التاريخ ودوره في الحفاظ على
الهوية الإسلامية في عصر العولمة
إعداد أ . د . غيثان بن علي بن جريس
أ ـ تمهيد :
صاحب التطور الحضاري الذي شهده العالم في عصرنا الحديث تطور مماثل في مفهوم التاريخ وأسلوب تناوله ومنهجه ، فالتاريخ – بلا شك – يحتل مكانة مرموقة في عصر يتميز بتقدم العلوم ، ولقد بذل المؤرخون جهداً شاقاً في نقل التاريخ من مفهومه القديم المتمثل في الخطابات والأساطير إلى مفهومه الحديث القائم على دراسة التجرية الإنسانية بمعناها الشامل والبحث عن أسبابها الحقيقية في ثنايا التطور الحضاري للإنسان ، فالتاريخ لم يعد مملوكا للشعوب ذات الحضارة القديمة في الشرق الأدنى القديم والصين والهند ، وإنما دخلت فيه جميع الشعوب واستعان منهجه بالعديد من العلوم لاستنباط الحقائق التاريخية المختلفة التي تعين على فهم حياة الشعوب وتجربتها عبر السنين ، كما اتسعت مجالات دراسته وبحثه فأخذ من الشعوب والبيئة معاً .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ[ بيادر 45 ]ـــــــــــــــــ
التاريخ ودوره في الحفاظ على الهوية الإسلامية في عصر العولمة ... ... ... 14
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ب ـ مفهوم العولمة ، وهدفها ، وتاريخ تطورها :(1/1)
... ولما كان التاريخ – كما أسلفنا القول – تسجيلاً لحركة الحياة وإبداعاتها ، فقد بات من الضروري التعامل مع الإيقاع السريع للعصر ، خاصة وقد أصبح العالم كله كأنه قرية صغيرة بسبب ما حدث من ثورة كبرى في عالم الاتصالات وتقدم التقنية تقدماً هائلاً وتفجر المعرفة . والتاريخ يؤكد أننا مع بداية الألفية الثالثة أصبحنا على أعقاب عصر جديد يطلق عليه اصطلاحاً عصر العولمة ، أو دخلنا في نظام عالمي جديد ، أصبحنا نطالع فيه تقنية حديثة متقدمة أو ابتكاراً جديداً كل يوم . وبدأت الحدود والحواجز بين الدول تتساقط نتيجة هذا التقدم ، وإذا كانت العولمة تقوم أساساً على حرية التجارة وانتقال البضائع ، وتزايد التنافس بين الدول في كافة أرجاء المعمورة ، فسوف يتزايد ويتعاظم بالتالي دور التاريخ ، لأن التنافس لن يستمر تجارياً فقط ، وإنما سيتعدى الحياة الاقتصادية ليشمل الثقافات والحضارات .
... وإذا كان هذا هو مفهوم العولمة ، فمن الواضح أنه جاء نتيجة فكر اقتصادي " أناني " بهدف سيطرة الدول الكبرى وتحقيق هيمنتها على العالم ، بينما فكرة العولمة في الواقع فكرة قديمة حيث تمت في السابق في أطر جغرافية أصغر مثال ذلك اليونان والرومان وسيطرتهما على أجزاء العالم القديم ، ثم أعدنا نحن أبناء الأمة الإسلامية بعثها من جديد ، ولكن دون أن نلهث وراء تحقيق هيمنة استعمارية على الآخرين ، فالإسلام دين عالمي ، لم يأت إلى " شعب مختار " وإنما جاء للناس كافة مصداقاً لقوله تعالى { يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ } ، أي أنه دين لكافة شعوب الأرض ، وليس ديناً عنصرياً .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ[ بيادر 45 ]ـــــــــــــــــ(1/2)
التاريخ ودوره في الحفاظ على الهوية الإسلامية في عصر العولمة ... ... ... 15
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
... كذلك شملت الثقافة الإسلامية أجناساً كثيرة أخرى غير العربية ، وتكمن قوة هذه الثقافة في ديناميكيتها وقدرتها على الانتشار في كل مكان من العالم ، كما تكمن قوتها أيضاً في قدرتها على الاستمرار والتواصل عبر حقب التاريخ من الماضي إلى المستقبل . وهي التي ستكون سند الأمة الإسلامية الأول في القدرة على الصمود ومعايشة أخطار عصر العولمة . فالثقافة الإسلامية هي القادرة وحدها على تحقيق نظام عالمي عادل يكفل للإنسان كرامته – وهذا واضح على امتداد صفحات التاريخ في تعامل المسلمين مع الأجناس الأخرى وأصحاب الديانات المخالفة – حيث تقدم هذه الثقافة القيم والمبادئ والمفاهيم الإسلامية القادرة على تحقيق العدل والمساواة بين كافة الشعوب . مما يتيح الحياة في بيئة سليمة تحقق للمجتمعات الدولية والأجيال البشرية تطلعاتها ورغباتها في تعايش عادل وآمن يستظل الجميع فيه بمظلة الرخاء والسلام .
... فالتاريخ – كما هو معروف – ذاكرة أمة ، وبما أنه هو الذي قام بتسجيل ملامح هذه الثقافة الإسلامية ، فسوف يتمكن من تحمل مسؤوليته في عصر العولمة حيث سينافس المتنافسون ، ولن ينجح إلا أصحاب الريادة والقادرون على المحافظة عليها .
جـ ـ سلبيات عصر العولمة ودور المسلمين في مواجهتها :
... وإذا كانت دروس التاريخ قد أفرزت لنا العديد من الحقائق التي خلصنا من دراستها إلى التعرف على أسباب النجاحات التي حققتها الأمة الإسلامية عبر قرون أزدهارها ، فإنه من الإنصاف الإشارة أيضاً إلى أنها – أي دروس التاريخ – قد نبَّهتها ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ[ بيادر 45 ]ـــــــــــــــــ(1/3)
التاريخ ودوره في الحفاظ على الهوية الإسلامية في عصر العولمة ... ... ... 16
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
إلى أسباب الضعف الذي اعترض طريق التقدم الإسلامي ومعظمها يرجع إلى التقاعس والتواكل، والانصراف إلى الصراعات الداخلية وتحقيق المطامع الشخصية . لذا بات من الضروري مواجهة هذا عن طريق تطوير السلوك الاجتماعي ، وتطوير أسباب ممارسة الحياة والعمل بشكل إيجابي تطبيقاً لمبادئ ديننا الحنيف ، واستفادة من دروس التاريخ .
... وقبل الإشارة إلى علم التاريخ وقدرته على التعامل مع العولمة يجدر بنا الإشارة ــ في إيجاز ــ إلى سلبيات وإيجابيات العولمة ، فالسلبيات عديدة . حيث نلاحظ أن نظام العولمة يتطور ويتشكل باتجاه الأسوأ ، مما يؤثر سلباً على النشء والصحة ، وعلى الهوية وعلى الحضارة ، فلا يلبي طبقاً لمفهومه الحالي تطلعات الأجيال البشرية والمجتمعات الدولة ، وما تصبو إليه من أمن وعدالة وسلام للجميع ، فتوجهات هذا النظام الجديد تتصادم مع كرامة الإنسان وحقوقه ، وتكرس أسباب الفساد ، سواءً في البيئة أو في مجال العلاقات الدولية بين الشعوب .
