبيدة يدعي في الهياج ابن حارث
لنترك أصناما بمكة عكفا ... مواريث موروث كريم لوراث
فلما لقيناهم بسمر ردينة ... وجرد عتاق في العجاج لواهث
وبيض كان الملح فوق متونها ... بأيديي كماة كالليوث العوائث
نقيم بها إصعار من كان مائلا ... ونشقي الذحول عاجلا غير لابث
فكفوا على خوف شديد وهيبة ... وأعجبهم أمر لهم أمر رائث
ولو انهم لم يفعلوا ناح نسوة ... أيامى لهم من بين نسء وطامث(3/138)
وقد غودرت قتلى يخبر عنهم ... حفي بهم أو غافل غير باحث
فأبلغ أبا بكر لديك رسالة ... فما أنت عن أعراض فهر بماكث
ولما تجب مني يمين غليظة ... تجدد حربا حلفة غير حانث.
قال ابن هشام تركنا منها بيت واحدا وأكثر أهل العلم بالشعر ينكر هذه القصيدة لابن الزبعري
سعد بن أبي وقاص يذكر رميته في هذه السرية قال ابن اسحاق وقال سعد بن ابي وقاص في رميته تلك فيما يذكرون ... الا هل أتى رسول الله أنى ... حميت صحابتي بصدور نبلي
أذود بها أوائلهم ذيادا ... بكل حزونة وبكل سهل
فما يعتد رام في عدو ... بسهم يا رسول الله قبلي
وذلك أن دينك دين صدق ... وذو حق أتيت به وعدل
ينجى المؤمنون به ويجزي ... به الكفار عند مقام مهل
فمهلا قد غويت فلا تعبني ... غوي الحي ويحك يابن جهل.
قال ابن هشام وأكثر أهل العم بالشعر ينكرها لسعد
أول راية في الإسلام قال ابن اسحاق فكانت راية عبيدة ابن الحارث فيما بلغني أول راية عقدها رسول الله صلى الله عليه وسلم في الإسلام لأحد من المسلمين وبعض العلماء يزعم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعثه حين أقبل من غزوة الأبواء قبل أن يصل الى المدينة(3/139)
$ سرية حمزة الى سيف البحر
ما فعلته هذه السرية وبعث في مقامه ذلك حمزة بن عبد الملطب بن هاشم الى سيف البحر من ناحية الحيص في ثلاثين راكبا من المهاجرين وليس فيهم من الأنصا أحد فلقي أبا جهل ابن هشام بذلك الساحل في ثلاث مئة راكب من اهل مكة فحجز بينهم مجدي بن عمرو الجهني وكان موادعا للفريقين جميعا فانصرف بعض القو عن بعض ولم يكن بينهم قتال
من قال غن أول راية كانت لحمزة رضي الله عنه وبعض الناس يقول كانت راية حمزة أول راية عقدها رسول الله صلى الله عليه وسلم لأحد من المسلمين وذلك أن بعثه وبعث عبيدة كانا معا فشبه ذلك على الناس وقد زعموا ان حمزة قد قال في ذلك شعرا يذكر فيه أن رايته اول راية عقدها رسول الله صلى الله عليه وسلم فإن كان حمزة قد قال ذلك فقد صدق إن شاء الله لم يكن يقول إلا حقا فالله أعلم أي ذلك كان فاما ما سمعنا من أهل العلم عندنا فعبيدة بن الحارث أول من عقد له فقال حمزة في ذلك فيما يزعمون.
قال ابن هشام وأكثر أهل العلم بالشعر ينكر هذا الشعر لحمزة رضي الله عنه ... ألا يا لقومي للتحلم والجهل ... وللنقص من رأي الرجال وللعقل
وللراكبينا بالمظالم لم نطأ ... لهم حرمات من سوام ولا أهل
كأنا تبلناهم ولا تبل عندنا ... لهم غير أمر بالعفاف وبالعدل(3/140)
وأمر بإسلام فلا يقبلونه ... وينزل منهم مثل منزلة الهزل
فما برحوا حتى انتدبت لغارة ... لهم حيث حلوا أبتغى راحة الفضل
بأمر رسول الله أول خافق ... عليه لواء لم يكن لاح من قبلي
لواء لديه النصر من ذي كرامة إله عزيز فعله أفضل الفعل
عشية ساروا حاشدين وكلنا ... مراجله من غيط أصحابه تغلي
فلما ترادينا أناخوا فعقلوا مطايا وعقلنا مدى غرض النبل
فقلنا لهم حبل الإله نصيرنا ... وما لكم إلا الضلالة من حبل
فثار أبو جهل هنالك باغيا ... فخاب ورد الله كيد أبي جهل
وما نحن إلا في ثلاثين راكبا ... وهم مئتان بعد واحدة فضل
فيا للؤي لا تطيعوا غواتكم ... وفيئوا الى الأسلام والمنهج السهل
فإني أخاف أن يصب عليكم ... عذاب فتدعوا بالندامة والثكل
أبو جهل يدر على جمزة فأجابه أبو جهل بن هشام فقال ... عجبت لأسباب الحفيظة والجهل ... وللشاغبين بالخلاف وبالبطل
وللتاركين ما وجدنا جدودنا ... عليه ذوي الأحساب والسؤدد الجزل
أتونا بإفك كي يضلوا عقولنا ... وليس مضلا إفكهم عقل ذي عقل
فقلنا لهم يا قومنا لا تخالفوا ... على قومكم إن الخلاف مدى الجهل
فإنكم إن تفعلوا تدع نسوة ة ... لهن بواك بالرزية والثكل
وإن ترجعوا عما فعلتم فإننا ... بنو عمكم أهل الحفائظ والفضل
فقالوا لنا إنا وجدنا محمدا ... رضا لذوي الأحلام منا وذي العقل
فلما أبوا إلا الخلاف وزينوا ... جماع الأمور بالقبيح من الفعل
تيممتهم بالساحلين بغارة ... لأتركهم كالعصف ليس بذي أصل(3/141)
فورعن مجدي عنهم وصحبتي ... وقد وازروني بالسيوف وبالنبل ... لإل علينا واجب لا نضيعه ... أمين قواه غير منتكث الحبل
فولا ابن عمرو كنت غادرت منهم ... ملاحم للطير العكوف بلا تبل
ولكنه آلى بإل فقلصت ... بأيماننا حد السيوف عن التقل
فإن تبقيني الأيام أرجع عليهم ... ببيض رقاق الحد محدثة الصقل
بأيدي حماة من لؤي بن غالب ... كرام المساعي في الجدوبة والمحل.
قال ابن هشام وأكثر أهل العلم بالشعر ينكر هذا الشعر لأبي جهل
غزوة بواط
من استعمله صلى الله عليه وسلم على المدينة قال ابن اسحاق ثم غزا رسول الله صلى الله عليه وسلم في شهر ربيع الأول يريد قريشا.
قال ابن هشام واستعمل على المدينة السائب بن عثمان بن مظعون.
قال ابن إسحاق حتى بلغ بواط من ناحية رضوى ثم رجع الى المدينة ولم يلق كيدا فلبث بها بقية شهر ربيع الآخر وبعض جمادى الأولى(3/142)
$ غزوة العشيرة
من استعمله صلى الله عليه وسلم على المدينة ثم غزا قريشا فاستعلم على المدينة ابا سلمة بن عبدالأسد فيما قال ابن هشام
الطريق الذي سلكه صلى الله عليه وسلم الى هذه الغزوة قال ابن اسحاق فسلك على نقب بني دينا ثم على فيفاء الخبار فنزل تحت شجرة ببطحاء ابن ازهر يقال لها ذات الساق فصلى عندها فثم مسجده وصنع له عندها طعام فأكل منه واكل الناس معه فموضع أثافي البرمة معلوم هنالك واستقي له من ماء به يقال له المشترب ثم ارتحل رسول الله صلى الله عليه وسلم فترك الخلائق بيساره وسلك شعبة يقال لها شعبة عبد الله وذلم اسمها اليوم ثم صب لليسار حتى هبط يليل فنزل بمجتمعه ومجتمع الضبوعة واستقى من بئر بالضبوعة ثم سلك الفرش فرش ملك حتى لقي الطريق بصحيرات اليمام ثم اعتدل به الطريق حتى نزل العشيرة من بطن ينبع فأقام بها جمادى الأولى وليالي من جمادى الآخرة وادع فيها بني مدلج وحلفاءهم من بني ضمرة ثم رجع الى لمدينة ولم يلق كيدا(3/143)
وفي تلك الغزوة قال لعلي بن ابي طالب عليه السلام ما قال : تكنيته صلى الله عليه وسلم عليا أبا تراب قال ابن اسحاق فحدثني يزيد ابن محمد بن خيثم المحاربي عن محمد بن كعب القرظي عن محمد ابن خيثم ابي يزيد عن عمار بن ياسر قال كنت أنا وعلي بن ابي طالب رفيقين في غزوة العشيرة فلما نزلها رسول الله صلى الله عليه وسلم وأقام بها رأينا أناسا من بن مدلج يعلمون في عين لهم وفي نخل فقال لي علي بن ابي طالب يا أبا اليقضان هل لك في أن تأتي هؤلاء القوم فننظر كيف يعمولن قال قلت إن شئت قال فجئناهم فنظرنا الى عملهم ساعة ثم غشينا النوم فانطلقت أنا وعلي حتى اضجعنا في صور من النخل وفي دقعاء من التراب فنمنا فوالله ما أهبنا إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم يحركنا برجله وقد تتربنا من تلك الدقعاء التي نمانا فيها فيومئذ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لعلي بن أبي طالب ما لك يا أبا تراب لما يرى عليه من التراب
اأشقى رجلين ثم قال ألا احدثكما بأشقى الناس رجلين قلنا بلى يا رسول الله قال أحيمر ثمود الذي عقر الناقة والذي يضربك يا علي على هذه وضع يده على قرنه حتى يبل منها هذه وأخذ بلحيته
قال بن اسحاق وقد حدثني بعض أهل العلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم إنما سمى عليا أبا تراب أنه كان إذا عبت على فاطمة في(3/144)
شيء لم يكلمها ولم يقل لها شيئا تكرهه إل انه يأخذ ترابا فيضعه على رأسه قال فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا رأى عليه التراب عرف أنه عاتب على فاطمة فيقول ما لك يا ابا تراب فالله أعلم اي ذلك كان
سرية سعد بن أبي وقاص
قال ابن اسحاق وقد كان بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما بين ذلك من غزوة سعد بن أبي وقاص في ثمانية رهط من المهاجرين فخرجج حتى بلغ الخرار من ارض الحجاز ثم رجع ولم يلق كيدا.
قال ابن هشام ذكر بعض أهل العلم ان بعث سعد هذا كان بعد حمزة
غزوة سفوان وهي غزوة بدر الأولى
قال ابن اسحاق ولم يقم رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمدينة حين قدم من غزوة العشيرة إلا ليالي قلائل لا تبلغ العشر حتى أغار كرز ابن جابر الفهري على سرح المدينة فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم في طلبه(3/145)
واستعمل على المدينة زيد بن حارثة فيما قال ابن هشام.
قال ابن إسحاق حتى بلغ واديا يقال له سفوان من ناحية بدر وفاته كرز بن جابر فلم يدركه وهي غزوة بدر الأولى ثم رجع رسول الله صلى الله عليه وسلم الى المدينة فأقام بها بقية جمادى الآخرة ورجبا وشعبان
سرية عبد الله بن جحش ونزول {يسألونك عن الشهر الحرام}
الكتاب الذيي حمله من الرسول وبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم عبد الله بن جحش بن رئاب الأسدي في رجب مقفله من بدر الأولى وبعث معه ثمانية رهط من المهاجرين ليس فيهم من الأنصار أحد وكتب له كتابا وأمره أن لا ينظر فيه حتى يسير يومين ثم ينظر فيه فيمضي لما أمره به ولا يستكره من أصحابه أحدا
أصحاب ابن جحش في هذه السرية وكان أصحاب عبد الله ابن جحش من المهاجرين ثم من بني عبد شمس بن عبد مناف أبو حذيفة بن عبت بن ربيعة بن عبد شمس ومن حلفائهم عبد الله ابن جحش وهو أمبر القوم وعكاشة بن محصن بن حرثان أحد بن اسد بن خزيمة حليف لهم
ومن بني نوفل بن عبد مناف عتبة بن غزوان بن جابر حليف لهم
ومن بني زهرة بن كلاب سعد بن أبي وقاص
ومن بني عدي بن كعب عامر بن ربيعة حليف لهم من عنز(3/146)
ابن وائل وواقد بن عبد الله بن عبد مناف بن عرين بن ثعلبة بن يربوع أحد بني تميم حليف لهم وخالد بن البكير أحد بني سعد ابن ليث حليف لهم ومن بني الحارث بن فهر سهيل بن بيضاء
ابن جحش يفتح الكتاب فلما سار عبد الله بن جحش يومين فتح الكتاب فنظر فيه فإذا فيه إذا نظرت في كتابي هذا فامض حتى تنزل نخلة بين مكة والطائف فترصد بها قريشا وتعلم لنا من أخبارهم فلما نظر عبد الله بن جحش في الكتاب قال سمعا وطاعة ثم قال لأصحابه قد امرني رسول الله صلى الله عليه وسلم أن امضي الى نخلة أرصد بها قريشا حتى آتيه منهم بخبر وقد نهاني أن أستكره أحدا منكم فمن كان منكم يريد الشهادة ويرغب فيها فلينطلق ومن كره ذلك فليرجع فأما أنا فماض لأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم فمضى ومضى معه أصحابه لم يتخلف عنه منهم أحد
من تخلف عن السرية وسببه سلك على الحجاز حتى إذا كان بمعدن فوق الفرع يقال له بحران أضل سعد بن أبي وقاص وعتبة بن غزوان بعيرا لهما كانا يعتقبانه فتخلفا عليه في طلبه ومضى عبد الله بن جحش وبقية اصحابه حتى نزل بنخلة
فمرت به عير لقريش تحمل زبيبا وأدما وتجارة من تجارة قريش فيهما عمرو بن الحضرمي(3/147)
$ السرية تلتقي بتجارة لقريش
اسم الحضرمي ونسبه قال ابن هشام واسم الحضرمي عبد الله بن عباد ويقال مالك بن عباد أحد الصدف واسم الصدف عمرو بن مالك أحد السكون بن أشرس بن كندة ويقال كندى.
قال ابن إسحاق وعثمان بن عبد الله بن المغيرة وأخوه نوفل ابن عبد الله المخزوميان والحكم بن كيسان مولى هشام بن المغيرة
مجري المعركة فلما رآهم القوم هابوهم وقد نزلوا قريبا منهم فأشرف لهم عكاشة بن محصن وكان قد حلق رأسه فلما رأوه أمنوا وقالوا عمار لا بأس عليكم منهم وتشاور القوم فيهم وذلك في آخر يوم من رجب فقال القوم والله لئن تركتم القوم هذه الليلة ليدخلن الحرم فليمتنعن منكم به ولئن قتلتوهم لتقتلنهم في الشهر الحرام فتردد القوم وهابوا الإقدام عليهم ثم شجعوا أنفسهم عليهم واجمعوا على قتل من قدروا عليه منهم وأخذ ما معهم فرمى واقد بن عبد الله التميمي عمرو بن الحضرمي بسهم فقتله وستأسر عثمان بن عبدالله والحكم بن كيسان وأفلت القوم نوفل ابن عبد الله فأعجزهم وأقبل عبد الله بن جحش وأصحابه بالعير وبالأسيرين حتى قدموا على رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة
وقد ذكر بعض آل عبدالله بن جحش أن عبد الله قال لأصحابه إن لرسول الله صلى الله عليه وسلم مما غنمنا الخمس وذلك قبل أن يفرص الله تعالى الخمس من المغانم فعزل لرسول الله صلى الله عليه وسلم خمس العير وقسم سائرها بين أصحابه(3/148)
إنكار الرسول صلى الله عليه وسلم قتالهم في الأشهر الحرم قال ابن اسحاق فلما قدموا على رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة قال ما امرتكم بقتال في الشهر الحرام فوقف العير والأسيرين وأبى أن يأخذ من ذلك شيئا فلما قال ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم سقط في ايدي القوم وظنوا أنهم قد هلكوا وعنفهم إخوانهم من المسلمين فيما صنعوا وقالت قريش قد استحل محمد واصحابه الشهر الحرام وسفكوا فيه الدم وأخذو فيه الأموال واروا فيه الرجال فقال من يرد عليهم من المسلمين ممن كان بمكة إنما أصابوا في شعبان
وقالت يهود تفاءل بذلك على رسول الله صلى الله عليه وسلم عمرو بن الحضرم قتله واقد بن عبد الله بن عمرو عمرت الحرب والحضريم حضرت الحرب وواقد بن عبد الله وقدت الحرب فجعل الله ذلك عليهم لا لهم(3/149)
القرآن يقر ما فعله ابن جحش فلما أكثر الناس في ذلك أنزل الله على رسول الله صلى الله عليه وسلم {يسألونك عن الشهر الحرام قتال فيه قل قتال فيه كبير وصد عن سبيل الله وكفر به والمسجد الحرام وإخراج أهله منه أكبر عند الله} أي إن كنتم قتلتم في الشهر الحرام فقد صدوكم عن سبيل الله مع الكفر به وعن المسجد الحرام وإخراجكم منه وأنتم أهله أمبر عن الله من قتل من قتلتم منهم {والفتنة أشد من القتل} أي قد كانوا يفتنون اسملم في دينه حتى يردوه الى الكفر بعد إيمانه فذلك أكبر عند الله من القتل {ولا يزالون يقاتلونكم حتى يردوكم عن دينكم إن استطاعوا} أي ثم هم مقيمون على أخبث ذلك وأعظمه غير تائبين ولا نازعين
فلما نزل القرآن بهذا الأمر وفرج الله تعالى عن المسلمين ما كانوا فييه من الشفق قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم العير والأسيرين وبعثت إليه قريش في فداء عثمان بن عبد الله والحكم بن كيسان فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا نفديكموهما حتى يقدم صاحبانا يعني سعد بن أبي وقاص وعبتة بن غزوان فإنا نخشاكم عليهما فإن تقتلوهما نقتل صاحبيكم فقدم سعد وعتبة فأفداهما رسول الله صلى الله عليه وسلم منهم
فأما الحكم بن كيسان فأسلم فحسن إسلامه وأقام عند رسول الله صلى الله عله وسلم حتى قتل يوم بئر معونة شهيدا وأما عثمان بن عبد الله فلحق بمكة فمات بها كافرا
طمع أمير السرية في الأجر وما نزل في ذلك من القرآن فلما تجلى عن عبد الله بن جحش وأصحابه ما كانوا فيه حين نزل القرآن طمعوا في الآجر فقالوا يا رسول الله أنطمع أن تكون لنا غزوة نعطى فيها أجر المجاهدين فأنزل الله عز وجل فيها {إن الذين آمنوا والذين هاجروا وجاهدوا في سبيل الله أولئك يرجون رحمة الله والله غفور رحيم}(3/150)
فوضعهم الله عز وجل من ذلك على اعظم الرجاء
والحديث في هذا عن الزهري ويزيد بن رومان عن عروة بن الزبير
إحلال الفىء وقسمه قال ابن اسحاق وقد ذكر بعض آل عبد الله بن جحش أن الله عز وجل قسم الفىء حين أحله فجعل أربعة خامس لمن أفاءه الله وخمسا الى الله ورسوله فوقع على ما كان عبد الله بن جحش صنع في تلك العير
أول غنيمة للمسلمين قال ابن هشام وهي أول غنيمة غنمها المسلمون وعمرو بن الحضرمي أول من قتله المسلمون وعثمان ابن عبد الله والحكم بن كيسان أول من أسر المسلمون
شعر عبد الله بن جحش في هذه السرية قال ابن اسحاق فقال ابو بكر الصديق رضي الله عنه في غزوة عبدالله بن جحش ويقال بل عبد الله بن جحش قالها حين قالت قريش قد أحل محمد وأصحابه الشهر الحرام وسفكوا فيه الدم وأخذوا فيه المال وأسروا فيه الرجال قال ابن هشام هي لعبد الله بن جحش ... تعدون قتلا في الحرام عظيمة ... وأعظم منه لو يرى الرشد راشد
صدودكم عما يقول محمد ... وكفر به والله راء وشاهد
وإخراجكم من مسجد الله أهله ... لئلا يرى لله في البيت ساجد
فإنا وإن عيرتمونا يقتله ... وأرجف بالإسلام باغ وحاسد
سقينا من ابن الحضرمي رماحنا ... بنخلة لما أوقد الحرب واقد
دما وابن عبدالله عثمان بيننا ... ينازعه غل من القد عاند(3/151)
$ صرف القبلة الى الكعبة.
قال ابن إسحاق ويقال صرفت القبلة في شعبان على رأس ثمانية عشر شهرا من مقدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة
غزوة بدر الكبرى
عير أبي سفيان قال ابن اسحاق ثم إن رسول الله صلى الله عليه وسلم سمع بأبي سفيان بن حرب مقبلا من الشام في عير لقريش عظيمة فيها أموال لقريش وتجارة من تجاراتهم وفيها ثلاثون رجلا من قريش أو أربعون منهم مخرمة بن نوفل بن أهيب بن عبد مناف بن زهرة وعمرو بن العاص بن وائل بن هشام.
قال ابن هشام ويقال عمرو بن العاص بن وائل بن هاشم
سماعة صلى الله عليه وسلم بأبي سفيان وندب المسلمين للتجارة التي معه قال ابن اسحاق فحدثني محمد بن مسلم الزهري وعاصم ابن عمر بن قتادة وعبد الله بن أبي بكر ويزيد بن رومان عن عروة ابن الزبير وغيرهم من علمائنا عن ابن عباس كل قد حدثني بعض هذا الحديث فاجتمع حديثهم فيما سقته من حديث بدر
قالوا لما سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم بأبي سفيان مقبلا من الشام ندب المسلمين إليهم وقال هذه عير قريش فيها أموالهم فاخرجوا(3/152)
إليها لعل الله ينفلكموها فانتدب الناس فخف بعضهم وثقل بعضهم وذلك أنهم لم يظنوا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم يلقى حربا
وكان أبو سفيان حين دنا من الحجار يتحسس الأخبار ويسأل من لقي من الركبان تخوفا على امر الناس حتى أصاب خبرا من بعض الركبان أن محمدا قد استنفر أصحابه لك ولعيرك فحذر عند ذلك فاستأجر ضمضم بن عمرو الغفاري فيعثه الى مكة وأمره أن يأتي قريشا فيستنفرهم الى أموالهم ويخبرهم أن محمدا قد عرض لها في اصحابه فخرج ضمضم بن عمرو سريعا الى مكة
رؤيا عاتكة بنت عبد المطلب قال ان اسحاق فأخبرني من لا أتهم عن عكرمة عن ابن عباس ويزيد بن رومان عن عروة ابن الزبير قالا وقد رأت عاتكة بنت عبد المطلب قبل قدوم ضمضم مكة بثلاث ليال رؤيا أفزعتها فبعث الى أخيها العباس بن عبد المطلب فقالت له يا أخي والله لقد رأيت الليلة رؤيا أفظعتني وتخوفت أن يدخل على قومك منها شر ومصيبة فاكتم عني ما أحدثك به فقال لها وما رأيت قالت رأيت راكبا أقبل على بعير له حتى وقف بالأبطح ثم صرخ بأعلى صوته ألا انفروا يا لغدر لمصارعكم في ثلاث فأرى الناس اجتمعوا إليه ثم دخل المسجد والناس يتبعونه فبينما هم حوله مثل به بعيره على ظهر الكعبة صرخ بمثلها ألا أنفروا بالغدر لمصارعكم في ثلاث ثم مثل به بعيره على رأس(3/153)
أبي قبيس فصرخ بمثلها ثم اخذ صخرة فأرسلها فأقبلت تهوي حتى إذا كانت بأسفل الجبل أرفضت فما بقي بيت من بيوت مكة ولا دار إلا دخلتها منها فلقة
قال العباس والله إن هذه لرؤيا وأنت فاكتميها ولا تذكريها لأحد
انتشار حديث الرؤيا في قريش ثم خرج العباس فلقي الوليد ابن عتبة بن ربيعة وكان له صديقا فذكرها له واستكتمه إياها فذكرها الوليد لأبيه عتبة ففشا الحديث بمكة حتى تحدثت به قريش في أنديتها
قال العباس فغدوت لأطوف بالبيت وابو جهل بن هشام في رهط من قريش قعود يتحدثون برؤيا عاتكة فلما رآني أبو جهل قال يا ابا الفضل إذا فرغت من طوافك فأقبل إلينا فلما فرغت أقبلت حتى جلست معهم فقال لي ابو جهل يا بني عبد المطلب متى حدثت فيكم هذه النبية قال قلت وما ذاك قال تلك الرؤيا التي رأت عاتكة قال فقلت وما رأت قال يا بني عبد المطلب أما رضيتم ان يتنبأ رجالكم حتى تتنبأ نساؤكم قد زعمت عاتكة في رؤيا أنه قال انفروا في ثلاث فسنتربص بكم هذه الثلاث فإن يك حقا ما تقول فسيكون إن تمض الثلاث ولم يكن من(3/154)
ذلك شيء نكتب عليكم كتابا أنكم أكذب أهل بيت في العرب قال العباس فوالله ما كان مني إله كبير إلا أني جحدت ذلك وأنكرت أن تكون رأت شيئا قال ثم تفرقا
فلما أمسيت لم تبق امرأة من بن عبد المطلب إلا أتتني فقالت أقررتم لهذا الفاسق الخبيث أن يقع في رجالكم ثم قد تناول النساء وأنت تسمع ثم لم يكن عندك غير لشيء بما سمعت قال قلت قد والله فعلت ما كان مني إليه من كبير وايم الله لأتعرضن له لأكفينكنه
ضمضم الغفاري يستنجد قريشا لأبي سفيان قال فغدوت في اليوم الثلاث من رؤيا عاتكة وأنا حديد مغضب أرى أني قد فاتني منه أمر أحب أن أدركه منه قال فدخلت المسجد فرأيته فوالله إني لأمشي نحوه أتعرضه ليعود لبعض ما قال فأقع به وكان رجلا خفيفا جديد الوجه حديد اللسان حديد النظر قال إذ خرج نحو باب المسجد يشتد قال فقلت في نفسي ما له لعنه الله أكل هذا فرق مني أن أشاتمه قال وإذا هو قد سمع ما لم أسمع صوت ضمضم بن عمرو الغفاري وهو يصرخ ببطن الوادي واقفا على بعيره قد جدع بعيره وحول رحله وشق قيمصه وهو يقول يا معشر قريش اللطيمة اللطيمة أموالكم مع أبي سفيان قد عرض لها محمد في أصحابه لا ارى أن تدركوها الغوث الغوث قال فشغلني عنه وشغله عني ما جاء من الأمر(3/155)
قريش تتجهز للخروج فتجهز سراع وقالوا أيظن محمد وأصحابه أن تكون كعير ابن الحضرمي كلا والله ليعلمن غير ذلك فكانوا بين رجلين إما خارج وإما باعث مكانه رجلا وأوعبت قريش فلما يتخلف من اشرافها أحد
تخلف أبي لهب عند بدر إلا أن ابا لهب بن عبد المطلب تخلف وبعث مكانه العاصي بن هشام بن المغيرة وكان قد ألاف له بأربعة درهم كانت له عليه أفلس بها فاستأجره بها على ان يجزىء عنه بعثه فخرج عنه وتخلف أبو لهب
أمية بن خلف يحاول التخلف قال ابن اسحاق وحدثني عبد الله بن أبي نجيح أن أمية بن خلف كان أجمع القعود وكان شيخا جليلا جسيما ثقيلا فأتاه عقبة بن ابي معيط وهو جالس في المسجد بين ظهراني قومه بمجمرة يحملها فيها نار ومجمر حتى وضعها بين يديه ثم قال يا أبا علي استجمر فإنما أنت من النساء قال قبحك الله وقبح ما جئت به قال ثم تجهز فخرج مع الناس
ما وقع بين قريش وكنانة من الحرب قبل بدر قال ابن اسحاق ولما فرغوا من جهازهم واجمعوا المسير ذكروا ما كان بينهم وبين بني بكر بن عبد مناة بن كنانة من الحرب فقالوا إنا نخشى أنا يأتونا من خلفنا ووكانت الحرب التي كانت بين قريش وبين بني بكر كما حدثني بعض بني عامر بن لؤي عن محمد(3/156)
ابن سعيد بن المسيب في ابن لحفص بن الأخيف أحد بني معيص بن عامر بن لؤي خرج يبتغي ضالة له بضجنان وهو غلام حدث في رأسه ذؤابة وعليه حلة له وكان غلاما وضيئا نظيفا فمر بعامر بن يزيد بن عامر بن الملوح أحد بني يعمر بن عوف ابن كعب بن عامر بن ليث بن بكر بن عبد مناة بن كنانة وهو بضجنان وهو سيد بني بكر يؤمئذ فرآه فأعجبه فقال من أنت يا غلام قال انا ابن لحفص بن الأخيف القرشي فلما ولى الغلام قال عامر بن زيد يا بني بكر ولكم في قريش من دم قالوا بلى والله إن لنا فيهم لدماء قال ما كان رجل ليقتل هذا الغلام برجله إلا كان قد استوفى دمه قال فتبعه رجل من بني بكر فقتله بدم كان له في قريش فتكلمت فيه قريش فقال عامر عمر بن يزيد يا معشر قريش قد كانت لنا قبلكم دماء فما شئتم إن شئتم فأدوا علينا ما لنا فبلكم ونؤدي ما لكم قبلنا وإن شئتم فإنما هي الدماء رجل برجل فتجافوا عما لكم قبلنا ونتجافى عما لنا قبلكم فهان ذلك الغلام على هذا الحي من قريش وقالوا صدق رجل برجل فلهوا عنه فلم يطلبوا به
قتل مكرز عامر بن الملوح قال فبينما اخوه مكرز بن حفص بن الأخيف يسير بمر الظهران إذ نظر الى عامر بن يزيد ابن الملوح على جمل له فلما رآه أقبل إليه حتى أناخ به وعامر متوشح سيفه فعلاه مكرز بسيفه حتى قتله ثم خاض بطنه بسيفه ثم أتى به مكة قعلقه من الليل بأستار الكعبة فلما اصبحت قريش رأوا سيف عامر بن يزيد بن عامر معلقا بأستار الكعبة فعرفوه فقالوا إن هذا لسيف عامر بن يزيد عدا عليه مكرز بن حفص فقتله فكان ذلك من أمرهم(3/157)
فبينما هم في ذلك من حربهم حجز الإسلام بين الناس فتشاغلوا به حتى أجمعت قريش المسير الى بدر فذكروا الذي بينهم وبين بني بكر فخافوهم
ما قاله مكرز شعرا في قتله عامر وقال مكرز بن حفص في قتله عامرا ... لما رأيت انه هو عامر ... تذكرت أشلاء الحبيب الملحب
وقلت لنفسي إنه هو عامر ... فلا ترهبيه وانظري أي مركب
وأيقنت أني إن أجلله ضربة ... متى ماأصبه بالفرافر يعطب
خفضت له جأشي وألقيت كلكلي ... على بطل شاكي السلاح مجرب
ولم أك لما التف روعي وروعه ... عصارة هجن من نساء ولا اب
حللت به وتري ولم أنس ذحله ... إذا ما تناسى ذحله كل عيهب.
قال ابن هشام الفرار في غير هذا الموضع الرجل الأضبط وفي هذا الموضع السيف والعيهب الذي لا عقل له ويقال لتيس الظباء وفحل النعام العيهب قال الخليل العيهب الرجل الضعيف عن إدراك وتره.
قال ابن إسحاق وحدثني يزيد بن رومان عن عروة بن الزبير قال لما أجمعت قريش المسير ذكرت الذي كان بينها وبين بني بكر فكاد ذلك يثنيهم فتبدى لهم إبليس في صورة سراقة بن مالك بن(3/158)
جعشم المدلجي وكان من أشراف بني كنانة فقال لهم انا ا لكم جار من أن تأتيكم كنانة من خلفكم بشئ تكرهونه فخرجوا سراعا
خروج رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ابن اسحاق وخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم في ليال مضت من شهر رمضان في أصحابه قال ابن هشام خرج يوم الأثنين لثمان ليال خلون من شهر رمضان واستعمل عمرو ابن أم مكتوم ويقال اسمه عبدالله ابن أم مكتوم أخا بني عامر بن لؤي على الصلاة بالناس ثم رد ابا لبابة من الروحاء واستعمله على المدينة
اللواء والرايتان قال ابن اسحاق ودفع اللواء الى مصعب ابن عمير بن هاشم بن عبد مناف بن عبد الدار قال ابن هشام وكان أبيض.
قال ابن إسحاق وكان أمام رسول الله صلى الله عليه وسلم رايتان سوداوان إحداهاما مع علي بن أبي طالب يقال لها العقاب والأخرى مع بعص الأنصار
عدد إبل المسلمن الى برد قال ابن اسحاق وكانت إبل أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يومئذ سبعين بعيرا فاعتقبوها فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلي بن ابي طالب ومرثد بن أبي مرثد الغنوي يعتقبون بعيرا وكان حمزة بن عبد المطلب وزيد بن حارثة وأبو كبشة وأنسه موليا رسول الله صلى الله عليه وسلم يعتقبون بعيرا وكان أبو بكر وعمر وعبد الرحمن بن عوف يعتقبون بعيرا.
قال ابن إسحاق وجعل على الساقة قيس بن أبي صعصعة أخا بني مازن بن النجار وكانت راية الأنصار مع سعد بن معاذ فيما قال ابن هشام(3/159)
الطريق الى بدر قال ابن اسحاق فسلك طريقه من المدينة الى مكة على نقب المدينة ثم على العقيق ثم على ذي الحليفة ثم على أولات اللجيش.
قال ابن هشام ذات الجيش.
قال ابن إسحاق ثم مر على تربان ثم على ملل ثم غميس الحمام من مررين ثم على صحيرات اليمام ثم على السيالة ثم على فج الروحاء ثم على شنوكة وهي الطريق المعتدلة حتى إذا كان بعرق الظبية قال ابن هشام الظبية عن غير ابن اسحاق لقوا رجلا من الأعراب فسألوه عن الناس فلم يجدوا عنده خبرا فقال له الناس سلم على رسول الله صلى الله عليه وسلم قال اوفيكم رسول الله قالوا نعم فسلم عليه ثم قال إن كنت رسول الله فأخبرني عما في بطن ناقتي هذه قال له سلمة بن سلامة بن وقش لا تسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم وأقبل علي فأنا أخبك عن ذلك نزوت عيها ففي بطنها منك سخلة فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ه مه أفحشت على الرجل ثم أعرض عن سلمة
ونزل رسول الله صلى الله عليه وسلم سجسج وهي بئر الروحاء ثم ارتحل(3/160)
منها حتى إذا كان بالمنصرف ترك طريق مكة بيسار وسلك ذات اليمين على النازية يريد بدرا فسلك في ناحية منها حتى جزع واديا يقال له رقحان بين النازية وبين مضيق الصفراء ثم على المضيق ثم انصب منه حتى إذا كان قريبا من الصفراء بعث بسبس ابن الجهني حليف بني ساعدة وعدي بن أبي الزغباء الجهني حليف بني النجار الى بدر يتحسسان له الأخبار عن أبي سفيان ابن حرب وغيره ثم ارتحل رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد قدمها فلما استقبل الصفراء وهي قرية بين جبلين سأل عن جبلهما وما اسماهما فقالوا يقال لأحدهما هذا مسلح وللآخر هذا مخزىء وسأل عن أهلهما فقيل بنو النار وبنو حراق بطنان من بني غفار فكرهما رسول الله صلى الله عليه وسلم والمرور بينهما وتفاءل بأسمائهما وأسماء أهلهما فتركهما رسول الله صلى الله عليه وسلم والصفراء بيسار وسلك ذات اليمين على واد يقال له ذفران فجزع فيه ثم نزل
ما قاله أبو بكر وعمر المقداد تشجيعا للجهاد وأتاه الخبر عن قريش بمسيرهم ليمنعوا عيرهم فاستشار الناس وأخبرهم عن قريش فقام أبو بكر الصديق فقال وأحسن ثم قام عمر بن الخطاب فقال وأحسن ثم قام المقداد بن عمرو فقال يا رسول الله امض لما اراك الله فنحن معك والله لا نقول لك كما قالت(3/161)
بنو إسرائيل لموسى {فاذهب أنت وربك فقاتلا إنا ها هنا} ولكن اذهب أنت وربك فقاتلا إنا معكما مقاتلون فوالذي بعثك بالحق لو سرت بنا الى برك الغماد لجالدنا معك من دونه حتى تبلغه فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم خيرا ودعا له به
استشارة الأنصار ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أشيروا علي أيها الناس وإنما يريد الأنصار وذلك أنهم عدد الناس وأنهم حين بايعوه بالعقبة قالوا يا رسول الله إنا براء من ذمامك حتى تصل إلى ديارنا فإذا وصلت إلينا فأنت في ذمتنا نمنعنك مما نمنع منه أبناءنا ونساءنا فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتحوف ألا تكون الأنصار ترى عليها نصره إلا ممن دهمه بالمدينة من عدوه وأن ليس عليهم أن يسير بهم الى عدو من بلادهم
فلما قال ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم قال له سعد بن معاذ والله لكأنك تريدنا يا رسول الله قال أجل قال فقد آمنا بك وصدقناك وشهدنا أن ما جئت به هو الحق وأعطيناك على ذلك عهودنا ومواثيقنا على السمع والطاعة فامض يا رسول الله لما أردت فنحن معك فوالذي بعثك بالحق لو استعرضت بنا هذا البحر فخضته لخضناه معك ما تخلف منا رجل واحد وما نكره أن تلقى بنا عدونا غدا إنا لصبر في الحرب صدق في اللقاء لعل الله يريك منا ما تقر به عينك فسر بنا على بركة الله فسر رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول سعد ونشطه ذلك ثم قال سيروا وابشروا فأن الله تعالى قد وعدني إحد الطائفتين والله لكآني الآن أنظر الى مصارع القوم
التعرف على أخبار قريش ثم ارتحل رسول الله صلى الله عليه وسلم من ذفران فسلك على ثنايا يفال لها الأصافر ثم اانحط منها الى بلد(3/162)
يقال له الدبة وترك الحنان بيمين وهو كثيب عظيم كالجبل العظيم ثم نزل قريبا من بدر فركب هو ورجل من اصحابه.
قال ابن هشام الرجل هو ابو بكر الصديق.
قال ابن إسحاق كما حدثني محمد بن يحيى بن حبان حتى وقف على شيخ من العرب فسأله عن قريش وعن محمد وأصحابه وما بلغه عنهم فقال الشيخ لا أخبركما حتى تخبراني ممن أنتما فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أخبرتنا أخبرناك قال أذاك بذاك قال نعم قال الشيخ فإنه بلغني أن محمدا وأصحابه خرجوا يوم كذا وكذا فإن كان صدق الذي أخبرني فهم اليوم بمكان كذا وكذا للمكان الذي به رسول الله صلى الله عليه وسلم وبلغني ان قريشا خرجوا يوم كذا وكذا فإن كان الذي أخبرني صدقني فهم اليوم بمكان كذا وكذا للمكان الذي فيه قريش فلما فرغ من خبره قال ممن أنتما فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم نحن من ماء ثم انصرف عنه قال يقول ما من ماء أمن ماء العراق.
قال ابن هشام يقال ذلك الشيخ سفيان الضمري.
قال ابن إسحاق ثم رجع رسول الله صلى الله عليه وسلم الى أصحابه فلما أمسى بعث علي بن اي طالب والزبير بن العوام وسعد بن أبي وقاص في نفر من أصحابه الى ماء بدر يلتمسون الخبر له عليه كما حدثني يزيد بن رومان عن عروة بن الزبير فأصابوا رواية لقريش فيها أسلم غلام بني الحجاج وعريض أبو يسار غلام بني العاص بن سعيد فأتوا بهما فسألوهما ورسول الله صلى الله عليه وسلم(3/163)
قائم يصلي فقالا نحن سقاة قريش بعثونا نسقيهم من الماء فكره القوم خبرهما ورجوا أن يكونا لأبي سفيان فضربوهما فلما أذلقوهما قالا نحن لأبي سفيان فتركوهما وركع رسول الله صلى الله عليه وسلم وسجد سجدتيه ثم سلم وقال إذا صدقاكم ضربتموهما وإذا كبذبا كم تركتموهما صدقا والله إنما لقريش أخبراني عن قريش قالا هم والله وراء هذا الكثيب الذي ترى بالعدوة القصوى والكثيب العقنقل
فقال لهما رسول الله صلى الله عليه وسلم كم القوم قالا كثيرا قال ما عدتهم قالا لا ندري قال كم ينحرون كل يوم قال يوما تسعا ويوما عشرا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم القوم فيما بين التسع مئة والألف ثم قال لهما فمن فيهم من أشراف قريش قالا عتبة ابن ربيعة وشيبة بن ربيعة وأبو البختري بن هشام وحكيم بن حزام ونوفل بن خويلد والحارث بن عامر بن نوفل وطعيمة بن عدي ابن نوفل والنضر بن الحارث زمعة بن الأسود وأبو جهل بن هشام وأمية بن خلف ونبيه ومنبه ابنا الحجاج وسهيل بن عمرو وعمرو ابن عبد ود فأقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم على الناس فقال هذه مكة قد ألقت إليكم أفلاذ كبدها.
قال ابن إسحاق وكان بسبس بن عمرو وعدي بن ابي الزغباء قد مضيا حتى نزلا بدرا فأنااخا الى تل قريب من الماء ثم أخذا شنا لهما يسقيان فيه ومجدي بن عمرو الجهني على الماء فسمع عدي(3/164)
وبسبس جاريتن من جواري الحاضر وهما يتلازمان على الماء والملزومة تقول لصاحبتها إنما تأتي العير غدا أو بعد غد فأعمل لهم ثم أقضيك الذي لك قال مجدي صدقت ثم خلص بينهما وسمع ذلك عدي وسبس فجلسا على بعيرهما ثم انطلقا حتى أتيا رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبراه بما سمعا
نجاة أبي سفيان بالعير وأقبل أبو سفيان بن حرب حتى تقدم العير حذرا حت ورد الماء فقال لمجدي بن عمرو هل أحسست أحدا فقال ما رأيت أحدا أنكره إلا اني قد رأيت ركبين قد أناخا الى هذا التل ثم استقيا في شن لهما ثن انطلقا فأتى أبو سفيان مناخهما فأخذ من أبعار بعيرهما ففته فإذا فيه النوى فقال هذه والله علائف يثرب فرجع الى اصحابه سريعا فضرب وجه عيره عن الطريق فساحل بها فترك بدرا بيسار وانطلق حتى اسرع
رؤيا جيم عن مصارع قريش وأقبلت قريش فلما نزلوا الجحفة رأى جهيم بن الصلت بن مخرمة بن عبد المطلب ابن عبد مناف رؤيا فقال غني رأيت فيما يرى النائم وإني لبين النائم واليقظان إذ نظرت الى رجل قد أقبل على فرس حتى وقف ومعه بعير له ثم قال قتل عتبة بن ربيعة وشيبة بن ربيعة وابو الحكم بن هشام وأمة بن خلف وفلان وفلان فعدد رجلا ممن قتل يوم بدر من اشراف قريش ثم رأيته ضرب في لبة بعيره ثم(3/165)
أرسله في العسكر فما بقي خباء من اخبيه العسكر إلا اأصابه نضج من دمه
قال فبلغت أبا جهل فقال وهذا أيضا نبي آخر من بني المطلب سيعلم غدا من المقتول إن نحن التقينا
أبو سفيان يرسل الى قريش يطلب منهم الرجوع قال ابن اسحاق ولما رأى أبو سفيان أنه قد أحرز عيره ارسل الى قريش إنكم إنما خرجتم لتمنعوا عيركم ورجالكم وأموالكم فقد نجاها الله فارجعوا فقال ابو جهل بن هشام والله لا نرجع حتى نرد بدرا وكان بدر موسما من مواسم العرب يجتمع لهم به سوق كل عامر وفنقيم عليه ثلاثا فننح الجزر ونطعم الطعام ونسقي الخمر وتعزف علينا القيان وتسمع بنا العرب وبمسيرنا وجمعنا فلا يزالون يهابوننا أباد بعدها فامضوا
الأخنس يرجع ببني زهرة وقال الأخنس بن شريق بن عمرو ابن وهب الثقفي وكان حليفا لبن يزهرة بالجحفة يا بني زهرة قد نحى الله لكم أموالكم وخلص لكم صاحبكم مخرمة بن نوفل وإنما نفرتم لتمنعوه وماله فاجعلوا لي جبنها وارجعوا فإنه لا حاجة لكم بأن تخرجوا في ضيعة لا ما يقول هذا يعني ابا جهل فرجعوا فلم يشهدها زهري واحد أطاعوه وكان فيهم مطاعا
ولم يكن بقي من قريش بطن إلا وقد نفر منهم ناس إلا بني عدي بن كعب لم يخرج منهم رجل واحد فرجعت بنو زهرة مع الأخنس بن شريق فلم يشهد بدرا من هاتين القبيلتين أحد ومشى القوم وكان بين طالب بن ابي طالب وكان في القوم وبين بعض قريش محاورة فقالوا والله لقد عرفنا يا بني هاشم وإن خرجتم(3/166)
معنا أن هواكم لمع محمد فرجع طالب الى مكة مع من رجع وقال طالب بن أبي طالب ... لاهم إما يغزون طالب ... في عصبة محالف محارب
في مقنب من هذه المقانب ... فليكن المسلوب غير السالب
وليكن المغلوب غير الغالب ....
قال ابن هشام قوله فليكن المسلوب وقوله ولكن المغلوب عن غير واحد من الرواة للشعر
قريش تنزل بالعدوة والمسلمون ببدر قال ابن اسحاق ومضت قريش حتى نزلوا بالعدوة القصوى من الوادي خلف العقنقل وبطن الوادي وهو يليل بني بدر بين العقنقل الكثيب الذي خلفه قريش والقلب ببدر في العدوة الدنيا من بطن يليل الى المدينة وبعث الله السماء وكان الوادي دهسا فأصاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه منها ما لبد لهم الأرض ولم يمنعهم عن السير وأصاب قريشا منها ما لم يقدروا على ان يرتحلوا معه فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم يبادرهم الى الماء حتى إذا جاء أدنى ماء من بدر نزل به
الحباب يشير عليه صلى الله عليه وسلم بمكان النزول قال ابن اسحاق فحدثت عن رجال من بن سلمة أنهم ذكروا أن الحباب بن المنذر ابن الجموح قال يا رسول الله أرأيت هذا المنزل أمنزلا أنزلكه الله ليس لنا أن نقدمه ولا نتأخر عنه أم هو الرأي والحرب والمكيدة(3/167)
قال بل هو الرأي والحرب والمكيدة فقال يا رسول الله فأن هذا ليس بمنزل فانهض بالناس حتى نأتي أدنى ماء من القوم فننزله ثم تغور ما وراءه من القلب ثم نبنبي عليه حوضا فنملؤه ماء ثم نقاتل القوم نفشرب ولا يشربون فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لقد أشرت بالرأي فنهض رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن معه من الناس فسار حتى إذا أتى أدنى ماء من القوم نزل عليه ثم امر بالقلب فغورت وبني حوضا على القلب الذي نزل فملىء ماء ثم قذفوا فيه الآنية
بناء العريش لرسول الله صلى الله عليه وسلم قال ابن اسحاق فحدثني عبد الله بن أبي بكر أنه حدث أن سعد بن معاذ قال يا نبي الله ألا نبتي لك عريشا تكون فيه ونعد عندك ركائبك ثم نلقى عدونا فإن أعزنا الله وأظهرنا على عدونا كان ذلك ما أحببنا وإن كانت الأخرى جلست على ركائبك فلحقت بمن وراءنا فقد تخلف عنك أقوام يا نبي الله ما نحن بأشد لك حبا منهم ولو ظنوا أنك تلقى حربا ما تخلفوا عنك يمنعك الله بهم يناصحونك ويجاهدون معك فأثنى عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم خير ودعا له بخير ثم بني لرسول الله صلى الله عليه وسلم عريش فكان فيه
ارتحال قريش ووعاؤء الرسول عليهم قال ابن اسحاق وقد ارتحلت قريش حين فأقبلت فلما رآها رسول الله صلى الله عليه وسلم تصوب من العقنقل وهوالكثيب الذي جاءوا منه الى الوادي قال اللهم هذه قريش قد أقبلت بخيلائها وفخرها تحادك وتكذب رسولك اللهم فنصرك الذي وعدتني اللهم أحنهم الغداة(3/168)
وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد رأى عتبة بن ربيعة في القوم على جمل له أحمر إن يكن في أحد القوم خير فعند صاحب الجمل الأحمر إن يطيعوه يرشدوا
وقد كان خفاف بن أيماء بن رحضة الغفاري أو أبوه أيماء بن رحضة الغفاري بعث الى قريش حين مروا به ابنا له بجزائره أهداها لهم وقال إن أحببتم أن نمدكم بسلاح ورجال فعلنا قال فأرسلوا إليه مع ابنه أن وصلتك رحم قد قضيت الذي عليك فلعمري لئن كنا إنما نقاتل الناس فما بنا من ضعف عنهم ولئن كنا إنما نقاتل الله كما يزعم محمد فما لأحد بالله من طاقة
فلما نزل الناس أقبل نفر من قريش حتى وردوا حوض رسول الله صلى الله عليه وسلم فيهم حكيم بن حزام فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم دعوهم فما شرب منه رجل يومئذ إلا قتل إلا ما كان حكيم بن حزام فأنه لم يقتل ثم أسلم بعد ذلك فحسن إسلامه فكان إذا جهد في يمينه قال لا والذي نجاني من يوم بدر
محاولة قريش الرجوع عن القتال قال ابن اسحاق وحدثني أبي إسحاق بن يسار وغيره من أهل العلم عن أشياخ من الأنصار قالوا لما اطمأن القوم بعثوا عمير بن وهب الجمحي فقالوا احرزوا لنا اصحاب محمد قال فاستجال بفرسه حول العسكر ثم رجع إليهم فقال ثلاث مئة رجل يزيدون قليلا أو ينقصون ولكن أمهلوني حتى أنظر اللقوم كمين أو مدد قال فضرب في الوادي حتى أبعد فلم ير شيئا فرجع إليهم فقال ما وجدت شيئا ولكن(3/169)
قد رايت يا معشر قريش البلايا تحمل المنايا نواضح يثرب تحمل الموت الناقع قوم ليس معهم منعة ولا ملجأ إلا سيوفهم والله ما أرى أن يقتل رجل منهم حتى يقتل رجلا منكم فإذا أصابوا منكم اعدادهم فما خير العيش بعد ذلم فرو رأيكم
فلما سمع حكيم بن حزام ذلك مشى في الناس فأتى عبتة بن ربيعة فقال يا الوليد إنك كبير قريش وسيدها والمطاع فيها هل لك الى ان لا تزال تذكر فيها بخير الى آخر الدهر قال وما ذاك يا حكيم قال ترجع بالناس وتحمل أمر حليفك عمرو ابن الحضرمي قال قد فعلت أنت علي بذلك إنما هو حليفي فعلي عقله وما أصيب من ماله فأت ابن الخنطلية
الحنظلية ونسبها قال ابن هشام والحنظلية امي ابي جهل وهي أسماء بنت مخربة احد بني نهشل بن دارم بن مالك بن حنظلة ابن مالك بن زيد مناة بن تميم فإني لا أخشى أن يشجر أمر الناس غيره يعني أبا جهل بن هشام ثم قام عبتة بن ربيعة خطيبا فقال يا معشر قريش إنكم والله ما تصنعون بأن تلقوا محمدا واصحابه شيئا والله لئن أصبتموه لا يزال الرجل ينظر في وجه رجل يكره النظر إليه قتل ابن عمه وابن خاله أو رجال امن عشريته فارجعوا أو خلوا بين محمد وبين سائر العرب فإن أصابوا فذاك الذي أردتم وإن كان غير ذلك ألفاكم ولم تعرضوا منه ما تريدون(3/170)
قال حكيم فانطلقت حتى جئت أبا جهل فوجدته قد نثل درعا له من جرابها فهو يهنئها قال ابن هشام يهيئها فقلت له يا أبا الحكم إن عتبة أرسلني إليك بكذا وكذا للذي قال فقال انتفخ والله سحره حين رأى محمدا وأصحابه كلا والله لا نرجع حتى يحكم الله بيننا وبين محمد وما بعبتبة ما قال ولكنه قد رأى أن محمد وأصحابه أكله جزور وفيهم ابنه فقد تخوفكم عليه ثم بعث الى عامر بن الحضرمي فقال هذا يريد ان يرجع بالناس وقد رأيت ثأرك بعينك فقم فأنشد خفرتك ومقتل أخيك 3 فقام عامر بن الحضرمي فاكتشف ثم صرخ واعمراه واعمراه فحميت الحرب وحقب الناس واستوسقوا على ما هم عليه من الشر وأفسد على الناس الرأي الذي دعاهم إليه عتبة
فلما بلغ عبتة قول ابي جهل انتفخ والله سحره قال سيعلم مصفر استه من انتفخ سحره أنا أم هو.
قال ابن هشام السحر الرئة وما حولها مما يعلق بالحلقوم من فوق السرة وما كان تحت السرة فهو القصب ومن قوله رأيت عمرو بن لحي يجر قصبة في النار قال ابن هشام حدثني بذلك أبو عبيدة(3/171)
ثم التمس عتبة بيضة ليدخلها في رأسه فما وجد في الجيش بيضة تسعه من عظم هامته فلما رأى ذلك اعتجر على رأسه ببرد له
مقتل الأسود بن عبد الأسد المخزومي قال ابن اسحاق وقد خرج الأسود بن عبد الأسد المخزومي وكان رجلا شربا سيئ الخلق فقال أعاهد الله لأشربن من حوضهم أو لأهدمنه أو لأموتن دونه فلما خرج خرج إليه حمزة بن عبد المطلب فلما التقيا ضربه حمزة فأطن قدمه بنصف ساقه وهو دون الحوض فوقع على ظهره تشخب رجله دما نحو أصحابه ثم حبا الى الحوض حتى اقتحم فيه يريد أن يبر بيمينه وأتبعه حمزة فضربه حتى قتله في الحوض
دعاء عتبة الى المبارزة قال ثم خرج بعد عتبة بن ربيعة بين أخيه شيبة بن ربيعة وابنه الوليد بن عتبة حتى إذا فصل من الصف دعا الى المبارزة فخرج اليه فتية من الأنصار ثلاثة وهم عوف ومعوذ ابنا الحارث وأمهما عفراء ورجل آخر يقال هو عبد الله بن رواحه فقالوا من أنتم فقالوا رهط من الأنصار قالوا ما لنا بكم من حاجة ثم نادى مناديهم يا محمد أخرج يإلينا أكفائنا من قومنا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم قم عبدة بن الحارث وقم يا عبيدة حمزة وقم يا علي فلما قاموا ودنوا منهم قالوا من انتم قال عبيدة عبيدة وقال حمزة حمزة وقال علي عل قالوا نعم أكفاء كرام فبارز عبيدة وكان اسن القوم عتبية بن ربيعة وبارز حمزة شيبة بن ربيعة وبارز علي الوليد بن عتبة فأما حمزة(3/172)
فلم يمهل شيبة أن قتله وأما علي فلم يمهل الوليد ان قتله واختلف عبيدة وعتبة بينهما ضربتين كلاهما أثبت صاحبه وكر حمزة وعلي بأسيافهما على عتبة فذففا عليه واحتملا صاحبهما فحازاه الى أصحابه.
قال ابن إسحاق وحدثني عاصم بن عمر بن قتادة أن عتبة ابن ربيعة قال للفتية من الأنصار حين انتسبوا أكفاء كرام إنما نريد قومنا
التقاء الفريقين قال ابن اسحاق ثم تزاحف الناس ودنا بعضهم من بعض وقد أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أصحابه أن لا يحملوا حتى يأمرهم وقال إن اكتنفكم القوم فانضحوهم عنكم بالنبل ورسول الله صلى الله عليه وسلم قي العريش معه أبو بكر الصديق
تاريخ وقعة بدر فكانت وقعة بدر يوم الجمعة صبيحة سبع عشرة من شهر رمضان.
قال ابن إسحاق كما حدثني أبو جعفر محمد بن علي بن الحسين
ضرب الرسول ابن غزية قال ابن اسحاق وحدثني حبان ابن واسع بن حبان عن أشياخ من قومه وأن رسول الله صلى الله عليه وسلم عدل صفوف أصحابه يوم بدر وفي يده قدح يعدل به القوم فمر بسواد بن غزية حليف بن عدي بن النجار قال ابن هشام يقال سواد مثقلة وسواد في الأنصار غير هذا مخفف وهو(3/173)
مستنل من الصف قال ابن هشام ويقال مستنصل من الصف فطعن في بطنه بالقدح وقال استو يا سواد فقال يا رسول الله أوجعتني وقد بعثك الله بالحق والعدل قال فأقدني فكشف رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بطنه وقال استقد قال فاعتنقه فقبل بطنه فقال ما حملك على هذا يا سواد قال يا رسول الله حضر ما ترى فأردت أن يكون آخر العهد بك أن يمس جلدي جلدك فدعا له رسول الله صلى الله عليه وسلم بخير وقاله له
الرسول يناشد ربه النصر قال ابن اسحاق ثم عدل رسول الله صلى الله عليه وسلم الصفوف ورجع الى العريش فدخله ومعه فيه أبو بكر الصديق ليس معه فيه غيره ورسول الله صلى الله عليه وسلم يناشد ربه ما وعده من النصر ويقول فيما يقول اللهم إن تهلك هذه العصابة اليوم لا تعبد وأبو بكر يقول يا نبي الله بعض مناشدتك ربك فإن الله منجز لك ما وعدك وقد خفق رسول الله صلى الله عليه وسلم خفقة وهو في العريش ثم انتبه فقال ابشر يا أبا بكر أتاك نصر الله هذا جبريل آخذ(3/174)
بعنان فرس يقوده على ثناياه النقع
أول شهيد من المسلمين قال ابن اسحاق وقد رمى مهجع مولى عمر بن الخطاب بسهم فقتل فكان أول قتيل من المسلمين ثم رمى حارثة بن سراقة أحد بني عدي بن النجار وهو يشرب من الحوض بسهم فأصاب نحره فقتل
الرسول يحوض على القتال قال ثم خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم الى الناس فحرصهم وقال والذي نفس محمد بيده لا يقاتلهم اليوم رجل فيقتل صابرا محتسبا مقبلا غير مدبر إلا أدخله الله الجنة فقال عمير بن الحمام اخو بن سلمة وفي يده تمرات يأكلهن بخ بخ أفما بيني وبين أن أدخل الجنة إلا أن يقتلني هؤلاء ثم قذف التمرات من يده وأخذ سيفه فقاتل القوم حتى قتل.
قال ابن إسحاق وحدثني عاصم بن عمر بن قتادة أن عوف ابن الحارث وهو ابن عفراء قال يا رسول الله ما يضحك الرب(3/175)
من عبده قال غمسه يده في العدو حاسرا فنزع درعا كانت عليه فقذفها ثم أخذ سيفه فقاتل القوم حتى قتل
ما استفتح به أبو جهل قال ابن اسحاق وحدثني محمد ابن مسلم بن شهاب الزهري عن عبد الله بن ثعلبة بن صعير العذري حليف بني زهرة أنه حدثه لما التقى الناس ودنا بعضهم من بعض قال ابو جهل بن هشام اللهم أقطعنا للرحم وآاتانا بما لا يعرف فأحنه الغداة فكان هو المستنفخ
الرسول يرمي المشركين بالحصباء قال ابن اسحاق ثم إن رسول الله صلى الله عليه وسلم اخذ حفنة من الحصباء فاستقبل قريشاا بها ثم قال شاهت الوجوه ثم نفحهم بها وأمر أصحابه فقال شدوا فكانت الهزيمة فقتل الله تعالى من قتل من صناديد قريش واسر من اسر من اشرافهم فلما وضع القوم ايديهم يأسرون ورسول الله صلى الله عليه وسلم متوشح السيف في العريش وسعد بن معاد قائم على باب رالعريش الذيف فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم في نفر من الأنصار يحرسون رسول الله صلى الله عليه وسلم يخافون عليه كرة العدو ورأى رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما ذكر لي في وجه سعد بن معاذ الكراهية لما يصنع الناس فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم والله لكأنك يا سعد تكره ما يصنع القوم قال أجل والله يا رسول الله كانت أول وقعة أوقعها الله بأهل الشرك فكان الإثخان في القتل بأهل الشرك احب إلي من استبقاء الرجال(3/176)
نهى النبي عن قتل البعض وسببه قال ابن اسحاق وحدثني العباس بن عبد الله بن معبد عن بعض أهله عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لأصحابه يومئذ إني قد عرفت أن رجالا من بني هاشم وغيرهم قد أخرجواك عمرها ولا حاجة لهم بقتالنا فمن لقي منكم أحدا من بني هاشم فلا يقتله ومن لقي وأبو البختري بن هشام بن الحارث بن أسد فلا يقتله فإنه إنما أخرج مستكرها قال فقال ابوحذيفة أنقتل آباءنا وأخواتنا وعشيرتنا ونترك العباس والله لئن لقيته لألحمنه السيف قال ابن هشام ويقال لألجمنه السيف قال فبلغت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال لعمر بن الخطاب يا أبا حفص قال عمر والله إنه لأول يوم كناني فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم بأبي حفص أيضرب وجه عم رسول الله صلى الله عليه وسلم بالسيف فقال عمر يا رسول الله دعني فلأضرب عنقه بالسيف فوالله لقد نافق فكان أبو حذيفة يقول ما أنا بآمن من تلك الكلمة التي قلت يومئذ ولا أزال منها خائفا إلا أن تكفرها عني الشهادة فقتل يوم اليمامة شهيدا.
قال ابن إسحاق وإنما نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن قتل أبي البختري لأنه كان أكف القوم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو بمكة وكان لا يؤذيه ولا يبلغه عنه شيء يكرهه كان ممن قام في نقض الصحيفة التي كتبت قريش على وبني هاشم وبني المطلب فلقيه المجذر بن زياد البلوي حليف الأنصار ثم من بني سالم بن عوف فقال المجذر لأبي البختري إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد نهانا عن قتلك ومع أبي البختري زميل له قد حج معه من مكة وهو جنادة بن مليحة(3/177)
بنت زهير بن الحارث بن اأسد وجنادة رجل من بني ليث واسم أبي البختري العاص قال وزميلي فقال له المجذر لا والله ما نحن بتاركي زميلك ما أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا بك وحدك فقال لا والله إذن لأموتن أنا وهو جميعا لا تتحدث عني نساء مكة أني تركت زميلي حرصا على الحياة فقال ابو البختري حين نازله المجذر وأبي غلا القتال يرتجز ... لن يسلم ابن حرة زميله ... حتى يموت أو يرى سبيله
فاقتتلا فقتله المذر بن زياد وقال المجذر بن زياد في قتله ابا البختري ... إما جهلت أو نسيت نسبي ... فأثبت النسبة أني من بلي
الطاعنين برماح اليزني ... والضاربين الكبش حتى ينحني
بشر بيتم من أبوه البختري ... أو بشون بمثلها من بني
أنا الذي يقال أصلي من بلى ... أطعن بالصعدة حتى تنثني
وأعبط القرن بغضب مشرفي ... أرزم للموت كإرزام المري
فلا ترى مجذرا يفري فري ....
قال ابن هشام المري عن غير ابن اسحاق والمري الناقة التي يستنزل لبنها على عسر(3/178)
قال ابن إسحاق : ثم إن المجذر أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال والذي بعثك بالحق لقد جهدت عليه أن يستأسر فآتيك به فأبى إلا أن يقاتلني فقاتله فقتلته.
قال ابن هشام أبو البختري العاص بن هشام بن الحارث بن اسد
مقتل أمية بن خلف قال ابن اسحاق حدثني يحيى بن عبد الله بن الزبير عن أبيه قال ابن اسحاق وحدثينه أيضا عن عبد الله بن ابي بكر وغيرهما عن عبد الرحمن بن عوف قال كان امية بن خلف لي صديقا بمكة وكان اسمي عبد عمرو فتسميت حين أسلمت عبدالرحمن ونحن بمكة فكان يلقاني إذ نحن بمكة فيقول يا عبد عمرو أرغبت عن اسم سماكة أبواك فأقول نعم فقول فإني لا اعرف الرحمن فاجعل بيني وبينك شيئا أدعوك به أما انت فلا تجيبني باسمك الأول وأما أنا فلا أدعوك بما لا أعرف قال فكان إذا دعاني يا عبد عمرو لم أجبه قال فقلت له يا ابا علي أجعل ما شئت قال فأنت عبد الإله قال فقلت نعم قال فكنت إذا مررت به قال فأنت عبد الإله قال فقلت نعم قال فكنت إذا مررت به قال يا عبد الإله فأجيبه فأتحدث معه حتى إذا كان يوم بدر مررت به وهو واقف مع أبنه علي ابن أمية آخذ بيده ومعي أدراع قد استلبتها فأنا أحلمها فلما رآني قال لي يا عبد عمرو فلم أجبه فقال يا عبد الإله فقلت نعم هل لك في فأنا خير لك من هذه الأدراع التي معك قال قلت نعم ها الله ذا قال فطرحت الأدراع من يدي واخذت(3/179)
بيده ويد ابنه وهو يقول ما رأيت كاليوم قط أما لكم حاجة في اللبن قال ثم خرجت أمشي بهما.
قال ابن هشام يريد باللبن أن من أسرني افتديت منه بإبل كثيرة اللبن.
قال ابن إسحاق حدثني عبد الواحد بن أبي عون عن سعد ابن ابراهيم عن عبد الرحمن بن عوف قال قال لي أمية بن خلف وأنا بينه وبين ابنه آخذ بأيديهما يا عبد الإله من الرجل منكم المعلم بريشة نعامة في صدره قال قلت ذاك حمزة بن عبد المطلب قال ذاك الذي فعل بنا الأفاعيل
قال عبد الرحمن فواللله إني لأقودهما إذ رآه بلال معي وكان هو الذي يعذب بلالا بمكة على ترك الإسلام فيخرجه الى رمضاء مكة اذا حميت فيضجعه على ظهره ثم يأمر بالصخرة العظيمة فتوضع على صدره ثم يقول لا تزال هكذا أو تفارق دين محمد فيقول بلال أحد أحد قال فلما رآه قال رأس الكفر أمية بن خلف لا نجوت إن نجا قال قلت أي بلال أبأسيري قال لا نجوت إن نجا قال قلت أتسمع يابن السوداء قال لا نجوت إن نجا قال ثم صرخ بأعلى صوته يا أنصار الله رأس الكفر أمية بن خلف لا نجوت إن نجا قال قلت أي بلال أبأسيري قال لا نجوت إن نجا قال قلت أتسع يلبن السوداء قال لا نجوت نجا قال ثم صرخ بأعلى صوته يل أنصار الله رأس الكفر أمية بن خلف لا نجوت إن نجا قال فأحاطوا بنا حتى جعلونا في مثل المسكة وأنا أذب عنه قال فأخلف رجل السيف فضرب رجل ابنه فوقع وصاح أمية صيحة ما سمعت مثلها قط قال فقلت انج بنفسك ولا نجاء بك فوالله مااغني عنك شيئا قال فهبروهما(3/180)
بأسيافهم حتى فرغوا منهما قال فكان عبد الرحمن يقول يرحم الله بلال ذهبت أدراعي وفجعني بأسيري
الملائكة تشهد وقعة بدر قال ابن اسحاق وحدثني عبدالله ابن ابي بكر أنه حدث عن ابن عباس قال حدثني رجل من بني غفار قال اقبلت أنا وابن عم لي حتى اصعدنا في جبل يشرف بنا على بدر ونحن مشركان ننتظر الوقعة على من تكون الدبرة فننتهب مع من ينتهب قال فبينا نحن في الجبل إذ دنت منا سحابة فسمعنا فيها حمحمة الخيل فسمعت قائلا يقول أقدم حيزوم فأما ابن عمي فانكشف قناع قلبه فمات مكانه وأما أنا فكدت أهلك ثم تماسكت.
قال ابن إسحاق وحدثني عبدالله بن ابي بكر عن بعض بني ساعدة عن أبي أسيد مالك بن ربيعة وكان شهد بدرا قال بعد أن ذهب بصره لو كنت اليوم ببدر ومعي بصري لأريتكم الشعب الذي خرجت منه الملائكة لا أشك فيه ولا أتمارى.
قال ابن إسحاق وحدثني أبي اسحاق بن يسار عن رجال من بني مازن بن النجار عن أبي داود المازني وكان شهد بدرا قال إني لأتبع رجلا من المشركين يوم بدر لأضربه إذ وقع رأسه قبل أن يصل إليه سيفي فعرفت أنه قد قتله غيري(3/181)
قال ابن إسحاق : وحدثني من لا أتهم عن مقسم مولى عبد الله ابن الحارث عن عبد الله بن عباس قال كانت سيما الملائكة يوم بدر عمائم بيضا قد أرسلوها على ظهورهم ويوم حنين عمائم حمرا.
قال ابن هشام وحدثني بعض اهل العلم أن علي بن ابي طالب قال العمائم تيجان العرب وكانت سيما الملائكة يوم بدر عمائم بيضا وقد أرخوا على ظهورهم إلا جبريل فإنه كانت عليه عمامة صفراء.
قال ابن إسحاق وحدثني من لا أتهم عن مقسم عن ابن عباس قال ولم تقاتل الملائكة في يوم سوى بدر من الأيام وكانوا يكونون فيما سواه من الأيام عددا ومددا لا يضربون
مقتل أبي جهل قال ابن اسحاق وأقبل أبو جهل يومئذ يرتجز وهو يقاتل ويقول ... ما تنقم الحرب العوان مني ... بازل عامين حديث سني
لمثل هذا ولدتني أمي ....
قال ابن هشام وكان شعار أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم بدر أحد أحد.
قال ابن إسحاق فلما فرغ رسول الله صلى الله عليه وسلم من عدوه أمر بأبي جهل أن يلتمس في القتلى
وكان اول من لقي أبا جهل كما حدثني ثور بن يزيد عن عكرمة(3/182)
عن ابن عباس وعبد الله بن ابي بكر أيضا قد حدثني ذلك قالا قال معاذ بن عمرو بن الجموح أخو بني سلمة سمعت القوم وأبو جهل في مثل الحرجة قال ابن هشام الحربة الشجر الملتف وفي الحديث عن عمر بن الخطاب أنه سأل أعرابيا عن الحرجة فقال هي شجرة من الأشجار لا يوصل إليها وهم يقولون أبو الحكم لا يخلص إليه قال فلما سمعتها جعلته من سأني فصمدت نحوه فلما أمكنني حملت عليه فضربته ضربة أطنت قدمه بنصف ساقه فوالله ما شبهتها حين طاحت إلا بالنواة تطيح من تحت مرضخة النوى حين يضرب بها قال وضربني أبنه عكرمة على عاتقي فطرح يدي فتعلقت بجلده من جنبي وأجهضني القتال عنه فلقد قاتلت عامة يومي وإني لأسحبها خلفي فلما آذتني وضعت عليها قدمي ثم تمطيت بها عليها حتى طرحتها.
