البدر الطالع بمحاسن من بعد القرن السابع
بسم الله الرحمن الرحيم وبه نستعين
الحمد لله الذي جعل النظر في أخبار من غبر من أعظم العبر والصلاة والسلام على صفوة الصفوة من البشر وعلى آله قرناء القرآن كما صح بذلك الخبر وعلى أصحابه الذين أرغم الله بفضائلهم وفواضلهم أنف من كفر وبعد فانه لما شاع على ألسن جماعة من الرعاع اختصاص سلف هذه الأمة باحراز فضيلة السبق في العلوم دون خلفها حتى اشتهر عن جماعة من أهل المذاهب الأربعة تعذر وجود مجتهد بعد المائة السادسة كما نقل عن البعض أو بعد المائة السابعة كما زعمه اخرون وكانت هذه المقالة بمكان من الجهالة لا يخفى على من له أدنى حظ من علم وأنزر نصيب من عرفان وأحقر حصة من فهم لأنها قصر للتفضل الالهى والفيض الربانى على بعض العباد دون البعض وعلى أهل عصر دون عصر وأبناء دهر دون دهر بدون برهان ولا قران على أن هذه المقالة المخذولة والحكاية المرذولة تستلزم خلو هذه الأعصار المتأخرة عن قائم بحجج الله ومترجم عن كتابه وسنة رسوله ومبين لما شرعه لعباده وذلك هو ضياع(1/1)
الشريعة بلا مربة وذهاب الدين بلا شك وهو تعالى قد تكفل بحفظ دينه وليس المراد حفظه في بطون الصحف والدفاتر بل ايجاد من يبينه للناس في كل وقت وعند كل حاجة حدانى ذلك الى وضع كتاب يشتمل على تراجم أكابر العلماء من أهل القرن الثامن ومن بعدهم مما بلغنى خبره الى عصرنا هذا ليعلم صاحب تلك المقالة أن الله وله المنة قد تفضل على الخلف كما تفضل على السلف بل ربما كان في أهل العصور المتأخرة من العلماء المحيطين بالمعارف العلمية على اختلاف أنواعها من يقل نظيرة من أهل العصور المتقدمة كما سيقف على ذلك من أمعن النظر في هذا الكتاب وحل عن عنقه عرى التقليد وقد ضممت الى العلماء من بلغنى خبره من العباد والخلفاء والملوك والرؤساء والأدباء ولم أذكر منهم إلا من له جلالة قدر ونبالة ذكر وفخامة شأن دون من لم يكن كذلك فالحاصل ان المذكورين في هذا الكتاب هم أعيان الأعيان وأكابر أبناء الزمان من أهل القرن الثامن ومن بعدهم الى الان وربما أذكر من أهل عصرى ممن أخذت عنه أو أخذ عنى أو رافقنى في الطلب أو كاتبنى أو كاتبته من لم يكن بالمحل المتقدم ذكره لما جبل عليه الانسان من محبة أبناء عصره ومصره وربما أذكر من أهل عصرى من لم يجر بينى وبينه شىء من ذلك وقد استكثر المتأخرون من المشتغلين بأخبار الناس المؤلفين فيها من تسجيع الألفاظ والتأنق في تنقيحها وتهذيبها مع اهمال بيان الاحوال والمولد والوفاه ومثل ذلك لا يعد من علم التاريخ فان مطمح نظر مؤلفه وقصارى مقصوده هو مراعاة الألفاظ وابراز النكات(1/2)
البديعة وهذا علم آخر غير علم التاريخ إنما يرغب اليه من أراد أن يتدرب في البلاغة ويتخرج في فن الانشاء فربما ألجأتنى الضرورة الى نقل ترجمة بعض الأعيان من مثل تلك المؤلفات ولم أجد له ذكرا في غيرها فأذكره مهملا عن ذكر المولد والوفاة منبها على عصره اجمالا مبينا لما أمكن بيانه من أحواله وهذا هو القليل النادر والمرجو من الله جل جلاله الاعانة على اتمام هذا الكتاب وبروزه في الخارج على مادار في الخلد من التصور فيكون ان شاء الله من أنفس الكتب وأنفعها لطالب هذا الفن ويصير من أمعن النظر في مطالعته بعد امعانه في مطالعة تاريخ الاسلام والنبلاء وكامل ابن الأثير وتاريخ ابن خلكان محيطا باعيان أبناء الزمان من سلف هذه الامة وخلفها وسميته البدر الطالع بمحاسن من بعد القرن السابع قال مؤلفه الحقير أسير التقصير محمد بن على بن محمد الشوكانى غفر الله له ذنوبه وستر عيوبه وهذا أوان الشروع في المقصود بمعونة الملك المعبود وقد جعلته على حروف المعجم مقدما لمن قدمته حروف اسمه وان كان غيره أقدم منه مبتدئا بقطب اليمن وجنيد ذلك الزمن الناسك المتأله(1/3)
( 1 ) ابراهيم بن احمد بن على بن أحمد الكينعى بل الله بوابل الرحمة ثراه ولم أقف على تاريخ مولده بعد البحث عنه وبنو الكينعى عرب لهم رياسة وكانوا يسكنون قرية من قرى اليمن بينها وبين ذمار مقدار بريد وبها مولده وانتقل به أبوه الى قرية معبر وكان قريع أوانه وفريد زمانه في الاقبال على الله والاشتغال بالعبادة والمعاملة الربانية وبيته معمور بالعلم والزهد والصلاح وقد ترجمه بعض معاصريه بمجلد ضخم وقفت عليه في أيام متقدمة وأطنب في ذكره جميع من له اشتغال بهذا العلم منذ عصره الى الآن فمنهم السيد العلامة الهادى بن ابراهيم الوزير والسيد العلامة يحيى بن المهدى بن قاسم بن المطهر وغيرهما وكان أحسن الناس وجها وأتمهم خلقة وقد غشيه نور الايمان وسيماء الصالحين وإذا خرج نهارا ازدحم الناس على تقبيل يده والتبرك برؤية وجهه وهو يكره ذلك وينفر عنه يغضب إذا مدح ويستبشر إذا نصح ارتحل بعد موت والده وهو في سن البلوغ الى صنعاء ولازم ولى الله الزاهد العابد حاتم بن منصور الحملانى فقرأ عليه في الفقه وقرأ في الفرائض على الشيخ الخضر بن سليمان الهرش وفي الجبر والمقابلة وفاق في جميع ذلك حتى أقر له أقرانه وقال عن نفسه أنه يقتدر على تقدير ما في البركة الكبيرة من الماء بالارطال وكان يتكسب بالتجارة مع قنوع وعفاف واشتغال بانواع العبادة فجمع مالا حلالا عاد به على أهله واخوانه ومن يقصده وكرر السفر الى مكة المشرفة وهو يزداد في أوصاف الخير على اختلاف أنواعها حتى خالط الخوف قلبه وشغل بوظائف العبادة قالبه واستوحش من كل معارفه ومال الى الانعزال عن الناس وانجمع عن المخالطة لهم وعكف على معالجة قلبه عن مرض حب الدنيا ولزم المحاسبة لنفسه عن كل جليل ودقيق وصام الأبد إلا العيدين والتشريق وأحيا ليله بالقيام لمناجاة ربه وتناقل الناس عنه كلمات نافعة هي الدواء المجرب لاصلاح القلوب القاسية كقوله ليس الزاهد من يملك شيئا إنما الزاهد من لا يملك شيئا وكقوله لبعض اخوانه يا أخي جدد السفينة فان البحر عميق وأكثر الزاد فان الطريق بعيد وأخلص العمل فان الناقد بصير(1/4)
بصير وكقوله بالفقر والافتقار والذل والانكسار تحيى قلوب العارفين ومن شعره الذي تحيى به القلوب قوله ببابك عبد واقف متضرع *** مقل فقير سائل متطلع ) ( حزين كئيب من جلالك مطرق *** ذليل عليل قلبه منقطع ) ومنها ( فؤادي محزون ونومي مشرد *** ودمعى مسفوح وقلبى مروع ) وكان مجاب الدعوة في كل ما يتوجه له وله في ذلك حكايات وروايات وكان إذا دعى الى طعام ليس من الحلال الخالص يبست يده ولم يقدر على مدها اليه وقد رآه بعض الصالحين بعد موته وهو في مكان أرفع من مكان ابراهيم بن أدهم فقال سبحان الله منزلة ابراهيم الكينعى أرفع من منزلة ابراهيم بن أدهم فسمع قائلا يقول لولا أن منازل الأنبياء لا يحل بها غيرهم لكان بها ابراهيم الكينعي وجاور في آخر عمره ثلاث سنين بالبيت الحرام فوصل الى جازان وكان قد انقطع عنهم المطر مدة طويلة فسألوه أن يدعو لهم بالمطر فدعا لهم فحصل من المطر ما عم نفعه وبركته جميع تلك البلدان ثم وصل الى صعده وكان بها موته رحمه الله في صبح نهار الأربعاء السابع والعشرين من ربيع الأول سنة 793 ثلاث وتسعين وسبعمائة ووهم الصفدي في كتابه الوافي بوفيات الاعيان فقال انه توفي في سنة 784 أربع وثمانين وسبعمائة والصحيح ما ذكرناه وقبر برأس الميدان غربى مدينة صعده وعمر عليه مشهد وهو مشهور يزار في تلك الديار وقد رثاه جماعة من الشعراء منهم السيد العلامة الهادي ابراهيم بقصيدة طنانة مطلعها ( شجر السلامة والكرامة أينعى *** للقاء سيدنا الامام الكينعى )
والاحاطة ببعض البعض من مناقب هذا الامام تقصر عنها ألسن الاقلام فمن رام الوقوف على ما يكون له من أعظم العبر فلينظر في سيرته التى قدمت الاشارة اليها وقد بسط فيها الكلام على أحواله ووظايف عباداته(1/5)
( 2 ) ابراهيم بن احمد اليافعي الصنعاني المولد والدار والوفاة الشاعر المشهور المجيد الفائق في جميع الانواع فمن شعره القصيدة التى مطلعها ( هذا العذيب بدا فقل بشرا كا *** والزم اخائي لاعدمت اخاكا ) ومن شعره القصيده التي مطلعها ( أعيدوا على سمعى الحديث وكرروا *** قديم اللقاء والوقت كالعيش أخضر ) ومنها في الاستخدام ( وأصبوا الى وادي العقيق وسفحه *** على وجنتي من مقلتي يتحدر ) وقبله في الاستخدام أيضا ( أميل الى ذكر الغضا وأنثني *** ونيرانه في مهجتي تتسعر ) وما أحسن قوله فيها ( أهيم بذكر المنحنا وسويلع *** وأنشق أنفاس الصباحين تعبر ) ( وما همت في قد وجيد ومقلة *** ولا شاقني ثغر شنيب معطر ) وهو موجود في دولة الامام المهدي محمد بن أحمد صاحب المواهب وفي دولة من قبله من الخلفاء ومات يوم السبت الثالث والعشرين في شهر رجب سنة 1110 عشر ومائة وألف وقد بالغ في حقه صاحب
نسمة السحر وقدمه على شعراء عصره فلم يصيب فهو لم يرتق الى منزلة رفيقه ومعاصره الشيخ ابراهيم الهندي الآتي ذكره ولا كاد وبالجملة فهو منسجم الشعر قليل التكلف(1/6)
( 3 ) ابراهيم بن أحمد خان سلطان الروم استولى على السلطنة في أيام أخيه السلطان مراد بن احمد وتم له الدست وكان سبب ذلك أن السلطان مراد تجهز بجيوشه الى محاصرة بغداد وقد كان استولى عليها الشاه سلطان العجم وهي كانت من ممالك السلطان مراد فلما بلغه أن أخاه السلطان ابراهيم قد استولى على الدست مات كمدا واستقرت قدم صاحب الترجمة في السلطنة وكان قعوده على دستها في سنة 1050 خمسين وألف وله جهادات وفتوحات مشهورة واستمر سلطانا الى أن مات في سنة 1063 ثلاث وستين والف وصارت السلطنة الى ولده محمد بن ابراهيم وكان يومئذ في سن البلوغ وابتدأء سلطنته بمصاولة الأفرنج وغزوهم الى ديارهم(1/7)
( 4 ) ابراهيم بن احمد بن ناصر بن خليفة بن فرج بن يحيى بن عبد الرحمن المقدسي الناصري الباعونى الدمشقى الصالحي الشافعى وباعون بالموحدة والمهملة المضمومة قرية من قرى حوران بالقرب من عجلون والناصرة قرية من عمل صفد ولد في ليلة الجمعة سابع عشر رمضان سنة 777 سبع وسبعين وسبعمائة بصفد ونشأ بها فحفظ القرآن تجويدا على الشهاب حسن بن حسن الفرغنى امام جامعها وحفظ بعض المنهاج ثم انتقل منها قريبا من سن البلوغ مع أبيه الى الشام فأخذ الفقه عن الشرف الغزى وغيره ولازم النور الأنبارى حتى حمل عنه الكثير من الفقه والعربية واللغة وبه انتفع في علوم الأدب وغيرها ودخل مصر لعله قريبا من سنة 804 أربع وثمان مائة فأخذ عن السراج البلقينى ولازمه سنة وأخذ عن الكمال الدميرى شيئا من مصنفاته ولازمه وسمع إذ ذاك على العراقى والهيثمى وتردد بها الى غير واحد من شيوخها ثم عاد الى بلده فأقام بها على أحسن حال وأجمل طريقة وسمع على أبيه والجمال ابن الشرائحى والتقى صالح بن خليل بن سالم وعائشة ابنة عبد الهادى والشمس بن حطاب وباشر نيابة الحكم عن أبيه والخطابة بجامع بنى أميه ومشيخة الشيوخ ونظر الحرمين ثم صرف وجهز اليه القضاء حين استقر الكمال بن البارزى فى كتابة سر الديار المصرية فامتنع وصمم وراجعه النائب وغيره من أعيان الرؤساء فما أذعن وتكرر خطبه لذلك مرة بعد أخرى الى أن قيل له فعين لنا من يصلح فعين أخاه وولى مشيخة الخانقاه الباسطية من صالحية دمشق وروى عنه حكاية عجيبة وهى أنه دخل على واقفها قبل أن يجعلها مدرسة فأعجبته وقال في نفسه انه لا يتهيأ له سكون مثلها الا في الجنة فلما انفصل عنه بعد السلام عليه لم يصل الى بابها الا وبعض جماعة صاحبها قد تبعه وأخبر أنه تحدث عقب خروجه بانه سيجعلها مدرسة ويقرره فى مشيختها ثم جعلها كذلك وقرره فيها وهو محمود المباشرة فى جميع ما تولاه يصمم على الحق ولا يلتفت الى رسائل الكبراء فى شفاعات ونحوها وله مؤلفات منها مختصر الصحاح للجوهرى وهو مختصر حسن وله ديوان خطب ورسائل وديوان شعر ومؤلف سماه الغيث الهاتن فى وصف العذار الفاتن أتى فيه بمقاطيع فائقة نحو مائة وخمسين مقطوعا(1/8)
أودع كلا منها معنى غريبا غير الآخر مع كثرة ما قال الناس فى ذلك وله رسائل عاطلة عن النقط من عجائب الوضع فى السلاسة والانسجام وصار شيخ الأدب بالبلاد الشامية بغير مدافع كذا قال السخاوى فى تاريخه وابن حجر فى معجمه وقال المقريزى أنه مهر فى عدة فنون سيما الادب فله النظم الجيد وكان يحكى أن الزينى عبد الباسط قال له ان مراسلاتك المسجعة الينا تبلغ أربع مجلدات واذا كان هذا مقدار ما كتبه الى فرد من أفراد الناس فما ظنك بمجموع ما كتبه والحاصل أنه وقع الاتفاق من جميع من ترجمه على أنه لم يكن فى عصره من يدانيه فى النظم والنثر مات يوم الخميس رابع عشر ربيع الاول سنة 870 سبعين وثمان مائة وصلى عليه بالجامع المظفرى ودفن بالروضة من سفح قاسيون يوصية منه ومن شعره ( سل الله ربك ما عنده *** ولا تسأل الناس ما عندهم ) ( ولا تبتغى من سواه الغنا *** وكن عبده لا تكن عبدهم ) وله ( سئمت من الدنيا وصحبة أهلها *** وأصبحت مرتاحا الى نقلتى منها ) ( ووالله ما آسى عليها وأننى *** وإن رغبت في صحبتى راغب عنها ) وله ( اذا استغنى الصديق وصا *** رذا وصل وذا قطع ) ( ولم يبد احتفالابى *** ولم يحرص على نفعى ) ( فأنأى عنه استغى *** بجاه الصبر والقنع ) ( وأحسب أنه ما مر *** فى الدنيا على سمعى )(1/9)
( 5 ) ابراهيم بن حسن بن أحمد بن محمد اليعمرى زاهد العصر وناسك الدهر ولد سنة 1164 أربع وستين ومائة وألف وتلى الكتاب العزيز على شيخ القرآن العظيم صالح الجرادى وأخذ فى الآلات على شيخنا السيد العلامة عبد الله بن الحسن بن على بن حسين بن على بن المتوكل وأخذ الفقه والفرائض على السيد بن حسن الصعدى وأخذ فى علم السنة على السيد العلامة الحسين بن عبد الله الكبسى وانتفع بعلمه فعمل به وعكف على العبادة وتحلى بالزهد وصار عابد العصر وزاهده وانتهى اليه الورع وحسن السمت والتواضع والاشتغال بخاصة النفس واتفق الناس على الثناء عليه والمدح لشمائله فصار المشار اليه فى هذا الباب وانتفع الناس بصلاح دعواته وقصدوه لذلك وهو الآن حسنة الزمن وزينة اليمن مع المحافظة على الشرع والاقتداء برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم والاستكثار من النوافل والأوراد وكان جده أحمد على هذه الصفة التى حفيده هذا عليها زاده الله مما أولاه ونفع به ومات رحمه الله لعشرين خلت من شهر شوال سنة 1223 ثلاث وعشرين ومائتين والف(1/10)
( 6 ) ابراهيم بن حسن بن شهاب الدين الكورانى الشهرزورى الشهرانى الكردى الشافعى الامام الكبير المجتهد ولد في سنة 1025 خمس وعشرين وألف ببلاد شهران من جبال الكرد ونشأ فى عفة طاهرة فأخذ فى بلاده العربية والمنطق والحساب والهيئة والهندسة وغير ذلك وكان دأبه اذا عرضت له مسألة فى فن أتقن ذلك الفن غاية الاتقان ثم قرأ فى المعانى والبيان والاصول والفقه والتفسير ثم سمع الحديث عن جماعة فى غير بلاده كالشام ومصر والحجاز والحرمين وقد ذكر مشايخه فى الأمم وترجم لكل واحد منهم وله مصنفات كثيرة حتى قيل إنها تنيف على ثمانين منها اتحاف الخلف بتحقيق مذهب السلف واتحاف المنيب الأواه بفضل الجهر بذكر الله واعمال الفكر والروايات فى شرح حديث إنما الاعمال بالنيات ولوامع اللآل فى الأربعين العوال ومسلك الارشاد الى الأحاديث الواردة فى الجهاد وانباه الانباه فى اعراب لا إله إلا الله وقصد السبيل وغير ذلك وبرع فى جميع الفنون وأقرأ باللغة العربية والفارسية والتركية وسكن بعد ذلك مكة المشرفة وانتفع به الناس ورحلوا اليه وأخذوا عنه فى كل فن حتى مات فى ثامن عشر شهر جمادى الاولى سنة 1101 واحدة ومائة وألف ودفن بعد المغرب ببقيع الغرقد وأنا أروى عن يوسف بن محمد بن علاء الدين عن أبيه عن جده عنه بالسماع من علاء الدين منه(1/11)
( 7 ) ابراهيم بن خالد بن أحمد بن قاسم العلفى ثم الصنعانى ولد على رأس القرن الحادى عشر تقريبا وقيل سنة 1106 ست ومائة وألف أوفى التى بعدها ونشأ بصنعاء فطلب علم الفروع وحققه ثم طلب بقية علوم الاجتهاد فشارك فيها مشاركة قوية واشتهر بصنعاء وبعد صيته وقصده طلبة علم الفروع فأخذوا عنه وتنافسوا فى ذلك واستفادوا وصاروا أعيانا وكان يقصد بالفتاوى من العامة والخاصة ويعارض باجتهاداته وصحيح أنظاره أنضار أكابر علماء عصره كالسيد العلامة محمد بن اسماعيل الامير وغيره وللناس بما يصدر عنه من الفتاوى اشتغال ورغبة عظيمة وهى مجموعة فى مجلد جمعها العلامة حامد بن حسن شاكر الآتى ذكره وشرع فى جمع حاشية على الازهار ولم تكمل وهو ممن يضرب بزهده المثل ومات ولم يتزوج وكان موته فى وسط القرن الثانى عشر وأرخه بعضهم فى ثامن عشر شعبان سنة 1156 ست وخمسين ومائة وألف ومن مشايخه السيد العلامة هاشم ابن يحيى الشامى والسيد العلامة محمد بن اسماعيل الامير والسيد العلامة محمد بن زيد بن محمد بن الحسن بن القاسم ومولده برداع ثم هاجر الى ذمار وارتحل بعد ذلك الى صنعاء واستقر بها حتى مات(1/12)
( 8 ) ابراهيم بن شيخ الامير صارم الدين بن السلطان شيخ الاتى ذكره إن شاء الله تعالى ولد بالبلاد الشامية في اوائل القرن الثامن تقريبا وأمه أم ولد اسمها نور ماتت قبل سلطنة أبيه ذكره ابن خطيب الناصرية فقال كان مع أبيه وهو صغير حين كان نائب حلب ثم قدمها معه في أيام سلطنته ثم لما جرده أبوه في سنة 822 اثنتين وعشرين وثمان مائة لفتح البلاد القرمانية ومعه عدة من المقدمين كططر وجقمق وغيرهما ففتحها وفتح غيرها وأقام هنالك ثلاثة أشهر ثم عاد الى حلب في أثناء رجب ونزل بقلعتها وأقام بها الى العشر الاخيرة من شعبان الى أن رسم له بالرجوع الى الديار المصريه فرجع بالعساكر في أواخر شعبان وبرز أبوه لملاقاته في سابع عشر رمضان وتيمن بطلعته فلم يلبث أن مات في يوم الجمعة منتصف جمادى الآخرة سنة 823 ثلاث وعشرين وثمان مائة مسموما وكان شاًبا حسناً شجاعا عنده حشمة وملوكية كريماً عاقلا مائلا الى الخير والعدل والعفة عن أموال الناس ولما لقيه الامراء سلم عليهم وهو راكب وبمجرد أن عاين الناصر بن البارزى كاتب السر نزل عن فرسه وتعانقا لعلمه بتمكنه عند أبيه ثم عاد الجميع فى خدمته الى منزله فلقوا السلطان هنالك فنزل الأمراء القادمون صحبة الامير ابراهيم ثم نزل هو وقبل الأرض ثم قام ومشى حتى قبل ركاب أبيه فبكي لفرحه به وبكى الناس لبكائه وكانت ساعة عظيمة ثم سارا بموكبهما الى خانقاه سريا قوسى وباتا بها ليلةالخميس تاسع عشر وركب السلطان من الليل فرمى الطير بالبركة واصطاد ودخل السلطان القاهرة من باب النصر وقد احتفل الناس بالزينة لولده وهو بتشريف هائل وخلفه الأسرى الذين جاءبهم وهم نحو المائتين فى الاغلال وكان يوماً مشهوداً ونزل الى داره واستمر على حاله فدس كاتب السر إلى أبيه فى غضون ذلك من يخبره أنه صار يتوعد أباه بالقتل وانه يتمنى موته لكونه يحب بعض حظاياه ولا يتمكن منها إلا(1/13)
خفية وبرهن على ذلك بأمارات وعلامات وانه صمم على قتله بالسم أو غيره ان لم يمت عاجلا من المرض مع ما في نفسه من محبة الاستبداد وانه يعد الامراء بمواعيد فحينئذ أذن السلطان لبعض خواصه أن يعطيه ما يكون سببا لقتله من غير اسراع فدسوا اليه من سقاه من الماء الذى يطفى فيه الحديد فلما شربه أحس بالمغص في جزفه فعالجه الأطباء مدة وندم السلطان على ما فرط منه وأمر الأطباء بالاجتهاد في علاجه فلازموه نصف شهر الى أن تراجعت اليه بعض الصحة وركب في محفة وكاد أن يتعافى فدسوا عليه من سقاه ثانيا من غير علم أبيه فانتكس واستمر الى خامس عشر جمادى الاولى ونزل أبوه لعيادته ثم مات في التاريخ المتقدم واشتد جزع أبيه عليه الا أنه تجلد وأسف الناس كافة على فقده وشاع بينهم ان أباه سمه إلا أنهم لا يستطيعون التصريح بذلك قال السخاوى ولم يعش أبوه بعده سوى ستة أشهر وأياما كدأب من قتل أباه أو ابنه على الملك فتلك عادة مستقرة وطريقة مستقرأة وكذا قال ابن حجر وصار الذين حسنوا له ذلك الفعل يبالغون في ذكر معايبه وينسبونه الى الاسراف على نفسه والتبذير والمجاهرة بالفسق من اللواط والزنا والخمر والتعرض لحرم أبيه وغير ذلك مما كان براء عن أكثره وعند الله يجتمع الخصوم وخطب ابن خطيب الناصرية يوم موته وهو يوم الجمعة خطبة حسنة سبك فيها قوله صلى الله عليه وآله وسلم تدمع العين ويحزن القلب ولا نقول ما يسخط الرب وانا عليك يا ابراهيم لمحزونون فأبكى السلطان ومن حضر وبعد موته وقع الخلل في دولة والده السلطان ومات الساعون في هلاك ولده واحداً بعد واحد ولم يستكمل بعده ابن البارزى أربعة أشهر(1/14)
( 9 ) الشيخ ابراهيم بن صالح الهندى الصنعانى الشاعر المشهور كان أشعر أهل عصره غير مدافع وله ديوان شعر في مجلد ضخم رأيته في أيام قديمة فوجدت فيه ما هو في الطبقة العليا والمتوسطة والسافلة ولكن الجيد أغلب وكان يتشبه في مدحه وحماسته بأبى الطيب ومن فائق مقطعاته قوله ( أشبه ثغره والقات فيه *** وقد لانت لرقته القلوب ) ( لآل قد نبتن على عقيق *** وبينهما زمردة تذوب ) ومن مقطعاته في مليح يسبح في ماء ( وأبيض عاينته سابحا *** في لجة للماء زرقاء ) ( فقلت هذا البدر في لجة *** أم ذا خيال الشمس في الماء وكان والده من جملة البانيان الواصلين الى صنعاء فأسلم على يد بعض آل الامام وحسن اسلامه ونشأ ولده هذا مشغوفا بالأدب مولعا بعالى الرتب وأكثر مدائحه في الامام المهدى أحمد بن الحسن بن القاسم بن محمد ومدح الامام المتوكل اسماعيل بن القاسم وابنه على بن المتوكل ومحمد ابن الحسن ولما صارت الخلافة الى المهدى صاحب المواهب وفد اليه صاحب الترجمة وقد كان بلغه عنه شىء فقال له بأى شفيع جئت فقال له بهذا وأخرج المصحف من صدره فقال قد قبلنا هذا الشفيع ولكن لا أراك بعد اليوم فتغيب عنه من ذلك اليوم ولازم العبادة والتزهد وكان إذا قام الى الصلاة اصفر لونه وحج ومات عقب عودة في سنة 1100 مائة والف أو في التى قبلها(1/15)
( 10 ) السيد ابراهيم بن عبد القادر بن أحمد بن عبد القادر بن الناصر بن عبد الرب بن على بن شمس الدين بن الامام شرف الدين العلامة ابن شيخنا الامام الآتى ذكره ان شاء الله تعالى ولد في ليلة ثامن عشر رمضان سنة 1169 تسع وستين ومائة وألف وتخرج بشيخنا والده رحمة الله في النحو والصرف والمنطق والمعانى والبيان والأصول والعروض واللغة والحديث والتفسير وبرع في جميع هذه المعارف وصار الآن من أعيان علماء العصر المفيدين المجيدين ارتحل مع والده من كوكبان الى مدينة صنعاء وما زال مكبا على القراءة على والده ورافقنى في بعض ما سمعته منه وبعد موت والده فى تاريخه الآتى قصده الطلبة الى منزله وقرأوا عليه في فنون متعددة وله رسائل ومسائل مفيدة مع تواضع وحسن أخلاق وكرم وعفاف وشهامة نفس وصلابة دين وحسن محاضرة وقوة عارضة وفصاحة ورجاحة وقدرة على النظم والنثر وسيلان ذهن جمل الله بوجوده ونفع بعلومه وهو الآن في قيد الحيوة ما بين الأربعين والخمسين وله تلامذة نبلاء فضلاء تخرجوا به ولزموا طريقته فصاروا من اعيان العلماء والمترجم له عافاه الله لا تقيد بمذهب ولا يقلد في شيء من أمور دينه بل يعمل بنصوص الكتاب والسنة ويجتهد رأيه وهو أهل لذلك وله معرفة بعلوم أخرى غير ما قدمنا ذكره منها ما استفاد عن والده ومنها ما عرفه بفاضل ذهنه وقويم فكره وتوفي رحمة الله في يوم الأربعاء لعله ثالث عشر شهر رمضان سنة 1223 ثلاث وعشرين ومائتين والف(1/16)
( 11 ) السيد ابراهيم بن عبد الله بن اسماعيل الحوثى ثم الصنعانى ولد ثامن شهر شوال سنة 1187 سبع وثمانين ومائة والف وقرأ على شيخنا العلامة القاسم بن يحيى الخولانى وعلى السيد العلامة على بن عبد الله الجلال وعلى السيد العلامة ابراهيم بن عبد القادر بن أحمد ولعله أخذ عن شيخنا الامام السيد عبد القادر بن أحمد فى آخر مدته واستفاد صاحب الترجمة في عدة علوم منها النحو والصرف والمنطق والمعانى والبيان والاصول والحديث والتفسير وبرع في هذه العلوم وتاقت نفسه الى مطالعة فنون من علم المعقول فادرك فيه ادراكا جيدا لجودة فهمه وحسن تصوره وهو الآن ملازم للسيد العلامة ابراهيم بن عبد القادر المذكور قبله ولا يفارقه في غالب الأوقات فيستفيد منه ويفيد وبالجملة فهو من محاسن الزمن ومن الضاربين بسهم وافر فى كل فن وهو الآن يشتغل بجمع تراجم علماء القرن الثانى عشر من أهل اليمن وقد بعث الى بعضها فرأيته قد جود غالب تلك التراجم وطولها وهو كمشايخه فى اجتهاد رأيه والعمل بما يقتضيه الدليل ثم مات رحمه الله في يوم الأحد ثامن شهر شوال سنة 1223 ثلاث وعشرين ومائتين وألف(1/17)
( 12 ) ابراهيم بن عمر بن حسن بن الرباط بضم الراء بعدها موحدة خفيفة ابن على بن أبى بكر البقاعى نزيل القاهرة ثم دمشق الامام الكبير برهان الدين ولد تقريبا سنة 809 تسع وثمان مائة بقرية من عمل البقاع ونشأ بها ثم تحول الى دمشق ثم فارقها ودخل بيت المقدس ثم القاهرة وقرأ على التاج بن بهادر في الفقه والنحو وعلى الجزرى في القرا آت جميعا للعشرة على أثناء سورة البقرة وأخذ عن التقى الحصنى والتاج الغرابيلى والعماد بن شرف والشرف السبكى والعلاء القلقشندى والقايانى والحافظ ابن حجر وأبى الفضل المغربى وبرع في جميع العلوم وفاق الأقران لا كما قال السخاوى أنه ما بلغ رتبة العلماء بل قصارى أمره إدراجه في الفضلاء وأنه ما علمه أتقن فنا قال وتصانيفه شاهدة بما قلته قلت بل تصانيفه شاهدة بخلاف ما قاله وأنه من الأئمة المتقنين المتبحرين في جميع المعارف ولكن هذا من كلام الأقران في بعضهم بعض بما يخالف الانصاف لما يجرى بينهم من المنافسات تارة على العلم وتارة على الدنيا وقد كان المترجم له منحرفا عن السخاوى والسخاوى منحرفا عنه وجرى بينهما من المناقضة والمراسلة والمخالفة ما يوجب عدم قبول أحدهما على الآخر ومن أمعن النظر في كتاب المترجم له في التفسير الذي جعله في المناسبة بين الآى والسور علم أنه من أوعية العلم المفرطين في الذكاء الجامعين بين علمي المعقول والمنقول وكثيراً ما يشكل علىّ شىء في الكتاب العزيز فأرجع الى مطولات التفاسير ومختصراتها فلا أجد ما يشفى وأرجع الى هذا الكتاب فأجد ما يفيد في الغالب وقد نال منه علماء عصره بسبب تصنيف هذا الكتاب وأنكروا عليه النقل من التوراة والانجيل وترسلوا عليه وأغروا به الرؤساء ورأيت له رسالة يجيب بها عنهم وينقل الأدلة على جواز النقل من الكتابين وفيها ما يشفى وقد حج ورابط وانجمع فأخذ عنه الطلبة في فنون وصنف التصانيف ولما تنكر له الناس وبالغوا في أذاه لمّ أطرافه وتوجه الى دمشق وقد كان بلغ جماعة من أهل العلم في التعرض له بكل ما يكره الى حد التكفير حتى رتبوا عليه دعوى عند(1/18)
القاضى المالكى أنه قال ان بعض المغاربة سأله أن يفصل فى تفسيره بين كلام الله وبين تفسيره بقوله أى أو نحوها دفعا لما لعله يتوهم وقد كان رام المالكى الحكم بكفره واراقه دمه بهذه المقالة حتى ترامى المترجم له على القاضى الزينى بن مزهر فعذره وحكم باسلامه وقد امتحن الله أهل تلك الديار بقضاه من المالكية يتجرون على سفك الدماء بما لا يحل به أدنى تعزير فأراقوا دماء جماعة من أهل العلم جهالة وضلالة وجرأة على الله ومخالفة لشريعة رسول الله وتلاعبا بدينه بمجرد نصوص فقهية واستنباطات فروعية ليس عليها اثارة من علم فانا لله وانا اليه راجعون ولم يزل المترجم له رحمه الله يكابد الشدائد ويناهد العظائم قبل رحلته من مصر وبعد رحلته الى دمشق حتى توفاه الله بعد أن تفتت كبده كما قيل فى ليلة السبت ثامن عشر رجب سنة 885 خمس وثمانين وثمان مائة ودفن خارج دمشق من جهة قبر عاتكة وقد ترجم له السخاوى ترجمة مظلمة كلها سب وانتقاص وطولها بالمثالب بل ما زال يحط عليه فى جميع كتابه المسمى بالضوء اللامع لأن المترجم له كتب لأهل عصره تراجم ونال من أعراض جماعة منهم لاسيما الأكابر الذين أنكروا عليه فكان السخاوى ينقل قوله فى ترجمة أولئك الأكابر ويناقضه وينتقصه ولشعراء عصره فيه أمداح وأهاجى وما زالت الاشراف تهجى وتمدح وهو كثير النظم جيد النثر فى تراجمه ومراسلاته ومصنفاته وهو ممن رثى نفسه فى حيوته فقال ( نعم اننى عما قريب لميت *** ومن ذا الذى يبقى على الحدثان )(1/19)
( كأنك بى أنعى عليك وعندها *** ترى خبرا صمت له الأذنان ) ( فلا حسد يبقى لديك ولا قلى *** فينطق فى مدحى بأى معان ) ( وتنظر أوصافى فتعلم أنها *** علت عن مدان فى أعز مكان ) ( ويمسي رجالا قد تهدم ركنهم *** فمدمعهم لي دائم الهملان ) ( فكم من عزيز بى يذل جماحه *** ويطمع فيه ذو شقا وهوان ) ( فياربّ من تفجأ بهول يوده *** ولو كنت موجودا لديه دعانى ) ( ويارب شخص قد دهته مصيبة *** لها القلب أمسى دائم الخفقان ) ( فيطلب من يجلو صداها فلا يرى *** ولو كنت جلتها يدى ولسانى ) ( وكم ظالم نالته منى غضاضة *** لنصرة مظلوم ضعيف وجنان ) ( وكم خطة سامت ذووها معرة *** أعيدت بضرب من يدي وطعان ) ( فان يرثنى من كنت أجمع شمله *** بتشتيت شملى فالوفاء رثانى ) ومن محاسنه التى جعلها السخاوى من جملة عيوبه ما نقله عنه أنه قال فى وصف نفسه أنه لا يخرج عن الكتاب والسنة بل هو متطبع بطباع الصحابة انتهى وهذه منقبة شريفة ومرتبة منيفة(1/20)
( 13 ) السيد ابراهيم بن القاسم بن المؤبد بالله محمد بن الامام القاسم بن محمد العلامة الحافظ المؤرخ مصنف طبقات الزيديه وهو كتاب لم يؤلف مثله فى بابه جعله ثلاثة أقسام القسم الاول فى من روى عن أئمة الآل من الصحابة والقسم الثانى فيمن بعدهم الى رأس خمسمائة والقسم الثالث فى أهل الخمسمائة ومن بعدهم الى أيامه وذكر جماعة من أعيان القرن الثانى عشر ومات فيه ولم أقف له على ترجمة وقد ذكر فى الكتاب المذكور مشايخه وماسمعه منهم وكل طبقة من الطبقات الثلاث المذكورة جعلها على حروف المعجم
(1/21)
( 14 ) السيد ابراهيم بن محمد بن اسحق بن المهدى أحمد ابن الحسن بن الامام القاسم بن محمد ولد سنة 1140 أربعين ومائة وألف ونشأ بصنعاء وأخذ العلم عن والده وعن شيخنا السيد العلامة على بن ابراهيم بن على بن ابراهيم بن احمد بن عامر وغيرهما وجد في ذلك حتى صار من أعيان الزمن ومحاسن بنى الحسن له مكارم وفضائل وحسن اخلاق واشتغال بالعلوم والعبادات والقيام بوظائف الطاعات وقضاء حوائج المحتاجين والسعى فى صلاح المسلمين مالا يقدر على القيام به غيره وكم تصل الىّ منه رسائل ونصائح فيما يتعلق بشان الدولة ويأخذ علىّ أنه لا يحل السكوت وله رغبة فى المباحثات العلمية شديدة بحيث أنه لا يعرض البحث فى مسألة من المسائل إلا وفحص عنه وسأل وراجع وكثيراً ما تفد علىّ منه سؤالات أجيب عنها برسائل كما يحكى ذلك مجموع رسائلى مع أنه نفع الله به إذ ذاك عالى السن قد قارب السبعين وأنا فى نحو الثلاثين وهذا أعظم دليل على تواضعه ثم ما زال هذا دأبه الى الآن وهو صديقى وحبيبى يدعونى الى بيته المرة بعد المرة وله فى المكارم مسلك لا يقدر عليه غيره وفي حسن الأخلاق وتفويض الامور الى المهيمن الخلاق أمر عجيب وقد(1/21)
أعانه الله على بر والده والقيام بواجب حقه والمشى على ما يريده وكان والده رحمه الله رئيس آل اسحق والمتولى لأمورهم بعد أن دعا الى نفسه وبايعه الناس قاطبة ثم اختار الله له التخلص من ذلك فما زال على رئاسة أهل بيته حتى مات ثم قام ولده هذا مقامه أياماً فلم تطب نفس أخيه الاكبر السيد العلامة أحمد بن محمد فخرج من صنعاء مغاضباً للامام المهدى رحمه الله وسيأتى شرح ذلك فى ترجمته ان شاء الله تعالى وحاصله أنه صار مكان والده ورغب صاحب الترجمة عن الرئاسة الدنيوية فاستبدل بالخيل والخول الزهد والتقشف وترك زى أبناء جنسه من بيت الخلافة والمملكة ومع هذا فله جلالة فى القلوب ونبالة فى النفوس وضخامة زائدة عند جميع الناس إذا مر به راكب من آل الامام أو من أكابر الوزراء والأمراء والقضاء ترجل له وسلم عليه وما رأيت مولانا الخليفة يجل أحداً كاجلاله له وهو حقيق بذاك وهو الآن حى ينتفع به الناس(1/22)
( 15 ) ابراهيم بن محمد بن أبى بكر بن على بن مسعود بن رضوان المقدسى ثم القاهرى الشافعى أخو الكمال محمد الآتى ذكره ولد ليلة الثلاثاء ثامن عشر ذى القعدة سنة 836 ست وثلاثين وثمان مائة ببيت المقدس ونشأبه فحفظ القرآن وهو ابن سبع وتلاه تجويداً لابن كثير وأبى عمرو وأخذ عن سراج الرومى فى العربية والأصول والمنطق وعن يعقوب الرومى في العربية والمعانى والبيان بل سمع عليهما كثيرا من فقه الحنفية وسمع على التقى القلقشندى المقدسى والزين ماهر وآخرين وأجاز له خلق ثم لما قدم القاهرة قرأ على الامامين الأقصرانى فى شرح العقائد والجلال المحلى فى شرحه لجمع الجوامع وقرأ على جماعة كثيرة فى فنون متعددة ثم حج سنة 853 ثلاث وخمسين وثمان مائة وقرأ فى مكة على التقى بن فهد وابى الفتح المراغى والمحب الطبرى وجماعة وبرع في الفنون وأذن له غير واحد بالاقراء والافتاء وصنف التصانيف منها شرح الحاوى في مجلد ضخم ومنها شرح قواعد الاعراب في نحو عشرة كراريس وشرح العقائد لابن دقيق العيد وشرح المنهاج الفرعى ونظم النخبة ومختصرات كثيرة كتهذيب المنطق للتفتازانى والورقات لامام الحرمين وشذورالذهب وعقائد النسفى واختصر الرسالة القشيرية وله مصنفات غير هذه ودرس فى عدة فنون(1/23)
وأخذ عنه الطلبة واستقر فى تدريس التفسير بجامع ابن طولون وفي غيره من الجوامع والمدارس وولى قضاء الشافعية بالقاهرة فى ذي الحجة سنة 906 عوض عبد القادر بن النقيب واستمر الى ثالث ربيع الأول سنة 910 عشر وتسعمائة فعزل بقاضى الشام الشهابى وصار رئيس مصر وعالمها وعليه المدار في الفتيا ومن صلابته فى الدين أنه اتفق للقضاة محنة مع الأشرف المذكور بسبب اقرار الزانيين اللذين أراد الأشرف رجمهما قاصدا لاحياء هذه السنة فصمم صاحب الترجمة على عدم موافقته فى ذلك فعزل القضاة الأربعة وشنق الزانيين فوقف صاحب الترجمة عليهما وقال أشهد بين يدى الله بظلمهما وأن قاتلهما يقتل بهما فبلغ الأشرف ذلك فعزله عن مشيخة مدرسته ثم بلغه الله الى أن كان قتل الملك في حياته وانقراض دولته فرد اليه معلومهما من أول ولايته لهما وعد ذلك من شهامته وكمال دينه فعظم به عند الخاص والعام مع لزوم منزله وتردد الناس اليه للانتفاع به في العلوم الشرعية والعقلية حتى مات في يوم الجمعة ثانى شهر المحرم سنة 923 ثلاث وعشرين وتسعمائة وصلى عليه الخليفة المتوكل على الله العباسى صاحب مصر عقب صلاة الجمعة ودفن بتربته التى أعدها في ساباط وله نظم فمنه من قصيدة ( دموعى قد نمت بسر غرامى *** وباح بوجدى للوشاة سقامى ) ( فاضحى حديثى بالصبابة مسندا *** بمرسل دمعى من جفون دوامى ) ومن أخرى ( ما خلت برقا بأرجاء الشأم بدا *** إلا تنفست من أشواقى الصعدا ) ( ولا شممت عبيرا من نسيمكم *** إلا قضيت بان أقضى به كمدا )(1/24)
( 16 ) ابراهيم بن محمد بن خليل البرهان الطرابلسى الأصل الشامى المولد والدار الشافعى ولد فى ثانى عشر رجب سنة 753 ثلاث وخمسين وسبعمائة بالجلوم بفتح الجيم وتشديد اللام المضمومة ومات أبوه وهو صغير فكفلته أمه وانتقلت به الى دمشق فحفظ بها بعض القرآن ثم رجعت به الى حلب فنشأ بها وأدخلته مكتب الأيتام فأكمل به حفظه وصلى به على العادة التراويح في رمضان وتلا تجويدا على الحسن السايس المصرى وعلى الشهاب ابن ابى الرضى والحرانى وقرأ فى الفقه على ابن العجمى وجماعة كالبلقينى وابن الملقن وفى اللغة على مجد الدين صاحب القاموس وفى الحديث على الزين العراقى والبلقينى وابن الملقن أيضا وجماعة كثيرة وارتحل الى مصر مرتين لقى بها جماعة من اعيان العلماء والى دمشق واسكندرية وبيت المقدس وغزة والرملة ونابلس وحماه وحمص وطرابلس وبعلبك وروى عنه أنه قال مشايخى فى الحديث نحو المائتين ومن رويت عنه شيئأ من الشعر دون الحديث بضع وثلاثون وفى العلوم غير الحديث نحو الثلاثين وقد جمع الكل النجم ابن فهد فى مجلد ضخم وكذلك الحافظ ابن حجر واستقر بحلب ولما هجمها تيمور لنك طلع بكتبه الى القلعة فلما دخل البلد وسلبوا الناس كان فيمن سلب حتى لم يبق عليه شىء ثم اسروه وبقى معهم الى أن رحلوا الى دمشق فأطلق ورجع الى بلده فلم يجد أحدا من أهله وأولاده قال فبقيت قليلا ثم توجهت الى القرى التى حول حلب مع جماعة فلم أزل هنالك الى أن رجع الطغاة جهة بلادهم فدخلت بيتى فعادت إلى أمتى نرجس ولقيت زوجتي وأولادى منها وصعدت حينئذ القلعة(1/25)
فوجدت أكثر كتبى فأخذتها ورجعت وقد اجتهد المترجم له فى الحديث اجتهاد كبيرا وسمع العالى والنازل وقرأ البخارى أكثر من ستين مرة ومسلما نحو العشرين واشتغل بالتصنيف فكتب تعليقا لطيفا على سنن ابن ماجه وشرحا مختصرا على البخارى سماه التلقيح لفهم قارىء الصحيح وهو فى أربعة مجلدات والمقتضى في ضبط الفاظ الشفا فى مجلد ونور النبراس على سيرة ابن سيد الناس في مجلدين والتيسير على الفية العراقى وشرحها مع زيادة أبيات فى الأصل غير مستغنى عنها ونهاية السؤل فى رواة الستة الأصول فى مجلد ضخم والكشف الحثيث عمن رمى بوضع الحديث فى مجلد لطيف والتبيين لأسماء المدلسين في كراستين وتذكرة الطالب المعلم فيمن يقال انه مخضرم كذلك والاعتباط فيمن رمى بالاختلاط قال السخاوى وكان اماما علامة حافظا خيرا دينا ورعا متواضعا وافر العقل حسن الأخلاق متخلقا بجميل الصفات جميل العشرة محبا للحديث وأهله كثير النصح والمحبة لأصحابه ساكنا منجمعا عن الناس متعففا عن التردد الى بنى الدنيا قانعا باليسير طارحا للتكلف رأسا فى العبادة والزهد والورع مديم الصيام والقيام سهلا فى التحدث كثير الانصاف والبشر لمن يقصده للأخذ عنه خصوصا الغرباء مواظبا على الاشتغال والاشغال والاقبال على القراءة بنفسه حافظا لكتاب الله كثير التلاوة له صبورا على الاسماع ربما أسمع اليوم الكامل من غير ملل ولا ضجر عرض عليه قضاء الشافعية ببلده فامتنع وأصر على الامتناع فصار بعد ذلك كل واحد من قاضيها الشافعى والحنفى من تلامذته واتفق أنه فى بعض الأوقات حوصرت(1/26)
حلب فرأى بعض أهلها فى المنام السراج البلقينى فقال له ليس على أهل حلب بأس ولكن رح الى خادم السنة ابراهيم المحدث وقل له يقرأ عمدة الأحكام ليفرج عن المسلمين فاستيقظ فاعلم الشيخ فبادر الى قراءتها فى جمع من طلبة العلم وغيرهم يوم الجمعة بكرة النهار ودعا للمسلمين بالفرح فاتفق أنه فى آخر ذلك النهار نصر الله أهل حلب وقد حدث بالكثير وأخذ عنه الأئمة طبقة بعد طبقة وألحق الأصاغر بالأكابر وصار شيخ الحديث بالبلاد الحلبية بلامدافع وممن أخذ عنه من الأكابر ابن خطيب الناصرية والحافظ ابن حجر وامتحنه فأدخل عليه شيخا فى حديث مسلسل رام بذلك اختباره هل يفطن أم لا فتنبه البرهان لذلك وقال لبعض خواصه ان هذا الرجل يعنى ابن حجر لم يلقنى إلا وقد صرت نصف رجل إشارة إلى أنه قد كان عرض له قبل ذلك الفالج وأنسى كل شىء حتى الفاتحة ثم عوفى وصار يتراجع اليه حفظه كالطفل شيئا فشيئا ولما دخل التقى الحصنى حلب بلغنى أنه لم يتوجه لزيارته لكونه كان ينكر على لابسى الأثواب النفيسة وعلى المتقشفين فما وسع المترجم له إلا المجىء اليه فوجده نائما بالمدرسة الشرفية فجلس حتى انتبه ثم سلم عليه فقال له لعلك التقى الحصنى ثم سأله عن شيوخه فسماهم فقال له إن شيوخك الذين سميتهم عبيد ابن تيمية أو عبيد من أخذ عنه فما بالك تحط أنت عليه فما وسع التقى إلا أن أخذ نعله وانصرف ولم يجسر يرد عليه ولم يزل على جلالته وعلو مكانه حتى مات مطعونا فى يوم الأثنين سادس عشر شوال سنة 841 احدى وأربعين وثمان مائة وهو يتلو ولم يغب له عقل ودفن بالجبيل عند أقاربه(1/27)
( 17 ) ابراهيم بن محمد بن عبد الله بن الهادى بن ابراهيم بن على بن المرتضى الوزيرى العلامة الكبير مصنف الهداية والفصول اللؤلؤية ولد تقريبا سنة 860 ستين وثمان مائة وقرأ بصنعاء وصعدة على جماعة من الشيوخ فى الأصول والعربية والفقه والحديث والتفسير وسائر الفنون ومن مشايخه السيد على بن محمد بن المرتضى والسيد عبد الله بن يحيى بن المهدى والامام المتوكل على الله المطهر بن محمد بن سليمان والقاضى على بن موسى الدوارى والغزولى المصرى الواصل الى اليمن وغير هؤلاء وبرع فى جميع الفنون وصار المرجع فى عصره والمشار اليه بالفضيلة وله مصنفات أشهرها وأجلها ما تقدم وله نظم رائق فمنه قوله ( وإنى وحبى للنبى وآله *** وما اشتملت منى عليه ضلوع ) ( وأن أفلت منهم شموس طوالع *** يكون لها بعد الأفول طلوع )
وقد ترجمه السخاوى فى الضوء اللامع فلم يزد على ان قال السيد ابراهيم بن محمد بن عبد الله الصنعانى الآتى أبوه وابنه على كهل فاضل من أدباء صنعاء الموجودين بها بعد السبعين وثمان مائة أنشدنى ولده المشار اليه عنه من قوله فى أبيات ( ولا صدعنى ماجد ذو حفيظة *** ولا هجرتنى زينب وسعاد ) ( ولكن شعرى مثلما قال شاعر *** حكيم زهير دونه وزياد ) ( إذا أنكرتنى بلدة أو نكرتها *** خرجت مع البازى على سواد ) ( أبت لى نفس حرة أن أهينها *** وقد شرفتها طيبة ومعاد ) ( فليست على خسف تقيم ببلدة *** ولا بزمام الاحتقار تقاد ) انتهى ماذكره السخاوى ولم يزد عليه وقد وهم فى قوله ولده على فليس له ولد اسمه على بل أولاده هم احمد ومحمد والهادى شيخ الأمام
شرف الدين وهذه الأبيات ليست له بل هى لجده الهادى بن ابراهيم ابن على بن المرتضى وفى الأبيات خلط ولم يزل المترجم له على حاله الجميل حتى مات قبل العشاء الأخيرة من ليلة الأحد ثانى شهر جمادى الآخرة سنة 914 أربع عشرة وتسعمائة(1/28)
( 18 ) السيد ابراهيم بن محمد بن اسماعيل الأمير سيأتى ذكره فى ترجمة ولده السيد على بن ابراهيم
( 19 ) ابراهيم بن يحيى بن محمد بن صلاح السحولى الشجرى سيأتى ذكره فى ترجمة ولده محمد(1/29)
ذكر من اسمه أحمد
( 20 ) أحمد بن ابراهيم بن الزبير بن محمد بن ابراهيم بن عاصم بن مسلم بن كعب العلامة أبو جعفر الأندلسى الحافظ النحوى ولد سنة 627 سبع
وعشرين وستمائة وتلى بالسبع على أبى الحسن الساوى وسمع منه ومن اسحاق بن ابراهيم الطوسى بفتح الطاء وابراهيم بن محمد بن الكمال والمؤرخ أحمد يوسف وأبى الوليد اسماعيل بن يحيى الأزدى وأبى الحسين بن السراج ومحمد بن أحمد بن خليل السلوى وغيرهم وجمع وصنف وحدث بالكثير وبه تخرج العلامة أبو حيان وصار علامة عصره في الحديث والقراءة وله ذيل على تاريخ ابن بشكوال وجمع كتابا فى التفسير سماه ملاك التأويل وقال أبو حيان كان يحرر اللغة وكان أفصح عالم رأيته وتفقه عليه خلق وقال غيره انه إنفرد بالافادة ونشر العلم وحفظ الحديث وتمييز صحيحه من سقيمه وصنف تاريخ علماء الأندلس وله كتاب الاعلام فيمن ختم به القطر الأندلسى من الأعلام وما زال على حاله الجميل الى أن توفى سنة 708 ثمان وسبعمائة فى ثانى عشر شهر ربيع الأول منها ومن مناقبه أن الفازارى الساحر أدعى النبوة فقام عليه فاستظهر عليه بتقربه الى أميرها بالسحر وأوذى أبو جعفر فتحول الى غرناطه فاتفق قدوم الفازارى رسولا من امير مالقه فاجتمع أبو جعفر بصاحب غرناطه ووصف له حال الفازارى فاذن له اذا انصرف بجواب رسالته أن يخرج اليه ببعض اهل البلد ويطالبه من نائب الشرع ففعل فثبت عليه الحد وحكم بقتله فضرب بالسيف فلم يؤثر فيه فقال أبو جعفر جردوه فجردوه فوجدوا جسده مكتوبا فغسل ثم وجد تحت لسانه حجرا لطيفا فنزعه فعمل فيه السيف فقتله قال بعض من ترجمه كان ثقة قائما بالمعروف والنهى عن المنكر دامغا لأهل البدع وله مع ملوك عصره وقائع وكان معظما عند الخاصة والعامة(1/30)
( 21 ) أحمد بن أحمد بن عبد الواحد بن عبد الغنى ابن محمد بن أحمد بن سالم ابن داود بن يوسف بن خالد الشيخ شهاب الدين الأذرعى ولد باذرعات الشام فى سنة 708 ثمان وسبعمائة وسمع من الحجارى والمزى وحضر عند الذهبى وتفقه على ابن النقيب ودخل القاهرة فأخذ عن جماعة منهم الفخر المصرى ثم ألزم بالتوجه الى حلب وناب عن قاضيها نجم الدين بن الصائغ فلما مات ترك ذلك وأقبل على الاشتغال والأشغال وراسل السبكى بالمسائل الحلبيات وهى فى مجلد مشهور واشتهرت فتاويه بالبلاد الحلبية وكان سريع الكتابة منطرح النفس صادق اللهجة شديد الخوف من الله وله مصنف سماه جمع التوسط والفتح بين الروضة والشرح في عشرين مجلدا وشرح المنهاج بشرح سماه غنية المحتاج وباخر سماه فوت المحتاج وفى كل منهما ما ليس فى الآخر وقدم القاهرة بعد موت الشيخ جمال الدين الأسنوى وذلك في جماد الأولى سنة 772 اثنتين وسبعين وسبعمائة وأخذ عنه بعض أهلها ولما قدم دمشق أخذ عنه جماعة وحكى عن نفسه أنه كان يكتب فى الليل كراسا تصنيفا وفى النهار كراسا تصنيفا لا يقطع ذلك ولو كان ذلك مع المواظبة لكانت تصانيفه كثيرة جدا وكان فقيه النفس لطيف الذوق كثير الانشاد للشعر وكان يقول الحق وينكر المنكر ويخاطب نواب حلب بالغلظة وكان محبا للغرباء محسنا اليهم معتقدا لأهل الخير وقد ذكر عنه كرامات ومكاشفات وبالغ ابن حبيب فى الثناء عليه ومن نظمة ( يا موجدى من العدم *** أقل فقد زل القدم ) ( واغفر ذنوبا قد مضى *** وقوعها من القدم ) ( لا عذر فى اكتسابها *** إلا الخضوع والندم ) ( إن الجواد شأنه *** غفران زلات الخدم ) مات رحمه الله فى خامس عشر جمادى الآخرة سنة 783 ثلاث وثمانين وسبعمائة(1/31)
(22) السيد أحمد بن أحمد الأنسي القهده اليمانى المعروف بالزنمه الشاعر المشهور نشأ بصنعاء ومدح الامام المؤيد محمد بن اسماعيل بن القاسم وكان حاد الطبع سريع الانجراف فعامله المؤيد بالله بالحلم ومدح المهدى صاحب المواهب محمد بن احمد وجرت له معه خطوب كثيرة فلحق بمكة ومدح أميرها الشريف أحمد بن غالب بقصيدة طنانة حثه فيها على أخذ اليمن لما جبل عليه من القحة وأولها ( عج بالكثيب وحى الحى من كثب *** فثم يذهب ما بالصب من وصب ) ( وانزل بحيث ترى الآرام سانحة *** بين الخميسين والهندية القضب ) فأحسن الشريف نزله واجتمع هنالك بجماعة من أدباء العصر من مكة ومصر والهند والشام ومنهم حفيد الخفاجى صاحب الربحانه وابن معصوم والسيد حسين بن عبد القادر فاجتمعوا في منزل الشريف فقال الخفاجى ها نحن قد اجتمعنا هذا الاجتماع وهؤلاء أدباء اليمن(1/32)
المشهورون وأدباء الهند والشام ومصر وأنا أعمل ذيل الربحانه فهلموا فلينظم كل واحد منا قصيدة نبوية هذه الليلة ومن أحرز قصبات السبق حكمت بانحياز الأدب الى قطره فنظم كل واحد منهم قصيدة ونظم صاحب الترجمة قصيدته المشهورة ( ألا حى ذاك من ساكنى صنعا *** فكم أحسنوا بالنازلين بهم صنعا ) فحكم الخفاجى له بالسبق فحسدوه وتعصبوا ففارق مكة وعاد الى حضرة المهدى صاحب المواهب تائبا ومدحه بغرر القصائد ونال منه دنيا عريضة ومن محاسن شعره ما راجع به بعض أصحابه قائلا فى مطلع قصيدته ( أعقود نظمك أم حباب الراح *** قد راح يجلوها خضيب الراح ) ومن قصائده الفائقة القصيدة التى مطلعها ( ألمت تهادى والمعنف قد أغفى *** ) والقصيدة التى مطلعها ( أفى أوج المواهب أصفهان *** أم التخت الرفيع وشاهجان ) مدح بها المهدى لما وصل اليه رسول ملك العجم وجرت له وقائع مع المهدى تارة يغضب عليه وتارة يرضى عنه الى أن توفي فى سنة 1119 تسع عشرة ومائة والف بجزيرة زيلع وشعره تارة يكون في أعلا طبقة وتارة يكون سافلا وربما وجد فيه لحن ووالده شاعر مشهور مدح المتوكل على الله اسماعيل وهو دون ولده هذا في الشعر(1/33)
( 23 ) أحمد بن اسماعيل بن أبى بكر بن عمر بن بريدة بموحدة وراء ودال مهملة ثم هاء مصغرا الشهاب الابشيطى ثم القاهرى الأزهرى الشافعى نزيل طيبه وأحد السادات ولد فى سنة 802 اثنتين وثمان مائة بابشيط بكسر الهمزة ثم موحدة ساكنة بعدها معجمة ثم تحتانية وطاء مهملة قرية من قرى المحلة من الغربية ونشأ بها فحفظ القرآن وكذا العمدة والتبريزى واخذ الفقه عن ابن الصواف وابن حميد وابن قطب الدين وتلى القرآن على الرمسيسى ثم انتقل الى القاهرة فى سنة 820 عشرين وثمانمائة فقطن جامع الأزهر مدة وأخذ بها الفقه عن البرهان البيجورى والشمس البرماوى والولى العراقى وجماعة وأخذ المنطق عن العز بن عبد السلام والنحو عن الشهاب أحمد الصنهاجى والشمس الشنطوفي والمحلى والمحب بن نصر الله والشرف السبكى وسمع الحديث عن جماعة منهم الولى العراقى والحافظ ابن حجر وبرع في الفقه وأصوله والعربية والفرائض والحساب والعروض والمنطق وغير ذلك وتصدر للاقراء فانتفع به جماعة كالبكرى والجوجرى وصنف تصانيف منها ناسخ القرآن ومنسوخه ونظم أبى شجاع والناسخ والمنسوخ للبارزى وشرح الرحبية والمنهاج الآصلى ومختصر ابن الحاجب وتصريف ابن مالك وايساغوجى والخزرجية وغير ذلك وعرف بالزهد والعبادة ومزيد التقشف والايثار والانعزال والاقبال على وظائف الخير مع قلة ذات يده بحيث لم يكن فى بيته شىء يفرشه لا حصير ولا غيره بل ينام على باب هنالك ثم جح فى سنة 757 سبع وخمسين وسبعمائة وزار النبى صلى الله عليه وآله وسلم وانقطع بالمدينة المباركة وعظم انتفاع أهلها به وحفظوا من كراماته وبديع اشاراته ما يفوق الوصف وكان ذلك كلمة اجماع وصار في غالب السنين يحج منها بل جاور بمكة فى سنة 771 احدى وسبعين وسبعمائة وامتنع من التحديث فى المدينة النبوية أدبا مع أبى الفرج المراغى فيما قيل قال السخاوى والظاهر أنه للأدب مع النبى صلى الله عليه وآله وسلم مات بعد عصر يوم الجمعة تاسع رمضان سنة 783 ثلاث وثمانين وسبعمائة ودفن بالبقيع بالقرب من قبر الامام مالك ومن نظمه في السبع المنجيات ( المنجيات السبع منها الواقعه *** وقبلها ياسين تلك الجامعة ) ( والخمس الانشراح والدخان *** والملك والبروج والانسان )(1/34)
( 24 ) أحمد بن اسماعيل بن عثمان بن أحمد بن رشيد ابن ابراهيم شرف الدين التبريزى الكورانى القاهرى ثم الرومى الشافعى عالم بلاد الروم ولد فى سنة 813 ثلاث عشرة وثمان مائة بقرية من كوران وحفظ القرآن وتلى السبع على القزوينى البغدادى وقرأ عليه الكشاف وحاشيته للتفتازانى وأخذ عنه النحو مع علمى المعانى والبيان والعروض وكذا اشتغل على غيره في العلوم وتميز فى الأصلين والمنطق وغيرها وفى النحو والمعانى والبيان وغير ذلك من العقليات وشارك في الفقه ثم تحول الى حصن كيفا فأخذ عن الجلال الحلوانى فى العربية وجال فى بغداد ودياربكر وقدم دمشق فى حدود الثلاثين فلازم العلاء البخارى وانتفع به وكان يرجح الجلال عليه وكذا قدم مع الجلال بيت المقدس وقرأ عليه فى الكشاف ثم قدم القاهرة فى حدود سنة خمس وثلاثين وهو فقير جدا فأخذ عن ابن حجر في البخارى وشرح الألفية للعراقى ولازمه وغيره(1/35)
وسمع صحيح مسلم عن ابن الزركشى ولازم الشروانى كثيرا وقرأ عليه صحيح مسلم والشاطبية وأكب على الأشتغال والأشغال بحيث قرأ على العلاء القلقشندى فى الحاوى ولازم حضور المجالس الكبار كمجلس قراءة البخارى بحضرة السلطان وغيره واتصل بالكمال البارزى فنوه به وبالزينى عبد الباسط وغيرهما من المباشرين والأمراء بحيث اشتهر وناظر الأماثل وذكر بالطلاقة والبراعة والجرأة الزائدة فلما ولى الظاهر جقمق وكان يصحبه تردد اليه فاكثر وصار أحد ندمائه وخواصه فانثالت عليه الدنيا فتزوج مرة بعد أخرى لمزيد رغبته فى النساء مع كونه مطلاقا قال السخاوى وظهر لما ترفع حاله ما كان كامنا عليه من اعتقاد نفسه الذي جر اليه الطيش والخفة ولم يلبث أن وقع بينه وبين حميد الدين النعمانى المنسوب إلى أبى حنيفة والمحكى أنه من ذريته مباحث تسطا فيها عليه وتشاتما بحيث تعدى هذا الى ابائه ووصل علم ذلك إلى السلطان فامر بالقبض عليه وسجنه بالبرج ثم ادعى عليه عند قاضى الحنفية ابن الديرى وأقيمت البينة بالشتم وبكون المشتوم من ذرية الامام أبى حنيفة وعزر بحضرة السلطان نحو ثمانين ضربة وأمر بنفيه وأخرج عن تدريس الفقه بالبرقوقيه فاستقر فيه الجلال المحلى اه قلت وقد لطف الله بالمترجم له بمرافعته إلى حاكم ضفى فلو روفع إلى مالكى لحكم بضرب عنقه وقبح الله هذه المجازفات والاستحلال للدماء والأعراض بمجرد اشياء لم يوجب الله فيها إراقة دم ولا هتك عرض فان ضرب هذا العالم الكبير نحو ثمانين جلدة ونفيه وتمزيق عرضه والوضع من شأنه بمجرد كونه شاتم من شاتمه ظلم بين وعسف ظاهر ولا سيما إذا كان لا يدرى بانتساب من(1/36)
ذكر إلى ذلك الامام لا جرم قد أبدله الله بسلطان خير من سلطانه وجيران أفضل من جيرانه ورزق أوسع مما منعوه منه وجاه أرفع مما حسدوه عليه فانه لما خرج توجه الى مملكة الروم وما زال يترقى بها حتى استقر فى قضاء العسكر وغيره وتحول حنفيا وعظم اختصاصه بملك الروم ومدحه وغيره بقصائد طنانة وحسنت حاله هنالك جدا بحيث لم يصر عند السلطان محمد مراد أحظى منه وانتقل من قضاء العسكر الى منصب الفتوى وتردد اليه الأكابر وشرح جمع الجوامع وكثر تعقبه للمحلى وعمل تفسيرا وشرحا على البخارى وقصيده فى علم العروض نحو ستمائة بيت وأنشأ باسطنبول جامعا ومدرسة سماها دار الحديث وانثالت عليه الدينا وعمر الدور وانتشر علمه فأخذ عليه الأكابر وحج فى سنة861 احدى وستين وثمانمائة ولم يزل على جلالته حتى مات فى أواخر سنة 893 ثلاث وتسعين وثمانمائة وصلى عليه السلطان فمن دونه ومن مطالع قصائده فى مدح سلطانه ( هو الشمس الا أنه الليث باسلا *** هو البحر الا أنه مالك البر ) وقد ترجمه صاحب الشقائق النعمانية ترجمة حافلة وذكر فيها ان سلطان الروم السلطان محمد عرض عليه الوزارة فلم يقبلها وأنه أتاه مرة مرسوم من السلطان فيه مخالفة للوجه الشرعى فمزقه وأنه كان يخاطب السلطان باسمه ولا ينحنى له ولا يقبل يده بل يصافحه مصافحة وانه كان لا يأتى الى السلطان إلا إذا أرسل اليه وكان يقول له مطعمك حرام وملبسك حرام فعليك بالاحتياط وذكر له مناقب جمة تدل على أنه من العلماء العاملين لا كما قال السخاوى(1/37)
( 25 ) أحمد بن أويس بن الشيخ حسن بن الحسين بن اقبغا ابن ايلكان ابن القان غياث الدين صاحب بغداد وتبريز وسلطانهما ملك بعد أبيه المتوفى بتبريز في سنة 676 ست وسبعين وستمائة فأقام الى سنة 695 خمس وتسعين وستمائة ثم قدم حلب ومعه نحو أربعمائة فارس من أصحابه جافلا من تيمورلنك حين استيلائه على بغداد لائذا بالطاهر برقوق فارسل الأمر باكرامه ثم استقدمه القاهرة وبالغ فى اكرامه بحيث تلقاه وأرسل له نحو عشرة الآف دينار ومائتى قطعة قماش وعدة خيول وعشرين جارية ومثلها مماليك وتزوج السلطان أختا له وأقام فى ظله إلى أن سافر معه حين توجهه بالعساكر الى جهة الشام وحلب فلما رجع عاد أحمد الى بلاده بعد أن ألبسه تشريفا وتزايدت وجاهته وجلالته فلم يلبث أن ساءت سيرته وقتل جماعة فوثب عليه الباقون وأخرجوه وكاتبوا نائب تيمورلنك بشيراز ليستلمها ففعل وهرب هذا الى قرا يوسف التركمانى بالموصل فسافر معه الى بغداد فالتقى به أهلها فكسروه وانهزما نحو الشام وقطعا الفرات ومعهما جمع كبير من عسكر بغداد والتركمان ونزلا بالساجور قريبا من حلب فخرج اليهما نائب حلب وغيره من النواب فكانت وقعه فظيعة انكسر فيها العسكر الحلبى واسر نائب حماه وتوجها نحو بلاد الروم فلما كان قريبا من بهسنى التقاه نائبها وجماعة فكسروه واستلبوا منه سيفا يقال له سيف الخلافة وغير ذلك وعاد الى بغداد فدخلها ومكث بها مدة حاكما ثم جاء اليها التتار فخرج هاربا بمفرده(1/38)
وجاء الى حلب فى صفر سنة 706 ست وسبعمائة وهو بزى الفقراء فأقام بها مدة ثم رسم الناصر باعتقاله فاعتقل بها ثم طلب الى القاهرة فتوجه اليها واعتقل فى توجهه بقلعة دمشق ثم أطلق بغير رضاء السلطان وعاد الى بغداد ودخلها بعد ان نزل التتار عنها بوفاة تيمور لنك واستمر على عادته وتنازع هو وقرا يوسف فكانت الكسرة عليه فأسره وقتله خنفا فى ليلة الأحد سلخ شهر ربيع الآخر سنة 713 ثلاث عشر وسبعمائة وقد طول ابن حجر ترجمته فى أنبائه وقال أنه سار السيرة الحائرة وقتل فى يوم واحد ثمانمائة نفس من الاعيان قال وكان سفاكا للدماء متجاهرا بالقبائح وله مشاركة فى عدة علوم كالنجوم والموسيقى وله شعر كثير بالعربية وغيرها وكتب الخط المنسوب مع شجاعة ودهاء وحيل ومحبة لأهل العلم وقال ابن خطيب الناصرية كان مهيبا له سطوة على الرعية فتاكا منهمكا على الشرب واللذات له يد طولى في علم الموسيقى(1/39)
( 26 ) الامام المهدى أحمد بن الحسن بن الامام القاسم بن محمد سيأتى تمام نسبه فى ترجمة والده ولد رحمه الله سنة 1029 تسع وعشرين وألف ثم لما بلغ مبلغ الرجال ظهرت منه شجاعة وبراعة وقوة جنان واقدام زائد ووقع منه فى أيام عمه المؤيد بالله محمد بن القاسم بعد موت والده المجاهد الحسن بن الامام بعض مخالفة ثم عاد الأمر إلى الموافقة واستمر في أيام المؤيد إلى آخرها ثم فى أيام عمه الامام المتوكل على الله اسماعيل وجاهد فى أيامه الجهادات المشهورة وأوقع بأهل البغى الوقعات المأثورة ودخل بالجيش مرة بعد أخرى الى خضرموت ودوخ تلك
الممالك وأذعن له سلاطين يافع بل وصلوا تحت ركابه الى الامام ثم دخل الجوف مرة بعد مرة وما زال فى مجاهدة ومناصرة للحق ومدافعة للظلمة والبغاة حتى مات عمه المتوكل على الله فاجتمعت الكلمة من العلماء والرؤساء والسادة والأكابر عليه وبايعوه ووقع من قاسم بن المؤيد بعض المخالفة ثم عاد الامر الى الموافقة وكانت بيعته عند موت الامام المتوكل على الله فى التاريخ الآتى فى ترجمته واستمر كذلك مجاهدا قائما بالدفع عن المسلمين إلى أن توفاه الله تعالى فى جمادى الآخرة سنة 1092 اثنتين وتسعين وألف وقبر بمشهده المشهور بالغراس ومازال مقصودا بالزيارة من كثير من الناس الى هذا التاريخ وهو من أعظم الأئمة المجاهدين الباذلين نفوسهم لدفع المعاندين بل الله ثراه بوابل رضوانه(1/40)
( 27 ) السيد أحمد بن الحسن بن أحمد بن حميد الدين ابن المطهر بن الامام شرف الدين الشاعر الأديب الصنعانى مؤلف ترويح المشوق فى تلويح البروق
ذكر فيه مادار بينه وبين جماعة من أهل عصره وقد ترجم له محمد أمين فى نفحة الريحانة وترجم له صاحب مطلع البدور ومن نظمه الفائق القصيدة التى أنشأها على روى قصيدة ابن مطروح ( بأبى وبى طيف طرق *** عذب اللما والمعتنق ) فقال صاحب الترجمة ( إياك من سود الحدق *** فهى التى تكسو القلق ) ( لا يخدعنك حسنها *** فالأمن يتبعه الفرق ) ( واحذر ملاطفة الغوا *** نى بالتذلل والملق ) ( يا أيها المولى الذى *** أنا من مواليه أرق ) ثم أطال من هذا وهو ليس بطائل ومن شعره القصيدة التى مطلعها ( يارشاء أشمت بى العواذلا *** مالك جانبت الوفاء عادلا ) ( مازلت تولينى صدودا دائما *** قد نصبت لى هدبك الحبائلا ) ( أوقعتنى فيها فلما وقعت *** نفسى ما حصلت منها طائلا ) وهي قصيدة طويلة ومن نظمه القصيدة التى مطلعها(1/40)
( لله أيام الغزل *** مابين معترك المقل ) ( أيام ركضى في ميا *** دين المسرة والجذل ) وهى قصيدة طويلة ومن شعره الأبيات التى أولها ( سبقى الأثل كل سحاب مظله *** عليه ولا برحت مستهله ) ومن شعره ( قدم الربيع وخير مقدم *** والغيث أثجم ثم أثجم ) ( ومقدم الأنواء لو *** صلى الولى وراه سلم ) ( والجو ينشر مطرفا *** لك فاختى اللون معلم ) ( والسحب مد رواق ديباج بساحتنا وخيم ) ( والروض نمقه الغما *** م بحسن صنعته ونمم )
( فبدا يروق الناظرين *** كأنه برد مسهم ) وهى أبيات جيدة وتوفي فى سنة 1080 ثمانين وألف(1/41)
( 28 ) أحمد بن الحسن المعروف بالجاربردى نزيل تبريز أحد العلماء المشهورين أخذ عن الشيخ عمر بن نجم الدين وعن نظام الدين الطوسى وغيرهما وأخذ عنه جماعة ولعل من جملة من أخذ عنه العضد شارح مختصر ابن الحاجب قال الأسنوى كان عالما دينا وقورا مواظبا على الاشتغال والتصنيف وقال غيره كان احد الشيوخ بتلك الجهات وله مصنفات منها شرح منهاج البيضاوى وشرح الحاوى الصغير وشرح شافية ابن الحاجب وله على الكشاف حواش مفيدة ومات سنة 742 اثنتين وأربعين وسبعمائة(1/42)
( 29 ) الفقيه أحمد بن حسن الزهيرى أديب العصر وشاعره ولد تقريبا سنة 1140 أربعين ومائة وألف وله فى النظم اليد الطولى وجميعه غرر والسافل منه قليل وقد وقفت على ديوانه فى مجلد لطيف وأكثر فى مدح أهل كوكبان السيد أحمد ابن محمد بن الحسين وأخيه عبد القادر وابراهيم وعيسى وقليل منه فى غير هؤلاء من أعيان كوكبان كاولاد الأربعة الأخوة المذكورين وله فى مدح مولانا الأمام المهدى العباس بن الحسين رحمه الله قصائد ومع طول باعه في الأدب له فى الوعظ مسلك حسن ويأتى فيه بالرقائق ويستطرد كثيرا من الأشعار التى لها موقع فى القلوب ومطابقة فى المقام وكان يجتمع عليه بجامع صنعاء جم غفير ولوعظه في القلوب قبول وله معرفة تامة بعلم الالة والحديث والتفسير والأدب وفيه ميل إلى الطريقة وتشبه بأهلها وله فى حسن المحاضرة وحلاوة المفاكهة وملاحة النادرة واملاء غرائب الأخبار والأشعار ما ليس لغيره فهو لا يمل جليسه وقد وفد الى مرات متعددة وجرى بينى وبينه من المطارحات الأدبية والمسائل العلمية ما لا يأتى عليه الحصر ولا أقدم عليه في جودة الشعر أحدا ممن أدركته من أهل العصر وشعره مشهور بأيدى الناس ولهم اليه رغبة كاملة وهو حقيق بذاك فانه جامع بين الجزالة والجودة وحسن السبك وقوة المعانى وكثيرا ما يمشى في شعره على نمط العرب ويتشبه بهم وينتحى طريقهم من غرر شعره قصيدته التى يقول فيها ( بلوغ المنى وصل الأحبة فاعلم *** ولم تلتفت عن مغنم خوف مغرم )(1/42)
( ومن حاول الأمر المحال بعزمه *** ينله ومن يعجز عن الحزم يحرم ) ( معاهد أنس من اراكة أسلم *** أصخت لها أذنى فلم تتكلم ) ( دعتنى فلباها فؤادى وأدمع *** سقى وادييها مثل صوب مثجم ) ( أسائلها عن أهلها فتجيبنى *** فأصغى ولكن الصدى صوت أعجم ) ( وما العز إلا فوق كل مطهم *** من الجرد مابين الخميسين أدهم ) ( من الصخر إلا أنه فوق أربع *** من الهوج قد شدت بخلق مطهم ) ( إذا قلت من حر الهجير بظله *** فقل أنا ضاح تحت ظل المقلم ) ( وخير النفوس السايلات على القنا *** وخير المنايا تحت أزرق سلجم ) ومن قصائده الطنانة القصيدة التى مطلعها ( وعدت بوصل عميدها بشر *** صدقت وما صدق المنى صبر ) وكم له من قصائد فرائد وهو الآن فى الحيوة إلا أنه قد ضعف عن الحركة بسبب فالج أصابه ولعله قد جاوز السبعين ومات يوم الأربعاء ثامن محرم سنة 1214 أربع عشرة ومائتين وألف بصنعاء(1/43)
( 30 ) أحمد بن حسين بن حسن بن على بن يوسف ابن على بن أرسلان بالهمزة وقد تحذف فى الأكثر بل هو الذى عليه الألسنة الشهاب أبو العباس الرملى الشافعى نزيل بيت المقدس ويعرف بابن رسلان ولد في سنة 773 ثلاث وسبعين وسبعمائة وقيل فى سنة 775 خمس وسبعين وسبعمائة برملة ونشأ بها لم يعلم له صبوة فحفظ القرآن وله نحو عشر سنين وكان في الابتداء يشتغل بالنحو واللغة والشواهد والنظم وقرأ الحاوى على القلقشندى وابن الهائم وأخذ عنه الفرائض والحساب وولى تدريس الخاصكية ودرس بها مدة ثم تركها وأقبل على الله وعلى الآشتغال تبرعا وعلى التصوف وجلس فى الخلوة مدة لا يكلم أحدا وأخذ عن جماعة من أهل الطريقة وسمع من جماعة في الحديث وغيره حتى صار إماما في الفقه وأصوله والعربية مشاركا فى الحديث والتفسير والكلام وغير ذلك مع حرصه على سائر أنواع الطاعات من صلاة وصيام وتهجد ومرابطة بحيث لم تكن تخلو سنة من سنيه عن إقامة على جانب البحر قائما بالدعاء إلى الله سرا وجهرا اخذا على أيدى الظلمة مؤثرا محبة الخمول والشغف بعدم الظهور تاركا لقبول ما يعرض عليه من الدنيا ووظائفها حتى أن الأمير حسام الدين حسن جدد بالقدس مدرسة وعرض عليه مشيختها وقررله فيها كل يوم عشرة دراهم فضة فأبى بل كان يمتنع من أخذ ما يرسل به هو وغيره اليه من المال ليفرقه على الفقراء وربما أمر صاحبه بتعاطى تفرقته بنفسه وله محافظة على الأذكار والأوراد والأمر بالمعروف والنهى عن المنكر معرضا عن الدنيا وبنيها جملة حتى أنه لما سافر الأشرف إلى امد هرب من الرملة إلى القدس فى ذهابه وإيابه لئلا يجتمع به وما زال فى ازدياد من الخير والعلم حتى صار المشار اليه بالزهد في تلك النواحى وقصد للزيارة من سائرالآفاق وكثرت تلامذته ومريدوه وتهذب به جماعة وعادت على الناس بركته قال السخاوى وهو فى الزهد والورع والتقشف واتباع السنة وصحة العقيدة كلمة اجماع بحيث لا أعلم في وقته من يدانيه فى ذلك وانتشر ذكره وبعد صيته وشهد بخيره كل من رآه انتهى وقال ابن أبى عذيبة وكان شيخا طويلا تعلوه صفرة حسن المأكل والملبس(1/44)
والملتقى له مكاشفات ودعوات مستجابات ولما اجتمع مع العلاء البخارى الآتى ذكره إن شاء الله وذلك فى ضيافة عند ابن أبى الوفاء بالغ العلاء في تعظيمه بحيث أنه بعد الفراغ من الأكل بادر يصب الماء على يديه ورام الشيخ فعل ذلك معه فما مكنه وصرح بأنه لم ير مثله واجتمعا اجتماعا آخر عند قدوم العلاء البخارى إلى القدس فانه اجتمع به ثلاث مرات الأولى جاء اليه مسلما وجلسا ساكتين فقال له الشيخ ابن أبى الوفاء يا سيدى هذا ابن رسلان فقال أعرف ثم قرأ الفاتحة وتفارقا والثانية أول يوم من رمضان اجتمعا وشرع العلاء يقرر أدلة ثبوت رؤية هلال رمضان بشاهد ويذكر الخلاف فى ذلك وابن رسلان لا يزيد على قوله نعم وانصرفا ثم ان العلاء فى الليلة العاشرة سأل ابن أبى الوفاء فى الفطر مع ابن رسلان فسأله فامتنع فلم يزل يلح عليه حتى أجاب فلما أفطر أحضر خادم العلاء الطشت والأبريق بين يدى العلاء فحمل العلاء الطشت بيديه معا ووضعه بين يدى ابن رسلان وأخذ الأبريق من الخادم وصب عليه حتى غسل ولم يحلف عليه حتى ولا تشوش ولا توجه لفعل نظير ما فعله العلاء معه غير أنه لما فرغ العلاء من الصب عليه دعا له بالمغفرة فشرع يؤمن على دعائه ويبكى وله مصنفات منها فى التفسير قطع متفرقة وشرحه لسنن أبى داود وهو فى أحد عشر مجلدا وشرع فى شرح البخارى ووصل فيه إلى آخر الحج فى ثلاثة مجلدات وشرح جمع الجوامع فى مجلد ومنهاج البيضاوى فى مجلدين ومختصر ابن الحاجب وله غير ذلك مما يكثر تعداده وله نظم فى أنواع من العلم كالمنظومة فى الثلاث القرا آت الزائدة على السبع وفى الثلاث الزائدة(1/45)
على العشر وما زال رحمه الله على وصفه الجميل حتى مات فى يوم الأربعاء رابع عشر شعبان سنة 844 أربع وأربعين وثمان مائة وحكى السخاوى في الضوء اللامع أنه قيل لما الحد سمعه الحفار يقول رب أنزلنى منزلا مباركا وأنت خير المنزلين ورآه حسين الكردى أحد الصالحين بعد موته فقال له ما فعل الله بك قال اوقفنى بين يديه وقال يا أحمد أعطيتك العلم فما عملت به قال علمته وعملت به فقال صدقت يا أحمد تمن على فقلت تغفر لمن صلى على فقال قد غفرت لمن صلى عليك وحضر جنازتك ولم يلبث الرائى أن مات(1/46)
( 31 ) أحمد بن الحسين الرقيحى نسبة إلى الرقيح بضم الراء وفتح القاف وسكون المثناة التحتية بعدها مهملة وهو بلدة من أعمال يحصب ثم الصنعانى الأديب صاحب المقطعات الفائقة الرائقة وكان يتعيش بالصباغة فلا تزال كفه سوداء كأكف الصباغين فعوتب على ذلك فقال ( المجد فى العلم والكف المسود من *** فن الصباغة لا فى صحبة الدول ) ( فما سعيت الى هذا وذاك معا *** الا لأجمع بين العلم والعمل ) ومن مقطعاته ( قد بلغت الكمال فى كل معنى *** ثم ترجو أن تسلم الحسادا ) ( أنت أمرضتهم فدعهم فمن حق لئيم الطباع أن لا يعادا ) وله ( هذه الأطماع رجس وبها *** سل إذا ما شئت أرباب الورع ) ( فاصرف الراحات عن امساكها *** إنما الراحة فى ترك الطمع ) ومن شعره ( أفدى الذي صلى بميدانه *** ثم تلا التسليم بالواجب ) ( قلت وقد كلمنى طرفه *** لا يتبع المسنون بالواجب ) وله ( أراك جهلت أصول الرجال *** فأنعمت يا عمرو فى سكرها ) ( ولكن من بعد بالأختبار *** ستعرف ما الحلو من مرها ) ( فسل عن معادنها عارفا *** يبين لك الصفر من تبرها ) ( فان الصداقة محتاجة *** الى عارف بانتها أمرها ) وكانت وفاته آخر دولة الأمام المنصور بالله الحسين بن القاسم رحمه الله(1/47)
( 32 ) أحمد بن حسين الوزان الصنعانى المولد والمنشأ ولد سنة وأخذ العلم عن مشايخ العصر فبرع فى العلوم الآليه ثم اشتغل بالحديث فسمع الكثير منه وهو قوى الحفظ جيد الفهم حسن التصور سمع منى سنن الترمذى وهو عند تحرير هذا يقرأ على في الكشاف وحواشيه وقد صار مدرسا في العلوم الآلية والكتب الحديثية وهو من افراد علماء العصر جمله الله بوجوده وله شعر فى غاية الجودة يعجز عنه غالب أهل العصر مع طول نفس وحسن انسجام وقوة معان ثم سمع على بعد هذا فى الصحيحين وسنن أبى داود وفى كثير من مؤلفاتى وفى الكشاف والمطول وغير ذلك وهو إلى الآن مستمر على السماع على مع عناية قوية وفهم صادق وتصور تام ومن مشايخه شيخنا العلامة القاسم بن يحيى الخولانى والسيد العلامة عبد الله بن محمد الأمير وغيرهما من أعلام العصر
(1/47)
( 33 ) أحمد بن الحسين بن محمد بن الحسين بن عيسى ابن محمد بن أحمد بن مسلم الشهاب المكى الشافعى المعروف بابن العليف بضم العين المهملة تصغير علف ولد في جمادى الأولى سنة 851 إحدى وخمسين وثمان مائة بمكة ونشأ بها فحفظ القرآن والألفية النحوية والأربعين النووية وعرضهما وبعض المنهاج وسمع بمكة على التقى ابن فهد وولده النجم والزين عبد الرحيم الأميوطى وأبى الفضل المرجانى ويحيى العلمى ولازم النور الفاكهانى في كثير من دروسه الفقهية والنحوية وسمع بالقاهرة على الخضيرى والجوجرى وجماعة ودخلها مرارا وله نظم مقبول ومنه هذه القصيدة الطنانة ( خذ جانب العليا ودع ما ينزل *** فرضى البرية غاية لا تدرك ) ( واجعل سبيل الذل عنك بمعزل *** فالعز أحسن ما به يتمسك ) ( وامنح مودتك الكرام فربما *** عز الكريم وفات ما يستدرك ) ( وإذا بدت لك من عدو فرصة *** فافتك فان أخا العلا من يفتك ) ( ودع الأمانى للغبى فانما *** عقب المنى للحر داء منهك ) ( من يقتضى سببا بدون عزيمة *** ضلت مذاهبه وعز المدرك ) ( تعست مداراة العدو فانها *** داء تحول به الجسوم وتوعك ) ( لا يدرك الغايات إلا من له *** فى كل حى من عداه منسك ) ( ندب غريق لا يرام مرحب *** ضرب جزيل فى الورى محكك ) ( ذو هضبة لا ترتقى وشكيمة *** عزت يدين له الألد الأمحك ) ( لا فائل عند الحفيظة رأيه *** لكن بتجريب الزمان محنك ) ( واركب سنام العزفى طلب العلى *** حتام تسكن والنوى تتحرك ) ( واستفرغ المجهود فى تحصيل ما *** فيه النفوس تكاد حبا تهلك ) ( وإذا نبابك منزل فانبذ به *** ودع المطية تستقل وتبرك ) ( وارغب بنفسك إن ترى فى ساحة *** يشقى بها الحر الكريم المرمك ) ( وارحل عن الأوطان لا مستعظما *** خطرا ولو عز المدى والمسلك ) ( فالحر ينكر ضد ما يعتاده *** ويميط ثوب الذل عنه ويبتك ) ( وإذا تغشاه الهوان ببلدة *** يأبى الأذى أو سيم خسفا يفتك )(1/48)
( ومتى تنكرت المعارف خلته *** يثنى العنان عن الديار ويعنك ) ومنها ( بهرا لنفس لا تكون عزيزة *** ولها الى طرق لمعالىمسلك ) ( ولواجد سبل الكرام ولم يزل *** يغضى الجفون عن القذى ويفنك ) ( تبت يد الأيام تلقى للفتى *** سلما وتسلبه غدا ما يملك ) ( تبكى اللبيب على تقاعس حظه *** حينا وتطعمه الرجا فيضحك ) وهى قصيدة فريدة طويلة وفي هذا المقدار دلالة على البقية وله رد على السيوطى فى مصنفه الذي سماه الكاوى لدماغ السخاوى فاجاب عنه صاحب الترجمة بمؤلف سماه الهاوى على الكاوى وألف لسلطان الروم بايزيد عثمان كتابا سماه الدر المنظوم ومدحه وغيره من أمرائه فرتب له خمسين دينارا فى كل سنة فتجمل بها ومدح صاحب مكة السيد بركات بن محمد الحسنى واقتصر على مدحه فأتى به وقرر له مبلغا لبلاغته وحسن نظمه قال الشيخ جار الله بن فهد وصار متنبى زمانه والمشار اليه في نظمه مع سكون وقلة حركة وبقى في مكة حتى مات فى ضحى يوم الثلاثاء من ذى الحجة سنة 926 ست وعشرين وتسعمائة(1/49)
( 34 ) أحمد بن رجب بن طنبغا المجد بن الشهاب القاهرى الشافعى ويعرف بابن المجدى نسبة لجده ولد فى العشر الأولى من ذى القعدة سنة 767 سبع وستين وسبعمائه بالقاهرة ونشأ بها فحفظ القرآن وبعض المنهاج ثم جميع الحاوى وألفية النحو وغير ذلك وتفقه بالبلقينى وابن الملقن والكمال الدميرى والشرف موسى بن البابا وبه انتفع فى الحاوى لمزيد تقدمه فيه والشمس العراقى وعنه أخذ الفرائض وغيرها وكذا أخذ الفرائض والحساب عن التقى بن عز الدين الجنبلى والعربية عن الشمس العجيمى وجد في الطلب واجتهد وتقدم فى الفنون مع ذكاء مفرط وأشير اليه بالتقدم وصار رأسا فى أنواع الحساب والهندسة والهيئة والفرائض وعلم الوقت بلا منازع ولا مدافع وانتفع به الأعيان ولازموه في فنونه وصنف التصانيف المفيدة منها ابراز لطائف الغوامض في احراز صناعة الفرائض وشرح الجعبريه والرسالة الكبرى وهى ستون بابا لشيخه الماروانى وشرح ايضا تلخيص ابن البناء فى الحساب وهو عظيم الفائدة وله ارشاد الحائر في العمل بربع الدوائر والقول المفيد في جامع الأصول والمواليد والمنهل العذب الزلال في معرفة حساب الهلال والفصول فى العمل بالمقنطرات والرسالة فى العمل بالجيب والضوء اللائح فى وضع الخطوط على الصفائح ورسالة فى الربع المسير وأخرى فى الربع الهلالى وكراسة فى معرفة الأوساط وأخرى في استخراج التواريخ بعضها من بعض وغير ذلك من التصانيف المفيدة كل ذلك مع التواضع والامانة والسكون والسمت الحسن وإيراد النكتة والنادرة والطرف والانجماع عن الناس بمنزله المجاور للأزهر والاستغناء عنهم باقطاع بيده وكان يبر الطلبة والفقراء ودرس فى المدرسة الجانبكية ومما حكى عنه أنه صعد القلعة للاجتماع بالملك الأشرف فى قضية ضاق بها صدرة فما تيسر ورجع وقد تزايد كربه فاتفق أنه دخل مدرسة قريبة من القلعة فتوضأ وصلى(1/50)
ركعتين ورفع رأسه فوجد بجانب محرابها مكتوبا ( دعها سماوية تجرى على قدر *** لا تعترضها بأمر منك تنفسد ) فاستبشر بذلك وآلى إن قضى أمره أن ينظمه في أبيات فلم يشعر إلا وقد جاء قاصد السلطان يطلبه وحصل الغرض فقال ( فقلت للقلب لما ضاق مضطربا *** وخاننى الصبر والتفريط والجلد ) ( دعها سماوية تجرى على قدر *** لا تعترضها بأمر منك تنفسد ) ( فخفنى بخفى اللطف خالقنا *** نعم الوكيل ونعم العون والمدد ) وما زال مستمرا على حاله الجميل حتى مات ليلة السبت حادى عشر ذى القعدة سنة 850 خمسين وثمان مائة ولم يخلف بعده فى فنونه مثله(1/51)
( 35 ) أحمد بن سعد الدين بن الحسين بن محمد بن على بن غانم بن يوسف ابن الهادى بن على بن عبد العزيز بن عبد الواحد بن عبد الحميد الأصغر ابن عبد الحميد الأكبر المسورى الزيدى القاضى الفاضل المترسل البليغ المنشىء العارف شارك فى الفنون وتميز في كثير منها وحرر رسائل وفتاوى واتصل فى أول عمره بالامام القاسم بن محمد عليه السلام وأخذ عنه وكتب لديه وكان يؤثره ثم اتصل بعد ذلك بولده الامام المؤيد بالله فارتفعت درجته لديه وصار أكثر الأمور منوطا به ولم يكن لغيره معه كلام ثم اتصل بعد موت المؤيد بالله بأخيه الامام المتوكل على الله وشارك فى أمور ونقص حظه قليلا بسبب أنه بادر الى مبايعة أحمد بن الامام القاسم عند موت المؤيد ثم لم تتم تلك البيعة وتم الأمر للمتوكل على الله ومازال على جلالته وفخامته حتى مات يوم الثلاثاء سادس عشر شهر محرم سنة 1079 تسع وسبعين وألف وقبر بجوار قبر الأمام القاسم بن محمد وولده المؤيد وقد ترجمه تلميذه القاضى احمد بن صالح بن أبى الرجال فى مطلع البدور ترجمة نفيسة واطال الثناء عليه ووصفه بأوصاف فخيمة وله شهرة كبيرة بالديار اليمنية الىالان ولعل ذلك بسبب متاخمتة للأئمة وارتفاع حظه فى تلك الدولة ومشيه فى جميع مباشرته على طريقة العلماء(1/51)
( 36 ) أحمد بن صالح بن أبى الرجال وصالح هو ابن محمد بن على بن محمد بن سليمان بن محمد ابن أحمد بن عبد الله بن أحمد بن سليمان بن أحمد بن محمد بن أحمد بن محمد بن أحمد بن على بن الحسن المعروف بأبى الرجال بن سرح بن يحيى بن عبد الرحمن ابن عبد الله بن أبى حفص عمر بن الخطاب الخليفة الصحابى ولد فى ليلة الجمعة من شهر شعبان سنة 1029 تسع وعشرين وألف فى جهات الاهنوم وأخذ عن جماعة من أعيان العلماء منهم الامام المؤيد بالله محمد بن القاسم بن محمد والسيد ابراهيم بن محمد بن أحمد بن عز الدين المؤيدى والسيد عز الدين بن دريب والسيد الرئيس محمد بن الحسن بن الامام القاسم والقاضى أحمد بن سعد الدين المذكور قبله والقاضى ابراهيم بن يحيى السحولى وجماعة غير هؤلاء وأجاز له جماعة وآخرون وبرع في كثير من المعارف وهو صاحب مطلع البدور ومجمع البحور ترجم فيه لأعيان الزيدية فجاء كتابا حافلا ولولا كمال عنايته واتساع اطلاعه لما تيسر له جمع ذلك الكتاب لأن الزيدية مع كثرة فضلائهم(1/52)
ووجود أعيان منهم في كل مكرمة على تعاقب الأعصار لهم عناية كاملة ورغبة وافرة فى دفن محاسن أكابرهم وطمس آثار مفاخرهم فلا يرفعون الى ما يصدر عن أعيانهم من نظم أو نثر أو تصنيف رأسا وهذا مع توفر رغباتهم الى الاطلاع على ما يصدر من غيرهم والاشتغال الكامل بمعرفة أحوال سائر الطوائف والاكباب على كتبهم التاريخية وغيرها وإنى لأكثر التعجب من اختصاص المذكورين بهذه الخصلة التى كانت سببا لدفن سابقهم ولاحقهم وغمط رفيع قدر عالمهم وفاضلهم وشاعرهم وسائر أكابرهم ولهذا أهملهم المصنفون فى التاريخ على العموم كمن يترجم لأهل قرن من القرون أو عصر من العصور وإن ذكروا النادر منهم ترجموه ترجمة مغسولة عن الفائدة عاطلة عن بعض ما يستحقه ليس فيها ذكر مولد ولا وفاة ولا شيوخ ولا مسموعات ولا مقروءات ولا أشعار ولا أخبار لأن الذين ينقلون أحوال الشخص إلى غيره هم معارفه وأهل بلده فاذا أهملوه أهمله غيرهم وجهلوا أمره ومن هذه الحيثية تجدنى فى هذا الكتاب إذا ترجمت أحدا منهم لم أدر ما أقول لأن أهل عصره أهملوه فلم يبق لدى من بعدهم إلا مجرد أنه فلان بن فلان لا يدرى متى ولد ولا في أي وقت مات وما صنع في حياته فمن عرف ما ذكرناه علم أن المترجم له رحمه الله قد أجاد فى ذلك الكتاب في كثير من التراجم وكان صاحب الترجمة من العلماء المشاركين فى فنون عدة وله أبحاث ورسائل وقفت عليها وهى نفيسة ممتعة ونظمه ونثره فى رتبة متوسطة وتوفى ليلة الثلاثاء لعله خامس ربيع الأول سنة 1092 اثنتين وتسعين وألف ورثاه جماعة من الفضلاء بمراث وقد ذكر فى تاريخه شيئا كثيرا من شعره مفرقا فى تراجم شيوخه وغيرهم(1/53)
( 37 ) القاضى أحمد بن صالح بن محمد بن أحمد بن صالح المذكور قبله المعروف بابن أبى الرجال الصنعانى ولد يوم السبت خامس شهر محرم سنة 1140 أربعين ومائة وألف ونشأ بصنعاء فقرأ على جماعة من أعيانها منهم القاضى العلامة أحمد ابن زيد الهبل والسيد العلامة محمد بن اسماعيل الأمير والسيد العلامة محسن بن اسماعيل الشامى والسيد عبد الله بن أحمد بن اسحاق ابن المهدى والسيد العلامة اسماعيل بن محمد بن اسحاق بن المهدى والسيد يوسف العجمى والسيد العلامة محمد بن زيد بن محمد بن الحسن بن الامام القاسم وبرع فى جميع المعارف وهو شيخ مشايخنا وله يد طولى فى النحو والصرف والمعانى والبيان والاصول والتفسير ومشاركة فيما عدا ذلك وقد عكف عليه جماعة من الأعيان وأخذوا عنه فى فنون متعددة وتخرجوا به وصاروا أعيان عصرهم فمنهم شيخنا العلامة الحسن بن اسماعيل المغربى رحمه الله ومنهم شيخنا العلامة القاسم بن يحيى الخولانى ومنهم سيخنا العلامة عبد الله بن الحسن بن على الأبيض ومنهم شيخنا العلامة على ابن هادى عرهب والسيد العلامة اسماعيل المفتى وسيأتى ذكرهم انشاء الله تعالى وقد اتصل المترجم له بالامام المهدى العباس بن الحسين رحمه الله ليقرىء أولاده فيما يحتاجون اليه من العلم ثم ارتفعت درجته عند الامام وكان يجالسه ويحادثه ويأخذ عنه من فوائده وأركبه الخيل واختصه ورفع منزلته حتى كان تارة بمنزلة الوزير وأخرى بمنزلة المشير ومع ذلك فلم ينقطع عن نشر العلم بحسب الطاقة ولم يزل على حاله الجميل حتى مات سنة 1191 احدى وتسعين ومائة وألف وله حواش على شرح الغاية والكشاف وحواشيه مفيدة جدا فى غاية من الدقة والتحقيق نقلها عنه شيخنا المغربى المتقدم فى كتبه(1/54)
( 38 ) السيد أحمد بن صلاح بن يحيى الخطيب الكوكبانى ثم الصنعانى أخذ العلم عن السيد العلامة اسحق بن ابراهيم بن المهدى وبه تخرج وعليه عول وبرع في المعارف وجمع رسائل منها رسالة فى كون الفرجين من أعضاء الوضوء سماها الرياض الندية وقد أجبت عليه برسالة سميتها الصوارم الهندية المسلولة على الرياض الندية ومنها رسالة أجاب بها على رسالة السيد العلامة محمد بن اسماعيل الامير جمعها في مسائل ثمان ومنها رسالة في تحريم المتعة وحصل معه خفة في الدماغ فكان يتردد ما بين صنعاء وشبام ثم تراجع عقله وتصوف ومال اليه جماعة من الناس واخبروا عنه بمكاشفات وأحوال وابتلى آخر المدة بذهاب بصره ولعل موته على رأس القرن الثانى عشر أو قبله بقليل(1/55)
( 39 ) أحمد بن عامر الحدائى ثم الصنعانى أخذ علم الفقه والفرائض بصنعاء عن جماعة من علمائها وتصدر للتدريس في الفنين بجامع صنعاء واستفاد عليه جماعة من الأعيان وكان فى لسانه ثقل لا يكاد يعرف عبارته ويفهمها الا من مارس ذلك وكان زاهدا متقللا من الدنيا مواظبا على الطاعات آمرا بالمعروف ناهيا عن المنكر يغضب إذا بلغه ما يخالف الشرع وفيه سلامة صدر زائدة قرأت عليه فى الأزهار وشرحه مرتين وفى الفرائض وشرحها للناظرى مرات وكان مواظبا على التدريس لا يمنعه منه مانع فانه يقع المطر العظيم الذي يمنع من خروج من هو فى سن الشباب فلا يكون ذلك عذرا لدى صاحب الترجمة لرغبته في الخير وحرصه على افادة الطلبة ولقد استمر انصباب المطر فى بعض السنين من قبل الفجر الى قريب وقت الظهر وكان معنا درس عليه وقت الشروق فما تركت الذهاب الى الجامع لعلمى بان مثل ذلك لا يمنعه مع علو سنه فانتظرت له في المكان المعد للدرس فلم يات هو ولا أحد من الطلبة وهم كثيرون فجاء اليوم الثانى وقال لى هل أتيت الى هنا قلت نعم قال لو علمت أنك أتيت ما اختلفت ثم تأسف كثيرا على فوت الدرس وما زال كذلك حتى مات فى شهر رجب أو شعبان سنة 1197 سبع وتسعين ومائة وألف ولعله قد جاوز السبعين ورثيته بأبيات غابت عنى وذكرت فيها تاريخ موته وهو حط بجنات الخلود أحمد رحمه الله وإياى(1/56)
( 40 ) أحمد بن عبد الحليم بن عبد السلام بن عبد الله بن القاسم بن تيمية الحرانى الدمشقى الحنبلى تقى الدين أبو العباس شيخ الاسلام امام الأئمة المجتهد المطلق ولد سنة 661 احدى وستين وستمائة وتحول به أبوه من حران سنة 667 سبع وستين وستمائة فسمع من ابن عبد الدايم والقاسم الأريلى والمسلم ابن علان وابن أبى نمر والفخر ومن آخرين قال ابن حجر في الدرر وقرأ بنفسه ونسخ سنن أبى داود وحصل الأجزاء ونظر فى الرجال والعلل وتفقه وتمهر وتقدم وصنف ودرس وأفتى وفاق الاقران وصار عجبا فى سرعة الاستحضار وقوة الجنان والتوسع فى المنقول والمقعول والاطلاع على مذاهب السلف والخلف انتهى وأقول أنا لا أعلم بعد ابن حزم مثله وما أظنه سمح الزمان ما بين عصر الرجلين بمن شابههما أو يقاربهما قال الذهبى ما ملخصه كان يقضى منه العجب إذا ذكر مسألة من مسائل الخلاف التى يوردها منه ولا أشد استحضارا للمتون وعزوها منه وكانت السنة نصب عينيه وعلى طرف لسانه بعبارة رشيقة وكان اية من آيات الله فى التفسير والتوسع فيه وأما أصول الديانة ومعرفة أقوال المخالفين فكان لا يشق غباره فيه هذا مع ما كان عليه من الكرم والشجاعة والفراغ عن ملاذ النفس ولعل فتاويه فى الفنون تبلغ ثلاثمائة مجلد بل أكثر وكان قوالا بالحق لا تأخذه بالله لومة لائم ثم قال ومن خالطه وعرفه قد ينسبنى إلى التقصير فيه ومن نابذه وخالفه قد ينسبني إلى التغالي فيه وقد أوذيت من الفريقين من أصحابه وأضداده وكان أبيض أسود الرأس واللحية قليل الشيب شعره إلى شحمة أذنيه كأن عينيه لسانان ناطقان ربعة من الرجال بعيد ما بين المنكبين جهورى الصوت فصيحا سريع القراءة تعتريه حدة لكن يقهرها بالحلم قال ولم أر مثله فى ابتهاله واستعانته بالله وكثرة توجهه وأنا لا أعتقد فيه عصمة بل أنا مخالف له فى مسائل أصلية وفرعية فأنه كان مع سعة علمه وفرط شجاعته وسيلان ذهنه وتعظيمه لحرمات الدين بشرا من البشر تعتريه حدة في البحث وغضب وصدمة للخصوم(1/57)
تزرع له عداوة فى النفوس ولو لا ذلك لكان كلمة اجماع فان كبارهم خاضعون لعلومه معترفون بانه بحر لا ساحل له وكنز ليس له نظير ولكن ينقمون عليه اخلاقا وافعالا وكل أحد يؤخذ من قوله ويترك قال وكان محافظا علىالصلاة والصوم معظما للشرائع ظاهرا وباطنا لا يؤتى من سوء فهم فان له الذكاء المفرط ولا من قلة علم فانه بحر زاخر ولا كان متلاعبا بالدين ولا ينفرد بمسائل بالتشهى ولا يطلق لسانه بما اتفق بل يحتج بالقرآن والحديث والقياس ويبرهن ويناظر أسوة بمن تقدمه من الأئمة فله أجر على خطأه وأجران على اصابته انتهى ومع هذا فقد وقع له مع أهل عصره قلاقل وزلازل وامتحن مرة بعد أخرى فى حياته وجرت فتن عديدة والناس قسمان في شأنه فبعض منهم مقصر به عن المقدار الذي يستحقه بل يرميه بالعظائم وبعض آخر يبالغ فى وصفه ويجاوز به الحد ويتعصب له كما يتعصب أهل القسم الأول عليه وهذه قاعدة مطردة فى كل عالم يتبحر فى المعارف العلمية ويفوق أهل عصره ويدين بالكتاب والسنة فانه لا بد أن يستنكره المقصرون ويقع له معهم محنة بعد محنة ثم يكون أمره الأعلى وقوله الأولى ويصير له بتلك الزلازل لسان صدق فى الآخرين ويكون لعلمه حظ لا يكون لغيره وهكذا حال هذا الامام فانه بعد موته عرف الناس مقداره واتفقت الألسن بالثناء عليه الا من لا يعتد به وطارت مصنفاته واشتهرت مقالاته وأول ما أنكر عليه أهل عصره في شهر ربيع الأول سنة 698 أنكروا عليه شيأ من مقالاته فقام عليه الفقهاء وبحثوا معه ومنع من الكلام ثم طلب ثانى مرة فى سنة 705 إلى مصر(1/58)
فتعصب عليه بعض أركان الدولة وهو بيبرس الجاشنكير وانتصر له ركن آخر وهو الأمير سلار ثم ال أمره أن حبس فى خزانة البنود مدة ثم نقل فى صفر سنة 9 الى الاسكندرية ثم أفرج عنه وأعيد إلى القاهرة ثم أعيد إلى الاسكندرية ثم حضر السلطان الناصر من الكرك فاطلقه ووصل الى دمشق فى آخر سنة 712 وكان السبب في هذه المحنة أن مرسوم السلطان ورد على النائب بامتحانه فى معتقده لما رفع اليه من أمور تنكر فى ذلك فعقد له مجلس في سابع رجب فسئل عن عقيدته فاملى منها ثم أحضروا العقيدة التى تعرف بالواسطية فقرأ منها وبحثوا فى مواضع ثم اجتمعوا فى ثانى عشره وقرروا الصفى الهندى يبحث معه ثم أخروه وقدموا الكمال الزملكانى ثم انفصل الأمر على أنه أشهد على نفسه أنه شافعى المعتقد فاشاع أتباعه أنه انتصر فغضب خصومه ورفعوا واحدا من أتباع ابن تيمية الى الجلال القزوينى نائب الحكم بالعادلية فعزره وكذا فعل الحنفى باثنين منهم وفى ثانى عشر رجب قرأ المزى فصلا من الكتاب أفعال العباد للبخارى فى الجامع فسمع بعض الشافعية فغضب وقال نحن المقصودون بهذا ورفعوه الى القاضى الشافعى فأمر بحبسه فبلغ ابن تيمية فتوجه الى الحبس فأخرجه بيده فبلغ القاضى فطلع الى القلعة فوافاه ابن تيمية فتشاجرا بحضرة النائب فأمر النائب من ينادى أن من تكلم في العقائد فعل به كذا وقصد بذلك تسكين الفتنة ثم عقد له مجلس فى سلخ شهر رجب وجرى فيه من ابن الزملكانى وابن الوكيل مباحثة فقال ابن الزملكانى لابن الوكيل ما جرى على الشافعية قليل حيث تكون أنت رئيسهم(1/59)
فظن القاضى ابن صصرى أنه يعرض به فعزل نفسه ثم وصل بربد من عند السلطان الى دمشق أن يرسلوا بصورة ما جرى فى سنة 698 ثم وصل مملوك النائب وأخبر أن بيبرس والقاضي المالكى قد قاما فى الانكار على ابن تيمية وأن الأمر قد اشتد على الحنابلة حتى صفع بعضهم ثم توجه القاضى ابن صصرى وابن تيمية صحبة البريد الى القاهرة ومعهما جماعة فوصلا فى العشر الأخيرة من رمضان وعقد مجلس فى ثانى عشرينه بعد صلاة الجمعة فادعى على ابن تيمية عند المالكى فقال هذا عدوى ولم يجب عن الدعوى فكرر عليه فأصر فحكم المالكى بحبسه فأقيم من المجلس وحبس في برج ثم بلغ المالكى أن الناس يترددون اليه فقال يجب التضييق عليه ان لم يقتل والا فقد ثبت كفره فنقلوه ليلة عيد الفطر الى الجب ولقد أحسن المترجم له رحمه الله بالتصميم على عدم الاجابة عند ذلك القاضى الجرىء الجاهل الغبى ولو وقعت منه الاجابة لم يبعد الحكم باراقة دم هذا الامام الذي سمح الزمان به وهو بمثله بخيل ولا سيما هذا القاضي من المالكية الذي يقال له ابن مخلوف فإنه من شياطينهم المتجرئين على سفك دماء المسلمين بمجرد أكاذيب وكلمات ليس المراد بها ما يحملونها عليه وناهيك بقوله أن هذا الامام قد استحق القتل وثبت لديه كفره ولا يساوى شعرة من شعراته بل لا يصلح لأن يكون شسعا لنعله وما زال هذا القاضى الشيطان يتطلب الفرص التى يتوصل بها الى إراقة دم هذا الامام فحجبه الله عنه وحال بينه وبينه والحمد لله رب العالمين ثم بعد هذا نودى بدمشق أن من اعتقد عقيدة ابن تيمية حل دمه وماله خصوصا الحنابلة فنودى بذلك وقرىء المرسوم قرأه ابن الشهاب محمود فى(1/60)
الجامع ثم جمعوا الحنابلة من الصالحية وغيرها وأشهدوا على أنفسهم أنهم على معتقد الامام الشافعى وكان من أعظم القائمين على المترجم له الشيخ نصر المنبجى لأنه كان بلغ ابن تيمية أنه يتعصب لابن العربى فكتب اليه كتابا يعاتبه على ذلك فما أعجبه لكونه بالغ فى الحط على ابن العربى وكفره فصار هو يحط على ابن تيمية ويغرى بيبرس الذي يفرط فى محبة نصر وتعظيمه وقام القاضى المالكى المتقدم ذكره مع الشيخ نصر وبالغ فى أذية الحنابلة واتفق أن قاضى الحنابلة كان قليل البضاعة فى العلم فبادر الى اجابتهم فى المعتقد واستكتبوا خطه بذلك واتفق أن قاضى الحنفية بدمشق وهو شمس الدين ابن الجزرى انتصر لاين تيمية وكتب فى حقه محضرا بالثناء عليه بالعلم والفهم وكتب فيه بخطه ثلاثة عشر سطرا من جملتها أنه منذ ثلثمائة سنة ما رأى الناس مثله فبلغ ذلك ابن مخلوف فسعى فى عزل ابن الجزرى فعزل وقرر عوضه شمس الدين الأذرعى ثم لم يلبث الأذرعى أن عزل فى السنةالمقبلة وتعصب سلار لابن تيميه وأحضر القضاة الثلاثة الشافعى والمالكى والحنفى وتكلم معهم في اخراجه فاتفقوا على أنهم يشترطون فيه شروطا وأن يرجع عن بعض العقيدة فارسلوا إليه مرات فامتنع من الحضور اليهم واستمر على ذلك ولم يزل ابن تيمية فى الجب الى أن تشفع فيه مهنا أمير آل فضل فأخرج فى ربيع الأول فى الثالث والعشرين منه وأحضر إلى القلعة ووقع البحث مع بعض الفقهاء فكتب عليه محضر بانه قال أنا أشعرى ثم اجتمع جماعة من الصوفية عند تاج الدين بن عطاء فطلعوا فى العشر الاوسط من شوال إلى القلعة وشكوا من ابن تيمية أنه يتكلم في حق مشايخ الطريقة وأنه قال لا يستغاث(1/61)
بالنبى صلى الله عليه وآله وسلم فاقتصى الحال أن أمر بتسييره الى الشام فتوجه على خيل البريد وكل ذلك والقاضى زين الدين ابن مخلوف مشتغل بالمرض وقد أشرف على الموت فبلغه سير ابن تيمية فراسل النائب فرده من نابلس وادعى عليه عند ابن جماعة وشهد عليه شرف الدين ابن الصابونى وقيل ان علاء الدين القونوى شهد عليه أيضا فاعتقل بسجن حارة الديلمة فى ثامن عشر شوال الى سلخ شهر صفر سنة 709 فنقل عنه أن جماعة يترددون اليه وأنه يتكلم عليهم فى نحو ما تقدم فأمر بنقله إلى الاسكندرية فنقل اليها فى سلخ صفر وكان سفره صحبة أمير مقدم ولم يمكن أحدا من جهته من السفر معه وحبس ببرج شرقى ثم توجه اليه بعض أصحابه فلم يمنعوا منه فتوجهت طائفة منهم بعد طائفة وكان موضعه فسيحا فصار الناس يدخلون اليه ويقرأون عليه ويبحثون معه فلم يزل إلى أن عاد الناصر الى السلطنة فشفع فيه عنده فأمر باحضاره فاجتمع به فى ثامن عشر شوال سنة 709 فأكرمه وجمع القضاة فأصلح بينه وبين القاضى المالكى فاشترط المالكى أن لا يعود فقال له السلطان قد تاب وسكن القاهرة وتردد الناس اليه إلى أن توجه صحبة الناصر إلى الشام بنية الغزو سنة 712 فوصل إلى دمشق وكانت غيبته منها أكثر من سبع سنين وتلقاه جمع كثير فرحا بمقدمه وكانت والدته إذ ذاك حية ثم قاموا عليه فى شهر رمضان سنة 719 بسبب قوله ان الطلاق الثلاث من دون تخلل رجعة بمنزلة طلقة واحدة ثم عقد له مجلس آخر فى رجب سنة 720 ثم حبس بالقلعة ثم أخرج فى عاشوراء سنة 721 ثم قاموا عليه مرة أخرى(1/62)
فى شعبان سنة 722 بسبب مسألة الزيارة واعتقل بالقلعة فلم يزل بها إلى أن مات فى ليلة الاثنين لعشرين من شهر القعدة سنة 738 بجامع دمشق وصار يضرب المثل بكثرة من حضر جنازته وأقل ما قيل فى عددهم أنهم خمسون ألفا قال ابن فضل الله لما قدم ابن تيمية على البريد الى القاهرة في سنة 700 حض أهل المملكة على الجهاد وأغلظ القول للسلطان والأمراء ورتبوا له كل يوم دينارا وطعاما فلم يقبل ذلك ثم قال حضر عنده شيخنا أبو حيان فقال ما رأت عيناى مثل هذا الرجل ومدحه بأبيات ذكر أنه نظمها بديهة منها ( لما أتانا تقى الدين لاح لنا *** داع الى الله فرد ماله وزر ) ( على محياه سيماء الأولى صحبوا *** خير البرية نور دونه القمر ) قال ثم دار بينهما كلام فجرى ذكر سيبويه فأغلظ ابن تيمية القول فى سيبويه فنافره أبو حيان وقطعه وصير ذلك ذنبا لا يغفر وسئل عن السبب فقال ناظرته فى شىء من العربية فذكرت له كلام سيبويه فقال ما كان سيبويه نبى النحو ولا كان معصوما بل أخطأ في الكتاب فى ثمانين موضعا ما تفهمها أنت فكان ذلك سبب مقاطعته إياه وذكره فى تفسيره البحر بكل سوء وكذلك فى مختصره النهر وقد ترجم له جماعة وبالغوا فى الثناء عليه ورثاه كثير من الشعراء وقال جمال الدين السرمدى في أماليه ومن عجائب زماننا فى الحفظ ابن تيميه كان يمر بالكتاب مرة مطالعة فينقش فى ذهنه وينقله فى مصنفاته بلفظه ومعناه وحكى بعضهم عنه أنه قال من سألنى مستفيدا حققت له ومن سألنى متعنتا ناقصته فلا يلبث ان ينقطع فأكفى مؤنته(1/63)
وقد ترجم له الصفدى وسرد أسماء تصانيفه فى ثلاثة أوراق كبار ومن أنفعها كتابه في ابطال الحيل فانه نفيس جدا وكتاب المنهاج فى الرد على الروافض في غاية الحسن لولا أنه بالغ في الدفع حتى وقعت له عبارات والفاظ فيها بعض التحامل وقد نسبه بعضهم الى طلب الملك لأنه كان يلهج بذكر ابن تومرت ونظرائه فكان ذلك مولدا لطول سجنه وله وقائع مشهورة وكان إذا حوقق وألزم يقول لم أرد هذا وإنما أردت كذا فيذكر احتمالا بعيدا ولعل ذلك والله أعلم أنه يصرح بالحق فتأباه الأذهان وتنبوا عنه الطبائع لقصور الأفهام فيحوله إلى احتمال آخر دفعا للفتنة وهكذا ينبغى للعالم الكامل أن يفعل يقول الحق كما يجب عليه ثم يدفع المفسدة بما يمكنه وحكى عنه أنه لما وصل إليه السؤال الذي وضعه السكاكينى على لسان يهودى وهو ( أيا علماء الدين ذمى دينكم *** تحير دلوه باعظم حجة ) ( إذا ما قضى ربى بكفرى بزعمكم *** ولم يرضه منى فما وجه حيلتى ) الى آخرها فوقف ابن تيمية على هذه الأبيات فثنى إحدى رجليه على الأخرى وأجاب فى مجلسه قبل ان يقوم بمائة وتسعة عشر بيتا أولها ( سؤالك ياهذا سؤال معاند *** مخاصم رب العرش رب البرية ) وقال ابن سيد الناس اليعمرى فى ترجمة ابن تيمية انه برز فى كل فن على أبناء جنسه ولم تر عين من رآه مثله ولا رأت عينه مثل نفسه وقال الذهبي مترجما له في بعض الاجازات قرأ القرآن والفقه وناظر واستدل وهو دون البلوغ وبلغ فى العلوم والتفسير وأفتى ودرس وهو دون العشرين وصنف التصانيف وصار من أكابر العلماء فى حياة مشايخه(1/64)
وتصانيفه نحو أربعة الآف كراسة وأكثر وقال وأما نقله للفقه ومذاهب الصحابة والتابعين فضلا عن المذاهب الأربعة فليس له فيه نظير وقال أنه لا يذكر مسألة إلا ويذكر فيها مذاهب الأئمة وقد خالف الأئمة الأربعة فى عدة مسائل صنف فيها واحتج لها بالكتاب والسنة وقد أثنى عليه جماعة من أكابر علماء عصره فمن بعدهم ووصفوه بالتفرد وأطلقوا فى نعته عبارات ضخمة وهو حقيق بذاك والظاهر انه لو سلم مما عرض له من المحن المستغرقة لأكثر أيامه المكدرة لذهنه المشوشة لفهمه لكان له من المؤلفات والاجتهادات ما لم يكن لغيره قال الصفدى وكان كثيرا ما ينشد ( تموت النفوس بأوصابها *** ولم يدر عوادها ما بها ) ( وما أنصفت مهجة تشتكى *** أذاها إلى غير أربابها ) ومما أنشد له على لسان الفقراء ) ( والله ما فقرنا اختيار *** وإنما فقرنا اضطرار ) ( جماعة كلنا كسالى *** وأكلنا ماله عيار ) ( تسمع منا إذا اجتمعنا *** حقيقة كلها فشار )(1/65)
( 41 ) أحمد بن عبد الرحيم بن الحسين بن عبد الرحمن بن ابراهيم ابن أبى بكر بن ابراهيم الولى بن الزين العراقى الآتى أبوه انشاء الله تعالى ولد فى سحر يوم الاثنين ثالث ذى الحجة سنة 792 اثنتين وتسعين وسبعمائة بالقاهرة وأحضره والده على جماعة من الشيوخ ورحل به الى دمشق فأحضره بها على أعيان علمائها ثم لما عاد من الرحلة الى مصر اجتهد في استيفاء شيوخ الديار المصرية وأخذ عمن دبّ ودرج وكتب الطباق وضبط الأسماء وتدرب بوالده فى الحديث وفنونه وكذا فى غيره من فقه وأصول وعربيه ومعان وبيان وبرع فى جميع ذلك وشارك فى غيرها من الفضائل وأذن له غير واحد من شيوخه بالافتاء والتدريس واستمر يترقى لمزيد ذكائه حتى ساد وأبدا وأعاد وظهرت نجابته ونباهته واشتهر فضله وبهر عقله مع حسن خلقه وخلقه وشرف نفسه وتواضعه وانجماعه وصيانته وديانته وأمانته وعفته وضيق حاله وكثره عياله ودرس وهو شاب في حياة أبيه وقال أبوه في دروسه ( دروس أحمد خير من دروس أبه *** وذاك عند أبيه منتهى أربه ) ولما توجه والده لقضاء المدينة وخطابتها قام بجميع وظائفه إلا مشيخة دار الحديث فانه انتزعها منه شيخه ابن الملقن فتحرك لمعارضته ثم سكنه بعض مشايخه فسكن ثم أضيفت اليه جهات أبيه بعد موته فزادت رئاسته وانتشرت فى العلوم وجاهته وأضيف اليه فى بعض الأوقات قضاء منوف وناب فى القضاء عن العماد الكركى نحو عشرين سنة ثم ترفع عن ذلك وفرغ نفسه للافتاء والتدريس والتصنيف الى أن خطبه الطاهر ططر بغير سؤال الى قضاء الديار المصرية في منتصف شوال سنة 824 مع وجود السعاة فيه بالبذل وذلك عقب موت الجلال البلقينى بأربعة أيام فسار فيه أحسن سيرة بعفة ونزاهة وحرمة وصرامة وشهامة ومعرفة وكان يحض أصحابه على الاهتمام باجابة من يلتمس منهم الشفاعة عنده عملا بالسنة وقام عليه جماعته حتى ألزموه بتفضيل الرفيع من الثياب وقرروا له أن فى ذلك قوة فى الشرع وتعظيما(1/66)
للقائم به والا فلم يكن عزمه التحول عن جنس لباسه من قبل واستمر حتى صرف لتصميمه على الحق وعدم مداراته لأهل الدولة في أمور لا يحتملونها حتى شق ذلك عليهم فتمالئوا عليه وكانت مدة ولايته سنة دون شهرين فتمالئت وتكدرت الخواطر الصافية لعزله وتنغصت معيشته ولكنه لزم طريقته في الاكباب على نشرالعلم وتصنيفه إلى أن مات قبل استكمال سنة من صرفه مبطونا شهيدا آخر يوم الخميس سابع عشر من شعبان سنة 826 ست وعشرين وثمان مائة ثم دفن الى جنب والده بتربته قال ابن حجر ولما صرف من القضاء حصل له سوء مزاج من كونه صرف ببعض تلامذته بل ببعض من لا يفهم عنه كما ينبغى فكان يقول لو عزلت بغير فلان ما صعب على وله مؤلفات منها البيان والتوضيح لمن أخرج له فى الصحيح وقد مس بضرب من التجريح والمستجاد فى مهمات المتن والاسناد وتحفة التحصيل فى ذكر رواة المراسيل وأخبار المدلسين والذيل على الكاشف للذهبى وأضاف اليه رجال مسند أحمد والاطراف بأوهام الاطراف للمزى وشرح السنن لأبى داود كتب قطعة منه وعمل التعقيبات على الرافعى كتب منه نحو ستة مجلدات وشرح جمع الجوامع شرحا مختصرا واختصر الكشاف مع تخريج أحاديثه وتتمات ونحوها وله تذكرة مفيدة في عدة مجلدات وأقرأ مصنفاته في حياته وكان يسر بذكره وله نظم ونثر كثير(1/67)
( 42 ) أحمد بن عبد الله بن بدر بن مفرح بن بدر بن عثمان بن كامل بن ثعلب الشهاب العامرى الغزى ثم الدمشقى الشافعى ولد فى ربيع الأول سنة 770 سبعين وسبعمائة بغزة ونشأ بها فحفظ القرآن والتنبيه ثم فى كبره الحاوى وأخذ عن قاضيها العلاء على ابن خلف وسمع عليه الصحيح ثم تحول الى دمشق بعد الثمانين وهو فاضل فقطنها وأخذ بها عن جماعة من أهلها ورحل إلى القدس فأخذ عن التقى القلقشندى وبرع فى الفقه وأصوله وشارك فى غيرهما مع مذاكرة حسنة فى الحديث ومتعلقاته وناب فى الحكم عن الشمس الاحنائى وعين مرة للقضاء استقلالا فلم يتم وولى افتاء دار العدل والتدريس بعدة أماكن وتصدر للاقراء والافتاء واشتهر برئاسة الفتوى بدمشق فلم يبق فى أواخر عمره من يقاربه وله تصانيف منها شرح الحاوى الصغير في أربع مجلدات وشرح جمع الجوامع وشرح مختصر المهمات للأسنوى فى خمسة أسفار وحج من دمشق غير مرة وجاور بمكة ثلاث سنين متفرقة وكانت وفاته بها مبطونا فى ظهر يوم الخميس سادس شوال سنة 822 اثنتين وعشرين وثمان مائة وصلى عليه عند باب الكعبة ودفن فى المعلاة قال ابن حجر فى أنبائه وبلغنى أن صديقه النجم المرجانى رآه فى النوم فقال له ما فعل الله بك فتلى عليه " ياليت قومى يعلمون " الآية(1/68)
( 43 ) السيد أحمد بن عبد الرحمن بن الحسين بن عز الدين بن الحسن الشامى
ولد تاسع شهر ذى الحجة سنة 1095 خمس وتسعين وألف وكان من أكابر علماء صنعاء قرأ فى فنون العلم على مشايخها فبرع فى الآلات والفقه والحديث ثم إن المتوكل قاسم بن حسين أرسل له ورغبة فى أن يجعل بنظره من وصل من القاصدين من تهامه فأسعد وكان يرسل اليه بما يحتاجون اليه من نقد وكسوة ثم بعد ذلك ولاه القضاء الاكبر بحضرته فى صنعاء فاستمر فى ذلك الى أن توفى المتوكل ثم استمر على ذلك فى أيام ولده المنصور حتى مات ثم استمر في ذلك في أيام الامام المهدي وقد ارتفعت درجته فىأيام المنصور ارتفاعا زائدا حتى كان مقبول القول في الجليل والدقيق وصار أمر القضاء فى جميع جهات اليمن منوطا به وكان يصدع بالحق مع حسن صناعته في الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر وله شهرة كبيرة وصولة عظيمة في مملكة اليمن وكان يضرب بعقله ورصانته المثل وإلى الآن كذلك وله شغف بالعلم والتدريس وله تلامذة منهم القاضى العلامة أحمد بن محمد قاطن الآتى ذكره إنشاء الله ومن حسن أخلاقه وقوة اصطباره واحتماله أنه سمه رجل ظن أنه غير عليه بعض أمور دنياه فاستمر الاسهال معه مقدار سنة ولم يحدث بذلك أحدا وكافأ الذي سمه بايصاله إلى مطلبه والقيام فى قضاء غرضه فلله در هذه الأخلاق الشريفة وتوفى رحمه الله يوم الأحد السادس والعشرين من شهر جمادى الآخرة سنة 1172 اثنتين وسبعين ومائة ألف(1/69)
( 44 ) أحمد بن عبد الله الضمدى
ولد فى سنة 1170 سبعين ومائة وألف تقريبا وقرأ ببلده على من بها من أهل العلم ثم ارتحل إلى صنعاء فأخذ عن جماعة من أكابر علمائها كشيخنا السيد الامام عبد القادر بن أحمد والقاضى العلامة أحمد بن محمد قاطن وشيخنا العلامة قاسم بن يحيى الخولانى وغيرهم وعاد إلى وطنه وقد برع فى الفقه والحديث والعربية ثم بعد وصوله الى بلده عكف عليه الطلبة من أهلها ورغبوا فيه وأخذوا عنه فنونا من العلم وعظم شأنه هنالك وصار المرجع إليه فى التدريس والافتاء في ضمد وغيرها كصبيا وأبى عريش ثم ارتحل الى صنعاء رحلة أخرى فقرأ على فى شرح الغاية وسألنى بمسائل عديدة أجبت عليها بجواب سميته العقد المنضد فى جيد مسائل علامة ضمد ثم عاد إلى بلاده وهو الآن مستمر على حاله الجميل في نشر العلم والفتوى والزهد والاشتغال بخاصة النفس ثم مات رحمه الله في سنة 1222 إثنتين وعشرين ومائتين وألف تقريبا(1/70)
( 45 ) مولانا الامام المتوكل على الله أحمد بن الامام المنصور بالله على بن الامام المهدى العباس ابن الامام المنصور بن الحسين بن الامام المتوكل القاسم بن حسين ابن أحمد بن حسن بن القاسم وسيأتى تمام نسبه فى ترجمة جده الحسن بن القاسم مولده حفظه الله حسبما أخبرنى به فى أول شهر محرم سنة 1170 سبعين ومائة والف وهو أكبر أولاد أبيه ولما صارت الخلافة إلى
أبيه جعل اليه بعد مضى نحو نصف سنة إمارة الأجناد وولاية صنعاء وما اليها فباشر ذلك بحرمة وافرة ومهابة ونجابة وحسن سياسة وبعثه والده لحرب من يناوئه غير مرة فظفر وانتصر وهو ميمون النقيبه ما باشر حربا من الحروب إلا وكان الغلب له وله في ذلك مواقف لا يتسع المقام لبسطها منها حرب حده بينه وبين بكيل لما خرج بهم سيدى على بن أحمد بن محمد بن اسحق بن المهدى ومنها خروجه بجنده إلى بنى الحارث لما افسدوا فاستولى على جميعهم ومنها حرب الروضة لما خرج أهلها عن الطاعة بسبب تغرير جماعة من السادة الكباسية وال ابى طالب عليهم وعاضدهم على ذلك سيدى أحمد بن عبد الله بن المهدى فاستولى عليهم مولانا المتوكل على الله فى أيام والده رحمه الله وما زال فى خلافة والده جميعها يسوس أمر الناس وينوب عن أبيه في كثير من الأمور ويفاوضه الوزراء فى غالب ما تدعو اليه الحاجة حتى ولى الوزارة الفقيه حسن بن حسن عثمان بعد والده فلم يسلك مسلك الوزراء بل مازال يواحش بين الامام المنصور بالله رحمه الله وولده وتزايد الأمر مع سوء تدبير الوزير المذكور وضعف رأيه حتى كادت الدولة أن تذهب وتقاصر ظلها وهلكت الرعايا وانقطعت الطرق ومات كثير من أهل صنعاء جوعا بسبب حصارها فعند ذلك وقع من مولانا المتوكل على الله ما سيأتى فى ترجمة والده رحمه الله وكانت البيعة له فى الليلة التى مات فيها والده وهي ليلة خامس عشر شهر رمضان سنة 1224 أربع وعشرين ومائتين وألف وكنت أول من بايعه وتوليت قبض البيعة له من أخوته وأعمامه وسائر ال الامام القاسم وأعيان العلماء والرؤساء وكان تحرير هذه الترجمة في اليوم الثانى من بيعته وتولى وزارته الفقيه على ابن اسماعيل فارع وشاركه فى بعض الأعمال القاضى حسن بن على عبد الواسع ثم توفى رحمه الله ليلة الأربعاء لعله سابع عشر شهر شوال سنة 1231 احدى وثلاثين ومائتين وألف وقام بعده ولده عبد الله وتلقب بالمهدى وكنت المتولى لأخذ البيعة له بعد مبايعتى له وستأتى له ترجمة مستقلة ان شاء الله تعالى(1/71)
( 46 ) أحمد بن على بن عبد القادر بن محمد بن ابراهيم بن محمد بن تميم ابن عبد الصمد بن أبى الحسن بن عبد الصمد بن تميم التقى أبو العباس الحسينى العبيدى البعلى الأصل القاهرى ويعرف بابن المقريزى وهى نسبة لحارة في بعلبك تعرف بحارة المقارزة قال السخاوى كان مولده حسبما كان يخبر به ويكتبه بعد الستين يعنى وسبعمائة وقال ابن حجر انه رأى بخطه ما يدل على تعيينه في سنة 66 ست وستين بالقاهرة ونشا بها نشأه حسنة فحفظ القرآن وسمع من جماعة من الشيوخ كالا مدى والبلقينى والعراقى والهيثمى وحج فسمع بمكة من علمائها وسمع فى الشام من جماعة واشتغل كثيرا وطاف على الشيوخ ولقى الكبار وجالس الأئمة وتفقه حنفيا على مذهب جده لأمه ثم تحول شافعيا قال السخاوى ولكن كان مائلا إلى الظاهر وكذا قال ابن حجر انه أحب الحديث فواظب عليه حتى كان يتهم بمذهب ابن حزم انتهى ونظر فى عدة فنون وشارك فى الفضائل وقال النظم والنثر وناب فى الحكم وكتب التوقيع وولى الحسبة بالقاهرة غير مرة والخطابة بجامع عمرو والامامة بجامع الحاكم وقراءة الحديث بالمؤيدة(1/72)
وحمدت سيرته فى مباشراته كلها وكان قد اتصل بالظاهر برقوق ودخل دمشق مع ولده الناصر وعرض عليه قضائها مرارا فأبى وصحب بشيك الدوادار وقتا ونالته منه دنيا وحج غير مرة وجاور وكذا دخل دمشق مرارا وتولى بها تداريس ثم أعرض عن جميع ذلك وأقام ببلده عاكفا على الاشتغال بالتاريخ حتى اشتهر به ذكره وبعد فيه صيته وصارت له فيه جملة تصانيف كالخطط والآثار للقاهرة وهو من أحسن الكتب وأنفعها وفيه عجائب ومواعظ وكان فيه ينشر محاسن العبيدية ويفخم شانهم ويشيد بذكر مناقبهم وكنت قبل أن أعرف انتسابه اليهم أعجب من ذلك كونه على غير مذهبهم فلما وقفت على نسبه علمت أنه استروح الى ذكر مناقب سلفه قال السخاوى أن المترجم له ظفر بمسودة للأوحدى فى خطط القاهرة واثارها فاخذها وزاد فيها زوائد غير طائلة ونسبها لنفسه انتهى والرجل غير مدفوع عن فضل لا سيما في التاريخ وما يتعلق به والله أعلم ومن مؤلفاته درر العقود الفريدة فى تراجم الأعيان المفيدة ذكر فيه من عاصره وامتاع الاسماع بما للرسول من الأنباء والحفدة والمتاع وعقد جواهر الاسفاط فى ملوك مصر والفسطاظ والبيان والاعراب عما فى أرض مصر من الاعراب والالمام فيما بأرض الحبشة من ملوك الاسلام والطرفة الغريبة فى أخبار وادى حضرموت العجيبة ومعرفة ما يجب لأهل البيت النبوى على من عداهم وايقاظ الحنفاء بأخبار الأئمة الفاطميين الخلفاء والسلوك بمعرفة دول الملوك والتاريخ الكبير وهو فى ستة عشر مجلدا وله مؤلفات غير هذه وجد بخطه أن تصانيفه(1/73)
زادت على مائتى مجلد وأن كبار شيوخه بلغت ستمائة نفس وكان متبحرا فى التاريخ على اختلاف أنواعه ومؤلفاته تشهد له بذلك وان جحده السخاوى فذلك دأبه فى غالب أعيان معاصريه وكان حسن الخبرة بالزايرجة والأسطرلاب والرمل والميقات قال ابن حجر في ترجمته له النظم الفائق والنثر الرائق والتصانيف الباهرة خصوصا فى تاريخ القاهرة فانه أحيا معالمها وأوضح مجاهلها وجدد مأثرها وترجم أعيانها قال وكان حسن الصحبة حلو المحاضرة مات فى عصر يوم الخميس سادس عشر رمضان سنة 845 خمس وأربعين وثمان مائة بالقاهرة ومن شعره ( سقى عهد دمياط وحياه من عهد *** فقد زادنى ذكراه وجدا على وجدى ) ( ولا زالت الأنواء يسقى سحابها *** ديارا حكت من حسنها جنة الخلد )(1/74)
( 47 ) أحمد بن على بن عبد الكافي بن يحيى بن تمام بن يوسف بن موسى بن تمام بن حامد بن يحيى بن سليم السبكي أبو حامد بهاء الدين ولد بعد المغرب من ليلة العشرين من جمادى الآخرة سنة 719 تسع عشرة وسبعمائة وأحضر على الحجار فى الخامسة وسمع على الدبوسى والبدر بن جماعة وبدمشق على ابن الجزرى والمزى وغيرهما قال الذهبى فى المعجم المختص الأمام العلامة المدرس له فضائل وعلم جيد وفيه أدب وتقوى وساد وهو ابن عشرين سنة واسرع اليه الشيب فاتقى وهو فى حدود العشرين قال ابن حجر وكانت له اليد الطولى فى علم اللسان العربية والمعانى والبيان وله عروس الأفراح شرح تلخيص المفتاح أبان عن سمعة دائرة فى الفن وله تعليق على الحاوى وعمل قطعة على شرح المنهاج لأبيه وكان أديبا فاضلا متعبدا كثير الصدقة والحج والمجاورة سريع الدمعه قائما مع أصحابه وولى قضاء الشام عوضا عن أخيه فى سنة 762 فاقام سنة ولم يصنع ذلك إلا حفظا للوظيفة على أخيه ثم ولى قضاء العسكر وكان شرع فى شرح مختصر ابن الحاجب فكتب منه قطعة لطيفة فى مجلد ولو أتمه لكان عشر مجلدات أو أكثر وقال والده الشيخ تقى الدين لما درس ولده هذا ( دروس أحمد خير من دروس على *** وذاك عند على غاية الأمل ) وكان من رحالى العالم وكان أبوه قاضى الشام فكثرت جهاته واتسع ماله لأنه ناب عن والده فى جميع جهاته وضم إلى ذلك وظايف عدة وكان إذا مات من له تدريس أو نحوه سعى فيه لنفسه ومات مجاورا بمكة ليلة الخميس السابع عشر من شهر رجب سنة 763 ثلاث وستين وسبعمائة وله أربع وخمسون سنة وبعض اشهر(1/75)
( 48 ) السيد احمد بن على بن محسن بن الإمام المتوكل على الله اسماعيل بن القاسم الصنعانى ولد تقريبا سنة 1150 خمسين ومائة وألف واشتغل بطلب العلم بعد أن قارب الخمسين من عمره ثم قرأ على فى النحو والصرف والمنطق والمعانى والبيان والحديث والتفسير وأدرك ادراكا كاملا لاسيما فى العلوم الآلية وفهمه جيد وفكره صحيح وتصوره حسن وادراكه كامل وأكب على الاشتغال على نحو عشر سنين مع جماعة من الطلبة ثم جرى بينه وبين بعضهم ما يجرى بين أمثالهم من المنافسة فانزعج ومع كثرة تحيله ظن أنى مؤثر لمن نافسه عليه فصار بعد ذلك يروى ماقد حفظه عنى من اجتهاداتى الجارية على نمط الدليل التى يخالف ما عليه غالب من لا تمييز له وكان لديه كتاب لى عارية أحسنت اليه بعاريته فرأى فيه بخطي فى مسألة الفرقة الناجية كلاما مضمونه أنهم ليسوا بعض هذه المذاهب الاسلامية على التعيين بل هم من تمسك بالشريعة المطهرة واهتدى بهدى المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم على أى مذهب كان وفى أى عصر وجد ودفعت قول من قال انهم فرقته كما وقع لكثير من المتعصبين فأقام هذا القيامة وما زال يعرضه على كل من له اشتغال بالعلم فلم يوافقه أحد على ذلك فعاد يعرضه على المقصرين والعوام ويوهمهم بأوهام لا حقيقة لها فكادت تثور فتنة وقى الله شرها ثم طلبت منه ارجاع كتابى فما ساعد كل هذا وله من الفهم والعرفان نصيب تام وهو لا يخفى عليه خطأ نفسه وبطلان ما زعمه ولم يرع حق التعليم وبعد ذلك ترك الاشتغال بالعلم ولم يبق عليه من رونقه شىء ورام أن يعود للقراءة على فما ساعدته وأرجع الكتاب المشار اليه بعد سنين ومدحنى بأبيات وأظهر الندم على ما سلف منه عفى الله عنه ومن جملة ما كتبة إلى هذه القصيدة وفيها إشارة إلى ما قدمته ( ياقاضيا لفظ ماض إذ تناوله *** زهى به كل منقوص من الكلم ) ( ولم يزل كل ممدود يمد الى *** ما نال عينيه من فخر ومن كرم ) ( وكل ما نال مقصور عليه فيا *** ذا المد اقصر ولا تطمع ولا تحم ) ( فالاسم مرجع ما يحويه من شرف *** الى مسماه من نعت ومن علم ) ( قاض بهجته الأيام مشرقة *** كالشمس لكن نور الشمس لم يدم ) ( فالحمد لله دنيانا بهجته *** اشراقها غير مسلوخ عن الظلم )(1/76)
( قاض إذا جئته يوما لقيت به *** كل الأفاضل من عرب ومن عجم ) ( يخشى الخصوم ارتعادا من مهابته *** حتى كأن بهم ضرب من اللمم ) ( لأن ما اضمروه في فراسته *** من حسن إيمانه نار على علم ) ( كم من ألد بلا ما زال ملتزما *** من خوفه عادلا عنها إلى نعم ) ( فالمبتغون لغير الحق فى نقم *** منه وكل محق منه فى نعم ) ( صحبته زمن التدريس مقتطفا *** من روض املاه نور الحكم والحكم ) ( فكان برا رؤوفا بى ومغتفرا *** لزلتى لم يعاتبنى ولم يلم ) ( أراه إن طال قولى في بشاعته *** كأنه عن كلامى الغث فى صمم ) ( وغبت عنه زمانا واتصلت به *** في رتبة هو فيها صاحب العلم ) ( قاضى قضاة أمير المؤمنين على *** يمينه قاعدا في الصدر لم يقم ) ( فقام تعظيمه في صدر كل فتى *** مسلم للاكف الطهر مستلم ) ( وشاع تعظيمه فى الناس ثم غدا *** عند الجنين كرأى العين في الرحم ) ( ومثل ذاك أعادى تواتره *** *** فينا وفى الغير من مستقبل الأمم ) ( فما تغير شىء كنت أعهده *** قبل التصدر فى القاضى من الشيم ) ( كانه للندامى من تواضعه *** على جلالته من أصغر الخدم ) ( فقام ذاك دليلا أن همته *** من فوق ذاك الذي يعطى ذوو الهمم ) ( ولو أحل الفتى في الناس رتبته *** دهرا لأصبح رب السيف والقلم ) ( مملكا كل أقليم وناصية *** عماله في نواحى مصر والحرم ) ( يامن يرى أن نظمى قد قضيت به *** حق المديح فقد أخطأت فاستقم ) ( ليست مبالغتى فيه مبالغة *** ولا الغلو غلوا يا أخا الهمم ) ( ولو أتيت بأنواع البديع لما *** قضيت حقا وكان العجز ملتزمى ) وهو الان فى قيد الحياة لعله قد صار فى ستين سنة من عمره وله إلى أشعار غيرهذه ومسائل سألنى عنها وأجبته بأجوبة هى فى مجموع جواباتى ثم توفي رحمه الله لعله فى سنة 1223 ثلاث وعشرين ومائتين وألف(1/77)
( 49 ) أحمد بن على بن محمد بن أحمد طشى الصعدى ثم الرداعى
ولد تقريبا سنة 1190 تسعين ومائة وألف وقرأ فى ذمار وغيرها فصار عارفا بالفقه والآلات يفهم ذلك فهما جيدا وله ذكاء عظيم وفطنة باهرة وقوة عارضة وحسن محاضرة ورقة طبع وانسجام خلق عجيب ويشعر شعرا حسنا سمع منى مدة أقامتى في مدينة ذى جبلة عند قدومى اليها مع مولانا المتوكل على الله في سنة 1226 في صحيح مسلم وسمع في غيره وكان يحضر للقراءة عند اقامتى هنالك وهو الآن مقيم بمدينة رداع(1/78)
( 50 ) أحمد بن لطف البارى بن أحمد بن عبد القادر الورد خطيب صنعاء وابن خطيبها ولد فى شهر رمضان سنة1192 اثنتين وتسعين ومائة وألف وولاه الأمام المنصور بالله على بن العباس الخطابة مكان والده العلامة التقى الفاضل الورع الزاهد المسند وكان كل أحد من الناس لا يظن أنه يلحق به في الخطابة أحد فلما مات استشرف للخطابة جماعة وكان سن صاحب الترجمة إذ ذاك ثمان عشرة سنة فقام بالخطابة قياما لا يقوم به أحد وفاق والده عن قرب وهو الآن مستمر على ذلك وله شغلة بطلب العلم كبيرة مع ذهن وقاد وطبع منقاد وفهم سليم وفكر مستقيم وقد صار معدودا من العلماء مع حداثة سنه قرأ على فى شرح الجلال المعروف بضوء النهار وفى شرح جمع الجوامع للمحلى وهو الآن مستمر على ذلك وعمره عند تحرير هذه الأحرف نحو العشرين سنة ومن أعلم مشايخه اللذين تخرج بهم والده ومنهم السيد العلامة ابراهيم بن عبد القادر والسيد العلامة محمد بن يوسف بن أحمد بن يوسف وبالجملة فهو من محاسن الزمن فى غالب أوصافه بحيث يقصر عن حسن سمته ورصانة عقله وطهارة لسانه وعفته ونزاهته كثير من أهل الأسنان العالية ثم انجمع واعتزل الناس أما زهدا أوفرارا من الخطبة(1/79)
كما يفعله كثير من عباد الله الصالحين والعلماء العاملين أو أنه حدث في مزاجه سوداء أوجبت له الاستيحاش من الناس وقام مقامه أخوه العلامة محمد بن لطف البارى وهو تلوه في الفضائل وله قراءة على فى أمهات الحديث وسمع منى بعضا من تفسيرى وقرا على أخى يحيى فى الأصول وغيرها وصار ثابت القدم في الخطابة بحيث انه يفوق كثيرا من الخطباء مع حسن أداء وفصاحة لسان وثبات جنان وحسن أخلاق وعمل بما فى السنة المطهرة وبالجملة فهو من محاسن العصر(1/80)
( 51 ) أحمد بن على بن محمد بن محمد بن على بن أحمد الشهاب ابو الفضل الكنانى العسقلانى القاهرى الشافعى المعروف بابن حجر وهو لقب لبعض آبائه الحافظ الكبير الشهير الامام المنفرد بمعرفة الحديث وعلله فى الأزمنة المتأخرة ولد فى ثانى عشر شعبان سنة 773 ثلاث وسبعين وسبعمائة بمصر ونشأ بها يتيما فى كنف أحد أوصيائه فحفظ القرآن وهو ابن تسع ثم حفظ العمدة والفية الحديث للعراقى والحاوى الصغير ومختصر ابن الحاجب في الأصول والملحة وبحث فى ذلك على الشيوخ وتفقه بالبلقينى والبرماوى وابن الملقن والعز بن جماعة وعليه أخذ غالب العلوم الآلية والأصولية كالمنهاج وجمع الجوامع وشرح المختصر والمطول ثم حبب الله اليه فن الحديث فأقبل عليه بكليته وطلبه من سنة 793 وما بعدها فعكف على الزين العراقى وحمل عنه جملة نافعة من علم الحديث سندا ومتنا وعللا واصطلاحا وارتحل إلى بلاد الشام والحجاز واليمن ومكة وما بين هذه النواحى وأكثر جدا من المسموع والشيوخ وسمع العالى والنازل واجتمع له من ذلك مالم يجتمع لغيره وأدرك من الشيوخ جماعة كل واحد رأس في فنه الذي اشتهر به فالتنوخى فى معرفة القرا آت والعراقى فى الحديث والبلقينى في سعة الحفظ وكثرة الاطلاع وابن الملقن في كثرة التصانيف والمجد صاحب القاموس فى حفظ اللغة والعز بن جماعة فى تفننه في علوم كثيرة بحيث كان يقول انا أقرا فى خمسة عشر علما لا يعرف علماء عصرى أسمائها ثم تصدى لنشر الحديث وقصر نفسه عليه مطالعة واقراء وتصنيفا وافتاء وتفرد بذلك وشهد له بالحفظ والاتقان القريب والبعيد والعدو والصديق حتى صار اطلاق لفظ الحافظ عليه كلمة اجماع ورحل الطلبة اليه من الأقطار وطارت مؤلفاته في حياته وانتشرت فى البلاد وتكاتبت الملوك من قطر إلى قطر فى شأنها وهى كثيرة جدا منها ما كمل ومنها ما لم يكمل وقد عددها السخاوى فى الضوء اللامع(1/81)
وكذلك عدد مصنفاته فى الأربعينيات والمعاجم وتخريج الشيوخ والأطراف والطرق والشروح وعلوم الحديث وفنونه ورجاله فى أوراق من ترجمته ونقل عنه أنه قال لست راضيا عن شىء من تصانيفى لأنى عملتها فى إبتداء الأمر ثم لم يتهيأ لى من يحررها معى سوى شرح البخارى وقدمته والمشتبه والتهذيب ولسان الميزان وروى عنه فى موضع آخر أنه أثنى على شرح البخارى والتعليق والنخبة ولاريب أن أجل مصنفاته فتح البارى وكان شروعه فى تصنيفه سنة 817 على طريق الاملاء ثم صار يكتب من خطه يداوله بين الطلبة شيئا فشيئا والأجتماع فى يوم من الأسبوع للمقابلة والمباحثة إلى أن انتهى فى أول يوم من رجب سنة 842 سوى ما الحق فيه بعد ذلك وجاء بخطه فى ثلاثة عشرة سفرا وبيض فى عشرة وعشرين وثلاثين وأقل وأكثر وقد سبقه إلى هذه التسمية شيخه صاحب القاموس فأنه وجد له في أسماء مصنفاته أن من جملتها فتح البارى فى شرح صحيح البخارى وأنه كمل ربعه فى عشرين مجلدا وله مؤلفات فى الفقه وأصوله والعروض والآداب سردها السخاوى وقال بعد ذلك انها تهادت تصانيفه الملوك بسؤال علمائهم لهم فى ذلك حتى ورد كتاب فى سنة 833 من شاه رخ بن تيمور ملك الشرق يستدعى من السلطان الأشرف برسباى هدايا من جملتها فتح البارى فجهز له صاحب(1/82)
الترجمة ثلاث مجلدات من أوائله ثم أعاد الطلب فى سنة 839 ولم يتفق أن الكتاب قد كمل فأرسل اليه أيضا قطعة أخرى ثم فى زمن الطاهر جقمق جهزت له نسخة كاملة وكذا وقع لسلطان الغرب أبى فارس عبد العزيز الحفصى فأنه أرسل يستدعيه فجهز له ما كمل من الكتاب وكان يجهز لكتبة الشرح ولجماعة مجلس الاملاء ذهبا يفرق عليهم هذا ومصنفه حى رحمه الله ولما كمل شرح البخارى تصنيفا وقراءة عمل مصنفه رحمه الله وليمة عظيمة بالمكان الذي بناه المؤيد خارج القاهرة فى يوم السبت ثامن شعبان سنة 842 وقرأ المجلس الأخير هنالك وجلس المنصف على الكرسى قال تلميذه السخاوى وكان يوما مشهودا لم يعهد أهل العصر مثله بمحضر من العلماء والقضاة والرؤساء والفضلاء وقال الشعراء فى ذلك فأكثروا وفرق عليهم الذهب وكان المستغرق في الوليمة المذكورة نحو خمسمائة دينار ووقعت فى ذلك اليوم مطارحة أدبية فمنها أن المقام الناصرى قال للمصنف يامولانا شيخ الأسلام هذا يوم طيب فلعل أن تنعشونا فيه ببيت من مفرداتكم لعل أن نمشى خلفكم فيه فقال المترجم له أخشى ان إبتدأت أن لا يكون موافقا لما وقع في خاطرك والأحسن أن تبتدأ أنت فقال الناصرى ( هويتها بيضاء رعبوبة *** قد شغفت قلبى خود رداح ) فقال صاحب الترجمة ( سألتها الوصل فضنت به *** ان قليلا في الملاح السماح ) فقال علىالدوسانى(1/83)
( قد جرحت قلبى لما رنت *** عيونها السودا لمراض الصحاح ) فهمهم الشرف الطنونى ولم يمكنه أن يقول شيئا فقال صاحب الترجمة ( ما للطنونى غدا حائرا *** ) فقال الناصرى لعلى المتقدم أجزه فقال وحياة أبيك السلارى والفرس فقال هما لك من غير مهملة وتراخ فقال ( وخرب البيت وخلى وراح ) وكان للمترجم له يد طولى فى الشعر قد أورد منه جماعة من الأدباء المصنفين أشياء حسنة جدا كابن حجة فى شرح البديعية وغيره وهم معترفون بعلو درجته فى ذلك ومما أحفظه الان حال تحرير هذه الكلمات قوله ( بنده الأزرق لما *** شده من قد سبانى ) ( جدول فوق كثيب *** دار يسقى غصن بان ) وهذا غاية فى الحسن لا يلحق وأورد له السخاوى فى الضوء اللامع قوله ( خليلى ولى العمر منا ولم نتب *** وننوى فعال الصالحات ولكنا ) ( فحتى متى نبنى البيوت مشيدة *** وأعمارنا منا تهد وما تبنى وقد كان رحمه الله مصمما على عدم الدخول في القضاء ثم قدر أن المؤيد ولاه الحكم فى بعض القضايا ثم عرض عليه الأستقلال به(1/84)
وألزم من أحبائه بقبوله فقبل واستقر فى المحرم سنة 827 بعد أن كان عرض عليه قبل ذلك وهو يأبى وتزايد ندمه على القبول لعدم فرق أرباب الدولة بين العلماء وغيرهم ومبالغتهم في اللوم لرد إشاداتهم وان لم تكن على وفق الحق واحتياجه لمداراة كبيرهم وصغيرهم بحيث لا يمكنه مع ذلك القيام بما يرومونه وصرح بأنه جنى على نفسه بذلك ولم يلبث أن صرف ثم أعيد ولا زال كذلك إلى أن أخلص في الاقلاع عنه عقب صرفه في جمادى الآخرة سنة 852 وجميع مدد قضائه إحدى وعشرون سنة وزهد فى القضاء زهدا كبيرا لكثرة ما توالى عليه من المحن والأنكاد بسببه وصرح بأنه لم يبق فى بدنه شعرة تقبل إسمه وقد درس بمواطن متعددة واشتهر ذكره وبعد صيته وارتحل اليه العلماء وتبجح الأعيان بلقائه وأخذ عنه وأخذ الناس عنه طبقة بعد طبقة وألحق الأصاغر بالأكابر وامتدحه الكبار وتبجح فحول الشعراء بمطارحته واستمر على طريقته حتى مات فى أواخر ذى الحجة سنة 852 اثنتين وخمسين وثمان مائة وكان له مشهد لم ير مثله من حضره من الشيوخ فضلا عمن دونهم وشهده أمير المؤمنين والسلطان فمن دونهما وقدم الخليفة للصلاة عليه ودفن تجاه تربة الديلمى بالقرافة وتزاحم الأمراء والكبراء على حمل نعشه(1/85)
( 52 ) أحمد بن على بن هادى النهمى ثم الصنعانى
ولد سنة 1130 ثلاثين ومائة وألف ونشأ بصنعاء واتصل بالأمام المهدى العباس بن الحسين قبل أن يلى الخلافة وبعد أن ولى الخلافة جعله الوزير الأعظم واستمر وزيرا حتى مات وكان صادق اللهجة كثير البر والأحسان ملازما للطاعات والجماعات مقبلا على أهل العلم والفضل كثير السعى فيما فيه صلاح المسلمين لا رغبة له فى الشر ولا يجلبه إلى أحد وأحبه الأمام المهدى محبة شديدة وكان يعول عليه في جميع الأمور ولم يكن كثير المال مع كونه قد ولى الوزارة زيادة على خمس وعشرين سنة لأنه كان لا يأخذ الا على وجه يأمن من عاقبته ولو فعل كما يفعل غيره لترك من المال مالم يسمع بمثله فى وزراء الخلفاء باليمن ومات ليلة الأثنين ثانى وعشرين ربيع الاخر سنة 1186 ست وثمانين ومائة وألف(1/86)
( 53 ) أحمد بن عماد بن يوسف بن عبد النبى الشهاب أبو العباس الأقفهسى ثم القاهرى الشافعى ويعرف بابن العماد قرأ على الأسنوى والبلقينى والباجى واخرين ومهر وتقدم فى الفقه وكتب على مهمات الأسنوى كتابا سماه التعقبات على المهمات وشرح المنهاج عدة شروح وله مؤلف فى أحكام المأموم والأمام واخر فى موقف الأمام والمأموم وله منظومات منها منظومة فيما يحل ويحرم من الحيوان تزيد على أربع مائة بيت والتبيان في آداب حملة القرآن تزيد على ست مائة بيت وفى العقائد منظومة تزيد على خمسمائة بيت وله مصنفات غير ذلك قال ابن حجر فى أنبائه أحد أئمة الشافعية فى هذا العصر قال وكان كثير الفوائد كثير الأطلاع والتصانيف دمث الأخلاق وفى لسانه بعض حبسة مات في شهر جماد سنة 808 ثمان وثمان مائة وكان فى تعقباته على الأسنوى يكثر من تخطئته وربما أقذع فى بعض ذلك ونسبه إلى سوء الفهم وفساد التصور مع أنه شيخه لكن قال بعض الفضلاء ربما كان مقصده حسنا فى ذلك لتضمنه التفات الناس إلى سماع ما رأى وأن غيره أخطأ لأنه لو أورد الكلام ساذجا بدونه لم يلتفتوا اليه لكون الأسنوى عندهم جليل المقدار انتهى وهذا محمل حسن فان فى مثل ذلك تأثيرا ظاهرا ولمثل هذا المقصد سلكت في حاشيتى على شفاء الأوام ذلك المسلك ونسأل الله إصلاح الأقوال والأعمال(1/86)
( 54 ) أحمد بن أبى الفرج بركات الفارقانى تاج الدين
كان أبوه نصرانيا يعرف بسعد الدولة فأسلم ولقب بشرف الدين وخدم ولده عند بهادر رأس النوبة فتقدم إلى أن صار مستوفى الدولة فلما ولى الأعز الوزارة المرة الثامنة صادره وضربه بالمقارع فترك المباشرة وانقطع بزاوية الشيخ نصر المنبجى وكان الشيخ نصر صديق السلطان بيبرس الجاشنكير وقل أن يخالفه فى شىء فكلمه فى أمره فأعفاه من المباشرة واستمر بالزاوية إلى أن حفظ البقرة وآل عمران وتوصل إلى أن استخدمه بيبرس وحصل له أموالا جمة فى مدة يسيرة وتقدم عنده إلى أن صار هو المتحدث فى الدولة باسرها ولا يعمل فيها شىء الا بعد مراجعته وكان كثير الاعجاب والزهو بنفسه والتعاظم بحيث كان الشخص إذا كلمه وهو راكب امر بضربه بالمقارع فصنع ذلك مرتين أو ثلاثا فلم يجسر احد أن يتحدث معه وهو راكب وإذا نزل ودخل منزله لم يجسر أحد على الهجوم عليه فيصبر الناس على اختلاف مراتبهم على بابه حتى القضاة فصار مهابا محترما جدا ومع ذلك فلا يقبل هدية ولا يخالط أحدا ولا يجتمع بغريب ويقتصد فى ملبسه فلا يلبس فى الصيف الا الشامى الرفيع الأبيض ولا فى الشتاء الا الملطى الصوف الأبيض ولا يرى عليه الافرجية بيضاء ثم ان سلار ألزمه بلبس خلعه الوزارة وكان شديد البغض له فلم يستطع مخالفته فلبسها في النصف من المحرم سنة 706 فعمل بالوزارة ذلك اليوم بالقلعة على العادة إلى أن انصرف إلى منزله وشيعه الناس ثم أصبحوا إلى بابه ليركبوا فى خدمته فاقام حتى تعالى النهار وأرسل يقول له مع غلامه أنه عزل نفسه وتوجه إلى زاوية الشيخ نصر فكتب نصر إلى بيبرس يشفع فيه ولم يزل حتى أعفى عن الوزارة وبقى على عادته والأمر كله إليه فى جميع ما يرجع إلى الدولة ولم يكن السلطان يكتب علامته على شىء حتى يرى خطه فيه كذا ترجم له ابن حجر فى الدرر ولم يذكر وفاته(1/87)
( 55 ) أحمد بن محمد بن أحمد بن جاد الله مشحم الصعدى ثم الصنعانى
ولد سنة 1155 خمس وخمسين ومائه وألف ونشأ بصنعاء وقرأ على شيخنا العلامة الحسن بن اسماعيل المغربى فى الفقه وعلى غيره فى العربية واشتغل بالحديث وكتب بخطه الحسين كتبا ولما مات والده وكان قاضيا ولاه الأمام المهدى العباس بن الحسين القضاء بصنعاء من جملة قضاتها وجعل له مقررا فباشر ذلك مباشرة حسنة بعفة ونزاهة وديانة وأمانة وسكينة ووقار فما زالت درجته ترتفع فيه ولما مات الأمام المهدى وقام مقامه مولانا الأمام المنصور بالله خليفة العصر عظمه وركن عليه فى أمور جليلة وهو الان من أعيان القضاة ونبلأئهم وكل ما تولاه وحكم به انشرحت الخواطر وطابت به النفوس وهو مستمر على حاله الجميل مقبل على شأنه وله ولد علامة هو محمد بن أحمد سيأتى له ترجمة مستقلة إن شاء الله تعالى(1/88)
( 56 ) احمد بن محمد بن أحمد بن مطهر القابلى
نسبة إلى جماعة معروفة يسكنون بالقرب من حصن شبام حراز المعروف بالحرازى شيخ شيوخ الفروع بلا مدافع ولد حسبما كتبه إلى بخطه فى يوم الأضحى من شهر الحجة سنة 1158 ثمان وخمسين ومائة وألف بذمار ثم نشا بها وقرأ على العلامة عبد القادر بن حسين الشويطر وعلى السيد العلامة الحسين بن يحيى الديلمى وبرز فى الفقه والفرائض وارتحل في أول شبابه إلى مدينة صنعاء فاتصل بجماعة من أكابر أهلها كالقاضى العلامة أحمد بن محمد قاطن والقاضى العلامة اسماعيل ابن يحيى الصديق ثم أقرأ الطلبة فى جامع صنعاء في شرح الأزهار لابن مفتاح وفيما عليه من الحواشى الواسعة وفي بيان ابن مظفر وفى شرح الناظرى على الفرائض وعكف عليه الطلبة وانتفعوا به وتنافسوا في الأخذ عنه وصارت تلامذته شيوخا ومفتيين وحكاما وله عافاه الله قدره على حسن التعبير وجودة التصوير مع فصاحة لسان ورجاحة عقل وجمال صورة ووفور حظ عند جميع الخلق لا ترد له شفاعة ولا يكسر له جاه وقد خطب للأعمال الكبيرة فقبل منها ما فيه السلامة فى دينه ودنياه وأرجع ما عداه واجتمع له من ذلك دنيا عريضة صانه الله بها عن الوقوع فيما لا يشتهى من التورطات وقد باشر قسمة تركة الامام المنصور بالله الحسين بن القاسم وتركة الامام المهدى لدين الله العباس(1/89)
ابن الحسين فأحسن العمل فى التركتين جميعا مع كثرة الورثة ذكورا وأناثا وقد صارمولانا خليفة العصر حفظه الله يعتمد عليه فى كثير من الأعمال ولو رغب في القضاء لكان أهلا له وقد اعتمد الناس عليه فى الفتوى وقصدوه بالمشكلات من كل مكان وتفرد فى معرفة الفقه ولم يبق له الآن فيه نظير لا فى صنعاء ولافى ذمار فان شيخه العلامة الحسين ابن يحيى المتقدم ذكره هو الآن حي ولكنه لا يبلغ رتبته فى خصوص هذا الفن وإن كان له فنون أخرى وقد لازمته فى الفروع نحو ثلاث عشرة سنة وانتفعت به وتخرجت عليه وقرأت عليه فى الأزهار وشرحه وحواشيه ثلاث دفعات الدفعتين الأوليين اقتصرنا على ماتدعو اليه الحاجة والدفعة الثالثة استكملنا الدقيق والجليل من ذلك مع بحث وتحقيق ثم قرأت عليه الفرائض للعصيفرى وشرحها للناظرى وما عليه من الحواشى وقرأت عليه بيان ابن مظفر وحواشيه وكانت هذه القراءة بحث واتقان وتحرير وتقرير وهو الان حفظه الله حى ينتفع الناس به فى القراءة والفتوى وقضاء أغراضهم والقيام بما توجه اليه من الأعمال وأحواله جميلة وغالب حركاته جليلة عافاه الله ونفع بعلومه ومات رحمه الله في شهر شوال سنة 1227 سبع وعشرين ومائتين وألف(1/90)
( 57 ) السيد أحمد بن محمد بن اسحق بن المهدى أحمد ابن الحسن بن الامام القاسم
ولد في سابع وعشرين شهر شعبان سنة 1123 ثلاث وعشرين ومائة وألف ونشأ بصنعاء وقرأ على علمائها في علم الآلة والأصول والحديث والتفسير فبرع في جميع هذه المعارف وكان له عناية بتصحيح النسخ والكتب على هوامشها وتوضيح غامضها وعكف عليه الطلبة أياما متداولة ومن جملة تلامذته شيخنا العلامة علي ابن ابراهيم بن عامر الآتي ذكره إن شاء الله تعالى وله رئاسة عظيمة وجلالة فخيمة وهو المتولي لأمور آل إسحاق بعد موت والده وقد كان تولاها صنوه العلامة إبراهيم فتعقب ذلك خروج صاحب الترجمة من صنعاء مغاضبا للإمام المهدى العباس بن الحسين ثم جرت خطوب كثيرة وال الأمر أنه صولح على أنه يعود ويكون له ما كان لوالده ويقوم هو مقامه فوصل إلى صنعاء واستمر على ذلك إلى وفاته فى شهر جمادى الاخرة سنة 1190 تسعين ومائة وألف وبالجملة فهو من أكابر العلماء المحققين وأفاضل السادة القادة المشهورين وقام ولده العلامة الأديب الرئيس على بن أحمد مقامه في تجميع ما كان اليه وستأتى له ترجمة مستقلة(1/91)
( 58 ) أحمد بن محمد المشهور بابن معصوم الحسينى الحجازى المولد
ذكره ولده على في سلافة العصر له أن مولده ليلة الجمعة خامس عشر شهر شعبان سنة 1027 سبع وعشرين وألف بالطائف وحفظ القرآن وتلاه بالسبع وأخذ الفقه عن شرف الدين اليافعى والحديث عن السيد نور الدين الشامى والعربية عن على المكى والمعقول عن الشمس الجيلانى وبرع في الفنون سيما العربية واعتنى بالأدب فنظم نظما جيدا وارتحل إلى الهند فوصل إلى سلطانها قطب الدين شاه صاحب حيدر اباد فى شهر شوال سنة 1054 فعظمه وأكرمه وكان قد اشتاق اليه غاية الاشتياق واحتال على وصوله فلما وصل اليه زوجه ابنته واستوزره ويقال انه استولى على المملكة بعده وهذه من الغرائب ومن شعره قوله في غلام له ضربه فبكى ( تراءى كظبى نافر من حبائل *** يصول بطرف فاتن منه فاتر ) ( وقد ملئت عيناه من سحب جفنه *** كنرجس روض جاده وبل ماطر ) وأجازه وزيره أحمد بن محمد الجوهرى بقوله ( وظبى غرير بالدلال محجب *** يرى أن فرض العين ستر المحاجر ) ( رمانى بطرف أسبل الدمع دونه *** لكى لا أرى عينيه من غير ساتر ) ومات المترجم له في يوم السبت لثلاث بقين من صفر سنة 1085 خمس وثمانين وألف وهو امامى المذهب غفر الله له(1/92)
( 59 ) أحمد بن محمد بن اسماعيل بن ابراهيم بن عبد الرحيم بن يوسف بن سمير بن حازم أبو حازم المصرى التيمى ويعرف بابن البرهان ولد فيما بين القاهرة ومصر فى ربيع الأول سنة 754 أربع وخمسين وسبعمائة واشتغل بالفقه شافعيا وسمع الحديث وأحبه ثم صحب بعض الظاهرية فجذبه إلى النظر فى كلام ابن حزم فأحبه ثم نظر فى كلام ابن تيمية فغلب عليه بحيث صار لا يعتقد أن أحدا أعلم منه وكانت له نفس أبية ومروءة وعصبية ونظر فى أخبار الناس فطمحت نفسه إلى المشاركة فى الملك مع أنه ليس له فيه قدم ولا له سلف فى ذلك ولا معه مال فلما غلب الظاهر برقوق على المملكة وحبس الخليفة رام جعل ذلك وسيلة لما حدثته به نفسه فغضب من ذلك وخرج في سنة 785 إلى الشام ثم إلى العراق يدعو إلى طلب رجل من قريش فاستقرى جميع الممالك ودخل حلب فلم يبلغ قصدا ثم رجع إلى الشام فاستغوى كثيرا من أهلها وكان من أكبر الموافقين له ممن يتدين منهم الياسوفى والحسبانى لما ظهر من فساد الأحوال وكثرة المعاصى وفشو الرشوة في الأحكام وغير ذلك فلم يزل على هذه الطريقة إلى أن نمى أمره إلى بيدمر نائب الشام فسمع كلامه وأصغى اليه ولم يشوش عليه لعلمه أنه لا يجىء من يديه شىء ثم نمى أمره إلى نائب القلعة شهاب الدين الحمصى وكانت بينه وبين بيدمر عداوة شديدة فوجد فرصة فى التأليب عليه بذلك فاستحضر ابن البرهان واستخبره وأظهر أنه مال إلى مقالته فبث اليه جميع ما كان يدعو اليه فتركه ثم كاتب السلطان بذلك كله فلما علم به كتب إلى النائب يأمره بتحصيل ابن البرهان ومن وافقه على رأيه وبتشهيرهم فتورع النائب عن ذلك وتكاسل عنه وأجاب بالشفاعة فيهم والعفو عنهم وأن أمرهم متلاشى وإنما هم قوم خفت أدمغتهم من الدرس واستمر ابن الحمصى فى انتهاز الفرصة فكاتب ايضا بأن النائب قد عزم على المخامرة فوصل اليه الجواب بمسك ابن البرهان ومن كان على رايه وان ال الأمر فى ذلك إلى قتل بيدمر فمات الياسوفى خوفا بعد أن قبض عليه وفر الحسبانى ولما حضر البرهان إلى السلطان استدناه واستفهمه عن سبب قيامه عليه فأعلمه أن غرضه أن يقوم رجل من قريش يحكم بالعدل فان هذا هو الدين الذي لا يجوز غيره وزاد فى نحو هذا فسأله عمن معه على مثل(1/93)
رأيه من الأمراء فبرأهم فأمر بضربه فضرب هو وأصحابه وحبسوا فى الخزانة حبس أهل الجرائم وذلك فى ذى الحجة سنة 788 ثم أفرج عنهم فى ربيع الأول سنة 791 فاستمر ابن البرهان مقيما بالقاهرة على صورة املاق إلى أن مات لأربع بقين من جمادى الأولى سنة 808 ثمان وثمانمائة وحيدا فريدا بحيث لم يحضر فى جنازنه إلا سبعة أنفس لا غير وكان ذا مروءة علية ونفس أبيه حسن المذاكرة والمحاضرة عارفا باكثر المسائل التى يخالف فيها أهل الظاهر الجمهور يكثر الانتصار لها ويستحضر أدلتها وأملى وهو فى الحبس بغير مطالعة مسألة رفع اليدين في السجود ومسألة وضع اليمنى على اليسرى فى الصلاة ورسالة فى الامامة وذلك يدل على وفور اطلاعه قال ابن حجر وقد جالسته كثيرا وسمعت من فوائده كثيرا وكان كثير الأنذار بما حدث بعده من الفتن والشرور لما جبل عليه من الاطلاع على أحوال الناس ولا سيما ما حدث من الغلاء والفساد بسبب رخص الفلوس بالقاهرة بحيث أنه رأى عندى قديما مرة منها جانبا كثيرا فقال لى احذر أن تقتنيها فانها ليست رأس مال فكان كذلك لأنها كانت فى ذلك الوقت يساوى القنطار منها عشرين مثقالا فاكثر وصار الأمر فى هذا العصر إلى أنها تساوى اربعة مثاقيل ثم صار تساوى ثلاثة ثم اثنين وربع ونحو ذلك ثم انعكس الأمر بعد ذلك وصارت من عنده شىء منها اغتبط فيه لما رفعت قيمتها من كل رطل إلى إثنى عشر ثم إلى أربعة وعشرين ثم انعكس الأمر فظهر أنها ليست مالا يقتنى لوجود الخلل فى قيمتها وعدم ثباتها على قيمة واحدة انتهى(1/94)
( 60 ) أحمد بن محمد بن أبى بكر بن عبد الملك بن الزين أحمد بن الجمال محمد بن الصفى محمد بن المجد حسين بن التاج على القسطلانى الأصل المصرى الشافعى ويعرف بالقسطلانى ولد فى ثانى عشر ذى القعدة سنة 851 إحدى وخمسين وثمان مائة بمصر ونشا بها فحفظ القرآن والشاطبيتين ونصف الطيبة الجزرية والوردية فى النحو وتلى بالسبع على السراج عمر بن قاسم الأنصارى الساوى وبالثلاث إلى وقال الذين لا يرجون لقاءنا على الزين عبد الغنى الهيثمى وبالسبع ثم بالعشر فى ختمتين على الشهاب بن أسد وأخذ القرا آت عن جماعة أيضا وأخذ الفقه عن الفخر المقسى تقسيما والشهاب العيادى وقرأ ربع العبادات من المنهاج ومن البيع وغيره من البهجة على الشمس اليامى وقطعة من الحاوى على البرهان ومن أول حاشية الجلال البكرى على المنهاج إلى أثناء النكاح بفوات فى أثنائها على مؤلفها وسمع مواضع في شرح الألفية وسمع على المليونى والرضى الأوحاقى والسخاوى وسمع صحيح البخارى بتمامه فى خمسة مجالس على الشاوى وقرأ في الفنون على جماعة ثم حج غير مرة وجاور سنة اربع وثمانين ثم جاور مجاورة أخرى سنة أربع وتسعين وسمع بها عن جماعة وجلس للوعظ بالجامع العمرى وكان يجتمع عنده جمع جم ثم جلس بمصر شاهدا رفيقا لبعض الفضلاء وبعده انجمع وكتب بخطه لنفسه أشياء بل جمع فى القرا ات العقود السنية في شرح المقدمة الجزرية فى التجويد والكنز فى وقف حمزة وهشام على الهمز وشرحا على الشاطبية وصل فيه إلى الأدغام الصغير زاد فيه زيادات ابن الجزرى مع فوائد غريبة لا توجد في شرح غيره(1/95)
وكتب على الطيبة قطعة مزجا وعلى البردة مزجا أيضا سماه مشارق الأنوار المضية فى مدح خير البرية وتحفة السامع والقارى بختم صحيح البخارى ومن مؤلفاته المشهورة شرح البخارى المسمى إرشاد السارى على صحيح البخارى في أربع مجلدات وشرح صحيح مسلم مثله ولم يكمل والمواهب اللدنية بالمنح المحمدية وكان متعففا جيد القراءة للقرآن والحديث والخطابة شجى الصوت مشارك في الفضائل متواضع متودد لطيف العشرة سريع الحركة كثرت أسقامه واشتهر بالصلاح والتعفف على طريق أهل الفلاح قال الشيخ جار الله ابن فهد ولما اجتمعت به في الرحلة الأولى أجازنى بمؤلفاته ومروياته وفى الرحلة الثانية عظمنى واعترف لى بمعرفة فنى وتأدب معى ولم يجلس على مرتبته بحضرتى فالله يزيد في إكرامه ويبلغه غاية مرامه قال ثم بلغنى في رحلتى إلى الشام أنه مات فى ليلة الجمعة سابع المحرم سنة 923 ثلاث وعشربن وتسعمائة وصلى عليه بعد الجمعة بالجامع الأزهر ودفن بالمدرسة جوار منزلة تغمده الله برحمته(1/96)
( 61 ) أحمد بن محمد بن الحسن بن أحمد الحيمى الكوكبانى
الخطيب البليغ الشاعر نشأ بكوكبان وأخذ العلم عن جماعة من أعيان العلماء ذكرهم فى كتابه المسمى طيب السمر وهو كتاب حافل ترجم فيه لجماعة من الأعيان تراجم مسجعة كما هو صنع غالب المؤرخين المتأخرين ومن مصنفاته شرح قصيدة محمد بن عبد الله ابن الامام شرف الدين سماه الأصداف المشحونة باللئالى المكنونة وهو شرح مفيد طالعته فرأيته فائقا فى بابه وله شرح على رسالة الواثق المشهورة سلك فيها مسلك الصفدى في شرح لامية العجم وله مؤلفات أدبية تزيد على الأربعين وهو مجيد فى كل ما يصنفه ومن شعره الأبيات التى مطلعها ( لعب النسيم بغصن قد أهيف *** لابل من داء السقام ولا شفى ) ( ومن شعره ) ( نسيم الروض عن وبل بليل *** تنفس لا بسا برد الأصيل ) ( ووافي راويا خبرا صحيحا *** من الأنباء عن جسم عليل ) ( لقد سهرت عيونى حين وافا *** لذكرى من يعدوا خير جيل ) ( فما اكتحلت بنوم قط الا *** بميل فى المسافة بعد ميل ) وله نظم كثيرة ونثر واسع وكله فى رتبة متوسطه وهو طويل النفس في جميع ما يأتى به توفى سنة 1151 إحدى وخمسين ومائة وألف(1/97)
( 62 ) أحمد بن محمد الحجازى الينبعى الأصل الصنعانى المولد والوفاة الشاعر المشهور هو من مشاهير الشعراء وله قصائد طنانة ومعانى رائقة لو لم يكن له منها الا ما وقع له من تشبيه الهلال الذي فاق من قبله ولم يلحق به من بعده وهو قوله من قصيدة ( وننظر فى الغرب الهلال كأنه *** من العاج مشط غاص فى آخر الفرع وتوفى بصنعاء تقريبا سنة 1095 خمس وتسعين وألف
(1/97)
( 63 ) السيد أحمد بن محمد بن الحسين بن عبد القادر بن الناصر بن عبد الرب بن على بن شمس الدين بن الامام شرف الدين الكوكبانى أمير كوكبان وبلادها ولد فى خامس وعشرين شهر القعدة سنة 1122 اثنتين وعشرين ومائة وألف وأخذ العلم عن جماعة من أهل جهته كالسيد العلامة صلاح بن يحيى الخطيب والفقيه عبد الله القاعى وشيخنا السيد العلامة عبد القادر بن أحمد الآتى ذكره وبرع في العلوم واشتهرت فضائله وسارت الركبان بعد له في رعيته بحيث كانت مباشراته على وفق الشريعة المطهرة وولى الامارة فى حياة أبيه ولما مات الامام المنصور بالله الحسين بن القاسم دعا إلى نفسه وثوقا منه بكتب وصلت إليه من جماعة من أهل صنعاء وغيرهم ثم أرسل الامام المهدى طائفة من جنوده ووقعت خطوب وحروب واخر الأمر بايع صاحب الترجمة للامام المهدى واستقر اميرا لكوكبان وبلادهما ناشرا للعدل محييا للشريعة حتى مات لعشرين خلت من شعبان سنة 1181 إحدى وثمانين ومائة وألف وصارت الامارة بعده إلى أخيه عبد القادر بن محمد ومشى على طريقته ثم صارت الامارة بعده إلى أخيه السيد ابراهيم بن محمد ثم إلى ولده السيد العباس بن ابراهيم ثم عادت إلى أخى صاحب الترجمة السيد العلامة عيسى بن محمد وستأتى ترجمته ثم انتقلت عنه إلى ابن صاحب الترجمة وهو السيد شرف الدين ابن أحمد بن محمد وستأتى ترجمته ايضا وهو الأمير حال تحرير هذه الأحرف ولصاحب الترجمة نظم فمنه قوله ( كأنما العارض لما بدا *** كتائب قد صففت للقتال ) ( ورعده والبرق قد أشبها *** بنا دقافي الصوت والأشتعال
( وبعضهم رام بقوس ومن *** تراكس السحب بجر النبال )(1/98)
( 64 ) أحمد بن محمد بن سالم بن ابى المواهب الحسن بن هبة ابن محفوظ بن الحسن بن صصرى الملقب نجم الدين الدمشقى ولد فى ذى القعده سنة 655 خمس وخمسين وستمائة وأحضر على الرشيد العطار سنة 658 وبدمشق على ابن عبد الدائم وعلى جده لأمه المسلم بن عدلان وعلى ابن أبى اليسر وتفقه على التاج ابن الفركاح وأخذ بمصر عن شمس الدين الاصبهانى وكتب فى ديوان الانشاء وكان جيد الخط فائق النظم والنثر سريع الكتابة جدا حتى قيل انه كتب خمس كراريس فى يوم وكان فصيح العبارة طويل الدروس ينطوى على دين وتعبد ومكارم وولى قضاء دمشق سنة 702 ودام فيه إلى أن مات فى شهر ربيع الأول سنة 723 ثلاث وعشرين وسبعمائةوطالت مدته وكان كثير التودد والمكارم والمواددة قال ابن الزملكانى كان طلق العبارة لا يكاد يتكلم فى فن إلا ويذكر دروسا طويلة ولم يزل فى نمو وارتفاع إلى أن مات فى التاريخ المذكور بحماه ولشعراء عصره فيه غرر المدائح كالشهاب محمود والجمال بن نباتة وغيرهما وخرج له العلائى مشيخة فأجازه بجملة دراهم وأول مادرس بالعادلية سنة 682 ثم درس بالارمستيه ثم درس بالغزالية ثم ولى قضاء العسكر ومشيخة الشيوخ ثم القضاء الاكبر بدمشق فى التاريخ السابق وكان يتفضل على كل من قدم اليه من كبير وصغير وهداياه لا تنقطع عن أهل الشام ولا عن أهل مصر مع التودد والتواضع الزايد والحلم والصبر على الأذى هجاه ابن المرجل بأبيات فتحيل حتى وصلت اليه بخط الناظم فاتفق أنه دخل عليه فغمز مملوكه فوضع الأبيات أمامه مفتوحة فلما جلس ابن المرجل لمحها فعرفها فلما تحقق القاضى أنه عرفها أشار برفعها ثم أحضر له قماش وصرة فضه وقال له هذه جائزه الأبيات فأخذها ومدحه ودخل عليه شاعر ومعه قصيدتان فى احداهما هجو وفى الأخرى مدح وأضمر أن يعطيه المدح فان أرضاه والا أعطاه الهجو فغلط فأعطاه الهجو فقرأه وأعطاه جائزة وأوهم من حضر أنه مدح فلما خرج الشاعر وجد قصيدة المدح فعاد ودفعها اليه وأظهر الاعتذار فما واخذه(1/99)
( 65 ) أحمد بن محمد بن عبد الكريم بن عطاء الله تاج الدين أبو الفضل الأسكندرانى الشاذلى صحب الشيخ أبا العباس المرسى صاحب الشاذلية وصنف مناقبه ومناقب شيخه وكان المتكلم على لسان الصوفيه فى زمانه وهو ممن قام على الشيخ تقى الدين ابن تيمية فبالغ فى ذلك وكان يتكلم على الناس وله في ذلك تصانيف قال الذهبى كانت له خلال عجيبة ووقع فى النفوس ومشاركة في الفضائل ورأيت الشيخ تاج الدين الفارقى لما رجع من مصر معظما لوعظه واشارته وكان يتكلم بالجامع الأزهر يمزج كلام القوم بآثار عن السلف وفنون من العلم فكثر أتباعه وكان عليه سيماء الخير ويقال ان ثلاثة قصدوا مجلسه فقال أحدهم لو سلمت من العائلة لتجردت وقال الاخر أنا أصلى وأصوم ولا أجد من الصلاح ذرة فقال الثالث ان صلاتى ما ترضينى فكيف ترضى ربى فلما حضروا مجلسه قال فى أثناء كلامه ومن الناس من يقول فأعاد كلامهم بعينه ومن جملة من أخذ عنه الشيخ تقى الدين السبكى وقال الكمال جعفر سمع من الأبرقوهى وقرأ النحو على المحيى وشارك في الفقه والأدب وصحب المرسى فتكلم على الناس فسارعت اليه العامة وكثير من المتفقهة وكثر أتباعه قال أبو حيان وقال الكمال ابن المكين حكى له المراكشى قال كنت أصحب فقيرا فحضر اليه الخليلى الوزير يزوره فقال له جاءنى ابن عطاء الله فقال لى الليلة ترى النبى صلى الله عليه وآله وسلم في المنام فاجعل بشارتى أن تولينى الخطابة بالاسكندرية فمضت الليلة وما رأيت شيئا وقد عزمت على ضربه فلم يزل الفقير يتلطف به حتى عفا عنه وإذا صح هذا فهو محتال وليس من الرجال وهو صاحب الحكم المشهورة الان بحكم ابن عطاء الله التى يلهج كثير من متصوفة زمننا بحفظ كلمات منها ومات فى نصف جمادى الآخرة سنة 709 تسع وسبعمائة(1/100)
( 66 ) أحمد بن محمد بن عثمان الأزدى العدوى أبو العباس ابن البناء
أخذ عن قاضى الجماعة محمد بن على المراكشى وأبى عبدالله محمد ابن أبى البركات أبى العباس أحمد بن محمد المدعو ابن أبى عطاء وأبى الحسين ابن أبى عبد الرحمن وغيرهم وكان فاضلا عاقلا نبيها انتفع به جماعة فى التعليم وكان يشتغل من بعد صلاة الصبح إلى قريب الزوال مدة إلى أن كان فى سنة 699 فخرج إلى صلاة الجمعة فى يوم ريح وغبار فتأذى بذلك وأصابه يبس فى دماغه وكان له مدة لا يأكل ما فيه روح فبدت منه أحوال لم تعهد وهيئات عجيبة وصار يكاشف كل من دخل عليه ويخبره بما هو عليه فأمر الشيخ أبو زيد عبد الرحمن بن عبد الكريم الاغماتى أهله أن يحجبوه فأقام سنة ثم صح وخرج الى الناس وصار يذكر ما جرى له من ذلك وفيه عجائب منها أنه رأى صورا علوية وجوههم مضيئة تكلموا بعلوم جمة تتعلق بمعانى القرآن بأساليب بديعة قال ثم هجم على جماعة فى صور مفزعة فذكر كلاما طويلا وله مصنفات منها التخليص في الحساب فى سفر وكتاب في الأوفاق وكتاب فى الأنواء وغير ذلك واستمر ببلده يفيد الناس إلى أن مات سنة 721 احدى وعشرين وسبعمائة(1/101)