... فعلى سبيل المثال نلاحظ أن تحقيق الربح هو الهدف الأسمى للشركات العالمية ، حتى ولو جاء ذلك على حساب ضعف التوعية لدى جمهور المستهلكين لا سيما في الدول الفقيرة والتي اصطلح على تعريفها بدول العالم الثالث .(1/4)
ويتجلى التأثير السلبي هذا في ضعف المقدرة الاقتصادية لدول العالم الثالث ومنها الدول العربية التي لن تستطع مجابهة المنافسة الاقتصادية للدول الأوربية بسبب تواضع المستوى الاقتصادي العربي في ظل ضعف الإنتاج وعدم القدرة على الابتكار المتواصل ، وتناقص الصادرات كماً وكيفاً ، ومحدودية التقنية العربية ، والحقيقة أنه على مدار تاريخنا الإسلامي وجدنا أن التاريخ الاقتصادي للعالم الإسلامي قد ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ[ بيادر 45 ]ـــــــــــــــــ
التاريخ ودوره في الحفاظ على الهوية الإسلامية في عصر العولمة ... ... ... 17
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
حرص على عرض سُبل وأوجه الازدهار التي تميزت بها بعض فترات تاريخنا الإسلامي ، ومن هنا يمكن استخلاص الدرس للتعامل مع واقعنا الحالي .
... ومما لا شك فيه أن العولمة كما نراها الآن تهدد بالفعل أخلاقيات المجتمعات وخاصة الإسلامية ، وتهدد الأجيال المستقبلية بإكسابهم عادات وقيماً وسلوكيات غربية بعيدة كل البعد عن سلوكيات الإسلام ، وتغرس فيهم أنماطاً معينة للحياة ، حيث تحل المادة الصرفة محل القيم النبيلة والعواطف الإنسانية . وهنا يأتي الدور السياسي للتاريخ ، حيث يجب علينا أن نغرس في أبنائنا حب التعرف على البطولات الإسلامية والدراسة بعمق لتاريخ الأنبياء والطبقات وغيرها وذلك يسهم في تأصيل روح الانتماء كما سنوضح بعد ذلك .
* أما دور المسلمين في عصر العولمة : ( فلا حل إلاَّ المواجهة ) .(1/5)
مواجهة سلبيات العولمة والسؤال الذي يطرح نفسه بعد ما عرضناه من أفكار هو : ماذا يجب أن نفعله في عصر العولمة ؟ لأنها أصبحت حقيقة فلا جدوى من الخوف منها ، لكونها صارت واقعاً لا مفر منه ، لذا فإن الضرورة الفكرية والثقافية والدعوية تحتم علينا – بوصنا عرباً ومسلمين أصحاب تاريخ وحضارة وقبل هذا وذاك دين عالمي – الإسهام فيها وإبراز دور الإسلام المؤثر والفاعل في تنمية وتطوير المجتمعات في كافة المجالات السياسية والاجتماعية والاقتصادية والفكرية ، وإيجاد صيغة متوازنة بين مضمون العولمة ، وواقعنا العربي والإسلامي والتاريخي تحقق لنا ما يكفله الإسلام من حقوق الإنسان ، وما يشتمل عليه من مساواة وإخاء وعدل ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ[ بيادر 45 ]ـــــــــــــــــ
التاريخ ودوره في الحفاظ على الهوية الإسلامية في عصر العولمة ... ... ... 18
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وتسامح ، وإبراز المفاهيم بالبعد التاريخي والفقهي والفكري حول فكرة النظام العالمي الجديد على أساس مفاهيم الإسلام وقيمه وتعاليمه 00 وهذا يتطلب منا اليقظة والذكاء المتقد ، ومن ثم لا نخشى من العولمة ، بما نملكه من رصيد تاريخي ضخم ومستنير .
... وهناك أيضاً العديد من العوامل والحلول التي تساعد على النجاح في هذه المواجهة منها على سبيل المثال لا الحصر :(1/6)
1- تربية روح الانتماء بين مجتمعاتنا العربية والإسلامية وهذا لن يتأتى إلا بدراسة أخبار السلف الصالح وتاريخ العظماء على امتداد تاريخنا . ولذا من الضروري التعمق في استخدام علم التاريخ بوصفه أحد الأسس الرئيسة لحماية قيمنا وتراثنا وثقافتنا والعمل على تحديثهم . والتصدي لمساوئ العولمة عن طريق زيادة الاهتمام برعاية الطفولة وفقاً للمعايير الإسلامية ، وضمان الوسائل المؤدية إلى تحقيق رخائها المستقبلي وتقدمها .
2- يمكن مواجهة سلبيات العولمة في مجال الأخلاق عن طريق المثابرة في غرس قيم الولاء والانتماء وتنمية الوازع الديني في النفوس ، فهذه هي الخطوط الدفاعية التي تستطيع مواجهة حريات عصر العولمة ، أضف إلى ذلك الحث على العمل والالتزام والنظام بوجود القدوة الصالحة لذلك .
3- ينبغي على مجتمعاتنا الإسلامية زيادة جرعة الاهتمام بتربية الفتاة وتعليمها وتزويدها بأدوات الثقافة وأسلحتها اللازمة ، حتى يدعم دور المرأة ( نصف المجتمع ) الأم ، وبذلك نهيئ لها القدرة على النجاح في إعداد الجيل القادر على المنافسة والزيادة في عصر العولمة . والتاريخ – كما نعلم – يمدنا بالكثير
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ[ بيادر 45 ]ـــــــــــــــــ
التاريخ ودوره في الحفاظ على الهوية الإسلامية في عصر العولمة ... ... ... 19
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
من سير النساء المسلمات اللاتي لعبن دوراً مبرزاً في مجتمعاتنا الإسلامية في الماضي والحاضر ، فلنحرص على تلقين الفتاة هذه السير الراشدة .(1/7)
4- الاهتمام بتدريس التاريخ الاجتماعي للأمة الإسلامية ، وكيف اهتم المسلمون بالتنظيم الاجتماعي للأسرة وحرصوا حرصاً كاملاً على حماية تلك الوحدة الاجتماعية الأولى والرئيسة في المجتمع من منطلق أن في صلاحها صلاحاً للمجتمع بأسره .
5- الاهتمام بالدراسات الاقتصادية في تاريخنا الإسلامي حيث إن الإسلام من خلال النظام الاقتصادي الذي نهجه المسلمون فأثبتوا ريادتهم على العالم المعروف آنذاك ولسنين عديدة ، وما حققه هذا النظام من تكامل اجتماعي باتباعه نظام الزكاة والخراج وبيت المال لرعاية غير القادرين وغير ذلك .