قال ابن إسحاق ثم عاش بعد ذلك حتى كان زمان عثمان
ثم مر بأبي جهل وهو عقير معوذ بن عفراء فضربه حتى أثبته فتركه به رمق وقاتل معوذ حتى قتل فمر عبد الله بن مسعود بأبي جهل حين أمر رسول الله صلى الله عليه سلم أن يلتمس في القتلى وقد قال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما بلغني انظروا إن خفي عليم في القتلى الى أثر جرح في ركبته فإني ازدحمت يوما أنا وهو عللى مأدبة لعبد الله بن جدعان ونحن غلامان وكنت أشف منه(3/183)
بيسير فدفعته فوقع على ركبتيه فجحش في أحداهما جحشا لم يزل أثره به قال عبد الله بن مسعود فوجدته بآخر رمق فعرفته فوضعت رجلي على عنقه قال وقد كان ضبث بن مرة بمكة فآذاني ولكزني ثم قلت له هل أخزاك الله يا عدو الله قال وبماذا أخزراني أعمد من رجل قتلتموه أخبرني لمن الدائرة اليوم قال قلت لله ولرسوله.
قال ابن هشام ضبث قبض عليه ولزمه قال ضابىء بن الحارث البرجمي ... فأصبت مما كان بيني وبينكم ... من الود مثل الضابث الماء باليد.
قال ابن هشام ويقال أعار على رجل قتلتموه أخبرني لمن الدائرة اليوم
رأس عدو الله بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ابن اسحاق وزعم رجال من بني مخزوم أن ابن مسعود كان يقول قال لي لقد ارتقيت مرتقى صعبا يا رويعي الغنم قال ثم احترزت رأسه(3/184)
ثم جئت به رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت يا رسول الله هذا رأس عدو الله ابي جهل قال فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم الله الذي لا إله غيره قال وكانت يمين رسول الله صلى الله لعيه وسلم قال فقلت نعم والله الذي لا إله غيره ثم ألقيت رأسه بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم فحمد الله.
قال ابن هشام وحدثني أبو عبيدة وغيره من أهل العلم بالمغازي أن عمر بن الخطاب قال لسعيد بن العاص ومر به إني أراك كان في نفسك شيئا أراك تظن أني قتلت أباك إن لو قتله لم أعتذر إليك من قتله ولكني قتلت خالي العاص بن هشام بن المغيرة فأما أبوك فإني مررت به وهو يبحث بحث الثور بروقه فحدث عنه وقصد له ابن عمه علي فقتله
حديث عكاشة بن محصن قال ابن اسحاق وقاتل عكاشة ابن محصن بن حرثان الأسدي حليف بني عبد شمس بن عبد مناف يوم بد بسيفه حتى انقطع في يده فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأعطاه جذلا من حطب فقال قاتل بهذا يا عكاشة فلما أخذه من رسول الله صلى الله عليه وسلم هزه فعاد سيفا في يده طويل القامة شديد المتن أبيض الحديدة فقاتل به حتى فتح الله تعالى على المسلمين وكان ذلك السيف يسمى العون ثم لم يزل عنده يشهد به المشاهد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى قتل في الرد وهو عنده قتله طليحة ابن خويلد الأسدي فقال طليحة في ذلك(3/185)
فما ظنكم بالقوم إذ تقتلونهم ... ألسيوا لم يسلموا برجال
فإن تك أذاود أصبن ونسوة ... فلن تذهبوا فرغا بقتل حبال
نصبت لهم صدر الحمالة إنها ... معاودة قيال الكماة نزال
فيوما تراها في الجلال مصونة ... ويوما تراها غير ذات جلال
عشية غادرت ابن أقرم ثاويا ... وعكاشة الغنمي عند حجال.
قال ابن هشام حبال ابن طليحة بن خويلد وابن أقرم ثابت ابن أقرم الأنصاري.
قال ابن إسحاق وعكاشة بن محصن الذي قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم حين قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يدخل الجنة سبعون ألفا من امتى على صورة القمر ليلة البدر قال يارسول الله ادع الله أن يجعلني منهم قال إنك منهم أو اللهم اجعله منهم فقام رجل من الأنصار فقال يا رسول الله ادع الله ان يجعلني منهم فقال سبقك بها عكاشة وبردت الدعوة
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما بلغنا عن أهله منا خير فارس في العرب قالوا ومن هو يا رسول الله قال عكاشة بن محصن فقال(3/186)
ضرار بن الأزور الأسدي ذلك رجل منا يا رسول الله قال ليس منكم منا منا للحلف.
قال ابن هشام ونادى أبو بكر الصديق ابنه عبد الرحمن وهو يومئذ مع المشركين فقال أين مالي يا خبيث فقال عبد الرحمن ... لم يبق غير شكة ويعبوب ... وصارم يقتل ضلال الشيب
فيما ذكر لي عن عبدالعزيز بن محمد الدراوردي
طرح المشركين في القليب قال ابن اسحاق وحدثني يزيد ابن رومان عن عروة بن الزبير عن عائشة قال لما امر رسول الله صلى الله عليه وسلم بالقتلى أن يطرحوا في القليب طرحوا فيه إلا ما كان من امية بن خلف فإنه انتفخ في درعه فملأها فذهبوا ليحركوه فتزابل لحمه فأقروه وألقوا عليه ما غيبه من التراب واللحجارة فلما ألقاهم في القليب وقف عليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال يا أهل القليب هل وجدتم ما وعدكم ربكم حقا فإني قد وجدت ما وعدني ربي حقا قالت فقال له اصحابه يا رسول الله اتكلم قوما موتى فقال لهم لقد علموا أن ما وعدهم ربهم حقا
قالت عائشة والناس يقولون لقد سمعوا ما قلت لهم وإنما قال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم لقد علموا.
قال ابن إسحاق وحدثني حميد الطويل عن أنس بن مالك قال سمع أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم رسول الله صلى الله عليه وسلم من جوف الليل وهو يقول يأهل القليب يا عتبة بن ربيعة ويا شيبة بن ربيعة(3/187)
ويا أمية بن خلف ويا أبا جهل بن هشام فعدد من كان منهم في القليب هل وجدتم ما وعد ربكم حقا فإني قد وجدت ما وعدني ربي حقا فقال المسلمون يا رسول الله أتنادي قوما قد جيفوا قال ماأنتم بأسمع لما اقول منهم ولكنهم لا يستطيعون أن يجيبوني.
قال ابن إسحاق وحدثني بعض أهل العلم ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال يوم هذه المقالة يأهل القليب بئس عشيرة النبي كنتم لنبيكم كذبتموني وصدقني الناس وأخرجتموني وآواني الناس وقاتلتموني ونصرني الناس ثم قال هل وجدتم ما وعدكم ربكم حقا للمقالة التي قال : شعر حسان في ذلك قال ابن اسحاق وقال حسان بن ثابت ... عرفت ديا زينب بالكثيب ... كخط الوحي في الورق القشيب(3/188)
تداولها الرياح وكل جون ... من الوسمي منهمر سكوب
فأمسى رسمهاا خلقا وأمست ... يبابا بعد ساكنها الحبيب
فدع عنك التذكر كل يوم ورد حرارة الصدر الكئيب
وخبر بالذي لا عيب فيه ... بصدق غير إخبار الكذوب
بما صنع المليك غداة بدر ... لنا في المشركين من النصيب
غداة كأن جمعهم حراء ... بدت أركانه جنح الغروب
فلاقيناهم منا بجمع ... كأسد الغاب مردان وشيب
أمام محمد قد وازروه ... على الأعداء في لفح الحروب
بأيديهم صورام مرهفات ... وكل مجرب خاظي الكعوب
بنو الأوس الغطارف وازرتها ... بنو النجار في الدين الصليب
فغادرنا ابا جهل صريعا ... وعتبة قد تركنا بالجبوب
وشيبة قد تركنا في رجال ذوي حسب إذا نسبوا حسيب
يناديهم رسول الله لما ... قذفناهم كباكب في القليب(3/189)
ألم تجدوا كلامي كان حقا ... وامر الله يأخذ بالقلوب
فما نطقوا ولو نطقوا لقالوا ... صدقت وكنت ذا رأي مصيب.
قال ابن إسحاق ولما أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يلقوا في القليب أخذ عتبة بن ربيعة فسحب الى القليب فنظر رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما بلغني في وجه أبي حذيفة بن عتبة فإذا هو كئيب قد تغر لونه فقال يا أبا حذيفة لعلك قد دخلك من شأن أبيك شيء أو كما قال صلى الله عليه وسلم فقال لا والله يا رسول الله ما شككت في أبي ولا في مصرعه ولكني كنت أعرف من ابي رأيا وحلما وفضلا فكنت أرجوا أن يهديه ذلك الى الإسلام فلما رأيت ما اصابه وذكرت ما مات عليه من الكفر بعد الذي كنت ارجو له أحزنني ذلك فدعا له رسول الله صلى الله عليه وسلم بخير وقال له خيرا
الفتية الذين نزل فيهم {إن الذين توفاهم الملائكة ظالمي أنفسهم} وكان الفتية الذين قتلوا ببدر فنزل فيهم من القرآن فيما ذكر لنا {إن الذين توفاهم الملائكة ظالمي أنفسهم قالوا فيم كنتم قالوا كنا مستضعفين في الأرض قالوا ألم تكن أرض الله واسعة فتهاجروا فيها فأولئك مأواهم جهنم وساءت مصيرا} فتية مسمين
من بني أسد بن عبد العزى بن قصي الحارث بن زمعة بن الأسود بن عبدالمطلب بن أسد
ومن بني مخزوم أبو قيس بن الفاكه بن المغيرة بن عبدالله ابن عمر بن مخزوم وابو قيس بن الوليد بن المغيرة بن عبدالله ابن عمر بن مخزوم ومن بني جمح علي بن خلف بن وهب بن حذافة بن جمع(3/190)
ومن بني سهم العاص بن منبه بن الحجاج بن عامر بن حذيفة ابن سعد بن سهم
وذلك أنهم كانوا أسلموا ورسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة فلما هاجر رسول الله صلى الله عليه وسلم الى المدينة حبسهم آباؤهم وعشائرهم بمكة وفتنوهم فافتتنوا ثم ساروا مع قومهم الى بدر فأصيبوا به جميعا
فيء بدر واختلاف المسلمين فيه ثم إن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر بما في العسكر مما جمع الناس فجمع فاختلف المسلمون فيه فقال من جمعه هو لنا وقال الذين كانوا يقاتلون العدو يطلبونه والله لولا نحن ما أصبتموه لنحن شغلنا عنكم القوم حت أصبتم ما أصبتم وقال الذين كاناو يحرسون رسول الله صلى الله عليه وسلم مخافة أن يخالف إليه العدو والله ما انتم بأحقا به منا والله لقد رأينا ان نقتل العدو إن منحنا الله تعالى أكتافه ولقد رأينا أن نأخذ المتاع حين لم يكن دونه من يمنعه ولكنا خفنا على رسول الله صلى الله عليه وسلم كرة العدو فقمنا دونه فما انتم بأحق به منا
قال ابن اسحق وحدثني عبد الرحمن بن الحارث وغيره من أصحابنا عن سليمان بن موسى عن مكحول عن ابي أمامة الباهلي واسمه صدى بن عجلان فيما قال ابن هشام قال سألت عبادة بن الصامت عن الأنفال فقال فينا أصحاب بدر نزلت حين اختلفنا في النفل وساءت فيه أخلاقنا فنزعه الله من أيدينا فجعله الى رسوله فقسمه رسول الله صلى الله عليه وسلم بين المسلمين عن بواء يقول على السواء(3/191)
قال ابن إسحاق : وحدثني عبد الله بن ابي بكر قال حدثني بعض بن ساعدة عن أبي أسيد الساعدي مالك بن ربيعة قال أصبت سيف بني عائط المخزوميين الذين يسمى المرزبان فلما أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم الناس أن يردوا ما في أيديهم من النفل أقبلت حتى ألقيته في النفل قال وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يمنع شيئا سئله فعرفه الأرقم بن أبي الأرقم فسأله رسول الله صلى الله عليه وسلم فأعطاه إياه
بشرى الفتح قال ابن اسحاق ثم بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم عند الفتح عبد الله بن رواحة بشيرا الى اهل العالية بما فتح الله عز وجل على رسوله صلى الله عليه وسلم وعلى المسلمين وبعث زيد بن حارثة الى اهل السافلة قال اسامة بن زيد فأتانا الخبر حين سوينا التراب على رقية ابنه رسول الله صلى الله عليه وسلم التي كانت عند عثمان بن كان رسول الله صلى الله عليه وسلم خلفني عليها مع عثمان حارثة قد قدم قال فجئته وهو واقف بالمصلى قد غشيه الناس وهو يقول قتل عتبة بن ربيعة وشيبة بن ربعية وأبو جهل بن هشام وزمعة بن السود وأبو البخترى العاص بن هشام وأمية بن خلف ونبيه ومنبه ابنا الحجاج قال قلت يا ابت أحق هذا قال نعم والله يا بني
الرجوع الى المدينة ثم اقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم قافلا الى المدينة ومعه الأسارى من المشركين وفيهم عقبة بن ابي معيط والنضر بن الحارث واحتمل رسول الله صلى الله عليه وسلم معه النفل الذي أصيب من المشركين وجعل على النفل عبد الله بن كعب بن عمرو بن عوف بن مبذول(3/192)
ابن غنم بن مازن بن النجار فقال راجز من المسلمين قال ابن هشام يقال إنه عدي بن ابي الزغباء ... أقم لها صدروها يا بسبس ... ليس بذي الطلح لها معرس
ولا بصحراء غمير محبس ... إن مطايا لقوم لا تخيس
فحملها على الطريق أكيس ... قد نصر الله وفر الأخنس
تهنئة المسلمين الرسول صلى الله عليه وسلم بالفتح ثم أقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى إذا خرج من مضيق الصفراء نزل اعلى كثيب بين المضيق وبين النازية يقال له سير الى سرحة به فقسم هنالك النفل الذي أفاء الله على المسلمين من المشركين على السواء ثم ارتحل رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى إذا كان بالروحاء لقيه المسلمون يهنئونه بما فتح الله عليه ومن معه من المسلمين فقال لهم سلمة بن سلامة كما حدثن عاصم بن عمر بن قتادة ويزيد بن رومان ما الذي تعهنئوننا به فوالله إن لقينا إلا اعجائز صلعا كالبدن المعقلة فنحرناها فتبسم رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم قال اي ابن أخي أولئك الملأ.
قال ابن هشام الملأ الأشراف والرؤساء
مقتل النضر وعقبة قال ابن اسحاق حتى إذا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم بالصفراء قتل النضر بن الحارث قلته علي بن ابي طالب كما أخبرني بعض أهل العلم من أهل مكة.
قال ابن إسحاق ثم خرج حتى إذا كان بعرق الظبية قتل عقبة ابن ابي معيط.
قال ابن هشام عرق الظبية عن غير ابن اسحاق(3/193)
قال ابن إسحاق : والذي أسر عقبة عبد الله بن سلمة أحد بني العجلان.
قال ابن إسحاق فقال عقبة حين امر رسول الله صلى الله عليه وسلم بقتله فمن للصبية يا محمد قال النار فقتله عاصم بن ثابت بن ابي الأقلح الأنصاري أخو بن عمرو بن عوف كما حدثني أبو عبيدة ابن محمد بن عمار بن ياسر.
قال ابن هشام ويقال قتله علي بن ابي طالب فيما ذكر لي ابن شهاب الزهري وغيره من اهل العلم.
قال ابن إسحاق ولقي رسول الله صلى الله عليه وسلم بذلك الموضع أبو هند مولى فروة بن عمرو البياضي بحميت مملوء حيسا.
قال ابن هشام الحميت الزق وكان قد تخف عن بدر ثم شهد المشاهد كلها مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو كان حجام رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم إنما هو أبو هند امرؤ من الأنصار فأنكحوه وأنكحوا إليه ففعلوا.
قال ابن إسحاق ثم مضى رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى قدم المدينة قبل الأسارى بيوم.
قال ابن إسحاق وحدثني عبد الله بن أبي بكر أن يحيى بن عبدالله بن عبد الرحمن بن اسعد بن زرارة قال قدم بالأسارى حين قدم بهم وسودة بنت زمعة زوج النبي صلى الله عليه وسلم عند آل عفراء في مناحتهم على عوف ومعوذ ابني عفراء وذلك قبل ان يضرب عليهن الحجاب(3/194)
قال تقول سودة والله إني لعندهم إذ أتينا فقيل هؤلاء الأسارى قد اتى بهم قالت فرجعت الى بيتي ورسول الله صلى الله عليه وسلم فيه وإذا أبو يزيد سهيل بن عمرو في ناحية الحجرة مجموعة يداه الى عنقه بحبل قالت فلا والله ما ملكت نفسي حين رأيت ابا يزيد كذلك أن قلت اي ابا يزيد أعطيتم بأيديكم ألا متم كراما فوالله ما انبهني إلا قول رسول الله صلى الله عليه وسلم من البيت يا سودة أعلى الله ورسوله تحرضين قال قلت يا رسول الله والذي بعثك بالحق ما ملكت نفسي حين رأيت أبا يزيد مجموعة يداه الى عنقه أن قتل ما قلت
الإيصاء الأسارى قال ابن اسحاق وحدثني نبيه بن وهب أخو بن عبد الدار أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حين اقبل بالأسارى فرقهم بين أصحابه وقال استوصوا بالأسارى خيرا قال وكان ابو عزيز ابن عمير بن هاشم أخو مصعب بن عمر لأبيه وأمه في الأسارى
قال فقال أبو عزيز مر بي أخي مصعب بن عمير ورجل من الأنصار يأسني فقال شد يديك به فأن أمه ذات متاع لعلها تفديه منك قال وكنت في رهط من الأنصار حين أقبوا بي من بدر فكانوا إذا قدموا غداءهم وعشاءهم خصوني بالخبر وأكلوا التمر لوصية رسول الله صلى الله عليه وسلم إياهم بنا ما تقع في يد رجل منهم كسرة خبز إلا نفحني بها قال فأستحيي فأردها على احدهما فيردها علي ما يمسها(3/195)
بلوغ مصاب قريش في رجالها الى مكة قال ابن هشام وكان ابو عزيز صاحب لواء المشركين ببدر النضر بن الحارث فلما قال أخوه مصعب بن عمير لأبي اليسر وهو الذي أسره ما قال قال له ابو عزيز يا أخي هذه وصاتك بي فقال له مصعب إنه أخي دونك فسألت أمه عن أغلى ما فدى به قرشي فقيل لها اربعة آلاف درهم فبعثته بأربعة آللاف درهم ففدته بها.
قال ابن إسحاق وكان اول من قدم مكة بمصاب قريش الحيسمان ابن عبد الله الخزاعي فقالوا ما وراءك قال قتل عتبة بن ربيعة وشيبة بن ربيعة وابو الحكم بن هشام وأمية بن خلف وزمعة بن الأسود ونبيه ومنبه ابنا الحجاج وابو البختري بن هشام فلما جعل يعدد أشراف قريش قال صفوان بن امية وهوة قاعد في الحجر والله إن يعقل هذا فاسئلوه عني فقالوا ما فعل صفوان بن امية قال ها هو ذاك جالسا في الحجر وقد والله رأيت أباه وأخاه حين قتلا.
قال ابن إسحاق وحدثني حسين بن عبد الله بن عبيد الله بن عباس عن عكرمة مولى ابن عباس قال قال أبو رافع مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم كنت غلاما للعباس بن عبد المطلب ة وكان الإسلام قد دخلنا أهل البيت فأسلم العباس واسلمت ام الفضل وأسلمت وكان العباس يهاب قومه ويكره خلافهم وكان يكتم إسلامه وكان ذا مال كثير متفرق في قومه وكان ابو لهب قد تخلف عن بدر فبعث مكانه العاصي بن هشام بن المغيرة وكذلك كانوا صنعوا لم يتخلف رجل إلا بعث مكانه رجلا فلما جاءه الخبر عن مصاب أصحاب بدر من قريش كبته الله وأخزاه ووجدنا في أنفسنا قوة وعزا
قال وكنت رجلا ضعيفا وكنت اعمل الاقداح أنحتها في جحرة(3/196)
زمزم فوالله أني لجالس فيها أنحت أقداحي وعندي أم الفضل جالسة وقد سرنا ما جاءنا من الخبر إذ أقبل أبو لهب يجر رجليه بشر حتى جلس على طنب الحجرة فكان ظهره الى ظهري
فبينما هو جالس إذ قال الناس هذا أبو سفيان بن الحارث بن عبد المطلب قال ابن هشام واسم ابي سفيان المغيرة قد قدم
قال فقال أبو لهب هلم إلي فعندك لعمري الخبر قال فجلس إليه والناس قيام عليه فقال يابن اخي أخبرني كيف كان أمر الناس قال والله ما هو إلا أن لقينا القوم فمنحناهم أكتافا يقودوننا كيف شاءوا ويأسروننا كيف شاءوا وايم الله مع ذلك ما لمت الناس لقينا رجالا بيضا على خيل بلق بين السماء والأرض والله ما تليق شيئا ولا يقوم لها شيء
قال ابو رافع فرفعت طنب الحجرة بيدي ثم قلت تلك والله الملائكة قال فرفع أبو لهب يده فضرب بها وجهي ضربة شديدة قال وثاورته فاحتملني فضرب بي الأرض ثم برك علي يضربني وكنت رجلا ضعيفا فقامت ام الفضل الى عمود من عمد الحجرة فأخذته فضربته فلعت في رأسه شجة منكرة وقالت استضعفته(3/197)
أن غاب عنه سيده فقام موليا ذليلا فوالله ما عاش الا سبع ليال حتى رماه الله بالعدسة فقتله
قريش تنوح على قتلاها وشعر الأسود في رثاء أولاده قال ابن اسحاق وحدثني يحيى بن عباد بن عبدالله بن الزبير عن أبيه عباد قال ناحت قريش على قتلاهم ثم قالوا لا تفعلوا فيبلغ محمد اصحابه فيشتموا بكم ولا تبعثوا في أسراكم حتى تستأنوا بهم لا يأرب عليكم محمد واصحابه في الفداء قال وكان الأسود بن المطلب قد أصيب له ثلاثة من ولده زمعة بن الأسود وعقيل بن الأسود والحارث بن زمعة ومان يحب ان يبكي على بنيه فينما هو كذلك إذ سمع نائحة من الليل فقام لغلام له وقد ذهب بصره أنظر هل أحل النحب هل بكت قريش على قتلاها لعلي أبكي على أبي حكيمة يعني زمعة فإن جوفي قد احترق قال فلما رجع اليه اغلام قال إنما هي امرأة تبكي على بعير لها أضلته قال فذاك حين يقول الأسود ... أتبكي أن يضل لها بعير ... ويمنعها من النوم السهود
فلا تبكي على بكر ولكن ... على بدر تقاصرت الجدود
على بدر سراة بن هصيص ... ومخزوم ورهط ابي الوليد
وبكى أن بكيت على عقيل ... وبكي حارثا أسد الأسود(3/198)
وبكيهم ولا تسمي جميعا ... وما لأبي حكيمة من نديد
ألا قد ساد بعدهم رجال ... ولولا يوم بدر لم ييسودوا
قال بن هشام هذا إقواء وهي مشهورة من اشعارهم وهي عندنا إكفاء وقد اسقطنا من رواية ابن اسحاق ما هو اشهر من هذا
فداء أسرى قريش وفداء أبي وداعة قال ابن اسحاق وكان في الأساري ابو داعة بن ضبيرة السهمي فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن له بمكة ابنا كيسا تاجرا ذا مال وكأنكم به قد جاءكم في طلب فداء ابيه فلما قالت قريش لا تعجلوا بفداء أسرائكم لا بأرب عليكم محمد وأصحابه قال المطلب بن ابي وداعة وهو الذي كان رسول الله صلى الله عليه وسلم عني صدقتم لا تعجلوا وانسل من الليل فقدم المدينة فأخذ اباه بأربعة آلاف درهم فانطلق به
فداء سهيل بن عمرو قال ثم بعثت قريش في فداء الأسارى فقدم مكرز بن حفص بن الأخيف في فداء سهيل بن عمرو وكان الذي أسره مالك بن الدخشم أخو بني سالم بن عوف فقال ... اسرت سهيلا فلا أبتغي ... أسيرا به من جميع الأمم
وخندف تعلم أن الفتى ... فتاها سهيل إذا يظلم
ضربت بذي الشفر حتى انثنى ... وأكرهت نفسي على ذي العلم(3/199)
وكان سهيل رجلا أعلم من شفته السفلى.
قال ابن هشام وبعض اهل العلم بالشعر ينكر هذا الشعر لمالك ابن الدخشم
النهي عن التمثيل بالعدور قال ابن اسحاق وحدثني محمد بن عمرو بن عطاء أخو بن عامر بن لؤي أن عمر بن الخطاب قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم يا رسول الله دعني أنزع ثنيتي سهل بن عمرو ويدلع لسانه فلا يقوم عليك خطيبا في موطن ابدا قال فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا امثل به فيمثل الله بي وإن كنت نبيا.
قال ابن إسحاق وقد بلغني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لعمر في هذا الحديث إنه عسى أن يقوم مقاما لا تذمه.
قال ابن هشام وسأذكر حديث ذلك المقام في موضعه إن شاء الله تعالى.
قال ابن إسحاق فلما قاولهم فيه مكرز وانتهي الى رضاهم قالوا هات الذي لنا قال اجعلوا رجلي مكان رجله وخلو سبيله حتى يبعث إليكم بفدائه فخلوا سبيل سهيل وحبسوا مكرزا مكانه عندهم فقال مكرز ... فديت بأذواد ثمان سبا فتى ... ينال الصميم غرمها لا المواليا
رهنت يدي والمال أيسر من يدي ... علي ولكني خشيت المخازيا(3/200)
وقلت سهيل خيرنا فاذهبوا به ... لأبنائنا حتى ندير الأمانيا.
قال ابن هشام وبعض أهل العلم بالشعر ينكر هذا لمكرز
اسر عمرو بن ابي سفيان قال ابن اسحاق وحدثني عبدالله ابن ابي بكر قال كان عمرو بن ابي سفيان بن حرب وكان لبنت عقبة بن ابي معيط قال ابن هشام ام عمرو بن ابي سفيان بنت ابي عمرو واخت ابي معيط بن أبي عمرو اسيرا في يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم من أسرى بدر.
قال ابن هشام أسره علي بن ابي طالب.
قال ابن إسحاق حدثني عبد الله بن أبي بكر قال فقيل لأبي سفيان أفد عمرا بنك قال أيجمع علي دمي ومالي قتلوا حنظلة وأفدى عمرا دعوه في أيديهم يمسكوه ما بدا لهم
قال فبينما هو كذلك محبوس بالمدينة عند رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ خرج سعد بن النعمان بن أكال أخو بني عمرو بن عوف ثم أحد بن معاوية معتمرا ومعه مرية له وكان شيخا مسلما في غنم له بالنقيع فخرج من هنالك معتمرا ولا يخشى الذي صنع به لم يظن أنه يحبس بمكة إنام جاء معتمار وقد كان عهدا قريشا لا يعرضون لاحد جاء حاجا أو معتمرا إلا بخير فعدا عليه أبو سفيان ابن حرب بمكة فحبسه بابنه عمرو ثم قال او سفيان ... أرهط ابن أكال أجيبوا دعاءه ... تعاقدتم لا تسلموا السيد الكهلا
فإن بني عمرو لئام أذلة ... لئن لم يفكوا عن اسيرهم الكبلا(3/201)
فأجابه حسان بن ثابت فقال ... لو كان سعد يوم مكة مطلقا ... لأكثر فيكم قبل أن يؤسر القتلا
بغضب حسام أبو بصفراء نبعة ... تحن إذا ما أنبضت تحفز النبلا
ومشى بنو عمرو بن عوف الى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبروه خبره وسألوه أن يعطيهم عمرو بن ابي سفيان فيفكوا به صاحبهم ففعل رسول الله صلى الله عليه وسلم فبعثوا به الى ابي سفيان فخلى سبيل سعد
قصة زينب بنت الرسول وزوجها ابي العاص قال ابن اسحاق وقد كان في الأسارى أبو العاص بن الربيع بن عبد العزى ابن عبد شمس ختن رسول الله صلى الله عليه وسلم وزوج ابنته زينب.
قال ابن هشام أسره خراش بن الصمة أحد بن حرام.
قال ابن إسحاق وكان ابو العاص من رجال مكة المعدودين مالا وأمانة وتجارة وكان لهالة بنت خويلد وكانت خديحة خالته فسألت خديجة رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يزوجه وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يخالفها وذلك قبل أن ينزل عليه والوحي فزوجه وكانت تعده بمنزلة ولدها فلما أكرم الله رسول الله صلى الله عليه وسلم بنبوته آمنت به خديجة وبناته فصدقنه وشهدن أن ما جاء به الحق ودن بدينه وثبت ابو العاص على شركه
قريش تشغل الرسول عليه السلام بطلاق بناته وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد زوج عتبة بن أبي لهب رقية او أم كلثون فلما(3/202)
بادى قريشا بأمر الله تعالى وبالعداوة قالو إنكم قد فرغتم محمدا من همه فردوا عليه بناته فاشغلوه بهن فمشوا الى ابي العاص فقالوا له فارق صابحتك ونحن نزوجك أي امرأة من قريش شئت قال لا والله إن لا أفارق صاحبتي وما احب أن لي بامرأتي امرأة من قريش وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يثني عليه في صهره خيرا فيما بلغني ثم مشوا الى عتبة بن ابي لهب فقاتلوا له طلق بنت محمد ونحن ننكحك اي امراة من قريش شئت فقال إن زوجتموني بنت ابان ابن سعيد بن العاص أو بنت سعيد بن العاص فارقتها فزوجوه بنت سعيد بن العاص وفارقها ولم يكن ادخل بها فأخرجها الله من بده كرامة لها وهوانا له وخلف عليها عثمان بن عفان بعده
تحريم زينت علي أبي العاص بن الربيع وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يحل بمكة ولا يحرم مغلوبا على امره وكان الإسلام قد فرق بين زينب بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم حين أسلمت وبين ابي العاص ابن الربيع إلا ان رسول الله صلى الله عليه وسلم كان لا يقدر أن يفرق بينهما فأقامت معه على إسلامها وهو على شركه حتى هاجر رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما صارت قريش الى بدر صار فيهم او العاص بن الربيع فأصيب في الأسارى يوم بدر فكان بالمدينة عند رسول الله صلى الله عليه وسلم
رد المسلمين فدية زينب لأبي العاص قال ابن اسحاق وحدثني يحيى بن عباد بن عبد الله بن الزبير عن أبيه عباد عن عائشة قالت ما بعث أهل مكة في فداء أسرائهم بعثت زينب بنت(3/203)
رسول الله صلى الله عليه وسلم في فداء أبي العاص بن الربيع بمال وبعثت فيه بقلادة لها كانت خديجة أدختلها بها على أبي العاص حين بنى عليها قالت فلما رآها رسول الله صلى الله عليه وسلم رق لها رقة شديدة وقال إن رأيتم أن تطلقوا لها اسيرها وتردوا عليها مالها فافعلوا فقالوا نعم يارسول الله فأطلقوه وردوا عليها الذي لها
خروج زينب الى المدينة وما أصابها عند خروجها
قال وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أخذ عليه أو وعد رسول الله صلى الله عليه وسلم ذلك أن يخلي سبيل زينب أو كان فيما شرط عليه في إطلاقه ولم يظهر ذلك منه ولا من رسول الله صلى الله عليه وسلم فيعلم ما هو إلا أنه لما خرج أبو العاص الى مكة وخلي سبيله بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم زيد بن حارثة ورجلا من الأنصار مكانه فقال كونا ببطن بأجج حتى تمر بكما زينب فتصحباها حتى تأتياني بها فخرجا مكانهما وذلك بعد بدر بشهر أو شيعة فلما قدم أبو العاص مكة أمرها باللحوق بأبيها فخرجت تجهز.
قال ابن إسحاق فحدثني عبد الله بن ابي بكر قال حدثت عن زينب أنها قالت بينا أنا أتجهز بمكة للحوق بأبي لقيتني هند بنت عتبة فقالت يا بنت محمد الم يبلغني أنك تريدين اللحوق(3/204)
بأبيك قالت ما أردت ذلك فقالت أي أبنة عمي لا تفعلي إن كانت لك حاجة بمتاع مما يرفق بك في سفرك أو بمال تتبلغين به الى أبيك فان عندي حاجتك فلا تضطني مني فإنه لا يدخل بين النساء ما بين الرجال قالت والله ما أراها قالت ذلك إلا لتفعل قالت ولكني ختها فأنكرت أن أكون أريد ذلك وتجهزت
كنانة يرجع بزينب حتى تهدأ الأصوات ضدها فلما فرغت بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم من جهازها قدم لها حموها كنانة بن الربيع أخو زوجها بعيرا فركبته وأخذ قوسه وكنانته ثم خرج بها نهارا يقود باه وهي في هودج لها وتحدث بذلك رجال من قريش فخرجوا في طلبها حتى أدركوها بذى طوى فكان اول من سبق إليها هبار ابن الأسود بن المطلب بن اسد بن عبد العزى والفهري فروعها هبار بالرمح وهي في هودجها وكانت المرأة حاملا فيما يزعمون فلما ريعت طرحت ذا بطنها وبرك حموها وكنانة ونثر كنانته ثم قال والله لا يدنو مني رجل إلا وضعت فيه سهما فتكركر الناس عنه وأتى أبو سفيان في جلة من قريش فقال أيها الرجل كف عنا نبلك حتى نكلمك فكف فأقبل ابو سفيان حتى وقف عليه فقال أنك لم تصب خرجت بالمرأة رؤوس الناس علانية وقد عرفت مصيبتنا ونكبتنا وما دخل علينا من محمد فيظن الناس(3/205)
إذا خرجت بابنته إليه علانية على رؤوس الناس من بين أظهرنا أن ذلك عن ذل أصابنا عن مصيبتنا التي كانت وان ذلك منا ضعف ووهن ولعمري ما لنا بحبسها عن ابيها من حاجة وما لنا في ذلك من ثورة ولكن ارجع بالمرأة حتى هدأت الأصوات وتحدث الناس أن قد رددناها فسلها سرا وألحقها بأبيها قال ففعل فأقامت ليالي حتى إذا هدأت الأصوات خرج بها ليلا حتى أسلمها الى زيد ابن حارثة وصاحبه فقدما بها على رسول الله صلى الله عليه وسلم
شعر لأبي خيثمة في شأن زينب قال ابن اسحاق فقال عبدالله بن رواحة أو أبو خيثمة اخو بني سالم بن عوف في الذي كان من أمر زينب قال ابن هشام هي لأبي خيثمة في الذي كان من امر زينب قال ابن هشام هي لأبي خيثمة ... أتاني الذي لا يقدر الناس قدره ... لزينب فيهم من عقوق ومأثم
وإخراجها لم يخز فيها محمد ... على مأقط وبيننا عطر منشم
وأمسى أبو سفيان من حلف ضمضم ... ومن حربنا في رغم أنف ومندم
قرنا ابنه عمرا ومولى يمينه ... بذي حلق جلد الصلاصل محكم(3/206)
... فأقسمت لا تنفك منا كتائب ... سراة خميس في لهام مسوم
نزوع قريش الكفر حتى نعلها ... بخاطمة فوق الأنوف بميسم
ننزلهم أكناف نجد ونخلة ... وإن يتهموا بالخيل والرجل نتهم
يد الدهر حتى لا يعوج سربنا ... نلحقهم آثار عاد وجرهم
ويندم قوم لم يطيعوا محمدا ... على أمرهم وأي حين تندم
فأبلغ أبا سفيان إما لقيته ... لئن أنت لأم تخلص سجودا وتسلم
فأبشر بخزي في الحياة معجل ... وسربال قار خالدا في جهنم.
قال ابن هشام ويروى وسربال نار.
قال ابن إسحاق ومولى يمين أبي سفيان الذي يعني عامر ابن الحضرمي كان في الأسارى وكان حلف الحضرمي الى حرب ابن امية.
قال ابن هشام مولى يمن أبي سفيان الذي يعني عقبة بن عبد الحارث بن الحضرمي فأما عامر بن الحضرمي فقتل يوم بدر
شعر هند وكنانة في هجرة زينب ولما انصرف الذين خرجوا الى زينب لقيتهم هند بنت عتبة فقالت لهم ... أفي السلم أعيار جفاء وغلظة ... وفي الحرب أشباه النساء العوارك(3/207)
وقال كاننة بن الربيع في امر زينب حين دفعها الى الرجلين ... عجبت لهبار وأوباس قومه ... يريدون إخفاري ببنت محمد
ولست أبالي ما حييت عديدهم ... وما أستجمعت قبضا يدي بالمهند
الرسول يستبيح دم هبار الذي روع ابنته زينب قال ابن اسحاق حدثني يزيد بن أبي حبيب عن بكير بن عبد الله بن الأشج عن سليمان بن يسار عن ابي اسحاق الدوسي عن ابي هريرة قال بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم سرية أنا فيها فقال لنا إن ظفرتم بهبار بن الأسود أو الرجل الآخر الذي سبق معه الى زينب.
قال ابن هشام وقد سمى ابن اسحاق الرجل في حديثه وقال هو نافع بن عبد قيس فحرقوهما بالنار قال فلما كان الغد بعث إلينا فقال إني كنت أمرتكم بتحريق هذين الرجلين إن أخذتموهما ثم رأيت أنه لا ينبغي لأحد أن يعذب بالنار إلا الله فن ظفرتم بهما فاقتلوهما
إسلام أبي العاص بن الربيع
المسلمون يستولون على مال لأبي العاص وقدومه لاسترداده قال ابن اسحاق وأقام أبو العاص بمكة وأقامت زينب عند رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمدينة حين فرق بينهما الإسلام حتى إذا كان قبيل الفتح خرج ابو العاص تاجرا الى الشام وكان رجلا مأمونا بمال له وأموال لرجال من قريش أبضعوها معه فلما فرغ من تجارته وأقبل قافلا لقيته سرية لرسول الله صلى الله عليه وسلم فأصابوا ما معه وأعجزهم هاربا فلما قدمت السرية بما أصابوا من ماله أقبل أبوالعاص تحت(3/208)
الليل حتى دخل على زينب بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم فاسنجار بها فأجارته وجاء في طلب ماله فلما خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم الى الصبح كما حدثني يزيد بن رومان فكبر وكبر الناس معه صرخت زينب من صفة النساء أيها الناس إني قد أجرت ابا العاص ابن الربيع قال فلما سلم رسول الله صلى الله عليه وسلم من الصلا أقبل على الناس فقال أيها الناس هل سمعتم ام سمعت قالوا نعم قال والذي نفس محمد بيده ما علمت بشيء من ذلك حتى سمعت ما سمعت أنه يجير على المسلمين أدناهم ثم انصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم فدخل على ابنته فقال ابي بنية اكرمي مثواه ولا يخلصن إليك فإنك لا تحلين له
المسلمون يردون على ابي العاص ماله وإسلامه بعد ذلك قال ابن اسحاق وحدثني عبد الله بن بن ابي بكر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث الى السرية الذين أصابوا مال ابي العاص فقال لهم إن هذا الرجل منا حيث قد علمتم أصبتم له مالا فإن تحسنوا وتردوا عليه الذي له فإنا نحب ذلك وإن أبيتم فهو فىء الله الذي أفاء عليكم فأنتم أحق به فقالوا يا رسول الله بل نرده عليه فردوه عليه حتى إن الرجل ليأتي بالدلو ويأتي الرجل بالشنة والإداوة حتى إن أحدهم ليأتي بالشظاظ حتى ردوا عليه ماله بأسره لا(3/209)
يفقد منه شيئا ثم احتمله الى مكة فأدى الى كل ذي مال من قريش ماله ومن كان أبضع معه ثم قال يا معشر قريش هل بقي لأحد منكم عندي مال لم يأخذه قالوا لا فجزاك الله خيرا فقد وجدناك وفيا كريما قال فأنا أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا عبده ورسوله والله ما منعني من الإسلام عنده إل تخوفي أن تظنوا أني أردت أن آكل أموالكم فلما أداها الله إليكم وفرغت منها أسلمت ثم خرج حتى قدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى الله عليه وسلم
الرسول يرد زينب الى أبي العاص قال ابن اسحاق وحدثني داود بن الحصين عن عكرمة عن ابن عباس قال رد عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم زينب على النكاح الأول لم يحدث شيئا بعد ست سنين
من أمانة زوج زينب ابنة الرسول قال ابن هشام وحدثني أبو عبيدة أن ابا العاص بن الربيع لما قدم من الشام ومعه أموال المشركين قيل له هل ك أن تسلم وتأخذ هذه الأموال فإنها أموال المشركين فقال أبو العاص بئس ما أبدأ به إسلامي أن أخوا أمانتي.
قال ابن هشام وحدثني عبد الوارث بن سعيد التنوري عن داود(3/210)
ابن أبي هند عن عامر الشعبي بنحو من حديث أبي عبيدة عن أبي العاص
من من عليه بغير فداء قال ابن اسحاق فكان ممن سمي لنا من الأسارى ممن من عليه بغير فداء من بني عبد شمس بن عبد مناف أبو العاص بن الربيع بن عبد العزى بن عبد شمس من عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد أن بعثت زينب بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم بفدائه ومن بني مخزوم بن يقظة المطلب بن حنطب بن الحارث ابن عبيدة بن عمر بن مخزوم كان لبعض بني الحارث بن الخزرج فترك في أيديهم حتى خلوا سبيله فلحق بقومه.
قال ابن هشام أسره خالد بن زيد أبو أيوب الأنصاري أخو بني النجار.
قال ابن إسحاق وصيفي بن أبي رفاعة بن عابد بن عبد الله ابن عمر بن مخزوم ترك في أيدي أصحابه فلما لم يأت أحد في فدائه أخذوا عليه لليبعثن إليهم بفدائه فخلوا سبيله فلم يف لهم بشئ فقال حسان بن ثابت في ذلك ... وما كان صيفي ليوفي ذمة ... قفا ثعلب أعيا ببعض الموارد.
قال ابن هشام وهذا البيت في ابيات له.
قال ابن إسحاق وأبو عزة عمرو بن عبد الله بن عثمان بن أهيب بن حذافة بن جمح كان محتاجا ذا بنات فكلم رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله لقد عرفت ما لاي من مال وإني لذو حاجة وذو عيال فامنن علي فمن عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم وأخذ عليه ألا يظاهر احدا(3/211)
ما مدح به أبو عزة الرسول عندما أطلقه بغير فداء
فقال ابو عزة في ذلك يمدح رسول الله صلى الله عليه وسلم ويذكر فضله في قومه ... من مبلغ عني الرسول محمدا ... بأنك حق والمليك حميد
وأنت امرؤ تدعو الى الحق والهدى ... عليك من الله العظيم شهيد
وأنت ماريء بوئت فينا مباءة ... له درجات سهلة وصعود
فإنك من حاربته لمحارب ... شقي ومن سالمته لسعيد
ولكن إذا ذكرت بدرا وأهله ... تأوب ما بى حسرة وقعود
مقدار الفداء للأسير قال ابن هشام كان فداء المشركين يومئذ أربعة آلاف درهم للرجل الى ألف ردهم إلا من لا شيء له فمن رسول الله صلى الله عليه وسلم عليه
إسلام عمير بن وهب بعد تحريض صفوان له على قتل الرسول
قال ابن اسحاق وحدثني محمد بن جعفر بن الزبير عن عروة ابن الزبير قال جلس عمير بن وهب الجمحي مع صوفان بن امية بعد مصاب أهل بدر من قريش في الحجر بيسير وكان عمير ابن وهب شياطين من شاطين قريش وممن كان يؤذي رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه ويلقون منه عناء وهو بمكة وكان أبنه وهب بن عمير في أسارى بدر.
قال ابن هشام أسره رفاعة بن ارافع أحد بني زريق(3/212)
قال ابن إسحاق : حدثني محمد بن جعفر بن الزبير عن عروة ابن الزبير قال فذكر أصحاب القليب ومصابهم فقال صفوان والله إن في العيش بعدهم خير قال له عمير صدقت والله أما والله لولا دين علي ليس له عندي قضاء وعيال أخشى عليهم الضيعة بعدي لركبت إلى محمد حتى أقتله فإن لي قبلهم علة أبني أسير في أيديهم قال فاغتنمها صفوان وقال علي دينك أنا أقضيه عنك وعيالك مع عيالي أواسيهم ام بقوا لا يسعني شيء ويجعر عنهم فقال له عمير فاكتم شأني وشأنك قال افعل
قال ثم امر عمير بسيفه فشحذ له وسم ثم انطلق حتى قدم المدينة فبينا عمر بن الخطاب في نفر من المسلمين يتحدثون عن يوم بدر ويذكرون ماأكرمهم الله به وما أراهم من عدوهم إذ نظر عمر الى عمير بن وهب حين أناخ على باب المسجد متوشحا السيف فقال هذا الكلب عدو الله عمير بن وهب والله ما جاء إلا لشر وهو الذي حرش بيننا وحزرنا للقوم يوم بدر
ثم دخل عمر على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال يا نبي الله هذا عدو الله عمير بن وهب قد جاء متوشحا سيفه قال فأدخله علي قال فأقبل عمر حتى اخذ بحمالة سيفه في عنقه فلببه بها وقال لرجال ممن كانوا معه من الأنصار ادخلوا على رسول الله صلى الله عليه وسلم فاجلسوا عنده واحذروا عليه من هذا الخبيث فإنه غير مأمون ثم دخل به على رسول الله صلى الله عليه وسلم
من دلائل نبوته صلى الله عليه وسلم فلما رآه رسول الله صلى الله عليه وسلم وعمر آخذ بحمالة سيفه في عنقه قال ارسله يا عمر ادن يا عمير فدنا ثم(3/213)
قال انعموا صباحا وكانت تحية أهل الجاهلية بينهم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم فقد أكرمنا الله بتحية خير من تحيتك يا عمير بالسلام تحية أهل الجنة فقال اما والله يا محمد إن كنت بها لحديث عهد قال فما جاء بك يا عمير قال جئت لهذا الأسير الذي في أيديكم فأحسنوا فيه قال فما بال السيف في عنقك قال قبحها الله من سيوف وهل أغنت عنا شيئا قال اصدقني ما الذي جئت له قال ما جئت إلا لذلك
قال بل قعدت وصفوان بن أمية في الحجر فذكرتما أصحاب القليب من قريش ثم قلت لولا دين علي وعيال عندي لخرجت حتى أقتل محمدا فتحمل لك صفوان بدينك وعيالك على أن تقتلني له والله حائل بينك وبين ذلك قال عمير أشهد أنك رسول الله قد كنا يا رسول الله نكذبك بما كنت تأتينا به من خبر السماء وما ينزل عليك من الوحي وهذا أمر لم يحضره إلا أنا وصفوان فوالله إني لأعلم ما أتاك به إلا الله فالحمد لله الذي هداني للإسلام وساقني هذا السماق ثم شهد شهادة الحق فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم فقهوا اخاكم في دينه واقرئوه القرآن وأطلقوا له أسيره ففعلوا
عمير يدعو الى الإسلام في مكة ثم قال يا رسول الله إني كنت جاهدا على إطفاء نور الله شديد الأذى لمن كان على دين الله عز وجل وأنا أحب أن تأذن لي فأقدم مكة فأدعوهم الى الله تعالى والى رسوله صلى الله عليه وسلم لعل الله يهديهم وإلا آذيتهم في دينهم كما كنت أوذي أصحابك في دينهم فأذن له رسول الله صلى الله عليه وسلم فلحق بمكة وكان صفوان بن أمية حين خرج عمير بن وهب يقول أبشروا بوقعة تأتيكم الآن في أيام تنسيكم وقعة بدر وكان صفوان(3/214)
يسأل عنه الركبان حتى قدم راكب فأخبره عن إسلامه فحلف أن لا يكلمه أبدا ولا ينفعه بنفع أبدا.
قال ابن إسحاق فلما قدم عمير مكة أقام بها يدعو الى الإسلام ويؤذي من خالفه أذى شديدا فأسلم على يديه ناس كثير
من رأى إبليس عنما نكص على عقيبه يوم بدر قال ابن اسحاق وعمير بن وهب أو الحارث بن هشام قد ذكر لي أحدهما الذي رأى إبليس حين نكص على عقبيه يوم بدر فقيل أين أي سراق ومثل عدو الله فذهب فأنزل الله تعالى فيه {وإذ زين لهم الشيطان أعمالهم وقال لا غالب لكم اليوم من الناس وإني جار لكم} فذكر استدراج إبليس إياهم وتشبهه بسراقة ابن مالك بن جعشم لهم حين ذكروا ما بينهم وبين بني بكر بن عبد مناة بن كنانة في الحرب التي كانت بينهم يقول الله تعالى {فلما تراءت الفئتان} ونظر عدو الله الى جنود الله من الملائكة قد ايد الله بهم رسوله صلى الله عليه وسلم والمؤمنين على عدوهم {نكص على عقبيه وقال إني بريء منكم إني أرى ما لا ترون} وصدق عدو(3/215)
الله رأى ما لم يروا وقال {إني أخاف الله والله شديد العقاب} فذكر لي أنهم كانوا يرونه في كل منزل في صورة سراقة لا ينكرونه حتى إن كان يوم بدر والتقتى الجمعان نكص على عقبيه فأوردهم ثم أسلمهم.
قال ابن هشام نكص رجع قال اوس بن حجر أحد بني أسد بن عمرو بن تميم ... نكصتم على أعقابكم يوم جئتم ... تزجون أنفال الخميس العرموم
وهذا البيت في قصيدة له
شعر حسان بن ثابت يفخر بقومه ويذكر خداع إبليس قريشا قال ابن اسحاق وقال حسان بن ثابت ... قومي الذين هم آووا نبيهم ... وصدقوه وأهل الأرض كفار
إلا خصائص أقوام هم سلف ... للصالحين مع الانصار أنصار
مستبشرين بقسم الله قولهم ... لما اتاهم كريم الأصل مختار
أهلا وسهلا ففي أمن وفي سعة ... نعم النبي ونعم القسم والجار
فأنزلوه بدار لا يخاف بها ... من كان جارهم دارا هي الدار
وقاسموه بها الأموال إذ قدموا ... مهاجرين وقسم الجاحد النار
سرنا وساروا الى بدر لحينهم لو يعلمون يقين العلم ما ساروا(3/216)
دلاهم بغرور ثم أسلمهم ... إن الخبيث لمن والاه غرار
وقال إني لكم جار فأوردهم ... شر الموارد فيه الخزي والعار
ثم التقيا فولوا عن سراتهم ... من منجدين ومنهم فرقة غاروا.
قال ابن هشام أنشدني قوله لما أتاهم كريم الأصل مختار أبو زيد الأنصاري
المطعمون من قريش
قال ابن اسحاق وكان المطعمون من قريش ثم من بني هاشم بن عبد مناف العباس بن عبد المطلب بن هاشم
ومن بني عبد شمس بن عبد مناف عتبة بن ربيعة بن عبد شمس
ومن ني نوفل بن عبد مناف الحارث بن عامر بن نوفل وطعيمة ابن عدي بن نوفل يعتقبان ذلك
ومن بن أسد بن عبد العزى أبا البختري بن هشام بن الحارث ابن اسد وحكيم بن حزام بن خويلد بن اسد يعتقبان ذلك
ومن بني عبد الدار بن قصي النضر بن الحارث بن كلدة بن علقمة بن عبد مناف بن عبد الدار.
قال ابن هشام ويقال النضر بن الحارث بن علقمة بن كلدة ابن عبد مناف بن عبد الدار.
قال ابن إسحاق ومن بني مخزوم بن يقظة أبا جهل بن هشام ابن المغيرة بن عبد الله بن عمر بن مخزوم(3/217)
ومن بني جمح أمية بن خلف بن وهب بن حذافة بن جمح
ومن بني سهم بن عمرو نبيهما ومنبها ابني الحجاج بن عامر ابن حذيفة بن سعد بن سهم يعتقبان ذلك
ومن بنى عامر بن لؤي سهيل بن عبد شمي بن عبد ود بن نصر بن مالك بن حسل بن عامر
أسماء خيل المسلمين يوم بدر $.
قال ابن هشام وحثدني بعض أهل العلم أنه كان مع المسلمين يوم بدر من الخيل فرس مرثد بن ابي مرثد الغنوي وكان يقال له السبل وفرس المقداد بن عمرو البهراني وكان يقال له بعزجه ويقال له سبحة وفرس الزبير بن العوام وكان يقال له اليعسوب.
قال ابن هشام ومع المشركين مائة فرس
نزول سورة الأنفال تصف أحداث بدر
ما نزل في تقسيم الفىء بعد اختلاف المسلمين فيه قال ابن اسحاق فلما اننقضى أمر بدر أنزل الله عز وجل فيه من القرآن الأنفال بأسرها فكان مما نزل منها في اختلافهم في النفل حين اختلفوا فيه {يسألونك عن الأنفال قل الأنفال لله والرسول فاتقوا الله وأصلحوا ذات بينكم وأطيعوا الله ورسوله إن كنتم مؤمنين}(3/218)
فكان عبادة بن الصمامت فيما بلغني إذا سئل عن الأنفال قال فينا معشر أهل بدر نزلت حين اختلفنا في النفل يوم بدر فانتزعه الله من أيدينا حين ساءت فيه أخلاقنا فرده على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقسمه بيننا عن بواء يقول على السواء وكان في ذلك تقوى الله وطاعته وطاعة رسوله صلى الله عليه وسلم وصلاح ذات البين
ما نزل في خروج المسلمين لملاقات قريش ثم ذكر القوم ومسيرهم مع رسول الله صلى الله عليه وسلم حين عرف القوم أن قريشا قد ساروا إليهم وإنما خرجوا يريدون العير طمعا في الغنيمة فقال {كما أخرجك ربك من بيتك بالحق وإن فريقا من المؤمنين لكارهون يجادلونك في الحق بعد ما تبين كأنما يساقون إلى الموت وهم ينظرون} أي كراهية للقاء القوم وإنكار لمسير قريش حين ذكروا لهم {وإذ يعدكم الله إحدى الطائفتين أنها لكم وتودون أن غير ذات الشوكة تكون لكم} أي الغنيمة دون الحرب {ويريد الله أن يحق الحق بكلماته ويقطع دابر الكافرين} أي بالوقعة التي أوقع بصناديد قريش وقادتهم يوم بدر {إذ تستغيثون ربكم} اي لدعائهم حين نظروا الى كثرة عدوهم وقلة عددهم {فاستجاب لكم} بدعاء رسول الله صلى الله عليه وسلم ودعائكم {أني ممدكم بألف من الملائكة مردفين} {إذ يغشيكم النعاس أمنة منه} أي أنزلت عليكم الأمنة(3/219)
حين نمتم لا تخافون {وينزل عليكم من السماء ماء} للمطر الذي أصابهم تلك الليلة فحبس المشركين أن يسبقوا الى الماء وخلى سبيل المسلمين إليه {ليطهركم به ويذهب عنكم رجز الشيطان وليربط على قلوبكم ويثبت به الأقدام} أي ليذهب عنكم شك الشيطان لتخويفه إياهم وعدوهم واستجلاد الأرض لهم حتى انتهوا الى منزلهم الذي سبقوا اليه عدوهم
ما نزل في تبشير المسلمين وتحريضهم على القتل ثم قال تعالى {إذ يوحي ربك إلى الملائكة أني معكم فثبتوا الذين آمنوا} أي آزروا الذين آمنوا {سألقي في قلوب الذين كفروا الرعب فاضربوا فوق الأعناق واضربوا منهم كل بنان ذلك بأنهم شاقوا الله ورسوله ومن يشاقق الله ورسوله فإن الله شديد العقاب} ثم قال {يا أيها الذين آمنوا إذا لقيتم الذين كفروا زحفا فلا تولوهم الأدبار ومن يولهم يومئذ دبره إلا متحرفا لقتال أو متحيزا إلى فئة فقد باء بغضب من الله ومأواه جهنم وبئس المصير}(3/220)
أي تحريضا لهم على عدوهم لئلا ينكلوا عنهم إذا لقوهم وقد وعدهم فيهم ما وعدهم
ما نزل في رميهم بالحصباء ثم قال تعالى في رمى رسول الله صلى الله عليه وسلم إياهم بالحصباء من يده حين رماهم {وما رميت إذ رميت ولكن الله رمى} أي لم يكن ذلك برميتك لولا الذي جعل الله فيها من نصرك وما ألقى في صدور عدوك منها حين هزمهم الله {وليبلي المؤمنين منه بلاء حسنا} أي ليعرف المؤمنين من نعمته عليهم في إظهارهم على عدوهم وقلة عددهم ليعرفوا بذلك حقه ويشكروا بذلك نعمته(3/221)
ما نزل في الاستفتاح ثم قال {إن تستفتحوا فقد جاءكم الفتح} أي لقول أبي جهل اللهم أقطعنا للرحم وآتانا بما لا يعرف فأحنه الغداة والاستفتاح الإنصاف في الدعاء
يقولا الله جل ثناؤه {وإن تنتهوا} أي لقريش {فهو خير لكم وإن تعودوا نعد} أي بمثل الوقعة الت أصبناكم بها يوم بدر {ولن تغني عنكم فئتكم شيئا ولو كثرت وأن الله مع المؤمنين} أي عددكم وكثرتكم في أنفسكم لن تغني عنكم شيئا وإني مع المؤمنين أنصرهم على من خالفهم
القرآن يحض المسلمين على طاعة الرسول ثم قال تعالى {يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله ورسوله ولا تولوا عنه وأنتم تسمعون} ولا تخالفوا أمره وأنتم تسمعون لقوله وتزعمون انكم منه {ولا تكونوا كالذين قالوا سمعنا وهم لا يسمعون} أي كالمنافقين الذين يظهرون له الطعاة ويسرون له المعصية {إن شر الدواب عند الله الصم البكم الذين لا يعقلون} أي المنافقين الذين نهيتكم أن تكونوا مثلهم بكم عن الخير صم عن الحق لا يعقلون لا يعرفون ما عليهم في ذلك من النقمة والتباعة {ولو علم الله فيهم خيرا لأسمعهم} أي لأنفذ لهم قولهم الذي قالوابألسنتهم ولكن القلوب خالفت ذلك منهم ولو خرجوا معكم {لتولوا وهم معرضون} ما وفوا لكم بشيء مما خرجوا عليه ا {يا أيها الذين آمنوا استجيبوا لله وللرسول إذا دعاكم لما يحييكم} أي للحرب التي(3/222)
أعزكم الله بها بعد الذل وقواكم بها بعد الضعف ومنعكم بها من عدوكم بعد القهر منهم لكم {واذكروا إذ أنتم قليل مستضعفون في الأرض تخافون أن يتخطفكم الناس فآواكم وأيدكم بنصره ورزقكم من الطيبات لعلكم تشكرون يا أيها الذين آمنوا لا تخونوا الله والرسول وتخونوا أماناتكم وأنتم تعلمون} أي لا تظهروا له من الحق ما يرضى به منكم ثم تخالفوه في السر الى غيره فإن ذلك هلاك لأماناتكم وخيانة لأنفسكم {يا أيها الذين آمنوا إن تتقوا الله يجعل لكم فرقانا ويكفر عنكم سيئاتكم ويغفر لكم والله ذو الفضل العظيم} أي فصلا بين الحق والباطل ليظهر الله به حقكم ويطفىء به باطل من خالفكم
تذكير الرسول بنعمة الله عليه ثم ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم بنعمته عليه حين مكر به القوم ليقتلوه أو يثبتوه أو يخرجوه {ويمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين} أي فمكرت بهم بكيدي المتين حتى خلصتك منهم
ما نزل في غرة قريش واستفتاحهم على انفسهم ثم ذكر غرة قريش واستفتاحهم على انفسهم إذ قالوا {اللهم إن كان هذا هو الحق من عندك} أي ما جاء به محمد {فأمطر علينا حجارة من السماء} كما امطرتها على قوم لوط {أو ائتنا بعذاب أليم} أي بعض ما عذبت به الأمم قبلنا وكانوا يقولون إن الله لا يعذبنا ونحن نستغفره ولم يعذب أمة ونبيها معها حتى يخرجه عنها وذلك من قولهم ورسول الله صلى الله عليه وسلم بين أظهرهم فقال تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم يذكر جهالتهم وغرتهم واستفتاحهم على انفسهم حين نعى سوء أعمالهم {وما كان الله ليعذبهم وأنت فيهم وما كان الله معذبهم وهم يستغفرون} أي لقولهم إنا نستغفر ومحمد بين(3/223)
أظهرنا ثم قال {وما لهم ألا يعذبهم الله} وإن كنت بين اظهرهم وإن كانوا يستغفرون كما يقولون {وهم يصدون عن المسجد الحرام} أي من آمن بالله وعبده أي أنت ومن أتبعك {وما كانوا أولياءه إن أولياؤه إلا المتقون} الذين يحرمون حرمته ويقيمون الصلاة عنده أي أنت ومن آمن بك {ولكن أكثرهم لا يعلمون وما كان صلاتهم عند البيت} التي يزعمون أنه يدفع بها عنهم {إلا مكاء وتصدية}.
قال ابن هشام المكاء الصفير والنصدية التصفيق قال عنترة ابن عمرو بن شداد العبسي ... ولرب قرن قد تركت مجدلا ... تمكو فريصته كشدق الأعلم
يعني خروج الدم من الطعنة كأنه الصفير وهذا البيت في قصيدة له وقال الطرماح بن حكيم الطائي ... لها كلما ريعت صداة وركدة ... بمصدان أعلى ابني شمام البوائن
وهذا البيت في قصيدة له يعني الأروية يقول إذا فزعت قرعت بيدها الصفاة ثم ركدت تسمع صدى قرعها بيدها الصفاة مثل التصفيق والمصدان الحرز وابنا شمام جبلان.
قال ابن إسحاق وذلك ما لا يرضي الله عز وجل ولا يحبه(3/224)
ولا ما افترض عليهم ولا ما أمرهم به {فذوقوا العذاب بما كنتم تكفرون} أي لما اوقع بهم يوم بدر من القتل.
قال ابن إسحاق وحدثني يحيى بن عباد بن عبد الله بن الزبير عن أبيه عباد عن عائشة قالت ما كان بين نزول {يا أيها المزمل} وقول الله تعالى فيها {وذرني والمكذبين أولي النعمة ومهلهم قليلا إن لدينا أنكالا وجحيما وطعاما ذا غصة وعذابا أليما} إلا يسير حتى أصاب الله قريشا بالوقعة يوم بدر.
قال ابن هشام الأنكال القيود واحدها نكل قال رؤبة بن العجاج ... يكفيك نكلي بغي كل نكل
وهذا البيت في أرجوزة له
ما نزل في معاوني أبي سفيان قال ابن اسحاق ثم قال الله عز وجل {إن الذين كفروا ينفقون أموالهم ليصدوا عن سبيل الله فسينفقونها ثم تكون عليهم حسرة ثم يغلبون والذين كفروا إلى جهنم يحشرون} يعن النفر الذين مشوا الى ابي سفيان والي من كان له مال من قريش في تلك التجارة فسألوهم أن يقووهم بها على حرب رسول الله صلى الله عليه وسلم ففعلوا
ثم قال {قل للذين كفروا إن ينتهوا يغفر لهم ما قد سلف وإن يعودوا} لحربك {فقد مضت سنة الأولين} أي من قتل منهم يوم بدر
ما نزل من الأمر بقتال الكفار ثم قال تعالى {وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة ويكون الدين كله لله} أي حتى لا يفتن(3/225)
مؤمن عنت دينه ويكون التوحيد لله خالصا ليس له فيه شريك ويخلع ما دونه من الأنداد {فإن انتهوا فإن الله بما يعملون بصير وإن تولوا} عن أمرك الى ما هم عليه من كفرهم {فاعلموا أن الله مولاكم} الذي أعزكم ونصركم عليهم يوم بد في كثرة عددهم وقلة عددكم {نعم المولى ونعم النصير}.
ما نزل في تقسيم الفيء واسباب النصر ثم أعلمهم مقاسم الفيء وحكمه فيه حين احله لهم فقال {واعلموا أنما غنمتم من شيء فأن لله خمسه وللرسول ولذي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل إن كنتم آمنتم بالله وما أنزلنا على عبدنا يوم الفرقان يوم التقى الجمعان والله على كل شيء قدير} أي يوم فرقت فيه بين الحق والباطل بقدرتي يوم التقتى الجمعان منكم ومنهم {إذ أنتم بالعدوة الدنيا} من الوادي {وهم بالعدوة القصوى} من الوادي(3/226)
الى مكة {والركب أسفل منكم} أي عير أبي سفيان التي خرجتم لتأخذوها وخرجوا ليمنعوها عن غير ميعاد منكم ولا منهم {ولو تواعدتم لاختلفتم في الميعاد} أي ولو كان ذلك عن ميعاد منكم ومنهم ثم بلغكم كثر عددهم وقلة عددكم ما لقيتموهم {ولكن ليقضي الله أمرا كان مفعولا} أي ليقضي ما أراد بقدرته من إعزاز الإسلام وأهله وإذلال الكفر وأهله عن غير بلاء منكم ففعل ما أراد من ذلك بلطفه ثم قال {ليهلك من هلك عن بينة ويحيى من حي عن بينة وإن الله لسميع عليم} أي ليكفر من كفر بعد الحجة لما رأى من الآية والعبرة ويؤمن من آمن على مثل ذلك
ما نزل في طفه تعالى به صلى الله عليه وسلم ثم ذكر لطفه به وكيده له ثم قال {إذ يريكهم الله في منامك قليلا ولو أراكهم كثيرا لفشلتم ولتنازعتم في الأمر ولكن الله سلم إنه عليم بذات الصدور} فكان ما أراك من ذلك نعمه من نعمه عليهم شجعهم بها على عدوهم وكف بها عنهم ما تخوف عليهم من ضعفهم لعلمه بما فيهم.
قال ابن هشام تخوف مبدلة من كلمة ذكرها ابن اسحاق ولم أذكرها
{وإذ يريكموهم إذ التقيتم في أعينكم قليلا ويقللكم في أعينهم ليقضي الله أمرا كان مفعولا} اي ليؤلف بينهم على الحرب للنقمة ممن اراد الانتقام منه والإنعام على من اراد إتمام النعمة عليه من أهل ولايته(3/227)
وعظ المسلمين وتعليمهم فنون الحرب ثم وعظهم وفهمهم وأعلمهم الذي ينبغي لهم أن يسيروا به في حربهم فقال تعالى {يا أيها الذين آمنوا إذا لقيتم فئة} تقالتلونهم في سبيل الله عز وجل {فاثبتوا واذكروا الله كثيرا} الذي له بذلتكم أنفسكم والوفاء له بما اعطيتموه من بيعتكم {لعلكم تفلحون وأطيعوا الله ورسوله ولا تنازعوا فتفشلوا} أ لا تختلفوا فيتفرق امركم {وتذهب ريحكم} أي وتذهب حدتكم {واصبروا إن الله مع الصابرين} أيي إني معكم إذا فعلتم ذلك {ولا تكونوا كالذين خرجوا من ديارهم بطرا ورئاء الناس} أي لا تكونوا كأبي جهل وأصحابه الذين قالوا لا نرجع حتى نأتي بدرا فننحر به الجزر ونسقي بها الخمر وتعزف علينا فيها القيان وتسمع العرب أي لا يكون أمركم رياء ولا سمعة ولا التماس ما عند الناس وأخلصوا لله النية والحسبة في نصر دينكم وموازرة نبيكم لا تعلموا إلا لذلك ولا تطلبوا غيره
ثم قال تعالى {وإذ زين لهم الشيطان أعمالهم وقال لا غالب لكم اليوم من الناس وإني جار لكم}.
قال ابن هشام وقد مضى تفسير هذه الآية.
قال ابن إسحاق ثم ذكر الله تعالى أهل الكفر وما يلقون عند موتهم ووصفهم بصفتهم وأخبر نبيه صلى الله عليه وسلم عنهم حتى انتهى الى أن قال {فإما تثقفنهم في الحرب فشرد بهم من خلفهم لعلهم يذكرون} أي فنكل بهم من ورائهم لعلهم يعقلون {وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل ترهبون به عدو الله وعدوكم} الى قوله تعالى ... {وما تنفقوا من شيء في سبيل الله يوف إليكم وأنتم لا تظلمون} اي لا يضيع لكم عند الله اجره في الآخرة وعاجل خلفه في الدنيا ثم قال تعالى {وإن جنحوا للسلم فاجنح لها}(3/228)
أي إن دعوك الى السلم على الإسلام فصالحهم عليه {فتوكل على الله} إن الله كافيك {إنه هو السميع العليم}.
قال ابن هشام جنحوا للسلم مالوا إليك للسلم الجنوح الميل قال لبيد بن ربعية ... حنوح الهالكي على يديه ... مكبا يجتلي نقب النصال
وهذا البيت في قصيدة له والسلم ايضا الصلح وفي كتاب الله عز وجل {فلا تهنوا وتدعوا إلى السلم وأنتم الأعلون} ويقراالى السلم وهو ذلك المعنى قال زهير بن ابي سلمى ... وقد قلتما إن ندرك السلم واسعا ... بمال ومعروف من القوم نسلم
وهذا البيت في قصيدة له.
قال ابن هشام وبلغني عن الحسن بن ابي الحسن البصري أنه كان يقول {وإن جنحوا للسلم} للإسلام وفي كتاب الله تعالى {يا أيها الذين آمنوا ادخلوا في السلم كافة} ويقرأ {في السلم} وهو الإسلام قال أمية بن ابي الصلت ... فما أنابوا لسلم حين تنذرهم ... رسل الإله وما كانوا له عضدا
وهذا البيت في قصيدة له وتقول العرب لدلو تعمل مستطيلة السلم قال طرفة بن العبد أحد بني قيس بن ثعلبة يصف ناقة له(3/229)
لها مرفقان أفتلان كانما ... تمر بسلمي دالج متشدد
وهذا البيت في قصيدة له
{وإن يريدوا أن يخدعوك فإن حسبك الله} هو من وراء ذلك و {هو الذي أيدك بنصره} بعد الضعف {وبالمؤمنين وألف بين قلوبهم} على الهدى الذي بعثك الله به إليهم {لو أنفقت ما في الأرض جميعا ما ألفت بين قلوبهم ولكن الله ألف بينهم} بدينه الذي جمعهم عليه {إنه عزيز حكيم}.
ثم قال تعالى {يا أيها النبي حسبك الله ومن اتبعك من المؤمنين يا أيها النبي حرض المؤمنين على القتال إن يكن منكم عشرون صابرون يغلبوا مائتين وإن يكن منكم مائة يغلبوا ألفا من الذين كفروا بأنهم قوم لا يفقهون} أي لا يقاتلون على نية ولا حق ولا معرفة بخير ولا بشر.