( 67 ) أحمد بن محمد بن حجر الوائلى السعدى الهيثمى المصرى ثم المكى
ولد سنة 909 تسع وتسعمائة ونشأ ببلده وحفظ القران ثم انتقل الى مصر فحفظ مختصرات وقرأ على الشيخ عمارة المصرى والرملى وأبى السحن البكرى وغيرهم وبرع فى جميع العلوم خصوصا فقه الشافعى وصنف التصانيف الحسنة ثم انتقل من مصر إلى مكة المشرفة وسبب انتقاله أنه اختصر الروض للمقرى وشرع فى شرحه فاخذه بعض الحساد وفتته وأعدمه فعظم عليه الأمر واشتد حزنه وانتقل الى مكة وصنف بها الكتب المفيدة منها الامداد وفتح الجواد شرحا على الارشاد الأول بسيط والثانى مختصر وتحفة المحتاج شرح المنهاج والصواعق المحرقة وشرح الهمزية وشرح العباب وكان زاهدا متقللا على طريقة السلف امرا بالمعروف ناهيا عن المنكر واستمر على ذلك حتى مات فى سنة 973 ثلاث وسبعين وتسعمائة(1/102)
( 68 ) أحمد بن محمد بن عبدالله بن ابراهيم بن أبى نصر محمد بن عرب شاه
الدمشقى الأصل الرومى الحنفى ويعرف بالعجمى وبابن عرب شاه وهو الأكثر وليس هو بقريب لداود وصالح ابنى محمد بن عرب شاه الهمذانيين الأصل الدمشقيين الحنفيين ولد في ليلة الجمعة منتصف ذى القعدة سنة 791 احدى وتسعين وسبعمائة بدمشق ونشأ بها فقرأ القران على الزين عمر بن اللبان المقرى ثم تحول فى سنة ثلاث وثمان مائة فى زمن الفتنة مع اخوته وأمهم وابن أخته عبد الرحمن بن ابراهيم بن حولان إلى سمرقند ثم بمفرده إلى بلاد الخطا وأقام ببلاد ما وراء النهر مديما للاشتغال والأخذ عن من هناك من الأستاذين فكان منهم السيد محمد الجرجانى وابن الجزرى وهما نزيلا سمرقند وعصام الدين ابن العلامة عبد الملك وجماعة ولقى بسمرقند الشيخ العريان الأدهمى الذي استفيض هنالك أنه ابن ثلثمائة وخمسين سنة وبرع فى الفنون ثم توجه إلى خوارزم فأخذ عن نور الله وأحمد بن شمس الأئمة ثم إلى بلاد الدشت وتلك النواحى ثم قطع بحر الروم إلى مملكة ابن عثمان فأقام بها نحو عشر سنين وترجم فيها للملك غياث الدين أبى الفتح محمد بن أبى يزيد مراد بن عثمان كتاب جامع الحكايات ولامع الروايات من الفارسى إلى التركى في نحو ست مجلدات وتفسير ابى الليث السمرقندي القادرى بالتركى نظما وباشر عنده ديوان الانشاء وكتب عنه إلى ملوك الأطراف عربيا وشاميا وتركيا ومغوليا وعجميا كل ذلك مع حرصه على الاستفادة بحيث قرأ المفتاح على البرهان الحوافي وأخذ عنه العربية أيضا فلما مات ابن عثمان رجع إلى وطنه القديم فدخل حلب فأقام بها نحو ثلاث سنين ثم الشام وكان دخوله اليها فى جمادى الاخرة سنة 825 فجلس بحانوت مسجد القصب مع شهوده يسيرا لكون معظم أوقاته الانعزال عن الناس وقرأ بها على القاضى شهاب الدين الحنبلي صحيح مسلم فى سنة 830(1/103)
فلما قدم العلاء البخارى سنة 832 مع الركب الشامى من الحجاز انقطع اليه ولازمه فى الفقه والأصليين والمعانى والبيان والتصوف وغير ذلك حتى مات وتقدم فى غالب العلوم وأنشأ النظم الفائق والنثر الرائق وصنف نظما ونثرا ومن تصانيفه مراة الأدب فى علم المعانى والبيان والبديع سلك فيه أسلوبا بديعا نظم فيه التلخيص عمله قصائد غزلية كل باب منه قصيدة مفردة على قافية ومقدمة فى النحو عقود النصيحة والرسالة المسماة العقد الفريد في التوحيد وهو مؤلف تاريخ تيمور وسماه عجائب المقدور فى نوائب تيمور وفيه بلاغة فائقة وسجعات رائقة وله فاكهة الخلفاء ومفاكهة الظرفاء والترجمان المترجم بمنتهى الأرب في لغة الترك والعجم والعرب وأشير اليه بالفضيلة وأجله الأكابر وكان أحد الأفراد فى اجادة النظم والنثر ومعرفة اللغات والمجىء بالمستظرفات واجادة الخط واتقان الضبط وعذوبة الكلام وملاحة المحاضرة وكثرة التودد ومزيد التواضع وعفة النفس ووفور العقل واستمر على جميل أوصافه حتى مات فى يوم الاثنين منتصف شهر رجب سنة 854 أربع وخمسين وثمان مائة وجرت له محنة من الظاهر جقمق شكى اليه حميد الدين فأدخله سجن أهل الجرائم فدام فيه خمسة أيام ثم أخرج واستمر مريضا من القهر حتى مات بعد اثنى عشر يوما ومن نظمه ( قميص من القطن من حله *** وشربه ماء قراح وقوت ) ( ينال بها المرء ما يبتغى *** وهذا كثير على من يموت ) ومن نظمه(1/104)
*** فعش ما شئت فى الدنيا وأدرك *** بها ما شئت من صيت وصوت ) ( فحبل العيش موصول بقطع *** وخيط العمر مقصوص بموت ) وله ( وما الدهر إلا سلم فبقدر ما *** يكون صعود المرء فيه هبوطه ) ( وهيهات ما فيه نزول وانما *** شروط الذي يرقى إليه سقوطه ) ( فمن صار أعلى كان أوفى تهشما *** وفاء بما قامت عليه شروطه ) وحكى السخاوى أنه أسر مع تيمور لنك ونقل إلى سمرقند ثم خرج منها فى سنة إحدى عشر وجال ببلاد الشرق ورجع إلى دمشق وقد جرى بينه وبين البرهان الباعونى المقدم ذكره مطارحات منها أن البرهان كتب إليه بستة أبيات التزم فيها قافية الظاء المشالة أولها ( أأحمد لم تكن والله فظا *** ولكن لا أرى لى منك حظا ) واستوفي كثيرا من اللغة فحصل لصاحب الترجمة ستة أبيات أخرى قبل نظرة فى كتب اللغة فعجب من كثرة اطلاعه وسعة دائرته ثم كتب إليه بأبيات التزم فيها الراء قبل الألف والراء بعدها أولها ( من مجيرى من ظلوم *** منه أبعدت فرارا ) واستوفى ما في الباب فكتب إليه صاحب الترجمة قصيدة بغداذية فلم يقدر على الجواب بمثلها وكتب إليه بقوله ( يا شهاب الدين يا *** أحمد يابن عرب شاه ) واستوفى القافية فظفر صاحب الترجمة بأشياء تركها فكتب إليه ( قد أتى الفضل عليه *** حلل اللفظ موشاه ) فتعجب البرهان من سعة دائرته واطلاعه ثم قال له أنا والله ما
عرفتك إلا الآن فقال له والله وإلى الآن ما عرفتني وطالت المكاتبة بينها على هذا المنوال حتى اجتمع من ذلك مجلد(1/105)
( 69 ) أحمد بن محمد بن عبد الهادي بن صالح بن عبد الله بن أحمد قاطن الحبابى
ثم الثلائى ثم الكوكبانى ثم الصنعانى كان مولده ليلة أربع عشرة محرم سنة 1118 ثمان عشرة ومائة وألف قرأ فى مدينة شبام وحصن كوكبان وتكسب بالتجارة في مبادىء عمره بشبام مع اشتغاله بالعلم واكبابه على الفنون ثم أخذ فى صنعاء عن السيد العلامة هاشم بن يحيى الشامى والسيد العلامة صلاح بن الحسين الأخفش والسيد العلامة أحمد بن عبد الرحمن الشامى وطالت ملازمته للثالث وقرأ عليه فى عدة فنون وبقى فى بيته سنين فعاونه عند الامام المنصور بالله الحسين بن القاسم ابن حسين بن الامام المهدى وكان السيد المذكور إذ ذاك متوليا للقضاء الأكبر بصنعاء فولى صاحب الترجمة القضاء وجعله من جملة حكامها فاتفقت حادثة كان بسببها عزل صاحب الترجمة مع أن الحق معه ثم لما كانت خلافة الامام المهدى لدين الله العباس بن الحسين ولاه القضاء بمدينة ثلاء ثم جعل إليه ولاية الأوقاف ثم بعد ذلك اعتقله وحصلت له محن وخرب بيته في ثلاء بسبب أن السيد العلامة قاسم بن محمد الكبسى احتسب عليه إذ ذاك أنه عمره فوق مقبرة ثم عوضه الله فملكه الأمام المهدى دارا عظيمة بصنعاء وبها أولاده الان وسائر أهله ثم بعد اعتقاله حج وبعد أيام ولاه الأمام المهدى القضاء الأكبر بمدينة صنعاء واستمر أياما وحمدت مباشرته مع اشتهاره بالعفة والنزاهة وعدم المحاباة فى شىء من الأمور لا لصغير ولا لكبير وكان يكثر الحط(1/106)
والانكار على بعض المتعلقين بأعمال الأمام المهدى كالفقيه على الجرافي ومن يشابهه فما زالوا بالامام المهدى حتى اعتقله قبل موته بنحو عام ثم استمر محبوسا إلى أيام مولانا الأمام المنصور بالله على بن العباس حفظه الله فافرج عنه فخرج إلى بيته وقد ثقل سمعه وضعفت قوته لعلو سنه ومع ذلك فما زال يقرىء من يطلب القراءة عليه وكان له شغف بالعلم وله عرفان تام بفنون الاجتهاد على اختلاف أنواعها وله شيوخ عدة وقد اختصر الاصابة وكتب مجلدا يشتمل على أسانيد الكتب العلمية إلى مصنفيها وترجم جماعة من رجال الاسناد وهو فى حكم المعجم وله كتاب اخر ذكر فيه تراجم لأهل عصره وكان له عناية كاملة بعلم السنة ويد قوية في حفظها وهو عامل باجتهاد نفسه لا يقلد أحدا واستمر مشتغلا بنشر العلم مجتهدا فىالطاعات حتى توفاه الله فى ليلة الجمعة سابع عشر جمادى الاولى سنة 1199 تسع وتسعين ومائة وألف وله أولاد أعلمهم عبد الحميد بن أحمد وله عرفان كامل في علوم الاجتهاد مع سمت ووفور عقل وجودة فهم وقوة إدراك وهو على طريقة والده فى العمل بالأدلة ومولده حسبما ذكر لي بخطه سابع عشر شهر جمادى الأولى سنة 1175 خمس وسبعين ومائة وألف وهو الان مكب على طلب العلوم مشتغل بالنظر فى أمر معاشه ومعاده مقبل على شأنه قد شغلته نفسه عن غيره ومن شعر والده المترجم له حسبما رأيت ذلك بخطه منسوبا إليه ( يا ساريا لسرى الحسن كم أسرت *** عيونه من كمى حار فى حوره ) ( نوافث السحر منها قيدته ضحى *** والله أعلم ما كان انتهى خبره ) ( فاعقل قلوصك واعقل من سريت له *** فأنه الشمس تعشوا العين من نظره )(1/107)
( 70 ) أحمد بن محمد بن على بن مربع بن حازم بن ابراهيم بن العباس المصرى الشافعى الشيخ نجم الدين ابن الرفعة ولد سنة 645 خمس وأربعين وستمائة وأخذ عن الضياء جعفر بن الشيخ عبد الرحيم والسديد الأرمى وابن بنت الأعز وابن دقيق العيد وغيرهم واشتهر بالفقه إلى أن صار يضرب به المثل وكان إذا أطلق الفقيه انصرف إليه بغير مشارك مع مشاركته فى العربية والأصول ودرس بالمعزية وأفتى وعمل الكفاية فى شرح التنبيه ففاق الشروح ثم شرع في شرح الوسيط فعمل به في أول الربع الثانى إلى آخر الكتاب وشرع في الربع الأول إلى أثناء الصلاة ومات فأكمله غيره وله تصانيف لطاف وولى حسبة مصر وناب فى الحكم ثم عزل نفسه وحج سنة 707 وكان حسن الشكل فصيحا ذكيا محسنا إلى الطلبة كثير السعى فى قضاء حوائجهم وكان قد ندب لمناظرة ابن تيمية وسئل ابن تيمية عنه بعد ذلك فقال رأيت شيخا يتقاطر فقه الشافعية من لحيته هكذا ذكر ابن حجر في الدرر وندب صاحب الترجمة لمناظرة ابن تيمية لا يفعله الا من لا يفهم ولا يدرى بمقادير العلماء فابن تيمية هو ذلك الامام المتبحر في جميع المعارف على اختلاف أنواعها وأين يقع صاحب الترجمة منه وماذا عساه يفعل في مناظرته اللهم إلا أن تكون المناظرة بينهما فى فقه الشافعية فصاحب الترجمة أهل للمناظرة وأما فيما عدا ذلك فلا يقابل ابن تيمية بمثله إلا من لا يفهم ولعل النادب له بعض أولئك الأمراء الذين كانوا يشتغلون بما لا يعنيهم من أمر العلماء كسلار وبيبرس وأضرا بهما ولا ريب أن صاحب الترجمة غير مدفوع عن(1/108)
تقدمه فى فقه الشافعية ولكن لا مدخل للمناظرة فيه بين مجتهد ومقلد وقد أثنى ابن دقيق العيد على صاحب الترجمة وكذلك السبكى وقال كان أفقه من الرويانى صاحب البحر قال الكمال جعفر برع في التفقه وانتهت إليه رياسة الشافعية فى عصره وكان دينا حسن الشكل جميل الصورة فصيحا مفوها كثير الأحسان إلى الطلبة قال القاضى أبو الطاهر السقطى كانت لى حاجة عند القاضى لتوليه العقود فتوجه ابن الرفعة معى إلى القاهرة فحضرنا درس القاضى فبحث معى ابن الرفعة في ذلك الدرس ثم جعل يقول ياسيدنا يازين الدين ترفق بى ثم عرف القاصى بى فقضى حاجتى ولما تولى ابن دقيق العيد القضاء توجه معى اليه ولم يكن له بى معرفة فقال له ما تذكر سيدنا لما درس العبد بالمعزية وشرفتهم بالحضور وأورد سيدنا البحث الفلانى وأجاب فقيه فى المجلس بكذا فاستحسن سيدنا جوابه هو هذا فولانى وحكاياته فى ذلك كثيرة قال وكان أولا فقيرا مضيقا عليه فباشر فى حرفة لا تليق به فلامه الشيخ تقى الدين ابن الصايغ فاعتذر اليه بالضرورة فتكلم له مع القاضى وأحضره درسه فبحث وأورد نظائر وفوائد فأعجب به القاضى وقال له إلزم الدرس ففعل ثم ولاه قضاء الواجبات فحسنت حاله ثم ولى أمانة الحكم بمصر فوقع بينه وبين بعض الفقهاء شىء فشهدوا عليه أنه نزل فقيه المدرسة عريانا فأسقط العلم السمهودى نائب الحكم عدالته فتعصب له جماعة ورفعوا امره إلى القاضى فقال انه لم يأذن لنائبه في الاسقاط فعاد لحاله ومؤلفاته تشهد له بالتبحر فى فقه الشافعية ولما ولى ابن دقيق العيد استمر على نيابة الحكم حتى حصل له أمر عزل فيه نفسه فلم يعده ابن دقيق العيد وسئل عن ذلك فقال أنا ما صرفته ثم تولى الحسبة في مصر إلى ان مات ليلة الجمعة ثامن عشر شهر رجب سنة 710 عشر وسبعمائة وكان كثير الصدقة مكبا على الأشتغال حتى عرض له وجع المفاصل بحيث كان الثوب إذا لمس جسده المه ومع ذلك فلا يخلو من كتاب معه ينظر إليه وربما إنكب على وجهه وهو يطالع(1/109)
( 71 ) أحمد بن محمد بن عماد بن على الشهاب أبو العباس القرافى المصرى ثم المقدسى الشافعى المعروف بابن الهائم ولد فى سنة 756 ست وخمسين وسبعمائة وسمع فى كبره من التقى ابن حاتم والجمال الأسيوطى والعراقى ونحوهم واشتعل كثيرا وبرع فى الفقه والعربية وتقدم فى الفرائض ومتعلقاتها وارتحل إلى بيت المقدس فانقطع به للتدريس والافتاء وناب هنالك فى تدريس الصلاحية وانتفع به الناس وكان خيرا مهابا معلما قوالا بالحق علامة في فنون انتهت إليه الرئاسة فى الحساب والفرائض وجمع في ذلك عدة تآليف عليها يعول الناس من بعده منها كتاب الفصول والجمل الوجيزة والأرجوزة الألفية كلها في الفرائض وكتاب المعونة واللمع المرشدة ومختصر تلخيص ابن البناء كل ذلك فى الحساب والمنظومة اللامية فى الجبر والمقابلة والطريقة فى المناسخة المشهورة الآن وفي الفقه شرح قطعة من المنهاج فى مجلد وغاية السؤل فى الدين المجهول وتحقيق المعقول والمنقول فى رفع الحكم الشرعى قبل بعثة الرسول ورسائل في مسائل عدة واختصر اللمع لأبي اسحاق الشيرازي في الأصول وله فى العربية الضوابط الحسان فيما يقوم به اللسان ونظم قواعد الأعراب وشرحها والتبيان فى تفسير غريب القرآن والعقد النضيد في تحقيق كلمة التوحيد كتب منه ثلاثين كراسا والبحر العجاج فى شرح المنهاج وقطعة من التفسير وابراز الخفايا فى فن الوصايا وسارت بمؤلفاته وفضائله الركبان وتخرج به كثير من الفضلاء ورحلوا اليه من الافاق وأخذ الناس عنه طبقة بعد طبقة وتوفى فى العشر الأواخر من جمادى الاخرة سنة 815 خمس عشرة وثمان مائة وكان نادرة عصره فى الفرائض والحساب رحمه الله(1/110)
( 72 ) السيد أحمد بن محمد بن لقمان بن أحمد بن شمس الدين بن الامام المهدى أحمد بن يحيى أحد علماء الزيدية المشاهير لقى جماعة من أعيان العلماء وأخذ عنهم وشهد له بالفضل أكابر منهم السيد العلامة الحسين بن الامام القاسم فانه وصفه بالاجتهاد ومن مشايخه الشيخ لطف الله بن محمد الغياث والسيد أحمد الشرفى المذكور بعده وكان يدرس الطلبة بجامع شهاره وله تصانيف منها شرح الكافل وشرح الأساس وشرح التهذيب للتفتازانى وكتب تعاليق على المفصل والفصول اللؤلؤية وأوائل المنهاج وشرح بعضا من البحر الزخار وكان أحد أمراء الجيوش فى أيام الامام المؤيد بالله محمد بن القاسم وله فى ذلك مقامات مشهورة وتوفي في يوم الخميس تاسع شهر رجب سنة 1039 تسع وثلاثين وألف(1/111)
( 73 ) السيد أحمد بن محمد الشرفي
العلامة المؤرخ مصنف اللئالى المضية جعلها شرحا لقصيدة السيد صارم الدين ابراهيم بن محمد التى عارض بها البسامة وهو شرح حافل في ثلاث مجلدات وتوفى في شهر الحجة سنة 1055 خمس وخمسين وألف سنة ومن مصنفاته شرح الأساس وشرح الأزهار فى أربعة مجلدات وله أشعار وأخبار وجهاد واجتهاد ومولده سنة 975 خمس وسبعين وتسعمائة ومن جملة مشايخه الامام القاسم بن محمد وله تلامذة جهابذه(1/112)
( 74 ) أحمد بن محمد بن محمد بن حسن بن على بن يحيى بن محمد بن خلف الله بن خليفة التقى أبو العباس الهيمى الدارى القسنطينى الأصل السكندرى المولد القاهرى المنشأ المالكى ثم الحنفى ويعرف بالشمنى بضم المعجمة والميم ثم نون مشددة نسبة إلى مرزعة ببعض بلاد المغرب أو إلى قرية ولد فى العشر الأخيرة من رمضان سنة 801 إحدى وثمان مائة باسكندرية وقدم القاهرة مع أبيه فأسمعه عن ابن الكويك والجمال الحنبلى والولى العراقى وجماعة وأجاز له
اخرون وقرأ فى الأصلين والنحو والمعانى والبيان والمنطق وغيرهما ومن جملة مشايخه العلاء البخارى والصيرامى وتحول حنيفا فى سنة 834 وبرع فى جميع المعارف وصنف حاشية المغنى لخصها من حاشية الدمامينى وكذلك مزيل الخفاء عن ألفاظ الشفاء وشرحا متوسطا للنقاية في فقه الحنفية وقرأ ذلك مرارا وتنافس الناس فى تحصيل الحاشية وتوسل بعض المغاربة بسلطانهم عند من ارتحل اليه وكتبها فى أعاربها كذا قال السخاوى وقد رأيت حاشيته على المغنى وحضرت عند قراءة الطلبة على في الأصل فما وجدتها مما يرغب فيه لا بكثرة فوائد ولا بتوضيح خفى ولا بمباحثه مع المصنف بل غايتها نقول من كلام الدمامينى وإنى لأعجب من تنافس الناس فى مثلها وكذلك حاشية الشفاء فانها فى نحو أربع كراريس وفيها تفسير ألفاظ غريبة من اللغة يقوم بذلك أدنى الطلبة اذا حضر لديه القاموس فضلا عن غيره وقد انتفع الناس بصاحب الترجمة فى فنون متعددة وقرأ عليه طبقة بعد طبقة وأخذوا عنه علوما جمة لاسيما الكتب الكبيرة الدقيقة كالكشاف والبيضاوى وشرح المواقف وشرح المقاصد والعضد والرضى والمطول وانفرد بتقرير جميع ذلك من دون ملاحظة للحواشى وقد انتفع به جماعة من الأكابر كالأسيوطى والسخاوى وغيرهما وكان اماما متفننا متين الديانة زاهدا عفيفا متواضعا حسن الصفات قوى الادراك ورسم له السلطان بفرس يركبها فركبها قليلا ثم عجز ونزل عنها وتركها فقالوا له إذا لم تركبها فانتفع بثمنها ولم ينفك الفضلاء عن ملازمته والأكابر عن الأخذ عنه وكان لا يكتب على الفتاوى ولا يجيب مافيه شهرة من الأمور بل غالب ما يهواه الأنجماع(1/113)
والخمول وقد كان عرض عليه القضاء وجاءه كاتب السر وأخبره أنه ان لم يجب نزل السلطان اليه فصمم وقال الاختفاء ممكن فقال له فيما تجيب إذا سألك الله عن امتناعك مع تعينه عليك فقال يفتح الله حينئذ بالجواب ولم يكن يحابى في الدين أحدا التمس منه بعض الشباب من ذوى البيوت أن يأذن له بالتدريس بعد أن أهدى اليه شيا فبادر الى رد الهدية وامتنع من الاذن وقد تزاحم الناس عليه فى آخر أيامه وصار شيخ الفنون بلا مدافع وجميع الأعيان من جميع المذاهب تلامذته ومات في سابع عشر ذى الحجة سنة 872 اثنتين وسبعين وثمانمائة ولم يخلف بعده في مجموعة مثله وخلف ألف دينار وذكرين وأنثى من جارية(1/114)
( 75 ) أحمد بن مصطفى بن خليل الرومى الحنفى المعروف بطاشكبرى
ولد ليلة الرابع عشرة من شهر ربيع الأول سنة 901 إحدى وتسعمائة وقرا على جماعة من علماء الروم في عدة فنون وتولى القضاء بمدينة بروسا أحدى مدائن الروم ثم بالقسطنطينية وهو مصنف الشقائق النعمانية في علماء الدولة العثمانية وقد ترجم لنفسه فى اخرها وذكر مشايخه ومقروءاته وذكر أنه عمى في سنة 961 ولم أقف على تاريخ موته(1/114)
( 76 ) أحمد بن موسى الخيالى الرومى قرأ على والده وعلى خضر بك وبرع فى العلوم العقلية وفاق أقرانه ودرس بمدارس الروم وكان دقيق الذهن باهر الذكاء أفحم أكابر علماء عصره في دقائق العلوم وكان كثير الدرس قليل الأكل حتى صار نحيفا بحيث انه كان يحلق باصبعه السبابة والابهام ويدخل فيها يده فينتهى الى عضده وله مصنفات منها حواشى شرح العقائد وحاشية على اوائل حاشية التجريد ومات وله ثلاث وثلاثون سنة شابا ولو عاش لزاحم الشريف وأضرابه وهو موجود في دولة السلطان محمد خان بن مراد خان وكان قعوده على تخت السلطنة سنة 855 كما سياتى ان شاء الله
( 77 ) الامام المهدى احمد بن يحيى بن المرتضى بن مفضل بن منصور بن مفضل ابن حجاج بن على بن يحيى بن القاسم بن يوسف الداعى بن يحيى المنصور ابن أحمد الناصر بن يحيى الهادى بن الحسين بن القاسم بن ابراهيم بن اسماعيل بن ابراهيم بن الحسن بن الحسن بن على بن أبى طالب الامام الكبير المصنف فى جميع العلوم ولد بمدينة ذمار يوم الاثنين لعله سابع شهر رجب سنة 775 خمس وسبعين وسبعمائة قرأ في علم العربية فلبث فى قراءة النحو والتصريف والمعانى والبيان قدر سبع سنين وبرع في هذه العلوم الثلاثة وفاق غيره من أبناء زمانه ثم أخذ في علم الكلام على صنوه الهادى وعلى القاضى يحيى بن محمد المدحجى فسمع على الآخر الخلاصة وحفظ الغياضة ثم شرح الأصول للسيد ما نكديم ثم أخذ فى علم اللطيف فقرأ تذكرة ابن متويه على القاضى المذكور مرة ثم على القاضى على بن عبد الله بن أبى الخير مرة أخرى ثم قرأ عليه المحيط والمعتمد لأبى الحسين البصرى ومنتهى السؤل وسمع على الفقيه على بن صالح السيرة النبوية ونظام الغريب ومقامات الحريرى وعلى المقرىء المعروف بابن النساخ الكشاف وعلى أخيه الهادى المتقدم علم الفقه وقرأ غير ذلك وتبحر فى العلوم واشتهر فضله وبعد صيته وصنف(1/115)
التصانيف ففى أصول الدين نكت الفرائد فى معرفة الملك الواحد والقلائد وشرحها الدرر الفرائد والملل وشرحها الأمنية والأمل ورياضة الأفهام فى لطيف الكلام وشرحها دامغ الأوهام وفي أصول الفقه كتاب الفصول فى معانى جوهرة الأصول ومعيار العقول وشرحه منهاج الوصول وفى علم النحو الكوكب الزاهر شرح مقدمة طاهر والشافية شرح الكافية والمكلل بفرائد معانى المفصل وتاج علوم الأدب فى قانون كلام العرب واكليل التاج وجوهرة الوهاج وفى الفقه الأزهار وشرحه الغيث المدرار فى أربعة مجلدات والبحر الزخار فى مجلدين وفى الحديث كتاب الأنوار فى الآثار الناصة على مسائل الأزهار في مجلد لطيف وكتاب القمر النوار فى الرد على المرخصين فى الملاهى والمزمار وفى علم الطريقة تكملة الأحكام وفى الفرائض كتاب الفائض وفى المنطق القسطاس وفى التاريخ الجواهر والدرر وشرحها يواقيت السير وقد انتفع الناس بمصنفاته لا سيما الفقهية فان عمدة زيدية اليمن فى جميع جهاته على الازهار وشرحه والبحر الزخار ولما اشتهرت فضائله وكثرت مناقبه بايعه الناس عند موت الامام الناصر فى شهر شوال سنة 793 بمدينة صنعاء بمسجد جمال الدين ثم خرجوا إلى بيت بوس فترجح لأهل بيت بوس أن تكون الدعوة من مكانهم وأظهروا الكلام والتنصير فبادر رجل من(1/116)
صنعاء فوجد أهل صنعاء في صلاة الجمعة وقد كانت وقعت المبايعة بالليل لولد الإمام الناصر وهو الامام المنصور على بن صلاح الدين فلما بلغهم ذلك انزعجوا وجعلوا مخرجهم من الجامع الى حصار بيت بوس فأحاطوا به ووقع القتال فقتل من أهل بيت بوس نحو عشرة ومن جيش المنصور على بن صلاح قدر خمسين فى ثلاثة عشر يوما ثم وقع الصلح بين الجميع على أن يرجعوا إلى ما يقوله العلماء ورجعوا جميعا إلى صنعاء ومعهم صاحب الترجمة فلما وصلوا إلى صنعاء لم يحصل منهم الوفاء بما وقع عليه التصالح فرجع من ناحية باب شعوب هو وسبعة أنفار في الليل ووصلوا إلى بنى شهاب فأجابوا دعوته وامتثلوا أمره ومضت أوامره هنالك وجرت أحكامة فأخرج المنصور الى قتاله بعض المقدمين من أمرائه فكان النصر لصاحب الترجمة ثم استخلف على جهات أنس السيد على بن أبى الفضائل وعزم ووصلته الكتب من أهل الجهات العليا ومن الاشراف آل يحيى وأهل الظاهر واستدعوه للنهوض إلى صعده فما وصل الى محيب من جهة ناحية حضور لقيه العلماء والقبائل ثم وصلته رسل الأمراء بنى تاج الدين أهل الطويلة وكوكبان فتقدم الى الطويلة وصلحت جميع تلك الجهات ودخلت تحت طاعته فلما علم المنصور وامراؤه بذلك خافوا منه على صعده فراسلوا السيد على بن أبى الفضائل بانهم لا يريدون الا الحق وأنهم مع اختلاف الكلمة يخافون على البلاد من سلطان اليمن وعرفوه أنه يسترجع الامام فوصلت اليه كتب السيد يستنهضه ويحرج عليه بانه لا يجوز التأخر ساعة واحدة فرجع فلم يقع الوفاء بما وعده المنصور فاقام الامام في رصابه ثم خرج جيش من صنعاء من جيش المنصور على(1/117)
غرة فلم يشعر الامام الا وقد أحاطوا به فلما علم أنه لا طاقة له بهم وقع الصلح على سلامة من معه من العلماء وسائر أصحابه ويخرج هو اليهم يذهبون به معهم فلما صار فى جامع معبر نقضوا عهدهم وقتلوا من كان في الدار وكان فى المقتولين ثمانية من الفقهاء وسلم منهم جماعة فأسروا معه ودخلوا بهم ذمار دخلة منكرة ثم قيدوه وقيدوا معه السيد على بن الهادى ابن المهدى والفقيه سليمان وغيرهم بقيود ثقيلة وأطلقوا بقية الفقهاء ثم ساروا إلى صنعاء فلما قربوا منها أحاط بهم السفهاء يؤذونهم بالكلام وهم فى المحمل فقال الفقيه سليمان أدع عليهم فرفع سجاف المحمل وسلم عليهم فلما رأوه كفوا عن الأذية ودعوا الله أن ينفعهم به ثم سجن بقصر صنعاء من سنة 794 إلى سنة 801 وفى الحبس صنف الأزهار ثم خرج بعناية من الذين وضعوا لحفظه وكان خروجه بين المغرب والعشاء وسار الى هجرة العين ثم طلع فى جوف الليل الى حصن ثلا وطلب الناس منه اظهار الأمر الذي كان عليه فرجح التأخير حتى يختبرهم ثم بعد ذلك تقدم على صعده مع على بن المؤيد وقد دعا في أيام حبسه فافتتحا صعده ثم قدم المنصور بعض امرائه ثم تلاشى الأمر وتثبط الناس عن نصرته فأراح قلبه عن التعلق بهذا الأمر وعكف على التصنيف واكب على العلم حتى توفاه الله تعالى فى شهر القعدة سنة 840 أربعين وثمان مائة بالطاعون الكبير الذي مات منه أكثر الأعيان وقبره بظفير حجه مشهور مزورومات المنصور على بن صلاح في هذه السنة فى شهر(1/118)
( 78 ) أحمد بن بحيى حابس الصعدي اليمانى أحد مشاهير علماء الزيدية وله مشايخ كبراء منهم الامام القاسم بن محمد وبرع في علوم عدة وصنف تصانيف منها شرح تكملة الاحكام وشرح الشافية لابن الحاجب ولم يكمل وشرح الكافل وتكميل شرح الأزهار والمقصد الحسن وجميع تصانيفه مقبوله وله شرح على الثلاثين مسألة في اصول الدين وتولى القضاء بصعده واستمر فيه حتى مات فى ليلة الاثنين رابع عشر شهر ربيع الأول سنة 1061 احدى وستين والف(1/119)
( 79 ) أحمد المكر
بفتح الميم والكاف وتشديد الراء المهملة رجل من أهل اليمن الأسفل رأيته فى سنة 1215 وقد صار فى سن عالية أخبرنى أنه في مائة وأربع وعشرين سنة ونصف سنة ومع هذا فهو صحيح العقل والحواس مستقيم القامة حسن العبارة وله تعلق بالتصوف تام ورأيته كثير المكاشفة ثم بعد هذه السن تزوج وولد له كما أخبرنى عن نفسه فى سنة 1216 وأخبرنى غيره ورأيت رجلا اخر على رأس القرن الثانى عشر يذكر أنه قد صار فى مائة سنة وسبع وعشرين سنة ونصف سنة ويذكر أنه من بنى الهبل فصدقوه فى علو سنة وهذا العمر خارج عن العادة المعروفة فى هذه الأزمنه مع كون كل واحد من الرجلين صحيح الحواس قوى البدن ومما يحسن ذكره هنا أن رجلا يقال له حسين عامر الداغية من بلاد الحدا بلغ فى العمر الى نحو تسعين سنة ثم ظهر برأسه قرنان كقرون المعز فوق أذنيه وانعطفا على أذنيه وشاعت الأخبار بذلك الى أن بلغت الينا الى مدينة صنعاء وكان المخبرون ثقات من أهل العلم ثم لما بلغ الخبر خليفة العصر حفظه الله أرسل رسولا يأتى به وكان ذلك باطلاعى فرجعت جوابات من شيخ ذلك المحل وهو رجل يقال له سعد مفتاح أن صاحب القرون موجود لديهم بيقين ولكنه قطعهما لما تأذى بهما ورأيت الجوابات ثم تواترت القضية تواترا لم يبق فيه شك وذلك فى سنة 1215 ومن الغرائب الحادثة في هذا العام ان امرأة قد كانت قريب البلوغ فخرج لها فى فرجها ذكر وصارت رجلا بعد أن كانت امرأة وقد أخبرنى بذلك السيد العلامة محمد بن يحيى الكيسى وقال ان فرجها كان ثقبا صغيرا وأنه امرها بعد ظهور الذكر ان تلبس لبس الرجال فلبسته وهى الان كذلك(1/120)
( 80 ) السيد أحمد بن يوسف بن الحسين ين الحسن ابن الامام القاسم
المحقق العلامة المحدث البارع فى علم السنة المشهور بحفظها وحفظ رجالها حتى لقب الحديث لغلبته عليه كان عارفا بفنون الالة جميعا وله يد طولى فى علم الأدب وقصائد طنانة وله تخريج لمجموع الامام زيد بن على نفيس يدل على طول باعه في علم الرواية وكان مشهورا بدماثة الأخلاق والتواضع والأحتمال والصبر وسكون الطبع والوقار وله في ذلك أحوال عجيبة حتى كان إذا تركه أهله من طعامه وشرابه أوشىء مما يحتاج إليه لا يطلب ذلك منهم ولا يظهر عليه غضب بل يحتمل كل شيء وهذا في خواص أهله الذين هم محل تبذل الأنسان وعدم تحفظه فما ظنك بسائر الناس فمن قصائده الطنانة القصيدة التي أولها ( أيها القاصر الفعال على اللهو *** ألما يئن لك الأقصار ) ( قد أتاك المشيب فيه من الله *** إليك الأعذار والأنذار ) ( فاترك اللهو جانبا واحتشمه *** فهو ضيف قراه منك الوقار ) ( ان سكر الشباب لم يبق منه *** بعد صحو المشيب الا الخمار ) ( قد تولى ريعانه وهو ليل *** وأنار القتير وهو نهار ) ( أضلال من بعد أن وضح الصبح لرائيه فاستبان المنار ) ( صخك الشيب منه فابك خطايا *** ك وأقلل فحتفك الاكثار ) ( ليس خمسون حجة بعدها عز *** ف ولا صبوة ولا استهتار ) ( ذهب المتقون بالله بالعز *** وذل العصاة والذل عار ) ( واتبع في الورى الذين قفوا أحمد فى فعله وما عنه جاروا ) ( سلكوا نهجه القويم فللحق على الخلق عندهم ايثار ) ( مالهم مذهب سوى الخبر المر *** وى عنه ولا لهم اختيار ) وهي ابيات طويلة ومن نظمه ( ياليلة بالقصر قصرها *** طيب عليها لذ لى قصر ) ( قد أمكنت كفى من قمر *** ألقت الى عنائه الخمر ) ( فغدوت أجنى الهم منه وقد *** أدنى الى قضية الهصر ) ( وسكرت من فيه ومن يده *** خمرين خيرهما حوى الثغر ) ( وغدا لسان الحال ينشدنى *** متمثلا شعرا هو السحر ) ( يامنة امتنها السكر *** لا ينقضى منى لها الشكر ) واستمر على حاله الجميل ناشرا لعلومه متواضعا فى كل أحواله حتى توفاه الله تعالى في أواخر شهر جمادى الاخرة سنة 1191 وكان مولده بعد سنة 1120 ونشأ بصنعاء وأخذ عن علمائها(1/121)
( 81 ) السيد أحمد بن يوسف بن الحسين بن أحمد بن صلاح ابن أحمد بن الحسين بن على زباره بفتح الزاى بعدها موحدة وبعد الألف راء مهملة نسبة الى محل يقال له زبار فى بلاد خولان ولد سنة 1166 أو في التى بعدها وقرأ على مشايخ صنعاء فمن جملة مقروءاته القراءات السبع تلاها على الشيخ العلامة هادى بن حسين القارنى الآتى ذكره ان شاء الله تعالى وقرأ النحو والصرف والمعانى والبيان والاصول على مشايخ صنعاء ومن حملتهم شيخنا العلامة الحسن بن اسمعيل المغربى الآتى ذكره انشاء الله وقرأ الفقه على الفقيه العارف شيخنا أحمد بن عامر الحدائى وعلى الفقيه العارف سعيد ابن اسمعيل الرشيدى وقرأ فى الحديث على السيد العلامة الحسين بن يحيى الديلمى وفى التفسير على المغربى المتقدم وبرع في اكثر هذه المعارف وأفتى ودرس وصار الان من شيوخ العصر ورافقنى في قراءة التفسير على شيخنا المغربى وحضر في قراءة الطلبة على في شرحى للمنتقى وطلب منى اجازته له وقد كنت فى أيام الصغر حضرت عنده وهو يقرأ فى شرح الفاكهى للملحة وهو أكبر منى فانه كان اذ ذاك فى نحو ثلاثين سنة وهو حسن المحاضرة جميل المروءة كثير التواضع لا يعد نفسه شيئا يعتريه فى بعض الحالات حدة ثم يرجع سريعا وقد يقهرها بالحلم وليس بمتصنع فى ملبسه وجميع شؤونه وبينى وبينه مجالسة ومؤانسة ومحبة اكيده من قديم الأيام ولما كان شهر رجب سنة 1213 صار قاضيا من جملة قضاة الحضرة المنصورية أعزها الله وعظمه مولانا الامام تعظيما كبيرا بعد أن اشرت عليه بنصبه وعرفته بجليل مقداره وهو الان حال تحرير هذه الأحرف مستمر على القيام بوظيفة القضاء ناشر للعلم بقدر الطاقة(1/122)
( 82 ) أحمد بن يوسف الرباعى
ولد بصنعاء سنة 1155 خمس وخمسين ومائة وألف ونشأ بها فأخذ عن جماعة من علمائها فى الفقه والعربية والحديث ومن جملة من أخذ عنه السيد ابراهيم بن محمد الأمير واتصل بالحاكم الأكبر يحيى بن صالح السحولى فكان يلى له أعمالا فيحكمها ويتقنها ثم بعد موته اتصل بى وأخذ عنى فى الحديث فقرأ على فى البخارى وفى الأحكام للهادى وحضر عندى فى كثير من الدروس وصار الان من جملة الحكام فى صنعاء وهو مستمر على ملازمتى وكثيرا ما أفوض اليه أعمالا فيقوم بها أتم قيام وله فهم قوى وعرفان تام وانصاف وفهم للحقيقة وعدم جمود على التقليد مع حسن سمت وسكون ووقار وهو عند تحرير هذا يقرأ على فى شرحى للمنتقى وفى مؤلفى المسمى بالدرر وشرحه المسمى بالدرارى وولده حسن ابن أحمد من أذكياء الطلبة وله سماع على فى المؤلفين المذكورين وهو مع حداثة سنه يسابق فى فهمه وستأتى له ترجمة مستقلة إن شاء الله تعالى(1/123)
( 83 ) اسحق بن محمد العبدى الصعدى اليمانى
ولد تقريبا فى وسط القرن الحادى عشر وقرأ على شيوخ عصره فى جميع الفنون وبرع وفاق الأقران وصار منفردا في جميع علومه وله شيوخ أجلاء منهم القاضى صالح بن مهدى المقبلى الاتى ذكره واتصل بالامام المهدى صاحب المواهب فعظمه وصار من جملة وزرائه بعد أن كان فى غاية الفقر ونهاية المكابدة للحاجة ثم جرى بينه وبينه شىء فارتحل المذكور الى بلاد الهند وأكرمه سلطانها اكراما عظيما وطوف تلك البلاد وتردد في الجهات واتصل بالعلماء والملوك وغيرهم وظفر بكتب واسعة وتبحر فى المعارف ودرس وصنف فمن مصنفاته الحافلة المفيدة المؤلف الذي سماه الاحتراس مجيبا على الكردى مؤلف النبراس الذي اعترض به على مؤلف الامام القاسم بن محمد المسمى بالأساس ولقد أتى صاحب الترجمة فى مؤلفه هذا بما يفوق الوصف من التحقيقات الباهرة وضايق الكردى مع تبحره في العلوم مضايقة شديدة وكان يبين مواضع نقل الكردى ثم ينقل بقية الكلام الذي تركه في المنقول منه كالمواقف والمقاصد وشرح التجريد ونحو ذلك وكثيرا ما يوجد فى الكلام ما يدفع ما أورده الكردى ثم بعد ذلك يتكلم بكلام لا يعرف قدره الا من تبحر فى علوم العقل والنقل ولقد سلك مسالك فى هذا الكتاب يبعد الوصول اليها من كثير من المحققين وله أشعار رائقة ورسائل فائقة وترسلات بليغة وخطة فى الطبقة العليا من الحسن وحاصله أن مثله في مجموعه قليل النظير وتوفى في سنة 1115 خمس عشرة ومائة وألف بأبى عريش وقبر هنالك ومن نظمه ( قف بالرسوم العافيات نادبا *** وأد من حق البكاء واجبا ) ( وناد وصل الغانيات نادما *** يا ايبا أن لا يكون ايبا ) ( فلا تلام ان وقفت شاكيا *** وان وقفت الدمع فيها ساكبا ) ( معاهد عهدتها ملاعبا *** فقد غدت برغمنا متاعبا ) ( مازلت في شرع الغرام قاضيا *** لكنه غدا على قاضبا ) ( ولم تكن عزايمى نوائبا *** وكم وقفت فى النوى نوائبا ) ( فما لمخضوب البنان معرضا *** عن وصل مسلوب الجنان جانبا ) ومن شعره أيضا قوله ( أمر بدارها فأطوف سبعا *** وألثم ركنها من بعد لمس ) ( فسمونى بعبد الدار جهلا *** وما علموا بانى عبد شمس )(1/124)
( 84 ) السيد اسحق بن يوسف بن المتوكل على الله اسماعيل بن الامام القاسم بن محمد
ولد حسبما وجد بخطه فى سنة 1111 احدى عشرة ومائة وألف وهو امام الآداب والفائق في كل باب على ذوى الألباب قرأ في الالات ولم تطل أيام طلبه بل هو بالنسبة الى ايام طلب غيره من الطلبة لا تعد ولكنه نال بقوة فكرته الصادقة وجودة ذهنه الفائقة مالا يناله غيره من أهل الاشتغال الطويل ثم قرأ بعد ذلك فى علم الحديث على السيد العلامة محمد بن اسماعيل الأمير وكان يتعجب من ذكائه وله مصنفات منها تفريج الكروب فى مناقب على بن أبى طالب كرم الله وجهه وهو كتاب نفيس وله رسائل كالرسالة التى سماها الوجه الحسن المذهب للحزن وفيها من البلاغة وحسن المسلك ما يشهد له بالتفرد ومضمونها الانكار على من عادى علم السنة من الفقهاء الزيدية وعلى من عادى علم الفقه من أهل السنة وكان يميل إلى الانصاف ولكنه لا يظهر ذلك لشدة الجامدين من الفقهاء على من أنصف ولم يتعصب للمذهب وهو الذي أورد السؤال واستشكا له بقوله في أوله ( أيها الأعلام من ساداتنا *** ومصابيح دياجى المشكل ) ( خبرونا هل لنا من مذهب *** يقتفى فى القول أوفى العمل ) ( ام تركنا هملا نرعى بلا *** سائم نقفوه نهج السبل ) ( فاذا قلنا ليحيى قيل لا *** ههنا الحق لزيد بن على )(1/125)
( وإذا قلنا لزيد حكموا *** أن يحيى قوله النص الجلى ) ( واذا قلنا لهذا ولذا *** فهم خير جميع الملل ) ( أو سواهم من بنى فاطمة *** أمناء الوحى بعد الرسل ) ( قرروا المذهب قولا خارجا *** عن نصوص الال فابحث وسل ) ( ان يكن مجتهدا قرره *** كان تقليدا له كالأول ) ( ان يكن قرره من دونه *** فقد انسد طريق الجدل ) ( ثم من ناظر أو جادل أو *** رام كشفا لقذى لم ينجلى ) ( قدحوا فى دينه واتخذوا *** عرضه مرمى سهام المنصل ) ثم أجاب عن هذا السؤال علماء عصره وكثرت الجوابات الى غاية وهى مجموعة عند كثير من الناس ولم يعجب المترجم له شىء منها ثم انه رام كشف الاشكال وجمع رسالة سماها التفكيك لعقود التشكيك فلما وقفت عليها لم استحسنها بل كتبت عليها جوابا سميته التشكيك على التفكيك ولعل الذي حمله على ذلك الجواب تعويل جماعة عليه ممن علم أنه السائل والظاهر أنه قصد بالسؤال ترغيب الناس الى الأدلة وتنفيرهم عن التقليد كما يدل على ذلك قصيدته التى أوردها القاضى العلامة أحمد بن محمد قاطن فى كتابه الذي سماه تحفة الاخوان بسند سيد ولد عدنان وأولها ( تأمل وفكر فى المقالات وأنصت *** وعدعن ضلالات التعصب والفت ) وقد ذيلت أنا هذه القصيدة بقصيدة أطول منها وأولها ( مسامع من ناديت يا عمرو سدت *** وصمت لدى صفو من النصح صمت ) وهى موجودة فى مجموع شعرى وقد أوردت كثيرا منها فى الجواب(1/126)
على التفكيك المشار اليه وسكن المترجم له سربه وهى نزهة قريب ذمار جارية الأنهار باسقة الأشجار ثم باعها وفر الى أبى عريش الى شريفها وكاتب من هنالك أنه يريد رجوع ما باعه ثم جرت خطوب اخرها أنه عاد الى حضرة مولانا الامام المهدى العباس بن الحسين وقد كان يكثر الاحسان اليه كما كان والده المنصور يكثر الاحسان اليه كذلك وكان مفرط الكرم لا يبالى بما أخذولا بما أعطى وله أشعار رائقة فائقة مجموعة فى كراريس جمعها السيد الأديب محمد بن هاشم بن يحيى الشامى رحمه الله وهى مشهورة بايدى الناس فلا حاجة الى ايراد شىء منها ومات فى سنة 1173 ثلاث وسبعين ومائة والف وقد كان يحكى عن نفسه أن أجود شعره القصيدة التى مدح بها الامام المنصور بالله الحسين بن القاسم رحمه الله وهى ( حقيقة عشق فى الفؤاد مجازها *** لها فرض عين فى الخدود جوازها ) ( وما كنت أدرى أن للعشق دولة *** تذل لها أبطالها وعزازها ) وهى قصيدة طويلة مشتملة على بلاغة بليغة(1/127)
( 85 ) السيد اسماعيل بن ابراهيم ابن الحسين بن الحسن بن يوسف بن الامام المهدى لدين الله محمد بن المهدى لدين الله أحمد بن الحسن بن الامام القاسم رحمهم الله ولد سنة 1165 خمس وستين ومائة والف بصنعاء المحمية بالله ونشأ بها واشتغل بالمعارف العلمية وهو ذو فكر صحيح ونظر قويم رجيح وفهم صادق وادراك تام وكمال تصور وعقل يقل وجود نظيره وحسن سمت فائق وتأدب رائق وبشاشة أخلاق وكرم أعراق أخذ عنى في الفقه والاصول والحديث فقرأ على فى شرح الأزهار وشرح الغاية وشفاء الأمير الحسين وأمالى أحمد بن عيسى والأحكام للهادى وفي البخارى والهدى وشرحى للمنتقى ومؤلفى المسمى بالدرر وشرحه المسمى بالدرارى وفى الكشاف وغير ذلك وهو الان مكب على الطلب له فيه أكمل رغبة وأتم نشاط وعظم اقبال وصار الان يكتب تفسيرى الذي سميته فتح القدير بعد أن كتب غالب مصنفاتى وسمعها على وله اشتغال بالعبادة ومحبة للاستكثار منها ومن حسن أخلاقه واحتماله أنى لم أعرفه مع طول ملازمته لى أنه قد غضب مرة واحدة مع كثرة ما يدور بين الطلبة من المذاكرة والمناظرة المفضية في بعض الحالات إلى تكدر الأخلاق وظهور بعض القلق وهذه منقبة عزيزة الوجود وكان والده رحمه الله معدودا من علماء الفقه وأخوه العلامة العلم ستأتى له ترجمة مستقلة إن شاء الله ولصاحب الترجمة نظم حسن فمنه ما كتب إلى وقد أهدى لى طاقة زهر منثور ( اليك ياعز الهدى *** نظام منثور أتى ) ( هدية أبرزها الر *** بيع فى فصل الشتا ) ( حقيرة لكنها *** طابت شذى ومنبتا ) ( كأصلك الزاكى الذي *** أبدى لنا خير فتى ) ( فاقبل وسامح ناظما *** قصر فيما نعتا ) فأجبت بقولى ( يابن الأولى في شأنهم *** بهل أتى المدح أتى ) ( ومن هم القادة إن *** أعضل خطب أو عتا )
( بحلق من فضة *** بعثت ياخير فتى ) ( كانه الجامات فى *** فيروزج قد نعتا ) ( أو الثريا أو عقو *** د الدر إن مانبتا ) ( نظمك والمنثور وا *** فانى متى الوصل متى )(1/128)
( 86 ) اسماعيل بن ابراهيم بن عبد الصمد الهاشمى العقيلى الجبرتى ثم الزبيدى الشافعى ولد سنة 722 اثنتين وعشرين وسبعمائة وكان له أحوال ومقامات ولأهل زبيد فيه اعتقاد كبير وكان يلازم قراءة سورة يس ويأمر بها ويزعم أن قراءتها لقضاء كل حاجة وكان أول ظهور أمره انه بشر السلطان الأشرف بانهزام جند قصدوه وكان الأمر كذلك وصارت له بذلك عنده منزلة وكلمة لا ترد وكان منزلة ملجأ لأهل العبادة ولأهل البطالة وأهل الحاجات فأهل العبادة يحضرون للذكر والصلاة وأهل البطالة للسماع واللهو وأهل الحاجات لوجاهته فأنه تتلمذ له أحمد بن الرداد ومحمد المزجاجي فجالسا السلطان وكان مغرى بالسماع والرقص داعيا إلى نحلة ابن عربى حتى صار من لايحصل نسخة من الفصوص تنقص منزلته عنده واشتد البلاء على العلماء الصادعين بالحق بسببه وفيه يقول بعض الأدباء وكان منحرفا عنه ومعتقدا لصلاح صالح المصرى ( صالح المصرى قالوا صالح *** ولعمرى انه للمنتخب ) ( كان ظنى أنه من فتية تمتحنهم تختلب )(1/129)
( رهط اسماعيل قطاع الطر *** يق إلى الله وأرباب الريب ) ( سفل حمقى رعاع غاغة *** أكلب فيهم على الدنيا كلب ) وقد كان قام صالح المصري هذا على صاحب الترجمة فتعصبوا له حتى نفوه إلى الهند ثم كان الفقيه أحمد الناشرى عالم زبيد يقوم عليه وعلى أصحابه ولا يستطيع أن يغيرهم عما هم فيه لميل السلطان اليه وبالع في تعظيمه الحزرجى في تاريخه وقال كان في أول أمره معلم أولاد ثم اشتغل بالنسك والعبادة وصحب الشيوخ ففتح عليه وتسلك على يديه الجم الغفير وبعد صيته وانتشرت كراماته وارتفعت مكانته عند الخاص والعام وبالغ الأشرف اسماعيل بن العباس فى امتثال أوامره مات فى نصف شهر رجب سنة 806 ست وثمان مائة(1/130)
( 87 ) السيد اسماعيل بن أحمد الكبسى
ولد تقريبا بعد سنة 1150 خمسين ومائة وألف وهو أحد علماء صنعاء المعاصرين له عرفان بالنحو والصرف والمعانى والبيان والفقه والمام بالأصول لا سيما أصول الدين وهو بمكان من الزهد والعفة والأنجماع عن بنى الدينا والقنوع بما يصل اليه وان كان يسيرا وله عناية بقول الحق والمناصحة لأهل الولايات وأكثر ما يكتب إلى في ذلك من كلماته المقبوله وله شعر جيد فمن شعره ما كتبه إلى يعاتبنى لما شددت على جماعة من القضاة الذين يأخذون الأجرة من الناس وكان فيهم ثلاثة حكام من الكباسية ومن جملة أبياته قوله ( عز الأنام محمد فهو الذي *** طابت عناصره وأكرم من سئل ) ( الحبر والبحر الخضم وحاكم *** الاسلام عالمنا وملجأ من وجل ) ( يا من علاكيوان ان زماننا *** أرسى على الآل الوبال فهل جهل ) وهى أبيات طويلة مذكورة فى غير هذا الموضع وله إلى سؤالات وكان ساكنا فى الروضة فأرسلها إلى مع شيخنا العلامة الحسن بن اسماعيل المغربى رحمه الله فاجبت عليها بجواب طويل وأرسلتها اليه مع شيخنا المذكور وهو الان يقرأ عليه فى فنون متعددة وللناس اليه رغبة لزهده وورعه(1/131)
( 88 ) السيد اسماعيل بن أحمد الكبسى الملقب مغلس ولد سنة وقرأ على جماعة من أهل العلم كالسيد العلامة على بن عبد الله الجلال وشيخنا العلامة أحمد بن محمد الحرازى وغيرهما من مشايخ صنعاء وهو الان من المدرسين فى جامع صنعاء في الفقه والالات وله معرفة تامة وفطرة سليمة وفاهمة قوية وهو الان يقرأ على من جملة الطلبة فى شرح العضد على مختصر المنتهى وحواشيه وهو كثير الطاعة قليل الفضول كثير الاقبال على شأنه صليب الديانة تعتريه حدة لا سيما اذا شاهد شيئا من المنكرات كثر الله أمثاله وقد خرج من صنعاء في أواخر سنة 21 الى خصن الظفير هو وجماعة ودعا الى نفسه وبث دعوته الى الأقطار وجرت أمور طويلة وبعد ذلك ترك الدعوة واستقر هنالك(1/131)
( 89 ) اسماعيل بن أبى بكر بن عبدالله بن ابراهيم ابن على بن عطية بن على الشرف الشرجى اليمانى الشافعى المعروف بالمقرىء الزبيدى ولد سنة 754 أربع وخمسين وسبعمائة وتفقه بالجمال الراعى وقرأ العربية على محمد بن زكريا وعبد اللطيف الشرجى وغيرهما وقرأ فى عدة فنون وبرز فى جميعها وفاق أهل عصره وطال صيته واشتهر ذكره ومهر في صناعة النظم والنثر وجاء بمالا يقدر عليه غيره وأقبل عليه ملوك اليمن وصار له حظ عظيم عند الخاص والعام وولاه الملك الأشرف تدريس المجاهدية بتعز والنظامية بزبيد فأفاد الطلبة وعين للسفارة الى الديار المصرية ثم تأخر ذلك لطمعه فى الاستقرار فى قضاء الأقضية بعد المجد الشيرازى صاحب القاموس الانى ذكره إن شاء الله تعالى فلم يتم له مناه بل كان يرجوه فى حياة المجد ويتحامل عليه بحيث ان المجد عمل للسلطان كتابا وجعل أول كل سطر منه الألف فاستعظمه السلطان فعمل له صاحب الترجمة كتابه الذي لم يسبق اليه المعروف بعنوان الشرف والتزم ان يخرج من أواخره ووسطه علوما غير العلم الذي يخرج من جميعه وهو الفقه ولم يتم فى حياة الأشرف فقدمه لولده الناصر ووقع عنده بل وعند سائر علماء عصره ببلده وغيرها موقعا عظيما ومن تأمله رأى فيه ما يعجز عنه غالب الطباع البشرية فانه إذا قرأه القارىء جميعا وجده فقها وإذا قرا أوائل السطور فقط وأوساطها فقط وأواخرها(1/132)
فقط استخرج من ذلك علم النحو والتاريخ والعروض والقوافي ومن مصنفاته الروض مختصر الروضة فكان الاسم مختصرا من اسم الأصل والارشاد وهو كتاب نفيس في فروع الشافعية رشيق العبارة حلو الكلام فى غاية الايجاز مع كثرة المعانى وشرحه في مجلدين وقد طار فى الافاق واشتغل به علماء الشافعية فى الأقطار وشرحه جماعة منهم وله بديعية بديعة وله تصانيف غير هذه وارتقى فى جميع المعارف الى رتبة لم يشتمل على مجموعها غيره بل قيل ان اليمن لم ينجب مثله وشعره فى الذروه العالية حتى قال بعض معاصرية انه أشعر من المتنبى ولعله بالنسبة إلى ما يأتى به فى شعره من الأنواع الغريبة والأساليب العجيبة كالقصيدة التى تقرأ حروف رويها بالضم والنصب والجر ومن شعره ما يخرج من البيت الواحد وجوه تزيد على الألف وكان مع اجادته فى الشعر يكره ان ينتسب اليه حتى قال ( بعين الشعر ابصرنى أناس *** فلما ساءنى أخرجت عينه ) ( خروجا بعد راء كان رأيى *** فصار الشعر منى الشرع عينه ) قال ابن حجر في أنبائه انه اجتمع به في سنة 800 ثم في سنة 806 قال وفي كل مرة يحصل لى منه الود الزائد والاقبال وتنقلت به الاحوال وولى بعض البلاد في دولة الأشرف وناله من الناصر جائحة تارة واقبال أخرى وكان يتشوق لولاية القضاء بتلك البلاد فلم يتفق له قال ومن نظمه بديعية التزم فى كل بيت منها تورية مع التورية باسم النوع البديعى وله مسائل وفضائل وعمل مرة ما يتفرع من الخلاف في مسألة الماء المشمس فبلغت الآفا قال وله خصوصية بالسلطان وولى عدة ولايات(1/133)
دون قدره وله تصانيف وحذق تام ونظر مليح مارأيت باليمن أذكى منه انتهى والحاصل انه امام فى الفقه والعربية والمنطق والأصول وذو يد طولى في الأدب نظما ونثرا ومتفرد بالذكاء وقوة الفهم وجودة الفكر وله فى هذا الشأن عجائب وغرائب لا يقدر عليها غيره ولم يبلغ رتبته في الذكاء واستخراج الدقائق أحد من أبناء عصره بل ولا من غيرهم سمع بعض الناس يذكر بيتى الحريرى فى المقامات اللذين قال انه قد أمن أن يعززا بثالث وهما ( سم سمة تحمد آثارها *** فاشكر لمن أعطى ولو سمسمه ) ( والمكر مهما اسطعت لاتأته *** لتقتفى السؤدد والمكرمه فقال ان تعزيزهما بثالث غير ممتنع فجحد ذلك البعض وطال بينهما النزاع فرجع إلى بيته وعمل على هذا النمط توفيه خمسين بيتا وأرسل بها الى من جادله وقال قد صارا خمسين وأول أبياته ( من كل مهدى ودعا أحمدا *** أجيب ما أسعد من كلمه ) وقد كان بعض المتأخرين ممن عاصره قبل عصر صاحب الترجمة قد عزز بيتي الحريري بثالث وهو ( والمس لمهوى الضيف خير القرى *** وسلم المسلم والمسلمه ) ومع كونه بهذه المنزلة من الذكاء كان غاية فى النسيان حتى قيل انه لا يذكر ما كان فى أول يومه ومن أعجب ما يحكى في نسيانه أنه نسى مرة ألف دينار ثم وقع عليها بعد مدة اتفاقا فتذكر ذلك مع عدم توسعه فى الدينا بل مع مزيد حاجته إلى ماهو أقل من ذلك وكان ينكر نحلة ابن عربى وأتباعه وبينه وبين متبعيه معارك وله فى ذلك رسالتان وقصائد
كثيرة مات فى سنة 837 سبع وثلاثين وثمان مائة وترجمته تحتمل كراريس(1/134)
( 90 ) السيد اسماعيل بن الحسن بن أحمد بن الحسن بن الامام القاسم بن محمد شيخنا العلامة المدرس ولد تقريبا بعد سنة 1120 عشرين ومائة والف ونشأ بصنعاء وأخذ عن أكابر علمائها ثم انتفع به الطلبة فى العربية واشتهر على الألسن أنه من افتتح طلبه عليه فى علم العربية استفاد وكنت من جملة من افتتح عليه في العربية فقرأت عليه ملحة الاعراب للحريرى وشرحها المعروف بشرح بحرق وكان له في عناية كاملة وله مشاركة قوية فى علم الصرف والمعانى والبيان والأصول ومن بركته المجربة أنى تصدرت للتدريس في الملحة وشرحها قبل الفراغ من قرائتها عليه وكان رحمه الله يواظب على التدريس مع ضعفه وعلو سنه وكنت أراه يأتى الجامع المقدس في أيام الشتاء وشدة البرد فيقعد للتدريس وقد أثر فيه البرد مع الحركة تأثيرا قويا واستمر رحمه الله على ذلك حتى توفاه الله تعالى فى يوم الجمعة لست عشرة ليلة خلت من شهر صفر سنة 1206 ست ومائتين وألف(1/135)
( 91 ) السيد اسمعيل بن الحسن الشامى
مولده سنة1154 أربع وخمسين ومائة والف وله شغلة بالزهد والورع والاشتغال بخاصة نفسه واتصل بالسيد على بن محمد بن عامر أيام توليته للأوقاف فكان ينوب عنه في كثير من الأعمال ثم استقر بعد مدة فى وقف مدينة ثلاثم استقر بعد ذلك في ولاية وقف صنعاء وهو الان مستمر على ذلك وبينى وبينه مودة صادقة ومحبة خالصة ولنا اجتماعات نفيسة وهو كثير التواضع حسن الأخلاق عالى الهمة كثير المروءة كثير البر والأحسان لا برح فى حماية الملك الديان وله يد فى المعارف العلمية وعمل بما يقتضيه الدليل وانصاف في جميع مسائل الخلاف وتوفى رحمه الله فى شهر شعبان سنة 1234 أربع وثلاثين ومائتين وألف(1/136)
( 92 ) الامام المتوكل على الله اسماعيل بن الامام القاسم بن محمد رضى الله عنهما وسيأتي تمام نسبه في ترجمة أخيه الحسن إن شاء الله ولد في نصف شعبان في سنة 1019 تسع عشرة والف في شهارة ونشأ بها وكان كامل الخلق معتدل القامة أسمر اللون عظيم اللحية أشعر الذراعين قوي الحركة كثير التبسم حسن الخلق قرأ على جماعة من أعيان علماء عصره في الفقه وسائر الفنون فبرع في الفقه وفاق على علماء عصره في ذلك وأقر له الكثير منهم والصغير ورجعوا إليه في المعضلات وشارك في بقية الفنون مشاركة قوية وكان يقرئ فيها أعيان علماء عصره وصنف مصنفات منها العقيدة الصحيحة وشرحها المسائل المرتضاة إلى جميع القضاة وحاشية على منهاج الامام المهدى فى الأصول بلغ فيها الى بعضه ورسالة فى الطلاق للثلاث وفي المحايرة فى ابطال الدور وفي الخلع وفيما وقع اهداره فى أيام البغاة وفيما يؤخذ من الجبايات وكان واسع الحلم قوى الصبر شديد الاغضاء ولما اشتهرت فضائله وتمت مناقبه دعا الى نفسه بعد موت اخيه الامام المؤيد بالله محمد بن القاسم فى يوم الأحد سلخ رجب سنة 1054 أربع وخمسين وألف وقد كان تقدمه صنوه أحمد بن القاسم ودعا الى نفسه لانه كان عند المؤيد بالله فى شهارة فقوى عزمه على الدعوة القاضى أحمد بن سعد الدين المتقدم ذكره فدعا وتأخرت دعوة المتوكل لانه كان عند موت أخيه فى صوران وبين المحلين مسافة ولم يعد دعوة أخيه أحمد مانعة من دعوته لكونه لم يكن جامعا لشروط الامامة المعتبرة في مذهبهما التى منها الاجتهاد ولم يكن أحمد بهذه المنزلة فى العلم ولما ظهرت دعوة المتوكل على الله تلقاها الناس بالقبول ودخلوا تحت طاعته وقد كان أيضا دعا ابن أخيه محمد بن الحسن بن القاسم في اليمن ولكنه لما بلغته دعوة عمه اسماعيل ترك ودعا فى الشام بلاد صعدة السيد ابراهيم بن محمد بن أحمد بن عز الدين بن على بن الحسين بن الامام عز الدين بن الحسن واستمر أحمد بن القاسم على دعوته وبعث العساكر الى الجهات المتفرقة لحفظ الأطراف(1/137)
من غير ايذان بحرب ولكنه ما زال أمره يتناقص ولا سيما بعد مبايعة السيدين الأعظمين محمد بن الحسن بن القاسم وأخيه أحمد ابن الحسن للمتوكل على الله فانه ضعف جانب احمد غاية الضعف ولم يتقاعد عن القيام بالدعوه وتجهيز الجيوش ووقعت حروب قتل فيها جماعة قليلة ثم ارتحل أحمد الى عمران ثم الى ثلا وأحيط به فيها فجرى الصلح على أن يقع الاجتماع بين الاخوين ومن غلب الاخر فى العلم استقل بالامامة فظهر فضل صاحب الترجمة فبايعه اخوه أحمد ثم بايعه الناس الذين معه وسكنت الأمور وأما السيد ابراهيم فما زال أمره يضطرب فتارة يبالغ وتارة يظهر بقاءه على دعوته وتكرر منه ذلك ولم يكن معه ما يعول به من جند ولا أتباع وصارت اليمن جميعها تحت طاعة صاحب الترجمة وصفا له الوقت وقهر الأضداد ولم يبق له مخالف وكان أكبر رؤساء دولته ابن اخيه محمد بن الحسن بن القاسم فانه كان يقبض حواصل أحسن البلاد ثم بعده أحمد ابن الحسن بن القاسم وكان مجاهدا ويبعث به الامام الى الأقطار النائية للغزو فيظفر ويعود وقد دوخ ما بعثه اليه كما فعل لما بعثه المتوكل الى يافع فانه استولى عليها جميعا وقهر سلاطينها وفتح حصونها ودخلوا تحت طاعته وكذلك فعل مرة بعد مرة ثم وجهه الى عدن ولحج وأبين ففعل فيها كما فعل في يافع وكذلك توجه إلى حضرموت فافتتحها بعد فراغه من افتتاح يافع وأذعنت هذه البلاد كلها بالطاعة لصاحب الترجمة ولم ير الناس احسن من دولته فى الأمن والدعة والخصب والبركة وما زالت الرعايا معه فى نعمة والبلاد جميعها مجبورة كثيرة الخيرات وكثرت أموال الرعايا وكل أحد امن على ما فى يده لعلمه بان الامام سيمنعه عدله(1/138)
عن أن يتعرض لشىء من ماله وغير الامام تمنعه هيبة الامام عن الاقدام الى شىء من الحرام وقد كان الناس حديثى عهد بجور الأتراك قد نهكتهم الحرب الواقعة بينهم وبينهم على طول أيامها قال السيد عامر بن محمد بن عبدالله بن عامر الشهيد فى بغية المريد ان الامام المترجم له مات ومعه من أنواع الطيب ما قيمته مائة ألف أوقية فضة وذكر أنه خلف من النقد والعروض ما لا يأتى عليه الحصر وخلف من الطعام ثلاث مائة ألف قدح صنعانى هذا معنى ما ذكره والامام ما زال يتنقل من مكان الى مكان ومن بلد الى بلد وصحبته أكابر العلماء وطلبة العلم يأخذون عنه ما يريدون وهو يبذل لهم ذلك ويفيض عليهم من بيوت الأموال ما يحتاجون اليه وكان الغالب بقاؤه فى ضوران وما زال على هذا الحال الجميل والعيش الحسن وقد دخل تحت طاعته السلاطين من يافع وحضرموت وعدن وظفار وعير هذه الديار فمنهم من وفد راغبا ومنهم من وفد راهبا ومنهم من وصل اسيرا وجيوش الامام تقاتل فى الاطراف دائما ومن جملة من والى الامام وتابعه الشريف صاحب مكة واستمر على حاله الجميل حتى توفى في ليلة الجمعة خامس جمادى الاخرة سنة 1087 سبع وثمانين وألف وله جوابات مسائل سأله بها علماء عصره وهى كثيرة جدا متفرقة بأيدى الناس لو جمعت لجاءت مجلدا وللناس عليها اعتماد كبير لا سيما الحكام(1/139)
( 93 ) السيد اسماعيل بن على بن حسن بن أحمد بن حميد الدين بن مطهر بن الامام شرف الدين ولد في سنة 1133 ثلاث وثلاثين وماية والف بصنعاء ونشأ بها فقرأ على جماعة من أعيانها منهم السيد العلامة محمد بن اسماعيل الأمير والسيد يوسف العجمى وجماعة اخرين فى علم العربية وغيره ودرس وأفاد وهو من السادة القادة النجباء الكملاء والعقلاء وفيه مروءة وفتوة وحسن أخلاق وملاحة محاضرة وجودة بادرة وحفظ الأخبار النادرة والأشعار الرائقة وقد مال اليه مولانا الامام المنصور بالله على بن العباس حفظه الله فصار يدعوه الى مقامه فى كثير من الأوقات ويجالسه وكثيرا ما يقع الاجتماع بينى وبينه هنالك أما فى يوم الجمعة للحضور عند الخليفة حفظه الله للعشاء والقهوه فعلى سبيل الاستمرار ويجرى بيننا هنالك من المذاكرات الأدبية والعلمية ما تشنف الأسماع وهو يورد ما يطابق المقام ويوافق مقتضى الحال ويبحث معى فى كثير من المعانى الدقيقة والطرائق الرقيقة والأخبار الرشيقة وفيه من سمو الهمة عزة النفس ما لا يقدر عليه غيره لاسيما فى مثل هذه المواطن التى يظهر فيها جواهر الرجال فانى لم أسمع منه على طول مدة اجتماعى به هنالك كلمة مؤذنة بالخضوع لمطلب من مطالب الدنيا الدنيا لا تصريحا ولا تلويحا بل يستطرد في كلامه قصصا ووقائع فيها مواعظ لها وقع فى القلوب قاصدا بذلك التعرض للثواب الأخروى وقد صار حال تحرير هذه الأحرف وهو سنة 1213 فى ثمانين سنة وله نشاط تام الى الحركة وركوب الخيل التى يهاب ركوبها أكثر الشباب فان مولانا حفظه الله يركبه على خيله المعدة لركوبه عليها فى كثير من الحالات ولم ينقص شىء من حواسه الظاهرة والباطنة إلا مجرد ثقل يسير في سمعه وهو مواظب على الطاعات يعين الضعفاء بما يقدر عليه من ملكه أو بالشفاعة ثم مات(1/140)
رحمه الله فى شهر شوال سنة 1215 خمس عشرة ومائتين وألف وولده على له شغلة بالعلم كبيرة وعناية تامة قرأ في الالات على أعيان علماء العصر ورافقنى في قراءة الكشاف والعضد والمطول وحواشى هذه الكتب على شيخنا العلامة الحسن بن اسمعيل المغربى وهو الان مكب على الطلب ملازم لمعالى الرتب وله قراءة على السيد العلامة شرف الدين بن أسمعيل بن محمد بن اسحاق وربما قرأ عليه بعض الطلبة فى الالات وله من حسن الأخلاق ولطافة الطبع وبشاشة الوجه للخاص والعام مالا يقدر عليه غيره وهو حال تحرير هذا مناهز للخمسين وأخبر لى أن مولده فى سنة1166 ست وستين وماية وألف وولده حسن بن على ين اسماعيل قد صار من الطلبة المستفيدين له اشتغال بالفقه وعلم العربية وسائر العلوم وهو كأبيه وجده فى حسن الأخلاق واللطافة والظرافة ومات رحمه الله فى سنة 1215 خمس عشرة ومائتين وألف قبل موت جده بأشهر وهو فى عنفوان شبابه(1/141)
( 94 ) اسماعيل بن على بن محمود بن محمد بن عمر بن شاهنشاه بن أيوب الملك المؤيد صاحب حماه ولد سنة 672 اثنتين وسبعين وستمائة وأمره الناصر فخدمه لما كان بالكرك فبالغ فلما عاد الناصر الى السلطنة وعده بسلطنة حماه ثم سلطنه بها يفعل فيها ما يشاء من اقطاع وغير ذلك ولا يؤمر ولا ينهى أركبه الناصر شعار الملكة والسلطنة ومشى فى خدمته أكابر أمراء الناصر فمن بعدهم واستقر بحماه ثم قدم الى مصر على السلطان الناصر في سنة 716 فبالغ السلطان فى اكرامه ثم قدم مرة أخرى فحج مع السلطان سنة 719 فلما عاد عظم فى عين السلطان لما رآه من آدابه وفضائله وألبسه بعد العود شعار السلطنة وبين يديه جميع خواص الناصر وسائر الناس ومشى السلحدار بالسلاح والدويدار الكبير بالدواة والغاشية والعصايب وجميع دست السلطان بين يديه وكان جملة ما وصل الى أهل الدولة بسببه فى هذا اليوم مائة وثلاثين تشريفا منها ثلاثه عشر اطلس وكان يزور السلطان في كل سنة غالبا ومعه الهدايا والتحف وأمر السلطان جميع النواب أن يكتبو اليه يقبل الأرض وهذا لفظ يختص بالسلطان الأعظم وكان الناصر نفسه يكتب اليه ذلك وكان جوادا شجاعا عالما بفنون عدة لاسيما الأدب فله فيه يد طولى نظم الحاوى في الفقه وصنف تاريخه المشهور ونظم الشعر والموشحات وكان له معرفة بعلم الهيئة قال ابن حجر فى الدرر الكامنه ولا أعرف في احد من الملوك من المدايح مالابن نباته والشهاب محمود وغيرهما فيه الا سيف الدولة وقد مدح الناس غيرهما من الملوك لكن أجتمع لهذين من الكثرة والاجادة من الفحول مالم يتفق لغيرهما وكان يحب أهل العلم ويقربهم وكان لابن نباته عليه راتب فى كل سنة يصل اليه سوى ما يتحفه به اذا قدم عليه وكان الناصر يكتب اليه أعز الله أنصار المقام الشريف العالى السلطانى الملكى المؤيدى وهذا وهو نائب من نوابه وكان نائب الناصر فى الشام وهو أكبر النواب يكتب الى صاحب الترجمة يقبل الأرض وأما غير نائب الشام فيكتب اليه يقبل الأرض وينهى واستمر على حاله الجميل حتى مات فى شهر محرم سنة 732ومن نظمه ( أحسن به طرفا أفوت به القضا *** ان رمته في مطلب أو مهرب ) ( مثل الغزالة ما بدت فى مشرق *** الا بدت أنوارها فى المغرب )(1/142)
( 95 ) عماد الدين اسمعيل بن عمر بن كثير البصروى الاصل الدمشقى الشافعى
ولد بقرية من أعمال مدينة بصرى سنة 701 ثم انتقل الى دمشق سنة ست وسبعمائة وتفقه بالشيخ برهان الدين الفرارى وغيره وسمع من القاسم بن عساكر والمزي وغيرهما وبرع فى الفقه والتفسير والنحو وأمعن النظر فى الرجال والعلل ومن جملة مشايخه شيخ الاسلام تقى الدين ابن تيمية ولازمه وأحبه حبا عظيما كما ذكر معنى هذا ابن حجر فى الدرر وافتى ودرس وله تصانيف مفيدة منها التفسير المشهور وهو في مجلدات وقد جمع فيه فاوعى ونقل المذاهب والاخبار والآثار وتكلم بأحسن كلام وأنفسه وهو من أحسن التفاسير ان لم يكن أحسنها ومن مصنفاته كتاب التكميل في معرفة الثقاة والضعفاء والمجاهيل في خمسة مجلدات وكتاب البداية والنهاية فى أربعة وخمسين جزأ وكتاب الهدى والسنن فى أحاديث المسانيد والسنن جمع فيه بين مسند الامام أحمد والبزار وأبى يعلى وابن أبى شيبة الى الكتب الستة وله التاريخ المشهور وقد انتفع الناس بمصنفاته ولا سيما التفسير مات فى شعبان سنة 774(1/143)
( 96 ) السيد اسمعيل بن محمد بن اسحق بن المهدى أحمد بن الحسن بن الامام القاسم بن محمد ولد سنة 1110 عشر ومائة وألف ونشا بمدينة صنعاء وقرأ على والده وعلى السيد العلامة محمد بن اسمعيل الأمير وبرع فى العلوم لاسيما الأصول وشرح منظومة الكافل فى الاصول لشيخه السيد محمد الأمير شرحا حافلا فى مجلدين جاء فيه بما في المطولات من الفوائد وكان من جملة من خرج مع والده أيام وقوع المنازعة بينه وبين الامام المنصور بالله الحسين بن القاسم بن الامام المهدى واعتقله المنصور ثم أفرج عنه الامام المهدى العباس بن الحسين وله نظم فائق فمنه ( طال النوى شهراً فشهراً *** حتى قطعت الدهر هجرا ) ( هجرا طويلا لم أطق *** لزمانه عدا وحصرا ) ( ياهند رقى للذي *** أضرمت فى أحشاه جمرا ) وهى أبيات طويلة ومنه ( لا وخمر فى الشفات *** أسكرت بالرشفات ) ( ولال من ثغور *** فى عقيق من شفات ) ( وغصون من قدود *** بنهود مثمرات ) ( ورياض فى خدود *** زاهيات ناعمات ) وهى أبيات من قصيدة كتب بها الى السيد العلامة اسحق بن يوسف وأجابه بأبيات أولها ( أسمعوا عن زفراتى *** فهى فى الحب رواتى ) ولصاحب الترجمة رسائل نفيسة وأبحاث شريفة وقفنا على بعضها عند ولده السيد العلامة شرف الدين بن اسمعيل وستأتى ترجمته وكان صاحب الترجمة رئيسا كبيرا وعالما شهيرا وأشعاره كثيرة في غاية الرقة والانسجام وله ماجريات لا يتسع لها المقام ومات في شهر ذى القعدة سنة 1164 أربع وستين ومائة وألف(1/144)
( 97 ) السيد اسمعيل بن محمد بن الحسن بن الامام القاسم بن محمد الرئيس المشهور المؤرخ الأديب مؤلف سمط اللآل فى شعراء الآل وهو كتاب ترجم فيه لكل من شعر من العلوية ولم يحط بمشاهيرهم فضلا عن أهل الخمول منهم ولكن فى الجملة كتاب مفيد قيل إنه أنكر عليه الامام المتوكل على الله اكثاره من الشعر فجمع هذا الكتاب وجعله كالرد عليه ومن شعره ( غطى على خده بكم *** فأشبه الورد فى الكمايم ) ( وقال لى ناطقا بصوت *** كأنه ساجع الحمايم ) ( أخشى من العين قلت مهلا *** عيناك يامنيتى تمايم ) وشعره كثير غالبه الجودة ومدحه كثير من الشعراء ومات سنة 1111 إحدى عشرة ومائة وألف ببيت الفقيه الزيدية(1/145)
( 98 ) السيد اسمعيل بن هادي المفتى الصنعانى أخذ العلم عن العلامة أحمد بن صالح بن أبى الرجال مرافقا لشيخنا العلامة الحسن بن اسمعيل المغربى وأخذ العلم أيضا عن جماعة من أعيان عصره وبرع فى النحو والصرف والمعانى والبيان والأصول والحديث والتفسير وأخذ عنه جماعة من علماء العصر وكان يدرس في جميع الفنون بمسجد الفليحى بصنعاء وهو قرين شيخنا المغربى فى الطلب والتدريس وما زال على ذلك حتى توفى في شهر رجب سنة 1198 ثمان وتسعين ومائة وألف ورثاه تلميذه السيد العلامة محمد بن محمد بن أحمد بن الحسن بن على بن المتوكل على الله اسمعيل بقصيدة فائقة مطلعها ( ياله فادح ألم وخطب *** منه كادت شم الجبال تمور )(1/146)
( 99 ) اسمعيل بن يحيى بن حسن الصديق الصعدى ثم الذمارى ثم الصنعانى ولد بعد سنة 1130 بذمار وطلب العلم هنالك فقرأ الفقه على الحسن ابن أحمد الشبيبى فبرع فيه وصار محققا للأزهار وشرحه ولبيان ابن مظفر وكان والده قاضيا فى حبيش ثم تولى هذا القضاء فى أيام صغره بذمار من جملة حكام السبيل ثم ولى قضاء حبيش مكان والده فى حياته ثم عزل فعاد الى صنعاء وقرأ على جماعة من العلماء كالفقيه العلامة ابراهيم خالد وقرأ أيضا على السيد العلامة محمد بن اسمعيل الأمير في الحديث وشارك فى غير الفقه مشاركة لطيفة ثم جعله الامام المهدى العباس بن الحسين من جملة حكامه بصنعاء وعظمه وأجله وركن عليه في امور كثيرة منها تركه والده فانه جعلها بنظره وكان له ابهة عظيمة وجلالة في الصدور وتبحر فى الفقه وتقعر في العبارات مع سكينة ووقار ومحافظة على ناموس القضاء وملازمة لما يجلب الهيبة والعظمة فى صدور العامة من لبس الثياب الفاخرة وعدم التزيد فى الكلام وترك ما لا ينهض به من الامور مخافة ان يعجز عنه بعد ظهوره فيكون عليه فى ذلك وصمة كما كان يقع بينه وبين الحاكم الأكبر العلامة يحيى بن صالح السحولى فانهما قد يتعارضان فى أمر فيدع صاحب الترجمة التصميم على ما يظهر له مخافة أن يتم غير(1/146)
كلامه وكان اذا وفد عليه من له خبرة بعلم الفقه أورد عليه مسائل قد حفظها من علم الاصول والتفسير والحديث واذا وفد عليه من يعرف علوم الاجتهاد أو بعضها أورد عليه مسائل من دقائق الفقه فيظن الفقيه انه مبرز فى غير الفقه ويظن غيره العكس من ذلك فتولد له من هذا عظمة في الصدور كبيرة وكان كثيرا ما يستخرج رايات شريفة امامية لجماعة من أهل العلم الذين يلازمون حضرته بانهم يقضون بين الناس ويقبضون منهم اجرتهم التى يستحقونها ومن كان بهذه المثابة من القضاة فهو الذي يقال له حاكم السبيل في العرف أى لا تقرير له من بيت المال فكان مثل هذا أيضا من موجبات تعظيمه والحاصل انه كان صدرا من الصدور عظيم الهمة شريف النفس كبير القدر نافذ الكلمة له دنيا واسعة وأملاك جليلة اصلها من فضلات رزقه عند توليته قضاء حبيش فانه كان يشترى بما فضل له أرضا للزرع ثم تكاثرت تلك الارض وكان يكتسب بما فضل من غلاتها ثم تضاعفت غاية المضاعفة وصار من المشهورين بكثرة الأملاك وكان يجعل ضيافات عظيمة ويجمع فيها الأعيان والأكابر وقد دعانى فى أيام طلبى للعلم الى بيته مرات ويظهر من التعظيم والآجلال مالا يوصف وآخر ذلك قبيل موته بنحو نصف سنة فانه أضافنى منفردا وقد كان اشتغل جماعة في تلك الأيام بالحط على بما يقتضيه اجتهادى في كثير من المسائل كما هو دأب اليمن وأهله بل دأب جميع المقصرين مع من يمشى مع الدليل من العلماء فقال لى رحمه الله ما مضمونه ان في التظهر بذلك فتنة وذكر لى قضايا جرت مع السيد العلامة محمد بن اسمعيل الأمير شاهدها وعرفها وما زال يضرب لى الأمثال بكلام رصين(1/147)
وخطاب متين من جملته أن السيد محمد الأمير قد عرفت ما ناله من الناس من الأذى بالقول والفعل ومع ذلك فمعه الوزير فلان والأمير فلان وفلان وفلان يقومون بنصره ويدفعون عنه ما يكره وأنت يا ولدي قد انقبضت عن الناس وعكفت على العلم وانجمعت عن الأكابر ثم ان السيد محمد قد كان عند مخالفته للناس فى سن عالية في أواخر عمره وأنت فى عنفوان الشباب فقد لاتحتمل الناس منك ما كانوا يحتملون منه وأطال معى فى هذا الشأن رحمه الله وما زال على حاله الجميل حتى مات في ليلة الأربعاء تاسع شهر صفر سنة 1209 تسع ومائتين وألف وله شرح على مقدمة بيان ابن مظفر وشرع في شرح المسائل المرتضاة للامام المتوكل على الله ولم يكمل ورسالة في البسملة وولده يوسف بن اسمعيل أصلح أولاده بعده جعل الخليفة مولانا المنصور بالله حفظه الله اليه ما كان الى والده من القضاء وغيره وهو الآن قائم بذلك أتم قيام على طريقة حسنة مع عفة ونزاهة وله قراءة على في أوائل بيان ابن مظفر(1/148)
( 100 ) أمير كاتب بن أمير عمر ابن العميد ابن الاتقانى الحنفى ولد فى شوال سنة 695 خمس وتسعين وستمائة واشتغل ببلاده ومهر وتقدم وقدم دمشق فى سنة 720 ودرس وناظر وظهرت فضائله ودخل مصر ثم رجع فدخل بغداد وولى قضاءها ثم قدم دمشق نائبا في سنة 747 وولى بها تدريس دار الحديث الظاهرية بعد وفاة الذهبى وتكلم في رفع اليدين عند الركوع والرفع وادعى بطلان صلاة من فعل ذلك وصنف فيه مصنفا رد عليه السبكى وفارق دمشق ودخل الديار المصرية سنة 751 فأقبل عليه بعض امرائها وعظمه وجعله شيخا لمدرسة بناها ونظم في ذلك قصيدة مدحه بها وكان ذلك فى جمادى الأولى سنة 757 وكان معاديا للشافعية كثير الحط على علمائهم وفيه تيه زائد وكبر شديد وبأو عظيم وتعصب لنفسه جدا قال في بعض مصنفاته ما لفظه لو كان الأسلاف فى الحياة لقال أبو حنيفة اجتهدت ولقال أبو يوسف نار البيان أوقدت ولقال محمد أحسنت واستمر هكذا حتى سرد غالب أعيان الحنفية وشرح الهداية شرحا حافلا وادعى أن بينه وبين الزمخشرى رجلين فقط وأنكر عليه ذلك ومات فى حادى عشر شوال سنة 758 ثمان وخمسين وسبعمائة
( 101 ) السيد أمير الدين بن عبدالله بن نهشل ابن المطهر بن أحمد بن عبدالله بن عز الدين بن محمد بن ابراهيم بن الامام المطهر بن يحيى هو أحد علماء الزيدية المشاهير قرأ على الامام شرف الدين وأخذ عنه جماعة منهم الامام القاسم بن محمد وكان ساكنا بهجرة حوث ومات بها فى يوم الثلاثاء التاسع والعشرين من جمادى الآخرة سنة 1029 تسع وعشرين وألف
( 102 ) أيمن بن محمد بن محمد بن محمد بن محمد بن محمد بن محمد بن محمد بن محمد بن محمد بن محمد بن محمد بن محمد بن محمد بن محمد اربعة عشر أبا في نسق واحد قال ابن حجر فى الدرر لم يوجد له نظير في ذلك ان كان ثابتا ولد بتونس ثم قدم القاهرة وكان كثير الهجاء والوقيعة ثم قدم المدينة النبوية فجاور بها وتاب والتزم أن يمدح النبى صلى الله عليه وآله وسلم خاصة الى أن يموت فوفى بذلك وأراد الرحلة عن المدينة فذكر أنه رأى النبي صلى الله عليه وآله وسلم(1/149)
فى النوم فقال يا أبا البركات كيف ترضى بفراقنا فترك الرحيل وأقام بالمدينة الى أن مات وسمى نفسه عاشق النبى وذكر أن صاحب تونس بعث اليه يطلب منه العود الى بلده ويرغبه فيه فأجاب أنى لو أعطيت ملك المغرب والمشرق لم أرغب عن جوار رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فذكر أنه رأى النبى صلى الله عليه وسلم وأطعمه ثلاث لقمات قال وقال لى كلاما لا أقوله لاحد غير أن فى اخره واعلم انى عنك راض فعمل قصيدة منها ( فررت من الدنيا الى ساكن الحمى *** فرار محب عائذ بحبيبه ) ( لجأت الى هذا الجناب وانما *** لجأت الى سامى العباد رحيبه ) قال ابن فضل الله وذكر أبو البركات أنه رأى النبى صلى الله عليه وآله وسلم فأنشد بين يديه هذا البيت ( لولاك لم أدر الهوى *** لولاك لم أدر الطريق ) مات فى سنة 734 أربع وثلاثين وسبعمائة حرف الباء الموحدة(1/150)
( 103 ) بايزيد خان بن مراد بن أورخان ابن عثمان الغازى سلطان الروم وما اليها ولد سنة 748 ثمان وأربعين وسبعمائة وجلس على التخت سنة 792 وفتح كثيرا من بلاد النصارى وقلاعهم واستولى على من كان بالروم من ملوك الطوائف وخرج عليه تيمورلنك الى بلاده وكان قد لقيه بجيش الروم وفيهم طائفة من التتار فخدع تيمور من كان مع صاحب الترجمة من التتار فمالوا اليه فقاتل هو ومن معه قتالا شديدا وكان شجاعا فما زال يضرب بسيفه حتى كاد يصل الى تيمور فرموا عليه بساطا وأمسكوه وحبسوه فمات كمدا فى الأسر سنة 805 خمس وثمان مائة
( 104 ) بايزيد خان بن محمد بن مراد بن محمد بن بايزيد المذكور قبله ولد سنة 855 خمس وخمسين وثمانمائة وجلس على التخت بعد والده سنة 886 وعظمت سلطنته وافتتح عدة قلاع للنصارى وخرج عليه أخوه جم فانهزم من صاحب الترجمة لما وقع المصاف وفر الى بلاد النصارى فأرسل اليه حلاقا معه سم فما زال يتقرب الى جم حتى اتصل به وحلق له بسكين مسمومة وهرب فسرى السم ومات وكان السلطان بايزيد سلطانا مجاهدا مثاغرا مرابطا محبا لاهل العلم محسنا اليهم ومات سنة 918 ثمان عشرة وتسعمائة وفى أيامه ظهر شاه اسمعيل الاتى ذكره وكان الحرب بينه وبين السلطان سليم ابن صاحب الترجمه كما سيأتى تحقيقه بعد أن غلب سليم على السلطنة وأخذها من والده كما سيأتى إن شاء الله تعالى
( 105 ) برسباى الدقماقى الظاهرى البرقوقى الملك الأشرف اشتراه برقوق ثم أعتقه واستمر فى خدمة ابنه الناصر ثم صار مع المؤيد بعد قتل الناصر وحضر معه الى مصر فولاه نيابة طرابلس ثم غضب عليه فاعتقله فلما دخل ططر الشام بعد المؤيد استصحبه الى القاهرة وقرره دوادارا كبيرا فلما استقر ابنه الصالح محمد كان نائبا عنه فى التكلم مدة أشهر الى أن أجمع الرأى على خلعه وسلطنة صاحب الترجمة وذلك فى ثامن ربيع الآخر سنة 825 وأذعن الأمراء والنواب لذلك وساس الملك ونالته السعادة ودانت له البلاد واهلها وفتحت في أيامه(1/151)
بلاد كثيرة من غير قتال واستمر الى ان مات فى عصر يوم السبت ثالث عشر ذى الحجة سنة 841 أحدى وأربعين وثمان مائة وعهد الى ابنه العزيز بالسلطنة وأن يكون الأتابك جقمق نظام المملكة وكثر تزاحم الناس عليه وكانت أيامه هدوا وسكونا ولكنه كان موصوفا بالشح والبخل والطمع مع الجبن والخور وكثرة التلون وسرعة الحركة والتقلب في الامور وشمل بلاد مصر والشام الخراب وقلت الاموال بها وافتقر الناس وسائت سيرة الحكام والولاة مع بلوغ اماله ونيل أغراضه وقهر أعاديه وقتلهم بيد غيره وله مآثر فى أرض مصر عظيمة منها المدرسة المنسوبة اليه ومدحه بعض العلماء بتوسيعه على الطلبة فوق ما كان يفعله من قبله فقال السبب ان من تقدم من الفقهاء لم يكونوا يوافقون الملوك على أغراضهم فلم يسمحوا لهم بكثير أمر وأما فقهاء زماننا فهم لاجل كونهم فى قبضتنا وطوع أمرنا نسمح لهم بهذا النزر اليسير قال السخاوى وهذا كان إذ ذاك والا فالان مع موافقتهم لهم فى اشاراتهم فضلا عن عباراتهم لا يعطونهم شيئا بل يتلفتون لما بأيديهم ويحسدونهم على اليسير انتهى(1/152)
( 106 ) برقوق الملك الظاهر أبو سعيد الجركسى واسمه الطنبغا ولكنه سمى بذلك الاسم لنتوء في عينيه كأنهما البرقوق كان مملوكا لرجل يقال له الخواجه عثمان ثم ملكه الأشرف شعبان فلما قتل ترقى الى أن صار أمير أربعين ثم ما زال يترقى حتى قبض على بعض الأمراء الكبار وتولى التدبير للدولة مكانه ثم حصل التنافس بينه وبين أمير يقال له بركه ووقع بينهما حرب وكان الغلب لبرقوق فقبض على بركه وسجنه ثم ما زال يعمل في توليه للسلطنة استقلالا وخلع مخدومه الصالح حاجى الى أن استقل فى رمضان سنة 784 فجلس على التخت ولقب بالظاهر وبايعه الخليفة والقضاة والأمراء فمن دونهم وخلعوا الصالح بن الأشرف وأدخلوه الى دور أهله بالقلعة فلما كان بعد ذلك بمدة خرج جماعة من الأمراء على برقوق فبرز اليهم فتسلل من معه وخذلوه فتغيب حينئذ واختفى فى دار بقرب المدرسة الشيخونية ظاهر القاهرة ثم ان الأمراء أعادوا الصالح الى المملكة ولقب بالمنصور وصار يلبغا الناصرى أتابكا له وأراد منطاش قتل برقوق فلم يوافقه الناصرى بل شيعه الى الكرك وسجنه بها ثم بعد ذلك ثار منطاش على الناصرى فحاربه الى أن قبض عليه وسجنه بالاسكندرية واستقل منطاش بالتدبير وكان أهوج فلم ينتظم له أمر وانتقضت عليه الأطراف فجمع العساكر وخرج الى جهة الشام فاتفق خروج برقوق من الكرك وانضم اليه جمع قليل فالتقوا بمنطاش فانكسر إلى جهة الشام فاستولى الظاهر برقوق على جميع الأثقال وفيهم الخليفة والقضاة وأتباعهم فساقهم الى القاهرة واستقرت قدمه فى الملك وأعاد الصالح بن الاشرف الى مكانه الذي كان فيه كل ذلك في أوائل سنة 792 ثم جمع العساكر وتوجه الى الشام لمحاربة منطاش فحصرها وهرع اليه الامراء وتعصب الشاميون لمنطاش فما أفاد بل انهزم منطاش بعد أن دامت الحرب بينهما مدة وثبث برقوق فى الملك الى أن مات سنة 801 احدى وثمان مائة وعهد بالسلطنة لولده فرج وله يومئذ تسع سنين واستحلف القاضى الشافعى فحلف له وكذلك الخليفة وجميع الامراء وكانت مدة استقلال برقوق
بالمملكة من غير مشارك تسع عشرة سنة ومن آثاره المدرسة التى عمرها بين القصرين وكان شجاعا ذكيا خبيرا بالأمور حازما مهابا فان تيمورلنك لم يقدر على التقدم على مصر في سلطنته لما بلغه عنه من الحزم والعزم والشدة والقوة ولما بلغه موت برقوق أعطى من بشره مبلغا من المال كثيرا وحصل معه الطمع في أخذ مصر فدفع الله عنها كما سيأتى بيان ذلك فى ترجمته ان شاء الله تعالى وكان برقوق أول من أخذ البذل على الولايات حتى وظيفة القضاء وسائر الوظائف الدينية وهو أول ملوك الجراكسه فى مصر(1/153)
( 107 ) أبو بكر بن أحمد بن محمد بن عمر بن لعله ذؤيب شرف المعروف تنكر بابن قاضى شهبه الدمشقى الشافعى
ولد سنة 779 تسع وسبعين وسبعمائة وأخذ العلم عن جماعة كالسراج البلقينى وطبقته وله مصنفات منها الذيل على تاريخ ابن حجر وطبقات الشافعية وشرح المنهاج الى الخلع فى أربع مجلدات وشرح التنبيه وله التاريخ الكبير من سنة 200 الى 792 وله ذيل على تاريخ الذهبى فى ثمان مجلدات ومات عاشر ذى القعدة سنة 851 احدى وخمسين وثمان مائة(1/154)
( 108 ) أبو بكر بن على بن عبدالله التقى الحموى الازرارى المعروف بابن حجة
قال السخاوى بكسر الحاء المهملة ولد تقريبا سنة 767 سبع وستين وسبعمائة بحماه ونشأ بها وأخذ فنونا من العلم ومعانى الادب وارتحل الى الشام ومصر ومدح الاكابر ثم عاد الى بلاده ودخل القاهرة في الايام المؤيدية فعظم أمره وتولى كتابة الانشاء ثم توقف أمره فعاد الى بلاده فأقام بها ملازما للعلم والأدب الى أن مات وله يد طولى فى النظم والنثر مع زهو واعجاب وقد يأتى فى نظمه بما هو حسن وبما هو فى غاية الركة والتكلف ومع ذلك فيفضله على ماهو من أشعار غيره فى السماء وهو فى الارض كما يفعل ذلك فى شرح بديعته المشهورة بايدى الناس وهو من أحسن تصانيفه ومنها بلوغ المرام من سيرة ابن هشام والروض الأنف والأعلام وأمان الخائفين من أمة سيد المرسلين وبلوغ المراد من الحيوان والنبات والجماد فى مجلدين وبروق الغبث على الغيث الذى انسجم وكشف اللثام عن وجه التورية والاستخدام وقهوة الانشاء فى مجلدين جمع فيه ما أنشأه عن الملوك وتأهل الغريب في أربع مجلدات وغير ذلك من المصنفات وشعره كثير وبسبب عجبه وتيهه هجاه كثير من معاصريه بمقاطيع مقذعة وزاد فى التحامل عليه النواجى الآتى ذكره إن شاء الله حتى صنف كتابا سماه الحجة فى سرقات ابن حجة رأيته في مجلد لطيف تكلف فيه غاية التكلف وشعره مشهور قد ذكر منه فى شرح بديعته كثيرا وذكر أيضا فيه بعضا من نثره وهو أحسن من نظمه ومات في العشر الأواخر من شعبان سنة 837 سبع وثلاثين وثمان مائة(1/155)
( 109 ) أبو بكر بن على الحداد الزبيدى الحنفى
قرأ على والده وعلى على بن نوح وعلى على بن عمر العلوى وبرع فى أنواع من العلم واشتهر ذكره وطار صيته وصنف مصنفات فى فقه الحنفية منها شرحان لمختصر القدورى صغير وكبير وجمع تفسيرا حسنا هو الآن مشهور عند الناس يسمونه تفسير الحداد وله مصنفات كثيرة تبلغ عشرين مجلدا ومات سنة 800 ثمان مائة بمدينة زبيد وله زهد وورع وعفة وعبادة
( 110 ) السيد أبو بكر بن محمد بن عبد المؤمن بن حريز
بمهملتين وآخره زاى العلوى الحسينى الحصنى ثم الدمشقى الشافعى المعروف بالتقى الحصنى ولد سنة 752 اثنتين وخمسين وسبعمائة وأخذ العلم عن جماعة من أهل عصرة وبرع وقصده الطلبة وصنف التصانيف كشرح التنبيه فى خمس مجلدات وشرح المنهاج وشرح صحيح مسلم فى ثلاث مجلدات وشرح أربعين النووي في مجلد وشرح مختصر أبي شجاع في مجلد وشرح الأسماء الحسنى فى مجلد وتلخيص مهمات الأسنوى فى مجلدين وقواعد الفقه في مجلدين وله فى التصوف مصنفات ومات ليلة الأربعاء منتصف جمادى الآخرة سنة 829 تسع وعشرين وثمان مائة(1/156)
( 111 ) بيبرس العثمانى الجاشنكير الملك المظفر
كان من مماليك المنصور قلاون وترقى الى أن جعله أمير طبلخانة وكان أشقر اللون مستدير اللحية موصوفا بالعقل التام والفقه وهو من جملة الامراء الذين تعصبوا للناصر حتى أقاموه فى السلطنة وبعد استقراره صار صاحب الترجمة من أكابر أمرائه وولى الاستاذ دارية له ثم قام بنصرة الناصر مرة أخرى وأعاده الى السلطنة وصار مدبرا للملكة هو وسلار فكان هذا الاستاذ دار وسلار نائب السلطنة وعظم قدره ثم خرج للحج بعد سنة 701 وصحبه كثير من الامراء وحج بالناس فصنع من المعروف شيئا كثيرا ومن محاسنه أنه قلع المسمار الذي كان فى وسط الكعبة وكان العوام يسمونه سرة الدنيا وينبطح الواحد منهم على وجهه ويضع سرته مكشوفة عليه ويعتقد أن من فعل ذلك عتق من النار وكان بدعة شنيعة وكذلك أزال الحلقة التى يسمونها العروة الوثقى وهو الذي كان السبب فى القيام على النصارى واليهود حتى منعوا من ركوب الخيل والملابس الفاخرة واستقر الحال على أن النصرانى يلبس العمامة الزرقاء واليهودى يلبس العمامة الصفراء في جميع الديار المصرية والشامية ولا يركب أحد منهم فرسا ولا يتظاهر بملبوس فاخر ولا يضاهى المسلمين فى شىء من ذلك وصمم فى ذلك بعد أن بذلوا أموالا كثيرة فامتنع وضاق بهم الامر جدا حتى أسلم كثير منهم وهدمت فى هذه الكائنة عدة كنايس وأبطل عيد الشهيد وهو موسم من مواسم النصارى كان يخرجون الى النيل فيلقون فيه اصبعا لبعض من سلف منهم يزعمون أن النيل لا يزيد الا ان وضع الاصبع فيه وكان يحصل في ذلك العيد من الفجور والفسق والمجاهرة بالمعاصى أمر عظيم وكان صاحب الترجمة قد غلب هو وسلار على سلطنة الناصر ولم يبق بيده الا الاسم وكان يبالغ في التأدب مع رفيقه سلار فلما حجروا على الناصر التصرف في المملكة وصار معهما صورة بلا حقيقة أظهر أنه يريد الحج ثم خرج وعدل من(1/157)
الطريق الى الكرك وأرسل الى الامراء بمصر بانه قد ترك الملك فاضطرب الامراء عند ذلك وتشاوروا في من يستقر فى السلطنة مكانه فحسن سلار لبيبرس أن يتسلطن فأجابه الى ذلك بعد تمنع كبير وأفتاه جماعة من العلماء بجواز ذلك فتسلطن وتلقب بالمظفر وكتب عهده عن الخليفة وركب بالعمامة المدورة والتقليد على رأس الوزير وناب عنه سلار على عادته وأطاعه أهل الشام وذلك كله في شهر شوال سنة 708 ويقال ان التشاريف التى أعطاها الأمراء وغيرهم كانت ألف تشريف ومائتين وأبطل ضمان الخمر من طرابلس وكان ذلك من حسناته فلما كان وسط سنة 709 خامر عليه جماعة من الأمراء وتوجهوا الى الناصر فأخذوه من الكرك فتوجهوا معه الى دمشق وساروا فى عسكر كثير فلما تحقق حركة الناصر جرد اليه عسكرا كثيرا فخامروا وانهزموا ثم لم يرسل أحدا الا خامر عليه حتى صهره وزج ابنته وفى غضون ذلك زين بعض الفقهاء لبيبرس أن يجدد له الخليفة عهدا بالسلطنة ففعل وقرأ ذلك وأرسل بنسخة إلى الأمراء الخارجين عليه وكان أوله ( إنه من سليمان وإنه بسم الله الرحمن الرحيم ) فلما قرىء على كبيرهم قال ولسليمان الريح وأمر بقراءة هذا العهد على المنابر يوم الجمعة فلما سمعه العامة صاحوا فمنهم من يقول نصر الله الناصر ومنهم من يقول يا ناصر يا منصور واتفق أنه نصب أميرا فى شهر رمضان ومروا به من وسط القاهرة عليه الزينة فكان العامة يقولون يافرحة لاتتم وكان الأمر كذلك ثم أشار عليه جماعة ممن تأخر معه أن يشهد عليه بالنزول عن السلطنة ويتوجه الى أطفيح ويكاتب الناصر ويستعطفه من هنالك وينتظر جوابه ففعل وخرج عليهم
القوم فسبوه وشتموه ورجموه بالحجارة ففرق فيهم دراهم فلم يرجعوا فسل مماليكه عليهم السيوف فرجعوا عنه فأقام باطفيح يوما ثم رحل طالبا للصعيد فوصل الى اخميم فقدم عليهم الأمان من الناصر وأنه أقطعه صيهون فقبل ذل ورجع متوجها الى غزة فلما وصل غزة وجد هناك نائب الشام وغيره فقبضوا عليه وسيروه الى مصر فتلقاهم قاصد الناصر فقيده وأركبه بغلا حتى قدم به الى القلعة فى ذى القعدة فلما حضر بين يديه عاتبه وعدد عليه ذنوبا فيقال انه خنق بحضرته بوتر حتى مات وقيل سقاه سما وكان موصوفا بالخير والامانة والتعفف وكان قتله في شهر القعدة سنة 709 وقد كان تعكست عليه الأمور وكل مادبره عاد عليه بالخذلان حرف التاء المثناة الفوقية(1/158)
( 112 ) تنكر نائب الشام جلب الى مصر وهو صغير فاشتراه الأشرف ثم صار الى الناصر فجعله أمير عشرة قبل أن يعزل نفسه ويفر الى الكرك ثم كان فى صحبته بالكرك يترسل بينه وبين الأفرم وكان الأقرم إذ ذاك نائب الشام ففى ببعض الأوقات اتهمه الأفرم بان معه كتبا الى أمراء الشام ففتشه وعرض عليه العقوبة فرجع الى الناصر وشكى عليه مالاقاه من الاهانة فقال له إن عدت الى الملك فانت نائب الشام عوضه فلما عاد الى الملك جهزه لنيابة الشام فى ربيع الآخر سنة 712 وأرسل معه من ييعرفه بما يحتاج اليه فباشر ذلك وتمكن وسلك سبيل الحرمة والناموس البالغ وفتح الله على(1/159)
يديه ملطية فى سنة 715 وذلك أنه استأذن السلطان فى ذلك فأذن له فأظهر أنه يريد التوجه الى محل اخر فخرج وخرجت العساكر معه وهو فى دست السلطنة بالعصايب والكوسات ومعه القضاة فلما وصل الى حلب جرد عسكرا الى مطلية ثم توجه فى أثره فنازلها الى أن فتحها ورحل بأسرى وغنائم ومال كثير فعظم شأنه وهابه الامراء والنواب قال الصفدى سار السيرة الحسنة العادلة بحيث لم يكن له همة فى مأكل ولا مشرب ولا ملبس ولا منكح بل في الفكرة فى تأمين الرعايا فأمنت السبل في أيامه ورخصت الأسعار ولم يكن أحد فى ولايته يتمكن من ظلم أحد ولو كان كافرا ثم ان الناصر بالغ في تعظيمه وتقدم أمره الى جميع النواب بالبلاد الشامية أن يكاتبوا تنكر بجميع ما كانوا يكاتبون به السلطان وزاد فى الترقى حتى كان الناصر لا يفعل شيئا الا بعد مشاورته ولم يكتب هو الى السلطان فى شىء فيرده فيه الا نادرا ولم يتفق فى طول ولايته أنه ولى أميرا ولا نائبا ولا قاضيا ولا وزيرا ولا كاتبا الى غير ذلك من جليل الوظائف وحقيرها برشوة ولا طلب مكافأة بل ربما كان يدفع اليه المال الجزيل لأجل ذلك فيرده ويمقت صاحبه وكان يتردد الى القاهرة باذن السلطان فيبالغ فى اكرامه واحترامه حتى قال النشو مرة ان الذي خص تنكر في سنة 733 خاصة مبلغ ألف ألف وخمسين ألف خارجا عن الخيل والسروج وكان قد سمع الحديث من عيسى المطعم وأبى بكر بن أحمد بن عبد الدايم وابن الشحنة وغيرهم ولما حج قرأ عليه بعض المحدثين بالمدينة الشريفة ثلاثيات البخارى ومن مبالغة السلطان في تعظيمه أنه روى عنه الامير سيف الدين أنه قال له مرة لى مدة طويلة(1/160)
أطلب من الناس شيئا لا يفهمونه منى وهو أنى لا أقضى لأحد حاجة الا على لسان تنكر ودعا له بطول العمر قال فنقلت ذلك الى تنكر فقال بل أموت أنا في حياة السلطان قال فبلغت السلطان ذلك فقال لا قل له أنت اذا عشت بعدى نفعتنى فى أولادى وأهلى وأنت اذا مت قبلى ايش أعمل أنامع أولادك أكثر مما عملت معهم فى حياتك ولتنكر مآثر فى دمشق مساجد ومدارس ورباطات وحج فى سنة 721 ويقال انه قدم القاهرة بعد حجه فأمر السلطان الأمراء يهادونه وكانت جملة ما قدم اليه ثمانين ألف دينار وكان الناس في ولايته آمنين على أنفسهم وأموالهم وحريمهم وأولادهم وكان يتوجه فى كل سنة الى الصيد ويصيد أياما وكان مثابرا على الحق ونصر الشرع الا أنه كان كثير التخيل سريع الغضب شديد الحدة ولا يقدر أحد على مراجعته مهابة له وإذا بطش بطش بطشة الجبارين وإذا غضب على احد لا يزال ذلك المغضوب عليه في انعكاس وخمول الى أن يموت غالبا وكان يقول أى لذة لحاكم اذا كانت رعاياه يدعون عليه وما كان يخلو ليله من قيام ودعاء وكان يعظم أهل العلم واذا كان عنده أحد منهم لم يسند ظهره بل يقبل اليه بوجهه ويؤنسه بالقول والفعل وكان سليم الباطن ليس عنده دهاء ولا مكر ولا يصبر على الأذى لا يدارى أحدا من الامراء وقدم الى مصر فى سنة 738 فخرج السلطان لملاقاته فلما رآه ترجل له فترجل جميع من معه من الامراء فألقى تنكر نفسه من فوق الفرس الى الارض وأسرع وهو يقبل الارض حتى انكب على قدمى السلطان فقبلهما فامسك رأسه بيده وأمره بالركوب وقدم في سنة 739 فكانت قيمة تقادمه للسلطان والامراء(1/161)
مائتى الف دينار وعشرين الف دينار وبالغ السلطان في اكرامه حتى أخرج له نساءه فقبلن يده وله محاسن منها أنه نظر في أوقاف المدارس والجوامع والمساجد والخوانق والزوايا والربط فمنع ان يصرف لاحد جامكية حتى يلم شعثها فعمرت كلها فى زمانه أحسن عمارة وأمر بكسح الأوساخ التى في مقاسم المياه التى تتخلل الدور وفتح منافذها وكانت انسدت فكان الوباء يحصل بدمشق كثيرا بسبب العفونات فلما صلح ذلك زال ما كان يعتادهم كل سنة من كثرة الامراض فكثر الدعاء له وأجرى العين الى بيت المقدس بعد أن كان الماء بها قليلا وأقاموا فى عملها سنة وأكثر من فكاك الأسرى وأعظم ربح التجار الذين يجلبونهم وجمع الكلاب فألقاها فى الخندق واستراح الناس من أذاها ولما انتهى حظه وبلغ الغاية فى هذه الدنيا أشهر في الناس أنه عزم على التوجه الى بلاد التتار حتى بلغ ذلك السلطان وتغير عليه وتنكر لتنكر وجهز العساكر لامساكه مع جماعة من الأمراء وليس عنده خبر فلما بلغه الخبر بوصول الجند والأمراء لامساكه بهت لذلك وقال ما العمل قالوا تستسلم فاستسلم وجهز سيفه الى السلطان وذلك في ذى الحجة سنة 740 وتأسف أهل دمشق عليه ثم بعد القبض عليه أحيط بموجوده ووجد له ما يجاوز الوصف فمن الذهب العين ثلاث مائة وثلاثون ألف دينار ومن الدراهم ألف ألف درهم وخمس مائة ألف درهم وأما الجواهر والحوايص والأقمشة والخيول ونحو ذلك فشىء كثير جدا ثم لما دخل القاهرة أمر السلطان جميع المماليك والامراء أن يقعدوا له بالطرقات من حد باب القلعة وأن لا يقوم له أحد وفى بعض الأوقات(1/162)
قال له السلطان انظر من يكون وصيك فقال له خدمتك ونصحتك فلم تترك لى صديقا وأمر بتجهيزه الى الاسكندرية فلم يزل فى الاعتقال دون شهر ثم مات فى أوائل سنة 741 أحدى وأربعين وسبعمائة قال الذهبى فى أواخر كتابه سير النبلاء كان ذا سطوة وهيبة وزعامة واقدام على الدماء وله نفس سبعيه وفيه عتو وحرص مع ديانة في الجملة وكان فيه حدة وقلة رأفة وكان لا يفكر فى عاقبة ولا رأى له ولا دهاء الى اخر كلامه وتعقبه الحافظ صلاح الدين الغلائى فقال لقد بالغ المصنف وتجاوز الحد في ترجمة تنكر واين مثله وأعرض عن محاسنه الطافحة من العدل وقمع الظلمة وكف الأذى عن الناس ومحبة إيصال الحق الى مستحقه وتولية الوظايف أهلها وحسبك أن المصنف يعنى الذهبى كان فقيرا فلما خلت دار الحديث الأشرفية وتربة أم الصالح ولى تنكر المزى والذهبى بغير سؤال منهما ولا ببذل لانه أعلم بحالهما واستحقاقهما ثم ولى الذهبى دار الحديث الظاهرية ثم النفيسية ثم دار الحديث التنكرية ثم قال الغلائى ذنب تنكرانه كان يحط كثيرا على ابن تيمية وفى هذه الاشارة كفاية انتهى وهو يشير بهذا الى أن الذهبى تحيز إلى الحنابلة(1/163)
( 113 ) تيمورلنك بن طرغاى السلطان الأعظم الطاغية الكبرى الأعرج وهو اللنك فى لغتهم كان ابتداء ملكه أنها لما انقرضت دولة بنى جنكزخان وتلاشت فى جميع النواحى ظهر هذا بتركستان وسمرقند وتغلب على ملكهم محمود بعد أن كان أتابكه وتزوج أمه فاستبد عليه وكان فى عصره أمير بحارى يعرف بحسن من أكابر المغل واخر بخوارزم يعرف بالحاج حسن الصوفى وهو من كبار التتر فنبذ اليهم تيمور بالعهد وزحف الى بخارى فملكها من يد الأمير حسن ثم زحف الى خوارزم وتحرش بها وهلك الحاج حسن في خلال ذلك وولى أخوه يوسف فملكها تيمور من يده وخربها فى حصار طويل ثم كلف بعمارتها وتشييد ماخرب منها وانتظم له ملك ما ورا النهر ونزل الى بخارى ثم انتقل الى سمرقند ثم زحف الى خراسان وطال تحرشه بها وحروبه لصاحبها شاه ولى الى أن ملكها عليه سنة 784 ونجا شاه ولى الى تبريز وبها أحمد بن أويس صاحب العراق واذربيجان الى أن زحف عليهم تيمور سنة 788 فهلك شاه ولى فى حروبه عليها وملكها تيمور ثم زحف الى اصبهان فاطاعوه طاعة ممرضة وخالفه في قومه كبير من أهل نسبه يعرف بقمر الدين فكر راجعا وحاربه الى أن محى اثره واشتغل بسلطان المغل وزاحم طقتمش مرارا حتى أوهن أمره ثم رجع الى اصبهان سنة 794 ثم زحف الى بغداد سنة 795 ففر منها أحمد بن أويس المتغلب عليها بعد بنى هولاكو واستولى عليها تيمور ونهبها وبلغه حركة طقتمش فى جميع المغل فأحجم وتأخر الى قلاع الاكراد وأطراف بلاد الروم وأناخ على قراباغ ورجع طقتمش ثم سار اليه تيمور أول سنة 799 وغلبه على ملكه وأخرجه من سائر أعماله فلحق ببلغار ورجع سائلا المغل الذين كانوا معه الى تيمور فأضحت أمم المغل والتتر كلها فى جملته وصاروا تحت لوائه والملك لله فلما بلغه موت الظاهر برقوق فرح وأعطى من بشره بذلك خمسة عشرة ألف دينار وتهيأ للمسير الى بلاد الشام فجاء الى بغداد فأخذها ثانيا فانها كانت استرجعت نائبه ثم قصد سيواس فى اخر سنة 802 فحاصرها مدة(1/164)
ولم يأخذها ثم الى عين تاب فأجفل أهل القرى بين يديه وأهل البلاد الحلبية واجتمع عساكر المماليك الشامية بحلب ووصل تيمور مرج دابق وجهز رسولا الى حلب فأمر سدون نائب حلب بقتله ثم نزل فى يوم الخميس تاسع ربيع الأول سنة 803 على حلب ونازلها وحاصرها فخرج النواب بالعسكر الى ظاهرها من جهة الشمال وتقاتلوا يوم الخميس ويوم الجمعة فلما كان يوم السبت حادى عشر الشهر ركب تيمور في جمع وحشدوا الفيلة تقاد بين يديه وهى فى ما قيل ثمانية وثلاثون وكان معه جمع لا يحصيه الا الله من ترك وتركمان وعجم واكراد وتتار وزحف على حلب فانهزم المسلمون من بين أيديهم وجعلوا يلقون أنفسهم من الأسوار والخنادق والتتار فى أثرهم يقتلونهم وياسرونهم الى أن دخلوا حلب عنوة بالسيف فلجأت النساء والأطفال الى الجوامع والمساجد فلم يفد ذلك شيئا واستمر القتل والأسر في أهل حلب فقتلوا الرجال وسبوا النساء والأطفال وقتل خلق كثير من الأطفال تحت حوافر الخيل وعلى الطرقات وأحرقوا المدينة ثم فى يوم الثلاثاء تسلم قلعتها بالأمان وصعد اليها في اليوم الذي يليه وجلس في أبوابها وطلب القضاة والعلماء للسلام عليه فامتثلوا أمره وجاؤا اليه ليلة الخميس فلم يكرمهم وجعل يتعنتهم بالسؤال وكان اخر ماسألهم عنه ان قال ما تقولون فى معاوية ويزيد هل يجوز لعنهما أم لا وعن قتال على ومعاوية فأجابه القاضى علم الدين القفصى المالكى بان عليا اجتهد فأصاب فله أجران ومعاوية اجتهد فأحطأ فله أجر فتغيظ من ذلك ثم أجاب الشرف أبو البركات الأنصارى الشافعى بان معاوية لا يجوز لعنه لأنه صحابى فقال تيمور ما حد الصحابى فأجاب(1/165)
القاضى شرف الدين أنه كل من رأى النبى صلى الله عليه وآله وسلم فقال تيمور فاليهود والنصارى رأوا النبى صلى الله عليه وآله وسلم فأجاب بان ذلك بشرط كون الرائى مسلما وأجاب القاضى شرف الدين المذكور أنه رأى في حاشية على بعض الكتب أنه يجوز لعن يزيد فتغيظ لذلك ولا عتب عليه اذا تغيظ فالتعويل في مثل هذا الموقف العظيم فى مناظرة هذا الطاغية الكبير في ذلك الامر الذي ما زالت المراجعة به بين اهل العلم في قديم الزمان وحديثه على حاشية وجدها على بعض الكتب مما يوجب الغيظ سواء كان محقا أو مبطلا وقد سألهم فى هذا الموقف أو فى موقف اخر بمسئلة عجيبة فقال ما مضمونه انه قد قتل منا ومنكم من قتل فمن فى الجنة ومن فى النار هل قتلانا أو قتلاكم فقال بعض العلماء الحاضرين وهو ابن الشحنة كما سيأتى إن شاء الله هذا سؤال قد سئل عنه رسول الله فاستنكر تيمور ذلك وقال كيف قلت قال ثبت في الحديث الصحيح أن قائلا قال لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يا رسول الله الرجل يقاتل حمية وقاتل شجاعة ويقاتل ليرى موضعه فقال من قاتل لتكون كلمة الله هى العليا فهو فى الجنة أو كما قال فلما سمع تيمور هذا الجواب أعجبه وأطربه ولله در هذا المجيب فلقد وفقه الله فى هذا الجواب وهكذا فلتكن جوابات العلماء لا كما قاله القاضى شرف الدين انه رأى في حاشية ثم ان تيمور توجه الى قاعة السلطان الكائنة بقلعة حلب وأمر بطلب دراهم ممن بالقلعة من الحلبيين فكتب أسماء الناس وقبض عليهم وعوقبوا بانواع من الغذاب بحيث لم يسلم من العقوبة الا القليل ونهبوا القلعة وأخذوا من الاموال والاقمشة(1/166)
ما أذهل التتار ولم يظفروا في مملكة بمثله ثم رحل يوم السبت مستهل ربيع الاخر الى جهة دمشق وترك بحلب طائفة من التتار بالقلعة وبالمدينة فوصل الى دمشق وقد كان وصل اليها الناصر فرج بعساكر الديار المصرية لدفع التتار وحصل بينهم قتال اياما ثم انه وقع الاختلاف بين العسكر المصرى وداخلهم الفشل فانكسروا وولوا راجعين الى جهة مصر واقتفى التتار اثارهم يسلبون من قدروا عليه أو لحقوه ورجع السلطان الى مصر فأخذ تيمور دمشق وفعل بأهلها أعظم من فعله بحلب فقصد من بالقلعة أن يمتنعوا منه فأمر بالأخشاب والتراب والحجارة وبنى برجين قبالة القلعة فأذعنوا حينئذ ونزلوا فتسلمها ونهب المدينة وخربها خرابا فاحشا لم يسمع بمثله ولم يصل التتار أيام هولاكو الى قريب مما فعل بها التتار أيام تيمور واستمر بدمشق الى شعبان ثم رجع الى ناحية حلب قاصدا بلاده ولما وصل الى بلاده استقر الى السنة الثانية ثم قصد بلاد الروم فجمع سلطانها بايزيد عسكره وتقدم كل من الفريقين الى الآخر فحصلت مقتله عظيمة انكسر فيها صاحب الروم وأسر وتفرق شمل عسكره فأخذ تيمور مايلى أطراف الشام من بلادهم واخذ برصا وهى كرسى مملكة الروم ثم رجع الى بلاده ومعه أبو يزيد صاحب الروم معتقلا فتوفى فى اعتقاله من تلك السنة ثم دخل تيمور بلاد الهند ونازل مملكة المسلمين حتى غلب عليها والحاصل أنه دوخ الممالك واستولى على غالب البلاد الاسلامية بل والعجم وجميع ماوراء النهر والشام والعراق والروم والهند ومابين هذه الممالك ومن أحب الاطلاع على ماوقع له من الملاحم وكيف صنع بالبلاد والعباد فعليه بالكتاب والمؤلف في سيرته وهو مجلد لطيف(1/167)
وقد قدمنا الاشارة اليه عند ترجمة مؤلفه ابن عرب شاه وقد وصف فيه من عجائب تيمور وغرائبه ما ينبهر له كل من وقف عليه ويعرف مقدار هذا الملك الذي لم يأت قبله ولا بعده مثله فان جنكزخان ملك التتار وان كان قد أهلك من العباد والبلاد زيادة على ما أهلك هذا الا ان ذاك لم يباشر مابا شره هذا ولا بعضه ولا كان جميع مافعله فى حياته بل الغالب بعد موته فى سلطنة أولاده وأحفاده وأما هذا الطاغية فهو المباشر لكل فتوحاته المدبر لجميع معاركه ولقد كان من أعاجيب الزمن فى حركاته وسكناته وكان شيخا طويلا مهولا طويل اللحية حسن الوجه أعرج شديد العرج سلبت رجله أوائل أمره ومع ذلك يصلى من قيام مهابا بطلا شجاعا جبارا ظلوما سفاكا للدماء مقداما على ذلك أفنى في مدة سلطنته من الأمم مالا يحصيهم الا الله وخرب بلدانا كثيرة تفوت الحصر وكان جهير الصوت يسلك الجد مع القريب والبعيد ولا يحب المزاح ويحب الشطرنج وله فيه يد طولى ومهارة زائدة وزاد فيه جملا وبغلا وجعل رقعته عشرة فى أحد عشر بحيث لم يكن يلاعبه فيه الا أفراد ويقرب العلماء والصلحاء والشجعان والأشراف وينزلهم منازلهم ولكن من خالف أمره أدنى مخالفة استباح دمه فكانت هيبته لا تدانى بهذا السبب وما أخرب البلاد الا بذلك فانه كان من اطاعه من أول وهلة أمن ومن خالفه أدنى مخالفة هلك وله فكر صائب ومكايد فى الحرب عجيبة وفراسة قل أن تخطأ ومعرفة بالتواريخ لادمانه على سماعها وعدم خلو مجلسه عن قراءة شىء منها سفرا وحضرا وكان مغرى بمن له معرفة بصناعة ما إذا كان حاذقا فيها مع كونه أميالا يحسن الكتابة ولا القراءة وله حذق باللغة(1/168)
الفارسية والتركية والمغلية ويعتمد قواعد جنكزخان ويجعلها أصلا ولذلك أفنى العالم مع تظهره بالاسلام وشعائره وكان له جواسيس فى جميع البلاد التى ملكها والتى لم يملكها فكانوا ينهون اليه الحوادث الكائنة على جليتها ويكاتبونه بجميع ما يروم فلا يتوجه إلى جهة الا وهو على بصيرة من أهلها وبلغ من دهائه أنه كان إذا أراد قصد جهة جمع أكابر الدولة وتشاوروا الى أن يقع الرأى على التوجه فى الوقت الفلانى إلى الجهة الفلانية فيكاتب جواسيس تلك الجهات أهلها فيأخذون الحذر ويأمن غيرهم فاذا ضرب النفير وأصبحوا سائرين ذات الشمال عرج بهم ذات اليمين فيدهم الجهة التى يريد وأهلها غافلون مات وهو متوجه لأخذ بلاد الخطا بسبب ثلوج تنزلت مع شدة برد وكان لا يسافر في أيام الشتاء فلما أراد الله هلاكه قوى عزمه على هذا السفر وكان موته يوم الأربعاء سابع عشر شهر شعبان سنة 807 سبع وثمان مائة ولم يكن معه من بنيه وأحفاده سوى حفيده خليل بن ميران شاه بن تيمور فاتفق رأيهم على استقرار خليل المذكور في السلطنة مع كون أبيه وعمه موجودين وبذل لهم أموالا عظيمة ورجع إلى بلاده سمرقند فانها كانت كرسى مملكة تيمور فلما قرب منها تلقاه من بها وعليهم ثياب الحداد وهم يبكون وجثة تيمور فى تابوت أبنوس وجميع الملوك والأمراء مشاة مكشوفة رؤسهم وعليهم ثياب الحداد حتى دفنوه وأقاموا عليه العزاء أياما قال السخاوى ولعله قارب الثمانين فانه قال للقاضى شرف الدين الأنصارى وغيره كم سنكم فقال له الشرف سنى الآن سبع وخمسون سنة وأجاب غيره بنحو ذلك فقال أنا أصلح أن أكون والدكم وكانت له همة عظيمة(1/169)
لم يبلغ الى سموها همة ملك من الملوك من جميع الطوائف فانه مازال يفتح البلاد ويقهر الملوك ويستولى على الأقاليم منذ قيامه في بلاده واستيلائه على مملكة أرضه الى أن مات وناهيك أنه مات فى الغزو ولم يصده عن ذلك كثرة ما قد صار بيده من الممالك ولا كفاه ما قد استولى عليه من الاراضى التى كانت قائمة بعده ملوك هم تحت ركابه ومن جملة خدمه ولله الأمر وهو الملك حقا وكان مغرى بغزو المسلمين دون الكفار وصنع كذلك فى بلاد الروم والهند وأنشا بظاهر سمرقند عدة بساتين وقصور عجيبة فكانت من أعظم النزه وبنى عدة قصبات سماها بأسماء البلاد الكبار كحمص ودمشق وبغداد وشيراز وكان يجمع العلماء ويامرهم بالمناظرة فى مقامه ويسائلهم ويتعنتهم وبالجملة فكان من الغرائب البارزة الى العالم الدالة على القدرة الالاهية وأنه يسلط من يشاء على من يشاء وكان له من الأولاد عند موته مير شاهان وشاه رخ ومن الزوجات ثلاث ومن السرارى شىء كثير وترجمته تحتمل كراريس فمن رام الاطلاع على أحواله فليرجع الى كتاب سيرته الذي قدمنا الاشارة اليه(1/170)
حرف الثاء المثلثة
( 114 ) ثابت بن محمد بن ثابت الطرابلسى أمير طرابلس الغرب ولى الامرة بعد أبيه وكان شابا غرا فاحتال عليه الافرنج بان قدم منهم طائفة في عدة مراكب في صورة التجار وهم مقاتلة فراسلوا من فى البلد من الفرنج وأطلعوهم على سرهم وأرسلوا من عندهم ترجمانا مجربا فرأى فى البلد غلاء لقلة الحب عندهم إذا ذاك فتمت له الحيلة وأشار على ثابت
أن يجمع الأسلحة التى مع جند البلد ويجعلها عنده فى القلعة لتطمئن اليه تجار الافرنج وينزلوا من مراكبهم ويبيعوا ما معهم من البضائع وذكر له أن الخمس الذي يخصه من البضائع يجتمع منه مال كثير وينتفع الناس بما معهم من المأكولات ففعل فلما بلغ الفرنج ذلك أنزلوا من مركبهم بعض البضائع التى معهم وكان معهم عدة أعدال من التين ففرح أهل البلد وسارعوا الى شراها منهم فلما اطمئنوا اليهم هجموا على البلد بالليل دفعة واحدة واهلها غافلون فقتلوا فيهم كيف شاؤا وحاصروا القلعة فهرب ثابت متدليا بعمامته من القصر ففطن به بعض العرب ممن يعاديه فقتله واستولى الفرنج على البلد وكان ذلك في سنة 756 ست وخمسين وسبعمائة(1/171)
( 115 ) ثقبة بن رميثة بن محمد بن أبى سعد بن على بن قتادة الحسنى الشريف أمير مكة أخو عجلان تأمرا جميعا بعد موت والدهما مدة ثم اختلفا واستقل عجلان ثم قدم ثقبة بن رميثة الى مصر فى رمضان سنة 746 ومعه هدية جليلة وقدم مرة أخرى سنة 756 وقدم هدية جليلة وطلب أن يكون أخوه عجلان مستقلا فاجيب وخلع علية فاستمر الأخوان مختلفين وتأذى الحاج بسببهما ثم جهز اليهما عسكرا فقبض على ثقبة فى موسم سنة 754 فسجن بمصر ثم اطلق فى سنة 756 بشفاعة فياض بن مهنا ثم هرب ثقبة من مصر وتبعه العسكر فلم يدركوه واستمر خارج مكة الى موسم سنة 761 فهجم مكة بعد توجه الحاج وفعل بها أفعالا قبيحة ونهب خيول الامراء الذين من جهة المصريين واستولى على مافى بيوتهم ووفع بين الطائفتين مقتلة عظيمة فىالحرم حتى انكسر الاتراك فقتل أكثرهم
وباعوا من أسر منهم بابخس ثمن وأسر أمير الترك فأجارته امرأة من القتل فغذب بانواع الغذاب ثم أطلقه ثقبة بشفاعة القاضى تقى الدين الحرارى على شريطة أن يخرج من مكة فخرج الى البقيع فلحقوا الركب المصرى فسافروا معهم واستقل بعد ذلك بمكة فادركه الموت فى أواخر رمضان سنة 762 اثنتين وستين وسبعمائة(1/171)
حرف الجيم
( 116 ) جعفر بن تغلب بن جعفر بن كمال الدين أبوالفضل الأدفويى الأديب الفقيه الشافعى ولد بعد سنة 680 ثمانين وستمائة قال الشيخ تقى الدين السبكى كان يسمى وعد الله قال الصفدى اشتغل في بلاده فمهر في الفنون ولازم ابن دقيق العيد وغيره وتأدب بجماعة منهم أبوحيان وحمل عنه كثيرا وكان يقيم فى بستان ببلده وصنف الاتباع فى أحكام السماع والطالع السعيد فى تاريخ الصعيد والبدر السافر فى تحفة المسافر وكل مجاميعه جيدة وكانت له خبرة بالموسيقى وله النظم والنثر الحسن فمنه ( إن الدروس بمصرنا فى عصرنا *** طبعت على غلط وفرط عياط ) ( ومباحث لا تنتهى لنهاية *** جدلا ونقل ظاهر الأغلاط ) ( ومدرس يبدى مباحث كلها *** نشأت عن التخليط والأخلاط ) ( ومحدث قد صار غاية علمه *** أجزاء يرويها عن الدمياطى ) ( وفلانة تروى حديثا عالبا *** وفلان يروى ذاك عن أسباط ) ( والفرق بين عزيزهم وغريرهم *** وافصح عن الخياط والحناط ) ( والفاضل النحرير فيهم دأبه *** قول ارسطاطاليس أو بقراط ) ( وعلوم دين الله نادت جهرة *** هذا زمان فيه طى بساطى ) وكان عالما فاضلا متقللا من الدنيا ومع ذلك لا يخلو من المآكل الطيبة مات فى أول سنة 748 ثمان وأربعين وسبعمائة(1/172)
( 117 ) السيد جعفر بن مطهر بن محمد الجرموزى
الرئيس الكاتب الشاعر ولاه المتوكل على الله اسماعيل بلاد العدين وبعد ذلك صار كاتبا مع السيد عبدالله بن يحيى بن محمد بن الحسن بن الامام القاسم لما استولى على بلاد العدين وغيرهما وكان صاحب الترجمة متشبها بالصاحب بن عباد وأبى اسحاق الصابى مكثرا من ذكرهما حتى فى شعره وما أحسن قوله فى ذلك بعد الترشيح الفائق ( تعانقت أغصان بان النقا *** فشابهت أعطاف أحبابى ) و ( مذ صبا قلبى صبا صاحبى *** آه على الصاحب والصابى ) وقوله فى المجون وأجاد ( تشابه ذقنى حين شبت وبغلتى *** فكلتاهما فى اللون أشيب أشهب ) ( فوالله ما أدرى علام أتيتكم *** على لحيتى أم بغلتى كنت أركب ) وكانت وفاته فى حدود سنة 1096 ست وتسعين وألف بالعدين ووالده هو الجامع لسيرة الامام القاسم بن محمد وولده المؤيد السيرة الحافلة المشهورة وكان له في حرب الأتراك عناية كلية وولاه الامام المتوكل على الله اسماعيل عتمه(1/173)
( 118 ) جقمق الظاهر أبو سعيد الجركسى جلبه إلى مصر الخواجا وهو صغير ثم اشتراه منه العلاء بن الأتابك ثم أعتقه وكلمه الظاهر فى أن يعطيه اياه فسلمه إليه من غير أن يعلمه بعتقه فدفعه الظاهر لأخيه إينال ثم صار فى الدولة الناصرية أمير عشرة ثم صار فى أيام المؤيد أمير طبلخاناه ثم جعله خازن دارا ثم صار بعد المؤيد أحد المقدمين ثم استقر في الحجوبية الكبرى أيام الأشرف برسباى ثم نقله في سنة 826 إلى الأتابكية واستمر فيها إلى أن مات الاشرف بعد أن أوصاه على ولده المستقر بعده فى السلطنةالملقب بالعزيز فصارت أمور السلطنة كلها معقودة بصاحب الترجمة والعزيز إنما هو معه صورة ثم خلعه بعد أيام يسيرة وتسلطن في يوم الاربعاء تاسع عشر ربيع الاول سنة 842 ثم أتفق فى أوائل سلطنته بعض الكدر الى أن صفا له الوقت وقد كان أخبره شخص في سنة 804 أنه سيكون صاحب الترجمة سلطانا وهو فى ذلك الوقت غير منظور بذاك بل مظهر للوله والتغفيل عن أحوال الناس وتعاطى الاسباب المقللة للهيبة وكذا بشر به قديما جماعة من الصالحين واستمر في السلطنة وثبت قدمه وكان ملكا عادلا كثير الصلواة والصوم والعبادة عفيفا عن المنكرات والقاذورات لا يضبط عنه في ذلك زلة ولا تحفظ له هفوة متقشفا بحيث لم يمشى على سنن الملوك فى كثير من ملبسه وهيئته وجلوسه وحركاته وأفعاله متواضعا يقوم(1/174)
للفقهاء والصالحين إذا دخلوا عليه ويبالغ فى تقريبهم منه ولا يرتفع فى المجلس بحضرتهم وله المام بالعلم واستحضار لبعض المسائل لكثرة تردد العلماء اليه فى حال أمرته ورغبته فى الاستفادة منهم وله كرم زائد بحيث ينسب الى التبذير فانه قد يعطى بعض أهل العلم الف دينار فصاعدا وله عناية فى إزالة كثير من المنكرات وان كانت من شعار السلطنة وكان كثير الاحسان الى الأيتام بحيث كان يرسل من يحضرهم الى حضرته فيمسح رؤوسهم ويعطى كل واحد منهم وأصلح كثيرا من المصالح العامة كالقناظر والجوامع والمدارس وقرر لأهل الحرمين رواتب فى كل سنة خصوصا الفقراء منهم يحمل اليهم من مائة دينار وأقل وأكثر وكثر الدعاء له بذلك وهادن ملوك الأطراف وها داهم وتردد إليهم لا عن عجز أو ضعف قوة بل كان يقول كل ما أفعله مع الملوك لا يفى بنعل الخيل لو أردت المسير إليهم كل ذلك والأقدار تساعده والسعادة تعاضده مع حدة تعترية فى بعض الأحوال وسرعة بطش وبادرة مفرطة والكمال لله وبالجملة فهو من محاسن الملوك فى غالب أوصافه وقد كان كثير التعظيم لأهل العلم وله معرفة بمقاديرهم حتى كان يتأسف على فقد الحافظ ابن حجر ويسميه أمير المؤمنين وهو ممن ظهرت سعادته فى مماليكه بحيث تسلطن جماعة منهم ولم يزل على ملكه إلى أن ابتدأ به المرض وصار يظهر التجلد لا يمتنع من الكتابة حتى غلب عليه الحال فعجز وانحط ولزم الفراش نحو شهر حتى مات بين المغرب والعشاء ليلة الثلاثاء ثالث شهر صفر سنة 857 سبع وخمسين وثمان مائة وعهد لولده المنصور بالسلطنة وقد كان سنة عند موته زيادة على ثمانين سنة ورآه بعض الصلحاء بعد موته فقال له مافعل الله بك فقال والله لقد أعطانا الملك من قبل أن نرد عليه فقال له ماهو الملك الذي أعطاك إياه قال الجنة ثم قال وجاء جماعة بعدنا ليس لهم فيها وقت ولا مكان(1/175)
( 119 ) جلال بن أحمد بن يوسف التبريزى المعروف بالتبانى بمثناه ثم موحدة ثقيلة نسبة إلى التبانة ظاهر القاهرة قدم القاهرة قبل سنة 750 وأخذ عن جماعة من أهلها فى فنون عديدة وبرع فى الجميع مع الدين والخير وصنف عدة تصانيف منها المنظومة فى الفقه وشرحها فى أربع مجلدات وشرح المشارق والمنار والتلخيص واختصر شرج مغلطاى على البخارى وله مصنف فى منع تعدد الجمع وآخر فى أن الايمان يزيد ونقص وكان محبا للحديث حسن الاعتقاد شديدا على الاتحادية والمبتدعة وانتهت اليه رياسة الحنيفة وعرض عليه القضاء غير مرة فأصر على الامتناع وقال هذا امر يحتاج الى دراية ومعرفة اصطلاح ولا يكفى فيه مجرد الاتساع فى العلم ومات في ثالث رجب سنة 793 ثلاث وتسعين وسبعمائة بالقاهرة عن بضع وستين سنة(1/176)
حرف الحاء المهملة
( 120 ) حاجى بن الأشرف شعبان بن حسين بن الناصر محمد بن قلاون استقر فى السلطنة بعد أخيه المنصور على بن الاشرف وهو ابن زيادة على عشر سنين ولقب بالصالح ثم عزل بعد سنة ونصف بأتابكه الظاهر برقوق المتقدم ذكره في شهر رمضان سنة 784 وأمره بالاقامة
فى داره قلعة الجبل جريا على عادة بنى الملوك فاستمر الى أن خلع برقوق وسجن بقلعة الكرك فاعيد ثانيا الى السلطنة ولقب بالمنصور فأقام دوره تسعة أشهر وعاد برقوق الى السلطنة وخلعه في صفر سنة 792 واستمر المنصور ملازما لداره الى أن مات في تسع عشرة شوال سنة 814 أربع عشرة وثمان مائة بعد أن تعطلت حركة يديه ورجليه منذ سنين ودفن بتربة جدته قال العينى كان شديد البأس على جواريه لسوء خلقه لغلبة السوداء عليه وكان مشتغلا باللهو والسكر وقد جاوز الاربعين من عمره(1/177)
( 121 ) حاجى بن محمد بن قلاون الملك المظفر سيف الدين بن الناصر بن المنصور ولد سنة 732 اثنتين وثلاثين وسبعمائة فلما كان فى آخر سلطنة أخيه الكامل شعبان قبض عليه وسجنه هو وأخوه حسين والد الاشرف شعبان وذلك في جمادى الاولى سنة 747 فاتفق أن دولته زالت بقيام الأمراء عليه فى يوم الاثنين أول جمادى الآخرة من تلك السنة فأمسك وسجن حيث كان حاجى ونقل حاجى الى تخت السلطنة فمدوا له السماط الذي أعد للكامل وأدخلو للكامل السماط الذي أعد لحاجى وأحيط بمال الكامل وخواصه وصودروا واتفق رخص الأسعار أول ماولى المظفر ففرح الناس به لكنه أقبل على اللهو والشغف بالنساء حتى وصلت قيمة حظيته المسماة انفاق مائة ألف دينار وصار يحضر الأوباش يلعبون بالمصارعة بين يديه وكان جلوسه على التخت في مستهل جمادى الآخرة سنة 747 فبقى سنة وأربعة أشهر وخلع فى ثانى عشر شهر رمضان سنة 748 وكاقد قتل جماعة من أكابر الأمراء فنفرت عنه القلوب واستوحش منه بقية الامراء وكان كثير اللعب بالحمام فلامه على ذلك بعض أكابر أمرائه فقال له اذبحها فذبح الأمير منها طيرين فطار عقل السلطان وقال لخواصه اذا دخل إلى فبضعوه بالسيوف فبلغه ذلك فأخذ حذره منه ثم اجتمع الأمراء إلى قبة النصر فبلغ ذلك المظفر فخرج فى من بقى معه فلما تراءى الجمعان حمل عليه أميران طعنه أحدهما وضربه الاخر فقتلاه ثم قرروا أخاه الناصر حسن فى السلطنة(1/178)
( 122 ) حامد بن حسن شاكر الصنعانى نشأ بصنعاء وأخذ عن جماعة من أكابر العلماء كالسيد العلامة صلاح بن الحسين الأحفش والسيد العلامة هاشم بن يحيى الشامى والسيد العلامة أحمد بن عبد الرحمن الشامى وغيرهم وأكب على علم الحديث غاية الاكباب حتى فاق فيه وشارك فى سائر الفنون مشاركة قوية وانتفع به الناس فى الوعظ وكان له فى الجامع حلقة كبيرة يحضرون عليه لسماع وعظه ولوعظه وقع في القلوب لما هو عليه من الزهد والتقشف وعدم الاشتغال بالدنيا وقد أخبرنى جماعة ممن أخذ عنه أنه كان فقيرا قانعا يلبس الثياب الخشنة ويباشر شراء حاجاته بنفسه ويتواضع فى جميع أموره وكتبه مضبوطة غاية الضبط ولا يضبط إلا عن بصيرة حتى صارت مرجعا بعد موته وله مؤلفات دالة على سعة حفظه للحديث واتقانه لهذا العلم رأيت منها الا نموذج اللطيف فى حديث امر معاذ بالتخفيف وله شرح لعدة الحص الحصين ليس على نمط الشروح بل يكتب أحاديث ولا يشتغل بالكلام على أحاديث العدة لاتخريجا ولا تفسيرا وقفت عليه بعد شرحى(1/178)
للعدة وجمع حاشية على ضوء النهار للعلامة الجلال وصار تارة يرجح ما في ضوء النهار وتارة يرجح مافي حاشيته منحة الغفار للعلامة السيد محمد الأمير ولكنه ليس بمتقن لعلم الاصول وسائر العلوم التى يحتاج اليها من حرر المسائل واما بالنسبة الى ما يرجع الى متون الاحاديث والكلام على أسانيدها فهو قليل النظير وقد أكثر من التعقبات فى تلك الحاشية لما في حاشية الأمير وله رسائل ومسائل مات رحمه الله فجأة في بضع وسبعين بعد المائة والالف وسمعت من يروى عن السيد العلامة محمد بن اسمعيل الأمير أنه قال لمابلغه أن صاحب الترجمة بجمع حاشية على الكشاف ان على الكشاف حاشية السعد وحاشية صاحب الترجمة ينبغى أن يقال لها حاشية الشقب والشقب في لسان أهل اليمن عبارة عن مقابل السعد وهو النحس وكان السيد المذكور يتحامل عليه لما بلغه أنه يتعقب حاشيته المتقدم ذكرها روى لى ذلك من عرف الرجلين رحمهما الله تعالى وايانا(1/179)
( 123 ) الحسن بن أحمد بن صلاح اليوسفى الجمالى اليمانى المعروف بالحيمى
أحد أعيان دولة الامام المؤيد بالله بن القاسم وأخيه الامام المتوكل على الله وهو من أكابر العلماء وأفاضل الأدباء وكان يقوم بالامور العظيمة المتعلقة بالدولة ثم يشتغل بالعلم درسا وتدريسا وكان يوجهه الامام المتوكل على الله فى المهمات لفصاحته ورجاحة عقله وقوة تدبيره فمن جملةما بعثه إليه من المهمات ارساله إلى حضرموت لما وقع الاختلاف بين السلاطين آل كثير فقام بالأمر أتم قيام وصلحت الأمور بحميد رأيه وجميل عنايته ووجهه أيضا إلى سلطان الحبشة لما وصلت اليه منه كتب تتضمن وغوبه فى الاسلام ويطلب وصول جماعة من ال الامام اليه ليسلم على أيديهم فتوجه فى نحو خمسين رجلا وركب من بندر المخاثم توجه من هنالك ولاقى مشاقا عظيمة واستمر فى الطريق سفرا واقامة نحو تسعة أشهر فوصل إلى سلطان الحبشة فى يوم عيد للنصارى فدخل على السلطان لابسا شعار الاسلام من الثياب البيض وكان السلطان غير مربد لما أظهره فى كتبه من الرغوب فى الاسلام بل معظم قصده المراسلة كما يفعله الملوك وأنه يريد إصلاح الطريق فلما استقر صاحب الترجمة فى مدينة السلطان أضافه وأكرم أصحابه وأراد أن يخلع عليه خلعة حرير خالص وسوارين من الذهب فقال له هذا لا يحل فى شريعتنا وكان لصاحب الترجمة فى تلك البلاد صولة عظيمة حتى كان أصحابه يبطشون بالنصارى إذا تعرضوا لهم ويضربونهم وشاع عند الحبشة أن العرب الذين هم أصحاب المترجم له يأكلون الناس فزادت مهابتهم في صدورهم وكان أعظم معين لهم على ذلك البنادق فانه لا يعرفها أهل الحبشة إذ ذاك ولولاهى ما قدروا على مرور الطريق فانهم كانوا ينصبون عليهم كالجراد فيرمونهم بالبنادق فيقتلون منهم وينهزمون ويفزعون لاصواتها وتأثيرها ثم لما أيس صاحب الترجمة من اسلام السلطان طالبه بالاذن له بالرجوع إلى ديار الإسلام فتثاقل عنه ثم بعد حين أذن له وكان لايصحى من شرب الخمر فعين له وقتا يصل اليه للوداغ وترك شرب الخمر فى ذلك اليوم وجمع وزراءه وأمراءه وأعيان دولته فأمر صاحب الترجمة أصحابه أن يرموا بالبنادق عند وصولهم الى باب السلطان كما يفعله أهل اليمن ويسمون ذلك تعشيرة(1/180)
فلما سمع السلطان أصوات البنادق هرب من أيوانه وهرب الوزراء وسائر أصحاب السلطان فدخل صاحب الترجمة الدار ثم بعد ذلك عاد السلطان الى مكانه وأخذ فى أهبة توجيهه الى بلاد الاسلام وكان جملة بقائه لديه ثلاث سنين ورجع الى حضرة الامام سالما وهذه الرحلة مشتملة على عجائب وغرئب قد جمعها صاحب الترجمة فى كراريس هى بأيدى الناس ومن شعره أيام اقامته بالحبشة هذه الابيات ( على كل سعى فى الصلاح ثواب *** وكل اجتهاد في الرشاد صواب ) ( وليس على الانسان ادراك غاية *** ودون مداها للعيون حجاب ) ( ولو علم الساعون غاية أمرهم *** لما كان شخص بالشرور يصاب ) ( فقل لامير المؤمنين لقد دعا *** وحق له بعد الدعاء يجاب ) ( ولكن دعا قوما يظنون أنهم *** رموا غرضا فى دينهم فأصابوا ) وهى أبيات طويلة جيدة وله أشعار أيام اقامته هنالك وشعره جيد مات فى شهر ذى الحجة سنة 1070 سبعين وألف(1/181)
( 124 ) السيد الحسن بن أحمد بن محمد بن على بن صلاح بن أحمد بن الهادى بن الجلال ابن صلاح بن محمد بن الحسن بن المهدى بن على بن المحسن بن يحيى بن يحيى الناصر بن الحسن بن عبدالله بن محمد بن المختار لدين الله القاسم بن الناصر ابن الهادى يحيى بن الحسين بن القاسم بن ابراهيم بن اسمعيل بن ابراهيم ابن الحسن بن الحسن بن على بن أبى طالب رضى الله عنهم المعروف بالجلال العلامة الكبير ولد في شهر رجب سنة 1014 أربع عشرة والف بهجرة رغافة بضم الراء المهملة بعدها معجمة وبعد الالف فاء قرية ما بين الحجاز وصعده ونشأبها ثم رحل الى صعده وأخذ عن علمائها ثم رحل الى شهارة وأخذ عن أهلها ثم رحل إلى صنعاء وأخذ عن أكابر علمائها وما حواليها من الجهات ومن جملة مشايخه القاضى عبد الرحمن الحيمى والعلامة الحسين بن القاسم بن محمد والعلامة محمد عز الدين المفتى وسائر أعيان القرن الحادى عشر وبرع فى جميع العلوم العقلية والنقلية وصنف التصانيف الجليلة فمنها ضوء النهار جعله شرحا للأزهار للامام المهدى وحرر اجتهاداته على مقتضى الدليل ولم يعبأ بمن يوافقه من العلماء أو خلافه وهو شرح لم تشرح الأزهار بمثله بل لا نظير له في الكتب المدونة في الفقه وفيه ما هو مقبول وما هو غير مقبول وهذا شأن البشر وكل أحد يؤخذ من قوله ويترك إلا المعصوم وما أظن سبب كثرة الوهم في ذلك الكتاب إلا أن هذا السيد كالبحر الزخار وذهنه كشعلة نار فيبادر الى تحريم ما يظهر له واثقا بكثرة علمه وسعة دائرته وقوة ذهنه ولا أقول كما قال السيد العلامة صرح بن الحسين الاخفش في وصفه لبعض مصنفات صاحب الترجمة انه عظام لالحم عليها بل أقول هو بحر عجاج متلاطم الامواج وله فى أصول الدين شرح الفصول وشرح مختصر المنتهى وفى المنطق شرح التهذيب وفي أصول الدين عصام المتورعين وغير ذلك من المؤلفات فى غالب الفنون وله حاشية كمل بها حاشية السعد على الكشاف وحاشية على شرح القلائد(1/182)
ومجموعات مفيدة ورسائل عديدة وله القصيدة التى سماها فيض الشعاع أولها ( الدين دين محمد وصحابه *** ياهائما بقياسه وكتابه ) وشرحها شرحا نفيسا فيه فوائد جمة ولى كثير من المناقشات فى ترجيحاته التى يحررها فى مؤلفاته ولكن مع اعترافى بعظيم قدره وطول باعه وتبريزه في جميع أنواع المعارف وكان له مع ابناء دهره قلاقل وزلازل كما جرت به عادة أهل القطر اليمنى من وضع جانب أكابر علمائهم المؤثرين لنصوص الأدلة على أقوال الرجال وقد كان الامام المتوكل على الله اسماعيل بن القاسم المتقدم ذكره يجله غاية الاجلال ولا يعرف أهل الفضل إلا أهله واستوطن الجراف ومات فيه وقبره هنالك وكان موته ليلة الاحد لثمان بقين من ربيع الآخر سنة 1084 أربع وثمانين والف وكان جيد النظم وما أحسن قوله في القصيدة التى تقدمت الاشارة اليها مخاطبا لرسول الله صلى الله عليه وسلم ( وقل ابنك الحسن الجلال مباين *** من قد غلا في الدين من تلعابه ) ( لا عاجزا عن مثل أقوال الورى *** أو هائبا من علمهم لصعابه ) ( فالمشكلات شواهد لى أننى *** أشرقت كل محقق بلعابه ) ( لولا محبة قدوتي بمحمد *** زاحمت رسطاليس فى أبوابه ) ومنه ( وشادن يغرق أهل الهوى *** في حسنه فابك على وارده ) ( مذ لاح فى الخد أخو أمه *** عاينت تصحيف أخي والده ) وله مضمنا مع حسن التصرف ( رفعت عمامتى فرأت *** برأسى شيبا اشتعلا ) ( فعادت بعد تنكرنى *** فقلت لها أنا ابن جلا )(1/183)
( 125 ) السيد الحسن بن اسحق بن المهدى أحمد بن الحسن ابن الامام القاسم بن محمد
ولد سنة1093 ثلاث وتسعين والف ونشأ بصنعاء فقرأ على السيد العلامة محمد بن اسمعيل الامير وغيره وفاق فى غالب العلوم وصنف تصانيف منها منظومة الهدي النبوي لابن القيم ثم شرحها شرحا نفيسا ومنها رسائل نفيسه فى علوم عدة وكان أحد الرؤسا مع أخيه السيد العلامة محمد بن اسحق الآتى ذكره ان شاء الله تعالى ثم اعتقله الامام المنصور الحسين بن القاسم وكان قد اعتقله الامام المتوكل على الله القاسم ابن حسين وله أشعار فائقة منها وهو بالسجن ( وعدت أسير الوجد ظبية حاجر *** بالطيف يطرق فى الظلام محاجرى ) وهى أبيات جيدة وله قصيدة أخرى مطلعها ( ياصاحبى مالنسيم نجدي *** قد عطرت سوحي بعرف الند ) مدح بها شيخه العلامة محمد ابن اسمعيل الامير وله شعر كثير سائر مجموع عند أهله وكل أهل هذا البيت الشريف علماء شعراء لا يخلو عن ذلك الا النادر وصاحب الترجمة من أكابرهم وأفاضلهم الجامعين بين العلم والادب والرياسة ومكارم الاخلاق وجميع صفات الكمال ومات فى سنة 1160 ستين ومائة والف(1/184)
( 126 ) حسن بن أحمد بن يوسف الرباعي الصنعانى
ولد تقريبا على رأس القرن الثاني عشر وقرأ على جماعة من شيوخ العصر كالسيد العلامة الحسن بن يحيى الكبسى والقاضى العلامة محمد بن أحمد السودى وغيرهما واستفاد فى جميع العلوم الآلية وفى علم السنة المطهرة وله فهم صادق وإدراك قوي وتصور صحيح وانصاف وعمل بما تقتضيه الادلة وله قراءة على فى علم المعانى والبيان وفى علم التفسير وفى الصحيحين والسنن وفى مؤلفاتى وهو الآن من أعيان أهل العرفان ومحاس حملة العلم بمدينة صنعاء وقد تقدمت ترجمة والده(1/185)
( 127 ) الحسن بن اسمعيل بن الحسن بن محمد المغربى نسبة الى مغارب صنعاء ثم الصنعانى حفيد شارح بلوغ المرام الاتى ذكره هو شيخ شيوخ العصر ولد بعد سنة 1140 أربعين ومائة والف ونشأ بصنعاء كسلفه وقرأ على جماعة من اعيان علماء صنعاء منهم العلامة أحمد بن صالح بن أبى الرجال والعلامة محسن بن اسمعيل الشامى وغير واحد فى عدة فنون كالنحو والصرف والمنطق والمعانى والبيان والحديث والتفسير والفقه وانتفع به الطلبة فى جميع هذه الفنون وأخذ عنه أعيان العلماء وتخرجوا به وصاروا مبرزين فى حيوته وكان رحمه الله زاهدا ورعا عفيفا متواضعا متقشفا لا يعد نفسه في العلماء ولا يرى له حقا على تلامذته فضلا عن غيرهم ولا يتصنع فى ملبوس بل يقتصر على عمامة صغيرة وقميص وسراويل وثوب يضعه على جنبيه وتارة يجعل أزارا مكان الثوب ويقضى حاجته من الاسواق بنفسه ويباشر دقيقها وجليلها ويحمل على ظهره ما يحتاج الى الحمل منها ويقود دابته ويسقيها بنفسه ولا يتصدر لما يتصدر له من هو معدود من صغار تلامذته من تحرير الفتاوى ومماراة أهل العلم بل جل مقصوده الاشتغال بخاصة نفسه ونشر العلم بالقائه الى أهله والقيام بما لا بد منه من المعيشه يكتفى بما يحصل له من مستغلاته التى ورثها عن سلفه الصالح مع حقارتها وخطب للقضاء فى أيام شبابه فلم يساعد بل صمم على الامتناع بعد ان رغبه شيخه أحمد بن صالح المتقدم ذكره والحاصل أنه من العلماء الذين اذا رأيتهم ذكرت الله عز وجل وكل شؤونه جارية على نمط السلف الصالح وكان اذا سأله سائل أحاله فى الجواب على أحد تلامذته واذا أشكل عليه شىء فى الدرس او فيما يتعلق بالعمل سأل عنه غير مبال سواء كان المسئول عنه خفيا أو جليا لانه جبل على التواضع ومع هذا ففى تلامذته القاعدين بين يديه نحو عشرة مجتهدين والبعض منهم يصنف فى أنواع العلوم اذ ذاك وهو لا يزداد الا تواضعا قرأت عليه رحمه الله فى المطول وحواشيه والعضد وحواشيه من أولهما الى آخرهما والكشاف وبعض حواشيه من أوله الى آخره الا فوتا يسيرا وبعض الرسالة الشمسية وشرحها للقطب وحاشيتها للشريف وبعض تنقيح الانظار فى علوم الحديث وقطعه من صحيح مسلم وقطعه من شرحه للنووى وجميع سنن أبى داود ومختصر المنذرى عليها وبعض شرح ابن رسلان والخطابى لها وشرح بلوغ المرام لجده إلا قليلا من أوائله واستمر على حاله الجميل لا يزداد إلا تواضعا وتصاغرا وتحقيرا لنفسه وهكذا فليصنع من أراد الوصول إلى ثمرة العلم والبلوغ إلى فائدته(1/186)
الاخروية وكان رحمه الله يقبل على اقبالا زائدا ويعيننى على الطلب بكتبه وهو من جملة من أرشدنى إلى شرح المنتقى وشرعت فى حياته بل شرحت أكثره وأتممته بعد موته وكان كثيرا ما يتحدث فى غيبتى أنه يخشى على من عوارض العلم الموجبة للاشتغال عنه فما أصدق حدسه وأوقع فراسته فأنى ابتليت بالقضاء بعد موته بدون سنة وانتقلت روحه الطاهرة إلى جوار الله في يوم الثلاثاء ثالث وعشرين ذى الحجة سنة 1208 ثمان ومائتين وألف ورثيته بقصيدة أولها ( كذا فليكن رزء العلا والعوالم *** ومن مثل ذا ينهد ركن المعالم ) وريثته أيضا بأبيات أخرى أولها ( جفن المعارف من فراقك سافح *** والعذب منها بعد بعدك مالح )(1/187)
( 127 ) السيد الحسن بن الحسين بن الامام القاسم بن محمد الصنعانى المولد والوفاة والدار العلامة المبرز فى عدة فنون لا سيما علم المعقول فهو فيه فريد عصره وله تصانيف فى المنطق جعله حاشية على شرح العلامة الجلال فى التهذيب وتلامذته جماعة نبلاء كانوا يقصدونه للقراءة عليه إلى منزله وله أشعار حسان منها القصيدة التى مطلعها لجمال ذاتك فى الوجود تطلعى *** ولنيل وصلك فى الحياة تطمعي ) ( ولوجهك الزاهى بحسن جماله *** حجى وتطوافى بذاك المربع ) وله يد فى علم التصوف قوية وكذلك فى علم الاسماء وقد أثنى عليه صاحب نسمة السحر وذكر له مؤلفات وقال انه كتب له بخطة أنه ولد بضوران سنة 1044 أربع وأربعين وألف وذكر له شعرا كتبه اليه مطلعه
( ترنم حادى الشوق فهو مزمزم *** فرعيا لحاد بالهوى يترنم ) وذكر ما يدل على أن صاحب الترجمة وقف على نسمة السحر وقرضها وقد بلغ عمره ثمانين سنة ولم يذكر وفاته(1/187)
( 128 ) السيد الحسن بن زيد بن الحسين الشامى
قرأ بصنعاء على أعيان علمائها كالسيد العلامة هاشم بن يحيى الشامى وطبقته وبرع فى علم الحديث وشارك في غيره من الفنون مشاركة قوية ونشر العلم وأتعب نفسه فى الارشاد الى الحق من العمل بالدليل وأقبل عليه الخاص والعام وأخذوا عنه وتخلقوا باخلاقه ومشوا على طريقته وكان لا يمل من ذلك في جميع الاوقات فظهرت بركته وعم النفع به فانه سكن فى صنعاء فصار له اتباع لا يعملون الا بالادلة ثم سكن فى هجرة سناع فصار أهلها جميعا مشتغلين بالطاعة مواظبين على الجمعة والجماعة وكذلك سكن فى ذهبان وصار أهله كذلك وله فى حسن التعليم طريقة لا يقدر عليها غيره وكان مقبول الكلمة عند الامام المهدى العباس بن الحسين وعند وزيره أحمد بن على النهمى فنفع به جماعة من المحاويج وصار يبذل جاهه لهم فيجلب اليهم خيرا كثيرا ولا يأخذ لنفسه شيئا مع كونه فقيرا وكان هذا دأبه طول حياته ولا مطمع له فى مواصلة أرباب الدولة الا ذلك وله فى الزهد والتقشف وكثرة العبادة وظائف لا يقدر عليها غيره مع قيامه بالأمر بالمعروف والنهى عن المنكر والترسلات فى ذلك على الامام فمن دونه والارشاد الى الرفق بالرعية ولقد كان خيرا كله ولم أعرفه ولكنه
أخبرني باخباره كل من يعرفه وما زال مستمرا على ذلك حتى مات فى سنة 1196 ست وتسعين ومائة وألف في جمادى الاولى منها(1/188)
129 - الحسن بن على بن جابر الهبل اليمانى الشاعر المفلق الفائق المكثر المجيد ولد سنة 1048 ثمان وأربعين وألف وله شعر يكاد يسيل رقة ولطافة وجودة وسبك حسن معانى وغالبه الجودة وله ديوان شعر موجود بايدى الناس ومنه ( أترى يسلو الهوى وله *** عند سكان الحمى وله ) ( مغرم فى قلبه حزن *** فصل الهجران مجمله ) ( عظمت اسقامه فغدا *** لا يراه من تأمله ) ( لو رأى من ظل يعذله *** وجه من فى الحب أنحله ) ( قال أما فيك لا حرج *** ان قضى وجدا يحق له ) وله ( ياقليل الحفظ للذمم *** أى شرع حل فيه دمى ) ( هل لمن أتلفت مهجته *** ياشقيق الروح من حكم ) وله ( لاذقت حر صبابتى *** وكفيت ما ألقى بها ) ( فالنار من أسمائها *** والموت من ألقابها ) وله القصيدة الطنانة التى مطلعها ( لو كان يعلم أنها الأحداق *** يوم النقا ما خاطر المشتاق ) ( جهل الهوى حتى غدا فى أسره *** والحب ما لأ سيره اطلاق ) وكلها غرر لولا ما كدرها به من ثلب الاعراض المصونة أعراض
خير القرون ولما ارتفعت درجته عند الامام المهدى أحمد بن الحسن وكان كالوزير له قبل الخلافة وتصدى للقعود فى دستها توفى فى شهر صفر سنة 1079 تسع وسبعين وألف فيكون عمره احدى وثلاثين سنة ولو طال عمر هذا الشاب الظريف ولم يشب صافى شعره بذلك المشرب السخيف لكان أشعر شعراء اليمن بعد الألف على الاطلاق وأصله من قرية بنى الهبل وهى هجرة من هجر خولان ومحله ومحلى واحد ليس بينهما مسافة بل بينهما من القرب بحيث يسمع كل واحد ممن فيهما كلام الآخر وقد بالغ صاحب نسمة السحر فى حقه فقال انه لم يوجد باليمن أشعر منه من أول الاسلام وهذا معلوم البطلان فالصواب ما قلته سابقا(1/189)
130 - الحسن بن على بن الحسن بن على بن عبد الله بن عبد الرحمن ابن صالح بن محمد بن صالح بن محمد بن يحيى بن محمد بن أحمد بن يحيى بن أحمد بن حنش وبقية نسبه معروفة فله سلف صالح فيهم العلماء والقضاة والصلحاء وبيتهم مشهور فى الديار اليمنية ولد بشهارة فى سنة 1153 ثلاث وخمسين ومائة وألف ورحل من وطنه لطلب العلم إلى مدينة صنعاء فأخذ عن جماعة من أعيانها كالسيد العلامة محمد ابن اسماعيل الأمير في الحديث(1/190)
والقاضى العلامة أحمد بن محمد قاطن قرأ عليه فى مغنى اللبيب ورسالة الوضع للهروى وغيرهما والسيد العلامة اسحاق بن يوسف بن المتوكل قرأ عليه فى المعالجة والقاضى العلامة أحمد بن صالح بن أبى الرجال فى العربية والقاضى حسن ابن محمد المغربى فى شرح بلوغ المرام وشيخنا العلامة على بن ابراهيم بن عامر وقرأ عليه في غاية السؤل وشرحها وسيرة الشامى وشيخنا العلامة الأكبر السيد عبد القادر بن أحمد قرا عليه في جامع الأصول لابن الاثير وغيره وولده العلامة ابراهيم بن عبد القادر قرأ عليه فى الغاية وشرحها وفى صحيح البخاري وقرأ القراآت السبع على شيخها المتفرد بمعرفتها الفقيه على اليدومى وأول من اتصل به عند وصوله الى صنعاء الفقيه اسماعيل بن محمد حنش وقرأ عليه وأعانه على الطلب وولى فى أوائل عمره أعمالا من وقف وغيره ثم أمره مولانا الامام المهدى أن يتصل بولده مولانا خليفة العصر المنصور بالله حفظه الله ليقرأ عليه فاتصل به وقرأ عليه ولازمه مدة ثم لما مات الامام المهدي وبويع مولانا الامام المنصور بالله أناط بصاحب الترجمة أعمالا وصيرة أحد وزرائه المقربين عنده وجعل بنظره بعض البلاد اليمنية وبالغ فى تعظيمه لكونه شيخه فى العلم ولم يعامله معاملة سائر الوزراء وإذا ناب الدولة أمر يتعلق بالأمور الشرعية كان التعويل عليه فى الغالب وغالب ما يتحصل له ينفقه على العلماء ويواسى به الفضلاء والفقراء على وجه لايحب أن يطلع عليه أحد وما زال هذا دأبه وديدنه من أول وزارته إلى حال تحرير(1/191)
هذا نحو ثلاث وعشرين سنة وهو لا يزداد الا خيرا وانفاقا على من يستحق ذلك وهو فى هذه الخصلة منقطع القرين عديم النظير لا سيما فى هذا العصر فانه قد يعطى بعض المحاويج الذين لا يتصلون به عطاء يجاوز الوصف فى الكثرة ويشترى البيوت ويهبها لمن لا بيت له ويعين من أراد أن يشترى بيتا اذا كان مستحقا لا كثر الثمن أوكله وقد صنع هذا المصنع مع أناس كثيرين وهو يكره ظهور ذلك واطلاع الناس عليه وذلك دليل الخلوص وأنى لا كثر التعجب من كثرة صدقاته التى منها ما يبلغ المائة القرش وفوقها ودونها بل اخبرني بعض العلماء أنه اطلع على ما وهبه لبعض العلماء وكانت جملته ألف قرش دفعة واحدة وأخبرنى آخر أنه بلغ اعطاؤه لعالم آخر اثنتى عشرة مائة قرش دفعة واحدة وناهيك بهذا فان عطاء الملوك فى عصرنا يتقاصر عنه ويزداد التعجب من استمراره على ذلك كيف قدر على القيام به مع أن غيره ممن بنظره أعمال أكثر من أعماله ومدخولات أوفر من مدخزلاته قد لا يقوم ما يتحصل له بما يستغرقه لخاصة نفسه وأهله فضلا عن غير ذلك ثم أذكر قول الله تعالى وما أنفقتم من شىء فهو يخلفه وقول النبى صلى الله عليه وآله وسلم أنفق ينفق عليك فأعلم عند ذلك السبب ومع هذا فهو في عيش فائق مترفه في ملبوسه ومأكوله ومسكنه ومركبه وجميع أحواله على حد يقصر عنه أمثاله قد جمع الله له من نعم الدنيا مالا يدركه غيره وأعطاه من الكمالات مالا يوجد مجتمعا في سواه فانه مع احكامه لما يتعلق به من الأعمال الدولية معدود من العلماء مذكور في الفرسان مشهور بحسن الرماية جيد الخط قوى النثر حسن الأخلاق وكان بشوشا متواضعا سيوسا جليا وقورا ساكنا عفيفا مواظبا(1/192)
على الجمعة والجماعة كثير الاذكار محبا للفقراء ولا سيما اذا كانوا من أهل بيت النبوة راغبا فى الخير كافا لنفسه عن الشر معظما للشرع مجالسه مشتملة على المباحثات العلمية والمفاكهات الادبية مقربا لاهل الفضل مبعدا لاهل البطالة حسن المحاضرة قوى المباحثة جيد الفهم حسن الادراك ينشط اذا سئل عن مسئلة علمية ويبحث ويستخرج بدقيق ذهنه فرائد بديعة يعرف النحو والصرف والمعانى والبيان والاصول والقراآت والتفسير ويعمل بجميع هذه الفنون وله كمال الاشتغال والعناية بعلم الحديث والتفسير والعمل بما تقتضيه الادلة ولا يبالى بما عدا ذلك ولديه من الكتب النفيسة مالا يوجد عند غيره وبينى وبينه من خالص الوداد مالا أقدر على التعبير عن بعضه وما أعده إلا بمنزلة الوالد وهو ينزلنى منزلة الولد ويجلنى اجلال الوالد وقد اتفقت الالسن على الثناء عليه ونشر محاسنه مع أن الناس لا يرضون عن المتعلقين باعمال الدولة ولكن رأوا فيه من المحاسن مالا يمكن جحده والحاصل أنه للدولة جمال ولأهل العلم جلال وللفقراء ذخيرة أفضال طالت أيامه ومدت أعوامه وفي سنة أحدى وعشرين ومائتين وألف حصل له نسيان وكثرة سهو فباشر ما بنظره من الاعمال بعض قرابته فلم يحسن المباشرة وما زال ذلك العارض يتزايد وفى سنة ثلاث وعشرين رجح رفع يده عن الأعمال التى كان يباشرها ثم أحاطت الديون بغالب ما يملكه بسبب مباشرة ذلك القريب ثم توفى إلى رحمة الله يوم السبت خامس عشر شهر شعبان سنة 1225 خمس وعشرين ومائتين وألف بصنعاء وقبر بمقبرتها(1/193)
131 - الامام الحسن بن على بن داود المؤيدى
رأيت سيرته في مجلد وصفه مؤلفها بالتبحر في علوم عديدة كالنحو والصرف والمنطق والمعانى والبيان والاصول والتفسير والفقه والحديث ورأيت له رسائل تدل على بلاغته وقوة تصرفه دعا إلى نفسه سنة 984 فى نصف شهر رمضان منها فاجتمعت إليه الزيدية وأجابوا دعوته وبايعوه فى بلاد صعدة وخرج منها بجيش إلى الاهنوم واشتعلت الارض نارا بقيامه على الآتراك ودخل فى طاعته بعض أولاد الامام شرف الدين وأسر عبدالله بن المطهر وأودعه السجن ثم توجه بجند واسع لاخذ بلاد همدان ففتح اكثرها وخرج الاتراك من صنعاء واميرهم سنان فما زالت الحرب بينهما سجالا وفى سنة 993 افتتح سنان بلاد الأهنوم وانحصر الامام الحسن فى محل يقال له الصاب ودعا الى السلم فاجاب وخرج الى يدسنان في نصف شهر رمضان منها وهذا من غرائب الزمان كون قيامه فى نصف شهر رمضان واسره فى نصف شهر رمضان ثم دخل به سنان الى صنعاء فوصل به الى الباشا حسن فسجنه وقد كان أسر أولاد المطهر بن شرف الدين الاربعة لطف وعلى يحيى وحفظ الله وغوث الدين وسجنهم مع الامام وفى شهر شوال من هذه السنة أرسل الباشا بهم جميعا الى الروم وكان اخر العهد بهم وقد روى أنه مات الامام الحسن فى الروم محبوسا فى شهر شوال سنة 1024 أربع وعشرين وألف سنة والله أعلم وله أخبار حسان استوفى مؤلف سيرته فمن رام الاطلاع عليها فليقف على السيرة المذكورة ليعرف مقدار هذا الامام وسعة دائرته فى المعارف العلمية(1/194)
132 - الحسن بن عمر بن الحسن بن حبيب بن عمر بن شريح بن عمر المقلب بدر الدين الدمشقى الحلبى ولد سنة 710 عشر وسبعمائة بشهر شعبان منها ونشأ مغرما بعلم الأدب وأخذ عن جماعة من الأدباء منهم ابن نباته وله مؤلف فى الادب سماه نسيم الصبا يشتمل على نفائس واستعمل مفاصل شفاء القاضى عياض فسبكها سجعا والف درة الاسلاك في دولة الاتراك سجع كله يدل على مزيد اطلاعه وفصاحته وسمع الحديث على جماعة من أعيان علماء عصره قال ابن حجر وكان فاضلا كيسا صحيح النقل حدث عنه جماعة وكان يوقع عن القضاة وانقطع في آخر مدته بمنزلة وله تذكرة النبيه فى أيام المنصور وبنيه سجعا وباشر نيابة القضاء ونيابة كتابة السر مات فى شهر ربيع الآخر سنة 779 تسع وسبعين وسبعمائة ومن شعره ( ألحاظه شهدت بانى ظالم *** وأتت بخط عذارة تذكارا ) ( يا حاكم الحب اتئد فى قصتى *** فالخط زورو الشهود سكارى )(1/195)
133 - السيد الحسن بن الامام القاسم بن محمد بن على بن محمد بن على بن الرشيد بن أحمد بن الامير الحسين بن على بن يحيى بن محمد بن يوسف الاصغر الملقب الاشل ابن القاسم ابن الامام الداعى يوسف الاكبر ابن الامام المنصور يحيى ابن الامام الناصر احمد بن الامام الهادى يحيى بن الحسين بن القاسم بن ابراهيم بن اسمعيل بن ابراهيم بن الحسن ابن الحسن ابن أمير المؤمنين على بن أبى طالب سلام الله عليه وعليهم ورحمته وبركاته ولد بعد صلوة العشاء من ليلة الاثنين غرة شهر شعبان سنة 996 ست وتسعين وتسعمائة وقرأ على جماعة من الشيوخ وأدرك حصة نافعة من المعارف وفرغ نفسه للجهاد مع والده فنهض بما لاينهض به غيره ونال من الاتراك مالم ينله أحد وأوقع بهم وقعات متعددة حتى أستأصلهم وأخرجهم من الديار اليمنية بعد أن حارب جماعة من كبرائهم كحيدر باشا وقانصوه باشا وأخذ جميع ما بأيديهم من مدن اليمن ووقعاته وملاحمه لا يتسع لها هذا المختصر وقد سرد جميع ذلك الجرموزى فى سيرته وهى كتاب حافل ولم يكن لأحد من العناية التامة بمجاهدة الأتراك ما كان له رحمه الله وأسر في أيام والده وحبس بصنعاء وبقى أياما طائله ثم خرج خفية وهيأ الله له أسباب ذلك فلم يشعر به أحد وفيه من الشجاعة والاقدام فى المعارك ما يبهر العقول فانه وحده يقوم مقام الجيش الكثير وقد أحاط به فى قاع صنعاء أيام محاصرته لها جماعة من فرسان الأتراك المشهورين وهم عدد واسع يزيد خيلهم على الالف فضلا عن سائر الجيش ولم يكن عنده اذ ذاك الا أخوه العلامة الحسين الآتى ذكره ونفر يسير فدار القتال عليه وعلى أخيه ومازال يصاولهم طعنا وضربا ويجدل شجعانهم حتى خرج من بينهم سالما هو ومن معه من النفر اليسير وكم أعدد من أقدامات هذا السيد الذي تقصر الاقلام عن حصر بعض مناقبه وهو نظير المطهر ابن شرف الدين أو أرفع درجة منه فى الشجاعة والرياسة وحسن التدبير وقد بلغت جيوشه في بعض المواطن نحو ثمانين الفا وله فى الكرم يد طولى قال السيد عامر بن محمد عبد الله بن عامر الشهيد فى بغية المريد انه أعطي الشريف طاهر الادريسى خمسة وعشرين الف قرش من النقد ومن الجواهر والنفائس ما يخرج عن الفكر انتهى ثم بعد أن أجلى الاتراك(1/196)
من أرض اليمن جميعها اختط حصن الدامغ فى حدود سنة 1040 فعمره عمارة بليغة وأجرى فيه الانهار وغرس في جوانبه الاشجار وشيد الديار حتى صار مدينة كبيرة واستقر فيه حتى توفاه الله فى وقت المغرب من ليلة الأحد ثالث شوال سنة 1048 ثمان وأربعين والف فى خلافة أخية الامام المؤيد بالله محمد بن القاسم ورثاه شعراء عصره بمراثى جيدة منها قول بعضهم ( أدرى الذى ينعى الينا من نعى *** لو كان يدرى ما أشاد واسمعا ) ( أتراه يدرى انه ينعى إلى *** كل الانام الدين والدنيا معا ) ( وحياتهم ومعاشهم ورياشهم *** ونعيمهم هذه الخصال الاربعا ) وكان موته في مدينة الحصين التي عمرها تحت حصنه المتقدم وله نظم فمنه ما قاله فى أيام اعتقاله يرغب والده في الصلح بابيات أولها ( مولاى ان الصلح أعذب موردا *** فاسلك له جددا سويا أجردا ) وهى أبيات مشهورة وكان يلازم فى أسفاره وجهاداته القراءة على الشيوخ والمطالعة لكتب العلم ولازم فى اخر أيامه السيد محمد بن عز الدين المفتى فقرأ عليه في الاصول وغيرها وقد جمع الى شجاعته الباهرة الكرم الفائض حتى كان يعطى عطاء من لا يخاف الفقر والحاصل انه من أعظم سلاطين الجهاد وأساطين مصالح العباد(1/197)
134- حسن بن محمد بن قلاون الصالحى الملك الناصر بن الناصر بن المنصور ولد سنة 735 خمس وثلاثين وسبعمائه وسمى أولا قمارى فلما جلس على التخت قال للنائب يا أبي ما اسمي قمارى اسمي حسن فقال على خيرة الله واستقر اسمه حسنا وولى السلطنة بعد أخيه المظفر سنة 748 وقبض على حاشية أخيه وصودروا لتخليص الاموال فوجد لديهم من الجواهر ما قيمته مائة الف دينار فما كان يوم السبت رابع عشر شوال سنة 751 قال الناصر لاهل المملكة ان كنت سلطانا فاقبضوا هذا فامسك وأرسل الى الاسكندرية ثم ما زال يقبض الامراء واحدا بعد واحد فنفروا منه وركبوا عليه فى سابع عشر جمادى الآخرة سنة 752 وخلعوه وقرروا أخاه الصالح وأعيد الناصر في شوال سنة 755 واستبد بالمملكة وصفا له الوقت ولم يشاركه أحد فى التدبير فبالغ في أسباب الطمع واستحوذ على اهلاك بيت المال وأكثر من سفك الدماء وشرع فى عمارة المدرسة المعروفة بالرميلة وليس لها نظير بالديار المصرية ومات ولم تكمل ثم عزم على قتل بعض أكابر أمرائه فاستعد له وتقاتلا فكانت الدائرة على الناصر فانهزم ثم أمسك وقتل فى تاسع جمادى الاولى سنة 762 اثنتين وستين وسبعمائة وكان ذكيا مفرطا وله بعض اشتغال بالعلم(1/198)
135- الحسن بن محمد شاه الفنارى المعروف بالشلبى صاحب حاشية المطول قرأ على علماء الروم ثم ارتحل الى مصر لقراءة مغنى اللبيب على رجل مغربى وكان على الفنارى قاضى السلطان محمد خان عم صاحب الترجمة فقال له استأذن السلطان فى عزمى على مصر لقراءة مغنى اللبيب على شيخ مغربى هنالك ليس له نظير فى معرفة هذا الكتاب فاستأذن المذكور السلطان فقال لعله قد اختل دماغه وكان منحرفا عنه بسبب أنه صنف حاشية التلويح باسم ابن السلطان وهو بايزيد بن محمد فرحل الى مصر وقرأ الكتاب المذكور قراءة متقنة وكتب له المغربى في ظهر كتابه اجازة ثم عاد إلى بلاد الروم وأرسل كتاب مغنى اللبيب الى السلطان محمد خان فلما نظر فيه زال عنه ما كان فأعطاه مدرسة يدرس بها ثم فى دولة السلطان بايزيد عين له كل يوم ثمانين درهما وله مصنفات منها حاشية المطول المتقدم ذكرها وهى حاشية مفيدة ومنها حاشية على شرح المواقف للشريف وحاشية على التلويح وكلها مقبوله وسمع فى مصر صحيح البخارى على بعض تلاميذة الحافظ ابن حجر ومات في دولة السلطان بايزيد خان وكان جلوسه على تخت السلطنة سنة 886(1/199)
136- الحسن بن قاسم المجاهد القاضى العلامة الذكى ولد تقريبا سنة 1190 تسعين وماية وألف أو قبلها بيسير أو بعدها بيسير ومسكنه هو وأهله فى مدينة ذى جبلة انتقلوا اليها من مدينة ذمار وهو عارف بالفقه والفرائض والنحو والاصول وله مشاركة فى علم الحديث وفهم جيد وذهنه صحيح قرأ على عند وصولى مدينة جبلة مع مولانا الامام المتوكل على الله فى الحديث والاصول ولازمنى مدة اقامتى فى تلك المدينة من جملة من لازمنى من أهلها للقراءة وقد أجزت له أن يروي عنى مروياتي وهو أهل لذلك لرغوبه الى العلم واكبابه عليه وقد كتب بعض مؤلفاتى كالدرر والدرارى والفوائد المجموعة في الاحاديث الموضوعة وحاشية شفاء الاوام والسيل الجرار وغير ذلك وله سماعات على عند قدومه الى صنعاء وقد قدم مرات وصار قاضيا في مواضع ورسخت معرفته وعمل بالدليل
137- الحسن بن محمد بن الحسن بن سابق الدين بن على بن أحمد بن أسعد بن أبى السعود بن يعيش المعروف بالنحوي الصنعانى الزيدي عالم الزيدية في زمانه وشيخ شيوخهم وناشر علومهم كان يحضر حلقة تدريسه زهاء ثمانين عالما وله تحقيق واتقان لاسيما لعلم الفقه يفوق الرصف وله مصنفات منها فى الفقه كتاب التذكرة الفاخرة أودعه من المسائل مالا يحيط به الحصر مع ايجاز وحسن تعبير وهو كان مدرس الزيدية وعمدتهم حتى اختصره الامام المهدى أحمد بن يحيى وجرد منه الازهار فمال الطلبة من حينئذ الى هذا المختصر وله تفسير وله تعليق على اللمع واختصر الانتصار للامام يحيى فى مجلد وكان زاهدا ورعا متقشفا متواضعا وولى قضاء صنعاء وانتفع الناس به وكان يأكل من عمل يده واستمر على حاله الجميل الى ان مات فى سنة 791 احدى وتسعين وسبعمائة وقبر في عدنى صنعاء قريب من باب اليمن وقبره مشهور مزور(1/200)
138- السيد الحسن بن مطهر بن محمد بن أحمد بن عبدالله بن محمد ابن الداعى المنتصر بن محمد بن أحمد بن القاسم بن الامام يوسف الداعي ابن يحيى المنصور بن احمد الناصر بن يحيى الهادى بن الحسين بن القاسم ابن ابراهيم بن اسماعيل بن ابراهيم بن الحسن بن الحسن بن على بن أبى طالب رضى لله عنهم الحسنى اليمنى الجرموزي ولد بعتمة سنة 1044 أربع واربعين وألف وقرأ على القاضى عبد الرحمن بن محمد الحيمي والقاضى محمد بن ابراهيم السحولى والقاضى على الطبري وغيرهم من علماء صنعاء وبرع فى النحو والصرف والمعانى والبيان والمنطق والفقه والحديث والتفسير وله مؤلفات منها شرح نهج البلاغة ونظم الكافل وله شعر حسن فمنه فى تشبيه الزنبق ( انظر إلى الزنبق الانيق وقد *** أبدع فى شكله وفى نمطه ) ( كمثل قنديل فضة غرست *** شموع تبر تضىء في وسطه ) وله أشعار رائقة واتصل بالمتوكل على الله اسماعيل وتنقل فى الولايات فولى حرازتم بندر المخاومدحه أعيان الشعراء في زمنه كالشيخ ابراهيم الهندي وغيره من شعراء اليمن وجماعة من شعراء البحرين وعمان وعظمت رياسته وطار صيته ونال من العز مالم يكن له فى حساب ومات يوم الاثنين الثامن والعشرين من جمادى الاخرة سنة 1100 احدى عشر ماية بصنعاء بعد أن تغيرت له الاحوال(1/201)