د – إيجابيات عصر العولمة ودور التاريخ في الاستفادة منها :
وبرغم السلبيات التي أوضحناها وبينا كيف تهدد الهوية الإسلامية ، وأبرزنا أن هذا التهديد لا يأتي إلا بتقاعسنا ، وحددنا الأطر الرئيسة التي يمكن من خلالها مواجهة هذه السلبيات . فإن العولمة برغم ذلك لها أيضاً إيجابياتها في ظل تساوي وتكافؤ الفرص .
1- من الناحية الاقتصادية : سوف يعطينا النظام العالمي الجديد الفرصة لزيادة الصادرات للأسواق العالمية ، ومن قبلها زيادة القدرة الإنتاجية وجودة
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ[ بيادر 45 ]ـــــــــــــــــ
التاريخ ودوره في الحفاظ على الهوية الإسلامية في عصر العولمة ... ... ... 20
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ(1/8)
المنتجات ، كما ستزيد الاستثمارات الأجنبية في بلادنا ويشترط لتحقيق هذه الإيجابيات تغيير وتطور الأداء في مجالات التفكير والإنتاج والسلوك ، والعمل والتعليم والتقنية وبأقصى سرعة . لكي نتمكن من اقتحام سوق الاقتصاد العالمي ، وهذا لا يتم إلا بالاعتماد على الأسس العلمية الدقيقة ، وهكذا ستحتم العولمة على رجال الاقتصاد الاعتماد على مرآة التاريخ ليتفهموا الجنسيات الأخرى التي سيتعاملون معها سواء كانت أمريكية أو آسيوية أو أوربية .
كما أن إعداد دراسة التاريخ الاقتصادي والتوسع والتعمق فيه يعد ضرورة لمواجهة التحالفات والتكتلات الاقتصادية الحالية وفهمها فهماً صحيحاً ، كما أن هذه الدراسة سوف تؤهلنا لحماية الثروات الطبيعية لأمتنا الإسلامية من أخطار العولمة في ظل اتفاقية " الجات " ، ولن تتحقق هذه الحماية إلا بالمزيد من التقدم في مجالات الإنتاج وتحقيق السيادة الوطنية على منابع هذه الثروات في ذات الوقت . ولا ينبغي لنا أن نغفل أيضاً إمكانية استغلال إيجابيات العولمة في المجال الاقتصادي سواء عن طريق استغلال العولمة في مجال التسويق وتبادل المنتجات بشروط مرضية ، أو عن طريق التعامل مع قوى اقتصادية قد تختلف معها ايديولوجياً .
2 ـ ... من الناحية الحضارية : سوف تكون لدينا فرصة كبرى لعرض القيم والمبادئ الإسلامية ومفردات تلك العقيدة السماوية السمحة دون تزيد أو تعصب ، وتعريف العالم ما يمكن أن تقدمه تلك الشريعة الإلهية لإنقاذ البشرية الغارقة في أحضان الحياة المادية . وتوضيح أن الإسلام وما اشتمل
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ[ بيادر 45 ]ـــــــــــــــــ
التاريخ ودوره في الحفاظ على الهوية الإسلامية في عصر العولمة ... ... ... 21
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ(1/9)
عليه من تشريعات عامة قابل للتطبيق في هذا العصر وغيره من العصور ، وسوف نواجه في سبيل توضيح ذلك الحجة بالحجة ، والعقل بالعقل ، ونستطيع أن نقيم حواراً متحضراً قائماً على أساسيات الدين الإسلامي ، وأعماق الجذور التاريخية لمجتمعنا الإسلامي وذلك يتطلب منا إعداد المثقف المسلم الملم إلماماً كاملاًً بالشريعة الإسلامية فكرا ًوعقيدة ليتمكن من التفاعل مع ميادين الحوار الثقافي العالمي ويكون قادراً على طرح وبلورة المشروع الحضاري الإسلامي المعاصر ، أو بمعنى أدق طرح تفاصيل الدستور الإسلامي وتعريف العالم بما ينطوي عليه مصطلح " النظام الإسلامي " في مقابل ما يسمى بالنظام العالمي الجديد " عصر العولمة " وذلك بتوضيح المفهوم الصحيح للإسلام وإزالة الغبن عنه والدفاع عن شريعتنا إزاء افتراءات أعداء الدين عليها . وتأكيد أن الإسلام يمثل نقلة من قومية الأديان المتنافرة إلى عالمية الدين الواحد وهو الإسلام لأمم متعارفة في حياتها متعاونة على الأمر . بكل ما قد عُرف خبره ، وعلى استنكار كل ما قد عُرف شره .
2- من الناحية السياسية : وذلك يتم عن طريق استخدام أمثل لما أتاحته التقنية الحديثة من ثورة في عالم الاتصالات للإعلان عن قيمنا وأخلاقنا النابعة من الشريعة الإسلامية ، وعرض تفصيلي لقضايانا العادلة ، وذلك لن يتم إلا من خلال إعداد كوادر إعلامية مدربة ودارسة بوعي وعمق ما تعكسه دروس التاريخ حتى يمكنها التعامل مع مختلف القوى السياسية في العالم وبخاصة تلك التي تختلف عنها ايديولوجياً .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ[ بيادر 45 ]ـــــــــــــــــ
التاريخ ودوره في الحفاظ على الهوية الإسلامية في عصر العولمة ... ... ... 22
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ(1/10)
هـ ـ أهداف تدريس التاريخ في عصر العولمة :
... وبما أن النظام العالمي الجديد ( عصر العولمة ) قد أصبح واقعاً لا محالة ، فقد بات علينا معشر العاملين في حقل التاريخ ، باحثين ودارسين إعادة النظر في أهداف دراسة وتدريس التاريخ ، وفي اتجاهاته المعاصرة ، والكيفية التي يتم بها تدريسه في مدارسنا وجامعاتنا .
... فلا بد أن تولي جامعاتنا العربية والإسلامية اهتماماً كبيرا ًبتحديث أهداف تدريس التاريخ بين جنباتها ، حيث إن الاستمرار في التركيز على الجانب المعرفي دون الإلمام والتعرف بعمق على الجوانب الأخرى لا يحقق الفائدة المرجوة ، ولن يساعدنا على تربية وتخريج أجيال مثقفة واعية تستطيع مواكبة عصر العولمة .
... ويمكننا أن نوجز – في تصورنا – أهداف تدريس التاريخ بما يتناسب مع عصر العولمة ويحمي هويتها الإسلامية على النحو التالي :
1) ... تزويد الدارسين بالحقائق والمعلومات والنظريات والقوانين التاريخية بصورة تحقق أهداف التاريخ . ووفقاً لتطوير مفهوم التاريخ من مختلف جوانبه على النحو الذي سبق وأوضحناه .