قال ابن إسحاق حدثني عبد الله بن أبي نجيح عن عطاء بن أبي رباح عن عبد الله بن عباس قال لما نزلت هذه الآية اشتد على المسلمين وأعظموا أن يقاتل عشرون مئتين ومئة ألفا فخخفت الله عنهم فنسختها الآية الأخرى {الآن خفف الله عنكم وعلم أن فيكم ضعفا فإن يكن منكم مائة صابرة يغلبوا مائتين وإن يكن منكم ألف يغلبوا ألفين بإذن الله والله مع الصابرين} قال فكانوا(3/230)
على الشطر من عدوهم لم ينبغ لهم أن يفروا منهم وإذا كانوا دون ذلك لم يجب عليهم قتالهم وجاز لهم أن يتحوزوا عنهم
ما نزل في المغانم والأسارى قال ابن اسحاق ثم عاتبه الله تعالى في الأسارى وأخذ المغانم ولم يكن احد قبله من الأنبياء يأكل مغنما من عدو له.
قال ابن إسحاق حدثني محمد ابو جعفر بن علي بن الحسين قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم نصرت بالرعب وجعلت لي الأرض مسجد وطهورا وأعطيت جوامع الكلم وأحلت لي المغانم ولم تحلل لنبي كان قبلي وأعطيت الشفاعة خمس لم يؤتهن نبي قبلي.
قال ابن إسحاق فقال {ما كان لنبي} أي قبلك {أن يكون له أسرى} من عدوه {حتى يثخن في الأرض} أي يثخن عدوه حتى بنفسه من الأرض {تريدون عرض الدنيا} أي متاع الفداء بأخذ الرجال {والله يريد الآخرة} اي قتلهم لظهور الدين الذي يريد إظهاره والذي تدرك به الآخرة {لولا كتاب من الله سبق لمسكم فيما أخذتم} أي من الأسارى والمغانم {عذاب عظيم} أي لولا أنه سبق من ان لا أعذب إلا بعد النهي ولم يك نهاهم لعذبتكم فيما صنعتم ثم أحلها له ولهم رحمة(3/231)
منه وعائدة الرحمن الرحيم فكلوا مما غنمتم حلالا طيبا واتقوا الله أن الله غفور رحيم {ثم قال} يا أيها النبي قل لمن في ايديكم من السرى إن يعلم الله في قلوبكم خيرا يؤتكم خيرا مما أخذ منكم ويغفر لكم والله غفور رحيم
الحض على التواصل والتواد والولاية بين المسلمين ورد المواريث الى أهلها وحض المسلمين على التواصل وجعل المهاجرين والأنصار أهل ولاية الدين دون من سواهم وجعل الكفار بعضهم أولياء بعض ثم قال {إلا تفعلوه تكن فتنة في الأرض وفساد كبير} أي إلا يوال المؤمن من دون الكافر وإن كان ذا رحم به {تكن فتنة في الأرض} أي شبهة في الحق والباطل وظهور الفساد في الأرض بتولى المؤمن الكافر دون المؤمن
ثم رد المواريث الى الأرحام ممن أسلم بعد الولاية من المهاجرين والأنصار دونهم الى الأرحام التي بينهم فقال {والذين آمنوا من بعد وهاجروا وجاهدوا معكم فأولئك منكم وأولو الأرحام بعضهم أولى ببعض في كتاب الله} أي بالميراث {أن الله بكل شيء عليم}
من حضر بدرا من المسلمين
من شهدها من المهاجرين قال بن اسحاق وهذه تسمية من شهد بدرا من المسلمين ثم من قريش ثم من بن هاشم بن عبد مناف وبني المطلب بن عبد مناف بن قصي بن كلاب بن مرة ابن كعب بن لؤي بن غالب بن فهر بن مالك بن النضر بن كنانة(3/232)
محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم سيد المرسلين ابن عبد الله بن عبد المطلب ابن هاشم وحمزة بن عبد المطلب بن هاشم أسد الله واسد رسوله عم رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلي بن ابي طالب بن عبد المطلب بن هاشم وزيد بن حارثة بن شرحبيل بن كعب بن عبد العزى بن امرىء القيس الكلبي أنعم الله عليه ورسوله صلى الله عليه وسلم.
قال ابن هشام زيد بن حارثة بن شراحيل بن كعب بن عبد العزى بن امرىء القيس بن عامر بن النعمان بن عامر بن عبد ود بن عوف بن كنانة بن بكر بن عوف بن عذرة بن زيد الله بن رفيدة ابن ثور بن كعب بن وبرة.
قال ابن إسحاق وأنسة مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو كبشة مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم.
قال ابن هشام أنسة حبشي وأبو كبشة فارسي
قال بن اسحاق وابو مرثد كناز بن حصن بن يربوع بن عمرو ابن يربوع بن خرشة بن سعد بن طريف بن جلان بن غنم بن غنى بن يعصر بن سعد بن قيس بن عيلان.
قال ابن هشام كناز بن حصين.
قال ابن إسحاق وابنه مرثد بن أبي مرثد حليفا حمزة بن عبد المطلب وعبيدة بن الحارث بن المطلب وأخواه الطفيل بن الحارث والحصين بن الحارث ومسطح واسمه عوف بن أثاثة بن عباد بن المطلب اثنا عشر رجلا
ومن بني عبد شمس بن عبد مناف عثمان بن عفان بن ابي العاص بن أمية بن عبد شمس تخلف على امرأته رقية بنت رسول(3/233)
الله صلى الله عليه وسلم فضرب له رسول الله صلى الله عيه وسلم بسهمه قال واجري يا رسول الله قال وأجرك وأبو حذيفة بن ربيعة بن عبد شمس وسالم مولى ابي حذيفة.
قال ابن هشام واسم أبي حذيفة مهشم.
قال ابن هشام وسالم سائبة لثبيتة بنت يعار بن زيد بن عبيد ابن زيد بن مالك بن عوف بن عمرو بن عوف بن مالك بن الأوس سيبته فانقطع الى ابي حذيفة فتبناه ويقال كانت ثبيتة بنت يعار تحت ابي حذيفة بن عتبة فأعتقت سالاما سائبة فقيل سالم مولى أبي حذيفة.
قال ابن إسحاق وزعموا أن صبيحا مولى أبي العاص بن أمية ابن عبد شمس تجهز للخروج مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم مرض فحمل على بعيره أبا سلمة بن عبد الأسد بن هلال بن عبد الله بن عمر ابن مخزوم ثم شهد صبيح بعد ذلك المشاهد كلها مع رسول الله صلى الله عليه وسلم
وشهد بدار من حلفاء بني عبد شمس ثم من بني أسد بن خزيمة عبد الله بن جحش بن رئاب بن يعمر بن صبرة بن مرة ابن كبير بن غنم بن دودان بن اسد وعكاشة بن محصن بن حرثان ابن قيس بن مرة بن كبير بن غنم بن دودان بن اسد وشجاع بن وهب بن ربيعة بن اسد بن صبيب بن مالك بن كبير بن غنم بن دودان بن اسد واخوه عقبة بن وهب ويزيد بن رقيش بن رئاب ابن يعمر بن صبرة بن مرة بن كبير بن غنم بن دودام بن أسد وأبو سنان بن محصن بن حرثان بن قيس أخو عكاشة بن محصن وابنه سنان بن ابي سنان ومحرز بن نضلة بن عبدالله بن مرة بن كبير بن غنم بن دودان بن اسد وربيعة بن أكثم بن سخبرة بن(3/234)
عمرو بن لكيز بن عامر بن غنم بن دودان بن اسد
ومن حلفاء بني كبير بن غنم بن دودان بن اسد ثقف بن عمرو وأخواه مالك بن عمرو ومدلج بن عمرو.
قال ابن هشام مدلاج بن عمرو.
قال ابن إسحاق وهم من بني حجر آل بني سليم وابو مخشي حليف لهم ستة عشر رجلا.
قال ابن هشام أبو مخشي طائي واسمه سويد بن مخشي.
قال ابن إسحاق ومن بني نوفل بن عبد مناف عتبة بن غزوان ابن جابر بن وهب بن نسيب بن مالك بن الحارث بن مازن بن منصور بن عكرمة بن خصفة بن قيس بن عيلان وخباب مولى عتبة بن غزوان رجلان
ومن بني أسد بن عبد العزى بن قصي الزبير بن العوام بن خويلد بن أسد وحاطب بن أبي بلتعة وسعد مولى حاطب ثلاثة نفر
قال بن هشام حاطب بن ابي بلتعه واسم أبي بلتعه عمرو لخمي وسعد مولى حاطب كلبي.
قال ابن إسحاق ومن بني عبد الدار بن قصي مصعب بن عمير بن هاشم بن عبد مناف بن عبد الدار بن قصي وسويبط بن سعد بن حريلمة بن مالك بن عميلة بن السباق بن عبد الدار بن قصي رجلان
ومن بني زهرة بن كلاب عبد الرحمن بن عوف بن عبد عوف ابن عبد بن الحارث بن زهرة وسعد بن أبي وقاص وأبو وقاص(3/235)
مالك بن اهيب بن عبد مناف بن زهرة وأخوه عمير بن أبي وقاص
ومن حلفائهم المقداد بن عمرو بن ثعلبة بن مالك بن ربيعة ابن ثمامة بن مطرود بن عمرو بن سعد بن زهير بن ثور بن ثعلبة ابن مالك بن الشريد بن هزل بن قائش بن دريم بن القين بن أهود ابن بهراء بن عمرو بن الحاف بن قضاعة.
قال ابن هشام ويقال هزل بن فاس بن ذر ودهير بن ثور.
قال ابن إسحاق وعبد الله بن مسعود بن الحارث بن شمخ ابن مخزوم بن صاهلة بن كاهل بن الحارث بن تميم بن سعد بن هذيل ومسعود بن ربيعة بن عمرو بن سعد بن عبد العزى بن حمالة ابن غالب بن محلم بن عائذة بن سبيع بن الهون بن خزيمة من القارة.
قال ابن هشام القارة لقب لهم ويقال ... قد أنصف القارة من راماها
وكانوا رماة.
قال ابن إسحاق وذو الشمالين بن عبد عمرو بن نضلة بن غبشان ابن سليم بن ملكان بن أفصى بن حارثة بن عمرو بن عامر من خزاعة.
قال ابن هشام وإنما قيل له ذو الشمالين لأنه كان أعسر واسمه عمير.
قال ابن إسحاق وخباب بن الأرت ثمانية نفر.
قال ابن هشام خباب بن الأرت من بني تميم وله عقب وهم بالكوفة ويقال خباب من خزاعة(3/236)
قال ابن إسحاق : ومن بني مخزوم بن يقظة بن مرة اأبو سلمة عتيق بن عثمان بن عامر بن عمرو بن كعب بن سعد بن تيم.
قال ابن هشام اسم أبي بكر عبد الله وعتيق لقب لحسن وجهه وعتقه.
قال ابن إسحاق وبلال مولى أبي بكر وبلال مولد من مولدي بني جمح اشتراه ابو بكر من أمية بن خلف وهو بلال ابن رباح لا عقب له وعمر بن فهيرة.
قال ابن هشام عامر بن فهيرة مولد من مولدي الأسد أسود اشتراه ابو بكر منهم.
قال ابن إسحاق وصهيب بن سنان من النمر بن قاسط.
قال ابن هشام النمر بن قاسط بن هنب بن أفصى بن جديلة ابن أسد بن ربيعة بن نزار ويقال أفصي بن لادعمي بن جديلة بن أسد بن ربيعة بن نزار ويقال صهيب مولى عبد الله بن جدعان ابن عمرو بن كعب بن سعد بن تيم ويقال إنه رومي فقال بعض من ذكر أنه من النمر بن قاسط إنما كان أسيرا في الروم فاشتري منهم وجاء في الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم صهيب سابق الروم.
قال ابن إسحاق وطلحة بن عبيد الله بن عثمان بن عمرو بن كعب بن سعد بن تيم كان بالشأم فقدم بعد ان رجع رسول الله صلى الله عليه وسلم من بدر فكلمه فضرب له بسهمه فقال وأجري يا رسول الله قال وأجرك خمسة نفر.
قال ابن إسحاق ومن بني مخزوم بن يقظة بن مرة أبو سلمة ابن الأسد واسم أبي سلمة عبد الله بن عبد الأسد بن هلال(3/237)
ابن عمر بن مخزوم وشماس بن عثمان بن الشريد بن سويد بن هرمي بن عامر بن مخزوم قال ابن هشام واسم شماس عثمان وإنما سمي شماسا لأن شماسنا من الشمامسة قدم مكة من الجاهلية وكان جميلا فعجب الناس من جماله فقال عتبة بن ربيعة وكان خال شماس ها أنا آتيكم بشماس أحسن منه فأتى بابن أخته عثمان فسمي شماسا فيما ذكر ابن شهاب الزهري وغيره.
قال ابن إسحاق والأرقم وبن ابي الأرقم واسم أبي الأرقم عبد مناف بن اسد وكان يكنى أبا جندب بن عبد الله بن عمر بن مخزوم وعمار بن ياسر.
قال ابن هشام عمار بن ياسر عنسي من مذحج.
قال ابن إسحاق ومعتب بن عوف بن عامر بن الفضل بن عفيف ابن كليب بن حبشية بن سلول بن كعب بن عمرو حليف لهم من خزاعة وهو الذي يدعى عيهامة خمسة نفر
ومن بني عدي بن كعب عمر بن الخطاب بن نفيل بن عبد العزى بن رياح بن عبد الله بن قرط بن رزاح بن عدي وأخوه زيد بن الخطاب ومهجع مولى عمر بن الخطاب من أهل اليمن وكان أول قتيل من المسلمين بين الصفين يوم بدر رمي بسهم.
قال ابن هشام مهجع من عك بن عدنان.
قال ابن إسحاق وعمرو بن سراقة بن المعتمر بن انس بن أذاة ابن عبد الله بن قرط بن رياح بن رزاح بن عدي بن كعب وأخوه عبد الله بن سراقة وواقد بن عبد الله بن عبد مناف بن عمر بن(3/238)
ثعلبة بن يربوع بن حنظلة بن مالك بن زيد مناة بن تميم حليف لهم وخولي بن ابي خولي ومالك بن ابي خولي حليفان لهم.
قال ابن هشام أبو خولي من بني عجل بن لجيم بن صعب ابن علي بن بكر بن وائل.
قال ابن إسحاق وعامر بن ربيعة حليف آل الخطاب من عنز ابن وائل.
قال ابن هشام عنز بن وائل بن قاسط بن هنب بن أفصى ابن جديلة بن اسد بن ربيعة بن نزار ويقال أفصى بن دعمي ابن جديلة.
قال ابن إسحاق وعامر بن البكير بن عبد ياليل بن ناشب بن غيره من بني سعد بن ليت وعاقل بن البكير وخالد بن البكير وإياس بن البكير حلفاء بني عدي بن كعب وسعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل بن عبد العزى بن عبد الله بن قرط بن رياح بن عدي بن كعب قدم من الشأم بعد ما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم من بدر فكلمه فضرب له رسول الله صلى الله عليه وسلم بسهمه قال وأجري يا رسول الله قال وأجرك أربعة عشر رجلا
ومن بني جمح بن عمرو بن هصيص بن كعب عثمان بن مظعون ابن حبيب بن وهب بن حذافة بن جمح وابنه السائب بن عثمان وأخوه قدامة بن مظعون وعبد الله بن مظعون ومعمر بن حبيب ابن وهب بن حذافة بن جمح خمسة نفر
ومن بني سهم بن عمرو بن هصيص بن كعب بن خنيس بن حذافة بن قيس بن عدي سعد بن سهم رجل(3/239)
قال ابن إسحاق : من بني عامر بن لؤي ثم من بني مالك ابن حسل بن عامر أبو سبرة بن أبي رهم بن عبد العزى بن أبي قيس بن عبد ود بن نصر بن مالك بن حسل وعبد الله بن مخرمة ة ابن عبد العزى بن قيس بن عبد ود بن نصر بن مالك وعبد الله ابن سهيل بن عمرو بن عبد شمس بن عبد ود بن نصر بن مالك ابن حسل كان خرج مع أبيه سهيل بن عمرو فلما نزل الناس بدرا فر الى رسول الله صلى الله عليه وسلم فشهداها معه وعمير بن عوف مولى سهيل بن عمرو وسعد ابن خولة حليف لهم خمسة نفر د.
قال ابن هشام سعد ابن خولة من اليمن.
قال ابن إسحاق ومن بني الحارث بن فهر ابو عبيدة بن الجراح وهو عامر بن عبد الله بن الجراح ابن هلال بن أهيب بن ضبة بن الحارث وعمرو بن الحارث بن زهير بن أبي شداد بن ربيعة بن هلال بن أهيب بن ضبة بن الحارث وسهيل بن وهب أبن ربيعة بن هلال بن أبي أهيب بن ضبة بن الحارث وأخوه صفوان ابن وهب وهما ابنا بيضاء وعمرو بن ابي سرح بن ربيعة بن هلال ابن أهيب بن ضبة بن الحارث خمسة نفر
عدد من شهد بدرا من المهاجرين فجميع من شهد بدرا من المهاجرين ومن ضرب له رسول الله صلى الله عليه وسلم بسهمه واجره ثلاثة وثمانون رجلا(3/240)
قال ابن هشام كثير من أهل العلم غير ابن اسحاق يذكرون في المهاجرين ببدر في بني عامر بن لؤي وهب بن سعد بن أبي سرح وحاطب بن عمرو
وفي بن الحارث بن فهر عياض بن زهير
من شهد بدرا من الأنصار قال ابن اسحاق وشهد بدرا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم من المسلمين ثم من الأنصار ثم من الأوس ابن حارثة بن ثعلبة بن عمرو بن عامر ثم من بني عبد الأشهل ابن جشم بن الحارث بن الخزرج بن عمرو بن مالك بن الأوس سعد بن معاذ بن النعمان بن امرئ القيس بن زيد بن عبد الأشهل وعمرو بن معاذ بن النعمان والحارث بن أنس بن رافع بن امرىء القيس
ومن بني عبيد بن كعب بن عبد الأشهل سعد بن زيد بن مالك بن عبيد
ومن بني زعورا بن عبد الأشهل قال ابن هشام ويقال زعورا سلمة بن سلامة بن وقش بن زغبة وعباد بن بشر بن وقش بن زغبة بن زعورا وسلمة بن ثابت بن وقش ورافع بن يزيد ابن كرز بن سكن بن زعورا والحارث بن خزمة بن عدي بن أبي ابن غنم بن سالم بن عوف بن عمرو بن عوف بن الخزرج حليف لهم من بني عوف بن الخزرج ومحمد بن مسلمة بن خالد بن عدي بن مجدعة بن حارثة بن الحارث حليف لهم من بني حارثة ابن الحارث حليف لهم من بني حارثة ابن الحارث وسلمة بن اسلم بن حريش بن عدي بن مجدعة بن حارثة بن الحارث حليف لهم من بني حارثة بن الحارث(3/241)
قال ابن هشام أسلم بن حريس بن عدي.
قال ابن إسحاق وأبو الهيثم بن التيهان وعبيد بن التيهان.
قال ابن هشام ويقال عتيك بن التيهان.
قال ابن إسحاق وعبد الله بن سهل خمسة عشر رجلا.
قال ابن هشام عبد الله بن سهل أخوا بني زعورا ويقال غسان
قال ابن إسحاق ومن بني ظفر ثم من بني سواد بن كعب وكعب هو ظفر قال ابن هشام ظفر بن الخزرج بن عمرو ابن مالك بن الأوس قتادة بن النعمان بن زيد بن عامر بن سواد وعبيد بن أوس بن مالك بن سواد رجلان.
قال ابن هشام عبيد بن أوس الذي يقال له مقرن لأنه قرن أربعة أسرى في يوم بدر وهو الذي أسر عقيل بن أبي طالب يومئذ.
قال ابن إسحاق ومن بني عبد بن رزاح بن كعب نصر بن الحارث بن عبد ومعتب بن عبد
ومن حلفائهم من بلي عبد الله بن طار ثلاثة نفر
ومن بني حارثة بن الحارث بن الخزرج بن عمرو بن مالك ابن الأوس مسعود بن سعد بن عامر بن عدي بن جشم بن مجدعة ابن حارثة.
قال ابن هشام ويقال مسعود بن عبد سعد.
قال ابن إسحاق وأبو عبس بن جبر بن عمرو بن زيد بن جشم ابن مجدعة بن حارثة(3/242)
ومن حلفائهم ثم من بلي أبو بردة بن نيار واسمه هانىء ابن نيار بن عمرو بن عبيد بن كلاب بن دهمان بن غنم بن ذيبان ابن هميم بن كاهل بن ذهل بن هني بن بلي بن عمرو بن الحاف ابن قضاعة ثلاثة نفر.
قال ابن إسحاق ومن بني عمرو بن عوف بن مالك بن الأوس ثم من بني ضبيعة بن زيد بن مالك بن عوف بن عمرو بن عوف عاصم بن ثابت بن قيس وقيس أبو الأقلح بن عصمة بن مالك بن أمة بن ضبيعة ومعتب بن قشير بن مليل بن زيد بن العطاف ابن ضبيعة وأبو مليل بن الأزعر بن زيد بن العطاف بن ضبيعة وعمرو ابن معبد بن الأزعر بن زيد بن العطاف بن ضبيعة.
قال ابن هشام عمير بن معبد.
قال ابن إسحاق وسهل بن حنيف بن واهب بن العكيم بن ثعلبه بن مجدعة بن الحارث بن عمرو وعمرو الذي يقال له بحزج ابن خنس بن عوف بن عمرو بن عوف خمسة نفر
ومن بن أمية بن زيد بن مالك مبشر بن عبد المنذر بن زنبر ابن زيد بن أمية ورفاعة بن عبد بن المنذر بن زنبر وسعد بن عبيد ابن النعمان بن قيس بن عمرو بن زيد بن أمية وعويم بن ساعدة ورافع ابن عنجدة وعنجدة امه فيما قال ابن هشام وعبيد ابن أبي عبيد وثعلبة بن حاطب
وزعموا أن أبا لبابة بن عبد المنذر والحارث بن حاطب خرجا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فرجعهما وأمر ابا لبابة على المدينة فضرب لهما بسهمين مع أصحاب بدر تسعة نفر(3/243)
قال ابن هشام ردهما من الروحاء.
قال ابن هشام وحاطب بن عمرو بن عبيد بن أمية واسم أبي لبابة بشير.
قال ابن إسحاق ومن بني عبيد بن زيد بن مالك أنيس بن قتادة بن ربعية بن خالد بن الحارث بن عبيد
ومن حلفائهم من بلي معن معن بن عدي بن الجد بن العجلان بن ضبيعة وثابت بن أقرم بن ثعلبة بن عدي بن العجلان وعبد الله بن سلمة بن مالك بن الحارث بن عدي بن العجلان وزيد بن أسلم ابن ثعلبة بن عدي بن العجلان وربعي بن رافع بن زيد بن حارثة ابن الجد بن العجلان وخرج عاصم بن عدي بن الجد بن العجلان فرده رسول الله صلى الله عليه وسلم وضرب له بسهمه مع أصحاب بدر سبعة نفر
ومن بني ثعلبة بن عمرو بن عوف عبد الله بن جبير بن النعمان ابن أمية بن البرك واسم البرك امرؤ القيس بن ثعلبة وعاصم بن قيس
قال بن هشام عاصم بن قيس بن ثابت بن النعمان بن أمية ابن امرىء القيس بن ثعلبة.
قال ابن إسحاق وأبو ضياح بن ثابت بن النعمان بن أمية بن امرىء القيس بن ثعلبة وأبو حنة(3/244)
قال ابن هشام وهو أخو أبي ضياح ويقال أبو حبة ويقال لأمرىء القيس البرك بن ثعلبة.
قال ابن إسحاق وسالم بن عمير بن ثابت بن النعمان بن أمية ابن امرىء القيس بن ثعلبة.
قال ابن هشام ويقال ثابت بن عمرو بن ثعلبة.
قال ابن إسحاق والحارث بن النعمان بن أمية بن امرىء القيس ابن ثعلبة وخوات بن جبير بن النعمان ضرب له رسول الله صلى الله عليه وسلم بسهم مع أصحاب بدر سبعة نفر
ومن بني جحجبي بن كلفة بن عوف بن عمرو بن عوف منذر ابن محمد بن عقبة بن أحيحة بن الجلاح بن الحريش بن جحجبي ابن كلفة.
قال ابن هشام ويقال الحريس بن جحجبي.
قال ابن إسحاق ومن حلفائهم من بني أنيف أبو عقيل بن عبد الله بن ثعلبة بن بيحان بن عامر بن الحارث بن مالك بن عامر بن أنيق بن حبشم بن عبد الله بن تيم بن إراش بن عامر بن عميلة ابن قسميل بن فران بن بلي بن عمرو بن الحاف بن قضاعة رجلان.
قال ابن هشام ويقال تميم بن إراشة وقسميل بن فاران.
قال ابن إسحاق ومن بني غنم بن السلم بن امرىء القيس بن مالك بن الأوس سعد بن خيثمة بن الحارث بن مالك بن كعب(3/245)
ابن النحاط بن كعب بن حارثة بن غنم ومنذر بن قدامة بن عرفجة ومالك بن قدامة بن عرفجة.
قال ابن هشام عرفجة ابن كعب بن النحاط بن كعب بن حارثة بن غنم.
قال ابن إسحاق والحارث بن عرفجة وتمم مولى بني غنم خمسة نفر.
قال ابن هشام تميم مولى سعد بن خيثمة.
قال ابن إسحاق ومن بني معاوية بن مالك بن عوف بن عمرو ابن عوف جبر بن عتيك بن الحارث بن قيس بن هيشة بن الحارث ابن أمية بن معاوية ومالك بن نميلة حليف لهم من مزينة والنعمان ابن عصر حليف لهم من بلي ثلاثة نفر
عدد من شهد بدرا من الأوس فجميع من شهد بدرا من الأوس مع رسول الله صلى الله عليه وسلم من المسلمين ثم من الأنصار ثم من الخزرج ابن حارثة بن ثعلبة بن عمرو بن عامر ثم من بني الحارث بن الخزرج ثم من بني امرىء القيس بن مالك بن ثعلبة بن كعب بن الخزرج بن الحارث بن الخزرج(3/246)
خارجة بن زيد بن ابي زهير بن مالك بن امرئ القيس وسعد ابن ربيع بن عمرو بن ابي زهير بن مالك بن امرىء القيس وعبدالله ابن رواحة بن ثعلبة بن امرئ القيس بن عمرو بن امرىء القيس وخلاد بن سويد بن ثعلبة بن عمرو بن حارثة بن امرىء القيس اربعة نفر
ومن بني زيد بن مالك بن ثعلبة بن كعب بن الخزرج بن الحارث بن الخزرج بشير بن سعد بن ثعلبة بن خلاس بن زيد قال ابن هشام ويقال جلاس وهو عندنا خطأ وأخوه سماك بن سعد رجلان
ومن بني عدي بن كعب بن الخزرج بن الحارث بن الخزرج سبيع بن قيس بن عيشة بن أمية بن مالك بن عامر بن عدي وعباد ابن قيس بن عيشة أخوه.
قال ابن هشام ويقال قيس بن عبسة بن أمية.
قال ابن إسحاق وعبد الله بن عبس ثلاثة نفر
ومن بني أحمر بن حارثة بن ثعلبة بن كعب بن الخزرج بن الحارث بن الخزرج يزيد بن الحارث بن قيس بن مالك بن أحمر وهو الذي يقال له ابن فسحم رجل.
قال ابن هشام فسحم امه وهي امراة من القين بن جسر.
قال ابن إسحاق ومن بني جشم بن الحارث بن الخزرج وزيد ابن الحارث بن الخزرج وهما التوأم خبيب بن إساف بن عتبة ابن عمرو بن خديج بن عامر بن جشم وعبد الله بن زيد بن ثعلبة(3/247)
ابن عبد ربه بن زيد وأخوه حريث بن زيد بن ثعلبة زعموا وسفيان ابن بشر أربعة نفر.
قال ابن هشام سفيان بن نسر بن عمرو بن الحارث بن كعب ابن زيد.
قال ابن إسحاق ومن بني جدارة بن عوف بن الحارث بن الخزرج تميم بن يعار بن قيس بن عدي بن أمية بن جدارة وعبد الله ابن عمير من بني حارثة.
قال ابن هشام ويقال عبد الله بن عمير بن عدي بن أمية ابن جدارة.
قال ابن إسحاق وزيد بن المزين بن قيس بن عدي بن أمية ابنن جدارة.
قال ابن هشام زيد بن المري.
قال ابن إسحاق وعبد الله بن عرفطة بن عدي بن أمية بن جدارة أربعة نفر
ومن بني الأبجر وهم بنو خدرة بن عوف بن الحارث الخزرج عبد الله بن ربيع بن قيس بن عمرو بن عباد بن الأبجر رجل
ومن بني عوف بن الخزرج ثم من بني عبيد بن مالك بن سالم بن غنم بن عوف بن الخزرج وهو بنو الحبلي قال بن هشاه بالحبلي قال ابن هشام الحبلى سالم بن غنم بن عوف وإنما سمي الحبلي لعظم بطنه عبد الله بن عبد الله بن أبي بن مالك بن الحارث بن عبيد المشهور بابن سلول وإنام سلول أمرأة وهي أم أبي وأوس ابن خولي بن عبد الله بن الحارث بن عبيد رجلان(3/248)
ومن بن جزء بن عدي بن مالك بن سالم بن غنم زيد بن وديعة بن عمرو بن قيس بن جزء وعقبة بن وهب بن كلدة حليف لهم من بني عبد الله بن غطفان ورفاعة بن عمر بن زيد ابن عمرو بن ثعلبة بن مالك بن سالم بن غنم وعامر بن سلمة ابن عامر حليف لهم من أهل اليمن قال ابن هشام ويقال عمرو ابن سلمة وهو من بلي من قضاعة.
قال ابن إسحاق وابو حميضة معبد بن عباد بن قشبر بن المقدم ابن سالم بن غنم.
قال ابن هشام معبد بن عبادة بن قشعر بن المقدم ويقال عبادة بن قيس بن المقدم.
قال ابن إسحاق وعمر بن البكير حليف لهم ستة نفر.
قال ابن هشام عامر بن العكير ويقال عاصم بن البكير.
قال ابن إسحاق ومن بني سالم بن عوف بن عمرو بن الخزرج ثم من بني العجلان بن زيد بن غنم بن سالم نوفل بن عبد الله ابن نضلة بن مالك بن العجلان رجل
ومن بن أصرم بن فهر بن ثعلبة بن غنم بن سالم بن عوف قال ابن هشام هذا غنم بن عوف أخو سالم بن عوف بن عمرو بن عوف بن الخزرج وغنم بن سالم الذي قبله على ما قال ابن اسحاق عبادة بن الصامت بن قيس بن أصرم وأخوه أوس بن الصامت رجلان(3/249)
ومن بني دعد بن فهر بن ثعلبة بن غنم النعمان بن مالك بن ثعلبة بن دعد والنعمان الذي يقال قوقل رجل
ومن بني قريوش بن غنم بن أمية بن لوذان بن سالم قال ابن هشام ويقال قريوس بن غنم ثابت بن هزال بن عمرو بن قريوش رجل
ومن بني مرضخة بن غنم بن سالم مالك بن الدخشم بن مرضخة رجل.
قال ابن هشام مالك بن الدخشم بن مالك بن الدخشم بن مرضخة.
قال ابن إسحاق ومن بني لوذان بن سالم ربيع بن إياس ابن عمرو بن غنم بن أمية بن لوذان وأخوه ورقة بن إياس وعمرو ابن إياس حليف لهم من اهل اليمن ثلاثة نفر.
قال ابن هشام ويقال عمرو بن إياس أخو ربيعة وورقة.
قال ابن إسحاق ومن حلفائهم من بلى ثم من بني غصينة قال ابن هشام غصينة أمهم وأبوهم عمرو بن عمارة المجذر ابن ذياد بن عمرو بن زمزمة بن عمر بن عمارة بن مالك ابن غضينة ابن عمرو بن بتيرة بن مشنو بن قسر بن تيم بن إراش بن عامر(3/250)
ابن عميلة بن قسميل بن فران بن بلي بن عمرو بن الحاف بن قضاعة.
قال ابن هشام ويقال قسر بن تميم بن إراشة وقسميل بن فاران واسم المجذر عبد الله.
قال ابن إسحاق وعبداة بن الخشخاش بن عمرو بن زمزمة ونحاب بن ثعلبة بن حزمة بن أصرم بن عمرو بن عمارة.
قال ابن هشام ويقال بحاث بن ثعلبة.
قال ابن إسحاق وعبد الله بن ثعلبة بن حزمة بن أصرم وزعموا أن عتبة بن ربيعة ة بن خالد بن معاوية حليف لهم من بهراء قد شهد بدرا خمسة نفر.
قال ابن هشام عتبة بن بهز من بني سليم.
قال ابن إسحاق ومن بني ساعدة بم كعب بن الخزرج ثم من بني ثعلبة بن الخزرج بن ساعدة أبو دجانة سماك بن خرشة.
قال ابن هشام أبو داجنة سماك بن أوس بن خرشة بن لوذان ابن عبد ود بن زيد بن ثعلبة رجلان
قال بن إسحاق والمنذر بن عمرو بن خنيس بن حارثة بن لوذان بن عبد ود بن زيد بن ثعلبة رجلان
قال اابن هشام ويقال المنذر بن عمرو بن خنبش.
قال ابن إسحاق ومن بن البدي بن عامر بن عوف بن حارثة ابن عمرو بن الخزرج بن ساعدة أبو أسيد مالك بن ربيعة بن البدي ومالك بن مسعود وهو الى البدي رجلان(3/251)
قال ابن هشام ملك بن مسعود بن البدي فيما ذكر لي بعض أهل العلم.
قال ابن إسحاق ومن بني طريق بن الخزرج بن ساعدة عبد ربه بن حق بن أوس بن وقش بن ثعلبة بن طريف رجل
ومن حلفائهم من جهينة كعب بن حمار بن ثعلبة.
قال ابن هشام ويقال كعب بن جماز وهو من غبشان.
قال ابن إسحاق وضمرة وزياد وبسبس بنو عمرو.
قال ابن هشام ضمرة وزياد ابنا بشر.
قال ابن إسحاق وعبد الله بن عامر بن بلي خمسة نفر
ومن بني جشم بن الخزرج ثم من بني سلمة بن سعد بن علي ابن اسد بن ساردة بن تزيد بن جشم بن الخزرج ثم من بني حرام بن كعب بن غنم بن كعب بن سلمة خراش بن الصمة ابن عمرو بن الجموح بن زيد بن حرام والحباب بن المنذر بن الجموح بن زيد بن حرام وعمير بن الحمام بن الجموح بن زيد ابن حرام وتميم مولى خراش بن الصمة وعبد الله بن عمرو بن حرام بن ثعلبة بن حرام وءمعاذ بن عمرو بن الجموح ومعاذ بن عمرو بن الجموح ابن زيد بن حرام وخلاد بن عمرو بن الجموع بن زيد بن حارم وعقبة بن عامر بن نابي بن زيد بن حرام وحبيب(3/252)
ابن أسود مولى لهم وثابت بن ثعلبة بن زيد بن الحارث بن حرام اثنا عشر رجلا.
قال ابن هشام وكل ما كان ها هنا الجموح فهو الجموح ابن زبد بن حرام إلا ما كان من جد الصمة بن عمرو فإنه الجموح ابن حرام.
قال ابن هشام عمير بن الحارث بن لبدة بن ثعلبة.
قال ابن إسحاق ومن بني عبيد بن عدي بن غنم بن كعب ابن سلمة ثم من بني خنساء بن سنان بن عبيد بن بشر بن البراء بن معرور بن صخر بن مالك بن خنساء والطفيل بن مالك بن خنساء والطفيل بن النعمان بن خنساء وسنان بن صيفي بن صخر بن خنساء وعبدالله بن الجد بن قيس بن صخر بن خنساء وعتبة بن عبد الله ابن صخر بن خنساء وجبار بن صخر بن أمية بن خنساء وخارجة ابن حمير وعبد الله بن حمير حليفان لهم من أشجع من بني دهمان تسعة نفر.
قال ابن هشام ويقال جبار بن صخر بن أمية بن خناس.
قال ابن إسحاق ومن بني خناس بن عبيد يزيد بن المنذر بن سرح بن خناس ومعقل بن المنذر بن سرح بن خناس وعبدالله بن النعمان بن بلدمة.
قال ابن هشام ويقال بلذمة وبلدمة.
قال ابن إسحاق والضحاك بن حارثة بن زيد بن ثعلبة بن عبيد ابن عدي وسواد بن زريق بن ثعلبة بن عبيد بن عدي(3/253)
قال ابن هشام ويقال سواد بن رزن بن زيد بن ثعلبة.
قال ابن إسحاق ومعبد بن قيس بن صخر بن حرام بن ربيعة ابن عدي بن غنم بن كعب بن سلمة ويقال معبد بن قيس ابن صيفي بن صخر بن حرام بن ربيعة فيما قال ابن هشام.
قال ابن إسحاق وعبد الله بن قيس بن صخر بن حرام بن ربيعة ابن عدي بن غنم سبعة نفر
ومن بن النعمان بن سنان بن عبيد عبد الله بن عبد مناف ابن النعمان وجابر بن عبد الله بن رئاب بن النعمان وخليدة بن قيس بن النعمان والنعمان بن سنان مولى لهم أربعة نفر
ومن بني سواد بن غنم بن كعب بن سلمة ثم من بن حديدة ابن عمرو بن غنم بن سواد قال ابن هشام عمرو بن سواد ليس لسواد ابن يقال له غنم أبو المنذر وهو يزيد بن عامر ابن حديدة وسليم بن عمرو بن حديدة وقطبة بن عامر بن حديدة وعنترة مولى سليم بن عمرو اربعة نفر.
قال ابن هشام عنترة من بن سليم بن منصور ثم من بني ذكوان.
قال ابن إسحاق ومن بني عدي بن نابي بن عمرو بن سواد ابن غنم عبس بن عامر بن عدي وثعلبة بن غنم بن عدي وأبو اليسر وهو كعب بن عمرو بن عباد بن عمرو بن غنم بن سواد وسهل بن قيس بن أبي بن كعب بن القين بن كعب بن سواد وعمرو بن طلق بن زيد بن أمية بن سنان بن كعب بن غنم ومعاذ ابن جبل بن عمرو بن اوس بن عائذ بن عدي بن كعب بن عدي ابن أدي بن سعد بن علي بن أسد بن ساردة بن تزيد بن جشم(3/254)
ابن الخزرج بن حارثة بن ثعلبة بن عمرو بن عامر ستة نفر.
قال ابن هشام اوس بن عباد بن عدي بن كعب بن عمرو ابن أدي بن سعد قال ابن هشام وإنما نسب ابن اسحاق معاذ بن جبل في بني سواد وليس منهم لأنه فيهم.
قال ابن إسحاق والذين كسروا آلهة بني سلمة معاذا بن جبل وعبد الله بن أنيس وثعلبة بن غنمة وهم في بني سواد بن غنم.
قال ابن إسحاق ومن بن زريق بن عمر بن زريق بن عبد حارثة بن مالك بن غضب بن جشم بن الخزرج ثم من بن مخلد ابن عامر بن زريق قال ابن هشام ويقال عامر بن الأزرق قيس بن محصن بن خالد بن مخلد
قال بن هشام ويقال قيس بن محصن.
قال ابن إسحاق وأبوخالد وهو الحارث بن قيس بن خالد ابن مخلد وجبير بن إياس بن خالد بن مخلد وأبو عبادة وهو سعد بن عثمان بن خلدة بن مخلد وأخوه عقبة بن عثمان بن خلدة ابن مخلد وذكوان بن عبد قيس بن خلده بن مخلد ومسعود بن عامر بن خلدة بن مخلد سبعة نفر
ومن بني خالد بن عامر بن زريق عباد بن قيس بن عامر بن خالد رجل
ومن بني خالد بن عامر بن زريق أسعد بن يزيد بن الفاكه ابن زيد بن خلدة والفاكه بن بشر بن الفاكه بن زيد بن خلدة(3/255)
قال ابن هشام بسر بن الفاكه.
قال ابن إسحاق ومعاذ بن ماعص بن قيس بن خلدة وأخوه عائذ بن ماعص بن قيس بن خلدة ومسعود بن سعد بن قيس بن خلدة خمسة نفر
ومن بني العجلان بن عمرو بن عامر بن زريق رفاعة بن العجلان وأخوه خلاد بن رافع بن مالك بن العجلان وعبيد بن زيد بن عامر ابن العجلان ثلاثة نفر
ومن بني يباضة بن عامر بن زيق زياد بن لبيد بن ثعلبة بن سنان بن عامر بن عدي بن أمة بن بياضة وفروة بن عمرو بن وذفة بن عبيد بن عامر بن بياضة.
قال ابن هشام ويقال ودفة.
قال ابن إسحاق وخالد بن قيس بن مالك بن العجلان بن عامر ابن بياضة ورجيلة بن ثعلبة بن خالد بن ثعلبة بن عامر بن بياضة.
قال ابن هشام ويقال رخيلة.
قال ابن إسحاق وعطية بن نويرة بن عامر بن عطية بن بياضة وخليفة بن عدي بن عمرو بن مالك بن عامر بن فهيرة بن بياضة ستة نفر.
قال ابن هشام ويقال عليفة.
قال ابن إسحاق ومن بني حبيب بن عبد حارثة بن مالك بن غضب بن جشم بن الخزرج رافع بن المعلى بن لوذان بن حارثة ابن عدي بن زيد بن ثعلبة بن زيد مناة بن حبيب رجل.
قال ابن إسحاق ومن بني النجار وهو تيم الله بن ثعلبة بن(3/256)
عمرو بن الخزرح ثم من بنى غنم بن مالك بن النجار ثم من بني ثعلبة بن عبد عوف بن غنم أبو أيوب خالد بن زيد بن كليب ابن ثعلبة رجل
ومن بني عسيرة بن عبد عوف بن غنم ثابت بن خالد بن النعمان بن خنساء بن عسيرة رجل.
قال ابن هشام ويقال عسير وعشيرة.
قال ابن إسحاق ومن بني عمر بن عوف بن غنم عمارة ابن حزم بن زيدبن لوذان بن عمرو وسراقة بن كعب بن عبد العزى بن غزية بن عمرو رجلان
ومن بني عبيد بن ثعلبة بن غنم حارثة بن النعمان بن زيد بن عبيد وسليم بن قيس بن قهد واسم قهد خالد بن قيس بن عبيد رجلان.
قال ابن هشام حارثة بن النعمان ابن نفع بن زيد.
قال ابن إسحاق ومن بني عائذ بن ثعلبة بن غنم ويقال عابد فيما قال ابن هشام سهيل بن رافع بن ابي عمرو بن عائذ وعدي بن الزغباء حليف لهم من جهينة رجلان
ومن بني زيد بن ثعلبة بن غنم مسعود بن أوس بن زيد وأبو خزيمة بن أوس بن زيد بن أصرم بن زيد ورافع بن الحارث بن سواد بن زيد ثلاثة نفر
ومن بني سواد بن مالك بن غنم عوف ومعوذ ومعاذ بنو الحارث بن رفاعة بن سواد وهم بنو عفراء(3/257)
قال ابن هشام عفراء بنت عبيد بن ثعلبة بن غنم بن مالك ابن النجار ويقال رفاعة بن الحارث بن سواد.
قال ابن إسحاق والنعمان بن عمرو بن رفاعة بن سواد ويقال نعيمان فيما قال ابن هشام.
قال ابن إسحاق وعامر بن مخلد بن الحارث بن سواد وعبد الله ابن قيس بن خالد بن خلدة بن الحارث بن سواد وعصيمة حليف لهم من أشجع ووديعة بن عمرو حليف من جهينة وثابت بن عمرو ابن زيد بن عدي بن سواد وزعموا أن أبا الحمراء مولى الحارث ابن عفراء قد شهد بدرا عشرة نفر.
قال ابن هشام أبو الحمراء مولى الحارث بن رفاعة
قال ابن إسحاق ومن بني عامر بن مالك بن النجار وعامر مبذول ثم من بني عتيك بن عمرو بن مبذول ثعلبة بن عمرو ابن محصن بن عمرو بن عتيك وسهل بن عتيك بن عمرو بن النعمان ابن عتيك والحارث بن الصمة بن عمرو بن عتيك كسر به بالروحاء فضرب له رسول الله صلى الله عليه وسلم بسهمه ثلاثة نفر
ومن بن عمرو بن مالك بن النجار وهم بنو حديلة ثم من بني قيس بن عبيد بن زيد بن معاوية بن عمرو بن مالك بن النجار.
قال ابن هشام حديلة بنت مالك بن زيد الله بن حبيب بن عبد حارثة بن مالك بن غضب بن جشم بن الخزرج وهي أم معاوية ابن عمرو بن مالك بن النجار فبنو معاوية ينتسبون إليها.
قال ابن إسحاق ابي بن كعبة بن قيس وأنس بن معاذ بن أنس بن قيس رجلان ومن بني عدي بن عمرو بن مالك بن النجار(3/258)
قال ان هشام وهم بنو مغالة بنت عوف بن عبد مناة بن عمرو ابن مالك بن كنانة بن خزيمة ويقال إنها من بني زريق وهي أم عدي بن عمرو بن مالك بن النجار فبنو عدي ينسبون إليها
أوس بن ثابت بن المنذر بن حرام بن عمرو بن زيد مناة بن عدي وأبو شيخ أبي بن ثابت بن المنذر بن حرام بن عمرو بن زيد مناة بن عدي.
قال ابن هشام أبو شيخ بن أبي بن ثابت أخو حسان بن ثابت.
قال ابن إسحاق وأبو طلحة وهو زيد بن سهل بن الأسود ابن حرام بن عرو بن زيد بن عدي ثلاثة نفر
ومن بني عدي بن النجار ثم من بن عدي بن عامر بن غنم ابن النجار حارثة بن سراقة بن الحارث بن عدي بن مالك بن عدي بن عامر وعمرو بن ثعلبة بن وهب بن عدي بن مالك بن عدي بن عامر وهو أبو حكيم وسليط بن قيس بن عمرو بن عتيك بن مالك بن عدي بن عامر وأبو سليط وهو أسيرة بن عمرو وعمرو أبو خارجة بن قيس بن مكالك بن عدي بن عامر وثابت ابن خنساء بن عمرو بن مالك بن عدي بن عمر وعامر بن أمية ابن زيد بن الحسحاس بن مالك بن عدي بن عامر ومحرز بن عامر بن مالك بن عدي بن عامر وسواد بن غزية بن أهيب حليف لهم من بلى ثمانية نفر(3/259)
قال ابن هشام ويقال سواد.
قال ابن إسحاق ومن بني حرام بن جندب بن عامر بن غنم ابن عدي بن النجار ابو زيد قيس بن سكن بن قيس بن زعوراء ابن حرام وابو الأعور بن الحارث بن ظالم بن عبس بن حرام ب.
قال ابن هشام ويقال ابو الأعور الحارث بن ظالم.
قال ابن إسحاق وسليم بن ملحان وحرام بن ملحان واسم ملحان مالك بن خالد بن زيد بن حرام أربعة نفر
ومن بني مازن بن النجار ثم من بني عوف بن مبذول بن عمرو ابن غنم بن مازن بن النجار قيس بن أبي صعصعة واسم ابي صعصعة عمرو بن زيد بن عوف وعبدالله بن كعب بن عمرو بن عوف وعصيمة حليف لهم من بني أسد بن خزيمة ثلاثة نفر
ومن بني خنساء بن مبذول بن عمرو بن مازن أبو داود عمير ابن عامر بن مالك بن خنساء وسراقة بن عمرو بن عطية بن خنساء رجلان
ومن بني ثعلبة بن مازن بن النجار قيس بن مخلد بن ثعلبة ابن صخر بن حبيب بن الحارث بن ثعلبة رجل
ومن بني دينار بن النجار ثم من بني مسعود بن عبد الأشهل ابن حارثة بن دينار بن النجار النعمان بن عبد عمرو بن مسعود والضحاك بن عبد عمرو بن مسعود وسليم بن الحارث بن ثعلبة ابن كعب بن حارثة بن دينار وهو أخو الضحاك والنعمان ابني عبد عمرو لأمهما وجابر بن خالد بن عبد الأشهل بن حارثة وسعد ابن سهيل بن عبد الأشهل خمسة نفر(3/260)
ومن بني قيس بن مالك بن كعب بن حارثة بن دينا بن النجار كعب بن زيد بن قيس وبجير بن أبي بجير حليف لهم رجلان.
قال ابن هشام بجير من عبس بن بغيض بن ريث بن غطفان ثم من بني جذيمة بن رواحة
عدد من شهد بدرا من الخزرج قال ابن اسحاق فجميع من شهد بدرا من الخزرج مئة وسبعون رجلا.
قال ابن هشام وأكثر أهل العلم يذكرفي الخزرج ببدر في بني العجلان بن زيد بن غنم بن سالم بن عمرو بن عوف بن الخزرج عتبان بن مالك بن عمرو بن العجلان ومليل بن وبرة ابن خالد بن العجلان وعصمة بن الحصين بن برة بن خالد بن العجلان
وفي بني حبيب بن عبد حارثة بن مالك بن غضب بن جشم ابن الخزرج وهم في بني زريق هلال بن المعلى بن لوذان بن حارثة ابن عدي بن زيد بن ثعلبة بن مالك بن زيد مناة بن حبيب
عدد من شهد بدرا من المهاجرين والأنصار قال ابن اسحاق فجميع من شهد بدرا من المسلمين من المهاجرين والأنصار من شهدها منهم ومن ضرب له بسهمه وأجره ثلاثمائة رجل وأربعة عشر رجلا ومن المهاجرين ثلاثة وثمانون رجلا ومن الأوس واحد وستون رجلا ومن الخزرج مئة وسبعون رجلا(3/261)
$ من استشهد من المسلمين يوم بدر
من المهاجرين واستشهد من المسلمين يوم بدر مع رسول الله صلى الله عليه وسلم من قريش ثم من بني عبد المطلب بن عبد مناف عبيدة ابن الحارث بن المطلب قتله عتبة بن ربيعة قطع رجله فمات بالصفراء رجل
ومن بن زهرة بن كلاب عمير بن أبي وقاص بن أهيب بن عبد مناف بن زهرة وهو أخو سعد بن أبي وقاص فيما قال ابن هشام وذو الشمالين بن عبد عمرو بن نضلة حليف لهم من خزاعة ثم من بني غبشان رجلان
ومن بني عدي بن كعب بن لؤي عاقل بن البكير حليف لهم من بن سعد بن ليث بن بكر بن عبد مناة بن كنانة ومهجع مولى عمر بن الخطاب رجلان
ومن بني الحارث بن فهر صفوان بن بيضاء رجل ستة نفر
من الأنصار ومن الأنصار ثم من بني عمرو بن عوف سعد بن خيثمة ومبشر بن عبد المنذر بن زنبر رجلان
ومن بني الحارث بن الخزرج يزيد بن الحارث وهو الذي يقال له ابن فسحم رجل(3/262)
ومن بن سلمة ثم من بني حرام بن كعب بن غنم بن كعب ابن سلمة عمير بن الحمام رجل
ومن بني حبيب بن عبد حارثة بن مالك بن غضب بن جشم رافع بن المعلى رجل
ومن بني النجار حارثة بن سراقة بن الحارث رجل
ومن بن غنم بن مالك بن النجار عوف ومعوذ ابنا الحارث ابن رفاعة بن سواد وهما ابنا عفراء رجلان ثمانية نفر
من قتل ببدر من المشركين
وقتل من الشمركين يوم بدر من قريش ثم من بني عبد شمس ابن عبد مناف حنظلة بن ابي سفيان بن حرب بن أمية بن عبد شمس قتله زيد بن حارثة مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما قال ابن هشام ويقال اشترك فيه حمزة وعلي وزيد فيما قال ابن هشام.
قال ابن إسحاق والحارث بن الحضرمي وعامر بن الحضرمي حليفان لهم قتل عامرا عمار بن ياسر وقتل الحارث النعمان ابن عصر حليف للأوس فيما قال ابن هشام وعمير بن أبي عمير(3/263)
وابنه موليان لهم قتل عمير بن ابي عمير سالم مولى ابي حذيفة فيما قال ابن هشام.
قال ابن إسحاق وعبيدة بن سعيد بن العاص بن أمية بن عبدشمس قتله الزبير بن العوام والعاص بن سعيد بن العاص بن امية قتله علي بن ابي طالب وعقبة بن ابي معيط بن أبي عمرو بن أمية بن عبد شمس قتله عاصم بن ثابت بن ابي الأقلح أخو بني عمرو بن عوف صبرا.
قال ابن هشام ويقال قتله علي بن أبي طالب.
قال ابن إسحاق وعتبة بن ربيعة عبد شمس قتله عبيدة بن الحارث بن المطلب(3/264)
قال ابن هشام اشترك فيه هو وحمزة وعلي.
قال ابن إسحاق وشيبة بن ربيعة بن عبد شمس قتله حمزة ابن عبد المطلب والوليد بن عبتة بن ربيعة قتله علي بن ابي طالب وعامر بن عبدالله حليف لهم من بني أنمار بن بغيض قتله علي ابن أبي طالب اثنا عشر رجلا
ومن بن نوفل بن عبد مناف الحارث بن عمر بن نوفل قتله فيما يذكرون خبيب بن أبي إساف أخو بني الحارث بن الخزرج وطعيمة بن عدي بن نوفل قتله علي بن أبي طالب ويقال حمزة بن عبد المطلب رجلان
ومن بن أسد بن عبد العزى بن قصي زمعة بن الأسود بن المطلب بن اسد.
قال ابن هشام قتله ثابت بن الجذع أخو بني حرام فيما قال ابن هشام
ويقال اشترك فيه حمزة وعلي بن ابي طالب وثابت.
قال ابن إسحاق والحارث بن زمعة قتلله عمار بن ياسر فيما قال ابن هشام وعقيلا ابن الأسود بن المطلب قلته حمزة وعلي اشتركا فيه فيما قال ابن هشام وابو البختري وهو العاص بن هشام بن الحارث بن اسد قتله المجذر بن ذياد البلوي.
قال ابن هشام ابو البختري العاص بن هشام.
قال ابن إسحاق ونوفل بن خويلد بن اسد وهو ابن العدوية عدي بن خزاعة وهو الذي قرن أبا بكر الصديق وطلحة بن عبيد الله(3/265)
حين أسلما في حبل فكانا يسميان القرينين لذلك وكان من شياطين قريش قتله علي بن أبي طالب خمسة نفر
ومني بن عبد الدار بن قصي النضر بن الحارث بن كلده بن علقمة بن عبد مناف بن عبد الدار قتله علي بن أبي طالب صبرا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم بالصفراء فيما يذكرون.
قال ابن هشام بالأثيل قال ابن هشام ويقال النضر بن الحارث بن علقمة بن كلدة بن عبد مناف.
قال ابن إسحاق وزيد بن مليص مولى عمير بن هاشم بن عبد مناف بن عبد الدار رجلان.
قال ابن هشام قتل زيد بن مليص بلال بن رباح مولى أبي بكر وزيد حليف لبني عبد الدار من بني مازن بن مالك بن عمرو ابن تميم ويقال قتله المقداد بن عمرو.
قال ابن إسحاق ومن بني تيم بن مرة عمير بن عثمان بن عمرو بن كعب بن سعد بن تيم.
قال ابن هشام قتله علي بن ابي طالب ويقال عبد الرحمن ابن عوف.
قال ابن إسحاق وعثمان بن مالك بن عبيد الله بن عثمان بن عمرو بن كعب قتله صهيب بن سنان رجلان
ومن بني مخزوم بن يقظة بن مرة أبو جهل بن هشام واسمه عمرو بن هشام بن المغيرة بن عبد الله بن عمرو ومن بني بن مخزوم(3/266)
ضربه معاذ بن عمرو بن الجموح فقطع رجله وضرب ابنه عكرمة يد معاذ فطرحها ثم ضربه معوذ بن عفراء حتى أثبته ثم تركه وبه رمق ثم ذفف عليه عبد الله بن مسعود واحتز رأسه حين أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يلتمس في القتلى والعاص بن هشام بن المغيرة بن عبدالله بن عمر بن مخزوم قتله عمر بن الخطاب ويزيد ابن عبد الله حليف لهم من بني تميم.
قال ابن هشام ثم أحد بني عمرو بن تمم وكان شجاعا قتله عمار بن ياسر.
قال ابن إسحاق وأبو مسافع الأشعري حليف لهم قتله أبو دجانة الساعدي فيما قال ابن هشام وحرملة بن عمرو حليف لهم.
قال ابن هشام قتله خارجة بن زيد بن ابي زهير أخو بلحارث ابن الخزرج ويقال بل علي بن أبي طالب فيما قال ابن هشام وحرملة من الأسد.
قال ابن إسحاق ومسعود بن أبي أمية بن المغيرة قتله علي ابن أبي طالب فيما قال ابن هشام وابو قيس بن الوليد بن المغيرة.
قال ابن هشام قتله حمزة بن عبد المطلب.
قال ابن إسحاق وأبو قيس بن الفاكه بن المغيرة قتله علي ابن ابي طالب ويقال قتله عمار بن ياسر فيما قال ابن هشام.
قال ابن إسحاق ورفاعة بن أبي رفاعة بن عابد بن عبد الله(3/267)
ابن عمر بن مخزوم قتله سعد بن الربيع أخو بلحارث بن الخزرج فيما قال ابن هشام والمنذر بن أبي رفاعة بن عابد قتله معن بن عدي بن الجد بن العجلان حليف بني عبيد بن زيد بن مالك بن عوف بن عمرو بن عوف فيما قال ابن هشام وعبد الله بن المنذر ابن ابي رفاعة بن عابد قتله علي بن ابي طالب فيما قال ابن هشام.
قال ابن إسحاق والسائب بن ابي السائب بن عابد بن عبد الله ابن عمر بن مخزوم.
قال ابن هشام السائب بن أبي السائب شريك رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي جاء فيه الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم نعم الشريك السائب لا ايشاري ولا يماري وكان اسلم فحسن إسلامه فيما بلغنا والله اعلم
وذكر ابن شهاب الزهري عن عبيد الله بن عتبة عن ابن عباس ان السائب بن أبي السائب بن عبد الله بن عمر بن مخزوم ممن بايع رسول الله صلى الله عليه وسلم من قريش وأعطاه يوم الجعرانة من غنائم حنين.
قال ابن هشام وذكر غير ابن اسحاق أن الذي قتله الزبير ابن العوام.
قال ابن إسحاق والأسود بن عبد الأسد بن هلال بن عبدالله ابن عمر بن مخزوم قتله حمزة بن عبد المطلب وحاجب بن السائب ابن عويمر بن عمر بن عائذ بن عبد بن عمران بن مخزوم قال(3/268)
ابن هشام ويقال عائذ بن عمران بن مخزوم ويقال حاجز ابن السائب والذي قتل حاجب بن السائب علي بن ابي طالب.
قال ابن إسحاق وعويمر بن السائب بن عويمر قتله النعمان ابن مالك القوقلي مبارزة فيما قال ابن هشام.
قال ابن إسحاق وعمرو بن سفيان وجابر بن سفيان حليفان لهم من طي قتل عمرا يزيد بن رقيش وقتل جابرا أبو بردة بن نيار فيما قال ابن هشام.
قال ابن إسحاق سبعة عشر رجلا
ومن بني سهم بن عمرو بن هصيص بن كعب بن لؤي منبه ابن الحجاج بن عامر بن حذيفة بن سعد بن سهم قتله أبو اليسر أخو بني سلمة وابنه العاص بن منبه بن الحجاج قتله علي بن ابي طالب فيما قال ابن هشام ونبيه بن الحجاج بن عامر قتله حمزة ابن عبد المطلب وسعد بن ابي وقاص اشتركا فيه فيما قال ابن هشام وابو العاص بن قيس بن عدي بن سعد بن سهم.
قال ابن إسحاق سبعة عشر رجلا
ومن بني سهم بن عمرو بن هصيص بن كعب بن لؤي منبه ابن الحجاج بن عامر بن حذيفة بن سعد بن سهم قتله أبو اليسر أخو بني سلمة وابنه العاص بن منبه بن الحجاج قتله علي بن أبي طالب فيما قال بن هشام ونبيه من الحجاج بن عامر قتله حمزة ابن عبد الملطب وسعد بن أبي وقاص اشتركا فيه فيما قال ابن هشام وابو العاص بن قيس بن عدي بن سعد بن سهم.
قال ابن إسحاق وعاصم بن عوف بن ضبيرة بن سعيد بن سهم قتله أبو اليسر اخو بني سلمة فيما قال ابن هشام خمسة نفر
ومن بني جمح بن عمرو بن هصيص بن كعب بن لؤي أمية ابن خلف بن وهب بن جمح قتله رجل من الأنصار من بني مازن.
قال ابن هشام بل قتله معاذ بن عفراء وخارجة بن زيد وخبيب ابن اساف اشتركوا في قتله.
قال ابن إسحاق وابنه علي بن أمية بن خلف قتله عمار بن ياسر وأوس بن معير بن لوذان بن سعد بن جمح قتله علي بن(3/269)
أبي طالب فيما قال ابن هشام ويقال قتله الحصين بن الحارث ابن المطلب وعثمان بن مضعون اشتركا فيه فيما قال ابن هشام.
قال ابن إسحاق ثلاثة نفر
ومن بني عامر بن لؤي معاوية بن عامر حليف لهم من عبد القيس قتله علي بن ابي طالب ويقال قتله عكاشة بن محصن فيما قال ابن هشام.
قال ابن إسحاق ومعبد بن وهب حليف لهم من بني كلب ابن عوف بن كعب بن عمر بن ليث قتل معبدا خالد وإياس ابنا البكير ويقال أبو دجانة فيما قال ابن هشام رجلان
عدد من قتل من المشركين يوم بد قال ابن هشام فجميع من احصي لنا من قتلى قريش يوم بدر خمسون رجلا.
قال ابن هشام حدثني أبو عبيدة عن أبي عمرو ان قتلى بدر من المشركين كانو ا سبعين رجلا والأسرى كذلك وهو قول ابن عباس وسعيد بن المسيب وفي كتاب الله تبارك وتعالى {أو لما أصابتكم مصيبة قد أصبتم مثليها} بقوله لأصحاب أحد وكان من استشهد منهم سبعين رجلا يقول قد أصبتم يوم بدر مثلي من استشهد منكم يوم أحد سبعين قتيلا وسبعين أسيرا وأنشدني أبو زيد الأنصاري لكعب بن مالك ... فأقام بالعطن المعطن منهم ... سبعون عبتة منهم والأسود.
قال ابن هشام يعني قتلى بدر وهذا البيت في قصيدة له في حديث يوم أحد سأذكرها إن شاء الله تعالى في موضعها(3/270)
قال ابن هشام وممن لم يذكر ابن إسحاق من هؤلاء السبعين القتلى
من بني عبد شمس بن عبد مناف وهب بن الحارث من بني أنمار بن بغيض حليف لهم وعامر بن زيد حليف لهم من اليمن رجلان
ومن بني أسد بن عبد العزى عقبة بن زيد حليف لهم من اليمن وعميرو مولى لهم رجلان
ومن بنى عبد الدار بن قصي نبيه بن زيد بن مليص وعبيد ابن سليط حليف لهم من قيس رجلان
ومن بني تيم بن مرة مالك بن عبيد الله بن عثمان وهو أخو طلحة بن عبيد الله بن عثمان أسر فمات في الأسارى فعد في القتلى ويقال وعمرو بن عبدالله بن جدعان رجلان
ومن بني مخزوم بن يقظة حذيفة بن ابي حذيفة بن المغيرة قتله سعد بن أبي وقاص وهشام بن ابي حذيفة بن المغيرة قتله صهيب ابن سنان وزهير بن أبي رفاعة قتله أبو أسيد مالك بن ربيعة والسائب ابن أبي رفاعة قتله عبد الرحمن بن عوف وعائذ بن السائب بن عويمر أسر ثم افتدي فمات في الطريق من جراحة جرحه إياها حمزة ابن عبد المطلب وعمير حليف لهم من طيئ وخيار حليف لهم من القارة سبعة نفر(3/271)
ومن بني جمح بن عمرو سبرة بن مالك حليف لهم رجل
ومن بني سهم بن عمرو الحارث بن منبه بن الحجاج قتله صهيب بن سنان وعامر بن عوف بن ضبيرة أخو عاصم بن ضبيرة قتله عبد الله بن صلمة العجلاني ويقال أبو دجانة رجلان
ذكر أسرى قريش
يوم بدر.
قال ابن إسحاق وأسر من المشركين من قريش يوم بدر من بني هاشم بن عبد مناف عقيل بن ابي طالب بن عبد المطلب بن هاشم ونوفل بن الحارث بن عبد المطلب بن هاشم
ومن بني المطلب بن عبد مناف السائب بن عبيد بن عبد يزيد بن هاشم بن المطلب ونعمان بن عمرو بن علقمة بن المطلب رجلان(3/272)
ومن بني عبد شمس بن عبد مناف عمرو بن أبي سفيان بن حرب بن أمية بن عبد شمس والحارث بن ابي وجزة بن ابي عمرو ابن أمية بن عبد شمس ويقال ابن أبي وحرة فيما قال ابن هشام.
قال ابن إسحاق وابو العاص بن ربيعة بن عبدالعزى بن عبد شمس والبو العاص بن نوفل بن عبد شمس
ومن حلفائهم أبو ريشة بن أبي عمرو وعمرو بن الآزرق وعقبة ابن عبد الحارث بن الحضرمي سبعة نفر
ومن بني نوفل بن عبد مناف عدي بن الخيار بن عدي بن نوفل وعثمان بن عبد شمس ابن أخي غزاون بن جابر حليف لهم من بني مازن بن منصور وأبو ثور حليف لهم ثلاثة نفر
ومن بن عبدالدار بن قصي أبو عزيز بن عمير بن هاشم ابن عبد مناف بن عبد الدار والأسود بن عامر حليف لهم ويقولون نحن بنو الأسود بن عامر بن عمرو بن الحارث بن السباق رجلان
ومن بن أسد بن عبد العزى بن قصي السائب بن ابي حبيش ابن المطلب بن أسد والحويرث بن عباد بن عثمان بن أسد.
قال ابن هشام هو الحارث بن عائذ بن عثمان بن أسد.
قال ابن إسحاق وسالم بن شماخ حليف لهم ثلاثة نفر
ومن بني مخزوم بن يقظة بن مرة خالد بن هشام بن المغيرة ابن عبد الله بن عمر بن مخزوم وأمية بن أبي حذيفة بن المغيرة والوليد بن الوليد بن المغيرة وعثمان بن عبد الله بن المغيرة بن عبدالله بن عمر بن مخزوم وصيفي بن أبي رفاعة بن عابد بن(3/273)
عبد الله وأبو المنذر بن ابي رفاعة بن عابد بن عبد الله بن عمر ابن مخزوم وابو عطاء عبد الله بن أبي السائب بن عبد الله بن عمر ابن مخزوم والمطلب بن حنطب بن الحارث بن عبيد بن عمر بن مخزوم وخالد بن الأعلم حليف لهم وهو كان فيما يذكرون أول من ولى فارا منهزما وهو الذي يقول ... ولسنا على الأدبار تدمى كلومنا ... ولكن على أقدامنا يقطر الدم
تسعة نفر.
قال ابن هشام ويروى لسنا على الأعقاب
وخالد بن الأعلم من خزاعة ويقال عقيلي.
قال ابن إسحاق ومن بني سهم بن عمرو بن هصيص بن كعب أبو وداعة بن ضبيرة بن سعيد بن سعد بن سهم كان أول أسير أفتدى من اسرى بدر افتداه ابنه الملبط بن ابي وداعه وفروة بن قيس بن عدي بن حذافة بن سعد بن سهم وحنظلة بن قبيصة بن حذافة بن سعد بن سهم والحجاج بن قيس بن عدي بن سعد بن سهم أربعة نفر
ومن بني جمح بن عمرو بن هصييص بن كعب عبد الله بن أبي بن خلف بن وهب بن خذافة بن جمح وابو عزة عمرو بن عبد بن عثمان بن وهيب بن حذافة بن جمح والفاكه مولى أمية ابن خلف ادعاها بعد ذلك رباح بن المغترف وهو يزعم أنه من بني شماخ بن محارب بن فهر ويقال إن الفاكه ابن جرول ابن حذيم بن عوف بن غضب بن شماخ بن محارب بن فهر(3/274)
ووهب بن عمير بن وهب بن خلف بن وهب بن حذافة بن جمح وربيعة بن دراج بن العنبس بن أهبان بن وهب بن حذافة بن جمح خمسة نفر
ومن بني عامر بن لؤي سهيل بن عمرو بن عبد شمس بن عبد ود بن نصر بن مالك بن حسل بن عامر أسره مالك بن الدخشم أخو بني سالم بن عوف وعبد بن زمعة بن قيس بن عبد شمس ابن عبد ود بن نصر بن مالك بن حسل بن عامر وعبد الرحمن ابن مشنوء بن وقدان بن قيس بن عبد شمس بن عبد ود بن مالك ابن حسل بن عامر ثلاثة نفر
ومن بني الحارث بن فهر الطفيل بن أبي قنيع وعبتة بن عمرو ابن جحدم رجلان.
قال ابن إسحاق فجيمع من حفظ لنا من الأسارى ثلاثة وأربعون رجلا.
قال ابن هشام وقع من جملة العدد رجل لم نذكر اسمه
ومن لم يذكر ابن اسحاق ومن الأسارى
من بني هاشم بن عبد مناف عتبة حليف لهم من بني فهر رجل
ومن بني المطلب بن عبد مناف عقيل بن عمرو حليف لهم وأخوه تميم بن عمرو وابنه ثلاثة نفر
ومن بني عبد شمس بن عبد مناف خالد بن أسيد بن أبي العيص وأبو العريض يسار مولى العاص بن امية رجلان
ومن بني نوفل بن عبد مناف نبهان مولى لهم رجل(3/275)
ومن بني أسد بن عبد العزى عبيد الله بن حميد بن زهير بن الحارث رجل
ومن بني عبد الدار بن قصي عقيل حليف لهم من اليمن رجل
ومن بني تيم بن مرة مسافع بن عياض بن صخر بن عامر بن كعب بن سعد بن تيم وجابر بن الزبير حليف لهم رجلان
ومن بني مخزوم بن يقظة قيس بن السائب رجل
ومن بني جمح بن عمرو عمرو بن أبي بن خلف وأبو رهم ابن عبد الله حليف لهم وحليف لهم ذهب عني اسمه وموليان لأمية بن خلف أحدهما نسطاس وأبو رافع غلام امبة بن خلف ستة نفر
ومن بني سهم بن عمرو أسلم مولى نبيه بن الحجاج رجل
ومن بني عامر بن لؤي حبيب بن جابر والسائب بن مالك رجلان
ومن بن الحارث بن فهر شافع وشفيع حليفان لهم من ارض اليمن رجلان(3/276)
$ ما قيل من الشعر في يوم بدر
ما قاله حمزة بن عبد المطللب قال ابن اسحاق وكان مما قيل من الشعر في يوم بدر وتراد به القوم بينهم لما كان فيه قول حمزة بن عبد المطلب يرحمه الله.