139- السيد الحسن بن يحيى بن أحمد بن على بن محمد بن أحمد بن القاسم الحمزى الكبسى ثم الصنعانى ولد بصفر سنة 1167 سبع وستين وماية ألف ونشأ بصنعاء فقرأ فيها على جماعة من العلماء واكثر انتفاعه على شيخنا العلامة الحسن بن اسماعيل المغربى فانه لازمه فى جميع الفنون فقرأ عليه النحو والصرف والمنطق والمعانى والبيان والحديث والتفسير وبرع فى جميع هذه الفنون وصار من أعيان علماء العصر المشار اليهم بالتحقيق والاتقان وهو جيد التحرير حسن المباحثة وله رسائل فى مسائل متفرقة متقنة غاية الاتقان وقد رافقنى فى قراءة الكشاف على شيخنا المتقدم فكان يستخرج بفاضل ذهنه فوائد نفيسة وبعد موت شيخنا استقر المترجم له بهجرة الكبس وعكف عليه طلبة العلم هنالك وما زال يرشدهم الى المعارف العلمية ويدرس فى كثير من الفنون وله شعر حسن ونثر جيد فمنه ما كتبه الى من هنالك نظما ونثرا وهذا لفظه ( سلام من الله السلام ورحمة *** عليك امام العلم والدين والهدى ) ( يفوحان كالمسك الذكى بسوحكم *** دواما كما دامت معاليك سرمدا ) ( فياراكبا بلغ سلامى ليشتفى *** فؤادى به ان ما بلغت محمدا ) من ضرب سرادقات مجده على هام الكواكب وسبح فلك فخره في بحار أعلى المراتب وحازت جياد مساعيه قصبات الفضائل في غاية المناقب وتفردت أفكاره باستخراج دقائق العلوم بنظره الثاقب ونشر أعلام الحق في قناة الاجتهاد في رأيه الصائب العلامة على الاطلاق فى جميع مسارح المذاهب عمدة الخاصة والعامة بالاتفاق فالكل راغب وراهب ( العز مولانا الكريم محمد *** شيخ الشيوخ وفيصل الحكام ) ( هش اذا نزل الوفود ببابه *** سهل الحجاب مؤدب الخدام ) ( وإذا رأيت شقيقه وصديقه *** لم تدر أيهما أخو الارحام ) ( أبقاه ربى للعلوم ونشرها *** يحيى موات شرائع الاسلام ) وبعد هذا نثر طويل فأجبت بمالفظه السدة التى ضربت خيامها على هام السماك والعقوة التى تتضاءل عند تعاظمها أعناق الاملاك والحسنة التى صارت لمحاس الدهر غرة والمكرمة الكائنة فى ذات المكارم طرة ( أعنى به الحسن بن يحيى من غدا *** فرد الزمان وحبره المتبحرا ) ( السابق الاعلام فهو مقدم *** يوم الرهان وغيره فيه ورا )(1/202)
لا برح زينة للزمان ومنقبة يفتخر بها نوع الانسان وخصه الله بجزيل سلامه وجميل إكرامه وجليل انعامه والله المسئول أن يقيم به سوق المجد على ساق ويجعله بفضائله وفواضله ماشيا فوق الاعناق وبعد هذا نثر طويل والمترجم له حال تحرير هذه الاحرف مستمر على حاله الجميل مشتغل بنشر العلم وأعمال الخير قد قنع من عيشه بالكفاف من غلات أموال يسيرة ورثها عن والده وكثيرا ما يقع بينى وبينه مباحثات علمية وتحريرات لما يدور منها ولما مات أخوه العلامة محمد بن يحيى قام هذا مقامه فى القضاء بالجهات الخولانية وما يتصل بها وعظمه مولانا الامام بما يليق بجلاله وقدره بعد أن عرفته حفظ الله بان المذكور بالمحل العالى فى العلم والعمل وأخوه العلامة محمد بن يحيى ستأتى ترجمته ان شاء الله(1/203)
140- الحسن بن يحيى سيلان السفيانى ثم الصعدى أحد العلماء المشاهير أخذ العلم عن القاضى صديق بن رسام والسيد ابراهيم بن محمد حورية وبرع في عدة فنون وله مؤلفات منها حاشية على شرح غاية السؤل للحسين بن القاسم وله حاشية على شرح الآيات للنجرى وحاشية على القلائد وحاشية على حاشية الشلبى على المطول اقتصر فيها على ايضاح ما أشكل من عبارات الشلبى ولم يزل مدرسا بصعدة ونواحيها حتى مات فى شهر القعدة سنة 1110 عشر ومائة وألف(1/203)
141- الحسين بن أحمد بن الحسين بن أحمد بن على بن محمد بن سليمان ابن صالح بن محمد السياغى الحيمى ثم الصنعانى ولد سنة 1180 ثمانين ومائة وألف ونشأ بصنعاء فقرأ على أعيان علمائها وهو رفيقى فى بعض مسموعاتى على شيوخي ورافقنى في قراءة الخبيصى والرضى شرحى الكافية وشرح السعد المختصر على التلخيص وحاشية الشيخ لطف الله وشرح اليزدى على التهذيب وشرح الشافية للطف الله على شيخنا العلامة القاسم بن يحيى الخولانى رحمه الله ورافقنى أيضا فى قراءة سنن أبى داود والعضد وحواشيه والمطول وحواشيه والكشاف وحواشيه على شيخنا العلامة الحسن بن اسماعيل المغربى وحضر معنا قليلا على شيخنا السيد الامام عبد القادر بن أحمد فى قراءة الحديث وقراءةالفقه كشرح الازهار والبيان على والده وقرأ مجموع الامام زيد بن على على القاضى العلامة يحيى بن صالح السحولى وعلى آخرين وبرع فى هذه المعارف كلها وفاق وصار من أعيان علماء العصر المفيدين فى عدة فنون وكتب الكثير بخطه الحسن الفائق وله اكباب على العلم واشتغال به عما سواه مع ذهن قوى وفهم صحيح وادراك جيد وسمت حسن ورصانة وعقل ومتانة دين وغالب انتفاعه على الشيخين الاولين وقد قرأ عليهما غير ما تقدم ذكره كالصحيحين وشرح العمدة ووفقت على حاشية له نفيسة على شرح الجلال لآداب البحث ورأيت له حلا للغز السيد العلامة اسحق بن يوسف المتقدم ذكره جعله شرحا لأبيات اللغز وأجاد فيه كل الاجادة وهو الآن يشرح مجموع الامام زيد بن على شرحا حافلا وبينى وبينه مكاتبات ومشاعرات ومباحثات فى عدة مسائل وله نظم جيد ونثر حسن واذا حرر بحثا فى مسئلة أتقنه غاية الاتقان وهو الآن مستمر على حاله الجميل فى الاشتغال بالمعارف العلمية درسا وتدريسا ثم مات رحمه الله شهر جمادى الاولى سنة 1221 احدى وعشرين ومائتين والف وقبر بمقبرة صنعاء ووالده من علماء الفقه
المبرزين فيه وهو أحد الحكام بصنعاء الآن وتوفى فى رمضان سنة 1224 أربع وعشرين ومائتين وألف وجد صاحب الترجمة هو من المتقنين فى علم الفقه والفرائض أخذ عن أكابر علماء عصره وأخذ عنه الأكابر وتولى القضاء مدة طويلة حتى مات فى شهر شوال سنة 1164(1/204)
142- السيد الحسين بن أحمد بن صلاح بن أحمد بن الحسين ابن على المعروف بزبارة نسبة الى موضع كما تقدم فى ترجمة حفيده أحمد بن يوسف ولد تاسع عشر شهر رمضان سنة 1088 ثمان وثمانين والف وأخذ عن العلامة الحسين بن محمد المغربي وأخيه الحسن بن محمد والعلامة على بن يحيى البرطي وعن العلامة السيد زيد بن محمد وسائر أعيان ذلك الزمان وبرع فى جميع المعارف وله عناية كاملة باسانيد مسموعاته وغيرها وكان له بالسيد يوسف بن المتوكل اتصال ومحبة ومعاضدة وولاه الامام المتوكل القاسم بن الحسين القضاء بضوران وكان يتخوف قبل ذلك من المهدى صاحب المواهب بسبب صحبته ليوسف بن المتوكل اسمعيل وهو من أكابر العلماء وأنا أروي عن شيخنا العلامة عبد القادر بن أحمد عن يوسف ابن صاحب الترجمة عنه وتوفى في سنة 1141 وقيل سنة 1135 وقيل سنة 1136(1/205)
143- السيد الحسين بن عبد الرحمن بن محمد بن على الحسينى العلوى الشافعى المعروف بالأهدل ولد تقريبا سنة 779 تسع وسبعين وسبعمائة قرأ على الزيلعى وعلى الازرق والرضى الطبرى ومحمد الموزعى وابن الرداد والناشرى وبرع فى عدة علوم وصنف حاشية على البخارى انتقاها من شرح الكرماني مع زيادة سماها مفتاح القارى لجامع البخارى واللمعة المقنعة فى ذكر الفرق المبتدعة والرسائل المرضية فى نصر مذهب الاشعرية وبيان فساد مذهب الحشوية وشرح الاسماء الحسنى ومؤلف فى مروق ابن العربى وابن الفارض واتباعهما وتحفة الزمن فى تاريخ سادات اليمن وله مصنفات غير هذه وهو شيخ عصره بلا مدافع دارت عليه الفتيا ورحل اليه الناس للتدريس واستقر بأبيات حسين واشتهر ذكره وطار صيته ومات بها فى صبح يوم الخميس تاسع شهر محرم سنة 855 خمس وخمسين وثمان مائة ودفن بها وهو من مشاهير علماء اليمن المبرزين فى علمى المعقول والمنقول(1/206)
144- السيد الحسين بن عبد الله الكبسى
ولد سنة 1147 سبع وأربعين ومائة وألف وهو أحد علماء العصر المبرزين قرأ على علماء صنعاء والروضة وترافق هو وشيخنا العلامة الحسن ابن اسماعيل المغربى وقرأ كل واحد منهما على الآخر واستقر بالروضة التى هى من أعظم نزه مدينة صنعاء ونشر العلم هنالك واستفاد عليه جماعة من الطلبة ثم ارتحل الى كوكبان بسؤال أميرها له السيد ابراهيم بن محمد بن الحسين وكان ارتحاله بعد رحلة شيخنا السيد العلامة عبد القادر بن أحمد من كوكبان فاحتاج أهله الى من يقوم مقام شيخنا هنالك فاستدعوا صاحب الترجمة وهو من المبرزين فى علوم الاجتهاد وله رسائل ومسائل وقد كتب إلى بمسائل مشكلة أجبت عليها بجوابات هى فى محموع رسائلى وهو الان مقيم بكوكبان ولعله قد جاوز الستين وهو متين الديانة كثير العبادة قليل الاشتغال بمالا يعينه على طريقة السلف الصالح ثم رحل عن كوكبان لأمور جرت بينه وبين صاحبها واستقر فى الروضة اماما لجامعها وولاه امام العصر القضاء فى الروضة ولم يقبل إلا بعد ان كثرت عليه فى ذلك وأشرت على مولانا الامام بعدم قبول عذره وفى أواخر شهر شوال سنه 1222 أظهر المذكور هو وجماعة من الكباسيه وآل أبى طالب الخروج عن طاعة الدولة وخرج اليهم أحمد بن عبد الله بن الامام المهدي العباس بن المنصور وانضم إليهم جميع أهل الروضة طوعا وكرها ووصل إليهم بعض القبائل وردوا أمر الدولة وطردوا العامل وراموا خلع الخليفة مولانا الاماما المنصور بالله حفظه الله وكتبوا الى جميع الاقطار اليمنية وكاد صاحب الترجمة ان يدعو الى نفسه وعرض عليهم
الاجابة الى كل ما يطلبونه وخرج شيخنا القاضى العلامة أحمد بن محمد الحرازى من الحضرة الامامية ومعه مكاتيب في كل ما طلبوه من العدل والامان لهم وكانت تلك المكاتيب بخطى فما رجعوا بل صمموا على ماعزموا عليه فخرج اليهم بالجيش سيف الخلافة سيدى أحمد بن الامام وناجزهم وتحصنوا فى بعض سور الروضة ثم أحاط بهم الجيش وأسر صاحب الترجمة وجماعة من الكباسية ووصلوا بهم الى تحت طاقة الخليفة وبالغت فى الشفاعة لهم من القتل بعد ان كان قد وقع العزم عليه وقمت بالحجة الشرعية المقتضية لحقن دمائهم فأودعوا السجن وصاحب الترجمة وقع التغرير عليه والخداع له من بعض شياطين الانس وقد كان الاستيلاء عليهم فى أول يوم من شهر الحجة من هذه السنة ومات رحمه الله مسجونا بعدان بقى في السجن نحو عامين أو ثلاثة(1/207)
145- السيد الحسين بن عبد القادر بن الناصر بن عبد الرب بن على ابن شمس الدين بن الامام شرف الدين الكوكبانى الشاعر المشهور المجيد المكثر المبدع الفائق في الأدب ترجم له جماعة من الأدباء كالقاضى يوسف بن على بن هادي في طوق الصادح ويوسف بن يحيى فى نسمة السحر والحيمى فى طيب السمر وهو ذو رياسة وكياسة ومكارم وفضائل وفواضل ولما دعا المهدى محمد بن أحمد صاحب المواهب فر منه صاحب الترجمة الى مكة لأمور لا يتسع المقام لشرحها ومن نظمه الفائق قوله من قصيدة(1/208)
( ما أعجب الحب يشتاق العميد الى *** ظبى الصريم وقد أرداه بالحدق ) ( ياوردى الخد دع انكار قتل فتى *** ما قط أبقت له عيناك من رمق ) ( فى خدك الشفق القانى بدا وعلى *** قتل الحسين دليل حمرة الشفق ) وأعاد هذا المعنى فى قصيدة أخرى فقال ( فى خدك الشفق القانى وفيه على *** قتل الحسين كما قالوا أمارات ) ومن محاسن قصائده القصيدة التى مطلعها ( خفف على ذي لوعة وشجون *** واحفظ فؤادك من عيون العين ) ومن لطائفه هذان البيتان قالهما لما قتل السيد أحمد بن محمد بن الحسين ابن القاسم الملقب بحجر رحمه الله وفيهما تضمين مطرب ( وددت مصرع مولانا الصفى ولا ال *** رجوع فى سلك قوم بعد ما كسروا ) ( وصرت أنشد من كرب ومن أسف *** ما أطيب العيش لو أن الفتى حجر ) ومن قصائده الطنانة القصيدة التى مطلعها ( لفؤادى فى الهوى كد وكدح *** ولطرفى بالدما سح وسفح ) وأشعاره كلها غرر وكلماته جميعها درر وهو من محاسن اليمن ومفاخر الزمن ومات فى يوم السبت الثانى عشر من ربيع الآخر سنة 1112 اثنتى عشر ومائة وألف بشبام ودفن هنالك(1/209)
146- السيد الحسين بن على بن الامام المتوكل على الله اسماعيل بن الامام القاسم الرئيس الكبير الشاعر المشهور ولد في سنة 1072 اثنتين وسبعين وألف وكان فى أيام شبابه مائلا الى ملاذ الدنيا والتمتع بمحاسنها مرخيا لنفسه العنان غير كاف لها عن التفلت فى رياض محاسن الحسان ثم تزهد وتعبد وانجمع وتمسح وتأله وأقلع عن جميع ما كان عليه وجاد بجميع موجوده وله فى المكارم أحاديث حاتمية تلتذ لسماعها الاسماع وكان اذا لم يجد النقد تصدق بثيابه وفراشه ومال الى مخالطة الفقراء وليس ملبوسهم وقعد فى مقاعدهم ومع هذا فابنه على بن الحسين إذ ذاك رئيس كبير له خيل وخول وحاشية عظيمة ورياسة فخيمة ولكن صاحب الترجمة قد حبب الله اليه الانعزال عن بنى الدنيا حتى عن ولده ومن شعره الفائق هذان البيتان ( لا تحسبن لباس الصوف فى ملأ *** تدعي به بين أهل الفضل بالصوفي ) ( وانما من صفا قلبا ومال الى *** صقالة النفس من أوصافها صوفي ) ومن محاسن شعره القصيدة المشهورة التى أولها ( آه كم أطوى على الضيم جناحى *** وأداجى في الهوى قال ولاحي ) وله القصيدة الطويلة عارض بها قصيدة ابن الوردى أولها ( اترك الدنيا ودع عنك الأمل *** طال ما عن نيلها حال الاجل ) وفيها مواعظ وحكم وما زال مقبلا على الطاعة عاكفا على العبادة حتى توفاه الله تعالى قال بعض من ترجم له أنه كان فى سنة 1145 حيا وأرخ موته بعض المشتغلين بهذا الشان سنة 1149 تسع وأربعين ومائة وألف(1/210)
147- حسين بن على بن صالح العمارى الصنعاني
ولد فى سنة 1170 سبعين ومائة وألف تقريبا او فيما بعدها ونشأ بصنعاء وطلب العلم فقرأ على جماعة من مشايخ صنعاء فى النحو والصرف والمعانى والبيان والمنطق والاصول وقرأ على فى شرح الرضى على الكافية وفى مغنى اللبيب وفى شرح غاية السؤل وفى شرح مختصر المنتهى للعضد ورغب بعد أن طلب العلم فى سكون وطنهم الاصلى وهو بلاد عمار فعزم اليها وسكن فيها وهو الان هنالك وله نظم جيد فمنه ما كتبه الى يطلب القراءة على فى شرح الغاية بعد ان فرغ من قرائتها على العلامة أحمد بن عبد الله الضمدى المتقدم ذكره وهو ( مولاي عز الهدى والفرد فى ملأ *** لم يعرفوا الفرق بين الشعر والشعر ) ( ومن اذا جال في الانظار ناظره *** جلاله الفكر ما أغنى عن النظر ) ( علامة العصر والفرد الذي جمعت *** له المحاسن جمعا عير منكسر ) ( ان الصفى ابن عبد الله من بلغت *** به لعلوم الى الغايات فى البشر ) ( بلوغ ما رام يا بدر التمام له *** قد تم منك وحاز الفوز بالظفر ) ( فامنح بفضلك هذا الدول طالبه *** لا زلت مطلوب فضل غير معتذر ) ( وها هو الآن من صنعاء مرتحل *** ومن أقام فهو منها على سفر ) فأجبت عليه بقولى ( صغت الدراري أم عقد من الدرر *** يا أوحد العصر بين البدو والحضر ) ( لا زلت ترقى عروجا للكمال ولا *** برحت تطرب سمع الدهر بالفقر ) ( فالحال ما حال والعهد القديم هو العهد *** القديم ولا عهد لمبتكر ) ( لا تحسب الدرس متروكا وأنت على *** نهاية الجد والتحصيل للوطر ) ( من كان غاية سؤلى كيف أمنعه *** منها وأحجب عنه نخبة الفكر ) ( ودمت تحيى ربوع العلم ما صدحت *** ورقا على فنن لدن من الشجر ) وكان موت صاحب الترجمة رحمه الله فى سنة 1225 خمس وعشرين ومائتين والف ببلاد عمار(1/211)
148- الامام المنصور بالله الحسين بن المتوكل على الله القاسم بن حسين بن أحمد بن حسن بن الامام القاسم بويع بالخلافة عند موت والده فى رمضان سنة 1139 ثم تنازع هو والسيد العلامة محمد بن اسحاق بن المهدى وكان قد دعا الى نفسه ولقب بالناصر وبايعه علماء اليمن ورؤسائها وجميع أهلها ثم ان الامام المنصور بايعه على شروط اشترطها فلم يقع الوفاء فاستمر المنصور على دعوته وغلب على القطر اليمنى وبايعه الناس وظفر بجيوش الناصر وأسر أولاده واخوته وقرابته ورؤساء أجناده ومنهم السيد يحيى بن اسحاق والسيد العلامة الحسن بن اسحاق والسيد العلامة اسماعيل بن محمد بن اسحاق والسيد عبد الله بن طالب وكل واحد من هؤلاء رئيس كبير يقود الجيوش الكثيرة وكان استيلاؤه على المذكورين في أسرع وقت وأقرب مدة وكان المنصور مشهورا بالشجاعة وعلو الهمة ومصابرة القتال واحتمال مشاق الغزو وآخر الأمر بايعه الناصر واجتمع الناس عليه ولم يبق له مخالف الا أخوه السيد أحمد بن المتوكل ولم يزل الحرب بينهما الى أن مات ولكنه لم يدع الى نفسه وتأخر موته بعد أخيه المنصور نحو سنة وبايع ولده المهدى العباس وكان المنصور اماما عظيما وسلطانا فخيما وكان قد وقع بينه وبين والده الامام المتوكل بعض مخالفة في آخر مدة المتوكل ولما حضرت المتوكل الوفاة دخل المنصور صنعاء واستقر بها ودامت خلافته مع سعادة كبيرة وظفر بالاعداء لم يسمع بمثله فى الازمنة القريبة وجميع القطر اليمنى داخل تحت طاعته لم يخرج عن طاعته الا بلاد تعز والحجرية فان أخاه أحمد كان مستوليا عليها وكان موته فى سنة 1161 احدى وستين ومائة وألف(1/212)
149- السيد الحسين بن الامام القاسم بن محمد
تقدم تمام نسبه فى ترجمة أخيه الحسن ولد يوم الاحد رابع عشر شهر ربيع الآخر سنة 999 تسع وتسعين وتسعمائة قرأ على الشيخ لطف الله بن محمد الغياث وكان يتعجب من فهمه وحسن ادراكه وقرأ على جماعة من علماء عصره وبرع فى كل الفنون وفاق في الدقائق الاصولية والبيانية والمنطقية والنحوية وله مع ذلك شغلة بالحديث والتفسير والفقه وألف الغاية وشرحها الكتاب المشهور الذي صار الآن مدرس الطلبة وعليه المعول في صنعاء وجهاتها وهو كتاب نفيس يدل على طول باع مصنفه وقوة ساعده وتبحره فى الفن اعتصره من مختصر المنتهى وشروحه وحواشيه ومن مؤلفات آبائه من الأئمة في الاصول وساق الادلة سوقا حسنا وجود المباحث واستوفى ما تدعو اليه الحاجة ولم يكن الآن فى كتب الاصول من مؤلفات أهل النمين مثله ومع هذا فهو ألفه وهو يقود الجيوش ويحاصر الاتراك فى كل مواطن ويضايقهم ويوردهم المهالك ويشن عليه الغارات وله معهم ملاحم تذهل المشاهد لبعضها عن النظر فى كتاب من كتب العلم فكيف به رحمه الله وهو قائد الجيوش وأمير العساكر والمرجوع اليه هو وأخوه الحسن المقدم ذكره فيما دق وجل من أمر الجهاد فان بعض البعض من هذا يوجد تكدر الذهن وتشوشه ونسيان المحفوظات فضلا عن تصنيف الدقائق وتحرير الحقائق(1/213)
والمزاحمة لعضد الدين والسعد التفتازاني والاستدراك عليهما وعلى أمثالهما من المشتهرين بتحقيق الفن فما هذه الاشجاعة تتقاعس عنها الشجعان ورصانة لا يقعقع لها بالشنآن وقوة جنان تبهر الألباب وثبات قدم فى العلوم لم يكن لغيره فى حساب ومازال رحمه الله مجاهدا وقائما فى حرب الاتراك قاعدا وناشرا للعلوم ومحققا لحدودها والرسوم حتى توفاه الله تعالى فى آخر ليلة الجمعة ثانى شهر ربيع الآخر سننة 1050 خمسين وألف بمدينة ذمار ودفن بها في قبته المشهورة وله نظم حسن فمنه ( مولاى جد بوصال صب مدنف *** وتلافه قبل التلاف بموقف ) ( وارحم فديت قتيل سيف مرهف *** من مقلتيك طعين قد أهيف )(1/214)
150- السيد الحسين بن محمد بن الحسين بن محمد بن الحسين بن الحسن ابن زيد بن الحسين الحسينى العلوى المعروف بابن قاضى العسكر ولد فى سنة 698 ثمان وتسعين وستمائة وولى التوقيع بالقاهرة ونقابة الاشراف ومهر فى ذلك وفى النظم والنثر ولم يكن له نظير في الاقتدار على سرعة النظم والنثر كتب بديوان الانشاء من التقاليد والتواقيع ما لا يدخل تحت الحصر وله اجازة من ابن دقيق العيد والدمياطي وحفظ فى صغره التنبيه ودرس في بعض المدارس ومن شعره ( اذا العلم لم يعضده جاه وثروة *** فصاحبه فى القهر يمسى ويصبح ) ( وان أسعد المقدور فالصعب هين *** وذو الجهل مع نقصانه يترجح ) وله ( تلق الأمور بصبر جميل *** وصدر رحيب وخل الحرج ) ( وسلم لربك في حكمه *** فاما الممات واما الفرج ) قال الصفدى وبنى مدرسة بحارة بهاء الدين ووقف عليها وقفا جيدا ووقف فيها كتبا كثيرة جيدة وكان دمث الاخلاق متواضعا وله ديوان خطب سماها المقال المحبر فى مقام المنبر عارض بها خطب ابن نباته مات في سابع عشر شعبان سنة 762 اثنتين وستين وسبعمائة(1/215)
151- الحسين بن محمد بن عبد الله العنسى ثم الصنعانى ولد سنة 1188 ثمان وثمانين ومائة وألف واشتغل بطلب العلم فأخذ عن السيد العلامة ابراهيم بن عبد القادر وعن غيره من مشايخ العصر واستفاد فى النحو والصرف والمنطق والمعانى والبيان والاصول وله ادراك كامل وعرفان تام وفهم فائق وقرا على فى شرح الرضى على الكافية وهو الآن يقرأ على فى شرحى للمنتقى وقد صار من العلماء المحققين مع كونه فى عنفوان الشباب وهو قليل النظير فى فهم الدقائق وحسن التصور وقوة الادراك نفع الله به وقرأ على أيضا فى العضد وحواشيه قراءة تشد اليها الرحال وله قراءة على فى غير ذلك من مؤلفاتى وغيرها كالكشاف وحواشيه والمطول وحواشيه(1/216)
152- الحسين بن محمد بن عبد الله الطيبى الامام المشهور صاحب شرح المشكاة وحاشية الكشاف وغيرهما كان فى مبادىء عمره صاحب ثروة كبيرة فلم يزل ينفق ذلك فى وجوه الخيرات الى أن كان فى اخر عمره فقيرا وكان كريما متواضعا حسن المعتقد شديد الرد على الفلاسفة والمبتدعة مظهرا فضائحهم مع استيلائهم على بلاد المسلمين في عصره شديد المحبة لله ولرسوله كثير الحياء ملازما للجمعة والجماعة ملازما لتدريس الطلبة في العلوم الاسلامية وعنده كتب نفيسة يبذلها لطلبته ولغيرهم من أهل بلده بل ولسائر البلدان من يعرفه ومن لا يعرفه وله اقبال على استخراج الدقائق من الكتاب والسنة وحاشيته على الكشاف هى أنفس حواشيه على الاطلاق مع ما فيها من الكلام على الاحاديث في بعض الحالات اذا اقتضى الحال ذلك على طريقة المحدثين مما يدل على ارتفاع طبقته في علمى المعقول والمنقول وله كتاب في المعانى والبيان سماه التبيان وشرحه وأمر بعض تلامذته باختصاره ثم شرع فى جمع كتاب في التفسير وعقد مجلسا عظيما لقراءة كتاب البخارى وكان يقرأ فى التفسير من بكرة الى الظهر ومن بعده الى العصر لا سماع البخارى الى ان كان يوم وفاته ففرغ عن قراءة التفسير وتوجه الى مجلس الحديث فدخل مسجدا عند بيته فصلى النافلة قاعدا وجلس ينتظر الاقامة للفريضة فقضى نحبه متوجها الى القبلة في يوم الثلاثاء ثالث عشر شعبان سنة 743 ثلاث واربعين وسبعمائة(1/217)
153- الحسين بن محمد بن سعيد بن عيسى اللاعى المعروف بالمغربى قاضي صنعاء وعالمها ومحدثها جد شيخنا الحسن بن اسماعيل بن الحسين ولد سنة 1048 ثمان وأربعين والف وأخذ العلم عن السيد عز الدين العبالى وعبد الرحمن بن محمد الحيمى وعلى بن يحيى البرطى وغيرهم وبرع فى عدة علوم وأخذ عنه جماعة من العلماء كالسيد عبد الله بن على الوزير وغيره وتولى القضاء للامام المهدى احمد بن الحسن واستمر قاضيا الى ايام الامام المهدى محمد بن احمد وهو مصنف البدر التمام شرح بلوغ المرام وهو شرح حافل نقل ما في التلخيص من الكلام على متون الاحاديث واسانيدها ثم اذا كان الحديث فى البخارى نقل شرحه من فتح البارى واذا كان فى صحيح مسلم نقل شرحه من شرح النووى وتارة ينقل من شرح السنن لابن رسلان ولكنه لا ينسب هذه النقول الى اهلها غالبا مع كونه يسوقها باللفظ وينقل الخلافات من البحر الزخار للامام المهدى احمد بن يحيى وفى بعض الاحوال من نهاية ابن رشد ويترك التعرض للترجيح فى غالب الحالات وهو ثمرة الاجتهاد وعلى كل حال فهو شرح مفيد وقد اختصره السيد العلامة محمد بن اسماعيل الامير وسمى المختصر سبل السلام وله رسالة في حديث أخرجوا اليهود من جزيرة العرب رجح فيها انه انما يجب اخراجهم من الحجاز فقط محتجا بما في رواية بلفظ أخرجوا اليهود من الحجاز وكان أخوه الحسن من محاسن اليمن وله حاشية على شرح القلائد للامام المهدى وهو مبرز في جميع الفنون ولهذين الاخوين ذرية صالحة هم ما بين عالم وعامل والى الآن وهم كذلك وبيتهم معمور بالفضائل وتوفى صاحب الترجمة سنة 1119 وقيل سنة 1115 خمس عشر ومائة والف وتوفي أخوه الحسن المذكور سنة 1140 أربعين ومائة والف وقد ترجم لهما الحيمى فى طيب السمر وذكر لهما شعرا كشعر العلماء(1/217)
154- الحسين بن ناصر بن عبد الحفيظ المعروف كسلفه بالمهلا الشرفى اليمانى العالم الكبير صاحب المواهب القدسية شرح البوسية وهو شرح نفيس يبين ما اشتملت عليه القصيدة من المعانى والمسائل ثم ينقل الدليل ويحرره تحريرا قويا وينقل من ضوء النهار للجلال مباحث ويجيب عليه فى كثير من ذلك ويصفه بأنه شيخه فى العلم وبالجملة فهو شرح مفيد وقفت على مجلدات منه وبلغنى انه فى سبع مجلدات وهذه المنظومة التى شرحها هى فى الفقه للبوسى على نمط الشاطبية فى الوزن والروى والقافية والاشارة الى مذاهب العلماء بالرمز مع جودة الشعر وقوته وسلاسته وجملة أبياتها اربعة آلاف بيت وخمسمائة وثمانون بيتا والبوسى المذكور هو أحد علماء الزيدية بالديار اليمنية ولصاحب الترجمة مؤلفات هذا أشهرها وقد ترجم له الحيمى في طيب السمر وذكر انه كان اطلس لا لحية له وتوفي شهيدا قتله اصحاب المحطورى في فتنته حسبما سيأتى شرحه في ترجمة المهدى محمد بن احمد صاحب المواهب وكانت تلك الفتنة في سنة 1111 وله نظم حسن فمنه ( هى الدار ما الآمال إلا فجائع *** عليها وما اللذات إلا مصائب ) ( فكم سخنت بالأمس عين قريرة *** وقرت عيون دمعها قبل ساكب ) ( فلا تكتحل عيناك منها بعبرة *** على ذاهب منها فانك ذاهب )(1/218)
155- السيد الحسين بن يحيى بن ابراهيم الديلمى الذمارى ولد فى سنة 1149 تسع واربعين ومائة وألف ونشأ بذمار وأخذ عن علمائها كالفقية عبد الله بن حسين دلامة والفقية حسن بن أحمد الشبيبى وهما المرجع هنالك فى علم الفقه ثم ارتحل الى صنعاء وقرأ فى العربية وله قراءة في الحديث على السيد العلامة محمد بن اسماعيل الأمير ثم عاد الى ذمار واستقر بها وكان فقيرا فتزوج بامرأة لها ثروة ثم اشتغل بالتجارة وتكاثرت أمواله ولم يكن يتجر بنفسه بل كان ينوب عنه غيره وهو مكب على العلم ودرس فى الفقه وغيره وتخرج به جماعة منهم شيخنا العلامة احمد بن محمد الحرازى المتقدم ذكره ثم رحل إلى صنعاء رحلة ثانية بعد سنة 1200 ورافقنى فى القراءة على شيخنا العلامة الحسن بن اسماعيل المغربى فقرأ معنا فى صحيح مسلم وأقرأ الطلبة فى الفقه بجامع صنعاء وبقى مدة وعزم على استيطان صنعاء ثم بعد ذلك رجح العود الى ذمار فعاد اليها(1/219)
وهو الآن عالمها المرجوع اليه المتفرد بها من دون مدافع وصار الطلبة هنالك يقرأون عليه في الفقه والنحو والصرف والاصول والتفسير والحديث وبينى وبينه من المودة مالا يعبر عنه وقد جرى بيننا مباحثة علمية مدونة في رسائل هى فى مجموع مالى من الفتاوى والرسائل ولا يزال يعاهدنى بعد رجوعه الى ذمار ويتشوق الى اللقاء وأنا كذلك والمكاتبة بيننا مستمرة إلى الان وهو من جملة من رغبنى فى شرح المنتقى فلما أعان الله على تمامه صار يراسلنى في الارسال اليه بنسخة ولم يكن قد تيسر ذلك ولما ألفت الرسالة التى سميتها ارشاد الغبى إلى مذهب أهل البيت فى صحب النبى ونقلت اجماعهم من ثلاث عشرة طريقة على عدم ذكر الصحابة بسب أوما يقاربه وقعت هذه الرسالة بأيدى جماعة من الرافضة الذين بصنعاء المخالفين لمذاهب أهل البيت فجالوا وصالوا وتعصبوا وتحزبوا وأجابوا باجوبة ليس فيها إلا محض السباب والمشاتمة وكتبوا ابحاثا نقلوها من كتب الامامية والجارودية وكثرت الأجوبة حتى جاوزت العشرين وأكثرها لا يعرف صاحبه واشتغل الناس بذلك أياما وزاد الشر وعظمت الفتنة فلم يبق صغير ولا كبير ولا امام ولا مأموم الا وعنده من ذلك شىء وأعانهم على ذلك جماعة ممن له صولة ودولة ثم ان تلك الرسالة اتنشرت في الاقطار اليمنية وحصل الاختلاف فى شأنها وتعصب أهل العلم لها وعليها حتى وقعت المراجعة والمجاوبة والمكاتبة فى شأنها فى الجهات التهامية وكل من عنده أدنى معرفة يعلم أنى لم أذكر فيها الا مجرد الذب عن أعراض الصحابة الذين هم خير القرون مقتصرا على نصوص الأئمة من أهل البيت ليكون ذلك أوقع فى نفوس من يكذب عليهم(1/220)
وينسب الى مذاهبهم ماهم منه برآء ولكن كان اهل العلم يخافون على أنفسهم ويحمون أعراضهم فيسكتون عن العامة وكثيرا منهم كان يصوبهم مداراة لهم وهذه الدسيسة هى الموجبة لاضطهاد علماء اليمن وتسلط العامة عليهم وخمول ذكرهم وسقوط مراتبهم لأنهم يكتمون الحق فاذا تكلم به واحد منهم وثارت عليه العامة صانعوهم وداهنوهم وأوهموهم انهم على الصواب فيتجرأون بهذه الذريعة على وضع مقادير العلماء وهضم شأنهم ولو تكلموا بالصواب أو نصروا من يتكلم به أو عرفوا العامة اذا سألوهم الحق وزجروهم عن الاشتغال بما ليس من شأنهم لكانو يدا واحدة على الحق ولم يستطع العامة ومن يلتحق بهم من جهلة المتفقهة اثارة شىء من الفتن فإنا لله وإنا اليه راجعون وكان تأليفى لتلك الرسلة في سنة 1208 ومن جملة من اشتغل بها فقهاء ذمار وقاموا وقعدوا وكانو يسألون صاحب الترجمة عن ذلك ويتهمونه بالموافقة لما فى الرسالة لما يعلمونه من المودة التى بينى وبينه فسلك مسلك غيره ممن قدمت الاشارة اليهم من أهل العلم بل زاد على ذلك فحرر جوابا طويلا على تلك الرسالة موهما لهم أنه قد أنكر بعض ما فيها فلما بلغنى أنه أجاب ازداد تعجبى لعلمى أنه لا يجهل مثل ذلك ولا يخفى عليه الصواب فلما وقفت على الجواب وهو فى كراريس رأيته لم يبعد عن الحق ولكنه قد أثار فتنة بجوابه لظن العامة ومن شابههم أن مثل هذا العالم الذي هو لى من المجين لا يجيب الا وما فعلته مخالف للصواب فاجبت عليه بجواب مختصر تناقله المشتغلون بذلك وفيه بعض التخشين ثم انه عافاه الله اعتذر الى مرات ولم اشتغل بجواب على غيره لأنهم ليسوا باهل لذلك وفى الجوابات مالا يقدر على تحريره(1/221)
الا عالم ولكنهم لم يسموا أنفسهم فلم اشتغل بجواب من لا أعرفه الا أنه وقع فى هذه الحادثة من بعض شيوخي ما يقضى منه العجب وهو أنه بلغنى أنه من جملة المجيبين فلم أصدق لعلمى أنه ممن يعرف الحق ولا يخفى عليه الصواب وله معرفة بعلوم الكتاب والسنة فبعد أيام وقفت على جوابه بخطه فرأيت مالا يظن بمثله من المجازفة فى الكلام والاستناد الى نقول نقلها من كتب رافضة الامامية والجارودية وقررها ورجحها وأنا أعلم أنه يعلم أنها باطلة بل يعلم أنها محض الكذب وليته اقتصر على هذا ولكنه جاء بعبارات شنيعة وتحامل على تحاملا فظيعا والسبب أنه اصلحه الله نظر بعض وزارء الدولة وقد قام فى هذه الحادثة وقعد وأبرق وأرعد فخدم حضرته بتلك الرسالة التى جنابها على أعراض الصحابة فضلا عن غيرهم فما ظفر بطائل واتفقت لصاحب الترجمة محنة وذلك ان رجلا يقال له محمد حسين من اولاد المهدى صاحب المواهب غاب عن المواهب نحو عشرين سنة ثم لم يشعر أهله بعد هذه المدة الا وقد وصل رجل يزعم انه هو فصدقه أهل الغائب كزوجته ووالدته واخوته وشاع أنه دخل بالمرأة واستمر كذلك اياما فوصل بعد ذلك رجل من بيت النجم الساكنين فى زبيد وقال لأهل ذمار وعاملها ان هذا لم يكن الغائب بل رجل من بيت صعصعة المزاينة أهل شعسان صعلوك متحيل متلصص كثير السياحة وكان عند وصوله قد لبس الثياب المختصة بآل الامام فطلبه العامل(1/222)
فصمم على أنه محمد بن حسين من آل الامام وشد عضد دعواه مصادقة أم الغائب وزوجته واخوته ثم طلبه مولانا الامام الى حضرته ثم بعد ذلك حضر شهود شهدوا أنه صعصعة المزين ثم تعقب ذلك صدور الاقرار فعزر تعزيرا بليغا وطرد ومات عن قرب وقد كان صاحب الترجمه حكم له بانه محمد بن حسين استنادا الى الظاهر وهو اقرار الاهل فطلب من الحضرة العليه وأرسل عليه رسول ثم أعفى عن الوصول والمترجم له عافاه الله مستمر على حاله الجميل ناشر للعلم فى مدينة ذمار مكثر من أعمال الخير قائم بالأمر بالمعروف والنهى عن المنكر بمقدار ما يمكن مع سلامة صدر وكرامة أخلاق وحسن محاضرة وجمييل مذاكرة واحتمال لما يلاقية من الجفاء الزائد من أهل بلده بسبب نشره لعلم الحديث بينهم وميله الى الانصاف فى بعض المسائل مع مبالغته فى التكتم وشدة احترازه(1/223)
156- الحسين بن يحيى السلفى الصنعانى
ولد تقريبا بعد سنة 1160 ستين ومائة وألف وأخذ العلم عن جماعة من علماء صنعاء ومنهم شيخنا السيد العلامة عبد القادر بن أحمد وشيخنا السيد العلامة على بن ابراهيم بن عامر وشيخنا العلامة أحمد بن محمد الحرازى واخرين وأخذ عنى فى امالى الامام أحمد بن عيسى وحضر فى القراءة على فى أدوال متعددة وهو رجل ساكن عاقل حسن السمت قوى المشاركة في علوم الاجتهاد عامل بما تقتضيه الادلة جيد الفهم وهو الان أحد المدرسين فى الفنون بجامع صنعاء نفع الله به ولصاحب الترجمة أخ عالم شاعر وهو اسماعيل بن يحيى توفى وهو فى سن الشباب بمكة المشرفة في في شهر الحجة سنة 1194 ومات المترجم له رحمه الله فى سنة 1230 ثلاثين ومائتين وألف(1/224)
157- السيد الحسين ين يوسف بن الحسين بن أحمد زبارة قد تقدم رفع نسبه ومولده على التقريب بعد سنة 1150 نشأ بصنعاء وأخذ العلم عن جماعة من علمائها وهو أحد علماء العصر المفيدين حسن السمت والخلق والاخلاق متين الديانة حافظ للسانه كثير العبادة والاذكار مقبل على أعمال الخير مستكثر منها عاكف على العلم والعمل وقد أجاز لى جميع ما يرويه عن ابيه عن جده الحسين وهو الآن حى نفع الله به ثم توفى رحمه الله فى اوائل شهر محرم سنة 1231 احدى وثلاثين ومائتين وألف(1/224)
158- حمزة بن عبد الله بن محمد بن على بن أبى بكر التقى الناشرى الزبيدى الشافعى
ولد فى ثالث عشر شوال سنة 833 ثلاث وثلاثين وثمان مائة بنخل وادى زبيد ونشا بزبيد فحفظ القرآن والشاطبية وألفية ابن مالك وبعض الحاوي وتلى بالسبع على محمد بن أبى بكر المقري وقرا على جماعة من علماء زبيد فى فنون من العلم وأجاز له آخرون من جهات ومن جملة مشايخه صديق بن أبى الطيب والزين الشرجى والتقى بن فهد وابن ظهيرة وتردد الى مكة وأخذ عن السخاوى وناب فى قضاء زبيد وأفتى ونظم وألف مؤلفات منها مسالك التحبير فى مسائل التكبير والبستان الزاهر فى طبقات بنى ناشر وانتهاز الفرص فى الصيد والقنص ألفه للملك المظفر والفية فى غريب القرآن وكان كثير الزواج ورزق كثيرا من الأولاد ومات غالبهم وطال عمره حتى قارب المائة وهو متمتع بحواسه يستفض الأبكار ومات في صبح يوم الخميس تاسع عشر ذى القعدة سنة 926 ست وعشرين وتسعمائة ودفن بتربةسلفه في باب سهام(1/225)
159- حميضة بن ابى نمى محمد بن حسن بن على بن قتادة بن ادريس الحسنى الشريف عز الدين امير مكة كان هو وأخوه رميثة وليا أمر مكة فى حياة أبيهما سنة 701 ثم استقلا بالامرة واستمر إلى الموسم فحج بيبرس تلك السنة فلما كان فى طواف الوداع كلمه ابو الغيث وعطيفة فى أمر أخويهما حميضة ورميثة وأنهما منعاهما ميراثهما فأنكر عليهما بيبرس فقال له حميضة يا أمير نحن نتصرف في اخوتنا وأنتم قضيتم حجكم فلا تدخلوا بيننا فغضب بيبرس
وقبض على حميضة ورميثة وحملهما إلى القاهرة وأقام أبا الغيث وعطيفة موضعهما ثم أفرج عنهما فى أوائل سنة 702 وخلع عليهما وتوجها إلى مكة ففر أبو الغيث ثم فر حميضة من أمير الحج في سنة 707 فقرر أبا الغيث مكانه فلما رجع العسكر عاد حميضة مختفيا فى زى امرأة وفر إلى العراق مستجيرا بملكها خربيدا فتلقاه وأكرمه وبالغ فى الاحسان اليه وندب معه أربع آلاف فارس وراسل أخاه رميثة أن يأذن له بدخول مكة ويشاركه الامرة كعادته فامتنع وكاتب الناصر فاجابه بان لا يفعل إلا ان دخل حميضة الى مصر فوصل حميضة بالعسكر ونازل رميثة فانهزم ودخل حميضة مكة عنوة وقطع خطبة الناصر وخطب لخربيدا وأخذ أموال التجار فجرد الناصر عسكر فانهزم منهم من غير قتال ثم عاد بعد ذهاب الحج فارسل رميثة يطلب الأمان فأمنه ثم اصطلحا فبلغ ذلك الناصر فغضب وقرر عطيفة فى امرة مكة فخرج حميضة عن مكة فلما حج الناصر سنة 719 وعاد عاد حميضة وأخذ أموال الناس من النقد وغيره وحمل منه مائة جمل وأحرق الباقى وتحصن بحصنه الذي له بالجديدة وقطع الفى نخلة فأرسل الناصر عسكرا ودخل مكة العسكر في ذي القعده سنة 715 ثم تبعوه إلى مكانه فأحرقوا الحصن وأخذوا ما مع حميضة من الأموال وأخذوا ابن حميضة أسيرا وسلموه لعمه رميثة واستقر رميثة أميرا ولحق حميضة بالعراق ثم اتصل بخربيدا وقام فى بلاده وجهز له جيشا بعد أن أطمعه ان يخطب له بها فمات خربيدا ولم يتم ذلك فعاد حميضة إلى مكة واتفق أنه هرب من مماليك الناصر ثلاثة أنفس فمروا بحميضة فأضافهم فرأى فيهم شابا جيلا فمال إليه وكان معروف بذلك واوسع له فى المواعيد إلى أن أطاعة واستمر في خدمته فلما رأى ذلك رفيقاه أقاما فى خدمة حميضة واختص بذلك الشاب فصار لا يكاد يصبر عنه ساعة وتمادى حالهم عند حميضة فخشوا منه أن يتقرب بهم إلى الناصر فقتلوه فى وادى بنى شعبة وظفر بهم عطيفة فقيد الذي تولى قتله وجهزه الى الناصر فقتله به وذلك فى جمادى الآخرة سنة 725 وكان شجاعا فاتكا كريما وافر الحرمة عظيم المهابة اتفق ان رجلا مديده لاخذ شىء وجده مطروحا فقطع يده فصارت الأموال توجد ولا يتعرض لها أحد من مهابته(1/226)
160- الشريف حمود بن محمد الحسنى صاحب أبى عريش
ولد بعد سنة 1160 تقريبا ثم استقل بولاية أبى عريش وسائر الولاية الراجعة إلى ابى عريش كصبيا وضمد والمخلاف السليماني وكان متوليا لذلك من طرف مولانا الامام المنصور بالله رحمه الله ثم حدث ما حدث من قيام صاحب نجد واستيلائه على البلاد التى بينه وبين أبى عريش فأمر عبد الوهاب بن عامر العسيرى المعروف بأبى نقطة بأن يتقدم في جيشه على بلاد الشريف حمود فتقدم فى نحو عشرين ألفا والشريف حمود استقر في أبى عريش لقلة جيشه فتقدم عليه أبو نقطة إلى أبى عريش فدخلها فى سنة 1217 وقتل من الفريقين فوق الالف ثم استسلم الشريف حمود ودخل فىالدعوة النجدية ثم خرج على البلاد الامامية فاستولى على بندر اللحية وعلى بندر الحديدة وعلى زبيدو الحيس وما يرجع الى هذه الولايات واختط مدينة الزهراء وصار الآن ملكا مستقلا ثم فسد ما بينه وبين النجدى فامر ابا نقطة المذكور بان يغزوه فغزاه والتقيا بأطراف البلاد فقتل أبو نقطة وانهزم جيش الشريف وقتل(1/227)
منهم نحو ألفين وكان جيشه من يام وبكيل وقبائل تهامه زهاء سبعة عشر ألفا وكان جيش أبى نقطة كما قيل مائة ألف لأنه أمده النجدىبجماعة من أمرائه كابن شكيان والمضايفى ثم ان جيش صاحب نجد بعد قتل أبى نقطة وهزيمة الشريف تقدم على بلاد أبى عريش وجرت بينهم ملاحم كبيرة وانحصر الشريف في أبى عريش وشحن سائر بلاد أبى عريش بالمقاتلة ثم رجع سائر الامراء النجدية وبقى بقية من الجيش في بلاد أبى عريش والحرب بينهم سجال وكان هذا الحرب الذي قتل فيه أبو نقطة فى سنة 1224 وبالجملة فصاحب الترجمة من الأبطال وقد جرت بينه وبين الاجناد الامامية عند استيلائه على البلاد التى قدمنا ذكرها ملاحم عظيمة لا يتسع المقام لبسطها وفى سنة 1224 وقع الصلح بينه وبين مولانا المتوكل على الله قبل دعوته وكان ذلك باطلاعى أن يثبت الشريف على ماقد صار تحت يده من البلاد ثم بعد هذا انتقض الصلح بينه وبين مولانا المتوكل ولم يزل الحرب ثائرا بينه وبين الامام إلى هذا التاريخ وهو سنة 1229 وهو مستر على الانتماء الى صاحب نجد ومات فى سنة 1233 ثلاث وثلاثين ومائتين وألف(1/228)
حرف الخاء المعجمة
161- خشقدم الملك الظاهر أبو سعيد الرومى الناصرى نسبة الى تاجر ملكه ثم اشتراه الملك المؤيد وهو ابن عشر سنين ثم أعتقه بعد مدة وصار من المقدمين بدمشق ثم عاد الى مصر وصار الحاجب الاكبر ثم صار في دولة الاشرف أمير سلاح ثم صار أتابكا لابنه ثم صار سلطانا فى يوم الاحد تاسع عشر رمضان سنة 865 ولقب بالظاهر ولم يزل يتودد ويتهدد ويصافي وينافي ويراشى ويماشى حتى رسخ قدمه ونالته السعادة الدنيوية مع مزيد الشره فى جمع المال على أى وجه لاسيما بعد تمكنه بحيث اقتنى من كل شىء أحسنه وأنشأ مدرسة بالصحراء بالقرب من قبة النصر وكثرت مماليكه فعظموا محاسنه وعظم وضخم وهابته الملوك وانقطع معاندوه الى أن مرض فى أوائل المحرم ولزم الفراش حتى مات يوم السبت عاشر ربيع الاول سنة 872 اثنتين وسبعين وثمان مائة وقد ناهز خمسا وستين ودفن بالقبة التى أنشأها بمدرسته وكان عاقلا مهابا عارفا صبورا بشوشا مدبرا متحملا فى شؤونه كلها عارفا بانواع الملاعب كالرمح والكرة مكرما للعلماء معتقدا فيمن ينسب الى الخير(1/229)
162- خضر بن عطاء الموصلى مصنف كتاب الاسعاف شرح شواهد البيضاوي والكشاف قال فى الريحانة كعبة فضل مرتفعة المقام تضمنت ألسن الرواة التزامه فلله ذلك التضمن والالتزام اقام بمكة مع بنى حسن مخضر الاكناف وصنف باسم الشريف حسن شرح شواهد الكشاف انتهى قلت وهذا الشريف هو حسن بن أبى نمى شريف مكه وابن شريفها وقد ذكر العصامى فى تاريخه أن الشريف المذكور أجازه بالف دينار ذهبا وأرخ موته سنة 1107 سبع ومائة وألف وهذا التاريخ الذي ألفه صاحب الترجمة من أحسن التواريخ وأنفسها وأجمعها يذكر فيه البيت الشاهد ثم يشرحه شرحا مستوفى ثم يترجم لقائله ترجمة كاملة ويذكر القصيدة التى منها ذلك البيت(1/229)
163- خليل بن أيبك بن عبدالله المعروف بصلاح الدين الصفدى الأديب المشهور
ولد سنة 697 سبع وتسعين وستمائة وكتب الخط الجيد وذكر عن نفسه أن أباه لم يمكنه من الاشتغال حتى استوفى عشرين سنة وطلب بنفسه فأخذ عن الشهاب محمود وابن سيد الناس وابن نباته وأبى حيان وسمع من المزى والدبوسى وطاف مع الطلبة وكتب الطباق وقال الشعر الحسن وأكثر منه جدا وترسل وألف كتبا منها التاريخ الكبير الذي سماه الوافي بالوفيات في نحو ثلاثين مجلدا على حروف المعجم وأفرد منه أهل عصره في كتاب سماه أعوان النصر وأعيان العصر فى ست مجلدات وشرح لامية العجم بمجلدين وله الحان السواجع بين المبادىء والمراجع مجلدان وجر الذيل فى وصف الخيل وكشف الحال في وصف الخال وأول ما ولى كتابة الدرج بصفد ثم بالقاهرة كتابة السر وغير ذلك من الاعمال وكان حسن المعاشرة جمييل المروءة وكان اليه المنتهى فى مكارم الاخلاق ومحاسن الشيم قال ابن كثير مصنفاته بلغت المئين من المجلدات قال ولعل الذي كتبه فى ديوان الانشاء ضعف ذلك ومن تصانيفه فض الختام عن التورية والاستخدام ونظمه مشهور قد أودع منه فى شرح لامية العجم وغيرها مما يعرف به مقداره ولكثرة ملاحظته للمعانى البديعية صار الغث من شعره كثيرا وينضم الى ذلك مايطريه به من المبالغة في حسنه فيزداد ثقلا وقد يأتي له ما هو من الحسن بمكان كقوله ( بسهم أجفانه رمانى *** وذبت من هجره وبينه ) ( ان مت مالى سواه خصم *** لانه قاتلى بعينه ) وكان يختلس معانى شعر شيخه ابن نباتة وينظمها لنفسه وقد صنف ابن نباته فى ذلك مصنفا سماه خبز الشعير المأكول المذموم وبين سرقانه لشعره ومات بدمشق ليلة عاشر شوال سنة 764 أربع وستين وسبعمائة(1/230)
164- خليل بن أمير ان شاه بن تيمورلنك
ملك بعد موت جده تيمور كما تقدم تحقيقه في ترجمته وكان ذلك في حياة والده وأعمامه لكونه كان معه عند وفاته في سنة 807 فلم يجد الناس بدامن سلطنته واستولى على الخزائن وتمكن من الامراء ببذله وفيه رفق وتودد مع حسن سياسة وصدق لهجة وجمال صورة وأخذ في تمهيد مكله وملك قلوب الرعية فاستفحل أمره وجرت حوادث الى أن مات بالرى مسموما فى سنة 809 تسع وثمان مائة ونحرت زوجته المسماة شادملك نفسها بخنجر من قفاها فهلكت من ساعتها وقد وصف مؤلف سيرة تيمور من أحواله وأشعاره بلسان قومه ومزيد عشقه لزوجته هذه وافراط محبته لها ما يقضى منه العجب حتى قال انه يقف معها فى قميص واحد يدخلان فيه جميعا لمزيد شغف كل واحد منهما بالاخر فلهذا قتلت نفسها بعد موته ووصف من جماله ما تعذر معه زوجته وكذلك وصف من جمالها ما يخفف عنه الملامة فيما تهتك به من عشقها حتى كان ذلك سبب ذهاب ملكه ونفسه والامر لله(1/231)
165- خليل بن كيكلدى العلانى
ولد فى ربيع سنة 694 أربع وتسعين وستمائة وأول سماعه للحديث فى سنة 703 سمع على شرف الدين الفزارى وبرهان الدين الذهبى وابن عبد الدايم والقاسم بن عساكر وجماعة كثيرة بلغوا إلى سبعمائة ورحل إلى الأقطار واشتغل قبل ذلك بالفقه والعربية ومهر وصنف التصانيف فى الفقه والأصول والحديث ومنها تحفة الرائض فى علم الفرائض والاربعين فى أعمال المتقين وشرح حديث ذى اليدين فى مجلد والوشى المعلم فى من روى عن أبيه عن جده عن النبى صلى الله عليه وآله وسلم قال ابن حجر فى الدرر انه صنف كتبا كثيرة جدا سائرة مشهورة نافعة وكان بزى الجند ثم لبس زى الفقهاء وحفظ التنبيه ومختصر ابن الحاجب ومقدمته في النحو والتصريف وولي تدريس الحديث بالناصرية ثم الصلاحية بالقدس وقطن به الى أن مات وحج مرارا وجاور وكان ممتعا بكل باب وبحفظ تراجم أهل عصره ومن قبلهم ووصفه الذهبى بالحفظ وكان يستحضر الرجال والعلل وتقدم في هذا الشأن مع صحة الذهن وسرعة الفهم وقال غيره كان اماما فى الفقه والنحو والأصول والحديث وفنونه حتى صار بقية الحفاظ عارفا بالرجال علامة فى المتون والأسانيد ومصنفاته تنبىء عن امامته في كل فن وقال الأسنوي كان حافظ زمانه اماما فى الفقه والأصول وغيرهما ذكبا نظارا
فصيحا كريما وله نظم حسن واستمر على حاله حتى مات في القدس خامس المحرم سنة 761 احدى وستين وسبعمائة(1/232)
حرف الدال المهملة
166- الشيخ داود بن عمر الانطاكى الضرير رئيس الاطباء قال العصامى هو المتوحد بأنواع الفضائل والمتفرد بمعرفة علوم الأوائل شيخ العلوم الرياضية سيما الفلسفية وعلم الابدان القسيم لعلم الاديان فانه بلغ فيه الغايه التى لا تدرك وانتهى الى الغاية التى لا تكاد تملك له فضل ليس لاحد وراءه فضل وعلم لم يحز أحد في عصره مثله قال حكى أن الشريف حسن لما اجتمع به أمر بعض اخوانه ان يعطيه يده ليجس نبضه وقال له الشريف حسن جس نبضى فأخذ يده فقال هذه ليست يد الملك فأعطاه الأخ الثانى يده فقال كذلك فأعطاه الشريف حسن يده فحين جسها قبلها وأخبر كلا بما هو ملتبس به قال وحكى أنه استدعاه يعنى الشريف لبعض نسائه فلما دخل قادته جارية ولما خرجت به قال للشريف حسن ان الجارية لما دخلت بى كانت بكرا ولما خرجت بي كانت ثيبا فسألها الشريف وأمنها فأخبرته أن فلانا استفضها قهرا فسأله فاعترف بذلك وله عجائب من هذا الجنس وقد أرخ العصامى موته سنة 1007 سبع وألف وهو مصنف التذكرة الكتاب المشهور فى الطب(1/233)
167- السيد داود بن الهادى بن أحمد بن المهدى بن أمير المؤمنين عز الدين بن الحسن ولد سنة 980 ثمانين وتسعمائة وهو شيخ الشيوخ الزبدية فى زمانه وكان عالما بعدة علوم ومن تلامذته القاضى أحمد بن يحيى حابس والقاضى أحمد بن سعد الدين وغيرهم ممن فى طبقتهم وله شرح على أساس الامام القاسم بن محمد وكتب إليه القاضى أحمد بن على بن أبى الرجال وهو من تلامذته قصيدة منها ( سؤلى وجل مطالبى ومرامى *** تقبيل كف الاروع الصمصام ) ( العالم العلم الحميد فعاله *** نور الأنام وسيد الأقرام ) ولصاحب الترجمة نظم فمنه ( الى الله أشكو عالم السر والنجوى *** تحمل هم لا يطيق له رضوى ) ( وجور زمان دأبه خفض كامل *** ورفع الذي لا خير فيه ولا جدوى ) ( عتبت على دهرى فقلت الى متى *** تعاملنى بالضد من كل ما أهوى ) ( فقال مجيبا لى بعنف وغلظة *** وأى كريم قد أجبت له شكوى ) وتوفى رحمه الله بدرب الامير بحضرة الامام المؤيد بالله محمد بن القاسم ابن محمد فى ضحوة يوم الأربعاء لست بقين من شهر ربيع الأول سنة 1035 خمس وثلاثين وألف وعمرت عليه قبة هنالك(1/234)
168- داود بن يوسف بن عمر بن على بن رسول الملك المؤيد بن المظفر التركمانى الأصل صاحب اليمن كان له شغلة بالعلم حفظ مقدمة ابن بابشاذ في النحو وكفاية المتحفظ في اللغة وسمع من المحب الطبرى وغيره وكان أبوه قد آثر أخاه الأشرف بالسلطنة فلما مات أبوه وتسلطن أخوه الاشرف أقبل المؤيد وكان فى جهة اليمن فغلب على عدن فجهز الاشرف ولده المنصور فهزمهم المؤيد ثم سار طائعا إلى أخيه فتلقاه وأمره فلما مات فى أول سنة 696 ست وتسعين(1/234)
وستمائة تسلطن المؤيد وتابعه الناصر ولد أخيه الأشرف وخرج عليه أخوه المسعود فلم تقم له قائمة ودخل فى طاعة المؤيد ولما عرف الناس محبته للفضائل قصدوه من الآفاق بكل تحفة وكان يبالغ فى انصافهم حتى انها أهديت له نسخة من الأغانى بخط ياقوت الحموى فبذل فيها مائتى دينار مصرية ولشعراء عصره فيه مدايح واشتملت خزانة كتبه على مائتى ألف مجلد وأنشا بتعز القصور العظيمة البديعة ودام فى الملك خمسا وعشرين سنة حتى مات فى ذى الحجة سنة 721 احدى وعشرين وسبعمائة 169 الشريفة دهماء بنت يحيى بن المرتضى أخت الامام المهدى أحمد بن يحيى المتقدم ذكره عالمة فاضلة أخذت العلم عن أخيها قرأت عليه هى والامام مطهر ولها مصنفات منها شرح للأزهار في أربعة مجلدات وشرح لمنظومة الكوفي في الفقه والفرائض وشرح لمختصر المنتهى ودرست الطلبة بمدينة ثلا حتى ماتت هنالك وقبرها مشهور مزور وعليها قبة وتزوجها السيد محمد بن أبي الفضائل وأولدها ولدا سمى ادريس ابن محمد ولها شعر منه في مدح كتاب أخيها الأزهار ( يا كتابا فيه شفاء النفوس *** انتجته افكار من فى الحبوس ) ( أنت للعلم في الحقيقة نور *** وضياء وبهجة كالشموس )(1/235)
حرف الذال المعجمة
170- ذيبان الماردى ناصر الدين والى القاهرة
ورد من الشرق صحبة عبد الرحمن التكريتى الى المنصور قلاون وتعانى الخياطة للكوافى بدمشق ثم توصل بخدمة بيبرس الجاشنكير وتقرب منه الى أن ولى القاهرة ثم عوقب وصودر ثم تولى شد الدواوين فى جمادى الآخرة سنة 694 ثم نقل الى ولاية القاهرة ثم ولىالجيزة فوقعت بينه وبين القبط مرافعة فالتزم ان تسلمهم أن يحمل ثلثمائة ألف دينار فتسلمهم وضيق عليهم وأخذ منهم جملة مستكثرة ثم سعى في الوزارة فاستقر فى شوال سنة 703 فباشرها بتعاظم وحرمة واتفق أنه توجه الى الاسكندرية وتوجه الناصر الى الجيزة وهو يومئذ تحت حجر بيبرس وسلار فارسل وكيله يستدين له من التجار مبلغا يشترى به هدية لحرمه اذا رجع فقدم له صاحب الترجمة ألفى دينار فاعجبه وقربه وشكى اليه حاله فوعده وبسط أمله فنقل ذلك الى الأميرين المذكورين فقبضا عليه وسجناه وصادراه ومات فى ذى القعدة سنة 704 أربع وسبعمائة(1/236)
حرف الراء
171- رضوان بن محمد بن يوسف بن سلامة بن البهاء بن سعيد الزين الشافعى الحافظ الكبير القاهرى الصحراوى ولد صبح جمعة من رجب سنة 769 تسع وستين وسبعمائة بمنية عقبة بالجيزة وحفظ القرآن والتنبيه وجود بعض القرآن وتلى بالسبع على جماعة وحضر درس البلقينى وابن الملقن والصدر المناوى والعز ين جماعة وقرأ عليهم وغيرهم فى فنون متعددة كالنحو والصرف والمنطق والمعانى والبيان والاصول والجدل والفرائض والحساب وحج مرات وزار بيت المقدس والخليل وما تيسرت له رحلة لكنه اخذ بالحرمين والقدس عن جماعة وسمع الامهات ومسند أحمد ومسند الشافعى والموطأ ومسند أبى حنيفة ومعاني الآثار للطحاوى والسنن للدار قطنى وغير ذلك وأخذ عن مشايخ العصر وعرف العالى والنازل وفاق الاقران وانتفع به الناس وأخذوا عنه واشتهرت فضائله وله تخرجات خرجها لشيوخه وله شعر على نمط أشعار المحدثين رحمه الله مات يوم الاثنين ثالث شهر رجب سنة 852 اثنتين وخمسين وثمان مائة(1/237)
172- رميثة بمثلثة مصغرا ابن أبى نمى
قدم تقدم ذكر بعض نسبه فى ترجمة أخيه حميضة ولى أمر مكة مع أخيه حميضة ثم استقل سنة 715 ثم قبض عليه فى ذى الحجة سنة 718 فلما كان في سنة 731 تحارب هو وأخوه عطيفة ثم اصطلحا وكثر تضرر الناس منهما ثم بلغ الناصر أنه أظهر مذهب الزيدية فانكر عليه فارسل اليه عسكرا ففر فلم يزل أمير الحاج يستيمله حتى عاد ثم أمنه السلطان فرجع الى مكة سنة 731 ولبس الخلعة ثم حج السلطان سنة 732 فتلقاه رميثة الى ينبع فاكرمه السلطان واستمر رميثة وعطيفة الى أن تفرد رميثة سنة 738 فلم يزل على ذلك الى سنة 744 فترك الامر لولديه ثقبة وعجلان ثم كتب له من القاهرة باستقراره فباشر الامر عنه ولده عجلان حتى مات رميثة فى سنة 748 ثمان وأربعين وسبعمائة(1/238)
حرف الزاى
173- زكريا بن احمد بن محمد بن يحيى بن عبد الواحد بن الشيخ أبى حفص عمر الشاوى الحفصى اللحيانى القائم بأمر الله صاحب المغرب ولد سنة نيف وأربعين وستمائة وتفقه وأتقن النحو واستوزره ابن عمه المستنصر مدة ثم ملك سنة 685 ثم خلع فتوجه الى الحج سنة 709 ثم رجع الى القاهرة سنة 710 فجهز معه الناصر عسكرا فملك طرابلس وخطب للناصر بها ثم صبحوا تونس في ثامن جمادى الاولى فنازلوها وصاحبها أبو البقاء مريض فدخل زكريا البلد وأشهد ابو البقاء علىة نفسه بالخلع فلما استوثق له الامر قطع ذكر المهدي من الخطبة ثم أرسل الى صاحب سحانه فهادنه فسار صاحب سحانه الى أفريقية رجال فى بلاد هوازن فخشى منه صاحب الترجمة فجمع ما قدر عليه من المال وخرج من تونس سنة 717 قاصدا فاس فاقام بها ثم توجه من فاس الى طرابلس ثم حمل أهله وأمواله فى البحر وتوجه الى الاسكندرية ثم استأذن الناصر فى القدوم عليه فاذن له ودخل القاهرة سنة 721 وأراد الحج فمرض فاقام بها ورفض الملك الى أن مات سنة 727 سبع وعشرين وسبعمائة وكان فاضلا متقنا للعربية حسن النظم ويعاب بالشح وأنكر عليه أهل بيته اسقاط ذكر المهدى من الخطبة وكان جده أبو حفص من كبار أصحاب ابن تومرت وولى السلطنة بعده أبو ضربة فنازله أبو بكر المتقدم(1/238)
174- زكريا بن محمد بن أحمد بن زكريا الأنصارى القاهرى الأزهرى القاضى الشافعى
ولد سنة 826 ست وعشرين وثمان مائة فحفظ القرآن وعمدة الاحكام وبعض مختصر التبريزى فى الفقه ثم تحول الى القاهرة في سنة 841 فقطن الازهر واكمل حفظ المختصر المذكور وحفظ المنهاج الفرعى وألفية النحو والشاطبيتين وبعض المنهاج الأصلى وبعض ألفية الحديث ومن التسهيل إلى كاد وأتمه من بعد ثم جد فى الطلب وأخذ عن جماعة منهم البلقينى والقاياتى والشرف السبكى وابن حجر والزين رضوان وغيرهم وقرأ فى جميع الفنون وأذن له شيوخه بالافتاء والتدريس وتصدر وأفتى وأقرأ وصنف التصانيف منها فتح الوهاب شرح الآداب وغاية الوصول في شرح الفصول وشرح الروض مختصر الروضة لابن المقرى وله حاشية على شرح البهجة للولى العراقى وشرح لشذور الذهب وله شروح ومختصرات فى كل فن من الفنون انتفع الناس بها وتنافسوا فيها ودرس فى أمكنة معتددة وزاد في الترقى وحسن الطلاقة والتلقى مع كثرة حاسديه وارتفعت درجته عند السلطان قايتباى وكثر توسل الناس به إليه وكان السلطان يلهج بتوليه القضاء مع علمه بعدم قبوله له في سلطنة خشقدم ثم ولاه القضاء قايتباى وصمم عليه فأذعن بعد مجيء أكابر الدولة إليه فباشره بعفة ونزاهة ثم عزل سنة 906 ثم عرض عليه بعد ذلك فأعرض عنه لكف بصره وانجمع في محله واشتهرت مصنفاته وكثرت تلامذته وألحق الأحفاد بالأجداد وعمر حتى جاوز
المائة أو قاربها ومات فى يوم الجمعة رابع ذى الحجة سنة 926 وحزن الناس عليه كثيرا لمزيد محاسنة ورثاه جماعة من تلامذته فمن ذلك قول عبد اللطيف ( قضى زكريا نحبه فتفجرت *** عليه عيون النيل يوم حمامه ) ( ليعلم أن الدهر راح أمامه *** وما الدهر يبقى بعد فقد امامه ) ( سفى الله قبراضمه غوث صيب *** عليه مدى الايام صبح غمامه )(1/239)
175- السيد زيد بن محمد بن الحسن بن الامام القاسم بن محمد
المحقق الكبير شيخ مشايخ صنعاء في عصره فى العلوم الالية بأسرها أخذها عنه جماعة من أكابرهم كالسيد هاشم بن يحيى الشامى والسيد محمد الامير والسيد أحمد بن عبد الرحمن الشامى وغيرهم ولد فى سنة 1075 خمس وسبعين والف وأخذ العلم عن جماعة من اعيان العلماء كالقاضى العلامة على ابن يحيى البرطى والقاضى العلامة الحسين بن محمد المغربى والسيد العلامة الحسن بن الحسين بن القاسم وكان صدرا مبجلا معظما مفخما له صورة كبيرة وصوله شهيرة يهابه ولاة صنعاء ويخافون من أن ينهى امرهم إلى الامام المهدى محمد بن أحمد صاحب المواهب وكان كثير الاجلال له إلى غاية ويطلبه الى حضرته مرات ويعطيه العطاء الواسع وكان يؤهل للامامة ويرجى لها وقد برع فى جميع المعارف لاسيما علم المعانى والبيان فانه فنه الذي لا يدانيه فيه مدان ولا يختلف فى تفرده بهذا الشان اثنان وشرحه المجاز لمختصر الشيخ لطف الله الغياث الذي سماه الايجاز فى المعانى والبيان يشهد بفضله فى هذا العلم فانه شرح يشرح صدر طالب فن المعانى والبيان لان الشيخ لطف الله ألف هذا المختصر معتصرا(1/240)
له من تلخيص المفتاح لكنه ترك من عباراته ما وقعت فيه مناقشة لأحد من الشراح أو أهل الحواشى وزاد مالا بد من زيادته ثم أتى صاحب الترجمة فاعتصر المطول وحواشيه وحواشيه في شرحه وترك ما فيهما من المباحث التى وقع الاعتراض عليها من أهل الحواشى ورسم ما هو الصواب وأنا أظن أن الشيخ لطف الله إنما جمع هذا المتن مع قراءة الطلبة عليه للتلخيص وشروحه وحواشيه وكذلك صاحب الترجمة إنما جمع الشرح مع قراءته كذلك وكان كثير الأخذ من حاشية الشيخ لطف الله على شرح التلخيص وقد قوبل هذا الشرح بالقبول من أعيان العلماء ونقادهم وإن لم يشتهر بين الطلبة وما أحق من رام حفظ التلخيص أن يستغنى عنه بحفظ مختصر الشيخ لطف الله ومن رام القراءة فى المطول والمختصر وحواشيهما أن يقتصر على القراءة فى شرح صاحب الترجمة فانه يستغنى بذلك عن مهمات مافى غيره وان كان الطالب الراغب لا يقنع الا بالتبحر في كل المعارف فانه لاريب أن فى المطول والمختصر وحواشيهما من الفوائد والقواعد مالا يستغنى عنه طالب علم المعانى والبيان وقد كان شيخنا السيد العلامة عبد القادر بن أحمد كثير الثناء على شرح صاحب الترجمة وكان يرشد طلبة هذا الفن إليه وأقرأ ولده ابراهيم المتقدم ذكره فيه واستغنى بذلك عن غيره من كتب المعانى والبيان وكنت أهم فى أيام الطلب بجمع حاشية على ذلك الشرح وأنا الى الآن غير منقطع الرجاء ان شاء الله وكان لصاحب الترجمة اعتقاد فى الصوفية وجرت بينه وبين السيد صلاح بن الحسين الاخفش في ذلك منافرة بسبب رجل كان يملى الاذكار في جامع صنعاء جهرا يقال له القبتين(1/241)
فأنكر عليه السيد صلاح فألف صاحب الترجمة رسالة سماها تشييد أركان القبتين ذكر فيها مباحث أصولية وأحاديث ورأيت له رسالة أخرى فى تبيين الفرقة الناجية وأحسن القول فيها ورجح أنهم من كان على النمط الذي كان عليه الصحابة وله جواب على النبراس الذي اعترض به الكردى على الاساس ولكنه مات قبل تمامه وكان قد سماه الرد بالقسطاس ومات رحمه الله في سنة 1123 ثلاث وعشرين ومائة وألف ورثاه السيد العلامة عبدالله بن على الوزير بأبيات مشتملة على تاريخ وفاته وهى هذه ( هاهنا علامة الدنيا فزر *** قبره تحظى بأنوار وتسعد ) ( هو سعد الدين فى تحقيقه *** وهو عند الله فى التحقيق أسعد ) ( لقى الله فأرخ جال في *** جنة الفردوس زيد بن محمد ) سنة 1123 وقبر بقبته المتصلة بمدرسة الامام شرف الدين بصنعاء وله شعر حسن فمنه ( جمع الحسن فأضحى *** ساكنا بين ضلوعى ) ( بأبي جامع حسن *** وقفه جارى دموعي ) وله قصيدة عارض بها قصيدة ابن زريق التى أولها ( لا تعذليه فان العذل يولعه *** قد قلت حقا ولكن ليس يسمعه ) ومطلع قصيدة صاحب الترجمة ( بانوا فسالت على خديه أدمعه *** مورق الجفن مغرى القلب موجعه ) وولد صاحب الترجمة هو العلامة محمد بن زبد من أعيان العلماء لاسيما فى علم المعانى والبيان فانه من المبرزين فيه وكان مقبول الكلمة عند الامام المنصور بالله الحسين بن القاسم وله به اتصال ومن ذرية صاحب الترجمة فى عصرنا هذا(1/242)
176- السيد العلامة محمد بن يحيى بن أحمد بن زيد بن محمد وهو من أعيان السادة آل الامام وله معرفة تامة بفنون من العلم وقد رافقته في قراءة كتاب الله عز وجل فى المكتب وترافقنا فى قراءة الفقه وبعض الالات في أيام الصغر ولعل مولده سنة 1170 أو قبلها بقليل أو بعدها بقليل وبينى وبينه مودة أكيدة ومحبة صادقة وله عرفان بعلم الطب وقد انتفع به الناس فيه لاسيما فى هذه الايام بعد موت السيد يحيى بن محمد بن عبد الله بن الحسين بن القاسم فان الناس عولوا عليه وانتفعوا به وهو الآن مستمر على حاله الجميل من أكابر آل الامام رياسة ورفعة وشهرة(1/243)
177- السيد زيد بن يحيى بن الحسين بن المؤيد بن الامام القاسم بن محمد الصنعانى ولد يوم الخميس لخمس ليال بقين من ذى الحجة سنة 1077 سبع وسبعين والف وقرأ على السيد الحسن بن الحسين بن القاسم المتقدم ذكره وعلى القاضى حسين بن عبد الله المسعودى وبرع فى العلوم الادبية وقال الشعر الحسن فمنه القصيدة التى مطلعها ( قم فقد ألممت صبا الابكار *** واكتسى الافق حلة الانوار ) ( واحتلى جيدة قلادة تبر *** من سنا الشمس بعددرالدرار ) ( دب جمر الصباح فى فحمة الليل *** وطارت نجومه كالشرار ) وهى قصيدة طنانة روضية وقد ترجم له صاحب نسمة السحر وهو أخوه ترجمة فائقة طويلة وذكر من شعره ما يدل على أنه فى أعلى رتب البلاغة وأرخ موته يوم عيد النحر سنة 1104 أربع ومائة وألف(1/243)
178- الشريفة زينب بنت محمد بن أحمد بن الامام الحسن بن على ابن داود المؤيدى
الادبية الشاعرة المجيدة من شعرها القصيدة التى كتبتها إلى زوجها السيد على بن الامام المتوكل على الله اسماعيل ومطلعها ( أصخ لى أيها الملك الهمام *** عليك صلوة ربك والسلام ) ومن شعرها المقطوع الذي فضلت فيه شهارة على صنعاء وهو ( وقائل لى أزال ليس تشبهها *** شهارة قلت قف لى واستمع مثلى ) ( أليس صنعاء تحت الظهر مع ضلع *** أما شهارة فوق النحر والمقل ) والنحر والمقل موضعان بشهارة كما أن وادى ظهر وضلع موضعان قريب صنعاء ولها أشعار كثيرة وقد فارقها على بن المتوكل ثم تزوجها غيره وكانت تعرف النحو والأصول والمنطق والنجوم والرمل والسيمياء وماتت في شهر محرم سنة 1114 أربع عشرة وماية والف بشهارة(1/244)
179- زين العابدين بن حسين الحكمى أحد العلماء المشهورين المعاصرين من أهل القطر النهامى كثيرا ما يكتب الى من هنالك بمذاكرات وله نثر متوسط فمنه ما كتبه الى عند أن وليت القضاء ولفظه الحمد لله الذي ألهم مولانا الامام الاعظم والطود الباذخ الاشم أمير المؤمنين وسيد المسلمين المؤبد بالنصر والتمكين والظفر والفتح المبين المنصور بالله رب العالمين باقامة من انتعشت به الشريعة المحمدية من مرضها وقامت به قناتها مفصحة عن مرادها خالصة من مضضها واختصاصه من بين الانجم الزاهرة من علماء العترة الاعلام بالفضل بين الانام والتصدر للاصدار والايراد عن الخاص والعام واعطاء القوس باريه وتقليد هذا الامر خريته الماهر بفجاجه ومراميه عين أعيان سكان صنعاء ومن حسنت به الايام صنعاء القاضى الثبت العلامة الحلاحل العمدة النحرير الفهامة الغيث المدرار المقتطف من بستان عوارفه نوافح الازهار ويانع الاثمار المقتبس من ثاقب فهومه أنوار الشموس والأقمار الكافل بغاية السؤل والتحقيق ومن هو بكل ثناء خليق الذي اذا اجتمعت الفضائل فهو منتهى الجموع بغية(1/245)
المستفيد بالعلم النافع الذي ليس بمقطوع ولا ممنوع من ليس له فى تحقيق العلوم ثانى محمد بن على بن محمد الشوكانى حفظه الله وامده بالتوفيق فى جميع الامور وأصلح بتسديد ارائه الثاقبة ومقاصده الحسنة أحوال الجمهور ولا زال مرفوع الجناب الى الغاية منصوبة رايات مجده بداية ونهاية مسند اليه صحيح أحاديث كل فضيلة على الحقيقة لا المجاز محكوم له بصدق المقدمتين بأنه كعبة اولى التحقيق التى ليس بينها وبين طالب الافادة حجاز فلو مثلت كتب النحاة بنعته لما جاز أن يجرى على نعته النقص والله المسئول أن يعينه ويعافيه وعليه من السلام ما يحفل به ومن الاكرام ما يراوحه ويغاديه ( تحية صب ما الفرات وماؤه *** بأعذب منها وهو أزرق سلسال ) ( تخص خدين الفضل بدر أوانه *** سليل على من به حسن الحال ) ( أخا العلم والتحقيق في كل مبحث *** فما غيره يرجى اذا عن اشكال ) ( هو الحاكم الفيصول والعالم الذي *** له فى علوم الشرع ورد ومنهال ) ثم أطال النفس وختم النثر بقصيدة من شعره أولها ( سر يابريد بها بغير تمنع *** وارو الحديث عن اللواو الاجرع ) ( واحفظ حديثهم الصحيح ولا تزل *** ترويه عنهم عاليا فى المجمع ) ( فالعلم في علم الحديث وأهله *** أتباع أشرف شافع ومشفع ) ( لازال طائفة هداة منهم *** يروونه من اورع عن أورع ) ( لاسيما بحر العلوم وحايز المنطوق *** والمفهوم شمس المطلع ) ( حاوى الاصول مع الفروع وناثر *** أزهارها من بحر علم أنفع ) ( سمع الحديث رواية ودراية *** عن كل شيخ عالم متضلع )
( أعنى به عز الأنام محمدا *** نجل الجمال الحاكم المتورع ) ( علم السراة الغر فى علم وفى *** كرم وحسن شمائل لم تجمع ) ( من خص من كنز الانام بمنصب *** بشريف ترجيح منيف أرجع ) ( محيى علوم الطاهرين وسنة *** المختار من فضل الحكيم المبدع ) وهى قصيدة طويلة ولكنها من جنس شعر العلماء لامن شعر الأدباء وهو الآن حي يفيد فى وطنه وأخباره تبلغنا جملة لا تفصيلا(1/246)
حرف السين المهملة
180- أبو السعود أفندى الإمام الكبير عالم الروم
برع فى جميع الفنون وفاق الاقران ومولده سنة تسعمائة وأخذ عن أكابر علمائها ودرس بمدارسها وصار قاضيا بمدينة بروسا ثم صار قاضيا للعسكر ثم صار مفتيا بقسطنطينية وعين له السلطان كل يوم مائتين وخمسين درهما وله تصانيف منها التفسير المشهور عند الناس بابي السعود فى مجلدين ضخمين سماه ارشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم وهو من أجل التفاسير وأحسنها وأكثرها تحقيقا وتدقيقا وأهداه للسلطان سليمان خان فأنعم عليه بنعم عظيمة وزاد فى معلومه اليومى زيادة واسعة وكان قد تناهت عظمته في الممالك الرومية وصار المرجع فى جميع ما يتعلق بالعلم ومات فى سنة 982 اثنتين وثمانين وتسعمائة(1/247)
181- سعود بن عبد العزيز بن محمد بن سعود
ولد تقريبا سنة 1160 ستين ومائة وألف أو قبلها بقليل أو بعدها بقليل فى وطنه ووطن اهله القرية المعروفة بالدرعية من البلاد النجدية وكان قائد جيوش أبيه عبد العزيز وكان جده محمد شيخا لقريته التى هو فيها فوصل إليه الشيخ العلامة محمد بن عبد الوهاب الداعى إلى التوحيد المنكر على المعتقدين فى الأموات فأجابه وقام بنصره وما زال يجاهد من يخالفه وكانت تلك البلاد قد غلبت عليها أمور الجاهلية وصار الاسلام فيها غريبا ثم مات محمد بن سعود وقد دخل فى الدين بعض بلاد النجدية وقام ولده عبد العزيز مقامه فافتتح جميع الديار النجدية والبلاد العارضية والحسا والقطيف وجاوزها إلى فتح كثير من البلاد الحجازية ثم استولى على الطائف ومكة والمدينة وغالب جزيرة العرب وغالب هذه الفتوح على يد ولده سعود ثم قام بعده ولده سعود فتكاثرت جنوده واتسعت فتوحه ووصلت جنوده إلى اليمن فافتتحوا بلاد أبى عريش وما يتصل بها ثم تابعهم الشريف حمود بن محمد شريف أبى عريش وقد تقدمت ترجمته وأمدوه بالجنود ففتح البلاد التهامية كاللحية والحديدة وبيت الفقيه وزبيد وما يتصل بهذه البلاد ومازال الوافدون من سعود يفدون الينا إلى صنعاء إلى حضرة الامام المنصور والى حضرة ولده الامام المتوكل بمكاتيب اليهما بالدعوة الى التوحيد وهدم القبور المشيدة والقباب المرتفعة ويكتب الى أيضا مع ما يصل من الكتب الى الاماميين ثم وقع الهدم للقباب والقبور المشيدة فى صنعاء وفي كثير من الامكنة المجاورة ولها وفى جهة ذمار وما يتصل بها ثم خرج باشة مصر الى مكة بعد ارساله بجنود افتتحوا مكة والمدينة والطائف وغلبوا عليها وهو الان في مكة والحرب بينه وبين سعود مستمر ومات سعود فى هذه السنة 1229 تسع وعشرين وماتين والف وقام بالامر ولده عبد الله بن سعود وقد افردت هذه الحوادث العظيمة بمصنف مستقل وسيأتى فى ترجمة الشريف غالب شريف مكة اشارة الى طرف من هذه الحوادث(1/248)
182- سعيد بن على القروانى الشبامى ثم الصنعانى
الاديب الفائق فى نظمه ونثرة المجيد فى جميع ما يبديه من ذلك كان من جملة ندماء الفقيه احمد بن على النهمى وزير الامام المهدي العباس بن الحسين وبسببه اتصل بالامام وجعل بنظره صدقات القاصدين لحضرته فسلك في ذلك مسلكا مشكورا ونظمه كله غرر ولكنه كان لا يعتنى بجمعه ومنه من قصيدة ( في خدها زهر المحاس يانع *** وبثغرها در جرى جريالا ) ( والخصر منها كالنسيم رشاقة *** متحمل من ردفها أثقالا ) ومنها في المديح ( من فتية غرسوا الجميل أجنة *** وجنوا ثمار المكرمات رجالا ) ( المسرعين الى المكارم كلما *** وجدوا الى اسراعهن مجالا ) ( وأبوك من حاز العلى طفلا ومن *** أغلى الفخار وأرخص الآجالا ) ( الناسك الاواه والملك الذي *** عمت يداه العالمين نوالا ) ( كالبحر صدرا والجبال رجاحة *** والنار ذهنا والهلال منالا ) وتوفى سنة 1204 أربع وماتين وألف وولده عبد الله له شعر فائق مع لطافة وظرافة وحسن محاضرة وعفاف وقنوع بالكفاف وهو الآن حي(1/249)
183- سعيد بن محمد بن عبد الله بن سعد بن أبي بكر المقدسى الحنفى نزيل القاهرة المعروف بابن الديرى نسبة الى مكان يقال له الدير او الى دير فى بيت المقدس ولد فى يوم الثلاثاء تاسع عشر رجب سنة 868 ثمان وستين وثمان مائة وحفظ فى صغره القرآن ومختصر ابن الحاجب الأصلى والمشارق لعياض وكان سريع الحفظ مفرط الذكاء وأكب على الاشتغال وتفقه بأبيه وبالكمال السريحي وابن النقيب والشمس بن الخطيب والمحب الفاسى وجماعة كثيرة فى فنون عدة وبرع في الفقه حتى صار المرجوع إليه فيه وشارك في سائر الفنون وتولى قضاء الحنفية وصار معظما عند الملوك والوزارء والامراء وقد عرض القضاء على ابن الهمام والامين والاقصرايى فامتنعا وقالا لا يقدران على ذلك مع وجوده وقد انتفع به الناس وكثرت تلامذته وتبجح الاكابر بالقعود بين يديه وأخذ عنه أهل كل مذهب وقصد بالفتاوى من سائر الآفاق وله تصانيف منها شرح عقائد النسفى والكواكب النيرات في وصول ثواب الطاعة إلى الاموات والسهام المارقة فى كبد الزنادقة وفتوى فى الحبس فى التهمة في جزء ورسالة فى نوم الملائكة هل هو كائن أم لا وهل منع الشعر مخصوص بنبينا صلى الله عليه وآله وسلم أم هو عام لكل الأنبياء وشرع فى تكملة شرح الهداية للسروجى فكتب منه مجلدات وله نظم فمنه قصيدة مطلعها ( مابال سرك بالهوى قد لاحا *** وخفى أمرك صار منك بواحا ) ولم يزل على جلالته إلى أن مات فى تاسع ربيع الآخر سنة 867
سبع وستين وثمان مائة واكرمه الله قبل موته بشهر بانفصاله عن القضاء(1/250)
184- سليمان بن ابراهيم بن عمر بن على بن عمر بن نفيس الدين العكى العدنانى الزبيدى التعزى الحنفى ويعرف بنفيس الدين العلوى نسبة إلى على بن راشد شيخه ولد في ظهر يوم الثلاثاء سادس عشر رجب سنة 745 خمس وأربعين وسبعمائة وأخذ عن والده والشماخى وعلى بن راشد والمجد صاحب القاموس وغيرهم وأجاز له البلقينى وابن الملقن والعراقى والهيتمى والمناوى وبرع في الحديث وصار شيخ المحدثين ببلاد اليمن وحافظهم وأخذ عنه الناس طبقة بعد طبقة وارتحلوا إليه من الافاق وتتلمذ له مالا يحيط به الحصر حدث عن نفسه أنه قرأ البخارى أكثر من خمسين مرة ووصفه شيخه صاحب القاموس فقال امام السنة واما ابن حجر فقال في أنبائه انه مع محبته للحديث واكبابه على الرواية غير ماهر فيه انتهي وقد درس بعدة مدارس حتى مات فى سابع عشر جمادى الأولى سنة 825 خمس وعشرين وثمان مائة(1/251)
185- سليم بن بايزيد بن محمد بن مراد بن محمد بن بايزيد بن مراد ابن أورخان بن عثمان الغازى سلطان الروم وابن سلاطينها ولد سنة 872 اثنتين وسبعين وثمان مائة واستولى على جميع ما كان تحت يد أبيه واستفتح مصر والشام وانتزعهما من يد سلطان الجراكسة اذ ذاك وهو قانصوه الغورى وقتله وغزى الى بلاد العجم وحارب شاه اسماعيل الاني ذكره وغلبه وقتل رجاله وكان صاحب الترجمة سلطانا عظيما شديد البطش عظيم الصولة سفاكا للدماء طائش السيف وكان قد أخبر والده بعض الكهان أنه يكون ذهاب ملكه على يد ولد له سيولد فأمر القيمة على نسائه أن تقتل كل مولود ذكر فولد صاحب الترجمة فأرادت قتله فأدركتها الشفقة عليه فتركته وأظهرت انه أنثى اسمها سليمة فمضت على ذلك أيام ثم ان السلطان أراد أن يجمع بناته فجمعهن وفيهن صاحب الترجمة فوضع لهن حلوى فما زال صاحب الترجمة يأخذ مافي أيدى أخواته ويضربهن والسلطان ينظر إلى ذلك ثم مرزنبور فأخذه ومرسه بيده حتى مات فقال السلطان هذا لا يكون إلا ذكرا فأصدقوه الخبر فأذعن للقضاء وكان زوال ملكه على يد صاحب الترجمة فانه قهره وأخذ الملك من يده وسمى عند أن تبين لوالده انه ذكر سليما وله فتوحات عظيمة ومات سنة 926 ست وعشرين وتسعمائة وجلوسه على سرير السلطنة سنة 917 وتولى بعده السلطنة ولده سليمان ابن سليم ومولده سنة 900 تسعمائة وتسلطن سنة 929 وله الفتوحات العظيمة والجهادات المشهورة وهو الذي أرسل الجنود إلى اليمن في ايام المطهر بن شرف الدين ومات سنة 974 أربع وسبعين وتسعمائة وتولى السلطنة بعده سليم بن سليمان بن سليم وكان مولده سنة 929 تسع وعشربن وتسعمائة وجلوسه على التخت سنة 974 وموته سنة 983 ثلاث وثمانين وتسعمائة وقد ذكرت هؤلاء الثلاثه السلاطين هنا لكونهم جميعا متفقين فى حرف الاسم(1/252)
186- سليمان بن حمزة بن أحمد بن عمر بن محمد بن أحمد بن قدامة القاضى تقى الدين
ولد في رجب سنة 628 ثمان وعشرين وستمائه وسمع من كريمة والحافظ الضياء وقرأ فى الفقه على جماعة وتميز فى الحديث وجد واجتهد وشارك في ساير الفنون وحدث وهو شاب ثم تكاثروا عليه بعد ذلك وحدث بالكثير وتخرج به جماعة وولى القضاء عشرين سنة فاشتهر بالعدل وعدم المحاباة والتصميم على الحق ولما وقعت محنة ابن تيمية والزم الحنابلة بالرجوع عن معتقدهم تطلف صاحب الترجمة ومازال كذلك حتى سكنت الفتنة ولم يزل على حاله الجميل حتى توفى في ذى القعدة سنة 715 خمس عشرة وسبعمائة(1/253)
187- السيد سليمان بن يحيى بن عمر الاهدل الزبيدى الشافعي أخذ عن جماعة من أعيان بلده منهم والده ومحمد بن علاء الدين المزجاجى وغيره وبرع في العلوم العقلية والنقلية وعكف على التدريس فأخذ عنه الطلبة من أهل بلده وغيرهم وصار محدث الديار اليمنية غير مدافع ورحل اليه الطلبة من سائر البلاد وتفرد بهذا الشان واجتمع لديه اخر أيامه منهم جماعة وافرة وهو المفتى فى الجهات الزبيدية والمرجوع اليه فى جميع المشكلات ولما مات فى يوم الجمعة خامس عشر شهر شوال سنة 1197 سبع وتسعين ومائة والف قام مقامه ولده العلامة عبد الرحمن سليمان فى وظيفة التدريس والافتاء مع حداثة سنه وله شغلة كبيرة بالعلوم والعقلية والنقلية وميل الى التعبد وأفعال الخير وهو الان حى وفتاويه تصل الينا وهى فتاوى متقنة ينقل فى كل ما يرد عليه من السؤالات نصوص أئمة مذهبه من الشافعية وقد كتب الى معاهدة مشتملة على نثر حسن يدل على تعلقه بالادب ووالد المترجم له السيد يحيى بن عمر هو مسند الديار اليمينة وله مجموع فى الاسانيد نفيس ومن بعده من المشتغلين بعلم الرواية عيال عليه(1/254)
188- سلار التترى المنصورى كان من مماليك الصالح على بن قلاون فلما مات صار من خواص ابنه ثم من خواص الاشرف وناب فى الملك عن الناصر واستمر فى ذلك فوق عشر سنين وانتدب الى الكرك لاحضار الناصر فركن اليه وسار معه ولما عاد الى السلطنة قدمه على الكل وغلب على الامور وصار الامر بيده وبيد بيبرس المتقدم ذكره وكان يقال ان اقطاعاته بلغت نحو أربعين طبلخانة واشتهر بين العوام أن دخله في كل يوم مائة الف درهم ولما غلب على المملكة هو وبيبرس سار الناصر الى الكرك مغاضبا وعزل نفسه عن السلطنة فوقع الاتفاق على سلطنة سلار فامتنع واصر فتسلطن بيبرس وبقى على حاله فى النيابة ثم بلغه أن حاشية بيبرس ألحت عليه فى القبض على سلار فتمارض واتفق انحلال أمر بيبرس على الصفة التى تقدم ذكرها ورجوع الناصر الى السلطنة فسأله سلار أن ينعم عليه بولاية الشوبك ففعل ذلك ثم قبض الناصر على مماليكه ثم أرسل له يطلبه فاشاروا عليه بالفرار الى الحجاز أو الى التتر فلم يفعل وقدم الى الناصر فقبض عليه فى سلخ ربيع الاول سنة 715 ومنع منه الطعام حتى مات جوعا ووجد له ثلاث مائة ألف ألف دينار كما حكاه الجزرى واستبعد ذلك الذهبى وقال ان هذا المقدار يكون حمل خمسة آلاف بغل وما سمع بذلك عن أحد من كبار السلاطين ولاسيما وهو خارج عن الجواهر والحلى والخيل والسلاح وغير ذلك ومن عجب الدهر انه دخل عليه فى عام موته من غلاته ستماية ألف أردب ومات جوعا وكان أعجوبة في الكرم فانه أعطي واحدا ألف دينار واربعة آلاف أردب واعطى لآخر أربعة آلاف أردب وألف رأس غنم وكان مشهورا بالشجاعة والفروسة حتى كان لا يتحرك على ظهر فرسه اذا ركبه(1/255)
189- سيف بن موسى بن جعفر البحرانى المسكتى وفد الينا الى صنعاء سنة 1234 راجعا من الحج وله حرص على العلم وشغف بالبحث عن المسائل كان يصل الى وقد كتب مسائل فى قراطيس ثم يسأل عنها فأجيب عليه فيكتب الجوابات فى تلك القراطيس وهو أديب لبيب متودد حسن الاخلاق فصيح اللسان قرأ فى بلاده فى الالات والفقه والحديث والتفسير والاصول والكلام وعلم الحكمة الالهية وذكر لنا أنه قد ولى قضاء بعض البلاد الراجعة الى مسكات وهو مكان يقال له صحار بمهملات وذكر لنا أنه لم يبقى على مذهب الخارجية فى بندر مسكات الاصاحب أمرها ومن يلوذ به والباقون على مذهب الشافعية والحنفية وفيها امامية هو منهم ولكن مع انصاف وفهم كتب الى من شعره هذه الثلاثة الابيات ( يامن أتى صنعاء يبغي مفخرا *** ويروم مجدا أو علو الشان ) ( فليأت نادى حبرها وعميدها *** قطب الأوان محمد الشوكانى ) ( جبر تدفق مثل بحر علمه *** هذا وليس له بصنعا ثاني ) وله أشعار كثيرة جيدة وهذا المقطوع يدل على ما وراءه وسافر من صنعاء فى شهر شوال سنة 1234(1/256)
حرف الشين المعجمة
190- شاه اسماعيل بن حيدر بن جنيد بن ابراهيم بن على بن موسى ابن اسحاق الاردبيلى سلطان العجم لم أقف على تاريخ مولده ولا على تاريخ وفاته ولكنه معارض لسلطان الروم السلطان سليم وقد تقدم تاريخ موته وكان سلف صاحب الترجمة مشايخ متصوفة يعتقدهم الملوك ويعظمهم الناس ويقفون عندهم فى زواياهم وقد كان تيمور يعتقد موسى بن اسحاق المذكور في نسب صاحب الترجمة وكان شاه رخ الاتى ذكره يعتقد على بن موسى المذكور فلما جلس فى الزاوية جنيد المذكور كثرت اتباعه فتوهم منه صاحب أذربيجان فأخرجه هو وأتباعه فخرجوا فقتل سلطان شروان جنيدا ثم اجتمعوا بعد مدة على حيدر والد صاحب الترجمة فألبس أصحابه التيجان الحمر فسماهم الناس قزل باش فصار كاحد السلاطين فقتل ثم اجتمعوا بعد مدة على شاه اسماعيل صاحب الترجمة وكثرت اتباعه فغزا سلطان شروان فكان الغلب لصاحب الترجمة وأسر جيشه سلطان شروان فأمرهم أن يضعوه فى قدر كبير ويأكلوه ثم افتتح ممالك العجم جميعها وكان يقتل من ظفر به ومانهبه من الاموال قسمه بين اصحابه ولا يأخذ منه شيئا ومن جملة ما ملك تبريز واذربيجان وبغداد وعراق العجم وعراق العرب وخراسان وكاد أن يدعى الربوبية وكان يسجد له عسكره ويأتمرون بأمره قال قطب الدين الحنفى فى الأعلام انه قتل زيادة على ألف ألف نفس قال بحيث لا يعهد فى الجاهلية ولا فى الاسلام ولا في الأمم السابقة من قبل من قتل النفوس ما قتله شاه اسماعيل وقتل عدة من أعاظم العلماء بحيث لم يبق من أهل العلم أحد فى بلاد العجم وأحرق جميع كتبهم ومصاحفهم وكان شديد الرفض بخلاف آبائه ومن جملة تعظيم أصحابه له أنه سقط مرة منديل من يده الى البحر وكان على جبل شاهق مشرف على ذلك البحر فرمى نفسه خلف المنديل فوق الف نفس تحطموا وتكسروا وغرقوا وكانوا يعتقدون فيه الالوهية ذكر ذلك القطب المذكور ولم تنهزم له راية حتى حاربه السلطان سليم المتقدم ذكره فهزمه ثم صالحه بعد ذلك(1/257)
191- شاه رخ بن تيمورلنك صاحب هراة وسمرقند وبخارى وشيراز وما والاها من بلاد العجم وغيرها بل ملك الشرق على الاطلاق تولى الملك بعد ابن أخيه خليل ابن أميران شاه بن تيمور المتقدم ذكره وحمدت سيرته وكان يكاتب ملوك مصر ويكاتبونه ويهاديهم ويهادونه وكان ضخما وأفر الحرمه نافذ الكلمة نحوا من أبيه مع عفة وعدل في الجملة وميل الى العلم وأهله ووصلت منه كتب الى سلطان مصر يستدعى فتح البارى ولم يكن قد فرغ منه مؤلفه فجهزله بعضه وجهزت بقيته بعد ذلك وكان متواضعا محببا الى رعيته مكرما لأهل العلم قاضيا لحوايجهم لا يضع المال الا فى حقه ضعيفا في بدنه يعتريه الفالج كثيرا يحب السماع بل يعرفه ويضرب بالعود مع حظ من العبادة والأوراد ومحافظة على الطهارة الكاملة ويجلس مستقبل القبلة والمصحف بين يديه واتفق أنه طلب من الاشرف برسباى المتقدم ذكره ان يأذن له فى كسوة البيت لكونه نذر بذلك فابى الاشرف وخشن له فى الرد وترددت الرسل بينهما مرارا وبالغ فى طلب ذلك ولو تكون الكسوة التى يرسلها من داخل الكعبة أو يرسلها الى الاشرف وهو يرسل بها وفاء لنذره وهو يمتنع محتجا بأجوبة أجاب بها عليه جماعة من المفتيين ثم ان المترجم له أرسل الى برسباى جماعة زعم أنهم أشراف وعلى يدهم خلعة له فاشتد غضبه من ذلك ثم جلس بالاصطبل السلطانى واستدعاهم ثم أمر بالخلعة فمزقت وضربهم بحيث أشرف عظيمهم على الهلاك ثم ألقوا منكسين في فسقية ماء بالاسطبل والخدم ممسكون بارجلهم يغمسونهم بالماء حتى اشرفوا على الهلاك والسلطان مع ذلك يسب مرسلهم جهارا ويحط من قدره مع مزيد تغير لونه لشدة غضبه ثم قال لهم وقد جيء بهم الى بين يديه بعد ذلك قولوا لشاه رخ الكلام الكثير لا يصلح الا من النساء وكلام الرجال لاسيما الملوك انما هو فعل وها أنا قد أبدعت فيكم كسرا لحرمته فان كان له مادة وقوة فليتقدم(1/258)
فلما بلغ ذلك إليه سكت عن مطلوبه مدة حياة الاشرف ولما استقر الملك الظاهر بعد الأشرف أرسل إليه بهدايا وتحف وأظهر السرور بسلطنته وذكر أنها دقت لذلك البشائر بهراة وزينت أياما فأكرم الظاهر قصاده وانعم عليهم ثم أرسل فى سنة 846 ست وأربعين وثمان مائة يستأذن فى وفاء نذره فأذن له حسما لمادة الشر ودفعا للفتنة فصعب ذلك على الامراء والاعيان فلم يلتفت السلطان الى كلامهم ووصل رسله بها في رمضان سنة 848 في نحو مأته نفس منهم قاضى الملك وهو مشهور بالعلم ببلادهم وتلقاهم الامراء والقضاة والمباشرون وانزلوا واكرموا ثم صعدوا بالكسوة وهدية فأمر أن يأخذها ناظر الكسوة بالقاهرة ويبعثها لتلبس من داخل البيت وانصرفوا فلما وصلوا باب القلعة أخذهم الرجم من العامة والسب واللعن وناهبوهم وتألم السلطان لذلك وأمسك بعض المثيرين للفتنة وقطع ايدى جماعة منهم وضرب جماعة وبالغ فى اكرامهم لجبر الخواطر ومع ذلك تحرك صاحب الترجمة للبلاد الشامية فلما وصل النواحي السلطانية مات وذلك فى سنه 851 إحدى وخمسين وثمان مائة ويقال ان الكسوة كانت لا تساوى ألف دينار(1/259)
192- شاه شجاع بن محمد بن مظفر ملك شيراز وعراق العجم استقر في الملك بعد أن سجن أباه وقرر أخاه شاه محمود فى بلاد اصفهان وقم وقاشان وكان لصاحب الترجمة اشتغال بالعلم واشتهار بقوة الفهم ومحبة العلماء وكان ينظم الشعر ويحب الأدباء ويجيز على المدايح وقصد من سائر البلاد ويقال انه كان يقرأ الكشاف وكتب منه نسخة بخطه الفائق وكان يعرف الاصول والعربية وله أشعار كثيرة بالفارسية وطالت أيامه وكان حسن السيرة ولما استولى تيمور على بلاد العجم راسل ملوك عراق العجم وعراق العرب فبادر إلى مهادنته ومهاداته ليكفى شره فلما حضره الموت اوصى بمملكته لولده زين العابدين وأرسل إلى تيمور يوصيه عليه فاستقر ولده مكانه وكان صاحب الترجمة قد ابتلى بكثرة الأكل فكان ياكل ولا يشبع حتى كان إذا توجه إلى جهة تسير البغال محملة بالقدور التى عليها الاطعمة ولا يزال يأكل وهو يسير ولم يكن يقدر على الصوم وكان يكفر وكان يتبهل إلى الله كثيرا أن لا يجمع بينه وبين تيمور فاجيبت دعوته ومات في سنة 787 سبع وثمانين وسبعمائة قبل مجيء تيمور إلى عراق العجم(1/260)
193- السيد شرف الدين بن احمد بن محمد بن الحسين ين عبد القادر ابن الناصر بن عبد الرب بن على ابن شمس الدين بن الامام شرف الدين أمير كوكبان وبلادها ولد في ربيع الآخر سنة 1159 تسع وخمسين ومائة وألف واستقر فى الامارة بعد عمه عيسى بن محمد بن الحسن وهو الان مستمر على الامارة وفيه عدل ورفق برعيته ولكنه يتعرض للكلام في المسائل العلمية اذا عرض ما يقتضى ذلك فيأتي بما لا يناسب رفيع قدره وقد كاتبنى غير مرة وذاكرنى في مسائل ونصحته فأظهر القبول ولم يفعل واتفق فى سنة 1213 وهى السنة التى حررت فيها هذه التراجم أنه وصل منه كتاب يتضمن انه قد صح لديه أن أول شهر شعبان يوم الاثنين وان أول رمضان يوم الاربعاء على كمال العدة وارسل به الى خليفة العصر حفظه الله فأرسل به الخليفة الى فأجبت أن ذلك ليس بسبب شرعى يجب الصوم عنده(1/260)
لأن صاحب الترجمة لم يكن مفتيا حتى يكون قوله صح عندى سببا يحب له الصوم ولم يذكر الشهود حتى ينظر فى شانهم ولا كتب الكتاب من بحضرته من العلماء حتى يحب علينا العمل بأقوالهم فلما وصل ذلك الى مولانا الامام حفظه الله بنى عليه وترك الاشعار بدخول رمضان ولم يشعر بالصوم الا ليلة الخميس فلما بلغ ذلك صاحب الترجمة وقع عنده بموقع وكتب الى مولانا يعاتبه ويقول انها لم ترد شهادتهم على الشهر الا هذه المرة وانه قد كثرالتعنت فى شأن الشهادات فلم يلتفت مولانا حفظه الله الى ذلك ومن الغرائب أنه انكشف رجوع بعض الشهود الذين اسنتد اليهم وقد اتفق بينى وبينه تنازع فى رجل من رعيته طلبه الى موقف الشرع رجل من أهل صنعاء فلم يحضر فأرسلت له رسولا ففر ألى كوكبان فعاد الرسول بكتاب منه مضمونه انها لم تجر العادة بالارسال لرعيته فأرسلت رسولين وأمرتهما بالبقاء في بيت الرجل فوصلا إلى بيته ففر إلى كوكبان فبقيا في بيته فعظم الأمر على صاحب الترجمة وتوجع من ذلك غاية التوجع ثم بعد ذلك توسط بعض الناس على أن يحضر الرجل ويسلم أجرة الرسولين وكثيرا ما يجرى بينى وبنيه من هذا وما كنت أود له التصميم فى مثل هذا الامور الشرعية فانه كثير المحاسن لولا هذه الخصلة التى كادت تغطي على محاسنه وهو غير مدفوع عن بعض عرفان وحفظ للآداب ولكنه ليس ممن يناظر في المسائل ويعارض فى الدلائل وهو محبوب عند رعيته وذلك دليل عدله فيهم ولم أعرفه لعدم معرفتى لمحله ثم فى صفر سنة 1228 غزا مولانا الامام المتوكل على الله بنفسه مع بعض جنده إلى بلاد كوكبان لأمر اقتضي(1/261)
ذلك وكنت معه واستولى على كوكبان وبلادها وبقينا فى حصن كوكبان نحو ثلاثة أشهر وكنت قد نصحت الامام بترك هذه الغزوة وانه لا سبب شرعي يقتضى ذلك فصمم ولم يقبل ثم رجع صنعاء وأدخل معه صاحب الترجمة وجميع أعيان آل الامام شرف الدين ولم يبق إلا الأقل منهم في تلك الجهة وجعل للبلاد الكوكبانية واليا وجعل صورة الولاية لواحد من أهل كوكبان وهو السيد حسين بن على بن محمد بن على ولم يكن له من الأمر شىء الا مجرد الصورة فقط ثم استمر بقاء صاحب الترجمة وبعض الداخلين مع الامام فى صنعاء سنة كاملة وزيادة أيام يسيرة وأذن الامام حفظه الله برجوعهم بلادهم وفوض أمرها إلى صاحب الترجمة كما كانت قبل ذلك وهو الان مستمر على ولايته وعند الاجتماع به فى كثير من الأوقات لا سيما بعد دخوله صنعاء في الحضرة الامامية وجدت فيه من الظرافة واللطافة وحسن المحاضرة وجميل المعاشرة وقوة الدين وكثرة العبادة ما يفوق الوصف وما زلت أعول على مولانا الامام حفظ الله بارجاعه بلاده على ما كان عليه وكثرت في ذلك حتى الهمه الله إلى ذلك فلله الحمد ثم فى سنة 1233 غزا البلاد الكوكبانية مولانا الامام المهدى ابن الامام المتوكل ووقعت حروب طويلة بينه وبين سيدى شرف الدين صاحب كوكبان ثم رجع الامام بعد أن حاصر كوكبان ثمانية عشر يوما وأمرنى بالبقاء في شبام لتمام الصلح فبقيت هنالك ثم تم الصلح على يدى ورجعت إلى صنعاء ومعي سيدى عبد الله بن شرف الدين وسيدى أحمد بن عباس بن ابراهيم في أهبة لهما كبيرة وجيش وخيل
وسكنت الفتنة بحمد الله(1/262)
194- السيد شرف الدين بن اسمعيل بن محمد بن اسحاق بن المهدى أحمد بن الحسن بن القاسم بن محمد ولد سنة 1140 اربعين ومائة وألف وهو أحد علماء العصر وفضلائه ونبلائه له فى كل علم نصيب وافر ولا سيما علم الأصول فهو المتفرد به غير مدافع وقد صار الان فى نيف وسبعين سنة وهو من العلماء العاملين والفضلاء المتورعين مع حسن أخلاق وتواضع وطيب محاضرة وكرم أنفاس وقد خرج فى آخر ايام الامام المهدى العباس بن الحسين إلى بلاد أرحب مغاضبا لسبب اقتضى ذلك وجرت حروب ثم بقى هنالك إلى بعد موت الامام المهدى ودخل صنعاء فى خلافة مولانا الامام المنصور بالله حفظه الله واغتنم الفرصة فرأى له الخليفة حفظه الله بذلك حقا وما زال معظما له مكرما لشأنه وفى سنة 1213 توفى عمه العباس بن محمد بن اسحق وكان أمر آل اسحق راجعا اليه فجعل مولانا الخليفة ذلك الى صاحب الترجمة فباشر ذلك مباشرة حسنة وقد أخبرنى أنه نقل من رسائلى التى يطلع عليها نحو ثلاث أو أربع وذلك لشغفه بالعلم ومزيد رغبته فيه والا فهو عافاه الله لا يحتاج الى مثل ما يحرره مثلى وهذا يعد من حسن أخلافه وتواضعه ومحبته للفوائد العلمية وله رسائل رصينة واذا حرر بحثا جاء بما يشفى ويكفى وهو من بقايا الخير فى هذا العصر لجمعه بين طول الباع في جميع العلوم مع علو السن والشرف بارك الله فى أوقاته ثم توفى رحمه الله فى اخر شهر رجب سنة 1223 ثلاث وعشرين ومائتين وألف(1/263)
195- الامام المتوكل على الله شرف الدين بن شمس الدين بن الامام المهدى أحمد بن يحيى
قد تقدم تمام نسبه فى ترجمة جده ولصاحب الترجمة اسمان احدهما شرف الدين وهو الذي اشتهر به والآخر يحيى ولم يشتهر به ولد خامس عشر شهر رمضان سنة 877 سبع وسبعين وثمان مائة بحصن حضور وقرأ على جماعة من العلماء منهم عبد الله بن احمد الشظبى في التذكرة والازهار وشرحه وفي الخلاصة في علم الكلام وكان ذلك فى أيام صغره ثم أعاد قراءة التذكره على عبد الله بن يحيى الناظرى ثم قرأ على والده شمس الدين الطاهرية وشرحها لابن هطيل ثم الكافية وشرحها والنصف الاول من المفصل ثم رحل الى صنعاء في سنة 883 فتمم قراءة المفصل على الفقيه على بن صالح العلفى ثم قرأ شرحه على الفقيه محمد بن ابراهيم الظفارى وقرأ عليه الرضى شرح الكافية وقرأ عليه الشافية في الصرف وشرحها وتلخيص المفتاح والمفتاح للسكاكى على السيد الهادى بن محمد وقرأ عليه الكشاف ومختصر المنتهى وشرحه للعضد وقرأ فى الحديث شفاء الاوام وأصول الأحكام وبعض جامع الأصول على الامام محمد بن على الوشلي وقرأ في كثير من الفنون وبرع فى العلوم العقلية والنقلية واشتهر علمه وظهرت نجابته وأكب على نشر العلم ثم دعا إلى نفسه في العشر الاولى(1/264)
من جمادى الاولى سنة 912 وكان بالظفير فبايعه العلماء والاكابر وتلقاها أهل جبال اليمن بالقبول وكانت جهات تهامة واليمن الاسفل إلى السلطان عامر بن عبد الوهاب وما زالت بينه وبين الامام مجاولات ومصاولات ثم اتفق خروج طائفة من الجراكسة إلى سواحل اليمن في سنة 921 فكاتبوا السلطان عامر بن عبد الوهاب أن يعينهم بشىء من الميرة لكونهم خرجوا من الديار المصرية لمقاتلة الافرنج الذين فى البحر يتخطفون مراكب المسلمين فامتنع عامر فدخلوا بلاده ومعهم البنادق ولم يكن لاهل اليمن بها عهد إذ ذاك فبعث اليهم جيشا كثيرا من أصحابه وهم في قلة فوقع التلاقى فرمى الجراكسة بالبنادق فلما سمع جيش عامر أصواتها ورأوا القتلى منهم فروا فتبعهم الجراكسة يقتلون كيف شاؤا ثم فر منهم عامر وتبعوه من مكان إلى مكان حتى وصل إلى قريب من صنعاء فقتلوه ثم دخلوا صنعاء ففعلوا أفاعيل منكرة ثم خرجوا قاصدين للامام فوقع الصلح على أنهم يبقون فى صنعاء والامام يبقى في ثلا واشترطوا ملاقاة الامام فأشير عليه بعدم ذلك لما جبل عليه الجراكسة من الغدر والمكر ففعل فلما علموا ذلك عادوا الى القتال فلم يظفروا بطائل ثم فى خلال ذلك بلغهم قتل سلطانهم قانصوه الغوري على يد ابن عثمان صاحب الروم فرجعوا ولكن قد عبثوا باليمن وقتلوا النفوس وهتكوا الحرم ونهبوا الاموال وبعد ذلك دانت صنعاء وبلادها وصعدة وما بينهما من المدن بطاعة الامام ثم ان الامام غزا الى بلاد بنى طاهر فافتتح التعكر وقاهرة تعز وحراز ثم كان خروج سليمان باشا بجند من الاتراك ووصل الى زبيد وتعز ثم استفتح الامام جازان وبلاد ابى عريش(1/265)
وسائر الجهات التهامية ثم حصل بين الامام وولده المطهر بعض مواحشة لاسباب مشروحة في سيرته ووقع من المطهر بعض الحرب لوالده ولأخيه شمس الدين واتفقت أمور يطول شرحها كانت من اعظم أسباب استيلاء الاتراك على كثير من جهات اليمن واستقر الامام بكوكبان ثم انتقل الى الظفير وامتحن بذهاب بصره فصبر واحتسب وأقام لاشغلة له بغير الطاعات حتى توفاه الله ليلة الاحد وقت صلاة العشاء الآخرة سابع شهر جمادى الآخرة سنة 965 خمس وستين وتسعمائة ودفن بحصن الظفير ومشهده هنالك مشهور وله مصنفات منها كتاب الاثمار اختصر فيه الأزهار وجاء بعبارات موجزة نفيسة شاملة لما في الازهار وحذف مافيه تكرار وكان على خلاف الصواب وله شعر جيد فمنه القصيدة المسماة بقصص الحق التى مطلعها ( لكم من الحب صافية ووافيه *** ومن هوى القلب باديه وخافية ) ومن شعره القصيدة التى قالها عند فتحه لصعدة وزيارته لمشهد الامام الهادى وأولها ( زرناك فى زرد الحديد وفى القنا *** والمشرفية والجياد الشزب ) ( وجحافل مثل الجبال تلاطمت *** أمواجهن بكل أصيد أغلب ) ( من كل ابلج من ذؤابة هاشم *** وبكل أروع من سلالة يعرب ) ( وأعاجم ترك وروم قادة *** وأحابش مثل الاسود الوثب )(1/266)
196- شعبان بن سليم بن عثمان الرومى الاصل الصنعاتى المولد والمشأ والوفاة الشاعر المشهور والحكيم الماهر وهو من أولاد من تخلف من الأتراك عن الرجوع الى بلاد الروم بعد زوال دولتهم بدولة الأئمة الامام القاسم وأولاده وكان والده من اجناد على بن الامام المؤيد بالله ثم ولد ولده شعبان سنة 1065 خمس وستين وألف وكان له معرف بالطب كاملة وله المنظومة في خواص النباتات جاء فيها بفوائد جمة وله ديوان شعر فيه الجيد فمن مقطعاته الفائقة قوله ( يا أسرة الحب ان عز التخلص من *** اسر الغرام وذقتم في الهوى الهونا ) ( قيلوا بنا عند من بعنا بحبهم *** قلوبنا فعساهم أن يقيلونا ) وكان الفقية الأديب أحمد بن حسين الرقيحى يذكر أنه يودان يكون له هذا المقطوع بجميع شعره وكان يعتاش بالتطبب ويمدح الاكابر بادابه ثم بعد ذلك عجز وأقعد وكان يحتاج فيبيع بنات فكره بابخس الاثمان من كل من يطلبه ذلك من السوقة اذا راموا شيئا من الشعر في محبوب له أو نحو ذلك ومازال يكابد الفقر والفاقة حتى مات في شهر ربيع الآخر سنة 1149 تسع وأربعين ومائة وألف ومما أجاد فيه قوله في الحمامة ( شكوت الى الحمامة حين غنت *** صنى جسدى وأشجانى وشوقى ) ( فرقت لى وقالت مثل هذا *** وحقك ليس يدخل تحت طوقى )(1/267)
197- شعبان بن محمد بن قلاون الملك الكامل بن الناصر بن المنصور ولى السلطنة فى ربيع الآخر سنة 746 بعد أخيه الصالح اسماعيل بعهد منه وكان شقيقه وامتنع جماعة من الامراء من مبايعته ثم وافقوا وسلطنوه فاتفق أنه لما ركب من باب القصر لعب به الفرس فنزل عنه ومشى خطوات حتى دخل الايوان فتطير الناس من ذلك وقالوا لا يقيم الا قليلا فكان الأمر كذلك واستعفى النائب من النيابة لما يعرف من طيش شعبان وباشر السلطنة بمهابة فخافوه ثم اقبل على اللهو والنساء وصار يبالغ في تحصيل الأموال وانفاقها عليهن واشتغل باللعب بالحمام فقام عليه الامراء واحتجوا بان والده الناصر قال من تسلطن من أولاده ولم يسلك الطريق المرضية فجروا برجله وملكوا غيره فخلعوه بعد سنة ودون اشهر وقرروا أخاه المظفر حاجى المتقدم وذلك في أول يوم من جمادى الآخرة سنة 747 سبع وأربعين وسبعمائة واعدم بعد ذلك(1/267)
198- شيخ المحمودى ثم الظاهرى الجركسى
ولد تقريبا سنة 770 سبعين وسبعمائة فعرض على الظاهر برقوق وكان جميل الصورة فرام شراءه من جالبه فاشتط في الثمن وكان ذلك قبل ان يلى برقوق السلطنة ثم مات مالكه فاشتراه الخواجه محمود بثمن يسير فنسب اليه وقدمه لبرقوق وهو يومئذ أتابك العسكر فاعجبه واعتقه فنشأ ذكيا فتعلم الفروسية من اللعب بالرمح والرمى بالنشاب والضرب بالسيف والصراع وسباق الخيل غير ذلك ومهر في جميع ذلك مع جمال الصورة وكمال القامة وحسن العشرة وما زال يترقى حتى صار أمير عشرة وتأمر على الحاج سنة 801 بعد موت برقوق وناب في طرابلس ولما حاصر تيمور حلب خرج مع العسكر فأسر ثم خلص منه بحيلة عجيبة وهى أنه ألقى نفسه بين الدواب فستره الله ومشى الى قرية من أعمال صفد ودخل القاهرة وأعيد كما كان لنيابة طرابلس ثم ولى نيابة الشام وجرت له خطوب وحروب ثم تغلب على السلطنة وتم له ذلك واستمر سلطانا خمس سنين وخمسة اشهر وثمانية أيام وكان شهما شجاعا عالى الهمة كثير الرجوع الى الحق محبا للعلماء مكرما لهم يميل الى العدل ويحسن الى أصحابه ويصفح عن جرائمهم يحب الهزل والمجون ومحاسنه جمة وحدث بصحيح البخارى عن السراج البلقينى وفتح حصونا ثم جهز ولده ابراهيم المتقدم ذكره فظفر بابن قرمان وأحضره أسيرا ولما أصابته عين الكمال مات(1/268)
ولده ابراهيم بالسبب الذي قدمنا ذكره ثم مات هو بعده بقليل وذلك فى أول المحرم سنة 824 أربع وعشرين وثمان مائة قال العينى لما مات كان فى الخزانة ألف ألف دينار وخمسمائة ألف دينار من الذهب وجمع ابن ناهض سيرته فى مجلد حافل قرظه له كل عالم وأديب وكان يجل الشرع ولا ينكر على من مضى من بين يديه طالبا للشرع بل يعجبه ذلك وينكر على أمرائه معارضة القضاة في أحكامهم غير مائل إلى شىء من البدع له قيام فى الليل وكان يعاب بالشح والحسد وكثرة المظالم التى احدثها واتفق فى موته موعظة فيها أعظم عبرة وهى انه لما غسل لم توجد منشفة ينشف بها فنشف بمنديل بعض من حضر غسله ولم يوجد له مئزر يستر عورته حتى أخذ له مئزر صوف من فوق رأس بعض جواريه ولم يوجد له طاسة يصب عليه بها الماء مع كثرة ما خلفه من أنواع المال وله مآثر كالجامع الذى بباب زويلة قيل أنه لم يعمر مثله فى الاسلام بعد الجامع الاموى وله مدارس وسبل ومكاتب وجسور(1/269)
حرف الصاد المهملة
199- صالح بن صديق النمازى بالنون والزاى الخزرجى الانصارى الشافعى رحل الى زبيد فاخد عن جماعة من علمائها ومن جملة مشايخه عبد الرحمن بن على الديبع ثم عاد الى وطنه مدينة صبيا فلم يطب له المقام بها فرحل الى حضرة الامام شرف الدين ولازمه وحضر مجالسه وشرح الاثمار شرحا مفيدا ومات بمدينة جبلة سنة 975 خمس وسبعين وتسعمائة 200 السيد صالح بن عبد الله بن على بن داود بن القاسم بن ابراهيم ابن القاسم بن ابراهيم بن الامير محمد ذى الشرفين المعروف بابن مغل ولد فى رجب سنة 960 ستين وتسعمائة فى بلد حبور من جهة ظليمة واتصل بالامام الحسن بن على بن داود المتقدم ذكره ثم اتصل بعده بالامام القاسم بن محمد وولده المؤيد بالله وكان يكتب للأئمة فى جميع ما ينوبهم وله فصاحة ورجاحة وتعبد وتأله وله شعر فألق فمنه القصيدة المشهورة التى أولها ( ضاع الوفاء وضاعت بعده الهمم *** والدين ضاع وضاع المجد والكرم ) ( والجور فى الناس لا تخفى معالمه *** والعدل من دونه الاستار والظلم ) ( وكل من تابع الشيطان محترم *** وكل من عبد الرحمن مهتضم ) وهى طويلة وفيها مواعظ واستمر متصلا بالأئمة قائما باعمالهم على أوفر حرمة حتى مات يوم الثلاثاء تاسع رجب سنة 1048 ثمان وأربعين وألف بشهارة وقبر عند قبر جده ذى الشرفين متصلا بقبره من جهة الشرق(1/270)
201- صالح بن عمر بن رسلان بن نصير بن صالح علم الدين العسقلانى البلقينى الأصل القاهرى الشافعى ولد فى ليلة الاثنين ثالث عشر جمادى الاولى سنة 791 احدى وتسعين وسبعمائة بالقاهرة ونشأ بها فى كنف والده سراج الدين فحفظ القرآن والعمدة وألفية النحو ومنهاج الاصول والتدريب لابيه والمنهاج وأخذ عن أبيه والزين العراقى والمجد البرماوى والبيجورى والعز بن جماعة والولى العراقى والحافظ بن حجر وغير هؤلاء من مشايخ عصره فى فنون عدة ودرس وأفتى ووعظ حتى قال بعض أهل الأدب ( وعظ الانام امامنا الحبر الذى *** سكب العلوم كبحر فضل طافح ) ( فشفى القلوب بعلمة وبوعظه *** والوعظ لا يشفى سوى من صالح ) ثم استقر بعد صرف شيخه الولى العراقى فى قضاء الشافعية بالديار المصرية فى سادس ذى الحجة سنة 826 فاقام سنة وأكثر من شهر ثم صرف وتكرر عوده ثم صرفه حتى كانت مدة ولايته فى جميع المدد ثلاث عشرة سنة ونصف سنة وكان اماما فقيها قوى الحافظة كثير التودد بساما طلق المحيا مهابا له جلالة ووقع فى صدور الخاصة والعامة يتحاشى اللحن فى مخاطباته بحيث لا يضبط عليه فى ذلك شاذة ولا فاذة سريع الغضب والرجوع سليم الصدر وقد مدحه عدة من شعراء عصره وطارت فتاويه فى الآفاق وأخذ عنه الفضلاء من كل ناحية طبقة بعد أخرى حتى صار أكثر الفضلاء تلامذته وصنف تفسيرا وشرحا على البخارى ولم يكمله وأفرد فتاوى أبيه والمهم من فتاويه واكمل تدريب أبيه وله القول المفيد فى اشتراط الترتيب بين كلمتى التوحيد وله نظم ونثر في الرتبة الوسطى ومات يوم الأربعاء خامس رجب سنة 868 ثمان وستين وثمان مائة(1/271)
202- صالح بن محمد بن عبد الله العنسى ثم الصنعانى
ولد تقريبا على رأس القرن الثانى عشر وأخذ العلم عن جماعة من أهل العلم واستفاد لاسيما فى علم الحديث ورجاله فانه قوى الفائدة فيه جيد الادراك له وهو من صالحى الفتيان ونجباء شبان الزمان وله قراءة على في الصحيحين وسنن أبى داود وفى بعض مؤلفاتي 203 صالح بن محمد بن قلاون ولد سنة 728 ثمان وعشرين وسبعمائة وولى السلطنة بعد خلع الناصر حسن فى جمادى الاخرة سنة 752 ولكنه لا تصرف له وإنما التصرف للامراء ثم خلع عن السلطنة فى شهر شوال سنة 755 وكان قوى الذكاء يعرف عدة صناعات وحبس بعد خلعه بالقلعة عند أمه إلى أن مات في صفر سنة 762 اثنتين وستين وسبعمائة ومن مآثره الحسنة الوقف الذي وقفه بالديار المصرية على كسوة الكعبة(1/272)
204- صالح بن مهدى بن على بن عبد الله بن سليمان بن محمد بن عبد الله ابن سليمان بن أسعد بن منصور المقبلى ثم الصنعانى ثم المكى ولد في سنة 1047 سبع وأربعين وألف فى قرية المقبل من أعمال بلاد كوكبان وأخذ العلم عن جماعة من أكابر علماء اليمن منهم السيد العلامة محمد بن ابراهيم بن المفضل كان ينزل للقراءة عليه من مدينة ثلا إلى شبام كل يوم وبه تخرج وانتفع ثم دخل بعد ذلك صنعاء وجرت بينه وبين علمائها مناظرات أوجبت المنافرة لما فيه من الحدة والتصميم على ما تقتضيه الادلة وعدم الالتفات إلى التقليد ثم ارتحل إلى مكة ووقعت له امتحانات هنالك واستقر بها حتى مات فى سنة 1108 ثمان واحدى عشرة مائة كتبت مولده فيما علق بذهنى من كتبه فانه ذكر فيها ما يفيد ذلك وهو ممن برع فى جميع علوم الكتاب والسنة وحقق الاصولين والعربية والمعانى والبيان والحديث والتفسير وفاق فى جميع ذلك وله مؤلفات مقبوله كلها عند العلماء محبوبة اليهم متنافسون فيها ويحتجون بترجيحاته وهو حقيق بذلك وفي عباراته قوة وفصاحة وسلاسة تعشقها الأسماع وتلتذ بها القلوب ولكلامه وقع في الاذهان قل أن يمعن فى مطالعته من له فهم فيبقى على التقليد بعد ذلك وإذا رأي كلاما متهافتا زيفه ومزقه بعبارة عذبة حلوة وقد أكثر الحط على المعتزلة في بعض(1/273)
المسائل الكلامية وعلى الاشعرية في بعض اخر وعلى الصوفية فى غالب مسائلهم وعلى الفقهاء فى كثير من تفريعاتهم وعلى المحدثين في بعض غلوهم ولا يبالى إذا تمسك بالدليل بمن يخالفه كائنا من كان فمن مؤلفاته الفائقة حاشية البحر الزخار للامام المهدى المسماة بالمنار سلك فيها مسلك الانصاف ومع ذلك فهو بشر يخطىء ويصيب ولكن قد قيد نفسه بالدليل لا بالقال والقيل ومن كان كذلك فهو المجتهد الذي إذا أصاب كان له أجران وان أخطأ كان له أجر ومنها العلم الشامخ اعترض فيه على علماء الكلام والصوفية ومنها فى الاصول نجاح الطالب على مختصر ابن الحاجب جعله حاشية عليه ذكر فيها ما يختاره من المسائل الأصولية ومنها في التفسير الاتحاف لطلبة الكشاف انتقد فيه على الزمخشرى كثيرا من المباحث وذكر ما هو الراجح لديه ومنها الأرواح النوافخ والأبحاث المسددة جمع مباحث تفسيرية وحديثية وفقهية واصولية ولما وقفت عليه فى أيام الطلب كتبت فيه أبياتا وأشرت فيها إلى سائر مؤلفاته وهى ( لله در المقبلى فانه *** بحر خضم جان بالانصاف ) ( أبحاثه قد سددت سهما إلى *** نحر التعصب مرهف الأطراف ) ( ومناره علم النجاح لطالب *** مذ روح الأرواح بالاتحاف ) وقد كان الزم نفسه السلوك مسلك الصحابة وعدم التعويل على تقليد أهل العلم فى جميع الفنون ولما سكن مكة وقف عالمها البرزنجى محمد ابن عبد الرسول المدنى على العلم الشامخ في الرد على الآباء والمشايخ فكتب عليه اعتراضات فرد عليه بمؤلف سماه الأرواح النوافخ(1/274)
فكان ذلك سبب الانكار عليه من علماء مكة ونسبوه إلى الزندقة بسبب عدم التقليد والاعتراض على أسلافهم ثم رفعوا الأمر الى سلطان الروم فأرسل بعض علماء حضرته لاختباره فلم يرمنه الا الجميل وسلك مسلكه وأخذ عنه بعض أهل داغستان ونقلوا بعض مؤلفاته وقد وصل بعض العلماء من تلك الجهة إلى صنعاء وكان له معرفة بأنواع من العلم فلقيته بمدرسة الامام شرف الدين بصنعاء فسألته عن سبب ارتحاله من دياره هل هو قضاء فريضة الحج فقال لى بلسان في غاية الفصاحة والطلاقة انه لم يكن مستطيعا وإنما خرج لطلب البحر الزخار للامام المهدى أحمد بن يحيى لأن لديهم حاشية المنار للمقبلى وقد ولع بمباحثها أعيان علماء جهاتهم داغستان وهى خلف الروم بشهر حسبما أخبرنى بذلك قال وفى حال مطالعتهم واشتغالهم بتلك الحاشية يلتبس عليهم بعض ابحاثها لكونها معلقة على الكتاب الذي هى حاشية له وهو البحر فتجرد المذكور لطلب نسخة البحر ووصل إلى مكة فسأل عنه فلم يظفر بخبره عند أحد فلقى هنالك السيد العلامة ابراهيم بن محمد بن اسماعيل الأمير فعرفه أن كتاب البحر موجود فى صنعاء عند كثير من علمائها قال فوصلت الى هنا لذلك ورأيته فى اليوم الثانى وهو مكب فى المدرسة على نسخة من البحر يطالعها مطالعة من له كمال رغبة وقد سر بذلك غاية السرور وما رأيت مثله فى حسن التعبير واستعمال خالص اللغة وتحاشى اللحن فى مخاطبته وحسن النغمة عند الكلام فانى أدركت لسماع كلامه من الطرب والنشاط ما علانى معه قشعريرة ولكنه رحمه الله مات(1/275)
بعد وصوله الى صنعاء بمدة يسيرة ولم يكتب الله له الرجوع بالكتاب المطلوب الى وطنه والمترجم له مع اتساع دائرته في العلوم ليس له التفات الى اصطلاحات المحدثين في الحديث ولكنه يعمل بما حصل له عنده ظن صحته كما هو المعتبر عند أهل الأصول مع انه لا ينقل الاحاديث إلا من كتبها المعتبرة كالامهات وما يلتحق بها واذا وجد الحديث قد خرج من طرق وان كان فيها من الوهن مالا ينتهض معه للاحتجاج ولا يبلغ به الى رتبة الحسن لغيره عمل به وكذلك يعمل بما كانت له علل حفيفية فينبغى للطالب أن يتثبت فى مثل هذه المواطن وقد ذكر فى مؤلفاته من أشعاره ولكنها سافلة بخلاف نثرة فانه في الذروة ومن أحسن شعره أبياته التى يقول فيها ( قبح الاله مفرقا *** بين القرابة والصحابة ) وقد أجاب عليه بعض جارودية اليمن بجواب أقذع فيه وأوله ( أطرق كرا يا مقبلى *** فلأنت أحقر من ذبابة ) ثم هجاه بعض الجارودية فقال ( المقبلى ناصبى *** أعمى الشقاء بصره ) وبعده بيت أقذع فيه وهكذا شأن غالب أهل اليمن مع علمائهم ولعل ذلك لما يريده الله لهم من توفير الأجر الأخروي وكان ينكر ما يدعيه الصوفية من الكشف فمرضت ابنته زينب فى بيته من مكة وكان ملاصقا للحرم فكانت تخبره وهى من وراء جدار بما فعل فى الحرم وكان يغلق عليها مرارا وتذكر أنها تشاهد كذا وكذا فيخرج الى الحرم
فيجد ما قالت حقا وذكر رحمه الله فى بعض مؤلفاته أنه أخذ في مكة على الشيخ ابراهيم الكردى المتقدم ذكره(1/276)
205- صديق بن رسام بن ناصر السوادى الصعدى قرأ على الشيخ لطف الله بن محمد الغياث فى علم الالة وفاق فيه الأقران وصار بعد شيخه المرجوع اليه فى ذلك الفن وأخذ عنه جماعة من النبلاء وتميزوا في حياته ورحل بعد موت شيخه لطف الله وهو من مشاهير العلماء وأكابر النبلاء وله خلف صالح فيهم العلماء والفضلاء والنبلاء واتصل فى اخر أيامه بالامام المتوكل على الله اسمعيل بن القاسم فولاه القضاء في بلاد خولان الشام بمغارب صعدة ولم يزل على ذلك حتى توفاه الله وله حواش على كتب النحو والصرف مفيدة منقولة فى كتب اهل صعده وكان موته في سنة 1079 تسع وسبعين وألف
206- صديق بن على المزجاجى الزبيدى الحنفى ولد تقريبا سنة 1150 خمسين وماية وألف وقرأ فى زبيد على الشيخ محمد بن علاء الدين صحيح البخاري وسنن أبى داود وغيرهما من الامهات وقرأ على السيد سليمان بن يحيى المتقدم الامهات كلها سماعا مكررا وله قراءة فى الالات وهو محقق فى فقه الحنفية وقد أجاز له شيخاه المذكوران اجازة عامة بجمبع ما يجوز لهما روايته وانتقل الى المخا للتدريس هنالك وبقى أياما ثم وصل الى صنعاء فى شهر القعدة سنة 1203 ووصل الى ولم أكن قد عرفته قبل ذلك ولا عرفنى وجرت بينى وبينه مذاكرات فى عدة فنون ثم خطر ببالى ان أطلب منه الاجازة فعند ذلك الخاطر طلب منى هو الاجازة فكان ذلك من المكاشفة فأجزت له وأجاز لى وكان سنه(1/277)
إذ ذاك فوق خمسين سنة وعمرى دون الثلاثين ثم ما زال يتردد الى وفى بعض المواقف بمحضر جماعة وقعت بينى وبينه مراجعة فى مسائل وأكثرت الاعتراض على مسائل من فقه الحنفية واوردت الدليل وما زال يتطلب المحامل لما تقوله الحنفية فلما خلوت به قلت له اصدقنى هل ماتبدية في المراجعة تعتقده اعتقادا جازما فان مثلك في علمك بالسنة لا يظن به انه يؤثر مذهبه الذي هو محض الرأي فى بعض المسائل على ما يعلمه صحيحا ثابتا عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقال لا أعتقد صحة ما يخالف الدليل وان قال به من قال ولا ادين الله بما يقوله أبو حنيفة واصحابه إذا خالف الحديث الصحيح ولكن المرء يدافع عن مذهبه فى الظاهر ثم وفد الى صنعاء مدة أخرى بعد سنة 1209 ووصل الى ورجع الى وطنه وبلغ بعد ذلك موته رحمه الله وكان ذكيا فطنا ساكنا متواضعا جيد الفهم قوى الادراك(1/278)
207- السيد صلاح بن أحمد بن مهدى المؤيدى كان من عجائب الدهر وغرائبه فان مجموع عمره تسع وعشرون سنة وقد فاز من كل فن بنصيب وافر وصار له في الأدب قصائد طنانة يعجز أهل الأعمار الطويلة عن اللحاق به فيها وصنف فى هذا العمر القصير التصانيف المفيدة والفوائد الفريدة العديدة فمن مصنفاته شرح شواهد النحو واختصر شرح العباسى لشواهد التلخيص وشرح الفصول شرحا حافلا وشرح الهداية ففرغ من الخطبة وقد اجتمع من الشرح مجلد وله مع ذلك ديوان شعر كله غررودرر وفيه مغانى مبتكره فمنه ( وصغيرة حاولت فض ختامها *** من بعد فرط تحنن وتلطف ) ( وقلبتها نحوى فقالت عند ذا *** قلبى يحدثنى بأنك متلفى ) وهذا تضمين يطرب له الجماد وترق لحسنه الصم الصلاد ومع هذه الفضائل التى نالها في هذا الامد القريب فهو مجاهد للاتراك محاصر لصنعاء مع الحسن والحسين ابنى الامام القاسم كان مطرحه في الجراف يشن الغارات على الاروام فى جميع الايام وافتتح مدينة أبى عريش وغزا الى جهات متعددة وكان منصورا في جميع حروبه وكان مجلسه معمورا بالعلماء والأدباء وأهل الفضائل قال القاضى أحمد بن صالح فى مطلع البدور رأيته فى بعض الايام خارجا الى بعض المنتزهات بصعدة فسمعت الرهج وحركة الخيل فوقفت لانظر فخرج في نحو خمسة وثلاثين فارسا الى منتزة وهم يتراجعون فى الطريق بالادبيات ومنهم من ينشد صاحبه الشعر ويستنشده وكان هذا دأبه واذا سافر أول ما تضرب خيمة الكتب واذا ضربت دخل اليها ونشر الكتب والخدم يصلحون الخيم الاخرى ولا يزال ليله جميعه ينظر في العلم ويحرر ويقرر مع سلامة ذوقه وكان مع هذه الجلالة يلاطف أصحابه وكتابه بالادبيات والاشعار السحريات من ذلك أبيات كاتب بها السيد العلامة الحسن بن أحمد الجلال منها ( افدى الحبيب الذي قد زارنى ومضى *** ولاح مبسمه كالبرق اذ ومضا ) ( نضا على حساما من لواحظه *** فظلت الثم ذاك اللحظ حين نضا ) فاجابه السيد الحسن بابيات منها ( قد لاح سعدك فاغتنم حسن الرضا *** من أهل ودك واستعض عما مضى ) ( لما بعثت لهم بطيفك زائرا *** تحت الدجى ولفضلهم متعرضا ) ( بعثوا اليك كتائبا من كتبهم *** هزموا بها جيش اصطبارك فانقضى ) وهى أبيات طويلة وكذلك الابيات الاولى ومن شعر صاحب الترجمة الفائق قوله في التورية ( ومايش أرشفنى ريقه *** لله من غصن وريق وريق ) ( لقى خد فوقه حمرة *** فصرت ما بين النقا والعقيق ) وتوفى رحمه الله في سنة 1048 ثمان وأربعين وألف وعلى هذا فيكون مولده سنة 1019 وكان موته بقلعة غمار من جبل رازج وقبر بالقبة التى فيها السيد أحمد بن لقمان والسيد أحمد بن المهدى ورثاه جماعة من شعراء عصره(1/279)
208- السيد صلاح بن حسين بن يحيى بن على الاحفش الصنعانى العالم المحقق الزاهد المشهور المتقشف المتعفف أخذ العلم عن جماعة من علماء عصره منهم العبالى المشهور والقاضى محمد ابراهيم السحولى والقاضى على بن يحيى البرطى وبرع فى النحو والصرف والمعانى والبيان وأصول الفقه وكان يؤم الناس أول عمره بمسجد داود بصنعاء ثم بالجامع الكبير بها ثم عاد إلى مسجد داود لأمور اتفقت وكان لا يأكل الا من عمل يده يعمل القلانس ويبيعها ويأكل ما تحصل له من ثمنها ولا يقبل من أحد شيئا كائنا من كان وكان للناس فيه اعتقاد كبير وهو ينفر من ذلك غاية النفور وله فى انكار المنكر مقامات محمودة وهو مقبول القول عظيم الحرمة مهاب الجناب وله مع الامام المتوكل على الله القاسم بن الحسين الامام وولده الامام المنصور بالله الحسين بن القاسم من هذا القبيل امور يطول شرحها وكان لايخاف في الله لومة لائم ولا يبالى بأحد مخالف للحق وله شهرة عظيمة فى الديار اليمنية ولا سيما صنعاء وما يتصل بها فانه يضرب به المثل فى الزهد إلى حال تحرير هذه الأحرف وله منذ مات زيادة على(1/280)
سبعين سنة وكان طلبة العلم فى عصره يتنافسون فى الاخذ عنه وهو يمتحنهم بالاسئلة فاذا رأى من احد فطنة مال إليه وعظمه ونوه بذكره وله مؤلف فى النحو سماه نزهة الطرف فى الجار والمجرور والظرف جمع فيه فوائد نفيسة وشرحه شيخنا السيد العلامة عبد القادر بن احمد بشرح حافل وله رسالة فى الصحابة سلك فيها مسلك التنزية لهم على مافيها من تطفيف لما يستحقونه ومع ذلك اعترض عليها السيد العلامة عبد الله ابن على الوزير باعتراض سماه ارسال الذؤابة بين جنبى مسئلة الصحابة وحاصل ما في هذا الاعتراض هدم ما بناه السيد صلاح من التنزية للصحابة عن السب والثلب فانا لله وإنا إليه راجعون وكان بين هذين السيدين منافسة عظيمة ومناقضة ظاهرة ومازال الاقران هكذا ولكن اذا بلغت المنافسة الى حد الحط على خير القرون فابعدها الله ولصاحب الترجمة نظم فائق فمن ذلك القصيدة الطويلة التى ذكر فيها علوم الاجتهاد ما يرجحه فى المقدار المعتبر منها وتزييف قول من قال ان علم المنطق من جملة علوم الاجتهاد ولعله يشير الى السيد عبد الله الوزير المذكور فانه كان مشتغلالا بهذا الفن ومطلع القصيدة ( بتحميدك اللهم في البدأ أنطق *** وان لم يقم منى بحمدك منطق ) ولم يزل مستمرا على حاله الجميل فى نشر العلم وعمارة معالم العمل واشادة ربوع الزهد حتى توفاه الله في سنة 1142 اثنتين وأربعين ومائة وألف في يوم الاربعاء سابع وعشرين من رجب من هذه السنة وازدحم الناس على جنازته وغلقت الاسواق وأرخ موته الاديب احمد الرقيحى فقال ( قضى صلاح نحبه *** أفضل من فيها مشى ) ( السيد الحبر الذي *** ما مثله قط نشا ) ( لا شك ان ربه *** قد خصه بما يشا ) ان تأنس الحور به *** فكم لنا قد أوحشا ) ( في رجب من عامه *** أرخ صلاح الاخفشا ) سنة 1142(1/281)
209- السيد صلاح بن جلال بن صلاح الدين بن محمد بن الحسن ابن المهدى بن الامير على بن المحسن بن يحيى بن يحيى ولد بهجرة رغافة سنة 744 أربع وأربعين وسبعمائة وهو صاحب تتمة شفاء الأمير الحسين لان الامير الحسين رحمه الله شرع بتصنيف الجزء الآخر من كتاب البيوع إلى آخره ثم شرع في تصنيف الجزء الاول فوضل إلى بعض كتاب النكاح وعاقه عن تمامه الاجل فكمله من كتاب النكاح إلى آخر كتاب الطلاق دون كتاب الرضاع السيد
العلامة صلاح بن أمير المؤمنين ابراهيم بن تاج الدين أحمد بن محمد ثم كمل هذا المترجم له كتاب الرضاع ومات في سنة 805 خمس وثمان مائة وقد سلك هذان السيدان فى تتمة كتاب الشفاء مسلك مصنفه الامير الحسين رحمه الله فى النقل والترجيح والتصحيح ولولا قيامهما بتمامه لم يبلغ من الحظ ما بلغ من اشتغال لناس به منذ زمان مصنفه إلى الان كما هو شأن مالم يكن كاملا من الكتب فان الرغبة تقل فيه وقد كنت أرجو ان أجعل على هذا الكتاب حاشية أبين فيها ما لعله يحك فى الخاطر من مواضع منه فأعان الله وله الحمد والمنة على ذلك وكتبت عليه حاشية تأتي فى مقدار حجمه أو أقل سميتها وبل الغمام على شفاء الأوام وكان الفراغ منها فى رجب سنة 1213 وهو العام الذى شرعت فيه فى تحرير هذه التراجم وقد سلكت فى تلك الحاشية مسلك الانصاف كما هو دأب من كان فرضه الاجتهاد ومن نظر فيها بعين الانصاف مع كمال أهليته عرف مقدارها(1/282)
حرف الضاد المعجمة
210- ضياء بن سعد بن محمد بن عمر الفومى ابن قاضى القوم العقيقى القزوينى الشافعى
أخذ عن أبيه والخلخالى والبدر القشيرى وغيرهم وسمع الحديث لما حج وقدم القاهرة وحظي عند الاشرف شعبان وولى مشيخة البيبرسية في سنة 767 وتدريس الشافعية بالسجونية وولاه الاشرف مشيخة مدرسته وسماه شيخ الشيوخ وكان ماهرا فى الفقه والاصول والمعانى والبيان ملازما للتدريس لا يمل من ذلك وكان من ذوى المروءات كثير الاحسان إلى الطلبة سليم الباطن مات في ذي القعدة سنة 780 ثمانين وسبعمائة وعمره خمس وخمسون سنة وقد كتب اليه طاهر بن حسن بن حبيب هذين البيتين ( قل لرب العلا ومن طلب العلم *** مجدا الى سبيل السواء ) ( ان اردت الخلاص من ظلمة الجهل *** فما تهتدى بغير الضياء ) فأجابه صاحب الترجمة بقوله ( قل لمن يطلب الهداية منى *** خلت لمع السراب بركة ماء ) ( ليس عندى من الضياء شعاع *** كيف تبغى الهدى من اسم الضياء )(1/283)
211- ضياء العجمى قدم الى دمشق وقرر فى الخانكاه وأقرأ فى النحو وكان يثنى على مقدمة ابن الحاجب واستفاد منه جماعة وكان حسن الأخلاق لكنه كان مغرما بمشاهدة الحسان من المردان لا ينفك عن هوى واحد يتهتك فيه ويخرج عن طور العقل مع العفة وكان يمشى وفي يده حزمة من الرياحين فمن لقيه من المرد أدناها الى أنفه فيشمها إياه فان التمس منه ذلك ذو لحية قلبها وضربه على أنفه ثم علق بصبى من أبناء الجند وكان يخرج الى سوق الخيل ليشاهده اذا ركب فقال له الشيخ كمال الدين بن الزملكانى لم عشقت هذا ولم تعشق أخاه وهو أحسن منه قال اعشقه انت فقال ان أذنت لى قال انت ماتحتاج الى اذن وقال شخص في مجلس ابن فضل الى متى أنت فى عشقه بعد عشقة فأنشد ابن فضل الله ( الحب أولى بذاتى فى تصرفه *** من أن يغادرنى يوما بلا شجن ) فصاح وخر مغشيا عليه فلما أفاق قال نطقت عن ضميرى وأنشده الشهاب محمود يوما ( يقولون لو دبرت بالعقل حبها *** ولاخير في حب يدبر بالعقل ) فصاح حتى سقط مغشيا عليه واتفق انه دخل مصر فرأى نصرانيا نازعه فى أمر من الأمور فضربه بعكاز في يده ضربة قضى منها في الحال فتعصب عليه بعض الرؤساء الى أن أمر السلطان بقتله فقتل رحمه الله وهو مظلوم لا محالة لأن القائل بقتل المسلم بالكافر وهم الحنفية لا يوجبون القصاص في القتل بالمثقل وسائر العلماء لا يقولون انه يقتل مسلم بكافر وكان وجود صاحب الترجمة فى القرن الثامن(1/284)
حرف الطاء المهملة
212- ططر الملك الظاهر
كان فى الابتداء من ممالك الظاهر برقوق ثم ترقى في سلطنة المؤبد حتى صار أحد المقدمين ثم جعله فى مرض موته متكلما على ابنه المظفر احمد وسافر به بعد موت ابيه ثم استقر اتابكا وأخذ فى تمهيد الأمر لنفسه الى أن خلع المظفر واستقر عوضه فى المملكة يوم الجمعة تاسع عشر شعبان سنة 724 ثم برز فى سابع عشر رمضان عائداالى القاهرة فوصلها في رابع شوال ثم مرض ولزم الفراش الى مستهل ذىالقعدة وانتعش قليلا ثم أخذ يتزايد مرضه الى ثانى ذى الحجة فجمع القضاة والعلماء وعهد إلى والده محمد ثم مات فى رابع ذى الحجة من السنة المذكورة وله نحو خمسين سنة ودفن من يومه بالقرافة فكانت مدته نيفا وتسعين يوما وكان يحب العلماء ويعظمهم مع حسن الخلق والمكارم الزائدة والعطاء الواسنع وقد كان في اخر أيام المؤيد يحتاج إلى القليل فلا يجده لكثرة عطائه حتى انه أراد مكافأة شخص قدم له مأكولا فلم يجد شيئا فسأل خواصه هل عندهم شىء يقرضونه فكل واحد منهم يحلف أنه ليس عنده شىء الا واحدا منهم فلم يكن بين هذا وبين استيلائه على المملكة باسرها وعلى جميع ما فى الخزائن السلطانية التى جمعها المؤيد سوى أسبوع قال المقريزى كان يميل الى تدين وفيه لين واعطاء وكرم مع طيش وخفة وشدة تعصب لمذهب الحنفية يريد أن لا يدع احدا من الفقهاء غير الحنفية وأتلف فى مدته مع قصرها أموالا عظيمة وحمل الدولة كلفا
كبيرة اتعب بها من بعده وقال ابن خطيب الناصرية انه كان مائلا الى العدل وأهل العلم يحبهم ويكرمهم ويتكلم في مسائل من الفقه على مذهب أبى حنيفة(1/285)
213- طقطاى بن منكوتمر بن سابر خان بن جنكزخان المغلى ملك التتار
كان واسع المملكة جدا وعساكره تفوت الحصر حتى يقال انه جهز جيشا فأخرج من كل عشرة واحدا فبلغوا مأتى الف كذا قال ابن حجر فى الدرر الكامنة وهذا شىء لم يسمع فى جيش ملك من الملوك وكانت مدة ملكه ثلاثا وعشرين سنة وكانت وفاته سنة 712 اثنتى عشر وسبعمائة ولم يسلم بل كان يحب المسلمين خصوصا الفضلاء منهم ومن كل الملل ويميل إلى الأطباء والسحرة وأسلم ولده ويقال ان عرض مملكته ثمانية اشهر وطولها سنة قال بعضهم وفيه عدل وميل إلى أهل الخير وكان يحب الاطباء ومملكته واسعة جدا حتى يقال ثمانى مائة فرسخ فى ستمائة فرسخ وكان له ولد حسن الشكل فأسلم وأحب القرآن وسماعه(1/286)
214- طهماسب ملك بلاد العجم طارت أخباره الى اليمن فى وسط المائة الثانية عشر من الهجرة وأخبر عنه الاغراب بقوة باهرة وسلطنة عظيمة ومحصل ما بلغ عنه حسبما نقله من ادراك تلك الايام من أهل هذه الارض انه كان خادما في بعض مشاهد الأئمة التى هنالك ثم بعد ذلك خرج الى بعض الامكنة ودعا جماعة من الناس الى اتباعه فاتبعوه وما زال امره يظهر حتى استولى على ملك تلك الديار وعلى سائر ممالك العجم وعلى ممالك العراق ثم لما تقرر
ملكه لها غزا بجيوش لا تحصى الى بلاد الهند وكان ملكها اذ ذاك يقال له محمد شاه فتلقاه بجيوش عظيمة فوقع المصاف بين الجيشين وتطاول أياما وقتل فى بعضها أمير أمراء ملك الهند وكان من يليه فى الرتبة من امراء السلطان يطمع في أن يكون مكانه فولى السلطان رجلا اخر فخامر عليه ذلك الامير وانخزل بطائفة من جنوده الى طهماسب فضعف بذلك السبب سلطان الهند ثم سعى ذلك الامير فى الصلح بين الملكين فتواعدا للاجتماع الى مكان عيناه فسبق اليه سلطان الهند ثم وصل طهماسب فقعد ونظر الى سلطان الهند وهو يشرب التنباك ولحيته محلوقة فانكر عليه ذلك ووبخه ثم تم الصلح على أن يدخل طهماسب بجيوشه الى مدينة السلطان وهى مدينة عظيمة تسمى نى خور ويكون أهلها فى امان ويعود سلطان الهند معه مكرما ويبقى فى مملكته فدخلا تلك المدينة ولما حضرت صلاة الجمعة خاف أهل الهند أن يغير طهماسب رسومهم فى الخطبة إلى رسوم العجم فلم يفعل بل تركهم على حالهم ففرحوا بذلك وكان جيشه منتشرا في جميع المدينة نازلين مع اهلها فكان أوباش الهند إذا ظفروا بواحد من جيوش طهماسب قتلوه غيلة وأفنوا بهذا السبب جماعة كثيرة فبلغ السلطان طهماسب ذلك فبحث عنه وتفقد أصحابه ففقد كثيرا منهم فأمر جيوشه بقتل أهل المدينة فما زالوا يقتلون من وجدوه في ثلاثة أيام حتى بلغ القتلى من الهند زيادة على مائة ألف ثم أمرهم بعد اليوم الثالث برفع السيف ونادى بالامان وصادر أهل المدينة واستخرج ما معهم من الاموال واخذ من خزائن سلطانهم ما أحب أخذه ثم ارتحل وقد دوخ بلاد الهند وصار سلطانها المذكور نائبا له فيها وعاد إلى بلادهم ثم عزم على(1/287)
الغزو إلى مصر والشام والروم وقد خافته الملوك وأيقنوا بأنه لا طاقة لهم به فكفى الله شره ودفع عن المسلمين ضره وسلط عليه جماعة من غلمانه تواطؤا عليه فقتلوه وهو على فراشه وكانت مدة ملكه تسع سنين هذا حاصل ما علق بحفظى من أخبار من أخبرنا عن أخبار من أخبرهم في تلك الايام من الغرباء الواصلين إلى هذه الديار ثم وصل إلى صنعاء السيد ابراهيم العجمى الحكيم وكان أبوه من جملة الاطباء لطهماسب وذكر لنا من أخباره غرائب وعجائب وأخبرنا انه كان في ابتداء أمره سايسا من سواس الجمال وكان عظيم الخلقة قوي البدن فاتفق أن ملك الهند غزا بلاد العجم وكان سلطانها إذا ذاك مشتغلا باللهو والبطالة فما زال سلطان الهند يفتحها اقليما بعد اقليم ومدينة بعد مدينة حتى لم يبق الا المدينة التى فيها سلطان العجم وسلطان العجم مشتغل بما هو فيه من البطالة ثم التجأ سلطان العجم إلى بعض المشاهد المعتقد فيها في تلك المدينة خوفا من صاحب الهند فلما وقع منه ذلك قام صاحب الترجمة يدعو الناس إلى جهاد سلطان الهند ودفعه عن مدينة سلطان العجم التى قد أشرف على أخذها فتبعه جماعة وخرجوا من المدينة وهو أمامهم فهزموا جيوش سلطان الهند وتبعوهم وأخرجوا من قد كان منهم فى مدائن العجم حتى أخرجوهم من بلاد العجم ثم رجعوا إلى المدينة فصار صاحب الترجمة المتكلم فى مملكة العجم ومازال أمره يقوى حتى خلع السلطان العجمى المذكور سابقا وبعد ذلك غزا بلاد الهند مكافئا لهم بما فعلوا فى بلاد العجم وقع منه في بلادهم من القتل والاسر والنهب ملا ياتى عليه الحصر وصف لنا أنه لما كان من الهنود ما قدمنا من القتل لاصحابه غيلة خرج(1/288)
اليوم الثانى إلى سطح جامعها وهو مكان مرتفع وحوله فسحة كبيرة من جميع الجهات وكان لابسا للحمرة وذلك علامة القتل ثم صعد على سطح الجامع وجيوشه حول الجامع من جميع جهاته ينظرون إليه ويرتقبون ما يأمر به فاستقر ساعة ثم أخذ سيفه وسله من غمده ووضعه مسلولا وصاح الجيش صيحة واحدة وشهروا سلاحهم وسعوا نحو المدينة يقتلون من وجدوه ثم استمر ذلك من أول يوم الى وقت العصر فوصل سلطان الهند وكان قد أمنه وعلم أنه لا ذنب له فيما وقع من الهنود ووصل وعليه كفن منشور وسيف مشهور واضع له على رقبته ثم رمى نفسه بين يدى صاحب الترجمة وقال أيها السلطان قد كان هلك غالب أهل المدينة ووصل القتل الى الاخيار ولم يقع ما وقع الامن جماعة يسيرة من الاشرار فلما سمع ذلك أخذ السيف الذي قد كان سله في أول اليوم فاغمده في غمده فذهب جماعة كثيرة من الباقين حوله يصيحون للجيش الذي صار يقتل أهل الهند فمن سمع الصائح رجع وترك القتل ثم من جملة ما ذكره لنا السيد ابراهيم أن صاحب الترجمة صار لا يصبر بعد ذلك عن سفك الدماء وصار يقتل من لا ذنب له من أصحابه ورعيته فأجمع رأى ابن أخيه ونحو ثلثمائة نفر من جنده على قتله وهو في الغزو فدخلوا عليه وقد تساقط أكثرهم في الخيام من هيبته ثم قتلوه وله أخيار طويلة(1/289)
حرف الظاء المعجمة
215- ظافر بن محمد بن صالح بن ثابت الانصارى العدوى
من شعراء المائة الثامنة له نظم جيد رواه عنه الشيخ ابو حيان وغيره وكان فقيرا خيرا فمنه
( تميس فتخجل الاغصان تيها *** وتزرى في التلفت بالغزال ) ( وتحسب بالازار لقد تغطت *** وقد أبدت به كل الجمال ) ( سلوها لم تغطى البدر تيها *** وتسمح للنواظر بالهلال ) ( ولم تصلى الحشا بالعتب نارا *** وفي الفاظها برد الزلال ) 216 ظاهر بن احمد بن شرف الغصينى الفيومى ولد تقريبا على رأس القرن الثامن وله فضيلة في النحو والفقه مع فهم ونظم كثير في مجلدات وباشر الامر كاسلافه في تلك الناحية ثم اعرض عنها لولده شرف الدين واقبل على العبادة والاوراد وصحب الشيخ محمد بن أحمد بن مهلهل فعادت بركته عليه وحج ودخل مصر ومن شعره معرضا بالعروض ( تواترت لكمال الدا بلياتى *** تحكى طويل مديد الذابليات ) ( وقد تقارب حقفى بالسريع الى *** خفيف منسرح الاهوا المضلات ) وله ديوان شعر مختص بالمدائح النبوية ومات في بضع وسبعين وثمان مائة(1/290)
217- ظهيرة بن محمد بن محمد بن محمد بن حسين بن على بن احمد ابن عطية بن ظهيرة القرشى المكى المالكى المعروف كسلفه بابن ظهيرة ولد في ذى الحجة سنة 1841 احدى واربعين وثمان مائة فحفظ القرآن والأربعين النووية ومختصر ابن الحاجب الأصلى والفرعى والرسالة لابن أبى زيد والفية الحديث والنحو وعرض على ابن الهمام واخرين وتفقه بالقاضى عبد القادر وعنه أخذ العربية وأخذ الاصول والمنطق على ابن مرزوق وغيره وكان دينا كثير المحاسن بارعا في الفقه والعربية ولى قضاء المالكية بمكة بعد ابن ابى اليمن في سنة 868 وباشره بعفة ونزاهة ثم انفصل عنه لضعف بصره ولم يلبث أن مان ليلة الأحد ثامن ذى الحجة من تلك السنة(1/291)
حرف العين المهملة
218- عامر بن عبد الوهاب بن داود بن طاهر ولد سنة 866 ست وستين وثمان مائة بالمقرانة محل سلفه ونشأ في كفالة أبيه فحفظ القرآن واشتغل قليلا ثم ملك اليمن بعد أبيه ولقب الملك الظافر فاختلف عليه بنو عامر فقهرهم وأذعنوا وملك اليمن الاسفل وتهامه ثم صنعاء وصعدة وغالب ما بينهما من الحصون ولما خرج الجراكسة إلى اليمن غلبوه بالسبب الذي قدمته في ترجمة الامام شرف الدين واستولوا على جميع ذخايره وهي شىء يفوق الحصر وأخرجوه من مداينه وقتلوه قريب صنعاء في اخر شهر ربيع سنة 923 ثلاث وعشرين وتسعمائة وقد شرح ماجرى له الديبع في بغية المستفيد بأخبار مدينة زبيد وفي قرة العيون بأخبار اليمن الميمون وكان يحب العلماء ويكرمهم ويحب الكتب حتى اهتم بتحصيل فتح الباري ولم يكن اذ ذاك باليمن وكذلك كتاب الخادم للزركشى ولم تزل الحرب قائمة بينه وبين جماعة من ائمة أهل البيت سلام الله عليهم فتارة له وتارة عليه ومحبة الرياسة والتنافس فيها من أعظم مصايب الأديان نسأل الله السلامة والعافية وقدرثاه الديبع بقوله ( أخلاى ضاع الدين بعد عامر *** وبعد أخيه أعدل الناس في الناس ) ( فمذ فقدا والله والله إننا *** من الأمن والايناس في غاية الياس )(1/291)
219- السيد عامر بن على بن محمد بن على عم الامام القاسم بن محمد بن على
قد تقدم تمام نسبه في ترجمة الحسن بن القاسم وهو المعروف بعامر الشهيد ولد سنة 965 خمس وستين وتسعمائة وقرأ على القاضى عبد الرحمن الرحمى وقرأ العربية والكشاف على السيد عثمان بن على بن الامام شرف الدين بشبام قبل دعوة الامام القاسم وسكن باهله هنالك لطلب العلم ولما دعا ابن أخيه الامام القاسم ببلاد قارة كتب اليه فوصل ثم توجه بجنود فافتتح من بلاد الامراء آل شمس الدين كثيرا وكانوا أعضاد الوزير حسن والكخيا سنان فما زال كذلك من سنة 1006 الى سنة 1008 ثم ان جماعة من اهل قاعة غدروا به وقد كان تزوج بامرأة منهم هنالك وتفرق عنه أصحابه ولم يبق سواه فسعوا إلى الأتراك وأخبروهم بتفرده فاقبلوا إليه واحاطوا به ثم اسروه وادخلوا شبام فطافوا به في كوكبان وشبام على جمل وامير كوكبان يومئذ السيد احمد بن محمد بن شمس الدين(1/292)
ثم انه أرسل به إلى الاتراك مع جماعة إلى الكخيا سنان وكان في بنى صريم فامر به أن يسلخ فسلخ جلده وصبر فلم يسمع له أنين ولا شكوى بل كان يتلو سورة الاخلاص وكان ذلك يوم الاحد الخامس عشر من رجب سنة 1008 ثمان وألف ثم ان سنانا املى جلده الشريف تينا وأرسل به على جمل الى صنعاء الى الوزير حسن فشهره على الدائر على ميمنة باب اليمن ودفن سائر جسده بجمومة من بنى صريم ثم نقل الى خمر بامر الامام وقبره هنالك مشهور مزور ثم احتال بعض الشيعة فاخذ الجلد ودفنه على خفية وعليه ضريح هنالك وقبة على يمين الداخل باب اليمن ورثاه القاضى أحمد بن سعد الدين المسورى بابيات منها ( أزائر هذا القبر ان جئت زائرا *** ونلت به سهما من الاجر قامرا ) ( وأديت حق المصطفى ووصيه *** وأهليه لما زرت في الله عامرا ) ( سليل الكرام الشم من ال أحمد *** ومن كان للدين الحنيفى عامرا )(1/293)
220- الامام المهدى لدين الله العباس بن الامام المنصور بالله الحسين ابن الامام المتوكل القاسم بن الحسين بن الامام المهدى أحمد بن الحسن بن الامام القاسم ابن محمد ولد في سنة 1131 احدى وثلاثين ومائة وألف وقرأ قبل خلافته وبعدها فممن قرأ عليه قبل خلافته السيد العلامة عبد الله بن لطف البارى الكبسى ثم كان في أيام والده الامام المنصور بالله رئيسا عظيما فخيما ولمامات والده في سنة 1161 أجمع الناس على صاحب الترجمة فبايعوه واتفقت عليه الكلمة وبايعه من كان خارجا عن طاعة والده كعمه أحمد بن المتوكل وكان اماما فطنا ذكيا عادلا قوى التدبير عالى الهمة منقادا إلى الخير مايلا إلى أهل العلم محبا للعدل مصنفا للمظلوم سيوسا حازما مطلعا على أحوال رعيته باحثا عن سيرة عماله فيهم لا تخفى عليه خافية من الاحوال له عيون يوصلون إليه ذلك وله هيبة شديدة في قلوب خواصة لا يفعلون شيئا الاوهم يعلمون أنه سينقل إليه وبهذا السبب اندفعت كثير من المظالم وكان يدفع عن الرعايا ما ينوبهم من البغاة الذين يخرجون في الصورة على الخليفة وفي الحقيقة لاهلاك الرعية فكان تارة يتألفهم بالعطاء وتارة يرسل طائفة من اجناده تحول بينهم وبين الرعية وعظم سلطانه في اليمن وبعد صيته واشتهر ذكره وقصده أهل العلم والأدب من الجهات البعيدة لمزيد اكرامه لمن كان له فضيلة لا سيما غرباء الديار وكان مشتغلا بالعلم بعد دخوله في الخلافة شفلة كبيرة لا يبرح اذا خلى ناظرا في كتاب من الكتب وقرأ على جماعة من العلماء وكان اذا حدث حادث من بغى باغ أو خروج خارج عن طاعة أهمه ذلك وأقلقه ولا يزال في تدبير دفعه حتى يدفعه وله صدقات وصلات وافرة جارية على كثيرين من الفقراء والضعفاء والقصاد والوافدين وفيه محاسن جمة وله سنن حسنة سنها وبه اندفعت مفاسد كثيرة كانت موجودة قبل خلافته والحاصل أنه من افراد الدهر ومن محاسن اليمن بل الزمن ولم يزل قاهرا لاضداده قامعا لحساده وانداده حافظا لاطراف مملكته بقوة صولة وشدة شكيمة لا يطمع فيه طامع ولا ينجع فيه خدع خادع بل يتصرف بالأمور حسب اختياره ويتفرد بتدبير المهمات وليس لوزرائه معه كلام بل يعملون ما يأمرهم به ولا يستطيعون أن يلبسوا عليه شيئا من أمر المملكة أو يخادعونه في قضية من القضايا وكان له نقادة كلية في الرجال وخبرة كاملة بابناء دهره واذا التبس عليه حال شخص(1/294)
منهم امتحنه بما يليق به حتى يعرف حقيقة حاله وله قدرة كاملة على هتك ستر من يتظاهر بالزهد والعفاف والانقباض عن الدنيا في ظاهر الامر لا في الواقع فإنه يدخل عليه من مداخل دقيقة بجوده فطنته وقوة فكرته فيتضح له أمره ويحيط به خبرا وله من هذا القبيل عجائب وغرائب وما زال على الحال الجميل حتى توفاه الله تعالى في شهر رجب سنة 1189 تسع وثمانين ومائة وألف وأيامه كلها غرر ودولته صافية عن شوائب الكدر وما قام عليه قائم الا دمره ولا خرج عليه خارج الا قهره وكان استقراره في جميع خلافته بصنعاء ومات بها ودفن بقبته التى أعدها لنفسه رحمه الله ورضى عنه وبويع عند موته مولانا خليفة العصر ولده المنصور بالله رب العالمين علي بن العباس حفظه الله وستأتي له ترجمة مستقلة إن شاء الله تعالى وكان وزيره الاكبر الفقيه أحمد بن على النهمى ما زال قائما بالمهم من أموره وأمر أكثر بلاده إليه من أول خلافته الى قبيل موته بقليل وكان هذا الوزير من محاسن الزمن له محبة للخير واقبال على الطاعة وميل الى أهل العلم والصلاح ومواساه الضعفاء مع صدق لهجة وحسن اعتقاد وكان يغضب اذا قال له قائل انه وزير أو عظمه أو وصفه بوصف له مدح له ولم يأت بعده في مجموع خصاله مثله الا الحسن بن على حنش المتقدم ذكره فإنه سلك طريقته وفاقه بكثرة البذل والعطاء ولكن لم يكن اليه من الاعمال ما كان الى هذا فان الذي الى هذا من البلاد هو غالب البلاد اليمنية ولصاحب الترجمة أولادهم سادات السادات وكل واحد منهم لا يخلو عن فضيلة ويجمعهم جميعا حسن الفروسية وجودة الخلق والتمسك بنصيب من العرفان وأكبرهم عبد الله(1/295)
توفى في حياة والده وبعده مولانا الامام خليفة العصر المنصور بالله على وستأتى ترجمته وبعده محمد وهو من أكابر آل الامام وله نصيب من الكمالات وافر وبعده القاسم وهو من فحول السادات وأعيان القادات وله مشاركة في العلم جيدة وبعده يوسف وهو حسن الأخلاق كريم الأعراق وبعده أحمد وهو أوسعهم علما وأقواهم فهما له اطلاع كلى على علم التاريخ والأدب ومعرفة بفنون من العلم ومشاركة كلية في أنواع منه وله شعر وفيه رغبة الى المباحثة وهو كريم مطلق قليل النظير في مجموعه وبعده اسمعيل وهو قليل النظير في حسن أخلاقه وتواضعه وسلامة فطرته وعفافه وهؤلاءهم الكبار من اولاد صاحب الترجمة وهم كثيرون وجميعهم كما قال القائل ( من تلق منهم تقل لاقيت سيدهم *** مثل النجوم التى يسرى بها الساري )(1/296)
221- السيد العباس بن محمد المغربى التونسى قدم إلى صنعاء في سنة 1200 وله معرفة بعلم الحروف والاوفاق رأينا منه في ذلك عجائب وغرائب وأخذنا عنه في علم الأوفاق لقصد التجريب لا لاعتقاد شىء من ذلك وكان اذا احتاج إلى دراهم أخذ بياضا وقطعه قطعا على صور الضربة المتعامل بها ثم يجعلها في وعاء ويتلو عليها فتنقلب دراهم وكنت في الابتداء أظن ذلك حيلة وشعوذة فأخذت ذلك الوعاء وفتشته فلم اقف على الحقيقة فسألته أن يصدقنى فقال ان تلك الدراهم يجىء بها خادم من الجن يضعها في ذلك الوعاء بقدر ما جعله من قطع البياض ويكون ذلك قرضا حتى يتمكن من القضاء فيقضي وكان يضع خاتم أحد الحاضرين في اناء ويجعل فيه ماء ويرتب فيسمع الحاضرون في ذلك الاناء صوتا مفزعا ويرتفع ذلك الخاتم فيقع في حجر صاحبه فظننت انه يضع في الاناء تحت الخاتم شيئا من المعادن يكون له قوة يدفع بها الخاتم فتركته حتى وضع الاناء ووضع فيه الخاتم فقمت فاخذته فلم أجد فيه شيئا ثم أمرنى أن اخذ إناء اخر وأضع فيه ماء بيدى واضع الخاتم من دون أن يمس هو شيئا من ذلك ففعل وتلا فسمعنا ذلك الصوت وارتفع الخاتم ووقع في حجر صاحبه وله من هذا الجنس عجائب وغرائب واتصل بخليفة العصر حفظه الله وكساه كسوة عظيمة وأعطاه عطاء واسعا وكان يكثر التردد الى وانا إذ ذاك مشتغل بطلب العلم ثم عزم صحبة الحجاج فوصل الى مكة واذا جماعة من حجاج الغرب يسألون عنه حجاج اليمن ومن جملة من سالوا رفقته الذين حج معهم من أهل اليمن فسألوهم عن حاله فأخبروهم أن أباه من أكابر تجار الغرب وأنه مات وخلف دنيا عريضة وكذلك وصف لنا من رافقه من حجاج اليمن في الطريق من مروءته واحسانه اليهم في الطريق وشكره لاهل اليمن عند أصحابه وغيرهم ما يدل(1/297)
على أنه من أهل المروءات ومن جملة ما وصفوه أنهم وصلوا الى البحر فعدم الماء في السفينة وهم بقرب جزيرة فيها ماء عذب ولكن فيها جماعة من اللصوص قد حالوا بين اهل السفينة وبين الماء واشتدت حاجتهم الى الماء ولم يقدر أحد على الخروج فاشتمل هذا السيد على سيفه وخرج وأخرج معه قرب الماء فلما رآه اللصوص هربوا وكان طويلا ضخما حسن الأخلاق ابيض اللون شديد القوة ويحفظ منظومة في فقه المالكية وله معرفة بمسائل من أصول الدين وكان يصمم على ما يعرفه فاذا ظهر له الحق مال اليه وكنت مرة أنا وشخص عندى كان يحضر عند اجتماعى بالسيد فاخذنا من تحرير أوفاق قد خفظناها منه ولم يكن حاضرا فلما فرغنا من تحرير بعضها وضعناه في النار حتى التهب ثم جعلناه في الطاقة فلم نشعر الا بطائر قد انقض على تلك الورق التى تلتهب فاخذها وذهب فعجبنا من ذلك غاية العجب ولم نقف للمترجم له على خبر بعد ارتحاله وقد كان يحكى لنا من أحوال أهل الغرب حكايات عجيبة وكان مدة الاجتماع به نحو ثلاثة أشهر أو أكثر(1/298)
222- عبد الباسط بن خليل بن ابراهيم الدمشقى ثم القاهرى قال السخاوى هو اول من سمى بعبد الباسط ولد سنة 784 أربع وثمانين وسبعمائة ونشأ في خدمة كاتب سرها محمد ين موسى بن محمد الشهاب محمود واختص به ثم اتصل بالمؤيد شيخ حين كان نائبا بدمشق ولازمه حتى قدم معه الى الديار المصرية فلما تسلطن المؤيد أعطاه نظر الخزانة والكتابة بها وسلك مسلك عظماء الدولة في الحشم والخدم والمماليك من سائر الاجناس والندماء وربما ركب بالسرج الذهب والسلطان زائد الاقبال عليه والتقريب له وتكرر نزوله غير مرة فتزايدت وجاهته بذلك كله وزاد تعاظمه حتى صار لا يسلم على أحد الا نادرا فمقتته العامة واسمعوه المكروه كقولهم ياباسط خذ عبدك فشكاهم الى المؤيد فتوعدهم بكل سوء فاخذوا في قولهم يا جبال يا رمال يا الله يا لطيف فلما طال ذلك عليه التفت اليهم بالسلام وخفض الجناح فسكتوا عنه واحبوه ولا يزال يترقى الى أن أثرى جدا وأنشأ القيسارية المعروفة بالباسطية وعمر الاملاك الجليلة ثم صار في دولة السلطان ططر ناظر الجيش عوضا عن الكمال بن البارزى في سابع ذى القعدة سنة 824 فلما استقر السلطان الاشرف بالغ في التقرب اليه بالتقادم والتحف وفتح له أبوابا في جميع الاموال فزاد اختصاصه به وصار هو المعول عليه واضاف اليه الوزارة والاستاذ دارية فسدهما بنفسه وبعض خدمه الى أن مات الاشرف واستقر ابنه العزيز وكان من أعظم القائمين في سلطنته ثم صارت السلطنة الى السلطان جقمق فخلع عليه باستمراره في نظر الجيش ثم قبض عليه وحبسه وطلب منه ألف ألف دينار فتلطف به الكمال بن البارزى وغيره من أعيان الدولة حتى صارت الى ثلاث مائة ألف دينار ثم أطلق وأمر بالتوجه الى الحجاز فسافر بعد أن خلع عليه وعلى عياله وحواشيه في ثامن شهر ربيع الآخر سنة 843 فاقام بمكة سنة ثم رجع مع الركب الشامى الى دمشق امتثالا لما أمر به فأقام بها سنين وزار منها بيت المقدس وارسل بهدية من هناك الى السلطان ثم قدم القاهرة فكان يوما مشهورا وخلع عليه وعلى أولاده ثم أرسل بتقدمه هائلة وعاد الى دمشق بعد أن أنعم عليه السلطان بامره عشرين بها ثم بعد سنين عاد الى القاهرة مستوطنا لها ثم(1/299)
حج وعاد فأقام قليلا ومات يوم الثلاثاء رابع شوال سنة 854 أربع وخمسين وثمانمائة وكان رئيسا محتشما سائسا كريما واسع العطاء ممدوحا محبا للعلماء مفضلا عليهم وكان الحافظ ابن حجر من جملة من اتصل به وهو الذى ذكره فى فتح البارى لما ذكر كسوة الكعبة حيث قال ولم يزل الملوك يتداولون كسوتها الى ان وقف عليها الصالح اسماعيل بن الناصر في سنة 743 قرية من ضواحى القاهرة يقال لها بيسوس كان اشترى الثلثين منها من وكيل بيت المال ثم وقفها على هذه الجهة قال ولم تزل تكسى من هذا الوقف الى سلطنة المؤيد شيخ فكساها من عنده سنة لضعف وقفها ثم فوض أمرها الى بعض امنائه وهو القاضى زين الدين عبد الباسط بسط الله فى رزقه وعمره فبالغ فى تحسينها بحيث يعجز الواصف عن وصف حسنها جزاه الله على ذلك أفضل المجازاه انتهى ومن غرائب ما اتفق لصاحب الترجمة أن جوهر القيقباى رام ان يخدم عنده فما وافق ثم ترقى حتى صار صاحب الترجمة خاضعا له ماشيا في أغراضه راضيا وكارها وكذلك أحضرت أم العزيز الى صاحب الترجمة ليشتريها قبل وصولها الى الأشرف فامتنع فصارت الى الأشرف وحظيت عنده فصار المترجم له يمشى في خدمتها وسار معها إلى مكة يخدمها وربما مشى وهذا شأن هذه الدنيا(1/300)
223- عبد الباقى بن عبد المجيد بن عبد الله بن مثنى بن أحمد بن محمد بن عيسى بن يوسف بن عبد المجيد اليمانى المخزومى تاج الدين ولد في رجب سنة 685 خمس وثمانين وستمائة بمكة ودخل اليمن فاقام بها مدة ثم قدم مصر بعد السبعمائة بيسير فأقام بها مدة وقدم الشام فى
زمن الاقرم فرتب له راتبا واشتغل الناس عليه فى العروض والمقامات ثم رجع الى اليمن فى سنة 716 وولاه المؤيد الرسولى الوزارة فاستمر فيها الى ان مات المؤيد وولاه ابنه الظافر فقربه وعظمه ثم صادره المجاهد واجتاح أمواله ففر منه الى مكة ودخل الديار المصرية فى سنة 730 فدرس بالمشهد النفيسى ثم استوطن بيت المقدس ومازال يتردد بين حلب ودمشق ومصر وطرابلس حتى مات في سنة 744 أربع وأربعين وسبعمائة وكان له قدرة على النظم والنثر وكان يحط على القاضى الفاضل ويرجح عليه ابن الاثير وعمل تاريخا لليمن وتاريخا للنحاه واختصر تاريخ ابن خلكان فى جزء وذيل عليه الى زمانه وضبط الفاظ الشفاء لعياض فى جزء وله مطرب السمع فى حديث ام زرع وغير ذلك وله اشتغال كبير بالفقه والأصول وفنون الأدب وله اختصار الصحاح وحكى عن بعض معاصرية أنه قال لا يعتمد عليه فى الرواية ومن شعره ( تجنب أن تذم بك الليالى *** وحاول أن يذم لك الزمان ) ( ولا تحفل اذا كملت ذاتا *** أصبت العز أم حصل الهوان )(1/301)
224- عبد الرحمن بن أحمد بن الحسن على البهكلى الضمدى ثم الصبيانى ولد سنة 1180 ثمانين ومائة وألف تقريبا بصبيا ونشأ بها وقرأ على والده وغيره من أهل صبيا ثم رحل إلى صنعاء سنة 1202 فأخذ عن أكابر علمائها كشيخنا السيد العلامة عبد القادر بن احمد والسيد العلامة على بن عبد الله الجلال والسيد العلامة عبد الله بن محمد الأمير وشيخنا العلامة الحسن بن اسمعيل المغربي وشيخنا السيد العلامة عبد الله بن الحسن بن علي بن الحسين بن على بن المتوكل والعلامة على بن هادى عرهب وغير هؤلاء وأخذ عنى فى فنون متعددة واختص بى اختصاصا كاملا وسألنى مسائل كثيرة فأجبت عليه باجوبة مطولة ومختصر وعاد إلى وطنه وقد برع في النحو والصرف والمنطق والمعاني والبيان والأصول والتفسير والحديث في أقرب مدة لحسن فهمه وجودة تصوره وكمال اداركه وقوة ذهنه ثم مازال بعد رجوعه إلى وطنه يكاتبنى بالأشعار الرايقة فأجيب عليه بمضمون ما يكتبه إلى وهو مع ذلك يتأسف على مفارقتى وأتاسف على مفارقته لما بينى وبينه من المودة الصادقة والمحبة الزائدة التى تفوق الوصف بل قد لا يتفق مثلها بين الاخوين الشقيقين وقد جرت بينى وبينه من المطارحات الأدبية نظما ونثرا مالا يتسع له الا مجلدا وفيه فصاحة ورجاحة مع حسن تودد ولطافة طبع وكرم أخلاق وملاحة محاضرة واستحضار لرايق الاشعار وفائق الاخبار لا يمل جليسه لماجبل عليه من موافقة كل جليس وجلب خاطرة بما يلايمه والوقوف على الحد الذي يريده ولهذا أحبته القلوب وانجذبت إليه الخواطر ورغب إليه كل احد فعاشر أهل صنعاء وعرف طباعهم واختلاف اوضاعهم وصار أخبر بهم من أحدهم لا يخفى عليه من أحوالهم دقيق ولا جليل ثم ارتحل الى صنعاء رحلة ثانية وكنت إذ ذاك مشغولا بالتدريس والتأليف والافتاء ولكنه قد جفانى جماعة من الذين لا يعرفون الحقائق لصدور اجتهادات منى مخالفة لما ألفوه وعرفوه وهذا دأبهم سلفا عن خلف لا يزالون يعادون من بلغ رتبة الاجتهاد وخالف مادبوا عليه ودرجوا من مذاهب الآباء والأجداد فوصل صاحب الترجمة في سنة 1209 والمواحشة بينى وبين(1/302)
المذكورين زائدة ولهب نار الاختلاف صادعة فقرأ على في مختصر المنتهى وشرحه لعضد الدين وحاشيته للسعد وقرأ على فى الخرازبة وشرحها فى العروض ومازال يعادى اعداى ويوادد أوداى ويقوم فى غيبتى مقام الأخ الحميم ويتوجع من أحوال أبناء الزمن وما جبل عليه طلبة العلم فى قطر اليمن ثم وصل إلى صنعاء مرة ثالثة في شهر رمضان سنة 1211 وكنت إذ ذاك قد امتحنت بقبول القضاء الأكبر بعد الالزام به من مولانا خليفة العصر حفظه الله فاستقر المترجم له في صنعاء نحو نصف سنة يتصل بي في كل وقت ويحضر في مواقف التدريس ومجالس المنادمة والتأنيس ويطارحنى بادبياته ويواصلنى بفقرة الفايقة وأبياته حتى ولاه مولانا الامام حفظه الله قضاء بيت الفقية بن عجيل بعد موت القاضي العلامة عبد الفتاح بن أحمد العواجي وهو الآن قاض هنالك وقد باشره مباشرة حسنة بعفة ونزاهة وحرمة كاملة وصدع بالحق بحسب الحال ومقدار ما يبلغ إليه الطاقة وقد أجزته بكل ما يجوز لى روايته وهو مشارك لى في السماع من اكابر شيوخي وله قدرة على النظم والنثر وملكة كاملة في جميع العلوم عقلا ونقلا ولا يقلد احدا بل يجتهد برأية وهو حقيق بذلك ولما وقف على أبيات لى من الحماسة رضت القريحة بها مرغبا فى الرتبة والوسطى اذا أعجزت الغاية وهى ( أذا أعوز المرء الصعود الى التى *** اليها تناهى كل أروع أصيد ) ( فمن دون تحليق النسور منازل *** تروح بها رقش البزاه وتغتدى ) ( ودع عنك أدنى مسرح العز انه *** مطار بغاث الطير عند التبلد ) ( فهم الفتى كل الفتى غير واقف *** على الدون ان الدون غير محمد )(1/303)