2) ... تدريب الدارسين على الأسلوب العلمي في دراسة التاريخ وإجراء البحوث المتصلة به ، وخاصة أن الدارسين في الجامعات يكونون قد بلغوا درجة من النضج الفكري تساعد على ازدياد قدراتهم على الفهم والاستيعاب والتحليل وإدراك العلاقات والربط واستنباط النتائج ، والقدرة على الانتفاع بدراسة الظواهر التاريخية دراسة تساعدهم على تفهم حاضرهم والتخطيط
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ[ بيادر 45 ]ـــــــــــــــــ
التاريخ ودوره في الحفاظ على الهوية الإسلامية في عصر العولمة ... ... ... 23
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ(1/11)
... لمستقبلهم والاستفادة من خبرات الأجيال السابقة . مما لا شك فيه أن تدريب أبنائنا على استخدام الأسلوب العلمي في مختلف مناهج التعليم سوف يساعدنا كثيراً في دخول مجال المنافسة مع الآخرين ، واحتلال مقعد متقدم في هذا النظام .
... وإذا كان عصر العولمة يحتم استخدام الحاسب الآلي " الكمبيوتر " لنكون على اتصال دائم بالعالم الخارجي من خلال شبكة " الإنترنت " ، مما يساعد وبشكل فاعل على تلمس حركة التاريخ اليومية ومتابعة وقائعها أولا ًبأول . فإننا يجب علينا الاستعداد المثل لهذا الأمر من خلال تطوير مفهوم التعليم وبرامجه ، ولتكن البداية من الطفل حتى ينشأ ولديه القدرة على الإلمام بهذه الثورة العلمية المتنامية والآخذة في التطور السريع حتى لا نغفل أو لا نفاجأ . وحينها فلا خوف من العولمة على مستقبلنا .
3) ترسيخ وغرس القيم الروحية والمفاهيم الدينية والأخلاقية والسياسية التي يحتاج إليها الطالب في أثناء دراسته ، فنحن نملك الكثير من القيم والمبادئ الأخلاقية التي أرستها الأديان . فالديانات الثلاث كانت تهدف إلى الانتشار ، والوصول إلى كل ركن من العالم ، وقد قالها الإسلام بالنص السماوي الصريح على عالميته لا محدوديته مما يؤهل لسيادته أرجاء العالم . كما يجب أن نضع في الاعتبار أن أفضل حصانة للإنسان المسلم ضد سلبيات العولمة هو التعاون من أجل تشكيل الإنسان القوي القادر على فهم محتويات العولمة والتعايش معها والأخذ بإيجابياتها وتجنب سلبياتها .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ[ بيادر 45 ]ـــــــــــــــــ
التاريخ ودوره في الحفاظ على الهوية الإسلامية في عصر العولمة ... ... ... 24
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ(1/12)
4) أن يشارك المواطن الصالح الفاعل في مجتمعه بالرأي والفكر السديد وبتكوين رؤية تاريخية لدى الطلاب ، مستمدة من استقراء التجارب والخبرات والمواعظ والعبر فيستطيع الطالب انطلاقاً من هذه الرؤية التاريخية أن يحلل ويربط الأحداث ، ويكون من خلال ذلك موقفاً ورؤية واضحة لما يجري من حوله سواء في مجتمعه المحدود مما يساعد على إسهامه الإيجابي في حل مشاكله ، أو في المجتمعات من حوله فيستطيع من خلال دراسة وفهم سير الأحداث وتلاحقها واتجاهاتها أن يكون ملما ًبكل جديد يحدث من حوله . ولا يتأتى ذلك إلا من خلال تزويد الطالب بالمهارات والقدرات والخبرات والمنهج العلمي . إن رقي المجتمع وتقدمه رهن بنجاحنا في غرس صفات الخلق والابتكار والتحليل والمبادرة ، والاعتماد على النفس ، فالعقلية العملية تتغلب على المشاكل وتقهر الصعوبات ، وتبني المجتمعات على أسس سليمة وتختصر الزمن فتقطع المسافات بأقل قدر من الجهد والوقت ، وبذلك تنفك من أسر التخلف وتلحق بركاب الدول المتقدمة .
5) مد الشباب بالزاد المعرفي ، والقدرة على الوقوف أمام التفسيرات الخاطئة والمضللة التي تحاول التشكيك في قدرات أبناء الأمة الإسلامية وذاتهم وماضيهم الحضاري .
6) ترسيخ وعي الطلاب بقضايا الوطن والعروبة والإسلام . وعدم الانبهار بكل فكر يأتي من الغرب ، وإلا سنجد أنفسنا وقد استسلمنا لهذا الغزو
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ[ بيادر 45 ]ـــــــــــــــــ
التاريخ ودوره في الحفاظ على الهوية الإسلامية في عصر العولمة ... ... ... 25
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ(1/13)
الفكري الذي يهدف إلى تغريب ثقافتنا ، ونسبة كل ابتكار وتجديد أحرزه المسلمون عبر حقب التاريخ إلى الآخرين ، بهدف تناسي ثقافتنا الإسلامية الأصيلة ودورها الزاهر في إثراء الحضارات العالمية التي نهلت منها ، وقت
أن كنا نعمل ونبتكر . ولعل انبهارنا الآن بفكرة العولمة أحد مظاهر هذا التأثير رغم أننا نحن المسلمين من أوائل من امتلكوا مقومات التميز والعولمة . ألم يصل الإسلام إلى الأندلس في أسبانيا ؟ ألم يصل المسلمون لأواسط أوربا ؟ فمن خلال التوحيد كانت سيادة المنهج الإسلامي ، ومن التكافل الاجتماعي الزكاة – الخراج – بيت المال " كان النظام الاقتصادي الإسلامي والتنظيم التجاري ، ومن العدالة والشرف والمساواة كانت علاقات المسلمين بالقوى الأخرى . فمن خلال حقائق التاريخ التي لا خلاف عليها يتجلى فضل العرب والمسلمين على المجتمعات الأخرى في مجال العلوم . ثم تراجع هذا الأمر . نتيجة ضربات معاول الآخرين مما أدى لانهيار الحضارة الإسلامية الزاهرة فحجب الإسلام عن دوره الحضاري ، فحدث الاضطراب وظهرت قيم تتناقض وفطرة الإنسان السليم وطبيعة تكوينه الرباني ، وسادت الحضارة الغربية التي أبدعت في منجزاتها الحضارية المادية ، لذا فمن الضروري تنمية البحث العلمي وتشجيع البحوث التطبيقية وإحداث طفرة في مجال التعليم حتى تلحق بركب التقدم العلمي.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ[ بيادر 45 ]ـــــــــــــــــ
التاريخ ودوره في الحفاظ على الهوية الإسلامية في عصر العولمة ... ... ... 26
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
و ــ الاتجاهات المعاصرة في تدريس التاريخ في عصر العولمة :
* يمكن إيجاز أهم تلك الاتجاهات فيما يلي :(1/14)
1- مسايرة التطور في مفهوم التاريخ ، فقد تطور مفهوم التاريخ من تاريخ الأفراد والقادة والبطولات إلى تاريخ الشعوب والأمم والظواهر الحضارية المختلفة في مجالات الحياة المتعددة ( اجتماعية و اقتصادية و ثقافية وغيرها ). وهذه القضية يطول شرحها ، والحقيقة الأكثر شيوعاً – ومما درسناه وندرسه – أن التاريخ مرتبط بالشخصيات السياسية والقادة والعسكريين ، وهذا مفهوم يجب علينا تجاوزه وليس معنى ذلك إنكار دور الفرد وأثره في التواريخ ، ولكننا نقول : إن الفرد أو شخصية البطل من صنع مجتمعه ، وإنه نتيجة حتمية للقوى الفاعلة في المجتمع وظهوره يأتي استجابة لحاجات اجتماعية سواء كانت دينية أو سياسية أو اقتصادية أو عسكرية ، إذن يجب دراسة القوى الاجتماعية والتحديات التي واجهتها الأمة فانبثق عنها ظهور البطل وفعاليته ومجال تأثيره . والخلاصة أنه يجب دراسة التاريخ على أساس فلسفة أحداثه أو الرؤية المعاصرة التي تسلم بأهمية الشعوب التي تنسب إليها أحداث التاريخ ، فالشعوب هي التي صنعت التاريخ وتصنعه ، فالزعيم أو الفرد أو البطل أو القائد ، ليس إلا ظاهرة اجتماعية فلا خير في زعيم ولا أمل في نجاحه إلا إذا كان ممثلاً للأمة معبراً عن إرادة أبنائها .