قال ابن هشام وأكثر أهل العلم بالشعر ينكرها ونقيضتها ... ألم ترأمرا كان من عجب الدهر ... وللحين أسباب مبينة الأمر
وما ذاك إلا أن قوما أفادهم ... فخانوا تواص بالعقوق وبالكفر
عشية راحو ا نحو بدر بجمعهم ... فكانوا رهونا للركية من بدر
وكنا طلبنا العير لم نبغ غيرها ... فساروا إلينا فالتقينا على قدر
فلما التقينا لم تكن مثنوية ... لنا غير طعن بالمثقفة السمر
وضرب ببيض يختلي الهام حدها ... مشهرة الألوان بينه الأثر
ونحن تركنا عتبة الغي ثاويا ... وشيبة في القتلى تجرجم في الجفر
وعمرو ثوى فيمن ثوى من حماتهم ... فشقت جيوب النائحات على عمرو
جيوب نساء من لؤي بن غالب ... كرام تفرعن الذوائب من فهر
أولئك قوم قتلوا في ضلالهم ... وخلوا لواء غير محتضر النصر(3/277)
لواء ضلال قاد إبليس أهله ... فخاس بهم إن الخبيث الى غدر
وقال لهم إذ عاين الأمر واضحا ... برئت إليكم ما بي اليوم من صبر
فإني أرى ما لا ترون وإنني ... أخاف عقاب الله والله ذو قسر
فقدمهم للحين حتى تورطوا ... وكان بما لم يخبر القوم ذا خبر
فكانوا غداة البئر ألفا وجمعنا ... ثلاث مئين كالمسدمة الزهر
وفينا جنود الله حين يمدنا ... بهم في مقام ثم مستوضح الذكر
فشد بهم جبريل تحت لوائنا ... لدى مأزق فيه مناياهم تجري
رد هشام بن المغير على ما قاله حمزة فأجابه الحارث ابن هشام بن المغيرة فقال ... ألا يا لقومي للصبابة والهجر ... وللحزن منى والحرارة في الصدر
وللدمع من عيني جودا كأنه ... فريد هوة من سلك ناظمة يجري
على البطل الحلو الشمائل إذ ثوى ... رهين مقام للكرية من بدر
فلا تبعدن يا عمرو من ذي قرابة ... ومن ذي ندام كان ذا خلق غمر
فإن ياك قوم صادفوا منك دولة ... فلا بد للأيام من دول الدهر
فقد كنت في صرف الزمان الذي مضى ... تريهم هوانا منك ذا سبل وعر
فإلا أمت يا عمرو أتركك ثائرا ... ولا أبق بقيا في إخاء ولا صهر
وأقطع ظهرا من رجال بمعشر ... كرام عليهم مثل ما قطعوا ظهري
أغرهم ما جمعوا من وشيظة ونحن الصميم في القبائل من فهر(3/278)
فيا للؤي ذببوا عن حريمكم ... وآلهة لا تتركوها لذي الفخر
توارثها آباؤكم وورثتم ... أواسيها والبيت ذا السقف والستر
فما لحليم قد أراد هلاككم ... فا تعذروه آل غالب من عذر
وجدوا لمن عاديتم وتوازروا ... كونوا جميع في التأسي وفي الصبر
لعلكم أن تتأروا بأخيكم ... ولا شيء إن لم تثأروا بذوي عمرو
بمطردات في الأكف كانها ... وميض تطير الهام بينة الأثر
كان مدب الذر فوق متونها ... إذا جردت يوما لأعدائها الخزر.
قال ابن هشام أبدلنا من هذه القصيدة كلمتين مما روى ابن اسحاق وهما الفخر في آخر البيت وفما لحليم في أول البيت لأنه نال فيهما من النبي صلى الله عليه وسلم
شعر لعلي بن أبي طالب في يوم بدر قال ابن اسحاق وقال علي بن أبي طالب في يوم بدر.
قال ابن هشام ولم أر أحدا من اهل العلم بالشعر يعرفها ولا نقيضتها وإنما كتبناهما لأنه يقال إن عمرو بن عبد الله بن جدعان قتل يوم بدر ولم بذكره ابن اسحاق في القتل وذكره في هذا الشعر ... ألم تر أن الله أبلى ورسوله ... بلاء عزيز ذي اقتدار وذي فضل
بما أنزل الكفار دار مذلة ... فلاقوا هوانا من إسار ومن قتل
فأمس رسول الله قد عز نصره ... وكان رسول الله أرسل بالعدل(3/279)
فجاء بفرقان من الله منزل ... مبينه آياته لذوي العقل
فآمن لاقوام بذاك وأيقنوا ... فأمسوا بحمد الله مجتمعي الشمل
وأنكرأقوام فزاغت قلوبهم ... فزادهم ذو العرش خبل على خبلا
وأمكن منهم يوم بدر رسوله ... وقوم غضابا فعلهم احسن الفعل
بأيديهم بيض خفاف عصوا بها ... وقد حادثوها بالجلاء وبالصقل
فكم تركوا من ناشيء ذي حمية ... صريعا ومن ذي نجدة منهم كهل
تبيت عيون النائحات عليهم ... تجود بإسبال الرشاش وبالوبل
نواحي تنعى عتبة الغي وابنه ... وشيبه تنعاه وتنعى ابي جهل
نوائح تنعى وذا الرجل تنعى وابن جدعان فيهم وابن جدعان فيهم ... مسلبة حرى مبينة الثكل
ثوى منهم في بئر بدر عصابة ... ذوي نجدات في الحروب وفي المحل
دعا الغي منهم من دعا فأجابه ... وللغي أسباب مرمقة الوصل
فأصحوا لدى دار الجحيم بمعزل ... عن الشغب والعداون في أشغل الشغل
شعر الحارث بن هشام يرد به على علي رضي الله عنه فأجابه الحارث بن هشام بن المغيرة فقال ... عجبت لأقوام تغنى سفيههم ... بأمر سفاه ذي اعتراض وذي بطل
تغنى بقتلي يوم بدر تتابعوا ... كرام المساعي من غلام ومن كهل(3/280)
مصاليت بيض من لؤي بن غالب ... مطاعي نفي الهيجا مطاعيم في المحل
أصيبوا كراما لم يبيحوا عشيرة ... بقوم سواهم نازحي الدار والأصل
كما أصحبت غسان فيكم بطانة ... لكم بدلا منا فيا لك من فعل
عقوقا وإثما بينا وقطيعة ... يرى جوركم فيها ذوو الرأي والعقل
فإن يك قوم قد مضوا لسبيلهم ... وخير المنايا مايكون من القتل
فلا تفرحوا أن تقتلوهم فقتلهم ... لكم كائن خبلا مقيما على خبل
فإنكم لن تبرحوا بعد قتلهم ... شتيتا هواكم غير مجتمعي الشمل
بفقد ابن جدعان الحميد فعالة ... وعتبة والمدعو فيكم أبا جهل
وسشيبة فيهم والوليد وفيهم ... أمية مأوى المعترين وذو الرجل
أولئك فأبك ثم لا تبك غيرهم ... نوائح تدعو بالرزية والثكل
وقولوا لأهل المكتين تحاشدوا ... وسيروا الى آطام يثرب ذي النخل
جميعا وحاموا آل كعب وذببوا ... بخالصة الألوان محدثة الصقل
وإلا فبيتوا خائفين وأصبحوا ... أذل لوطء الواطئين من النعل
على أنني واللات يا قوم فاعلموا ... بكم واثق أن لا تقيموا على تبل
سوى جمعكم للسابغات وللقنا ... وللبيض والبيض القواطع والنبل ... شعر ظرار بن الخطاب في يوم بدر وقال ضرار بن الخطاب بن مرادس أحد يبني محارب بن فهر في يوم بدر ... عجبت لفخ الأوس والحين دائر
عليهم غدا والدهر فيه بصائر ... وفخر بني النجار إن كان معشر
أصيبوا ببدر كلهم ثم صابر(3/281)
فإن تلك قتل غودرت من رجالنا ... فإنا رجال بعدهم سنغادر
وتردي بنا الجرد العناجيج وسطكم ... بني الأوس حتى يشفي النفس شائر
ووسط بني النجار سوف نكرها ... لها بالقنا والدراعين زوافر
فنترك صرعى تعصب الطير حولهم ... وليس لهم إلا الأماني ناصر
وتبكيم من أهل يثرب نسوة ... لهن بها ليل عن النوم ساهر
وللك انا لا تزال سيوفنا ... بهن دم ممن يجاربن مائر
فإن تظفروا في يوم بدر فإنما ... بأحمد أمسى جدكم وهو ظاهر
وبالنفر الأخيار هم أولياؤه ... يحامون في اللأواء والموت حاضر
يعد ابو بكر وحمزة فيهم ... ويدعى علي وسط من انت ذاكر
ويدعي ابو حفص وعثمان منهم ... وسعد إذا ما كان في الحرب حاضر
أولئك لا من نتجت في ديارها ... بنو الأوس والنجار حين تفاخر
ولكن أبوهم من لؤي بن غالب ... إذا عدت الأنساب كعب وعامر
هم الطاعنون الخيل في كل معرك ... غداة الهياج الأطيبون الأكاثر
شعر كعب بن مالك يرد على ضرار بن الخطاب فأجابه كعب بن مالك أخو بني سلمة فقال ... عجبت لأمر الله والله قادر ... على ما أراد ليس لله قاهر
قضي يوم بدر أن نلاقي معشرا ... بغوا وسبيل البغي بالناس جائر
وقد حشدوا واستنفروا من يليهم ... من الناس حتى جمعهم متكاثر
ووسارت إلينا لا تحاول غيرنا ... بأجمعها كعب جميعا وعامر
وفينا رسول الله والأوس حوله ... له معقل منهم عزيز وناصر(3/282)
وجمع بني النجار تحت لوائه ... يمثون في الماذي والنقع ثائر
فلما لقيناهم وكل مجاهد ... لأصحابه مستبسل النفس صابر
شهدنا بأن الله بأن الله لا رب غيره ... وأن رسول الله بالحق ظاهر ... 5 وقد عريت بيض خفاف ك ... مقاييس يزهيها لعينيك شاهر
بهن أبدنا جمعهم فتبددوا ... وكان يلاقي الحين من هو فاخر
فكب ابو جهل صريغا لوجهه ... وعتبة قد غادرنه وهو عاثر
وشيبة والتيمي غادرن في الوغى ... وما منهم إلا بذ العرش كافر
فأمسوا وقود النار في مستقرها ... وكل كفور في جهنم صائر
تلظى عليهم وهي قد شب حميها ... بزبر الحديد والحجارة ساجر
وكان رسول الله أقبلوا
فولوا وقالوا إنما أنت ساحر ... وكان رسول الله أن يهلكوا به ... وليس لأمر حمه الله زاجر
شعر عبد الله بن الزبعري يبكي قتلى بدر وقال عبدالله ابن الزبعري السهمي يبكي قتلى بدر.
قال ابن هشام وتروى للأعشى بن زرارة بن النباش أحد بني أسيد بن عمرو بن تميم حليف بني نوفل بن عبد مناف.
قال ابن إسحاق حليف بني عبدالدار ... ماذا على بدر وماذا حوله ... من فتية بيض الوجوه كرام(3/283)
تركوا نبيها خلفهم ومنبها ... وابنى ربيعة خير خصم فئام
والحارث الفياض يبرق وجهه ... كالبدر جلى ليلة الإظلام
والعاصي بن منبه ذا مرة ... رمحا تميما غير ذي أوصام
تنمى به أعراقه وجدوده ومآثر الأخوال والأعمام
وإذا بكى باك فأعول شجوه ... فعلى الرئيس الماجد ابن هشام
حيا الإله أبا الوليد ورهطه ... رب الأنام وخصهم بسلام
شعر حسان بن ثابت يرد على ابن الزبعري فأجابه حسان ابن ثابت الأنصاري فقال ... ابك بكت عيناك ثم تبادرت ... بدم تعل غروبها سجام
ماذا بكيت به الذين تتابعوا ... هلا ذكرت مكارم الأقوام
وذكرت منا ماجدا ذا همة ... سمح الخلائق صادق الإقدام
أعني النبي أخا المكارم والندى ... وأبر من يولي على الإقسام(3/284)
فلمثله ولمثل ما يدعو له ... كان الممدح ثم غير كهام
شعر لحسان في يوم بدر أيضا وقال حسان بن ثابت الأنصاري أيضا ... تبلت فؤادك في المنام خريدة تسقي الضجيع ببارد بسام
كالمسك تخلطه بماء سحابة ... أو عاتق كدم الذبيح مدام
نفخ الحقيبة بوصها متنضد ... بلهاء غير وشيكة الإقسام
بنيت على قطن أجم كأنه ... فضلا إذا قعدت مداك رخام
وتكاد تكسل أن تجيء فراشها ... في جسم خرعبة وحسن قوام
أما النهار فلا أفتر ذكرها ... والليل توزعن بها أحلامي
أقسمت أنساها وأترك ذكرها ... حتى تغيب في الضريح عظامي
يا من لعاذلة تلوم سفاهة ... ولقد عصيت على الهوى لوامي
بكرت علي بسحرة بعد الكرى ... وتقارب من حادث الأيام
زعمت بأن المرء يكرب عمره ... عدم لمتعكر من الأصرام
إن كنت كاذبة الذي حدثتني ... فنجوت منجة الحارث بن هشام(3/285)
ترك الأحبة أن يقاتل دونهم ... ونجا برأس طمرة ولجام
تذر العناجيج الجياد بقفرة ... مر الدموك بمحصد ورجام
ملأت ابه الفرجين فارمدت به ... وثوى أحبته بشر مقام
وبنو ابيه ورهطه في معرك ... نصر الإله به ذوي الإسلام
طحنتهم والله ينفذ أمره ... حرب ينشب سعيرها بضرام
لولا الإله وجريها لتركنه ... جزر السباع ودسنه بحوام
من بين مأسور يشد وثاقه ... صقر إذا لاقى الأسنة حامي
ومجدل لا يستجيب لدعوة حتى تزول شوامخ الأعلام
بالعار والذل المبين إذا رأى ... بيض السيوف تسوق كل همام
بيدي أغر أذا انتمى لم يخزه ... نسب القصار سميدع مقدام
بيض إذا لاقت حديدا صممت ... كالبرق تحت ضلال كل غمام
شعر للحارث بن هشام يرد على حسان فأجابه الحارث ابن هشام فيما ذكر ابن هشام فقال ... الله أعلم ما تركت قتالهم ... حتى حبوا مهري بأشقر مزبد
وعرفت أني إن أقاتل واحدا ... أقتل ولا ينكى عدوي مشهدي
فصددت عنهم والأحبة فيهم ... طمعا لهم بعقاب يوم مفسد(3/286)
قال ابن إسحاق : قالها الحارث يعتذر من فراره يوم بدر.
قال ابن هشام تركنا من قصيدة حسان ثلاثة أبيات من آخرها لأنه أقذع فيها
شعر آخر لحسان في يوم بدر قال ابن اسحاق وقال حسنا بن ثابت ايضا ... لقد علمت قريش يوم بدر ... غداة الأسر والقتل الشديد
بأنا حين تشتجر العوالي ... حماة الحرب يوم أبي الوليد
قتلنا أبني ربيعة يوم سارا ... إلينا في مضاعفة الحديد
وفر بها حكيم يوم جالت ... بنو النجار تخطر كالأسود
وولت عند ذاك جموع فهر ... وأسلمها الحويرث من بعيد
لقد لا قيتم ذلا وقتلا جهيزا نافذا تحت الوريد
وكل القوم قد ولوا جميعا ... ولم يلووا على الحسب التليد
وقال حسان بن ثابت ايضا ... يا حار قد عولت غير معول ... عند الهياج وساعة الأحساب
إذ تمتطي سرح اليدين نجيبة ... مرطى الجراء طويلة الأقراب
والقوم خلفك قد رتكت قتالهم ترجو النجاة وليس حين ذهاب
ألا عطفت على ابن أمك إذ ثوى قعص الأسنة ضائع الأسلاب
عجل المليك له فأهلك جمعه ... بشنار مخزية وسوء عذاب(3/287)
قال ابن هشام تركنا منها بيتا واحدا أقذع فيه.
قال ابن إسحاق وقال حسان بن ثابت أيضا.
قال ابن هشام ويقال بل قالها عبد الله بن الحارث السهمي ... مستشعري حلق الماذي يقدمهم ... جلد النجيزة ماض غير رعديد
أعنى رسول إله الخلق فضله ... على البرية بالتقوى وبالجود
وقد زعمتم بأن تحموا ذماركم ... وماء بدر زعمتم غير مورود
ثم وردنا ولم نسمع لقولكم ... حتى شربنا رواء غير تصريد
مستعصمين بحبل غير منجذم مستحكم من حبال الله ممدود
فينا الرسول وفينا الحق نتبعه ... حتى الممات ونصر غير محدود
واف وماض شهاب يستضاء به ... بدر أنار على كل الأماجيد.
قال ابن هشام بيته مستععصمين بحبل غير منجذم عن أبي زيد الأنصاري
قل ابن اسحاق وقال حسان بن ثابت ايضا ... خابت بنو اسد وآب غزيهم ... يوم القليب بسوءة وفضوح
منهم أبو العاصي تجدل مقعصا ... عن ظهر صادقه النجاء سبوح
حينا له من مانع بسلاحه لما ثوى بمقامه المذبوح(3/288)
والمرء زمعة قد تركن ونحره يدمي بعاند معبط مسفوح
متوسدا حر الجبين معفرا ... قد عر مارن انفه بقبوح
ونجا ابن قيس في بقية رهطه ... بشفا الرماق موليا بجروح
وقال حسان بن ثابت أيضال ... ألا ليت شعرب هل أتى أهل مكة ... إبارتنا الكفار في ساعة العسر
قتلنا سراة القوم عند مجالنا ... فلم يرجعوا إلا بقاصمة الظهر
قتلنا أبا جهل وعتبة قبله ... وشيبة يكبو للليدين وللنحر
قتلنا سويدا ثم عيبتة بعده ... وطعمه أيضا عند ثائرة القتر
فكم قد قتلنا من كريم مرزء ... له حسب في قومهة نابه الذكر
تركناهم للعاويات يبنبهم ... ويصلون نارا بعد حامية القعر
لعمرك ما حامت فوارس مالك ... وأشياغهم يوم التقينا على بدر.
قال ابن هشام أنشدني أبو زيد الأنصاري بيته ... قتلنا أبا جهل وعتبة قبله ... وشيبة يكبو لليدين واللنحر.
قال ابن إسحاق وقال حسان بن ثابت أيضا(3/289)
نجى حكيما يوم بدر شده ... كنجاء مهر من بنات الأعوج
لما راى بدرا تسيل حلاهه ... بكتيبة خضراء من بلخزرج
لا ينكلون إذا لقوا أعداءهم ... يمشون عائدة الطريق المنهج
كم فيهم من ماجد ذي منعة ... بطل بمهلكة الجبان المحرج
ومسود يعطي الجزيل بكفه ... حمال أثقال الديات متوج
زين الندي معاود يوم الوغي ... ضرب الكماة بكل أبيض سلجج.
قال ابن هشام قوله سلجج عن غير ابن اسحاق.
قال ابن إسحاق وقال حسان ايضا ... فما نخشى بحول الله قوما ... وإن كثروا واجمعت الزحوف
إذا ما ألبو جمعا علينا ... كفانا حدهم رب رءوف
سمونا يوم بدر بالعوالي سراعا ما تضعضعنا الحتوف 5 ... فلم تر عصبة في الناس أنكى ... لمن عادوا إذا لقحت كشوف
وكلنا توكلنا وقلنا ... مآثرنا ومعقلنا السيوف
لقيناهم بها لما سمونا ... ونحن عصابة وهم ألوف
وقال حسان بن ثابت أيضا يهجو بني جمح ومن أصيب منهم ... جمحت بنو جمح لشقوة جدهم ... إن الذليل موكل بذليل
قتلت بنو جمح ببدر عنوة ... وتخاذلوا سعيا بكل سبيل(3/290)
جحدوا الكتاب وكذبوا بمحمد ... والله يظهر دين كل رسول
لعن الإله أبا خزيمة وابنه والخالدين وصاعد بن عقيل
شعر عبيدة بن الحارث في يوم بدر ويذكر قطع رجله قال ابن اسحاق وقال عبيدة بن الحارث بن المطلب في يوم بدر وفي قطع رجله حين أصيب في مبارزته هو وحمزة وعلي حين بارزوا عدوهم قال أبن هشام وبعض أهل العلم بالشعر ينكرها لعبيدة ... ستبلغ عنا أهل مكة وقعة ... يهب لها من كان عن ذاك نائيا
بعتبة إذ ولى وشيبة بعده ... وما كان فيها بكر عتبة راضي
فإن تقطعوا رجلي فإني مسلم ... أرجي بها عيشا من الله دانيا
مع الحور امثال التماثيل أخلصت ... مع الجنة العليا لمن كان عاليا
وبعث بها عيشا تعرقت صفوه ... وعالجته حتى فقدت الأدانيا
فأكرمني الرحمن من فضل منه ... بثوب من الإسلام غطى المساويا
وما كان مكروها إلي قتالهم ... غداة دعا الأكفاء من كان داعيا
ولم يبغ إذ سالو النبي سواءنا ... ثلاثتنا حتى حضرنا المناديا
لقيناهم كالأسد تخطر بالقنا ... نقاتل في الرحمن من كان عاصيا
فما برحت أقدامنا من مقامنا ... ثلاثتنا حتى أزيروا المنائيا.
قال ابن هشام لما أصيبت رجل عبيدة قال أما والله لو ادرك أبو طالب هذا اليوم لعلم أني أحق منه بما قال حين يقول(3/291)
كذبتم وبيت الله يبزى محمد ... ولما نطاعن دونه ونناضل
ونسلمه حتى نصرع حوله ... ونذهل عن ابنائنا والحلائل
وهذان البيتان في قصيدة لأبي طالب وقد ذكرناها فيما مضى من هذا الكتاب
شعر كعب بن مالك في رثاء عبيدة قال ابن اسحاق فلما هلك عبيدة بن الحارث من مصاب رجله يوم بدر قال كعب بن مالك الأنصاري يبكيه ... أيا عين جودي ولا تبخلي ... بدمعك حقا ولا تنزري
علي سيد هدنا هلكه ... كريم المشاهد والعنصر
جريء المقدم شاكي السلام ... كريم النثا طيب المكسر
عبيدة امسى ولا نرتجيه ... لعرف عرانا ولا منكر
وقد كان يحمي غداة القتال ... حامية الجيش بالمبتر
شعر لكعب بن مالك في يوم بدر وقال كعب نب مالك ايضا في يوم بدر ... الا هل اتى غسان في نأي دارها فينأي داراها وأخبر شيء بالأمور عليهما
بأن قد رمتناعن قسي عداوة ... معد معا جهالها وحليمها
لأنا عبدنا الله لم نرج غيره ... رجاء الجنان إذ أتانا زعيمها
نبي له في قومه إرث عزة
وأعراق صدق هذبتها أرومها
فساور وسرنا فالتقنا كأننا ... أسود لقاء لا يرجى كليهما(3/292)
ضربناهم حتى هوى في مكرنا ... لمنحر نحر سوء من لؤي عظيمها
فولوا ودسناهم ببيض صوارم ... سواء علينا حلفها وصميمها
وقال كعب بن مالك أيضا ... لعمر أبيكما يا بني لؤي ... على زهو لديكم وانتخاء
لما حامت فوارسكم ببدر ... ولا صبروا به عند اللقاء
وردناه بنور الله يجلو ... دجى الظلماء عنا والغطاء
رسول الله يقدمنا بأمر ... من أمر الله أحكم بالقضاء
فما ظفرت فوراسكم ببدر ... وما رجعوا إليكم بالسواء
فلا تعجل ابا سفيان وارقب ... جياد الخيل تطلع من كذاء
بنصر الله روح القدس فيها ... وميكال فيا طيب الملاء
شعر طالب في مدحه صلى الله عليه وسلم وبكاء قتلى قريش وقال طالب ابن أبي طالب يمدح رسول الله صلى الله عليه وسلم ويبكي أصحاب القليب من قريش يوم بدر ... ألا إن عيني أنفدت دمعها سكبا ... تبكيي على كعب وما إن ترى كعبا
ألا إن كعبا في الحروب تخاذلوا ... وأرداهم ذا الدهر واجترحوا ذنبا
وعامر تبكي للملمات غدوة ... فيا ليت شعري هل أرى لهما قربا
هما أخواي لن يعدا لغية ... تعد ولن يستام جارهما غصبا(3/293)
فيا أخوينا عبد شمس ونوفلا ... فدا لكما لا تبعثواا بيننا حربا
ولا تصبحوا من بعد ود وألفة ... أحاديث فيها كلكم يشتكى النكبا
ألم تعلموا ما كان في حرب داحس ... وجيش أبي يكسوم إذ ملئوا الشعبا
فلولا دفاع الله لا شيء غيره ... لأصبحتم لا تمنعون لكم سربا
فما إن جنينا في قريش عظيمة ... سوى أن حمينا خير من وطىء التربا
أخا ثقة في النائبات مرزا ... كريما نثاه لا بخيلا ولا ذربا
يطيف به العافون يغشون بابه ... يؤمون بحرا لا نزورا ولا صربا
فوالله لا تنفك نفسي حزينة ... تململ حتى تصدقوا الخزرج الضربا
ضرار بن الخطاب يرثي أبا جهل بعد غزوة بدر وقال ضرار بن الخطاب الفهري يرثي أبا جهل ... ألا من لعين باتت الليل لم تنم ... تراقب نجما في سواد من الظلم
كأن قذى فيها وليس بها قذى ... سوى عبرة من جائل الدمع تنسجم
فبلغ قريشا أن خير نديها ... وأكرم من يمشي بساق على قدم
ثوى يوم بدر رهن خوصاء رهنها ... كريم المساعي غير وغد ولا برم
فآليت لا تنفك عني بعبرة ... على هالك بعد الرئيس أبي الحكم
على هالك أشجى لؤي بن غالب ... أتته المنايا يوم بدر فلم يرم(3/294)
ترى كسر الخطي في نحر مهره ... لدى بائن من لحمه بينها خذم
وما كان ليث ساكن بطن بيشة ... لدى غلل يجري ببطحاء في أجم
بأجرأ منه حين تختلف القنا ... وتدعى نزال في القماقمة البهم
فلا تجزعوا آل المغيرة واصبروا ... عليه ومن يجزع عليه فلم يلم
وجدوا فإن الموت مكرمة لكم ... وما بعده في آخر العيش من ندم
وقد قلت إن الريح طيبة لكم ... وعز المقام غير شك لذي فهم.
قال ابن هشام وبعض أهل العلم بالشعر ينكرها لضرار
الحارث يرثي أخاه أبا جهل قال ابن اسحاق وقال الحارث ابن هشام يبكي أخاه أبا جهل ... ألا يا لهف نفسي بعد عمرو ... وهل يغني التلهف من قتيل
يخبرني المخبر ان عمرا ... أمام القوم في جفر محيل
فقدما كنت أحسب ذاك حقا ... وأنت لما تقدم غير فيل
وكنت بنعمة ما دمت حيا ... فقد خلفت في درج المسيل
كأني حين أمسي لا أراه ... ضعيف العقد ذو هم طويل
على عمرو إذا أمسيت يوما ... وطرف من نذكره كليل(3/295)
قال ابن هشام وبعض أهل العلم بالشعر ينكرها للحارث بن هشام وقوله فيجفر عن غير ابن اسحاق
شعر أبي بكر بن الأسود في رثاء قتلى قريش قال ابن اسحاق وقال ابو بكر بن الأسود بن شعوب الليثي وهو شداد ابن الأسود ... تحيي بالسلامة أم بكر ... وهل لي بعد قومي من سلام
فماذا بالقليب قليب بدر ... من القينات والشرب الكرام
وماذا بالقليب قليب بدر ... من الشيزى تكلل بالسنام
وكم لك بالطوي طوي بدر ... من الحومات والنعم المسام
وكم لك بالطوي طوي بدر ... من الغايات والدسع العظام
وأصحاب الكريم أبي علي ... أخي الكاس الكريم والندام
وإنك لو رأيت أبا عقيل ... واصحاب الثنية من نعام
إذا لظللت من وجد عليهم ... كأم السقب جائلة المرام
يخبرنا الرسول لسوف نحيا ... وكيف لقاء أصداء وهام(3/296)
قال ابن هشام أنشدني أبو عبيدة النحوى ... يخبرنا الرسول بأن سنحيا ... كيف حياة ة أصداء وهام
قال وكان قد أسلم ثم ارتد
أمية بن أبي الصلت يرثي من أصيب من قريش يوم بدر وقال ابن اسحاق وقال أمية بن أبي الصلت يرثي من اصيب من قريش يوم بدر ... ألا بكيت على الكرام ... بني الكرام أولي الممادح
كبكا الحمام على فروع ... الأيك في الغصن الجوانح
يبكين حرى مستكينات ... يرحن مع الروائح
أمثالهن الباكيات ... المعولات من النوائح
من يبكهم يبك على ... حزن ويصدق كل مادح
ماذا ببدر فالعقنل ... من مرازبة جحاجح
فمدافه البرقين فالحنانا ... من طرف الأواشح
شمط وشبان بهاليل ... مغاوير وحاوح
ألا ترون لما أرى ... وقد أبان لكل الامح
أن قد تغير بطن مكة ... فهي موحشة الأباطح
من كل بطريق لبطريق ... نقي اللون واضح(3/297)
دعموص أبواب الملوك ... وجائب للخرق فاتح
من السراطمة الخلاجمة ... الملاوثة المناجح
القائلين الفاعلين ... الآمرين بكل صالح
المطعمين الشحم فوق ... الخبز شحما كالأنافح
نقل الجفان مع الجفان ... الى جفان كالمناضح
ليست بأصفار لمن ... يعفو ولا رح رحارح
للضيف ثم الضيف بعد ... الضيف والبسط السلاطح
وهب المئين من المئين ... الى المئين من اللواقح
سوق المؤبل للمؤبل ... صادرات عن بلادح
لكرامهم فوق الكرام ... مزية وزن الرواجح
كتثاقل الأرطال بالقسطاس ... في الأيدي الموائح
خذلتهم فئة وهم ... يحمون عورات الفضائح
الضاربين التقدمية ... بالمهندة الصفائح
ولقد عناني صوتهم ... من بين مستسق وصائح(3/298)
لله در بني علي ... أيم منهم وناكح
إن لم يغيروا غارة ... شعواء تجحر كل نابح
بالمقربات المبعدات ... الطامحات من الطوامح
مردا على جرد الى ... أسد مكالبة كوالح
ويلاق قرن قرنة ... مشي المصافح للصاحف
بزهاء ألف ثم ألف ... بين ذي بدن ورامح.
قال ابن هشام تركنا منها بيتين نال فيهما من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنشدني غير واحد من أهل العلم بالشعر بيته ... ويلاق قرن قرنه ... مشي المصافح للمصافح
وأنشدني أيضا ... وهب المئين من المئين ... الى المئين من اللواقح
سوق المؤبل لللمؤبل ... حارث لا تذخري على زمعة
شعر أمية في رثاء زمعة وقتلى بني أسد قال ابن اسحاق وقال امية بن أبي الصلت يبكي زمعة بن الأسود وقتلى بني أسد ... عين بكي بالمسجلات أبو الحارث ... لا تذخري على زمعة
وابكي عقيل بن أسود أسد البأس ... ليوم الهياج والدفعة
تلك بنو أسد إخوه الجوزاء ... لا خانة ولا خدعة(3/299)
هم الأسرة الوسيطة من كعب ... وهم ذروة السنام والقمعه
أنبتوا من معاشر شعر الرأس ... وهم ألحقوهم المنعة ... أمسى بنو عمهم إذا حضر البأس ... أكبادهم عليهم وجعة
وهم المطعمون إذا قحط القطر ... وحالت فلا ترى قزعة.
قال ابن هشام هذه الرواية وة لهذا الشعر مختلطة ليست بصحيحة البناء لكن أنشدني أبو محرز خلف الأحمر وغيره وروى بعض ما لم يرو بعض ... عين بكي بالمسبلات أبا الحراث ... لا تذخري على زمعة
وعقيل بن اسود أسد البأس ... ليوم الهياج والدفعة
فعلى مثل هلكهم خوت الجوزاء ... لا خانة ولا خدعة
وهم الأسرة الوسيطة من كعب ... وفيهم كذروة القمعة
أنبتوا من معاشر شعر الرأس
وهم ألحقوهم المنعة
فبنو عمهم إذا حضر البأس ... عليهم أكبادهم وجعة
وهم المطعمون إذا قحط القطر ... وحالت فلا ترى قزعة
شعر معاوية بن زهير في يوم بدر قال ابن اسحاق وقال أبو اسامة معاوية بن زهير بن قيس بن الحارث بن سعد بن ضبيعة ابن مازن بن عدي بن جشم بن معاوية حليف بني مخزوم قال ابن هشام وكان مشركا وكان مر بهبيرة بن ابي وهب وهم منهزمون يوم بدر وقد أعيا هبيرة فقام فألقى عنه درعه وحمله فمضى به قال ابن هشام وهذه أصح أشعار أهل بدر(3/300)
وإن تركت سراة القوم صرعى ... كأن خيارهم أذباح عتر
وكانت جمة وافت حماما ... ولقينا المنايا يوم بدر
نصد عن الطريق وأدركونا ... كأن زهاءهم غطيان بحر
وقال القائلون من ابن قيس ... فقلت أبو أسامة غير فخر
أنا الجشمي كيما تعرفوني ... أبين نسبتي نقرا بنقر
فإن تك في العلاصم من قريش ... فإني من معاوية بن بكر
فأبلغ مالكا لما غشينا ... وعندك مال إن نبأت خبري
وأبلغ إن بلغت المرء عنا ... هبيرة وهو ذو علم وقدر
بأني إذ دعيت الى أفيد ... كررت ولم يضيق بالكر صدري
عشية لا يكر على مضاف ... ولا ذي نعمة منهم وصهر
فدونكم بني لأي أخاكم ... ودونك مالكا يا أم عمرو
فلولا مشهدي قامت عليه ... موقفة القوائم أم أجري
دفوع للقبور بمنكبيها ... كأن بوجهها تحميم قدر(3/301)
فأقسم بالذي قد كان ربي ... وأنصاب لدى الجمرات مغر
لسوف ترون ما حسبي إذا ما تبدلت الجلود جلود نمر
فما إن خادر من أسد ترج ... مدل عنبس في الغيل مجري
فقد أحمى الأباءة من كلاف ... فما يدنو له احد بنقر
بخل تعجز الحلفاء عنه ... يوائب كل هجهجة وزجر
بأوشك سورة مني إذا ما ... حبوت له بقرقرة وهدر
ببيض كالأسنة مرهفات ... كأن ظباتهن جحيم جمر
وأكلف مجنا من جلد ثور وصفراء البراية ذات أزر
وأبيض كالغدير ثوى عليه ... عمير بالمداوس نصف شهر
أرفل في جمائله وأمشي ... كمشية خادر ليث سبطر
يقول لي الفتى سعد هديا ... فقلت لعله تقريب غدر(3/302)
وقلت ابا عدي لا تطرهم ... وذلك إن أطعت اليوم أمري
كدأبهم بفروة إذ أتاهم ... فظل يقاد مكتوفا بضفر.
قال ابن هشام وأنشدوني أبو محرز خلف الأحمر ... نصد عن الطريق وأدركونا ... كأن سراعهم تيار بحر
وقوله مدل عنبس في الغيل مجري عن غير ابن اسحاق.
قال ابن إسحاق وقال أبو أسامة أيضا ... ألا من مبلغ عني رسولا ... مغلغلة ة يثبتها لطيف
ألم تعلم مردي يوم بدر ... وقد برقت بجنبيك الكفوف
وقد تركت سراه القوم صرعى ... كأن رؤوسهم حدج نقيف
وقد مالت عليك ببطن بدر ... خلاف القوم داهية خصيف
فنجاه من الغمرات عزمي ... وعون الله والأمر الحصيف
ومنقلبي من الأبواء وحدي ... ودونك جمع أعداء وقوف
وأنت لمن أرادك مستكين ... بجنب كراش مكلوم نزيف(3/303)
وكنت إذا دعاني يوم كرب ... من الأصحاب داع مستضيف
فأسمعني ولو أحببت نفسي ... أخ في مثل ذلك أو حليف
أرد فأكشف الغمى ورمي ... إذا كلح المشافر والأنوف
وقرن قد تركت على يديه ... ينوء كأنه غصن قصيف
دلفت له إذا اختلطوا بحري ... مسحسة لعاندها حفيف
فذلك كان صنعي يوم بدر ... وقبل أخو مدارة عزوف
أخوكم في السنين كما علمتم ... وحرب لا يزال لها صريف
ومقدام لكم لا يزدهيني ... جنان الليل والأنس اللفيف
أخوض الصرة الجماء خوضا ... إذا ما الكلب ألجأه الشفيف.
قال ابن هشام تركت قصيدة لأبي أسامة على اللام ليس فيها ذكر بدر إلا في أول بيت منها والثاني كراهة الإكثار
شعر لهند بنت عتبة تبكي أباها يوم بدر قال ابن اسحاق وقالت هند بنت عتبة بن ربيعة تبكي أباها يوم بدر ... أعيني جوادا بدمع سرب ... على خير خندف لم ينقلب
تداعى له رهطه غدوة ... بنو هاشم وبنو المطلب
بذيقونه حد أسيافهم ... يعلونه بعد ما قد عطب(3/304)
يجرونه وعفير التراب ... على وجهه عاريا قد سلب
وكان لنا جبلا راسيا ... جميل المرارة كثير العشب
وأما بري فلم أعنه ... فأوتي من خير ما يحتسب
وقال هند أيضا ... يريب علينا الدهر فيسوءنا ... ويأبى فما تأتي بشيء يغالبه
أبعد قتيل من لؤي بن غالب ... يراع أمرؤ إن مات أو مات صاحبه
ألا رب يوم قد رزئت مرزءا ... تروح وتغدو بالجزيل مواهبه
فأبلغ أبا سفيان عني مألكا ... فإن ألقه يوما فسوف أعاتبه
فقد كان حرب يسعر الحرب إنه ... لكل امرىء في الناس مولى يطالبه.
قال ابن هشام وبعض أهل العلم بالشهر ينكرها لهند.
قال ابن إسحاق وقالت هند ايضا ... لله عينا من رأى ... هلكا كهلك رجالية
يا رب باك لي غدا ... في النائبات وباكية
كما غادروا يوم القليب ... غداة تلك الواعية
من كل غيث في السنين ... إذا الكواكب خاوية(3/305)
قد كنت أحذر ما أرى ... فاليوم حق حذارية
قد كنت أحذر ماأرى ... فأنا الغداة موامية
يا رب قائلة غدا ... يا ويح أم معاوية.
قال ابن هشام وبعض أهل العلم بالشعر ينكرها لهند.
قال ابن إسحاق وقالت هند أيضا ... يا عين بكي عتبه ... شيخا شديد الرقبة
يطعم يوم المسغبه ... يدفع يوم المغلبه
إني عليه حربة ... ملهوفة مستلبه
لنهبطن يثربه ... بغارة منثعبة
فيها الخيول مقربه ... كل جواد سلهبه
شعر صفية بنت مسافر في رثاء أهل القليب في بدر وقالت صفية بنت مسافر بن ابي عمرو بن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف تبكي أهل القليب الذين أصيبوا يوم بدر من قريش وتذكر مصابهم(3/306)
يا من لعين قذاها عائر الرمد ... حد النهار وقرن الشمس لم يقد
أخبرت أن سراة الأكرمين معا ... قد أحرزتهم مناياهم الى أمد
وفر بالقوم أصحاب الركاب ولم ... تعطف غداتئذ أم على ولد
قومي صفي ولا تنسي قرابتهم ... وإن بكيت فما تبكين من بعد
كانوا سقوب سماء البيت فانقصفت ... فأصبح السمك منها غير ذي عمد.
قال ابن هشام قال أنشدني بيتها كانوا سقوب بعض لاأهل العلم بالشعر وقالت صفية بنت مسافر ايضا ... ألا يا من لعين ... اللتبكي دمعها فان
كغربى دالج يسقي ... خلال الغيث الدان
وما ليث غريف ذو ... أظافير وأسنان
أبو شبلين وثاب ... شديد البطش غرثان
كحبي إذ تولى ... ووجوه القوم ألوان
وبالكف حسام صارم ... أبيض ذكران
وانت الطاعن النجلاء ... منها مزبد آن(3/307)
قال ابن هشام ويروون قولها وما ليث غريف الى آخرها مفصولا من البيتين اللذين قبله
رثاء هند بنت أثاثة عباد بن المطلب قال ابن اسحاق وقالت هند بنت أثاثة بن عباد بن المطلب ترثي عبيدة بن الحارث ابن المطلب ... لقد ضمن الصفراء مجدا وسؤددا ... وحلما أصيلا وافر اللب والعقل
عبيدة فابكيه لأضياف غربة ... وأرملة تعوي تهوى لأشعث كالجذل
وبكيه للأقوام في كل شتوة ... إذا احمر آفاق السماء من المحل
وبكيه للأيتام والريح زفرة ... وتشبيب قدر طالما ازبدت تغلي
فإن تصبح النيران قد مات ضوؤها ... فقد كان يذكيهن بالحطب الجزل
لطارق ليل أو لملتمس القرى ... ومستنبح أضحى لديه على رسل.
قال ابن هشام وأكثر أهل العلم بالشعر ينكرها لهند
شعر قتيلة بنت الحارث تبكي أخاها النضر قال ابن اسحاق وقالت قتيلة بن الحارث أخت النضر بن الحارث تبكيه(3/308)
يا راكبا إن الأثيل مظنه ... من صبحح خامسة وانت موفق
أبلغ بها ميتا بأن تحية ... ما إن تزال بها النجائب تخفق
مني إليك وعبرة مسفوحة ... جادت بواكفها وأخرى تخنق
هل يسمعني النضر إن ناديته ... أم يكيف يسمع ميت لا ينطق
أمحمد يا خير ضنء كريمة ... في قومها والفحل فحل معرق
ما كان ضرك لو مننت روبما ... من الفتى وهو المغيط المحنق
أو كنت قابل فدية فلينفقن ... بأعز ما يلغو به ما ينفق
فالنضر أقرب من أسرت قرابة ... وأحقهم إن كان عتق يعتق
ظلت سيوف بني أبيه تنوشه ... لله أرحام هناك تشقق
صبرا يقاد الى المنية متعبا ... رسف المقيد وهو عان موثق.
قال ابن هشام فيقال والله أعلم إن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما بلغه هذا الشعر قال لو بلغني هذا قبل قتله لمننت عليه.
قال ابن إسحاق وكان فراغ رسول الله صلى الله عليه وسلم من بدر قي عقب شهر رمضان او في شوال
غزوة بن سليم بالكدر.
قال ابن إسحاق فلما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يقم بها إلا سبع ليال حتى غزا بنفسه يريد بن سليم(3/309)
قال ابن هشام واستعمل على المدينة سباع بن عرفطة الغفاري أو ابن أم مكتوم.
قال ابن إسحاق فبلغ ماء من مياهم يقال له الكدر فأقام عليه ثلاث ليال ثم رجع إلا المدينة ولم يلق كيدا فأقام بها بقية شوال وذا القعدة وأفدى في إقامته تلك جل الأسارى من قريش
غزوة السويق
اعتداء أبي سفيان وخروج الرسول خلفه قال حدثنا أبو محمد عبد الملك بن هشام قال حدثنا زياد بن عبد الله البكائي عن محمد بن اسحاق المطلبي قال ثم غزا ابو سفيان بن حرب غزوة السويق في ذي الحجة وولي تلك الحجة المشركون من تلك السنة فكان ابو سفيان كما حدثني محمد بن جعفر بن الزبير ويزيد ابن رومان ومن لا أتهم عن عبدالله بن كعب بن مالك وكان من أعللم الأنصار حين رجع الى مكة ورجع فل قريش من بدر نذر أن لايمس رأسه ماء من جنابة حتى يغزو محمدا صلى الله عليه وسلم فخرج(3/310)
في مئتي ركاب من قريش ليبر يمينه فسلك النجدية حتى نزل بصدر قناة الى جبل يقال له ثيب من المدينة على بريد او نحوه ثم خرج من الليل حتى أتى بن النضير تحت الليل فأتى حيي بن أخطب فضرب عليه بابه فأبى أن يفتح له بابه وخافه فانصرف عنه الى سلام بن مشكم وكان سيد بني النضير في زمانه ذلك وصاحب كنزهم فاستأذن عليه فأذن له فقراه وسقاه وبطن له من خبر الناس ثم خرج في عقب ليلته حتى اتى أصحابه فبعث رجلا من قريش الى المدينة فأتوا ناحية منها يقال لها العريض فحرقوا في اصوار من نخل بها ووجدوا بها رجلا من الأنصار وحليفا له في حرث لهما فقتلوهما ثم انصرفوا راجعين ونذر بهم الناس فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم في طلبهم واستعمل على المدينة بشير ابن عبد المنذر وهو ابو لبابة فيما قال ابن هشام حتى بلغ قرقرة الكدر ثم انصرف راجعا وقد فاته أو سفيان وأصحابه وقد رأوا من أزوادا القوم قد طرحوها في الحرث يتخففون منها النجاء فقال المسملون حين رجع بهم رسول الله صلى الله عليه وسلم يا رسول الله أتطمع لنا أن تكون غزوة قال نعم
سبب تسمية هذه الغزوة باسمها قال ابن هشام وإنام سميت غزوة السويق فيما حدثني أبو عبيدة أن أكثر ما طرح القوم من ازوادهم السويق فهجم المسلمون على سويق كثير فسميت غزوة السويق(3/311)
ما قاله أبو سفيان شعرا في هذه الغزوة قال ابن اشسحاق وقال ابو سفيان بن حرب عند منصرفه لما صنع به سلام بن مشكم ... وإني تخيرت المدينة واحدا ... لحلف فلم أندم ولم أتلوم
سقاني فرواني كميتا مدامة ... على عجل مني سلام بن مشكم
ولما تولى الجيش قلت ولم اكن ... لأقرحمه أبشر بعز ومغنم
تأمل فإن القوم سر وإنهم ... صريح لؤي لا شماطيط جرهم
وما كان إلا بعض ليلة راكب ... أتى ساعيا من غير خلة معدم
غزوة ذي أمر
فلما رجع رسول الله صلى الله عليه وسلم من غزوة السويق أقام بالمدينة بقية ذي الحجة أو قريبا منها ثم غزا نجدا يريد غطفان وهي غزوة ذي أمر واستعمل على المدينة عثمان بن عفان فيما قال ابن هشام.
قال ابن إسحاق فأقام بنجد صفراء كله او قريبا من ذلك ثم رجع الى المدينة ولم يلق كيدا فلبث بها شهر ربيع الأول كله أو غلا قليلا منه(3/312)
$ غزوة الفرع من بحران
ثم غزا رسول الله صلى الله عليه وسلم يريد قريشا واستعمل على المدينة ابن ام مكتوم فيما قال ابن هشام.
قال ابن إسحاق حتى بلغ بحران معدنا بالحجاز من ناحية الفرع فأقام بها شهر ربيع الآخر وجمادى الأولى ثم رجع الى المدينة ولم يلق كيدا
أمر بني قينقاع
ما قاله لهم الرسول صلى الله عليه وسلم وردهم عليه قال اوقد كان فيما بين ذلك غزو رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر بني قينقاع كان من حديث بن قينقاع أن رسول الله صلى الله عليه وسلم جمعهم بسوق بني قينقاع ثم قال يا معشر يهود احذروا من الله مثل ما نزل بقريش من النقمة وأسلمو فإنكم قد عرفتم أن نبى مرسل تجدون ذلك في كتابكم وعهد إليكم قالوا يا محمد إنك ترى أنا قومك لا يغرنك أنك لقي قوما لا علم لهم بالحرب فأصبت منهم فرصة إنا والله لئن حاربناك لتعلمن انا نحن الناس(3/313)
ما نزل فيهم من القرآن قال ابن اسحاق فحدثني مولى لآل زيد بن ثابت عن سعيد بن جبير أو ن عكرمة عن ابن عباس قال ما نزل هؤلاء الآيات إلا فيهم {قل للذين كفروا ستغلبون وتحشرون إلى جهنم وبئس المهاد قد كان لكم آية في فئتين التقتا} أي أصحاب بدر من اصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وقريش {فئة تقاتل في سبيل الله وأخرى كافرة يرونهم مثليهم رأي العين والله يؤيد بنصره من يشاء إن في ذلك لعبرة لأولي الأبصار}.
بنو قينقاع أول من نقض عهده صلى الله عليه وسلم قال ابن اسحاق وحدثني عاصم بن عمر بن قتادة أن بني قينقاع كانوا أول يهود نقضوا ما بينهم وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم وحابروا فيما بين بدر واحد
سبب حرب المسلمين إياهم قال بن هشام وذكر عبدالله ابن جعفر بن المسور بن مخرمة عن أبي عون قال كان من امر بن قينقاع أن امرأة من العرب قدمت بجلب لها فباعته بسوق بن قينقاع وجلست الى اصائغ بها فجعلوا يريدونها على كشف وجهها فأبت فعمد الصائغ الى طرف ثوبها فعقده الى ظهرها فلما قامت انكشفت سوءتها فضحكوا بها فصاحت فوثب رجل من المسلمين على الصائغ فقتله وكان يهوديا وشدت اليهود على المسلم فقتلوه فاصترخ أهل المسلم المسلمين على اليهود فغضب المسملون فوقع الشر بينهم وبين بني قينقاع(3/314)
تدخل ابن ابي في شأنهم معه صلى الله عليه وسلم قال ابن اسحاق وحدثني عاصم بن عمر بن قتادة قال فحاصرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى نزلوا على حكمه فقام إلهي عبدالله بن أبي ابن سلول حين أمكنه منهم فقال يا محمد أحسن في موالي وكاناو حلفاء الخزرج قال فأبطأ عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال يا محمد أحسن في موالي قال قال فأعرض عنه فأدخل يده في جيب درع رسول الله صلى الله عليه وسلم د.
قال ابن هشام وكان يقال لها ذات الفصول.
قال ابن إسحاق فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم أرسلني وغضب رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى رأوا لوجهه ظللا ثم قال ويحك أرسلني قال لا والله لا أرسلك حتى تحسن في موالي اربعمائة حاسر وثلاثمائة دارع قد منعوني من الحمر والأسود تحقهم في غداة واحدة إني والله امرؤ أخشى الدوائر قال فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم هم لك
مدة حصار بن قينقاع قال ابن هشام واستعمل رسول الله صلى الله عليه وسلم على المدينة في محاصرته إياهم بشير بن عبدالمنذر وكانت محاصرته إياهم خمس عشرة ليلة(3/315)
خلع ابن الصامت بني قينقاع وما نزل فيه من اقرآن وفي ابن ابي قال ابن اسحاق وحدثني أبي اسحاق بن يسار عن عبادة بن الوليد بن عبادة بن الصامت قال لما حاربت بنو قينقاع رسول الله صلى الله عليه وسلم تشبت بأمرهم عبدالله بن ابي ابن سلول وقام دونهم ومشى عبادة بن الصامت الى رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان أحد بن عوف لهم من حلفه مثل الذي لهم من عبدالله بن ابي فخلعهم الى رسول الله صلى الله عليه وسلم وتبرأ الى الله عز وجل الى رسوله صلى الله عليه وسلم من حلفهم وقال يا رسول الله أتولى الله رسوله صلى الله عليه وسلم والمؤمنين وأبرأ من حلف هؤلاء الكفار وولايتهم قال ففيه وفي عبدالله بن ابي نزلت هذه القصة من المائدة {يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا اليهود والنصارى أولياء بعضهم أولياء بعض ومن يتولهم منكم فإنه منهم إن الله لا يهدي القوم الظالمين فترى الذين في قلوبهم مرض} أي لعبد الله بن اي وقوله إن أخشى الدوائر {يسارعون فيهم يقولون نخشى أن تصيبنا دائرة فعسى الله أن يأتي بالفتح أو أمر من عنده فيصبحوا على ما أسروا في أنفسهم نادمين ويقول الذين آمنوا أهؤلاء الذين أقسموا بالله جهد أيمانهم} ثم القصة الى قوله تعالى {إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون} وذكر لتولي عبادة بن الصامت الله ورسوله والذين آمنوا وتبرئه من بني قينقاع وحلفهم وولايتهم {ومن يتول الله ورسوله والذين آمنوا فإن حزب الله هم الغالبون}(3/316)
$ سرية زيد بن حارثة الى القردة
زيد بن حارثة يصيب العير قال ابن اسحاق وسرية زيد ابن حارثة التي بعثه رسول الله صلى الله عليه وسلم فيها حين أصاب عير قريش وفيها أبو سفيان بن حرب على القردة ماء من مياه نجد وكان من حديثها أن قريشا خافوا طريقهم الذي كانوا يسلكون الى الشام حين كان من وقعة بدر ما كان فسلكوا طريق العراق فخرج منهم تجار فيهم أبو سفيان بن حرب ومعه فضة كثيرة وهم عظم تجارتهم واستأجروا رجلا من بني بكر بن وائل يقال له فرات ابن حيان يدلهم في ذلك على الطريق.
قال ابن هشام فرات بن حيان من بني عجل حليف لبني سهم.
قال ابن إسحاق وبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم زيد بن حارثة فلقيهم على ذلك الماء فأصاب تلك العير وما فيها وأعجزه الرجال فقدم بها على رسول الله صلى الله عليه وسلم
ما قاله حسان في هذه الغزوة فقال حسان بن ثابت بعد أحد في غزوة بدر الآخرة يؤنب قريشا لأخذهم تلك الطريق ... دعوا فلجات الشام قد حال دونها ... جلاد كأفواه المخاض الأوارك
بأيدي رجال هاجروا نحو ربهم ... وأنصاره حقا وأيدي الملائك(3/317)
إذا سلكت للغور من بطن عالج ... فقولا لها ليس الطريق هنالك.
قال ابن هشام وهذه الأبيات في أبيات لحسان بن ثابت نقضها عليه أبو سفيان بن الحارث بن عبد المطلب وسنذكرها ونقيضتها إن شاء الله في موضعها
مقتل كعب بن الأشرف
استنكاره ما فعله المسلمون بقريش في بدر قال ابن اسحاق وكان من حديث كعب بن الأشرف أنه لماأصيب أصحاب بدر وقدم زيد بن حارثة الى اهل السافلة وعبد الله بن رواحة الى العالية بشيرين بعثهما رسول الله صلى الله عليه وسلم الى من بالمدينة من المسلمين بفتح الله عز وجل عليه وقتل من قتل من المشركين كما حدثني عبد الله بن المغيث بن ابي بردة الظفري وعبد الله بن أبي بكر ابن محمد بن عمرو بن حزم وعاصم بن عمر بن قتادة وصالح ابن ابي أمامة بن سهل كل قد حدثن بعض حديثه قالوا قال كعب بن الأشرف وكان رجلا من طيىء ثم أحد بني نبهان وكانت أمه من بني النضير هذان حين بلغه من الخبر أحق هذا أترون محمدا قتل هؤلاء الذين يسمى هذان الرجلان يعني زيدا وعبد الله بن رواحة فهؤلاء اشراف العرب وملوك الناس والله لئن كان محمد أصاب هؤلاء القوم لبطن الأرض خير من ظهرها(3/318)
ما قاله كعب تحريضا على رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما تيقن عدو الله الخبر خرج حتى قدم مكة فنزل على المطلب بن ابي وداعة بن ضبيرة السهمي وعنده عاتكة بنت ابي العيص بن أمية ابن عبد شمس بن عبد مناف فأنزلته وأكرمته وجعل يحرض على رسول الله صلى الله عليه وسلم وينشد الأشعار ويبكي أصحاب القليب من قريش الذين أصيبوا ببدر فقال ... طحنت رحى بدر لمهلك أهله ... ولمثل بدر تستهل وتدمع
قتلت سراة الناس حول حياضهم ... لا تبعدوا إن الملوك تصرع
كم قد أصيب به من أبيض ماجد ... ذي بهجة يأوي إليه الضيع
طلق اليدين إذا الكواكب أخلفت ... حمال أثقال يسود ويربع
ويقول أقوام أسر بسخطهم ... إن ابن الاشرف ظل كعبا يجزع
صدقوا فليت الأرض ساعة قتلوا ... ظلت تسوخ بأهله وتصدع
صار الذي أثر الحديث بطعنه ... أو عاش أعمى مرهشا لا يسمع
نبئت أن بني المغيرة كلهم ... خشعوا لقتل أبي الحكيم وجدعوا ... 5 وابنا ربيعة عنده ومنبه ... ما نال مثل المهلكين وتبع
نبئت أن الحارث بن هشامهم ... في الناس يبني الصالحات ويجمع
ليزور يثرب بالجموع وإنما ... يحمى على الحسب الكريم الأروع.
قال ابن هشام قوله تبع وأسر بسخطهم عن غير ابن اسحاق
ما رد عليه حسان رضي الله عنه قال ابن اسحاق فأجابه حسان بن ثابت الأنصاري فقال(3/319)
أبكي لكعب ثم عل بعرة ... منه وعاش مجدعا لا يسمع
ولقد رايت ببطن بدر منهم ... قتلى تسح لها العيون وتدمع
فابكى فقد ابكيت عبدا راضعا ... شبه الكليب الى الكليبة يتبع
ولق شفى الرحمن منا سيدا ... وأهان قوما قاتلوه وصرعوا
ونجا وأفلت منهم من قبله ... شغف يظل لخوفه يتصدع.
قال ابن هشام وأكثر أهل العلم بالشعر ينكرها لحسان وقوله أبكى لكعب عن غيره ابن اسحاق
ما ردت به امرأة من المسلمين على كعب قال ابن اسحاق وقالت امرأة من المسلمن من بن مريد بطن من بلى كانوا حلفاء في بن أمية بن زيد يقال لهم الجعادرة تجيب كعبا قال ابن اسحاق اسمها ميمونة بنت عبد الله وأكثر أهل العلم بالشعر ينكر هذه الأبيات لها وينكر نقيضتها لكعب بن الأشرف ... تحنن هذا العبد كل تحنن ... يبكي على قتلى وليس بناصب
بكت عين من يبكي لبدر وأهله ... وعلت بمثليها لؤي بن غالب
فليت الذين ضرجوا بدمائهم ... يرى ما بهم من كان بين الأخاشب
فيعلم حقا عن يقين ويبصروا ... مجرهم فوق اللحى والحواجب
ما أجابها به كعب بن الأشرف فأجابها كعب بن الأشرف فقال(3/320)
ألا فازجروا منكم سفيها لتسلموا ... عن القول يأتي منه غير مقارب
أتشتمني أن كنت ابكي بعبرة ... لقوم أتاني ودهم غير كاذب
فإني لباك ما بقيت وذاكر ... مآثر قوم مجدهم بالجباجب
لعمري لقد كانت مريد بمعزل ... عن الشر فاحتالت وجوه الثعالب
فحق مريد أن تجد أنوفهم ... بستمهم حيي لؤي بن غالب
وهبت نصيبي من مريد لجعدر ... وفاء وبيت الله بين الخاشب
تشبيب كعب بنساء المسلمين والأخذ في قتله ثم رجع كعب بن الأشرف الى المدينة فشبب بنساء المسلمين حتى آذاهم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم كما حدثني عبد الله بن المغيث بن ابي بردة من لي بابن الأشرف فقال له محمد بن مسلمة أخو بني عبد الأشهل أنا لك به يا رسول الله أنا أقتله قال فافعل إن قدرت على ذلك
فرجع محمد بن مسلمة فمكث ثلاثا لا يأكل ولا يشرب إلا ما يعلق به نفسه فذكر ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم فدعاه فقال له لم تركت الطعام والشراب فقال يا رسول الله قلت لك قولا لا أدري هل أفين لك به أم لا فقال إنما عليك بالجهد فقال يا رسول الله إنه لا بد لنا من ان نقول قال قولوا ما بدا لكم(3/321)
فأنتم في حل من ذلك فاجتمع في قتله محمد بن مسلمة وسلكان ابن سلامة بن وقش وهو أبو نائلة أحد بني عبد الأشهل وكان أخا كعب بن الأشرف من الرضاعة وعباد بن بشر بن وقش أحد بني عبد الأشهل والحارث بن اوس بن معاذ أحد بني عبد الأشهل وأبو عبس بن جبر أحد بني حارثة
ثم قدموا الى عدو الله كعب بن الأشرف قبل أن يأتوه سلكان ابن سلامة ابا نائلة فجاءه فتحدث معه ساعة وتناشدوا شعرا وكان أبو نائلة يقول الشعر
ثم قال ويحك يابن الأشرف إني قد جئتك لحاجة أريد ذكرها لك فاكتم عني قال أفعل قال كان قدوم هذا الرجل علينا بلاء من البلاء عادتنا به العرب ورمتنا عن قوس واحدة وقلعت عنا السبل حتى ضاع العيال وجهدت الأنفس وأصبحنا قد جهدنا وجهد عيالنا
قال كعب أنا ابن الأشرف اما والله لقد كنت أخبرك يابن سلامة ان الأمر سيصير الى ما أقول فقال له سلكان إني قد أردت أن تبيعنا طعاما ونرهنك ونوثق لك ونحسن في ذلك فقال اترهنوني ابناءكم قال لقد أردت أن تفضحنا إن معي أصحابا لي على مثل رأي وقد أردت أن آيتك بهم فتبيعهم وتحسن في ذلك ونرهنك في الحلقة ما فيه وفاء وأراد سلكان ان لا ينكر السلاح إذا جاءوا بها قال إن في الحلقة لوفاء
قال فرجع سلكان الى اصحابه فأخبرهم خبره وأمرهم أن يأخذوا السلاح ثم ينطلقوا فجتمعوا إليه فاجتمعوا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم(3/322)
قال ابن هشام ويقال أترهنوني نساءكم قال كيف نرهنك نساءنا وانت أشب أهل يثرب وأعطرهم قال اترهنوني أبناءكم.
قال ابن إسحاق وفحدثني ثو بن يزيد عن عكرمة عن ابن عباس قال : مشى معهم رسول الله صلى الله عليه وسلم الى بقيع الغرقد ثم وجههم فقال انطلقوا على اسم الله اللهم أعنهم ثم رجع رسول الله صلى الله عليه وسلم بيته وهو في ليلة مقمرة وأقبلوا حتى انتهوا الى حصنه فهتف به ابو نائلة وكان حديث عهد بعرس فوثب في ملحفته فاخذت امراته بناحيتها وقال إنك امرؤ محارب وإن أصحاب الحرب لا ينزلون في هذه الساعة قال إنه أبو نائلة لو وجدني نائما لما ايقظني فقال والله إني لأعرف في صوته الشر قال يقول لها كعب لو يدعى الفتى لطعنة لأجاب
فنزل فتحدث معهم ساعة وتحدثوا معه ثم قال هل لك يا بن الأشرف أن تتماشى الشعب العجور فنتحدث به بقية ليلتنا هذه قال غن شئتم فخرجوا يتماشون فمشوا ساعة ثم إن ابا نائلة شام يده فود رأسه ثم شم يده فقال ما رأيت كالليلة(3/323)
طيبا أعطر قط ثم مشى ساعة ثم عاد لمثلها حت اطمأن ثم مشى ساعة ثم عد لمثلها فأخذ بفود رأسه ثم قال اضربوا عدو الله فضربوه فاختلف عليه أسيافهم فلم تغن شيئا
قال محمد بن مسلمة فذكرت مغولا في سيفي حين رأيت أسيافنا لا تغني شيئا فأخذته وقد صاح عدو الله صيحة لم يبق حولنا حصن إلا وقد أوقدت عليه نار قال فوضعته في ثنته ثم تحاملت عليه حتى بلغت عانته فوقع عدو الله وقد أصيب الحارث بن أوس ابن معاذ فجرح في رأسه أو في رجله اصابه بعض أسيافنا قال فخرجنا حتى سلكنا على بني أمية بن زيد ثم على بني قريظة ثم على بعاث حتى أسندنا في حرة العريض وقد أبطأ علينا صاحبنا الحارث بن أوس ونزفه الدم فوقفنا له ساعة ثم اتانا يتبع آثارنا
قال فاحتملناه فجئنا به رسول الله صلى الله عليه وسلم آخر الليل وهو قائم يصلي فسلمنا عليه فخرج إلينا فأخبرناه بقتل عدو الله وتفل على جرح صاحبنا ورجعنا الى أهلنا فأصبحنا وفد خافت يهود لوقعتنا بعدو الله فليس بها يهدوي إلا وهو يخاف على نفسه
ما قاله كعب بن مالك في هذه الحادثة قال ابن اسحاق فقال كعب بن مالك(3/324)
فغودر منهم كعب صريعا ... فذلت بعد مصرعه النضير
على الكفين ثم وقد علته ... بأيدينا مشهرة ذكور
بأمر محمد إذ دس ليلا ... الى كعب أخا كعب يسير
فماكره فأنزله بمكر ... ومحمود أخو ثقة جسور
قال ابن هشام وهذه الأبيات في قصيدة له في يوم بني النضير سأذكرها إن شاءالله في حديث ذلك اليوم
ما قاله حسان في هذه الحادثة قال ابن اسحاق وقال حسان بن ثابت يذكر قتل كعب بن الأشرف وقتل سلام بن ابي الحقيق ... لله در عصابة لاقيتهم 5 بابن الحقيق وأنت بابن الأشرف
يسرون بالبيض الخفاف إليكم ... مرحا كأسد في عين مغرف
حتى أتوكم في محل بلادكم ... فسقوكم حتفا ببيض ذفف
مستنصرين لنصر دين نبيهم ... مستصغرين لكل أمر مجحف
قال بن هشام وسأذكر قتل سلام بن ابي الحقيق في موضعه إن شاء الله
وقوله ذفف عن غير ابن اسحاق(3/325)
أمر محيصة وحويصة
لوم حويصة محيصة لقتله يهوديا قال ابن إسحاق وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم من ظفرتم به من رجال يهود فاقتلوه فوثب محيصة ابن مسعود.
قال ابن هشام محيصة ويقال محيصة بن مسعود بن كعب ابن عامر بن عدي بن مجدعة بن حارثة بن الحارث بن الخزرح ابن عمرو بن مالك بن الأوس على ابن سنينة.
قال ابن هشام ويقال شنينة رجل من تجار يهود كان يلابسهم ويبايعهم فقتله وكان حويصة ابن مسعود إذ ذاك لم يسلم وكان أسن من محيصة فلما قتله جعل حويصة يضربه ويقول أي عدو الله أقتلته أما والله لرب شحم في بطنك من ماله
قال محيصة فقلت والله لقد أمرني بقتله من لو أمرني بقتلك لضربت عنقك لضربتها قال فوالله إن كان لأول الإسلام حويصة قال آولله لو أمرك محمد بقتلي لقتلتني قال نعم والله لو أمرني بضرب عنقك لضربتها قال والله إن دينا بلغ بك هذا لعجب فأسلم حويصة
ما قاله محيصة في ذلك شعرا قال ابن اسحاق حدثني هذا الحديث مولى لبني حارثة عن ابنة محيصة عن أبيها محيصة قال محصية في ذلك(3/326)
يلوم ابن امي لو أمرت بقتله ... لطبقت ذفراه بأبيض قاضب
حسام كلون الملح أخلص صقله ... متى ما أصوبه فليس بكاذب
وما سرني أني قتلتك طائعا ... وأن لنا ما بين بصرى ومأرب
رواية أخرى في قتل محيصة اليهودي قال ابن هشام وحدثني أبو عبيدة عن أبي عمرو المدني قال لما ظفر رسول الله صلى الله عليه وسلم ببني قريظة أخذ منهم نحو من أربعمائة رجل من اليهود وكانوا حلفاء الأوس على الخزرج فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بأن تضرب أعناقهم فجعلت الخزرج تضرب أعناقهم ويسرهم ذلك فنظر رسول الله صلى الله عليه وسلم الى الخزرج ووجوههم مستبشرة ونظر الى الأوس فلم ير ذلك فيهم فظن أن ذلك للحلف الذي بين الأوس وبين بني قريظة ولم بكن بقي من بني قريظة غلا اثنا عشر رجلا فدفعهم الى الأوس فدفع الى كل رجلين من الأول رجلا من بين قريظة وقال ليضرب فلان ولذفف فلان فكان ممن دفع إليهم كعب بن يهوذا وكان عظيما في بني قريظة فدفعه الى محيصة بن مسعود والى أبي بردة بن نيار وأبو بردة الذي رخص له رسول الله صلى الله عليه وسلم في أن يذبح جذعا من المعز في الأضحى وقال ليضربه محيصة وليذفف عليه أبو بردة فضربه ضربة لم تقطع وذفف أبو بردة فأجهز عليه فقال حويصة وكان كافرا لأخيه محيصة أقتلت كعب بن يهوذا قال نعم فقال حويصة أما والله لرب شحم قد نبت في بطنك(3/327)
من ماله إنك للئيم يا محيصة فقال له محيصة لقد أمرني بقتله من لو أمرني بقتلك لفتلتك فعجب من قوله ثم ذهب عنه متعجبا فذكروا أنه جعل يتيقظ من الليل فيعجب من قول أخيه محيصة حتى أصبح وهو يقول والله إن هذا لدين ثم أتى النبي صلى الله عليه وسلم فأسلم فقال محيصة في ذلك ابياتا قد كتبناها.
قال ابن إسحاق وكانت إقامة رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد قدومه من نجران جمادة الآخرة ورجبا وشعبان وشهر رمضان وغزته قريش غزوة احد في شوال سنة ثلاث
تم بعون الله الجز الثالث من السيرة النبوية لابن هشام ويليه إن شاء الله الجزء الرابع وأوله غزوة احد أعان الله على إتمامه(3/328)
$ غزوة أحد
من حدث ابن اسحاق بغزوة أحد وكان من حديث أحد كما حدثني محمد بن مسلم الزهري ومحمد بن يحيى بن حبان وعاصم بن عمر بن قتادة والحصين بن عبدالرحمن بن عمر بن سعد بن معاذ وغيرهم من علمائنا كلهم قد حدث بعض الحديث عن يوم أحد وقد اجتمع حديثهم كله فيما سقت من هذا الحديث عن يوم أحد قالوا من قال منهم
قريش تجمع المال لحرب النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه لما أصيب يوم بدر من كفار قريش أصحاب القليب ورجع فلهم الى مكة ورجع ابو سفيان بن حرب بعيره مشى عبدالله بن ابي ربيعة وعكرمة بن ابي جهل وصفوان بن أمية في رجال من قريش ممن أصيب آباؤهم وإخوانهم يوم بدر فكلموا أبا سفيان بن حرب ومن كانت له في تلك العير من قريش تجارة فقالوا يا معشر قريش إن محمدا قد وتركم وقتل خياركم فأعينونا بهذا المال على حربه فعلنا ندرك منه ثأرنا بمن أصاب منا ففعلوا(4/5)
ما نزل فيهم من القرآن قال ابن اسحاق ففيهم كما ذكر لي بعض اهل العلم أنزل الله تعالى {إن الذين كفروا ينفقون أموالهم ليصدوا عن سبيل الله فسينفقونها ثم تكون عليهم حسرة ثم يغلبون والذين كفروا إلى جهنم يحشرون}.