( وفي الغاية الوسطى تعلل مغرم *** على الغاية القصوى مقام التفرد ) ( أيا منزلا من دون مضربه السهى *** ويامقعدا من دونه كل مقغد ) ( أبرى دون مرقا شأوك الموت واقفا *** لكل الذى يهوى لقاك بمرصد ) فقال هذه الأبيات التى هى السحر الحلال وقد غاب عنى أولها ( فتى لا وحق الله لولا قيامه *** بباب العلا والمجد لم يتجدد ) ( وأبلج ما من آله وقبيله *** على قلة السادات من لم يسود ) ( أخو همة ما حاجب بن زرارة *** أخوها ولا العالى يزيد بن مزيد ) ( وذو سلف ما فيهم من مذمم *** لئيم ولا في غيرهم من محمد ) ( وايمن ان تصدم به الفقر ينقلب *** غنيا وان تصدم به النحس تسعد ) ووقف على أبيات لى من ذلك الطراز الأول نظمتها لقصد امتحان الفكر وهي ( ولى سلف فوق المجرة خيموا *** سرادقهم من دونه كل كوكب ) ( رقوا فى مراقى العز شأوا ممنعا *** وذادوا الورى عنه بخطب المشطب ) ( فما منهم فى قومه غير سيد *** يروح ويغدو وهو بالمجد محتبى ) ( وما بي عن اوساطهم من تخلف *** ولا ركبوا فى مجدهم غير مركبى ) ( ولكنها الأيام يلبسها الفتى *** على قدر من غالب أو مغلب ) ( واني امرأ أما نجاري فخالص *** وأما فعالى فاسأل الدهر واكتب ) ( ولست بلباس لثوب مزور *** ولكن ضوء الشمس غير محجب ) ( وان فتى يغشى الدنايا وبيته *** على قمة العليا فتى غير معتب ) ( فما المرء الامن ينوء بنفسه *** الى منزل فوق السماء مطنب ) ( ولا خير في حفظ من العيش دونه *** تجرع كأس الذل من أى مشرب )(1/304)
فقال عافاه ذو الجلال ( فديتك يامن ألبس الدهر أدرعا *** بنظم يروع الجيش عن كل مطلب ) ( نماك الاولى خطت أسنة ذبلهم *** سطورا بمحمر النحيع المترب ) ( خطوب اذا جرد السلاهب أغمدت *** حفاظهم اكرم بهم خير مقنب ) ( اذا النقع غطى آية الشمس أطلعت *** اسنتهم شهبا على كل أشهب ) وكان الاولى بالمقام مادار بينى وبينه من الاشعار الرقيقة والمكاتبات التى دخلت الى معاهد اللطافة من كل طريقة ولكن العذر أنه لم يحضر حال تحرير الترجمة غير هذا وأما الرسائل والمسائل التى أجبت بها على سؤالاته فهى كثيرة جدا موجود أكثرها فى محموع رسائلى واذ قد تعرضنا لذكر بعض مناقب هذا الفاضل فلنذكرههنا بعض قرابته الذين بلغتنا أخبارهم بأخصر عبارة وأوجز اشارة فمنهم والده العلامة المحقق أحمد بن الحسن قاضى صبيا هو من أكابر العلماء الجامعين بين علم العربية والاصول والحديث والتفسير والفقه وله رسائل ومسائل وأشعار أنيقة وقد وصل الى صنعاء وأنا في أوائل أيام الطلب واجتمعت به في موقفين فرأيته من أحسن الناس مذاكرة وأملحهم محاضرة مع ظرافة ولطافة وجودة تعبير ودقة ذهن وقوة فهم وقد دارت بينى وبينه مكاتبة متضمنة لمشاعرة ومذاكرة ولم يحضرلى الآن منها شىء ولعله قد قارب الستين من عمره حال تحرير هذه الأحرف ومنهم أخوه عم صاحب الترجمة عبد الرحمن بن الحسن البهكلى قاضى الأشراف بأبى عريش وسائر جهاته وهو من أكابر العلماء(1/305)
له يد طولى فى علوم الاجتهاد وعنده من التحقيق والتدقيق ما يقصر عن البلوغ اليه كثير من علماء العصر وقد كتب الى بمسائل تعرض في جهاته وأجبت عنها بأجوبة لعلها لديه وهو الآن حى طول الله مدته وهو أكبر من أخيه أحمد المذكور قبله ومنهم أخو صاحب الترجمة اسماعيل بن أحمد وصل الى صنعاء لعل ذلك فى سنة 1215 وبقى بها نحو عامين وقد كان شرع يقرأ على الشيوخ فى العلوم الدينية ثم بدا له الاشتغال بعلم الفلسفة فلم يظفر منها بطائل سوى تضييع الوقت وبطلان السعي وذهاب هجرته سدى ومنهم أخو صاحب الترجمة الحسن بن أحمد وهو أصغر من الذى قبله وصل الى صنعاء سنة 1218 طالبا للعلم بجد وجهد وعقل وسكون وجودة تصور وقوة ادراك وهو الآن ياخذ عن أعيان مشايخ صنعاء فى علوم الاجتهاد وله قرءة على فى شرحى للمنتقى وغيره ومن قرابة صاحب الترجمة ابن عمه(1/306)
أحمد بن محمد البهكلى هو من العلماء المحققين وهو الآن عند صاحب الترجمة ولعل عمره ما بين الثلاثين والاربعين وقد كتب الى بأبيات منها ( البدر يابدر العلوم الذي *** سناؤه الباهر بالنور لاح ) ( لا يعتريه النقص ان ذمه *** من الورى الناقص والافتضاح ) ( فاكبت أعاديك ولا تختشى *** فسوف يأتيك المنى بالنجاح ) ( وانض لهم غضب مقال غدا *** يقدد الاعناق قد الصفاح ) ( وارخ عنان الطرف ان خلته *** في حلبة الأبحاث يروي الصحاح ) ( وصل عليهم صولة الليث في *** برازه معتقلا للرماح ) ولما مات والدى تغشاه الله برحمته ورضوانه كتب الى عافاه الله بقصيدة رثاه بها مطلعها ( هكذا الدهر شأنه لا يبالى *** قد رمانا بأسهم ونصال ) ومات سنة 1227 ومن قرابة صاحب الترجمة خاله القاضى العلامة المحقق
على بن حسن العواجى عافاه الله هو فائق فى جميع صفات الكمال جامع بين العلم والعمل والرياسة والكياسة قائم بأعمال الدنيا والآخرة أتم قيام وهو حال تحرير هذه الأحرف حاكم ببندر اللحية وكنت رايته قبل عزمه الى هنالك عند وصوله الى حضرة الخلافة ولم أجتمع به لكونى تلك الأيام الى الصغر أقرب وهو جميل الصورة تام الخلقة بهى الشكل حسن الهيئة يستدل من رآه بذاته على جميل صفاته وجليل سماته وكمال طرافته ولعله الآن قد(1/307)
قارب الستين من عمره وولده العلامة عز الكمال محمد بن على بن الحسن العواجي هو ممن ارتحل الى صنعاء لطلب العلم واخذ عنى فى النحو والفقه وأجزت له اجازة عامة فى جميع ما يجوز لى روايته وهو الان ساكن عند والده فى بندر اللحية ولعله قد قارب الثلاثين ومات هذا ووالده قبله بعد وقوع الاضطراب في تهامة وقيام الشريف حمود بها وكل واحد من هؤلاء كان يستحق أن يفرد بترجمة مستقلة ولكن لم يكن لدي من اخبارهم الا أشياء يسيرة وفى سنة 1243 وصلت الجنود الروميه الى تهامة وأسروا الشريف أحمد بن حمود القائم مقام أبيه وقتلوا عالم الاشراف وقائد جنودهم الشريف حسن بن خالد الحازمى وأدخلوا جماعة من الأشراف الى الروم منهم أحمد بن حمود ونكلوا بجماعة من المتولين لامورهم من القضاة وغيرهم وامتحن صاحب الترجمة وحبس ثم اطلق وهو الان خائف يترقب ما نزل بغيره دفع الله عنه كل مكروه وقد تشفعت له عند الباشا الواصل بالجنود الرومية وهو الباشا خليل فلم يصب بعد ذلك بما اصيب به غيره والمرجو من الله عز وجل أن يصرف عنه كل شر فانه من أكابر العلماء العاملين ومن عباد الله الصالحين ثم بعد هذا أجرى الصلح بين سيدى المولى وبين الروم على ارجاع البلاد التى اغتصبها الشريف الى الامام فعرفت الامام حفظه الله أن يقرره لقضاء بيت الفقيه كما كان فقرره على ذلك وعاد كما كان والله الحمد(1/308)
225- عبد الرحمن بن أحمد بن عبد الغفار القاضى عضد الدين الايجى ولد بايج من نواحى شيراز بعد السبع مائة وأخذ عن مشايخ عصره ولازم زين الدين تلميذ البيضاوى وكان اماما فى المعقول قائما بالاصول والمعانى والبيان والعربية مشاركا فى سائر الفنون وله شرح مختصر المنتهى وقد انتفع الناس به من بعده وسار فى الاقطار واعتمده العلماء الكبار وهو من أحسن شروح المختصر من تدبره عرف طول باع مؤلفه فانه يأتى بالشرح على نمط سياق المشروح ويوضح ما فيه خفاء ويصلح ما عليه مناقشة من دون تصريح بالاعتراض كما يفعله غيره من الشراح وقل أن يفوته شىء مما ينبغى ذكره مع اختصار فى العبارة يقوم مقام التطويل بل يفوق وله المواقف فى الكلام ومقدماته وهو كتاب يقصر عنه والوصف لا يستغنى عنه من رام تحقيق الفن وله السؤال المشهور الذى حرره الى المحقق الجاربردى فى كلام صاحب الكشاف على قوله تعالى ( ^ قل فأتوا بسورة من مثله ) وأجابه بجواب فيه بعض خشونة فاعترضه صاحب الترجمة باعتراضات وتلاعب به وبكلامه وهو شيخه ولكنه لم ينصفه فى الجواب حتى يستحق التأدب معه وقد أجاب عن اعتراضات
صاحب الترجمة ابن الجاربردى واودع ذلك مؤلفا مستقلا وقد ولى قضاء المالكية في أيام أبى سعيد وكان كثير الأفضال على الطلبة كريم النفس وجرت بينه وبين الأبهرى منازعات وما جريات وله تلامذة نبلاء منهم السعد التفتازانى صاحب التصانيف المشهورة سيأتى ذكره ان شاء الله تعالى ومنهم شمس الدين الكرمانى وغيرهما وجرت له محنة مع صاحب كرمان فحبسه بالقلعة ومات مسجونا فى سنة 756 ست وخمسين وسبعمائة(1/309)
226- عبد الرحمن بن أحمد الجامى
ولد بجام من قصبات خراسان واشتغل بالعلوم أكمل اشتغال حتى برع فى جميع المعارف ثم صحب مشايخ الصوفية فنال من ذلك حظا وافرا وكان له شهرة بالعلم في خراسان وغيرها من الديار حتى انه استدعاه سلطان الروم بايزيد خان الى مملكته وأرسل اليه بجوائز سنية فسافر من بلاد خراسان إلى جهات الروم فلما انتهى الى همدان قال للذى أرسله السلطان اليه انى قد امتثلت امر السلطان حتى وصلت الى هنا وبعد ذلك أتشبث بذيل الاعتذار لأنى لا أقدر على الدخول الى بلاد الروم لما أسمع فيها من مرض الطاعون وكان غرض السلطان في استدعائه أنه خطر له فى بعض الأوقات الاختلاف مابين الصوفية وعلماء الكلام والحكماء فأراد أن يجعل صاحب الترجمة حكما بين هذه الطوايف فما تم وله مصنفات منها شرح الكافية المشهور بالجامى وشرع في تفسير القرآن وله كتاب شواهد النبوة بالفارسية ونفحات الانس بالفارسية أيضا وله مصنفات غير ذلك ونظم بالفارسية يتنافس فى خفظه أهل تلك اللسان وتوفى بهراة سنة 898 ثمان وتسعين وثمان مائة(1/310)
227- عبد الرحمن بن أحمد بن رجب البغدادى ثم الدمشقى الحنبلى الحافظ
سمع خلقا منهم القلانسي وابن العطار وغيرهما وصنف التصانيف المفيدة منها شرح البخارى بلغ فيه الى كتاب الجنايز وله شرح على الترمذى وذيل على كتاب طبقات الحنابلة وغير ذلك ومات عى شهر رجب سنة 795 خمس وتسعين وسبعمائة(1/311)
228- عبد الرحمن بن أبى بكر بن محمد بن ابى بكر بن عمر بن خليل بن نصر بن الخضر بن الهمام الجلال الأسيوطى الاصل الطولوى الشافعى الامام الكبير صاحب التصانيف ولد فى أول ليلة مستهل رجب سنة 849 تسع وأربعين وثمان مائة ونشأ يتميا فحفظ القرآن والعمدة والمنهاج الفرعى وبعض الأصلى وألفية النحو وأخذ عن الشمس محمد بن موسى الحنفى في النحو وعلى العلم البلقينى والشرف المناوى والشمنى والكافياجي في فنون عديدة وجماعة كثيرة كالبقاعى وسمع الحديث من جماعة وسافر إلى الفيوم ودمياط والمحلة وغيرها وأجاز له أكابر علماء عصره من ساير الأمصار وبرز فى جميع الفنون وفاق الأقران واشتهر ذكره وبعد صيته وصنف التصانيف المفيدة كالجامعين فى الحديث والدر المنثور فى التفسير والاتقان في علوم القرآن وتصانيفه فى كل فن من الفنون مقبولة قد سارت فى الأقطار مسير النهار ولكنه لم يسلم من حاسد(1/311)
لفضله وجاحد لمناقبه فان السخاوى في الضوء اللامع وهو من أقرانه ترجمة مظلمة غالبها ثلب فظيع وسب شنيع وانتقاص وغمط لمناقبه تصريحا وتلويحا ولا جرم فذلك دأبه في جميع الفضلاء من أقرانه وقد تنافس هو وصاحب الترجمة منافسة أوجبت تأليف صاحب الترجمة لرسالة سماها الكاوى لدماغ السخاوى فليعرف المطلع على ترجمة هذا الفاضل فى الضوء اللامع انها صدرت من خصم له غير مقبول عليه فممن جملة ما قاله فى ترجمته انه لم يمعن الطلب فى كل الفنون بل قال بعد أن عدد شيوخه انه حين كان يتردد عليه كثيرا من مصنفاته كالخصال الموجبة للظلال والاسماء النبوية والصلاة على النبى صلى الله عليه وآله وسلم وموت الانبياء ومالا يحصره قال بل أخذ من كتب المحمودية وغيرها كثيرا من التصانيف المتقدمة التى لاعهد لكثير من العصريين بها فى فنون فغير فيها يسيرا وقدم وأخر ونسبها إلى نفسه وهول في مقدماتها بما يتوهم منه الجاهل شيئا مما لا يوفى ببعضه وأول ما أبرز جزء له فى تحريم المنطق جرده من مصنف لابن تيمية واستعان فى اكثره فقام عليه الفضلاء قال وكذا درس جمعا من العوام بجامع ابن طولون بل صار يملى على بعضهم ممن لا يحسن شيئا ثم قال كل هذا مع انه لم يصل ولا كاد ولهذا قيل انه تزيب قبل ان يكون حصرما وأطلق لسانه وقلمه فى شيوخه فمن فوقهم بحيث قال عن القاضى العضد انه لا يكون طعنه فى نعل ابن الصلاح وعزر على ذلك من بعض نواب الحنابلة بحضرة قاضيهم ونقص السيد والرضى فى النحو بمالم يبد فيه مستندا مقبولا بحيث انه أظهر لبعض الغرباء الرجوع عن ذلك فانه لما اجتمعا قال له قلت السيد الجرجانى قال(1/312)
ان الحرف لا معنى له فى نفسه ولا فى غيره وهذا كلام السيد ناطق بتكذيبك فيما نسبته اليه فأوجدنا مستندا فيما تزعمته فقال انى لم أر له كلاما ولكنى لما كنت بمكة تجاذبت مع بعض الفضلاء الكلام فى المسئلة فنقل لى ما حكيته وقلدته فيه فقال هذا عجيب مما يتصدى للتصنيف يقلد فى مثل هذا مع هذا الاستاذ انتهى وقال من قرأ الرضى ونحوه لم يترق الى درجة ان يسمى مشاركا فى النحو ولازال يسترسل حتى قال انه رزق التبحر فى سبعة علوم التفسير والحديث والفقه والنحو والمعانى والبيان والبديع قال والذى أعتقده ان الذى وصلت إليه من الفقه والنقول التى اطلعت عليها مما لم يصل إليه ولا وقف عليه أحد من أشياخى فضلا عمن دونهم قال ودون هذه السبعة أصول الفقه والجدل والصرف ودونهما الانشاء والترسل والفرائض ودونها القراآت ولم آخذها عن شيخ ودونها الطب واما الحساب فأعسر شىء على وأبعده عن ذهنى واذا نظرت فى مسئلة تتعلق به فكأنما احاول جبلا أحمله قال وقد كملت عندى الات الاجتهاد بحمد الله الى ان قال ولو شئت أن اكتب فى كل مسئلة تصينف باقوالها وادلتها النقلية والقياسية ومداركها ونقوضها وأجوبتها والمقارنة بين اختلاف المذاهب فيها لقدرت على ذلك وقال ان العلماء الموجودين يرتبون له من الاسئلة الوفا فيكتب عليها أجوبة على طريقة الاجتهاد قال السخاوى بعد ان نقل هذا الكلام عن صاحب الترجمة فى وصف نفسه ما أحسن قول بعض الاستاذين فى الحساب ما اعترف به عن نفسه مما توهم به أنه متصف أول دليل على بلادته وبعد فهمه لتصريح ايمة الفن بانه فن ذكاء ونحو ذلك وكذا قول بعضهم دعواه الاجتهاد ليستر خطأه(1/313)
ونحو هذا وقد اجتمع به بعض الفضلاء ورام التكلم معه في مسئلة فقال ان بضاعتى فى علم النحو مزجاة وقول اخر له أعلمنى عن الات الاجتهاد ما بقى أحد يعرفها فقال له نعم ما بقى من له مشاركة فيها على وجه الاجتماع فى واحد بل مفرقا فقال له فاذكرهم لى ونحن نجمعهم لك ونتكلم معهم فان اعترف كل واحد لك بعلمه وتميزك فيه امكن ان نوافقك فى دعواك فسكت ولم يبد شيئا وذكر أن تصانيفه زادت على ثلثمائة كتاب رأيت منها ما هو فى ورقة واما ما هو دون كراسة فكثير وسمى منها شرح الشاطبية وألفية فى القراآت مع اعترفه بانه لا شيخ له فيها ومنها ما اختلسه من تصانيف شيخنا يعنى ابن حجر منها كتاب النقول فى أسباب النزول وعين الاصابة فى معرفة الصحابة والنكت البديعات على الموضوعات والمدرج الى المدرج وتذكرة المؤتسى بمن حدث ونسى وتحفة النابه بتلخيص المتشابه وما رواه الواعون فى أخبار الطاعون والاساس فى مناقب بنى العباس وجزء فى أسماء المدلسين وكشف النقاب عن الالقاب ونشر العبير في تخريج أحاديث الشرح الكبير قال فكل هذه مصنفات شيخنا وليته إذا اختلسها لم يمسخها ولو مسخها على وجهها لكان أنفع ومنها ماهو لغيره وهو الكثير هذا ان كانت المسخيات موجودة كلها والا فهو كثير المجازفة جاءنى مرة فزعم أنه فرأ مسند الشافعى على القميصى فى يوم فلم يلبث ان جاء القميصى وأخبرنى متبرعا بما تضمن كذبه حيث أخبر أنه بقى منه جانب قال السخاوى وقال انه عمل النفحة المسكية والتحفة المكية فى كراسة وهو بمكة على نمط عنوان الشرف لابن المقرى فى يوم واحد وانه عمل ألفية(1/314)
فى الحديث فايقة على ألفية العراقى إلى غير ذلك مما يطول شرحه ثم قال كل ذلك مع كثرة ما يقع له من التحريف والتصحيف وما ينشأ عن عدم فهم المراد لكونه لم يزاحم الفضلاء فى دروسهم ولا جلس معهم فى شانهم وتعريسهم بل استند باخذه من بطون الدفاتر والكتب واعتمد ما لا يرتضيه من اللاتقان صحب وقد قام الناس عليه كافة لما ادعى الاجتهاد ثم قال وبالجملة فهو سريع الكتابة لم أزل أعرفه بالهوس ومزيد الترفع حتى على أمه بحيث كان تزيد في التشكى منه ولا يزال أمره فى تزايد من ذلك فالله يلهمه رشده ونقل عنه أنه قال تركت الافتاء والاقراء واقبلت على الله وزعم انه راى مناما يقتضى ذم النبى صلى الله عليه وآله وسلم له وأمر خليفته الصديق بحبسه سنة ليراجع الاقراء والافتاء وانه استغفر الله بعد ذلك واقبل على الافتاء بحيث لوجىء اليه بفتيا وهو مشرف على الغرق لأخذها ليكتب عليها قال ومن ذلك أنه توسل عند الامام البرهان الكركى فى تعيينه لحجة كانت تحت نظره فأجابه وزاد من عنده ضعف الاصل فما قال له جزيت خيرا ولا أبدى كلمة تؤذن بشكره قال ومن هوسه أنه قال لبعض تلامذته إذا صار الينا القضاء قررنا لك كذا وكذا بل تصير أنت الكل هذا حاصل ماذكره السخاوي فى كتابة الضوء اللامع فى ترجمة الجلال السيوطى وختمها بقوله انه ألف مؤلفا سماه الكاوى فى الرد على السخاوى وأقول لا يخفى على المنصف ما في هذا المنقول من التحامل على هذا الامام فانه ما اعترف به من صعوبة علم الحساب عليه لا يدل على ما ذكره من عدم الذكاء فان هذا الفن لا يفتح فيه على ذكى إلا نادرا(1/315)
كما نشاهده الآن فى أهل عصرنا وكذلك سكوته عند قول القايل له تجمع لك أهل كل فن من فنون الاجتهاد فان هذا كلام خارج عن الانصاف لأن رب الفنون الكثيرة لا يبلغ تحقيق كل واحد منها ما يبلغه من هو مشتغل به على انفراده وهذا معلوم لكل احد وكذا قوله انه مسخ كذا وأخذ كذا ليس بعيب فان هذا مازال دأب المصنفين يأتى الاخر فيأخذ من كتب من قبله فيختصر أو يوضح او يعترض أو نحو ذلك من الأغراض التى هى الباعثة على التصنيف ومن ذاك الذى يعمد الى فن قد صنف فيه من قبله فلا يأخذ من كلامه وقوله انه رأى بعضها فى ورقة لا يخالف ما حكاه صاحب الترجمة من ذكر عدد مصنفاته فانه لم يقل انها زادت على ثلثمائة مجلد بل قال انها زادت على ثلثماية كتاب وهذا الاسم يصدق على الورقة وما فوقها وقوله انه كذبه القميصى بتصريحه أنه بقى من المسند بقية ليس بتكذيب فربما كانت تلك البقية يسيرة والحكم للاغلب لاسيما والسهو والنسيان من العوارض البشرية فيمكن أنه حصل أحدهما للشيخ أو تلميذه وقوله انه كثير التصحيف والتحريف مجرد دعوى عاطلة عن البرهان فهذه مؤلفاته على ظهر البسيطة محررة أحسن تحرير ومتقنة أبلغ اتقان وعلى كل حال فهو غير مقبول عليه لما عرفت من قول أئمة الجرح والتعديل بعدم قبول الأقران فى بعضهم بعضا مع ظهور أدنى منافسة فكيف بمثل المنافسة بين هذين الرجلين التى أفضت إلى تأليف بعضهم فى بعض فان أقل من هذا يوجب عدم القبول والسخاوى رحمه الله وان كان اماما غير مدفوع لكنه كثير التحامل على أكابر أقرانه كما يعرف ذلك من طالع كتابه الضوء اللامع فانه لا يقيم(1/316)
لهم وزنا بل لا يسلم غالبهم من الحط منه عليه وإنما يعظم شيوخه وتلامذته ومن لم يعرفه ممن مات فى أول القرن التاسع قبل موته أو من كان من غير مصره أو يرجو خيره او يخاف شره وما أحسن ماذكره في كتابة الضوء اللامع فى ترجمة عبد الباسط بن يحيى شرف الدين فانه قال وربما صرح بالانكار على الفقهاء فيما يسلكونه من تنقيص بعضهم لبعض وقد حكى انه بينما هو عند الدوادار وبين يديه فقيه واذا باخر ظهر من الدوار فاستقبله ذلك الجالس بالتنقيص عند صاحب المجلس واستمر كذلك حتى وصل اليهم فقام إليه ثم انصرف فاستبدبره القائم حتى اكتفى ثم توجه قال فسألنى الدوادر من الصادق منهما فقلت أنتم أخبر فقال انهما كاذبان فاسقان ونحو ذلك انتهى وأما ما نقله من اقوال ما ذكره من العلماء مما يؤذن بالحط على صاحب الترجمة فسبب ذلك دعواه الاجتهاد كما صرح به ومازال هذا دأب الناس مع من بلغ إلى تلك الرتبة ولكن قد عرفناك فى ترجمة ابن تيمية أنها جرت عادة الله سبحانه كما يدل عليه الاستقراء برفع شان من عودى لسبب علمه وتصريحه بالحق وانتشار محاسنه بعد موته وارتفاع ذكره وانتفاع الناس بعلمه وهكذا كان أمر صاحب الترجمة فان مؤلفاته انتشرت فى الأقطار وسارت بها الركبان الى الأنجاد والأغوار ورفع الله له من الذكر الحسن والثناء الجميل مالم يكن لاحد من معاصريه والعاقبة للمتقين ولم يذكر السخاوى تاريخ وفاة المترجم له لانه عاش بعد موته فان السخاوى مات فى سنة 902 كما سيأتى في ترجمته ان شاء الله تعالى تجاوز الله عنهما جميعا وعنا بفضله وكرمه وكان موت صاحب الترجمة بعد أذان الفجر المسفر صباحه عن يوم الجمعة تاسع
عشر جمادى الاولى سنة 911 احدى عشرة وتسعمائة(1/317)
229- عبد الرحمن بن الحسن الأكوع
شيخ الفروع ومحققها قرأها بمدينة ذمار على أكابر شيوخها كالعلامة الحسن بن أحمد الشبيبى وأقرانه ثم ارتحل الى صنعاء ودرس فى شرح الأزهار وبيان ابن مظفر فى جامعها ورغب اليه الطلبة واجتمعوا اليه فكان يحضر درسه جماعة نحو الثلاثين والأربعين ثم مازال الناس يأخذون عنه أياما طويلة وكان أخوه على بن حسن الأكوع وزير الامام المهدى العباس بن الحسين ثم وزيرا لولده مولانا خليفة العصر المنصور بالله فى أوائل خلافته المباركة ثم نكبه ونكبه جميع قرابته وكان من جملتهم صاحب الترجمة وصودروا جميعا على تسليم أموال أخذت منهم وكان ذلك في سنة 1193 ثم أفرح عنهم وتعقب ذلك أنه ضعف بصر المترجم له ثم ترك التدريس حتى مات وكان ملازما للطاعات محافظا على الجماعات أيام ذهاب بصره وكان قبل ذلك رافه العيش متأنقا فى مطعمه ومشربه وملبسه لا شغلة له بطلب الرزق ولا التفات منه الى ذلك قد كفاه أخواه مؤنة الطلب وأحدهما على المتقدم ذكره والاخر عبدالله ابن الحسن وكان متعلقا بالأعمال الجليلة من أعمال الدولة حتى ولى بندر المخاومات فى أيام الامام المهدى وقرأت على صاحب الترجمة أوائل شفاء الأمير الحسين ومات فى شهر ذى الحجة سنة 1206 ست وماتين والف(1/318)
230- عبد الرحمن بن على بن محمد بن عمر بن على بن يوسف ابن أحمد بن عمر الشيباني الزبيدى الشافعى المعروف بابن الديبع وهو لقب لجده الاعلى على بن يوسف ومعناه بلغة النوبية الابيض ولد فى عصر يوم الخميس رابع المحرم سنة 866 ست وستين وثمان مائة بزبيد ونشأ بها فحفظ القرآن وتلاه للسبع على خاله أبى النجا والشاطبية والزبد للبارزى وبعض البهجة واستغل فى علم الحساب والجبر والمقابلة والهندسة والفرايض والفقه والعربية على خاله المشار اليه وعلى ابراهيم بن جعمان وفي الحديث والتفسير على الزين احمد الشرحى وحج مرارا أولها في سنة 883 وقرأ بمكة على السخاوى ثم برع لاسيما فى فن الحديث واشتهر ذكره وبعد صيته وصنف التصانيف منها تيسير الوصول إلى جامع الأصول اختصره اختصارا حسنا وتداوله الطلبة وانتفعوا به وفىالتاريخ قرة العيون بأخبار اليمن الميمون وبغية المستفيد بأخبار مدينة زبيد وكان السلطان عامر بن عبد الوهاب قد عظمه وولاه تداريس وله أشعار فى مسائل علمية وضوابط وتحصيلات وله شهرة فى اليمن طايلة إلى الان(1/319)
231- السيد عبد الرحمن بن قاسم المدانى قرأ علم الفقه بمدينة ذمار ثم رحل إلى صنعاء وأخذ فى غيره فشارك مشاركة ركيكة لغلبة علم الفقه عليه ثم درس فى علم الفقه بصنعاء وأخذ عنه الناس طبقة بعد طبقة وأخذت عنه فى شرح الأزهار في أوائل أيام طلبى وكان زاهدا ورعا متقللا من الدنيا عفيفا حسن الأخلاق جميل المحاضرة راعيا فى الفوائد العلمية بحيث انه صار عاجزا لا يمشى الا متوكيا على العصا وكان اذا لقينى قام واعتمد على عصاته ثم باحثنى بمباحث فقهية دقيقة وكنت إذ ذاك قد امعنت في طلب علم الفقه على غيره وكان يحب المجون من دون مجاوزة للحد مع ظرافة زايدة وتواضع كامل مات فى شهر ذى القعدة سنة 1211 احدى عشر ومائتين وألف وأظنه قد قارب التسعين رحمه الله(1/320)
232- عبد الرحمن بن محمد بن محمد بن محمد بن الحسن بن محمد بن جابر ابن محمد بن ابراهيم بن محمد بن عبد الرحيم ولى الدين الاشبيلى الاصل التونسى ثم القاهرى المالكى المعروف بابن خلدون ولد فى أول رمضان سنة 732 اثنتين وثلاثين وسبعمائة بتونس وحفظ القرآن والشاطبيتين ومختصر ابن الحاجب الفرعى والتسهيل في النحو وتفقه بجماعة من أهل بلده وسمع الحديث هنالك وقرأ فى كثير من الفنون ومهر فى جميع ذلك لاسيما الادب وفن الكتابة ثم توجه فى سنة 753 إلى فاس فوقع بين يدى سلطانها ثم امتحن واعتقل نحو عامين ثم ولى كتابة السر وكذا النظر فى المظالم ثم دخل الاندلس فقدم غرناطة فى أوائل ربيع الاول سنة 764 وتلقاه سلطانها ابن الاحمر عند قدومه ونظمه في أهل مجلسه وكان رسوله الى عظيم الفرنج باشبيلية فقام بالامر الذى ندب اليه ثم توجه في سنة 766 الى بجاية ففوض اليه صاحبها تدبير مملكته مدة ثم استأذن فى الحج فأذن له فقدم الديار المصرية فى ذى القعدة سنة 784 فحج ثم عاد الى مصر فتلقاه أهلها وأكرموه وأكثروا من ملازمنه والتودد اليه وتصدر للاقراء في الجامع الازهر مدة ثم قرره الظاهر برقوق فى قضاء المالكية بالديار المصرية في جمادى الاخرة سنة 786 وفتك بكثير من الموقعين وصار يعزر بالصفح ويسميه الزج فاذا(1/320)
غضب على انسان قال زجوه فيصفع حتى تحمر رقبته وعزل ثم أعيد وتكرر له ذلك حتى مات قاضيا فجاءة في يوم الأربعاء لأربع بقين من رمضان سنة 808 ثمان وثمان مائة ودفن بمقابر الصوفية خارج باب النصر ودخل مع العسكر في أيام انفصاله عن القضاء لقتال تيمور فقدر اجتماعه به وخادعه وخلص منه بعد أن أكرمه وزوده قال بعض من ترجمة انه كان في بعض لاياته يكثر من سماع المطربات ومعاشرة الاحداث وقال اخر كان فصيحا مفوها جميل الصورة حسن العشرة اذا كان معزولا فاما اذا ولى فلا يعاشر بل ينبغي ان لا يرى وقال ابن الخطيب انه رجل فاضل جم الفضائل رفيع القدر أصيل المجد وقور المجلس عالى الهمة قوى الجأش متقدم فى فنون عقلية ونقلية متعدد المزايا شديد البحث كثير الحفظ صحيح التصور بارع الخط حسن العشرة وأثنى عليه المقريزي وكان الحافظ أبو الحسن الهيثمى يبالغ فى الغض منه قال الحافظ بن حجر فلما سألته عن سبب ذلك ذكر لى أنه بلغه أنه قال فى الحسين السبط رضى الله عنه انه قتل بسيف جده ثم أردف ذلك بلعن ابن خلدون وسبه وهو يبكى قال ابن حجر لم توجد هذه الكلمة فى التاريخ الموجود الان وكأنه كان ذكرها في النسخة التى رجع عنها قال والعجب ان صاحبنا المقريزى كان يفرط فى تعظيم ابن خلدون لكونه كان يجزم بصحة نسب بنى عبيد الدين كانوا خلفاء يمصر ويخالف غيره في ذلك ويدفع ما نقل عن الأئمة من الطعن في نسبهم ويقول انما كتبوا ذلك المحضر مراعاة للخليفة العباسى وكان المقريزى ينتمى إلى الفاطميين كما سبق فأحب ابن خلدون لكونه أثبت نسبهم وجهل مراد ابن خلدون فانه كان لانحرافه عن العلوية(1/321)
يثبت نسبه العبيديين اليهم لما اشتهر من سوء معتقدهم وكون بعضهم نسب الى الزندقة وادعاء الالهية كالحاكم فكأنه أراد أن يجعل ذلك ذريعة الى الطعن هكذا حكاه السخاوى عن ابن حجر والله أعلم بالحقيقة واذا صح صدور تلك الكلمة عن صاحب الترجمة فهو ممن أضله الله على علم وقد صنف تاريخا كبيرا في سبع مجلدات ضخمة أبان فيها عن فصاحة وبراعة وكان لا يتزيا بزى القضاة بل مستمر على زى بلاده وله نظم حسن فمنه ( أسرفن فى هجرى وفي تعذيبى *** وأطلن موقف عبرتى ونحيبى ) ( وأبيين يوم البين وقفة ساعة *** لوداع مشغوف الفؤاد كئيب ) وترجمه ابن عمار أحد من أخذ عنه فقال الأستاذ المنوه بلسانه سيف المحاضرة كان يسلك فى اقرائه للاصول مسلك الاقدمين كالغزالى والفخر الرازى مع الانكار على الطريقة المتأخرة التى أحدثها طلبة العجم ومن تبعهم من التوغل فى المشاحة اللفظية والتسلسل فى الحدبة والرسمية اللتين أثارهما العضد وأتباعه في الحواشى عليه وينهى الناقل غضون اقرأئه عن شىء من هذه الكتب مستندا إلى أن طريقة الأقدمين من العرب والعجم وكتبهم فى هذا الفن على خلاف ذلك وأن اختصار الكتب فى كل فن والتقيد بالالفاظ على طريقة العضد وغيره من محدثات المتأخرين والعلم وراء ذلك كله قال وله من المؤلفات غير الانشاآت النثرية والشعرية التى هى كالسحر التاريخ العظيم المترجم بالعبر في تاريخ الملوك والامم والبربر حوت مقدمته جميع العلوم(1/322)
233- عبد الرحمن بن محمد بن نهشل الحيمى الحافظ الكبير العلامة الشهير كان من العلماء الجامعين بين علم المعقول والمنقول وله اشتغال بالتدريس في الأمهات ونشرها وبمثل العضد وحواشيه والمطول وحواشيه والرضى في النحو وسائر الكتب المفيدة وقد أخذ عنه الناس واشتهر ومن جملة تلامذته العلامة الحسن بن أحمد الجلال وجماعة أكابر ومنهم القاضى أحمد بن سعد الدين المسورى والقاضى أحمد بن صالح بن أبى الرجال ولكنه ماسلم من الامتحان من أهل عصره لسبب اشتغاله بالامهات علما وعملا وتدريسا وليس ذلك ببدع فهذا شأن هذه الديار من قديم الاعصار ومن مشايخه السيد الحسن بن شمس الدين ويحيى بن احمد الصابونى والحافظ بن علان وبالجملة فصاحب الترجمة من اكابر العلماء المتبحرين في جمع العلوم ومازال مكبا على ذلك حتى توقاه الله تعالى سابع وعشرين ربيع الاول سنة 1068 ثمان وستين وألف بصنعاء ودفن بجربة الروض(1/323)
234- عبد الرحمن بن يحيى الآنسى ثم الصنعانى
ولد في شهر ذى القعدة سنة 1168 ثمان وستين ومائة وألف ونشا بصنعاء فأخذ في علم العربية وغيره عن جماعة كالسيد اسمعيل بن اسمعيل ابن ناصر الدين والسيد العلامة عبد الله بن محمد الأمير وغيرهما وأخذ في الفقه على شيخنا العلامة احمد بن محمد الحرازى وفي الحديث على المحدث العلامة لطف البارى بن احمد الورد واكب على المطالعة واستفاد بصافى ذهنه الوقاد ووافي فكره النقاد علوما جمة ولاسيما في العلوم الأدبية فهو فيها أحد أعيان العصر المجيدين وولاه خليفة العصر حفظه الله القضاء في بعض البلاد اليمنية ثم نقله إلى بلاد حجة وولاه قضاء تلك الجهات وما والاها وباشره مباشرة حسنة بعفة وصيانة وحرمة ومهابة وصرامة بحيث صار أمره فيها أنفذ من أمر العمال وقد يغزو بعض المبطلين او المخالفين للشرع بجماعة معه ويقدم اقداما يدل على شجاعة ويسلك مسالك يقوده اليها حسن التدبير فبمجموع هذه الاوصاف صار لا يسد غيره مسده ولا يقوم مقامه سواه مع أن هذه الولاية هى دون جليل قدره ولكن مثل تلك الجهات مع شرارة أهلها وتعجر فهم وقوة صولتهم لا ينفذ الاحكام الشرعية فيهم الامثلة ومع هذا فهو عاكف على مطالعة العلوم على اختلاف أنواعها مستغرق غالب ساعاته في ذلك كثير المذاكرة والمباحثة في المسائل الدقيقة مغرم بنظم الأشعار الفائقة الجارية على نمط العرب المحبرة بخالص اللغة وغريبها وله من النثر البليغ مايفوق الوصف وقد أجتمعت به فرأيت من حسن محاضرته وطيب منادمته وقوة ذهنه وسرعة فهمه ما يقصر عنه الوصف وقد كتب الى رسالة مشتملة على عشرة أسئلة أجبت عليها برسالة سميتها طيب النشر في جواب المسائل العشر وهى موجودة في مجموع رسايلى وكتب الى هذه القصيدة الطنانة بعد أن قدم بين يديها هذا النثر الفائق ولفظه من عبد الرحمن ابن يحيى غفر الله لهما إلى المولى المنسوب الى كل علم نسبة مؤثرة في العين عن ملكه قوية البنا على عناية وعنا الموضوع باول الأولى من طبقات أهله لا تقتضيه المعاجيم بل بأحقية التقديم المسلمة اليه من كل عظيم الموصوف به على أفعل التفضيل وصيغ التكثير التامة وتأنيث(1/324)
المبالغة ذي العلامة من الاعلم والعلام والعلامة ( علامة العلماء والبحر الذي *** لا ينتهى ولكل بحر ساحل ) من لا تضرب اليوم آباط المطي الا إلى مثله ولا يخط في بياض النهار كسواد ظله والقاضى المقرون بمعية اللام لوجود مقتضيها وانتفاء مانعها المسدد بالملك في مطالع قضاياه ومقاطعها ( قاض اذا اشتبه الامر ان عن له *** رأي يفرق بين الماء واللبن ) ( بحر الاسلام حسنة الايام اكرم *** من شرب ماء الغمام مدت مدته ) ( وعدت عدته وحرست مهجته *** وحسنت نهجته واونست بهجته ) أما بعد فانى أحمد اليك الله على تمام ما أولاه وحسن بلاه على أني لم أكن عبدا شكورا وكان الانسان لربه كفورا وأنهى إلى حضرة علمك المنورة وروضة أدبك المنورة كمدى بمفارقتها وشوقى لمشاهدتها وكلفى بفايدتها وحاجتى لعايدتها وانى لا أذكر منك ذلك المجلس القصير واللقاء بالملتقى من جناج طاير يطير الا وقفت به من علمك على شاطىء بحر لجي فاغترفت غرفة بيدى لم ينقع صداى ولم يبلغ ثلجى الا أنشدت برنة المتشجى ( باهل إلى سرحه الوادى مؤوبة *** قبل الممات بذى وجدبها ناشى ) ( ألم المامة لم تجتن ثمرا *** ولا تفيأ ظلا غير اكباش ) ولولا تروحى باملى أن أملا لزامك والمثول أمامك مثولا أصيب به من علمك خيرا يزجر لى بيمن طيرا ويقينى أن ماذلك على الله بعزيز ولا نايله من سايله في حرز حريز لقد ذهبت نفسى حسرات وضاقت بى فسيحات البسيطات(1/325)
( أعلل النفس بالآمال أرقبها *** ما أضيق العيش لولا فسحة الأمل ) هذا وقد تكلف الفكر الجامد بمصر البليات والذهن الخامد بصرصر النكبات عمل هذه القصيدة بشىء من مدائحك العديدة على أنى لم احل بها عاطلا ولم أرفع بها خاملا وصفات ضوء الشمس تذهب باطلا لأن الوصف مارفع احتمالا أو قلل اشتراكا أو كشف معنى والشمس عن كل في غنى وما لها في أى غنا ووصفك أيها السيد الجليل من ذلك القبيل في ذلك السبيل على أنى لو بصرت أمرى لما سيرت اليك شعرى فقد قال حسان بن ثابت ( وانما الشعر لب المرء يعرضه *** على المجالس ان كيساوان حمقا ) ولكن غلبت المقة على مقتضى عدم الثقة وشجعنى قوله أيضا ( وان أصدق بيت أنت قائله *** بيت يقال اذا أنشدته صدقا ) فقلت وما ضر شعرا مقابلا بالتصديق الصريح أن لا يكون ذا معنى في لفظ فصيح وبعد فأمامه منك عين الرضا ذات الكلال عن العيب والاغضا والسلام ختام ( الا قامت تنازعنى ردائى *** غداة نفضت أحلاس الثواء ) ( مفهفهة كخوط البان تهفو *** الي بعنق خاذلة الظباء ) ( يلوح القرط منه على هواء *** يروقك ذاهبا فيه وجائي ) ( وحابسة لذى نظر طموح *** عليه بلا أمام ولا وراء ) ( وقد أرخى مدامعها ارتحالى *** وكانت ليس تدرى بالبكاء ) ( وقالت لو أقمت لكان ماذا *** حنانيك التفرق والتنائى ) ( وعيشك لو تركت وما تشائى *** لما بعدت سماؤك من سمائى )(1/326)
( ولكن الزمان له صروف *** وقد تعدو على القوم البراء ) ( وقبلى ما نبت أرض بحر *** ففارقها بحب او قلاء ) ( فعنى لست بالرجل المروى *** ولا طوع الحسان من النساء ) ( وعزمى قد علمت اذا ستطارت *** به نية تغلغل ذا مضاء ) ( فكم أغرى الى وادى هبوطى *** ذيابا بالتضور والعواء ) ( وراع العصم في نيق صعودى *** وهاج الربد في خبت نجائى ) ( على وجناء تخترق الموامى *** وتجتاز المياه على الظماء ) ( يعارضها اللصوص ليدركوها *** ومن يعلق براكبة الهواء ) ( فقادتها الادلة اقتبالى *** وساقتها لثانية انثنائى ) ( وما انقشعت غيابتها وفيها *** من الابطاء من ايلى بلائى ) ( وكنت على معسكرها وحكمى *** لهم أما علمت على سوائى ) ( بوضاح ضمان المال عاف *** جنايا العمد شداخ الدماء ) ( وسل عنى العداة فعندهم من *** ممارستى مصدقة ادعائى ) ( وما أنا بالبخيل بنائيات الحقوق *** على الاضافة والثراء ) ( ولا كل على الاخوان عى *** ولا شاكىالصديق من الجفاء ) ( ولا بمفحم ان ناغمتنى *** بنات الشعر منه بالحداء ) ( وقد جربت هذا الدهر حتى *** مرنت على المراضى والمسائى ) ( ولم أعدم على الخطب اصطبارى *** ولم أفقد على الهول اجترائى ) ( ولا استوحشت من شىء أمامى *** ولم أحزن على شىء ورائى ) ( ولولا عالم المصر الذى سر *** ت عنه لما حننت اليه نائي ) ( لنعم محمد رجلا وحق *** له وعليه طيبة الثناء )(1/327)
( هوالبحر الذى جاشت بعلم *** غوارب موجه ذات ارتماء ) ( فطبقت البلاد وعاد منها *** إليه الفضل عن عذر ملاء ) ( تعالى الله معطيه امتنانا *** وليس الله محظور العطاء ) ( لقد آتاه علما من لدنه *** يضيق بوسعه ذات القضاء ) ( ولكن صدره المشروح أضخى *** كما بين الثريا والثراء ) ( وحين لقيته بادى بداء *** بوقت مثل ابهام القطاء ) ( لقيت به الأئمة في فنون *** بفرد الشخص متحد الرواء ) ( ففى علم الكلام أبا على *** وفى علم اللغات أبا العلاء ) ( وفي التصريف عثمان بن جنى *** وفي النحو المبرد والكسائى ) ( وجار الله في علم المعانى *** وابراز النكات من الخفاء ) ( وابن كثير الشيخ المعالى *** من التفسير خافقة اللواء ) ( وزين الدين في التحديث حفظا *** لاسناد ومتن ذا وكاء ) ( ويحيى في الرجال بنقد قول *** جرى فيه بصفو أو جفاء ) ( وفي التاريخ والأخبار جما *** عها الذهبى فهاق الاناء ) ( وفي الفقه ابن رشد من تحلت *** نهايته بحسن الابتناء ) ( وعند قضائه ولدى فتاواه *** عن تبريزه كشف الغطاء ) ( فلو لازمته من بعد أوكا *** ن حظى منه تكرار اللقاء ) ( اذا لغدوت رأسا في علوم *** يكون بهديه فيها اهتدائى ) ( أنادى قائلا قولا سديدا *** يصدق بين مستمعى النداء ) ( بانك صاحب السهم المعلا *** بين سهام ارث الأنبياء ) ( وانك عالم القطر المسمى *** ومجتهد الزمان بلا مراء )(1/328)
( وأن مجدد المائة التى نحن *** فيها لهو أنت بلا امتراء ) ( وأنك لا نرى لك من مثيل *** ولم تر مثل نفسك في المرائى ) ( وأن شريعة الدين استنارت *** بما سميت فيها للقضاء ) ( أصاب بك الخليفة فرض عين *** عليك مضيقا وقت الأداء ) فلو لم تقض بين الناس طوعا *** اثمت بما جنحت الى الاباء ) ( جزيت عن اليتيم وأمه والضعيف *** وقومه خير الجزاء ) ( أخذت لهم بحقهم فباتوا *** وقد أمنوا تعدى الاقوياء ) ( وطائفة على قاض ومفت *** ترادوها بثوب الاعمياء ) ( وساعة ما اتتك فككت منها *** معماها بواضحة السناء ) ( وهذا ربح علمك فاستف خيره *** في الابتداء والانتهاء ) ( ولا برحت سوارى الغيث صنعاء *** ما طرفتك حيافى الحواء ) ( فان تهلك فلا شامت عليها *** عيون الناس بارقة الحياء ) ( ولا حملت عقيب الطهر انثى *** ولا ولدت غلاما ذا ذكاء ) فأجبت عن هذا النظم والنثر بقولى من جمع أشتات الفضائل والفواضل وبلغ في مجده إلى مكان يقصر عنه المتطاول نور حدقة أوانه وانسان عين زمانه من ضرب النجم سرادقه دون مكانه وخفى سنان السماك عند سنا سنانه قريع أوانه فريع خلانه وأخدانه من أشاد بأبياته المشيدات شرعة الاداب واحيا ببلاغته البليغة أرواح أموات رسوم الكتاب فهو الفرد الكامل ذاتا الكل المستحق لنسبة جميع الفضائل إليه أنعاتا ( ليس على الله بمستنكر *** أن بجمع العالم في واحد )(1/329)
وبعد فانه وصل إلى الحقير ذلك العقد الجوهرى الذي هو بكل الأمداح الصحاح الفصاح الصباح حرى وأقول سبحان المانح الفاتح فلقد تلهت وولهت ودلهت بما خبر به كل غاد ورائح لعمرك ما كنت أحسب أنه بقي من يسمو إلى هذه الطبقة التى هى فوق الطباق ولا كان يمر بفكرى أنه قد نشا لهذه الصناعة من رقى فيها إلى هذه الغاية التى لا تطاق والحمد لله الذى زين العصر بمثلك وحفظ شرعة الآداب بوافر علمك وفضلك ونبلك وليعلم الأخ أيده الله ان جواد قريحتى القريحة لا يجرى بهذا الميدان وسنان فكرتى السقيمة العقيمة لا تغنى عند تطاعن الفرسان بالمران فانى على مرور الاعصار لم أتلبس بشعار الأشعار ولا رضت ذهنى الكليل بالطراد في هذا المضمار ( وما الشعر هذا من شعارى وأنما *** أجرب فكرى كيف يجرى نجيبه ) فلم يكن لى من ذلك الا نظم الفقيه في الاحكام أو ما يجرى مجرى الكلام عند اقتضاء المقام وكنت قد عزمت أن أتطفل على مكارم أخلاقك بطلب بسط العذر عن الجواب فرارا مما قاله ابن الخازن في نظم اداب الاداب وهربا من عراضة صحيفة العقل على أنظار أرباب الالباب وحذرا من الوقوع فيما قاله اخو الأعراب ( وأنما الشعر صعب سلمه *** إذا ارتقى فيه الذي لا يعلمه ) ( يريد ان يعربه فيعجمه *** زلت به إلى الحضيض قدمه ) غير أنه لاح للخاطر الفاتر وقوة النظر القاصر أن مكاتبات الاحباب ومراجعات خلص الأصحاب مفيدة بقيود ومحدودة برسوم وحدود منها التسامح وأطراح التكلفات وغض طرف الانتقاد عند(1/330)
عروض الكبوات كما جرت به المألوفات من جوارى العادات وثانيهما اسبال ذيول الستور على ما أبرزته الى قالب العثور أيدى القصور وثالثها أن المقصد الاهم والمطلب الاعظم ليس إلا ماذكره أرباب البيان من نكتة التلذذ بارخاء عنان اللسان في مخاطبات الخلان فلما ارتسمت في الذهن هذه التصورات انتقل بعد شرح هذه الماهية إلى مقاصد التصديقات فانتج له الترتيب الرضى بان يقال مجيب غير مصيب لامصيب غير مجيب فعطل من ساعات اشغاله ساعة أزجى فيها الى سوحك هذه البضاعة بفكر علم الله كليل وذهن شهد الله عليل على أنهما فيما عهدت سيف صقيل ولا ريب فان لطيف الكدر اذا انطبع في المرآة تشوش الناظر فكيف بمن يطرق قلبه في اليوم القصير من رياح الارواح وقتام الاشباح أعاصير فدون الدون من تلك الأمور تنصدع له الصخور وتغور منه البحور ( لولابس الصخر الأصم بعض ما *** يلقاه قلبى فض أصلاد الصفا ) فدونك أيها الحبيب مراجعة من لم يحظ من قربك بنصيب وشرب من صاب بينك باقداح وغص لفراقك بالماء القراح ( دعى لومى على فرط الهواء *** وداوى ان قدرت على الدواء ) ( وكونى عن سلوى في سلو *** إذا أنوى الحبيب على النواء ) ( أبانوا يوم بانوا عن فؤادى *** عرى صيرى فبانوا بالعراء ) ( فلا حملت هوادجها الهوادى *** ولا سمعت تراجيع الحداء ) ( تخب بكل عامرة وقفر *** وتخترق الموامى للتنائى ) ( فانحي حاذر يوما عليها *** وضرج قادميها بالدماء )(1/331)
وناشتها السباع ومزقتها *** القشاعم بين أدلاج الفضاء ) ( وياحادى المطى الا رثاء *** وشر الناس مسلوب الرثاء ) ( حدوت فكم عقول طايشات *** وأرواح تروح إلى الفناء ) ( فلا رفعت يداك اليك سوطا *** ولا نقلتك مسرعة الخطاء ) ( تروعنى ببين بعد بين *** طويل في قصير من لقاء ) ( امابسوى الفراق لقيت قلبى *** لتعلم في الحوادث ما عنائى ) فانى ان ألم الخطب يوما *** وضاق بحمله وجه الثراء ) ( وطاشت عنده أحلام قوم *** وحاد الآخرون الى الوراء ) ( أقوم به اذا قعدوا لديه *** وادفعه اذا أعيا سواى ) ( وما المرء المكمل غير حر *** له عند العنا كل الغناء ) ( تساوى عنده خير وشر *** يرى طعم المنية كالمناء ) ( يحوز السبق في أمن وخوف *** ويكرم عند فقر أو غناء ) ( تراه وهو ذو طمرين يمشى *** بهمته على هام السماء ) ( تقدمه فضائله اذا ما *** تفاخر بالملا كل الملاء ) ( ألا ان الفتى رب المعالى *** إذا حققت لارب الثراء ) ( ومن حاز الفضائل غير وان *** فذاك هو الفتى كل الفتاء ) ( فما الشرف الرفيع بحسن ثوب *** ولا دار مشيدة البناء ) ( ولا بنفوذ قول في البرايا *** فان نفوذه أصل البلاء ) ( فرأس المجد عند الحر علم *** يجود به على غاد وجائى ) ( إذا ما المرء قام بكل فن *** قياما في السمو إلى السماء ) ( وصار له بمدرجه صعود *** إلى عين الحقيقة والجلاء )(1/332)
( وقام لدفع معضلة وحل *** لمشكلة ورفع للخفاء ) ( فذاك الفرد في ملأ المعالى *** كما الفرد ابن يحيى في الملاء ) ( فتى يهتز عطف الدهر شوقا *** اليه لانه رب العلاء ) ( اذا ما جال في بحث ذكاه *** تنحى عنه أرباب الذكاء ) ( وان ما راه ذو لدد أتاه *** بما يثنيه عن فرط المراء ) ( تقاصر عن مداه كل حبر *** لما يلقاه من بعد المداء ) ( فيامن صار في سلك المعالى *** هو الدر النفيس لكل راء ) ( وضمخ مسمع الايام طيبا *** بما قد طاب من حسن الثناء ) ( وقام بفترة الآداب يدعو *** وفى يمناه خافقة اللواء ) ( بلغت من العلوم الى مكان *** تمكن فى السمو وفي السناء ) ( قعدت من البلاغة في محل *** به الصابي يعود الى الصباء ) ( وصغت من القريض بنات فكر *** دفعت بها الورى نحو الوراء ) ( وجيه الدين دمت لكل فن *** تبهرج فيه أهل الادعاء ) ( تذود الشائنين له بجهل *** فيصفو العلم عن شوب القذاء ) ( علومك زانها سمت بهى *** وحسن السمت من حلل البهاء ) ( أتانى يابن يحيى منك نظم *** تعالى عن نظام أبى العلاء ) ( على نمط الاعارب فى لغات *** وفى حسن الروى وفى الرواء ) ( تحدى من تعاوزه هموم *** يعود بها الجلي الى الخفاء ) ( يعانى من خصوم أو خصام *** خطوبا فى الصباح وفي المساء ) ( فحينا فى صراخ أو عويل *** وحينا فى شكاء أو بكاء ) ( وان يصفو له وقت تراه *** يوقع فى رقاع الادعاء )(1/333)
( ويمضى الليل فى نشر وطى *** لاسجال قد يمات البناء ) ( وقفنا يابن ودي فى شفير *** ومن زار الشفير على شفاء ) ( بذا قد جاءنا نص صريح *** فما ذاك السبيل الى النجاء ) ( فان قلت النصوص بعكس هذا *** اتتنا بالاجور وبالرجاء ) ( كما فى أجر من يقضى بحق *** ويعمل باجتهاد فى القضاء ) ( ويعدل فى حكومته برفق *** ويلتف المكاره بالرضاء ) ( ويلبس بالقنوع رداء عز *** يطرزه بوشي الاتقاء ) ( ويدرع التصبران دهاه *** من الخصمين لافحة البلاء ) ( فذاك كما يقول وأين هذا *** هو العنقاء بين أولى النهاء ) ( قصارى ما تراه بغير شك *** مراء أو فضول من مرائى ) ( ومن لم يعقل البرهان يوما *** فانى ينتحيه فى القضاء ) ( إذا لم يفطن التركيب قاض *** فقل لى كيف يفطن بالخطاء ) ( ومن خفيت عليه الشمي حينا *** فكيف تراه يظفر بالسهاء ) ( ومن أعياه نور من نهار *** فكيف يروم ادراك البهاء ) ( وهذى نفثة من صدر حر *** أطال ذيولها صدق الاخاء ) ( وانزر ما يبوح بها شجي *** إلى أحبابه بث الشجاء ) ( واعظم مستفاد من عهاد *** تواصلنا باصناف الدعاء ) ( ودم يابن الكرام في نعيم *** عظيم فى الصفات وفى الصفاء ) وقد طال شوط القلم ولكن أحببت ان لا أخلى ترجمة هذا الفاضل من ذكر مثل هذه العقيلة التى زفها من بنات فكره فانها من أعظم الأدلة على أن هذه الأعصار غيرخالية عن قائم بحفظ شرعة الآداب(1/334)
وأما ذكر قصيدتى عقبها فليس إلا للتصريح ببعض ما يستحقه المترجم له من الممادح التى اشتملت عليها وكتب إلى قصيدة فريدة مطلعها ) ( وأوله سيطت بقلبى من الهوى *** فقل بالهوى بالأولية بادى ) وأجبت عليه بقصيدة مطلعها ( وفود حبيب أم ورود عهاد *** وصوت بشير أم ترنم شاد ) ثم سمح الزمان باجتماعى به في صنعاء وغيرها وكثر اتصالنا وكتب إلى من نظمه الفائق ونثره الرائق الكثير الطيب وهو موجود فى مجموع مادار بينى وبين أهل الادب وموجود فى ديوان شعره الذى قد صار من جملة كتبى وهو الآن طالت ايامه قائم بالقضاء فى حجة وبلادها ويفد إلى صنعاء لقصد زيارة أقاربه واحبابه وله شعر كثير جميعه غرر وبالجملة فهو غريب الأسلوب غزير الشؤبوب مطرد الأنبوب(1/335)
235- عبد الرحيم بن الحسن بن على بن عمر بن على بن ابراهيم الارموى الأسنوى نزيل القاهرة الشيخ جمال الدين ابو محمد ولد فى العشر الأواخر من ذى الحجة سنة 704 أربع وسبعمائة وقدم القاهرة سنة 721 وحفظ التنبيه وسمع الحديث من الدبوسى والصابونى وغيرهما وحدث بالقليل وأخذ العلم عن الجلال القزوينى والقونوى وغيرهما وأخذ العربية عن أبى حيان ثم لازم بعد ذلك التدريس والتصنيف فصنف التصانيف المفيدة منها المهمات والتنقيح فما يرد على الصحيح والهداية إلى أوهام الكفاية وزائد الأصول وتلخيص الرافعى الكبير وله الأشباه والنظاير ولم يبيضه وله البدور الطوالع فى الفروق والجوامع وشرح المنهاج للنووى ولم يكمل وشرح المنهاج للبيضاوى وغير ذلك وكان فقيها ماهرا ومعلما ناصحا ومفيدا صالحا مع البر والدين والتودد والتواضع وكان يقرب الضعيف المستهان به من طلبته ويحرص على ايصال الفايدة الى البليد وربما ذكر عنده المتبدىء الفائدة المطروقة فيصغى كأنه لم يسمعها جبرا لخاطره وله مثابرة على ايصال البر والخير إلى كل محتاج مع فصاحة عبارة وحلاوة محاضرة ومروءة بالغة وقد ولى وكالة بيت المال والحسبة ودرس مدارس ثم عزل نفسه عن الحسبة لكلام وقع بينه وبين الوزير فى سنة 762 ثم عزل نفسه من الوكالة فى سنة 766 وانتفع به جمع جم وقد أفرد له العراقى ترجمة ذكر فيها يسيرا من مناقبه وفضايله ونظمه وبالغ في الثناء عليه وكان هو يحبه ويعظمه وذكره في طبقات الشافعية فى أثناء ترجمة ابن سيد الناس ووصفه بأنه حافظ عصره وذكره في موضع آخر من المهمات قال ابن حبيب امام بحر علمه عجاج وماء فضله ثجاج ولسان قلمه عن المشكلات فراج كان بحرا فى الفروع والأصول محققا لما يقول من النقول تخرج به الفضلاء وانتفع به العلماء وذكر ان فراغه من تصنيف جواهر البحرين سنة 735 ومن المهمات سنة 760 قال القاضى تقى الدين الاسدى انه شرع في التصنيف بعد الثلاثين وشرح المنهاج مهذب منقح وهوأنفع شروحه مع كثرتها وكانت وفاته ليلة الأحد ثامن عش جمادى الأولى سنة 772 اثنتين وسبعين وسبعمائة(1/336)
236- عبد الرحيم بن الحسين بن عبد الرحيم بن أبى بكر بن ابراهيم بن الزين أبو الفضل الكردى الأصل الشافعى المعروف بالعراقى
الحافظ الكبير ولد فى حادى وعشرين جمادى الأولى سنة 725 خمس وعشرين وسبعماية بمصر بعد أن تحول والده اليها وسمع من القاضى سنجر والقاضى تقى الدين الأحبائى المالكى وسمع من آخرين وحفظ الحاوي والالمام لابن دقيق العيد وكان ربما حفظ فى اليوم أربعمائة سطر ولازم الشيوخ فى الدراية فقرأ القرا ات السبع ونظر في الفقه وأصوله على جماعة كابن عدلان والأسنوى وفى أثناء ذلك أقبل على علم الحديث فأخذ عن جماعة منهم العلاء التركمانى وبه انتفع ورحل إلى بيت المقدس ومكة والشام فأخذ عن شيوخ هذه الجهات وحبب الله اليه هذا الشأن فاكب عليه من سنة 752 حتى غلب عليه وتوغل فيه وصار لا يعرف الا به وتفرد مع وجود شيوخه وقال العز بن جماعة وهو من شيوخه كل من يدعى الحديث بالديار المصرية سواه فهو مدفوع وتصدى للتصنيف والتدريس ومن جملةمصنفاته تخريج أحاديث الاحياء والألفية فى علم الحديث وشرحها ونظم منظومة فى السيرة النبوية واخرى فى غريب القرآن ونظم الاقتراح لابن دقيق العيد وشرح الترمذي لابن سيد الناس فكتب منه تسع مجلدات ولم يكمل وشرع فيه من أوائل كتاب الصلوة من حيث بلغ الحافظ بن سيد الناس لانه قد كان شرع فى شرح الترمذى فكتب مجلدا بلغ فيه إلى أوايل كتاب الصلوة ووقفت عليه بخطه رحمه الله ووقفت على المجلد الاول من شرح صاحب الترجمة وهو(1/337)
إلى أواخر كتاب الصلوة وهذا المجلد الذى وقفت عليه هو بخط الحافظ ابن حجر وفيه بخط مصنفه وهو شرح حافل ممتع فيه فوايد لا توجد فى غيره ولا سيما في الكلام على أحاديث ( ) الترمذى وجميع ما يشير اليه في الباب وفى نقل المذاهب على نمط غريب وأسلوب عجيب ومن مصنفاته الاستعاذة بالواحد من إقامة جمعتين فى مكان واحد وتكملة شرح المهذب للنووى واستدرك على المهمات للاسنوى ونظم المنهاج للبيضاوى وغيرذلك وولى تدريس الحديث بدار الحديث الكاملية والظاهرية وجامع ابن طولون وحج مرارا وجاور وأملى هنالك وولى قضاء المدينة النبوية وخطابتها وإمامتها فى ثانى عشر جمادى الاولى سنة 788 ثم صرف بعد مضي ثلاث سنين وخمسة أشهر وعاد إلى القاهرة فشرع فى الاملاء من سنة 895 فاملى أربعمائة مجلس وستة عشر مجلسا وكان منور الشيبة جميل الصورة كثير الوقار نزر الكلام طارحا للتكلف ضيق العيش شديد التوقى فى الطهارة لا يعتمد إلا على نفسه أو على رفيقه الهيثمى وكان كثير الحياء منجمعا عن الناس حسن النادرة والفكاهة قال تلميذه الحافظ ابن حجر وقد لازمته مدة فلم أره ترك قيام الليل بل صار كالمألوف ويتطوع بصيام ثلاثة أيام فى كل شهر وقد رزق السعادة فى ولده الولى فانه كان إماما كما تقدم فى ترجمته وفى رفيقه الهيثمي فانه كان حافظا كبيرا ورزق ايضا السعادة فى تلامذته فان منهم الحافظ ابن حجر وطبقته وكان عالما بالنحو واللغة والغريب والقراءات والفقه وأصوله غير أنه غلب عليه الحديث فاشتهر به وانفرد بمعرفته وقد ترجمه جماعة من معاصريه ومن تلامذته ومن بعدهم وأثنوا عليه جميعا وبالغوا فى تعظيمه ورثاه ابن الجزرى فقال(1/338)
( رحمه الله للعراقى تترى *** حافظ الأرض حبرها باتفاق ) ( اننى مقسم ألية صدق *** لم يكن فى البلاد مثل العراقى ) مات عقيب خروجه من الحمام فى ليلة الاربعاء ثامن شعبان سنة 806 ست وثمان مائة بالقاهرة ودفن بها وله شعر فمنه ( إذا قرأ الحديث على شخص *** وأمل ميتتى ليروح بعدى ) ( فماذا منه انصاف لأنى *** اريد بقاءه ويريد بعدى ) وأملى في صفر سنة موته مجلسا لما توقف النيل ووقع الغلاء المفرط وختمه بقصيدة أولها أقول لمن يشكو توقف نيلنا *** سل الله يمدده بفضل وتأييد ) وختمها بقوله ( وأنت فغفار الذنوب وساتر ال *** عيوب وكشاف الكروب اذا نودى ) وصلى بالناس صلاة الاستسقاء وخطب خطبة بليغة فرأ والبركة بعد ذلك وجاء النيل عاليا(1/339)
237- عبد الرازق بن احمد بن محمد بن محمد بن أحمد بن عمر بن أبى المعالى محمد بن محمود بن أحمد بن محمد ابن أبى المعالى المفضل بن عباس بن عبد الله بن معن بن زايدة الشيبانى المعروف بابن القرطى المروزى الاصل البغدادى ولد فى المحرم سنة 642 اثنتين وأربعين وستمائة واسر فى كائنة بغداد فاتصل بالنصير الطوسى فخدمه واشتغل عليه وسمع من محيى الدين بن الجزرى وباشر كتب خزانة مراغة وهو على مانقل أربعمائة ألف مصنف واطلع على نفايس الكتب فعمل تاريخا حافلا جدا ثم اختصره فى آخر سماه مجمع الآداب ومعجم
الأسماء والالقاب فى خمس مجلدات وله درر الأصداف في نحور الأوصاف والدرر الناصعة في شعراء المائةالسابعة وعنى بالحديث وقرأ بنفسه وكتب بخطه المليح كثيرا وقال ان شيوخه يبلغون خمسمائة وكان له نظم حسن وخط بديع جدا ونظر فى علوم الأوائل وكان مع حسن خطه يكتب فى اليوم اربع كراريس قال الصفدى أخبرنى من رآه ينام ويضع ظهره الى الأرض ويكتب ويداه إلى جهة السقف وقال الذهبى كانت له يد بيضاء في النظم وترصيع التراجم وله ذهن سالم وقلم سريع وخط بديع وبصر بالمنطق والحكمة ويقال انه كان يتناول المسكر ثم تاب وصلح حاله وكان روضة معارف وبحر أخبار وقد ذكر فى بعض تواليفه أنه طالع تواريخ الاسلام ثم سردها تاريخ خوارزم تاريخ أصبهان تاريخ قزوين تاريخ الرى تاريخ مراغة تاريخ البصرة تاريخ الكوفة تاريخ واسط تاريخ سامرا تاريخ تكريت تاريخ الموصل تاريخ ميافارقين تاريخ صقلية تاريخ اليمن وسرد شيئا كثيرا ومات فى ثالث المحرم سنة 722 إثنتين وعشرين وسبعمائة(1/340)
238- عبد الرءوف المناوى شارح الجامع الصغير شرحه شرحا بسيطا وشرحا مختصرا وشرح الشهاب وشرح آداب القضاء وطبقات الصوفية وغير ذلك توفي سنة 1029 تسع وعشرين وألف أوفى التى بعدها ولم أقف له على ترجمة مبسوطة
239- عبد العزيز بن أحمد النعمان الضمدى أحد العلماء الموجودين فى القرن الحادى عشر له مؤلفات مشهورة منها حاشية على الكافية شرح الخبيصى على الكافية ومنها شرح المعيار للامام المهدى ومنها تخريج أحاديث الشفاء للأمير الحسين وتولى القضاء بمواضع من الديار اليمنية كزبيد والمخا ولم أقف علىتعيين مولده ولا وفاته ولكنه موجود فى القرن الحادى عشر كما قدمنا ويروى أن والد المترجم له محمد لا أحمد
240- عبد العزيز بن سرايا بن على بن أبى القاسم بن أحمد بن نصر الطائي الحلى صفى الدين ولد فى شهر ربيع الآخر سنة 677 سبع وسبعين وستمائة وتعانى الادب فمهر فى فنون الشعر كلها وفى علم المعاني والبيان والعربية وتعانى التجارة فكان يرحل الى الشام ومصر وماردين وغيرها فى التجارة ثم يرجع الى بلاده وفى غضون ذلك يمدح الملوك والاعيان وانقطع مدة الى ملوك ماردين وله فى مدائحهم الغرر وامتدح الناصر محمد بن قلاون والمؤيد وكان يتهم بالرفض قال ابن حجر وفى شعره ما يشعر به وكان مع ذلك يتنصل بلسانه وهو في أشعاره موجود فان فيها ما يناقض ذلك وأول ما دخل القاهرة سنة بضع وعشرين فمدح علاء الدين ين الاثير فاقبل عليه وأوصله الى السلطان واجتمع بابن سيد الناس وأبى حيان وفضلاء ذلك العصر فاعترفوا بفضائله وكان الصدر شمس الدين عبد اللطيف يعتقد أنه ما نظم الشعر أحد مثله وهذا لا يسلمه من له معرفة بالادب بالنسبة الى أهل عصره فضلاء عن غيرهم وديوان شعره مشهور يشتمل على فنون كثيرة وله البديعية المشهورة وجعل لها شرحا وذكر فيه أنه استمد من مائة وأربعين كتابا ومن محاسن شعره وفيه الاستخدام فى كلا البيتين
( اذا لم ابرقع بالحيا وجه عفتى *** فلا اشبهته راحتى فى التكرم ) ( ولا كنت ممن يكسر الجفن فى الوغى *** اذا أنا لم أغضضه عن فعل محرم ) مات سنة 752 اثنتين وخمسين وسبعمائة(1/341)
241- عبد العزيز بن محمد بن ابراهيم بن سعد الله بن جماعة بن صخر الكنانى الشافعى
ولد فى تاسع عشر المحرم سنة 694 أربع وتسعين وستمائة وأحضر على عمر بن القواس وأبى الفضل بن عساكر وأجاز له جماعة كالدمياطى وطبقته وبلغ عدد شيوخه ألفا وثلثمائة نفس وتفقه على والده وأخذ عن علاء الدين الباجى وأبى حيان ودرس في سنة 754 الى أن مات وكان حسن الأخلاق كثير الفضائل قال الذهبى سمع وكتب الطباق وعنى بهذا الشأن وولى القضاء بالديار المصرية سنة 728 وباشره بعفة ولم يزل على ذلك الى أن عزل نفسه فى سنة 754 واسأذن فى الحج فأذن له ولم يزل به أمراء الدولة الى أن عاد الى القضاء ثم كان بعض عظماء الدولة يعانده في الأمور الشرعية فعزل نفسه فى سنة 766 وحمل فى كمه ختمة شريفة فتوسل بها الى السلطان فأعفاه واستمر يدرس فى مواضع ثم حج وجاور وله مصنفات قال ابن رافع جمع شيئا على المذهب وعمل المناسك الكبرى والصغرى وخرج أحاديث الرافعى وتكلم على مواضع من المنهاج وقال
الاسنوى في الطبقات نشأ فى العلم ودرس وافتى وصنف تصانيف حسانا وخطب بالجامع الجديد وسار سيرة حسنة فى القضاء وكان حسن المحاضرة سريع الخط سليم الصدر محبا لاهل العلم شديد التصميم فى الأمور التى تصل اليه وكانت فيه عجلة فى الجواب ولم يكن فيه حذق وغالب أموره بحسب من يتوسط بخير أو شر قال ابن حجر ولم يكن فيه ما يعاب الا أنه كان غير ماهر فى الفقه وكان يتمنى الموت باحد الحرمين معزولا عن القضاء فنال ما تمنى فانه حج وجاور فمات بمكة فى سنة 767 سبع وستين وسبعمائة ودفن بالحجون وقد وقع الالحاح عليه فى أن يعود الى القضاء حتى وصل اليه الامراء وقضاة المذاهب وراودوه بكل ممكن فصمم على الامتناع وحلف ايمانا مغلظة أنه لا يعود فلله دره(1/342)
242- عبد القادر بن احمد الفاكهى ثم المكى العالم المشهور له تصانيف منها شرح منهج القاضى زكريا وشرح قصيدة الصفى الحلى وكتاب فى زيارة النبى صلى الله عليه واله وسلم وكتاب فى فضائل شيخه ابن حجر الهيثمى ومات سنة 989 تسع وثمانين وتسعمائة 243 السيد عبد القادر بن احمد بن عبد القادر بن الناصر بن عبد الرب بن على بن شمس الدين بن الامام شرف الدين بن شمس الدين بن الامام المهدى احمد بن يحيى قد تقدم تمام نسبة فى ترجمة الامام المهدى احمد بن يحيى وهو شيخنا الامام المحدث الحافظ المسند المجتهد المطلق ولد كما نقلته من خطه فى شهر القعدة سنة 1135 خمس وثلاثين ومائة وألف ونشأ بكوكبان فقرأ على من به من العلماء ثم ارتحل الى صنعاء فأخذ عن أكابر علمائها كالسيد(1/343)
العلامة محمد بن اسماعيل الامير والسيد العلامة هاشم بن يحيى وغيرهم ثم ارتحل الى مدينة ذمار وهي إذ ذاك مشحونة بعلماء الفقه والفرائض فاخذ عن شيوخها في الفقه والفرائض ثم تردد فى جميع مدائن اليمن وأخذ عن كل من لقيه من العلماء ثم ارتحل الى مكة والمدينة فاخذ عن علماء الحرمين وشيوخه قد اشتمل عليهم مجلد حافل ذكر فيه من أخذ عنه ومن أجاز له والاسانيد التى تلقاها عن شيوخه وبقى مهاجرا في الحرمين نحو عامين ثم عاد الى كوكبان وصنعاء ثم استوطن كوكبان واستقر هنالك ينشر العلم ويفيد الطالبين ومن جملة من أخذ عنه أميركوكبان إذ ذاك السيد العلامة أحمد بن محمد بن الحسين وجماعة كثيرة منهم السيد العلامة على بن محمد بن على ومنهم ولده السيد العلامة ابراهيم بن عبد القادر المتقدم ذكره وكان يفد الى صنعاء في الامور المهمة كوفوده عند موت الامام المهدى رحمه الله لمبايعة ولده مولانا خليفة العصر المنصور بالله حفظه الله وكان فى مدة اقامته هنالك قد طار صيته فى جميع الاقطار اليمنية وأقر له بالتفرد فى جميع أنواع العلم كل أحد بعد موت شيخه السيد العلامة محمد بن اسماعيل الامير وأنى أذكر وأنا في المكتب مع الصبيان أنى سألت والدي رحمه الله عن أعلم من بالديار اليمنية اذ ذاك فقال فلان يعنى صاحب الترجمة وأخبرنى العالم الفاضل عبد الرحمن بن الحسن الريمى أنه حضر فى بعض المواقف بصنعاء وقد كان اجتمع فيه أكابر علماء صنعاء وسماهم لى وكل واحد له شهرة كبيرة بالعلم والتفنن فيه قال ومن جملة الحاضرين صاحب الترجمة وهو أصغرهم سنا وكان ذلك فى احدى قدماته الى صنعاء قال فرأيتهم يتواضعون له ويخضعون لعلمه ويستفيدون منه ويعترفون بارتفاع درجته(1/344)
عليهم وهذا الاجتماع بينه وبين قدوم شيخنا الى صنعاء واستقراره فيها سنون كثيرة فانه قدم هذا القدوم الآخر الذى استقر فيه ولم يبق من أولئك الاعيان الذين كانوا فى ذلك الموقف أحد ثم لما أراد الله احياء علوم الحديث بل وسائر العلوم بصنعاء جرت بينه وبين أمير كوكبان السيد ابراهيم بن محمد بن الحسين مناكدة فأظهر أنه يريد الخروج من كوكبان الى وادى ظهر للتنزه به أيام الخريف فأذن له السيد ابراهيم فخرج واستقر أياما بوادى ظهر وما زال يرسل لأهله ولكتبه ولجميع ما يحتاج اليه ثم كتب إلى الوزير الخطير الحسن بن على حنش المتقدم ذكره بأنه يريد الانتقال إلى صنعاء فرفع القضية إلى خليفة العصر حفظه الله فأذن بذلك وانزله بدار الفرج من بير العرب فسكن فيها ووفد إليه أكابر علماء صنعا وأخذ عنه جماعة من اعيانهم كشيخنا العلامة القاسم ابن يحيى الخولانى والسيد العلامة على بن عبد الله الجلال والسيد العلامة عبد الله بن محمد الأمير وجماعة كثيرة ومنهم العلامة الحسن بن على حنش وأخذت عنه فى علوم عدة فقرأت عليه فى صحيح مسلم من أوله إلى آخره بلا فوت مع بعض شرحه للنووى وبعض صحيح البخارى مع بعض من شرحه فتح البارى وبعض جامع الأصول لابن الأثير وسنن الترمذى من أولها الى آخرها بلا فوت وبعض سنن ابن ماجه وبعض الموطأ وبعض المنتقى لابن تيمية وبعض شفاء القاضى عياض وسمعت منه كثيرا من الاحاديث المسلسلة كالحديث المسلسل بيوم العيد والمسلسل بالمصافحة والمسلسل بالمشابكة وغير ذلك وقرأت عليه فى علم الاصطلاح بعض منظومةالزين العراقى وشرحها وفى الفقه بعض ضوء النهار(1/345)
وبعض البحر الزخار مع حواشيهما وفى علم أصول الدين بعض المواقف العضدية وشرحها للشريف وبعض القلايد وشرحها وفي أصول الفقه بعض جمع الجوامع وشرحه للمحلى وفى اللغة بعض الصحاح وبعض القاموس ومؤلفه الذى سماه فلك القاموس وفى العروض الجزازية وشرحها جميعا وسمعت منه فى غير هذه الكتب مما لم استحضره حال تحرير هذه الترجمة وكانت القراءات جميعها يجرى فيها من المباحث الجارية على نمط الاجتهاد فى الاصدار والايراد ما تشد اليه الرحال وربما انجر البحث إلى تحرير رسائل مطولة ووقع من هذا كثير وكنت أحرر ما يظهر لى فى بعض المسائل وأعرضه عليه فان وافق مالديه من اجتهاده فى تلك المسئلة قرظه تارة بالنظم الفائق وتارة بالنثر الرائق وإن لم يوافق كتب عليه ثم أكتب على ما كتبه ثم كذلك فان بعض المسائل التى وقعت فيها المباحثة حال القراءة اجتمع ما حررته وحرره فيها إلى سبع رسائل وكان رحمه الله متبحرا فى جميع المعارف العلمية على اختلاف أنواعها يعرف كل فن منها معرفة يظن من باحثه فيه أنه لا يحسن سواه والحاصل انه من عجائب الزمن ومحاسن اليمن يرجع إليه أهل كل فن فى فنهم الذى لا يحسنون سواه فيفيدهم ثم ينفرد عن الناس بفنون لا يعرفون أسماءها فضلا عن زيادة على ذلك وله فى الادب يد طولى فانه ينظم القصيدة الفائقة في لحظة مختطفة بحيث لا يصدق بذلك إلا من له به مزيد اختبار ومع هذا ففيه من لطف الطبع وحسن المحاضرة وجميل المذاكرة والبشاش ومزيد التواضع وكمال التودد وملاحة النادرة مالا يمكن إلا حاطة بوصفه ومجالسته هى نزهة الاذهان والعقول لما لديه من الاخبار(1/346)
التى تشنف الاسماع والاشعار المهذبة للطباع والحكايات عن الاقطار البعيدة وأهلها وعجائبها بحيث يظن السامع أنه قد عرفها بالمشاهدة ولم يكن الامر كذلك فانه لم يعرف غير اليمن والحرمين ولكنه كان باهر الذكاء قوى التصور كثير البحث عن الحقائق فاستفاد ذلك فى أيام مجاورته فى الحرمين لوفود أهل الأقطار البعيدة الى هنالك وكنت أظن عند ابتداء اتصالى به أنه قد عرف بلاد مصر لكثرة حكاياته عن أهلها وعن عجائب وغرائب موجودة فيها فى عصره لا فيما تقدم فانه لا يستنكر ذلك لأنه قد صنف الناس فى أخبارها مصنفات يستفيد بها من اكب على مطالعتها ما يقرب من المشاهد كالخطط والآثار للمقريزى وحسن المحاضرة فى أخبار مصر والقاهرة للسيوطى انما الشأن فيما يحكيه صاحب الترجمة على ماجرت فى عصره فان ذلك هو الامر العجيب الدال على اختصاصه بمالا يقوم به غيره ( ليس على الله بمستنكر *** أن يجمع العالم فى واحد ) وله فى حسن التعليم صناعة لا يقدر عليها غيره فانه يجذب الى محبته والى العمل بالادلة من طبعه أكثف من الصخر واذا جالسه منحرف الأخلاق أو من له فى المسائل الدينية بعض شقاق جاء من سحر بيانه بما يؤلف بين الماء والنار ويجمع بين الضب والنون فلا يفارقه إلا هو عنه راض ولقد كنت أرى منه من هذا الجنس ما يزداد منه تعجبى ولذاتم خبره بأحوال الناس وبما يليق بكل واحد منهم وما يناسبه ومالا يناسبه وله فى علم الطب مشاركة قوية وله فى كل الصناعات العملية كائنة ما كانت أتم اختبار وكان الناس يقصدونه على اختلاف طبقاتهم فأهل(1/347)
العلم يقصدونه ليستفيدوا من علمه والادباء ليأخذوا من أدبه ويعرضوا عليه أشعارهم والمحاويج يأتونه ليشفع لهم عند أرباب الدنيا ويواسيهم بما يمكنه وكرمه كلمة اجماع والمرضى يلوذون به لمداواتهم وغرباء الديار من أهل العلم ينزلهم فى منزله ويفضل عليهم بجميع ما يحتاجونه ويسعى في قضاء أغراضهم ونيل مطالبهم وهو مقبول الشفاعة وافر الحرمة عظيم الجاه وبالجملة فلم ترعينى مثله فى كمالاته ولم آخذ عن أحد يساويه فى مجموع علومه ولم يكن بالديار اليمنية فى آخر مدته له نظير وكان لما جبل عليه من حسن الأخلاق لا يبدى من علومه عند المناظرة ما ينقطع به من يناظره لاسيما اذا كان من يناظره من المقصرين كل ذلك محبة منه لجبر الخواطر وائتلاف القلوب وربما يتأثر عن ذلك لبعض من لم يحط به خبرا أنه ليس كما يقول الناس في التفرد بالعلم وقد سمعت هذا من كثير من الذين لم يبلغوا في العلم مبالغ الكمال ولو عرفوه كما عرفه أهل الكمال الممارسون له لعلموا بان الحامل له على التسامح في مناظرتهم ما جبل عليه من سحاحة الخلق وكان رحمه الله لا يتعرض لتنقيص أحد كائنا من كان بل يذكر من كل أحد ما اشتمل عليه من المحاسن ويغطى عن مساويه وهو أعرف بها من غيره ويبالغ فى وصف من له اشتغال بالعلم وينشر من محاسنه مالا يسمح به غيره بعبارات تعشقها القلوب وترتشفها الأسماع وتقبل عليها الطباع وهو رحمه الله من جملة من رغبنى في تأليف شرح على المنتقى فشرعت فيه في حياته وعرضت عليه كراريس من أوله فقال إذا كمل على هذه الكيفية كان في نحو عشرين مجلدا وأهل العصر لا يرغبون فيما بلغ من التطويل الى دون هذا المقدار ثم أرشدنى إلى الاختصار ففعلت(1/348)
فكمل بحمد الله وبيضته في أربع مجلدات ولم يكمل إلا بعد موته بنحو ثلاث سنين وقد أجازنى اجازة عامة كتبها الى بعد أن مكننى من كتاب أسانيده فنقلت منه ما أريد نقله ولم يكن له كثرة اشتغال بالتأليف ولو أراد ذلك لكان له في كل فن مالا يقدر عليه غيره وله رسائل حافلة ومباحث مطولة هى مجموعة فى مجلد والكثير منها لم يكن فيه فانه كان مقصودا بالمشكلات في كل فن من جميع الاقطار اليمنية ولكنه لم يحرص على جمع ذلك كلية الحرص ومن مؤلفاته شرح نزهة الطرف فى الجار والمجرور والظرف للسيد العلامة صلاح بن الحسين الأخفش المتقدم ذكره وهو شرح نفيس مفيد في مجلد لطيف وله فلك القاموس فى كراريس وله حواش على ضوء النهار فى نسخته لو جمعت لكانت حاشية مستقلة وقد كان ولده العلامة ابراهيم شرع في جمعها وضم اليها أنظارا له ولم أقف على شىء منها ولعله لم يتيسر له تمامها وبينى وبينه رحمه الله مطارحات أدبية فمنها قصيدة كتبتها إليه وهى ( من دونها ياعمرو وخز الرماح *** وعندها فاعلم صليل الصفاح ) ( لا يسمع السامع فى حيها *** غير جلاد مفزع أو كفاح ) ( فسر اليها سير متهور *** مستبدل فيها الحيا بالوقاح ) ( مشمرا قد حم لاينثنى *** عن حبها لعاذل أو للاح ) ( فما يهاب العتب من فاز من *** غاية أمنيته بالنجاح ) ( سعى فلما ظفرت بالمنى *** يمينه ألقى العصا واستراح ) ( قد أتعب السير رحالى وقد *** آن لها بعد الوجى أن تراح ) ( فقد أقامتنى عداها الردى *** بربع طود العلم بحر السماح )(1/349)
( من هز للعليا قناة ومن *** حمى حماها فهى لا تستباح ) ( من شاد للسنة أعلامها *** من كافح البدعة كل الكفاح ) ( مجددا مجتهدا جاهدا *** للدين فى علم الهدى والصلاح ) ( ياعالم السنة فى دهرنا *** وقطب أرباب النهى والفلاح ) ( مايال من أنصف في عصرنا *** ومال نحو المسندات الصحاح ) ( واطرح التقليد من حالق *** ( مقطعا ربقته والوشاح ) ( يرمى بداء النصب فى قومه *** وما على الرامى له من جناح ) ( يمزقون العرض منه اذا *** جاء بمر الحق فيهم وراح ) ( يلقى لديهم من صنوف الاذى *** كل قبيح فى المسا والصباح ) ( ابن قزند البهت منهم غدا *** منقدحا فى القلب أى انقداح ) فأحاب رحمه الله تعالى بقوله ( دع قول واش فعذول فلاح *** فليس فيما نمقوه فلاح ) ( وفارق الروض وماراق من *** طيب عيش فاق ان لاح لاح ) ( نفسى فدا أحمد والآل من *** فى حبهم نيل النجا والنجاح ) ( من حل فى نجد وغور وفى *** كل مكان ومهب الرياح ) ( عاملهم ركنى على أننى *** أدعو لكل منهم بالصلاح ) ( وأنصح الجاهل منهم وهم *** كلهم أفضل من جا وراح ) ( أحب من أهلى هم دائما *** ولو لقانى عاذلى بالكفاح ) ( فحبهم أفضل ما أرتجى *** من فعل خير واجب أو مباح ) ( وكل قول لهم أرتضى *** يرويه فى البحر امام الفلاح ) ( تعسا لمن عاداهم يدعى *** تشيعا وهو عدو براح )(1/350)
( ويقصر الحق على خمسة *** وقول باقبهم لديه نباح ) ( وكل من عاصره منهم *** يود لو قطعة بالصفاح ) ( كأنهم ليسوا بنى المصطفى *** لديه تبا لبغيض وقاح ) ( تقليدهم قد أجمعوا أنه *** لعالم بالنص لا يستباح ) ( وأوجبوا المشي مع النص ان *** لم يك للعالم بد سجاح ) ( فمن أبى هذا فدعه ولا *** تلقاه يوما غدوة أو رواح ) ( عليك الآل تمسك بهم *** وان تلقاك العدى بالسلاح ) ( ياعالم السنة فى عصرنا *** ومن به يمتاز منها الصحاح ) ( دمت تجلى كل مستشكل *** بنور فهم منه نور الصباح ) ( يهدى بعلم كلما أنشدت *** دع قول واش فعذول فلاح ) وبينى وبينه مكاتبات أدبية من نظم ونثر ولم يحضر حال تحرير هذا إلا هذه وقد كان رحمه الله يميل إلى كل الميل ويؤثرنى أبلغ تأثير وما سألته القراءة عليه في كتاب فأبى قط بل كان يبتدينى تارات ويقول تقرأ فى كذا وكان يبذل لى كتبه ويؤثرنى بها على نفسه ومازال ناشرا للعلوم قائما بتفهيم منثورها والمنظوم حتى توفاه الله تعالى في يوم الاثنين خامس ربيع الأول سنة 1207 سبع ومائتين والف وتأسف الناس على فقده ورثاه الشعراء بمراث حسان هى مجموعة فى كراريس وأنا من جملة من رثاه بقصيدة مطلعها ( تهدم من ربع المعارف جانبه *** وأصبح فى شغل عن العلم طالبه )(1/351)
244- عبد القادر بن أحمد بن على بن عبد المؤمن النزيلى
الخطيب بجامع صنعاء فى أيام الامام المتوكل على الله القاسم بن الحسين وبعض أيام ولده المنصور بالله هو من البلغاء في النظم والنثر فمن شعره ما كتبه الى السيد العلامة عبد الله بن على الوزير ( عد عن ذكر الحمى والكثب *** وأدر ذكر بديع الشنب ) ( واروعن مكحول طرف منه قد *** ارشق القلب نبال الوصب ) ( وأدركاس طلا من ذكره *** مازجا من ريقه بالضرب ) ( لا تغالطنى بغزلان النقا *** فغزال الحسن أقصى أربى ) ( أنا أدرى أين قلبى موثق *** وبمن هام ومن أين سبى ) ( لا أسمى من سبانى حسنه *** انما التمويه فيه مذهبى ) وهى أبيات طويلة وله شعر كثير منسجم الى الغابة وكان له معرفة بمواقع الخطب على حسب الحوادث ويجودها ببلاغته وكان جليسا للامام المتوكل على الله وفيه خفة روح وظرافة وخلف دنيا واسعة عاش فيها من بعده والموجود الآن أولاد ولده وهم في غنية بما خلفه جدهم من الاموال ومات فى شعبان سنة 1154 أربع وخمسين ومائة وألف(1/352)
245- عبد القادر بن على البدرى الثلائى العلامة المجتهد المتبحر فى جميع العلوم ولد سنة 1070 سبعين وألف وأخذ العلم عن جماعة من أكابر العلماء كالعلامة المقبلى المتقدم ذكره وله مسائل ورسائل يسلك فيها مسالك المجتهدين ويحررها تحرير امتقنا ويمشى مع الدليل ولا يعبأ بما يخالفه من القال والقيل وكان قاضيا لمدينة ثلا وامتحن فى أوائل دولة الامام المنصور بالله الحسين بن القاسم لسبب مفترى وكان قصيرا جدا فحمله بعض العامة وكان يترقص به ويقول ( متى يا طلعت البدرى *** تواصل مغرمك ) فعاقبة الله سبحانه وقتل شر قتلة وسيأتى له ذكر فى ترجمة السيد عبد الله الوزير ومات سنة 1160 ستين ومائة وألف رحمه الله وولده يوسف من أكابر العلماء وأفاضل العباد وحفيد صاحب الترجمة أحمد بن يوسف بن عبد القادر هو حال تحرير هذه الاحرف قاضى ثلا وهو من خيرة قضاة العصر وله عرفان تام
246- عبد القادر بن على المحيرسى الزيدي الحيمى اليمانى صاحب الحاشية على شرح الازهار وهى حاشية نفيسة وفيها أبحاث تدل على أن صاحب الترجمة له عرفان بغير الفقه وتطلع إلى النظر فى المسائل لا كغيره من الجامدين على علم الفروع أخذ العلم عن جماعة منهم السيد محمد بن عز الدين المفتى وكان من المجاهدين للاروام يقود العساكر من الحيمة ويقدم غاية الاقدام وكان بين والده وبين صاحب كوكبان حروب كبيرة واستشهد فى أحدها ويقال انه كان له هيكل لا يصيبه شىء وهو معه فكان يمارس الحروب غير مبال بما يقع من الخصوم فاحتالوا عليه في أخذه فاصيب ثم صار هذا الهيكل إلى ولده صاحب الترجمة وبسببه سلم مكانه فى الحمى من الحريق بعد أن أحرق جميع الأمكنة وقيل انه كان له صاحب من مؤمنى الجن يصلى معه ويجالسه وكان قوالا بالحق كثير الصدقة واطعام الطعام ومات فى رجب سنة 1077 سبع وسبعين وألف وكان له أخ من نوادر الزمان فى قوة الذكاء وسرعة الحفظ والتمكن من معرفة مذهبه ثم قرأ فقه الحنفية وتولى القضاء للأروام بصنعاء وكان يقضى بمذهبهم ويفتيهم بلسانهم ويفتى أهل فارس باللغة الفارسية والعرب باللغة العربية مع تبحر فى علم المعقول وشيخه فى فقه مذهبة السيد المفتى الزيدى ثم انه اختلط بآخره لدقة فكره واشتغال ذهنه وكان يذكر أنه المهدى المنتظر وتارة يقول هو الدابة التى تكلم الناس وله أشعار فائقة ثم دخل مكة وتوفى بها فى أفراد الخمسين بعد الالف(1/353)
247- عبد القادر بن محمد الطبري المكي الشافعى ولد سنة 972 اثنتين وسبعين وتسعمائة وبرع فى جميع الفنون وفاق وله مصنفات منها شرح الدريدية المسمى بالآيات المقصورة على الابيات المقصورة وحسن السريرة فى حسن السيرة وله بديعية وشرحها وسماها على الحجة بتأخير أبى بكر ابن حجة وله نشاءات السلافة بمنشات الخلافة وشرح قطعة من ديوان المتنبى وله عدة رسائل وكان شريف مكة حسن ابن ابى نمى يكرمه اكراما عظيما ولهذا كان أكثر مصنفاته باسمه ومن لطيف ما وقع له أنه لما صنف شرح الدريدية المتقدم ذكره باسم الشريف المذكور ووصل به اليه كان ذكر له أنه أنشأ بيتين فيهما تاريخ تمام تأليفه على لسان الكتاب وهما ( أرخنى مؤلفى *** ببيت شعر ما ذهب ) ( أحمد جود ماجد *** أجازنى ألف ذهب ) فتبسم الشريف ووضع الكتاب فى حجره ووضع يده على راسه وقال على الرأس والعين والله ان ذلك نزر يسير فى مقابلته وانى أحمد الله الذي أوجد مثلك في زمنى واتفقت له محنة كانت سبب موته وذلك أنه
استناب ولده يخطب للعيد وكانت أول خطبة حصلت له فتهيأ لذلك فمنعه بعض أمراء الاروام الواردين الى مكة ذلك العام ورغب فى أن يكون الخطيب حنفيا فعظم ذلك على صاحب الترجمة جدا وفاضت نفسه فى الحال كمدا وذلك فى سنة 1032 اثنتين وثلاثين وألف وكان موته والخطيب على المنبر وقدم للصلاة عليه بعد تلك الخطبة(1/354)
248- السيد عبد الكريم بن أحمد بن محمد بن اسحاق ابن المهدى أحمد بن الحسن ابن الامام القاسم مولده سنة 1159 تسع وخمسين ومائة وألف ونشأ بصنعاء وأخذ العلم عن والده وعن شيخنا السيد العلامة على بن ابراهيم بن عامر وقرأ على شيخنا العلامة الحسن بن اسماعيل المغربى وتميز فى أنواع من العلم وله نظم لم يحضرنى منه الآن شىء وفيه سكون وحسن سمت ووقار وعفة ونزاهة وديانة وبشاش وكرم انفاس وعلو همة وشهامة نفس ورياسة وكياسة وانجماع لا سيما عن بنى الدنيا وتودد الى أصحابه ومعارفه وهو الآن حى ثم مات رحمه الله فى دن وصاب انهدم عليه المنزل الذى كان فيه في أحد شهرى جمادى سنة 1225 خمس وعشرين ومائتين وألف(1/355)
249- عبد الكريم بن هبة الله ابن السديد المصري الملقب كريم الدين الكبير أبو الفضائل وكيل السلطان ومدبر الدولة الناصرية أسلم كهلا أيام بيبرس الجاشنكير وكان كاتبه فلما هرب بيبرس ودخل الناصر القاهرة تطلبه الى أن ظفر به وصادره على مائة ألف دينار فالتزم بها ولم يزل جماعة من الأمراء يتلطفون للسلطان الى أن سمح بجملة من ذلك وقرره فى نظر الخاصة فهو أول من باشرها وتقدم بعد ذلك عند الناصر حتى صارت الخزائن كلها فى يده واذا طلب الناصر شيئا يرسل اليه قاصدا من عنده يستدعى منه ما يريد فيجهز له ذلك من بيته وعظم جدا وصار يركب فى عدة مماليك نحو السبعين والأمراء يركبون فى خدمته وبلغ من عظم قدره انه مرض مرة فلما عوفى دخل الى مصر فزينت له وكان عدد الشمع ألفا وسبعمائة شمعة وركب حراقة فلاقاه التجار ونثروا عليه الذهب والفضة وعمر الجوامع وفعل المحاسن وكان السلطان اذا أراد أن يحدث شرا على أحد فحضر كريم الدين تركه وقال القاضىعلاء الدين هذه المكارم ما يفعلها كريم الدين الا لمن يخافه فاسرها فى نفسه وراح اليه يوما على غفلة فأضافه بما حضر اليه ثم ارسل كريم الدين من أحضر اليه أنواعا من المآكل والملابس ودفع اليه كيسا فيه خمسة الآف درهم وتوفيع بزيادة في رواتبه من الدراهم والغلة والملبوس وغير ذلك وخرج من عنده فلما خرج علاء الدين يودعه قال له يا مولانا والله ما افعل هذا تكلفا وأنا والله لا أرجوك ولا اخاف وكان يتصدق بصدقات طايلة ويجتمع لذلك الفقراء حتى مات مرة من الزحمة على تلك الصدقة ثلاثة أنفس ومن رياسته انه كان إذا قال نعم استمرت واذا قال لا استمرت وكان يوفي ديون من في الحبس ويطلق من فيها دائما وكان مع جودة عادلا وقورا جزل الرأى بعيد الغور يحب العلماء والفضلاء ويحسن اليهم كثيرا قال الذهبى وكان لا يتكلف فى ملبس ولازى ولما انحرف عنه السلطان أوقع الحوطة على دوره وموجوده وذلك في رابع عشر ربيع الآخر سنة 723 ثم أمر بلزوم بيته بالقرافة ثم نقل إلى الشوبك ثم الى القدس ثم أعيد الى القاهرة سنة 724 ثم سفر الى
اسوان فاصبح مشنوقا ويقال انه لما أريد قتله توضأ وصلى ركعتين ثم قال هاتوا عشنا سعداء ومتنا شهداء وكان العوام يقولون ما أحسن الناصر الى احد ما أحسن الى كريم الدين أسعده فى الدنيا والاخرة ولماأمر السلطان بنقل موجوده إلى القلعة على بغال فكان أولها بباب بيته واخرها بباب القلعة وحمل علىالافقاص مائة وثمانون قفصا ثلاثة ايام في كل يوم ثلاث دفعات أو دفعتين سوى ما كان ينقل مع الخدام من الأشياء الفاخرة التى لا يؤمن عليها مع غيرهم ووجد له من النقد خاصة ثمانون الف قنطار وكان عدد الصناديق التى فيها أصناف العطر من العود والعنبر والمسك أحد واربعين صندوقا(1/356)
250- عبد اللطيف بن عبد العزيز بن أمين الدين ابن فرشتا الحنفى وفرشتا هو الملك له تصانيف منها شرح المشارق للصغانى وشرح المنار والوقاية وشرح المصابيح وكان من علماء الروم الموجودين فى أيام السلطان مراد وكان معلما للأمير محمد بن آيدين ومدرسا بمدرسة تيرة وتلك المدرسة مضافة اليه إلى الآن وهو ماهر فى جميع العلوم خصوصا الشرعية ومن جملة تصانيفه شرح مجمع البحرين وهو كثير الفوايد معتمد فى بلاد الروم وله رسالة لطيفة فى علم التصوف وله حظ عظيم في المعارف الصوفية قال صاحب الشقايق النعمانية انه كان موجودا فى سنة 791 وكان له أخ مايل إلى الخوارج أصحاب فضل الله رئيس الفرقة الخارجية(1/357)
251- عبد الله بن احمد بن اسحاق بن ابراهيم ابن المهدى احمد ابن الحسن بن الامام القاسم بن محمد هو أحد العلماء المبرزين بصنعاء أخذ عن والده وعن غيره وأتقن النحو والصرف والمنطق والمعانى والبيان ودرس فى هذه العلوم بجامع صنعاء وأخذ عنه جماعة من شيوخنا وقرأ الكتب الحديثية وعمل بما فيها ومن شيوخه القاضى العلامة احمد بن محمد قاطن قرأ عليه فى سنن الترمذى وكان قوالا بالحق صادق اللهجة وبينه وبين الوزير أحمد بن على النهمى اتصال ومخاللة وكان مقبول الكلمة عند الامام المهدى العباس ابن الحسين رحمه الله وله شعر رايق ومنه ( ماذا يفيدك ندب الأربع الدرس *** وشرح سالف عيش بالعذيب نسيى ) ( فشنف السمع من ذكرى معتقة *** جلوتها كشموس في دجى الغلس ) ووالدالمترجم من أكابر العلماء المرجوع اليهم بصنعاء أخذ العلم عن السيد العلامة هاشم بن يحيى الشامى والسيد العلامة عبد الله بن على الوزير وغيرهما وبرع فى جميع الفنون وله أنظار محققة متقنة على الكتب التى كان يدرس الطلبة فيها كشرح الغاية في الاصول وشرح العمدة فى الحديث وله رسائل ومسائل وهو كان حقيقا بترجمة مستقلة وكلنى اكتفيت بذكره ههنا ومات سنة 1170 سبعين ومائة وألف ومات ولد المذكور فى شهر شوال سنة 1191 احدى وتسعين ومائة وألف(1/358)
252- عبد الله بن أحمد بن تمام بن حسان الحنبلى ولد سنة 651 احدى وخمسين وستمائة وقيل غير ذلك وسمع من جماعة وقرأ النحو على ابن مالك وعلى ولده بدر الدين ولازمه وصحبه وكان صالحا خيرا مليح المذاكره حسن النظم وصحب الشهاب محمود واختص به حتى كان الشهاب يقول لخازنداره مهما طلب منك أعطه بغير مشورة ولم يكن له ثياب ولا قماش ولا شىء فى بيته البتة وكان جيد النظم كتب اليه الشهاب قصيدة مطلعها ) ( هل عندما عندهم برئى وأسقامى *** علم بان نواهم أصل الآمى ) فأجابه بقصيدة مطلعها ( ياساكنى مصر فيكم ساكن الشام *** يكابد الشوق من عام الى عام ) ومن شعره ( معان كنت أشهدها عيانا *** وان لم تشهد المعنى العيون ) ( وألفاظ اذا فكرت فيها *** ففيها من محاسنها فنون ) وهو القايل ( يخال الخد من ماء وجمر *** وفيه الخال نشوان يجول ) ( وكم لام العذول عليه جهلا *** وآخر ماجرى عشق العذول ) وكان ظريفا حسن المحاضرة والصحبة سمع من الكبار وخرج له البرزالى جزءا وأثنى عليه الشهاب محمود وعظمه ومات فى ثالث ربيع الآخر سنة 718 ثمان عشرة وسبعمائة(1/359)
253- مولانا الامام المهدى عبد الله بن أحمد المتوكل ابن على المنصور ولد في سنة 1208 ثمان ومائتين وآلف ونشأ بحجر الخلافة في أيام جده ثم فى أيام أبيه وفي كل حين يزداد كمالا مع عقل تام وأخلاق شريفة وخصال محمودة وفراسة بديعة ورماية فايقة ورصانة بالغة وهو أكبر أولاد أبيه ولى أعمالا منه ريمة ثم ولاية عمران ثم لما توفى والده ليلة الاربعاء لعله سابع شهر شوال سنة 1231 احدى وثلاثين ومائتين وألف وقعت المبايعة منى له بعد طلوع الفجر من يوم الأربعاء المذكور ثم أخذت له البيعة من جميع أمراء صنعاء وحكامها وجميع آل الامام وجميع الرؤساء والأعيان وبايعه بعد ذلك جميع أهل القطر اليمنى واستبشروا بدولته وغتطبوا بها والله يجعل فيه الخير والبركة للمسلمين(1/360)
254- السيد عبد الله بن أحمد بن محمد بن حسين قد تقدم تمام نسبة في ترجمة أخيه شرف الدين ولد تقريبا سنة 1170 سبعين ومائة وألف أو قبلها بقليل وله عرفان تام ونظم رايق وكرم فايض ورياسة كاملة واخلاق شريفة ولطافة تامة اجتمعت به في كوكبان لما وصل اليها مولانا الامام المتوكل على الله ثم كثر احتماعى به فى صنعاء مع سكونه فيها عند رجوعنا من كوكبان وهو كثير النظم منسجم الشعر سريع البادرة قوى العارضة حسن الشكل ثم رجع الى كوكبان فى سنة 1229 مع اخيه المتقدم ذكره وهو القايم بغالب أمور دولته وبينه وبين أخي يحيى بن على مطارحات أدبية مشتملة على أحسن اسلوب وأبلغ نظم وأبرع معنى(1/361)
255- عبد الله بن أسعد بن على بن سليمان بن فلاح اليافعى الشافعى اليمنى ثم المكى عفيف الدين أبو السعادات ولد قبل السبعماية بسنتين أو ثلاث وأخذ باليمن عن جماعة من العلماء ونشأ على خير وصلاح وحج سنة 712 وحفظ الحاوى والجمل ثم جاور بمكة فى سنة 718 وتزوج بها ولازم مشايخ العلم كالفقيه نجم الدين الطبرى والرضى الطبرى ثم فارق ذلك وتجرد عشر سنين يتردد فيها بين الحرمين ورحل الى القدس سنة 734 ودخل دمشق ومصر ثم رجع الحجاز وجاوربالمدينة ثم رجع الى مكة ولم يفته الحج فى جميع هذه المدة وأثنى عليه الأسنوى فى الطبقات وقال كان كثير التصانيف وله قصيدة تشتمل على عشرين علما او ازيد وكان كثير الاحسان الى الطلبة انتهى ولعله صاحب التاريخ الذي اعتمد فيه على تاريخ ابن خلكان وتاريخ الذهبى وقد ترجم فيه جماعة من الشافعية والأشعرية وفيه من التعصبات للأشعرى أشياء منكرة ووصف فيه نفسه بوصايف ضخمة قال ابن رافع اشتهر ذكره وبعد صيته وصنف في التصوف وفي أصول الدين وكان يتعصب للاشعرى وله كلام فى ذم ابن تيمية ولذلك غمزه بعض من يتعصب لابن تيمية من الحنابلة وغيرهم انتهى وهو من جملة المعظمين لابن عربي وله في ذلك مبالغة مات في العشرين من جمادى الآخرة سنة 768 ثمان وستين وسبعمائة(1/361)
256- عبدالله بن اسماعيل بن حسن بن هادى النهمي
لعله ولد بعد سنة 1150 خمسين ومائة وألف ونشأ بصنعاء وكان والده واليا عليها فقرأ على جماعة من مشايخها وبرع فى النحو والصرف وشارك مشاركة قوية في المنطق والمعانى والبيان والأصول ودون ذلك في الفقه والحديث والتفسير ودرس وانتفع به الطلبة وهو أحد شيوخي في اوائل طلبى للعلم قرأت عليه شرح السيد المفتى على كافية ابن الحاجب من أوله الى آخره بلا فوت وفي شرح الخبيصى عليها من أوله الى آخره بلا فوت وما عليه من الحواشى وقواعد الاعراب وشرحها للأزهري وما عليه من الحواشى من أوله الى آخره وايساغوجى للابهرى في المنطق وشرحه للقاضى زكريا جميعا والكافل فى الأصول وشرحه لابن لقمان جميعا وشفاء الأمير الحسين فى الحديث من اوله الى آخره وله عناية تامة بتخريخ الطلبة والمواظبة على التدريس وتوسيع الأخذ وجلب الفوائد اليهم بكل ممكن ولا يمل حتى يمل الطالب وكان يؤثرنى على الطلبة واذا انقطعت القراءة يوما أو يومين لعذر تأسف على ذلك ولمااختلف بعض أسبوع لعذر كتب الى هذه الأبيات ( مولاى عز الدين يامن حوى *** أفضل مافى النقل والسمع ) ( ومن غدا من بين أقرانه *** بلا نظير قط فى الجمع ) ( عذرا فدتك النفس من زلة *** أو جبها السىء من طبعي ) ( منعت لا من علة فاعف عن *** تركيب مزج جاء فى المنع ) ( فرب نقص راق من بعده *** ثم وخفض زين بالرفع ) فأجبته بأبيات وجهت فيها بكثير من القواعد المنطقية كما وجه هو(1/362)
بقواعد نحوية ولكنها قد غابت عنى أبيات الجواب وله أشعار رائقة وفيه كرم انفاس وبسبب ذلك أتلف ماورثه من والده وهو شىء واسع وصار الآن مملقا لطف الله به ولما فرغت من القراءة عليه ولم يبق عنده ما يوجب البقاء وقرأت على من له خبرة بما لم يكن لديه من العلوم لم تطب نفسه بذلك فى الباطن لافي الظاهر ثم لما مضت أيام طويلة وقعدت لنشر العلم فى الجامع المقدس بصنعاء وكنت إذ ذاك مقصودا بالفتاوى الكبيرة والمسائل المشكلة وجمعت الرسالة التى حكيتها فى ترجمة السيد العلامة الحسين بن يحيى الديلمى كان شيخنا هذا أحد المجيبين وهو الذي أشرت إليه اجمالا هنالك عفا الله عنه وحال تحرير هذه الاحرف قد فتر عزمه عن التدريس ولم يبق للطلبة رغوب إليه وصار معظم اشتغاله بما لابد منه من امر المعاش مع ركة حاله لا طفه الله ولم ازل راعيا لحقه معظما لشانه معرضا عما بدر منه مماسلف وأبلغ الطاقة فى جلب الخير إليه بحسب الامكان وهو يكثر التردد الى تارة لخصومات تعرض له وتارة لامور تخصه ومات رحمه الله فى شهر صفر سنة 1228 ثمان وعشرين ومائتين وألف(1/363)
257- السيد عبد الله بن الحسن بن على بن الحسين بن على ابن الامام المتوكل على الله اسماعيل بن القاسم بن محمد ولد سنة 1165 خمس وستين ومائة وألف وقرأ على مشايخ عصره كالقاضى العلامة احمد بن صالح بن أبى الرجال وشيخنا العلامة الحسن بن اسماعيل المغربى المتقدم ذكره وشيخنا العلامة اسماعيل بن الحسن بن المهدى المتقدم أيضا وترافقنا فى قراءة الكشاف عليه أنا وصاحب الترجمة وله قراءة على غير هؤلاء وشرع فى قراءة الحديث على شيخنا السيد العلامة على بن ابراهيم الآتى ذكره وله يد قوية فى النحو والصرف والمنطق والمعانى والبيان ومشاركة فى التفسير والفقه والحديث والأصول وكان يدرس الطلبة فى جامع صنعاء في العلوم الآلية ولهم إليه رغوب كامل وهو من أكابر آل الامام وفيه تواضع ظائد وحسن أخلاق فائق وبشاش كامل وقد أخذت عنه فى أوائل أيام الطلب شرح الجامى من اوله إلى آخره واتفق أنه مات أبو أمه السيد العلامة يحيى بن محمد ابن عبدالله بن الحسين بن القاسم بن محمد ثم مات بعد ذلك ولده السيد العارف القاسم بن يحيى بن محمد وكان له تركة واسعة جدا واوصى الى صاحب الترجمة وأمرنى خليفة العصر مولانا الامام المنصور بالله حفظه الله أن أعين من يقسم هذه التركة من نواب الشرع فعينت بعض مشايخى الأعلام وجرت أمور أوجبت تكدر صاحب الترجمة ثم ظهرت له الحقيقة فزال عنه ذلك وطابت نفسه وكتب إلى كتابا يدعو لى فيه دعاء مقبولا ويذكر أنه كان فى أمر مريج حتى وقع التفريج عنه بما فعلته وتعقب ذلك بلا فصل موته رحمه الله فى رابع شهر القعدة سنة 1210 عشر ومائتين وألف وكان سيدا سريا وشريفا جليلا فيه مناقب جمة وله فضائل كثيرة رحمه الله وإياى(1/364)
258- عبد الله بن الحسن اليمانى الصعدى الزبدى الملقب الدوارى باسم أحد أجداده وهو دوار بن احمد والمعروف بسلطان العلماء ولدسنة 715 خمس عشرة وسبعماية وقرأ على علماء عصره وتبحر فى غالب العلوم وصنف التصانيف الحافلة منها في الاصول شرح جوهرة الرصاص وهو أحسن شروحها وقد ترك الناس شروحها بعد هذا الشرح وله فى الفروع الديباج النضير وهو كتاب حاف ممتع وله مصنفات أخرى وكان الطلبة للفنون العلمية يرحلون إليه ويتنافسون فى الاخذ عنه وليس لاحد من علماء عصره ماله من تلامذة وقبول الكلمة وارتفاع الذكر وعظم الجاه بحيث كان يتوقف الناس عن مبايعة الأئمة حتى يحضر كما اتفق عند دعوة الامام المهدى احمد بن يحيى المتقدم ذكره ومعارضة المنصور بالله على بن صلاح فان أمراء الدولة ارسلوا له من صنعاء الى صعدة وتوقف الأمر حتى حضر وبعد حضوره وقع ماهو مشهور فى السير ومع هذا فهو زاهد متقلل من الدنيا حتى قيل انه كان يستنفق من غلات أموال حقيرة تركها له والده وكان يحمل إليه غلات أوقاف يصرفها فى طلبة العلم ومازال ناشر للعلوم مكبا على التصانيف حتى توفاه الله فى صبح يوم الأحد سادس شهر صفر سنة 800 ثمان مائة(1/365)
259- عبدالله بن شرف الدين المهلل ولد تقريبا سنة 1170 سبعين ومائة وألف أو قبلها بقليل وسكن هو وأهله مدينة ذى جبلة وله معرفة تامة بفقه الشافعية وفهم صحيح في غير الفقه وزهد تام وتأله بالغ قرأ على عند وفودى الى مدينة جبلة مع مولانا الامام المتوكل على الله فى مشكاة المصابيح وسمع فى غيرها من كتب الحديث من جملة من كان يلازمنى في ذلك المحل وهو من مكثرى الأذكار والعبادة والزهد والقنوع بما تيسر من المعشة
260- السيد عبد الله ابن الامام شرف الدين بن شمس الدين ابن الامام المهدى أحمد بن يحيى قد تقدم تمام نسبه في ترجمة الامام المهدى هو من العلماء المحققين فى عدة فنون وله مصنفات منها شرح قصيدة والده المسماة القصص الحق ذكر فيه فوائد جليلة ومنها كتاب اعترض به على القاموس وسماه كسر الناموس واعترض عليه فى هذه التسمية بانها ليست لغوية بل عرفية وبعض شرح معيار النجرى وكتب تراجم لفضلاء الزيدية ومنها شرح مقدمة الاثمار لوالده وله فى الادب يد طولى وشعره فائق منسجم جزل اللفظ رائق المعنى فمنه ( باصية الخير في يد الأدب *** وسره فى قرايح العرب ) ( فاعكف على النحو والبلاغة والآ *** داب تظفر بارفع الرتب ) ( وتعرف القصد فى الكتاب وفي *** السنة من وحى خير كل نبى ) ( بقدر عقل الفتى تأدبه *** وصورة العقل صورة الأدب ) ومنه ( صحا القلب عن سلمى وما كاد أن يصحو *** وبان له في عذل عاذله النصح ) ( ولا غروفى أن يستبين رشاده *** وقد بان في ديجور عارضه الصبح ) ( شموس نهار قد تجلت لناظرى *** واضحت لليل الغي في خلدى تمحو ) ( إذا كان رأس المال من عمرى انقضى *** ضياعا فانى بعده يحصل الربح ) ( شباب تقضى فى سبات وغرة *** وشيخوخة جاءت على أثره تنحو ( ومنه سقتنى رضاب الثغر من در مبسم *** برقته والله قد ملكت رقى ) ( ونحن بروض قد جرى الماء تحته *** فساقية تجرى وجارية تسقى ) وبينه وبين ولده محمد الاتية ترجمته ان شاء الله مطارحات أدبية وتوفى فى شهر ربيع الآخر سنة 993 ثلاث وتسعين وتسعمائة وقبر بمدينة ثلا(1/366)
261- السيد عبد الله بن صلاح العادل الصنعانى الشاعر المشهور
كان متصلا بالوزير الكبير على بن أحمد راجح وله فيه غرر المدايح وكذلك مدح أخاه الوزير محسن بن أحمد راجح وهما وزيران للامام المنصور بالله الحسين بن القاسم بن الحسين وبعدهما اتصل بوزير الامام المهدى العباس بن الحسين الفقيه أحمد بن على النهمى وشعره جيد والردىء منه قليل فمنه هذه القصيدة بخلص فيها إلى مدح محسن راجح ( أما وا بتسام الطلع عن شنب درى *** بأخضر روض حفه أزرق النهر ) ( وياقوت ورد في غصون زمرد *** بلؤلؤ دمع كللته يد القطر ) ( ورقص غصون كلما هبت الصبا *** كغيد تثنت في غلائلها الخضر ) ( وتغريد شحرور بالحان معبد *** أذاب فوادى شجوه وهو لا يدرى ) ( وومض لبرق زاد في نار لوعتى *** كايماء محبوب بسقط من التبر ) وله وقد وصل اليه من بعض السادة ذرة لا ينتفع بها ( ياحبذاذرة وافت وقد عدمت *** من لبها فاعتراها الطيش والخيلا )(1/367)
( فكلما سنحت ريح لها رقصت *** وشببت فيك أما في سواك فلا ) ( دنوت منها فنادى ملك وقزتها *** هى المنازل فاخلع دونها الكللا ) ( فقلت مهلا أعاذ الله منزلنا *** من رؤية الجن في ساحاته نزلا ) ( فاسترجعت ثم قالت وهى باكية *** احي وايسر مالا قيت ماقتلا ) ( سألتها عن تغير لونها فتلت *** ومن نعمره ثم استرجعت خجلا ) ( فقلت كم حقب عمرت فى حقب *** قالت أصخ ودع التفصيل والجملا ) ( سكنت دهرا بادار كان ساكنها *** داراوداريت أهل الأعصر الأولا ) وكان صاحب الترجمة مايلا الى أكابر العلماء اخذ من فوائدهم فرجح له العمل بالادلة في صلاته وغيرها فكانت العامة تنسبه الى النصب كما جرت بذلك عادالتهم فيمن سلك ذلك المسلك فلم يصبر لذلك وضاق به ذرعا وتوجه الى مكة وعزم على المهاجرة فعاد الى صنعاء بعد نحو سنة فقيل له في ذلك فقال انه نبز في مكة بالرفض فكان ذلك سبب رجوعه ولم أقف على تاريخ وفاته ولعله في أيام الامام المهدى العباس بن الحسين ثم وقفت عليها بعد هذه فكانت فى ربيع الاول سنة 1165 خمس وستين ومائة وألف
171- عبد الله بن عبد الرحمن بن عقيل بن عبد الله بن محمد بن محمد الحلبى نزيل القاهرة ولد سنة سبعمائة وقدم القاهرة فلازم الاشتغال الى أن مهر ولازم أبا حيان فقال في حقه ما تحت أديم السماء أنحى من ابن عقيل ولازم القونوى والقزويني وجماعة من أكابر علماء عصره وناب في الحكم عن عز الدين بن جماعة ثم تولى القضاء مكان ابن جماعة ثم عزل وعاد ابن جماعة وكان قوى النفس ينتبه على أرباب الدولة وهم يخضعون له ويعظمونه وكان اماما فى العربية والمعانى والبيان مشاركا في الفقه والاصول عارفا بالقراءات السبع وله تصانيف منها شرح التسهيل ومنها شرح الالفية وقطعة فى
التفسير وكان جوادا مهيبا لا يتردد الى احد من ارباب الدولة ومن كرمه انه فرق على الفقراء والطلبة فى ولايته للقضاء نحو ستين ألف درهم مع أن مدة ولايته للقضاء ثمانون يوما فقط وكان يدرس بمدارس كثيرة حتى مات فى ثالث وعشرين شهر ربيع الاول سنة 769 تسع وستين وسبعمائة(1/368)
172- السيد عبد الله بن على بن عبدالله الجلال
ولد تقريبا على رأس القرن الثاني عشر او أول القرن الثالث عشر وقرا على والده وغير في الالآت وغيرها وهو حاد الذهن جيد الفهم حسن الادراك قوى التصور وله شعر بديع جدا لا يلحقه فيه غيره وقد كتب الى منه بقصائد طنانة وله قراءة على الآن في المطول وحضور فى سماع كثير من كتب الحديث وشروحها وهو في سن الشاب جمل الله به العصر(1/369)
173- السيد عبد الله بن على بن أحمد بن محمد بن عبد الاله بن أحمد بن ابراهيم مؤلف الهداية ابن محمد بن عبدالله بن الهادى بن ابراهيم بن على بن المرتضى بن المفضل ابن المنصور بن محمد بن العفيف بن مفضل بن الحجاج بن على بن يحيى بن القاسم بن الامام الدعى يوسف بن الامام المنصور يحيى بن الناصر احمد بن الهادى يحيى بن الحسين بن القاسم بن ابراهيم بن اسماعيل بن ابراهيم بن الحسن بن الحسن بن على بن أبى طالب سلام الله عليهم المعروف بالوزير الصنعانى الدار والنشأة العالم المشهور والشاعر المجيد ولد سنة 1074 أربع وسبعين وألف فى شعبانها وقرأ على جماعة من علماء عصره من أكبرهم القاضى العلامة على بن يحيى البرطى والقاضى حسين بن محمد المغربى والقاضى محمد بن ابراهيم السحولى وغيرهم وبرع فى العلوم الآلية والتفسير وكان الامام المتوكل على الله القاسم بن الحسين يقرأ عليه فى الكشاف بحضور أعيان علماء صنعاء واتفق وصول القاضى العلامة عبد القادر بن على البدرى من ثلا الى حضرة المتوكل وهم حال القراءة فى بحث انما الصدقات للفقراء فباحثه القاضى عبد القادر ثم انجرت المباحثة الى ما ذكره علماء البيان فى بحث انما ثم غاضا في مباحث دقيقة بحيث لم يفهم أكثر الحاضرين ما هما فيه وطال ذلك واستدل بعض الحاضرين بتهليل وجه القاضى عبد القادر حال تلك المباحثة وعدم ظهور مثل ذلك على صاحب الترجمة أن الحق بيد القاضى ولم يكن ثم سبيل للحاضرين الى معرفة من معه الحق بسوى ذلك وكان صاحب الترجمة في اخر مدته قد ترك التدريس ومال الى السكون والدعة وله فى الأدب يد طولى وشعره(1/370)
مجموع فى ديوان كبير ومنه ما هو فى غاية القوة كقوله من أبيات كتبها الى السيد الحسين بن على بن المتوكل ( زفها بكرا على ا لشرط عقارا *** وتخير حبب الكاس نثارا ) وله أبيات اخرى روضية جيدة مطلها ( هذا الغدير وحوله زهر الربى *** يملى الهزار عليه سجعا مطربا ) وله قصيدة طويلة بديعة مطلعها ( لى فيكم يا ذوى أم القرى ذمم *** بالقرب حاشا كم أن يقطع الرحم ) ومن محاسن شعره القصيدة التى على طريق أهل الطريقة ومطلعها ( حضرة الحق فى المقام النفيس *** أذهلتنى عن صاحبى وجليسي ) وكان إذا لم يتكلف ملاحظات النكات البديعية في شعره جاء على أحسن أسلوب فان تكلف ذلك صار من الضعف بمكان وان ظن من لا يعرف محاسن الشعر الا بالنكات البديعية المتكلفة خلاف ما ذكرناه فهو غير مصيب فان غالب أشعار المتأخرين انما صارت بمكان من السماجة لتكلفهم لذلك كقصيدة صاحب الترجمة التى سماها أهرام مصر والتزم فيها التورية فى كل بيت ومطلعها ( أنادم من دمع العيون حواريا *** فلا غروان نادمت منها سواقيا
ولصاحب الترجمة مصنفات منها طبق الحلوى وهو تاريخ جعله على السنين وذكر فيه حوادث ومنها اقراط الذهب فى المفاخرة بين الروضة وبئر العرب ومنها رسالة أجاب بها على رسالة للسيد صلاح الاخفش المتقدم ذكره فى شأن الصحابة وسمى المترجم له رسالته ارسال الذؤابة بين جنبى مسئلة الصحابة وما أجود قوله مادحا للمتوكل القاسم ابن الحسين بهذين البيتين ( المجد قد آلى على نفسه *** ألية ليس أراها يمين ) ( لا صافحت راحته راحة *** غير يمين القاسم بن الحسين ) وكانت وفاته سنة1147 سبع وأربعين ومائة وألف في شوالها(1/371)
174- السيد عبد الله بن عيسى بن محمد بن الحسين الكوكبانى ولد بعد سنة 1170 سبعين ومائة والف تقريبا وأخذ العلم عن والده وعن شيخنا العلامة عبد القادر بن أحمد وعن السيد العلامة على بن محمد بن على الكوكبانى وعن السيد العلامة الحسين بن عبد الله الكبسى والفقيه يحيى بن صالح الشهارى والفقيه يحيى بن أحمد زيد الشامى والفقية حسين يحيى القاعى وشيخنا السيد العلامة على بن ابراهيم بن عامر وبرع فى الآلات والحديث والادب وهو الآن من أعيان علماء كوكبان وبينى وبينه مراجعات وله جواب على رسالتى التى أحببت بها على سؤال والده وسميتها حل الاشكال فى اجبار اليهود على التقاط الاذيال وسمى جوابه ارسال المقال الى حل الاشكال وأجبت عن جوابه برسالة سميتها تفويق النبال الى ارسال المقال والجميع موجود بمجموع رسائلى ووقعت بينى وبينه مباحثة في شروط صلاة الجمعة اشتملت على رسائل وله كتاب ترجم فيه لشعراء عصره وهو في غاية النفاسة رأيته في مجلد سماه الحدائق المطلعة من زهور أبناء العصر شقائق وله مؤلف آخر سماه اللواحق بالحدائق ومختصر في ترجمة جده السيد محمد بن الحسين وآخر فى ترجمة والده السيد العلامة عيسى بن محمد الآتى ذكره إن شاء الله تعالى وله خلع العذار في ريحان العذار ورسالة فى تحريم الزكاة على بنى هاشم وديوان من نظمة ونثره ولم يكن لدى من شعره ما أذكره هنا وهو ساكن عاقل رصين الكلام جيد الفهم حسن الادراك كما يفهم ذلك من تحريراته ولم أكن قد عرفته وارسل الى بطلب الارسال اليه بشىء من شرحى للمنتقى فارسلت اليه بالمجلد الاول وهو حال تحرير هذه الاحرف لديه وله شعر لم يكن لدى الآن شىء منه ثم توفى فى شهر شوال سنة 1224 أربع وعشرين ومائتين وألف بعد ان صار منفردا بفنون العلم فى كوكبان ولم يخلف بعده مثله ولا من يقاربه(1/372)
175- السيد عبد الله بن لطف البارى الكبسى ثم الصنعانى ولد فى سنة 1113 ثلاث عشرة ومائة وألف وهو أحد علماء صنعاء المبرزين فى علم القراءات والآلات والحديث والتفسير وكان يقرىء فى جميع هذه العلوم وله تلامذة صاروا علماء نبلاء ومن جملة من قرأ عليه الامام المهدى العباس بن الحسين قبل مصير الخلافة اليه وكان زاهدا متقللا من الدنيا آمرا بالمعروف ناهيا عن المنكر وله فى ذلك مقامات جليلة وكان مقبول الكلمة عند الامام المهدى لا ترد له شفاعة كائنة ما كانت لمزيد ورعه وعدم طمعه في شىء من الدنيا وكذلك سائر أرباب الدولة كانوا يجلونه ويهابونه وكان يعمل بالأدلة ويرشد الناس اليها وينفرهم عن التقليد وله فى نهى المنكر عناية عظيمة أخبرنى بعض الثقات أنه(1/373)
مشى معه في بعض شوارع صنعاء فرأى رجلا جنديا وقد أراد الفاحشة من امرأة أو صار يفعل الفاحشة بها ففرق صاحب الترجمة بينهما فسبه ذلك الجندي سبا فظيعا فمر ولم يلتفت الى ذلك فقال له الذى كان معه لو تدعنى اعرف هذا الجندي حتى ترفع أمره الى الدولة ليعاقبوه فقال الذى وجب علينا من انكار المنكر قد فعلناه لله ولا أريد أن أفعل شيئا لنفسى دعه يسبنى كيف شاء وكان لايسمع بمنكر الا أتعب نفسه فى القيام على صاحبه حتى يزيله واذا أصيب رجل بمظلمة فر اليه فيقوم معه قومة صادقة حتىة ينصف له فرحمه الله وكافاه بالحسنى فلقد كان من محاسن الدهر وما زال كذلك حتى توفاه الله فى سنة 1173 ثلاث وسبعين ومائة ألف وله اولاد أمجاد منهم العلامة محرز بن عبد الله من العلماء العاملين الورعين المنجمعين عن بنى الدنيا المنقطعين الى الله وستأتى له ترجمة مستقله ان شاء الله وعلى بن عبد الله ولطف البارى بن عبد الله هما من الجامعين بين العلم والعمل بالدليل والاشتغال بخاصة النفس ولم يسلموا مع ذلك من محن الزمن التى هن شأن أرباب الفضائل(1/374)
176- عبد الله بن أبى القاسم بن مفتاح شارح الازهار الشرح الذى عليه اعتماد الطلبة الى الآن كان محققا للفقه ولعله قرأ على الامام المهدى مصنف الأزهار وكان مشهورا بالصلاح وميل الناس الى شرحه وعكوفهم عليه مع أنه لم يشتمل على ما اشتمل عليه سائر الشروح من الفوائد دليل على ينته وصلاح مقصده وهو مختصر من الشرح الكبير للامام المهدى المسمى بالغيث وتوفى رحمه الله يوم السبت سابع شهر ربيع الآخر سنة 877 سبع وسبعين وثمان مائة وقبره يمانى صنعاء وكان عليه مشهد وقد تهدم ورثاه محمد بن على الزحيف بأبيات منها ( سقى جدثا أضحى بصنعاء ثاويا *** من الدلو والجوزاء غاد ورايح ) ورثاه يحيى بن محمد بن صالح حنش بقصيدة مطلعها ( أما عليك فقلبى دائم الفزع *** وكيف أسلو ووجدي غير منقطع ) 177- عبد الله بن محسن الحيمى ثم الصنعانى ولد تقريبا سنة 1170 سبعين ومائة والف بصنعاء وتشأ بها وتلا بعض القراءات على بعض شيوخ القرآن ثم قرأ في الفقه على شيخنا أحمد بن عامر الحدايى قبل قراءتى عليه ورافقنى فى قراءة النحو على شيخنا عبد الله بن اسماعيل النهمى وقرأ على فى الأصول في شرح غاية السؤل وسمع منى جميع تيسير الديبع واستفاد فى عدة فنون ودرس فى كثير منها ونقل كثيرا من رسائلى ومازال ملازما لى في كثير من الأوقات وبينى وبينه صداقة خالصة ومحبة صحيحة ولم يسلم من التعصبات عليه من جماعة من الجهال حتى جرت له بسبب ذلك محن وهو صابر محتسب وهذا شأن هذه الديار وأهلها والعالم المصنف في غربة لا يزال يكابد شدائد ويجاهد واحدا بعد واحد ولله الأمر من قبل ومن بعد وانما يوفي الصابرون أجرهم بغير حساب وصاحب الترجمة الآن حى نفع الله به(1/375)
178- عبد الله بن محمد بن أحمد بن جار الله مشحم الصعدى ثم الصنعاني ولد تقريبا بعد سنة 1160 ستين ومائة وألف ونشأ بصنعاء فاخذ العلم عن جماعة من علمائها كشيخنا العلامة القاسم بن يحيى الخولانى وغيره وبرع فى النحو والصرف والمعانى والبيان والأصول وشارك فيما عدا ذلك ودرس الطلبة بجامع صنعاء فى هذه الفنون وهو كثير الصمت منجمع عن الناس قليل المخالطة لهم لا يتردد الى بنى الدنيا ولا يشتغل بما لا يعنيه ولا يتظهر بالعلم ولا يكاد ينطق الا جوابا فضلا عن أن يماري أو يبدى مالديه من العلم وبالجملة فهو قليل النظير عديم المثيل وهو حى الآن نفع الله به وتوفى رحمه الله في يوم الاربعاء لعله رابع وعشرون شهر شوال سنة 1223 ثلاث وعشرين ومائتين وألف
179- السيد عبد الله بن محمد بن اسمعيل بن صلاح الأمير الصنعانى سيأتى تمام نسبه فى ترجمة ابيه ولد سنة 1160 ستين ومائة وألف وقرأ على والده وعلى السيد العلامة قاسم بن محمد الكبسى وعلى السيد العلامة محسن بن اسمعيل الشامى وعلى العلامة لطف البارى بن احمد الورد خطيب صنعاء وعلى السيد العلامة اسمعيل بن هادى المفتى وعلى شيخنا العلامة السيد عبد القادر بن احمد وشيخنا العلامة على بن هادى عرهب وعلى غير هؤلاء وبرع في النحو والصرف والمعانى والبيان والاصول والحديث والتفسير وهو احد علماء العصر المفيدين العاملين بالأدلة الراغبين عن التقليد مع قوة ذهن وجودة فهم ووفارة ذكاء وحسن تعبير وخبرة لمسالك الاستدلال ومحبة للفقراء وعناية فى ايصال الخير اليهم بكل ممكن ومتانة دين واشتغال بالعبادة ودراية كاملة بمؤلفات والده ورسائله وأشعاره وهو الذى جمع شعره فى مجلد وبلغنى أنه نظم بلغ المرام وانه الآن يشرحه وله جوابات فىمشكلات وفتاوى وقد تخرج به جماعة منهم العلامة عبد الحميد بن احمد قاطن ولا شغلة له بغير العلم والاكباب
على كتب الحديث وتحرير مسائله وتقرير دلائله وله نظم كنظم العلماء منه قصيدة اجاب بها على السيد العلامة اسمعيل بن احمد الكبسى المتقدم ذكره ومطعلها ( لله درك أيها البدر الذى *** يهدى الى نهج الصواب الظاهر ) ( أبرزت من تيار علمك درة *** في سلك تبر قعر بحر زاخر ) وهو الآن حي ينتفع به الناس ولعله قد جاوز خمسين عاما من عمره عافاه الله(1/376)
180- عبد الله بن محمد بن أبى القاسم بن على بن ثامر بن فضل ابن محمد بن ابراهيم بن محمد بن ابراهيم الزيدى العبسى العكى المعروف بالنجرى ولد فى أحد الربيعين سنة 825 خمس وعشرين وثمان مائة ونشأ بمدينة حوث وقرأ على والده في النحو والأصلين والفقه وعلى أخيه على بن محمد ثم حج سنة 838 وارتحل الى الديار المصرية فوصلها فى ربيع الأول من التى يليها فبحث فيها فى النحو والصرف على ابن قديد وأبي القاسم النويرى وفى المعانى والبيان على الشمنى وفى المنطق على التقى الحصنى وفى علم الوقت على العز عبد العزيز الميقاتى وحضر فى الهندسة قليلا عند أبى الفضل المغربى بل كان يطالع ومهما أشكل يراجعه فيه فطالع شرح الشريف الجرجانى على الجغمينى والتبصرة لجابر بن أفلح وقرأ فى الفقه على الأمين الأقصراني والعضد الصيرامى وتقدم في غالب هذه الفنون كما(1/377)
قال البقاعي المتقدم ذكره قال واشتهر فضله وبعد صيته وكتب عنه فى سنة 853 قوله ( بشاطىء حوث من ديار بنى حرب *** لقلبى أشجان معذبة قلبى ) ( فهل لى الى تلك المنازل عودة *** فيفرج من غمي ويكشف من كربى ) وتستر مدة بقائه هنالك فلم ينتسب زيديا به انتسب حنفيا ولهذا ترجمه البقاعى والسخاوى فقال الحنفى ثم عاد الى اليمن وصنف مصنفات منها المعيار فى المناسبات بين القواعد الفقهية جعله على نمط قواعد ابن عبد السلام وهو كتاب نفيس مفيد ومنها شرح آيات الأحكام اختصره من الثمرات ومنها شرح مقدمة البحر للامام المهدى وله مصنفات فى غير ذلك ومن جملة ما كتبه وهو بمصر الى والده ( فراقك غصتى ولقاك روحى *** وقربك لى شفاء من قروحى ) ( وما ان أذكر الاوطان إلا *** يضيق لى من الأوطان سوحى ) ( فعفوك والدى عنى وإلا *** فنوحى ياعيون على نوحى ) وهؤلاء المشايخ من المصريين المذكورين في الترجمة هم اكابر شيوخ مصر فى ذلك الزمن كما يفيد ذلك من ترجم لهم ولعل بقاءه فى مصر خمس سنين كما يدل عليه ما سلف ويمكن ان يكون أكثر من ذلك وخرج من مصر بمغنى اللبيب وهو أول من وصل به الى اليمن وحكى عنه انه ألف شرح مقدمة البحر فى سفره قافلا من مصر وتوفى سنة 877 سبع وسبعين وثمان مائة وأرخ موته الضمدى فى الوافي سنة 874 أربع وسبعين وثمان مائة(1/378)
181- عبد الله بن محمد بن عبد الله العنسى ثم الصنعاني ولد تقريبا سنة 1190 تسعين ومائة والف أو بعدها بقليل وقرأ على جماعة من المشايخ واستفاد لاسيما فى العلوم الآلية وهو حسن الادراك جيد الفهم قوى التصور وله قراءة على فى المعانى والبيان والتفسير وفى صحيح البخارى ومسلم وسنن أبى داود وفي بعض مؤلفاتى وله فى الصلاح والعبادة والعمل بالأدلة مسلك حسن وله في حسن الخلق والتودد وحفظ اللسان مالا يقدر علية إلا من هو مثله(1/379)
182- السيد عبد الله بن الامام المطهر بن محمد بن سليمان الحمزى كان من الاذكياء النبلاء العلماء وله مصنفات منها الياقوت المنظم الذى شرح به قصيدة والده وهو كتاب حافل نفيس فيه فوائد بديعة ومنها كتاب رياحين الأنفاس المهتزة في بساتين الاكياس في براهين رسول الله صلى الله عليه وسلم الى كافة الناس وهو كتاب نفيس استخلفه والده فى مدينة ذمار بعد فتحها ثم فسد ما بينه وبين أهل المدينة فاخرجوه فدخل صنعاء فأخذوا عليه من دروعه وآلة ملكه شيئا كثيرا ولما فتح عامر بن عبد الوهاب صنعاء سيره معه الى تعز وتوفى هنالك وله شعر فمنه قصيدة مطلعها ( أوما النسيم يبلغن اذا سرى *** طرسا الى صنعاء من ام القرى ) وله قصيدة أخرى مطلعها ( حي الغداة وأقر الحي والحرما *** عنى السلام سلاما زاده حرما ) 183- عبد الله بن المهلا بن سعيد بن على الشرفي اليمانى المعروف بالمهلا ولد فى شهر صفر سنة 950 خمسين وتسعمائة بالشرف الأعلى واخذ عن جماعة منهم والده المهلا والفقية عند الله الراغب والسيد هادى الوشلى والقاضى على بن عطف الله والسيد أحمد بن المنتصر والفقيه عبد الرحمن النزيلى وبرع في جميع العلوم وفاق الأقران ورحل اليه طلبة العلم من الآفاق ومن جملة تلامذته الامام القاسم بن محمد واتفق أن الباشا جعفر امتحن العلماء بحديث اختلقه ونمق الفاظه واملاه عليهم فابتدر الحاضرون لكتابته فلم يتحرك صاحب الترجمة لشىء من ذلك فسأل الباشا لم لا يكتب فقال يا مولانا قد أفدتم والجماعة قد كتبوا ونحن حفظنا فقال هذا والله هو العالم ثم أخبرهم أن الحديث هو الذى وضعه وانما أراد امتحانهم وتوفي سنة 1028 ثمان وعشرين وألف وليس هذا هو مؤلف المواهب القدسية شرح البوسية فذاك متأخر وقد تقدمت ترجمته واسمه الحسين بن ناصر(1/380)
184- عبد الله بن يوسف بن عبد الله بن يوسف بن أحمد ابن عبد الله بن هشام ولد فى ذى القعدة سنة 708 ثمان وسبعمائة ولزم الشهاب عبد اللطيف وسمع من أبى حيان ولم يلازمه وحضر درس الشيخ تاج الدين التبريزى وقرأ على الفكهانى وكان شافعيا ثم تحنبل وأتقن العربية ففاق الأقران ولم يبق له نظير فيها وصنف مغنى اللبيب وهو كتاب لم يؤلف فى بابه مثله واشتهر في حياته وله تعليق على ألفية بن مالك وعمدة الطالب فى تحقيق تعريف ابن الحاجب مجلدان ورفع الخصاصة عن قراء الخلاصة اربع مجلدات والتحصيل والتفصيل لكتاب التذييل والتكميل عدة مجلدات وشرح الشواهد الكبرى والصغرى وقواعد الاعراب وشذور الذهب وشرحه وقطر الندى وشرحه والكوكب الدرية شرح اللمحة البدرية لأبى حيان وشرح بانت سعاد وشرح البردة والتذكره في خمسة عشر مجلدا وشرح التسهيل ولم يبيضه وكان كثير المخالفة لأبي حيان شديد الانحراف عنه ولعل ذلك والله اعلم لكون أبى حيان كان منفردا بهذا الفن فى ذلك العصر غير مدافع عن السبق فيه ثم كان المنفرد بعده هو صاحب الترجمة وكثيرا ما ينافس الرجل من كان قبله فى رتبته التى صار اليها اظهارا لفضل نفسه بالاقتدار على مزاحمته لمن كان قبله أو بالتمكن من البلوغ الى ما لم يبلغ اليه والا فأبو حيان هو من التمكن من هذا الفن بمكان ولم يكن للمتاخرين مثله ومثل صاحب الترجمة وهكذا نافس أبو حيان الزمخشرى فأكثر من الاعتراض عليه فى النحو والنهر الماد لكون الزمخشرى ممن تفرد بهذا الشأن وان لم يكن عصره متصلا بعصره وهذه دقيقة ينبغى لمن أراد اخلاص العمل أن يتنبه لها فانها كثيرة الوقوع بعيدة الاخلاص وقد تصدر صاحب الترجمة للتدريس وانتفع به الناس وتفرد بهذا الفن وأحاط بدقائقه وحقائقه(1/381)
وصار له من الملكة فيه مالم يكن لغيره واشتهر صيته فى الاقطار وطارت مصنفاته فى غالب الديار حتى قال ابن خلدون مازلنا نحن بالغرب نسمع أنه قد ظهر بمصر عالم يقال له ابن هشام أنحى من سيبويه ومات فى ليلة الجمعة خامس ذى القعدة سنة 761 إحدى وستين وسبعمائة وله نظم فمنه ( ومن يصطبر للعلم يظفر بنيله *** ومن يخطب الحسناء يصبر على البذل ) ( ومن لم يذل النفس فى طلب العلا *** يسيرا يعش دهرا طويلا أخاذل ) ورثاه ابن نباتة فقال ( سقى ابن هشام فى الثرى نور رحمة *** تجر على مثواه ذيل غمام ) ( سأروى له من سيرة المدح مسندا *** فما زلت أروى سيرة ابن هشام
185- عبد الله بن يوسف بن محمد الزيلعي الحنفى جمال الدين
اشتغل كثيرا واخذ عن أصحاب النحيب وعن القاضى علاء الدين التركمانى وعن جماعة ولازم مطالعة كتب الحديث الى أن خرج أحاديث الهداية وأحاديث الكشاف كان يترافق هو وزين الدين العراقى في مطالعة الكتب الحديثية فالعراقى لتخريج الاحياء والزيلعى لتخريج أحاديث الكتابين المذكورين وكان كل منهما يعين الآخر ولابن حجر تخريج لأحاديث الكشاف فلعله استمد من تخريج صاحب الترجمة ومات بالقاهرة فى المحرم سنة 762 اثنتين وستين وسبعمائة(1/382)
186- عبد الملك بن حسين بن عبد الملك العصامي الشافعى المكى صاحب التاريخ المشهور المسمى سمط النجوم الغوالى فى أبناء الاوائل التوالى وهو مجلدان ضخمان الاول الى أيام معاوية والثانى الى آخر القرن الثانى عشر وبسط فيه تراجم بعض الخلفاء والملوك والأمراء واختصر تراجم آخرين ولم اقف له على ترجمة
187- عبد الملك بن جمال الدين بن اسماعيل العصامى جد المذكور قبله ولد سنة 978 ثمان وسبعين وتسعمائة بمكة ونشأ بها وأخذ عن مشايخها وبرع فى العلوم وصنف مصنفات منها شرح الشذور وشرح القطر وشرح الشمائل وشرح الالفية وغير ذلك قال حفيده المتقدم قبله انها بلغت مصنفاته ستين مصنفا ومات سنة 1037 سبع وثلاثين وألف
188- عبد المؤمن بن خلف بن أبى الحسن بن شرف الدمياطى شرف الدين ولد فى آخر سنة 613 ثلاث عشرة وستمائة ونشأ بدمياط وكان يعرف بابن الماجد وكان جميل الصورة جدا حتى كان أهل دمياط اذا بالغوا فى وصف العروس قالوا كانها ابن الماجد وتشاغل أولا بالفقه ثم طلب الحديث بعد أن دخل العشرين وجاوزها فسمع بالاسكندرية فى سنة 632 من أصحاب السلفى وبالقاهرة منهم وغيرهم ولازم المنذرى وحج في سنة 643 فسمع بالحرمين ودخل الشام سنة 645 ثم دخل الجزيرة والعراق وكتب الكثير وبالغ وجمع معجم شيوخه في أربع مجلدات وبلغ عددهم ألف شيخ ومائتى شيخ وخمسين شيخا وأملى في حياة مشايخه وكتب عن جماعة من رفقائه قال المزى ما رأيت أحفظ منه وقال الذهبى كان مليح الهيئة حسن الخلق بساما فصيحا لغويا مقريا
جيد العبارة كبير النفس صحيح الكتب مفيدا جدا في المذاكرة وقال ابن سيد الناس سمعته يقول دخلت على جماعة يقرؤن الحديث فمن ذكر عبد الله بن سلام فشددوا لامه فقلت سلام عليكم سلام عليكم وصنف كتابا في الصلاة الوسطى وآخر فى الخيل وقبائل الخزرج وقبائل الاوس والعقد الثمن فيمن اسمه عبد المؤمن والمسانية والسيرة النبويه وغير ذلك وكان له نظم متوسط وروى عنه جماعة ماتوا قبله بدهر وطال عمره وتفرد بأشياء وحمل عن الصنعانى عشرين كتابا من تصانيف في اللغة والحديث وأزكى فى علم النسب على المتقدمين ووصفه أبو حيان بحافظ المشرق والمغرب قال الذهبى كان موسعا عليه في الرزق وله حرمة وجلالة مات فى خامس ذى القعدة سنة 705 خمس وسبعمائة(1/383)
189- عبد المؤمن بن عبد الحق بن عبد الله بن على بن مسعود البغدادى الحنبلى أبو الفضائل صفى الدين
ولد سنة 658 ثمان وخمسين وستمائة وتفقه على جماعة وعنى بالحديث فسمع من عبد الصمد وآخرين ورحل الى دمشق فسمع من ابن عساكر وخرج لنفسه عن نحو ثلثمائة شيخ وحدث وتخرج بالفضلاء وأثنوا عليه وكان علامة فى الفرائض والحساب والجبر والمقابلة وأجاز له فى بغداد جماعة وكذلك من دمشق وكان زاهدا خيرا ذا مروءة وفتوة وتواضع ومحاسن كثيرة طارحا للتكلف على طريق السلف محبا للخمول وكان شيخ العراق على الاطلاق وله مصنفات منها شرح المحرر ومختصر فى الفرائض وادراك العناية في اختصار الهداية وتحقيق الامل في الأصول والجدل وتحرير المقرر في تقرير المحرر والعدة شرح
العمدة وله نظم رائق ومحاسن ولم يتزوج واخذ عنه جماعة ومات فى صفر سنة 739 تسع وثلاثين وسبعمائة(1/384)
190- عبد الهادى بن أحمد بن صلاح بن محمد بن الحسن الثلائى المعروف بالحسوسه بمهملات الزيدي قال القاضى أحمد بن سعد الدين انه كان يحفظ مجموعات القاسم والهادى وغيرهما من الأئمة ويمليها عن ظهر قلبه بما يبهر العقول مع سائر علوم أهل الكلام وكان يحفظ أحوال الناس ولقى الفضلاء وقرأ عليهم فمن جملة شيوخه عبد الرحمن بن عبد الله الحيمى شيخ الامام القاسم وعيسى زعفان وعلى بن الحاج قال يحمل القاضى عبد الهادى من جليل الكلام ودقيقة مالا يشبهه فيه أحد حتى قال الامام القاسم انه يظن أنه أوسع علما من أبى الهذيل لانه اطلع على ماحصله ابو الهذيل وغيره وكان مطلعا على قواعد البهشمية لا يشذ عنه منها شىء ولا يخفى عليه شىء من احوال أهل العلم الكلامي وقد كان ينال منه المقصرون ويقولون انه يميل الى مذهب المعتزلة فى أمير المؤمنين على بن أبى طالب فتألم لما بلغه ذلك وأملى من فضائله ما بهرهم مما يعرفوه وولى القضاء بصنعاء فباشره مباشرة حسنة وله فى حسن السياسة أحاديث وانتقل من صنعاء الى ثلا فى أوايل مرضه ثم توفى بها ليلة الجمعة الثانى عشر من ذى الحجة سنة 1048 ثمان وأربعين وألف(1/385)
191- السيد عبد الوهاب بن حسين بن يحيى الديلمى المتقدم ذكر والده فى حرف الحاء ولد تقريبا على رأس سنة 1200 مائتين وألف وقرأ على والده في الفقه والآلات وعلى غيره ممن يجد عنده علما فى جهته وهى مدينة ذمار ثم فهم أنواعا من العلوم الدقيقة بذهنه الفائق وفهمه الذى يقل وجود نظيره وحفظه الحسن فصار يذاكر فى كل علم من العلوم ويفهمه أحسن فهم ولما وصلت الى ذمار مع مولانا الامام المتوكل عل الله فى سنة 1225 لازمنى المذكور ليلا ونهارا لمحل الصداقة بيني وبين والده ولكونى نزلت فى بيتهم فسمع على أوائل كتب لا أحصى عددها ولا أذكر أسمائها الآن لكثرتها واستفاد بالمذاكرة والمباحثة شيئا كثيرا وصار فى مدينة ذمار مع حدث سنة مرجعا فى العلوم حتى علم الطب فان له اليد الطولى ومازال يفيد الطلبة هنالك مع قلة الراغبين فى علوم الاجتهاد بذمار وفى سنة 1226 فى الرحلة الثانية للجهاد مع مولانا الامام المتوكل على الله ولامنى ملازمة كاملة ليلا ونهارا وبالجملة فهو من أفراد المشتغلين بالعلوم فى هذا الوقت زاده الله علما وتوفيقا وله الى أشعار جيدة لعلها موجودة فى مجموع الأشعار عندي(1/386)
192- السيد عبد الوهاب بن محمد شاكر بن عبد الوهاب بن حسين ابن العباس بن جعفر الحسنى من قبل الحسينى من قبل الأب الموصلى مولدا وبلدا ومنشأ ولد شهر جمادى الاولى سنة 1184 أربع وثمانين ومائة وألف وقدم علينا الى صنعاء فى سنة 1234 وكثر اتصاله بى وهو جامع بين علم الاديان والابدان جيد الفهم فصيح اللسان حسن العبارة حسن الاشارة قد عرف كثيرا من البلاد كمصر والشام والعراق ( والحرمين ودخل الى الروم دفعات واتصل بعلماء البلاد وأعيانها وملوكها وأخبرنا عن هذه البلاد وأهلها باحسن الاخبار مع صدق لهجة وتحر للصدق وكتب الى من شعره بنظم فائق رائق ومن جملة ماخبرنا به من خبر عجيب ونبأ غريب وهو أنه وجد فى جبل قيسون من جبال الشام رجل من الجن يقال له قاضى الجن واسمه شمهورش وأنه أدرك الامام محمد بن اسماعيل البخارى وأخذ عنه فاخبرنا صاحب الترجمة قال أخبرنا السيد اسماعيل بن عبد الله الايدين جكلى نسبة الى قرية بالروم قال أخبرنا أحمد بن محمد المنينى نزيل دمشق الشام قال أخبرنا عبد الغنى بن اسماعيل النابلسى عن القاضى شمهورش قاضى الجن بصحيح البخارى عن البخارى ومما أخبرنا به صاحب الترجمة أن اعتماد حنفية هذا الزمان فى جميع ديار الروم والشام ومصر وغيرها في الفقه على مؤلفين أحدهما مؤلف الملاخسرو الرومى المسمى الدرر والغرر متنا وشرحا والمؤلف الآخر لمحمد افندى مفتى دمشق المسمى الدر المختار واستشهد في خطبة الكتاب بقول القائل ( ترى الفتى ينكر فضل الفتى *** فى وقته حتى اذا ما ذهب ) ( يحثه الحرص على نكتة *** يكتبها عنه بماء الذهب ) وأخبرنا أن هذا محمد افندى من أهل القرن الحادى عشر وقد طلب صاحب الترجمة بعض مؤلفاتي فاعطيته الدرر وشرحها الدرارى وقد كتب الى من نظمه شعرا فائقا قد ذكرته فى مجموعى فليرجع اليه
وقد تلقيت منه الذكر على الطريقة النقشبندية(1/387)
193- عبد الهادى بن محمد السودى ثم الصنعانى الصوفي الشاعر المشهور ولد فى نيف وسبعين وثمان مائة ونشا بصنعاء وقرأ بها الفقه وغيره ثم لحقته جذبه فخرج هائما من صنعاء وسكن مدينة تعز وذكر الامام شرف الدين أنه انما حصل له الهيام بسبب أكله للقات وله شعر حسن فمنه ( كيف حاروا فيك واعجبا *** يامنى سمعى ويا بصرى ) ( أنت لا تخفى على أحد *** غير أعمى الفكر والنظر ) ( حيرة عمت وأى فتى *** رام عرفانا ولم يحر ) ( ومنه ) ( لا وقد منك معتدل *** عن غرامى فيك لم أمل ) ( ليس لى عطف على احد *** لا ولا ميل الى بدل ) ( بك يا سؤلى ظفرت فلم *** التفت للدار والطلل ) ( ومنه ) ( عاذلى فى الحب أو خطره *** لست من ليلى ولا سمره ) ( أنا فى واد أظنك ما *** قلت في الافياء من شجرة ) ( لا تطل فيه الملام الى *** أن تذوق الحلو من ثمرة ) ( يا حلول الشعب من اضم *** انشقونى النشر من زهرة ) وفي هذا الشعر من شعر أبى نواس وكان صاحب الترجمة فى أيام الامام شرف الدين ومات سنة 932 اثنتين وثلاثين وتسعمائة(1/388)
194- عبد الواسع بن عبد الرحمن بن محمد القرشى الاموى العلفى
ينتهى نسبه الى عبد الملك بن مروان بن الحكم بن العاص بن أمية ولد سنة 1026 ست وعشرين وألف أو فى التى بعدها ببلاد حيدان بسبب أخواله بنى مدحف فخذ من حيدان ثم انتقل هو ووالدته الى هجرتهم بنى علفة فى بلاد الكلبيين فبقى بها مدة ثم ارتحل الى صنعاء وهو في سن الطلب فاخذ عن جماعة من شيوخها كالفقية الفاضل محمد بن أحمد الحربى في النحو وعلى التهامى في الصرف وعلى عبد الرحمن ابن محمد الحيمى فى انواع من العلم وعلى السيد محمد بن عز الدين المفتى والسيد الحسن بن احمد الجلال والقاضى صلاح الذنوبى والقاضى أحمد ابن سعيد الهبل وبرع في علوم كالنحو والصرف والاصول والفقه والفرائض ومن جملة مشايخه الامام المتوكل على الله اسماعيل بن القاسم والقاضى الحسين بن على الشوكانى والقاضى أحمد بن سعد الدين وأخذ عنه جماعة كالسيد محمد بن الحسين الكبسى وولده احمد والسيد الحسين بن أحمد زبارة وعلى بن محمد الشطبى وكان الامام المتوكل على الله يقوله من أراد النحو فليقرأ على القاضى عبد الواسع وله تفسير لطيف على سورة الاخلاص وله مجموع فى خطب السنة ومختصر سماه الوعظ النافع فيما انشأه القاضى عبد الواسع ولم يزل مقيما على التدريس حتى مات في ثانى عشر شهر جمادى الآخرة سنة 1108 ثمان ومائة وألف وقبره في الغراس بجوار الامام المهدى أحمد بن الحسن ولهذا القاضى ذرية صالحة مباركة فيهم رؤساء وفضلاء وكملاء فمنهم فى تاريخ تحرير هذه الاحرف محمد بن على بن أحمد بن عبد الواسع احد رؤساء الدولة وأعيانها وهو
كثير الخير كثير العدل قوى العقل محمود السيرة طيب السريرة ومنهم أخوه الحسن بن على وهو تلو أخيه محمد فى محاسنه مع صدق لهجة وحسن خلق وشهامة نفس وكمال مروءة ومنهم يحيى بن محمد بن على وهو الآن في عنفوان الشباب وله أشعار فائقة تشتمل على معان رائقة(1/389)
195- عبد الوهاب بن على بن عبد الكافى بن على بن تمام السبكى تاج الدين
ولد سنة 727 سبع وعشرين وسبعمائة وأجاز له جماعة كابن سيد الناس وطبقته ثم قدم دمشق سنة 739 فسمع بها من زينب بنت الكمال والمزى والذهبى ومعن فى طلب الحديث وكتب الأجزاء والطباق حتى مهر وهو شاب مع ملازمته الاشتغال بالفقه والأصول والعربية وصنف تصانيف منها شرح مختصر ابن الحاجب وشرح منهاج البيضاوى وعمل الفوايد المشتملة على الأشباه والنظاير والطبقات الكبرى والوسطى والصغرى ورزق السعادة في تصانيفه فانتشرت في حيوته وكان ذا بلاغة وطلاقة جيد البديهة طلق اللسان حسن النظم والنثر ودرس فى غالب مدارس دمشق وناب عن أبيه في الحكم ثم أشتغل به باختيار أبيه وولى خطابة الجامع وانتهت اليه رياسة القضاء والمناصب بالشام وحصل له بسبب القضاء محنة بعد محنة وهو مع ذلك في غاية الثبات وعزل مرات وكشفوا عليه في بعضها وحكم بعض القضاة بحبسه واجتهدوا في طلب غيره من عثراته فلم يجدوا قال ابن كثير جرى عليه من المحن والشدايد مالم يجر على قاض قبله وحصل له من المناصب والرياسة مالم يحصل لأحد قبله وانتهت اليه الرياسة بالشام وأبان في أيام محنته عن شجاعة وقوة مناظرة حتى أفحم خصومه مع كثرتهم ولما عاد على وظايفه صفح عن القايمين عليه وكان كريما مهابا ومات في سابع ذى الحجة سنة 771 احدى وسبعين وسبعمائة(1/390)
196- السيد عبد الله بن محمد بن محمد بن محمد بن عبد الله بن محمد بن عبد الله السيد نور الدين أبو حامد الحسينى الأيجي الشافعى ولد يوم السبت خامس وعشرين ذى القعدة سنة 842 اثنتين واربعين وثمان مائة بشيراز وتحول إلى مكة وقرأ على جماعة كالمحب الطبرى وأبى الفتح المراغي وحفظ القرآن وبعض الحاوي وفي الصرف النخبة لجده وفى النحو الكافية وشيئا من الطوالع وغير ذلك وأخذ عن الصفى جده لأمه في علوم عدة وعلى النورأبى الفتوح وأجاز له كثير من أمصار مختلفة وقدم القاهرة ودخل الشام وزار القدس والخليل وأخذ فى هذه الأمكنة عن جماعة كالبقاعى والسخاوي وتصدر في ايج للافتاء والاقراء والتحديث وكتب على المنهاج والتيسير للبارزى وعلى القونوى وجمع كتابا طويلا سماه مجمع البحار جعله أولا مختصرا للروضة ثم بسط الكلام واستوفى كلام الشافعية مع ذكر الأدلة والعلل ترجمة السخاوى وذكر أنه فارقه في سنة اربع وتسعين يعنى وثمان مائة فلعله عاش إلى القرن التاسع والله أعلم(1/391)
197- السيد عبد الله بن محمد الهاشمى الحسينى الملقب العبرى بكسر المهملة وسكون الموحدة ذكره الذهبى في المشتبه فقال عالم كبير في وقتنا وتصانيفه سايرة وقال الأسنوى في طبقات الشافعية كان أولا حنفيا ثم صار شافعيا وكان يقرىء المذهبين ووصفه بعض أهل
بلاده فقال كان قاضى القضاة عضد السلاطين مشهورا فى الآفاق مشارا اليه في جميع الفنون ملاذا للضعفاء كثير التواضع والانصاف ومال فى آخر عمره إلى الاشتغال بالعلوم الدينية وله من المصنفات عدة منها شروح مصنفات القاضى البيضاوى المنهاج والمطالع والغاية والمصباح وشرح المصابيح وسكن سلطانيه ثم تبريز وولى قضاءها وعبارته فصيحة قريبة من الافهام وكانت وفاته بتبريز فى شهر رجب سنة 742 اثنتين واربعين وسبعمائة فى العام الذى حصل فيه الغلاء المفرط بخراسان والعراق وفارس وأذربيجان ودياربكر حتى جاوز الوصف وأكل الأب ابنه والابن أباه وبيعت لحوم الآدميين في الأسواق جهرا ودام ذلك ستة أشهر كذا فى الدرر لابن حجر حاكياعن بعض فضلاء العجم
198- عثمان بن على بن عمر بن اسماعيل بن ابراهيم بن يوسف بن يعقوب بن على بن عبد الله الطائى الحلبى فخر الدين ابن خطيب حبرين الشافعى ولد فى ربيع الأول سنة 662 اثنتين وستين وستمائة ومهر فى الفنون حتى كان يدرس كل من قصده فى أى كتاب أراد من أى علم أحضره ولم ير الناس له فى ذلك نظيرا إلا ما حكى عن ابن يونس فكان يقرىء فى الحاوى وغيره من الفروع وفى المحصول وغيره من أصول الفقه وفى الشاطبية وغيرها من القراءات وفى الفرايض وأنواع الحساب وفى العربية والتصريف والحكمة والطب وغير ذلك وناب الحكم وكان في خلال الدرس وخلال الحكم يلازم السبحة ومن تصانيفه شرح التفجير وشرح الشامل الصغير وشرح مختصر ابن الحاجب وشرح الحاوى وشرح مختصر مسلم للمنذرى ثم طلب إلى القاهرة
فمثل بين يدى السلطان فبدر من السلطان كلام فى حقه أغلظ له فيه فرجع مرعوبا فمرض وكان معه ولده فمرض كذلك وماتا جميعا بعد جمعة في المحرم سنة 738 ثمان وثلاثين وسبعمائة وأثنى عليه ابن حبيب فقال حاكم قدره كبير وعالم ليس له نظير قدوة فى معرفة الأصول والفروع مشار اليه بالتقدم فى المحافل والجموع ثم ذكر أنه باشر توقيع الحكم ونظر الاوقاف ووكالة بيت المال ثم اشتغل بالقضاء بحلب مدة(1/392)
199- عثمان بن قطلو بك التركمان أمير التركمان بديار بكر وصاحب آمدو ماردين وغيرها كان أبوه من جملة الأمراء بالدولة الأرتقية ثم انتمى ابنه هذا إلى تيمورلنك وصار من أعوانه ودخل معه البلاد الشامية لما طرقها ثم رجع إلى بلاده فاستولى على ما تقدم ذكره فى أيام الناصر فرج بن برقوق صاحب مصر والشام وولاه الرها وضخم أمره وما زال في علو إلى أن تجرد المؤيد شيخ البلاد الشرقية وعاد إلى نحو بغداد فأرسل قصاده إلى المؤيد يعتذر عن نفسه فى ذنب منه سابق ويقول ان لم يعف عنى السلطان لا أجد لى بدا من موافقة خصومه فأجابه وكان من الرجال قوة وشجاعة واقداما قتل ملوكا ولما سلطن الأشرف برسباى المتقدم ذكره وطالت أيامه تغير ما بينهما فجهز لقتاله عسكرا غير مرة وأخذ منه الرها وقبض على ابنه هابيل وحبس بقلعة الجبل حتى مات ثم تجرد الأشرف بنفسه اليه في سنة 836 ووصل إلى آمد ونزل عليها وحاصرها زيادة على شهر ثم رحل عنها بعد وقوع الصلح بينهما وأرسل له بخلعة وسرج فرس ذهب واستمر على حاله إلى سنة 839 فسار إلى اسكندر من تبريز وبلغ على صاحب الترجمة فجهز على بك ابنه في فرقة من العسكر وهو على أثرهم فالتقى الفريقان فاستظهر عسكر هذا فثبت اسكندر بمن معه ثم حملوا حملة رجل واحد على عسكر هذا فكسروه وسار اسكندر خلفهم فتبعوا صاحب الترجمة فرمى بنفسه إلى خندق القلعة ليفوز بمهجته وعليه آلة الحرب فوقع على حجر فشدخ دماغه ثم حمل وعلق إلى القلعة بحبال فدام بها أياما قلايل ثم مات وذلك فى العشر الاول من صفر سنة 839 تسع وثلاثين وثمان مائة وقد بلغ التسعين أو زاد عليها ودام سلطانه زيادة على خمسين سنة(1/393)
200- عثمان بن محمد بن عبد العزيز بن أحمد بن أبى بكر بن يحيى بن ابراهيم بن يحيى بن عبد الواحد بن أبى حفص عمر الملقب المتوكل على الله الهنتاتي بفتح الهاء ثم نون بعدها مثناة ثم مثلها بعد الف قبيلة من البربر وجده أبو حفض عمر هو أحد العشرة من أصحاب محمد بن تومرث المعروف بالمهدي ولد تقريبا بعد العشرين وثمان مائة بتونس وبها نشأ في كنف ابيه وجده وقرأ القرآن وشيئا من العلم وصار اليه الملك وهو ابن ثمان عشرة سنة فخالف عليه عمه أبو الحسن فظفر به وتمهدت له الأمور وطالت أيامه فانه ولى ملك تونس وهو فى تلك السن فى سنة 839 ودام في الملك أربعا وخمسين سنة ونصف سنة ودانت له البلاد والرعية واجتمع له من الأموال وغيرها ما يفوق الوصف وأنشأ الابنية الهايلة والخزانة الشرقية بجامع الزيتون وجعل بها كتبا نفيسة للطلبة وبعد صيته وطارت شهرته وهادن ملوك تلك الاقطار وكذا ملوك
الافرنج وخطب له بالجزاير وتلمسان وجائته بيعة صاحب فاس واثنى عليه غير واحد ممن لقيه ولم يزل بحالته حتى مات في صبيحة يوم السبت تاسع وعشرين شهر رمضان سنة 893 ثلاث وتسعين وثمان مائة(1/394)
201- الامام الهادي عز الدين بن الحسن بن المؤيد
ولد باعلا فلله بفتح الفاء واللامين بعدها بعشر بقين من شوال سنة 845 خمس وأربعين وثمان مائة وقرأ في وطنه ثم رحل إلى صعدة فقرأ على على بن موسى الدوارى فنونا من العلم وقرأ أيضا على غيره ثم رحل إلى تهامة فسمع الحديث على شيخه يحيى بن أبى بكر العامري المشهور مؤلف البهجة وغيرها سمع منه سنن أبى داود وأجازه فى ساير كتب الحديث وبرع فى جميع العلوم وصنف وهو دون العشرين فمن مصنفاته شرح منهاج القرش فى مجلدين ضخمين وشرح البحر للامام المهدي بلغ فيه إلى كتاب الحج وهو شرح مفيد سلك فيه طريقة الانصاف وهو يدل على تبحره في عدة علوم وله فتاوي مجموعة في مجلد ضخم مفيدة ومن جملة شيوخه الامام محمد بن على الوشلى فانه لازمه فى الحضر والسفر ثم لما كمل في جميع العلوم دعا الناس إلى مبايعته فبايعوه فىتاسع شوال سنة 879 تسع وسبعين وثمان مائة وكانت الدعوة بوطنه هجرة فلله ودخل تحت طاعته بلاد السودة وكحلان والشرفين والبلاد الشامية وعلماء ساير محلات الزيدية قد بايعوه وان لم يجبه جميع أهلها وهو من أكابر أئمة الآل فى العلم والعمل والكرم وساير الخصال الشريفة وله شغف بالعلم عظيم ولديه من التسليم للحق واتباع الدليل مالم يكن لغيره حتى رأيته قد حرر بحثا فى مسئلة انحصار الامامة فى بعض بطون قريش
وتكلم بالصواب مع كونه إذ ذاك إماما واستمرت امامته إلى أن مات في شهر رجب سنة 900 تسعمائة ومدة خلافته احدى وعشرون سنة(1/395)
202- السيد على بن ابراهيم بن على بن ابراهيم بن احمد بن عامر الشهيد المتقدم ذكره ولد بشهارة سنة 1143 ثلاث وأربعين ومائة وألف وقيل سنة 1139 وقرأ بها على أهل العلم هنالك ثم ارتحل الى كوكبان وقرأ على من به من العلماء كالسيد عيسى بن محمد بن الحسين ثم أرتحل الى صنعاء وقرأ على السيد العلامة احمد بن محمد بن اسحق وغيره كالقاضى احمد بن صالح بن أبي الرجال واستقر بها وتزوج وكان إماما فى جميع العلوم محققا لكل فن ذا سكينة ووقار قل أن يوجد له نظير في ذلك كان اذا اجتمع بأهل العلم وجرت المباحثة في فن من فنون العلم لا يتكلم قط بل ينظر اليهم ساكتا فيرجعون اليه بعد ذلك فيتكلم بكلام يقبله الجميع ويقنع به كل سامع وكان هذا دأبه علىمرور الأيام لا يعتريه الطيش والخفة فى شىء كائنا ما كان ولا يوجد له عدو قط لحفظ لسانه والتفاته الى ما يعنيه وعدم اشتغاله بما لا يعنيه مع كونه غير متعلق بالمناصب الدنيوية التى هى منشأ العداوة اما لحسد أو لغيره فلهذا كان الثناء عليه كلمة أجماع والاعتراف بفضله ليس فيه نزاع وكان يسلك هذا المسلك مع أهله وأولاده فانهم اذا وقع لهم السهو عن شىء مما يحتاج اليه من طعام أو شراب أو نحوهما لم يقع منه الطلب لذلك منهم فضلا عن أن يتجرد عليهم ويلومهم ولقد أخبرنى أنه خرج يوما مع جنازة وقت الغداء وما رجع إلا قبل الظهر فظن أهله أنه قد تغدى لأنه كان كثير الضيافات عند معارفه(1/396)
فوصل الى مكانه واستمر جالسا الى وقت العشاء لم يطلب منهم شيئا ومثل هذا عجيب وأخبرنى أنه دخل ليلة منزله ووقف في المكان الذى يأوى اليه ولم يشعر أهله بذلك فبقى إلى مقدار نصف الليل فى ظلمة بلا مصباح ولا قهوة ولا غير ذلك مما يحتاج اليه فى السمر مع أنه كان محبا للسمر واذا كانت هذه معاملته لأهله فما ظنك بمعاملته لغيرهم ولا أعلم أنه غضب قط أو خاصم فى شىء منذ عرفته الى أن مات وليس له نظير فى حفظ الأشعار لأهل الجاهلية والاسلام وحفظ الأخبار التى لا يدرى بشىء منها غالب أهل العصر ومع هذا فانه يحضر مواقف الاجتماع فيتحدث متحدث بخبر من الاخبار فيزيد وينقص ويغلط ويصحف ويحرف وهو مصغ اليه مقبل عليه كأن لا يعرف من ذلك شيئا فاذا فرغ ذلك المتحدث من حديثه استحسنه صاحب الترجمة وسكت ولا يستدرك عليه فى شىء مع أنه يعلم بتفصيل ذلك الخبر وصحيحه وفاسده اللهم إلا أن يسأله سائل عن تلك الحكاية أو يسترشد منه الحاكى فانه حينئذ يمليها بعبارة عذبة ويصوغها بألفاظ فصيحة واذا كانت مشتملة على شىء من الشعر ذكره لا يغادر منه شيئا حتى يخجل حاكى تلك القضية ويندم على اقدامه وهكذا اذا روى احد من هو بحضرته شيئا من الشعر أصغى اليه وقد لا يدرى ذلك الراوي لمن الشعر وقد يصحف فى بعضه وقد لا يحفظ إلا شيئا يسيرا من القصيدة وصاحب الترجمة ساكت لا يتكلم فاذا سأله سائل عن ذلك روى تلك القصيدة من أولها الى آخرها وذكر السبب الذى قيلت لأجله وترجم لقائلها ترجمة لا يدع من أحواله شيئا وقل أن يجرى بحضرته شىء لا يعرفه وهو قليل التكلف مائل الى الخمول ليس له(1/397)
رغبة في الظهور ولا يتكلم فى مسألة إلا وهو على قدم راسخة والارجع الى البحث بل كثيرا ما يرجع الى البحث وان كان يعلم بالمسئلة فانى سمعت منه صحيح البخارى من اوله الى آخره بلا فوت فكانت تعرض مباحثات حال القراءة فيسمع السؤال ثم يصمت ويأخذ الشروح فينظر فيها فان وجد ما يفيد أملاه وإن لم يجد تكلم من عند نفسه بكلام فى غاية الحسن والافادة ومما كتبته اليه فى أيام قرائتى عليه هذان البيتان وفيهما طرد عجيب ( امام البهاليل الأولى سبقوا الى *** سماء المعالى آمرا بعد آمر ) ( على بن ابراهيم بن على ب *** ن ابراهيم بن أحمد بن عامر ) وقد أخذ عنه الطلبة فى فنون متعددة وكانوا يقصدونه فى الغالب الى بيته وكان للعصر به جمال وللعلم وأهله به أنس وله فى الشعر يد طولى وقصائده الطنانة موجودة بايدى الناس فمن شعرة فى وصف البنادق من جملة قصيدة ( فواغر أفواه الثعابين كلما *** نفخن قتاما تستطار مشاعل ) ( حكى شكلها الحيات لكن صفيرها *** زئير وفى الاحشاء منها الغوائل ) ( كراسيها أذنابها وعيونها *** وراء ولا يخفى عليها المقاتل ) ولولم يكن له الا هذه الابيات لكفته فانها غاية لا تدرك وهى تدل على ما أولاها من أدبه الغض ومن قصائده الطنانة هذه القصيدة ( خلس اللحظ تذيب المهجا *** فبها الدمع يرى ممنزجا ) ( ا تسم لحظك فى مرعى الهوى *** فيلاقى القلب منه حرجا ) ( راشقات وتسمى نظرا *** بنبال وتسمى دعجا )(1/398)
( لم تؤثر فى سوى أفئدة *** وهى فيهن تبين الشخجا ) ( كان عهدى قبلها أن النهى *** للتصابى مانع أن يلجا ) ( يا خليلى أراها منكما *** ظلة بالسفح ان لم تعجا ) ( واذا ظللتماه فانشقا *** من شميم الدار عرفا ارجا ) ( انما عتد من عمرى بما *** كنت فيه بالصبا مبتهجا ) ( يملأ التهويم عينى ولم *** يك قلبى بالهوى منزعجا ) ( كم سرقنا باللوى فى غفلة *** من عوادى الدهر غيثا سجسجا ) ( ترقص الاغصان فيه طربا *** وعليه الطير تشدو هزجا ) ( ودجى قد ألف الشمل الى *** أن فرى الصبح لأفق ودجا ) ( وليالى بالتدانى لؤلؤ *** قد أعيدت بالتنائى سبجا ) ( اذ يلف الحب مشتاقى هوى *** وعفاف بالغرام امتزجا ) ( لم يشقنى ظل افنان الحمى *** انما اشتاق بدرا غنجا ) ( حركات الحسن فى أعطافه *** يستميل اللب عن أهل الحجا ) ( آه من عين به دامية *** وهى فى الدمع تخوض اللججا ) ( كلما لام عليه عاذل *** وجد المسمع بابا مرتجا ) ( لا سمت بى عقوة من هاشم *** وبخال بالمعالى وشجا ) ( ان اخافتنى القنا من دونه *** بعواليها حسينا سرجا ) ( لأقيمن على رغم النوى *** منسم الحب واعلو الثبجا ) ( أترى آساده في وهن *** من سهاد ظل فيه مدلجا ) ( آه من عسجد شعر صغته *** وأراه في الهوى قد سمجا )(1/399)
( لو رأى قيصر منه ما رأوا *** صاغ منه لملوك دملجا ) ولم يشتغل رحمة الله بالتأليف مع أنه أهل له ولو وجه نفسه اليه لجاء بما بعجز عنه غيره ولعل السبب في ذلك محبته للخمول حيا وميتا وكتب من نفايس الكتب بخطه شيئا كثيرا وكنت اعجب من سرعة ما يتحصل له من ذلك مع شغلته بالتدريس فسألته بعض الأيام عن هذا فقال انه لا يترك النسخ يوما واحدا واذا عرض ما يمنع فعل من النسخ شيئا يسيرا ولو سطرا أو سطرين فلزمت قاعدته هذه فرأيت فى ذلك منفعة عظيمة وكان له رحمه الله ميل الى السيد العلامة أحمد بن محمد ابن اسحق وخرج معه من صنعاء الى وصاب أيام وقوع الحرب بينه وبين الامام المهدى العباس بن الحسين وانتفع بصحبته وكان يعينه على امور دنياه وكان له لطايف وظرائف وكلمات مستحسنه منها انه كان بعض أبناء الأكابر يتصل به ويقرأ عليه ويديم الجلوس معه وهو فائق الجمال بديع الأوصاف فتزوج وانقطع عنه فقيل له فى ذلك فقال انصرف ندمان لوجود ندماته فتمت له الاشارة الى الواقع مع مراعاة التوجيه بالقاعدة النحوية على أحسن أسلوب ولم يزل رحمه الله مستمرا على حاله الجميل حتى توفاه الله فى اليوم السابع والعشرين من شهر رمضان سنة 1207 سبع ومائتين وألف ورثيته بقصيدة مطلعها ( هب أن بدر الأفق يوما يأفل *** أوأنه يهوى السماك الأعزل )(1/400)
203- السيد على بن ابراهيم بن محمد بن اسماعيل بن صلاح الأمير حفيد السيد محمد صاحب التصانيف الآتى انشاء الله ولد شهر القعدة سنة 1171 إحدى وسبعين ومائة وألف وقرأ فى العربية والحديث واستفاد فى أسرع مدة مع أنه لم يشتغل كثيرا ولكنه مفرط الذكاء سريع الفهم قوي الادراك جيد الفطنة يتوقد ذكاء فصيح العبارة فايق النظم والنثر وله مصنفات منها السر المصون فى نكته الاظهار والاضمار فى أكثر الناس وأكثرهم لا يعلمون ورسالة في تحريم تحلية السلاح بالذهب وتأنيس أرباب الصفا فى مولد المصطفى وكتاب النفحات الربانية واللمحات الرحمانية فى احراز ذخاير الصلات بابراز ضماير الصلوات والفتح الالاهى بتبيه اللاهى وكلها حسنة وحج مرات وتردد ما بين صنعاء ومكة ومال إلى الأدب ونظم القصايد الطنانة والمقاطيع الحسنة وأكثر من ذلك واشتهرت أشعارة وطارت في الاقطار اليمنية واشتغل بها الناس وكتبوها وحفظوها وكان يكثر من مطارحة الأدباء ومجالستهم ومجاذبتهم للطايف وفنونن الأدب ثم انجمع وترك الشعر والتفت الى العبادة والأذكار والوعظ وتعليم العامة أمور الدين فعقد مجالس بجامع صنعاء وبغيره من مساجدها وبجامع الروضة وكان يجتمع عليه جمع جم ورغب الناس اليه وأقبلوا على وعظه وكان ينحدر عند ما يتكلم عن الناس من أول المجلس الى اخره لا يتلعثم فى عبارة ولا يتردد في لفظ كأنه يملى من كتاب ويستطرد الآيات القرآنية والأحاديث النبوية ويسرد من ذلك شيئا كثيرا بعبارة حسنة ومسالك مستحسنة وجمع مجاميع حسنة منها رسالة في تفسير ألفاظ الأذان وأخرى فى تحريم التحلى بالذهب وله من ذلك أشياء نفيسه وله فصاحة وبراعة وقوة نفس وعفة وانكار للمنكر بما يستطيعه وتبلغ اليه قدرته وكثيرا ما يصل الى إذا حدث شىء من ذلك ولا يزال حتى أساعده على القيام فى دفع ذلك(1/401)
الحادث وأحواله كلها حسنة وله فى الذب عن الغيبة والنميمة غاية كاملة لا يدع أحدا يذكر بسوء فى مجلسه وله أذكار وصبر على تعليم العامة ما يهمم من امر دينهم وهو الان مستمر على هذه الأحوال الجميلة وللناس به انتفاع كثير ومع هذا فلم يسلم من المنافسة له والمبالغة فى الحط عليه والتظهر بثلبه وهو صابر محتسب وقد كتب الى أبياتا بعد تركه لنظم الشعر وهى ( طبل شيطانى ومزمار الهوى *** ضربا والنفس باتت ترقص ) ( ورياض القلب قد اهملها *** عدم التقوى فباتت تنقص ) ( اعرب اللفظ بقرآنى وكم *** الحن المعنى فهل لى مخلص ) ( يالقومى لم أجد محتسبا *** فاضلا عن منكراتى يفحص ) ( فعسى ربى بجاه المصطفى *** يذهب الدافتزول الغصص ) فأجبته عنه بقولى ( قد شققت الطبل والمزمارما *** مثلك اليوم لزمر يرقص ) ( وكذاك النفس قد ألجمتها *** بلجام الزهد وهو المخلص ) ( انت لا تفحص عن عيب امرء *** تب من ظل لعيب يفحص ) ( فرض النفس إذا زاد الهوى *** فهو إن ما رضتها ينتقص ) ( يالحا الله اناسا كلما *** لاح للاطماع برق بصبصوا ) ( واذا نال الفتى مكرمة *** كان من ذاك لديهم غصص ) وهو الآن ما بين الاربعين والخمسين من عمره دامت فوايده ثم مات رحمه الله فى شهر ذى الحجة سنة 1219 تسع عشرة ومائتين والف ووالد المترجم له هو من أعيان العلماء وأكابر الفضلاء جامع بين الشريعة(1/402)
والطريقة عارف بفنون من العلم لا سيما الحديث والتفسير وله فى التصوف والتسليك يد طولى قرأ على والده وعلى غيره وأقرأ فى جامع صنعاء فى صحيح البخارى وغيره وله في الوعظ يد طولى وقد قعد لذلك فى مواطن فانتفع به الناس ثم رحل إلى مكة واستوطنها بسبب أمور جرت له مشتملة على امتحانات وهو الآن مقيم هنالك وقد رعب عن الرجوع إلى اليمن وهو وافر الجاه عند أهلها عظيم الحرمة رفيع الدرجة وصار هنالك مأوى لمن دخل مكة للحج من أعيان أهل اليمن وقد كتب إلى كتابا يتضمن المعاهدة ولم يكن قد عرفنى قبل ارتحاله إلى هنالك لأنى كنت إذ ذاك فى أيام الصغر وأنا رأيته مرة واحدة يصلى بالناس فى بعض المساجد بصنعاء فسمعت قراءة فايقة بصوت مطرب مع هيئة جميلة وشيبة منورة وله مصنفات فى الوعظ والرقايق والتصوف وهو مشحونة بالفصاحة والبلاغة وهو كان يستحق افراده بترجمة ولكن اكتفيت بذكره ههنا ومات ثانى عشر شوال سنة 1213 ثلاث عشرة ومائتين والف ومولده سنة 1141 احدى وأربعين ومائة والف ومن مصنفاته الفلك المشحون شرح اسماء من يقول للشىء كن فيكون وشرح للأربعين الجوهرية وله تفسير غريب الأسلوب سماه مفاتيح الرضوان فى تفسير القرآن بالقرآن كتب منه مجلدا ضخما وجمع مجموعا فى ترجمة والده ذكر فيه مؤلفاته وشيوخه وتلامذته وقد وقفت على جميع ذلك وولده يوسف بن ابراهيم ساكن عنده هنالك وهو من المشتغلين بالعلم والزهد وسلوك طريق الخير والعبادة والاشتغال بأمر الآخرة وله فى الأدب مسرح قوى وهو أصغر من أخيه على المترجم له وقد خرج إلى صنعاء وسمعت تلاوته وهى تلاوة فايقة بنغمات رايقة ورأيته يقرأ على عمه عبد الله بن محمد المتقدم ذكره فى مدرسة الامام شرف الدين بصنعاء فى صحيح البخارى(1/403)
204- على بن أحمد بن راجح بن سعيد
وزير الامام المنصور بالله الحسين بن القاسم كان من محاسن الدهر فى الكرم والرياسة والكياسة وله ولاخيه محسن بن أحمد راجح قصص فى الكرم يتناقلها الناس الى الآن ويضربون بها الامثال ولشعراء عصرهما فيهما غرر الممادح وكانا مستوليين على المنصور بالله لا يعمل الا بماقالاه ولا سيما صاحب الترجمة فهو الوزير الاعظم الذى لا يقع فى المملكة شىء الا باذنه ومفاوضته واستمر كذلك مدة خلافة المنصور وكان ملازما له قبل الخلافة ولما مات المنصور وقام بعده الامام المهدى نكب صاحب الترجمة وأخاه المذكورين وأخذ من اموالهما شيئا كثيرا فاما صاحب الترجمة فمات بعد ذلك بايام يسيرة فى سنة 1163 ثلاث وستين ومائة وألف فبقى لورثته دنيا واسعة ووقف ثلث تركته على العلماء والمحاويج وهو جمهور واسع وصارت الآن صدقة جارية على المستحقين يحصل
منها في كل عام شىء واسع وأما أخوه فتأخر موته الى سنة 1173 ثلاث وسبعين ومائة والف(1/404)
205- على بن أحمد بن سعيد بن محمد بن سعيد بن الاثير الحلبى الاصل المصرى