وقد أصبح مفهوم التاريخ ضرورة ملحة حاضراً ومستقبلاً بفعل سطوة عصر العولمة الذي من الممكن أن يكون أحد سلبياته صبغ الثقافة بصبغة واحدة ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ[ بيادر 45 ]ـــــــــــــــــ
التاريخ ودوره في الحفاظ على الهوية الإسلامية في عصر العولمة ... ... ... 27
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ(1/15)
وفرض ثقافة واحدة من الثقافات على الدول التي ستتقاعس عن مجاراة السباق ولن تجد لنفسها مكاناً في هذا العصر ، لذا بات من الضروري على الأمة الإسلامية تطوير مفهوم الثقافة بوجه عام والتاريخ بوجه خاص ، وتحديث كل الأسس الضرورية لعملية التنمية ، وتطوير السلوك الاجتماعي ، وأساليب العمل وممارسة الحياة الفاعلة ، وحماية الأسس الرئيسة لثقافتنا ، وتدعيم الوحدة الاجتماعية الأولى في المجتمع ونعني بها الأسرة المسلمة ورعاية الطفولة وضمان الوسائل المؤدية لضمان مستقبل زاهر لها .
2- توسيع مجال دراسة التاريخ بحيث لا يقتصر على التاريخ السياسي فقط بل ليشمل جميع مناحي المجتمع ، والعوامل المؤثرة فيه ثقافية كانت أو اجتماعية أو اقتصادية أو روحية وغير ذلك . فالتاريخ ينقل الوقائع والأحداث والحروب معتمداً في الأساس على الأسلوب العلمي في تحديد المشكلات وأسبابها ، واستقراء الأحداث والظواهر ، أي التحليل ومناسبة الظروف والملابسات التي أدت إلى نشوء الأحداث المختلفة .
لذلك يجب أن يكون الباحث في مجال التاريخ سواء كان عالماً أو محاضراً ممتلكاً لناصية المعرفة بمختلف العلوم المساعدة ، ولعل عصر العولمة قد قفز بالتاريخ الاقتصادي والعلوم التجارية إلى المقدمة ، ومن ثم أصبح من الضروري على المؤرخ فهم هذه التطورات ، والإلمام بالإصلاحات المختلفة ، ومسايرة العصر والعلم الجديد . وفي هذا المجال أصبحت هناك ضرورة لاستخلاص بعض الأسس التي يجب أن تمثل نقطة انطلاق في هذا المجال ومن أهمها ما يلي :
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ[ بيادر 45 ]ـــــــــــــــــ
التاريخ ودوره في الحفاظ على الهوية الإسلامية في عصر العولمة ... ... ... 28
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ(1/16)
أ– القدرة على التحليل واستخلاص المتغيرات الاقتصادية والسياسية والثقافية والاجتماعية والتشريعية للعالم الخارجي .
ب– قدرة المؤرخ على مسايرة تقنيات العمل وفهم متغيراته ، والإلمام بمدى القدرة على تحسين المنتج العربي ومنافسة المنتج الأجنبي .
جـ -الإلمام بتطوير مفهوم الربح والتسويق بما يتماشى مع عصر العولمة ورغبتنا في إيجاد موطئ قدم في هذا العصر .
د- حث الأمة الإسلامية على استقطاب القدرات ورعايتها .
هـ- الأخذ بأساليب التطوير والتعليم والتدريب وتطوير الإدارة .
3 ـ ... ودور التاريخ الاجتماعي أيضاً لا يقل عن دوره الاقتصادي في التصدي لأخطار العولمة ، خاصة في ظل تفاوت مفهوم العولمة بين دول العالم المتقدم ودول العالم الفقير فبينما الأولى تراها فرصة لزيادة مصالحها الاقتصادية والمنفعة المترتبة على تلك الهيمنة ، فالثانية تنظر إليها باعتبارها وسيلة للخروج من قيود الفقر والمرض . ولكن من المؤكد أن ميزان القوى حتى الآن يميل وبشدة لصالح الدول المتقدمة التي جندت وسائل إعلامها المختلفة لنشر أفكارها وأهدافها وتحقيق طموحاتها والدعاية لمنتجاتها التي اخترقت بشكل هائل أسواق الدول النامية بشكل قارب على هدم الهوية الاجتماعية للدول الفقيرة ومنها الدول الإسلامية . بل وصل الأمر إلى حد أن الأغذية الغربية قد غزت بقوة الأسواق العربية والإسلامية بشكل يتناقض مع عاداتنا ومفاهيمنا الاجتماعية . ومن ثم فلابد من محاربة هذا النمط الغربي ولن يتأتى ذلك إلا بالمحافظة على هويتنا الاجتماعية ، وتنمية إنتاجنا الزراعي تأميناً لغذائنا . وهنا يأتي دور المؤرخ في غرس هذه الأمور في نفوس أبنائنا بالمدارس
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ[ بيادر 45 ]ـــــــــــــــــ
التاريخ ودوره في الحفاظ على الهوية الإسلامية في عصر العولمة ... ... ... 29(1/17)
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
والجامعات ، ومساعدة جمهور المستهلكين بكل الوسائل الإعلامية على الاحتفاظ بثقافته الغذائية المحلية ، والاعتماد بشكل رئيس على إنتاجه المحلي وعاداته وتقاليده الموروثة .