اجتماع قريش للحرب فاجتمعت قريش لحرب رسول الله صلى الله عليه وسلم حين فعل ذلك ابو سفيان بن حرب وأصحاب العير بأحابيشها ومن أطاعها من قبائل كنانة وأهل تهامة وكان أبو عزة عمرو بن عبدالله الجمحي قد من عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم بدر وكان فقيرا ذا عيال وحاجة وكان في الأسارى فقال إني فقير ذو عيال وحاجة قد عرفتها فامنن علي صلى الله عليه وسلم فمن عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال له صفوان بن أمية يا أبا عزة إنك امرؤ شاعر فأعنا بلسانك فاخرج معنا فقال إن محمدا قد من علي فلا أريد أن أظاهر عليه قال بلى فأعنا بنفسك فلك الله علي إن رجعت أن أغنيك وإن أصبت أن أجعل بناتك مع بناتي يصيبهن ما أصابهن من عسر ويسر فخرج ابو عزة في تهامة ويدعو بني كنانة ويقول ... أيها بني عبد مناة الرزام ... أنتم حماة وأبوكم حام
لا تعدوني نصركم بعد العام ... لا تسلموني لا يحل إسلام
وخرج مسافع بن عبد مناف بن وهب بن حذافة بن جمح الى بني مالك بن كنانة يحرضهم ويدعوهم الى حرب رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال ... يا مال مال الحسب المقدم ... أنشد ذا القربى وذا التذمم(4/6)
من كان ذا رحم ومن لم يرحم ... الحلف وسط البلد المحرم ... عند حطيم الكعبة المعظم
ودعا جبير بن مطعم غلاما له حبشيا يقال له وحشي يقذف بحربة له قذف الحبشة قلما يخطئ بها فقال له اخرج مع الناس فإن أنت قتلت حمزة عم محمد بعمي طعيمة بن عدي فأنت عتيق
خروج قريش ومن معها فخرجت قريش بحدها وجدها وحديدها وأحابيشها ومن تابعها من بني كنانة وأهل تهامة وخرجوا معهم الظعن التماس الحفيظة ألا يفروا فخرج ابو سفيان بن حرب وهو قائد الناس بهند ابنة عتبة وخرج عكرمة بن ابي جهل بأم حكيم بنت الحارث بن هشام بن المغيرة وخرج الحرث بن هشام بن المغيرة بفاطمة بنت الوليد بن المغيرة وخرج صفوان بن أمية ببرزة بنت مسعود بن عمر بن عمير الثقفية وهي أم عبدالله بن صفوان بن أمية.
قال ابن هشام ويقال رقية.
قال ابن إسحاق وخرج عمرو بن العاص بريطة بنت منبه بن الحجاج وهي ام عبدالله بن عمرو وخرج طلحة بن ابي طلحة وابو طلحة عبدالله بن عبدالعزى بن عثمان بن عبدالدار بسلافة بنت سعد بن شهيد الأنصارية وهي ام بني طلحة مسافع والجلاس وكلاب قتلوا يومئذهم وأبوهم وخرجت خناس بنت مالك بن المضرب إحدى(4/7)
نساء بني مالك بن حسل مع ابنها أبي عزيز بن عمير وهي أم مصعب بن عمير وخرجت عمرة بنت علقمة إحدى نساء بني الحارث ابن عبد مناة بن كنانة وكانت هند بنت عتبة كلما مرت بوحشي أو مر بها قالت ويها أبا دسمة أشف واستشف وكان وحشي يكنى بأبي دسمة فأقبلوا حتى نزلوا بعينين بجبل ببطن السبخة من قناة على شفير الوادي مقابل المدينة
رؤيا رسول الله صلى الله عليه وسلم ومشاورته القوم قال فلما سمع بهم رسول الله صلى الله عليه وسلم والمسلمون قد نزلوا حيث نزلوا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم للمسلمين إني قد رأيت والله خيرا رأيت بقرا ورأيت في ذباب سيفي ثلما ورايت أني أدخلت يدي في درع حصينة فأولتها المدينة.
قال ابن هشام وحدثني بعض أهل العلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال رأيت بقرا لي تذبح قال فأما البقر فهي ناس من أصحابي يقتلون وأما الثلم الذي رايت في ذباب سيفي فهو رجل من أهل بيتي يقتل
مطالبة بعض المسلمين للخروج لملاقاة الكفار خارج المدينة.
قال ابن إسحاق فإن رأيتم أن تقيموا بالمدينة وتدعوهم حيث نزلوا(4/8)
فإن أقاموا أقاموا بشر مقام وإن هم دخلوا علينا قاتلناهم فيها وكان رأي عبدالله بن ابي ابن سلول مع رأي رسول الله صلى الله عليه وسلم يرى رأيه في ذلك وألا يخرج اليهم وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يكره الخروج فقال رجال من المسلمين ممن أكرم الله بالشهادة يوم أحد وغيره ممن كان فاته بدر يا رسول الله اخرج بنا الى أعدائنا لا يرون أنا جبنا عنهم وضعفنا فقال عبدالله بن ابي ابن سلول يا رسول الله أقم بالمدينة لا تخرج اليهم فوالله ما خرجنا منها الى عدو لنا قط الا أصاب منا ولا دخلها علينا الا أصبنا منه فدعهم يا رسول الله فإن أقاموا أقاموا بشر محبس وإن دخلوا قاتلهم الرجال في وجوههم ورماهم النساء والصبيان بالحجارة من فوقهم وإن رجعوا رجعوا خائبين كما جاءوا
فلم يزل الناس برسول الله صلى الله عليه وسلم الذين كان من أمرهم حب لقاء القوم حتى دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم بيته فلبس لأمته وذلك يوم الجمعة حين فرغ من الصلاة وقد مات في ذلك اليوم رجل من الأنصار يقال له مالك بن عمرو أحد بني النجار فصلى عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم خرج عليهم وقد ندم الناس وقالوا استكرهنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يكن لنا ذلك فلما خرج عليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم قالوا يا رسول الله استكرهناك ولم يكن ذلك لنا فإن شئت فاقعد صلى الله عليك فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ما ينبغي لنبي إذا لبس لأمته أن يضعها حتى يقاتل فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم في ألف من أصحابه.
قال ابن هشام واستعمل ابن أم مكتوم على الصلاة بالناس
انخذال المنافقين قال ابن اسحاق حتى اذا كانوا بالشوط بين المدينة وأحد انخذل عنه عبدالله بن ابي ابن سلول بثلث الناس(4/9)
وقال أطاعهم وعصاني ما ندري علام نقتل انفسنا هاهنا أيها الناس فرجع بمن اتبعه من قومه من اهل النفاق والريب واتبعهم عبدالله ابن عمرو بن حرام أخو بني سلمة يقول يا قوم أذكركم الله ألا تخذلوا قومكم ونبيكم عندما حضر من عدوهم فقالوا لو نعلم أنكم تقاتلون لما أسلمناكم ولكنا لا نرى أنه يكون قتال قال فلما استعصوا عليه وأبوا الا الانصراف عنهم قال أبعدكم الله أعداء الله فسيغني الله عنكم نبيه.
قال ابن هشام وذكر غير زياد عن محمد بن إسحاق عن الزهري أن الأنصار يوم أحد قالوا لرسول الله صلى الله عليه وسلم يا رسول الله ألا نستعين بحلفائنا من يهود فقال لا حاجة لنا فيهم
ما تفاءل به رسول الله صلى الله عليه وسلم قال زياد حدثني محمد بن إسحاق قال ومضى رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى سلك في حرة بني حارثة فذب فرس بذنبه فأصاب كلاب سيف فاستله.
قال ابن هشام ويقال كلاب سيف
قال ابن إسحاق فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان يحب الفأل ولا يعتاف لصاحب السيف شم سيفك فإني أرى السيوف ستسل اليوم(4/10)
ما فعله مربع المنافق حين سلك المسلمون حائطه ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأصحابه من رجل يخرج بنا على القوم من كثب أي من قرب من طريق لا يمر بنا عليهم فقال أبو خيثمة أخو بني حارثة بن الحارث أنا يا رسول الله فنفذ به في حرة بني حارثة وبين أموالهم حتى سلك في مال لمربع بن قيظي وكان رجلا منافقا ضرير البصر فلما سمع حس رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن معه من المسلمين قام يحثي في وجوههم التراب ويقول إن كنت رسول الله فإني لا أحل لك أن تدخل حائطي وقد ذكر لي أنه أخذ حفنة من تراب في يده ثم قال والله لو اعلم أني لا أصيب بها غيرك يا محمد لضربت بها وجهك فابتدره القوم ليقتلوه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا تقتلوه فهذا الأعمى أعمى القلب أعمى البصر وقد بدر إليه سعد بن زيد أخو بني عبد الأشهل قبل نهي رسول الله صلى الله عليه وسلم عنه فضربه بالقوس في رأسه فشجه
نزول الرسول بأحد قال ومضى رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى نزل الشعب من أحد في عدوة الوادي إلى الجبل فجعل ظهره وعسكره إلى أحد وقال لا يقاتلن أحد منكم حتى نأمره بالقتال وقد سرحت قريش الظهر والكراع في زروع كانت بالصمغة من قناة للمسلمين فقال رجل من الأنصار حين نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن القتال اترعى زروع بني قيلة ولما نضارب وتعبى رسول الله صلى الله عليه وسلم(4/11)
للقتال وهو في سبعمائة رجل وامر على الرماة عبدالله بن جبير أخا بني عمرو بن عوف وهو معلم يومئذ بثياب بيض والرماة خمسون رجلا فقال انضح الخيل عنا بالنبل لا يأتونا من خلفنا إن كانت لنا أو علينا فاثبت مكانك لا نؤتين من قبلك وظاهر رسول الله صلى الله عليه وسلم بين درعين ودفع اللواء إلى مصعب بن عمير أخي بني عبدالدار
الرسول يجيز من هم في سن الخامسة عشرة ومن لم يجزهم الرسول قال ابن هشام وأجاز رسول الله صلى الله عليه وسلم يومئذ سمرة بن جندب الفزاري ورافع بن خديج أخا بني حارثة وهما ابنا خمس عشرة سنة وكان قد ردهما فقيل له يا رسول الله إن رافعا رام فأجازه فلما أجاز رافعا قيل له يا رسول الله فإن سمرة يصرع رافعا فأجازه ورد رسول الله صلى الله عليه وسلم أسامة زيد وعبدالله ابن عمر بن الخطاب وزيد بن ثابت أحد بني مالك بن النجار والبراء بن عازب أحد بني حارثة وعمرو بن حزم أحد بني مالك ابن النجار وأسيد بن ظهير أحد بني حارثة ثم أجازهم يوم الخندق وهم أبناء خمس عشرة سنة(4/12)
قال ابن إسحاق وتعبأت قريش وهم ثلاثة آلاف رجل ومعهم مئتا فرس قد حنبوها فجعلوا على ميمنة الخيل خالد بن الوليد وعلى ميسرتها عكرمة بن أبي جهل
أبو دجانة وشجاعته وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم من يأخذ هذا السيف بحقه فقام إليه رجال فأمسكه عنهم حتى قام إليه أبو دجانة سماك بن خرشة أخو بني ساعدة فقال وما حقه يا رسول الله قال أن تشرب به العدو حتى ينحني قال أنا آخذه يا رسول الله بحقه فأعطاه إياه وكان أبو دجانة رجلا شجاعا يختال عند الحرب إذا كانت وكان إذا أعلم بعصابة له حمراء فاعتصب بها علم الناس أنه سيقاتل فلما أخذ السيف من يد رسول الله صلى الله عليه وسلم أخرج عصابته تلك فعصب بها رأسه وجعل يتبختر بين الصفين
قال ابن إسحاق فحدثني جعفر بن عبدالله بن أسلم مولى عمر ابن الخطاب عن رجل من الانصار من بني سلمة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم حين رأى أبا دجانة يتبختر إنها لمشية يبغضها الله إلا في مثل هذا الموطن
أبو عامر الفاسق قال ابن إسحاق وحدثني عاصم بن عمر ابن قتادة أن أبا عامر عبد عمرو بن صيفي بن مالك بن النعمان أحد بني ضبيعة وقد كان خرج حين خرج إلى مكة مباعدا لرسول الله صلى الله عليه وسلم معه خمسون غلاما من الأوس وبعض الناس كان يقول كانوا خمسة عشر رجلا وكان يعد قريشا أن لو قد لقي قومه لم يختلف عليه منهم رجلان فلما التقى الناس كان اول من لقيهم أبو عامر في الأحابيش وعبدان أهل مكة فنادى يا معشر الأوس أنا(4/13)
أبو عامر قالوا فلا أنعم الله بك عينا يا فاسق وكان أبو عامر يسمى في الجاهلية الراهب فسماه رسول الله صلى الله عليه وسلم الفاسق فلما سمع ردهم عليه قال أصاب قومي بعدي شر ثم قاتلهم قتالا شديدا ثم راضخهم بالحجارة
أبو سفيان وامرأته يحرضان قريشا قال ابن إسحاق وقد قال أبو سفيان لأصحاب اللواء من بني عبدالدار يحرضهم بذلك على القتال يا بني عبدالدار إنكم قد وليتم لواءنا يوم بدر فأصابنا ما قد رأيتم وإنما يؤتى الناس من قبل راياتهم إذا زالت زالوا فإما أن تكفونا لواءنا وإما أن تخلوا بيننا وبينه فنكفيكموه فهموا به وتواعدوه وقالوا نحن نسلم إليك لواءنا ستعلم غدا إذا التقينا كيف نصنع وذلك أراد أبو سفيان
تحريض هند ومن معها جيش الكفار فلما التقى الناس ودنا بعضهم من بعض قامت هند بنت عتبة في النسوة اللاتي معها وأخذن الدفوف يضربن بها خلف الرجال ويحرضنهم فقالت هند فيما تقول ... ويها بني عبد الدار ... ويها حماة الأدبار
ضربا بكل بتار
وتقول ... إن تقبلوا نعانق ... ونفرش النمارق(4/14)
أو تدبروا نفارق ... فراق غير وامق
وكان شعار أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم أحد أمت أمت فيما قال ابن هشام
قال ابن إسحاق فاقتتل الناس حتى حميت الحرب وقاتل أبو دجانة حتى امعن في الناس.
قال ابن هشام حدثني غير واحد من أهل العلم أن الزبير بن العوام قال وجدت في نفسي حين سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم السيف فمنعنيه واعطاه أبا دجانة وقلت أنا ابن صفية عمته ومن قريش وقد قمت إليه فسألته إياه قبله فأعطاه إياه وتركني والله لأنظرن ما يصنع فاتبعته فأخرج عصابة له حمراء فعصب بها رأسه فقالت الأنصار أخرج أبو دجانة عصابة الموت وهكذا كانت تقول له إذا تعصب بها فخرج وهو يقول ... أنا الذي عاهدني خليلي ... ونحن بالسفح لدى النخيل(4/15)
ألا أقوم الدهر في الكيول ... أضرب بسيف الله والرسول.
قال ابن هشام ويروى في الكبول
قال ابن إسحاق فجعل لا يلقي أحدا إلا قتله وكان في المشركين رجل لا يدع لنا جريحا إلا ذفف عليه فجعل كل واحد منهما يدنو من صاحبه فدعوت الله أن يجمع بينهما فالتقيا فاختلفا ضربتين فضرب المشرك أبا دجانة فاتقاه بدرقته فعضت بسيفه وضربه أبو دجانة فقتله ثم رأيته قد حمل السيف على مفرق رأس هند بنت عتبة ثم عدل السيف عنها قال الزبير فقلت الله ورسوله اعلم
قال ابن إسحاق وقال أبو دجانة سماك بن خرشة رأيت إنسانا يخمش الناس خمشا شديدا فصمدت له فلما حملت عليه السيف ولول فإذا امرأة فأكرمت سيف رسول الله صلى الله عليه وسلم أن اضرب به امرأة
استشهاد حمزة وقاتل حمزة بن عبدالمطلب حتى قتل أرطاة ابن شرحبيل بن هاشم بن عبد مناف بن عبدالدار وكان أحد النفر(4/16)
الذين يحملون اللواء ثم مر به سباع بن عبدالعزى الغبشاني وكان يكنى بأبي نيار فقال له حمزة هلم إلي يابن مقطعة البظور وكان أمه أم أنمار مولاة شريق بن عمرو بن وهب الثقفي.
قال ابن هشام شريق بن الأخنس بن شريق وكانت ختانة بمكة فلما التقيا ضربه حمزة فقتله
حديث وحشي في قتله حمزة قال وحشي غلام جبير بن مطعم والله إني لأنظر إلى حمزة يهد الناس بسيفه ما يليق به شيئا مثل الجمل الأورق إذ تقدمني إليه سباع بن عبد العزى فقال له حمزة هلم إلي يابن مقطعة البظور فضربه ضربة فكأن ما أخطأ رأسه وهززت حربتي حتى إذا رضيت منها دفعتها عليه فوقعت في ثنته حتى خرجت من بين رجليه فأقبل نحوي فغلب فوقع وامهلته حتى إذا مات جئت فأخذت حربتي ثم تنحيت إلى العسكر ولم تكن لي بشء حاجة غيره
قال ابن إسحاق وحدثني عبدالله بن الفضل بن عباس بن ربيعة ابن الحارث عن سليمان بن يسار عن جعفر بن عمرو بن أمية الضمري قال خرجت أنا وعبيد الله بن عدي بن الخيار أخو بني نوفل بن عبد مناف في زمان معاوية بن أبي سفيان فأدربنا مع(4/17)
الناس فلما قفلنا مررنا بحمص وكان وحشي مولى جبير بن مطعم قد سكنها وأقام بها فلما قدمناها قال لي عبيد الله بن عدي هل لك في أن نأتي وحشيا فنسأله عن قتل حمزة كيف قتله قال قلت له إن شئت فخرجنا نسأل عنه بحمص فقال لنا رجل ونحن نسأل عنه إنكما ستجدانه بفناء داره وهو رجل قد غلبت عليه الخمر فإن تجداه صاحيا تجدا رجلا عربيا وتجدا عنده بعض ما تريدان وتصيبا عنده ما شئتما من حديث تسألانه عنه وإن تجداه وبه بعض ما يكون به فانصرفا عنه ودعاه قال فخرجنا نمشي حتى جئناه فإذا هو بفناء داره على طنفسة له فإذا شيخ كبير مثل البغاث.
قال ابن هشام البغاث ضرب من الطير يميل إلى السواد
فإذا هو صاح لا بأس به قال فلما انتهينا إليه سلمنا عليه فرفع رأسه إلى عبيد الله بن عدي فقال ابن لعدي بن الخيار أنت قال نعم قال أما والله ما رأيتك منذ ناولتك أمك السعدية التي أرضعتك بذي طوى فإني ناولتكها وهي على بعيرها فأخذتك(4/18)
بعرضيك فلمعت لي قدماك حين رفعتك إليها فوالله ما هو إلا أن وقفت علي فعرفتها
قال فجلسنا إليه فقلنا له جئنا لتحدثنا عن قتلك حمزة كيف قتلته فقال أما إني سأحدثكما كما حدثت رسول الله صلى الله عليه وسلم حين سألني عن ذلك كنت غلاما لجبير بن مطعم وكان عمه طعيمة ابن عدي قد أصيب يوم بدر فلما سارت قريش إلى أحد قال لي جبير إن قتلت حمزة عم محمد بعمي فأنت عتيق قال فخرجت مع الناس وكنت رجلا حبشيا أقذف بالحربة قذف الحبشة قلما اخطئ بها شيئا فلما التقى الناس خرجت أنظر حمزة وأتبصره حتى رأيته في عرض الناس مثل الجمل الأورق يهد الناس بسيفه هدا ما يقوم له شيء فوالله إني لأتهيأ له أريده وأستتر منه بشجرة أو حجر ليدنو مني إذ تقدمني إليه سباع بن عبدالعزى فلما رآه حمزة قال له هلم إلي يا ابن مقطعة البظور قال فضربه ضربة كأن ما أخطأ رأسه قال وهززت حربتي حتى إذا رضيت منها دفعتها عليه فوقعت في ثنته حتى خرجت من بين رجليه وذهب لينوء نحوي فغلب وتركته وإياها حتى مات ثم أتيته فأخذت حربتي ثم رجعت إلى العسكر فقعدت فيه ولم يكن لي بغيره حاجة وإنما قتلته لأعتق
فلما قدمت مكة أعتقت ثم أقمت حتى إذا افتتح رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة هربت إلى الطائف فمكثت بها فلما خرج وفد الطائف إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ليسلموا تعيت علي المذاهب فقلت ألحق بالشام أو باليمن أو ببعض البلاد فوالله إني لفي ذلك من همي إذ قال(4/19)
لي رجلا ويحك إنه والله ما يقتل أحدا من الناس دخل في دينه وتشهد شهادته
وحشي يحدث الرسول بقتله حمزة فلما قال لي ذلك خرجت حتى قدمت على رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة فلم يرعه إلا بي قائما على رأسه أتشهد بشهادة الحق فلما رآني قال أوحشي قلت نعم يا رسول الله قال اقعد فحدثني كيف قتلت حمزة قال فحدثته كما حدثتكما فلما فرغت من حديثي قال ويحك غيب عني وجهك فلا أرينك قال فكنت أتنكب رسول الله صلى الله عليه وسلم حيث كان لئلا يراني حتى قبضه الله صلى الله عليه وسلم
وحشي يشارك في قتل مسيلمة الكذاب فلما خرج المسلمون إلى مسيلمة الكذاب صاحب اليمامة خرجت معهم واخذت حربتي التي قتلت بها حمزة فلما التقى الناس رأيت مسيلمة الكذاب قائما في يده السيف وما أعرفه فتهيأت له وتهيأ له رجل من الانصار من الناحية الأخرى كلانا يريده فهززت حربتي حتى إذا رضيت منها دفعتها عليه فوقعت فيه وشد عليه الأنصاري فضربه بالسيف فربك اعلم أينا قتله فإن كنت قتلته فقد قتلت خير الناس بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد قتلت شر الناس
قال ابن إسحاق وحدثني عبدالله بن الفضل عن سليمان بن يسار عن عبدالله بن عمر بن الخطاب وكان قد شهد اليمامة قال سمعت يومئذ صارخا يقول قتله العبد الأسود.
قال ابن هشام فبلغني أن وحشيا لم يزل يحد في الخمر حتى خلع من الديوان فكان عمر بن الخطاب يقول قد علمت أن الله تعالى لم يكن ليدع قاتل حمزة(4/20)
استشهاد مصعب قال ابن إسحاق وقاتل مصعب بن عمير دون رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى قتل وكان الذي قتله ابن قمئة الليثي وهو يظن أنه رسول الله صلى الله عليه وسلم فرجع إلى قريش فقال قتلت محمدا فلما قتل مصعب بن عمير أعطى رسول الله صلى الله عليه وسلم اللواء علي بن أبي طالب وقاتل علي بن أبي طالب ورجال من المسلمين.
قال ابن هشام وحدثني مسلمة بن علقمة المازني قال لما اشتد القتال يوم أحد جلس رسول الله صلى الله عليه وسلم تحت راية الانصار وأرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى علي بن ابي طالب رضوان الله عليه أن قدم الراية فتقدم علي فقال أنا أبو الفصم ويقال ابو القصم فيما قال ابن هشام ف فناداه أبو سعيد بن أبي طلحة وهو صاحب لواء المشركين أن هل لك يا أبا القصم في البراز من حاجة قال نعم فبرز بين الصفين فاختلفا ضربتين فضربه علي فصرعه ثم انصرف عنه ولم يجهز عليه فقال له أصحابه أفلا أجهزت عليه فقال إنه استقبلني بعورته فعطفتني عنه الرحم وعرفت ان الله عز وجل قد قتله(4/21)
ويقال إن أبا سعد بن أبي طلحة خرج بين الصفين فنادى أنا قاصم من يبارز برازا فلم يخرج إليه أحد فقال يا أصحاب محمد زعمتم ان قتلاكم في الجنة وان قتلانا في النار كذبتم واللات لو تعلمون ذلك حقا لخرج إلي بعضكم فخرج إليه علي بن أبي طالب فاختلفا ضربتين فضربه علي فقتله
خبر عاصم بن ثابت وقاتل عاصم بن ثابت بن ابي الأقلح فقتل مسافع بن طلحة وأخاه الجلاس بن طلحة كلاهما يشعره سهما فياتي أمه سلافة فيضع رأسه في حجرها فتقول يا بني من أصابك فيقول سمعت رجلا حين رماني وهو يقول خذها وانا ابن أبي الأقلح فنذرت إن أمكنها الله من رأس عاصم أن تشرب فيه الخمر وكان عاصم قد عاهد الله ان لا يمس مشركا أبدا ولا يمسه مشرك
وقال عثمان بن أبي طلحة يومئذ وهو يحمل لواء المشركين ... إن على اهل اللواء حقا ... أن يخضبوا الصعدة أو تندقا
فقتله حمزة بن عبدالمطلب
استشهاد حنظلة الذي سمي غسيل الملائكة والتقى حنظلة ابن ابي عامر الغسيل وأبو سفيان فلما استعلاه حنظلة بن أبي عامر رآه شداد بن الأسود وهو ابن شعوب وقد علا أبا سفيان فضربه(4/22)
شداد فقتله فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن صاحبكم يعني حنظلة لتغسله الملائكة فسألوا اهله ما شأنه فسئلت صاحبته فقالت خرج وهو جنب سمع الهاتفة.
قال ابن هشام ويقال الهائعة وجاء في الحديث خير الناس رجل ممسك بعنان فرسه كلما سمع هيعة طار إليها قال الطرماح ابن حكيم الطائي والطرماح الطويل من الرجال ... أنا ابن حماة المجد من آل مالك ... إذا جعلت خور الرجال تهيع
والهيعة الصيحة التي فيها الفزع
قال ابن إسحاق فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لذلك غسلته الملائكة
شعر الاسود وأبي سفيان في قتل حنظلة قال ابن إسحاق وقال شداد بن الأسود في قتل حنظلة ... لأحمين صاحبي ونفسي ... بطعنة مثل شعاع الشمس
وقال أبو سفيان بن حرب وهو يذكر صبره في ذلك اليوم ومعاونة ابن شعوب إياه على حنظلة(4/23)
ولو شئت نجتني تحميت طمرة ... ولم احمل النعماء لابن شعوب
ومازال مهري مزجر الكلب منهم ... لدن غدوة حتى دنت لغروب
أقاتلهم وادعي يا لغالب ... وادفعهم عني بركن صليب
فبكي ولا ترعي مقالة عاذل ... ولا تسأمي من عبرة ونحيب
أباك وإحوانا له قد تتابعوا ... وحق لهم من عبرة بنصيب
وسلي الذي قد كان في النفس أنني ... قتلت من النجار كل نجيب
ومن هاشم قرما كريما ومصعبا ... وكان لدى الهيجاء غير هيوب
ولو أنني لم أشف نفسي منهم ... لكانت شجا في القلب ذات ندوب
فآبوا وقد أودى الجلابيب منهم ... بهم خدب من معطب وكئيب
أصابهم من لم يكن لدمائهم ... كفاء ولا في خطة بضريب
حسان يرد على أبي سفيان فأجابه حسان بن ثابت فيما ذكر ابن هشام فقال ... ذكرت القروم الصيد من آل هاشم ... ولست لزور قلته بمصيب
اتعجب أن أقصدت حمزة منهم ... نجيبا وقد سميته بنجيب
الم يقتلوا عمرا وعتبة وابنه ... وشيبة والحجاج وابن حبيب
غداة دعا العاصي عليا فراعه ... بضربة عضب بله بخضيب
رد ابن شعوب على ابي سفيان قال ابن إسحاق وقال ابن شعوب يذكر يده عند أبي سفيان فيما دفع عنه فقال(4/24)
ولولا دفاعي يا بن حرب ومشهدي ... لألفيت يوم النعف غير مجيب
ولولا مكري المهر بالنعف قرقرت ... ضباع عليه أو ضراء كليب
قال ابن هشام قوله عليه أو ضراء عن غير ابن إسحاق
شعر الحارث في الرد على أبي سفيان فال ابن إسحاق وقال الحارث ابن هشام يجيب أبا سفيان ... جزيتهم يوما ببدر كمثله ... على سابح ذي ميعة وشبيب
لدى صحن بدر أو أقمت نوائحا ... عليك ولم تحفل مصاب حبيب
وإنك لو عاينت ما كان منهم ... لأبت بقلب ما بقيب نخيب.
قال ابن هشام وإنما أجاب الحارث بن هشام أبا سفيان لأنه ظن أنه عرض به في قوله ... وما زال مهري مزجر الكلب منهم
لفرار الحارث يوم بدر
الزبير يذكر سبب الهزيمة قال إبن إسحاق ثم أنزل الله نصره على المسلمين وصدقهم وعده فحسوهم بالسيوف حتى كشفوهم عن العسكر وكانت الهزيمة لا شك فيها
قال ابن إسحاق وحدثني يحيى بن عباد بن عبدالله بن الزبير عن أبيه عباد عن عبدالله بن الزبير عن الزبير أنه قال والله لقد(4/25)
رأيتني أنظر الى خدم هند بنت عتبة وصواحبها مشمرات هوارب ما دون أخذهن قليل ولا كثير إذ مالت الرماة الى العسكر حين كشفنا القوم عنه وخلوا ظهورنا للخيل فأتينا من خلفنا وصرخ صارخ ألا إن محمدا قد قتل فانكفأنا وانكفأ علينا القوم بعد أن أصبنا أصحاب اللواء حتى ما يدنو منه أحد من القوم.
قال ابن هشام الصارخ أزب العقبة يعني الشيطان
حسان يذكر شجاعة صؤاب قال ابن إسحاق وحدثني بعض أهل العلم أن اللواء لم يزل صريعا حتى أخذته عمرة بنت علقمة الحارثية فرفعته لقريش فلاثوا به وكان اللواء مع صؤاب غلام لبني أبي طلحة حبشي وكان آخر من أخذه منهم فقاتل به حتى قطعت يداه ثم برك عليه فأخذ اللواء بصدره وعنقه حتى قتل عليه وهو يقول اللهم هل أعزرت يقول أعذرت فقال حسان ابن ثابت في ذلك ... فخرتم باللواء وشر فخر ... لواء حين رد الى صؤاب
جعلتم فخركم فيه بعبد ... وألأم من يطا عفر التراب
ظننتم والسفيه له ظنون ... وما إن ذاك من أمر الصواب
بأن جلادنا يوم التقينا ... بمكة بيعكم حمر العياب(4/26)
أقر العين أن عصبت يداه ... وما إن تعصبان على خضاب.
قال ابن هشام آخرها بيتا يروي لأبي خراش الهذلي وانشدنيه له خلف الأحمر ... أقر العين أن عصبت يداها ... وما إن تعصبان على خضاب
في ابيات له يعني امرأته في غير حديث احد وتروى الابيات ايضا لمعقل بن خويلد الهذلي
شعر حسان في شجاعة عمرة الحارثية قال ابن اسحاق وقال حسان بن ثابت في شأن عمرة بنت علقمة الحارثية ورفعها اللواء ... إذ عضل سيقت إلينا كأنها ... جداية شرك معلمات الحواجب
أقمنا لهم طعنا مبيرا منكلا ... وحزناهم بالضرب من كل جانب(4/27)
فلولا لواء الحارثية اصبحوا ... يباعون في الأسواق بيع الجلائب.
قال ابن هشام وهذه الابيات في أبيات له
ما أصاب الرسول يوم احد قال ابن اسحاق وانكشف المسلمون فأصاب فيهم العدو وكان يوم بلاء وتمحيص اكرم الله فيه من أكرم من المسلمين بالشهادة حتى خلص العدو الى رسول الله صلى الله عليه وسلم فدث بالحجارة حتى وقع لشقه فأصيبت رباعيته وشج في وجهه وكلمت شفته وكان الذي اصابه عتبة بن أبي وقاص.
قال ابن إسحاق فحدثني حميد الطويل عن انس بن مالك قال : كسرت رباعية النبي صلى الله عليه وسلم يوم احد وشج في وجهه فجعل الدم يسيل على وجهه وجعل يمسح الدم وهو يقول كيف يفلح قوم خضبوا وجه نبيهم وهو يدعوهم الى ربهم فأنزل الله عز وجل في ذلك {ليس لك من الأمر شيء أو يتوب عليهم أو يعذبهم فإنهم ظالمون}.
قال ابن هشام وذكر ربيح بن عبد الرحمن بن ابي سعيد الخدري عن ابيه عن ابي سعيد الخدري ان عتبة بن ابي وقاص رمى رسول الله صلى الله عليه وسلم يومئذ فكسر رباعيته اليمنى السفلى وجرح شفته السفلى وان عبد الله بن شهاب الزهري شجه في جبهته وأن ابن قمئة(4/28)
جرح وجنته فدخلت حلقتان من حلق المغفر في وجنته ووقع رسول الله صلى الله عليه وسلم في حفرة من الحفر التي عمل ابو عامر ليقع فيها المسلمون وهم لا يعلمون فأخذ على بن ابي طالب بيد رسول الله صلى الله عليه وسلم ورفعه طلحة بن عبيد الله حتى استوى قائما ومص مالك ابن سنان ابو ابي سعيد الخدري الدم عن وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم ازدرده فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم من مس دمي دمه لم تصبه النار.
قال ابن هشام وذكر عبد العزيز بن محمد الدراوردي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال من أحب أن ينظر الى شهيد يمشى على وجه الارض فلينظر الى طلحة بن عبيد الله
وذكر يعني عبد العزيز الدراوردي عن اسحاق بن يحيى بن طلحة عن عيسى بن طلحة عن عائشة عن أبي بكر الصديق أن أبا عبيدة عن ابن الجراح نزع احدى الحلقتين من وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم فسقطت ثنيته ثم نزع الاخرى فسقطت ثنيته الاخرى فكان ساقط الثنيتين.
قال ابن إسحاق وقال حسان بن ثابت لعتبة بن ابي وقاص ... إذا الله جازى معشرا بفعالهم ... وضرهم الرحمن رب المشارق
فأخزاك ربي يا عتيب بن مالك ... ولقاك قبل الموت إحدى الصواعق
بسطت يمينا للنبي تعمدا ... فأدميت فاه قطعت بالبوارق
فهلا ذكرت الله والمنزل الذي ... تصير اليه عند احدى البوائق.
قال ابن هشام تركنا منها بيتين أقذع فيهما(4/29)
من شجاعة أصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم قال ابن اسحاق وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم حين غشية القوم من رجل يشري لنا نفسه كما حدثني الحصين بن عبد الرحمن بن عمرو بن سعد بن معاذ عن محمود بن عمرو قال فقام زياد بن السكن في نفر خمسة من الانصار وبعض الناس يقول إنما هو عمارة بن يزيد بن السكن فقاتلوا دون رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلا ثم رجلا يقتلون دونه حتى كان آخرهم زياد أو عمارة فقاتل حتى أثبتته الجراحة ثم فاءت فئة من المسلمين فأجهضوهم عنه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أدنوه مني فأدنوه منه فوسده قدمه فمات وخده على قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم
ما فعلته نسيبة بنت كعب قال ابن هشام وقاتلت أم عمارة نسيبة بنت كعب المازنية يوم أحد
فذكر سعيد بن أبي زيد الانصاري أن ام سعد بنت سعد بن الربيع كانت تقول دخلت على ام عمارة فقلت لها يا خالة أخبريني خبرك فقالت خرجت أول النهار وأنا أنظر ما يصنع الناس ومعي سقاء فيه ماء فانتهيت الى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو في اصحابه والدولة والريح للمسلمين فلما انهزم المسلمون انحزت الى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقمت اباشر القتال وأذب عنه بالسيف وأرمي عن القوس حتى خلصت الجراح الى قالت فرأيت على عاتقها جرحا اجوف له غور فقلت من اصابك بهذا قالت ابن قمئة أقمأه الله لما ولى الناس عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أقبل يقول دلوني على محمد فلا(4/30)
نجوت إن نجا فاعترضت له أنا ومصعب بن عمير وأناس ممن ثبت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فضربني هذه الضربة ولكن فلقد ضربته على ذلك ضربات ولكن عدو الله كان عليه درعان
شجاعة ابي دجانة وسعد بن أبي وقاص قال ابن اسحاق وترس دون رسول الله صلى الله عليه وسلم ابو دجانة بنفسه يقع النبل في ظهره وهو منحن عليه حتى كثر فيه النبل ورمي سعد بن أبي وقاص دون رسول الله صلى الله عليه وسلم قال سعد فلقد رأيته يناولني النبل وهو يقول ارم فداك أبي وأمي حتى انه ليناولني السهم ما له نصل فيقول ارم به
شجاعة قتادة بن النعمان قال ابن اسحاق وحدثني عاصم ابن عمر بن قتادة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رمى عن قوسه حتى اندقت سيتها فأخذها قتادة بن النعمان فكانت عنده وأصيبت يومئذ عين قتادة بن النعمان حتى وقعت على وجنته.
قال ابن إسحاق فحدثني عاصم بن عمر بن قتادة ان رسول الله صلى الله عيله وسلم ردها بيده فكانت احسن عينيه وأحدهما
ما فعله انس بن النضر قال ابن اسحاق وحدثني القاسم بن عبد الرحمن بن رافع أخو بني عدي بن النجار قال انتهى انس(4/31)
ابن النضر عم انس بن مالك الى عمر بن الخطاب وطلحة بن عبيدالله في رجال من المهاجرين والانصار وقد القوا بأيديهم فقال ما يجلسكم قالوا قتل رسول الله صلى الله عليه وسلم قال فماذا تصنعون بالحياة بعده قوموا فموتوا على ما مات عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم استقبل القوم فقاتل حتى قتل وبه سمي أنس بن مالك.
قال ابن إسحاق فحدثني حميد الطويل عن أنس بن مالك قال لقد وجدنا بأنس بن النضر يومئذ سبعين ضربة فما عرفه إلا اخته عرفته ببنانه
جراحات عبد الرحمن بن عوف قال ابن هشام حدثني بعض اهل العلم ان عبد الرحمن بن عوف اصيب فوه يومئذ فهتم وجرح عشرين جراحة او اكثر اصابه بعضها في رجله فعرج
كعب بن مالك يعرف رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد إشاعة مقتله قال ابن إسحاق وكان أول من عرف رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد الهزيمة وقول الناس قتل رسول الله صلى الله عليه وسلم كما ذكر لي ابن شهاب الزهري كعب بن مالك قال عرفت عينيه تزهران من تحت المغفر فناديت بأعلى صوتي يا معشر المسلمين أبشروا هذا رسول الله صلى الله عليه وسلم فأشار الى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أنصت.
قال ابن إسحاق فلما عرف المسلمون رسول الله صلى الله عليه وسلم نهضوا به ونهض معهم نحو الشعب معه أبو بكر الصديق وعمر بن الخطاب وعلى بن أبي طالب وطلحة بن عبيد الله والزبير بن العوام رضوان الله عليهم والحارث بن الصمة ورهط من المسلمين(4/32)
مقتل أبي بن خلف قال فلما اسند رسول الله صلى الله عليه وسلم في الشعب ادركة أبي بن خلف وهو يقول أي محمد لانجوت إن نجوت فقال القوم يا رسول الله ايعطف عليه رجل منا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم دعوه فلما دنا تناول رسول الله صلى الله عليه وسلم الحربة من الحارث بن الصمة يقول بعض القوم فيما ذكر لي فلما اخذها رسول الله صلى الله عليه وسلم منه انتفض بها انتفاضة تطايرنا بها تطاير الشعراء عن ظهر البعير إذا انتفض بها قال ابن هشام الشعراء ذباب له لدغ ثم استقبله فطعنه في عنقه طعنة تدأدأ منها.
قال ابن هشام تدأدأ يقول تقلب عن فرسه فجعل يتدحرج
ما تحقق من وعده صلى الله عليه وسلم أبي بن خلف قال إسحاق وكان أبي بن خلف كما حدثني صالح بن ابراهيم بن عبد الرحمن ابن عوف يلقى رسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة فيقول يا محمد إن عندي العوذ فرسا أعلفه كل يوم فرقا من ذرة اقتلك عليه فيقول رسول الله صلى الله عليه وسلم بل أنا أقتلك ان شاء الله فلما رجع الى قريش وقد خدشة في عنقه خدشا غير كبير فاحتقن الدم قال قتلني والله محمد قالوا له ذهب والله فؤادك والله إن بك من بأس قال أنه قد كان قال لي بمكة أنا اقتلك فوالله لو بصك علي لقتلني فمات عدو الله بسرف وهم قافلون به الى مكة
ما قاله حسان في مقتل أبي بن خلف قال ابن اسحاق فقال حسان بن ثابت في ذلك ... لقد ورث الضلالة عن أبيه ... أبي يوم بارزه الرسول(4/33)
أتيت إليه تحمل رم عظم ... وتوعده وأنت به جهول
وقد قتلت بنو النجار منكم ... أمية إذ يغوث يا عقيل
وتب ابنا ربيعة إذ أطاعا ... أبا جهل لأمهما الهبول
وأفلت حارث لما شغلنا ... بأسر القوم أسرته فليل.
قال ابن هشام أسرته قبيلته
وقال حسان بن ثابت أيضا في ذلك ... ألا من مبلغ عني أبيا ... لقد ألقيت في سحق السعير
تمنى بالضلالة من بعيد ... وتقسم أن قدرت مع النذور
تمنيك الأماني من بعيد ... وقول الكفر يرجع في غرور
فقد لاقتك طعنة ذي حفاظ ... كريم البيت ليس بذي فجور
له فضل على الأحياء طرا ... إذا نابت ملمات الأمور
انتهاء الرسول إلى فم الشعب قال فلما انتهى رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى فم الشعب خرج علي بن أبي طالب حتى ملأ درقته ماء من المهراس فجاء به إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ليشرب منه فوجد له ريحا فعافه فلم يشرب منه وغسل عن وجهه الدم وصب على رأسه وهو يقول اشتد غضب الله على من دمى وجه نبيه
سعد بن أبي وقاص يحرص على قتل عتبة قال ابن إسحاق فحدثني صالح بن كيسان عمن حدثه عن سعد بن أبي وقاص أنه كان يقول والله ما حرصت على قتل رجل قط كحرصي حرصت على قتل(4/34)
عتبة بن أبي وقاص وإن كان ما علمت لسيء الخلق منغصأ فيه قومه ولقد كفاني منه قول رسول الله صلى الله عليه وسلم اشتد غضب الله علي من دمى وجه رسوله
عمر يصعد إلى قريش الجبل ويقاتلهم قال ابن إسحاق فبينا رسول الله صلى الله عليه وسلم بالشعب معه أولئك النفر من أصحابه إذ علت عالية من قريش الجبل.
قال ابن هشام كان على تلك الخيل خالد بن الوليد
قال ابن إسحاق فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم اللهم إنه لا ينبغي لهم أن يعلونا فقاتل عمر ب الخطاب ورهط معه من المهاجرين حتى أهبطوهم من الجبل
معاونة طلحة الرسول قال ابن إسحاق ونهض رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى صخرة من الجبل ليعلوها وقد كان بدن رسول الله صلى الله عليه وسلم وظاهر بين درعين فلما ذهب لينهض صلى الله عليه وسلم لم يستطع فجلس تحته طلحة بن عبيد الله فنهض به حتى استوى عليها فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم كما حدثني يحيى بن عباد بن عبدالله بن الزبير عن أبيه عن عبدالله بن الزبير عن الزبير قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يومئذ يقول أوجب طلحة حين صنع برسول الله صلى الله عليه وسلم ما صنع.
قال ابن هشام وبلغني عن عكرمة عن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يبلغ الدرجة المبنية في الشعب(4/35)
صلاة الرسول الله صلى الله عليه وسلم قاعدا قال ابن هشام وذكر عمر مولى غفرة أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى الظهر يوم أحد قاعدا من الجراح التي أصابته وصلى المسلمون خلفه قعودا
مقتل اليمان وابن وقش وابن حاطب قال ابن إسحاق وقد كان الناس انهزموا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى انتهى بعضهم المنقى دون الأعوص
قال ابن إسحاق وحدثني عاصم بن عمر بن قتادة عن محمود ابن لبيد قال لما خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أحد رفع حسيل بن جابر وهو اليمان أبو حذيفة بن اليمان وثابت بن وقش في الآطام مع النساء والصبيان فقال أحدهما لصاحبه وهما شيخان كبيران ما أبا لك ما تنتظر فوالله لا بقي لواحد منا من عمره إلا ظمء حمار إنما نحن هامة اليوم أو غدا أفلا نأخذ أسيافنا ثم نلحق برسول الله صلى الله عليه وسلم لعل الله يرزقنا شهادة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخذا أسيافهما ثم خرجا حتى دخلا في الناس لم يعلم بهما فأما ثابت ابن وقش فقتله المشركون وأما حسيل بن جابر فاختلفت عليه أسياف المسلمين فقتلوه ولا يعرفونه فقال حذيفة أبي فقالوا والله إن عرفناه وصدقوا قال حذيفة يغفر الله لكم وهو أرحم الراحمين فأراد رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يديه فتصدق حذيفة بديته على المسلمين فزاده ذلك عند رسول الله صلى الله عليه وسلم خيرا
قال ابن إسحاق وحدثني عاصم بن عمر بن قتادة أن رجلا منهم كان يدعى حاطب بن أمية بن رافع وكان له ابن يقال له(4/36)
يزيد بن حاطب أصابته جراحة يوم احد فأتي به إلى دار قومه وهو بالموت فاجتمع إليه أهل الدار فجعل المسلمون يقولون له من الرجال والنساء أبشر يابن حاطب بالجنة قال وكان حاطب شيخا قد عسا في الجاهلية فنجم يومئذ نفاقه فقال بأي شيء تبشرونه بجنة من حرمل غررتم والله هذا الغلام من نفسه
مقتل قزمان منافقا قال ابن إسحاق وحدثني عاصم بن عمر ابن قتادة قال كان فينا رجل أتي لا يدرى ممن هو يقال له قزمان وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول إذا ذكر له إنه لمن أهل النار قال فلما كان يوم أحد قاتل قتالا شديدا فقتل وحده ثمانية أو سبعة من المشركين وكان ذا بأس فأثبتته الجراحة فاحتمل إلى دار بني ظفر قال فجعل رجال من المسلمين يقولون له والله لقد أبليت اليوم يا قزمان فابشر قال بماذا أبشر فوالله إن قاتلت إلا عن أحساب قومي ولولا ذلك ما قاتلت قال فلما اشتدت عليه جراحته أخذ سهما من كنانته فقتل به نفسه
مقتل مخيريق قال ابن إسحاق وكان ممن قتل يوم أحد مخيريق وكان أحد بني ثعلبة بن الفطيون قال لما كان يوم أحد قال يا معشر يهود والله لقد علمتم أن نصر محمد عليكم لحق قالوا إن اليوم يوم السبت قال لا سبت لكم فأخذ سيفه وعدته وقال إن أصبت فمالي لمحمد يصنع فيه ما يشاء ثم غدا إلى رسول الله(4/37)
صلى الله عليه وسلم فقاتل معه حتى قتل فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما بلغنا مخيريق خير يهود
ما فعله الحارث بن سويد قال ابن إسحاق وكان الحارث ابن سويد بن صامت منافقا فخرج يوم أحد مع المسلمين فلما التقى الناس عدا على المجذر بن ذياد البلوي وقيس بن زيد أحد بني ضبيعة فقتلهما ثم لحق بمكة بقريش وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما يذكرون قد أمر عمر بن الخطاب بقتله إن هو ظفر به ففاته فكان بمكة ثم بعث إلى أخيه الجلاس بن سويد يطلب التوبة ليرجع إلى قومه فأنزل الله تعالى فيه فيما بلغني عن ابن عباس {كيف يهدي الله قوما كفروا بعد إيمانهم وشهدوا أن الرسول حق وجاءهم البينات والله لا يهدي القوم الظالمين} إلى آخر القصة.
قال ابن هشام حدثني من أثق به من أهل العلم أن الحارث ابن سويد قتل المجذر بن ذياد ولم يقتل قيس بن زيد والدليل على ذلك أن ابن إسحاق لم يذكره في قتلى أحد وإنما قتل المجذر لأن المجذر بن ذياد كان قتل أباه سويدا في بعض الحروب التي كانت بين الأوس والخزرج وقد ذكرنا ذلك فيما مضى من هذا الكتاب
فبينا رسول الله صلى الله عليه وسلم في نفر من أصحابه إذ خرج الحارث بن سويد من بعض حوائط المدينة وعليه ثوبان مضرجان فأمر به رسول الله صلى الله عليه وسلم عثمان بن عفان فضرب عنقه ويقال بعض الأنصار
قال ابن إسحاق قتل سويد بن الصامت معاذ بن عفراء غيلة في غير حرب رماه بسهم فقتله قبل يوم بعاث
أمر أصيرم قال ابن إسحاق وحدثني الحصين بن عبدالرحمن ابن عمرو بن سعد بن معاذ عن أبي سفيان مولى ابن أبي أحمد(4/38)
عن أبي هريرة قال كان يقول حدثوني عن رجل دخل الجنة لم يصل قط فإذا لم يعرفه الناس سألوه من هو فيقول أصيرم من بني عبد الأشهل عمرو بن ثابت بن وقش قال الحصين فقلت لمحمود بن أسد كيف كان شأن الأصيرم قال كان يأبى الإسلام على قومه فلما كان يوم خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أحد بدا له في الإسلام فأسلم ثم أخذ سيفه فعدا حتى دخل في عرض الناس فقاتل حتى أثبتته الجراحة وقال فبينا رجال من بني عبد الأشهل يلتمسون قتلاهم في المعركة إذا هم به فقالوا والله إن هذا للأصيرم ما جاء به لقد تركناه وإنه لمنكر لهذا الحديث فسألوه ما جاء به فقالوا ما جاء بك يا عمرو أحدب على قومك أم رغبة في الإسلام قال بل رغبة في الإسلام آمنت بالله وبرسوله وأسلمت ثم أخذت سيفي فغدوت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم قاتلت حتى أصابني ما أصابني ثم لم يلبث أن مات في أيديهم فذكروه لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال إنه لمن أهل الجنة
عمرو بن الجموح ومقتله قال ابن إسحاق وحدثني أبي إسحاق ابن يسار عن أشياخ من بني سلمة أن عمرو بن الجموح كان رجلا أعرج شديد العرج وكان له بنون أربعة مثل الأسد يشهدون مع رسول الله صلى الله عليه وسلم المشاهد فلما كان يوم أحد أرادوا حبسه وقالوا له إن الله عز وجل قد عذرك فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال إن بني يريدون أن يحبسوني عن هذا الوجه والخروج معك فيه فوالله إني لأرجو أن أطأ بعرجتي هذه الجنة فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أما أنت فقد عذرك الله فلا جهاد عليك وقال لبنيه ما عليكم أن(4/39)
لا تمنعوه لعل الله أن يرزقه الشهادة فخرج معه فقتل يوم أحد
هند وتمثيلها بحمزة قال ابن إسحاق ووقعت هند بنت عتبة كما حدثني صالح بن كيسان والنسوة اللاتي معها يمثلن بالقتلى من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يجدعن الآذان والأنف حتى اتخذت هند من آذان الرجال وآنفهم خدما وقلائد وأعطت خدمها وقلائدها وقرطتها وحشيا غلام جبير بن مطعم وبقرت عن كبد حمزة فلاكتها فلم تستطع أن تسيغها فلفظتها ثم علت على صخرة مشرفة فصرخت بأعلى صوتها فقالت ... نحن جزيناكم بيوم بدر ... والحرب بعد الحرب ذات سعر
ما كان عن عتبة لي من صبر ... ولا أخي وعمه بكري
شفيت نفسي وقضيت نذري ... شفيت وحشي غليل صدري
فشكر وحشي على عمري ... حتى ترم أعظمي في قبري
فأجابتها هند بنت أثاثة بن عباد بن المطلب فقالت ... خزيت في بدر وبعد بدر ... يا بنت وقاع عظيم الكفر
صبحك الله غداة الفجر ... ملهاشميين الطوال الزهر(4/40)
بكل قطاع حسام يفري ... حمزة ليثي وعلي صقري
إذ رام شيب وأبوك غدري ... فخضبا منه ضواحي النحر
ونذرك السوء فشر نذر.
قال ابن هشام تركنا منها ثلاثة أبيات أقذعت فيها
قال ابن إسحاق وقالت هند بنت عتبة أيضا ... شفيت من حمزة نفسي بأحد ... حتى بقرت بطنه عن الكبد
أذهب عني ذاك ما كنت أجد ... من لذعة الحزن الشديد المعتمد
والحرب تعلوكم بشؤبوب برد ... تقدم إقداما عليكم كلأسد
قال ابن إسحاق فحدثني صالح بن كيسان أنه حدث أن عمر ابن الخطاب قال لحسان بن ثابت يابن الفريعة.
قال ابن هشام الفريعة بنت خالد بن خنيس ابن حارثة بن لوذان ابن عبد ود بن زيد بن ثعلبة بن الخزرج بن ساعدة بن كعب بن الخزرج لو سمعت ما تقول هند ورأيت أشرها قائمة على صخرة ترتجز بنا وتذكر ما صنعت بحمزة قال له حسان والله إني لأنظر إلى الحربة تهوي وأنا على رأس فارع يعني أطمة فقلت والله إن هذه لسلاح ما هي بسلاح العرب كأنها إنما تهوي إلى حمزة ولا أدري لكن أسمعني بعض قولها أكفكموها قال فأنشده(4/41)
عمر بن الخطاب بعض ما قالت فقال حسان بن ثابت ... أشرت لكاع وكان عادتها ... لؤما إذا أشرت مع الكفر.
قال ابن هشام وهذا البيت في أبيات له تركناها وأبياتا أيضا له على الدال وابياتا أخر على الذال لأنه أقذع فيها
قال ابن إسحاق ولقد كان الحليس بن زبان أخو بني الحارث ابن عبد مناة وهو يومئذ سيد الأحابيش قد مر بأبي سفيان وهو يضرب في شدق حمزة بن عبدالمطلب بزج الرمح ويقول ذق عقق فقال الحليس يا بني كنانة هذا سيد قريش يصنع بابن عمه ما ترون لحما فقال ويحك اكتمها عني فإنها كانت زلة
أبو سفيان يشمت بالمسلمين ثم إن أبا سفيان بن حرب حين أراد الانصراف أشرف على الجبل ثم صرخ بأعلى صوته فقال أنعمت فعال وإن الحرب سجال يوم بيوم أعل هبل أي أظهر دينك فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم قم يا عمر فأجبه فقل الله اعلى وأجل لا سواء قتلانا في الجنة وقتلاكم في النار فلما أجاب عمر أبا(4/42)
سفيان قال له أبو سفيان هلم إلي يا عمر فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لعمر ائته فانظر ما شانه فجاء فقال له أبو سفيان أنشدك الله يا عمر أقتلنا محمدا فقال عمر اللهم لا وإنه ليسمع كلامك الآن قال أنت أصدق عندي من ابن قمئة وأبر القول ابن قمئه قتلت لهم إني قد قنلن محمدا.
قال ابن هشام واسم ابن قمئة عبدالله
قال ابن إسحاق ثم نادى أبو سفيان إنه قد كان في قتلاكم مثل والله ما رضيت وما سخطت وما نهيت وما أمرت
ما توعد به أبو سفيان المسلمين ولما انصرف أبو سفيان ومن معه نادى إن موعدكم بدر للعام القابل فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لرجل من أصحابه قل نعم هو بيننا وبينكم موعد
علي يخرج في أثر قريش ثم بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم علي بن أبي طالب فقال اخرج في آثار القوم فانظر ماذا يصنعون وما يريدون فإن كانوا قد جنبوا الخيل وامتطوا الإبل فإنهم يريدون مكة وإن ركبوا الخيل وساقوا الإبل فإنهم يريدون المدينة والذي نفسي بيده لئن أرادوها لأسيرن إليهم فيها ثم لأناجزنهم قال علي فخرجت في آثارهم أنظر ماذا يصنعون فجنبوا الخيل وامتطوا الإبل ووجهوا إلى مكة
موت سعد بن الربيع وفرغ الناس لقتلاهم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم كما حدثني محمد بن عبدالله بن عبدالرحمن بن أبي صعصعة(4/43)
المازني أخو بني النجار من رجل ينظر لي ما فعل سعد بن الربيع في الأحياء هو أم في الاموات فقال رجل من الانصار أنا انظر لك يا رسول الله ما فعل سعد فنظر فوجده جريحا في القتلى وبه رمق قال فقلت له إن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمرني أن انظر أفي الأحياء أنت أم في الأموات قال أنا في الأموات فابلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم عني السلام وقل له إن سعد بن الربيع يقول لك جزاك الله عنا خير ما جزى نبيا عن أمته وأبلغ قومك عني السلام وقل لهم إن سعد بن الربيع يقول لكم إنه لا عذر لكم عند الله إن خلص إلى نبيكم صلى الله عليه وسلم ومنكم عين تطرف قال ثم لم أبرح حتى مات قال فجئت رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبرته خبره.
قال ابن هشام وحدثني أبو بكر الزبيري أن رجلا دخل على أبي بكر الصديق وبنت لسعد بن الربيع جارية صغيرة على صدره يرشفها ويقبلها فقال له الرجل من هذه قال هذه بنت رجل خير مني سعد بن الربيع وكان من النقباء يوم العقبة وشهد بدرا واستشهد يوم أحد
الرسول يحزن على حمزة ويتوعد المشركين بالمثلة قال ابن إسحاق وخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما بلغني يلتمس حمزة بن(4/44)
عبدالمطلب فوجده ببطن الوادي قد بقر بطنه عن كبده ومثل به فجدع أنفه وأذناه
فحدثني محمد بن جعفر بن الزبير أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال حين رأى ما رأى لولا أن تحزن صفية ويكون سنة من بعدي لتركته حتى يكون في بطون السباع وحواصل الطير ولئن أظهرني الله على قريش في موطن من المواطن لأمثلن بثلاثين رجلا منهم فلما رأى المسلمون حزن رسول الله صلى الله عليه وسلم وغيظه على من فعل بعمه ما فعل قالوا والله لئن أظفرنا الله بهم يوما من الدهر لنمثلن بهم مثلة لم يمثلها أحد من العرب.
قال ابن هشام ولما وقف رسول الله صلى الله عليه وسلم على حمزة قال لن أصاب بمثلك أبدا ما وقفت موقفا قط أغيظ إلي من هذا ثم قال جاءني جبريل فأخبرني أن حمزة بن عبدالمطلب مكتوب في أهل السموات السبع حمزة بن عبدالمطلب أسد الله وأسد رسوله
وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم وحمزة وأبو سلمة بن عبدالأسد إخوة من الرضاعة أرضعتهم مولاة لأبي لهب
ما نزل في النهي عن المثلة قال ابن إسحاق وحدثني بريدة ابن سفيان بن فروة الأسلمي عن محمد بن كعب القرظي وحدثني من لا أتهم عن ابن عباس أن الله عز وجل أنزل في ذلك من قول رسول الله صلى الله عليه وسلم وقول أصحابه {وإن عاقبتم فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به ولئن صبرتم لهو خير للصابرين واصبر وما صبرك إلا بالله ولا تحزن عليهم ولا تك في ضيق مما يمكرون} فعفا رسول الله صلى الله عليه وسلم وصبر ونهى عن المثلة(4/45)
قال ابن إسحاق وحدثني حميد الطويل عن الحسن عن سمرة ابن جندب قال ما قام رسول الله صلى الله عليه وسلم في مقام قط ففارقه حتى يأمرنا بالصدقة وينهانا عن المثلة
صلاته صلى الله عليه وسلم صلاة الجنازة على حمزة قال ابن إسحاق وحدثني من لا اتهم عن مقسم مولى عبدالله بن الحارث عن ابن عباس قال أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بحمزة فسجي ببردة ثم صلى عليه فكبر سبع تكبيرات ثم أتى بالقتلى فيوضعون إلى حمزة فصلى عليهم وعليه معهم حتى صلى عليه ثنتين وسبعين صلاة(4/46)
حزن صفية على اخيها حمزة قال ابن إسحاق وقد أقبلت فيما بلغني صفية بنت عبدالمطلب لتنظر إليه وكان اخاها لأبيها وأمها فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لابنها الزبير بن العوام القها فأرجعها لا ترى ما بأخيها فقال لها يا أمه إن رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمرك أن ترجعي قالت ولم وقد بلغني أن قد مثل بأخي وذلك في الله فما أرضانا بما كان من ذلك لأحتسبن ولأصبرن إن شاء الله فلما جاء الزبير إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبره بذلك قال خل سبيلها فأتته فنظرت إليه فصلت عليه واسترجعت واستغفرت له ثم أمر به رسول الله صلى الله عليه وسلم فدفن
دفن الشهداء قال فزعم لي آل عبيد الله بن جحش وكان لأميمة بنت عبدالمطلب حمزة خاله وقد كان مثل به كما مثل بحمزة إلا أنه لم يبقر عن كبده أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دفنه مع حمزة في قبره ولم أسمع ذلك إلا عن أهله(4/47)
قال ابن إسحاق وكان قد احتمل ناس من المسلمين قتلاهم إلى المدينة فدفنوهم بها فنهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك وقال أدفنوهم حيث صرعوا
قال ابن إسحاق وحدثني محمد بن مسلم الزهري عن عبدالله ابن ثعلبة بن صغير العذري حليف بني زهرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما أشرف على القتلى يوم أحد قال أنا شهيد على هؤلاء إنه ما من جريح يجرح في الله إلا والله يبعثه يوم القيامة يدمي جرحه اللون لون الدم والريح ريح مسك انظروا أكثر هؤلاء جمعا للقرآن فاجعلوه أمام أصحابه في القبر وكانوا يدفنون الاثنين والثلاثة في القبر الواحد
قال وحدثني عمي موسى بن يسار أنه سمع أبا هريرة يقول قال أبو القاسم صلى الله عليه وسلم ما من جريح يجرح في الله إلا والله يبعثه يوم القيامة وجرحه يدمي اللون لون دم والريح ريح مسك
قال ابن إسحاق وحدثني أبي إسحاق بن يسار عن أشياخ من بني سلمة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال يومئذ حين امر بدفن القتلى انظروا إلى عمرو بن الجموح وعبدالله بن عمرو بن حرام فإنهما كانا متصافيين في الدنيا فاجعلوهما في قبر واحد
قال ابن إسحاق ثم انصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم راجعا إلى المدينة فلقيته حمنة بنت جحش كما ذكر لي فلما لقيت الناس نعي إليها اخوها عبدالله بن جحش فاسترجعت واستغفرت له ثم نعي لها(4/48)
خالها حمزة بن عبدالمطلب فاسترجعت واستغفرت له ثم نعي لها زوجها مصعب بن عمير فصاحت وولولت فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن زوج المرأة منها لبمكان لما رأى من تثبتها عند أخيها وخالها وصياحها على زوجها
بكاء نساء الأنصار على حمزة قال ابن إسحاق ومر رسول الله صلى الله عليه وسلم بدار من دور الانصار من بني عبد الأشهل وظفر فسمع البكاء والنوائح على قتلاهم فذرفت عينا رسول الله صلى الله عليه وسلم فبكى ثم قال لكن حمزة لا بواكي له فلما رجع سعد بن معاذ وأسيد ابن خضير إلى دار بني عبدالأشهل أمر نساءهم أن يتحزمن ثم يذهبن فيبكين على عم رسول الله صلى الله عليه وسلم
قال ابن إسحاق حدثني حكيم بن حكيم عن عباد بن حنيف عن بعض رجال بني عبد الأشهل قال لما سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم(4/49)
بكاءهن على حمزة خرج عليهن وهن على باب مسجده يبكين عليه فقال ارجعن يرحمكن الله فقد آسيتن بأنفسكن.
قال ابن هشام ونهى يومئذ عن النوح.
قال ابن هشام وحدثني أبو عبيدة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما سمع بكاءهن قال رحم الله الأنصار فإن المواساة منهم ما عتمت لقديمة مروهن فلينصرفن
المرأة الدينارية قال ابن إسحاق وحدثني عبدالواحد بن أبي عون عن إسماعيل بن محمد عن سعد بن أبي وقاص قال مر رسول الله صلى الله عليه وسلم بامرأة من بني دينار وقد أصيب زوجها وأخوها وأبوها مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بأحد فلما نعوا لها قالت فما فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم قالوا خيرا يا أم فلان هو بحمد الله كما تحبين قالت كل مصيبة بعدك جلل تريد صغيرة.
قال ابن هشام الجلل يكون من القليل ومن الكثير وهو هاهنا من القليل قال امرؤ القيس في الجلل القليل ... لقتل بني أسد ربهم ... ألا كل شيء سواه جلل.
قال ابن هشام أي صغير قليل.
قال ابن هشام والجلل أيضا العظيم قال الشاعر وهو الحارث ابن وعلة الجرمي ... ولئن عفوت لأعفون جللا ... ولئن سطوت لأوهنن عظمي(4/50)
غسل السيوف قال ابن إسحاق فلما اتهى رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى اهله ناول سيفه ابنته فاطمة فقال اغسلي عن هذا دمه يا بنية فوالله لقد صدقني اليوم وناولها علي بن أبي طالب سيفه فقال وهذا أيضا فاغسلي عنه دمه فوالله لقد صدقني اليوم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لئن كنت صدقت القتال لقد صدق معك سهل بن حنيف وأبو دجانة.
قال ابن هشام وكان يقال لسيف رسول الله صلى الله عليه وسلم ذو الفقار.
قال ابن هشام وحدثني بعض أهل العلم أن ابن أبي نجيح قال نادى مناد يوم احد ... لا سيف إلا سيف ذوالفقار ... ولا فتى إلا علي.
قال ابن هشام وحدثني بعض أهل العلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لعلي بن أبي طالب لا يصيب المشركون منا مثلها حتى يفتح الله علينا
قال ابن إسحاق وكان يوم احد يوم السبت للنصف من شوال(4/51)
$ غزوة حمراء الأسد
ندم من تخلف يوم أحد والخروج مع رسول الله صلى الله عليه وسلم قال فلما كان الغد من يوم الأحد لست عشرة ليلة مضت من شوال أذن مؤذن رسول الله صلى الله عليه وسلم في الناس بطلب العدو فأذن مؤذنه أن لا يخرجن معنا أحد إلا أحد حضر يومنا بالأمس فكلمه جابر بن عبدالله بن عمرو بن حرام فقال يا رسول الله إن أبي كان خلفني على أخوات لي سنبع وقال يا بني إنه لا ينبغي لي ولا لك أن تترك هؤلاء النسوة لا رجل فيهن ولست بالذي أوثرك بالجهاد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم على نفسي فتخلف على أخواتك فتخلفت عليهن فأذن له رسول الله صلى الله عليه وسلم فخرج معه وإنما خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم مرهبا للعدو وليبلغهم أنه خرج في طلبهم ليظنوا به قوة وأن الذي أصابهم لم يوهنهم عن عدوهم
من جرح بأحد يواصلون الجهاد مع الرسول قال ابن إسحاق فحدثني عبدالله بن خارجة بن زيد بن ثابت عن أبي السائب مولى عائشة بنت عثمان أن رجلا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم قال شهدت أحدا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم أنا وأخ لي فرجعنا جريحين فلما أذن مؤذن رسول الله صلى الله عليه وسلم بالخروج في طلب العدو قلت لأخي أو قال لي أتفوتنا غزوة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم والله ما لنا من دابة نركبها وما منا إلا جريح ثقيل فخرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وكنت أيسر جرحا فكان إذا غلب حملته عقبة ومشى عقبة حتى انتهينا إلى ما انتهى إليه المسلمون
استعمال ابن أم مكتوم على المدينة في هذه الغزوة قال ابن إسحاق فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى انتهى إلى حمراء الأسد(4/52)
وهي من المدينة على ثمانية اميال واستعمل على المدينة ابن أم مكتوم فيما قال ابن هشام
قال ابن إسحاق فأقام بها الاثنين والثلاثاء والأربعاء ثم رجع إلى المدينة
شأن معبد الخزاعي قال وقد مر به كما حدثني عبدالله بن أبي بكر معبد بن أبي معبد الخزاعي وكانت خزاعة مسلمهم ومشركهم عيبة نصح لرسول الله صلى الله عليه وسلم بتهامة صفقتهم معه لا يخفون عنه شيئا كان بها ومعبد يومئذ مشرك فقال يا محمد أما والله لقد عز علينا ما أصابك ولوددنا ان الله عافاك فيهم ثم خرج ورسول الله صلى الله عليه وسلم بحمراء الأسد حتى لقي أبا سفيان بن حرب ومن معه بالروحاء وقد أجمعوا الرجعة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه وقالوا أصبنا أحد أصحابه وأشرافهم وقادتهم ثم نرجع قبل أن نستأصلهم لنكرن على بقيتهم فلنفرغن منهم فلما رأى أبو سفيان معبدا قال ما وراءك يا معبد قال محمد قد خرج في أصحابه يطلبكم في جمع لم أر مثله قط يتحرقون عليكم تحرقا قد اجتمع معه من كان تخلف عنه في يومكم وندموا على ما صنعوا فيهم من الحنق عليكم شيء لم أر مثله قط قال ويحك ما تقول قال والله ما أرى أن ترتحل حتى أرى نواصي الخيل قال فوالله لقد أجمعنا الكرة عليهم لنستأصل بقيتهم قال فإني أنهاك عن ذلك قال والله لقد حملني ما رأيت على أن قلت فيهم أبياتا من شعر قال وما قلت قال قلت(4/53)
كادت تهد من الأصوات راحلتي ... إذ سألت الأرض بالجرد الأبابيل
تردي بأسد كرام لا تنابلة ... عند اللقاء ولا ميل معازيل
فظلت عدوا أظن الأرض مائلة ... لما سمو برئيس غير مخذول
فقلت ويل ابن حرب من لقائكم ... إذا تغطمطت البطحا بالجيل
إني نذير لأهل البسل ضاحية ... لكل ذي إربة منهم ومعقول
من جيش أحمد لا وخش تنابلة ... وليس يوصف ما أنذرت بالقيل
فثنى ذلك أبا سفيان ومن معه
رسالة أبي سفيان مع الركب بالوعيد ومر به ركب بن عبدالقيس فقال أين تريدون قالوا نريد المدينة قال ولم قالوا نريد الميرة قال فهل أنتم مبلغون عني محمدا رسالة أرسلكم بها إليه وأحمل لكم هذه غدا زبيبا بعكاظ إذا وافيتموها قالوا نعم قال فإذا وافيتموه فأخبروه أنا قد أجمعنا السير إليه وإلى أصحابه لنستأصل بقيتهم فمر الركب برسول الله صلى الله عليه وسلم وهو بحمراء الأسد فأخبروه بالذي قال أبو سفيان فقال حسبنا الله ونعم الوكيل.
قال ابن هشام حدثنا أبو عبيدة أن أبا سفيان بن حرب لما(4/54)
انصرف يوم احد أراد الرجوع إلى المدينة ليستأصل بقية أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال لهم صفوان بن أمية بن خلف لا تفعلوا فإن القوم قد حربوا وقد خشينا أن يكون لهم قتال غير الذي كان فارجعوا فرجعوا فقال النبي صلى الله عليه وسلم وهو بحمراء الأسد حين بلغه أنهم هموا بالرجعة والذي نفسي بيده لقد سومت لهم حجارة لو صبحوا بها لكانوا كأمس الذاهب
قتل الرسول أبا عزة ومعاوية بن المغيرة قال أبوعبيدة وأخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم في جهة ذلك قبل رجوعه إلى المدينة معاوية ابن المغيرة بن أبي العاص بن امية بن عبد شمس وهو جد عبد الملك بن مروان أبو أمه عائشة بنت معاوية وأبا عزة الجمحي وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم أسره ببدر ثم من عليه فقال يا رسول الله أقلني فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم والله لا تسمح عارضيك بمكة بعدها وتقول خدعت محمدا مرتين اضرب عنقه يا زبير فضرب عنقه.