ولد فى حدود الثمانين وستمائة وتعانى الخدم الديوانية وكان أبوه من الاعيان الموقعين وباشر الديوان وكتب الانشاء فلما توجه الناصر الى الكرك توجه صحبته ووعده بكتابة السر فلما قدم الناصر القاهرة قدم له علاء الدين حلوى بمائة وعشرين درهما وباع لاجل شرائها بعض متاعه فلما وصلت الهدية الى الناصر تذكره وقال لدويداره اكتب الى محيى الدين ابن فضل الله يكتب الى أخيه شهاب الدين دستور الى الشام فانى استحى ان أواجهه بذلك فكتب محيى الدين الى أخيه فل يلتفت اليه فلما بلغ السلطان ذلك لم يجد بدا أن يفصح له بالامر فرسم له أن يستقيم فى كتابة السر بدمشق عوضا عن أخيه فخرج من القاهرة الى دمشق واستقر صاحب الترجمة مكانه فعظمه السلطان وأكرمه ونوه بقدره وبلغ عنده ما لم يبلغه غيره حتى كان يأمره أن يكتب الى نواب الشام باشياء يامرهم بها عن نفسه فعظم قدره جدا وباشر الوظيفة مباشرة جيدة وكان يركب فى ستة عشر مملوكا من الاتراك كل واحد منه قيمته أكثر من خمسمائة دينار وكانو يقومون بالديوان سماطين ولا يتكلم مع احد منهم الا بالتركية وهم يترجمون عنه للناس وكان يكتب خطا قويا منسوبا وله اقتدار على اصلاح اللفظة وابرازها من صورة الى صورة وما كان يخرج من الديوان كتاب حتى يتأمله ولا بد أن يزيد فيه شيئا وقد مدحه شعراء عصره(1/405)
كالشهاب محمود وابن نباتة وغيرهما ولم يزل في سعادته الى أن حصل له مبادىء فالج ثم تزايد به وظهر ذلك للسلطان فصبر عليه الى أن أراد يوما أن يقوم من بين يديه فسقطت الدواة من يده فتألم له السلطان وقال للدويدار اكتب الى نائب الشام فليجهز لنا القاضى محيى الدين بن فضل الله وأرسل علاء الدين أن ينزل الى بيته فتغافل عن ذلك ولزم الديوان مريضا الى أن وصل محيى الدين فحضر اليه الدويدار وقال له انزل بيتك فقد وصل صاحب الوظيفة فنزل في أوائل المحرم وعالجه الاطباء فلم ينجع بل تزايد الى أن صار لا يتحرك منه شىء أصلا الا جفونه فكان اذا أراد شيئا قرأ له خادمه حروف المعجم فاذا مر بحرف هو أول الكلمة أطبق جفنه ثم يعود الى أن يتحصل له كلمة بعد كلمة فيعرف منها مراده ولم يطل ذلك بل مات فى منتصف المحرم سنة 730 ثلاثين وسبعمائة قال ابن حبيب ماجد ساد عصره بوجوده على الاعصار وكان يتلطف لذوى الحاجات ويفتح لهم أبواب الخير ومن مدح ابن نباتة فيه ( لا عدمنا لابن الاثير يراعا *** جاريا للعباد بالارزاق ) ( كلما ماس في المهارق كالغص *** ن رأيت الندى على الأوراق )(1/406)
206- على بن أحمد هاجر الصنعانى
ولد تقريبا سنة 1180 ثمانين ومائة وألف وقرأ في العلوم الآلية قراءة متقنة وفهمها فهما جيدا وفاق كثيرا من الطلبة فى فهم الدقائق والنكات اللطيفة وله قراءة على في علم المنطق في مدة سابقة وهو يفهمه فهما بديعا ويتقنه اتقانا عجيبا وله قراءة على أيضا في الكشاف والمطول وفى شرحى على المنتقى وفي كثير من كتب السنة وهو قوى الفهم جيد الادراك صحيح التصور قل أن يوجد نظيره مع صلابة في الدين واشتغال بخاصة النفس وصدق لهجة وهو الآن من محاسن المشتغلين بالعلم فى هذا العصر
207- السيد على بن أحمد بن محمد بن اسحق بن المهدى أحمد بن الحسن بن الامام القاسم بن محمد ولد تقريبا سنة 1150 خمسين ومائة وألف أوقبلها بيسير ونشأ بصنعاء وقرأ على والده وغيره من أعيان وبرع في علوم عدة لا سيما علم الأدب فان له فيه يدا طولى ونظمه كثير جدا موجود بأيدى الناس وكثير منه في مدح أمير المؤمنين على بن أبى طالب كرم الله وجهه ولما مات والده وكان المتولى لأمور آل اسحق قام ولده هذا مقامه وصار له جلال وسياسة ضخمة وظهر من كرمه ما هو ظاهر مشهور وكان موقفه محفوفا بأعيان العلماء والأدباء معمورا بالمسائل العلمية واللطائف الأدبية واستمر على ذلك أياما ثم فر من صنعاء فى الليل مغاضبا لخليفة العصر مولانا المنصور بالله على بن العباس حفظه الله واستقر ببلاد أرحب وقام بنصره أهل تلك الجهة فارتجت الديار اليمنية لذلك ثم ان الخليفة حفظه الله بعث أميرا من أمرائه وهو الأمير سرور المنصور لمناحرة صاحب الترجمة فوقعت بينهما حروب وآخر الأمر وقع صلح على أن يبقى هنالك بجيش وينوب عنه فى تولى أمور آل اسحق آخر ويصير اليه ما كان له ثم انتقض ذلك واتفق خروج بعض أهل البغى من برط على البلاد الامامية فخرج صاحب الترجمة معهم وكان يتألم لما يصدر منهم من(1/407)
سفك الدماء وهتك الحرم ووصلوا أولا الى حدة النزهة التى قريب صنعاء واستقروا أياما فخرج اليه الخليفة حفظه الله وتقدمت ظائفة من جنوده فيهم ولده مولانا صفى الاسلام احمد بن الامام حمى الله ووقعت حروب شديدة انجلت عن قتل الفقية عبد الله بن احمد النهمى وكان احد الوزراء وعن قتل الأمير ناجى وجماعة من الجند وظهرت من مولانا الصفى شجاعة وبراعة وكثر الثناء عليه ثم عزم ذلك الجيش وفيهم صاحب الترجمة الى اليمن الأسفل وجرى الصلح ما بينه وبين الخليفة حفظه الله على يد الوزير الحسن بن على حنش المتقدم ذكره فوصل صاحب الترجمة الى صنعاء واستقر ببيته موسعا عليه بجميع ما يحتاج اليه واما تولية أمور آل اسحق فقد صارت الى عمه العباس محمد بن اسحاق واستمر على ذلك أياما يفد اليه العلماء والفضلاء ويطارح الأدباء وأستأذن بأن يسكن فى الروضة فأذن له ثم بعد ذلك جرت أمور الله اعلم بصحتها فأودعه الخليفة حفظه الله السجن وهو الى حالة تحرير هذه الأحرف شهر شوال سنة 1213 باق كذلك فرج الله عنه وله من حسن الخلق ولطف الطبع وكرم الشيم والمحبة لاهل العلم والفضل وفصاحة اللسان وقوة الحفظ وسرعة الادراك مالا يعبر عنه بوصف ثم أطلق وتوفى فى سنة 1220 عشرين ومائتين وألف(1/408)
208- السيد على بن أحمد المعروف بابن معصوم قد تقدمت ترجمة والده وولد هذا فى المدينة ودخل بلاد الهند وله مؤلفات منها سلافة العصر ترجم فيها لادباء المائة الحادية عشرة ولم
أقف عليه وله البديعية الموسومة بتقديم على عارض بهذه التسمية بديعية أبى بكر بن حجة لأنه سماها تقديم أبى بكر وكل واحد تمت له التورية فى التسمية وله نظم حسن ( منه *** ليس احمرار لحاظه من علة *** لكن دم القتلى على الأسياف ) ( قالوا تشابه طرفه وبنانه *** ومن البديع تشابه الأطراف ) وله ( بدا بدرا ولاح لنا هلالا *** وأشرق كوكبا واهتز غصنا ) ( وثنى قده الحسن ارتياحا *** فهام القلب بالحسن المثنى ) وهو امامى المذهب ولم أقف على تاريخ وفاته(1/409)
209- على بن أحمد بن محمد الملقب علاء الدين الحنفى الرومى قرأ فى صغره على حمزة القرمانى وحفظ مختصر القدورى ثم أنى قسطنطينية وقرأ على الملا خسرو وعلى مصلح الدين بن حسام الدين العلوم العقلية والشرعية ثم صار معيدا لدرسه ثم تزوج بابنته وحصل له منهما أولاد اعطاه السلطان محمد خان ملك الروم المدرسة الحجرية وعين له كل يوم ثلاثين درهما واعطاه خمسة الآف درهم ولما صار محمد باشا القرمانى وزيرا للسلطان نقله من تلك المدرسة الى مدرسة أخرى ونقص من تقريره اليومى خمسة دراهم فاشمأز صاحب الترجمة وترك التدريس واتصل بالشيخ العارف مصلح الدين بن الوفاء ثم مات السلطان محمد خان وقتل الوزير المذكور وجلس السلطان بايزيد خان على سرير السلطنة فارسل الى صاحب الترجمة الوزراء ودعاه اليه فلم يجب ثم أرسل اليه مرسوما بتفويضه فى الفتوى فى بلد اماسية وعين له كل يوم ثلاثين درهما وأمره أن يدرس بمدرسة السلطان مراد الغازى بمدينة بروسا فلم يقبل التدريس وسار الى أماسية لزيارة ابن عمه ثم أعطاه السلطان مدرسة وعين له كل يوم خمسين درهما ثم أعطاه احدى المدارس الثمان فدرس هنالك مدة كثيرة ثم توجه للحج فلم يتيسر له تلك السنة وبقى بمصر واتفق أنه توفى مفتى قسطنطينية فعينه السلطان للافتاء بها وامر من ينوب عنه حتى يعود فلما عاد باشر الافتاء وعين له السلطان كل يوم مائة درهم وعين له مدرسة وجعل له خمسين درهما في كل يوم فصار مقرره كل يوم مائة وخمسين درهما فحسده على ذلك بعض العلماء فجمع بعض فتاويه وقال انه أخطأ فيها وأرسلها الى ديوان السلطان فأرسلها الوزراء الى صاحب الترجمة(1/410)
فاجاب عنها ودعا على ذلك الحاسد فمات قبل أن يمر عليه أسبوع وكان كثيير التلاوة والعبادة مديما لصلاة الجماعات حسن الاخلاق كريم النفس وكان يقعد فى علو داره والزنبيل معلق فيلقى المستفتى الورقة فيه ويحركه فيجذبه وبكتب جوابه ثم يدليه اليه وانما فعل كذلك لئلا ينتظر الناس ببابه للفتوى فكان يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر واستمر على ذلك الى زمان السلطان سليم خان فاتفق أنه أمر بقتل مائة وخمسين رجلا من حفاظ الخزائن فبلغ صاحب الترجمة فذهب الى ديوان السلطان ولم يكن من عادة المفتى ان يذهب الى هنالك الا لحادث عظيم فتحير أهل الديوان واستقبله الوزراء وأجلسوه في صدر المجلس ثم سألوه عن سبب مجيئه فقال أريد أن الاقى السلطان ولى معه كلان فبلغوا ذلك فاذن له السلطان فدخل وسلم وجلس ثم قال وظيفة أرباب الفتوى أن يحفظوا آخرة السلطان وقد سمعت أنك قد أمرت بقتل مائة وخمسين رجلا لا يجوز قتلهم شرعا فغضب السلطان وقال انك تتعرض لأمر السلطنة وليس ذلك من وظيفتك فقال بل أتعرض الأمر آخرتك وأنه من وظيفتى فان عفوت فلك النجاة والا كانت عليك العقوبة العظيمة فانكسرت عند ذلك سورة السلطان وعفا عن الكل فقال تكلمت فى آخرتك وبقى لى كلام يتعلق بالمروءة قال السلطان ما هو قال ان هؤلاء من عبيد السلطان فهل يليق لهم أن يتكففوا الناس قال لا قال فقررهم فى منصبهم ففعل السلطان ذلك ثم اتفقت قضية أخرى وهى أن السلطان المذكور سافر الى بعض مدنه وصاحب الترجمة معه فاتفق أنه رأى اربعمائة رجل فى الطريق مشدودين بالحبال فسأل عن حالهم فقالوا(1/411)
انهم خالفوا أمر السلطان فاشتروا الحرير وقد كان منع السلطان ذلك فذهب الى السلطان وهو راكب فكلمه وقال لا يحل قتلهم لغضب السلطان وقال أيها المولى ما يحل لى قتل ثلث العالم لنظام الباقى قال نعم ولكن اذا أدى الى خلل عظيم قال السلطان وأى خلل أعظم من مخالفة الامر قال هؤلاء لم يخالفوا أمرك لانك نصبت الأمناء على الحرير وهذا اذن بطريق الدلالة قال السلطان ليس أمور السلطنة من وظيفتك قال انه من أمور الآخرة وأن التعرض من وظيفتى ثم فارقه ولم يسلم عليه فحصل للسلطان غضب عظيم حتى وقف على فرسه زمانا كثيرا والناس واقفون قدامه وخلفه متحيرين من ذلك الامر ثم ان السلطان عفا عن الكل ثم لما وصل الى مقصده أرسل لصاحب الترجمة أميرا وقال قل له اني قد أعطيته قضاء العسكر الى وظيفة الافتاء والتدريس لأنى علمت انه يتكلم بالحق فأجاب عليه مع الامير بما نصه وصل الى كتابك سلمك الله وأبقاك تأمرنى فيه بالقضاء وأنى ممتثل أمرك الا أن لى مع الله عهدا أن لا يصدر عنى لفظ حكمت فأحبه السلطان محبة شديدة وزاد فى تعظيمه وأرسل اليه خمسمائة دينار فقبلها ثم ان السلطان المتولى للسلطنة بعد سليم زاده في مقرره خمسين درهما فصار مجموع تقريره اليومى مائتى درهما وقد صنف كتابا جمع فيه مختارات المسائل وسماه المختار ومات فى سنة 932 اثنتين وثلاثين وتسعمائة(1/412)
210- على بن اسمعيل بن حسن بن هادى النهمى ثم الصنعانى
مولده سنة 1170 سبعين ومائة وألف ونشأ بصنعاء وقرأ على علماءها كشيخنا العلامة الحسن بن اسمعيل المغربى والقاضى العلامة أحمد بن محمد قاطن وغيرهما وهو بارع الذكاء فايق الذهن جيد الادراك حسن الأخلاق كريم الصحبة وله شغلة كبيرة بالعلوم العقلية والنقلية وقد استفاد بفاضل ذهنه الوقاد من غريب المسائل عجايب وله ميل إلى الأدلة وعمل بما يصح منها وعدم التفات إلى محض الرأى وله قوة فى المباحثة والتصرفات الذهنية والاستنباطات العجيبة ولو دام على الاشتغال لفاق فى كثير من أنواع المعارف ولكنه لا يفارق المطالعة ويستفيد منها ويفيد وله شعر يمدح به خليفة العصر مولانا الامام المنصور بالله حفظه الله وهو جيد في الغالب ويضمنه معانى دقيقة نفيسه وله قدرة على المشى مع كل جنس بما يليق به واقبال على معالى الأمور ورغبة فى الشرف وهوالآن حي عافاه الله ثم مات رحمه الله أظنه سنة 1232 اثنتين وثلاثين ومائتين وألف
211- السيد على بن اسمعيل بن على بن القاسم بن احمد بن الامام المتوكل على الله اسمعيل بن القاسم بن محمد ولد سنة 1151 احدى وخمسين ومائة وألف بشهارة ونشأ بها وقرأ فى العلوم الأدبية والفقه ومن جملة مشايخه شيخنا السيد العلامة على بن ابراهيم المتقدم ذكره والشيخ العلامة ناصر بن الحسين المحبشى والقاضى العلامة محسن بن أحمد الشامى ثم الشهارى وبرع فى الأدب وصار يكتب القصيدة فى الوقت الحقير مع مافى شعره من الانسجام والسهولة والمعانى الفايقة وقد جمعه فى سفينة بعث بها إلى وطالعت بعض مافيها ولم يتيسر لى النقل منها ولما أرجعتها اليه كتبت اليه هذه الابيات ( بعثت نحوى زادك الله من *** تيارك العذب بدر القريض )(1/413)
( سرحت طرفى منه فى جنة *** لم يحكها فى الحسن روض اريض ) ( نظمت مايقصر عن شأوه *** من خيرة القول الطويل العريض ) ( فدمت تحي للعلى مربعا *** فمربع العليا كسير مهيض ) فأجاب بأبيات لم احفظها وهو من أكابر آل الامام وله رياسة كبيرة فى تلك الديار ويفد إلى صنعاء فى الأربعة الخمسة الأعوام مرة واجتمعت به فى وفوده في سنة 1208 وكان لنا فى كل أسبوع يوم نجتمع فيه وهو يوم الأربعاء من بعد الظهر إلى آخر الليل وجرت بينى وبينه مطارحات أدبية فى فنون من ذلك أنه كتب ابياتا مضمونها أنه لما عقد هذا الاجتماع في يوم الأربعاء زال عنه مايوصف به من النحاسة وأنه صار بذلك أسعد الأيام وابركها وله في ذلك نظم بديع وكان إذا وقع التراخى من بعض من يضمه ذلك المجلس كتب اليه أنه إذا لم يصل وقع الرجوع عن تقرير سعادة يوم الأربعاء وهو حسن المحاضرة لا يمل جليسه لما يورده من الأخبار والأشعار والظرايف واللطايف والمباحثات العلمية والاستفادة فيما لم يكن لديه منها وتحرير الأسئلة الحسنة وقد كتب إلى من ذلك شيئا كثيرا وأجبت عليه برسايل هى في مجموع رسائلى وله حرص على الفوايد وهمة في تقييد الشوارد وله من علو الهمة وشرف النفس حظ وافر ولما رحل من صنعاء إلى وطنه مدينة شهارة كتب إلى من هناك ( أشارت إلى عهد اللقا بالحواجب *** وما كنت عن ذكراه مهمل واجب ) ( سلى ان شككت الحال قبلك إذ غدا *** يناجيه قلبى هل رأى غير واجب ) ( وعن أرقى لا تسألى غير عارف *** وأعرف شىء فيه زهر الكواكب )(1/414)
( أبيت أراعيها فما بين طالع *** أدير له طرفى وما بين غارب ) ( وتغرب جيلا بعد جيل فلا أرى *** سوى القطب أوفى من سمير لصاحب ) ( يقيم لمن لا يطرق النوم جفنه *** فقلبي مغناطيسه في التجاذب ) ( أعلياء لولا أن سكناك مهجتى *** لما عذبت لى بعد بعدي مشارب ) ( بلى ان نار البعد أذهبت الحشا *** فهل فى القتيل الطالبى من مطالب ) ( عسى أن يرق القلب منها لرقتى *** ويرفق بي فالرفق فعل الأطايب ) ( فتبعث لى حتى مع الريح يالها التح *** ية والبشرى بنيل مآربى ) ( كمثلى ماهب النسيم ولا حدت *** حداة إلى أوطانها بالركايب ) ( ولم أملى تسليمى واشهد أدمعى *** على وصب منى لصبرى مغالب ) ) ( سلاما لنشر الروض ينفح عرفه *** ذكيا بمسك تبتى مصاحب ) ( سلام أرق من النسيم إذا هب وأذكى من العبير والعنبر الاشهب يختص من هوالمراد وان موه النظام ويهدى إلى من هو المرام وان احتملت العبارة سواه فما سواه المرام القاضى الفاضل الناسك والسالك بلا نكير أحسن المسالك العالم الربانى البدر محمد بن على الشوكانى حفظه الله وأحله في رضاه أعلا المبانى ( وبلغه المأمول فيما يرومه *** وساق اليه متحفات الرغايب ) ( ومد لنا في عمره فهو نعمة *** تعم واولاه جزيل المواهب ) وانها صدرت الأحرف الحقيرة للتحية وتجديد العهاد ومستمدة للدعاء كماهو مبذول معول في وصوله على رب العباد ( وتنبيك عن شوق تأجج ناره *** ولم يطفها صب الدموع السواكب ) ( لذكرى ليال كان طرفى بوصلكم *** قريرا عسى للوصل عودة غايب )(1/415)
*** فلله فينا مايشاء وما قضى *** مضى كيف شا والله أغلب غالب ) وللتهنية لكم بما بلغ فبلغ الغاية عندى من المسرة من الاعراس الحميد جعل الله لأعينكم فيه أعظم قرة وبارك لك وعليك واصلح لك زوجك وشؤنك كلها وساق ماشاء من بره الهنى اليك ( أهنيك بالاعراس فاحمد مقدرا *** لذلك واشكر يا ابن ودى لواهب ) ( لك الحمد مالاحت بروق وما سرت *** نجوم وما انهلت دموع السحايب ) ( ودمت على خفض من العيش رافع *** لقدرك مخصوصا بأصفى المطالب ) ( ولا زلت فى أفق الخلافة مشرقا *** فانك بدر بن تلك الكواكب ) ( خلافة مولانا الذى شرفت به *** أزال على شرق الدنا والمغارب ) فأجبت بقولى ) ( ايا بين كم كدرت صفو المشارب *** وياهجركم هيجت لوعة غايب ) ( ويا دهركم جرعتنى فقد صاحب *** بكاس نوى من بعده فقد صاحب ) ( إلى الله أشكو ماجنته يد النوى *** على كبدى والدهر جم العجايب ) ( أحن إلى وصل تقادم عهده *** وان حنين المرء أحقر واجب ) ( وأندب دهر الجمع بعد تفرق *** وأبكى عليه بالدموع السواكب ) ( فيا منزل اللقياء صافحك الحيا *** بجود ملث أدكن الردن ساكب ) ( بعيشك هل من عودة بعد فرقة *** تعود لصب مغرم القلب دايب ) وهى أبيات طويلة غير طائلة وهو الآن عافاه الله حى ووالده كان شاعرا كثير الشعر رئيسا كبيرا وشعره مجموع عند ولده المترجم له ثم قدم صاحب الترجمة عافاه الله الى صنعاء المحروسة فى شهر رمضان سنة 1215 وكان يحضر معنا في القراءة فى ليالى رمضان بمنزلى ويجرى بيننا(1/416)
مطارحات أدبية ومذكرات علمية فمن ذلك أنه حضر في بعض الليالى أغصان زنبق قد تفتح نورها فقلت من يشبه هذه الاغصان بتشبيه غير مما قد شبهها به الاولون ثم قلت عقب ذلك بيتا وهو ( تحكى رماح زمرد *** قد نظمت فيها الكواكب ) فأخذ هذا البيت وكتب بعده وقبله هكذا ( غصن كأن قوامه *** قد لدى التشبيه كاعب ) ( تحكى رماح زمرد *** قد نظمت فيها الكواكب ) ( أو سالفات نواعم *** جالت عليهن الذوايب ) ( بقرامل مصفوفة *** من لؤلؤ فيهن لازب ) ولم يتوقف الا مقدار الكتب بالقلم من دون روية ولا تدبر ووفد أيضا الى صنعاء سنة 1218 وكثر اجتماعنا وسمع منى رسالتى المسماة الدر النضيد في اخلاص التوحيد وكذلك حضر معنا في قراءة مؤلفى المسمى اتحاف الأكابر باسناد الدفاتر وحصل كلا المؤلفين بخطه وبالجملة فقد دار بينى وبينه من المساجلات الأدبية والمكاتبات الشعرية مايكثر سرد بعضه وقد رقمت بعض ذلك فى مجموع شعرى(1/417)
212- السيد على بن الامام المتوكل على الله اسمعيل بن القاسم بن محمد الرئيس الكبير المستقل بغالب اليمن الاسفل كان له اطلاع على العلوم الادبية وتمهر فى الصناعة الشعرية ولشعراء عصره فيه غرر المدايح وهو من مفاخر اليمن ومحاسن ذلك الزمن وشعره مشهور عند الناس ومن جيده القصيدة التى مطلعها ( أكذا المشتاق يؤرقه *** تغريد الورق ويقلقه ) ومن احسن قوله فيها ( آه يا برق أما خبر *** عن أهل الغور تحققه ) ( فتزيل جوى لاسير هوى *** مضنى قد طال تشوقه ) ومن أحسن شعره الابيات هذه ( أيكتم ما به الصب المشوق *** وقد لاحت له وهنا بروق ) ( وهل يخفى الغرام على ولوع *** يؤرق جفنه البرق الخفوق ) ( ويسلو عن أهل الجزع صب *** جرى من جفن عينيه العقيق ) ( *** اليك اليك عنى يا عذولى *** فلست من الصبابة استفيق ) ( فلى قلب الى بانات حزوى *** طروب لا يمل ولا يفيق ) وقد كتب الى والده قصيدة لما صد الركب اليماني عن الحج سنة 1088 يحثه على الجهاد ومطلعها ( لعمرك ليس يدرك بالتوانى *** ولا بالعجز غايات الامانى ) وهى غاية في بابها وكانت بينه وبين المهدى محمد بن أحمد صاحب المواهب منافسة على الملك والبلاد قبل أن يلى المهدى الخلافة واتفقت بينهما حروب وفتن كبيرة ومن سعادته أنه أدركه الأجل قبل أن يلى المهدى الخلافة فمات فى يوم الجمعة ثالث شهر رمضان سنة 1096 ست وتسعين وألف بمدينة اب وقبره بها(1/418)
213- على بن اسمعيل بن يوسف القونوى علاء الدين الشافعى ولد بقونية من بلاد الروم سنة 668 ثمان وستين وستمائة وقدم دمشق سنة 693 فدرس بالاقبالية ثم قدم بالقاهرة فسمع من جماعة كابى الفضل بن عساكر وابن القيم والدمياطى وابن الصواف وابن دقيق العيد وقرأ في الأصول على تاج الدين الجيلانى وتقدم في معرفة التفسير والفقه والاصول وأقام على قدم واحد ثلاثين سنة يصلى الصبح جماعة ثم يقرأ الى الظهر ثم يصليها ويأكل فى بيته شيئا ثم يتوجه الى زيارة صاحب أو عيادة مريض أو شفاعة أو تهنية أو تعزية ثم يرجع ويشتغل بالذكر الى آخر النهار وكان السلطان الناصر يعظمه ويثنى عليه ثم ولاه قضاء دمشق فتوجه اليها في سنة 727 فباشرة أحسن مباشرة مع تصلب زايد وعفة لم يكن له في الحكم نهمة بل هو على عادته فى الاقبال على العلم وكان كثير الفنون كثير الانصاف كثير الكتب ولمااستقر بدمشق اعطى الشافعية ألف دينار وقال هذه حضرت معى من القاهرة وله مصنفات منها شرح الحاوى وشرح مختصر المنهاج للحليمى ثم طلب الاعفاء من القضاء فلم يجبه السلطان وكان يعظم الشيخ تقى الدين ابن تيمية ويذب عنه ويقال ان الناصر قال له إذا وصلت الى دمشق قل للنائب يفرج عن ابن تيمية قال ياخوند لاى معنى سجن قال لاجل الفتاوى قال فان كان راجعا عنها أفرجنا عنه فيقال كان هذا الجواب سببا لاستمرار ابن تيمية فى السجن الى ان مات لانه كان لايذعن للرجوع ولما خرج ابن القيم من القلعة واتاه سربه وأكرمه ووصله وكان يثنى على أبحاثه قال الاسنوى في ترجمته وكان أجمع من رأينا للعلوم مع الاتساع فيها خصوصا العقلية واللغوية لا يشار بها الا اليه وتخرج به اكثر العلماء المصريين قال وتحيل عليه جماعة من الكبار فى أن يبعد عن الديار المصرية لاغراض فحسن للسلطان توليته قضاء الشام ففعل فسأله السلطان في ذلك وتلطف به فاعتذر ومن جملة ما قال للسلطان ان له أطفالا يتأذون بالحركة فقال له السلطان انا احملهم على كفى وبسط يده ومن شعره ( غمرتنى المكارم الغر منكم *** وتوالت على منها فنون ) ( شرط احسانكم تحقق عندى *** ليت شعرى الجزاء كيف يكون ) وكان موته في رابع عشر ذي القعدة سنة 729 تسع وعشرين وسبعمائة بدمشق وتأسف الناس على فقده(1/419)
214- على بن أبى بكر بن سليمان بن أبي بكر بن عمر بن صالح نور الدين الهيثمى الشافعى الحافظ ولد في رجب سنة 735 خمس وثلاثين وسبعمائة بالقاهرة ونشأ بها فقرأ القرآن ثم صحب الزين العراقى ولم يفارقه سفرا وحضرا حتى مات ورافقه في جميع مسموعاته بمصر والقاهرة والحرمين وبيت المقدس ودمشق وبعلبك وحماه وحلب وحمص وطرابلس وغيرها ولم ينفرد أحدهما عن الآخر الا بمسموعات يسيرة ومشائخ قليلة وصاحب الترجمة مكثر سماعا وشيوخا ولم يكن الزين يعتمد في شىء من أموره الا عليه وزوجه ابنته ورزق منها عدة أولاد وكتب الكثير من تصانيف الزين وقرأ عليه أكثرها وتخرج به وورى به فى افراد زوائد كتب كالمعاجم الثلاثة للطبرانى والمسانيد لاحمد والبزار وأبى يعلى على الكتب الستة وابتدأ أولا بزوائد أحمد فجاء في مجلدين وكل واحد من الخمسة الباقية فى تصنيف مستقل الا الطبرانى الاوسط والصغير فهما فى تصنيف ثم جمع الجميع فى كتاب واحد محذوف الاسانيد سماه مجمع الزوائد وكذا(1/420)
أفرد زوائد صحيح ابن حبان على الصحيحيين ورتب أحاديث الحلية لابى نعيم على الابواب ومات عنه مسودة فبيضه وأكمله ابنحجر فى مجلديم وأحاديث الغيلانيات والخلعيات وفوايد تمام الافراد للدار قطنى أيضا على الأبواب فو مجلديم ورتب كلا من ثقات بن حبان ثقات العجلى على الحروف وأعانه بكتبه ثم بالمرور عليها وتحريرها وعلم خطبها ونحو ذلك وعادت بركة الزين عليه في ذلك وفي غيره وكان عجبا فى الدين والتقوى والزهد والاقبال على العلم والعبادة وخدمة الزين وعدم مخالطة الناس في شىء من الأمور والمحبة للحديث وأهله وحدث بالكثير رفيقا للزين وبعد موت الزين أخذ عنه الناس وأكثروا ومع ذلك فلم يغير حاله ولا تصدر ولا تمشيخ ولميزل على طريقته حتى مات فى ليلة الثلاثاء تاسع وعشين رمضان سنة 807 سبع وثمان مائة قال ابن حجر انه تتبع أوهامه فى مجمع الزوائد فبلغه فعاتبه فترك التتبع قال وكان كثير الاستحضار للمتون يسرع الجواب بحضرة المين فيعجب الزين ذلك قال وكان من لا يدرى يظن لسرعة جوابه بحضرة الزين أنه أحفظ منه وليس كذلك بل الحفظ المعرفة على بن الحسين بن القاسم بن منصور بن على الموصلى زين الدين ين شيخ القوفية بالتصغير اسم مكان كان جده الاعلى منقطعا بمكان بالموصل وكان الماء بعيدا عنه فرأى رؤيا فحفر حفيرة فى ذلك المكان فجرت منه عين(1/421)
لطيفة فقيل له شيخ القوفيه ولد صاحب الترجمة فى رجب سنة 681 احدى وثمانين وستمائة بالموصل ونشأ بها وقرأ القرآن وأخذ الشاطبية وشرحها عن الشيخ شمس الدين بن الوراق وأخذ سائر العلوم عن جماعة وسمع الحديث عن زينب بنت الكمال والمزى وغيرهما وشرع في التصانيف فشرح مختصر ابن الحاجب وفروع ابن الساعاتى ونظم الحاوى الصغير وشرح المنهاج وشرع في شرح التسهيل لابن مالك وغير ذلك قال ابن رافع فى ذيل تاريخ بغداد كان حسن العبارة لطيف المحاضرة مليح البزة جميل الهيئة كثير التودد خيرا دينا وهو الذى كتب اليه الصفدى السؤال المشهور فى قوله تعالى استطعما أهلها وجعله نظما فقال ( ألا انما القرآن أكبر معجز *** لافضل من يهدى به الثقلان ) ( ومن جملة الاعجاز كون اختصاره *** بايجاز الفاظ وبسط معان ) ( ولكننى فى الكهف أبصرت آية *** بها الفكر فى طول الزمان عنانى ) ( وما ذاك الا استطعما أهلها فقد *** يرى استطعماهم مثله ببيان ) ( فما الحكمة الغراء في وضع ظاهر *** مكان ضمير ان ذاك لشان ) فاجاب صاحب الترجمة ( سألت لماذا استطعما أهلها أنى *** عن استطعماهم ان ذاك لشان ) ( وفيه اختصار ليس ثم ولم تقف *** على سبب الرجحان منذ زمان ) ( فهاك جوابا رافعا لنقابه *** يصير به المعنى كرأى عيان ) ( اذا ما استوى الحالان فى الحكم رجح ال *** ضمير وأما حين يلتقيان ) ( فان كان فى التصريح أظهر حكمة *** لرفعة شأن أو حقارة جان ) ( كمثل أمير المؤمنين يقول ذا *** وما نحن فيه صرحوا بأمان )
( وهذا على الايجاز واللفظ جاء في *** جوابى منثورا بحسن بيان ) ( فلا تمتحن بالنظم من بعد عالما *** فليس لكل بالقريض يدان ) ( وقد قيل ان الشعر يزرى بهم فلا *** يكاد ترى من سابق برهان ) ( واستغفر الله العظيم بما طغى *** به قلمى أو طال فيه لسانى ) قال ابن حجر وشعره أكثر انسجاما وأقل تكلفا من شعر الصفدى ومات بالموصل في رمضان سنة 755 خمس وخمسين وسبعمائة(1/422)
216- على بن دادو بن يوسف بن عمر بن على بن رسول الملك المجاهد ابن المؤيد بن المظفر بن المنصور صاحب اليمن ولى السلطنة بعد أبيه في ذى الحجة سنة 721 وثار عليه ابن عمه الظاهر بن المنصور وجرت حروب بينهما ثم استقر المجاهد بزبيد فحاصره الظاهر فجربت من الحصار ثم كاتب المجاهد الامام صلاح الدين صاحب صنعاء فأرسل اليه عسكرا فجرت لهم قصص طويلة إلى أن آل الأمر الى المجاهد واستولى على البلاد كلها وحج سنة 742 وأحضر كسوة الكعبة وبابا لها على أنه يركبه ويكسو الكعبة وفرق على المكيين مالا كثيرا فلم يمكنوه من ذلك فلما رجع وجد ولده قد غلب على المملكة ولقب المؤيد فحاربه ألى أن قبض عليه وقتله ثم حج سنة 751 فقدم محمله على محمل المصريين فاختلفوا ووقع بينهم الحرب وساعد أهل مكة المجاهد ثم استمر القتل فى أهل اليمن فانهزموا وأسر المجاهد وأمسك وحمل الى القاهرة فاكرمه السلطان الناصر وحل قيده وقرر عليه مالا يحمله وخلع عليه وجهزه الى بلاده وأرسل معه بعض أمراءه فلما وصل الى الينبع فر منه فأمسكه وأعيد الى مصر فجهز الى الكرك فحبس به الى
أن خلع الناصر حسن فأفرج عنه في شعبان سنة 752 واعيد الى بلاده ومملكته وكان ذلك بشفاعة بعض الأمراء ووصل الى اليمن فاقام فى مملكته الى أن مات وكانت والدته لما حج قد دبرت المملكة ولما بلغها اسره أقامت ولده الصالح وكتبت الى التجار وروى أنه ركب بعد أن أطلق حصانا ومر على شاطىء النيل فعطش الحصان ونازعه الى شربه الماء فسقاه ثم بكى أحر بكاء فسأله بعض من كان عنده عن سبب بكائه فقال ان بعض المنجمين ذكر له وهو باليمن أنه يملك الديار المصرية ويسقى فرسه من النيل وكان يظن وقوع ذلك فلما رأى فرسه فى ذلك الوقت يشرب من ماء النيل عرف أن ذلك القدر هو الذى أشير اليه ومات فى جمادى سنة 764 أربع وستين وسبعمائة(1/423)
217- الشيخ ملا على قارى بن سلطان بن محمد الهروى الحنفى ولد بهراة ورحل الى مكة واستقر بها وأخذ عن جماعة من المحققين كابن حجر الهيثمى وله مصنفات منها شرح المشكاة وشرح الشمايل وشرح الوتريه وشرح الجزرية وشرح النخبة وشرح الشفاء وشرح الشاطبية ولخص القاموس وسماه الناموس وله الثمار الجنية في أسماء الحنفية وله غير ذلك قال العصامى في وصفه الجامع للعلوم النقلية والعقلية والمتضلع من السنة النبوية أحد جماهير والاعلام مشاهير أولى الحفظ والافهام ثم قال لكنه امتحن بالاعتراض على الأئمة لاسيما الشافعى وأصحابه واعترض على الامام مالك فى ارسال يديه ولهذا تجد مؤلفاته ليس عليها نور العلم ومن ثمة نهى عن مطالعتها كثير من العلماء والاولياء انتهى وأقول هذا دليل على علو منزلته فان المجتهد شأنه أن
يبين ما يخالف الأدلة الصحيحة ويعترضه سواء كان قائله عظيما أو حقيرا تلك شكاة ظاهر عنك عارها وكان وفاة صاحب الترجمة سنة1014 أربع عشرة وألف 218 على بن سليمان بن أحمد بن محمد العلاء الدمشقى الصالحي الحنبلى ويعرف بالمرداوى ولد تقريبا من سنة 820 عشرين وثمان مائة بمراد ونشأبها فحفظ القرآن وقرأ في الفقه على احمد بن يوسف ثم تحول إلى دمشق وقرأ على علمائها فى الفنون ثم قدم القاهرة وأخذ عن علمائها وتصدى للأقراء بدمشق ومصر وللافتاء وصف التصانيف منها الانصاف فى معرفة الراجح من الخلاف أربع مجلدات كبار واختصره فى مجلد وتحرير المنقول فى تمهيد علم الأصول وشرحه وسماه التحبير فى شرح التحرير فى مجلدين وله تصانيف غير ذلك وهو عالم متقن محقق لكثير من الفنون منصف منقاد الى الحق متعفف ورع ومات في جمادى الأولى سنة 885 خمس وثمانين وثمان مائة(1/424)
219- على بن صالح العمارى ثم الصنعانى ولد تقريبا سنة 1150 خمسين وماية وألف أو قبلها بيسير أو بعدها بيسير وقرأ على علماء عصره فى كثير من الفنون وبرع فى علوم الأدب وشارك في التفسير والحديث مشاركة قوية وتفرد بمعرفة فنون كعلم الهيئة والهندسة والنجوم وكتب الخط الفايق ونظم الشعر الحسن وهو متفرد بكثير من المحاسن قليل النظير في مجموعة ذكى قوى الادراك بديع التصور ضخم الرياسة جيد التدبير اتصل أول أمره بمولانا الامام المهدى العباس بن الحسين رحمه الله وولاه اعمالا وصار بعد ذلك أحد وزرائه وكان(1/425)
يميل اليه ويؤثره لما لديه من الفضائل ثم انحرف عنه قليلا ثم عاد له إلى ما كان عليه وعزم قبل موته على تفويض الوزارة اليه فمات وبويع مولانا خليفة العصر المنصور بالله حفظه اله فولاه بندر المخا وهو أكبر ولاية فى القطراليمنى وبقى هنالك نحو خمس سنين وشكر الناس ولايته وحسن تدبيره وهو مع ذلك مورد لأهل العلم والفضائل ويأخذ عن كل من رأى لديه علما لا يعرفه ويستفيده فى اسرع مدة ثم عاد من المخا إلى صنعاء وقد جمع دنيا عريضة وكان يتصل بالخليفة حفظه الله فى كثير من الأوقات فحسده جماعة من الوزراء فأبعدوه ثم بعد أيام فوض إليه مولانا الامام وساطة بعض مداين اليمن والمشارفة على بعض أملاكه فصار من جملة الوزراء واجتمعت به في مقام مولانا الخليفة مرات عديدة وكان يذاكر هنالك بمسائل مفيدة وسألنى بمسائل أجبت عليها برسائل هى موجودة في مجموع رسائلى وآخر ما سألني عنه قبل موته عن كلام المفترين في قوله تعالى ( والقمر قدرناه منازل ) وأورد فى السؤال اعترضات على الزمخشرى والسعد واجبت عنه برسالة سميتها جواب السائل عن تفسير تقدير القمر منازل وبالجملة فهو متفرد بمواد كتابة الانشاء وما يحتاج اليه من علوم الادب وغيرها مع جودة النظم والنثر الى غاية والاقتدار من ذلك على مالم يقتدر عليه غيره ولعمرى أنه يفضل كثيرا من الافاضل المتقدمين المتفردين بالبلاغة لماله من دقة الذهن وممارسة العلوم الدقيقة وحسن الخط على حد يقصر عنه الوصف والقدرة على اخراج كثير من الصنائع من القوة الى الفعل وله من ذلك ما ينبهر له من يعرف الحقيقة وسأذكر من أدلة تفرده وصدق ما شرحته في حقه مالا(1/426)
يستطيع المنكر انكاره ليعلم المطلع على ذلك أنه فوق ما وصفته بل هو ممن يفتخر به العصر على ما تقدمه من العصور ويكفى فى تصحيح هذه الدعوى ذكر النظم والنثر الذى كتبه الى الامام المهدى يستعطفه به فى سنة 1179 وقد اشتملت كل فقرة من فقر النثر على تاريخ هذه السنة وكل بيت من بيوت النظم على تاريخين كذلك فى الصدر تاريخ وفي العجز تاريخ مع سلاسة النظم والنثر وعدم التكلف وهذا شىء لا يبلغ اليه قرايح أهل هذا العصر بل لا يظن اقتدار أهل العصور المتقدمه عليه وان قدر عليه فرد من الأفراد جاء به فى كلام معقد متكلف قد روعيت فيه الألفاظ وهجرت المعانى وهذه الألفاظ التى اشرنا اليها يقول افقر عباد الاله على العمارى عمته مكارم الحليم الباري بحمد الله أستهل الانشاء كما بدا وجه الهلال وبجدى أشكره فى البكر والآصال جل جلاله عن مشاركة له في ملكه وعن ند ينشىء السحاب الثقال بمد ويمتن تعالى دائما أبدا بلا عد وصلاته وسلامه الأكملان أبدا على سيدنا محمد وآله ماغاب هلال وجدد ونادى المهدى مهنى بلسانه واستشهد ( مليك الورى لا زلت فى قايم العلى *** هلالا منيرا مشرقا قائما باهى ) لازلت فى نعم توالى وبها نصر من الرب تعالى ( وتبدىء للدنيا سرورا وانعما *** فدمت لنا ركن الهدى آمرا ناهى ( فلا برحت فى عيش جديد نايلا بجد ماتهوى وتريد لك فوز الأجر فى الشهر السعيد مبشرا بنيل رجواك به من العزيز الحميد ( تقدم شهر الصوم بالفوز معلنا *** وطيب الثناء وافاك من طيبه الشاهى )(1/427)
لعز ذو الجلال والاكرام مدلك الأجر بهذا العام وبهذا هنئت وحزت به ما شئت ( وفى كل عام نلت أجرا لربه *** وما بت عن شكر بجد له لاهى ) زادك رب الخلق بجود مما اولى وبوأك بحد الشرف الرفيع الاعلى وولاك رقاب الخلق أبدا وأولى فنعم ما أولاك تعالى وجها ونعم المولى ( ودونك قولا للحب مؤرخ *** على كل شطر ليس شين ولا لاهى ) ولما ورخ به كل سجعه زيد تمنعا على من رام منعه فلهذا جاءه محكم الصنعه واعجز فيها من يروم تأليفه وجمعه ) ( ينبيك لما جا بحالى مذكرا *** وماصرت عنى بعد طول الجفا ساهى ) ( عجب فهمك الشريف يفهم لمقالى لست بالساهى عن أمرى فانبهك لحالى ) ( فكمال عافيتك من ربى هو جل مالى ولئن بقيت بها كملت آمالى ) ( ودم صاعدا فى المجد أشرف مقعد *** على حسن عيش نوره منور زاهى ) آمنا به سالما من حدوث ريب الزمن محجوبا عن بوادى الفتن وشوائب حبك الاحن فاكثر حمدا لله تصلح به كل نية واشكر به دائما فى السر والعلانية ( فهذا هلال الصوم وافى هلاله *** بمبدأ عمر دهره ليس متناهى ) فاستأنف الآن عزا بدا وعمرا جديدا وعش بدوام نعيم سعد عيشا حميدا وأخلق بدوام ايامه ولياليه عيدا فعيدا فتهن اجرابه دائما وعمرا مديدا ( تهن بما أعطيت فيه مهناء *** هوالخير بالاقبال والعز والجاه ) وانجز وتم ما كتب بالقلم وما أبدعه مداده ونظم وانقضي بجيد(1/428)
المقال وبعد أن بشر بالنصر والاقبال ( وقد جاء نصر الله بالفتح قابلا *** وتبت لها الاعداء فالحمد لله ) أسأل من ربنا تعالى بان يحسن اليك باتمام نعمته عليك ويخولك بكرمه وبجود مهنيا بما لديك ويحوطك بامنه من خلفك ومن بين يديك وحساب هذه الفقر ومصاريع الابيات واف ولا نقص فى شىء منه الا فى موضع واحد فانه نقص منه واحد فقط فمن ظن أن ثمة نقصا فى غير ذلك فهو اما لتصحيف من الظان أو تحريف ومن تأمل هذه القطعة بعين الحقيقة علم مقدار منشيها ومرتبته فى الفضل وبعض الابيات والفقر وان كان يظن بعض من لم يمارس علوم الاعراب أن فيه لحنا فما ذلك الا من قصور باعه فان لكل من ذلك وجها وجيها في العربية ثم لما أراد الحج كتب الىالامام المهدى هذا النظم والنثر مودعا له ومستعطفا ولفظه بسم الله الرحمن الرحيم ونحمده تعالى وان نطق القلم بالتشبيب وعنى عن الغرض البعيد بالقريب فقصده مناسبة القصد لا النسيب فلهذا صرخ بالاستهلال وصرح بالخفى فقال ( أجرم ما يقال له عثار *** وذنب لا يكون له اغتفار ) ( وهل يستوجب التعذيب طرف *** جرى منه انهمال وانهمار ) ( وقلب لا يفيق عن التصابي *** ولا ينهاه ضعف وانكسار ) ( به ظبى له الجوزاء قرط *** مليح والهلال له سوار ) ( له مالى بلا من وروحى *** ولى منه الملالة والنفار ) جرح فؤادى بأسياف العيون وضعف قلبى بسهام الجفون ولما(1/429)
صح له عن القلب حديث الهوى وروت له الجفون على الطرف مراسيل النوى وعلم الدهر أن قلبى موثق فى يديه وموصول دمعى موقوف عليه علل بالجفاء ذلك الوصال فقال عنه بلسان الحال ( سقى دهرا نعمنافيه عيشا *** وأياما لياليها قصار ) ( ومر كأنه اصغاث نوم *** فما عندى لماضيه ادكار ) أنسانى معرفة تنكير الزمن لما نصبت صروفة على الحال خيام المحن ولما ولع بخفض عيش المرفوع أهملت كلام العاذل الموضوع وصرفته عن الاغراء فهو الممنوع وقلت مبينا ما كفاه من اتباع العذل عن المتبوع وأغناه عن المثنى من الملام والمجموع ( أعاذل قد كفاك العذل دهر *** وقام بما جناه الاغترار ) ( تلوم فتى أصابته الرزايا *** وفارقه الشباب المستعار ) ( أبعد الخمس والعشرين يصبو *** لعمر أبيك هذا الاغترار ) ( ذهب عنه تصريف الهوى ومعناه وانقلبت عينه غينا فتغير مبناه جرد الوقار زيادته بتخفيفة واسقط الزمان تعديه بتضعيفه وغير أصوله بالتصغير من أصله حتى أنسانى بذكر صحيحه ولفيفه ومعتله ( ولم أنس التى قامت لعزمى *** تودعنى وأدمعها غزار ) ( تخوفنى نوى عرضت وطالت *** وتخشي أن يكون فلا مزار ) ( تقول وقد أجد البين مهلا *** بنفسك لا يشق بك البدار ) ( ولم تكسب يداك سوى ثناء *** فليس عليك مهما كنت عار ) ( وما لطخت عرضك بالدنايا *** ولا دارت على فيك العقار ) ( سواء والاقامة منك عزم *** وسيان الخفا والاشتهار )(1/430)
( ومن شرفت له نفس وعرض *** فانى كان كان له افتخار ) تكلمت بمنطق غير ممنوع تساوى به المحمول والموضوع ما اقربها الى القياس بالمحال وما ابعدها عن الوهم بالخيال أيظن الفصل يغنى عن العرض العام أو يخال الجنس يعين الحد على التمام فقلت لما قصدت الخلو بالجمع وساوت بين الشرط والمنع ) ( دعينى لا ابالك ان قصدى *** إلى باب الكريم هو الفخار ) ( أيرضى بالهوان فؤاد حر *** يعز عليه للضيم اصطبار ) ( وما دار الأحبة لى بدار *** إذا مانالنى فيها احتقار ) ( فبالاحباب أحباب ودارى *** هى الدنيا وبالجيران جار ) وكل الناس أخوالى وتربى *** لهم ترب وكل الارض دار ) اذا اتحدت معانيهم فىالظاهر وزالت الغرابة بخلوص التنافر وكان الأب آدم والأم حواء فقد اقتضى الحال تطابق الاهواء بعد عن جبلتهم من شرفه خالقه بالمجاز الى الحقيقة العقلية وأنشأ اختراعه من أسلوب تعذر فيه الاخبار عنه بالصفات البشريه فلذا لذت به من نوائب الزمن وقلت مصرحا باستنكار ماجنته المحن ( معذ المجد والعلياء اني *** أضام ولى الى المهدي ائتمار ) ( منيع الجار لو يشكى هلال *** عليه النقص فارقه السرار ) ( ولو وافاه ليل خائفا من *** هجوم الصبح ما طلع النهار ) ( مليك هذب الأيام حتى *** خشت سطواته الصم الحجار ) ( وطيرفي بقاع الأرض قسرا *** عداه فكل قلب مستطار ) ( ولولا سطوة لليث تخشى *** لزاحمه على الغاب الحمار(1/431)
( كريم لا يشوب عطاه من *** حليم لا يخف له وقار ) ( اذالمست يداه لقصد جود *** بيبس العود عاد له اخضرار ) ( وان لمست يداه بيوم فتك *** نصال السيف كان له احمرار ) ( ففى يمناه للعافين يمن *** وفى يسراه للسارى يسار ) ( يهون عليه فى كسب المعالى *** وفى اخذ العدى الذهب النضار ) ( به اغتفرت جنايات الليالى *** وجاد بوعده الفلك المدار ) ( يضمن صدره حلما وعلما *** غزيرا لا تقاس به البحار ) ( فلو كشف الغطا ما ازددت علما *** على علم هو العلم المنار ) ( فداؤك عالم لم يبق فيهم *** بجدواك احتياج وافتقار ) كرم بنانه المجموع مغن عن البيان وكمال جوده المفرد غنى عن التشبيه بالامكان فكيف لا أقوم بشكر بره وانعامه وان أطلت الثناء فكيف لى أن أمدحه بعشر معشارا كرامه فهو الذى ربانى صغيرا وغذانى بلبان انعامه كبيرا له أياد على سابقة أعد منها ولا أعددها لذا مددت اليه كف الاعتذار وقلت مصرحا بما أشكو من الزمن الجوال ( أمير المؤمنين فداك عبد *** أناحت عنده النوب الكبار ) ( رماه الدهر محتالا بقوس *** من الحدثان أسهمه البوار ) ( اينسفنى الزمان ولى انتماء *** اليك ولى بخدمتك انتصار ) ( اذا ما كنت والأيام عونا *** على وجورها فلك الخيار ) ( فاما ان اقيم بضنك عيش *** وثوباى المذلة والصغار ) ( واما أن أقيم بثوب عز *** خلت عنه المضرة والضرار ) عبد رفعته على يقين الابتداء وخفضته على توهم الاعتداء رق له(1/432)
الحاسد ورثى له الشامت وكادت أن تتحرك رحمة له النجوم الثوابت نصبت بربعه خيام المصايب وركضت فى ميدانه خيول النوايب وهل يفزع الخايف إلى غير حضرتك أو يعز الذليل بغير سدتك ( وأنت أحق من يرعى ذماما *** ومن تحمى بحضرته الذمار ) ( نعم من ذا الذى ما حاز نقصا *** ومن أغناه عن قدر حذار ) ( اليس المرأ من ماء وطين *** وقد نقص الهلال المستنار ) ( اذا مالم تخنك يد وعين *** ولا قلب فقد خف القطار ) كيف تخونه يده أو قلبه من ملىء من فرنه الى قدمه من حبه تبت يد مدت الى مالم يشتهيه وعميت عين لحظت مالا يرتضيه وخرست لسان فاهت بغير المدح فيه ( امير المؤمنين فأى ذنب *** أتيت وكان لى منه اختيار ) ( لقد كثرت حسادى فجازوا *** على حساد آدم حين جاروا ) ( وقد البست من علياك فخرا *** ومجدا لا يباع ولا يعار ) ( ولم يكسبنى الاقلال ذلا *** وأنى ذا وجودك لى عقار ) ما أكئبنى غير سخطك ولا أهمنى سوى عتبك وأن العفو ثمرة الذنوب والخطا وكمال الاحسان التجاوز عن الاعتدا ( أمير المؤمنين أطلت سخطا *** ومثلى من يقال له العثار ) ( لسخطك لا أقيم بارض عز *** وان عزت فلى عنها نفار ) ( وانى ان نأوت فغير ناء *** بودك وهولى أبدا شعار ) ( وما سافرت فى الافاق الا *** ومن جدواك عيشى والدثار ) ( مقيم الظن عندك والأمانى *** وان شطت بى النوق العشار )(1/433)
( مقامك كعبتى وحماك ركنى *** ولى حج ببابك واعتمار ) ( أطوف به وأرم كل يوم *** جمار الهم ان رمى الجمار ) ( أمير المؤمنين اليك وافت *** تهادى والمديح لها شنار ) ( مودعة وما التوديع فيها *** قلاء أوملال أو نفار ) ( برغم المجد أن يرضى فراق *** لحضرتك العلية أو سفار ) ( ودون بعاد يوم منك عندي *** يهون الصاب أكلا والمرار ) ( وهذا ان تعذر مدكف *** لتوديعى وداع واختصار ) ( ودم للملك ما هبت شمال *** وما غنى على الغصن الهزار ) أنظر ما اشتملت عليه هذه القطعة من الانسجام والسهولة والسلامة من الحشو والتكلف مع ما في ضمن النثر من التوجيه بالعلوم فشرع بالتوجيه بعلم اصطلاح الحديث ثم النحو ثم الصرف ثم المنطق ثم المعاني والبيان ومع هذا فسنه ذا ذاك خمس وعشرين سنة كما يفيده قوله ( أبعد الخمس والعشرين يصبو *** لعمر أبيك هذا الاغترار ) والقطعة الاولى المشتملة على التواريخ هو أنشأها أيضا قبل أن يستكمل ثلاثين من عمره وله أشعار في آخر عمره أعلى من هذه القطعة المذكورة سابقا وقد أنشدنى من ذلك كثيرا وما أحسن قوله في بعض قصائده ( واذا رامت الذبابة للشم *** س غطاء مدت عليها جناحا ) واستمر على اتصاله بالامام المهدى ثم بمولانا خليفة العصر حتى توفاه الله تعالى فى يوم الثلاثاء سابع شهر جمادى الاولى سنة 1213 ثلاث عشرة ومائتين وألف قبل تحرير هذه الترجمة بنحو نصف سنة فرحمه
الله وتجاوز عنه فلقد كان من محاسن العصر ومفاخر الدهر وله أولاد أكبرهم أحمد وهو الذى قام مقامه وهو ماش على طريقته فى الكمالات له النظم الفائق والنثر الرائق والخط الحسن والعرفان التام وتلوه فى العمر حسين وقد تقدمت ترجمته ثم اسماعيل ومحمد وقاسم وهؤلاء كل واحد منهم على حداثة أسنانهم له شغلة بالعلم والبلاغة والنظم والنثر والكمال فى فنون الادب(1/434)
220- على بن صالح بن محمد بن أبى الرجال الصنعاني الشاعر المجيد من شعره ( ولقد أقول وقد تغنت فى الحمى *** ورقاء ذات صبابة وولوع ) ( والعود فى يدها يميل والفها *** يختال بين خمائل وفروع ) ( والعين قد سفحت وهاج لها البكا *** تذكارها لاحبة وربوع ) ( أحمامة الايك التى قد هيجت *** شجو الكئيب بأنه وسجوع ) ( مهلا فنفخك للسوالف فى الفضا *** أذكى غضا الاشجان بين ضلوعى ) ( فدعى الهوى ثم اسبحى فتخيرى *** درا لطوقك من بحار دموعى ) وله أشعار كثيرة وقد ترجم له صاحب طوق الصادح وصاحب
نسمة السحر ولم أقف على تاريخ وفاته(1/435)
221- السيد على بن صلاح بن محمد العبالى بالمهملة مضمومة بعدها موحدة أصله من الحرجة بمهملتين مفتوحتين ثم جيم قرية ما بين الحجاز وصعدة وهو من أكابر العلماء ومن جملة أنصار الامام القاسم بن محمد كان يبعثه فى مهماته ويصفه بالاوصاف الجميلة حتى قال فيه لا أخاف على أهل اليمن وفيهم هذا يعنى صاحب الترجمة وأرسله فى أول دعوته الى القاضى العلامة يوسف الحماطى ليأخذ منه البيعة فقال القاضى لا معرفة لى بمقدار الامام في العلم ولابد أن أورد عليه مسائل فقال هات ما تريد ايراده عليه من المسائل فذكر له مسائل مشكلة فأجابه فى الحال بجوابات ارتضاها فقال له أمدد يدك أبايعك فانت أهل للامامة فقال له لا تفعل فليس علمى بالنسبة الى علم الامام شيئا فاطمأنت نفس القاضى وبايع ومات فى شهر رجب سنة 1019 تسع عشرة وألف بشهارة وله أولاد أمجاد منهم الحسين وهو من العلماء المبرزين وهو الذى كمل شرح الشيخ لطف الله الغياث على الكافية وولده السحن بن على من أكابر العلماء المدرسين المفيدين وولده محمد بن على هو القائل ) ( من خالفت أقواله أفعاله *** تحولت أفعاله أفعى له ) ( من أظهر السر الذى فى صدره *** لغيره وهاله وهى له ) ( من لم يكن لسانه طوعا له *** فتركه أقواله أقوى له ) ( ومن نأى عن الحرام طالبا *** من رشده حلاله حلى له ) وهى أبيات جيدة وفى البيت الاول نظر لان أفعاله فاعل تحولت فهو مرفوع وافعى له لامه مفتوح بخلاف بقية الابيات فهى متوافقة الجناس بالحروف والحركات وجرى القلم عند كتب هذه الابيات بشىء من جنسها مثل عددها وهو ( لا تشتغل بملبس فكل ذى *** فضل ترى أسما له أسمى له ) ( من يطلب الشىء العظيم عاجزا *** عن حملة وناله ونى له ) ( من لم يذد رقيبه عن مربع *** يلقى به غزاله غزى له ) ( في راحة المرء وفى ترويحه *** فؤاده وباله وبى له(1/436)
222- السيد على بن الامام شرف الدين بن شمس الدين ولد في رجب سنة 927 سبع وعشرين وتسعمائة وأخذ عن والده وغيره وفاق فى فنون كثيرة واشتهر بالعلم ومات في رجب سنة 978 ثمان وسبعين وتسعمائة بحصن حب مسموما فى سفرجلة أهداها له رجل وولده ابراهييم من أكابر العلماء أخذ عن والده وغيره وأخذ عنه جماعة من الاكابر منهم الشيخ لطف الله بن محمد الغياث وقبره بشبام
223- مولانا الامام خليفة العصر أمير المؤمنين المنصور بالله رب العالمين على بن الامام المهدى العباس بن المنصور حسين بن المتوكل القاسم بن حسين بن المهدى أحمد بن الحسن بن الامام المنصور القاسم بن محمد قد تقدم تمام نسبه فى ترجمة جده الحسن بن القاسم ولد حسبما سمعته منه حفظه الله فى سنة 1151 احدى وخمسين ومائة والف بصنعاء ونشأ بها وفى سنة 1172 أو فى التى قبلها فوض اليه والده الامام المهدى ولاية صنعاء وجعله أمير الاجناد وأمره بسكون قصر صنعاء فقام بذلك قياما تاما بحزم ومهابة وحرمة وافرة ومكارم واسعة وحسن أخلاق وصبر على الامور وسياسة لاحوال الجمهور فاستمر على ذلك ودام فيه مدة أيام والده واتفق فى سنة 1184 أن حسن العنسى الساكن بجبل برط المتريس على ذوى محمد وذوى حسين الساكنين في جبل برط وهم جمرة عرب اليمن اذ ذاك وأهل الشوكة منهم ومن لا يقوم لهم غيرهم من سائر القبائل وقع بينه وبين الامام المهدى رحمه الله خطوب كانت سببا لخروجه عليه فخرج بجيش من المذكورين ومن غيرهم لم يخرج بمثله أحد من أهل تلك الجهات فاستعد له مولانا الامام المهدى وجمع العساكر وأرسل احد أمراء أبناده وهو الامير سندوس بمعظم جيوشه من خيل ورجل وسائر العساكر المطلوبة من القبائل حتى اجتمع له جيش كثير وأمر أمير الاجناد ومن معه من الجيوش أن يلتقى حسن العنسى الى بعض الطريق فلما علم بذلك حسن العنسى سلك طريقا أخرى فلم يشعر أهل(1/437)
صنعاء الا وهو في سعوان وهو محل شرقى صنعاء قريب منها فحصلت بذلك رجة فى صنعاء كبيرة وكان الامام المهدى ساكنا في الجانب الغربى من صنعاء ومولانا ولد ه صاحب الترجمة ساكنا في القصر وهو فى الجانب الشرقى فخرج عند أن بلغه ذلك الخبر فى طائفة يسيرة من أصحابه لا يبلغون خمس مائة رجل وطائفة يسيرة من الخيل أكثرهم لا نفع فيه لكون معظم الخيل المنتخبة قد صارت صحبة الامير سندروس فاصطف له حسن العنسى وأصحابه وهم ألوف مؤلفة وفيهم من أهل الشجاعة والتجربة للحروب والاعتياد للشر من هو أضعاف أضعاف من مع مولانا بل مازال ذلك المقدار اليسير يتناقص بفرار من لا يستحى من العسكر وتسترهم بين الاثل ونحوه قبل الوصول إلى المعركة فلما تراءى الجمعان كان من بين يدى مولانا بالنسبة الى الجمع الآخر كلا شىء وهو يقدم ولا ينثنى ويحث من بين يديه على المصابرة والاقدام ويحول بينهم وبين الاحجام حتى وصل بهم الى نحر العدو وضايقوهم غاية المضايقة وقتلوا منهم كثيرا ولكنهم انثالوا عليهم من جميع الجوانب كانهم الجراد فتاخر بأصحابه قليلا قليلا وهو يدافع عنهم وخرج والده الامام المهدى مغيرا اليه ومغيثا له فالتقاه وهو يتهلهل لم يظهر عليه فزع ولا جزع ولا طيش ولا خفة ولا وجل ولا خطل بل من رآه ظن أنه جاء من بعض المتنزهات وهو قد خرج من معركة تطيل لها العقول وتشيب لها الولدان وترجف منها الافئدة وتخرس عندها الالسن وهكذا فلتكن الشجاعة وبعد هذه الموقعة اعترف له الكبير والصغير والجليل والحقير حتى خصومه بأنه بمكان من ثبات الجنان يقصر عنه أبناء الزمان ثم انه استمر على امارة الجيش(1/438)
وولاية صنعاء وما يرجع اليها حتى مات والده الامام المهدى فى شهر رجب سنة 1189 فبايعه العلماء والحكام آل الامام وسائر الناس على اختلاف طبقاتهم ولم يتخلف عنه أحد وفرحوا به واغتبطوا بخلافته وأحبهم وأحبوه وتولى وزارته جماعة منهم السيد على بن يحيى الشامى الى عند موته ثم الفقيه الحسن بن عثمان القرشى ثم ولده الفقية حسن بن حسن ومن جملة وزرائه السيد أحمد بن اسمعيل فايع وولى القضاء الاكبر عند مبايعته القاضى العلامه يحيى بن صالح السحولى وأما أمراء اجناده فهم فى أول خلافته الأمراء الذين كانوا فى أيام والده الأمير فيروز والنقيب ريحان وغيرهما ثم ماتوا وصارت الامارة إلى الأمير سرور المنصور أياما وإلى النقيب جوهر وأما ولاية صنعاء وامارة الجيش الذى كان أميرا عليهم قبل خلافته فصارت أياما يسيرة إلى أخيه القاسم بن المهدى ثم بعد ذلك صارت إلى ولده الهمام صفى الاسلام أحمد بن أمير المؤمنين وهو الآن القائم بتدبير الأجناد والمتولى لجميع الأمور بصنعاء وما يليها وله من كمال الرياسة وحسن مسك السياسة والمهابة والصرامة والفطنة بدقائق الأمور والاطلاع على أحوال الجمهور وجودة التدبير والخبرة بالجلى والخفى مالا يمكن وصفه مع النقادة التامة والشهامة الكاملة وعلو الهمة والمعرفة للأدب ومطالعة كتبه والاشراف على كتب التاريخ ومحبة أهل الفضائل وكراهة أرباب الرذائل والنزاهة والصيانة والميل إلى معالى الأمور وهو أكبر أولاد الامام وقد تقدمت له ترجمة مستقلة ويليه فى السن اخوه شرف الاسلام الحسن بن امير المؤمنين وهو حسن الأخلاق عظيم الهمة كريم السجية شريف النفس مطلع على ماتمس اليه(1/439)
الحاجة من أمور الدين والدنيا ويليه أخوه فخر الاسلام عبد الله بن أمير المؤمنين وهو احد أمراء الأجناد وجعل اليه والده الامام الاشراف على الديوان واستنابه فى الحضور مع الحكام عند فصل الخصام فى يومى الاجتماع من كل أسبوع وجعل اليه ولاية بعض البلاد كالحيمة وبلاد البستان وفيه من حسن الخلق ومزيد التواضع وكرم السجايا ومعرفة حقائق القضايا ما هو غاية ونهاية ولوالده اليه ميل عظيم ومحبة زايدة وفيه خبرة كاملة ومحبة لقضاء حوايج المحتاجين والتبليغ إلى والده بمطالب الطالبين والشفاعة لمن يلوذ به من القاصدين والدلالة على سبيل الخير بكل ممكن ويليه أخوه عز الاسلام محمد بن أمير المؤمنين وهو احد أمراء الأجناد وهو من فحول الرجال فى جميع الأحوال وله من معرفة الحقائق ومحبة معالى الأمور ونزاهة النفس والعفة والصيانة ما هو متفرد به وقد ولاه والده الامام الجهات العمرانية فعزم بجنده إلى هنالك وهو الآن مقيم بها وهؤلاء الأربعة هم البالغون مبالغ الرجال من أولاد مولانا الامام وأما الباقون فهم صغار لم يبلغوا سن التكليف عند تحرير هذا التاريخ ولهم جميعا فى الفراسة طرايق يعجز عنها غيرهم ولا يدانيهم فيها ساير الناس فكل واحد منهم إذا لعب بفرسه بين الفرسان صار نزهة للناظرين ولا يفوقهم فى هذا الشأن أحد إلى والدهم مولانا الامام فانه فى ذلك لا يبارى ولا يساويه أحد من الناس فانه اذا طارد الفرسان وحرك خصانه بجانب الميدان صار المتفرد بهذا الشان الفايق فيه جميع نوع الانسان بحيث لا يستطيع من رآه كذلك أن يميل نظره عنه لما يراه من حسن الصناعة والفروسية البالغة إلى غاية البراعة وله في التواضع مالا يساويه(1/440)
فيه أحد ولا يصدق بذلك الا من تاخمه وجالسه فانه لا يعد نفسه إلا كأحد الناس بل قد رأينا كثيرا ممن هو أصغر خدمه بل ممن هو متعلق بأحقر عمل من عند بعض خدمه يترفع فوق ترفعه ويرى لنفسه من الحق فوق ما يرى لنفسه وهذه خصيصة اختصه الله بها ومزية شرفه الله بالتحلى بها فان التواضع مع مزيد الشرف أحب من الشرف ثم له من حسن الأخلاق أوفر حظ وأكرم نصيب قل ان يجد الانسان مثل حسن خلقه عند أصغر المتعلقين بخدمته مع ما جبل عليه من حسن النية وكرم الطوية وتفويض الأمور إلى خالقه والوقوف تحت المشيئة وبهذا السبب ظفره الله بمن يناويه ونصره على جميع من يعاديه فلم تقم لباغ عليه قايمة وهو مجبول على الغريزتين اللتين يحبهما الله ورسوله الكرم والشجاعة وإذا وقع فى الظاهر شىء مما يظن من لم يطلع على الحقيقة أنه يخالف ذلك فهو لعذر لو اطلع عليه لوجده الصواب الذى لا ينبغى سواه ولا يليق غيره وقد يكون ذلك لسبب بعض المتصلين بمقامه العالى وهكذا إذا وقع في جانب الرعية مالا يناسب الشرع فهو بسبب من غيره وأما هو فلا يحب إلا الخير ولا يريد إلا العدل واذا اتضح له ذلك أبطله ولم يرض به وكثيرا ما يخفى عليه ذلك بسبب مصانعة بعض من يتصل به للبعض الآخر فمن هذه الحيثية قد يقع أمر لا يريده ولا يرضى به وقد اشتهر هذا بين الناس حتى لا يقع التوجع منه في شىء أبدا بل لجميع الرعية فيه غاية المحبة بحيث انه مرض في بعض السنين فكانوا يجتمعون ويبكون ويدعون له بالبقاء وقل أن يتفق مثل هذا لأحد من الأئمة والسلاطين فى المتقدمين والمتأخرين وهو آخذ من علم الشرع بنصيب قرا قبل مصير الخلافة اليه(1/441)
فى الفقه والنحو على العلامة الحسن بن على حنش الذى صار وزيرا له كما تقدم وله شغف شديد بالكتب النفيسة ومطالعتها بحيث لا يقف فى مكان إلا وعنده منها عدة ولما كان فى شهر رجب سنة 1209 مات قاضيه المتقدم ذكره وكان صدرا من الصدور وعارفا بقوانين الأمور وقد تولى القضاء الأكبر فى أيام جده المنصور بالله الحسين بن القاسم وفى أيام والده الامام المهدى وضم اليه الوزارة ثم نكبه وأعاده مولانا الامام عند أن بويع بالخلافة وولاه القضاء الأكبر فكان يقوم بأمور القضاء وينتفع الامام ووزراه بسديد رأيه لمزيد اختباره وكمال ممارسته وكان يقصده الوزراء إذا نابهم امر الى بيته ويطلبه الخليفة إذا عرض مهم فكان أكثر الامور تصدر عن رأيه وله في الصدور مهابة عظيمة وحرمة وافرة وجلالة تامة ولعلها تأتي له ترجمة مستقلة إن شاء الله تعالى فلما مات فى ذلك التاريخ وكنت إذ ذاك مشتغلا بالتدريس في علوم الاجتهاد والافتاء والتضنيف منجمعا عن الناس لاسيما أهل الأمر وأرباب الدولة فانى لا أتصل بأحد منهم كائنا من كان ولم يكن لى رغبة فى سوى العلوم وكنت أدرس الطلبة في اليوم الواحد نحو ثلاثة عشر درسا منها ما هو فى التفسير كالكشاف وحواشية ومنها ما هو فى الأصول كالعضد وحواشيه والغاية وحاشيتها وجمع الجوامع وشرحه وحاشيته ومنها ما هو فى المعانى والبيان كالمطول والمختصر وحواشيهما ومنها ما هو في النحو كشرح الرضى على الكافية والمغنى ومنها ما هو فى الفقه كالبحر وضوء النهار ومنها ما هو فى الحديث كالصحيحين وغيرهما مع ما يعرض من تحرير الفتاوى ويمكن من التصنيف فلم أشعر إلا بطلاب لى من الخليفة بعد(1/442)
موت القاضى المذكور بنحو أسبوع فعزمت إلى مقامه العالى فذكر لى أنه قد رجح قيامى مقام القاضى المذكور فاعتذرت له بما كنت فيه من الاشتغال بالعلم فقال القيام بالأمرين ممكن وليس المراد إلا القيام بفصل ما يصل من الخصومات إلى ديوانه العالى فى يومى اجتماع الحكام فيه فقلت سيقع منى الاسخارة لله والاستشارة لأهل الفضل وما اختاره الله ففيه الخير فلما فارقته مازلت مترددا نحواسبوع ولكنه وفد إلى غالب من ينتسب الى العلم في مدينة صنعاء وأجمعوا على أن الاجابة واجبة وأنهم يخشون أن يدخل فى هذا المنصب الذى اليه مرجع الأحكام الشرعية فى جميع الأقطار اليمنية من لا يوثق بدينه وعلمه وأكثروا من هذا وارسلوا إلى بالرسائل المطولة فقبلت مستعينا بالله ومتكلا عليه ولم يقع التوقف على مباشرة الخصومات فى اليومين فقط بل انثال الناس من كل محل فاستغرقت في ذلك جميع الاوقات إلا لحظات يسيرة قد أفرغتها للنظر فى شىء من كتب العلم أو لشىء من التحصيل وتتميم ما قد كنت شرعت فيه واشتغل الذهن شغلة كبيرة وتكدر الخاطر تكدرا زايدا ولا سيما وأنا لا أعرف الأمور الاصطلاحية فى هذا الشأن ولم أحضر عند قاض في خصومة ولا فى غيرها بل كنت لا أحضر فى مجالس الخصومة عند والدى رحمه الله من أيام الصغر فما بعدها ولكن شرح الله الصدر وأعان على القيام بذلك الشأن ومولانا الخليفة حفظه الله ما ترك شيئا من التعظيم الا وفعله وكان يجلنى اجلالا عظيما وينفذ الشريعة على قرابته وأعوانه بل على نفسه وأنا حال تحرير هذه الاحرف فى سنة 1213 مستمر على مباشرة تلك الوظيفة مؤثر للتدريس للطلبة فى بعض(1/443)
والاوقات فى مصنفاتى وغيرها وأسأل الله بحوله وطوله أن يرشدنى الى مراضيه ويحول بينى وبين معاصيه وييسر لى الخبر حيث كان ويدفع عنى الشر ويقيمنى فى مقام العدل ويختار لى ما فيه الخير في الدين والدنيا ولمولانا حفظه الله فى خلافته الغراء من الامور العظيمة مالا يتسع له الا سيرة مستقلة فى مجلدات سدده الله فى جميع أموره وأعانه على ما فيه رضاه وجمع له بين خيرى الدنيا والآخرة وفى آخر شهر رجب سنة 1223 ثلاث وعشرين بعد المائتين والالف اتفقت حادثة عظيمة فى صنعاء وهى أن وزير مولانا الامام الفقيه حسن بن حسن عثمان العلفى تمكن تمكنا كبيرا وصارت الأمور مقرونة به وجميع التدبيرات مقصورة عليه وكان بينه وبين سيدى أحمد بن الامام مواحشة بسبب أمور تصدر فى مقام الخليفة وبسبب تقصيره فى أرزاق الأجناد ثم تزايدت الوحشة ولم يسمع الوزير المناصحة منى له ادلالا بماله من الحظ عند الخليفة وصدرت منه أمور مشعرة بالاستخفاف بكثير من أقارب الخليفة وأصحابه وتقصير فى الجرايات التى لقبايل بكيل حتى كانوا يقطعون الطرق حول صنعاء وينهبون الاموال ويسفكون الدماء وطال ذلك وأضر بالناس وتقطعت الطرق ووثب كثير من القبايل على الطرق التى بقرب منهم فجمع سيدى أحمد بن الامام أصحابه فى التاريخ المتقدم وطلب الوزير المذكور فأبى فارسل اليه جماعة من الجند فوصل وقبض عليه وعلى جماعة من قرابته فعظم ذلك على الخليفة وأراد استخلاصه فارسل سيدى أحمد جماعة من الجند وأحاطوا بدار الخلافة وقد كان فيها سيدى عبد الله بن الامام بجماعة من أصحابه فوقع حرب وأرسل(1/444)
الى الخليفة وأصلحت الأمر على أن سيدى أحمد يكون تدبير البلاد الامامية اليه ويكون لوالده بمنزلة الوزير ويبقى الوزير فى اعتقاله وفي أول ساعة من ليلة الاربعاء لعله خامس عشر شهر رمضان سنة 1224 أربع وعشرين ومائتين وألف توفى مولانا الامام رحمه الله بداره بصنعاء المسماة بدار الاسعاد ثم صلى عليه في قبة والده المهدى فى جمع جم وكان الذى صلى عليه راقم هذه الاحرف وقبر فى طرف بستان المتوكل ووقعت البيعة لولده مولانا الامام المتوكل على الله أحمد بن المنصور في الليلة التى مات فيها الامام وكنت أول من بايعه ثم كنت المتولى لاخذ البيعة له من اخوته واعمامه وسائر ال الامام القاسم وجميع أعيان العلماء والرؤساء وكانت البيعة منهم فى أوقات والله المسؤل أن يجعل للمسلمين فيه صلاحا وفلاحا(1/445)
224- على بن عبد الكافي بن على بن تمام بن يوسف بن موسى بن تمام ابن حامد بن يحيى بن عمر بن عثمان بن على بن سوار بن سليم السبكى تقى الدين أبوالحسن الشافعى
ولد أول يوم من صفر سنة 683 ثلاث وثمانين وستمائة وتفقه على والده ودخل القاهرة فاشتغل على ابن الرفعة وأخذ الاصلين عن القاضى والخلاف عن السيف البغدادى والنحو عن أبى حيان والتفسير عن العلم العراقى والقراءات عن التقى الصايغ والحديث عن الدمياطى والتصريف عن ابن عطاء والفرايض عن الشيخ عبد الله العمارى وطلب الحديث بنفسه ورحل فيه إلى الشام والاسكندرية والحجاز فأحذ عن الحفاظ وولى بالقاهرة تدريس المنصورية وغيرها وكان الاكابر من أركان الدولة يعظمونه ولما توفي القاضي جلال الدين القزوينى بدمشق طلبه الناصر فى جماعة ليختار منها من يقرره مكانه فوقع الاختيار على صاحب الترجمة فوليها فى جمادى الآخرة سنة 739 فباشر القضاء بحرمة وعفة ونزاهة وأضيفت اليه الخطابة وولى التدريس بدار الحديث الاشرفية وطلب الى القاهرة لتولية قضائها فبقى قليلا ولم يتم فأعيد وكان لا يقع له مسئلة مشكلة أو مستغربة الا ويعمل فيها تصنيفا وقد جمع مسائله ولده تاج الدين فى أربعة مجلدات قال الصفدى ما تعرض له أحد من نواب الشام أوغيرهم الا أصيب إما بعزل أو موت قال الاسنوى فى الطبقات كان أنظر من رأيناه من أهل العلم ومن اجمعهم للعلوم وأحسنهم كلاما ما فى الاشياء الدقيقة وأجلدهم على ذلك وكان فى غاية الانصاف والرجوع إلى الحق فى المباحث ولو على لسان أحد الطلبة مواظبا على وظايف العبادات مراعيا لارباب الفنون وتوفى رحمه الله في ثالث جمادى الآخرة سنة 756 ست وخمسين وسبعمائة وله شعر جيد فمنه ( إن الولاية ليس فيها راحة *** إلا ثلاث يبتغيها العاقل ) ( حكم بحق أو إزالة باطل *** أو نفع محتاج سواها باطل ) ومن شعره ( لعمرك ان لى نفسا تسامى *** إلى مالم ينل دارا بن دارا ) ( فمن هذا أرى الدنيا هباء *** ولا أرضى سوى الفردوس دارا ) وكان قد نزل عن منصب القضاء لولده تاج الدين بعد أن مرض ثم
عوفى ومات بعد أيام في تاريخه المتقدم(1/446)
225- السيد على بن عبد الله بن أحمد بن محمد بن محسن الجلال الصنعاني المولد والدار والنشأة ولد فى شوال سنة 1169 وقرأ على علماء صنعاء كالسيد العلامة اسمعيل بن هادى المفتى وشيخنا العلامة الحسن ابن اسمعيل المغربى وشيخنا العلامة السيد عبد القادر بن أحمد وله مشايخ فى فنون عديدة وبرع فى النحو والصرف والمنطق والمعانى والبيان والحديث والتفسير وشارك فى الفروع مشاركة قوية وتتبع الادلة فعمل بها ولم يقلد أحدا وانتفع به الطلبة فى جميع الفنون وأخذوا عنه فى جميع علوم الاجتهاد وفيهم من النبلاء جماعة كثيرة وهو من محاسن العصر وافراد الدهر مكب على العلوم في جميع الاوقات قوى الحفظ سريع الفهم صحيح الذهن مع مزيد التواضع والتودد والبشاش وحسن الاخلاق والسكينة والوقار ورصانة العقل وصيانة الدين والتعفف وفى عام تحرير هذه الاحرف جعله مولانا الامام المنصور بالله حفظه الله من جملة قضاة صنعاء وعظمه بما يستحقه بعد أن عرفته حفظه الله بجلالة مقدار صاحب الترجمة وأشرت عليه بنصبه فباشر القضاء مباشرة حسنة مشكورة وابتهج الناس بقبوله لذلك وأثنوا على الخليفة حفظه الله بانتخاب مثله فانه من أكابر علماء العصر وأفاضل أبناء الدهر والحمد لله رب العالمين وهومع اشتغاله بمنصب القضاء لم يدع الاشتغال بالعلم بل هو مستمر على التدريس للطلبة في الكتب الحافلة وقد دار بينى وبينه مباحثات نافعة ومراجعات جيدة وترافقنا في القراءة على شيخنا المغربى فى الكشاف وفي شرح(1/447)
بلوغ المرام وبينى وبينه مطارحات أدبية فمن ذلك أنى كتبت اليه قصيدة أيام الطلب مطلعها ( برق ثرى فأثار فى أحشائى *** نار الهوى بعد انداراس هوائى ) فأجاب صاحب الترجمة بقصيدة طويلة أولها ( أرياض روض أشرقت أزهاره *** تفتر عن بشر وعن سرآء ) ( أم لؤلؤ الأصداف قد صادفته *** فى رقة وملاحة وبهاء ) ( أم يوشع في العصر قد ردت له *** شمس النهار بحندس الظلماء ) ( أم هذه عين البلاغة قلدت *** بقلائد العقيان للبلغاء ) ( ودلايل الاعجاز فى تبيانها *** تبدوا بايضاح لدى الفصحاء ) ( أسرار لطف الله حلت لفظها *** فتنزهت عن وصمة وخطاء ) ( والسعد لمالاح فى ايجازها *** صار الشريف لها من الخدماء ) ( وهى أبيات طويلة كالأصل ونظمه الآن عافاه الله أعلى من هذه الطبقة فهى من أوائل نظمه وله رسائل يحررها اذا ورد اليه سؤال أو وقعت المباحثة بينه وبين أحد العلماء وقد كان شرع فى جمع تاريخ ولعله لم يكمل(1/448)
226- السيد على بن عبد الله بن أحمد بن على بن عيسى الحسينى الملقب نور الدين المعروف بالسمهودى ولد سنة 844 أربع وأربعين وثمان مائة بسمهود ونشأ بها فحفظ القرآن والمنهاج ولازم والده وقرأ عليه وقدم القاهرة وقرأ على جماعة منهم الجوجرى والمناوى وزين زكريا والبلقينى والمحلى ثم حج وجاور وسمع من السخاوى وتردد ما بين مكة والمدينة وعمل للمدينة تاريخا وصنف حاشية على ايضاح النووى لى المناسك وعاد إلى القاهرة ولقى السلطان فاحسن اليه وجعل له جراية ووقف على المدينة كتبا لأجله ثم سافر لزيارة والدته وزار بيت المقدس وعاد الى المدينة ثم الى مكة فحج ورجع الى المدينة وصار شيخها غير مدافع وله فتاوى مجموعات ومؤلفات غير ما ذكر وموته تقريبا سنة اثنتى عشر وتسعمائة(1/449)
227- علي بن عبد الله بن على بن راوع العلامة الزبدى القاضى أخذ عن الامام شرف الدين وغيره وبرع في فنون لاسيما علم الفقه وتولى القضاء بصنعاء للامام شرف الدين وله شرح على الاثمار وقيل ان له شرحا على الازهار ومات سنة 959 تسع وخمسين وتسعمائة وقبر ببلد عاشر من بلاد خولان وكان سبب موته أنه سقط من صرح داره بعاشر
228- على بن قاسم حنش ولد في شهر محرم سنة 1143 ثلاث وأربعين ومائة والف ونشأ بوطنه ذيبين ثم ارتحل الى كوكبان وقرأ على علمائها ثم وصل الى صنعاء واخذ عن أهلها وتردد فى الديار اليمنية حتى عرف أكثرها أو كلها واختبر بأهلها خاصتهم وعامتهم وحج وعاد ووصل الى صنعاء فاتصل بالامام المهدى العباس بن الحسين فقربه وأدناه وجالسه وشرع فى ترشيحه للوزارة لما رأى من تأهله لذلك مع فصاحته ورجاحة عقله واختباره بالناس ومعرفته بطبقاتهم وحفظه لاخبارهم وامتناعه في جميع ذلك وحسن محاضرته وذلاقة لسانه وفرط ذكائه فحسده جماعة من الوزراء فأغروا به الامام حتى أبعده عنه وحبس دهرا طويلا ثم أفرج عنه وسكن صنعاء وهو من نوادر الدهر في جميع أوصافه لا يخفى عليه من أحوال أبناء دهره خافية ولا يسمع متكلم يتكلم فى علم أو أدب أو تاريخ من تقدم أو تأخر الا ويجرى معه ويحكى مثل حكايته وله فى العلم حظ وافر وفي الادب سهم قامر وفيه كرم مفرط يجود بموجوده مع قلة ذات يده وقد يتصدق فى بعض اوقاته بثيابه ولا يمسك شيئا وقد كان يصل اليه عند اتصاله بالامام المهدى شىء واسع فينفقه ولا يدخر منه شيئا وهو من رجال الدهر قد حنكته التجارب وحلب الدهر أشطره ومارس مالم يمارسه غيره من محبوب ومكروه وصديق وعدو وشدة ورخاء وهو أسرع الناس جوابا فى كل ما يرد عليه لا يعجم ولا يتلعثم ولا يعتريه خور وكثيرا ما يتفرس في الحوادث قبيل وقوعها فيتفق وقوعها فى الغالب كما يحدس وله اتصال باكابر الناس واصاغرهم قد استوت لديه طبقاتهم كما استوت لديه الشدة والرخاء والاقبال(1/450)
والادبار والمحبوب والمكروه قد رأى نفسه اميرا كما رأها فقيرا ورأها تارة فى اليفاع وتارة فى أخفض البقاع وهو الآن فى الحياة قد جاوز السبعين ولم يفتر نشاطه ولا خف ضبطه ولا تكدرت أخلاقه وبالجملة فهو قليل النظير فى مجموعه ومن محاسن كلامه الذى سمعته منه الناس على طبقات ثلاث فالطبقة العالية العلماء الأكابر وهم يعرفون الحق والباطل وان اختلفوا لم ينشأ عن اختلافهم الفتن لعلمهم بما عند بعضهم بعضا والطبقة السافلة عامة على الفطرة لا ينفرون عن الحق وهم أتباع من يقتدون به ان كان محقا كانوا مثله وان كان مبطلا كانوا كذلك والطبقة المتوسطة هى منشأ الشر واصل الفتن الناشئة فى الدين وهم الذين لم يمعنوا فى العلم حتى يرتقوا الى رتبة الطبقة الأولى ولا تركوه حتى يكونوا من أهل الطبقة السافلة فانهم اذا رأوا أحدا من أهل الطبقة العليا يقول مالا يعرفونه مما يخالف عقائدهم التى أوقعهم فيها القصور فوقوا اليه سهام الترقيع ونسبوه الى كل قول شنيع وغيروا فطر أهل الطبقة السفلى عن قبول الحق بتمويهات باطلة فعند ذلك تقوم الفتن الدينية على ساق هذا معنى كلامه الذى سمعناه منه وقد صدق فان من تأمل ذلك وجده كذلك ثم مات رحمه الله تعالى في شهر محرم سنة 1219 تسع عشرة ومائتين وألف وقد كان اشتغل بتاريخ دولة الامام المهدى العباس بن المنصور فاملى حوادثها من حفظه بما يتعجب منه ثم شرع في تاريخ ولده مولانا امام العصر حفظه الله فمات بعد الشروع في ذلك(1/451)
229- على بن قاسم السنحانى بالمهملة والنون بعدها نسبة الى بلاد سنحان اسم لقبيلة قريبة
من مدينة صنعاء كان صاحب الترجمة هو القايم بمذهب الزيدية أيام ولاية الاتراك على صنعاء وكانوا يجتمعون اليه الى مسجد داود أحد مساجد صنعاء ويأخذون عنه فقه الزيدية ويقصده أهل الأموال منهم بالنذور الواسعة فيصرف ذلك في تلامذته وبالغ أمراء الاروام في اتصاله بهم فلم يفعل واتفق في أيامه قضية هى ان بعض أولاد الأشراف من أهل صنعاء دخل يتوضأ في ذلك المسجد فلم يشعر إلى بتركى قد دخل عليه وأراد به الفاحشة فطعنه بسكين فمات وخرج من مطاهير الماء الى المسجد وصاحب الترجمة يقرىء الطلبة فساره بما ويقع ثم طلب السانى الذى يسنى من البئر الى المطاهير وأمره أن يكثر المسنى الى المطاهير وأمر بتغليق أبواب المطاهير فانتصب الماء حتى ملأ ساحات المطاهير ثم أمر بتقطيع التركى قطعا صغارا واخرج إلى محل بعيد ومما يحكى عنه أنه بلغه أن رجلا من أهل صنعاء له ولدان أمردان جميلان وأن لهما دكانين يقعدان فيهما ويصل اليهما أهل الفساد من الاتراك فيقع المعاصى والمغانى ونحوها هنالك فقال صاحب الترجمة لرجل من اهل الصلاح هل يمكنك أن تدعي أن الدكانين لك وأحكم لك بذلك فقال ليس لى فيهما ملك فقال قد علمت ذلك ولكن هذا مما يسوغه الشرع ففعل الرجل ذلك وحكم له صاحب الترجمة وكان له من انكار المنكرات قضايا مستحسنة وله تلامذة نبلاء منهم القاضى يوسف الحماطى وكان اعتماد أهل صنعاء فى الفتاوى عليه ولهم فيه اعتقاد عظيم ولعل موته في حدود الألف الألف من سنى الهجرة(1/452)
230- على بن محمد بن أحمد العنسى الصنعانى الشاعر البليغ القاضى المشهور أخذ العلم عن جماعة من أعيان عصره وقال الشعر الحسن فمن مقطعاته الفائقة قوله ( اما عذار الحبيب قد أسرا *** قلبى المعنى وارقا عينى ) ( ملكته القلب إذ نظرتهما *** فالقلب ملك له بلامين ) ومن قصائده القصيدة التى مطلعها ( أما ودموع فيك تكتب ماأملى *** لقد صدحتى شح بالكتب والرسل ) وهى قصيدة جيدة ومن بدائع قصائده القصيدة المشهورة وهى ( ياسميرى وللفتوة قوم *** خلقوا من سلافة الانسجام ) ( بطراز الرفا بتشبيب مهيا *** ر بلطف البها بطبع السلامى ) ( قم فعرج بنا على مرقص الشع *** وفتش بنا طريق الغرام ) ( كعيون المها وياظيبة البا *** ن ألافاسقنى ادر يا غلامى ) ( وأرحنى من الكلام الذى يشم *** أنفا بالبأس والاقدام ) ( كلبسنا الحديد ثم اعتنقنا *** ألفا من مثقف فوق لأم ) ( ومن الناسك المشمر كمي *** كنظم الفقيه فى الأحكام ) ( ثم دعنى من الصعود الى رضو *** ى وأعنى بذا وعور الكلام ) ( كقفانبك أو أقيموا بنى أ *** مى وتلك الصخور فوق الآكام ) ( مالنا والبكا على رسم دار *** خل هذا لعروة بن حزام ) ( ما ترى رقة النسيم وقد هب *** كشكوى متيم مستهام ) ( ورياض برزن كالغيد حتى *** إنها ما خلت من النمام ) ( وكأن الوسمى صب شكى البي *** اليها بلوعة وغرام )(1/453)
( وعلا بالرعود منه نحيب *** عن حشا بالبروق ذات اضطرام ) ( وكأن الزهور حين تغطت *** عند ذاك النحيب بالأكمام ) ( خجلت والشقيق فيها خدود *** صبغت بالحياء فهى دوامي ) ( فبحسن الرياض بل بودادى *** لك يا منيتى على الأيام ) ( لا تقل اطلعت سماء الدياجى *** شفقا عند روضنا البسام ) ( غير أن المريخ غار من الور *** د فاغرى به نجوم الظلام ) ( فاستعار الذراع كف الثريا *** واجتناه من تحت كم الغمام ) أنظر مافى هذه القصيدة من الانسجام والرقة والمسلك العذب والمعانى الجزلة وغالب شعره على هذا الأسلوب وهو مجموع فى مجلد لطيف وكان له تعلق بالعلم وتدريس فى فنون فمن تلامذته السيد العلامة محمد بن اسماعيل الأمير وذكرانه قرأ عليه فى النحو والمنطق ومات فجأة فى شهر جمادى الأولى أو الاخرة سنة 1139 تسع وثلاثين ومائة والف(1/454)
231- على بن محمد بن سعد بن محمد بن على بن عثمان بن اسماعيل ابن ابراهيم بن يعقوب بن على بن هبة الله بن ناجية المشهور بابن خطيب الناصرية الحلبى الشافعي ولد سنة 774 أربع وسبعين وسبعمائة بحلب ونشأ بها وأخذ عن والده والسراج البلقينى رحل الى مصر والقدس وأخذ على علماء ذلك الزمن وكان اماما في الفقه والحديث عالما بالأصول والعربية حافظا للتاريخ اشتهر ذكره فى الأقطار وترجم أعيان حلب وجميع من دخل اليها وجمع لها تاريخا حافلا جعله ذيلا على تاريخ الكمال بن العديم وهو نظيف اللسان والقلم وله تصانيف كالطبية الرائحة في تفسير الفاتحة وسيرة المؤيد وشرح حديث أم زرع وغير ذلك وولى قضاء بلده غير مرة ثم ولى قضاء طرابلس وحمدت سيرته في جميع مباشراته وولى الخطابة ببلده ودرس وأفتى واستمر على ذلك حتى مات بحلب يوم الخميس نصف ذى القعدة سنة 843 ثلاث واربعين وثمان مائة وخلف دنيا واسعة
232- على بن محمد بن عبد العزيز بن فتوح بن ابراهيم بن أبي بكر ابن القاسم بن سعد بن محمد بن هشام بن عمر الثعلبي الدمشقى الشافعى الموصلى تاج الدين المعروف بابن الدريهم وبابن ابى الخير ولد فى شعبان سنة 712 أثنتى عشرة وسبعمائة وقرأ على ابن الشيخ القوفية المقدم ذكره وعلاء الدين التركمانى وأبى حيان وارتحل الى القاهرة وكان يتجر ويبيع من ملوك ذلك العصر وله مال كثير ثم درس بدمشق ثم دخل مصر فبعثه الناصر رسولا الى ملك الحبشة وكان ماهرا في الأحاجى والألغاز والأوفاق والكلام على الحروف وخواصها وكانت له معرفة بالفقه والحديث والاصول والقراءات والتفسير والحساب ويتكلم فى جميع ذلك وله تصانيف كثيرة منها النسمات الفايحة لما فى آيات الفاتحة اشراف النفس فى الحمدلات الخمس الآثار الرائعة فى أسرار الواقعة كنز الدرر فى حروف أوائل السور غاية النعم فى الاسم الأعظم نفع الجدوى فى الجمع بين أحاديث العدوى المبهم فى حل المترجم غاية الاعجاز في الاحاجى والألغاز سلم الحراسة فى علم الفراسة بسط الفوائد فى حساب القواعد وغير ذلك ومات فى سنة 766 ست وستين وسبعمائة(1/455)
233- على بن محمد الشوكانى والد جامع هذا الكتاب غفر الله لهما وسياق نسبه هكذا على بن محمد بن عبد الله بن الحسن بن محمد بن صلاح بن ابراهيم بن محمد العفيف بن محمد بن رزق ينتهى الى خيشنة بخاء معجمة مفتوحة فمثناة تحتية ساكنة فشين معجمة مفتوحة فنون فهاء ابن زباد بالمعجمة ثم موحدة مشددة وبعد الألف مهملة ابن قاسم بن مرهبة الأكبر بن مالك بن ربيعة بن الدعام الذى كان يذكره الهادى عليه السلام فى خطبته لكونه من أنصاره وممن له العناية فى خروجه من الرس الى اليمن ابن ابراهيم بن عبد الله بن ردى بن مالك هكذا وقع سياق نسب خيشنة في بعض كتب الأنساب ووقع سياق نسبه في كتاب الشريف أبى علامة المؤيد المعروف بروضة الالباب فى معرفة الانساب هكذا خيشنة بن زباد بن قيلم بن ربيعة بن مرهبة بن أجدع بن سعيد بن مسعود بن وائل بن الحارث الاصغر بن ربيعة بن الحارث الاكبر بن ربيعة بن مرهبة الاكبر بن الدعام بن مالك ابن ربيعة انتهى وفى مشجر الاشرف الغسانى أن الدعام بن ابراهيم هو ابن عبد الله بن ياسين بن حجيل بن عمارة بن زاهر بن ثمامة بن سعد بن عمارة بن عبد بن عليان بن الدعام بن رومان بن بكيل انتهى وفى كتاب أبى نصر النهلاوى ان الدعام بن ابراهيم بن عبد الله بن ابراهيم بن الحسين ابن عبد الله بن الازهر بن ناشر بن حجل بن عميرة بن عبد بن عليان بن أرحب بن الدعام بن معاوية انتهى ثم اتفقوا فقالوا ابن صعب بن رومان ابن بكليل بن خيران بن نوف بن تبع بن زيد بن عمر بن همدان بن مالك ابن زيد بن أوسلة بن ربيعة وفى بعض الكتب المذكورة سابقا ابن(1/456)
الخيار مكان ربيعة ثم اتفقوا فقالوا ابن النيت بن مالك بن زيد بن كهلان بن سبأ بن يشجب بن يعرب بن قحطان بن هود بن عابر بن سالخ بن ارفخشد ابن سام بن نوح بن لمك بن متوشلح بن أخنوخ بن لود بن مهلائيل بن قينان بن أنوش بن شيث بن ادم وحوى سلام الله عليهما وذكر المسعودى فىالمروج أن هشام بن الكلبى حكى عن أبيه وعن شرقى القطامى أنهما كانا يذهبان الى أن قحطان هو ابن الهميسع بن نبت وهو نابت بن اسمعيل بن ابراهيم خليل الرحمن عليه السلام ثم ذكر المسعودى بعد ذلك أن أنساب اليمن تنتهي الى حمير وكهلان ابنى سبأ بن يشجب بن يعرب بن قحطان وان قحطان هو ابن عابر قال هذا هوالمتفق عليه عند أهل الخبرة قال وكان الحيثم بن عدى ينكر ايضا ان يكون قحطان من ولد اسمعيل وقد أطال البحث فى ذلك فليرجع اليه ولا شك أن قول من زعم أن قحطان ليس هو ابن هود مخالف للصواب ولما أطبق الناس عليه قديما وحديثا حتى ذكر ذلك فى الأشعار كما قال بعض القحطانية يفتخر على بعض العدنانية ( أبونا نبى الله هود بن عابر *** فها نحن أبناء النبى المطهر ) ( ملكنا بلاد الله شرقا ومغربا *** ومفخرنا يسمو على كل مفخر ) وانما قلت ان رزق ينتهى نسبه الى خيشنة ولم أقل رزق بن خيشنة لقصد الاحتياط لأن الشك معى حاصل فى رزق هل ابن خيشنة بلا فصل كما سمعت من بعض الاكابر القرابة وهو المشهور عند جميع من له فطنة من أولاد رزق المذكور أو بينه وبينه واسطة فالله أعلم هذا سياق نسب والدى المترجم له رحمه الله ومولده تقريبا فى سنة(1/457)
ثلاثين ومائة وألف وعرف فى صنعاء بالشوكاني نسبة الى شوكان وهى قرية من قرى السحامية احدى قبائل خولان بينها وبين صنعاء دون مسافة يوم وهو أحد المواضع التى يطلق عليها شوكان قال فى القاموس شوكان موضع بالبحرين وحصن باليمن وبلدة بن سرخس وايبورد منه عقيق بن محمد بن عنيس وأخوه أبو العلاء عنيس بن محمد الشوكاني انتهى وهو الحصن الذى ذكره فان هذه القرية التى ينسب اليها صاحب الترجمة من أعظم الحصون باليمن وقال الخيضرى فى كتابه الذى سماه الاكتساب فى الانساب فى حرف الشين المعجمة ما لفظه الشوكانى بفتح أوله وسكون ثانيه وكاف بعدها الف ونون نسبة الى بلدة من ناحية جازان بين سرخس وأيبورد منها أبو العلاء عنيس بن محمد بن عنيس الشوكاني كان شيخا عالما دخل مرو وتفقه بها على أبى المظفر السمعاني وسمع منه الحديث ومن والد محمد بن عنيس صم ولى القضاء ببلاده مدة سمع منه المصنف ومات فى حدود الثلاثين وخمس مائة وأما الفضل كريمة بنت أبى الحسن على بن اسحق بن على بن محمد المالكى الشوكاني امرأة من بيت الحديث والدها أبو الحسن كان له رحلة الى نيسابور وسمع الكثير بقراءة أبي المظفر السمعانى وحصل بها الاجازة عن جماعة من الشيوخ مثل أبى محمد بن الحميد بن عبد الرحمن البحرى وأبو عبد الله محمد بن أحمد بن محمد بن على بن محمد الشوكاني المالكى من أهل شوكاني كان من اهل الخير والصلاح ووالده ابو طاهر كان من مشاهير المحدثين بخراسان سمع أباه طاهر وأبا الفضل محمد بن أحمد بن أبي الحسن العارف المهينى ولد فى حدود ستين وأربع مائة وتوفى فى شعبان(1/458)
سنة 532 بشوكان انتهى ما فى الاكتساب وهو وان كان خارجا عن الترجمة غير أنه لا يخلو من فايدة وثمه موضع باليمن آخر يقال له شوكان بقرب مدينة ذمار وسمعت من بعض الثقات أن ثمة موضعا ثالثا ببلاد وادعة يقال له شوكان فان لم يكن أحد المحلين حصنا كان مراد صاحب القاموس هو الموضع الذي ينسب اليه صاحب الترجمة وان كان حصنين أو أحدهما لم يحسن الجزم بأن مراده أحدهما دون الآخر وفي سيرة الامام الهادى يحيى بن الحسين أنه نزل بمحل يقال له شوكان من بلاد نجران وهذ يفيد ان باليمن أربعة مواضع يسمى كل واحد منهما شوكان ونسبة صاحب الترجمة الى شوكان ليست حقيقية لأن وطنه ووطن سلفه وقرابته هو مكان عدني شوكان بينه وبينها جبل كبير مستطيل يقال له الهجرة وبعضهم يقول له هجرة شوكان فمن هذه الحيثية كان انتساب أهله الى شوكان وهذه الهجرة معمورة بأهل الفضل والصلاح والدين من قديم الأزمان لا يخلو وجود عالم منهم فى كل زمن ولكنه يكون تارة فى بعض البطون وتارة فى بطن أخرى ولهم عند سلف الأئمة جلالة عظيمة وفيهم رؤساء كبار ناصروا الأئمة ولاسيما فى حروب الاتراك فان لهم في ذلك اليد البيضاء وكان فيهم إذ ذاك علماء وفضلاء يعرفون فى سائر البلاد الخولانية بالقضاة وكانوا يتفرقون فى القبائل ويدعونهم الى الجهاد ويحثونهم على حرب الاتراك وكان من بصنعاء من الاتراك يغزون الى هذا المحل غزوة بعد غزوة ويخربون فيه البيوت ويعودون الى صنعاء وغزوهم فى بعض السنين فى يوم العيد تركوهم حتى اجتمعوا فى المسجد لصلاة العيد فلم يشعروا الا وجنود الاتراك قائمون(1/459)
على أبوابه فقاتلوهم فقتل منهم جماعة وفر اخرون وأسر الاتراك أكابرهم ودخلوا بهم صنعاء وقد أخبرنى عمى الحسن بن محمد بن عبد الله أخو صاحب الترجمة بعجائب وغرائب مما اتفق وهو يروى ذلك عن جده عبد الله وكان ممن قاتل الاتراك وعمره مائة وعشرين سنة وعمى الحسن المذكور عاش زيادة على تسعين سنة فانا أروى قتال الاتراك بواسطة واحد بينى وبين من قاتلهم وبين تحرير هذه الأحرف وبين اخراج الاتراك من جمبع الاقطار اليمنية زيادة مائة وسبعين سنة وهذا علو فى الرواية قل أن يتفق مثله فان بين كثير من أهل العصر وبن من حضر قتال الأتراك من سلفهم سبعة أبا وثمانية وهذاعارض من القول ولكنه لا يخلو عن فائدة وقد اشتهر جماعة من أهل المحل المذكور أعنى هجرة شوكان بالعلم فمنهم العلامة الحسين بن على الشوكاني كان من أكابر العلماء المحققين لعلم الفروع وقد ترجم له السيد العلامة ابراهيم بن القاسم بن المؤيد فى كتاب طبقات الزيدية فقال مالفظه الحسين بن على الشوكانى بمعجمة الفقيه العلامة قرأ فى الفقه على القاضي ابراهيم بن يحيى السحولى وأحمد بن سعيد الهبل وقرأ على ابناء الزمان كالشيخ هادى الشاطبى ومحمد بن أحمد الهبل وكان فقيها اماما فى الفروع ثم بيض لباقى الترجمة انتهى ومنهم القاضى العلامة الحسين بن صالح الشوكانى كان من المتقنين لعلم الفقه وغيره وهو أحد قضاه المتوكل على الله اسمعيل فمن بعده من الأئمة ورأيت له مكاتبات ومراجعات الى الأئمة وكان يقصد بالمشكلات من الفتاوى الى تلك الهجرة وكان مولد والدى رحمه الله فى ذلك التاريخ بتلك الهجرة ونشأبها فحفظ القرآن ثم ارتحل الى صنعاء لطلب العلم فقرأ على جماعة من(1/460)
علمائها منهم السيد العلامة محمد بن عبد الرحمن الكبسى والسيد العلامة على بن حسن الكبسى والسيد العلامة الحسن بن محمد الاحفش والقاضى العلامة محصن بن أحمد العابد وجماعة كثيرة وبرع فى علم الفقه والفرائض فحقق الازهار وشرحه لابن مفتاح وحواشيه وبيان ابن مظفر والبحر الزخار ومختصر الفرائض للعصيفرى وشرحه للناظرى وشرح الخالدين وعلم الضرب والمساحة وقرأ فى كتب الحديث الشفاء للأمير حسين والشمائل للترمذى ومن كتب التفسير الثمرات للفقيه يوسف وشرح الآيات للنجرى وفى النحو الملحة وبعض شروحها والحاجبية وشرحها للسيد المفتى وفي الأصول الكافل لابن بهران وشرحه لابن لقمان وغير هذه المسموعات مما لا يحضرنى الآن وما زال يدأب فى تحصيل العلم مفارقا لاهله ووطنه مغتربا عنهما اياما طويلة ودرس وافتى فى صنعاء فى أواخر ايام طلبه وولاه الامام المهدى العباس بن الحسين القضاء بالجهات الخولانبة خولان صنعاء ثم اعتذر عنه فولاه القضاء بصنعاء المحروسة واستقر بها هو وأهله وما ترك الطلب فى أيام توليته للقضاء ولارغب عن التدريس للطلبة بل كان يقرىء في مسجد صلاح الدين وفي مسجد الابزر فى الفقه وفى الجامع الكبير في الفرائض في شهر رمضان وكان رحمه الله محمود السيرة والسريرة متعففا قانعا باليسير طارحا للتكلف منجمعا عن الناس مشتغلا بخاصة نفسه صابرا على نوائب الزمن وحوادث الدهر مع كثرة ما يطرقه من ذلك محافظا على امور دينه مواظبا على الطاعة مؤاثر للفقراء بما يفضل عن كفايته غير متصنع في كلامه ولا في ملبسه لا يبالى باى ثوب برز للناس ولا فى أي هيئة لقيهم وكان سليم(1/461)
الصدر لا يعتريه غل ولا حقد ولا سخط ولا حسد ولا يذكر أحدا بسوء كائنا من كان محسنا الى أهله قائما بما يحتاجونه متعبا نفسه في ذلك صابرا محتسبا لما كان يجري عليه من بعض القضاة الذين لهم كلمة مقبوله وصولة مع كونه مظلوما فى جميع ما يناله من المحن ونوائب الزمن والحاصل أنه على نمط السلف الصالح فى جميع أحواله ولقد كان تغشاه الله تعالى برحمته ورضوانه من عجائب الزمن ومن عرفه حق المعرفة تيقن أنه من أولياء الله ولقد بلغ معى الى حد من البر والشفقة والاعانة على طلب العلم والقيام بما أحتاج اليه مبلغا عظيما بحيث لم يكن لى شغلة بغير الطلب فجزاه الله خيرا وكافاه بالحسنى وهو زاهد من الدنيا ليس له نهمة فى جمع ولا كسب بل غاية مقصوده منها ما يقوم بكفاية أرحامه فانه استمر فى القضاء أربعين سنة وهو لا يملك بيتا يسكنه فضلا عن غير ذلك بل باع بعض ما تلقاه ميراثا من أبيه من اموال يسيرة فى وطنه ولم يترك عند موته الا أشياء لا مقدار لها وقرأت عليه رحمه الله في ايام الصغر في شرع الازهار وشرح الناظرى مع غيرى من الطلبة وهو فى آخر أيامه قرأ على فى صحيح البخارى ولم يزل مستمرا على حاله الجميل معرضا عن القال والقيل ماشيا على أهدى سبيل حتى توفاه الله تعالى بصنعاء ليلة الاثنين بعد أذان العشاء وهي الليلة المسفرة عن رابع شهر القعدة سنة 1211 احدى عشر ومائتين وألف ولم يباشر شيئا مما يتعلق بالقضاء قبل موته بنحو سنتين بل تجرد للاشتغال بالطاعة والمواظبة على الجمعة والجماعة ولم يكن له التفات الى غير أعمال الآخرة رحمه الله وترك ولدين أكبرهما محمد وهو جامع هذا الكتاب ويحيى وهو الان مشتغل بقراءة علوم
الاجتهاد قد انتفع فى أنواع منها مع كمال اشتغاله بعلم الفروع وهو ذوفهم صادق وعقل رصين ودين متين ولعلها تأتى له ولاخيه المذكور ترجمة مستقلة لكل واحد منهما في حرفه ان شاء الله تعالى(1/462)
234- السيد على بن محمد بن أبى القاسم ابن محمد بن جعفر بن محمد بن الحسين بن احمد بن يحيى بن عبد الله ابن يحيى بن الناصر بن الهادى يحيى بن الحسين العلامة الكبير مؤلف تجريد الكشاف التفسير المشهور وروى أن له تفسيرا حافلا فى ثمانية مجلدات ومن جملة تلامذته السيد العلامة محمد بن ابراهيم الوزير ولكنه لما اجتهد السيد محمد المذكور ورفض التقليد وتبحر فى المعارف قام عليه صاحب الترجمة فى جملة القائمين عليه وترسل عليه برسالة تدل على عدم انصافه ومزيد تعصبه سامحه الله وأجاب السيد محمد عن هذه الرسالة بالعواصم والقواصم الكتاب المشهور الذى لم يؤلف فى هذه الديار اليمنية مثله وهوفي ثلاثة مجلدات كبار وكان صاحب الترجمة يقرىء الطلبة فى جميع علوم الاجتهاد وفى الامهات وسائر كتب التفسير ومات سنة 837 سبع وثلاثين وثمان مائة(1/463)
235- الامام المهدى على بن محمد بن على ابن منصور بن يحيى بن منصور بن مفضل بن الحجاج بن على بن يحيى بن القاسم بن يوسف الداعى بن يحيى بن المنصور بن أحمد بن الناصر ابن الهادى يحيى بن الحسين ولد فى شهر ربيع الآخر سنة 705 خمس وسبعمائة فى هجرة من جهات الهان ونشأ على ما نشأ عليه سلفه الصالح من الاشتغال بالعلم والعمل ثم دعا الى نفسه فبويع بالخلافة فى شهر جمادى الآخرة سنة 750 فى مدينة ثلا واجتمع الناس عليه حتى قيل ان العلماء الذين حضروا بيعته يزيدون على خمس مائة وعارضه الواثق بالله المطهر بن محمد وشمس الدين احمد بن على بن أبى الفتح ثم أذعن له الواثق وأما السيد شمس الدين فلم يزل على دعوته وافتتح صنعاء وملكها وملك صعدة وذمار وما بين هذه المدن وداننت له البلاد واستمر على ذلك حتى ابتدأه الفالج في سنة 772 فى ذمار وكان ولده محمد قائما بالأمور ناظما للاحوال ثم نهض القاضى العلامة عبد الله بن الحسن الدوارى من صعدة في المحرم سنة 773 فوصل الى ذمار وسعه جماعة من السادة والعلماء وأجمع رأى القاضى ومن معه على أن لا يصلح للامامة الا ولده الامام محمد المذكور فلما سمع ذلك تباعد عنه واعتذر فلم يعذروه وألزموه الحجة فقام بالامامة بعد أن بايعوه
وتكنى بالناصر واشتهر بصلاح الدين وستأتى له إن شاء الله ترجمة مستقلة في حرفه(1/464)
236- الامام المنصور على بن محمد الناصر صلاح الدين ابن على المهدى المذكور قبله ولد سنة 775 خمس وسبعين وسبعمائة ولما مات والده الامام صلاح الدين محمد بن على بن محمد فى سنة 793 وكانت خلافته قد تمكنت فى الديار اليمنية وعظمت سطوته وكثرت جيوشه وبعد صيته أرسل امراءه ووزراءه الى القاضى العلامة عبد الله بن الحسن الدوارى الى صعدة فوصل الى صنعاء ثم أجمع رأيه ورأى أرباب الدولة على مبايعة صاحب الترجمة ورأوا فى ذلك صلاحا لكونه ناهضا بالملك والا فهو لم يكن قد نال من العلم فى ذلك الوقت ما هو شرط الامامة عند الزيدية ولكن جعل الله فى هذا الرأى الخير والبركة فانه ولى الخلافة وحفظ بيضة الاسلام ودفع أهل الظلم وأحسن الى العلماء وقمع رؤس البغى واشتغل بالمعارف العلمية فى خلافته حتى فاق فى كثير من المعارف ولقد أثنى عليه السيد الامام العلامة محمد بن ابراهيم الوزير ثناء طائلا وصنف فى ذلك مصنفا سماه الحسام المشهور فى الذب عن دولة الامام المنصور وذكر أنه أخذ عن صاحب الترجمة وناهيك بهذا من مثل هذا المجمع على امامته فى جميع العلوم وقد تعارض صاحب الترجمة هو الامام المهدى أحمد بن يحيى المتقدم ذكره ووقع ما تقدمت الاشارة اليه وقد طالت أيامه وعظمت مملكته واتسعت بلاده وتكاثرت أجناده حتى مات فى سابع وعشرين شهر صفر سنة 840 أربعين وثمان مائة(1/465)
237- السيد على بن محمد بن على الحسينى الجرجانى عالم الشرق ويعرف بالسيد الشريف وهو من أولاد محمد بن زيد الداعي بينه وبينه ثلاثة عشر أبا ولد سنة 740 أربعين وسبعماية أشتغل ببلاده وقرأ المفتاح على شارحه وكذا أخذ شرح المفتاح للقطب عن ابن مؤلفه مخلص الدين بن ابى الخير على وقدم القاهرة وأخذ بها عن أكمل الدين وغيره وأقام بسعيد السعداء أربع سنين ثم خرج الى بلاد الروم ثم لحق ببلاد العجم وصار اماما في جميع العلوم العقلية وغيرها متفردا بها مصنفا في جميع أنواعها مبتحرا فى دقيقها وجليلها وطار صيته فى الآفاق وانتفع الناس بمصنفاته فى جميع البلاد وهي مشهورة في كل فن يحتج بها أكابر العلماء وينقلون منها ويوردون ويصدرون عنها فمن مصنفاته المشهورة شرح المفتاح وشرح المواقف العضدية وشرح تذكرة الطوس وشرح الجغمينى فى علم الهيئة وشرح فرائض الحنفية وشرح الوقاية وشرح الكافية بالعجمية وله من الحواشى حاشية على أوائل الكشاف وعلى أوائل شرح مختصر المنتهى للعضد وعلى أوائل البيضاوى وعلى الخلاصة للطيبى وعل العوارف والهداية وعلى التجريد لنصير الدين وعلى المطالع وعلىالمطول وعلى شرح الشمسية وعلى الطوالع للاصبهانى وعلى شرح هداية الحكمة وعلى شرح حكمة العين وحكمة الاشراق وعلى الرضى فى النحو وعلى الخبيصى وعلى العوامل الجرجانية وعلى رسالة الوضع وعلى شرح الاشارات للطوسى وعلى التلويح والتوضيح وعلى اشكال التأسيس وعلى تحرير اقليدس وله تفسير الزهراوين وله مقدمة فى الصرف بالعجمية ورسالة فى الوجود وله كتاب التعريفات وله مصنفات(1/466)
غير هذه وتصدى للاقراء والافتاء وأخذ عنه الاكابر وبالغوافى تعظيمه لاسيما علماء العجم والروم فانهم جعلوه هو والسعد التفتازانى حجة في علومهما وقد جرى بينهما مباحثات فى مجلس تيمورلنك واختلف الناس في عصرهما وفيما بعده من العصور من المحق منهما وما زال الاختلاف بين العلماء في ذلك دائرا في جميع الازمنة ولا سيما علماء الروم فانهم يجعلون من جملة أوصاف أكابر علمائهم أنه كان يميل الى ترجيح جانب الشريف أو الى ترجيح جانب السعد لما لهم بهما وبما جرى بينهما من الشغلة وقد كان أهل عصر صاحب الترجمة يفتخرون بالاخذ عنه ثم صار من بعدهم يفتخرون بالاخذ عن تلامذته ومصنفاته نافعة كثيرة المعانى واضحة الالفاظ قليلة التكلف والتعقيد الذى يوقع فيه عجمة اللسان كما يقع في مصنفات كثير من العجم وتوفى يوم الاربعاء سادس ربيع الآخر سنة 816 ست عشرة وثمان مائة بشيراز وقيل فى اربع عشرة وثمان مائة ويروى أنه رحل الى القطب الشيرازى شارح الشمسية فطلب منه القراءة عليه فى شرحه فاعتذر عنه بعلو السن وضعف البصر ثم دله على بعض تلامذته المحققين الذين أخذوا عنه ذلك الشرح وهو ببلاد أخرى فرحل اليه فوصل وبعض أبناء الاكابر يقرأ على المذكور في ذلك الشرح فطلب منه أن يقرأ عليه فاذن له في الحضور بشرط أن لا يتكلم وليس له درس مستقل بل شرط عليه أن يحضر فقط مع ذلك الذى يقرأ على الشيخ من أولاد الاكابر فكان الشريف يحضر ساكتا وفى الليل يأوى الى خلوة في المسجد وكان يقرر فى أكثر الليل ماسمعه من شرح الشمسية ويرفع صوته فيقول قال المصنف كذا يعنى صاحب الشمسية وقال الشارح
كذا يعنى القطب وقال الشيخ كذا يعنى الذى يقرأ عليه وقلت أنا كذا ثم يقرر كلاما نفيسا ويعترض اعتراضات فائقة فصادف مرور ذلك الشيخ من باب خلوته فسمع صوته فوقف فطرب لذلك حتى رقص ثم أذن له أن يتكلم بما شاء فيقال ان صاحب الترجمة حصل حاشية شرح الشمسية حال قراءته على ذلك الشيخ(1/467)
238- السيد على بن محمد بن على بن أحمد بن الناصر الكوكبانى المولد والدار والوفاة ولد في شهر سوال سنة 1149 تسع واربعين ومائة وألف وأخذ عن شيخنا العلامة السيد عبد القادر بن أحمد وعن غيره من علماء كوكبان وبرع فى النحو والصرف والمعانى والبيان والاصول وشارك فى غير ذلك وله نظم جيد فمنه ما كتبه الى وقد اطلع على بعض رسائلى ( أى بحث قد جاءنى من فريد ال *** محي معالم التبيان ) ( الهمام الذى اذا التبس الام *** رجلاه بواضح البرهان ) ( عنده سلم المجارى اذا ج *** فصلى مسلما فى الرهان ) فاجبت عليه بقولى ( قلد الجيد وهو رب اجتهاد *** وانتقاد قلائد العقيان ) ( نظمه الدر دل من غير شك *** أنه البحر في علوم البيان ) ( قد تيقنت أننى السعد لما *** صار هذا الشريف من خلانى ) ( يا قريع الأوان يا سيد الاق *** ران يا فرد أهل هذا الزمان ) ( دمت تحيى علوم أبائك الغر *** وتجلى بها صدا الاذهان ) ( وعليك السلام يا زينة الاع *** يا ابن الكرام من عدنان )
وله تلامذة أخذوا عنه هنالك في علوم الآلات ولعل من جملة شيوخه السيد العلامة عيسى بن محمد بن الحسين أمير كوكبان ومنهم السيد العلامة الحسين بن عبد الله الكبسى المتقدم ذكره وله شعر سائر وعند تحرير هذه الاحرف قد توفى رحمه الله وموته سنة 1312 اثنتى عشرة ومائتين وألف فى شهر جمادى الاولى منها(1/468)
239- الشيخ على بن محمد بن على المقدسى الخزرجى الحنفى المعروف بابى غانم قال العصامى هو شمس العلوم والمعارف بدر المفهوم واللطائف قرة عين أصحاب أبى حنيفة الراقى من معارج التحقيق حقيقة وقال الشيخ عبد الرزاق المناوى هو شيخ الوقت حالا وعلما وتحقيقا وفهما وامام المحققين حقيقة ورسما وكانت وفاته سنة 1004 أربع وألف
240- على بن محمد بن عيسى بن يوسف بن محمد الاشمونى الاصل ثم القاهرى الشافعى ولد في شعبان سنة 838 ثمان وثلاثين وثمان مائة وأخذ على المحلى والبلقينى والمناوى والكافياجى وبرع في جميع العلوم وتصدى للاقراء وصنف شرحا للالفية وشرح بعض التسهيل ونظم جمع الجوامع وايساغوجى قال السخاوى وراج ورجح على الجلال السيوطى مع اشتراكهما في الحمق غير أن ذاك أرجح انتهى قلت وهذا غير مقبول من السخاوي في كلا الرجلين على أن صاحب الترجمة ليس ممن ينبغى أن يجعل قرينا للجلال فبينهما مفاوز وتوفى صاحب الترجمة يوم السبت سابع عشر ذى الحجة سنة 918 ثمان عشرة وتسعمائة(1/469)
241- على بن محمد بن أحمد بن على بن يحيى البكرى الزيدى أحد العلماء اليمنيين المحققين له مصنفات منها شرح مقدمة بيان ابن مظفر وشرح منهاج القرشى وشرح مقدمة الازهار وكان بعض أهل العلم يفضله على عبد الله النجرى المتقدم ذكره وقد كتب اليه الامام عز الدين بن الحسن كلاما فى مسئلة الامامة وأجاب عنه بجواب هو موجود في فتاوى الامام عز الدين وكان متصلا بالامام المطهر بن محمد ابن سليمان وقائما بكثير من أمور خلافته قال صاحب مطلع البدور وهو الذى حكى صفة الكتاب الواصل الى الامام المطهر من الفقيه محمد بن الاصم أنها اتفقت في زمن الامام المذكور قصة عجيبة ونكتة غريبة في بلد شامى الحرجة تسمى الحمرة وذلك أنه كان فيها رجل من الزرعة وكان ذادين وصدقة فاتفق أنه بنى مسجدا يصلى فيه وجعل يأتى ذلك المسجد كل ليلة بالسراج وبعشائه فان وجد في المسجد من يتصدق عليه أعطاه ذلك العشاء والا أكله وصلى صلاته واستمر على ذلك الحال ثم انها اتفقت شدة ونضب ماء الآبار وكانت له بير فلما قل ماؤها أخذ يحتفرها هو وأولاده فخربت تلك البير والرجل في أسفلها خرابا عظيما حتى انه سقط ما حولها من الارض اليها فأيس منه أولاده ولم يحفروا له وقالوا قد صار هذا قبره وكان ذلك الرجل عند خراب البئر في كهف فيها فوقعت الى بابه خشبة منعت الحجارة من أن تصيبه فاقام في ظلمة عظيمة ثم انه بعد ذلك جاءه السراج الذى كان يحمله الى المسجد وذلك الطعام الذى كان يحمله كل ليلة وكان به يفرق ما بين الليل والنهار واستمر له ذلك مدة ست سنين والرجل مقيم فى ذلك المكان على تلك الحال ثم انه بدا لأولاده أن يحفروا البئر لاعادة عمارتها فحفروها حتى انتهوا الى أسفلها فوجدوا أباهم حيا فسألوه عن حاله فقال لهم ذلك السراج والطعام الذى كنت أحمل الى المسجد يأتينى على ما كنت أحمله تلك المدة فعجبوا من ذلك فصارت قضية موعظة يتوعظ بها الناس فى أسواق تلك البلاد وقال فى مطلع البدور ومن جملة من زار هذا الرجل محمد بن الاصم انتهى وتوفي صاحب الترجمة يوم الاحد ثامن وعشرين رمضان سنة 882 اثنتين وثمانين وثمان مائة(1/470)
242- على بن محمد المعروف بابن هطيل النجرى المشهور اليمانى صاحب التصانيف كشرحه للمفصل وله شرح على الظاهرية صنفه للامام المنصور على بن صلاح الدين المتقدم ذكره وكان ساكنا بصنعاء وقد طار صيته في الافاق وكان مديما لمطالعة شرح الرضى على كافية ابن الحاجب لا يفارقه في غالب أوقاته ويحكى أنه لما حضرته الوفاة أمر من يدفع اليه شرح الرضى فدفعه اليه فوضعه على صدره ثم أنشد ( تمتع من شميم عرار نجد *** فما بعد العشية من عرار ) ويحكى عنه أنه دخل مكة للحج فأخبر ان قاضى المحمل الاشمى من أكابر العلماء فتلقاه الى الطريق ووجده في محمل فناداه وقال مسئلة أيها القاضى فكشف عن المحمل وقال قل فسأله كذلك وأجاب بجواب حسن ثم سأله بمسألة ثانية كذلك وأجاب بجواب أحسن وقال له لعلك من اليمن قال نعم قال أنت من صنعاء قال نعم قال أنت ابن هطيل قال نعم قال قد ألفيت كذا وكذا قال نعم وما يدريك بهذا فان جيران داري لعلهم لا يعرفون ذلك فقال له أنتم يا علماء صنعاء وضعتم أنفسكم بالسكون فيها في مضيعة توفي سنة 812 اثنتى عشرة وثمان مائة في يوم الاربعاء حادى عشر ذى الحجة منها بمدينة صنعاء وكان منشاؤه وطلبه بمدينة حوث ثم فارقها لامر جرى بينه وبين أهلها وقال قصيدة بذمها مطلعها ( قوض خيامك راحلا عن حوث *** حوث الخبيث محل كل خبيث ) ومن مشايخه ابراهيم بن عظيمة النجرانى ومن تلامذته المرتضى ابن الهادى بن ابراهيم(1/471)
243- على بن محمد القوشجى بفتح القاف وسكون الواو وفتح الشين المعجمة بعدها جيم وياء النسبة ومعنا هذا اللفظ بالعربية حافظ البازى وكان أبوه من خدام ملك ما وراء النهر يحفظ البازى قرأ على علماء سمرقند ثم رحل الى الروم وقرأ على قاضى زاده الرومى ثم رحل الى بلاد كرمان فقرأ على علمائها وسود هنالك شرحه للتجريد ثم عاد الى ملك ماوراء النهر ولم يدرى أين ذهب فلما وصل اليه عاتبه على الاغتراب فاعتذر بانه اغترب لطلب العلم فقال له باى هدية جئت قال رسالة حللت بها اشكال القمر وهو اشكال تحير في حله الاقدمون فقال هات أنظر فيها فقرأها قائما فاعجبته وقد كان ذلك الملك بنى رصدا وأمر جماعة من العلماء بعلمه فماتوا فامر صاحب الترجمة فاكمله وكتبوا عنه ما حصل وهو المشهور بالزيج الجديد وهو أحسن الزيجات ثم لما توفى ذلك الملك وتولى مكانه بعض أولاده لم يعرف قدر صاحب الترحمة فاستأذنه للحج فلما وصل الى تبريز أكرمه سلطانها اكراما عظيما وأرسله الى سلطان الروم محمد خان فلما وصل اليه أكرمه اكراما زائدا على اكرام سلطان تبريز له وسأله أن يسكن لديه فاجابه الى ذلك ووعده الرجوع بعد أن يوصل جواب الرسالة وأخذ عليه عهدا على ذلك فلما أدى الرسالة أرسل السلطان محمد خان اليه من خدامه جماعة فخدموه وأكرموه وصرفوا اليه في كل مرحلة ألف درهم بامر السلطان محمد خان فوصل الى مدينة قسطنطينية في حشمة وافرة وعند ملاقاته للسلطان أهدى اليه رسالة في علم الحساب سماها المحمدية ثم صنف رسالة أخرى في علم الهيئة باسم السلطان محمد خان وسماها الرسالة الفتحية لمصادفتها(1/472)
لفتح عراف العجم وجعله السلطان مدرسا في بعض المدارس وعين له كل يوم مائتى درهم وعين لكل من أولاده واتباعه شيئا خارجا عن ذلك وكانوا كثيرين يزيدون على مائتى نفس ولما قدم قسطنطينية أول قدمة تلقاه علماؤها فذكر لهم مارآه من الجزر والمد في البحر فتكلم أكبر علماء الروم في ذلك الزمن وهو خواجه زاده الآتى ذكره إن شاء الله في سبب ذلك ثم ذكر صاحب الترجمة ما جرى بين السعد والشريف من المباحثة ورجح جانب السعد فخالفه خواجه زاده ورجح جانب الشريف وله تصانيف منها شرح التجريد الذى تقدمت الاشارة اليه وهو شرح عظيم سائر في الاقطار كثير الفوائد وله حاشية على اوائل حاشية السعد على الكشاف وله كتاب عنقود الزهور في الصرف وهو من مشاهير العلماء ولم أقف على تاريخ وفاته ولكنه كان موت السلطان محمد خان الذى قدم الروم في زمنه سنة 886 ست وثمانين وثمان مائة(1/473)
244- على بن محمد العقينى الانصارى التعزى الشافعى ولد سنة 1033 ثلاث وثلاثين وألف وقرأ بتعز على محمد بن عبد العزيز المفتى وقرأ في غيرها على محمد بن على مطير وجماعة آخرين ورحل الى مكة فقرأ على ابن علان وغيره وبرع في فنون وصنف تصانيف منها شرح ألفية ابن مالك وشرح المدخل في المعانى والبيان وشرح زيد بن رسلان وشرح على المنظومة فى شعب الايمان وشرح على النخبة وحاشية على التيسير ومات فى ثالث ربيع الآخر سنة 1101 احدى ومائة وألف بتعز
245- على بن مجد الدين محمد بن مسعود بن محمود بن محمد بن محمد ابن عمر المعروف بالمولى مصنفك لقب بذلك لاشتغاله بالتصنيف في حداثه سنه والكاف للتصغير في لغة العجم وهو من أولاد الامام فخر الدين الرازى وفخر الدين هو عمر المذكور في النسب وكان الامام يصرح في مصنفاته بانه من أولاد عمر ابن الخطاب ولد صاحب الترجمة في سنة 803 ثلاث وثمان مائة بخراسان وسافر مع أخيه الى هراة لطلب العلم في سنة 812 وصنف الارشاد في سنة 823 وشرح المصباح في النحو سنة 825 وشرح ادآب البحث في سنة 826 وشرح اللباب في سنة 828 وحاشية المطول في سنة 832 وحاشية شرح المفتاح للتفتازانى سنة 834 وحاشية التلويح سنة 835 ثم ارتحل في سنة 839 رحلة أخرى الى هراة وصنف هنالك الوقاية وشرح الهداية في سنة 839 وارتحل في سنة 848 الى ممالك الروم وصنف هنالك في سنة 855 شرح المصابيح للبغوى وشرح تلك السنة أيضا شرح المفتاح للشريف وصنف في هذه السنة حاشية شرح المطالع وشرح أيضا بعض أصول فخر الاسلام البزدوى وصنف في سنة 856 حاشية الكشاف وله مصنفات فارسية كانوار الاحداق وحدائق الايمان وتحفة السلاطين وله غير ذلك من المصنفات كحاشية شرح العقائد ومن مشايخه جلال الدين يوسف أحد تلامذة سعد الدين التفتازاني ودرس ببلاد الروم وغيرها ثم وقع له صمم في آخر مدته وعين له السلطان محمد خان كل يوم ثمانين درهما ومات بقسطنطينية سنة 875 خمس وسبعين وثمان مائة(1/474)
246- على بن المظفر بن ابراهيم ابن عمر ابن يزيد الوادعى الكندى الاسكندرانى ثم الدمشقى ولد سنة 640 أربعين وستمائة تقريبا وسمع من جماعة نحو مائتين واشتغل بالادب فمهر في العربية وقال الشعر فاجاد ثم دخل ديوان الانشاء في آخر عمره وكان كثير الهجاء فنفر الناس عنه وكان يتشيع من غير سب ولا رفض وجمع التذكرة في عدة مجلدات تقرب من الخمسين وفيها فوائد كثيرة ومن شعره ( فتنت بمن محاسنه *** الىعرب النقا تنمى ) ( عذار من بنى لام *** وطرف من بنى سهم ) ( وعذالى بنو ذهل *** وحسادى بنو فهم ) وله فى هذا الجنس ( قسما بمرآك الجميل فانه *** عربى حسن من بنى زهران ) ( احلت عنك ولو رأيتك من بنى *** لحيان لابل من بنى شيبان ) ومن مقطعاته الرائقة ( قال لى عاذلى المفند فيها *** حين وافت وسلمت مختالة ) ( قم بناندعى النبؤة في العش *** ق فقد سلمت علينا الغزالة ) ومنها ) ( اذا رأيت عارضا مسلسلا *** في وجنة كجنة يا عاذلى ) ( فاعلم يقينا أننى من أمة *** تقاد للجنة بالسلاسل ) ومنها ( وفي أسانيد الاراك حافظ *** للعهد يروي صبره عن علقمة )(1/475)
( فكلما ناحت به حمامة *** روى حديث دمعه عن عكرمة ) وفي هذا من اللطافة مالا يخفى لان عكرمة من أسماء الحمامة وهو شاعر مجيد مبدع وقد ذكر جماعة من متأخرى الادباء أن ابن نباته كان يتطفل على معانيه الرائقة وقد أورد ابن حجة في كشف اللثام عن التورية والاستخدام جملة مما وقع فيه ذلك قال الذهبى كان يخل بالصلاة ويرمى بعظائم وكانت الحماسة من بعض محفوظاته حملنى الشره على السماع من مثله وقال ابن رافع سمع منه الحافظ المزى وغيره وكان قد سمع الكثير وقرأ بنفسه وحصل الاصول ومهر في الادب وكتب الخط المنسوب وكان يكتب للوزير ابن وداعة ويلازمه وانما قيل له الوادعى نسبة اليه وكان يباشر مشيخة دار الحديث النفيسة الى أن مات في شهر رجب سنة 716 ست عشرة وسبعمائة(1/476)
247- على بن هادى عرهب الصنعانى المولد والدار والمنشأ أحد علماء العصر المشاهير ولد سنة 1164 اربع وستين ومائة وألف وقرأ على جماعة من العلماء كالقاضى العلامة أحمد بن صالح بن أبى الرجال وعلى والده وعلى السيد العلامة شرف الدين بن اسماعيل بن محمد بن اسحاق وعلى جماعة اخرين وبرع في النحو والصرف والمعانى والبيان والاصول والحديث والتفسير وأخذ عنه أهل العلم وقرأ عليه في أوائل أيام الطلب في شرح التلخيص الصغيير للتفتازاني وفي حواشيه فاستمرت القراءة الى بعض المقدمة ثم انقطعت لكثرة عروض الاعذار من جهته فاتممته على شيخنا العلامة القاسم بن يحيى الخلانى رحمه الله ولصاحب الترجمة في قوة الفهم وسرعة الادراك وتحقيق المباحث الدقيقة مالا يوجد لغيره ولكنه كثير العوارض الموجبة لانقطاع التدريس ولولا ذلك لعكف الطلبة عليه وفاق معاصريه وصار متفردا برياسة التدريس ولكن العلم تكثر موانعه وهو غير مقلد بل يجتهد رأيه في جميع ما يحتاج اليه من مسائل العبادة وغيرها وما أحقه بذلك فان العلوم الاجتهادية حاصلة لديه وزيادة عليها وهو الآن حى وأكثر سكونه بالروضة وفي سنة ثلاث عشرة ومائة وألف استمديت له رأيا شريفا من حضرة مولانا الامام المنصور بالله حفظه الله في توليته للقضاء بالروضة وهو أكبر من مثل هذا وأجل فان كثيرا من أكابر قضاة العصر المتولين للقضاء في الحضرة الامامية وغيرها ليس علمهم بالنسبة الى علم هذا شيئا ولم يبق لاحد من قضاة الروضة معه كلام ثم في شهر رمضان سنة 1214 وصلت مكاتبة من أمير كوكبان السيد الاجل شرف الدين بن أحمد بن محمد يتضمن أن كوكبان وجهاته يحتاج الى عالم من أكابر علماء صنعاء للاحياء بالتدريس وللقيام بعهد القضاء هنالك فارسلت بصاحب الترجمة وهو الى الآن هنالك(1/477)
248- على بن يحيى بن على بن راجح بن سعيد الكينعى الصنعانى المولد والمنشأ والدار ولد سنة 1151 إحدى وخمسين ومائة وألف وقرأ على السيد العلامة الحسن بن زيد الشامى وعلى شيخنا العلامة الحسن بن اسمعيل المغربى وحضر على جماعة من علماء صنعاء وحفظ المسائل المهمة المتعلقة بامر الدين ومال الى العمل والزهد وله يد طولى في علم التاريخ وحفظ غرائب الأخبار وطرائف الأشعار وحسن المحاضرة وجميل المذاكرة مع شهامة نفس وعلو همة وخبرة تامة بابناء عصره لا يخفى عليه منهم خافية مع انجماعه وميله الى الخمول وهو من الاجواد الذين ينفقون أموالهم في وجوه الخير فانه مع قلة ذات يده يجود بموجوده ويؤثر على نفسه وقد رأيت من مكارمه مالا يقدر عليه غيره وهو في هذا الشأن من محاس الزمان ولو اتسع نطاق ماله لطارله من الذكر واشتهر له من الصيت ما يزاحم به البرامكة فضلا عمن هو دونهم ولكنه يؤثر الخمول ويميل الى القنوع من الدنيا بالبلغة ونعمت الخصلة وما أحقه بما قلته من أبيات ( تراه وهو ذو طمرين يمشى *** بهمته على هام السماك ) وهو حال تحرير هذه الأحرف حي ومنزلة نزهة أرباب الألباب وحديثه روح أرواح بنى الآداب(1/478)
249- على بن يحيى بن أحمد بن مضمون البرطي ثم الصنعاني العالم الكبير المشهور بالتحقيق في أنواع من العلوم ولد سنة 1061 احدى وستين وألف وكان له بالعلم شغف شديد حتى قيل انه يقطع الليل جميعا في المطالعة بمسجد البستان من صنعاء واذا غلبه النوم اغتسل بالماء ومن مشايخه القاضى العلامة أحمد بن على بن أبى الرجال والقاضى محمد بن ابراهيم السحولى والامام المتوكل على الله اسمعيل وغيرهم وأخذ عنه جماعة منهم السيد العلامة زيد بن محمد بن الحسن بن الامام القاسم والقاضى العلامة الحسين بن محمد المغربى وأخوه العلامة الحسن بن
محمد والسيد العلامة عبد الله بن على الوزير ولازمه ملازمة طويلة نحو اثنتى عشرة سنة وغيرهم وكان يكثر منه التخلف عن الدرس ويتضجر لذلك الطلبة وسبب ذلك شدة عنايته بمطالعة ما يدرس فيه الطلبة وكان له بتصحيح النسخ عناية عظيمة بحيث لا يلحق في ذلك ورأيت فتاويه مجموعة في مجلد وجمع تلميذه السيد عبد الله بن على الوزير ترجمته في مصنف سماه نشر العبير ومات في سنة 1119 تسع عشرة ومائة وألف في ثانى وعشرين من شهر صفر منها وقيل سنة 1115 خمس عشرة ومائة وألف
250- السيد على بن يحيى أبو طالب ولد سنة 1159 تسع وخمسين ومائة وألف أو في التى قبلها أو في التى بعدها وقرأ على جماعة من المشايخ المتقدمين كالقاضى العلامة أحمد ابن صالح بن أبى الرجال والسيد العلامة اسمعيل المفتى وغيرهما ممن هم مشايخ مشايخنا واستفاد في العلوم والآلية والحديثية وسائر الفنون ودرس للطلبة في كتب الآلة وغيرها وقرأ على أخيرا في التفسير للزمخشرى وفي تفسيرى وفي الصحيحين وسنن أبى داود وهو الآن من محاسن الزمن ومن بقية شيوخ العترة المطهرة فتح الله له في مدته 251 على بن يعقوب بن جبريل البكرى نور الدين المصرى الشافعى ولد سنة 673 ثلاث وسبعين وستمائة واشتغل بالفقه والاصول وقرأ بنفسه على ست الوزراء وجرت له محنة بسبب القبط وهى أنه لما كان في النصف من محرم سنة 714 بلغه أن النصارى قد استعاروا من قناديل جامع عمرو بن العاص بمصر شيئا وعلقوه بكنيسة فاخذ معه(1/479)
طائفة كثيرة من الناس وهجم الكنيسة ونكل النصارى وبلغ منهم مبلغا عظيما وعاد الى الجامع وأهان من فعل ذلك وكثر من الوقيعة في خطيبه فبلغ السلطان فامر باحضار القضاة وفيهم ابن الوكيل وأحضر صاحب الترجمة فتكلم ووعظ وذكر آيات من القرآن وأحاديث واتفق أنه أغلظ في عبارة السلطان ثم قال أفضل الجهاد كلمة حق عند سلطان جاير فاشتد غضب السلطان وقال له أنا جاير قال نعم أنت سلطت الاقباط على المسلمين وقويت أمرهم فلم يتمالك السلطان أن أخذ السيف وهم بالقيام ليضربه فبادر بعض الأمراء وأمسك يده فالتفت الى قاضى المالكية وقال يا قاضى تجرأ على هذا ما الذى يجب عليه فقال القاضى لم يقل شيئا يوجب عقوبة فصاح السلطان بصاحب الترجمة وقال اخرج عنى فقام وخرج فقال ابن جماعة قد تجرأ وما بقى الا أن يزاحم السلطان فانزعج السلطان وقال اقطعوا لسانه فبادر الأمراء ليفعلوا به ذلك وأحضروا صاحب الترجمة فارتعد وصاح واستغاث بالأمراء فرقوا له وألحو على السلطان في الشفاعة ودخل ابن الوكيل وهو ينتحب ويبكى فظن السلطان أنه أصابه شىء فقال له خير خير فقال هذا رجل عالم صالح لكنه ناشف الدماغ قال صدقت وسكن غضبه فانظر ما فعله ابن جماعة بكلمته الحمقاء وما فعله صدر الدين بن الوكيل رحمه الله من التوصل الى سلامة هذا المسكين وهكذا ينبغى لمن كان له قبول عند السلاطين أن يتحيل عليهم في منافع المسلمين وحقن دمائهم بما امكنه فان صاحب الترجمة لم يكن ناشف الدماغ ولكنه كان في هذه الوسيلة سلامته من تلك البلية ومات في شهر ربيع الآخر سنة 724 أربع وعشرين وسبعمائة(1/480)
252- على بن يوسف بن شمس الدين الفنارى الرومى ارتحل من الروم الى بلاد العجم فقرأ على مشايخ هراة وسمرقند وبخارى وبرع في جميع العلوم ودرس هنالك ثم عاد الى الروم في سلطنة محمد خان فامره السلطان أن يدرس بمدرسة بروسة وعين له كل يوم خمسين درهما ثم نقل الى مدرسة أخرى وعين له ستين درهما ثم جعله قاضيا بمدينة بروسة ثم جعله قاضيا بالعسكر ومكث فيه عشر سنين وارتفعت بسبب ولايته منزلة العلماء والقضاة ثم عزله السلطان محمد خان وعين له كل يوم خمسين درهما ولاولاده تسعين درهما في كل يوم وعين له في كل سنة عشرة الآف درهما فلما مات السلطان محمد وقام ولده بايزيد مقامه أعاده على قضاء العسكر ومكث فيه مقدار ثمان سنين ثم عزل عنه ثم عين له كل يوم سبعين درهما وعشرة الآف درهم في كل سنة وصار مشتغلا بالعلم في جميع أوقاته لشدة شغفه بالعلم لا ينام على فراش واذا غلب عليه النوم استند الى الجدار والكتب بين يديه فاذا استيقظ نظر فيها وله شرح على الكافية نفيس وكان فيه كرم مفرط وربما ضاقت يده في بعض الاحوال فلا يجد ما يريد فقيل له انك قد توليت قضاء العسكر وهو منصب عظيم فكيف لم تحفظ ما يحصل لك اذ ذاك قال كنت رجلا سكران فلم احفظ شيئا فقيل له اذاعاد اليك المنصب فعليك بحفظ المال فقال اذا عاد المنصب عاد السكر معه وكان يغلب عليه الصمت الا اذا سأله أحد عن خدمته للسلاطين سرد من ذلك حكايات عجيبة ومن ذلك أنه سأله بعض الناس عن أعظم لذة وجدها في أيام اتصاله بالسلطان فقال سافر السلطان محمد خان في أيام الشتاء وكان ينزل ويبسط له بساط صغيرة(1/481)
يجلس عليه الى أن تضرب الخيمة واذا أراد الجلوس على البساط يخرج واحد من غلمانه الخف عن رجليه وعند ذلك يستند الى شخص معين وكانت تلك عادته فاتفق في بعض الأيام أنه لم يحضر ذلك الرجل فاستند الى وهذا أعظم لذة وجدتها في صحبة السلاطين وحكى عنه بعض تلامذته أنه قرأ عليه في المطول فكانوا يقرأون عليه كل يوم مقدار سطر أو سطرين من ضحوة النهار الى وقت العصر ولما مضت على ذلك ستة أشهر قال ان الذى قرأتموه على الى الآن يقال له قراءة كتاب وبعد هذا اقرأوا قراءة الفن فقرأنا بعد ذلك كل يوم ورقتين واتممنا بقية الكتاب في ستة أشهر واستمر يفيد الطلبة حتى مات في سنة 903 ثلاث وتسعمائة(1/482)
253- عمر بن اسحاق بن أحمد الغزنوى العلامة الحنفى سراج الدين الهندى صاحب التصانيف قدم القاهرة قبل الاربعين وسبعمائة وسمع من بعض أصحاب النجيب وكان علامة في الاصول والمنطق والفروع تخرج في ذلك بالشمس الاصبهانى وابن التركماني ومن مصنفاته شرح المغنى وأصول الفقه وشرح البديع لابن الساعاتى وشرح الهداية وهو مطول لم يكمل وكان دمث الاخلاق طلق العبارة ولى قضاء العسكر ثم ولى القضاء استقلالا في شعبان سنة 769 ومات رابع شهر رجب سنة 773 ثلاث وسبعين وسبعمائة(1/482)
254- عمر بن رسلان بن بصير بن صالح بن شهاب بن عبد الخالق ابن عبد الحق السراج البلقينى ثم القاهرى الشافعى ولد في ليلة الجمعة سنة أربع وعشرين وسبعمائة ببلقينة فحفظ بها القران وهو ابن سبع والشاطبية والمحرر والكافية والشافية والمختصر الاصلى ثم أقدمه أبوه القاهرة وهو ابن اثنتى عشرة سنة فعرض محافيظه على جماعة كالتقى السبكى والجلال القزوينى وفاق بذكائه وكثرة محفوظاته وسرعة فهمه ثم رجع به أبوه ثم عاد معه وقد ناهز الاحتلام فاستوطن القاهرة وقرأ على أعيان العلماء في الفنون كالشيخين المتقدمين والعز بن جماعة وابن عدلان وسمع من خلق وأجاز له الاكابر ومما يحكى من حفظه أنه أول ما دخل الكاملية طلب من ناظرها بيتا فامتنع واتفق مجىء شاعر الناصر بقصيدة وأنشده اياها بحضرة صاحب الترجمة فقال للناظر قد حفظتها فقال له الناظر ان كان كذلك أعطيتك بيتا فاملاها له من حفظه جميعها فاعطاه البيت وما زال يطلب العلم على علماء القاهرة حتى برع في جميع العلوم وفاق الاقران وتفرد بكثير من المعارف وقال له ابن كثير أذكرتنا ابن تيمية وكذلك قال له ابن شيخ الجبل ما رأيت بعد ابن تيمية أحفظ منك ودخل حلب في سنة 793 صحبة الظاهر برقوق وأخذ بها عن جماعة وعين لقضاء مصر غير مرة ولم يتم مع كونه في ذلك يترفع عنه ويجلس فوق كبار القضاة بل ولى ابنه في حياته وشاع ذكره في الممالك وعظمته الاكابر فمن دونهم وأثنى عليه أكابر شيوخه قال ابن حجى كان أحفظ الناس لمذهب الشافعى واشتهر بذلك وشيوخه موجودون قدم علينا دمشق قاضيا وهو كهل(1/483)
فبهر الناس بحفظه وحسن عبارته وجودة معرفته وخضع له الشيوخ في ذلك الوقت واعترفوا بفضله ثم بعد ذلك تصدر للفتيا والتدريس فكثرت طلبته وصاروا شيوخا في حياته وله تصانيف كثيرة لم تتم لأنه يبتدىء كتابا فيصنف منه قطعة ثم يتركه قال البرهان الحلبى رأيته رجلا فريد دهره لم تر عيناى أحفظ منه للفقه وأحاديث الاحكام وقد حضرت دروسه مرارا وهو يقرىء في مختصر مسلم للقرطبى يقرأه عليه شخص مالكى ويحضر عنده فقهاء المذاهب الأربعة فيتكلم على الحديث الواجد من بكرة الى قريب الظهر وربما أذن الظهر ولم يفرغ من الحديث انتهى وهذا تبحر عظيم وتوسع باهر فان استغراق هذا الوقت الطويل في الكلام على حديث واحد يتحصل منه كراريس وقد كان وقع الاتفاق على أنه أحفظ أهل عصره وأوسعهم معارفا وأكثرهم علوما ومع هذا فكان يتعانى نظم الشعر فيأتى يما يستحى منه بل قد لا يقيم وزنه والكمال لله قال ابن حجر وكانت الآت الاجتهاد فيه كاملة قال ولم يكمل من مصنفاته الا القليل لانه كان يشرع في الشىء فلسعة علمه يطول عليه الامر حتى انه كتب من شرح البخارى على نحو عشرين حديثا مجلدين وعلى الروضة عدة مجلدات تعقبات وعلى البدر للزركشى مجلدا ضخما قال البدر البشبكى ان الشيطان وجد طرقه عن البلقينى مسدودة فحسن له نظم الشعر وله مصنفات كثيرة قد سردها ولده الجلال في ترجمته ولم يزل متفردا في جميع الانواع العلمية حفظا وسردا لها كما هى حتى توفاه الله تعالى في يوم الجمعة حادى عشرين القعدة سنة 805 خمس وثمان مائة(1/484)
255- عمر بن على بن أحمد بن محمد بن عبد الله السراج الانصارى الاندلسى التكرورى الاصل المصرى الشافعى المعروف بابن الملقن ولد في ربيع الاول سنة 723 ثلاث وعشرين وسبعمائة بالقاهرة وكان أصل أبيه من الاندلس فتحول منها الى التكرور ثم قدم القاهرة ثم مات بعد أن ولد له صاحب الترجمة بسنة فاوصى به الى الشيخ عيسى المغربي وكان يلقن القرآن فنسب اليه وكان يغضب من ذلك ولم يكتبه بخطه انما كان يكتب ابن النحوى وبها استهر في بعض البلاد كاليمن ونشأ في كفالة زوج أمه ووصيه وتفقه بالتقى السبكى والعز بن جماعة وغيرهما وأخذ في العرببية عن أبى حيان والجمال ابن هشام وغيرهما وفي القرآت عن البرهان الرشيدى قال البرهان الحلبى انه اشتغل في كل فن حتى قرأ في كل مذهب كتابا وسمع على الحفاظ كابن سيد الناس والقطب الحلبى وغيرهما وأجاز له جماعة كالمزى ورحل الى الشام وبيت المقدس وله مصنفات كثيرة منها تخريج أحاديث الرافعى سبع مجلدات ومختصر الخلاصة في مجلد ومختصره للمنتقى في جزء وتخريج أحاديث الوسيط للغزالى المسمى بتذكرة الاحبار بما في الوسيط من الاخبار في مجلد وتخريج أحاديث المهذب المسمي بالمحرر المذهب في تخريج أحاديث المهذب في مجلدين وتخريج أحاديث المنهاج الاصلى في جزء وتخريج أحاديث مختصر المنتهى لابن الحاجب في جزء وشرح العمدة المسمى بالاعلام في ثلاث مجلدات وأسماء رجالها في مجلد وقطعة من شرح المنتقى في الاحكام للمجد ابن تيمية ولكنه قال صاحب الترجمة في تخريج أحاديث الرافعي انه انما كتب شيئا من ذلك على هوامش نسخته كالتخريج لاحاديث المنتقى ثم(1/485)
رغب من يأتى بعده في شرح هذا الكتاب حسبما نقلته من كلامه في اوائل شرحي للمنتقى ومن مصنفاته طبقات الفقهاء الشافعية وطبقات المحدثين الفقه شرح المنهاج ست مجلدات وآخر صغير في مجلدين ولغاته في مجلد والتحفة في الحديث على أبوابه كذلك والبلغة على أبوابه في جزء لطيف والاعتراضات عليه في مجلد وشرح التنبيه في أربع مجلدات وآخر لطيف سماه هادى النبيه الى تدريس النتبيه والخلاصة على أبوابه في الحديث في مجلدو أمنيةالنبيه فيما يرد على النووى في التصحيح والتنبيه في مجلد ولخصه في جزء وشرح الحاوى الصغير في مجلدين صخمين وآخر في مجلد وشرح التبريزى في مجلد وشرع في كتاب جمع فيه بين كتب الفقه المعتمدة في عصره للشافعية ونبه على ما أهملوه وسماه جمع الجوامع وله في علم الحديث المقنع في مجلد قال ابن حجران صاحب الترجمة شرح المنهاج عدة شروح أكبرها في ثمانية مجلدات وأصغرها في مجلد والتبينه كذلك والبخارى في عشرين مجلدا وشرح زوائد مسلم على البخارى في أربعة أجزاء وزوائد أبي داود على الصحيحين في مجلدين وزوائد الترمذي على الثلاثة كتب منه قطعة وزوائد النسائى على الأربعة كتب منه جزءا وزوائد ابن ماجه على الخمسة في ثلاث مجلدات واكمال تهذيب الكمال قال ابن حجر انه لم يقف عليه وقال السخاوى انه وقف منه على مجلد وله مصنفات غير هذه كشرح الفية ابن مالك وشرح المنهاج الأصلى وشرح مختصر المنتهى لابن الحاحب وقد رزق الاكثار من التصنيف وانتفع الناس بغالب ذلك ولكنه قال الحافظ بن حجر انه كان يكتب في كل فن سواء أتقنه أولم يتقنه قال ولم يكن في الحديث بالمتقن ولا له ذوق(1/486)
أهل الفن وقال ان الذين قرأوا عليه قالوا انه لم يكن ماهرا في الفتوى ولا التدريس وانما كانت تقرأ عليه مصنفاته في الغالب فيقررما فيها وقال ابن حجر كان لا يستحضر شيئا ولا يحقق علما وغالب تصانيفه كالسرقة من كتب الناس وفي هذا الكلام من التحامل مالا يخفى على منصف فكتبه شاهدة بخلاف ذلك منادية بانه من الأئمة في جميع العلوم وقد اشتهر صيته وطار ذكره وسارت مؤلفاته في الدنيا وحكى السخاوى أنه طلب الاستقلال بالقضاء وخدعه بعض الناس حتى كتب بخطه بمال على ذلك فغضب برقوق عليه لمزيد اختصاصه به وكونه لم يعلمه بذلك ولو أعلمه لكان يأخذه له بلابذل وأراد الايقاع به فسلمه الله من ذلك ثم استقر في التدريس باماكن وقد ترجمه جماعة من أقرانه الذين ماتوا قبله كالعثمانى قاضى صفد فانه قال في طبقات الفقهاء انه احد مشايخ الاسلام صاحب التصانيف التى مافتح على غيره بمثلها في هذه الأوقات وقال البرهان الحلبى كان فريد وقته في كثرة التصنيف وعبارته فيها جلية جيدة وغرايبه كثيرة وقال ابن حجر في انبائه انه كان موسعا عليه في الدنيا مشهورا بكثرة التصانيف حتى كان يقال انها بلغت ثلثمائة مجلدة ما بين كبير وصغير وعنده من الكتب مالا يدخل تحت الحصر منها ما هو ملكه ومنها ماهو من أوقاف المدارس ثم انها احترقت مع أكثر مسوداته في آخر عمره ففقد أكثرها وتغير حاله بعدها فحجبه ولده الى أن مات قال راويا عن بعض من حكى له أنه دخل على صاحب الترجمة يوما وهو يكتب فدفع اليه الكتاب الذي يكتب منه وقال له أملى على قال فأمليت عليه وهو يكتب الى أن فرغ فقلت له يا سيدى أتنسخ هذا الكتاب فقال بل أختصره
قال ابن حجران العراقى والبلقينى وصاحب الترجمة كانوا أعجوبة ذلك العصر الأول في معرفة الحديث وفنونه والثاني في التوسع في معرفة مذهب الشافعي والثالث في كثرة التصانيف ولك واحد من الثلاثة ولد قبل الآخر بسنة ومات قبله بسنة فأولهم ( ) ابن الملقن ثم البلقينى ثم العراقى ومات في ليلة الجمعة ساس عشر ربيع الأول سنة 804 أربع وثمان مائة(1/487)
256- عمر بن محمد بن عمر ابن أحمد بن هبة الله بن أحمد بن أبى جرادة العقيلى والحنفى الحلبى نجم الدين بن جمال الدين بن صاحب كمال الدين العديم ولد سنة 689 تسع وثمانين وستمائة سمع الحديث وتفقه وولى عدة تداريس ثم ولى القضاء وكان حافظا للسانه لم يسمع منه سب أحد وله نظم جيد فمنه ( كأن وجه النهر اذحفت به *** أشجاره فصافحته الأغصن ) ( مرآة غيد قد وقفن حولها *** ينظرن فيها أيهن أحسن ) وهذا غاية في بابه وقد كنت نظمت قبل الوقوف عليه باعوام بيتين في المعنى هما ( كأنما الأغصان اذ أحدقت *** بالنهر من بعد بكاء الغمام ) ( غيد على مرآة حسن تنا *** فسن فأذرين دموع الخصام ) فلما وقفت على بيتى صاحب الترجمة هممت بان اضرب على هذين لكنى رأيتهما قد اشتملا على مالم يشتمل عليه بيتا المترجم له وذلك زيادة بكاء الغمام في المشبه ومقابلتهما ببكاء الغوانى في المشبه به مع ذكر التنافس والخصام ورأيت بعد نظم البيتين أن ما يقرب من معناهما في طيب السمر للحيمى ولا احفظه حال تحرير هذه الاحرف ولا أحفظ
قائلة ولكنه لم يشتمل على ما اشتمل عليه البيتان المذكوران ومات صاحب الترجمة في صفر سنة 734 أربع وثلاثين وسبعمائة ورثاه ابن الوردى بقوله ( قد كان نجم الدين شمسا أشرقث *** بحماة للدانى بها والقاصى ) ( عدمت ضياء بن العديم فانشدت *** مات المطيع فيا هلاك العاصى ) وما أحسن من التورية في قوله في هلاك العاصى لأن بحماة نهرا يقال له العاصى(1/488)
257- عمر بن محمد بن محمد بن أبي الخير محمد بن محمد بن عبد الله بن فهد النجم القرشى الهاشمي المكى الشافعى المعروف كسلفه بابن فهد ولد ليلة الجمعة سلخ جمادى الآخرة سنة 812 إثنتى عشرة وثمان مائة ونشأبها فحفظ القرآن وكتابا في الحديث ألفه له والده وشرع في قراءة فقه الامام احمد فحوله أبوه شافعيا وحفظ النصف الأول من المنهاج وبعض الألفية لابن مالك وبعض ألفية العراقى وسمع في صغره بمكة على مشايخها والقادمين اليها كالمراغي والجمال بن ظهيرة والولى العراقى وابن الجزرى والنجم بن حجي والكازرونى وأجازله جماعة من جهات شتى وأقبل على الطلب بنفسه وتخرج بوالده ورحل الى القاهرة فسمع من أهلها ولازم الحافظ ابن حجر ودخل الشام فسمع على علمائها ولازم الحافظ بن ناصر وسافر الى القدس والخليل وسمع ممن هنالك وطاف البلدان وطول الرحلة وتردد في جميع مداين مصر والشام وغيرهما وكتب الكثير بخطه وسمع العالى والنازل ومهر في الحديث وصنف فيه مصنفات وخرج لنفسه معجما وعمل مسلسلا وذيل على تاريخ مكة للتقى الناس وله كتاب المدلسين ثم
المخضرمين ثم المغير اسمهم ثم المواخا بينهم ثم اللباب في الالقاب ثم بذل الجهد في من سمى بفهد وابن فهد والمشارق المنيرة في ذكر بنى ظهيرة وله في كل بيت من بيوت مكة المشهورة بالعلم مصنف وله غير ذلك من المصنفات ومات يوم الجمعة سابع شهر رمضان سنة 885 خمس وثمانين وثمان مائة(1/489)
349- عمر بن مجد السراج أبوحفص اليمانى الزبيدى الشافعى ويعرف بالفتى من الفتوة وهو لقب أبيه ولد سنة 801 واحدة وثمان مائو بزبيد ونشأ بها وقرأ على الفقيه محمد بن صالح والشرف بن المقرى ولازمه أتم دهرا ملازمة طويلا ثم انتقل الى بلاد أصاب فمكث ببعض قراها وارتحل اليه الطلبة واشتغل بالتدريس والتصنيف وقصده الطلبة من الاماكن البعيدة كل ذلك في حياة شيخه ولما استولى على بن طاهر على اليمن أكرم صاحب الترجمة ورتب له من الوقف ما يكفيه ثم قلده أمر الاوقاف وصرفها لمستحقها والاذن في النيابة لمن لا يحسن المباشرة وله تصانيف منها مهمات المهمات اختصر فيها مهمات الاسنوى والابريز في تصحيح الوجيز والالهمام لما في الروض من الاوهام مصنف شيخه ابن المقري وأفرد زوائد الانوار على الروضة وسماه أنوار الانوار وكذا فعل في جواهر القمولى وشرح المنهاج لابن الملقن وقد انتفع به في الفقه أهل اليمن طبقة بعد طبقة حتى صار غالبهم من تلامذته ومات في صفر سنة 887 سبع وثمانين وثمان مائة وارتجت النواحي لموته(1/490)
350- عمر بن مظفر بن عمر بن محمد بن أبى الفوارس زين الدين ابن الوردى الفقيه الشافعى الحلبى نشأ بحلب وتفقه بها ففاق الاقران وأخذ من شرف الدين ابن البارزي وغيره ونظم البهجة الوردية في خمسة الآف بيت وثلاثة وستين بيتا أتى على الحاوى الصغير بغالب ألفاظه قال ابن حجر وأقسم بالله ما نظم أحد بعده الفقه الا وقصر دونه وله ضوء الدرة على ألفية ابن معطي وشرح الالفية لابن مالك وله مقامات ومنطق الطير نظم ونثر وله في الكلام على مائة غلام مائة مقطوع لطيفة والدرارى السارية في مائة جارية مائة مقطوع كذلك وضمن كثيرا من الملحة للحريرى في أرجوزة غزل واختصر الالفية لابن مالك في مائة وخمسين بيتا وشرحها وكان ينوب في الحكم بحلب وولى قضاء منبج ثم اعرض عن ذلك ومات في الطاعون آخر سنة 749 تسع وأربعين وسبعمائة وديوان شعره في مجلد لطيف وذكر الصفدى في أعيان النصر أنه اختلس معاني شعره وأنشده من ذلك شيئا كثيرا ولم يأت بدليل على أن ابن الوردى هو المختلس قال الحافظ ابن حجر بل المتبادر العكس واستشهد الصفدى على صحة دعواه بقول صاحب الترجمة ( وأسرق ما اردت من المعانى *** فان فقت القديم حمدت سيرى ) ( وان ساويته نظما فحسبى *** مساواة القديم وذا لخيرى ) ( وان كان القديم أتم معنى *** فهذا مبلغيى ومطار طيرى ) ( وان الدرهم المضروب عندى *** أحب الى من دينار غيرى ) ومن جملة ما اورده الصفدى لصاحب الترجمة(1/491)
( سل الله ربك من فضله *** اذا عرضت حاجة مقلقه ) ( ولا تقصد الترك في حاجة *** فاعينهم أعين ضيقه ) قال الصفدى وهما مأخوذان من قولى ( أترك هوى الاتراك ان رمت ان *** لا تبتلى فيهم بهم وضير ) ( ولا ترج الجود من وصلهم *** ما ضاقت الاعين فيهم لخير ) ومن شعر صاحب الترجمة ( قيل لى تبذل الذهب *** بتولى قضا حلب ) ( قلت هم يحرقوننى *** وأنا أشترى الحطب ) ومنه أخذ ابن عشاير ( قيل برطل على القضا *** ترغم الحسد العدى ) ( قلت هم يذبحوننى *** وأنا اشحذ المدى ) ومن شعر صاحب الترجمة ( انى تركت عقودهم وفسوخهم *** وفروضهم والحكم بين اثنين ) ( ولزمت بيتى قانعا ومطالعا *** كتب العلوم وذاك زين الدين ) 351 عيسى بن عثمان بن عيسى الغزى شرف الدين الشافعي ولد قبل الاربعين وسبعمائة وقدم دمشق فاخذ عن علمائها ولازم تاج الدين السبكى ودرس بالجامع الاموى وأفتى وصنف فمن مصنفاته شرح المنهاج الشرح الكبير والمتوسط والصغير واختصر الروضة مع زيادات واختصر مهمات الاسنوى وله كتاب في آداب القضاء ولخص زيادات الكفاية على الرافعى في مجلدين مات في شهر رمضان سنة 799 تسع وتسعين وسبعمائة(1/492)
352- السيد عيسى بن لطف الله بن المطهر ابن الامام شرف الدين اليمانى الكوكبانى الشاعر المنجم المؤرخ له تاريخ سماه روح الروح صنف واختص بالوزير محمد باشا فصنف هذا التاريخ بعنايته وذكر فيه ما كان بعد المائة التاسعة من الفتوح وصنف له النفحة اليمنية في الدولة المحمدية ومن نظمه ( لا تلمنى في حب أهيف كالغص *** ن بغير الشموس في الاشراق ) ( لدغتنى في حبة الوج *** فما غير وصله من راق ) وكان يهوى غلاما جميلا فقتله الأتراك في بعض الحروب فقال في ذلك قصيدة منها ( قد كنت أهوى بان تأوى الى نظرى *** فالآن من لى بجعل القلب تابوتا ) ( عذبتنى بالجفا وقت الحياة وفى *** مماتك اليوم قد أحرمتنى القوتا ) ( قتلت منك غداة الحالتين معا *** حيا وميتا فيا طول الجو هيتا ) ( يازهرة قطفت من بعدما بسمت *** وزهرة غربت مذ وافت الحوتا ) ( لهفى على المقلة الكحلا الى قصرت *** عن سحر نفثتها اسحار هاروتا ) وله قصيدة كتبها الى الامام القاسم بن محمد ينتصل فيها عما ينسب اليه من تفضيله للدولة التركية على الدولة القاسمية ومطلعها ( ما شاقنى سجع الحمامه *** سحرا ولا برق الغمامه ) وكان موته في دولة الامام المؤيد بالله محمد بن القاسم في سنة 1048 ثمان وأربعين وألف وكان يفد اليه ويكرمه(1/493)
353- السيد عيسى بن محمد بن الحسين الكوكبانى قد تقدم تمام نسبه ومولده على التقريب بعد سنة 1130 وله يد في علوم الاجتهاد قوية وكان مكبا طول عمره على المعارف العلمية وافادة الطلبة حتى شاخ وعلت سنه فصار عند ذلك أميرا لكوكبان وبلادها من غير سعى منه في ذلك بل قصده أقاربه بالامارة وذلك انه اتفق أن السيد ابراهيم بن محمد أمير كوكبان وهو أخو صاحب الترجمة مات فصارت الامارة بعده الى ولده الاكبر العباس بن ابراهيم فنافسه على ذلك اخوه يحيى بن ابراهيم ومازال يترقب له الفرص حتى صادف منه غرة وهم في دار واحدة فدخل عليه هو وجماعة معه وضربوه ضربا مبرحا ثم كتفوه وأخرجوه من داره على رءوس الاشهاد بعد أن قيدوه فخرج مقيدا مكتوفا والناس ينظرونه وسجنوه في دار هنالك معدة لمثل ذلك ثم ان أخاه يحيى المذكور علم أن أهل كوكبان لا يفوضون الامارة اليه وفيهم صاحب الترجمة لعلو سنه فقصده وعرض عليه الامارة فقبلها وكانت الامور في ايام امارته منوطة بالسيد شرف الدين بن احمد الذى صار بعد صاحب الترجمة أميرا ثم ان السادات وسائر الاعيان أجمع أمرهم على اعتقال السيد يحيى بن ابراهيم في اليوم الثانى من اعتقاله لاخيه فعقدوا مجلسا وأرسلوا للمذكور فجاء وبين يديه الجند وعليه ابهة الامارة فكتفوه وقيدوه وأخرجوه كما أخرجوا أخاه وأدخلوه الدار التى أدخل أخاه فيها وكان ذلك من أعظم العبر وفى أثناء هذه الامور قتل السيد عبد الله بن ابراهيم وكان عند اعتقال أخيه يحيى لاخيه عباس بشبام فلما بلغه ذلك جمع جماعة من أهل شبام وطلع بهم الى كوكبان قاصدا لنصر أخيه عباس فلقى(1/494)
في الطريق عباس بن محمد بن يحيى وهو ممن أعان السيد يحيى بن ابراهيم على اعتقال أخيه بل لولاه ماتم ذلك فلما رأى السيد عبد الله المذكور السيد عباس بن محمد في عقبة كوكبان سل سيفه وحمل عليه على دهش وطيش فوصل اليه وضربه بالسيف ضربه غير طائلة فاخذ السيد عباس ابن محمد الجنبية وطعنه بها طعنه كان بها موته ولم ينفع السيد عبد الله من معه من الجيش ثم ان السيد عباس بن محمد سجن بقصر صنعاء نحو سبع سنين وصح عندى أنه مدافع فاطلقه مولانا الامام حفظه الله وأما صاحب الترجمة فاستمر على امارته حتى مات يوم الأربعاء الخامس والعشرين من شهر شوال سنة 1207 سبع ومائتين والف ثم صارت الامارة بعده الى السيد شرف الدين المتقدم ذكره وهو من أكابر العلماء المتوسعين في عدة فنون وولده العلامة عبد الله قد سبقت ترجمته
354- عيسى بن مسعود بن منصور بن يحيى بن يونس الزواوى المالكى
ولد سنة 664 أربع وستين وستمائة بزواوة وتفقه على أبى يوسف الزواوى ثم قدم الاسكندرية فتفقه بها ثم رجع الى قابس وولى القضاء بها ثم رجع الى الاسكندرية ثم دخل مصر فقرأ عليه الناس بالجامع الأزهر وسمع من جماعة منهم الدمياطى وكان يذكر أنه حفظ مختصر ابن الحاجب في ستة أشهر وأنه حفظ الموطأ ثم دخل أيضا دمشق وناب عن حاكمهما المالكى ورجع الى مصر وناب أيضا عن حاكمها المالكى ثم أعرض عن ذلك وأقبل على التصنيف فصنف شرحا لمسلم في اثنى عشر مجلدا جمع فيه بين المعلم واكماله وشرح النووى عليه وسماه اكمال الاكمال وزاد فيه فوائد ومسائل من كلام الباجي وابن عبد البر وأبدى فيه سؤالات مفيدة وأجاب عنها وشرح مختصر ابن الحاجب الفرعى فوصل الى الصيد في سبعة أسفار وشرح مختصر ابن يوسف في ستة أسفار وله كتاب في المناسك ورد على ابن تيمية في مسئلة الطلاق وشرع في جمع تاريخ كتب منه عشرة أسفار ومات في مستهل رجب سنة 743 ثلاث وأربعين وسبعمائة تم بحمد الله وفضله(1/495)
بسم الله الرحمن الرحيم وبه نستعين
حرف الغين المعجمة
غازان بن آرغون بن أبغابن هلا كو بن تولى بن جنكز خان
السلطان معز الدين سلطان التتار كان جلوسه على تخت الملك سنة 693 وحسن له نايبه نوروز الإسلام فأسلم فى سنة 694 ونثر الذهب والفضة واللؤلؤ على رؤس الناس وفشا الإسلام في التتار وكان ملك خراسان بأسرها والعراق وفارس والروم وأذربيجان والجزيرة وكان يتكلم بالفارسية ويفهم أكثر اللسان العربى ولما ملك أخذ نفسه بطريق جده الأعلى جنكزخان الطاغية الذى أهلك العباد والبلاد وصرف همته إلى توفير العسكر وسد الثغور وعمارة البلاد والكف عن سفك الدماء ولما أسلم قيل له إن دين الإسلام يحرم نكاح نساء الآباء وقد كان استضاف نساء أبيه إلى نسائه وكان أحبهن إليه خاتون وهى أكبر نساء أبيه فهم أن يرتد عن الإسلام فقال له بعض خواصه إن أباك كان كافرا ولم تكن خاتون معه فى عقد صحيح إنما كان مسافحا بها فاعقد أنت عليها فإنها تحل لك ففعل(1/496)
ولولا ذلك لارتد عن الإسلام واستحسن ذلك من الذى أفتاه به لهذه المصلحة بل هو حسن ولو كان تحته ألف امرأة على سفاح فإن مثل هذا السلطان المتولى على أكثر بلاد الإسلام فى إسلامه من المصلحة ما يسوغ ما هو أكبر من ذلك حيث يؤدى التحريج عليه والمشى معه على أمر الحق إلى ردته فرحم الله ذلك المفتى وكان والد صاحب الترجمة ومن قبله من الملوك يعدون أنفسهم نوابا لملك السراى فلما استقرت قدم غازان فى الملك تسمى بالخان وقطع ما كان يحمله إليهم من إتاوة وأفرد نفسه بالذكر والخطبة وضرب السكة باسمه وطرد نائبهم من بلاد الروم وقال أنا أخذت البلاد بسيفى لا بغيرى وكان إذا غضب خرج إلى الفضاء ويقول إن الغضب إذا خزنته زاد فإن كان جائعا أكل أو بعيد عهد بالجماع جامع ويقول آفة العقل الغضب ولا يصلح للملك من يتعاطى ما يضر عقله وأول ما وقع له القتال مع نوروز بن أرغون الذى كان حسن له الإسلام فإن نوروز خرج عليه فحاربه ثم لجاء نوروز إلى قلعة خراسان ثم إن غازان قتل الأكراد الذين قاموا مع نوروز وكان جملة من قتل منهم فى المعركة خمسين ألفا وأسر منهم أسرا كثيرا حتى بيع الصبى الجميل المراهق ومن هو أكبر منه باثنى عشر درهما ثم إن غازان طرق البلاد الشامية فى سنة 699 وكانت ملحمة عظيمة ظفر فيها غازان ودخل دمشق وخطب له بها واستمرت له الخطبة أياما وحصل فى تلك الأيام لأهل الشام من القتل وسبي الحريم والذرية والتعذيب مالا يوصف بسبب ماصودروا به من الأموال وهلك خلائق من العذاب والجوع ثم رجع ثم عاد مرة أخرى سنة 700 فأوقع ببلاد حلب ثم أرسل بعض أمرائه بالعساكر
إلى مصر فوقعت على عسكره كسرة عظيمة وقتل منهم من لا يحصى وكان ذلك فى سنة 703 ولما بلغ ذلك غازان حصل له غم شديد كان سبب موته كما قال ابن حجر فمات فى شهر شوال سنة 703 ثلاث وسبعمائة قال الذهبى كان شابا عاقلا شجاعا مهيبا مليح الشكل مات ولم يتكهل واشتهر أنه سم فى منديل يمسح به بعد الجماع فتعلل وهلك انتهى وقد امتحن أهل الشام بهذا على رأس القرن السابع كما امتحنوا هم وغالب بلاد الاسلام بجده الأعلى على رأس القرن السادس وكما امتحنوا بتيمورلنك على رأس القرن الثامن وكلهم من التتار والحكم لله القادر المختار(1/497)
السيد غالب بن مساعد شريف مكة وأميرها
عند تحرير هذه الأحرف ولى الإمارة بعد أبيه مساعد أخوه سرور ابن مساعد الذى طار صيته فى الآفاق وبلغ من المجد والسعى فى أعمال الخير وتأمين السبل ما لم يبلغ إليه أحد من آبائه ولقد كانت أحاديث الوافدين للحج إلى بيت الله الحرام تخبر عنه بأخبار تسر القلوب وتشنف الأسماع وتروح الطباع وكان عظيم السطوة شديد الصولة قامعا للفساد راعيا لمصالح العباد كثير الغزو لمردة الأعراب الذين يتخفطون الناس فى الطرقات ثم مات فى شهر رجب سنة 1202 اثنتين ومايتين وألف وقام مقامه أخوه عبد المعين ثم رغب عن الأمر لصاحب الترجمة بعد أيام يسيرة من ولايته فقام به هذا أتم قيام وهو الآن في سن الشباب حسبما نسمعه من الحجاج وله شغلة عظيمة بصاحب نجد عبد العزيز بن سعود المستولى الآن على البلاد النجدية وغيرها مما هو مجاور لها وكثيرا ما يجمع صاحب الترجمة(1/498)
الجيوش ثم يغزو أرض نجد فيصل أطرافها فيبلغنا أنه يقوم لحربه طايفة يسيرة من أطراف البلاد فيهزمونه ويعود إلى مكة وآخر ما وقع منه ذلك سنة 1212 فإنه جمع جيشا كثيرا وغزا نجدا وأوقع ببعض البلاد الراجعة إلى سلطان نجد المذكور فلم يشعر إلا وقد دهمه جيش لا طاقة له به أرسله صاحب نجد فهزمه واستولى على غالب جيشه قتلا وأسرا بل جائت الأخبار بأنه لم يسلم من جيش صاحب الترجمة إلا طائفة يسيرة وقتل جماعة من أشراف مكة فى المعركة وتمت الهزيمة إلى مكة ولو ترك ذلك واشتغل بغيره لكان أولى له فإن من حارب من لا يقوى لحربه جر إليه البلوى فإن صاحب نجد تبلغ عنه قوة عظيمة لا يقوم لمثلها صاحب الترجمة فقد سمعنا أنه قد استولى على بلاد الحسا والقطيف وبلاد الدواسر وغالب بلاد الحجاز ومن دخل تحت حوزته أقام الصلاة والزكاة والصيام وسائر شعائر الإسلام ودخل فى طاعته من عرب الشام الساكنين ما بين الحجاز وصعدة غالبهم إما رغبة وإما رهبة وصاروا مقيمين لفرائض الدين بعد أن كانوا لا يعرفون من الإسلام شيئا ولا يقومون بشىء من واجباته إلا مجرد التكلم بلفظ الشهادتين على مافى لفظهم بها من عوج وبالجملة فكانوا جاهلية جهلاء كما تواترت بذلك الأخبار إلينا ثم صاروا الآن يصلون الصلوات لأوقاتها ويأتون بسائر الأركان الإسلامية على أبلغ صفاتها ولكنهم يرون أن من لم يكن داخلا تحت دولة صاحب نجد وممتثلا لأوامره خارج عن الإسلام ولقد أخبرنى أمير حجاج اليمن السيد محمد بن حسين المراجل الكبسى أن جماعة منهم خاطبوه هو ومن معه من حجاج اليمن بأنهم كفار وأنهم غير معذورين عن الوصول إلى(1/499)
صاحب نجد لينظر في إسلامهم فما تخلصوا منه إلا بجهد جهيد وقد صارت جيوش صاحب نجد فى بلاد يام وفى بلاد السراة المجاورين لبلاد أبي عريش ومن تبعه من هذه الأجناس اغتبط بمتابعته وقاتل من يجاوره من الخارجين عن طاعته فبهذا السبب صار معظم تلك البلاد راجعا إليه وتبلغنا عنه أخبار الله أعلم بصحتها من ذلك أنه يستحل دم من استغاث بغير الله من نبى أو ولى وغير ذلك ولا ريب أن ذلك إذا كان عن اعتقاد تأثير المستغاث كتأثير الله كفر يصير به صاحبه مرتدا كما يقع فى كثير من هؤلاء المعتقدين للأموات الذين يسألونهم قضاء حوائجهم ويعولون عليه زيادة على تعويلهم على الله سبحانه ولا ينادون الله جل وعلا إلا مقترنا بأسمائهم ويخصونهم بالنداء منفردين عن الرب فهذا أمر الكفر الذى لا شك فيه ولا شبهة وصاحبه إذا لم يتب كان حلال الدم والمال كسائر المرتدين ومن جملة ما يبلغنا عن صاحب نجد أنه يستحل سفك دم من لم يحضر الصلاة فى جماعة وهذا إن صح غير مناسب لقانون الشرع نعم من ترك صلاة فلم يفعلها منفردا ولا فى جماعة فقد دلت أدلة صحيحة على كفره وعورضت بأخرى فلا حرج على من ذهب إلى القول بالكفر إنما الشأن فى استحلال دم من ترك الجماعة ولم يتركها منفردا وتبلغ أمور غير هذه الله أعلم بصحتها وبعض الناس يزعم أنه يعتقد اعتقاد الخوارج وما أظن ذلك صحيحا فإن صاحب نجد وجميع أتباعه يعملون بما تعلموه من محمد بن عبد الوهاب وكان حنبليا ثم طلب الحديث بالمدينة المشرفة فعاد إلى نجد وصار يعمل باجتهادات جماعة من متأخرى الحنابلة كابن تيمية وابن القيم وأضرابهما وهما من أشد الناس على معتقدى الأموات وقد رأيت كتابا من صاحب(1/500)
نجد الذى هو الآن صاحب تلك الجهات أجاب به على بعض أهل العلم وقد كاتبه وسأله بيان ما يعتقده فرأيت جوابه مشتملا على اعتقاد حسن موافق للكتاب والسنة فالله أعلم بحقيقة الحال وأما أهل مكة فصاروا يكفرونه ويطلقون عليه اسم الكافر وبلغنا أنه وصل إلى مكة بعض علماء نجد لقصد المناظرة فناظر علماء مكة بحضرة الشريف فى مسائل تدل على ثبات قدمه وقدم صاحبه في الدين وفى سنة 1215 وصل من صاحب نجد المذكور مجلدان لطيفان أرسل بهما إلى حضرة مولانا الإمام حفظه الله أحدهما يشتمل على رسائل لمحمد بن عبد الوهاب كلها فى الإرشاد إلى إخلاص التوحيد والتنفير من الشرك الذى يفعله المعتقدون في القبور وهى رسائل جيدة مشحونة بأدلة الكتاب والسنة والمجلد الآخر يتضمن الرد على جماعة من المقصرين من فقهاء صنعاء وصعدة ذاكروه فى مسائل متعلقة بأصول الدين وبجماعة من الصحابة فأجاب عليهم جوابات محررة مقررة محققة تدل على أن المجيب من العلماء المحققين العارفين بالكتاب والسنة وقد هدم عليهم جميع ما بنوه وأبطل جميع ما دونوه لأنهم مقصرون متعصبون فصار ما فعلوه خزيا عليهم وعلى أهل صنعاء وصعدة وهكذا من تصدر ولم يعرف مقدار نفسه وأرسل صاحب نجد مع الكتابين المذكورين بمكاتبة منه إلى سيدى المولى الإمام فدفع حفظه الله جميع ذلك إلى فأجبت عن كتابه الذى كتب إلى مولانا الإمام حفظه الله على لسانه بما معناه أن الجماعة الذين أرسلوا إليه بالمذاكرة لا ندرى من هم وكلامهم يدل على أنهم جهال والأصل والجواب موجود ان فى مجموعى وفي سنة 1217 دخلت بلاد أبى عريش وأشرافها فى طاعة(2/1)
صاحب نجد ثم تزلزلت الديار اليمنية بذلك واستولى أصحابه على بعض ديار تهامة وجرت أمور يطول شرحها وهي الآن فى سريان وقد أفردت ما بلغنا من ذلك فى مصنف مستقل لأن هذه الحادثة قد عمت وطمت وارتجفت لها أقطار الديار الشامية والمصرية والعراقية والرومية بل وسائر الديار لا سيما بعد دخول أصحاب النجدى مكة المشرفة وطرد أشرافها عنها ولله أمر هو بالغه ثم فى سنة 1222 وصل إلينا جماعة من صاحب نجد سعود بن عبد العزيز لبعضهم معرفة فى العلم ومعهم مكاتيب من سعود إلى الإمام المنصور بالله رحمه الله تعالى وإلى أيضا ثم وصل جماعة آخرون كذلك في سنة 1227 ثم وصل جماعة آخرون كذلك فى سنة 1228 ودار مع هؤلاء الواردين ومع غيرهم من المكاتبة مالا يتسع المقام لبسطه ثم بعد هذا فى سنة 1229 خرج باشة مصر الباشا محمد على بجنود السلطان ووصل إلى مكة وأسر الشريف غالب وجهزه إلى الروم ثم بلغ موته هنالك وهذا عارض من القول فلنرجع إلى ترجمة الشريف غالب فنقول ومما ينبغى ذكره ههنا أنه وصل من الشريف المذكور فى عام تحرير هذا الأحرف وهو سنة 1213 فى شهر رجب منها كتاب إلى مولانا خليفة العصر المنصور بالله على بن العباس حفظه الله يتضمن الإخبار بالرزية العظمى والمصيبة الكبرى والبلية التى تبكى لها عيون الإسلام والمسلمين وهى استيلاء طائفة من الفرنج يقال لهم الفرنسيس على الديار المصرية جميعها ووصولهم إلى القاهرة وحكمهم على من بتلك الديار من المسلمين وهذا خطب لم يصب الإسلام بمثله فان مصر ما زالت بأيدى(2/2)