توكيد علاقة التاريخ بالبيئة ، وذلك لكي تكون دراسة التاريخ أكثر نفعاً وجدوى ، لأنها ينبغي أن تعطي اهتماماً مركزاً لدراسة الظواهر التاريخية في البيئة المحلية التي يعيش فيها الدارس . ثم تتسع الدراسة انطلاقا ًمن تاريخ البيئة المحلية إلى دوائر أوسع ممثلة في بلداننا العربية والإسلامية بالبيئة العربية والإسلامية ثم العالمية فتتفتح العلاقات وتقوى الصلات وتتحقق أهداف دراسة التاريخ .(1/18)
3- ارتباط دراسة التاريخ بغيرها من الدراسات ، ولهذا فدراسة التاريخ قديماً كانت تسير في طريق تخصصي ضيق يفصل بين التاريخ والعوامل المأثرة فيه وهذا لم يكن أمراً طبيعياً ولا مقبولاً فتاريخ الإنسان لا ينفصل عن ظواهر البيئة وإمكاناتها . ولا عن جهود العلماء للانتفاع بهذه البيئة ، ولا عن التقدم العلمي أو الاقتصادي أو الاجتماعي ، وقد أدى كل ذلك إلى توثيق الصلة بين دراسة التاريخ وغيره من الدراسات السياسية والاقتصادية والاجتماعية وغيرها . ومما يلاحظ أن التخصص في التاريخ قد فهم عند بعض الدارسين والمثقفين بطريقة خاطئة ، وانه يقتصر على التعمق في دراسة مجال معين في حقبة زمنية محددة قديماً أو وسيطاً أو حديثاً . دون الحاجة إلى توافر الخلفية الثقافية اللازمة لوضع هذا المجال الدقيق أو التخصص المعين في إطاره العلمي السليم ، وإدراك علاقاته بغيره من الدراسات والموضوعات التي يتضمنها التاريخ في تكامل وثيق . ويمكن القول عن العملية التربوية الآن إنها علم وصناعة تزود الجيل الصاعد بالقدرات والمهارات التي تمكنه من تطوير الجماعة إلى مستوى أعلى وحياة أفضل . والتاريخ بمفهومه الحديث هو من أقوى وسائل التربية
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ[ بيادر 45 ]ـــــــــــــــــ
التاريخ ودوره في الحفاظ على الهوية الإسلامية في عصر العولمة ... ... ... 30
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ(1/19)
الحديثة في تحقيق وظيفتها لتحقيق حركة الجماعة نحو ما هو أفضل . ويجب الوضع في الاعتبار دائماً أن الحياة العملية والعلمية – كما نرى الآن – دائمة التغير والتطور عصراً بعد عصر ، ولا بد أن يعطى التعليم قيماً لتلك الحياة ، فكلما تطورت ، تطور بمقدار تطورها ، وإن لم نفعل ذلك نشأت فجوة بين أوضاع الحياة الواقعة من جهة وبين الشباب المتعلم من جهة أخرى ، وبالتالي سيعيش حينئذ واقعاً مختلفاً تجاوزته الأحداث فلا يستطيع التكيف معها ومجاراتها ، ولا تستطيع المجتمعات الإفادة من علمه الذي سيتحول إلى قيمة سلبية لا تتفاعل مع الواقع .
ولعل الدراسات القرآنية هي أقرب الدراسات التي يمكن أن نسوقها مثالاً بارزاً في هذا المجال ، فعلاوة على إعجاز القرآن الرباني ، فهو يحتوي على آيات تنبه الإنسان إلى ضرورة بذل الجهد لتحصيل العلم وتطويره ، { وَتِلْكَ الأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ وَمَا يَعْقِلُهَا إِلا الْعَالِمُونَ } ، وقال تعالى : { يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالإنسِ إِنِ اسْتَطَعْتُمْ أَن تَنفُذُوا مِنْ أَقْطَارِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ فَانفُذُوا لا تَنفُذُونَ إِلا بِسُلْطَانٍ } ، والنفاذ هنا بمعنى العلم المشروط بتوفيق الله سبحانه وتعالى للعلماء .
... وقد حث الدين الإسلامي على استخدام منهج البحث السليم وصولا ألي الحقيقة فيقول الله تعالى : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيدًا } ، فالسداد في القول والفكر ، وإعمال ملكة التأمل وإدخال المعلومة دائرة التحليل من الشروط اللازمة للبحث العلمي . وقد سبق أن استخدم سيدنا إبراهيم عليه السلام منهج الإبداع والبحث والتأمل للوصول إلى اليقين . كما اعتمد القرآن الكريم منهج الاستنباط في العلوم النظرية ، مثلما اعتمد منهج التجارب المعملية في العلوم(1/20)
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ[ بيادر 45 ]ـــــــــــــــــ
التاريخ ودوره في الحفاظ على الهوية الإسلامية في عصر العولمة ... ... ... 31
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
التطبيقية للتأكد من سلامة النتائج فيقول الحق سبحانه وتعالى : { أَفَلا يَنظُرُونَ إِلَى الإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ ، وَإِلَى السَّمَاء كَيْفَ رُفِعَتْ ، وَإِلَى الْجِبَالِ كَيْفَ نُصِبَتْ ، وَإِلَى الأَرْضِ كَيْفَ سُطِحَتْ } ، وغير ذلك من آيات تنبه الإنسان إلى ضرورة استخدام العلم والجد والمثابرة في سبيل تطويره من أجل رقي المجتمعات والأيمان بقدرة ووحدانية الخالق .
... وفي ضوء هذا الفهم الموضوعي لأبعاد التاريخ وأهمية دراسته وتدريسه ، والفائدة التي تعود على المجتمعات من وراء ذلك ، يمكننا التعايش باقتدار مع عصر العولمة الذي يستند على كل مقومات المجتمع في سبيل النهوض بمستواه .
ز - تطوير أسلوب تدريس التاريخ في جامعاتنا :
... إن التدريس فن قائم بذاته ، مكوناته الموهبة والرغبة إلى جانب المادة العلمية ، ولهذا نختلف كلنا في طريقة تدريسنا للطلاب . والحقيقة أننا ندرس التاريخ لطلابنا لكن كيف ؟ هل سألنا أنفسنا هذا السؤال ، وأعتقد أنه سؤال مهم لأن مناهجنا مختلفة ووجهات نظرنا مختلفة أيضاً ، ولكن يجب الاتفاق على الحد الأدنى من منهجية تدريس التاريخ ، وماهية التاريخ الذي ندرسه ، ثم بعد ذلك الاتفاق على الحد الأدنى للمنهج أو الطريقة التي ندرس بها ، والكثير من المشتغلين في تدريس التاريخ ينهج المنهج السردي ، ويقضي جل محاضرته أو محاضراته يتحدث عن معركة كذا أو قائد كذا ، أو مؤامرة كذا ، ومن ثم يحشو أدمغة الطلاب أو الدارسين بكلام عندما نمعن النظر فيه ونقيمه لا نخرج نحن ولا الطلاب بثمرة تذكر .(1/21)
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ[ بيادر 45 ]ـــــــــــــــــ
التاريخ ودوره في الحفاظ على الهوية الإسلامية في عصر العولمة ... ... ... 32
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
إذن ما الفائدة من تدريس التاريخ ؟ هذه الطريقة تنفر الطلاب من دراسة التاريخ باعتباره قصصاً . وللأسف هذا هو مفهوم التاريخ عند كثير من الطلاب . وإن عملنا بهذه الطريقة بقصد أو بغير قصد يؤدي لترسيخ هذا المفهوم في الأذهان ، فيجب تحديد الهدف العام والهدف الخاص لكل محاضرة من المحاضرات قبل البدء فيها ، وهل نريد أن نرسخ قيماً معينة ومعلومات تاريخية معينة ، وهل هذا يتم عن طريق السرد ؟ فنقول حدث كذا في عام كذا ، هذا ليس المطلوب ، الذي يعطي التاريخ قيمته وثقله ووزنه وأبعاده ومعانية ، تحليل الحدث وتعليل الظروف والملابسات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والفكرية والروحية التي حدثت في إطارها الذي يعطي للحدث معنى وجوهراً .