قال ابن هشام وبلغني عن سعيد بن المسيب أنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن المؤمن لا يلدغ من جحر مرتين اضرب عنقه يا عاصم بن ثابت فضرب عنقه(4/55)
قال ابن هشام ويقال إن زيد بن حارثة وعمار بن ياسر قتلا معاوية بن المغيرة بعد حمراء الأسد كان لجأ إلى عثمان بن عفان فاستأمن له رسول الله صلى الله عليه وسلم فأمنه على أنه إن وجد بعد ثلاث قتل فأقام بعد ثلاث وتوارى فبعثهما النبي صلى الله عليه وسلم وقال إنكما ستجدانه بموضع كذا وكذا فوجداه فقتلاه
شأن عبدالله بن أبي بعد غزوة أحد قال ابن إسحاق فلما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة وكان عبدالله بن أبي بن سلول كما حدثني ابن شهاب الزهري له مقام يقومه كل جمعة لا ينكر شرفا له في نفسه وفي قومه وكان فيهم شريفا إذا جلس رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الجمعة وهو يخطب الناس قام فقال أيها الناس هذا رسول الله صلى الله عليه وسلم بين أظهركم أكرمكم الله وأعزكم به فانصروه وعزروه واسمعوا له وأطيعوا ثم يجلس حتى إذا صنع يوم أحد ما صنع ورجع بالناس قام يفعل ذلك كما كان يفعله فأخذ المسلمون بثيابه من نواحيه وقالوا اجلس أي عدو الله لست لذلك بأهل وقد صنعت ما صنعت فخرج يتخطى رقاب الناس وهو يقول والله لكأنما قلت بجرا إن قمت أشدد أمره فلقيه رجل من الأنصار بباب المسجد فقال ما لك ويلك قال قمت أشدد أمره فوثب علي رجال من أصحابه يجذبونني ويعنفونني لكأنما قلت بجرا أن قمت أشدد أمره قال ويلك ارجع يستغفر لك رسول الله صلى الله عليه وسلم قال والله ما أبتغي أن يستغفر لي(4/56)
تمحيص المؤمنين يوم أحد قال ابن إسحاق كان يوم بلاء ومصيبة وتمحيص اختبر الله به المؤمنين ومحن به المنافقين ممن كان يظهر الإيمان بلسانه وهو مستخف بالكفر في قلبه ويوما أكرم الله فيه من أراد كرامته بالشهادة من أهل ولايته
ذكر ما أنزل الله في أحد من القرآن
$ بسم الله الرحمن الرحيم
قال حدثنا أبو محمد عبدالملك بن هشام قال حدثنا زياد ابن عبدالله البكائي عن محمد بن إسحاق المطلبي قال فكان مما أنزل الله تبارك وتعالى في يوم أحد من القرآن ستون آية من آل عمران فيها صفة ما كان في يومهم ذلك ومعاتبة من عاتب منهم يقول الله تبارك وتعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم {وإذ غدوت من أهلك تبوئ المؤمنين مقاعد للقتال والله سميع عليم}.
قال ابن هشام تبوئ المؤمنين تتخذ لهم مقاعد ومنازل قال الكميت بن زيد ... ليتني كنت قبله ... قد تبوأت مضجعا
وهذا البيت في أبيات له أي سميع بما تقولون عليم بما تخفون
{إذ همت طائفتان منكم أن تفشلا} أي تتخاذلا والطائفتان بنو سلمه بن جشم بن الخزرج وبنو حارثة بن النبيت من الأوس وهما الجناحان يقول الله تعالى {والله وليهما} أي المدافع عنهما(4/57)
ما همتا به من فشلهما وذلك أنه إنما كان ذلك منهما عن ضعف ووهن أصابهما غير شك في دينهما فتولى دفع ذلك عنهما برحمته وعائدته حتى سلمتا من وهونهما وضعفهما ولحقتا بنبيهما صلى الله عليه وسلم.
قال ابن هشام حدثني رجل من الأسد من أهل العلم قال قالت الطائفتان ما نحب أنا لم نهم بما هممنا به لتولي الله إيانا في ذلك
قال ابن إسحاق يقول الله تعالى {وعلى الله فليتوكل المؤمنون} أي من كان به ضعف من المؤمنين فليتوكل علي وليستعن بي أعنه على أمره وأدافع عنه حتى أبلغ عنه وأقويه على نبيه {ولقد نصركم الله ببدر وأنتم أذلة فاتقوا الله لعلكم تشكرون} أي فاتقوني فإنه شكر نعمتي ولقد نصركم الله ببدر وأنتم أقل عددا وأضعف قوة {إذ تقول للمؤمنين ألن يكفيكم أن يمدكم ربكم بثلاثة آلاف من الملائكة منزلين} أي إن تصبروا لعدوي وتطيعوا أمري ويأتوكم من وجههم هذا أمدكم بخمسة آلاف من الملائكة مسومين.
قال ابن هشام مسومين معلمين بلغنا عن الحسن بن ابي الحسن البصري أنه قال أعلموا على أذناب خيلهم ونواصيها بصوف أبيض
فأما ابن إسحاق فقال كانت سيماهم يوم بدر عمائم بيضا وقد ذكرت ذلك في حديث بدر والسما العلامة وفي كتاب الله عز وجل {سيماهم في وجوههم من أثر السجود} أي علامتهم و {حجارة من سجيل منضود مسومة} يقول معلمة بلغنا عن الحسن ابن أبي الحسن البصري أنه قال عليها علامة أنها ليست من حجارة الدنيا وأنها من حجارة العذاب قال رؤية بن العجاج(4/58)
فلآن تبلى بي الجياد السهم ... ولا تجاريني إذا ما سوموا
وشخصت أبصارهم وأجذموا
وهذه الأبيات في أرجوزة له والمسومة أيضا المرعية وفي كتاب الله تعالى {والخيل المسومة} و {شجر فيه تسيمون} تقول العرب سوم خيله وإبله وأسامها إذا رعاها قال الكميت بن زيد ... راعيا كان مسجحا ففقدنا ... وفقد المسيم هلك السوام.
قال ابن هشام مسجحا سلس السياسة محسن إلى الغنم وهذا البيت في قصيدة له
{وما جعله الله إلا بشرى لكم ولتطمئن قلوبكم به وما النصر إلا من عند الله العزيز الحكيم} أي ما سميت لكم من سميت من جنود ملائكتي إلا بشرى لكم ولتطمئن قلوبكم به لما أعرف من ضعفكم وما النصر إلا من عندي لسلطاني وقدرتي وذلك أن العز والحكم إلي لا إلى أحد من خلقي ثم قال {ليقطع طرفا من الذين كفروا أو يكبتهم فينقلبوا خائبين} أي ليقطع طرفا من المشركين بقتل ينتقم به منهم أو يردهم خائبين أي ويرجع من بقي منهم فلا خائبين لم ينالوا شيئا مما كانوا يأملون.
قال ابن هشام يكبتهم يغمهم أشد الغم ويمنعهم ما أرادوا قال ذو الرمة ... ما أنس من شجن لا أنس موقفنا ... في حيرة بين مسرور ومكبوت(4/59)
ويكتبهم أيضا يصرعهم لوجوههم.
قال ابن إسحاق ثم قال لمحمد رسول الله صلى الله عليه وسلم {ليس لك من الأمر شيء أو يتوب عليهم أو يعذبهم فإنهم ظالمون} أي ليس لك من الحكم شيء في عبادي إلا ما أمرتك به فيهم أو أتوب عليهم برحمتي فإن شئت فعلت أو أعذبهم بذنوبهم فبحقي {فإنهم ظالمون} أي قد استوجبوا ذلك بمعصيتهم إياي {والله غفور رحيم} أي يغفر الذنب ويرحم العباد على ما فيهم
ثم قال {يا أيها الذين آمنوا لا تأكلوا الربا أضعافا مضاعفة} أي لا تأكلوا في الإسلام إذ هداكم الله به ما كنتم تأكلون إذ أنتم على غيره مما له يحل لكم في دينكم {واتقوا الله لعلكم تفلحون} أي فأطيعو اللع لعكم تنجون مما حذركم الله من عذابه وتدركون ما رغبكم الله فيه من ثوابه {واتقوا النار التي أعدت للكافرين} أي التي جعلت دارا لمن كفر بي
ثم قال {وأطيعوا الله والرسول لعلكم ترحمون} معاتبة للذين عصوا رسول الله صلى الله عليه وسلم حين أمرهم بما أمرهم به في ذلك اليوم وفي(4/60)
غيره ثم قال {وسارعوا إلى مغفرة من ربكم وجنة عرضها السماوات والأرض أعدت للمتقين} أي دارا لمن أطاعني وأطاع رسولي {الذين ينفقون في السراء والضراء والكاظمين الغيظ والعافين عن الناس والله يحب المحسنين} أي وذلك هو الإحسان وانا أحب من عمل به {والذين إذا فعلوا فاحشة أو ظلموا أنفسهم ذكروا الله فاستغفروا لذنوبهم ومن يغفر الذنوب إلا الله ولم يصروا على ما فعلوا وهم يعلمون} أي إن أتوا فاحشة أو ظلكوا أنفسهم بمعصية ذكروا نهي الله وما حرم عليهم فاستغفروه لها وعرفوا انه لا يغفر الذنوب إلا هو {ولم يصروا على ما فعلوا وهم يعلمون} أي لم يقيموا على معصيتي كفعل من أشرك بي فيما غلوا به في كفرهم وهم يعلمون ما حرمت عليهم من عبادة غيري {أولئك جزاؤهم مغفرة من ربهم وجنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها ونعم أجر العاملين} أي ثواب المطيعين
ثم استقبل ذكر المصيبة التي نزلت بهم والبلاء الذي أصابهم والتمحيص لما كان فيهم واتخذاه الشهداء منهم فقال تعزية لهم وتعريفا لهم فيما صنعوا وفيما هو صانع بهم {قد خلت من قبلكم سنن فسيروا في الأرض فانظروا كيف كان عاقبة المكذبين} أي قد مضت مني وقائع نقمة في أهل التكذيب لرسلي والشرك بي عاد وثمود وقوم لوط وأصحاب مدين فرأو مثلاث قد مضت مني فيهم ولمن هو على مثل ما هم عليه من ذلك مني فإني أمليت لهم اي لئلا يظنوا أن نقمتي انقطعت عن عدوكم وعدوي للدولة التي أدلتهم بها عليكم ليبتليكم بذلك ليعلمكم ما عندكم
ثم قال تعالى {هذا بيان للناس وهدى وموعظة للمتقين} أي هذا تفسير للناس إن قبلوا الهدى {وهدى وموعظة} أي نور(4/61)
وأدب {للمتقين} أي لمن أطاعني وعرف أمري {ولا تهنوا ولا تحزنوا} أي لا تضعفوا ولا تبئسوا على ما اصابكم {وأنتم الأعلون} أي لكم تكون العاقبة والظهور {إن كنتم مؤمنين} أي إن كنتم صدقتم نبيي بما جاءكم به عني {إن يمسسكم قرح فقد مس القوم قرح مثله} أي جراح مثلها {وتلك الأيام نداولها بين الناس} أي نصرفها بين الناس للبلاء والتمحيص {وليعلم الله الذين آمنوا ويتخذ منكم شهداء والله لا يحب الظالمين} أي ليميز بين المؤمنين والمنافقين وليكرم من اكرم من أهل الإيمان بالشهادة {والله لا يحب الظالمين} أي المنافقين الذين يظهرون الطاعة وقلوبهم مصرة على المعصية {وليمحص الله الذين آمنوا} أي يخبتر الذين آمنوا حتى يخلصهم بالبلاء الذي نزل بهم وكيف صبرهم ويقينهم {ويمحق الكافرين} أي يبطل من المنافقين قولهم بألسنتهم(4/62)
ما ليس في قلوبهم حتى يظهر منهم كفرهم الذي يستترون به
ثم قال تعالى {أم حسبتم أن تدخلوا الجنة ولما يعلم الله الذين جاهدوا منكم ويعلم الصابرين} أي حسبتم أن تدلخوا الجنة فتصيبوا من ثوابي الكرامة ولم أختبركم بالشدة وأبتليكم بالمكاره حتى أعلم صدق ذلك منكم بالإيمان بي والصبر على ما أصابكم في ولقد كنتم تمنون الشهادة على الذي أنتم عليه من الحق قبل أن تلقوا عدوكم يعني الذين استنهضوا رسول الله صلى الله عليه وسلم الى خروجه بهم الى عدوهم لما فاتهم من حضور اليوم الذي كان قبله ببدر ورغبة في الشهادة التي فاتتهم بها فقال {ولقد كنتم تمنون الموت من قبل أن تلقوه} يقول {فقد رأيتموه وأنتم تنظرون} أي الموت بالسيف في أيدي الرجال قد خلى بينكم وبينهم وأنتم تنظرون إليهم ثم صدهم عنكم {وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل أفإن مات أو قتل انقلبتم على أعقابكم ومن ينقلب على عقبيه فلن يضر الله شيئا وسيجزي الله الشاكرين} أي لقول الناس قتل محمد صلى الله عليه وسلم وانهزامهم عند ذلك وانصرافهم عن عدوهم {أفإن مات أو قتل} رجعتم عن دينكم كفارا كما كنتم وتركتم جهاد عدوكم وكتاب الله وما خلف نبيه صلى الله عليه وسلم من دينه معكم وعندكم وقد بين(4/63)
لكم فيما جاءكم به عني أنه ميت ومفارقكم {ومن ينقلب على عقبيه} أي يرجع على دينه {فلن يضر الله شيئا} أي ليس ينقص ذلك عز الله تعلى ولا ملكه ولا سلطانه ولا قدرته {وسيجزي الله الشاكرين} أي من أطاعه وعمل بأمره
ثم قال {وما كان لنفس أن تموت إلا بإذن الله كتابا مؤجلا} أي إن لمحمد صلى الله عليه وسلم أجلا هو بالغه فإذا أذن الله عز وجل في ذلك كان {ومن يرد ثواب الدنيا نؤته منها ومن يرد ثواب الآخرة نؤته منها وسنجزي الشاكرين} أي من كان منكم يريد الدنيا ليست له رغبة في الآخرة نؤته منهاما قسم له من رزق ولا يعدوه فيها وليس له في الآخرة من حظ {ومن يرد ثواب الآخرة نؤته منها} وما وعد به مع ما يجزى عليه من رزقه في دنياه {وسنجزي الشاكرين} أي المتقين
ثم قال {وكأين من نبي قاتل معه ربيون كثير فما وهنوا لما أصابهم في سبيل الله وما ضعفوا وما استكانوا والله يحب الصابرين} اي وكأين من نبي أصابه القتل ومعه ربيون كثير أي جماعة فما وهنوا لفقد نبيهم وما ضعفوا عن عدوهم وما استكانوا لما أصابهم في الجهاد عن الله تعالى وعن دينهم وذلك الصبر والله(4/64)
يحب الصابرين {وما كان قولهم إلا أن قالوا ربنا اغفر لنا ذنوبنا وإسرافنا في أمرنا وثبت أقدامنا وانصرنا على القوم الكافرين}.
قال ابن هشام واحد الربيين ربي وقولهم الرباب لولد عبد مناة بن اد بن طابخة بن الياس ولضبة لأنهم تجمعوا وتحالفوا من هذا يريدون الجماعات وواحدة الرباب ربة وربابة وهي جماعات قداح أو عصى ونحوها فشبهوها بها قال أبو ذؤيب الهذلي ... وكأنهن ربابة وكانه ... يسر يفيض على القداح ويصدع
وهذا البيت في أبيات له وقال أمية بن أبي الصلت ... حول شياطينهم أبابيل ربيون ... شدوا سنورا مدسورا
وهذا البيت في قصيدة له.
قال ابن هشام والربابة الأيضا الخرفة التي تلف فيها القداح.
قال ابن هشام والسنور الدروع والدسر هي المسامير التي في الحلق يقول الله عز وجل {وحملناه على ذات ألواح ودسر}.
قال ا 4 لشاعر وهو أبو الأخزر الحماني من تميم ... دسرا بأطراف القنا المقوم
قال ابن اسحاق أي فقولوا مثل ماقالوا واعلموا أنما ذلك بذنوب منكم واستغفروه كما استغفروه وامضوا على دينكم كما مضوا على دينهم ولا تردتدوا على أعقابكم راجعين واسألوه كما سألوه أن يثبت أقدامكم واستنصروه على القوم الكافرين فكل هذا من قولهم قد كان وقد قتل نبيهم فلم يفعلوا كما فعلتم فآتاهم اله ثواب الدنيا بالظهور على عدوهم وحسن ثواب الآخرة وما وعد الله فيها والله يحب المحسنين(4/65)
{يا أيها الذين آمنوا إن تطيعوا الذين كفروا يردوكم على أعقابكم فتنقلبوا خاسرين} أي عن عدوكم فتذهب دنياكم وآخرتكم {بل الله مولاكم وهو خير الناصرين} فإن كان ما تقولون بألسنتكم صدقا في قلوبكم فاعتصموا به ولا تستنصروا بغيره ولا ترجعوا على أعقابكم مرتدين عن دينه {سنلقي في قلوب الذين كفروا الرعب} أي الذي به كنت أنصركم عليهم بما أشركوا بي ما لم أجعل لهم من حجة أي فلا تظنوا أن لهم عاقبة نصر ولا ظهور عليكم ما اعتصمتم بي واتبعتم أمرى للمصيبة التي اصابتكم منهم بذنونب قدمتموها لأنفسكم خالفتم بها أمرى للمعصية وعصيتم بها النبي صلى الله عليه وسلم {ولقد صدقكم الله وعده إذ تحسونهم بإذنه حتى إذا فشلتم وتنازعتم في الأمر وعصيتم من بعد ما أراكم ما تحبون منكم من يريد الدنيا ومنكم من يريد الآخرة ثم صرفكم عنهم ليبتليكم ولقد عفا عنكم والله ذو فضل على المؤمنين} أي قد وفيت لكم بما وعدتكم من النصر على عدوكم إذ تحسونهم بالسيوف أي القتل بإذني وتسليطي أيديكم عليهم وكف أيديهم عنكم.
قال ابن هشام الحس الاستئصال يقال حسست الشيء أي ستأصلته بالسيف وغيره قال جرير ... تحسهم السيوف كما تسامى ... حريق النار في الأجم الحصيد(4/66)
وهذا ابيت في قصيدة له وقال رؤبة بن الهجاج ... إذا شكونا سنة حسوسا
تأكل بعد الخرر اليبيسا
وهذان البيتان في أرجوزة له.
قال ابن إسحاق {حتى إذا فشلتم} أي تخاذلتم {وتنازعتم في الأمر} أي اختلفتم في أمرى اي تركتم أمر نبيكم وما عهد اليكم يعني الرماة {وعصيتم من بعد ما أراكم ما تحبون} أي الفتح لا شك فيه وهزيمة القوم عن نسائهم وأموالهم {منكم من يريد الدنيا} أي الذين أرادوا النهب في الدنيا وترك ما أمروا به من الطاعة التي عليها ثواب الآخرة {ومنكم من يريد الآخرة} أي الذين جاهدوا في الله ولم يخالفوا الى ما نهوا عنه لعرض من الدنيا رغبة فيها رجاء ما عند الله من حسن ثوابه في الاخرة أي الذين جاهدوا في الدين ولم يخالفوا الى ما نهوا عنه لعرض من الدنيا ليختبركم وذلك ببعض ذنوبكم ولقد عفا الله عن عظيم ذلك أن لا يهلككم بما اتيتم من معصية نبيكم ولكني عدت بفضلي عليكم وكذلك من الله على المؤمنين أن عاقب ببعض الذنوب في عاجل الدنيا أدبا وموعظة فإنه غير مستأصل لكل ما فيهم من الحق له عليهم بما أصابوا من معصيته رحمة وعائدة عليهم لما فيهم من الإيمان
ثم أنبهم بالفرار عن نبيهم صلى الله عليه وسلم وهم يدعون للا يعطفون عليه لدعائه إياهم فقال {إذ تصعدون ولا تلوون على أحد والرسول يدعوكم في أخراكم فأثابكم غما بغم لكيلا تحزنوا على ما فاتكم ولا ما أصابكم} أي كربا بعد كرب بقتل من قتل من(4/67)
إخوانكم وعلو عدوكم عليكم وبما وقع في أنفسكم من قول من قال قتل نبيكم فكان ذلك مما تتابع عليكم غما بغم لكيلا تحزنوا عل ما فاتكم من ظهوركم على عدوكم بعد أن رأيتموه بأعينكم ولا ماأصابكم من قتل إخوانكم حتى فرجت ذلك الكرب عنكم {والله خبير بما تعملون} وكان الذي فرج الله به عنهم ما كانوا فيه من الكرب والغم الذي أصابهم أن الله عز وجل رد عنهم كذبة الشيطان بقتل نبيهم صلى الله عليه وسلم فلما رأوا رسول الله صلى الله عليه وسلم حيا بين أظهرهم هان عليهم ما فاتهم من القوم بعد الظهور عليهم والمصيبة التي أصابتهم في إخوانهم حين صرف الله القتل عن نبيهم صلى الله عليه وسلم {ثم أنزل عليكم من بعد الغم أمنة نعاسا يغشى طائفة منكم وطائفة قد أهمتهم أنفسهم يظنون بالله غير الحق ظن الجاهلية يقولون هل لنا من الأمر من شيء قل إن الأمر كله لله يخفون في أنفسهم ما لا يبدون لك يقولون لو كان لنا من الأمر شيء ما قتلنا ها هنا قل لو كنتم في بيوتكم لبرز الذين كتب عليهم القتل إلى مضاجعهم وليبتلي الله ما في صدوركم وليمحص ما في قلوبكم والله عليم بذات الصدور} فأنزل الله النعاس أمنة منه على أهل اليقين به فهم نيام لا يخافون واهل النفاق قد أهتمهم أنفسهم يظنون بالله غير الحق ظن الجاهلية تخوف القتل وذلك أنهم لا يرجون عاقبة فذكر الله عز وجل تلاومهم وحسرتهم على ماأصابهم ثم قال الله سبحانه(4/68)
لنبيه صلى الله عليه وسلم {قل لو كنتم في بيوتكم} لم تحضروا هذا الموطن الذي أظهر الله فيه منكم ما أظهر من سرائركم {لبرز} لأخرج {الذين كتب عليهم القتل إلى مضاجعهم} الى موطن غيره يصرعون فيه حتى يبتلي به ما في صدورهم {وليمحص ما في قلوبكم والله عليم بذات الصدور} أي لا يخفي عليه ما في صدروهم مما استخفوا به منكم
ثم قال {يا أيها الذين آمنوا لا تكونوا كالذين كفروا وقالوا لإخوانهم إذا ضربوا في الأرض أو كانوا غزى لو كانوا عندنا ما ماتوا وما قتلوا ليجعل الله ذلك حسرة في قلوبهم والله يحيي ويميت والله بما تعملون بصير} أ ي لا تكونوا كالمنافقين الذين ينهون إخوانهم عن الجهاد في سبيل الله والضرب في الأرض في طاعة الله عز وجل وطاعة رسول الله صلى الله عليه وسلم ويقولون إذا ماتوا أو قتلوا لو أطاعونا ما ماتوا وما قتلوا {ليجعل الله ذلك حسرة في قلوبهم} لقلة اليقين بربهم {والله يحيي ويميت} أي يعجل ما يشاء ويؤخر ما يشاء من ذلك من آجالهم بقدرته قال تعالى {ولئن قتلتم في سبيل الله أو متم لمغفرة من الله ورحمة خير مما يجمعون} أي إن الموت لكائن لابد منه فموت في سبيل الله أو قتل خير لو علموا وأيقنوا مما يجموعون من الدنيا التي لها تأخرون عن الجهاد تخوف الموت والقتل لما جمعوا من زهرة الدينا زهادة في الأخرة {ولئن متم أو قتلتم} أي ذلك كان {لإلى الله تحشرون} أي أن الى الله المرجع فلا تغرنكم الدينا ولا تغتروا بها وليكن الجهاد وما رغبكم الله فيه من ثوابه آثر عندكم منها
ثم قال تبارك وتعالى {فبما رحمة من الله لنت لهم ولو كنت فظا غليظ القلب لانفضوا من حولك} أي لتركوك {فاعف عنهم}(4/69)
أي فتجاوز عنهم {واستغفر لهم وشاورهم في الأمر فإذا عزمت فتوكل على الله إن الله يحب المتوكلين} فذكر لنبيه صلى الله عليه وسلم لعفته لهم وصبره عليهم لضعفهم وقلة صبرهم على الغلظة لو كانت منه عليهم في كل ما خالفوا عنه مما افترض عليهم من طاعة نبيهم صلى الله عليه وسلم ثم قال تبارك وتعالى {فاعف عنهم} أي تجاوز عنهم {واستغفر لهم} ذنوبهم من قارف من أهل الإيمان منهم {وشاورهم في الأمر} أي لتريهم أنك تسمع منهم وتستعين بهم وإن كنت غنيا عنهم تألفا لهم بذلك على دينهم {فإذا عزمت} أي على أمر جاءك مني وأمر من دينك في جهاد عدوك لا يصلحك ولا يصلحهم إلا ذلك فامض على ما أمرت به على خلاف من خالفك وموافقة من وافقك {فتوكل على الله} أي ارض به من العباد {إن الله يحب المتوكلين إن ينصركم الله فلا غالب لكم وإن يخذلكم فمن ذا الذي ينصركم من بعده} أي لئلا تترك أمري للناس وارفض أمر الناس إلى أمري وعلى الله لا على الناس فليتوكل المؤمنون
ثم قال {وما كان لنبي أن يغل ومن يغلل يأت بما غل يوم القيامة ثم توفى كل نفس ما كسبت وهم لا يظلمون} أي(4/70)
ما كان لنبي أن يكتم الناس ما بعثه الله به إليهم عن رهبة من الناس ولا رغبة ومن يفعل ذلك يأت يوم القيامة به ثم يجزى بكسبه غير مظلوم ولا معتد عليه {أفمن اتبع رضوان الله} على ما أحب الناس أو سخطوا {كمن باء بسخط من الله} لرضا الناس أو لسخطهم يقول أفمن كان على طاعتي فثوابه الجنة ورضوان من الله كمن باء بسخط من الله واستوجب سخطه {ومأواه جهنم وبئس المصير} أسواء المثلان فاعرفوا {هم درجات عند الله والله بصير بما يعملون} لكل درجات مما عملوا في الجنة والنار أي إن الله لا يخفى عليه أهل طاعته من أهل معصيته
ثم قال {لقد من الله على المؤمنين إذ بعث فيهم رسولا من أنفسهم يتلو عليهم آياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة وإن كانوا من قبل لفي ضلال مبين} أي لقد من الله عليكم يا أهل الإيمان إذ بعث فيكم رسولا من انفسكم يتلوا عليكم آياته فيما أحدثتم وفيما عملتم فيعلمكم الخير والشر لتعرفوا الخير فتعملوا به والشر فتتقوه ويخبركم برضاه عنكم إذا أطعتموه فتستكثروا من طاعته وتجتنبوا ما سخط منكم من معصيته ولتتخلصوا بذلك من نقمته وتدركوا بذلك ثوابه من جنته {وإن كانوا من قبل لفي ضلال مبين} أي(4/71)
لفي عمياء من الجاهلية أي لا تعرفون حسنة ولا تستغفرون من سيئة صم على الخير بكم عن الحق عمي عن الهدى
ثم ذكر المصيبة التي أصابتهم فقال {أو لما أصابتكم مصيبة قد أصبتم مثليها قلتم أنى هذا قل هو من عند أنفسكم إن الله على كل شيء قدير} أي إن تك أصابتكم مصيبة في إخوانكم بذنوبكم فقد أصبتم مثليها قبل من عدوكم في اليوم الذي كان قبله ببدر قتلا وأسرا ونسيتم معصيتكم وخلافكم عما أمركم به نبيكم صلى الله عليه وسلم أنتم احللتم ذلك بأنفسكم {إن الله على كل شيء قدير} أي إن الله على ماأراد بعباد من نقمة او عفو قدير {وما أصابكم يوم التقى الجمعان فبإذن الله وليعلم المؤمنين} أي ما أصابكم حين التقيتم أنتم وعدوكم فبإذني كان ذلك حين فعلتم ما فعلتم بعد أن جاءكم نصري وصدقتكم وعدي ليميز بين المؤمنين والمنافقين {وليعلم الذين نافقوا} منكم أي ليظهر ما فيهم {وقيل لهم تعالوا قاتلوا في سبيل الله أو ادفعوا} يعني عبدالله بن أبي وأصحابه الذين رجعوا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم حين سار الى عدوه من المشركين بأحد وقولهم لو نعلم أنكم تقاتلون لسرنا معكم ولدفعنا عنكم ولكنا لا نظن أنه يكون قتال فأظهر منهم ما كانوا يخفون في انفسهم يقول الله عز وجل {هم للكفر يومئذ أقرب منهم للإيمان يقولون بأفواههم ما ليس في قلوبهم} أي يظهرون لك الإيمان وليس في قلوبهم {والله أعلم بما يكتمون} أي ما يخفون {الذين قالوا لإخوانهم} الذين أصيبوا معكم من عشائرهم وقومهم {لو أطاعونا ما قتلوا قل فادرؤوا عن أنفسكم الموت إن كنتم صادقين} أي أنه لا بد من الموت فإن استطعتم أن تدفعوه عن أنفسكم فافعلوا(4/72)
وذلك أنهم إنما نافقوا وتركوا الجهاد في سبيل الله حرصا على البقاء في الدنيا وفرارا من الموت
ثم قال لنبيه صلى الله عليه وسلم يرغب المؤمنين في الجهاد ويهون عليهم القتل {ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتا بل أحياء عند ربهم يرزقون فرحين بما آتاهم الله من فضله ويستبشرون بالذين لم يلحقوا بهم من خلفهم ألا خوف عليهم ولا هم يحزنون} أي(4/73)
لا تظنن الذين قتلوا في سبيل الله امواتا أي قد أحييتهم فهم عندي يرزقون في روح الجنة وفضلها مسرورين بما آتاهم الله من فضله على جهادهم عنه ويستبشرون بالذين لم يلحقوا بهم من خلفهم أي ويسرون بلحوق من لحقهم من إخوانهم على ما مضوا عليهم من جهادهم ليشركوهم فيما هم فيه من ثواب الله الذي أعطاهم قد أذهب الله عنهم الخوف والحزن يقول الله تعالى {يستبشرون بنعمة من الله وفضل وأن الله لا يضيع أجر المؤمنين} لما عاينوا من وفاء الموعود وعظيم الثواب
فضل الشهادة قال ابن اسحاق وحدثني اسماعيل بن امية عن ابي الزبير عن ابن عباس قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لما أصيب إخوانكم بأحد جعل الله ارواحهم في أجواف طير خضر ترد أنهار الجنة وتأكل من ثمارها وتأوي الى قناديل من ذهب في ظل العرش فلما وجدوا طيب مشربهم ومأكلهم وحسن مقيلهم قالوا يا ليت إخواننا يعلمون ما صنع الله بنا لئلا يزهدوا في الجهاد ولا ينكلوا عن الحرب فقال الله تعالى فأنا أبلغهم عنكم فأنزل الله على رسوله صلى الله عليه وسلم هؤلاء الآيات ولا تحسبن.
قال ابن إسحاق وحدثني الحارث بن الفضيل عن محمود بن لبيد الأنصاري عن ابن عباس أنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم الشهداء(4/74)
على بارق نهر بباب الجنة في قبة خضراء يخرج عليهم رزقهم من الجنة بكرة وعشيا.
قال ابن إسحاق وحدثني من لا أتهم عن عبدالله بن مسعود أنه سئل عن هؤلاء الآيات {ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتا بل أحياء عند ربهم يرزقون} فقال اما إنا قد سألنا عنها فقيل لنا إنه لما أصيب إخوانكم بأحد جعل الله أرواحهم في اجواف طير خضر ترد في أنهار الجنة وتأكل من ثمارها وتأوي الى قناديل من ذهب في ظلل العرش فيطلع الله عز وجل عليهم اطلاعه فيقول عبادي ما تشتهون فأزيدكم قال فيقولون ربنا لا فوق ما اعطيتنا الجنة نأكل منها حيث شئنا قال ثم يطلع الله عليهم اطلاعه فيقول ياعبادي تشتهون فأزيدكم فيقولون ربنا لا فوق ما أعطيتنا الجنة نأكل منها حيث شئنا قال ثم يطلع عليهم اطلاعه فيقول يا عبادي ما تشتهون فأزيدكم فيقولون ربنا لا فوق ما أعطيتنا الجنة نأكل منها حيث شئنا إلا أنا نحب أن ترد أرواحنا في إجسادنا ثم نرد الى الدنيا فنقاتل فيك حتى نقتل مرة أخرى.
قال ابن إسحاق وحدثني بعض أصحابنا عن عبدالله بن محمد ابن عقيل قال سمعت جابر بن عبدالله يقول قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ألا أبشرك يا جابر قال قلت بلى يا نبي الله قال إن أباك حيث أصيب بأحد أحياه الله عز وجل ثم قال له ما نحب يا عبدالله ابن عمرو ان أفعل بك قال أي رب أحب أن تردني الى الدنيا فأقاتل فيك فأقتل مرة أخرى.
قال ابن إسحاق وحدثني عمرو بن عبيد عن الحسن قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم والذي نفسي بيده ما من مؤمن يفارق الدنيا يحب أن يرجع إليها ساعة من المنارو أن له الدينا وما فيها إلا الشهيد(4/75)
فإنه يحب ان يرد الى الدنيا فيقاتل في سبيل الله فيقتل مرة أخرى(4/76)
من خرجوا مع الرسول الى حمراء الأسد قال ابن اسحاق ثم قال تعلى {الذين استجابوا لله والرسول من بعد ما أصابهم القرح} أي الجراح وهم المؤمنون الذين ساروا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم الغد من يوم أحد الى حمراء الأسد على ما بهم من ألم الجراح {للذين أحسنوا منهم واتقوا أجر عظيم الذين قال لهم الناس إن الناس قد جمعوا لكم فاخشوهم فزادهم إيمانا وقالوا حسبنا الله ونعم الوكيل} والناس الذين قالوا لهم ما قالوا للنفر من عبد القيس الذين قال لهم ابو سفيان ما قال قالوا إن أبا سفيان ومن معه راجعون إليكم يقول الله عز وجل {فانقلبوا بنعمة من الله وفضل لم يمسسهم سوء واتبعوا رضوان الله والله ذو فضل عظيم} لما صرف الله عنهم من لقاء عدوهم {إنما ذلكم الشيطان} أي لأولئك الرهط وما القى الشيطان على افواههم {يخوف أولياءه} أي يرهبكم بأوليائه {فلا تخافوهم وخافون إن كنتم مؤمنين ولا يحزنك الذين يسارعون في الكفر} أي المنافقين {إنهم لن يضروا الله شيئا يريد الله ألا يجعل لهم حظا في الآخرة ولهم عذاب عظيم إن الذين اشتروا الكفر بالإيمان لن يضروا الله شيئا ولهم عذاب أليم ولا يحسبن الذين كفروا أنما نملي لهم خير لأنفسهم إنما نملي لهم ليزدادوا إثما ولهم عذاب مهين ما كان الله ليذر المؤمنين على ما أنتم عليه حتى يميز الخبيث من الطيب} أي المنافقين {وما كان الله ليطلعكم على الغيب} اي فيما يريد أن يبتليكم به لتحذروا ما يدخل عليكم فيه {ولكن الله يجتبي من رسله من يشاء} أي يعلمه ذلك {فآمنوا بالله ورسله وإن تؤمنوا وتتقوا} أي ترجعوا وتتوبوا {فلكم أجر عظيم}(4/77)
$ ذكر من استشهد بأحد من المهاجرين
من بني هاشم قال ابن اسحاق واستشهد من المسلمين يوم أحد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم من المهاجرين من قريش ثم من بني هاشم ابن عبد مناف حمزة بن بد المطلب بن هاشم رضي الله عنه قتله وحشي غلام جبير بن مطعم
من بني امية ومن بني أمية بن عبد شمس عبدالله بن جحش حليف لهم من بني أسد بن خزيمة
من بني عبد الدار ومن بني عبدالدار بن قصي مصعب بن عمير قتله ابن قمئة الليثي
من بني مخزوم ومن بني مخزوم بن يقظة شماس بن عثمان اربعة نفر
ذعر من استشهد بأحد من الأنصار ومن الأنصار ثم من بني عبد الأشهل عمرو بن معاذ بن النعمان والحارث بن أنس بن رافع وعمارة بن زياد بن السكن.
قال ابن هشام السكن ابن رافع بن امرىء القيس ويقال السكن.
قال ابن إسحاق وسلمة بن ثابت بن وقش وعمرو بن ثابت ابن وقش رجلان قال ابن إسحاق وقد زعم لي عاصم بن عمر بن قتادة أن أباهما ثابتا قتل يومئذ ورفاعة بن وقش وحسيل بن جابر أبو حذيفة وهو(4/78)
اليمان اصابه المسلمون في المعركة ولا يدرون فتصدق حذيفة بديته على من أصابه وصيفي بن قظي وحباب بن قيظى وعباد بن سهل والحارث بن اوس بن معاذ اثنا عشر رجلا
من راتج ومن أهل راتج إياس بن اوس بن عتيك بن عمرو ابن عبد الأعلم بن زعوراء بن جشم بن عبد الشهل وعبيد بن التيهان.
قال ابن هشام ويقال عتيك بن التيهان
وحبيب بن يزيد بن تيم ثلاثة نفر
من بني ظفر ومن بني ظفر يزيد بن حاطب بن امية بن رافع رجل
من بني ضبيعة ومن بني عمرو بن عوف ثم من بني ضبيعة ابن زيد ابو سفيان بن الحارث بن قيس بن زيد وحنظلة بن ابي عامر ابن صيفي بن نعمان بن مالك بن امة وهو غسيل الملائكة قتله شداد ابن الأسود بن شعوب الليثي رجلان.
قال ابن هشام قيس ابن زيد بن ضبيعة ومالك ابن أمة بن ضبيعة
من بني عبيد قال ابن اسحاق ومن بني عبيد بن زيد أنيس ابن قتادة رجل(4/79)
من بني ثعلبة ومن بني ثعلبة بن عمرو بن عوف أبو حية وهو أخو سعد بن خيثمة لأمه.
قال ابن هشام أبو حية ابن عمرو بن ثابت.
قال ابن إسحاق وعبدالله بن جبير بن النعمان وهو أمير الرماة رجلان
من بني السلم ومن بني السلم بن امرىء القيس بن مالك بن الأوس خيثمة أبو سعد بن خيثمة رجل
من بني العجلان ومن حلفائهم من بني العجلان عبدالله بن سلمة رجل
من بني معاوية ومن بني معاوية بن مالك سبيع بن حاطب ابن الحارث بن قيس بن هيشة رجل.
قال ابن هشام ويقال سويبق بن الحارث بن حاطب بن هيشة(4/80)
من بني النجار قال ابن اسحاق ومن بني النجار ثم من بني سواد بن مالك بن غني عمرو بن قيس وابنه قيس بن عمرو.
قال ابن هشام عمرو بن قيس ابن زيد سواد.
قال ابن إسحاق وثابت بن عمرو بن زيد وعامر بن مخلد اربعة نفر
من بني مبذول ومن بني مبذول أبو هبيرة بن الحارث بن علقمة بن عمرو بن ثقف بن مالك بن مبذول وعمرو بن مطرف ابن علقمة بن عمرو رجلان
من بني عمرو ومن بني عمرو بن مالك أوس بن ثابت بن المنذر رجل.
قال ابن هشام أوس بن ثابت أخو حسان بن ثابت
من بني عدي قال ابن اسحاق ومن بني عدي بن النجار أنس بن النضر بن ضمضم بن زيد بن حرام بن جندب بن عامر ابن غنم بن عدي بن النجار رجل.
قال ابن هشام أنس بن النضر عم أنس بن مالك خادم رسول الله صلى الله عليه وسلم
من بني مازن ومن بني مازن بن النجار قيس بن مخلد وكيسان عبد لهم رجلان
من بني دينار ومن بني دينار بن النجار سليم بن الحارث ونعمان بن عبد عمرو رجلان
من بني الحارث ومن بني الحارث بن الخزرج خارجة بن زيد بن أبي زهير وسعد بن الربيع بن عمرو بن ابي زهير ودفنا(4/81)
في قبر واحد واوس بن الأرقم بن زيد بن قيس بن النعمان بن امالك بن ثعلبة بن كعب ثلاثة و نفر
من بني الأبجر ومن بني الأبجر وهم بنو خدرة مالك بن سنان بن عبيد بن ثعلبة بن عبيد بن الأبجر وهو أبو أبي سعيد الخدري.
قال ابن هشام اسم أبي سعيد الخدري سنان ويقال سعد.
قال ابن إسحاق وسعيد بن سويد بن قيس بن عامر بن عباد ابن الأبجر وعتبة بن ربيع بن رافع بن معاوية بن عبيد بن ثعلبة ابن عبيد بن الأبجر ثلاثة نفر
من بني ساعدة ومن بني ساعدة بن كعب بن الخزرج ثعلبة ابن سعد بن مالك بن خالد بن ثعلبة بن حارثة بن عمرو بن الخزرج ابن ساعدة وثقف بن فروة بن الجدي رجلان
من بني طريف ومن بني طريف رهط سعد بن عبادة عبدالله ابن عمرو بن وهب بن ثعلبة بن وقش بن ثعلبة بن طريف وضمرة حليف لهم من بني جهينة رجلان
من بني عوف ومن بني عوف بن الخزرج ثم من بني سالم ثم من بني مالك بن العجلان بن يزيد بن غنم بن سالم نوفل بن عبد الله وعباس بن عبادة بن نضلة بن مالك بن العجلان ونعمان ابن مالك بن ثعلبة بن فهر بن غنم بن سالم والمجذر بن ذياد حليف لهم من بلى وعبادة بن الحسحاس
دفن النعمان بن مالك والمجذر وعبادة في قبر واحد خمسة نفر
من بني الحبلى ومن بني الحبلى رفاعة بن عمرو رجل
من بني سلمة ومن بني سلمة ثم من بني حرام عبدالله بن(4/82)
عمرو بن حرام بن ثعلبة بن حرام وعمرو بن الجموح بن زيد بن حرام دفنا في قبر واحد وخلاد بن عمرو بن الجموح بن زيد ابن حرام وابو أيمن مولى عمرو بن الجموح أربعة نفر
من بني سواد ومن بني سواد بن غنم سليم بن عمرو بن حديدة ومولاه عنتره وسهل بن قيس بن أبي كعب بن القين ثلاثة نفر
من بني زريق ومن بني زريق بن عامر ذكوان بن عبد قيس وعبيد بن المعلى بن لوذان رجلان.
قال ابن هشام عبيد بن المعلى من بني حبيب
عدد من استشهد بأحد قال ابن اسحاق فجيمع من استشهد من المسلمين مع رسول الله صلى الله عليه وسلم من المهاجرين والانصار خمسة وستون رجلا
من لم يذكرهم ابن اسحاق من بني معاوية قال ابن هشام وممن لم يذكر ابن اسحاق من السبعين الشهداء الذين ذكرنا من الأوس ثم من بني معاوية بن مالك بن نميلة حليف لهم من مزينة
من بني خطمة ومن بني خطمة واسم خطمة عبدالله بن جشم بن مالك بن الأوس الحارث بن عدي بن خرشة بن أمية ابن عامر بن خطمة
من الخزرج ومن الخزرج ثم من بني سواد بن مالك بن مالك إياس
من بني عمرو ومن بني عمرو بن مالك بن النجار إياس بن عدي
من بني سالم ومن بني سالم بن عوف عمرو بن إياس(4/83)
$ ذكر من قتل من المشركين يوم أحد
من بني عبدالدار قال ابن اسحاق وقتل من الشركين يوم أحد من قريش ثم من بني عبدالدار بن قصي من اصحاب اللواء طلحة بن ابي طلحة واسم أبي طلحة عبدالله بن عبد العزى بن عثمان بن عبدالدار قتله علي بن أبي طالب وأبو سعيد بن أبي طلحة قتله سعد بن ابي وقاص.
قال ابن هشام ويقال قتله علي بن ابي طالب 3 قال ابن اسحاق وعثمان بن أبي طلحة قتله حمزة بن عبد المطلب ومسافع بن طلحة والجلاس بن طلحة قتلهما عاصم بن ثابت بن أبي الأقلح وكلاب بن طلحة والحارث بن طلحة قتلهما قزمان حليف لبني ظفر.
قال ابن هشام ويقال قتل كلابا عبد الرحمن بن عوف.
قال ابن إسحاق وارطاة بن عبد شرحبيل بن هاشم بن عبد مناف ابن عبد الدار قتله حمزة بن عبد المطلب وأبو زيد بن عمير بن هاشم بن عبد مناف بن عبد الدار قتله قزمان وصؤاب غلام له حبشي قتله قزمان.
قال ابن هشام ويقال قتله علي بن ابي طالب ويقال سعد ابن أبي وقاص ويقال ابو دجانة.
قال ابن إسحاق والقاسط بن شريح بن هاشم بن عبد مناف ابن عبد الدار قتله قزمان احد عشر رجلا(4/84)
من بني أسد ومن بني أسد بن عبد العزى بن قصي عبد الله ابن حميد بن زهير بن الحارث بن اسد قتله علي بن ابي طالب رجل
من بني زهرة ومن بني زهرة بن كلاب أبو الحكم بن الأخنس أبن شريق بن عمرو بن وهب الثقفي حليف لهم قتله علي بن ابي طالب وسباع بن عبد العزى واسم عبدالعزى عمرو بن نصلى بن غبشان بن سليم بن ملكان بن أفصى حليف لهم من خزاعة قتله حمزة بن عبد المطلب رجلان
من بني مخزوم ومن بني مخزوم بن يقضة هشام بن أبي أمية ابن المغيرة قتله قزمان والوليد بن العاص بن هشام بن المغيرة قتله قزمان وابو أمية بن أبي حذيفة بن المغيرة قتله علي بن ابي طالب وخالد بن الألأعلم حليف لهم قتله فزمان أربعة نفر
من بني جمح ومن بني جمح بن عمرو عمرو بن عبدالله ابن عمير بن وهب بن حذافة بن جمح وهو أبو عزة قتله رسول الله صلى الله عليه وسلم صبرا وأبي بن خلف بن وهب بن حذافة بن جمح قتله رسول الله صلى الله عليه وسلم بيده رجلان
من بني عامر ومن بني عامر بن لؤي عبيدة بن جابر وشيبة ابن مالك بن المضرب قتلهما قزمان رجلان.
قال ابن هشام ويقال قتل عبيدة بن جابر عبدالله بن مسعود
عدد من قتل من المشركين قال ابن اسحاق فجميع من قتل الله تبارك وتعالى يوم احد من المشركين اثنان وعشرون رجلا(4/85)
$ ذكر ما قيل من الشعر يوم أحد
شعر هبيرة قال ابن اسحاق وكان مما قيل من الشعر في يوم أحد قول هبيرة بن أبي وهب بن عمرو بن عائذ بن عبد بن عمران بن مخزوم قال ابن هشام عائذ بن عمران بن مخزوم ... ما بال هم عميد بات يطرقني ... بالود من هند إذ تعدو عواديها
باتت تعاتبني هند وتعذلني ... والحرب قد شغلت عني مواليها
مهلا فلا نعذليني إن من خلقي ... ما قد علمت وما إن لست أخفيها
مساعف لبني كعب بما كلفوا ... حمال عبء وأثقال أعانيها
وقد حملت سلاحي فوق مشترف ... ساط سبوح إذا تجري يباريها
كأنه إذ جرى عير بفدفدة ... مكدم لاحق بالعون يحيمها
من آل أعوج يرتاح الندي له ... كجذع شعراء مستعل مراقيها
أعددته ورقاق الحد منتخلا ... ومارنا لخطوب قد ألاقيها
هذا وبيضاء مثل النهي محكمة ... نيطت علي فما تبدو مساويها
سقنا كنانة من أطراف ذي يمن ... عرض البلاد على ما كان يزجيها
قالت كنانة أني تذهبون بنا ... قلنا النخيل فأموها ومن فيها(4/86)
نحن الفوارس يوم الجر من احد ... هابت معد فقلنا نحن نأتيها
هابوا ضرابا وطعنا صادقا خذما ... مما يرون وقد ضمت قواصيها
ثمت رحنا كأنا عارض برد ... وقام هام بني النجار يبكيها
كأن هامهم عند الوغى فلق ... من قيض ربد نفته عن أداحيها
أو حنظل ذعذعته الريح في غصن ... بال تعاوره منها سوافيها
قد نبذل المال سحا لا حساب له ... ونطعن الخيل شزرا في مآقيها
وليلة يصطلى بالفرث جازرها ... يختص بالنقرى المثرين داعيها
وليلة من جمادى ذات أندية ... جربا جمادية قد بت أسريها
لا ينبح الكلب فيها غير واحدة ... من القريس ولا تسري أفاعيها
أوقدت فيها لذي الضراء جاحمة ... كالبرق ذاكية الأركان أحميها
أوثني ذاكم عمرو ووالده ... من قبله كان بالمثنى يغاليها
كانوا يبارون أنواء النجوم فمادنت ... عن السورة العليا مساعيها(4/87)
ما أجابه به حسان قال ابن اسحاق فأجابه حسان بن ثابت فقال ... سقتم كنانة جهلا من سفاهتكم ... الى الرسول فجند الله مخزيها
أوردتموها حياض الموت ضاحية ... فالنار موعدها والقتل لاقيها
جمعتموها أحابيشا بلا حسب ... أئمة الكفر غرتكم طواغيها
ألا اعتبرتم بخيل الله إذ قتلت ... أهل القليب ومن ألقينه فيها
كم من أسير فككناه بلا ثمن ... وجز ناصية كنا مواليها.
قال ابن هشام أنشدنيها أبو زيد الأنصاري لكعب بن مالك.
قال ابن هشام وبيت هبيرة بن ابي وهب الذي يقول فيه ... وليلة يصطلى بالفرث جازرها ... يختص بالنقرى المثرين داعيها
ويروى لجنوب أخت عمرو ذي الكلب الهذلي في أبيات لها في غير يوم أحد
شعر كعب بن مالك قال ابن اسحاق وقال كعب بن مالك يجيب هبير بن أبي وهب أيضا ... ألا هل أتى غسان عنا ودونهم ... من الأرض خرق سيره متنعنع
صحار وأعلام كان قتامها ... من البعد نقع هامد متقطع
تظل به البزل العراميس رزحا ... ويخلو به غيث النين فيمرع(4/88)
به جيف الحسرى يلوح صليبها ... كما لاح كتان التجار الموضع
به العين والآرام يمشين خلفه وبيض نعام قيصنه يتقلع
مجالدنا عن ديننا كل فخمة ... مدربة فيها القوانس تلمع
وكل صموت في الصوان كأنها ... إذا لبست نهي من الماء مترع
ولكن ببدر سائلوا من لقيتم ... من الناس والأنباء بالغيب تنفع
وإنا بأرض الخوف لو كان أهلها ... سوانا لقد أجلوا بليل فأقشعوا
إذا جاء منا راكب كان قوله ... أعدوا لما يزجي ابن حرب ويجمع
فمهما يهم الناس مما يكيدنا ... فنحن له من سائر الناس اوسع
فلو غيرنا كانت جميعا تكيده البرية ... قد أعطوا يدا وتوزعوا
نجالد لا تبقي علينا قبيلة ... من الناس إلا أن يهابوا ويفظعوا
ولما ابتنوا بالعرض قال سراتنا ... علام إذا لم نمنع العرض نزرع
وفينا رسول الله نتبع أمره ... إذا قال فينا القول لا نتظلع
تدلى عليه الروح من عند ربه ... ينزل من جو السماء ويرفع
نشاوره فيما نردي وقصرنا ... إذا ما اشتهى أنا نطيع ونسمع(4/89)
وقال رسول الله لما بدوا لنا ... ذروا عنكم هول المنيات واطمعوا
وكونوا كمن يشرى الحياة تقربا ... الى ملك يحيا لديه ويرجع
ولكن خذوا أسيافكم وتوكلوا ... على الله إن الأمر لله أجمع
فسرنا اليهم جهرة في رحالهم ... ضحيا علينا البيض لا نتخشع
بملمومة فيها السنور والقنا ... إذا ضربوا أقدامها لا تورع
فجئنا الى موج من البحر وسطه ... أحابيس منهم حاسر ومقنع
ثلاثة آلاف ونحن نصية ... ثلاث مئين إن كثرنا وأربع
تغاورهم تجري المنية بيننا ... نشارعهم حوض المنايا ونشرع
تهادى قسي النبع فينا وفيهم ... وماهو إلا اليثربي المقطع
ومنجوفة حرمية صاعدية ... يذر عليها السم ساعة تصنع
تصوب بأبدان الرجال وتارة ... تمر بأعراص البصار تقعقع
وخيل تراها بالفضاء كأنها ... جراد صبا في قوة يتريع
فلما تلاقينا ودارت بنا الرحى ... وليس لأمر حمه الله مدفع(4/90)
ضربناهم حتى تركنا سراتهم ... كأنهم بالقاع خشب مصرع
لدن غدوة حتى استفقنا عشية ... كأن ذكانا حر نار تلفع
ورحنا وأخرانا بطاء كأننا ... أسود على لحم ببيشة ظلع
فنلنا ونال القوم منا روبما ... فعلنا ولكن ما لدى الله أوسع
ودارت رحانا واستدارت رحاهم ... وقد جعلوا كل من الشر يشيع
ونحن أناس لا نرى القتل سبة ... على كل من يحمي الزمار ويمنع
جلاد على ريب الحوادث لا نرى ... على هالك عينا لنا الدهر تدمع
بنو الحرب لا نعيا بشيء نقوله ... ولا نحن مما جرت الحرب نجزع
بنو الحرب إن نظفر فلسنا بفحش ... ولا نحن من أظفارها نتوجع
وكنا شهابا يتقي الناس حره ... ويفرح عنه من يليه ويسفع
فخرت على ابن الزبعري وقد سرى ... لكم طلب من آخر الليل متبع
فسل عنك في عليا معد وغيرها ا ... من الناس من أخزى مقاما وأشنع
ومن هو لم تترك له الحرب مفخرا ... ومن خده يوم الكريهة أضرع
شددنا بحوال الله والنصر شدة ... علكيم وأطراف الأسنة شرع
تكر القنا فيكم كأن فروعها ... عزالى مزدا ماؤها يتهرع
عمدنا الى اهل اللواء ومن يطر ... بذكر اللواء فهو في الحمد أسرع
فخافوا وقد اعطوا يدا وتخاذلوا ... أبى الله إلا أمره وهو أصنع(4/91)
قال ابن هشام وكان كعب بن مالك قد قال ... مجالدنا عن جذمنا كل فخمة
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أيصلح أن تقول مجالدنا عن ديننا فقال كعب نعم رسول الله صلى الله عليه وسلم فهو أحسن فقال كعب مجالدنا عن ديننا
ما قاله ابن الزبعري قال ابن اسحاق وقال عبد الله بن الزبعري في يوم أحد ... يا غراب البين أسمعت فقل ... إنما تنطق شيئا قد فعل
إن للخير وللشر مدى ... وكلا ذلك وجه وقبل
والعطيات خساس بينهم ... وسواء قبر مثر ومقل
كل عيش ونعيم زائل وبنات الدهر يلعبن بكل
أبلغن حسان عني آية ... فقريض الشعر يشفي ذا الغلل
كم ترى بالجر من جمجمة وأكف قد أثرت ورجل
وساربيل حسان سريت ... عن كماة أهلكوا في المنتزل
كم قتلنا من كريم سيد ... ماجد الجدين مقدام بطل
صادق النجدة قرم بارع ... غير ملتاث لدى وقع الأسل
فسل المهراس من ساكنه ... بين أقحاف وهام كالحجل(4/92)
ليت أشياخي ببدر شهدوا ... جزع الحزرج من وقع الأسل
حين بكت بقباء بركها ... واستحر القتل في عبد الأشل
ثم خفوا عند ذاكم رقصا ... رقص الحفان يعلو في الجبل
فقتلنا الضعف من أشرافهم ... وعدلنا ميل بدر فاعتدل
لا ألوم النفس إلا أننا ... لو كررنا لفعلنا المفتعل
بسيوف الهند تعلوا هامهم ... عللا تعلوهم بعد نهل
اجابة حسان له فأجابه حسان بن ثابت الأنصاري رضي الله عنه قال ... ذهبت يا ابن الزبعري وقعة ... كان منا الفضل فيها لو عدل
ولقد نلتم ونلنا منكم ... وكذاك الحرب أحيانا دول
نضع الأسياف في أكتافكم ... حيث نهوي عللا بعد نهل
نخرج الأصبع من أستاهكم كسلاح النيب يأكلن العصل
إذ تولون على أعقابكم ... هربا في الشعب أشباه الرسل
إذ شددنا شدة صادقة ... فأجأناكم إلى سفح الحبل
بخناطيل كأمذاق الملا ... من يلاقوه من الناس يهل(4/93)
ضاق عنا الشعب إذ نجزعه ... وملأنا الفرط منه والرجل
برجال لستم أمثالهم ... أيدوا جبريل نصرا فنزل
وعلونا يوم بدر بالتقتى ... طاعة الله وتصديق الرسل
وقتلنا كل رأس منهم ... وقتلنا كل جحجاح رفل
وتركنا في قريش عورة ... يوم بدر واحاديث المثل
ورسول الله حقا شاهد يوم بدر والتنابيل الهبل
في قريش من جموع جمعوا ... مثل ما يجمع في الخصب الهمل
نحن لا أمثالكم ولد استها ... نحضر الناس إذا البأس نزل.
قال ابن هشام وأنشدني أبو زيد الأنصاري وأحاديث المثل والبيت الذي قبله وقوله في قريش من جموع حمعوا عن غير ابن اسحاق
شعر لكعب يبكي به حمزة قال ابن اسحاق وقال كعب بن مالك يبكي حمزة بن عبد المطلب وقتلى احد من المسلمين ... نشجت وهل لك من منشج ... وكنت متى تذكر تلجج(4/94)
تذكر قوم أتاني لهم ... أحاديث في الزمن الأعوج
فقلبك من ذكرهم خافق ... من الشوق والحزن المنضج
وقتلاهم في جنان النعيم ... كرام المداخل والمخرج
بما صبروا تحت ظل اللواء ... لواء الرسول بذي الأضوج
غداة أجابت بأسيافها ... جميعا بنو الأوس والخزرج
وأشياع أحمد إذ شايعوا ... على الحق ذي النور والمنهج
فما برحوا يضربون الكماة ... ويمضون في القسطل المرهج
كذلك حتى دعاهم مليك ... إلى جنة دوحة المولج
فكلهم مات حر البلاء ... على ملة الله لم يحرج
كحمزة لما وفى صادقا ... بذي هبة صارم سلجج
فلاقاه عبد بني نوفل ... يبربر كالجمل الأدعج
فأوجره حربة كالشهاب ... تلهب في اللهب الموهج
ونعمان أوفى بميثاقه ... وحنظلة الخير لم يحنج
عن الحق حتى غدت روحه ... الى منزل فاخر الزبرج(4/95)
أولئك لا من ثوى منكم ... من النار في الدرك المرتج
ما اجابه به ضرار فأجابه ضرار بن الخطاب الفهري فقال ... أيجزع كعب لأشياعه ... ويبكي من الزمن الأعوج
عجيج المذكي رأي إلفه ... تروح في صادر محنج
فراح الروايا وغادرنه ... يعجعج قسرا ولم يحدج
فقولا لكعب يثني البكا ... وللنيء من لحمه ينضج
لمصرع إخوانه في مكر ... من الخيل ذي قسطل مرهج
فيا ليت فهرا وأشياعه ... وعتبة في جمعنا السورج
فيشفوا النفوس بأوتارها ... بقتلى أصيبت من الخزرج
وقتلى من الأوس في معرك ... أصيبوا جميعا بذي الأضوج
ومقتل حمزة تحت اللواء ... بمطرد مارن مخلج
وحيث انثنى مصعب ثاويا ... بضربة ذي هبة سلجج
بأحد وأسيافنا فيهم ... تلهب كاللهب الموهج
غداة لقيناكم في الحديد ... كأسد البراح فلم تعنج(4/96)
بكل مجلحة كالعقاب ... وأجرد ذي ميعة مسرج
فدسناهم ثم حتى انثنوا ... سوى زاهق النفس أو محرج.
قال ابن هشام وبعض أهل العلم بالشعر ينكرها لضرار وقول كعب ذي النور والمنهج عن أبي زيد الأنصاري
ما قاله ابن الزبعري يوم احد قال ابن اسحاق وقال عبد الله بن الزبعري في يوم أحد يبكي التقلى ... ألا ذرفت من مقلتيك دموع ... وقد بان من حبل الشباب قطوع
وشط بمن تهوى المزار وفرقت ... نوى الحي دار بالحبيب فجوع
وليس لما ولى على ذي حرارة ... وإن طال تذراف الدموع رجوع
فذر ذا ولكن هل أتى أم مالك ... ألحديث قومي ولاحديث يشيع
ومجنبنا جردا الى أهل يثرب ... عناجيج منها متلد ونزيع
عشية سرنا في لهام يقودنا ... ضرور الأعادي للصديق نفوع
نشد علينا كل زعف كأنها ... غدير بضوج الواديين نقيع
فلما رأونا خالطتهم مهابة ... وعاينهم أمر هناك فظيع
وودوا لو أن الأرض ينشق ظهرها ... بهم وصبور القوم ثم جزوع
وقد عريت بيض كان وميضها ... حريق ترقى في الأباء سريع
بأيماننا نعلوا بها كل هامة ... ومنها سمام للعدوا ذريع
فغادرن قتلى الأوس غاصبة بهم ... ضباع وطير يعتفين وقوع
وجمع بني النجار في كل تلعة ... بأبدانهم من وقعهن نجيع(4/97)
ولولا علو الشعب غادرن أحمدا ... ولكن علا والسمهري شروع
كما غادرت في الكر حمزة ثاويا ... وفي صدره ماضي الشباة وقيع
ونعمان قد غادرن تحت لوائه ... على لحمه طير يجفن وقوع
بأحد وارماح الكماة يردنهم ... كما غال أشطان الدلاء نزوع
ما أجابه حسان فأجابه حسان بن ثابت فقال ... أشاقك من ام الوليد ربوع ... بلاقع ما من أهلن جميع
عفاهن صيفي الرياح وواكف ... من الدلو رجاف السحاب هموع
فلم يبق إلا موقد النار حوله ... رواكد أمثال الحمام كنوع
فدع ذكر دار بددت بين أهلها ... نوى لمتينات الحبال قطوع
وقل إن يكن يوم بأحد يعده ... سفيه فإن الحق سوف يشيع
فقد صابرت فيه بنو الأوس كلهم ... وكان لهم ذكر هناك رفيع
وحامي بنو النجار فيه وصابروا ... وما كان منهم في اللقاء جزوع
أمام رسول الله لا يخذلونه ... لهم ناصر من ربهم وشفيع
وفوا إذ كفرتم يا سخين بربكم ... ولا يستوي عبد وفى ومضيع
بأيديهم بيض إذا حمش الوغى ... فلا بد أن يردى لهن صريع
كما غادرت في النقع عتبة ثاويا ... وسعدا صريعا والوشيج شروع(4/98)
وقد غادرت تحت العجاجة مسندا ... أبيا وقد بل القميص نجيع
بكف رسول الله حيث تنصبت ... على القوم مما قد يثرن نقوع
أولئك قوم ساده من فروعكم ... وفي كل قوم سادة وفروع
بهن نعز الله حتى يعزنا ... وإن كان أمر يا سخين فظيع
فلا تذكروا قتلى وحمزة فيهم ... قتيل ثوى لله وهو مطيع
فإن جنان الخلد منزله له ... وأمر الذي يقضي الأمور سريع
وقتلاكم في النار أفضل رزقهم ... حميم معا في جوفها وضريع.
قال ابن هشام وبعض أهل العلم بالشعر ينكرهما لحسان وابن الزبعري وقوله ماضي الشباة وطير يجفن عن غير ابن اسحاق
شعر عمرو بن العاصي في احد وقال ابن اسحاق وقال عمرو بن العاصي في يوم احد ... خرجنا من الفيفا عليهم كأننا ... مع الصبح من رضوى الحبيك المنطق
تمنت بنو النجار جهلا لقاءنا ... لدى جنب سلع والأماني تصدق
فما راعهم بالشر إلا فجاءة ... كراديس خيل في الأزقة تمرق
أرادوا لكيما يستبيحوا قبابنا ... ودون القباب اليوم ضرب محرق ... وكانت قبابا أومنت قبل ما ترى ... إذ رامها قوم أبيحوا وأحنقوا
كأن رءوس الخزرجيين غدوة ... وأيمانهم بالمشرفية بروق
رد كعب بن مالك عليه فأجابه كعب بن مالك فيما ذكر ابن هشام فقال(4/99)
ألا أبلغا فهرا على نأي دارها ... وعندهم من علمنا اليوم مصدق
بأنا غداة السفح من بطن يثرب ... صبرنا ورايات المنية تخفق
صبرنا لهم والصبر منا سجية ... إذا طارت الأبرام نسمو ونرتق
على عادة تلكم جرينا بصبرنا ... وقدما لدى الغايات نجري فنسبق
لنا حومة لا تستطاع يقودها ... نبي أتى بالحق عف مصدق
ألا هل أتى أفناء فهر بن مالك ... مقطع أطراف وهام مفلق
شعر ضرار بن الخطاب قال ابن اسحاق وقال ضرار بن الخطاب ... إني وجدك لولا مقدمى فرسي ... إذا جالت الخيل بين الجزع والقاع
ما زال منكم بجنب الحزع من أحد ... أصواب هام تزاقي أمرها شاعي
وفارس قد اصاب السيف مفرقة ... أفلاق هامته كفروة الراعي
إني وجدك لا أنفك منتطقا ... بصارم مثل لون الملح قطاع
على رحالة ملواح مثابرة ... نحو الصريخ إذا ما ثوب الداعي
وما انتميت إلى خور ولا كشف ... ولا لئام غداة البأس أوراع
بل ضاربين حبيبك البيض إذ لحقوا ... شم العرانين عند الموت لذاع
شم بهاليل مسترخ حمائلهم ... يسعون للموت سعيا غير دعداع(4/100)
وقال ضرار بن الخطاب أيضا ... لما أتت من بني كعب مزينة ... والخزرجية فيها البيض تأتلق
وجردوا مشرفيات مهندة ... وراية كجناح النسر تختفق
فقلت يوم بأيام ومعركة ... تنسى لما خلفها ما هزهز الورق
قد عودوا كل يوم أن تكون لهم ... ريح القتال وأسلاب الذين لقوا
خيرت نفسي على ما كان من وجل ... منها وأيقنت أن المجد مستبق
أكرهت مهري حتى خاض غمرتهم ... وبله من نجيع عانك علق
فظل مهري وسربال جسيدوهما ... نفخ العروق رشاش الطعن والورق
أيقنت أني مقيم في ديارهم ... حتى يفارق ما في جوفه الحدق
لا تجزعوا يا بني مخزوم إن لكم ... مثل المغيرة فيكم ما به رهق
صبرا فدى لكم أمي وما ولدت ... تعاوروا الضرب حتى يدبر الشفق
ما قاله عمرو بن العاصي وقال عمرو بن العاصي ... لما رأيت الحرب ينزو ... شرها بالرضف نزوا
وتناولت شهباء تلحو ... الناس بالضراء لحوا
أيقنت أن الموت حق ... والحياة تكون لغوا
حملت أثوابي على ... عتد يبذ الخيل رهوا
سلس إذا نكبن في البيداء ... يعلو الطرف علوا(4/101)
وإذا تنزل ماؤه من ... عطفه يزداد زهوا
زبد كيعفور الصريمة ... راعه الرامون دحوا
شنج نساه ضابط ... للخيل إرخاء وعدوا
ففدى لهم أمي غداة ... الروع إذ يمشون قطوا
سيرا الى كبس الكتيبة ... إذ جلته الشمس جلوا.
قال ابن هشام وبعض أهل العلم بالشعر ينكرها لعمرو
ما رد به كعب بن مالك قال ابن اسحاق فأجابهما كعب ابن مالك فقال ... أبلغ قريشا وخير القول أصدقه ... والصدق عند ذوي الألباب مقبول
أن قد قتلنا بقتلانا سراتكم ... أهل اللواء ففيما يكثر القيل
ويوم بدر لقيناكم لفا مدد ... فيه مع النصر ميكال وجبريل
إن تقتلونا فدين الحق فطرتنا ... والقتل في الحق عند الله تفضيل
وإن تروا أمرنا في رأيكم سفها ... فرأي من خالف الإسلام تضليل
فلا تمنوا لقاح الحرب واقتعدوا ... إن أخا الحرب اصدى اللون مشغول
إن لكم عندنا ضربا تراح له ... عرج الضباع له خذم رعابيل
إنا بنو الحرب نمريها ونتجها ... وعندنا لذوي الأضغان تنكيل
إن ينج منها ابن حرب بعد ما بلغت ... منه التراقي وأمر الله مفعول(4/102)
فقد أفادت له حلما وموعظة ... لمن يكون له لب وة معقول
ولو هبطتم ببطن السيل كافحكم ... ضرب بشاكله البطحاء ترعيل
تلقاكم عصب حول النبي لهم ... مما يعدون للهيجا سرابيل
من جذم غسان مسترخ حمائلهم ... لا جبناء ولا ميل معازيل
يمشون تحت عمايات القتال كما ... تمشي المصاعبة الأدم المراسيل
أو مثل مشي أسود الظل ألثقها ... يوم زذاذ من الجوزاء مشمول
في كل سابغة كالنهي محكمة ... قيامها فلج كالسيف بهلول
ترد حد قرام النبل خاسئة ... ويرجع السيف عنها وهو مفلول
ولو قذفتم بسلع عن ظهوركم ... وللحياة ودفع الموت تأجيل
ما زال في القوم وتر منكم أبدا ... تعفو السلام عليه وهو مطلول
عبد وحر كريم موثق قنصا ... شطر المدينة مأسور ومقتول
كنا نؤمل أخراكم فأعجلكم ... منا فوارس لا عزل ولا ميل ... إذا جنى فيهم الجاني فقد علموا ... حقا بأن الذي قد جر محمول
ما نحن لا نحن من إثم مجاهرة ... ولا ملوم ولا في الغرم مخذول
شعر حسان يذكر عدة أصحاب اللواء وقال حسان بن ثابت يذكر عدة أصحاب اللواء يوم احد.