المسلمين منذ فتحت في زمن عمر بن الخطاب رضى الله عنه إلى الآن ولم نجد في شىء من الكتب التاريخية ما يدل على أنه قد دخل مدينة مصر دولة كفرية والإفرنج الذين وصلوا إليها فى أيام العاضد ووزيره شاوور وكذلك الذين وصلوا إليها في دولة بنى أيوب لم يدخلوا مدينة مصر بل غاية ما بلغوا إليه دمياط ونحوها وما زالت تلك المدينة وسائر بلادها محروسة عن الدول الكفرية فإن التتار دوخوا جميع بلاد الإسلام ولم يسلطهم الله على مصر بل عادوا عنها خائبين مقهورين مهزومين وكذلك تيمورلنك مع تدويخه لسائر الممالك لم يسلط عليهم والله ينصر الإسلام وأهله وأرسل الشريف فى طى كتابه بكتاب من سلطان الروم ثم بعد ذلك وصل من الشريف كتاب فيه التبشير باستيلاء المسلمين على من بالقاهرة فضلا عن الذين منهم بسائر الأقطار المصرية وبالإسكندرية وسنذكر ههنا كتاب السلطان ثم كتاب الشريف الأول ثم كتابه الثانى ثم الجواب من مولانا الإمام حفظه الله تكميلا للفائدة وتبيينا للقضية فإنها من الحوادث العظيمة التى ينبغى التعريف بها والإعلام بشأنها فلفظ كتاب السلطان ملك الروم إلى شريف مكة غالب بن مساعد هكذا وبعد فهذا مرسومنا المبجل الشريف وخطابنا المعظم المنيف لا زال نافذا بعون الله فى سائر الأرجاء والأقطار ما دام الفلك الدوار أصدرناه مبنيا على نظيم فرائد التحية والتسليم ومنصوبا على قلائد التبجيل والتكريم محتويا على قواعد صيانة الدين مؤكدا لمعاقد حماية سنن سيد المرسلين وآله وصحبه أجمعين أصدرنا إلى عالى جناب الأمير الأمجد المبجل الأجل الأوحد(2/3)
المقتفى آثار أسلافه الأشراف من آبائه الغر صناديد آل عبد مناف وأجداده السعيدى السير الجميلى الأوصاف فرع الشجرة الزكية النبوية طراز العصابة العلوية المصطفوية قرة عين الزهراء البتول المحفوف بصنوف عواطف الملك الماجد حالا شريف مكة المشرفة الشريف غالب بن مساعد لا زالت العناية الربانية له ملاحظة والكلاية الصمدانية عليه حافظة والى قدوة العلماء وعمدة الفضلاء نائب مكة المشرفة وكافة السادات الأشراف الأجلاء الميامين ومفاتى المذاهب الأربعة والعلماء والأئمة المحترمين ووجوه كافة المسلمين من ساكنى بلد الله الأمين من حاضر وباد وفقهم الله إلى سبيل الرشاد يحيطون علما أن طائفة كفار الفرانسة جعل الله ديارهم دارسة وأعلامهم ناكسة قد نقضوا العهود وخانوا مواثيق المعبود وخرجوا من أطور الحدود وهجموا على بدوان مصر وسكانها على حين غفلة من أهلها فملكوا البلاد وأفشوا الكفر والفساد وخاضوا بحر الضلال والطغيان وتحشدوا تحت راية الشيطان وتمكن البغى فى أحشائهم وإن الشياطين ليوحون إلى أوليائهم لا حاكم يردعهم ولا دين واعتقاد يجمعهم يعدون النهب غنيمة والنميمة أكمل شيمة قد اتفقت آراؤهم وارتبطت أشوارهم على الهجوم على سائر بلدان المسلمين وأقطار عباد الله الموحدين بأن أهل الإسلام قويين ولهم مزيد الصلابة فى الدين فإذا وصلنا أقطارهم وحللنا ديارهم فالضعيف منهم نباشره بالحرب والضرب والقتل والنهب والقوى منهم ننصب له شرائك المكر والحيل حتى تطمئن(2/4)
خواطرهم وتأمن ضمائرهم إلى أن يقعوا في اشراكنا ونعمل فيهم ما شئنا من مقاصدنا ونلقى بين سائر المسلمين المكايد الخفية بالفساد لإيقاع العداوة المباينة للإتحاد في أحوالهم وأديانهم ولم يعلموا لعنهم الله أن الإسلام مغروس في قلوبنا والإيمان ممزوج بلحمنا ودمنا أكفر بعد إيمان أضلال بعد هدى كلا ورب الأرض والسماء ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وخصوصا في طوائف العرب لنبلغ فيهم أقصى مرام وأعز مطلب ونبذل الجهد في تخريج الرعايا من الإسلام عن طاعة من ولى عليهم من الحكام حتى يكون لنا الصولة العظمى ويصيرون الجميع لنا مغنما فينقطع بذلك سلك نظامهم وينفصم عقد انتظامهم فنملك حينئذ رقابهم وأموالهم فإن العرب أسرع ما يستولى على ديارهم لتفرقهم في أوديتهم من أقطارهم وغفلتهم عن حزم أحوالهم فإن أعظم ما يشتت جموع الإسلام ويفل حد سنانهم عن الانتظام هدم قبلتهم وحرق مساجدهم فإذا ظفرنا بأقطارهم وهدمت كعبتهم ومسجد نبيهم وبيت مقدس عزهم انقطع أملهم وتفرق شملهم وملكنا ديارهم فإن الأمور لا يدركها إلا اتفاق الجمهور فنقتل جميع رجالهم ومن يعقل من صبيانهم فحينئذ نقتسم ديارهم وأموالهم وأملاكهم ونحول بقية الناس إلى أصولنا وقواعدنا ولساننا وديننا فبه يمحى الإسلام وقواعده وشرائعه ويندرس رسومه وآثاره من وجه الأرض من شرقها وغربها وجنوبها وشمالها وعربها وعجمها فهذا ما اتفق رأى الفرنسيس اللعين من سوء المقاصد فى المسلمين جعل الله دائرة السوء عليهم فلا يستطيعون صرفا ولا نصرا ونرجو الله(2/5)
أن يعاملهم بعدله في قوله ولا يحيق المكر السيىء إلا بأهله فهذا حال الفرانسة في إلحادهم وجدالهم وعنادهم وما اقتضاه فاسد اجتهادهم يريدون ليطفؤا نور الله بأفواههم والله متم نوره ولو كره الكافرون فكيف لا يكون فرضا على كل أحد من مسلم موحد أن يشمر عن ساعد الجد ويبذل نفسه وماله فى مرضاة الواحد الفرد ويمتثل قول أصدق القائلين سارعوا الى مغفرة من ربكم وجنة عرضها السموات والأرض أعدت للمتقين ويكون رابحا في بيعه عن الخسران مستبشرا ببذل نفسه فى سبيل الرحمن لقوله إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة يقاتلون فى سبيل الله فيقتلون ويقتلون وعدا عليه حقا في التوراة والإنجيل والقرآن إلى غير ذلك من الآيات البينات والأحاديث الصحيحة المروية عن الثقات مما يحث على نصرة الدين ويلم شعث الموحدين فالآن يا شريف مكة ويا سادات الأشراف وقادات العرب وحماة الدين وكماة المسلمين وغزاة الموحدين وأبطال الحروب الماحين بصوارم عزمهم عن الدين ظلام الكروب يا رجال الغارات ويا أركان الشريعة والعبادات ويا حفظة الدين والأمانات ويا باذلين النفوس عند انتهاك الحرمات ويا كافة إخواننا فى الدين والذين هم لشريعة ربهم ناصرين البدار البدار إلى طاعة الملك الغفار لمحافظة قبلتكم ومحتد نبيكم منشأ الإسلام ومسجد نبيكم ومواطن مضاعفة عبادتكم من ساحة بيت الله الحرام فالغيرة الغيرة والحمية الحمية من صولة أعداء الدين الذين هم عن كل ملة فارقين ولكتب رسل الله مكذبين فشدوا عزائمكم للقائهم(2/6)
واحفظوا جهاتكم وسواحلكم ومنافذ بلدانكم وسارعوا إلى الرباط إلى حدود الكفرة اللئام ببندر جدة وينبع وما والا هما مما فيه صيانة المسلمين وحفظ أعراض الموحدين وكونوا عباد الله إخوانا ولا تنازعو فتفشلوا وفي سبيل الله أنفقوا وتجملوا وكونوا كلمتكم واحدة وأيديكم متناصرة ولتكن سيوفكم بارقة وسهامكم راشقة وأسنتكم فى الطعن متلاحقة ومدافعكم صاعقة ونبالكم إلى أفئدتهم متسابقة ولتقصدوا بذلك إعلاء كلمة الدين والذب عن بيت الله ومسجد رسول الله ونرجو الله أنكم مؤيدون بنصر الله محفوظون بروحانية رسول الله ولا يكون لكم تخلف عن ذلك ولا تراخ فى حفظ تلك المسالك ونحن فى طرف السلطنة السنية ننشر رايتنا العلية فبحول الله وقوته وباهر عظمته تملكهم عساكرنا المنصورة وتقطعهم سيوفنا المشهورة وقد سيرنا عليهم شجعانا لا يبالون بالموت لإعلاء كلمة الدين وغزاة يقتحمون على النار محبة في دين الله فنتعقب بقدرة الله أدبارهم لعل الله يرزقنا هلاكهم ودمارهم فنجعلهم إن شاء الله هباء منثورا كأن لم يكونوا شيئا مذكورا فبادروا أيها المسلمون إلى الرباط بجدة وينبع ومن تخلف فقد عصى الله وخالف أمرنا فإن ذلك أمرنا إليكم وحتمنا عليكم يا أيها الذين آمنوا اصبروا وصابروا ورابطوا واتقوا الله لعلكم تفلحون واستجلبوا صالح الدعوات من عجازكم وصالحيكم وأفاضلكم عند البيت الحرام وقد قال تعالى انفروا خفافا وثقالا وجاهدوا بأموالكم وأنفسكم وقال المؤمنون كالبنيان يشد بعضهم بعضا وهذا يوم ينفع الصادقين صدقهم يا أيها الذين آمنوا إن تطيعوا فريقا من الذين أوتوا الكتاب(2/7)
يردوكم بعد إيمانكم كافرين وكيف تكفرون وأنتم تتلى عليكم آيات الله وفيكم رسوله ومن يعتصم بالله فقد هدي إلى صراط مستقيم يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا واذكروا نعمة الله عليكم إذ كنتم أعداء فألف بين قلوبكم فأصبحتم بنعمته إخوانا وكنتم على شفا حفرة من النار فأنقذكم منها كذلك يبين الله لكم آياته لعلكم تهتدون ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر وأولئك هم المفلحون ولا تكونوا كالذين تفرقوا واختلفوا من بعد ما جاءهم البينات وأولئك لهم عذاب عظيم يوم تسود وجوه وتبيض وجوه فأما الذين اسودت وجوههم أكفرتم بعد إيمانكم فذوقوا العذاب بما كنتم تكفرون وأما الذين ابيضت وجوههم ففى رحمة الله هم فيها خالدون تلك آيات الله نتلوها عليك بالحق وما الله يريد ظلما للعالمين ولله ما فى السموات وما فى الأرض وإلى الله ترجع الأمور كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله ولو آمن أهل الكتاب لكان خيرا لهم منهم المؤمنون وأكثرهم الفاسقون لن يضروكم إلا أذى وإن يقاتلوكم يولوكم الأدبار ثم لا ينصرون ضربت عليهم الذلة أينما ثقفوا إلا بحبل من الله وحبل من الناس وباءوا بغضب من الله ذلك بأنهم كانوا يكفرون بآيات الله ويقتلون الأنبياء بغير حق ذلك بما عصوا وكانوا يعتدون فالبدار البدار إلى ما أمرناكم من الرباط والحذار والحذار من خلاف ذلك هذا ما انتهى أمرنا إليكم لا زلتم موفقين بعون الملك المعين وصلى الله على(2/8)
سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم انتهي كتاب السلطان لا برح في حماية الملك الديان وهذه صورة كتاب مولانا شريف مكة غالب بن مساعد إلى مولانا الإمام المنصور بالله على بن العباس حفظه الله وفى طيه كتاب السلطان السابق ذكره ولفظ كتاب الشريف الحمد لله الذى كل يوم هو فى شأن والصلاة والسلام على سيد ولد عدنان وعلى آله الطاهرين وصحبه والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين ثم نهدى مزيد سلام نشأ من خالص الفؤاد وأعرب عن صدق المحبة والاتحاد مع تحيات طاب نشرها من المآثر العظام وبيت الله الحرام وزمزم والمقام إلى الحضرة الباهرة المنصورية والعقوة الزاهرة الهاشمية والسدة العلية العلوية ساحة الخلافة اليمنية واسطة نظام السادة الحسنية الجناب العالى الكريم والماب الغالى الوسيم أخينا الأكرم وعالى الهمم الإمام ابن الإمام حضرة الإمام المنصور وفقه الله لصلاح الجمهور ولا زالت العناية الربانية له ملاحظة والكلاية الصمدانية عليه حافظة آمين بجاه سيد المرسلين وبعد اهداء شريف السلام واسداء واجب التحية والإكرام فالسؤال عن حالكم كثير لموجب مالكم عندنا من جميل الوداد الوافر وإن سألتم عنا فنحمده سبحانه على جزيل فضله وعظيم امتنانه طيبين بخير وعافية ونعمة من المولى وافية والذى نبديه إلى مسامعكم العلية وأفهامكم الزكية من الأمور الحادثة في الوجود وجزيل أحكام الملك المعبود لموجب احتياج أهل الإسلام إلى الترفهات عن نهج المهام وترك حزم الأمور وغفلتهم عن حفظ الثغور حتى صار(2/9)
ما صار من شرذمة أهل البغى والإنكار من التهجم على بلاد أسكندرية ومصر القاهرة بجنود من البحر على سفاين متواترة وهم طائفة من جمهور الفرانسة والملة الباغية التى بفضل الله أعلامهم ناكسة لمشاهدتهم فى أحوال المسلمين ترك الثغور عن التحصين فهجموا على تلك البلاد فلم يجدوا لجامحهم مدافع ولا راد فأفسدوا كافة من بجوارها من العربان بأنواع السياسة الموهمة بأنهم من طائفة السلطان وأبرزوا للبوادي كتبا مزورة بألفاظ عربية بتعظيم الله ورسوله مصدرة حتى انقادوا له بالطاعة ظنا منهم بأنهم من جنود الدولة المطاعة وليس يخفى عليكم حال البوادى الطغام الذين لا يعقلون إن هم إلا كالأنعام فسلكو بهم الطريق وصاروا للمشركين أعظم مساعد وأعز رفيق فجرى قدر ربنا سبحانه باستدراج جند الشيطان أرباب الخيانة بتملكهم للقاهرة ودخولهم إلى مصر بحكمته الباهرة فلاراد لقضائه ولا محيص عما ارتضاه فهو الملك المختار وله المشية فيما يختار فحينئذ بلغ ذلك الخبر حضرة سلطان الإسلام أدحض الله بصوارم سطوته جنود اللئام فجهز عليهم من أبطال الأجناد ما يعجز عن حصره جموع الأعداد وسير عليهم من جيوش الإسلام ووزرائه العظام وجعل مقدمهم الوزير الشهير الجزار أحمد باشا بلغه الله من الخير ماشا فاجتمعت عليه طوائف العربان وتحشدت تحت رايته كافة أهل الإيمان وهرع إلى جهادهم المسلمون من كل مكان حتى أقطارنا الحرمية ظهرت منا للجهاد سبعة آلاف يردون فى طاعة الله موارد الموت والإتلاف ونرجو العظيم من فضله العميم أن يؤيد بالنصر أجناد الموحدين ويبدد بالقهر شمل الكفرة الملحدين(2/10)
والحمد الله قد وردت إلينا الأخبار بتضايق حال المشركين من الحصار لتزاحف جنود أهل الإسلام وإحاطتهم بجميع المنافذ المصرية والمسام فانتظم أمر التجهيز وانتدب لنصرة الإسلام كل ذليل وعزيز ولينصرن الله من ينصره ان الله لقوى عزيز وفى هذا الأوان ورد الينا هذا الفرمان الصادر اليكم منه صورتان المعلن بدواعي الفلاح والمحرض لكافة المسلمين على ما يرجى منه النجاح من استعداد القوة للمصادمة والكفاح كما هو متحتم على أهل الإسلام خصوصا فى مثل هذه الأيام ومن أعظم الشيم والمروءة امتثال قول الله تعالى وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة فبذل غاية المجهود لمحافظة الثغور وتحصين الحدود والمرابطة فى بلدان السواحل والذب على الأديان بسهم المرامى وبيض الصواهل أمر محتوم على كافة ملوك الإسلام وسائر القبائل فوصلكم صورة الأمر الشريف والخطاب المنيف وما القصد من أرساله إلا تنبيهكم لحفظ البلاد والتحذير من ارباب الكفر والعناد كما هو مصرح في الفرمان السلطانى من ذكر مكايد الكفرة فى جميع المغانى ولا يعزب عن فهمكم الثاقب أن ملوك الروم أحس بما يبنى الكفرة أمورهم من المعاطب فحثوا على المرابطة جميع المسلمين وقووا ثغور بلدانكم بالتحصن الرصين من البنيان وتشييد بروج المناتق بدوى البأس من الفتيان فان بحر الهند تجرى فيه سفاينهم وقد ظهرت فيه بأحد المواسم ضرايرهم فيجب بن عزيز جنابكم كمال التحرى لدفع مفاسدهم والاستعانة بالله تعالى فى ادحاض مكايدهم ومن اكد اللوازم نشر هذين الفرمانين فى كافة أقطار أوامركم وأقصى ما يحادد بلدانكم ومحاكمكم هذا ما عن(2/11)
لنا به الأخبار لا زلتم في كلاية الملك الستار وإن شاء الله عن قريب نفيدكم بمسرة نصرة الإسلام فالمرجو من جنابكم عدم اخراجنا من الضمير المنير بأسنى صحة اخباركم لا سيما تفيدوا بما تجدد وحدث وبلغكم من الإعلام والأخبار ودمتم سالمين وبعين عناية الله ملحوظين وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم انتهى كتاب الشريف عافاه الله وهذه صورة كتاب آخر وصل من الشريف غالب بن مساعد حماه الله بعد وصول الكتاب الأول ولفظه نهدى سلاما أعبق الكون شذاه وأخجل البدر بحسن طلعته ورياه وتحيات مكية الأرج مدنية المدد تحمل النصر والفرج إلى جناب معدن الخلافة العلوية ومنبع الكمالات الحسنية وطراز عصابة الهواشم وصفوة القادة الفواطم من دانت له رقاب الفراعنة فى أفطاره وخضعت له رؤس الأكابر فى جميع أمصاره ذى الأخلاق الرضية والشمائل المرضية المنظور بعين عناية الله المبين والمنصور بسلطانه فى كل حين أخينا وعزيزنا الإمام ابن الإمام أمير المؤمنين المنصور بالله رب العالمين أدام الله له الإقبال وبلغه بجاه جده الآمال وبعد فباعث تحريره وموجب تنميقه وتصديره حمد الله سبحانه على نعمه وآلائه ومننه ونعمائه والسؤال عن جنابكم والتفحص عن أخباركم بإعلان الدعاء وتبيان صدق الوفاء وثانيا غير خافي جنابكم أنه قبل هذا صدر منا اليكم كتاب بأخبار حوادث المشركين بمصر وصورة جميع ما ورد الينا من الخطاب المعلن بنصح مضمونه نهج الصواب وله الحمد سبحانه على جزيل فضله وعظيم امتنانه الذى أعان على الحق أعوانه بنصر عباده(2/12)
المسلمين وتمام احسانه والذى نبديه إلى مسامعكم الزكية أنه ورد الينا يوم تاريخه نجاب من جانب مصر ببشاير النصر وأهنأ الخطاب وذلك أن أمير الجمهور الفرنساوى اللعين جمع كافة أعيان رعايا مصر المسلمين وضبط عليهم جميع البيوت والحارات وحط على كل بيت من المسلمين شيئا من المبالغ والبليصات بحيث لا طاقة لأهل الإسلام على تسليم ما فرض عليهم من الجور العام وقد حدد عليهم جمع تلك الأموال في نهارين وواعد من لم ينجز وعده بالهلاك والشين فخرج من عنده المسلمون في حيرة واجتمعو فى أماكنهم لأجل التشاور والبصيرة فألهم الله قلوبهم الإسلامية ووفق حميد آرائهم الإيمانية بالهجوم من كل جانب على المشركين وبذلوا نفوسهم لمرضاة رب العالمين فخرجت كافة رعايا المسلمين من منازلها وهجمت على المشركين فى أماكنها وصار الجهاد خلال بيوتهم والقتال فى مجامع المشركين ودورهم وابتهجت مصابيح وجوه الإسلام وسطعت صوارم سيوفهم في أعناق الكفرة اللئام وأيد الله جنود الرعايا المسلمين بعظمته الباهرة وأهلك بسيوفهم كافة المشركين بالقاهرة وكان ذلك يوم حادى عشر جمادى الأولى وله الحمد فى الآخرة والأولى فأرسلت الرعايا المنصورين نجاجيب الرعية لأمراء مصر المخدمين وكان أقربهم بمسيرة يوم عن الجلاد محبنا الأمير مراد ففزع بكافة من حوله من العشائر والأجناد ودخل بلاد مصر يوم ثانى عشر شهر جماد ظفر بقتل من بقى من الكفار وانتظم شمل المسلمين بصفاء الدار فلله مزيد الحمد والثناء على تلك المسرة والهناء فلقصد مسرتكم على الفور حررنا هذا الرقيم لحصول الخبر على نصر المسلمين(2/13)
القويم هذا ما عن لنا به اخباركم لا زلتم فى حفظ مولاكم ودمتم سالمين ومهما تجدد عرفناكم وما حدث تعرفونا به وتكون الأخبار بيننا غير منقطعة هذا محمد وآله وصحبه وسلم قال حرر فى خامس شهرنا جماد سنة 1213 ثم قال عقيب هذا مالفظه ولا يخفاكم من حال داواتنا المتعودة بالوفود إلى مراسى بنادركم لا تزال دائما متأخرة فى شحنتها إلى بندر جدة ونرجو الله بهمتكم يستدرك الآمال وينتظم مراجينا فى كل حال فالمرجو من حميد توجهات هممكم العالية بروز أمركم لكافة من كان بالبنادر البحرية من أمارائكم بأن تكون داواتنا مقدمة فى التشحين قبل كل داو وغراب ويكون جارية تلك القاعدة بهمتكم فى جميع مراسيكم كما هو المأمول من جنابكم والمسئول من مزايا أخلاقكم ونرجو الله أن رجانا غير مردود وفضل الله غير محدود هذا ما عن لنا التماسه دمتم بالخير انتهى هذا الكتاب والذى قبله منقولان من الخط الذى عليه علامة الشريف غالب بن مساعد دامت معاليه وهذا جواب مولانا الإمام خليفة العصر المنصور بالله حفظه الله وهو جواب عن مجموع كتابى الشريف والمنشىء له على لسان مولانا الإمام هو الحقير مؤلف هذه التراجم التى اشتمل عليها هذا الكتاب عن أمر مولانا الإمام حفظه الله وهو على نمط ما قبله من كتابى الشريف في عدم انتخاب أعلى طبقات بلاغات الكتاب إذ المقام مقام مكالمة فى رزية في الدين ومصيبة عمت المسلمين فمعظم المراد وغاية القصد هو الإفهام بلسان الأقلام لا التأنق فى تحرير الكلام على أتم نظام ولفظ جواب مولانا الإمام لا برح في حماية الملك العلام(2/14)
كتب الله لأغلبن أنا ورسلى ان الله قوى عزيز سلام تتضمخ أردان الأمصار بنوافح نشره وتتعطر أكوان الأعصار بروائح بشره وتتضاحك ثغور الأزهار لشميم شذاه وتتمايل قدود الأبكار لنسيم رياه وتطلع أنوار بدوره فى سماء المعاهد الشريفة المعظمة وتسطع وتسطع أشعة شموسه فى فلك المشاهد المنيفة المفخمة يخص حضرة جناب سليل الهواشم ويحل بساحة نبيل الدوحة المطهرة من أبناء الفواطم مقيم شعار الجهاد هادم أركان الفساد والعناد أخينا الأكرم حبيبنا الطاهر الشيم أمير الشرفاء شريف الأمراء كبير العظماء عظيم الكبراء الشريف الأوحد غالب بن مساعد أدام الله اسعاده وثبت من ملكه اطنابه وأوتاده وكثر اعداده وأجناده وأباد حساده وأضداده وتولى بعون عنايته اصداره وإيراده وبعد حمد واجب الوجود وشكر مفيض الكرم والجود والصلاة والسلام على حامل لواء شرايع الإسلام القايم بإعباء الرسالة أنهض قيام وعلى آله الناشرين لأعلام الدين القامعين بسطواتهم رءوس المعاندين وعلى أصحابه القاصمين حبائل الكفران الفاصمين عقد الشرك والطغيان فإنه وصل من جنابكم العظيم ومقامكم الفخيم كتاب كريم يحكى ما صنعت أيدى الكفر بمصر صانها الله عن كل نكر فياله من حادث يبلبل الألباب ويجلب من الأحزان ما لم يكن فى حساب فلقد أبكى وأنكى وروع وأوجع وأقام وأقعد وشتت شمل كل أنس وبدد وواهاله من خطب يصك مسامع الإسلام ويخدد الخدود بفيض مدامع الأنام لا سيما وتلك ديار مطهرة عن أدناس الكفران مقدسة عن أرجاس الطغيان معمورة بالإيمان وعبادة الملك الديان على مرور الأزمان(2/15)
منذ افتتحتها سيوف حزب الله ومحت أردان كفرانها صوارم أصحاب رسول الله فلقد أظلم الخطب وادلهم الكرب وضاقت الصدور وغلت من الأحزان قدور ورغب إلى النفير إلى سبيل الله الصغير والكبير وتشوق إلى جهاد أعداء الله كل جليل وخطير وكيف لا وهذه نازلة قد نزلت بالإسلام والمسلمين وفادحة قد عمت المؤمنين أجمعين لأنها فى الدين ومن بعدت عنه ديارها فقد أحرقت قلبه وقالبه نيارها ولقد كنا على عزم شن الغارة وإرسال طائفة من جنودنا المختارة ليكونوا من الفائزين بجهاد الكافرين والظافرين بثواب هذه الطاعة التى هى سنام الدين كما صح ذلك عن سيد المرسلين وأما الثغور فى جهاتنا فهى بحمد الله محفوظة وبعين العناية الربانية ان شاء الله ملحوظة فقد وكلنا بحفظها من الأجناد من يقوم بهم الكفاية في الإصدار والإيراد وعند ذلك العزم المتين وافى كتابكم الآخر المشير بالفتح المبين الحاكى لاستئصال شأفة الكافرين أجمعين فأنشدنا لسان حال السرور وحدى بنا حادى الحبور الذى عم الجمهور ( هناء محى ذاك العزا المتقدما *** فما عبس المحزون حتى تبسما ) فلقد انجابت ظلمات الهموم وتقشعت غيوم الغموم وابتلجت الخواطر وقرت النواظر وعند بلوغ تلك الأخبار اشعرنا هذه المسار الكبار بما شاع فى جميع الأقطار وذاع بين البوادى والحضار فيالها من مسرات شدت من عضد الدين وفتت سواعد الملحدين وقصمت ظهور الكافرين وقلقلت معاهد المعاندين واللهم إنا نحمدك حمدا لا يحيط به الحصر ونشكرك على ما منحت أمة نبيك من هذا الفتح والنصر وما(2/16)
لمحت إليه أيها الجناب العظيم والأخ الفخيم الكريم من أمر الداوات فما زالت أوامرنا إلى نوابنا فى الجهات برفع الظلامات والأعمال بالنيات وغير خاف على ذهنكم السليم وفكركم الراجح القويم أن من العدل الذى قامت به الأرض والسموات أن يستوى القوى والضعيف والوضيع والشريف فى أنواع المكاسب والتجارات كما حكم بذلك باري البريات ولا زلتم فى حفظ الله محوطين بعين كلايته ورعايته وحمايته وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم حرر يوم تاسع عشر من شهر رجب سنة 1213 انتهى جواب مولانا الإمام حفظه الله وقد وصلت من الشريف فيما يتعلق بهذه القضية كتب كثيرة بعد هذا إلى مولانا الإمام حفظه الله وأنشأ راقم الأحرف جواباتها عن أمر مولانا الإمام والمقام لا يتسع لبسطها وبعد الإرسال بهذا الجواب من حضرة الخلافة إلى حضرة الشريف جاءت الأخبار من أهل بنادر اليمن بأن الأفرنج اقماهم الله باقون بمصر والإسكندرية وسائر تلك الأعمال وقد صارت الدولة دولتهم هنالك فلا حول ولا قوة إلا بالله العلى العظيم ولم يبلغ ما فعله المقدمون من جهة السلطنة إلى حال تحرير هذه الأحرف في خواتم شهر شوال سنة 1213 ولعل وراء الغيب أمرا يسرنا اللهم انصر الإسلام والمسلمين يا مجيب الداعين وسيأتى فى ترجمة يوسف باشا ذكر بعض ما جرى وما دار من المكاتبة ويأتى ايضا هنالك أنه كان خروج الفرنج من مصر سنة 1216 فالحمد لله رب العالمين وأما الشريف غالب فلما استولى صاحب نجد على مكة والمدينة تابعه ودخل تحت أمره ونهيه واستمر نايبا له منذ دخول جيوشه مكة وكان(2/17)
القادم بالجيوش سعود بن عبد العزيز بن محمد بن سعود ثم مات عبد العزيز وصار الأمر بعده إلى ولده سعود وما زال يأتى للحج فى كل عام إلى سنة 1218 فخرج باشة مصر الباشا محمد على بجنود متكاثرة واستولى على مكة والمدينة عن مواطأة بينه وبين الشريف غالب ثم لما استقر بمكة قبض على الشريف غالب واستولى على جميع أملاكه وذخائره وهى كثيرة جدا وأرسله فى سفينة هو وخواص أهله إلى الروم والله أعلم ما كان آخر أمره فإنه لم يبغلنا لى الآن خبر صحيح مما كان من أمره بعد اخراجه من مكة وادخاله إلى تلك الديار والباشا محمد على مستقر فى مكة وجدة إلى الآن وهى سنة 1229 والحرب بينه وبين اهل نجد مستمرة ومات في هذا العام امير العرب صاحب نجد وهو سعود بن عبد العزيز وقام مقامه ولده عبد الله بن سعود وما زال يجهز الجند إلى مكة ومن بها والحرب بينهم سجال(2/18)
حرف الفاء
الشريفة فاطمة بنت الإمام المهدي أحمد بن يحيى المتقدم ذكره هى مشهورة بالعلم ولها مع والدها مراجعات فى مسائل كمسئلة الخضاب بالعصفر فانه قال ان فاطمة ترجع إلى نفسها فى استنباط الأحكام وهذه المقالة تدل على أنها كانت مبرزة فى العلم فإن الإمام لا يقول مثل هذه المقالة إلا لمن هو حقيق بها وكان زوجها الإمام المطهر يرجع إليها فيما يشكل عليه من مسائل وإذا ضايقه التلامذة في بحث دخل إليها فتفيده الصواب فيخرج بذلك إليهم فيقولون ليس هذا منك هو من خلف الحجاب وماتت قبل والدها رحمه الله وقد تقدم تاريخ موته
فاطمة بنت القاضى كمال الدين محمود بن شيريز الحنفى المدعوة ستيته
ولدت سادس المحرم سنة 855 خمس وخمسين وثمان مائة بالقاهرة ونشأت فتعلمت الكتابة وتزوجت الناصر محمد بن الطنبنا واستولدها أولادا ثم مات عنها فتزوجها على بن محمد بن بيبرس حفيد ابن اخت الظاهر برقوق فاستولدها ولها نظم وحسن فهم وحجت مرارا وجاورت ومن نظمها قصيدة كتبتها إلى السخاوى مطلعها ( قفا واسمعا منى حديث احبتى *** فأوصاف معناهم عن الحسن جلت ) كتبت إلى قاضى مكة بقصيدة مطلعها ( يا بدر تم ازال الشك عن راي *** انعم بقرب حبيب فيك عن راي ) ولها مكاتبات إلى جماعة من الأدباء والأعيان والأكابر ومن ذلك أن الشهاب المنصوري كتب إلى الزين سالم ببيتين هما ( أيا سيدا قد أحسن الخالق اسمه *** وجمله والله بالخلق عالم ) ( أعن بيد فيها أياد لسائل *** ولا تخش حسادا فإنك سالم ) فقالت صاحبة الترجمة فى هذا المعنى ارتجالا ( أيا سيد اعم الخلائق بره *** وإحسانه فرض تضاعف لازم ) ( أعن سائلا يأتيك والدمع سائل *** ولا تخش من سوء فإنك سالم ) وكان ذلك بحضرة جماعة من الأدباء ففضلوا ما قالته على ما قال الشهاب واعترف الشهاب بذلك واستمرت على نظم الأدب ومدح
أرباب الرتب حتى ماتت فى سنة 941 إحدى وأربعين وتسعمائة بالقاهرة ودفنت بالقرافة(2/19)
فرج بن برقوق الجركسى الملقب الناصر
ولد سنة 791 إحدى وتسعين وسبعمائة فى أيام الفتنة التى وقعت لوالده حسبما تقدم في ترجمته فسماه فرج استقر في السلطنة بعهد من أبيه اليه بعد موته في شهر شوال سنة 801 وسنه دون عشر سنين واختلف مماليك أبيه عليه وجرت له حروب مع المؤيد شيخ فانهزم هذا وفر على الهجن إلى دمشق فدخلها وتحصن بقلعتها فتبعه شيخ ومن معه فحاصروه إلى أن نزل إليهم بالأمان فاعتقل وذلك في صفر سنة 815 واستفتوا العلماء فافتوا بوجوب قتله لما كان يرتكبه من المحرمات والمظالم والفتك العظيم فقتل فى ليلة السبت سابع عشر شهر صفر المذكور وكان سلطانا مهيبا فارسا كريما فتاكا ظالما جبارا منهمكا على الخمر واللذات طامعا فى أموال الناس وقد كان خلع في سنة 808 بأخيه المنصور عبد العزيز نحو شهرين ثم أعيد في جمادى الآخرة منها وأمسك اخاه فحبسه ثم قتله والعجب أن هذا السلطان المشتمل على هذه الأوصاف هو المحدث للمقامات فى بيت الله الحرام التى كانت سببا لتفريق الجماعات واختلاف القلوب والتباين الكلي فى اشرف بقاع الأرض فإنا لله وإنا إليه راجعون وليس العجب من صاحب الترجمة فإنها إحدى مساويه وجهالاته ولكن العجب من تقرير من بعده لذلك وسكوت العلماء إلى الآن وقد ذكر قطب الدين الحنفى فى الأعلام ما يدل على أنه أنكر هذه المقامات علماء ذلك العصر فقال فى ترجمة السلطان سليم خان سلطان الروم
ما لفظه إن تعدد المقامات فى مسجد واحد لاستقلال كل مذهب بإمام ما أجازه كثير من العلماء وأنكروه غاية الإنكار في ذلك العهد ولهم فى ذلك العصر رسالات متعددة بأيدى الناس إلى الآن وأن علماء مصر افتوا بعدم جوازم ذلك وخطأوا من قال بجواز ذلك انتهى(2/20)
فضل الله بن عبدالله بن عبد الرزاق بن إبراهيم بن مكانس المجد ابن الفخر المصرى القبطى الحنفى المعروف بابن مكانس ولد فى شعبان سنة 769 تسع وستين وسبعمائة ونشأ فى عز ونعمة فى كنف أبيه فتخرج وتأدب ومهر ونظم الشعر وهو صغير جدا فإن أباه كان صحب البدر البشتكى فانتدبه لتأديبه فخرجه فى أسرع مدة فنظم الشعر الفائق وباشر فى حياة ابيه توقيع الدست بدمشق وكان أبوه وزيرا هنالك ثم قدم القاهرة فلما مات أبوه ساءت حاله ثم خدم فى ديوان الإنشاء وتنقلت رتبته فيه إلى أن جاءت الدولة المؤيدية فامتدح المؤيد بقصائد فأحسن القاضي ابن البارزى السفارة له عنده بحيث أثابه ثوابا حسنا وشعره فى الذروة العليا وهو احد المجيدين من المتأخرين مع قلة بضاعته فى العربية ولذلك يقع له اللحن نادرا وقد جمع ديوان أبيه ورتبه ولأبيه فيه موريا باسمه ( أرى ولدي قد زاده الله بهجة *** وكمله في الخلق والخلق مذنشا ) ( سأشكر ربى حين أوتيت مثله *** وذلك فضل الله يؤتيه من يشا ) ومن نظم صاحب الترجمة مهنيا لأبيه بعوده من سفر ( هنيت يا أبتى بعودك سالما *** وبقيت ما طرد الظلام نهار ) ( ملئت بطون الكتب فيك مدايحا *** حقا لقد عظمت بك الأسفار )
ومن مقطعاته العذبة ( بحق الله دع ظلم المعنى *** ومتعه كما يهوى بأنسك ) ( وكف الصديا مولاي عمن *** بيومك رحت تهجره وأمسك ) ومنها ( قالت وقد عشقتهم *** قاماتهم والاعينا ) ( ان رمت تلقانا فلج *** بين السيوف والقنا ) ( ومنها ( رب خذ بالعدل قوما *** أهل ظلم متوالى ) ( كلفونى بيع خيلى *** برخيص وبغالى وشعره كثير وكله غرر ومات بالطاعون في يوم الأحد خامس وعشرين ربيع الآخر سنة 822 اثنتين وعشرين وثمانمائة(2/21)
فضل الله بن غالى الهمداني
الوزير الملقب رشيد الدولة كان أبوه عطارا يهوديا فأسلم ابنه هذا واتصل بغازان سلطان التتار المتقدم فخدمه وتقدم عنده بالطب إلى أن استوزره وكان يناصح المسلمين ويذب عنهم ويسعى فى حقن دمائهم وله فى تبريز آثار عظيمة من البر وكان شديدا على من يعاديه أو ينتقصه لا يزال يسعى فى هلاكه حتى يهلكه وكان متواضعا سخيا كثير البذل للعلماء والصلحاء وله تفسير للقرآن فسره على طريقة الفلاسفة فنسب إلى الالحاد وقد احترقت تواليفه بعد قتله وأتفقت له محنة كان فيها هلاكه وذلك أنه لما مات خربيدا ملك التتار طلبه السلطان جوابان على البريد فقال له أنت قتلت الخان فقال معاذ الله أنا كنت رجلا عطارا ضعيفا بين الناس فصرت(2/22)
في أيامه وأيام أخيه متصرفا فى الممالك فكيف أقتله فأحضروا الطبيب ابن الحران إليهودى طبيب خربيدا فسألوه عن سبب موت خربيدا فقال أصابته علة فوقع له أسهال بسببها نحو ثلاث مائة مجلس فطلبنى بحضور رشيد الدولة وطلب الأطباء فاتفقنا على أن نعطيه ادوية قابضة حابسة فقال رشيد الدولة هو الآن يحتاج إلى الاستفراغ فسقيناه مسهلا فوقع له من ذلك نحو سبعين مجلسا فسقطت قوته فمات وصدقه رشيد الدولة على ذلك فقال جوابان لرشيد الدولة فأنت قتلته وأمر بقتله فقتل وفصلوا اعضاه وبعثوا إلى كل بلد بعضو ويقال انه وجد له بعد قتله الف الف مثقال وكان قتله فى سنة 716 ست عشر وسبعمائة وعمره فوق ثمانين سنة قال الذهبي كان له رأي ودهاء ومروءة وكان الشيخ تاج الدين الأفضل يذمه ويرميه بدين الأوائل(2/23)
حرف القاف
السيد القاسم بن إبراهيم بن الحسن بن يوسف ابن المهدى محمد بن المهدى أحمد بن الحسن ابن الإمام القاسم بن محمد ولد بعد أخيه إسماعيل بن إبراهيم المتقدم تاريخ ولادته فى ترجمته ونشأ بصنعاء وأخذ العلم عن جماعة من علمائها ومنهم شيخنا أحمد بن محمد الحرازي المتقدم ذكره والقاضى على بن أحمد الحكمي وغيرهما وقرأ على فى شرح غاية السول وفى شرحى على المنتقى وفى مؤلفى المسمى بالدرر وشرحه المسمى بالدرارى وفى البخارى وأمالى الإمام أحمد بن عيسى وهو من فضلاء آل الإمام علما وعملا وحسن اخلاق وله نظم حسن فمنه
ما كتبه إلى أيام قرائته على ( إليك وإلا لا يساق ركاب *** وعنك وإلا لايجاز كتاب ) ( عليك وإلا من عليه معول *** ولولاك ما للمشكلات جواب ) ( وفيك وإلا ليس فى الشعر حكمة *** ومنك وإلا فالشراب سراب ) ( وأنت وإلا الشمس فى الأرض مشرق *** يداك وإلا للسخاء سحاب ) ( برزت وإلا فالتشخص للعلا *** محال وأنى للعزيز طلاب ) ( ومن ذا الذى قرت وطابت وطولت *** عيون وأنفاس به ورقاب ) ( سوى العلم البدرالذي صار منصفا *** له في كمال المكرمات مآب ) ( هو ابن على من له الآن شوكة *** يعزبها دين الهدى ويهاب ) ( فلا زال مرفوعا بنصب جوازم *** من الأمر فيها حكمة وصواب ) ( ولا زال شمسا للعلوم باسرها *** وعمدة هذا انتقاه كتاب ) ( لمجموع أحكام الفنون ملخص *** ومنتخب غيثا حواه عباب ) ( سلام عليه يحكى الروض عرفه *** وقد باكرته نسمة وسحاب ) وهو الآن حي يسعى فى تحصيل العلوم ويجهد فى طاعة الحى القيوم مستمرا على القراءة على بلغه الله الأمل
السيد القاسم بن إبراهيم الظفرى ولد في شعبان سنة 1179 تسع وسبعين ومائة وألف ونشأ بصنعاء فأخذ عن جماعة من علمائها كشيخنا العلامة عبد الله بن الحسن بن على والسيد العلامة على بن عبدالله الجلال والسيد العلامة ابراهيم بن عبدالقادر ولعل له قراءة على شيخنا العلامة السيد عبد القادر بن أحمد والقاضى العلامة أحمد بن محمد قاطن واستقاد فى النحو والصرف والمنطق والمعانى والبيان والأصول وله فهم قوي وذهن سوي وحفظ الأدب وحسن المحاضرة وقوة عارضة في المذاكرة وعزم من صنعاء إلى ذى جبلة متوليا على أوقاف تلك الجهة وهو الآن هنالك ولو تفرغ للاشتغال وسلم عن عوارض الأشغال لنال بفهمه السليم وفكره الكريم أعلى مراتب الكمال وولى ولايات وجرت له قصص وحروب ومات فى شهر رجب سنة 1227 سبع وعشرين ومائتين وألف(2/24)
السيد القاسم بن أحمد بن عبد الله بن القاسم بن أحمد بن لقمان ابن أحمد بن شمس الدين ابن الإمام المهدى أحمد بن يحيى
وتمام نسبه قد تقدم فى ترجمة الإمام المهدى ولد في سنة 1166 ست وستين ومائة وألف بموضع يقال له صنعة بضم الصاد المهملة وسكون الموحدة ثم مهملة وهى قرية بقرب مدينة ذمار فيها جماعة من السادات آل لقمان ثم انتقل صاحب الترجمة إلى مدينة ذمار فقرأ على جماعة من مشايخ الفقه كالسيد العلامة أحمد بن على بن سليمان والفقيه العلامة محسن ابن حسن الشويطر وغيرهما وبرع فى علم الفروع وقرأ هنالك فى علم النحو ثم ارتحل إلى صنعاء لسبب اقتضى ذلك فوصل إليها فى سنة 1193 وقرأ فى العربية والأصول على جماعة وأخذ عنى فى العربية وحضر في دروسى الحديثية وهو مفرط الذكاء سريع الفهم قوى الإدراك استفاد بدرايته أكثر مما استفاد بروايته ونظم الشعر الفائق وطارح بشعره جماعة من الأدباء واستقر بصنعاء وتزوج بها وأضرب عن العود إلى وطنه وله همة علية وشهامة علوية ونفس أبيه وسيادة هاشمية لا يخضع في مطلب من(2/25)
مطالب الدينا ولا يدنو لأربابها بل يكتفى منها بما يصل إليه من أموال له ورثها عن أبيه وقد ينوب فى الأعمال الشرعية إذا عول عليه من يألف به من القضاة فيفصلها على أحسن اسلوب مع عفة ونزاهة وهو أجل من كثير من قضاة العصر بل يصغر عن عظيم قدره القضاء وتحريراته فى القضايا الشرعية مقبولة عند الخاص والعام مرضية عند الصغير والكبير يقنع بها المحكوم عليه كما يقنع بها المحكوم له وبينى وبينه مودة أكيدة ومحبة قوية وهو لا يمل جليسه ولا يستوحش أنيسه لما جبل عليه من لطف الطبع وكمال الظرف وقد استمر الاتصال بينى وبينه زيادة على خمس عشرة سنة قل أن يمضى يوم من الأيام لا نجتمع فيه ويجرى بيننا مطارحات أدبية في كثير من الأوقات ومراجعات علمية فى عدة مسائل منها ما هو منظوم ومنها ما هو منثور فمن ذلك هذا السؤال الذى اشتمل على نظم ونثر يأخذ بمجامع القلوب كتبه إلى فى أيام سابقة ولفظه حرس الله سماء المفاخر بجماية بدرها الزاهى الزاهر وأتحف روضها الناظر بكلاية غيثها الهامى الهامر وأهدى إليه تحية عطرة وبركة خضرة نضرة ما مسحت أقلام الكتبة مفارق المحابر ورتعت أنظار الطلبة فى حدائق الدفاتر صدرت هذه الأبيات فى غاية القصور أقيلوا عثارها ان كان لكم عليها عثور تستمنح منكم الفرائد وتستمد منكم الفوائد أوجب تحريرها أنه ذكر عند بعض الأماثل جماعة المتصوفة فأثنى عليهم وأطنب وأطرى وأطرب واستشهدنى فقلت بموجب قوله مستثنيا منهم الحلاج وابن عربي ومن يساويهما فأصر واستكبر وأبدا قولا يستنكر فجرى بيننا خلاف مفرط فاحكم بيننا بالحق ولا تشطط(2/26)
( أعن العذول يطيق يكتم مابه *** والجفن يغرق في خليج سحابه ) ( جازت ركايبه الحمى فتعلقت *** أحشاؤه بشعابه وهضابه ) ( نفد الزمان وما نفدن مسائلى *** فى الحب والتنفير عن أربابه ) ( فركضت فى ميدانه وكرعت من *** غدرانه وركعت فى محرابه ) ( وسألت عن تحقيقه وبحثت عن *** تدقيقه وكشفت عن أسبابه ) ( فوجدت أخبار الغرام كواذبا *** في أكثر الفتيان من طلابه ) ( فيميت من شهواته لحياته *** ويرد فضل ذهابه لإيابه ) ( ولقل ما يلقى امرءا متصوفا *** ينحو طريق الحب من أبوابه ) ( يجد الخطيئة كالقذاة لعينه *** فرمى بها فى الدمع عن تسكابه ) ( أخذ الطريقة بالحقيقة سالكا *** نهج النبى قد اقتدى بصوابه ) ( تمضى به اللحظات وهو محاسب *** للنفس قبل وقوفه لحسابه ) ( هذي الطريقة للمريد مبلغ *** مخ التصوف وهي لب لبابه ) ( وجماعة رقصوا على أوتارهم *** يتجاذبون الخمر عن أكوابه ) ( يتواجدون لكل أحوى أحور *** يتعللون من الهوى برضابه ) ( ألوحدة جعلوا المثانى مونسا *** واللحن عند الذكر من اعرابه ) ( أصحاب أحوال تعدوا طورهم *** فتنكروا في الحال عن أحزابه ) ( زجروا مطاياهم إليه وإنما *** نكص الغرام بهم على أعقابه ) ( دعواك معرفة العيون سفاهة *** والشرع قاض والنهى بكذابه ) ( فمن المحال ترى المهامه تنطوى *** لمشعبذ من دون وخد ركابه ) ( وخرافة بشر يرى متشكلا *** متمكنا من لبس غير اهابه ) ( رجحت نهاى فلا أصدق ما سوى *** رسل المليك وترجمان كتابه )(2/27)
( فدع التصوف واثقا بحقيقة *** واحرص ولا يغررك لمع سرابه ) ( للقوم تعبير به يسبى النهى *** طربا ويثنى الصب عن أحبابه ) ( فيرون حق الغير غير محرم *** بل يزعمون بأنهم أولى به ) ( لبسو المدارع واستراحوا جرأة *** عن أمر باريهم وعن إيجابه ) ( خرجوا عن الإسلام ثم تمسكوا *** بتصوف فتستروا بحجابه ) ( فأولئك القوم الذين جهادهم *** فرض فلا يعدوك نيل ثوابه ) ( وإذا أرابك ما أقول فسل به *** من عنده فى الحكم فصل خطابه ) ( علامة المعقول والمنقول من *** حكمت له العليا على أترابه ) ( فذ الزمان وتوأم المجد الذى *** ساد الأكابر في أوان شباب ) ( بدر الهدى النظار سله مقبلا *** كفيه ملتمسا لرد جوابه ) ( فمحمد بن على ابن محمد *** منى ومنك محقق ادرى به ) ( سله زكاة الاجتهاد فإنه *** ان صح فقرك محرز لنصابه ) فأجبت عن هذا السؤال برسالة فى كراريس سميتها الصوارم الحداد القاطعة لعلائق مقالات أرباب الاتحاد وسأذكر ههنا ما أجبت به عن النظم فقط وهو ( هذا العقيق فقف على أبوابه *** متمايلا طربا لوصل غرابه ) ( يا طالما قد جبت كل تنوفة *** مغبرة ترجو لقا أربابه ) ( وقطعت أنساع الرواحل معلنا *** فى كل حى جئته بطلابه ) ( حتى غدت غدران دمعك فيضا *** بالسفح فى ذا السفح من تسكابه ) ( والعمر وهو أجل ما خولته *** أنفقته في الدور فى أدرابه ) ( وعصيت فيه قول كل مفند *** وسددت سمعا عن سماع خطابه )(2/28)
( بشراى بعد اليأس وهو خطيبه *** بتبدلى سهل الهوى بصعابه ) ( قد أنجح الله الذى أملته *** وكدحت فيه لنيل لب لبابه ) ( وهجرت فيه ملاعبى ولقيت فيه *** متاعبى ومنيت من أوصابه ) ( وشربت كاسات الفراق وقد غدت *** ممزوجة بزعافه وبصابه ) ( وبذلت للهادى إليه نفائسي *** ومنحته منى بملء وطابه ) ( فحططت رحلى بين سكان الحمى *** وأنخته فى مخصبات شعابه ) ( وشفيت نفسى بعد طول عنائها *** فى قطع حزن فلاته وهضابه ) ( ووضعت عن عنقى عصى الترحال لا *** أخشى العذول ولا قبيح عتابه ) ( فأنا ولا فخر الخبير بأرضه *** وأنا العروف بشامخات عقابه ) ( وأنا العليم بكل مافى شرحه *** وأنا المترجم عن خفى جوابه ) ( يا ابن الرسول وعالم المعقول والمنقول *** أنت بمثل ذا أدرى به ) ( لا تسألن عن العقيق فإنها *** قد ذللت لك جامحات ركابه ) ( وكرعت في تلك المناهل برهة *** وشربت صفو الورد من أربابه ) ( وقعدت في عرصاته متمايلا *** متبسما نشوان من اطرابه ) ( واسلم ودم أنت المعد لمعضل *** أعنا الورى يوما بكشف نقابه ) ( وخذ الجواب فما به خطل ولا *** عصبية قدحت بعين صوابه ) ( سكانه صنفان صنف قد غدا *** متجردا للحب بين صحابه ) ( قد طلق الدنيا فليس بضارع *** يوما لنيل طعامه وشرابه ) ( يمشى على سنن الرسول مفوضا *** للأمر لا يلوى للمع سرابه ) ( يرضى بميسور من الدنيا ولا *** يغتم عند نفارها عن بابه 0 متقللا منها تقلل موقن *** بدروس رونقها وقرب ذهابه )(2/29)
( متزهدا فيما يزول مزايلا *** ادراك ما يبقى عظيم ثوابه ) ( جعل الشعار له محبة ربه *** وثنى عنان الحب عن أحبابه ) ( أكرم بهذا الصنف من سكانه *** أحبب بهذا الجنس من أحزابه ) ( فهم الذين أصابوا الغرض الذى *** هو لامرا في الدين لب لبابه ) ( ولكم مشى هذي الطريقة صاحب *** لمحمد فمشوا على أعقابه ) ( فيها الغفارى قد أناخ مطية *** ومشى بها القرنى بسبق ركابه ) ( وبها فضيل والجنيد تجاذبا *** كأس الهوى وتعللا برضابه ) ( وكذاك بشر وابن أدهم أسرعا *** مشيا به والكينعى مشى به ) ( أما الذين غدوا على أوتارهم *** يتجاذبون الخمر فى أكوابه ) ( ولوحدة جعلوا المثاني مونسا *** واللحن عند الذكر من اعرابه ) ( ويرون حق الغير غير محرم *** بل يزعمون بأنهم اولى به ) ( فهم الذين تلاعبوا بين الورى *** بالدين وانتدبوا لقصد خرابه ) ( قد نهج الحلاج طرق ضلالهم *** وكذاك محيى الدين لاحيا به ) ( وكذاك فارضهم بتائياته *** فرض الضلال عليهم ودعا به ) ( وكذا ابن سبعين المهين فقد عدا *** متطورا فى جهله ولعابه ) ( رام النبؤة لالعا لعثوره *** روم الذباب مصيره كعقابه ) ( وكذلك الجيلى أجال جواده *** في ذلك الميدان ثم سعى به ) ( انسانه إنسان عين الكفر لا *** يرتاب فيه سابح بعبابه ) ( والتلمسانى قال قد حلت له *** كل الفروج فخذ بذا وكفى به ) ( نهقوا بوحدتهم على روس الملا *** ومن المقال أتوا بعين كذا به ) ( ان صح ما نقل الأئمة عنهم *** فالكفر ضربة لازب لصحابه )(2/30)
( لاكفر فى الدنيا على كل الورى *** ان كان هذا القول دون نصابه ) ( قد ألزمونا ان ندين بكفرهم *** والكفر شر الخلق من يرضى به ) ( فدع التعسف فى التأول لا تكن *** كفتى يغطي جيفة بثيابه ) ( قد صرحوا أن الذى يبغونه *** هو ظاهر الأمر الذي قلنا به ) ( هذي فتوحات الشؤم شواهد *** أن المراد له نصوص كتابه ) ( وقد أوضحت فى تلك الرسالة حال كل واحد من هؤلاء وأوردت نصوص كتبهم وبينت أقوال العلماء فى شأنهم وكان تحرير هذا الجواب في عنفوان الشباب وأنا الآن اتوقف فى حال هؤلاء وأتبرأ من كل ما كان من أقوالهم وأفعالهم مخالفا لهذه الشريعة البيضاء الواضحة التى ليلها كنهارها ولم يتعبدني الله بتكفير من صار فى ظاهر أمره من أهل الإسلام وهب أن المراد بما فى كتبهم وما نقل عنهم من الكلمات المستنكرة المعنى الظاهر والمدلول العربى وأنه قاض على قائله بالكفر البواح والضلال الصراح فمن أين لنا أن قائله لم يتب عنه ونحن لو كنا في عصره بل في مصره بل فى منزله الذى يعالج فيه سكرات الموت لم يكن لنا إلى القطع بعدم التوبة سبيل لأنها تقع من العبد بمجرد عقد القلب مالم يغرغر بالموت فكيف وبيننا وبينهم من السنين عدة مئين ولا يصح الاعتراض على هذا بالكفار فيقال هذا التجويز ممكن فى الكفار على اختلاف أنواعهم لأنا نقول فرق بين من أصله الإسلام ومن أصله الكفر فإن الحمل على الأصل مع اللبس هو الواجب لاسيما والخروج من الكفر إلى الإسلام لا يكون إلا بأقوال وأفعال لا بمجرد عقد القلب والتوجه بالنية المشتملين على الندم والعزم على عدم المعاودة فإن ذلك يكفى فى التوبة ولا يكفى فى مصير(2/31)
الكافر مسلما وأيضا فرق بين كفر التأويل وكفر التصريح على أنى لا أثبت كفر التأويل كما حققته فى غير هذا الموطن وفي هذه الإشارة كفاية لمن له هداية وفى ذنوبنا التى قد اثقلت ظهورنا لقلوبنا أعظم شغلة وطوبى لمن شغلته عيوبه ومن حسن إسلام المرء تركه مالا يعنيه فالراحلة التى قد حملت مالا تكاد تنوء به إذا وضع عليها زيادة عليه انقطع ظهرها وقعدت على الطريق قبل وصول المنزل وبلا شك أن التوئب على ثلب أعراض المشكوك في اسلامهم فضلا عن المقطوع بإسلامهم جراءة غير محمودة فربما كذب الظن وبطل الحديث وتقشعت سحائب الشكوك وتجلت ظلمات الظنون وطاحت الدقائق وحقت الحقائق وأن يوما يفر المرء من أبيه ويشح بما معه من الحسنات على أحبابه وذويه لحقيق بأن يحافظ فيه على الحسنات ولا يدعها يوم القيامة نهبا بين قوم قد صاروا تحت اطباق الثرى قبل أن يخرج إلى هذا العالم بدهور وهو غير محمود على ذلك ولا مأجور فهذا مالا يفعله بنفسه العاقل وأشد من ذلك أن ينثر جراب طاعاته وينثل كنانة حسناته على أعدائه غير مشكور بل مقهور وهكذا يفعل عند الحضور للحساب بين يدى الجبار بالمغتابين والنمامين والهمازين واللمازين فإنه قد علم بالضرورة الدينية أن مظلمة العرض كمظلمة المال والدم ومجرد التفاوت في مقدار المظلمة لا يوجب عدم انصاف ذلك الشىء المتفاوت أو بعضه بكونه مظلمة فكل واحدة من هذه الثلاث مظلمة لآدمى وكل مظلمة لآدمى لا تسقط الا بعفوه ومالم يعف عنه باق على فاعله يوافى عرصات القيامة فقل لى كيف يرجو من ظلم ميتا بثلب عرضه أن يعفو عنه ومن ذاك الذى يعفو في هذا الموقف وهو أحوج(2/32)
ما كان إلى ما يقيه عن النار وإذا التبس عليك هذا فانظر ما تجده من الطباع البشرية فى هذه الدار فإنه لو ألقى الواحد من هذا النوع الإنسانى إلى نار من نيار هذه الدنيا وأمكنه أن يتقيها بأبيه أو بأمة أو بابنه أو بحبيبه لفعل فكيف بنار الآخرة التى ليست نار هذه الدنيا بالنسبة إليها شيئا ومن هذه الحيثية قال بعض من نظر بعين الحقيقة لو كنت مغتابا أحدا لاغتبت أبى وأمى لأنهما أحق بحسناتي التى تؤخذ منى قسرا وما أحسن هذا الكلام ولا ريب أن أشد أنواع الغيبة وأضرها وأشرها وأكثرها بلاء وعقابا ما بلغ منها إلى حد التكفير واللعن فإنه قد صح أن تكفير المؤمن كفر ولعنه راجع على فاعله وسبابه فسق وهذه عقوبة من جهة الله سبحانه وأما من وقع له التكفير واللعن والسب فمظلمة باقية على ظهر المكفر واللاعن والسباب فانظر كيف صار المكفر كافرا واللاعن ملعونا والسباب فاسقا ولم يكن ذلك حد عقوبته بل غريمه ينتظر بعرصات المحشر ليأخذ من حسناته أو يضع عليه من سيئاته بمقدار تلك المظلمة ومع ذلك فلا بد من شىء غير ذلك وهو العقوبة على مخالفة النهى لأن الله قد نهى في كتابه وعلى لسان ورسوله عن الغيبة بجميع أقسامها ومخالف النهي فاعل محرم وفاعل المحرم معاقب عليه وهذا عارض من القول جرى به القلم ثم أحجم عن الكلام سائلا من الله حسن الختام راجعا إلى كمال ترجمة ذلك السيد الهمام فنقول صاحب الترجمة حال تحرير هذه الأحرف مستمر على تلك الخصال الجميلة والمناقب الجليلة قانع بميسور من العيش مؤثر للخمول الذى هو الراحة والنعمة المجهولة زاده الله من أفضاله وأنجح له ما يرجوه من آماله وتوفى رحمه الله
فى سنة . . .(2/33)
القاسم ابن أمير المؤمنين المتوكل على الله أحمد
ابن أمير المؤمنين المنصور بالله على ابن أمير المؤمنين المهدى العباس ابن أمير المؤمنين المنصور حسين ابن أمير المؤمنين المتوكل القاسم ابن حسين بن أحمد بن أحسن ابن الإمام القاسم بن محمد ولد سنة 1211 احدى عشر ومائتين وألف ونشأ في حجر الخلافة نشوا طاهرا فلما قارب سن البلوغ قرأ بلوغ المرام على الشيخ العلامة محمد عابد السندى عند وفوده إلى حضرة أبيه ثم حفظه من أوله إلى آخره عن ظهر قلب ووصل إلى وأسمعه على من حفظه من أوله إلى آخره والكتاب بيدى فسبحان الفاتح المانح وهو الآن يسمع على صحيح البخارى ومسلم يفد إلى فى بعض أيام الأسبوع ويواظب على ذلك مواظبة عظيمة ويفهم فهما جيدا ويحفظ حفظا صالحا مع اشتغاله بقراءة علم الآلة واكبابه على مطالعة الكتب الحديثية وله بالسنة المطهرة شغف عظيم ومحبة زائدة ويعمل بكل ما صح منها ولا يبالى أطار لوم من يلومه أم وقع ولا يلتفت إلى من يريد صده عن ذلك لأنه قد عرف أن هذا هو الحق الذى بعث الله به رسوله وأنزل به كتابه ووالده مولانا الإمام حفظه الله يرغبه فى ذلك ويقوى عزمه عليه ويعجبه ما يرى منه والحمد لله الذى أخرج من هذا البيت الشريف مثل هذا الفاضل زاده الله علما وكمالا وعملا بالحق وانقيادا له
وجعله من أنصار السنة المطهرة وعمره عند تحرير هذه الترجمة نحو سبع عشرة سنة(2/34)
السيد القاسم بن الحسن بن مطهر بن محمد بن الحسين الجرموزى
الصنعانى منشأ ووفاة ولد ببندر المخافي أيام ولاية والده لها ثم انتقل إلى صنعاء وطلب العلم على جماعة من العلماء وقد ذكر جميع مسموعاته ومشايخه فى ترجمته لنفسه في مصنفه الذي سماه صفوة العاصر فى آداب المعاصر وهو كتاب حسن ذكره فيه جماعة من أهل عصره ومن قرابته وخصص الشعراء وذكر من أشعارهم وما دار بينه وبينهم وما يتعلق بذلك وولاه المهدى صاحب المواهب أعمالا ثم ولاه آخرا القضاء بصنعاء فباشره مباشرة حسنة بعفة ونزاهة وديانة وله مؤلف سماه نزهة الفطن فى من ملك اليمن وله شعر حسن فمنه في تشبيه البرق ( كأنما البرق إذا ما اختفى *** فلاح فى العارض غب القصار ) ( وجنة عذرى رابها مبصر *** فاستترت من خوفه بالخمار ) وله قصائد منسجمة وأبيات قليلة التكلف كقوله ( أغار عليك من نظري *** وإن بلغتنى وطري ) ( وأحسد خاطري من أن *** تمر عليه في فكرى ) ( بنفسى أنت من قمر *** علا عن بهجة القمر ) ( وما قد حزت من هيف *** وقد كلقنا النضر ) ( وطرف من لطافته *** استعارت نسمة السحر )
ومن ذلك قوله ( لم لا ترقوا سادتي *** وترحموا صبابتى ) ( وتذكروا هجرى الذى *** ذابت له حشاشتى ) ( وترحموا لى حالة *** قد رق منها شامتى ) ( ويلاه من بدر دجى *** ضلت به هدايتى ) وشعره غالبه على هذا الأسلوب ومات فى سنة 1146 ست وأربعين ومائة وألف(2/35)
الإمام المتوكل على الله القاسم بن الحسين بن أحمد ابن الحسن ابن الإمام القاسم بن محمد
ولد سنة .... ونشأ منشأ آبائه الأمثال ومارس كثيرا من معارك القتال وصار مع عمه الإمام المهدى صاحب المواهب من أعظم الرؤساء وكان يبعثه فى المهمات فيدفعها ويقوم بحلها وتارة كان يعتقله لما يرى من ميل الناس إليه وعلو همته وترشيحه للخلافة واتفق في أيام اعتقاله أنه عرض للمهدي مهم عظيم لا يقوم به الا صاحب الترجمة فأخرجه من الحبس وأرسله فى طائفة من الجيوش ثم ندم على ذلك وعرف أنه قد أخطأ فبعث إليه ليعود فما أسعد ومضى لذلك المهم فقضاه ثم بعد ذلك رغب الناس إليه وأرادوا أن يبايعوه فامتنع معتذرا بأنه لم يكن فى العلم مستوفيا للاجتهاد محيطا بما يحتاج إليه فى الإصدار والإيراد بل أمرهم بأن يبايعوا الحسين بن القاسم ابن المؤيد صاحب شهارة وكان من مشاهير العلماء وبايعه صاحب الترجمة وتلقب بالمنصور بالله والحل والعقد بيد صاحب الترجمة وليس للحسين الا الإسم ثم شرع فى مناجزة المهدى فقاد إليه الجيوش وحاصره فى المواهب(2/36)
وكان ابتداء ذلك فى سنة 1126 ثم ان المهدى خلع نفسه وبايع الحسين بن القاسم ابن المؤيد وكان ذلك بعد محاصرة عظيمة وحروب شديدة ثم كثر الاضطراب من الحسين بن القاسم فخلعه صاحب الترجمة ومال الناس إليه فبايعوه فى سنة 1128 فامتنع المهدى عن ذلك متعللا بأنه انما خلع نفسه بشرط أن يكون الخليفة الحسين بن القاسم لاصاحب الترجمة فأعاد صاحب الترجمة الحصار له وقاد إليه الجيوش فأذعن وبايع في سنة 1129 ولم يختلف بعد ذلك على المترجم له أحد من الناس وصفت له اليمن وثبتت قدمه وكان يستقر غالب الأيام بصنعاء ويخرج في بعض الأوقات إلى حدة فيستقر فيها وله بها دار عظيمة عمرها ومسجدا بجنبها وقد صار الجميع حال تحرير هذه الأحرف خرابا وكان له من الشجاعة مالم يكن لغيره فإنها اتفقت منه قضايا تدل على أنه في قوة القلب وثبات الجنان بمحل يقصر عنه غالب نوع الإنسان ولو لم يكن من ذلك الا ماوقع منه من القتل لرئيس حاشد وبكيل المعروف بابن حبيش فإنه قتله في بيته وبين قبيلته وليس معه من يقوم بحرب بعض البعض من اتباع ابن حبيش ثم تم ذلك الأمر وسلمه الله وصارت هذه القضية تضرب بها الأمثال ولا سيما في عصره وما يقرب من عصره لاستعظامهم لمقدار ابن حبيش ولكثرة اتباعه ولصاحب الترجمة من المحبة للفقراء والاحسان إليهم وانفاق بيوت الأموال عليهم مالا يمكن القيام بوصفه ومع هذا فله إلى آل الإمام من البر والبذل أمر عظيم ولم يرعوا له ذلك بل خرجوا عليه وفروا إلى بلاد القبلة واجتمع منهم جمع كثير ومن اعيانهم السيد العلامة محمد بن عبد الله بن الحسين ابن الإمام القاسم بن محمد والسيد محسن بن
المؤيد وجماعة كثيرة وكان سبب ذلك أن رجلا يقال له الشجنى كان يلى بعض أعمال صاحب الترجمة فوقع منه إلى جناب جماعة من أعيان السادة مالم تجر لهم به عادة من التسوية بين أموالهم وأموال سائر الرعايا ومع ذلك فما فازوا بشىء ولا نالوا خيرا ومات السيد محمد بن عبد الله في قرية يقال لها هاوم وهو كان كبيرهم الذى يرشحونه للخلافة فتفرقوا بعد ذلك وكان جميع ذلك في سنة 1136 ولصاحب الترجمة من المحاسن والحروب والفتكات مالا يتسع له الا سيرة مستقلة وقد جمع له سيرة السيد محسن بن حسن بن أحمد بن القاسم بن محمد وكان موت صاحب الترجمة في ثانى شهر رمضان سنة 1139 تسع وثلاثين ومائة وألف وولى بعده ولده الإمام المنصور بالله الحسين بن القاسم حسبما تقدم في ترجمته(2/37)
الفقيه قاسم بن سعد بن لطف الله الجبلى
ولد تقريبا في سنة الثمانين من المائة الثانية عشر أو قبلها بقليل أو بعدها بقليل وقرأ فى الآلات وفقه الشافعية ورحل إلى زبيد فقرأ على مشايخها وقرأ فى علم الطب فصار طبيبا ماهرا وقرأ على فى أوائل الأمهات الست وأوائل المسندات وما يلتحق بها وقرأ على فى شرح العمدة لابن دقيق العيد وكانت قراءته على في مدينة ذى جبلة عند قدومى إليها مع مولانا الإمام المتوكل على الله ولازمنى ملازمة تامة وهو فايق الذكاء جيد الفهم حسن الإدراك حسن المحاضرة له فى الأدب يد حسنة وكان سماعه منى في سنة 1226 فى ذى جبلة وفى ذي السفال وأجزت له جميع مروياتى ثم سمع منى فى صنعاء في الصحيحين وغيرهما وصار الآن فى صنعاء فى الحضرة الإمامية وهو طبيب الخلافة وله معرفة
تامة بالفقه والعلم والحديث وعلم الآلة(2/38)
السيد القاسم بن عبد الرب بن محمد بن الحسين الكوكبانى
ولد في ذى الحجة سنة 1173 ثلاث وسبعين ومائة ألف بكوكبان ونشأ بها فقرأ على السيد العلامة عيسى بن محمد المتقدم ذكره وعلى غيره من أهل تلك الجهة وتعانى النظم فجاء منه بما هو في الغاية القصوى بحيث سارت قصائده واشتهر نظمه وطارحه الأدباء من كثير من الجهات وفاق في هذا الشأن وقد ترجم له ابن عمه السيد العلامة عبد الله بن عيسى بن محمد المتقدم ذكره فى الحدائق ترجمة حافلة ومما أورده له قوله فى القول بالموجب مع التورية وأجاد ( أفدى الذى قد قال لى مرة *** وعاذلى يسمع من قرب ) ( ما القول بالموجب يا سيدى *** قلت مناجاتك بالقلب ) وهو الآن بدر طالع بكوكبان قد حمل خافقة لواء الأدب وسلم له السبق أبناء هذا الشأن فلم يختلف فى تقديمه على أهل بلده اثنان وله فى العلم باع وساع واطلاع أى اطلاع ثم مات رحمه الله فجأة فى شهر محرم سنة 1216 ست عشرة ومائتين وألف(2/39)
قاسم بن قطلوبغا زين الدين السودنى المعروف بقاسم الحنفى ولد فى المحرم سنة 802 اثنتين وثمان مائة بالقاهرة ومات أبوه وهو صغير فنشأ يتيما وحفظ القرآن وكتبا عرض بعضها على العز بن جماعة ثم أقبل على الاشتعال على جماعة من علماء عصره كالعلاء البخارى والشرف السبكى وابن الهمام وقرأ في غالب الفنون وتصدر للتدريس والافتاء قديما وأخذ عنه الفضلاء في فنون كثيرة وصار المشار إليه فى الحنفية ولم يخلف بعده مثله وله مؤلفات منها شرح منظومة ابن الجزري فى مجلدين وحاشية شرح الألفية للعراقى وشرح النخبة لابن حجر وخرج أحاديث عوارف المعارف للسهروردى وأحاديث الاختيارشرح المختار في مجلدين وكذلك خرج أحاديث البزدوى فى أصول الفقه وتفسير أبى الليث ومنهاج العابدين والأربعين في أصول الدين وجواهر القرآن وبداية الهداية والشفاء واتحاف الأحياء بما فات من تخريج احاديث الأحياء ومنية الألمعى بما فات الزيلعي وبغية الرائد فى تخريج أحاديث شرح العقائد ونزهة الرايض فى أدلة الفرائض ورتب مسند أبى حنيفة لابن المقرى وبوب مسند أبى حنيفة أيضا للحارثى والأمالى على مسند أبي حنيفة في مجلدين والموطأ برواية محمد بن الحسن ومسند عقبة بن عامر الصحابى وعوالى كل من أبى الليث والطحاوى وتعليق مسند الفردوس وأسئلة الحاكم للدارقطنى ومن روى عن أبيه عن جده فى مجلد والاهتمام الكلى باصلاح ثقات العجلى فى مجلد وزوائد رجال كل من الموطأ ومسند الشافعى وسنن الدارقطنى على الستة والثقات ممن لم يقع في الكتب الستة فى أربع مجلدات وتقويم اللسان في الضعفاء في مجلدين وفضول اللسان وحاشية على كل من المشتبه والتقريب لابن حجر والأجوبة على اعتراض ابن أبى شيبة علي أبى حنيفة فى الحديث وتبصرة الناقد فى كبت الحاسد فى الدفع عن أبى حنيفة وترصيع الجوهر النقى كتب منه إلى أثناء التيمم وتلخيص سيرة مغلطاى وتلخيص دولة الترك وكتاب ترجم فيه لمن صنف من الحنفية وسماه تاج التراجم وكتاب ترجم فيه مشايخ مشايخه ومشايخ(2/40)
شيوخ العصر ومعجم شيوخه وشرح كتبا من كتب فقه الحنفية كالقدورى والنقاية ومختصر المنار ودرر البحار فى المذاهب الأربعة وأجوبة على اعتراضات العز بن جماعة على أصول الحنفية وتعليقة على الأندلسية فى العروض ومختصر تلخيص المفتاح وشرح منار النظر فى المنطق لابن سيناء وله مصنفات غير هذه وقد برع فى عدة فنون ولم ينل ما يليق بجلاله من المناصب حتى التدريس فى الأمكنة التى صار يدرس بها من هو دونه فى جميع الأوصاف وله نظم كنظم العلماء فمنه رادا على من قال ( ان كنت كاذبة الذى حدثتنى *** فعليك اثم أبى حنيفة أو زفر ) ( الواثبين على القياس تمردا *** والراغبين عن التمسك بالأثر ) فقال ( كذب الذى نسب المآثم للذى *** قاس المسائل بالكتاب وبالأثر ) ( ان الكتاب وسنة المختار قد *** دلا عليه فدع مقالة من فشر ) وتوفى فى ليلة الخميس رابع ربيع الآخر سنة 879 تسع وسبعين وثمان مائة(2/41)
الإمام الأعظم المنصور بالله القاسم بن محمد بن على ابن محمد بن الرشيد
قد تقدم تمام نسبه في ترجمة ولده الحسن ولد ليلة الاثنين ثانى عشر شهر صفر سنة 967 سبع وستين وتسعمائة ثم اشتغل بطلب العلم على شيوخ ذلك العصر فبرع في الفنون الشرعية ومشايخه مشهورون مذكورون وأعيانهم قد اشتمل على تراجمهم هذا الكتاب وله مصنفات
جليلة نبيلة منها فى الحديث كتاب الاعتصام جمع فيه بين كتب أئمة الآل وكتب المحدثين من الأمهات وغيرها ورجح فى كل مسئلة ما يقتضيه ولكنها اخترمته المنية قبل تمامه فإنه لم يبلغ إلا إلى كتاب الصيام وكان ذلك المقدار فى مجلد ضخم ومنها في أصول الدين الأساس فى مجلد وقد شرحه جماعةواعترضه الكردى صاحب الحرمين بكتاب سماه النبراس وأجاب عليه العبدى بكتاب سماه الإحتراس كما تقدم فى ترجمته وكذلك أجاب عليه السيد زيد بن محمد بكتاب ولم يكمل حسبما تقدم فى ترجمته وله كتاب الارشاد فى كراريس ذكر فيه فصولا مفيدة نفيسة جيدة وله رسائل ومسائل مشهورة معروفة ولما فاق فى العلوم وحقق منطوقها والمفهوم وكانت اليمن إذ ذاك تشتعل من الدولة التركية اشتعالا لما جبلوا عليه من الجور والفساد الذى لا تحتمله طباع أهل هذه البلاد دعا هذا الإمام الناس إلى مبايعته وكان ذلك فى شهر محرم سنة 1006 ست وألف فى جبل قارة بالقاف والراء المهملة فلما ظهرت دعوته اشتد طلب الأتراك له فى كل مكان فصار يتنقل من مكان إلى مكان والحاصل أنها جرت له خطوب وحروب وكروب قد اشتمل عليها كتاب سيرته وكان تارة ينتصر فيفتح بعض البلاد اليمنية وتارة تتكاثر عليه جيوش الأتراك(2/42)
فيخرجونه عنها فيذهب هو وجماعة من خلص أصحابه الذين يأخذون عنه العلم إلى فلاة من الارض بحيث تنقطع أخبارهم عن الناس ولا يدرون أين هم فتمضى أيام على ذلك فلا يشعر الأتراك الا وهو في البلاد اليمنية قد استولى على مواضع وما زال هكذا مع اقدام وشجاعة وصبر لا يقدر عليه غيره حتى انه كان فى بعض الأوقات قد لا يجد هو ومن معه ما يأكلون عند اختفائهم فيأكلون من نبات الأرض وقد يكابد من الشدائد ما يظن كل احد أنه لا يعود بعد ذلك إلى مناجزرة الأتراك فبينماهم على يأس من رجوعه اذ هو قد وثب على بعض الأقطار وكان آخر الأمر أنه وقع الصلح بينه وبين الأتراك على أن تثبت يده على ما قد استولى عليه من البلاد وهو غالب الجبال وكان الأمر كذلك حتى مات رحمه الله فأخرج الأتراك من جميع الأقطار اليمنية أولاده وصفت لهم الديار اليمنية ولم يبق لهم فيها منازع وصارت الدولة القاسمية فى الديار اليمنية ثابتة الأساس إلى عصرنا هذا والحمد لله رب العالمين ولهذا الإمام كرامات قد اشتملت عليها المطولات وجهادات لا يتسع لها الا مجلدات وإقدامات يحجم عنها الأبطال وله فى انكار المنكرات قبل دعوته يد طولى فمن ذلك ما حكاه صاحب نسمة السحر قال أخبرنى شيخي الزاهد الصوفي الحسن بن الحسين حفيد صاحب الترجمة ان صوفيا بصنعاء كان شديد الخلاعة وكان يأكل الحشيش أكل الحمار ويستبيح المحرمات عامة فكمن له الإمام القاسم في بعض الأزقة كمون الأفعوان حتى إذا مر ضربه بعمود فأخرج دماغه من بين الآذان ثم خرج من المدينة خايفا يترقب انتهى وكان له قوة عظيمة وهو ربعة معتدل القامة إلى السمن أقرب واسع الجبهة عظيم(2/43)
العنين اشم الأنف طويل اللحية عظيمها عبل الذراعين اشعرهما فصيح العبارة سريع الإستحضار للادلة كثير الحلم يصبر على المكاره ويتحمل العظائم ولا تفزعه القعاقع ولا تحركه الا هول العظايم كان يقدم على الجيوش التى هى ألوف مؤلفة وهو فى نفر يسير ولهذا كانت له العاقبة وقهر الأعداء وأزال ملك الدولة العظيمة ومهد لعقبه هذه الدولة الجليلة التى صارت من غرر الدهور ومحاسن العصور وفيهم من هو من أئمة العلم المصنفين ومن أئمة الجهاد المثاغرين ومن الشعراء المجيدين ومن الخلفاء الراشدين ومن الفرسان المعتبرين ومن الشجعان الفائقين وقد اشتمل هذا الكتاب على تراجم جماعة من اعيانهم هم طراز هذه التراجم وتاجها وله نظم فى المواعظ والعلوم والزجر والتهديد فمن ذلك ( ياذا المريد لنفسه تثبيتا *** ولدينه عند الإله ثبوتا ) ( أسلك طريقة آل أحمد واسألن *** سفن النجا ان يسألوا ياقوتا ) ( لا تعدلن بآل أحمد غيرهم *** وهل الحصى يشاكل الياقوتا ) وله قصيدة يرد بها على السيد محمد بن عبد الله ابن الإمام شرف الدين مشهورة وله إلى السيد عبد الله بن على المؤيدى وقت ان دعا إلى نفسه ورام معارضته ( ان كنت تبغي هدم دين محمد *** فأنا المريد اقيمه بداعايم ) ( أو كنت تخبط فى غيابة باطل *** فأنا المزيل ظلامها بعزائم ) ( لولا اشتغالي بالحروب وأهلها *** لوجدت نفسك لقمة للاقم ) وكان وفاته ليلة الثلاثاء الثانى عشر من ربيع الأول سنة 1029 تسع وعشرين وألف بشهارة بعلة البرسام وتولى بعده الخلافة ولده الإمام
المؤيد بالله محمد بن القاسم وسيأتى ذكره ان شاء الله تعالى(2/44)
القاسم بن محمد بن يوسف بن محمد بن يوسف البرزالى علم الدين بن بهاء الدين الدمشقى الحافظ ولد فى جمادى الاولى سنة 665 خمس وستين وست مائة وأجاز له ابن عبد الدائم وابن علان وغيرهما ثم امعن في الطلب ودار على الشيوخ ورحل إلى حلب وبعلبك ومصر والحرمين وغيرهما وأخذ عن حفاظ هذه الجهات وخرج لنفسه أربعين بلديه وكان ابن تيمية يقول نقد البرزالي نقرفى حجر وولى تدريس الحديث بمواضع وألف تاريخا بدأ فيه من عام مولده وهى السنة التى مات فيها أبوشامة فجعله ذيلا على تاريخ أبى شامة وجمع لنفسه ثبتا فى بضع وعشرين مجلدا قال الذهبى انه كان رأسا فى صدق اللهجة والأمانة صاحب سنة واتباع ولزوم للفرائض وأثنى عليه كثيرا حتى قال وهو الذى حبب إلى طلب الحديث فإنه رأى خطى فقال خطك يشبه خط المحدثين فأثر قوله فى وسمعت منه وتخرجت به قال الصفدى كان يصحب الخصمين وكل منهما راض لصحبته واثق به حتى كان كل واحد من ابن تيمية وابن الزملكانى يذيع سره فى الآخر إليه وثوقا به وسعى فى صلاح ذات بينهما ومدحه الذهبى فقال ( ان رمت تفتيش الخزائن كلها *** وظهور أجزاء بدت وعوالي ) ( وتفوق أشياخ الوجود ومارووا *** طالع أو اسمع معجم البرزالي ) وتوفى ذاهبا إلى مكة غريبا فى رابع ذى الحجة سنة 739 تسع وثلاثين وسبعمائة(2/45)
السيد القاسم بن محمد بن عبد الله الكبسنى
ولد سنة 1121 إحدى وعشرين ومائة وألف ثم طلب العلم فقرأ على مشايخ مدينة صنعاء وبرع فى العلوم ولاسيما علم الحديث فإنه صار فيه اماما كبيرا وأخذ عنه الناس فى صنعاء طبقة بعد طبقة وانتفعوا به وكان يتولى فى بعض الأوقات فتولى وقف ثلا وبقى هنالك أياما وعاد إلى صنعاء واستمر على نشر العلم وطال عمره وضعف عن الحركة فى آخر عمره وهو شيخ شيوخنا ولو سمعت منه لكان ذلك ممكنا وله رسائل وأجوبة مفيدة موجودة ومات سنة 1201 احدى ومائتين وألف
السيد القاسم بن محمد بن إسماعيل بن صلاح المعروف بالأمير
ابن العلامة الكبير البدر الآتى ذكره ان شاء الله تعالى مولده سنة ست وستين بعد المائة والألف فى سادس وعشرين شهر ربيع الأول منها بصنعاء ونشأ بها فأخذ العلم عن جماعة من العلماء كأخيه السيد العلامة عبد الله بن محمد والعلامة لطف البارى بن أحمد الورد والعلامة على بن هادى عرهب ولازم الثالث وأخذ عنه فى فنون عدة وانتفع به انتفاعا تاما وهو الآن مكب على الأخذ عنه وقد استقر هو وشيخه المذكور في الروضة وله ذهن دقيق وفكر عميق وفهم صحيح وفطنة زائدة وقد برع فى علوم الاجتهاد وعمل بالأدلة وله صلاح تام وهدي حسن وعبادة وزهادة واشتغال بخاصة النفس ومحبة للخمول واستكثار من الطاعة والحاصل أنه من حسنات الزمن فى جميع خصاله وهو الآن حى مكب على الاشتغال لا برح فى حماية ذى الجلال(2/46)
القاسم بن يحيى الخولانى
ثم الصنعانى شيخنا العلامة الأكبر ولد فى شهر رمضان سنة 1162 اثنتين وستين ومائة وألف ونشأ بصنعاء فأخذ عن جماعة من أكابر علمائها منهم العلامة أحمد بن صالح بن أبى الرجال وشيخنا العلامة السيد عبد القادر بن أحمد وشيخنا العلامة الحسن بن إسماعيل المغربى والخطيب العلامة لطف البارى بن أحمد الورد وغير هؤلاء وبرع فى جميع العلوم وفاق الأقران وانتفع به الطلبة فى جميع الفنون وأخذت عنه فى أوائل الطلب ولازمته وانتفعت به فقرأت عليه الكافية في النحو وشرحها للسيد المفتى جميعا وشرحها للخبيصى جميعا وحواشيها وشرح الرضى إلا شيأ يسيرا من أواخره والشافية فى الصرف وشرحها للشيخ لطف الله جميعا والتهذيب للسعد في المنطق وشرحه للشيرازى جميعا وشرحه للبزدى جميعا وتلخيص المفتاح وحاشيته للطف الله جميعا وفى الأصول غاية السؤل وشرحها وحاشيتها إلا فوتا يسيرا والرسالة العضدية فى آداب البحث وشرحها لملا حنفى وما عليها من الحواشى وفى علم الاصطلاح النخبة لابن حجر وشرحها له جميعا وفى شروح الحديث بعض شرح العمدة لابن دقيق العيد ولعلى سمعت منه غير ما تقدم وكان رحمه الله يطارحنى في البحث مطارحة المستفيد تواضعا منه ثم ترافقنا فى الطلب على شيخنا السيد العلامة عبد القادر بن أحمد وعلى شيخنا العلامة الحسن بن إسماعيل المغربى وجرت بينى وبينه مباحثات فى مسائل(2/47)
يشتمل عليها رسائل ولم تر عيناي مثله في التواضع وعدم التلفت إلى مناصب الدنيا مع قلة ذات يده وكثرة مكارمه وله في الزهد طريقة لا يلحقه فيها غيره بحيث كان يكتفى بما يحصل له من أجرة تلاوة القرآن وما يحصل له من أجرة ما ينسخه بخطه الحسن وله من قوة الفهم وسرعة الإدراك وحل الدقائق ما يبهر من عرفه ولو طال عمره وأقبل على التصنيف لجاء بالعجاب ومات رحمه الله في اليوم الثانى من شهر شوال سنة 1209 تسع ومائتين وألف(2/48)
السلطان قانصوه سلطان مصر
كان فى أوائل الأمر أحد مماليك السلطان قايتباى وكان أميالا يعرف شيأ لأنه جلب من بلاده وهو كبير قد شرع فيه الشيب وصار السلطان قايتباى يرقيه لكونه أخا لزوجته وهى التى بذلت الأموال للجند ومكنته من الخزائن حتى ملكوه بعد السلطان قايتباى فاستمر سلطانا سنة وسبعة أشهر ثم خلعوه وكان قد تلقب بالأشرف وأخرجوه من المملكة سنة 905 وولى بعده أميران ولم يثبت قدمهما فى السلطنة ثم أجمع الأجناد على تولية السلطان قانصوه الغوري وهو غير المتقدم ذكره وكان من أصغر الأمراء وأحقرهم ولكن الأمراء الكبار تحاموا الأقدام على السلطنة خوفا من بعضهم البعض فولوا هذا فقبل بعد أن شرط عليهم أنهم لا يقتلونه إذا أرادوا خلعه فقبلوا منه ذلك فولى السلطنة فى سنة 906 وكان عظيم الدهاء قوي التدبير فثبت قدمه فى السلطنة ثباتا عظيما وما زال يقتل أكابر الأمراء حتى أفناهم وصفت له المملكة ولم يبق له فيها منازع ولكنه مال إلى الظلم والعسف وانتهب أموال الناس وانقطعت بسببه المواريث فضج أهل مصر ومن تحت طاعته من أخذه لأموالهم فسلط الله عليه السلطان سليم سلطان الروم فإنه غزاه إلى دياره ووقع بينهما مصاف فقتل صاحب الترجمة تحت سنابك الخيل واستولى السلطان سليم على مملكة مصر والشام وصارت إلى أولاده من بعده إلى الآن وكان ذلك فى سنة 923 ثلاث وعشرين وتسعمائة(2/49)
السلطان قايتباي الجركسى المحمودى الأشرفي ثم الظاهري ملك الديار المصرية ولد تقريبا فى بضع وعشرين وثمان مائة وقدم به تاجر يقال له محمود إلى ديار مصر فى سنة تسع وثلاثين وثمان مائة فاشتراه الأشرف برسباى ثم ملكه الظاهر جقمق ثم ترقى فى الخدم حتى صار أمير عشرة
ثم أمير طبلخانة ثم صار اتابكا ثم صار سلطانا فى يوم الإثنين ثالث رجب سنة 872 وثبت قدمه في السلطنة وتمكنت هيبته وصار مقبلا على أفعال الخير مقربا للعلماء والصلحاء محبا للفقراء كثير العدل كثير العبادة مائلا إلى العلم كلية الميل عفيفا عن شهوات الملوك حسنة من حسنات الدهر لم يكن له نظير فى ملوك الجراكسة ولا فيمن قبلهم من ملوك الأتراك وحج فى أيام سلطنته وفعل من المحاسن ما لم يفعله غيره وأحسن إلى الخاص والعام وله عمارات فى كثير من أنواع القربات وقد طول السخاوى ترجمته فى الضوء اللامع وذكر كثيرا من محاسنه التى لا يهتدى إليها غيره من الملوك ولكنه كدر صفوها فجعل الترجمة من أولها إلى آخرها سجعا باردا جدا ولم يفعل ذلك فى ترجمة غيره والسبب أنه كان معاصرا له وقد ترجمه قطب الدين الحنفى في الأعلام ترجمة جيدة وفى سنة 901 أراد أن يعزل جماعة من الأمراء ويولى آخرين وكان مريضا إذ ذاك وأنفق بهذا السبب نحو ستمائة ألف دينار واستمر تارة يزيد وعكه وتارة ينقص ولكنه يظهر الجلد إلى أن عجز وزاد توعكه بحيث حجب الناس عنه والخلاف بين سائر عساكره متزايد وأعظم أمرائه قانصوه أخوه زوجته وهو الذى صار سلطانا بعده كما تقدم ومات صاحب الترجمة يوم الأحد سابع عشر ذى القعدة سنة 901 واحدة وتسعمائة(2/50)
قرا يوسف بن محمد التركمانى كان فى أول أمره من التركمان الرحالة فتنقلت به الأحوال إلى ان استولى بعد تيمورلنك على عراق العرب والعجم ثم ملك تبريز وبغداد وماردين وأذربيجان ودياربكر وما والاها واتسعت مملكته حتى كان يركب فى أربعين ألف نفس ثم ملك الموصل سنة 791 ثم وقع بينه وبين مرز بن بكر بن مرز بن تيمور حرب فقتله صاحب الترجمة فىسنة 813 واستمد بملك العراق وسلطن ابنه محمد شاه ببغداد وله وقايع مع جماعة من الملوك منهم شاه رخ بن تيمور وكان شديد الظلم قاسى القلب لا يتمسك بدين واشتهر عنه أنه كان تحته أربعون امرأة وكان شجاعا سفاكا للدماء حتى انه غزا إلى بعض البلدان فدمر أهلها قتلا وسبيا وبيع الصبى بدرهمين ومات في ذى القعدة سنة 823 ثلاث وعشرين وثمان مائة(2/51)
قطب الدين بن علاء الدين النهروانى ثم المكى الحنفى العالم الكبير أحد المدرسين بالحرم الشريف فى الفقه والتفسير والأصلين وسائر العلوم وكان يكتب الإنشاء لأشراف مكة وله فصاحة عظيمة يعرف ذلك من اطلع على مؤلفه الذي سماه البرق اليمانى فى الفتح العثمانى وهو مؤلف الإعلام فى أخبار بيت الله الحرام وكان عظيم الجاه عند الأتراك لا يحج أحد من كبرائهم الا وهو الذى يطوف به ولا يرتضون بغيره وكانوا يعطونه العطاء الواسع وكان يشترى بما يحصله منهم نفائس الكتب ويبذلها لمن يحتاجها واجتمع عنده منها مالم يجتمع عند غيره وكان كثير التنزهات في البساتين وكثيرا ما يخرج إلى الطائف ويستصحب معه جماعة من العلماء والأدباء ويقوم بكفاية الجميع ومات سنة 988 ثمان وثمانين وتسعمائة هكذا أرخ موته الضمدى فى ذيل الغربال وقال العصامى فى تاريخه انه توفى فى يوم السبت السادس والعشرين من ربيع الثانى سنة 990 تسعمائة وتسعين قال وأرخ بعضهم موته فقال قد مات قطب الدين أجل علماء مكة ثم قال وهو يزيد على تاريخ موته بواحد(2/52)
حرف الكاف
كتبغا المغلى المنصورى أسر من عسكر هلاكو ملك التتار سنة 658 وكان أسمر قصيرا صغير الوجه وتنقلت به الأحوال وعظم فى دولة الملك المنصور ثم ازداد فى دولة الأشرف ثم ولى النيابة في أيام الناصر وغلب على أمور المملكة ثم استقل بالسلطنة ولقب العادل وذلك فى حادى عشر المحرم سنة 694 وتوجه إلى حمص ثم توجه إلى مصر فوثب عليه جماعة من أمرائه وأسروه وسجنوه بقلعة صرخد ثم لما عاد الناصر إلى السلطنة جعله نائبا بحماء وكان قليل الشر يؤثر أمور الديانة شجاعا مقداما سليم الباطن عادلا في الرعية ووقع فى سلطنته غلاء عظيم بمصر إلى أن بلغ سعر الأردب مائة وتسعين درهما ثم وقع بالقاهرة وباء عظيم حتى مات في يوم واحد ممن ضبط ميراثهم فى ديوان بيت المال سبعة آلاف نفس فضلا عن غيرهم ففرق صاحب الترجمة الفقراء على الأمراء ولولا أنه فعل كذلك ماتوا جميعا ومات فى يوم النحر سنة 702 اثنتين وسبعمائة(2/52)
حرف اللام
لطف الباري بن أحمد بن عبد القادر الورد الثلائى
ثم الصنعانى خطيب صنعاء واحد مشاهير علمائها نشأ بثلا وأخذ العلم عن جماعة من أهلها ثم ارتحل إلى صنعاء وأخذ عن جماعة من العلماء وأكثر من ملازمة السيد العلامة القاسم بن محمد الكبسى وبه انتفع وأخذ عن القاضى العلامة أحمد بن محمد قاطن وبرع فى جميع العلوم لا سيما علم الحديث والتفسير فانه فيهما من المبرزين وبعد ارتحاله إلى صنعاء جعله الإمام المهدى العباس بن الحسن خطيبا بجامع صنعاء فاستمر على ذلك حتى مات الإمام المهدى ثم استمر في خلافة الإمام مولانا خليفة العصر المنصور بالله خفظه الله إلى أن مات فى يوم السبت سادس شعبان سنة 1211 إحدى وعشرين ومائتين وألف فاقام مولانا فى الخطابة ابن صاحب الترجمة العلامة الخطيب المصقع أحمد بن لطف الباري كما تقدم في ترجمته وكان صاحب الترجمة متفردا في أمور منها الورع الشحيح والاشتغال بخاصة النفس والاقبال على العبادة والاستكثار من الطاعة وحسن الخلق والتواضع والبشاش والانجماع عن الناس إلا فيما لا بد منه وحفظ اللسان عن الهفوات والكبوات لاسيما بما فيه تبعة كالغيبة والنميمة فإنه لا يحفظ عنه فى ذلك شىء بل لا ينطق لسانه الا بذكر الله والتذكير أو بإملاء تفسير كتاب الله وأحاديث رسول الله وليس له التفات إلى شيء من أحوال بنى الدنيا ولم يكن له شغل بسوى أعمال الآخرة ولوعظه فى القلوب وقع ولكلامه فى النفوس تأثير مع فصاحة زايدة وحسن سمت ورجاحة عقل وجمال هيئة ونور شيبة وملاحة(2/53)
شكل وكمال خلقة والحاصل أنه من محاسن الدهر ولم يخلف بعده مثله فى مجموعه وله أتم عناية وأكمل رغبة بالعمل بما جاءت به السنة والمشى على نمط السلف الصالح وعدم التقليد بالرأى وله فى حسن التعليم مسلك حسن لا يقدر عليه غيره وقد تخرج به جماعة من أكابر العلماء كشيخنا العلامة القاسم بن يحيى الخولانى والسيد العلامة عبد الله بن محمد الأمير وولده العلامة أحمد بن لطف البارى وغير هؤلاء من علماء العصر وأنا سمعت مجالس تفسيره القرآن ومواقف املائه للحديث ولكن كان ذلك حضورا فقط وكان يبذل نفسه فى قضاء حوائج من يستعين به ويبالغ في ذلك ولم يترك طريقا من طرق الخير الا سلكها وفاق فيها ووالد صاحب الترجمة كان من أكابر العلماء أخذ عن جماعة من أهل العلم منهم المحدث الكبير عبد الرحمن بن محمد الحيمى المتقدم ذكره والمحقق العلامة صالح بن مهدى المقبلى وكان يحيى الليل بدرس كتاب الله وإذا غلبه النوم نام متكئا قليلا ثم يعود للتلاوة وحصل بخطه كتبا في عدة فنون وكان يخطب بمدينة ثلا واستمر على ذلك حتى توفاه الله تعالى(2/54)
لطف الله بن أحمد بن لطف الله بن أحمد بن لطف الله بن أحمد جحاف الصنعانى المولد والدار والمنشأ ولد نصف شعبان سنة 1189 تسع وثمانين ومائة وألف وأخذ العلم عن جماعة من علماء العصر منهم شيخنا العلامة السيد على بن إبراهيم بن عامر والسيد العلامة على بن عبد الله الجلال وشيخنا العلامة القاسم بن يحيى الخولانى والسيد العلامة إبراهيم ابن عبد القادر وغير هؤلاء من أعيان العلماء ولازمنى دهرا طويلا فقرأ على في النحو والصرف والمنطق والمعانى والبيان والأصول والحديث وبرع فى هذه المعارف كلها وصار من أعيان علماء العصر وهو فى سن الشباب ودرس فى فنون وصنف رسائل أفرد فيها مسائل ونظم الشعر الحسن وغالبه فى أعلى طبقات البلاغة وباحث كثيرا من علماء العصر بمباحث مفيدة يكتب فيها ما ظهر له ثم يعرضها على مشايخه أو بعضهم ويعترض ما فيه اعتراض من الأجوبة وقد كتب إلى من ذلك بكثير بحيث لو جمع هو وما أكتبه عليه من الجوابات لكان مجلدا ولعل غالب ذلك محفوظ لديه وعندى منه القليل وهو قوى الإدراك جيد الفهم حسن الحفظ مليح العبارة فصيح اللفظ بليغ النظم والنثر ينظم القصيدة الطويلة في أسرع وقت بلا تعب ويكتب النثر الحسن والسجع الفائق بلا تروى ولا تفكر وهو طويل النفس ممتع الحديث كثير المحفوظات الأدبية لا يتلعثم ولا يتردد فيما يسرده من القصص الحسان ولا ينقطع كلامه بل يخرج من الشىء إلى ما يشبهه ثم كذلك حتى ينقضى المجلس وإن طال وله ملكة فى المباحث الدقيقة مع سعة صدر إذا رام من يباحثه أن يقطعه في بحث لم ينقطع بل يخرج من فن إلى فن وإذا لاح له الصواب انقاد له وفيه سلامة صدر زايدة بحيث لا يكاد يحقد على من أغضبه ولا يتأثر لما يتأثر غيره بدونه وهو الآن من محاسن العصر وله اقبال على الطاعة وتلاوة القرآن بصوته المطرب وفيه محبة للحق لا يبالى بما كان دليله ضعيفا وإن قال به من قال ويتقيد بالدليل الصحيح وإن خالفه من خالف وهو الآن يقرأ على فى صحيح البخارى وفى شرحى للمنتقى وقد سمع منى غير هذا من مؤلفاتى وغيرها وقد اختص بالوزير العلامة الحسن بن على حنش وصار(2/55)
لديه بمنزلة ولده لا يفارقه فى غالب الأوقات وتستمر المباحثة بينهما فى عدة فنون وإذا طال بينهما الخلاف أشركانى في البحث وأرسلا إلى بما تحصل من ذلك فاكتب ما يظهر وأرجعه إليهما ولم يكن فى طلبة العلم الآن من له فى الرغبة فى المذاكرة على الاستمرار مالصاحب الترجمة وقد طارحنى بقصايد فرايد كتبتها في مجموع شعرى ومما لم أكتبه هنالك ما كتبه إلى فى الأسبوع الذىحررت فيه هذه التراجم وهو قصيدتان القصيدة الأولى هذه ( إلى منتهى السؤل الذى بحياته *** يقوم على ساق المناضلة المجد ) ( إلى دولة العلم الذى حام حولها التقى *** وانثنى عن سوحها الكفر والجحد ) ( إلى حيثما قام الفخار وحيثما استقام العلا *** حيث انتهى حيثما يبدو ) ( إلى حيثما النقع استدار وحيثما البواتر *** حيث اشتدت الضمر الجرد ) ( إلى حيثما خط العلافى صحايف *** المحاسن آثارا بها يزد هى العبد ) ( إلى منتهى أمنية حيث تبتدى المنايا *** التى ان قام ذو غيلة تعدو ) ( إلى روضة غنا إلى ربوة بها *** معين به تربو الفوايد والرفد ) ( إلى بحر علم عن نداه تدفقت *** جداول تحقيق بها استعذب الورد ) ( فتى ماربى إلا بحجر التقى ولا *** نشا فاضلا الا وسيمته الزهد ) ( جرى فى ميادين الفضائل ساحبا *** ذيول الرضى لمادهى غيره الحقد ) ( وأرضعه ثدى الفصاحة من لبانه *** فرأى حقا على الكبر المهد ) ( إذا اقتطفت أثمار تحقيق علمه *** أنامل فكري أسعف الحل والعقد ) ( وإن غردت فى روضة الحكم نشوة *** بلابله هزت معاطفها الملد ) ( وبين يديه الشعر مد بصائغ القوافى *** وما في طيها ربطة جرد ) ( وحاك له المنثور ما بطرازه *** تبختر بشار وقال أبى برد )(2/56)
( وما اتجرت أقلامه غير معجز *** ينمق فى تحقيقه الجوهر الفرد ) ( ولما نشا فى الناس فذ أتيته *** فصافح اذ وافيته بيننا الود ) ( وشاهدت انسانا بخلق محمد *** تخلق فاستيقنته أنه الرشد ) ( وحين استمالتنى الليالى بحكمها *** رجعت وقام الشوق من طرب يعدو ) ( وناديت أى نفسى انتباها فإنما *** الليالى بعذر للمنعم تعتد ) ( وفى شيخنا البدر المنير محمد *** لرفعة قدرى أسوة دونها القصد ) ( هو البر والبحر الذى علم صدره *** يفيض على الطلاب ان جزر المد ) ( ومعتقدى فى الناس ان وداده *** من القرب اللاتى ينال بها الحمد ) ( اليك نظاما وجهته قريحة *** بمرهفها البيض السلاهب تنقد ) فأجبت بهذه الأبيات ( أتى منك يا فخر الأوان وزينة الزمان *** نظام دونه الجوهر الفرد ) ( كما الدر لا بل كالدرارى بل غدا *** كبدر السما لا بل هو الشمس اذ تبدو ) ( وماذا عسى من لم يكن رب نصفة *** يقول وهل فى مثل ذا يحسن الجحد ) ( وهل ضر شمس الأفق وهى منيرة *** إذا ضعفت عن نورها الأعين الرمد ) ( وماذا على البحر الخضم لدى الورى *** إذا بال فى احدى جوانبه القرد ) ( وماعيب بيضاء الترائب فى الدنى *** إذا عافها ذو عفة ماله جهد ) ( ومن قال هذا الشهد مر فقل له *** مرارة فيك المرمر بها الشهد ) ( وإن قال هذا السيف ليس بقاطع *** فقل حده ما بيننا الفصل والحد ) ( مناقب لطف الله جلت فمن غدا *** يرددها جهلا بها بطل الرد ) ( فتى قد رقى في مدرج العز وارتدى *** بثوب الهدى وانقاد طوعا له المجد ) ( وسؤدده فى كل باب من العلى *** برغم اعاديه هوالسؤدد العد )(2/57)
وهذه القصيدة الثانية المشار إليها سابقا وقد أشار في الأربعة الأبيات التى فى آخرها إلى الوزير المتقدم ذكره وكتب قبلها نثرا من نثره الذى يعرف به صدق ما أسلفناه فقال الحمد لله برفع القلم إلى مسامع عاقد الوية الهمم سلطان علماء الإسلام من العرب والعجم كعبة الفضل المرتفعة المقام حافظ العصر بالإطباق من أهل الحل والإبرام من تضمنت بطون الدفاتر محامده فلله ذلك التضمن والالتزام وجرى قلمه بروايع البدايع فأعيا من له بالنظم المام المحيى من ربوع المدارس كل مهند داثر دارس السابق فى حلبة ميدان الفضائل المرتدي برد التبجيل وشملة محاسن الشمائل ريحانة فضلاء اليمن سلوة المتحلى بعقد الفرائض والسنن سلاما يعبق بطيبة نسمة الصبا ويعيد لفظه إلى الأجسان نشاط زمن الصبا ثم ذكر بعد هذا التصدير القصيدة وهى ( لأغالبن الشوق فيما أبرما *** ولاطفين من الجوى ما أضرما ) ( ولأ شغلن القلب عند تذكر البيض *** الحسان وإن أبى وتأثما ) ( فلقد سقانى اللهو من خمر الهوى *** قدحا وعدت إلى الهدى مستعصما ) ( من بعد أن قد كنت أنهى عن مجانية *** السلاف ولا أطيع اللوما ) ( وأحرض الصاحى فلا اثم ولا *** جنف وأزجر بالخنا من حرما ) ( ثم انثنيت وقد قضيت مآربا *** ورجوت ربا بالرضا أن يختما ) ( وإلى مقام العز قدت نجيبة *** في الدو دون هواى تحتمل الظما ) ( تجرى فتتبعها رياح ذات اعصار *** فلا يلفى براكبه السما ) ( لم تدر ما تسعى إليه وإنما *** رجل تخولها الرضا والأنعما )(2/58)
( حتى أظل الرحل منها مقصد *** تجب الحقوق به فتنسى المغرما ) ( ومليحة كشفت خمارا تحته *** قمر تقود به السواد الأعظما ) ( وأحالت اللبات عن كافورتى *** نهد يشاكل فى البياض المعصما ) ( ولوت على ذى عفة كلف بها *** جيدا تزان بمثله البيض الدما ) ( ونأت مزارا واستطابت موردا *** من دونه الورد الدلهمس حمحما ) ( مرموزة بيضاء يمنعها الحيا *** بكليم ذى شغف بها قد اكلما ) ( تدعى بسافرة الجبين نتيجة الفتن *** المثيرة فى المكر المقتما ) ( ليست لمن بذل النفيسة كفه *** بمجيبة حتى يذوق العلقما ) ( لو نازلت باللحظ أشرس فتية *** لثنى الركاب أصم سمع أبكما ) ( وعدت بوصل عميدها وتخلفت *** فأذاع فى الملأ الهوى متظلما ) ( وأبان معذرة وجاء محجة *** وإلى التى وعدته آب مكلما ) ( لو كان برد الوصل أثر حرارة *** الأعراض كان على أن تتكتما ) ( ويقول مثلى يضرب الأمثال في *** أمر يعود إلى المعتقة اللما ) ( لا يحسبن أخا الهوى يسلو وإن *** أصغى إلى عذاله متندما ) ( فالصب يستمع العذول وقلبه *** لمقال ذى عذل ابى أن يفهما ) ( والمرء ليس لمن إليه اتى سوى *** الأذنين يلقف بالقبول المؤلما ) ( ولرب ملفوظ يقال ولا مساغ *** له وقائله بحنث أقسما ) ( ولقد أقول لها وقلبى خافق *** وجل به ما يذهل المتوسما ) ( يامى هل نفذت بجسم مثل بارقة *** العيون ظبا تشق الأعظما ) ( فأجاب ناظرها سألت عن الذى *** في الجو يسفع بازه والقشعما ) ( ويعفر الأسد الهصور ويصفد السبع *** الغيور ويسترق الأعصما )(2/59)
( وعن الذي بالكف ينبو مرة *** وبضربة أخرى يعود مثلما ) ( فالفرق مثل الحد بينهما يميز *** بين مشتبهين فيما أبهما ) ( فوقعت بعد العلم هذا جاهلا *** لا تعلمن من اليمين الإشأما ) ( فثنت بحاجبها الخطاب وقد قضى *** بنباله لحشاى فيما أسهما ) ( قالت أبا لصبر اتزرت فقلت من *** شيمى التصبر ما حييت مسلما ) ( قالت ففيم ومم يجري طافح *** من ماق جفنيك إذا تدفق عندما ) ( فأجبت فيك ومنك حين نأيت عن *** وطن بك استدعى السلو فخيما ) ( قالت فهلا كنت مطرحا لما *** ألهاك عن سنن الهداية مهرما ) ( قلت الغرام له يد لولا مجاهرتي *** به بك ما دعيت المغرما ) ( قالت فقد فرطت فاسمع طائعا *** إن كنت ذارشد حنيفا مسلما ) ( ماقد مضى فبحكم لولم تذنبوا *** فارجع هديت إلى الرشاد ميمما ) *** وازمم مطايا الاستفادة واقطع *** لأمتى مجدا جيلها والديلما ) ( وارحل إلى من لاح فى عنق العلا *** بدرا وأغنى المستميح المعدما ) ( وأنزل باعلا ذروة المنن التى *** فيها معين الفضل يبرى الأغتما ) ( تلقى ابن بجدتها الكريم العالم *** المفضال خير فتى إلى العليا سما ) ( عز الأنام الماجد البدر الذى *** تبع الأولى شهما فكان الأقدما ) ( وحمى حمى الشرع الشريف وخاض فى *** مالم يخضه الأقدمون فتمما ) ( حفظ الدقائق وهو يعلم أنها *** لسواه من أقرانه لن تفهما ) ( ولو انها اتضحت لذى رشد لما *** عرف الصواب بها ولا كشف العما ) ( أترى النسا ولدت نجيبيا مثله *** ان قلت قد ولدت كفرت المنعما ) ( وركبت متن الذنب لا متخوفا *** من شؤم فاقرة تضاهى المأثما )(2/60)
( وجنيت من شجر الأساند ما ومن *** حيث انبعاث الكفر حيث جهنما ) ( وعدلت عن سنن الهدى وكتبت فى *** صحف الكرام بلا ارتياب مجرما ) ( فهو الذى ظفرت يداه بطائل *** وأشاد ربعا قبل كان تهدما ) ( وهدى إلى سنن التقى وأفاد واستقصى *** المباحث واستفاد وعلما ) ( وجلا ظلام دجى الجلاد بهيبة *** تدلى الرؤس على الصدور ليحكما ) ( فيدين شرعا كل أصيد أغلب *** وينغص الأسد الهصور المطعما ) ( ويجازم الإصدار رجح كتابه *** يجرى على القدر النزيل من السما ) ( قلم بأبكار المعارف مولع *** وبما يحج الخصم أضحى مغرما ) ( وإذا استمد لما يسوء ويتقى *** كسر القنى الخطى وفل المخذما ) ( وبيوم بأس لو تناول كفه *** سيفا لأمر ما لخاض به الدما ) ( وبلفظ بدر لقبوه لبأسه *** بدرا يجلى الخطب إن ما أظلما ) ( فهو الذى لم تلق الا دافعا *** يوم الكتيبة بالكتاب الصيلما ) ( ولكل منش زلة ظفرت بها *** الأعدا سواه ولا أحاشى أعلما ) ( خرس إذا كتبوا أثاروا فتنة *** وإذا كتبت جعلت طرسك طلسما ) ( والناس مختلفون إلا أنه *** يأتى اتفاقهم ولادة آدما ) ( والفرق فى الآرا فمن عان ومن *** ذكر بحسن الرأى أطفى المضرما ) ( سلاب من ناواه اسهم حربه *** غلاب من ماراه فيما أبرما ) ( يجرى على حق ورب مفوق *** جهلا لمهجته أراش الأسهما ( والحق ان يخفيه قول مكذب *** فالسمت عن سر الفتى قد ترجما ) ( ولعل ذا حمق يقول مباهتا *** أغرقت فى حسن الثنا متجشما ) ( وكأن ما نظمت يداك تمجه *** الأسماع فامدح ان أردت الأكرما )(2/61)
( فأجبت من يدعى بأكرم ضاحك *** ومن الذي يهدى به رب العما ) ( ومن الذى الأعلام بين يديه فى *** أمر كبيرهم جثى متعلما ) ( فأجاب بدر الدين لكن عاقه *** من بعد انكار فساء اللوما ) ( فتكلفوا للحق حتى قال *** أرشدهم أرى ما قلت دينا قيما ) ( ولو أن فى الدنيا أخا رشد لما *** جهل الصواب وقد انار مؤمما ) ( لاغال قدرك صرف دهر واهتدى *** لمرادك الزمن العصي فالزما ) ( وعلى محياك التحيات التى *** وجبت بلطف الله من بانى السما ) ( ولها مشفعة تحية جهبذ *** ممن إليه الفضل في الخلق انتما ) ( حسن الفعال مع اسمه ازكى بنى *** حنش وأهدى من مشى متلثما ) ( العالم البر الكريم الماجد *** الندب المصدق فى الورى ان كلما ) ( وهو الذى فى راحتيه واصل بن *** عطاء ادخر المحامد مغنما ) ( لا زلتما بدرى سماء افادة *** وعليكما صلى الإله وسلما ) ومن سهولة النظم عليه انى لما سألته عن مولده كتب إلى هذا البيت مشتملا على تاريخ السنة مع ذكر الشهر وذكر اسمه وقبله بيت وهما ( قد قلت للبدر الذى *** غذى الورى افادته ) ( أرخ لطف الله فى *** شعبانهم ولادته ) سنة 1189 وله إلى قصائد فرائد مشتملة على فوائد وهو الآن مستمر على حاله الجميل مكب على المعارف العلمية ووالده من أهل الخير والصلاح والدين المتين والإشتغال بالعبادة والإقبال على العمل بالأدلة مع اطلاعه على الأخبار والأشعار وحسن محاضرته وجودة بادرته(2/62)
وفصاحة لسانه وحسن فهمه وعقله وحفظه الكثير من الأحاديث ومذاكرته بها وهو يلازم مجالس تدريسى ويقرأ على فى مثل البخارى وغيره ويحضر فى غير ذلك حضورا ويفهم ويتدبر ويستخرج بفكرته الصافية مالا يستخرجه من هو فوقه فى العرفان وله فى علم المواقيت يد طولى وكذلك في علم التاريخ ويزاحم في حفظ أحاديث الأحكام أكابر العلماء بل قد يحفظ مالا يحفظون ويفهم مالا يفهمون وهو رجل ساكن فاضل منجمع يقتفى آثار السلف ويهتدى بهديهم ويمشى على طريقتهم ومات رحمه الله فى سنة 1223 ثلاث وعشرين ومائتين وألف وولده صاحب الترجمة صار الآن متصلا بمولانا المتوكل على الله احمد بن المنصور وله عنده حظ وافر ولكنها لا تزال تقع منه سعايات إليه بأخبار الناس وما يقولونه واستعمل ذلك حتى فى أصدقائه وأكثر السعاية إليه بمن هو أكثر الناس احسانا إليه وهو العلامة الحسن بن على حنش وقرابته ونالتهم بسببه مصائب عظيمة حتى أخرجوا من بيوتهم وهكذا أكثر السعاية بغيرهم ممن له عليه جميل وإحسان وأظهر الترفع والتعاظم على من كان في حكم خادم من خدامه يتشرف بالوصول إليه والمجالسة له وكشف قناع الحياء وكاشف بالمكروه من يقدر على مكاشفته وأكثر التحرش والسعاية فى السر بمن لا يقدر على مكاشفته وكان يثب على الوصايا والأوقاف فيأخذ أكثرها لنفسه ويحرم الضعفاء من مصارفها ويصول عليهم باتصاله بالإمام فصار اتصاله به من أعظم ما يعده الناس من مثالب الإمام المتوكل رحمه الله على كثرة محاسنه ثم صار يتكلم فى مسائل ويأتى فيها بما يضحك منه ولا مقصد له الا بان يقال انه جاء بما لم يسبق إليه مع أنه(2/63)
يعلم بحقيقة الحال كما قدمنا لك فى صدر هذه الترجمة من عنايته بالطلب وحسن فهمه وصار ذلك منه سببا للاستهزاء به والتضاحك منه وهو مصمم على ذلك كقوله ان المشمس نجس يغسل منه ما وقع في الثوب والبدن وخرافات كثيرة يطول بسطها وكنت أنصحه فلا ينتصح وربما يخطر ببالى أنه قد أصيب فى عقله ولكنى أنظر إلى شدة مكره وعظيم سعاياته فى الناس ومحبة انزاله للمكروه بالمحسنين إليه على مسالك دقيقة لا يهتدى إليها الا من عظم فكره وخبث خداعه مع مكالبته على أموال الوصايا والأوقاف واحتجانه لما ظفر به منها على أي صفة كان فأقول ليس هذا صنيع من فى عقله خلل بل صنيع من يحب أن يتحدث الناس عنه ولو ما فيه عليه مزيد شناعة دع عنك هذا فالشأن كل الشأن أن الرجل صار يتكلم في مواقف الإمام بمسائل فيها الترخيص فيما حرمه الله تحببا وتقربا بحيث ان السامع إذا سمعه اقشعر جلده وكان يتجنب ذلك فى حضورى كثيرا ويفعله إذا غبت وبالجملة فقد انمحى عنه نور العلم ولم يبق عليه شىء من بهجته وصار يتصل بالظلمة من الوزراء ويحسن لهم ما هم فيه وهم يحاسنونه لعلمهم بما هو فيه من التجسس للأخبار ورفعها إلى الإمام ثم لما مات الإمام المتوكل رحمه الله اتصل بولده مولانا الإمام المهدى ولكن دون اتصاله بأبيه فصار يتصل بمن هو مشهور بالشر من وزرائه فيمشى معهم على طريقته ترخيصا وترويجا مع عدم احتفالهم به واحتقارهم له لكنه إذا جاء بما يطابق ما هم فيه من الظلم والنهب للأموال قالوا للإمام وغيره قال سيدنا فلان كذا فيجعلون ذلك ذريعة لما هو في التحريم من قطعيات الشريعة ومن فواقره أنه في مواقفه يكثر الثناء على الحجاج ِ(2/64)
ابن يوسف الثقفى الذى صار أشهر أهل الملة الإسلامية بالظلم ويصفه بالأوصاف المادحة المرغبة للسلوك فى مسلكه وناهيك بهذا وكفى له ولا يستنكر المطلع على هذه الترجمة مناقضة أولها لآخرها فإن الرجل انسلخ عما كان فيه بالمرة وتخلق بأخلاق يتحاشى عن التخلق بها أهل الجهل والسفه والوقاحة وما ذكرت ههنا الا حقا كما أنى ما ذكرت فى أول الترجمة إلا حقا ولكن اختلفت الأحوال فاختلف المقال وبعد مضى قريب سنتين من خلافة مولانا الإمام المهدى أودعه الحبس وتشفعت له فاطلق وأبعده من حضرته فالله يصلحنا ويصلحه(2/65)
لطف الله بن محمد الغياث بن الشجاع بن الكمال ابن داود الظفيرى اليمانى العلامة الشهير المحقق الكبير ترجمه صاحب مطلع البدور ولم يذكر له شيوخا ولا مولدا ولم أقف أنا على ذلك ولعله استفاد تلك المعارف المحققة في رحلته إلى مكة واستقراره هنالك فإنه لم يكن باليمن اذ ذاك من يبلغ فى تحقيق علم المعانى والبيان والأصول والنحو الصرف إلى درجته فضلا عن أن يكون شيخا له وقد تبحر فى جميع المعارف العلمية وصنف التصانيف المقبولة كشرح الشافية لابن الحاجب فى الصرف فانه شرحها شرحا مختصرا نفيسا اشتغل به الطلبة من عصره إلى الآن وقد لخص فيه شرح الرضى على الشافية واعتمد كثيرا على شرح الجاربردى ومن مصنفاته المقبولة حاشيته لشرح التلخيص المختصر للسعد فانها حاشية مفيدة لخصها من حواشى المختصر كحاشية الخطائى والسمرقندى ومن حواشى المطول كحاشية الشريف والشلبى والسمرقندى أيضا وكان يحرر ما يحررونه من الإعتراضات على الفاظ الشرحين ويجيب عنها بما يجيبون ويبالغ فى الاختصار ولا يأتى بكلام من لديه الا في أندر الحالات وأقلها وله كتاب الإيجاز في المعانى والبيان لخصه من التلخيص للقزوينى ولكنه حذف ما وقع عليه الاعتراض من شراحه وأهل الحواشى وأبدله بعبارة لا يرد عليها ما أوردوه وبالغ فى الاختصار من دون اهمال لما تدعو إليه الحاجة مما فى الأصل وقد شرحه ولم أقف على الشرح ثم وقفت عليه بعد أيام وهو شرح مختصر مفيد ثم شرحه السيد العلامة زيد بن محمد بن الحسن بن القاسم كما تقدم فى ترجمته شرحا نفيسا جدا واعتمد فيه على حاشية صاحب الترجمة المتقدم ذكرها وله شرح على الفصول اللؤلؤية لابن الوزير ولم يكمل وله مختصر في الفقه لخص فيه ما فى الأزهار للإمام المهدى وحذف بعضه وزاد فيه قيودا مفيدة وله فى الطب يد قوية وكذلك فى مثل علم الجفر والزيجات ويروى أن صاحب الترجمة كان كثير الإنكار على ما يستعمله أهل مكة من اللهو فوقع معه مرض من نوع السكتة(2/66)
أثر معه تغيرا في حواسه فقال بعض الأطباء ان السماع من أدويته فعرفوه بأن صاحب الترجمة يكره ذلك وينكره فقال لا بد من ذلك ففعلوا فتحرك لذلك وصح من مرضه ورجع إليه حواسه فأمر من صار يعمل السماع عنده بالسكوت وله تلامذة نبلاء منهم المحقق الكبير الحسين ابن الإمام القاسم وتوفى رحمه الله فى وطنه ظفير حجة فى رجب سنة 1035 خمس وثلاثين وألف وقد التمس منه الشريف جعفر صاحب مكة ان يصنف كتابا فى الفقه والفرايض وكتب إليه فى ذلك نظما فقال ( أياشيخ لطف الله أنى لقائل *** بلا شك من سماك فهو مصيب ) ( وإنى رأيت اللطف منك سجية *** ولله فى كل الأمور حبيب ) ( سألتك سفرا نستعين به على *** عبادة ربى لا برحت تجيب ) ( فتوضح لى يا شيخنا ما أقوله *** فأنت لداء الجاهلين طبيب ) ( وأنت لنا فى الدين عون وقدوة *** بقيت على مر الزمان تصيب ) فنظم له الشيخ أرجوزة فى الفرائض وجمع له مختصرا فى الفقه يختص بالعبادات وأجاب على النظم بقوله ( أمولاي يامن فاق مجدا وسؤددا *** ومان ان له فى الخافقين ضريب ) ( أتانى عقد يخجل الدر نظمه *** ويعجز عنه أحمد وحبيب ) ( معان وألفاظ زكت وتناسقت *** فكل لكل فى البيان نسيب ) ( وما كان قدري يقتضي أن أجيبه *** ومثلى لذاك السمط ليس يجيب ) ( وقلتم بأن اسمى يشير بأن لى *** نصيبا وكلا ليس فيه نصيب ) ( اتحسب ما اعطيت من لطف سيمة *** تقصر عنها شمال وجنوب ) ( تعدى إلى مثلى وأنى وكيف ذا *** وأنى عن أدنى الكمال سليب )
( ولكن حويت اللطف أنت جميعه *** فقلت على ذا البأس أنت عجيب ) ( وأمركم ماض وحظى قبولكم *** وأنى على قدر القصور مجيب )(2/67)
حرف الميم
السيد محسن ابن المتوكل على الله إسماعيل ابن الإمام القاسم بن محمد
ولد سنة 1070 سبعين وألف أو فى السنة التى بعدها وكان مولده بالسودة وبها نشأ وكان مع أخيه يوسف أيام خروجه على المهدى صاحب المواهب ودعوته إلى نفسه وظفر به المهدى فسجنه ثم أفرج عنه فعاد إلى السودة وكابد في تلك المدة شدة ثم عطف عليه المهدى فولاه أوقاف صنعاء وكان مشهورا بالفروسية والشجاعة وعلو الهمة ومعرفة الأدب والبلوغ إلى أعالى الرتب فمن نظمه ( شرى البرق فوق اللوا واستطارا *** وأورى بقلبى المعنى أوارا ) ( وساجلنى بلسان الوميض *** فأبكى سرارا ويبكى جهارا ) ( وباتت جفوني تريه البكا *** وبات سناه يرينى افترارا ) ( فيا برق لا تسق الا العقيق *** وذاك الجناب وتلك الديارا ) ( وتوج ذراها بذر الغمام *** وكلل به رشدها والبهارا ) ( وبلغ تحية عانى الفؤاد *** لا يعرف النوم الإغرارا ) ( وعرض بذكرى وقل مغرم *** سرى فى سبيل الهوى ثم حارا ) ومن شعره في المديح ( ما زلت أضرب آباط المطي إلى *** ملك أعز يزين التاج مفرقه )(2/68)
( من معشر كرموا فرعا وأوشجه *** اكرم به أصل فرع طاب معرقه ) ( تهتز من ذكرهم أعواد منبرهم *** كما ترنح تحت الطير مورقه ) ( إذا ترسل اهدى الطير منطقه *** اوارسل الجيش سد الأفق فيلقه ) ( حكى الصفا قلبه بأسا غداه حكى *** منه قلوب الكماة الصيد سنجقه ) ( كالبرق حاشاه من نار الوميض لقد *** ضاهى جدى كفه لولا تألقه ) ومنه ( يرديد الجانى إلى فيه منطقى *** وأحلم عنه تارة لا أجيبه ) ( أبى قادها شعث النواصى وذادها *** عن السرج سرج الملك لا تستريبه ) ( وماالشعر هذا من شعارى وإنما *** أجرب فكرى كيف يجرى نجيبه ) ( فأنظم فى جيد الزمان قلائدا *** من اللؤلؤ المكنون فى رطيبه ) ( تقلده البيض الغوانى مخانقا *** ويصبو شباب الحى منه وشيبه ) ومن نظمه الفائق ( ورشيقة الأعطاف ما سمحت *** يوما بغير رواشق النبل ) ( هيفا بأرقم شعرها رقمت *** فى الرمل ما املالها نملى ) وله فى التشبيه ( كأن الزنبق المخضل *** في افنانه المخضر ) ( أنامل غادة حملت *** بها كأسا من الخمر ) ( ونرجسنا الأنيق حكى *** عشية بل بالقطر ) ( صحافا من لجين *** وسطها لمع من التبر ) ( وأما الورد فى تشبيهه *** قد حرت فى أمرى ) ( فأكثر ما أمثله *** بخد الكاعب البكر )
ومات بصنعاء سنة 1124 أربع وعشرين ومائة وألف أو فى التى بعدها وهو أصغر أولاد الإمام المتوكل على الله رحمه الله(2/69)
السيد محسن بن إسماعيل الشامى
أحد علماء صنعاء المشاهير وشيخ مشايخنا قرأ على السيد العلامة أحمد بن اسحاق بن إبراهيم وعلى القاضى العلامة أحمد بن محمد قاطن وعلى غيرهما من علماء عصره وبرع فى النحو والصرف والمنطق والمعانى والبيان والأصول وشارك فيما عدا ذلك وكان مشهورا بقوة الفهم وسرعة الإدراك حتى قال شيخه القاضى أحمد المذكور انه ليس له نظير فى الفهم والغوص على المعانى الدقيقة واتصل بالإمام المهدى العباس بن الحسين بعد موت وزيره الفقيه أحمد بن على النهمي فأراد ترشيحه للوزارة ولكنه لم يتم ذلك وقد اتصل به كاتصال الوزراء أياما يسيرة ثم صرفه لأسباب اقتضت ذلك ومن جملة تلامذته شيخنا العلامة الحسن بن إسماعيل المغربى والسيد العلامة عبد الله بن محمد الأمير ومات فى يوم الجمعة أحد أيام شهر شعبان سنة 1194 أربع وتسعين ومائة وألف(2/70)
السيد محسن بن الحسن بن القاسم بن أحمد ابن الإمام القاسم بن محمد ولد
يوم الخميس الثالث من ذى الحجة سنة 1103 ثلاث ومائة وألف ونشأ بالروضة وصنعاء وقرأ في علوم الأدب قليلا ثم قال الشعر ومدح الأكابر واتصل بالوزير الكبير على بن أحمد راجح وزير الإمام المنصور بالله الحسين بن القاسم وبأخيه الوزير محسن بن أحمد راجح ومدحهما وبالغ في ذلك وصنف لهما مصنفات يطرزها بمدحهما واستكثر من ذلك وبعد موتهما اتصل بالفقيه إسماعيل النهمي وكان متوليا لصنعاء وعند ان تولى بندر المخا عزم معه إلى هنالك وكان له معه قصص يطول حديثها مشتملة على مجون ومزح وكان صاحب الترجمة متطلعا على أحوال أهل عصره وأخبارهم وبينه وبين جماعة من أكابرهم مشاعرات وجمع كتابا سماه ذوب الذهب بمحاسن من بعصره من أهل الأدب وجمع سيرة للإمام المنصور بالله الحسين بن القاسم وهى في الحقيقة سيرة للوزيرين السابقين ولهما جمعها وله مؤلفات مسجوعة وكان فيه بلاغة فى الجملة ولكنه لم يكن ماهرا فى العلوم الأدبية فكان يأتى فى اسجاعه تارة ملحون وتارة يأتى باللغة العامية وشعره فيه ما هو جيد وقد اشتملت مصنفاته على كثير منه ومنه ما قال فى الوزير على راجح مقتديا بما قاله القائل في ابن عباد ( ورثت الوزارة كابرا عن كابر *** موصولة الإسناد بالإسناد ) ( يروى عن العباس عباد وزارته *** وإسماعيل عن عباد ) فقال صاحب الترجمة ( لقد ورث الوزارة عن سعيد *** على بعد أحمد خير مانح ) ( بتلقين وإسناد صحيح *** تسلسل عن سعيد ثم راجح ) ومن شعره فى مدحه ( مالى وللبين أصلى مهجتى لهبا *** وزادنى مع هيامى فى الهوى وصبا ) ( وهيج الشوق برق الغور حين شرى *** فباع جفنى الكرى مسترخصا وصبا ) ومنها ( قلب يذوب وأكباد مفتة *** وأعين دمعها مازال منسكبا ) ( كأنه وابل جاد الوزير به *** من أنمل للعطايا تمطر الذهبا )
وموت صاحب الترجمة فى أيام الإمام المهدى العباس بن الحسين ولا يحضرنى تعيينه(2/71)
السيد محسن بن عبد الكريم بن أحمد بن محمد بن اسحاق بن المهدى احمد بن الحسن ابن الإمام القاسم بن محمد
ولد سنة 1191 إحدى وتسعين ومائة وألف ونشأ نشأة لم يكن لغيره من أبناء عصره فإنه قال الشعر الحسن وهو فى المكتب ولم يكن إذ ذاك قد اشتغل بالطلب ثم قرأ على جماعة من علماء العصر منهم السيد العلامة إبراهيم بن عبد القادر والقاضى العلامة الحسين بن أحمد السياغي وغيرهما وقرأ على في شرح الرضى على الكافية وفى مغنى اللبيب وفى الكشاف وحواشيه وله ذهن شريف وطبع ظريف وفهم فائق وعقل تام وأدب غض وله قصائد قد طارح بها أكابر العلماء وأفاضل الأدباء وهو إذ ذاك فى سن البلوغ وهو الآن فى سن الشباب وقد صار معدودا فى العلماء ومذكورا بين أعيان الشعراء من اهل صنعاء ولم يكن لدى الآن من شعره ما أكتبه ههنا وبلغ أنه صار ينظم مغنى اللبيب نظما حسنا ويشرح ذلك النظم شرحا مفيدا ولم أقف على ذلك واتفق في سنين قديمة انى خرجت أنا وجماعة من شيوخى منهم شيخنا العلامة السيد عبد القادر بن أحمد وشيخنا العلامة الحسن بن إسماعيل المغربى وجماعة من علماء الزمن وأعيان صنعاء اليمن وفيهم والد صاحب الترجمة وعمه وفى الجماعة صبيان فى نحو العشر السنين وأقل وأكثر ومنهم صاحب الترجمة فكان الصبيان يلعبون ويشتغلون بما يشتغل به امثالهم والمذكور يصغى إلى ما يدور بين أولئك الأعلام من المراجعات العلمية والمطارحات الأدبية
ولا يلتفت على شىء مما الصغار فيه فعجبت من حاله وأشرت إلى جماعة من العلماء ينظرون إليه فأخبرنا والده إذ ذاك بأن صاحب الترجمة قد صار له شعر فى تلك السن كثير من الملحون الذى يسميه أهل اليمن الحمينى وروى له شعرا من غيره فعجب من ذلك جميع أولئك الأعلام وأقبلوا عليه وامتدت أعناقهم إليه فلم تمر الا أيام قلائل بعد ذلك حتى ظهر له النظم الجيد الفائق ومازال ينمو نمو الهلال حتى بلغ أعلى مراتب الكمال(2/72)
محمد بن إبراهيم بن ساعد السنجارى الأصل المصرى المعروف بابن الأكفانى
ولد بسنجار وطلب العلم ففاق الأقران فى عدة فنون وأتقن الرياضى والحكمة وصنف فيهما التصانيف الكثيرة وكان يحل أقليدس بلا كلفة كأنه ممثل بين عينيه ويقدم إلى معرفة الطب فكان يصيب حتى يتعجب الحذاق فى الفن منه فإنه يأتى بالدواء إلى المريض فبمجرد ما يتناوله يبرأ وكان مستحضرا للتاريخ وأخبار الناس حافظا للأشعار عارفا بفنون الأدب وله فيه تصانيف قال ابن سيد الناس ما رأيت من يعبر عما في ضميره بأوجز من عبارته ولم أر أمتع منه ولا أفكه من محاضراته وكان يحفظ من الرقى والعزائم شيئا كثيرا لا يشاركه فيه أحد وله اليد الطولى في الروحانيات ومهر أيضا في معرفة الجواهر والعقاقير حتى ألزم السلطان الناظر لا يشترى أحد شيئا الا بعد عرضه عليه ومن تصانيفه ارشاد القاصد إلى أسنى المقاصد عند غيبة الطبيب وكان كثيرالتجمل فى ملبسه
ومركبه ومات فى الطاعون العام سنة 749 تسع وأربعين وسبعمائة وهو القائل ( ولقد عجبت لعاكس للكيميا *** في حكمه قد جاء بالشنعاء ) ( يلقى على العين النحاس يحيلها *** فى لمحة كالفضة البيضاء )(2/73)
محمد بن إبراهيم بن على بن محمد ابن أبى السعود محمد بن حسين بن على بن أحمد بن عطية بن ظهيرة
ولد ليلة الثلاثاء ثامن وعشرين ذى الحجة سنة 859 تسع وخمسين وثمان مائة وحفظ الأربعين النووية والمنهاج وألفية الحديث وألفية النحو ومختصر ابن الحاجب والتلخيص والطوالع وبعض الشاطبية وعرض فى سنة 872 على علماء بلده وقرأ على والده كتبا كثيرة في فنون متعددة وعلى عمه كذلك وعلى جماعة آخرين وأجاز له أكابر علماء عصره من الأقطار البعيدة وبرع في فنون كثيرة وفاق فى خصال حميدة وتولى قضاء مكة المشرفة بعد أبيه ومدحه شعراء عصره وكان كثير الأفضال على من يقصده وعلى المستحقين وقد ترجمه السخاوى ترجمة جيدة وأثنى عليه ثناء طائلا واستمر متوليا للقضاء بمكة حتى قبض عليه شريف مكة السيد بركات ابن محمد الحسنى لتخيله منه أنه السبب في الفتنة بينه وبين اخوانه واستولى على بعض أمواله وجهزه بحرا مع أولاده فوصلوا إلى جزيرة القنفذة ثم أمر الشريف بتغريقه فغرق بجانبها فى يوم الجمعة حادى عشر ذى الحجة سنة 907 سبع وتسعمائة(2/74)
السيد محمد بن إبراهيم بن على بن المرتضى بن المفضل بن المنصور ابن محمد بن العفيف بن مفضل بن الحجاج بن على بن يحيى بن القاسم ابن الإمام الداعى يوسف ابن الإمام المنصور بالله يحيى بن الناصر احمد بن الهادى يحيى بن الحسين بن القاسم بن إبراهيم بن اسمعيل بن إبراهيم بن الحسن بن الحسن بن على بن أبى طالب رضى الله عنهم جميعا وقد سردت نسبه ههنا وان كان قد تقدم فى ترجمة السيد عبد الله بن على الوزير لكننى رأيت السخاوى ترجمه فغلط فى نسبه وقال محمد بن إبراهيم بن على بن المرتضي بن الهادى بن يحيى بن الحسين بن القاسم وذكر النسب إلى على كرم الله وجهه فجعل المرتضى بن الهادى وجعل الهادى بن يحيى بن الحسين وهذا غلط بين وصاحب الترجمة هو الإمام الكبير المجتهد المطلق المعروف بابن الوزير ولد في شهر رجب سنة 775 خمس وسبعين وسبعمائة بهجر الظهراوين من شطب وقال السخاوى انه ولد تقريبا سنة 765 وهذا التقريب بعيد والصواب الأول قرأ في العربية على أخيه العلامة الهادى ابن إبراهيم وعلى القاضى العلامة محمد بن حمزة بن مظفر وقرأ علم الكلام على القاضى العلامة على بن عبد الله بن أبى الخير كشرح الأصول والخلاصة والغياصة وتذكرة ابن متويه وقرأ علم أصول الفقه على السيد العلامة على بن محمد بن أبى القاسم وقرأ عليه أيضا علم التفسير وقرأ الفروع على القاضى العلامة عبد الله بن الحسن الدوارى وغيره من مشايخ صعدة ومن مشايخه السيد العلامة الناصر بن احمد ابن أمير المؤمنين المطهر وقرأ الحديث بمكة على محمد بن عبد الله بن ظهيرة وفى غيرها على نفيس الدين العلوى وعلى جماعة عدة والحاصل أنه قرأ على أكابر مشايخ(2/75)
صنعاء وصعدة وسائر المداين اليمنية ومكة وتبحر في جميع العلوم وفاق الأقران واشتهر صيته وبعد ذكره وطار علمه في الأقطار قال صاحب مطلع البدور وقد ترجم له الطوائف وأقر له المؤالف والمخالف ترجم له ابن حجر العسقلاني في الدرر الكامنة وترجم له مصنف سيرة العراقى علامة وقته بمكة انتهى وما ذكره من أن ابن حجر ترجم له فى الدرر فلا أصل له فإنه لم يترجم له فيها أصلا بل هى مختصة بمن مات في القرن الثامن ولم يترجم لمن تأخر موته إلى القرن التاسع حتى أكابر مشايخه كالعراقى والبلقينى وابن الملقن مع أنهم ماتوا في أول القرن التاسع كما تقدم ذلك وأما صاحب الترجمة فهو تأخر موته إلى سنة 840 أربعين وثمان مائة فكيف يترجم له بل ترجم له الحافظ ابن حجر العسقلانى في أنبائه وترجم له السخاوى كما تقدمت الإشارة إلى ذلك وترجم له التقى ابن فهد في معجمه فقال السخاوي انه تعانى النظم فبرع فيه وصنف في الرد على الزيدية العواصم والقواصم في الذب عن سنة أبى القاسم واختصره في الروض الباسم وروي عن التقي بن فهد أنه أنشد لصاحب الترجمة في معجمه قوله ( العلم ميراث النبى كذا أتى *** في النص والعلماء هم وراثه ) ( فإذا أردت حقيقة تدرى لمن *** وراثه وعرفت ما ميراثه ) ( ما ورث المختار غير حديثه *** فينا فذاك متاعه وأثاثه ) ( فلنا الحديث وراثة نبوية *** ولكل محدث بدعة أحداثه ) وإنما اقتصر على رواية هذا الشعر مع أن في شعر صاحب الترجمة ما هو أرفع منه بدرجات لأن لقائه له كان في سنة 816 وقد نظم بعد ذلك نظما كثيرا جدا وارتفعت طبقته في العلم وهكذا ابن حجر فإنه ذكره في(2/76)
أنبائه فى ترجمة أخيه الهادى لأن صاحب الترجمة اذ ذاك كان صغيرا فقال وله أخ يقال له محمد مقبل على الاشتغال بالحديث شديد الميل إلى السنة بخلاف أهل بيته انتهى ولو لقيه الحافظ ابن حجر بعد أن تبحر في العلوم لأطال عنان قلمه في الثناء عليه فإنه يثنى على من هو دونه بمراحل ولعلها لم تبلغ اخباره إليه وإلا فابن حجر قد عاش بعد صاحب الترجمة زيادة على اثنى عشر سنة كما تقدم في ترجمته وكذلك السخاوى لو وقف على العواصم والقواصم لرأى فيها ما يملأ عينيه وقلبه ولطال عنان قلمه في ترجمته ولكن لعله بلغه الإسم دون المسمى ولا ريب ان علماء الطوائف لا يكثرون العناية بأهل هذه الديار لاعتقادهم في الزيدية مالا مقتضى له الا مجرد التقليد لمن لم يطلع على الأحوال فإن في ديار الزيدية من أئمة الكتاب والسنة عددا يجاوز الوصف يتقيدون بالعمل بنصوص الأدلة ويعتمدون على ما صح في الأمهات الحديثية وما يلتحق بها من دواوين الإسلام المشتملة على سنة سيد الأنام ولا يرفعون إلى التقليد رأسا لا يشوبون دينهم بشىء من البدع التى لا يخلو أهل مذهب من المذاهب من شيء منها بل هم على نمط السلف الصالح في العمل بما يدل عليه كتاب الله وما صح من سنة رسول الله مع كثرة اشتغالهم بالعلوم التى هي آلات علم الكتاب والسنة من نحو وصرف وبيان وأصول ولغة وعدم اخلالهم بما عدا ذلك من العلوم العقلية ولو لم يكن لهم من المزية الا التقيد بنصوص الكتاب والسنة وطرح التقليد فإن هذه خصيصة خص الله بها أهل هذه الديار في هذه الأزمنة الأخيرة ولا توجد في غيرهم الا نادرا ولا ريب أن في سائر الديار المصرية والشامية من العلماء الكبار من لا يبلغ غالب أهل ديارنا هذه إلى رتبته(2/77)
ولكنهم لا يفارقون التقليد الذى هو دأب من لا يعقل حجج الله ورسوله ومن لم يفارق التقليد لم يكن لعلمه كثير فائدة وإن وجد منهم من يعمل بالأدلة ويدع التعويل على التقليد فهو القليل النادر كابن تيمية وأمثاله وإنى لأكثر التعجب من جماعة من أكابر العلماء المتأخرين الموجودين في القرن الرابع وما بعده كيف يقفون على تقليد عالم من العلماء ويقدمونه على كتاب الله وسنة رسوله مع كونهم قد عرفوا من علم اللسان ما يكفى في فهم الكتاب والسنة بعضه فإن الرجل إذا عرف من لغة العرب ما يكون به فاهما لما يسمعه منها صار كأحد الصحابة الذين كانوا في زمنه وآله وسلم ومن صار كذلك وجب عليه التمسك بما جاء به رسول الله وآله وسلم وترك التعويل على محض الآراء فكيف بمن وقف على دقائق اللغة وجلايلها افرادا وتركيبا وإعرابا وبناء وصار في الدقائق النحوية والصرفية والأسرار البيانية والحقائق الأصولية بمقام لا يخفى عليه من لسان العرب خافية ولا يشذ عنه منها شاذة ولا فاذة وصار عارفا بما صح عن رسول الله وآله وسلم في تفسير كتاب الله وما صح عن علماء الصحابة والتابعين ومن بعدهم إلى زمنه وأتعب نفسه في سماع دوادين السنة التى صنفتها أئمة هذا الشأن في قديم الأزمان وفيما بعده فمن كان بهذه المثابة كيف يسوغ له أن يعدل عن آية صريحة أو حديث صحيح إلى رأى رآه احد المجتهدين حتى كأنه أحد العوام الأعتام الذين لا يعرفون من رسوم الشريعة رسما فيالله العجب إذا كانت نهاية العالم كبدايته وآخر أمره كأوله فقل لى أي فائدة لتضييع الأوقات في المعارف العلمية فإن قول امامه الذى يقلده هو كان يفهمه قبل أن يشتغل(2/78)
بشىء من العلوم سواه كما نشاهده في المقتصرين على علم الفقه فإنهم يفهمونه بل يصيرون فيه من التحقيق إلى غاية لا يخفى عليهم منه شىء ويدرسون فيه ويفتون به وهم لا يعرفون سواه بل لا يميزون بين الفاعل والمفعول والذى أدين الله به أنه لا رخصة لمن علم من لغة العرب ما يفهم به كتاب الله بعد أن يقيم لسانه بشىء من علم النحو والصرف وشطر من مهمات كليات أصول الفقه في ترك العمل بما يفهمه من آيات الكتاب العزيز ثم إذا انضم إلى ذلك الاطلاع على كتب السنة المطهرة التى جمعها الأئمة المعتبرون وعمل بها المتقدمون والمتأخرون كالصحيحين وما يلتحق بهما مما التزم فيه مصنفوه الصحة أو جمعوا فيه بين الصحيح وغيره مع البيان لما هو صحيح ولما هو حسن ولما هو ضعيف وجب العمل بما كان كذلك من السنة ولا يحل التمسك بما يخالفه من الرأى سواء كان قايله واحدا أو جماعة أو الجمهور فلم يأت في هذه الشريعة الغراء ما يدل على وجوب التمسك بالآراء المتجردة عن معارضة الكتاب أو السنة فكيف بما كان منها كذلك بل الذى جاءنا في كتاب الله على لسان رسول الله ما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا قل ان كنتم تحبون الله فاتبعوني لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة الى غير ذلك وصح عن رسول الله أنه قال كل أمر ليس عليه أمرنا فهو رد فالحاصل أن من بلغ في العلم إلى رتبة يفهم بها تراكيب كتاب الله ويرجح بها بين ما ورد مختلفا من تفسير السلف الصالح ويهتدى به إلى كتب السنة التى يعرف بها ما هو صحيح وما ليس بصحيح فهو مجتهد لا يحل له أن يقلد غيره كائنا من كان في مسئلة من مسائل الدين بل(2/79)
يستروى النصوص من أهل الرواية ويتمرن في علم الدراية بأهل الدراية ويقتصر من كل فن على مقدار الحاجة والمقدار الكافي من تلك الفنون هو ما يتصل به إلى الفهم والتمييز ولا شك أن التبحر في المعارف وتطويل الباع في أنواعها هو خير كله لا سيما الاستكثار من علم السنة وحفظ المتون ومعرفة أحوال رجال الإسناد والكشف عن كلام الأئمة في هذا الشأن فإن ذلك مما يوجب تفاوت المراتب بين المجتهدين لا انه يتوقف الاجتهاد عليه فإن قلت ربما يقف على هذا الكلام من هومتهىء لطلب العلم فلا يدرى بما ذاك يشتغل ولا يعرف ما هو الذي إذا اقتصر عليه في كل فن بلغ إلى رتبة الاجتهاد والذي يجب عليه عنده العمل بالكتاب والسنة قلت لا يخفى عليك ان القرايح مختلفة والفطن متفاوته والأفهام متباينة فمن الناس من يرتفع بالقليل إلى رتبة علية ومن الناس من لا يرتفع من حضيض التقصير بالكثير وهذا معلوم بالوجدان ولكنى ههنا اذكر ما يكفى به من كان متوسطا بين الغايتين فأقول يكفيه من علم مفردات اللغة مثل القاموس وليس المراد احاطته به حفظا بل المراد الممارسة لمثل هذا الكتاب أو ما يشابهه على وجه يهتدي به إلى وجدان ما يطلبه منه عند الحاجة ويكفيه في النحو مثل الكافية لابن الحاجب والألفية وشرح مختصر من شروحها وفي الصرف مثل الشافية وشرح من شروحها المختصرة مع ان فيها مالا تدعو إليه حاجة وفي أصول الفقه مثل جمع الجوامع والتنقيح لابن صدر الشريعة والمنار للنسفى أو مختصر المنتهى لابن الحاجب أو غاية السول لابن الإمام وشرح من شروح هذه المختصرات المذكورة مع أن فيها جميعهامالا تدعو إليه حاجة بل غالبها كذلك ولا سيما تلك التدقيقات(2/80)
التى في شروحها وحواشيها فإنها عن علم الكتاب والسنة بمعزل ولكنه جاء في المتأخرين من اشتغل بعلوم أخرى خارجة عن العلوم الشرعية ثم استعملها في العلوم الشرعية فجاء من بعده فظن انها من علوم الشريعة فبعدت عليه المسافة وطالت عليه الطرق فربما بات دون المنزل ولم يبلغ إلى مقصده فإن وصل بذهن كليل وفهم عليل لأنه قد استفرغ قوته في مقدماته وهذا مشاهد معلوم فإن غالب طلبة علوم الاجتهاد تنقضى أعمارهم في تحقيق الآلات وتدقيقها ومنهم من لا يفتح كتابا من كتب السنة ولا سفرا من أسفار التفسير فحال هذا كحال من حصل الكاغد والحبر وبرى اقلامه ولاك دواته ولم يكتب حرفا فلم يفعل المقصود إذ لا ريب أن المقصود من هذه الآلات هو الكتابة كذلك حال من قبله ومن عرف ما ذكرناه سابقا لم يحتج إلى قراءة كتب التفسير على الشيوخ لأنه قد حصل ما يفهم به الكتاب العزيز وإذا أشكل عليه شىء من مفردات القرآن رجع إلى ما قدمنا من أنه يكفيه من علم اللغة وإذا اشكل عليه اعراب فعنده من علم النحو مايكفيه وكذلك إذا كان الإشكال يرجع إلى علم الصرف وإذا وجد اختلافا في تفاسير السلف التى يقف عليها مطالعة فالقرآن عربى والمرجع لغة العرب فما كان أقرب إليها فهو أحق مما كان أبعد وما كان من تفاسير الرسول فهو مع كونه شيئا يسيرا موجود في كتب السنة ثم هذا المقدار الذى قدمنا يكفى في معرفة معانى متون الحديث وأما ما يكفيه في معرفة كون الحديث صحيحا أو غير صحيح فقد قدمنا الإشارة إلى ذلك ونزيده ايضاحا فنقول إذا قال امام من أئمة الحديث المشهورين بالحفظ والعدالة وحسن(2/81)
المعرفة أنه لم يذكر في كتابه الاما كان صحيحا وكان ممن مارس هذا الشأن ممارسة كلية كصاحبى الصحيحين وبعدهما صحيح ابن حبان وصحيح ابن خزيمة ونحوهما فهذا القول مسوغ للعمل بما وجد في تلك الكتب وموجب لتقديمه على التقليد وليس هذا من التقليد لأنه عمل برواية الثقة والتقليد عمل برأيه وهذا الفرق أوضح من الشمس وإن التبس على كثير من الناس وأما ما يدندن حوله أرباب علم المعانى والبيان من اشتراط ذلك وعدم الوقوف على حقيقة معاني الكتاب والسنة بدونه فأقول ليس الأمر كما قالوا لأن ما تمس الحاجة إليه في معرفة الأحكام الشرعية قد أغنى عنه ما قدمنا ذكره من اللغة والنحو الصرف والأصول والزايد عليه وإن كان من دقايق العربية وأسرارها ومماله مزيد تأثير في معرفة بلاغة الكتاب العزيز لكن ذلك أمر وراء مانحن بصدده وربما يقول قايل بأن هذه المقالة مقالة من لم يعرف ذلك الفن حق معرفته وليس الأمر كما يقول فإنى قد شغلت برهة من العمر في هذا الفن فمنه ما قعدت فيه بين أيدى الشيوخ كشرح التلخيص المختصر وحواشيه وشرحه المطول وحواشيه وشرحه الأطول ومنه ما طالعته مطالعة متعقب وهو ماعدا ما قدمته وقد كنت أظن في مبادىء طلب هذا الفن ما يظنه هذا القائل ثم قلت ما قلت عن خبرة وممارسة وتجريب والزمخشري وأمثاله وإن رغبوا في هذا الفن فذلك من حيث كون له مدخلا في معرفة البلاغة كما قدمنا وهذا الجواب الذى ذكرته ههنا هو الجواب عن المعترض في سائر ما أهملته مما يظن أنه معتبر في الاجتهاد ومع ذلك كله فلسنا الا بصدد بيان القدر الذى يجب عنده العمل بالكتاب والسنة وإلا فنحن ممن يرغب الطلبة في الأستكثار(2/82)
من المعارف العلمية على اختلاف أنواعها كما تقدمت الإشارة إلى ذلك ومن رام الوقوف على ما يحتاج إليه طالب العلم من العلوم على التفصيل والتحقيق فليرجع إلى الكتاب الذى جمعته في هذا وسميته أدب الطلب ومنتهى الأرب فهو كتاب لا يستغنى عنه طالب الحق على أني أقول بعد هذا أن من كان عاطلا عن العلوم الواجب عليه أن يسأل من يثق بدينه وعلمه عن نصوص الكتاب والسنة في الأمور التى تجب عليه من عبادة أو معاملة وسائر ما يحدث له فيقول لمن يسأله علمنىأصح ما ثبت في ذلك من الأدلة حتى أعمل به وليس هذا من التقليد في شىء لأنه لم يسأله عن رأيه بل عن روايته ولكنه لما كان لجهله لا يفطن الفاظ الكتاب والسنة وجب عليه أن يسأل من يفطن ذلك فهو عامل بالكتاب والسنة بواسطة المسؤل ومن أحرز ما قدمنا من العلوم عمل بها بلا واسطة في التفهيم وهذا يقال له مجتهد والعامى المعتمد على السؤال ليس بمقلد ولا مجتهد بل عامل بدليل بواسطة مجتهد يفهمه معانيه وقد كان غالب السلف من الصحابة والتابعين وتابعيهم الذين هم خير القرون من هذه الطبقة ولا ريب أن العلماء بالنسبة إلى غير العلماء أقل قليل فمن قال انه لا واسطة بين المقلد والمجتهد قلنا له قد كان غالب السلف الصالح ليسوا بمقلدين ولا مجتهدين أما كونهم ليسوا بمقلدين فلأنه لم يسمع عن أحد من مقصرى الصحابة أنه قلد عالما من علماء الصحابة المشاهير بل كان جميع المقصرين منهم يستروون علمائهم نصوص الأدلة ويعملون بها وكذلك من بعدهم من التابعين وتابعيهم ومن قال ان جميع الصحابة مجتهدون وجميع التابعين وتابعيهم فقد أعظم الفرية وجاء بما لا يقبله عارف(2/83)
وهذه المذاهب والتقليدات التى معناها قبول قول الغير دون حجة لم تحدث الا بعد انقراض خير القرون ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم ( وخير الأمور السالفات على الهدى *** وشر الأمور المحدثات البدائع ) وإذا لم يسع غير العالم في عصور الخلف ما وسعه في عصور السلف فلا وسع الله عليه وهذا عارض من القول اقتضاه ما قدمناه فلنرجع إلى ما نحن بصدده من ترجمة هذا السيد الإمام فنقول وهو شاهد على ما قدمنا ذكره ان صاحب الترجمة لما ارتحل إلى مكة وقرأ علم الحديث على شيخه ابن ظهيرة قال للسيد ما أحسن يا مولانا لو انتسبت إلى امام الشافعى أو أبى حنيفة فغضب وقال لو احتجت إلى هذا النسب والتقليدات ما اخترت غير الإمام القاسم بن إبراهيم أو حفيده الهادى وبالجملة فصاحب الترجمة ممن يقصر القلم عن التعريف بحاله وكيف يمكن شرح حال من يزاحم أئمة المذاهب الأربعة فمن بعدهم من الأئمة المجتهدين في اجتهاداتهم ويضايق أئمة الأشعرية والمعتزلة في مقالاتهم ويتكلم في الحديث بكلام أئمته المعتبرين مع احاطته بحفظ غالب المتون ومعرفة رجال الأسانيد شخصا وحالا وزمانا ومكانا وتبحره في جميع العلوم العقلية والنقلية على حد يقصر عنه الوصف ومن رام ان يعرف حاله ومقدار علمه فعليه بمطالعة مصنفاته فإنها شاهد عدل على علو طبقته فإنه يسرد في المسئلة الواحدة من الوجوه ما يبهر لب مطالعه ويعرفه بقصر باعه بالنسبة إلى علم هذا الإمام كما يفعله في العواصم والقواصم فإنه يورد كلام شيخه السيد العلامة على بن محمد بن أبى القاسم في رسالته التى اعترض بها عليه ثم ينسفه نسفا بإيراد(2/84)
ما يزيفه به من الحجج الكثيرة التى لا يجد العالم الكبير في قوته استخراج البعض منها وهو في أربعة مجلدات يشتمل على فوائد في أنواع من العلوم لا توجد في شيء من الكتب ولو خرج هذا الكتاب إلى غير الديار اليمنية لكان من مفاخر اليمن وأهله ولكن أبى ذلك لهم ما جبلوا عليه من غمط محاسن بعضهم لبعض ودفن مناقب أفاضلهم ومن مصنفاته ترجيح أساليب القرآن على أساليب اليونان وهو كتاب في غاية الإفادة والإجادة على أسلوب مخترع لا يقدر على مثله الا مثله ومنها كتاب الروض الباسم في مجلد اختصره من العواصم وكتاب ايثار الحق على الخلق وهو غريب الأسلوب مفيد في بابه وله كتاب جمعه في التفسير النبوى ومنها مؤلف في مدح العزبة والعزلة ومؤلف في الرد على المعرى سماه نصر الأعيان على شر العميان وله كتاب البرهان القاطع في معرفة الصانع وله كتاب التنقيح في علوم الحديث وله مؤلفات غير هذه ومسائل أفردها بالتصنيف وهو إذا تكلم في مسئلة لا يحتاج الناظر بعده إلى النظر في غيره من أى علم كانت وقد وقفت من مسائله التى أفردها بالتصنيف على عدد كثير تكون في مجلد وما لم أقف عليه أكثر مما وقفت عليه وكلامه لا يشبه كلام أهل عصره ولا كلام من بعده بل هو من نمط كلام ابن حزم وابن تيمية وقد يأتى في كثير من المباحث بفوائد لم يأت بها غيره كاينا من كان وديوان شعره مجلد وشعره غالبه في التوسلات والرقائق وتقييد الشوارد العلمية والمجاوبة لمن امتحن به من أهل عصره فان له معهم قلاقل وزلازل وكانوا يثورون عليه ثورة بعد ثورة وينظمون في الاعتراض عليه القصائد وأفضى ذلك إلى أن اعترض عليه شيخه(2/85)
المتقدم ذكره برسالة مستلقة فأجابها بما تقدم وكان يجاوبهم ويصاولهم ويجاولهم فيقهرهم بالحجة ولم يكن في زمنه من يقوم له لكونه في طبقة ليس فيها أحد من شيوخه فضلا عن معارضيه والذى يغلب على الظن أن شيوخه لو جمعوا جميعا في ذات واحدة لم يبلغ علمهم إلى مقدار علمه وناهيك بهذا ثم بعد هذا انجمع وأقبل على العبادة وتمشيخ وتوحش في الفلوات وانقطع عن الناس ولم يبق له شغلة بغير ذلك وتأسف على ما مضى من عمره في تلك المعارك التى جرت بينه وبين معاصريه مع أنه في جميعها مشغول بالتصنيف والتدريس والذب عن السنة والرفع عن اعراض أكابر العلماء وأفاضل الأمة والمناضلة لأهل البدع ونشر علم الحديث وسائر العلوم الشرعية في أرض لم يألف أهلها ذلك لا سيما في تلك الأيام فله أجر العلماء العاملين وأجر المجاهدين المجتهدين ولكنه ذاق حلاوة العبادة وطعم لذة الانقطاع إلى جناب الحق فصغر في عينيه ما سوى ذلك وقد ترجمه بعض بنى الوزير في كراريس واستوفى أحواله ولو ترجمه في مجلد لم يكن وافيا بحقه وترجمه أيضا جماعة من علماء الزيدية ومن غيرهم من قدمنا ذكره كالوجيه العطاب اليمني والشريف الفاسى المالكى في كتابه العقد الثمين الذى جعله تاريخا لمكة والبريهى ومدحه غير واحد من أعيان العلماء والحاصل أنه رجل عرفه الأكابر وجهله الأصاغر وليس ذلك مختصا بعصره بل هو كاين فيما بعده من العصور إلى عصرنا هذا ولو قلت ان اليمن لم ينجب مثله لم أبعد عن الصواب وفي هذا الوصف مالا يحتاج معه إلى غيره وما أحسن قوله في معاتبة شيخه المتقدم ذكره
( عرفت قدرى ثم أنكرته *** فما عدا بالله ممابدا ) ( وكل يوم لك بى موقف *** اسرفت في القول بسوء البدا ) ( أمس الثنا واليوم سوء الأذى *** ياليت شعرى كيف نضحى غدا ) ( يا شيبة العترة في وقته *** ومنصب التعليم والاهتدا ) ( قد خلع العلم رداء الهدى *** عليك والشيب رداء الردى ) ( فصن ردائيك وطهرهما *** عن دنس الإسراف والاعتدا ) وكانت وفاته تغمده الله بغفرانه في سابع وعشرين شهر محرم سنة 840 أربعين وثمان مائة(2/86)
محمد بن إبراهيم بن محمد البدر أبو البقاء الأنصارى المصرى الأصل المعروف بالبدر البشتكى الشاعر المشهور ولد في أحد الربيعين سنة 748 ثمان وأربعين وسبعمائة بجوار جامع بشتك الناصرى فقرأ القرآن وحفظ الكتاب في فقه الحنفية ثم تحول شافعيا وصحب البهاء محمد بن عبد الله الكازرونى وكان عجبا في جذب الناس إلى الإقامة عنده بحيث يهجروا أهاليهم خصوصا المردان فاجتمع به صاحب الترجمة وهو كذلك مع كونه من أجمل أهل عصره فلازمه ولم يفارقه وامعن النظر في كتب ابن حزم فغلب عليه حبه وتزيا بكل زى وسلك كل طريق واشتغل في فنون كثيرة ولكنه لم يتقن شيئا منها وأخذ الأدب عن ابن نباته وقال الشعر الحسن فكاد يحكيه في الرقة والانسجام وجمع كتابا حافلا في طبقات الشعراء وجمع ديوان شيخه ابن نباته وفاته كثير منه فاستدارك عليه ابن حجر مما فاته من شعر ابن نباته نحو مجلد ولم يجمع هو نظم نفسه مع كثرته فجمعه الشهاب(2/87)
الحجازى وكان لصاحب الترجمة قدرة على النسيخ بحيث يكتب في اليوم خمس كراريس فأكثر وربما تعب فيضطجع على جنبه فيكتب وكتب لنفسه ولغيره مالا يدخل تحت الحصر وكان لأجل ما يكتبه موسعا عليه في دنياه ولا يتقلد لأحد منه حتى ان بعض الأكابر أرسل إليه بعشرة دنانير فشتم الرسول وقال لا حاجة لى في ذلك فأخذ جرابه فنثر ما فيه من ذهب وفضة وفلوس بحضرته وكان يسخر بجماعة من الأعيان ومن ذلك أنه قال للكمال الدميرى لما بلغه أنه شرح سنن ابن ماجه سماه بعرة الدجاجة ولما سمى البلقينى مؤلفاته الفوائد المنتهضة على الرافعى والروضة كان المترجم له يقول الروضة بفتح الواو يشير إلى ان السجعة غير متناسب فغير البلقينى التسمية إلى الفوائد المحضة وكتب إليه الحافظ ابن حجر ( أليس عجيبا بأنا نصوم *** ولا نشتكى من أذى الصوم غما ) ( ونسغب والله في نسكنا *** إذا نحن لم نرو نثرا ونظما ) فأجاب المترجم له ( الا يا شهابا رقى في العلى *** فأمطرنا نوه العذب قطرا ) ( إلى فقر منك يا فقرنا *** ونستغن ان قلت نظما ونثرا ) وشعره سائر وقد ذكر منه المصنفون في الأدب من المتأخرين شيئا كثيرا ومات يوم الإثنين ثالث وعشرين جمادى الأولى سنة 830 ثلاثين وثمان مائة(2/88)
السيد محمد بن إبراهيم بن المفضل بن إبراهيم بن على ابن الإمام شرف الدين الشبامى اليمنى ولد سنة 1022 اثنتين وعشرين وألف وقرأ على العلامة عبد الرحمن ابن محمد الحيمي وعلى السيد عز الدين بن دريب وعلى غيرهما من مشايخ صنعاء وشبام وبرع في جميع العلوم وفاق أهل عصره وأخذ عنه الناس طبقة بعد طبقة وفي تلامذته جماعة هم أئمة مصنفون كالعلامة صالح ابن مهدى المقبلى وغيره ولم يشتغل مع جلالة قدره وتبحره في العلوم بالتصنيف بل كان يجيب في مسائل ترد عليه أجوبة مفيدة وله سيرة حسنة جمعها لجده الإمام شرف الدين وكان كثير الصمت قليل المباهاة والمماراة ومحبة الظهور ومن غرائب ما وقع له مما يدل على مزيد عقله وسكونه وحسن سمته أنه حضر مجلس الإمام المتوكل على الله إسماعيل وهو غاص بأعيان العلماء فدار الكلام في مسئلة نحوية فتكلم كل واحد من الحاضرين بمالديه وصاحب الترجمة ساكت لم يتكلم بكلمة مع كونه أكثر أهل ذلك المجلس علما ولما طال الكلام في تلك المسئلة التفت اليه من في ذلك المجلس ومنهم الإمام وعولوا جميعا في ذلك عليه فقال هذه المسئلة ذكرها صاحب المغنى فجاؤا بالكتاب فأخذه وفتح فقلب ورقة أراهم تلك المسئلة بلفظها فعجبوا من تحقيقه أولا ومن سكوته مع علمه بالمسئلة لاسيما وقد كثر الكلام فيها وطال وعرض خصوصا في مثل ذلك المجلس الذي لا يمسك نفسه فيه الا من كان جبلا من جبال التقوى وكان حسن الشكل مليح الهيئة حتى قال بعض الفضلاء انه لو اجتمع أهل المحشر وخرج صاحب الترجمة علم كل واحد أنه عالم وكان متواضعا متوددا
ملاطفا وهو ممن اتفق أهل عصره على تعظيمه وخضعوا لعلمه واعترفوا بتفرده وأقروا له بالجمع بين علم العقل والنقل والبلوغ في التحقيق إلى أعلى الطبقات ومات في نهار الاثنين غرة شهر رجب سنة 1085 خمس وثمانين وألف بمنزله بشبام وتأسف الناس على فقده ورثاه الشعراء كمحمد ابن الحسين الحيمى والشيخ ابراهيم الهندى والقاضى أحمد بن صالح بن أبي الرجال صاحب مطلع البدور والقاضى على بن صالح بن أبى الرجال(2/89)
محمد بن إبراهيم بن يحيى بن محمد بن صلاح الشجرى السحولى ثم الصنعانى
أحد العلماء المبرزين والأدباء المجيدين أخذ العلم عن والده وغيره وأخذ عنه جماعة من أكابر العلماء وكان خطيبا بجامع صنعاء ثم صار خطيبا برداع وفي آخر مدته ولاه المهدى صاحب المواهب الخطابة بالخضراء التى اختطها وكان مبرزا في العلوم الآلية والأدب وله شعر منسجم جيد فمنه قوله في مدح شرخ الرضى على الكافية ( عليك بالنجم إذا ما دجت *** ظلمة نحو ان أردت المضى ) ( من شاء يدعى السيد المرتضى *** في قومه كان أخا للرضى ) ومن نظمه ( كم قالت الورقا لا غصاننا *** هذا المصلى فاسجدى واركعى ) ( وأنت يا ورقاء بان اللوى *** غن على العيدان ثم اسجعى ) ومن نظمه القصيدة التى راجع بها السيد الحسن الجرموزى ومطلعها ( بين المعاجر والمحاجر *** فتن الأصاغر والأكابر ) وله نظم كثير وقد ترجم له صاحب ترويح المشوق وصاحب نسمة(2/90)
السحر وكانت وفاته سنة تسع ومائة وألف ووالد صاحب الترجمة هو أحد أكابر علماء صنعاء المفيدين لا سيما في علم الفروع وله مصنفات منها حاشية شرح الأزهار المشهورة ومنها شرح على الثلاثين المسئلة وقد تخرج به غالب أهل عصره في علم الفقه ومن مشايخه والده والعلامة محمد بن عز الدين المفتى والقاضى أحمد بن معوضة الجربى والفقيه إبراهيم بن يحيى حميد والفقيه أحمد الضمدى والسيد حسن بن شمس الدين جحاف وعبد الرحمن بن محمد الحيمى وعبد الهادى ابن أحمد الحسوسة ومولده ليلة الجمعة ثالث وعشرين جمادى الأولى سنة 987 سبع وثمانين وتسعمائة بمدينة ذمار وتوفي يوم السبت لعشرين خلت من جمادى الأولى سنة 1060 ستين وألف بصنعاء وقد ترجمه صاحب مطالع البدور ترجمة وافية(2/91)
الإمام المهدى محمد بن أحمد بن الحسن ابن الإمام القاسم بن محمد
ولد في سنة 1047 سبع وأربعين وألف في سابع جمادى الآخرة منها وكان بعد موت والده أحد الرؤساء الأكابر في الديار اليمنية وولى الخلافة بعد موت الإمام المؤيد بالله محمد بن المتوكل على الله إسماعيل بعد نزاع شديد وحروب طويلة واجتمع لحربه جميع أكابر سادات اليمن من أقاربه وغيرهم وحصروه وكادوا يحيطون به وبمن معه فخرج إليهم بمن معه من الأجناد وهم اليسير فهزمهم وأسر جماعة من أكابرهم وشرد آخرين ودانت اليمن وصفا له الوقت ولم يبق له مخالف الا قهره ونازعه بعد ذلك جماعة فغلبهم وسجنهم كالسيد يوسف بن المتوكل وكالسيد حسين بن الحسن بن الإمام وهو عمه وغير هؤلاء والحاصل أنه ملك من اكابر الملوك كان يأخذ المال من الرعايا بلا تقدير وينفقه بلا تقدير وكانت اليمن من بعد خروج الأتراك منها إلى أن ملكها صاحب الترجمة مصونة عن الجور والجبانات وأخذ مالا يسوغه الشرع فلما قام هذا أخذ المال من حله وغير حله فعظمت دولته وجلت هيبته وتمكنت سطوته وتكاثرت أجناده وصار بالملوك اشبه منه بالخلفاء ومع ذلك فهو يتزهد في ملبوسه فإنه كان لا يلبس الحرير ولا رفيع الثياب وكان يسمى صاحب السجدة لأنه كان إذا خرج من موكبه ورأى ما بين يديه من الأجناد المالية للقضاء ترجل عن جواده وسجد شكرا لله وتواضعا ومرغ وجهه بالأرض وكان سفاكا للدماء بمجرد الظنون والشكوك وقد قتل عالما بذلك السبب وشاع على الألسن أنه كان يأتيه في الليل من يخاطبه بأنه يقتل فلانا وينهب مال فلان ويعطى فلانا ويمنع فلانا فإذا كان النهار عمل بجميع ذلك ولعل هذا المخاطب له من مردة الجن وكان يميل إلى أهل العلم ويجالسهم ويتشبه بهم وربما قرأوا عليه ولم يكن عالما ولكن كان يحب التظهر بالعلم فيساعده على ذلك علماء حضرته رغبا ورهبا وله تصنيف سماه الشمس المنيرة في مجلد لطيف وقفت عليه وفيه نقل مسائل من مؤلفات جد ابيه الإمام القاسم ابن محمد ولكنها غير مرتبة ولا منقولة على أسلوب بل لا يدرى المطلع على ذلك الكتاب ما موضوعه ولا ما غرض مؤلفه وسبب ذلك كون مؤلفه ليس من العلماء ومع هذا فكان يقرأه عليه جماعة من أكابر العلماء وليس في موسعهم نصحه وتعريفه بالحقيقة لما جبل عليه من الطيش وتعجيل العقوبة ومن علو همته أنه إذا اراد الإيقاع بوزير من وزرائه أو(2/92)
أمير من أمرائه أمر بالجند بانتهاب ماله ولا يأخذ منه شيئا وقد يكون مالا جليلا وكان تملكه لليمن واستيلاؤه عليها بعد موت المؤيد بالله محمد ابن المتوكل على الله كما تقدم وذلك في سنة 1097 واستمر على ذلك إلى سنة 1126 وشرع المتوكل على الله القاسم بن الحسين في معارضته وإخراج البلاد عن مملكته حتى خلع نفسه في سنة 1129 فكان ملكه الديار اليمنية بأسرها زيادة على ثلاثين سنة فسبحان الفعال لما يريد ومن أعظم الحوادث في أيامه حادثة السيد إبراهيم المحطورى الشرفى الذى يسميه الناس اليوم المحدورى بالدال المهملة مكان الطاء المهملة وكان بارعا في علم الطلسمات والشعوذة وبالجملة فكان من أعظم السحرة وظهور أمره في سنة 1111 وله أتباع مجاذيب ينطقون بلفظ الجلالة فسفك الدماء ونهب الأموال وكان لا تؤثر الرصاص في أصحابه ولا يقطع أجسامهم السلاح فكانت الرصاصة إذا بلغت إلى أصحابه أمسكها بيده وأرجعها إلى صاحبها وارتجت الديار اليمنية لهذه الحادثة بل وسائر الديار حتى قيل ان سلطان الروم كتب إلى نائبه بمصر يسأله عن هذا القايم باليمن الذى لا يعمل في أصحابه السلاح ولا الرصاص ووقعت له ملاحم دمر فيها عالما لا يحصون فأرسل إليه صاحب الترجمة جيشا بعد جيش وهو يهزمهم ويقتل أكثرهم وامتد اصحابه في مواضع من اليمن ولم يكن عنده من العلم شىء فكان إذا سئل عن وجه ما يسفك من الدماء ويهتك من الحرم وينهب من الأموال قال ان سيفه هو الذى يأمره بذلك ويحكى أن سيفه المذكور كان يسمع له صليل وهو في غمده ولعل ذلك من جملة أثر سحره وكان تارة يقول انه لا يخرج الا لاجل شرب الناس للتنباك وتقريرهم للبانيات على البقاء(2/93)
في أرض اليمن وكل هذا من أعظم المشعرات بمزيد جهله وكان أصحابه إذا توجهوا إلى حصن من الحصون فتحوه في أسرع وقت وإن كان من غاية الحصانة لأنهم يرمونهم فلا يؤثر ذلك ويضربونهم بالسلاح فلا يؤثر ذلك فإذا لم يستسلموا ويفتحوا لهم الأبواب تسوروا من الجدارات ودخلوا فاتفق في فتحهم لحصن ثلا ان أمرأة أرسلت على أحدهم حجرا فهشمته فلما رأوا أهل المحل ذلك أخذوا الأحجار ورموهم بها فشدخوهم وقتلوا جماعة منهم ولم يزل صاحب الترجمة يجهز جيشا بعد جيش حتى جهز في آخر الأمر أولاده في جيش ضخم فكان الفتح وتقهقر امر هذا الناجم وتفرق أصحابه بعد أن فعلوا الأفاعيل وهزموا الجيوش وفتحوا الحصون ثم نجا بنفسه إلى جهات صعدة وشرع في افساد أهلها وكادت الفتنة ان تعود فتلطف أمير صعدة اذ ذاك وهو السيد على بن أحمد بن الإمام القاسم بن محمد حتى وصل إليه فسأله عن سبب سفكه للدماء ونهبه للأموال وتحليله للمحرمات فأجابه بمثل ما اعتذر به سابقا مما يؤذن بإفراط جهله فسجنه ثم ضرب عنقه وأرسل إلى صاحب الترجمة يخبره بذلك وقد اتفق مثل هذه الفتنة في أوائل أيام الإمام المهدي العباس ابن الحسين والد مولانا خليفة العصر الإمام المنصور بالله حفظه الله وذلك ان رجلا من السودان يقال له أبو علامة ظهر من المحل الذى ظهر منه المحطوري وهو بلاد الشرق وصار له اتباع كثير مجاذيب لا يعمل فيهم سلاح ولا رصاص واجتمع منهم الوف مؤلفة وفتحوا غالب حصون بلاد حاشد وبكيل ثم بعد ذلك استفتحوا مواضع من البلاد الإمامية(2/94)
وانتهوا إلى تهامة وقتلوا من الناس من لا يأتى عليه الحصر ورجفت اليمن لذلك وتضعضعت اركان المملكة وصار الناس لا يجري في حديثهم غيره وصار النساء ومن يشابههن من العوام إذا سقط صبى لهم نادوا باسم هذا الناجم وعظمت فتنته واشتملت الأرض به وما زال الإمام المهدى يرسل إليه بالجيوش ويدافع بها عن بلاده التى قد انتشر فيها أصحاب أبى علامة المذكور وآخر الأمر عملت فيهم الأسلحة وأثرت فيهم الرصاص ولكنهم قد صاروا جيوشا متكاثرة فتارة تكون الدائرة لهم وتارة عليهم وغالبهم من السودان ثم اتفق أن أبا علامة ارسل إلى الشام صعدة أنهم يمدونه بجيش فخرجوا في جيش كثير فوصلوا إليه وقد أدبر أمره فقتله جماعة منهم وحملوا رأسه إلى الإمام المهدى العباس وقد أخبرنى بأخبار هذا الناجم شيخنا العلامة السيد عبد القادر بن أحمد المتقدم ذكره وكذلك أخبرنى بأخباره الفقيه على بن القاسم حنش المتقدم ذكره وكانا قد وصلا إليه اما شيخنا فارسله الإمام المهدى وأما الفقيه علي فأرسله أمير كوكبان وأخبرنى شيخنا أنه سأل عن سبب ما هو فيه فقال انه دخل صنعاء في أيام سابقة وكان المؤذنون يسبحون من المنارات في آخر الليل ثلاث تسبيحات ثم دخل مرة اخرى فوجدهم قد تساهلوا بذلك فمنهم من يسبح تسبيحتين ومنهم من يسبح تسبيحة واحدة ومنهم من لا يسبح فانظر إلى هذا الجهل العجيب الذى استحل به هذا الطاغية سفك الدماء وهتك الحرم وكان ظهوره في سنة 1164 أو في التى بعدها فانتقم الله منه وأهلكه وكان موت المهدي صاحبه المواهب المترجم له في سنة 1130 ثلاثين ومائة وألف(2/95)
محمد بن أحمد بن جار الله مشحم الصعدى ثم الصنعانى
له شيوخ منهم السيد العلامة احمد بن عبد الرحمن الشامى وأجاز له جماعة من أهل الحرمين كالشيخ محمد حبوه السندى وكان له اطلاع على عدة علوم مع بلاغة فائقة وعبارة رائقة وله مؤلفات مجموعة في مجلدة وفيها رسائل نفيسة وكان خطيبا للإمام المنصور بالله الحسين بن القاسم ثم ولاه القضاء بمحلات من المدائن اليمنية وفيه كرم مفرط وله شعر متوسط وبالجملة فهو من محاسن القضاة وكذلك ولاه الإمام المهدى القضاء بمواضع من مدائن اليمن وله قصائد في مدحه فمنها هذه القصيدة ( زارت وقد جن دامس الغلس *** ولم تخف أعينا من الحرس ) ( تخطر في تيهها فنم بها *** طيب شذاها ومنطق الجرس ) ( فيالها خلسة الذ بها *** الذ وصل الحبيب في الخلس ) ( عقيلة حجبت بسمر قنى *** وبيض هند وأسهم وقسى ) ( ترمى بسهم الرنا فكم قتلت *** من دارع في الهوى ومترس ) وهى طويلة ولعل مجموع اشعاره موجودة عند ولده القاضى العلامة أحمد بن محمد المتقدم ذكره وموته في ايام المهدي العباس بن الحسين سنة 1181 إحدى وثمانين ومائة وألف وسيأتى ذكر حفيده ان شاء الله(2/96)
محمد بن أحمد بن حمزة الرملى المصرى العالم المشهور
ولد سنة 919 تسع عشرة وتسعمائة وموته سنة 1004 اربع وألف ولم أقف له على ترجمة مبسوطة لكنه قال العصامى في وصفه امام الحرمين وشيخ المصريين من كانت العلماء تكتب عنه ما يملى مولانا شمس الدين محمد بن أحمد بن حمزة الرملى فاتح اقفال مشكلات العلوم ومحيى ما اندرس منها من الآثار والرسوم استاذ الأستاذين وأحد علماء الدين علامة المحققين على الاطلاق وفهامة المدققين بالاتفاق انتهى
محمد بن أحمد بن سعد السودى ثم الصنعانى المولد والمنشأ والدار ولد في ليلة الجمعة مستهل جمادى الآخرة سنة 1178 ثمان وسبعين ومائة وألف وحفظ القرآن ثم لازمنى منذ ابتداء طلبه إلى انتهائه فقرأ على في النحو الملحة وشرحها لبحرق وشرحها للفاكهى والقواعد وشرحها والكافية وشرحها للسيد المفتى ثم شرحها للخبيصى ثم شرحها للجامى ثم شرحها للرضى ثم مغنى اللبيب وقرأ على في المنطق ايساغوجي وشرحه للقاضى زكريا ثم التهذيب للسعد وشرحه للشيرازى وشرحه لليزدى ثم قرأ على الشافية وشرحها للشيخ لطف الله المسمى بالمناهل الصافية ثم قرأ على من كتب المعانى والبيان التلخيص للقزوينى وشرحه المختصر للسعد وحاشيته للطف الله وشرحه المطول للسعد أيضا وحاشيته للشريف وحاشيته للشلبى وقرأ على من كتب الأصول الكافل لابن بهران وشرحه لابن لقمان وغاية السؤل لابن الإمام وشرحها له وحاشيتها لسيلان ومختصر المنتهى وشرحه للعضد وحاشيته للسعد والكشاف وحاشيته للسعد والنخبة وشرحها لابن حجر وآداب البحث ورسالة الوضع والبخارى ومسلم وسنن أبى داود والترمذي والهدي لابن القيم وجامع الأصول والشفاء للأمير الحسين والأحكام للهادى والموطأ لمالك وغالب هذه الكتب أكملها وبعضها بقيت منه بقية ولعل الله يعين على تمامها وهو الآن يقرأ على في شرحى للمنتقى وفي مؤلفى المسمى بالدرر وشرحه المسمى بالدراري وغير(2/97)
ذلك من مؤلفاتى فهذا جملة ما قرأه صاحب الترجمة على ولعله قرأ على غير ذلك مما لا يحضرنى حال تحرير هذه الأحرف وقرأ في الفقه على الفقيه العارف محمد بن حسين الوينانى في الأزهار وشرحه وقرأ على شيخنا العلامة أحمد بن الحرازى في بيان ابن مظفر وقد برع في جميع الفنون المتقدم سردها وفاق الأقران ودرس الطلبة بالجامع المقدس وهو الآن من أعيان علماء صنعاء ومن أعظم المفيدين للطلبة وله ذهن وقاد وفهم إلى تصور الدقائق منقاد وفكرة صحيحة وإدراك تام وعقل حسن وعمل بما يرجحه من الأدلة وطرح التقليد ومحبة للحق وانقياد للصواب وفصاحة ورجاحة وقوة عارضة وملكة تامة وقدرة على المناظرة وسرعة استحضار وحسن تطبيق للأدلة على القواعد الأصولية مع علو همة وشهامة نفس وتعفف وقنوع وانجماع لا سيما عن بنى الدنيا وله في الأدب يد قوية واطلاع تام وله نظم جيد فمنه ما كتبه إلى في أيام قديمة وهو ( كفاك سموا زينة الدهر واحده *** وتاج العلى والمجد من عز وافده ) ( رئيس المعالى الفخر محمود عصره *** كمال كمال الدين والنجم شاهده ) ( فتى ساد بالعلم الشريف شريفه *** وجلى فخار السبق والسعد قاصده ) ( به جرت الأيام أرادان زهوها *** وطالت يمين العز واشتد ساعده ) ( وجادت سحاب الجود من درمزنها *** بما عم في الأقطار وهى محامده ) ( وأثمر دوح العلم من بعد ماذوى *** وراقت معانيه وطابت موارده ) ( ولما تجلى البدر تما تصدعت *** دجى الجهل واهتانت لدينا حواسده ) ( فخذها وأنت الحبر منى عقيلة *** اغار سناها الشمس والصدع عاقده ) ( أكافيه أنى في الورى حامد له *** بمدحى وقد كافى على العرف حامده )(2/98)
( كسانى من الإحسان مالا أقله *** وإنى به فوق السماكين صاعده ) فأجبت بقولى ( نظام من الدر الثمين فرائده *** تزين به جيد الزمان قلائده ) ( لمن ذهنه سيف إذا عن معضل *** ونار اشتعال ان انارت مشاهده ) ( ومن حظه في كل علم موفر *** وأشياخه برهانه وشواهده ) ( اعز المعالى أنت للدهر زينة *** وأنت على رغم الحواسد ماجده ) ( وإن كنت محسودا على ما حويته *** فمثلك مغبوط كثير حواسده ) ( فشمر على اسم الله في نشر سنة *** لخير الورى واصبر على ما تكابده ) ( فإنك في دهر به قد تنكرت *** من الدين فاعلم يا ابن ودى معاهده ) ( إذا قلت قال الله قال رسوله *** يقولون هذا مورد ضل وارده ) ( وإن قلت هذا قررته مشايخ *** يقولون هذا عالم العصر واحده ) ( فلا قدس الرحمن عصرا ترى به *** جهولا يعادى الحق ثم يعانده ) ( الا ناصر للدين محمد *** الاعاضد يا للرجال تعاضده ) ( الاغاضب يوما لسنة أحمد *** فمن كان منشودا فإنى ناشده ) ( أيا معشر الأعلام هل من حمية *** اتهجر من قول الرسول موائده ) ( اينكر معروف ويعرف منكر *** ويقبل في الدين المطهر جاحده ) ( لتبك عيون العلم فهى جديرة *** بفيض دموع مترعات موارده ) ( لتبك عيون الأمهات فإنها *** غدت في عقوق من بنيها تكابده ) ( الا يا رسول الله قوم تلاعبت *** بهديك وهو العذب فينا موارده ) ( ونصرك مرجو على كل حالة *** لقد عز من خير الخلائق عاضده ) ( ولصاحب الترجمة أشعار فائقة ولكنه مشغول عن الاستكثار منها بتقييد الشوارد العلمية وتهذيب طلب علوم الاجتهاد لا برح مسددا في كل اصدار وإيراد وقد صار الآن قاضيا من قضاة مدينة صنعاء وللناس إليه رغوب وله قدرة تامة على فصل الخصومات وإيضاح المهمات(2/99)
محمد بن أحمد بن سليمان بن يعقوب بن على بن سلامة بن عساكر بن حسين بن قاسم بن محمد بن جعفر بن الجلال أبو المعاطي الدمشقى الشافعى المعروف بابن خطيب داريا
ولد بليلة الأربعاء ثالث ربيع الأول سنة 745 خمس وأربعين وسبعمائة واشتغل بالفقه والعربية واللغة وسائر فنون الأدب وشارك في العقليات وكثر استحضاره للغة واشتهر بوفور الذكاء حتى كان يقتدر على تصوير الباطل حقا والحق باطلا وكان يتلاعب بالأكابر باستعمال نوع من الكلام منسجم تفهم مفرداته وأما تراكيبه فمهملة يتحير سامعه لخروجه من علم إلى علم بحيث يظن أنه سرد جميع العلوم ومن جملة ما وقع منه أنه أراد يتلاعب بالقاضى برهان الدين بن جماعة فحرر رقما في بيع جانب من مسجد بنى أمية يعرف بالغزالية وتصرف في الكلام على قاعدته وذكر الحدود وكتب لفظ الغزالية العرابية ليتمكن من اصلاحها بعد ذلك ويبلغ مراده من التشنيع على القاضى في كونه أذن في بيع قطعة من الجامع الأموى ففطن القاضى لصنعه ورام الإيقاع به ففر إلى القاهرة وبالجملة فالغالب عليه المجون والهزل مع تقدمه في فنون الأدب حتى صار شاعر الشام في وقته بدون مدافع وسلك آخر مدته طريقة مثلى في التصوف والتعفف وله تصانيف كثيرة منها الامتاع بالإتباع ورتبه على الحروف والإمداد(2/100)