... خاصة وأن هناك كثيراً من حالات الغموض التي تسيطر على بعض الوقائع التاريخية مما يوحي أحياناً بأنها لا تتمشى مع سياق زمانها ، لذا يجب إمعان النظر والتمحيص والتأمل ؟ كذلك هناك حالات أخرى دفعت فيها الحقيقة التاريخية في محظور تأثير العنصر الشخصي والابتعاد عن الموضوعية والانسياق وراء الهوى ، ومن ثم أصبح من الضروري تربية طلابنا الدارسين في مجال التاريخ تربية علمية سليمة تتفادى الوقوع في الفهم الخاطئ لهذه الحقائق .
... كما ينبغي علينا أن نؤكد لطلابنا عدم إمكانية التسليم النهائي بصحة أحداث التاريخ بغير أثر تاريخي ، وبدون سند أو وثيقة ، وما بعدها ثم ندرب أبنائنا على استخدام أسلوب المنهج العلمي والدليل المادي للأحداث التاريخية .(1/22)
... وبهذا فالتركيز على تدريس التاريخ لا يكون للحدث التاريخي وحده وإنما الظروف التي صاغت الحدث ، وهي التي تجعل الحدث مفهوماً وتجعل له معنى ،
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ[ بيادر 45 ]ـــــــــــــــــ
التاريخ ودوره في الحفاظ على الهوية الإسلامية في عصر العولمة ... ... ... 33
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
لأن الحدث نفسه مجرد زمان ومكان ، والزمان قد يكون أزمنة والمكان أمكنة ، وصنع القرارات واتخاذها قد تتعدد أماكنها وأزمنتها ، وظروف اتخاذها ، فلا بد من دراسة كل ذلك وربط بعضه ببعض حتى تخرج الصورة متكاملة ، والإنسان هو صانع الأحداث ودراسة الجوانب المختلفة في هذا الإنسان قد تلقي الضوء على ظروف الحدث وعلينا كأساتذة أن نقود الطلاب دائماً إلى طرح السؤال لماذا ؟ وكيف ؟ ونستنفر هممهم وطاقاتهم وجهدهم للإجابة على لماذا وكيف ، وبهذا نكون اتبعنا المدرسة التحليلية وهي بدون منافس الخيار الأول والأفضل في تدريس التاريخ . فمشكلة تدريس التاريخ ليست مسألة كم وإنما هي مسألة كيف ، ولهذا فعلاج المشكلة ليس القيام بزيادة عدد المحاضرات أو عدد المقررات ، ولا بتجديد المقررات بإضافة موضوعات جديدة ، وإنما العلاج يجب أن يكون كيفاً أي متعلقاً بالكيفية التي نعالج بها المقررات ، وكيف نشغل الوقت المخصص للمحاضرة أو المادة معاً . والواجب أن تدرس الموضوعات التاريخية على أساس النظر إلى الحاضر بمقوماته ودروب تجديده للحياة على ضوء العلم التاريخي الذي يفسر الحاضر بالماضي عن طريق المقابلة والربط والنقد وتفسير الحوادث والوصول من كل هذا إلى رؤية جديدة تعلم الطلاب بعض الحكمة .(1/23)
... وهكذا فاستخدام الأسلوب العلمي في تدريس التاريخ بجامعاتنا يعد الأساس الذي نستند عليه في مواجهة ادعاءات أصحاب القوميات المعادية لقوميتنا الإسلامية . خاصة وأن منهم على سبيل المثال من أبدع في تلوين وتطويع الحقائق التاريخية لخدمة أهدافهم مثلما فعلت القومية العبرية التي قدمت إلى العالم ما يصل إلى يقين الحقيقة مستخدمة أسلوب السيطرة الإعلامية بشكل يصل إلى حد أن التاريخ أصبح يتعرض
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ[ بيادر 45 ]ـــــــــــــــــ
التاريخ ودوره في الحفاظ على الهوية الإسلامية في عصر العولمة ... ... ... 34
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
علناً لعمليات تزييف تحت سمع وبصر العالم دون أن يتحرك . لذا فعلينا مسؤولية ضخمة لكي نتجاوز ضيق الفهم الذي نعاني منه في إدراك مسؤوليتنا في فهم التاريخ . ومعنى هذا أن التاريخ ليس درساً في الوطنية السلبية التي تقوم على الإعجاب بالماضي والفخر بما صنع السلف ، ولكنه درس في الوطنية الإيجابية ، لا التغني بالأمجاد لنقف متحسرين على ضياع تلك المجاد ، بل يجب أن نعلم طلابنا لماذا ؟ وكيف حقق الأجداد تلك الأمجاد الماضية ؟ وما هي الأسباب التي جعلتها تاريخاً مشرقاً ؟ ثم ماذا يجب علينا أن نعمل كي نصل إلى ما وصلوا إليه ؟ بل كيف نتفوق ونتجنب أخطاءهم ؟ وذلك يتم في اعتقادي بأن نتجاوز العنصرية في فهم الرواية التاريخية ، وأن نتجاوزها أيضاً في سرد أمثلة البطولة والعظمة بدءاً من الأنبياء والرسل مروراً بالقادة والعلماء ، فمن الثابت أن الأعمال الكبرى في الثقافة الإسلامية نهض بها مسلمون غير عرب ولعل أبرزهم البخاري ومسلم والترمذي وابن ماجة وسيبويه والزمخشري والخوارزمي وابن سينا والفارابي وابن رشد وابن خلدون وغيرهم.(1/24)
ويجب أن نكون مربين في تدريسنا للتاريخ ، وأن لا يكون هم الواحد منا ملء فراغ في معلوماتنا التاريخية بوثيقة أو معلومة معينة مثلاً ، ولكن المربي والمؤرخ معاً يكون هدفه إيضاح حقيقة تاريخية غير معروفة ، أو تصحيح حقيقة تاريخية خاطئة ، إلى جانب وضع قصة تشتمل على تركيب تصوري لعناصر الموضوع الذي يراد تدريسه على أن تكون تلك القصة علمية في جوهرها ، فنية في التعبير عنها ، ويجب على المؤرخ إعطاء المعلومات التاريخية وأن لا يغفل الجانب الأخلاقي ، وغرس القيم والمثل الحميدة ، ونبذ الاتكالية ، والتدريب على الاعتماد على
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ[ بيادر 45 ]ـــــــــــــــــ
التاريخ ودوره في الحفاظ على الهوية الإسلامية في عصر العولمة ... ... ... 35
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