قال ابن هشام هذه أحسن ما قيل(4/103)
منع النوم بالعشاء الهموم ... وخيال إذا تغور النجوم
من حبيب أضاف قلبك منه ... سقم فهو داخل مكتوم
يا لقومي هل يقتل المرء مثلي ... واهن البطش والعظام سؤوم
لو يدب الحولي من ولد الذر ... عليها لأندبتها الكلوم
شأنها العطر والفراش ويعلوها ... لجين ولؤلؤ منظوم
لم نفتها شمس المنار بشيء ... غير أن الشباب ليس يدوم
إن خالى خطيب جابيه الجو ... لان عند النعمان حين يقوم
وانا الصقر عند باب ابن سلمى ... يوم نعمان في الكبول سقيم
وأبي وواقد اطلقا لي ... يوم راحا وكبلهم مخطوم
ورهنت اليدين عنهم جميعا ... كل كف جزء لها مقسوم
وسطت نسبتي الذوائب منهم ... كل دار فيهما أب لي عظيم
وأبي في سميحة القائل الفاصل ... يوم التقت عليه الخصوم
تلك أفعالنا وفعل الزبعري ... خامل في صديقه مذموم
رب حلم أضاعه عدم المال ... وجهل غطا عليه النعيم
لا تسبنني فلست بسبي ... إن سبي من الرجال الكريم
ما أبالي أنب بالحزن تيس ... أم لحاني بظهر غيب لئيم(4/104)
ولي البأس منكم إذ رحلتم ... اسرة من بني قصي صميم
تسعة تحمل اللواء وطارت ... في رعاع من القنا مخزوم
وأقاموا حتى أبيحوا جمعيا ... في مقام وكلهم مذموم
بدم عانك وكان حفاظا ... أن يقيموا إن الكريم كريم
وأقاموا حتى أزيروا شعوبا ... والقنا في نحورهم محطوم
وقريش تفر منا لواذا ... أن يقيموا وخف منها الحلوم
لم تطق حملة العواتق منهم ... إنما يحمل اللواء النجوم.
قال ابن هشام قال حسان هذه القصيدة ... منع النوم بالعشاء الهموم
ليلا فدع قومه فقال لهم خشيت أن يدركني أجلي قبل أن أصبح فلا ترووها عني
ما قاله الحجاج بن علاط قال ابن هشام أنشدني أبو عبيدة للحجاج بن علاط السلمي يمدح أبا الحسن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب ويذكر قتله طلحة بن ابي طلحة بن عبد العزى بن عثمان بن عبد الدار صاحب لواء المشتركين يوم احد ... لله أي مذبب عن حرمة ... أعني ابن فاطمة المعم المخولا(4/105)
سبقت يداك له بعاجل طعنة ... تركت كطليحة للجبين مجدلا
وشددت شدة باسل فكشفتهم ... بالجر إذ يهوون أخول أخولا
حسان يبكي حمزة قال ابن اسحاق وقال حسان بن ثابت يبكي حمزة بن عبد المطلب ومن أصيب من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم أحد ... يا مي قومي فاندبن ... بسحيرة شجو النوائح
كالحاملات الوقر بالثقل ... الملحات الدوالح
المعولات الخامشات ... وجوه حرات صحائح
وكأن سيل دموعها الأنصاب ... تخضب بالذبائح
بنقضن أشعرا لهن ... هناك بادية المسائح
وكأنها أذناب خيل ... بالضحى شمس روامح(4/106)
من بين مشزور ومجزور ... يذعذع بالبوارح
يكبين شجوا مسلبات ... كدحتهن الكوادح
ولقد أصاب قلوبها مجل له جلب قوارح
إذ أقصد الحدثان من ... كنا نرجي إذ نشائح
أصحاب أحد غالهم ... دهر ألم له جوارح
من كان فارسنا وحامينا ... إذا بعث المسالح
يا حمزة لا والله لا ... أنساك ما صر اللقائح
لمناخ أيتام وأضياف ... وأرملة تلامح
ولما ينوب الدهر في ... حرب لحرب وهي لاقح
يا فارسا يا مدرها ... يا حمزة قد كنت المصامح
عنا شديدات الخطوب ... إذا ينوب لهن فادح
ذكرتني أسد الرسول ... وذاك مدرهنا المنافح
عنا وكان يعد إذ ... عد الشريفون الجحاجح
يعلو القماقم جهرة ... سبط اليدين أغر واضح
لا طائش رعش ولا ... ذو علة بالحمل آنح(4/107)
بحر فليس يغيب جارآ ... منه سيب أو منادح
أودي شباب أولي الحفائظ ... والثقيلون المراجح
المطعمون إذا المشاتي ... ما يصففهن ناضح
لحم الجلاد وفوقه ... من شحمه شطب شرائح
ليدافعوا عن جارهم ... ما رام ذو الضعن المكاشح
لهفي لشبان رزئناهم ... كأنهم المصابح
شم بطارقة غطارفة ... خضارمة مسامح
المشترون الحمد بالأموال ... إن الحمد رابح
والجامزون بلجمهم ... يوما إذا ما صاح صائح
من كان يرم بالنواقر ... من زمان غير صالح
ما إن تزال ركابه ... يرسمن في غبر صحاصح
راحت تبارى وهو في ... ركب صدورهم رواشح(4/108)
حتى تئوب له المعالي ... ليس من فوز السفائح
يا حمزة قد أوحدتني ... كالعود شذبه الكوافح
أشكو إليك وفوقك الترب ... المكور والصفائح
من جندل نلقيه فوقكم ... إذ أجاد الضرح ضارح
في واسع يحشونه ... بالترب سوته المماسح
فغزاؤنا أنا نقول ... وقولنا برح بوارح
من كان أمسى وهو عما ... أوقع الحدثان جانح
فليأتنا فلتبك عيناه ... لهلكانا النوافح
القائلين الفاعلين ... ذوي السماحة والممادح
من لا يزال ندى يديه له ... طوال الدهر مائح.
قال ابن هشام وأكثر أهل العلم بالشعر ينكرها لحسان وبيته المطعمون إذا المشاني وبيته الجامزون بلجمهم وبيته من كان يرمى بالنوافر عن غير ابن اسحاق
شعر حسان أيضا في بكاء حمزة قال ابن اسحاق وقال حسان بن ثابت أيضا يبكي حمزة بن عبد المطلب ... أتعرف الدار عفا رسمها ... بعدك صوب المسبل الهاطل
بين السراديح فأدمانة ... فمدفع الروحاء في حائل(4/109)
ساءلتها عن ذاك فاستعجمت ... لم تدر ما مرجوعة السائل
دع عنك دارا قد عفا رسمها ... وابك على حمزة ذي النائل
المالئ الشيزي إذا أعصفت ... غبراء في ذي الشبم الماحل
والتارك القرن لدى لبدة ... يعثر في ذي الخروص الذابل
واللابس الخيل إذ اجحمت ... كالليث في غابته الباسل
أبيض في الذروة من هاشم ... لم يمر دون الحق بالباطل
مال شهيدا بين أسيافكم ... شلت يدا وحشي من قاتل
أي امرىء غادر في أله ... مطرورة مارنة العامل
أظلمت الأرض لفقدانه ... واسود نور القمر الناصل
صلى عليه الله في جنة ... عالية مكرمة الداخل
كنا نرى حمزة حرزا لنا ... في كل أمر نابنا نازل
وكان في الإسلام ذا تدرإ ... يكفيك فقد القاعد الخاذل
لا تفرحي يا هند واستجلبي ... دمعا وأذري عبرة الثاكل
وابكي على عتبة إذ قطه ... بالسيف تحت الرهج الجائل
إذا خر في مشيخة منكم ... من كل عات قلته جاهل
أرداهم حمزة في أسرة ... يمسون تحت الحلق الفاضل(4/110)
غداة جبريل وزير له ... نعم وزير الفارس الحامل
ما قاله كعب بن مالك رثاء لحمزة وقال كعب بن مالك يبكي حمزة بن عبد المطلب ... طرقت همومك فالرقاد مسهد ... وجزعت أن سلخ الشباب الأغيد
ودعت فؤادك للهوى ضمرية ... فهواك غوري وصحوك منجد
فدع التمادى في الغواية سادرا ... قد كنت في طلب الغواية تفند
ولقد أنى لك أن تناهى طائعا ... أو تستفيق إذا نهاك المرشد
ولقد هددت لفقد حمزة هدة ظلت بنات الجوف منها ترعد
ولو انه فجعت حراء بمثله ... لرأيت راسي صخرها يتبدد
فرم تمكن في ذؤابة هاشم ... حيث النبوة والندى والسودد
والعاقر الكوم الجلاد إذا غدت ... ريح يكاد الماء منها يجمد
والتارك القرن الكمي مجدلا ... يوم الكريهة والقنا يتقصد
وتراه يرفل في الحديد كأنه ... ذو لبدة شئن البراثن أربد
عم النبي محمد وصفيه ... ورد الحمام فطاب ذاك المورد
وأتى المنبه معلما في أسرة ... نصروا النبي ومنهم المستشهد
ولقد إخال بذاك هندا بشرت ... لتميت داخل غصة لا تبرد
مما صبحنا بالقنقل قومها ... يوما تغيب فيه عنها الأسعد(4/111)
وببئر بدر إذ يرد وجوههم ... جبريل تحت لوائنا ومحمد
حتى رأيت لدى النبي سراتهم ... قسمين يقتل من نشاء ويطرد
فأقام بالعطن المعطن منهم ... سبعون عتبة منهم والأسود
وابن المغيرة قد ضربنا ضربة فوق الوريد لها رشاش مزبد
وأمية الجمعي قوم ميله ... عضب بأيدي المؤمنين مهند
فأتاك فل المشركين كأنهم ... والخيل تثقفنهم نعام شرد
شتان من هو في جهنم ثاويا ... أبدا ومن هو في الجنان مخلد
وقال كعب أيضا يبكي خمزة ... صفية قومي ولا تعجزي ... وبكي النساء على حمزة
ولا تسأمي أن تطيلي البكا ... على اسد الله في الهزة
فقد كان عزا لأيتامنا ... وليث الملاحم في البزة
يريد بذاك رضا أحمد ... ورضوان ذي العرش والعزة
ما قاله كعب في غزوة أحد وقال كعب أيضا في أحد ... إنك عمر أبيك الكريم ... أن تسألي عنكك من يجتدينا
فإن تسألي ثم لا تكذبي ... يخبرك من قد سألت اليقينا
بأنا ليالي ذات العظام ... كنا ثمالا لمن يعترينا(4/112)
تلوذ البجود بأذرائنا ... من الضر في أزمات السنينا
بجدوى فضول أولى وجدنا ... وبالصبر والبذل في المعدمينا
وأبقت لنا جلمات الحروب ... ممن نوازي لدن أن برينا
معاطن تهوى إليها الحقوق ... يحسبها من رآها الفتينا
تخيس فيها عتاق الجمال ... صحما دواجن حمرا وجونا
ودفاع رجل كموج الفرات ... يقدم جأواء جولا طحونا
ترى لونها مثل لون النجوم ... رجراجة تبرق الناظرينا
فإن كنت عن شأننا جاهلا ... فسل عنه ذا العلم ممن يلينا
بنا كيف نفعل إن قلصت ... عوانا ضروسا عضوضا حجونا
ألسنا نشد عليها العصاب ... حتى تدر وحتى تلينا(4/113)
ويوم له رهج دائم ... شديد التهاول حامي الأرينا
طويل شديد أوار القتال ... تنفي قواحزه المقرفينا
تخال الكماة بأعراضه ... ثمالا على لذة منزفينا
تعاور أيمانهم بينهم ... كئوس المنايا بحد الظبينا
شهدنا ككنا أولي بأسه ... وتحت العماية والمعلمينا
بخرس الحسيس حسان رواء ... وبصرية قد أجمن الجفونا
فما ينفللن وما ينحنين ... وما ينتهين إذا ما نهينا
كبرق الخريف بأيدي الكماة ... يفجعن بالظل هاما سكونا
وعلمنا الضرب آباؤنا ... وسوف نعلم أيضا بنينا
جلاد الكماة وبذل التلاد ... عن جل أحسابنا ما بقينا
إذا مر قرن كفى نسله ... وأورثه بعده آخرينا
نشب وتهلك آباؤنا ... وبينا نربي بنينا فنينا
سألت بك ابن الزبعري فلم ... أنبأك في القوم إلا هجينا(4/114)
خبيثا تطيف بك المنديات ... مقيما على اللؤم حينا فحينا
تبجست تهجو رسول المليك ... قاتلك الله جلفا لعينا
بقول الخنا ثم ترمى به ... نقي الثياب تقيا أمينا.
قال ابن هشام أنشدني بيته بنا كيف نفعل والبيت الذي يليه والبيت الثالث منه وصدر الرابع منه وقوله نشب وتهلك آباؤنا والبيت الذي يلييه والبيت الثالث منه أبو زيد الأنصاري.
قال ابن إسحاق وقال كعب بن مالك أيضا في يوم أحد ... سائل قريشا غداة السفح من أحد ... ماذا لقينا وما لاقوا من الهرب
كنا الأسود وكانوا النمر إذ زحفوا ... ما إن نراقب من آل ولا نسب
فكم تركنا بها من سيد بطل ... حامي الذمار كريم الجد والحسب
فينا الرسول شهاب ثم يتبعه ... نور مضىء له فضل على الشهب
الحق منطقة والعدل سيرته ... فمن يجبه إليه ينج من تبب
نجد المقدم ماضي الهم معتزم ... حين القلوب على رجف من الرعب
يمضي ويذمرنا عن غير معصية ... كأنه البدر لم يطبع على الكذب
بدا لنا فاتبعناه نصدقه ... وكذبوه فكنا أسعد العرب
جالوا وجلنا فما فاءوا ... ونحن نثفنهم لم نأل في الطلب
ليسا سواء وشتى بين أمرهما ... حزب الإله وأهل الشرك والنصب.
قال ابن هشام أنشدني من قوله يمضي ويذمرنا الى آخرها أبو زيد الأنصاري
شعر ابن رواحة في رثاء حمزة قال ابن اسحاق وقال عبدالله ابن رواحة يبكي حمزة بن عبد المطلب قال ابن هشام أنشدنيها(4/115)
أبو زيد الأنصاري لكعب بن مالك ... بكت عيني وحق لها بكاها ... وما يعني البكاء ولا العويل
على اسد الإله غداة قالوا ... أحمزة ذاكم الرجل القتيل
أصيب المسلمون به جميعا ... هناك وقد أصيب به الرسول
أبا يعلى لك الأركان هدت ... وأنت الماجد البر الوصول
عليك سلام ربك في جنان ... مخالطها نعيم لا يزول
ألا يا هاشم الأخيار صبرا ... فكل فعالكم حسن جميل
رسول الله مصطبر كريم ... بأمر الله ينطق إذ يقول
ألا من مبلغ عني لؤيا ... فبعد اليوم دائلة تدول
وقبل اليوم ما عرفوا وذاقوا ... وقائعنا بها يشفي الغليل
نسيتم ضربنا بقليب بدر ... غداة اتاكم الموت العجيل
غداة ثوى أبو جهل صريعا ... عليه الطير حائمة تجول
وعتبة ابنه خرا جميعا ... وشيبة عضه السيف الصقيل
ومتركنا أمية مجلعبا ... وفي حيزومه لدن نبيل
وهام بنى ربيعة سائلوها ... ففي اسيافنا منها فلول
ألا يا هند فابكي لا تملي ... فانت الواله العبرى الهبول
ألا يا هند لا تبدي شماتا ... بحمزة إن عزكم ذليل
ما قاله كعب بن مالك في أحد قال ابن اسحاق وقال كعب بن مالك ... أبلغ قريشا على نأيها ... أتفخر منا بما لم تلي(4/116)
فخرتم بقتلي أصابتهم ... فواضل من نعم المفضل
فحلوا جنانا وأبقوا لكم ... أسودا تحامي عن الأشبل
تقاتل عن دينها وسطها ... نبي عن الحق لم ينكل
رمته معد بعور الكلام ... ونبل العداوة لا تأتلي.
قال ابن هشام أنشدني قوله لم تلي وقوله من نعم المفضل أبو زيد الأنصاري
ما قاله ضرار بن الخطاب من الشعر في غزوة احد قال ابن اسحاق وقال ضرار بن الخطاب في يوم احد ... ما بال عينك قد أزرى بها السهد ... كأنما جال في أجفانها الرمد
أمن فراق حبيب كنت تألفه ... قد حال من دونه الأعداء والبعد
أم ذاك من شغب قوم لا جداء بهم ... إذ الحروب تلظت نارها تقد
ما ينتهون عن الغي الذي ركبوا ... وما لهم من لؤي ويحهم عضد
وقد نشدناهم بالله قاطبة ... فما تردهم الأرحام والنشد
حتى إذا ما أبوا إلا محاربة ... واستحصدت بيننا الأضعان والحقد
سرنا إليهم بجيش في جوانبه ... قوانس البيض والمحبوكة السرد ... والجرد ترفل بالأبطال شازبة ... كأنها حدا في سيرها تؤد
جيش يقودهم صخر ويرأسهم ... كأنه ليث غاب هاصر حرد
فأبرز الحين قوما من منازلهم ... فكان منا ومنهم ملتقي أحد(4/117)
فغودرت منهم قتلى مجدلة ... كالمعز أصرده بالصردح البرد
قتلى كرام بنو النجار وسطهم ... ومصعب من قنانا حوله قصد
وحمزة القرم مصروع تطيف به ... ثكلى وقد حز منه الأنف والكبد
كأنه حين يكبو في جديته ... تحت العجاج وفيه ثعلب جسد
حوار ناب وقد ولى صحابته ... كما تولى النعام الهارب الشرد
مجلحين ولا يلوون قد ملئوا ... رعبا فنجتهم العوصاء والكؤد
تبكي عليه نساء لا بعول لها ... من كل سالبة اثوابها قدد
وقد تركناهم للطير ملحمة ... وللضباع الي أجسادهم تفد.
قال ابن هشام وبعض أهل العلم بالشعر ينكرها لضرار
ما ارتجز به أبو زعنة يوم أحد قال ابن اسحاق وقال ابو زعنة بن عبدالله بن عمرو بن عتبة أخو بني جشم بن الخزرج يوم أحد ... انا أبو زعنة يعدو بي الهزم ... لم تمنع المخزاة إلا بالألم
يحمي الذمار خزرجي من جشم(4/118)
ما نسب لعلي رضي الله عنه من الرجز يوم أحد وقال ابن اسحاق وقال علي بن ابي طالب قال ابن هشام قالها رجل من المسلمين يوم احد غير علي فيما ذكر لي بعض أهل العلم بالشعر ولم أر أحدا منهم يعرفها لعلي ... لأهم إن الحارث بن الصمة ... كان وفيا وبنا ذا ذمة
أقبل في مهامة مهمة ... كليلة ظلماء مدلهمة
بين سيوف ورماح جمة ... يبغي رسول الله فيما ثمة
قال ابن هشام قوله كليلة عن غير ابن إسحاق
ما قاله عكرمة يوم أحد قال ابن اسحاق وقال عكرمة بن أبي جهل في يوم أحد ... كلهم يزجره أرحب هلا ... ولن يروه اليوم إلا مقبلا
يحمل رمحا ورئيسا جحفلا
ما قاله أعشى بن زرارة يبكي قتلى أحد من بني عبد الدار وقال الأعشى بن زرارة بن النباش التميمي قال ابن هشام ثم أحد بني أسد بن عمرو بن تميم يبكي قتلى بن عبد الدار يوم أحد ... حيي من حي علي نأيهم ... بنو أبي طلحة لا تصرف
يمر ساقيهم عليهم بها ... وكل ساق لهم يعرف
لا جارهم يشكو ولاضيفهم ... من دونه باب لهم يصرف(4/119)
ما قاله ابن الزبعري يوم أحد وقال عبدالله بن الزبعرى يوم أحد ... قتلنا ابن جحش فاغتبطنا بقتله ... وحمزة في فرسانه وابن قوقل
وأفلتنا منهم رجال فأسرعوا ... فليتهم عاجوا ولم نتعجل
أقاموا لنا حتى تعض سيوفنا ... سراتهم وكلنا غير عزل
وحتى يكون القتل فينا وفيهم ... ويلقوا صبوحا شره غير منجلي.
قال ابن هشام وقوله وكلنا قوله ويلقوا صبوحا عن غير ابن إسحاق
ما رثت به صفية أخاها حمزة قال ابن اسحاق وقالت صفية بنت عبد المطلب تبكي أخاها حمزة بن عبد المطلب ... أسأئله أصحاب أحد مخافة ... بنات أبي من أعجم وخبير
فقال الخبير إن حمزة قد ثوى ... وزير رسول الله خير وزير
دعاه إله الحق ذو العرش عوة ... الى جنة يحيا بها وسرور
فذلك ما كنا نرجي ونرتجي ... لحمزة يوم الحشر خير مصير
فوالله لا أنساك ما هبت الصبا ... بكاء وحزنا محضري ومسيري
على أسد الله الذي كان مدرها ... يذود عن الإسلام كل كفور
فيا ليت شلوي عند ذاك واعظمي ... لدى أضبع تعتاذني ونسور
أقول وقد أعلى النعي عشيرتي ... جزى الله خيرا من أخ ونصير
بكاء وحزنا محضري ومسيري
ما بكت به نعم زوجها شماسا قال ابن اسحاق وقالت نعم امرأة شماس بن عثمان تبكي شماسا وقد أصيب يوم أحد(4/120)
يا عين جودي بفيض غير أبساس ... على كريم من الفتيان إباس
صعب البديهة ميمون نقبيته ... حمال ألوية ركاب أفراس
أقول لما أتى الناعي له جزعا ... أودي الجواد وأودى المطعم الكاسي
وقلت لما خلت منه مجالسه ... لا يبعد الله عنا قرب شماس
ما قاله ابو الحكم أخو نعم يعزيها فأجابها أخوها وهو أبو الحكم بن سعيد بن يربوع يعزيها فقال ... اقنى حياءك في ستر وفي كرم ... فإنما كان شماس من الناس
لا تقتلي النفس إذ حانت منيته ... في طاعة الله يوم الروع والباس
قد كان حمزة ليث الله فاصطبري ... فذاق يومئذ من كأس شماس
ما قالته هند بنت عتبة بعد رجوعها من احد وقالت هند بنت عتبة حين انصرف المشركون عن احد ... رجعت وفي نفسي بلابل جمة ... وقد فاتني بعض الذي كان مطلبي
من اصحاب بدر من قريش وغيرهم ... بني هاشم منهم ومن أهل يثرب
ولكنني قد نلت شيئا ولم يكن ... كما كنت أرجوافي مسيري ومركبي.
قال ابن هشام وأنشدني بعض أهل العلم بالشعر قولها ... وقد فاتني بعض الذي كان مطلبي
وبعضهم ينكرها لهند والله أعلم(4/121)
$ ذكر يوم المرجيع في سنة ثلاث
مقتل خبيب وأصحابه قال حدثنا أبو محمد عبد الملك بن هشام قال حدثنا زياد بن عبدالله البكائي عن محمد بن إسحاق المطلبي قال حدثنا عاصم بن عمر بن قتادة قال قدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد أحد رهط من عصل والقارة
نسب عضل والقارة قال ابن هشام عضل والقارة من الهون بن خزيمة بن مدركة.
قال ابن هشام ويقال الهون بضم الهاء
النفر من المسلمن الذين ذهبوا لتعليمهم قال ابن اسحاق فقالوا يا رسول الله إن فينا إسلاما فابعث معنا نفرا من أصحابك يفقهوننا في الدين ويقرئوننا القرآن ويعلموننا شرائع الإسلام فبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم نفرا ستة من أصحابه وهم مرثد بن أبي مرثد الغنوي حليف حمزة بن عبد المطلب وخالد بن البكير الليثي حليف بني عدي بن كعب وعاصم بن ثابت بن أبي الأقلح أخو بني عمرو ابن عوف بن مالك بن الأوس وخبيب بن عدي أخو بني جحجبي بن كلفة بن عمرو بن عوف وزيد بن الدثنة بن معاوية(4/122)
أخو بني بياضة بن عمرو بن زريق بن عبد حارثة بن مالك بن غصب ابن جشم بن الخزرج وعبد الله بن طارق حليف بني ظفر بن الخزرج ابن عمرو بن ملاك بن الأوس
غدر عضل والقارة بمن أرسلهم الرسول وامر رسول الله صلى الله عليه وسلم على القوم مرثد بن ابي مرثد الغنوى فخرج مع القوم حتى إذا كانوا على الرجيع ماء لهذيل بناحية الحجاز على صدور الهدأة غدروا بهم فاستصرخوا عليهم هذيلا فلم يرع القوم وهم في رحالهم إلا الرجال بأيديهم السيوف قد غشوهم فأخذوا أسيافهم ليقاتلوهم فقالو لهم إنا والله ما نريد قتلكم ولكنا نريد ان نصيب بكم شيئا من أهل مكة ولكم عهد الله وميثاقه أن لا نقتلكم
من قتل منهم فأما مرثد بن أبي مرثد وخالد بن البكير وعاصم ابن ثابت فقالوا والله لا نقبل من مشرك عهدا ولا عقد أبدا فقال عاصم بن ثابت ... ما علتي وأنا جلد ونابل ... والقوس فيها وتر عنابل
تزل عن صفحتها المعابل ... الموت حق والحياة باطل
وكل ما حم الإله نازل ... بالمرء والمرء إليه آئل
إن لم أقاتلكم فأمي هابل(4/123)
قال ابن هشام هابل ثاكل
وقال عاصم بن ثابت أيضا ... أبو سليمان وريش المعقد ... وضالة مثل الجحيم الموقد
إذا النواجي افترشت لم أرعد ... ومجنأ من جلد ثور أجرد
ومؤمن بما على محمد
وقال عاصم بن ثابت أيضا ... أبو سليمان ومثلي رامي ... وكان قومي معشرا كراما
وكان عاصم بن ثابت يكن أبا سليمان ثم قاتل القوم حتى قتل وقتل صاحباه
حماية الدبر عاصما فلما قتل عاصم أرادت هذيل أخذ رأسه ليبيعوه من سلافة بنت سعد بن شهيد وكانت قد نذرت حين أصاب ابنيها يوم أحد لئن قدرت على رأس عاصم لتشربن في قحفه الخمر فمنعه الدبر فلما حالت بينه وبينهم قالوا دعوه يمسي فتذهب عنه فنأخذه فبعث الله الوادي فاحتمل عاصما فذهب به وقد كان عاصم قد أعطى الله عهدا أن لا يمسه مشرك ولا يمس مشركا أبدا تنجسا فكان عمر بن الخطاب رضي الله عنه يقول حين بلغه أن الدبر منعته يحفظ الله العبد المؤمن كان عاصم نذر أن لا يمسه مشرك ولا يمس مشركا أبدا في حياته فمنعه الله بعد وفاته كما امتنع منه في حياته(4/124)
بيع خبيب وابن الدثنة وقتل عبدالله بن طارق وأما زيد ابن الدثنة وخبيب بن عدي وعبدالله بن طارق فلانوا ورقوا ورغبوا في الحياة فأعطوا بأيديهم فأسروهم ثم خرجوا الى مكة ليبيعوهم بها حتى إذا كانوا بالظهران انتزع عبدالله بن طارق يده من القران ثم أخذ سيفه واستأخر عنه القوم فرموه بالحجارة حتى قتلوه فقبره رحمه الله بالظهران وأما خبيب بن عدي وزيد بن الدثنة فقدموا بهما مكة.
قال ابن هشام فباعوهما من قريش بأسيرين من هذيل كانا بمكة.
قال ابن إسحاق فابتاع خبيبا حجير بن أبي إهاب التميمي حليف بني نوفل لعقبة بن الحارث بن عامر بن نوفل وكان أبو إهاب أخا الحارث بن عامر لأمه فقتله بأبيه.
قال ابن هشام الحارث بن عامر خال أبي إهاب وأبو أهاب أحد بني أسيد بن عمرو بن تميم ويقال أحد بني عدس بن زيد ابن عبد الله بن دارم من بن تميم
من قوة إيمان ابن الدثنة قال ابن اسحاق وأما زيد بن الدثنة فابتاعه صفوان بن أمية ليقتله بأبيه أمية بن خلف وبعث به صفوان بن أمية مع مولى له يقال له نسطاس الى التنعيم وأخرجوه من الحرم ليقتلوه واجتمع رهط من قريش فيهم أبو سفيان بن حرب فقال له ابو سفيان حين قدم ليقتل أنشدك الله يا زيد أتحب أن محمدا عندنا الآن في مكانك نضرب عنقه وأنك في أهلك قال(4/125)
والله ما أحب أن محمدا الآن في مكانه الذي هو فيه تصيبه شوكة تؤذيه وأني جالس في أهلي قال يقول أبو سفيان ما رايت في الناس أحدا يحب أحدا كحب أصحاب محمد محمدا ثم قتله نسطاس يرحمه الله
دعوة خبيب ومقتله وأما خبيب بن عدي فحدثني عبدالله بن أبي نجيح أنه حدث عن ماوية مولاة حجير بن أبي إهاب وكانت قد أسملت قالت كان خبيب عندي حبس في بيتي فلقد اطلعت عليه يوما وإن في يده لقطفا من عنب مثل رأس الرجل يأكل منه وما أعلم في ارض الله عنبا يؤكل.
قال ابن إسحاق وحدثني عاصم بن عمر بن قتادة وعبد الله بن أبي نجيح جميعا أنها قالت قال لي حين حضره القتل ابعثي إلي بحديدة أتطهر بها للقتل قالت فأعطيتت غلاما من الحي الموسى فقلت ادخل بها على هذا الرجل البيت قالت فوالله ما هو إلا أن ولى الغلام بها إليه فقلت ماذا صنعت أصاب والله الرجل ثأره بقتل هذا الغلام فيكون رجلا برجل فلما ناوله الحديدة أخذها من يده ثم قال لعمرك ما خافت أمك غدري حين بعثتك بهذه الحديدة إلي ثم خلى سبيله.
قال ابن هشام ويقال إن الغلام ابنها.
قال ابن إسحاق قال عاصم ثم خرجوا بخبيب حتى إذا جاءوا به الى التنعيم ليصلبوه قال لهم إن رأيتم ان تدعوني حتى أركع ركعتين فافعلوا قالوا دونك فاركع فركع ركعيتن أتمهما وأحسنهما ثم أقبل على القوم فقال أما والله لولا أن تظنوا أني إنما طولت جزعا من القتل لاستكثرت من الصلاة قال فكان خبيب بن عدي(4/126)
أول من سن هاتين الركعتين عند القتل للمسلمين قال ثم رفعوه على خشبة فلما أوثقوه قال اللهم أنا قد بلغنا رسالة رسولك فبلغه الغداة ما ينصنع بنا ثم قال اللهم أحصهم عددا واقتلهم بددا ولا تغادر منهم احدا ثم قتلوه رحمه الله
فكان معاوية بن أبي سفيان يقول حضرته يومئذ فيمن حضره مع أبي سفيان فلقد رأيته يلقيني الى الأرض فرقا من دعوة خبيب وكانوا يقولون إن الرجل إذا دعي عليه فاضطجع لجنبه زالت عنه
قالا ابن اسحاق حدثني يحيى بن عباد بن عبد الله بن الزبير عن أبيه عباد عن عقبة بن الحارث قال سمعته يقول ما أنا والله قتلت خبيبا لأني كنت أصغر من ذلك ولكن أبا ميسرة أخا بن عبد الدار أخذ الحربة فجلعها في يدي ثم أخذ بيدي وبالحربة ثم طعنه بها حتى قتله.
قال ابن إسحاق وحدثني بعض أصحابنا قال كان عمر بن الخطاب رضي الله عنه استعمل سعيد بن عامر بن حذيم الجمحي على بعض الشام فكانت تصيبه غشية وهو بين ظهري القوم فذكر ذلك لعمر ابن الخطاب وقيل إن الرجل مصاب فسأله عمر في قدمه قدمها عليه فقال يا سعيد ما هذا الذي يصيبك فقال والله يا أمير المؤمنين ما بي من بأس ولكني كنت فيمن حضر خبيب بن عدي حين(4/127)
قتل وسمعت دعوته فوالله ما خطرت على قلبي وأنا في مجلس قط إلا غشي علي فزادته عند عمر خيرا.
قال ابن هشام أقام خبيب في أيديهم حتى انقضت الأشهر الحرم ثم قتلوه
ما نزل في سرية الرجيع من القرآن قال ابن اسحاق وكان مما نزل من القرآن في تلك السرية كما حدثني مولى لآل زيد ابن ثابت عن عكرمة مولى ابن عباس أو عن سعيد بن جبير عن ابن عباس
قال قال ابن عباس لما اصيبت السرية التي كان فبها مرثد وعاصم بالرجيع قال رجال من المنافقين يا ويح هؤلاء المقتولين الذي هلكوا لا هم قعدوا في أهليهم ولا هم أدوا رسالة صاحبهم فانزل الله تعالى في ذلك من قول المنافقين وما أصاب أولئك النفر من الخير بالذي أصابهم فقال سبحانه {ومن الناس من يعجبك قوله في الحياة الدنيا} أي لما يظهر من الإسلام بلسانه {ويشهد الله على ما في قلبه} وهو مخالف لما يقول بلسانه {وهو ألد الخصام} أي ذو جدال إذا كلمك واجعك.
قال ابن هشام الألد الذي يشغب فتشتد خصومته وجمعه لد وفي كتاب الله عز وجل {وتنذر به قوما لدا} وقال المهلهل(4/128)
ابن ربيعة التغلبي واسمه امرؤ القيس ويقال عدي بن ربيعة ... إن تحت الأحجار حدا ولينا ... وخصيما ألد ذا معلاق
ويروي ذا مغلاق فيما قال ابن هشام وهذا البيت في قصيدة له وهو الألندد
قال الطرماح بن حكيم الطائي يصف الحرباء
يوفي على جذم الجذول كأنه ... خصم أبر على الخصوم ألندد
وهذا البيت في قصيدة له.
قال ابن إسحاق قال تعالي {وإذا تولى} أي خرج من عندك {سعى في الأرض ليفسد فيها ويهلك الحرث والنسل والله لا يحب الفساد} أي لا يحب عمله ولا يرضاه {وإذا قيل له اتق الله أخذته العزة بالإثم فحسبه جهنم ولبئس المهاد ومن الناس من يشري نفسه ابتغاء مرضات الله والله رؤوف بالعباد} أي قد شروا أنفسهم من الله بالجهاد وفي سبيله والقيام بحقه حتى هلكوا على ذلك يعني تلك السرية.
قال ابن هشام يشري نفسه يبيع نفسه وشروا باعوا قال يزيد ابن ربيعة بن مفرغ الحميري ... وشريت بردا ليتني ... من بعد برد كنت هامة(4/129)
برد غلام له باع وهذا البيت في قصيدة له وشرى ايضا اشترى
قال الشاعر ... فقلت لها لا تجزعي أم مالك ... على ابنيك إن عبد لئيم شراهما
شعر خبيب قبل صلبه قال ابن اسحاق وكان مما قيل في ذلك من الشعر قول خبيب بن عدي حين بلغه أن القوم قد اجتمعوا لصلبه.
قال ابن هشام وبعض أهل العلم بالشعر ينكرها له ... لقد جمع الأحزاب حولي وألبوا ... قبائلهم واستجمعوا كل مجمع
وكلهم مبدي العداوة جاهد ... علي لأني في وثاق بمضيع
وقد جمعوا أبناءهم ونساءهم ... وقربت من جذع طويل ممنع
الى الله أشكو غربتي ثم كربتي ... وما أرصد الأحزاب لي عند مصرعي
فذا العرش صبرني على ما يراد بي ... فقد بضعوا لحمي وقد ياس مطمعي
وذلك في ذات الإله وإن يشأ ... يبارك على أوصال سلو ممزع
وقد خيرون الكفر والموت دونه ... وقد هملت عيناي من غير مجزع
وما بي حذار الموت إني لميت ... ولكن حذاري جحم نار ملفع
فوالله ما أرجوا إذا مت مسلما ... على اي جنب كان في الله مصرعي
فلست بمبد للعدو تخشعا ... ولا جزعا إني الى الله مرجعي
حسان يرثي خبيبا وقال حسان بن ثابت يبك خبيبا ... ما بال عينك لا ترقا مدامعها ... سحا على الصدر مثل اللؤلؤ القلق(4/130)
على خبيب فتى الفتيان قد علموا ... لا فشل حين تلقاه ولا نزق
فاذهب خبيب جزاك الله طيبة ... وجنة الخلد عند الحور في الرفق
ماذا تقولون إن قال النبي لكم ... حين الملائكة الأبرار في الأفق
فيم قتلتم شهيد الله في رجل ... طاغ قداوعث في البلدان والرفق.
قال ابن هشام ويروي الطرق وتركنا ما بقي منها لأنه أقذع فيها.
قال ابن إسحاق وقال حسان بن ثابت أيضا يبكي خبيبا ... يا عين جودي بدمع منك منسكب ... وابكي خبيبا مع الفتيان لم يؤب
صقرا توسط في الأنصار منصبه ... سمح السجية محضا غير مؤتشب
قد هاج عين على علات عبرتها ... إذ قيل نص الى جذع من الخشب
يأيها الراكب الغادي لطيته ... أبلغ لديك وعيدا ليس بالكذب
بني كهيبة أن الحرب قد لقحت ... محلوبها الصاب إذ تمري لمحتلب
فيها أسود بني النجار تقدمهم ... شهب الأسنة في معصوصب لجب(4/131)
قال ابن هشام وهذه القصيدة مثل التي قبلها وبعض أهل العلم بالشعر ينكرهما لحسان وقد تركنا أشياء قالها حسان في أمر خبيب لما ذكرت.
قال ابن إسحاق وقال حسان بن ثابت ايضا ... لو كان في الدار قرم ماجد بطل ... ألوى من القوم صقر خاله أنس
إذن وجدت خبيبا مجلسا فسحا ... ولم يشد عليك السجن والحرس
ولم تسقك الى التنعيم زعنفة ... من القبائل منهم من نفت عدس
دلوك غدرا وهم فيها أولو خلف ... وأنت ضيم لها في الدار محتبس.
قال ابن هشام أنس الأصم السلمي خال مطعم بن عدي بن نوفل بن عبد مناف وقوله من نفت عدس يعني حجير بن أبي إهاب ويقال الأعشى بن زرارة بن النباش الأسدي وكان حليفا لبني نوفل بن عبد مناف
من اجتمعوا لقتل خبيب قال ابن اسحاق وكان الذين أجلبوا على خبيب في قتله حين قتل من قريش عكرمة بن أبي جهل وسعيد(4/132)
ابن عبد الله بن أبي قيس بن عبد ود والأخنس بن شريق الثقفي حليف بني زهرة وعبيدة بن حكيم بن أمية بن حارثة بن الأوقص السلمي حليف بني أمة بن عبد شمس وأمية بن أبي عتبة وبنو الحضرمي
حسان يهجو هذيل لقتلهم خبيبا وقال حسان أيضا يهجو هذيلا فيما صنعوا بخيب بن عدي ... أبلغ بني عمرو بأن أن أخاهم ... شراه أمرؤ قد كان للغدر لازما
شراه زهير بن الأغر وجامع ... وكانا جميعا يركبان المحارما
أجرتم فلما أن أجرتم غدرتم ... وكنتم بأكتاف الرجيع لهاذما
فليت خبيبا لم تحنه أمانة ... وليت خبيبا كان بالقوم عالما.
قال ابن هشام زهير بن الأغر وجامع الهذليان اللذان باع خبيبا.
قال ابن إسحاق وقال حسان بن ثابت أيضا ... إن سرك الغدر صرفا لا مزاج له ... فأت الرجيع فسل عن دار لحيان
قوم تواصوا بأكل الجار بينهم ... فالكلب والقرد والإنسان مثلان
لو ينطق التيس يوما قام يخطبهم ... وكان ذا شرف فيهم وذا شان.
قال ابن هشام وانشدني أبو زيد الأنصاري قوله ... لو ينطق التيس يوما قال يخطبهم ... وكان ذا شرف فيهم وذا شان
قال ابن اسحاق وقال حسان بن ثابت أيضا يهجو هذيلا(4/133)
سالت هذيل رسول الله فاحشة ... ضلت هذيل بما سالت ولم تصب
سالوا رسولهم ما ليس معطيهم ... حتى الممات وكانوا سبة العرب
ولن ترى لهذيل داعيا أبدا ... يدعو لمكرمة عن منزل الحرب
لقد أرادوا خلال الفحش ويحهم ... وأن يحلوا حراما كان في الكتب
وقال حسان بن ثابت أيضا يهجو هذيلا ... لعمر ي لقد شانت هذيل بن مدرك ... أحاديث كانت في خبيب وعاصم
أحاديث لحيان بقبيحها ... ولحيان جرامون شر الجرائم
أناس هم من قومهم في صميمهم ... بمنزلة الزمعان دبر القوادم
هم غدروا يوم الرجيع وأسلمت ... أمانتهم ذا عفة ومكارم
رسول رسول الله غذرا ولم تكن ... هذيل توقى منكرات المحارم
فسوف يرون النصر يوما عليهم ... بقتل الذي تحميه دون الحرائم
أبابيل دبر شمس دون لحمه ... حمت لحم شهاد عظام الملاحم
لعل هذيلا أن يروا بمصابه ... مصارع قتلى أو مقاما لمأتم
ونوقع فيهم وقعة ذات صولة ... يوافي بها الركبان أهل المواسم
بأمر رسول الله إن رسوله ... رأى رأي ذي حزم بلحيان عالم(4/134)
قبيلة ليس الوفاء يهمهم ... وإن ظلموا لم يدفعوا كف ظالم
إذا الناس حلوا بالقضاء رأيتهم ... بمجرى مسيل الماء بين المخارم
محلهم دار البوار ورأيهم
إذا نابهم أمر كرأي البهائم
وقال حسان بن ثابت يهجو هذيلا ... لحى الله لحيانا فليست دماؤهم ... لنا من قتيلى غذرة بوفاء
همو قتلوا يوم الرجيع ابن حرة ... أخا ثقة في وده وصفاء ... فلو قتلوا يوم الرجيع بأسرهم
بذي الدبر ما كانوا له بكفاء
قتيل حمته الدبر بين بيوتهم ... لدى أهل كفر ظاهر وجفاء
فقد قتلت لحيان أكرم منهم وباعوا خبيبا ويلهم بلفاء
فأف للحيان على كل حالة ... على ذكرهم في الذكر كل عفاء
قبيلة باللؤم والغدر تغتري ... فلم تمس يخفى لؤمها بخفاء
فلو قتلوا لم توف منه دماؤهم ... بلى إن قتل القاتليه شفائي
فإلا أمت أذعر هذيلا بغارة ... كغادي الجهام المغتدي بإفاء
بأمر رسول الله والأمر أمره ... يبيت للحيان الخنا بفناء
يصبح قوما بالرجيع كأنهم ... جداء شتاء بتن غير دفاء
وقال حسان بن ثابت أيضا يهجو هذيلا ... فلا والله ما تدرى هذيل ... أصاف ماء زمزم أم مشوب(4/135)
ولا لهم إذا اعتمروا وحجوا ... من الحجرين والمسعى نصيب
ة ولكن الرجيع لهم محل ... به اللؤم المبين والعيوب
كأنهم لدى الكفات أصلا ... تيوس بالحجاز لها نبيب
هم غروا بذمتهم خبيبا ... فبئس العهد عهدهم الكذوب.
قال ابن هشام آخرها بيتا عن أبي زيد الأنصاري
حسان يرثي خبيبا وأصحابه قال ابن اسحاق وقال حسان ابن ثابت يبكي خبيبا وأصحابه ... صلى الإله على الذين تتابعوا ... يوم الرجيع فأكرموا وأثيبوا
رأس السرية مرثد وأميرهم ... وابن البكير إمامهم وخبيب
وابن لطارق وابن ذثنة منهم ... وافاة ثم حمامه المكتوب
والعاصم المقتول عند رجيعهم ... كسب المعالي إنه لكسوب
منع المقادة أن ينالوا ظهره ... حتى يجالد إنه لنجيب.
قال ابن هشام ويروي حتى يجدل إنه لنجيب.
قال ابن هشام وأكثر أهل العلم بالشعر ينكرها لحسان(4/136)
$ حديث بئر معونة في صفر سنة اربع
قال ابن اسحاق فأقام رسول الله صلى الله عليه وسلم بقية شوال وذا القعدة وذا الحجة وولي تلك الحجة المشركون والمحرم ثم بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم أصحاب بئر معونة في صفر على رأس أربعة أشهر من احد
سبب إرسال بعث معونة وكان من حديثهم كما حدثني ابي إسحاق بن يسار عن المغيرة بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام وعبدالله بن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم وغيره من اهل العلم قالوا قدم أبو براء عامر بن مالك بن جعفر ملاعب الأسنة على رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة فعرض عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم الإسلام ودعاه إليه فلم يسلم ولم يبعد من الإسلام وقال يا محمد لو بعثت رجالا من اصحابك الى أهل نجد فدعوهم الى أمرك رجوت أن يستجيبوا لك فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم إني أخشى عليهم أهل نجد قال ابو براء أنا لهم جار فابعثهم فليدعوا الناس الى امرك(4/137)
من رجال البعث فبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم المنذر بن عمرو أخا بني ساعدة المعنق ليموت في أربعين رجلا من اصحابه من خيار المسلمين منهم الحارث بن الصمة وحرام بن ملحان أخو بني عدي بن النجار وعروة بن أسماء بن الصلت السلمي ونافع ابن بديل بن ورقاء الخزاعي وعامر بن فهيرة مولى أبي بكر الصديق في رجال مسمين من خيار المسلمين فساروا حتى نزلوا ببئر معونة وهي بين أرض بني عامر وحرة بني سليم كلا البلدين منها قريب وهي الى حرة بني سليم أقرب
غدر عامر بالبعث فلما نزلوها بعثوا حرام بن ملحان بكتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى عدو الله عامر بن الطفيل فلما أتاه لم ينظر في كتابه حتى عدا على الرجل فقتله ثم استصرخ عليهم بني عامر فأبوا أن يجيبوه الى ما دعاهم إليه وقالوا لن نخفر أبا براء وقد عقد لهم عقدا وجوارا فاستصرخ عليهم قبائل من بني سليم من عصية ورعل وذكوان فأجابوه الى ذلك فخرجوا حتى غشوا القوم فأحاطوا بهم في رحالهم فلما رأوهم أخذوا سيوفهم ثم قاتلوهم حتى قتلوا من عند آخرهم يرحمهم الله إلا كعب بن زيد أخا بني دينار ابن النجار فإنهم تركوه وبه رمق الموت فارتث من بين القتلى فعاش حتى قتل يوم الخندق شهيدا رحمه الله
وكان في سرح القوم عمرو بن أمية الضمري ورجل من الأنصار أحد بني عمرو بن عوف(4/138)
قال ابن هشام هو المنذر بن محمد بن عقبة بن أحيحة بن الجلاح.
قال ابن إسحاق فلم ينبئهما بمصاب أصحابهما إلا الطير تحوم على العسكر فقالا والله إن لهذه الطير لشأنا فأقبلا لينظرا فإذا القوم في دمائهم وإذا الخيل التي أصابتهم واقفة فقال الأنصاري لعمرو بن أمية ما ترى قال ارى أن نلحق برسول الله صلى الله عليه وسلم فنخبره الخبر فقال الأنصاري لكني ما كنت لأرغب بنفسي عن موطن قتل فيه المنذر بن عمرو وماكنت لتخربني عنه الرجال ثم قاتل القوم حتى قتل واخذوا عمرو بن أمية أسيرا فلما أخبرهم أنه من مضر أطلقه عامر بن الطفيل وجز ناصيته وأعتقه عن رقبة زعم أنها كانت على أمه
ثأر عمرو بن امية من العامريين فخرج عمرو بن امية حتى إذا كان بالقرقرة من صدر قناة أقبل رجلان من بني عامر.
قال ابن هشام ثم من بني كلاب وذكر أبو عمرو المدني أنهما من بني سليم.
قال ابن إسحاق حتى نزلا معه في ظل هو فيه وكان مع العامريين عقد من رسول الله صلى الله عليه وسلم وجوار لم يعلم به عمرو بن أمية وقد سألهم حين نزلا ممن انتما فقالا من بني عامر فأمهلهما حتى إذا ناما عدا عليهما فقتلهما وهو يرى أنه قد أصاب بهما ثؤرة من بني عامر فيما أصابوا من اصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما قدم عمرو بن امية على رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبره الخبر قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لقد قتلت قتيلين لأدينهما(4/139)
ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم هذا عمل أبي براء قد كنت لهذا كارها متخوفا فبلغ أبا براء فشق عليه إخفار عامر إياه وما أصاب أصحاب رسول الله صلى الله عله وسلم بسببه وجواره وكان فيمن أصيب عامر أبن فهيرة.
قال ابن إسحاق فحدثني هشام بن عروة عن أبيه أن عمر ابن الطفيل كان يقول من رجل منهم لما قتل رأيته رفع بين السماء والأرض حتى رأيت السماء من دونه قالوا هو عامر بن فهيرة
سبب إسلام جبار بن سلمى قال ابن اسحاق وقد حدثني بعض بني جبار بن سلمى بن مالك بن جعفر قال وكان جبار فيمن حضرها يومئذ مع عامر ثم أسلم قال فكان يقول إن مما دعاني الى الإسلام إن طعنت رجلا منهم يومئذ بالرمح بين كتفيه فنظرت الى سنان الرمح حين خرج من صدره فسمعته يقول فزت والله فقلت في نفسي ما فاز ألست قد قتلت الرحل قال حتى سألت بعد ذلك عن قوله فقالوا للشهادة فقلت فاز لعمر الله
شعر حسان في تحريض بني براء على عامر بن الطفيل قال ابن اسحاق وقال حسان بن ثابت يحرض بني براء على عامر ابن الطفيل ... بني أم البنين ألم يرعكم ... وأنتم من ذوائب أهل نجد(4/140)
تهكم عامر بأبي براء ... ليخفره وما خطأ كعمد
ألا أبلغ ربيعة ذا المساعي ... فما أحدثت في الحدثان بعدي ... أبوك أبو الحروب أبو براء ... وخالك ماجد حكم بن سعد.
قال ابن هشام حكم بن سعد من القين بن جسر وام البنين بنت عمروة بن ربيعة بن عامر بن صعصة وهي أم أبي براء
طعن ربيعة عامرا قال ابن اسحاق فحمل ربيعة بن عامر بن مالك على عامر بن الطفيل فطعنه بالرمح فوقع في فخذه فأشواه ووقع عن فرسه فقال هذا عمل ابي براء إن أمت فدمي لعمي فلا يتبعن به وإن أعش فسأرى رأيي فيما أتى إلي
وقال انس بن عباس السلمي وكان خال طعيمة بن عدي بن(4/141)
نوفل وقتل يومئذ نافع بن بديل بن ورقاء الخزاعي ... تركت ابن ورقاء الخزاعي ثاويا ... بمعترك تسفي عليه الأعاصر
ذكرت أبا الريان لما رأيته ... وأيقنت أني عند ذلك ثائر
وأبو الريان طعيمة بن عدي
عبد الله بن رواحة يرثي نافع بن بديل وقال عبدالله بن رواحة يبكي نافع بن بديل بن ورقاء ... رحم الله نافع بن بديل ... رحمه المبتغي ثواب الجهاد
صابر اصادق وفي إذا ما ... أكثر القوم قال قول السداد
رثاء حسان قتلى بئر معونة وقال حسان بن ثابت يبكي قتلى بئر معونة ويخص المنذر بن عمرو ... على قتلي معونة فاستهلي ... بدمع العين سحا غير نزر
على خيل الرسول غداة لاقوا ... مناياهم ولاقتهم بقدر
أصابهم الفناء بعقد قوم ... تخون عقد حبلهم بغدر
فيا لهفي لمنذر أذ تولى ... وأعنق في منيته بصبر
وكائن قد أصيب غداة ذاكم من ابيض ماجد من سر عمرو.
قال ابن هشام أنشدني آخرها بيتا أبو زيد الأنصاري(4/142)
شعر كعب بن مالك في بئر معونة وأنشدني لكعب بن مالك في يوم بئر معونة يعير بني جعفر بن كلاب ... تركتم جاركم لبني سليم ... مخافة حربهم عجزا وهونا
فلوا حبلا تناول من عقيل ... لمد بحبلها حبلا متينا
أو القرطاء ما إن إسلموه ... وقدما ما وفوا إذا لا تقونا.
قال ابن هشام القرطاء قبيلة من هوازن فيروى من نفيل مكان من عقيل وهو الصحيح لأن القرطاء من نفيل قريب
أمر إجلاء بني النضير في سنة اربع
محاولتهم الغدر برسول الله صلى الله عليه وسلم قال ابن اسحاق ثم خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم الى بني النضير يستعينهم في دية ذينك القتيلين من بني عامر اللذين قتل عمرو بن امية الضمري للجوار الذي كان رسول الله صلى الله عليه وسلم عقد لهما كما حدثني يزيد بن رومان وكان بين بني النضير وبين بني عامر عقد وحلف فلما أتاهم رسول الله صلى الله عليه وسلم يستعينهم في دية ذينك القتيلين قالوا نعم يا أبا القاسم نعينك على ما أحببت مما استعنت بنا عليه ثم خلا بعضهم ببعض فقالوا إنكم(4/143)
لن تجدوا الرجل على مثل حاله هذه ورسول الله صلى الله عليه وسلم الى جنب جدار من بيوتهم قاعد فمن رجل يعلوا على هذا البيت فيلقي عليه صخرة فيريحنا منه فانتدب لذلك عمرو بن جحاش بن كعب أحدهم فقال أنا لذلك فصعد ليلقي عليه صخرة كما قال ورسول الله صلى الله عليه وسلم في نفر من اصحابه فيهم أبو بكر وعمر وعلي رصوان الله عليهم علمه صلى الله عليه وسلم بغدرهم واستعداده لحربهم فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم الخبر من السماء بما أراد القوم فقام وخرج راجعا الى المدينة فلما استلبث النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه قاموا طلبه فلقوا رجلا مقبلا من المدينة فسألوه عنه فقال رأيته داخلا المدينة فأقبل اصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى انتهوا إليه صلى الله عليه وسلم فأخبرهم الخبر بما اكانت اليهود أرادت من الغدر به وأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بالتهيؤ لحربهم والسير إليهم.
قال ابن هشام واستعمل على المدينة أبن ام مكتوم.
قال ابن إسحاق ثم سار بالناس حتى نزل بهم
تاريخ غزو بين النضير قال ابن هشام وذلك في شهر ربيع الأول فحاصرهم ست ليال ونزل تحريم الخرم.
قال ابن إسحاق فتحصنوا منه في الحصون فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بقطع النخيل والتحريق فيها فنادوه أن يا محمد قد كنت تنهي عن الفساد تعيبه على من صنعه فما بال قطع النخيل وتحريقها(4/144)
الرهط الذي شجع بني النضير ثم طلبهم الصلح وهجرتهم وقد كان رهط من بني عوف بن الخزرج منهم عدو الله عبدالله ابن أبي سلول ووديعة ومالك بن ابي قوقل وسويد وداعس قد بعثوا الى بني النضير أن اثبتوا وتمنعوا فإنا لن نسلمكم إن قوتلتم قاتلنا معكم وإن أخرجتم خرجنا معكم فتربصوا ذلك من نصرهم فلم يفعلوا وقذف الله في قلوبهم الرعب وسألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يجليهم ويكف عن دمائهم على ان لهم ما حملت الإبل من أموالهم إلا الحلقة ففعل فاحتملوا من أموالهم ما استقلت به الإبل فكان الرجل منهم يهدم بيته عن نجاف بابه فيضعه على ظهر بعيره فينطلق به فخرجوا الى خيبر ومنهم من سار الى الشام
من هاجر الى خيبر فكان أشرافهم من سار منهم الى خيبر سلام من ابي الحقيق وكنانة بن ابي الحقيق وحيي بن اخطب فلما نزلوها دان لهم أهلها.
قال ابن إسحاق فحدثني عبدالله بن ابي بكر أنه حدث أنهم استقلوا بالنساء والأموال معهم الدفوف والمزامير والقيان يعزفن خلفهم وإن فيهم لأم عمرو صاحبة عروة بن الورد العبسي التي ابتاعوا منه(4/145)
وكانت إحدى نساء بني غفار بزهاء فخر وما رئي مثله من حي من الناس في زمانهم
الرسول يقسم اموال بني النضير وخلوا الأموال لرسول الله صلى الله عليه وسلم فكانت لرسول الله صلى الله عليه وسلم خاصة يضعهاا حيث يشاء فيقسمها رسول الله صلى الله عليه وسلم على المهاجرين الأولين دون الأنصار إل أن سهل ابن حنيف وأبا دجانة سماك بن خرشة ذكرا فقرا فأعطاهما رسول الله صلى الله عليه وسلم
من أسلم من بني النضير ولم يسلم من بني النضير إلا رجلان يامين بن عمير أبو كعب بن عمرو بن جحاش وأبو سعد بن وهب أسلما على أموالهما فأحرزاها.
قال ابن إسحاق وقد وحدثني بعض آل يامين أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ليامين أمل تر ما لقيت من ابن عمك وما هم به من شأني فجعل يامين بن عمير لرجل جعلا على ان يقتل له عمرو بن جحاش فقلته فيما يزعمون
ما نزل في بني النضير من القرآن ونزل في بني النضير سورة الحشر بأسرها يذكر فهيا ما أصابهم الله به من نقمته وما سلط عليهم به رسوله صلى الله عليه وسلم وما عمل به فيهم فقال تعالى {هو الذي أخرج الذين كفروا من أهل الكتاب من ديارهم لأول الحشر ما ظننتم أن يخرجوا وظنوا أنهم مانعتهم حصونهم من الله فأتاهم الله من حيث لم يحتسبوا وقذف في قلوبهم الرعب يخربون بيوتهم بأيديهم وأيدي المؤمنين}(4/146)
وذلك لهدمهم بيوتهم عن نجف أبوابهم إذ احتملوها {فاعتبروا يا أولي الأبصار ولولا أن كتب الله عليهم الجلاء} وكان لهم من الله نقمة {لعذبهم في الدنيا} أي بالسيف {ولهم في الآخرة عذاب النار} مع ذلك {ما قطعتم من لينة أو تركتموها قائمة على أصولها} واللينة ما خالف العجوة من النخل {فبإذن الله} أي فبأمر الله قطعت لم يكن فسادا ولكن كان نقمة من الله {وليخزي الفاسقين}.
قال ابن هشام اللينة من الألوان وهي ما لم تكن برنية ولا عجوة من النخل فيما حدثنا أبو عبيدة قال ذو الرمة ... كأن قتودي فوقها عش طائر ... على لينة سوقاء تهفو جنوبها
وهذا البيت في قصيدة له(4/147)
{وما أفاء الله على رسوله منهم} قال ابن اسحاق يعني من بني النضير {فما أوجفتم عليه من خيل ولا ركاب ولكن الله يسلط رسله على من يشاء والله على كل شيء قدير} أي له خاصة.
قال ابن هشام أوجفتم حركتم وأتعبتم في السير قال تميم بن أبي بن مقبل أحد بني عامر بن صعصعة ... مذاويد بالبيض الحديث صقالها ... عن الركب أحيانا إذا الركب أوجفوا
وهذا البيت في قصيدة له وهو الوجيف وقال ابو زيد الطائي واسمه حرملة بن المنذر ... مسنفات كأنهن قنا الهند لطول الوجيف جدب المرود
وهذا البيت في قصيدة له.
قال ابن هشام السناف البطان والوجيف وجيف القلب والكبد وهو الضربان
قال قيس بن الخطيم الظفري ... إنا وإن قدموا التي علموا ... أكبادنا من ورائهم تجف
وهذا البيت في قصيدة له(4/148)
{ما أفاء الله على رسوله من أهل القرى فلله وللرسول} قال ابن اسحاق ما يوجف عليه المسلون بالخيل والركاب وفتح بالحرب عنوة فلله وللرسول {ولذي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل كي لا يكون دولة بين الأغنياء منكم وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا} يقول هذا قسم آخر فيما أصيب بالحرب بين المسلمين على ما وضعه الله عليه
ثم قال تعالى {ألم تر إلى الذين نافقوا} يعني عبدالله بن ابي وأصحابه ومن كان على مثل أمرهم {يقولون لإخوانهم الذين كفروا من أهل الكتاب} يعني بني النضير الى قوله ... {كمثل الذين من قبلهم قريبا ذاقوا وبال أمرهم ولهم عذاب أليم} يعني بني قينقاع ثم القصة الى قوله {كمثل الشيطان إذ قال للإنسان اكفر فلما كفر قال إني بريء منك إني أخاف الله رب العالمين فكان عاقبتهما أنهما في النار خالدين فيها وذلك جزاء الظالمين}.
ما قاله ابن لقيم العبسي من شعر في بني النضير وكان مما قيل في بني النضير من الشعر قول ابن لقيم العبسي ويقال قاله قيس بن بحر بن طريف قال ابن هشما قيس بن بحر الأشجعي فقال ... أهلي فداء لأمرىء غير هالك ... أحل اليهود بالحسي المزنم(4/149)
يقيلون في جمر الغضاة وبدلوا ... أهيضب غودي بالودي المكمم
فإن يك ظني صادقا بمحمد ... تروا خيله بين الصلا ويرمرم
يؤم بها عمرو بن بهثة إنهم ... عدو وما حي صديق كمجرم
عليهن أبطال مساعير في الوغى ... يهزون اطراف الوشيج المقوم
وكل رقيق الشفرتين مهند ... توورثن من أزمان عاد وجرهم ... فمن مبلغ عني قريشا رسالة ... فهل بعدهم في المجد من متكرم
بأن أخاكم فاعلمن محمدا ... تليد الندى بين الحجون وزمزم
فدينوا له بالحق تجسم أموركم ... وتسموا من الدنيا الى كل معظم
نبي تلاقته من الله رحمة ... ولا تسألوه أمر غيب مرجم
فقد كان في بدر لعمري عبرة ... لكم يا قريشا والقلب الملمم
غداة أتى في الخزرجية عامدا ... إليكم مطيعا للعظيم المكرم
معانا بروح القدس ينكى عدوه ... رسولا من الرحمن حقا بمعلم
روسلا من الرحمن يتلو كتابه ... فلما أنار الحق لم يتلعثم
أرى أمره يزداد في كل موطن ... علوا لأمر حمه الله محكم(4/150)
قال ابن هشام عمرو بن بهثة من غطفان وقوله بالحسي المزنم عن غير ابن اسحاق
ما ينسب من الشعر لعلي في قصة بني النضير قال ابن اسحاق وقال علي بن ابي طالب يذكر إجلاء بني النضير وقتل كعب بن الأشرف.
قال ابن هشام قالها رجل من المسلمين غير علي بن ابي طالب فيما ذكر لي بعض أهل العلم بالشعر ولم ار أحدا منهم يعرفها لعلي ... عرفت ومن يعتدل يعرف ... وأيقنت حقا ولم أصدف
عن الكلم المحكم الآى من ... لدى الله ذي الرأفة الأرأف
رسائل تدرس في المؤمنين ... بهن أصطفى احمد المصطفى
فأصبح أحمد يفينا عزيزا ... عزيز المقامة والموقف
فيأيها الموعدوه سفاها ... ولم يأت جورا ولم يعنف
ألستم تخافون أدنى العذاب ... وما آمن الله كالأخواف
وأن تصرعوا تحت أسيافه ... كمصرع كعب أبي الأشرف
غداة راى الله طغيانه ... وأعرض كالجمل الأجنف
فأنزل جبريل في قتله ... بوحي إلى عبده ملطف
فدس الرسول رسولا له ... بأبيض ذي هبة مرهف
فباتت عيون له معولات ... متى ينع كعب لها تذرف
وقلن لأحمد ذرنا قليلا ... فإنا من النوح لم نشتف(4/151)
فخلاهم ثم قال اظعنوا ... دحورا على رغم الآنف
وأجلى النضير الى غربة ... وكانوا بدار ذوي زخرف
الى أذرعات ردافى وهم ... على كل ذي دبر أعجف
ما أجابه به سماك اليهودي فأجابه سماك اليهودي فقال ... إن تفخروا فهو فخر لكم ... بمقتل كعب أبي الأشرف
غداة غدوتم على حتفه ... ولم يأت غدرا ولم يخلف
فعل الليالي وصرف الدهور ... يدين من العادل المنصف
بقتل النضير وأحلافها ... وعقر النخيل ولم تقطف
فإن لا أمت نأتكم بالقنا ... وكل حسام معا مرهف
بكف كمي به يحتمي ... متى يلق قرنا له يتلف
مع القوم صخر وأشياعه ... إذا غاور القوم لم يضعف
كليث بترج حمى غيله ... أخي غابة هاصر أجوف
كعب بن مالك يقول شعرا في إجلاء بني النضير ومقتل كعب بن الأشرف قال ابن اسحاق وقال كعب بن مالك يذكر اجلاء بني النضير وقتل كعب بن الأشرف ... لقد خريت بغدرتها الحبور ... كذلك الدهر ذو صرف يدور
وذلك أنهم كفروا برب ... عزيز أمره أمر كبير(4/152)
وقد أوتوا معا فهما وعلما ... وجاءهم من الله النذير
نذير صادق أدى كتابا ... وآيات مبينة تنير
فقالوا مااتيت بأمر صدق ... وأنت بمكنر منا جدير
فقال بلى لقد أديت حقا ... يصدقني به الفهم الخبير
فمن يتبعه يهد لكل رشد ... ومن يكفر به يجز الكفور
فلما أشربوا غدرا وكفرا ... وحاد بهم عن الحق النفور
أرى الله النبي برأي صدق ... وكان الله يحكم لا يجور
فأيده وسلطه عليهم ... وكان نصيره نعم النصير
فغودر منهم كعب صريعا ... فذلت بعد مصرعه النضير
على الكفين ثم وقد علته ... بأيدينا مشهرة ذكور
بأمر محمد إذا دس ليلا ... إلى كعب أخا كعب يسير
فماكره فأنزله بمكر ومحمود أخو ثقة جسور
فتلك بنو النضير بدار سوء ... أبارهم بم اجترموا المبير
غداة أتاهم في الزحف رهوا ... رسول الله وهو بهم بصير
وغسان الحماة موازره ... على الأعداء وهو لهم وزير
فقال السلم ويحكم فصدوا ... وحالف أمرهم كذب وزور
فذاقوا غب أمرهم وبالا ... لكل ثلاثة منهم بعير
وأجلوا عامدين لقينقاع ... وغودر منهم نخل ودور
سماك اليهودي يرد على كعب بن مالك فأجابه سماك اليهودي فقال(4/153)
أرقت وضافني هم كبير ... بليل غيره ليل قصير
أرى الأحبار تنكره جميعا ... وكلهم له علم خبير
وكانوا الدارسين لكل علم ... به التوراة تنطق والزبور
قتلتم سيد الأحبار كعبا ... وقدما كان يأمن من يجير
تدلى نحو محمود أخيه ... ومحمود سريرته الفجور
فغادره كأن دما نجيعا ... يسيل على مدارعه عبير ... فقد وأبيكم وأبي جميعا
أصيبت إذ أصيب به النضير
فإن نسلم لكم نترك رجالا ... بكعب حولهم طير تدور
كأنهم عتائر يوم عيد ... تذبح وهي ليس لها نكير
ببيض لا تليق لهن عظما ... صوافي الحدي أكثرها ذكور
كما لاقيتم من بأس صخر ... بأحد حيث ليس لكم نصير
عباس بن مرداس يمدح رجال بني النضير وقال عباس بني مرداس أخو بن سليم يمتدح رجال بني النضير ... لو أن أهل الدار لم يتصدعوا ... رأيت خلال الدار ملهى وملعبا
فإنك عمري هل أريك ظعائنا ... سلكن على ركن الشطاة فتيأبا
عليهن عين من ظباء تبالة ... أوانس يصبين الحليم المجربا(4/154)
إذا جاء باغي الخير قلن فجاءة ... له بوجوه كالدنانير مرحبا
وأهلا فلا ممنوع خير طلبته ... ولاأنت تخشى عندنا أن تؤنبا
فلا تحسبن كنت مولى ابن مشكم ... سلام ولا مولى حيي بن أخطبا
خوات بن جبير يرد عليه فأجابه خوات بن جبير أخو بني عمرو بن عوف فقال ... تبكي على قتلى يهود وقد ترى ... من الشجو لو تبكي أحب وأقربا
فهلا على قتلى ببطن أرينق ... بكيت ولم تعول من الشجو مسهبا ... 5 إذا السلم دارت في صديق رددتها ... وفي الدين صدادا وفي الحرب ثعلبا
عمدت الى قدر لقومك تبتغي ... لهم شهبا كيما تعز وتغلبا ... 5 فإنك لاما ان كلفت تمدحا ... لمن كان عيبا مدحه وتكذبا
رحلت بأمر كنت أهلا لمثله ... ولم تلف فيهم قائلا لك مرحبا ... 5 فهلا الى قوم ملوك مدحتهم ... تبنوا من العز المؤثل منصبا
الى معشر صاروا ملوكا وكرموا ... ولم يلف فيهم طالب العرف مجدبا ... 5 أولئك احرى من يهود بمدحه ... تراهم وفيهم عزة المجد ترتبا
عباس بن مرداس يرد على خوات بن جبير فأجابه عباس ابن مرداس السلمي فقال ... هجوت صريح الكاهنين وفيكم ... لهم نعم كانت من الدهر ترتبا(4/155)
أولئك احرى لو بكيت عليهم ... وقومك لو ادوا من الحق موجبا
من الشكر إن الشكر خير مغبة ... وأوفق فعلا للذي كان أصوبا
فكنت كمن أمسى يقطع رأسه ... ليبلغ عزا كان فيه مركبا
فقبك بني هارون واذكر فعالهم ... وقتلهم للجوع إذ كنت مجدبا
أخوات أذر الدمع بالدمع وابكهم ... وأعرض عن المكروه منهم ونكبا
فإنك لولا لقيتهم في ديارهم ... لألفيت عما قد تقول منكبا
سراع الى العليا كرام لدى الوغى ... يقال لباغي الخير أهلا ومرحبا
ما قاله احد الصحابة في الرد على عباس بن مرداس فأجابه كعب بن مالك أو عبدالله بن رواحة فيما قال ابن هشام فقال ... لعمر لقد حكت رحى الحرب بعدما ... أطارت لؤيا قبل شرقا ومغربا
بقية آل الكاهنين وعزها ... فعاد ذليلا بعد ما كان أغلبا
فطاح سلام وابن سعية عنوة ... وقيد ذليلا للمنايا ابن أخطبا
وأجلب يبغي العز والذل يبتغي ... خلاف يديه ما جنى حين أجلبا
كتارك سهل الأرض والحزن همه ... وقد كان ذا في الناس أكدى واصعبا
وشاس وعزال وقد صليا بها ... وما غيبا عن ذاك فيمن تغيبا
وعوف بن سلمى وابن عوف كلاهما ... وكعب رئيس القوم حان وخيبا
فبعدا وسحقا للنضير ومثلها ... إن اعقب فتح أو إن الله أعقبا(4/156)
قال ابن هشام قال ابو عمرو المدني ثم غزا رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد بني النضير بني المصطلق وسأذكر حديثهم إن شاء الله في الموضع الذي ذكره ابن اسحاق فيه
غزوة ذات الرقاع في سنة أربع
الاستعداد للغزوة قال ابن السحاق ثم أقام رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمدينة بعد غزو بني النضير شهر ربيع الاخر وبعض جمادى ثم غزا نجدا يريد بني محارب وبني ثعلبة من غطفان واستعمل على المدينة أبا ذر الغفاري ويقال عثمان بن عفان فيما قال ابن هشام
قا ابن اسحاق حتى نزل نخلا وهي غزوة ذات الرقاع
لماذا سميت بهذا الإسم قال ابن هشام وإنما قيل لها غزوة ذات الرقاع لأنهم رقعوا فيها راياتهم ويقال ذات الرقاع شجرة بذلك الموضع يقال لها ذات الرقاع(4/157)
من اسباب صلاة الخوف قال ابن اسحاق فلقي بها جمعا عظيما من غطفان فتقارب الناس ولم يكن بينهم حرب وقد خاف الناس بعضهم بعضا حتى صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بانالس صلاة الخوف ثم انصرف بالناس
كيفية صلاة الخوف قال ابن هشام حدثنا عبدالوارث بن سعيد التنوري وكان يكنى أبا عبيدة قال حدثنا يونس بن عبيد عن الحسن بن ابي الحسن عن جابر بن عبدالله في صلاة الخوف قال صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بطائفة ركعتين ثم سلم وطائفة مقبلون على العدو قال فجاءوا فصلى بهم ركعتين أخريين ثم سلم.