في الأضداد ومحبوب القلوب وملاذ الشواذ ذكر فيه شواذ القرآن وطرف اللسان بظرف الزمان ذكر فيه أسماء الأيام والشهور الواقعة في اللغة وكتاب في اللغة رتبه على الحروف وخاتمة في النوادر والنكت وأرجوزة نحو ثلاث مائة بيت ذكر فيها من روى عن النبى من الصحابه وعدد كل ما وجد روى من الحديث وتحصيل الأدوات بتفصيل الوفيات في بيان من علم محل موته من الصحابة ومطالب المطالب في معرفة تعليم العلوم ومعرفة من هو أهل لذلك ونهيه الأمنيات في الكلام على حديث إنما الأعمال بالنيات وشرح الفيه بن مالك شرحا سماه طرح الخصاصة شرح الخلاصة وكان قد صاهر المجد اللغوى فلازمه وسمع معه على جماعة ومدح الأكابر وهو القائل ( يا عين ان بعد الحبيب وداره *** ونأت مرابعه وشط مزاره ) ( فلقد حظيت من الزمان بطائل *** ان لم تربه فهذه آثاره ) ومنه ( اذ المرء أبدى فيك فرط محبة *** وبالغ في بذل الوداد وأكثرا ) ( فإياك أن تغتر من بذل وده *** ولو مد ما بين الثريا إلى الثرا ) ( فما حبه للذات فيك وإنما *** لأمر إذا ما زال عنك تغيرا ) ومنه ( اقبل نصيحة واعظ *** ولو أنه فيها مرائى ) ( فلربما نفع الطبيب *** وكان أحوج للدواء ) ومنه ( لعمرك ما في الأرض من تستحي له *** ولا من تدارى أو تخاف له عتبا )
( فعش ملقيا عنك التكلف جانبا *** ولا ترض بين الناس من احد قربا ) وأقام في آخر مدته بالقاهرة حتى مات في ربيع الأول سنة 811 احدى عشرة وثمان مائة(2/101)
محمد بن احمد بن عبد الهادى ابن عبد الصمد بن عبد الهادى ابن يوسف بن محمد بن قدامة المقدسي الحنبلى شمس الدين
ولد في رجب سنة 705 خمس وسبعمائة وسمع من التقى سليمان وابن سعد وطبقتهم وتفقه بابن مسلم وتردد إلى ابن تيمية ومهر في الحديث والفقه والأصول العربية وغيرها قال الصفدى لو عاش لكان آية كنت إذا لقيته سألته عن مسائل أدبية وفوائد عربية فينحدر كالسيل وكنت أراه يرد على المزى في أسماء الرجال فيقبل منه وقال الذهبى في معجمه المختصر الفقيه البارع المقرى المجود المحدث الحافظ النحوى الحاذق ذو الفنون كتب على واستفدت منه وقال ابن كثير كان حافظا علامة ناقدا حصل من العلوم مالا يبلغه الشيوخ الكبار وبرع في الفنون وكان جبلا في العلل والطرق والرجال حسن الفهم جدا صحيح الذهن ومن الغرائب أنه حدث الذهبى عن المزى عن السروجى عنه وقال المزى ما التقيت به إلا واستفدت منه وله كتاب الأحكام في ثمان مجلدات والرد على السبكى في رده على ابن تيمية والمحرر في الحديث اختصره من الإلمام لابن دقيق العيد فجوده جدا واختصر التعليق لابن الجوزى وزاد عليه وحرره وشرح التسهيل في مجلدين وله منافسات لابن حيان فيما اعترض به على ابن مالك في الألفية وغير ذلك وله الكلام على أحاديث مختصر ابن الحاجب وشرع في كتاب العلل على ترتيب كتاب الفقه وجمع التفسير المسند ولم يكمل قال
الذهبى ما اجتمعت به قط الا واستفدت منه ومات في عاشر جمادى الأولى سنة 744 أربع وأربعين وسبعمائة فكان عمره دون أربعين سنة وتأسف الناس عليه(2/102)
محمد بن أحمد بن عثمان بن إبراهيم بن عدلان بن محمود بن لاحق بن داود المصري الشافعى المعروف بابن عدلان
ولد في سنة 663 ثلاث وستين وستمائة وسمع من الدمياطى وابن دقيق العيد وجماعة وتفقه على آخرين وبرع في الفقه ودرس وأفتى وناب في الحكم عن ابن دقيق العيد وتوجه رسولا إلى اليمن في سلطنة بيبرس الجاشنكير فما عاد الا وقد قتل السلطان وعاد الملك الناصر إلى السلطنة فلم يرفع له رأسا ولا ولاه شيئا في حياته ثم ولى قضاء العسكر بعد موت السلطان وكان قد شرع في شرح مختصر المزنى شرحا مطولا فلم يكمله وكان من افقه الناس في زمنه من الشافعية ودارت عليه الفتيا قال الأسنوي كان إماما في الفقه يضرب به المثل مع معرفة بالأصلين والعربية والقراءة وكان ذكيا نظارا فصيحا يعبر عن الأمور الجلية بالعبارات الوجيزة مع السرعة والديانة والمروءة وسلامة الصدر ودرس بالناصرية وكانت العادة أن يقرأ القارىء آية فيتكلم عليها ابن عدلان كلاما واسعا بحيث يظن من سمعه أنه طالع التفسير وليس كذلك فإن القارىء للآية كان إذ ذاك من قوم بينه وبينهم منافسة ومات في ذى القعدة سنة 749 تسع وأربعين وسبعمائة(2/103)
محمد بن أحمد بن عثمان بن قايماز بن عبد الله التركمانى الأصل الفارقى ثم الدمشقى أبو عبد الله شمس الدين الذهبى الحافظ الكبير
المؤرخ صاحب التصانيف السائرة في الأقطار ولد ثالث شهر ربيع الآخر سنة 673 ثلاث وسبعين وستمائة وأجاز له في سنة مولده جماعة بعناية أخيه من الرضاع وطلب بنفسه بعد سنة 690 فأكثر عن ابن عساكر وطبقته ثم رحل إلى القاهرة وأخذ عن الدمياطى وابن الصواف وغيرهما وخرج لنفسه ثلاثين بلدا ومهر في فن الحديث وجمع فيه المجاميع المفيدة الكثيرة قال ابن حجر حتى كان أكثر أهل عصره تصنيفا وجمع تاريخ الإسلام فأربى فيه على من تقدمه بتحرير أخبار المحدثين خصوصا انتهى أى لا باعتبار تحرير أخبار غيرهم فإن غيره ابسط منه واختصر منه مختصرات كثيرة منها النبلاء والعبر وتلخيص التاريخ وطبقات الحفاظ وطبقات القراء ولعل تاريخ الإسلام في زيادة على عشرين مجلدا وقفت منه على أجزاء والنبلاء في نحو العشرين مجلدا وقفت منه على أجزاء وهو مختصر من تاريخ الإسلام باعتبار أن الأصل لمن نبل ولمن لم ينبل في الغالب والنبلاء ليس الا لمن نبل لكنه أطال تراجم النبلاء فيه بمالم يكن في تاريخ الإسلام ومن مصنفاته الميزان في نقد الرجال جعله مختصا بالضعفاء الذين قد تكلم فيهم متكلم وهو كتاب مفيد في ثلاثة مجلدات كبار وله كتاب الكاشف المعروف ومختصر سنن البيهقى الكبرى ومختصر تهذيب الكمال لشيخه المزى وخرج لنفسه المعجم الصغير والكبير والمختص بالمحدثين فذكر فيه غالب الطلبة من أهل ذلك العصر وعاش الكثير منهم بعده إلى نحو اربعين سنة وخرج لغيره(2/104)
من شيوخه وأقرانه وتلامذته وجميع مصنفاته مقبولة مرغوب فيها رحل الناس لأجلها وأخذوها عنه وتداولوها وقرأوها وكتبوها في حياته وطارت في جميع بقاع الأرض وله فيها تعبيرات رائقة وألفاظ رشيقة غالبا لم يسلك مسلكه فيها أهل عصره ولا من قبلهم ولا من بعدهم وبالجملة فالناس في التاريخ من أهل عصره فمن بعدهم عيال عليه ولم يجمع أحد في هذا الفن كجمعه ولا حرره كتحريره قال البدر النابلسى في مشيخته كان علامة زمانه في الرجال وأحوالهم جيد الفهم ثاقب الذهن وشهرته تغنى عن الإطناب فيه وقد أكثر التشنيع عليه تلميذه السبكى وذكر في مواضع من طبقاته للشافعية ولم يأت بطائل بل غاية ما قاله انه كان إذا ترجم الظاهرية والحنابلة أطال في تقريظهم وإذا ترجم غيرهم من شافعى أو حنفى لم يستوف مايستحقه وعندى أن هذا كما قال الأول ( وتلك شكاة ظاهر عنك عارها ) فإن الرجل قد ملىء حبا للحديث وغلب عليه فصار الناس عنده هم أهله وأكثر محققيهم وأكابرهم هم من كان يطيل الثناء عليه الا من غلب عليه التقليد وقطع عمره في اشتغال بما لا يفيد ومن جملة ما قاله السبكى في صاحب الترجمة أنه كان إذا أخذ القلم غضب حتى لا يدرى مايقول وهذا باطل فمصنفاته تشهد بخلاف هذه المقالة وغالبها الإنصاف والذب عن الأفاضل وإذا جرى قلمه بالوقيعة في أحد لم يكن من معاصريه فهو انما روى ذلك عن غيره وإن كان من معاصريه فالغالب أنه لا يفعل ذلك الا مع من يستحقه وإن وقع ما يخالف ذلك نادرا فهذا شأن البشر وكل أحد يؤخذ من قوله ويترك الا المعصوم والأهوية تختلف والمقاصد تتباين(2/105)
وربك يحكم بينهم فيما كانوا فيه يختلفون وقد تصدر للتدريس بمواضع من دمشق وكان قد اضر قبل موته بسنوات وكان يغضب إذا قيل له يقدح عينيه ويقول ما زلت أعرف بصرى ينقص قليلا قليلا إلى أن تكامل عدمه قال الصفدي لم يكن عنده جمود المحدثين بل كان فقيه النفس له دراية بأقوال الناس وهو القائل مضمنا ( إذا قرأ الحديث على شخص *** وأخلى موضعا لوفاة مثلى ) ( فما جازى بإحسان لأنى *** أريد حياته ويريد قتلى ) قال الصفدي فأنشدته لنفسى ( خليك ماله في ذا مراد *** فدم كالشمس في اعلى محل ) ( وحظي أن تعيس مدى الليالى *** وأنك لا تمل وأنت تملى ) قال الصفدى فأعجبه قولي خليك لأن فيه اشارة إلى بقية البيت الذى ضمنه هو مع الإتفاق في اسم خليل ومات في ليلة الثالث من ذى القعدة سنة 748 ثمان وأربعين وسبعمائة(2/106)
محمد بن أحمد بن عثمان بن نعيم بفتح النون وكسر العين ابن مقدم بكسر الدال المهملة المشددة بن محمد بن حسن بن غانم بن محمد بن عليم بضم العين المهملة شمس الدين البسطى ثم القاهرى المالكى ولد في سنة 760 ستين وسبعمائة واشتغل بالعلم فأخذ عن مشايخ عصره وارتحل إلى القاهرة ومن جملة من أخذ عنه المغربى المالكى ولازمه نحو عشر سنين والعز بن جماعة وابن خلدون وعلى سائر علماء المعقول والمنقول في ذلك العصر وبرع في الفقه والأصلين والعربية واللغة والمعانى والبيان والمنطق والحكمة والجبر والمقابلة والطب والهيئة والهندسة والحساب وصار فريد عصره ويروى عنه أنه قال أعرف نحو عشرين علما ما سئلت عن مسئلة منها ومع ذلك فكان شديد الفاقة ربما مضت الأيام والليالى ولا يجد درهما بحيث يضطر إلى بيع بعض نفائس كتبه ثم تحرك له الحظ فأولى ما ولى تدريس الشيخونية في سنة 805 ثم ولى بعد ذلك التدريس في أماكن ثم قضاء المالكية بالديار المصرية في سنة 823 وسافر مع السلطان مرة بعد أخرى وحج وجاور بمكة سنة كان في المجاورة على قدم عظيم من العبادة وكثرة التلاوة ونشر العلم وقد تفرد في عصره بكثرة الفنون وتزاحم الطلبة بل العلماء بل الأئمة في الأخذ عنه من جميع الطوائف وله تصانيف منها المغنى في الفقه ولم يكمل وشفاء الغليل على مختصر الشيخ الجليل ولم يكمل أيضا وحاشية على المطول للتفتازانى وعلى شرح الطوالع للقطب وعلى المواقف للعضد وله نكت على الطوالع للبيضاوى ومقدمة مشتملة على مقاصد الشامل في الكلام وأخرى في العربية وله نظم فمنه ( ولم أنس ذاك الإنس والقوم هجع *** ونحن ضيوف والقراء منوع ) ( وعشاق ليلى بين باك وصارخ *** وآخر منهم بالوصال ممتع ) ( وآخر في الستر الإلهي متيم *** تغوص به الأمواج حينا وترفع ) ( وآخر قرت حاله فتميزت *** معارفه فيما يروم ويدفع ) ( وآخر افنى الكل عن كل ذاته *** فكل الذى في الكون مرأى ومسمع ) ( وآخر لا كون لديه ولاله *** رقيب يلاحظه يثنى ويجمع ) ولم يزل على ارتفاع مكانه في أمور الدنيا والدين حتى مات في ليلة الجمعة ثالث عشر رمضان سنة 842 اثنتين وأربعين وثمان مائة بالقاهرة(2/107)
محمد بن أحمد بن على بن أبى عبد الله محمد بن محمد بن عبد الرحمن بن محمد بن أحمد بن على بن عبد الرحمن بن سعيد بن عبد الملك
التقى الفاسى المكى المالكى شيخ الحرم ولد في ربيع الأول سنة 775 خمس وسبعين وسبعمائة بمكة ونشأ بها وبالمدينة وطلب بنفسه فسمع من ابن صديق والنويرى وغيرهما ودخل القاهرة غير مرة فقرأ على البليقنى وابن الملقن والعراقى والهيتمى وغيرهم وكذا دخل دمشق مرارا وقرأ على مشايخها وسافر إلى غزة والرملة ونابلس والإسكندرية ودخل اليمن مرارا وسمع مشايخها وبلغت عدة شيوخه بالسماع والإجازة نحو خمس مائة وعنى بعلم الحديث اتم عناية وكتب الكثير وأفاد وانتفع الناس به وأخذوا عنه ودرس وأفتى وحدث بالحرمين والقاهرة ودمشق واليمن وكان ذا يد طولى في التاريخ والحديث واسع الحفظ واعتنى بأخبار بلده فأحيا معالمها وأوضح مجاهلها وحدد مآثرها وترجم أعيانها فكتب له تاريخا حافلا سماه شفاء الغرام بأخبار البلد الحرام في مجلدين جمع فيه ما في الأزرقى وزاد عليه ما تجدد بعده وعمل العقد الثمين في تاريخ البلد الأمين في أربع مجلدات وصنف ذيلا على سيرة النبلاء للذهبى وعمل على التقييد لابن نقطة وفي الأذكار والدعوات والمناسك على مذهب الشافعي ومالك واختصر حياة الحيوان للدميرى وخرج الأربعين المتباينات لنفسه وتصانيفه كثيرة وولى قضاء المالكية بمكة في شوال سنة 807 سبع وثمان مائة وعزل مرارا ومات وهو معزول بمكة في شوال 832 اثنتين وثلاثين وثمان مائة وقد ترجم نفسه في تاريخ
مكة بزيادة على كراس(2/108)
محمد بن أحمد بن محمد بن إبراهيم بن أحمد بن هاشم الجلال أبو عبد الله المحلى الأصل نسبة إلى المحله الكبرى بفتح الحاء المهملة
من القاهرة الشافعى ويعرف بالجلال المحلى ولد في مستهل شوال سنة 719 أحدى وتسعين وسبعمائة بالقاهرة ونشأ بها واشتغل في فنون فأخذ الفقه وأصوله والعربية عن الشمس البرماوى وعن الجلال البلقينى والولى العراقى والعز بن جماعة والمنطق والجدل والمعانى والبيان والعروض عن البدر الأقصرائى ولازم البساطى في التفسير وأصول الدين وغيرهما والعلاء بن البخارى وقرأ على غير هؤلاء وأخذ علوم الحديث عن الولى العراقى والحافظ بن حجر ومهر وتقدم على غالب أقرانه وتفنن في العلوم العقلية والنقلية وتصدى للتصنيف والتدريس فشرح جمع الجوامع والورقات والمنهاج الفرعى والبردة شروحا متقنة مختصرة وعمل لنفسه منسكا وتفسيرا لم يكمل ورغب الأئمة في تحصيل تصانيفه وقراءتها وإقرائها وقرأ عليه من لا يحصى كثرة وارتحل الفضلاء للأخذ عنه وهو حاد المزاج لا سيما في الحر وإذا ظهر له الصواب على يد من كان رجع إليه وقد ولى التدريس بمواضع وكان مفرط الذكاء صحيح الذهن لا يقبل ذهنه الغلط قوى المباحثة معظما عند الخاصة والعامة مشهور الذكر بعيد الصيت مقصودا بالفتاوى من الأماكن البعيدة قال السخاوى وترجمته تحتمل كراريس وقد حج مرار ومات بعد أن تعلل بالإسهال في يوم السبت مستهل سنة 864 أربع وستين وثمان مائة وتأسف الناس على
فقده ولم يخلف بعده في مجموعه مثله(2/109)
محمد بن أحمد بن محمد بن أحمد بن جار الله مشحم الصعدى الأصل الصنعانى المولد والمنشأ ولد سنة 1168 ست وثمانين ومائة وألف وقرأ الفقه على السيد العلامة الحسين بن يحيى الديلمى والفقيه العلامة سعيد بن إسماعيل الرشيدى وشيخنا العلامة أحمد بن محمد الحرازى وقرأ في سائر العلوم على عمه العلامة عبد الله بن محمد مشحم والسيد العلامة على بن عبد الله الجلال والسيد العلامة إبراهيم بن عبد القادر وشيخنا العلامة عبد الله بن إسماعيل النهمى وقرأ على في الفرائض وشرح الرضى للكافية ومغنى اللبيب وفي الترمذى وسنن أبى داود وغير ذلك وبرع في النحو والصرف والمنطق والمعانى والبيان والأصول والفقه والحديث وشارك في سائر الفنون وله ذهن قويم وفهم جيد وذكاء متوقد وحسن تصور باهر وقوة ادراك مفرط بحيث يرتقى بأدنى اشتغال إلى مالا يرتقى إليه من هو أكثر منه اشتغالا وهو ممن لا يعول على التقليد بل يعمل بما يرجحه من الأدلة وولاه مولانا الإمام المنصور بالله حفظه الله القضاء الصنعاني بصنعاء من جملة قضاتها فكان يقضى بين الناس بمكان والده وأثنى الناس عليه ورغبوا فيه لما هو عليه من الصلابة في الدين وسرعة الفصل للقضايا المشكلة ولعل توليه للقضاء كان في سنة 1210 ثم حجر في سنة 1211 ثم ولاه مولانا الإمام قضاء بلاد ريمة في سنة 1212 ثم نقله إلى قضاء الحديدة وهو الآن هنالك مستمر على القضاء متأسف على فراق صنعاء متلهب على ما فاته من الطلب للعلوم على مشايخها وكان قبل ارتحاله من صنعاء(2/110)
إلى تلك الجهة يكثر الاتصال بيننا ويجرى من المباحث العلمية في أنواع العلم أشياء كثيرة وبينى وبينه مودة أكيدة ومحبة زائدة وما زالت كتبه تصل من هنالك تارة بمسائل علمية وتارة بمطارحة أدبية ومما كتبه إلى من هنالك هذه القصيدة التى هى ذات قافيتين ( صب يورقه النسيم إذا سرى *** من نحو صنعا *** حاملا طيب الرسائل ) ( ويثير لوعته الحمام إذا علت *** في الدوح فرعا *** والزهور له غلائل ) ( وغدت تردد في الغصون هديرها *** وتميد سجعا *** تدعى شجو البلابل ) ( اذ كيت ياورق الغرام وأنت لم *** تدنيه قطعا *** والغرام له دلائل ) ( طوقت جيدك والخطاب اجدته *** في الكف وضعا *** لم يكن عنها بفاصل ) ( ووقفت بين أرايك قد دبجت *** زهرا وزرعا *** وارتقصت على الخمائل ) ( وجمعت شملك بالأليف موافقا *** جنسا ونوعا *** مشبها لك في الشمائل ) ( لا در درك يافراق قطعت حبل *** الوصل قطعا *** ثم بددت الوسائل ) ( وتركتنى ارعى السهى وأذيل في *** الخدين دمعا *** يخجل السحب الهواطل ) ( وتذود عن عينى الكرى وأين *** أين النوم يسعى *** في العيون وهى هوامل ) ( ياليت شعرى هل يكون لنا من *** الأيام رجعا *** بين هاتيك المنازل ) ( وأرى الفراق مصفدا متصدعا *** بالوصل صدعا *** لا تروعنا النوازل ) ( وزمام دهرى في يدى أجيله *** في كل مسعى *** لاينى ولا يخاذل ) ( في ذلك الربع الممنع يا سقاه الله ربعا *** في الغدوة والأصائل ) ( كم غازلتنى فيه من تركت لها *** العشاق صرعى *** لا تجيب ولا تسائل ) ( هيفا بعامل قدها رفعت منام *** العين رفعا *** ليس من عمل العوامل ) ( ولكن صبوت وكم هززت من العلى *** والمجد جذعا *** جانيا ثمر الفضائل )(2/111)
( حتى اتيح لى النوى فغدوت في *** المقدور اسعى *** عن ديارى ثم راحل ) ( فتبدلت عرر الليالي بالدواهى والليا لى *** حلن جزعا *** مثل حال الصب حائل ) ( يا دهر عد بالوصل أو ناصقت *** حظي منك شرعا *** عند حاكمنا الحلاحل ) ( قاضى القضاء محمد البدر الذى دانت له *** العليا طوعا *** زينة الفضلا الأماثل ) ( حاوى المعارف كلها ومحامد *** الأوصاف جمعا *** نخبة النخب الأفاضل ) فأجبت بقولى ( قلب تقلب في فنون من جنون *** العشق طبعا *** في ربى تلك المنازل ) ( يذرى دموع عيونه محمرة *** وترا وشفعا *** من هوى ظبى الخمائل ) ( سل عنه هل طابت له ياريم رامت *** ارض صنعا *** في ضحاها والأصائل ) ( ما العيش الا في ذرى الأحباب *** والأتراب قطعا *** كم على هذا دلايل ) ( يا عز دين الله لا تجزع لبين *** شت جمعي *** الصبر شيمة كل فاضل ) ( لا تجز عن من الفراق فليس ذاك *** البعد بدعا *** مالازم الأوطان كامل ) ( صبرا على الزمن الذى ما زال بالمكروه *** يسعى *** وبكل مانهواه باخل ) ( وأعلم بأنك تحت تدبير القضا *** نصبا ورفعا *** يالقاك فيه كل عامل ) ( ما أنت مضطهد ولا تحت امتنان *** لابن لكعا *** يا ابن الأكارم والأماثل ) ( بل نافذ الأقوال تصدع ان تشا *** بالحق صدعا *** وتكف صولة كل صائل ) ( وتخفف الأثقال عن مستضعف *** دفعا ونفعا *** وتحط عنه كل باطل ) ( وتصول صولة فاتك ان ينتهك *** في الناس شرعا *** فدم من الأعتام جاهل ) ( كم بين من يقضي بما قام الدليل *** عليه قطعا *** وفتى على التحقيق عاطل ) ( يروى من الرأى المجرد كل *** فاقرة وشنعا *** مقصودة قد قال قائل )(2/112)
( كم بين ذاك وبين ذا من غاية *** رفعا ووضعا *** اين العقال من المعاقل ) ( اياك يا بدر الأفاضل ان *** تطيق بذاك ذرعا *** الصبر من دأب الأفاضل ) ( قل لى رعاك الله ما وجه التشوق *** نحو صنعا *** تنظر إلى طالع ونازل ) ( ان قلت مربع من هويت ويارعاه *** الله ربعا *** كم فيه من شخص مشاكل ) ( فالتبر يا مولاى في أوطانه *** كالترب نفعا *** واسأل لهذا كل عاقل ) ( والبدر لو لزم السكون لكان *** طول الدهر بدعا *** بين الأنام هلال ناحل ) ( والليث لولا سعيه في كل قفر *** مات جوعا *** اسمع هديت ولا تجادل ) وهذا الجواب أكثره لا يعجبنى فانى كتبته إلى صاحب الترجمة حال تحرير جواب كتابه بدون تدبر ولا تفكر بل قال رسوله انه عازم في تلك الساعة فكتبته وهو قائم على الباب والمترجم له عافاه الله مستمر على حاله الحسن صرف الله عنه جميع المحن ثم ان صاحب الترجمة رغب عن القضاء لأجل ما حصل من الفتن بتهامة ووصل إلى صنعاء وأخذ عنى في فنون الحديث ثم مرض مرضا طويلا وانتقل إلى رحمه الله في شهر رجب سنة 1223 ثلاث وعشرين ومائتين وألف(2/113)
محمد بن أحمد بن محمد بن أحمد بن محمد بن بكر بن محمد ابن مرزوق بن عبد الله العجيسى التلمسانى
المالكى المعروف بابن مرزوق ولد في ثالث عشر ربيع الأول سنة 766 ست وستين وسبعمائة واشتغل ببلاده على جماعة من أهلها وحج وسمع من البهاء الدمامينى بالإسكندرية والنويرى بمكة ودخل القاهرة وقرأ على البلقينى وابن الملقن والعراقى وغيرهم ولازم المحب بن هشام في العربية وحج مرة أخرى ولقى جماعة من الأعيان وأخذ عنه ابن حجر
وهو أخذ عنه قطعة من شرح البخارى وأخذ عنه جماعة من علماء القاهرة وله تصانيف منها المتجر الربيح والمسعى الرجيح والمرحب الفسيح في شرح الجامع الصحيح ولم يكمل وأنواع الدرارى في مكررات البخاري واظهار المودة في شرح البردة واختصره أيضا في مختصر سماه الاستيعاب وشرح التسهيل والألفية ومختصر ابن الحاجب والتهذيب والجمل للجوينى ومصنفاته كثيرة منظومة ومنثورة ومات بتلمسان في عشية الخميس رابع شهر شعبان سنة 842 اثنتين وأربعين وثمان مائة
محمد بن أحمد بن محمد بن سعيد بن محمد بن محمد بن عمر بن يوسف بن على بن إسماعيل البهاء الصاغانى الأصل
المكى الحنفى المعروف بابن الضياء ولد في ليلة تاسع المحرم سنة 789 تسع وثمانين وسبعمائة بمكة ونشأ بها وقرأ على أعيانها كالنويرى والمراغي وارتحل غير مرة إلى القاهرة فأخذ عن علمائها كابن حجر وطبقته وأجاز له آخرون كالبلقينى وابن الملقن والعراقى وبرع في جميع العلوم وصنف التصانيف منها المسرع في شرح المجمع في أربع مجلدات والبحر العميق في مناسك حج بيت الله العتيق وتنزيه المسجد الحرام عن بدع جهلة العوام في مجلد وشرح الوافى مطول ومختصر وشرح مقدمة الغزنوي في العبادات في مجلدين وشرح البزدوي ولم يكمل قال السخاوي وكان اماما علامة متقدما في الفقه والأصلين والعربية مشاركا في فنون حسن الكتابه والتقييد عظيم الرغبة في المطالعة والانتقاد وله تفسير سماه المتدارك على المدارك والشافى في مختصر الكافى وقد رحل وطوف البلاد ولم يفته الحج في سنة من السنين منذ احتلم إلى أن مات في ذي القعدة سنة 854 أربع وخمسين وثمان مائة(2/114)
محمد بن أحمد بن محمد بن محمود بن إبراهيم بن أحمد بن روزبة الكازرونى الأصل المدنى الشافعي ولد في ليلة الجمعة سابع عشر ذى القعدة سنة 757 سبع وخمسين وسبعمائة بالمدينة النبوية وسمع من أهلها والقادمين إليها كالعز بن جماعة والنويري وابن صديق والعراقى والمراغى وأجاز له جماعة من الأكابر وارتحل إلى الديار المصرية والشام وغيرهما وأخذ عن البهاء السبكى والسراج البلقينى وتصدر للقراءة والإفتاء والتحديث بالمدينة المنورة وصار عالمها وصنف مصنفات منها مختصر المغنى للبارزى وشرح مختصر التنبيه في ثلاثة أسفار ولم يبيضه وكتب شرحا على شرح التنبيه وشرحا على فروع ابن الحداد في مجلد وكتب تفسيرا اعتمد فيه على تفسير القرطبى وولى قضاء المدينة في سنة 812 وانفصل عنه واشتغل بالعبادة حتى مات في ليلة الاثنين الثانى والعشرين من شوال سنة 843 ثلاث وأربعين وثمان مائة(2/115)
محمد بن أحمد بن محمد مرغم الزيدى اليمانى
ولد سنة 836 ست وثلاثين وثمان مائة وأخذ العلم عن أعيان مدينة صنعاء وغيرها وبرع لاسيما في الفقه وصار أحد العلماء المرجوع إليهم في زمانه وكان ملازما للإمام الناصر الحسن بن عز الدين بن الحسن وكان السلطان عامر بن عبد الوهاب لما افتتح صنعاء وما يليها من البلاد يجله ويقبل شفاعته لأجل اتصاله بالإمام المذكور رعاية لما كان بين السلطان عامر وبين الحسن من المودة ولما صلى السلطان عامر بجامع صنعاء أول
جمعة فأراد المؤذن أن يسقط من الأذان حى على خير العمل فمنعه صاحب الترجمة فأذن المؤذن حتى بلغ حى على خير العمل فالتفت إليه جميع من في المسجد من جند السلطان وهم الوف مؤلفة وعد ذلك من تصلبه في مذهبه وكان له تلامذة يقرأون عليه ومنهم عبد الهادى السودى المتقدم ذكره ولما كثرت اقامة المترجم له بالأبناء محل قريب صنعاء وترك الإقامة بصنعاء وكان في عزم عبد الهادى المذكور أنه يقرأ عليه الكشاف فكتب إليه ( حاشاك أن تبقى معنى دايما *** ما بين حراث وسان ساق ) ( يملى عليك حدابها يمه التى *** تملى الدلاء بمائها الدفاق ) فأجابه صاحب الترجمة ( كلم أتت من طيب الأعراق *** صافى الوداد مهذب الأخلاق ) ومن جملة ذلك ( أهلى وأولادى ومالى دائما *** قد أوثقونى في أشد وثاق ) ومات فجر يوم السبت الثالث من رجب سنة 931 إحدى وثلاثين وتسعمائة ودفن بمشهده بالأبناء من جهات السر رثاه تلميذه ابن عقبة بأبيات منها ( امام علوم الاجتهاد سميدع *** الفريقين من عرب وعجم لسان ) ( محمد القاضى ابن مرغم الذى *** اقمت زمانا عنده فحبانى ) ( أصولى ذوى عقل وفقها ومنطقا *** ونحوا وتصريفا وفن وبيان ) ( وتفسير كشاف وجامع سنة *** وما قد روى في معجم الطبراني ) ( وأحكام تقويم الحساب لراصد *** بروجا وافلا كامع الدوران )(2/116)
محمد بن أحمد بن محمد الحرازى ابن شيخنا المتقدمة ترجمته
ولد سنة 1194 أربع وتسعين ومائة وألف بصنعاء وقرأ في علم الفقه على مشايخ الفروع واستفاد في ذلك وقرأ على في كتب الحديث وفي النحو والتفسير وهو حسن الأخلاق كريم الأعراق كثير الخير جيد الإدراك قوى العقل ولما توفي والده رحمه الله خضت مع الإمام المتوكل رحمه الله أن يقيمه مقامه في جميع ما كان إليه من القضاء والتوسط على بيوت من بيوت آل الإمام فثبت في ذلك أحسن ثبوت وأقام به أتم قيام وفي سنة 1234 لما وصلت الترك إلى تهامة واستولوا على ما كان بيد الأشراف ووصل من باشة الجيش الرومى وهو الباشا خليل أنه يصل إليه رجل مركون من حضرة الخليفة ليعرفه بما لديه فوقعت المفاوضة بينى وبين مولانا الإمام المهدى حفظه الله على نفوذ صاحب الترجمة فنفذ مع الرسل الواصلين من جهة الباشا ونفذ معه جماعة ووصل إلى الباشا خليل إلى أبى عريش وعاد ومعه جماعة من الأتراك إلى صنعاء ثم رجع مرة أخرى ثم فصل الخوض بين مولانا الإمام وبين الباشا على ارجاع البلاد وقد أوضحت ذلك في ترجمة الآغا يوسف التى ستأتى ان شاء الله وأشرت إلى شىء من ذلك في ترجمة والد صاحب الترجمة والحاصل ان صاحب الترجمة يقل نظيره في مجموعه وقد ظهر كماله وحسن رأيه وجودة تدبيره في هذه المراسلة المذكورة(2/117)
محمد بن أحمد بن مظفر
ترجمه صاحب مطلع البدور ولم يذكر مولده ولا وفاته ولا شيوخه وهو مؤلف البستان شرح كتاب البيان لجده وهو شرح مفيد عول فيه على النقل من الانتصار للإمام يحيى بن حمزة وألف أيضا الترجمان وفيه فوائد وصف فيه متفقة وقعت له عند وصول السلطان عامر بن عبد الوهاب إلى صنعاء وخروج أجناده إلى جهة السر لأن المذكور كان ساكنا هنالك وفيها امتحان زائد وقد أخبر عنه بعض معاصريه أنه لم يكن محققا للعلوم التى يحتاج إليها من يؤلف ويدل على ذلك كلامه إذا تكلم من قبل نفسه ولم ينقل عن غيره ككلامه في شرح المتفقة له المشار إليها فإنه ساقها بألفاظ في الترجمان يعرف بها مقداره في العلم وهو من المعاصرين للإمام شرف الدين فهو من أهل القرن العاشر(2/118)
محمد بن أحمد بن خليل الهمدانى ثم الصنعانى
ولد تقريبا سنة 1160 ستين ومائة وألف وكان واليا على البلاد الهمدانية اتصل بمولانا الإمام خليفة العصر المنصور بالله قبل أن يلى الخلافة وجالسه وتردد إليه فلما ولى الخلافة قربه ثم جعله احد وزرائه في سنة 1194 أو في التى بعدها واستمر وزيره إليه بعض البلاد الإمامية والأجناد من حاشد وبكيل وغيرهم وهو انسان كامل كثير المطالعة عارف بالأدب حسن الخط واستمر قايما بوظيفة الوزارة حتى نكبه مولانا الإمام في شهر شعبان سنة 1211 واستأصل غالب أملاكه ولزم بيته إلى حال تحرير هذه الأحرف ولم يتردد إلى الاكابر كما يفعله كثير من أرباب الدولة بعد زوال دولتهم بل لا يوجد في غير بيته وله نظم فمنه ما كتبه إلى في أيام وزارته وهو ( حجة العصر أبلغ الناس بالإجماع *** منهم معارفا وخطابه ) ( خير من شرف الإله معاليه *** وزكى بين الورى أنسابه ) ( رجل ادرك الكمال كما *** أدرك في الاجتهاد حقا نصابه ) وكتب مع هذه الأبيات أبياتا أخرى وهى ( شغفت به لما تيقنت فضله *** وفى حبه بالرق أصحبت سيدا ) ( فيا ماجدا أربى على الطود مجده *** فأصبح للوفاد كهفا ومقصدا ) ( محرر أحكام القضايا ومن غدا *** لما حازه بالاجتهاد مقلدا ) ( محمد البر التقى أخو العلا *** غدا سالما من كل شين مسودا ) فأجبت عن الأبيات الأولى والأخرى بهذه الأبيات ( واحد العصر في الكمالات *** والآداب من فاق سؤددا ونجابه ) ( الرئيس النفيس والفارس السباق *** والخضرم الشهى خطابه ) ( يا قريع الأوان يا فايق الأقران *** حلما وحكمة ومهابه ) ( دمت تحيى مآثر العز *** مادامت معاليك للعلى وهابة ) ( قد جمعت الذى تفرق في *** الناس فدم سالما لفن الكتابة ) وهو حسن الشكالة جدا وكان متأنقا في جميع أحواله ضخم الرياسة كثير الحشم والأتباع وكانت له أيام وزارته دار بالروضة ودار بوادى ظهر ودار ببئر العزب ودار بصنعاء فأخذت دوره جميعا في نكبه ولم يبق معه الا التى بصنعاء وهو الآن حى لطف الله به وتوفى سنة 1220 عشرين ومائتين وألف(2/119)
السيد محمد بن ادريس بن الناصر على بن عبد الله بن الحسن بن حمزة بن سليمان
ترجمه صاحب مطلع البدور فلم يذكر له مولدا ولا وفاة ولا بلدا ولا شيوخا ولا تلامذة بل قال انه صنف في التفسير كتبا أحدها التيسير والآخر الإكسير الا بريز في تفسير القرآن العزيز وله الحسام المرهف تفسير غريب المصحف وله الدرة المضية في الآيات المنسوخة الفقهيه وله في الفقه شفاء غلة الصادى في فقه الهادى والنور المحصور في فقه المنصور والذخيرة الذاخرة في مناقب العترة الطاهرة وشرح على اللمع والنهج القويم في تفسير القرآن الكريم هذا غاية ما ذكر له من المصنفات وقال انه ترجمه السيد صارم الدين بن محمد ترجمة غير مبسوطة انتهى وذكر بعض المؤرخين أنه أخذ عن الإمام المهدى محمد بن المطهر بن يحيى وأخذ عنه جماعة كيوسف الأكوع صاحب الحفيظ وآخرون وقال ابن أبى مخرمة في ذكر والد المترجم له وكان ولده محمد بن إدريس فقيها عارفا بارعا متقنا عارفا بالأصول والفروع
وله شعر حسن ومصنفات كثيرة انتهى وأرخ موته بعضهم في عشر الثلاثين وسبعمائة(2/120)
السيد محمد بن اسحاق بن الإمام المهدى أحمد بن الحسن ابن الإمام القاسم بن محمد
ولد نهار الأربعاء لخمس عشرة ليلة مضت من ذى الحجة سنة 1090 تسعين وألف بالغراس في حضرة جده الإمام المهدي أحمد بن الحسن وقرأ بصنعاء على جماعة من أعيان علمائها كالسيد العلامة هاشم بن يحيى الشامى والقاضى إبراهيم بن أبى الرجال والقاضى محمد الحيمى وبرع في جميع العلوم وفاق الأقران وترشح للخلافة وجرى بينه وبين الإمام المتوكل على الله القاسم بن الحسين ما جرى وآل الأمر إلى اعتقال صاحب الترجمة مدة ثم أفرج عنه ولما مات الإمام المتوكل دعا إلى نفسه وتكنى بالناصر وبايعه جميع أهل اليمن ونفذت أوامره في غالب القطر اليمنى وعارضه في الإبتداء الإمام المنصور بالله الحسين بن المتوكل على الله وجرت خطوب وتعقبها الصلح على أن يكون للمنصور بالله صنعاء ومواضع سماها فوقع ذلك وتم الأمر وبايع المنصور بالله لصاحب الترجمة وخطب له بصنعاء وغيرها من الأقطار اليمنية ثم بعد أيام انتقض ذلك الصلح ورام قرابة المترجم له الحطاط على المنصور بالله بصنعاء ومحاصرته ونزعها منه فاقبلوا من الجهات اليمنية ومعهم من الجيش عدد كثير ومعهم السيد عبد الله بن طالب بن المهدي فخرج الإمام المنصور بالله بجيشه من صنعاء وكانت الدائرة له فأسر السيد يحيى بن اسحاق بن المهدى ومعه جيش كثير وأسر السيد عبد الله المقدم ذكره ثم بعد ذلك أسر السيد العلامة الحسن بن اسحاق(2/121)
ابن المهدى والسيد العلامة إسماعيل بن محمد بن اسحاق وسجنهم جميعا بقصر صنعاء ثم انتقضت البلاد اليمنية جميعها على صاحب الترجمة ودخلت في طاعة الإمام المنصور بالله وآخر الأمر أن صاحب الترجمة بايع الإمام المنصور بالله وسكن بصنعاء محييا للعلم والعبادة في رياسة كبيرة مع حشمة وافرة وكثرة اتباع وأفضال عام وشفقة على الضعفاء ومزيد ابرار بهم وكثرة تواضع وكان الإمام المنصور بالله يجله ويكرمه ويعظمه وهو حقيق بذلك فإنه من أئمة العلم المجمع على جلالتهم ونبالتهم واحاطتهم بعلوم الاجتهاد وله في الآداب يد طولى وله نظم كثير غالبه الجودة والسلاسة وقد ترجمه صاحب طيب السمر ترجمة طويلة جدا وذكر غررا من قصائده ومقطعاته وقد جمع ولده العلامة إبراهيم بن محمد أشعاره على ترتيب الحروف في مجلد لطيف ومن نظمه البيتان المشهوران في الزمام الذى تجعله الجوارى في آنافها وهو حلقة فضة أو ذهب وقد يكون فيها شىء من الجواهر وهما ( رأيت الزمام فقلت المرام *** تأنى سينقاد هذا الأبى ) ( فقالت به أنت تنقاد لى *** وتم الكلام ولم تكذبي ) وقد قرض جماعة من شعراء العصر بعد موت صاحب الترجمة بمدة هذين البيتين بأبيات كثيرة بل صنف شيخنا العلامة السيد عبد القادر ابن أحمد رسالة ذكر فيها ما في البيتين من النكات البيانية والبديعية وقد جمع جميع ذلك ولد صاحب الترجمة العلامة إبراهيم في رسالة ومن نظمه إلى السيد العلامة محمد بن إسماعيل الأمير رحمه الله ( اتبلغ نفسى من سعاد مناها *** سقى الله ماضى عهدها وسقاها )(2/122)
*** فما لذلى شىء سوى عهدها ولا *** تملك قلبى المستهام سواها *** نأت عن عيونى دارها فمتى متى *** أرى بعيونى دارها وأراها *** فما لليإلى لا استنارت نجومها *** ولا أضحكت شمس الظهيرة فاها *** وهى قصيدة رائقة منسجمة وجميعها موجودة في ديوانه ومن محاسنه هذه الابيات التى ضمن فيها بيت الحاجرى *** لا كان هذا الطبيب من رجل *** أهوى لقلع الثنية الحسنه *** صيرها في يديه مفردة *** كمستهام مفارق وطنه *** ينشدان لاح برق مبسمها *** وهى لدى كلبتيه مرتهنه *** يابارقا يذكى الحشا سناه *** منزلنا بالعقيق من سكنه *** ومنه وهو في غاية الحسن *** تفاءلت لما أطال المطال *** فبشرنى الفال بالاتصال *** فقالوا وقد زارنى هل وفا *** فقلت وفإلى وفإلى وفال ومنه وهو في السجن *** سرى طيفها ليلا إلى السجن مشفقا *** وقد كان قدما لا يقر باشفاق *** فما راعه إلا القيود التى ارى *** على وقد قامن لحربى على ساق *** فقلت له هون على فأنها *** خلاخل مجد لاسلاسل فساق *** وقف لى قليلا دمت يا طيف طايفا *** بأحسن من فك القيود واطلاق *** وله وهو في السجن أيضا *** حبست عن أهلى وصحبى وعن *** فوائد العلم التى تجتنى *** وصار دمعى سائلا مطلقا *** يا ليتنى دمعى ودمعى أنا ومات رحمه الله ببيته في النزهة المعروفة ببيرالعزب اخر نهار 130 الخميس رابع شهر شوال سنة 1167 سبع وستين ومائة وألف وله أولاد نجباء وهم كثيرون وقد تقدمت ترجمة بعضهم وبعض أحفاده وبعض أولاد أحفاده ِ(2/123)
محمد بن أسعد الملقب جلال الدين الدوانى نسبة إلى دوان وعى قرية من قرى كازرون الشافعى عالم العجم بارض فارس وامام المعقولات وصاحب المصنفات أخذ العلم علن المحيوى والبقال وفاق في جميع العلوم لاسيما العقلية وأخذ عنه أهل تلك النواحى وارتحل إليه أهل الروم وخراسان وما وراء النهر وله شهرة كبيرة وصيت عظيم وتكاثر تلامذته وكان من أدبهم أنه إذا تكلم نكسوا رؤسهم تأدبا ولم يتكلم أحد منهم بشىء وولاه سلطان تلك الديار القضاء بها وله مصنفات كثيرة مقبولة منها شرح التجريد للطوسي وشرح التهذيب وحاشية على العضد وله فصاحة زائدة وبلاغة وتواضع ومات سنة 918 ثمان عشرة وتسعمائة قال السخاوى انه في سنة 897 كان حيا وكان عمره إذ ذاك بضع وسبعين ثم أرخ غيره موته في التاريخ الذى قدمنا ذكره فيكون على هذا قد عاش نحو تسعين سنة(2/124)
السيد محمد بن إسماعيل بن حسن الشامى من بطن من السادة الساكنين في مسور خولان يقال لهم بنى الشامى ولد سنة 1194 أربع وتسعين ومائة وألف ونشأ بصنعاء وأخذ العلم عن جماعة كالسيد العلامة إبراهيم بن عبد الله الحوثى وهو أكثر من أخذ عنه ولازمه وأخذ اخرين وأخذ على في علم السنة واستفاد في الآلات ونظم الشعر الرائق المطبوع المنسجم وله إلى قصيدة رائقة فائقة مطلعها ( يا دار علوة بالكثيب النائى *** حياك كل مهمر بكاء )(2/125)
وفيها كل معنى حسن وهى نحو ثلاثين بيتا وأجبت عليه بثلاثة ابيات هى ( لله درك يا ابن إسماعيل بل *** لله درك فهو عقد بهاء ) ( يا جوهرى النظم بل يا جوهر *** الفتيان في علم وفرط ذكاء ) ( يا معشر الفتيان هذا معجز *** لمحمد ينبيكم بنباء ) وصاحب الترجمة من محاسن الفتيان جمع الله له بين حسن الخلق والخلق واللطافة وسيلان الذهن وقوة الفهم والتحبب إلى الناس وولى النيابة على أوقاف صنعاء وغيرها واستمر أياما ومات شبابا في يوم الخميس لعله سابع وعشرون شهر ربيع الأول سنة 1224 أربع وعشرين ومائتين وألف ووالده من فضلاء الزمن وأعيانه وأهل الفضل وقد كان كفاه أمر دنياه وولى عهدته التى كان فيها تخفيفا عنه وهو عند تحرير هذا حيى في نحو سبعين سنة وهو من أفراد الزمن عصم الله قلبه بالصبر على مثال هذا الشاب الظريف ورحمنا جميعا برحمته الواسعة وقد تقدمت له ترجمة مستقلة في حرفه(2/126)
السيد محمد بن إسماعيل بن صلاح بن محمد بن على بن حفظ الدين بن شرف الدين بن صلاح بن الحسن بن المهدى بن محمد بن ادريس بن على ابن محمد بن احمد بن يحيى بن حمزة بن سليمان بن حمزة بن الحسن بن عبد الرحمن بن يحيى بن عبد الله بن الحسين بن القاسم بن إبراهيم بن إسماعيل ابن إبراهيم بن الحسن بن الحسن بن على بن أبى طالب رضى الله عنهم الكحلانى ثم الصنعانى المعروف بالأمير الإمام الكبير المجتهد المطلق صاحب التصانيف ولد ليلة الجمعة نصف جمادى الآخرة سنة 1099 تسع وتسعين وألف بكحلان ثم انتقل مع والده إلى مدينة صنعاء سنة 1107 وأخذ عن علمائها كالسيد العلامة زيد بن محمد بن الحسن والسيد العلامة صلاح بن الحسين الاخفش والسيد العلامة عبد الله بن على الوزير والقاضى العلامة علي بن محمد العنسى ورحل إلى مكة وقرأ الحديث على أكابر علمائها وعلماء المدينة وبرع في جميع العلوم وفاق الأقران وتفرد برئاسة العلم في صنعاء وتظهر بالاجتهاد وعمل بالأدلة ونفر عن التقليد وزيف مالا دليل عليه من الآراء الفقهية وجرت له مع أهل عصره خطوب ومحن منها في أيام المتوكل على الله القاسم بن الحسين ثم في أيام ولده الإمام المنصور بالله الحسين بن القاسم ثم في أيام ولده الإمام المهدى(2/127)
العباس بن الحسين وتجمع العوام لقتله مرة بعد أخرى وحفظه الله من كيدهم ومكرهم وكفاه شرهم وولاه الإمام المنصور بالله الخطابة بجامع صنعاء فاستمر كذلك إلى أيام ولده الإمام المهدى واتفق في بعض الجمع انه لم يذكر الأئمة الذين جرت العادة بذكرهم في الخطبة الأخرى فثار عليه جماعة من آل الإمام الذين لا أنسة لهم بالعلم وعضدهم جماعة من العوام وتواعدوا فيما بينهم على قتله في المنبر يوم الجمعة المقبلة وكان من أعظم المحشدين لذلك السيد يوسف العجمى الإمامى القادم في أيام الإمام المنصور بالله والمدرس بحضرته فبلغ الإمام المهدى ما قد وقع التواطأ عليه فأرسل لجماعة من اكابر آل الإمام وسجنهم وأرسل لصاحب الترجمة أيضا وسجنه وأمر من يطرد السيد يوسف المذكور حتى يخرجه من الديار اليمنية فكنت عند ذلك الفتنة وبقى صاحب الترجمة نحو شهرين ثم خرج من السجن وولى الخطابة غيره واستمر ناشرا للعلم تدريسا وإفتاء وتصنيفا وما زال في محن من أهل عصره وكانت العامة ترميه بالنصب مستدلين على ذلك بكونه عاكفا على الأمهات وسائر كتب الحديث عاملا بما فيها ومن صنع هذا الصنع رمته العامة بذلك لا سيما إذا تظهر بفعل شىء من سنن الصلاة كرفع اليدين وضمهما ونحو ذلك فإنهم ينفرون عنه ويعادونه ولا يقيمون له وزنا مع أنهم في جميع هذه الديار منتسبون إلى الإمام زيد بن على وهو من القائلين بمشروعية الرفع والضم وكذلك ما زال الأئمة من الزيدية يقرأون كتب الحديث الأمهات وغيرها منذ خرجت إلى اليمن ونقلوها في مصنفاتهم الأولى فالأول لا ينكره إلا جاهل أو متجاهل وليس الذنب في معاداة من كان كذلك(2/128)
للعامة الذين لا تعلق لهم بشىء من المعارف العلمية فإنهم اتباع كل ناعق إذا قال لهم من له هيئة أهل العلم ان هذا الأمر حق قالوا حق وإن قال باطل قالوا باطل إنما الذنب لجماعة قرأوا شيئا من كتب الفقه ولم يمعنوا فيها ولا عرفوا غيرها فظنوا لقصورهم أن المخالفة لشىء منها مخالفة للشريعة بل القطعي من قطعياتها مع أنهم يقرأون في تلك الكتب مخالفة أكابر الأئمة وأصاغرهم لما هو مختار لمصنفها ولكن لا يعقلون حقيقة ولا يهتدون إلى طريقة بل إذا بلغ بعض معاصريهم إلى رتبة الإجتهاد وخالف شيئا باجتهاده جعلوه خارجا عن الدين والغالب عليهم ان ذلك ليس لمقاصد دينية بل لمنافع دنيوية تظهر لمن تأملها وهى أن يشيع في الناس أن من أنكر على أكابر العلماء ما خالف المذهب من اجتهاداتهم كان من خلص الشيعة الذابين عن مذهب الآل وتكون تلك الشهرة مفيدة في الغالب لشىء من منافع الدنيا وفوائدها فلا يزالون قائمين وثائرين في تخطئة أكابر العلماء ورميهم بالنصب ومخالفة أهل البيت فتسمع ذلك العامة فتظنه حقا وتعظم ذلك المنكر لأنه قد نفق على عقولها صدق قوله وظنوه من المحامين عن مذهب الأئمة ولو كشفوا عن الحقيقة لوجدوا ذلك المنكر هو المخالف لمذهب الأئمة من أهل البيت بل الخارج عن اجماعهم لأنهم جميعا حرموا التقليد على من بلغ رتبة الاجتهاد وأوجبوا عليه أن يجتهد رأى نفسه ولم يخصوا ذلك بمسئلة دون مسئلة ولكن المتعصب أعمى والمقصر لا يهتدى إلى صواب ولا يخرج عن معتقده إلا إذا كان من ذوى الألباب مع أن مسئلة تحريم التقليد على المجتهد هي محررة في الكتب التى هى مدارس صغار الطلبة فضلا عن كبارهم بل هى في أول بحث من(2/129)
مباحثها يتلقنها الصبيان وهم في المكتب ومن جملة ما اتفق لصاحب الترجمة من الإمتحانات أنه لما شاع في العامة ماشاع عنه بلغ ذلك أهل جبل برط من ذوى محمد وذوى حسين وهم إذ ذاك جمرة اليمن الذين لا يقوم لهم قائم فاجتمع أكابرهم ومن أعظم رؤسائهم حسن بن محمد العنسى البرطى وخرجوا على الإمام المهدى في جيوش عظيمة ووصلت منهم الكتب أنهم خارجون لنصرة المذهب وأن صاحب الترجمة قد كاد يهدمه وأن الإمام مساعد له على ذلك فترسل عليهم العلماء الذين لهم خبرة بالحق وأهله ورتبة في العلم فما أفاد ذلك وآخر الأمر جعل لهم الإمام زيادة في مقرراتهم قيل أنها نحو عشرين الف قرش في كل عام فعادوا إلى ديارهم وتركوا الخروج لأنه لا مطمع لهم في غير الدنيا ولا يعرفون من الدين إلا رسوما بل يخالفون ما هو من القطعيات كقطع ميراث النساء والتحاكم إلى الطاغوت واستحلال الدماء والأموال وليسوا من الدين في ورد ولا صدر ومن محن الدنيا أن هؤلاء الأشرار يدخلون صنعاء لمقررات لهم في كل سنة ويجتمع منهم الوف مؤلفة فإذا رأوا من يعمل باجتهاده في الصلاة كأن يرفع يديه أو يضمها إلى صدره أو يتورك أنكروا ذلك عليه وقد تحدث بسبب ذلك فتنة ويتجمعون ويذهبون إلى المساجد التى تقرأ فيها كتب الحديث على عالم من العلماء فيثيرون الفتن وكل ذلك بسبب شياطين الفقهاء الذين قدمنا ذكرهم وأما هؤلاء الأعراب الجفاة فأكثرهم لا يصلى ولا يصوم ولا يقوم من فروض الإسلام سوى الشهادتين على ما في لفظه بهما من عوج(2/130)
واتفق في شهر الذى حررت فيه الترجمة أنه دخل جماعة منهم وفيهم عجب وتيه واستخفاف بأهل صنعاء على عادتهم وقد كانوا نهبوا في الطرقات فوصلوا إلى باب مولانا الإمام حفظه الله فرأى رجل بقرة له معهم فرام أخذها فسل من هي معه من أهل بكيل السلاح على ذلك الذى رام أخذ بقرته فثار عليهم أهل صنعاء الذين كانوا مجتمعين في باب الخليفة وهم جماعة قليلون من العوام وهؤلاء نحو اربعمائة فوقع الرجم لهؤلاء من العامة ثم بعد ذلك أخذوا ما معهم من الجمال التى يملكونها وكذلك سائر دوابهم فضلا عن الدواب التى نهبوها على المسلمين وأكثر بنادقهم وسائر سلاحهم وقتلوا منهم نحو أربعة انفار أو زيادة وجنوا على جماعة منهم وما وسعهم الا الفرار إلى المساجد وإلى محلات قضاء الحاجة ولولا أن الخليفة بادر بزجر العامة عند ثوران الفتنة لما تركوا منهم أحد فصاروا الآن في ذلة عظيمة زادهم الله ذلة وقلل عددهم وقد كان كثر اتباع صاحب الترجمة من الخاصة والعامة وعملو باجتهاده وتظهروا بذلك وقرأوا عليه كتب الحديث وفهم جماعة من الأجناد بل كان الإمام المهدى يعجبه التظهر بذلك وكذلك وزيره الكبير الفقيه أحمد بن على النهمي وأميره الكبير الماس المهدى وما زال ناشرا لذلك في الخاصة والعامة غير مبال بما يتوعده به المخالفون له ووقعت في اثناء ذلك فتن كبار وقاه الله شرها وله مصنفات جليلة حافلة منها سبل السلام اختصره من البدر التمام للمغربي ومنها منحة الغفار جعلها حاشية على ضوء النهار للجلال ومنها العدة جعلها حاشية على شرح العمدة لابن دقيق العيد ومنها شرح الجامع الصغير للأسيوطي في أربعة(2/131)
مجلدات شرحه قبل أن يقف على شرح المناوى ومنها شرح التنقيح في علوم الحديث للسيد الإمام محمد بن إبراهيم الوزير وسماه التوضيح ومنها منظومة الكافل لابن مهران في الأصول وشرحها شرحا مفيدا وله مصنفات غير هذه وقد أفرد كثيرا من المسائل بالتصنيف بما يكون جميعه في مجلدات وله شعر فصيح منسجم جمعه ولده العلامة عبد الله بن محمد في مجلد وغالبه في المباحث العلمية والتوجع من أبناء عصره والردود عليهم وبالجملة فهو من الأئمة المجددين لمعالم الدين وقد رأيته في المنام في سنة 1206 وهو يمشى راجلا وأنا راكب في جماعة معى فلما رأيته نزلت وسلمت عليه فدار بينى وبينه كلام حفظت منه أنه قال دقق الإسناد وتأنق في تفسير كلام رسول الله فخطر ببالى عند ذلك أنه يشير إلى ما أصنعه في قراءة البخارى في الجامع وكان يحضر تلك القراءة جماعة من العلماء ويجتمع من العوام عالم لا يحصون فكنت في بعض الأوقات أفسر الألفاظ الحديثية بما يفهم أولئك العوام الحاضرون فأردت أن أقول له إنه يحضر جماعة لا يفهمون بعض الألفاظ العربية فبادر وقال قبل أن أتكلم قد علمت أنه يقرأ عليك جماعة وفيهم عامة ولكن دقق الإسناد وتأنق في تفسير كلام رسول الله ثم سألته عند ذلك عن أهل الحديث ما حالهم في الآخرة فقال بلغوا بحديثهم الجنة أو بلغوا بحديثهم بين يدى الرحمن الشك منى ثم بكى بكاء عاليا وضمنى إليه وفارقنى فقصصت ذلك على بعض من له يد في التعبير وسألته عن تأويل البكاء وللضم فقال لا بد أن يجرى لك شيء مما جرى له من الإمتحان فوقع من ذلك بعد تلك الرؤيا عجائب وغرائب كفى الله(2/132)
شرها وتوفي رحمه الله سنة 1182 اثنتين وثمانين ومائة وألف في يوم الثلاثاء ثالث شهر شعبان منها ونظم بعضهم تاريخه فكان هكذا محمد في جنان الخلد قد وصلا ورثاه شعراء العصر وتأسفوا عليه وله تلامذة نبلاء علماء مجتهدون منهم شيخنا السيد العلامة عبد القادر بن أحمد والقاضى العلامة أحمد بن محمد قاطن والقاضى العلامة احمد بن صالح بن أبى الرجال والسيد العلامة الحسن بن اسحاق بن المهدى والسيد العلامة محمد بن اسحاق بن المهدى وقد تقدمت تراجمهم وغيرهم مما لا يحيط بهم الحصر ووالده كان من الفضلاء الزاهدين في الدنيا الراغبين في العمل وله عرفان تام وشعر جيد ومات في ثالث شهر ذى الحجة سنة 1142 إثنتين وأربعين ومائة وألف وكان ولده صاحب الترجمة إذ ذاك بشهارة(2/133)
الإمام المؤيد بالله محمد ابن الإمام المتوكل على الله إسماعيل ابن الإمام القاسم بن محمد
ولد سنة 1044 أربع وأربعين وألف تقريبا وقرأ على علماء عصره في أنواع من العلم حتى فاق في كثير من المعارف العلمية ثم لما مات الإمام المهدى أحمد بن الحسن في سنة 1092 بويع هذا بالخلافة واجتمع عليه رؤساء اليمن إذ ذاك وهم السيد على بن المتوكل والسيد محمد بن أحمد الذى صارت إليه الخلافة بعد صاحب الترجمة والسيد بن الحسين بن الحسن بن الإمام القاسم والسيد القاسم بن المؤيد والسيد على بن المتوكل صنو صاحب الترجمة ولكن كانت البلاد الإمامية مقسمة بين هؤلاء المذكورين ولم يكن لصاحب الترجمة إلا الإسم والخطبة وكان من أولياء الله ومن أعدل الخلفاء لم يسمع عنه الجور في شىء من أموره وكان كثير العبادة كثير
البكاء دائم الخشية لله لا يأكل إلا من نذور تصل إليه بعد أن يعلم أنها من جهة تحل له ولا يتناول شيئا من بيوت الأموال ومجلسه معمور بالعلماء والصالحين وقراءة العلم وتلاوة القرآن لا يزال رطب اللسان بذكر الله على جميع حالته وقد صار عدله في الرعية مثلا مضروبا وكان أهل عصره يكنونه فيقولون أبو عافية لأنه لا يضر أحدا منهم في مال ولا بدن بل قد يحتاج في بعض الأوقات لنائبة من نوائبة فيسأل أهل الثروة من التجار وأموالهم متوفرة أن يقرضوه فلا يفعلون لأنهم لا يخافون في الحال ولا في المستقبل واستوطن هجرة معبر المشهورة ومات ليلة الجمعة ثالث شهر جمادى الآخرة سنة 1097 سبع وتسعين وألف وصارت الخلافة بعده إلى محمد بن أحمد المهدى صاحب المواهب كما تقدم ذكر ذلك في ترجمته(2/134)
السيد محمد بن بركات بن حسن بن عجلان الحسنى أمير مكة وابن أمرائها ولد في رمضان سنة 840 أربعين وثمان مائة بمكة وأجاز له جماعة من الأعيان ونشأ في كنف أبيه ثم سأل الأب اشراك ولده معه في الأمر ففعل السلطان ذلك فوصل المرسوم إلى مكة بذلك ودعى له على زمزم كعادتهم وكان غايبا باليمن ولما وصل إليه الخبر بذلك عاد إلى مكة وحمدت سيرته وتوجه إلى بلاد الشرق غير مرة وأكثر من زيارة القبر النبوى على صاحبه أفضل الصلاة والسلام ومع زيارته يحسن إلى أهل المدينة وكان كثير التفقد لأهل مكة لا سيما الفقراء والغرباء وأمن الناس في أيامه وكثرت أمواله وأتباعه وفاق أسلافه وما زال أمره في نمو وأضيفت إليه سائر بلاد الحجاز ليستنيب من يختاره ودعي له على منبر مكة والمدينة وكان يغزوا إلى ديار من يخالفه فيحيط به وكذا أطاعه صاحب جازان وقد أثنى عليه السخاوى كثيرا لأنه كان معاصرا له ووصفه بالعقل والفهم والتواضع وحسن الشكالة والمداومة على الجماعات والسكون وكف الأتباع عن الرعية وعدم الطمع في أموالهم بمالم يسمع بمثله في دولة من قبله واستمر على ولايته حتى مات في الحادى والعشرين من محرم سنة 903 ثلاث وتسعمائة وخلف من الأولاد ذكورا وإناثا نحو الأربعين
السلطان محمد خان ين بايزيد بن مرداخان بن أورخان الغازي ابن عثمان الغازى سلطان الروم وابن سلاطينها ولد سنة 777 سبع وسبعين وسبعمائة وصارت إليه السلطنة بعد موت أبيه في سنة 816 وكان شجاعا مقداما مجاهدا في سبيل الله افتتح في دولته عدة مواضع من بلاد الإفرنح وعمر في بلاد الروم عماير كثيرة مدارس ومساجد وهو أول من عمل الصرة لأهل الحرمين من آل عثمان فصار ذلك مستمرا وهذه منقبة عظيمة وكان معظما للعلماء عارفا بدرجاتهم منعما عليهم بالمقررات الواسعة مرتبا لهم في مدارس الروم مبالغا في استجلاب خواطرهم حتى كأنه أحدهم وإذا سمع بعالم في جهة من الجهات كاتبه ورغبه في القدوم عليه وأجرى له من النفقات ما يكفيه بعضه وكان يقرأ على أكابر العلماء ويأخذ عن كل عالم في علمه ويتناظرون بين يديه وقد حكى صاحب الشقائق النعمانية من أفضاله على العلماء وتعظيمه لهم ما يتعجب الناظر فيه ومات في سنة 825 خمس وعشرين وثمان مائة(2/135)
محمد بن أبى البركات بن أحمد بن على بن محمد بن عمر الجبرتى الحنفى المعروف بابن سعد الدين سلطان المسلمين بالحبشة
أصلهم فيما قيل من قريش فرحل بعض سلفهم من الحجاز حتى نزل بأرض جبرت فسكنها إلى أن ملك ملك الحبشة بعضهم مدينة أقات وأعمالها فعظم وقويت شوكته وحمدت سيرته وتداولها ذريته حتى انتهت إلى صاحب الترجمة في سنة 828 فملك كثيرا من تلك البلاد وامتلأت الأقطار من الرقيق الذين سباهم ودام على ذلك حتى مات شهيدا في بعض غزواته في جمادى الآخرة سنة 835 خمس وثلاثين وثمان مائة قال السخاوى وكان دينا عاقلا عادلا خيرا وقورا مهابا ذا سطوة على الحبشة أعز الله الإسلام في أيامه وملك بعده أخوه فاقتفى أثره في غزاوته وشدته قال ابن حجر في أنبائه وكان صاحب الترجمة شجاعا بطلا مديما للجهاد عنده أمير يقال له حرب لا يطاق في القتال كان نصرانيا فأسلم وحسن اسلامه فهزم الكفار من الحبشة مرارا وغزاهم السلطان مرة وهو معه فغنم غنائم عظيمة بحيث بيع الرأس من الرقيق بربطة ورقة أوقات وكان من خير الملوك دينا ومعرفة يصحب الفقهاء والصلحاء وينشر العدل في أعماله حتى في ولده وأهله وأسلم على يديه خلائق من الحبشة حتى ثار عليه بنوعمه فقتلوه في التاريخ المتقدم(2/136)
محمد بن أبى بكر بن آيد غدى بن عبد الله الشمس القاهرى الحنفى المعروف بابن الجندى
ولد تقريبا سنة 765 خمس وستين وسبعمائة بالقاهرة ونشأ بها وأخذ عن جماعة من مشاهير علمائها في أنواع من العلم وبرع في العربية والفقه والأصول والفرائض والحساب والمعانى والبيان مع الخبرة بأنواع الفروسية والدربة في لعب الشطرنج وأخذ عنه الفضلاء واختصر المغنى لابن هشام اختصارا حسنا متحريا فيه ابدال العبارة المنتقدة وصنف مقدمة في العربية سماها مشتهى السمع وشرحها بشرح سماه منتهى الجمع وله الزبدة والقطرة ومقدمة في الفرائض ومختصر في المعانى والبيان وشرح كل منهما وشرح المجمع في مجلدين ومات في يوم الخميس مستهل المحرم سنة 844 أربع وأربعين وثمان مائة(2/137)
محمد بن أبى بكر بن أيوب بن سعد بن جرير الزرعى الدمشقى شمس الدين ابن قيم الجوزية الحنبلى العلامة الكبير المجتهد المطلق المصنف المشهور ولد سنة 691 إحدى وتسعين وستمائة وسمع من ابن تيمية ودرس بالصدرية وأم بالجوزية وأخذ الفرائض عن أبيه وأخذ الأصول عن الصفى الهندى وابن تيمية وبرع في جميع العلوم وفاق الأقران واشتهر في الآفاق وتبحر في معرفة مذاهب السلف وغلب عليه حب ابن تيمية حتى كان لا يخرج عن شىء من أقواله بل ينتصر له في جميع ذلك وهو الذى نشر علمه بما صنفه من التصانيف الحسنة المقبولة واعتقل مع ابن تيمية وأهين وطيف به على جمل مضروبا بالدرة فلما مات ابن تيمية أفرج عنه وامتحن محنة أخرى بسبب فتاوى ابن تيمية وكان ينال من علماء عصره وينالون منه قال الذهبى في المختصر جلس مدة لإنكار شد الرحل لزيارة قبر الخليل ثم تصدر للإشتغال ونشر العلم ولكنه معجب برأيه جرىء على أمور انتهى قلت بل كان متقيدا بالأدلة الصحيحة معجبا بالعمل بها غير معول على الرأي صادعا(2/137)
بالحق لا يحابى فيه أحدا ونعمت الجرآة وقال ابن كثير كان ملازما للاشتغال ليلا ونهارا كثير الصلاة والتلاوة حسن الخلق كثير التودد لا يحسد ولا يحقد إلى أن قال لا أعرف في زماننا من أهل العلم أكثر عبادة منه وكان يطيل الصلاة جدا ويمد ركوعها وسجودها وكان يقصد للإفتاء بمسئلة الطلاق وكان إذا صلى الصبح جلس مكانه يذكر الله تعالى حتى يتعالى النهار ويقول هذه غذوتى لو لم أفعلها سقطت قواى وكان يقول بالصبر والتيسير تنال الإمامة في الدين وكان يقول لا بد للسالك من همة تسيره وترقيه وعلم يبصره ويهديه وكان مغرى بجمع الكتب فحصل منها ما لا تحصر حتى كان أولاده يبيعون منها بعد موته دهرا طويلا سوى ما اصطفوه لأنفسهم منها وله من التصانيف الهدي وأعلام الموقعين وبدائع الفوائد وطرق السعادتين وشرح منازل السائرين والقضاء والقدر وجلاء الإفهام في الصلاة والسلام على خير الأنام ومصايد الشيطان ومفاتيح دار السعادة والروح وحادى الأرواح ورفع اليدين والصواعق المرسلة على الجهمية والمعطلة والداء والدواء ومولد النبى والجواب الشافي لمن سأله عن ثمرة الدعاء إذا كان ما قد قدر واقع وغير ذلك وكل تصانيفه مرغوب فيها بين الطوائف قال ابن حجر في الدرر قال وهو طويل النفس فيها يتعانى الإيضاح جهده فيسهب جدا ومعظمها من كلام شيخه متصرف في ذلك وله ملكة قوية ولا يزال يدندن حول مفرداته وينصرها ويحتج لها انتهى وله من حسن التصرف مع العذوبة الزائدة وحسن السياق مالا يقدر عليه غالب المصنفين بحيث تعشق الأفهام كلامه وتميل إليه الأذهان وتحبه القلوب وليس له على غير(2/138)
الدليل معول في الغالب وقد يميل نادرا إلى مذهب الذي نشأ عليه ولكنه لا يتجاسر على الدفع في وجوه الأدلة بالمحامل الباردة كما يفعله غيره من المتهذبين بل لا بدله من مستند في ذلك وغالب ابحاثه الإنصاف والميل مع الدليل حيث مال وعدم التعويل على القيل والقال وإذا استوعب الكلام في بحث وطول ذيوله أتي بمالم يأت به غيره وساق ما ينشرح له صدور الراغبين في أخذ مذاهبهم عن الدليل وأظنها سرت إليه بركة ملازمته لشيخه ابن تيمية في السراء والضراء والقيام معه في محنة ومؤاساته بنفسه وطول تردده إليه فإنه ما زال ملازما له من سنة 712 إلى تاريخ وفاته المتقدم في ترجمته وبالجملة فهو أحد من قام بنشر السنة وجعلها بينه وبين الآراء المحدثة أعظم جنة فرحمه الله وجزاه عن المسلمين خيرا وحكى عنه قبل موته بمدة أنه رأى شيخه ابن تيمية في المنام وأنه سأله عن منزلته أى منزلة الشيخ فقال انه أنزل فوق فلان وسمى بعض الأكابر وقال له وأنت كدت تلحق به ولكن أنت في طبقة ابن خزيمة ومات في ثالث شهر رجب سنة 751 إحدى وخمسين وسبعمائة وأورد له ابن حجر أبياتا وهى ( بنى أبى بكر كثير ذنوبه *** فليس على من نال من عرضه اثم ) ( بنى أبى بكر غدا متصدرا *** تعلم علما وهو ليس له علم ) ( بنى أبى بكر جهول بنفسه *** جهول بأمر الله انى له العلم ) ( بنى أبى بكر يروم ترقيا *** إلى جنة المأوى وليس له عزم ) ( بنى أبى بكر لقد خاب سعيه *** إذا لم يكن في الصالحات له سهم ) ( بنى أبى بكر كما قال ربه *** هلوع كنود وصفه الجهل والظلم )
( بنى أبى بكر وأمثاله غدت *** بفتواهم هذه الخليقة تأتم ) ( وليس له في العلم باع ولا التقى *** ولا الزهد والدنيا لديهم هى الهم ) ( بنى أبى بكر غدا متمنيا *** وصال المعالى والذنوب له هم )(2/139)
محمد بن أبى بكر الأشخر
بفتح الهمزة وسكون الشين المعجمة وفتح الخاء المعجمة أيضا ثم راء مهملة الزبيدى أخذ العلم عن الشيخ عبد الرحمن بن زيادة والفقيه عبد الله بن إبراهيم بن مطهر وقرأ بمكة على ابن حجر الهيتمى وله تصانيف منها نظم الإرشاد ومنظمومة في أصول الفقه وحاشية على البهجة للعامرى وشرح على شذور الذهب وغير ذلك ومات سنة 989 وبنو الأشخر بيت علم وصلاح يسكنون قرية قريب بيت الشيخ قريبا من الضحى وبها قبر صاحب الترجمة
محمد بن أبى بكر بن الحسين بن عمر بن محمد بن يونس ابن أبى الفخر عبد الرحمن القرشى العثمانى المراغى
القاهرى الأصل المدنى ولد في أواخر سنة 775 خمس وسبعين وسبعمائة بالمدينة ونشأ بها وقرأ على البلقينى وابن الملقن في القاهرة عند رحلته مع بنه وسمع على علماء المدينة والقادمين إليها ومن مشايخه الزين العراقى والهيتمى والنويرى وتكرر دخوله القاهرة وسماعه على من بها ودخل اليمن مرارا فسمع من جماعة من أعيانها كأحمد بن أبى بكر الرداد والمجد الشيرازى والنفيس العلوى وتفقه بالدميرى والبلقينى أيضا وآخرين وأخذ الأصول عن الولى العراقى والنحو عن والده والمحب بن هشام وبالجملة فسمع على جماعة من أعيان العلماء في جهات وأخذ سائر العلوم عن(2/140)
آخرين وأجاز له أكابر من محلات مختلفة وبرع في الفقه وأصوله والنحو والتصوف وأتقن جملة من الحديث وغريب الرواية وصنف شرح المنهاج الفرعي في أربع مجلدات وسماه المشرع الروى في شرح منهاج النووى واختصر فتح الباري لابن حجر في نحو أربع مجلدات وسماه تلخيص أبى الفتح لمقاصد الفتح ودرس في اليمن بمواضع وفي المدينة النبوية وبمكة وحدث بالأمهات وغيرها حتى مات بمكة ليلة الأحد سادس عشر المحرم سنة 859 تسع وخمسين وثمان مائة وله أخ اسمه محمد كاسمه برع في الفنون وصار شيخ المدينة النبوية وكان مولده سنة 764 أربع وستين وسبعمائة وقتلته اللصوص لما سافر إلى الشام سنة 819 تسع عشرة وثمان مائة وقتلوا معه ولديه محمد والحسين ولصاحب الترجمة أخ ثالث اسمه أيضا محمد ولد في سنة 806 ست وثمان مائة وبرع في جميع العلوم وصار مسند المدينة ومدرسها ومات سنة 880 ثمانين وثمان مائة(2/141)
محمد بن أبى بكر بن عبد العزيز بن محمد بن إبراهيم بن سعد الله بن جماعة
ابن حازم بن صخر بن عبد الله العز بن الشرف بن العز الحموى الأصل المصرى الشافعي ويعرف كسلفه بابن جماعة ولد سنة 746 ست وأربعين وسبعمائة وسمع في صغره من جماعة من الأكابر وأجاز له آخرون ثم مال إلى علوم العقل فقرأ على العلماء السيرامى والعز الرازى وابن خلدون وتفقه بالبلقينى ونظر في كل فن حتى في الأشياء الصناعية كلعب الرمح ورمى النشاب وضرب السيف والنفط حتى الشعوذة وعلم الحرف والرمل والنجوم والزيج وفنون الطب وكان يقضى بمعرفة جميع العلوم وصار (*)
الطهارة فلا يحدث حدثا إلا توضأ مع ما فيه من محبة الفكاهة والمزاح واستحسان النادرة ومشية بين العوام والوقوف على من يلعب في نوع من أنواع اللعب لينظر إليهم ولم يتزوج وكان يعاب بالتزيى بزى العجم من طول الشارب وعدم السواك وقد ترجمه الحافظ ابن حجر في أنبائه وذكر حاصل ما تقدم وقال انه لازمه من سنة 790 إلى أن مات وأنه كان يسمى صاحب الترجمة امام الأئمة قال المقريزى وقد تخرج به في الأصول والمنطق والمعانى والبيان والحكمة خلائق من المصريين والغرباء وطار اسمه وانتشر ذكره في الأقطار وقصده الناس من الشرق والغرب ولم يخلق في فنونه بعده مثله ومات في العشرين من ربيع الآخر سنة 819 تسع عشرة وثمان مائة
_________
يظهر أن هنا نقصا و الله أعلم(2/142)
محمد بن أبى بكر بن على بن عبد الله بن أحمد بن محمد بن إبراهيم البهاء المشهدى القاهرى الأزهرى ولد في ليلة الجمعة ثانى عشر صفر سنة 811 إحدى عشرة وثمان مائة بالقرب من الأزهر وأخذ عن جماعة كالولى العراقى والجلال البلقينى وابن الجزيرى وأبى الفضل المغربى والكافياجى وابن حجر ودرس بمواضع وصنف شرحا لمختصر ابن الحاجب الأصلى وشرحا لجامع المختصرات وعلق على المنهاج الفرعى فوائد وعمل جزءا في التسلية عن موت الأولاد وشرحا على البخارى متلقطا من الشروح في مجلدين ومات في يوم السبت عاشر جمادى الآخرة سنة 889 تسع وثمانين وثمان مائة
محمد بن أبي بكر بن عمر بن أبى بكر بن محمد بن سليمان ابن جعفر بن يحيى بن حسين بن محمد بن أحمد بن أبى بكر ابن يوسف ابن على بن صالح بن إبراهيم البدر المخزومى السكندري المالكى ويعرف بابن الدمامينى ولد سنة 763 ثلاث وستين وسبعمائة بإسكندرية وسمع بها من البهاء بن الدمامينى وآخرين وبالقاهرة من السراج بن الملقن وغيره وبمكة من النويرى واشتغل ببلده على علمائها فمهر في العربية والأدب وشارك في الفقه ودرس في الإسكندرية بعدة مدارس وناب في القضاء ببلده وبالقاهرة وتصدر بالجامع الأزهر لاقراء النحو ودخل دمشق وعين في أيام المؤيد لقضاء المالكية فرمى بقوادح ودخل بلاد اليمن فدرس بجامع زبيد بحر سنة ولم يرج له بها أمر فركب البحر إلى الهند فأقبل عليه أهلها كثيرا وأخذوا عنه وعظموه وحصل دنيا عريضة فلم يلبث ان مات وكان أحد الكملة في فنون الأدب أقر له الادباء بالتقدم فيه وبإجادة النظم والنثر وله مصنفات منها نزول الغيث انتقد فيه على الصفدى في أماكن من شرح الغيث على لامية العجم وما أحسن منها هذه التسمية وأجود ما فيها من التورية وصنف حاشية على المغنى سماها تحفة الغريب وصنف حاشية أخرى على المغنى إحد الحاشيتين هندية والأخرى يمنية وقد تعقب الشمنى في ذلك عقبا كثيرا وشرح البخارى في مجلد غالبه في اعراب الألفاظ وله شرح على التسهيل والخزرحية وله جواهر النحور في العروض وشرحه والفواكه البدرية من نظمه ومختصر حياة الحيوان للدميرى وغير ذلك ومات في شعبان سنة 827 سبع وعشرين وثمان
مائة بالهند وله نظم جيد سائر مشهور فمنه ( قلت له والدجى مول *** ونحن بالأنس في التلاقى ) ( قد عطس الصبح يا حبيبي *** فلا تشمتنه بالفراق ) ومن نظمه ( يا عذولى في مغن مطرب *** حرك الأوتار لما سفرا ) ( كم يهز العطف منه طربا *** عندما يسمع منه وترا ) ومن شعره ( لاما عذاريك هما اوقعا *** قلب المحب الصب في الحين ) ( فجدله بالوصل واسمح به *** ففيك قد هام بلامين ) ومنه ( الله أكبر يا محراب طرته *** كم ذا تصلى بنار الحب من صابى ) ( وكم أقمت باحشائى حروب هوى *** فمنك قلبى مفتون بمحراب )(2/143)
محمد بن أبى بكر بن أبى القاسم الهمدانى ثم الدمشقى المعروف بالسكاكينى
ولد سنة 635 خمس وثلاثين وستمائة بدمشق وطلب الحديث وتأدب وسمع وهو شاب من جماعة وقعد في صناعة السكاكين عند شيخ رافضي فأفسد عقيدته فأخذ عن جماعة من الإمامية وله نظم وفضائل ورد على العفيف التلمسانى في الإتحاد وأقام بالمدينة النبوية عند أميرها ولم يحفظ عنه سب للصحابة بل له نظم في فضائلهم الا أنه كان كما قال ابن حجر يناظر على القدر وينكر الجبر وعنده تعبد وسعة رزق قال ابن تيمية هو ممن يتسنن به الشيعى ويتشيع به السنى وقال الذهبى كان حلو المجالسة(2/144)
ذكيا عالما فيه اعتزال وينطوى على دين واسلام وتعبد سمعنا منه ويقال انه رجع في آخر عمره ونسخ صحيح البخارى قال ابن حجر ووجد بعد موته بمدة بخط يشبه خطة كتاب سماه الطرائف في معرفة الطوائف يتضمن الطعن على دين الإسلام وأورد فيه احاديث مشكلة وتكلم على متونها بكلام عارف بما يقول إلا أن وضع الكتاب يدل على زندقة منه وقال في آخره وكتبه مصنفه عبد الحميد بن داود المصرى وهذا الأسم لا وجود له وشهد جماعة من أهل دمشق أنه خطه وأخذه تقى الدين السبكى عنده وقطعه في الليل وغسله بالماء ونسب إليه عماد الدين بن كبير الأبيات ( *** أيا معشر الإسلام ذمي دينكم ) وقد أجاب عليها ابن تيمية كما سبقت الإشارة إلى ذلك ومات في صفر سنة 821 إحدى وعشرين وثمان مائة قلت ومجرد كون الخط يشبه خطه في ذلك الكتاب لا يحل الجزم بأنه مصنفه لاحتمال ان الخط غير خطه وعلى فرض انه خطه فقد يكون الواضع له غيره وكتبه بخطه ولا ريب أن لكثير من غلاة الرافضة أشياء من هذا الجنس ومن ذلك كتاب النصرة المنسوبة إلى رجل يهودي ذكر في أوائلها أنه أراد أن يسلم فرأى اختلاف اهل الإسلام في التشيع والتسنن فتوقف عن الإسلام وأخذ كتبا من كتب الحديث فنظر فيها ثم أظهر في مبادىء أمره الإنتصار للشيعة ومطمح نظره غير ذلك فإنه كان ينقل الأحاديث الصحيحة الموجودة في الامهات التى فيها تعارض في الظاهر فيوسع دائرة الإشكال ويأتى بمسالك عارف بمدارك الإستدلال ويتغاضى عن الجمع والتأويل ويصرح بما يفيد الطعن في الشريعة موهما لجهلة الشيعة أنه بصدد نصرتهم
والطعن في كتب خصومهم فمن نظر إليه بعين التحقيق وجده طعنا على الشريعة وثلبا للإسلام وتشكيكا في الدين وواضعه لا شك أنه بعض متزندقة الرافضة ومن الغريب أنه صار يتداوله جماعة من جهلة الشيعة في هذه الأزمنة فإنالله وإنا إليه راجعون(2/145)
محمد بن الحسن بن أحمد الحيمى الكوكبانى القاضى الأديب
كان قاضيا بكوكبان وله نظم منسجم فمنه القصيدة التى مطلعها ( نعم هذه أنفاس عرف الصبا النجدى *** سرت فطوت من ارضها شقة البعد ) وله قصيدة أخرى مطلعها ( نسمة اهدت لقلبى نفسا *** حين زارتنى ومرت غلسا ) وله شعر كثير وقد ترجم له صاحب نسمة السحر وحكى عنه أنه أخبره في شوال سنة 1111 أنه كان بشبام رجل يتظاهر بعشق أمرأة وهو مشهور بالشطارة والإقدام وكان لا يزال يجتمع بها ولا تقدر ان تمتنع منه لشدة بطشه متى أرادها واتفق أنه كان في أيام الحصاد يحرس زرعا له في بيت له لطيف بظاهر شبام وقد خلا بتلك المرأة بالليل وهو ليلة النصف من شعبان المشهورة بالبركة فلما هدأت العيون سمع أهل شبام صوتا يشبه صوت الصاعقة قال صاحب الترجمة وأنا منهم ففزع الناس وخافوا خوفا شديدا وصعدوا السطوح وإذا الحرس يتبادرون إلى بيت ذلك الرجل وهم يقولون انه انقض كوكب عظيم وله صوت عظيم ماسمع بمثله إلى بيته فلما وصلوا إليه وجدوا البيت قد صار كوم تراب والرجل فيه وهم لا يعلمون بمبيت المرأة معه قال صاحب الترجمة فأرسلوا إلي لأحضر على الحفر عنه وكنت قاضيا فحفروا عنه إلى الصباح حتى ظهر لهم وهو(2/146)
على تلك المرأة في الفاحشة وقد صارا حممة فأخرجا ودفنا وكان عبرة قال صاحب نسمة السحر أيضا انه حدثه المترجم له أن رجلا اسمه احمد بن صلاح الغفارى الفقيه من سكان قلعة شهارة مرض وأغمى عليه وأيس منه أهله ووجهوه إلى القبلة وقعد ويقرأون القرآن حوله واتفق أن مسكينا جاء إلى بابه فاعطته زوجته حبا في طبق ثم بعد ما مضى السائل افاق ذلك المريض وطلب مأكولا وكلمهم وقال بينما انا في شدة لا اعقل اذ دخل عليه من الباب شخص كالجزار مشمر عن ساقيه وذراعية وبيده سكين عظيمة فأخرج من نطاقه مسنا وجعل يسن السكين ثم يقدم إلى لذبحي وقعد فوق صدرى وأنا شاخص إليه فبينما هو في ذلك اذ انفلق السقف ونزل من شخصان ابيضان في غاية الوسامة وطيب الرائحة وبيد أحدهما طبق فيه حب فكفاه عن قتلى وساراه بشىء وأشارا إلى الطبق وفهمت منهما ان الله زاد في عمرى بركة الصدقة فرد السكين وقالا اذهب إلى فلان جار لى ثم صعد إلى السقف الذى تدلى منه وخرج ذلك الشخص فسمع الصراخ في دار جاره انتهى ومات صاحب الترجمة في سنة 1115 خمس عشرة وإحدى عشر مائة(2/147)
السيد محمد بن الحسن بن عبد الله الظفرى ثم الصنعانى
ولد بعد سنة 1170 سبعين ومائة وألف فأخذ عن أبيه وعن شيخنا السيد العلامة عبد القادر بن أحمد وعن السيد العلامة شرف الدين بن إسماعيل بن محمد بن اسحاق وعن اخرين وبرع في العلوم الآلهية وشارك في غيرها وله فهم جيد وإدراك قوى وسمت حسن وعقل رصين وبعد موت والده اشتغل بالسفر كل عام إلى بلدة اصاب والبقاء هنالك بعض السنة لتحصيل غلات أموال وهو ممن يعمل باجتهاده ويتقيد بنصوص الأدلة ولا يعول على غير ذلك وأخوه السيد العلامة عبد الله بن الحسن كان أحد أعيان الطلبة أخذ عنى في النحو والصرف والمعانى والبيان والأصول وكان في غاية السكون ونهاية العقل مع فهم مستقيم وأقبال على الطلب ولكنها اخترمته المنية في سن الشباب فمات في سنة 1212 اثنتى عشر ومائتين وألف ووالد المترجم له من أكابر العلماء المبرزين في عدة فنون وقد درس للطلبة بصنعاء في النحو والصرف والمنطق والمعانى والبيان والأصول وانتفع به كثير منهم ثم بعد ذلك ولاه الإمام المهدى العباس بن الحسين بلاد ذى جبلة فشرط لنفسه أن تكون مباشرته على قانون الشرع بدون جرى على الأعراف فساعده الإمام فباشر ذلك مباشرة حسنة على القانون الشرعي بحيث لم يسمع في الأعصار الأخيرة بمثل هذه الولاية وكان يعترض على القاضى في ذى جبلة لكونه أعلم منه بدرجات وهو كان يستحق افراده بترجمة ولكنى اكتفيت بذكره ههنا وتوفى في جمادى الآخرة سنة 1203 ألف ومائتين وثلاث(2/148)
محمد بن حسن السماوى
ولد بعد سنة 1170 سبعين ومائة وألف بسماة من بلاد عتمة وارتحل إلى ذمار لطلب العلم فقرأ هنالك علم الفقه واستفاد فيه ثم رحل إلى صنعاء فقرأ على جماعة من علمائها منهم شيخنا السيد العلامة على بن إبراهيم بن عامر في الصرف والنحو وشيخنا العلامة أحمد بن محمد في الفروع وقرأ على في النحو والصرف والمنطق والمعانى والبيان والأصول والحديث والفقه
واستفاد في غالب هذه الفنون ثم انتقل إلى بلاد خبان لتدريس طلبة العلم بها وهو الآن هنالك ثم صارأحد القصاة بخبان
محمد بن حسن بن على بن عثمان الشمس النواجى نسبة إلى نواجى بضم النون ثم الجيم ثم القاهرى الشافعى الشاعر المشهور ولد بالقاهرة بعد سنة 785 خمس وثمانين وسبعمائة وأخذ عن البرماوى والعز بن جماعة والحديث عن الولى العراقى وابن حجر ودخل دمياط والإسكندرية وأمعن النظر في علوم الأدب حتى فاق اهل عصره وكتب حاشية على التوضيح في مجلدة وبعض حاشية على الجاربردى وشرحا للخزرجية في العروض وكتابا يشتمل على قصائد مطولات كلها غزل والشفاء في بديع الاكتفاء وخلع العذار في وصف العذار وروضة المجالسة في بديع المجانسة ومراتع الغزلان في وصف الحسان من الغلمان وحلبة الكميت في وصف الخمر وحصلت له محنة بسبب ذلك وعقود اللآل في الموحشات والأزجال والأصول الجامعة لحكم حروف المضارعة والمطالع البهية في المدائح النبوية وصنف كتابا سماه الحجة في سرقات ابن حجة تكلف فيه غاية التكلف وتعرض لنظمه ونثره ونال منه فوق ما ينبغى ولذلك جوزي بما صنعه بعض اهل الأدب معه فإنه صنف كتابا سماه قبح الأهاجى في النواجى وأوصله إليه بطرق طريفة فإنه أمر بدفعه إلى دلال بسوق الكتب وهو جالس على عادته عند بعض التجار فدار به الدلال على أرباب الحوانيت حتى وصل إلى النواجي فأخذه وتأمله وعلم مضمونه ثم اعاده إلى الدلال فاسترجعه صاحبه من الدلال فكاد النواجى يهلك وقد اشتهر ذكر(2/149)
صاحب الترجمة وبعد صيته وقال الشعر الفائق ولولا كثرة تلونه لكان فضله كلمة اجماع ومات في يوم الثلاثاء الخامس والعشرين من جمادى الأولى سنة 859 تسع وخمسين وثمان مائة ومن نظمه في الحافظ ابن حجر ( أيا قاضى القضاة ومن نداه *** يؤثر بالأحاديث الصحاح ) ( وحقك ما قصدت حماك الا *** لآخذ عنك أخبار السماح ) ( فأروى عن يديك حديث وهب *** وأسند عن عطا بن أبى رباح ) ومن نظمه ( يا من حديث غرامى في محبتهم *** مسلسل وفؤادى منه معلول ) ( روت جفونكم اني قتلت بها *** فياله خبرا يرويه مكحول ) ومنه ( إذا شهدت محاسنه بأنى *** سلوت وذاك شىء لا يكون ) ( أقول حديث جفنك فيه ضعف *** يرويه وعطفك فيه لين )(2/150)
محمد بن الحسن بن عيسى بن محمد بن أحمد بن مسلم كمحمد بن محيى
بضم الميم وفتح المهملة وتشديد الياء ابن العليف بضم العين المهملة مصغرا المالكى الشافعى ويعرف بابن العليف ولد سنة 742 اثنتين وأربعين وسبعمائة ببلاد حاى بن يعقوب وتردد إلى مكة غير مرة سمع بها في بعض قدماته على العز بن جماعة وقال الشعر فمهر فيه ونظم الكثير وانقطع لى الشريف حسن بن عجلان ومدحه بقصائد كثيرة وقدم إلى الإمام الناصر صلاح الدين محمد بن على إلى اليمن فمدحه بقصائد منها القصيدة المشهورة التى يقول فيها ( جادك الغيث من طلول بوالى *** كبروج من النجوم خوالى ) ( فقدت بيض أنسها فتساوى *** بيض أيامها وسود الليلى ) ومنها في المدح ( وترى الأرض اذيهم بمغزى *** هى في رعدة وفى زلزالي ) قال السخاوى يحكى انه لما فرغ منها قال له الإمام احسنت لا كما قال الفاسق أبو نواس ( صدح الديك الصدوح *** فاسقنى طاب الصبوح ) فقال للإمام ما يقنعنى هذا انما أريد منك أن يحكم لى بأنى اشعر من المتنبى فقال الإمام ليس هذا إلى هذا إلى السيد مطهر صاحب الفص فإنه هو المشار إليه في علوم الأدب ومعرفتها فقام إليه وعرض عليه ذلك بإشارة الإمام فقال له هذا المتنبى يقول في صباه ( ابلى الهوى أسفا يوم النوى بدنى ) ثم قال له يا هذا ان للمتنبى ثلاثمائة وستين مثلا يتمثل بها الخليفة فمن دونه وأمثاله لا اعتراض فيها لأحد فائتنا أنت بثلاثة أمثال لم يسبق إليها فقام من عنده ورجع إلى الإمام وقال له ان السيد له المام بالأدب ولى به المام فحسدنى ولم يقض لى بشىء فقال له الإمام لا يفضلك أحد على المتنبى بعده ولكن أقول لك يا محمد لو نطقت في اذن حمار لصهل وكان معجبا بشعره متغاليا في استحسانه بحيث يفضله على شعر المتنبى فيستهجن لذلك ومن مدحه في الإمام المذكور ( يا وجه آل محمد في وقته *** لم يبق بعدك منه الا قفا ) ( لو كانت الأبرار آل محمد *** كتب العلوم لكنت منها مصحفا ) ( أو كانت الأسباط آل محمد *** يا ابن الرسول لكنت منهم يوسفا )
وتوفى ليلة الجمعة سابع رجب سنة 815 خمس عشرة وثمان مائة بمكة(2/151)
السيد محمد بن الحسن ابن الإمام القاسم بن محمد
ولد لليلتين بقيتا من جمادى الآخرة سنة 1010 عشر وألف وهو الرئيس الكبير والأمير الخطير ربى في حجر الخلافة وترقى في الكمالات حتى بلغ منها الغاية وقرأ على جماعة كالقاضى أحمد بن يحيى حابس والقاضى صديق بن رسام ولما مات والده في تاريخ موته المتقدم في ترجمته وبلغ الإمام المؤيد بالله محمد بن القاسم أمره بالنفوذ إلى بلاد ضوران وما زال مترددا في الديار اليمنية وسكن في آخر مدته مدينتى أب وذى جبلة وكثر جيشه وعظمت ولايته وصار غالب الجهات اليمنية تحت ولايته لا ينفذ فيها أمر لغيره وهو يمتثل أمر الإمام المؤيد بالله تدينا وانقيادا لا قهرا ولما مات الإمام المؤيد بالله دعا صاحب الترجمة إلى الرضى من آل محمد فلما بلغته دعوة عمه المتوكل على الله إسماعيل بن القاسم انقاد وأطاع وبايع وولاه الإمام المتوكل على الله جميع اليمن الأسفل وهو مشتمل على مدن كثيرة ومواد المملكة في الغالب منه وما زال أمره في ازدياد وسعادته في ظهور وأمره في نمو إلى ان مات وكان يجعل شطر اقامته باليمن والشطر الآخر بصنعاء والروضة وقرأ في هذه المدة تذكرة النحوى على محمد بن صلاح السلامى والفقيه أحمد بن سعيد الهبل وقرأ الفصول اللؤلؤية على القاضى إبراهيم بن يحيى السحولى وفي سنة 1079 طلع من اليمن إلى صنعاء واجتمع بالإمام المتوكل على الله ثم بدا به المرض قيل وهو ذات الجنب فمات بدرب السلاطين من الروضة في ليلة الخميس ثامن شهر ربيع الأول سنة 1079 تسع وسبعين وألف وأقر الإمام ولاية البلاد التى(2/152)
كانت تحت يده بيد ولديه السيد يحيى بن محمد والسيد إسماعيل بن محمد فمات يحيى عقب موت والده فبقى بيد إسماعيل جهة العدين فتوجه إليها فمرض عند وصوله إليها ومات بها وقد رثى صاحب الترجمة جماعة من شعراء عصره ومن جملة من رثاه ولده إسماعيل بقصيدة مطلعها ( هل أقال الموت ذا حذره *** ساعة عند انتهاء عمره ) ورثاه الشيخ إبراهيم الهندى بقصيدة مطلعها ( قضى الفخار فلا عين ولا أثر *** واحلولك الخطب لا شمس ولا قمر ) وله مؤلف سماه سبيل الرشاد إلى معرفة رب العباد في علم الكلام وشرح المرقاة تأليف جده الإمام القاسم وله جواب مبسوط في حديث ستفترق أمتى على شيخ أحمد بن مطير كذا قال في مطلع البدور(2/153)
السيد محمد بن الحسن المعروف بالمحتسب
ولد تقريبا سنة 1170 سبعين ومائة وألف أو قبلها بقليل وأخذ العلم عن جماعة من علماء صنعاء ولازم السيد العلامة محمد بن محمد المعروف بالبنوس واستفاد في العلوم الآلية وشارك في علم السنة مشاركة قوية وعمل بالأدلة ولم يقلد أحدا وهو بمكان عظيم من حسن الخلق والتودد وأطراح الدعاوى التى يتعلق بها كثير من أهل العلم وله اتصال بمولانا الإمام المتوكل وبأولاده وهو صالح ساكن متواضع صادق اللهجة قوى الدين وله قراءة على في الصحيحين وغيرهما
السيد محمد بن الحسين الحوثى ثم الصنعانى
ولد تقريبا سنة 1150 خمسين ومائة وألف وأخذ العلم عن جماعة من علماء صنعاء منهم السيد العلامة محمد بن إسماعيل الأمير والقاضي العلامة أحمد بن محمد قاطن وغيرهما وصار أحد علماء صنعاء المفيدين ودرس في فنون وكان مائلا إلى العمل بالأدلة مطرحا للتقليد حسن الأخلاق متواضعا متعففا ممتع المحاضرة وله مباحث علمية جيدة ونظم كنظم العلماء كتب إلى قصيدة مشتملة على مدح لا استحقه مطلعها ( يثير الشوق تذكار المغانى *** ويذكي ناره البرق اليمانى ) فأجبت بقصيدة مطلعها ( عقود مانظمت من الجمان *** أم الصهباء أرقت من الدنان ) ( أم الروض الأريض ام ابتسام *** لثغر الزهر أم زهر المعانى ) والقصيدتان موجودتان في مجموعى ومن أحسن ما يحكى عنه أنى لما ابتليت بالقضاء كتب الشعراء إلى تهانىء وهو كتب إلى بتعزية في أبيات حسنة وذكر فيها عجائب فوقع لذلك عندى موقع عظيم ولعل موته رحمه الله كان في سنة 1211 إحدى عشرة ومائتين وألف(2/154)
محمد بن حسين دلامه بضم الدال المهملة الذمارى ثم الصنعانى ولد تقريبا سنة 1150 خمسين ومائة وألف ونشأ بذمار فقرأ فيها علم الفروع واشتغل بالأدب فقال الشعر الحسن ثم ارتحل إلى صنعاء واستمر بها وكان يمدح أكابرها الخليفة فمن دونه وشعره كثير سائر وتأتى له فيه معانى بديعة وكان حسن المحاضرة رقيق الحاشية وكثير الميل إلى الصور الحسان مع عفة ونزاهة بحيث أنه قد ناهز الستين وهو كالشباب في الغرام وكابن الثمانين في الهرم وضعف البنية ويغلب على الظن أنه مات عشقا فإنه كان قبل موته يهيم ببعض الملاح ثم أخبرنا من كان يتردد إليه في مرض موته بأوصاف لذلك المرض يقوى ما ذكرناه والله أعلم وكان قليل ذات اليد ضيق العيش صابرا على مكابدة الحاجة وكنت اتعجب من تسلط الغرام عليه مع ضعف البدن وكثرة الأمراض ومزيد الفقر وعلو السن وهو لا يكره نسبة ما ذكرته إليه فإنى كنت امازحه قبل تحرير هذه التراجم بزيادة على خمس سنين أنى سأكتب له ترجمة أذكر فيها ماصار فيه من مكابدة غرام بعد غرام وهيام عقب هيام فكان يأذن بذلك ولو علمت أنه يكرهه ما ذكرته لأنى صنت هذا الكتاب عن ذكر المعايب وطهرته عن نشر المثالب لا كما يفعله كثير من المترجمين من الاستكثار من ذلك فإن الغيبة قبيحة إذا كانت بفلتات اللسان التى لا تحفظ ولا يبقى أثرها بل تنسى في ساعتها فكيف بها إذا حررت بالأقلام وبقيت أعواما ولا سيما إذا لم يتعلق بها غرض الجرح والتعديل فإنها من حصايد الألسنة التى تكب صاحبها على منخره في نار جهنم نسأل الله السلامة ومن نظمه رحمه الله ما كتبه إلى خليفة العصر حفظه الله عند ان ولانى القضاء وهى هذه الأبيات وذكر آخرها تاريخ ذلك ( قل للإمام أدام الله دولته *** ما دار نجم على الآفاق أو أفلا ) ( لقد رميت فما أخطأت منتقدا *** عين الإصابة في الأعلام والنبلا ) ( لما رأيت ولاة الحكم قد قصرت *** عين الكمال الذى يرضى به الكملا ) ( اخترت عز المعالى للعلا علما *** هذا لعمرى هو الرأى المنيف علا ) ( طوقت جيد زمان انت مالكه *** طوقا من الدر استحلى به فحلا )(2/155)
( لله مولاه ما اولاه من حلل *** وحلة العلم والتقوى أجل حلا ) ( اقسمت ما في الورى شخص يماثله *** من ذا يماثل بدر التم اذ كملا ) ( ان خاض بحر علوم خاض منفردا *** في لج بحر رست في لجة النبلا ) ( أوخاض في لجة الآداب فهو لها *** ما الأصمعى وما المرداس وابن جلا ) ( لا يصدر الحكم الا عن مشورة *** كيما يكون غدا في حزب من عدلا ) ( فمن توليه فاستوليه متكلا *** به على الله وأعزل كل من عزلا ) ( فقد اراك اله العرش خير فتى *** فاسمع لما قال وانجز كل ما فعلا ) ( فذاك آكد من ترجو النجاة به *** ممن يقلده لا تختشى الزللا ) ( وعامة الناس لا يرضون من كملت *** فيه الصفات فلا تعبأ بمن جهلا ) ( فاسمح بعين ترى التاريخ مشتملا *** محمد بن علي أكمل الكملا ) ومات رحمه الله في سنة 1209 عام انشائه لهذا النظم وله ولد من أعيان علماء الفروع المشاركين في غيرها وهو حسين بن محمد نشأ بذمار وقرأ الفروع على أهلها كالقاضى سعيد بن حسن العنسى وغيره ثم ارتحل إلى صنعاء وقرأ على جماعة من علمائها وقرأ على في سنن أبي داود وهو الآن باق في صنعاء وله همة علية ونفس شريفة وطباع ظريفة ومناقب
منيفة ولعل مولده في سنة 1170 سبعين ومائة وألف أو قبلها بيسير أو بعدها بيسير(2/156)
محمد بن حسين المرهبى الشرفى ثم الجبلى
بكسر الجيم وسكون الباء نسبة إلى ذى جبلة من مدائن اليمن الاسفل الشاعر البليغ والكاتب المجيد كان كاتبا للسيد الأمير على بن المتوكل وله فيه غرر المدائح ومن محاسن شعره قوله ( ذات الحلاوة حلوة الثغر *** هجرت وما طبعت على الهجر ) ( بيضاء لو اهدت ذؤابتها *** لليل فل صفائح الفجر ) ( هيفاء تحت نطاقها كفل *** ملء الإزار كأنه وزرى ) وهى قصيدة كلها غرر ومن قصائده الطنانة القصيدة التى مدح بها مخدومه الأمير المتقدم ومطلعها ( أما آن أن ترقى الدموع السواجم *** وتهدأ هاتيك القلوب الحوائم ) ومن رسائله الدالة على اطلاعه على العلوم ما كتبه إلى السيد الحسن ابن مطهر الجرموزى فقال مولانا السيد الإمام أبقاه الله مرشدا إلى الأقوال الشارحة معرفا للحجة الواضحة مجددا للأوضاع الحكمية مقررا للقوانين النظرية باحثا في العلوم العقلية والنقلية ناظرا في أوضاعها التصورية والتصديقية ملزوما للإسعاد معروضا للعناية والإزدياد قابلا للألطاف الإلهية قبول الجسم للإبعاد ثم أطال الخطاب موجها بأنواع من الفنون وملمحا إلى وقائع مشهورة على نمط رسالة ابن زيدون الجدية قال صاحب نسمة السحر انه سمع السيد العلامة زيد بن محمد بن حسن المتقدم ذكره يقول ان
صاحب الترجمة كان قل أن يسلم لأحد فضلا ولما مات مخدومه المتقدم تعكست أحواله وكثرت شكايته ثم توجه إلى الحج سنة 1113 ثلاث عشرة ومائة وألف فمات في الطرق ببعض نواحي تهامة وشعره مشهور عند أهل اليمن(2/157)
السيد محمد بن الحسين بن الحسن ابن الإمام القاسم بن محمد
ولد بصنعاء في صفر سنة 1062 اثنتين وستين وألف وأخذ العلم عن جماعة من أعيان علماء عصره ومن الواردين إلى اليمن كالشيخ صالح النجرانى الطبيب وأتقن عليه علم الطب ومن مشايخه محمد بن صالح الحكيم الآتى
ذكره وله مؤلفات منها الرسالة الكلامية وشعره حسن فمنه الأبيات التى مطلعها ( غصن نقا في القلوب ينعطف *** يثمر بدرا بقله هيف ) وله قصيدة أخرى مطلعها ( نعم نفحة من حاجر نفحة المسك *** وأوصل مكوى الحشا شادن الترك ) وله شعر كثير وليس بالشهير وقد ترجمه صاحب نسمة السحر ولم يذكر تاريخ وفاته لأنه من معاصريه محمد بن حمزة الدمشقى ثم الرومى المعروف بابن شمس الدين الشيخ العارف بالله ولد بدمشق ثم ارتحل مع والده إلى الروم وقرأ على علمائها حتى صار مدرسا ببعض مدارسها ثم مال إلى التصوف فخدم الحاج بيرام ثم خدم الشيخ زين الدين الخافى رحل إليه إلى حلب ثم عاد إلى خدمة الشيخ الأول فحصل عنده الطريقة وصار مع كونه طبيبا للقلوب طبيبا للأبدان فإنه اشتهر أن الشجر كانت تناديه وتقول أنا شفاء من المرض الفلانى ثم اشتهرت بركته وظهر فضله حتى ان السلطان محمد خان سلطان الروم لما أراد فتح القسطنطينية دعاه للجهاد فقال صاحب الترجمة للسلطان سيدخل المسلمون القلعة في يوم كذا فجاء ذلك الوقت الذي عينه لفتح القلعة فحصل مع بعض أصحابه فزع شديد من السلطان على الشيخ إذا لم يصح الخبر فذهب إليه في تلك الحال فوجده في خيمته ساجدا على التراب مكشوف الرأس وهو يتضرع ويبكى فرفع رأسه وقام على(2/158)
رجليه وكبر وقال الحمد لله منحنا فتح القلعة قال الراوى فنظرت إلى القلعة فإذا العسكر قد دخلوا بأجمعهم ففرح السلطان بذلك وقال ليس فرحى لفتح القلعة انما فرحى بوجود مثل هذا الرجل في زمنى ثم بعد يوم جاء السلطان إلى خيمة صاحب الترجمة وهو مضطجع فلم يقم له فقبل السلطان يده وقال له جئتك لحاجة قال وما هى قال ان ادخل الخلوة عندك فأبى فأبرم عليه السلطان مرارا وهو يقول لا فغضب السلطان وقال انه يأتي اليك واحد من الأتراك فتدخله الخلوة بكلمة واحدة وأنا تأبى على فقال الشيخ إنك إذا دخلت الخلوة تجد لذة تسقط عندها السلطنة من عينيك فتختل أمورها فيمقت الله علينا ذلك والغرض من الخلوة تحصيل العدالة فعليك أن تفعل كذا وكذا وذكر له شيئا من النصائح ثم ارسل إليه ألف دينار فلم يقبل ولما خرج السلطان محمد خان قال لبعض من معه ما قام الشيخ لى فقال له لعله شاهد فيك من الزهو بسبب هذا الفتح الذي لم يتيسر مثله للسلاطين العظام فأراد بذلك أن يدفع عنك بعض الزهو ثم ان السلطان دعا صاحب الترجمة في الثلث الأخير من الليل فخاف عليه أصحابه فذهب إليه فلما وصل تبادر الأمراء يقبلون يده وجاء السلطان يلقاه والليل مظلم فعانقه بالقلب لا بالبصر فعانقه الشيخ وضمه إليه ضما شديدا حتى ارتعد وكاد يسقط من الهيبة وتحدث السلطان بعد ذلك أنه كان في قلبه شىء في حق الشيخ فلما ضمه زال ذلك ثم ان الشيخ جلس مع السلطان في خيمته إلى أن صلى به الفجر والسلطان جالس أمامه على ركبته يسمع الأوراد فلما أتمها التمس منه السلطان ان يعين قبر أبى أيوب لأنه كان يرى في التواريخ أن قبره قريب سور قسطنطينية فذهب الشيخ(2/159)
إلى هنالك وقال لعلى أجده فعاد وقال التقيت أنا وروح أبى أيوب وهنأنى بالفتح وقال شكر الله سعيكم حيث خلصتمونى من ظلمة الكفر فقال السلطان انى أصدقك ولكن التمس منك أن تعين علامة اراها بعينى ويطمئن قلبى فقال الشيخ احفروا هذا الموضع وستجدون بعد أن تحفروا ذراعين رخاما عليه خط فلما حفروا مقدار ذراعين ظهر الرخام عليه خط فقرأه من يعرفه فإذا هو قبر أبى أيوب فتحير السلطان محمد خان وغلب الحال عليه حتى كاد يسقط لولا أن أخذوه ثم أمر ببناء قبة على القبر ولما عاد لقى رجلا من أجلاف بلاد الروم وتحته فرس نفيس يميل إليه كل قلب وذهب الرجل ولم يلتفت إلى الشيخ ولم يسلم عليه فلم يذهب إلا قليلا حتى رجع ونزل عن فرسه ودفعه إلى الرجل وركب فرس الرجل فسأل الشيخ بعض أصحابه عن ذلك فقال لوكان لرجل عبد وكان في طاعته واستدعى منه يوما شيئا حقيرا هل يمعنه فقالوا لا فقال وأنا منذ ثلاثين سنة لم أخرج عن طاعة الله فلما مال قلبى إلى هذا الفرس الهم الله ذلك الرجل حتى وهبه لى وله رحمه الله مصنفات منها رسالة في التصويف ورسالة أخرى في دفع مطاعن الصوفية ورسالة في علم الطب وكان له ابن صغير ولد مجذوبا فأنفق انه دخل عند والده أمير يقال له ابن قطار وكان أطلس لا شعر بوجهه فقال ابن الشيخ لمارآه ما هذا رجل هذه امرأة فغضب عليه والده فقال الأمير للشيخ أنه يدعه ولا يزجره عن الكلام وتضرع إلى الشيخ ثم قال الأمير للولد المذكور ادع لى أن ينبت لحيتى فأخذ المجذوب من فمه بصاقا كثيرا ومسح بيده وجه الأمير فطلعت لحيته فلما دخل الأمير(2/160)
على السلطان قال للوزراء اسألوه من أين حصلت له هذه اللحية فحكى له ما جرى فوقف على ذلك الصغير أوقافا وصاحب الترجمة كما عرفت في زمن السلطان محمد خان وقد ذكرنا تاريخ دولته محمد بن خلفة بكسر الخاء المعجمة وسكون اللام وبعدها فاء الأبى بضم الهمزة نسبة إلى قرية من تونس التونسى قرأ على ابن عرفة وغيره وكان عالما محققا أخذ عنه جماعة ووصفه ابن حجر بأنه عالم المغرب بالمعقول وأنه سكن تونس وله شرح مسلم الذى سماه اكمال اكمال المعلم في شرح مسلم الذى جمع فيه بين المازرى وعياض والقرطبى والنووي مع زيادات من كلام شيخه ابن عرفة في ثلاث مجلدات ويحكى عنه من سلامة الفطرة ما يخرجه إلى حد الغفلة مع مزيد تقدمه في العلوم ومات سنة 827 سبع وعشرين وثمان مائة(2/161)
محمد بن خليل بن يوسف بن على بن أحمد بن عبد الله المحب أبو حامد الرملى المقدسى الشافعى نزيل القاهرة وهو بكنيته أشهر وربما قيل له ابن الموقت لأن أباه كان مولد ولد في آخر رمضان سنة 819 تسع عشر وثمان ومائة وقيل سنة 817 بالرملة وحفظ كثيرا من المختصرات وأخذ عن الشهاب ابن رسلان ولازمه وتدرب به وأخذ عنه الكثير من مصنفاته وغيرها وعن العز عبد السلام القدسى والنويرى وغيرهم ثم ارتحل إلى القاهرة وأخذ عن الحافظ بن حجر والمناوي وجماعة كالشمنى والزركشى والزين رضوان وحج فأخذ عن مشائخ المدينة النبوية ومكة ودرس بمواطن وناب في القضاء عن جماعة وصنف شرحا للمنهاج والبهجة وجمع الجوامع وغير ذلك وانتقصه السخاوى وبالغ في ذلك على عادته المألوفة في أكابر أقرانه ومات في شهر صفر سنة 888 ثمان وثمانين وثمان مائة
محمد بن الدمدمكي
قال السخاوى في الضوء اللامع هو شخص عابد في مغارة بجبل قريب من أقليم شروان وعليه ما يستره من الثياب وفوق رأسه قلنسوة تغطى عينيه والناس يدخلون عليه أفواجا لرؤيته فإذا قربوا منه وصلوا على رسول الله حرك رأسه ويزعم من يرد علينا من هنالك ان خبره لشهرته قطعي وأنه مات في حدود سنة 836 وأنه باق إلى تاريخ سنة 834 على ما وصفنا ذكره المقريزي في عقوده هكذا بل نقل عن بعضهم أنه مات من مدة تزيد على اربعمائة سنة وهو جالس على كيفية التشهد في الصلاة مستقبل القبلة في مغارة إلى آخر ما قيل وأن السبب في هذا أن شيخه أعلمه بدخول الوقت ليؤذن فقال له بل اصبر ساعة فكرر عليه أمره وهو يعيد ما قاله فقال له شيخه ما انت الا دمدمكي أي ساعاتى فقال له فضع رجلك على قدمى اليمنى وانظر نحو السماء ففعل فرأى بابا مفتوحا إليها ورأى ديكا قد فرش اجنحته وهو يؤذن فقال له صاحب الترجمة فإنى لا أؤذن في الأوقات الخمسة الا بعد هذا الديك فقال له شيخه مرزا أي لا ابلاك الله أو لاتبلى فاستجيب دعاه فلذا لم يبل وهذه الحكاية تؤذن بأن الدمدكي وصفه لا وصف أبيه ومن جملة ما قيل أن تيمورلنك دفنه في التراب فأرسل عليه مطر عظيم وبرد اهلك من عسكره خلقا بحيث صار يتمرغ بالأرض ويقول التوبة يا شيخ محمد والله أعلم انتهى
ما ذكره السخاوى(2/162)
محمد بن ذانيال بن يوسف الموصلى الحكيم شمس الدين الكحال الفاضل الأديب الشاعر المشهور السالك طريقة ابن حجاج له اشياء مخترعة وله تصانيف منها الكتاب المسمى طيف الخيال وله ارجوزة سماها عقود النظام فيمن ولى مصر من الحكام وله نوادر مضحكة منها أن خصيا من خدم الأمير خرج إلى نزهة مع شخص من اتباع الأمير يقال الحليق فبحث الأمير عنهما إلى ان وجدهما فأحضرهما وأراد معاقبتهما فنهض بن ذانيال فقال للأمير احلق ذقن هذا القواد وأشار للحليق وأخص هذا الخادم وأشار إلى الخصى فضحك الأمير وسكن غضبه ومن ذلك أنه اعطاه الأشرف فرسا يركبه إذا طلع القلعة للخدمة فرآه على حمار اعرج فاستدعاه وسأله فقال يا خوند بعت الفرس وزدت عليه واشتريت هذا الحمار فضحك منه ومن نظمه السائر قوله ( قد عقلنا والعقل أى وثاق *** وصبرنا والصبر مر المذاق ) ( كل من كان فاضلا كان مثلى *** فاضلا عند قسمة الأرزاق ) ومن نظمه ( يا سائلى عن ضيعتى في الورى *** وصنعتى فيهم وإفلاس ) ( ما حال من درهم انفاقه *** يأخذه من أعين الناس ) ومات في ثانى عشر جمادى الآخر سنة 710 عشر وسبعمائة(2/163)
محمد بن سليمان بن سعيد بن مسعود الرومى الحنفى
ولد في سنة 788 ثمان وثمانين وسبعمائة كما قال الأسيوطى وأخذ عن الخافى واخرين وأكثر من قراءة الكافية لابن الحاجب وأقرائها حتى نسب إليها بزيادة جيم كماهى قاعدة الترك في النسب ودخل إلى بلاد العجم والتتر ومن جملة من أخذ عنه ابن فرشته المتقدم ذكره دخل القدس ثم قدم القاهرة وأخذ عن جماعة من أعيانها وظهرت كمالاته وأقبل عليه الفضلاء ودرس وأفتى وصنف وخضعت له الرجال وذلت له الأعناق وصار إلى صيت عظيم وجلالة وشاع ذكره وانتشر تلامذته وأخذ عنه الناس طبقة بعد طبقة وتقدمت طلبته في حياته وصاروا أعيان الوقت وتزاحموا عنده قال السخاوى وزادت تصانيفه على المائة وغالبها صغير ومن محاسنها شرح القواعد الكبرى لابن هشام وقال وله شرح كلمتى الشهادة والأسماء الحسنى ومختصر في علم الأثر والمختصر المفيد في علم التاريخ وشرح في محاكمات بين المتكلمين على الكشاف وله حاشية عليه مستقلة وحاشية على شرح الهداية وتلخيص الجامع الكبير والجمع وكذا كتب على تفسير البيضاوى والمطول والمواقف وشرح الجغمينى في الهيئة قال الأسيوطي وكان اماما كبيرا في المعقولات كلها الكلام والأصول والنحو والتصريف والمعانى والبيان والجدل والفلسفة والهيئة بحيث لا يشق غباره في شىء من هذه العلوم وله اليد الحسنة في الفقه والتفسير والنظر في علوم الحديث وأما تصانيفه في العلوم العقلية فلا تحصى بحيث انى سألته ان يسمى لى جميعها لأكتبها في ترجمته فقال لى لا أقدر على ذلك قال ولى مؤلفات كثيرة نسيتها فلا أعرف الآن اسمائها انتهى وقد عظمه الملوك خصوصا ملك الروم ابن عثمان فإنه لا يزال يكاتبه ويهدى إليه الهدايا السنية ومات يوم الجمعة رابع جمادى الآخرة سنة 899 تسع وتسعين وثمان مائة بمصر قال السيوطى أنه لازمه أربع عشرة سنة وما جاءه مرة إلا وسمع من التحقيقات والعجائب مالم يسمع قبل ذلك قال قال لى يوما ما اعراب زيد قائم فقلت قد صرنا مقام الصغار نسئل عن هذا فقال له في زيد قائم مائة وثلاثة عشر بحثا فقلت لا اقوم من هذا المجلس حتى استفيدها فأخرج لى تذكرتها فكتبتها منه(2/164)
محمد بن شهاب بن محمود بن يوسف بن الحسن العجمعى الخافى
بالخاء المعجمة والفاء الحنفى نزيل سمرقند ولد في ربيع الأول سنة 777 سبع وسبعين وسبعمائة بمدينة سلومد بفتح المهملة وضم اللام وكسر الميم وآخره مهملة وهى كرسى خواف وقرأ بها على عبد الرحمن بن محمد البخارى والسراج البرهانى وأخذ عن آخرين في أماكن متفرقة ومنهم السيد الشريف الجرجانى وسمع منه من تصانيفه شرحه للمفتاح والمواقف ولتذكرة الطوسى وحاشيته على شرح المطالع وبعض الكشاف والبيضاوى وغير ذلك ومن شيوخه ركن الدين الطوسى وسمع الحديث على ابن الجزرى وله مصنفات منها في العربية نحو ثلاثة كراريس عمله في ليلة واحدة لم يراجع فيها كتابا وآخر مثله في المنطق عمله في يوم أو أقل وحاشية لشرح المفتاح للتفتازاني وحاشية للعضد وحاشية للمنهاج الأصلى وللطوالع وغالبها لم يتم وقد حج واستدعاه الظاهر جقمق وكان عالما متقنا محققا بحرا في جميع العلوم يكاد يستحضر الكشاف وكذا غيره من المعقولات أجمع الأعاجم على انهم لم يروا احفظ منه مع حسن التصرف والفصاحة وجودة الذهن وقوة الفهم ويحكى أنه اضافه الناصر بن الظاهر وجمع العلماء فما تكلم مع أحد منهم الا في الفن الذى يذكر به ولم يبد سؤالا انما كان يسئل فيتكلم فعد ذلك من انصافه قيل انه مات في سنة 852 اثنتين وخمسين وثمان مائة(2/165)
محمد بن صالح الجيلانى الفارسى ثم اليمنى
نشأ ببلاد العجم وأخذ علم الطب عن أهلها ثم ارتحل إلى الهند في أيام السلطان ابى الحسن قطب شاه ملك الدكن فنال هنالك دنيا عريضه وطار ذكره ثم توجه للحج فركب البحر ومعه ذخائر وكتب نفيسة فانكسر المركب ولم يخرج الا بنفسه وأقام بمكة زمانا ثم ركب البحر أيضا يريد بلاد الهند فاجتاز باليمن والخليفة فيها الإمام المتوكل على الله إسماعيل ابن القاسم فلما تحقق فضله في الطب استدعاه إلى حضرته وأحسن إليه ورغبه في السكون باليمن فرغب وأجرى له النفقات الواسعة ونال من آل الإمام القاسم الرغائب وانتفع به الناس وطار صيته واشتهر ذكره ولم يدخل اليمن فيما اظن اعرف منه بالطب ولم يزل ذكره مشهورا في الناس إلى الآن يحكون عنه غرائب في الطب تتحير لها الأذهان وتطرب لسماعها الآذان ومما يحكى عنه ما ذكره صاحب نسمة السحر في ترجمته قال سمعت أن بعض نساء الأغنياء كانت حاملا فلما اثقلت اصبحت في بعض الأيام ميتة لا حراك بها ولم يكن ظهر بها مرض فاستدعى أهلها جماعة من الأطباء فقضوا بموتها فجأة فلم تطب نفس أهلها دون ان ينظر إليها صاحب الترجمة فلما رآها قال لوالدها ان اعطيتنى مائة قرش رأيتها الساعة في عافية فالتزم له بذلك فجس فؤادها ثم اخرج ابرة معه فجعل ينقش بها على فواءدها برفق فقامت في عافية فسر بذلك اهلها ثم سألوه عن سبب العلة فقال ان الجنين قبض بيده على الشريان الذى ينفذ فيه النفس من الرئة فلما أحس بالإبرة ارسل يده فذهب المانع لكنى رأيت هذه الواقعة بعينها في(2/166)
كتاب الشقائق النعمانية وذكر مؤلفه انها اتفقت للحكيم يعقوب الإسرائيلى مع بعض نساء الروم ويجوز وقوعها لهما جميعا قال صاحب النسمة وقرأ عليه والدى في الطب وكان رسمه ان يجىء إليه فيأخذ منه أجرة المشي كل يوم ربع قرش لئلا ينفق حركاته في غير نفع على رأى الحكماء وسأله القاضى محمد بن الحسن الحيمى ان يفيده الطب فقال أنا آخذ من مولانا يحيى بن الحسين كل يوم ربع قرش وأروح إليه وأنت تجىء إلى وآخذ منك كل يوم ثمن قرش الا انه لم يكن يعالج الفقراء احتسابا كسنة بقراط في الأوائل وابن زهرة وصاحب الحاوى وغيرهم في المتأخرين ويحتج بأن الموت خير للفقراء وكان له معرفة بأنواع من العلم كالمنطق والرياضى والصرف والنحو والأدب وله شعر اورد له صاحب نسمة السحر بيتين في هجو على افندى كاتب السيد على بن المؤيد صاحب صنعاء وهما ( على علي افندي *** لا تأسفن ولا تئن ) ( العن من اخبث من *** انجس من أكذب من ) ورأيت في بعض المجاميع بيتين منسوبين إليه فإن صحت النسبة فلو لم يكن له الا هما لكان من اشعر الناس وهما ( وما الطب الا علم ظن وشبهة *** وليس لأحكام الظنون ثبوت ) ( إذا كان علم الطب ينجى من الردى *** ويحيى فما بال الطبيب يموت ) وبالجملة فإن صح عنه مما يتواصفه الناس من علاجاته فهو متفرد بهذا الفن مطلقا فإنهم يحكون من الغرائب مالم يحك مثله عن القدماء وصار مثلا يضرب في هذا الفن وقد رأيت مجموعا في الطب ذكر مؤلفه
أنه جمع فيه مجريات صاحب الترجمة ومن جملة ما ذكره فيه ان احسن الأدوية لأهل اليمن مطلقا الأطر يقل الأصغر وأنه موافق للأرض والله اعلم ومات سنة 1088 ثمان وثمانين وألف ولما مرض طلب بطيخا وكان يقول ان جاء البطيخ عاش محمد صالح سنة فما جاء إلا بعد موته(2/167)
محمد بن صالح بن محمد بن احمد بن صالح بن ابى الرجال
قد تقدم تمام نسبه في ترجمة جد ابيه وهو أحد أعيان العصر وأوحد ادبائه ولد سنة 1146 ست وأربعين ومائة وألف وأخذ العلم عن جماعة من أعيان ذلك العصر ومنهم أخوه العلامة أحمد بن صالح المتقدم ذكره ومهر في الأدب فنظم الشعر الفائق وله يد طولى في حفظ الأشعار والأخبار والظرائف واللطائف والماجريات لا يسمع شخصا يحكى حكاية من أى نوع كانت الا وجاء بأمثالها ومجالسته نزهة القلوب وروح الأرواح وفاكهة الأذهان وله فهم للنكت والدقائق في غاية الجودة إذا سئل عن مشكل من مشكلات الأدب افاد فيه بدون كلفة وبالجملة فهو يتوقد ذكاء وفطنة وحسن عشرة ومكارم أخلاق وعفة وصيانة وديانة وعلو همة ورياسة واطلاع تام على علم اللغة وكثيرا ما يدعوه مولانا الإمام المنصور بالله خليفة العصر حفظه الله ويرغب إلى مجالسته ومحادثته وقد سمعت من فوائده في مقام مولانا الإمام كثيرا ويجرى بيننا هنالك مذاكرات ادبية ومحاضرات تاريخية ومن محاسنه انه إذا رأى منكرا استشاط غيظا واضطرب والتهب مزاجه فانى في بعض الأيام رأيته في موكب الخليفة وقد رأى رجلا يشتكى ويستغيث والخدم يطردونه ويكفونه عن ذلك قبل أن يسمع الخليفة(2/168)
شكايته فغضب صاحب الترجمة غضبا زائدا وارتفع صوته واضطرب حتى كاد يسقط من ظهر مركوبه ومن رائق نظمه قوله ( كأنك حين تغشى كل نكر *** وتخشى في ابنة الكرم الجناحا ) ( زهير حين مر بجمع قوم *** بهم هرم فقال عموا صباحا ) فيه تلميح إلى القصة المشهورة وهى ان زهير بن ابى سلمى كان يمدح هرم بن سنان وكان قد حلف هرم ان لا يمدحه زهير أو يسلم عليه إلا اعطاه ولما كثر منه ذلك احتشم زهير منه وخجل من كثرة عطائه فكان إذا لقيه لا يسلم عليه وإذا مر بقوم هو فيهم حياهم بتحية العرب واستثناه فيقول عموا صباحا عدا هرما وخيركم تركت ولما رأى صاحب الترجمة شخصا يعانى حفرغيل بجبل نقم المجاور لصنعاء من جهة المشرق يريد زيادة مائة فلم يزد على ما كان عليه قبل الحفر فقال ( سألوا من جبل صلد الصفا *** نهرا يجرى عليهم فنهر ) ( وتراءت عينه غامضة *** فقفوا في طلب العين الأثر ( نحتوا احجارهم فأعجب لهم *** يشتهون الماء من عين الحجر ) أشار بالبيت الآخر إلى مثل يضربه الناس إذا رأوا من يطلب أمرا مستحيلا أوشاقا فيقولون يريد كذا من عين الحجر وخرج مولانا الإمام إلى الروضة في بعض السنين فلحقه صاحب الترجمة فلم يسلم عليه الا بعد صلاة الجمعة فكتب إليه ( مولاى رقك ان تأخر *** فهو تالى من تقدم ) ( ان فاز من جلى *** بصحبتكم بتكم فقد صلى وسلم )
وهو عند تحرير هذه الترجمة حى نفع الله به ثم مات رحمه الله ثالث عشر رمضان سنة 1224 أربع وعشرين ومائتين وألف(2/169)
محمد بن صالح النهمى ثم الصنعانى المعروف بالجرادى
بالجيم والراء والدال المهملة ولد تقريبا سنة 1170 سبعين ومائة وألف ونشأ بصنعاء وكان والده شيخ مشايخ القراآت السبع بصنعاء استفاد به طلبة هذا الشأن ثم تلا ولده هذا عليه وعلى الفقيه القارى على اليدومى بالسبع وأتقنها وتلا عليه جماعة وقرأ في الآلات على جماعة من مشايخ صنعاء فاستفاد فيها وقرأ عليه جماعة من الطلبة وقرأ الفقه أيضا على شيخنا السيد العلامة عبد الرحمن بن قاسم المدانى المتقدم ذكره وغيره وقرأ على في البحر الزخار مع جماعة من الطلبة وحصل بخطه الحسن نسخة منه في غاية الحسن وهو الآن مشتغل ينفع من يقصده للتلاوة عليه والإستفادة نفع الله به
محمد بن صالح العصامى الصنعانى
ولد في سنة 1188 ثمان وثمانين ومائة وألف ثم أخذ عن جماعة من أهل العلم وقرأ على في الحديث والأصول وله ذهن وقاد وفكر منقاد وحافظة باهرة وفاهمة في الدقائق ماهرة واطلاع على التاريخ فائق وحفظ للأشعار رائق وله يد في الترسل قوية وقريحة في النظم لو ذعية وبالجملة فهو معدود في العلماء والأدباء وهو من لا يمل جليسه ولا يسمح بمفارقته أنيسه وله إلى مطارحة نظمية ونثرية لا يقدر عليها سواه من أمثاله ولا من فوقهم وهى مودوعة في مجموع أشعارى ومكاتباتى ومع هذا فهو في(2/170)
عنفوان الشباب وأيام الحداثة وقد تدرب حتى قوى ادراكه في علم الآلات والكلام بحيث ينبهر منه عند المذاكرة كثير من أكابر العلماء جمل الله بوجوده وكثر في الناس من أمثاله ومن جملة ما كتبه إلى في طى رسالة فائقة قوله ( فلا عدمت منك المعالى جمالها *** فروض رباها في بقائك مونق ) ( ولا فقدت منك الليالى ثمالها *** فغيث نداك الجم فيهن مغدق ) ( ولا فقد المحراب منك أنيسه *** فلأ لاؤه من نور وجهك مشرق ) ( ولا فقدت منك المنابر زينها *** فأعوادها من وطىء رجلك تورق ) ( ولا فقدت صنعاء منك عميدها *** الذى جاهه سور عليها وخندق ) ( مفرج غماها وكاشف كربها *** إذا القوم من صم الحوادث أطرقوا ) ( ترى العين منه واحدا وهو واحد *** كمالا ولكن بين جنبيه فيلق ) ( فلم يران أعيى المفوه ساكت الجواب *** ولا الثرثارة المتفيهق ) ( مكارم يعيى مصقع عن أقلها *** ويحصر منطيق ويفحم مغلق ) ( هو الشمس اشراقا أيجهل مغرب *** بموضعه منه ويجعل مشرق ) وهذا مما يستعظم من أكابر الشعراء المتقدمة عصورهم فكيف منه ومما كتبه إلى قوله ( يا أيها البدر المنير *** وأيها الصدر الكبير ) ( يا خير من فخرت *** بطلعته المنابر والسرير ) ( من لا يضاهى حلمه *** الجبلان ثور أو ثبير )(2/171)
( من لا يساوى جوده *** بحر ولا سحب غزير ) ( من لا يدانى علمه *** أحد قديم او اخير ) محمد بن طقلقشاه الهندي ملك الهند أخذ المملكة عن أبيه وكان أبوه تركيا من مماليك صاحب الهند فتنقل إلى ان ولى السلطنة واتسعت مملكته جدا فكان منها السند وسائر أقطار الهند وفتح فتوحات كبيرة حتى يقال ان جملة ما فتح تسعة آلاف قرية وكان جوادا متواضعا عالما بفقه الحنفية مشاركا في الحكمة ومن محبته للعلم أنه أهدى له شخص عجمي الشفاء لابن سيناء بخط ياقوت الحموى في مجلد واحد فأجازه بمال عظيم يقال بأن قدره مائتا ألف مثقال او أكثر وورد كتابه على الناصر صاحب مصر في مقلمة ذهب زنتها ألفا مثقال مرصعة بجوهر قوم بثلاثة آلاف دينار وجهز إليه مرة مركبا قد أملى من التفاصيل الهندية الفاخرة الفائقة وأربعة عشر حقا قد ملئت من فصوص الماس وغير ذلك فاتفق أن رسله اختلفوا فقتل بضعهم بعضا فنمى ذلك إلى صاحب اليمن فقتل الباقين بمن قتلوا واستولى على الهدية فبلغ الناصر فغضب وكاتب صاحب اليمن في معنى ذلك وجرى ما يطول شرحه وكان مع سعة مملكته عنينا لأنه كوي على صلبه وهو حدث لعلة حصلت له ويقال ان عساكره بلغت ستمائة ألف وأنه كان له ألف وسبعمائة فيل وفي خدمته من الأطباء والحكماء والعلماء والندماء عدد كثير لم يجتمع لغيره وكان يخطب له على منابر بلاده سلطان العالم اسكندر الزمان خليفة الله في أرضه وكانت وفاته في حدود سنة 752 اثنتين وخمسين وسبعمائة(2/172)
محمد بن عبد الدايم بن موسى بن عبد الدايم بن فارس ابن محمد بن رحمة بن ابراهيم الشمس أبو عبد الله النعيمى العسقلاني الأصل البرماوي
ثم القاهرى الشافعى ولد في منتصف القعدة سنة 763 ثلاث وستين وسبعمائة واشتغل وهو شاب وسمع الحديث على جماعة منهم البرهان ابن جماعة ولازم البدر الزركشى وحضر درس البلقينى وابن الملقن والعراقى ثم توجه إلى دمشق وأقرأ الطلبة هنالك ودرس في مدارس ثم عاد إلى القاهرة وتصدى للإفتاء والتدريس والتصنيف وانتفع به الناس وطار صيته وصار طلبته رؤساء في حياته ثم حج وجاور ونشر العلم هنالك وتوجه إلى القدس فدرس في بعض مدارسها وكان إماما في الفقه وأصوله والعربية وغير ذلك وله تصانيف منها شرح البخارى في أربع مجلدات وشرح العمدة وله الفية في أصول الفقه وشرحها ومنظومة في الفرائض وشرح لامية الأفعال لابن مالك والبهجة الوردية وزوائد الشذور وعمل مختصرا في السيرة النبوية ولخص المهمات للأسنوى ولم يزل قائما بنشر العلم تصنيفا وتدريسا حتى مات في يوم الخميس ثانى عشر جمادى الآخرة سنة 831 إحدى وثلاثين وثمان مائة ببيت المقدس وقد انتشر تلامذته في الآفاق ومنهم المحلى والمناوى والعبادي وطبقتهم ثم طبقة تليهم(2/173)
السيد محمد بن عبد الرب بن محمد بن زيد بن المتوكل بن القاسم
ولد تقريبا بين السبعين والثمانين بعد المائة والألف ثم قرأ على جماعة من اهل العلم وأكثر قراءته على السيد العلامة على بن عبد الله الجلال فاستفاد في العلوم الآلية كلها فائدة جليلة وقرأ أيضا في علم التفسير والفقه والحديث وصار الآن من مشايخ العلم بصنعاء وعكف عليه الطلبة وأخذوا عنه في أنواع العلوم واستفادوا به وهو ساكن متواضع قانع من الدنيا باليسير حسن الأخلاق قليل الخوض فيما لا يعنيه غير متعرض للمجادلة والمناظرة والحاصل انه في مجموعه قليل النظير وقد ترك ما عليه آل الإمام وبقى في منزله في مسجد حجر والطلبة يقصدونه إلى مكانه وإلى المسجد المذكور وكل أوقاته مستغرقة للتدريس للطلبة كثر الله في أهل هذا البيت الشريف من أمثاله
محمد بن عبد الرحمن بن احمد بن محمد بن احمد بن محمد بن أحمد ابن محمد بن عوض بن عبد الخالق بن عبد المنعم بن يحيى ابن موسى بن الحسن بن عيسى بن شعبان ابن داود بن محمد بن نوح بن طلحة بن عبد الله بن محمد بن عبد الرحمن ابن أبي بكر الصديق رضى الله عنه الجلال أبو القباء البكرى ثم المصرى ثم القاهرى الشافعى المعروف بالجلال البكرى ولد في ثانى صفر سنة 807 سبع وثمان ومائة وقرأ على التقى بن عبد البارى والشمس سبط ابن اللبان والبرماوى والجلال البلقينى والحافظ بن حجر وبرع في الفقه وشارك في الأصول والعربية وشرح المنهاج الفرعي ومختصر التبريزى وبعض التدريب للبلقينى والروض لابن المقرى وتنقيح اللباب وشرع في شرح البخارى وتفرد في عصره بحفظ فقه الشافعية وكان يترفع على أهل عصره في هذا الفن لعدم وجود من يقارنه فيه وكان يشافه جماعة من الأكابر الدين يتقدمون عليه في الصلاة على الجنائز ببطلان صلاتهم لظنه بأنه
أحق بذلك ودافع العبادى عن الجلوس فوقه فترك العبادي جهته وجلس في جهه أخرى كما أن العبادى دافع التقى الحصنى فحبذه التقى وجلس مكانه فأعجب لمثل هذه الأفعال من أهل العلم ومات صاحب الترجمة يوم الخميس منتصف ربيع الآخر سنة891 إحدى وتسعين وثمان مائة(2/174)
محمد بن عبد الرحمن بن عمر بن احمد بن محمد بن عبد الكريم بن الحسن بن على بن إبراهيم بن على بن احمد ابن دلف ابن أبى دلف العجلى القزوينى
جلال الدين مؤلف تلخيص المفتاح الذى شرحه السعد بالمختصر والمطول وشرحه جماعة من العلماء ولد سنة 666 ست وستين وستمائة وسكن الروم مع والده وأخيه واشتغل وتفقه حتى ولى القضاء بالروم وهو دون العشرين ثم قدم دمشق وسمع من جماعة من أهلها واشتغل في الفنون وأتقن الأصول والعربية والمعاني والبيان وكان فهما ذكيا فصيحا مفوها حسن الإيراد جميل المعاشرة ولما ولى أخوه قضاء دمشق ناب عنه ثم عن ابن صصري ثم طلبه الناصر وشافهه بقضاء الشام في سنة 724 وكان قدومه على الناصر في يوم الجمعة فاتفق أنه اجتمع بالناصر ساعة وصوله فأمره أن يخطب بجامع القلعة ففعل ثم لما فرغ فقبل يد السلطان واعتذر بأنه على أثر السفر ولم يكن يظن أن السلطان يأمره بالخطابة فشكره السلطان وسأله كم عليه من الدين فقال ثلاثون ألفا فأمر بوفائها عنه فاستقر في قضاء الشام حتى استدعى في سنة 727 وولى قضاء الديار المصرية وكان جوادا ممدحا كثير البر والإحسان وعظم قدره في ولايته بالديار المصرية فكان السلطان لا يرد له شفاعة وكان أولاده يسرفون في الرشوة ومعاشرة
الأحداث فكان ذلك سبب صرفه عن قضاء الديار المصرية وعاد إلى قضاء الديار الشامية ورفعت عليه قصة إلى السلطان وفيها أنه يشرب الخمر ويفعل ويفعل فاتهم السلطان بكتابتها جماعة ثم تأملها كاتب السر فوجد فيها علاء الدين الكونوى بالكاف مكان القاف فعلم أن كاتبها هندى ثم فحصوا عنه فوجدوه فكان ساكنا بدمشق ووقع بينه وبين القاضي كلام فزور تلك القصة كذبا فأمر بتعزيره ومات صاحب الترجمة منتصف جمادى الأول سنة 739 تسع وثلاثين وسبعمائة(2/175)
محمد بن عبد الرحمن بن محمد بن أبى بكر بن عثمان بن محمد شمس الدين السخاوى الأصل القاهرى الشافعى
ولد في ربيع الأول سنة 831 إحدى وثلاثين وثمان مائة وحفظ كثيرا من المختصرات وقرأ على ابن حضر والجمال ابن هشام الحنبلى وصالح البلقينى والشرف المناوى والشمنى وابن الهمام وابن حجر ولازمه وانتفع به وتخرج به في الحديث وأقبل على هذا الشأن بكليته وتدرب فيه وسمع العالى والنازل وأخذ عن مشايخ عصره بمصر ونواحيها حتى بلغوا أربعمائة شيخ ثم حج وأخذ عن مشايخ مكة والمدينة ثم عاد إلى وطنه وارتحل إلى الإسكندرية والقدس والخليل ودمياط ودمشق وسائر جهات الشام ومصر وبرع في هذا الشأن وفاق الأقران وحفظ من الحديث ماصار به متفردا عن أهل عصره ثم حج في سنة 870 هو وأهله وأولاده وجاور وانتفع به أهل الحرمين ثم عاد إلى القاهرة وأملى الحديث على ما كان عليه أكابر مشايخه ومشايخهم وانتفع الناس به ثم حج مرات وجاور مجاورات وخرج لجماعة من شيوخه أحاديث وجمع كتابا في تراجم(2/176)
شيوخه في ثلاث مجلدات كذلك والتذكرة في مجلدات وتخريج اربعين النووي في مجلد لطيف وتكملة تخريج ابن حجر للأذكار وتخريج أحاديث العالين لأبى نعيم وفتح المغيت بشرح الفية الحديث في مجلد ضخم وشرح التقريب للنووي في مجلد وبلوغ الأمل في تلخيص كتاب الدارقطنى في العلل وشرح الشمائل للترمذى في مجلد والقول المفيد في ايضاح شرح العمدة لابن دقيق العيد كتب منه اليسير من أوله وله ذيل على تاريخ المقريزى في الحواداث من سنة خمس وأربعين وثمان مائة إلى رأس القرن التاسع في اربع مجلدات والضوء اللامع لأهل القرن التاسع في اربع مجلدات والذيل على تاريخ ابن حجر لقضاة مصر في مجلد والذيل على طبقات القراء لابن الجزرى والذيل على دول الإسلام للذهبى والوفيات لأهل القرن الثامن والتاسع في مجلدات سماه الشافي من الألم في وفيات الأمم ومصنف في ترجمة النووي وآخر في ترجمة ابن هشام وآخر في ترجمة العضد وآخر في ترجمة الحافظ بن حجر وآخر في ترجمة ابن الهمام وآخر في ترجمة نفسه والتاريخ المحيط في عدة مجلدات والقول المنبى في ذم ابن عربي في مجلد وقد افرد عدة مسائل بالتصنيف وقد ترجم لنفسه ترجمة مطولة وفي مصنفه الضوء اللامع وعدد شيوخه مقرواته ومصنفاته وما مدحه به جماعة من شيوخه وبالجملة فهو من الأئمة الأكابر حتى قال تلميذه الشيخ جار الله بن فهد فيما كتبه عقب ترجمة صاحب الترجمة لنفسه في الضوء اللامع مانصه قال تلميذه الشيخ جار الله بن فهد المكى ان شيخنا صاحب الترجمة حقيق بما ذكره لنفسه من الأوصاف الحسنة ولقد والله العظيم لم أر في الحفاظ المتأخرين مثله(2/177)
ويعلم ذلك كل من اطلع على مؤلفاته أو شاهده وهو عارف بفنه منصف في تراجمه ورحم الله جدى حيث قال في ترجمته انه انفرد بفنه وطار اسمه في الافاق به وكثرت مصنفاته فيه وفي غيره وكثير منها طار شرقا وغربا شاما ويمنا ولا أعلم الآن من يعرف علوم الحديث مثله ولا أكثر تصنيفا ولا احسن وكذلك أخذها عنه علماء الآفاق من المشايخ والطلبة والرفاق وله اليد الطولى في المعرفة بأسماء الرجال وأحوال الرواة والجرح والتعديل وإليه يشار في ذلك ولقد قال بعض العلماء لم يأت بعد الحافظ الذهبى مثله سلك هذا المسك وبعده مات فن الحديث وأسف الناس على فقده ولم يخلف بعده مثله وكانت وفاته في مجاورته الأخيرة بالمدينة الشريفة في عصر يوم الأحد سادس عشر شعبان سنة 902 اثنتين وتسعمائة انتهى ما ذكره ابن فهد ولو لم يكن لصاحب الترجمة من التصانيف الا الضوء اللامع لكان أعظم دليل على امامته فإنه ترجم فيه أهل الديار الإسلامية وسرد في ترجمة كل أحد محفوظاته ومقرواته وشيوخه ومصنفاته وأحواله ومولده ووفاته على نمط حسن وأسلوب لطيف ينبهر له من لديه معرفة بهذا الشأن ويتعجب من احاطته بذلك وسعة دائرته في الاطلاع على أحوال الناس فإنه قد لا يعرف الرجل لا سيما في ديارنا اليمنية جميع مسموعات ابنه أو أبيه أو أخيه فضلا عن غير ذلك ومن قرن هذا الكتاب الذى جعله صاحب الترجمة لأهل القرن التاسع بالدرر الكامنة لشيخه ابن حجر في أهل المائة الثامنة عرف فضل مصنف صاحب الترجمة على مصنف شيخه بل وجد بينهما من التفاوت ما بين الثرى والثريا ولعل العذر لابن حجر في تقصيره عن تلميذه في هذا أنه لم يعش في المائة الثامنة الا سبع وعشرين سنة بخلاف صاحب الترجمة فإنه عاش في المائة التاسعة تسع وستين سنة فهو مشاهد لغالب أهله وابن حجر لم يشاهد غالب أهل القرن الثامن ثم ان صاحب الترجمة لم يتقيد في كتابه بمن مات في القرن التاسع بل ترجم لجميع من وجد فيه ممن عاش إلى القرن العاشر وابن حجر لم يترجم في الدرر الا لمن مات في القرن الثامن وليت ان صاحب الترجمة صان ذلك الكتاب الفائق عن الوقيعة في أكابر العلماء من أقرانه ولكن ربما كان له مقصد صالح وقد غلبت عليه محبة شيخه الحافظ ابن حجر فصار لا يخرج عن غالب اقواله كما غلبت على ابن القيم محبة شيخه ابن تيمية وعلى الهيثمى محبة شيخه العراقى(2/178)
محمد بن عبد الرحيم بن محمد صفى الدين الهندى الفقيه الشافعى الأصولى
ولد بالهند في ربيع الآخر سنة 644 اربع وأربعين وستمائة وأخذ عن جده لأمه وخرج عن بلده في رجب سنة 667 وقدم اليمن فأكرمه المظفر وأعطاه تسعمائة دينار ثم حج فأقام بمكة ثلاثة اشهر ورأى بها ابن سبعين وسمع كلامه ثم دخل القاهرة في سنة 671 ودخل البلاد الرومية وخرج منها سنة 685 وقدم دمشق فاستوطنها وسمع من الفخر بن البخارى وقعد في الجامع ودرس بمدارس وكتب على الفتاوى مع الخير والدين والبر للفقراء وصنف في أصول الدين الفائق وفي أصول الفقه النهاية ولما عقد بعض المجالس لابن تيمية عين صاحب الترجمة لمناظرته فقال لابن تيمية في أثناء البحث أنت مثل العصفور تزط من هنا إلى هنا إلى هنا
ولعله قال ذلك لما رأى من كثرة فنون ابن تيمية وسعة دائرته في العلوم الإسلامية والرجل ليس بكفوء لمناظرة ذلك الإمام الا في فنونه التى يعرفها وقد كان عريا عن سواها ولهذا قيل انه ما كان يحفظ من القرآن إلا ربعه حتى نقل عنه انه قرأ المص بفتح الميم وتشديد الصاد و توفى في آخر صفر سنة 715 خمس عشرة وسبعمائة(2/179)
محمد بن عبد الله بن إبراهيم المرشدى
ولد بعد سنة 670 سبعين وستمائة وقرأ في الفقه على الضياء بن عبد الرحيم وتلا بالسبع على التقى الصائغ وتفقه ثم انقطع في زاويته المشهورة بمنية بنى مرشد وكانت له أحوال وهمة في خدمة الناس وضيافتهم بحيث يطعم كل من مر به من كبير وصغير وقليل وكثير ويقدم لكل احد ما يقع في خاطره فاشتهر بهذا وذاع ومع ذلك لم يكن يقبل لأحد شيئا حتى ان السلطان بعث إليه بذهب مع بعض أمرائه فلم يقبله وحج في هيئة كبيرة وتلامذة فكان ينفق في كل يوم زيادة على ألف دينار وأنفق في خمس ليال ما قيمته نحو خمسة وعشرين دينارا وكان كل من ينكر عليه إذا اجتمع به زال ذلك منهم ابن سيد الناس وغيره ومن جملة ما انكروا عليه أن في زاويته منبرا للخطيب فيصلى الناس الجمعة والجماعة ولا يصلى معهم قال الذهبى كان صاحب أحوال واختلفت الأقاويل فيه ويحكى عنه عجائب في احضار الأطعمة وكان يخدم الواردين في نفسه ولا يقبل لأحد شيئا ويتكلم على الخواطر وكان قليل الدعوى عديم السطح حسن المعتقد وكان يخرج للحاضرين الأطعمة الفاخرة من خلوته ولا يدخلها غيره قال والذى يظهر لى أنه كان مخدوما وعظم شأنه في الدولة جدا(2/180)
حتى كان يكتب ورقته إلى كاتب السر وسائر اعيان الدولة فلا يستطيعون ردها وذكر ابن فضل الله في ترجمته نحو ما تقدم وزاد ان الذى يحكى عنه لم يسمع بمثله في سالف الدهر من رجل منقطع في زاوية صغيرة في طريق الرمل لا يوجد فيها شىء من هذه الأنواع مع ان الشايع الذائع أنه كان يأتيه الجماعة وكل واحد منهم يشتهى شيئا مما لا يوجد الا في القاهرة أو دمشق فإذا حضروا غاب هنيهة وأحضر لكل واحد منهم ما اقترح وأكثر ما كان يحضره بنفسه وليس له خادم ولا عرف له طباخ ولا قدرة ولا معرفة ولا موقد نار مع اشتغاله أكثر نهاره بالناس ولا يختص ذلك بوقت دون وقت بل لو أتاه في اليوم الواحد من أتاه لا بد من أن يحضر له ما يشتهيه قال ولا يخلو أكثرها من مجازفة ولكن اشتهارها وشيوعها يدل على أن لها أصلا ثم حكى عن جماعة متنوعة وقوع ذلك لهم بغير واسطة إلى ان قال وقد زعم قوم أن جميع ما كان يأتى به كان يمده به قاضى فوة فإنه كان يختص بالشيخ فكان القاضى لا يقدر على عزله أحد من ارباب الدولة بسبب صحبته للشيخ فطالت مدته وانبسطت يده وأكثر من التجارة والزراعة والولاة ترعاه لجاهه بالشيخ فنمت أحواله واتسعت دائرته فلم يكن له شغل الا تلقى من يقبل زائرا للشيخ فينزله ويحادثه حتى يقف على ما في خاطره ثم يرسل إلى الشيخ ذلك بأمارات ويمده بما يحتاج إليه ولا يخفى ما في هذا من التكلف وقد سلك هذه الطريقة جماعة من متصوفة اليمن يقال لهم بنو المشرع بضم الميم وفتح المعجمة وتشديد الراء المكسورة ثم عين مهملة وللناس الواردين إليهم أحاديث غريبة في شرح ما يرونه من نحو ما وصف عن صاحب الترجمة وقصص يطول شرحها ولم يسمع بمثل هذه الطريقة لأحد قبل صاحب الترجمة كما يدل على ذلك كلام من ترجم له من معاصريه ومات في رمضان سنة 737 سبع وثلاثين وسبعمائة وحكى الذهبى أنه كان في عافية فأرسل إلى من حوله أنه عرض أمر مهم وأنهم يحضرون فحضروا فدخل خلوته فأبطأ فطلبوه فوجدوه ميتا رحمه الله(2/181)
السيد محمد بن عبد الله بن الحسين ابن الإمام القاسم بن محمد
ولد بمدينة ذمار وأخذ علم الفروع عن أهلها ثم انتقل إلى صنعاء وقرأ في فنون عدة وانتهت إليه رياسة الفتيا بها وصار أحد أكابر آل الإمام المنظور إليهم في العلم والرياسة وجلالة القدر ولما كان إلى دولة الإمام المتوكل على الله القاسم بن الحسين خرج عن طاعته جماعة من أكابر آل الإمام وكان صاحب الترجمة عظيمهم وزعيمهم والمؤهل للخلافة فيهم فخرج معهم مع كون الإمام محسنا إليه مكرما له معظما لشأنه ولما بلغ إلى بلاد أرحب حصل الاختلاف بينه وبين الخارجين معه وأفصحوا له بما يدل على أنهم قد رشحوا غيره للخلافة فتأسف على مفارقته لأوطانه والتهب لذلك ومرض فمات هنالك وكان ذلك في سنة 1136 ست وثلاثين ومائة وألف وله نظم حسن فمنه القصيدة التى طارح بها القاضي على العنسى مطلعها ( كرر أحاديث سلع لى ومن فيه *** من الأحبة فيما أنت راويه ) وله مكاتبات إلى صاحب نسمة السحر أوردها في ترجمته(2/182)
محمد بن عبد الله بن سعيد بن عبدالله بن سعيد بن على ابن أحمد التلمسانى القرطبى الأصل كان سلفه نزلوا طليطلة ثم لوسة ثم غرناطة ولد في الخامس والعشرين من رجب سنة 713 ثلاث عشرة وسبعمائة بلوسة وكان سلفه قديما يعرفون ببني وزير ثم صاروا يعرفون ببنى خطيب نسبة إلى سعيد جده الأعلى واشتهر صاحب الترجمة بلسان الدين بن الخطيب ونشأ فقرأ القرآن والعربية على أبى القاسم بن جزى وأبى عبد الله بن النجار وسمع من أبى عبد الله بن جابر وجماعة عدة وتأدب بابن الجناب وأخذ الطب والمنطق والحساب عن يحيى بن هذيل الفيلسوف وبرز في الطب وتولع بالشعر فبرع فيه وترسل فأجاد وفاق أقرانه واتصل بالسلطان أبى الحجاج يوسف ابن أبى الوليد بن نصر الأحمر فمدحه وتقرب منه واستكتبه من تحت يد أبى الحسن بن الجناب إلى أن مات أبو الحسن في الطاعون العام فاستقل بكتابة السر وأضاف إليه رسوم الوزارة واستعمله في السفارة إلى الملوك واستنابه في جميع ما يملكه فلما قتل ابن الحجاج سنة 755 وقام ابنه محمد استمر ابن الخطيب على وزارته واستكتب معه غيره ثم أرسله إلى عيان المرسى بفاس ليستنجده فمدحه فاهتز له وبالغ في اكرامه فلما خلع محمد وتغلب أخوه إسماعيل على السلطنة قبض على صاحب الترجمة بعد ان كان أمنه وأستاصل نعمته ولم يكن بالأندلس مثلها من المستغلات والعقار والمنقولات وسجن واستمر مسجونا إلى أن وردت شفاعة أبى سالم ابن ابى عيان فيه وجعل خلاصه شرطا في مسالمة الدولة وكذلك خلاص السلطان محمد بن أبى الحجاج من السجن فخلصا وانتقلا إلى أبى عيان فاستقرا(2/183)
في مدينة فاس وبالغ في اكرامهما ثم نقل صاحب الترجمة إلى مدينة مراكش فأكرمه عمالها ثم شفع له أبو سالم مرة ثانية فردت عليه ضياعه بغرناطة إلى أن عاد السلطان محمد إلى السلطنة فقدم عليه صاحب الترجمة بأهله فأكرمه وقلده ما وراء بابه فباشر ذلك مقتصرا على الكفاية راضيا بالدون من الثياب هاجرا للتأنق في جميع أحواله صادعا بالحق وعمر زاوية ومدرسة وصلحت أمور سلطانه على يده فلم يزل على ذلك إلى أن وقع بينه وبين عثمان بن يحيى بن عمر شيخ القراءات منافرة أدت إلى نفى عثمان المذكور في شهر رمضان سنة 764 فظن ابن الخطيب أن الوقت صفا له وأقبل سلطانه على اللهو وانفرد هو بتدبير المملكة فكثرت القالة فيه من الحسدة واستشعر في آخر الأمر أنهم سعوا به إلى السلطان وخشى البادرة فأخذ في التحيل في الخلاص وراسل ابى سالم صاحب فاس في اللحاق به وخرج مظهرا أنه يريد تفقد الثغور الغربية فلم يزل حتى حاذى جبل الفتح فركب البحر إلى سبتة ودخل مدينة فاس سنة 773 فتلقاه أبو سالم وبالغ في اكرامه وأجرى له الرواتب فاشترى بها ضياعا وبساتين فبلغ ذلك أعداءه بالأندلس فسعوا به عند السلطان محمد حتى أذن لهم في الدعوى عليه بمجلس الحاكم بكلمات كانت تصدر منه وينسب اليه وأثبتوا ذلك وسألوه الحكم به فحكم بزندقته وإراقة دمه وأرسلوا صورة المكتوب إلى فاس فامتنع أبو سالم وقال هلا أقمتم ذلك عليه وهو عندكم فاما ما دام عندى فلا يوصل إليه فاستمر على حالته بفاس إلى أن مات أبو سالم فلما تسلطن أبو العباس بعده أغراه به أعداؤه فلم يزالوا به حتى قبض عليه وسجن فبلغ ذلك سلطان غرناطة فارسل وزيره أبا عبد الله إلى أبى العباس(2/184)
بسببه فلم يزل به حتى أذن لهم في الدعوى عليه عند القاضى فباشر الدعوى أبو عبد الله في مجلس السلطان فأقام البينة بالكلمات التى أثبتت عليه فعزره القاضى بالكلام ثم بالعقوبة ثم بالسجن فطرق عليه السجن بعد أيام ليلا فخنق وأخرج من الغد فدفن فلما كان من الغد وجد على شفير قبره محروقا فأعيد إلى حفرته وقد احترق شعره واسودت بشرته وذلك في سنة 776 ست وسبعين وسبعمائة وتكلم عند ان أرادوا قتله الأبيات التى منها ( فقل للعدا ذهب ابن الخطيب *** وفات فسبحان من لا يفوت ) ( فمن كان يشمت منكم به *** فقل يشمت اليوم من لا يموت ) وذكر الشيخ محمد القصبانى ان ابن الأحمر وجهه رسولا إلى ملك الإفرنج فلما اراد الرجوع أخرج له ملك الإفرنج كتابا من ابن الخطيب بخطه يشتمل على نظم ونثر في غاية الحسن والبلاغة فاقرأه إياه فلما فرغ من قراءته قال له مثل هذا يقتل وبكى حتى بل لحيته وثيابه ومن مصنفات صاحب الترجمة التاج في أدباء الماءة الثامنة والإكليل الزاهر وهذان الكتابان يشتملان على تراجم أدباء المغرب وجميع ما فيهما من الكلام مسجوع وله طرفة العصر في دولة بنى نصر ثلاث مجلدات وديوان شعره في مجلدين وحمل الجمهور على السنن المشهور واليوسفى في الطب مجلدان ونفاضة الجراب في علالة الاغتراب أربعة أسفار ورقم الحلل في نظم الدول أرجوزة ونثر لو جمع لزاد على عشرة مجلدات ومن نظمه ( ما ضرنى ان لم أجىء متقدما *** السبق يعرف آخر المضمار ) ( ولئن غدا ربع البلاغة بلقعا *** فلرب كنز في أساس جدار )(2/185)
ومن نظمه ( يامن بأكناف فؤادى رتع *** قد ضاق بي عن حبك المتسع ) ( مافيك لى جدوى ولا ارعواء *** منح مطاع وهوى متبع ) ولعل صاحب الترجمة هو الذى الف المقري في مناقبه الكتاب المسمى نفح الطيب في مناقب لسان الدين بن الخطيب والمؤلف من الموجودين بعد الألف وقد وصف من محاسنه ما يشنف الاسماع وقتله على الصفة المذكورة هو من تلك المجازفات التي صار يرتكبها قضاة المالكية ويريقون بها الدماء المسلمين بلا قرآن ولا برهان وأما وجوده على شفير القبر محرقا فلا ريب أن ذلك من صنع أعدائه وليس بجرم ولا فيه دليل على صحة ما امتحن به فإن الأرض قد قبلت فرعون وهامان وسائر أساطين الكفران السيد محمد بن عبدالله ابن الإمام شرف الدين بن شمس الدين ابن الإمام المهدى أحمد بن يحيى الشاعر المشهور المجيد وغالب شعره موشحات في غاية الرقة والإنسجام وللناس إليها ميل ومن نظمه العذب هذه الأبيات ( أفدى التى بت ابل الجوى *** من ريقها باللثم والمص ) ( قالوا لها لما رأوا خدها *** وفيه أثر العض والقرص ) ( ماذا بخديك فقالت لهم *** نمت ولم أشعر على خرص ) ( ياحسن خديها وعضي على *** ناعم خد ترف رخص ) ( كفص ياقوت على درة *** آه على الدرة والفص )(2/186)
ومن محاسن شعره القصيدة التى مطلعها ( خطرت فقل للغصن صل على النبى *** وبدت فقلنا للبدور تحجبى ) وقد جمع ديوان شعره السيد عيسى بن لطف الله بن المطهر المتقدم ذكره ومن جملة ما حكاه عنه في ذلك الديوان أنه أقام بصنعاء عند آل لطف الله بن المطهر خاليا عن الأنيس فاحتاج إلى جارية سرية فاشترى جارية اسمها غزال حبشية فلاطفه في بعض الأيام إسماعيل بن لطف الله وقال يا سيدى أرى هذه الجارية مسنة ولعلها قد ولدت في الحبشة قال ذلك مداعبا له فلما رجع سألها صاحب الترجمة هل خرجت من الحبشة صغيرة أو كبيرة وهل ولدت فأخبرته أنها ولدت لسيدها ولدا واحدا وهو رجل من مسلمى الحبشة وأنه فقيه فاضل فسأله عن سبب خروجها عن ملكه وكيف باعها فقالت لم يبعنى وإنما أرسلنى في بعض الأيام من بستانه إلى بيته فأخذنى اللصوص ولم أستطع الخلاص منهم فباعونى فلما سمع ذلك تغير لبه وذهل عقله خوفا من الله ان يطأها وهى حرام فشكى ذلك إلى بعض العلماء فقال له ذلك العالم اما إذا قد صادقتها في الكلام فالواجب الكف عنها فعند ذلك ايس وتزايد وجده وهجر الطعام ولما أخبرها بذلك صرخت صرخة عظيمة أبكت من في البيت وعقدت مأتما وقال فيها قصيدة موشحة أولها ( الله يعلم يا غزال أنى *** عليك سهران باكى العين )
ثم ارسل إلى زبيد للبحث عن خبرها فأخبروه أنه صح لهم أنها هربت من سيدها وارتدت ثم أخذت ثانيا من دار الحرب فعاد إلى ما كان عليه وتمتع بها وتمتعت به وهذه القصة تدل على تورعه وأرخ السيد عيسى موته في جمادى الأولى سنة 1016 ست عشرة وألف وصاحب الترجمة كان مائلا إلى الصوفية ميلا زائدا ووقعت بينه وبين الإمام القاسم ابن محمد بذلك السبب مشاعرة طويلة موجودة بأيدى الناس الآن(2/187)
محمد بن عبد الله بن ظهيرة بن أحمد بن عطية بن ظهيرة ابن مرزوق بن محمد بن سليمان الجمال أبو حامد القرشى المخزومى المكى الشافعى ويعرف كسلفه بابن ظهيرة ولد ليلة عيد الفطر سنة 751 إحدى وخمسين وسبعمائة بمكة ونشأ بها فسمع على الشيخ خليل المالكى ومحمد بن سالم الحضرمى والعز بن جماعة والموفق الحنبلى وجماعة آخرين وأجاز له جماعة جم وحصل الإجزاء والنسخ والأصول ولم يقتصر على الرواية بل اجتهد في غضون ذلك في الفنون وقرأها بمصر على النويرى والزين العراقى والسبكى والبلقينى وابن الملقن وغيرهم وبدمشق على الأذرعى وجماعة وبرع في الفنون وانتهت إليه رياسة الشافعية ببلده ولقب عالم الحجاز وتصدى لنشر العلم بعد السبعين وأفتى ودرس وقصد بالفتاوى من بلاد اليمن واستمر ناشرا للعلم نحو أربعين سنة وازدحم عليه الطلبة ورحلوا إليه وشرح قطعا من الحاوى الصغير ومن جملة من أخذ عنه الحافظ ابن حجر والعلامة محمد بن إبراهيم الوزير المتقدم ذكره ومات في لليلة الجمعة سادس عشر رمضان سنة 817 سبع عشرة وثمان مائة(2/188)
محمد بن عبد الله بن عبد الرحمن بن محمد بن محمد بن شرف بن منصور بن محمود بن توفيق بن محمد بن عبد الله نجم الدين الزرعى ثم الدمشقى الشافعى المعروف بابن قاضى عجلون ولد يوم السبت الثانى والعشرين من ربيع الأول سنة 831 إحدى وثلاثين وثمان مائة بدمشق ونشأ بها فحفظ شيئا كثيرا من المختصرات زيادة على اثنين وعشرين كتابا ولازم الشرواني في عدة علوم والعلاء الكرمانى وأبى الفضل الغزى وقدم القاهرة وقرأ على ابن حجر والمحلى والعينى وابن الهمام والشمنى وغيرهم وتميز في غالب الفنون ودرس بمواطن وتصدر بجامع بنى أمية وله تصانيف منها تصحيح المنهاج في مطول ومختصر ومتوسط والتاج في زوائد الروضة على المنهاج والتحرير علقه على المنهاج في نحو اربعمائة كراسة بل عمل على جميع محافيظه إما شرحا او حاشية وكان إماما علامة متقنا حجة ضابطا جيد الفهم لم يكن بالشام من يناظرة ولا بالديار المصرية بالنسبة إلى استحضار الفنون لفظا ومعنى وان كان قد يوجد في التحقيق من هو أمتن منه ذكر معنى ذلك السخاوى مات يوم الاثنين ثالث عشر شوال سنة 876 ست وسبعين وثمان مائة(2/189)
السيد محمد بن عبد الله بن لطف البارى الكبسى ثم الصنعانى ولد سنة وطلب العلم فنال منه حظا مباركا ونصيبا وافرا واكب على كتب السنة المطهرة وكتب التفسير وأخذ عنه الناس وهو من أهل الورع الشحيح والتسنن الصحيح والعبادة والمداومة على ذكر الله والاقتداء بالسلف الصالح وهو ممن إذا رأيته ذكرت الله عز وجل وإذا جالسته خرجت من الدنيا وقد أطبق أهل العصر على فضله وله اخوان على نمطه في هديه وسمته وهما على ولطف البارى وكان والدهم رحمه الله من أعيان علماء القرن الثانى عشر وأفاضله ومن القائمين بالأمر بالمعروف والنهى عن المنكر وهداية العباد إلى العمل بالسنة وكان الإمام المهدى العباس بن الحسين رحمه الله يعظمه ويجله ويعمل بما يرشده إليه ويدله عليه وله من الوقائع التى قام فيها لله ما لا يحيط به الحصر وبالجملة فهو من حسنات صنعاء ومفاخرها رحمه الله وقد تقدمت له ترجمة مستقله في هذا الكتاب ثم مات رحمه الله في سنة 1233 ثلاث وثلاثين ومائتين وألف عند دخوله الحج
محمد بن عبد الله بن محمد بن أحمد بن مجاهد بن يوسف بن محمد ابن احمد بن على الشمس ابو عبد الله الحموى الأصل الدمشقى الشافعى المعروف بابن ناصر الدين ولد في العشر الأول من المحرم سنة 777 سبع وسبعين وسبعمائة بدمشق ونشأ بها فحفظ عدة مختصرات وحمل عن شيوخ بلده والقادمين إليها بقراءته وقراءة غيره وارتحل إلى بعلبك وحلب ومكة وغيرها ومن شيوخه ابن خطيب الناصرية والسرايجى وغيرهما واتقن فن الحديث واشتهر به حتى صار المشار إليه فيه ببلده وما حولها واستفاد منه الناس وصنف التصانيف منها طبقات شيوخه فجعلهم ثمان طبقات وجامع الآثار في مولد المختار في ثلاثة أسفار ومورد الصادى في مولد الهادي في كراسة واللفظ الرائق في مولد خير الخلائق في أقل من كراسة ومنهاج الأصول في معراج الرسول واللفظ المحرم بفضل العاشور المحرم ومجلس في فضل يوم عرفة وافتتاح القارىء لصحيح البخارى وبرد الأكباد(2/190)
عن فقد الأولاد ومسند تميم الدارى وترجمة حجر بن عدى الكندى وتوضيح المشتبه في اسماء الرجال في ثلاثة أسفار والإعلام بما وقع في مشتبه الذهبى من الأوهام وأرجوزة سماها عقود الدرر في علم الأثر وشرحها في مطول ومختصر وأخرى في الحفاظ وشرحها أيضا وبديعة البيان عن موت الأعيان نحو ألف بيت وشرحها أيضا وعرف العنبر في وصف المنبر وبراعة الفكرة في حوادث الهجرة نظم أيضا ومنهاج السلامة في ميزان يوم القيامة وشرح حديث أم زرع في كراريس وزوال البوسى عمن أشكل عليه نجاح آدم وموسى وغير ذلك من المؤلفات وقد قام عليه العلاء البخارى لكونه صنف الرد الوافر على من زعم أن من أطلق على ابن تيمية أنه شيخ الإسلام كافر وكان ذلك كالرد على العلاء البخارى لكونه كان من أعظم المنكرين على ابن تيمية ثم جاوز في ذلك الحد حتى افتى بكفر ابن تيمية صانه الله عن ذلك واتفقت بسبب ذلك حوادث شنيعة وبالجملة فكان صاحب الترجمة إماما حافظا مفيدا للطلبة وقد أثنى عليه جماعة من معاصريه كابن حجر والبرهان الحلبى والمقريزى ومات في ربيع الثانى سنة 842 اثنتين وأربعين وثمان مائة وله نظم فمنه ( لعبت بالشطرنج مع شادن *** رمى بقلبي من سناه سهام ) ( وجدت شامات على خده *** فمت من وجدى به والسلام )(2/191)
محمد بن عبد الله الغشم الآنسى اليمانى ترجم له صاحب مطلع البدور فلم يذكر له مولدا ولا وفاة ولكنه ذكر له قصة غريبة هى أن العامة من أهل بلاد آنس وغيرها كثرت عندهم الشكوك لما يرون من أكل بعض السفهاء لما حرمه الله بالإجماع من الحيات والحنشان قالوا هؤلاء لا شك أنهم على الحق بدليل هذه الكرامة فإن لم يأت من علمائنا ما يقاومها انتقلنا عن مذهب أهل البيت فعظمت القصة على العلماء فتكابت الفقهاء من المغرب وآنس وذمار واجتمعوا وأمروا العامة بجمع حطب فاجتمع كالجبل العظيم ثم اشعلوه فلم يزل يتسع حتى صار يرمى بشرر كبار فقرب الفقهاء بالمصاحف وقرؤا القرآن ولم يزالوا على ذلك مع أدعية اخرجها والد صاحب الترجمة حتى اصفرت النار ودخل الفقهاء وحملوا منهم في ثيابهم ودخلوا فيها كما يدخل الماء والطين واشتهرت القصة قال صاحب مطلع البدور ولما سمعت هذه لم ازل ابحث عنها فبلغت عندى مبلغ التواتر وليس ذلك بعيدا من فضل الله تكريما لكتابه العزيز وعلماء الإسلام انتهى وذكر قبل هذه القصة أن لصاحب الترجمة رسائل وله تفسير ولعل وجوده في زمن صاحب مطلع البدور وقد تقدم تاريخ مولده ووفاته ثم وقفت على تاريخ موته في سنة 1043 ثلاث وأربعين وألف وقبر ببلاد لاعة في محل يقال له بنو الذواد(2/192)
محمد بن عبد المنعم بن محمد بن محمد بن عبد المنعم بن إسماعيل الجرجرى بجيمين ومهملتين ثم القاهرى الشافعى ولد في أحد الجمادين سنة 821 إحدى وعشرين وثمان مائة أو في التى بعدها بجرجر وتحول منها إلى القاهرة صغيرا فحفظ كثيرا من المختصرات ثم اشتغل بالفنون فأخذ عن النويرى وابن الهمام والشمنى والمحلى والكافياجي والشرف السبكى والعلم البلقينى والحافظ بن حجر وناب في القضاء ثم تعفف عن ذلك ودرس ورغب الطلبة إليه وقصد بالفتاوى وكتب على عمدة السالك لابن النقيب شرحا سماه تسهيل المسالك إلى عمدة السالك في مجلد وشرح الإرشاد لابن المقرى في أربع مجلدات وشرح شذور الذهب شرحا مطولا وشرحا مختصرا وشرح الهمزية شرحين احدهما مطول سمى احدهما خير القرى في شرح أم القرى وكان متواضعا ممتهنا لنفسه غير متأنق في شىء وقد عكف عليه الطلبة وتنافسوا في الأخذ عنه وتجرأ عليه بعض أهل العلم وصنف كتابا سماه اللفظ الجوهرى في بيان غلط الجوجرى وانتدب بعض تلامذة صاحب الترجمة فرد عليه ومات في يوم الأربعاء ثانى عشر رجب سنة 889 تسع وثمانين وثمان مائة بمصر(2/193)
محمد بن عبد الواحد بن عبد الحميد بن مسعود الكمال ابن الهمام السيواسى الأصل ثم القاهرى الحنفى ولد سنة 790 تسعين وسبعمائة وقدم القاهرة صغيرا وحفظ عدة من المختصرات وعرضها على شيوخ عصره ثم شرع في الطلب فقرأ على بعض أهل بلده بعد أن عاد اليها ثم رجع الى القاهرة فقرأ على العز ابن عبد السلام والبساطى والشمنى والجلال الهندى والولى العراقى والعز ابن جماعة وسافر إلى القدس وقرأ على علمائه وسمع من جماعة كالحافظ بن حجر وغيره ولم يكثر من علم الرواية وتبحر في غيره من العلوم وفاق الأقران وأشير إليه بالفضل التام حتى قال بعضهم في حقه لو طلبت حجج الدين ما كان في بلدنا من يقوم بها غيره وكان دقيق الذهن عميق الفكر يدقق المباحث حتى يحير شيوخه فضلا عن من عداهم بحيث كان يشكك عليهم في الاصطلاح ونحوه حتى لا يدرون ما يقولون وقال يحيى بن العطار لم يزل
يضرب به المثل في الجمال المفرط مع الصيانة وفي حسن النعمة مع الديانة وفي الفصاحة واستقامة البحث مع الأدب وبالجملة فقد تفرد ي عصره بعلومه وطار صيته واشتهر ذكره وأذعن له الأكابر عن الاصاغر وفضله كثير من شيوخه على أنفسهم وقد درس بمدارس وقرره الاشرف برسباى في مدرسته وألبسه الخلعة ولما عورض في ذلك قال بعد بعض دروسه فيها انه قد عزل نفسه منها وخلع طياسانه ورمى به وبلغ ذلك السطان فشق عليه واستعطفه فلم يجب وانقبض وانجمع عن الناس مع الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر والاغلاظ على الملوك فمن دونهم وصنف التصانيف النافعة كشرح الهداية في الفقه والتحرير في أصول الفقه والمسايرة في أصول الدين وجزء في حديث كلمتان خفيفتان ي اللسان وقد تخرج به جماعة صاروا رؤساء في حيانه كالشمنى والزين قاسم وسيف الدين وابن حضر والمناوى والجمال بن هشام وكان اماما في الأصول والتفسير والفقه والفرائض والحساب والتصوف والنحو والصرف والمعانى والبيان والبديع والمنطق والجدل والدب والموسيقا حتى قال السخاوى في حقه انه عالم أهل الأرض ومحقق أولى العصر ومات في يوم الجمعة سابع رمضان سنة 861 إحدى وستين وثمان مائة بمصر وحضر السلطان فمن دونه وتأسف الناس على فقده ولم يخلف بعده مثله(2/194)
السيد محمد بن عز الدين بن صلاح بن الحسن ابن أمير المؤمنين على بن المؤيد ترجم له صاحب مطلع البدور ولم يذكر له مولدا ولا وفاة ولكنه حكى عن القاضى أحمد بن صلاح الدوارى أنه قال انه أدرك صاحب الترجمة
وقرأ عليه الحاجبية وحاشيته عليها وبعض المفصل وبعض مقدمات البحر والأزهار ثم قرأ عليه كتاب الأحكام من البحر الزخار إلى أن مات قبل أن يكمل القراءة هذا خلاصة ما ذكره في الترجمة والحاشية التى ذكرها على الحاجبية هى شرح لها مستكمل ولكنها كانت تكتب في الهوامش ثم كتبها المتأخرون كما تكتب الشروح وقد رغب إليها الطلبة في هذه العصور وصاروا يقرأونها في مبادىء الطلب وهى لا تصلح إلا لمن كان في أوائل الطلب لأن عبارتها غير محررة كما ينبغي وصاحب الترجمة كان موجودا في القرن العاشر السيد محمد بن عز الدين بن محمد بن عز الدين المعروف بالمفتى حفيد المذكور قبله ترجمه أيضا صاحب مطلع البدور ولم يذكر له مولدا ولا وفاة ولكنه قال امام العلوم المطلق منتهى المحققين وفقيه المدققين قرأ على أحمد الضمدي في الحاجبية وقرأ المطول على العلامة عبد الله المهلا وقرأ عليه أكثر نجم الدين وقرأ بعض نجم الدين على السيد على ابن بنت الناصر وفي أصول الفقه على السيد صلاح بن أحمد ابن الوزير وعنه أخذ طرق الحديث وقرأ في اصول الفقه على والده وعلى الفقيه الصلاح الشطبي وفي الكشاف على والده وفي الفروع على صنوه المهدى وعلى السيد عبد الله بن احمد بن الحسين المؤيدى وقرأ في الحديث(2/195)
على الشيخ الحنفى وأجازه فيه وفي غيره وقرأ على العلامة الصابونى وعلى العلامة محمد بن شلبى الرومى وقرأ الشمسية على الشيخ أحمد بن علان البكرى المصرى انتهى وهو شيخ مشايخ الفروع الذى ينتهى أسانيدهم إليه ومن جملة تلامذته القاضى إبراهيم بن يحيى السحولى والسيد أحمد بن على الشامي وجماعة من المحققين كالعلامة الحسن بن أحمد الجلال وله مؤلفات منها البدر السارى في أصول الدين وشرحه واسطة الدرارى ومنها شرح تكملة البحر وهو شرح مفيد يدل على علو درجته وارتفاع منزلته في العلوم وله أنظار في الفروع منقولة في كتب التدريس كشرح الأزهار والبيان والبحر وهى في غاية الإتقان وهو من أهل القرن الحادى عشر والله أعلم وأرخ موته الضمدى في الوافي في شعبان سنة 1049 تسع وأربعين وألف وقال السيد إبراهيم بن القاسم بن المؤيد في الطبقات انه مات لاثنى عشر يوما من شعبان سنة 1050 خمسين وألف وقبر بخزيمة مقبرة صنعاء(2/196)
السيد محمد بن عز الدين النعمي التهامى
ولد تقريبا سنة 1180 ثمانين ومائة وألف بالعذير بفتخ المهملة وكسر المعجمة وسكون المثناة من تحت ثم راء مهملة وهى بقرب بندر اللحية من بنادر تهامة ثم ارتحل إلى صنعاء فقرأ في علم الفروع على شيخنا العلامة احمد بن محمد الحرازى وغيره ولازمنى مدة طويلة فقرأ على في النحو والصرف والمنطق والمعانى والبيان والأصول والحديث والفقه وتميز في جميع هذه العلوم وصار احد العلماء المشار إليهم مع العقل الوافر والسكون والتواضع والعفة والشهامة والإقبال على العلم بكليته والملازمة للطاعة والانجماع عن الناس ولما نال ما كان سببا للارتحال عاد إلى ديارة التهامية وهو بلا مدافع أعلم الموجودين من السادة النعامية وكثيرا ما يكتب إلى من تلك الجهات فيما يعرض له من المهمات وهو الآن حيى ينتفع به أهل تلك الديار ويرجعون إليه فيما ينوبهم من المسائل الشرعية مع مزيد تحسره وتأسفه على مفارقة صنعاء وانقطاع ما كان فيه من الطلب لعلوم الاجتهاد ولكنه عاقه عن العود احتياج أهل بلده إليه خصوصا قرابته بعد موت أخيه أحمد بن عز الدين وأما اخوه السيد إسماعيل بن عز الدين فهو أكبر منه سنا وصار يؤجر نفسه للحج إلى بيت الله الحرام كل عام ويعود إلى صنعاء ولم يكن له اشتغال بالعلم لكنه في المدة القريبة شغل نفسه بجمع مؤلف نقل غالبه من كتب الرافضة ثم تشدد في الرفض وصار يملى ما جمعه بجامع صنعاء في أيام رمضان على جماعة جهال وصار فتنة للناس مع جهله وركاكة عقله ونصحته فلم ينتصح وهو من جملة
المجيبين على في الرسالة التى سميتها ارشاد الغبى إلى مذهب أهل البيت في صحب النبى وأفرط في السب والكذب وصار الآن في حبس زيلع بسبب ما سيأتى شرحه في ترجمة يحيى الخولى ثم بلغ الينا أنه مات هنالك قبل سنة 1220 عشرين ومائتين وألف ومات صاحب الترجمة رحمه الله في سنة 1232 اثنتين وثلاثين ومائتين وألف في تهامة بعد أن تولى بها القضاء للشريف حمود بن محمد مدة أيامه(2/197)
محمد بن عطاء الله الرازى الأصل الهروى الشافعى
وكان يذكر انه من ذرية الفخر الرازى ولد بهراة سنة 767 سبع وستين وسبعمائة واشتغل في بلاده وكان حنيفا ثم تحول شافعيا وأخذ عن السعد التفتازانى وغيره واتصل بتيمورلنك المتقدم ذكره ثم حصل له منه جفاء فتحول إلى بلاد الروم ثم انفصل منها وقدم القدس سنة 814 فحج وعاد إليه في التى بعدها فاشتهر أمره بها وأشاع اتباعه أنه يحفظ الصحيحين وأنه امام الناس في المذهب الشافعى والحنفى وفي غير ذلك من العلوم على جاري عادة العجم في التفخيم والتهويل ثم قدم القاهرة في سنة 818 فعظمه السلطان وأكرمه وأجلسه عن يمينه ثم انزله بدار اعدت له وأنعم عليه بفرس بسرج ذهب وقماش ورتب له في كل يوم ثلاثين رطلا من اللحم ومائتى درهم وتبعه كثير من الأمراء المباشرين والأعيان في الإكرام والهدايا الوافرة وكانت له دعاوى عريضة منها أنه يحفظ الصحيحين عن ظهر قلب صحيح مسلم بأسانيده وصحيح البخارى متنا بلا اسناد وتارة يقول انه يحفظ اثنى عشر ألف حديث بأسانيدها فعقد له السلطان المؤيد مجلسا بين يديه وجمع العلماء وألزموه بإملاء اثنى عشر(2/198)
حديثا متباينة فلم يفطن لذلك ولا عرف المراد به ولا أملى شيئا بل لم يورد حديثا الا وظهر خطأه فيه بحيث ظهر في ذلك مجازفته وان كل ما ادعاه لا صحة له وما امكنه إلا التبرى مما نسب إليه كذا قال السخاوي وكان مما وقع أنه سئل عن سنده لصحيح البخارى فذكر شيوخا لا يعرفون وقال ابن حجر انه لا وجود لأحد منهم وبعد عقد المجلس بقليل ولى نظر القدس والخليل مع تدريس الصلاحية فتوجه لذلك ثم عاد إلى القاهرة في سنة 821 فاجتمع بالسلطان وأكرمه كالمرة الأولى ثم ولاه القضاء بمصر مكان البلقينى ولم يحمده الناس في ذلك فصرف قبل أن يستكمل سنة ولزم بيته وأعيد إلى القدس على تدريس الصلاحية ثم قدم القاهرة سنة 827 فولى كتابة السر ثم انفصل وأعيد لقضاء الشافعية ثم عاد إلى بيت المقدس وقد انتقصه الحافظ بن حجر ووصفه بالكذب وكذلك قال السخاوى وقال ابن قاضي شهبة انه كان اماما عالما غواصا على المعانى يحفظ متونا كثيرة ويسرد جملة من تواريخ العجم مع الوضاءة والمهابة وحسن الشكالة والضخامة ولين الجانب وقال العينى انه كان عالما فاضلا متفننا له تصانيف كشرح المشارق وشرح صحيح مسلم المسمى فضل المنعم قال وكان قد ادرك الكبار مثل التفتازانى والسيد وصارت له حرمة وافرة ببلاد سمرقند وهراة وغيرهما حتى كان تيمورلنك يعظمه ويحترمه ويميزه على غيره بحيث يدخل عنده في حريمه ويستشيره ويرسله في مهماته وذكربعض من ترجمه أن الفقهاء تعصبوا عليه وبالغوا في التشنيع ورموه بعظايم الظن برأته عن أكثرها قلت وهذا غير بعيد لاسيما وقد صار معظما عند سلطانهم مقدما في مناسبهم مع كونه ليس منهم فإن ذلك مما
يؤثر الطعن بغير سبب ومات في يوم الإثنين تاسع عشر ذي الحجة سنة 829 تسع وعشرين وثمان مائة(2/199)
محمد بن علاء الدين البابلى القاهري الشافعي أبو عبد الله الإمام الكبير مسند الدنيا