النفس ، وتكوين الشخصية المستقلة ، وتشجيع المبادأة أو النقاش ، كما يجب عليه أن يعمل على هدم المفاهيم التربوية الخاطئة والسلبية التي ترسبت في الأذهان من مراحل سابقة ، بل يسعى إلى مفاهيم تربوية جديدة تعطي الطالب قدرا ًكبيراً من المشاركة التي تنمي شخصيته المستقلة ، ويساعده ويعاونه كي يتعلم مواجهة المشكلات وإيجاد الحلول لها ، بل يدعم لديه الشعور بالمسؤولية ، كما يجب على أساتذة التاريخ أن يحرصوا على تقديم الزاد المعرفي إلى طلابهم ، إلى جانب الإدراك بأن التعليم في جوهره ليس الحصول على الشهادات الجامعية أو الدرجات العليا فقط ، بل هو عملية إعداد الفرد إعداداً يمكنه من النمو والتفاعل مع المجتمع فيفيد ويستفيد وبقدر ما يكون نمو الأفراد صالحاً وسوياً يكون تقدم المجتمع وازدهاره .(1/25)
... إذن لا يمكن أن ننظر إلى التاريخ على أنه معلومة كمالية يستخدمها الطالب للحصول على مزيد من العلامات في الاختبارات . فهذا أمر في غاية الخطر . بل يجب أن ننظر إلى التاريخ على أنه سلاح يبني أمتنا من الداخل ويحمي هذه الأمة من أي خطر يهددها من الخارج . لذا فإن المعلومة يجب أن تكون متاحة لشبابنا بكافة الوسائل حتى نعرف حركة التاريخ اليومية ، ونعرف موقعنا . لحظتها لن نخشى العولمة التي يرى بعضنا أنها مؤامرة ضد العرب وضد الإسلام ، وهذا ليس بصحيح من واقع ما سردناه آنفاً . ونضيف أننا أقوياء إذا عملنا واتحدنا وتكاملنا . إننا ننتصر على فكر العولمة إذا تمسكنا بالمبادئ الإسلامية وبسلوكيات الإسلام .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ[ بيادر 45 ]ـــــــــــــــــ
التاريخ ودوره في الحفاظ على الهوية الإسلامية في عصر العولمة ... ... ... 36
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ج - الخلاصة :
ونخلص في هذا العرض الخاص بالتاريخ ودوره في الحفاظ على الهوية الإسلامية في عصر العولمة إلى ضرورة إعادة تأصيل القيم والمبادئ الإسلامية في نفوس أبناء أمتنا الإسلامية مما يجعلهم جديرين جدارة كاملة للقيام بدور فعال وجاد في عملية التصحيح والترشيد وبعث قيم الفضيلة بين الناس ، وبذلك تعود الأمة الإسلامية إلى مكانتها لتمارس مهمتها في الإثراء الحضاري ، وتقدم النموذج الرائد في التعايش البشري في إطار من التعددية في الأديان والأجناس . لأن الإسلام بوسطيته وعالميته التي أقرها الرحمن قادر على تحقيق الأمن الثقافي والاقتصادي ومجتمع التكافل والعدل ، حيث يدعو للحوار وجمع الكلمة ، ومن ثم إقامة نظام عالمي عادل يصرف الفساد عن الأرض ، ويبعد الجشع والصراع السياسي ويقيم موازين القسط للتعايش والتعاون البشري .(1/26)
ولا بد للمجتمع الدولي أن يصحح نظرته للإسلام ويفهم المسلمين على النحو التالي:
(*) ... أننا أبناء أمة لها تاريخ حضاري عريق أفرزته وصاغته مبادئ الإسلام و قيمه.
(*) ... أننا أمة خملت مبادئ سامية وقيماً سمحة لا تحتكرها ولا نحجبها عن غيرنا فهي لخير الناس جميعاً لأنها من لدن ربهم وخالقهم سبحانه وتعالى .
(*) ... أننا أصحاب حضارة إنسانية متوازنة .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ[ بيادر 45 ]ـــــــــــــــــ
التاريخ ودوره في الحفاظ على الهوية الإسلامية في عصر العولمة ... ... ... 37
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(*) ... أننا أمة تعتقد وتؤمن بكل موضوعية أنها جزء من المجتمع الإنساني ونسيجه ، لها إمكاناتها وقدرتها وقيمها التي يحتاجها المجتمع الدولي ، لتصحيح وإثراء مقوماته الاجتماعية والثقافية والسياسية والاقتصادية وغيرها .
وذلك لن يتم إلا بتأصيل عدد من المقومات الأساسية في مجتمعاتنا الإسلامية تساعد على سرعة تبديل نظرة الغرب إلينا ومن أهم هذه المقومات ما يلي :
1- الاهتمام بالعنصر البشري والنهوض به وفك قيوده وإطلاق مقوماته اجتماعياً وسياسياً 000 الخ .
2- التركيز على أهمية العنصر الاقتصادي والحرص على تعددية موارده وتوسيع مساحات تعامله والعمل على استقراره .
3- توسعة وتحديث الفكر والثقافة وبعث أجواء التعيش والتقارب الفكري والأيديولوجي على مستويات مختلفة .
4- ضرورة الاهتمام والعناية بالنخبة ذات الكفاءات العالمية المتكاملة والقادرة على بلورة مفاهيم وقيم الأمة الإسلامية وتصوراتها الإصلاحية .
5- العمل على تقديم دراسات وبحوث جادة ومتعمقة تتناول المستحدثات الحياتية المعاصرة ، وتقديم دراسات موضوعية لطبيعة ومنهجية المجتمعات الإنسانية المعاصرة وتقويمها موضوعياً .(1/27)
6- تقديم الصيغ الاجتماعية الإسلامية الكفيلة بتنمية وتأصيل إيجابيات عصر العولمة وتجاوز سلبياتها في إطار الفهم الموضوعي لوسطية الإسلام ومقاصد الشريعة .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ[ بيادر 45 ]ـــــــــــــــــ
التاريخ ودوره في الحفاظ على الهوية الإسلامية في عصر العولمة ... ... ... 38
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
7- تخفيف حدة الانبهار بالحضارة الغربية ، والرغبة في استدراج المسلمين إلى العلمانية بتأثير الهيمنة الغربية المتعددة الأشكال والألوان اعتماداً على ضعف الالتزام بالإسلام شريعة وعقيدة في كثير من البلاد .
8- القضاء على ازدواجية التعليم الديني والعصري وخطره الواضح في ضعف وتفتيت الأمة الإسلامية وتمزيق شملها وإضعاف كيانها وتبديد طاقاتها ، وإدخالها في متاهات الضياع الفكري ، وفقدان الذاتية الإسلامية .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ[ بيادر 45 ]ـــــــــــــــــ
الإصلاح من الداخل ( آمال وتطلعات ) ... ... ... ... ... 39(1/28)