قال ابن هشام وحدثنا عبد الوارث قال حدثنا أيوب عن أبي الزبير عن جابر قال صفنا رسول الله صلى الله عليه وسلم صفين فركع بنا جميعا ثم سجد رسول الله صلى الله عليه وسلم وسجد الصف الأول فلما رفعوا سجد الذين يلونهم بأنفسهم ثم تأخر الصف الأول وتقدم الصف الآخر حتى قاموا مقامهمم ثم ركع النبي صلى الله عليه وسلم بهم جميعا ثم سجد النبي صلى الله عليه وسلم وسجد الذين يلونه معه فلما رفعوا رءوسهم سجد الآخرون بأنفسهم فركع النبي صلى الله عليه وسلم بهم جميعا وسجد كل واحد منهما بأنفسهم سجدتين.
قال ابن هشام حدثنا عبد الوارث بن سعيد التنوري قال حدثنا أيوب عن نافع عن ابن عمر قال يقوم الإمام وتقوم معه طائفة وطائفة مما يلي عدوهم فيركع بهم الإمام ويسجد بهم ثم يتأخرون فيكونون مما يلي العدو ويتقدم الآخرون فيركع بهم الإمام ركعه ويسجد بهم ثم تصلى كل طائفة بأنفسهم ركعة فكانت لهم مع الإمام ركعه ركعة وصلوا بأنفسهم ركعة ركعة(4/158)
غورث يهم بقتل الرسول صلى الله عليه وسلم وما نزل فيه من قرآن قال ابن اسحاق وحدثني عمرو بن عبدي بن الحسن عن جابر بن عبد الله أن رجلا من بني محارب يقال له غورث قال لقومه من غطفان ومحارب ألا أقتل لكم محمدا قالوا بلى وكيف تقتله قال أفتك به قال فأقبل الى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو جالس وسيق رسول الله صلى الله عليه وسلم في حجره فقال يا محمد أنظر الى سيفك هذا قال نعم وكان محلى بفضة فيما قال ابن هشام قال فأخذه فاستله ثم جعل يهزه ويهم فيكتبه الله ثم قال يا محمد أما تخافني قال لا وما أخاف منك قال أما تخافني وفي يدي السيف قال لا يمنعني الله منك ثم عند الى سيف رسول الله صلى الله عليه وسلم فرده عليه قال فأنزل الله {يا أيها الذين آمنوا اذكروا نعمة الله عليكم إذ هم قوم أن يبسطوا إليكم أيديهم فكف أيديهم عنكم واتقوا الله وعلى الله فليتوكل المؤمنون}.
قال ابن اسحاق وحدثني يزيد بن رومان أنها أنم أنزلت في عمرو بن حجاش أخي بني النضير وما هم به فالله اعلم أي ذلك كان
قصة جابر وجمله في هذه الغزوة قال ابن اسحاق وحدثني وهب بن كيسان عن جابر بن عبدالله قال خرجت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم الى غزوة ذات(4/159)
الرقاع من نخل على جمل لي حفيف فلما قفل رسول الله صلى الله عليه وسلم قال جعلت الرفاق تمضي وجعلت أتخلف حتى أدركني رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال ما لك يا جابر قال قلت يا رسول الله أبطأ بي جملي هذا قال أنخه قال فأنخته وأناخ رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم قال أعطني هذه العصا من يدك أو اقطع لي عصا من شجرة قال ففعلت قال فأخذها رسول الله صلى الله عليه وسلم فنخسه بها نخسات ثم قال اركب فركبت فخرج والذي بعثه بالحق يواهق ناقته مواهقة
قال وتحدثت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال لي أتبيعني جملك هذا يا جابر قال قلت يا رسول بل أهبه لك قال لا ولكن بعنيه قال قلت فسمينه يا رسول الله قال قد أخذته بدرهم قال قلت لا إذن تغبنني يا رسول الله(4/160)
قال فبدرهمين قال قلت لا قال فلم يزل يرفع لي رسول الله صلى الله عليه وسلم في ثمنه حتى بلغ الأوقية قال فقلت أفقد رضيت يا رسول الله قال نعم قلت فهو لك قال قد أخذته
قال ثم قال يا جابر هل تزوجت بعد قال قلت نعم يا رسول الله قال أثيبا أم بكرا قال قلت لا بل ثيبا قال افلا جارية تلاعبها وتلاعبك قال قلت يا رسول الله إن أبي أصيب يوم أحد وترك بنات له سباعا فنكحت امرأة جامعة تجمع رءوسهن وتقوم عليهن قال أصبت إن شاء الله أما إنا لوقد جئنا صرارا أمرنا يجزور فنحرت وأقمنا عليها يومنا ذاك وسمعت بنا فنفضت(4/161)
نمارقها قال قلت والله يا رسول الله ما لنا من نمارق قال انها ستكون فإذا أنت قدمت فاعمل عملا كيسا
قال فلما جئنا صرارا أمر رسول الله صلى الله عله وسلم بجزور فنحرت وأقمنا عليها ذلك اليوم فلما أمسى رسول الله صلى الله عليه وسلم دخل ودخلنا قال فحدثت المرأة الحديث وما قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم قالت فدونك فسمع وطاعة
قال فلما أصبحت أخذت برأس الجمل فأقبلت به حتى أنخته على باب رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ثم جلست في المسجد قريبا منه قال وخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم فرأى الجمل فقال ما هذا قالوا يا رسول الله هذا جمل جاء به جابرا قال فأين جابر قال فدعيت له قال فقال يا ابن أخي خذ برأس جملك فهو لك ودعا بلال فقال له اذهب بجابر فأعطه أوقية قال فذهبت معه فأعطاني أوقية وزادني شيئا يسيرا قال فوالله ما زال ينمي عندي ويرى مكانه من بيتنا حتى أصيب أمس فيما أصيب لنا(4/162)
يعني يوم الحرة
ما أصيب به صاحبا رسول الله صلى الله عليه وسلم في الحراسة قال ابن اسحاق وحدثني عمي صدقه بن يسار عن عقيل بن جابر عن جابر بن عبدالله الأنصاري قال خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم(4/163)
في غزوة ذات الرقاع من نخل فأصاب رجل امرأة رجل من المشركين فلما انصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم قافلا أتى زوجها وكان غائبا فلما أخبر الخبر حلف لا ينتهي حتى يهرق في أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم دما فخرج يتبع أثر رسول الله صلى الله عليه وسلم فنزل رسول الله صلى الله عليه وسلم منزلا فقال من رجل يكلؤنا ليلتنا هذه قال فانتدب رجل من المهاجرين ورجل آخر من الأنصار فقالا نحن يار سول الله قال فكونا بفم الشعب قال وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم واصحابه قد نزلوا الى شعب من الوداي وهما عمار بن ياسر وعباد بن بشر فيما قال ابن هشام.
قال ابن إسحاق فلما خرج الرجلان الى فم الشعب قال الأنصاري للمهاجري اي الليل تحب أن أكفيكه أوله أم آخره قال بل اكفني اوله قال فاضطجع المهاجري فنام وقام الأنصاري يصلي قال وأتى الرجل فلما رأى شخص الرجل عرف أنه ربيئة القوم قال فرمى بسهم فوضعه فيه قال فنزعه ووضعه فثبت قائما قال ثم رماه بسهم آخر فوضعه فيه قال فنزعه فوضعه وثبت قائما ثم عاد له بالثالث فوضعه فيه قال فنزعه فوضعه ثم ركع وسجد ثم أهب صاحبه فقال اجلس فقد أثبت قال فوثب فلما رأهما الرجل عرف أن قد نذرا به فهرب قال ولما رأى المهاجري ما بالأنصاري من الدماء قال سبحان الله أفلا أهبتني أول ما رماك قال كنت في سورة أقرؤها فلم أحب أن أقطعها حتى أنفذها فلما تابع على الرمى ركعت فأذنتك وايم الله لولا أن أضيع ثغرا أمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم بحفظه لقطع نفسي قبل أن أقطعها أو أنفذها(4/164)
قال ابن هشام ويقال أنفذها.
قال ابن إسحاق ولما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة من غزوة الرقاع أقام بها بقية جمادى الأولى وجمادى الاخرة ورجبا
غزوة بدر الآخرة في شعبان سنة أربع
خروج الرسول لملاقاة ابي سفيان ورجوع أبي سفيان أالى مكة قال ابن اسحاق ثم خرج في شعبان الى بدر لميعاد أبي سفيان حتى نزله.
قال ابن هشام واستعمل على المدينة عبدالله بن ابي ابن سلول الأنصاري.
قال ابن إسحاق فأقام عليه ثماني ليال ينتظر ابا سفيان وخرج ابو سفيان في أهل مكة حتى نزل مجنة من ناحية الظهران وبعض الناس يقول قد بلغ عسفان ثم بدا له في الرجوع فقال يا معشر قريش إنه لا يصلحكم إلا عام خصيب ترعون فيه الشجر وتسربون(4/165)
فيه اللبن وإن عامكم هذا عام جدب وإني راجع فارجعوا فرجع الناس فسماهم أهل مكة جيش السويق يقولون إنما خرجتم تشربون السويق
وأقام رسول الله صلى الله عليه وسلم على بدر ينتظر أبا سفيان لميعاده فأتاه مخشي بن عمرو الضمري وهو الذي كان وادعه على بني ضمرة في غزوة ودان فقال يا محمد أجئت للقاء قريش على هذا الماء قال نعم يا أخا بن ضمرة وإن شئت مع ذلك رددنا إليك ما كان بيننا وبينك ثم جالدناك حتى يحكم الله بيننا وبينك قال لا والله يا محمد ما لنا بذلك منك من حاجة
ما قاله معبد الخزاعي من الشعر فأقام رسول الله صلى الله عليه وسلم ينتظر أبا سفيان فمر به معبد بن ابي معبد الخزاعي فقال وقد رأى مكان رسول الله صلى الله عليه وسلم وناقته تهوي به ... قد نفرت من رفقتي محمد ... وعجوة من يثرب كالعنجد
تهوي على دين ابيها الأتلد ... قد جعلت ماء قديد موعدي
وماء ضجنان لها ضحى الغد
ما قاله أحد صحابة الرسول صلى الله عليه وسلم في هذه الغزوة وقال عبدالله بن رواحة في ذلك قال ابن هشام أنشدنيها أبو زيد الأنصاري لكعب بن مالك(4/166)
وعدنا أبا سفيان بدرا فلم نجد ... لميعاده صدقا وما كان وافيا
فأقسم لو وافيتنا فلقيتنا ... لأبت ذميما وافتقدت المواليا
تركنا به أوصال عبتة وابنه ... وعمرا أبا جهل تركناه ثاويا
عصيتم رسول الله أف لدينكم ... وأمركم السيء الذي كان غاويا
فإني وإن عنفتموني لقائل ... فدى لرسول الله أهلى وماليا
ألهناه لم نعدله فينا بغيره ... شهابا لنا في ظلمة الليل هاديا
شعر حسان في ذلك وقال حسان بن ثابت في ذلك ... دعوا فلجات الشأم قد حال دونها ... جلاد كأفواه المخاض الأوارك
بأيدي رجال هاجروا نحو ربهم ... وأنصاره حقا وأيدي الملائك
إذا سلكت للغور من بطن عالج ... فقولا لها ليس الطريق هنالك
أقمنا على الرس النزوع ثمانيا ... بأرعن جرار عريض المبارك
بكل كميت جوزه نصف خلقه ... وقب طوال مشرفات الحوارك
ترى العرفج العامي تذري أصوله ... مناسم أخفاف المطي الرواتك
فإن نلق في تطوافنا والتماسنا ... فرات بن حيان يكن رهن هالك(4/167)
وإن نلق قيس بن امرىء القيس بعده ... يزد في سواد لونه لون حالك
فأبلغ أبا سفيان عني رسالة ... فإنك من غر الرجال الصعالك
أبو سفيان يرد على حسان فأجابه أبو سفيان بن الحارث ابن عبد المطلب فقال ... إحسان إنا يابن آكلة الفغا ... وجدك نغتال الخروق كذلك
خرجنا وما تنجوا اليعافير بيننا ... ولو وألت منا بشد مدارك
إذا ما انبعثنا من مناخ حسبته ... مدمن أهل الموسم المتعارك
أقمت على الرس النزوع تردينا ... وتتركنا في النخل عند المدارك
على الزرع تمشب خلينا وركابنا ... فما وطئت ألصقنه بالدكادك
أقمنا ثلاثا بين سلع وفارع ... بجرد الجياد والمطي الرواتك
حسبتم جلاد القوم عند قبابهم ... كمأخذكم بالعين أرطال آنك
فلا تبعث الخيل الجياد وقل لها ... على نحو قول المعصم المتماسك
سعدتم بها وغيركم كان أهلها ... فوارس من أبناء فهر بن مالك
فإنك لا في هجرة إن ذكرتها ... ولا حرمات الدين أنت بناسك(4/168)
قال ابن هشام بقيت منها أبيات تركناها لقبح اختلاف قوافيها وانشدني أبو زيد الأنصاري هذا البيت ... خرجنا وما تنجو اليعافير بيننا
والبيت الذي بعده لحسان بن ثابت في قوله ... دعو فلجات الشأم قد حال دونها
وأنشدني له فيها بيته ... فأبلغ أبا سفيان
غزوة دومة الجندل في شهر ربيع الأول سنة خمس
قال ابن اسحاق ثم انصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم الى المدينة فأقام من مقدم رسول الله صلى الله عليه وسلم بها أشهرا حتى مضى ذو الحجة وولي تلك الحجة المشركون وهي سنة أربع ثم غزا رسول الله صلى الله عليه وسلم دومة الجندل
من استعمله صلى الله عليه وسلم على المدينة قال بن هشام في شهر ربيع الأول واستعمل على المدينة سباع بن عرفطة الغفاري.
قال ابن إسحاق ثم رجع رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل أن يصل إليها ولم يلق كيدا فأقام بالمدينة بقية سنته(4/169)
$ غزوة الخندق في شوال سنة خمس
حدثنا أبو محمد عبد الملك بن هشام قال حدثنا زياد بن عبدالله البكائي عن محمد بن اسحاق المطلبي قال ثم كانت غزوة الخندق في شوال سنة خمس
اليهود تحزب الحزاب فحدثني يزيد بن رومان مولي آل الزير ومحمد بن كعب القرظي والزهري وعصم بن عمر بن قتادة وعن عبد الله بن أبي بكر وغيرهم من علمائنا كلهم قد اجتمع حديثه في الحديث عن الخندق وبعضهخم يحدث ما لا يحدث بع بعض
قالوا إنه كان من حديث الخندق أن نفرا من اليهود منهم سلام ابن أبي الحقيق النضري وحيي بن أخطب النضري وكانة بن أبي الحقيق النضري وهوذة بن قيس الوائلي وأبو عمار الوائلي في نفر من بني النضير ونفر من بني وائل وهم الذين حزبوا الأحزاب على(4/170)
رسول الله صلى الله عليه وسلم خرجوا حتى قدموا على قريش مكة فدعوهم الى حرب رسول الله صلى الله عليه وسلم وقالوا إنا سنكون معكم عليه حتى نستأصله
فقالت لهم قريش يا معشر يهود إنكم أهل الكتاب الأول والعلم بما أصحبحنا نختلف فيه نحن ومحمد أفديننا خير أم دينه قالوا بل دينكم خير من دينه وأنتم أولى بالحق منه فهم الذين أنزل الله تعالى فيهم {ألم تر إلى الذين أوتوا نصيبا من الكتاب يؤمنون بالجبت والطاغوت ويقولون للذين كفروا هؤلاء أهدى من الذين آمنوا سبيلا أولئك الذين لعنهم الله ومن يلعن الله فلن تجد له نصيرا} إلى قوله تعالى {أم يحسدون الناس على ما آتاهم الله من فضله} أي النبوة {فقد آتينا آل إبراهيم الكتاب والحكمة وآتيناهم ملكا عظيما فمنهم من آمن به ومنهم من صد عنه وكفى بجهنم سعيرا}.
قال فلما قالوا ذلك لقريش سرهم ونشطوا لما دعوهم إليه من حرب رسول الله صلى الله عليه وسلم فاجتمعوا لذلك واتعدوا له ثم خرج أولئك النفر من يهود حتى جاءوا غطفان من قيس عيلان فدعوهم الى حرب رسول الله صلى الله عليه وسلم وأخبروهم أنهم سيكونون معهم عليه وأن قريشا قد تابعوهم على ذلك فاجتمعوا معهم فيه
خروج الأحزاب قال ابن اسحاق فخرجت قريش وقائدها أبو سفيان بن حرب وخرجت غطفان وقائدها عيينة بن حصن بن حذيفة بن بدر في بني فزارة والحارث بن عوف بن حارثة(4/171)
المري في بني مرة ومسعر بن رحيلة بن نويرة بن طريف بن سحمة ابن عبد الله بن هلال بن خلاوة بن اشجع بن ريث بن غطفان فيمن تابعه من قومه من أشجع
حفر الخندق فلما سمع بهم رسول الله صلى الله عليه وسلم وما أجمعوا له من الأمر ضرب الخندق على المدينة فعمل فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم ترغيبا للمسلمين في الأجر وعمل معه الملسمون فيه فدأب فيه ودأبوا وأبطا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وعن المسلمين في عملهم ذلك رجال من المنافقين وجعلوا يورون بالضعيف من العمل ويتسللون الى أهليهم بغير علم من رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا إذن وجعل الرجل من المسلمين إذا نابته النائبة من الحاجة التي لا بد له منها يذكر ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم ويستأذنه في اللحوق بحاجته فيأذن له فإذ قضى حاجته رجع الى ما كان فيه من عمله رغبة في الخير واحتسابا له
ما نزل من القرآن في حق العاملين في الخندق مؤمنهم ومنافقهم فأنزل الله تعالى في أولئك من المؤمنين {إنما المؤمنون الذين آمنوا بالله ورسوله وإذا كانوا معه على أمر جامع لم يذهبوا حتى يستأذنوه إن الذين يستأذنونك أولئك الذين يؤمنون بالله ورسوله فإذا استأذنوك لبعض شأنهم فأذن لمن شئت منهم واستغفر لهم الله إن الله غفور رحيم} فنزلت هذه الآية فيمن كان من المسليمن من أهل الحسبة والرغبة في الخير والطاعة لله ولرسوله صلى الله عليه وسلم
ثم قال تعالى يعني المنافقين الذين كانوا يتسللون من العمل ويذهبون(4/172)
بغير إذن من النبي صلى الله عليه وسلم {لا تجعلوا دعاء الرسول بينكم كدعاء بعضكم بعضا قد يعلم الله الذين يتسللون منكم لواذا فليحذر الذين يخالفون عن أمره أن تصيبهم فتنة أو يصيبهم عذاب أليم}.
قال ابن هشام اللواذ الاستتار بالشيء عند الهرب قال حسان ابن ثابت ... وقريش تفر منا لواذا ... أن يقيموا وخف منها الحلوم
وهذا لبيت في قصيدة له قد ذكرتها في اشعار يوم أحد {ألا إن لله ما في السماوات والأرض قد يعلم ما أنتم عليه}.
قال ابن اسحاق من صدق أو كذب {ويوم يرجعون إليه فينبئهم بما عملوا والله بكل شيء عليم}.
المسلمون يرتجزون وهم يعملون قال ابن اسحاق وعمل المسلمون فيه حتى احكموه وارتجزوا فيه برجل من المسلمين يقال له جعيل سماه رسول الله صلى الله عليه وسلم عمرا فقالوا ... سماه من بعد جعيل عمرا ... وكان للبائس يوما ظهرا
فإذا مروا ب عمرا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم عمرا وإذا مروا ب ظهرا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ظهرا
معجزات ظهرت في حفر الخندق قال ابن اسحاق وكان في حفر الخندق أحاديث بلغتني فيها من الله تعالى عبرة في تصديق(4/173)
رسول الله صلى الله عليه وسلم وتحقيق نبوته عاين ذلك المسلمون
ظهور الكدية والتغلب عليها فكان مما بلغني أن جابر بن عبدالله كان يحدث أنه اشتدت عليهم في بعض الخندق كدية فشكوها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فعا بإناء من ماء فتفل فيه ثم دعا بما شاء الله أن يدعو به ثم نضح ذلك الماء على تلك الكدية فيقول من حضرها فوالذي بعثه بالحق نبيا لانهالت حتى عادت كالكثيب لا ترد فأسا ولا مسحاة
ما تحقق من البركة في تمر ابنة بشير قال ابن اسحاق وحدثني سعيد بن مينا أنه حدث أن ابنة لبشير بن سعد أخت النعمان بن بشير قالت دعتني أمي عمرة بنت رواحة فأعطتني حفنة من تمر في ثوبي ثم قالت أي بنية اذهبي الى أبيك وخالك عبدالله ابن رواحة بغدائهما قالت فأخذتها فانطلقت بها فمررت برسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا التمس أبي وخالي فقال تعالى يا بنية ما هذا معك قالت فقلت يا رسول الله هذا تمر بعثتني به أمي إلى أبي بشير ابن سعد وخالي عبدالله بن رواحة يتغديانه قال هاتته قالت فصببته في كفي رسول الله صلى الله عليه وسلم فما ملأتهما ثم أمر بثوب فبسط له ثم دحا بالتمر عليه فتبدد فوق الثوب ثم قال لإنسان عنده اصرخ في اهل الخندق أن هلم الى الغداء فاجتمع الخندق عليه فجعلوا يأكلون منه وجعل يزيد حتى صدر أهل الخندق عنه وإنه ليسقط من أطراف الثوب
ما تحقق من البركة في دعوة جابر للطعام قال ابن اسحاق وحدثني سعيد بن مينا عن جابر بن عبد الله قال عملنا مع رسول(4/174)
الله صلى الله عليه وسلم في الخندق فكانت عندي شويهة غير جد سمينة قال فقلت والله لو صنعناها لرسول الله صلى الله عليه وسلم قال فأمرت امرأتي فطحنت لنا شيئا من شعير فصنعت لنا منه خبرا وذبحت تلك الشاة فشويناها لرسول الله صلى الله عليه وسلم
قال فلما أمسينا وأراد رسول الله صلى الله عليه وسلم الأنصراف عن الخندق قال وكنا نعمل فيه نهارنا فإذا أمسينا رجعنا الى أهالينا قال قلت يا رسول الله إني قد صنعت لك شويهة كانت عندنا وصنعنا معها شيئا من خبز هذاا الشعير فاحب أن تنصرف معي إلى منزلي وإنما اريد أن ينصرف معي رسول الله صلى الله عليه وسلم وحده
قال فلما أن قلت له ذلك قال نعم ثم أمر صارخا فصرخ أن انصرفوا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم الى بيت جابر بن عبد الله قال قلت إنا لله وإنا إليه راجعون قال فأقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم وأقبل الناس معه قال فجلس وأخرجناها إليه قال فبرك وسمى الله ثم أكل وتواردها الناس كلما فرغ قوم قاموا وجاء ناس حتى صدر أهل الخندق عنها
بشرى رسول الله صلى الله عليه وسلم بالفتوح قال ابن اسحاق وحدثت عن سلمان الفارسي أنه قال ضربت في ناحية من الخندق فغلظت علي صخره ورسول الله صلى الله عليه وسلم قريب مني فلما رآني أضرب ورأي شدة المكان علي نزل فأخذ المعول من يدي فضرب به ضربة(4/175)
لمعت تحت المعول برقة قال ثم ضرب به صربة أخرى فلمعت تحته برقة أخرى قال ثم ضرب به الثالث فلمعت تحته برقة أخرى قال قلت بأبي أنت وأمي يا رسول الله ما هذا الذي رأيت لمع تحت المعول وأنت تضرب قال أوقد رأيت ذلك يا سلمان قال قلت نعم قال اما الأولى فإن الله فتح علي بها اليمن وأما الثانية فإن الله فتح علي بها الشام والمغرب وأما الثالثة فإن الله فتح على بها المشرق.
قال ابن إسحاق وحدثني من لا اتهم عن أبي هريرة أنه كان يقول حين فتحت هذه الأمصار في زمان عمر وزمان عثمان وما بعده افتتحوا ما بدا لكم فوالذي نفس أبي هريرة بيده ما افتتحتم من مدينة ولا تفتتحونها الى يوم القيامة إلا وقد أعطى الله سبحانه محمدا صلى الله عليه وسلم مفاتيحها قبل ذلك
وصول المشركين المدينة قال ابن اسحاق ولما فرغ رسول الله صلى الله عليه وسلم من الخندق أقبلت قريش حتى نزلت بمجتمع الأسيال من رومة بين الجرف وزغابة في عشرة آلاف من أحابيشهم ومن(4/176)
تبعهم من بنى كنانة وأهل تهامة وأقبلت غطفان ومن تبعهم من أهل نجد حتى نزلوا بذنب نقمي الى جانب أحد وخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم والمسلمون حتى جعلوا ظهورهم الى سلع في ثلاثة الاف من المسلمين فضرب هنالك عسكره والخندق بينه وبين القوم.
قال ابن هشام واستعمل على المدينة ابن أم مكتوم.
قال ابن إسحاق وأمر بالذراري والنساء فجعلوا في الآطام
حيي بن أخطب يحرض كعب بن أسد قال وخرج عدو الله حيي بن اخطب النضري حتى أتى كعب بن اسد القرظي صاحب عقد بني قريظة وعهدهم وكان قد وادع رسول الله صلى الله عليه وسلم على قومه وعاقده على ذلك وعاهده فلما سمع كعب بحيى بن أخطب أغلق دونه باب حصنه فاستأذن عليه فأبى ان يفتح له حيي ويحك يا كعب افتح لي قال ويحك يا حيي إنك امرؤ مشئوم وإني قد عاهدت محمدا فلست بناقض ما بيني وبينه ولم ار منه إلا وفاءصدقا قال ويحك افتح لي أكلمك قال ما أنا بفاعل قال والله إن أغلقت دوني إلا عن جشيشتك أن آكل معك منها فأحفظ الرجل ففتح له فقال ويحك يا كعب جئتك بعز الدهر(4/177)
وببحر طام جئتك بقريش على قادتها وسادتها حتى أنزلتهم بمجتمع الأسيال من رومة وبغطفان على قادتها وسادتها حتى أنزلتهم بذنب نقمى الى جانب أحد قد عاهدوني على ان لا يبرحوا حتى نستأصل محمدا ومن معه قال فقال له كعب جئتني والله بذل الدهر وبجهام قد هراق ماءه فهو يرعد ويبرق ليس فيه شيء ويحك يا حيي فدعني وما أنا عليه فأني لم ار من محمد إلا صدقا ووفاء فلم يزل حيي بكعب يفتله في الذروة والغارب حتى سمح له على أن أعطاه عهدا من الله وميثاقا لئن رجعت قريش وغطفان ولم يصيبوا أن محمدا أن أدخل معك في حصنك حتى يصيبني ما أصابك فنقض كعب بن أسد عهده وبرىء مما كان بينه وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم
الرسول عليه الصلاة والسلام يستوثق من نقض كعب ميثاقه فلما انتهى الى رسول الله صلى الله عليه وسلم الخبر والى المسلمين بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم سعد بن معاذ بن النعمان وهو يومئذ سيد الأوس وسعد ابن عبادة بن دليم أحد بني ساعدة بن كعب بن الخزرج وهو يؤمئذ سيد الخزرج ومعهما عبد الله بن رواحة أخو بني الحارث بن الخزرج وخوات بن جبير أخو بني عمرو بن عوف فقال انطلقوا حتى تنظروا أحق ما بلغنا عن هؤلاء القوم ام لا فإن كان حقا فألحنوا(4/178)
لي لحنا أعرفه ولا تفتوا في أعضاد الناس وإن كانوا على الوفاء فيما بيننا وبينهم فاجهروا به للناس قال فخرجوا حتى أتوهم فوجدوهم على أخبث ما بلغهم عنهم فيما نالوا من رسول الله صلى الله عليه وسلم وقالوا من رسول الله لا عهد بيننا وبين محمد ولا عقد فشاتمهم سعد ابن معاذ وشاتموه وكان رجلا فيه حده فقال له سعد بن عبادة دع عنك مشاتمتهم فما بيننا وبيهم اربى من المشاتمة ثم أقبل سعد وسعد ومن معهما الى رسول الله صلى الله عليه وسلم فسلموا عليه ثم قالوا عضل والقارة أي كغدر عضل والقارة بأصحاب الرجيع خبيب وأصحابه فقال رسول اللل صلى الله عليه وسلم ألله أكبر ابشروا يا معشر المسلمين
ظهور النفاق من المنافقين قال وعظم عند ذلك البلاء واشتد الخوف وأتاهم عدوهم من فوقهم ومن أسفل منهم حتى ظن المؤمنون كل ظن ونجم النفاق من بعض المنافقين حتى قال معتب بن قشير أخو بني عمرو بن عوف كان محمد يعدنا أن نأكل كنوز كسرى وقيصر وأحدنا اليوم لا يأمن على نفسه أن يذهب الى الغائط(4/179)
لم يكن معتب منافقا قال ابن هشام وأخبرني من أثق به من أهل العلم أن معتب بن قشير لم يكن من المنافقين واحتج بأنه كان من أهل بدر.
قال ابن إسحاق وحتى قال أوس بن قيظي أحد بني حارثة ابن الحارث يا رسول الله إن بيوتنا عورة من العدو وذلك عن ملأ من رجال قومه فأذن لنا أن نخرج فنرجع الى دارنا فإنها خارج من المدينة فأقام رسول الله صلى الله عليه وسلم وأقام عليه المشركون بضعا وعشرين ليلة قريبا من شهر لم تكن بينهم حرب إلا الرميا بالنبل والحصار.
قال ابن هشام ويقال الرميا
محاولة الصلح مع غطفان فلما اشتد على الناس البلاء بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم كما حدثني عاصم بن عمر بن قتادة ومن لا أتهم عن محمد بن مسلم بن عبيد الله بن شهاب الزهري الى عيينة بن حصن بن حذيفة بن بدر والى الحارث بن عوف بن أبي حارثة المري وهما قائدا غطفان فأعطاهما ثلث ثمار المدينة على أن يرجعا بمن معهما عنه وعن أصحابه فجرى بينه وبينهما الصلح حتى كتبوا الكتاب ولم تقع الشهادة ولا عزيمة الصلح إلا المراوضة في ذلك فلما اراد رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يفعل بعث الى سعد بن معاذ وسعد ابن عبادة فذكر لهما واستشارهما فيه فقالا له يا رسول الله أمرا تحبه فنصنعه أم شيئا أمرك الله به لا بد لنا من العمل به أم شيئا تصنعه لنا قال بل شيء أصنعه لكم والله ما أصنع ذلك(4/180)
إلا لأنني رأيت العرب قد رمتكم عن قوس واحدة وكالبوكم من كل جانب فأردت أن أكسر عنكم من شوكتهم الى أمر ما فقال له سعد بن معاذ يا رسول الله قد كنا نحن وهؤلاء القوم على الشرك بالله وعبادة الأوثان لا نعبد الله ولا نعرفه وهم لا يطمعون أن يأكاوا منها ثمرة إلا قرى أو بيعا أفحين أكرمنا الله بالإسلام وهدانا له وأعزنا بك وبه نعطيهم أموالنا والله ما لنا بهذا من حاجة والله لا نعطيهم إلا السيف حتى يحكم الله بيننا وبينهم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فأنت وذاك فتناول سعد بن معاذ الصحيفة فمحا ما فيها من الكتاب ثم قال ليجهدوا علينا
من حاول عبور الخندق من المشركين قال ابن اسحاق فأقام رسول الله صلى الله عليه وسلم والمسلمون وعدوهم محاصروهم ولم يكن بينهم قتال إلا اأن فوارس من قريش منهم عمرو بن عبد ود بن ابي قيس أخو بني عامر بن لؤي.
قال ابن هشام ويقال عمرو بن كعب بن أبي قيس
قال بن اسحاق وعكرمة بن ابي جهل وهبير بن أبي وهب المخزوميان وضرار بن الخطاب الشاعر ابن مرداس أخو بني محارب بن فهر تلبسوا للقتال ثم خرجوا على خيلهم حتى مروا بمنازل بني كنانة فقالوا تهيئوا يا بني كنانة للحرب فستعلمون من الفرسان(4/181)
اليوم ثم أقبلوا تعنق بهم خيلهم حتى وقفوا على الخندق فلما رأوه قالوا والله إن هذه لمكيده ما كانت العرب تكيدها
سلمان يشير بحفر الخندق قال ابن هشام يقال إن سلمان الفارسي أشار به على رسول الله صلى الله عليه وسلم
وحدثني بعض أهل العلم أن المهاجرين يوم الخندق قالوا سلمان منا وقالت الأنصار سملنا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم سلمان منا أهل البيت
علي يقتل عمرو بن عبد ود قال ابن اسحاق ثم تيمموا مكانا ضيقا من الخندق فضربوا خيلهم فاقتحمت منه فجالت بهم في السبخة بين الخندق وسلع وخرج علي بن أبي طالب عليه السلام في نفر معه من المسلمين حتى أخذوا عليهم الثغرة التي أقحموا منها خيلهم وأقبلت الفرسان تعنق نحوهم وكان عمرو بن عبد ود ق 3 د قاتل يوم بدر حتى أثبتته الجراحة فلم لايشهد يوم أحد فلما يوم الخندق خرج معلما ليرى مكانه فلما وقف هو وخيله قال من يبارز فبرز له علي بن أبي طالب فقال له يا عمرو إنك قد كنت عاهدت الله ألا يدعوك رجل من قريش الى احدى خلتين إلا أخذتها منه قال له قال له أجل علي فإني أدعوك الى الله والى رسوله والى الإسلام قال لا حاجة لي بذلك قال فإني أدعوك الى النزال فقال له لم يا بن أخي فوالله ماأحب أن اقتلك قال له علي لكني والله أحب أن أقتلك فحمى عمرو عند ذلك فاقتحم عن فرسه فعقره وضرب وجهه ثم أقبل على علي فتنازلا وتجاولا(4/182)
فقتله علي رضي الله عنه وخرجت خيلهم منهزمة حتى اقتحمت من الخندق هاربة(4/183)
ما قاله علي رضوان الله عليه من الشعر في قتله عمرو ابن عبد ود قال ابن إسحاق وقال علي بن ابي طالب رضوان الله عليه في ذلك ... نصر الحجارة من سفاهة رأيه ... ونصرت رب محمد بصوابي
فصدرت حين تركته متجدلا ... كالجذع بين دكادك وروابي
وعففت عن أثوابه ولو أنني ... كنت المقطر بزني أثوابي
لا تحسبن الله خاذل دينه ... ونبيه يا معشر الأحزاب.
قال ابن هشام واكثر أهل العلم بالشعر يشك فيها لعلي بن ابي طالب
هجاء حسان عكرمة قال ابن اسحاق والقى عكرمة بن أبي جهل رمحه يومئذ وهو منهزم عن عمرو فقال حسان بن ثابت في ذلك ... فر وألقى لنا رمحه ... لعلك عكرم لم تفعل
ووليت تعدو كعدو الظليم ... ما إن تجور عن المعدل
لم تلق ظهرك مستأنسا ... كأن قفاك قفا فرعل(4/184)
قال ابن هشام الفرعل صغير الضباع وهذه الأبيات في قصيدة له
شعار المسلمين يوم الخندق وكان شهاء أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الخندق وبني قريظة حم لا ينصرون
استشهاد سعد بن معاذ قال ابن اسحاق وحدثني ابو ليلى عبد الله بن سهل بن عبد الرحمن بن سهل الأنصاري أخو بني حارثة أن عائشة ام المؤمنين كانت في حصن بني حارثة يوم الخندق وكان من أحرز حصون المدينة
قال وكانت أم سعد بن معاذ معها في الحصن فقالت عائشة وذلك قبل أن يضرب علينا الحجاب فمر سعد وعليه درع له مقلصة وقد خرجت منها ذراعه كلها وفي يده حربته يرفل بها ويقول ... لبث قليلا يشهد الهيجا جمل ... لا بأس بالموت إذا حان الأجل
قال فقالت له أمه الحق اي بني فقد والله أخرت
قالت عائشة فقلت لها با أم سعد والله لوددت أن درع سعد كانت أسبغ مما هي قالت وخفت عليه حيث أصاب السهم منه فرمي سعد بن معاذ بسهم فقطع منه الأكحل رماه كما حدثني عاصم بن عمرو بن قتادة حبان بن قيس ابن العرقة أحد بني عامر(4/185)
ابن لؤي فلما أصابه قال خذها مني وانا ابن العرقة فقال له سعد عرق الله وجهك في النار اللهم إن كنت أبقيت من حرب قريش شيئا فأبقني لها فإنه لا قوم أحب إلي أن اجاهدهم من قوم آذوا رسولك وكذبوه وأخرجوه اللهم وإن كنت قد وضعت الحرب بيننا وبينهم فاجعله لي شهادة ولا تمتني حتى تقر عيني من بني قريظة
قاتل سعد بن معاذ قال ابن اسحاق وحدثني من لا اتهم عن عبد الله بن كعب بن مالك أنه كان يقول ما أصاب سعدا يومئذ إلا أبو أمامة الجشمي حليف بني مخزوم
شعر لقاتل سعد وقد قال أبو أمامة في ذلك شعرا لعكرمة ابن ابي جهل ... أعكرم هلا لمتني إذ تقول لي ... فداك بآطام المدينة خالد
ألست الذي ألزمت سعدا مرشة ... لها بين أثناء المرافق عاند قضي نحبه منها ... سعيد فأعولت ... عليه الشمط والعذارى النواهد
وأنت الذي دافعت عنه وقد دعا ... عبيدة جمعا منهم إذ يكابد
... على حين ما هم جائر عن طريقة ... وآخر مرعوب عن القصد قاصد.
قال ابن هشام ويقال ان الذي رمى سعدا خفاجة بن عاصم ابن حبان(4/186)
حديث حسان في وقعة الخندق قال ابن اسحاق وحدثني يحيى بن عباد بن عبدالله بن الزبير عن أبيه عباد قال كانت صفية بنت عبد المطلب في فارع حصن حسان بن ثابت قالت وكان حسان بن ثابت معنا فيه مع النساء والصيبان قالت صفية فمر بنا رجل من يهود فجعل يطيف بالحصن وقد حاربت بنو قريظة وقطعت ما بينها وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم وليس بيننا وبينهم أحد يدفع عنا ورسول الله صلى الله عليه وسلم والمسلمون في نحور عدوهم لا يستطيعون أن ينصرفوا عنهم إلينا إن أتان آت
قالت فقلت يا حسان إن هذا اليهودي كما ترى يطيف بالحصن وإني والله ماآمنة أن يدل على عورتنا من وراءنا من يهود وقد شغل عنا رسول الله صلى الله عليه وسلم واصحابه فانزل اليه فأقلته قال يغفر الله لك يابنة عبد المطلب والله لقد عرفت ما أنا بصاحب هذا
قالت فلما قال لي ذلك ولم أر عنده شيئا احتجزت ثم أخذت عمودا ثم نزلت من الحصن إليه فضربته بالعمود حتى قتلته قالت فلما فرغت منه رجعت الى الحصن فقلت يا حسان انزل إليه فاسلبه فإنه لم يمنعني من سلبه إلا اأنه رجل قال ما لي بسلبه من حاجة يابنة عبد المطلب(4/187)
خداع نعيم المشركين قال ابن اسحاق وأقام رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه فيما وصف الله من الخوف والشدة لتظاهر عدوهم عليهم وإتيانهم إإياهم من فوقهم ومن أسفل منهم
قال ثم إن نعيم بن مسعود بن عامر بن أنيف بن ثعلبة بن قنفذ بن هلال بن خلاوة بن أشجع بن ريث بن غطفان أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله إني قد اسلمت وإن قومي لم يعلموا بإسلامي فمرني بما شئت
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم إنما أنت فينا رجل واحد فخذل عنا إن استطعت فإن الحرب خدعة
فخرج نعيم بن مسعود حتى أتى بني قريظة وكان لهم نديما في الجاهلية فقال يا بني قريظة قد ععرفتم ودي إياكم وخاصة ما بيني وبينكم قالوا صدقت لست عندنا بمتهم فقال لهم إن قريشا وغطفان ليسوا كانتم والبلد بلدكم فيه أموالكم وأبناؤكم وونساؤكم لا تقدرون على أن تحولوا منه اليى غيره وإن قريشا وغطفان قد جاءوا لحرب محمد وأصحابه وقد ظاهرتموهم عليه وبلدهم وأمواله ونسائهم بغيره فليسوا كأنتم فإن رأو نهزه أصابوها وإن كان غير ذلك لحقوا ببلادهم وخلوا بينكم وبين الرجل ببلدكم ولا طاقة لكم به إن خلا بكم فلا تقاتلوا مع القوم حتى تأخذوا منهم رهنا من أشرافهم يكونوا يأيدكم ثقة لكم على ان تقاتلوا معهم محمدا حتى تناجزوه فقالوا لقد اشرت بالراي
ثم خرج حتى أتى قريشا فقال لأبي سفيان بن حرب ومن معه من رجال قريش قد عرفتم ودي لكم وفراقي محمدا وإنه قد بلغني(4/188)
أمر قد رأيت علي حقا أن أبلغكموه نصحا لكم فاكتموا عني فقالوا نفعل قال تعلموا أن معشر يهود قد ندموا على ما صنعوا فيما بينهم وبين محمد وقد أرسلوا إليه إنا قد ندمنا على ما فعلنا فهل يرضيك أن نأخذ لك من القبيلتين من قريش وغطفان رجالا من اشرافهم فنعطيكهم فتضرب أعناقهم ثم نكون معك على من بقي منهم حتى نستأصلهم فأرسل إليهم أن نعم فإن بعثت إليكم يهود يلتمسون منكم رهنا من رجالكم فلا تدفعوا إليهم منكم رجلا واحدا
ثم خرج حتى أتى غطفان فقال يا معشر غطفان إنكم أصلي وعشيرتي وأحب الناس إلي ولا أراكم تتهموني قالوا صدقت ما أنت عندنا بمهتم قال فاكتموا عني قالوا نفعل فما أمرك ثم قال لهم مثل ما قال لقريش وحذرهم ما حذرهم
مأنزل الله بالمشركين فلما كانت ليلة السبت من شوال سنة خمس وكان من صنع الله لرسوله صلى الله عليه وسلم أن أرسل أبو سفيان ابن حرب ورءوس غطفان الى بني قريظة عكرمة بن أبي جهل في نفر من قريش وغطفان فقالوا لهم إنا لسنا بدار مقام قد هلك الخف والحافر فاغدوا للقتال حتى نناجز محمدا ونفرغ مما بيننا وبينه فأرسلوا إليهم إن اليوم يوم السبت وهو يوم لا نفعل فيه شيئا وقد كان أحدث فيه بعضنا حدثا فأصابه ما لم يخف عليكم ولسنا مع ذلك بالذين نقاتل معكم محمدا حتى تعطونا رهنا من رجالكم يكونون بأيدينا ثقة لنا حتى نناجز محمدا فإنا نخشى إن ضرستكم الحرب واشتد عليكم القتال أن تنشمروا الى بلادكم(4/189)
وتتركونا والرجل في بلدنا ولا طاقة لنا بذلك منه فلما رجعت إليهم الرسل بما قالت بنو قريظة قالت قريش وغطفان والله إن الذين حدثكم نعيم بن مسعود لحق فارسلوا الى بني قريظة إنا والله لا ندفع إليكم رجلا واحدا من رجالنا فإن كنتم تريدون القتال فاخرجوا فقاتلوا فقالت بنو قريظة حين انتهت الرسل إليهم بهذا إن الذين ذكر لكم نعيم بن مسعود لحق ما يريد القوم إلا أن يقاتلوا فإن رأوا فرصة انتهزوها وإن كان غير ذلك انشمروا الى بلادهم وخلوا بينكم وبين الرجل في بلدكم فأرسلوا الى قريش وغطفان إنا والله لا نقاتل معكم محمدا حتى تعطونا رهنا فأبوا عليهم وخذل الله بينهم وبعث الله عليهم الريح في ليال شاتية باردة شديدة البرد فجعلت تكفا قدورهم وتطرح أبنتيهم
استخبار ما حل بالمشركين قال فلما انتهى الى رسول الله صلى الله عليه وسلم ما اختلف من أمرهم وما فرق الله من جماعتهم دعا حذيفة ابن اليمان فبعثه إليهم لينظر ما فعل القوم ليلا.
قال ابن إسحاق فحدثني يزيد بن زياد عن محمد بن كعب القرظي قال قال رجل من أهل الكوفة لحذيفة بن اليمان يا ابا عبدالله ارأيتم رسول الله صلى الله عليه وسلم وصحبتموه قال نعم يابن أخي قال فكيف كنتم تصنعون قال والله لقد كنا نجهد قال فقال والله لو أدركناه ما تركناه يمشي على الأرض ولحملناه على أعناقنا
قال فقال حذيفة يابن أخي والله لقد رأيتنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بالخندق وصلى رسول الله صلى الله عليه وسلم هويا من الليل ثم التفت إلينا فقال من رجل يقوم فينظر لنا ما فعل القوم ثم يرجع يشرط(4/190)
له رسول الله صلى الله عليه وسلم الرجعة أسأل الله تعالى أن يكون رفيقي في الجنة فما قام رجل من القوم من شدة الخوف وشدة الجوع وشدة البرد فلما لم يقم أحد دعاني رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم يكن لي بد من القيام حين دعاني فقال يا حذيفة اذهب فادخل مع القوم فانظر ماذا يصنعون ولا تحدثن شيئا حتى تأتينا قال فذهبت فدخلت في القوم والريح وجنود الله تفعل بهم ما تفعل لا تقر لهم قدرا ولا نارا ولا بناء فقام أبو سفيان فقال يا معشر قريش لينظر امرؤ من جليسه قال حذيفة فأخذت بيد الرجل الذي كان الى جنبي فقلت من انت قال فلان ابن فلان
أبو سفيان ينادي بالرحيل ثم قال ابو سفيان يا معشر قريش إنكم والله ما أصبحتم بدار مقام لقد هلك الكراع والخف واخلفتنا بنو قريظة وبلغنا عنهم الذي نكره ولقينا من شدة الريح ما ترون ما تظمئن لنا قدر ولا تقوم لنا نار ولا يستمسك لنا بناء فارتجلوا فإني مرتحل ثم قام الى جمله وهو معقول فجلس عليه ثم ضربه فوثب به على ثلاث فوالله ما أطلق عقالة إلا وهو قائم ولولا عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم إلي أن لا تحدث شيئا حتى تأتيني ثم شئت لقتلته بسهم
رجوع حذيفة بالخبر اليقين قال حذيفة فرجعت الى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو قائم يصلي في مرط لبعض نسائه مراجل.
قال ابن هشام المراجل ضرب من وشي اليمن
فلما رآني أدخلني الى رجليه وطرح علي طرف المرط ثم ركع(4/191)
وسجد وإني لقيه فلما سلم أخبرته الخبر وسمعت غطفان بما فعلت قريش فانشمروا راجعين الى بلادهم
الرجوع من الخندق قال ابن اسحاق ولما أصبح رسول الله صلى الله عليه وسلم انصرف عن الخندق راجعا الى المدينة والمسلمين ووضعوا السلاح
غزوة بني قريظة في سنة خمس
جبريل يأتي بحرب بني قريظة فلما كانت الظهر أتى جبريل رسول الله صلى الله عليه وسلم كما حدثني الزهري معتجرا بعمامة من إستبرق على بغلة عليها رحالة عليها قطيفة من ديباج فقال أوقد وضعت السلاح يا رسول الله قال نعم فقال جبريل فما وضعت الملائكة السلاح بعد وما رجعت الآن إلا من طلب القوم إن الله عز وجل يأمرك يا محمد بالمسير الى بني قريظة فإني عامد إليهم فمزلزل بهم فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم مؤذنا فأذن في الناس من كان سامعا مطيعا فلا يصلين العصر إلا ببني قريظة
واستعمل على المدينة ابن ام مكتوم فيما قال ابن هشام(4/192)
علي يبلغ الرسول ما سمعه من بني قريظة قال ابن اسحاق وقدم رسول الله صلى الله عليه وسلم علي بن ابي طالب برايته الى بني قريظة وابتدرها الناس فسار على بن ابي طالب حتى إذا دنا من الحصون سمع منها مقالة قبيحة لرسول الله صلى الله عليه وسلم فرجع حتى لقي رسول الله صلى الله عليه وسلم بالطريق فقال يا رسول الله لا عليك أن لا تدنو من هؤلاء الأخابث قال لم أظنك سمعت منهم لي أذى قال نعم يا رسول الله قال لو رأوني لم يقولوا من ذلك شيئا فلما دنا رسول الله صلى الله عليه وسلم من حصونهم قال يا إخوان القردة هل أخزاكم الله وأنزل بكم نقمته قالوا يا ابا القاسم ما كنت جهولا
جبريل في صورة دحية الكلبي ومر رسول الله صلى الله عليه وسلم بنفر من اصحابه بالصورين قبل أن يصل الى بني قريظة فقال هل مر بكم أحد قالوا يا رسول الله قد مر بنا دحية بن خليفة الكلبي على بغلة بيضاء عليها رحالة عليها قطيفة ديباج فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ذلك جبريل بعث الى بني قريظة يزلزل بهم حصونهم ويقذف الرعب في قلوبهم
ولما أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم بني قريظة نزل على بئر من آبارها من ناحية أموالهم يقال لها بئر أنا.
قال ابن هشام بئر أنى(4/193)
تجمع المسلمين للقتال قال ابن اسحاق وتلاحق به الناس فأتى رجال منهم من بعد العشاء الآخرة ولم يصلوا العصر لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يصلين أحد العصر إلا ببني قريظة فشغلهم ما لم يكن منه بد في حربهم وأبوا ان يصلوا لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى تاتوا بني قريظة فصلوا العصر بها العشاء الآخرة فما عابهم الله بذلك في كتابه ولا عنفهم به رسول الله صلى الله عليه وسلم
حدثني(4/194)
بهذا الحديث أبى إسحاق بن يسار عن معبد بن كعب بن مالك الأنصاري
حصار بني قريظة قال وحاصرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم خمسا وعشرين ليلة حتى جهدهم الحصار وقذف الله في قلوبهم الرعب
وقد كان حيي بن اخطب دخلا مع بني قريظة في حصنهم حين رجعت عنهم قريش وغطفان وفاء لكعب بن أسد بما كان عاهده عليه
كعب بن أسد ينصح قومه فلما أيقنوا بأن رسول الله صلى الله عليه وسلم غير منصرف عنهم حتى يناجزهم قال كعب بن أسد لهم يا معشر يهود قد نزل بكم من الأمر ما ترون وإني عارض عليكم خلالا ثلاثا فخذوا أيها شئتم قالوا وما هي قال نتابع هذا الرجل ونصدقه فوالله لقد تبين لكم أنه لنبي مرسل وانه للذي تجدونه في كتابكم فتامنون على دمائكم وأموالكم وأبنائكم ونسائكم قالوا لا نفارق حكم التوارة أبدا ولا نستبدل به غيره قال فإذا أبيتم على هذه فهلم فلنقتل أبناءنا ونساءنا ثم نخرج الى محمد واصحابه رجالا مصلتين السيوف فلم نترك وراءنا ثقلا حتى يحكم الله بيننا وبين محمد فإن نهلك نهلك ولم نترك وراءانا نسلا نخشى عليه وإن نظهر فلعمري لنجدن النساء والأبناء قالوا نقتل هؤلاء المساكين فما خير العيش بعدهم قال فإن أبيتم على هذه فإن الليلة ليلة السبت وإنه عسى أن يكون محمد واصحابه قد أمنونا فيها فانزلوا لعلنا نصيب من محمد وأصحابه غرة قالوا نفسد سبتنا علينا ونحدث فيه ما لم يحدث من كان قبلنا إلا من قد علمت فأصابه ما لم يخف عليك من المسخ قال ما بات رجل منكم منذ ولدته أمه ليلة واحدة من الدهر حازما(4/195)
قصة أبي لبابة في هذه الغزوة قال ثم إنهم بعثوا الى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أبعث إلينا أبا لبابة بن عبد المنذر أخا بني عمرو ابن عوف وكانوا حلفاء الأوس لنستشيره في أمرنا فأرسه رسول الله صلى الله عليه وسلم إليهم فلما رأوه قام إليه الرجال وجهش إليه النساء والصبيان يبكون في وجهه فرق لهم وقالوا له يا أبا لبابة أترى أن ننزل على حكم محمد قال نعم وأشار بيده الى حلقه إنه الذبح قال أبو لبابة فوالله ما زالت قدماي من مكانهما حتى عرفت أني قد حنت الله ورسوله صلى الله عليه وسلم
ثم انطلق أبو لبابة على وجهه ولم يات رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى ارتبط في المسجد الى عمود من عمده وقال لا أبرح مكاني هذا حتى يتوب الله علي مما صنعت وعهد الله أن لا اطأ بني قريظة ابدا ولا أرى في بلد خنت الله ورسوله فيه ابدا
ما نزل في أبي لبابة قال ابن هشام وأنزل الله تعالى في أبي لبابة فيما قال سفيان بن عيينة عن إسماعيل بن ابي خالد عن عبد الله بن أبي قتادة {يا أيها الذين آمنوا لا تخونوا الله والرسول وتخونوا أماناتكم وأنتم تعلمون}.
قال ابن اسحاق فلما بلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم خبره وكان قد استبطأه(4/196)
قال اما إنه لو جاءني لاستغفرت له فأما إذ قد فعل ما فعل فما انا بالذي أطلقه من مكانه حتى يتوب الله عليه
توبة الله على أبي لبابة قال ابن اسحاق فحدثني يزيد بن عبدالله بن قسيط أن توبة أبي لبابة نزلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم من السحر وهو يضحك قال فقلت مم تضحك يا رسول الله وهو في بيت أم سلمة فقالت أم سلمة فسمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم من السحر أضحك الله سنك قال تيب على أبي لبابة قالت قلت أفلا أبشره يا رسول الله قال بلى إن شئت قال فقامت على باب حجرتها وذلك قبل أن يضرب عليهم الحجاب فقالت يا أبا لبابة أبشر فقد تاب الله عليك قالت فثار الناس إليه ليطلقوه فقال لا والله حتى يكون رسول الله صلى الله عليه وسلم هو الذي يطلقني بيده فلما مر عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم خارجا الى صلاة الصبح أطلقه
ما نزل في توبة أبي لبابة قال ابن هشام أقام أبو لبابة مرتبطا بالجزع ست ليال تأتيه امرأته في كل وقت صلاة فتحله للصلاة ثم يعود فيرتبط بالجذع فيما حدثني بعض أهل العلم والآية التي نزلت في توبته قول الله عز وجل {وآخرون اعترفوا بذنوبهم خلطوا عملا صالحا وآخر سيئا عسى الله أن يتوب عليهم إن الله غفور رحيم}.
إسلام بعض بني هدل قال ابن اسحاق ثم إن ثعلبة بن سعية وأسيد بن سعية وأسد بن عبيد وهم نفر من بني هدل ليسوا من بني قريظة ولا النضير نسبهم فوق ذلك هم بنو عم القوم أسلموا تلك الليلة التي نزلت فيها بنو قريظة على حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم
قصة عمرو بن سعدى وخرج في تلك الليلة عمرو بن سعدى القرطي فمر يحرس رسول الله صلى الله عليه وسلم وعليه محمد بن مسلمة تلك(4/197)
الليلة فلما رآه قال من هذا قال أنا عمرو بن سعدي وكان عمرو قد أبى يدخل مع بني قريظة في غدرهم برسول الله صلى الله عليه وسلم وقال لا أغدر بمحمدا أبدا فقال محمد بن مسلمة حين عرفه اللهم لا تحرمني إقالة عثرات الكرام ثم خلى سبيله فخرج على وجهه حتى أتى باب مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمدينة تلك الليلة ثم ذهب فلم يدر أين توجه من الأرض الى يومه هذا فذكر لرسول الله صلى الله عليه وسلم شأنه فقال ذاك رجل نجاه الله بوفائه وبعض الناس يزعم أنه كان أوثق برمة فيمن أوثق من بني قريظة حين نزلوا على حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم فأصبحت رمته ملقاة ولا يدري أين يذهب فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم فيه تلك المقالة والله أعلم اي ذلك كان
تحكيم سعد في أمر بني قريظة قال فلما اصبحوا نزلوا على حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم فتواثبت الأوس فقالوا يا رسول الله إنهم موالينا دون الخزرج وقد فعلت في موالي إخواننا بالأمس ما قد علمت وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل بني قريظة قد حاصر بني قينقاع وكانوا حلفاء الخزرج فنزلوا على حكمه فسأله إياهم عبدالله ابن أبي ابن سلول فوهبهم له فلما كلمته الأوس قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ألا ترضون يا معشر الأوس أن يحكم فيهم رجل منكم قالوا بلى قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فذاك الى سعد بن معاذ
وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد جعل سعد بن معاذ في خيمة لامرأة من أسلم يقال لها رفيدة في مسجده كانت تداوي الجرحى(4/198)
وتحتسب بنفسها على خدمة من كانت به ضيعة من المسلمين وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد قال لقومه حين أصابه السهم بالخندق اجعلوه في خيمة رفيدة حتى أعوده من قريب فلما حكمه رسول الله صلى الله عليه وسلم في بني قريظة أتاه قومه فحملوه على حمار قد وطئوا له بوسادة من أدم وكان رجلا جسيما جميلا ثم أقبلوا معه الى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهم يقولون يا أبا عمرو أحسن في مواليك فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم إنما ولاك ذلك لتحسن فيهم فلما أكثروا عليه قال لقد أتى لسعد أن لا تأخذه في الله لومة لائم فرجع بعض من كان معه من قومه الى دار بني عبد الأشهل فنعى لهم رجال بني قريظة قبل أن يصل إليه سعد عن كلمته التي سمع منه
فلما أنتهى سعد الى رسول الله صلى الله عليه وسلم والمسلمين قال رسول الله صلى الله عليه وسلم قومواالى سيدكم فأما المهاجرون من قريش فيقولن إنماأراد رسول الله صلى الله عليه وسلم الأنصار وأما الأنصار فيقولون قد عم بها رسول الله صلى الله عليه وسلم
فقاموا إليه فقالوا يا ابا عمرو إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد ولاك أمر مواليك لتحكم فيهم فقال سعد بن معاذ عليكم بذلك عهد الله وميثاقه أن الحكم فيهم لما حكمت قالوا نعم وعلى من هاهنا في الناحية التي فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو معرض عن رسول الله صلى الله عليه وسلم إجلالا له فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم نعم قال سعد فإني أحكم فيهم أن تقتل الرجال وتقسم الأموال وتسبي الذراري والنساء(4/199)
رضاه عليه الصلاة والسلام بحكم سعد قال ابن اسحاق فحدثني عاصم بن عمر بن قتادة عن عبدالرحمن بن عمرو بن سعد بن معاذ عن علقمة بن وقاص الليثي قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لسعد لقد حكمت فيهم بحكم الله من فوق سبعة أرقعة
علي ينهي المعركة لصالح المسلمين قال ابن هشام حدثني بعض من أثق به من أهل العلم ان علي بن أبي طالب صاح وهم محاصرو بني قريظة يا كتيبة الإيمان وتقدم هو والزبير بن العوام وقال والله لأذوقن ما ذاق حمزة أو لأفتحن حصنهم فقالوا يا محمد ننزل على حكم سعد بن معاذ
حبس بني قريظة ومقتلهم قال ابن اسحاق ثم استنزلوا فحبسهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمدينة في دار بنت الحارث امرأة من بني النجار ثم خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم الى سوق المدينة التي هي سوقها(4/200)
اليوم فخندق بها خنادق ثم بعث إليهم فضرب أعناقهم في تلك الخنادق يخرج بهم إليه أرسالا وفيهم عدو الله حيي بن أخطب وكعب بن اسد رأس القوم وهم ستمائة أو سبعمائة والمكثر لهم يقول كانوا بين الثمانمائة والتسعمائة
وقد قالوا لكعب بن أسد وهم يذهب بهم الى رسول الله صلى الله عليه وسلم أرسالا يا كعب ما تراه يصنع بنا قال أفي كل موطن لا تعقلون ألا ترون الداعي لا ينزع وأنه من ذهب به منكم لا يرجع هو والله القتل فلم يزل ذلك الدأب حتى فرغ منهم رسول الله صلى الله عليه وسلم
مقتل أبن أخطب واتي بحيي بن أخطب عدو الله وعليه حله له قفاحية قال ابن هشام فقاحية ضرب من الوشي قد شقها عليه من كل ناحية قدر أنملة لئلا يسلبها مجموعة يداه الى عنقه بحبل فلما نظر الى رسول الله صلى الله عليه وسلم قال أما والله ما لمت نفسي في عدواتك ولكنه من يخذل الله يخذل ثم اقبل على الناس فقال أيها الناس إنه لا بأس بامر الله كتاب وقدر ملحمة كتبها الله على بني إسرائيل ثم جلس فضربت عنقه
شعر حبل في مقتل حيي بن اخطب فقال جبل بن جوال الثعلبي ... لعمرك ما لام ابن أخطب نفسه ... ولكنه من يخذل الله يخذل
لجاهد حتى أبلغ النفس عذرها ... وقلقل يبغي العز كل مقلقل(4/201)
قتل امرأة من نسائهم وسببه قال ابن اسحاق وقد حدثني محمد بن جعفر بن الزبير عن عروة بن الزبير عن عائشة أم المؤمنين أنها قالت لم يقتل من نسائهم إلا أمراة واحدة قالت والله إنها لعندي تحدث معي وتضحك ظهرا وبطنا ورسول الله صلى الله عليه وسلم يقتل رجالها في السوق إذ هتف هاتف باسمها أين فلانة قالت أنا والله قالت قلت لها ويلك ما لك قالت أقتل قلت ولم قالت لحدث أحدثته قالت فانطلق بها فضرب عنقها فكانت عائشة تقول فوالله ما أنسى عجبا منها طيب نفسها وكثرة ضحكها وقد عرفت أنها تقتل.
قال ابن هشام وهي التي طرحت الرحا على خلاد بن سويد فقتلته
قصة الزبير بن باطا قال ابن اسحاق وقد كان ثابت بن قيس بن الشماس كما ذكر لي ابن شهاب الزهري أتى الزبير ابن باطا القرظي وكان يكنى أبا عبد الرحمن وكان الزبير قد من على ثابت بن قيس بن شماس في الجاهلية ذكر لي بعض ولد الزبير أنه كان من عليه يوم بعاث اخذه فجز ناصيته ثم خلى سبيله فجاءه ثابت وهو شيخ كبير فقال يا أبا عبد الرحمن هل تعرفني(4/202)
قال وهل يجهل مثلي مثلك قال إني قد أردت أن أجزيك بيدك عندي قال إن الكريم مجزي الكريم
ثم أتى ثابت بن قيس رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله انه قد كانت للزبير على منة وقد أحببت أن أجزيه بها فهب لي دمه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم هو لك فأتاه فقال إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد وهب لي دمك فهو لك قال شيخ كبير لا أهل له ولا ولد فما يصنع بالحياة قال فأتى ثابت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال بأبي انت وأمي يا رسول الله هب لي امرأته وولده قال هم لك قال فأتاه فقال قد وهب لي رسول الله صلى الله عليه وسلم أهلك وولدك فهم لك قال اهل بيت بالحجاز لا مال لهم فما بقاؤهم على ذلك
فأتى ثابت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله ماله قال هو لك فأتاه ثابت فقال قد أعطاني رسول الله صلى الله عليه وسلم مالك فهو لك قال أي ثابت مافعل الذي كان وجهه مرآة صينية يتراءى فيها عذارى الحي كعب بن اسد قال قتل قال فما فعل سيد الحاضر والبادي حيي بن اخطب قال قتل قال فما فعل مقدمتنا إذا شددنا وحاميتنا إذا فررنا عزال بن سموأل قال قتل قال فما فعل المجلسان يعني بني كعب بن قريظة وبني عمرو بن قريظة قال ذهبوا قتلوا قال فإني أسألك يا ثابت بيدي عندك إلا ألحقتني بالقوم فوالله ما في العيش بعد هؤلاء من خير فما انا بصابر لله فتلة دلو ناضج حتى ألقى الأحبة فقدمه ثابت فضرب عنقه(4/203)
فلما بلغ ابا بكر الصديق قوله ألقى الأحبة قال يلقاهم والله في نار جهنم خالدا فيها مخلدا.
قال ابن هشام قبلة دول ناضح قال زهير بن ابي سلمى في قبلة ... وقابل يتغنى كلما قدرت ... على العراق يداه قائما دفقا
وهذا البيت في قصيدة له.
قال ابن هشام ويروى وقابل يتلقى يعني قابل الدلو يتناول
أمر عطية القرظي ورفاعة بن سموأل قال ابن إسحاق وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أمر بقتل كل من أنبت منهم.
قال ابن إسحاق وحدثني شعبة بن الحجاج عن عبد الملك بن عمير عن عطية القرظي قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد امر أن يقتل من بني قريظة كل من انبت منهم وكنت غلاما فوجدوني لم انبت فخلوا سبيلي.
قال ابن إسحاق وحدثني أيوب بن عبد الرحمن بن عبدالله بن أبي صعصعة أخو بني عدي بن النجار أن سلمى بنت قيس أم المنذر اخت سليط ابن أخت سليط بن قيس وكانت إحدى خالات رسول الله صلى الله عليه وسلم قد صلت معه القبلتين بايعته بيعة النساء سألته(4/204)
رفاعة بن سموأل القرظي وكان رجلا قد بلغ فلاز بها وكان يعرفهم قبل ذلك فقالت يا نبي الله بأبي انت وامي هب لي رفاعة فأنه قد زعم أنه سيصلي ويأكل لحم الجمل قال فوهبه لها فاستحيته
تقسيم الفىء قال ابن اسحاق ثم إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قسم أموال بني قريظة ونساءهم وأبناءهم على المسلمين وأعلم في ذلك اليوم سهمان الخيل وسهمان الرجال وأخرج منها الخمس فكان للفارس ثلاثة أسهم للفرس سهمان ولفارسه سهم وللراجل من ليس له فرس سهم وكانت الخيل يوم بني قريظة ستة وثلاثين فرسا وكان أول فئ وفعت فيه السهمان واخرج منها الخمس فعلى سنتها وما مضى من رسول الله صلى الله عليه وسلم فيها وقعت المقاسم ومضت السنة في المغازي
ثم بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم سعد بن زيد الأنصاري أخا بني عبد الأشهل بسبي من سبايا بني قيظة الى نجد فابتاع لهم بها خيلا وسلاحا
إسلام ريحانة قال وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد اصطفى لنفسه من نسائهم ريحانى بنت عمرو بن خناقة إحدى نساء بني عمرو ابن قريظة فكانت عند رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى توفي عنها وهي في ملكه وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم عرض عليها ان يتزوجها ويضرب عليها الحجاب فقالت يا رسول الله صلى الله عليه وسلم بل تتركني في ملكك فهو اخف علي وعليك فتركها وقد كانت حين سباها قد تعصت بالإسلام وأبت إلا اليهودية فعزلها رسول الله صلى الله عليه وسلم ووجد في نفسه لذلك من أمرها فبينا هو مع أصحابه إذ سمع وقع نعلين خلفه فقال(4/205)
إن هذا لثعلبة بن سعية يبشرني بإسلام ريحانة فجاءه فقال يا رسول الله قد أسلمت ريحانة فسره ذلك من أمرها
ما نزل في القرآن في الخندق وبني قريظة قال ابن اسحاق وأنزل الله تعالى في أمر الخندق وأمر بني قريظة من القرآن القصة في الأحزاب يذكر فيها ما نزل من البلاء ونعمته عليهم وكفايته إياهم حين فرج ذلك عنهم بعد مقالة من قال من أهل النفاق {يا أيها الذين آمنوا اذكروا نعمة الله عليكم إذ جاءتكم جنود فأرسلنا عليهم ريحا وجنودا لم تروها وكان الله بما تعملون بصيرا} والجنود قريش وغطفان وبنو قريظة وكانت الجنود التي أرسل الله عليهم مع الريح الملائكة يقول الله تعالى {إذ جاؤوكم من فوقكم ومن أسفل منكم وإذ زاغت الأبصار وبلغت القلوب الحناجر وتظنون بالله الظنونا} فالذين جاءوهم من فوقهم بنو قريظة والذين جاءوهم من أسفل منهم قريش وغطفان يقول الله تبارك وتعالى {هنالك ابتلي المؤمنون وزلزلوا زلزالا شديدا وإذ يقول المنافقون والذين في قلوبهم مرض ما وعدنا الله ورسوله إلا غرورا}(4/206)
لقول معتب بن قشبر إذ يقول ما قال {وإذ قالت طائفة منهم يا أهل يثرب لا مقام لكم فارجعوا ويستأذن فريق منهم النبي يقولون إن بيوتنا عورة وما هي بعورة إن يريدون إلا فرارا} لقول أوس بن قبظي ومن كان علي رايه من قومه {ولو دخلت عليهم من أقطارها} أي المدينة.
قال ابن هشام الأقطار الجوانب وواحدها قطر وهي الأقتار وواحدها قتر.
قال الفرزدق :
كم من غني فتح الإله لهم به ... والخيل مقعية على الأقطار
ويروى على الأقتار وهذا البيت في قصيدة له
{ثم سئلوا الفتنة} اي الرجوع الى الشرك {لآتوها وما تلبثوا بها إلا يسيرا ولقد كانوا عاهدوا الله من قبل لا يولون الأدبار وكان عهد الله مسؤولا} فهم بنو حارثة وهم الذين هموا أن يفشلوا يوم أحد مع بني سلمة حين همتا بالفشل يوم أحد ثم عاهدوا الله أن لا يعودوا لمثلها أبدا فذكر لهم الذين أعطوا من انفسهم ثم قال تعالى {قل لن ينفعكم الفرار إن فررتم من الموت أو القتل وإذا لا تمتعون إلا قليلا قل من ذا الذي يعصمكم من الله إن أراد بكم سوءا أو أراد بكم رحمة ولا يجدون لهم من دون الله وليا ولا نصيرا قد يعلم الله المعوقين منكم} أي أهل(4/207)