أخذ عنه الناس طبقة بعد طبقة من جميع الطوائف وكان ضريرا يملى دواوين الإسلام جميعا من حفظه وطال عمره وجاور بالحرم مرتين وأراد سلطان الروم اشخاصه إليه فامتنع ولعله جاوز المائة أو ناهزها ومات في عشر الثمانين بعد الألف وله مجموع ذكر فيه أسانيده ورواياته وهو موجود بأيدى المشتغلين بهذا الشأن محمد بن على بن أيبك السروجى أبو عبد الله الحافظ وقيل أبو حامد ولد سنة 714 أربع عشرة وسبعمائة وعنى بالرواية فسمع الكثير من محدثي مصر والشام كالدبوسى وابن المصري وأصحاب النجيب وابن عبد الدائم وابن سيد الناس ومهر إلى أن بلغ الغاية في الحفظ وكان سريع الكتابة والقراءة دينا ظريفا وكتب مالا يحصى وقرأ الكتب المطولة كمعجم الطبرانى الكبير ومستخرج أبى نعيم على مسلم وغير ذلك ووصفه المزى والبرزالى والذهبى وابن حجر بالحفظ قال الصفدى ما رأيت بعد ابن سيد الناس من يقرأ أسرع منه ولا أفصح وما سألته عن شىء من تراجم الناس ووفياتهم وأعصارهم وتصانيفهم الا وجدته في حفظه لا يغيب عنه شىء وشرع في جمع الثقات فكتب بعضه ولو كمل لكان في أكثر من عشرين مجلدا وخرج لنفسه مائة حديث متباينة أجاد فيها قال الذهبى سمعنا منه تسعين منها قال الصفدى وكان فيه مع ذلك ذوق الأدباء
وفهم الشعراء وخفة روح الظرفاء يستحضر من الشعر القديم والحديث جملة كثيرة وبالجملة فهو معدود في زمرة الحفاظ ولو علت سنه لكان أعجوبة الزمان لكنه مات سنة 744 أربع وأربعين وسبعمائة عن ثلاثين سنة(2/200)
السيد محمد بن على بن الحسن بن حمزة بن محمد بن ناصر ابن على بن على بن الحسين بن إسماعيل بن الحسين بن أحمد ابن إسماعيل بن محمد بن إسماعيل بن جعفر الصادق الحافظ شمس الدين أبو المحاسن الدمشقى ولد سنة 715 خمس عشرة وسبعمائة وسمع من ابن عبد الدائم والمزى وخلائق وطلب بنفسه فأكثر وكتب بخطه فبالغ ورحل إلى مصر فسمع من الميدومى وغيره قال الذهبى في المختص العلامة الفقيه المحدث طلب وكتب وهو في زيادة من التحصيل والتخريج والإفادة وقال ابن كثير جمع رجال المسند وجمع كتابا سماه التذكرة في رجال العشرة اختصر التهذيب وحذف منه ما ليس في الستة وأضاف إليهم من في الموطأ والمسند ومسند الشافعى ومسند أبى حنيفة للجاربى واختصر الأطراف ورتبه على الألفاظ وله مجلد لطيف في لذات الحمام وله العرف الذكى في النسب الزكى وله ذيل على العبر للذهبى وولى مشيخة دار الحديث وله تعليق على الميزان بين فيه كثيرا من الأوهام وشرع في شرح سنن النسائي وذيل على طبقات الذهبى ومات كهلا في آخر شعبان سنة 765 خمس وستين وسبعمائة ولو طال عمره كغيره من الحفاظ لكان من محاسن متأخريهم على انه كذلك مع قصر عمره(2/201)
محمد بن على بن حسين العمرانى ثم الصنعانى
ولد في شهر سنة 1194 أربع وتسعين ومائة وألف واشتغل بطلب علوم الاجتهاد على جماعة من علماء العصر كالسيد العلامة الحسن ابن يحيى الكبسى والقاضي العلامة عبد الله بن محمد مشحم والسيد العلامة إبراهيم بن عبد القادر بن أحمد وغير هؤلاء من المدرسين وبرع في العلوم الاجتهادية وصار في عداد من يعمل بالدليل ولا يعرج على القال والقيل وبلغ في المعارف إلى مكان جليل وقد أخذ عنى من جملة الطلبة وهو قوى الذهن سريع الفهم جيد الإدراك ثاقب النظر يقل وجود نظيره في هذا العصر مع تواضع وإعراض عن الدنيا وعدم اشتغال بما يشتغل به من هو دونه بمراحل من تحسين الهيئة وليس ما يشابه المتظهر بالعلم كثر الله فوائده ونفع بعلومه وهو يزداد من المعارف العلمية في كل وقت وقد سمع على غالب الأمهات الست وفي العضد وحواشيه والمطول وحواشيه والكشاف وحواشيه وغير هذه الكتب وسمع منى أكثر مصنفاتى وكثر اشتغاله بعلم الحديث ورجاله حتى صار الآن من أعظم رجال هذا الشأن وله مصنف على سنن ابن ماجه جعله أولا كالتخريج ثم جاوز ذلك إلى شرح الكتاب وهو إلى الآن في عمله وبالجملة فهو قليل النظير في مجموعه وكثرة فنونه واتقانه(2/202)
محمد بن على بن جعفر بن مختار الشمس أبو عبد الله القاهرى الحسينى الشافعى المعروف بابن قمر ولد على رأس القرن الثامن وقيل سنة 803 ثلاث وثمان مائة ونشأ بالقاهرة فحفظ عدة مختصرات وعرضها على جماعة من العلماء وأخذ عن العز بن جماعة والبلقينى والبرماوى والولى العراقى والحافظ بن حجر ولازمه حتى حمل عنه جملة من الكتب الكبار وطلب بنفسه وكتب الكثير وارتحل إلى الشام وبيت المقدس والخليل ومكة ودمشق وحلب واسكندرية وغيرها وأخذ عن مشائخ هذه الديار واشتهر بالحديث ودرس بمدارس عدة وتولى قضاء بعض الجهات وصنف تصانيف منها معين الطلاب في معرفة الأنساب وشرع في اختصار اطراف المزى وسماه الطاف الأشراف بزهر الأطراف وغير ذلك مع الملازمة للطاعات والتواضع وطرح التكلف والانجماع وقد وصفه السخاوى بكثير الأوهام وعدم حسن التصرف وكونه غير بارع بفن الحديث ولا غيره فالله أعلم ومات في ليلة الاثنين ثالث عشر جمادى الأولى سنة 876 ست وسبعين وثمان مائة(2/203)
محمد بن على بن عبد الواحد بن يحيى بن عبد الرحيم الدكالى أبو أمامة ابن النقاش ولد في نصف رجب سنة 725 خمس وعشرين وسبعمائة وأخذ القراءات عن البرهان الرشيدى والعربية عن ابن الصانع وأبى حيان وحفظ الحاوى الصغير وكان يقول انه أول من حفظه بالقاهرة وتقدم في الفنون وصنف شرح العمدة في ثمان مجلدات وتخريج أحاديث الرافعي
وشرحا على الألفية وكتابا في الفرق وكتابا في التفسير مطولا جدا والتزم أن لا ينقل حرفا عن تفسير أحد ممن تقدمه قال الصفدى وكانت طريقته في التفسير غريبة ما رأيت له في ذلك نظيرا وله نظم فمنه ابيات من جملتها هذا البيت ( وأتت ولم تضرب لوصل موعدا *** أحلى المنى مالم يكن عن موعد ) ومات في شهر ربيع سنة 763 ثلاث وستين وسبعمائة ولم يبلغ أربعين سنة(2/204)
محمد بن على بن عبد الواحد الأنصاري الدمشقى ابن الزملكانى كمال الدين
ولد في شهر شوال سنة 667 سبع وستين وستمائة وسمع من المسلم ابن علان وابن الواسطى وابن القواس وغيرهم وطلب الحديث بنفسه وكان فصيح القراءة سريعها له خبرة بالمتون وتفقه على الشيخ تاج الدين ابن الفركاج وأخذ العربية عن بدر الدين بن مالك قال الأدفوئى هو أحد المتقدمين في الفتاوى والتدريس والمجالس والمرجوع إليهم في المناظرة وكان ذكى الفطرة نافذ الذهن فصيح العبارة وأطلق عليه الذهبى عالم العصر وكبير الشافعية قال وكان بصيرا بالمذهب وأصوله قوى العربية ذكيا فطنا فقيه النفس له اليد البيضاء في النظم والنثر وكان يضرب بذكائه المثل افتى وله نيف وعشرين سنة وتخرج غالب علماء العصر عليه ولم يروا غيره في كرم نفسه وعلو همته وتجمله في مأكله وملبسه وصنف رسالة في الرد على ابن تيمية في الطلاق وأخرى في الرد عليه في الزيارة وعلق على المنهاج وكان يلقى دروسه في النهاية لإمام الحرمين ودخل ديوان الإنشاء ووقع في الدست وولى نظر المارستان ودرس بمدارس وولى نظر الديوان ووكالة بيت المال ونظر الخزانة قال ابن كثير انتهت إليه رياسة المذهب تدريسا وافتاء ومناظرة وساد أقرانه بذهنه الوقاد وتحصيله الذى منعه الرقاد وعبارته الرايقة وكلماته الفائقة ولم يسمع أحد من الناس يدرس أحسن منه ولا سمعت أحلى من عبارته وجودة تقريره وصحة ذهنه وقوة قريحته انتهى ثم لما ولى قضاء حلب وطلبه الناصر على البريد ليوليه قضاء دمشق فتوجه الى القاهرة فمات في الطريق فيقال أنه مات مسموما وروى انه لما مرض قال أنا ميت ولا أتولى بعد قضاء حلب شيئا لأنه كان لى شيخ أدخلنى الخلوة وأمرنى بصيام ثلاثة أيام أفطر فيها على الماء واللبان فاتفق آخر الثلاث يوم النصف من شعبان فخيل إلى وأنا في الصلاة قبة عظيمة بين السماء والأرض وظاهرها مراقى فصعدت فكنت أرى على مرقاة مكتوبا نظر الخزانة وعلى آخر الوكالة وعلى آخر مدرسة كذا وعلى آخر مرقاة قضاء حلب وأفقت من غيبتى وعدت إلى حسيى فقال لى الشيخ القبة الدنيا والمراقى المراتب والذى رأيته تناله كله فكان كذلك وكان موته في سادس عشر رمضان سنة 727 سبع وعشرين وسبعمائة ودفن بالقرافة بالقرب من الإمام الشافعي(2/205)
الإمام المنصور بالله محمد بن على بن محمد بن احمد المعروف بالسراجى
ولد سنة 845 خمس وأربعين وثمان ومائة وقرأ العلوم حتى صار من أكابر علماء عصره ودعا إلى نفسه سنة 900 وبايعه جماعة من علماء الزيدية وأجابه كثير من الرعية وفتح مواضع ووقعت بينه وبين السلطان عامر بن عبد الوهاب حروب كان في آخرها أسر صاحب الترجمة فسجنه وفرج الله عنه بالموت بعد ثلاثة أشهر وكان أسره وموته في سنة 910 عشر وتسعمائة ودفن عند جده بمسجد من مساجد صنعاء يقال له مسجد الأجذم
محمد بن على بن محمد بن أبى بكر بن محمد بن أحمد الجمال أبو المحاسن القرشى العبدرى المكى الشافعى المشيبي ولد في رمضان سنة 779 تسع وسبعين وسبعمائة بمكة ونشأ بها فسمع من النويرى وابن صديق والصدر المناوى والزين العراقى وآخرين وتفقه بالجمال بن ظهيرة وغيره واشتغل في فنون ونظم الشعر الحسن وتمهر في الأدب وصرف أوقاته إليه حتى كان لا يعرف الآية وجمع كتابا فيما لا يستحيل بالانعكاس في ثلاث مجلدات وتمثال الأمثال في مجلد وذيلا لحياة الحيوان مع اختصار الأصل وشرح الحاوي الصغير ودخل بلاد الشرق وبلاد اليمن وأقام بها مدة ورزق من ملكها الناصر الحظ الوافر وولى سدانة الكعبة ثم قضاء مكة ونظر الحرم قال ابن حجر بعد ثنائه عليه ولم يكن يعاب الا بما يرمى به من تناول لبن الخشخاش وهو الأفيون ومن تصانيفه اللطف في القضاء وحوادث زمانه ومات في ليلة الجمعة ثامن عشر ربيع الأول سنة 837 سبع وثلاثين وثمان مائة(2/206)
محمد بن على بن محمد بن عبد الله الشوكانى ثم الصنعانى مصنف هذا الكتاب قد تقدم بما نسبه إلى آدم عليه السلام في ترجمة والده رحمه الله ولد حسبما وجد بخط والده في وسط نهار يوم الاثنين الثامن والعشرين من شهر القعدة سنة 1173 ثلاث وسبعين ومائة وألف بمحل سلفه المتقدم ذكره في ترجمة والده وهو هجرة شوكان وكان اذ ذاك قد انتقل والده إلى صنعاء واستوطنها ولكنه خرج إلى وطنه القديم في ايام الخريف فولد له صاحب الترجمة هنالك ونشأ بصنعاء فقرأ القرآن على جماعة من المعلمين وختمه على الفقيه حسن بن عبدالله الهبل وجوده على جماعة من مشائخ القرآن بصنعاء ثم حفظ الأزهار للامام المهدى ومختصر الفرائض للعصيفرى والملحة للحريرى والكافية والشافية لابن الحاجب والتهذيب للتفتازانى والتلخيص للقزوينى والغاية لابن الامام وبعض مختصر المنتهى لابن الحاجب ومنظومة الجزرى ومنظومة الجزاز في العروض وآداب البحث للعضد ورسالة الوضع له أيضا وكان حفظه لهذه المختصرات قبل الشروع في الطلب وبعضها بعد ذلك ثم قبل شروعه في الطلب كان كثير الاشتغال بمطالعة كتب التواريخ ومجاميع الأدب من أيام كونه في المكتب فطالع كتبا عدة ومجاميع كثيرة ثم شرع في الطلب وقرأ على والده رحمه الله في شرح الأزهار وشرح الناظرى لمختصر العصيفرى وقرأ في شرح الأزهار أيضا على السيد العلامة عبد الرحمن بن قاسم المدانى والعلامة أحمد بن عامر الحدائى والعلامة أحمد بن محمد بن الحرازى وبه انتفع في الفقه وعليه تخرج وطالت ملازمته له نحو ثلاث عشرة سنة وكرر عليه قراءة شرح الأزهار وحواشيه وقرأ عليه بيان ابن مظفر وشرح الناظرى وحواشيه وفي أيام قراءته في الفروع شرع في قراءة النحو فقرأ الملحة وشرحها على السيد العلامة إسماعيل بن الحسن بن أحمد(2/207)
ابن الحسين ابن الإمام القاسم بن محمد وقواعد الإعراب وشرحها للأزهرى والحواشى جميعا على العلامة عبد الله بن إسماعيل النهمى وشرح السيد المفتى على الكافية على العلامة القاسم بن يحيى الخولاني والعلامة عبد الله ابن إسماعيل النهمى وأكمله من أوله إلى آخره على كل واحد منهما وقرأ شرح الخبيصى على الكافية وحواشيه على العلامة عبد الله بن إسماعيل النهمى من أوله إلى آخره وكذلك قرأه من أوله إلى آخره على شيخنا العلامة القاسم بن يحيى الخولانى وقرأ شرح الجامى من أوله لآخره وقرأ شرح الرضى على الكافية على العلامة القاسم بن يحيى الخولاني وبقى منه بقية يسيرة وقرأ شرح الشافية للطف الله الغياث جميعا على العلامة القاسم بن يحيى الخولاني وقرأ شرح ايساغوجى للقاضى زكريا على العلامة عبد الله بن إسماعيل النهمي جميعا وشرح التهذيب للشيرازى واليزدي على شيخه العلامة القاسم بن يحيى الخولانى من أولهما إلى آخرهما وشرح الشمسية للقطب وحاشيته للشريف على شيخه العلامة الحسن بن إسماعيل المغربى واقتصر على البعض من ذلك وشرح التخليص المختصر للسعد وحاشيته للطف الله الغياث على العلامة القاسم بن يحيى الخولاني جميعا ما عدا بعض المقدمة فعلى العلامة على بن هادى عرهب والشرح المطول للسعد التفتازانى أيضا وحاشيته للشلبى وللشريف اما المطول فجميعه وكذلك حاشية الشلبى وأما حاشية الشريف فما تدعو إليه الحاجة وقرأ الكافل وشرحه لابن لقمان على العلامة عبد الله بن إسماعيل النهمي جميعا وشرح الغاية على العلامة القاسم بن يحيى الخولانى وحاشيته لسيلان وشرح العضد على المختصر وحاشيته للسعد وما تدعو الحاجة إليه من سائر الحواشى وكمل ذلك على(2/208)
العلامة الحسن بن إسماعيل المغربى وشرح جمع الجوامع للمحلى وحاشيته لابن أبى شريف على شيخه السيد الإمام عبد القادر بن أحمد وكذلك شرح القلائد للنجرى وشرح المواقف العضدية للشريف واقتصر على البعض من ذلك وقرأ شرح الجزرية على العلامة هادى بن حسين القارني وقرأ جميع شفاء الأمير الحسين على العلامة عبد الله بن إسماعيل النهمي وسمع أوائله على العلامة عبد الرحمن بن حسن الأكوع وقرأ البحر الزخار وحاشيته وتخريجه وضوء النهار على شرح الأزهار على السيد العلامة عبد القادر بن أحمد ولم يكملا وقرأ الكشاف وحاشيته للسعد وبعد انقطاعها حاشيته للسراج مع مراجعة غير ذلك من الحواشى على شيخه العلامة الحسن بن إسماعيل المغربى وتم ذلك إلا فوتا يسيرا في آخر الثلث الأوسط وسمع البخارى من أوله إلى آخره على السيد العلامة على ابن إبراهيم بن على بن إبراهيم بن أحمد بن عامر وسمع صحيح مسلم جميعا وسنن الترمذى جميعا وبعض موطأ مالك وبعض شفاء القاضى عياض على السيد العلامة عبد القادر بن أحمد وكذلك سمع منه بعض جامع الأصول وبعض سنن النسائى وبعض سنن ابن ماجه وسمع جميع سنن أبى داود وتخريجها للمنذرى وبعض المعالم للخطابى وبعض شرح ابن رسلان على العلامة الحسن بن إسماعيل المغربى وكذلك بعض المنتقى لابن تيمية على السيد عبد القادر بن أحمد وكذلك سمع شرح بلوغ المرام على العلامة الحسن بن إسماعيل المغربى وفات بعض من أوله وكذلك سمع على العلامة عبدالقادر بن أحمد بعض فتح البارى وعلى الحسن ابن إسماعيل المغربى بعض شرح مسلم للنووى وبعض شرح العمدة على(2/209)
العلامة القاسم بن يحيى الخولاني والتنقيح في علوم الحديث على العلامة الحسن بن إسماعيل المغربى والنخبة وشرحها على العلامة القاسم بن يحيى وبعض الفية الزين العراقى وشرحها له على العلامة عبد القادر بن أحمد وجميع منظومة الجزاز وجميع شرحها له في العروض على شيخنا المذكور وشرح آداب البحث وحواشيه على العلامة القاسم بن يحيى الخولاني والخالدي في الفرايض والضرب والوصايا والمساحة وطريقة ابن الهايم في المناسخة على السيد العارف يحيى بن محمد الحوثى وبعض صحاح الجوهرى وبعض القاموس على السيد العلامة عبد القادر بن أحمد مع مؤلفه الذى سماه فلك القاموس هذا ما أمكن سرده من مسموعات صاحب الترجمة ومقرواته وله غير ذلك من المسموعات والمقروات وأما ما يجوز له روايته بما ما معه من الإجازات فلا يدخل تحت الحصر كما يحكى ذلك مجموع أسانيده وكانت قراءته لما تقدم ذكره في صنعاء اليمن ولم يرحل لأعذار أحدها عدم الإذن من الأبوين وقد درس في جميع ما تقدم ذكره وأخذه عنه الطلبة وتكرر أخذهم عنه في كل يوم من تلك الكتب وكثيرا ما كان يقرأ على مشايخه فإذ أفرغ من كتاب قراءة أخذه عنه تلامذته بل ربما اجتمعوا على الأخذ عنه قبل أن يفرغ من قراءة الكتاب على شيخه وكان يبلغ دروسه في اليوم والليلة إلى نحو ثلاثة عشر درسا منها ما يأخذه عن مشايخه ومنها ما يأخذه عنه تلامذته واستمر على ذلك مدة حتى لم يبق عند احد من شيوخه مالم يكن من جملة ما قد قرأه صاحب الترجمة بل انفرد بمقروات بالنسبة إلى كل واحد منهم على انفراده الا شيخه(2/210)
العلامة عبد القادر بن أحمد فإنه مات ولم يكن قد استوفى ما عنده ثم ان صاحب الترجمة فرغ نفسه لإفادة الطلبة فكانوا يأخذون عنه في كل يوم زيادة على عشرة دروس في فنون متعدة واجتمع منها في بعض الأوقات التفسير والحديث والأصول والنحو والصرف والمعانى والبيان والمنطق والفقه والجدل والعروض وكان في أيام قراءته على الشيوخ واقرائه لتلامذته يفتى أهل مدينة صنعاء بل ومن وفد إليها بل ترد عليه الفتاوى من الديار التهامية وشيوخه اذ ذاك أحياء وكادت الفتيا تدور عليه من أعوام الناس وخواصتهم واستمر يفتى من نحو العشرين من عمره فما بعد ذلك وكان لا يأخذ على الفتيا شيئا تنزها فإذا عوتب في ذلك قال أنا أخذت العلم بلا ثمن فأريد انفاقه كذلك وأخذ عنه الطلبة كتبا غير الكتب المتقدمه مما لا طريق له فيها الا الاجارة وهى كثيرة جدا في فنون عدة بل أخذوا عنه في فنون دقيقة لم يقرأ في شىء منها كعلم الحكمة التى منها علم الرياضى والطبيعى والألهى وكعلم الهيئة وعلم المناظر وعلم الوضع وصنف تصانيف مطولات ومختصرات فمنها شرح المنتقى كان تبييضه في أربع مجلدات كبار أرشده إلى ذلك جماعة من شيوخه كالسيد العلامة عبد القادر بن أحمد والعلامة الحسن بن إسماعيل المغربى وعرض عليهما بعضا منه وماتا قبل تمامه ومنها حاشية شفاء الأوام في مجلد والدرر البهية وشرحها الدرارى المضية في مجلد والفوائد المجموعة في الأحاديث الموضوعة في مجلد وهذا الكتاب في مجلد ومن المختصرات الإعلام بالمشايخ الأعلام والتلامذة الكرام(2/211)
جعله كالمعجم لشيوخه وتلامذته وقد ذكر أكابرهم فيما يتقدم ويأتي من هذا الكتاب وبغية الأريب من مغنى اللبيب نظم ذكر فيها ما تمس الحاجة إليه وشرحها ونظم كفاية المحتظ ولم يبيض وكان نظمه لهاتين المنظومتين في أوائل أيام طلبه والمختصر البديع في الخلق الوسيع ذكر فيها خلق السموات والأرض والملائكة والجن والأنس وسرد غالب ماورد من الآيات والأحاديث وتكلم عليها فصار في مجلد لطيف ولكنه لم يبيضه والمختصر الكافى من الجواب الشافي وطيب النشر في جواب المسائل العشر وعقود الزبرجد في جيد مسائل علامة ضمد والصوارم الهندية المسلولة على الرياض الندية ورسالة في احكام الاستجمار ورسالة في احكام النفاس ورسالة في كون تطهير الثياب والبدن من شرائط الصلاة أم لا ورسالة في الكلام على وجوب الصلاة على النبى في الصلاة ورسالة في صلاة التحية والقول الصادق في امامة الفاسق ورسالة في أسباب سجود السهو وتشنيف السمع بإبطال أدلة الجمع والرسالة المكملة في أدلة البسملة واطلاع أرباب الكمال على ما في رسالة الجلال في الهلال من الاختلال ورسالة في وجوب الصوم على من لم يفطر إذا وقع الاشعار في دخول رمضان في النهار ورسالة في زيادة ثواب من باشر العبادة مع مشقة ورسالة في كون أجرة الحج من الثلث ورسالة في كون الخلع طلاقا أو فسخا ورسالة في حكم الطلاق ثلاثا ورسالة في الطلاق البدعى ورسالة في نفقة المطلقة ورسالة في كون رضاع الكبير يقتضى التحريم لعذر وفيما يقتضى التحريم من الرضاع ورسالة في من حلف ليقضين دينه(2/212)
غدا ان شاء الله ورسالة في بيع الشىء قبل قبضه وتنبيه ذوى الحجى في حكم بيع الرجا وشفاء العلل في حكم زيادة الثمن لأجل الأجل ورسالة في الهيئة لبعض الاولاد ورسالة في جواز استناد الحاكم في حكمه إلى تقويم العدول والقول المحرر في حكم لبس المعصفر وسائر أنواع الاحمر والبحث المسفر عن تحريم كل مسكر ومفتر ورسالة في الوصية بالثلث ضرارا ورسالة في القيام للواصل لمجرد التعظيم ورسائل في احكام لبس الحرير ورسالة في حكم المخابرة واتحاف المهرة بالكلام على حديث لا عدوى ولا طيرة ورسالة في حكم بيع الماء ورسالة في حكم صبيان الذميين إذا مات أبواهم ورسائل على مسائل من السيد العلامة على ابن إسماعيل ورسالة في حكم طلاق المكره وابطال دعوى الاجماع على تحريم مطلق السماع ورسالة في حكم الجهر بالذكر وعقود الجمان في شأن حدود البلدان وما يتعلق بها من الضمان ورسالة على مسائل لبعض علماء الحجاز ورسالة في الكسوف هل لا يكون الا في وقت معين على القطع أم ذلك يتخلف وزهر النسرين الفائح بفضائل العمرين وحل الإشكال في اجبار اليهود على التقاط الأزبال والإبطال لدعوى الاختلال في حل الاشكال وتفويق النبال إلى ارسال المقال ورسالة في مسائل وقع الاختلاف فيها بين علماء كوكبان ورسالة في لحوق ثواب القراءة المهداة من الأحياء إلى الأموات والتشكيك على التفكيك لعقود التشكيك وارشاد الغبى إلى مذهب أهل البيت في صحب النبى ورفع الجناح عن نافي المباح والبغية في مسئلة الرؤية ورسالة في حكم المولد والقول المقبول في رد خبر المجهول من غير صحابة(2/213)
الرسول وأمنية المتشوق في تحقيق حكم المنطق وإرشاد المستفيد إلى رفع كلام ابن دقيق العيد في الإطلاق والتقليد والصوارم الحداد القاطعة لعلائق مقالات أرباب الاتحاد والبحث الملم بقوله تعالى الا من ظلم وجواب السائل عن تفسير تقدير القمر منازل ووبل الغمامة في تفسير وجاعل الذين اتبعوك فوق الذين كفروا إلى يوم القيامة وتحرير الدلائل فيما يجوز بين الإمام والمؤتم من الارتفاع والاحتفاظ والبعد والحائل وفتح القدير في الفرق بين المعذرة والتعذير واتحاف الأكابر باسناد الدفاتر وتنبيه الأعلام على تفسير المشتبهات بين الحلال والحرام ورفع الخصام في الحكم بالعلم من الأحكام والدر النضيد في اخلاص التوحيد وايضاح الدلالات على أحكام الخيارات ودفع الاعتراضات على ايضاح الدلالات والتوضيح في تواتر ما جاء في المنتظر والدجال والمسيح والأبحاث الوضية في الكلام على حديث حب الدنيا رأس كل خطية وإشراق النيرين في بيان الحكم إذا تخلف عن الوعد أحد الخصمين والقول الجلى في لبس النساء الحلى والأبحاث البديعة في وجوب الإجابة إلى حكام الشريعة والقول المفيد في حكم التقليد والوشى المرقوم في تحريم حلية الذهب على العموم وإرشاد السائل إلى دلائل المسائل وكشف الرين عن حديث ذى اليدين وهداية القاضي إلى نجوم الأراضي وإيضاح القول في إثبات العول واللمعة في الاعتداد بركعة من الجمعة وأدب الطلب ومنتهى الأرب وقد يعقب هذه المصنفات مصنفات كثيرة يطول تعدادها وهو الآن يجمع تفسيرا لكتاب الله جامعا بين الدارية والرواية ويرجو(2/214)
الله أن يعين على تمامه بمنه وفضله ثم من الله وله الحمد بتمامه في أربعة مجلدات كبار وشرع في كتاب في أصول الفقه سماه ارشاد الفحول إلى تحقيق الحق من علم الأصول وهو الآن في عمله أعان الله على تمامه ثم تم ذلك بحمد الله في مجلد وقد جمع من رسائله ثلاث مجلدات كبار ثم لحق بعد ذلك قدر مجلد وسمى الجميع الفتح الرباني في فتاوى الشوكانى وجميع ذلك رسائل مستقلة وأبحاث مطوله وأما الفتاوى المختصرة لا تنحصر أبدا وهو الآن يشتغل بتصنيف الحاشية التى جعلها على الأزهار وقد بلغ فيها إلى كتاب الجنايات وسماها السيل الجرار على حدائق الأزهار وهى مشتملة على تقرير مادل عليه الدليل ودفع ما خالفه والتعرض لما ينبغى التعرض له والاعتراض عليه من شرح الجلال وحاشيته وهذا الكتاب ان أعان الله على تمامه فسيعرف قدره من يعترف بالفضائل وما وهب الله لعباده من الخير هذه ما امكن خطوره بالبال حال تحرير هذه الترجمة ولعل مالم يذكر أكثر مما ذكر وقد كان جميع ما تقدم من القراءة على شيوخه في تلك الفنون وقراءة تلامذته لها عليه مع غيرها وتصنيف بعض ما تقدم(2/215)
تحريره قبل أن يبلغ صاحب الترجمة أربعين سنة بل درس في شرحه للمنتقى قبل ذلك وترك التقليد واجتهد رأيه اجتهادا مطلقا غير مقيد وهو قبل الثلاثين وكان منجمعا عن بنى الدنيا لم يقف بباب أمير ولا قاض ولا صحب أحدا من أهل الدنيا ولا خضع لمطلب من مطالبنا بل كان مشتغلا في جميع أوقاته بالعلم درسا وتدريسا وإفتاء وتصنيفا عائشا في كنف والده رحمه الله راغبا في مجالسة أهل العلم والأدب وملاقاتهم والاستفادة منهم وإفادتهم وربما قال الشعر إذا دعت لذلك حاجة كجواب ما يكتبه إليه بعض الشعراء من سوأل أو مطارحة أدبية أو نحو ذلك وقد جمع ما كتبه من الأشعار لنفسه وما كتب به إليه في نحو مجلد وابتلى بالقضاء في مدينة صنعاء بعد موت من كان متوليا للقضاء الأكبر بها وقد تقدم شرح ذلك في ترجمة مولانا الإمام حفظه الله في حرف العين وهو حال تحرير هذه الأحرف مستمر على ذلك ولم يدع الاشتغال بالعلم وإن كان اشتغاله الآن بالنسبة إلى ما كان عليه ليس شيئا وكان دخوله في القضاء وهو ما بين الثلاثين والأربعين وهو الآن يسأل الله الذى لا إله الا هو الحليم الكريم رب العرش العظيم ان يحسن ختامه وينيله من خيري الدارين مرامه ويسدده في أقواله وأفعاله وينزع حب الدنيا من قلبه حتى ينظر إلى الحقيقة فيفوز نيل دقائق الطريقة اللهم اجذبه إلى جنابك العلى جذبة يصحى عندها من سكر غروروه افتح له خوخة يتخلص بها عن حجابه المظلم إلى المعارف الحقة ولا تخرجه من هذه الدنيا الا بعد أن يسبح في بحار حبك ويغسل أدران قلبه بمياه قربك فأنت إذا شئت جعلت المريد مرادا فنال مرادا(2/216)
( إذا كان هذا الدمع يجرى صبابة *** على غير ليلى فهو دمع مضيع ) ولست أقول كما قال من قال ( وكيف ترى ليلى بعين ترى بها *** سواها وما طهرتها بالمدامع ) ( ويلتذ منها بالحديث وقد جرى *** حديث سواها في خروت المسامع ( بل أقول كما قال الآخر ( ألا ان وادى الجزع أضحى ترابه *** من المس كافورا وأعواده زبدا ) ( وما ذاك إلا أن هندا عشية *** تمشت وجرت في جوانبه بردا ) وأقول ( أنا راض بما قضى *** واقف تحت حكمه ) ( سائل أن أفوز بالخير *** من حسن ختمه ) وما أحسن قول من قال ( العفو يرجى من بنى آدم *** فكيف لا يرجى من الرب ) وأقول مجيزا لهذا البيت ( فإنه أرأف بى منهم *** حسبى به حسبى به حسبى )(2/217)
الإمام الناصر محمد بن على بن محمد بن علي المشهور بصلاح الدين قد تقدم تمام نسبه في ترجمة والده الإمام المهدى ولد ليلة الجمعة سابع عشر شهر صفر سنة 739 تسع وثلاثين وسبعمائة واشتغل بالعلم حتى تأهل للإمامة وبرز في فنون قال السيد الهادى بن إبراهيم في كاشفة الغمة انه بلغ فوق رتبة الاجتهاد وبرز في العلوم كلها تفسيرها وحديثها ونحوها ولغاتها ومعانيها وبيانها ومنطوقها وأصولها وفروعها ومعقولها ومسموعها وكتب الزهد والتاريخ والفلك والهيئة والنجوم انتهى ثم لما مات والده بايعه علماء الزيدية وكان البيعة في يوم السبت من صفر سنة 773 وملك غالب اليمن واستقر بصنعاء وعظمت دولته واشتدت صولته وغزا إلى بلاد سلاطين اليمن الأسفل ودوخ بلادهم وكان جيد الرأى قوي التدبير كثير الجنود حسن السياسة كثير العدل متورعا متعففا عالى الهمة مديم الذكر والعبادة ودرس العلم وتقريب أهله وقد زلزل الباطنية وهد أركانهم وسفك دمائهم ونهب أموالهم واستمر على ذلك حتى مات في شهر القعدة سنة 793 ثلاث وتسعين وسبعمائة في قصر صنعاء ودفن بقبته التى إلى جانب مسجده المشهور الآن بمسجد صلاح الدين
محمد بن على بن محمد بن عمر بن عيسى بن محمد السمهودى الأصل المصرى الشافعى المعروف بالشمس بن القطان ولد سنة 737 سبع وثلاثين وسبعمائة وأخذ عن ابن الملقن والعماد والبهاء بن عقيل ومهر في فنون كثيرة ولم يكن له عناية بالحديث وصنف كتابا في القراآت السبع وكتاب في الفرائض والحساب والهندسة وله ذيل على طبقات الأسنوى وشرح الألفية لابن مالك في اربع مجلدات وشرح على مختصر المزنى وشىء من التفسير ومات في آخر شوال سنة 813 ثلاث عشرة وثمان مائة(2/218)
محمد عابد بن على بن احمد بن محمد مراد السندى ثم الأنصارى
وله اسمان ولجده اسمان وذلك عرفهم ولد تقريبا في سنة 1190 تسعين ومائة وألف ووالده كان له حظ في العلم وأما جده فمن أكابر العلماء له تصانيف حكاها عنه حفيده صاحب الترجمة وكان مستقر جده السند ثم حج وجاور حتى مات ثم مات ابنه وخرج صاحب الترجمة إلى بندر الحديدة مع عمه وكان عمه مشهورا بعلم الطب مشاركا في غيره وصاحب الترجمة له يد طولى في علم الطب ومعرفة متقنة بالنحو والصرف وفقه الحنفية وأصوله ومشاركة في سائر العلوم وفهم صحيح سريع طلبه خليفة العصر مولانا الإمام المنصور بالله إلى حضرته العلية من الحديدة لاشتهاره بعلم الطب فوصل إلى الحضرة وانتفع جماعة من الناس بأدويته وكان وصوله إلى صنعاء سنة 1213 وتردد إلى وقرأ على في هداية الأبهرى وشرحها المبيدى في علم الحكمة الآلهية وكان يفهم ذلك فهما جيدا مع كون الكتاب وشرحه في غاية الدقة والخفاء بحيث كان يحضر جماعة من أعيان العلماء العارفين بعدة فنون فلا يفهمون غالب ذلك ثم عاد إلى الحديدة في شهر شوال من تلك السنة بعد أن أحسن إليه الخليفة وقرر له معلوما نافعا وكساه ونال من فايض عطاه ثم تكرر وفوده إلى صنعاء مرة بعد مرة في ايام الإمام المنصور كما ذكرنا ثم في أيام الإمام المتوكل ثم في أيام مولانا الإمام المهدى وأرسله إلى مصر إلى الباشا محمد على بهدية منها قيل وكان ذلك في سنة 1232 ورجع وأخبرنا باندراس العلم في
الديار المصرية وأنه لم يبق إلا التقليد والتصوف(2/219)
محمد الكردى أحد طلبة العلم القادمين إلى مدينة صنعاء وأصله من الكرد وهى قرى مجاورة لبغداد خرج من بلاده لطلب العلم وتنقل في البلدان وذكر لنا أن بغداد وما حولها من البلاد قد صار أكثر أهلها رافضة من روافض الإمامية وكذلك غالب بلاد خراسان وحكى لنا أن أكثر الناس اشتغالا بالعلم أهل اصفهان ولكن غالب اشتغالهم بعلوم العقل وفيهم رافضة يجرى بينهم وبين غيرهم فتن عظيمة وكان قدومه إلى صنعاء في أوائل القرن الثالث عشر وقدم معه بكتب من أحسنها رسالة في علم المناظرة طويلة جدا بالنسبة إلى آداب البحث العضدية ولها شرح نفيس مفيد في كراريس وسألته عن مؤلف تلك الرسالة وشرحها فقال هى معروفة في بلاد الهند وغيرها بمناظرة يوسف فسألته عن يوسف هذا ابن من هو وفي أى زمان هو فقال لا يدرى وقد طلب منى القراءة في تلك الرسالة وشرحها فقال له هذه الرسالة لم يقف عليها إلا منك فكيف تأخذها عنى فقال لابد من ذلك فقرأها على وقد كتبها جماعة من أعيان علماء العصر وكثير من الطلبة وهى من أنفس المؤلفات وأكثرها فوائد ولا ينبغي لطالب علم بعد وقوفه عليها أن يشتغل بآداب البحث وشروحها فإنها ليست بشىء بالنسبة إلى تلك الرسالة وشرحها وكان عمر صاحب الترجمة عند قدومه إلى صنعاء نحو أربعين سنة(2/220)
محمد بن على بن وهب بن مطيع بن أبى الطاعة تقى الدين القشيرى المنفلوطى الأصل المصرى القوصى المنشأ المالكى ثم الشافعى نزيل القاهرة المعروف بابن دقيق العيد الإمام الكبير صاحب التصانيف المشهورة ولد في شعبان سنة 625 خمس وعشرين وستمائة بناحية ينبع في البحر وسمع بمصر من جماعة ورحل إلى دمشق فسمع من أحمد بن عبد الدائم والزين خالد وغيرهما وأخذ أيضا عن الرشيد العطار والزكى والمنذرى وابن عبد السلام وتبحر في جميع العلوم الشرعية وفاق الأقران وخضع له أكابر الزمان وطار صيته واشتهر ذكره وأخذ عنه الطلبة وصنف التصانيف الفائقة فمنها الإلمام في أحاديث الأحكام وشرع في شرحه فخرج منه أحاديث يسيرة في مجلدين أتى فيها كما قال الحافظ بن حجر بالعجائب الدالة على سعة دائرته في العلوم خصوصا في الاستنباط وجمع كتاب الإمام في عشرين مجلدا قال ابن حجر عدم أكثره بعده وصنف الاقتراح في علوم الحديث ومن مصنفاته شرح العمدة المشهور وشرح مقدمة المطرزى في أصول الفقه وشرح بعض مختصر ابن الحاجب في الفقه قال الذهبى كان إماما متفننا مدققا أصوليا مدركا أديبا نحويا ذكيا غواصا على المعانى وافر العقل كثير السكينة تام الورع مديم السنن مكبا على المطالعة والجمع سمحا جوادا ذكى النفس نزر الكلام عديم الدعوى له اليد الطولى في الفروع والأصول بصيرا بعلم المنقول والمعقول وغلب عليه الوسواس في المياه والنجاسة وله في ذلك أخبار قال واشتهر اسمه في حياة مشايخه وشاع ذكره وتخرج به أئمة وكان لا يسلك المراء في بحثه بل يتكلم بكلمات يسيرة ولا يراجع حتى حكى(2/221)
عنه أنه قال لكاتب الشمال سنين لم يكتب على شيئا وقال قطب الدين الحلبى كان ممن فاق بالعلم والزهد عارفا بالمذهبين إماما في الأصلين حافظا في الحديث وعلومه يضرب به المثل في ذلك وكان آية في الاتقان والتحرى شديد الخوف دائم الذكر لا ينام من الليل إلا قليلا يقطعه مطالعة وذكرا وتهجدا وكانت أوقاته كلها معمورة وكان شفوقا على المشتغلين وكثير البر لهم قال أتيته بجزء سمعه من ابن رواح والطبقة بخطه فقال حتى أنظر فيه ثم عدت إليه فقال هو خطى لكن ما أحقق سماعه ولا أذكره ولم يحدث به وكذلك لم يحدث عن ابن المنير مع صحة سماعه منه قال الذهبى بلغنى أن السلطان لاجين لما طلع إليه الشيخ قام له وخطا من مرتبته وقال البرزالى مجمع على غزارة علمه وجودة ذهنه وتفننه في العلوم واشتغاله بنفسه وقلة مخالطته مع الدين المتين والعقل الرصين قرأ مذهب مالك ثم مذهب الشافعى ودرس فيهما وهو خبير بصناعة الحديث عالم بالأسماء والمتون واللغات والرجال وله اليد الطولى في الأصلين والعربية والأدب نشأ بقوص وتردد إلى القاهرة وكان شيخ البلاد وعالم العصر في آخر عمره ويذكر أنه من ذرية بهر بن حكيم القشيرى وكان لا يجيز إلا بما يحدث به وقال ابن الزملكانى امام الأئمة في فنه وعلامة العلماء في عصره بل ولم يكن من قبله سنين مثله في العلم والدين والزهد والورع تفرد في علوم كثيرة وكان يعرف التفسير والحديث ويحقق المذهبين تحقيقا عظيما ويعرف الأصلين والنحو واللغة وإليه المنتهى في التحقيق والتدقيق والغوص على المعانى أقر له الموافق والمخالف وعظمته الملوك وكان السلطان لاجين ينزل عن سريره ويقبل يده قال ابن سيد الناس لم أر مثله في من رأيت ولا حملت عن(2/222)
أجل منه فيمن رويت وكان للعلوم جامعا وفي فنونها بارعا ولم يزل حافظا للسانه مقبلا على شأنه ولو شاء العاد أن يحصر كلماته لحصرها وله تخلق وبكرامات الصالحين تحقق وعلامات العارفين تعلق وله في الأدب باع وساع وكرم طباع وحسن انطباع حتى لقد كان الشهاب محمود يقول لم تر عينى آدب منه ولو لم يدخل في القضاء لكان ثورى زمانه وأوزعي أوانه انتهى كلام ابن سيد الناس قال البرزالى وفي يوم السبت الثامن عشر من جمادى الأولى سنة 695 ولى القضاء بالديار المصرية قال ابن حجر واستمر فيه إلى ان مات في صفر سنة 702 اثنتين وسبعمائة قال الصاحب شمس الدين سمعت الشيخ الإمام شهاب الدين أحمد بن إدريس القرافى المالكى يقول أقام الشيخ تقى الدين أربعين سنة لا ينام الليل الا أنه إذا كان صلى الصبح اضطجع على جنبه إلى حين يضحى النهار قال زكى الدين عبد العظيم بن أبى الأصبغ صاحب البديع ذكرت للشيخ تقى الدين بن دقيق العيد وجوه المبالغة في قوله تعالى ( أيود أحدكم أن تكون له جنة من نخيل وأعناب ) الآية وهى عشرة ولم أذكر له مفصلا وغبت عنه قليلا ثم اجتمعت به فذكر لى أنه استنبط منها أربعة وعشرين وجها من المبالغة فسألته أن يكتبها لى فكتبها بخطه وسمعتها منه بقراءته واعترفت له بالفضل في ذلك انتهى وقد عاش تقى الدين بعد ابن الأصبغ زيادة على أربعين سنة قال ابن حجر قرأت بخط محمد بن عبد الرحيم العثمانى قاضى صفد أخبرنى الأمير سيف الدين الحسامى قال خرجت يوما إلى الصحراء فوجدت ابن دقيق العيد واقفا في الجبانة يقرأ ويدعو ويبكى فسألته فقال صاحب هذا القبر كان من أصحابى وكان يقرأ على فمات فرأيته البارحة فسألته عن حاله فقال لما
وضعتمونى في القبر جاءنى كلب انقط كالسبع وجعل يروعنى فارتعت فجاء شخص لطيف في هيئة حسنة فطرده وجلس عندى يؤنسنى فقلت من أنت فقال أنا ثواب قراءتك الكهف يوم الجمعة انتهى وله اشعار حسنة محكمة قوية المعاني جيدة المبانى قد أورد منها جملة نافعة من ترجمه من الأدباء وغيرهم وبالجملة فقد اعترف له أئمة كل فن بفنهم رحمه الله تعالى(2/223)
محمد بن على بن يونس بن على بن الزحيف
بزاى مضمومة ومهملة مفتوحة وتحتية ساكنة وفاء المعروف قديما بابن فند بفاء ثم نون ثم مهملة والمشهور أخيرا بالزحيف اسم جده المذكور وهو مؤلف شرح البسالمة المسمى مآثر الأبرار وفرغ من تأليفه سنة 916 فالله أعلم كم عاش بعد ذلك محمد بن عمار بن محمد بن أحمد القاهرى المصرى المالكى المعروف بابن عمار ولد يوم السبت العشرين من جمادى الآخرة سنة 768 ثمان وستين وسبعمائة بقناطر السباع ونشأ في كنف والده وحفظ عدة مختصرات وأخذ عن العراقى وابن الملقن والبلقينى والمجد بن هشام والعز بن جماعة وابن خلدون وطلب الحديث بنفسه وسمع بالقاهرة على جماعة من المحدثين ودرس بمواطن وله تصانيف منها غاية الالهام في شرح عمدة الأحكام في ثلاث مجلدات وزوال المانع عن شرح جمع الجوامع وعلاب الموائد في شرح تسهيل الفوائد في ثمان مجلدات والكافى في شرح المغنى لابن هشام في أربع مجلدات وشرح مختصر ابن الحاجب الفرعى وشرح الفية
العراقى وكان اماما علامة في الفقه وأصوله والعربية والصرف مشاركا في كثير من الفنون امارا بالمعروف قال السخاوى ولولا مزيد حدته التى أدت إلى ان خرج فيه جذام قبل موته بسنتين واستمر يتزايد إلى موته لأخذ عنه الجم الغفير ومات يوم السبت رابع عشر ذي الحجة سنة 844 أربع وأربعين وثمان مائة(2/224)
محمد بن عمر بن أحمد الشمس أبو عبد الله الواسطي ثم المحلى الشافعى
والد أبى العباس أحمد ويعرف بالغمرى بالغين المعجة ولد سنة 786 ست وثمانين وسبعمائة تقريبا بمنية غمرة وانتفع بجماعة من علماء القاهرة ثم لازم التجرد والعبادة وصحب غير واحد من مشايخ الصوفية كالشيخ عمر الوفائى الحائك والشيخ أحمد الزاهد وكان غالب انتفاعة بالثانى وأذن له بالإرشاد وتصدى لذلك بكثير من البلاد وانتفع الناس به واشتهر صيته وكثر اتباعه وذكر له أحوال وكرامات وجدد عدة مساجد وأنشأ عدة زوايا مع صحة العقيدة والمشى على قانون السلف والتحذير من البدع والإعراض عن بنى الدنيا وعدم قبول ما يهدى إليه وله تصانيف منها النصرة في أحكام الفطرة ومحاسن الخصال في بيان وجوه الحلال والعنوان في تحريم معاشرة الشبان والنسوان والحكم المضبوط في تحريم عمل قوم لوط والانتصار لطريق الأخبار والرياض المزهرة في اسباب المغفرة ومنح المنة في التلبس بالسنة في أربع مجلدات ومات في ليلة الثلاثاء سلخ شعبان سنة 849 تسع وأربعين وثمان مائة(2/225)
محمد بن عمر بن محمد بن عمر بن محمد بن ادريس بن سعيد ابن مسعود بن حسن بن محمد بن محمد بن رشيد أبو عبد الله الفهرى السبتى
ولد في جمادى الأولى سنة 657 سبع وخمسين وستمائة وأخذ عن أبى الحسين بن أبى الربيع العربية وسمع من أبى محمد بن هرون وغيره فأكثر واحتفل في صباه بالأدبيات حتى برع في ذلك ثم رحل إلى فاس وطلب الحديث فجهد فيه وتفقه وأقرأ وأخذ الأصلين عن جماعة وحج وجاور ودخل مصر والشام فسمع من الفخر أبى البخاري والقطب القسطلانى وابن دقيق العيد وله مصنفات منها الرحلة المشرفية في ست مجلدات مشتملة على فوائد كثيرة وإيضاخ المذاهب فيمن ينطلق عليه اسم الصاحب وكتاب ترجمان التراجم على أبواب البخارى وله غير ذلك قال الذهبى في النبلاء ولما رجع من رحلته سكن سبتة ملحوظا عند الخاصة والعامة مات في أواخر محرم سنة 721 احدى وعشرين وسبعمائة بمدينة فاس(2/226)
محمد بن عمر بن على بن عبد الصمد بن عطية بن أحمد الأموى صدر الدين بن الوكيل وابن المرحل وكان يقال له ابن الخطيب ولد في شوال سنة 665 خمس وستين وستمائة بدمياط وسمع من ابن علان والقاسم الأربلي وغيرهما وتفقه بوالده وشرف الدين المقدسي وأخذ عن بدر الدين بن مالك والصفى الهندى وتقدم في الفنون وفاق الأقران وقال الشعر الحسن وكان أعجوبة في الذكاء والحفظ وحفظ المفصل في مائة يوم وحفظ ديوان المتنبى في جمعة والمقامات
في كل يوم مقامة وكان لا يمر بشاهد المعرب إلا حفظ القصيدة كلها وأفتى وهو ابن عشرين سنة قال ابن حجر وكان لا يقوم لمناظرة ابن تيمية أحد سواه ودرس بالمدارس وكثر حاسدوه حتى انه بلغه أنهم رتبوا عليه دعوى في أمور أرادوا اثباتها عليه فبادر إلى القاضى سليمان الحنبلى وسأله أن يحكم بصحة اسلامه وحقن دمه ورفع التعزيز عنه وعدالته وإبقائه على وظائفه فأجابه إلى ذلك كله وكبسه جماعة فوجدوه مع جماعة يشربون الخمر فأمر النائب بمصادرته فبادر اليوم الثانى إلى القاضى وأثبت محضرا شهد فيه الذين كبسوه أنهم لم يروه سكرانا ولا شموا منه رائحة الخمر وإنما وجدوه في ذلك البيت وفي المكان زبدية خمر وشفع له بعض الناس فأعفى من المصادرة ثم جاء كتاب من السلطان يعزله من جميع جهاته التى كان يدرس فيها ثم عينت له بعد أيام وظائف كثيرة وتقدم واشتهر صيته وكانت له وجاهة عند الدولة وكان ممن أفتى بأن الناصر لا يصلح للملك ودس أعداؤه إلى الناصر قصيدة ذكروا أنه هجاه بها فأراد القبض عليه بعض أمراء السلطان ففر إلى غزة قال جلال الدين القزوينى كنت عند الناصر فدخل الحاجب فقال صدر الدين بن الوكيل بالباب فقال يدخل فلما دخل قال له الحاجب بس الأرض فامتنع وقال مثلى لا يبوس الأرض إلا لله قال فما شككت أن دمه يسفك فقال له الناصر أنت فقيه تركب البريد وتروح إلى مصر وتدخل بين الملوك وتعير الدول وتهجو السلطان فقال حاشا لله وإنما أعدائى وحسادى نظموا ما أرادوا على لسانى وهذا الذى تكلمته أنا معى ثم أخرج قصيدة في وزن تلك القصيدة التى نسبوها إليه نحو مأتى بيت فأنشدها فصفح عنه قال جلال الدين فلما أصبحنا(2/227)
رأيت ابن الوكيل يسائر السلطان في الموكب والعسكر ساير وعظم عند السلطان وله مصنفات منها كتاب الاشباه والنظاير من أحسن المصنفات وشرع في شرح الأحكام لعبد الحق فكتب منه ثلاث مجلدات قال ابن حجر وكان فيه لعب ولهو قال الصفدى حكى لى جماعة ممن كان يعاشره في خلواته أنه كان إذا فرغ توضأ ولبس ثيابا نظافا وصلى ومرغ وجهه انتهى وكان جوادا قال السجدى كنت معه ليلة عيد فوقف له فقير فقال شىء لله فالتفت إلى وقال ما معك قلت مايتا درهم قال ادفعها إليه فدفعتها إليه ثم قلت له يا سيدي غدا العيد وليس عندنا شىء فقال امض إلى القاضى كريم الدين فقل له الشيخ يهنيك بهذا العيد ففعلت فقال كأن الشيخ يطلب نفقة أعطوه ألفى درهم فرجعت بها إليه فقال الحسنة بعشر أمثالها ومات في رابع وعشرين ذى الحجة سنة 716 ست عشرة وسبعمائة(2/228)
محمد بن قلاون بن عبد الله الصالحى الملك الناصر ابن المنصور
ولد في صفر سنة 684 أربع وثمانين وستمائة وشوهد عند ولادته وكفاه مقبوضتان ففتحتهما الداية فسال منهما دم كثير ثم صار يقبضهما فإذا فتحا سال منهما دم كثير فاستدل بذلك أنه يسفك دماء كثيرة فكان الأمر كذلك وأول ما ولى السلطنة عقب قتل أخيه الأشرف في نصف المحرم سنة 693 وعمره تسع سنين وغلب على الأمر كتبغا وتسلطن وعزل صاحب الترجمة وكذلك في المحرم سنة 694 ثم خلع كتبغا في صفر سنة 696 وكان قد جهز الناصر إلى الكرك وحلف له أنه إذا ترعرع أعاده إلى المملكة بشرط أن يعطي مملكة الشام استقلالا ولما خلع كتبغا سلطن لاجين واستمر سلطانا حتى قتل في شهر ربيع الآخر سنة 689 فأحضر الناصر من الكرك وتسلطن المرة الثانية وله يومئذ أربع عشرة سنة وأربعة أشهر واستقر في نيابة السلطنة سلار المتقدم ذكره وبيبرس المتقدم أيضا فلم يكن للناصر معهما كلام ولما كان في رمضان سنة 708 أظهر الناصر أنه يريد الحج فتوجه إلى الكرك وأقام به وطرد نائب الكرك إلى مصر وأعرض عن المملكة لاستبداد سلار وبيبرس دونه بالأمور وكتب إلى الأمراء بمصر يستعفيهم من السلطنة ويسألهم ان يتركوا له الكرك وبلادها فوافقوه على ذلك واتفق أنه يوم دخل الكرك انكسر الجسر فسلم هو وبعض خواصه وسقط نحو الخمسين من أصحابه فمات منهم أربعة وخرج من أبقى مصابا وأقام بالكرك يدبر أمورها ويحكم بين من يتحاكم إليه وتسلطن مكانه بيبرس حسبنا تقدم في ثالث وعشرين من شوال من تلك السنة واستمر إلى رجب سنة 709 فخرج جماعة من امراء مصر إلى كرك وحملوا الناصر إلى دمشق فتلاحق به أكثر الأمراء ونزل بالقصر ثم توارد عليه نواب البلاد فقصد مصر في رمضان ففر بيبرس ولم يفر سلار بل أقام وخرج للقاء الناصر وأظهر الطاعة فوصل الناصر إلى القلعة واستقر في مملكته وهى السلطنة الثالثة وذلك في يوم عيد الفطر من تلك السنة ولما استقر قدمه قبض على أكثر الأمراء ولم يبق له منازع وفتحت في ايامه بلاد كبيرة واشترى المماليك فبالغ في ذلك حتى اشترى واحدا بنحو أربعة آلاف دينار بل أزيد كما قال ابن حجر ولم ير أحد مثل سعادة ملكه
وعدم حركة الأعادى عليه برا وبحرا مع طول المدة وكان مطاعا مهيبا عارفا بالأمور يعظم أهل العلم ولا يقرر في المناصب الشرعية إلا من يكون أهلا لها ويتحرى لذلك ويبحث عنه ويبالغ وحج بعد استقراره في السلطنة ثلاث حجات وكان عظيم المكر طويل الصبر على ما يكره إذا حاول امرا لا يسرع فيه بل يحتاط غاية الاحتياط وكانت وفاته تاسع عشر ذى الحجة سنة 741 احدى وأربعين وسبعمائة وسلطن من أولاده ثمانية أنفس وهذا من أعجب مايحكى(2/229)
الإمام المؤيد بالله محمد بن القاسم بن محمد
قد تقدم تمام نسبه في ترجمة أخيه الحسن ولد سنة 990 تسعين وتسعمائة في رمضان منها وقيل في شعبان وأخذ العلم عن علماء اليمن المشهورين بذاك الزمن ومنهم والده الإمام وبرع في عدة علوم ودرس وأفتى واشتهر فضله وزهده وورعه وعفته وحسن تدبيره ولما مات والده في التاريخ المتقدم أجمع العلماء عليه وبايعوه وذلك في سنة 1029 ثم كان من التأييد والنصر خروج أخيه سيف(2/230)
الإسلام الحسن بن الإمام من سجن الأتراك في سنة 1030وكانت مدة المصالحة التى كانت بين والده وبين الأتراك باقية لأنهم كاتبوا صاحب الترجمة بتقرير الصلح إلى ان انتهت المدة المعلومة فأجابهم ولما كان في شهر محرم سنة 1036 أرسل بجيش إلى الحيمة ورئيس ذلك الجيش أخوه العلامة الحسين بن الإمام وبث سراياه وكتبه إلى الأقطار اليمنية وتكاثرت جيوشه حتى حصلت فتوحات في مدة يسيرة كفتح بلاد المغرب وريمة وعتمة وأصاب وحفاش وملحان وجبل تيس وبلاد خولان وكان إذ ذاك الحسن بن الإمام في جهات صعدة مثاغرا لمن هنالك من الأتراك معاضدا لصنوه أحمد بن الإمام فاستأذن أخاه الإمام صاحب الترجمة في الخروج من صعدة والوصول إلى محاربة الأتراك بالمدائن اليمنية فأذن له فعظم الأمر على الأتراك لعلمهم بشجاعته ورياسته وطاعة الناس له فوصل إلى نواحى صنعاء وضايق من بها من الأتراك ووقعت بينهم وبينه ملاحم عظيمة كانت اليد فيها للحسن ثم وصل إليه أخوه الحسين بجيوشه بأمر صاحب الترجمة وفتحت جيوشهما في أثناء هذه المدة حصن كوكبان وبلاده وثلا ثم توجه الحسن بجيوشه إلى اليمن الأسفل واستقر الحسين وأحمد أبناء الإمام محاصرين لصنعاء ففتح الحسن مدينة أب وبالجملة فما زال الحسن والحسين يقودان الجيوش العظيمة على من بمدائن اليمن من الأتراك بأمر أخيهما صاحب الترجمة حتى أخرجا جميع من بها من جيوش الأتراك الا من رغب إلى الجلوس وأطاع الإمام وصار(2/231)
من أجناده فصفت اليمن من صعدة الى عدن واستقل صاحب الترجمة بها جميعها بمناصرة أخويه المذكورين له وبذلهما العناية في ذلك بعد ملاحم عظيمة ومعارك شديدة اشتملت عليها كتب السير الخاصة بصاحب الترجمة وأبيه واخوته كسيرة الشريفي وسيرة الجرموزي ونحوهما ولم تجتمع الأقطار اليمنية بأسرها من دون معارض ولا منازع لأحد من الأئمة قبل صاحب الترجمة ومات في يوم الخميس سابع وعشرين رجب سنة 1054 أربع وخمسين وألف وقبر بشهارة بالقرب من والده وكان مشهورا بالعدل والمشي على منهج الشرع والوقوف عند حدوده وحمل الناس عليه مع لين الجانب وحسن الأخلاق والتواضع والاحسان إلى أهل العلم والميل الى الفقراء ووضع بيوت الأموال في مواضعها
محمد بن محمد بن إبراهيم بن محمد المصري الأصل ثم العدني الشافعي المعروف بابن الصارم وربما يقال له النقايقي حرفة لأبيه القماط ولد بمصر سابع المحرم سنة 880 ثمانين وثمان مائة وكان ضريرا فاشتغل عند جماعة كمحمد بن حسين القماط والبدر حسين الأهدل وبحث في العلوم والأدب وفاق الأقران وصنف التصانيف في أيام شبابه بحيث كملت مصنفاته عشرين مصنفا قبل أن يبلغ عمره عشرين سنة فمنها كتاب ملجأ المحققين الأعلام في قواعد الأحكام وكتاب الابريز في تفسير كتاب الله العزيز وشرح ارشاد المقرى وسماه البحر الوقاد في شرح الارشاد وله مصنفات كثيرة نافعة عدد السخاوي كثيرا منها ناقلا لذلك عن الأهدل ولم يذكر وفاته(2/232)
السيد محمد بن محمد بن أحمد بن الحسين بن على ابن الإمام المتوكل على الله إسماعيل بن القاسم بن محمد الصنعانى الملقب النبوس بلقب أحد آبائه وهو يكره ذلك ولكنه لا يكاد يعرف الآن الا به ولد تقريبا بعد سنة 1150 خمسين ومائة وألف وأخذ العلم عن جماعة من علماء صنعاء كالسيد العلامة إسماعيل بن هادى المفتى وشيخنا السيد العلامة على بن إبراهيم بن على بن إبراهيم بن أحمد بن عامر والقاضى العلامة أحمد بن محمد قاطن وغيرهم وشارك مشاركة قوية في فنون عدة ونظم الشعر الفائق وسلك مسلك الانصاف في عمله بما علم مع حسن أخلاق وتواضع وفيه محاضرة وتودد وبشاش وعفة وشهامة وبلاغة زيادة ودرس في علوم الآلة والحديث ومن نظمه ( غزال كحيل الطرف أحور إن رنى *** يراع لماضى لحظه الأسد الورد ) ( تفنن روض الحسن منه فإن ترد *** فمن ثغره ورد ومن خده ورد ) ومنه ( ملعس الثغر معسول له شفة *** من شدة البرد يعلوها كما الحبب ) ( قد قال ما شمته يا صاح من ضرب *** فقلت كلا ولكن ذاك من ضرب ) وهو الآن مستمر على حال الجميل متع الله به ثم سافر في سنة 1215 لتأدية فريضة الحج فمرض في البحر ومات في شهر القعدة من هذه السنة رحمه الله(2/233)
محمد بن محمد بن أحمد بن عبد النور بن أحمد البدر الأنصارى المهلبى الفيومى الأصل القاهرى الشافعى المعروف بابن خطيب الفخرية ولد ليلة الأربعاء ثامن عشر جمادى الآخرة سنة 830 ثلاثين وثمان مائة بالقاهرة ونشأ بها فحفظ مختصرات وأخذ عن البلقينى والمحلى والتقى الحصنى والشروانى والشمنى والكافياجي وسمع من ابن حجر وغيره واستقر في الخطابة بالفخرية وتصدى للإقراء واشتهر بحسن التصور والتدبير والتحقيق وصنف حاشية على شرح جامع الجوامع وحاشية على العضد وعلى شرح العقائد وغير ذلك ومات في صفر سنة 893 ثلاث وتسعين وثمان مائة
محمد بن محمد بن أحمد بن محمد بن أحمد بن محمد البدر الدمشقى الأصل القاهرى سبط الجمال عبد الله الماردانى ولد ليلة رابع عشر القعدة سنة 826 ست وعشرين وثمان مائة بالقاهرة ونشأ بها فحفظ مختصرات وأخذ عن القلقشندى وابن المجد والمحلى والبلقينى وابن حجر والمراغى ودخل الشام والقدس وحماه وحج وجاور واشتهر بالذكاء وتصدى للإقراء وانتفع به الناس في الفرائض والحساب والميقات والعربية وغير ذلك وكتب في الميقات مقدمات وعمل متنا في الفرائض سماه كشف الغوامض وشرحه وشرح بعض مصنفات ابن الهايم وشرح الألفية والجعبرية والرحبية وله في الحساب الحاوى واللمع وفي الجبر والمقابلة مصنفات وفي النحو شرح الشذور والقطر والتوضيح ومات في سنة ....(2/234)
محمد بن محمد بن أحمد بن محمد بن عبد الله بن يحيى بن عبد الرحمن ابن يوسف بن حرى الكلبى أبو عبد الله الغرناطى الأديب المؤرخ ولد سنة 820 عشرين وثمان مائة وكان أبوه من أعلام المرفعين وتعانى هذا الأدب وابتدأ في جمع تاريخ لغرناطة فحصل منه جملة مستكثر وكان واسع الحفظ ثاقب الفهم وانتقل إلى فاس فكتب لملكها أبى عنان ومن شعره ( قسما بوضاح السنا الوهاج *** من تحت مسدول الذوائب داجى ) ( وبابلج كالمسك خطت نونه *** من فوق وسنان اللواحظ ساجى ) ( وبحسن قد ذبحت صفحاته *** فغدت تحاكى مذهب الدبياج ) وهى قصيدة طويلة جيدة ومن شعره ( أفنيت فيه نسيب شعرى طامعا *** وسفكت دمعى كالحيا المدرار ) ( وأراه ما حفظ الوداد ولا رعى *** ذمم النسيب ولا حقوق الجار ) مات في شوال سنة 756 ست وخمسين وسبعمائة وعمره ست وثلاثون سنة
محمد بن محمد بن أبى بكر بن على بن مسعود بن رضوان الكمال المرى بالمهملة القدسى الشافعى المعروف بابن أبي شريف ولد ليلة السبت خامس من ذى الحجة سنة 822 اثنتين وعشرين وثمان مائة بيت المقدس ونشأ به في كنف أبيه فحفظ عدة مختصرات وتلا بالسبع ما عدا حمزة والكسائى على النويرى وعنه أخذ علم الأصول والحديث والصرف والعروض والقافية والمنطق وغيرها من العلوم ولازم السراج الرومى في المنطق والمعانى والبيان والشهاب بن رسلان وارتحل إلى القاهرة فأخذ عن ابن الهمام وابن حجر وبرع في العلوم وعرف بالذكاء وثقوب الذهن وحسن التصور وسرعة الفهم وتصدى للتدريس واجتمع عليه جماعة لقراءة جمع الجوامع للمحلى استمد فيها من شرح جمع الجوامع للشهاب الكورانى وله حاشية آخرى على تفسير البيضاوى ولم يكمل وشرح على
الإرشاد لابن المقرى وشرح على فصول ابن الهمام وعلى الزبد لابن رسلان وعلى مختصر التنبيه لابن النقيب وعلى الشفاء لعياض وأكثر من الانجماع وتوفى بالقدس يوم الخميس الخامس والعشرين من جمادى الأولى سنة 906 ست وتسعمائة(2/235)
محمد بن محمد بن عبد الرحمن بن على بن يوسف بن منصور الكمال القاهرى الشافعى
امام الكاملية وابن امامها ويعرف بابن امام الكاملية ولد في يوم الخميس ثامن عشر شوال سنة 808 ثمان وثمان مائة بالقاهرة ونشأ بها وحفظ عدة كتب وأخذ عن الشمس البوصيري والبرماوى والشرف السبكى والولى العراقى وابن الجزرى وابن حجر وفاق في كثير من العلوم وأفاد الطلبة ودرس بمدارس وصنف شرحا على البيضاوى في الأصول وهو الذى تداولته الناس وشرحا على مختصر ابن الحاجب الأصلى وصل فيه إلى آخر الإجماع وعلى الورقات وعلى الوردية في النحو وصل فيه إلى الترخيم وعلى أربعين النووى واختصر تفسير البيضاوى وشرح البخارى للحلبى وشرح العمدة وله طبقات للأشاعرة ورسالة في حياة الخنصر ومختصر في الفقه ومات سنة 874 أربع وسبعين وثمان مائة(2/236)
محمد بن محمد بن عبد الرحمن بن عمر بن رسلان بن نصير الدين أبو السعادات الكنانى البلقينى الأصل القاهرى الشافعى ولد رابع عشر ذى الحجة سنة 821 إحدى وعشرين وثمان مائة وقيل سنة 819 وحفظ عدة محافيظ وأخذ عن الشهاب السبكى والبساطى والكافياجى والمحلى والشروانى وغيرهم وسمع الحديث على ابن حجر وغيره وبرع في عدة علوم وأفتى ودرس وولى قضاء العسكر ثم قضاء مصر وشرع في تأليف محاكمات بين المهمات والتعقبات وشرح مقدمة الحناوي في النحو وله حواش على شرح البيضاوى والأسنوى وعلى خبايا الزوايا للزركشى ومات يوم السبت ثانى ربيع الأول سنة 890 تسعين وثمان مائة محمد بن محمد بن عبد الله بن خيضر بن سليمان بن داود ابن فلاح الدمشقى الشافعى المعروف بالخيضري بالخاء المعجمة ثم المثناة من تحت ثم الضاد المعجمة نسبة إلى جده المذكور ولد في ليلة الأثنين نصف رمضان سنة 821 إحدى وعشرين وثمان مائة ببيت المقدس ونشأ بدمشق وأخذ عن جماعة منهم ابن قاضى شهبة والعلاء بن الصيرفى وسمع الحديث من شيوخ بلده والقادمين إليها وتدرب بالحافظ بن ناصر والنجم بن فهد وقد زاد عدد مشايخه ببلده على المائتين ثم ارتحل إلى القاهرة فسمع من ابن حجر ولازمه وأخذ عنه جملة من تصانيفه وسمع على غيره وسمع ببيت المقدس على ابن رسلان وطبقته وسمع الكثير وكتب الطباق وصنف طبقات للشافعية والبرق اللموع لكشف الحديث الموضوع والاكتساب في الأنساب في نحو أربع مجلدات كبار وله مصنفات اخرى ومنها ما أفرد فيه مسائل بمصنفات وولى قضاء الشافعية بالشام وانفصل مرات ثم ثبت قدمه في ذلك وصارت الأمور معقودة به واتسعت أمواله ووفد القاهرة مرات وقربه السلطان وقد ترجمه السخاوى ترجمة طويلة كلها ثلب وشتم كعادته في أقرانه ومن أعجب ما رأيته فيها من التعصب أنه قدح في مؤلفات المترجم له ثم قال انه
ما رآها وهذا غريب ولكنه قد أبان العلة في آخر الترجمة فقال وبالجملة فهو ممن فيه رائحة الفن بل هو من قدماء الأصحاب وأحد العشرة الذين ذكرهم شيخنا يعنى ابن حجر في وصيته وان فعل معى ما ارجو أن يجازى بمقصده عليه انتهى ولعل موته بعد كمال المائة التاسعة(2/237)
محمد بن محمد بن عمر بن قطلوبغا المصرى ثم القاهرى سيف الدين الحنفى
ولد تقريبا سنة 798 ثمان وتسعين وسبعمائة ونشأ فحفظ جملة من المختصرات وأخذ عن ابن الهمام والسراج قارى الهداية وكان جل انتفاعه على ابن الهمام وكان يصفه بأنه محقق الديار المصرية واجتمع بالأذكاوي ودعا له بل حكى صاحب الضوء اللامع عن صاحب الترجمة أنه قال انه رأى الأذكاوى المذكور في المنام والتمس منه الدعاء بنزع حب الدنيا فبادر إلى مدحه والثناء عليه بكلمات من جملتها أنت السيف الآمدى والسيف الأبهرى فخجل من ذلك فقال الأذكاوى إذا أراد الله أمرا كان ثم بعد ذلك أكثر من العزلة والانجماع فقال له ابن الهمام والله لو دخلت مكانا وطينت عليه لظهرت ثم درس بمدارس واشتهر صيته وطار ذكره وكثرت تلامذته وصار اماما محققا في الفقه وأصوله والعربية التفسير وأصول الدين وصنف تصانيف منها شرح التوضيح لابن هشام وشرح البيضاوى للأسنوى وشرح التنقيح للقرافى وشرح المنار والعقائد والطوالع شروحا بديعة محققة مفيدة وكان على طريقة السلف كثير العبادة والتهجد والتلاوة والأذكار وصار معظما مشارا إليه مكرما حتى ان سلطان مصر سلطان قايتباى أراد أن يقصده إلى محله فبلغه فبادر بالعزم
إليه واستمر على حاله الجميل حتى مات في ليلة الاثنين الرابع والعشرين من ذى القعدة سنة 881 إحدى وثمانين وثمان مائة(2/238)
محمد بن محمد بن أبى القاسم بن محمد بن عبد الصمد بن حسن ابن عبد المحسن أبو الفضل المشدالى بفتح الميم المعجمة وتشديد اللام نسبة إلى قبيلة من زواوة البجالى المغربى المالكى ويعرف في المشرق بأبى الفضل وفي المغرب بابن أبى القاسم ولد في ليلة النصف من رجب سنة 821 إحدى وعشرين وثمان مائة أو في التى بعدها أو في التى قبلها ببجالة وحفظ بها القرآن وتلا بالسبع على أبيه وحفظ شيئا كثيرا من المختصرات بل والمطولات وأخذ عن أبى يعقوب يوسف الربعى الصرف والعروض وعلى أبى بكر التلمسانى العربية والمنطق والأصول والميقات وعلى البيروي في النحو وعلى إبراهيم بن أحمد ابن أبى بكر فيه وفي المنطق وعلى الحسناوى في الحساب وعلى أبيه فيما تقدم وفي الأصول والمعانى والبيان والتفسير والحديث والفقه ثم رحل إلى تلمسان فبحث على ابن مرزوق وعلى سائر علمائها في عدة علوم منها ما تقدم ومنها الجبر والمقابلة والهيئة والمرايا والمناظر والأوفاق والطب والاسطرلاب والصفائح والجيوب والارتماطيقى والموسيقا والطلمسات ثم عاد بجاية في سنة 844 وقد برع في العلوم واتسعت دائرته وكثرت معارفه وبرز على أقرانه بل على مشايخه وتصدر للإقراء ببجاله إلى أن رحل منها فدخل بلد عيناب وقسطينة وحضر عند علمائها ساكتا ثم دخل تونس في سنة 850 وحضر عند جميع علمائها ساكتا أيضا ثم رحل نحو المملكة المصرية فركب البحر فساقته الريح إلى جزيرة قبرس ثم دخل(2/239)
بيروت ورحل إلى دمشق ثم طوف بلاد الشام وقطن القدس مدة وشاع ذكره إلى أن ملأ الأسماع والبقاع ثم حج ورجع إلى القاهرة مع الكمال ابن البارى فزادت حظوته عند السلطان وأركان الدولة ودرس الناس في عدة فنون فبهر العقول وأدهش الألباب على أسلوب غريب بعبارة جزلة وطلاقة كأنها السيل بحيث يكون جهد الفاضل البحاث أن يفهم ما يلقيه حتى قال له الطلبة تنزل لنا في العبارة فإنا لا نفهم جميع ما تقول فقال لا تنزلونى اليكم ودعونى أرقيكم إلى فبعد كذا وكذا مدة حدها تصيرون إلى فهم كلامى فكان الأمر كما قال وكان جماعة من أعيان تلامذته يطالعون الدرس ويجتهدون في ذلك غاية الاجتهاد حتى يظن بعضهم أنه يفوق عليه فإذا وقع الدرس أظهر لهم من المباحث مالم يخطر لهم ببال مع امتحانهم له مرارا فيجدونه في خلوته نائما غير مكترث بمطالعة ولا غيرها قال البقاعى حضرت درسه بالجامع الأزهر في فقه المالكية فظهر لى أننى ما رأيت مثله ولا رأى هو مثل نفسه وأن من لم يحضر درسه لم يحضر العلم ولا سمع كلام العرب ولا رأى الناس بل ولا خرج إلى الوجود وقال ابن الهمام هذا الرجل لا ينتفع بكلامه ولا ينبغى أن يحضر درسه إلا حذاق العلماء وذكر البقاعى أن صاحب الترجمة هو الذى أرشده إلى ما وضعه في التفسير من المناسبات بين الآيات والسور وأنه قال له الأمر الكلى المفيد بعرفان مناسبات الآيات في جميع القرآن هو أنك تنظر الغرض الذى سيقت إليه السورة وتنظر ما يحتاج إليه ذلك الغرض من المقدمات وتنظر إلى مراتب تلك المقدمات في القرب والبعد من المطلوب وتنظر عند انجرار الكلام في المقدمات إلى ماسيتبعه من اشراف نفس السامع إلى الأحكام(2/240)
واللوازم التابعة له التى تقتضي البلاغة شفاء العليل بدفع عناء الاستشراف إلى الوقوف عليها فهذا هو الأمر الكلي على حكم الربط بين جميع أجزاء القرآن فإذا فعلت ذلك تبين لك ان شاء الله وجه النظم مفصلا بين كل آية آية في كل سورة سورة والله الهادى انتهى ومن مؤلفاته شرح جمل الخونجي وله نظم فمنه ( برق الفؤاد بدابافق بعاديا *** فتضعضعت أركاننا لرعوده ) ( كيف الفراق وقد تبدت شملنا *** والبين شق قلوبنا بعموده ) ( لله أيام مضت بسبيلها *** والدهر ينظم شملنا بعقوده ) ثم لم يلبث ان رغب في السفر عن مصر وطوف البلاد وركب البحر وتطور على انحاء مختلفة وهيأت متنوعة إلى ان مات غريبا فريدا في عيناب سنة 864 أربع وستين وثمان مائة في شوالها أو الذي بعده وقد رام السخاوى رحمه الله مناقضة البقاعى فيما وصف به صاحب الترجمة ولعل الحامل له على ذلك ما بينه وبين البقاعى من العداوة كما تقدم(2/241)
محمد بن محمد بن محمد بن أحمد بن عبد الله بن محمد بن يحيى ابن محمد بن محمد بن أبي القاسم بن عبد الله بن عبد العزيز بن سيد الناس ابن أبى الوليد بن منذر بن عبد الجبار بن سليمان أبو الفتح فتح الدين اليعمرى الإمام الحافظ العلامة الأديب المعروف بابن سيد الناس ولد في ذى القعدة سنة 671 إحدى وسبعين وستمائة وهو من بيت رياسة بأشبيليه وكان أبوه قد قدم الديار المصرية ومعه أمهات من الكتب كمصنف ابن أبى أشتة ومسنده ومصنف عبد الرزاق والمحلى والتمهيد والاستيعاب والاستذكار وتاريخ ابن أبى خيثمة ومسند البزار وأحضره أبوه في سنة مولده على النجيب فقبله وأجلسه على فخذه وكناه أبا الفتح ثم أحضره في الرابعة على شمس الدين المقدسى وسمع على القطب القسطلاني وابن الأنماطي وأكثر عن أصحاب الكندى وابن طبرزذ ورحل إلى دمشق فسمع من الصوري وابن عساكر وغيرهما وأجاز له جمع جم من جهات مختلفة ولازم ابن دقيق العيد وتخرج به في أصول الفقه قال الذهبى ولعل مشيخته يقاربون الألف ونسخ بخطه وانتقى ولازم الشهادة مدة وكان طيب الأخلاق بساما صاحب دعابة ولعب صدوقا حجة فيما ينقله له بصر ناقد بالفن وخبرة بالرجال ومعرفة الاختلاف ويد طولى في علم اللسان ومحاسنه جمة ولو أكب على العلم كما ينبغي لشدت إليه الرحال وقال البرزالى كان أحد الأعيان اتقانا وحفظا للحديث وتفهما في علله وأسانيده عالما بصحيحه وسقيمه مستحضرا للسيرة له حظ من العربية حسن التصنيف صحيح العقيدة سريع القراءة جميل الهيئة كثير التواضع طيب المجالسة خفيف الروح ظريف اللسان له الشعر الرائق والنثر الفائق وكان محبا لطلبة الحديث ولم يخلف في مجموعه مثله وقال ابن فضل الله كان أحد أعلام الحفاظ وإمام أهل البلاغة الواقفين بعكاظ بحر مكثار وخبير في نقل الآثار انتهى وله تصانيف منها السيرة النبوية المشهورة التى انتفع بها الناس من أهل عصره فمن بعدهم وشرع بشرح الترمذى كتب منه مجلدا إلى أوائل الصلاة وقفت عليه بخطه الحسن ولعل تلك النسخة التى وقفت عليها هى المسودة فإنها كثيرة الضرب والتصحيح وهو متمتع في جميع ما تكلم عليه من فن الحديث وغيره مع التزامه لإخراج الأحاديث التى يشير إليها الترمذى بقوله وفي الباب عن فلان وفلان الخ ولما وقفت على الجزء الذى من شرح(2/242)
الترمذى الذى يلى هذا الجزء للزين العراقى بهرنى ذلك ورأيته فوق ما شرحه صاحب الترجمة بدرجات وله بشرى الكئيب بذكر الحبيب قصائد نبوية وشرحها في مجلد وله منح المدح والمقامات العلية في الكرامات الجلية وولى التدريس بمدارس وكان محببا إلى الناس مقبولا عندهم يعظمه كل أحد لاسيما أمراء مصر وأرباب رياستها قال الصفدى وأقمت عنده بالظاهرية قريبا من سنتين فكنت أراه يصلى كل صلاة مرات كثيرة فسألته عن ذلك فقال خطر إلى أن أصلى كل صلاة مرتين ففعلت ثم ثلاثا ففعلت وسهل على ثم أربعا ففعلت قال وأشك هل قال خمسا انتهى وهذا وإن كان فيه الاستكثار من الصلاة التى هى خير موضوع وأجمل مرفوع لكن الأولى أن يتعود التنفل بعد الفرائض على غير صفة الفريضة فإن حديث النهى عن أن تصلى صلاة في يوم مرتين ربما كان شاملا لمثل صورة صلاة صاحب الترجمة ولعله يجعله خاصا بتكرير الفريضة بنية الافتراض ومن نظمه ( تمناها وما عقد التمائم *** وشاب وحبها في القلب دائم ) ( وطارحها الغرام بها فقالت *** علمت فقال ماذا فعل عالم ) ومن قصائده القصيدة التى مطلعها ( يا بديع الجمال سل من جمالك *** أن يوافى عشاقه من وصالك ) ومنه من أبيات ( ظبى من الترك هضيم الحشا *** مهفهف القد رشيق القوام ) وكان موته في شعبان سنة 734 أربع وثلاثين وسبعمائة(2/243)
محمد بن محمد بن محمد بن أحمد بن عبد الله بن نور الدين ابن مفرح بن بدر الدين بن عثمان بن جابر ابن ثعلب بن شداد بن عامر القرشي العامرى المعروف بابن الغزى الدمشقى العالم الكبير المحقق صاحب التفسير الغريب جعله نظما في مائتى ألف بيت وزيادة واختصره أيضا نظما وقدمه إلى السلطان سليمان بن سليم صاحب الروم فقابله بالإجلال والقبول وطلب علماء الروم وعرض عليهم ذلك التفسير وقال ما رأيكم فقالوا نجتمع ونبذل النصيحة فإن وجدنا فيه زيادة أو نقصانا أو تبديلا في القرآن العظيم في حروفه أو شكله رفعنا ذلك اليكم واستحق ما يقتضيه الشرع وإن وجدناه على سنن الاستقامة استحق مؤلفه الجائزة والكرامة لأنه قد فعل في زمنك ما لم يفعله غيره فقال لهم السلطان أنتم مقلدون في هذا الشأن فتأملوه حرفا حرفا فلم يجدوا فيه تحريفا ولا تغييرا ولا تكلفا ولا تعسفا فقضوا من ذلك العجب وأخبروا السلطان فأعظم جائزته وانفصل المؤلف من القسطنطينية بمال عظيم في غاية من التعظيم وله مؤلفات كثيرة ومات في سنة 985 خمس وثمانين وتسعمائة(2/244)
محمد بن محمد بن محمد بن الحسن بن أبي الحسن بن صالح ابن على بن يحيى بن طاهر بن محمد بن عبد الرحيم الفارقى الأصل المصرى أبو الفضائل وأبو الفتح وأبو بكر وهي أشهر المعروف بابن نباتة الشاعر المشهور المجيد المبدع الفائق في جميع أنواع النظم لأهل عصره ولمن أتى بعدهم بل ولكثير ممن كان قبله ولد في ربيع الأول سنة 686 ست وثمانين وستمائة وأحضره أبوه على عارى الحلاوى فسمع عنه من الغيلانيات أربعة أجزاء فكان أحد من حدث بها وحدث عن الآخرين كبهاء الدين بن النحاس وعبد الرحيم بن الدميرى وأجاز له جماعة منهم الفخر بن البخارى ونشأ بمصر وتعانى الأدب فمهر في النظم والنثر والكتابة قال الحافظ بن حجر في الدرر حتى فاق أقرانه ومن تقدم ورحل إلى دمشق سنة 716 وتردد إلى حلب وحماه وغيرها ومدح رؤساء هذه الجهات وله في المؤيد صاحب حماه غرر المدايح وكذلك في ولده وكان متقللا من الدنيا لا يزال يشكو حاله وقلة ما بيده وكثرة عياله قال الذهبى أبو الفضائل جمال الدين صاحب النظم البديع وله مشاركة حسنة في فنون العلم وشعره في الذروة وقال ابن رافع حدث وبرع في الأدب وقال ابن كثير كان حامل لواء الشعر في زمانه وله تصانيف رائقة منها القطر النباتى اقتصر فيه على مقاطيع شعره ومنها سوق الرقيق اقتصر فيه على غزل قصائده ومنها مطالع الفوائد وهو نفيس في الأدب وقرظه جماعة من الفضلاء فجمع لهم تراجم وسماها سجع المطوق وله الفاضل من انشاء الفاضل وشرح رسالة ابن زيدون وغير ذلك وفي آخر عمره استدعاه الناصر حسن إلى مصر وذلك في سنة 761 وكتب له مرسوما انه يصرف إليه ما يتجهز به ويجمع له ما انقطع من معاليمه إلى تاريخه فجمع ذلك وتجهز إلى مصر فقدمها وهو شيخ كبير عاجز فلم يتمش له حال وقرر موقعا في الدست ثم أعفى عن الحضور وأجر له السلطان معلوما فربما صرف إليه وربما لم يصرف وأقام خاملا إلى أن مات في صفر سنة 768 ثمان وستين وسبعمائة وله اثنان وثمانون سنة وديوان شعره مجلد لطيف كله غرر وهو موجود بايدى الناس وهو أشعر المتأخرين على
الاطلاق فيما اعتقد ولا سيما في الغزليات(2/245)
محمد بن محمد بن محمد بن حسن بن على بن سليمان بن عمر ابن محمد شمس الحلبى الحنفى المعروف بابن أمير حاج
وبابن الموقت ولد في ثامن عشر ربيع الأول سنة 825 خمس وعشرين وثمان مائة بحلب ونشأ بها وأخذ عن الزين عبد الرزاق وغيره وارتحل إلى حما فسمع بها عن ابن الأسفر ثم إلى القاهرة فسمع بها على الحافظ بن حجر ولازم ابن الهمام وبرع في فنون وتصدى للإقراء والإفتاء وشرح منية المصلى وتحرير شيخه ابن الهمام والعوامل وغير ذلك واعترض على شيخه ابن الهمام باعتراضات على شرحه للهداية وأرسلها إليه فأجاب عليه بما يقتضى عدم الرضاء بذلك وعدم الإصابة ومات ليلة الجمعة التاسع والعشرين من رجب سنة 879 تسع وسبعين وثمان مائة
محمد بن محمد بن محمد بن الخضر بن سمرى الشمس الزبيرى العبزرى الغزى الشافعى
سرد ابن حجر نسبه إلى الزبير بن العوام وهو معروف بالعبزري ولد بالقدس في ربيع الآخر سنة 724 أربع وعشرين وسبعمائة ونشأ بالقاهرة وتفقه على الشمس بن عدلان والتقى العطار ومحى الدين ابن شارح التنبيه وقرأ القراءات على البرهان الجكرى ثم فارق القاهرة وسكن غزة ثم دخل دمشق فأخذ بها عن ابن كثير والتقى السبكى وابن القيم وغيرهم وصنف كثيرا فمن ذلك تعليق على الرافعى في أربع مجلدات ومختصر القوت للأذرعي وأوضح المسالك في المناسك وأسنى المقاصد في تحرير القواعد وشرح على الألفية وتوضيح مختصر ابن الحاجب الأصلى وشرح(2/246)
على جمع الجوامع سماه تشنيف المسامع في شرح جمع الجوامع وله على المتن مناقشات سماها البروق اللوامع فيما أورد على جمع الجوامع فأجابه مصنفه عنها في شرحه الذي سماه منع الموانع ونظم في العربية أرجوزة وأفرد لنفسه ترجمة في جزء وله سلاح الاحتجاج في الذب عن المنهاج والغياث في تفصيل الميراث وآداب الفتوى والانتظام في أحوال الأيتام وغرائب السير ورغائب الفكر في علم الحديث وتهذيب الأخلاق بذكر مسائل الخلاف والاتفاق ورسائل الإنصاف في علم الخلاف وتحبير الظواهر في تحرير الجواهر وأخلاق الأخيار في فهم الأذكار والكوكب المشرق في المنطق ومصباح الزمان في المعانى والبيان وشرحه وسلسال الغرب في كلام العرب ودقائق الآثار في مختصر مشارق الانوار والمناهل الصافية في حل الكافية لابن الحاجب ومصنفاته كثيرة جدا وله نظم حسن فمنه ( عدوك اما معلن أو مكاتم *** وكل بأن تخشاه أو تتقى قمن ) ( وزد حذرا ممن تجده مكاتما *** فليس الذي يرميك جهرا كمن كمن ) ومات في منتصف ذي الحجة سنة 808 ثمان وثمان مائة(2/247)
محمد بن محمد بن محمد بن عرفة أبو عبد الله الورغمى بفتح الواو وسكون الراء وفتح المعجمة وتشديد الميم نسبة إلى ورغمة قرية من افريقية التونسى المالكى عالم المغرب المعروف بابن عرفة ولد سنة 716 ست عشرة وسبعمائة وتفقه ببلاده على أبي عبد الله بن عبد السلام الهوارى شارح مختصر ابن الحاجب الفرعى وعنه أخذ الأصول وقرأ القراءات على ابن سلامة الأنصاري وسمع على جماعة هناك ومهر في المعقول والمنقول وصار المرجوع إليه بالمغرب وتصدى لنشر العلم مع الجلالة عند السلطان فمن دونه والدين المتين والتوسع في الدنيا والتظاهر بالنعمة في مأكله وملبسه وكثرة الصدقة والإحسان إلى الطلبة مع اخفائة لذلك وقدم للحج في سنة 796 وأجاز لابن حجر وصنف مجموعا في الفقه سماه المبسوط في سبعة أسفار واختصر الجوفى في الفرائض وعلق عنه بعض أهل العلم كلاما في التفسير في مجلدين كان يلتقطه حال القراءة عليه وصنف في كل من الأصلين مختصرا وكذا في المنطق ومات في رابع وعشرين جمادى الآخرة سنة 803 ثلاث وثمان مائة
محمد بن محمد بن محمد بن علي بن إبراهيم بن عبد الخالق المحب أبو القاسم النويرى الميموني القاهرى المالكي المعروف بأبي القاسم النويرى نسبة إلى نويرة قرية من قرى الصعيد ولد في رجب سنة 801 احدى وثمان مائة بالميمون وهو أيضا قرية من قرى مصر وقدم القاهرة فحفظ القرآن وعدة مختصرات وتلا بالعشر على غير واحد منهم ابن الجزرى لقيه بمكة ولازم البساطي وأخذ عن الهروى وابن حجر والزين الزركشى وأخذ عن غيرهم وبرع في الفقه والأصلين والنحو والصرف والعروض والقوافى والمنطق والمعانى والبيان والحساب والفلك والقراءات وغيرها وصنف في أكثر هذه الفنون فمن ذلك تكميل شرح المختصر الفرعى وشرح أيضا كلا مختصرى ابن الحاجب الأصلى والفرعى وشرح التنقيح للقرافي في مجلد ونظم أرجوزة في النحو والصرف والعروض والقوافي في خمس مائة بيت وخمسة وأربعين بيتا وشرحها وله مقدمة في النحو ومنظومة في القراءات الثلاث الزايدة(2/248)
على السبع وشرحها ونظم نزهة ابن الهايم وشرحها وله قصيدة في علم الفلك وشرحها وشرح طيبة النشر في القراءات العشر لشيخه ابن الجزرى في مجلدين وله القول الجاز من قرأ بالشاذ وحج وجاور وأقام بغزة والقدس ودمشق وغيرها من البلاد وانتفع به الناس في هذه النواحى قال السخاوى وكان اماما علامة متفننا فصيحا مفوها بحاثا ذكيا آمرا بالمعروف ناهيا عن المنكر صحيح العقيدة شهما مترفعا على بنى الدنيا مغلظا لهم في القول متواضعا للطلبة والفقراء وربما يفرط ذا كرم بالمال والإطعام يتكسب بالتجارة بنفسه وبغيره مستغنيا عن وظائف الفقهاء عرض عليه التدريس بمدارس والقضاء فأبى مات يوم الاثنين رابع جمادى الأولى سنة 897 سبع وتسعين وثمان مائة بمكة
محمد بن محمد بن محمد بن على بن يوسف الدمشقى ثم الشيرازى المقرى الشافعى المعروف بابن الجزرى
نسبة إلى جزيرة ابن عمر قرب الموصل كان أبوه تاجرا فمكث أربعين سنة لا يولد له ولد ثم حج فشرب ماء زمزم بنية أن يرزقه الله ولدا عالما فولد له صاحب الترجمة في ليلة السبت الخامس والعشرين من رمضان سنة 751 احدى وخمسين وسبعمائة بدمشق فنشأ بها فأخذ القراءات عن جماعة ثم رحل إلى القاهرة فسمع من جماعة كأصحاب الفخر بن البخارى وأصحاب الدمياطي ورحل إلى الإسكندرية فقرأ على أهلها كابن الدماميني وجد في طلب الحديث بنفسه وكتب الطباق وأخذ الفقه عن الأسنوى والبلقينى والبهاء السبكى وأخذ الأصول والمعاني والبيان عن الضياء القرمى والحديث عن العماد بن كثير والعراقى واشتد شغفه بالقراءات حتى جمع(2/249)
العشر ثم الثلاث عشرة وتصدى للإقراء بجامع بنى أمية ثم دخل بلاد الروم سنة 798 واتصل بالسلطان بايزيد خان فأكرمه وعظمه فنشر هنالك علم القراءات والحديث وانتفعوا به فلما دخل تيمورلنك بلاد الروم أخذه معه إلى سمرقند فأقام بها ناشرا للعلم وكان وصوله إليها سنة 805 ولما مات تيمور في شعبان سنة 807 خرج من سمرقند إلى خراسان ودخل هراة ثم دخل مدينة يزد ثم اصبهان ثم شيراز وانتفع به الناس في جميع هذه الجهات لا سيما في القراءات وألزمه سلطان شيراز أن يلى قضاءها فأجاب مكرها ثم خرج منها إلى البصرة ثم جاور بمكة والمدينة سنة 823 ثم قدم دمشق سنة 827 ثم القاهرة واجتمع بالسلطان الأشرف فعظمه وأكرمه وتصدى للإقراء والتحديث ثم عاد إلى مكة ودخل اليمن فعظمه صاحبها وأكرمه وأخذ عنه جماعة من علماء اليمن وعاد إلى مكة ثم إلى القاهرة ثم إلى الشيراز وله تصانيف كثيرة نافعة منها النشر في القراءات العشر في مجلدين والتمهيد في التجويد واتحاف المهرة في تتمة العشرة وإعانة المهرة في الزيادة على العشرة ونظم طيبة النشر في القراءات العشر في ألف بيت ونظم المقدمة فيما على قاريه أن يعلمه والتوضيح في شرح المصابيح والبداية في علوم الرواية والهداية في فنون الحديث وطبقات القراء في مجلد ضخم وغايات النهايات في أسماء رجال القراآت والحصن الحصين من كلام سيد المرسلين وعدة الحصن الحصين وجنة الحصن الحصين والتعريف بالمولد الشريف وعقد اللئالى في الأحاديث المسلسلة الغوالى والمسند الأحمد فيما يتعلق بمسند أحمد والقصد الأحمد في رجال(2/250)
مسند أحمد والمقصد الأحمد في ختم مسند أحمد وأسنى المناقب في فضل على بن أبي طالب والجوهرة في النحو وغير ذلك وكان تصنيفه لهذه المصنفات في الجهات التى تقدم ذكرها وقد تفرد بعلم القراآت في جميع الدنيا ونشره في كثير من البلاد وكان أعظم فنونه وأجل ما عنده ومات بشيراز يوم الجمعة خامس ربيع الأول سنة 833 ثلاث وثلاثين وثمان مائة وحكى صاحب الشقائق النعمانية في علماء الدولة العثمانية أن صاحب الترجمة لما وصل هو وتيمور إلى سمرقند عمل تيمور هنالك وليمة عظيمة وجعل على يساره أكابر الأمراء وعلى يمينه العلماء فقدم صاحب الترجمة على السيد شريف الجرجانى المقدم ذكره فعوتب في ذلك فقال فكيف لا أقدم رجلا عارفا بالكتاب والسنة
السيد محمد بن محمد بن محمد بن محمد بن عبد الله بن محمد ابن عبد الله بن فهد التقى الهاشمى العلوى الأصفونى ثم المكى الشافعى المعروف كسلفه بابن فهد ولد في عشية الثلاثاء خامس ربيع الثانى سنة 787 سبع وثمانين وسبعمائة بأصفون من صعيد مصر ثم انتقل به أبوه إلى مكة فحفظ بها مختصرات وسمع الكثير على مشايخ بلده والقادمين إليها وكتب عمن دب ودرج وكان من جملة من أخذ عنه المراغى وأبو اليمن الطبرى وسمع بالمدينة عن أهلها ودخل اليمن فلقى أكابرها كالمجد صاحب القاموس وسمع منه ومن غيره وبرع في الحديث وفاق أقرانه وصار المعول عليه في هذا الشأن ببلاد الحجاز قاطبة وانتفع به الناس وألف مؤلفات منها الباهر الساطع من سيرة ذى البرهان القاطع وفي سيرة الخلفاء والملوك في مجلدين وكذا في أذكار(2/251)
الكتاب والسنة والمطالب السنية العوالى بما لقريش من المفاخر والمعالى وبهجة الدماثة بما ورد في فضل المساجد الثلاثة وطرق الإصابة بما جاء في فضائل الصحابة وتحفة العلماء الأتقياء بما جاء في قصص الأنبياء وتأميل نهاية التقريب وتكميل التهذيب جمع فيه بين تهذيب الكمال ومختصريه للذهبى وابن حجر والأشراف على جميع النكت الظراف وتحفة الأشراف بمعرفة الأطراف في ثلاث مجلدات وذيل على طبقات الحفاظ ومات يوم السبت سابع ربيع الأول سنة 871 احدى وسبعين وثمانمائة بمكة ومن نظمه ( قالت حبيبة قلبى عندما نظرت *** دموع عينى على الخدين تستبق ) ( فيما البكاء وقد نلت المنى زمنا *** فقلت خوف الفراق الدمع يندفق ) محمد بن محمد بن محمد بن محمد بن محمد بن محمد بن محمد العلاء البخارى العجمى الحنفى ولد سنة 779 تسع وسبعين وسبعمائة ببلاد العجم ونشأ بها فأخذ عن أبيه وعن السعد التفتازانى وآخرين وارتحل في شبيبته إلى الأقطار لطلب العلم إلى أن تقدم في الفقه والأصلين والعربية واللغة والمنطق والجدل والمعانى والبيان والبديع وغير ذلك من المعقولات والمنقولات وترقى في التصوف ومهر في الأدبيات وتوجه إلى بلاد الهند ونشر العلم هنالك وكان ممن قرأ عليه ملكها ثم قدم مكة فجاور بها ثم قدم القاهرة فأقام بها سنين وانثال عليه الطلبة من كل مذهب وعظمه الأكابر وغيرهم بحيث كان إذا اجتمع عنده القضاة يكونون عن يمينه وعن يساره كالسلطان وإذا حضر عنده أعيان الدولة بالغ في وعظهم والإغلاظ(2/252)
عليهم وتراسل السلطان معهم بما هو أشد في الإغلاظ مع كونه لا يحضر مجلسه وهو مع هذا لا يزداد الا جلالا ورفعة ومهابة في القلوب واتفق في بعض المجالس عنده جرى ذكر ابن عربى وكان يكفره ويقبحه وكل من يقول بمقالته فشرع العلاء في تقرير ذلك ووافقه أكثر من حضر إلا البساطي فقال إنما ينكر الناس عليه ظاهر الألفاظ التى يقولها وإلا فليس في كلامه ما ينكر إذا حمل لفظه على معنى صحيح بضرب من التأويل ومن جملة ما دار في ذلك انكار الوحدة وقرر العلاء انكار ذلك فقال له البساطى أنتم ما تعرفون الوحدة المطلقة فلما سمع ذلك استشاط غضبا وصاح بأعلى صوته أنت معزول ولو لم يعزلك السلطان يعنى لتضمن ذلك كفره عنده واستمر يصيح وأقسم بالله إن السلطان إن لم يعزله من القضاء ليخرجن من مصر فأشير على البساطى بمفارقة المجلس اخمادا للفتنة وبلغ السلطان ذلك فأمر بإحضار القضاة عنده فحضروا فسألهم عن مجلس العلاء فقصه كاتب السر وهو ممن حضر المجلس فسأل السلطان الحافظ بن حجر عن تكفير العلاء للبساطى وماذا يستحسن هل العزل أو التعزير فقال ابن حجر لا يجب عليه شىء بعد اعترافه وكان البساطى قد اعترف بكفر ابن عربى في مجلس السلطان وأرسل السلطان الى العلاء يترضاه فأبى ورحل عن مصر وكان قد أرسل إليه قبل رحلته عن مصر سلطان الهند بثلاثة آلاف شاش ففرقها على الطلبة الملازمين له وبعد ارتحاله سكن دمشق وصنف رسالة سماها فاضحة الملحدين زيف فيها ابن عربى وأتباعه واتفقت له حوادث بدمشق منها أنه كان يسئل عن مقالات ابن(2/253)
تيمية التى انفرد بها فيجيب بما يظهر له من الخطأ وينفر عنه قلبه إلى أن استحكم ذلك عليه فصرح بتبديعه ثم تكفيره ثم صار يصرح في مجلسه أن من أطلق على ابن تيمية أنه شيخ الإسلام فهو بهذا الاطلاق كافر فانتدب للرد عليه الحافظ بن ناصر وصنف كتابا سماه الرد الوافر على من زعم أن من أطلق على ابن تيمية أنه شيخ الإسلام كافر جمع فيه كلام من أطلق عليه ذلك من الأئمة الأعلام من أهل عصره من جميع أهل المذاهب سوى الحنابلة وضمنه الكثير من ترجمة ابن تيمية وذكر مناقبه وأرسل بنسخة منه إلى القاهرة فقرظه جماعة من أعيانها كابن حجر والعلم البلقينى والعينى والبساطى وكتب العلاء كتابا إلى السلطان يغريه بمصنف الرسالة وبالحنابلة فلم يلتفت السلطان إلى ذلك وما كان أغنى صاحب الترجمة ذلك ولكن الشيطان له دقايق لا سيما في مثل من هو في هذه الطبقة من الزهد والعلم قال السخاوى ويقال ان جنية كانت تابعة للعلاء وكانت تأتيه في شكل حسن وتارة في شكل قبيح فتتراءى له من بعيد وهو مع الناس فيغمض عينيه ويقرأ ويغيب عن الناس فيظن أنه خشوع وتلاوة وكان شديد النفرة ممن يلى القضاء ونحوه من جماعته ولكن لما ولى الكمال بن البرارى قضاء الشام أظهر السرور وقال الآن أمن الناس على دمائهم وأموالهم وكان كثير الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر ومات يوم الخميس الثالث والعشرين من رمضان سنة 814 احدى وأربعين وثمان مائة بالمرة ودفن بسطحها وقال المقرى في عقوده كان يسلك طريقا من الورع فيسمح في أشياء يحمله عليها بعده عن معرفة السنن والآثار وانحرافه عن الحديث وأهله بحيث كان ينهى
عن النظر في كلام النووى ويقول هو ظاهر ويحض على كتب الغزالى انتهى و من هذه الحيثية قال في ابن تيمية ما قال وليس في علم انسان خير إذا كان لا يعرف علم الحديث وإن بلغ في التحقيق إلى ما ينال(2/254)
محمد بن محمد بن محمد بن محمد بن محمود بن الشهاب غازى بن ايوب ابن حسام الدين محمود شحنة حلب المحب أبو الفضل الحلبى الحنفى المعروف كسلفه بابن الشحنة ولد في رجب سنة 804 أربع وثمان مائة بحلب ونشأ بها فأخذ عن جماعة من أعيانها كالبدر بن سلامة وابن خطيب الناصريه ورحل إلى دمشق والقاهرة فأخذ عن أعيانهما وكان يتوقد ذكاء وفطنة حتى انه سأله عمه وهو ابن اثنتى عشر سنة انه يعارض قول الشاعر ( امط اللثام عن العذار السايل *** ليقوم عذرى فيك بين عواذلى ) فقال بديهة ( اكشف لثامك عن عذارك قاتلى *** لتموت غبنا ان رأتك عواذلى ) وولى قضاء حلب وكثيرا من أمورها حتى صار المرجع إليه في غالب الأشياء بها ثم ولى قضاء الحنفية بمصر وكتابة سرها وجرت له أمور يطول شرحها حسبما بسطه السخاوى في الضوء اللامع وله تصانيف منها شرح الهداية كتب منه إلى آخر الغسل في خمسة مجلدات واختصار المنار واختصار النشر وشرح العقائد والكلام على التلخيص وترتيب مبهمات ابن بشكوال وطبقات الحنفية في مجلدات وكان فصيحا مفوها ذا رياسة وحشمة وافرة وجلالة عند السلاطين فمن دونهم وأبهة زائدة وميل الى المناصب وقدرة على تحصيلها ودراية في كل ذلك ومات يوم الأربعاء سادس عشر المحرم سنة 890 تسعين وثمان مائة(2/255)
محمد بن محمد بن محمد بن محمود الحلبى الحنفى المعروف بابن الشحنة الكبير
والد المذكور قبله ولد سنة 749 تسع وأربعين وسبعمائة بحلب ونشأ بها وأخذ عن شيوخ بلده والقادمين إليها وارتحل إلى دمشق والقاهرة فأخذ عن أعيانها وأذن له شيخه في الإفتاء والتدريس قبل أن يلتحي واشتهرت فضايله وولى قضاء بلده وولى قضاء مصر ودمشق ولما فتح تيمورلنك حلب وكان صاحب الترجمة بها فاستحضره هو وطائفة من العلماء وسألهم عن القتلى من الطائفتين من أصحابه ومن أهل حلب من في الجنة منهم ومن في النار فقال صاحب الترجمة هذا سؤال قد سئل عنه رسول الله فاستنكر تيمورذلك فقال له ان رسول الله سئل عن الرجل يقاتل شجاعة والرجل يقاتل حمية كما في الحديث فقال من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا فهو في سبيل الله فاستحسن تيمور كلامه ولله دره فلقد لقن الصواب وجاء بما لم يكن في حساب ولم يكن لتيمور مقصد بالسؤال المذكور إلا التوصل إلى سفك دمه ودم من معه من العلماء كما جرت بذلك عاداته فإنهم ان قالوا ان المحقين أصحابهم لم يأمنوا شره وإن قالوا ان المحقين أصحابه أقروا على أنفسهم بالغى ويجد بذلك السبيل إلى سفك دمائهم وله مؤلف في التفسير وحاشية على الكشاف ولم يكمل ومختصر في الفقه واختصر منظومة النسفى في ألف بيت مع زيادة مذهب أحمد ونظم ألف بيت في عشرة علوم وبالجملة فهو من أفراد الدهر علما وفصاحة وعقلا ورياسة(2/256)
وانتهى أمره إلى أن ترك التقليد واجتهد وناهيك بذلك من مثله في عصره ومصره فإن هذا باب قد سد منذ دهر وله تاريخ مختصر وقفت عليه جعله مختصرا من تاريخ المؤيد صاحب حماه وزاد عليه إلى زمانه وشرح فيه واقعته مع تيمور حسبما تقدمت الإشارة إلى ذلك وله سيرة نبوية ورحلة ومن نظمه ( كنت بخفض العيش في رفعة *** منتصب القامة ظلى ظليل ) ( فاحدودب الظهر وها أضلعي *** تعد والأعين منى تسيل ) ومات يوم الجمعة ثانى ربيع الآخر سنة 815 خمس عشرة وثمان مائة
السيد محمد بن محمد بن هاشم بن يحيى الشامي
نسبة إلى جماعة من السادة الواصلين إلى اليمن من الشام يسكنون ببلاد خولان الصنعاني سيأتي تمام نسبه في ترجمة جده ولد سنة 1178 ثمان وسبعين ومائة وألف ونشأ بصنعاء فأخذ في أنواع من العلم على جماعة من أعيانها وقرأ على في النحو والصرف والمنطق والمعانى والبيان والأصول والحديث وهو من خيار السادة ونبلاء الفضلاء القادة له من محاسن الأخلاق ومكارم الصفات ماليس لغيره مع عقل رصين ودين متين واشتغال بخاصة النفس وتفويض للأمور وعفاف وعزة نفس وهو من بيت معمور بالآدب والعلوم وسيأتي ذكر ابيه وجده ان شاء الله وهو الآن في الحياة عامله الله بالطافه وله نظم قد كتب الى منه كثيرا ولم يحضر حال تحرير هذه الترجمة شيء منه وهو الآن يقرأ على في شرحى للمنتقى ويحصله بخطه وفي مؤلفى المسمى بالدرر وشرحه المسمي بالدراري
وغير ذلك من مؤلفاتي وغيرها(2/257)
محمد بن محمد بن وقيل محمد بن حمزة الفنادى
ويقال الفنارى بالراء مكان الدال المهملة نسبة إلى قرية مسماة كفساد كما قال الأسيوطي حاكيا لذلك عن جد صاحب الترجمة ولد في صفر سنة 751 إحدى وخمسين وسبعمائة وأخذ عن علاء الدين الأسود وشارح المغنى والوقاية وعن محمد الاقسرائى ببلاده وارتحل إلى مصر وأخذ عن الشيخ اكمل الدين وغيره ثم رجع إلى الروم فولى قضاء بروسا وارتفع قدره عند ابن عثمان جدا وحل عنده المحل الأعلى فصار في معنى الوزير واشتهر ذكره وشاع فضله قال ابن حجر كان عارفا بعلم العربية والمعانى والبيان والقراآت كثير المشاركة في الفنون وكان حسن السمت كثير الفضل والأفضال ولما دخل القاهرة يريد الحج اجتمع به فضلاء العصر وذاكروه وباحثوا وشهدوا له بالفضيلة ثم رجع وكان قد أثرى إلى الغاية حتى يقال ان عنده من النقد خاصة مائة وخمسين ألف دينار وحج سنة 823 فلما رجع طلبه المؤيد فدخل القاهرة واجتمع بفضلائها ثم رجع إلى القدس فزار ثم رجع إلى بلاده ثم حج في سنة 833 ورجع إلى بلاده ومات بشهر رجب من هذه السنة وقيل في التي بعدها وهو مصنف فصول البدائع في أصول الشرائع جمع فيه المنار والبزدوى ومحصول الإمام الرازى ومختصر ابن الحاحب وغير ذلك وأقام في عمله ثلاثين سنة وهو من أجل الكتب الأصولية وأنفعها وأكثرها فوائد وله تفسير للفاتحة ورسالة أتى فيها بمسائل من مائة فن وتكلم فيها على مسائل مشكلة(2/258)
وسماها نموذج العلوم وله منظومة في عشرين فنا أتى في كل فن بمسئلة وغير أسماء تلك الفنون بطرق الألغاز امتحانا لفضلاء دهره ولم يقدروا على تعيين فنونها فضلا عن حل مسائلها مع انه قال انه عمل ذلك في يوم وقد حلها ابنه محمد وكتب منظومة يتضمن الجواب على منظومة والده ولصاحب الترجمة شرح على الرسالة الأثيرية في المنطق وذكر انه عمل ذلك في يوم وشرح الفرايض السراجية وله تعليقة على شرح المواقف للسيد شريف الجرجانى وأخذه مؤاخذات لطيفة وقد انتفع بعلمه الطلبة في بلاد الروم مع اشتغاله بالقضاء وكان له جلالة وأبهة بحيث ان عبيده لا يكاد يحصون منهم اثنا عشر ملبسون الثياب الفاخرة النفيسة وله جوار عدة منهن اربعون تلبس القلانس الذهبية ومع ذلك كان متزهدا في ملبوسه على زى الصوفية وكان يقول إذا عوتب في ذلك ان ثيابى وطعامى من كسب يدى ولا يفى كسبى بأحسن من ذلك وخلف ثروة عظيمة فيها من الكتب نحو عشرة آلاف ومن تصلبه في الدين وتثبته في القضاء أنه رد شهادة سلطان الروم في قضية فسأله السلطان عن سبب ذلك فقال انك تارك للجماعة فبنى السلطان قدام قصره جامعا وعين لنفسه فيه موضعا ولم يترك الجماعة بعد ذلك فلله در هذا العالم الصادع بالحق مع ما هو فيه من التقلب في نعمة سلطانه التى سمعت بعض وصفها ورب عالم لا يقدر على الكلمة الواحدة في الحق لمن له عليه أدنى نعمة مخافة من زوالها بل رب عالم يمنعه رجاء العطية ونيل الرتبة السنية عن التكلم بالحق ولم يكن بيده الا مجرد الأمانى الأشعبية ورحم الله هذا السلطان الذى سمع الحق فاتبع ولم تصده سورة الملك وما هو فيه من سلطان الذى كاد(2/259)
يطبق الأرض عن قبول ذلك وهذا السلطان المرحوم هو السلطان بايزيد ابن مراد المتقدم ذكره ثم انه جرى بين صاحب الترجمة وبين السلطان المذكور بعض المخالفة فارتحل إلى بلاد قرمان وترك مناصبه قال صاحب الشقايق النعمانية وعين له صاحب قرمان في كل يوم الف درهم ولطلبته كل يوم خمسمائة درهم ثم ان السلطان المذكور ندم على ما فعل في حق صاحب الترجمة فأرسل إلى صاحب قرمان يستدعيه منه فأجابه إلى ذلك وعاد إلى ما كان عليه وقد كان ضعف بصره ثم شفى فحج شكرا لله الحجة الآخرة المتقدم ذكرها ويروى أن وزير السلطان قال في بعض الأيام أرجو الله أن أصلى على هذا الشيخ الأعمى يعنى صاحب الترجمة فسمعه فقال انه جاهل لا يحسن الصلاة على الميت وأرجو الله أن يشفينى ويعميه وأصلى عليه فشفاه الله وكحل السلطان الوزير بحديدة محماة فعمى ثم مات وصلى عليه صاحب الترجمة ويروى في سبب عمى المترجم له انه لما سمع أن الأرض لا تأكل لحوم العلماء العاملين نبش قبر استاذه علاء الدين الأسود ليتحقق ذلك فوجده كما وضع مع أنه قد مر عليه زمان طويل فسمع عند ذلك صوتا يقول هل صدقت اعمى الله بصرك وقد ترجمه السخاوى في الضوء اللامع ترجمة مختصرة فقال محمد بن حمزة بن محمد العثمانى الشهير بابن الفنارى كتب على استدعاء في ثانى عشر ذى الحجة سنة 822 حين حج بمكة ومولده في منتصف سنة 751 ولقد لقيت بعض أصحابه فكتبت عنه من نظم صاحب الترجمة انتهى وكان يستحق التطويل فإن السخاوى يطيل تراجم من لا يبلغ إلى بعض رتبته ولعل عذره في ذلك بعد الديار(2/260)
محمد خان بن مراد خان بن محمد خان بن بايزيد خان بن اورخان ابن عثمان الغازى سلطان الروم وابن سلاطينها ولد سنة 836 ست وثلاثين وثمان مائة وهو الذي أسس ملك بنى عثمان وقرر قواعده ومهد قوانينه وهو الذي افتتح القسطنطينة الكبرى وساق إليها السفن برا وبحرا وكان فتحها في يوم الأربعاء من جمادى الآخرة سنة 857 واستقر بها هو ومن بعده من السلاطين وبنى بها المدارس الثمان المشهورة وكان مائلا إلى العلماء مقربا لهم يخلطهم بنفسه ويأخذ عنهم في كل علم ويحسن إليهم ويستجلبهم من الأقطار النائية ويراسلهم ويفرح إذا دخل إلى مملكته واحد منهم وله معهم أخبار مبسوطة في الشقائق النعمانية عند ذكر علماء دولته وتوفي سنة 886 ست وثمانين وثمان مائة السلطان محمد بن مراد بن سليم بن سليمان جلس على سرير السلطنة سنة 1003 ومات سنة 1012 السلطان محمد بن إبراهيم بن أحمد بن محمد المذكور قبله ولد سنة 1049 وجلس على تخت السلطنة سنة 1058 وله فتوحات عظيمة ومناقب جمة ومات سنة 1099(2/261)
محمد بن مصلح الدين القوجوي الرومى الحنفى محيى الدين المعروف بشيخ زاده قرأ على علماء عصره الروميين ولازم ابن فضل الدين وبرع في العلوم ودرس بمدارس الروم ثم رغب عن ذلك ولازم بيته وعين له السطان بعد ترك التدريس كل يوم خمسة عشرة درهما وكان يقول انه يكفيه عشرة دراهم وهو مؤلف حاشية تفسير البيضاوي في ستة مجلدات بعبارات واضحة جلية ينتفع بها المبتدىء وله شرح على الوقاية في الفقه وشرح للفرائض السراجية وشرح لمفتاح العلوم للسكاكى وشرح للبردة ويحكى عنه أنه قال إذا اشكلت عليه آية من آيات كتاب الله تعالى توجه إلى الله تعالى فيتسع صدره حتى يكون قدر الدنيا فيطلع فيه قمران لا يدرى أى شيء هما ثم يظهر نور فيكون دليلا إلى اللوح المحفوظ فيستخرج منه معنى الآية حكى ذلك عنه صاحب الشقائق النعمانية وحكى عنه أنه قال إذا عملت اليوم بالعزيمة لا أريد اليوم إلا وأنا في الجنة وإذا عملت بالرخصة لا يحصل لى هذا الحال وحكى عنه صاحب الشقائق أيضا أنه تولى القضاء وكان يرى رسول الله في كل أسبوع مرة فترك القضاء طمعا في كثرة رؤيته في المنام لرسول الله فلم يره بعد تركه للقضاء فدخل في القضاء ثانيا قرآه فقال له يا رسول الله انى تركت القضاء ليزيد قربى منكم فلم يقع كما رجوت فقال له رسول الله إن المناسبة بينى وبينك عند القضاء أزيد من المناسبة عند الترك لأنك عند القضاء تشتغل بإصلاح نفسك وإصلاح أمتى وعند الترك لا تشتغل الا بإصلاح نفسك ومتى زدت في الإصلاح زدت تقربا منى ومات في سنة 951 إحدى وخمسين وتسعمائة(2/262)
الإمام المهدى محمد بن المطهر بن يحيى بن المرتضى بن المطهر بن القاسم بن المطهر بن على بن الناصر بن الهادى يحيى بن الحسين بويع بالخلافة عند موت والده سنة 690 وافتتح مواضع منها عدن ابين وله علم واسع يدل على ذلك مصنفه الذى سماه المنهاج الجلى في فقه زيد بن على ومن مصنفاته عقود العقيان في الناسخ والمنسوخ من القرآن والسراج الوهاج في حصر مسائل المنهاج والكواكب الدرية شرح الأبيات البدرية قال صاحب الإفادة في سيرة الأئمة السادة ولم يقل بإمامته أكثر شيعة زمانه قال في كاشف الغمة واعلم وفقك الله أن علماء الظاهر تحاملوا عليه وأنكروا فضله حتى ان بعض أفاضلهم كان يقول لا فرق بينه وبين صاحب ظفار معناه في الظلم وأن مقعدا ركب دابة وجيء به إليه فمسح عليه فشفاه الله تعالى من فوره فبلغ ذلك أهل الظاهر فقالوا هذه علة تزول بالهزهزة فلما ركب الدابة زالت العلة وكانت بينه وبين سلاطين اليمن بنى رسول وقعات كثيرة وملك آخر الأمر صنعاء وكان وفاته في حصن ذى مرمر ونقل إلى صنعاء ومشهده في جامعها قريب من قبر السيد يحيى صاحب الياقوتة والجوهرة وموته بعد السابعة فلهذا ذكرته ثم وقفت على تاريخ موته في طبقات السيد إبراهيم بن القاسم ابن المؤيد قال انه مات في ذى مرمر لثمان بقين من ذى الحجة سنة 728 ثمان وعشرين وسبعمائة قال وكانت دعوته سنة 701 وهذا يخالف ما تقدم وأرخ موته يحيى بن الحسين بن القاسم في أنباء الزمن سنة 729 وذكر له وقائع كثيرة وافتتاح حصون عديدة من جملتها ذى مرمر وافتتاح مدن من جملتها صنعاء(2/263)
محمد بن موسى بن عيسى بن على الكمال أبو البقاء الدميرى
الأصل القاهرى الشافعى ولد في أوائل سنة 742 اثنتين وأربعين وسبعمائة تقريبا كما كتب ذلك بخطه ونشأ بالقاهرة فتكسب بالخياطة ثم أقبل على العلم فقرأ على التقى السبكى وأبى الفضل النويرى والجمال الأسنوى وابن الملقن والبلقينى وأخذ الأدب عن القيراطى والعربية وغيرها عن البهاء بن عقيل وسمع من جماعة وبرع في التفسير والحديث والفقه وأصوله والعربية والأدب وغير ذلك وتصدى للإقراء والإفتاء وصنف مصنفات جيدة منها شرح سنن ابن ماجه في نحو خمس مجلدات سماه الديباجه مات قبل تبييضه وشرح المنهاج في أربع مجلدات سماه النجم الوهاج لخصه من شرح السبكى والأسنوى وغيرهما وزاد على ذلك زوائد نفيسة ونظم في الفقه أرجوزة مفيدة وله تذكرة حسنة ومن مصنفاته حياة الحيوان الكتاب المشهور الكثير الفوائد مع كثرة مافيه من المناكير واختصر شرح الصفدى للامية العجم وأفتى بمكة ودرس بها في أيام مجاورته قال ابن حجر اشتهر عنه كرامات وأخبار بأمور مغيبات يسندها إلى المنامات تارة وإلى بعض الشيوخ اخرى وغالب الناس يعتقد أنه يقصد بذلك الستر ومات في ثالث جمادى الأولى سنة 808 ثمان وثمان مائة ومن نظمه ( بمكارم الأخلاق كن متخلقا *** ليفوح ند ثنائك العطر الشذى ) ( وأصدق صديقك ان صدقت صداقة *** وادفع عدوك بالتى فإذا الذي )(2/264)
السيد محمد بن هاشم بن يحيى الشامى ثم الصنعانى
سيأتى تمام نسبه في ترجمة والده وهو الأديب البارع الفائق ولد تقريبا سنة 1140 أربعين ومائة وألف أو قبلها ونشأ بصنعاء فأخذ عن جماعة من أهلها ومنهم والده العلامة وكان زاهدا متعففا متقللا من الدنيا لا يبالى بما ظفر منها ولا بما فاته مع كونه كان نديما للوزير الكبير الفقيه أحمد ابن على النهمى بل كان يتصل بالإمام المهدى العباس بن الحسين كثيرا وعرضت عليه الأعمال فأباها تزهدا وتدينا ونظمه كله في الذروة العليا بحيث يفضل على كثير من المتقدمين ومنه من قصيدة ( يا بارقا أوهمنى تكراره *** اذ لاح من أرض بها فؤادى ) ( فلست ادرى هل حكى خفوقه *** خفوقه حول حمى سعاد ) ( أم اكتسى من لاعجى صقيلة *** فانعكست أشعة الترداد ) ( ايه أحاديثك يابرق الحمى *** ان كنت عمن فيهم تنادى ) ( هات عن الأينق أين عرست *** ولا أقول هات عن مرادى ) ( أين استقلت بالفريق انما *** عهدي بها حين حداها الحادى ) ( وحين شيعت فؤادى معهم *** بأدمع تملأ كل وادى ) *** ( إذ قوضوا تلك الخيام والنقا *** يرعد من قعقعة الأغماد ) ( بانوا فلا كاس المدام بعدهم *** كاسى ولا يطرب كل شادى ) ( واغدودف الليل فكاد فجره *** لو لاح أن ينظم في السواد ) ( وجاء نجم بعدهم كان بهم *** أمضى من الضمر في الطراد ) ( يسبل للمقلة من شعاعه *** حمايلا مسبلة الحداد ) ( يا روع الله النوى ترويعه *** لمهجة مملوكة القياد ) ( وأنت يا عهد اللقا حييت من *** دمع ومن منهلة الغوادى ) ( هل عودة يرتقص الأفق بها *** ويرتوى منها ظما الأكباد ) ( ويرجع القلب بها مقره *** ويطبق الجفن على السواد )(2/265)
ومن محاسن نظمه ما وصف به غبار موكب الخليفة وأجاد إلى الغاية ( سلاهب المجد نهرا سال منحدرا *** من السوابغ تحت البيض واليلب ) ( في ظلمة الليل يحكى في تعطفه *** وللأسنة فيه زاهر الشهب ) ( ملاعب الماء في جوف الدجنة *** يجرى الشمع فيه بألواح من الخشب ) ( ماء هو النار في الهيجاء يترك *** أرواح الأعادى فراشا عند ملتهب ) ومن غريب صنعه وبديع اختراعه هذان البيتان فيما لا يستحيل بالانعكاس وهما يفوقان على ما نظمه من قبله في ذلك ( أما لسلامكم قرب ورقم *** أمقرو برقمكم السلاما ) ( أمالك لا ترد صداه انا *** فإنا هاد صدرت الكلاما ) ودعانى رحمه الله إلى منزله في بعض الأيام فاحتفل في ذلك احتفالا زائدا وكان معى صديق لى من أعيان أهل العلم فكتب صاحب الترجمة إلى وإلى صاحبى بعد ذلك المجلس بأيام هذه الأبيات ( يانيرى فلك العلياء دام لنا *** من نور علمكما ما يكشف الظلما ) ( ولا تكدر هذا النور إن حجبت *** نور الزواهر سحب تمطر الديما ) ( ماذا تقولان فيما قد تقرر *** بالاجماع حقق هذا من به حكما ) ( وما علمنا خلافا فيه قط لمن *** مضى وخبره في الشعر أو نظما ) ( قالوا بأن شهادات القلوب إذا *** قامت بصدق وداد صار ملتزما ) ( ومن أحب امرأ صح القياس له *** قطعا بانهما في السلك قد نظما ) ( وقد تضمن تصديقا تصوره *** بنسبة لتساوى الود بينها ) ( وإنما الشوق من قسم المشكك هل *** في اعتراض قياس في استوائهما ) فأجبت عن هذا السؤال بقولى(2/266)
( وقد تردد في أشكاله فاء *** فيدوا مغرما صار مشتاقا لو صلكما ) ( يا ابن البهاليل والأطواد من مضر *** والمنعمين بسيب يخجل الديما ) ( قد دل نظمك للدر الثمين بلا *** شك بأنك بحر للعلوم طما ) ( ورمت ابداء عتب في ملاطفة *** وقد أسأت ببعدى فاحتمل كرما ) ( فالشوق بالشوق منقاس ومعتبر *** قضى بذلك خير الرسل والحكما ) ( ولا تشكك بالتشكيك فهو على *** تواطؤ باتحاد الجنس قد نظما ) ( وموجبات ودادى فيك مما سلبت *** ولا غدا عقد ود عنك منفصما ) ( ولا انفصلت لمنع الجمع مذ دلهت *** نفسى بمنع خلو صار ملتزما ) ( محصلات ودادى ما رضيت لها *** عنك العدول ولا وليتها العدما ) ( وقد تألف شكلانا على نمط *** له نتائج ود يمنع العقما ) وشعره في كل فن جيد ومن رام الوقوف على ما حكيته فلينظر في قصيدته الحائية التى قابل فيها بين الأضداد وضرب فيها الأمثال وجاء بمالا يقدر عليه غيره فمنها ( وكل محسب الأشياء مما *** يعانيه كئيبا أو مراحا ) ( إذا صدح الحمام يقول غنى المنعم *** والشجى يقول ناحا ) ( وإن برق أنار يقول هذا *** افترار ان يقل ذاك اقتداحا ) ( وقطر المزن شبههه دموعا *** حليف شجى ومنتجع سماحا ) ( وقال الشهب حايرة اناس *** وقال الآخرون مضت جماحا ) ( وجمع الفرقدين يقول وصل *** كما قد قيل للشكوى استراحا ) ( وقال الفجر قاطع لذة من *** لهى ومسهد فرج ألاحا ) ( وقيل الغصن لما مال قد *** ثنى أن يقال حلى النياحا )(2/267)
( وقضى الصبح والآصال نوحا *** فتى وفتى غبوقا واصطباحا ) ( وميزان الزمان بكفتيه *** ترى جد العجائب والمزاحا ) ( يقرب هازلا ويزيح جدا *** وكم عكس المقرب والمزاحا ) ( وكم ياسوا بوزن راجح كى *** يوفى من يزين له جراحا ) ( وكم دار الزمان فراح يسقى *** بكاسيه الورى صابا وراحا ) ( وكم اعطى فتى من بعد سلب *** وكم سلب العطية إذ أتاحا ) ( وكم سهم يريش ورب طير *** له قد بات يسلبه الجناحا ) *** وكم رقى إلى العلياء ندبا *** وآخر من شواهقها أطاحا ) ( وكم قد أخرس المنطيق يوما *** وأعطى الخرس ألسنة فصاحا ) ( وكم من حكمة خفيت علينا *** وأخرى وجهها الوضاح لاحا ) ( وكم أمر نشاهده فسادا *** وذاك فساده كان الصلاحا ) ( وكم ضاق الفتى بالخطب ذرعا *** وطى مضيقعه لقى الفساحا ) فلو لم يكن له إلا هذه القصيدة بل لو لم يكن له إلا بعض ابياتها لكان ذلك موجبا لعلو طبقته وكان موته رابع شهر محرم سنة 1207 سبع ومائتين وألف(2/268)
محمد بن يحيى بن أحمد بن دغرة بن زهرة الشمس الدمشقى الطرابلسى الشافعى المعروف بابن زهرة بضم الزاى ولد سنة 758 ثمان وخمسين وسبعمائة ونشأ بطرابلس فحفظ مختصرات وتفقه بابن قاضى شهبة والشرف الغزى ودخل القاهرة فلقى البلقينى وأخذ الأصول عن الشهاب الزهرى وغيره وسمع من جماعة كابن صديق والكمال بن النحاس وتصدر بالجامع
الأموى ثم انتقل إلى طرابلس وصار شيخها وعالمها وتصدى لنشر العلم وانتفع الناس به طبقة بعد طبقة وصنف شرحا للتنبيه في اربع مجلدات احترق في الفتنة وشرحا للتبريزى في ثلاث مجلدات وتفسيرا في نحو عشر مجلدات سماه فتح المنان في تفسير القرآن وتعليقا على الشرح والروضة في ثمان مجلدات وله تعليقة في مجلد كبير كالتذكرة يشتمل على مسائل وهو الذي قام على السراج الحمصي بسبب نظمه للقصيدة التى نظمها في الانتصار لابن تيمية وتكفير من كفره فتعصب عليه صاحب الترجمة وكفره وتبعه أهل بلده حبا فيه وتعصبا معه فلم يسع الحمصى إلا الفرار مات ليلة الجمعة الثامن والعشرين من جمادى الأولى سنة 848 ثمان وأربعين وثمان مائة(2/269)
محمد بن يحيى بن أحمد بن حنش اليمانى الزيدى
ولد بعد سنة 650 خمسين وستمائة وقرأ على علماء عصره حتى برع في فنون عدة وبلغ رتبة الاجتهاد وأخذ عنه جماعة من أكابر العلماء كالإمام محمد بن المطهر المتقدم ذكره وله مصنفات منها التمهيد والتفسير لفوائد التحرير في الفقه والغياصة في أصول الدين جعله شرحا للخلاصة للشيخ أحمد الرصاص وله تعليقات على اللمع في الفقه وشرح للتقرير للأمير الحسين والقاطعة في الرد على الباطنية في مجلدين وكان زاهدا عابدا مائلا إلى الخمول فصيح العبارة سريع الجواب مستحضرا للفنون محققا في جميع مباحثه ومات يوم الثلاثاء الخامس من ذى القعدة سنة 719 تسع عشر وسبعمائة وقبر بظفار
السيد محمد بن يحيى بن أحمد بن على بن محمد بن أحمد بن القاسم الحمزي الكبسى ثم الصنعاني ولد شهر جمادى الآخرة سنة 1154 أربع وخمسين ومائة وألف ورحل من وطنه إلى صنعاء وأخذ عن جماعة من أعيان علمائها كشيخنا العلامة الحسن بن إسماعيل المغربى والسيد العلامة القاسم بن محمد الكبسى والقاضى العلامة يحيى بن صالح السحولى وآخرين وبرع في النحو والصرف والمعانى والبيان والأصول والحديث والتفسير والفقه وصار من أكابر علماء العصر ولما مات والده ولى القضاء مكانه في الجهات الخولانية واستقر في غالب أيامه بوطنه هجرة الكبس وفي بعض أيامه يستقر بصنعاء ويفد إليه الناس لفصل الخصومات وهو من أعظم قضاة الزمن وأكثرهم معارفا وورعا وعفة وله اطلاع على علم التاريخ وأحوال من تقدم خصوصا رجال الحديث فإنه ماهر في ذلك مع حفظه لكثير من متون الأحاديث وعلل الأسانيد وبالجملة فهو من محاسن الدهر ولولا اشتغاله بالقضاء لكان له في نشر العلم بالتدريس والتأليف يد طولى وهو الآن حى نفع الله به ثم مات رحمه الله في شهر ربيع الأول سنة 1219 تسع عشرة ومائتين وألف في هجرة الكبس وتولى ما كان إليه أخوه العلامة الحسن حسبما تقدم في ترجمته(2/270)
محمد بن يحيى بن محمد بن أحمد بن محمد بن موسى بن أحمد ابن يونس بن حسن بن حجاج بن حسن بن إسماعيل ابن إبراهيم بن حميدان بن قمران بن مالك ابن عمر بن رازح بن أسعد بن يحيى بن ربيعة بن كعب بن سعد بن زيد مناه بن تميم بن مر اليمانى الصعدي المعروف ببهران الزيدى أحد علماء اليمن المشاهير كان في أوائل عمره يتنقل في المدائن اليمنية للتجارة ودخل إلى جهة الحبشة وهو مع ذلك يطلب العلم في كل محل يتجر فيه ومن مشاهير مشايخه السيد المرتضى بن قاسم وبرع في جميع الفنون وفاق أقرانه وتفرد برياسة العلم في عصره وصنف التصانيف الحافلة منها في الفقه شرح الأثمار للإمام شرف الدين في أربع مجلدات وفي العربية التحفة وفي الأصول الكافل وله مصنف في المعانى والبيان ومصنف في العروض والقوافى سماه الشافي وله تخريج البحر الزخار للإمام المهدى والمعتمد جمع فيه الأمهات الست ورتبه على أبواب الفقه وله حاشية على الكشاف اختصرها من حاشية العلوى وله التفسير الكبير جمع فيه بين تفسير الزمخشرى وتفسير ابن كثير وقد عم النفع بشرحه للأثمار المتقدم ذكره فإنه ذكر فيه من دقائق الفقه وحقائقه مالم يوجد في غيره وذكر الأدلة على مسائله ونقحه احسن تنقيح ويروى أنه لما وصل إلى الإمام شرف الدين مصنف المتن أمر بزفافه بالطبولخانة وطافوا به في المشاهد والمدارس ومعه أعيان العلماء والمتعلمين وقيل انه فعل ذلك في التفسير المذكور وله نظم مشهور منه القصيدة التى سلك فيها مسلك الطغرائى في لامية العجم ومطلعها ( الجد في الجد والحرمان في الكسل *** فانصب تصب عن قريب غاية الأمل ) ( وهى قصيدة فائقة مشتملة على حكم نافعة ومن نظمه الأبيات التى منها
( سرى وجلى عن مقلة النائم الغمض *** عشية حن الرعد وابتسم الومض ) ( وأسبل جفن الغيم واكف دمعه *** على صحن خد الأفق فاهتزت الأرض ) ( ولاعبت الأغصان وهنايد الصبا *** فأصبح يحكى السندس الورق الغض ) ومات بصعدة سنة 957 سبع وخمسين وتسعمائة(2/271)
محمد بن يعقوب بن محمد بن إبراهيم بن عمر بن أبى بكر بن أحمد ابن محمود بن ادريس بن فضل الله ابن الشيخ أبى اسحاق إبراهيم ابن على بن يوسف بن عبدالله المجد أبو طاهر الفيروزباذى الشيرازى اللغوى الشافعى الإمام الكبير الماهر في اللغة وغيرها من الفنون ولد سنة 729 تسع وعشرين وسبعمائة بكازرون من أعمال شيراز فحفظ القرآن وهو ابن سبع سنين وحفظ كتابا من اللغة وانتقل إلى الشيراز وهو ابن ثمان سنين وأخذ عن والده وعن القوام عبد الله ابن النجم وغيرهما من علماء شيراز وسمع على محمد بن يوسف الأنصاري وارتحل إلى العراق ودخل واسط وقرأ بها القراآت العشر ثم دخل بغداد فأخذ عن التاج بن السباك والسراج عمر بن على القزوينى وغيرهما ثم ارتحل إلى دمشق فدخلها سنة 755 فسمع من التقى السبكى وجماعة زيادة على مائة كابن القيم وطبقته ودخل بعلبك وحماه وحلب والقدس وسمع من جماعة من أهل هذه الجهات واستقر بالقدس نحو عشر سنين ودرس وتصدر وظهرت فضائله وكثر الأخذ عنه وتتلمذ له جماعة من الأكابر كالصلاح الصفدى ثم دخل القاهرة فلقى بها جماعة كالعز بن جماعة والأسنوي وابن هشام والبهاء بن عقيل وحج فسمع بمكة من اليافعى وغيره وجال في البلاد الشمالية والمشرقية ودخل الروم والهند ولقى جمعا من الفضلاء(2/272)
وحمل عنهم شيئا كثيرا ثم دخل اليمن فوصل إلى زبيد في سنة 796 بعد وفاة قاضى الأقضية باليمن كله الجمال الريمى شارح التنبيه فتلقاه الملك الأشرف إسماعيل بالقبول وبالغ في اكرامه وصرف له ألف دينار سوى ألف كان أمر ناظر عدن يجهزه بها واستمر مقيما لديه ينشر العلم فكثر الانتفاع به وبعد مضى نحو سنة اضاف إليه قضاء اليمن كله بعد ابن عجيل فقصده الطلبة وقرأ عليه السلطان فمن دونه في الحديث واستقر قدمه بزبيد إلى أن مات وكان السلطان الأشرف قد تزوج ابنته لمزيد جمالها ونال منه برا ورفعة بحيث صنف له كتابا وأهداه على أطباق فملأها له دراهم وفي أثناء هذه المدة قدم مكة مرارا فجاور بها وبالمدينة وطائف وعمل مآثر حسنة وكان زائد الحظ مقبولا عند السلاطين فلم يدخل بلدا إلا وأكرمه صاحبها مع كثرة دخوله إلى الممالك ومن جملة المكرمين له تيمورلنك وسلطان الروم ابن عثمان وشاه منصور صاحب تبريز وأحمد ابن أويس صاحب بغداد والأشرف صاحب اليمن وغيرهم ووصل إليه من عطاياهم شيء كثير فاقتنى من ذلك كتبا نفيسة حتى قال انه اشترى منها بخمسين ألف مثقال من الذهب وكان لا يسافر إلا ومعه منها عدة أحمال ويخرج أكثرها في كل منزل فينظر فيها ثم يعيدها وكانت له دنيا طائلة ولكنه كان لا يدفعها إلى من يسرف في انفاقها بحيث انه قد يملق أحيانا فيبيع بعض كتبه وله مصنفات كثيرة نافعة منها في التفسير لطائف ذوى التمييز في لطائف الكتاب العزيز في مجلدات وتنوير المقباس في تفسير ابن عباس أربع مجلدات وتيسير فاتحة الاياب في تفسير فاتحة الكتاب(2/273)
في مجلد كبير والدر النظيم المرشد إلى مقاصد القرآن العظيم وحاصل كورة الخلاص في فضائل سورة الإخلاص وشرح قطبة الخشاف في شرح خطبة الكشاف وفي الحديث والتاريخ شوارق العلية في شرح مشارق الأنوار النبوية أربع مجلدات وفتح البارى في شرح صحيح البخارى ولعل ابن حجر لم يسمع بذلك حيث سمى شرحه بهذا الاسم كمل منه نحو عشرين مجلدا وكان يقدر اتمامه في أربعين وعمدة الحكام في شرح عمدة الأحكام في مجلدات وامتضاض السهاد في افتراض الجهاد في مجلد والإسعاد بالإصعاد إلى درجة الاجتهاد ثلاث مجلدات والمرقاة الوفية في طبقات الحنفية والبلغة في تراجم أئمة النحاة واللغة والفضل الوفى في العدل الأشرفى ونزهة الأذهان في تاريخ أصبهان وتسهيل طريق الفصول في الأحاديث الزائدة على جامع الأصول والأحاديث الضعيفة والدر الغالى في الأحاديث العوالى وسفر السعادة والمتفق وضعا والمختلف صقعا وفي اللغة اللامع المعلم العجاب الجامع بين المحكم والعباب وزيادات امتلأ بها الوطاب وكان يقدر تمامه في مائة مجلد كل مجلد يقرب من صحاح الجوهرى والقاموس المحيط والقابوس الوسيط الجامع لما ذهب من لغة العرب شماطيط في مجلدين وهو كتاب ليس له نظير وقد انتفع به الناس ولم(2/274)
يلتفتوا بعده إلى غيره والمقصود لذوى الألباب من علم الإعراب وتحبير الموشين فيما يقال بالسين والشين والمثلث الكبير في خمس مجلدات والصغير والروض المسلوف فيمن له اسمان إلى الوف وغير ذلك من المصنفات الكثيرة الواسعة الشهيرة قال التقى الكرمانى كان عديم النظير في زمانه نظما ونثرا بالفارسى والعربى وكان كثير الاقتداء بالصنعانى ماشيا على طريقته تابعا لمنهجه حتى في كثرة المحاورة وحكى الخزرجى انه رام التوجه في سنة 799 إلى مكة فكتب إلى السلطان ما مثاله ومما ينهيه إلى العلوم الشريفة انه غير خاف عليكم ضعف اقل العبيد ورقة جسمه ودقة بنيته وعلو سنه وقد آل أمره إلى أن صار كالمسافر الذى تحزم وانتقل إذ وهن العظم بل والرأس اشتعل وتضعضع السن وتقعقع الشن فما هو إلا عظام في جراب وبنيان مشرف على الخراب وقد ناهز العشر التى تسميها العرب دقاقة الرقاب وقد مر على المسامع الشريفة غير مرة في صحيح البخارى قول سيدنا رسول الله إذا بلغ المرء ستين سنة فقد أعذر الله إليه فكيف من نيف على السبعين وأشرف على الثمانين ولا يجهل بالمومن أن تمضى عليه اربع سنين ولا يتجدد له شوق وعزم إلى بيت رب العالمين وزيارة سيد المرسلين وقد ثبت في الحديث النبوى ذلك وأقل العبيد له ست سنين عن تلك المسالك وقد غلب عليه الشوق حتى جل عمره عن الطوق ومن أقصى أمنيته أن يجدد العهد بتلك المعاهد ويفوز مرة أخرى بتقبيل تلك المشاهد وسؤاله من المراحم الحسنة الصدقة عليه بتجهيزه في هذه(2/275)
الأيام مجردا عن الأهالى والأقوام قبل اشتداد الحر وغلبة الأوام فإن الفصل أطيب والريح أزيب ومن الممكن أن يفوز الإنسان باقامة شهر في كل حرم ويحظى بالتملى في مهابط الرحمة والكرم وأيضا كان من عادة الخلفاء سلفا وخلفأ وأنهم كانوا ببردون البريد عمدا قصد التبليغ سلامهم إلى حضرة سيد المرسلين فاجعلنى جعلنى الله فداك ذلك البريد فلا أتمنى شيئا سواه ولا أزيد ( شوقى إلى الكعبة الغراء قد زادا *** فاستحمل القلص الوخادة الزادا ) ( واستأذن الملك المنعام زيد على *** واستودع الله أصحابا وأولادا ) فلما وصل هذا إلى السلطان كتب في طرة الكتاب ما مثاله صدر الجمال المصرى على لسانى ما يحققه لك شفاها ان هذا شيء لا ينطق به لسانى ولا يجرى به قلمى فلقد كانت اليمن عمياء فاستنارت فكيف يمكن أن تتقدم وأن تعلم أن الله قد أحيى بك ما كان ميتا من العلم فبالله عليك إلا ما وهبت له بقية هذا العمر والله يا مجد الدين يمينا بارة انى أرى فراق الدنيا ونعيمها ولا فراقك أنت اليمن وأهله انتهى وفي هذا الكلام عبرة للمعتبرين من أفاضل السلاطين بتعظيم قدر علماء الدين وقد أخذ عنه الأكابر في كل بلاد وصل إليها ومن جملة تلامذته الحافظ بن حجر والمقريزى والبرهان الحلبى ومات ممتعا بسمعه وحواسه في ليلة عشرين من شوال سنة 817 سبع عشرة وثمان مائة بزبيد وقد ناهز التسعين(2/276)
السيد محمد بن يوسف بن أحمد بن يوسف بن الحسين بن الحسن ابن الإمام القاسم بن محمد الصنعانى ولد شهر رمضان سنة 1175 خمس وسبعين ومائة وألف ونشأ بصنعاء فأخذ عن والده وعن شيخنا العلامة الحسن بن إسماعيل المغربى والسيد العلامة شرف الدين بن إسماعيل بن محمد بن اسحاق والسيد العلامة على بن عبد الله الجلال وعن الجماعة آخرين وبرع في المنطق والنحو والصرف وشارك في غير ذلك وهو ممتع المحاضرة حسن الأخلاق كثير المحفوظات في الأشعار والأخبار متقللا من الدنيا مقتصدا في ملبوسه مائلا إلى طريقة الصوفية وكثيرا ما يشتغل عليه الطلبة في علم النحو والمنطق واستفادوا منه وكان والده عارفا بالنحو والمنطق أيضا وأما جده فقد تقدم ذكره في ترجمة مستقلة وصاحب الترجمة في قيد الحياة مشتغلا بالعلم أتم اشتغال لا برح في حماية ذى الجلال وقد كان حضر معنا في قراءتنا للعضد على شيخنا المغربى فكان يجيد المباحثة في المقدمات المنطقية واستمر حتى انقضت ثم ترك الحضور(2/277)
محمد بن يوسف بن عبد الله الدمشقى الحنفى شمس الدين الخياط الشاعر المشهور الملقب ضفدع ولد في رجب سنة 693 ثلاث وتسعين وستمائة وتعانى الأدب فلازم شمس الدين بن الصانع الدمشقى ثم تردد إلى الشهاب محمود ومدح ابن صصرى بقصيدة أولها ( أما ولواحظ الحدق السواجى *** لقد أصبحت منها غير ناجي ) ( فقرضها الشهاب محمود ثم أكثر من النظم وكان سهلا عليه قال ابن حجر في الدرر وديوانه قدر ست مجلدات وهو ابن عشرين سنة ولصاحب الترجمة سماع في الحديث من ابن الشحنة وطبقته وكان مسلطا على ابن نباته كلما نظم شيئا عارضه وناقضه ومن ذلك ان ابن نباته نظم تائية في مدح ابن الزملكانى وجعل غزلها في وصف الخمر عارضها وعرض به فقال في آخر قصيدته ( ما شاب مدحى لكم ذكر المدام ولا *** أضحت جوامع لفظى وهى حانات ) ( ولا طرقت حمى خمارة سحرا *** ولا اكتست لى بكاس الراح راحات ) قال ابن حجر ولكن اين الثرى من الثريا ومن شعره فيمن التحى ( كم تظهر الحسن البديع وتدعي *** وبياض وجهك في النواظر مظلم ) ( هل يصدق الدعوى لمن في وجهه *** بالذقن كذبه السواد الأعظم ) قال الصفدى كان طويل النفس في الشعر لكن لم يكن له غوص على المعانى والاحتفال بطريقة المتأخرين لكنه مقراض الاعراض كان هجوه أكثر من مدحه وقد أهين بسبب ذلك وصفع وذلك أنه حج سنة 755 فلم يترك في الركب أحدا من الأعيان الا هجاه فأجمعوا عليه بسبب ذلك ورفعوه إلى أمير الركب فاستحضره وأهانه جدا وحلق لحيته وصرفه ينادى عليه فانزعج من ذلك ومات كمدا وكان مع ذلك كثير التلاوة حج مرات وقدرت وفاته بعد أن رجع من الحج سنة 756 ست وخمسين وسبعمائة في شهر محرم ودفن على قارعة الطريق قال ابن كثير كان يذاكر بشيء من التاريخ ويحفظ شعرا كثيرا وكان قد أثرى من كثرة ما أخذ من الناس بسبب المديح والهجاء وكان الناس يخافون منه لبذاءة لسانه(2/278)
محمد بن يوسف بن على بن يوسف الغرناطي اثير الدين أبو حيان الأندلسى
الإمام الكبير في العربية والتفسير ولد أواخر شوال سنة 654 أربع وخمسين وستمائة وتلا القراآت أفرادا وجمعا على مشائخ الأندلس وسمع الكثير بها وبأفريقيا ثم تقدم الإسكندرية ومصر ولازم ابن النحاس ومن مشايخه الوجيه بن الدهان والقطب القسطلانى وابن الأنماطى وغيرهم حتى قال ان عدة من أخذ عنه أربعمائة وخمسون شخصا وأما من أجاز له فكثير جدا وتبحر في اللغة والعربية والتفسير وفاق الأقران وتفرد بذلك في جميع أقطار الدنيا ولم يكن بعصره من يماثله قال الصفدى لم أره قط إلا يسمع أو يشتغل أو يكتب أو ينظر في كتاب ولم أره على غير ذلك وكان له اقبال على أذكياء الطلبة يعظمهم وينوه بقدرهم وكان كثير النظم ثبتا فيما ينقله عارفا باللغة وأما النحو والتصريف فهو الإمام المطلق فيهما خدم هذا الفن أكثر عمره حتى صار لا يذكر أحد في أقطار الأرض فيها غيره وله اليد الطولى في التفسير والحديث وتراجم الناس ومعرفة طبقاتهم خصوصا المغاربة وله التصانيف التى سارت في آفاق الأرض واشتهرت في حياته(2/279)
وأخذ الناس عنه طبقة بعد طبقة حتى صار تلاميذه أئمة وأشياخا في حياته وهو الذي رغب الناس إلى قراءة كتب ابن مالك وشرح لهم غامضها وكان يقول ان مقدمة ابن الحاجب نحو الفقهاء وألزم نفسه أن لا يقريء أحدا إلا في كتب سيبويه أو في التسهيل أو في مصنفاته وكان هذا دأبه في آخر أيامه ومن مصنفاته البحر المحيط في التفسير وغريب القرآن في مجلد والأسفار الملخص من كتاب الصغار وشرح التسهيل والتذكرة والموفور والتذكير والمبدع والتقريب والتدريب وغاية الإحسان بالنكت الحسان والشذى في مسئلة كذا واللمحة والشذرة والارتضاء وعقد اللئالى ونكت الإملاء والنافع والمورد الغمر والروض الباسم والمزن الهامر والرمزة وغاية المطلوب والنير الجلى والوهاج مختصر المنهاج والأمر الأحلى في اختصار المحلى والأعلام ويواقيت السحر وتحفة السندس في نحاة الأندلس والإدراك للسان الأتراك منطق الخرس بلسان الفرس نور الغيش في لسان الجيش ومسك الرشد ومنهج السالك ونهاية الإعراب وخلاصة التبيان وغير ذلك مما حكاه ابن حجر في الدر منقولا من خط صاحب الترجمة ومما لم يذكر النهر الماد في التفسير وهو مختصر البحر المحيط المتقدم ذكره قال ابن الخطيب كان سبب رحلته عن غرناطة أنها حملته حدة الشباب على التعرض للأستاذ أبى جعفر بن الطباع وقد وقعت بينه وبين استاذه أبى جعفر بن الزبير وحشة فنال منه وتصدى للتأليف في الرد عليه فرفع أمره إلى السلطان بغرناطة فانتصر له وأمر(2/280)
باحضار صاحب الترجمة وتنكيله فاختفى ثم لحق بالمشرق وحضر مجلس الشيخ شمس الدين الأصبهانى وكان ظاهريا وبعد ذلك انتمى إلى الشافعى وكان أبو البقاء يقول انه لم يزل ظاهريا قال ابن حجر كان أبو حيان يقول محال أن يرجع عن مذهب الظاهر من علق بذهنه انتهى ولقد صدق في مقاله فمذهب الظاهر هو أول الفكر آخر العمل عند من منح الإنصاف ولم يرد على فطرته ما يغيرها عن أصلها وليس وهو مذهب داود الظاهرى وأتباعه فقط بل هو مذهب أكابر العلماء المتقيدين بنصوص الشرع من عصر الصحابة إلى الآن وداود واحد منهم وإنما اشتهر عنه الجمود في مسائل وقف فيها على الظاهر حيث لا ينبغى الوقوف وأهمل من أنواع القياس مالا ينبغي لمنصف اهماله وبالجملة فمذهب الظاهر وهو العمل بظاهر الكتاب والسنة بجميع الدلالات وطرح التعويل على محض الرأى الذى لا يرجع إليهما بوجه من وجوه الدلالة وأنت اذا أمعنت النظر في مقالات أكابر المجتهدين المشتغلين بالأدلة وجدتها من مذهب الظاهر بعينه بل إذا رزقت الانصاف وعرفت العلوم الاجتهادية كما ينبغى ونظرت في علوم الكتاب والسنة حق النظر كنت ظاهريا أي عاملا بظاهر الشرع منسوبا إليه لا إلى داود الظاهرى فإن نسبتك ونسبته إلى الظاهر متفقة وهذه النسبة هى مساوية للنسبة إلى الإيمان والإسلام وإلى خاتم الرسل عليه أفضل الصلوات التسليم وإلى مذهب الظاهر بالمعنى الذى أوضحناه أشار ابن حزم بقوله ( وما أنا إلا ظاهرى وإننى *** على ما بدا حتى يقوم دليل ) وتصانيف صاحب الترجمة يزيد على الخمسين ومنها منظومة في(2/281)
القراآت على وزن الشاطبية بغير رموز وفيها فوائد ولكنها لم ترزق حظ الشاطبية وكان عريا من الفلسفة والاعتزال والتجسيم على نمط السلف الصالح كثير الخشوع والتلاوة والعبادة مائلا إلى محبة أمير المؤمنين على ابن أبى طالب كرم الله وجهه متجافيا عن مقاتليه قال الأدفوئى جرى على طريقه كثير من النجاة في حب على حتى قال مرة لبدر الدين بن جماعة قد روى عن النبى قال عهد إلى النبى لا يحبنى إلا مؤمن ولا يبغضنى إلا منافق هل صدق في هذه الرواية فقال له ابن جماعة نعم قال والذين قاتلوه وسلوا السيوف في وجهه كانوا يحبونه أو يبغضونه وكان يجرى على مذهب أهل الأدب في الميل إلى محاسن الشباب وهو مشهور بالبخل حتى كان يفتخر به كما يفتخر الناس بالكرم وأضر قبل موته بقليل ومات في ثامن صفر سنة 745 خمس وأربعين وسبعمائة وله شعر فمنه ( راض حبيبي عارض قد بدا *** ياحسنه من عارض رائض ) ( وضن قوم ان قلبى سلا *** والأصل لا يعتد بالعارض ) ومن شعره ( عداى لهم فضل على ومنة *** فلا صرف الرحمن عنى الأعاديا ) ( هم بحثوا عن زلتى فاجتنبتها *** وهم نافسونى فاكتسبت المعاليا ) ومن شعره المشعر ببخله ( رجاؤك فلسا قد غدا في حبائلى *** قنيصا رجاء للنتاج من العقم ) ( أأتعب في تحصيله وأضيعه *** إذا كنت معتاضا من البرء بالسقم )(2/282)
محمد بن يوسف بن على الكرمانى ثم البغدادى
ولد في جمادى الآخرة سنة 717 سبع عشرة وسبعمائة وأخذ عن جماعة ببلده ثم ارتحل إلى الشيراز وأخذ عن القاضى عضد الدين ولازمه اثنتى عشرة سنة حتى قرأ عليه تصانيفه ثم جح واستوطن بغداد ودخل الشام ومصر وسمع البخارى بالجامع الأزهر من لفظ المحدث ناصر الدين الفارقى وصنف شرحا للبخارى سماه الكواكب الدرارى وهو في مجلدين ضخمين وقد يوجد في أربعة في الغالب وسمعه منه جماعة واشتهر في جميع الأقطار وعان في خطبته على شرح ابن بطال وشرح الحلبى وشرح مغلطاى قال ابن حجر في الدرران شرح صاحب الترجمة مفيد على أوهام فيه في النقل لأنه لم يأخذه الا من الصحف وله شرح على مختصر ابن الحاجب سماه السبعة السيارة لكونه جمع فيه سبعة شروح والتزم استيفاءها وذكر انه اردفها بسبعة أخرى من دون استعياب فجاء شرحا حافلا مع ما فيه من التكرار الذى أوقعه فيه مراعاة نقل الألفاظ من تلك الشروح وصنف في العربية والمنطق قال ابن حجر تصدى لنشر العلم ببغداد ثلاثين سنة وكان مقبلا على شأنه لا يتردد إلى أبناء الدنيا قانعا باليسير ملازما للعلم متواضعا وتوفى مرجعه من الحج في محرم سنة 786 ست وثمانين وسبعمائة(2/283)
محمود بن أحمد بن حسن بن إسماعيل بن يعقوب بن إسماعيل مظفر الدين العينى الأصل القاهرى الحنفى ويعرف بابن الأمشاطى لأن جده كان يتجر فيها ولد في حدود سنة 812 إثنتى عشر وثمان مائة بالقاهرة ونشأ بها وحفظ مختصرات واشتغل في الفقه على ابن الديرى والشمنى وفي النحو على الثانى وغيره وسمع على جماعة كابن حجر وطبقته ودخل دمشق وحج غير مرة وجاور ورابط في بعض الثغور وسافر للجهاد واعتنى بالسباحة والتجليد ورمى النشاب ورمى المدافع وأخذ ذلك عن الأستاذين وتقدم في أكثره واشتغل بالطب وصنف فيه وأعرض عن جميع ما عداه ومن تصانيفه فيه شرح الموجز للعلاء بن نفيس في مجلدين وهو شرح حسن تداوله الأفاضل وشرح اللمحة لابن أمير الدولة ومن تصانيفه في غير الطب شرح النقاية استمد فيه من شرح شيخه الشمنى قال السخاوى انه سمعه يحكى أنه رأى وهو صبى في يوم ذى غيم رجلا يمشى في الغمام لا يشك في ذلك ولا يتمارى انتهى ويمكن أن يكون رأى قطعة من قطع السحاب متشكلة بشكل الإنسان فإن الناظر في أطباق السحاب إذا تخيل في شيء منها أنه على صورة حيوان أو شيء من الجمادات خيل إليه ذلك إذا أدام النظر إليها ولعل سبب ذلك كونها متحركة دائما ولطافة الهواء وكان للحاسة المخيلة فيما كان كذلك اختراعا يخالف ما جرت به عادتها من عدم تخييل ما يخالف المحسوس بحاسة البصر عند المشاهدة ومات في شهر ربيع الأول سنة 902 اثنتين وتسعمائة بالقاهرة ودفن بها(2/284)
محمود بن أحمد بن محمد النور الهمذانى الفيومى الأصل الحموى الشافعى المعروف بابن خطيب الدهشة تحول أبوه من الفيوم إلى حماه فاستوطنها وولى خطابة الدهشة وصنف بها المصباح المنير في غريب الشرح الكبير مجلدين وشرح عروض ابن الحاجب وله ديوان خطب وولد له ابنه هذا في سنة 750 خمسين وسبعمائة ونشأ فحفظ القرآن وكتبا وسمع من جماعة وتفقه على أهل بلده وارتحل إلى مصر والشام فأخذ عن أئمتهما وتقدم في الفقه وأصوله والعربية واللغة وغيرها وولى قضاء حماه ثم صرف ولزم منزله متصديا للإقراء والفتاوى والتصنيف فانتفع به أهل بلده واشتهر ذكره وصنف كثيرا كمختصر القوت للأذرعى في أربعة أجزاء وسماه اغاثة المحتاج إلى شرح المنهاج وتكملة شرح المنهاج للسبكى وهو في ثلاثة عشر مجلدا والتحفة في المبهمات وشرح الفية ابن مالك والكافية في ثلاث مجلدات وتهذيب المطالع لابن قرقول في ست مجلدات واليواقيت المضية في المواقيت الشرعية وعمل منظومة نحو تسعين بيتا في الخط وشرحها ومات بحماه يوم الخميس سابع عشر شوال سنة 834 أربع وثلاثين وثمان مائة
محمود بن أحمد بن موسى بن أحمد بن حسين بن يوسف ابن محمد البدر الحلبى الأصلى القاهرى الحنفى المعروف بالعينى ولد سابع عشر رمضان سنة 762 اثنتين وستين وسبعمائة وحفظ كتبا في فنون وأخذ عن جماعة كالرهاوى وذى النون والسرمارى وغيرهم ومشايخه في النحو والصرف والمنطق والأصول والمعانى والبيان بعضهم من تلامذة الجاربردى وبعضهم من تلامذة الطيبي وبعضهم من تلامذة السعد التفتازانى وبرع في جميع هذه العلوم وارتحل إلى حلب ودمشق وبيت المقدس وحج ودخل القاهرة وأخذ عن غالب أهل هذه المحلات واستقر بالقاهرة ودرس في مواطن منها وتولى قضاء الحنفية بها في سنة 829 وصرف وأعيد وصرف فلزم بيته مقبلا على الجمع والتصنيف مستمرا على تدريس الحديث وتصانيفه كثيرة جدا وانتفع به الناس وأخذ عنه(2/285)
الطلبة من كل مذهب وله حظ عند الملوك ومن تصانيفه شرح البخارى في احد وعشرين مجلدا اسماه عمدة القارىء وكان ينقل فيه من شرح الحافظ بن حجر وربما يتعقب ذلك وقد أجاب ابن حجر عن تلك التعقبات لأنهما متعاصران وبينهما منافسة شديدة وشرح معانى الآثار للطحاوى في عشر مجلدات وقطعة من سنن أبي داود في مجلدين وقطعة كبيرة من سيرة ابن هشام سماه كشف اللثام وشرح الكلم الطيب لابن تيمية والكنز وسماه رمز الحقائق في شرح كنز الدقائق وكذلك شرح التحفة والهداية في إحدى عشرة مجلد وشرح المجمع والبحار الزاخرة والمنار والشواهد الواقعة في شروح الألفية والتسهيل لابن مالك والمحيط وله حواش منها على شرح الألفية وعلى التوضيح وعلى شرح الجاربردي في التصريف وله مقدمة في الصرف وأخرى في العروض وتاريخ كبير في تسعة عشر مجلدا ومتوسط في ثمانية ومختصر في ثلاثة وتاريخ الأكاسرة وطبقات الحنفية وطبقات الشعراء ومعجم شيوخه واختصر تاريخ ابن خلكان وله تحفة الملوك في المواعظ وكتاب آخر في الرقائق والمواعظ في ثمان مجلدات وغير ذلك مات ليلة الثلاثاء رابع ذى الحجة سنة 855 خمس وخمسين وثمان مائة ودفن بالقاهرة(2/286)
محمود بن سليمان بن فهد بن محمود الحلبى ثم الدمشقى الحنبلى شهاب الدين
ولد في شعبان سنة 644 أربع وأربعين وستمائة وسمع من الرضى بن البرهان ويحيى بن عبد الرحيم الحنبلى وجمال الدين بن مالك وتأدب به وبرع إلى أن عين غير مرة لقضاء الحنابلة وفاق الأقران في حسن النظم والنثر والكتابة وكتب الإنشاء بدمشق ثم بمصر وولى كتابة السر بدمشق إلى أن مات ونظمه كثير يزيد على ثلاث مجلدات ونثره يدخل في ثلاثين مجلدا كذا قال الصفدى وله كتاب حسن التوسل في صناعة الترسل قال البرزالى في معجمه فاضل في الإنشاء وجودة الشعر فاق أهل عصره وأربى على كثير ممن تقدمه ومن نظمه ( تثنى وأغصان الأراك نواظر *** فنحت وأسراب من الطير عكف ) ( فعلم بأنات النقا كيف تنثنى *** وعلم ورقاء الحمى كيف تهتف ) ومن غرر قصائد القصيدة التى مطلعها ( هل البدر إلا ما حواه لثامها *** أو الصبح إلا ما جلاه ابتسامها ) وشعره مشهور قد أورد منه المصنفون في الأدب بعده شيئا كثيرا وكذلك نثره ومات بدمشق في ثانى وعشرين شعبان سنة 725 خمس وعشرين وسبعمائة(2/287)
السلطان محمود بن عبد الحميد سلطان الروم في هذا الوقت أخبرنا من وفد الينا من أهل تلك الجهات أنه ولى السلطنة في سنة 1222 ووصفوه بالعلم والزهد وحسن الخط والعدل وأنه يأكل من عمل يده تحريا للحلال هذا وهو سلطان الدنيا وملك العالم وهو الذي امر الباشا بمصر أن يجهز الجيوش على صاحب بخد المتقدم ذكره فجهز عليه جيشا بعد جيش ومازال يحاربه عاما بعد عام حتى حصره في محله ووطنه وهى القرية المعروفة بالدرعية ثم مازال الجيش يضرب بالمدافع على تلك القرية ليلا ونهارا حتى أخرب كثيرا منها ثم أذعن صاحبها وهو عبد الله بن سعود بن عبد العزيز وسلم نفسه إلى أيديهم وأدخلوه الروم في سنة 1233 وكان الأمير على الجنود الرومية ابن الباشا صاحب مصر وهو إبراهيم بن محمد على ثم بعث محمد على بابن أخيه الباشا خليل بجيوش الروم وكان واليا على مكة فخرج إلى الديار التهامية من اليمن على الشريف أحمد بن حمود فاستولى على جميع البلاد العريشية صفوا عفوا بلا ضربة ولا طعنة ثم استولى على جميع ما قد كان استولى عليه الشريف حمود من البنادر والمدائن اليمنية وهى اللحية والحديدة وبيت الفقيه وزبيد وما يتصل بهذه المحلات فارتجف اليمن بأسره ولم يبق عند أحد من أهله شك أنه سيطوى الديار اليمنية في أسرع وقت ثم كان من الألطاف الإلهية انها وصلت كتب من الباشا محمد على ومن الباشا خليل مؤذنة بالمصالحة وعدم التعدى إلى غير ما قد وصلوا إليه وما زالت الرسل يختلف من الجهتين وكانت المكاتبة والمراسلة بينهم وبين مولانا الإمام حفظه الله تدور باطلاعي حتى انتهى الأمر إلى ارجاع جميع البلاد التى كانت مع الشريف حمود وولده إلى الإمام فعادت كما كانت ولله الحمد بعد أن حصل اليأس عن جميع المملكة اليمنية وهكذا تجرى الألطاف الربانية بما لم يكن في حساب العبد وقد نفذ إليها عند تحرير هذه الأحرف العمال والرتب واستقروا بها وجعل مولانا الإمام على البلاد العريشية الشريف على بن حيدر كما كان عليه الأشراف في المدة الماضية قبل ظهور مظهر صاحب نجد واعتزاء الأشراف إليه وقد أدخلوا احمد بن حمود الروم وأدخلوا معه جماعة من الأشراف وكان الشريف حسن بن خالد الحازمى وهو المتكلم في دولة الشريف والوزير والقاضي والمفتى والأمير للجيش في كثير من الحالات والمنفذ للأحكام قد لجأ إلى بلاد عسير فتبعه جماعة
من الروم فقتلوه هنالك بعد حروب والآن ولده باق هنالك وقد تجهز إليه طائفة من الأتراك بعد مفارقتهم للبلاد التهامية والبلاد العريشية وسيأتى تمام وصف حادثة الروم هذه في ترجمة الأغا يوسف المتوسط في القصة ان شاء الله(2/288)
محمود بن عبد الرحمن بن أحمد بن محمد بن أبى بكر ابن على شمس الدين الأصبهاني
ولد بأصبهان في شعبان سنة 674 أربع وسبعين وستمائة وأخذ عن علماء بلاده كوالده وجمال الدين بن أبى الرجاء ومهر في الفنون وحج في سنة 724 ودخل دمشق بعد زيارة القدس فبهرت أهلها فضائله وقال ابن تيمية لما سمع كلامه انه ما دخل البلاد مثله وكان يلازم الجامع الأموى ليلا ونهارا مكبا على التلاوة وتدريس الطلبة وبالغ الفضلاء في الثناء عليه ثم طلب على البريد إلى مصر فدرس بها قال الأسنوى كان بارعا في العقليات صحيح الاعتقاد محبا لأهل الصلاح طارحا للتكلف مجموعا على العلم انتهى وصنف شرحا لمختصر ابن الحاجب قبل أن يقدم بلاد دمشق وشرحا للمطالع وشرحا لتجريد النصر الطوسى وشرح قصيدة النساوى في العروض وصنف في المنطق كتابا سماه ناظر العين وشرحه وشرح مقدمة ابن الحاجب وشرح بالقاهرة البديع لابن الساعاتى وطوالع البيضاوى ومنهاجه وعمل تفسيرا ومما يحكى عنه من حرصه على العلم وشحه على عدم ضياع أوقاته أن بعض أصحابه كان يروى أنه كان يمتنع كثيرا من الأكل لئلا يحتاج إلى الشراب فيحتاج إلى دخول الخلاء فيضيع عليه الزمان قال الصفدى رأيته يكتب تفسيره من خاطرة من غير مراجعة وانتفع الناس به كثيرا ومات في ذى القعدة سنة 794 أربع وتسعين وسبعمائة بالطاعون العام(2/289)
محمود بن مسعود بن مصلح الفارسى قطب الدين الشيرازى الشافعى
العلامة الكبير ولد بشيراز سنة 634 أربع وثلاثين وستمائة وأخذ عن أبيه وعمه وغيرهما في علم الطب ثم رتب طبيبا وهو شاب ثم سافر إلى نصير الدين الطوسى فقرأ عليه الهيئة وبحث عليه في الإشارات وبرع وقال له السلطان ابغا بن هلاكو انت أفضل تلامذة النصير وقد كبر فاجتهد أن لا يفوتك شيء من علومه فقال قد فعلت وما بقى لى به حاجة ثم دخل الروم فأكرمه صاحبها وولى قضاء سيواس وملطية وقدم الشام رسولا وسكن تبريزا وأقرأ بها العلوم العقلية وحدث بجامع الأصول عن الصدر القونوي عن يعقوب الهديات عن المصنف وكان كثير المخالطة للملوك متحرزا ظريفا مزاحا لا يحمل هما مجيدا للعب الشطرنج مديما له حتى في أوقات اعتكافه كثير الدخل حتى قيل انه دخله في العام ثلاثون الفا لا يدخر منها شيئا بل ينفقه على تلامذته ودرس بدمشق الكشاف والقانون والشفاء وغيرها وكان إذا صنف كتابا صام ولازم السهر ومسودته مبيضة وكان يخضع للفقراء ويلازم الصلاة في الجماعة ويكثر الشفاعات عند الملوك وهم يعظمونه ومن تصانيفه شرح مختصر ابن الحاجب وشرح المفتاح للسكاكى وشرح الكليات لابن سينا وشرح الأسرار للسهروردى وصنف كتابا في الحكمة سماه غرة التاج وكان من أذكياء العالم ولقبه عند الفضلاء الشارح العلامة قال الذهبى قيل كان على دين العجائز وكان يخضع للفقهاء ويوصى بحفظ القرآن وكان إذا مدح تخشع وكان يقول أتمنى انى كنت في زمن النبي ولم يكن لى سمع(2/290)
ولا بصر رجاء أن يلحظنى بنظرة وكان ذا مروءة وأخلاق حسان وتلامذته يبالغون في تعظيمه انتهى وقد استمر على تعظيمه من بعدهم حتى صار العلامة إذا اطلق لا يفهم غيره بل جاوز ذلك كثير من المصنفين المتأخرين الذين غالب نظرهم مقصور على مثل علمه فقالوا لا يطلق ذلك في الإصطلاح إلا عليه ولا عتب عليهم فهم لا يعلمون بالعلوم الشرعية حتى يعرفوا مقدار أهلها وقد عاصر صاحب الترجمة من أئمة العلم من لا يرتقى هو إلى شيء بالنسبة إليهم وكذلك جاء بعد عصره اكابر كما مر بك في هذا الكتاب وكما سيأتى وأكثرهم احق بوصفه بالعلامة فضلا عن كونه مستحقا وأين يقع من مثل من جمع منهم بين علمي المعقول والمنقول وبهر بعلومه الأفهام والعقول ومات في رمضان سنة 710 عشر وسبعمائة
السلطان مراد بن احمد بن محمد بن مراد بن سليم
الآتى قريبا ولد سنة 1018 ثمان عشرة والف وجلس على سرير السلطنة سنة 1032 وكان كثير الغزو وافتتح مدنا كبغداد وقتل جميع من فيها من الروافض وكان شديد الأيدي وله حكايات في ذلك منها أنه طعن درقه نحو احدى عشر طبقة بعود فثبت فيها وأرسلها إلى مصر وجعل لمن أخرج العود من عساكر مصر زيادة في مقرره فلم يقدر على ذلك أحد ومات سنة 1049 تسع وأربعين وألف(2/291)
مراد بن أورخان بن عثمان الغازى سلطان الروم وابن سلاطينها
ولد سنة 727 سبع وعشرين وسبعمائة وجلس على التخت سنة 761 وافتتح كثيرا من البلاد منها أدرنه وهو أول من اتخذ المماليك والبسهم اللباد المثنى إلى خلف وسماهم العسكر الجديد وكان عظيم الصولة شديد المهابة واجتمعت النصارى عليه مع سلطانهم فقابلهم صاحب الترجمة وهزمهم وقتل سلطانهم وأسر جماعة من ملوكهم فأظهر واحد من الملوك الطاعة للسلطان وطلب تقبيل كفه فأذن له بذلك فلما قرب منه أخرج خنجرا كان أعده في كمه فضرب السلطان مراد فقتله وفاز بالشهادة في سنة 792 اثنتين وتسعين وسبعمائة فصار القانون ألا يدخل على السلطان أحد إلا بعد تفتيش ثيابه ويكون بين رجلين يكتنفانه مراد بن سليم بن سليمان بن سليم بن بايزيد بن أورخان ابن عثمان سلطان الروم ولد سنة 953 ثلاث وخمسين وتسعمائة وجلس على التخت سنة 982 وهو من أعظم سلاطين الروم وأكابر ملوكها استولى على ما كان تحت يد آبائه من الممالك وزاد عليه فتوحات واسعة وهو الذى اتم عمارة الحرم الشريف بعد أن كان حصل فيه حريق أخرب كثيرا منه فأمر بهدمه جميعا والده السلطان سليم بن سليمان وشرع في عمارته على هيئة نفيسة وأسلوب غريب ثم مات بعد أن شرع في العمارة وكمله صاحب الترجمة وما أحسن ما قاله بعض الشعراء في تاريخ كمال العمارة وهو هذا البيت بتمامه فإنه مع انسجامه وسلاسته وحسن نظمه جميعه تاريخ لتمام العمارة وهو ( جدد المسجد الحرام مراد *** دام سلطانه ودام زمانه ) وأرخ تمام العمارة بعضهم في نثر فقال عمر الحرم سلطان مراد وقد وصف القطب الحنفى في الأعلام كيفية هذه العمارة وأطال في ذلك في آخر كتابه الأعلام وختم ترجمة صاحب الترجمة في ذلك الكتاب ولم يذكر تاريخ موته وهو في سنة 1003 ثلاث وألف(2/292)
مراد خان بن محمد خان بن بايزيد أورخان ابن عثمان سلطان الروم
ولد سنة 806 ست وثمان مائة وجلس على التخت سنة 824 وكان ملكا مطاعا مقداما كريما عين للحرمين الشريفين من خاصة صدقاته في كل عام ثلاثة آلاف وخمسمائة ذهب للسادة الأشراف ومن خزانته في كل عام مثل ذلك وفتح فتوحات ومن فتوحاته قلعة سمندرة وبلاد مورة وقاتل الكفار ونال منهم وبعد ذلك سلم السلطنة إلى ولده محمد وتخلى عن الملك بعد أن استمر في السلطنة احدى وثلاثين سنة ومات سنة 855 خمس وخمسين وثمانمائة وقد أهمل الحافظ بن حجر ذكر ملوك الروم في الدرر الكامنة في أهل المائة الثامنة فلم يذكر من كان فيها منهم وكذلك السخاوى أهمل بعضا ممن كان منهم في المائة التاسعة وذكر بعضا وهذا عجيب فإنهما يترجمان لجماعة من أهل سائر الديار هم معدودون من أحقر مماليك سلاطين الروم مع انهما يترجمان لكثير من صغار الملوك والأمراء الكائنين بالأندلس واليمن والهند وسائر الديار وهكذا أهملا غالب علماء الروم ولم يذكر إلا شيئا يسيرا منهم مع انهما يترجمان لمن هو أبعد منهم دارا وأحقر قدرا فالله أعلم بالسبب المقتضى لذلك وقد ذكرنا في هذا الكتاب كثيرا ممن أهملاه(2/293)
مسعود بن أحمد بن مسعود بن زيد الحارثى سعد الدين العراقى ثم المصرى الحنبلى منسوب إلى الحارثية من قرى بغداد ولد سنة 652 اثنتين وخمسين وستمائة وعنى بالحديث فسمع من الرضى بن البرهان والنجيب وطبقتهما وسمع بدمشق من أحمد بن أبى الخير والجمال بن الصيرفي وغيرهما وطلب بنفسه وكتب الكثير وسمع العإلى والنازل واتسعت معارفه وولى مشيخة دار الحديث بدمشق ثم تركها ورجع إلى مصر ثم ولى القضاء سنة 709 وكان ابن دقيق العيد ينفر منه لقوله بالجهة ويقول هذا داعية ويمتنع من الاجتماع به ويقال ان صاحب الترجمة هو الذى تعمد اعدام مسودة كتاب الإمام لابن دقيق العيد بعد أن كان أكمله فلم يبق منه إلا ما كان بيض في حياة مصنفه قال ابن حجر في الدرر وشرح سعد الدين قطعة من سنن أبى داود كبيرة أجاد فيها وقطعة من المنتقى للحنابلة اتى فيها بمباحث ونقول فوائد ولم يكمل وغير ذلك مات في رابع عشر ذى الحجة سنة 711 احدى عشرة وسبعمائة
مسعود بن عمر التفتازانى
الإمام الكبير صاحب التصانيف المشهورة المعروف بسعد الدين ولد بتفتازان في صفر سنة 722 اثنتين وعشرين وسبعمائة وأخذ عن اكابر أهل العلم في عصره كالعضد وطبقته وفاق في النحو والصرف والمنطق والمعانى والبيان والأصول والتفسير والكلام وكثير من العلوم وطار صيته واشتهر ذكره ورحل إليه الطلبة وشرع في التصنيف وهو في ست عشرة سنة فصنف الزنجانيه وفرغ منها في شعبان سنة 738 وفرغ من شرح التلخيص الكبير في صفر سنة 748 بهراة ومن مختصره سنة 756 ومن شرح التوضيح في ذى القعدة سنة 758 بكلشان ومن شرح العقائد في شعبان سنة 768 ومن حاشية العضد في ذى الحجه سنة 770 ومن رسالة الإرشاد سنة 774 كلها بخوارزم ومن المقاصد وشرحه في ذى(2/294)
القعدة سنة 784 بسمرقند ومن تهذيب الكلام في رجب منها ومن شرح المفتاح في شوال سنة 789 بسمرقند ايضا وشرع في فتاوى الحنفيه يوم الأحد التاسع من ذى القعدة سنة 769 بهراة وفي تأليف مفتاح الفقه سنة 772 وفي شرح تلخيص المفتاح سنة 786 كليهما بسرخس ومن حاشية الكشاف في ثامن ربيع الآخر سنة 789 بظاهر بسمرقند هكذا ذكر ملازادة تاريخ ما فرغ منه من مؤلفاته وما شرع فيه ولم يكمل وقال في أول الترجمه ما لفظه استاذ العلماء المتأخرين وسيد الفضلاء المتقدمين مولانا سعد الملة والدين معدل ميزان المعقول والمنقول مفتح اغصان الفروع والأصول ابى سعيد مسعود بن القاضى الإمام فخر الملة والدين عمر ابن المولى الأعظم سلطان العارفين العادى التفازانى ثم ذكر ما قدمناه من تاريخ مولده وما بعده ثم قال وتوفى يوم الأثنين الثانى والعشرين من شهر محرم سنة 792 اثنتين وتسعين وسبعمائة بسمرقند ونقل إلى سرخس ودفن بها يوم الأربعاء التاسع من جمادى الأولى ثم قال ملازادة الجامع لهذه الترجمة واسمه موسى بن محمد بن محمود انه أخذ عن عبد الكريم بن عبد الغنى وهو عن المولى سنان وهو عن المولى حيدر وهو عن المولى سعد الملة يعنى صاحب الترجمة وأورد لصاحب الترجمة من الشعر قوله ( فرق فرق الدرس وحصل مالا *** فالعمر مضى ولم تنل آمالا ) ( لا ينفعك القياس والعكس ولا *** افعنلل يفعنلل افعنلالا ) وأورد له قوله أيضا ( طويت باحراز العلوم ونيلها *** رداء شبابي والجنون فنون )(2/295)
( وحين تعاطيت الفنون ونيلها *** تبين لى أن الفنون جنون ) قلت ولم يذكر في هذه الترجمة جميع مصنفات صاحبها بل أهمل منها التلويح وهو من أجل مصنفاته وأهمل منها شرح الرسالة الشمسية وهو ايضا من أجلها وبالجملة فصاحب الترجمة متفرد بعلومه في القرن الثامن لم يكن له في أهله نظير فيها وله من الحظ والشهرة والصيت في أهل عصره فمن بعدهم مالا يلحق به غيره ومصنفاته قد طارت في حياته إلى جميع البلدان وتنافس الناس في تحصيلها ومع هذا فلم يذكره ابن حجر في الدرر الكامنة في أهل الماءة الثامنة مع أنه يتعرض لذكره في بعض تراجم شيوخه او تلامذته وتارة يذكر شيئا من مصنفاته عند ترجمة من درس فيها أو طلبها فإهمال ترجمته من العجائب المفصحة عن نقص البشر وكان صاحب الترجمة قد اتصل بالسلطان الكبير الطاغية الشهير تيمورلنك المتقدم ذكره وجرت بينه وبين السيد الشريف الجرجانى المتقدم ذكره مناظرة في مجلس السلطان المذكور في مسئلة كون ارادة الإنتقام سببا للغضب أو الغضب سببا لإرادة الإنتقام فصاحب الترجمة يقول بالأول والشريف يقول بالثانى قال الشيخ منصور الكازرونى والحق في جانب الشريف وجرت بينهما ايضا المناظرة المشهورة في قوله تعالى ( ختم الله على قلوبهم وعلى سمعهم وعلى أبصارهم غشاوة ) ويقال بأنه حكم بأن الحق في ذلك مع الشريف فاغتم صاحب الترجمة ومات كمدا والله أعلم(2/296)
مصطفى بن يوسف بن صالح البروسوى الرومى الحنفى المشهور بخواجه زادة
عالم الروم المشهور بالتحقيق وجودة التصور والذكاء المفرط وافحام من يناظره كان والده من التجار وله ثروة عظيمة فولد له صاحب الترجمة واشتغل بالعلم فسخط لذلك أبوه وأبعده عنه حتى صار لا يملك الا قميصا واحدا وهو لا يزداد في العلم الا شغفا ورآه بعض مشايخ الصوفية فقال له بأنه يكون له شأن عظيم وإن اخوانه الذين صار والده يعظمهم ويهينه سيقومون عنده مقام الخدم والعبيد وأخذ عن أكابر علماء الروم كالعالم المشهور بخضر بك وطبقته وبرع في العربية والأصولين والمعانى والبيان وأمره السلطان مراد أن يدرس بمدرسة بروسا وعين له كل يوم عشرة دراهم فمكث كذلك ست سنين مشتغلا بالعلم مع فقر وحاجة وحفظ هنالك شرح المواقف ولما تولى السلطنة السلطان محمد خان بن مراد خان المتقدم ذكره وأظهر الرغبة إلى العلم وأهله قصد العلماء حضرته وكان صاحب الترجمة يريد ذلك ولكن لم يستطيع أن يجهز إليه لشدة فقره وكان له خادم من أبناء الترك فأقرضه ثمان مائة درهم فاشترى بها فرسا لنفسه وفرسا لخادمه وذهب إلى السلطان فلقيه وهو ذاهب من قسطنطينية إلى ادرنة فلما رآه الوزير محمود باشا قال اصبت بمجئك وقد ذكرتك عند السلطان فاذهب إليه فذهب إليه وسلم عليه فقال السلطان للوزير محمود باشا من هذا قال خواجه زادة فرحب السلطان به وكان عن يمين السلطان وعن يساره أعيان علماء حضرته فجرى بينهم البحث بحضرة السلطان فتكلم وصاحب الترجمة وأفحم جماعة من العلماء الحاضرين ومال السلطان(2/297)
إليه حتى انه بقى لديه بعد خروج العلماء من عنده ومشى معه ثم ان السلطان وصل العلماء الذين بحثوا بحضرته بصلات ولم يعط صاحب الترجمة مثلهم فحصل معه هم وحزن حتى أن خادمه صار لا يخدمه ويواجهه بقوله لو كان لك علم لأكرمك السلطان كما اكرمهم وفي بعض المنازل نام الخادم فتولى صاحب الترجمة خدمة فرسه بنفسه ثم جلس حزينا في ظل شجرة فإذا ثلاثة نفر قد أقبلوا إليه من حجاب السلطان يسألون عن خيمة خواجه زادة ويظنون أن له خيمة كسائر الأكابر فأشار بعض الناس إليه فأنكروا ذلك ثم جاءوا إليه فقالوا له انت خواجه زادة فقال نعم فقبلوا يده وقالوا ان السلطان جعلك معلما لنفسه قال فظننت أنهم يسخرون بى ثم ضربوا هنالك خيمة وقدموا إليه فرسا وعبيدا وملبوسا فاخرا وعشرة آلاف درهم وقدموا إليه فرسا منها وقالوا قم إلى السلطان والخادم المذكور نايم فذهب إليه صاحب الترجمة ونبهه من النوم فقال الخادم خلنى انام فقال له قم انظر إلى حالى قال انى اعرف حالك دعنى فأبرم عليه فقام فنظر إليه فقال أي حال هذا قال اني صرت معلما للسلطان فقبل الخادم يده وتضرع إليه واعتذر فقبل منه وذهب إلى السلطان فشرع السلطان يقرأ عليه في التصريف وكتب هو شرحا عليه وتقرب منه غاية التقرب فحسده الوزير وقال للسلطان ان صاحب الترجمة يريد قضاء العسكر فقال السلطان لأى شيء يترك صحبتى فقال هو يريد ذلك وقال لخواجه زادة أمر السلطان ان تتولى قضاء العسكر فقال أنا لا أريد ذلك قال هكذا جرى الأمر فامتثل وصار قاضيا بالعسكر وكان ذلك بمنزلة قضاء الأقضية فعند ذلك بلغ والده أن ولده قد صار قاضيا(2/298)